ص:2

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

الجزء الثانی بعد المائة

آیة الله العظمی

السید محمد الحسینی الشیرازی

دام ظله

کتاب الإدارة

الجزء الثانی

ص:3

الطبعة الأولی

1410 ه_ _ 1989م

دار العلوم: طباعة. نشر. توزیع.

العنوان: حارة حریک، بئر العبد، مقابل البنک اللبنانی الفرنسی

ص:4

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:6

یقال: إنهما متساویان من الکلیات الأربع المنطقیة، وإن کان یسمی قائداً باعتبار، ومدیراً باعتبار آخر.

نعم أصل الطبیعة لا ینافی الاحتیاج إلی التعلیم والتربیة والصقل والممارسة حتی تظهر الکفایة المخزونة ظهوراً کاملاً، حالها حال سائر الملکات والصفات، وإنه لأمر طبیعی أن یقوم البعض بالقیادة بینما یرضی الآخرون بأن یکونوا تابعین.

وفی الواقع إن معظم الناس یریدون أن یکونوا مقادین، فهم یریدون شخصاً ما لیریهم الطریق ویحدد لهم ما ینبغی عمله، ویساعدهم علی القیام بالأعمال التی ینبغی القیام بها، فإن الکثرة الکثیرة من الناس إنما یقتنعون من الحیاة بالمأکل والمشرب والمسکن والمنکح والمرکب وما أشبه ذلک، ولا یستعدون لأن یکونوا قادة، والکثیرون یتبعون القائد الذی أبرز نفسه لفترة ما حتی یثبت نفسه ووجوده أو یفشل، فإذا أثبت نفسه ووجوده تبعه الکثیرون الآخرون، وإذا فشل انفضوا من حوله حتی الذین هم التفوا حوله فی الیوم الأول.

واللازم أن تکون هناک قوة نشطة فی کل جماعة عمل، فإن الأشخاص یجدون أن تجاربهم الیومیة تتکون من الکثیر من العلاقات الإنسانیة فی المجتمع، وکل واحدة منها تحتاج إلی قیادة، وفی بعض هذه العلاقات سیقوم بعض الأفراد لتحمل القیادة، بینما فی علاقات أخری للجماعة سیظهر أفراد آخرون کقادة، ولذا نشاهد أن فی المجتمع قادة متعددون، قادة فی الاقتصاد، وقادة فی السیاسة، وقادة فی الاجتماع، وقادة فی التربیة، وغیر ذلک.

ولکی تنجح أی منظمة یجب أن تزود أفرادها بالرغبة فی التقدم والنجاح وتحقیق النتائج والاستعداد للتعاون، حتی یظهر من بینهم الأفراد الذین هم صالحون صلاحاً کاملاً أو صلاحاً

ص:8

متوسطاً أو صلاحاً فی المستوی الأنزل، ولذا نری فی الدعاء: «اجعلنی من أفضل عبیدک نصیباً عندک، وأقربهم منزلة منک، وأخصهم زلفة لدیک»((1)).

وإذا فشل الذین أبرزوا أنفسهم کقادة فی تقدیم القیادة الضروریة والقیام بشؤون الإدارة، فإن أعضاء المؤسسة کأعضاء المجتمع یبحثون عن الفادة لإرشادهم ومساعدتهم وحفزهم، ولذا یلزم أن تظهر القیادة فی المنظمة بنفسها الحاجة إلی نفسها حتی لا ینفض الناس من حولها.

طریق الاتصال الشخصی بالآخرین والتوجیه لهم ویحفزهم بالکلام وما أشبه ذلک، وهی من الأنواع الشائعة والتی تمتاز الفاعلیة الکثیرة بالإضافة إلی بساطتها.

القیادة الثانیة، فإنها مع کفاءتها الذاتیة وبالاتصال بالوحی فی الأنبیاء (علیهم الصلاة والسلام) والعصمة فی الأئمة (علیهم السلام) تستشیر، فشعار القیادة النبویة: {أمرهم شوری بینهم}((1))، و{شاورهم فی الأمر}((2)).

وقیادة الدکتاتوریین والفراعنة فطالعهم: {إن فرعون علا فی الأرض وجعل أهلها شیعاً یستضعف طائفة منهم یذبح أبناءهم ویستحیی نساءهم}((3)).

کما أن فی آیة أخری قال سبحانه حول فرعون: ﴿قال فرعون ما أُریکم إلاّ ما أری وما أهدیکم سبیل الرشاد﴾((4)). حیث کان یظن أنه یعلم کل شیء، وأن قیادته أفضل من غیره.

لکن یجب أن یعرف أن هناک فرقاً بین العقیدة والعلم، فإن کثیراً من المنحرفین ومنهم القیادة، یعلمون الواقع لکنهم یعقدون قلوبهم علی خلاف الواقع، مما یظهر أثر العقیدة علی جوارحهم، قال سبحانه: ﴿یعرفونه کما یعرفون أبناءهم﴾((5)).

وقال تعالی فی آیة أخری: ﴿وجحدوا بها واستیقنتها أنفسهم﴾((6)).

فالاستشاریة ضد الدکتاتوریة بخط مستقیم، إنها تهتم للحصول علی أفضل النتائج.

لکن من الواضح أن القیادة الاستشاریة لیس معناها الاستشارة من کل من هبّ ودبّ، وإنما من الأعضاء الذین هم أهل لذلک، مما اصطلح علیه فی الفقه الإسلامی (أهل الحل والعقد)، وهذه المسألة غیر مسألة الأصوات حیث للناس الحق فیها وحتی للأطفال بسبب أولیائهم.

العقل والعاطفة کان قائداً فاشلاً، کما أنه إن وضع العقل مکان العاطفة أو وضع العاطفة مکان العقل کان قائداً فاشلاً أیضاً، وحتی إذا لم یکن القائد عاطفیاً من أعماقه یجب علیه التظاهر بالعاطفیة فی موقع العاطفة، وإلاّ انفض الناس من حوله.

ولذا قال سبحانه: ﴿ولو کنت فظاً غلیظ القلب لانفضوا من حولک﴾((1))، فإن غلظة القلب عبارة عن الأعماق، والفظاظة عبارة عن المظهر، ومن الواضح أن الإنسان إذا کان متصفاً بأحدهما دون الآخر یبقی وقتاً ما قیادته، لکن مثل هذه القیادة لا تبقی مستمرة، فإن التصنع بظاهر العطف مع غلظة القلب لا یمر زمان إلاّ ویظهر، وکذلک حال العکس.

النوع من القیادة مهم جداً، وینبغی أخذه فی الاعتبار.

وبالرغم من أن القیادة الاجتماعیة کقیادات الدول والمنشآت والفئات الدینیة وما إلی ذلک تمارس عن طریق القادة المعترف بهم رسمیاً، إلاّ أن نجاح الکثیر من التنظیمات یتوقف علی تعاون هؤلاء القادة الذین یطلق علیهم بالقادة غیر الرسمیین، وربما یطلق علیهم بالرموز کما یطلق علیهم أیضاً (أهل الحل والعقد) و(النفوذ الفعلی).

والمحتمل لهذا النوع من القیادة غیر الرسمیة علی النتائج الإداریة یبدو ضخماً، وکثیراً ما یقع القائد والمدیر فی تناقض بین اختلاف هذین النوعین من القیادة الرسمیة وغیر الرسمیة، کما أنه یقع فی تناقض بین أقطاب القادة غیر الرسمیة، لأن کلاً یجر النار إلی قرصه، سواء عن عقیدة أو عن غرض.

هم یشقون الطریق إلی الأمام یحتاجون إلی العمل ساعات طویلة، وفی أوقات غیر منتظمة، تحت ظروف لیست سهلة، ویسهرون ویتعبون أنفسهم.

المرؤوسین، ویعرف نواحی القوة والضعف فیهم، سواء کانت قوة جسمانیة أو عقلیة أو عاطفیة، أو ملکات فاضلة کالشجاعة والأقدام والسماحة إلی غیر ذلک، أو کانت أضدادها.

واللازم أن یتمتع القائد بالقدرة علی العمل مع الناس والتصرف معهم بالطریقة التی تمکنه من اکتساب ثقتهم وولائهم، وأن یبقی علی الصداقات، ویجعل الأعداء أصدقاءً حتی یتعاون الأشخاص معه باختیارهم، نظراً لأنه استعداد دائم لمساعدتهم والاستماع لوجهة نظرهم والأخذ بآراء أکثریتهم، کما أنه یقف منهم موقف الصدیق الذی یتمنی نجاحهم ویسعی لأجل تقدمهم.

القائد هو تنمیة الناس فی مختلف أبعادهم، فعلی القائد أن یعرف الکثیر عن الناس، وعن علاقتهم ببعضهم البعض، وعن مکاناتهم الاجتماعیة وعواطفهم ومیولهم.

وهو کقائد یجب أن یکون ملماً إلماماً جیداً بالسلوک الإنسانی بصورة عامة، لیتسنی له معرفة شعور بعض الأفراد نحو نشاطات معینة أو نحو غیرهم من الأفراد وما هو رد فعلهم للمواقف المتنوعة، فیعرف بماذا یصف الآخرون عمله وما لا یستطیعون القیام به، وما یوافق هواهم فینشطون، وما لا یوافق هواهم فیکسلون، إلی غیر ذلک.

والطرق الأحسن من طرقهم إذا کانت هنالک طرق أحسن من طرقهم التی یسلکونها، ویکون مستخدماً لمهارته التعلیمیة عندما یوجه الأسئلة ویقدم الاقتراحات بدلاً من إصدار الأوامر، وعند تصحیح الأخطاء وإعداد التابعین وشرح کیفیة إنجاز الأعمال لهم فی مجالات أعمالهم، إلی غیر ذلک مما یفعله المدرس الجید بالنسبة إلی تلامیذه، وبذلک یتمکن أن یهدیهم سواء الصراط.

الذین کانوا یعملون، فقال عمار فی هذا الصدد معرضاً بأولئک الصحابة الذین جلسوا عن العمل والرسول (صلی الله علیه وآله) یعمل شعراً وهو:

إذا جلسنا والرسول یعمل

فإن ذاک العمل المضلّل((1))

وقصته حیث أمر رجلاً أن یحمل حجراً لیعلم بها قبر عثمان بن مظعون الذی مات فی زمن رسول الله (صلی الله علیه وآله) فعجز الرجل عن الحمل، فحسر الرسول (صلی الله علیه وآله) عن ذارعیه فوضعها عند رأس القبر، وقال: «أعلم بها قبر أخی وأدفن إلیه من مات من أهله (أهلی)»((2)).

وهکذا نشاهد فی أعمال علی (علیه الصلاة والسلام) والتی منها قصة الصخرة التی ظهرت عند مسجد براثا قرب بغداد، حیث لم یتمکن الأصحاب من قلعها، فقلعها علی (علیه الصلاة والسلام) وظهرت عین شرب منها الجیش، وقد قال ضرار لمعاویة فی وصف علی (علیه الصلاة والسلام): (کان فینا کأحدنا).

بالقضاء بل عامة فی کل قیادة.

وکلما کانت القیادة أکبر وأوسع وأعلی احتاجت إلی هذه الأمور بقدر أکبر.

ولا یخفی أنه لا یوجد قائد _ غیر المعصوم (علیه السلام) _ یتصف بکل هذه الکمالات، لکن اللازم علی القادة أن أن یهتموا بتحصیل ما یمکن تحصیله منها، ویثابروا علی الاستمرار فیها حتی یکونوا قادة ناجحین ویحققوا نتائج ممتازة.

من تحقیق أفضل النتائج مع مثل هذا الفرد، ومعلوم أن مثل هذه الأمور لا تکون مستقرة ومستمرة، وإنما تکون علی نحو الاستثناء.

وما ذکرناه فی البنود السابقة إنما هی بالنسبة إلی الأصل، کما أن القیادة الأبویة أحیاناً تجب أن تتبدل إلی قیادة حازمة، إلی غیر ذلک من الأضداد التی ذکرناها.

ص:22

المستمرة أکثر من نصف قرن فی هذه البلاد، کلها تعطی لزوم تهیؤ الإدارات، دولة أو مؤسسة لمثل هذه الطوارئ، فإن احتمالات الحرب وظروفها الاستثنائیة واردة فی کل فترة مستقبلیة، فلا بد لذلک من تکلیف الإدارة وجعلها جاهزة لمواجهة الحالات الطارئة والظروف غیر الاعتیادیة حتی تکون مستعدة للاستمرار فی أداء وظائفها وواجباتها بکفاءة مطلوبة، ولو کانت الکفاءة فی حال الحرب ونحوها أقل من الکفاءة فی حال السلم کما هو واضح، فإذا تمکنت الإدارة من ذلک قامت بأداء مهامها من أجل اکتساب الحرب بأقل قدر من الضرر، أو من أجل اکتساب الحالة العادیة فی مثل السیول والزلازل وغیر ذلک، أی بأقل قدر من الضرر.

ومن الواضح أن الاستعداد النفسی والمعنوی للعاملین، والتنظیمی والمادی للوحدات الإداریة لمواجهة الظروف الطارئة وحالات الحرب وغیرها یجعل الإدارة لا تفاجئ بالذعر والفوضی لمدی وقوعها، وأنها لا تضطر عندها لإضاعة الوقت فی التفکیر بما یجب القیام به، ولا تحتاج إلی القیام بإجراءات مقدمیة حتی یکون الأوان قد فاتتها، بل تکون لدیها صورة واضحة لما یمکن حدوثه، وبرامج لما یجب تطبیقه، فتعمد علی الفور إلیها وتسعی لتنفیذها مع التعدیل لتلک البرامج عند الاقتضاء، فإن مهمة التعدیل أسهل من مهمة الابتداء، فتکون بذلک أسرع تجاوباً وأفضل وضعاً وأقدر علی الاستمرار فی المهمة الملقاة علی عاتقها، سواء کانت إدارة حکومیة أو إدارة أهلیة.

والإکثار من التوقعات والتنبؤات والاحتمالات بالظروف الطارئة من شأنه المساعدة کثیراً فی التغلب علی تلک الظروف المفاجئة واجتیازها بأمن وسلام، وتفویت

ص:24

الفرصة علی العدو فی الحرب، أو علی الطارئة فی مثل السیل والزلزلة والحرائق، فی تحقیق غایاته من الأعمال القتالیة وغیرها.

فإذا کانت الإدارة مستعدة لم ترتبک عند وقوع الحادث، وإنما تسیر علی التخطیط والتنظیم والإشراف والمتابعة والتدریب والإنتاج والتمویل والنقل والتوزیع والصیانة وغیرها علی حسب القدرة.

ومن الواضح أن المسألة المعنیة فی کلامنا لیس فی واجبات الدفاع المدنی وأجهزته وأسالیبه ووسائطه ونتائجه وخصوصیاته، فإنه موضوع آخر له حالاته الخاصة وجهازه الخاص المرکزی أو الإقلیمی وله عناصره ومتطوعوه.

وإنما البحث فی هذه المسألة فی جاهزیة الإدارة بالمعنی الواسع لهذا التعبیر، وفی جمیع القطاعات والفعالیات والنشاطات التی تشملها الصناعة والزراعة والتجارة الخارجیة أو الداخلیة والمهنیة والخدمات والمرافق والعمارة والثقافة فی جمیع المستویات الحکومیة وغیرها، بل والمنظمات الشعبیة والأحزاب والجمعیات والهیئات وغیرها.

نعم لا شک بأن الجاهزیة للحرب ونحوها یجب أن ینسق بشکل وثیق مع جهاز الدفاع المدنی الذی تتبناه الحکومة، وکذلک مع القوات المسلحة، وقوات الأمن الداخلی وسائر القوات، ومثل هذه الأمور بحاجة إلی التعاون بین الحکومة وبین الشعب، وفی الحرب وغیرها تحتاج الإدارة إلی الدفاع وإطفاء الحرائق وإزالة الأنقاض، وإسعاف المصابین وتقدیم درجة أعلی من الرعایة والإیواء لهم، وتسییر قوافل سیارات الشحن، وإیجاد تنظیم جدید یناسب الحالة الطارئة.

ص:25

فی ساعات.

ویلزم أن تقسم الأفراد البشریة إلی قطاعات أو جماعات، وهذه الجماعات الکبیرة تقسم أیضاً إلی جماعات صغیرة وفرعیة، وهی تقسم إلی أفراد، بحیث یراعی فی ذلک التوزیع الجغرافی لهم أو لسکناهم، ومن ثم تحدید قنوات وسائط الاتصال فیما بینهم، بحیث یبلغ المناوبون المسؤولون عن القطاعات مثلاً، وهؤلاء بدورهم یبلغون المسؤولین عن الجماعات وهکذا، فیختصر بذلک الزمن اللازم للتبلیغ والالتحاق، کما یجب أن تهیأ لهم وسائل النقل إذا لم تکن موفورة، هذا کله فی العنصر البشری.

والاتصال علی أساس جغرافی أو إقلیمی، بحیث یضیق النطاق المکانی لکل منها، کأن تقسم المدینة الکبیرة مثلاً إلی قطاعات إداریة متعددة، فی کل منها نواة فرعیة تستطیع تحقیق استمراریة نشاط ووظائف الوحدة الأساسیة التی انبثقت عنها، بعد تزویدها بالعناصر والوسائط والمعدات والأدوات اللازمة لممارسة نشاطها واتصالها عند حدوث الحادث.

وحیث إن للزمان أهمیته القصوی فی مثل هذه الحالات الطارئة، فإنه یفضل إلی جانب الوحدات العضویة الدائمة إیجاد صیغة من القیادة أو الإدارة المشترکة أو الجماعیة فی قمة الهرم الإداری، وفی مختلف مناحی النشاطات التی تمارسها الإدارة فی البلاد المختلفة، أو فی المواضع المختلفة من المدینة الواحدة، بما یکفل التنسیق بین الفعالیات والنشاطات والمؤازرة المتبادلة فیما بینها، ومعرفة کل واحد من الواحدات تکلیفها لدی وقوع الحادث.

والإسعاف وما تنقل الأفراد وأجهزة الإنذار والإطفاء ومعدات الإسعاف وأدوات المعیشة ومعدات الإنارة والمیاه والأثاث المکتبی المتنقل الخفیف، وتجهیزات العتالة والمناولة والوزن وأدوات الکتابة والمستشفیات والمستوصفات والصیادلة المتنقلة أو الثابتة والمخابئ وسیارات امتصاص الماء فی مثل السیول.

حالات المخالفة العمدیة أو المخطئة وحالات الطوارئ فی الطوارئ کحالات السرقة التی تکثر فی مثل هذه الحالات الطارئة وغیر ذلک.

وفی الجملة، فإن حالة التعهد للإدارة الصحیحة فی الحالات الطارئة عبارة عن الجاهزیة لأداء الإدارة مهامها بتنسیق واطّراد مناسب فی الحالات الطارئة کما فی الحالات العادیة، والواضح أن الحالات الطارئة متنوعة طبیعة، اجتماعیة وفنیة وحربیة وصحیة واقتصادیة معیشیة وغیرها.

ویتحقق النجاح فی تحقق الجاهزیة بالإکثار من التصورات والتساؤلات حول الطوارئ المتقطعة، والإطلاع علی الظروف، وخصوصاً إذا کان الأمر متوقعاً قریباً أو بعیداً، کحالة سیل متوقعة أو برد متوقع أو حرب متوقعة، وکذلک تحدید الإجراءات المضادة لکل تصور أو احتمال طارئ بتکییف مجالات الإدارة والمهمات الأساسیة التی سترکز علیها الإمکانات والجهود والتنسیق والتزامن بین الجهات التعاونیة مع الأعلی والموازیة والقاعدیة، وترک الاحتیاطات الکافیة للطوارئ غیر المتوقعة، والتفکیر فی المیزانیة التی تحتاجها الحالات الطارئة، لوضوح أن میزانیة الحالات الطارئة غیر میزانیة الحالات العادیة.

وکذلک ملاحظة الأهم والمهم لدی ضیق نطاق الجاهزیة، سواء فی العنصر البشری أو الهیکل التنظیمی أو الآلات والأدوات أو غیر ذلک، مثل تنسیق التدابیر مع القوات المسلحة وقوی الأمن فی صورة الاحتیاج إلی ذلک، وتأمین احتیاطی کاف من السلع الاستهلاکیة الرئیسیة التی یحتاجها الإنسان فی معیشته أو فی نقله أو ما أشبه ذلک، واتخاذ تدابیر الدفاع المدنی والوقایة فی حالات الحروب وتأمین مواد أولیة، وتأمین مصادر طاقة احتیاطیة کالکهرباء والماء وغیرهما، وإجراء تجارب معلنة أو مفاجئة علنیة أو سریة

ص:30

لتهیؤ الناس عند حدوث مثل ذلک.

والإعلان المسبق عن التدابیر لفهمها والتدرب علیها بالکتابة والدارسة وغیر ذلک، وتأمین وسائل اتصال متنوعة واحتیاطیة بالقدر الکافی، وتدارک النقص فی العناصر، وتنظیم لوائح استدعاء العناصر، وتعدیل القوانین والأنظمة وغیرها، وجعل القوانین للجنحة والمخالفات العمدیة أو غیر العمدیة، فإن غیر العمد وإن لم یکن مأخوذاً علیه لکنه یجب أن تجعل القوانین له من جهة الخسارات والغرامات، فإنه «لا یتوی حق امرئ مسلم»((1))، والمسلم من باب المثال، وإلاّ فإنه یشمل الکافر المحترم المال والعرض وما أشبه ذلک.

وتعدیل الهیکل التنظیمی والملاک، واحتمال أنه یبقی فی هذا المکان أو ینقل إلی مکان آخر، کنقله إلی المخابئ فی حالات الغارات، وإیجاد مقررات احتیاطیة وتجهیزات ومتطلبات الإدارة والحیاة، وغیر ذلک من منطلقات توجب النجاح أو أقلیة الخسارة فی الأحوال الطارئة.

ص:31

الوثیقة الدولیة لحقوق الانسان((1))

یبتدئ تاریخ حقوق الإنسان مع تاریخ البشریة!.. وقد کان المجتمع _ فی جمیع أدواره _ یعالج صراعاً دائباً بین الشعب والبلاط.. فطوراً کانت الملوک تنتصر علی الشعوب، وآونة کانت الطبقات الکادحة تنتفض، فتتغلب علی جهاز الحکم، وما أن کمل تألب إحداهما لتزحف علی الأخری وتلوح بوراق النصرة إلاّ وتدوی نعرات الآخرین، وینتشر دورهم فی معرض الحیاة من جدید..

ولکن حفظ التاریخ للمستضعفین ضربات وانتصارات، احتکرت دوراً کاملاً من الزمان. {وأطلقت صداها للأجیال والقرون}((2)).

وربما یحلوا للبعض أن یقول: إن فی جمیع الثورات التحریریة للبشر نجد نهضتین بارعتین، أدتا إلی العالم الإنسانی رسالتهما کاملة، الدعوة الإسلامیة الکبری بزعیمها النبی الأعظم (صلی الله علیه وآله) رسول البشریة والکمال، والثورة الفرنسیة الکبری بقادتها الفرنسیین التی أدلت إلی البشر بیان الحقوق!

ص:33

ولکن الثورة الفرنسیة نضبت بانهیار کیان (اللویسیین) وتأسیس البرلمانات، والاحتفال بذکریات هذا الإعلان، ثم انتشار الجنود والتهاب الحروب وتمزیق هذه الوثیقة فی کل میدان ومجال، وإهدار حقوق الإنسان کما کان قبل کل شیء. والدعوة الإسلامیة امتدت جذورها إلی أعماق الحیاة وانتشرت فی شعابها ومعارجها، وظلت الثورة الإسلامیة خالدة متمادیة، تتوسع یوماً بعد یوم، حتی الیوم وبعد الیوم.

وبذلک کانت الدعوة الإسلامیة أکمل وأشمل من الثورة الفرنسیة، إن صحت المقارنة، علی أن الثورة الفرنسیة کانت صدی من أصداء الثورة الإسلامیة، التی دوت فی جمیع الأقطار، وهکذا تعتبر الثورة الفرنسیة من ولائد الإسلام، وهذه الوثیقة مقتبسة من قوانین الإسلام بصورة محرفة فی بعضها، فإن الحضارة الإسلامیة انتقلت من أسبانیا إلی فرنسا حتی ثارت ضجة الکنیسة، واستمر الصراع حتی الثورة الفرنسیة وإعلان هذه الوثیقة.

وهناک مفاضلات بینهما فی شتی المقاییس والمواد والمفاهیم، نستأخرها لغیر مجال، غیر أن النقاش الآن فی أن هذه الحقوق تعتبر من الأدوار البدائیة للبشر، ولا تصلح الیوم إلاّ لأن توضع فی المتاحف الأثریة کتراث فکری، شأن السیف فی عصر الذرة والأقمار، وإما أن نستعرضها علی طاولة التشریح والاختبار، لنحکمها بیننا نحن المسلمین، فذلک هو الأمر غیر الصحیح.

فإن قرآننا الخالد الحکیم لم یهمل أیة خلیة شاغرة لتستعمرها

ص:34

الثورَة الفرنسیة، ومن الجبن أن نترک دستورنا المجید وراء ظهورنا، لنستجدی الدساتیر من هذا وذاک، علی الأخص من مثل هذه الوثیقة الضعیفة، التی وقعت هدفاً لهجوم عنیف خارج فرنسا، وفی فرنسا نفسها((1)).

إضافة إلی أن وضع القانون وحده لا ینفع، فإن أول من یخالفه هم المقننون، الذین لا یجبرهم أحد علی الالتزام بالقانون، وفضل الإسلام فی ذلک هو أنه یضع القانون.

{والحقیقة الملحوظة هنا أن الثورة الفرنسیة بکلها وهذه الوثیقة بالذات، لم تحدث أی انقلاب فی سیر الحکم فی فرنسا أو غیرها سواء، فقد بقی حکام فرنسا کما کانوا قبل الثورة؛ قساة مترفین، متبجحین جزارین، إلا شیئاً واحداً فقط، هو أنهم أطلقوا أوسع الحریات الرسمیة لمختلف أنواع المیوعة والاستهتار، حتی أصبحت فرنسا تضرب الأرقام القیاسیة فی الخلاعة والمجون، وحتی دلت الاحصاءات الدقیقة: أن نسبة المتزوجین والمتزوجات 7 _ 8 فی الألف، وحتی هذا العدد القلیل لا یتزوج إلا لمصالح أخری، وفی نفس الوقت لا یتورع عن التجاهر بمعاطاة الفجور، بل لا یشعر بأنه شیء منکر، ومناقض للأخلاق والتحفظ.

ثم إن الثورة الفرنسیة لیست إلاّ من مخازی البشریة التی یشمئز منها الضمیر ویتقزز الوجدان، وسیرتها الحقیقیة لیست إلاّ لطخة سوء علی جبین البشریة؛ کما أن أکثر أبطال الثورة لم یکونوا غیر

ص:35

وحوش مستأسدة، فإن الثوار بقیادة أبطالهم الأحرار، ارتکبوا من الجرائم ما تورع عنها لویس وزبانیته وأذنابه، وفعلوا ما یکفی أن نعلم: إنهم جردوا زوجة لویس وفعلوا بها ألوان (...)، ثم رفعوا جباها بالذات علی رؤوس الرماح طوال الشهور، کما أنهم قتلوا، وأحرقوا، ونهبوا، وسحبوا، وتوغلوا فی کل ما سول لهم الشیطان وأملی لهم، غیر أن الذین استغلوا الثورة الفرنسیة فتوسلوا بها لاحتکار الکراسی، ألقوا الستار علی تلک الجرائم الدنیئة، وجعلوا یتبجحون بالثورة وأبطالها وأهدافها، لیعززوا بهذا الهراء الفارغ مکانتهم المنخورة، ویشیدوا لأنفسهم کیاناً شامخاً خالداً، بالطلی والتزییف.

وتظافرت الدعایات العالمیة للإشادة بالثورة الفرنسیة، لیضعضعوا بها مرکزیة الإسلام وثورته الطویلة، حتی لا تکون الثورة الإصلاحیة الوحیدة فی التاریخ، وبهذا التألب حول الثورة الفرنسیة باعتبارها نقطة التجمع للزحف علی الإسلام؛ أصبحت الثورة الفرنسیة، ثورة.. وإلا لم تکن هی إلاّ من نوع حرکة الشیوعیة فی روسیا بقیادة لینین، فکلتا الحرکتین کانت أقسی همجیة منظمة جماهیریة؛ شهدها التاریخ، إنها العجول الذهبیة التی یصوغها (السامری) لیحارب بها الله.

کل هذا؛ بینما نری الثورة الإسلامیة نزیهة نبیلة، بأوسع ما فی الکلمات من معنی، فحتی المنافقین والمتقمصین بالإسلام سعیاً خلف الأحمال، لم یکن فی وسعهم أن یتلاعبوا بمقدرات الخلق، لأنهم ثوار.. فالثائر فی منطق الإسلام یجب أن یضرب المثل الأعلی لمن

ص:36

خلفه، وهو ثائر علی الطغاة غیرة علی المصالح المهدورة، فلیس له أن یستهتر بحقوق أو کرامات، وهکذا لا تجد فی تاریخ الثورة الإسلامیة إلا المثل العلیا، بینما لا تجد فی الثورة الفرنسیة إلا ما یندی لها الجبین}.

المادة الخامسة:

(لا یجوز أن یعیش إنسان فی الرق أو الاستعباد، والرق والنخاسة فی کافة صورهما محظوران)((1)).

ص:37

المادة السادسة:

(لا یجوز أن یعذب إنسان، أو توقع علیه عقوبات قاسیة غیر إنسانیة أو مزریة بالکرامة)((1)).

المادة السابعة:

(لکل إنسان الحق فی أن یعترف له فی کل مکان بشخصیته القانونیة).

المادة الثالثة عشرة

(لا یجوز أن یتعرض أحد لتدخل تحکمی فی حیاته الخاصة، أو فی أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أن یعتدی علی شرفه وسمعته، ولکل إنسان الحق فی حمایة القانون ضد مثل هذا التدخل وذلک الاعتداء).

المادة الرابعة عشرة

1 : (لکل فرد الحق فی التنقل بحریة، وفی اختیار مسکنه داخل الدولة)((2)).

ص:38

2: (لکل إنسان الحق فی أن یغادر أی بلد بما فی ذلک بلده، وأن یعود إلیه).

المادة الخامسة عشرة

1: (لکل إنسان الحق إزاء الإضطهاد فی أن یبحث عن ملجأ، وأن یستفید من وجود هذا الملجأ فی بلاد أخری).

2: (لا یجوز أن یحتج بهذا الحق فی حالة اتخاذ إجراءات قائمة علی أساس حقیقی، نتیجة لجریمة من جرائم القانون العام أو لأعمال مضادة لمبادئ وأهداف الأمم).

المادة الثامنة عشرة

1: (لکل فرد الحق فی الملکیة، سواء بصفة فردیة أو جماعیة)((1)).

2: (لا یجوز حرمان أحد من ممتلکاته بإجراء تحکمی)((2)).

ص:39

المادة التاسعة عشرة

(لکل إنسان الحق فی حریة التفکیر والاعتقاد والدیانة)((1)).

(وهذا الحق یتضمن حریة تغییر الدیانة والاعتقاد((2))، کما یتضمن الحریة فی الجهر بالدیانة أو الاعتقاد سواء بصفة فردیة أو فی جماعة، وسواء أکان ذلک فی السر أو فی العلن، وذلک بواسطة التعلیم ومزاولة

ص:40

الطقوس والشعائر والمراسم)((1)).

المادة الثالثة والعشرون

(لکل إنسان _ بصفته عضواً فی الهیئة الإجتماعیة _ الحق فی الضمان الاجتماعی، بأن یحصل علی الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة اللازمة لکرامته، ولتنمیة شخصیته تنمیة طلیقة، وذلک بفضل المجهود القومی والتعاون الدولی مع مراعاة نظام کل دولة وموارد ثروتها).

المادة الرابعة والعشرون

1: (لکل شخص الحق فی العمل، والحریة فی اختیاره بشروط عادلة مجزیة، کما أن له الحق فی الحمایة من البطالة).

2: (للجمیع الحق دون أی تمییز، فی الحصول علی أجر متساو عن عمل متساو).

3: (لکل من یعمل الحق فی أجر عادل مجز، یضمن له ولأسرته

ص:41

حیاة تتفق مع الکرامة البشریة، ویکمل عند الضرورة هذا الأجر بأیة وسیلة من وسائل الحمایة الاجتماعیة)((1)).

4: لکل فرد الحق فی أن یکوّن مع غیره نقابات، وفی أن ینضم إلی النقابات للدفاع عن مصالحه).

المادة الخامسة والعشرون

(لکل فرد الحق فی الراحة، وفی أوقات {الفراغ}، وبخاصة فی تحدید معقول لمدة العمل، وفی إجازات دوریة بأجر)((2)).

المادة السادسة والعشرون

1: لکل فرد الحق فی مستوی من الحیاة یضمن له ولأسرته الصحة والرخاء، وبخاصة فیما یتعلق بالمأکل والملبس والمسکن، والخدمات الصحیة، والخدمات الاجتماعیة الضروریة، کما أن له حق الضمان فی حالة البطالة والمرض والعجز عن العمل والترمل والشیخوخة، وفی الحالات الأخری التی یفقد فیها وسائل کسب قوته نتیجة لظروف لا دخل لإرادته فیها)((3)).

ص:42

2: (للأمومة والطفولة الحق فی الإعانة والمساعدة الخاصة((1))، وجمیع الأطفال سواء المولودون منهم فی الزواج أو خارج الزواج، یتمتعون بنفس الحمایة الاجتماعیة).

المادة التاسعة والعشرون

(لکل إنسان الحق فی أن یسود فی المجال الاجتماعی والدولی،

ص:43

نظام یضمن النفاذ الکامل للحقوق والواجبات المنصوص عنها فی هذه الوثیقة)((1)).

المادة الثلاثون

1: (علی الفرد واجبات نحو الهیئة الاجتماعیة التی من الممکن أن تنمو فیها وحدها شخصیته نمواً حراً کاملاً).

2: (لا یخضع الفرد عند مزاولة حقوقه والتمتع بحریاته إلاّ للقیود التی ینص علیها القانون، لضمان الاعتراف بحقوق الغیر وحریاتهم واحترامها، ثم لحمایة مقتضیات الأخلاق الدقیقة، والنظام العام، والرفاهیة العامة، فی مجتمع دیمقراطی)((2)).

3: (لا یمکن فی أیة حال مزاولة هذه الحقوق والحریات علی نحو یتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة)((3)).

المادة الحادیة والثلاثون

(لا یجوز أن یفسر أی نص من نصوص هذه الوثیقة علی أنه

ص:44

یتضمن بالنسبة لأیة دولة أو أیة هیئة أو أی فرد الحق فی أن یزاول أی نشاط أو أن یقوم بأی عمل یرمی إلی تحطیم الحقوق والحریات الواردة فیها)((1)).

((عدم تطبیق حقوق الإنسان))

وأما بالنسبة إلی الثانی، ففی کتاب: (الطائفیة سلاح العدو الأخیر الخطیر): فإنا نری أن الغرب مجتمع تنخره الرذیلة والفحشاء، وتنهکه العلاقات الجنسیة اللامشروعة، حیث لا ضوابط ولا أعراف اجتماعیة سلیمة، ولا روادع خلقیة أو دینیة، وأبسط نتائج ذلک عدد ملاجئ اللقطة أو بروز مشاکل اجتماعیة فیما یتعلق بالذین یبحثون عن آبائهم، وحوادث الطلاق والخیانة الزوجیة والاغتصاب وتبادل الزوجات وانتشار ظاهرة الشذوذ الجنسی بین الذکور والإناث، وتفشی أمراض الجنس التی لا دواء لها.

وقد ذکرت مکتب التحقیقات الفدرالی (إف بی آی) أن خمساً وعشرین شخصاً یسجلون فی نوادی العراة رسمیاً کل سنة وثلثهم من المتزوجین، وامرأة واحدة تتعرض لاغتصاب کل ست ثوان، أی فی کل دقیقة تتعرض عشر نساء

ص:45

للاغتصاب، ویتم اغتصاب ستمائة امرأة کل ساعة عبر الولایات المختلفة، وأن اثنتین وخمسین ألف امرأة من المطلقات کن قد مارسن الخیانة الزوجیة قبل طلاقهن، ویوجد أکثر من ثلاثة ملایین إنسان مصاب بمرض الکیز والهربز الذی لا أمل فی الشفاء منه، کما أن الشاذین والشاذات جنسیاً یبلغ عددهم خمسة عشر ملیون شخص، ویتم یومیاً طلاق ستة آلاف وتسعمائة وست ثمانین، وتجهض یومیاً ثلاثة آلاف ومائتین وعشرین فتاة مراهقة بعد الحمل اللاشرعی غالباً، ویصاب یومیاً ثمانیة وستین ألف وأربعمائة وثلاثة وتسعین بمرض الزهری من الأمراض الجنسیة!.

کما أنه جاء فی إحدی الإحصاءات الأخر أن واشنطن وحدها تشهد اغتصاب عملیة کل خمس عشرة دقیقة، ووجد أن هناک فتاة فی الثالثة والعشرین من عمرها أجهضت خمس عشرة مرة، وفی بعض المناطق هناک خمسة وثمانون فی المائة من الأطفال لا یدخلون المدارس.

وذکر مرکز الدراسات الرئاسیة فی واشنطن نسبة کبیرة من الرؤساء الذین تولوا الرئاسة منذ الاستقلال حتی الآن تعرضوا لمحاولات اغتیال، وهناک جنحة کل ثانیتین، وسرقة کل أربع ثوان، وسرقة سیارة کل ثمان وعشرین ثانیة، وسرقة کل ثمان ثوانی، واعتداء مع ضرب وجرح کل ثمان وأربعین ثانیة، وسرقة مع استخدام السلاح کل ثمان وخمسین ثانیة، وعملیة اغتیال کل ثلاث وعشرین دقیقة، وتقتل ثلاث وخمسون امرأة یومیاً لعدوان جنسی، وعملیة سطو ومداهمة محلات أو منازل أو بنوک کل مائة وثمان عشرة دقیقة، وهناک أکثر من خمسة وعشرین ملیون أمریکی یعیشون حالة عوز وفاقة سیئة لغایة، أی بدون مأوی أو بدون عمل أو بدون لقمة خبز، أی أن ما یقارب العشرة فی

ص:46

المائة من مجموع السکان یکونون فی غایة الفقر، ویبلغ متوسط دخل الفرد الأبیض العادة ثلاثة عشر ألف دولاراً ومائتین وخمسة وسبعین، بینما لا یزید متوسط دخل الفرد عن ستین دولاراً سنویاً فقط لدی بعض أقلیات الولایات المتحدة.

ویوجد حوالی خمسة وعشرین ألف شخص ینتحرون سنویاً، ویقدر عدد الرجال بأربعة أضعاف عدد النساء من هؤلاء الذین ینتحرون، کما أن هنالک مائة ألف شخص یحاولون الانتحار بسبب طردهم من العمل أو نقص فی مداخلهم.

أما عدد البطالة فتذکر الدراسة نفسها أن أمریکا تعانی من وجود أکثر من ثلاثة عشر ملیون عاطل عن العمل، والرقم یتزاید حیث یضاف إلیه ثلاثماثة عاطل کل أسبوع یتسکعون بین الولایات والمدن والحارات والشوارع، ویذکر الإحصاء أن ثلاثة ملایین شخص علی الأقل بلا مأوی یعیشون فی الشوارع أو السجون، کما یهرب ألفان وسبعمائة وأربعین طفل من منازل والدیهم، لأنهم ضاقوا ذرعاً بالحیاة معهم.

وقد ذکر إحصاء آخر أنه یشرب الأمریکیون تسعین ملیون زجاجة بیرة فقط کل یوم، ویدفع سائق السیارات بسبب القیادة فی حال السکر غرامة مبلغه ثمانیة وتسعون ملیون دولار یومیاً، وینتج فی أمریکا کل عام ثلاثة عشر ملیار قرص مهدئ للأعصاب، وهذه الکمیة تکفی لأن یحصل کل أمریکی علی اثنین وسبعین قرصاً فی السنة، أی حبة لکل خمسة أیام لکل شخص، ویتم إلقاء القبض یومیاً علی ألف ومائتین وثلاثة وخمسین شخصاً بتهمة بیع وترویج الحشیش.

وفی تقریر أنه تسیطر الولایات المتحدة علی ثلاثة أرباع التجارة

ص:47

الدولیة، ویأتی فی مقدمة ما تنتج زراعیاً القمح الذی یعتبر علی رأس الاحتیاجات العالمیة للاستهلاک الغذائی، وحیث یوجد فائض فی إنتاج القمح فإن أمریکا ترفض أن تقدم مساعدات للدول الفقیرة، وتفضل أن تتلف ما نسبته أربعین فی المائة من مجموع الإنتاج بحرقه أو إلقائه فی البحر، فی حین یعیش أکثر من سبعمائة ملیون جائع ومشرد علی الأرصفة فوق هذا الکوکب الأرضی، وتشترط الولایات المتحدة الأمریکیة أن یخضع برنامج المساعدات القمحیة للاعتبارات السیاسیة، یعنی أن تتم المساعدة فی مقابل الاستعمار، ومن أجل إبقاء سعر القمح عالمیاً فی مستواه الثابت تلجأ أمریکا إلی إتلاف الفائض أو تخزین أو تقنینه ثمناً للاستعمار، وقد بلغت قیمة ما تحرقه أمریکا سنویاً من القمح مبلغ أربعین ملیار دولار، فیما یموت أربعین بالمائة من الموالید فی إفریقیا وحدها نتیجة لنقص المواد الغذائیة.

هذا فی القمح، إلاّ أن السیاسة نفسها هی المتبعة بالنسبة للحلیب واللحوم ومختلف أنواع المواد الاستهلاکیة، زراعیة کانت أو صناعیة، فالإنتاج غزیر ولکن طبیعة الحکم الاستعماری سواء فی داخل البلاد أو خارج البلاد هی التی تتحکم فی التوزیع المجحف إلی درجة الفقر، کما قد عرفت فی داخل أمریکا، أو إلی درجة الموت کما ذکرناه.

وقد تم إعلان العام ألف وتسعمائة وتسعة وسبعین عاماً للطفولة، لکنه فی الحقیقة کان عام الطفل الذی یموت، فقد ذکر بعض الإحصاءات أنه مات خلال هذا العام اثنا عشر ملیون طفل تقل أعمارهم عن خمس سنوات، بمعدل کل شهر ملیون، وجاء ضمن إحصائیات أجرتها الجهات المختصة التابعة للأمم المتحدة وبعض المنظمات الإنسانیة

ص:48

الأخری أن نفقات إعداد جندی فقط تبلغ خمسة عشر ألف دولار، وبهذا المبلغ من الممکن أن یتم تعلیم ستین تلمیذاً خلال عام واحد، وتکلف حاملة الطائرات العادیة ملیاراً من الدولارات، وهذا المبلغ یکفی لبناء عدة سدود ضخمة کالسد العالی بأسوان مصر، أما الطائرة النفاثة المقاتلة فتکفی لبناء ثمانمائة شقة مجهزة بشکل جید، وبنفقات قیمة دبابتین یمکن بناء مدرسة للتعلیم العام، وبدلاً من إنتاج الزورق الحامل للطوربیدات من الممکن جمع وتجهیز أربعمائة وأربعین سیارة للإسعاف العاجل، والنفقات العسکریة فی العالم تزید علی نفقات رعایة الصحة فی جمیع دول العالم بمقدار مائة وخمسین فی المائة، ولأجل تحقیق برامج منظمة الصحة العالمیة الخاص بالقضاء علی مرض خطیر کالملاریا ینبغی تحصیل أربعمائة وخمسون ملیون دولار، أی أقل من المبلغ الذی ینفق علی سباق التسلح فی العالم.

وفی إحصاء أنه بعد رحیل الأمریکیین من فیتنام، کانت الترکة التی خلفها جنودهم ملیونین وثلاثمائة قتیل، وثلاثمائة ألف عاهرة، وفی کمبودیا ستمائة ألف قتیل، ومثلهم جرحی، أما اللاجئون فهم ملیون نسمة، وقد قدمت الحضارة المادیة للعالم خمسین ألف قطعة سلاح نووی تصل الطاقة التفسیری لها مجتمعة أکثر من ملیون ضعف قنبلة هیروشیما، وهذه الکمیة یعنی وجود ثلاثة أطنان من مادة (تی إن تی) لکل رجل وامرأة وطفل، وهی تکفی لقتل انسان واحد أکثر من خمسمائة مرة!.

وفرنسا قتلت فی الجزائر أکثر من ملیون ونصف ملیون من تسعة ملایین إبان الثورة الجزائریة، کما أن بریطانیا قتلت فی الصین أکثر من عشرین ملیوناً فی ثورة الإفیون، والاتحاد السوفیتی قتلت فی أفغانستان

ص:49

أکثر من ملیون، وشردت أکثر من خمسة ملایین، أی ما مجموعهما بقدر ثلث نفوس أفغانستان البالغ واحداً وعشرین ملیوناً حسب بعض الإحصاءات.

أما روسیا فقد قتل ستالین وحده من الفلاحین فقط فی تطبیق نظام المزارع الجماعیة أکثر من خمسة ملایین، وبعض التقاریر دل علی أن الثورة الشیوعیة فی الصین بقیادة (ماوتسی تنغ) قتلت زهاء أربعین ملیوناً.

إلی غیرها من القتل والإفقار والفساد والأعمال التخریبیة المهولة للحضارة الحدیثة بقیادة الغرب والشرق.

ص:50

ننبئکم بالأخسرین أعمالاً * الذین ضل سعیهم فی الحیاة الدنیا وهم یحسبون أنهم یحسنون صنعاً﴾((1)).

وقال فی آیة أخری: ﴿أفمن زین له سوء عمله فرآه حسناً﴾((2)).

وقال فی آیة ثالثة: ﴿کل حزب بما لدیهم فرحون﴾((3)).

الثانی: إن الأمراض الجسمیة لها أطباء کثیرون، وأدویة وصیادلة ومستشفیات ومستوصفات ومصحات وأجهزة وآلات وما إلی ذلک، بینما الأمراض الروحیة لا توجد له شیء من ذلک إطلاقاً، وإنما الإنسان بحاجة إلی رفعها بنفسه، أو بمعاونة بعض المدربین فی بیان المرض والعلاج، کالزهاد وعلماء النفس ومن أشبه، وغالباً ما یکون المرض صعب العلاج، لأنه صار ملکة فی الإنسان، وعلی قول الله سبحانه: ﴿إلاّ أن تقطّع قلوبهم﴾((4)).

الثالث: إن فی الأمراض الجسمیة، الاجتماع دائماً یطلب رفعها مما یحفز الإنسان المریض إلی الإسراع فی العلاج، بینما الأمراض الروحیة بالعکس فی کثیر من المجتمعات، لأن المجتمع بکله مریض أو بالقسم العام منه مما یحفز المریض علی البقاء فی مرضه، بل یسببون له مزیداً من المرض، ویتطلبون منه أن یوسع فی مرضه، کالمستبد الذی یحفزّه المتملقون والمتزلفون إلی الاستمرار فی الدکتاتوریة والتوسیع فیها.

وعلی أی حال، فالمدیر المریض قد یکون مرضه ضاراً لنفسه، وقد یکون ضاراً لمؤسسته، وقد یکون ضاراً بالمرؤوسین أو الرؤساء، وقد یکون ضاراً بالمجتمع ککل، أو بقطاع کبیر منه.

ولیس المراد علی سبیل القضیة الحقیقیة، أو علی سبیل منع الجمع، بل علی سبیل منع الخلو، علی

ص:52

اصطلاح المنطقیین، فإن جملة من الأمراض التی نذکرها تضر أکثر من جهة واحدة.

الموظفون لهم جوانب حسنة وجوانب سیئة، فاللازم أن یحسن المدیر إیاهم عند فعلهم الحسن، وینتقدهم عند فعلهم السیء.

7): الجاف، وهو الذی لا یصرف المال لأجل الحوائج الإداریة، وهو نوع من البخل.

8): الباطنی، وهو الذی یخفی أعماله المرتبطة بالإدارة والموظفین، عن الإدارة والموظفین، حتی أن الإدارة والموظفین لا یعرفون ماذا یرید عمله، بل أحیاناً ماذا عمل، وغالباً ما یکون هذا الشیء من جهة خوفه من فساد عمله، وهو لا یرید أن ینسب الفساد إلیه، أو من بعض الجهات الأخر.

9): الإنتاجی، وهو الذی لا یهتم بمن یعمل فی الإدارة، ولا یلاحظ إنسانیة الموظفین، بل نظره فقط إلی الإنتاج، فکأن الموظفین معمل من المعامل، لا کأنهم بشر من الناس.

10): الأحول، وهو الذی یری عمل نفسه أکثر من واقعه، کالأحول الذی یری الواحد اثنین.

11): الحرفی، وهو الذی یرید من الموظفین أن یأتوا بالقوانین والأنظمة حرفیاً، بدون اختیار لهم فی الزیادة والنقیصة، مع عدم ملاحظته الفرق بین الخصوصیات الزمانیة والمکانیة والأفرادیة، فإن الأفراد والزمان والمکان تختلف اختلافاً کبیراً، فلا یمکن أن یقید الناس بحرفیة القوانین، ولذا نری فی القوانین الإسلامیة بل فی کل قوانین العقلاء القسمین، کالسفر والحضر بالنسبة إلی الصیام والصلاة التمام أو

ص:54

القصر، والقوانین الثانویة بالنظر إلی الاضطرار والإکراه وما أشبه ذلک.

12): المذکر، وهو الذی یکتب کل شیء من أعماله وأعمال موظفیه من دون ملاحظة الأهمیة وغیرها، فإنه یکتب کل رطب ویابس، وصحیح وسقیم، وکبیر وصغیر.

13): الإیکالی، الذی یکلف الموظف الذی تحت إدارته بعمل کل شیء من قبل حتی إمضاء الأوراق، وإنما یکون الاسم للمدیر فقط، وهذا ما یذکره التاریخ عن الخلفاء العباسیین، حتی أنه کان لهم بیت الختم فلا یتعبون أنفسهم حتی بختم الأوراق.

14): العنیف، وهو الذی یتفجر غیظاً إذا لم ینفذ أوامره وطلباته ولم تحقق أمانیه، ویعاشر الموظفین بل والإدارة بصورة عامة بل وأحیاناً الآلات بالعنف بدون لین ورفق.

15): المضایقی، وهو الذی یقف دون ترفیع الموظفین وترقیتهم، بحجة أنهم لیسوا أهلاً لذلک لعدم خبرتهم أو ما أشبه.

16): السباب، هو الذی یتخذ السب والهمز والطعن واللعن وما أشبه ذریعة للوصول إلی أهدافه الإداریة، وأحیاناً إلی أهدافه الشخصیة، حیث یکون المدیر یستغل الإدارة ومنصبه لأعماله الشخصیة.

17): الفنان، وهو من یری أن کل ما یفعله حسن، لأنه فعله، وقد قال (سعدی) عن لسان بعض أمثال ذلک: (کل عیب یختاره السلطان فهو فن).

ص:55

18): الإنجازی، وهو من یزعم أنه وحده الذی إذا أشرف علی عمل أنجز بخیر وسلام، دون ما إذا أشرف غیره علی مثل ذلک العمل، فهو یری نفسه فوق الواقع، کما یری غیره دون الواقع.

19): المتنصل، وهو الذی إذا وقع خطأ فی العمل _ وغالباً هو الذی یخطأ _ یوقع اللوم علی أحد الموظفین وینتقده، أو یفصله أو ینزله أو یقطع من راتبه، ویزعم أنه بذلک یتمکن من التنصل من الخطأ، ویؤدب الموظفین الآخرین، کما فعله عبد الناصر فی حرب الیمن مع عامر، وفعله قاسم مع الذین أعدمهم فی أم الطبول، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

20): المعملی، وهو الذی یظن أنه یلزم العمل باستمرار، ولا یعطی المجال للموظفین حتی یتنفسوا، وقد تقدم أن عشرة بالمائة إلی خمسة عشر، وأحیاناً إلی العشرین للموظف الحق فی الترفیه عن نفسه، لأن الإنسان لیس حجراً أو مروحة یشتغل باستمرار ویبقی فی مکانه باستمرار.

21): الألعابی، وهو الذی یأخذ الموظفین ألعوبة بیده، کالطفل الذی یلعب بملاعیبه.

22): الاستعلائی، وهو الذی یرید نزاهة نفسه ویستر عیوبه بإلقاء تبعات المشاکل والفساد علی الآخرین من الموظفین أو من إلیهم، ومن الواضح أن (التنصل) شیء و(الاستعلاء) شیء آخر، فهما أمران.

23): الدجال، وهو الذی یظهر نفسه نزیهاً، لکنه من وراء

ص:56

الستر یحرک هذا ضد هذا وذاک ضد الآخر، یرید بذلک الجمع بین مظهره النزیه ومخبره الکریه.

24): الکمّی، وهو الذی یهتم بالکم فی الإنتاج ونحوه، لا بالکیف.

25): الصرفی، وهو الذی یعرف الصرف لا الاستحصال، بینما یجب علی الإنسان أن یکمل الدائرة بالصرف والاستحصال ولو بقدر.

26): المعصومی، وهو الذی یزعم أن الموظف یلزم أن یکون معصوماً، فإذا أخطأ لم یغفر له، غافلاً من أن الإنسان له أخطاء إذ لم یخلق معصوماً، وإنما الواجب غفران الخطأ وتعدیله، فإذا استمر فی الأخطاء اتخذ القرار المناسب.

27): الاستغلالی، وهو الذی یستغل مقامه وإمکانات الإدارة لأجل حاجات شخصیة، مثلاً یستخدم سیارة المؤسسة لنقل عائلته، أو یستخدم بعض خدم المؤسسة لأجل خدمة بیته، أو الذهاب بولده إلی المدرسة، أو ما أشبه ذلک.

28): المبعثر، وهو الذی یجعل کل شیء لکل شیء وفی کل مکان، فلا یهمه أن یضع الطابعة مکان البراد، والمدفئة مکان الحاسبة، وهکذا بالنسبة إلی الأفراد فیجعل مکان المدیر الموظف، ومکان الموظف المدیر، ویجعل الأخصائی بالبرید فی إدارة الکهرباء وبالعکس، کما نشاهد کل ذلک فی البلاد الدکتاتوریة فی الشرق الأوسط وغیرها.

29): المتهرب، وهو المدیر الذی یتهرب عن الإیجابیات ویجنح

ص:57

إلی سلبیات، فینقض کل نظر إیجابی بدون أن یکون له دلیل علی السلب إلاّ بعض التعالیل غیر المنطقیة.

30): النتائجی، وهو الذی یرید النتائج فقط، بدون أن یفکر فی کیفیة الوصول إلیها أو تهیئة الوسائل الواصلة إلی تلک النتائج، فقد قال سبحانه: ﴿ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولکن کره الله انبعاثهم فثبطهم وقیل اقعدوا مع القاعدین﴾((1)).

31): القمّاشی، وهو الذی یجمع من هنا وهناک من أقوال وأفعال غیر مرتبطة بعضها ببعض، ولذا لا یصل إلی النتائج، وکثیراً ما یکون ضره أقرب من نفعه.

32): المتبختر، وهو من یتبجح بأن النتائج الحاصلة من ادارته صحیحة مائة فی مائة والحال لیس الأمر کذلک، بل هی ناقصة فی الجزئیات، بل فی جملة من الکلیات أیضاً، بما لا تصل إلی النتائج السقیمة، لکنه یرید بقوله ذلک الکبریاء والتبختر لیس إلا.

33): الأولوی، وهو من یری کل نظریة له أولی من غیرها، ویحمل نظریاته علی الموظفین بلا ملاحظة سائر الموازین، و﴿إذا قیل له اتق الله أخذته العزة بالإثم﴾((2))، ویصر علی خطئه، ویضرب بأنظار الآخرین عرض الحائط.

34): الحلاّلی، وهو الذی یزعم أنه یتمکن من حل کل المشکلات، بلا ملاحظة أن بعض المشکلات غیر قابلة للحل، وبعضها تحل بنسبة مئویة خاصة لا مطلقاً، وبعضها یمکن حلها بسبب غیره من

ص:58

الأخصائیین ونحوهم، ولهذا یکون متهوراً فی الإقدام علی الأمور من غیر نظر إلی العواقب.

35): المعلولی، وهو الذی یشتغل لحل المشکلات بالمعلول دون العلة، کالطبیب الذی یعطی الدواء لرفع حمرة الوجة الحاصلة من الحمی دون علاج نفس الحمی، فإذا رأی مثل هذا المدیر أن المشترین لا یقبلون علی بضاعته یشتغل فی الدعایة لرفع هذه المشکلة، لا فی إجادة نوعیة البضاعة التی هی العلة فی عزوف المشترین عن الإقبال علیها، وکذلک بالنسبة إلی الثقافة وغیرها.

36): المعاکسی، وهو الذی یعمل أعمالاً یعاکس بها موظفیه أو رؤساءه الذین هم مجبورون منه، فهو فی واد وسائر الموظفین من زملائه أو رؤسائه أو مرؤوسیه فی واد آخر.

37): المصالحی، وهو الذی یصلح بین رأیه وآراء موظفیه بما یوجب ضرر المؤسسة، کالسیارة التی من صالح الرکاب أن تسیر مائة فیقول بعضهم بذلک وبعضهم بالخمسین، فتسیر خمساً وسبعین حیث یضر بالرکاب ولا یلاحظ الأصلح من القولین، وإنما یجمع بین القولین.

38): الوحدوی، وهو الذی یری وحدة کیفیة العمل مع الأفراد والموظفین والمؤسسات، بینما أن الأشیاء کالأشخاص یختلفون، فیشتری الآلات المکتبیة للمستشفی والمطار بشکل واحد، أو یعامل مع المثقف کما یعامل مع الریفی غیر المثقف، قال سبحانه: ﴿هل یستوی الذین یعلمون والذین لا یعلمون﴾((1)).

ص:59

39): التصمیمی، وهو الذی یری التصمیم فی کل شیء، سواء علم بصوابه أو لا، بل حتی وإذا علم بخطأه، لأنه یری أن التصمیم أفضل من اللا تصمیم، فهو عاشق لأخذ التصمیم من غیر نظر إلی النتائج والمزایا والخصوصیات والموازنات وغیرها.

40): التجزیئی، وهو من یزعم أن الاهتمام بالجزئیات کاف، بدون حاجة إلی الاهتمام بالکلیات، وعکسه أیضاً صحیح وهو من یهتم بالکلیات دون الاهتمام بالجزئیات، بینما یجب علی المدیر أن یهتم بالجزئیات وبالکلیات کل فی مقامه، وإلاّ کان العمل ناقصاً أو مبتوراً أو سبب خبالاً.

41): التصفیقی، وهو الذی یقرب المصفقین حول نفسه ممن یسبح بحمده ویثنیه، من دون نظر إلی الکفاءة وسائر المؤهلات، ومن دون نظر إلی النتائج، وإنما یرید أن یظهر نفسه أمام الناس بأن الناس ملتفون حوله وأنه شخصیة بارزة فی المجتمع مهما کانت النتائج وخیمة.

42): الذرائعی، وهو الذی یتوسل إلی الذرائع فی تبریر تأخره وتأخیر مؤسسته، بدل أن یفکر فی الحلول الواقعیة للمشکلات لینتشل نفسه ومؤسسته من السقوط.

43): الوجهینی، وهو الذی یظهر شیئاً ویبطن آخر، کما فی بعض البلاد الإسلامیة فی الستینات، حیث کان رئیسها یعمل لأمریکا باسم روسیا، ویحطم الاقتصاد باسم الاشتراکیة، ویفنی المسلمین باسم التقدمیة، ویضرب المسلمین باسم محاربة إسرائیل، ویهیؤ الأجواء

ص:60

لإستیلاء إسرائیل علی أراض إسلامیة أکثر باسم القومیة، إلی غیر ذلک، وأفراده کثیرون فی رؤساء الحکومات ورؤساء الوزارات ومن أشبه ذلک، وهکذا حال المؤسسات الصغیرة الأهلیة.

44): الأشیائی، وهو الذی یزعم أن موظفیه أشیاء لا أشخاص، ولذا یحتم علیهم أن یعملوا بالروتین الکامل بدون أدنی ابتکار، کما یعمل الشیء لا کما یعمل الشخص، وبذلک تجمد المؤسسة، والجمود مبدأ السقوط دائماً.

45): الاستشاراتی((1))، وهو الذی یجمع حول نفسه المستشارین والمعاونین أکثر من المتعارف، إما بقصد إظهار نفسه بالمظهر الاستشاری، وإما بقصد ترفیع سمعة مؤسسته أو لغیر ذلک.

46): الخطی، وهو الذی یزعم بأن تعیین الأصول والمقررات واللوائح کاف فی الإجابة عن مختلف الأسئلة، وحل کل المشاکل وجعل الموظفین یمشون فی الصراط المستقیم، مع أن تعیین الخط لا یکفی عن الإدارة الصحیحة التی هی عبارة عن وضع الخط العام موضع التنفیذ وإرجاع الصغریات إلی کبریاتها الکلیة.

47): الأخشابی، وهو الذی یرید من الموظفین أن یکونوا کالأخشاب التی ینجرها المعمل حیث استواء الأحجام والأشکال، فاللازم أن یکونوا فی أعمالهم وأفعالهم بالوتیرة الواحدة بدون ملاحظة أنهم بشر لکل منهم خصائص ومیول واتجاهات وآراء وأفکار وتقلبات.

48): المتأرجح، وهو الذی إن ربحت المؤسسة فی نتیجة

ص:61

أریدت منها أو سمعة عند الناس جعل نفسه مساهماً فیها، بل ربما نسب الربح إلی نفسه، وإن خسرت ابتعد عنها بل أخذ فی النقد بأن ذلک من أفراد آخرین، وإن کان هو صاحب المشکلة، فلیس له روح موحدة مع المؤسسة، والمدیر یجب أن یعمل بروح واحدة.

49): الارتجاعی، وهو الذی یقاوم کل فکر جدید والتجدید فی المؤسسة ویحارب أصحاب مثل هذه الأفکار.

50): التغییری، وهو الذی یزعم أن فی تغییر الأشخاص وفصلهم أو تغییر صورة المؤسسة أو شکلها تنحل المشاکل، بما لیس الأمر کذلک علی إطلاقه، بل ربما یکون هو المولد للمشکلة، وربما یکون السبب عدم استقامة المنهج العام والروح السائدة فی المؤسسة، لا أن المشکلة فی أحد الأمرین السابقین، وهو یری نصف المشاکل وحلولها لا النصف الآخر، وربما یطلق (النصفی) لمن یری نصف المشکلة کالطبیب الذی یری نصف المرض، کمن تمرض ومبعثه مرض فی قلبه ومرض فی کبده فیری مرض القلب فقط دون مرض الکبد، فیعالج مرض القلب ویترک مرض الکبد، مما قد یودی بالمریض إلی الهلاک.

51): الضوضائی، وهو الذی یوجب الضوضاء فی عمله وکلامه، سواء فی إدارته ومکالمته مع الموظفین أو الجماهیر أو غیرهم.

52): التنقیطی، وهو الذی یلاحظ الدقة المتزایدة فی الأوراق المربوطة بالإدارة، فیقدم عبارة علی عبارة، ویضع نقطة مکان نقطة، أو یزید أو ینقص أو یبدل کلمة بکلمة، إلی غیر ذلک.

53): البراد، وهو الذی یعمل ما یوجب برود الموظفین عن

ص:62

أعمالهم، ونفور القلوب منه، مما یؤثر أخیراً علی النتائج.

54): الکل شیء، وهو الذی یصمم ویراقب ویقدم ویعمل ویؤخر ویحلل ویفعل کل شیء، ومن المعلوم أن من یعمل کل شیء یکون کل شیء منه ناقصاً، وأحیاناً تافهاً، ولذا قالوا فی المثل: (کل شیء لا شیء).

55): الکبریائی، وهو الذی یری لزوم أن یتواضع له المرؤوسون والجماهیر فی کل شیء، فیری نفسه فوق کل أحد، ویری أن من یقصر فی ذلک یستحق العقاب بالفصل وعدم ترفیع الدرجة وما أشبه ذلک.

56): المنبت، وهو الذی یتفرّد فی آرائه وأعماله، ویری صوابیة رأیه من دون الاحتیاج إلی الآخرین، وقد قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی من یسبق أصحابه فی الطریق بدون ملاحظتهم ولا ملاحظة فرسه ولا ملاحظة نفسه: «المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقی»((1)).

57): المذبذب، وهو من لا یقدم علی العمل إلاّ بقلب متردد، ودائماً یکون متردداً بین الإقدام والإحجام، وأخذ التصمیم وعدمه حتی تفوت الفرصة عن یده.

58): الغافل، وهو من لا یحسب حساب التیارات الجاریة فی المجتمع، ولذا قال (علیه الصلاة والسلام): «العالم بزمانه لا تهجم علیه اللوابس»((2)).

ص:63

59): الجاهل، وهو الذی لا یعلم نواقصه ولا یرید أن یعرفها ولا أن یصلحها.

60): قصیر النظر، وهو الذی لا یفکر فی المستقبل، بل یری الحاضر فقط، ویعمل للحاضر فقط، بینما یجب علی الإنسان أن یفکر فی الحاضر والمستقبل، کما فی الحدیث: «اعمل لدنیاک کأنک تعیش أبداً، واعمل لآخرتک کأنک تموت غداً»((1)).

وفی حدیث آخر: «من لا معاش له لا معاد له»((2)).

وفی حدیث ثالث: «لیس منا من ترک دنیاه لآخرته، ولا من ترک آخرته لدنیاه»((3)).

فإن ملاک هذه الأحادیث وأمثالها یجری فیما نحن فیه.

وفی الآیة الکریمة: ﴿فمن الناس من یقول ربنا آتنا فی الدنیا وما له فی الآخرة من خلاق * ومنهم من یقول ربنا آتنا فی الدنیا حسنة وفی الآخرة حسنة وقنا عذاب النار * أولئک لهم نصیب مما کسبوا}((4)).

61): الضوابطی، وهو العامل بدون المرونة، فإن من لا مرونة له یمشی حسب الضوابط، مع العلم أن الظروف غالباً تتغیر، فاللازم المرونة، وقد ألمعنا إلی مثل ذلک فی بعض النقائص السابقة مما بینه وبین هذا عموم من وجه.

62): الامتدادی، وهو الذی یصرف کل تفکیره فی المستقبل، ولا یفکر فی الحاضر ولا یعیره اهتماماً.

ص:64

63): الآرائی، وهو الذی کل یوم له وجهة نظر ویغیر آراءه، فله رأی فی هذا الیوم وغداً رأی آخر وهکذا، ومن الواضح أن مثل هذا الإنسان لا یصل إلی نتیجة، بل یبنی ویهدم، ویبنی ویهدم إلی أن لا یبقی له وقت ولا مال ولا سمعة، ویقع فی مشاکل لا قبل له بها.

64): الفحوصی، وهو الذی یفحص دائماً حلول المشاکل وکیفیة العمل فی الطرق السابقة، بدون مراعاة تغیر الظروف من الزمان السابق إلی الزمان الحالی بمختلف التیارات التی یحملها الزمان.

65): الأمانی، وهو الذی یعیش علی الأمانی دون العمل، والذی یفکر فی الذی ینبغی، ولا یعمل الممکن تحذراً عنه، وقد قیل لإنسان لماذا لا تنظم الشعر وقد کان قادراً علی النظم، قال: لأن ما أریده لا أقدر علیه، وما أقدر علیه لا أریده، وهذا یأتی فی کل إنسان سلبی.

66): الساعاتی، وهو الذی یقرر لکل ساعة عملاً، مع أن الرئاسة عبارة عن انتهاز الفرص، فإذا لم ینتهز الفرصة الإنسان فی ساعة الفرصة فاتته، وکثیراً ما تکون الفرصة أهم من العمل الذی قرره لمثل هذه الساعة.

67): الجنبی، وهو الذی لا یصرح بالمقررات للموظفین بصراحة اللهجة وبوضوح، بل لا یقول بعضها ویجمل بعضها ویبین بعضها، یرید بذلک إظهار نفسه بالمظهر المرتفع الذی لا یفهم کلامه الناس، ثم یعتب علیهم فی عدم تطبیقهم أوامره، وهذا نوع من الغرور والکبر.

ص:65

68): البعدی، وهو الذی له بعد واحد مع رؤسائه ضد مرؤوسیه أو بالعکس، مع أنه یجب أن یکون تابعاً للعدالة، سواء کان فی هذا الطرف أو فی ذلک الطرف، یدور مع الحق حیث ما دار، قال سبحانه: ﴿ولا یجرمنکم شنآن قوم علی أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوی﴾((1))، وربما یعبر عن مثله ب_ (البعد الواحدی).

69): المنعزل، وهو الذی لا ینسجم مع الموظفین ومع رؤسائه ومع الناس الذین هم محل ابتلائه، بل لا یعاملهم إلاّ بقدر المعاملة فقط، بدون انبساط وأخذ وعطاء مما یحتاج إلیه أی مدیر فی أی بعد من أبعاد الحیاة.

70): التشریفاتی، وهو الذی لا یتمکن الناس من الوصول إلیه لجفاف أخلاقه، وإن کان بابه مفتوحاً، بل وجهه حاجب دونه.

71): المنغلق، وهو الذی بابه مسدود علی الناس وحجابه منسدل، وهو ینغلق علی عمله وفکرته ورأیه.

72): ذو البعد القدیم، ویقابله ذو البعد الحدیث، وهو الذی یرجح کل قدیم علی الحدیث، أو الذی یرجح کل حدیث علی القدیم، ومن فروع ذلک أنه یرجح الشباب علی الشیوخ، أو یرجح الشیوخ علی الشباب من غیر ملاحظة الکفاءة، وقد قال علی (علیه الصلاة والسلام) فی کلمة جامعة: «یعجبنی رأی الشیخ وجلد الغلام»((2)).

ومن الواضح أن ما قاله (علیه الصلاة والسلام) هو الغالب، وإلا فقد یکون للغلام الرأی وللشیخ الجلد، ولهذا نری أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) کان أحیاناً یجعل رؤساء جیشه مثل

ص:66

أسامة، أو رؤساء دولته مثل أسید.

73): الفأسی، وهو الذی یکون کالفأس یضرب کل شیء لا یکون فی طرف نفسه، ولا یلاحظ الآخرین، بینما یجب أن یکون الإنسان کالمنشار یعطی ویأخذ، ولا یکون کالمسحق (المحکماک) أیضاً ممن یعطی ولا یأخذ.

74): المتفرعن، وهو الذی یری کأنه فرعون، ولسان حاله کما قال فرعون بلسان القال: {ألیس لی ملک مصر وهذه الأنهار تجری من تحتی}((1))، فیری الناس عبیداً له، وکما قال الإمام (علیه الصلاة والسلام) فی شأن بعض الخلفاء: «اتخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً، ودینه دغلاً»((2))، والدین هنا یؤخذ بالملاک فی الإدارة، فإن الدین عبارة عن طریقة الحیاة، سواء کانت طریقة عامة کالأدیان الإلهیة، أو طریقة خاصة کالطرق الجاریة فی المؤسسات ونحوه.

75): الظنونی، وهو الذی یعمل بالظنون بدون تثبت وأخذ بالموازین والضوابط، ولا بالاستشارة فما وصل إلیه ظنه یتبعه، سواء فی الأعمال الإداریة أو فی الموظفین أو فی غیر ذلک من شؤون الإدارة، کما أنه قد یکون الإنسان الفردی یعمل بالظنون أیضاً فی مأکله ومشربه وملبسه وأخلاقه مع عائلته أو مع سائر الناس.

(76): المتجاوز، وهو المفرط أو المفرّط حیث یتجاوز إلی الداخل ضیقاً، أو إلی الخارج سعة، بدون رعایة الوسط، کما ینقل فی الشخص الذی اشتری عبداً کان یطیع حرفیاً، فرأی منه عنتاً ثم باعه

ص:67

واشتری عبداً آخر کان یطیع حسب اللوازم أیضاً، فرأی منه إرهاقاً مما اضطر إلی بیعه أیضاً.

ولا یخفی أن الأقسام أکثر من هذه الأعداد، لکنا اکتفینا بهذه الکمیة مخافة الملالة فی ذکر الأزید وطول البحث بما یوجب الإطناب الممل، ویخرج الکتاب عن وضعه المتوسط.

کما أن کل ما ذکر فی هذه الأعداد یجده الإنسان بنفسه أو بشبیه له فی علم الأخلاق، مما هو مجموع فی کتاب (المحجة البیضاء) للمولی الکاشانی، و(جامع السعادات) للمولی النراقی، أو ما أشبهها من الکتب الأخلاقیة التی کتبها علماء الأخلاق (قدس الله أسرارهم).

کما أن جملة من هذه الأمور مذکورة فی کتب علم النفس، وحیث إن ذینک العلمین کتبا للعموم، وهذا العلم کتب لخصوص المدیرین، کان ما ذکر هنا من صغریات تلک الکبریات الکلیة.

وإن کان مأموراً به إلاّ أنه ابتعاد نسبی عما کان یریده من الجهات الرفیعة، ولعل هذا هو معنی (یران) فالرین کالغبار الذی یعلو المرآة، فإنه وإن کان خفیفاً إلاّ أنه یجلب الکدورة فی الجملة إلیها.

وعلی أی، فالمدیر بحاجة إلی الإصلاح الدائم بنفسه.

ثم هناک شیء ثالث مربوط بتقدم الزمن، وذلک ما یحوج المدیر إلی التکمیل لنفسه ولمؤسسته وموظفیه حسب ذلک، وهو التقدمات التی یطرقها العلم مستمراً.

وهناک رأیان فی القدرات العقلیة، إنها هل هی قدرة واحدة ذات متعلقات، أو قدرات متعددة.

والثانی: القدرة علی اکتشاف الأمور الجزئیة عن القاعدة العامة، مثل اکتشاف الحساب الموکول إلیه من الجبر والمقابلة أو نحو ذلک.

والثالث: القدرة علی اکتشاف حالات جزئیة عن حالات جزئیة أخری، مثل اکتشاف حالات إنسان یسکن مدینة کذا من المعرفة، بأن أفراداً آخرین کانوا بهذه الصفة حیث سکنوا فی تلک المدینة، وهذا إن کان بالملاک صح وإلا لم یصح، وفی صورة الملاک ینتقل الذهن من الجزئی إلی الکلی، ومن الکلی إلی الجزئی الذی هو محل البحث.

مثلاً قال سبحانه: ﴿لا تقل لهما أف﴾((1))، فإن الذهن ینتقل من هذا إلی أن مطلق إیذائهما محرم، ومن هذا الکلی ینتقل الذهن إلی أن النظر إلیهما بغضب محرم أیضاً، لإنطباق کلی الإیذاء المستنبط علی هذا الجزئی.

وثامناً: العامل الاجتماعی، وهو القدرة علی فهم متطلبات المجتمع من الآداب والسنن والتقالید، فإن بعض الناس یسرعون فی إدراک تطبیق الجزئی الذی هو محل الحاجة علی کلی ما یتطلبه المجتمع، وبعض الناس لیس لهم هذه السرعة، هذا بالنسبة إلی القدرات العقلیة.

أولاً: حدة الأبصار، وهی تمثل القدرة علی التمییز المکانی للعناصر الدقیقة التی تقع فی المجال البصری.

وثانیاً: تمییز المسافات، وهی تمثل القدرة علی إدراک العلاقات المکانیة من حیث البعد النسبی للأشیاء.

وثالثاً: تمییز الألوان، وهی تمثل القدرة علی تمییر الألوان والدرجات المختلفة لها.

ورابعاً: التنسیق الأبصاری، وهی تمثل التنسیق بین العینین فی حرکتهما لتتبع جسم المرئی یتحرک إلی أعلی أو إلی أسفل أو إلی الیمین أو إلی الیسار أو مورباً أو رحویاً أو ما أشبه ذلک.

2: أما قدرة السمع فهی نتائج الأبحاث التی أجریت علی حاسة السمع دلت علی أن القدرات السمعیة هی قدرات تتعلق بحدة السمع والتمییز بین مثیرات صوتیة مختلفة.

3: ثم یأتی نوبة قدرة الذوق وهی القدرة:

أولاً: علی أصل تفهم الطعم.

وثانیاً: علی التمییز.

ثم یأتی دور تحلیل العقل، بأن هذا حسن أو سیء، مثلاً من یتذوق مائعاً یحس أنه أولاً أنه حامض أم لا، ثم یمیز بین أنه خل أو ماء حصرم، وإذا کان خلاً یمیز أنه خل عنب أو تمر، وبعده یأتی دور أنه حسن أو فاسد، ویمیز أنه حسن من النوع العالی أو لا، ولیس المراد الترتب فی التمییز بل جمع أقسام التمییز فی لحظة واحدة.

4: وبعد قدرة الذوق یأتی قدرة الشم، وتأتی قدرات الذوق فی

ص:73

قدرات الشم أیضاً، فإن معرفة صحة أو فساد المشموم تتوقف علی هذه الحاسة، ولها مدخلیة فی وقایة الإنسان من الأخطار، فإن من لا قوة فی شمه إذا کان فی مکان منتن لا یتجنب الموضع لفرض أنه لا یدرک الوساخة بشمة فیبتلی بالمرض.

وکذلک حال تجنب الإنسان مواضع الخطر، فإن قسماً من الحیوانات المفترسة لها رائحة خاصة إذا استشمها الإنسان تجنب موضع ذلک الخطر الذی یتواجد ذلک الحیوان فیه، وإن لم یستشم وقع فی المحذور، وهکذا بالنسبة إلی روائح القنابل الکیماویة وما أشبه، فلیست قدرة الشم فی نفسها قدرة یستهان بها، وإن کانت بالنسبة إلی قدرة الذوق والبصر والسمع واللمس أقل فی الفائدة.

5: وهو الأخیر، قدرة اللمس حیث إنها تعرف الحرارة والبرودة والنعومة والخشونة والرطوبة والیبوسة وما أشبه ذلک، کما أنها هی التی تهیج فی الإنسان نوازع الجنس، مما ذکر تفصیله الفلاسفة والحکماء والمتکلمون وعلماء الحدیث فی کتبهم مفصلاً.

الأول: السرعة، فإن السرعة أحد الخصائص المهمة للقدرات الحرکیة، وهی تتکون من عدد من العوامل، وأهم هذه العوامل وأکثرها عمومیة القدرة علی الاستجابة السریعة لأخذ الموثرات.

ویکون من هذا الکلی حرکة الجسم ککل، أو سرعة حرکة الساعد أو الأصابع، والمهارة الیدویة التی تدخل فیها عناصر السرعة والدقة معاً، وکذلک سرعة حرکة الوجه والرجل وما أشبه ذلک.

والثانی: التنسیق، فإنه تظهر قدرات التنسیق الحرکی فی الحالات التی یکون مطلوباً من الفرد القیام بعملتین أو أکثر فی توازن وتوافق لأداء مهمة معینة.

وأحد العوامل المهمة المکونة لقدرات التنسیق یتمثل فی القدرة علی القیام بسلسلة من الحرکات الدقیقة والسریعة الموجهة توجیهاً محکماً، والتی تتضمن التنسیق بین حرکة العین وحرکة الید أو ما أشبه ذلک، ویمثل عامل التحکم الدقیق عنصراً آخر من عناصر قدرات التنسیق، وهو یتضمن القدرة علی القیام بالتکییف الدقیق لحرکة العضلات، وعنصر ثالث من قدرات التنسیق یتمثل فی التنسیق بین حرکة مجموعات عضلیة مختلفة مثل حرکة الأیدی أو حرکة الأرجل أو إحدی الیدین وإحدی الرجلین، أو الیدین مع الرجلین، إلی غیر ذلک.

والثالث: اللیاقة أو الکفاءة الجسمانیة، فإن البحوث التی أجریت علی قدرات الکفاءة الجسمانیة تتضمن العوامل التالیة:

1: القوة، وهی القدرة علی بذل جهد جسمانی مکثف.

2: والمرونة، وهی القدرة علی تغییر موضع الجسم أو تحریکه فی اتجاه معین.

ص:75

3: والتوازن، وهی القدرة علی حفظ توازن الجسم فی وضع ثابت، أو فی حالة الحرکة.

4: والتنسیق، وهی القدرة علی التنسیق فی حرکة الجسم ککل.

5ک والتحمل، وهی القدرة علی الاستمرار فی بذل الجهد.

وبعد القدرات المذکورة یأتی دور التعلم والبیئة والممارسة. وحیث قد سبق الإلماع إلیها فی تربیة الموظف لم یکن داع إلی تکرارها.

والمدیر اللائق هو الذی یضع کلما ذکرناه من القدرات وغیرها فی الموظف الذی یرید استخدامه موضع الامتحان، فإن فاز بنجاح استخدمه، وإلاّ تجاوزه إلی غیره، وقد ذکر علماء الإدارة تفصیلاً حول کیفیة الامتحان نعرض عنها خوف التطویل.

ص:76

العباسیون العالم الإسلامی ککل، حیث انفصل عنها العراق تارة، والمغرب أخری، والیمن ثالثة، ومصر رابعة، والحجاز خامسة وهکذا، وکانت حکومة بمعنی الکلمة، أی واقعیة آخذة بالزمام تارة، وصوریة تارة أخری کأیام البویهیین إلی غیر ذلک، فهل مثل هذه الحکومة تکون حکومة واحدة قویة.

وعلیه فلا یمکن أن یقال: إنها طالت کذا من القرون، بل إن هذا التعبیر مثل أن یقال: إن حکومة مصر طالت ألف سنة، بینما هی لم تکن حکومة واحدة، وإنما کانت حکومات وحکومات.

وعلی أی حال، فالحکومة الاستشاریة واضحة من کل مواقفها، ونذکر جملة منها للإلماع لا التفصیل، ومثل هذه الحکومة تکون مرضیة لغالب الناس وتدوم کثیراً إذا توفرت فیها سائر المؤهلات، کما أن المشاکل تکون فی مثل هذه الحکومة قلیلة، وهذه الحکومة بنفسها تعیش فی أمن ورفاه وحسن سمعة.

6): لا تمدح الحکومة نفسها.

7): لا تخفی الحکومة أعمالها، بل هی ظاهرة لکل الشعب.

8): لا تتآمر الحکومة علی أحد، ولا تلصق بهم التهم والأکاذیب.

9): لا تکون إذاعتها وسائر إعلامها وسیلة للکذب والدجل والسب والتهریج.

10): کل الناس مشترکون فی أمر الدولة حسب مؤهلاتهم.

11): کون الضرائب معقولة حسب اختیار وکلاء الأمة، هذا فی غیر الحکومة الإسلامیة، وإلاّ ففیها لا تکون الضرائب إلا أربع، کما ذکرنا تفصیل ذلک فی کتاب (الفقه الاقتصاد).

12): لا تضخم إطلاقاً، وإنما قیمة الأشیاء حسب اقتضاء الظروف العصریة.

13): یحصل کل إنسان قدر ما یکفیه لأمرار معاشه حتی یعیش بتوسط أو بوفرة.

14): لا خنق علی الرأی والکلام.

15): الأقلیات یعیشون فیها بسلام وأمن ورفاه.

16): العقاب حسب القوانین الموضوعة من وکلاء الأمة حقیقة، فی غیر الإسلام وفیه عقوبات مقررة فی الفقه.

17): لا تعذیب ولا عنف ولا هدر لحقوق الإنسان.

ص:79

18): یعیش کل أعضاء الحکم حتی الرئیس الأعلی للدولة کأحد الأفراد، بدون امتیاز إلا بقدر ما أعطاه القانون الذی یوضعه المجلس بوکلاء الأمة الحقیقیین، وقدر الامتیاز إنما یکون حقاً فی قبال الواجب الذی یکون علیه، وفی الإسلام حسب المقرر فی الشریعة.

19): المال فی الدولة واضح مورده ومصدره، لا أن یستبد به جماعة فیخفون حقیقة الدخل والصرف عن الأمة، لأنهم یریدون التلاعب بالمال کما هو شأن الحکومات الدکتاتوریة.

20): لا انتخابات مزیفة.

21): لا محسوبیة أو منسوبیة فی الموظفین، بل یأتون إلی الحکم بالمؤهلات والکفاءات.

22): حاجات الناس إلی الدولة قلیلة، ولا یقفون فی صفوف أمام الوزارات والإدارات، بل تقضی أعمالهم بسرعة.

23): لا تعطی مثل هذه الحکومة الوعود الناس بلا حساب.

24): عدم نفرة المثقفین من الحکومة، بل یلتفون حولها.

25): عدم تمکن الحکومة من سرقة أموال الناس، کما لا تتمکن من السرف علی حساب الناس، وإنما لأفراد الحکومة الرواتب المعقولة مقابل أعمالهم بما لا تصل إلی إمکانیة السرف.

26): المحاکم تعمل باستقلال کامل، بدون تمکن أی متنفذ من أعضاء الحکومة فی التدخل فی شؤونها زیادة أو نقیصة أو تلاعباً أو تغییراً.

27): عدم إظهار الحکومة لمؤامرات مزیفة لتصفیة خصومها،

ص:80

کما هی عادة الحکومات الاستبدادیة.

28): المحاکم علنیة یشهدها کل إنسان، لا أن تکون سریة ثم تعلن نتائجها علی الناس فی صورة تلفزیونیة أو سائر وسائل الإعلام.

29): أعراض الناس ودماؤهم فی کمال الحرمة والأمن.

30): لا عدوان علی الدولة المجاورة تحت ألف اسم واسم.

31): لیست هناک فی الحکومة جرائم سیاسیة، وإنما الجرائم منحصرة فی الجرائم الاجتماعیة فقط کالسرقة والقتل ونحوهما.

32): حریة النقابات واتحادات الطلبة والمنظمات والهیئات والجمعیات والجماعات.

33): یعمل مختلف الطوائف بشعائرهم فی أمن وسلام.

34): السفر والإقامة والتجارة والزراعة والصناعة وحیازة المباحات وغیرها کلها حرة.

35): کل من أعضاء الدولة یظهر أعماله حسناً أو غیر حسن، فکل مأخوذ بعمله، لا أن تعمل أعضاء الدولة أعمالاً سیئة ثم تلقی تبعتها علی الأبریاء، کما فی الحکومات الدکتاتوریة.

36): لا بولیس سری لکبت أنفاس الناس.

37): لا جماعات إرهابیة باسم حفظ القانون أو ما أشبه ذلک.

ص:81

38): لا تناقص فی الحکومة، حیث تستقیم الحکومة فی أمورها وصداقاتها وأعمالها وأقوالها، لا کالدکتاتوریین حیث یمدحون شخصاً هذا الیوم ویذمونه غداً، ویرفعونه هذا الیوم ویخفضونه غداً، وتتأرجح الحکومة بین الأخذ والعطاء والبسط والقبض والطرد والإیواء.

39): لا إمعات حول الحکومة یصفقون ویهللون، ولا إضرابات ومظاهرات تهیئها الحکومة لتقویة مرکزها.

40): المطبوعات حرة، وکذلک ما یشبه المطبوعات کأشرطة الفیدیو واللافتات ونحوها.

41): موظف الدولة أعدادهم بقدر الحاجة والضرورة لا أکثر، کما فی الحکومات الدکتاتوریة حیث تکثر الموظفین علی حساب أمن الناس وراحتهم وثروتهم.

42): وجود الرفاه العام لأنه ولید الحریات، فحیث إن الحکومة توفر الحریات للناس یکون الرفاه لکل الناس.

43): کثرة المؤسسات الأهلیة، کالمدارس والمعاهد والمساجد والمستشفیات، والمطارات والقطارات والنوادی، والصحف والإذاعات والتلفزیونات.

44): قلة المشاکل، وتکون هی مشاکل طبیعیة للإنسان مهما وجد، لا مشاکل هیأتها دوائر الدولة أو قوانینها الکابتة للناس.

45): توفر الصحة والعلم لکافة الناس.

46): سیادة الأمن.

ص:82

47): سیادة القانون.

48): تؤلف الحکومة بین الناس ولا تفرقهم، وتقرب بعیدهم وتحفظ قریبهم.

49): کل الناس یعیشون تحت ظل مثل هذه الحکومة بسلام، غیر المجرم الذی یعطی عقابه العادل.

50): تسهم الحکومة فی ترفیع کل الشعب، لا جماعة خاصة کما هی شأن الحکومات الدکتاتوریة.

51): تتحری الحکومة أفضل الحلول للمشاکل، لا أنها تجنح للحلول العسکریة الاعتباطیة کما هو المشاهد فی الحکومات الدکتاتوریة.

52): لا یبقی أی من رؤساء السلطات الثلاث فی الحکم إلا فترة محدودة حددها القانون باختیار حر للشعب.

53): توضع أسامی المؤسسات والشوارع والمشاریع بأسامی المتفوقین من العلماء والشعراء والکتّاب والمخترعین والخطباء ومن إلیهم من الطبقة الرفیعة فی المجتمع، سواء کانت طبقة رفیعة سابقة أو طبقة رفیعة معاصرة((1)).

54): للشعب الحق فی الإضرابات والمظاهرات السلمیة بموازینها القانونیة الموضوعة من مجلس الأمة المختار من قبل الشعب بإرادة حرة.

ص:83

إلی غیر ذلک من سمات الحکومات الاستشاریة والتی یعبر عنها فی العصر الحاضر بالدیمقراطیة.

ولا یخفی أن ما ذکرناه غالباً ینطبق علی بعض الحکومات فیما یسمی بالعالم الحر، وبالعکس من کل ذلک ما یشاهد فی حکومات الشیوعیین وحکومات العالم الثالث والتی منها الحکومات الإسلامیة المعاصرة.

أما الإسلام فشأنه فی کیفیة الحکومة أرفع، وقد ذکرنا بعض معالمها فی کتبنا المعنیة بهذا الشأن، مثل کتاب (الحکم فی الإسلام)، وکتاب (إلی حکم الإسلام)، وکتاب (فقه السیاسة)، وغیرها.

ص:84

قال: فالرضا عبارة عدم الاستیاء، والاستیاء عبارة عن عدم الرضا. إذ الرضا إیجابی وعدم الاستیاء سلبی، والسلب والإیجاب لا یتحدان.

ومثل هذا المبحث ذکره بعضهم فی اللذة والألم، وهو هل أن اللذة عدم الألم، فمن شبع لا یتألم بالجوع، ومن نام لا یتألم بالسهر وهکذا، أو أن اللذة شیء وجودی فی قبال الألم الذی هو شیء وجودی أیضاً، لا أنه عدم الملکة، کمن جاع یجد فی داخله شیئاً وجودیاً یخزه یسمی بالألم، ومن امتلأ بطنه حتی ابتلی بوجع البطن یکون کذلک.

وحیث إن الألمین من نوعین لا یقال کیف أن العدم والوجود یؤثران أثراً واحداً، حیث إن الجوع عدم ملئ البطن، والبطنة ملئ البطن، فکیف یؤثران فی شیء واحد، فإنه یوجب خرم قاعدة (الواحد لا یصدر من اثنین)، بالإضافة إلی أن العدم لا یکون فاعلاً ولا منفعلاً ولا ملازماً کما حقق فی الأصول وغیره، لکن هذا المبحث فلسفی لا یرتبط بمبحثنا نترکه لمکانه.

وکیف کان، فرضا العمال بأی مستوی کانوا بسبب وفرة الإنتاج، وذلک مما ینبغی علی المدیر ملاحظته، فإن الأفراد الذین لدیهم قدرة عالیة علی التکیف والذین لا یقنعون بما یتاح لهم من إشباعات یمیلون إلی أن یقرروا رضا أعلی عن الجوانب المختلفة للعمل، بخلاف الأفراد ذوی القدرة المحدودة علی التکیف، اختلاف درجة التکیف والطموح بین الموظفین تساهم فی تماثل درجة الرضا عن جوانب العمل المختلفة لدی الفرد الواحد، وتؤدی إلی تفاوت درجة الرضا بین الأفراد، فإذا رأینا فرداً راض من جانب من الجوانب لا یدل ذلک علی أنه راض عن الجوانب الأخر، لما عرفت من أن الرضا لیس أمراً بسیطاً

ص:87

یکون أو لا یکون، وإنما ینحل إلی جزئیات بعضها کائن وبعضها لیس بکائن.

نعم أحیاناً یغلب بعض الجوانب علی بعض من جهة الرضا أو عدم الرضا، لأن هذا الجانب أهم فی نظر الموظف فیقدّمه علی غیره.

وربما یکون شیء تافه یسبب الرضا أو الاستیاء، کما إذا کان الأجر فی الظرف أو لم یکن، أو کان اسم الموظف المکتوب علی الظرف باحترامه الذی یراه لائقاً به أم لا، إلی غیر ذلک مما لا یخفی علی من زاول المجتمع، ولاحظ اختلاف الأفراد فی أمثال هذه الأمور.

له تکییف الأداء بما یتناسب مع قدراته ونمطه الخاص فی تأدیة العمل.

أما فرض نمط موحد من الطرق والسرعة فی أداء مهام العمل علی جمیع الأفراد مما یأخذ فی الاعتبار اختلاف هؤلاء الأفراد، فهو یخلق مشکلات تکیف لدیهم ویزید من احتمالات استیائهم، ولذا نجد أن بعض الدول الصناعیة جعل منهاج الثقافة علی نوعین، النوع المنظم والنوع الحر، حتی یختار الطالب أی نوعیة أراد بما یلائم نفسیاته وأذواقه وطموحه ونحو ذلک.

کما أن فی هذا السبیل، أی سبیل محتوی العمل استخدام الفرد لقدراته، فإنه کلما تصور الفرد أن العمل الذی یقوم به یستخدم قدراته زاد رضاه عن العمل، والعکس بالعکس، واستخدام الفرد بقدراته یمثل اشباع حاجة تحقیق الذات والطموح الذی انطوی علیه الفرد، فإن تصور الفرد بدرجة تطبیقه بمهاراته وخبراته وقدراته فی العمل یرتبط ارتباطاً فردیاً مع رضاه عن العمل، وهکذا خبرات النجاح والفشل فی العمل مرتبطة بالرضا والاستیاء، فتحقیق الفرد بمستوی أداء یقل عن مستوی طموحه یثیر لدیه الاحساس بالفشل وبالتالی استیاؤه، وتحقیقه لمستوی أداء یزید عن مستوی طموحه أو یعادله یثیر لدیه الاحساس بالنجاح ویحرک بالتالی مشاعر الغبطة لدیه، خصوصاً إذا کان المستوی أزید مما یراه عادلاً.

وأثر خبرات النجاح والفشل عن الرضا عن العمل یتوقف علی درجة تقدیر واعتناء الفرد بذاته، فکلما کان تقدیر الفرد واعتزازه بذاته عالیاً زاد أثر خبرات النجاح والفشل علی الرضا، وکلما کان تصور الفرد أن العمل یتطلب القدرات التی یتمتع بها والتی یعطیها قیمة عالیة زاد أثر خبرات النجاح والفشل علی مشاعر الرضا لدیه.

ص:90

ولماذا لا یتمکن بعد ذلک من دخول الثانویة.

ولماذا بعد ذلک لا یتمکن من دخول الجامعة.

ثم لماذا البطالة وهو قادر علی العمل ومنزعج عن البطالة.

ولماذا لا یحصل کل إنسان علی زوج أو زوجة ومسکن ومرکب ومأکل ومشرب مناسب له.

وهکذا.

ثم بعد ذلک لماذا لا یتمکن کل إنسان أن یترقی ترقیاً لائقاً به وهو مستعد له.

مرؤوسیه.

ومن الواضح أن المشرف محتاج إلی مشاعر مرؤوسیه نحوه ونحو العمل، وکلاهما إنما یکون تابعاً لدرجة سلوکه معهم، فإنه یکسب ولاءهم له ورضاهم عن عمله، إذا کان إشرافه إشرافاً مرضیاً، والعکس بالعکس.

فکلما کان نمط سلوک المشرف متوافقاً مع تفصیلات وخصائص ومزایا المرؤوسین زاد رضاهم عن العمل کما یزاد رضاهم عنه، فإن المشرف الذی یفوض سلطات وحریات واسعة للمرؤوسین یفضلون الاستقلال فی العمل ویتمتعون بقدرات عالیة لا شک أنه یشبع احتیاجاتهم ویحقق رضاهم عن العمل.

أما المشرف الذی یفوض تلک الحریات الواسعة لأفراد یفضلون المسؤولیة المحدودة ویتمتعون بقدرات منخفضة، فهو یخلق ارتباکاً وتوتراً لدی مرؤوسیه، ویثیر بذلک استیاءهم اتجاه العمل.

والحاصل یجب ملاحظة کل موظف موظف، وقدر ما یمکن أن یفوض إلیه من العمل والحریة والاستقلال، فتفویض الصغیر إلی الکبیر یوجب استیاءه، وتفویض الکبیر إلی الصغیر یوجب خبال العمل وفساد العامل.

وفی التاریخ أنه قیل لبعض الحکماء: لماذا زال ملک بنی أمیة وقد کانوا علی تلک السیطرة الواسعة والقدرة الهائلة، فقال: لأنهم فوضوا الأعمال الصغیرة إلی الأشخاص الکبار، فأبوا من القیام بها ترفعاً، وفوضوا الأعمال الکبیرة إلی الأشخاص الصغار فلم یکونوا کفوءاً لها، وبین هذین ذهبت الدولة.

ثم إذا کان الصغیر متوقعاً فوق مرتبته، فإذا لم یجد الرئیس بداً من إقناعه بعدم کفاءته کان من الممکن إعطاؤه الشیء الکبیر مدة قلیلة، لیظهر

ص:93

له بنفسه عدم کفاءته، فلا یبقی علی عدم رضاه بما یزاوله من العمل کماً وکیفاً.

ومن الطبیعی أن یتوقف أثر جماعة العمل علی الرضا علی الفرص المتاحة للفرد للتفاعل مع أفراد آخرین فی العمل، فعند ما تعوق طبیعة العمل إمکانیة تفاعل الفرد مع آخرین یمثلون مصدر إشباع له، فإن رضا الفرد عن عمله سیکون منخفضاً، وعند ما تیسر طبیعة العمل فرص الاتصال والتفاعل مع هؤلاء الآخرین الذین یمثلون مصدر منافع للفرد، فإن رضا الفرد عن عمله سیکون مرتفعاً، أما عند ما تعوق طبیعة العمل إمکانیة التفاعل والاتصال مع آخرین یعتبرون مصدر توتر للفرد، فإن هذا یقی الفرد من الاستیاء الذی قد یصیبه لو اضطر إلی التفاعل أو التعامل ضعیفاً.

ثم إنه ربما یکون جماعة العمل مختلفاً، فبعضهم یکون منسجماً وبعضهم غیر منسجم، ومن المعلوم أن غیر المنسجم هو الذی یؤثر غالباً، فإن جرحاً بسیطاً فی الجسم تلفت الإنسان بما لا تلفته بقیة أجزاء الجسم السالمة.

ساعات العمل علی الرضا کذلک تؤثر ساعات العمل علی الإجهاد، فکلما طال وقت العمل زاد الإجهاد وبالتالی قل الرضا عن العمل، وکلما زادت کثافة الجهد فی کل وحدة زمنیة کان أثر وقت العمل علی الإجهاد وعلی درجة الاستیاء أکبر، فساعات العمل تؤثر تأثیرین، تأثیراً مباشراً وتأثیراً غیر مباشر بالنسبة إلی کل من الرضا والاستیاء.

التی رافقت المؤسسة بسبب احتیال الرئیس وسرقته وعدم نظافة أخلاق العاملین وعدم جودة إنتاجهم أو ما أشبه ذلک، فإنه کلما کانت أسباب توجب حسن السمعة زاد الرضا، والعکس بالعکس.

غیرهم، وأنهم هم المخلصون.

وقد یتعدی الأمر فی بعض الأحزاب الذین لا ینظرون إلی الهدف نظرة موضوعیة، بإیجاد العداوة والتفرقة بین الناس.

الإنزواء عنهم والابتعاد منهم، فإن الابتعاد من الناس یوجب عدم اقتراب الناس منهم حتی یروهم أهلاً للحکم وینتخبوهم فی وقت الانتخابات فی الدول الاستشاریة.

وردّ، إذ الواقع هو الذی ینتج، فیجب أن یتخذه الحزب محوراً لأعماله.

أما عدم الاستعانة بالواقعیات بزعم أنه یمکن الوصول من الحکم بدون الواقعیة، لأن الوصول إلی الحکم شیء سهل، فذلک ما دل المنطق والخارج علی خلافه.

وعن علی (علیه الصلاة والسلام): «لعن الآمرین بالمعروف التارکین له، الناهین عن المنکر العاملین به»((1)).

وقد قال الشاعر:

لا تنه عن خلق وتأتی مثله

عار علیک إذا فعلت قبیح

وفی کلمة منقولة عن عیسی المسیح (علیه الصلاة والسلام): «ما لکم ترون القذی فی أعین أخیکم ولا ترون الجذع فی أعینکم»((2)).

وقد ذکرنا تفصیل الکلام فی ذلک فی کتاب (إلی حکم الإسلام) وفی بعض کتبنا الأخر.

والاجتماعیة والثقافیة، وما أشبه ذلک بالنسبة إلی الحزب الإسلامی، فإن أمام المسلمین فی طرف الغرب فقط زهاء ألف ملیون یرتبط بعضهم ببعض، وقد وحدوا الجهود لإبقاء العالم علی هذه الحالة علی أقل تقدیر.

هذا بالإضافة إلی تصافق الشرق والغرب ضد المسلمین الموجبة لتخلف المسلمین، بل وغیرهم أیضاً من سائر العالم الثالث، وهل بإمکان جماعة التغلب علی هذه العقبة بدون توحید الجهود فی هذا الطرف.

ومن الواضح أن توحید الجهود والنشاطات وجعلها کلها فی تیار واحد من أصعب الصعوبات، لکن علی قول الشاعر (لابد من صنعاء وإن طال السفر).

وقد قال سبحانه: ﴿فلا اقتحم العقبة﴾((1))، ومن الواضح أن اقتحام العقبة من أصعب الأمور، وفی حدیث: «أفضل الأعمال أحمزها»((2)).

لا یمکن أن تزدهر، إلاّ أن من الصحیح أیضاً أن الحریة أیضاً متوقفة علی المؤسسات، وبالأخص المؤسسات الدستوریة.

ومثل المؤسسات الإعلام، فقد هیأ الغرب أضخم إعلام فی مختلف جوانب الحیاة، فاللازم علی الحرکات الإسلامیة أن تهتم بالإعلام أیضاً، وقد قرأت فی تقریر ثان قبل أکثر من عشر سنوات: إن فی أمریکا وحدها أکثر من ألفی جریدة تصل بعضها إلی سبعمائة صفحة، وأکثر من عشرة آلاف مجلة، وأکثر من خمسة آلاف تلفزیون ودار الإذاعة، إلی غیر ذلک من الأرقام، والتی تصاعدت قطعاً إلی یومنا هذا.

بخمسة مثلاً، أما إذا وعد الناس بعشرة کان ذلک خلاف الحکمة، إذ کثیراً ما لا یبقی عنده العشرة حتی ینجز وعده، وإذا تمکن من الإنجاز مثلاً رأی الناس فیه حقاً واجباً لهم، فإن (وعد الحر دین) کما فی المثل، ولا یرون أنه فعل شیئاً أکثر من واجبه، أما إذا قال الإنسان: سوف أعطی عشرین، فهو السقوط بعینه.

وسمعت ذات مرة رئیس دولة قال: انه ینزل قیمة اللحم إلی النصف، أی الخمسین فی المائة، فقلت لجماعة: إنه لا یعرف الاقتصاد، إن تنزیل اللحم إلی نصف العشر أی خمسة فی المائة بحاجة إلی ملیارات من المال مما لا تملکها الدولة، فکیف یقول هذا الرئیس إنه ینزله إلی خمسین فی المائة، وکان الأمر کما قلت، فإن اللحم أخذ بالترقی حتی وصل إلی أضعاف قیمته الأولیة، وسقط ذلک الرئیس قولاً وشخصاً.

ص:108

البیع، العلاقات مع تجار التجزئة، العلاقات مع المریدین، الائتمان، التحصیل، الشحن.

الرکاب بعد نزولهم علی أرض المطار، حجز التذاکر، مواعید الطائرات، النشرات الدوریة، تعرفات السفر، بیع التذاکر للرکاب، الدعایة والإعلان والترویج، عملیات المأکولات والمشروبات فی الطائرة، توزیع الجرائد والمجلات فی الطائرة، الإیرادات والمصروفات والحسابات، تحویل العملات الأجنبیة، بحوث الحرکة، شراء قطع غیار الطائرات وصیانتها.

الصناعیة، مدیر الشؤون الصحیة للعمال، مدیر ترویج المبیعات، رئیس الخزینة، المحاسب، وکیل الشراء، مدیر الإنتاج، مدیر الإحصاء، مدیر المبیعات المحلی، المشرف العام للعمال، رئیس تعیین العمال، رئیس قسم الصیانة، رئیس التخطیط ومراقبة الإنتاج، رئیس المخزن، رئیس النقدیة.

والمطبوعات الخاصة بالمکاتب، تخطیط الجداول للإنتاج، مراقبة جودة الإنتاج، أبحاث الشراء المتعلقة بالمواد الخام، تدریب المشرفین علی العمال فی المصنع، تدریب عمال المصنع، أبحاث فی الإعلان والدعایة، نقل البضائع الجاهزة، نقل المواد الخام داخل المصنع، المیزانیات التقدیریة للإنتاج، المیزانیات التقدیریة للمبیعات، دراسة تسلسل العملیات الصناعیة، دراسة تسلسل الأعمال المکتبیة، أعمال استشاریة خاصة بالهیکل التنظیمی، التعزیز الکتابی للمکالمات التلفونیة، أعمال استشاریة خاصة، بناء المکاتب الصناعیة فی المصنع، الخدمات الصحیة للعمال، شکاوی المستهلکین، شکاوی العمال والإضرابات، شکاوی المستخدمین العمالیة، تطویر السلع هندسیاً، عملیات البیع داخل القطر، المیزانیات التقدیریة للمواد الخام، الأعمال المتعلقة بسجلات المخزون من المواد الخام، عملیات البیع خارج القطر، الفروع، إصدار أوامر التشغیل الصناعی، مطبوعات دوریة للعمال والموظفین، الدعایة بسبب وسائل الإعلام، مجهودات ترویج المبیعات کنشرات ودعایة وما أشبه، خدمات بیعیة بالائتمان، مراجعة فواتیر شراء المواد الخام، شراء المواد الکیمیاویة اللازمة للصنع، شراء اللوازم الکهربائیة الخاصة بالصنع، شراء العدد والآلات الصغیرة، التخلص من المواد الخام غیر الصالحة للتشغیل، شراء الماکنات والعُدد الثقیلة، شراء مواد اللف والحزم المتعلق بالبیع، تعیین عمال المصنع، تعیین وتدریب المدیرین فی المشروع، أعمال مراقب الحسابات الخارجی، مراقبة تکالیف التسویق، مراقبة التکالیف الإداریة.

هناک مشروعاً صناعیاً یدیر رؤساء ومدیرین، والمطلوب قائمة بألقاب رؤساء الوحدات الإداریة، مثل مشرف النقل، مدیر الائتمان، مدیر الخدمات الصحیة، مدیر تخطیط الإنتاج، مشرف البیع بالجملة، مدیر الإنتاج، مدیر الأبحاث، مجلس الإدارة، مدیر قسم المبیعات، أمین الخزینة، کبیر المحاسبین، مدیر الاستخدام والتعیین، مدیر المیزانیة، مدیر فرع ألف، مدیر فرع باء، مدیر فرع جیم وهکذا، مشرف المبیعات، مشرف العمال، مدیر ترویج المبیعات، لجنة المیزانیة، مدیر المستخدمین، رئیس مجلس الإدارة، المدیر العام، محاسب فرع ألف، محاسب فرع باء، محاسب فرع جیم وهکذا، مدیر العلاقات الصناعیة، مدیر المبیعات فی المنطقة فی داخل البلد، مدیر المبیعات فی خارج البلد، مشرف التأمین علی البضائع، خبیر إحصائی، وکیل شراء، مشرف المخازن، مشرف الصیانة، مدیر الائتمان، إلی غیر ذلک.

ص:114

باب (وبضدها تعرف الأشیاء) الأمور التالیة مما قد ألمعنا إلی بعضها فیما سبق، لکن حیث إن بین هذه الصفات وبین المذکورة سابقاً العموم من وجه نذکرها تباعاً بدون التفصیل فی خصوصیاتها:

16): الصبر والنفس الطویل.

17): ضبط النفس والتحکم علی الأعصاب فی المواقف الحرجة خصوصاً المثیرة منها.

18): الهدوء أمام الأزمات مع الانفعال الداخلی الشدید لحلها، بأن یکون مندفعاً لحل المشکلة وکما قال بعضهم فی المثل: (یجب أن یکون کالبط ظاهره هادئ لکنه یضرب رجله فی الماء بسرعة).

19): الواقعیة والنظرة الشاملة لمواجهة نسبیة الأمور فی عالم الإدارة.

20): الانضباط واحترام الوقت، مبتدئاً بنفسه وملتزماً بتطبیقه علی الآخرین بالقدر الممکن.

21): احترام القوانین والأنظمة وتطبیقها علی شخصه وعلی غیره، فإن المدیر الذی لا یطبق القوانین علی نفسه یعتبر مدیراً فاشلاً، فإنه مهما کان ناجحاً فی أعماله فإن مهابته عن القلوب ساقطة، وذلک یسری فی غیره أیضاً شاء أو أبی.

22): احترام القوانین والأنظمة والتخطیط بروحها ولیس بحرفیتها.

23): التفکیر الدائم بالمستقبل والحاضر، لا أن یترک المستقبل للحاضر أو الحاضر للمستقبل.

24): الحزم وعدم التردد فی اتخاذ القرار.

ص:117

25): الاستقرار علی الرأی والقرار بعد التأنی فی الوصول إلیه.

26): الإصرار علی تنفیذه بعد ذلک.

27): سرعة تمکن الانسحاب عن القرار إن ظهر خطأه.

28): الثقافة العامة والسعی لزیادتها باستمرار.

29): المعرفة المتخصصة والمسلکیة والسعی لتجدیدها حسب التصاعد فی الثقافات.

30): الرغبة الملحة فی الإطلاع علی الحیاة العامة والخاصة.

31): التکیف مع الواقع لتحقیق الهدف بالإمکانات المتوفرة أو المتاحة.

32): الممارسة والتجارب والخبرة.

33): القدرة علی استخلاص الدروس والعبر من التجارب الفاشلة أو الناجحة سواء بالنسبة إلی مؤسساته أو سائر المؤسسات.

34): الکفاءة فی الدمج بین النظریة والتطبیق للحصول علی أعلی مردود عملی.

35): التصدی لمواجهة الصعوبات وعدم الهروب عنها.

36): التصرف اتجاه المواقف الطارئة بسرعة ومرونة حسب الموقف المتطلب.

37): القدرة علی تلخیص المناقشات والمواقف.

ص:118

38): القدرة علی عرض الرأی والإقناع بقوة الحجة والمنطق.

39): القدرة علی النقد الذاتی وعدم التحاشی عن توجه النقد إلیه وإنما ینظر إلی النقد بموضوعیة.

40): الإرتیاح لظهور الحق له إذا کان علی خطأ، سواء کان النقد من جهة داخلیة أو جهة خارجیة أو جهة نفسیة.

41): أن یکون فعالاً محرّضاً وذا تأثیر فی الآخرین.

42): تثبیت التوجیهات الشفهیة خطیاً بالقدر اللازم.

43): عدم التراجع عن التوجیهات الشفهیة إذا لزم عنها مسؤولیة.

44): الصدق فی إنجاز الوعود والسعی لتحقیقها بکل إمکاناته.

45): الأمل وعدم الاستسلام للیأس أو القنوط، خصوصاً إذا کان موضع القنوط الإحباط.

46): التفاؤل والتطلع للمستقبل.

47): السعی الدائب لاکتساب العادات والصفات الجیدة والتطبع علیها.

48): العنایة المتوازنة والمستمرة بالمجالات الرئیسیة للإدارة.

49): الإنصاف بینه وبین سائر الناس، سواء کانوا رؤساء أو مرؤوسین أو الجماهیر المرتبطة به.

ص:119

50): التنبؤ للمستقبل والاهتمام به والتطلع الدائم بمعرفة المستقبل من الأسباب الموصلة إلیه عادة.

51): القدرة علی تحدید الأهداف الأساسیة بعیدة المدی.

52): شمولیة النظرة والمعالجة، فإن النظرة الجانبیة کالمعالجة الجانبیة تسبب الخبال.

53): السعی لتنفیذ الأهداف ضمن أولویات متوازنة.

54): التعرف علی البیئة المحیطة والتکیف معها.

55): جمع الإمکانات لتنفیذ الأهداف.

56): الاقتصاد فی الإمکانات وترشید استخدامها.

57): التعرف علی برمجة الأعمال الخاصة به أو بالمنشئة ککل.

58): الروح التنظیمیة والترتیب، فإن الإنسان إذا ربی نفسه علی التنظیم والترتیب تطبع بهذا الروح حتی یأتی منه الأشیاء تلقائیاً.

59): حسن توزیع العمل علی المرؤوسین حسب قدراتهم، والسعی للتعرف علی هذه القدرات وتطویرها.

60): الموضوعیة فی اختیار العناصر لإشغال الوظائف لا بنحو المحاباة أو الأهواء أو المحسوبیة والمنسوبیة وما أشبه.

61): تبسیط وتحدیث نظام الاتصالات وأدواته.

62): التنسیق بین نشاطات الأقسام المختلفة.

ص:120

63): تأمین التنسیق والتزامن بین أعمال الجهات، أو العناصر المشارکة بالتنفیذ.

63): القدرة علی التنسیق والتعاون مع الجهات الأعلی والموازیة والجهات الأدنی.

64): جعل فعالیة وحدته منسجمة مع الوحدات الأخری کجزء من کل متماسک.

65): حسن استخدام الوقت وتوزیعه، مع عدم التضییق الموجب لعدم الرضا.

66): أن تکون قراراته واضحة ومتأنیة، بعیدة عن المزاجیة والأهواء والمیول.

67): الاهتمام بالتدریب المستمر لشخصه ولمرؤوسیه أفراداً وجماعات حتی یکون دوماً مدرباً ومتدرباً.

68): تشجیع البحث العلمی والتطلع علی الأمور المعاصرة محلیاً وعالمیاً.

69): السعی لتحلیل تجارب الآخرین الفاشلة أو الناجحة والاستفادة منها.

70): أن یکون قادراً علی ترتیب السلطة ومتابعة تحقیق الأهداف الرئیسیة.

71): قلة الدخول فی التفاصیل کلما ارتفع المستوی، لأنه إذا دخل فی التفاصیل فاته المستوی الأرفع الذی هو مقصوده.

ص:121

72): تشجیع العمل الجماعی علی نحو الاستشاریة (الدیمقراطیة).

73): خلق روح التنافس بین المجموعات العاملة تحت یده أو الذین هم معه، وأحیاناً یتمکن من خلق مثل هذا الروح فی المراتب العلیا أیضاً.

74): تشجیع المبادرات الفردیة والجماعیة والابتکارات.

75): إفساح المجال لظهور المرؤوسین الأکفاء حتی یتمکنوا من التقدم إلی الأمام.

76): القدرة علی إصدار القرار فی الوقت المناسب.

77): القدرة علی اتخاذ القرار المفهوم للمنفذین.

78): القدرة علی تأمین الإمکانات الواقعیة لتنفیذ قراراته.

79): أن یکون مصراً علی تنفیذ الأهداف والواجبات والقرارات التی یریدها.

80): القدرة علی توجیه ومساعدة مرؤوسیه فی تذلیل الصعوبات والتعاون معهم.

81): الموضوعیة فی استخدام وتوزیع الحوافز المادیة والمعنویة.

82): تقویة نظام الإحصاء وترتیب المعلومات حتی تکون ملکة عادیة بالنسبة إلیه وبالنسبة إلی من یتمکن من التأثیر علیه.

83): التعود علی تنظیم دوری عن أعماله وأعمال وحدته.

ص:122

84): حب العمل المیدانی والقرب من مواقع التنفیذ.

85): متابعة سیر تنفیذ توجیهاته وقراراته بحزم واستمرار.

86): القدرة علی معرفة أسباب الخطأ ومعالجتها.

87): المحافظة علی أسرار الوحدة الساریة فی روح المنشئة.

88): المحافظة علی موجودات المنشئة.

89): السعی الدائب لتطویر التعلیمات وأسالیب العمل وتبسیطها.

90): السعی لتحدیث أدوات الإدارة باستمرار، سواء کانت الأدوات باشتراء أو باستئجار.

91): العمل علی تکوین وتقویة الفئة الاحتیاطیة من الإداریین والاختصاصیین، علی ما ألمعنا إلیه سابقاً حیث یحتاج العمل إلی الاحتیاطی.

92): الاحتفاظ بإمکانات إحتیاطیة لمواجهة الظروف الطارئة.

93): العمل علی جاهزیة إداراته لاستمرار عملها بوتیرة مناسبة فی الحالات العادیة أو الطارئة.

94): ممارسة الوظائف العامة للإدارة بشکل متکامل ومتوازن.

95): التغییر المناسب للإدارات أو الأشخاص أو الآلات إذا اقتضت الظروف ذلک.

96): الحرص علی الاحترام المتبادل مع الرؤساء والمرؤوسین

ص:123

والزملاء والجماهیر، إذا کان محل احتیاجهم، منطلقاً من احترام الذات وإتقان العمل الشخصی.

97): عدم المس والتشهیر بمن سبق وبمن هو فی الحال رئیس أو مرؤوس أو زمیل له، وکذلک جماهیرالمتعاملین معه.

98): الاهتمام بالروح المعنویة للمرؤوسین وأوضاعهم المادیة.

99): التعامل مع العاملین کبشر، ولیس کأشیاء، علی ما سبق الإلماع إلی مثل ذلک.

100): الاهتمام بالعلاقات الاجتماعیة لهم وتقالیدهم وأعرافهم.

101): البساطة.

102): عدم إرباک المرؤوسین وعدم تکثیر الأوامر علیهم وانتقادهم.

103): السعی لرفع کفاءاتهم باستمرار وإظهار مواهبهم ومبادراتهم.

104): السعی لخلق احتیاطی من العناصر الکفوءة حتی یکونوا رؤساء، ومن یدیر الأقسام ومن أشبه، وهذا غیر ما تقدم من الاحتیاطی.

105): نسبة النجاح إلی الناجح، لا أنه یجعل النجاح من حصته، کما أنه إذا کان النقد وارداً علی نفسه بین ذلک من دون أن ینسبه إلی غیره.

ص:124

106): التکلم باحترام، ویقول عن نفسه نحن ولا یقول أنا.

107): المشورة والروح الاستشاریة فی المناقشات.

108): الحزم فی تحمل مسؤولیة القرار وتنفیذه.

109): تشجیع العمل الاجتماعی والتعاون بین العناصر.

110): الاعتماد علی العناصر الکفوءة وإیجاد التنافس الشریف بین العناصر.

111): حسن التعامل مع الرؤساء والزملاء والمرؤوسین والجمهور.

(112): تمرین النفس حتی تکون قادرة علی السیطرة وفرض الانضباط.

113): احترام سلطات وصلاحیات المرؤوسین وعدم تجاوز رؤساء التسلسل.

114): الثقة بالنفس.

115): الثقة بالآخرین مع حسن الرقابة وحسن الظن بما لا یکون موجباً للخبال.

116): حسم الخلافات بالسرعة الممکنة وبالعدالة والإنصاف والإحسان.

117): إلقاء روح الوئام والأخوة بین العناصر.

118): أن یکون هو المقدم فی کل أمر یأمر به المرؤوسین، فإن

ص:125

الرئیس أسوة، فإذا رأوا أنه یعمل بما یقول عملوا هم أیضاً، وإلاّ کسلوا، وکذلک فی النواهی.

119): مساعدة المرؤوسین فی تنفیذ واجباتهم، وتوضیح طریقة التنفیذ وإرشادهم إلی أفضل الطرق.

120): مساعد المرؤوسین والزملاء، بل والرؤساء أیضاً علی تصحیح الأخطاء وتجاوز الصعوبات.

121): الاهتمام بأن یکون قدوة حسنة بالنسبة لا إلی المرؤوسین فحسب، بل وحتی الزملاء وحتی الرؤساء، فإن الإنسان الحسن السیرة یکون قدوة لمن فوقه أیضاً.

122): المصارحة بدون التجریح وإنما مع المداراة.

123): إیجاد الثقة المتبادلة بینه وبین الجوانب الأخر.

124): لزوم الوصول إلی المحبوبیة لدی المرؤوسین والرؤساء والزملاء.

125): الابتعاد عن الشعبیة الرخیصة.

126): توفر الجرأة الأدبیة اتجاه الرؤساء والزملاء والمرؤوسین.

127): حسن الاستماع إلی کلام الآخرین، فإن الإستماع الحسن من أسباب استقطاب المتکلم حول نفسه.

128): الاهتمام بفهم جهات نظر الآخرین وإن کانت مخالفة لآرائه، وعدم الغرور فی جعل رأیه فوق آرائهم.

ص:126

129): لا یرفع صوته علی الآخرین، ولا یصرخ خلال المناقشة مع المرؤوسین، ولا یحدث الضوضاء والجلبة.

130): الاستفادة من تجارب الذین سبقوه وخبراتهم، بدون الغرور وتصور أنهم ما کانوا یفهمون، وأنه هو الذی یفهم، کما یتفق ذلک فی کثیر من المغرورین والجهلاء.

131): الشعور بالانتماء والولاء للمنشئة، وتنمیته لدی مرؤوسیه.

132): الدعایة الواقعیة للمنشئة وشرح أوضاعها بموضوعیة.

133): الجدیة فی موضع الجد، والدماثة فی موضع الدماثة، وفی المثل (لا تکون قاسیاً فتکسر، ولا لیناً فتعصر).

134): تأیید المرؤوسین علی ممارسة الصلاحیات وتحمل المسؤولیات، ویجعل الرجوع إلیه فی حالات استثنائیة فقط.

135): الحزم فی تطبیق مبدأ الثواب والعقاب فی المرؤوسین، بدون المحاباة ونحو ذلک مما یوجب قلة الهیبة والعنف.

136): تبسیط إجراءات التعامل مع الجمهور، وقد ذکرنا شرحاً حول التبسیط فی بعض مسائل هذا الکتاب.

137): إیجاد الجو المناسب لتعامل المواطنین مع المنشئة، وإبعاد النظرة الفوقیة بالنسبة إلیهم.

138): تقصی صدور القرارات والإجراءات علی الجمهور معنویاً ومادیاً.

ص:127

139): تصحیح الأخطاء کلما عن له الخطأ، والسیر بالمنشئة إلی الأفضل کلما حدث ذلک.

140): احترام النفس.

141): الالتزام.

142): حب العمل فی المنشئة التی یرأسها.

143): الذکاء وسرعة البدیهة، فإن الإنسان قابل بأن ینمی فی نفسه أمثال هذه الصفات، ولو بقدر تتحمله ظرفیته.

144): الإخلاص.

145): التواضع مع الاعتناء بالنفس والبعد عن الغرور أو التعالی.

146): الموضوعیة، بأن لا یکون ذاتیاً أو انفعالیاً مزاجیاً.

147): الصدق مع الرؤساء والزملاء والمرؤوسین والجماهیر.

148): الصراحة والابتعاد عن الوشایة.

149): النزاهة.

150): قوة التحمل والصبر والمثابرة والاستقامة.

151): النشاط والقوة البدنیة والتریض باعتدال، ویمکن تحصیل ذلک بسبب الریاضات الخفیفة ونحوها.

152): طیبة القلب وکرم النفس.

ص:128

153): اعتبار الوظیفة مسؤولیة أکثر منها وجاهةً ومعاشاً.

154): اعتبار المصلحة العامة کأنها مصلحة خاصة، وتقدیم مصلحتهم علی مصلحته الذاتیة.

155): القدرة علی الفصل بین المصلحتین، حتی لا یتصور أن مصلحته مصلحة العامة أو بالعکس.

156): وأخیراً بل أولاً، التوکل علی الله سبحانه والاستعانة به، والاستخارة بأن یطلب الخیر من الله سبحانه وتعالی فیما یرید أن یفعل أو یدع، وفی الآیة الکریمة: ﴿ومن یتق الله یجعل له مخرجاً * ویرزقه من حیث لا یحتسب ومن یتوکل علی الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لکل شیء قدراً﴾((1)).

ومن الواضح أن: «من وثق بالله أراه السرور، ومن توکل علی الله کفاه الأمور»((2))، وروایات الاستخارة بمعنی طلب الخیر من الله سبحانه وتعالی متعددة((3)).

الإنسانیة کالأرض الخالیة یمکن أن یزرع فیها الطیب أو الخبیث، وإن کانت الأراضی تختلف بین طیب وأطیب، ولذا ورد الحدیث عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) أنه قال: «الناس معادن کمعادن الذهب والفضة»((1)).

مجرد صفات إذا تحلی بها الفرد یصبح قائداً، وقد ذکرنا بعض الصفات التی یجب أن تتوفر فی القائد، أم هی ظروف معینة إذا وجدت ظهر القائد، وإذا تغیرت تغیر القائد، أم أن القائد یظهر فی حالة وجود هدف معین، فإذا تغیر الهدف تغیر القائد، أم هی موقف معین لمجموعة أشخاص، فإذا تغیر الأشخاص تغیر القائد.

والظاهر أن القائد بحاجة إلی الصفات، والظرف الخاص، والهدف الخاص، وعند توفر هذه الأمور تجتمع الأشخاص، وینجذبون إلی القائد انجذاب الشیء إلی شبهه، فکل من نظریات الصفات والظروف والمجموعة والهدف لا تکفی أن تکون مبرراً لظهور القائد، وأن یستدل کل واحد علی ما اختاره.

مثلاً نظریة الصفات تقول: صفات القیادة أمور، حتی إذا توفرت فی إنسان کان قائداً وهی: توفر طاقة جسمانیة، وعصبیة، وشعور قوی بالهدف وبالاتجاه، والحماس، والصداقة، والشعور الرقیق، والخبرة الفنیة، والحزم، والقدرة علی إتخاذ القرارات، والذکاء، والقدرة علی تعلیم الآخرین، والإیمان.

وبعضهم یری أن الصفات التی تجعل من القائد قائداً عبارة عن: السن، والوزن، والارتفاع، والقوی الجسمیة، والمظهر، والصوت، والذکاء، والمعرفة، والحکم السلیم، وبُعد النظر، والإصابة فی التفکیر، والقدرة علی التعبیر، وعدم الانطواء الشخصی، والقدرة علی تحمل المسؤولیة، والأمانة، والثقة بالنفس، والسیطرة علی الأعصاب، والتفاؤل، والمرکز الاجتماعی، والمهارات الاجتماعیة، مثل حسن التصرف والدبلوماسیة والتعاون.

أما نظریة الظروف فتقول: الشخص الذی یملک أکثر کمیة من

ص:131

المعلومات عن موقف معین یصبح قائداً فی هذا الوقت بالذات، فإذا تغیرت الظروف تغیر القائد.

والنظریة المجموعیة تقول: العبرة فی أشخاص مجموعة، فإذا تغیر الأشخاص تغیر القائد.

ونظریة الهدف تقول: إنه إذا تغیر الهدف للجماعة تغیر القائد.

لکنک خبیر بأن هذه النظریات لا تتمکن أن تثبت أمام الواقع الذی ذکرناه من لزوم الظرف الخاص والصفات الخاصة والهدف الخاص، وعند ذلک تنجذب مجموعة من الأشخاص حول القائد فیصبح قائداً، فإذا فقدت إحدی الشروط الثلاثة الأول لا یکون انجذاب ولا تکون قیادة.

ومن الواضح أن وجود صفات القیادة فی شخصیة معینة لا یجعل منها قائداً، والقائد قد یکون کذلک فی وقت معین، وقد لا یکون قائداً فی وقت آخر، کما أن هناک الکثیر من الأشخاص یتصفون بصفات القیادة ولیسوا بقادة، فإن صفات القیادة فی ذاتها قد تتوفر فی شخص دون أن یحتل مرکز القیادة لأسباب تتعلق بالموقف أو بالظروف المحیطة.

نسبیة فی ذاتها، وتابعة للظروف الخاصة والأهداف الخاصة، لوضوح أن مجرد وجود جماعة من الناس لا یعنی وجود قائد، کما أن وجود من فیه صفة القائد لا یعنی أن یصبح قائداً فعلیاً، فیجب أن یکون هناک هدف، والظروف نفسها تحدد الصفات الواجب توفرها فی الشخص، إذ قد تفرض الظروف قیادة لا عنف وقد تفرض الظروف قیادة عنف، وهکذا.

وتظهر القیادة نتیجة ظروف اجتماعیة للوصول إلی هدف، فیربط القائد بالهدف، نعم الصحیح أنه یمکن أن یکون کل من العنف واللاعنف مثلاً وسیلة للوصول، ففی الجزائر مثلاً العنف أوصل الجزائریین إلی الحکم، بینما فی الهند أوصل اللاعنف الهنود إلی الحکم.

وتظهر القیادة نتیجة التفاعل الاجتماعی بین شخص وآخرین، فانعزال الأشخاص عن بعضهم عزلاً تاماً لا یمکن أن یظهر القائد، فإذا أنشئت مشکلة معینة وظهر شخص معین یبین الحلول والأفکار الجدیدة لها، فإنه یصبح قائداً لهذه المجموعة إذا رأت المجموعة أنه هو الشخص المنشود الذی یتمکن من الإیصال بالمجموعة إلی الأهداف المنشودة بسلام.

فأساس القیادة هو اشتراک القائد والتابعین فی تحقیق أهداف مشترکة، فلا یمکن أن یقال: إن فلاناً قائد باعتبار أنه ذکی أو ماهر أو مفکر أو مخلص أو مثابر أو مستقیم أو نزیه أو ما أشبه.

نعم لا شک أن هذه الصفات معتبرة فی القائد دون العکس.

أما العلاقة بین القائد وتابعیه فمن طبیعة البشر أن یجتمع الإنسان فی مجموعات بغیة إشباع حاجاته أو الإقلال من خسارته التی هی عدم إشباع مجموعة من رغباته أو بعض رغباته، فإن الإنسان وحده لا یتمکن من الوصول إلی الهدف فی الأمور الکبیرة، وإن تمکن فی الأمور الصغیرة.

ص:133

ویقبل الأفراد توجیه الآخرین، لأن إشباع حاجاتهم سیتم عن طریق الآخرین، فیعتبر القائد علی هذا الأساس وسیلة لتحقیق رغبات تابعیه، فإذا اعتقد الأشخاص أن حاجاتهم ستشبع عن طریق شخص ما یصبحون تابعین له ویصیر ذلک قائداً لهم.

کما أن هناک بدائل یمکن اتباعها فی الوصول إلی الهدف، مثل الإنسان الذی یرید السفر من مکان إلی مکان، فإنه یتمکن أن یسافر بالطائرة أو السیارة أو القطار أو الدابة أو الرجل، وأحیاناً تکون الطرق متساویة کالسفر بهذه السیارة أو هذه السیارة، أو السفر علی هذه الدابة أو علی هذه الدابة.

ثم إن التابعین یتبعون القائد لأنه یعدهم ویقوم فعلاً بالحصول علی ما یریدون أکثر من غیره، ویرون فیه الکفاءة والشهامة والمتطلبات القیادیة، ومن غیر شک أن الشخص الذی تتوفر لدیه صفات محددة للقیادة یتوقع منه أن یحقق أکثر ممن لا تتوفر فیه هذه الصفات، بل قد تکون الصفات منحصرة.

علی السلطة المفوضة إلیه من أعلی أو من المجموعة.

أما القائد فیستمد سلطاته من الجماعة ذاتها، مع تفاوت بین صفات هذا وصفات هذا.

وعلی کل، فالقیادة تنبع من الجماعة، ویشعر الأعضاء بالحاجة إلیها، وتؤمن بأهداف الجماعة وتشعر بشعورهم، مستمدة منها سلطاتها، لا کشکل رئیس أو مدیر.

دافع اهتمامه مما یمسّ بکرامته، للحصول علی التعاون المطلوب.

ویلزم علی الرئیس إفهام الموظف العنید أنه یستحیل إتمام الأعمال فی جو یسوده العناد، وربما یضطر الرئیس إلی نقل الموظف إلی مکان آخر أو فصله اضطراراً إذا کان لا یمکن إطفاء العناد، فیکون ذلک کمثل بتر العضو الفاسد الذی لا ینتفع منه، وربما یخشی علی سائر الأعضاء من العدوی.

الاقتراحات للاطلاع علی الاتجاهات السلبیة المحتاجة إلی المبادرة.

وقد ذکر بعض المؤرخین أن علیاً (علیه الصلاة والسلام) کان قد صنع فی الکوفة غرفة فی وسط المدینة، وکان فی أطراف الغرفة ثقب وکانت تسمی ببیت القفص، فکان الناس الذین عندهم حاجات أو اقتراحات أو ما أشبه ذلک یکتبون ذلک فی رسائل یلقونها فی هذه الدار، فیجمعها علی (علیه الصلاة والسلام) ویقرأها ویعمل حسب ما یری من إجابات تلک الرسائل أو ما أشبه.

نعم أحیاناً یکون الأمر الذی أثار اعتراض المرؤوس أمراً ضروریاً حیویاً للرئاسة أو الإدارة أو القیادة، فحینذاک یجب الإقناع والتفاهم، أما إذا استمر العصیان فاللازم علی الرئیس نقل مثل هذا الموظف أو فصله، علی ما ذکرناه فی أمر سابق.

الذی هو یظهر عدم أمانته فیه، فإذا رأی الرئیس أنه لا ینقلع فاللازم علاج الأمر بما یصلح الموضوع من الإجازة أو الفصل أو التشهیر أو النقل أو العقاب أو ما أشبه ذلک.

الأقسام الثلاثة، فإن المدیح یقوی الرابطة عند المرؤوسین بالرضا والقبول من الآخرین.

وعلیه فاللازم علی المشرف من أی الأقسام کان، أن لا یعتقد أن الأعمال الممتازة شیء بدیهی، وأنه واجب المرؤوس أن یأتی به، بل یمدحه بما یستحق المدح، من دون زیادة أو نقیصة، بأن لا یکون فیه مغالاة، فإن القلیل من المدیح الصادق أکثر مفعولاً من الکثیر الکاذب، فاللازم أن لا یکون فیه إفراط ولا تفریط.

ویجب أن یأتی المدیح فی الوقت المناسب، ولا یلزم أن یکون مباشرة بعد إتمام العمل، ومن المفضل أن یکون المدیح أمام الآخرین إذا لم یکن هنالک محذور فی ذکر هذا المدیح.

والمدیح یجب أن یکون بصفة شخصیة أحیاناً، وبصفة رسمیة أخری، وهذا موکول إلی المادح، حیث یری أن أیهما هو الأفضل.

کما أن اللازم أن یبتعد المدیح عن الانفعالات الشخصیة حتی یتصف المدیح بالموضوعیة وعدم التحیز والمحاباة وما أشبه، ویجب أن یشیر المدیح إلی أن الموظف یمکنه أن یفعل أحسن مما کان حتی یشجعه علی الترقی.

کما أنه یلزم أحیاناً نقد الرئیس للموظف، لکن یجب أن یتم النقد بدون انفعال وبدون تجریح، وأن لا یوجه أمام الآخرین، ففی الحدیث: «من نصح أخاه سراً زانه، ومن نصح أخاه جهراً شانه»((1))، إلا إذا اضطر إلی المجاهرة، وحینئذ یجب أن تکون المجاهرة بقدر، فإذا کفی المجاهرة أمام عشرة لا یتعدی ذلک إلی المجاهرة أمام عشرین وهکذا.

کما أنه یجب علی الرئیس أن لا یعطی النقد لأشخاص غیر المرؤوسین المباشرین، بل یوجّه النقد إلی الرئیس المباشر الذی هو دونه أو زمیل له أو هو فوقه، کما أنه یجب أن لا یوجه النقد بأساس شخصی وإنما بصفته عضواً فی الجماعة إلاّ إذا کان التصرف تصرفاً غیر لائق

ص:140

شخصیاً، فإن التصرفات قد تضر الشخص وقد تضر المؤسسة وقد تضرهما معاً، وبالإصطلاح المنطقی: (بینهما عموم من وجه).

کما أن النقد یجب أن یخفف مهما أمکن، فلا یکون بقسوة فی غیر محله.

وهکذا یجب أن یکون النقد إیجابیاً أی بهدف البناء والتحسین والإصلاح لا الهدم، وکثیراً ما یسبب النقد ابتعاد المنتقد أکثر فأکثر، کما قال الشاعر:

دع عنک لومی فإن اللوم إغراء

وداونی بالتی کانت هی الداء

وعلی أی، فاللازم أن یوجه النقد بشکل لا یثیر انفعال الموجه له النقد، ولا انفعال الآخرین، إذ قد یثیر النقد انفعال الآخرین.

هذا بالنسبة إلی الأمر الأول.

الثانی: یجب التأکد من عدم وجود أیة معوقات تعطل من عرض الشکوی علی الرئیس.

الثالث: عند الاستماع إلی شکوی من مرؤوس معین، یجب إعادته إلی حالاته العادیة، أی حالاته قبل الانفعال، وقد رأی بعض الإداریین أن من طرق إعادة الشاکی إلی حالته الطبیعیة أن یصمم الرئیس علی أن لا ینظر فی الشکوی إلا إذا ابتسم الشاکی ویستدرج الشاکی إلی حیث الابتسام والرجوع إلی حالته الطبیعیة.

الرابع: أن یکون الرئیس راغباً حقیقة فی معرفة الحقائق والدوافع قبل اتخاذ أی قرار بشأن الشکایة، بصرف النظر عن الأمور التی ترد أحیاناً فی الشکایة الکتبیة أو اللسانیة، حیث حالة الهیجان والهامشیات وما أشبه ذلک.

الخامس: یجب عدم تعجیل اتخاذ قرار فی الشکوی، وإذا کان من الضروری التعجیل فإنه من الأهمیة بمکان وتحدید موعد أقصی لاتخاذ القرار حتی یطمئن الشاکی إلی جدیة دراسة الموضوع.

السادس: استعداد الرئیس لرفع موضوع الشکوی، إذا اعتقد الشاکی أن موضوع الشکوی غیر عادل.

السابع: إذا لم یکن للرئیس وقت کاف لاستماع الشکوی أو حل المشکلة، وکل الأمر بمن یکون حصیفاً ویرضی عنه الشاکی لیحل هو الشکوی.

الثامن: قد یمکن إرضاء الشاکی بإعطائه امتیازاً مادیاً أو معنویاً،

ص:142

وقد یکون ذلک أفضل من حل شکواه حیث تبقی الجذور فی نفسه وتعود مرة ثانیة إلی الظهور أو نحو ذلک.

التاسع: من الضروری تجنب تعدی الشکوی إلی سائر المرؤوسین، وذلک بأخذ الاحتیاطات اللازمة حول الشکوی حتی لا تسرعه، فإن الشکوی مثله مثل النار، قلیلها کثیر وصغیرها کبیر.

العاشر: یجب اتباع الحلول الوسط إذا لم یمکن الحل النهائی للشکوی، فإن کثیراً من الناس یرضون بالحلول الوسط حیث یرون فیه النصفة بین الشاکی وجهة شکواه.

ص:143

وفی الأحکام الدیمقراطیة تکون الرقابة من مهمات الدولة، وأول أشکال هذه الرقابة هی مسؤولیة الحکومة أمام المجالس، وأغلب دساتیر الحکم تنص علی رقابتین:

الأول: مسؤولیة مسبقة تتمثل بالثقة التی تمنح الحکومة، والتی هی عبارة عن السلطة التنفیذیة عند تولیة الحکم بناءً علی البرنامج الذی تتقدم به إلی المجلس قبل ممارسة مهمتها.

والثانی: مسؤولیة مرافقة تمارس أثناء الحکم علی ضوء الأعمال التی تقوم بها الحکومة، أی السلطة التنفیذیة، وذلک بطریق الاستجواب أو طلب الإیضاحات عن الأمور الغامضة، أو التی تخالطها الشکوک فی مجلس الأمة، فإن الوزیر أو رئیس الوزراء أو رئیس الجمهوریة یستجوب فی مجلس الأمة بأی شکل کان ذلک المجلس.

وحیث إن المسألة تتعلق بالحقوق الدستوریة لا یبحث هذا الشکل من الرقابة بل علی السلطة التشریعیة أن تستمر فی الرقابة علی السلطتین الأخریین أی القضاء والسلطة التنفیذیة، ولذا کان لابد من الاستعانة بوسائط متخصصة ذات قدرة علی الدخول فی أعماق التصرفات الحکومیة والقضائیة، وتتبع مواضع السلامة والمرض فیها بشکل بعید عن التأثیرات والضغوط، فتفوض ذلک إلی أجهزة ترتبط بها وترفع إلیها نتائج مشاهداتها بشکل تقاریر دوریة علی فترات زمنیة معینة، أو فوریة بالنظر للحادثات والوقائع.

أولاً: بالکفاءة العلمیة التی تمکنها من فهم النصوص التشریعیة (أو التأطیریة) فهماً صحیحاً وعمیقاً یصل إلی آرائها الحقیقیة.

وثانیاً: النزاهة فی الأخلاق، التی تنتابها عن المغریات وسائر أشکال التحیز.

وثالثاً: الاستقلال عن السلطة التنفیذیة.

ورابعاً: المهارة الفنیة التی تؤهلها بإدراک التصرفات الحکومیة والقضائیة وتمییز الصحیح من الفاسد منها.

الأحزاب السیاسیة والمنظمات ووسائل الإعلام کالرادیو والتلفزیون، کما أن الحکومة بنفسها تمارس رقابة واسعة ومتعددة الأشکال والمستویات علی أجهزتها المنفذة، فتسلسل الوظائف والرئاسات ضمن الإدارة الواحدة یؤدی هذا الدور، وأجهزة التفتیش المتخصصة التابعة للإدارة ذاتها تمارس رقابتها.

وإذا کان الحکم إسلامیاً بأن کان شوری الفقهاء هو الذی یحکم البلاد، یجب أن تکون هناک رقابة من هذه الجهة أیضاً علی کل الأطراف التی تؤطر القوانین فی المجلس التشریعی، أو تنفذها وتقضی بین الناس، کما قد تحدث أجهزة مرکزیة ترتبط برئیس الحکومة تمارس رقابة کبری باسمه.

والغرض من کل أقسام الرقابة مرتبطة بأیة جهة کانت هو التأکد من أن التصرف والتنفیذ والقضاء یسیر فی طریق الأهداف التی وضعت من أجلها التشریعات فی الدول الدیمقراطیة، أو أطرت التشریعات بالإطار الصحیح فی الدولة الإسلامیة، وأن هذه التأطیرات والتنفیذات والأحکام القضائیة إنما تسیر بشکل سلیم، وبقدر جید من الکفاءة.

إذ من الواضح أن التصرف یکون بلا قیمة إذا لم یکن متوجهاً إلی أهداف معینة نافعة ومحددة فی النصوص، فإن النصوص قوالب تتضمن أحکاماً ذات مقاصد معینة، وفی خلاف ذلک تکون کلاماً فارغاً، وتکون مهمة المراقب فی هذه الحالة کالعسکری الذی یشرف علی الموظفین بأمور خاصة کالسیارات والقطارات والمطارات وما أشبه.

ویلزم کفاءة الأجهزة الرقابیة، فإنه مهما بلغت التشریعات والأنظمة والخطط من الإتقان، فإن سلامة الناتج من تطبیقها منوطة بکفاءة الأجهزة المنفذة، لذا فلیس کافیاً الوصول إلی النتائج الصحیحة

ص:147

وجود تشریعات قیمة إذا لم تتوفر أجهزة تنفیذیة خبیرة ونظیفة للتفتیش عن صحة التطبیق لتلک التشریعات.

والدواء، لکنه لا یملک أدویة للعلاج.

کما أن من الضروری علی الجهاز الرقابی أن یسیر فی طریق سلیم بدون التواء ووعورة حتی یصل إلی الهدف، فإذا کانت هنالک طرق متعددة فمن واجبات الرقیب تمییز هذه الطرق والإشارة إلیها، والعمل للوصول إلی الهدف بأقل جهد ممکن وکلفة من المال ونحو ذلک، ولذا کان اللازم علی الرقابة:

وعلی هذا، فمن اللازم البناء علی أرجحیات وقیاسات سلیمة للمشروعات، توضع برامج فنیة ومالیة وزمنیة لإنجازها.

وبناءً علی أسس سلیمة من التخطیط وإتاحة جمیع إمکانات ومسلمات التنفیذ یمکن تحقیق رقابة صحیحة علی المشروعات من جهة کفاءة تنفیذها ونتائجها.

فالرقابة لها اتجاهان، اتجاه سلبی للوقوف دون العطب والفساد والانحراف، واتجاه إیجابی یتعلق بأغراض التنمیة من التأکد علی سیر عملیات التنمیة فی اتجاه الأهداف واستعمال الموارد والإمکانات المخصصة بشکل سلیم، والحد من الإسراف فی الأعمال، والعمل علی تطویر العمل الإداری وتحسینه، وتحقیق الکفاءة الإنتاجیة أی لون کان من الإنتاج، سواء کان إنتاجاً ثقافیاً أو عسکریاً أو زراعیاً أو صناعیاً أو غیرها، والمحافظة علی جدیة النشاط وإبعاده عن الأهواء والتیارات التی تجرفه عن غایاته، وتستهلک جزءاً من قدراته فی غیر صالح العمل، وتقییم النتائج والإنجازات.

کما أن اللازم فی الرقابة الإیجابیة ملاحظة عدم وقوع التناقض بین التشریعات والأعمال التنفیذیة، سواء بین بعضها البعض أو بین إحداها والأخری التی هی کثیرة فی الحکومات وفی الشرکات الکبری، وأحیاناً تجد سبیلها إلی الإدارات الخاصة أیضاً.

والتناقض یحدث إما لتوارد المصالح، أو لتضارب الإجتهادات، کما ألمعنا إلی القسمین فی السابق.

ومن الواضح أن التناقض بین السلطات الثلاث أنفسها بأنفسها، أو بعضها البعض یشکل عیباً ونقصاً واضحاً فی التخطیط بحیث یخرجها عن مدلولها ویؤثر علی أهدافها الأساسیة ویفقدها أکبر قدر من قیمته، بالإضافة إلی نظر الشعب إلی مثل هذه القدرة بعد ذلک نظر ازدراء.

ص:150

وهذا التناقض غالباً یقع لدی أکثر الدول المبتدئة فی طریق النمو، خصوصاً الدول الدکتاتوریة بسبب یقظتها المفاجئة، ووقوفها أمام الواقع المتخلف فی کل المرافق والنواحی، ومحاولتها إزالة أنقاض هذا التخلف دفعة واحدة، وإشادة بناء وطنی حدیث متقدم علمیاً صحیحة کفوءة، وقعت الدولة فی متاهات التخبط ومهاوی الفساد والتضخم والرشوة وما أشبه ذلک.

التسویق، والتکالیف الإداریة، والرقابة علی الأجور والمرتبات، والرقابة علی المصروفات.

وثانیاً: الرقابة علی المواد والآلات، وتشمل درجة استخدام المواد استخداماً أمثل، والرقابة علی الطاقة الإنتاجیة للآلات المستخدمة والعاطلة.

وثالثاً: الرقابة علی الجودة، کالرقابة علی جودة الإنتاج والسلع، والرقابة علی جودة الأبحاث المتعلقة بالمنشئة ککل، أو بکل جزء جزء من أقسام المنشئة.

ورابعاً: الرقابة علی الوقت، کالرقابة علی وقت العمال، والرقابة علی وقت الموظفین، والرقابة علی وقت الإداریین.

وخامساًَ: الرقابة علی جودة الإدارة والإداریین.

وذکر بعضهم: إن مجالات الرقابة بالنسبة لمشروع صناعی یمکن أن تکون کالآتی:

الرقابة علی الإنتاج، والرقابة علی الأفراد، والرقابة المالیة، ومراجعة الحسابات، والرقابة علی التسویق، والرقابة الشاملة للمشروع ککل، والرقابة علی الأهداف کالرقابة علی المرکز السوقی وعلی الإنتاجیة ونحوهما، والرقابة علی السیاسات، والرقابة علی الإجراءات، والرقابة علی المیزانیات التقدیریة، والرقابة علی البرامج الزمنیة، والرقابة علی التنظیم الهیکلی، والرقابة علی الإداریین، والرقابة علی الروح المعنویة، والرقابة علی الانحرافات، وأخیراً الرقابة علی الصور الذهنیة للمؤسسة، فإن لکل مشروع _ صغیراً کان أو کبیراً حکومیاً أو أهلیاً _ شخصیة تماماً مثل شخصیة الفرد، فکما أن الفرد له

ص:152

صورة ذهنیة عند الرأی العام کذلک المشروع بما هو مشروع، والمراد بالصورة الذهنیة للمشروع الانطباعات الشعوریة واللاشعوریة عند الجماهیر.

ومن أحسن المؤشرات عن نجاح المشروع وفشله هی الصورة الذهنیة لدی الجماهیر، لأنها مقیاس شامل لقدرة الإدارة علی تحقیق مسؤولیاتها الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة وغیرها، لذلک فمن الضروری لکل المشروعات الرقابة علی الصورة الذهنیة له عند الجماهیر.

وهنا سؤال هو أنه هل تتکون الصورة الذهنیة بناءً علی الحقائق، أم علی أساس انطباعات الناس عن الحقائق، إذ قد تختلف الثانیة عن الأولی، فإنه فی بعض المواقع یقع بین الرأی العام وبین الواقع تدافع، حیث إن الرأی اعتاد الانحراف بسبب مغریات خارجیة أو داخلیة، وهنا تقع المنشئات فی أزمة بین مراعاة الضمیر وبین مراعاة النجاح حسب الرأی العام، لکن المنشئة إذا کانت لائقة والإدارة حازمة یلزم علیهما ملاحظة الواقع، فإن الواقع أحمد عاقبة وأدوم زماناً.

ثم إنه لیس للمؤسسة صورة واحدة عند الناس، بل أحیاناً تکون لها عدة صور ذهنیة تختلف باختلاف نوع الجماهیر المستهلکین وجماهیر الموردین وجماهیر الموظفین وجماهیر المستثمرین.

کما أن الصورة الذهنیة عند الجمهور الواحد لها عدة وجوه، أو عناصر تختلف باختلاف الوقت والظرف وسائر الشرائط.

والجمهور عبارة عن مجموعة من الأفراد تقع فی محیط نشاط مشروع أو مؤسسة تؤثر علیها وتتأثر بها، ویختلف فی تکوینه حسب طبیعة الأمر، وعلی هذا یمکن وجود الجماهیر الآتیة لأی مشروع، کجمهور المستخدمین، وجمهور المساهمین، وجمهور

ص:153

المستهلکین الحالییّن، وجمهور المستهلکین المتوقعین، وجمهور الموردین، وجمهور المنافسین، وجمهور الطبقات الاجتماعیة، وجمهور الحکومة المرکزیة، وجمهور الحکومة المحلیة، وجمهور الصحافة، وجمهور الرادیو، وجمهور التلفزیون، وجمهور النوادی والصحف، وجمهور الاتحادات والمؤسسات المهنیة والعلمیة وغیرها.

وعلی هذا یعتبر کل شخص فی المنظمة مسؤولاً عن تکوین شخصیة المنظمة، من الرئیس الإداری الأعلی إلی عامل التلفون وعامل النظافة، لأنهم أسرة واحدة مرتبطة بهذه المؤسسة، إن ارتفعت ارتفعوا، وإن انخفضت انخفضوا.

منها حکومة عادلة شعبیة.

والرأی العام یتکون غالباً علی أساس مصالح ذاتیة حسب مصلحة الجمهور من جهة انطباعه عن الحقائق، وللرأی العام حساسیة للحوادث الهامة أو تلک التی تتعرض لمصالح الأفراد.

أولاً: دراسة الجماهیر من ناحیة آرائها وعاداتها وتقالیدها ووجهات نظرها، أی معرفة الرأی العام لدی مختلف الجماهیر، وإیصال هذه الانطباعات إلی الإداریین حتی یعدلوا فی خطتهم إن کانت محتاجة إلی التعدیل.

وثانیاً: إعلام هذه الجماهیر فی الوقت المناسب بوجهة نظر المشروع وسیاساته، والتأکد من أن المعلومات التی تصل للجماهیر حقائق ولیست أخباراً کاذبة.

ویتم هذا الإعلام إما بواسطة وسائل الإعلام العامة أو بسبب منشورات أو حفلات أو زیارات أو أما أشبه ذلک.

ثم حیث یتکون الرأی العام من کل فرد فرد، فاللازم علی المنشئة أن تراعی کل فرد فرد، فلا تقول: إن زیداً أو عمرواً لیس بمهم، فإنه مهم ومهم جداً، فإن البحار تتکون من القطرات، والصحاری تتکون من الرمال، ولذا نجد فی تاریخ العظماء أنهم کانوا یهتمون بکل فرد فرد.

وفی حیاة رسول الله (صلی الله علیه وآله) أمثلة متعددة من هذا القبیل، والتی منها ما ورد من أنه (صلی الله علیه وآله) أعطی سائلاً شیئاً ثم لما رأی عدم ارتیاحه عن العطیة قال له: هل أحسنت، قال السائل: ما أحسنت ولا أجملت، ولما أراد الصحابة تأدیبه قال النبی (صلی الله علیه وآله) لهم: دعوه، ثم أخذه إلی بیته وأعطاه ما ارتاح إلیه السائل، فقال السائل: لقد أحسنت وأجملت یا رسول الله، وجزاک الله خیراً، فقال الرسول: اذهب وقل لأصحابی ذلک، فذهب السائل وأظهر رضاه عن الرسول (صلی الله علیه وآله) عندهم، فالرسول (صلی الله علیه وآله) أراد بذلک:

أولاً: أن لا یبقی حتی فرد واحد منه غیر راض.

ص:156

وثانیاً: أن یشعر أصحابه بأنه حتی هذا الفرد رضی عنه.

ثم من الجدیر أن تنشأ فی البلاد مؤسسات لمیزان رضا وسخط الجماهیر عن مؤسسة ما، وعن قدر المحبوبیة والمبغوضیة فی الأفراد الذین یریدون الوصول إلی مقامات رفیعة، أو یریدون البقاء فی مقاماتهم الحالیة، فتراجع المؤسسة أو الفرد هذه المؤسسة المعنیة لتقوم هی بدور الاستفسار عن الجماهیر لقاء أجر تأخذه من المؤسسة الطالبة أو الفرد الطالب، وتعطی النتائج للمؤسسة أو الفرد لتستمر المؤسسة أو الفرد فی حیاتها أو حیاته علی نتائج الرأی العام.

ص:157

الحکومات تصدر القمح واللحم علی الأکثر، إلی غیر ذلک.

والحکومة إذا کانت دکتاتوریة لا یعتمد علیها الشعب خصوصاً فی بلاد الإسلام، حیث إن الناس مسلمون، فإذا رأوا الحکومة غیر إسلامیة وإن نادت باسم الإسلام لیل نهار، لابد وأن یعاکسوها فضلاً عن عدم الاستماع إلی کلامها، وعدم الإکتراث بقوانینها، ولذا یحتکر التجار وتفشو الرشوة فی الإدارات الحکومیة من الرئیس الأعلی للدولة إلی کناس البلدیة وغیر ذلک.

وقد حدثت قصة کتبتها الصحف أبانها، وهی أن فی حرب عبد الناصر وإسرائیل یوم الحرب ذهب تجار إسرائیل إلی الدولة وقالوا لها: إنا مستعدون لکل ما تراها صالحاً بشأن السلع والاقتصاد والمال، بینما أذکر ونحن کنا فی العراق أن تجار العراق أخفوا السلع واحتکروها لیضعفوا قیمتها، فلماذا کان ذلک، ألیس لأن حکومة إسرائیل جاءت برغبة من الیهود وانتخاب حر منهم، وفی إسرائیل المؤسسات الدستوریة والصحف الحرة والأحزاب الحرة وما إلی ذلک، ولذا یری التجار أنها حکومتهم وأنها فی صالحهم، وأنهم منها وهی منهم مائة فی مائة، بینما جاءت حکومات العراق بانقلابات عسکریة ملأت السجون ونصبت المشانق ووسعت المقابر وأکثرت الفساد، فإذا کان همّ الشعب التخلص منها بأی وسیلة، ویرون تقویضها واستفزاز الناس ضدها من أهم ما یجب علیهم.

وکیف یمکن للمصلح أن یقول للتجار: اصلحوا، وهم یرون الحکومة فاسدة، والناس علی دین ملوکها، وکیف یتسنی للمتدین أن یقول لبعضهم: لا تسرقوا، وهم یرون أکبر السراق یأخذ بزمام البلاد والعباد، وهل حال المصلحین فی هذه الحکومات إلاّ کحال ذلک العالم حین رأی الخلیفة العباسی یقطع ید

ص:159

سارق فقال: الله أکبر سارق العلانیة یقطع سارق السر.

وعلیه فإذا کان لوم علی التجار والکسبة المستغلین، فضعف ذلک اللوم علی الحکومة التی جاءت إلی الحکم بالانقلاب العسکری، أو بالانقلاب الشعبی ثم استبدت بالحکم وضربت الناس أو جاءت بالوراثة، بل ألف لوم علی کل أعمال تلک الحکومة فی کل أبعاد الحیاة.

وعلیه فلیس من شأن الکاتب الإداری أن یضع اللوم علی الناس ویترک اللوم علی الحکومة.

ونحن نعدد هنا المشاکل بعد الغض عن هذه المشکلة الأساسیة، بل کل تلک المشاکل ولیدة هذه المشکلة، نقول:

الاستهلاک المترف بداع التقلید أو المحاکاة أو ما أشبه ذلک، وکان نتیجة ذلک دخول بعض السلع التی کان ینظر إلیها فی الماضی علی أنها کمالیة إلی نطاق الاستهلاک العادی لهذه الأسر، هذا فی الوقت الذی تقوم فیه الدولة بما تصطلح علیه بمسؤولیة حمایة المستهلک من ارتفاع نفقات المعیشة بتوفیر السلع الأساسیة أو الکمالیة بأسعار منخفضة مدعمة تقل عن تکلفتها الحقیقیة، وفی ذلک خطئان:

الأول: إن الحکومة سلبت الحریة.

الثانی: إن الحکومة هی التی تسبب الأسواق السوداء، علی الاصطلاح.

وکیف کان، فمن النتائج الطبیعیة للزیادة المطردة فی معدلات الاستهلاک أن یکون هناک ندرة فی السلع مما یتیح للتجار الذین هم غالباً من أعوان الحکومة وأعضادها لترفع الأسعار والتحکم فیها، وظهور فئة الوسطاء والدلالین والسماسرة ومن أشبه مما سبب زیادة القیمة.

وفی المثل (بالراعی تصلح الراعیة)، و(الناس علی دین ملوکها)، فإن الناس لما یرون أن الحکومة تفعل هذه الأمور بمئات وألوف الأضعاف التی هم یعملونها، فلا بد أنهم یعملون أیضاً مثل تلک الأعمال.

ثم فی الحکومات الدکتاتوریة بمختلف ألوانها إنما تحکم المحسوبیات والمنسوبیات، والمحسوبیات والمنسوبیات هی التی تعمل هذه الأعمال، لأنها لیست لدیها الوجدانیات والکفاءات وما أشبه ذلک، فکما هو قفز إلی الحکم من دون ملاحظة أی معیار دینی أو

ص:161

وطنی أو ضمیری، کذلک یتصرف بمثل هذه الأعمال الموجبة للمشکلة.

ولذا نری أن حملة الشرطة وما أشبه کلها تقابل عند الناس بالاستهزاء والازدراء، وأن مثل هذه الحملات لا تنفع شیئاً، بل المشکلة ستظل قائمة ما لم یکن هناک تعاون بین جهود الدولة من ناحیة والمستهلکین من ناحیة أخری، وذلک بعد أن تکون الدولة دولة صحیحة جاءت إلی الحکم بالانتخابات والمعاییر الحرة والأحزاب المتنافسة، فجوهر المشکلة یرجع إلی الحکومة أولاً وبالذات، وبعد ذلک إلی المستهلکین.

ویتمثل ذلک بعد إصلاح الحکومة _ لو فرض بقاء شیء من مثل ذلک _ إلی ترشید استهلاکهم، بأن یکون سلوکهم فی مواقف الاستهلاک بصفة عامة، والشراء والتجارة ونحو ذلک بصفة خاصة، سلوکاً یحکمه العقل والمنطق والدراسة والتحلیل والتروی.

ومن الواضح أن الحکومة إذا صلحت صلح الناس تلقائیاً، ومن لم یصلح منهم یمکن إصلاحه بسبب الإرشاد وما أشبه، فأخیراً یصل الأمر إلی دائرة الشرطة لحملات التموینیة، وذلک لا یکون إصلاحاً واحداً فی ألف أو واحداً فی عشرة آلاف من الذی نشاهده الآن.

وعلی أی حال، فإذا صلحت الحکومة، علی المستهلک أن یقوم بعمل موازنة منطقیة بین احتیاجاته الفعلیة من السلع وبین إمکانیاته المادیة بحیث لا یکون هناک إسراف فی شراء سلع قد لا یکون فی حاجة إلیها.

وقد نقل لی أحد الثقات أنه فی الحرب العالمیة الثانیة کان زائراً إحدی البلاد الغربیة التی تسمی بالدیمقراطیة، والتی لشعبها التعلق بحکومتها، قال: سمعت من الإذاعة رجاء الحکومة أن یخفف الشعب من استعمال البیض لأن البیض قل فی البلد، فاشتریت کمیة من البیض وذهبت إلی

ص:162

بیت ابنتی، وهی کانت متزوجة هناک، فلما رأی الزوح والبنت البیض قالوا: لماذا هذا، قلت: لأن الدولة أعلنت رجاءً التخفیف فی استهلاک البیض، فقالوا لی: نحن لا نأکل من هذا البیض، فإذا نحن خنا دولتنا فمن یقیم دولتنا، وکله أنت، وإذا أردت أن تحسن إلینا وإلی نفسک فارجع إلی البائع وارجع البیض إلیه.

لأن الدولة لما کانت غیر صحیحة یعمل الناس حسب نظر دولتهم، وإلا فلماذا نری فی البلاد التی تسمی بالدیمقراطیة لیست هذه المشکلة بهذا لحجم، هل أناس تلک البلاد غیر أناس بلادنا، کلا وإنما حکومات تلک البلاد غیر حکومات بلادنا، فإن حکوماتهم تسمی بالدیمقراطیة، وإن کانت بینها وبین الدیمقراطیة الحقیقیة والتی نسمیها بالاستشاریة المتواجدة فی الإسلام بون شاسع، کما ألمعنا إلی ذلک فی کتاب (الصیاغة الجدیدة) وغیره.

وعلی هذا، فبعد إصلاح الدولة تقوم الدولة بإصلاح نظام البیع ونحوه فی المجتمعات الاستهلاکیة، وهذا ما یصطلحون علیه بمفهوم (الثورة الإداریة) التی تهدف إلی إحداث تغییرات وإصلاحات جذریة لإزالة المعوقات المختلفة، وعلاج المشکلات التی تعانی منها الجماهیر، وحینئذ یمکن أن تقوم الجهة المرشدة للجماهیر سواء کان مستهلکاً أو تاجراً أو کاسباً بدور کبیر وفعال فی حل تلک المشاکل، وذلک عن طریق الحد عن الاستهلاک والمساعدة فی القضاء علی السوق السوداء.

لکن السوق السوداء فی بلادنا الحکومة، وهی أول من توجدها، وهی أول من تسندها، وهی أول من تلقی بثقلها فیها.

ثم الثورة الإداریة أو الإصلاح الإداری، بعد فرض صحة الحکومة واستقامتها وانتخابیتها واستشاریتها، تعتمد أساساً علی إعادة التنظیم أولاً، وتغییر السلوک والعادات ثانیاً، وبعده یأتی دور إصلاح التاجر والمستهلک اللذین یبقیان علی صنعتهما المنحرفة، وقد عرفت أنهم قلیلون فی مثل هذه الحکومات جداً وجداً، وإصلاحهما ممکن بحلول متعددة، والتی منها تشکیل جمعیات استهلاکیة تتوفر فیها السلع بالأسعار

ص:164

العادلة، وهل بعد ذلک یتمکن التاجر من التلاعب، وهل بعد ذلک یجمع المستهلک، وهل بعد ذلک لا یکفی العرض للطلب، وحیث إن المسألة اقتصادیة ونحن إنما ذکرناها من جهة الإدارة الفاسدة التی تقوم بها الدول الدکتاتوریة، نکتفی منها بهذا القدر، والله المستعان.

ص:165

بکل أبعادها، بأن یکون رجل دین ودنیا، یدیر الدول والمعاهد والمستشفیات والأمور الاقتصادیة والمعامل والمطارات وغیرها، لا بمعنی أن یستبد بالأمر، بل بمعنی أن یکون هو والمثقف الزمنی جناحی التقدم.

وفی الزیارة المشهورة التی ذکرت حول الأئمة الطاهرین (علیهم السلام): «وساسة العباد، وأرکان البلاد»((1)).

وقد یتنفر جمع من تدخل رجل الدین فی الدولة من جهة ما رأوه من سوء تصرف الخلفاء الأمویین والعباسیین والعثمانیین ورجال الکنیسة فی القرون الوسطی وحاخامات الیهود ومن إلیهم، فانطبع فی ذهنهم أن الدین إذا عاد إلی الحیاة عادت تلک المآسی، لکن سوء تصرف مدعین لا یوجب الإغماض عن الحقائق، کسوء تصرف جماعة من الحکام الذین کانوت یدعون الدیمقراطیة، فهل معنی ذلک أن الدیمقراطیة بنفسها غیر حسنة، بالنسبة إلی من یری الدیمقراطیة أخیر صیغة الحسن فی إدارة البلاد، فإذا لم ینسب العقلاء سیئات المدعین للدیمقراطیة علی النظام الدیمقراطی، کان اللازم أن لا ینسب إنسان سیئة الخلفاء والأمراء والکنیسة ومن إلیهم علی الدین الذی هو قانون الحیاة السعیدة.

ونحن بهذه المناسبة ننقل هنا ما وضعناه سابقاً فی کتیب حول مهمة رجال الدین، وکیفیة إدارتهم للحیاة، لیکون مرشداً لمن یکون فی هذا السلک ولغیره ممن ینظر إلی الدین ویرید منه إدارة دفتی الدنیا والآخرة.

ص:167

ص:168

الحاجة إلی علماء الدین((1))

هذه رسالة (الاحتیاج إلی أهل العلم) کتبتها تنویراً للذین جرفهم التیار الغربی، فزعموا أن رجال الدین کالعضو الأشل الذی لا ینتفع به، ویجب بتره لیستریح الجسم من کَلّه وتعبه، وقد جعلوا حجتهم أن زمان رجل الدین انقضی وأمده انصرم، ولذا لا ینتفع هو من المجتمع، ولا ینتفع المجتمع به، إذن فمن الأفضل أن یقطع هذا العضو حتی لا یسبب فساداً وخبالاً، ولا یکون عالة علی الاجتماع، وکلاً علی الآخرین.

هذا هو منطق الغرب والغربیین، أما الغرب فقد لفق هذه الأکذوبة عمداً واحتیالاً، لأنه رأی أن العقبة الکؤود والسد المنیع أمام استعماره واستثماره، وتهویده وتنصیره لبلاد المسلمین، لیس إلاّ رجل الدین بما أوتی من شعبیة واسعة، ونفوذ هائل إلی أعماق الاجتماع، وهناک ألف شاهد لما ذکرناه من احتیال أهل الغرب لزحزحة أهل العلم عن الاجتماع.

ص:169

أما المسلمون، فهم بین غافل انساق وراء الأکذوبة عن بساطة نفس وصدق طویة، وبین من خلب لبه سراب المستعمرین فظن التخلص من الدین نصراً مبیناً یوفر له السعادة والخیر، فصفق وهلل، وانطلی علیه الاحتیال وسار وراءه بدون تمحیص واختبار.

وبین ذا وذا وقعت الواقعة، حتی أخذ جماعة کثیرة من المسلمین أنفسهم یتساءلون ما هی فائدة رجال الدین، وهل هم مبشرون بالحیاة السعیدة وما هی، أم بالموت فهم یشیرون إلی جنة عرضها السماوات والأرض فقط بدون أن یکون لهم أقل شأن فی هذه الحیاة الدنیا.

ومن غریب الأمر أن المکیدة انطلقت حتی علی بعض البسطاء من رجال الدین، فزعموا أن دورهم انقضی وما هم بعد ذلک إلاّ کالسحاب الذی أمطر وابله ثم بقی فی السماء عاطلاً ینتظر دفء الشمس وهوج الریاح لیذیباه شیئاً فشیئاً، {کان لم تغن بالأمس}((1)).

وبمثل هذا الجو القاتم، مستعمرة من الخارج، وجهلة من الداخل، وغفلة من بعض رجال الدین، ضاعت المقاییس، واتسع الخرق حتی علی الراقع.

إن هذه الرسالة کتبت لأجل هذه الغایة، لتلقی بعض الضوء علی وجه احتجاج الاجتماع إلی أهل العلم، ولأن تفند بعض المزاعم المستوردة التی حاکها الغرب لأجل الاستعمار والاستثمار.

ومن الطبیعی أن نری بعد ذلک، المهمة الملقاة علی عاتق أهل العلم لا تؤدی بدقة واتقان، وأن ننظر إلی المجتمع فلا نری الفائدة المتوخاة، التی لأجلها یعمل أهل العلم ویکدون لیل نهار، فإنه کیف

ص:170

یمکن أن یعمل جهاز قد عطب بعض ما له من مقومات ومؤهلات، فهل رأیت طائرة تطیر بدون وقود، أو قمراً یطیر بدون آلات، أو هل رأیت حبة تنمو فی أرض جافة لا نصیب لها من الماء والعذوبة، ولا تتساقط علیها أشعة الشمس ولا تمر علیها نسائم الهواء.

إن الرجل مهما کان شجاعاً مقداماً إذا غلت یداه وسجن فی غیابة مطمورة لا یتمکن من أن یعمل ولو مقدار الجبان المطلق الأیدی والأرجل.

إن الجو الخانق الذی هیأه المستعمر وأذنابه لبلاد الإسلام، خلیق بأن یدع رجال الدین مکتوفی الأیدی، لا یحلون حتی أرجل دجاجة، ولا یعقدون حتی الخیط العادی، فمن أین یمکن أن نری نتائج جهود أهل العلم، وثمار خدمات رجال الدین، وهل مثلهم فی مثل هذا الجو المظلم إلاّ کما قال الشاعر:

ألقاه فی البحر مکتوفاً وقال له

إیاک إیاک أن تبتل بالماء

وهذه الرسالة محاولة للإلماع إلی دور أهل العلم فی المجتمع، ووجه احتیاج البشریة إلی رجال الدین، والله الموفق وهو المستعان.

کربلاء المقدسة

محمد بن المهدی الحسینی الشیرازی

ص:171

هذه الأسئلة، ولا أجوبة فارغة، ودعاوی لا یسندها الدلیل، وتخرصات تحتاج إلی (الحلقة المفقودة)، بل جوابه مشفوع بالبرهان، وکلامه مدعوم بالأدلة القطعیة والحجج الواضحة.

وانتشال الناس من هوّة الظلم، وإسعادهم فی مختلف جوانب الحیاة، یسمون هؤلاء الرجال بالأنبیاء والأوصیاء، فمن هم، وما هی قصصهم، وأین هی الدلالة والإشارة فی حیاتهم، وما هو المقدار الذی یتمکن الإنسان من الاستنارة بأنوارهم، لیسعد هو بنفسه ویسعد الآخرین بإرشاده ودلالته.

إلی أسئلة وأسئلة، تدور فی هذا الفلک.

والروحانی یجیبک إجابات کافیة رشیقة حول هذه الأسئلة، فإن رجل الدین هو تلمیذهم، والنسخة طبق الأصل _ بفارق _ لأولئک الأنبیاء المصلحین والأئمة الراشدین.

والروحانی یوسع آفاق التفکیر حول الکون والحیاة، ویرشد إلی العالَم الکبیر الذی یبتدئ من الأول ویستمر إلی الآخر، بالعمق والشمول المعاصرین، فتصبح نظرة الإنسان کونیة ممتدة من الأول إلی الأبد.

وهذه النظرة بالإضافة إلی ما تورثه من البهجة والسعة، توجب سعة الحرکة والعمل مما یأتی بأجمل الثمار وأحسن النتائج.

العشرین فی المائة من الأرباح وغیرها، والزکاة بمقادیرها المختلفة من عشرة فی المائة إلی واحد فی المائة.

والصدقات، والکفارات، والنذور، والهبات، والهدایا، والضیافات، وما أشبه هذه الأمور، مما یبینه رجل الدین للناس، ویحثهم علیها، ویرشدهم إلی منافعها وفوائدها، والثواب العائد لمن عمل بها.

ومن المعلوم مساهمة مثل هذه الأمور لنفی الفقر والعوز، وترفیع مستوی الفقراء والمساکین.

وحیاة وموت، إلی غیرها، والثانیة حالة فی النفس تبعث إلی الاهتمام بعالمنا المحیط بنا.

وکثیر من الناس لهم نزعة عالمیة ولیست لهم نظرة کونیة، والنزعة العالمیة دلیل علی ارتفاع مستوی الفکر وسعة أفق النفس، وتؤتی ثمارها الطیبة فی مرافق الحیاة العامة.

ورجل الدین ممن یساهم لإیجاد هذه النزعة المبارکة فی الأفراد والمجتمعات، وعنوان صحیفته: {هو الذی جعل لکم الأرض ذلولاً فامشوا فی مناکبها وکلوا من رزقه}((1)).

﴿وأنکحوا الأیامی منکم والصالحین من عبادکم وإمائکم إن یکونوا فقراء یغنهم الله من فضله﴾((1)).

و: «أبغض الحلال إلی الله الطلاق»((2)).

المظلوم والضعیف، وعنوانه فی هذا الجانب المهم من الحیاة: {وما لکم لا تقاتلون فی سبیل الله والمستضعفین}((1))، و«ما غزی قوم فی عقر دارهم إلا ذلوا»((2)).

ولذا کان رجال الدین علی طول الخط أقوی سناد للبلاد فی الکوارث، وفی حالة هجمات الأعداء، سواء کان الهجوم بصورة سافرة أو بالتلصص والاختفاء.

المال إلا الخمسین فی المائة تقریباً، ثم بعد ذلک یفتت الباقی بالإرث، حتی أن رأس المال قل أن یبقی مدة مدیدة.

بغیر نفس أو فساد فی الأرض فکأنما قتل الناس جمیعاً﴾((1))، وأنه ﴿ولقد کرمنا بنی آدم وحملناهم فی البر والبحر ورزقناهم من الطیبات﴾((2)).

وحتی أن الإشارة إلی إنسان قصیر بالقصر ازدراءً، غیبة محرمة فی الشریعة.

بل رجل الدین یذهب إلی أبعد من ذلک، إذ یبین أن الإنسان فی حال کونه نطفة أو بعد الموت، أیضاً له کرامة الإنسان، وأن کل عمل ینافی کرامته محظور فیه، ومعاقب فاعله.

أمة کبیرة من البشریة یقدر ب (1500) ملیوناً.

والوداد، والألفة والاقتراب، ولا یخفی ما فی ذلک من الازدهار والتقدم إلی الأمام، فإن الصلة تنتج الألفة، والألفة توجب التعاون، وبالتعاون تتقدم الحیاة ویسمو المجتمع وتترقی الأمم.

فرجل الدین هو الآخذ بالزمام لئلا یطغی الناس عن حدود الحرّیة المعقولة بالقتل والنهب والفوضی، ولئلا یجمد الناس ویهمدوا، فإن الرکود والخمود یضرّان بمثل ضرر الفوضی والاضطراب.

وعنوان صحیفة رجل الدین فی هذا الصدد:

﴿ویضع عنهم أمرهم والأغلال التی کانت علیهم﴾((1)).

و: «لا تکن عبد غیرک وقد جعلک الله حرّاً»((2)).

والتجربة والکد والنصب، وهکذا فی کل المجالات وجمیع الآفاق.

والتلاعب بالأسواق فی جمیع صورها وبکل مظاهرها، وذلک بتنفیر الناس عن هذه الرذائل، وبیان تحریم الإسلام لها، والعقاب الشدید المتوعد لمن اقترفها.

وهل هناک أشد من هذه الآیة الکریمة: ﴿یا أیها الذین آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقی من الربا إن کنتم مؤمنین * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله﴾((1)).

و: «من غش مسلماً فلیس منا»((2)).

العامة بأطباء الروح، وذلک بفضل المناهج التی قررها الإسلام لهذا الشأن.

الأعظم (صلی الله علیه وآله): «إن من الشعر لحکمة»((1)).

وقال (صلی الله علیه وآله): «أنا أفصح من نطق بالضاد»((2)).

ومکانة الشاعر والأدیب معلومة فی الاجتماع، وفائدتهما لا تخفی علی أولی العقل، بل رجل الدین من الطراز الأرفع فی هذا المیدان، فإنه لا یهیم فی کل واد، ولا ینساق وراء الأهواء المنحرفة والأفکار الزائفة لیمزج الضر بالنفع والشر بالخیر.

وعمق وشمول.

ورجل الدین الذی لا یقوم بهذه المهمة حاله کحال من أسمی نفسه طبیباً ولا یقوم بمهمة العلاج، ومن القدیم قد یلبس إنسان لباساً ولا یقوم بشرائط ذلک اللباس.

ویقال: إنه قیل لحکیم: المؤتمن خان، فقال الحکیم: کلا، وإنما اؤتمن الخائن.

والصفات التی ذکرناها لرجال الدین، ظاهرة للعیان، بالنسبة إلی من اطلع علی حال رجال الدین، لا فی دور الدراسة والتعلم، بل فی دور القیام بالمهام ونشر الإسلام.

نعم هناک الکامل والأکمل، والعادی والنشط، والمتوسط السیر والسریع، شأن سائر أفراد الأسرة الواحدة، کأسرة التعلیم أو أسرة الطب أو أسرة الهندسة أو ما أشبه.

ونختتم الکتیب بقصة قصیرة:

فقد حدث فی أحد البلاد الإسلامیة: إن المستعمرین علی ید بعض عملائهم، أمروا بتسفیر عالم جلیل، وعند إلقاء القبض علیه، ضجت المدینة لهذا الحادث المؤلم، واستأذن العالم الجلاوزة لیقول کلمة الوداع، ثم قال ما ملخصه:

إنی کنت فی هذه المدینة مدة عشرات السنوات، فلم یکن عملی إلاّ الإصلاح والإرشاد والإسعاف والدعوة إلی الخیر، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، ألیس کذلک.

ولما أجاب الناس بالإیجاب قال العالم: قلت هذا الکلام لتعلموا علی ماذا یسفرّنی هؤلاء.

والله المسؤول أن یوفقنا جمیعاً لما یحب ویرضی، وهو المستعان والموفق.

ص:192

السرعة فی اتخاذ القرارات، ودرجة استقرار ونجاح وفاعلیة المجالس واللجان المحلیة، ودرجة الرغبة فی إنجاز الأعمال المطلوبة بعیداً عن التعقیدات المکتبیة لصانعی القرارات فی الحکومة المرکزیة، وظهور الکثیر من تعقد العلاقات فی وحدات الجهاز الإداری للدولة، وتطبیق سیاسة اللامرکزیة یحقق الکثیر من المزایا، لعل أهمها أنها ممارسة فعلیة لمبدأ الاستشاریة السیاسیة الذی یقوم علی أساس اشتراک المواطنین لإدارة شؤونهم، والمشارکة فی صنع القرار بأنفسهم، وهذا ما یعبر عنه فی السیاسات الحدیثة بالدیمقراطیة.

فإنها تعبیر عن نظام متکامل فی الدولة، فیه سلطة مطلقة للفرد، یستمدها من شخصیته فی السیطرة والتحکم فی اتخاذ القرارات، فإن النظام الدیمقراطی السیاسی یمنح الفرد السلطة عن طریق الآخرین الذین یمنحونه هذه السلطة، ولذلک فهی ذلک النظام الذی یستطیع من خلاله المواطنون تحقیق أهدافهم عن طریق الحکم بواسطة الشعب ومن أجل الشعب.

لکن فی الإسلامی کما عرفت لیس حکم الشعب، وإنما حکم الله یتجلّی فی تطبیق الفقهاء له، فیکون المجلس مجلس تأطیر التشریع، ویوصف أی نظام بأنه استشاری (دیمقراطی) بعد توفر شروط ومعاییر معینة تتمثل فی أهمیة توفر مبدأ السیادة الشعبیة الممثلة فی وجود حریة للمواطنین فی اختیار ممثلیهم، وفی حریة المعارضة، وفی حریة التعبیر عن الرأی، وفی الأخذ برأی الأغلبیة، وفی وجود رقابة شعبیة علی صانعی القرارات أو مؤطری القرارات.

فإن نقل السلطات إلی المحلیات ومنح المحافظین کافة السلطات والمسؤولیات دون الرجوع إلی سلطة مرکزیة فی العاصمة، واختیار المحافظین من أبناء المحافظات أو

ص:194

ما أشبه من الوحدات الإداریة أو الحکومات المحلیة هو تطبیق عملی للاستشاریة بمفهومها الشامل لما فی ذلک النظام من توافر للمبادئ التی تکفل له أعلی درجة من الاستشاریة التی تستمد السلطة فی صنع القرار من أبناء الشعب مباشرة بالمحافظات دون الرجوع إلی السلطة المرکزیة.

وهذا کما هو بالنسبة إلی المجال السیاسی کذلک بالنسبة إلی سائر المجالات، کالمجال الاقتصادی، فإن هذا النظام یعد دعامة أساسیة للنهوض الاقتصادی والاجتماعی للمحافظات أو الحکومات المحلیة أو ما أشبه ذلک من خلال الاهتمام بالتنمیة الإقلیمیة، وتطویر أداء الخدمات، وتحقیق برامج الأمن الغذائی، وما أشبه ذلک من سائر ما یکون مقوماً للحکم الشعبی.

فإن هذا النظام هو فی الحقیقة أقدر علی التعرف علی الاحتیاجات الحقیقیة لکل محافظة، وتنسیق العمل داخلها، وتوجیه الجهود نحو إشباع رغبات واحتیاجات المواطنین بها، والتیسیر علیهم، والبدء فی مرحلة جدیدة من العمل لزیادة الإنتاج لتحقیق النمو والتقدم والرخاء.

ومن الواضح أنه یجب أن یکون هناک تدعیم من الحکومة المحلیة أو المحافظة للحکم المرکزی وبالعکس، فإن اللازم أن یقوم الطرفان علی أساس تنسیق السیاسة العامة بین الحکومة المرکزیة والمحلیات، والتی تهدف فی النهایة إلی تحقیق خطط التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة للدولة، والوصول إلی أقصی کفاءة ممکنة.

ص:195

بصفة خاصة الاضطلاع بمزید من ألوان النشاط والخدمات.

وحیث إنه قد تقع التضارب بین المصالح أو بین الاجتهادات، فإنه لابد أن تقوم هناک محاکم لتفسیر الدساتیر الموضوعة، سواء فی الحکومة المرکزیة أو فی الحکومات المحلیة، فإن لمثل هذه المحاکم وتفسیراتها الأثر الکبیر فی سیر الإدارة فی المستوی الاتحادی.

الثالث: التناسق الدائم، حیث تعطی رغبات المواطنین فلا داعی للانقلاب والاضطراب.

الرابع: إذا ضاق قانون ولایة علی فرد تمکن من الذهاب إلی ولایة أخری مما لیس لها ذلک القانون الضیق، وذلک مما یعطی الحریة الأکثر للأفراد، بینما لیس الأمر کذلک فی الدولة الوحدویة.

الخامس: إعطاء الکیاسة السیاسیة للموظفین، حیث یلزم علیهم إرضاء حکومة الولایة وإرضاء الحکومة العامة والتنسیق بینهما وبین حکومات سائر الولایات، حیث هناک ربطان ربط بین الولایة والحکومة العامة، وربط بین الولایات بعضها مع بعض، ومن الضروری أن تنشأ وزارة لهذین الشأنین حتی تراقب التنسیق، وترفع التناقضات الممکنة الوقوع.

لا یقال: لا یمکن اختلاف القوانین فی الحکومة الاتحادیة الإسلامیة، لأن قانون الإسلام واحد، وإن یمکن ذلک فی الحکومات العلمانیة.

لأنه یقال:

أولاً: یمکن ذلک بواسطة مجتهدین مختلفی الرأی فی ولایتین.

وثانیاً: یمکن ذلک بواسطة اختلاف المذاهب فی ولایتین.

لکن لا یخفی أن هذین الإمکانین جاریان فی ولایة واحدة أیضاً، مثلاً إذا کان الزوج من مذهب والزوجة من مذهب وکان أحدهما مثلاً مقلداً لمرجع والآخر مقلداً لمرجع آخر، وإن کان کلاهما فی ولایة واحدة.

ص:198

وثالثاً: وهو العمدة، یمکن ذلک بواسطة تطبیق کل ولایة للکلیة الإسلامیة علی بعض الصغریات، مثلاً تمنع دولة من استیراد قسم خاص من البضائع لأن ذلک یوجب ضرر عمال الولایة وبطالتهم، بینما قانون بلد آخر لا یمنع من إصدار البضائع لعدم انطباق هذه الکبری الکلیة علی صغری هذه الولایة، إلی غیر ذلک مما یمکن الاختلاف فی القوانین الثانویة وإن کان کلی القانون فی جمیع الولایات واحداً.

ثم إن الوزارة المنشئة للتنسیق تلاحظ العلاقات بین الحکومات التی لها سلطات مختلفة وتعطی التوصیات والدساتیر للاشتراطات الدستوریة وتفسیرها القضائی عن الوزارة العامة وبالنسبة لمرکز الاشتراطات الاتحادیة للدستور، مثلاً قدمت اللجنة الغربیة لهذا الشأن عدة ملاحظات.

أولاً: القیود الدستوریة التی تطبق علی أیة حکومة فی هذه الولایات الاتحادیة، فإنها فی جوهرها قیود إجرائیة ولها أثر مماثل فی الدولة وفی الولایات، ولیس لها إلا تأثیر ضئیل فی تقسیم العمل والسلطة بین هذین المستویین من الحکومة.

وثانیاً: المحذورات الدستوریة علی الولایات مثل إبعادها عن أمور التجارة بین الولایات والتجربة والنقد وما أشبه ذلک، فإن الولایات تنهض بتنظیم التجارة ما بینها من ناحیة وما بینها وبین الحکومة المرکزیة من ناحیة ثانیة.

ثالثاً: إن مجال الناشطات التی تدخل بصفة أساسیة فی نطاق سلطات الولایات کبیر، ومع أن سلطات الضرائب والتجارة التی تختص بها الحکومة المرکزیة کبیرة إلا أنه ما زال هناک قدر کبیر من النشاط

ص:199

الرقابی کماً یشمل قدراً کبیراً ومتنوعاً من النشاط، ویلزم فی مثل هذه الحکومة الاتحادیة تکوین لجان لأجل إلغاء الحدود والتعرفة الجمرکیة وتوحید النقد والتنسیق الاقتصادی، إلی غیر ذلک.

والمصارف الإضافیة فی الحکومة الاتحادیة تقابل بالمستحسنات التی ذکرناها.

ولا یقال: إن فی الحکومة الاتحادیة یلزم من الإزدواج فی الخدمات الإداریة نفقات باهضة، فلا یقال مثلاً: لابد من تزوید وزارات الصحة والتعلیم وغیرهما بالموظفین والمنازل والإشراف، ویلزم أن یکون عدد هذه الأجهزة أکثر مما إذا کانت الحکومة مرکزیة، لأن الحکومة الاتحادیة تزید من التعقید الإداری للحکومة.

إذ الجواب: إن الأمور دائماً بین الأهم والمهم، ومحسنات الحکومة الاتحادیة أکثر من مساوئها علی ما عرفت.

واللازم فی الحکومة الاتحادیة التعاضد الوثیق بین المستویین فی الحکومة المرکزیة والحکومات المحلیة، وذلک بالجهود المشترکة والبرامج المشترکة التی ینهض بها رجال الإدارة العامة، وتعتمد درجة النجاح فیها علی کفاءة الجانبین فی اللجان المشترکة.

ومن المهم أن لا تنظر إحدی الحکومتین إلی الحکومة الأخری نظر التنافس علی السلطة، بل ینظر إحداهما إلی الأخری بأنهما متساویان فی الحکومة تعاون إحداهما الأخری وتکمل کل منهما الأخری لإنجاز الطلبات المتزایدة علی کلتیهما، فحالهما حال وزارة الصناعة ووزارة التعلیم، لا حال الحکومتین المتنافستین.

وینبغی للحکومة الاتحادیة فی اتجاهها التعاونی أن تقلل ما أمکنها من الرقابة التی تؤثر علی استقلال الحکومات المحلیة.

ص:200

تخصص لبحث موضوعات معینة تهم المشرعین المؤطرین والإداریین فی الولایات.

کما تعمل هذه الوزارة أیضاً کقائم بالأعمال لمنظمات عدیدة تهتم علی التعاون بین الولایات، مثل مؤتمر المحافظین واتحاد المشرعین (والمؤطرین)، ومؤتمر رؤساء المحاکم، ومؤتمر الاتحاد لموظفی المیزانیة فی الولایات، والاتحاد لموظفی البرید السلکی واللاسلکی فی الولایات، إلی غیر ذلک.

وقد یتعاون الموظفون الاتحادیون والمحلیون إلی درجة المشارکة فی الإدارة، وفی هذه الحال یتحتم علی موظف الولایة التی تقع فی نفس المنطقة أن لا یکون متجولاً بل ساکناً فی بعض الأحیان.

علی) مائة ألف وألفان وثلاثمائة وثلاث وخمسین وحدة حکومیة محلیة، وتداخل الکثیر منها معاً، وهناک ما یبلغ ثلاث آلاف مقاطعة، وأکثر من سبع عشرة ألف بلدیة مندمجة، وکذلک أکثر من سبع عشرة ألف بلدیة ومجلس بلدی، وخمسین ألف منطقة مدرسة مستقلة، ونحو أربع عشرة ألف منطقة خاصة، والأخیرة تتکون من مناطق أو سلطات أنشأت لغرض خاص، مثل توفیر المیاه والوقایة من الحریق أو جمع القمامة، ویکون لها مرکز مستقل بدلاً من أن تکون أجزاء إداریة من حکومات الولایة أو المقاطعة أو المدنیة أو البلدیة.

ومن ناحیة أخری فإن کثیراً من الحکومات المحلیة تتمکن أن تؤدی عملها علی نحو أفضل إذا منحت حریة أوسع، لوضوح أن الإقلال من الحکم الذاتی یترک الإدارة المحلیة عاجزة عن الحرکة، ویسمح للموظفین المحلیین بأن یتهربوا من المسؤولیة، ویحول اهتمام ومناشط الهیئة التشریعیة للولایة من الشؤون التی تهم الولایة بأسرع إلی تفاصیل المشکلات المحلیة، فإذا أعطیت الحکومات المحلیة حریة أکثر تمکنوا من الإدارة.

ولا تکون سعة الحکومة أفراداً وأراضی مشکلة أمام الحکومة الاتحادیة المزمع إنشاؤها علی الأراضی الإسلامیة، وقد تقدم أن قلنا إنه إذا وجدت صیغة أفضل من ذلک فاللازم الإلتجاء إلی تلک الصیغة، وإلاّ فهذه هی الصیغة التی یمکن اتباعها فی الحکومة المرتقبة، بإذن الله سبحانه وتعالی.

ص:203

الأعراض الإنسانیة التی لها علائم، وهذه العلائم تشیر إلی وجود مرض أو ضعف، ویتطلب الأمر حینئذ الفحص الشامل لمعرفة نوع المرض أو الضعف إذا لم یکن نوع المرض أو الضعف واضحاً.

عدد الأشخاص الذین یتأخرون عن العمل عادة، أو کثرة الشکاوی من الموظفین المرسلة للإدارة أو المرسلة لمکاتب العمل، أو کثرة الوفیات أثناء العمل مما یکون العمل سبباً لتلک الوفیات، أو تکرر حوادث الخراب أو التخریب.

حیث یدل الأول علی نقص فی صحة البناء، مثل تکرر حوادث الخراب بسبب الکهرباء أو الماء أو الغاز أو ما أشبه ذلک، ویدل الثانی علی مشکلة داخلیة للموظفین، بحیث إنهم ینفجرون بالتخریب انتقاماً أو لأجل حل مشکلاتهم، وقد یکون ذلک بأسباب خارجیة عن المؤسسة من جهة عداء من تنافس أو نحو ذلک، والحکومات الدکتاتوریة یقابلون حوادث التخریب بالعنف، وذلک ما یزید الأمر عنفاً، بینما الحکومات الدیمقراطیة (الاستشاریة) یقابلون تلک الحوادث بالفحص عن الجذور وتطویق المشکلة وقصرها علی أقل قدر ممکن، ثم حلها بالتی هی أحسن.

وإنما ذکرنا الحکومة فی هذا المجال لأن الحکومة أیضاً إدارة من الإدارات یصیبها الضعف لمرض کسائر الإدارات الخاصة.

الثالث: تأخر إتخاذ القرارات، وغالباً ما یکون ذلک نتیجة لقلة عدد الإداریین، أو ترکیز شدید للسلطة فی المستویات الإداریة العلیا، أو عدم قدرة الإداریین علی اتخاذ قرارات صحیحة لعدم ملائمته لمسؤولیاتهم، أو ضعف السیاسات الموضوعة من الأعلی، أو تغیر السیاسات باستمرار دون دراسة جمیع نواحی الموضوع.

الرابع: تأخر تنفیذ العمل والبطؤ الملحوظ فیه، فإن تأخر التنفیذ غالباً یوحی بوجود نقاط ضعف فی التخطیط، أو عدم ربطه بالمناصب الإداریة، أو عدم ملائمة الموظفین للأعمال المستندة إلیهم، أو

ص:206

کثرة الإجراءات وتعقدها، وانخفاض الحالة المعنویة التی ذکرناها فی الأمر الثانی.

السابع: العجز المالی فی الخزائن والأرصدة.

الثامن: تعدد وتنوع السرقات فی البضاعة المخزونة، سواء کانت هذه البضاعة جاهزة أو تحت الطلب أو مواد خام أو مواد تسهیل وصیانة.

التاسع: کثرة الخلافات الشخصیة وتعددها وشمولها عدداً کبیراً من المستویات الإداریة.

العاشرة: سوء أخلاق فی مثل المستشفیات بین الدکاترة والممرضین، والمعاهد بین المعلمین والطلاب أو ما أشبه ذلک، حیث ینتهی الأمر بسوء سمعة المؤسسة وانفضاض الناس من حولها، وقد یکون سوء الأخلاق بالمعنی الأعم، وقد یکون بالمعنی الأخص من قضایا الجنس.

جودة السلع، أو بدرجة تنوعها، أو بکیفیة تقدیمها، أو میعاد تأدیتها، أو ضعف الخدمات مثل عدم نجاح الطلاب فی المعهد، أو عدم إبلال المرضی فی المستشفی، أو عدم الولادات الصحیحة فی دار الولادة، إلی غیر ذلک.

من غیر فرق بین أن تکون الشکاوی فی شکل ظاهر، أو بشکل صامت، بالإمتناع أو الإقلال من التعامل مع المشروع.

وقد یکون الأمر خطیراً للغایة إذا کانت فکرة العملاء عن المشروع ردیئة أو سیئة، وتکون أکثر خطورة إذا تعدتها إلی الرأی العام مما أسقط مکانة المؤسسة وسبب انفضاض الناس من حولها.

الثانی: نقص المبیعات المستمر فی مثل المؤسسة الاقتصادیة، أو نقص الطلاب والمرضی المراجعین فی مثل المعهد والمستشفی ونحوهما، فإن تدهور أرقام المبیعات أو الخدمات بشکل مستمر وبشکل لا تبرره قوی خارجة عن إرادة الإدارة من أهم الأعراض التی تشیر إلی ضعف الإدارة.

ویجب أن لا یفهم أن عکس ذلک صحیح، فإن الأمر لیس من الضدین اللذین لا ثالث لهما، بل أحیاناً یکون هناک ضدان لا ثالث لهما کالنور والظلمة، وأحیاناً یکون هناک ثالث أو أکثر کالسواد والبیاض، وما نحن فیه من القسم الثانی، فإن زیادة المبیعات أو الطلاب أو مراجعی الصحة لیس دلیلاً علی قوة الإدارة، إذ ربما یکون ذلک بسبب عدم توفر المعاهد الأخر والإدارات الموازیة لحاجات الناس.

الثالث: صعوبة تمویل المشروع، فإذا وجد المشروع صعوبة فی الحصول علی الأموال اللازمة للاستثمارات، فإن ذلک یشیر إلی ضعف

ص:208

ما فی الإدارة، وتظهر هذه الصعوبة فی حالة امتناع بعض البنوک أو الشرکات أو الأفراد عن تمویل المشروع، أو تقیید حریته فی شروط العقد دون مبررات صحیحة.

الرابع: الانخفاض المستمر فی ربحیة المشروع، فإنه إذا قلت أرباح المشروع بصفة مستمرة فإنه یدل علی وجود نقص یهدد المشروع، ویتطلب الأمر فحص الإدارة لمعرفة نقطة الضعف.

کما أنه یجب ربط أرباح المشروع بمقدار الأموال المستثمرة فیه، وهو ما یعبر عنه بالعائد إلی رأس المال المستثمر الحاصل من خارج قسمة الأرباح علی رأس المال المستثمر، فإن القوانین الاقتصادیة تقتضی أن یکون للمال قدر خاص من الربح لعشرین فی المائة مثلاً، فإذا رأینا أن الربح صار أقل من ذلک دل ذلک علی الضعف فی الإدارة، خصوصاً إذا کان هذا المعدل فی انخفاض دائم، فإن ذلک دلیل علی ضعف متزاید، کما إذا کان فی السنة الأولی الربح مثلاً عشرین فی المائة، ثم صار خمسة عشر فی المائة، ثم صار عشرة فی المائة وهکذا.

الخامس: التأخیر المستمر والمتکرر للبضاعة أو المواد الواردة للمشروع، مما یدل علی مشاکل خفیة، مثل سیاسة تخزین غیر واقعیة، أو تخطیط غیر سلیم للعملیات.

کما أن الشکاوی المتکررة المتصلة بجودة الأصناف الواردة غالباً ما یکون نتیجة اتباع سیاسات شرائیة خاطئة.

السادس: شکاوی المستثمرین من قلة الأرباح التی تم تحقیقها، والأرباح التی تم توزیعها، أو التی تم إضافتها للاحتیاط أو انهیار المرکز السوقی المشروع، وهذا لا ینافی مع صحة نسبة الأرباح علی ما تقدم.

ص:209

السابع: شدة التنافس، فإن ذلک یدل علی نقطة ضعف ولو فی مکان المؤسسة، مثلاً کان المقرر نصب المعمل فی مکان آخر، بحیث لا یکون قریباً من المعمل المتنافس، فإن ذلک عرض خارجی یجب تلافیه، وإلاّ أخذت المؤسسة فی الضمور والاضمحلال أحیاناً.

الثامن: کثرة المشاکل الحکومیة، فإنها وإن کانت ربما تحدث لأجل فساد الحکومة، خصوصاً فی الحکومات الدکتاتوریة، إلاّ أن قوة الإدارة توجب رفع مثل هذه المشکلة بالصداقات والهدایا وغیر ذلک.

التاسع: تأذی الناس عن الإدارة، مثل تأذیهم من المطار الذی صار تدریجاً فی قرب البیوت، بعد أن بنی بعیداً عن البیوت، أو ما أشبه ذلک، إذ لیس المهم المادة فقط بل المعنی أیضاً.

العاشر: ابتعاد الناس عنها بسبب، مثل خراب القریة بالسیل أو الزلازل أو إحداث طریق عامر للقطار أو للسیارات أو نحو ذلک فی مکان بعید، مما أوجب عدم الإقبال علی المؤسسة، مدرسة أو مستشفی أو معملاً أو غیر ذلک.

غالباً الدفاع عن الأوضاع القائمة مما یؤثر فی رئیس مجلس الإدارة أو أصحاب السلطة العلیا ولا یتمکنون مقاومة هذا الدفاع، فإذا أمکن قام رئیس مجلس الإدارة أو أصحاب السلطة العلیا مع مکاتب الإستشارة المتمرسة فی الإدارة، أو مع لجنة من الإداریین بالمشروع بهذا الشیء حتی لا یکون المنغمسون فی المؤسسة هم وحدهم ولا یکون المستشارون أو المتخصصون کذلک، بل لجنة مرکبة منها یقومون بالفحص.

وذلک لأن الفحص یجب أن یتحقق بإحدی طریقتین، إما مکاتب الإستشارة والمتخصصین فی الإدارة، أو لجنة من الإداریین بالمشروع، ولکل طریقة من هذین الطریقین مزایا وعیوب.

فمن مزایا استخدام مکاتب الاستشارة وخبراء الإدارة:

أولاً: التخصص.

وثانیاً: الموضوعیة والبعد عن التیارات السیاسیة والعاطفیة داخل المشروع، وعدم الارتباط بولاء معین لأی مجموعة.

ومن عیوب مکاتب الإستشارة:

أولاً: عدم المعرفة الکاملة بظروف المشروع.

وثانیاً: احتمال تسرب الأسرار.

وثالثاً: کثرة المبالغ التی تتقاضاها تلک المکاتب.

ولذا فمن الأفضل هو جمع الداخل والخارج حتی یکمل أحدهما الآخر، ویأتی المجموع بتبین مکان الضعف ووضع العلاج الناجح.

ص:211

أقل من الرجل مع أن أعمالها مساویة لأعمال الرجل فرضاً.

الرابع: یلزم أن تمنح الحق فی إجازة للوضع لمدة ثلاثة أشهر أو أقل أو أکثر، بعد الوضع وقبله، وذلک لثلاث مرات مثلاً طول مدة خدمتها الوظیفیة، وذلک بأجر کامل، ولا تحسب من الإجازة السنویة المقررة لها خلال العام، وربما یری المجتمع الصحیح أن اللازم إعطاؤها الإجازة لأکثر من ثلاث مرات أو لأقل.

الخامس: یلزم توفیر دور الحضانة لرعایة الطفل، حیث تواجه المرأة العاملة مشکلة ترک أطفالها ورعایتهم أثناء تواجدها فی العمل، مما یؤثر علی استقرارها النفسی أثناء تأدیة أعمالها، وکذلک ربما یؤثر علی إنتاجها.

وعلاج هذه المشکلة یتطلب ضرورة التوسع فی إنشاء دور للحضانة علی المستوی العام فی المناطق والأحیاء القربیة من محل السکن، أو فی الوحدات الإداریة والإنتاجیة، مع تطویر العمل بهذا الدور وتوفیر العناصر الإشرافیة الصالحة والإهتمام بالناحیة التربویة والصحیة للطفل، وتحقیق ذلک یتطلب جهوداً من جهات متعددة یجب أن تتظافر وتتعاون لحل هذه المشکلة ممثلة فی جهود الدولة والأمة والتنظیمات النسویة وغیرها.

السادس: توفیر الأجهزة المنزلیة المسیرة، إذ أن توفر تلک الأجهزة یمکن المرأة العاملة من تأدیة أعمالها المنزلیة بسهولة ویسر، وعلاج ذلک یتطلب ضرورة تسهیل حصول المرأة علی مثل هذه الأجهزة بالأسعار والشروط المناسبة، ویمکن للأجهزة الحکومیة والوحدات الإداریة والنقابات والجمعیات وغیرهم المساهمة فی توفیر مثل هذه السلع التی

ص:213

أصبحت من الاحتیاجات الأساسیة لکل أسرة.

السابع: توفیر السلع الاستهلاکیة، فإنه تبذل المرأة العاملة الجهد الکبیر فی سبیل الحصول علی احتیاجاتها من السلع الاستهلاکیة، وذلک یتطلب التوسع فی إنشاء الجمعیات الاستهلاکیة فی مواقع السکن وجهات العمل والأندیة، مع ضرورة الاهتمام بتطویر إنتاج تلک السلع من حیث إعداد الأصناف المجهزة تجهیزاً کاملاً والتوسع فی تعبئة السلع فی عبوات مناسبة من حیث الحجم والنوع والسعر بما یناسب مع احتیاج ورغبات وقدرات المستهلک.

الثامن: توفیر المناخ الملائم لتعلمها وإن کانت کبیرة السن، فإن العلم بالإضافة إلی أنه فرض شرعی ونور، یوجب تقدم الإنسان فی المجتمع وتقدم المجتمع إلی الأمام.

التاسع: خدمات المواصلات، فإن المواصلات فی العصر الحاضر خصوصاً فی المدن الکبار تعد من أهم المشکلات التی یعانی منها المجتمع ککل، وخصوصاً المرأة بصفة خاصة، والتی تؤثر علی نفسیة المرأة بصورة أکثر، بالإضافة إلی تأثیرها علی الکفاءة الإنتاجیة سواء للرجل أو للمرأة، ویمکن المساهمة فی علاج هذه المشکلة أو التخفیف من حدتها عن طریق قیام الأجهزة الحکومیة والوحدات الاقتصادیة والجمعیات والنقابات ومن أشبههم بشراء أو استئجار وسائل مواصلات خاصة للعاملین والعاملات ومن إلیهم مع توفیر الاعتمادات المالیة اللازمة لذلک.

وتستطیع هیئة النقل العام القیام بدور هام وفعال فی هذا المجال عن طریق وضع خطة عاجلة لتجدید سیارات النقل العام وتعمیم فکرة

ص:214

بیعها وتأجیرها للجهات المعنیة فی مقابل اشتراکات رمزیة، وتشغیلها طوال الیوم أو فی فترات الذهاب والعودة من وإلی العمل، کما أن المؤسسات تتمکن من جعل السیارات الخاصة للمجیء بالمرأة والذهاب بها سواء کانت مستشفی أو معهداً أو معملاً أو مصنعاً أو دار ولادة أو غیر ذلک.

العاشر: تکون جمعیات نسائیة لمختلف شؤون المرأة کشأن الدراسة، وشأن الخطابة، وشأن الزواج لتزویج الفتیات والعانسات، وشأن تعلیم المهن کالخیاطة والتطریز ونحوهما، وشأن القواعد، وشأن الأمومة والطفولة، وشأن العمل اللائق بهن لغیر المشتغلة، وشأن العجزة منهن، وشأن التربیة لهن، وشأن العنوسة الباقیة بدون زوج، وشأن حل المشاکل العائلیة، وشأن الولادة، وشأن أمراضهن، وشأن الوقایة عن الإنزلاق فی بؤر الفساد والتیارات الوافدة، وشأن تکمیل نواقصهن المادیة الفردیة أو الاجتماعیة، وشأن حل مشاکلهن الحکومیة، إلی غیر ذلک من الشؤون.

فإن هذه الجمعیات تساهم مساهمة فعالة فی إعطاء المرأة الحاجات ورفع النواقص والقیام بهن من الشلل التی أصابهن من جراء الضغوط المتزایدة علیهن من الأمة أو الدولة، فعلی الدولة والأمة أن تقوما بالرعایة الکافیة بها وبشؤونها وبدراستها دراسة علمیة وعملیة واقتراح الحلول المناسبة لها.

فإن الاهتمام بمشکلات المرأة وحلها وتقدیمها إلی الأمام لیس اهتماماً بها فقط، ولکن اهتماماً بالمجموعة البشریة وللرجال بصورة خاصة، لأن المرأة بالنسبة للبشر هی الأم والزوجة والأخت والابنة والعمة والخالة ومن أشبههن، والحفاظ علیها وحل مشاکلها وحفزها علی العمل ورقابة کفاءة أدائها وتقدیمها إلی الأمام

ص:215

فی الحدود المقررة شرعاً حفظ لها وللأسرة وللأمة بصورة عامة.

الحادی عشر: الاهتمام بأمورها الأخلاقیة والدینیة، وقد کانت المرأة منذ زمن الرسول (صلی الله علیه وآله) تحضر صلاة الجماعة خلفه، وقد جعل الرسول (صلی الله علیه وآله) امرأة تسمی (أم ورقة) إمامة للنساء لمن ترید منهن الحضور فی جماعتها کما کان لها الحضور فی صلاة جماعته. کما أنها کانت تسافر مع رسول الله (صلی الله علیه وآله) وتحج وتعمر وتحضر الحروب لمساعدة الرجال فی الشؤون اللائقة بها.

وفی أیام الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی الکوفة کانت بعض المساجد الخاصة بالنساء.

فاللازم تکوین الحسینیات والمدارس النسویة التی تکون حسب المتطلبات العادلة، بالإضافة إلی دور الولادة ودور الحضانة ودور العجزة ودور الرعایة وما أشبه مما یوجب إعطاءها حاجتها، بالإضافة إلی انتشالها من هوة التأخر التی أوقعوها فیها مما أذهب بدین بعضهن وبدنیا بعضهن.

وحیث ذکرنا فی بعض کتبنا المرتبطة بالمرأة بعض شؤونها، وإنما کان المقصود فی المقام الإلماع إلی إدارتها من کل الأمة بمناسبة بحث الإدارة بصورة عامة مما یلیق بکرامتها ومکانتها، نکتفی منه بهذا القدر، ونتمم هذه المسألة بالقصة المشهورة من مطالبة أم سلمة (رضی الله عنه_ا) من الرسول (صلی الله علیه وآله) الاهتمام بشأن المرأة، وأنها لماذا لیس لها کما للرجل، فأنزل الله سبحانه هذه الآیة المبارکة: ﴿إن المسلمین والمسلمات والمؤمنین والمؤمنات والقانتین والقانتات والصادقین والصادقات والصابرین والصابرات والخاشعین والخاشعات والمتصدقین والمتصدقات والصائمین والصائمات والحافظین فروجهم

ص:216

والحافظات والذاکرین الله کثیراً والذاکرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظیما﴾((1))، إلماعاً إلی أن الرجل والمرأة متساویان أمام قانون الله سبحانه وتعالی، فی کل الواجبات والحقوق، إلاّ فیما استثناه الشرع، مما هو معروف فی الفقه الإسلامی، وقد ألمع إلی ذلک فی القرآن الحکیم بقوله سبحانه: ﴿وللرجال علیهن درجة﴾((2))، والله العالم المستعان.

ص:217

البرامج التی تتّسم بالتخصص والتنوع عنصراً لا غنی عنه فی الإدارة الموحدة والمتوازنة ذات الشعب الکثیرة.

وعلی ذلک، فإنه یتضاعف عدد موظف المشورة بسبب تنوع أعمالها، فإن بعض هذا العمل یتداخل مع أنواع من الوظائف، کان ینهض به موظف التنفیذ سابقاً أو المدیر تلقائیاً، وحیث یصل الأمر إلی هذا الحد فإن العمل الاستشاری یصبح إلی درجة ما مزیجاً من النشاط المباشر وغیر المباشر، ویتضمن النصیحة کما یتضمن التوجیهات لموظف الخط.

وینظر فی هذا الحال فی التطبیق أن توجد وظیفة خالصة تقتصر علی أحد النوعین، لکن الغالب أن یکون مزیجاً مشوقاً متعباً منهما فی أکثر الحالات.

ویحاول بعض المفکرین تبسیط المشکلة بالقول، بأن أی جماعة تصدر توجیهات تعتبر وحدة خطیة وهکذا، فکل من الوظائف الاستشاریة والتوجیهیة تکاد تشملهما دائماً مجموعة واحدة، والعلاقات الإنسانیة المعقدة هی التی تمیز بین الاستشاریة والتنفیذ، وإن کانا فی شخص واحد، فربما یکون هو منفذاً وربما یکون هو مشیراً ومستشاراً.

وحیث اختلط الأمران وامتزجا طرحت أسئلة بصدد الاستفسار عن واقع الأمر، وحدود أی من الجهتین، مثلاً یتساءلون هل یحدث دوماً أن تعمل وحدات للخط والمشورة معاًکما ینبغی أن یعملا معاً. وهل ینیغی أن تکون الخدمات الاستشاریة مرکزیة أو لا مرکزیة، ومتی ینبغی أن تنشأ وظائف استشاریة جدیدة، وهل ینبغی أن تشکل لجنة إدارة تضم کبار الموظفین من الخط والمشورة معاً حتی یبین حد هذا وحد هذا.

ص:219

کما أن من الصعوبات التی حدثت فی هذا الباب حالة موظف الخط الذی لم یطلب النصیحة أبداً من مستشار رئیس الشرکة من أی قسم للمشورة، وإنما هو یعمل بوحی من مشورة نفسه فی الخط الذی یعمل فیه، وحالة رئیس قسم مشورة یحاول بسبب فرط حماسته لوظیفته أن یفرض آراءه علی غیره من المدیرین ولو بالمغریات والمرهبات وما أشبه ذلک.

وحالة رئیس قسم وافق دون اکتراث فی اجتماع علی أن ینفذ ما تقرره جماعات الخط والمشورة معاً، ثم لم ینفذ أی شیء من ذلک.

وحالة موظف المشورة الذی کلفه رئیسه بأن ینقل أمراً إلی مدیر مصنع مرؤوس، ولکنه غیر الأمر بما یوافق رأیه لأنه لم یوافق علی أمر الرئیس.

وحالة المدیر الذی أنشأ إدارات مشورة ولکنه استخدمها کأجهزة إشراف وما یترتب علی ذلک من احتکاک فی کل مکان.

وهل من الممکن تبنی الإدارات الحدیثة جمع الوظیفتین فی إنسان واحد، بأن تنشأ معاهد أو دورات بدمج الخط والمشورة حتی یکون الموظف یقوم بکلا الأمرین.

کما أن فی المقام أسئلة من نوع آخر، مثل مدی صلاحیة المشورة فی إعطاء الأوامر, ومدی التنبیه الذی یوجه إلی الإداری فیما إذا تصدر المشورة.

ص:220

أو لم یسمع الإداری المشورة، أو تدخل المشوری فی التنفیذ، إلی غیر ذلک.

السلطة، ولنفترض أن المنفذ الخطی یری أنه یحتاج إلی اثنین أو ربما ثلاثة من هؤلاء المساعدین، حینئذ تبدأ العلاقة بین الخط والمشورة تتعقد، وأنه إذا أمضی المنفذ الوقت المناسب الکافی فی مقابلة جمیع المساعدین الثلاثة، فسوف ینقص ذلک من وقت مقابلته مع الموظفین التنفیذیین الذین یتصلون به مباشرة، وعلی ذلک فإنه یتوقف عند هذا الحد عن الاستمرار فی زیادة موظف المشورة ومکتبه، فإذا کانت هناک ضرورة لزیادة موظف المشورة فإنه ینشئ وحدة فی مستوی الأقسام، فإذا ما زاد التوسع فی المنظمة بحیث أصبحت تتطلب معونة أکبر من وظائف المشورة، فإنه ینشئ حینئذ أقساماً مستقلة علی أساس وظیفی لشؤون الأفراد والشؤون القانونیة وشؤون العلاقات العامة وغیرها، ولکل منها رئیس.

وحیث إن الرئیس للقسمین من الموظفین التنفیذی والاستشاری لیس له وقت إدارة کلیهما الأولین بأوامر وتوجیهات والآخرین بمباحثات وإقناعات وإقتناعات، فاللازم أن یکون له مساعدون آخرون یقومون بدلاً عنه بالمهمتین حیث یکون هو بمنئی عن التخبط والإسراع فی الأوامر لملاحظة جانب المشورة، أو قبول المشورة وردها اعتباطاً بسرعة بملاحظة جانب التنفیذ.

وکیف کان، فیندر أن تکون وظیفة للمشورة لا تتعدی إعطاء النصیحة وإثارة تفکیر المنفذ وکشف الحقائق أمامه للمساعدة فی عملیة التخطیط، بل وأعمال القدرة أحیاناً علی الرؤساء والمدیرین وإصدار الأوامر إلیهم، فإن عمل المستشار بالإضافة إلی إعطاء النصیحة أخذ یقوم بأعمال تختلط مع أعمال التنفیذ بما فی ذلک إعطاء أوامر مباشرة فی خط السلطة، فالإدارة المالیة مثلاً تقوم بوظیفة المشورة فی ابتکار طرق

ص:222

أفضل فی محاسبة التکالیف، ولکنها أیضاً تقوم بوظیفة تنفیذ وهی إمساک الدفاتر وملاحظة فواتیر الصرف.

کما یقوم قسم شؤون الأفراد بوظیفة مشورة هی تقدیم النصیحة للرئیس التنفیذی فی کیفیة الارتفاع بالروح المعنویة، ولکنه یدیر أیضاً نظام ترتیب الوظائف وتقدیر الکفاءة واحتیاجات التأمین الاجتماعی ونظام التقاعد.

ویقدم القسم القانونی المشورة فی طریقة النهوض بالعمل فی إطار القانون، وفی نفس الوقت یباشر الحضور أمام المحاکم.

کما یقدم قسم العلاقات العامة النصیحة لموظفی التنفیذ فی کیفیة إسعاد العمال والمساهمین، ولکنه فی نفس الوقت یدیر حملة إعلام ضخمة فی الإذاعة والصحف والتلفزیون وغیرها، وکلما کبرت المنشئة وزاد التنوع فی نشاطها تنوعت وظائف المشورة فیها، وزادت أهمیة ملء الفراغ بین منظمات الخط الرسمیة ومنظمات المشورة الرسمیة، لأن کفاءة المنشئة یعبر عنها غالباً بالمهارة فی توفیر الأنسجة التی تربط بین أجزاء التنظیم، خصوصاً إذا کان أجزاء مثل هذه الأجزاء فی کون بعضها تنفیذیة وبعضها استشاریة مما لیس فی سیاق واحد.

ثم إنه لابد أن یتصف موظف المشورة بالعمومیة من ناحیة، والخصوصیة من ناحیة، حتی یتمکن أن یعمم الخاص ویخصص العام، فینقل التفکیر والعمل التخصصی الضیق إلی معان أوسع تساعد من فوقه علی الاضطلاع بوظیفة القیادة فی داخل المنشئة، کما أنه یجب أن یتمکن من تخصیص العام، إذ کثیراً ما یری المستشار حالة جزئیة فیعممها بالملاک إلی عموم، فیعطی للإدارة مشورة حول ذلک الملاک، لیعمم الجهة المستشیرة الحکم فی کافة الأشباه والنظائر.

وکثیراً ما یکون بالعکس، فیری عموماً فی حالة لکن ذلک العموم

ص:223

لا یرتبط بالإدارة بل مرتبط بها جزئیاً من الجزئیات.

مثلاً یری أن الحزب الفلانی حزب مخرب، لکن هذه الکلیة لا ترتبط بالمؤسسة، بل المرتبط بها الموظف الشخص الفلانی، فیعطی المستشار للإدارة لزوم نقل هذا الموظف إلی مکان لا یتمکن من الاتصال بسائر الموظفین حتی یکون مخرباً.

ثم الجهة المستشیرة لها صلاحیة أن تعطی للمستشار صلاحیة المشورة فی ناحیة خاصة أو نواحی متعددة، فإنه لا ینبغی أن یسمح لمدیر فی ناحیة استشاریة معینة أن یتحکم فی وظائف استشاریة أخری إذا لم یکن صالحاً إلاّ لجهتها الخاصة، بل یظل کل مدیر فی نطاق خبرته، ولا یجمع لأی منهم قوة کبیرة.

وکثیراً ما یکون عمل موظف المشورة تخفیف الضغوط عن الجهة التی وظفت هذا الموظف، وتقییم کل موضوع فی ضوء جمیع علاقاته بالوظائف الداخلیة المختلفة والسیاسیة العامة الخارجة عن إدارة المنشئة، وکذلک تحدید ظروف کل حالة بتقدیمها للجهة المستشیرة مشفوعاً وتوصیة عن التصرف فیها إستناداً إلی التحول الحاصل.

المشورة القانونیة یمکن أن یقدمها النائب العام فی الحکومة، إذا کانت حکومة کبیرة اتحادیة أو حکومة الولایة، کما یمکن أن یقدمها الإدارة القانونیة.

والمشورة فی شؤون الأفراد تحصل من لجنة الخدمة المدنیة، أو من أجهزة الأفراد المرکزیة.

والمشورة فی شؤون المشتریات تحصل من إدارة المشتریات المرکزیة، أو من إدارة المالیة المرکزیة، إلی غیر ذلک.

ومن المعلوم أن الرئیس التنفیذی مهما حاول أن یستفید من الوزارات القائمة فی الحکومة مثلاً، فإنه یحتاج أن یکون إلی جواره موظفون للرأی والمشورة، وتتصل هذه المشورة بموضوعات رسم السیاسة والاعتبارات الأخر، والتوقیت والعلاقات العامة وتنسیق التنفیذ، والعمل الذی ینهض به مکتبه، ولذا فمن المعتاد أن ینهض رؤساء الحکومات فی البلاد الدیمقراطیة من بین من یمتازون بالتعلیم المکتمل والخبرة الوافرة بحیث یستطیعون إسداء النصیحة السلیمة عن موضوعات مختلفة.

لکن اللازم أن لا یحیط الرئیس نفسه بالمتخصصین فی کل موضوع یهتم به، لأنه یجد حینئذ نفسه مشغولاً بمستشاریه بدرجة لا تترک له إلاّ وقتاً ضئیلاً یتصل فیه بالعالم الخارجی، ومثل ذلک لیعزله عن الاتصال بالناس مما یسبب التقلیل من محبوبیته وأخیراً سقوطه، بل اللازم أن یقسم وقته بین الاتصال بالناس من ناحیة، وبین المشورة من مستشاریه من ناحیة ثانیة، فإن کل واحد من الأمرین إذا استبد بالرئیس لم یتمکن من الآخر، ویکون کالطائر الذی یرید أن یطیر بجناح واحد، وذلک ما لا یمکن.

هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخری یقع الرئیس بین تناقض ثان بین المنفذین والمستشارین، حیث إن المنفذین یریدون عدم تدخل المستشارین فی شؤونهم، والمستشارون یریدون عدم تدخل المنفذین فی

ص:225

شؤونهم، مع أنه قد تقدم أن أحدهما یکمل الآخر.

فاللازم علی الرئیس أو المدیر سواء کان فی القطاع الحکومی أو فی القطاع الشعبی أن یوضع التنسیق والتوازن بین الجهتین، فکل یتدخل فی أمر الآخر بقدر، ولا یتدخل فی کل شؤون الآخر.

وبعض الحکومات یتجهون إلی وسیلة للتخوف کثیراً من موانع التعاطف بین موظف الخط وموظف المشورة، وهی تبدیل العمل لکل موظف من هذا الخط إلی ذلک الخط وبالعکس، إذ ینتقل موظف الخط حسب برنامج محدد فی وظائف المشورة فی المرکز الرئیسی لفترة من سنة أو أکثر، ثم یعود إلی المیدان باکتساب خبرة تنفیذیة أکثر، فکل من موظف المشورة وموظف التنفیذ قد عمل فی کلتا الوظیفتین مدة مما ألقی فی نفسه التعاطف بین الخطین، وهذا التعامل الذی قد یحدث مرات عدیدة خلال الحیاة الوظیفیة للموظفین الرئیسیین الصالحین للتنفیذ والمشورة معاً یسبب دعم فهم کل طرف وجهة نظر الطرف الآخر والمشکلات التی یتعرض لها، وفی بعض الحالات یستمر التبادل إلی درجة تؤدی إلی استیقاء موظف الخط الذی حقق نجاحاً بارزاً فی قیامه بالعمل الاستشاری أخیراً فی مستوی کبیر من وظائف المشورة.

ومثل هذا التنقل تجربة مفیدة وبصفة خاصة فی سنی تکوین الفرد فی مستهل الحیاة الوظیفیة، وهی عامل فی تکوین نظام المستقبل الوظیفی فی الإدارة العامة.

وقد کان المعتقد فی زمان ما أنه توجد فروق متمیزة بین أنماط الشخصیة لموظف الخط ولموظف المشورة، فقد کان البعض یتصور أنه یفترض فی موظف المشورة أنه شخص معتزل ومجد ومنطو علی نفسه، بینما الموظف التنفیذی حرکی ونشط ومتفتح، لکن مثل هذه النظریة إذا کانت فی یوم ما مورد القبول فلیس من الصحیح إجراؤه فی هذا الیوم، إذ

ص:226

یندر أن تجد ما یساندها فی الحال الحاضر، فإن للإنسان جهتین جهة انطواء وجهة تفتح، فإذا کان فی الخطی المشوری انسدت جهة التفتح، والعکس بالعکس.

نعم لا شک أن بعض الأفراد انطوائیون بطبعهم، وبعضهم انفتاحیون بفطرتهم، حتی إذا جاء الأول فی التنفیذ والثانی فی الاستشارة لم یغیر ذلک من طبعه، لکن ذلک لیس معناه أن الاستشاری لا یصلح للتنفیذ، أو التنفیذی لا یصح للاستشارة، سواء فی زمانین کما مثلنا فی حالة التنقل، أو فی زمان واحد، بأن یشیر تارة وینفذ أخری.

ص:227

دخول هذه الفئة بهذه المعدلات المطردة، فی الوقت الذی زادت فیه ببطء شدید معدلات الأجور والمرتبات لجمیع العاملین بوحدات الجهاز الإداری أو الأجهرة فی المنشئات الخاصة، مما نتج عنها ظهور طبقة جدیدة من أصحاب الدخول المرتفعة، حیث تکونت لدیها مظاهر مختلفة فی الاستهلاک، وأنماط جدیدة من المسؤولیات قلبت موازین القیم والأفکار والعلاقات بین الأفراد، وأحدثت خللاً فی التقسیم الطبقی للمجتمع، وفی سیاسات التعلیم والتوظیف، مما ساعد فی النهایة علی انتشار موجات التضخم وارتفاع الأسعار، لأن الطبقیة الحادة کما هو مقرر فی علم الاقتصاد توجب الاختلاف الکبیر بین الأمة الواحدة.

والتساؤل الذی تطرحه الدراسة أنه إلی متی ستظل هذه المشکلة علی ما هی علیه، وما هی الحلول العلمیة الممکنة التی تعید التوازن مرة أخری فی الخلل الذی حدث فی الترتیب الاجتماعی للمجتمع، فتعطی لخریج الجامعة ورجل العلم والفضیلة حقوقه ومکانته کاملة، وتضع صاحب الحرفة أو عمل الخدمات فی مکانه الصحیح.

وعلی أی حال، فهذه مشکلة نحن لسنا بصدد کیفیة حلها فی الحال الحاضر، وإن ألمعنا إلی ذلک فیما سبق، فإن الحکومة هی أساس المشکلة، وتحولها من الدکتاتوریة إلی الاستشاریة من أسس الحل الصحیح لکل المشکلات الممکن حلها.

وإنما الغرض فی هذه المسألة دراسة أثر الظروف المحیطة علی الإدارة، والعقبات التی تحد من تطبیق نظریة الإدارة وأصولها وأسسها العلمیة.

صحیحة، وأمکن أن تسیر إلی الأمام بخطوات ثابتة، وإذا کانت الظروف غیر صحیحة لا یمکن أن تسیر الإدارة سیراً حسناً.

فمثل الظرف والإدارة مثل الأرض والشجرة، فإذا کانت الأرض غیر صالحة والأجواء غیر مهیئة فإن الشجرة مهما کانت بنیتها فی ذاتها قویة وصحیحة لا تتمکن أن تنمو بصحة، وأن تزهر وتثمر کما یترقب منها، بخلاف الأرض والأجواء الصحیحة، فإنها تعطی الشجرة ما تستحقها من النمو والاکتمال فی الکم والکیف والنتائج.

أما بالنسبة إلی مستوی الثروة، فإنه یؤثر علی إمکانیة الإدارة فی استخدام التسهیلات وعدمها، مثل المبانی والطرق والسدود والموانئ والمزارع والموارد الاقتصادیة کالنفط والحدید والخشب وما أشبه ذلک.

کما أن مستوی الثروة العقلی وهو عبارة عن رأس المال الإنسانی، له تأثیر فی القدرة علی الابتکار والانطلاق.

وتؤثر الندرة أو الوفرة أیضاً تأثیراً خطیراً علی الإدارة فی التصرف وعدم التصرف، ففی المجتمعات الغنیة یستطیع الإداری استخدام التلفون وعمل مکالمة تلفونیة للمستوردین للحصول علی المواد الخام وللمستهلکین، کما یمکن للإداری الالتجاء إلی سوق العمل والمکاتب المتخصصة للحصول علی عمال أخصائیین فی کل صناعة.

أما فی البلاد المتخلفة فقد لا یکون هناک مستوردون متخصصون، کما أنه قد لا یجد الإداری المستهلکین بقدر الکفایة. وإذا کان هناک مستوردون ومستهلکون فقد لا یکون عندهم تلفونات یمکن الاتصال بهم فی زمان قلیل، أو أن عندهم تلفونات لکن التلفونات عاطلة بسبب عدم الرعایة، وإذا کان لدیهم تلفونات غیر عاطلة فقد لا توجد وسائل المواصلات السریعة لنقل بضائع إلی المستهلکین، أو نقل المواد الخام إلی المعمل، کما قد لایکون هناک عمال مختصون، وقد یکون من الصعب الحصول حتی علی إنسان جامعی یقوم بأعمال المدیر.

لکن لا یخفی أن الندرة کما تأتی بمشاکل، کذلک الوفرة تأتی بمشاکل، وذلک کما یقولون بالنسبة إلی الصحة أن الفقر له أمراض والغنی له أمراض، فإن وفرة الموارد أحیاناً تؤدی إلی حریة کبیرة، والإنتاج الزائد عن الحد قد یؤدی إلی إفلاس کثیر من المؤسسات أو التأثیر علیها تأثیراًَ عمیقاً، مثلاً تؤدی فی بعض الأحیان إلی بطالة

ص:231

جزئیة، أو إنتاج زائد عن الحد، إلی غیر ذلک.

أنه لا یمکن لأیة مؤسسة أو لأیة أمة مثقفة أن تتجاهل القیم الأخلاقیة والدینیة السائدة فی المجتمع، فهذه القیم ما هی إلاّ تیارات للاتجاهات العامة فیما یتعلق بما هو صحیح أو خطأ، إذ القیم التی تسود المجتمع لیست مجرد شیء فی الخارج غیر مرتبط بالمنظمة والمنشئة، وإنما تدخل فی المنظمة وتعیش فیها عن طریق موظفیها وعن طریق الموردین والعملاء والمستهلکین.

فإن المجتمع قد یرکز علی المعنویات، وقد یرکز علی المادیات، شبه المجتمعات التی یغلب علیها القیم المادیة فالأفراد یرکزون علی الراحة المادیة من غیر نظر إلی القیم الروحیة، سواء کانت تلک المادیات أبسط الضروریات أو أکبر الکمالیات، ومثل هذا المجتمع وإن کان یملأ الجهة المادیة لکنها فاقدة للجهات الروحیة، وذلک یکثر فیها الإنحراف من الطبقیة الحادة وسحق حقوق الناس وما إلی ذلک.

والمادة والروح جناحا الإنسان إلی التقدم، فإذا فقد أحد الجناحین کان کالطائرة أو الطائر لا تتمکن من الطیران، ولذا نری أن الإسلام جعل لکل مورده، فقال سبحانه: ﴿فمن الناس من یقول ربنا آتنا فی الدنیا وما له فی الآخرة من خلاق * ومنهم من یقول ربنا آتنا فی الدنیا حسنة وفی الآخرة حسنة وقنا عذاب النار * أولئک لهم نصیب مما کسبوا﴾((1)).

وفی الحدیث الشریف: «لیس منا من ترک آخرته لدنیاه، أو ترک دنیاه لآخرته»((2)).

فإذا سیطرت المصلحة الفردیة علی الأفراد، سواء کانوا إداریین أم موظفین أو حتی أفراد الشارع فی أعمالهم الیومیة بالمصلحة العامة، وحینذاک یتغلغل الفساد فی المنظمات، لأن کل أمر من الأمور یدرس وینفذ علی أساس مدی مساهمته فی تحقیق المصالح الشخصیة، ویتم تحویر المصلحة العامة وتحریفها لخدمة المصالح الشخصیة، لوضوح أن بین المصلحة الفردیة والمصلحة العامة تعارضاً صریحاً وتناقضاً واضحاً، فالمصلحة الفردیة تجر کل شیء إلی الفرد، والمصلحة العامة تجر کل شیء إلی العموم.

فمن اللازم أن تکون هناک المصلحة الفردیة والمصلحة العامة کل یعطی بقدره، لا أزید من ذلک.

والمراد من المصلحة الفردیة المناقض للمصلحة العامة، ومن للمصلحة العامة المناقض للمصلحة الفردیة، وإلاّ فالجمع بینهما فی الصورة الصحیحة المعقولة هو الطریق الأمثل للتقدم.

کما أن القیم الأخلاقیة التی تسود المجتمع قد تکون قیم زائفة، مثل النظریة القدریة بأن کل شیء خارج عن قدرة الإنسان ویجب أن یجلس حتی یأتیه ما قدر له، وقد تکون بالعکس قیماًَ صحیحة، مثل أن الإنسان یکون سید الموقف بالقدر الذی جعل الله له من الحریة والإدارة، فإن الإیمان بقدرة الإنسان علی تغییر الاتجاه وتحسین الأحوال وتوجیه المحیط فی ضمن قدرة الإنسان وطاقته من أهم القیم الأخلاقیة التی یتوقف علیها کل أنواع التقدم، سواء کان اقتصادیاً أو حضاریاً أو سیاسیاً أو ثقافیاً أو غیر ذلک.

ومن ذلک یعلم أن الظروف الأربعة المذکورة من الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة والأخلاقیة بمعناها الشامل للدینیة، تشکل المحیط الصالح أو غیر الصالح للإدارة، فبصلاحها تصلح الإدارة، وبفسادها تفسد الإدارة.

ص:234

الثانی: مساحة الأرض الواجب زراعتها وحدودها، فلا یکفی أن یکون فی النظر زراعة عدد کذا جریب((1))، وإنما تزال المشکلة بتحدید موقع هذه المساحة بین المساحة الکلیة للمزرعة، أو الکلی الذی له أفراد، مثلاً فرد فی بغداد وفرد فی النجف وفرد فی کربلاء وهکذا.

الثالث: أنواع البذور الواجب استخدامها، وکمیاتها، ومصادر الحصول علیها، ووقت شرائها، والسعر المناسب، وکیف تختزن إلی وقت البذر، وفی أی مکان، وسائر الخصوصیات المرتبطة بالبذور.

الرابع: أنواع السماد الواجب استخدامه، من السماد الطبیعی أو السماد الصناعی، وکمیاته، ومصادر الحصول علیه، وقت شرائه وتخزینه، والسعر المناسب له، مع وضوح أن الأسمدة ومکان جلبها من الداخل أو من الخارج، ثم من أی خارج، الخارج الغربی أو الشرقی، إلی غیر ذلک من الخصوصیات.

الخامس: کیفیة القیام بالعملیات الزراعیة، هل تستخدم آلات میکانیکیة زراعیة أو یدویة، وفی حالة قرار استخدام آلات فهل تشتری أو یتم تأجیرها، وإذا أرید الاشتراء أو التأجیر فالمکان الذی ینبغی أن تشتری منه أین هو، إلی غیر ذلک.

والسادس: متی وکیف تطبق الطرق الفنیة فی الزراعة، وفی التسمید، وفی الحصاد، وفی إعطاء الماء، وفی الحفظ والرعایة.

السابع: الشروط الواجب توفرها فی العمال الزراعیین، وعددهم، ومدة استخدامهم، فهل یستخدمون علی مدار السنة، أو یکونون موسمیین، أو یبدلون من موسم إلی موسم، مع کونهم

ص:236

مستخدمین علی مدار السنة، وأجورهم، وکیفیة تدربیهم، ومراقبتهم.

الثامن: کمیة الأموال المطلوبة للزراعة، ومصادر الحصول علیها، هل یحصل علیها من البنوک، أو من الاقتراض من الأفراد أو ما أشبه ذلک، وبالنسبة إلی الحکومة هل تحصل علیها من معادنها کالبترول ونحوه، أو من وزارة خاصة من الوزارات، حیث عندها کمیة متوفرة من المال.

التاسع: فی حالة عدم وجود أرض یأتی الکلام فی شراء أرض زراعیة أو تأجیرها، وفی حالة الشراء یکون الکلام فی أنها ممن تشتری، وفی أی موقع تشتری، إلی غیر ذلک.

العاشر: إعادة البناء والترمیم والصیانة بالنسبة للمبانی الموجودة حالیاً علی المزرعة، وکم یحتاج من المال والوقت والعمال ونحو ذلک.

الحادی عشر: منافذ التوزیع، هل هو البیع المباشر، أو البیع لوکلاء، أو البیع لتجار الجملة، أو لتجار التجزأة.

الثانی عشر: تسعیر السلع علی أساس السعر السائد فی الأسواق، أو علی أساس التکلیف.

الثالث عشر: مکان تخزین السلع، فیما إذا لم یکن الوقت مناسباً للبیع وما أشبه.

الرابع عشر: الإدارات المرتبطة بهذه الأمور من الزراعة والتسویق والمالیة والأفراد والتخزین وغیر ذلک، ومن الواضح أن التخطیط للمبیعات أساسی، وله أولویة علی جمیع أنواع التخطیط فی

ص:237

المشروع الزراعی، فالکمیات المحتمل بیعها تحدد الکمیات الواجب زراعتها، من غیر فرق بین أن یکون البیع للدولة ولو للإحراق مثلاً، کما هی العادة فی الغرب، أو بیعها للمستهلکین فی الداخل أو فی الخارج حسب أسعار بیعها وتکالیف زراعتها وتسویقها وتخزینها وغیر ذلک.

والکمیات الواجب زراعتها تحدد المساحة الواجب زراعتها، لأن المساحة تابعة للکمیة فی المکان، کما أن الکمیة الواجب زراعتها تحدد کمیات البذور الواجب شراؤها، وکمیات السماد الواجب استخدامه، وعدد العمال الواجب استخدامهم.

ثم یأتی دور المیزانیات التقدیریة، فإنها هی المظهر المادی للتنبؤ المستقبلی، ففیها تسجیل للافتراضات التی تکونت عن المستقبل، ولا یختلف مفهوم المیزانیة التقدیریة فی المشروع الزراعی عنه فی المشروع الصناعی وسائر المشاریع، کالمشروع الثقافی والمشروع الصحی وغیر ذلک.

ومن الواضح أن درجة تعقید الهیکل التنطیمی للمزرعة تتوقف علی حجم المزرعة، ودرجة تعقید العملیة الزراعیة، ومدی التکامل بالنسبة لعملیات الشراء والتسویق، کما أن البرنامج الزمنی یوضح العملیات الأساسیة والتفصیلیة الواجب تنفیذها بتحدید الوقت المتوقع لإنهاء کل عملیة، ومفهوم البرنامج الزمنی ضروری فی إدارة المزرعة لربط عملیات شراء السماد وعملیات زرع البذور والری والتسمید ومکافحة الآفات، فإن هذه کلها بعضها مرتبطة ببعض، وتحدید وقت ابتداء وانتهاء کل من هذه العملیات حتی یتم حمل المحصول واتباع الإجراءات اللازمة لجعل المحصول قابلاً للبیع.

کما أن من الضروری ربط عملیة الزراعة والحصد بعملیة النقل والتخزین والبیع، فاللازم

ص:238

ظهور وقت الابتداء والانتهاء من کل عملیة، حتی یمکن اتخاذ اللازم لمقابلة المتطلبات الزمنیة قبل فوات الأوان، والبرنامج الزمنی فی المزرعة مهم تماماً مثله کمثل المصنع، وکذلک بالنسبة إلی الثقافة والصحة وغیرهما، مثلاً لو تأخر وقت زرع البذر أو التسمید أو الحصاد أو النقل أو التخزین أو غیرها فإن المزرعة تتعرض لهزات عنیفة قد تؤدی للفشل.

کما أن اللازم علی المدیر وضع خطط وبرنامج لتحدید المسؤولیات والسلطات، بالإضافة إلی أنه یلزم علیه أن یقوم بالإرشاد للمرؤوسین بالشرح والتعلیم وضرب الأمثلة، ورفع روحهم المعنویة، والتصرف معهم وأمامهم بمثابة القائد، حتی یمکن أن تتم الأعمال فی المزرعة إلی خیر وجه.

الزراعی بقصد شل حرکتهم لتستجلب الحبوب ونحوها من الخارج، حسب ما کانت الحکومة أعطت الکلام لأسیادها المستعمرین من ترویج أسواق بلاد الغرب، وذلک ما لا یمکن إلاّ بتحطیم الزراعة فی داخل العراق، فإن ملاحظة المشکلة الحکومیة قد یکون بحیث یلزم صرف النظر عن المزرعة، وقد یکون بحیث یلزم علی الإدارة المحاولات الکثیرة للوصول إلی الهدف، وقد یکون بالقدر الطبیعی کما فی البلاد الاستشاریة.

المنشئة ترید بیان حاجات الإنسان وبیان القوانین لها، کما هی الحال فی الدین الإسلامی، فإن الحکومة تحاول السیطرة علی المنشئات، فإن لم تتمکن أخذت فی هدمها بمختلف الأسباب والسبل.

فإذا کانت الحوزة العلمیة فی مثل هذه الظروف مبعثرة وبلا نظام ظاهر، کانت أبعد من سیطرة الدکتاتور، ومن المعلوم أن سیطرة الدکتاتور علی الحوزة أسوأ للحوزة من تبعثرها، فإن الدکتاتور یجعل من الحوزة آلة القصر ووسیلة لاستحکام حکومته، کما رأینا ذلک فی فقهاء السلطة أیام بنی أمیة وبنی العباس والعثمانیین، فی دمشق وبغداد والقسطنطینیة ونحوها.

والمرجع الکبیر السید أبو الحسن الأصفهانی (رحمه الله) لما طلبوا منه بتحریک من الدکتاتوریین تنظیم الحوزة فی النجف الأشرف، أجابهم بهذه الکلمة الصغیرة الکبیرة قال: (النظام فی اللا نظام)، أراد بذلک ما ذکرناه، حیث کانت الحوزة فی ذلک الحین معاصرة لأربعة من عملاء الاستعمار الدکتاتوریین، وهم أتاتورک فی ترکیا، ویاسین الهاشمی فی العراق، والبهلوی فی إیران، وأمان الله خان فی أفغانستان، بحیث إنه لو کانت الحوزة منظمة لهدموها أبشع نوع من الهدم، وسیطروا علیها واستفادوا منها للسیر فی رکاب المستعمر وعملائه، فرأی السید المرحوم أن الأفضل أن لا یکون للحوزة صورة وتنظیم ظاهر یمکن الأخذ برقبتها إلی تلک الأهداف.

3): ما هو المستوی الدراسی.

4): تمویل الحوزة وأنه من أین یمکن تحصیل المال اللازم لها.

5): عدة المدارس المحتاج إلیها وأمکنة المدارس.

6): عدد المدرسین وسطوحهم المختلفة، من مدرس الفقه، ومدرس الأصول، ومدرس الأدبیات، ومدرس التفسیر، ومدرس الحدیث، ومدرس التاریخ، إلی غیر ذلک.

7): الآلات الحدیثة المحتاج إلیها فی الشؤون الدراسیة، کالکاتبة والحاسبة وما أشبه.

8): الکتب المحتاج إلیها.

9): العطل الدراسیة، مثلاً العطلة فی أیام رمضان، وفی موالید الأئمة (علیهم السلام) ووفیاتهم، والعطلة فی شهری محرم وصفر، أو العطلة فی أیام الصیف، إلی غیر ذلک.

10): مدة الدراسة مجموعة، فکم سنة بحاجة إلیها فی دروس السطوح، وکم سنة فی دروس الخارج، وهکذا.

11): سنی القبول للطلاب، حیث تبدأ سنی القبول من العاشرة أو الحادیة عشرة أو الثانیة عشرة، أو من وقت البلوغ، أو قبل ذلک، أو غیرها.

12): العلوم المحتاج إلیها فی الحوزة، مثل علم النحو وعلم الصرف وغیر ذلک، فإذا تبین العلوم بنی علی ذلک الکتب المحتاج إلیها، مما ذکرناه فی المادة الثامنة، مثلاً إذا احتجنا إلی النحو نتکلم

ص:242

حول أن الکتاب المناسب للنحو هل هو شرح الجامی، أو السیوطی، أو ابن عقیل، أو ابن الناظم، أو المغنی، أو نحو الرضی، أو ما أشبه ذلک.

13): ملاحظة أنه ماذا یصبح الخریج، هل یکون وکیلاً، أو خطیباً، أو مؤلفاً، أو مرجعاً، أو إمام جماعة، أو مدرساً، أو مدیراً للمدرسة، أو غیر ذلک.

14): مواظبة الأخلاقیات والتقوی للطلبة فی مختلف مراحل الدراسة، حتی یتخرج الطالب متقیاً خلوقاً.

15): الکتابة والخطابة، حیث یجب تزوید الطلبة بالکتابة حتی یکونوا مؤلفین، وبالخطابة حتی یکونوا خطباء.

16): الأعمال الحکومیة، حیث یحتاج الطلبة فی الحکومات الحاضرة إلی الجنسیة أو الإقامة أو اتباع سائر القوانین الکاتبة المنافیة للحریات التی منحها الإسلام للإنسان بصورة عامة فی غیر المحرمات.

17): حفظ المدارس الموجودة والأجهزة المربوطة بالحوزة وصیانتها.

18): إلحاق مطبعة ودار نشر وما أشبه بالحوزة، لتکون کفاءً للقدر المحتاج إلیها فی الحوزة، وأمکنتها، وسائر الخصوصیات اللازم اتباعها فیها.

19): عدد المجلات المحتاج إلیها فی الحوزة لهدایة الناس،

ص:243

ولتقویة الأقلام، ولتنشیط المؤلفین، من مجلات فی مختلف العلوم، أو مجلات عامة.

20): وضع العقوبات للمتخلف علی شرط أن لا یکون خارجاً عن الدائرة الإسلامیة.

21): تسهیل شؤون الزواج للطالبات وللطلاب حتی إذا وصلوا إلی سن الزواج یتزوجون حسب السنة المقررة فی الشریعة الإسلامیة.

22): المسکن للطلاب والطالبات بعد الإعالة.

23): تعیین أنهم فی أی وقت یلبسون العمامة، هل من الصغر وابتداء الدراسة، أو فی وقت خاص من العمر، أو من الدراسة، أو ما أشبه ذلک.

24): کیفیة القبول للطلبة، هل یقبلون من کافة الجنسیات، أو یقبلون من بعض الجنسیات، وذلک فإن الإسلام وإن کان لا یعرف حدوداً للقبول إلاّ أن المشکلات فی الحال الحاضر فی الحکومات التی تسمی بالإسلامیة مشکلات تجب رعایتها بالنسبة إلی الحوزة، وإلاّ أوجدت الحکومات مشکلات جمة أمام السیر وتقدم الحوزة، وأحیاناً إذا لم یلاحظ المدیر هذه القوانین الکابتة انتهی الأمر بتحطیم الحکومة للحوزة.

25): الأمور السیاسیة، فإن السیاسة فی هذا الیوم دخلت فی کل شأن من الشؤون، فإذا لم تلاحظ الإدارة هذا الأمر المهم یمکن أن تجرف السیاسة بالحوزة، وهذا أمر ظاهر للعیان، فاللازم أن تلاحظ

ص:244

إدارة الحوزة هل یجوز أن یرتبط الطالب أو الطالبة بالسیاسة أم لا، وإذا جاز الارتباط ففی أی سن، وفی أیة رتبة یرتبط، وإذا کان من المقرر الارتباط فما هی حدود الارتباط، مثلاً هل یکون داخلاً فی حزب مرجعی أو منظمة أو ما أشبه ذلک، وإذا کان داخلاً فهل یدخل فی هذا الحزب أو ذاک، إلی آخر ما هنالک من الأمور السیاسیة.

26): امتحانات الحوزة، وأنه کیف تقرر الامتحانات فی الدروس الحوزویة، سطحاً أو خارجاً، وماذا یکون حال الراسب الأخیر، هل یطرد من الحوزة، أو یبقی شاغلاً ببعض الوظائف الدینیة.

27): کیفیة تقسیم الخریجین إلی البلاد والوظائف الأخر، کالمساجد أئمة، والمنابر خطباء، والمؤسسات الدینیة کمدیرین، وما أشبه ذلک.

28): کیف یمکن تمویل الخریجین الذین هم یتقلدون بعض المناصب المتقدمة.

29): کیفیة تدرّب الطلاب علی الجماهیریة حتی یکونوا إذا تخرجوا قادرین علی إدارة الجماهیر.

30): ما هی النسبة بین الحوزات المتعددة فی قطر واحد، کالنجف وکربلاء والکاظمیة وسامراء وبغداد، أو فی قطرین، کإیران والعراق، ولبنان والهند، وباکستان وأفغانستان، إلی غیر ذلک.

هذا تمام الکلام فی الإدارة العامة للحوزة.

تتبع التنفیذ والتی تتعلق باتخاذ قرارات عن أهداف المدرسة المطلوب تحقیقها، ومجموع العناصر المادیة والبشریة الواجب استخدامها لتحقیق الأهداف، والمراد بالعناصر المادیة حجرات المدرسة ومکاتبها وعددها وآلات وأدوات کل مدرسة مدرسة، والمراد بالعناصر البشریة المدرسون والموظفون والعمال ومن أشبههم.

کما أن من اللازم اتخاذ قرار حول القواعد التی تتبع فی المدرسة بالنسبة لأداء الأعمال من قبول الطلبة والتدریس والامتحانات وغیر ذلک، والبرامج الزمنیة فیما یتعلق بالتدریس والامتحانات والتصحیح والتخطیط للمدرسة.

ومن الواضح أن التخطیط للمدرسة یختلف عن عملیة التدریس، فالتدریس عملیة خاصة، أما التخطیط فهی عملیة إداریة تشمل التدریس وغیر التدریس.

والتخطیط السلیم یجب أن یتم علی مستویین، تخطیط قصیر الأجل کسنة مثلاً، وتخطیط طویل الأجل لسنوات، ویعتبر التنبؤ بعدد الطلبة الذی یطلبون الدراسة هو المحور الذی تبنی علیه عملیة التخطیط کلها، فالتنبؤ بعدد الطلبة یحدد عدد الحجرات المطلوبة، وعدد المکاتب اللازمة، وعدد الأساتذة والمدرسین، وعدد الکتب، کما یحدد الأموال اللازمة لهؤلاء، ثم التنبؤ بعدد الطلبة یجب أن یکون وفقاً لما تتطلبه البلاد من أئمة جماعة وخطباء ومرشدین ومدرسین ومن أشبه ذلک، ممن یشتغلون بالوظائف الدینیة والدنیویة.

والتخطیط الطویل الأجل غالباً ما یحتوی علی إجابات لهذه الأسئلة، والأسئلة عبارة عن: ما هی التطورات المتوقعة فی المجتمع، والتی تؤثر علی التعلیم، وکیف تؤثر هذه التطورات علی القبول والتسجیل، وکیف تؤثر هذه التطورات علی البرامج والدروس، وما هی الخدمات التعلیمیة والتسهیلات الجدیدة

ص:246

المطلوبة، وهل حالة البناء وقاعات الدرس الحالیة تتمشی مع هذه التطورات، وإذا لم تکن متمشیة مع هذه التطورات فکیف ینبغی أن نعمل حتی توافق التطورات المستقبلیة.

وهل من المستحسن إعادة البناء، أو إعادة تحسین البناء إیجاراً واشتراءً أو ما أشبه ذلک، وهل من المفضل الاستغناء من بعض الأبنیة الحاضرة إطلاقاً، أو بعض الأبنیة فی بعض المدارس، وکیف یمکن تمویل الإضافات الجدیدة للمستقبل.

ومن الواضح أنه لا یمکن أن تتم الأعمال فی أیة مدرسة دون تنظیم للمجهودات، فإنه من الأهمیة بمکان تحدید المسؤولیات والسلطات لکل الأعمال مما یتوقف تنظیم المدرسة علیها وهو أمر معقد، إلاّ أنه فی کل الأحوال یمکن التمییز بین عدة أقسام رئیسیة، مثلاً قسم التدریس، والقسم المالی، وقسم الخدمات المکتبیة، وقسم شؤون الأفراد کالطلاب، وهیئة التدریس.

ویعتبر قسم التدریس القسم الرئیسی، وقد ینقسم إلی أقسام فرعیة حسب التخصصات الموجودة فی المدرسة.

مخطوطاتنا إلی هذا الموضوع نفسه، وحیث إن بین ما ذکرناه هنا وذلک عموم من وجه، کان المناسب ذکره.

فإن أحد أقسام الإدارات هی إدارة الحوزات العلمیة التی هی مبعث المراجع والخطباء والمبلغین والمفسرین ومعلمی الأخلاق وحملة الحدیث والأدباء ومن إلیهم، ففی عصر الانحطاط فرض الهامشیة علی هذه الحوزات، من ناحیة المستعمرین الذین أرادوا ضرب الحضارة الإسلامیة لتقدیم الحضارة الغربیة علیها، ومن ناحیة عملائهم الذین تأثروا بهم من جهة اعتمال أو من جهة التأثر الفکری حیث استبد الفکر الغربی بالساحة، فلم یدع مجالاً للفکر الإسلامی، فانحسر الفکر الإسلامی عن الساحة بالقوة.

وعلی أی حال، فإذا أرادت الحوزات العلمیة الرجوع إلی نشاطها المترقب فی العصر الحاضر، فاللازم اتباع أمور:

أن أموال المراجع تجمع حینئذ فی صندوق واحد وإن کانوا مختلفین فی کمیة العطاء باختلاف قدر مقلدیهم وما یحصلونه من الحقوق الشرعیة، فأحدهم یتمکن من بذل نصف المعاش، وآخر من ثلثه أو ربعه أو ما إلی ذلک، حتی لا یضطر الطالب إلی الأخذ من أماکن متعددة.

کما أن اللازم علی الشوری أن تهیأ الدُور المناسبة للمعیلین، إما بالاشتراء لهم أو الوقف علیهم أو غیر ذلک، أما الطلاب المجردون فإنهم یسکنون غرف المدارس، ومن الضروری أن تکون کل غرفة لطالب واحد لا أکثر حیث أن وجود نفرین فی غرفة واحدة یکون ضغطاً علی کلیهما، فأحدهم یرید المطالعة والآخر الحفظ أو المنام أو البحث مع زملائه أو ما أشبه، إلی غیر ذلک.

کما أن الشوری تعین الامتحانات الدراسیة، وتهتم بأخلاق الطلاب وتقواهم أکبر اهتمام، وکذلک تهتم بتعلیمهم العلوم الإسلامیة المختلفة، وما یتصل بذلک من الأدب والحساب والهندسة والجغرافیة وغیر ذلک، ویضاف علیها معرفة سائر العلوم العامة التی لا یستغنی عنها المثقف فی العصر الحاضر.

الطرق مما یؤدی إلی إصلاح دنیاهم وآخرتهم، وبذلک یمکن حفظهم عن الانحرافات التی صارت کالسیول فی العالم المعاصر، فإنه إذا لم تکن لجماعة منهم المعاش الکافی والعمل الکافی وما أشبه ذلک لا یستقیم دینهم، (فمن لا معاش له لا معاد له)، وفی الحدیث: «اعمل لدنیاک کأنک تعیش أبداً، واعمل لآخرتک کأنک تموت غداً»((1)).

فلیس الأمر قفزاً، لأن الشوری یحکم بأکثریة الآراء فی کل الشؤون المراد القیام بها من الشؤون الاجتماعیة وغیرها.

أما مسألة التقلید، فکل مقلد ومرجعه، سواء فی العبادات کالصوم والصلاة، أو فی المعاملات کالبیع والشراء إلی غیر ذلک، نعم مع تعارض الشوری مع الفتوی یکون الأول مقدماً علی الثانی، لحکومة أدلة الشوری علی أدلة الفتوی، کما ذکرنا تفصیله فی بعض الکتب.

ولا یخفی أن المثقفین الزمنیین لهم أوفر الحصص فی الإعانة والمساعدة وأخذ أزمة الشباب وإصلاح الحیاة وإعطاء الرأی وغیرها، فإن الإسلام دین ودنیا، قال سبحانه: ﴿ومنهم من یقول ربنا آتنا فی الدنیا حسنة وفی الآخرة حسنة وقنا عذاب النار * أولئک لهم نصیب مما کسبوا والله سریع الحساب﴾((1)).

وقد ذکرنا فی الأصول: إن المفرد غیر العلم ونحوه یراد به الطبیعة، فیشمل الکل لفرض سریان الطبیعة فی کل الأفراد، فلا حاجة إلی الألف واللام، کما قاله بعض فی المفرد المحلی باللام، ولا إلی أن یکون جمع محلی لیفید العموم أو الإطلاق، کما قاله آخرون، نعم إذا کانت هناک قرینة علی الخلاف صرف المفرد عن الإطلاق، وقوله سبحانه وتعالی فی هذه الآیة المبارکة: ﴿حسنة﴾ فی الموضعین یراد بهما إطلاقاً، لا خصوصیة شیء خاص، فیشمل المقام.

بإذن الله سبحانه، فلیس الأمر علی ما ذکرناه بعیداً غایة البعد، أو صعب المنال صعوبة بالغة کما قد یتصور فی بادی الرأی.

الثانی: إقراض العملاء، فإنه یقوم البنک بإقراض عملائه من أفراد وهیئات، وهو فی هذا یعتمد اعتماد کبیراً علی الودائع التی تجمعت من عملائه، لذلک فإن هناک علاقة کبیرة بین حجم الودائع وقوة البنک فی الإقراض.

الثالث: الاستثمارات، فإنه یقوم البنک باستثمار بعض أمواله فی شراء أسهم أو سندات لبعض الشرکات والمشروعات التی تتمتع بسمعة طیبة، کما یقوم باستثمار أمواله فی سندات وأوراق حکومیة وغیر ذلک من أوراق الدرجة الأولی، وقد یقوم البنک بالمساهمة فی إنشاء مشروعات اقتصادیة مثل مستشفی أو مطار أو نحو ذلک.

وعلی هذا فوظائف البنوک التجاریة عبارة عن: قبول الودائع، وإقراض العملاء، والاستثمار.

وأهداف البنک التجاری لا تخرج عن المجالات السابقة ذکرها، والسیاسات المصرفیة عبارة عن جملة من السیاسات.

فأولاً: سیاسات الودائع:

أ): کم یأخذ البنک من الودائع، لأن الأخذ یجب أن یکون بحجم قدرة البنک علی الاستیعاب.

ب): ممن یأخذ، إذ ربما لا یتمکن من الأخذ من أعداء الدولة، أو ممن کان علی شرف الإفلاس، أو ممن کان سیء السمعة.

ج): ولکم مدة یأخذ، مطلقة أو موقتة، والثانیة إنما یکون فی أیام الاضطراب حیث لا یرید البنک بقاء المال عنده مدة طویلة للاضطراب فی البلاد أو لمخاطر آخر.

ثانیاً: سیاسات الإقراض:

ص:255

أ): نوع العملاء الجائز تقدیم قروض إلیهم، من أفراد أو هیئات أو شرکات أو من أشبه ذلک.

ب): نوع القرض المقدم، هل هو اعتمادات شخصیة بدون ضمان عینی، أو اعتمادات بضمان بضائع، أو اعتمادات بضمان أوراق مالیة، أو اعتمادات بضمان کمبیالات، أو اعتمادات بضمان مقاولات، أو اعتمادات بضمان مرتبات حکومیة.

ج): نوع الاعتمادات المستندیة، هل هی اعتمادات قابلة للإلغاء، أو اعتمادات غیر قابلة للإلغاء وغیر مؤیدة، أو اعتمادات غیر قابلة للإلغاء ومؤیدة.

ثالثاً: سیاسات الاستثمار:

أ): أنواع الأوراق المالیة الواجب الاستثمار فیها، وحجم هذا الاستثمار واستثمار العقارات أو ما أشبه ذلک.

ب): کیفیة التصرف فی حالة انخفاض الأسعار أو ارتفاع الأسعار فی سوق الأوراق المالیة، أو فی سوق العقارات أو نحوها.

رابعاً: سیولة البنک، فإنه کلما زادت الأموال الجاریة لدی البنک کانت سیولة البنک کبیرة، وهذه السیولة ضروریة للبنک لمقابلة احتیاجات العملاء، فإذا قلت الأموال السائلة لدی البنک قلت سیولة البنک، وقد یتعثر نتیجة عدم استطاعته مقابلة احتیاجات عملائه، ولذا فعلی البنک أن یلاحظ دائماً توفر السیولة اللازمة، وأحیاناً یکون ذلک باقتراض البنک من بنوک أخر.

ثم من ناحیة أخری فإن کثرة

ص:256

الأموال السائلة لدی البنک یعنی تجمیدها دون استثمارها، وبالتالی فإنها تعتبر عاطلة وتقل أرباح البنک، لذلک فإنه من الأمور الأساسیة الواجب اتخاذ قرار فیها هو العلاقة بین سیولة البنک وربحیته، ولذلک یقال: إن هذه العلاقة عکسیة أیضاً، بمعنی أنه کلما زادت الأموال السائلة فی البنک قلت قدرة البنک علی تحقیق الأرباح نظراً لتجمد الأموال، وکثیراً ما یلتجأ البنوک لدفع هاتین المشکلتین إلی الارتباط ببنوک أخر، فإذا زاد عنده أعطاهم وإذا نقص عنده أخذ منهم.

کما أنه یجب علی البنک أن یکون له خبراء بالنسبة إلی المقترضین، وخبراء بالنسبة إلی الاستثمار، فالأولون یحاولون فهم قدرة المقترض من الأداء حتی یقدروا حجم القرض، والآخرون یحاولون فهم حرکة المال فی الأسواق حتی یتمکنوا من الاستثمار.

استثمارات، وأوراق تجاریة مخصوصة، وقروض، وسلفیات، وأصول أخری.

أما فی (مقابل الأصول) فتجعل رأس المال، والاحتیاطیات، وأرباح غیر موزعة، والعدد المستحق للبنوک، والقدر المستحق للبنک المرکزی والودائع وخصوم أخری، وباستثناء أحد القائمین من القائمة الأخری یظهر مقادیر الأصل ومقادیر الخصم، وذلک تنفع بصورة عامة للرقابة.

المترتبة علی الماء لم یکن أمامه إلا أحد حالین، فإما أن یتسرب فی مسارب الأرض بحیث یکون هدراً، وإما أن یبقی علی الأرض فتکون مستنقعاً مبعثاً للأمراض والجراثیم والوساخة والعفونة، هذا من ناحیة الأخذ من الشباب.

ثم من ناحیة أخری العطاء بالنسبة إلی الشباب، بأن یزوج عزابهم، ویشغل عاطلهم، ویهیئ وسائل الدراسة لمن یرید الثقافة منهم، ووسائل العمل لمن یرید العمل، ووسائل الطباعة لمؤلفهم، إلی غیر ذلک.

مشکلاتهم ومحل تلاقیهم، مع ملاحظة أن یکون المکتبات قسم منها للرجال وقسم منها للنساء.

4): فتح ملف للشکاوی التی ترد إلی الحزب من ناحیة الشباب أو الشابات، حتی یتمکن الحزب من حل مشاکلهم وجعل العدالة فی نصابه، وملف آخر لشکاوی الناس.

5): ملاحظة الإعلام والدعایة بالنسبة إلی الحزب فی الوسائل الممکنة من الصحف والإذاعات والتلفزیون والنشرات الجداریة وغیرها، لکن الإعلام یجب أن یکون واقعیاً وإلاّ کان ضره أکثر من نفعه.

6): ملاحظة تمویل الحزب، من أین یتمکن من تحصیل المال کالتبرعات والمضاربات إذا کان للحزب مال مسبق، أو ما أشبه ذلک.

7): أقسام الأفراد من المثقفین الدینیین والمثقفین الزمنیین والعمال والفلاحین ومن إلیهم.

8): هل الحزب علنی أو سری، إذ من الممکن جعل الحزب علنیاً فی البلاد التی تسمی بالدیمقراطیة، واللازم أن یکون الحزب سریاً فی البلاد التی یکون الحاکم فیها دکتاتوراً.

9): کیفیة استقطاب الجماهیر، فإن الحزب لا یتمکن من التوسع والوصول إلی الحکم إلاّ بالجماهیر لا بالطلایعیین فحسب، ولذا فاللازم علیه أن یعرف کیف یستقطب الجماهیر حتی یکونوا مؤیدین له، ویلتفوا حوله وینتخبوه عند الانتخابات، ویساعدوه عند حدوث مشکلة له.

10): النظام الداخلی للحزب.

ص:260

11): المنهج حین الوصول إلی الحکم، هل هو مثلاً یرید ترجیح الزراعة علی الصناعة، أو الصناعة علی الزراعة، وعلی الصناعة هل یمیل إلی الصناعات الخفیفة أو الصناعات الثقیلة، ویصادق مَن من الدول ویقاطع مَن من الدول، إلی غیر ذلک.

12): ملاحظة النسبة بین هذا الحزب وبین سائر الأحزاب والتنظیمات، لأنه یلزم أن یکون للحزب فلسفة یسیر علیها وهدف یمشی إلیه، وإلاّ فالناس لا یلتفون بمجرد التفاف جماعة بعضهم مع بعض من غیر هدف ولا فلسفة.

13): ملاحظة هل هذا التنظیم والإدارة تنظیم وإدارة جمعیة أو حزب أو منظمة أو ما أشبه ذلک، للاختلاف الواسع بین هذه الأمور کما ألمعنا إلیه فی کتاب (الفقه السیاسة).

14): الخطط القصیرة الأمد حول احتیاج الحزب إلی أولیات التنظیم، من المکاتب والفروع، والجریدة الناطقة باسمه والمجلة، والمدیر لکل فرع، والمال المحتاج إلیه فی المرحلة الأولی، والمقر الرئیسی، والدروس التی یجب أن تلقی علی أفراد الحزب، والإعلان عن الحزب، وما أشبه ذلک.

15): الخطط طویلة الأمد، مثل وضع خطة لعدد الأفراد المترقب دخولهم فی الحزب، وعدد من المدارس والمستوصفات والمکتبات والبنوک التی یجب أن تفتح، وعدد من المطابع التی یجب أن تنصب، والإذاعات والتلفزیونات المحتاج إلیها الحزب، إلی غیر ذلک.

16): فتح المؤتمرات الدوریة والمخیمات الکشفیة وما أشبه.

ص:261

17): الإعداد للعطل الطویلة، کأشهر الصیف بالنسبة إلی المثقفین الذین تغلق مدارسهم ویکونون معطلین فی هذه المدة، فإن اللازم علی الحزب أن یملأ هذا الفراغ بالمؤتمرات والمخیمات لتشغیل العاطلین منهم، وتزویج عزابهم وعازباتهم، إلی غیر ذلک.

18): تنظیم أوقات الإضراب والمظاهرات لجهات إیجابیة، فیما إذا کان الحزب یطلب من الحکومة بأمور خاصة، مثل تشجیع الزراعة أو الصناعة أو ما إلی ذلک، أو لجهات سلبیة فیما إذا کانت الحکومة تقوم بما هو فی ضرر الأمة، حیث ینظم الحزب إضرابات ومظاهرات للصد دون تنفیذ الحکومة تلک الخطط الضارة، مثل ما إذا أرادت الحکومة إلغاء بعض الحریات المشروعة، أو صداقة بعض الحکومات التی تضر الأمة، کالصداقة مع إسرائیل مثلاً، أو ما إلی ذلک.

19): تنظیم الفتیات فی الحزب کتنظیم الشباب فی إطار القانون الإسلامی بالنسبة إلی بلاد الإسلام، فإن المرأة طاقة هائلة ونصف البشریة، والمراد النصف العرفی لا النصف الریاضی، ولها حاجاتها ونشاطاتها، فاللازم تنظیمها لتستفید هی ویستفید المجتمع منها، وقد قال الشاعر:

والأم مدرسة إذا ربیتها

أعددت جیلاً طیب الأعراق

20): تعیین هل أن الحزب خاص بالمنطقة، أو عام یشمل غیرها من البلاد، کما هو الحال فی الأحزاب الإسلامیة، فإن الإسلام لا یعرف الحدود الجغرافیة والفوارق القومیة واللغویة واللونیة وغیرها، بل

ص:262

ضابطه: ﴿إنَّ أکرمکُم عند الله أتقاکم﴾((1)).

یتعلق بالمستشفی وأقسامها، وتخطیط جزئی یتعلق بفرع معین من فروعها.

فإنه ربما یکون التخطیط شاملاً للمستشفی بفروعها المختلفة الطبیة والصیدلة وغیر ذلک، وقد یکون التخطیط لأجل غرف الأطباء أو غرف العملیات أو ما أشبه ذلک.

وینقسم إلی تخطیط طویل الأجل، وتخطیط قصیر الأجل، علی ما تقدم فی بعض المناهج الأخر.

والخطة هی المظهر المادی للتخطیط، ففیها تسجیل للأعمال المطلوب إتمامها، وتسجیل للعناصر الواجب استخدامها، سواء کانت مادیة أو کانت بشریة تستجلب لتنفیذ الأعمال المرتبطة بالمستشفی، وتسجیل لتکالیف القیام بمختلف الأعمال، وتسجیل لأمکنة الأعمال، وتسجیل للوقت المقرر لإتمام مختلف الأعمال وقت البدء ووقت الانتهاء.

کما أن الخطة تشمل المسؤولین عن القیام بکل جزء من أجزاء العمل، سواء کانت خططاً أساسیة وشاملة، أو خططاً فرعیة کخطط طبیة وخطط للخدمات والمساعدات إلی غیر ذلک.

ولکل مستشفی کما لکل مؤسسة سیاسات، والسیاسات المرتبطة بالمستشفی عبارة عن مجموعة القواعد التی تحکم تصرفات رجال المستشفی ونسائها، سواء کانوا أطباء أو أعضاء هیئة التمریض أو المستخدمین، أو الذین یدیرون أمور الصیدلة، أو غیر ذلک.

ورسم هذه السیاسات ضروری لتحقیق التماثل فی تصرفات أفراد المستشفی حتی لا تسود الفوضی، فیکون لهذا الدکتور هذا العمل، ولذاک الدکتور ذلک العمل، وللممرضة الفلانیة العمل الفلانی، وهکذا.

ص:264

ثم إن رسم هذه السیاسة تقلل المجهودات الفکریة عما یجب عمله، وما لا یجوز عمله فی حالات مماثلة.

وتشمل سیاسات المستشفی علی نوع الخدمة الطبیة التی تقدم للجمهور، فهل هی خدمات عاجلة، أو خدمات تتطلب علاجاً مستمراً إلی مدة أو إلی غیر مدة، فإن بعض المرضی یجب أن یرقدوا فی المستشفی طول العمر، أو أن الطبیب یراجعهم طول العمر.

ثم قد تکون الخدمة الطبیة جراحیة، أو جلدیة، أو باطنیة، أو أسنان، أو عیون، أو خدمات طبیة للأطفال، أو للولادة، أو للنساء غیر الولادة، وإن کان من المتعارف أن تکون دور الولادة دوراً خاصاً لا ترتبط بالمستشفیات العمومیة، نعم قد تشمل المستشفیات العمومیة ردهة للولادة أیضاً.

کما أن السیاسات تشمل حالة المرضی الاجتماعیة والصحیة، وهل أن المستشفی یقبل جمیع المرضی أو قسماً خاصاً منهم، وأنه أعم من الفقیر والغنی، أو أسس للفقراء أو للأغنیاء فقط، وهل أن المستشفی تقبل المرضی من جمیع أنحاء الدولة، أو تتوقف خدمة المستشفی علی المنطقة التی یقع فیها المستشفی، وهل تقبل المستشفی المرضی المزمنین فی المرض، أم المرضی الجدد فقط.

والسیاسات المرتبطة بمستوی الخدمة الطبیة والخدمات الأخری، مثل أن المستشفی هل یقوم بخدمات الأکل ونحوه، وهل أن سیاسات الأسعار مرتفعة أو منخفضة أو مجانیة أو مختلفة، وما قدر هذه الأسعار، وکم هی أسعار العملیات، فلکل عملیة من عملیة العین أو القلب أو المعدة أو الکلیة مقدار خاص من المال حسب ساعات الاستغراق، أو حسب الأطباء الذین یزاولون هذه

ص:265

الأعمال، إذ قد یحدد الأجرة للساعة، لأنه لا یهم أن تکون عملیة عین أو قلب أو نحوهما، وإنما المهم أن یکون لکل ساعة کذا من الأجرة، وقد یکون المهم الطبیب الذی یجری العملیة، حیث إن الطبیب صرف علی دراسته کذا من المال، فاللازم أن یقسطه مع أرباحه مزیداً علیه نفقات الطبیب لما یتبقی من عمره، فیقسم ذلک علی عملیاته، وقد یکون المهم کل عملیة عملیة، فللعین کذا من الأجرة، وللقلب کذا من الأجرة، وللأذن کذا من الأجرة وهکذا.

یکون مبنی المستشفی فی منطقة سکنیة وأسعار الأرض مرتفعة بما تضطر إدارة المستشفی من جعله طوابق، بالإضافة إلی غیاب الضوضاء والأتربة فی الطوابق العلیا، وتحسن التهویة والاستفادة فی الإضاءة الطبیعیة من المناظر الخلابة.

وقائمة الولادات، وقائمة علاج الأمراض المزمنة، وقائمة علاج الأشخاص الذین راجعوا المستشفی بأمور میدانیة، إلی غیر ذلک من الأمور المرتبطة بالمستشفیات.

لوضوح أن تشغیل کل قسم من هذین القسمین له مؤهلات خاصة ومجاریة مخصوصة.

3): بنایة الأبنیة الخیریة وصیانتها، أمثال الحسینیات، والمساجد، ودور الولادة، والمستوصفات والمستشفیات، ومکتبات المطالعة، والنوادی للشباب، ودور الرضاعة، وروضات الأطفال، والمدارس، والبنوک.

4): إسعاف المرضی بالأدویة والنقود، والذهاب بالأطباء لهم، أو الذهاب بهم إلی الأطباء والمستشفیات، أو ما إلی ذلک.

5): تموین الفقراء بصورة عامة، حراً أو برداً، للفرق الواضح بین التموین فی حالة الحر حیث الاحتیاج إلی المراوح والمکیفات والبرادات والثلاجات وما أشبه، بینما الاحتیاج فی حال البرد إلی الملابس الشتویة والمدافئ والفحم والنفط ونحو ذلک.

6): الدفاع عن المظلومین بمختلف الأبعاد بواسطة هیئة من المحامین، إذ کثیر من المظلومین لا یتمکنون من الوصول إلی حقوقهم إلاّ بالمحامین، وهم لا یتمکنون من إعطاء أجور المحامین، فتتشکل هناک فئة من المحامین لأن تقوم بالدفاع عن المظلومین مجاناً، أو بأجور رمزیة، أو تساعد الإدارة أمثال هؤلاء بالنقود وما أشبه حتی یتمکنوا أن یصلوا إلی حقوقهم أمام الظالمین الذین تتوفر لدیهم المال والقدرة.

7): إدارة الأیتام بالمدارس والمؤسسات المربوطة بهم من البنین والبنات، خصوصاً فی أحوال الحرب ونحو ذلک، وتعلیمهم المهن اللائقة

ص:269

بهم بعد أن یکبروا، وتزویج عزابهم وعازباتهم، إلی غیر ذلک مما تکون إدارة الأیتام کفیلة بکل هذه الشؤون.

8): الترشید للناس لتعلیمهم الصناعات الخفیفة المختلفة، کالنجارة والحدادة وما أشبه ذلک، فإن ذلک یساهم فی ترفیع المستوی الاقتصادی، بل والمستوی الثقافی للأمة.

9): مساعدة الطلبة لتکمیل الدراسة، سواء کانوا طلاباً زمنیین أو طلاباً دینیین.

10): مساعدة القری لتکون قری حضاریة من جهة الماء والکهرباء والتلفون والبنک وغیر ذلک.

11): الاهتمام بنصب الأئمة فی المساجد الفارغة، وإرسال المبلغین إلی القری التی تحتاج إلیهم، إلی غیر ذلک.

12): الاهتمام بجلب الشباب الذین وقعوا فی المآثم إلی طریق الصواب، کأولئک الذین امتهنوا بیع الخمور أو اتخذوا مهنة الغناء أو الزمر أو ما أشبه بتطلب عمل لهم لاستدرار أرزاقهم، حیث إن هذه المؤسسة تبدل أعمالهم إلی أعمال محللة شریفة، کما أنها تهتم بتبدیل عمل المرأة المنحرفة إلی عمل حر شریف، وتزویجها زوجاً یلیق بها، کما روی عن علی (علیه الصلاة والسلام) حین دخل الکوفة فزوج أمثالهن.

13): الاهتمام بتکمیل الأحیاء الجدیدة والتی لها محلات ومساکن ولا مدرسة لها، أو لا مخبز، أو لا حسینیة، أو لا مسجد، أو لا حدیقة، فیقوم هؤلاء بالتکمیل المذکور.

ص:270

14): القیام بإسعاف المنکوبین بالکوارث، کالزلازل والسیول والحرائق والحروب، حیث یحتاج أمثال هؤلاء إلی إسعافات عاجلة ضروریة.

15): تهیئة الوسائل للمعلولین الذین لا یرجی برؤهم، کالعربیات للمزمنین، والعیون الاصطناعیة والأیادی والأرجل الاصطناعیة، والباروکات الشعریة، وسائر الوسائل الاصطناعیة التی تخفف من سوء منظرهم أو من عجزهم عن الحرکة فی النطاق الممکن.

16): إشغالهم بأشغال مناسبة لهم، إذ من الممکن إشغالات ممکنة للمعلولین کالأشغال الیدویة الخفیفة للعمیان، کما تقوم الهیئة المذکورة بتعلیمهم حسب الممکن، والأخذ بأیدیهم إلی بعض التحسینات الممکنة فی تکمیل شیء من نواقصهم، وکذلک تزویج عزابهم وعازباتهم بعضهم من بعض، أو بعضهم من الکاملین الذین یرغبون فی مثل هذا الزواج، إلی غیر ذلک.

وأجهزة زراعیة، وأجهزة صناعیة، وأجهزة تجاریة، وأجهزة مالیة، وأجهزة صحیة، وأجهزة دفاعیة، وأجهزة بحریه، وأجهزة بریة، وأجهزة جویة.

کما أن الدولة ترتبط بالشرطة، وبالمباحث، وبالسجون، وبالمستشفیات، وبالمدارس، وبإنتاج مختلف أنواع الأسلحة، وبإنشاء الطرق، وبرعایة الطفولة والأمومة، وغیر ذلک، وإدارة الدولة بصورة عامة تهدف إلی تحقیق هذه الأهداف وغیرها.

واللازم أن یکون التنسیق العام بین هذه الأجهزة، وذلک إنما یکون بتنفیذ السیاسة العامة للدولة بتنسیق المجهودات الفردیة والجماعیة لهذه الأهداف، کل شیء فی موضعه.

ولذا عرفها بعضهم بأنها نشاط الجماعات المتعاضدة فی خدمة هدف واحد فی الإدارة التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة والإعلامیة والثقافیة وغیرها.

أما ما ذهب بعضهم إلیه من الفرق بین إدارة الدولة والإدارات الخاصة بوجوه فهو غیر تام، إذ فی کل من الإدارتین یشاهد هذه الأمور التی ذکرها هذا البعض، ونحن نذکر تلک الأمور التی قال بأنها فارقة لیظهر عدم کونها کذلک.

وثالثاً: یجب علی القائمین علی شؤون الإدارة العامة التزام بقاعدة المساواة بین المواطنین وعدم إیثار بعضهم بأنواع ممتازة من الخدمات.

ورابعاً: الغالب من نطاق الإدارة العامة أن یعمل الموظف بصفته لا باسمه، ومن ثم فإن الجمهور لا یهمه أن یعرف اسم الموظف الذی یعامله، ولهذه القاعدة استثناءات فی بعض الأحوال.

وخامساً: یهیمن علی الإدارة العامة قاعدة المسؤولیات العامة، فرجال الإدارة العامة مسؤولون عن تصرفاتهم أمام الجمهور، وتتحقق هذه المسؤولیة بعدة طرق، السیاسیة منها والقضائیة وغیرهما.

وسادساً: تخضع الإدارة العامة لقاعدة تزوید الأفراد بکافة المعلومات التی تعینهم علی استعمال حقهم فی الرقابة، ولذا فإن من واجب الإدارات العامة إعداد وسائل الإعلام وتسهیل مهمة الأفراد فی الحصول علی ما یشاؤون من معلومات، وعدم حجب تلک المعلومات إلاّ فی الحدود التی تقتضیها المصلحة العامة.

وسابعاً: تخضع المشروعات العامة لتنظیم یتم علی نطاق واسع، ویتفرع علی هذه الصفة کثیر من المشاکل التی یواجهها علم الإدارة العامة فی الوقت الحاضر.

وثامناً: لما کانت المشروعات العامة لا تخضع لظروف المنافسة الحرة التی تسود المشروعات الخاصة کقاعدة عامة، فقد أصبح من المقرر الاستعاضة عنها بقاعدة اختبار الکفاءة التی یقصد من ورائها الکشف عن الکفاءات فی الأشخاص، وإیجاد الحوافز لزیادة الإنتاج.

ص:273

وتاسعاً: إن الإدارة العامة تسیر سیراً مستمراً فی طریق القانون الإداری وذهاب القانون أثره المباشر علی کافة الموضوعات التی تثیرها دراسة الإدارة العامة.

وعاشراً: إن الناس مجبورون من الإدارة العامة للدولة، بینما لیس الأمر کذلک بالنسبة إلی الإدارة الخاصة.

وأما الارتباط بدستور الدولة وقوانینها، فلأنه ترتبط الإدارة العامة ارتباطاً جوهریاً بدستور الدولة وقوانینها الإداریة، فیحکم الدستور والقوانین الإداریة تصرفات الإداریین والموظفین العمومیین، ومن المشاهد أن القوانین تتغلغل فی مختلف الأمور الحکومیة، سواء کان ذلک یتعلق بصرف الأموال أو قبضها أو بتعیین الموظفین أو نقلهم أو ترقیتهم، إلی غیر ذلک.

وأما الفرق فی حجم التنظیم، فلأنه یتوقف عبء الإدارة العامة علی القیم الفلسفیة السائدة فی المجتمع، فإذا کان المجتمع یؤمن بأن أحسن حکومة هی التی تحکم أحسن ما یمکن، لأصبح عبء الإدارة العامة متوقفاً إلی حد کبیر علی حمایة أفراد البولیس والقضاء والدفاع، وقد تتدخل الحکومة للقیام ببعض الأعمال للمنظمة فی النشاط الاقتصادی لتمشیة أمورها المالیة، ومن ناحیة أخری فقد یؤمن المجتمع بأنه من واجب الحکومة تحقیق الرفاهیة للمجتمع ککل، وفی هذه الحالة یکون عبء الإدارة العامة کبیراً، وکلما کان عبء الإدارة العامة کبیراً کان التنظیم الإداری تنظیماً ضخماً معقداً، حیث یکثر عدد الوظائف والموظفین وتزید المستویات الإداریة.

وثانیاً: کل من الموظفین فی الإدارة العامة والخاصة یفترض أن یلتمس روح الخدمة العامة.

وثالثاً: المساواة بین الناس یجب مراعاتها فی کلتا الإدارتین.

ورابعاً: الاسم لیس بمهم فی کلتا الإدارتین.

وخامساً: رجال کل من الإدارتین مسؤولون أمام الجماهیر، لکن فی الإدارة العامة المسؤولیة أمام جماهیر أکبر مما یرجع إلی مسألة الحجم.

وسادساً: فی کلتا الإدارتین الأمر بحاجة إلی تزوید الطرف بالمعلومات، وإلاّ کان غشاً وخداعاً.

وسابعاً: الفرق بین الإدارتین فی السعة والضیق لا فی أصل التنظیم.

وثامناً: کلتا الإدارتین بحاجة إلی الکشف عن الکفاءات.

وتاسعاً: کلتا الإدارتین تعیش فی فلک القانون.

وعاشراً: إن الناس مجبورون للشرکات والمستشفیات والمعاهد الخاصة، کما هم مجبورون للإدارة العامة والارتباط بالسیاسة أو بالدستور السائد فی کلتا الإدارتین.

نعم الحجم وهو الأخیر الذی ذکره من أضاف علی الأمور العشرة صحیح، لکن ذلک لیس فرقاً جوهریاً، وإنما هو فرق بین الإدارة الکبیرة والصغیرة، کما أن مثل هذا الفرق موجود بین حکومة کبیرة وحکومة صغیرة، ومستشفی أهلی کبیر ومستشفی أهلی صغیر، إلی غیر ذلک.

وعلی أی حال، فلا حاجة فی الدولة إلی أمور فوق الأمور التی

ص:276

ذکرت فی مطلق التنظیم.

ولذا رد ثمانیة من الأمور العشرة المتقدمة بعضهم بقوله:

أولاً: کثیر من المشروعات الخاصة تعمل أیضاً فی ظروف احتکاریة، ودراسة المتطلع فی الأعمال ببعض البلاد الغربیة تکفی للاقتناع بهذا الإعتراض.

وثانیاً: لکی ینجح المشروع الخاص یجب علی مدیریه وموظفیه أن یشعروا بروح الخدمة العامة، فلیس المقصود کما هو مفهوم خطأً أن الغرص من الأعمال الخاصة الحصول علی الأرباح، بل تقدیم سلع وخدمات، والدافع إلی هذا هو الحصول علی الأرباح، ویخلط الکثیرون بین الغرض والدافع.

وثالثاً: لکی ینجح المشروع الخاص یجب علی أفراده التزام قاعدة المساواة بین المستهلکین وبین الموردین والجمهور بصفة عامة، ولا یختلف ذلک باختلاف نوع المشروع، فهذه أحد المبادئ الأخلاقیة المعروفة.

ورابعاً: لا یمنع إطلاقاً أن یتم العمل فی المصالح الحکومیة علی أساس أسماء الأشخاص، کما لا یمنع أن یتم العمل فی المشروعات الخاصة علی أساس صفة الشخص، بل إن إتمام الأعمال علی أساس الأشخاص فیه کثیر من الروح الإنسانیة، والتی یجب أن تغلب علی الأعمال، سواء کانت خاصة أم عامة.

وخامساً: مدیرو المشروع مسؤولون أمام مجموع المساهمین، والموردین، والتجار، والمستخدمین، والعمال، والمستهلکین،

ص:277

والمجتمع بصفة عامة، فمدیرو المشروع مسؤولون مسؤولیة اجتماعیة تتساوی مع مسؤولیة الإداری فی الحکومة.

وسادساً: إن العمل یتم بناءً علی المعلومات المتبادلة ونظم الاتصال، ولا یقتصر هذا علی الأعمال العامة، بل یتعداه إلی المشروعات الخاصة.

وسابعاً: إن التنظیم علی نطاق واسع لیس من صفات المشروعات العامة، بل إن بعض الشرکات فی الغرب تبدو أکثر تعقیداً من بعض الحکومات الصغیرة.

وثامناً: إن نجاح الأعمال الخاصة یتوقف علی اختیار الموظفین الأکفاء.

أقول: وما ذکره صحیح فی الجملة، وإن کان علیه بعض الملاحظات مما لا یهمنا ذکرها، بعد ما عرفت من عدم استقامة ما ذکر من الفروق إطلاقاً.

ثم ینبغی أن توسع المنظمة الإنسانیة نشاطها ولا تحصره فی طلب الرفق بالسجناء بعدم تعذیبهم، أو عدم إعدامهم، وأن یرفه لهم فی السجن، أو أن یکون أعماله خاصة بالعفو عن المسجونین والمطرودین والأسراء والمحجوزین والمختطفین وما أشبه، بل تطلب بالإضافة إلی ذلک التخفیف من السجن، وإعطاءهم فرصة اللقاء بأهلهم کل أسبوع مرة مثلاً، بل وتقسیط السجن، وجعل السجن فی البیت والمعمل وما أشبه، کما اعتید فی بعض البلاد الغربیة، حیث یطلق سراح السجین أن یکون فی البیت أو نحوه حسب رغبته، ویربط بمکان من جسمه آلة الکترونیة لإخبار مخفر الشرطة عن أن السجین لا یزال فی محله بدون أن یخرج عنه.

هذا بالإضافة إلی أن ینبغی للمنظمة أن تضیف علی أعمالها مواصلة الحملة علی الحکومات الدکتاتوریة حتی تضطر لتسلیم الأمر إلی الأمة، باعتبارها مصدر النصب والعزل، حیث إن الحکومة وکیل الأمة، ولا حق للوکیل فی فرض نفسه، هذا بصورة مطلقة فی کل الحکومات.

أما فی المسلمین، فالحاکم یجب أن یکون مقبولاً من قبل الله سبحانه، بأن یکون جامعاً لشرائط الحاکم الشرعی المذکور فی فقه الإسلام.

الرأسمالیة والشیوعیة الثروات من آسیا وأفریقیا بمختلف الوسائل والأسماء.

إن المنظمة حیث إنها تدعم بفطرة الإنسان الموجودة فی کل إنسان، أراد أو لم یرد، فلها أقوی سند فی کافة الأمم والشعوب، فیکون قلیل المنظمة کثیراً، وصغیرها کبیراً، ولذا فلا یأس ولا خوف من ضخامة المسؤولیات التی أضفناها علی منظمة العفو الدولیة.

هذا بالإضافة إلی ما یعتقده کل دین من مختلف الأمم، ونحن المسلمین بصورة خاصة من أن الله سبحانه: ﴿مع الذین اتقوا والذین هم محسنون﴾((1)).

وقال تعالی: ﴿إن تنصروا لله ینصرکم ویثبت أقدامکم﴾((2)).

وقال سبحانه: ﴿إن ینصرکم الله فلا غالب لکم﴾((3))، وهو الموفق المستعان.

إنسان له روح وعقل وعاطفة وفکر وإدراک، أی إنه صار ذا علاقة بالمادة لا بالإنسان، فهو شیء من أشیاء العالم، لا إنسان له شعور بالإنسانیة، واشتراک بالوجدانیة، ولذا سقطت الإنسانیة، فإن کل فرد من الإنسان صار هو وحده بدون ارتباط بالأفراد الآخرین، وإنما صار جزءاً جزءاً.

فتری الإنسان یقتل الإنسان لأجل المادة، ویحرق المحاصیل ویلقیها فی البحر لأجل التوازن الاقتصادی المرتبط بالمادة أیضاً، بینما ملایین الأطفال والشیوخ یموتون جوعاً، أو لعدم الدواء والرعایة الکافیة لهم، ویصنع ما یکفی لإبادة العالم خمسمائة مرة بسلاح واحد فقط من أسلحته الکثیرة، فإن القنابل الذریة تکفی _ علی تقریر رأیته _ لإبادة الإنسان خمسمائة مرة، کما أنه یدیر رحی الحرب هنا وهناک علی طول الخط، إما حروباً أساسیة کالحربین العالمیتین، أو حروباً بالوکالة کما هو المصطلح فی الحال الحاضر، کالحروب فی أمریکا وافریقیا وآسیا إلی غیر ذلک.

ولذا انعکس ذلک علی الإنسان نفسه، فإن السوء ینعکس إلی الإنسان، کما أن الحسن ینعکس إلی الإنسان نفسه، فلا یحس الإنسان بالاطمئنان الإنسانی، فهو غریب فی داخله، کما لا یحس بدفء العائلة، لأن العائلة صارت أیضاً هی الثانیة ضحیة للمادة. ولذا فالإنسانیة العامة تبعاً لهاتین الغربتین، أی غربة الفرد وغربة العائلة، صارت أیضاً غریبة فی مجموعها، لأن الإنسانیة بمجموعها عبارة عن اللبنات الإنسانیة، کالبناء الذی هو عبارة عن لبنات من الآجر والطین.

وکذلک لا یلتذ الإنسان بالإنسانیة، لأن الإنسانیة أسقطت نفسها لأجل المادة.

وعلی هذا فالواجب علی المنظمة الإنسانیة أن تهتم لإرجاع العالم المادی إلی العالم الإنسانی، حتی تکون الآلة والصنعة والعلم

ص:281

والاختراع وما أشبه فی خدمة الإنسان، ولتقدیم الإنسان إلی الأمام، لا فی ضرر الإنسان وتحطیمه وتأخیره إلی الوراء.

إن الکنائس المفتوحة فی الغرب فی صورة الأخلاق لا فی سیرتها، وشعارها المسیح (علیه السلام) لا دثارها، ولذا یقول الغرب: إذا تمکنت من غیرک فاسرق کل شیء منه واقتله حتی لا یکون کفؤاً لک، وإنما تکون أنت الحاکم فی کل العالم، بینما کان المسیح (علیه السلام) یقول: أعط ثیابک لمن أخذ معطفک، علی ما ینقل عنه من کلام بهذا المعنی.

وعلی أی، فالمهم إرجاع الإنسان إلی إنسانیته، ومن الممکن أن المنظمة الإنسانیة تجعل لها شعباً أربعاً، کل شعبة لمهمة من المهام الأربع التی ذکرناها.

وظن أن الأمر خرج عن طوق البشر، واتسع الخرق علی الراقع، ظن فی غیر مورده، فإن الله سبحانه یوفق من أراد الإصلاح، کما قال فی مصداق من مصادیق هذا الکلی بالنسبة إلی الزوجین المتخالفین: {إن یریدا إصلاحاً یوفق الله بینهما}((1)).

ثم الإنسان علیه الجهد وعلی الله الإتمام والتوفیق، وکلما تمکن الإنسان من جعل الأمور فی نصابها یکون حلاً للمشکلة بقدر,

فعلی المرء أن یسعی بمقدار جهده

ولیس علیه أن یکون موفقاً.

قال سبحانه: ﴿وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلکهم أو معذبهم عذاباً شدیداً قالوا معذرة إلی ربکم ولعلهم یتقون﴾((2)).

من الواضح أن ما نشاهده فی عالم الیوم من المشاریع الضخمة والاختراعات المفیدة إنما هی من جهد الإنسان وتوفیق الله سبحانه وتعالی بسبب هدایة الأنبیاء (علیهم السلام)، وما فی بعض الأحادیث من (الحجتین، الحجة

ص:282

الظاهرة وهم الأنبیاء والأوصیاء، والحجة الباطنة وهو العقل)، فأی مانع من أن یوفق الله البشریة من الاستقامة فی طریق الإنسانیة.

4): عدم الإقبال علی الدراسة، لأنها لا تؤمن لهم طرق المعیشة، حیث کثرة البطالة بین المثقفین، ثم إنهم لا یصلون إلی ما یتصورون من المکانة الاجتماعیة، ولهذا یفرون من المدارس بصورة کبیرة.

5): کثرة الجرائم، لأن الإنسان بلا علاقة ولا معیار لا یهتم بالجریمة، إذ الاهتمام بعدم الجریمة ینشأ من الالتزام بالمعاییر الإنسانیة والخلقیة والاجتماعیة والدینیة، فإذا تحطمت کلها فلا یهتم الإنسان بعدم الجریمة، بل یجعل من نفسه فی کثیر من الأحیان آلة للإجرام.

وثالثاً: من عدم معیار للحیاة، حیث إن الکبار صاروا کالصغار فی الملبس والمأکل والمرکب والمسکن ونحوه فلا أسوة لمستقبل الشباب، حیث کان الکبار فی الزمان السابق فی زیهم الخاص أسوة لمستقبل الشباب، فکان لهم منهج للحیاة، والآن یسود الشباب اللامنهجیة.

هذا بالإضافة إلی أن سن الشیخوخة أوجب طرد الشیخ عن الحیاة، فلیس حوله أولاد وأحفاد، ولا له احترام العمل، لأنه لا یعمل، والعمل معیار کل شیء، ولا له احترام التجارب، لأن التجارب السابقة تصبح قدیمة بسبب تطور الحیاة، ولا له احترام الدین حیث الدین ذهب عن الاجتماعات غالباً.

وهذا هو سبب غربة الشباب أیضاً ویأسهم، فالشباب هاربون، والشیوخ مطرودون.

ومثل هذا الأمر الشائن المهول فی المجتمع الذی یؤدی بالإنسانیة یحتاج إلی تحری جذور المشکلة وعلاجها، مما یسبب تخلص الناس من الثمار البشعة التی أثمرتها، وإدارة المنظمة الإنسانیة التی نحن بصددها تتمکن أن تساهم فی قطع هذه الجذور ولو بقدر.

وعلی أی حال، فالمنظمة الإنسانیة بفروعها لإنقاذ المسجونین والمطرودین والأسراء والمحجوزین والمختطفین تتمکن من المساهمة فی الأمر:

أولاً: بالمحامین الذین یدافعون عن حقوق الإنسان.

وثانیاً: بالصحف الحرة من الجرائد والمجلات.

وثالثاً: بالإذاعات المرئیة واللامرئیة والنوادی وما أشبه.

ورابعاً: بالکتب والنشرات الدوریة ونحوها.

وخامساً: بالمال الذی یستحصله بسبب الجمعیات الخیریة

ص:285

والخیرین والأوقاف ونحو ذلک للصرف فی شأن الإنسان.

وسادساً: بالفروع التی تنشرها فیما تتمکن من ربوع العالم، بأن یکون للجمعیة فرع مرکزی لإیجاد الفروع فی ما تتمکن من أنحناء العالم.

وسابعاً: بالاهتمام والضغط لتعدیل القوانین التی أنتجت أمثال هذه الأمور الشائنة.

وثامناً: بالاستطلاع علی مکامن الضعف فی البلاد.

وتاسعاً: بالارتباط بالجمعیات الإنسانیة بإعلام هذه المشاکل، لتقوم هی أیضاً بإسعاف المحتاجین إلی الإسعاف.

وعاشراً: بالطلب من الحکومات الفاسدة بالسفر إلیها لرؤیة وضع السجناء والمطرودین والأسراء والمحجوزین والمختطفین وما أشبه ذلک.

فإن المنظمة الإنسانیة تتمکن أن تجعل لها هذه الفروع العشرة لإدارة هذه الأمور التی ذکرناها.

وثانیاً: دعوة الدول والمنظمات الأحزاب والجمعیات وغیرها بمقاطعة مثل تلک الحکومة التی تمارس أعمالاً ضد الإنسانیة، وکذا مقاطعة الحزب الذی یمارس مثل ذلک مقاطعة اقتصادیة وإعلامیة وما أشبه ذلک.

وثالثاً: جعل أسبوع لمهاجمة تلک الحکومة أو الجهة الممارسة لنقض حقوق الإنسان.

ورابعاً: المظاهرات، ولو بأعداد قلیلة أمام السفارات لتلک الحکومة أو مقرات تلک الأحزاب أو ما أشبه ذلک.

وخامساً: عدم الاحترام لأعضاء تلک الحکومة الناقضة أو الحزب الناقص، مثلاً إذا أراد فرد منهم الخطابة فی مکان کالجمعیة العمومیة للأمم المتحدة أو ما أشبه ذلک، قام هذا الفرد المرتبط بالمنظمة الإنسانیة وترک المکان اعتراضاً علی خطابه إهانة له، إلی غیر ذلک.

ص:287

الفتنة، وقد نزل فی شأنها سورة المنافقین، کما أنه (صلی الله علیه وآله) فی قصة الطائفتین اللتین اقتتلا جمع کلمتهما، وقد نزل فی هذا الشان قوله سبحانه: ﴿وإن طائفتان من المؤمنین اقتتلوا فأصلحوا بینهما فإن بغت إحداهما علی الأخری فقاتلوا التی تبغی حتی تفیء إلی أمر الله﴾((1))، إلی غیر ذلک مما یجده الإنسان فی التاریخ.

کل ما کان هناک روح وجسد، وتعارض الروح والجسد، مثلاً علم القاضی بقرائن قطعیة أن الحق مع المنکر، لکن المدعی أتی بالشهود مما یجعل الحق معه حسب الشهود، فهل یحکم القاضی حسب الشهود مما هو جسد القانون أو حسب قناعته التی هی روح القانون، إلی آخره.

ثم التخلی عن المسؤولیة وتقاذف الکرة، هذا یقذفها إلی ذاک، وذاک یقذفها إلی هذا، والنظرة الفوقیة إلی المواطن، والإرجاء والتسویف، واستخدام أدوات إداریة عتیقة ومرهقة للعاملین، والغرق فی الأوراق، وقلة العمل المیدانی، وما أشبه ذلک مما یسمی کله فی الاصطلاح الحدیث ب_ (الروتین) أو (تمدد العمل)، ولا یمکن علاج ذلک إلا بأمور:

أولاً: بتقسیم القدرة والأحزاب المتعددة، مما ذکرناه سابقاً وفصلناه فی بعض الکتب السیاسیة.

وثانیاً: بالتربیة الصحیحة، مما أشرنا إلیه فی هذا الکتاب.

وثالثاً: لأن الأنظمة والتعلیمات والبرامج التخطیطیة لم تسایر بدورها وضمن نظرة شاملة أیضاً التطور والطموحات التی یتوخاها المجتمع فی توسیع الحریات الممنوحة للإنسان، والواقعیة التی یتصفها کل الکون بما فی ذلک الإنسان، فلم یواکب مهام القطاع العام والدولة عموماً مع تلک الحریات.

ورابعاً: رافق ذلک مرکزیة شدیدة فی بعض الأحیان، الأمر الذی أدی إلی إطالة زمن البت فی المعاملات وإضاعة معالم المسؤولیة والتعود علی الاتکالیة لانتهاز الراحة.

وخامساً: لأن التدریب والتأهیل الإداری لم یصبح لدی الموظفین عادة بعد، بالإضافة إلی النقص فی الملاکات المؤهلة ابتداءً وباستمرار، فإنه یؤدی تدریجاً إلی انخفاض مستوی الأداء والتخوف من ممارسة المسؤولیة وإلی التأجیل والتسویف والتسیب.

وسادساً: لأنه لم یکافح فی الدولة بالشکل المطلوب النظرة الفوقیة، أو انفصام الروابط بین المواطنین ومنتسبی الإدارات التی ورثته البلاد منذ عهود سابقة، ولم تقم المنظمات المسؤولة بدورها کاملاً لتوعیة المواطنین إلی حقه تجاه دوائر الحکومة.

وسابعاً: لأن الاهتمام بالوقت لم یلق بعدُ العنایة الکافیة، ولا یزال یعامل وکأنه رخیص ولا بأس فی تبذیره وهدره، وأنه لیس له أیة قیمة.

وثامناً: لأن المستوی المعاشی للعاملین وللإدارة العامة والقطاع العام لم یرافق فی تطوره وبشکل عام مع تطور وارتفاع مستوی المعیشة

ص:291

فأصبحوا یشعرون بعدم الانتماء، ویفکرون بالهجرة إلی خارج الإدارة والقطاع العام، ولذا تسود تصرفاتهم اللامبالاة.

وتاسعاً: لأن العقلیة المالیة، ومن خلال حرصها الشدید علی الأموال العامة، لم تسمح بتخصیص الاعتمادات الکافیة لتحدیث وسائل وأدوات الإدارة، کما وأن الإدارات نفسها لم تسع حثیثاً لتحقیق ذلک.

وعاشراً: عدم الوازع الدینی والأخلاقی فی البلاد الإسلامیة فی کثیر من الموظفین، فإن الوازع الدینی هو الذی یلزم الفرد، لأن یحب لأخیه ما یحب لنفسه، ویکره له ما یکره لنفسه، وأنه مسؤول أمام الله سبحانه عن إساءته إلی العمل وإلی سائر الناس، وقد قال علی (علیه الصلاة والسلام) فی کتابه إلی بعض عماله:

«فَوَلِّ مِنْ جُنُودِکَ أَنْصَحَهُمْ فِی نَفْسِکَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِإِمَامِکَ، وَأَنْقَاهُمْ جَیْباً، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً، مِمَّنْ یُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَیَسْتَرِیحُ إِلَی الْعُذْرِ، وَیَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَیَنْبُو عَلَی الْأَقْوِیَاءِ، وَمِمَّنْ لَا یُثِیرُهُ الْعُنْفُ، وَلَا یَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ، ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِی الْمُرُوءَاتِ وَالْأَحْسَابِ وَأَهْلِ الْبُیُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ وَالسَّمَاحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْکَرَمِ، وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ، ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا یَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا، وَلَا یَتَفَاقَمَنَّ فِی نَفْسِکَ شَیْ ءٌ قَوَّیْتَهُمْ بِهِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ، فَإِنَّهُ دَاعِیَةٌ لَهُمْ إِلَی بَذْلِ النَّصِیحَةِ لَکَ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِک ...».

«وَارْدُدْ إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا یُضْلِعُکَ مِنَ الْخُطُوب »، أی ما یثقلک ویکاد یمیلک من الأمور الجسام.

«وَیَشْتَبِهُ عَلَیْکَ مِنَ الْأُمُورِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: {یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللَّهِ

ص:292

وَالرَّسُولِ﴾((1))، فَالرَّدُّ إِلَی اللَّهِ الْأَخْذُ بِمُحْکَمِ کِتَابِهِ، وَالرَّدُّ إِلَی الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَیْرِ الْمُفَرِّقَةِ».

«ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُکْمِ بَیْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِیَّتِکَ فِی نَفْسِکَ، مِمَّنْ لَا تَضِیقُ بِهِ الْأُمُورُ، وَلَا تُمَحِّکُهُ الْخُصُومُ، وَلَا یَتَمَادَی فِی الزَّلَّةِ، وَلَا یَحْصَرُ مِنَ الْفَیْ ءِ إِلَی الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ، وَلَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَی طَمَعٍ، وَلَا یَکْتَفِی بِأَدْنَی فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ، وَأَوْقَفَهُمْ فِی الشُّبُهَاتِ، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَی تَکَشُّفِ الْأُمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُکْمِ، مِمَّنْ لَا یَزْدَهِیهِ إِطْرَاءٌ، وَلَا یَسْتَمِیلُهُ إِغْرَاءٌ، وَأُولَئِکَ قَلِیلٌ».

«ثُمَّ انْظُرْ فِی أُمُورِ عُمَّالِکَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِیَانَةِ، وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَیَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُیُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَالْقَدَمِ فِی الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُمْ أَکْرَمُ أَخْلَاقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِی الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً، وَأَبْلَغُ فِی عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً، ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَیْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِکَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنًی لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَیْدِیهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَیْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَکَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَک».

«ثُمَّ انْظُرْ فِی حَالِ کُتَّابِکَ، فَوَلِّ عَلَی أُمُورِکَ خَیْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَکَ الَّتِی تُدْخِلُ فِیهَا مَکَایِدَکَ وَأَسْرَارَکَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ، مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْکَرَامَةُ فَیَجْتَرِئَ بِهَا عَلَیْکَ فِی خِلَافٍ لَکَ بِحَضْرَةِ مَلَإٍ، وَلَا تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِیرَادِ مُکَاتَبَاتِ عُمِّالِکَ عَلَیْکَ، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَی الصَّوَابِ عَنْکَ، فِیمَا یَأْخُذُ لَکَ وَیُعْطِی مِنْکَ، وَلَا یُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَکَ، وَلَا یَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَیْکَ، وَلَا یَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ

ص:293

نَفْسِهِ فِی الْأُمُورِ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ یَکُونُ بِقَدْرِ غَیْرِهِ أَجْهَلَ».

«ثُمَّ لَا یَکُنِ اخْتِیَارُکَ إِیَّاهُمْ عَلَی فِرَاسَتِکَ وَاسْتِنَامَتِکَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْکَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ یَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، وَلَیْسَ وَرَاءَ ذَلِکَ مِنَ النَّصِیحَةِ وَالْأَمَانَةِ شَیْءٌ، وَلَکِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِینَ قَبْلَکَ، فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ کَانَ فِی الْعَامَّةِ أَثَراً، وَأَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً، فَإِنَّ ذَلِکَ دَلِیلٌ عَلَی نَصِیحَتِکَ لِلَّهِ وَلِمَنْ وُلِّیتَ أَمْرَهُ».

«وَاجْعَلْ لِنَفْسِکَ فِیمَا بَیْنَکَ وَبَیْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْکَ الْمَوَاقِیتِ، وَأَجْزَلَ تِلْکَ الْأَقْسَامِ، وَإِنْ کَانَتْ کُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِیهَا النِّیَّةُ وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِیَّةُ، وَلْیَکُنْ فِی خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِینَکَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِی هِیَ لَهُ خَاصَّةً، فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِکَ فِی لَیْلِکَ وَنَهَارِکَ، وَ وَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَی اللَّهِ مِنْ ذَلِکَ کَامِلًا غَیْرَ مَثْلُومٍ وَلَا مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِکَ مَا بَلَغَ».

إلی آخر کلامه (علیه الصلاة والسلام).

ولذا اقتطفنا منه جملاً متناثرة للإلماع إلی ما قصدناه.

وثانیاً: الحاجة إلی إعادة نظر شاملة إلی الهیکل التنظیمی للإدارة.

وثالثاً: تقنین وکتابة الأنظمة والاختصاصات والمسؤولیات بوضوح وتناسق، وللمستویات کافة، منطلقاً من مبدأ الاستشاریة المرکزیة، ومن مبدأ مرکزیة التخطیط ولا مرکزیة التنفیذ، مراعیاً التوسع المتدرج فی اختصاصات وصلاحیات السلطات المحلیة.

ورابعاً: ترک الفرصة أو الإلحاح لممارسة هذه الاختصاصات وتحمل المسؤولیات فی کل المستویات، ولا سیما المتوسطة والقاعدیة منها، فلا یعودون إلی رؤسائهم إلاّ فی حالات نادرة أو استثنائیة.

وخامساً: یتبع ذلک تبسیط الإجراءات وسیر المعاملات بما یکفل تحقیق السرعة والثقة والوضوح، وإعلانها لجماهیر المواطنین، بحیث تقوم وسائل الإعلام والمنظمات والسلطات المحلیة بمهمة إیصالها بإلحاح إلی المواطنین وتوضیحها لهم.

وعلی أی حال، فما دام الحکم دکتاتوریاً والتربیة غیر صحیحة لا یمکن علاج الأمر، والله الموفق المستعان، الهادی إلی الصواب.

2): ما هی فائدة تنظیم الأعمال.

3): ما هو الفرق بین التنظیم فی مفهومه العام والتنظیم فی إدارة الأعمال، حیث إن بینهما العموم المطلق، فإن الثانی أخص من الأول.

4): هل التنظیم جزء من الإدارة أو لیس جزءاً من الإدارة.

5): التنظیم نشاط لا شک فیه، وکذلک البناء والهیکل، فما المراد بالنشاط أو ما المراد بالبناء والهیکل.

6): ما هی العلاقة بین التنسیق والتنظیم، وما هو معنی التنسیق فی قبال التنظیم.

7): ما هو الفرق بین التنظیم والإدارة، وأیة نسبة بینهما.

8): هل التنظیم غایة فی ذاته أو أنه طریقی إلی هدف آخر.

9): کیف یحقق التنظیم الإشباع الکامل للحاجات والرغبات الإنسانیة خارج المشروع.

10): لماذا یزید التنظیم من الکفاءة حتی أن بدون التنظیم لا تکون کفاءة أو لا تکون کفاءة کاملة.

11): ما هو المراد من قولهم: إن المجهود فی الجماعیة تحتاج إلی التنظیم، وإلاّ بعثرت ولم تکتمل.

12): من الذی یقوم بالتنظیم فی المشروع، مؤسسة کانت أو دولة أو نحوهما، هل رئیس العمال یقوم بالتنظیم أو رئیس الإدارة أو جهة خاصة.

ص:296

13): هل من الضروری أن ترتکز سلطة إقرار التنظیم فی المستویات الإداریة العلیا.

14): ما هی العلاقة بین التنظیم وبین التخطیط، ومعنی کل منهما والفرق بینهما.

15): ما هو الفارق بین المنظم فی إدارة الأعمال والمنظم فی الاقتصاد.

16): لماذا کلما تعقدت العملیات فی منشئة أو مؤسسة تتعقد عملیة التنظیم.

17): متی یکون التنظیم موضوعیاً، ومتی یکون التنظیم هامشیاً.

18): کیف تتم عملیة التنظیم.

19): ما هو الفرق بین المنظم والإداری، وهل من الضروری أن یعرف الإداری التنظیم أو المنظم الإدارة أم لا حاجة لأحدهما بذلک.

20): ما هو المقصود بتنظیم الواجبات.

21): وما هو المبرر من التقسیم.

22): لماذا یجب أن یکون الواجب فی قبال الحق، والحق فی قبال الواجب، بأن لا یزید أحدهما علی الآخر.

23): ما هی العوامل التی یجب مراعاتها فی تقسیم أوجه النشاط المختلفة فی وحدات إداریة، ولا یمکن جمعها فی إدارة واحدة.

ص:297

24): کیف یمکن الاستفادة من التخصص فی التنظیم.

25): کیف یمکن الحصول علی التنسیق فی التنظیم.

26): کیف تسهل عملیة الرقابة فی التنظیم.

27): لماذا نحن بحاجة إلی الرقابة.

28): وهل الرقابة فی أول الأمر، أو مستمرة إلی آخر مراحل العمل.

29): کیف یمکن إعطاء الإداریین الاهتمام الملائم للعملیات المهمة.

30): کیف یمکن أن یزید التنظیم من التکالیف فی أی مشروع.

31): ما هی الأسباب التی تؤدی إلی تجمیع عملیات الشراء والبیع فی متجر التجزئة بقسم إداری واحد.

32): ما هو الفارق بین التنظیم فی مثل معهد أو مستشفی أو وحدة اقتصادیة أو ما أشبه ذلک.

33): عدم وجود إداریین مهنیین هل یؤثر علی تنظیم المشروعات.

34): هل أوجه النشاط فی المؤسسات تتعارض بعضها مع بعض.

35): واذا کانت متعارضة فلماذا التعارض.

ص:298

36): هل فرق بین اختلاف الاجتهاد واختلاف المصالح، وما هو ذلک الفرق.

37): ما هی الحلول الممکنة فی وضع وحدة إداریة للخدمات فی أی مشروع.

38): ما هی طرق تقسیم أوجه النشاط المختلف فی وحدات إداریة.

39): هل تظهر مشکلة تقسیم أوجه النشاط المختلفة حسب السلعة فی شرکة تنتج سلعة واحدة، وکذلک بالنسبة إلی سائر المنشئات کالمعاهد والمستشفیات والمطارات والقطارات وما أشبه ذلک.

40): ما هی مزایا وعیوب تقسیم أوجه النشاط المختلفة حسب السلعة أو نحوها فی سائر المنشئات.

41): وکیف یمکن التخلص من العیوب.

42): ما هی مزایا وعیوب تقسیم أوجه النشاط المختلفة حسب المنطقة.

43): وکیف یمکن التخلص من العیوب.

44): ما هی مزایا تقسیم أوجه النشاط المختلفة حسب المرحلة وعیوبها.

45): وکیف یمکن التخلص من العیوب.

46): وما هی مزایا تقسیم أوجه النشاط المختلفة حسب الوقت وعیوبها.

ص:299

47): وکیف یمکن التخلص من العیوب.

48): وما هی مزایا تقسیم أوجه النشاط المختلفة حسب نوع العملاء وعیوبها.

49): وکیف یمکن التخلص من العیوب.

50): ما هی مزایا تقسیم أوجه النشاط المختلفة حسب طبیعتها وعیوبها.

51): وکیف یمکن التخلص من العیوب.

52): ما هو الفرق بین السلطة التنفیذیة والسلطة الاستشاریة.

53): وما هی أهمیة التفرقة بینهما.

54): إذا کان مدیر الإنتاج یستشیر المدیر العام فی بعض الأمور، فهل سلطة مدیر الإنتاج استشاریة أو لیست باستشاریة.

55): إذا قررت الإدارة الاستعانة بأحد خبراء التنظیم، فهل یلزم إعطاؤه سلطة تنفیذیة.

56): وإذا أعطیناه السلطة التنفیذیة فماذا یحدث.

57): هل هناک فرق بین السلطة التنفیذیة والسلطة الوظیفیة، وما هی أهمیة التفرقة بینهما.

58): وما هو الفرق بین السلطة الوظیفیة والسلطة الاستشاریة.

ص:300

59): ما هی مظاهر السلطة.

60): ما هی المجالات التی یمکن للإداری أن یظهر فیها سلطته.

61): هل السلطة سلطة شخصیة یتمتع بها الفرد، أو أنها تظهر بحکم وجوده فی منصبه.

62): وما هو النسبة بین السلطة الفردیة والسلطة المنصبیة.

63): هل من الصحیح أن نجعل المحاسب مدیراً أو المدیر محاسباً، أو یجب أن یکون کل واحد منهما غیر الآخر.

64): وهل یمکن أن یکون ماسک المکتب مدیراً، أو یلزم أن یکون ماسک المکتب غیر المدیر، ولماذا الاتحاد ولماذا الافتراق.

65): ما هی العوامل التی تؤثر فی تنفیذ السلطة.

66): ما هی العوامل الخارجیة التی تشجع علی ترکیز السلطة.

67): ما هی الفرق بین المرکزیة واللامرکزیة، وهل من الأفضل تقدیم الأولی علی الثانیة أو الثانیة علی الأولی، مطلقاً أو إحداهما فی مکان والآخری فی مکان آخر.

68): ما هو سبب میل المشروعات إلی ترکیز السلطة فی مسألة التمویل فی الإدارة العلیا.

69): هل صحیح فی أنه إذا زادت سلطة أی شخص فی تنظیم معین نقصت سلطة الآخرین ولماذا.

ص:301

70): هل هناک مقاییس یمکن بسبب استخدامها معرفة درجة اللامرکزیة فی أیة منشئة.

71): ما هی العوامل التی تؤثر فی درجة تفویض السلطة.

72): کیف یتبین انسیاب السلطة وانسیاب المسؤولیة، وهل یمکن أن یکون انسیاب السلطة من أعلی أو من أسفل.

73): ما هو الفارق بین مصدر السلطة وبین تقدیر السلطة.

74): ما هو التعریف المثالی للسلطة، وما هو المقصود بتفویض السلطة، وکیف یتم التفویض.

75): ما هو الفرق بین نطاق الإشراف وبین المستویات الإداریة.

76): وما العلاقة بینهما.

77): کیف یعرف المنظم الإداری مختلف أوجه النشاط المطلوب القیام بها.

78): ما هو المقصود بتقسیم أوجه النشاط فی وحدات إداریة.

79): هل سلطة المدیر العام أوسع وأشمل من سلطة مدیر الإنتاج.

80): وإذا کان أوسع وأشمل فلماذا، وما هی النسبة بینهما.

81): کیف یمکن الحد من سلطة الإداریین فی المشروع.

ص:302

82): هل من الضروری أن یکون لکل إداری سلطة ولماذا.

83): ما هو الفرق بین السلطة وبین المسؤولیة.

84): متی یکون القرار خطیراً، وما علاقة ذلک بتفویض السلطة.

85): لماذا تلجأ المشروعات الکثیرة إلی اتباع النظام اللامرکزیة، وما هو محسنات هذا النظام.

86): ما هو الفرق بین اللامرکزیة فی الأداء واللامرکزیة فی السلطة.

87): هل هناک خطورة فی اتباع مبدأ اللامرکزیة، وکیف یمکن رفع مثل هذه الخطورة.

88): لماذا یعتقد کثیر من الإداریین بعدم قدرة مرؤوسیهم علی القیام بالعمل بشکل مقبول.

89): لماذا یتصور کثیر من الموظفین أن رؤساءهم لا یقومون بالواجب علیهم تجاههم أو تجاه المؤسسة.

90): ما هی فوائد اللامرکزیة.

91): هناک کثیر من المهام الإداریة لا ینبغی للإدارة العلیا التفویض فیها، فما هی تلک المهام.

92): ما هی شروط اللامرکزیة الحقیقیة إذا زاد نطاق الإشراف عن جماعة خاصة کسبعة أو تسعة أو أحد عشر أو ما أشبه.

ص:303

93): هل یجب إعادة التنظیم ولماذا.

94): ما هی العوامل التی تحدد نطاق الإشراف.

95): ما هو المقصود باللجنة وما هی مزایاها وعیوبها.

96): متی تستخدم اللجان، ومتی یلزم عدم استخدامها.

97): ما هو الفرق بین اللجان الرسمیة واللجان غیر الرسمیة.

98): ما هو أهم سبب لاستخدام اللجان فی دنیا الأعمال، وکیف یمکن استخدام لجان کوسیلة من وسائل الاتصال أو التنسیق، وکیف یمکن جعل عمل اللجان أکثر مفعولاً.

99): وهل یعتبر مجلس الإدارة فی الشرکة المساهمة صورة من صور الإدارة بطریق اللجان.

100): متی یکون التنظیم موضوعیاً، ومتی یکون هامشیاً.

101): هل تؤدی لا مرکزیة السلطة إلی التضحیة بوحدة السلطة الآمرة.

102): ما هو السبب فی أن أحسن طریقه لعلاج مشکلة السلطات المجزأة هی استخدام اللجان.

103): ولماذا فی الشرکات الکبیرة حیث تکون السلطة اللامرکزیة إلی حد کبیر تکون الوحدات الإداریة مستقلة تماماً أو مستقلة فی الجملة، ولماذا أی الأمرین.

104): لماذا تتعدد المستویات الإداریة نظراً.

ص:304

105): لماذا من المفضل أن یبدأ التنظیم بدارسة الأفراد الموجودین فی المشروع وبعدها تقسم الواجبات علیهم، ولماذا تحتاج المؤسسة إلی دراسة الأفراد، وإلی دراسة الأعمال، وإلی دراسة الوقت، وإلی دراسة موقع المنشئة، وغیر ذلک.

106): لماذا یمکن تفویض السلطة، ولماذا لا یمکن تفویض المسؤولیة.

107): لماذا لا یمکن أن یکون الشخص المستشار مدیراً والمدیر مستشاراً.

108): هل من الأفضل أفکار أشخاص متعددین أو شخص واحد، وإذا کان هناک أشخاص متعددون فی إعطاء الفکر فلماذا یلزم أن یکون الأمر استشاریاً بینهم بأکثریة الآراء.

109): وإذا کان هناک شخصان أو فئتان متساویتان وتخالفا فی الرأی، فماذا نفعل، وکیف نرجح هذا الرأی علی ذاک أو بالعکس.

110): هل یمکن أن یکون هناک تنظیم دون تفویض السلطة.

111): هل الأبحاث من المشروع تعتبر من الأعمال الاستشاریة ولماذا.

112): ما هو المقصود من مرونة التنظیم، ولماذا نحتاج إلی مرونة التنظیم.

113): هل السلطة والمسؤولیة متعارضة أو غیر متعارضة، ولماذا التعارض وکیف یمکن رفع هذا التعارض.

ص:305

114): لماذا الأفراد یتعاونون مع بعضهم بالقدر الذی تتحقق فیه حاجاتهم دون أکثر من ذلک أو أقل.

115): لماذا یجب النظر إلی الفرد فی المنظمة علی أنه إنسان لا مجرد آلة، وما هی النتائج للنظرتین.

116): ما هو الفرق بین حصر الوظائف وتحویل الوظائف.

117): ما هو شغل المحلل الإداری، وما هو شغل الرقیب، وما هو شغل المستشار، وما هو شغل المدیر الأعلی، أو المدیر الأوسط، أو المدیر الأنزل.

118): هل یتوقف عدد الأشخاص المطلوب تعیینهم علی کمیة العمل المطلوب تنفیذه فقط.

119): ما هی سیاسات الأفراد المختلفة.

120): ما هو المقصود بالتعیین من داخل المشروع، وما هو المقصود بالتعیین من خارج المشروع، وأیهما أفضل ولماذا هذا أفضل أو ذاک أفضل.

121): ما هی مصادر الحصول علی الموظفین.

122): ما هی مصادر الحصول علی الأموال اللازمة للمنشئة، سواء کانت منشئة اقتصادیة أو ثقافیة أو صحیة أو غیرها.

123): ما هی أسس الترقیة، ولماذا یلزم ترقیة الموظفین وماذا یحدث لو لم تکن ترقیة المستخدمین علی الأساس الأصلح.

ص:306

124): هل المرتب الثابت خیر أو المرتب المترجرج، ولماذا هذا أو هذا.

125): هل من الأفضل الأخذ بنظام اللامرکزیة فی شؤون الأفراد أو نظام المرکزیة، ولماذا هذا ولماذا هذا.

126): هل المنشئة بحاجة إلی الخرائط، ولماذا الخرائط، وأی أطراف المنشئة بحاجة إلی الخرائط، وما هو المقصود بالخرائط التنظیمیة، وهل تختلف هذه الخرائط عن الخرائط الجغرافیة وعن الخرائط الإنسانیة.

127): ما هی الفوائد التی یمکن جنیها من رسم الخرائط التنظیمة للمنظمات والمنشئات، وهل صحیح ما یراه البعض من أن الخرائط التنظیمة تخلق شعوراً سیئاً لدی المرؤوسین، وإذا کان کذلک فما هو العلاج.

128): ما هی أنواع الخرائط التنظیمیة، وما هی عیوب کل منها ومزایاها.

129): کم مدیر تحتاج المنشئة إلیهم کمدیر عام، ومدیر تسویق، ومدیر إنتاج، ومدیر مالی، ومدیر أفراد.

130): ما هی الحکمة من وضع الأوصاف الوظیفیة للمناصب الإداریة، وما هو الفرق بین الوصف الوظیفی والمنصب الإداری ومواصفات شاغل المنصب الإداری، فهل یمکن الاستغناء عن أحدهما، وهل هناک إرتباط بینهما وما هو نوع الإرتباط.

131): ما هو المقصود بالتصمیم الداخلی للمصنع وما المبرر منه.

ص:307

132): هل من الصحیح إنشاء کل مصنع فی أی مکان، أو لکل مصنع مکان خاص، کإنشاء المصنع الحربی فی منطقة سکنیة أو غیر سکنیة، وإنشاء مدرسة فی غیر منطقة سکنیة.

133): کیف تؤثر الطاقة الإنتاجیة للمصنع علی تصمیمه الداخلی.

134): ما هی العوامل التی تؤثر فی اختیار موقع أی مصنع.

135): ما هو المقصود بالتخطیط للإنتاج، وهل یختلف التخطیط للإنتاج عن النشاط الفنی المتعلق بعملیة التصنیع.

136): کم قسم من الرقابة تحتاج إلیه المؤسسة.

137): ما هو المقصود بالرقابة.

138): هل الرقابة عملیة مستمرة أو مؤقتة.

139): هل صحیح أن المراقب فی المشروع هو الذی یقوم بالرقابة الإداریة.

140): ما هی عناصر الرقابة.

141): ما هی درجة الارتباط بین هذه العناصر.

142): لماذا کل إداری یقوم بعملیة الرقابة فی حدود الخطط التی وضعها.

143): ما هی معاییر الرقابة، وهل یمکن أن تتم عملیة الرقابة دون وجود هذه المعاییر.

ص:308

144): ما هو المقصود بلفظ معاییر رقابیة.

145): ما الفرق بین معاییر الکمیة والمعاییر الکیفیة.

146): ما الفرق بین معاییر التکالیف وبین معاییر الإیرادات.

147): ما هو المقصود بالمعاییر الاستراتیجیة.

148): ما هو المبرر من وجودها.

149): لماذا للرقابة مراحل ثلاث، وما هی تلک المراحل.

150): ما هو المقصود بمعدلات التحالیل المالیة، وما الفرق بین معدلات التحالیل المالیة ومعدلات التشغیل.

151): ما هو الفارق بین معدل السیولة والمعدل النقدی.

152): ما هو الفارق بین الأرباح ومعدل العائد علی رأس المال المستثمر.

153): هل یمکن الحصول علی معدلات التحالیل المالیة دون میزانیة عمومیة.

154): ما هو المقصود بالصورة الذهنیة للمشروع.

155): هل یمکن تحسین هذه الصورة بإنشاء إدارة للعلاقات العامة.

156): هل الصورة الذهنیة للمشروع عند جماعة خاصة أو عند جملة من الناس.

157): کیف یکون لکل مشروع عدة جماهیر.

ص:309

158): هل تکفی الحملات التموینیة لکفایة المستهلک.

160): لماذا توجد الحملات التموینیة فی الدولة.

إلی غیرها من الأسئلة الکثیرة المرتبطة بالجهات الإداریة مما یمیز بها ذهن الطالب وتکون عوناً له فی استیعاب هذا العلم.

وهذا آخر ما أردنا إیراده فی هذا الکتاب.

ومن المأمول أن ینهض بعض المطلعین لکتابة کتاب فی کیفیة إدارة رسول الله (صلی الله علیه وآله) للبلاد والعباد فی سنوات حکمه العشر المشرقة، حتی یکون أسوة للمسلمین إذا أرادوا النهوض من حالتهم المعاصرة المزریة.

ولیکن الکتاب علی اثنی عشر باباً: فباب لإدارته السیاسیة، وباب لإدارته الاقتصادیة، وباب لإدارته الاجتماعیة، وباب لإدارته العائلیة، وباب لإدارته الدینیة، وباب لإدارته العسکریة، وباب لإدارته العمرانیة، وباب لإدارته الزراعیة، وباب لإدارته الصناعیة، وباب لإدارته الصحیة، وباب لإدارته الأمنیة، وباب لإدارته الثقافیة.

والمسؤول من الله سبحانه وتعالی أن یوفق الجمیع لما یحب ویرضی.

سبحان ربک رب العزة عما یصفون، وسلام علی المرسلین، والحمد لله رب العالمین، وصلی الله علی محمد وآله الطیبین الطاهرین.

قم المقدسة

أول ذی القعدة من سنة ألف وأربعمائة وثمانیة

تم بقلم مؤلفه محمد بن المهدی الحسینی الشیرازی.

ص:310

فصل((1))

کیف تدیر الأمور

هذا الکتاب (کیف تدیر الأمور) انبعاث طبیعی عن الوضع الاجتماعی الذی نعاشره نحن المسلمین، فی هذا النصف الثانی من القرن الرابع عشر الهجری.

فقد فکرتُ طویلاً فی العلاج، واستشرت کثیراً من الأصدقاء، وأخیراً وصلت إلی بعض الأسباب، أو بالأحری: إننی ظننت أنها بعض أسباب التأخر والانحطاط.

وهذا الکتاب یعالج جانباً واحداً من تلک الجوانب، التی قادت الاستشارة والتفکیر إلیها، ولست أعلم کم لهذا الکتاب من الاعتبار فی نظر الواقع ومتن الحقیقة، وإنما کان همی فی هذا الکتاب أن أبین ما وصل إلیه فکری عند التحری عن الحقیقة فی سبب التأخر والانحطاط.

والکتاب کما یشیر إلیه اسمه، محاولة متواضعة فی أبسط مظاهرها، لبیان کیفیة إدارة الأمور، لمن أنیطت به الأمور، أو کان فی صراط أن تناط به.

فإذا کانت عقیدتنا حقة مائة فی مائة، والأفراد مسلمون، والمنابع الاقتصادیة تتفجر فی أراضینا، ومنطقتنا وسط نوعاً ما مما یسبب إحتیاج أهل العالم إلیها، ونظامنا أحسن نظام تلی علی البشر أو یتلی من بعد،

ص:311

تلاوة سماویة فی صورة دین((1))، أو تلاوة أرضیة فی صورة قانون، فما هو سبب التأخر والانحطاط یا تری.

إن من أسباب التأخر (عدم الإدارة)، فإننا عاجزون عن إدارة الأمور علی وجه الصواب، کالذی یعجز عن البناء فإنه لا یتمکن أن یبنی القصر، وإن توفرت لدیه مواد الإنشاء فی أحسن صورها.

وکل رجائی أن یتقبله الله بقبول حسن، وأن ینفعنی وسائر إخوانی به، ویجعله فاتحة سلسلة توقظ أصحاب الآلام لهذا التأخر المشین لکل السلسلة، وهو المستعان.

محمد بن المهدی الحسینی الشیرازی

ص:312

(1)

دور الإدارة فی الحیاة

یقال: إن الإمام المجدد الحاج السید میرزا محمد حسن الشیرازی (قدس سره) قال ذات مرة: الرئاسة _ ویقصد منها المرجعیة الدینیة _ تحتاج إلی مائة جزء، جزء العلم، وجزء العدالة، وثمانیة وتسعون جزءاً الإدارة. (راجع: هدیة الرازی).

وهذا الکلام صحیح جداً، فإنا نری توفر العلم والعدالة فی کثیر من الأشخاص، ثم لا نراهم مراجع لإدارة أمور المسلمین، فماذا الذی کان ناقصاً فیهم، حتی تأخروا.

إن النقص کان فی ناحیة الإدارة.

أما قوله: (ثمانیة وتسعون جزءاً) فهذا من قبل التأکید علی هذه النقطة المهمة.

والاحتیاج إلی (الإدارة) لیس خاصاً بمرجع التقلید، بل هو عام لکل من یناط به أمر، أو یکون فی الطریق إلی الإناطة.

فالملک، ورئیس الجمهوریة، والوزیر، ومدیر المدرسة، ورئیس الصحة، وإمام الجماعة، ومدیر المجلة، والواعظ.. إلی ساعی

ص:313

البرید، والطباخ، کلهم یحتاجون إلی (الإدارة)، فإن حسنت إدارتهم تمکنوا أن یقوموا بالمهمة بخیر وسلام وتقدم، وإلا فالوقوف، ثم الانحطاط إلی حیث الجمود الأبدی.

کما أن الإنسان الحسن الإدارة یتقدم مرحلة فمرحلة، حتی ینتهی إلی غایة ما فوقها مرحلة، إن سار فی مثل هذا الخط، کمن یبتدئ طالب علم متواضع ثم ینتهی إلی مرجع عام للمسلمین، أو إلی آخر مراحل خط سیره، کالتلمیذ المتواضع فی الصف الأول ینتهی إلی وزیر المعارف.

هذا بالنسبة إلی الخط التصاعدی، أما بالنسبة إلی من تربع فی قمة (صدفة) وهو سیء الإدارة فالأمر لا یخلو من اثنین:

1: أن لا تصحبه القوة، وجزاء هذا أن ینفض الناس من حوله سراعاً، فتتلاشی إدارته.

2: أن تصحبه القوة، وهذا یزاح عن منصبه بقوة مقابلة، تحصلها الفئة التی تؤثر فیهم سوء إدارته، ولذا قیل: (یتمکن الإنسان أن یصنع بالحراب کل شیء، ولکن لا یتمکن أن یجلس علیه).

ولما ذکرناه أمثلة شاهدة علی صدق المقال أضربنا عنها صفحاً.

فالإدارة:

1: تأتی بالقدرة.

2: تحفظها.

3: تنمّیها.

4: تأتی بأفضل النتائج.

5: فی أقصر وقت.

6: بأقل قدر من المصاعب.

 (2)

الإدارة غریزة أم اکتساب

الصفات النفسیة کأعضاء البدن، فی حالة (خامات) قابلة

ص:314

للنمو، فکما أن الید فی الطفل تنمو رویداً رویداً، حتی تنتهی إلی قدرها المعین، فی الطول والعرض، والکیفیة والمزایا، کذلک علم الطفل، قابل لأن ینمو حتی یصبح علماً من کبار أعلام المعرفة.

وهکذا بالنسبة إلی سائر الصفات والغرائز.

والصفة مثل (العضو) فی:

1: أن نموها یحتاج إلی الغذاء، فکما أن الید لا تنمو إذا انقطع عنها الغذاء، کذلک العلم لا ینمو إذا لم یتعلم.

2: أن لکل منهما قدراً خاصاً من النمو، وغایة إذا وصل إلیها توقف، فکما أن الید لا تصیر بالغذاء أذرعاً، کذلک العلم، لا یمکن أن ینتهی إلی علوم کثیرة((1)) مهما جدّ المتعلم وتعب وطال عمره.

بینما أن (الصفة) تخالف (العضو) فی أن من الممکن بقاء الصفة فی حالة بدائیة، فمن لم یتعلم یبقی جاهلاً، بخلاف العضو فإنه إذا انقطع عنه معین الغذاء ضمر ومات.

وأصل (الإدارة) من (الصفات)، فهی بالنسبة إلی حدودها فی الجملة غریزة، فمثلها فی مختلف الأفراد مثل الفرق فی الذکاء بین الإنسان الفطن والبلید.

بینما أن (الإدارة) بالنسبة إلی (البدائیة) و(النمو الممکن) اکتساب، لکن اکتساب (حسن الإدارة) یحتاج إلی طول جهاد وکثرة تعلم وزیادة ممارسة، وإلاّ بقیت فی أواسط المراحل الممکنة.

کالعلم عیناً قابل للامتداد إن اتصل بعینه، وقابل

ص:315

للوقوف فی مراحل توسطیة بین المبدأ والمنتهی، بقدر ما زود من الوقود.

وها نذکر نقاط مهمة علی من یرید (حسن الإدارة) أن یراعیها بکل شدة وعنایة، وبقدر مراعاة هذه النقاط تتحسن الإدارة، کما أن بقدر إهمالها تسوء الإدارة، فعلی الإنسان إذا أراد (حسن الإدارة) أن یواظب مدة مدیدة بکل إلتفات ودقة هذه النقاط، حتی تصبح الإدارة الحسنة بمراعاة هذه النقاط، فی کل مناسبة ملکة له، یصدر الإنسان منها بکل عفویة کسائر الملکات.

مثلاً: الحفظ ابتداءً أمر صعب، لکن الحافظ إذا واظب علی قراءته وحفظه مدة مدیدة، یصبح المحفوظات ملکة له یصدر منها عفویاً، ولو انشغل فی أثناء القراءة بشیء آخر وذهل عن الالتفات إلی ما یقرأ.

وإذا وصل الإنسان إلی هذه المرتبة، لم یکن ضبط النفس وحسن الإدارة یکلفه رهقاً، بل یأتی منه فی کل مناسبة عفواً، حتی یصبح خلاف ذلک أمراً شاقاً صعباً عنده، وها هی النقاط متسلسلاً.

(3)

الصبر

اعتیاد الصبر علی المکاره، فإن الإدارة تستلزم المکاره، سواء من الرؤساء، أو الزملاء، أو المرؤوسین، أو نفس الأعمال، فبدون الصبر لا یتمکن الإنسان من إنجاز إدارته علی وجه حسن.

فغالباً الرؤساء یتوقعون من الإنسان أشیاء لیس بإمکانه الإتیان

ص:316

بها، فإذا صبر علی توقعاتهم، ولم یظهر التبرم والضجر، یتلاشی طلبات الرؤساء ویبقی هو ممدوحاً لحسن إدارته.

کما أن الغالب کون الزملاء فی صدد الحسد وحساب الزلة وتکبیر العثرة، فإن صبر الإنسان علیهم تلاشت أتعابهم فی تحطیمه، وبقی هو مرفوع الرأس لحسن إدارته.

والمرؤوسون کثیراً ما لا یطیعون الإنسان فیما یأمر وینهی، مما یسبب تأثر أعصابه، وانحراف بعض الأعمال، فإن صبر علیهم خرج من المعرکة ظافراً، وإلّا سقطت إدارته ووصم بضعف الإدارة.

أما طبیعة العمل، فمن الأعمال اللازمة فی مهمة الإنسان قد لا یتأتی بیسر وسهولة، فإن صبر الإنسان حتی أنجز تلک الأعمال وصل إلی القمة، وإلاّ فشل، ودل ذلک علی ضعف إدارته، وإذا نظر الإنسان إلی المدیرین الناجحین رآهم یتحلون بهذه الصفة (الصبر) فی حسن إدارتهم.

المنتقد، وانتقاد غیر المربوط بالعمل یسبب إثارته بما لا داعی له، فیؤثر کلام ذلک المنتقد فی أعصاب هذا المنتقد وینتقص منه، وکلا الأمرین موجب لضعف الإدارة أو الاجتماع.

ثانیاً: عن الانتقاد الموجه إلیه، فإنه مهما بلغ الانتقاد لا یؤثر فی الإنسان إذا سکت، بخلاف ما إذا أجابه المنتقد بالرد، فإنه یصرف النشاط بلا فائدة، والناس دائماً مع الساکت، فإذا تکلم کانوا له أو علیه.

ثالثاً: عن الهدر فی الکلام، مما یبتلی به کثیر من أصحاب الأعمال، وقد کان أحد أحزاب (إندونیسیا) الکبار، شعارهم: (قلة الکلام وکثرة العمل) وما أجمله من شعار، وفی المثل (العمل بکل صمت وهدوء علامة النجاح).

أما من یتکلم لإنجاز مهمة بقدر الضرورة، فإن الکلام فی مثل هذا الموقع ضروری، ولیس المقصود من (السکوت) الذی نجعله من شرائط حسن الإدارة، المنع عن مثل هذا الکلام المضطر إلیه.

أما إذا لم یعرف المداخل والمخارج فلا یصل إلی الغایة، ولا یعرف حل المشکلة، وبذلک یفشل.

وإلیک مثلاً لذلک: إذا کنت ترید السفر، فإن عرفت کیف ینبغی أن تستأجر السیارة، وممن، وصلت إلی المقصد، وإلاّ بقیت فی مکانک.

وإذا عطبت السیارة فی أثناء الطریق، فإن عرفت کیف تصلحها، وصلت إلی المقصد، وإلاّ بقیت فی الصحراء.

ثم إن معرفة مداخل الأمور ومخارجها لیس بالأمر الیسیر، وإنما هذه النقطة من نقاط حسن الإدارة، وتحتاج إلی مزید من العلم والتجربة والوعی والاستشارة.

وکثیراً ما یکون هناک أسباب أو حلول، فاللازم علی الإنسان أن یری أفضلها، وإلا لم یتسم بحسن الإدارة، مثلاً إذا کانت الطرق إلی بلدة متعددة، کان أقربها وأیسرها هو الأفضل، وإذا کانت المشکلة لها طرق فی الحل، کان أجملها وأسهلها هو الأفضل.

داراً جمیلة اعتماداً علی ذوقه.

ومن الملحق بهذا الفصل مطالعة الکتب النافعة، فإن الإدارة مثلها مثل نهر جار إنما یتکون من قطرات، وهذه القطرات إنما تتجمع من ألف حکمة وحکمة، ومائة تجربة وتجربة.

واللازم الاستمرار فی المطالعة، لأجل أن الانقطاع عنها کانقطاع الشجرة الیانعة من الماء، فکما لا یکفی فی بقاء الشجرة حیة مدة من السقی، فإنه إذا انقطع عنها الماء تجف، کذلک المعرفة تحتاج إلی استمرار معین للتعلم، فإنه بالانقطاع یکون الجفاف، وهناک سوء الإدارة فالفشل.

اختیار الأصلح ضعفت إدارته، بل ربما آل إلی الإنهیار.

قال الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام): «الله الله فی نظم أمرکم»((1))، فإن المرؤوسین إذا عرفوا تکلیفهم فإن قاموا به جوزوا بالجزاء والثناء، وإن لم یقوموا به جوزوا بعد أن عرفوا کونهم مسیئین.

أما بدون التنظیم والتوزیع، فالأمور تبقی مجمدة، والغایات تبقی بعیدة، وذلک من أفظع أنواع الفشل فی الإدارة.

والتنظیم والتوزیع للأعمال وإن کان یلاقی المنظم لها صعوبة وصداً فی ابتداء الأمر، لکن النتائج الطیبة التی یجنیها الإنسان من هذا الأمر فوق ما یتصور، أرأیت البناء کیف یوزع الأعمال علی عماله، وأرأیت مدیر المدرسة کیف یوزع حصص الدرس علی المعلمین، وأرأیت صاحب المطعم کیف ینظم عماله ویوزع علیهم القیام بالمهام، إن هذا عام لکل إدارة ولکل مدیر، وأنجح المدیرین من یفعل ذلک بکل دقة وإتقان.

وبعد التوزیع والتنظیم یحتاج المدیر إلی مراقبة مستمرة للعمال، لیقوم کل بقسطه من العمل، وإلاّ فإصدار الأوامر وتخطیط الخرائط لا تغنی فتیلاً.

الصواب فیه، فإذا تفکر وأجال الرأی وجد السبیل السوی والصراط المستقیم.

والإنسان بالتفکر الدائم ینمی فی نفسه ملکة الفکر، وبذلک یکون ذا آراء صائبة.

ومن المعلوم أن المدیر کثیراً ما تستشکل علیه الأمور، وتتضارب لدیه وجه العمل، فإذا کان ممن اعتاد التفکر الدائم، حل أکثر المشکلات، وبذلک یتسم بحسن الإدارة، ویخفف علی نفسه مشاق کثیرة ومشاکل جمة.

العورات، إلاّ من جهة الإدارة، فإن الإدارة تحتاج إلی الرجال مهما کانت نوعها، والرجال إن لم یعرفهم المدیر بمختلف مستویاتهم لا یتمکن من تسییر دفة الإدارة بجودة وحسن.

مثلاً صاحب المصرف لابد أن یعرف الذی یفی دینه ممن یأکل أموال الناس، ومن عنده المال القابل للحجز ممن لیس عنده،

والمرجع الدینی یجب أن یعرف التقی العالم الذی یصلح للوکالة والإمامة من غیره.

والمدیر للمدرسة یجب أن یعرف المعلمین حتی یتمکن أن یستخدم الصالح ویترک الطالح، إلی غیرهم.

هذا بالنسبة إلی الشق الأول، من هذا الفصل: (التطلع علی أحوال الأشخاص بروح منطلقة متطلعة)، ومرادنا من (الانطلاق والتطلع) عدم الجمود فی الإطلاع، وعدم السرف والتفریط فی المعرفة بالتعمق غیر اللازم، أو الانغلاق فیما یحتاج إلی توسع المعرفة.

وأما الشق الثانی من هذا الفصل: (بدون ترتیب الأثر علی ما یبدو له من العورات إلاّ من جهة الإدارة)، فإن فی الناس عورات إذا فحص الإنسان عن أحوالهم اطلع علیها، وبعض الأشخاص یشهرون لسانهم فی التنقیص أو ما أشبه علی من اطلعوا علیه، وهذا خلاف حسن الإدارة، بل اللازم أن یتخذ الإنسان اطلاعه وسیلة لتجنیب إدارته عن العطب لا لشهر لسانه علی الناس.

والجمع بین هذین الشقین (التطلع، وعدم ترتیب الأثر) من

ص:326

أهم النقاط فی حسن الإدارة، وقد أمر الإمام (علیه السلام) ولده إسماعیل اجتناب مشارکة من تلوکه الألسنة قائلة أنه یشرب الخمر، بالنسبة إلی معاملته الشخصیة.

فیما ورد فی الحدیث: «کذّب سمعک وبصرک عن أخیک، فإن شهد سبعون قسامة أنه قال شیئاً، وقال: لم أقله، فصدقه وکذبهم»((1)).

والقصة مذکورة فی رسائل شیخنا المرتضی (رحمه الله) وغیره، فحدیث إسماعیل یشیر إلی الشق الأول، وحدیث (کذب..) یشیر إلی الشق الثانی.

الآباء أبناءهم عن المدرسة مما یورث الفشل، وإن أظهر القوة کان مثاراً للتوقع المتزاید، حتی أنه کیفما ربی التلامیذ کان دون مقدار توقع الناس.

فالإنسان یجب علیه أن یحکم أموره إلی أبعد حد، ولکن لیسکت عن ذلک، ولذا ورد فی المثل (إذا قدرت أن تکون أحکم الناس فکن، ولکن لا تقل للناس ذلک)، ومن هذا الباب (الفرح والحزن) و(الغنی والفقر) و(العلم والجهل) وما أشبه ذلک.

فإذا أظهرت نقاط قوتک أکثرت المتوقعین منک، ولا داعی لذلک، وإذا أظهرت نقاط ضعفک أکثرت المزدرین علیک، ولماذا تزید الإزدراء علی نفسک، إنک إن أظهرت الفرح أثرت أعداءک، وحسدک أصدقاؤک، وإن أظهرت الحزن أحزنت أصدقاءک، وفرّحت أعداءک، وهکذا بالنسبة إلی سائر نقاط الضعف والقوة.

وما أشد ضبط النفس بین هاتین النقطتین فإن الناس غالباً تبطرهم القوة فیظهرونها، أو یضعفهم الانحطاط والضعف فیبدونه، وهذا بالنسبة إلی الإنسان العادی مضر، فکیف بالمدیر.