موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی المجلد 67

اشارة

سرشناسه : حسینی شیرازی، محمد

عنوان و نام پدیدآور : الفقه : موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی/ المولف محمد الحسینی الشیرازی

مشخصات نشر : [قم]: موسسه الفکر الاسلامی، 1407ق. = - 1366.

شابک : 4000ریال(هرجلد)

یادداشت : افست از روی چاپ: لبنان، دارالعلوم

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : اخلاق اسلامی

موضوع : مستحب (فقه) -- احادیث

موضوع : مسلمانان -- آداب و رسوم -- احادیث

رده بندی کنگره : BP183/5/ح5ف76 1370

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 70-5515

ص:1

اشارة

ص:2

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

آیة الله العظمی

السید محمد الحسینی الشیرازی

دام ظله

کتاب النکاح

الجزء السادس

دار العلوم

بیروت لبنان

ص:3

الطبعة الثانیة

1409 ه_ _ 1988م

مُنقّحة ومصحّحة مع تخریج المصادر

دار العلوم _ طباعة. نشر. توزیع.

العنوان: حارة حریک، بئر العبد، مقابل البنک اللبنانی الفرنسی

ص:4

کتاب النکاح

اشارة

کتاب النکاح الجزء السادس

ص:5

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:6

مسألة ١٨ الطلاق قبل الدخول یوجب تنصیف المهر

(مسألة 18): قال فی الشرائع ممزوجاً مع الجواهر: (إذا طلق قبل الدخول کان علیه نصف المهر المسمی فی العقد أو المفروض بعده بلا خلاف فیه، بل الإجماع بقسمه علیه، مضافاً إلی الکتاب والسنة).

أقول: أما الکتاب، فهو قوله سبحانه: ﴿وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فریضة فنصف ما فرضتم إلاّ أن یعفون أو یعفو الذی بیده عقدة النکاح وإن تعفوا أقرب للتقوی ولا تنسوا الفضل بینکم إنّ الله بما تعلمون بصیر﴾((1)).

وأما من السنة، فمتواتر الروایات:

مثل ما عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن یدخل بها فقد بانت وتزوّجُ إن شاءت من ساعتها، وإن کان فرض لها مهراً فلها نصف المهر، وإن لم یکن فرض لها مهراً فلیمتعها»((2)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی رجل طلق امرأته قبل أن یدخل بها، قال: «علیه نصف المهر إن کان فرض لها شیئاً، وإن لم یکن فرض لها فلیمتعها علی نحو ما یمتع به مثلها من النساء».

وعن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه الصلاة والسلام) نحوه((3)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن یدخل بها فلیس علیها عدة» إلی أن قال: «وإن کان فرض لها مهراً فنصف ما فرض»((4)).

ص:7


1- سورة البقرة: الآیة 237
2- الوسائل: ج15 ص61 الباب 5 من أبواب المهور ح1
3- الوسائل: ج15 ص61 الباب 5 من أبواب المهور ح2
4- الوسائل: ج15 ص61 الباب 5 من أبواب المهور ح3

وعن عبید بن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة ولم یدخل بها، فقال: «إن هلکت أو هلک أو طلقها فلها النصف، وعلیها العدة کاملة ولها المیراث»((1)).

وعن أبی الصباح، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن یدخل بها فلها نصف مهرها، وإن لم یکن سمی لها مهراً فمتاع بالمعروف علی الموسع قدره وعلی المقتر قدره، ولیس لها عدة وتزوج من شاءت من ساعتها»((2)).

وعن دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد (علیه السلام)، إنه قال: فی رجل تزوج امرأة _ إلی أن قال: _ «وإن کان قد فرض لها صداقاً ثم طلقها قبل أن یدخل بها فلها نصف الصداق»((3)).

وعن الرضوی (علیه السلام): «من طلق امرأته من قبل أن یدخل بها فلا عدة علیها منه، وإن کان سمی لها صداقاً فلها نصف الصداق»((4)).

أما ما ذکره الجواهر من (المفروض بعده) فیدل علیه ما تقدم من صحة الفرض بعد العقد فیشمله أدله المقام.

ثم إن کان المهر دیناً علیه ولم یکن قد دفعه إلیها برئت ذمته من نصفه، ویحب علیه دفع النصف إلیها، وإن کان عیناً کانت مشترکة بینه وبینها، وإن کان کلیاً فی المعین کان علیه نصف المقدر، وإن کان مردداً وقلنا بصحته، کأن زوجها علی أحد الکتابین أو القلمین أو الدینارین أو ما أشبه، کان له نصف أحدهما، وکذلک لها

ص:8


1- الوسائل: ج15 ص61 الباب 5 من أبواب المهور ح4
2- الوسائل: ج15 ص56 الباب 48 من أبواب المهور ح8
3- المستدرک: ج2 ص56 الباب 36 من أبواب المهور ح1
4- المستدرک: ج2 ص611 الباب 36 من أبواب المهور ح2

نصف الحق إن کان حقاً کحق التحجیر عند المشهور حیث یجعلونه حقاً لا ملکاً، وکذلک حال ملک أن یملک علی تقدیر صحة جعله مهراً، کما تقدم الکلام فی ذلک.

ثم إن نصف العین إنما یکون مع نصف الهیئة الاجتماعیة إذا کان لها قیمة کمصراعی الباب وزوجی الحذاء، فلا حق لأحدهما الاستبداد بمصراع بحیث تنعدم الهیئة الاجتماعیة، فاللازم إما قبول أحدهما المصراع الآخر بنصف قیمة المجموع، أو بقاؤهما مشترکاً، أو بیعهما ولکل نصف القیمة، أو ما أشبه.

ولو دار الأمر بین بیعهما للأجنبی وبیع النصف لأحد الزوجین، قدم الثانی لأنه أقل تصرفاً فی سلطنه المالک، فدلیل «الناس مسلطون» محکم بقدر الإمکان.

ولو أراد کل واحد منها الاشتراء فالمرجع القرعة، أو حکم الحاکم لأنه موضوع لفض النزاع.

ولو أراد أحدهما البیع والآخر المهایاة کان المحکم القرعة أو حکم الحاکم، إذ کلاهما خلاف السلطنة ولا أولویة، وکذا لو أراد أحدهما البیع والآخر الصلح أو ما أشبه.

ثم إن الشرائع قال ممزوجاً مع الجواهر: (ولو کان دفعه إلیها استعاد نصفه إن کان باقیاً، أو نصف مثله إن کان تالفاً، ولو لم یکن له مثل فنصف قیمتة التی هی أقرب شیء إلیه، وتقوم مقامه عند التعذر).

أقول: الاستعادة إنما تکون فیما لم تکن للهیئة الاجتماعیة قیمة، وإلاّ فکما تقدم، وإنما تکون الاستعادة لأنه مقتضی أن لها نصف المهر.

ثم إذا کانت العین باقیة وقد سقطت عن القیمة کما إذا أمهرها ثلجاً وصار

ص:9

الشتاء، أو دیناراً وسقط لسقوط الحکومة، أو داراً فی قریة فخربت مما لا قیمة لها، فهل علیها نصف العین أو القیمة، أو یفصل بین ما کانت مفرطة فعلیها دون ما إذا لم تکن، احتمالات.

کما أنها تأتی فیما إذا جعل الزوج لها مهراً عیناً خارجیة، وقبل تسلیمها سقط کذلک، اللهم إلاّ أن یقال: إن مقتضی أن التلف قبل القبض من مال مالکه یشمل المقام، ففرق بین المسألتین حیث تأتی القاعدة هنا دون المسألة السابقة.

ولو دفع إلیها نصف المهر حصل التهاتر القهری، لا أنه یکون الأمر مشترکاً بینهما، فیدفع إلیها نصف ما عنده ویأخذ من عندها نصف ما عندها، مع احتمال ذلک فی مثل ما إذا کان مهرها شاة وعنزة متساویتین فی القیمة، وقد دفع إلیها الشاة، فإن الطلاق یوجب اشتراکه فی نصف الشاة واشتراکها معه فی العنزة، لأنه مقتضی أن لکل منهما نصفاً مع اختلاف قسمی المهر، ولذا إذا لم یدفع إلیها شیئاً بعدُ لزم إعطاءها نصفهما لا إحداهما، وهذا غیر بعید بل هو الظاهر.

ولو تساوی حجم النصفین دون قیمتهما بأن کانت أرضان متلاصقتان کل مائة ذراع، لکن إحداهما تسوی مائة والأخری خمسین باعتبار القرب والبعد عن الشارع، فالأصل تنصیفها إن أمکن، وإن لم یمکن لمحذور حکومی أو ما أشبه کما هو المتعارف فی الحال الحاضر، فإن اللازم التراضی بأخذ إحداهما مع التفاوت أخذاً أو عطاءً.

ومنه یعلم حال العکس بأن تساوت قیمة النصفین دون حجمهما، والحاصل أن المعیار الحجم والقیمة معاً، فإن لم یمکنا قدم الثانی.

ص:10

ثم إن الشرائع قال: (ولو اختلفت قیمته فی وقت العقد ووقت القبض لزمها أقل الأمرین).

أقول: لمسألة الزیادة والنقیصة فی قیمة السوق أربع صور:

الأولی: ما لو زادت وبقیت علی الزیادة بدون تلف، وحینئذ الزیادة لها، ویرد علی الرجل بقدر نصف القیمة یوم العقد، وإن کان حسب الحجم عشراً أو أقل مثلاً، کما إذا جعل مهرها شاة خاصة وکانت قیمتها یوم العقد حیث یملکها المرأة فی ذلک الوقت عشرة، ثم صارت القیمة یوم الطلاق مائة، فإن الرجل یشترک معهما فی جزء من عشرین جزءاً من الشاة لأن حقه فیها خمسة وهو جزء من عشرین جزءاً منها.

لا یقال: ظاهر النص والفتوی لزوم إرجاع النصف من غیر فرق بین الزیادة والنقیصة والبقاء علی ما کان.

لأنه یقال: هو تام لو لا ما دل من الروایات الخاصة علی أن الزیادة للمرأة، سواء کانت متصلة أو منفصلة، مما یفهم منه حال زیادة قیمة السوق بالمناط أو الأولویة، فکما أنه لا یشترک الرجل فی الزیادة المتصلة والمنفصلة، کذلک لا یشترک فی زیادة قیمة السوق، بل هو صریح روایة علی بن جعفر والسکونی وغیرهما.

فعن عبید بن زرارة، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): رجل تزوج امرأة علی مائة شاة ثم ساق إلیها الغنم ثم طلقها قبل أن یدخل بها وقد ولدت الغنم، قال: «إن کانت الغنم حملت عنده رجع بنصفها ونصف أولادها، وإن لم یکن الحمل عنده رجع بنصفها ولم یرجع من الأولاد بشیء»((1)).

ص:11


1- الوسائل: ج15 ص45 الباب 34 من أبواب المهور ح1

وفی روایة أخری، عن أبن بکیر مثله، إلاّ أنه قال: «ساق إلیها غنماً ورقیقاً فولدت الغنم والرقیق»((1)).

وعن علی بن جعفر، عن أخیه موسی بن جعفر، عن أبیه (علیهم السلام): «إن علیاً (علیه السلام) قال: فی الرجل یتزوج المرأة علی وصیف فیکبر عندها ویرید أن یطلقها قبل أن یدخل بها، قال: علیها نصف قیمته یوم دفعه إلیها لا ینظر فی زیادة ولا نقصان»((2)).

وفی روایة السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): إن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال، وذکر نحوه، إلاّ أنه قال: «فیکبر عنده فیزید أو ینقص»((3)).

وعن رفاعة بن موسی، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «إذا تزوج الرجل المرأة علی الجاریة أو الغنم، فإن أعطاها الغنم وهی حوامل أو الجاریة وهی حبلی فتولدت عندها، فإن طلقها قبل أن یدخل بها فله نصف الغنم والأولاد، وله نصف قیمة الجاریة ونصف قیمة ولدها، وإن کان دفع إلیها الغنم ولیست بحوامل فحملن عندها وتوالدت فإنما له قیمة الغنم ولیس له من الأولاد شیء، وإن کان دفع إلیها الجاریة ولیس بها حبل وحبلت عندها فولدت فإنما له نصف قیمة الجاریة ولا شیء له من ولدها»((4)).

وعن عبید بن زرارة، عن الصادق (علیه السلام): فی رجل تزوج امرأة علی رقیق أو غنم وساقهن إلیها فولدت الرقیق والغنم عندها ثم طلقها قبل أن یدخل بها،

ص:12


1- الوسائل: ج15 ص45 الباب 34 أبواب المهور ح2
2- الوسائل: ج15 ص45 الباب 34 أبواب المهور ح3
3- الوسائل: ج15 ص45 الباب 34 أبواب المهور ح4
4- المستدرک: ج2 ص610 الباب 28 من أبواب المهور ح1

قال: فقال: «إن کان ساقهن إلیها حین ساقهن وهن حوامل فله نصف الحوامل»((1)).

وعن الجعفریات، عن علی (علیه السلام)، فی الرجل یتزوج المرأة علی وصیفة تکبر عندها فتزید أو تنقص ثم یطلقها قبل أن یدخل بها، قال: «تغرم له نصف قیمة الوصیفة یوم دفعها إلیها، ولا ینظر فی زیادة أو نقصان»((2)).

ومنه یعلم وجه التأویل فی روایة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن رجل تزوج امرأة علی بستان له معروف وله غلة کثیرة ثم مکث سنین لم یدخل بها ثم طلقها، قال: «ینظر إلی ما صار إلیه من غلة البستان من یوم تزوجها فیعطیها نصفه ویعطیها نصف نصف البستان إلاّ أن تعفو فتقبل منه أو یصطلحا علی شیء ترضی به منه، فإنه أقرب للتقوی»((3)).

فإن الإمام (علیه الصلاة والسلام) لم یذکر إعطاء المرأة کل الغلة، وکأنه لأن البستان کان عند الرجل فیکون العمل منه والبستان للمرأة، والغلة تکون نصفها للعامل ونصفها للمالک علی سبیل المضاربة، ویدل علی کون البستان کان عند الرجل قوله (علیه الصلاة والسلام): «ینظر إلی ما صار إلیه من غلة البستان» فإنه لو کان عندها لم یکن وارد الغلة داخلاً فی کیس الرجل.

وکذا إذا زادت وتلفت حال الزیادة، لأن الزیادة والتلف کان فی ملکها، فإذا حصل الطلاق ردت علی الزوج بقدر نصف المهر حال العقد مِثلاً أو قیمةً، لما ذکرتاه فی صورة ما لو زادت وبقیت علی الزیادة بدون تلف.

ومنه یعرف وجه النظر فی قول المامقانی، حیث قال: ولو نقصت قیمة

ص:13


1- المستدرک: ج2 ص609 الباب 27 من أبواب المهور ح1
2- المستدرک: ج2 ص609 الباب 27 من أبواب المهور ح2
3- الوسائل: ج15 ص41 الباب 30 من أبواب المهور ح1

المهر لتفاوت السعر کان له نصف العین، وکذا لو زادت قیمته لزیادة السوق إذ لا عبرة بالسوق مع وجود العین.

فإن تعلیله المذکور مناف للروایات المتقدمة.

کما یعلم وجه النظر فی قول المسالک، حیث قال فی خامس صوره: (أن یجده زائداً فإن کانت الزیادة بمجرد قیمة السوق أخذ نصف العین کما لو نقصت کذلک).

إذ فیه الفرق بین زیادة قیمة السوق حیث إن الزیادة لها، وبین النقیصة حیث إن النقیصة لیست علیها، لأن النقص لیس مضموناً علیها.

لا یقال: مقتضی الخراج بالضمان تساوی النقص والزیادة فی الأمر.

لأنه یقال: فی المقام دلّت الروایات المتقدمة علی أن الزیادة لها فهی مخصصة للقاعدة.

الثانیة: ما لو نقصت قیمة السوق وبقیت علی النقصان، وفی هذه الصورة ترد الزوجة نصف العین إلی الرجل، والنقص لیس مضموناً علیها، لأن یدها لم تکن ید ضمان، هذا بخلاف ما لو کانت العین غصباً، حیث إن مقتضی القاعدة رد العین مع التفاوت لأن (علی الید ما أخذت حتی تؤدی)((1)) یدل علی الأداء عیناً وقیمةً، فأداء العین وحدها لا تکفی مع نقص القیمة، کما لا یکفی مع سقوط القیمة، کالجمد غصبه فی الصیف ویرید رده فی الشتاء حیث لا قیمة له.

ویؤید دلیل «لا ضرر»، لأن العرف یرون أن الغاصب هو الذی أضره، ولذا قالوا فی کتاب الغصب بأنه یلزم علیه أن یرد أعلی القیم إذا تلفت.

ومنه یعرف حال ما إذا نقصت قیمة المهر وتلف فی ید المرأة حال النقص

ص:14


1- المستدرک: ج3 ص145 الباب 1 من کتاب الغصب ح4

حیث ترد نصف قیمة الناقص فقط، وقد تقدم عن مناهج المتقین إنه قال: لو نقصت قیمة المهر وتفاوت السعر کان له نصف العین، وفی المسالک: وإن وجده ناقصاً نقصان قیمة مع بقاء العین علی حالها رجع بنصف العین من غیر شیء آخر قطعاً لأنها عین ما فرض بغیر إشکال.

ومنه یعلم حال ما إذا سقطت القیمة السوقیة کما مثلنا من مثال الجمد، وتقدم مثال سقوط الأوراق النقدیة، وسقوط الدار عن قیمتها لأنها کانت فی قریة فخربت القریة وذهب أهلها فلا یسکنونها حیث لا قیمة للدار حینئذ فیها إطلاقاً، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ومما تقدم یعرف وجه القبول والرد فی قول الریاض، حیث قال: (ولو نقصت القیمة للسوق فله نصف العین خاصة کصورة الزیادة).

فإن عطف صورة الزیادة علی صورة النقص محل إشکال علی ما عرفت.

هذا ولکن ربما یقال: إن الرجل لو أراد طلاق المرأة وعرفت المرأة ذلک وکانت تعلم بأن قیمة المهر تسقط، ومع ذلک لم تقدم علی التبدیل حیث بیدها ذلک التبدیل، کانت ضامنة لدلیل «لا ضرر»، إذ العرف یرون أنها هی التی أضرت الرجل.

وفیه: إنها لم تتصرف إلاّ فی ملک نفسها، لا فی ملک الرجل حتی یشمله دلیل «لا ضرر»، فهو کما إذا عرف المورث سقوط القیمة مما یوجب ضرر الوارث، فإنه لا یجب علیه التبدیل بحیث یکون ضامناً للوارث.

لا یقال: لا فائدة فی ضمانه للوارث.

ص:15

لأنه یقال: الفائدة أخذ الوارث دین المیت من بیت المال إذا کان مدیوناً لا مال له، فإن بیت المال یؤدی دیون المدیونین کما حقق فی محله.

الثالثة: ما لو زادت ثم نقصت قیمتها السوقیة، مثلاً کانت قیمتها یوم العقد عشرة ثم صارت عشرین ثم صارت عشرة، وفی هذا الحال ترد نصف العین ولا ضمان علیها بالنسبه إلی العشرة المفقودة من قیمة السوق، لأنها فقدها فی ملکها ولیس یدها ید ضمان.

ومنه یعلم أنها لو تلفت بعد أن صارت عشرین أو بعد أن صارت عشرة لم تضمن إلاّ خمسة، نصف قیمة العشرة التی کانت فی یوم العقد.

الرابعة: عکس الثالثة بأن کانت قیمتها یوم العقد عشرة ثم صارت خمسة ثم صارت عشرة، فإن کانت العین باقیة رد نصفها، لأصالة رد نصف العین بعد عدم ورود الأخبار المتقدمة لعلی بن جعفر وغیره علیه، وهکذا إذا کانت تالفة رد نصف العشرة لذلک أیضاً، لکن یمکن أن یکون الواجب رد النصف ناقصاً لأن الزیادة لها.

بقی الکلام فی ما کانت الزیادة والنقیصة بین العقد وبین قبض الرجل المهر للمرأة، وفیه مسألتان:

الأولی: لا ینبغی الإشکال فی کون الزیادة للمرأة، کما إذا جعل مهرها شاة قیمتها السوقیة عشرة فصارت عشرین فی یوم قبضها إیاها، حیث إن اللازم علیه دفع العین وقد ارتفعت، فلا شأن للرجل فی الزیادة.

کما لا ینبغی الإشکال فی کون النقیصة علی المرأة إذا لم یکن للرجل تقصیر فی تأخیر الدفع، کما إذا سلمت المرأة نفسها ولم یسلم الرجل المهر من دون عصیان، أو کان المقرر أن یکون التسالم بعد مدة، حیث إن له أن یمنع المهر إلاّ فی وقت تسلیم المرأة نفسها.

ص:16

أما إذا لم یسلمه عصیاناً فلا یبعد کون النقص علی الرجل، لأن یده ید ضمان حینئذ، فیشمله «علی الید» و«من أتلف»، إذ قد ذکرنا فی کتاب الغصب وغیره أن مثل هذه الأدلة تشمل العین والقیمة، بل ویشمله دلیل «لا ضرر» أیضاً، حیث یقال: إن الرجل هم الذی سبب ضرر المرأة، وإلاّ فإن المرأة کانت ترید أن تأخذ العین وتبیعها مثلاً.

الثانیة: لا اعتبار بوقت القبض بالنسبة إلی رد نصف المهر من المرأة للرجل إذا طلقها قبل الدخول، بل العبرة بما ذکرناها فی الصور الأربع من حین العقد إلی حین الطلاق، إذ القبض لا شأن له فی تلک الصور.

ثم لو زال ملکها علی المهر بعد الطلاق عامدة أو جاهلة بأنها طلقت، أو أن المهر یرجع نصفه إلیه، کانت المعاملة بالنسبة إلی النصف فضولیة، فإن أجاز الزوج فهو، وإلاّ استرجع نصف العین، ویکون بالنسبة إلی المشتری إذا اشتری العین کلها من خیار تبعض الصفقة.

أما لو زال ملکها عن المهر قبل الطلاق بوجه لازم کالبیع والعتق والهبة والوقف وما أشبه، فالظاهر لزوم النصف مثلاً أو قیمةً علیها، لوضوح أن المعاملة وقعت علی ملکها فلا وجه لحقّه أو حقها فی الاسترجاع حتی یکون نصف العین للزوج.

وقد ذکرنا فی بعض المباحث أنها تملک بالعقد ولیس الملک متزلزلاً.

بل مقتضی القاعدة أنه لو عادت العین إلی ملکها بعد أن دفعت للزوج المثل أو القیمة لم یکن للزوج الرجوع، لأن المثل أو القیمة لا دلیل علی أنهما من باب الحیلولة، فمقتضی القاعدة اللزوم.

ص:17

نعم لو عاد قبل الدفع یلزم إرجاع العین لزوال المانع من الرجوع قبل سقوط حقه منها بأخذ المثل أو القیمة، ولأن الرجوع إلیهما لتعذر العین حیث إنهما أقرب الأشیاء إلی العین ولا تعذر حینئذ، فإن العرف یفهمون من إرجاع نصف الصداق إرجاع العین إذا کانت موجودة، من غیر فرق بین أن یکون الرجوع باشتراء أو هبة أو إرث أو غیر ذلک.

وهذا هو المفهوم من المسالک، حیث قال: (وفی حکم التلف ما لو انتقل عن ملکها انتقالاً لازماً کالعتق والبیع والهبة اللازمة وإن عادت العین بعد أخذه العوض).

وصرح به الجواهر قائلاً: (نعم لو عاد قبل الدفع رجع، لزوال المانع من الرجوع قبل سقوط حقه منها بأخذ المثل أو القیمة، ولأن الرجوع إلیهما لتعذر العین مع کونهما أقرب الأشیاء إلیها ولا تعذر حینئذ).

وجعله مناهج المتقین الأظهر، قال: (ولو عاد قبل الدفع رجعت العین علی الأظهر).

بل وکذا هو ظاهر الکفایة أیضاً، حیث قال: (وعلی المشهور فی حکم التلف ما لو انتقل من ملکها انتقالاً لازماً کالبیع والهبة اللازمة وإن عادت العین بعد أخذ العوض).

وبذلک یظهر أن احتمال الرجوع إلی البدل فی صورة رجوع العین قبل إعطائها المثل أو القیمة غیر ظاهر الوجه، وإن استدل له بسقوط حق الرجل من العین أولاً بالانتقال فلا یرجع حقّه إلیها، وأن العود ملک جدید لا من حیث الصداق، وأنه بالطلاق تعلق خطاب المثل أو القیمة ولا دلیل علی ارتفاع مثل هذا الخطاب.

لوضوح النظر فی کل هذه الوجوه، ولذا قال الجواهر: (یناقش بمنع سقوط

ص:18

الحق مطلقاً، وعدم منافاة تملکه بالعود للتملک بالطلاق الذی هو سبب جدید لذلک، لا أنه التملیک باعتبار تسببه فسخ السبب الأول الذی ملکت به المرأة حتی یقال: إن العود مملک غیر الصداق، وتعلق خطاب المثل أو القیمة علی جهة التزلزل لمکان التعذر کما هو واضح).

والعمدة هو أن دلیل الرجوع إلی نصف العین شامل للمقام أیضاً، وإن تکررت الخروج والدخول فی ملکها بأسباب متعددة، بل وإن اشتراها بأغلی من ثمنها علی إشکال یظهر مما تقدم فی صورة ارتفاع السوق.

ثم الظاهر أن لها الحق فی نقل العین عن ملکها نقلاً لازماً، کما لها الحق فی تلفها، وإن علمت أن الزوج یطلقها، لأن ملکها حینئذ تام والعلم بالطلاق أو الطلاق فی الخارج فیما بعد لا یخرجه عن الطلقیة المقتضیة لصحة ورود جمیع المعاملات علیها.

نعم لو شرط الزوج حین العقد علیها عدم تلفها أو عدم نقلها إطلاقاً إلی حین احتمال الطلاق أو إلی زمان کذا فخالفت کان للزوج إجبارها علی فسخ المعاملة والحیلولة بینها وبین التلف لو أرادت التلف أو أرادت الإتلاف للشرط.

ولو عاندت حق للزوج الفسخ بنفسه بعد مراجعة الحاکم، لمقتضی (المؤمنون عند شروطهم).

وربما یحتمل عدم صحة المعاملة منها علیها إطلاقاً، حیث إن مقتضی (المؤمنون عند شروطهم) الوضع، فهو ملک محجور بیدها والملک المحجور لا تصحّ المعاملة علیها، وهذا غیر بعید کما ذکرنا مثله فی بعض مباحث (الفقه).

ثم إن القواعد قال: (ولو تعلق به حق لازم کالرهن والإجارة تعین البدل، فإن صبر إلی الخلاص فله نصف العین، ولوقال: أنا أرجع فیها وأصبر حتی تنقضی الإجارة

ص:19

احتمل عدم الإجابة وإجباره علی أخذ القیمة إذا دفعتها، لأنه یکون مضموناً علیها ولها أن تمتنع منه، إلاّ أن یقول: أنا أقبضه وأرده إلی المستأجر أمانة، أو تسقط عنها الضمان علی إشکال، فله ذلک).

أقول: صور المسألة أربع:

الأولی: أن یتوافقا علی البدل، ولا إشکال، لأن الحق لا یعدوهما.

الثانیة: أن یتوافقا علی العین إلی حین الفک، ولا إشکال أیضاً، لما تقدم من أن الحق لا یعدوهما.

الثالثة: أن یرید الرجل العین والمرأة البدل لأنه عسر علیها الضمان، ففی هذه الصورة تقدم المرأة لرفع دلیل الحرج ونحوه للحکم الأولی الذی هو العین، وکذا فی کل ما کان رد النصف حرجاً علیها.

الرابعة: أن ترید المرأة العین والرجل البدل، وتقدم المرأة أیضاً لأصالة إعطاء العین، ولا دلیل وارد علی هذا الأصل.

ثم لو قلنا برد العین، فهل للزوج مطالبة الأجرة منها فی هذه المدة فی باب إجارتها، الظاهر ذلک، حیث إن الرجل کان له الأصل والمنفعة، فإذا تعذر الأصل بقیت المنفعة علی ما کانت من استحقاقه لها.

أما فی مثل الرهن فحیث لا منفعة بید المرأة حتی یکون علیها إعطاء نصف المنفعة للرجل، فلا شیء للرجل من المنفعة، فتأمل.

ومنه یظهر الکلام فیما لو جعلته عمری أو رقبی أو سکنی، أو وقفته وقفاً یصلح للبیع الآن عند الطلاق لمجوزات البیع فی الوقف، أو أوقفته وقفاً یصلح للاستبدال الآن أو بعد مدة.

ص:20

ومما ذکرناه یظهر وجوه النظر فی الکلام المتقدم عن القواعد، وفیما اختاره الإیضاح أیضاً، حیث قال:

(هنا مسألتان:

الأولی: أن یقول: أنا أرجع وأصبر إلی الخلاص ففیه احتمالان:

أحدهما: عدم الإجابة، لأنه مضمون علی المرأة لا بعدوان، ولا یخلص من الضمان إلاّ بقبضه أو قبض عوضه، فلابد من جعل طریق إلی إبراء ذمتها، وإلاّ لزم الحرج فی شرعیة الحکم وهو باطل بالآیة، وإذ تعذرت العین فینتقل إلی القیمة، وإلیه أشار بقوله: (ولها الامتناع) أی الامتناع من بقاء حق حالّ غیر مؤجل فی ذمتها مع وجود المستحق غیر محجور علیه، فلما کان کذلک فللمستحق علیه إلزام صاحب الحق بقبضه لبراءة ذمته، وهذا کاف فی الدلیل.

ویمکن أن یقال: جاز أن یزید القیمة فیضمنها فیرید التخلص، وهو ضعیف لأنه ضمان للزیادة لیس بسببه، بل هو بسببها، وهی المانعة للعین مع وجوبها له وضمانها إیاها.

الثانی: الإجابة لأنه لا منافاة بین تجدد ملک العین وانتقالها إلی الغیر واستمرار الإجارة، فإذا رضی بفوات المنافع أجیب لوجود العین فیتناولها الآیة ولا مانع.

الثانیة: لو قال: أنا أرجع بالعین وأسقط الضمان، ففی صحة إسقاط الضمان إشکال، منشؤه أنه هل یصح الإبراء من الأعیان المضمونة قبل القبض أم لا، فیه إشکال منشؤه دوام السبب الموجب للضمان وهو دوام تصرفها، ومن حیث إنه رضا بکونه فی ید المستأجر، والضمان هنا مخفف بخلاف الغاصب فصح إسقاطه، والأقوی عندی عدم الصحة، لأن الإسقاط شیء ثابت فی الذمة والضمان یتجدد آناً فآناً).

ص:21

إذ قد عرفت مما تقدم من مقتضی القاعدة وجوه النظر فیه.

أما کلامه الأخیر الذی ذکر بأن الأقوی عنده عدم الصحة، ففیه: إن الحق له فأی مانع من إسقاطه، والتجدد آناً فآناً غیر مانع بعد رؤیة العرف أنه حق واحد ممتد والشارع لم یغیره، فهو علی أصل صحة الإسقاط العرفی، فإن کل ما لم یغیره الشارع من العرفیات فی الموضوعات یبقی علی ما کان، ولذا صح بیع الماء الخارج من النبع ونحوه مع أنه یتجدد آناً فآناً.

کما أن مما تقدم یظهر وجه النظر فی کلام الجواهر، حیث قال: (لیس للرجل إلاّ البدل مطلقاً لعدم بقاء ما فرضه کما فرضه، والطلاق یملک قهراً إذا کانت العین موجودة علی الحالة التی دفعها، ورضاه بغیر ماله لا یوجب الإجابة علیها، وقد یفرق بین الارتهان والإجارة خصوصاً مع کون المدة قلیلة فتأمل).

إذ یرد علیه أن الأصل العین إلاّ ما خرج، ولیس فی غیر صورة ما خرج مما ذکرناه دلیل علی الخروج حتی ینتقل إلی البدل، خصوصاً إذا کانت المدة قلیلةً کیوم مثلاً، وقد عرفت الفرق بین الرهن والإجارة حیث لیس للأول بدل بخلاف الثانی لمکان الأجرة.

نعم قد یکون للرهن بدل أیضاً، حیث إن المال الذی أخذته المرأة له ربح مضاربی مما یعدّ منفعة عرفاً، وهو شرعی علی ما ذکرنا تفصیله فی الکتب الاقتصادیة.

ولو کانت العین موجودة، لکن الغاصب استولی علیها بما لا یمنع من تصرف الزوجین فیها، کما إذا استملکهما الجائر مع أملاکهما، کما یتعارف عند الغصاب المصادرین للأموال والناس باستعبادهم، فهل تعطی نصف العین أو البدل، من

ص:22

وجود العین وإمکان تصرف الزوج فیها بالسکنی ونحو ذلک، ومن أنها خرجت عن قدرته علی التصرف، فهو مثل ما إذا وقعت العین فی البحر، ومجرد السکنی ونحوه لایوجب بقاءها.

والظاهر الثانی، فهو مثل ما إذا تلفت العین بآفة سماویة حیث علیها إعطاء البدل، وقد ذکروا مسأله الوقوع فی البحر والغصب ونحوهما فی بدل الحیلولة، فما ذکروه هناک یأتی هنا أیضاً.

وکیف کان، فقد ظهر مما ذکرناه وجه النظر فی کلام مناهج المتقین، حیث قال: (ولو تعلق بالمهر حق لازم من غیر انتقال کالرهن والإجارة، تخیر الزوج بین الصبر إلی انقضاء المدة، وبین قبول نصف المثل أو القیمة فی وجه).

وکذلک حال ما ذکره الکفایة، حیث قال: (ولو تصرفت فیه غیر ناقل للعین کالرهن والإجارة، فالظاهر أنه یتخیر بین الصبر إلی الفک وتعجیل أخذ البدل).

ثم لو انتقلت العین عنها علی غیر جهة اللزوم، فإن وافق الزوجان علی الاسترجاع وإعطاء العین، أو عدم الاسترجاع وإعطاء البدل فهو، وإن أرادت المرأة الاسترجاع وإعطاء العین لا حق للرجل فی الإلزام بالبدل، لما تقدم من أصالة العین، وإن أراد الرجل العین وأرادت المرأة البدل، فهل لها حق ذلک باعتبار أنها لا تملک العین الآن، ولا دلیل علی إلزامها بالاسترجاع، لأنه خلاف سلطة الناس علی أنفسهم، فهو کما إذا تمکنت من شرائها، والمنصرف من رد النصف فیما کان تحت ملکها، أو لا لأن الأصل العین وهی قادرة علیها، لا یبعد الأول.

وکذلک إذا استعد من انتقل إلیه العین من الإقالة، وإن کان الاحتیاط فی الثانی.

ص:23

ولذا قال فی القواعد: (ولو کان البیع بخیار لها، أو لم تقبض الهبة أو دبرت، علی إشکال فیهما، تخیرت فی الرجوع ودفع نصف العین، وفی دفع نصف القیمة فإن دفعت القیمة ثم رجعت لم یکن له أخذ العین، ویبقی الإشکال فی الوصیة بالعتق).

وفی الجواهر: (ولو انتقل عنها لا علی جهة اللزوم کما لو باعته بخیار، تخیرت بین الرجوع ودفع نصف العین وعدمه ودفع نصف القیمة).

وکذلک قال فی الکفایة وغیرها.

ومنه یظهر وجه النظر فیما ذکره مناهج المتقین بقوله: (ولو زال ملکها عنه لا بجهة لازمة، کأن باعته بخیار لها أو وهبته من غیر ذی الرحم مجاناً، أو دبرت المملوک فله إلزامها بتسلیم نصف العین إلیه علی الأقرب).

ولو انتقلت العین إلی نفس الزوج انتقالاً لازماً کان علیها البدل، وإن کان انتقالاً جائزاً حق لها الفسخ وإعطاؤه نصف العین، وعدم الفسخ وإعطاؤه البدل، من غیر فرق بین ما کان الانتقال إلی الزوج مباشرة بأن باعته له مثلاً، أو بواسطة کأن باعته لإنسان وذلک الإنسان باعه للزوج.

ثم إن القواعد قال: (ولو کان الصداق صیداً فأحرم ثم طلق، احتمل رجوع النصف إلیه لأنه ملک قهری کالإرث، فإن غلّبنا حق الله تعالی وجب إرساله، وعلیه قیمة نصف نصیبها).

أقول: مقتضی القاعدة هو رد العین، لأنه الأصل، وتضرر الزوج برد العین لا یسبب تخصیصاً فی إطلاق رد العین.

ولذا قال فی الإیضاح: (الأقوی عندی الأول، لأن إیجاب القیمة علی المرأة مع وجود العین من غیر سببها ولا تصرف منها ضرر عظیم علیها، ولأنه کما لو ظهر

ص:24

فی ثمنه المعین عیب بعد إحرام بائعه فردّ الثمن کان للمشتری رد العین، إذ لیس للبائع سواها، فکذا هنا، ولأنه لا یمنع مع عود الکل بالردة فلأن لا یمنع النصف أولی)((1)).

ومنه یعلم وجه النظر فی احتمال رد البدل، بتقریب أن الشارع إنما أوجب رد العین لمنفعة الزوج فحیث لا نفع له کان کالثلج فی أیام الشتاء، فاللازم رد القیمة، لوضوح الإشکال فی الحکم هنا وفی المنظر به وهو الثلج، فإنه إذا أمهرها ثلجاً وحفظت به ثم طلقها قبل الدخول فی الشتاء لیس علیها إلاّ رد نصف الثلج، وقد تقدم ذلک کما تقدم المثال بالأوراق النقدیة التی سقطت عن القیمة.

ثم قال فی الإیضاح: (ویتفرع علی عود العین إلیه وجوب إرساله علیه، ولا یمکن إلاّ بإرسال الکل، فیتعارض حقها وحق الله تعالی فیجب تغلیب حق الله تعالی هنا، کما لو أحرم وبیده صید مغصوب، فإنه یجب إرساله ویضمن، فکذا هنا فیرسله ویضمن نصف قیمته لها، وهذا هو الأصح عندی).

لکن یمکن أن یقال بعدم الإرسال بتقدیم حق الناس، وانصراف دلیل الإرسال عن مثله.

ومنه یظهر حکم ما لو أحرمت ومهرها الصید وأنها ترسله، وإن کان بعد الطلاق ورجوع نصف الصید إلی الزوج علی ما ذکره الإیضاح فی المسألة السابقة.

وإن کان أمکن أن یقال: علیه هنا أیضاً ما ذکرناه هناک.

ولو کان الزوج سفیهاً أو مجنوناً أو صغیراً، أرجعت النصف عیناً أو قیمةً، ولکن لا حق للزوج فی التصرف، وإنما یکون التصرف للولی، ولو کان محجوراً

ص:25


1- إیضاح الفوائد فی شرح مشکلات القواعد: ج3 ص224

علیه صار النصف عند رجوعه إلیه متعلق حق الغرماء، وإذا کان الزوج مخیراً فی استرداد العین أو القیمة وکانت العین لبعض الدیان، حیث إذا رجعت صارت لصاحب العین السابق، لا حق لأحد من صاحب العین وسائر الدیان جبر الزوج علی اختیار أحدهما، بل هو یختار ما شاء، فإن اختار العین رجعت إلی صاحبها، وإن اختار البدل وزع علی الغرماء حسب الحصص.

وإنما لا حق لأحد فی جبره، لأنه خلاف سلطته علی نفسه، ولا دلیل علی سلب هذه السلطة عنه.

ثم لو کانت العین موجودة ملک الرجل النصف بمجرد الطلاق، لا أن الزوجة هی التی تعطیه لنصف.

نعم لو شرطت علیه عدم رجوع العین عند الطلاق _ شرطاً فی عقد النکاح، أو فی عقد خارج لازم _ کان علیها إعطاء البدل.

والظاهر صحة اشتراط عدم رجوع شیء إلیه عند الطلاق أو رجوع الکل، لظهور کونه مالاً فی أنه حق لا حکم، وإن کان ربما یحتمل أنه کالإرث حیث هو حکم لا حق، فلا یصح للمورث أو الوارث اشتراط عدم الإرث أو الزیادة أو النقیصة من باب الإرث لوضوح أن الإرث حکم لا حق وإن تضمن حقاً أیضاً.

ولو کان الصداق شاة فأعطاها إیاها وکانت لها شاة أخری ثم تلفت إحدی الشاتین أو غصبت أو ما أشبه، وبعد الطلاق لم یعرفا هل أن الشاة المتلفة هی الصداق أو الشاة التی هی ملک لها، فمقتضی القاعدة إعطاء المرأة لها ربع الشاة وربع القیمة، للعلم الإجمالی الموجب لجریان قاعدة العدل.

ولو أمهرها الخمر أو الخنزیر وهما کافران ثم أسلما بعد ذلک، وبعد الإسلام

ص:26

طلقها کان علیها نصف القیمة لتعذر ملک المسلم لهما.

لکن ربما یقال: إن حال المقام حال الصید، حیث لا تجب القیمة علی المرأة بما لم تسبب هی الانتقال إلی القیمة، لأنه ضرر علیها، وإن قیل بأنه یباع نصف الخمر والخنزیر ممن یستحل ویعطی ثمن البیع کان حسناً، لأن فی ذلک جمعاً بین الحقین، فتأمل.

ثم إن الشرائع قال ممزوجاً مع الجواهر: (ولو نقصت عینه أو صفته مثل عور الدابة أو نسیان الصنعة، قیل والقائل الشیخ فی المحکی من مبسوطه ویحیی بن سعید فی المحکی عن جامعه: کان له نصف القیمة سلیماً تنزیلاً للتعیب بذلک منزلة التلف، وله نصف العین أی بلا أرش علی الظاهر منهما، لأن الرجوع إلی القیمة لکونها أقرب الأشیاء إلی العین فالعین أولی، ولقوله تعالی: ﴿فنصف ما فرضتم﴾((1)) وهی عین المفروض إن بقیت، ولما کان التعییب فی ملکها لم تضمن الأرش فحینئذ فلا یجبر علی أخذ نصف العین، کما لا یجبر علی أخذ نصف القیمة، لما عرفته من التخییر).

لکن مقتضی القاعدة أنه لیس للزوج إلاّ نصف العین المعیبة، سواء کان العیب من الله أو من الزوج، أما إذا کان من الأجنبی فله النصف من المعیب مع نصف الأرش علی الأجنبی، أما إذا کان من الزوجة ففیه احتمالان:

أما الأول: فلظاهر الآیة والروایة، والعیب سواء کان من الله أو من الزوج لیس مضموناً علی الزوجة حتی یکون علیها أرش.

وأما الثانی: فلأن الأجنبی ضامن، فنصف الأرش للزوجة ونصفه للزوج، ولا

ص:27


1- سورة البقره: الآیة 237

وجه لقولهما بنصف القیمة بعد أن الشارع قال: نصف العین، وتنزیل المعیب منزلة التلف یحتاج إلی الدلیل.

وأما الثالث: فلأن الزوجة أتلفت ما یؤول إلی الزوج فعلیها الأرش، مع احتمال العدم لأنها تصرفت فی ملک نفسها.

وحیث سقط نصف القیمة إطلاقاً فلا مجال للتخییر الذی ذکراه.

وبذلک یظهر النظر فی قول المسالک، الذی أشکل علی الشیخ وتبعه الجواهر، قال أولهما: (ویشکل بأن العین المفروضة إن کانت بهذه الحالة قائمة فاللازم أخذها من غیر انتقال إلی القیمة، وإن کانت بهذا التغییر غیر المفروضة کما اعترفوا به فلا وجه للرجوع بالعین، وأیضاً فالعین علی تقدیر تلفها مضمونة علی الزوجة کما مر، فیکون أجزاؤها وصفاتها کذلک، وکما أن ضمان أصل العین بالقیمة فضمان الصفة والجزء بالأرش، والحق أن العین لا یخرج عن حقیقتها بالعیب فیرجع بنصفها وبنصف الأرش).

فإنه وإن کان أول کلامه وارداً علیهما، إلاّ أن الأرش قد عرفت أنه لا وجه لإطلاقه، وضمان العین عند النلف لا یلازم ضمان الأجزاء ما دامت العین موجودة، فکلام المسالک والجواهر تام فی رد العین دون الأرش، وإن قال فی الجواهر: (إن المتجه کلام القواعد والمسالک من الرجوع بنصف العین مع الأرش، لأن التعیب بذلک خصوصاً مثل نسیان الصنعة لا یخرج العین عن حقیقتها، وبقبضها العین تدخل فی ضمانها کلاً أو جزءاً أو صفةً).

بل وربما یؤید ذلک ما تقدم من روایتی علی (علیه الصلاة والسلام)، حیث قال:

ص:28

«علیها نصف قیمته یوم دفعه إلیها لا ینظر فی زیادة ولا نقصان»((1))، بتقریب أن کبر الوصیف یوجب زیادة للمرأة، فاللازم إما أن یأخذ الزوج النصف من العین کما تقدم وهو الأصل، أو یأخذ قیمة النصف وقت العقد وهو أسهل الأمرین، ولذا رجحه الإمام (علیه الصلاة والسلام)، ولا ینظر فی زیادة الوصیف، کما لا ینظر فی نقصانه، وإنما للزوج نصف العین، أو یقال: المعیار العین فکل صفة زادت أو نقصت لا تسبب تغییراً فی حکم أن للزوج نصفها.

ومنه یظهر وجه ضعف القول الثالث فی المسألة، وهو التفصیل بأن النقص إن کان من فعلها أو من فعل الله تخیر بین أخذ نصفه ناقصاً وبین تضمینها نصف قیمته، وإن کان قبل أجنبی لم یکن له سبیل علی المهر وضمّنها نصف القیمة یوم قبضه، وهو قول ابن البراج.

ثم إنه لو سبب النقص سقوط القیمة إطلاقاً لم یکن للزوج أکثر من نصفه علی ما تقدم، وهو لیس أکثر من سقوط القیمة بدون النقص، مثل الثلج فی الشتاء والنقد الساقط، من غیر فرق بین أن یکون النقص بفعل الله سبحانه أو بفعلها علی الاحتمال، أو بفعل الزوج، أما إذا کان بفعل الأجنبی فهو ضامن.

ولو سبب النقص زیادة القیمة السوقیة کتخصیة الحیوان حیث تزید قیمته، فهو کما تقدم لیس نصف الزیادة للرجل، بل له بقدر نصف قیمة وقت العقد من العین بالنسبة، أو من القیمة لو تلفت العین، لکن ذلک إذا کانت الزیادة بفعل الله أو فعلها.

ص:29


1- انظر المستدرک: ج2 ص609 الباب 2 من أبواب المهور ح2. والوسائل: ج15 ص44 الباب 32 ح2

أما لو کان بفعل الزوج أو الأجنبی فقد ذکرنا فی کتاب الغصب أنه لفاعل الزیادة، لقوله سبحانه: ﴿أن لیس للإنسان إلاّ ما سعی﴾((1))، ولا وجه لکون زیادة تحصل بفعل إنسان لإنسان آخر، وإن کان ذلک الإنسان الموجب للزیادة غاصباً، فإن الحرمة التکلیفیة لا ینافی الملک وضعاً، لکن المشهور لا یقولون بذلک.

ولو لم یکن النقص موجباً لزیادة قیمة أو نقصان قیمة فالزوج یأخذ النصف المنقوص، نعم إن کان الأجنبی هو الفاعل للنقص یکون فاعلاً للحرام تکلیفاً ولیس علیه شیء وضعاً.

وعلی أی حال، فقد ظهر مما ذکرناه أنا اخترنا فی المسألة قولاً رابعاً، کما أن مناهج المتقین مال إلی قول خامس، حیث قال: (ولو نقصت عین المهر أو صفته مثل عور الدابة أو عرجها أو نسیان الصنعة فقیل إنه یتخیر بین أخذ نصف القیمة وبین أخذ نصف العین من غیر أرش، وقیل یتعین أخذ نصف القیمة، وقیل یتعین أخذ نصف العین مع الأرش، والأجود الأخیر، ولو قیل بلزوم نصف قیمته یوم القبض لإطلاق النص لم یکن بعیداً).

ولا یبعد أنه لو کان نصفان فنقص نصف دون نصف کان له الحق فی النصف الصحیح، لأنه المنصرف من (نصف ما فرضتم).

وعلی أی حال، فهل هی مخیرة بین إعطاء قدر من العین بالنسبة، کما تقدم من مثال عشرة ومائة، وبین إعطاء نصف قیمة یوم العقد، أو أن اللازم إعطاء الأول فقط، أو الثانی فقط، إلاّ إذا وافق الزوج علی غیر الأول أو غیر الثانی، احتمالات:

ص:30


1- سورة النجم: الآیة 39

التخییر، أما بالنسبة إلی العین، فلأنها عین حقه فلیس له الامتناع عن عین حقه بمطالبة قیمتها.

وأما بالنسبة إلی القیمة فلوجوب تجنبه عن حقها بغیر إذنها، وذلک لا یمکن إلاّ باجتناب العین کلها، فللمرأة التخییر بین أن یعطیها هذا أو هذا، بالإضافة إلی روایة علی بن جعفر حیث قال (علیه الصلاة والسلام): «علیها نصف قیمته»، مما یؤید القیمة، فالجمع بینها وبین ما تقدم من دلیل العین یقتضی التخییر، وبهذا ظهر دلیل الاحتمالین الآخرین.

لکن الأقرب هو أن علیها أولاً وبالذات إعطاء نفس العین، لأنها حقه بعد أن ینقص من النصف إلی قدر حقه، ولا وجه للتبدیل إلی القیمة بعد وجود نفس العین، والروایة لم یعلم کونها بصدد تعیین القیمة فی قبال العین، بل لا یبعد کونها فی صدد قدر الحق، لأن المتعارف التحدید بالقیمة فی مثل الأعیان کما یشاهد ذلک فی المواریث وغیرها، فإذا خلف داراً ودکاناً وبستاناً وما أشبه یقال: إن للزوجة کذا دنانیر، وللولد کذا، وهکذا.

ثم لو زاد من حیث الحجم وبقی علی قیمته السابقة، أو نقص من حیث القیمة، کما إذا سمنت الشاة لکن قیمتها بقیت لما کانت حال العقد، أو نقصت عن قیمتها حال العقد، فلا یبعد أن ینقص عن الزوج بقدر الزیادة، لأنها ملک المرأة، فإنه إذا کانت البقرة المساویة لوسق وزناً حال العقد مائة دینار، ثم صارت وسقاً ونصفاً وبقیت علی قیمتها السابقة مائة، کان للزوج ثلث المائة، لأنه لا یملک من البقرة إلاّ بقدر نصف وسق، وهو یعادل ثلث القیمة الآن، لأن مقتضی القاعدة أن یفرض المهر بالنقص الذی حصل له ویقوّم، وللرجل من العین بقدر نصف تلک القیمة.

ص:31

وهکذا إذا کان الفرس حسن الأخلاق وقیمته عند العقد مائة ثم صار سیء الخلق حیث صارت قیمته خمسین، لکنه تعلم المطاردة، من حیث ارتفعت قیمته من الخمسین إلی المائة وخمسین، کان للزوج سدس العین، لأنه نسبة الخمسة والعشرین إلی المائة والخمسین.

ولو سبب فقدان الصفة التی کانت عند العقد زیادة القیمة، وسبب الصفة الجدیدة نقصانها، کما کان الفرس سیء الخلق عند العقد مما سبب تنزل قیمته من المائة قیمة الفرس المتعارف إلی خمسین، ثم فقد سوء الخلق بعد العقد بما صارت قیمته مائة، لکنه عور مما سبب أن ینقص من المائة إلی ثمانین، کان للزوج من العین بقدر خمس وعشرین.

وبذلک یظهر النظر فی قول المسالک، قال فی سادس صوره: (أن یتغیر بالزیادة والنقصان معاً إما بسبب واحد، کما إذا أصدقها عبداً صغیراً فکبر، فإنه نقصان من جهة نقصان القیمة، من جهة أن الصغیر یصلح للقرب من الحرم، وأنه أبعد من الغوائل وأشد تأثراً بالتأدیب والریاضة، وزیادة من جهة أنه أقوی علی الشدائد والأسفار وأحفظ لما یستحفظ. وإما بسببین کما إذا أصدقها عبداً فتعلم سورة ونسی أخری، أو تعلم وأعور، أو کان یحفظه فنسیه وسمن واستوی، فالأمر موقوف هیهنا علی تراضیهما، فإن تراضیا برد النصف فذاک، وأیهما امتنع لم یجبر الآخر علیه، للزیادة علی تقدیر طلب الزوج والنقیصة علی تقدیر طلبها، وحینئذ فیتخیر المرأة بین دفع قیمة النصف مجرداً عن الزیادة والنقیصة، وبین دفع نصف العین مع أرش النقص.

أما الأول: فلأن فیه جمعاً بین الحقین، حیث لم یمکن وصوله إلی العین

ص:32

إلاّ بأخذ حقها فی الزیادة، ولا دفعها إلیه إلاّ بالنقیصة التی لیست العین معها نصف المفروض.

وأما الثانی: فلأنها إذا دفعت نصف العین کانت باذلة للزیادة فیجب علیه قبولها کما مر، وهی عین ما فرض، فتجبر علیها والنقصان ینجبر بالأرش لأنه قیمة الفائت کالتالف، ولیس لها جبر النقص بالزیادة بدون رضاه لاختلاف الحقین).

إذ قد عرفت أن مقتضی القاعدة عدم ضمان المرأة للنقص وأن الزیادة لها فیعتبر المهر وقد نقص بدون زیادة، ثم یعتبر أن الناقص إذا زید علیه کم قیمته ویکون للزوج قدر نصف الناقص من العین، مثلاً کان حال العقد العبد حافظاً للقرآن وقیمته ألف، ثم نسی القرآن فصارت قیمته مائة، ثم حفظ نهج البلاغة فصارت قیمته خمسمائة، فإن للزوج خمسین نصف المائة، ونسبة الخمسین إلی الخمسمائة العُشر فللزوج عُشر العبد.

وقد عرفت الجواب عن أنها کما تضمن تلف الکل تضمن تلف الأبعاض، فإن تلف الأبعاض مع وجود العین الموجب لصدق (ما فرضتم) بعد أن التلف فی ملکها غیر مضمون إلاّ بدلیل وهو مفقود، بخلاف تلف الکل.

کما عرفت الجواب عن قاعدة (الخراج بالضمان).

ومنه یعلم وجه النظر فی کلام القواعد حیث قال: (ولو زادت ونقصت باعتبارین کتعلیم صنعة ونیسان أخری تخیرت فی دفع نصف العین أو نصف القیمة، فإن أوجبنا علیه أخذ العین أجبر علیها وإلاّ تخیر أیضاً).

کما أنه یظهر النظر فی رد الجواهر له حیث قال: (لعل المتجه بناءً علی کلامهم إجباره علی قبولها لو بذلتها بدون أرش، بناءً علی عدم وجوبه له

ص:33

علیها، أو معه بناءً علی وجوبه، نعم یتجه عدم إجباره علی ما سمعته منا من أنه لیس له إلاّ القیمة، بل المتجه حینئذ إجبارها علیها لو طلبها منها) ((1)).

ثم لو نقصت المرأة من المهر بدفع الخطر عنه، کما إذا کان شاة فقطعت لیتها حیث لا تتمکن الشاة مع اللیة الکبیرة من الرعی مما یخشی علیها الموت لمرض أو ما أشبه، لم تکن ضامنة علی أی حال، لأنه لا یزید عن الأمانة قطعاً حیث الأمانة للغیر وهذا لنفس المرأة، فکما لا تضمن فی الأمانة لا تضمن فی المقام.

نعم لا یبعد وحوب إعطائه نصف اللیة المقطوعة إذا أرادها الزوج لأنه نفس نصف العین.

ومنه یعلم حال ما إذا أرکبت المرأة المهر السفینة، فلما أشرفت علی الغرق قذفت ببعضه فی البحر لنجاة البعض الآخر، لما عرفت من المناط.

ولو غصب المهر غاصب ولو الزوج، ثم اقتصت المرأة من ماله، صار ذلک بدلاً عن العین ویکون للزوج نصفه، سواء کانت قیمته بقدر المهر أو أقل، أما إذا کانت أکثر فالزائد للغاصب، إلاّ إذا زاد للترقی السوقی، وکذلک حال بدل الحیلولة.

ثم إن القواعد قال: (لو تعیبت فی یده لم یکن له إلاّ النصف، فإن کان قد دفع أرشاً رجع بنصفه أیضاً)، وهو کما ذکره لما عرفت من أنه إنما یستحق نصف العین، وأما الأرش فلأنه أیضاً من المهر، فله الرجوع إلی نصف المهر المعیب ونصف الأرش.

وما ذکره الجواهر علیه بقوله: (قد یقال إنه یجری علی ما مر من تنزیل العیب منزلة التالف التخییر بین العین والقیمة أیضاً، ولا یعین العین أخذ المرأة لها فإنه لا یجعلها المهر المفروض، ولذا قالوا: إذا تعیب المهر فی یده تخیرت المرأة بین أخذ العین والقیمة

ص:34


1- جواهر الکلام: ج31 ص88

لتلف العین بالتعیب، فإذا رضیت بالعین فلیس لأنه المفروض، بل لأنه عوضه کالقیمة، فللزوج إذا طلقها أن لا یرضی إلاّ بالقیمة).

محل إشکال من نواح متعددة علی ما عرفت.

وکیف کان، فإذا کان التعیب بعد التسلیم بفعلهما معاً، کما إذا کان جهازاً فاستعملاه حتی خلق وتعیب ثم طلقها، لم یکن له إلاّ نفس العین علی أی حال، إذ لا وجه للرجوع إلی القیمة بعد کون المعیب هما معاً فله نصفه، فهو مثل ما إذا عیبه وحده.

ثم إن الشرائع قال: (ولو حصل نماء کاللبن والولد کان للزوجة خاصة، وله نصف ما وقع علیه العقد، ولو أصدقها حیواناً حاملاً کان له النصف منهما).

وهو مقتضی القاعدة، لأن النماء فی الأول حصل فی ملکها، فلا وجه لاشتراک الزوج معها.

أما بالنسبة إلی الحیوان الحامل، فإن الحیوان والحمل کلیهما کان فی ملکه فانتقلا بالمهر إلیها، فإذا طلق کان له النصف منهما.

نعم ینبغی أن یقال: إنه لو أصدقها حیواناً حاملاً فکبر الولد لا یکون للزوج الاشتراک فی النصف، وإنما فی نصف وقت العقد، وذلک قد یکون ثلث الحیوان أو ربعه أو أقل أو أکثر، علی ما ذکرنا مثله فیما سبق، لأن کبر الولد من الزیادة التی هی ملک للمرأة.

ولو تعیبت الأم بالولادة أو هزلت أو ما أشبه ذلک، فقد عرفت أن استحقاق الزوج إنما هو نصفه فقط.

ویدل علی الحکم بالإضافة إلی القاعدة، موثق عبید بن زرارة، قلت لأبی

ص:35

عبد الله (علیه السلام): رجل تزوج امرأة علی مائة شاة، ثم ساق إلیها الغنم، ثم طلقها قبل أن یدخل بها وقد ولدت الغنم، قال: «إن کانت الغنم حملت عنده رجع بنصفها ونصف أولادها، وإن لم یکن الحمل عنده رجع بنصفها ولم یرجع من الأولاد بشیء»((1)).

وإطلاق الروایة بالنسبة إذا حملت عنده الشامل لما بعد العقد أیضاً کإطلاقها بالنسبة إلی الرجوع إلی نصف الأولاد یجب أن یقید بما ذکرناه، بل لعله لا إطلاق للأمرین لعدم تمامیة مقدمات الحکمة ولو بقرینة العرف.

وفی موثق آخر له، قال له (علیه الصلاة والسلام): رجل تزوج امرأة ومهرها مهراً فساق إلیها غنماً ورقیقاً فولدت عندها فطلقها قبل أن یدخل بها، قال: «إن کان سابق إلیها ما ساق وقد حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها، وإن کن حملن عندها فلا شیء له من الأولاد»((2)).

من غیر فرق بین أن یکون الطلاق وقع فی حال حملهن فیما إذا حملت فی ملکها أو بعد الوضع، فإن الرجل لا حصة له فی الولد.

والمنی تابع، فإذا أمهرها الحیوان ثم أخذ منیه بعد العقد فهو للمرأة، فإذا ربی وصار ولداً بالتزریق ونحوه لا حق للزوج فی أن یقول باشتراکه معها فی الولد، بحجة أن المنی الذی کان فی الشاة حال العقد حاله حال الحمل حال العقد، حیث یشترک الزوج مع المرأة فی الحمل علی ما عرفت.

أما لو کانت البیضة فی الدجاجة قبل العقد، ثم باضت بعد العقد وأفرخت

ص:36


1- الوسائل: ج15 ص34 الباب 34 من أبواب المهور ح1
2- الوسائل: ج15 ص34 الباب 34 من أبواب المهور ح1

فالرجل شریک أیضاً لأنه مثل الحمل حاله، ولیس مثل المنی فی اعتباره کونه جزءاً.

وهل یرجع بنصف اللبن الذی کان فی الضرع فی حال العقد، ونصف الأثمار التی کانت علی الشجر ونصف الطلع، الظاهر ذلک، لإطلاق دلیل الرجوع.

والشرط حال العقد حاله حال المهر، فإذا شرطت علیه مائة فی ضمن العقد أو خیاطةً أو تعلیماً أو ما أشبه کان له نصفها مثلاً أو قیمةً أو عیناً.

ولو شرط علیها نقص الشرط عن المهر، لأن الشرط فی الأول یعد جزءاً، وفی الثانی یعد استثناءً، فدلیل التنصیف یشمله.

ثم قال الشرائع ممزوجاً مع الجواهر: (ولو أصدقها تعلیم صناعة ثم طلقها قبل الدخول کان لها علیه نصف أجرة تعلیمها بتعذر المهر حینئذ فی یده، إذ لیس للصنعة نصف فیکون کالتالف فی یده الذی یرجع فیه إلی القیمة التی هی هنا الأجرة، ولو کان علمها قبل الطلاق رجع بنصف الأجرة لتعذر رجوعه بعین ما فرض فیکون بمنزلة التالف فی یدها کما هو واضح).

لکن فی إطلاقها تأملاً، لأنه ربما یکون للصنعة نصف عرفی باعتبار العمل أو الزمان، کما إذا رأی العرف أن صنعة السیارة نصفان، أو کان الاعتبار العرفی یقتضی أن التعلیم الذی جعل مهراً عبارة عن تعلیم یومین، فإنه من الممکن تعلیم نصف العمل أو یوماً واحداً.

ولو کان الصداق حفر ذراع فی ذراع من الأرض لها ولم یحفرها، أو تبدید سیارة ولم یفعله، کان لها علیه فعل نصفها.

أما إذا کان حفر بئر حیث تختلف صعوبة حفر التحت عن الفوق، أو تبدید

ص:37

النصف الأول عن النصف الثانی فی باب الصنعة اعتبر الأمر بالنسبة، فربما لزم حفر ثلاثه أرباع البئر، حیث إن الربع الأخیر یعادل فی الصعوبة صعوبة حفر الثلاثة الأرباع، وکذلک تکون الصعوبة بتبدید الیومین الأولین فیما إذا احتاج إلی ثلاثة أیام بقدر صعوبة الیوم الأخیر، مثلاً کان تبدید السیارة یحتاج إلی ثلاثة أیام من العمل فی الیومین الأولین یبدد النصف فقط، وفی الیوم الثالث یبدد النصف الثانی، فإن اللازم علیه أن یبدد یومین لأنه نصف المهر حسب الفرض.

أما إذا حفر الذراعین فی المثال الأول وسلمه إلیها، فهل له أن یملأ بقدر ذراع، ویکون ذلک استرجاعاً لنصف المهر، أم لیس له ذلک، وإنما له استرجاع نصف الأجرة أو نصف القیمة، احتمالان.

ولو قلنا بتعین استرجاع نصف الثمن فهل یسترجع نصف الأجرة أو نصف القیمة إذا اختلف الأمران، الظاهر نصف القیمة لأنه نصف الصداق المأمور باسترجاع نصفه.

وبذلک یظهر أن إطلاق قولهم رجع بنصف الأجرة، یجب أن یقید بما ذکرناه.

ومنه یعلم حال ما إذا کان المهر أن یأتی لها بالماء من النهر أو بالخشب من الغابة أو بالصید من البحر أو بالملح من المعدن أو بالتراب من أرض بعیدة هناک أو ما أشبه ذلک ففعل، فإذا تلف فله نصف القیمة لا نصف الأجرة علی تقدیر تفاوتهما، لکن المسألة بعد بحاجة إلی التأمل.

ثم إن الشرائع قال ممزوجاً مع الجواهر: (ولو کان تعلیم سورة، قیل والقائل الشیخ فی محکی خلافه ومبسوطه: یعلمها النصف لکونه أمراً ممکناً فی نفسه، لکن لما صار الزوج أجنبیاً ینبغی أن یعلمها ذلک من وراء حجاب، بناءً علی جواز سماع صوتها مطلقاً أو للضرورة، ولم یکن ثم خوف فتنة وخلوة محرمة،

ص:38

والاعتبار فی النصف بالحروف، ولکن فیه تردد، ینشأ من التردد فی حرمة سماع صوتها، وإن کان الأقوی جوازه، ومن اختلاف الألفاظ سهولة وصعوبة فلا یتعین النصف، وقد یقال: إن ذلک لا یمنع معرفة النصف عرفاً).

والظاهر أن مسألة حرمة سماع الصوت وعدم الحرمة غیر مرتبط بما نحن فیه، لعدم الإشکال فی جواز سماع المرأة صوت الرجل الأجنبی، ولهذا تعارف صعود النبی (صلی الله علیه وآله) والوصی (علیه السلام) وسائر الأئمه (علیهم السلام) وغیرهم المنابر مع حضور النساء فی المجلس، والسیرة مستمرة إلی الیوم، وکأنهم لاحظوا أن الأمر یحتاج إلی التردید بین الرجل والمرأة ولذا ذکروا ذلک، فهی مسألة أجنبیة عما نحن فیه.

کما أن الظاهر أن النصف هو أمر عرفی، والاعتبار بالعرف لا بالحروف وما أشبه.

ثم إذا کان المهر تعلیمه بنفسه لها وجب تعلیمه لها، وإن کان المهر الأعم جاز أن یعلمها بنفسه وأن یعلمها بسبب معلم، فما عن کشف اللثام وغیره إذا لم یمکن التعلیم إلاّ بالخلوة المحرمة أو مع خوف الفتنة فالرجوع بنفس الأجرة قطعاً، محل نظر فی إطلاقه.

ولذا أشکل علیه الجواهر، بأنه قد یقال بوجوب استیجار من یعلمها ممن لا یحصل معه جهة محرمة مع إمکانه إذا لم یکن قد اشترط علیه المباشرة، ثم إنه یمکن ما ذکر فیما صارت محرماً له بالرضاع ونحوه.

ولو تعلمت السورة قبل تعلیم الزوج لها، فإن نسیتها صح تعلیمها لها مهراً، وإن لم تنسها علّمها الزوج نصف مثلها إن کان لها مثل عرفی، وإلاّ أعطاها نصف الأجرة.

والظاهر صحة تعلیم النصف الأول أو الأخیر، لأن کل واحد منهما نصف، أما

ص:39

تعلیم آیة دون آیة بقدر النصف فهو خارج عن منصرف النصف.

ولو کان المهر التحفیظ وجب، ویلزم بالطلاق تحفیظ النصف لا نصف التحفیظ، فإذا احتاج حفظها إلی عشر مرات من الإقراء لم یکف الخمس لکل السورة، لانصراف النصف إلی ما ذکرناه.

ولو قالت الزوجة المسلمة: کان مهرها خمراً أو خنزیراً لعدم مبالاتنا، وبعد الطلاق لا یستحق منی شیئاً، والزوج میت أو مجنون مثلاً، فهل یقبل قولها باعتبار إقرار العقلاء فإنه إقرار فی عدم استحقاقها شیئاً، أو لا یقبل، حیث إنه إقرار فی حق الغیر لإرادته حرمان الزوج من نصف الصداق، احتمالان.

وحیث إن غالب إقرار ما له علیه أیضاً وما علیه له أیضاً  کان المتبع مصب الإقرار لا مآله، وبالمصب یعین أنه له أو علیه، فیؤخذ بما علیه ولا یؤخذ بما له، فإذا أخذ بما علیه تبعه ما له، وإذا لم یؤخذ بما له لم یتبعه ما علیه.

مثلاً إذا اعترفت بأنه لاط بولد، فإن مصبه علیه بحیث تحرم علیه أمه وبنته وأخته، وإن کان مآله له حیث إنه إذا تزوج بإحدی الثلاث بعد الإقرار وجعل مهرها أکثر من مهر المثل کان علیه أن یعطی الأقل إذا دخل بها، ولم تجب علیه النفقة ولم ترت المرأة إرثه إذا مات، إلی غیر ذلک.

وکذا إذا تزوج امرأة فوجدها حبلی وقالت: إنها زنت، حیث إن إقرارها بالزنا علیها، إذ یجب علیها الحد مثلاً، لکن نحتمل کذبها بأنها حملت من متعة أو دائم، حیث یصح نکاحها فی حال الحمل إذا کان الحمل عن زنا، وکان اقرارها لها من ناحیة وعلیها من ناحیة ثانیة، إلی غیر ذلک من أمثلة الإقرار الجامعة بین له وعلیه مما یلاحظ أیهما مصبه لا مآله.

ص:40

وعلیه فإن اللازم فی اعترافها بأن الصداق ما لا یملک قبول قولها، وإن کان مآله لها، نعم المسألة بعدُ بحاجة إلی التأمل.

هذا وربما یشکل فی مثل اعترافها بأنها حملت من الزنا، لأن کونهن مصدقات إنما هو فی الجائز دون الحرام، وإن أمکن رده بأنها حیث کانت ذات ید علی نفسها کان اللازم قبول إقرارها حتی فی الحرام، فهو کما إذا اعترف الرجل بأنه زنی بالعمة والخالة حیث یصدق فی حرمة بنتهما له مما یستلزم عدم النفقة بالنسبة إلی بنتهما لو زوجهما بعد الأقرار، وبالنسبة إلی التزویج بالخامسة مثلاً، إلی غیر ذلک، وحیث إن محل البحث مکان آخر نکتفی منه بهذا القدر.

ثم إنه لو سبب زرع الزوجة الأرض التی هی مهر لها أو حمل الشاة کذلک نقصاً فیهما من جهة العین أو القیمة، لم تضمن الزوجة علی ما عرفت، وإنما للزوج بعد الطلاق النصف فقط.

والعلامة جعل الحمل زیادة ونقیصة حیث قال: (وحمل الأمة زیادة من وجه ونقصان من آخر، وفی البهیمة زیادة محضة إلاّ إذا أثر فی إفساد اللحم، والزرع للأرض نقص)، ثم قال: (والطلاق مقتضی لملک الزوج لا أن یملک باختیاره، فلو زاد بعد الطلاق قبل الاختیار فله نصف الزیادة) انتهی، وهو کما ذکره.

لکن الظاهر أنه إنما تکون الزیادة للزوج إذا لم تکن بفعل المرأة أو الأجنبی، وإلاّ فهی لفاعل الزیادة لما سبق من أن مقتضی أن سعی کل إنسان له الإطلاق حتی فی الغاصب.

ثم لو أعرض الزوج عن نصفه بدون أن یهبه للمرأة، فهو من المباحات لمن سبق إلیه، من زوجة أو غیرها، لقاعدة «من سبق» بعد دلیل أن الإعراض یوجب إلحاق

ص:41

الملک بالمباحات کما ذکرناه فی کتاب إحیاء الموات وغیره.

وکذلک إذا أعرضت الزوجة عن نصفها.

ولو تسابقت الزوجة والأجنبی إلی قبض نصف الزوج الذی أعرض عنه کان لمن سبق إلیه منهما، وإن قلنا بأن تصرف الأجنبی فی المشاع هکذا حرام، لأنه بدون رضی المرأة المالکة للنصف، وذلک لوضوح أن الحکم التکلیفی بالحرمة لا ینافی الحکم الوضعی بالملک.

بل یحتمل أن إطلاق «من سبق» یشمل مثل ذلک، ویتعارض مع إطلاق حرمة تصرف الإنسان فی مال غیره فیتساقطان ویکون استیلاء الأجنبی علی المشترک بین المباح والمملوک جائزاً.

ومثله لو استولی إنسان علی أرض مباحة بقصد تملک نصفها مشاعاً، فإنه یحق لآخر أن یستولی علی نصفها الآخر المشاع.

إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ص:42

مسألة ١٩ لو وهبت المهر

(مسألة 19): قال فی الشرائع: (لو أبرأته من الصداق ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه).

وفی الجواهر: وفاقاً للمشهور.

وفی الریاض ممزوجاً مع المتن: (ولو أبرأته من جمیع الصداق المسمی لها رجع علیها بنصفه لو طلقها قبل الدخول، وکذا لو وهبته إیاه مطلقاً، قبضته أم لا، إجماعاً فی الأخیر کما عن المبسوط والخلاف، وعلی الأظهر الأشهر فیهما، بل کاد أن یکون إجماعاً).

أقول: ما ذکره المشهور هو مقتضی القاعدة، لأن المرأة حین الإبراء کانت مالکة لجمیع المهر ملکاً تاماً، عیناً کانت أو دیناً، فأبرأته أو وهبته، وما یرجع إلیه بالطلاق ملک جدید، ولهذا کان نماؤه لها، فإن تصرف فیها بالإبراء أو الهبة للزوج أو لغیره کان ذلک بمنزلة الإتلاف فیرجع الزوج إلیها بنصفه.

وقد خالف فی ذلک المبسوط والقواعد والجواهر، فاحتملوا العدم فی صورة الإبراء، لأنها لم تأخذه منه مالاً ولا نقلت إلیه الصداق، لأن الإبراء إسقاط لا تملیک ولا أتلفت علیه، قالوا: کما لو رجع الشاهدان بدین شهدا علیه فی ذمة زید لعمرو بعد حکم الحاکم علیه وقبل الاستیفاء، وکان قد أبرأ المشهود علیه، فإنه لا یرجع علی الشاهدین بشیء، ولو کان الإبراء إتلافاً علی من فی ذمته لغرما له.

لکن قد عرفت أن مقتضی القاعدة هو المشهور، ویدل علیه بالإضافة إلی القاعدة بعض الروایات:

فعن هشام بن عبد ربه، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة علی ألف درهم فبعث بها إلیها فردتها علیه ووهبتها له، وقالت: أنا فیک أرغب منی فی هذه الألف هی لک، فتقبلها منها ثم طلقها قبل أن یدخل بها، قال: «لا شیء لها

ص:43

وترد علیه خمسمائة درهم»((1)).

وعن سماعة، قال: سألته عن رجل تزوج جاریة أو تمتع بها ثم جعلته من صداقها فی حل، أیجوز أن یدخل بها قبل أن یعطیها شیئاً، قال: «نعم إذا جعلته فی حل فقد قبضته منه، وإن خلاها قبل أن یدخل بها ردت المرأة علی الزوج نصف الصداق»((2)).

هذا بالإضافة إلی ما فی استدلالهم من الإشکال لوضوح الفرق، فإن حق المهر ثابت حال الإبراء فی ذمة الزوج ظاهراً وباطناً، فإسقاط الحق بعد ثبوته متحقق، بخلاف مسألة الشاهد فإن الحق لم یکن ثابتاً کذلک فلم یصادف البراءة حقاً یسقط بالإبراء.

ومنه یعرف جواب ما ذکره بعض العامة استدلالاً للقول الثانی بأنها لم تأخذ منه مالاً ولا نقلت إلیه الصداق ولا أتلفته علیه فلا تضمن.

أما الأول: فظاهر.

وأما الثانی: فلاستحالة أن یستحق الإنسان فی ذمة نفسه ولا یتحقق نقله إلیه.

وأما الثالث: فلأنه لم یصدر منها إلاّ إزالة استحقاقها فی ذمته، وهو لیس إتلافاً علیه.

ومما تقدم ظهر حال ما إذا أبرأته من بعض الصداق حیث إن علیها بالطلاق قبل الدخول أن ترد نصف الصداق ویبقی لها أو علیها التفاوت بین النصف وبین القدر المبرء إذا کان تفاوت، مثلاً إذا أبرأته من النصف لم یکن لها شیء ولا علیها شیء، وإذا أبرأته من ثلاثة الأرباع کان علیها إعطاؤه بقدر الربع، وإذا أبرأته من الربع کان لها الربع وهکذا، من غیر فرق فی کل ذلک بین العین والهیئة

ص:44


1- الوسائل: ج15 ص50 الباب 41 من أبواب المهور ح1
2- الوسائل: ج15 ص15 الباب 41 من أبواب امهمرح 2

الاجتماعیة کما فی مصراعی الباب وزوج الخف، کما تقدم الإلماع إلی ذلک.

فلو أبرأته من المصراع والهیئة الاجتماعیة کان علیها إعطاؤه بقدر نصف الهیئة الاجتماعیة مع المصراع.

مثلاً کان کل مصراع ثلاثه والهیئة الاجتماعیة أربعة، بأن کان قیمة المصراعین معاً عشرة، فإنه إذا أبرأته من مصراع وهیئة کان علیها إعطاؤه مصراعاً ودینارین فتخسر دینارین، وإذا أبرأته من مصراع فقط کان علیها مصراع ودیناران فیبقی عندها دیناران، وإذا أبرأته من الهیئة الاجتماعیة فقط کان علیها إعطاؤه المصراعین باستثناء دینار فیهما، حیث تشترک هی مع الزوج بقدر دینار، فله خمسة من ستة قیمة المصراعین ولها واحد، وهکذا.

وإذا کان للجمع نقص، فإذا تفرقا صارت قیمة کل واحد أکثر من قیمة النصف مجتمعاً، مثلاً مهرها أرضین، حیث إنهما إذا اجتمعتا بسند واحد کانت قیمتهما مائة لکل خمسون، وإذا تفرقتا بالسند کانت قیمة کل واحدة ثمانین، لوحظ ذلک أیضاً فی النصف الذی له، سواء فی باب الهبة أو الإبراء أو غیرهما، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ثم إن الشرائع قال: وکذا لو خلعها به أجمع.

وفی المسالک: (لو خلعها بمجموع المهر قبل الدخول، سواء کان عیناً أو دیناً، قال المصنف: یکون حکمه حکم ما لو أبرأته منه قبل الطلاق فیرجع علیها بنصفه مثلاً أو قیمة، لأنه ملکه بالخلع فلم یصادف استحقاقه النصف بالطلاق ووجوده علی ملکها فینتقل إلی عوض النصف، هذا هو الظاهر من عبارة المصنف، وعبارة القواعد صریحة فی ذلک، لأنه شرک فی الحکم بین ما لو وهبته المهر المعین أو أبرأته منه إذا کان دیناً أو

ص:45

خلعها به أجمع وحکم بالرجوع بنصف القیمة).

ثم أشکل فی المسالک فی الخلع بما حاصله: إنه یستلزم انتقال المال إلی الزوج بالطلاق نصفاً وبالخلع کلاً، ولا ترجیح لأحدهما علی الآخر وهو غیر ممکن، إذ العین لیست بقدر عین ونصف عین.

وأجاب عن ذلک بأنه یمکن ترجیح جانب الخلع لسبق سببه وهو البذل وإن توقف تمام الملک علی الطلاق، ویکون کما لو وهبته ولم یقبضه أو دبرته، فقد قیل بسقوط حقه من العین بذلک، وإن کان تمام الملک فی الهبة یتوقف علی القبض، والعتق فی التدبیر علی الوفاة.

ویمکن توجیه رجوعه هنا بنصف القیمة بوجه آخر، وهو أن یجعل هذا الخلع بمنزلة ما لو خلعها علی عین لا یستحق سوی نصفها، فإن الخلع یصح مع جهله ویرجع إلی قیمة النصف أو مثله کما سیأتی، وهنا لما کان انتقال مال الخلع لا یحصل إلاّ بالطلاق وبه یتحقق انتقال النصف إلیه، نزل ذلک منزلة ما لو خلعها علی عین مشترکة بینهما.

وأشکل فی التوجیه الأول بأن ذلک لا یحسم مادة الإشکال، والحکم فی الأمرین ممنوع، والوجه واحد وهو عدم انتقاله عن ملکها بذلک فلا مانع من أخذه العین.

کما أشکل فی التوجیه الثانی بأنه یشکل الحکم بذلک مع علمه بالحال.

وإن کان إشکاله الثانی أهون، حیث إنه یکون کالفضولی إذا قلنا بأن مثله یجری فی الخلع أیضاً، لإطلاق أدلته بعد العرفیة فی الموضوع.

وفی الجواهر بعد أن اتبع المسالک فی الإشکال والجواب، أبطل الخلع قائلاً:

(اللهم إلاّ أن یقال: إنه یبطل خلعاً ویصبح طلاقاً، کما فی کل مقام یظهر فیه فساد الخلع، فیکون ذلک لیس لتقدیم أحدهما علی الآخر مما تواردا علیه، بل لأن

ص:46

ازدحامهما یبطل تأثیرهما فیفسد ما کان البذل رکناً فیه وهو الخلع، بخلاف الطلاق الذی لا مدخلیة له فی ذلک).

أقول: یمکن صحة الطلاق والخلع معاً، والجواب عن الإشکال: إن هذه المرأة مطالبة بنصف المهر للطلاق، وکل المهر للخلع، وحیث لیس عندها کلاهما فاللازم أن یعطی کل المهر ومثل نصفه فی المثلی وقیمة نصفه فی القیمی.

أما إذا خلعها علی نصف المهر فلا إشکال، نعم یأتی الإشکال فیما لو زادت علی نصف المهر فی الخلع مثلاً علی ثلاثه أرباع المهر، حیث یلزم علیها أن تعطی المهر وبقدر ربعه أو قیمة ربعه وهکذا.

وما ذکرناه من الجمع بین الخلع والطلاق بإعطائها کل المهر ونصفه مثلاً أو قیمةً لا إشکال فیه، لأنه کل ما لم تصادف المعاملة عیناً خارجیةً صارت فضولیة أو منتقلة إلی البدل مثلاً أو قیمة.

ومثل الخلع فی الإشکال والجواب فی الجملة ما لو شرط علیها أو شرطت علیه أن مقارن الطلاق یملک تمام المهر بالشرط، لا نصفه بالشرط ونصفه بالطلاق، وهذا الشرط صحیح إذا کان عقلائیاً، سواء کان فی ضمن عقد آخر أو ضمن نفس النکاح، حیث یمکن أن یشترط الرجل علی المرأة حیث یجعلها وکیلاً عنه فی الطلاق عند العقد، ویرید بهذا الشرط الحیلولة دون طلاق نفسها بالوکالة عنه.

ویمکن أن تشترط المرأة للأنفة، بأن یقول الرجل أو أقرباؤه: أکلتی المهر مع أنه طلقک، کما یفعله الأثریاء حیث یهبون المهر للزوج أنفة وترفعاً عن أن یأکلوا المهر من الزوج، إلی غیر ذلک من العلل العقلائیة فی مثل هذا الشرط.

ولو کان الشرط أن بالطلاق یکون المهر کله للأجنبی، فنصف المهر یکون

ص:47

للأجنبی لعدم المحذور، أما النصف الآخر فیعارض فیه سببا الملک، إذ الطلاق سبب ملک الزوج والشرط سبب ملک الأجنبی، ومقتضی القاعدة التنصیف بینهما، ویکون بقدر نصف الصداق مثلاً أو قیمةً لهما أیضاً.

وکذا حال النذر ونحوه.

ولو کان الشرط أن بالطلاق ینتقل نصف المهر الذی للرجل إلی المرأة لم یبعد صحة مثل هذا الشرط، لاقتضاء الطلاق أن یکون نصفه للرجل فالرجل یملک أن یملک، وبالشرط ینقل هذا الحق إلی غیره، وبذلک لا یکون للرجل شیء بالطلاق، فهو کما إذا شرط الرجل فی ضمن عقد لازم أن ینتقل نصفه من المهر إلی أجنبی إذا طلق زوجته.

وما اخترناه فی الخلع اختاره غیر واحد من المتأخرین:

مثلاً قال مناهج المتقین: لو أبرأته من الصداق فیما إذا کان دیناً، أو وهبته إیاه فیما إذا کان عیناً، ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف مثله علیها إن کان مثلیاً، وبنفس قیمته إن کان قیمیاً، وکذا لو خلعها به قبل الدخول.

ومثله قال غیره.

ثم مما تقدم یظهر صحة أن تشترط علیه أن بالطلاق قبل الدخول لا یرجع شیء من المهر إلیه، أو یرجع إلیه ربع المهر مثلاً، سواء کان الشرط فی ضمن عقد النکاح، أو فی ضمن عقد لازم، بناءً علی أن رجوع نصف المهر إلی الزوج بالطلاق قبل الدخول إنما یکون من الحقوق لا من الأحکام غیر القابلة للإسقاط بالشرط ونحوه، ولیس ذلک ببعید، لأن الأمور المالیة ینصرف منها الحق لا الحکم إلاّ إذا کان هناک دلیل خاص مثل الإرث، حیث لا یصح شرط عدم إرث الولد مثلاً أو سائر الأقرباء فی عقد لازم.

ص:48

مسألة ٢٠ إذا أعطاها عوضا عن المهر

(مسألة 20): قال فی الشرائع ممزوجاً مع الجواهر: (إذا أعطاها عوضاً عن المهر عبداً آبقاً وشیئاً آخر، ثم طلقها قبل الدخول، کان له الرجوع بنصف المسمی الذی هو المفروض دون العوض بلا خلاف ولا إشکال).

أقول: ویدل علیه روایة فضیل بن یسار التی رواها الکافی والشیخ والمفید (رحمهم الله)، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزویج امرأة بألف درهم فأعطاها عبداً آبقاً وبرداً حبرة بالألف التی أصدقها، فقال: «إذا رضیت بالعبد وکانت قد عرفته فلا بأس إذا هی قبضت الثوب ورضیت بالعبد»، قلت: فإن طلقها قبل أن یدخل بها، قال: «لا مهر لها وترد علیه خمسمائة درهم ویکون العبد لها»((1)).

وعن دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام)، أنه قال: «من تزوج امرأة علی ألف درهم فأعطاها بها عبداً آبقاً یعنی فی حال إباقه قد عرفته وثوب حبرة فیدفعه إلیها فرضیت بذلک فلا بأس إذا قبضت الثوب ورضیت العبد، فإن طلقها قبل أن یدخل بها ردت علیه خمسمائة درهم ویکون العبد لها متی أصابته أخذته».

وعن الصدوق فی المقنع قریب منه((2)).

وحیث إن الحکم علی طبق القاعدة، بالإضافة إلی المناط فی الروایة، لا فرق فی ذلک بین أن یکون عوض المهر ما ذکر أو متاعاً أو عقاراً أو دابةً أو شیئاً آخر، فإنه لیس له حینئذ إلاّ نصف المسمی أو قیمته لا نصف البدل، نعم یمکن أن یستثنی من الإطلاق المذکور ما لو کان الشرط بینهما أنه إن طلقها رجع بنصف البدل، فإن الإطلاق إما منصرف عن ذلک، وإما أن الشرط حاکم.

ص:49


1- الوسائل: ج15 ص35 الباب 24 من أبواب المهور ح1
2- المستدرک: ج2 ص609 الباب 21 ح1

بل وکذلک حال ما إذا أعطاها المهر المعین مثلاً بشرط أن یکون ترد نصف غیره أو الرد باختیار المرأة أو الرجل أو الأجنبی، سواء کان الشرط فی حین العقد أو کان الشرط فی حین التبدیل، لأن التبدیل أیضاً نوع معاملة فالشرط فیه نافذ.

قال فی المسالک: ولا فرق فی ذلک بین انتقاله بعوض یساوی قیمته أو ینقص أو یزید، ولا بین أنواع الأعواض، لاشتراک الجمیع فی المقتضی وهو خروجه بذلک عن ملکها، کما لو خرج بغیر عوض کالهبة.

ثم إنه لو وقع النکاح علی الکلی فی الذمة أو الکلی فی المعین أو المشاع أو المردد _ علی احتمال صحة المردد تقدم الکلام فیه _ فأعطاها فرداً وفاءً، أو بعض المشاع أو المردد، کان ذلک عین المهر باعتبار تشخیص الکلی ونحوه به، فإذا طلق یلزم رد نصف عینه، ولا یقال إنه کما ورد الروایة فلها رد قدر نصفه ولو من جنس آخر.

والظاهر أن إعطاء الشاة وفاءً عن الدراهم أو العکس یکون من قبیل مورد الروایة لا مما ذکرناه من الکلی ونحوه، فلا فرق فی الحکم بین قصد الوفاء بالجنس المخالف أو قصد التبدیل أو قصد الصلح أو الهبة المعوضة أو ما أشبه.

لکن لا یبعد أنه إذا صدق الوفاء عرفاً علی نفس المعطی لها، کما لو أعطاها المعیب بدل الصحیح أو بالعکس، أو الکبیر بدل الصغیر أو بالعکس، کان علیها رد نصفه بدون الأرش فی المعیب، لأنه عرفاً نصف (ما فرضتم)، ویؤیده ما ورد فی قرض الخبز.

لکن فی الجواهر قال: (بل الظاهر أنه لو دفعه إلیها معیباً ورضیت به فطلقها قبل الدخول کان له نصف المعیب، لکونه المفروض دون الصحیح مع احتماله لأنه المفروض، ولذا کان لها الامتناع عن قبض المعیب وفاءً، ورضاها بالعیب لا یصیره

ص:50

المفروض المنصرف إلی الصحیح).

وفیه: إن الامتناع بمجرده لا یصلح دلیلاً علی أنه لیس بفرد، ولذا إذا کان معجلاً فرضیت به مؤجلاً أو بالعکس لم یخرج ذلک عن الوفاء، وکذا إذا کان المهر المجعول یلزم تسلیمه إلیها أو لأبیها، فسلمه إلی غیر المجعول له حیث لها الامتناع عن التسلم، إلی غیر ذلک من الخصوصیات.

وإذا تلفت عین الصداق حیث یکون الزوج ضامناً أو تعذر الکلی مما سبب رجوعه إلی البدل مثلاً أو قیمةً فالظاهر أنه یکون للصداق فعلیها نصفه لا غیره.

والفرق أن مورد الروایة تبدیل اختیاری وهنا تبدیل قهری، فیصدق أنه الصداق فی المقام دون موردها.

وکذلک الحال إذا لم یؤد إلیها الصداق اختیاراً عصیاناً أو اضطراراً بأن سافر ولم یتمکن من الأداء حیث یجوز لها التقاص، فإن الطلاق قبل الدخول یوجب إعطاءها له نصف ما أخذته تقاصاً.

ومما تقدم یظهر أنه لو أنه أعطاها بعضاً وبدل بعضاً قهراً کان علیها رد نصف کلیهما.

ولو اختلفا فی أن الذی أعطاها هل هو من باب التبدیل أو أنه أصیل کان الأصل مع الثانی، إذ التبدیل بحاجة إلی الدلیل، اللهم إلاّ أن یقال: إنه من باب التنازع مما یحتاج إلی التحالف، فتأمل.

ص:51

مسألة ٢١ شرط خلاف الشرع

(مسألة 21): قال فی الشرائع: (إذا شرط فی العقد ما یخالف المشروع، مثل أن لا یتزوج علیها أو لا یتسری بطل الشرط وصح العقد والمهر).

أقول: الشرط الذی یخالف مقتضی العقد، مثل أن یعقدها علی أن لا یکون أحدهما محرماً للآخر أو لا یکون أحدهما زوجاً للآخر، والذی یخالف الشرع مثل أن یعقدها أن لا تحرم علیه أختها أو بشرط أن تکون بائنة عنه بعد یوم أوما أشبه ذلک، وکلاهما باطل.

أما الأول: فلأن خلاف مقتضی العقد لا یمکن نفوذه مع نفوذ مقتضی العقد، لأنه من التضاد، وکما لا یمکن التضاد فی الأمور الحقیقیة لا یمکن فی الأمور الاعتباریة والانتزاعیة، فلا یمکن أن یکون شیء ملکاً وغیر ملک، أو إنسان زوجاً وغیر زوج، کما لا یمکن أن یکون شیء زوجاً وفرداً، وقریباً وبعیداً بالنسبة إلی شیء واحد، هذا مضافاً إلی أن کل مخالف العقد مخالف للشرع.

وأما الثانی: فلأن الشارع أبطل مثل هذا الشرط أولاً، حیث قرر حرمة أو وجوب ذلک الشیء، فاشتراط أن یشرب الخمر أو یترک الصلاة خلاف الشرع، وخلاف «حلال محمد (صلی الله علیه وآله) حلال إلی یوم القیامة، وحرامه حرام إلی یوم القیامة»((1))، کما أبطله ثانیاً بما دل علی أن الشرط یلزم علی أن لا یکون مخالفاً لأحکام الله تعالی، کما ستأتی بعض روایاته.

ولم یعرف وجه لکلام الحائری حیث جعل الشرط خلاف الشرع مقابلاً للشرط خلاف الکتاب، فقال: (والمراد بالشرط المخالف للمشروع هو الأعم من أن یشترط فعل محرم کشرب الخمر مثلاً، أو یشترط فعلاً مباحاً فعلیاً یکون أمره

ص:52


1- الوسائل: ج18 ص124 الباب 12 من أبواب صفات القاضی ح47

بید الزوج مطلقاً، والمراد بالمباح الفعلی هو أن یکون لدلیل إباحته إطلاق بالنسبة إلی العناوین الطارءة، فی مقابل المباح الاقتضائی الحیثی الذی لا یکون لدلیله إطلاق کذلک، وهذا العنوان غیر عنوان مخالفة الکتاب، إذ المراد بالشرط المخالف للکتاب هو أن یکون مضمون الشرط مخالفاً له، کما إذا اشترط رقیة حر أو توریث أجنبی أو إباحة حرام، وبعبارة أخری یشترط ما ینافی الأحکام المجعولة فی الکتاب، وهذا بخلاف هذا العنوان، فإن المراد بالشرط المخالف للمشروع هو أن یشترط فعل ما یکون محرماً فعلیاً، أو ترک ما یکون واجباً أو مباحاً کذلک).

إذ الشرط المخالف للشرع أعم من اشتراط رقیة حر، أو زوجیة من لیست بزوجة، أو عدم زوجیة من کانت زوجة، أو عدم إباحة الماء، أو عدم استحباب صلاة اللیل، أو عدم کراهة النوم بین الطلوعین، أو شرب الخمر، أو عدم إقامة الصلاة الیومیة، إلی غیر ذلک.

ولو أراد الفرق بأن أحد القسمین من باب عمل خلاف الشرع فعلاً أو ترکاً، والآخر جعل حکم لم یقره الشرع، فذلک لا یخرج عن کونه اصطلاحاً، ولو أرید مثل هذا الاصطلاح لأمکن التقسیم بأکثر من قسمین.

وعلی أی حال، فالفرق بین خلاف مقتضی العقد وخلاف الکتاب والسنة، مع أن الأول نوع من الثانی أیضاً، أن الأول یراه العرف وإن لم یکن شرع، بخلاف الثانی حیث یشخصه الشرع فقط ولا ربط له بالعرف.

ثم إن بعض المحرمات والواجبات له عنوان ثانوی اختیاری کالإفطار فی السفر، وبعضها له عنوان ثانوی اضطراری کشرب الخمر للمضطر، ولا إشکال فی صحة شرط القسم الأول کأن یشترط علیه الإفطار بالسفر، لأن ذلک جائز شرعاً،

ص:53

کما لا إشکال فی عدم صحة القسم الثانی، کاشتراط أن یشرب الخمر بأن یسافر فی مفازة قفراء مع إناء خمر حتی إذا أشرف علی الهلاک شربها من جهة الاضطرار.

فإن الأول لیس خلاف الکتاب والسنة، بخلاف الثانی، ولذا یصح شرط الأول دون الثانی.

ثم إن الشیخ الأنصاری (قدس الله سره) ذکر فی المکاسب فی مقام بیان المیزان لکون الشرط مخالفاً للکتاب وعدم کونه کذلک، ما حاصله: (إن کل حکم من الإیجاب والتحریم والاستحباب والکراهة والإباحة کان فعلیاً حتی فی حال عروض العناوین الطارءة فیکون الشرط المخالف له مخالفاً للکتاب والسنة، وکل حکم لم یکن فعلیاً کذلک، بل کان حیثیاً وغیر ناظر إلی العناوین الطارءة، فلا یکون الشرط المخالف له مخالفاً للکتاب).

وهو میزان وجیه، لکن الحائری (رحمه الله) أشکل علیه بقوله:

(لا یخفی ما فیه من النظر:

أما أولاً: فلأن لازم هذا المیزان أن یکون استثناء الشرط المخالف للکتاب عن عموم دلیل نفوذ الشرط فی الأخبار فی قوة أن یقول الشارع: الشرط نافذ إلاّ إذا استلزم اجتماع ضدین، ضرورة أن الحکم إذا کان ثابتاً وفعلیاً حتی فی حال الاشتراط یلزم من نفوذ الشرط المخالف له اجتماع حکمین متضادین فی زمان واحد، وهذا کما تری یرجع إلی توضیح الواضحات، بل أبده البدیهیات، تعالی شأن الشارع عن ذلک علواً کبیراً.

وأما ثانیاً: فلأن مقتضی ذلک جریان هذا التفصیل فیما إذا اشترط فعل محرم

ص:54

کشرب الخمر مثلاً، بأن یقال: إن شرب الخمر لو کان حراماً فعلیاً حتی فی حال عروض العناوین الطارءة کان اشتراطه مخالفاً للکتاب، وإن لم یکن حراماً فعلیاً کذلک بل حیثیاً لم یکن اشتراطه مخالفاً للکتاب، مع أن الظاهر أن اشترط فعل المحرمات أو ترک الواجبات لا إشکال فی فساده. ودعوی أن المحرمات والواجبات مطلقاً تکون فعلیة حتی فی حال عروض العناوین الطارءة کما تری).

لکن لا یخفی ما فیه، إذ یرد علیه _ بالإضافة إلی النقض بأن مثله یرد علی قولهم: أن لا یکون الشرط مخالفاً لمقتضی العقد، لأنه فی قوة أن یقال: الشرط نافذ إلاّ إذا استلزم اجتماع ضدین، لأنه إذا کان الشرط نافذاً لزم من نفوذه اجتماع ضدین من مقتضی العقد لمکان العقد ولا مقتضاه لمکان الشرط _.

الحل، بأن مراد الشیخ کما هو ظاهر کلامه، أنه إذا علم من الحکم أنه لا یتمکن الشرط من رفعه فلیس الشرط کالاضطرار، وإذا لم یعلم منه ذلک کان الشرط رافعاً له، وأی ربط لهذا الکلام بقوله: (إلاّ إذا استلزم اجتماع ضدین)، إلی آخر کلامه.

ومنه یعرف أن ما ذکره الحائری (رحمه الله) میزاناً بخلاف الکتاب وعدمه إن لم یرجع إلی کلام الشیخ کان محل إشکال، فإنه قال:

(فالمیزان لکون الشرط مخالفاً للکتاب وعدم کونه کذلک، أن یقال: إن کل حکم کان ناشئاً عن الاقتضاء بأن کان عن مصلحة داعیة إلیه کما فی جمیع الواجبات والمحرمات وبعض المباحات فیکون الشرط المخالف له مخالفاً للکتاب والسنة، وکل حکم کان ناشئاً عن اللا اقتضاء کأکثر المباحات، حیث إن عدم المنع من کل من الفعل والترک فیها إنما هو لعدم المقتضی للمنع فی شیء منهما لا لوجود المقتضی لکون الحکم

ص:55

فیهما هو الإباحة، فلا یکون الشرط المخالف له مخالفاً لهما).

ثم إن هذا کله فی میزان کون الشرط مخالفاً للکتاب والسنة.

وأما میزان کون الشرط مخالفاً لمقتضی العقد أم لا فهو واضح، إذ کل ما یراه العرف مخالفاً له ولم یغیره الشارع فهو مخالف، وکل ما لم یکن کذلک فلیس مخالفاً.

فالمرجع فی ذلک إلی العرف، ولذا یری العرف عدم تملک المبیع مخالفاً لمقتضی البیع، بینما لا یری عدم التصرف فیه بنوع خاص من التصرف کهبته أو سکنی غیره أو ما أشبه مخالفاً لمقتضی العقد.

وکذلک یری عدم محرمیة الزوجة مخالفاً للنکاح، بینما یری عدم وطیها غیر مخالف، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

وکیف کان، فسیأتی فی جملة من الروایات أن شرط الله قبل شرطهم، مما یدل علی أن الشرط المخالف للکتاب والسنة غیر نافذ.

أما الحکم فی المسألة التی ذکرها الشرائع من شرط أن لا یتزوج علیها أو لا یتسری، فالظاهر صحة مثل هذا الشرط، لأنه لیس مخالفاً لمقتضی العقد، کما لیس مخالفاً للکتاب والسنة.

أما الأول: فلأن نکاح امرأة أخری وعدم نکاحها لا یرتبط بعقد هذه الامرأة، فهو مثل شرط أن لا یشتری داراً أخری فی عقده اشتراء هذه الدار من البائع.

وأما الثانی: فلأنه لا دلیل علی أن الشارع أراد التزویج والتسری علی کل حال، حتی یکون کالصلاة والصیام مما خلافه خلاف مقتضی الشرع.

ومثل هذین الشرطین فی عدم مخالفته للشرع، شرط أن لا یطأها، أو یطأها أکثر من المعروف، وشرط أن لا یتزوج علیها، وشرط أن یتزوج علیها معینة لها أو مطلقة.

ص:56

أما شرط أن لا یقسم لضرتها فهو شرط خلاف الکتاب، لأنه یرید بهذا الشرط إسقاط حق إنسان آخر، فهو کشرط أن لا ینفق علی الضرة، أو علی واجب النفقة، أو یقطع الرحم، أو یعق الوالدین.

فمثال الجواهر فی عداد أمثلة الشرائع عدم التقسیم للضرة، حیث قال: مثل اشتراط أن لا یتزوج علیها أو لا یتسری أو لا یقسم لضرتها أو لا یمنعها من الخروج من المنزل متی شاءت أو نحو ذلک، محل نظر، إذ هو من حشر غیر المتجانسین فی الحکم.

وکیف کان، فالکلام فی هذه المسألة وأشباهها فی أمرین:

الأول: فی صحة العقد وبطلان الشرط.

الثانی: فی أن ما ذکر من شرط عدم التزویج والتسری هل هو من الشرط الصحیح أو الباطل.

أما الأول: فربما توهم بطلان العقد من جهتین:

الأولی: إن العقد مشروط بالشرط، فإذا انتفی الشرط انتفی المشروط، کما نشاهد من أن انتفاء الوضوء یوجب انتفاء الصلاة، فقد عرفوا الشرط فی الأصول بأنه (ما یلزم من عدمه العدم، ولا یلزم من وجوده الوجود).

والثانیة: إن القصد إنما تعلق بالعقد مقیداً بالشرط، فإذا فسد الشرط انتفی القصد إلی العقد.

وفی کلا الأمرین نظر واضح، إذ المراد بالشرط فی المقام هو الالتزام الضمنی، فالشرط عبارة عن الإلزام والالتزام فی ضمن عقد البیع والنکاح وأمثالهما من سائر العقود، وإذا بطل التزام لم یبطل الالتزام الآخر لعدم الملازمة

ص:57

بینهما، وقوله: إن الشرط إذا انتفی انتفی المشروط، خلط بین الشرط الفقهی والشرط الأصولی، کیف ولو کان المراد بالشرط الأصولی لزم بطلان العقد للتعلیق المبطل بالإجماع ولو مع صحة الشرط.

وأما الثانی: فلأن القصد لم یتعلق بالعقد المقید بالشرط حتی یقال: إن العقود تتبع القصود، بحیث یکون المقصود هو العقد المقید، فإذا انتفی القید انتفی المقید، بل القصد إنما تعلق بالمجموع من العقد والشرط فی عرض واحد علی نحو التزامین، فیکون کل من العقد والشرط مقصوداً بالتبع، فلا یلزم من فساد الشرط انتفاء القصد إلی العقد رأساً ولو تبعاً.

وواضح أن مثل هذا القصد التبعی کاف فی صحة العقد، لأنه العرفی الذی لم یغیره الشارع، بل أیده حیث ذکر الشارع صحة العقد فی جملة من الروایات مع بطلان الشرط.

نعم إذا کان الشرط علی نحو القید ووحدة المطلوب، بأن الرضا والقصد إنما صبا علی شیء واحد لا علی نحو تعدد المطلوب، ویسمی حینئذ بالقید، لا ینبغی الإشکال فی فساد العقد بفساد الشرط، إذ لازم کون اشتراطه علی نحو وحدة المطلوب هو کون المقصود العقد المقید بالشرط المستلزم انتفاء القصد إلیه مع فساد الشرط.

لکن الغالب خلاف ذلک فی المعاملات العرفیة، لأن المعاملات العرفیة جاریة علی نحو تعدد المطلوب، فإذا فقد أحد المطلوبین لم یفقد الآخر.

وأما بطلان الشرط ببطلان العقد، فلأن الشرط لا یلزم إلاّ أن یکون فی ضمن التزام آخر، فحیث یسقط الالتزام الآخر یسقط الالتزام بالشرط.

ص:58

وکیف کان، فیدل علی صحة شرط عدم الزواج وعدم التسری جملة من الروایات، بالإضافة إلی القاعدة.

کخبر محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، فی الرجل یقول لعبده: أعتقک علی أن أزوجک ابنتی، فإن تزوجت أو تسریت علیها فعلیک مائة دینار، فأعتقه علی ذلک وتسری أو تزوج، قال: «علیه شرطه»((1)).

وخبر بُزُرج المروی عن الکافی، قلت لأبی الحسن موسی (علیه السلام) وأنا قائم: جعلنی الله فداک، إن شریکاً لی کانت تحته امرأة فطلقها فبانت منه فأراد مراجعتها فقالت المرأة: لا والله لا أتزوجک أبداً حتی تجعل لله لی علیک أن لا تطلقنی ولا تتزوج علی، قال (علیه السلام): «وقد فعل»، قلت: نعم قد فعل جعلنی الله تعالی فداک، قال: «بئس ما صنع، وما کان یدریه ما یقع فی قلبه فی جوف اللیل أو النهار»، ثم قال: «أما الآن فقل له فلیتم للمرأة شرطها، فإن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال: المسلمون عند شروطهم»((2)).

وخبره الآخر، عن عبد صالح (علیه الصلاة والسلام)، قلت: إن رجلاً من موالیک تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن یرجعها فأبت علیه إلاّ أن یجعل لله علیه أن لا یطلقها ولا یتزوج علیها، فأعطاها ذلک ثم بدا له فی التزویج بعد ذلک فکیف یصنع، قال: «بئس ما صنع، وما کان یدریه ما یقع فی قلبه فی اللیل والنهار، قل له: فلیف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال: المؤمنون عند شروطهم»((3)).

ص:59


1- الوسائل: ج15 ص46 الباب 37 من أبواب المهور ح1
2- انظر الوسائل: ج15 ص30 الباب 20 من أبواب المهور ذیل ح4
3- الوسائل: ج15 ص30 الباب 20 من أبواب المهور ح4

بل ربما یؤید ذلک ما عن حمادة بنت الحسن أخی أبی عبیدة الحذاء، قالت: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل یتزوج امرأة وشرط أن لا یتزوج علیها ورضیت أن ذلک مهرها، قالت: فقال أبو عبد الله (علیه السلام): «هذا شرط فاسد لایکون النکاح إلاّ علی درهم أو درهمین»((1))، فإن الإمام (علیه الصلاة والسلام) إنما أبطل ذلک لمکان المهر لا لمکان الشرط.

بل ویؤیده أیضاً روایة عبد الرحمن بن أبی عبد الله، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یتزوج امرأة ویشترط علیها أن یأتیها إذا شاء وینفق علیها شیئاً مسمی کل شهر، قال: «لا بأس به»((2)).

وکذلک روایة: «أن لا یفتضها»، کما تقدم ویأتی.

إلی غیر ذلک من الشواهد والمؤیدات.

وبذلک یظهر وجه النظر فی روایات المشهور، فإنها علی تقدیر دلالتها لابد وأن تحمل علی ما لا ینافی هذه الطائفة المجوزة، إذ لو أخذنا بروایات المشهور لم یبق للروایات المجوزة إلاّ الطرح، بینما لو أخذنا بالمجوزة أمکن حمل المانعة علی محامل والتی منها استحباب رفع الید عن الشرط، أو کراهة مثل هذا الشرط، وما أشبه ذلک من المحامل الممکنة، لأن الطائفة المجوزة نص والمانعة ظاهر.

هذا والعمدة عدم دلالة روایات المشهور إطلاقاً، فلا حاجة إلی هذا الجمع، فإن ما استدل به المشهور لمذهبهم أو یمکن أن یستدل به لهم، جملة من الروایات:

ص:60


1- الوسائل: ج15 ص39 الباب 20 من أبواب المهور ح1
2- الوسائل: ج15 ص39 الباب 39 من أبواب المهور ح4

مثل خبر محمد بن قیس، عن الباقر (علیه السلام)، فی رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج علیها امرأة أو هجرها أو اتخذ علیها سریة فهی طالق، فقضی فی ذلک: «إن شرط الله قبل شرطکم، فإن شاء وفی لها ما یشترط، وإن شاء أمسکها واتخذ علیها ونکح علیها»((1)).

وروایة زرارة: إن ضریساً کان تحته بنت حمران بن أعین فجعل لها أن لا یتزوج علیها ولا یتسری أبداً فی حیاتها ولا بعد موتها، علی أن جعلت له هی أن لا تتزوج بعده أبداً، وجعل علیهما من الهدی والحج والبدن وکل مالهما فی المساکین إن لم یف کل واحد منهما لصاحبه، ثم إنه أتی أبا عبد الله (علیه السلام) فذکر له ذلک، فقال: «إن لابنة حمران لحقاً ولن یحملنا ذلک علی أن لا نقول لک الحق، اذهب فتزوج وتسرّ، فإن ذلک لیس بشیء ولیس علیک شیء ولا علیها، ولیس ذلک الذی صنعتما بشیء، فجاء وتسری وولد له بعد ذلک أولاد»((2)).

وخبر ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل قال لامرأته: إن نکحت علیک أو تسریت فهی طالق، قال: «لیس ذلک بشیء، إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال: إن من اشترط شرطاً سوی کتاب الله فلا یجوز ذلک له ولا علیه»((3)).

وروایة منصور بن حازم، المرویة عن أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة حلفت لزوجها بالإعتاق والهدی إن هو مات أن لا تزوج أبداً، ثم بدا لها أن تزوج، فقال: «تبیع مملوکها إنی أخاف علیها

ص:61


1- الوسائل: ج15 ص46 الباب 38 من أبواب المهور ح1
2- الوسائل: ج15 ص29 الباب 20 من أبواب المهور ح2
3- الوسائل: ج15 ص47 الباب 39 من أبواب المهور ح2

السلطان ولیس علیها فی الحق شیء، فإن شاء أن تهدی هدیاً فعلت»((1)).

وروایة الدعائم، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن آبائه، عن علی (علیهم السلام): «إنه قضی فی رجل تزوج امرأة فشرط لأهلها أنه إن تزوج علیها امراة أو اتخذ علیها سریه أن المرأة التی یتزوجها طالق والسریة التی یتخذها حرة، قال: فشرط الله عز وجل قبل شرطهم، فإن شاء وفی بوعده، وإن شاء تزوج علیها واتخذ سریة، ولا یطلق علیه امرأة إن تزوجها، ولا تعتق علیه سریة إن اتخذها»((2)).

ویؤید روایة عبید بن زرارة، عن أبیه زرارة، قال: کان الناس بالبصرة یتزوجون سراً فیشترط علیها أن لا آتیک إلاّ نهاراً ولا آتیک باللیل ولا أقسم لک، قال زرارة: وکنت أخاف أن یکون هذا تزویجاً فاسداً، فسألت أبا جعفر (علیه السلام) عن ذلک، فقال: «لا بأس به، یعنی التزویج إلاّ أنه ینبغی أن یکون هذا الشرط بعد النکاح، ولو أنها قالت له بعد هذه الشروط قبل التزویج: نعم، ثم قالت بعد ما تزوجها: إنی لا أرض لا أن تقسم لی وتبیت عندی، فلم یفعل کان آثماً»((3)).

وروایة زرارة، قال: سئل أبو جعفر (علیه السلام) عن النهاریة یشترط علیها عند عقدة النکاح أن یأتیها متی شاء کل شهر وکل جمعة یوماً، ومن النفقة کذا وکذا، قال: «لیس ذلک الشرط بشیء، ومن تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة»((4)).

بل والنصوص المتضمنة لبطلان اشتراط کون ولایة الجماع والطلاق بیدها، مثل ما رواه محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام)، إنه قضی فی رجل تزوج امرأة

ص:62


1- المستدرک: ج2 ص608 الباب 17 من أبواب المهور ح1
2- المستدرک: ج2 ص608 الباب 17 من أبواب المهور ح2
3- الوسائل: ج15 ص48 الباب 39 من أبواب المهور ح2
4- الوسائل: ج15 ص48 الباب 39 من أبواب المهور ح3

وأصدقته هی واشترطت علیه أن بیدها الجماع والطلاق، قال: «خالفت السنة وولیت حقاً لیست بأهله، فقضی أن علیه الصداق وبیده الجماع والطلاق وذلک السنة»((1)).

وعن ابن بکیر، عن بعض أصحابنا، عن أبی عبد الله (علیه الصلاة والسلام) مثله((2)).

وعن محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه الصلاة والسلام) فی روایة أخری ذکر مثله، إلاّ أنه قال: «إن علی الرجل النفقة»((3)).

وإنما قلنا بعدم دلالة هذه الروایات علی قول المشهور، فلأن روایة محمد بن قیس تضمنت إن هو فعل الخلاف فهی طالق، ومن المعلوم أن الطلاق لا یکون بذلک وإنما بالتطلیق، فهو شرط نتیجة وشرط النتیجة فی مثل الطلاق والنکاح فاسد، مثل أن یقول: إذا قمت من النوم أو أکلت فهی زوجتی، أو فهی طالق، أو ما أشبه ذلک.

وروایة زرارة لا دلالة فیها إلاّ علی بطلان مثل هذا التواعد بین الزوجین بعد النکاح، لأنه قال: (کان تحته بنت حمران فجعل لها أن لا یتزوج علیها) إلی آخره، فلا ربط للروایة بالشرط.

وخبر ابن سنان حاله حال خبر محمد بن قیس، حیث قال: (إن نکحت علیک أو تسریت فهی طالق).

کما لا دلالة لروایة منصور بن حازم، لأن الکلام فیها لیس حول الشرط.

ص:63


1- الوسائل: ج15 ص41 الباب 29 من أبواب المهور
2- الوسائل: ج15 ص41 الباب 29 من أبواب المهور
3- الوسائل: ج15 ص41 الباب 29 من أبواب المهور

وإن قیل لها دلالة علی بطلان مثل هذا الحلف، وحیث لا فرق بین الحلف والشرط فلها دلالة علی بطلان مثل هذا الشرط، ولذا قال الإمام (علیه الصلاة والسلام): «تبیع مملوکها حتی لا یکون لها مملوک فیجیرها السلطان بعتق مملوکها وتهدی هدیاً حتی یری السلطان أنها وفت بحلفها»، قلنا: إذا لم یکن الحلف باسم الله سبحانه لم یجب الوفاء والحلف هنا بالعتاق والهدی، ومثل هذا الحلف غیر واجب الوفاء فی مذهب العامة لا فی مذهبنا، فلا ربط للحدیث بالمقام أصلاً لا من جهة الشرط ولا من جهة الحلف.

وخبر الدعائم بالإضافة إلی ظهوره فی أنه وعد، والوعد لا یحب الوفاء به فلیس مما نحن فیه، یرد علیه ما تقدم من کونه من شرط النتیجة، حیث قال: (إن تزوج علیها امرأة أو اتخذ علیها سریة إن المرأة التی یتزوجها طالق والسریة التی یتخذها حرة)، ومن المعلوم أن الطلاق والعتق لا یکون بذلک وإنما بالتطلیق والتحریر.

وأما روایة عبید بن زرارة، فهی دالة علی لزوم الشرط لا علی عدم لزومه، لأن الإمام (علیه الصلاة والسلام) قال ما معناه: إنه إذا کان الشرط بعد صیغة النکاح بأن کان فی ضمن العقد لزم، وإن کان قبل النکاح لم یلزم.

وقد تقدم فی باب المتعة جملة من الروایات المشیرة إلی ذلک، مثل ما عن ابن بکیر قال: قال أبو عبد الله (علیه الصلاة والسلام): «إذا اشترطت علی المرأة شروط المتعة فرضیت به وأوجبت التزویج فاردد علیها شرطک الأول بعد النکاح، فإن أجازته فقد جاز، وإن لم تجزه فلا یجوز علیها ما کان من شرط قبل النکاح»((1)).

وفی روایة أخری، عن عبد الله بن بکیر، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «ما کان

ص:64


1- الوسائل: ج14 ص368 من أبواب المتعة ح1

من شرط قبل النکاح هدمه النکاح، وما کان بعد النکاح فهو جائز»((1)).

وعن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قول الله عزوجل: ﴿ولا جناح علیکم فیما تراضیتم به من بعد الفریضة﴾((2))، فقال: «ما تراضوا به من بعد النکاح فهو جائز، وما کان قبل النکاح فلا یجوز إلاّ برضاها وبشیء یعطیها فترضی به»((3)).

إلی غیر ذلک من الروایات المتقدمة فی بحث المتعة.

وبذلک یظهر وجوب حمل روایة زرارة التی سأل فیها عن أبی جعفر (علیه الصلاة والسلام) عن النهاریة علی کون الشرط قبل عقدة النکاح، وإلاّ لم یمکن الجمع بینها وبین روایة عبید، ولا بینها وبین روایة عبد الرحمن بن أبی عبد الله المتقدمة.

وأما روایة محمد بن قیس حیث فیها: (واشترطت علیه أن بیدها الجماع والطلاق) فوجه البطلان فی ذلک أن الجماع والطلاق بید الرجل حکم شرعی لا حق، حیث قال سبحانه: ﴿الرجال قوامون علی النساء﴾((4)).

وعن النبی (صلی الله علیه وآله): «الطلاق بید من أخذ بالساق».

فشرط أن یکون بیدها خلاف الحکم ولیس خلاف الحق، نعم إذا کان الشرط أنها وکلیة فی طلاق نفسها أو أنها لا تقبل الجماع متی لا ترید مثلاً، فإن ذلک صحیح.

ولذا صح شرط أن لا یفتضها.

والحاصل: إن الشرط فی الروایة یرید تغییر الحکم، ومن المعلوم بطلان مثل هذا الشرط، فهو مثل شرط أن لا یکون الماء مباحاً له، أما إذا کان الشرط ما ذکرناه من الفعل حتی یکون مثل شرط أن لا یشرب

ص:65


1- الوسائل: ج14 ص368 من أبواب المتعة ح2
2- سورة النساء: الآیة 24
3- الوسائل: ج14 ص368 من أبواب المتعة ح3
4- سورة النساء: الآیة 34

الماء صح الشرط لإطلاق «المؤمنون عند شروطهم»((1)).

ومما تقدم علم وجه بطلان الشرط فی صحیح محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام)، «فی الرجل یتزوج المرأة إلی أجل مسمی، فإن جاء بصداقها إلی أجل مسمی فهی امرأته، وإن لم یأت بصراقها فلیس له علیها سبیل، وذلک شرطهم بینهم حین أنکحوه، فقضی للرجل أن بیده بضع امرأته وأحبط شرطهم»((2))، لوضوح أن الشرط انفصال المرأة بغیر طلاق، وقد عرفت أن الطلاق لا یکون فیه شرط النتیجة.

ولذا قال الشرائع: (وکذا _ أی صح العقد والمهر وبطل الشرط خاصة _ لو شرط تسلیم المهر فی أجل، فإن لم یسلمه کان العقد باطلاً، لزم العقد والمهر وبطل الشرط)((3)).

ومما ذکرناه من وجه الجمع بین الطائفتین یظهر وجه النظر فی جملة مما ذکروه من وجه الجمع.

مثلا الجواهر ذکر جملة من الروایات المانعة، ثم ذکر جملة من الروایات المجوزة، ثم قال:

(إلی غیر ذلک مما یدل علی مشروعیة هذا الشرط وعدم کونه مخالفاً للمشروع، اللهم إلاّ أن یحمل ذلک علی التقیة لموافقته العامة کما عن الاستبصار، أو یفرق بین النذر والشرط کما عن الشیخ فی التهذیبین، وإن کان هو کما تری).

ومثله قول الحدائق الذی قدمناه من التحقیق فی هذا المقام، هو أنه لما کانت

ص:66


1- الوسائل: ج15 ص30 الباب 20 من أبواب المهور ح4
2- الوسائل: ج15 ص30 الباب 20 من أبواب المهور ح4
3- شرائع الإسلام: ج2 ص273

الأخبار مختلفة فی ذلک، فالواجب الوقوف علی ما دلت علیه من غیر أن یکون هنا قاعدة یبنی علیها کما ذکروه، وما لم یرد فیه خبر ینبغی التوقف فی الحکم.

إلی غیر ذلک من کلماتهم فی الجمع بین الأخبار المذکورة.

ولعل أبعد الوجوه ما جعله الریاض وجهاً، فإنه بعد أن وافق المشهور علی بطلان شرط أن لا یتزوج ولا یتسری، وذکر بعض الأخبار فی ذلک قال: (وبإزاء هذه الأخبار أخبار أخر شاذة قاصرة الأسانید ومع ذلک فهی مختلفة)، إلی آخر کلامه مما لا یخفی ضعفه.

ولذا قال المامقانی فی جملة کلام له: (لا ریب فی فساد ما إذا اشترط أنه إن تزوج علیها أو تسری فهی طالق، واشترط أن لا یقسم لضرتها، ومن الشرط الصحیح اشتراط أنه إن نکح علیها أو تسری فعلیه کذا، وأما اشتراط أن لا یتزوج علیها أو لا یتسری فقیل بفساده، وفیه تردد).

لکنک قد عرفت أن اشتراط أن لا یتزوج علیها أو لا یتسری صحیح أیضاً.

وکیف کان، فقد ظهر من ذلک الوجه فی الصحیح المروی، قال: «قضی علی (علیه السلام) فی رجل تزوج امرأة وأصدقها واشترطت أن بیدها الجماع والطلاق، قال: خالفت السنة وولت الحق من لیس بأهله، قال: فقضی علی (علیه السلام) أن علی الرجل النفقة وبیده الجماع والطلاق»((1)). إذ المراد من الشرط تغییر الحکم لا تغییر الحق.

وقد عرفت أن تغییر الحکم لا یصح شرطاً مطلقاً حتی بالنسبة إلی المباح.

ثم بعد أن عرفت أنه لو بطل الشرط لم یوجب بطلان العقد، یبقی الکلام فی

ص:67


1- الوسائل: ج15 ص41 الباب 29 من أبواب المهور ح1

أنه هل ینضم إلی المهر مکان الشرط شیء أو ینقص منه شیء باعتبار أنه یعد مرتبطاً بالمهر والنقیصة والزیادة عرفیتان، وحیث إن الشارع لم یغیر ذلک یکون مقتضی القاعدة ذلک أم لا، لمکان الروایات المطلقة التی لم تحکم بتلک الزیادة أو النقیصة مما یظهر منها عدمها، احتمالان.

قال فی المسالک: (ثم إن المشهور بینهم أن المهر أیضاً لا یفسد، بناءً علی وجود المقتضی لصحته، والمانع لیس إلاّ الشرط وهو شیء آخر معه، وفساد أحد الشیئین لا یقتضی فساد الآخر، لما علم من التوسع فی حالة عقد النکاح والمهر، واحتمالهما من الغرر ما لا یحتمله غیرهما، وفی المسألة وجه أو قول بصحة العقد دون المهر، لأن الشرط کالعوض المضاف إلی الصداق، حیث یکون من المرأة أو کجزء من العوض، والصداق مبذول فی مقابلة الجمیع، وبفساد الشرط یفوت بعض العوض والمعوض وقیمته مجهولة، فلا یعلم قدر الصداق فی الأول، ولا نصیب الباقی فی الثانی، فیثبت مهر المثل وهو متجه، إلاّ أن یزید المسمی عنه والشرط لها أو ینقص والشرط علیها فیجب المسمی، لأنه فی الأول قد رضی ببذله مع التزام ترک حق، فمع انتفاء اللزوم یکون الرضا به أولی، ولأنه فی الثانی قد رضیت به مع ترک حق لها فبدونه أولی، ومع ذلک ینبغی احتساب المسمی بمهر المثل وإکماله من غیره حیث یفتقر إلیه باتفاقهما علی تعلیمه فی العقد).

وهنا احتمال ثالث ذکره القواعد، من وجوب مهر المثل علی هذا الاحتمال، لکن لا یبعد النقیصة والضمیمة، لأنه عرفی والشارع أیده فی باب تبعض الصفقة، فإنه نوع منه، وعدم ذکره فی الروایات لا یدل علی العدم، بعد أن الروایات لیست

ص:68

بهذا الصدد فلا مقدمات حکمة فیها حتی توجب الإطلاق.

وإن کان یحتمل رابعاً حقها أو حقه فی الأخذ بالخیار فی المهر، فإن فسخ المهر کان المرجع إلی مهر المثل، وإلاّ فالتتمیم والتنقیص، وقد ذکرنا سابقاً دخول الخیار فی المهر لإطلاق أدلته.

نعم لو دخلت المرأة علی مهر أقل أو دخل الرجل علی مهر أکثر، کان لها الأقل وعلیه الأکثر، لا مهر المثل وذلک لقاعدتی «ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده، وما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده».

ثم لو شرط أن لا یتزوج علیها فتزوج، فهل یبطل النکاح، أو یصح ولها حق فی جبره بالطلاق، وکذلک إذا شرطت علیه أن لا یطلق زوجته الأخری فطلق، فهل لا یصح الطلاق، أو یصح لکن لها جبره بالنکاح من جدید، احتمالان:

من ظاهر «المؤمنون عند شروطهم»((1)) المقتضی للوضع، وهو یقتضی البطلان.

ومن أن مثل هذا الوضع لا یفهم من النص عرفاً، فتبقی مسألة الإجبار حیث إنه حق الشارط، وقد ألمعنا إلی ذلک فیما تقدم.

ولو شک فی البطلان والعدم، کان الأصل عدم البطلان بعد إطلاق أدلة النکاح والطلاق وغیرهما.

ثم إنا وإن ذکرنا صحة شرط أن لا یتزوج علیها أو لا یتسری أو ما أشبه، لکن یمکن أن یقال: بأن ذلک لیس علی إطلاقه، فلا یبعد بطلان شرط أن لا یتزوج إلی آخر عمره، أو لا یدخل بامرأة، أو لا یطلق امرأة، أو لا یتمتع بامرأة، أو ما أشبه ذلک.

ص:69


1- الوسائل: ج15 ص30 الباب 20 من أبواب المهور ح4

وکذا بالنسبة إلی شرطه علیها أن لا تتزوج برجل بعد طلاقه لها أو بعد موته، أو لا یدخل علیها بأن تشترط علیه عند النکاح أن لا یدخل علیها إلی غیر ذلک، وذلک لعدم بعد استفادة العرف من مثل روایات التزویج والدخول والاستمتاع وما أشبه أنها بالنسبة إلی الحالة الکلیة أحکام لا حقوق، فلیست قابلة للتغییر بالشرط، وإن لم أر من ذکر ذلک، والمسألة بحاجة إلی مزید من التتبع والتأمل.

وکذلک حال ما إذا کان الشرط أن لا یعاملا معاملةً أبداً أو ما أشبه، ولعل کل ذلک داخل فی الشروط السفهائیة، فلا یشمله دلیل «المؤمنون عند شروطهم».

ولا بأس بنقل جملة من کلام مناهج المتقین مما قد ألمعنا إلی قطعة منه سابقاً، لما فیه من الفائدة، قال:

(إذا شرط فی العقد ما یخالف المشروع بطل الشرط، وصح العقد والمهر علی الأظهر، ومجمل القول فی الشروط أنها علی أقسام:

فمنها: ما یخل بمقصود النکاح، مثل اشترط أن یطلقها بعد حصول الزوجیة، وهذا قد قیل ببطلانه، نظراً إلی أنه النکاح یقتضی ثبوت الشرط، وثبوت الشرط یقتضی رفع النکاح، وهو فاسد، ولو قیل بالصحة کان حسناً، لأن النکاح یقتضی سلطنتها علی المطالبة بالطلاق ولزوم إیقاعه من الزوج وذلک لا یقتضی رفع النکاح وإنما یقتضیه نفس الطلاق بعد إیقاعه.

ومنها: ما یقتضیه عقد النکاح، مثل أن یشترط أن یقسم لها أو ینفق علیها أو لا تخرج إلاّ بإذنه أو تمکن من نفسها حیث شاء وأنی شاء ونحو ذلک، وهذا لا ریب فی جوازه.

ومنها: ما لا یتعلق به غرض للعقلاء، لا نوعاً ولا شخصاً، وهذا لا ریب فی فساده.

ص:70

ومنها: ما لا یکون فیه شیء من الأوصاف المزبورة، وهو علی قسمین، لأنه إما أن یکون مخالفاً للمشروع أو غیر مخالف، أما الثانی فلا ریب فی صحته، وأما الأول فی فساده، ومنه اشتراط أنه إن تزوج علیها أو تسری فهی طالق، واشتراط أن لا یکون له منعها من الخروج حیث شاءت، واشتراط أن لا یقسم لضرتها، واشتراط تسلیم المهر فی أجل فإن لم یسلم کان العقد باطلاً ونحو ذلک، ومن الشرط الصحیح اشتراطه أنه إن نکح علیها أو تسری فعلیه کذا، وأما اشتراط أن لا یتزوج علیها أو لا یتسری فقیل بفساده، وفیه تردد).

وحیث قد عرفت مواضع الرد والقبول فی کلامه، فلا حاجة إلی التفصیل.

نعم جعله اشتراط أن لا یکون لها منعه من الخروج حیث شاءت من الشرط الباطل محل نظر، اللهم إلاّ أن یکون هناک محذور آخر یوجب بطلان الشرط من فسادها إذا خرجت أو ما أشبه ذلک.

ثم إن قوله: بفساد الشرط الذی لا یتعلق به غرض العقلاء نوعاً ولا شخصاً، هو مقتضی القاعدة فی کلا جانبی الصحة والفساد، فلو کان العقلاء لا یتعلق غرضهم بهذا الشرط، لکن یتعلق غرض هذا الشخص بهذا الشرط غرضاً عقلائیاً صح شرطه، ولو انعکس بأن تعلق به غرض العقلاء، لکن لا یتعلق به غرض هذا الشخص لم یصح.

کما أن الشرط إذا کان حراماً علی هذا، وإن کان حلالاً لغیره یبطل، مثل ما لو شرط ضعیف القلب أن یمارس الریاضة مما یوجب له ضرراً بالغاً.

کما أنه إذا کان حراماً لغیره، حلالاً لهذا صح، کما إذا کان مریضاً شدیداً

ص:71

بمرض یحتاج إلی أکل المحرم کخصی الغنم مثلاً، فاشترط علیه أن یأتی بها لیأکلها أو ما أشبه ذلک فإنه یصح، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ثم إنه لو شک فی أن الشرط الفلانی مخالف لمقتضی العقد أم لا، فإذا انقسم العرف إلی من یراه مخالفاً ومن لا یراه مخالفاً، صح التمسک بإطلاق دلیل الشرط، حیث لم یعلم خروج هذا الشرط عن الإطلاق، ولیس هذا من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة، بل لو لم یتمسک به کان من عدم التمسک بالعام فی فرد لم یعلم خروجه منه.

فإذا قال: أکرم العلماء ولا تکرم الفساق، وشک فی فرد أنه خارج عن الفساق أم لا، کان مقتضی القاعدة تخصیص العام بهذا الفرد أیضاً، فإن عدم التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة، إنما فیما إذا لم یعلم هل أنه فاسق أم لا، ومع ذلک تمسک بالفساق لإدخال هذا الفرد فیه، ولیس المقام کذلک لوضوح أنه شرط وإنما یشک فی أنه هل خرج عن إطلاق الشرط أم لا.

ولو شک فی شرط هل أنه مخالف للکتاب والسنة أم لا، کان مقتضی القاعدة کذلک أیضاً، لأن الشرط المخالف لا یصح ولم یعلم أنه شرط مخالف فیشمله إطلاق «المؤمنون عند شروطهم»((1))، بل لو لم یشمله ذلک شمله کل شیء مطلق حتی یرد فیه نهی.

ومما ذکرنا یعلم أنه لو شرط أن یتزوج بفلانة، ویحتمل أن تکون أخته من الرضاعة جری أصل البراءة ونفذ الشرط ووجب التزویج منها، ولو شرط أن یتزوج بإحداهما ویعلم إجمالاً بأن إحداهما محرمة علیه جری أصل الحرمة، فخلاف

ص:72


1- الوسائل: ج15 ص20 الباب 20 ح4

الکتاب ووفاقه آتیان فی الأصول العملیة أیضاً حسب موازینهما.

کما أن خلاف مقتضی العقد ووفاقه آتیان کذلک.

وإذا علم بأن أحد الشرطین مخالف لمقتضی العقد، وکلاهما محل ابتلائه، لم یصح اشتراط أیهما.

وإذا شک فی مخالفة شرط لمقتضی العقد بعد أن لم یخالف فرضاً صح أن یشترط إلی غیر ذلک.

ثم لا یخفی أن الحکم تابع لواقع الشرط الموافق أو المخالف، فإن زعم أنه موافق وکان مخالفاً کان باطلاً، وإن زعم أنه مخالف وکان موفقاً کان صحیحاً إذا شرط من جهة عدم المبالاة مثلا.

وعلی أی حال، فإذا ظهر الخلاف رتب الأثر من وقت الظهور، وإذا کان لما قبل وقت الظهور أثر أیضاً رتب ذلک الأثر، وهو کما إذا شرطت علیه أن یعطیها کل یوم دیناراً من ماله الفلانی وأعطاها عشرة أیام، ثم ظهر أن المال الفلانی لیس له، حیث یسترجع منها تلک الدنانیر إذا کانت موجودة، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ولو کان الشرط مخالفاً للمشروع فصار موافقاً وبالعکس، کان لکل وقت حکم، مثلاً شرط أن لا یصوم وهو صحیح، حیث الشرط باطل فی حال الصحة، ثم صار مریضاً بحیث صار جائز الصوم والترک _ کما ذکره العروة وغیره من تخیر بعض الناس فی الصیام والإفطار _ لزم الشرط فی حال تخیره إذا کان للشرط إطلاق یشمل کل یوم بمفاده حتی یکون کشروط متعددة، لا ما إذا کان مثل نذر أن لا یدخن حیث قالوا بأنه إذا حنث مرة ارتفع الحکم إطلاقاً فلا حنت بعد ذلک، وقد ذکرنا تفصیله فی کتاب الأصول وکتاب النذر.

ومنه یعلم حال العکس، بأن کان جائز الصیام حیث شرط ثم صار واجب الصیام.

ص:73

ومنه ما لو شرط البیع بالربا حیث کان معدوداً، فصار موزوناً أو بالعکس، لأن الحکم یتبع موضوعه.

وکذلک إذا شرطت أن یتزوج بفلانة فصارت أخت ملوط الزوج، أو حرمت بالرضاع والمصاهرة، أو حلت حیث طلقها زوجها، إلی غیر ذلک.

ص:74

مسألة ٢٢ لو شرط أن لا یفتضها

(مسألة 22): قال فی الشرائع: (ولو شرط أن لا یفتضها لزم الشرط، ولو أذنت بعد ذلک جاز، عملاً بإطلاق الروایة، وقیل: یختص لزوم هذا الشرط بالنکاح المنقطع، وهو تحکم).

أقول: فی المسألة أقوال أربعة:

أحدها: جواز العقد والشرط مطلقاً.

وثانیها: اختصاص لزوم الشرط بالنکاح المنقطع، وبطلانه وبطلان العقد فی الدائم.

وثالثها: بطلان الشرط فیهما وصحة العقد.

ورابعها: بطلان الشرط وصحة العقد فی الدائم، وصحتهما فی المنقطع.

والظاهر هو القول الأول، لإطلاقات «المؤمنون عند شروطهم»((1)) بمختلف الألفاظ التی تقدمت جملة منها فی المسألة السابقة، وبخصوص روایات وردت فی المسألة.

مثل خبر سماعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت له: جاء رجل إلی امرأة فسألها أن تزوجه نفسها، فقالت: أزوجک نفسی علی أن تلتمس منی ما شئت من نظر والتماس، وتنال منی ما ینال الرجل من أهله، إلاّ أنک لا تدخل فرجک فی فرجی، وتلذذ بما شئت فإنی أخاف الفضیحة، قال (علیه السلام): «لیس له منها إلاّ ما اشترطت»((2)).

وخبر إسحاق بن عمار، عنه (علیه السلام) أیضاً، قال: قلت له: رجل تزوج بجاریة عاتق علی أن لا یفتضها ثم أذنت له بعد ذلک، قال (علیه السلام): «إذا أذنت فلا بأس»((3)).

ص:75


1- الوسائل: ج15 ص30 الباب 20 ح4
2- الوسائل: ج15 ص45 الباب 36 من أبواب المهور ح1
3- الوسائل: ج15 ص45 الباب 36 من أبواب المهور ح2

والمراد بالجاریة العاتق الجاریة أول ما أدرکت.

وخبر عمار بن مروان، عن الصادق (علیه السلام)، فی رجل جاء إلی امرأة فسألها أن تزوجه نفسها متعة، فقالت: أزوجک نفسی علی أن تلتمس منی ما شئت من نظر والتماس، وتنال منی ما ینال الرجل من أهله، إلاّ أنک لا تدخل فرجک فی فرجی، وتلذذ بما شئت فإنی أخاف الفضیحة، قال: «لیس له منها إلاّ ما اشترطت»((1)).

ومن ذلک یظهر ضعف الأقوال الأخر، والتی منها الفرق بین المنقطع والدائم، کما تقدم عن الشرائع التصریح به، وإن کان القائل بهذا القول الشیخ فی المحکی من مبسوطه وابن حمزة فی المحکی من وسیلته، بل فی المسالک نسبته إلی جماعة من المتقدمین والمتأخرین، منهم العلامة فی المختلف وولده فی الشرح، وقد ذکر لهذا القول وجوه:

الأول: هو مقتضی الجمع بین الروایات بحمل مطلقها علی مقیدها.

وفیه: عدم التنافی بینهما، فلا حاجة إلی مثل هذا الجمع.

الثانی: إن المقصود الأصلی من النکاح الدائم هو التناسل والتوالد المتوقف علی الدخول، فیکون اشتراط عدم الدخول منافیاً لمقتضی العقد، ولیس کذلک المتعة فیصح مثل هذا الشرط فیها لا فیه.

وفیه: إن ذلک حکمة ولیس بعلة، فلا تتمکن أن تخصص الإطلاقات المذکورة، فإن المقصود الأصلی فی النکاح الدائم وإن کان غالباً هو التناسل، لکنه لیس بمقصود منه دائماً کی یکون اشتراط عدم الدخول من قبیل اشتراط عدم ما یکون من مقتضیات العقد عرفاً حتی یستلزم

ص:76


1- الوسائل: ج14 ص49 الباب 36 من أبواب المتعة ح1

التناقض فی القصد، کیف وإلاّ لزم من اشتراطه بطلان العقد عند من یری بطلانه ببطلان الشرط.

الثالث: إن اشتراط عدم الدخول مخالف لتصریح الکتاب والسنة بأن له الوطی أنی شاء، فیکون اشتراطه خلاف المشروع، والشرط خلاف المشروع باطل.

وفیه: إن ما دل علیه الکتاب من جواز الوطی أنی شاء لیس له إطلاق حتی بالنسبة إلی العناوین الثانویة.

الرابع: إنه لا إطلاق للروایات التی ذکرت، لانصرافها إلی المنقطع خصوصاً بقرینة خوف الفضیحة.

وفیه: إن خوف الفضیحة لا یصلح أن یکون قرینة، لأن ذلک جار فی التی لا ترید أن یظهر علیها الحمل ولو فی الدائم.

الخامس: معارضة ما دل بإطلاقه علی لزوم هذا الشرط فی النکاح الدائم أیضاً بما دل علیه النصوص من فساد اشتراط جعل الوطی والطلاق بید الزوجة، کصحیحة محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «قضی علی (علیه الصلاة والسلام) فی رجل تزوج امرأة وأصدقها واشترطت فی ذلک بیدها الجماع والطلاق، قال (علیه السلام): خالفت السنة وولت الحق من لیس بأهله»((1)).

وعن العیاشی فی تفسیره، عن زرارة، قال: سئل أبو جعفر (علیه السلام) عن الجاریة یشترط علیها عند عقدة النکاح أن یأتیها ما شاءته أو بین کل جمعة أو شهر یوماً ومن النفقة کذا وکذا، قال: «فلیس ذلک الشرط بشیء، من تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة»((2)).

ص:77


1- الوسائل: ج15 ص41 الباب 29 من أبواب المهور ح1
2- المستدرک: ج2 ص610 الباب 30 من أبواب المهور ح1

وعن دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام)، أنه قال: من تزوج امرأة علی أن یأتیها متی شاءت کل شهر أو جمعة، وعلی أن لا ینفق علیها إلاّ شیئاً معلوماً واتفقا علیه، قال (علیه السلام): «الشرط باطل ولها من النفقة والقسمة ما للنساء، والنکاح جائز، فإن شاء أمسکها علی الواجب وإن شاء طلقها، وإن رضیت هی بعد ذلک ما شرط علیها وکرهت الطلاق فالأمر إلیها إذا صالحته، قال الله عز وجل: ﴿وإن امرأة خافت﴾ إلی آخر الآیة»((1)).

وفیه: ما عرفت فی المسالة السابقة من الجواب عن مثل هذه النصوص.

ولذا قال الجواهر عند قول الشرائع (هو تحکم): (ضرورة عدم الفرق بین الدائم والمنقطع فی ذلک، بل ربما کان الوطی فی الأخیر أشد فلاحظه، وخبر إسحاق بن عمار وغیره مطلق، والضعف إن کان منجبر بالشهرة، ولو أن الوطی من مقتضیات النکاح علی وجه یستلزم اشتراط عدمه بطلانه لم یجز نکاح المتعذر وطیها أو وطیه، وهو معلوم الفساد، وإنما الوطی غایة من الغایات، والنصوص المتضمنة لبطلان اشتراط کون ولایة الجماع بیدها وولایة الطلاق کذلک إنما هو لمخالفة نحو قوله تعالی: ﴿الرجال قوامون علی النساء﴾((2))، و«الطلاق بید من أخذ بالساق»، ونحو ذلک، وهو غیر عدم الوطی).

أقول: بل قد ذکرنا فی المسألة السابقة أن المراد إعطاء الولایة ولیست هی أهل الولایة، ولذا صح أن یوکلها فی الطلاق.

ومن بعض الروایات المتقدمة بالإضافة إلی أن الشرط یوجب الحق لا

ص:78


1- المستدرک: ج2 ص610 الباب 30 من أبواب المهور ح2
2- سورة النساء: الآیة 34

الحکم یظهر رد إشکال بعضهم فی جواز الوطی بالإذن علی تقدیر الصحة، مستدلاً بتوقف إباحة البضع علی العقد وعدم کفایة الإذن.

إذ فیه: إنها إذا أسقطت الشرط کان له ذلک، لأن المبیح هو العقد، والشرط کالمانع فمع فرض الإذن یزول المانع، فیبقی المقتضی علی مقتضاه.

بل إنه لو عصی وخالف الشرط لم یکن زانیاً والولد ملحق به.

ومما تقدم یعلم حال ما إذا شرط علیها عدم الوطی ثم أراد النقض أو جعل الوطی بید ثالث.

کما أن خصوصیات الوطی أیضاً منوطة بقدر الشرط، کما أن غیر الوطی من وجوه الاستمتاع حاله حال الوطی، لما تقدم من عموم دلیل الشرط والمناط.

ولو نقض شرطها بدون رضاها فهل علیه المهر، احتمالان.

ولو أذنت مطلقاً لم یکن لها الرجوع، لأنه إسقاط حق، ولا دلیل علی أن الحق یعود، أما لو أذنت فی الجملة فلیس له الخلاف إلی غیر المأذون.

ولا فرق فی کل ذلک بین الوطی قبلاً أو دبراً عند من یجوزه.

ومما تقدم ظهر أنه لا خصوصیة لشرط أن لا یفتضها، بل لو کانت غیر بکر وشرط عدم الدخول بها صح الشرط أیضاً، والدخول إذا حصل أوجب العدة ولیس کالزنا، وإن کان دخولاً محرماً، لأنه کالدخول علی المحرمة أو الحائض أو المعتکفة أو أشبه.

ثم لو قلنا: إن الدخول لا یوجب مهراً بنفسه، فهل یوجب تدارک ضررها فیما إذا أرادت أن تتمتع بعده بإنسان آخر یعطیها المهر مما سبب خسارتها لذلک، لا یبعد ذلک حیث یشمله دلیل «لا ضرر» کما ذکرنا شبه ذلک فی کتاب الغصب، ومنه یعرف حال ما إذا افتضها.

ص:79

ولو أراد الرجل التزویج بالربیبة بعد الأم وقد شرط عدم الدخول بها فی الدوام، حیث لها حق الدخول بها مما سبب الدخول محرمیة الربیبة وعدم إمکان تزویجها، فالظاهر أنه لا شیء علی الأم بإدخاله بها جبراً منها أو إلجاءً أو نحوهما، لأن ذلک لا یعد ضرراً عرفیاً حتی یجب التدارک علی الزوجة، ویأتی فی المقام مثل ما ألمعنا إلیه فی الرضاع المحرم.

ولو شرط أحدهما علی الآخر عدم الدخول فالظاهر أن له الحق فی أن یبیح الدخول کل مرة فی مقابل مال، لأنه حق فیقابل بالمال، وکذا العکس، وکما یصح شرط عدم الدخول یصح شرط عدم الإمناء أو الدخول بغلاف أو نحو ذلک، لوحدة الملاک فی الجمیع وهو شمول دلیل «المؤمنون عند شروطهم».

ولو شرطت أنه إن دخل بها فهی طالق لم یصح، لأن الطلاق لا یقع بنحو شرط النتیجة، أما لو شرطت أن لها کذا من مال الزوج صح، لأن انتقال المال بشرط النتیجة صحیح، والفارق بینهما العرف، بالإضافة إلی الشرع فی مثل عدم صحة الطلاق.

نعم لو شرطت أن یطلقها، فلها حق الإجبار، لأنه شرط الفعل، ولو لم یمکن الإجبار من الحاکم فالظاهر أن لها حق أن تطلق نفسها لا من قبیل التقاص، بل من قبیل إنقاذ الحق بعد عدم إمکان عدول المؤمنین.

ومنه یعلم حکم شرط انتهاء مدة المتعة بالدخول.

ص:80

مسألة ٢٣ لو شرط أن لا یخرجها من بلدها

(مسألة 23): قال فی الشرائع: (إذا شرط أن لا یخرجها من بلدها قیل یلزم وهو المروی).

أقول: هذا القول محکی عن النهایة والمهذب والوسیلة والجامع والنافع وغیرهم، وهو کما ذکره، لعمومات دلیل الوفاء بالشرط وبعض الروایات الخاصة بالمقام.

ففی صحیح أبی العباس، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یتزوج المرأة ویشترط أن لا یخرجها من بلدها، قال: «یفی لها بذلک»، أو قال: «یلزمه ذلک»((1)).

وصحیح جمیل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیهما السلام)، فی الرجل یشتری الجاریة ویشترط لأهلها أن لا یبیع ولا یهب ولا یورث، قال: «یفی بذلک إذا شرط لهم إلاّ المیراث»((2)).

قال محمد: قلت لجمیل: فرجل تزوج امرأة وشرط لها المقام فی بلدها أو بلد معلوم، قال: قد روی أصحابنا عنهم (علیهم السلام): «أن ذلک لها وأنه لا یخرجها إذا شرط ذلک لها»((3)).

وخبر الدعائم، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام)، إنه قال: «ومن تزوج امرأة وشرط المقام بها فی أهلها أو فی بلد معلوم فذلک جائز لهما، والشرط جائز بین المسلمین ما لم یحل حراماً أو یحرم حلالاً»((4)).

هذا بالإضافة إلی إطلاق ما رواه إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبیه (علیهما السلام):

ص:81


1- الوسائل: ج15 ص49 الباب 40 من أبواب المهور ح1
2- الوسائل: ج15 ص49 الباب 40 من أبواب المهور ح3
3- الوسائل: ج15 ص50 الباب 40 من أبواب المهور ح3
4- المستدرک: ج2 ص610 الباب 31 من أبواب المهور ح1

إن علی بن أبی طالب (علیه السلام) کان یقول: «من شرط لامرأته شرطاً فلیف لها به فإن المسلمین عند شروطهم، إلاّ شرطاً حرّم حلالاً أو أحل حراماً»((1)).

وقد نسب الخلاف فی المسألة إلی المبسوط والخلاف والغنیة والسرائر، فقالوا ببطلان الشرط، لأنه مخالف لمقتضی العقد الذی هو استحقاق الاستمتاع بها فی کل زمان ومکان، وحملوا الخبر علی الاستحباب وأن الاستمتاع بها فی کل مکان وزمان حق للزوج بأصل الشرع، فإذا شرط ما یخالفه بطل.

وفیه: منع کلا الدلیلین، لأن استحقاق الاستمتاع بها فی کل زمان ومکان لیس من مقتضی أصل العقد، بل من مقتضی إطلاقه، والشرط یرفع الإطلاق وإن لم یرفع أصل المقتضی، ولو کان هذا الشرط خلاف مقتضی العقد لزم بطلان العقد، لأنه یلزم التناقض بین القصدین فیکون کالعقد بشرط عدم الزوجیة وما أشبه ذلک.

أما ما دل علی کون الاستمتاع بها حق للزوج، فلم یثبت کونه فعلیاً ناظراً إلی العناوین الثانویة حتی یکون شرطاً مخالفاً للمشروع، وعلیه فحمل الروایات علی الاستحباب لا وجه له.

لا یقال: بین «المؤمنون عند شروطهم» وما دل علی الاستمتاع فی کل زمان ومکان عموم من وجه، فیتعارضان فی مورد الکلام، ویتساقطان.

لأنه یقال: بین الأدلة الثانویة والأدلة الأولیة مطلقاً عموم من وجه، وإنما تقدم الأدلة الثانویة علی الأدلة الأولیة لأنها ناظرة إلیها.

هذا بالإضافة إلی أنه لو لم یکن نظر أیضاً فرضاً کان «المؤمنون عند شروطهم»

ص:82


1- الوسائل: ج15 ص50 من أبواب المهور ح4

مقدماً للروایات المزبورة.

ولذا قال فی الجواهر: (لو سلم تعارض عموم «المؤمنون» وعموم ما دل علی الاستمتاع فی کل زمان ومکان من وجه، کان الترجیح للأول ولو للصحیح المزبور، مضافاً إلی ظهور الثانی فی ثبوت ذلک من حیث کونها زوجة فلا ینافی عدمه من حیث الشرط).

ولا فرق فی ذلک بین الدوام والمتعة.

کما لا فرق بین أن یشترط الزوج علیها الإسکان فی مکان غیر مناسب، أو تشترط علیه السکنی فی مکان أکثر من شأنها.

ولکل واحد منهما إسقاط شرطه فی قبال مال أو غیر مال، لأنه حق قابل للإسقاط، فیصح أن یقابل بالمال أیضاً.

ثم إن الجواهر قال: (ومن ذلک یظهر لک أنه لا فرق فی اللزوم بین ذلک وبین اشتراط منزل مخصوص، خلافاً لبعضهم فاقتصر علی خصوص البلد بناءً منه علی مخالفة المسألة للقواعد فیجب الاقتصار علی المتیقن، وفیه مع أنک قد سمعت التصریح به فی خبر ابن أبی عمیر، ما عرفته من جریان المسألة علی العمومات التی لا فرق فیها بین الجمیع کما هو واضح).

وهو کما ذکره.

ومنه یعلم أیضاً أنه یصح أن یشترط علیها عدم السکنی إطلاقاً، فیخصص ذلک عموم ما دل أن علی الزوج السکنی، والشرط متبع إن کان عاماً أو کان خاصاً، کأن تشترط علیه سکناها فی أیام الصیف عند أهلها.

ثم إنه إذا کان الشرط لها وخالفت الزوج لم تکن بذلک ناشزاً ووجبت نفقتها علیه لأنها لیست عاصیة.

ولو شرطت المنقطعة علیه السکنی فلم یسکنها کان لها الحق فی التقاص منه.

ص:83

أما لو شرطت الدائمة السکنی عند أهلها فلم یسکنها وأسکنها فی مکان آخر، فهل لها حق التقاص، احتمالان، من أن السکنی عند غیر أهلها کلا سکنی، ومن أنه سکنی وإن کان علی غیر النحو المطلوب، فهو کما إذا أسکنها فی محل أقل من شأنها حیث لا حق لها فی التقاص، مع احتمال أن یکون لها ذلک حتی فیما إذا أسکنها فی محل أقل من شأنها، کما إذا أطعمها أقل من شأنها حیث لها التقاص ولو بقدر التفاوت.

ثم إن الشرائع قال ممزوجاً مع الجواهر: (وکیف کان، فبناءً علی صحة الشرط المزبور حکی عن الشیخ وجماعة أنه لو شرط لها مهراً إن أخرجها إلی بلاده، وأنقص منه إن لم تخرج معه، فأخرجها إلی بلد الشرک أو أراد إخراجها إلیه لم یجب علیها إجابته بما فی ذلک من الضرر فی الدین، ولذا وجب الهجرة عنها، ولها الزائد الذی قد اشترطه فی العقد لها، وأنه لا یسقط إلاّ بامتناعها، والفرض أن ذلک کان منها بحق، وإن أخرجها إلی بلد الإسلام کان الشرط لازماً، وفیه تردد).

أقول: الأصل فی المسألة حسن علی بن رئاب، عن الکاظم (علیه السلام) قال: سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة علی مائة دینار علی أن تخرج معه إلی بلاده فإن لم تخرج معه فمهرها خمسون دیناراً أرأیت إن لم تخرج معه إلی بلاده، قال: فقال (علیه السلام): «إن أراد أن یخرج بها إلی بلاد الشرک فلا شرط له علیها فی ذلک، ولها مائة دینار التی أصدقها إیاها، وإن أراد أن یخرج بها إلی بلاد الإسلام ودار الإسلام فله ما اشترط علیها، والمسلمون علی شروطهم، ولیس له أن یخرج بها إلی بلاده حتی یؤدی لها صداقها أو ترضی من ذلک بما رضیت به وهو جائز له»((1)).

ص:84


1- الوسائل: ج15 ص49 الباب 40 من أبواب المهور ح2

وهذه الروایة کما تراها لا توافق القواعد، لکن عمل جماعة من الفقهاء العظام بها، وکونها حسنة سنداً یوجب العمل بها لا فی موردها فحسب، وإنما فی أمثال موردها أیضاً، کما إذا أمهرها مائتی دینار علی تقدیر خروجها، ومائة علی تقدیر عدم خروجها.

نعم لو قلنا إنها علی وفق القاعدة لزم التعدی عنها من صحة مهرین علی تقدریرین، مثل أنها إذا سکنت معه فی النجف الأشرف فلها مائتا دینار، وإن لم تسکن إلاّ عند أهلها فی بغداد فلها مائة، ومن لزوم إعطائها المهر الأکثر إن أراد تنفیذ الشرط فی فرد محرم، وإن لم یشمله الشرط، ومن أنه یلزم إعطاؤها المهر ولو بدون الدخول، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

وکیف کان، فالظاهر أنها علی خلاف القاعدة یعمل بها فی مثل موردها، فالقول بأنها علی وفق القاعدة فیتعدی عنها کالقول بعدم العمل بها إطلاقاً حتی فی مثل موردها، محل نظر.

وقد أشکل الطارحون للروایة علیها بأنها تنافی مقتضی الأصول من جهات عدیدة:

الأولی: مجهولیة المهر، حیث جعله مائة علی تقدیر وخمسین علی تقدیر، ومثل ذلک مجهول وموجب للغرر، فیشمله نهی النبی (صلی الله علیه وآله) عن الغرر((1)).

الثانیة: إن الحکم بأن لها مائة دینار إن أراد إخراجها إلی بلاد الشرک، وأنه لا شرط له علیها، بمعنی أنه لا یجب علیها الخروج معه خلاف الشرط الذی وقع علیه العقد، لأن استحقاقها للمائة إنما علق علی الخروج معه إلی بلاده کائنة ما کانت

ص:85


1- الوسائل: ج12 ص266 الباب 12 من أبواب عقد البیع وشروطه ح13

فکیف تستحق المائة مع انتفاء الخروج.

الثالثة: إن الحکم بأنه لیس له أن یخرجها إلی بلاد المسلمین إلاّ بعد أن یعطیها المهر، یشمل بإطلاقه ما لو ذلک بعد الدخول وکانت غیر مطالبة إیاه مع أنه لا یجوز لها الامتناع بعد الدخول ولا یجب علیه إعطاء المهر إلاّ أن تطلبه مع تهیئها للتمکین.

وربما أشکل بإشکال رابع، وهو ضعف الخبر بإبراهیم بن هاشم.

لکن الظاهر أن الإشکال الأول غیر تام، إذ مثل هذا التردید لا یضر، ولیس غرراً ولا جهالةً، وإن لم یقل به المشهور، لأن مثله عرفی فیما لا یوجب تعلیقاً موجباً لإبطال العقد.

کما أن الإشکال الرابع غیر وارد، فإن إبراهیم بن هاشم من مشایخ الإجازة، مما یدل علی أنه فی غایة الصحة.

نعم یبقی الإشکالان الآخران، حیث إنها بهما علی خلاف القاعدة.

أما ما أجابوا به عن الإشکالات الثلاثة الأُوَل حتی یجعلوا الروایة طبق القاعدة فلا یخفی ما فیها.

مثلاً إنهم قالوا: یحتمل کون المهر هو المائة، وإنما اشترط علیها الإبراء إن لم تخرج معه، فلیس فی المهر جهالة أصلاً.

وأما الحکم بأن لها المائة إن أراد إخراجها إلی بلاد الشرک وأنه لا شرط له علیها، فلعله لانصراف الإخراج الذی علق علیه المائة إلی الإخراج الجائز من جهة بعد اشتراطهما ما یخالف المشروع.

وأما الحکم بأنه لیس له أن یخرجها إلی بلاد المسلمین إلاّ أن یعطیها المهر، فیمکن أن یکون حکماً تکلیفیاً محضاً من غیر حکم وضعی، کحق الامتناع لها ولو

ص:86

بعد الدخول وسقط حق امتناعه من إعطاء المهر مع عدم تهیئها للتمکین.

ثم ما عن السرائر من لزوم إطاعة الزوج والخروج معه إلی حیث شاء، غیر ظاهر الوجه، فإن المحرم لا یکون جائزاً بوجوب إطاعة الزوج، فإنه «لا طاعة للمخلوق فی معصیة الخالق»، اللهم إلاّ أن یرید أن الخروج إلی بلاد الشرک مطلقاً لیس محرماً فعلیها إطاعة الزوج.

ثم لا دلیل علی إطلاق الحرمة فیما إذا کان بلد الشرک یمکن أن یقام فیها شعائر الإسلام، کما هو الحال فی کثیر من البلاد التی تسمی بالحرة فی هذا الیوم، حیث یتمکن الإنسان فیها من العمل علی الأحکام الإسلامیة علناً بغیر محذور.

ولا یخفی أن بلاد الشرک أعم من بلاد الإلحاد الذین لا یعترفون بالإله إطلاقاً کبلاد الشیوعیین، فإنهم أسوأ من المشرکین، أو یقال: بأنهم مشرکون لأنهم یشرکون الطبیعة مع الله سبحانه وتعالی.

ومما ذکرنا یظهر وجه النظر فیما ذکره الریاض، حیث قال: (ولیس فیه مخالفة للأصول التی منها لزوم تعیین المهر، وقد تضمن جهالته بالتردد بین الزائد والناقص، ومنها عدم استحقاقها الزائد بإخلالها بالشرط الذی هو الخروج معه إلی بلاده، وقد تضمن استحقاقها إیاه لو أراد إخراجها بلده الذی هو بلد الشرک، بناءً علی ما قررنا من تعلق الشرط بخصوص النقص ووقوع العقد فی الأصل علی الزائد فلا جهالة له فیه من حیث التردد أصلاً، وإنما اللازم من الشرط سقوط النصف منه علی تقدیر الامتناع من الخروج معه إلی بلده، وکان استحقاقها الزائد حینئذ فی محله فی الصورة المفروض فیها ذلک، بناءً علی عدم وجود ما یوجب النقص وهو الامتناع من الخروج معه وإن حصل لکونه بموافقته الشرع کعدمه

ص:87

فکأنها لم تمتنع فلها المهر المضروب لها. وأما إطلاق الحکم فیه بلزوم تسلیمه جمیع المائة لو أراد خروجها إلی بلده فمقید بصورة إرادة الخروج بها قبل الدخول مع امتناعها منه قبل التسلیم، جمعاً بینه وبینما دل علی عدم الوجوب بعده إن امتنعت من التسلیم قبل الاستیفاء، ومطلقاً إن لم تمتنع کما یأتی، فاندفع عنه ما یوجب التردد فی العمل به، کما فی الشرائع أورده کما ارتضاه جماعة).

ثم إنا قد ذکرنا فیما سبق أن للمرأة الامتناع عن الدخول بها _ ولو دخل بها قبل ذلک _ إلاّ بتسلم المهر إذا لم یکن المهر مؤجلاً.

ومما تقدم ظهر حال ما إذا جعل لها مهرین، القلیل إذا کان کذا، والکثیر إذا کان کذا، مثل أن یجعل مهر المتعة عشرة إن جاءت فی اللیالی وخمسة إن جاءت فی النهارات، أو بالعکس کأن قبلت لنفسها المهر القلیل إن جاء الرجل فی اللیالی، والکثیر إن جاء فی النهارات، إلی غیر ذلک من صور تعدد المهر علی تقدیرین، سواء فی المتعة أو فی الدوام، وسواء کان الشرط من جانبه علیها أم من جانبها علیه، وسواء کان الشرط بید أحدهما أو لا یبد أحدهما، مثل کون الشرط إن أخرجتهما الحکومة فلها کذا وإن أبقتهما فلها کذا، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ص:88

مسألة ٢٤ لو طلقها ثم تزوجها فی عدته

(مسألة 24): قال فی الشرائع: (لو طلقها بائناً، ثم تزوجها فی عدته، ثم طلقها قبل الدخول کان لها نصف المهر).

وذلک لشمول إطلاقات الأدلة للفرعین، أی التزویج فی حال العدة، وکذلک کون النصف للطلاق قبل الدخول، وقد خرجت عن الزوجیة الأولی بالطلاق البائن، ولا ینافیه جواز تزویجها فی العدّة باعتبار کونها حقاً له لحرمة مائه فلا نمنعه وإنما نمنع غیره، فإذا تزوجها ثبت المهر حینئذ فی ذمته کغیره من عقود النکاح، وبالطلاق قبل الدخول یعود إلیه نصف ما فرض فی العقد الجدید.

وقد دل علی جواز تزویج الزوج لها فی العدة، متواتر الروایات فی باب المتعة.

مثل ما عن محمد بن مسلم، فی حدیث أنه سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن المتعة، فقال: «إن أراد أن یستقبل أمراً جدیداً فعل ولیس علیها العدة منه، وعلیها من غیره خمس وأربعون لیلة».

وعن ابن أبی عمیر، عمن رواه، قال: «إذا تزوج الرجل المرأة متعةً کان علیها عدة لغیره، فإذا أراد هو أن یتزوجها لم یکن علیها عدة یتزوجها إذا شاء»((1)).

إلی غیرهما من الروایات.

ولا یخفی أنه بالطلاق لا یخرج عن العدة، بزعم أنها مطلقة غیر مدخول بها، لأن حرمتها لم تنهدم بالنکاح الجدید، لإطلاق دلیل الحرمة بالطلاق بعد الدخول الشامل للطلاق الأول، وکذلک إذا کان أولاً متعة ثم دائمةً أو بالعکس أو کلاهما متعةً.

ص:89


1- الوسائل: ج14 ص475 الباب 23 من أبواب المتعة ح3

مسألة ٢٥ لو وهبت المرأة نصف المهر

(مسألة 25): قال فی الشرائع: (لو وهبته نصف مهرها مشاعاً ثم طلقها قبل الدخول فله الباقی، ولم یرجع علیها بشیء، سواء کان المهر دیناً أو عیناً، صرفاً للهبة إلی حقها منه).

لکن فی المسالک إنه بعد أن وجه قول الشرائع قال: (وفی المسأله وجه بأن له نصف الباقی وهو الربع مع ربع بدل الجملة، لأن الهبة وردت علی مطلق النصف فیشیع، وینزل هذا النصف منزلة التالف فلم یبق من الذی فرض سوی نصفه فیأخذ نصفه، کما هو مقتضی الشرکة وبدل الفائت کما لو فات الجمیع، وفیه إن الانتقال إلی البدل مشروط بتعذر العین وهو منتف، ووجه ثالث لتخیره بین أخذ نصف بدل الجملة وترک الباقی، وبین أخذ نصف الباقی وهو الربع مع ربع بدل الجملة لإفضاء الثانی إلی تبعیض حقه وهو ضرر علیه فیجبر بتخیره، هذا إذا کان المهر عیناً، أمّا لو کان دیناً فلیس فیه إلاّ الوجه الذی ذکره المصنف).

أقول: صور المسأله کلاً فی عالم الثبوت سبع:

لأنها إمّا أن تهب له النصف المعین کالنصف الشرقی من الدار، أو المردد کأحدی نصفی الدار الشرقی أو الغربی، أو نصف الکلی فی المعین فالدار کلیة لها نصفان فتهب له فرداً من هذا الکلی، والفرق بین الثانی والثالث إنه لو قلنا بصحة الثانی فذهب أحد النصفین کان منهما لقاعدة العدل، کما إذا لم یعلم أی الدرهمین لأیهما فذهب أحدهما فإنه یذهب منهما معاً بالتساوی، بخلاف الکلی فی المعین حیث إنه کأطنان القصب یذهب من ذی الید.

ثم لو کان الموهوب نصفاً مشاعاً، فله أربعة أقسام:

لأنه إما أن تهب للرجل

ص:90

نصف الرجل، أو نصف المرأة، أو نصف المجموع بالتساوی حتی یکون الموهوب ربع التمام من الرجل وربع التمام من المرأة، أو بالاختلاف مثل ثلث التمام من أحدهما وسدس التمام من الآخر، إلی غیرها من صور الاختلاف.

ومقتضی القاعدة أنها إن قصدت إحدی الصور اتبع حکمها من الصحة، أو الفساد، أو التبعیض صحةً بالنسبة إلی مالها والفساد بالنسبة إلی ماله، وإن لم تقصد فإن کان هناک انصراف کان المنصرف هو المعین، لأن المنصرف هو المرکوز، ف_ ﴿أوفوا بالعقود﴾ یشمله، وإن لم یکن انصراف جرت قاعدة العدل هذا.

ولا یخفی أن قصد ما للرجل وما للمرأة خلاف القاعدة، إذ المال بتمامه للمرأة، فإذا وهب نصفه للأجنبی أو للزوج أو باعت أو أجرت علیه سائر المعاملات اللازمة أو الجائزة، أو تلف أو صار کالتالف، کما ألقی فی البحر ونحوه، یکون الباقی مصداقاً ل_ (نصف ما فرضتم) فاللازم إعطاؤه للرجل، من غیر فرق بین ما کان دیناً أو عیناً کما هو المشهور.

وقصد المرأة أن الموهوب النصف الذی لها أو له أو لهما لا معنی له، إذ لیس فی حال الهبة لها أو له، بل الکل لها، وإنما یملک الرجل بالطلاق نصف الصداق، فهو کما إذا کان شیء له ثم ینتقل بعد موته إلی وارثه حیث لیس الوارث الآن ذا مال حتی یصح أن یقول المورث: إن ثلث المال لی وثلثیه لورثتی الآن، وأن المعاملة تکون علی مالی أو علی مال ورثتی أو علی کلا المالین.

ولذا قال الجواهر بعد نقله کلام القواعد والمسالک: (إن الجمیع کما تری، ضرورة عدم تأتّیها مع فرض بقاء النصف المشاع الذی هو مصداق نصف

ص:91

ما فرضتم، نعم لو کان النصف الموهوب معیناً لا مشاعاً اتجه ذلک کما هو واضح).

ولذا ظهر وجه النظر فی تحقیق الحائری، حیث قال:

(إن هنا بحسب مقام الثبوت صوراً ثلاثاً:

الأولی: أن تهبه النصف المشاع الذی یبقی لها بعد الطلاق، ولا إشکال فی هذه الصورة فی أنه لو طلقها قبل الدخول یکون تمام الباقی له، ولیس له الرجوع علیها بشیء، لأن التلف لم یقع حینئذ فی نصیبه کی یرجع علیها بالمثل أو القیمة.

الثانیة: أن تهبه النصف المشاع الذی ینتقل إلیه بالطلاق قبل الدخول، لا إشکال فی هذه الصورة، لأنه لو طلقها قبل الدخول یکون تمام الباقی لها ویرجع هو علیها بقیمة النصف الموهوب أو مثله، لأن التلف وقع فی نصیبه فله الرجوع إلی المثل أو القیمة.

الثالثة: أن تهبه النصف المشاع من کل، من نصیبها الذی یبقی لها بعد الطلاق ونصیبه الذی ینتقل إلیه بعده، لا إشکال فی هذه الصورة، لأنه لو طلقها قبل الدخول یکون نصف الباقی وهو الربع له ویرجع علیها بقیمة نصفه الآخر أو مثله، لأن التلف فی هذا الفرض وقع فی نصف نصیب کل منهما.

وفی حکم هذه الصورة علی الظاهر ما لو وهبته النصف المشاع من المجموع من دون القصد إلی کونه النصف الذی یبقی لها بعد الطلاق، أو النصف الذی ینتقل إلیه بعده، أو کونه النصف المشاع من کل من النصیبین، وذلک لأن تخصیص الهبة بأحد النصیبین خاصة بلا مخصص، والحکم ببطلانها رأساً لا وجه له فیتعین تعلقها بنصف کل من النصیبین).

ص:92

وعلیه، فلو قصدت أنها تهب الذی للرجل بعد الطلاق بطلت الهبة، إذ لا معنی لهذه الهبة، فهو مثل أن یهب المورّث حق الوارث الذی سیکون له بعد موته، أو یهب الذی یرید بیع داره ثمن الدار قبل أن یبیع الدار، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

وبهذا ظهر وجه النظر فی قول الشرائع المتقدم: (صرفاً للهبة إلی حقها منه)، إذ لا معنی لهذا الصرف فیما إذا لم یکن الأمر محتملاً لصورتین.

وإن تبعه فی ذلک غیر واحد، مثلاً قال فی مناهج المتقین: (لو وهبته نصف مهرها مشاعاً ثم طلقها قبل الدخول فله الباقی ولم یرجع علیها بشیء سواء کان المهر دیناً أو عیناً، صرفاً للهبة إلی حقها منه).

کما أن منه یظهر أنه لا مجال لما ذکره الجواهر بعد ذلک، حیث قال: (وکذا لو خالعته علی النصف، فإنه إن قیدته بالنصف الذی یبقی لها بعد الطلاق فلا کلام، وإن أطلقت انصرف إلی ما تملکه بعد الطلاق، وعلی کل حال إذا تم الخلع ملک الزوج تمام المهر)((1)).

إذ قد عرفت أن الخلع یقع علی النصف ویبقی النصف، فإذا حصل الطلاق رجع النصف الثانی إلی الزوج، ولو قصدت النصف الذی یبقی للزوج بعد الخلع لم یقع خلع کما عرفت من أنه لم تقع هبة إذا قصدت النصف الذی یبقی للزوج بعد الطلاق.

ولو بذلت للخلع ثلاثة أرباع المهر مثلاً، فإنه یرجع إلیها بقدر الربع مثلاً أو قیمة.

إلی غیر ذلک من سائر النسب مما توجب بقاء شیء لها أو شیء علیها،

ص:93


1- جواهر الکلام: ج31 ص105

ومما تقدم یعرف أنه لو تزوجها بدینارین فتلف أحدهما کان له الدینار الآخر إذا طلقها قبل الدخول.

أما لو تزوجها بشاتین مثلاً فماتت إحداهما، فإذا طلقها فالظاهر أن له الشاة الأخری بدون استرداد من أحدهما إذا کانت الموجودة تساوی نصف القیمة للشاتین، ومع رد المرأة النقص إذا ساوت أنقص، وردّ الرجل الزیادة إذا ساوت أزید، وذلک لصدق النصف علی الموجودة وهی أقرب بنظر العرف إلی الأصل من المثل أو القیمة.

ومن ذلک یظهر وجه النظر فی إطلاق ما ذکره الشرائع بقوله: (لو تزوّجها بعبدین فمات أحدهما رجع علیها بنصف الموجود ونصف قیمة المیت).

وإن علله فی المسالک وتبعه الجواهر بقوله: (ضرورة کون ذلک کانتقال أحدهما عن ملکها، لأن التالف علیهما والموجود بینهما وتزلزل ملکهما فی النصف المشاع من کل منهما، إلاّ أنه لما کان ما یرجع إلیه مضموناً علیها وجب الانتقال إلی بدل التالف علیه فی یدها).

فإن هذا التعلیل لا یقف أمام ما ذکرناه من العرفیة، وقد تقدم عدم الفرق بین الهبة له أو للأجنبی أو الموت أو التلف أو إجراء معاملة لازمة أو جائزة علیه، إلی غیر ذلک.

وعلی هذا فإطلاق قول مناهج المتقین: (لو تزوجها وأصدقها شیئین فتلف أحدهما رجع علیها بنصف الموجود ومثل نصف المفقود إن کان مثلیاً، وقیمة نصفه إن کان قیمیاً) محل نظر.

وما ذکرناه من رد الرجل التفاوت إنما یراد به الاشتراک معها فی التفاوت، لا أنه له وإنما علیه إعطاء مثل التفاوت أو قیمته کما هو واضح.

ص:94

ثم إن ما ذکرناه إنما هو فیما إذا کان الشیئان علی سنخ واحد کالشاتین المتماثلتین، أما إذا کانا شیئین کشاة وفرس وتلف أحدهما فالظاهر أن التالف منها والباقی لهما، لأن الأقرب حینئذ المثل أو القیمة، وقد عرفت أن المیزان العرف حسب ما یستفید من قوله سبحانه: ﴿نصف ما فرضتم﴾((1))، ومن الأخبار الواردة فی المقام، أما إذا کان المهر شیئین غیر متشابهین مثل قماش وورق فتلف نصف کل منها فللرجل النصفان الباقیان لصدق ﴿نصف ما فرضتم﴾((2)) علی الباقی.

ومنه یعرف أنه إذا تلف ثلاثة أرباع القماش وربع الورق، أخذ الرجل ثمناً من القماش وثلاثة أثمان من الورق وهو النصف الذی یطلبه، لکن ذلک فیما إذا تساوت قیمتهما مع قیمة نصف المجموع، لکن علی تأمل فی ذلک لاحتمال عدم صدق أنه (نصف ما فرضتم).

أما إذا تفاوتت القیمة بأن کانت قیمة التالف منهما مائة، وقیمة الباقی منهما ثمانین، لم ینفع قطعاً، وإنما اللازم مراعاة القیمة أیضاً، کما أنه إذا کانت قیمة الباقی منهما أکثر من النصف لم یکن له، لأنه لا یطلب إلاّ النصف حجماً وقیمةً.

ولو کان لها دینار وأمهرها دیناراً، ثم تلف أحد الدینارین عندها ولم یعلم أن التالف أیهما وطلقها قبل الدخول، کان اللازم علیها إعطاء نصف الدینار الباقی له لا إعطاء نصف دینار من الخارج.

وکذلک الحال فی شاتین، وإن کانت الشاة قیمیة.

ص:95


1- سورة البقرة: الآیة 237
2- سورة البقرة: الآیة 237

أما إذا کان لها أحد من الشاة والفرس وأمهرها الآخر منهما، ثم نسی أن أیهما المهر وأیهما الذی کان ملکاً قبل ذلک، فتلف أحدهما، فإن اللازم إعطاؤه نصف الباقی بإضافة التفاوت لو کان نصف الباقی أقل من نصف المجموع، وبأخذ التفاوت _ أی بالاشتراک علی ما تقدم _ لو کان نصف الباقی أکثر من نصف المجموع.

وفی جملة من هذه المسائل التی ذکرناها ینبغی التصالح، خصوصاً فیما کان مخالفاً للمشهور.

وقد تقدم الإلماع إلی مسألة التفاوت بین النصفین حجماً وقیمةً، وأن اللازم مراعاة القیمة لا الحجم، لأنها هی مصب نظر العقلاء فی أمثال هذه المقامات، والله سبحانه العالم.

ص:96

مسألة ٢٦ لو شرط الخیار فی النکاح

(مسألة 26): قال فی الشرائع: (لو شرط الخیار فی النکاح بطل، وفیه تردد، منشؤه الالتفات إلی تحقق الزوجیة لوجود المقتضی وارتفاعه عن تطرق الخیار، أو الالتفات إلی عدم الرضا بالعقد لترتبه علی الشرط).

أقول: استدل القائلون ببطلان العقد بأمور، کلها ضعیفة.

مثل: إن التراضی والقصد لم یتعلق بالعقد إلاّ مقیداً بالشرط، فإذا لم یتم الشرط لا یصح العقد لانتفاء القصد إلیه، وفیه: إن الشرط التزام فی التزام کما حقق فی محله، ولذا قالوا بأن الشرط الفاسد لا یفسد.

ومثل: إن هذا الشرط مناف لمقتضی العقد، فیلزم من اشتراطه بطلان العقد، لاستلزامه التناقض فی الإنشاء وفی القصد، وفیه: إن اشترط الخیار إنما یکون منافیاً لمقتضی طبع العقد من الدوام والبقاء فیما إذا أرید من اشتراطه ارتفاع اقتضائه للبقاء والدوام لحصول الفسخ، ولیس کذلک فی صورة شرط الخیار، بل المقصود من العقد هو النکاح الدائم، ولکن أرید رفعه بالفسخ، ورفع الشیء متفرع علی اقتضائه للبقاء، فکیف یمکن أن یکون منافیاً لاقتضائه له.

لا یقال: مقتضی عقد النکاح اللزوم، فعدم اللزوم مناف له.

لأنه یقال: لیس ذلک من مقتضی النکاح، وإلاّ لم یعقل الاختیار فیه، مع أن دخول الاختیار فیه فی باب العیوب وغیرها غیر عزیز.

ومنه یعرف وجه النظر فیما علّله به بعض بأن الدوام مأخوذ فی مفهوم النکاح، فلا یمکن أن یراد بلفظ النکاح معناه مع اشتراط الفسخ.

ومثل: إن النکاح فیه شائبة العبادة التی لا تقبل الخیار، لأن الخیار إنما تدخل فی المعاملات لا فی العبادات.

وفیه: أولاً: إن العبادة یدخل فیها الخیار أیضاً، کما فی الحج إذا شرط (حلّنی حیث حبستنی)، والعبادات المستحبة له الخیار

ص:97

فی إبطالها وإبقائها، بل فی العبادات الواجبة غیر المضیقة أیضاً فیما لم یدل الدلیل علی وجوب المضی، کما فی الحج والصلاة الواجبة.

هذا بالإضافة إلی منع کون النکاح فیه شائبة العبادة، کیف وإلاّ لزم اعتبار قصد القربة فیه، وهذا مما لا یقول به أحد.

ومثل: إن موجبات فسخ النکاح محصورة، ولیس منها اشتراط الخیار، وفیه: إن حصر موجبات فسخ النکاح لغیر هذا الشرط لا یوجب إلاّ مخالفة هذا الشرط للمشروع، وقد تقدم أن فساد الشرط بمخالفته الکتاب والسنة لا یوجب بطلان النکاح.

وکأنه لذا الذی ذکرناه تردد فیه الشرائع، وإن قال فی الجواهر: (إنه غیر متجه، والأولی جعل منشأ التردد فی أن بطلان هذا الشرط لمخالفته مقتضی العقد، أو لکونه غیر مشروع فیکون مخالفاً للکتاب والسنة، فعلی الأول یتجه بطلان العقد دون الثانی).

ولذا الذی ذکرناه ذهب غیر واحد من الفقهاء إلی صحة النکاح وبطلان الشرط، قال فی المسالک بعد نقله عن المشهور بطلان النکاح بشرط الخیار فیه، وخالف فی ذلک ابن إدریس، فحکم بصحة العقد وفساد الشرط، ووجهه ما أشار إلیه من وجود المقتضی لصحة العقد، لاجتماع شرائط الصحة فیه، لأنه الفرض وانتفاء المانع، إذ لیس إلاّ اشترط الخیار فیه، وإذا کان العقد غیر قابل للخیار لغی شرطه وعمل بمقتضی العقد، لأصالة الصحة وعموم ﴿أوفوا بالعقود﴾، کما لو اقترن بغیره من الشروط الفاسدة، فإن کل واحد من العقد والشرط أمر منفک عن الآخر، فلا یلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر.

ص:98

قال: (وبالغ ابن إدریس فی أنه لا دلیل علی البطلان من کتاب ولا سنة ولا إجماع، بل الإجماع علی الصحة، لأنه لم یذهب إلی البطلان أحد من أصحابنا، وإنما هو تخریج المخالفین وفروعهم اختاره الشیخ علی عادته فی الکتاب).

وکذلک ذهب الحدائق إلی صحة النکاح، قال: (مبنی استدلال القائل ببطلان العقد ثبوت القاعدة التی تکررت فی کلامهم من أن العقود بالقصود، والقصد إنما توجه للعقد المقرون بذلک الشرط، وحینئذ یبطل مع بطلان الشرط لعدم القصد المذکور، وفیه: ما نبهنا علیه فی غیر موضع مما تقدم من أن الأخبار الواردة فی هذا المضمار تدفع هذه القاعدة وتبطل ما یترتب علیها من الفائدة لتکاثرها بصحة العقد مع بطلان الشرط فی غیر موضع من الأحکام، وبذلک یظهر لک قوة ما ذهب إلیه ابن إدریس فی هذه المسألة من صحة العقد وبطلان الشرط).

لکن لا یخفی أن إشکاله فی قاعدة العقود تتبع القصود، غیر ظاهر الوجه، بل وجه الصحة ما تقدم من کون العقد المشروط بالشرط الفاسد من باب الالتزام فی الالتزام، وبطلان أحد الالتزامین لا یوجب بطلان الآخر.

وأما أصل أن العقود تتبع القصود فهو تام، لما ذکرناه مکرراً بأنه إذا لم یکن قصد لم یصدق (عقودکم) المستفاد من ﴿أوفوا بالعقود﴾.

وکذلک ذهب الحائری (رحمه الله) إلی صحة العقد قائلاً بعد جملة من کلام له: (وبذلک کله ظهر أن الأقوی فی المسألة ما ذهب إلیه ابن إدریس من صحة العقد وبطلان الشرط من جهة مخالفته للسنة، بناءً علی کون موجبات فسخ النکاح محصورة فی أمور مخصوصة).

نعم لا ینبغی بطلان العقد إذا کان الشرط من باب القید، بأن کان التزام واحد لا التزام فی التزام.

ص:99

ثم لا یخفی أنه لا یدخل فی هذه العقد خیار المجلس والحیوان والرؤیة والغبن والعیب وغیرها من أقسام الخیارات المذکورة فی کتاب المکاسب، باستثناء ما تقدم فی بحث العیوب والتدلیس وتخلف الشرط، وقد أشرنا إلی عدم دخول الخیارات فی العقد هناک.

وقد ذکر عدم دخول خیار المجلس فی العقد مناهج المتقین.

نعم لا إشکال فی من تزوج له فضولةً، زوجاً کان أو زوجة، له أن یرد وأن یقبل، لدلالة النص والإجماع علی ذلک وهو غیر ما نحن فیه.

ثم إذا تزوج بشرط الخیار جاهلاً فی عدم دخوله فیه، فهل لمن جعل له الخیار شیء حسب قیمة الخیار إذا کانت له قیمة عرفیة، مثلاً فی البیع بدون الخیار قیمة البضاعة عشرة، ومع الخیار قیمتها تسعة لمکان الخیار، أم لا، احتمالان، مقتضی العرفیة الأول، وبذلک ینقص ویزید المهر، لکن لم أر بذلک قولاً.

هذا کله بالنسبة إلی دین الإسلام، أما إذا کان فی دین یصح دخول الخیار فیه، وقد جعلا فیه الخیار، أو کان مثل خیار الغبن والعیب یدخل فیه صح لصاحب الخیار أن یأخذ بالخیار لقاعدة الإلزام.

ثم إن الشرائع قال ممزوجاً مع الجواهر: (أما لو اشترط فی المهر صح العقد والمهر والشرط، لکون المهر کالعقد المستقل بنفسه، ومن ثم صح إخلاؤه عنه، فیندرج اشتراط الخیار فیه حینئذ تحت قوله (صلی الله علیه وآله): «المؤمنون عند شروطهم»((1))، نعم یشترط ضبط مدته کغیره من العقود، ولا یقدح إطلاق الأصحاب المعلوم بناؤه علی ذلک، وإن کان ربما احتمل عدم اعتبار ضبطه لذلک، ولأنه یغتفر فیه من

ص:100


1- الوسائل: ج15 ص30 الباب 20 من أبواب المهور ح4

الجهالة ما لا یغتفر فی غیره، لکن المذهب الأول، ولا یتقید بثلاثة، وإن حکی عن الشیخ أنه مثل بها)، وهو کما ذکره.

نعم یحب تقییده بأن لا یکون غرراً، لنهی النبی (صلی الله علیه وآله) عن الغرر((1))، بل «المؤمنون عند شروطهم» أیضاً منصرف عن الغرر.

ومعنی جعل الخیار فی المهر قبوله أو رده، لا تزییده وتنقیصه وتبدیله، لأن هذه الأمور لیست من مقتضیات الخیار، ولا دلیل علی الصحة فی مثل هذه الأمور، فتأمل.

والمهر فی مدة الخیار للمرأة، ولذا یکون لها نماؤه وإن فسخ ذو الخیار بعد ذلک، لأن الخیار لا یوجب عدم الملک کما حقق فی محله.

ثم إذا جعل للخیار مدة واستمر علیه وانقضت مدته لزم، فلا حق له فی الفسخ بعد ذلک.

ولو قال: فسخت قبل انقضاء المدة، فهل یقبل منه، لأن من ملک شیئاً ملک الإقرار به، أو لا یقبل، لأنه لا یملک الآن الفسخ، احتملان، وإن کان لا یبعد الثانی، وإلاّ لصح أن یقول البائع بعد البیع: إنی کنت قد وهبت المبیع قبل البیع لزید أو وقفته أو ما أشبه ذلک، أو تقول الزوجة بعد مضی عشر سنین من النکاح: إنی کنت فی متعة عمرو حیث تزوجت بزوجی هذا، أو یقول الزوج بعد النکاح بها: إنی قد نکحت بأمها قبلها ودخلت بها، أو کنت قد نکحت بالأخت فی حال نکاحی بهذه الأخت، إلی غیر ذلک مما لا یسمع، لعدم ملک الشیء الآن، وظاهر (من ملک شیئاً ملک الإقرار به) أنه حین الملک یملک الإقرار لا حین مضی الملک.

ص:101


1- الوسائل: ج13 ص266 الباب 12 من أبواب العقد وشروطه ح13

وکذلک بالنسبة إلی کل خیار انقضت مدته، سواء فی العقد أو فی الشرط.

ثم إنه یصح أن یحعل الخیار فی المهر له أو لها أو لهما أو لأجنبی وحده أو مع أحدهما أو معهما، لشمول دلیل «المؤمنون عند شروطهم» لکل ذلک.

کما یصح أن یجعل الخیار متصلاً بالعقد، أو منفصلاً، أو متقطعاً بأن یکون له فی کل یوم جمعة خیار مثلاً.

بل ینبغی أن یقال: بأنه یصح أن یجعل الخیار فی بعض المهر، کنصفه أو ثلثه أو ربعه، سواء کان من جنس واحد کمائة دینار، أو من أجناس متعددة کشاة وفرس وبقرة مثلاً فیجعل الخیار فی البقرة.

وکذلک یمکن أن یجعل الخیار مطلقاً أو مشروطاً، مثل أن یقول: لی الخیار إذا لم یرض بالمهر أبی، أو إذا خالفتنی فی الخروج عن الدار، أو ما أشبه ذلک.

ولو جعل لأحدهما الخیار فجن، فالظاهر خیار ولیه، کما أنه لو مات فالظاهر خیار ورثته إذا لم یکن الخیار خاصاً به لفظاً أو ارتکازاً، وذلک لأنه حق فینتقل إلی ولیه ووارثه حسب العرفیة مما لم یغیره الشارع، وقد ذکرنا فی کتاب الإرث انتقال الحق إلی الورثة، علی تفصیل من الکلام فی ذلک هناک.

ثم إنه ذکر غیر واحد أنه إذا کان فی المهر خیار ففسخه ذو الخیار یرجع إلی مهر المثل، کما لو عری العقد عن المهر ودخل بها، لکن ذلک إنما یصح إذا کان الخیار مطلقاً، أما إذا کان الخیار فی الخصوصیات ففسخ بقی أصل المهر علی حاله، وإنما ینتقل إلی خصوصیة أخری حسب رغبة الزوج کالکلی، مثلاً

ص:102

جعل لها من المهر هذه المائة دینار أمهات العشرة، بشرط أن لها یکون فسخ خصوصیة کونها أمهات العشرة، فإذا فسخت أعطاها مائة من غیر أمهات العشرة، مخیراً فی ذلک بین أمهات الواحد والخمسة والأرباع والأنصاف، إلی غیر ذلک.

ص:103

مسألة ٢٧ الصداق یملک بالعقد

(مسألة 27): قال فی الشرائع ممزوجاً مع الجواهر: (الصداق یملک بالعقد علی أشهر الروایتین والقولین، بل المشهور منهما شهرة عظیمة، بل عن الحلی نفی الخلاف فیه، ولعله کذلک، فإنی لم أجده إلاّ من المحکی عن الإسکافی، فملکها النصف به والآخر بالدخول أو ما یقوم مقامه مع عدم صراحته فی ذلک، لاحتمال إرادته الاستقرار کما فی کشف اللثام، فلا خلاف حینئذ أصلاً کما یشهد به ما سمعته من الحلی، وعلیه یمکن دعوی لحوقه بالإجماع إن لم یکن سبقه)((1)).

لکن ظاهر عبارة ابن الجنید هو ما نقل عنه، فإنه قال فی محکی کلامه: (الذی یوجبه العقد من المهر المسمی النصف، والذی یوجب النصف الثانی من المهر بعد الذی وجب بالعقد منه هو الوقاع أو ما قام مقامه من تسلیم المرأة نفسها لذلک).

وعلی أی حال، فالظاهر من الأدلة هو قول المشهور، قال سبحانه: ﴿وآتوا النساء صدقاتهن نحلة﴾((2))، فقد أضاف الصداق إلیهن، ولم یفرق بین قبل الدخول به وبعده، وأمر بإیتائهن ذلک، فثبت أن الکل لهن، إذ لو لم یکن الکل لهن بمجرد العقد لم یجب إیتاؤهن.

هذا بالإضافة إلی أن الصداق عوض البضع، فإذا ملکه الزوج بالعقد کما هو مقتضی المعاقدة وجب أن تملک المرأة عوضه، لأن ذلک مقتضی المعاوضة، وقد عرفت فی بعض الروایات: «یشتریها بأغلی ثمن»، وکلمة (یملک) وما أشبه مما یدل علی أنه معاملة، هذا بالإضافة إلی ما دل من الروایات علی ملک المرأة النماء وإن طلقها الزوج قبل الدخول،

ص:104


1- جواهر الکلام: ج31 ص107 المسألة 13
2- سورة النساء: الآیة 4

مثل ما رواه عبید بن زرارة، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): رجل تزوج امرأة علی مائة شاة ثم ساق إلیها الغنم ثم طلقها قبل أن یدخل بها وقد ولدت الغنم، قال: «إن کانت الغنم حملت عنده رجع بنصفها ونصف أولادها، وإن لم یکن الحمل عنده رجع بنصفها ولم یرجع من الأولاد بشیء»((1)).

وعن ابن بکیر مثله، إلاّ أنه قال: «ساق إلیها غنماً ورقیقاً فولدت الغنم والرقیق»((2)).

وروایة علی بن جعفر، عن أخیه موسی بن جعفر، عن أبیه (علیهم السلام): إن علیاً (علیه السلام) قال فی الرجل یتزوج المرأة علی وصیف فیکبر عنده ویرید أن یطلقها قبل أن یدخل بها، قال: «علیها نصف قیمته یوم دفعه إلیها لا ینظر فی زیادة ولا نقصان»((3)).

ومثله روایة السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): إن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال، وذکر نحوه، إلاّ أنه قال: «فیکبر عنده فیزید أو ینقص».

إلی غیرها من الروایات التی تقدمت جملة منها فی مسألة النماء المتخلل بین العقد وبین الطلاق.

وربما یعارضها ما رواه أبو بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن رجل تزوج امرأة علی بستان له معروف وله غلة کثیرة، ثم مکثت سنین لم یدخل بها ثم طلقها، قال (علیه السلام): «ینظر إلی ما صار إلیه من غلة البستان من یوم تزوجها فیعطیها نصفه ویعطیها نصف البستان إلاّ أن تعفو فتقبل منه ویصطلحان علی شیء وترضی به منه فإنه أقرب للتقوی»((4)).

ص:105


1- الوسائل: ج15 ص43 الباب 34 من أبواب المهور
2- الوسائل: ج15 ص43 الباب 34 من أبواب المهور
3- الوسائل: ج15 ص43 الباب 34 من أبواب المهور
4- الوسائل: ج15 ص43 الباب 30 من أبواب المهور ح1

لکن هذه الروایة لا تقاوم الروایات السابقة، لأنها یحتمل قریباً أن یکون المراد من قول السائل: وله غلة کثیرة، هو أنه کان للبستان حین أمهرها إیاه غلة کثیرة موجودة، فکان مورد السؤال هی الغلة الموجودة حین العقد التی جعلها جزءاً لمهرها، إذ حینئذ یکون الحکم تقسیم الغلة أنصافاً بینهما.

ویحتمل أن المراد کون الغلة من زرع یزرعه الرجل، أو کون الصداق هو البستان دون أشجاره، إذ علی کلا التقدیرین لیست الغلة من نماء المهر، وتکون مختصاً بالرجل، ویکون الأمر بدفع النصف إلیها حینئذ محمولاً إمّا علی کونه عوض أجرة الأرض، أو علی الاستحباب کما یرشد إلیه قوله (علیه السلام): »فإنه أقرب للتقوی»، کما یحتمل أن یکون ذلک من باب المضاربة، حیث إن أصل المال من المرأة والعمل من الرجل، وفی المتعارف تکون المضاربة علی التنصیف.

وکذلک یدل علی الحکم روایات الموت قبل الدخول:

مثل ما عن سلیمان بن خالد، قال: سألته عن المتوفی عنها زوجها ولم یدخل بها، فقال: «إن کان فرض لها مهراً فلها مهرها وعلیها العدة ولها المیراث، وعدتها أربعة أشهر وعشراً، وإن لم یکن فرض لها مهراً فلیس لها مهر ولها المیراث وعلیها العدة».

وعن أبی الصباح الکنانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا توفی الرجل عن امرأته ولم یدخل بها فلها المهر کله إن کان سمی لها مهراً وسهمها من المیراث، وإن لم یکن سمی لها مهراً لم یکن لها مهر وکان لها المیراث»((1)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فی المتوفی عنها زوجها إذا لم

ص:106


1- الوسائل: ج15 ص76 الباب 58 من أبواب المهور ح21

یدخل بها إن کان فرض لها مهراً فلها مهرها الذی فرض لها والمیراث، وعدتها أربعة أشهر وعشراً کعدة التی دخل بها، وإن لم یکن فرض لها مهراً فلا مهر لها وعلیها العدة ولها المیراث»((1)).

وعن منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یتزوج المرأة فیموت عنها قبل أن یدخل بها، قال: «لها صداقها کاملاً وترثه وتعتد أربعة أشهر وعشراً کعدة المتوفی عنها زوجها»((2)).

إلی غیرها من الروایات.

وهی وإن کانت متعارضة کما سیأتی الکلام فیها، إلاّ أن مقتضی القاعدة العمل بهذه الروایات.

وکذلک یدل علی الحکم ما دل علی وجوب النصف علیها فیما لو أبرأته من الصداق ثم طلقها قبل الدخول، معللاً بأنها إذا جعلته فی حل منه فقد قبضته فإنها لو لم تکن مالکة لتمام المهر بالعقد، بل کانت مالکة لنصفه به لم یکن إبراؤها للزوج من الصداق مؤثراً إلاّ فی إسقاط ما ملکنه من النصف فی ذمته وکان النصف الآخر باقیاً فی ذمته، وحینئذ لو طلقها قبل الدخول لم یکن وجه لوجوب النصف علیها بعد عدم کونها قابضة بجعله فی حل إلا نصف مهرها.

استدل للإسکافی بجملة من الروایات: کروایة أبی بصیر المتقدمة التی قد عرفت ما فیها.

وبما دل علی أن الوقاع یملک المهر، مثل ما عن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل دخل بامرأة، قال: «إذا التقی الختانان وجب المهر والعدة»((3)).

ص:107


1- الوسائل: ج15 ص76 الباب 58 من أبواب المهور ح22
2- الوسائل: ج15 ص77 الباب 58 من أبواب المهور ح23
3- الوسائل: ج15 ص65 الباب 54 من أبواب المهور ح3

وعن حفص بن البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا التقی الختانان وجب المهر والعدة والغسل»((1)).

وعن داود بن سرحان، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر»((2)).

وعن یونس بن یعقوب، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سمعته یقول: «لا یوجب المهر إلاّ الوقاع فی الفرج»((3)).

وعن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) متی یجب المهر، فقال: «إذا دخل بها»((4)).

وعن محمد بن مسلم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل والمرأة متی یجب علیهما الغسل، قال: «إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم»((5)).

إلی غیر ذلک.

لکن فیه: بالإضافة إلی أن ابن الجنید لا یقول بمضمون هذه الروایات، حیث یری وجوب نصف المهر بالعقد، مع أن ظاهر هذه الرویات عدم وجوب شیء إلاّ بالوقاع، فهو أیضاً بحاجة إلی توجیهها، إنها فی قبال الوجوب بالخلوة فلا ربط بالمقام.

ویدل علی ذلک ما رواه یونس بن یعقوب، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن رجل تزوج امرأة فأغلق باباً وأرخی ستراً ولمس وقبّل ثم طلقها، أیوجب علیه

ص:108


1- الوسائل: ج15 ص66 الباب 54 ح3
2- الوسائل: ج15 ص65 الباب 54 ح5
3- الوسائل: ج15 ص75 الباب 58 من أبواب المهور ح19
4- الوسائل: ج15 ص66 الباب 54 من أبواب المهور ح7
5- الوسائل: ج15 ص66 الباب 54 من أبواب المهور ح9

الصداق، قال: «لا یوجب الصداق إلاّ الوقاع»((1)).

وقد تقدم الکلام فی الجمع بین الطائفتین.

ثم إن الشرائع قال: (وحینئذ فلها التصرف فیه قبل القبض علی الأشبه).

قال فی المسالک: (هذا متفرع علی القول بملکها له بالعقد، فإن قلنا به جاز له التصرف فیه قبل القبض وبعده لأنه مملوک لها، فیدخل فی عموم قوله (صلی الله علیه وآله): «الناس مسلطون علی أموالهم»((2))، ومقتضی التسلط جواز التصرف فیه مطلقاً، ونبّه بالأشبه علی خلاف الشیخ فی الخلاف حیث منع منه قبل القبض استناداً إلی ما روی عن النبی (صلی الله علیه وآله) إنه نهی بیع ما لم یقبض((3))، وبأن تصرفها بعد القبض جائز بالإجماع، ولا دلیل علی جوازه قبله).

ولا یخفی ما فی کلا الاستدلالین، إذ النهی مرتبط بالبیع قبل القبض فلا ربط له بالمقام، کما أن الدلیل علی جوازه قبله ما تقدم من عموم «الناس مسلطون» وغیره.

هذا بالإضافة إلی أنه یدل علی المشهور غیر واحد من الروایات:

مثل ما دل علی جواز إبرائها إیاه منه، وعلی العفو عنه، ودفع الآبق والحبرة عنه، مثل ما عن السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال النبی (صلی الله علیه وآله): «أیما امرأة تصدقت علی زوجها قبل أن یدخل بها إلاّ کتب الله لها بکل دینار عتق، قیل: یا رسول الله فکیف بالهبة بعد الدخول، قال: إنما ذلک من المودة والألفة»((4)).

ص:109


1- الوسائل: ج15 ص67 الباب 55 ح1
2- البحار: ج2 ص272
3- الوسائل: ج12 ص387 الباب 16 من أبواب أحکام العقود
4- الوسائل: ج15 ص36 الباب 26 ح1

وعن ابن أبی فراس فی کتابه، قال: قال (صلی الله علیه وآله): «أیما امرأة وهبت مهرها لبعلها فلها بکل مثقال ذهب کأجر عتق رقبة»((1)).

قال: وقال (صلی الله علیه وآله): «ثلاث من النساء یرفع الله عنهن عذاب القبر ویکون محشرهن مع فاطمة بنت محمد (صلی الله علیه وآله): امرأة صبرت علی غیرة زوجها، وامرأة صبرت علی سوء خلق زوجها، وامرأة وهبت صداقها لزوجها، یعطی الله لکل واحدة منهن ثواب ألف شهید، ویکتب لکل واحدة منهن عبادة سنة»((2)).

فإن (وهبت) أعم من قبل الدخول وبعد الدخول.

وعن أبی عبد الله (علیه السلام) فی قول الله عز وجل: ﴿وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فریضة فنصف ما فرضتم إلاّ أن یعفون أو یعفو الذی بیده عقدة النکاح﴾، قال: «هو الأب أو الأخ أو الرجل یوصی إلیه والذی یجوز أمره فی مال المرأة فیبتاع لها ویتجر، فإذا عفی فقد جاز»((3)).

وعن الفضیل، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة بألف درهم وأعطاها عبداً له آبقاً وبرداً حیرة بألف درهم التی أصدقها، قال: «إذا رضیت بالعبد وکانت قد عرفته فلا بأس إذا هی قبضت الثوب ورضیت بالعبد»، قلت: فإن طلقها قبل أن یدخل بها، قال: «لا مهر لها وترد علیه خمسمائة درهم ویکون العبد لها»((4)).

إلی غیرها من الروایات الخاصة أو العامة.

قال فی مناهج المتقین: (تملک المرأة الصداق جمیعه بالعقد، وإن توقف

ص:110


1- الوسائل: ج15 ص36 الباب 26 ح2
2- الوسائل: ج15 ص36 الباب 26 ح3
3- الوسائل: ج15 ص62 الباب 52 من أبواب المهور ح1
4- الوسائل: ج15 ص35 الباب 24 من أبواب المهور ح1

استقراره فیما عدا النصف علی الدخول، وقیل: تملک نصفه خاصة وملکه للنصف الآخر یتوقف علی الدخول وهو ضعیف، وتظهر الثمرة فی مواضع:

فمنها: النماء المتجدد بین العقد والطلاق، فعلی الأول لها وعلی الثانی له.

ومنها: ما لو کان المهر نصاباً وأقبضه إیاها ثم طلقها قبل الدخول بعد مضی الحول، فعلی الأول علیها زکاته دون الثانی.

ومنها: ما لو کان المهر عیناً خارجیة، فإنه یجوز لها التصرف فیه بغیر إذنه علی الأول، دون الثانی للشرکه المانعة من التصرف بغیر إذن الشریک.

ومنها: ما لو کان المهر عیناً غیر مقبوضة وحجر الزوج لفلس، فإنه علی الأول لا یتعلق به الحجر ویتعلق علی الثانی، إلی غیر ذلک).

أقول: هناک مواضع أخر أیضاً:

منها: إن الخمس علیها کاملاً إذا مرت السنة، بناءً علی وجوب الخمس علی المهر.

ومنها: وجوب الحج علیها إذا استطاعت للمهر.

ومنها: وجوب الإنفاق علی عبدها منه إذا لم تکن تملک غیره بخلاف ما إذا لم یصر ملکها حیث یجب علی بیت المال.

ومنها: لزوم وفائها بنذرها إذا لم یکن لها إلاّ هذا، مما لو لم یکن لم یجب الوفاء، کما إذا نذرت أن تعطی من ما یملک الآن صدقة.

ومنها: وجوب أداء دینها منه، إلی غیر ذلک.

نعم قد یشکل بعض المذکورات فیما إذا علمت بالطلاق، حیث إن مثل قوله (صلی الله علیه وآله): «أمرت أن آخذ من أغنیائکم وأضع فی فقرائکم»، منصرف عن مثل هذه المرأة بالنسبة إلی النصف، وکذا ما ورد فی باب الحج من أنه واجب علی من له (قوة فی المال) حیث لا یصدق القوة فی المال بالنسبة إلیها إذا لم یف

ص:111

نصفها بالحج، إلی غیر ذلک.

ثم إنه قد تقدم استحباب تصدق المرأة بمهرها لزوجها.

والظاهر أن المراد الصداق الذی لم یصرف فی الجهاز، وإلاّ فلا موقع له، لأنه المنصرف من روایات التصدق.

وعن عبد الله بن میمون، عن أبی عبد الله، عن أبیه (علیهما السلام) قال: «جاء رجل إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقال: یا أمیر المؤمنین بی وجع بطن، فقال له أمیر المؤمنین (علیه السلام): لک زوجة، قال: نعم، قال: استوهب منها بطیبة نفسها من مالها ثم اشتر به عسلاً ثم اسکب علیه من ماء السماء ثم اشربه فإنی أسمع الله یقول فی کتابه: ﴿وأنزلنا من السماء ماءً مبارکاً﴾، وقال: ﴿یخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فیه شفاء للناس﴾، وقال: ﴿وإن طبن لکم عن شیء منه نفساً فکلوه هنیئاً مریئاً﴾، قال: یعنی بذلک أموالهن التی فی أیدیهن مما ملکن»((1)).

وفی روایة حمران، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «اشتکی رجل إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقال له: سل من امرأتک درهماً من صداقها فاشتر به عسلاً فأشربه بماء السماء، ففعل ما أمر به فبرئ، وسئل أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام) عن ذلک أشیء سمعته من النبی (صلی الله علیه وآله)، قال: لا، ولکن سمعت الله یقول فی کتابه: ﴿فإن طبن لکم عن شیء منه نفساً فکلوه هنیئاً مریئاً﴾، وقال: ﴿یخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فیه شفاء للناس﴾، وقال: ﴿أنزلنا من السماء ماءً مبارکاً﴾، فاجتمع الهنیء والمریء والبرکة والشفاء فرجوت بذلک البرء»((2)).

ص:112


1- الوسائل: ج15 ص37 الباب 26 من أبواب المهور ح4
2- الوسائل: ج15 ص37 الباب 26 من أبواب المهور ح5

ویؤید ما ذکرناه عدم ورود: إن الزهراء (علیها الصلاة والسلام) وهبت صداقها لعلی (علیه السلام) ولو کان لبان.

وما ورد فی الروایة السابقة: من أن الله کتب لها بکل دینار عتق رقبة، وفی الروایة الثانیة: یعطی الله کل واحدة منهن ثواب ألف شهید.

وقد ذکرنا وجه أمثال هذه الثوابات فی کتاب الدعاء والزیارة.

ص:113

مسألة ٢٨ لو مات أحدهما قبل الدخول

(مسألة 28): قال فی الکفایة: (لو مات الزوج ولم یدخل بها، فالأکثر علی استقرار جمیع المهر بذلک).

وعن الصدوق فی المقنع: إن لها النصف.

والمسألة مشکلة جداً، لاختلاف الأخبار وصحتها من الجانبین.

ولو ماتت الزوجة قبل الدخول فالأکثر استقرار تمام المهر بذلک، ویدل علیه ظاهر الآیة، وذهب جماعة من الأصحاب منهم الشیخ فی النهایة والتهذیب إلی أن لأولیائها نصف المهر، وهو أقرب لاستفاضة الروایات بذلک من غیر معارض من جهة الأخبار.

أقول: قد اختلفت الأقوال والأخبار فی ذلک، وإن کان المشهور عدم الانتصاف مطلقاً لا بموت الزوج ولا بموت، فی قبال القول بالانتصاف مطلقاً، والقول بالتفصیل بین موت الزوجة فینتصف وبین موت الزوج فلا ینتصف.

أما الأقوال فالمحکی عن الشیخ فی النهایة، إنه قال: متی مات الرجل عن زوجته قبل الدخول بها وجب علی ورثته أن یعطوا المرأة المهر کاملاً، ویستحب لها أن تترک نصف المهر، فإن لم تفعل کان لها المهر کله، وإن ماتت المرأة قبل الدخول بها کان لأولیائها نصف المهر.

وتبعه ابن البراح فی الکامل.

وقال فی المهذب: لورثتها المطالبة بالمهر، وقطب الدین الکیدری تبع الشیخ أیضاً.

وقال ابن حمزة: یلزم المهر المعین بنفس العقد، ویستقر بأحد ثلاثة أشیاء، بالدخول والموت وارتداد الزوج أی ارتداده عن فطرة.

وبنحو هذه العبارة عبر الشهید الثانی فی الروضة، فقال: ویستقر بأحد أمور أربعة: الدخول إجماعاً، وردة الزوج عن فطرة، وموته فی الأشهر.

وقال ابن

ص:114

إدریس: (متی مات أحد الزوجین قبل الدخول استقر جمیع المهر کاملاً، لأن الموت عند محصلی أصحابنا یجری مجری الدخول فی استقرار المهر جمیعه، وهو اختیار الشیخ المفید فی أحکام النساء، وهو الصحیح، لأنه قد بینا بغیر خلاف بیننا أن بالعقد تستحق المرأة جمیع المهر المسمی، ویسقط الطلاق قبل الدخول نصفه، والطلاق غیر حاصل إذا مات، فبقینا علی ما کنا علیه من استحقاقه، فمن ادعی سقوط شیء منه یحتاج إلی دلیل، ولا دلیل علی ذلک من إجماع لأن أصحابنا مختلفون فی ذلک، ولا من کتاب الله تعالی ولا تواتر أخبار ولا دلیل عقلی، بل الکتاب قاض بما قلناه، والعقل حاکم بما اخترناه).

ثم نسب کلام الشیخ فی النهایة إلی أنها أخبار آحاد أوردها إیراداً لا اعتقاداً، فلا رجوع عن الأدلة القاهرة.

وعن المختلف: إن قول ابن إدریس قوی، فلو مات الزوج قبل الدخول وجب لها المهر کملاً کما نقلناه.

وقال الصدوق فی المقنع: وفی حدیث آخر: «إن لم یکن دخل بها وقد فرض لها مهراً فلها نصفه ولها المیراث وعلیها العدة» وهو الذی اعتمده وأفتی به.

لکن فی الحدائق: (الذی وقفت علیه فی کتاب المقنع لا یساعد ما ذکروه، بل الظاهر إنما هو موافقة القول المشهور، وهذه صورة عبارته فی النسخة التی عندی: «والمتوفی عنها زوجها التی لم یدخل بها إن کان فرض لها صداقاً فلها صداقها الذی فرض لها، ولها المیراث وعدتها أربعة أشهر وعشراً کعدة التی دخل بها، وإن لم یکن فرض لها مهراً فلا مهر لها وعلیها العدة ولها المیراث».

وفی حدیث آخر: «إن لم یکن دخل بها وقد فرض لها مهراً فلها نصفه ولها المیراث وعلیها العدة»، هذه صورة ما فی الکتاب.

ص:115

والظاهر منه هو الفتوی بما ذکره أولاً: من وجوب المهر کملاً، والقول بالنصف إنما نسبه إلی الروایة مؤذناً بضعفه أو التوقف فیه، کما هو الجاری فی عبائر غیره) انتهی ما فی الحدائق.

والظاهر من قواعد الشهید عدم انتصاف المهر بالموت إطلاقاً، حیث قال: (ینتصف المهر بالفرقة قبل الدخول من الزوج بطلاق أو ارتداد أو إسلام مع التسمیة، ولا ینتصف بالفسخ من قبل المرأة إلاّ فی العنة وفی إسلامها قبله علی روایة، لأن الإسلام لم یزدها إلاّ عزاً).

وفی التنقیح: لا خلاف فی أنه ینتصف بالطلاق بدلالة الآیة علیه فهل ینتصف بغیر ذلک، قال الشیخ فی النهایة: إن موت الزوجة قبل الدخول بها کالطلاق فی تنصیف المهر، وهو فتوی ابن حمزة وابن إدریس، وهو اختیار شیخنا المفید فی أحکام النساء والقاضی والکیدری.

وقال الصدوق فی المقنع: إن موت الرجل ینصف المهر.

ثم قال التنقیح: یستقر المهر بأربعة أمور:

الأول: الدخول کما یجیء بیانه وهو إجماعی.

الثانی: موت الزوج.

الثالث: موت الزوجة، وقد عرفت الخلاف فیهما.

الرابع: الردة من الزوج.

وفی مناهج المتقین: لو مات أحد الزوجین قبل الدخول فإنه یعود به النصف إلی الزوج علی الأقوی.

إلی غیر ذلک من کلماتهم الکثیرة التی یعرفها من أراد الاطلاع علیها فی کتبهم مما لا داعی إلی التکثیر منها، هذا من جهة الأقوال.

ص:116

وأما من جهة الروایات، فهی علی طوائف أربع:

الطائفة الأولی: ما دل علی أن المهر ینتصف بموت کل منهما قبل الدخول:

کموثقة عبید بن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة ولم یدخل بها، قال: «إن هلکت أو هلک أو طلقها ولم یدخل بها فلها النصف وعلیها العدة کملاً ولها المیراث»((1)).

وصحیحة زرارة، قال: سألته عن المرأة تموت قبل أن یدخل بها أو یموت الزوج قبل أن یدخل بها، فقال (علیه السلام): «أیهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها، وإن لم یکن فرض لها فلا مهر لها»((2)).

وروایة ابن أبی یعفور، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، إنه قال: فی امرأة توفیت قبل أن یدخل بها ما لها من المهر وکیف میراثها، فقال (علیه السلام): «إذا کان قد فرض لها صداقاً فلها نصف المهر وهو یرثها، وإن لم یکن فرض لها صداقاً فلا صداق لها»، وقال: فی رجل توفی قبل أن یدخل بامرأته، قال (علیه السلام): «إن کان فرض لها مهراً فلها نصف المهر وهی ترثه، وإن لم یکن فرض لها مهراً فلا مهر لها»((3)).

الطائفة الثانیة: ما دل علی أن المهر لا ینتصف بموت أحد من الزوج والزوجة، کخبر منصور بن حازم، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): رجل تزوج امرأة وسمی لها صداقاً ثم مات عنها ولم یدخل بها، قال: «لها المهر کاملا ولها المیراث»، قلت: فإنهم رووا عنک أن لها نصف المهر، قال: «لا یحفظون عنی إنما ذلک للمطلقة»((4)).

ص:117


1- الوسائل: ج15 ص72 الباب 58 من أبواب المهور ح3
2- الوسائل: ج15 ص72 الباب 58 من أبواب المهور ح7
3- الوسائل: ج15 ص72 الباب 58 من أبواب المهور ح8
4- الوسائل: ج15 ص71 و 72 الباب 58 من أبواب المهور ح24

بتقریب أن مورد السؤال فیه، وإن کان هو موت الزوج قبل الدخول، لکن المستفاد من حصر التنصیف فی المطلقة قبل الدخول هو عدمه فی غیرها مطلقاً.

هذا بالإضافة إلی الإطلاقات المؤیدة بالشهرة قدیماً وحدیثاً.

الطائفة الثالثة: ما دل علی أن المهر ینتصف بموت الزوج:

کصحیحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، فی الرجل یموت وتحته امرأة لم یدخل بها، قال (علیه السلام): «لها نصف المهر ولها المیراث کاملاً وعلیها العدة کاملة»((1)).

وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن رجل، عن علی بن الحسین (علیهما السلام)، إنه قال: «فی المتوفی عنها زوجها ولم یدخل بها إن لها نصف الصداق ولها المیراث وعلیها العدة»((2)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إن لم یکن دخل بها وقد فرض لها مهراً فلها نصف ما فرض لها، ولها المیراث وعلیها العدة»((3)).

وعن عبید بن زرارة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی المتوفی عنها زوجها ولم یدخل بها، قال: «هی بمنزلة المطلقة التی لم یدخل بها، إن کان سمی لها مهراً فلها نصفه»((4)).

وموثقة الصیقل وأبی العباس، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی المرأة یموت عنها

ص:118


1- الوسائل: ج15 ص71 الباب 58 من أبواب المهور ح1
2- الوسائل: ج15 ص72 الباب 58 من أبواب المهور ح5
3- الوسائل: ج15 ص72 الباب 58 من أبواب المهور ح6
4- الوسائل: ج15 ص74 الباب 58 من أبواب المهور ح11

زوجها قبل أن یدخل بها، قال (علیه السلام): «لها نصف المهر»((1)).

وعن عبید بن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة هلک زوجها ولم یدخل بها، قال: «لها المیراث وعلیها العدة کاملة، وإن سمی لها مهراً فلها نصفه، وإن لم یکن سمی لها مهراً فلا شیء لها»((2)).

وصحیحة محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یتزوج المرأة ثم یموت قبل أن یدخل بها، فقال: «لها المیراث» إلی أن قال: «وإن کان سمی لها مهراً یعنی صداقاً فلها نصفه»((3)).

وعن جمیل بن صالح، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی أختین أهدیتا إلی أخوین، _ ثم ساق الحدیث إلی أن قال: _ فإن ماتتا، قال: «یرجع الزوجان بنصف الصداق علی ورثتهما ویرثانهما الزوجان»، قیل، فإن مات الزوجان، قال: «ترثانهما ولهما نصف الصداق»((4))، وهذه دلیل للقول الأول أیضاً.

وعن عبید بن زرارة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یزوج ابنه یتیمة فی حجره، وابنه مدرک والیتیمة غیر مدرکة، قال: «نکاحه جائز علی ابنه، فإن مات عزل میراثها منه حتی تدرک، فإذا أدرکت حلفت بالله ما دعاها إلی أخذ المیراث إلا رضاها بالنکاح، ثم یدفع إلیها المیراث ونصف المهر»((5)).

وصحیح أبی عبیدة الحذاء، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن غلام وجاریة

ص:119


1- الوسائل: ج15 ص74 الباب 58 من أبواب المهور ح12
2- الوسائل: ج15 ص72 الباب 58 من أبواب المهور ح4
3- الوسائل: ج17 ص529 الباب 12 من میراث الأزواج ح1
4- الوسائل: ج15 ص72 الباب 58 من أبواب المهور ح13
5- الوسائل: ج15 ص72 الباب 58 من أبواب المهور ح14

زوجها ولیان لهما وهما غیر مدرکین، إلی أن قال: قلت: فإن کان الرجل أدرک قبل الجاریة ورضی بالنکاح ثم مات قبل أن تدرک الجاریة ترثه، قال: «نعم یعزل میراثها منه حتی تدرک فتحلف بالله ما دعاها إلی أخذ المیرث إلاّ رضاها بالتزویج، ثم یدفع إلیها المیراث المهر»((1)).

وعن زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، فی جاریة لم تدرک لا یجامع مثلها أو رتقاء _ إلی أن قال: _ قلت: فإن مات الزوج عنهن قبل أن یطلق، قال: «لها المیراث ونصف الصداق وعلیهن العدة»((2)).

وعن عبد الله بن بکیر، عن بعض أصحابنا، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل أرسل یخطب علیه امرأة وهو غائب، فأنکحوا الغائب وفرضوا الصداق، ثم جاء خبره إنه توفی بعد ما ساق الصداق لها، قال: «إن کان أملک بعد ما توفی فلیس لها صداق ولا میراث، وإن کان أملک قبل أن یتوفی فلها نصف الصداق وهی وارثه وعلیها العدة»((3)).

إلی غیر ذلک من الأخبار.

بل یمکن أن یؤید ذلک بمفهوم الروایات المتقدمة الدالة علی أنه لا یوجب المهر إلاّ الوقاع فی الفرج، وأنه إذا أدخله وجب الجلد والغسل والمهر، إلی غیرها من العبارات.

الطائفة الرابعة: ما دل علی أن المهر لا ینتصف بموت الزوج قبل الدخول:

کخبر سلیمان بن خالد، وخبر سماعة، سألته عن المتوفی عنها زوجها ولم یدخل بها، فقال: «إن کان فرض لها مهراً فلها مهرها، وعلیها العدة ولها المیراث وعد

ص:120


1- الوسائل: ج15 ص71 الباب 58 من أبواب المهور ح20
2- الوسائل: ج15 ص71 الباب 58 من أبواب المهور ح15
3- الوسائل: ج15 ص71 الباب 58 من أبواب المهور ح16

لها أربعة أشهر وعشراً، وإن لم یکن فرض لها مهراً فلیس لها مهر، ولها المیراث وعلیها العدة»((1)).

وخبر الکنانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «إذا توفی الرجل عن امرأته ولم یدخل بها فلها المهر کله إن کان سمی لها مهراً، ومهرها من المیراث، وإن لم یکن سمی لها مهراً لم یکن لها مهر وکان لها المیراث»((2)).

وصحیح الحلبی، عن الصادق (علیه السلام)، إنه قال: «فی المتوفی عنها زوجها إذا لم یدخل بها إن کان فرض لها مهراً فلها مهرها، وعلیها العدة ولها المیراث، وعدتها أربعة أشهر وعشراً، کعدة التی دخل بها، وإن لم یکن فرض لها مهراً فلا مهر لها، وعلیها العدة ولها المیراث»((3)).

ونحوه صحیحه الآخر، عنه (علیه الصلاة والسلام) أیضاً.

ونحوه خبر زرارة وأبی بصیر عنه (علیه الصلاة والسلام) أیضاً.

وصحیح منصور بن حازم: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یتزوج المرأة فیموت عنها قبل أن یدخل بها، قال: «لها صداقها کاملاً وترثه وتعتد أربعة أشهر عشراً کعدة المتوفی عنها زوجها بعد الدخول»((4)).

وعن دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام)، إنه قال فی حدیث: «وإن کان قد فرض لها صداقاً ثم طلقها قبل أن یدخل بها فلها نصف الصداق، وإن مات

ص:121


1- الوسائل: ج15 ص76 الباب 58 من أبواب المهور ح20
2- الوسائل: ج15 ص76 الباب 58 من أبواب المهور ح21
3- الوسائل: ج15 ص76 الباب 58 من أبواب المهور ح22
4- الوسائل: ج15 ص76 الباب 58 من أبواب المهور ح23

عنها فلها الصداق کاملا»((1)).

ولا یخفی کمال المعارضة بین طائفتی التنصیف بموت أیهما وعدم التنصیف بموت أیهما إن سلم دلالة الطائفة الثانیة، لکن الشأن فی دلالة الثانیة، ولو لا ذهاب المشهور قدیماً وحدیثاً إلی ذلک، وربما یقال: إن الشهرة تجبر الدلالة، کان العمل علی ما دل أن موت الزوجة یوجب التنصیف، خصوصاً والسند فیه نوع ضعف، فقد روی روایة المنصور الشیخ والعیاشی بسند لیس فیه قوة، هذا بالنسبة إلی الطائفتین الأولتین، أما بالنسبة إلی طائفتی أن المهر ینتصف بموت الزوج، وأنه لا ینتصف بموت الزوج، فهما متعارضتان والسند فی کلیهما معتمد علیه، کما أن الدلالة تامة، وکل واحدة منهما صالحة للحمل علی الاستحباب، أی استحباب عفو هذا الطرف عن النصف أو ذاک الطرف عنه، ولم یعرف وجه التقیة فی أیهما، فلیس إلاّ التراجیح الخارجیة.

والظاهر أنها مع عدم التنصیف للشهرة المحققة، بل الإجماع المدعی، ولذا لو لا الشهرة کانت النتیجة أن موت الزوج لا یوجب تنصیفاً، أما موت الزوجة فیوجب التنصیف.

وبذلک یظهر ما ذکره الوسائل، حیث قال بعد نقل الروایات والتی أخیرها ما رواه منصور بن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «ما أجد أحداً أحدثه، وإنی لأحدث الرجل بالحدیث فیتحدث فأوتی فأقول: إنی لم أقله»((2)).

ص:122


1- المستدرک: ج2 ص611 الباب 36 من أبواب المهور ح1
2- الوسائل: ج15 ص77 الباب 58 من أبواب المهور ح25

هذا قرینة واضحة علی حمل حدیث منصور بن حازم السابق علی التقیه، بتواتر تلک الأحادیث ووضوحها وثقة رواتها.

واعلم أن الشیخ قد رجح الأحادیث الأخیرة، أی ما یدل علی المهر کاملاً، وحمل السابقة أی ما یدل علی النصف علی أنه یستحب للمرأة وأولیائها ترک نصف المهر، قال: علی أن الذی أفتی به أنه إذا مات الرجل قبل الدخول فلها المهر کله، وإن ماتت هی کان لأولیائها نصف المهر، لأن کل ما دل علی وجوب جمیع المهر یتضمن إذا مات الرجل، لا إذا ماتت هی، وأنا لا أتعدی الأخبار، فکل ما تضمن أنها إذا ماتت فلأولیائها نصف المهر، محمول علی ظاهره، وواقفه بعض المتأخرین.

ولا یخفی قوة الأحادیث السابقة:

أما أولاً: فلکثرتها وقلة معارضها.

وأما ثانیاً: فلروایة ثقات الرواة لها، وکون رواتها أوثق وأورع وأکثر.

وأما ثالثاً: فلاعتضادها بأحادیث کثیرة مما مضی ویأتی.

وأما رابعاً: فلقوه دلالتها ووضوحها وصراحتها، وضعف دلالة ما عارضها وقبوله للتأویل بالحمل علی الاستحباب وبحمل المهر علی النصف، لأن نصف المسمی إذا کان هو الثابت لها شرعاً یجوز أن یطلق علیه لفظ مهرها، ولفظ المهر، بل المهر کله، ولا یأبی ذلک إلاّ الأخیر.

وأما خامساً: فلبعدها عن التقیة وإمکان حمل ما عارضها علیها، وهو أقوی المرجحات وأظهر أسباب اختلاف الحدیث.

وأما الترجیح بموافقة الآیة فجوابه یحتاج إلی التطویل، وأما تفصیل الشیخ فیرده الأحادیث الدالة علی تساوی موت کل واحد من الزوجین کما تقدم، انتهی.

وفیه ما لا یخفی من الضعف.

وعلی أی حال، فالظاهر أن موت الزوج لا یؤثر فی التنصیف، لتقدم أخبار أن لها کل المهر بظاهر الکتاب ومقتضی الاستصحاب والشهرة المحققة والإجماع

ص:123

المدعی، فإن الشهرة العظیمة حصلت علی استقرار المهر جمیعاً بموت الزوج، بل ادعی المرتضی فی الناصریات الإجماع علیه، ونفی فی الغنیة الخلاف فیه.

أما القول بالتنصیف بموته فإنه لم یحک إلاّ عن الصدوق فی المقنع وظاهر الفقیه، فیکون الأخبار الدالة علی التنصیب بموت الزوج معرض عنها عند الأصحاب مما یسقطها عن الحجیة، ولا یقاوم ذلک احتمال التقیة فی جانب کل المهر.

وعلیه فلا مجال للقول بالتنصیف حتی علی نحو الاحتیاط بالتصالح الذی ذکره المحقق القمی فی جامع الشتات.

أما بالنسبة إلی موت الزوجة، فإن اعتمدنا علی الشهرة المحققه الموافقة لظاهر الکتاب الموجبة لجعل الروایات المخالفة معرضاً عنها عند الأصحاب، أو قلنا بدلالة روایة منصور علی ما ذکره الحائری، حیث قال:

(الترجیح بحسب الدلالة المانع عن الرجوع إلی مرجحات الصدور وجهته إنما هو لما دل عل عدم التنصیف مطلقاً، وذلک لأن قوله (علیه السلام) فی خبر منصور بن حازم: «لا یحفظون عنی إنما ذلک للمطلقة»، بمدلوله المطابقی متعرض لحال الأخبار الدالة علی التنصیف بموت الزوج والزوجة، ودال علی أنها غیر مطابقة للمواقع، فیکون هذا الخبر حاکماًً علی تلک الأخبار، ومعه لا ییقی مجال للمعارضة کی یرجع إلی مرجحات الصدور أو جهته.

ولا بد أن یکون المراد من قوله (علیه السلام): «لا یحفظون عنی»، بعد کون تلک الأخبار المستفیضة موجبة للقطع بصدور مضمونها، هو أنهم لمکان غفلتهم عن القرائن الحالیة والمقالیة المکتنفة بما أحدث لهم من الأحادیث لا یتمیز لهم ما یکون من أحادیث صادرة علی نحو الجد فی مقام بیان الأحکام الواقعیة، وما یکون منها

ص:124

صادرة علی نحو التقیة، فیروون عنی ما سمعوه منی کائناً ما کان).

فهو، وإلاّ أشکل الأمر بما یحتاج إلی التصالح.

وعلیه فیأتی التصالح لو ماتا معاً بالنسبة إلی الصداق، وأما بالنسبة إلی إرثهما فکما ذکرناه فی کتاب الإرث، والله سبحانه العالم.

ص:125

مسألة ٢٩ یصح العفو عن نصف المهر

(مسألة 29): قد عرفت أنه إذا طلق الزوج عاد إلیه النصف، وبقی للمرأة النصف، بلا خلاف فی ذلک، ویدل علیه الکتاب والسنة والإجماع، بل والعقل فی وجه، إلاّ إذا کان من دین آخر ویرون غیر ذلک فإنهم ملتزمون بما التزموا به علی القاعدة الثانویة.

ثم إنها لو عفت عما لها کلاً أو بعضاً کان ذلک للزوج بلا إشکال ولا خلاف، کتاباً وسنةً وإجماعاً، وفی الجواهر ادعاء الإجماع بقسمیه علیه.

قال سبحانه: ﴿إلا أن یعفون أو یعفو الذی بیده عقدة النکاح﴾((1)).

وستأتی جملة من الروایات الدالة علی ذلک، هذا مضافاً إلی عموم تسلط الناس علی أموالهم((2))، بل ویدل علیه العقل أیضاً، حیث لم یغیره الشارع، نعم إذا کان دین لا یعطی الصلاحیة للمرأة بذلک لم یکن لها ذلک حسب قاعدة الإلزام.

ثم المراد عفو النسوة عن النصف اللاتی یستحقن، أو عفو أولیائهن إذا کن قاصرات، أو وکلن الأولیاء کالأخ مثلاً، و(یعفون) جمع مؤنث لا جمع مذکر وإن کانا مشترکین فیه، فإنه یقال: یعفو یعفوان یعفون تعفو تعفوان یعفون، ولذا لم تحذف أن الناصبة النون فی آخر الکلمة.

قال ابن الأنباری فی کتابه (البیان فی غریب القرآن): (ولم تحذف النون فی یعفون، لأن النون فیها ضمیر جماعة نسوة، فهی علامة جمع لا علامة رفع، وإذا اتصلت بالفعل والمضارع صار مبنیاً، کما إذا اتصلت به نون التوکید، وصار فی موضع الرفع والنصب والجزم علی لفظ واحد، وإذا ثبت هذا صح إثبات النون بخلاف، فعل الرجال نحو هم یعفون ولم یعفوا، فإنه ثبت فیه النون فی حالة الرفع

ص:126


1- سورة البقرة: الآیة 237
2- البحار: ج2 ص272

وتحذف فی حالة الجزم والنصب.

ووزن (یعفون) إذا کان فعلاً للرجال (یفعون) لذهاب اللام التی هی الواو، وأصله (یعفوون) إلاّ أنه ثقلت الضمة علی الواو الأولی فحذفت فبقیت ساکنة، وواو الجمع بعدها ساکنة، فاجتمع ساکنان وهما لا یجتمعان فحذفت الواو التی هی اللام لئلا یجتمع ساکنان، وکان حذف الواو الأصلیة أولی من واو الجمع، لأن واو الجمع دخلت لمعنی واللام الأصلیة لم تدخل لمعنی، فکان حذفها أولی وصار (یعفون) علی وزن (یفعون)، ووزن (یعفون) إذا کان فعلاً لجماعة النسوة (یفعلن)، لأن الواو لام الکلمة ولم یوجد ما یوجب حذفها فکانت باقیة علی أصلها.

والظاهر أن عفوهن یأتی بأی لفظ أرید به الإسقاط، دیناً کان أو عیناً، نعم قد یکون اللفظ مجازاً، وقد یکون حقیقة، ولا یهم ذلک فی أصل العقد کما حققناه فی صیغ العقود، فکیف بمثل الإسقاط.

وعلیه فمن نافلة القول التکلم حول اللفظ الذی یسقط به الدین أو العین، وإن قال الجواهر: (فإذا کان الصداق دیناً أو عیناً وقد تلفت فی ید الزوج صح عفوها بلفظه والإسقاط والإبراء والترک، بل فی القواعد والمسالک وکشف اللثام (والهبة) بل فی الأخیرین (والتملیک)، بل لم یحک أحد منهما الخلاف هنا، ولعله لدلالة کل منهما علی إسقاط الحق الذی لا یختص بلفظ، ولا إشکال فیه مع إرادة معنی الإبراء منهما. إنما الکلام فیما لو أرید منهما معناهما لو تعلقا بالعین علی أن یکون الإبراء تبعاً لذلک، وکأن وجهه صحة تملیک ما فی الذمة ممن هو علیه بالهبة لکونه مقبوضاً فیصح الإبراء باعتبار عدم قصور ملک الإنسان علی نفسه، بخلاف هبة ما فی ذمة

ص:127

الغیر، فإنه لا یتصور قبضه دیناً، وتشخیصه بالعین یخرجه عن الدین الذی هو محل البحث، لکنه یمنعه اعتبار القبض فی صحة الهبة، وقد عرفت عدم إمکان قبضه دیناً، واحتماله بالضمان مثلاً یدفعه أنه لیس قبضاً، وإنما هو عقد آخر، وإن أفاد کونه مقبوضاً بمن صار فی ذمته بعد الضمان).

إذ فیه: إنه من جهة اللفظ لا مانع علی ما عرفت، ومن وجهة صحة العفو دیناً کان أو عیناً، إسقاطاً أو هبةً، إنه عرفی والشارع لم یغیره، وأی دلیل علی أن هبة مثل ذلک بحاجة إلی القبض.

وعلیه یصح بکل لفظ أفاد ذلک مما کان عرفیاً، وقد أراده وإن کان غیر الألفاظ المذکورة کالوضع من باب (وضعه عنه) والرفع من باب (رفع عن أمتی) والإعراض وما أشبه من الألفاظ المفردة أو المرکبة، مثل (لا أرید) و(لا أطلب) و(لا أبغی) ونحو ذلک.

وعلی أی حال، فیصح بلفظ العفو أیضاً، کما عن المبسوط والتحریر، سواء کان بمعنی العطاء، أو کان بمعنی الإسقاط، نعم إذا کان أتی بحرف الجر فقال: (عفوت عنک) أرید معنی الإبراء.

والظاهر عدم الاحتیاج إلی القبول مطلقاً، حتی إذا جاء بلفظ الهبة، إلاّ من جهة تسلط الناس علی أنفسهم((1))، حیث ذکرنا فی بعض أبواب الفقه، أنه لا حق لإنسان أن یسقط حق إنسان آخر إلاّ بقبول ذلک الإنسان، وإلاّ کان من التصرف فی سلطنة ذلک المعفو عنه، وحتی إذا جاء بلفظ الإبراء والإسقاط، فإن کل شیء له طرفان لا بد من رضایة الطرفین، إلاّ إذا صرح الشارع بالعدم، کما فی مثل الطلاق والعتق.

ص:128


1- بحار الأنوار: ج2 ص273

وهو عقلائی دل علیه «الناس مسلطون علی أنفسهم» المستفاد من قوله سبحانه: ﴿النبی أولی بالمؤمنین من أنفسهم﴾((1))، بالاضافة إلی الإجماع القطعی وبعض الشواهد الأخر.

ومنه یعرف وجه النظر فیما ذکره الجواهر، حیث قال: (لا یفتقر إلی قبول عند المشهور بأی لفظ وقع کسائر الإبراءات، لإطلاق الأدلة المعتضدة بفتوی المشهور، ومما یؤیده هنا إطلاق قوله تعالی: ﴿إلا أن یعفون﴾ وما فی الخبر من أنها إذا جعلته فی حل منه فقد قبضته، فما عن المبسوط من الافتقار إلیه مطلقاً، والشافعی إذا کان بلفظ الهبة والتملیک فی وجه ضعیف، وإن کان ما عن الشیخ أضعف مما عن الشافعی، وإن کان عیناً صح بلفظ الهبة والتملیک ونحوها مما یقوم مقامهما واعتبر فیهما القبول والقبض).

إذ مقتضی القاعدة اعتبار القبول فی الجمیع عیناً کان أو دیناً، کان بلفظ الهبة أو بلفظ الإسقاط أو الإبراء أو غیر ذلک، وإن کان المشهور یقولون بعدم الاحتیاج فی لفظ الإبراء ونحوه إلی القبول.

والحاصل: إنه من جهة اللفظ یصح بأی لفظ، ومن جهة أنه تصرف فی سلطة الغیر لا یصح إلاّ مع قبوله من غیر فرق بین الدین والعین، فتأمل.

ومن ذلک یظهر وجه النظر فی جواب الإشکال الذی ذکره الحائری، قال: (والإشکال بأن العفو لغة بمعنی الإسقاط فیختص بما إذا کان المهر دیناً، إذ لا مجال للإسقاط فی الأعیان، مدفوع بأن الظاهر أن المراد من العفو فی الآیة لیس هو لفظه بأن تقول المرأة أو من له عقدة نکاحها عفوت، بل المراد منه هو معناه

ص:129


1- سورة الأحزاب: الآیة 6

بمعنی إرادة حصول الملک للزوج بلفظ شرعی یفید ذلک، وهذا نظیر قوله تعالی: ﴿أو تسریح بإحسان﴾((1))، حیث إن المراد منه لیس هو لفظه، فیدل علی صحة الطلاق بلفظ سرحت، بل المراد منه هو معناه وهو خلاصها عن قید الزوجیة بلفظ شرعی یفید ذلک، وإن أبیت عن ظهوره فی ذلک فلا مجال لدعوی ظهوره فی إرادة لفظه، فتصیر الآیة من هذه الجهة مجملة، ومقتضی الأصل عدم سقوط المهر عن ذمته فیما کان دیناً إلاّ بما یفید ذلک من لفظ الإبراء والإسقاط ونحوهما، کما أن مقتضاه عدم تملکه له فیما کان عیناً إلاّ بما یکون مفیداً لذلک من لفظ الهبة والتملیک ونحوهما).

وعلی أی حال، فإذا جاء بلفظ له أحکام شرعیة خاصة، مثل الهبة فیما کان عیناً، أو الصلح إذا قلنا بصحته عفواً بدون بدل أو مع بدل یصیر مما یعد عرفاً أنه عفو أو ما أشبه ذلک، تبع العقد ونحوه أحکامه المجعولة له شرعاً، لإطلاق أدلة تلک الأحکام.

ویدل علی الصلح ما تقدم فی حدیث أبی بصیر، قال: تزوج أبو جعفر (علیه السلام) امرأة فأغلق الباب، فقال: «افتحوا ولکم ما سألتم» فلما فتحوا صالحهم((2)).

والظاهر أنه إذا ارتد الزوج صح لها العفو، وإن طلبت منه کل المهر علی ما تقدم، فإنه إذا صح العفو عن النصف صح العفو عن الکل بطریق أولی، والارتداد لا یمنع عن ذلک.

قال سبحانه: ﴿لا ینهاکم الله عن الذین لم یقاتلوکم فی الدین﴾((3)) الآیة.

ص:130


1- سورة البقرة: الآیة 229
2- الوسائل: ج15 ص69 الباب 55 من أبواب المهور ح8
3- سورة الممتحنة: الآیة 8

وأما أن المرتد یجب علیه إعطاء کل المهر ولو لم یؤمن بذلک اقتص منه فلأنه لیس موضع دلیل الإلزم، فهو حق الناس الذی ینصرف مثله عن دلیل الإلزام، فیشمله ما دل علی ثبوت المهر علی الزوج بالعقد کما هو ظاهر الآیة والروایة کما سبق، فیجب الحکم باستمراره إلی أن یعلم وجود المسقط ولم یثبت أن الردة توجب السقوط.

ثم إن الشرائع قال ممزوجاً مع الجواهر: (وکذا الکلام لو عفا الذی بیده عقدة النکاح المذکور فی الآیة، سواء قلنا إنه الزوج کما عند العامة، أو قلنا هو الولی کما عند الخاصة کالأب والجد للأب، وعن النهایة زیادة الأخ، وقیل کما عن المهذب أو من تولته الامرأة عقدها).

والظاهر أن العامة لا یتفقون علی أن المراد لمن بیده عقدة النکاح الزوج، قال فی الکشاف عند قوله سبحانه: ﴿الذی بیده عقدة النکاح﴾((1)) الولی، یعنی إلاّ أن تعفوا المطلقات عن أزواجهن فلا یطالبنهم بنصف المهر، وتقول المرأة: ما رآنی ولا خدمته ولا استمتع بی فکیف آخذ منه شیئاً، أو یعفو الولی الذی یلی عقد نکاحهن، وهو مذهب الشافعی، وقیل: هو الزوج وعفوه أن یسوق إلیها المهر کاملاً وهو مذهب أبی حنیفة، والأول ظاهر الصحة، وتسمیة الزیادة علی الحق عفواً فیها نظر، إلاّ أن یقال: کان الغالب عندهم أن یسوق إلیها المهر عند التزوج فإذا طلقها استحق أن یطالبها بنصف ما ساق إلیها، فإذا ترک المطالبة فقد عفا عنها أو سماه عفواً علی طریق المشاکلة.

وعن جبیر بن مطعم: إنه تزوج امرأة وطلقها قبل أن یدخل بها فأکمل لها

ص:131


1- سورة البقره: الآیة 237

الصداق وقال: أنا أحق بالعفو((1)).

وعنه إنه دخل علی سعد بن أبی وقاض فعرض علیه بنتاً له فتزوجها، فلما خرج طلقها وبعث إلیها بالصداق کاملاً، فقیل له: لم تزوجتها، فقال: عرضها علی فکرهت رده، قیل: فلم بعثت بالصداق، قال: فأین الفضل((2)).

وعلی إعطاء الزوج کل المهر یعمل ما رواه محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن المهر متی یجب، قال: «إذا أرخیت الستور وأجیف الباب»، وقال: «إنی تزوجت امرأة فی حیاة أبی علی بن الحسین (علیهما السلام) وإن نفسی تاقت إلیها فذهبت إلیها فنهانی أبی فقال: لا تفعل یا بنی، لا تأتها فی هذه الساعة، وإنی أبیت إلاّ أن أفعل، فلما أن دخلت علیها قذفت إلیها بکساء کان علیّ وکرهتها وذهبت لأخرج، فقامت مولاة لها فأرخت الستر وأجافت الباب، فقلت: مه قد وجب الذی تریدین»((3)).

فقد حمله الشیخ علی أنه أوجبه (علیه الصلاة والسلام) علی نفسه ولم یکن واجباً.

ثم إن الروایات الواردة عن طریق الخاصة متفقة فی أن المراد بمن بیده عقدة النکاح من هو فی طرف المرأة لا الزوج، کصحیح ابن سنان، عن الصادق (علیه السلام): »الذی بیده عقدة النکاح فهو ولی أمرها».

وحسن الحلبی أیضاً فی قوله تعالی (أو یعفو) الآیة: «هو الأب والأخ

ص:132


1- کما فی سنن البیهقی: ج7 ص251
2- الوسائل: ج15 ص68 الباب 55 من أبواب المهور ح6
3- الوسائل: ج14 ص412 الباب 8 من أبواب عقد النکاح ح2

والرجل یوصی إلیه والرجل یجوز أمره فی مال الامرأة فیبیع لها ویشتری، فإذا عفا فقد جاز»((1)).

ونحوه خبر سماعة، عنه (علیه السلام) أیضاً.

وروایة ابن أبی عمیر، عنه (علیه السلام) أیضاً: «یعنی الأب، والذی توکله المرأة وتولیه أمرها من أخ أو قرابة أو غیرهما»((2)).

وفی خبر إسحاق بن عمار: «أبوها إذا عفا جاز له، وأخوها إذا کان یقیم بها وهو القائم علیها فهو بمنزلة الأب یجوز له، وإذا کان الأخ لا یهتم ولا یقیم علیها لم یجز أمره»((3)).

وفی خبر أبی بصیر، عنه (علیه والصلاة والسلام) أیضاً، قال: «هو الأخ والأب والرجل یوصی إلیه والذی یجوز أمره فی مال یتیمته»، قال: قلت: أرأیت إن قالت: لا أجیز ما یصنع، قال: «لیس لها ذلک أتجیز بیعه فی مالها ولا تجیز هذا»((4)).

وفی صحیح ابن مسلم وأبی بصیر، عن الباقر (علیه الصلاة والسلام): «هو الأب والأخ والموصی إلیه والذی یجوز أمره فی مال الامرأة من قرابتها فیبیع لها ویشتری فأی هؤلاء عفا فعفوه جائز فی المهر»((5)).

وسأل رفاعة فی الصحیح الصادق (علیه الصلاة والسلام)، عن الذی بیده عقدة النکاح، فقال: «الولی الذی یأخذ بعضاً ویترک بعضاً ولیس له أن یدع کله»((6)).

ص:133


1- الوسائل: ج15 ص62 الباب 52 من أبواب المهور ح1
2- الوسائل: ج15 ص62 الباب 52 من أبواب المهور ذیل الحدیث
3- الوسائل: ج15 ص63 الباب 52 ح5
4- الوسائل: ج15 ص63 الباب 52 من أبواب المهور، وتمام الحدیث ذکرها فی البحار: ج103 ص358 (الطبعة الحدیثة)
5- الوسائل: ج14 ص412 الباب 8 من أبواب عقد النکاح ح5
6- الوسائل: ج14 ص412 الباب 8 من أبواب عقد النکاح ح3

وعن العیاشی فی تفسیره، عن أبی بصیر، عن أبی جعفر (علیه الصلاة والسلام)، فی قول الله عزوجل: ﴿أو یعفو الذی بیده عقدة النکاح﴾ قال: «هو الأب والأخ یوصی إلیه والذی یجوز أمره فی مال المرأة فیبتاع لها ویشتری فأی هؤلاء عفا فقد جاز»((1)).

وعن عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «الذی بیده عقدة النکاح هو ولی أمره»((2)).

أقول: الظاهر أن الضمیر یرجع إلی النکاح.

وعن رفاعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «الذی بیده عقدة النکاح هو الولی الذی أنکح، یأخذ بعضاً ویدع بعضاً ولیس له أن یدع کله»((3)).

وعن رفاعة أیضاً، عنه (علیه الصلاة والسلام)، قال: سألته عن الذی بیده عقدة النکاح، فقال: «هو الذی یزوج، یأخذ بعضاً ویترک بعضاً، ولیس له أن یترک کله».

ثم إن محشی الکشاف بعد أن نسب القول إلی أن المراد بمن بیده عقدة النکاح الولی إلی إمام المالکیة مالک قال:

(وصدق الزمخشری إنه قول ظاهر الصحة علیه رونق الحق وطلاوة الصواب لوجوه:

الأول: إن الذی بیده عقدة النکاح ثابتة مستقرة هو الولی، وأما الزوج فله ذلک حالة العقد المتقدم خاصة، ثم هو بعد الطلاق لیس من عقدة النکاح فی شیء البتة، فإن قیل أطلق علیه ذلک بعد الطلاق بتأویل (کان) مقدرة فلا یخفی علی

ص:134


1- الوسائل: ج15 ص63 الباب 52 من أبواب المهور ح3،  تفسیر العیاشی: ج1 ص125
2- الوسائل: ج14 ص213 الباب 8 من أبواب عقد النکاح ح2
3- الوسائل: ج14 ص213 الباب 8 من أبواب عقد النکاح ح3

المنصف فی ذلک من البعد والخروج من حد إطلاق الکلام وأصله.

الثانی: إن الخطاب الأول للزوجة بقوله: إلاّ أن یعفون، وفیهن من لا عفو لها البتة کالأمة والبکر، فلولا استتمام التقسیم بصرف الثانی إلی الولی علی ابنته البکر أو أمته لزم الخروج عن ظاهر عموم الأول، وحیث حمل الکلام علی الولی صار الکلام بمعنی: إلاّ أن یعفون إن کن أهلاً للعفو أو یعفو لهن إن لم یکن أهلا، ولهذا کان الولی الذی یعفو ویعتبر عفوه عند مالک هو الأب فی ابنته البکر، والسید فی أمته خاصة.

الثالث: إن الکتاب العزیز قسم الأقسام وانتظم أطراف الکلام والأمر فیه علی هذا المحمل بهذه المثابة، فإن الآیة حینئذ مشتملة علی خطاب الزوجات ثم الأولیاء ثم الأزواج بقوله تعالی: ﴿ولا تنسوا الفضل بینکم﴾((1))، فتکون علی هذا الآیة الکریمة جامعة للمقاصد.

الرابع: إن المضاف إلی صاحب عقدة النکاح العفو، کما هو مضاف إلی الزوجات، والعفو الإسقاط لغة وهو المراد فی الأول اتفاقاً، إذ المضاف إلی الزوجات هو الإسقاط بلا ریب، ولو کان المراد بصاحب العقدة الزوج لتعین حمل العفو علی تکمیل المهر وإعطائه ما لا یستحق علیه، وهذا إنما یطابقه من الأسماء التفضل، ومن ثم قال فی خطاب الأزواج: ﴿ولا تنسوا الفضل بینکم﴾، لأن المدلول من جهته غیر مستحق علیه، هو فضل لا عفو.

ولا یقال: لعل الزوج تعجل المهر کاملاً قبل الطلاق وطلق، فیجب استرجاع النصف فیسقطه ویعفو عنه، وحینئذ یبقی العفو من جانب الزوج علی ظاهره وحقیقته.

ص:135


1- سورة البقرة: الآیة 123

لأنا نقول: حسبنا فی رد هذا الوجه ما فیه من الکلفة وتقدیر ما الأصل خلافه.

الخامس: إن صدر الآیة خطاب للأزواج بقوله: ﴿وإن طلقتموهن﴾ إلی قوله: ﴿فرضتم﴾ فلو جاء قوله: ﴿أو یعفو الذی بیده عقدة النکاح﴾((1)) مراداً به الزوج لکان عدولاً والتفاتاً من الخطاب إلی الغیبة، ولیس هذا من مواضعه، ولأجل هذا جاء قوله: ﴿ولا تنسوا الفضل بینکم﴾ علی صیغة الخطاب، لأن المراد به الأزواج لخطابهم أولاً.

السادس: إن قوله: ﴿إلا أن یعفون﴾ وما عطف علیه استثناء من قوله: ﴿فنصف ما فرضتم﴾ وأصل الکلام، (فنصف ما فرضتم)((2)) واجب علیکم إلاّ أن یعفو عنه الزواجات فلیس بواجب علیکم إذاً، فإذا حمل الکلام علی الولی استقام إذ هم لو کمل المهر لهن فالنصف واجب علیهم ولا یتغیر ولا یخالف الحالة المستثناة مما وقع منه الاستثناء، فلا یجری الاستثناء علی حقیقته فی المخالفة بین الأول والثانی، إلاّ أن یقال: مقتضی قوله (فنصف ما فرضتم) واجب علیکم أن النصف الآخر غیر مؤدی إلیهن لأنه ساقط عن الزوج، فإذا عفا بمعنی کمل المهر فقد صار النصف الآخر مؤدی إلیهن، وفی هذا التأویل من الکلفة ما یسقط مؤنة رده).

وقد نقلناه بطوله لکثره فوائده، ولأنه موافق للروایات التی ذکرناها .

ثم إن من المحتمل إرادة (أو یعفو الذی بیده عقدة النکاح) الأعم من الزوج وولیه وولیها منه علی معنی ثبوت النصف بالطلاق، (إلا أن یعفون) أو یعفو أحد هؤلاء فلا تنصیف حینئذ.

ص:136


1- سورة البقرة: الآیة 237
2- سورة البقرة: الآیة 123

وفی الجواهر: (العمدة النصوص السابقة التی لا یعارضها ما فی بعض الشواذ من کون المراد به الزوج، خصوصاً بعد اتفاق الإمامیة أو کالانفاق علی مضمونها).

والظاهر أنه أراد بالشواذ ما عن الشیخ فی التبیان وابن إدریس من أنه قد ورد فی بعض أخبارنا: الذی بیده عقدة النکاح هو الزوج، لا ما ذکره هامش الجواهر المطبوع جدیداً من أنه فی سنن البیهقی.

ویؤید إرادة الأعم ما ورد فی الروایات من استحباب تحمیل المطلقة بما یقدر الإنسان علیه.

مثل ما رواه جابر، عن أبی جعفر (علیه السلام)، فی قوله تعالی: ﴿فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جمیلا﴾، قال: «متعوهن حملوهن بما قدرتم علیه فإنهن یرجعن بکآبة وحیاء (وخسارة خ ل) وهمّ عظیم وشماته من أعدائهن، فإن الله کریم یستحیی ویحب أهل الحیاء، إن أکرمکم عند الله أشدکم إکراماً لحلائلهم»((1)).

وعن الحسن بن سعید، عن أبیه، قال: کان تحت الحسن بن علی (علیهما السلام) امرأتان تمیمیة وجعفیة، فطلقهما جمیعاً وبعثنی إلیهما وقال: «أخبرهما فلتعتدا وأخبرنی بما تقولان ومتعهما العشرة الآلاف وکل واحدة منهما بکذا وکذا من العسل والسمن»، فأتیت الجعفیة فقلت: اعتدی، فتنفست الصعداء، ثم قالت: متاع قلیل من حبیب مفارق، وأما التمیمیة فلم تدر ما اعتدی، حتی قال لها النساء، فسکتت، فأخبرته بقول الجعفیة، فنکت فی الأرض، ثم قال: «لو کنت مراجعاً لامرأة لراجعتها»((2)).

والروایة الثانیة وإن کان ظاهرها أنها بعد الدخول، إلاّ أنها تشمل بالمناط

ص:137


1- الوسائل: ج15 ص58 الباب 49 من أبواب المهور ح6
2- المستدرک: ج2 ص611 الباب 35 من أبواب المهور ح5

ما ذکرناه، وقد تقدم الکلام حول الروایتین فی باب متعة المطلقة.

ثم إنه یلزم القول بأنه لو کانت هی رشیدة وعفت، أو کانت ولّت إنساناً أمرها کما هو الغالب فی تولیتهن الإخوة والأعمام وبعض الأقرباء الأخر والأوصیاء، أو کانت صغیرة ولها ولی شرعی کالأب والجد والوصی والقیم والحاکم ومن أشبه، صح العفو، أما إذا لم یکن ولی شرعی لم یصح.

وذکر الأخ والوصی فی الروایات وما أشبه منصرف إلی المتعارف من تولیة البنات لهم، لا أن المراد حقهم فی ذلک ولو بدون التولیة.

ویدل علی ما ذکرناه الإجماع المنقول علی عدم الولایة لغیر الأب والجد ومن أشبه، وبعض الروایات السابقة، کروایة إسحاق بن عمار وابن أبی عمیر، بل ویؤیده أیضاً ما عن العیاشی حیث قال: «الذی بیده عقدة النکاح هو الأب والأخ یوصی إلیه»، مما یدل علی أن الأخ إذا لم یکن أوصی إلیه لم یصح أمره.

ومنه یظهر وجه النظر فی قول الحائری حیث قال بعد جملة کلام له: (وبالجملة بعد إمکان ثبوت الولایة للأخ والوصی والأقارب وغیرهم علی التصرف فی مال الصغیر بالبیع والشراء لها من جهة کونه من الأمور الحسبة التی لا یرضی الشارع بإهمالها وإمکان ثبوت الملازمة بین الولایة علی التصرف فی أموالها والولایة علی نکاحها لا مانع من الأخذ فی مرحلة الإثبات بما هو ظاهر هذه الأخبار من ثبوت الولایة علی نکاح الصغیرة للأخ والوصی والأقارب وأمثالهم ممن له الولایة علی التصرف فی أموالها.

نعم روایة ابن أبی عمیر ظاهرة فیما ذکره الأصحاب إلاّ أنها لمکان إرسالها لا تصلح للمعارضة مع غیرها من الأخبار التی أکثرها من الصحاح فتدبر.

ص:138

أما روایة سماعة فلا یمکن العمل بظاهرها، فإنها مخالفة لبعض الروایات المتقدمة ولدلیل السلطنة، بل ولظاهر الآیة الکریمة، حیث قال: ﴿الذی بیده عقدة النکاح﴾((1))، ومن المعلوم أنه لیس بید غیر المجاز عقدة النکاح، فاللازم حملها علی نهیها التنزیهی کما یتعارف مثل هذا النهی کثیراً مع الإجازة فی العرف.

ثم الولی إذا رأی المصلحة فی العفو عفا، وإن لم تکن مصلحة لها، إذ المصلحة أعم من مصلحتها، وذلک لإطلاق الأدلة، وقد ألمعنا إلی کون المصلحة أعم فی بعض المسائل السابقة.

قال فی الجواهر: (ربما حکی عن ابن إدریس والعلامة فی المختلف وحاشیة الکرکی اعتبار المصلحة فی العفو ولو عن البعض، ومقتضاه عدم الخصوصیة للمقام، لکن قد یستفاد من معقد الاتفاق فی محکی الخلاف والمبسوط أن للأب والجد العفو، وأنه المذهب فی محکی التبیان ومجمع البیان وروض الجنان للشیخ أبی الفتوح وفقه القرآن للراوندی، ویظهر من الأخبار أن للمقام خصوصیة وهی جواز عفوهما مطلقاً مع المصلحة وعدمها).

لکن قد عرفت أن الأمر أعم من الأب والجد، ویؤیده ظاهر خبر إسحاق بن عمار وغیره.

والظاهر جریان الفضولیة فی المقام، فإذا عفا الفضول وأجیز کفی، لشمول إطلاق الأدلة له بعد العرفیة فی مثله.

وإذا کان لها أولیاء متعددون فأی ولی عفا کفی فی الأمر، لإطلاق الأدلة من

ص:139


1- سورة البقره: الآیة 237

غیر فرق بین أن یکون الأب والجد أو الوکیلان أو ما أشبه.

والظاهر أن للولی أن یعفو عن بعض الصداق أو عن کله، وإن کان العفو عن الجمیع مکروهاً، فقد روی زرارة وحمران ومحمد بن مسلم جمیعاً، عن أبی جعفر وأبی عبد الله (علیهما السلام) فی قوله تعالی: ﴿إلا أن یعفون أو یعفو الذی بیده عقدة النکاح﴾ قال: «هو الذی یعفو عن بعض الصداق أو یحط عنه بعضه أو کله»((1))، کذا فی الوسائل فی الطبعة القدیمة، لکن فی بعض کتب الفقه قال: الولی هو الذی یعفو عن الصداق أو یحط بعضه أو کله.

وعلی أی حال، فهذه الروایة معتضدة بظاهر الآیة المبارکة، والروایات تدل علی جواز العفو عن الکل أیضاً.

وعلیه فاللازم حمل ما دل علی عدم العفو عن الکل علی الکراهة، وإن کان ربما یظهر من المشهور عدم الجواز.

قال فی الحدائق: أکثر الأخبار مطلق بالنسبة إلی عفو غیرها بأن یعفو عن الکل أو البعض، وربما ظهر من بعضها جواز عفوه عن الکل أیضاً، إلاّ أن صحیحة رفاعة قد صرحت بأنه لیس له العفو عن الکل، وعلیها ظاهر کلام الأصحاب، بل ربما ظهر من المبسوط والتبیان ومجمع البیان والرواندی فی فقه القرآن دعوی الإجماع علیه، وفی المختلف وفاقاً للجامع أن المصلحة إن اقتضت العفو عن الکل جاز، ومورد الصحیحة المذکورة هو الولی الشرعی وإطلاقها یقتضی جواز عفوه سواء کان فیه مصلحة المولی علیه أم لا، وأما هی فلها أن تعفو عن الجمیع لأنه مالها.

ص:140


1- الوسائل: ج15 ص63 الباب 52 من أبواب المهور ح4

وفی الجواهر: لعل دلیل المنع الأصل وصحیح رفاعة ومرسل ابن أبی عمیر.

ثم قال: إن کشف اللثام تبع المختلف والجامع فی جواز العفو عن الکل، أما هو فقد تبع المشهور فی المنع.

والذی یظهر من الجواهر والمسالک بل وجماعة آخرین أیضاً أنهم لم یطلعوا علی الروایة التی ذکرناها، ولذا أهملوها ولو اطلعوا علیها _ وهی نص علی العفو عن الکل _ لم یکن وجه لإهمالها مع کونهم فی مقام الاستیعاب والتفصیل.

وعلی أی حال، فإذا قلنا بعدم صحة العفو عن الجمیع فعفا جهلاً أو عمداً بطل الزائد عن مقدار ما له عفو عنه، إذ لا وجه لبطلان الکل، أما ما لیس له فلعله یختلف فی الأعراف وأشخاص الزوجین والأولیاء، حیث إن للأولیاء العفو إلاّ ما خرج، یجعل المستثنی منه علی وفق الأصل لا المستثنی.

فإذا عفا مثلاً وشک فی أن الباطل منه عشرة أو خمسة حکم بأنه خمسة، ولو قلنا بعدم صحة عفو الجمیع وکان المهر علی شکل واحد کمائة دینار مثلاً فلا إشکال.

أما إذا کان علی أشکال متعددة مثل دینار وشاة وثوب، فهل الباطل أحدها علی سبیل الخیار من الزوجة أو الولی أو علی القرعة أو علی سبیل المردد بدون اختیار جدید، أو یشترک الزوج والزوجة فی المهر فیکون لها بقدر أقل ما یبطل عفوه فی الجمیع، احتمالات، لا یبعد الأخیر، لأنه من المشترک، فلا وجه للاحتمالات الأخر.

ص:141

وإذا عفا عن الجمیع وقلنا بالصحة وقد تصرفت المرأة فی الجمیع أو البعض وجب علیها رد المثل أو القیمة، اللهم إلاّ أن یکون التصرف جائزاً أو لازماً موقتاً کالرهن فیکون الکلام هنا کالکلام فی السابق فیما إذا تصرفت المرأة فی الصداق ثم طلقت قبل الدخول حیث علیها أن ترد نصف المهر لوحدة الملاک فی المسألتین.

ومنه یعلم أن المرأة أو الولی لو عفا عن البعض یکون المهر مشترکاً بین الزوج وبینها بالنسبة.

ولو اختلفا فی أن العفو هل حصل علی الشاة أو الفرس، فالقول قول العافی إلاّ أن یقیم الطرف البینة، لأنه المدعی والعافی هو المنکر بعد أن کان ذا ید وأبصر بنیته وعمله، وقد ألمعنا سابقاً إلی أنه لو عفا فلم یقبل الطرف کان للطرف الحق، لأن سقوط المال عن ذمته أو الهبة له مثلاً بدون رضاه تصرف فی سلطته ینفیه «الناس مسلطون» علی تردد.

ولا یبعد أن یصح أن تقول المرأة أو ولیها: عفوت عن أیهما، مردداً لأنه عرفی، ولا غرر فی مثل المقام علی ما تقدم فی بعض المسائل السابقة الإلماع إلیه.

ثم الظاهر أنه یجوز لولی الزوج أن یعفو عن حقه إن حصل الطلاق منه ثم صار مولی علیه بجنون ونحوه، أو بلغ فاسد العقل وقلنا بصحة طلاق الولی عنه حینئذ، أو طلق الحاکم الشرعی لمصلحة فی ذلک لأنه منصوب لمصلحته فقد تکون المصلحة فی العفو کلاً أو بعضاً، فإن شأن العفو کسائر الشؤون، وقد ذکرنا فی باب الخیار أن للولی أن یأخذ بالخیار وأن لا یأخذ به، وکذلک بالنسبة إلی التزویج وقدر المهر، وغیر ذلک من کل الشؤون، فإطلاق أدلة الولایة شاملة لمثل ذلک أیضاً.

ص:142

ومنه یعرف وجه النظر فی قول الشرائع حیث قال: لا یجوز لولی الزوج أن یعفو عن حقه إن حصل الطلاق لأنه منصوب لمصلحته ولا غبطة له فی العفو، وإن تبعه غیر واحد فی ذلک.

مثلاً قال فی القواعد: ولیس لولی الزوج العفو عن حقه مع الطلاق، بل فی الجواهر: ظاهرهم الاتفاق علیه، لکن کلامه محل نظر، فإن کثیراً من الفقهاء لم یتعرضوا لهذا الفرع إطلاقاً.

ویظهر من بعضهم نوع تردد فی المسألة، مثلاً قال فی المسالک: ولو فسرنا (من بیده عقدة النکاح) بما یشمل الوکیل دخل وکیل الزوج فی الحکم المذکور هنا أیضاً، کما یدخل ولیه، ولو رأی ولی أحدهما العفو فعفا لم یحق لهما بعد البلوغ والعقل وما أشبه الإرجاع، لأن معنی جعل الولی لهم نفوذ عمله بالنسبة إلیهم إلاّ إذا ثبت بطلانه وهو مفروض العدم.

ولو ادعاه الذی کمل فعلیه الإثبات، وإذا لم یتمکن من الإثبات فعلی الولی الحلف لقاعدة المدعی والمنکر.

ثم لو قلنا: لا حق للولی فی عفو الجمیع فعفت هی النصف والولی النصف أو عفا ولیان کل واحد منهما النصف أو ما أشبه، فإذا تقدم أحدهما صح وبطل المتأخر بقدر الذی یکون أکثر من الحق، وإذا تقارنا صح منهما بالنسبة باستثناء ما لا یصح، مثلاً إذا کان الصحیح عفو أربعین من الخمسین الذی هو نصف المهر فعفا کل ولی عن خمسة وعشرین صح بالنسبة إلی عشرین من کل واحد لا الخمسة المتزایدة، ولو عفا أحدهما عن خمسین والآخر عن ثلاثه أخماس من الخمسین نقص من صاحب الخمسین أربعة، ومن صاحب الثلاثة أخماس ستة،

ص:143

إلی غیر ذلک، وهو لعدم أولویة أحدهما من الآخر بعد فرض تقارنهما.

نعم إذا کان أحدهما مقدماً ورد النقص علی الثانی من عفو الولیین أو عفو الولی بعدها، لأنه لا مجال له بعد التکمیل للقدر الذی یصح العفو عنه، ولو عفی الولی أولاً وهی ثانیاً کان حسب ارتکازها بأن عفوها مطلق أو مقید بعدم العفو قبلها، فعلی الأول یصح العفوان، وعلی الثانی یبطل من العفو المتقدم بقدر الزائد.

ثم إن العفو إنما یکون بعد الطلاق، فإذا عفا أحدهما قبله لم یکن من العفو المذکور فی الآیة والروایة والفتاوی، ومجرد ملک أن یملک العفو لا یصححه، فاللازم إذا شاء أحدهما العفو أن یعفو بعد الطلاق.

قال فی المسالک: یشترط کونه بعد الطلاق قبل الدخول وقوفاً فیما خالف الأصل علی موضع الدلالة.

ثم إن الآیة صرحت بأن الحکم فی الطلاق حیث قال: ﴿وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فریضة فنصف ما فرضتم إلاّ أن یعفون أو یعفو الذی بیده عقدة النکاح وإن تعفوا أقرب للتقوی ولا تنسوا الفضل بینکم إن الله بما تعملون بصیر﴾((1)).

لکن یمکن سحب الحکم إلی المتعة وإلی الفسخ، للمناط ولقوله تعالی: ﴿ولا تنسوا الفضل بینکم﴾((2))، فتأمل.

ص:144


1- سورة البقرة: الآیة 123
2- سورة البقرة: الآیة 237

مسألة ٣٠ لو غیرت المهر

(مسألة 30): قال فی الشرائع ممزوجاً مع الجواهر: (لو أصدقها قطعة من فضة مثلاً فصاغتها حلیاً أو آنیةً محللة أو للادخار، بناءً علی جوازه، ثم طلقها قبل الدخول، کانت بالخیار فی تسلیم نصف العین أو نصف القیمة التی هی هنا المثل، لأنه لا یجب علیها بذل الصفة).

لکن الظاهر أن علیه بالنسبة من العین، فإذا کانت العین مائة وصارت بسبب الصیاغة مائة وخمسین فله منها الثلث.

لا یقال: إنه لیس (نصف ما فرضتم).

لأنه یقال: الاعتبار بالقیمة لأنه محط نظر العقلاء فی أمثال المقام، وحیث إن العین أقرب إلی مال الرجل وقد زادت زیادة لیست له کان اللازم إعطاءه بقدر القیمة من العین، وقد تقدم الجواب عن روایة مهر وصیف.

أما إذا نقصت قیمة العین بسبب الصیاغة، فصارت قیمة القطعة خمسین، أعطته النصف من العین، إذ لیست ضامنة کما تقدم، فهو مثل ما إذا هزلت الدابة أو خلق الثوب أو ما أشبه.

ومنه یعلم أنه لو أصدقها حلیاً فکسرته، أو انکسر عندها وأعادته صنعة أخری فهو من الزیادة والنقصان، وقد عرفت أن المتجه وجوب نسبة القیمة من العین فیما إذا ارتفعت والنصف فقط إذا انخفضت.

وإذا نقصت بسبب الکسر ثم ارتفعت بسبب الصیاغة کان له النسبة، مثلاً کانت قیمة العین المصاغة مائة فلما انکسرت صارت خمسین فلما أعادت صنعته بصنعة أخری صارت مائة، کان له بقدر قیمة خمسة وعشرین من العین، لأنها لم تکن ضامنة للنقص ولها الزیادة علی ما عرفت، اللهم إلاّ أن یقال: إن العرف یرون أنها هی فی ما أعادتها بصنعتها السابقة.

ص:145

ومنه یعلم النظر فیما ذکره الجواهر بقوله: ولو أصدقها حلیاً فکسرته أو انکسر عندها وأعادته صنعة أخری فهو زیادة ونقصان، وقد عرفت أن المتجه وجوب القیمة أیضاً لخبر العبد، لکن ذکروا فیه أن لهما معاً الخیار.

ثم قال: (إنما الکلام فیما إذا أعادت تلک الصنعة الأولی دون صنعة أخری، فإنه یحتمل الرجوع إلی نصفه، وإن لم ترض الزوجة لأنه الآن بالصفة التی کانت علیه عند الإصداق من غیر زیادة، ویحتمل اعتبار رضاها بذلک فلا یرجع بدون رضاها، لأنها زیادة حصلت عندها باختیارها، وإن کانت مثل الأولی والزیادة الحاصلة عندها تمنع من الرجوع بدون رضاها وإن جوزنا إعادة المعدوم بعینه فإنه یختلف باختلاف وضع الأجزاء وإن تشابه، ومن المعلوم عادة أن الأجزاء لا تعود إلی أوضاعها السابقة، نعم یتجه إن قیل باتصال الجسم مع بقائه حال الانکسار وإعادة الصفة بعینه ولم یقل به أحد).

هذا بالإضافة إلی أنه لا ربط للمسألة بإعادة المعدوم واتصال الجسم وغیره من الدقة الفلسفیة، فإن الأمور عرفیة لا فلسفیة لأنهم المخاطبون.

وقد قال سبحانه: ﴿ما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه﴾((1))، وقال (صلی الله علیه وآله): «إنا معاشر الأنبیاء أمرنا أن نکلم الناس علی قدر عقولهم»((2)).

ومنه یعلم أنه لا فرق بین ما ذکرناه من الصیاغة، وبین ما إذا هزلت الدابة عنده ثم سمنت، أو ضعفت الشجرة ثم رجعت إلی حالتها السابقة، إذ لا فرق بین أن تکون الصفة الجدیدة باختیارها أو بدون اختیارها.

ص:146


1- سورة إبراهیم: الآیة 4
2- الکافی: ج1 ص23 ح15

وعلی أی حال، فقد ظهر مما ذکرناه وجه الضعف فی ما فی الإیضاح عند قول العلامة: (لو أصدقها حلیاً فکسرته فأعادت صنعة أخری فهو زیادة ونقصان فلهما الخیار) قال: (إذا أصدقها حلیاً فکسرته ثم أعادته حلیاً ثم طلقها الزوج قبل الدخول فإما أن یکون قد صاغته علی صورة مخالفة للأولی أو مماثلة والقسم الأول قد ذکر المصنف حکمه ومبنی المسألتین وأمثالها علی قاعدة أن کل ما نقص المهر تخیر الزوج فی نصف العین والقیمة، وکلما زاد صفة تخیرت المرأة فی نصف العین والقیمة، وإن زاد ونقص بوجهین قدم مع التعارض فی اختیار العین المرأة وفی اختیار القیمة الرجل، ولا نزاع فی اختیار أحدهما العین والآخر القیمة).

فإنه لا وجه للخیار لأحدهما بعد وجود العین بضمیمة ظاهر ﴿نصف ما فرضتم﴾((1))، کما لا وجه لخسارة المرأة قیمة صفة حصلت لها أو قیمة صفة نقصت عندها، فاللازم ملاحظة النسبة فی الزیادة ونصف العین فی النقیصة علی ما ذکرناه.

وقد ذکر الإیضاح فی الجزء الثانی من المسألة، وهو ما إذا أعادت مثل تلک الصنعة، موضوع اختلاف المتکلمین فی إمکان اعادة المعدوم، ولعل الجواهر أخذه منه، مما لا یخفی الإشکال فیه بذاته أولاً، وبربطه بما نحن فیه ثانیاً، ولا حاجة إلی تفصیل الکلام فی ذکره ووجه التأمل فیه.

وکیف کان، فقد عرفت مما تقدم وجه النظر فی ما ذکره الشرائع ممزوجاً مع الجواهر حیث قال: (ولو کان الصداق ثوباً ففصلته وخاطته قمیصاً لم یجب علی الزوج أخذه، کما لا تجبر هی علی دفعه وکان له إلزامها بنصف القیمة، لأن

ص:147


1- سورة البقرة: الآیة 123

الفضة لا تخرج بالصیاغة عما کانت قابلة له، ولیس کذلک الثوب، ومن هنا وجب علیه القبول فی الأول بخلاف الثانی، وقد عرفت سابقاً قوة احتمال عدم وجوب القبول فی نظیر الأول أیضاً).

ومثل المثالین فی الحکم إذا أعطته بیضة فاستفرختها أو طحیناً فجعلته جبناً، أو حنطةً فطحنتها، أو طحیناً فخبزته، أو حلیباً فجعلته جبناً أو دهناً أو مخیضاً أو ما أشبه، أو شاة فذبحتها، أو حیواناً صغیراً فکبر، أو فسیلاً فصار نخلاً، إلی غیر ذلک من الأمثلة، حیث إن له بنسبة العین مع الزیادة ونصف العین مع التساوی أو النقیصة.

ثم إنه قد تقدم إطلاق الشرائع وتقیید الجواهر الآنیة بالمحللة ونحوها، والظاهر تمامیة الإطلاق الذی ذکره المحقق فإن وجوب الکسر مسألة أخری، وکذلک حال ما إذا صنعت الخشب آنیة أو صنماً أو آلة لهو أو ما أشبه، إلی غیر ذلک من الأمثلة فی المواد التی تصنع محرمة أو محللة.

ص:148

مسألة ٣١ لو نبت أرض المهر أو زرعتها

(مسألة 31): لو أصدقها أرضاً فنبت فیها أو زرعتها کان نصف الأرض له إن لم تزد القیمة، وإلاّ فله منها بالنسبة علی ما تقدم، ویکونان کالشریکین یفصل الحاکم بینهما، إما بالبیع لأحدهما أو ثالث ولکل قیمة ماله.

لکن البیع من أحدهما مقدم علی ثالث کما ذکرناه فی کتاب الغصب، لأنه أقل تصرفاً فی سلطنتهما، فإن رضی أحدهما بالبیع من الآخر فهو، وإن تعاسرا کان الفصل بجبر الحاکم بدون القرعة أو معها، ویحتمل أن مع التعاسر یصلح الحاکم بینهما بتقسیم العین أرضاً وبناءً بینهما حسب نسبة القیمة إذا کانت صالحة للتقسیم.

وعلی کل حال، فإما ییبع الحاکم أو یصلح بینهما بأن یتصرفا فیها تصرفاً مهایاتیاً، أو یجبرهما بالإیجار لثالث أو لأحدهما ویقدم أحدهما علی الثالث ولکل قدر نسبته، أو نحو ذلک.

لکن الظاهر أن المهایاة مقدمة ثم الإیجار ثم الإصلاح بتقسیم العین ثم البیع ونحوه، لاعتبار أن الأول أقل تدخلاً فی سلطنة المالک من الثانی، والثانی من الثالث، والثالث من الرابع، ومنه یظهر حال الصلح والهبة المعوضة وما أشبه.

ومما تقدم یظهر أنه لو قبلا بالبیع أو الإیجار أو ما أشبه فأرادا المعاملة مع زید لم یکن للحاکم المعاملة مع عمرو، وإن أراد کل المعاملة مع إنسان تخیر الحاکم بدون القرعة أو معها، ویحتمل الفرق بین تساویهما فی الحصة فکما ذکر، واختلافهما، مثلاً کان له الثلث ولها الثلثان فیقدم اختیارها، لأن ذلک أقل تصرفاً فی السلطة، إذ تقدیم اختیاره تصرف فی سلطتها وهی ضعف سلطته، فدلیل «الناس مسلطون» ینقض بالأقل حسب الإمکان، فهو کما إذا اضطر إلی أکل مال

ص:149

الغیر فی المخمصة، فإذا أکل من شعیر زید کفاه المد، أما إذا أکل من حنطة عمرو لم یکفه إلا مد وربع فیقدم الأول لأنه أقل تصرفاً فی سلطة الناس.

بل لا یبعد أن یکون الأمر کذلک فیما إذا تساویا حجماً واختلفا فی القیمة للجودة والرداءة ونحوهما، فیقدم التصرف فی الأقل قیمة، أما إذا اختلف الحجم والقیمة بأن کان الأکثر حجماً أقل قیمة لم یستبعد تقدیم الأکثر حجماً لأن الاعتبار فی أمثال هذه الأمور بالقیمة عرفاً، فیکون اختیار الأقل قیمة اختیار الخرق الأقل فی «الناس مسلطون»((1)).

ومنه یعرف حال ما إذا تساویا حجماً واختلفا قیمةً، کما إذا اضطر إلی اغتصاب دار زید أو دار عمرو وهما متساویتان حجماً، لکن إحداهما تسوی مائة والأخری خمسین، لبعد إحداهما وقرب الأخری.

وکذلک لو اختلفتا فی الإیجار، فإنه یتصرف فی الأقل قیمة، بل وکذلک حال الحجم فی الحرام، فإذا اضطر إلی شرب الخمر، فإن شرب الخمر الأثخن کفاه نصف رطل، أما الخمر الأرق فلا یرفع ضرورته إلاّ برطل، فإنه یقدم الأول، لأن الضرورة تقدر بقدرها.

ص:150


1- بحار الأنوار: ج2 ص272

مسألة ٣٢ لو أصدقها تعلیم سورة

(مسألة 32): قال فی الشرائع: (لو أصدقها تعلیم سورة کان حده أن تستقل بالتلاوة، ولا یکفی تتبعها لنطقه، نعم لو استقلت بتلاوة الآیة ثم لقنها غیرها فنسیت الأولی لم یجب علیه إعادة التعلیم، ولو استفادت ذلک من غیره کان لها أجرة التعلیم، کما لو تزوجها بشیء وتعذر علیه تسلیمه).

وفی کلا الفرعین نظر، فإن الاستقلال بتلاوة الآیة لیس من التعلیم عرفاً، ولذا قال فی الجواهر: (إن تحقق المراد من إطلاق تعلیم السورة بذلک عرفاً محل نظر أو منع، وعن بعضهم اعتبار ثلاث آیات مراعاة لما یحصل من الإعجاز وأقله سورة قصیرة مشتمله علی ثلاث آیات کالکوثر، والأجود الرجوع إلی العرف لعدم التقدیر شرعاً، ولا مدخلیة للإعجاز فی ذلک خصوصاً مع اختلاف الآیات قصراً وطولاً)، انتهی وهو جید.

أمّا فرعه الثانی، فقد ذکره فی المسالک معللاً بقوله: (لو تعلمت السورة المعینة من غیره فعلیه أجرة مثل ذلک التعلیم، لأنه عوض المهر حیث تعذر وفاؤه بعینه، ومثله ما لو مات أحدهما قبل التعلیم، وقد شرط تعلیمها بنفسه، أو تعذر تعلیمها لبلادتها، أو أمکن بتکلف عظیم زیادة علی المعتاد، ولا فرق مع تعلمها من غیره بین بذله لها التعلیم وعدمه لاشتراکهما فی المقتضی، ولیس هذا کوفاء دین الإنسان بغیر إذنه، حیث حکم ببراءته منه، لأن تعلیمه بنفسه لا یمکن إیفاؤه عنه بتعلیم غیره، لأن ذلک غیر التعلیم المجعول مهراً بخلاف الدین).

وفیه نظر، إذ یمکن أن یقال: فی صورة بذل الزوج لوقته للتعلیم وتمکن المرأة من التعلم منه لو ترکته وتعلمت من غیره کان کما إذا لم تستعد للتعلم أصلاً، حیث یسقط حقها لأنه نوع إعراض، فهو کما إذا استأجر إنساناً لقلع سنه فی هذا

ص:151

الیوم وبذل الأجیر نفسه لکنه لم یستعد للقلع حیث یسقط حقه، لأن المستأجر هو الذی فوت حق نفسه فلا وجه لحکم الشارع بضرر غیره.

وکذلک حال ما إذا تعلمت من غیره، فهو کما إذا قلع آخر سنه، وهکذا إذا استأجر عاملاً لخیاطة ثوبه فی هذا الیوم أو بناء داره أو کنس غرفته أو تعلیمه الکتاب الفلانی مثلاً، إلی غیر ذلک، فإن مقتضی القاعدة سقوط حقه بعدم التقدم إلی العمل الذی استأجر علیه مع بذل الأجیر نفسه.

والزوج لم یقدم علی إعطاء المال، فکیف یلزم به.

نعم إذا لم یستعد الزوج للتعلیم وهو قادر أو لعدم قدرته بسبب ما، حق لها أخذ البدل.

وإذا لم یعرف الزوج السورة ألزم بالتعلم ثم التعلیم إن کان المهر التعلیم مباشرة، وإلاّ لزم بأحد الأمرین منه ومن التعلیم بالتسبیب.

والکلام فی تعلیم السورة یأتی فی تعلیم کتاب أو قصیدة أو صنعة أو ما أشبه.

وکذلک حال ما إذا کان مهرها خیاطة ثوبها أو تعمیر دارها أو قطف ثمارها أو تشذیب أشجارها أو تعلیم ولدها أو تطییب مریضها أو نحو ذلک مما یدخل فی کیسها مباشرة أو کیس متعلقها علی ما سبق الإلماع إلی ذلک.

والظاهر صحة جعل المهر تعلیم الزوجة القرآن ولو کانت کافرة، ولا دلیل علی المنع بعد أصالة الجواز، والنبی (صلی الله علیه وآله) کان یقرأ القرآن علی الکفار فیتعلمون منه بلا شبهة وهم باقون علی کفرهم، فاحتمال إنه من إعطاء القرآن إلی العدو، حیث یمنع منه غیر ظاهر الوجه.

ص:152

نعم لا یصح جعل المهر مثل تعلیم السحر والقمار وما أشبه، کما لا یصح جعل المهر بناء کنیسة لها أو صنع صنم أو صلیب لها أو ما أشبه مما حرمه الإسلام، وإن کان جائزاً فی دینها، وقاعدة الإلزام لا تشمل مثل ذلک للانصراف.

ص:153

مسألة ٣٣ الجمع بین نکاح وبیع

(مسألة 33): قال فی الشرائع: یجوز أن یجمع بین نکاح وبیع فی عقد واحد، ویقسّط العوض علی الثمن ومهر المثل، ولو کان معها دینار فقال: زوجتک نفسی وبعتک هذا الدینار بطل البیع لأنه ربا وفسد المهر وصح النکاح.

والمسالک بعد أن نقل عن الشیخ بطلان عقد الصداق والصرف معاً وصحة النکاح بغیر مهر فیثبت مهر المثل قال: (وفیه نظر، لأن الدینار فی مقابلة الدینار والبضع، فیکون لکل منهما منه ما یقتضیه التقسیط کما هو شأن العقود المجتمعة فی عقد واحد، واللازم من ذلک بطلان الصرف خاصة وصحة النکاح بما یقتضیه تقسیط الدینار علی مهر مثلها وعلی الدینار، فلو فرض مهر مثلها دیناراً کان ما یخص المهر منه نصف دینار لاتفاقهما علی جعله فی مقابلة دینارین، فیبطل البیع فی نصف الدینار الذی یقابله، ولو فرض مهر مثلها عشرة دنانیر قسم الدینار علی أحد عشر جزءاً وکان المهر عشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من الدینار فیلزم فیه، وبطل البیع فی جزء من أحد عشر جزء من دینار، ومثل هذا آت فی کل مختلفین جمعا فی عقد واحد بعوض واحد، ولا یلزم من بطلان الربا بطلان الأمرین لوجود المقتضی للصحة وانتفاء المانع).

وأشکل علیه فی الجواهر بأن عقد المعاوضة واحد إلاّ أن عدم بطلان النکاح من جهة عدم اعتبار العوض فیه وإلاّ فلا ریب فی بطلان بعتک الفرس والدینار بدینار، بل وبعتک الفرس ووهبتک الدینار بدینار، بناءً علی جریان الربا فی سائر المعاوضات).

والظاهر التفصیل فی المسألة بصحة النکاح کما ذکره المسالک وبطلان البیع، وبصحة البیع فی الفرس والدینار إن قصدا معاملتین، وببطلانهما إن قصدا

ص:154

معاملة واحدة، وذلک لأن النکاح والبیع معاملتان فی عقد واحد، فلکل معاملة حکمه، فهو کما إذا قال: أنکحتک بنصف دینار وبعتک بنصف دینار، ولا یعقل معاملة واحدة بالنسبة إلی البیع والنکاح.

وکذلک حال قصدهما معاملتین حیث یصح بیع الفرس ویبطل بیع الدینار، أما إذا قصدهما معاملة واحدة بطل، لأنه یستلزم الربا، وقد ذکرنا فی بعض کتب (الفقه) أن جمع الأجزاء فی صورة معاملة واحدة یمکن قصدها معاملات فلکل معاملة حکمه، ویمکن قصدها معاملة واحدة فللکل حکم واحد کالخیار وتبعض الصفقة وغیرهما، وعلیه فکلا الإطلاقین محل نظر.

ومما تقدم ظهر أنه ربما یبطل النکاح لأنه من المحرمات کالرضاعی ونحوه، ویصح البیع فیما لیست المعاملة بالجنس.

وعلی أی حال، فالنکاح دائماً مستقل سواء انضم إلی نکاح آخر أو إلی بیع أو ما أشبه، أما سائر المعاملات فإن کانتا معاملتین کالرهن والبیع فکل وحده وکل بانفراده، وربما یکون لهما حکم واحد أو حکمان حسب القصد إذا کانت الأجزاء من جنس واحد کبیعین أو رهنین أو ما أشبه.

ثم إنه لا وجه للقول بصحة النکاح والبیع معاً بالنسبة إلی القدر المساوی لتخصیص الحرمة والفساد بالزیادة، لأنها محل النهی فی قوله تعالی: ﴿أحل الله البیع وحرم الربا﴾((1))، کما ذکروا تحققه فی باب الربا.

ولذا قال الحائری: نعم لو قلنا بصحة المعاملة المشتملة علی الربا واختصاص الحرمة والفساد بالزیادة لأنها محل النهی فی قوله تعالی: ﴿أحل الله البیع

ص:155


1- سورة البقرة: الآیة 275

وحرم الربا﴾ أمکن الجمع بین صحة البیع والمهر معاً، لکنه فی معزل عن التحقیق، فإن ظاهر النصوص والفتاوی هو تحریم نفس المعاملة المشتملة علی الربا لا خصوص الزیادة، ویمکن أن یکون هذا أیضاً محل النهی فی الآیة المبارکة بأن یکون معنی ﴿أحل الله البیع وحرم الربا﴾ أحل الله البیع الذی لا ربا فیه، وحرم البیع الذی فیه الربا، کما حکی عن مجمع البیان.

ثم إنهم ذکروا أنه لو اختلف الجنس کالدینار بالدرهم صح الجمیع، لوضوح عدم الربا حینئذ، نعم یعتبر تحقق شرط الصرف وهو التقابض فی المجلس، وإلاّ بطل فیما یقابل الدرهم من الدینار، وصح فیما اقتضاه المهر من التقسیط بعدم اعتبار التقابض فیه فی المجلس.

ومما تقدم ظهر أنه لو أنکح امرأتین فی عقد واحد، سواء کان لرجل أو لرجلین وکان أحدهما صحیحاً والآخر باطلاً یقسّط المهر بینهما بالنسبة، والمراد من النسبة نسبة أحدهما وحده لا نسبة أحدهما مع الآخر، فإذا کان تزویج البنتین معاً بأخوین مثلاً یوجب أن یکون مهر الصغری ثلثی مهر الکبری، أما إذا تزوجت الصغری وحدها کان مهرها بقدر مهر الکبری إذا تزوجت وحدها، سبب بطلان نکاح الکبیرة أن یکون للصغری نصف المهر لا ثلثاه وهکذا.

لکن ذلک إذا لم یکن القصد ولو ارتکازاً النسبة المعیة، وإلاّ کان للصغری الثلثان، ویکون الکلام حینئذ فی الزیادة أو النقیصة عن مهر المثل علی ما تقدم ویأتی فی مسألة ما لو زوجها الولی بدون مهر المثل.

ومنه یعلم الکلام فیما لو جمع البیع والنکاح فی صیغة واحدة، حیث إنه إذا بطل أحدهما لوحظت النسبة الوحدویة لا النسبة المعیة.

ص:156

مسألة ٣٤ الزواج علی مهر مبهم

(مسألة 34): قال فی الشرائع: (لو تزوجها علی مال مشار إلیه غیر معلوم الوزن، فتلف قبل قبضه فأبرأته منه صح، وکذا لو تزوجها بمهر فاسد واستقر لها مهر المثل فأبرأته منه أو من بعضه صح، ولو لم تعلم کمیته لأنه إسقاط للحق فلم یقدح فیه الجهالة، ولو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول لم یصح لعدم الاستحقاق).

ومقتضی القاعدة هو ما ذکره، وذلک لعموم أدلة الإبراء، نعم عن الشیخ المنع عند الجهل بالقدر وکأنه لدلیل (لا غرر) المستفاد من الروایة: «نهی النبی (صلی الله علیه وآله) عن الغرر»((1)).

أما احتمال الجواهر أخیراً بأنه لو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول یحتمل الصحة لأنه تحقق استحقاق أن تستحق بالعقد مثلاً فیصح إسقاط ذلک الاستحقاق لکنه لیس إبراءً من مهر المثل.

محل نظر، فإن استحقاق أن تستحق لا یوجب الإبراء، وإن کان ربما یحتمل الفرق بین أقسام ملک أن یملک کما ذکرنا نظیره فی بعض المباحث السابقة.

ولو أصدقها أبو الولد من مال الولد مثلاً وهما صغیران ثم طلقها الزوج بعد البلوغ قبل الدخول صح رجوع النصف إلیه، وإن لم یعرف أی شیء منه، هل هو دینار أو شاة أو کتاب، ولم یعرف الکم والکیف وسائر الخصوصیات مثلاً، ویصح أن یعفو الولد عن ماله وأن تعفو هی عن مالها، لإطلاق الأدلة، وربما یحتمل عدم الصحة لأنه غرر، وقد نهی النبی (صلی الله علیه وآله) عن الغرر.

اللهم إلاّ أن یقال: بانصراف دلیل الغرر عن مثله، فهو مثل ما لو طلب إنسان

ص:157


1- الوسائل: ج12 ص266 الباب 12 من أبواب عقد البیع وشروطه ح13

من إنسان شیئاً لا یعلمان کلاهما أیة خصوصیة من الدین، لأن التعامل وقع بین أبویهما مثلاً، أو مضی علی الدین زمان طویل فنسیاه، حیث لا ینبغی الإشکال فی صحة هبة الدائن دینه للمدیون، فإن ذلک عرفی لم یمنع الشارع عنه، بل إطلاق الأدلة یشمله، وقد عرفت انصراف دلیل الغرر عن مثل ذلک.

بل یصح إبراء أی من الزوجین عن الآخر ما یعلم بأن الطرف مدین له، لکن لا یعلم هل سبب الدین مهرها منه أو رجوع نصفه إلیه أو لجنایة أو دین أو غیر ذلک.

ص:158

مسألة ٣٥ لو زوجها الولی بدون مهر المثل

(مسألة 35): قال فی الشرائع: (إذا زوجها الولی بدون مهر المثل، قیل: یبطل المهر ولها مهر المثل، وقیل: یصح المسمی، وهو أشبه).

أقول: مقتضی القاعدة أن ولی البنت أو الولد إذا زوجهما بما هو مصلحة أو بما لیس بمفسدة (علی الاختلاف الذی تقدم فی أولیاء العقد) صح العقد والمهر، لما دل من عمومات الکتاب والسنة علی کونهم أولیاء، قال سبحانه: ﴿إلاّ أن یعفون أو یعفو الذی بیده عقدة النکاح﴾((1))، حیث الذی بیده عقدة النکاح یشمل ولی الصغیر والمجنون أیضاً.

وفی صحیح الفضل بن عبد الملک، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یزوج ابنه وهو صغیر، قال: «لا بأس»، قلت: یجوز طلاق الأب، قال (علیه السلام): «لا»((2)).

وصحیح محمد بن إسماعیل بن بزیع، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الصبیة یزوجها أبوها ثم یموت وهی صغیرة فتکبر قبل أن یدخل بها زوجها یجوز علیه التزویج أو الأمر إلیها، قال (علیه السلام): «یجوز علیها تزویج أبیها»((3)).

إلی غیرهما من الروایات الکثیرة.

نعم إذا لم تکن مصلحة علی القول باشتراط المصلحة أو کانت مفسدة کان المهر باطلاً لأنه تصرف غیر مأذون فیه، ومعنی البطلان أنه یکون فضولیاً، فإذا کبر أو کبرت حق لهما الإجازة أو الفسخ، وقد ذکرنا مکرراً دخول الفضولیة فی أمثال المهر أیضاً للعرفیة فتشمله الأدلة.

ص:159


1- سورة البقرة: الآیة 123
2- الوسائل: ج15 ص39 الباب 28 من أبواب المهور ح2
3- الوسائل: ج14 ص207 الباب 6 من أبواب عقد النکاح ح1

ومنه یعلم وجه النظر فی فرق المسالک، حیث قال: (المختار صحة العقد ولزوم المسمی مع المصلحة وثبوت الخیار لها فیه مع عدمها، فإن فسخت فلها مهر المثل مع الدخول کالمفوضة، والمصنف هنا اختار لزوم المسمی، وفی السابق اختار أن لها الاعتراض، بمعنی ثبوت الخیار، ولو کان المولی علیه ذکراً وزوجه الولی بأکثر من مهر المثل فالأقوی وقوفها علی الإجازة کعقد الفضولی بالنسبة إلی المسمی، فإن أبطله ثبت مهر المثل کالسابق، ویتخیر الآخر حینئذ فی العقد، هذا إذا کان الصداق من مال الولد، ولو کان من مال الأب جاز لأنه لا تکثیر للولد حینئذ، وإن دخل فی ملک الولد ضمناً).

فإنه یرد علیه:

أولاً: إن فرقه بین الولد والبنت غیر ظاهر للصحة فی کلیهما مع المصلحة أو عدم المفسدة، والفضولیة فی کلیهما مع عدم المصلحة أو المفسدة.

وثانیاً: إنه قد تقدم أن الإنسان یحق له أن یمتنع عن دخول مال فی ملکه بدون رضاه لأنه خلاف السلطنة.

وثالثاً: إنه إن صح المهر فی الولد مع تحمل الأب الزیادة کان مقتضاه صحة المهر فی البنت مع تحمل الأب النقیصة، فلا فرق بینهما من هذه الجهة أیضاً.

ثم إذا بطل المسمی فی البنت أو الولد فمهر المثل لا یکون مطلقاً، إذ ربما دخل الزوج للبنت علی الأقل، فلا وجه لإلزامه بالمثل، وما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده فیکون التفاوت علی الأب لأنه الموجب للضرر، کما أن الزوجة للصغیر قد تدخل علی الأکثر فلا وجه لإلزامها بالمثل، لأن ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده، فالتفاوت علی الأب أیضاً.

ص:160

مسألة ٣٦ لو زوج الصغیر فالمهر علی من؟

(مسألة 36): قال فی الشرائع: (إذا زوج ولده الصغیر، فإن کان له مال فالمهر علی الولد، وإن کان فقیراً فالمهر فی عهدة الوالد، ولو مات الزوج أخرج المهر من أصل ترکته، سواء بلغ الولد وأیسر أو مات قبل ذلک).

وفی الجواهر: بلا خلاف أجده فیه بیننا، بل الإجماع بقسمیه علیه.

أقول: ویدل علی ذلک جملة من النصوص:

فعن الفضل بن عبد الملک، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یزوج ابنه وهو صغیر، قال: (علیه السلام): «لا بأس»، قلت: یجوز طلاق الأب، قال: «لا»، قلت: علی من الصداق، قال: «علی الأب إن کان ضمنه لهم، وإن لم یکن ضمنه فهو علی الغلام إلاّ أن لا یکون للغلام مال فهو ضامن له وإن لم یکن ضمن»((1)).

وعن عبید بن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوج ابنه وهو صغیر، قال (علیه السلام): «إن کان لابنه مال فعلیه المهر إلاّ أن یکون الأب ضمن المهر، وإن لم یکن للابن مال فالأب ضامن للمهر ضمن أو لم یضمن»((2)).

وعن علی بن جعفر، عن أخیه موسی (علیهما السلام)، قال: سألته عن رجل یزوج ابنه وهو صغیر فدخل الابن بامرأته، علی من المهر علی الأب أو علی الابن، قال (علیه السلام): «المهر علی الغلام، وإن لم یکن له شیء فعلی الأب، ضمن ذلک علی ابنه أو لم یضمن إذا کان هو أنکحه وهو صغیر»((3)).

وعلی هذه الروایات یحمل إطلاق ما دل علی کون المهر علی الأب مطلقاً،

ص:161


1- الوسائل: ج15 ص39 الباب 28 من أبواب المهور ح2
2- الوسائل: ج15 ص39 الباب 28 من أبواب المهور ح2
3- الوسائل: ج15 ص39 الباب 28 من أبواب المهور ح3

کصحیحة ابن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: سألته عن رجل کان له ولد فزوج منهم اثنین وفرض الصداق ثم مات من أین یجب الصداق من جملة المال أو من حصتهما، قال (علیه السلام): «من جمیع المال إنما هو بمنزلة الدین»((1)).

وصحیحة الحذاء الواردة فی تزویج الصغیرین، حیث قال فی آخرها، قلت: فإن کان أبوها هو الذی زوجها قبل أن تدرک، قال: «یجوز علیها تزویج الأب ویجوز علی الغلام، والمهر علی الأب للجاریة»((2)).

وصحیحة ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الصبی یزوج الصبیة، قال: «إن کان أبواهما هما اللذان زوجاهما فنعم جائز، ولکن لهما الخیار إذا أدرکا، فإن رضیا بذلک فإن المهر علی الأب» الخبر((3)).

کما یجب أن یقید بذلک ما رواه محمد، عن أحدهما (علیهما السلام)، قال: قلت: الرجل یزوج ابنه وهو صغیر، أیجوز طلاق أبیه، قال: «لا»، قلت: فعلی من الصداق، قال: «علی أبیه إذا کان قد ضمنه لهم، فإن لم یکن ضمنه لهم فعلی الغلام»((4)).

والمفهوم من هذه الروایات أن الصداق علی الغلام إلاّ فی صورتین: صورة إعسار الغلام، وصورة ضمان الأب، فأیهما تحقق یکون المهر علی الأب، ولعل ما عن السرائر والتذکرة من الاستدلال علیه (بأنه لما قبل النکاح لولده مع علمه

ص:162


1- الوسائل: ج15 ص39 الباب 28 من أبواب المهور ح3
2- الکافی: ج5 ص401 باب تزویج الصبیان ح4
3- الوسائل: ج14 ص209 الباب 6 من أبواب المهور ح8
4- الوسائل: ج15 ص40 الباب 29 من أبواب المهور ح5

بإعساره وبلزوم الصداق فعقد النکاح علمنا بالعرف والعادة أنه دخل علی أن یضمنه) من باب بیان الحکمة لا العلة.

والظاهر أن الحکم علی خلاف القاعدة فی الجملة، فقد حکم الشارع بأن اللازم علی الأب الدفع إن لم یدفع الولد، من غیر فرق بین دفع الولد عن نفسه أو متبرع أو بیت مال أو ما أشبه ذلک، دفع حالاً أو مستقبلاً بأن کان الآن معسراً ثم أیسر للإرث أو هبة له أو اکتساب أو غیر ذلک.

لأنه یفهم من النص عرفاً أن المرأة إذا لم تحصل مهرها من الولد کان علی الأب ذلک، حیث إنه العاقد علیها، سواء قصد الأب أن المهر علی الولد أو علی نفسه أو لم یقصد أیهما، فتخصص هذه الروایات قاعدة (العقود تتبع القصود)، وسواء کان الأب موسراً أو معسراً.

نعم لا یباع للأب مستثنیات الدین، فإن هذا الأمر لیس أهم من دین الأب بنفسه، فأدلة المستثنیات واردة علی کلا الأمرین.

کما أنه إذا لم یملک الأب شیئاً لا حالاً ولا مستقبلاً لم یکن علیه شیء، إذ ﴿لا یکلف الله نفساً إلاّ وسعها﴾((1))، ویکون کما استدان لنفسه أو أمهر زوجته ولم یملک الأداء.

والفائدة أنه لا حق للزوجة مطالبة الزوج فی الأداء بأن تکلفه بالذهاب والأخذ من بیت المال مثلاً.

ثم إن جماعة من الفقهاء قالوا: بأنه لا فرق فی ذلک أیضاً بین أن یصرح الأب بنفی ضمانه أم لا، خلافاً لمحکی العلامة فی التذکرة، حیث ذهب إلی

ص:163


1- سورة البقرة: الآیة 286

أنه لم یضمن الأب فی صورة تصریحه بنفی الضمان، وذلک لأنه حمل قوله (علیه السلام) فی الروایات المتقدمة: «أو لم یضمن»((1)) علی عدم اشتراط الضمان لا علی اشترط عدمه.

وأشکل علیه فی المسالک بأن قوله (علیه السلام): «أو لم یضمن» شامل بإطلاقه لهذه الصورة أیضاً، لوضوح أن عدم الضمان یصدق مع عدم اشتراط الضمان ومع اشتراط عدمه، فتخصیص العلامة للروایة بالأول محتاج إلی دلیل مخصص، ولا وجود لمثل هذا الدلیل المخصص.

لکن أجاب عنه سبطه فی محکی شرح النافع بعد تسلیم ما ادعاه جده من شمول إطلاقات الروایات لهذه الصورة أیضاً، بأنه لا یبعد مع ذلک المصیر إلی ما ذهب إلیه العلامة فی التذکرة، وذلک لأجل عموم قوله (علیه السلام): «المؤمنون عند شروطهم»((2))، والروایات لا تنافیه صریحاً ولا ظاهراً، وکأنه لأن (المؤمنون) دلیل ثانوی، فهو وارد علی الأدلة الأولیة والتی منها المقام.

ولا یبعد ما ذکره لأنه لا إطلاق فی النص بعد أن دخلت الزوجة علی أنه لا تحصل المهر إذا لم یکن للولد مال، وکون المرأة قد تکون صغیرة ویزاول الولی نکاحها فلا یتم ما ذکر من أنها دخلت علی عدم ضمان الأب، مردود بأن دخول الولی مثل دخولها حیث جعله الشارع بمنزلتها.

ولذا قال الجواهر فی رد إشکال المسالک: (قد عرفت ما یقتضی تخصیص النصوص لو سلم عمومها لإمکان دعوی ظهورها فی صورة الإطلاق وعدم ظهورها

ص:164


1- الوسائل: ج15 ص39 الباب 28 ح2
2- الوسائل: ج15 ص30 الباب 20 من أبواب المهور ح4

فیما یشمل هذه الصورة، وما عساه یقال أن بین أدلة المقام و«المؤمنون عند شروطهم» تعارض العموم من وجه، وترجیح الأول علی الثانی لیس بأولی من العکس المعتضد بإطلاق الفتاوی، واضح الضعف خصوصاً بعد ما سمعت من عدم ظهور النصوص فی الفرض، وإنما هی ظاهرة فی النکاح من حیث نفسه).

ووجه الضعف أن الأدلة الثانویة واردة علی الأدلة الأولیة، ولا یلاحظ بینهما العموم من وجه، وإلاّ لم یبق للأدلة الثانویة مجال کما حقق ذلک فی الأصول.

وما ذکرناه من کون الحکم علی خلاف القاعدة لأنه لیس وجه لضمان الولی فیما فعل مصلحة للولد، ولذا یلزم أن یقال: بأنه لیس الحکم کذلک فی البیع المضاربة والمزارعة والمساقاة وغیرها بالنسبة إلی المولی علیه، کما أنه لیس الحکم کذلک حتی فی النکاح بالنسبة إلی الی الحاکم والوصی والقیم ومن أشبه.

نعم قد یتردد فی الجد من صدق الأب فی الجملة، ومن أن الحکم لما کان علی خلاف القاعدة فاللازم الاقتصار فیه القدر المتقین وهو الأب.

لکن الظاهر أنه لا فرق فی الأب بین ما کان الولد عن حرام أو حلال أو شبهة، لما ذکرناه فی بعض مباحث النکاح السابقة من أن ولد الحرام أیضاً ولد لغةً وشرعاً، ولذا یترتب علیه کل أحکام الولد ما عدا ما استثنی کالإرث ونحوه.

ثم إنه تبین مما سبق أنه لو کان الولد غیر معسر لکنه لم یدفع لم یکن الضمان علی الأب، ولا فرق فی یسره بین أن یکون بالفعل أو بالقوة کالاکتساب أو مستقبلیاً کما تقدم من مثال أنه ورث أو ما أشبه.

کما أنه لا فرق فیما إذا کان ذا یسر أو عسر بین مال الولد المحجور علیه

ص:165

لفلس أو رهن أو نحوهما أم لا، فإذا فک مال الولد وجب علیه وإلاّ کان واجباً علی الأب.

ثم إن کل ذلک مع مصلحة الولد فی النکاح والمهر، أما إذا کانت المصلحة فی النکاح دون المهر فمقتضی القاعدة ضمان الأب وإن کان الولد موسراً، لأنه السبب بعد کون المهر للمرأة وأنه لا أحد یؤخذ منه هذا المهر إلاّ الأب.

والظاهر عدم الفرق بین أقسام المهر لوحدة المناط، فقول الجواهر: (وکذا الکلام فی صورة عدم المسمی لفساد أو لتفویض أو نحو ذلک فوجب مهر المثل بالدخول بعد البلوغ، فإن ضمان الأب حینئذ له وإن بقی الولد علی إعساره، لا یخلو من إشکال أو منع، بل قد یتوقف فی ضمانه بالفرض فی مفوضة البضع أیضاً) غیر ظاهر الوجه.

کما أن الظاهر عدم الفرق بین المتعة والدوام لإطلاق الأدلة، والانصراف إلی الدوام بدوی.

ثم إن المسالک قال: (وإطلاق النصوص والفتاوی یقتضی عدم الفرق فی مال الصبی بین کونه مما یصرف فی الدین علی تقدیره وغیره، فیشمل ما لو کان له دار سکنی ودابة رکوب ونحو ذلک، ووجه الإطلاق أن الحکم بوجوب المهر فی ذمته حینئذ لا یقتضی صرف ماله المذکور فی الدین، وإنما یضمن ثبوته فی ذمته علی هذا الوجه ویبقی الحکم بوفاء الدین من هذه الأشیاء أمر آخر، ومقتضی القواعد الشرعیة أن لا یوفی منها وإن طلبته الزوجة، ویبقی فی ذمة الولد إلی أن یقدر علی الوفاء، جمعاً بین الأصلین).

ومراده بالأصلین دلیل هذه المسألة، ودلیل استثناء هذه الأشیاء من الصرف

ص:166

فی الدین، لکن یمکن أن یقال: إطلاق المال فی هذه الروایات بحیث یشمل مثل هذه الأشیاء للولد غیر ظاهر، لانصراف الإطلاق إلی ما یمکن للمرأة استیفاء مهرها منه، فلا اعتبار بمثل هذه الأشیاء فی لزوم المهر علی الولد دون الأب، ولذا یصح للولد أن یقول: لا مال لی، لأن الشارع لم یعتبر هذه الأشیاء أموالاً بحیث یطالب الإنسان بدیونه منها.

ولا فرق بین لفظ شیء فی روایة ابن جعفر وبین لفظ المال فی غیرها، للانصراف المذکور فیهما.

ولذا قال الحائری: إنما یتم لو سلمنا إطلاق المال فی الروایات بحیث تشمل مستثنیات الدین، وأمّا لو منعنا عن ذلک وقلنا کما مر بانصراف إطلاقه إلی ما یمکن للمرأة استیفاء مهرها منه کان المتجه حینئذ عدم اعتبار مثل هذه الأشیاء فی لزوم المهر علیه دون الأب کما لا یخفی.

ثم إن مقتضی القاعدة ما ذکره المشهور من أنه لو کان الصبی مالکاً لبعض المهر دون بعض، لزمه المهر بنسبة ما یملکه ولزم الأب الباقی، فإن الأخبار دلت علی لزوم المهر علی الأب فی ما لم یکن للصبی مال ولزومه علی الصبی فیما کان له مال، ویستفاد من الحکمین أنه إذا کان للصبی أقل من المهر لزمه من المهر بقدر ما عنده ولزم الباقی علی الأب، ولذا یستفاد العرف من الحکم بحرمة استعمال الظرف المتخذ من الذهب وحرمة استعمال الظرف المتخذ من الفضة حرمة استعمال الظرف المرکب منهما، ولیس ذلک من قبیل ما دل علی: ﴿إلا علی أزواجهم أو ما ملکت أیمانهم﴾((1))، حیث قالوا بأنه لا تحل المشترکة إذا عقد علیها

ص:167


1- سورة المؤمنون: الآیة 6

وکان مالکاً لبعضها، وذلک لأن العقد لا یسبب بعض الحلیة حسب المرتکز فی أذهان المتشرعة.

ومنه یعلم وجه النظر فیما ذکره بعضهم من أنه إن قلنا بأن لقوله (علیه السلام) فی تلک الأخبار: «إن کان لابنه مال فعلیه المهر»((1)) إطلاق یشمل ما لو کان له أقل من المهر، لأنه یصدق حینئذ إن له مالاً، فلا إشکال فی أنه یلزم تمام المهر فی هذه الصورة، ولا یلزم علی الأب شیء منه، وإن قلنا بانصرافه إلی ما کان له بمقدار یمکن للمرأة استیفاء مهرها منه أو قلنا: إن هذا الحکم إنما هو لمراعاة حال المرأة ولزوم المهر علی الصبی فیما لم یکن واجداً لتمام المهر لیس فیه مراعاةً لحالها فلا إشکال فی أنه یلزم تمام المهر علی الأب فی هذه الصورة، فالحکم بلزوم المهر علی الصبی بنسبة ما یملک ولزوم الباقی علی الأب لا وجه له علی أی تقدیر.

إذ إنه وإن کان ربما یشبه ذلک بمن له نصفا النصاب من جنسین کنصف نصاب البقر ونصف نصاب الغنم، أو نصف نصاب الفضة ونصف نصاب الذهب، لکن الفارق هو العرف فیما یفهم أو لا یفهم.

وعلیه فتأمل مناهج المتقین بقوله: (ولو کان الصبی مالکاً لبعض المهر معسراً للبعض الآخر لزمه بنسبة ما یملکه ولزم الأب الباقی علی قول لا یخلو من تأمل) محل تأمل.

ثم إنه لا فرق بین کون المهر حالاً أو مؤجلاً، ولا بین عقد الأب بنفسه أو وکیله.

ولو کان للولد مال فتلف لم یضمن الأب، لکن ربما یحتمل الضمان

ص:168


1- الوسائل: ج15 ص39 الباب 28 من أبواب المهور ح1

باعتبار أن الشارع لاحظ وصول المال إلی الزوجة حسب ما یفهمه العرف، فالاعتبار بأنه یصل إلیها أو لا یصل، لا الاعتبار بأن له مالاً أم لا، وإن کان ظاهر اللفظ الثانی.

وعلیه فإذا کان له مال غصبه الغاصب کان المهر علی الأب.

ثم إن الجواهر قال: (کل موضع لا یضمن الأب المهر لو أداه تبرعاً عن الصبی أو ضمنه لا بقصد الرجوع لم یکن له رجوع للأصل، کما لو أداه عن أجنبی أوأداه أجنبی. نعم لو أداه بقصده مع الغبطة أو عدم المفسدة یتجه حینئذ رجوعه، لعموم ما دل علی نفوذ تصرف الأولیاء وخصوصاً الإجباری منه، وما عن التذکرة من عدم الرجوع بالأداء ورجوعه بالضمان مع قصده الرجوع به فی موضع منها، غیر واضح الوجه، ضرورة عدم الفرق بینهما فی ذلک) وهو کما ذکره.

والاعتبار بعسر الولد ویسره علی الواقع، لا بالعلم بالیسر والعسر، لأن الألفاظ موضوعة للمعانی الواقعیة، وإنما تستعمل فی المعانی الظاهریة أحیاناً بالقرینة وهی مفقوده فی المقام.

ثم إن الجواهر تبعاً لغیره قال: (ولا فرق فی ضمان الأب المهر بین المؤجل منه والمعجل، وإن زاد الأجل علی زمان البلوغ، بل ولا فی النکاح بین الفضولی وغیره مع إجازة الأب له، نعم لو لم یجز الأب لعدم علمه مثلاً فأجاز الولد بعد بلوغه أمکن عدم الوجوب علی الولی للأصل وظهور خبر علی بن جعفر فی خلافه).

ص:169

وهو کما ذکره، لإطلاق الدلیل الشامل للمعجل والمؤجل.

أما النکاح الفضولی الذی لا یرتبط بالأب فهو منصرف عن الأدلة، نعم لو نکح الأب فضولة حیث لا یعرف الموضوع وأنه أب، أو الحکم وأن حکمه ذلک، فهل یضمن للإطلاق أو لا للانصراف، احتمالان.

ولو عقد علی المرأة وشک فی أن العاقد هل هو الأب أم لا، لم یضمن، لأن الحکم تابع لموضوعه.

نعم لو عقد أحد الولدین الأب والآخر غیره کالجد، وشک فی أنه هل عقد علی الموسر أو المعسر وجب علیه نصف مهر المعسر، للعلم بتوجه تکلیفین إلیه تکالیف نفسه وتکالیف ولده، ومثل هذا العلم الإجمالی کاف، وإن کان منه ذا أحکام کثیرة وطرف آخر ذا أحکام قلیلة، کما إذا علم الإنسان أنه إما مکلف بعشرین صلاة أو بیوم صیام، بضمیمة قاعدة العدل فی مقام المال، وإن کان فی المسألة بعدُ تأمل.

ولو زعم الأب أن الولد معسر فدفع ثم ظهر یساره، فإن کان الدفع بداعی إعساره لم یسترجع، لأن تخلف الداعی لا یوجب تقید العقد والایقاع ونحوهما، أما إذا کان الدفع علی نحو القید استرجع.

ثم إن الشرائع ممزوجاً مع الجواهر قال:

(لو دفع الأب المهر الذی ضمنه فی ذمته لإعسار الصبی فبلغ الصبی فطلق قبل الدخول استعاد الولد النصف منه دون الوالد، لأن الطلاق مملک جدید للنصف لا فاسخ لسبب الملک، بل هو کذلک لو دفعه عن الصبی الموسر تبرعاً أو ضمنه عنه کذلک، بل لا فرق بین الولد والأجنبی فی ذلک فضلاً عن الکبیر، کما لا فرق بین الولد وبین الأجنبی،

ص:170

ولو أدی الوالد المهر عن ولده الکبیر تبرعاً ثم طلق الولد رجع الولد بنصف المهر ولم یکن للوالد انتزاعه منه لعین ما ذکرناه فی الصغیر، ولکن فی الشرائع إن فی المسألتین تردداً، وکذا فی القواعد) انتهی باقتضاب.

ثم إنه قد یعطی الأب أو الأجنبی المهر للزوجة فی قبال إعطائها البضع للزوج مما یکون للتبادل أطراف ثلاثة، کما یعطی الشخص درهماً للخباز فی قبال إعطائه الخبز للفقیر، ومقتضی القاعدة أن بالفسخ أو برجوع النصف بالطلاق یرجع المهر کلاً أو بعضاً إلی المعطی لا الزوج، کما إذا فسخ الخباز أو الفقیر حیث یرجع الدرهم إلی المعطی لا الفقیر، إذ لا وجه للرجوع إلی الفقیر بعد أنه لم یکن مالکاً، وکذلک فی المقام.

وقد یعطی الأب أو الأجنبی المهر للزوج بداعی کونه مهراً أو بشرطه أو بقیده، وحینئذ إذا رجع کله أو بعضه یرجع فی الأول إلی الزوج، وفی الثانی حسب أخذ المعطی بشرطه وعدمه، حیث یرجع فی صورة الفسخ إلی المعطی، وفی صورة عدمه إلی الزوج، وفی الثالث یرجع إلی المعطی.

ولو شک فی أنه هل أعطی بحیث یرجع إلیه أو إلی الزوج فی صورة الفسخ والطلاق ونحوهما فالأصل الأول، حیث إن الانقطاع عن المعطی فی الجملة متیقن، أما الانقطاع الکلی فغیر معلوم فالأصل عدمه.

وبذلک یظهر وجه النظر فی إطلاق کل من الرجوع إلی الأب أو إلی الابن، وأولیة احتمال البقاء للزوجة، حیث لا یرجع لا إلی الأب ولا إلی الابن کما احتمله بعض، کما یظهر وجه النظر فیما ذکره الحائری من أنه بسبب تزلزل ملکیة الزوجة

ص:171

یرجع إلی الأب، قال: إنه لیس فی شیء من الآیات والروایات ما یدل علی أن النصف الآخر یرجع إلی الزوج مطلقاً، کان هو الفارض والضامن والمؤدی للمهر أم غیره.

وأما ما دل من الأخبار علی عود النصف بالطلاق قبل الدخول إلی الزوج فیکون موردها ومفروض السؤال فیها هو ما إذا کان الفارض للمهر والضامن والمؤدی له هو الزوج، فلا إطلاق لها لما إذا کان الفارض والضامن والمؤدی غیره.

وحینئذ نقول: لا شک بناءً علی ما استظهرناه من الروایات من أن المراد من ضمان الأب للمهر فیما کان الابن معسراً هو الضمان بمعناه المصطلح فی أن الأب إنما ضمن المهر علی نحو ضمان الابن له، فکما أن الابن یضمن بالعقد المهر المتزلزل القابل للزوال بالطلاق لا المستقر، کذلک الأب یضمن المهر المتزلزل، ومعنی تزلزل المهر هو کونه مالکاً له للمرأة ما لم یقع الطلاق قبل الدخول، فالطلاق وإن لم یکن فسخاً، لکنه مثله فی أن بوقوعه یزول ملکیة المرأة عن نصف المهر ویعود نصفه إلی ملک من کان ملکاً سابقاً، فلو طلق الولد قبل أن یدفع الأب ما ضمنه من المهر إلی الزوجة سقط النصف عن ذمة الأب، کما کان یسقط به النصف عن ذمة الولد فیما کان هو الضامن للمهر، ولو طلق الولد بعد دفع الأب ما ضمنه من المهر إلیها عاد إلی الأب النصف کما کان یعود إلی الولد فیما کان هو الدافع له).

فقد عرفت أن الملک مستقر، وإنما یرجع إلی الزوج نصفه بملک جدید، ولذا کان النماء لها فلا تزلزل، بالإضافة إلی ما عرفت من التفصیل بین کیفیة دفع الأب.

ولذا قال فی الجواهر: (مع الطلاق الذی هو فسخ عقد النکاح یعود النصف

ص:172

إلی من دفعه وفاءً نحو الفسخ بالعیب فی البیع الذی دفع فیه الثمن عن ذمة المشتری تبرعاً مثلاً، ومن هنا جزم فی القواعد بأنه لو طلق الولد قبل أن یدفع الأب عن الصبی المعسر سقط النصف عن ذمة الأب والابن ولم یکن للابن مطالبة الأب بشیء، لظهور النص والفتوی فی أن الطلاق مملک، لا أنه فاسخ یعود به السبب الأول للملک، بل ظاهر المحکی عن الشیخ الإجماع علیه، وحینئذ لا فرق بین دفع الأب وعدم دفعه، بل ولا بینه وبین الضمان تبرعاً، ولا بین کونه عیناً أو دیناً، ضرورة عدم الفرق فی تسبیبه الملک بنصف العین أو الدین، فیطالب به الأب).

نعم لا ینبغی الإشکال فی الفرق بین العین والدین إذا لم یدفعهما الأب، حیث إنه إن کان للعین نماء عند الأب کان علیه أن یدفع إلیها نصف العین وکل نماء الذی حصل بین العقد والطلاق إذا لم یکن للأب مثلا مدخلیة فی النماء، وإلاّ کان له بقدر سعیه، کما تقدم الإلماع إلی ذلک.

ولو اختلف الأب والولد فی أن الأب أعطاه للولد هبة وما أشبه ثم وفی به مهر المرأة فالنصف یرجع إلی الولد، أو أنه وفی من نفسه من جهة ضمانه، فالأب یحلف ویثبت مدعاه إذا لم یکن للولد دلیل.

ثم إنه إذا کان المهر هبة من الأب وقبضها عن الولد تمت، وکذلک إذا کان هبة من الأجنبی وقبضها عن الموهوب له بإجازة أو فضولة وإجازة المالک کان کذلک لإطلاقات الأدلة، وإلاّ فقد ذکر فی باب الهبة أنها تتوقف علی القبض، فحیث لا قبض لا یتحقق الهبة، ویکون من إعطائها البضع للولد فی قبال أخذها المهر من الأب أو الأجنبی علی ما تقدم حکمه.

وقد ذکرنا إمکان ذلک فی العقود، بل إمکان أن یکون الأطراف أربعة، وإن کان فی الأربعة فیها نوع تأمل، والله سبحانه العالم.

ص:173

مسألة ٣٧ لو أمهرها نخلا

(مسألة 37): قال فی القواعد: لو أصدقها نخلاً فأثمر فی یدها فطلقها قبل الجذاذ لم یکن له الثمر، فإن بذلت نصف المجموع لزمه قبوله علی إشکال، وکذا لو قطعت الثمرة وبذلت نصف العین ولا عیب بالقطع أو دفعت الأرش أجبر، ویحتمل قویاً الرجوع فی العین مشغولة بالإبقاء.

أقول: الظاهر أنه لا فرق بین قبل التأبیر وبعده فی أن علیه القبول ولا حق له فی إلزام القیمة، لأن العین باقیة والزیادة المنفصلة لا تضر، إذ الطلع ونحوه زیادة منفصلة ولیست کالسمن ونحوه، وقد ذکرنا حتی فی نحو السمن أن للزوج یکون حینئذ من العین بالنسبة، فإن استعدت المرأة قطع الطلع أو الثمر فلا إشکال، وإن استعدت لهبة الزائد وقبل الزوج فلا إشکال أیضاً، وإن أصرت علی البقاء وکونه لها لم یستبعد حقها فی ذلک إذا کان ضرر علیها بالقطع لدلیل «لا ضرر»، أما إذا لم یکن ضرر علیها أجبرت علی القطع للزوم إفراغ مال الغیر، کما إذا باعه الدار حیث یلزم إفراغها عن أثاثه.

نعم، هل له إلزامها بقطع الجمیع أو قطع النصف، احتمالان، فهو کما إذا کانت دار مشترکة بینهما لأحدهما أثاث فیها بقدر حقه حیث لا وجه لإجباره علی الإفراغ، وکون النصف مشاعاً والأثاث والطلع ونحوهما فی نصف معین لا یضر بعد رؤیة العرف أنه یتصرف بقدر حقه، کما إذا خرج أحد الشریکین عن الدار المشترکة ویقول للشریک الآخر اخرج أنت أیضاً، فإنه لا حق له فی ذلک، منتهی الأمر یراجعان الحاکم ویفصل فی القضیة بما لا یتضرر أحدهما ولا یکون خلاف سلطنة أحدهما، علی ما ذکرنا شبهه فی کتاب الغصب.

ومن ذلک یظهر وجوه النظر فی قول الإیضاح، حیث قال: (إذا أصدقها

ص:174

نخیلاً حوائل ثم تجددت ثمرته فی یدها فطلقها قبل الدخول وقبل الجذاذ، فهنا مسألتان:

الأولی: طلاقها قبل التأبیر، فلیس له أخذ نصف الطلع قهراً إجماعاً، لأنه زیادة تجددت علی ملکها، بقی هنا مسائل ذکر المصنف هنا مسألة منها: وهی أنه لو دفعت مجموع نصف العین مع نصف الثمرة، هل یلزمه القبول أو له العدول إلی غیره، قال الشیخ فی المبسوط: یلزمه القبول لأنها زیادة متصلة کالسمن ولزوال العیب وهو استحقاق الغیر حقاً علیه، واختار والدی المصنف عدم الإجبار لاشتماله علی منة لا یجب قبولها، ویقوی الأول لأن تکلیف المرأة القیمة مع وجود العین خروج عن نص القرآن بغیر موجب، إذ المانع وهو تعلق حق الغیر قد زال ببذلها وسؤالها.

الثانی: بعد التأبیر، لم یکن له أخذ الثمرة قهراً إجماعاً أیضاً، لکن فیه صور ذکر المصنف منها صورة واحدة، وهی أنه لو دفعت إلیه العین مع الثمرة هل یلزمه القبول، قال الشیخ فی المبسوط: المذهب أنه یجبر علیها، لأنها زیادة متصلة بالنخیل فهی فی الطلع قبل أن یؤبر ولما تقدم، وقال شیخنا: لا یجبر لأنه منفصل ولهذا لا یدخل فی بیع الأشجار، ولاشتماله علی المنة، وهذا هو الحق عندی).

کما أن مما ذکرنا یظهر وجه التأمل فی قول القواعد: (ولو طلب قطع الثمرة قبل الإدراک لیرجع فی العین أو یقول: أنا أصبر إلی الجذاذ وأرجع، لم تجب إجابته، ولو طلبت منه الصبر لم یجبر علیه، وکذا الأرض لو حرثتها أو زرعتها إلاّ أنه لا یجبر علی القبول لو بذلت نصف المجموع)((1)).

ثم لو کان المهر شاة حائلاً لم یحق للرجل أن یحبلها إلاّ برضاها، فإذا أحبلها

ص:175


1- قواعد الأحکام فی معرفة الحلال والحرام: ج3 ص85

قهراً فالظاهر أن الحمل لهما بالنسبة کما یراه العرف، حیث إن الزوج هو المحبل والزوجة هی مالکة العین فلکل قدر حقه، أما للرجل فلقاعدة أن سعی الإنسان له، وأما للزوجة فلأنه نتاج مالها.

أما لو حملت بدون مدخلیة الزوج أو الأجنبی، کما إذا سفدها فحل مسیب، أو أحبلها نفس الزوجة فالنتاج لها.

وبذلک یظهر ما فی إطلاق القواعد، حیث قال: (ولو ولدت الجاریة أو نتجت الشاة فی ید الزوج فالولد لها خاصة)، ثم قال: (فإن تلف الولد بعد المنع من التسلیم والمطالبة، أو نقص ضمن، وإلاّ احتمل الضمان لأنه تولد من أصل مضمون فأشبه ولد المغصوبة وعدمه لأنه أمانة).

لکن مقتضی القاعدة عدم الضمان فیما إذا لم یکن منع من الزوج، لما ذکره الإیضاح بقوله: (وجه کونه أمانة أن الید لیست عادیة ولا هو معقود علیه منه کالمبیع قبل قبضه فصار کما لو أطارت الریح ثوباً فی منزله، وهذا هو الأصح عندی).

أقول: لا یقال «علی الید ما أخذت حتی تؤدی» یشمل المقام.

فإنه یقال: إن ذلک منصرف عن مثل ما نحن فیه.

ص:176

مسألة ٣٨ لو أصدق الذمیان خمرا

(مسألة 38): قال فی القواعد: (لو أصدق الذمیان خمراً فطلق قبل الدخول بعد القبض والإسلام وقد صار خلاً یرجع بنصفه، ویحتمل عدم الرجوع بشیء للزیادة فی یدها، فسقط حقه من العین وله أقل القیم من حین العقد إلی حین القبض وقد کان خمراً لا قیمة له، فعلی الأول: لو تلف الخل قبل الطلاق احتمل أن یرجع بمثله، وعدمه لأنه یعتبر بذله یوم القبض ولا قیمة له حینئذ، فلو رجع خلا بعلاجها فعدم الرجوع أظهر لحدوث المالیة باختیارها، ولو صارت خلاً فی یده ثم طلقها فلها النصف منه، ویحتمل نصف مهر المثل لانتفاء القبض، وقد ترافعوا قبله فبطل ووجب مهر المثل).

أقول: إذا أصدقها خمراً ولم یسلّمها إلیها ثم أسلما فالظاهر أنه لا شیء علیه، إلاّ إذا کان عدم التسلیم حراماً لتسلمها البضع، وقد تضررت بعدم التسلیم، حیث إنها لو تسلمها کانت تبیعها من أهل نحلتها فی ذلک الوقت، وذلک لأنه یشمله حینئذ دلیل «لا ضرر»، مثل أن لا یسلم البضاعة وقد تسلم الثمن فی باب البیع ثم سقطت البضاعة عن المالیة کالجمد حیث صار الصیف، أو الدینار الورقی حیث تبدلت الحکومة فسقط عن القیمة، بخلاف ما إذا لم تتضرر حیث لم یکن فرق بین التسلیم وعدمه مثلاً، ولا ملازمة بین الحکم التکلیفی بوجوب التسلیم والحکم الوضعی بعدم الضمان.

لکن لا یخفی أنا قد ذکرنا سابقاً مسألة تکلیف الکفار بالفروع، فیمکن أن یقال: بأن عدم التسلیم لم یکن حراماً، فتأمل.

وإذا أسلم الزوج ولم تسلم المرأة لم یستبعد حرمة تسلیمها الخمر وأنه تصرف فی الخمر حرام علی المسلم، نعم لا بأس بالتخلی عنها لتتسلمها المرأة علی إشکال.

ص:177

أما الضمان فإن کان عدم التسلیم لها حراماً وتضررت ضمن، وإلاّ فلا، علی ما تقدم فی الفرع السابق.

وإذا أسلما والخمر قد سلمت إلیها لم یکن علیه شیء، وسقطت مالیتها بالنسبة إلیها، أما إذا لم یسلمها فالظاهر أنه لا شیء علی الزوج إذا لم یکن موجباً لضررها بعدم التسلیم، لأن مال المرأة قد سقط عن القیمة بدون تقصیر الزوج.

وکیف کان، فلو کان الزوج ضامناً یکون الضمان بقیمة الخمر عند مستحلیها لا بالخل، إذ لا وجه لأن یکون ضامناً للخل.

ولو أصدقها خمراً فانقلبت خلاً عنده مع الحرمة فی عدم التسلیم ونقص قیمة الخل عن الخمر کان ضامناً للتفاوت، وإن لم ینقص أو زادت القیمة أو لم یکن عدم التسلیم لها حراماً ونقص فلا شیء علیه، لأصالة عدم الضمان فی المقام.

ولو أصدقها خمراً ثم أسلما وطلق قبل الدخول فلا شیء له، لأن المال قد سقط عن المالیة، کما إذا سقط الورق بتبدل الحکومة أو الجمد لمجیء الصیف، نعم لو بدلت الخمر بالمال رجع علیها بنصف البدل، سواء کان البدل أکثر أو أقل أو مساویاً لقیمة الخمر، وکذلک إذا بدلت الدینار الورقی بجنس آخر أو بدلت الثلج بما له قیمة فی الحال.

وإذا انقلبت الخمر فی یدها خلاً کان مقتضی القاعدة رجوعه بنصفه، کما احتمله العلامة أولاً، من غیر فرق بین زیادة قیمة الخل عن الخمر أو نقصانها أو تساویها، نعم فی صورة الزیادة له من العین بالنسبة علی ما تقدم، وبذلک ظهر وجه النظر فی احتمال العلامة، حیث قال: (عدم الرجوع بشیء للزیادة فی یدها فسقط حقه من العین) إلی آخره.

ص:178

مسألة ٣٩ الخمر المحترمة

(مسألة 39): قال فی القواعد: (لو أعطی عوض المهر شیئاً ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف المسمی لا بالمدفوع) وهو کما ذکره.

إذ ظاهر الآیة والروایات رجوع نصف المسمی، وأما المدفوع الذی هو بدل فیکون للمرأة، ولو بدل بعض المهر بشیء آخر، کما إذا کان المهر مائة دینار فبدل نصفها إلی کتاب ثم طلقها رجع بالخمسین الموجود، سواء ارتفعت قیمة الکتاب أو انخفضت أو بقیت علی حاله، وکذلک لا فرق فی الفرع السابق بین الارتفاع والانخفاض والبقاء علی الحال، نعم إذا شرط عند التبدیل أنه لو طلقها أخذ الزوج نصف المبدل لم یکن علیها نصف المسمی لمکان «المؤمنون عند شروطهم»((1)).

ولو أصدقها شیئاً لا قیمة له عند العرف، لکنها بحاجة إلیه کالدودة فی مثل هذه البلاد حیث إنها تحتاج إلیها فی اصطیاد فئران أو حشرات دارها مثلاً صح لأنه عقلائی، فتشمله الأدلة، وحینئذ فإن طلقها قبل الدخول لم یکن له شیء لعدم القیمة، نعم لو أراد نصفها استرجعه لحق الاختصاص.

وکذلک حال ما إذا جعل مهرها الأوراق النقدیة الساقطة عن الاعتبار للحاجة لها فیها، أو الجمد فیما لا قیمة للجمد عرفاً لکنها بحاجة إلیه، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ثم إن الخمر المحترمة إما لصلاحیتها للتخلیل أو المهیئة لحالة الاضطرار کالمرض، لا یبعد صحة جعلها مهراً، لانصراف الأدلة عن مثله، فإذا جعلها صداقاً صح فإذا طلقها قبل الدخول استرجع نصفها، سواء بقیت خمراً أو صارت خلاً، وکذلک حال الخنزیر المعد للاستفادة من جلده فی السقاء أو شعره فی الحبل أو شحمه

ص:179


1- الوسائل: ج15 ص30 الباب 19 و 20 من أبواب المهور ح4، الاستبصار: ج3 ص232

لطلی السفن إذا جاز ذلک، علی ما ذکرنا تفصیل الکلام فی ذلک فی کتاب الرهن وغیره، وإن کانت المسألة محل إشکال.

ثم إذا لم تعرف المرأة أن الزنا حرام مع عرفان الرجل، أو لم یعرف کلاهما لتجدد عهدهما بالإسلام مثلاً، فزنیا بالرضا بعنوان الزنا، وجب مهرها علیه إذا جعل لها المهر لأن الوطی محترم، کما تقدم فی مسألة وطی الشبهة، أما إذا عرفت المرأة فلا مهر لأنه «لا مهر لبغی».

لا یقال: هذا یأتی فی الفرع السابق أیضاً.

لأنه یقال: ینصرف البغی من مثلها، لعدم الفرق بین الشبهة حکماً أو موضوعاً.

ولو حدث هذا بالنسبة إلی اللواط حیث لم یعرفا حرمته، أو لم یعرفه المفعول، فهل له ما قررا من الوطی له، احتمالان.

من (ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده) وأنه تصرف فیه فی قبال المال فلا یقل عمن حلق شعره فی قبال المال للمحلوق شعره لجهة عقلائیة، وحیث إن الجهل للحکم قصوراً فرضاً یرفع الحرمة فلا حرمة فعلیة حتی یقال یشمله «إن الله إذا حرم شیئاً حرم ثمنه»، کما لا یشمل مثل وطی الشبهة فی المرأة.

ومن أن الشارع لم یقر للواط شیئاً فلا یشمله (ما یضمن)، بل یشمله (ما لا یضمن) من باب السالبة بانتفاء الموضوع حیث لا صحیح له، والمسألة بحاجة إلی التأمل.

ولا یخفی أنه یقع مثل هذا الشیء عند جدیدی الإسلام فی البلاد الغربیة حیث الإباحة الجنسیة.

ومما تقدم یعرف فروع المسألة فیما کانا کافرین أو مسلمین أو مختلفین، أو کان أحدهما مؤالفاً والآخر مخالفاً.

ولو زنیا فی حال الکفر حیث یصح عندهما

ص:180

فی قبال مهر ثم أسلما، فالظاهر وجوب المهر علیه، لأنه قسم صحیح عندهم فیشمله «لکل قوم نکاح»((1))، ودلیل الجب لا یشمله، کما لا یشمل سائر دیون المدیون إذا أسلم، فهو کما إذا طلبه ثمن خمر أو خنزیر ثم أسلما.

نعم لا إشکال فی أنه لو جاز الزنا عندهم فنکحا نکاح زنا ثم أسلما وجب تجدید النکاح.

ومنه یعلم حال ما إذا جاز عندهما اللواط أو السحاق بمال ثم أسلما، حیث یجب علی الفاعل أو الفاعلة ما علیه.

ومما تقدم یعلم ما إذا کان الزوج مسلماً وهی کافرة تعتقد بصحة الزنا دونه، أو یعتقد الکافر المفعول صحة اللواط، إلی غیر ذلک من الفروع الکثیرة فی إسلام أحدهما أو کلیهما، وکفر أحدهما أو کلیهما، وإن کان بعض المذکورات محل إشکال، والله سبحانه العالم.

قم المشرفة 15/شعبان المعظم/1405 ه_

محمد بن المهدی الحسینی الشیرازی((2))

ص:181


1- الوسائل: ج14 ص588 ح2
2- إلی هنا انتهی الجزء الرابع حسب تجزئة المؤلف (دام ظله)

ص:182

فصل فی التنازع

مسألة ١ لو اختلفا فی استحقاق المهر

فصل

فی التنازع

وفیها مسائل:

(مسألة 1): قال فی الشرائع ممزوجاً مع الجواهر: (إذا اختلفا فی أصل استحقاق المهر وعدمه فلا ریب فی أن القول قول الزوج مع یمینه، بلا خلاف ولا إشکال إذا کان ذلک قبل الدخول للأصل، بل الأصول السالمة عن المعارض، لاحتمال تجرد العقد عن المهر الذی قد عرفت عدم اعتباره فی صحته، بل قیل: مقتضی الأصل تجرده، ولذا کان الأصل التفویض لو وقع الاختلاف بینهما فی التسمیة وعدمها بلا خلاف ولا إشکال أیضاً. نعم قد یظهر من بعض العامة التحالف، ومرجعه إلی حکم التفویض أیضاً، وعلی کل حال، فلا إشکال فی الحکم المزبور)((1)).

أقول: إن أرادوا بعدم الاستحقاق أنها لا تطلب الآن لاحتمال تفویض البضع ونحوه، فهو وإن کان له وجه ضعیف علی ماسیأتی، إلاّ أن ذلک لا یمکن أن یکون سبباً لعدم استحقاقها أن لا تسلم نفسها إلاّ بعد التعیین، إذ مفوضة البضع لها أن تمنع عن تسلیم نفسها إلاّ بعد أن یعین الزوج المهر ویتسالمان، فإنه حیث یرید

ص:183


1- جواهر الکلام: ج31 ص132 المسألة الأولی

الزوج تسلم المرأة، لها أن لا تسلم نفسها إلاّ بعد فرض المهر، فإن النکاح تعامل بین الطرفین، کما یدل علیه «یشتریها بأغلی ثمن» ونحوه، وإنما دل الشرع علی أنه لا یلزم ذکر المهر أو تعیینه عند العقد، أما الفرض فهو نافذ کما تقدم.

وعلیه، فإذا امتنعت عن تسلیم نفسها إلاّ بتعیین المهر، والرجل لا یرید التعیین، یطلبه الحاکم ویجبره بین تعیین المهر والإمساک لها بالمعروف أو طلاقها تسریحاً بإحسان، فیکون العلم الإجمالی بأنه یجب علیه المهر إمساکاً بمعروف أو المتعة تسریحاً بإحسان هو المحکم فی المسألة.

وإن أرادوا عدم الاستحقاق أصلاً کما یظهر من أدلتهم الأخر فهو غیر تام، إذ بالإضافة إلی عدم کلیة تلک الأدلة فهی أخص من المدعی، إن مقتضی القاعدة الاستحقاق، للأصل العقلائی أن المال فی قباله مال، إلاّ إذا أثبت المنتقل إلیه أنه انتقل إلیه مجاناً.

کما إذا طالبت المرأة المهر فقال: لا مهر لک، حیث یحتمل أنها جاریة انتقلت إلیه بهبة مالکها مثلاً، أو قال صاحب الدار لمن انتقل الدار إلیه: أعطنی الثمن، فیقول: لیس شیء فی قبال الدار، حیث یحتمل أنه وهبها له قربة إلی الله تعالی، أو یطلب الخیاط من خاط له الثوب الأجرة فیقول: لا شیء لک عندی، حیث یحتمل أنه خاطه له لأنه مدیون له أو قربة إلی الله تعالی أو بأجرة أعطاه غیره له، إلی غیر ذلک.

ومنه یظهر وجه النظر فی قول الریاض، حیث استدل للحکم المذکور بأن الزوج منکر لما تدعیه والعقد بمجرده لا یقتضی اشتغال ذمة الزوج بالصداق، لاحتمال تجرده عن ذکر المهر أو تسمیته ما لم یثبت فی ذمة الزوج.

وهل یقول الریاض بأنه إذا ادعی زید أنه یملک دار عمرو التی کان عمرو

ص:184

مالکاً لها إلی قبل ساعة بدون أن یطلب زید منه ثمن الدار وعمرو یرید الثمن، بأن الأصل مع زید لأنه منکر لما یدعیه عمرو من ثمن الدار، والملک بمجرده لا یقتضی اشتغال ذمة زید لاحتمال تجرد الملک عن الثمن، والأصل براءة ذمة زید عن أی شیء.

ثم إنه لم یعرف وجه قول الریاض أو تسمیته، لأنه إذا لم یسم المهر وذکر أصل المهر فلا إشکال فی أن القول قول المرأة، إذ کلام الفقهاء فی تفویض البضع لا فی تفویض المهر.

وعلی أی حال، فقد قال الجواهر بعد ذلک ممزوجاً مع الشرائع: لکن الإشکال لو کان الاختلاف بینهما فی أصل استحقاق المهر وعدمه بعد الدخول، فالمشهور کما فی کشف اللثام: إن القول قوله أیضاً نظراً إلی البراءة الأصلیة.

أقول: استدلوا لعدم استحقاقها باحتمال أمور:

الأول: إن الأب زوجه، فإن المهر علیه حینئذ لا علی الزوج، فلا تطلب من الزوج شیئاً.

الثانی: إنها کانت مدینة للزوج فتهاتر الطلبان، لأن أصالة عدم التسمیة بضمیمة ما دل علی استحقاقها مهر المثل علیه بالدخول إن لم یسم لها مهراً وإن کان مقتضاه استقرار مهر المثل علیه والأصل عدم دفعه إلیها، لکن عموم ما دل علی استحقاقها مهر المثل بالدخول فیما لم یسم لها مهراً مخصص بما دل علی سقوط مهر المثل عن ذمته بالتهاتر فیما کان له دین فی ذمتها بمقدار مهر المثل أو أزید.

فمع احتمال کونها مدیونة له بمقدار مهر المثل لا یصح التمسک لاستقرار مهر المثل لها علیه بعموم ما دل علی استحقاقها له بالدخول، طلب الرجل من

ص:185

المرأة بدین فی ذمتها أو عین فی یدها ولا یمکن جعل الحق معها فهی مدعیة والزوج منکر، فإذا حلف سقط.

الثالث: الروایات الدالة علی أنه لا شیء للمرأة بعد الدخول، مثل خبر حسن بن زیاد، عن الصادق (علیه الصلاة والسلام): «إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر، وقال قد أعطیتک، فعلیها البینة وعلیه الیمین»((1)).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج، عن الصادق (علیه الصلاة والسلام): «إذا أهدیت إلیه ودخلت بیته وطلبت بعد ذلک فلا شیء لها، إنه کثیر لها أن یستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قلیل ولا کثیر»((2)).

وفی الکل ما لا یخفی، إذ بعد ظهور أن الأدلة المذکورة علی تقدیر تمامیتها أخص من المدعی، حیث إنا نفرض النزاع فیما نعلم بأن الأب لم یزوجه ولیس له علیها دین أو عین.

یرد علی أولها: أن الأب إذا زوجه تستحق المرأة المهر فهی مطالبة، لا أنها لا تطلب مهراً، فلها أن تقول: إنی لا أسلّم نفسی إلاّ بعد أخذ المهر، إذ لیس المقصود عدم طلبها من خصوص الزوج، للاختلاف بینهما فی أصل المهر، کما هو عنوانهم فلا أصل فی قبال العلم الإجمالی أن لها الاستحقاق إن لم تسلم نفسها لطلبها، إما من الزوج أو أبیه.

کما إذا أبی الخباز تسلیم الخبز إلی الفقیر قبل تسلم المال، سواء ادعی الفقیر أن غیره هو الذی ضمن بالمال، أو أنه هو الذی اشتری بنفسه، فإن العلم الإجمالی بأن الخباز یستحق إما من الفقیر أو من المتبرع یکفی فی عدم جریان أصالة

ص:186


1- الوسائل: ج15 ص15 الباب 8 من أبواب المهور ح7
2- الوسائل: ج15 ص15 الباب 8 من أبواب المهور ح8

البراءة بالنسبة إلی الفقیر، لأن الأصل لا یجری فی أطراف العلم الإجمالی فی أمثال المقام.

وعلی الثانی: إن الأصل عدم اشتغال ذمتها بدین أو عین، وهو حاکم علی أصالة عدم استحقاق الزوجة، لأن الشک فی استحقاقها وعدمه ناشئ عن الشک فی طلبه منها وعدمه، فإذا جری الأصل بالنسبة إلی براءتها لم یُبق مجالاً للأصل بالنسبة إلی براءته.

وعلی الثالث: إنا قد ذکرنا فی السابق أن هذه الروایات إنما وردت فی مسألة وصول المهر إلیها وعدمه، بخلاف ما نحن فیه الذی هو فی أنها هل تستحق المهر أم لا تستحق، فقد کانت العادة فی الزمان القدیم إقباض المهر قبل الدخول کما ذکره غیر واحد.

ففی المقام طائفتان من الروایات:

الطائفة الأولی: مثل ما عن عبید بن زرارة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یدخل بالمرأة ثم تدعی علیه مهرها، فقال: «إذا دخل بها فقد هدم العاجل»((1)).

وعن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، فی الرجل یتزوج المرأة ویدخل بها ثم تدعی علیه مهرها، قال: «إذا دخل علیها فقد هدم العاجل»((2)).

الطائفة الثانیة: ما دل علی أن الدخول لا یوجب براءة ذمة الزوج، مثل ما عن عبد الخالق، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یتزوج المرأة فیدخل بها قبل أن یعطیها شیئاً، قال: «هو دین علیه»((3)).

ص:187


1- الوسائل: ج15 ص14 الباب 8 من أبواب المهور ح4
2- الوسائل: ج15 ص19 الباب 8 من أبواب المهور ح6
3- الوسائل: ج15 ص17 الباب 8 من أبواب المهور ح12

وعن عبد الحمید بن عواض، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): المرأة أتزوجها أیصلح لی أن أواقعها ولم أنقدها من مهرها شیئاً، قال: «نعم إنما هو دین علیک»((1)).

ولذا الذی ذکرناه فی رد الأدلة المذکورة، قال فی المسالک: إن توجیههم البراءة حسن، حیث یکون الزوج محتملاً لکونه بأحد الوصفین، فلو علم بانتفائهما فی حقه بأن کانت حریته معلومة ولم یتزوج المرأة المدعیة إلاّ وهو بالغ، أو مات أبوه قبل أن یتزوجها ونحو ذلک، لم یتم التمسک بالبراءة الأصلیة، للقطع حینئذ باشتغال ذمته بعوض البضع، لانحصار أمره حینئذ فی الأمرین علی سبیل البدل، لأنه إن کان لم یسم مهراً فقد استقر علیه مهر المثل، وإن کان قد سمی استقر المسمی، والأصل عدم دفعه إلیها، واللازم من ذلک أن لا یلتفت إلی إنکاره، بل إما أن یحکم علیه بمهر المثل أو ما تدعیه المرأة إن کان أقل، نظراً إلی أصالة عدم التسمیة الموجب لذلک، وإما أن یطالب بجواب آخر غیر أصل الإنکار.

وقال فی الجواهر فی جواب استدلال کشف اللثام بالروایات المذکورة: الظاهر أن مبنی هذه النصوص علی ما إذا کانت العادة الإقباض قبل الدخول، بل قیل: إن الأمر کذلک کان قدیماً ویکون حینئذ ذلک من ترجیح الظاهر علی الأصل، وعلی کل حال موضوعها غیر مفروض المسألة، ضرورة کونه فی اختلافهما فی وصول المهر إلیها وعدمه، بخلاف ما نحن فیه الذی قد سمعت مفروضه استحقاق المهر وعدمه.

ویظهر مما ذکرناه وجه النظر فی الأقول الأخر فی المسألة، مثل ما یحکی

ص:188


1- الوسائل: ج15 ص16 الباب 8 من أبواب المهور ح10

عن العلامة فی التحریر من أنه إذا وقع الاختلاف فی أصل المهر بعد الدخول یستفسر هل سمی أم لا، فإن ذکر تسمیة کان القول قوله مع الیمین، وإن ذکر عدمها لزم مهر المثل، وإن لم یجب بشیء حبس حتی یبین.

وما ذکره فی محکی القواعد، حیث قال: التحقیق أنه إن أنکر التسمیة صدق بالیمین، لکن یثبت علیه قبل الدخول مع الطلاق المتعة، ومع الدخول مهر المثل، والأقرب إن دعواها إن قصرت عنهما ثبت ما ادعته، ولو أنکر الاستحقاق عقب دعواها إیاه أو دعواها التسمیة، فإن اعترف بالنکاح فالأقرب عدم سماعه.

وقد ذکر القولین المسالک وذکر الکلام علیهما، فمن أراد التفصیل فلیرجع إلیها.

کما یظهر وجه النظر فی جملة من کلمات الفقهاء فی هذا المقام، والتی منها ما ذکره مناهج المتقین، حیث قال: (إذا اختلفا فی أصل المهر مع اعترافهما بعدم الدخول فادعت علیه المهر وأنکر هو استحقاق المهر، فالقول قول الزوج مع یمینه، ولو کان اختلافهما فی ذلک مع تسالمهما علی الدخول فإن احتمل کون الزوج رقاً حین العقد أو صغیراً معسراً فالقول قوله، وإن لم یحتمل ذلک بل کانت حریته معلومة ولم تتزوج المرأة المدعیة به إلاّ وهو بالغ، أو مات أبوه قبل أن یتزوج بها فالأشبه أنه لا یقبل إنکاره، بل یطالب بجواب آخر غیر أصل الإنکار، فإن أصر علی الإنکار حکم علیه لها بالأقل من مهر المثل وما تدعیه المرأة من المقدار).

ثم إنه قد تقدم أن فی مفوضة البضع لو مات أحدهما قبل الدخول فلا شیء، لروایة حسن بن علوان، عن جعفر، عن أبیه، عن علی (علیهم السلام)، فی المرأة

ص:189

یتزوجها الرجل ثم یموت ولا یفرض لها صداقاً أنه کان یقول: «حسبها المیراث»((1))، وغیرها.

ثم لو ادعت المهر وأنکر الرجل ولم یحصل طلاق ولا دخول ومات أحدهما، فهل یکون القول للمنکر لما ذکر، أو لا بل لها المهر من جهة أن الموت لا یسبب عدم المهر کما هو ظاهر الجامع لابن سعید، حیث جعل موت الزوج کالطلاق فی استحقاق المتعة، فی بعض نسخه قال: «وإن طلقها قبل الدخول أو مات فلها المتعة علی قدر حاله، والموسر یمتع بالجاریة وشبهها والمتوسط بالثوب والدراهم والمعسر بالدرهم والخاتم».

ولعله لخبر زید الشحام، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل تزوج امرأة ولم یسم لها مهراً فمات قبل أن یدخل بها، قال: «هی بمنزلة المطلقة»((2)).

بل مطلقاً من جهة ما تقدم من الأصل العقلائی بکون المال _ ومنه البضع _ یقابل بالمال، إلاّ إذا ثبت عدمه، خصوصاً ویؤید ذلک ما تقدم من أنه لا یکون نکاح إلاّ بمهر.

مثل ما رواه زرارة، قال: سألته (علیه السلام) کم أحل لرسول الله (صلی الله علیه وآله) من النساء، قال: «ما شاء من شیء»، قلت: فأخبرنی عن قول الله عز وجل: ﴿وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبی﴾((3)) (صلی الله علیه وآله)، قال: «لا تحل الهبة إلاّ لرسول الله (صلی الله علیه وآله) وأما غیره فلا یصلح له نکاح إلاّ بمهر»((4)).

إلی غیرها من الروایات.

احتمالان، وإن کان مقتضی الصناعة لزوم المهر فتأمل.

ص:190


1- الوسائل: ج15 ص78 الباب 59 من أبواب المهور ح2
2- الوسائل: ج15 ص78 الباب 59 من أبواب المهور ح4
3- سورة الأحزاب 50
4- الوسائل: ج15 ص13 الباب 7 من أبواب المهور ح4

ثم علی ما استظهرناه من الاستحقاق مطلقاً، وعلی ما قالوه من عدم المهر إلاّ إذا علم عدم التفویض وعدم کون المهر فی ذمة الوالد وعدم کونه عیناً فی یدها أو دیناً فی ذمتها، لو اختلفا فی المهر، فربما تدعی هی المسمی من غیر تعیین له، وربما تدعی التعیین أیضاً، وربما تدعی أنها مفوضة البضع حیث الدخول یوجب المثل.

ومقتضی القاعدة فی الأول أن لها ذلک إذا کان بقدر المثل أو أقل، للأصل العقلائی المتقدم الذی لم یظهر من الشارع تغییره، ولا مجری لأصل البراءة عن الزائد، سواء فیما یدعی الزوج عدم المهر أصلاً أو أقل مما تدعیه، وذلک لأن الأدلة منصرفة إلی العقلائیة، فما لیست کذلک لا تشمله الأدلة، سواء فی النکاح أو غیره من المعاملات، فإن ادعی أحدهما ما لیس عقلائیاً ظاهراً لزم علیه إثبات الموضوع، أی العقلائیة بإقرار من الطرف أو إقامة دلیل علی أنها عقلائیة.

مثلاً لو حصل بیع دار تسوی بألف، فادعی المشتری أنه اشترها بمائة وأنکر البائع ذلک وإنما قال: حصل البیع والشراء بألف مثلاً أو بتسعمائة، فإن المشتری یدعی عدم العقلائیة، إذ العقلاء لا یبیعون ما یسوی بألف بثمن مائة، إلاّ إذا کان هناک جهة عقلائیة، مثل أن یرید البائع نفع المشتری قربة إلی الله تعالی أو لحاجة عقلائیة له فی ذلک، مثل أن یسمح المشتری بتزویج البائع المخفف للقیمة بنته له، إلی غیر ذلک من الأغراض العقلائیة الکثیرة، وکون مثل تلک المعاملة عقلائیة بالقیمة الرخیصة إنما تثبت إما بإقرار البائع أو بإقامة البینة أو بما أشبه.

والحاصل: إن المعاملة العقلائیة فی عالم الثبوت نافذة دون غیرها، أما فی

ص:191

عالم الإثبات فاللازم إثبات العقلائیة الثانویة بالطرق المسقطة لها الأولیة، فإذا لم تکن تلک الطرق لم ینفع أصل البراءة فی إثبات العقلائیة، لأن الحکم لا یکفل الموضوع.

ولذا تکون القاعدة مع مدعی العقلائیة، سواء فی البیع أو النکاح أو الخلع أو المضاربة أو المزارعة أو المساقاة أو الرهن أو الجعالة أو غیرها.

مثلاً إذا ادعی المرتهن رهن دار رهنها بألف بمائة، أو ادعی الجاعل جعل الجعالة التی لا یأخذ العقلاء الجعالة إلاّ بمائة فی مثلها أنه جعلها بعشرة، لزم علیهما إقامة الدلیل، وإلاّ فإذا ثبتت أصل المعاملة کان اللازم القیمة العقلائیة، سواء فی هذا الجانب أو ذاک الجانب.

ویدل علی ما ذکرناه أنه إذا قیل لبائع الدار اللاتی تسوی بألف: إنک حسب ادعاء المشتری بعتها له بمائة فأنت مدعی للزائد، یقول: وهل أنا مجنون حتی أبیع داری التی تسوی بألف بمائة فقط، وکذلک إذا قیل لامرأة مهر مثلها عشرة آلاف: إنک قبلت بمهر ألف، تقول: هل أنا مجنونة حتی أقبل بألف، إلی غیر ذلک مما لا یخفی علی العرف.

ویؤید ما ذکرناه ما ورد فی باب حکم اختلاف البائع والمشتری فی قبض الثمن، مثل ما رواه محمد بن أبی نصر، عن بعض أصحابه، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یبیع الشیء ویقول المشتری: هو بکذا وکذا أقل مما قال البائع، فقال: «القول قول البائع مع یمینه إذا کان الشیء قائماً بعینه»((1)).

وعن عمر بن یزید، عن أبیه، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «إذا التاجران صدقا بورک لهما، فإذا کذبا وخانا لم یبارک لهما، وهما بالخیار ما لم

ص:192


1- الوسائل: ج12 ص383 الباب 11 من أبواب أحکام العقود ح1

یفترقا، فإن اختلفا فالقول قول رب السعلة أو یتتارکا»((1)).

وعلی أی حال، فلا مجال لأصل البراءة.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول المشهور، حیث ذکر فی الشرائع ممزوجاً مع الجواهر قال: (ولو اختلفا فی قدره بأن ادعت الامرأة تسمیة الزائد والرجل الناقص، أو اختلفا فی وصفه بعد الاتفاق علی جنسه أی نوعه علی وجه ترتفع الجهالة القادحة فیه، ثم ادعت المرأة زیادة وصف آخر مثلاً، وأنکر هو ذلک، فلا ریب فی أن القول قوله أیضاً کما هو المشهور بین الأصحاب، بل هو کالمجمع علیه، بل ربما حکاه علیه بعضهم).

وإن کان ربما یستدل له بصحیح أبی عبیدة، عن الباقر (علیه السلام)، فی رجل تزوج امرأة فلم یدخل بها فادعت أن صداقها مائة دینار، وذکر الزوج أن صداقها خمسون دیناراً، ولیس لها بینة علی ذلک، قال: «القول قول الزوج مع یمینه»((2)).

إلا أن فیه: إن کلاً من الخمسین والمائة عقلائی، ومثل هذا الاختلاف لا یضر بالعقلائیة کما هو المشاهد فی عقود النکاح فی الحال الحاضر، وفی مثله تجری أصل البراءة، فلا یمکن أن یستدل بالروایة بما کان غیر عقلائی کالمائة ودینار وما أشبه مما کلامنا فیه.

ولذا قال فی الشرائع: ولا إشکال لو قدر المهر بأرزة واحدة، لأن الاحتمال متحقق، والزیادة غیر معلومة.

ومن الواضح أن الأرزة الواحدة هی ربع حبة، والحبة ثلث قیراط وهو جزء

ص:193


1- الوسائل: ج12 ص383 الباب 11 من أبواب أحکام العقود ح2
2- الوسائل: ج15 ص28 الباب 18 من أبواب المهور ح1

من عشرین جزءاً من دینار.

وکأنه لما ذکرناه أضرب القواعد عن قول المشهور إلی مهر المثل، حیث قال: (ولو اختلفا فی قدره أو وصفه أو ادعی التسمیة وأنکرت قدم قوله، ولو قدره بأرزة مع الیمین ولیس ببعید من الصواب تقدیم من یدعی مهر المثل).

وقال فی الإیضاح: (وجه قول المصنف إن من یدعی مهر المثل کلامه هو الظاهر، ومن ینتقص عنه خلاف الظاهر، لأن الظاهر أنها لا ترضی بأقل منه، والظاهر أنه لا یرضی بالزیادة علیه، ومن وافق مدعاه الظاهر کان القول قوله، لما یأتی فی باب الدعاوی، ولأن مهر المثل هو الواجب بالأصل، وأنه یحکم به فی کل وطی مع عدم تحریم الوطی وعدم التسمیة اللازمة، وعلی قول من قید حریة الموطوءة. وأقول: هذا مسلم مع الدخول، وأما قبله فلا یجب شیء إلاّ بالتسمیة ولا اعتبار بغیرها، فتقدیم دعواه لا یوجبه به إلاّ أصالة عدم التغابن، وهذا فی المعاوضات الحقیقیة والنکاح لیس کذلک)((1)).

وسیأتی مسألة التفویض، کما أن قوله الأخیر: (إن ذلک فی المعاوضة الحقیقیة والنکاح لیس کذلک)، قد عرفت جوابه بعدم الفرق حتی فی مثل الخلع.

وکأنه لذلک أیضاً استحسن ثانی الشهیدین (رحمهما الله) التحالف وثبوت مهر المثل، وإن کان فی کلامه مواضع للتأمل.

أما الصورة الثانیة: وهو ما لو ادعت المسمی والتعیین وکان بقدر مهر المثل أو أقل وأنکر الزوج، کما إذا ادعت أن المهر ما یساوی مائة، وأنه مائة شیاة حیث کل شاة دینار، وکان مهر مثلها مائة أو أکثر، فربما یقول الزوج: إن المهر ما یعادل المائة من الأبقار، وربما یقول: بل عشرة شیاة فقط.

ص:194


1- إیضاح الفوائد: ج3 ص241

ففی الأول: یکون من التحالف، لعدم اختلافهما فی المقدار الذی هو روح التعامل، وإنما فی الخصوصیات، فإذا لم یحلف أحدهما ثبت قول الآخر، وإن حلفا فالمحکم قاعدة العدل من إعطائها نصف الشیاة ونصف الأبقار.

وفی الثانی: إن سلم الزوج أنه علی تقدیر کون المهر مائة فهی شیاة أعطیت المائة الشیاة بما تقدم فی الصورة الأولی، وإن لم یسلم فالوصف بالنسبة إلی التسعین بحاجة إلی دلیل تقیمه علیه، فإذا لم تقم الدلیل أعطیت العشرة الشیاة التی هی محل اتفاقهما وتسعون دیناراً بقیة مهر المثل.

وبذلک یظهر وجه النظر فی الفرع الثانی للحائری (رحمه الله) وإن تم فرعه الأول، قال:

(إن کان ما تدعیه من المسمی متحداً مع مهر المثل نوعاً وقدراً کما إذا کان ما ادعته من المسمی مائة دینار وکان مهر مثلها أیضاً مائة دینار فیحکم لها بمائة دینار، للعلم بأنها إن کانت صادقة فی دعواها التسمیة وأن المسمی مائة فتکون مستحقة لمائة، وإن کانت کاذبة فی دعواها فکذلک تکون مستحقة لمائة فتدبر، وإن لم یکن ما تدعیه من المسمی متحداً مع مهر المثل نوعاً، ولکن کان مساویاً معه فی المالیة فیدفع مهر المثل إلیها، لأنها إن کانت صادقة فی دعواها التسمیة فیکون أخذها لمهر المثل تقاصاً عما استحقته من المسمی، وإن کانت کاذبة فیکون ما أخذته من مهر المثل عین ما استحقته بالدخول).

وذلک لما عرفت أنه علی تقدیر تسلیم الزوج أنه علی تقدیر کون المهر مائة فهی شیاة لا دنانیر، فهناک اتفاق منهما علی أن المهر لیس دنانیر فلماذا یعطی لها ما یتفقان علی أنه لیس بمهر، یبقی أنه حیث تستحق مهر المثل وهو منحصر فی الشیاه والدنانیر وقد نفی الدنانیر لم یبق إلاّ الشیاه فلا تصل النوبة إلی التقاص فی هذه الصورة علی ما ذکره الحائری.

ص:195

أما الصورة الثالثة: وهی ادعاؤها أنها مفوضة البضع، فنقول: قد تدعی هی التفویض والزوج أن المهر مسمی، وقد ینعکس، ثم قد یکون کل منهما قبل الدخول، وقد یکون بعد الدخول، وحیث إن المسمی علی خلاف الأصل یکون من یدعی التفویض هو المنکر الذی یحتاج طرفه إلی الإثبات.

فإذا ادعت المرأة التفویض کان لها الحق فی الامتناع عن تسلیم نفسها إلاّ بالتعیین إذا کان قبل الدخول، کما لها مهر المثل إذا کان بعد الدخول، نعم إذا کان الزوج یدعی زیادة المهر علی مهر المثل کان علیه ذلک حسب إقراره.

وإذا ادعی الرجل التفویض ولم تثبت المرأة المسمی فقبل الدخول یکون لها الامتناع عن التسلیم إلاّ بالتعیین أخذاً للزوج بما یعترف به، فإن عین أکثر لیس لها أخذ الزائد لاعترافها بعدم حقها فی التفاوت، وإن عین المساوی أو الأقل لم یکن لها الامتناع بعد عدم قدرتها علی إثبات المسمی.

وبعد الدخول لیس لها إلاّ المثل إن کان ما تدعیة أکثر من المثل، وإن کان أقل لیس لها التفاوت بین المثل والمسمی لاعترافها بعدم حقها فی التفاوت.

ثم إن المسالک قال: (لو اختلفا فی صفة المهر کالصحیح والمکسر والجید والردیء، فالقول قول الزوج مع الیمین، سواء کان ما یدعیه بقدر عمر المثل أم أقل، وسواء کان قبل الدخول أم بعده، لأصالة براءة ذمته عما تدعیه المرأة من الوصف الزائد. ولو قیل بالتحالف علی تقدیر الاختلاف فی الصفة، لأن کلاً منهما ینکر ما یدعیه الآخر، خصوصاً مع تصریح کل منهما یکون ما یدعیه هو الذی وقع علیه

ص:196

العقد کان وجهاً فیثبت مهر المثل إلاّ أن یزید عما تدعیه المرأة أو ینقص عما یدعیه الزوج).

أقول: قد یکون الجید أکثر قیمة کما هو المتعارف، وقد یکون الردیء أکثر قیمةً، کما إذا کان هناک ملک یأخذ کل سفینة صالحة غصباً، مما سبب نقصان قیمة الجید عن الردیء، أو کان یراد نقل الفاکهة من بلد إلی بلد فالناضج أقل قیمة لأنه غیر قابل للنقل، حیث یسرع إلیه الفساد، بخلاف غیر الناضج، إلی غیر ذلک من الأمثلة الآتیة أیضاً فی المکسر والصحیح.

والظاهر عدم الفرق فی کون ذلک من مورد التحالف، إلاّ إذا کان أحدهما یدعی ما هو غیر عقلائی علی ما تقدم مثله.

واذا تحالفا فمقتضی القاعدة الرجوع إلی نصف الأمرین، لقاعدة العدل، لا مهر المثل حیث إنه بمنئی عن کلامهما.

ثم قال: وألحق بعض الأصحاب بالاختلاف فی الصفة، ما لو اختلفا فی الحلول والتأجیل، ففی قدر الأجل جعلهما من أفراد الاختلاف فی الصفة، ویشکل بأن الأصل عدم التأجیل وعدم زیادة الأجل عما تدعیه، فهی المنکرة وهو المدعی، فتقدیم قوله فیهما ممنوع.

أقول: مقتضی القاعدة تقدیم قول من ینکر أصل الأجل أو زیادته، سواء کان رجلاً أو امرأة للأصل الذی عرفت، وإنما تدعی المرأة التأجیل أو زیادته لأنها لا تتمکن الآن من حفظ المهر مثلاً ویرید الزوج إعطاءه لأن الأرض مذئبة والمهر شاة، أو المهر نقد والمکان محل لصوص، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ثم قال: وألحق جماعة من الأصحاب، منهم الشیخ فی المبسوط وابن إدریس والعلامة فی التحریر، اختلافهما فی جنسه بالاختلاف فی قدره، کما لو

ص:197

قالت المرأة: المهر مائة دینار، فقال: بل مائة درهم، واستدلوا علیه بأن الزوج منکر فیکون القول قوله، والإشکال فیه أقوی.

ووجه التحالف فیه أولی، إلاّ أن الأصحاب أعرضوا عنه رأساً، وجماعة من العامة أثبتوه فی أکثر هذه المسائل حتی فی الاختلاف فی أصل المهر، وما حققناه أظهر.

أقول: الظاهر تمامیة ما ذکره الأصحاب کما یدل علیه مثالهم، والمسالک حمل الاختلاف فی الجنس علی الاختلاف حقیقة، بینما مثالهم یدل علی أنه لیس اختلافاً حقیقیاً.

ولذا أشکل علیه الجواهر بقوله: (اللهم إلاّ أن یرید الاختلاف فی جنس لم یتعلق غرض بعینه، وإنما المراد منه القیمة، کما لو اختلفا فی کون المهر مائة دینار أو مائة درهم، بعد أن کان المتفق علیهما من النقد، فإنه یمکن أن یکون ذلک نحو الاختلاف فی القدر باعتبار عدم تعلق الغرض بخصوص الدرهم أو الدینار، وإنما المراد المقدار فیکون القول قول الزوج الذی هو مدعی النقیصة، وربما یؤمی إلی ذلک تمثیلهم له بذلک، لا ما إذا کان الاختلاف فی أنه دار مثلاً أو حیوان، فإنه لا وجه لتقدیم قول الزوج المنفی بالأصل کالدعوی المقابلة له کما هو واضح).

ویأتی هنا الکلام فی أنه لو کانت المرأة المدعیة للدرهم والرجل للدنانیر، وإنما تدعی هی الأقل لأن الظالم مثلاً یأخذ الذهب بینما یترک الفضة، أو لاعتقادها ذلک واقعاً، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

وعلی أی حال، فقد ظهر مما تقدم وجه النظر فی إشکال الجواهر فی الاختلاف فی الحلول والتأجیل، أو زیادة الأجل ونقصانه، حیث قال: (أما لو کان اختلافهما

ص:198

فی دعوی کل منهما وصفاً مستقلاً تختلف القیمة باختلافه فالمتجه التحالف، ومن ذلک یعلم ما فی دعوی إطلاق تقدیم قول الزوج مع الاختلاف فی الوصف، وإن کان نحو الاختلاف فی التأجیل والحلول أو زیادة الأجل ونقصانه، ضرورة مخالفته للقواعد وللنظائر فی غیر المقام من غیر دلیل خاص).

إذ لم یعلم وجه مخالفته للقواعد، بینما لو کان الاختلاف فی أصل الأجل أو زیادته کان مقتضی القاعدة العدم کما ذکره المسالک.

وکیف کان فقد ظهر مما تقدم أنهما لو اختلفا فی عین خاص، مثلاً قال الزوج: جعلنا المهر هذه الشاة، وقالت الزوجة: بل الشاة الأخری، أو بل الفرس، أو بل هذا الدینار الخاص، إلی غیر ذلک من الأمثلة، حیث إنه من موضع التحالف المقتضی للرجوع إلی قاعدة العدل.

ولو ادعی أحدهما مهراً باطلاً، والآخر مهراً صحیحاً، کما لو ادعت أن المهر هذه الشاة، وادعی أن المهر هذا الخنزیر، فالظاهر التمسک بأصالة الصحة والحکم بأنه الشاة، نعم إذا کانا کافرین وکلاهما صحیح عندهما یکون من التحالف أیضاً.

أما إذا ادعی أحدهما أن المهر الخل والآخر الخمر المحترمة، فهو لیس من المقام، لصحة ادعاء کل منهما، إذ الخمر المحترمة مما یتعلق بها الحق کما حقق فی محله.

ومنه یعلم أنه لو ادعی أحدهما أن المهر زواج البنت الأخری علی نحو نکاح الشغار، وقال الآخر: بل کذا دیناراً، کان المقدم قول الثانی، إلاّ فی الکافر الذی یصح عنده نکاح الشغار، حیث یکون المرجع بعد التحالف الوسط من الدینار وقیمة الشغار لا مهر المثل علی ما عرفت.

ص:199

قال فی الشرائع: (أما لو اعترف بالمهر ثم ادعی تسلیمه ولا بینة، فالقول قول المرأة مع یمینها).

أقول: وذلک لأصالة عدم التسلیم، من غیر فرق بین ما قبل الدخول وما بعده.

وفی الجواهر: (لا خلاف معتداً به فی ذلک).

أما ما فی الروایة الحسن بن زیاد الموقوفة: «إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر، وقال الزوج قد أعطیتک، فعلیها البینة وعلیه الیمین»((1))، فبالإضافة إلی ضعف سندها وکونها مقطوعة، إنها محمولة کغیرها من الروایات علی ما کانت العادة تقدیم المهر علی وجه یکون الظاهر مع الزوج، فتکون هذه الأخبار دلیلاً علی تقدیم الظاهر علی الأصل، وذلک لأنه الأسلوب العقلائی الذی یکون غیره بحاجة إلی دلیل، وعلیه یحمل جملة من الروایات المتقدمة.

کصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، وفی آخرها: «إذا أهدیت إلیه ودخلت بیته وطالبته بعد ذلک فلا شیء لها، لأنه کثیر لها أن یستحلف بالله، ما لها قبله من صداقها قلیل ولا کثیر»((2)).

ومنه یعرف وجه النظر فی فتوی ابن الجنید، حیث عمل بمضمون هذه الروایة، فقدم قول الرجل فی البراءة من المهر بعد الدخول، وقدم قولها فی ثبوته قبله.

ولذا رده المسالک بقوله: (إن المذهب هو الأول، حیث لا فرق بین وقوع الدعوی قبل الدخول أو بعده).

ولو ادعی الزوج أنه سلم المهر إلی أب الزوجة وهی صغیرة، فإن صدقه

ص:200


1- الوسائل: ج15 ص15 الباب 8 من أبواب المهور ح7
2- الوسائل: ج15 ص15 و 16 الباب 8 من أبواب المهور ح8

الأب فلا شیء علیه، إذ تسقط الدعوی بتصدیق من إقراره حجة شرعاً، وإن کذبه الأب احتاج إلی الدلیل، وإن لم یکن أب لموت ونحوه صح للزوجة الحلف لعدم العلم وتأخذ المهر. ولو قال الأب: لا أعلم، کان الحلف علیه لا علیها، ویحلف لعدم العلم کما هی القاعدة.

ثم إن کان الاختلاف فی المهر من جهة الاختلاف فی الدوام والمتعة، فاللازم رجوع النزاع إلی الأصل، وبتبعه یحرر الوجه فی الفرع، وقد ذکرنا سابقاً أن الاختلاف فی الدوام والمتعة مورد التحالف، لا أن الأصل الدوام ومدعی المتعة یحتاج إلی الدلیل.

ومنه یعلم حال ما إذا اختلفا فی أن المهر ثلاثون أو عشرون، من جهة اختلافهما فی أن أیام المتعة ثلاثون أو عشرون، فإن اللازم التنازع فی الأصل وبتعین الحق فی أحدهما یتعین الفرع.

وکذلک حال ما لو تنازعا فی أنه هل تمتع بها لیلاً حیث مهرها عشرة، أو نهاراً حیث مهرها خمسة أو عشرون، وکذلک حال اختلافهما فی الشرط فی المتعة مما یختلف المهر بسبب وجوده وعدمه، کاختلافهما فی أنه هل شرطت علیه عدم الدخول فالمهر أقل، أو لم تشترط فالمهر أکثر، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

وکذلک حال اختلافهما فی المهر فی الدوام بسبب الاختلاف فی الشرط.

ویعلم مما تقدم حال ما لو اختلفا فی أنه هل عقد علیها فی شهر رمضان مثلاً، سواء کان دواماً أو متعة، حیث التضخم ویکون المهر حینئذ أکثر، أو فی بلد کذا، حیث یکون المهر فی البلد الفلانی أکثر لمکان التضخم، أو ما أشبه ذلک من الخصوصیات

ص:201

أو أن العقد کان فی ذی الحجة حیث التنزل والمهر أقل، أو فی مکان کذا حیث التنزل أو بخصوصیة کذا.

ومنه یعلم حال اختلافهما فی مهر أقل أو أکثر من جهة أنه تزوجها وهی فی سن أقل فالمهر أکثر أو بالعکس، أو هو فی حال فقره فالمهر أقل أو بالعکس.

إلی غیر ذلک، فإن المرجع أیضاً فی کل ذلک الدعوی الأولی، وبتبع تحقق أحد القولین یتحقق قدر المهر، والله سبحانه العالم.

ص:202

مسألة ٢ لو اختلفا فی أنه دفعه هبة أو مهراً

(مسألة 2): قال فی الشرائع ممزوجاً مع الجواهر: (لو دفع قدر مهرها مثلاً من دون أن یقترن دفعه بما یقتضی وفاءً أو هبةً من لفظ أو غیره، ثم اختلفا بعد ذلک فقالت المرأة: دفعته هبة، فقال: بل دفعته صداقاً، فالقول قوله، لأنه أبصر بنیته، والوفاء إنما یعتبر فیه نیة الدافع دون القابض).

أقول: قد تدعی أنه دفع وصرح بالهبة، وقد تدعی أنه لم یصرح وإنما أظهر ذلک بالقرائن، کما إذا قالت: قلت له: أعطنی هبة فی یوم العید کما دفعت إلی نساء عشیرتک فدفع إلی کما دفع إلیهم، وقد تدعی أنه نوی ذلک بدون تصریح أو قرینة، ولا إشکال فی أن القول قوله فی الثالث لأنه أبصر بنیته، قال سبحانه: ﴿بل الإنسان علی نفسه بصیرة﴾((1))، ولا دلیل علی قولها، إلاّ أنها تقول: إنی أعلم، ولا مجال لقولها، وإن صدقت فی أنها تتیقن ذلک، إذ الإنسان ذو ید علی نفسه بدلیل السلطنة وغیره، وقول ذی الید حجة، وقصد المرأة أخذه هبة لا یضر بکونه مهراً، إذ المعتبر نیة الدافع لا القابض، فإن الأعمال بالنیات.

لا یقال: هذا یأتی فی نیتها أیضاً، فلو کان إنسان یطلب من إنسان دیناراً دیناً ودیناراً نذراً، فإنه یحق له أن لا یقبل النذر، إذ لا یلزم بذلک، وإن کان الناذر یلزم به لو قبل المنذور له، بینما لا یحق له أن لا یقبل الدین إلاّ إذا أسقطه مع قبول المدیون، _ حتی لا یکون تصرفاً فی سلطنة المدیون علی ما ذکرناه غیر مرة، وإن لم یقل به المشهور، لأن نظرهم أن الإبراء یوجب البراءة رضی المبرء أم لا _ ومنه یعلم اعتبار نیة الآخذ، وإلاّ لم یتعین الکلی فی هذا الشخص الخاص.

لأنه یقال: لا حق للإنسان فی عدم قبول ماله، کما لا حق له فی تشخیص الکلی،

ص:203


1- سورة القیامة: الآیة 14

لأن تشخیصه بید المدیون فلیس المقام من قبیل الدین والنذر، بل هنا دین فقط والهبة لیست کالدین کما هو واضح.

وکیف کان، فقد عرفت مما ذکرناه حال ما لو صرح الزوج بأنه مهر، لکنها قالت: حملت کلامه علی ضرب من المجاز وأنه یرید الهبة أو ما أشبه.

ومنه یعرف الکلام فی حال الصورتین الأولیین، أی ما لو دفع وصرح بالهبة أو أظهر ذلک بالقرائن.

کما منه یظهر حال ما لو قرنه الزوج بلفظ قابل لکل منهما بحیث لا یتشخص المراد به إلاّ بالقصد، لأن الدلیل السابق یأتی هنا أیضاً.

وأما إذا قالت إنه صرح بالهبة، وأنکر لما تقدم من أنه ذو ید علی نفسه، فقوله مصدق إلاّ إذا دل دلیل علی خلافه.

نعم لها فی بعض الصور المتقدمة حلفه لقاعدة «الیمین علی من أنکر»، کما أن لها التقاص مع علمها بما تقول أو قیام حجة شرعیة عندها بذلک.

ثم إن الجواهر قال: (ولو فرض اعترافه بصدور ما یظهر منه الهبة کان القول قولها، وإن ادعی هو أنه أراد خلاف الظاهر، بل لا یبعد عدم ضمانها للمدفوع مع فرض تلفه حتی لو علم بعد ذلک منه إرادة خلاف الظاهر، نعم یتجه له الرجوع حینئذ به لو کانت عینه باقیة کما هو واضح).

أقول: إنما کان القول قولها لدلیل السلطنة المتقدمة، فإن سلطنة الإنسان علی نفسه یجعل قوله حجة علی نفسه، فإذا أتلفته الزوجة لم یحق له الاسترجاع أو جعله مهراً لأنها مغرورة وهی ترجع إلی من غر.

ومنه یعلم حال ما إذا کان المهر عیناً وسلمها الزوج إلیها قائلاً: هو هبة، وزعمت المرأة أنها عین أخری وأتلفتها، حیث إن الزوج ضامن للمثل أو القیمة

ص:204

فهو کما لو أعطی إنسان عین مال إنسان آخر له مظهراً أنه هدیة أو هبة أو من باب الضیافة أو ما أشبه فأتلفه المالک، علی ما ذکرنا تفصیله فی کتاب الغصب.

أما إذا لم تتلفه الزوجة، فله أن یسترجعه فی فرد الکلی أو یصرح بأنه مهرها، ولا حق لها بعد ذلک، نعم إذا کان المهر عیناً لا یحق له الاسترجاع.

ثم إنها إذا کانت تطلب منه دیناً ومهراً، حیث اقترض منها مثلاً دیناراً والمهر دینار فرضاً، اعتبر فی کون الدینار المعطی لها أیهما قصد المعطی أیضاً لا قصدهما معاً، فلو أعطاها دیناراً قاصداً المهر وهی قصدت الدین وقع عن المهر.

وربما یتوهم أنه لم یقع عن أیهما، أما اعتبار قصد الزوج فلما تقدم، وأما اعتبار قصدها فلأن إدخال شیء فی ملک الإنسان بدون قصده تصرف فی سلطنته فیدفعه «الناس مسلطون علی أموالهم»((1)).

وفیه: إنها مجبورة بقبولهما فلا حق لها فی رفض هذا أو ذاک، حیث إن عدم القبول تصرف فی سلطنة المدیون علی ما عرفت.

نعم ذلک لها إذا لم یحن وقته أو للشرط أو کان هناک محذور عقلی أو شرعی لها عن القبول مما یسقط سلطنة المدیون.

ص:205


1- بحار الأنوار: ج2 ص273

مسألة ٣ لو قال: هذا ابنی منها

(مسألة 3): قال فی القواعد: (لو قال: هذا ابنی منها، فالأقرب ثبوت مهر المثل مع إنکار النکاح أو التسمیة أو أصل المهر أو أن یسکت)، وفی الإیضاح: (وجه القرب أنه إقرار من حر بوطی یلحق النسب به بغیر ملک یمین، وکل وطی من حر بغیر ملک یمین یلحق النسب به موجب للمهر، فیلزم أنه أقر بوطی لغیر ملک الیمین موجب للمهر، والکبری بینة، وأما الصغری فلأن تکون الولد من منیه فی رحم المرأة من غیر وطی محال عادة أو بعید نادر جداً، فإن استدخال المنی بغیر مساحقة أو بمساحقة تولیده عادة محال أو نادر جداً، بل هو إلی الإحالة عادة أقرب، والإقرار بالمسبب یستلزم الإقرار بالسبب والنوادر لم یلتفت إلیها الشارع).

أقول: الظاهر أنه لا یثبت به المهر لإمکان الزنا بالرضا منها حیث لا مهر، وإفراغ الماء علی الفرج وهی غیر بکر أو هی بکر لکنها أزیلت بکارتها بزنا بعد الحمل أو طفرة أو شبهة أو غیرها وجذب الرحم والمساحقة وکون الأب التزم بالمهر، إلی غیر ذلک فلا دلالة لکلامه علی لزوم المهر علیه.

ویؤیده بعض الروایات الواردة فی المقام:

مثل ما رواه محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله (علیهما السلام) یقولان: «بینما الحسن بن علی (علیهما السلام) فی مجلس أمیر المؤمنین (علیه السلام) إذ أقبل قوم فقالوا: یا أبا محمد أردنا أمیر المؤمنین، قال: وما حاجتکم، قالوا: أردنا أن نسأله عن مسألة، قال: وما هی تخبرونا بها، قالوا: امرأة جامعها زوجها، فلما قام عنها قامت بحموتها فوقعت علی جاریة بکر فساحقتها فوقعت النطفة فیها فحملت، فما تقول فی هذا، فقال الحسن (علیه السلام): معضلة وأبو الحسن لها، وأقول: فإن أصبت فمن الله ومن أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وإن أخطأت فمن نفسی فأرجو أن لا أخطأ إن شاء الله، یعمد إلی المرأة فیؤخذ منها مهر الجاریة البکر فی أول وهلة، لأن الولد لا

ص:206

یخرج منها حتی تشق فتذهب عذرتها، ثم ترجم المرأة لأنها محصنة، وینتظر بالجاریة حتی تضع ما فی بطنها، ویرد الولد إلی أبیه صاحب النطفة، ثم تجلد الجاریة الحد. قال: فانصرف القوم من عند الحسن (علیه السلام) فلقوا أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقال: ما قلتم لأبی محمد وما قال لکم، فأخبروه، فقال: لو أننی المسؤول ما کان عندی فیها أکثر مما قال ابنی»((1)).

وعن إسحاق بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «دعانی زیاد، فقال: إن أمیر المؤمنین کتب إلی أن أسألک هذه المسألة، فقلت: وما هی، قال: رجل أتی امرأته فاحتملت ماءه فساحقت به جاریة فحملت، قلت له: سل عنها أهل المدینة فألقی إلی کتاباً فإذا فیه: سل عنها جعفر بن محمد، فإن أجابک وإلاّ فاحمله إلیّ، قال: فقلت له: ترجم المرأة وتجلد الجاریة ویلحق الولد بأبیه، قال: ولا أعلمه إلاّ قال: وهو ابتلی بها»((2)).

وعن إسحاق بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا أتی رجل المرأة فاحتملت ماءً فساحقت به جاریة فحملت رجمت المرأة وجلدت الجاریة وألحق الولد بأبیه»((3)).

کما یدل علیه أیضاً قصة الشیخ الذی أفرغ علی فرج امرأته فحکم الإمام (علیه الصلاة والسلام) بأن الولد له، إلی غیر ذلک، ولا یمکن الاستدلال بالأخص علی الأعم.

ص:207


1- الوسائل: ج18 ص427 الباب 3 من أبواب حد السحق والقیادة ح1
2- الوسائل: ج18 ص427 الباب 3 من أبواب حد السحق والقیادة ح2
3- الوسائل: ج18 ص428 الباب 3 من أبواب حد السحق والقیادة ح5

لکن یمکن أن یقال: حیث إن الظاهر من فعل المسلم الحلیة والاختیار لا یأتی بعض الاحتمالات المذکورة.

أما الاحتمالات الأخر الممکنة التی لا تنافی الأمرین المذکورین فتکفی فی التمسک بأصالة البراءة.

ولو قال: إنی جامعت هذه المرأة، ثم فسره بالحلال أو سکت، کان علیه المهر، لما ذکرناه من حمل فعل المسلم علی الصحیح، وإن فسره بالحرام فإن کانت مکرهة أو مضطرة أو بشبهة أو ما أشبه وجب المهر، وإلاّ فلا.

ولو قال: حدث الجماع بینی وبینها، لم یکن علیه المهر، لأن حدوث الجماع یمکن بإلجائها له أو بما أشبه الإلجاء کأن یکون فی حالة النوم وهی التی تجامع أو سبب إنسان آخر جماعهما.

ولو قال: هذه زوجتی لم یجب المهر، لاحتمال کونها مفوضة البضع، ویموت أحدهما قبل الدخول.

ولو قال: هذه زوجتی ودخلت بها، فالظاهر وجوب المهر، لظهور الدخول بها فی الحلیة، لأصالة الحل فی عمل المسلم، فاحتمال أن الدخول بها کان زناً قبل الزواج منفی بأصل الصحة.

ولو قال: هذه زوجتی ولم أدخل بها، ثم طلقها فلها المتعة أو نصف المهر، فإن اتحدا فهو، وإلاّ فالمحکم قاعدة العدل علی موازینها.

وکذا یلزم المهر لو قال: هذه حرام علیّ لأنها أم زوجتی أو بنت زوجتی أو أخت زوجتی، إذا لم یمت أحدهما قبل الدخول، واحتمل کونها مفوضة البضع.

وکیف کان، فمما تقدم یظهر وجه النظر فی جواب الإیضاح عما ذکرناه

ص:208

حیث قال: (لا یقال: یحتمل أن یکون الوطی بعقد صدر من الأب حال صغر الواطی وعسره، أو أن یکون قد وقع منه علی أقل من مهر المثل، ولا یلزم من إنکاره الأقل أو سکوته ثبوت الأکثر لإمکان کذبه فی إنکاره التسمیة، ولا یجوز إلزام الکاذب بالزیادة، وکذا الساکت، فإنه لم یصدر منه إلاّ الاعتراف فی ملزوم الوطی، والوطی یمکن وقوعه عن عقد علی أقل ما یمکن أن یکون مهراً کحبة مثلاً.

لأنا نقول: الجواب عن الأول الإقرار بالفعل یوجب ثبوت حکمه علی فاعله، لأن إیجاب حکمه علی غیره مع إمکان ثبوته علیه خلاف الأصل نادر، وخلاف الأصل لا یحکم به إلاّ بدلیل یقینی أو حکم الشارع بصلاحیة النقل عن الأصل، ولا یتوقف فی الحکم بسببه وإلاّ لزم مساواة خلاف الأصل الأصل، ولأنا بینا أن ما ذکروه سبب نادر علی خلاف الأصل) ((1)).

ص:209


1- إیضاح الفوائد فی شرح مشکلات القواعد: ج3 ص243

مسألة ٤ إذا خلا بالزوجة فادعت المواقعة

(مسألة 4): قال فی الشرائع: (إذا خلا بالزوجة فادعت المواقعة، فإن أمکن الزوج إقامة البینة بأن ادعت هی أن المواقعة قبلاً وکانت بکراً فلا کلام، وإلاّ کان القول قوله مع یمینه، لأن الأصل عدم المواقعة وهو منکر لما تدعیه، وقیل: القول قول المرأة عملاً بشاهد حال الصحیح فی خلوته بالحلائل، والأول أشبه).

أقول: قد یکون مانع فی الرجل أو المرأة عن المواقعة کالجب والقرن وما أشبه، فلا إشکال فی أن ادعاء أیهما المواقعة باطل لا یسمع، وقد لا یکون مانع فهل یقدم الظاهر علی الأصل، کما عن الشیخ فی النهایة والتهذیبین تبعاً لابن أبی عمیر، وهو المحکی عن جماعة من القدماء فالأصل المواقعة ویرتب علیها آثارها من العدة والمهر وما أشبه، ویکون منکر المواقعة رجلاً کان أو امرأة هو الذی علیه الدلیل، أو یقدم الأصل إذ الأصل عدم المواقعة، حیث إنه حادث کما ذهب إلیه المشهور، قال فی الجواهر: بل لعله إجماع بین المتأخرین.

احتمالان، استدل للشیخ بالإضافة إلی ما تقدم من الظهور، بضمیمة إنا مأمورون بالظاهر، کما یدل علیه بعض الروایات:

مثل ما رواه الدعائم، عن علی (علیه الصلاة والسلام)، إنه کتب إلی رفاعة لما استقضاه علی الأهواز کتاباً، وفی ذلک الکتاب: «واقض بالظاهر»((1)).

بجملة من الروایات:

مثل ما عن زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «إذا تزوج الرجل المرأة ثم

ص:210


1- المستدرک: ج3 ص195 الباب 1 من أبواب آداب القاضی ح1

خلا بها فأغلق علیها باباً أو أرخی ستراً ثم طلقها فقد وجب الصداق، وخلاؤها بها دخول»((1)).

وعن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبیه، عن علی (علیهم السلام)، إنه کان یقول: «من أجاف من الرجال علی أهله باباً أو أرخی ستراً فقد وجب علیه الصداق»((2)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یطلق المرأة وقد مس کل شیء منها إلاّ أنه لم یجامعها ألها عدة، فقال (علیه السلام): «ابتلی أبو جعفر (علیه السلام) بذلک، فقال له أبوه علی بن الحسین (علیه السلام): إذا أغلق باباً وأرخی ستراً وجب المهر والعدة»((3)).

إلی غیرها من الروایات.

ویؤیده ما فی جملة من الروایات من عدم سماع الدعوی بعدم الوقاع، ولو کانا کلاهما یدعیان ذلک، لاتهامهما بإرادة عدم استقرار المهر وعدم العدة.

مثل ما رواه أبو بصیر، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): الرجل یتزوج المرأة فیرخی علیها وعلیه الستر ویغلق الباب ثم یطلقها فتسأل المرأة هل أتاک، فتقول: ما أتانی، ویسأل هو هل أتیتها، فیقول: لم أتیتها، فقال: «لا یصدقان، وذلک أنها ترید أن تدفع العدة عن نفسها، ویرید هو أن یدفع المهر عن نفسه، یعنی إذا کانا متهمین»((4)).

أقول: کلمة (یعنی) جزء الروایة التی ذکرها الوسائل، ولعله من الراوی.

وعن أبی عبیدة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یتزوج المرأة البکر أو

ص:211


1- الوسائل: ج15 ص67 الباب 55 من أبواب المهور ح3
2- الوسائل: ج15 ص67 الباب 55 من أبواب المهور ح4
3- الوسائل: ج15 ص67 الباب 55 من أبواب المهور ح2
4- الوسائل: ج15 ص69 الباب 56 من أبواب المهور ح1

الثیب فیرخی علیه وعلیها الستر، أو یغلق علیه وعلیها الباب ثم یطلقها، فتقول: لم یمسنی، ویقول هو: لم أمسها، قال: «لا یصدقان، لأنها تدفع عن نفسها العدة ویدفع عن نفسه المهر»((1)).

ولا یخفی ما فی کلا الدلیلین، إذ الظهور لیس حجة فی قبال الأصل فی باب الأعمال، وإن کان حجة فی باب الألفاظ، وما فی الروایة یراد به عدم تفتیش القاضی عن خفایا الأمور کما حقق فی محله.

ویدل علیه ذیل الروایة، حیث قال (علیه السلام): «واقض بالظاهر وفوض إلی العالم ودع عنک الباطن»((2)).

والروایات المذکورة معارضة بما دل علی أن الوقاع یسبب المهر لا غیره، مما یجب به حمل الروایات المتقدمة علی ما کانت الخلوة طریقاً عرفیاً إلی الجماع کما هو المتعارف.

مثل ما عن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل دخل بامرأة، قال: «إذا التقی الختانان وجب المهر والعدة»((3)).

وعن حفص البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا التقی الختانان وجب المهر والعدة والغسل»((4)).

وعن یونس بن یعقوب، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سمعته یقول: «لا یوجب المهر إلاّ الوقاع فی الفرج»((5)).

ص:212


1- الوسائل: ج15 ص70 الباب 56 من أبواب المهور ح4
2- المستدرک: ج2 ص198 الباب 1 من أبواب آداب القاضی ح1
3- الوسائل: ج15 ص65 الباب 54 من أبواب المهور ح3
4- الوسائل: ج15 ص65 الباب 54 من أبواب المهور ح4
5- الوسائل: ج15 ص66 الباب 54 من أبواب المهور ح6

إلی غیر ذلک مما تقدم فی بعض المسائل السابقة جملة منها.

وربما حملت روایات الخلوة علی التقیة، حیث أفتی به أبو حنیفة وکثیر من العامة، ورووا عن عمر أنه قال: (من أرخی ستراً وأغلق باباً فقد وجب علیه المهر)((1)).

ویؤیده ما فی نفس هذه الروایات مثل ما عن أبی بصیر، قال: «تزوج أبو جعفر (علیه السلام) امرأة فأغلق الباب فقال: افتحوا ولکم ما سألتم، فلما فتحوا صالحهم».

وعن یونس بن یعقوب، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل یتزوج امرأة فأدخلت علیه فأغلق الباب وأرخی الستر وقبل ولمس من غیر أن یکون وصل إلیها، ثم طلقها علی تلک الحال، قال: «لیس علیه إلاّ نصف المهر»((2)).

أما عدم التصدیق فی روایات تصادقهما علی عدم الدخول، فذلک محمول علی ضرب من الاحتیاط، وإلاّ فلا شک فی أنهن مصدقات، کما تقدمت جملة من الروایات الدالة علی ذلک فی باب تزویج المرأة متعة.

ویؤیده ما تقدم فی الروایة من التفسیر بقوله: «یعنی إذا کانا متهمین».

وکذلک روی إسحاق بن عمار، عن أبی الحسن (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یتزوج المرأة فیدخل بها فیغلق علیها باباً ویرخی علیها ستراً، ویزعم أنه لم یمسها، وتصدقه هی بذلک علیها عدة، قال: «لا»، قلت: فإنه شیء دون شیء، قال: «إن أخرج الماء اعتدت، یعنی إذا کانا مأمونین صدقا»((3)).

والمراد بخروج الماء الدخول، بقرینة جملة من الروایات الأخر:

ص:213


1- الوسائل: ج15 ص69 الباب 55 من أبواب المهور ح8
2- الوسائل: ج15 ص68 الباب 55 من أبواب المهور ح5
3- الوسائل: ج15 ص69 الباب 56 من أبواب المهور ح2

مثل ما عن محمد بن مسلم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل والمرأة متی یجب علیهما الغسل، قال: «إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم»((1)).

وعن عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سأله أبی وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت علیه ولم یمسها ولم یصل إلیها حتی طلقها هل علیها عدة منه، فقال: «إنما العدة من الماء»، قیل له: فإن کان واقعها فی الفرج ولم ینزل، فقال: «إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدة»((2)).

إلی غیرهما من الروایات.

وعلی هذا، فمقتضی القاعدة هو ما ادعاه المشهور.

ثم إذا ادعی أحدهما الدخول وأنکره الآخر، فإن أقام المدعی البینة کما إذا کانت المرأة بکراً قبل دخولها علیه وخرجت ثیباً، وهی لا تدعی أن الفض صار بإصبع ونحوه، بل تنکر ذلک ثبت قول المدعی، وإن أقام المنکر البینة الشاهدة لبکارتها ثبت الإنکار، وإن کان الإنکار لا یحتاج إلی البینة.

لا یقال: لا یحوز النظر إلی العورة.

لأنه یقال: یجوز فی موقع الحاجة، إذ یدل علیه بالإضافة إلی أنه اضطرار ومن مسألة الأهم والمهم، جملة من الروایات:

مثل ما رواه الشیخ، عن إسماعیل بن أبی زیاد، عن أبی عبد الله، عن أبیه، عن علی (علیهم السلام)، أنه أتی رجل بامرأة بکر زعم أنها زنت، فأمر النساء فنظرن إلیها فقلن: هی عذراء، فقال (علیه الصلاة والسلام): «ما کنت لأضرب من علیها خاتم من الله، وکان یجیز شهادة النساء فی مثل هذا»((3)).

ورواه الصدوق والطبرسی.

ص:214


1- الوسائل: ج15 ص66 الباب 54 من أبواب المهور ح9
2- الوسائل: ج15 ص65 الباب 54 من أبواب المهور ح1
3- الوسائل: ج18 ص261 الباب 24 من أبواب الشهادات ح13

وفی روایة الجعفریات: «إن علیاً (علیه السلام) أتی بجاریة زعموا أنها زنت، فأمر النساء فنظرن إلیها فقلن: یا أمیر المؤمنین هی بکر، فقال (علیه السلام): ما کنت لأضرب من علیها خاتم الرحمن»((1)).

إلی غیرهما من الروایات الواردة فی هذا الباب.

ویؤیده الروایات الوردة فی الخنثی، وأنه تجعل المرآة وینظر إلیها، کما أنه یدل علی ذلک أیضاً الروایات الواردة فی أبواب العیوب والتدلیس.

مثل ما رواه أبو حمزة، قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) یقول: «إذا تزوج الرجل المرأة الثیب التی تزوجت زوجاً غیره فزعمت أنه لم یقربها منذ دخل بها، فإن القول فی ذلک قول الرجل، وعلیه أن یحلف بالله لقد جامعها لأنها المدعیة»، قال: «فإن تزوجت وهی بکر فزعمت أنه لم یصل إلیها فإن مثل هذا تعرف النساء فلینظر إلیها من یوثق به منهن، فإذا ذکرن أنها عذراء فعلی الإمام أن یؤجله سنة، فإن وصل إلیها وإلاّ فرق بینهما وأعطیت نصف الصداق ولا عدة علیها»((2)).

ولذا الذی ذکرناه قال فی المسالک: (إذا ادعت بعد الخلوة التامة الخالیة من موانع الوقاع الدخول وأنکر، فإن کانت بکراً فلا إشکال، لإمکان الاطلاع علی صدق أحدهما باطلاع التعاقب من النساء علیها، وذلک جائز لمکان الحاجة کنظر الشاهد والطبیب).

ولا یرد علیه إشکال الجواهر حیث قال: (فیه إن رؤیاها ثیباً لا دلالة فیه علی صدق دعواها، لاحتمال زوال بکارتها بغیر وقاعة، کما أن کونها بکراً لا یوجب

ص:215


1- المستدرک: ج3 ص211 الباب 18 من أبواب الشهادات ح3
2- الوسائل: ج15 ص70 الباب 57 من أبواب المهور ح1

تمکینها من نفسها للاطلاع علی معرفة حالها خصوصاً مع حرمة النظر إلی العورة وما فیه من المشقة لمنافاته الحیاء، فلها المطالبة حینئذ بالیمین، أو یکون القول قولها علی اختلاف القولین).

ولذا استثنی أخیراً بقوله: (اللهم إلاّ أن یقال: إنه یظهر من بعض النصوص السابقة فی العیوب أن للحاکم تعرف نحو ذلک بنحو ذلک فله الإلزام فی مقام قطع الخصومة وتبین صحة الدعوی من فسادها).

ثم إن ادعی أحدهما الدخول والآخر أنکره، وبعد الفحص ظهر بکراً، لم یعتن باحتمال التقاء الختانین الموجب للمهر والعدة، للاتفاق من الفقهاء علی عدم إیجاب شیء مع البکارة، ویدل علیه ما تقدم عن علی (علیه الصلاة والسلام) فی عدم الحد مع البکارة.

هذا بالإضافة إلی أن إمکان حصول التقاء الختانین مع البکارة أول الکلام.

ومنه یعلم وجه النظر فیما عن کشف اللثام من المناقشة فی ذلک بأن الختانین یلتقیان من دون زوال البکارة.

ثم لو ادعی أحدهما الدخول وأنکر الآخر، وقد ظهرت بکراً وادعی مدعی الدخول أن البکارة عادت، إذ هو ممکن کما لا یخفی، احتاج مدعی العود إلی الدلیل، وإلاّ فالأصل مع المنکر.

ولو علمنا ببکارتها ثم ذهبت بکارتها بالخلوة بها، وادعی أحدهما بأن الزوال إنما هو بالإصبع ونحوها، احتاج مدعی زوالها بالذکر إلی الإثبات.

لا یقال: یحتاج مدعی زوالها بالإصبع إلی الإثبات أیضاً.

لأنه یقال: لم یرتب الشارع الحکم إلاّ علی زوالها بالذکر لا بشیء آخر.

لا یقال: إن أزالها بالذکر رتب الشارع حکم الزنا والمهر والعدة والغسل

ص:216

ومحرمات المصاهرة وغیرها، وإن أزالها بالإصبع رتب الشارع علیها حکم الثیب فی عدم کون مهرها مهر البکر وعدم الاحتیاج إلی إجازة الأب فی النکاح والعقر وغیر ذلک.

لأنه یقال: بالإضافة إلی المناقشة فی عدم الاحتیاج إلی الإجازة فی مثل هذه الثیب وسائر المناقشات فی أصل الاحتیاج إلی الإجازة فی المقام، الکلام فی أن الدخول له أحکام وإزالة الإصبع لیست لها أحکام، وإنما الحکم للثیب وهو غیر ما ذکر، اللهم إلاّ أن یقال: المزیل بالإصبع علیه العقر أو المهر، والمزیل بالذکر علیه المهر فلکل حکم، ولا فرق فی العلم الإجمالی بین أن یکون فی کل طرف منه حکم واحد أو أحکام أو بالاختلاف بأن یکون فی طرف حکم وفی طرف آخر أحکام، وعلیه فیکون المورد من التحالف، فتأمل.

ص:217

مسألة ٥ لو أصدقها تعلیم سورة أو صناعة

(مسألة 5): قال فی الشرائع: (لو أصدقها تعلیم سورة أو صناعة، فقالت: علمنی غیرها، فالقول قولها لأنها منکرة لما یدعیه).

وفی الجواهر: (بلا خلاف ولا إشکال، فهو نحو إنکارها وصول المهر لو ادعی علیها تسلیمه، ونحو إنکارها لو ادعی علیها تعلیم السورة، فقالت: علمنی غیرها، وحینئذ یلزم فی الفرض بأجرة التعلیم).

أقول: قد تقدم سابقاً الإشکال فی استحقاقها الأجرة من الرجل إذا استعد الرجل التعلیم لکنها ذهبت وتعلمت من غیره.

وعلی أی حال، کلمّا أنکرت المرأة وصول المهر إلیها، سواء کان تعلیم صنعة أو سورة أو خدمة أو ما أشبه، کان الأصل معها وعلی الزوج إقامة البینة علی ذلک.

نعم إذا کان هناک علم إجمالی بأنها تستحق منه تعلیم سورة مهراً وسورة لإعطائها الأجرة له لأجل تعلیمها إیاها، وقد علمها إحداهما، فاختلفا فی أن الذی علمها هل هی سورة المهر أو سورة الأجرة، لم یمکن التمسک بالأصل، لأن الأصل لا یجری فی أطراف العلم الإجمالی کما حقق فی الأصول.

یبقی أنه إن کان اللازم علیه تعلیم سورتین لها، فإذا کانت إحدی السورتین البقرة والأخری الإخلاص، وعلمها الإخلاص ولم یعلم أن البقرة للمهر حتی إذا تعلمها من نفسها مع امتناع الزوج تعلیمها لها استحقت الأجرة وهو مائة درهم، أو للأجرة حتی إذا بطلت الإجارة فرضاً تسترجع منه ما أعطته له من الأجرة وهو عشرة، کان مسرحاً لقاعدة العدل، أی نصف المبلغین.

ومنه یعلم حال العکس بأن علمها البقرة وترک الإخلاص، فتعلمتها من نفسها مع امتناع الزوج عن تعلیمها لها.

ص:218

مسألة ٦ لو عقد علیها عقدین

(مسألة 6): قال فی الشرائع: (إذا أقامت المرأة بیّنة أنه تزوجها فی وقتین بعقدین، فادعی الزوج تکرار العقد الواحد، وزعمت المرأة أنهما عقدان، فالقول قولها لأن الظاهر معها، وهل یجب علیه المهران، قیل: نعم عملاً بمقتضی العقدین، وقیل: یلزمه مهر ونصف، والأول أشبه).

وقال فی المسالک: (إذا اختلف الزوجان المتفقان علی وقوع عقدی نکاح بینهما فی وقتین، أو مع إقامة البینة علی العقدین فادعی الزوج التکرار المحض إما علی وجه الاحتیاط فی تصحیحه أو لاشتهاره أو مجرداً، وادعت المرأة أن کلاً منهما عقد شرعی، وإن لم یذکر سبب الفرقة من العقد الأول، لأن الدعوی تدل علیه ولأن دعوی المشروط یستلزم وقوع الشرط، قدم قولها عملاً بالحقیقة الشرعیة، فإن العقد حقیقة شرعیة فی السبب المبیح للبضع، فاستعماله فی نفس الإیجاب والقبول المجردین عن الأثر مجاز بحسب الصورة کتسمیة الصورة المنقوشة علی الجدار فرساً.

ومثله ما لو قال لغیره: بع هذا العبد منی، ثم ادعی أنه ملکه، فإنه لا یلتفت إلیه، ویجعل استدعاؤه إقراراً له بالملک، ولا یعتد بقوله: إنی طلبت منه صورة البیع، ولا یعتبر التعرض فی الدعوی للوطی، لأن المهر المسمی یجب بالعقد علی أصح القولین.

والمراد بقول المصنف: لأن الظاهر معها، أن الظاهر من إطلاق اللفظ حمله علی حقیقته دون مجازه، وأراد بالظاهر معنی الأصل من حیث إن استعمال العقد فی غیر حقیقته خلاف الظاهر فی الاستعمال، وإن کان المجاز فی نفسه کثیراً شائعاً)((1)).

أقول: قد یدعی الزوج أن العقد الثانی کان هزلاً، أو أنه کان بصدد التعلیم

ص:219


1- مسالک الأفهام: ج8 ص304 _ 305

لصیغة الإیجاب والقبول لتلامیذه، أو أنه کان تأکیداً، أو أنه کان ذهولاً عن الأول ونسیاناً له، أو أنه بظن أن الأول لم یصح، إلی غیر ذلک من الصور.

ثم لا یخفی أنه یختلف دعواها فی سبب الآنفصال، إذ قد تدعی ما یوجب عدم انعقاد العقد الثانی، مثل أن تدعی انها کانت متعة له وبدون هبة المدة وانقضاء المدة عقد علیها، وإنما فعل ذلک لجهله أن ذلک لا یصح أو ما أشبه الجهل.

وقد تدعی ما لا ینافی صحة العقد الثانی، مثل أنه عقدها متعةً وبعد مدة عقد علیها ثانیاً، مع أنها تقول بعدم حفظها مدة المتعة بما ینافی العقد الثانی بدون هبة المدة أو بما لا ینافیها.

فما ظهر من المسالک من الإطلاق لابد وأن یرید به ما ذکرناه.

وکیف کان، ففی مورد یصح العقد الثانی کل الاحتمالات التی یبدیها الرجل من کونه هزلاً إلی آخره خلاف الأصل، ولعل مراد المسالک بالحقیقة الشرعیة الأصل الذی قرره الشارع لا الحقیقة الشرعیة الاصطلاحیة.

نعم إن أراد ظاهره ورد علیه إشکال الجواهر بقوله: (لا حقیقة شرعیة فی لفظ العقد قطعاً، وعلی تقدیره فلیس هو محط النزاع بینهما ضرورة کون الواقع بینهما مصداق العقد لا لفظه).

ومما ذکرناه ظهر وجه النظر فی قول الحائری، حیث قال: (فی صورة ادعاء الزوج أنه احتیاط ذهب جماعة إلی أن القول فیها قول المرأة، لأن الظاهر هو التأسیس، ولأن مقتضی أصالة الصحة فی العقود إرادة ترتب الأثر علیها، إذ لا معنی لصحتها إلاّ ذلک. وفیه: إن دعوی ظهور الکلام فی التأسیس إن کان لأجل ظهوره عرفاً فی ذلک، فذلک ممنوع جداً، وإن کان لأجل غلبة التأسیس خارجاً، فهذا ظن حاصل

ص:220

من الغلبة ولا ربط له بظهور اللفظ کی یکون حجة. هذا مع أن تکرار العقد احتیاطاً تأسیس علی تقدیر، لأنه لو صادف فساد العقد الأول لأثر مستقلاً).

ولذا قال کشف اللثام فی محکی کلامه: (قدم قولها من غیر خلاف یظهر، لأن الأصل والظاهر معها، فإن الأصل والظاهر التأسیس، والحقیقة فی لفظ العقد وفی صیغته ولا عقد فی المکرر حقیقة ولا فی الصیغة المکررة بمعنی الإنشاء المعتبر فی العقود).

ثم أصالة الصحة أیضاً علی عدم التأکید والاحتیاط والهزل ونحوها، لأن العقد فی کلها غیر صحیح حتی فی الاحتیاط، إذ الاحتیاط لو صادف الواقع لم یکن احتیاطاً، ولو لم یصادف الواقع لم یکن صحیحاً، فإن العقلاء یرون الصحة وهی لیست أعم من الاحتیاط، ولذا إذا رأوا من یصلی أو یصوم أو یحج أو یعامل أو یغسل أو یفی بنذره أو غیر ذلک حملوا فعله علی غیر الاحتیاط، فإذا انکشف لدیهم أنه احتاط رأوه خلاف ما توقعوه، کما إذا رأوا أنه أکد أو هزل أو ضرب ذلک من باب المثال لتلامیذه أو اشتبه أو ما أشبه ذلک، فإنهم یرونه خلاف ما توقعوه، ولیس الأصل العقلائی إلاّ بهذا المعنی.

کما أنه إذا وصی أو نذر أو عهد أو ما أشبه کان المنصرف الصحیح الذی لیس باحتیاط.

ومنه یعلم وجه النظر فی ما ذکره الحائری، حیث قال: (أما کون مقتضی أصالة الصحة فی العقود إرادة ترتب الأثر علیها، فهو إنما یکون فیما إذا دار أمر العقد بین الصحة والفساد رأساً، کما إذا شک فی صدوره عن البالغ أو غیره، وأما إذا

ص:221

دار أمره بین الصحة الفعلیة والصحة علی تقدیر کما نحن فیه فلا مجال هنا لأصالة الصحة، ضرورة أن بناء العقلاء الذی هو الأصل فی أصالة الصحة فیما إذا رأوا من یصلی واحتملوا أن یکون صلاته قضاءً عن الفوائت أو لأجل الاحتیاط، لیس علی حمل صلاته علی کونها قضاءً لأجل أن حملها علی کونها احتیاطاً حمل علی الصحیح علی تقدیر لأنه لو لم تکن ذمته واقعاً مشغولة بها لوقعت غیر مؤثرة. وذلک لأن المراد من الفعل الصحیح هو ما کان کذلک فی حد نفسه، بأن کان واجداً لجمیع ما یعتبر فیه من الأجزاء والشرائط ولو لم یترتب علیه أثر فعلاً، إلاّ علی تقدیر لعدم الاحتیاج إلیه علی غیر ذلک التقدیر، فالقول بأن القول فی هذه الصورة هو قول الزوج بیمینه لأصالة براءة ذمته عن الزائد علی مهر واحد لا یخلو عن قوة).

وبذلک تبین أن اللازم علیه المهران المسمیان أو غیر مسمیین فی مفوضة البضع ومفوضة المهر، سواء حصل الدخول أو لم یحصل، علی ما تقدم تفصیل الکلام فی مثل ذلک فی المسألة السابقة بالنسبة إلی المهر.

وذلک لأن کل سبب یحتاج إلی مسبب، فالمسبب قد یکون کل المهر المسمی، وقد یکون المتعة، وقد یکون نصف المهر، وسقوط المهر بتدلیس ونحوه یحتاج إلی الدلیل، کما أنه کذلک بالنسبة إلی الموت قبل الدخول فی مفوضة البضع علی ما تقدم.

ولذا قال فی الجواهر عند قول الشرائع بأن المهرین أشبه: (بأصول المذهب وقواعده، ضرورة عدم ما یصلح به الخروج عن مقتضی السبب الثابتة سببیته والمستصحب مقتضاه، وأصالة عدم الدخول لا تصلح لإثبات التنصیف الذی ینفی مقتضاه بأصالة عدم

ص:222

حصوله کأصالة عدم العیب ونحوه، ومجرد احتمال کون الفرقة مما تقتضی عدم المهر أصلاً أو نصفه لا یقطع أصالة بقاء الاستحقاق والملک ونحوهما التی یکفی فی ثبوتها احتمال کون الفرقة بما یقتضی تمام المهر، ولا ریب فی تحقق الاحتمال فی الفرض کما هو واضح)((1)).

والحاصل: إن السبب یقتضی المسبب فی الجملة، أما سائر الخصوصیات فهو أمر آخر تقدم الکلام فیه، فما عن الشیخ فی المبسوط وسدید الدین والد العلامة من لزوم مهر ونصف لمعلومیة تحقق الفرقة، وإلاّ لم یصح العقد الثانی والوطی غیر معلوم، بل الأصل عدمه فتستحق النصف منه.

وقول آخر بلزوم مهر واحد، لأصالة براءة ذمته بعد أن کان من أسباب الفرقة ما لا یوجب مهراً ولا نصفه، کردتها وفسخه بعیبها قبل الدخول وفسخها بعیبه غیر العنن قبله أیضاً، واحتمال عدم لزوم المهر أصلاً بعد فرض کون النزاع بعد الفراق منهما، غیر ظاهر الوجه.

نعم لا إشکال فی أنه لا إطلاق فیما ذکرناه من المهرین، وإنما هو حسب مقتضی السببیة والمسببیة فی الجملة، فمن الممکن دعوی ثانیة توجب عدم المهر علی الزوج أصلاً، کما إذا ادعی الفسخ بالعیب فی الأول وفی الثانی، وتمکن من إثبات ذلک وأنه فسخ بالعیب.

وعلیه فربما یکون لها مهران للطلاق فی کل منهما بعد الدخول، وربما یکون مهر کامل للأول ونصف المهر للثانی أو بالعکس، إذا حصل الطلاق قبل الدخول فی أحدهما وبعده فی أحدهما، سواء اختلف قدر المهرین کماً أو کیفاً، کما إذا کان فی أحدهما الشاة وفی الآخر الدینار أو لا.

وربما یکون مهر واحد، لأنه طلق قبل الدخول فیهما، سواء من جنس واحد، کما کان فی کل عقد

ص:223


1- جواهر الکلام: ج31 ص144 _ 145

مهرها مائة، فعلیه الآن مائة، خمسون وخمسون، أو من جنسین کنصف الشاة ونصف المائة إذا کان مهر أحدهما مائة والآخر الشاة.

وربما یکون نصف مهر، لأن فی أحدهما فسخ لا مهر فیه لها، وفی أحدهما طلاق قبل الدخول.

وربما لا مهر أصلاً، حیث فسخان علی ما عرفت.

وربما یکون ثلاثة مهور أو أربعة، بأن وطأها قبل العقد فی الإخلاء أولاً، وثانیاً بإکراه أو باشتباه، وإن کان ذلک خارجاً عن محل الکلام.

ثم إنه کما یمکن أن یدعی الزوج کون العقد الثانی هزلاً أو احتیاطاً أو تأکیداً أو ما أشبه، یمکن أن تدعی الزوجة ذلک بالنسبة إلی العقد الأول أو العقد الثانی فی مثل الهزل، وذلک لأنها ترید مثلاً الزواج برجل آخر، فإن العقد الثانی إذا کان هزلاً کان لها الحق فی ذلک، بینما یرید الرجل إبقاءها فی حبالته، وکذلک بالنسبة إلی ادعائها أن العقد الأول کان هزلاً، حیث إن الزنا لا یوجب تحریماً فی المصاهرة، أو یوجب مهراً أکثر، لأن مهر مثلها من المسمی فیما کان بإکراه، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

کما أن الزوج أیضاً قد یدعی هزلیة العقد الأول، وقد یدعی هزلیة العقد الثانی، إلی غیر ذلک.

ص:224

مسألة ٧ لو اختلفا فی أن المهر شاة أو فرس

(مسألة 7): قال فی القواعد: (ولو قال: أصدقتک العبد، فقالت: بل الجاریة، فالأقرب التحالف وثبوت مهر المثل، ویحتمل تقدیم قوله مع الیمین).

أقول: مقتضی القاعدة التحالف ثم التنصیف لقاعدة العدل بعد أن علم أن المهر أحدهما، ولا وجه لثبوت مهر المثل خصوصاً إذا کان کل من العبد والجاریة أکثر من مهر المثل أو أقل من مهر المثل، فإنهما حیث اختلفا فی العوض المستحق فی العقد فکان کالمبیع، فکل واحد منهما یدعی شیئاً وینکر ما یدعیه الآخر فیتساقطان، سواء کان لهما البینة أو حلفا أو لم یحلفا ولم یکن لأحدهما بینة ویکون المرجع قاعدة العدل.

وأما احتمال تقدیم قوله مع الیمین فهو الذی اختاره الإیضاح، ووجهه بأنه ینکر ما ادعته، فالقول قوله مع الیمین لأنه غارم، وأما المرأة فلا یمین علیها لأنها أنکرت استحقاق ما أقر لها به، والأصل فی ذلک أنه لیس بعوض حقیقی، بل هو واجب بحکم الشرع.

وفیه ما لا یخفی، إذ کون أحدهما مدعیاً والآخر منکراً، أو کون کلیهما مدعیاً إنما یظهر من العرف، ولا شک فی أن العرف سواء فی المقام أو فی البیع أو فی غیرهما یری مثل ذلک من التداعی لا من الادعاء والإنکار.

ولو أجری علیها نکاحین بمهرین لشخص واحد، وعلمنا بصحة أحدهما وبطلان الآخر مما لم یعلم أن أی المهرین لها ولم یمکن تشخیص ذلک بأمارة، فالظاهر أن لها نصف المهرین أیضاً للقاعدة.

أما لو حصل ذلک لنفرین کأن عقدها أحد وکیلیها لزید بمائة دینار، وعقدها وکیلها الآخر لعمرو بمائة شاة، ولم یعلم أن أیهما مقدم، مع العلم بتقدم أحد العقدین مثلاً، فاللازم طلاقهما لها قبل الدخول جبراً من الحاکم علیهما، وعلی

ص:225

کل واحد ربع المهر، أو القرعة، وقد ذکرنا فی ما سبق مکرراً تقدم القاعدة علی القرعة، لأنها حاکمة علیها، کما إذا علم بأنه یطلب إما زیداً وأما عمرواً، إما بمائة شاة أو بمائة دینار، نعم هناک ینتصف الأمر فیکون ربع المائة من الشیاه ومن الدنانیر.

أما إذا ماتا فلها نصف المهر من هذا ونصف المهر من هذا، لقاعدة العدل بعد أن الموت لا ینصف المهر علی ما تقدم فلیس مثل الطلاق.

ومنه یعلم حال ما إذا وطأها وحصل الطلاق بعد ذلک فهو مثل الموت.

ص:226

مسألة ٨ لو اختلف الزوج وولیها

(مسألة 8): قال فی القواعد: (وإذا اختلف الزوج والولی، فکل موضع قدمنا قول الزوج مع الیمین نقدم هنا ویتولی الولی إحلافه، وکل موضع قدمنا قولها مع الیمین صبر حتی تکمل وتحلف، أما لو ادعی التسلیم إلی الولی أو الوکیل، فإن الیمین علیهما).

وما ذکره هو مقتضی القاعدة إلاّ أن قوله: (صبر حتی تکمل وتحلف) محل إشکال، لأنا ذکرنا فی کتاب القضاء وغیره أن الحلف یتوجه إلی الولی أیضاً فی أمثال المقام.

کما أن حال الوکیل حال الولی أیضاً، لشمول الأدلة للأصیل والوکیل والولی، فلا حاجة إلی الصبر حتی تکمل وتحلف، وربما لم تکمل بأن کانت مجنونة وبقیت فی جنونها إلی الموت، أو کانت صغیرة وماتت وهی صغیرة، إلی غیر ذلک من المحتملات.

ومنه یعرف الکلام فی عکس ما ذکره القواعد من أن الاختلاف حصل بین الزوجة وولی الزوج.

ثم قال القواعد: (وورثة الزوجین کالزوجین إلاّ أن یمین الورثة علی نفی فعل مورثهم إنما هی علی نفی العلم).

أقول: وهو کما ذکره إلاّ أن یدعی الورثة العلم فالیمین علی العلم لا علی نفی العلم.

ثم قال: (ویبرؤ الزوج بدفع المهر إلی الزوجة مع بلوغها ورشدها لا مع زوال أحدهما، وبدفعه إلی ولیها لا بدونه، وبالدفع إلی الوکیل فیه لا فی العقد).

وهو کما ذکره فی الفروع الثلاثة.

ومن الواضح أنه یکون البرء بالدفع فیما إذا کان بعنوان المهر أو مطلقاً وقبلته مطلقاً، أما لو دفعه إلیها أو إلی وکیلها أو ولیها بعنوان الضیافة أو الهبة أو عناوین أخر فقبلوه کذلک فلا یکون مهراً، وإن کان

ص:227

عین المهر، علی ما ذکرنا تفصیله فی کتاب الغصب، وألمعنا إلیه هنا.

ثم إن حصل الاختلاف بین ولی أحد الزوجین والزوج الآخر، أو بین ولیهما أو بین أحدهما فی المهر، لا الوکیل فی العقد فقط، والزوج الآخر أو بین وکیلهما کذلک فی دفع المهر وعدمه، أو فی خصوصیات المهر، أو فی خصوصیات الدفع، فالولی والوکیل هو الطرف لا المولی علیه الذی بلغ ورشد الآن حال النزاع، ولا الوکیل، نعم یقع نزاع ثان بین الأصیل والوکیل أو الولی، ولکل نزاع حکمه.

ص:228

فصل فی القسم والنشوز والشقاق

اشارة

فصل

فی القسم والنشوز والشقاق

قال فی الشرائع: (القول فی القسم، والکلام فیه وفی لواحقه، أما الأول فنقول: لکل واحد من الزوجین حق یجب علی صاحبه القیام به، وکما یجب علی الزوج النفقة من الکسوة والمأکل والمشرب والإسکان، فکذا یجب علی الزوجة التمکین من الاستمتاع وتجنب ما ینفر منه الزوج).

أقول: لکل من الزوج والزوجة حقوق علی الآخر، بعضها واجبة وبعضها مستحبة، لکن حق الزوج علی الزوجة أکثر من جهة عقلانیة الرجل وعاطفیة المرأة مما تحتاج إلی القیم، وقد ذکرت فی الشریعة الإسلامیة مئات الآیات والروایات فی هذا الباب مما یحتاج إلی کتاب مستقل مفصل.

وهناک بعض الروایات التی أرادت التأکید فی أحد الجانبین حتی یعتدل الأمر، کما أن من یرید تعدیل ما علی الدابة حیث صار الانحراف فی الحمل یجذب الجانب المرتفع جذباً شدیداً للتعدیل، وهکذا فعلت الشریعة فی مثل جملة من الواجبات والمحرمات کالغیبة والربا وجملة من الحقوق والتی منها المقام.

ونحن تبعاً لکتب الأحادیث والفقه نشیر إلی طائفة من تلک الروایات فی

ص:229

حق کل واحد منهما علی الآخر، ولسنا بصدد التفصیل.

فمن روایات حقوق الزوج علی الزوجة:

ما رواه محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «جاءت امرأة إلی النبی (صلی الله علیه وآله) فقالت: یا رسول الله ما حق الزوج علی المرأة، فقال لها: أن تطیعه ولا تعصیه، ولا تصدق من بیته إلاّ بإذنه، ولا تصوم تطوعاً إلاّ بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن کانت علی ظهر قتب، ولا تخرج من بیتها إلاّ بإذنه، وإن خرجت بغیر إذنه لعنتها ملائکة السماوات وملائکة الأرض وملائکة الغضب وملائکة الرحمة حتی ترجع إلی بیتها، فقالت: یا رسول الله من أعظم الناس حقاً علی الرجل، قال: والده، قالت: فمن أعظم الناس حقاً علی المرأة، قال: زوجها، قالت: فما لی علیه من الحق مثل ما له علیّ، قال: لا، ولا من کل مائة واحد، فقالت: والذی بعثک بالحق لا یملک رقبتی رجل أبداً»((1)).

أقول: لا یقال: کیف قال النبی (صلی الله علیه وآله) ذلک لها مما سبب عدم زواجها.

لأنه یقال: بالإضافة إلی أنه لم یُعلم أنها لم تتزوج بعد ذلک، ولعل ذلک کان کلاماً لها فارغاً، إن النبی (صلی الله علیه وآله) أراد جذب الزمام حتی تخرج المرأة عن تسیبها الذی کانت علیه فی الجاهلیة إلی المحافظة، کما ذکرنا فی مثل جذب حمل الدابة، ومنه یعرف وجه قوله (صلی الله علیه وآله): «ولا من کل مائة واحد».

وعن العزرمی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «جاءت امرأة إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقالت: یا رسول الله ما حق الزوج علی المرأة، فقال: أکثر من ذلک، قالت:

ص:230


1- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص438 باب حق الزوج علی المرأة ح513. والوسائل: ج14 ص125 الباب 91 من أبواب مقدمات النکاح ح1

فخبرنی عن شیء منه، فقال: لیس لها أن تصوم إلاّ بإذنه یعنی تطوعاً، ولا تخرج من بیتها إلاّ بإذنه، وعلیها أن تتطیب بأطیب طیبها، وتلبس أحسن ثباتها، وتتزین بأحسن زینتها، وتعرض نفسها علیه غدوة وعشیة، وأکثر من ذلک حقوقه علیها»((1)).

وعن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «أتت امرأة إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقالت: ما حق الزوج علی المرأة، فقال: أن تجیبه إلی حاجته وإن کانت علی ظهر قتب، ولا تعطی شیئاً إلاّ بإذنه، فإن فعلت فعلیه الوزر وله الأجر، ولا تبیت لیلة وهو علیها ساخط، فقالت: یا رسول الله وإن کان ظالماً، قال: نعم، قالت: والذی بعثک بالحق لا تزوجت زوجاً أبداً»((2)).

أقول: لیس المراد الظلم حقیقة، وإنما المراد ما تزعمه الزوجة ظلماً کما هو المتعارف عند النساء من أنهن لا یقفن عند حقوقهن وحدودهن، فإذا رأین الزوج علی خلاف میلهن نسبنه إلی الظلم.

وفی روایة قال أبو عبد الله (علیه السلام): «أیما امرأة باتت وزوجها علیها ساخط فی حق، لم تقبل لها صلاة حتی یرضی عنها، وأیما امرأة تطیبت لغیر زوجها لم تقبل منها صلاة حتی تغتسل من طیبها کغسلها من جنابتها»((3)).

وعن عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیهما السلام) قال: «إن رجلاً من الأنصار علی عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله) خرج فی بعض حوائجه، فعهد إلی امرأته عهداً أن لا تخرج من بیتها حتی یقدم، قال: وإن أباها مرض، فبعثت المرأة إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقالت: إن زوجی خرج وعهد إلیّ أن لا أخرج من بیتی حتی یقدم، قالت: وإن

ص:231


1- روضة المتقین للمجلسی: ج1 ص362 باب حق الزوج علی المرأة ح8
2- روضة المتقین: ج1 ص362 باب حق الزوج علی الزوجة ح8
3- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص440 باب حق الزوج علی الزوجة ح4521

أبی قد مرض فتأمرنی أن أعوده، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): لا، اجلسی فی بیتک وأطیعی زوجک، قال: فثقل فأرسلت إلیه ثانیاً بذلک، قالت: تأمرنی أن أعوده، فقال: (صلی الله علیه وآله): اجلسی فی بیتک وأطیعی زوجک، قال: فمات أبوها، فبعثت إلیه أن أبی قد مات فتأمرنی أن أصلی علیه، فقال: لا، اجلسی فی بیتک وأطیعی زوجک، قال: فدفن الرجل، فبعث إلیها رسول الله (صلی الله علیه وآله) إن الله تعالی قد غفر لک ولأبیک بطاعتک لزوجک»((1)).

أقول: قد ذکرنا فیما سبق وجه هذا الحدیث، وأنه بالفعل أشبه منه من القول، ولعل المرأة کان فیها خصوصیة، فلا دلالة فی الحدیث علی الإطلاق، بل هو خلاف سیرة رسول الله (صلی الله علیه وآله) وظاهر الآیات وسائر الروایات الدالة علی صلة الرحم والمعاشرة بالمعروف وغیر ذلک، کما ذکرنا تفصیله فی بعض کتبنا المرتبطة بالمرأة.

وعن جابر الجعفی، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «خرج رسول الله (صلی الله علیه وآله) یوم النحر إلی ظهر المدینة علی جمل عاری الجسم، فمر بالنساء فوقف علیهن ثم قال: یا معاشر النساء تصدقن وأطعن أزواجکن فإن أکثرکن فی النار، فلما سمعن ذلک بکین، ثم قامت إلیه امرأة منهن فقالت: یا رسول الله فی النار مع الکفار، والله ما نحن بکفار فنکون من أهل النار، فقال لها رسول الله (صلی الله علیه وآله): إنکن کافرات بحق أزواجکن»((2)).

أقول: من هذا الحدیث یظهر أن عری جسم الرجل أمام المرأة لا بأس به،

ص:232


1- روضة المتقین للمجلسی: ج8 ص733
2- الوسائل: ج14 ص126 الباب 91 من أبواب النکاح ح3

وإنما هی المکلفة بالإغماض، کما أن ما فی هذا الحدیث من أن أکثرهن فی النار الظاهر أنه إما قضیة شخصیة، وإما أن المرأة حیث کانت کثیرة فالنساء اللاتی فی الجنة کثیرات والنساء اللاتی فی النار کثیرات أیضاً.

کما یدل علیه ما رواه الوسائل فی باب استحباب إکرام الزوجة وترک ضربها، عن الصدوق، عن عمار الساباطی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «أکثر أهل الجنة من المستضعفین النساء، علم الله ضعفهن فرحمهن»((1)).

وعن أبی بصیر، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «خطب رسول الله (صلی الله علیه وآله) النساء فقال: یا معاشر النساء تصدقن ولو من حلیکن ولو بتمرة ولو بشق تمرة، فإن أکثرکن حطب جهنم، وإن کن تکثرن اللعن وتکفرن الیسیر، فقالت امرأة من بنی سلیم لها عقل: یا رسول الله ألیس نحن الأمهات الحاملات المرضعات، ألیس منا البنات المقیمات والأخوات المشفقات، فرقّ لها رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقال: حاملات والدات مرضعات رحیمات لو لا ما یأتین إلی بعولتهن ما دخلت مصلیة منهن النار»((2)).

وعن سلیمان بن خالد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إن قوماً أتوا رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقالوا: یا رسول الله إنا رأینا الناس یسجد بعضهم لبعض، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): لو أمرت أحداً أن یسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»((3)).

وعن أبی بصیر، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «لا تطولن صلاتکن

ص:233


1- الوسائل: ج14 ص119 الباب 86 من أبواب مقدمات النکاح ح4
2- الوسائل: ج14 ص126 الباب 91 من أبواب مقدمات النکاح ح2
3- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص438 باب حق الزوج علی المرأة ح515

لتمنعن أزواجکن»((1)).

وعن سعد، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إن الله عز وجل لم یجعل الغیرة للنساء، وإنما تغار المنکرات، فأما المؤمنات فلا، إنما جعل الله الغیره للرجال لأنه أحل للرجال أربعاً وما ملکت یمینه، ولم یجعل للمرأة إلاّ زوجها، فإذا أرادت معه غیره کانت عند الله زانیة»((2)).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج رفعه، قال: بینما رسول الله (صلی الله علیه وآله) قاعد، إذ جاءت امرأة عریانة حتی قامت بین یدیه، فقالت: یا رسول الله إنی فجرت فطهرنی، قال: وجاء رجل یعدو فی أثرها فألقی علیها ثوباً، فقال: «ما هی»، قال: صاحبتی یا رسول الله خلوت بجاریتی فصنعت ما تری، قال: «ضمها إلیک»، ثم قال: «إن الغیرة لا تبصر أعلی الوادی من أسفله»((3)).

وعن أبی الصباح الکنانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحجت بیت ربها وأطاعت زوجها وعرفت حق علی (علیه السلام) فلتدخل من أی أبواب الجنان شاءت»((4)).

وعن موسی بن بکر، عن أبی إبراهیم (علیه السلام)، قال: «جهاد المرأة حسن التبعّل»((5)).

وعن ضریس الکناسی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إن امرأة أتت رسول الله (صلی الله علیه وآله) لبعض الحاجة، فقال لها: لعلک من المسوفات، قالت:

ص:234


1- الوسائل: ج14 ص117 الباب 83 من أبواب مقدمات النکاح ح1
2- الوسائل: ج14 ص110 الباب 78 من أبواب مقدمات النکاح ح1
3- الوسائل: ج14 ص110 الباب 78 من أبواب مقدمات النکاح ح2
4- المستدرک: ج2 ص552 الباب 7 من أبواب مقدمات النکاح ح9
5- الوسائل: ج14 ص116 الباب 81 من أبواب مقدمات النکاح ح2

وما المسوفات یا رسول الله، قال: المرأة التی یدعوها زوجها لبعض الحاجة فلا تزال تسوفه حتی ینعس زوجها فینام، فتلک التی لا تزال الملائکة تلعنها حتی یستیقظ زوجها»((1)).

إلی غیرها من الروایات الکثیرة.

وأما ما یتضمن حقوق المرأة علی الزوج، فمن ذلک ما رواه إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): ما حق المرأة علی زوجها الذی إذا فعله کان محسناً، قال: «یشبعها ویکسوها، وإن جهلت غفر لها»((2)).

وعن إسحاق بن عمار أیضاً، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن حق المرأة علی زوجها، قال: «یشبع بطنها ویکسو جسدها، وإن جهلت غفر لها»((3)).

وفی الفقیه مرسلاً، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «کانت امرأة عند أبی تؤذیه فیغفر لها»((4)).

وعن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «جاءت امرأة إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فسألته عن حق الزوج علی المرأة، فخبرها، ثم قالت: فما حقها علیه، قال: یکسوها من العری ویطعمها من الجوع، وإن أذنبت غفر لها، فقالت: فلیس لها علیه شیء غیر هذا، قال (صلی الله علیه وآله): لا، قالت: لا والله لا تزوجت أبداً ثم ولت، فقال النبی (صلی الله علیه وآله): ارجعی فرجعت، فقال لها: إن الله عز وجل یقول: ﴿وإن یستعففن خیر لهن﴾((5))»((6)).

أقول: الظاهر أن مراد النبی (صلی الله علیه وآله) الاستعفاف بالزواج، ولا ینافی ذلک أن

ص:235


1- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص442 باب حق المرأة علی الزوج ح4526
2- الوسائل: ج14 ص121 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح1
3- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص44 من أبواب مقدمات النکاح ح1
4- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص441 باب حق المرأة علی الزوج ح452
5- سورة النور: الآیة 60
6- الوسائل: ج14 ص118 الباب 86 من أبواب مقدمات النکاح ح3

هذه القطعة فی مؤخرة الآیة المبارکة الذاکرة للقواعد من النساء اللاتی لا یرجون نکاحاً.

وعن روح بن عبد الرحیم، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): قول الله عز وجل ﴿ومن قدر علیه رزقه فلینفق مما آتاه الله﴾، قال: «إذا أنفق علیها ما یقیم ظهرها مع کسوه وإلاّ فرق بینهما»((1)).

وعن أبی بصیر، قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) یقول: «من کانت عنده امرأة فلم یکسها ما یواری عورتها ویطعمها ما یقیم صلبها کان حقاً علی الإمام أن یفرق بینهما»((2)).

وعن السکونی، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن علی (علیهم السلام): «إن امرأة استعدت علی زوجها أنه لا ینفق علیها، وکان زوجها معسراً، فأبی علی (علیه الصلاة والسلام) أن یحبسه فقال: إن مع العسر یسراً»((3)).

وعن عنبسة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا کساها ما یواری عورتها ویطعمها ما یقیم صلبها أقامت معه وإلاّ طلقها»((4)).

وعن سفیان بن عیینة، عن أبی عبد الله (علیه الصلاة والسلام): إن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «أنا أولی بکل من نفسه، وعلی (علیه السلام) أولی به من بعدی»، فقیل له، ما معنی ذلک، فقال: قول النبی (صلی الله علیه وآله): «من ترک دیناً أو ضیاعاً فعلیّ، ومن ترک مالاً فلورثته، فالرجل لیس له ولایة علی نفسه إذا لم یکن له مال، ولیس له علی

ص:236


1- الوسائل: ج15 ص223 الباب 1 من أبواب النفقات ح1
2- الوسائل: ج15 ص223 الباب 1 من أبواب النفقات ح2
3- الوسائل: ج15 ص224 الباب 1 من أبواب النفقات ح3
4- الوسائل: ج15 ص224 الباب 1 من أبواب النفقات ح4

عیاله أمر ولا نهی إذا لم یجر علیهم النفقة، والنبی (صلی الله علیه وآله) وأمیر المؤمنین (علیه السلام) ومن بعدهما ألزمهم هذا، فمن هناک صاروا أولی بهم من أنفسهم، وما کان سبب إسلام عامة الیهود إلاّ من بعد هذا القول من رسول الله (صلی الله علیه وآله) فإنهم آمنوا علی أنفسهم وعیالاتهم»((1)).

وعن الصدوق فی عقاب الأعمال، عن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «من کان له امرأة تؤذیه لم یقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتی تعتبه وترضیه وإن صامت الدهر وقامت وأعتقت الرقاب وأنفقت الأموال فی سبیل الله، وکانت أول من ترد النار».

ثم قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «وعلی الرجل مثل ذلک الوزر والعذاب إذا کان لها مؤذیاً، ومن صبر علی سوء خلق امرأته واحسبته عند الله کان بکل مرة یصبر علیها من الثواب مثل ما أعطی أیوب علی بلائه، وکان علیها من الوزر فی کل یوم ولیلة مثل رمل عالج، فإن ماتت قبل أن تعتبه وقبل أن یرضی عنها حشرت یوم القیامة منکوسة مع المنافقین فی الدرک الأسفل من النار، ومن کانت له امرأة ولم توافقه ولم تصبر علی ما رزقه الله وشقت علیه وحملته ما لم یقدر علیه لم یقبل الله لها حسنة تتقی بها النار وغضب الله علیها ما دامت کذلک»((2)).

أقول: ذکرنا فی کتاب (الدعاء والزیارة) وجه أمثال هذه الثوابات والعقابات.

وعن الصادق (علیه السلام) قال: «رحم الله عبداً أحسن فیما بینه وبین زوجته، فإن الله عز وجل قد ملکه ناصیتها وجعله القیم علیها»((3)).

ص:237


1- المستدرک: ج2 ص490 الباب 9 من أبواب الدین والقرض ح3
2- الوسائل: ج14 ص116 الباب 82 من أبواب مقدمات النکاح ح1
3- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح5

قال: وقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «ملعون ملعون من ضیع من یعول»((1)).

قال: وقال (صلی الله علیه وآله): «هلک بذی المروءة أن یبیت الرجل عن منزله بالمصر الذی هو فیه»((2)).

قال: وقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «خیرکم خیرکم لأهله، وأنا خیرکم لأهلی»((3)).

قال: وقال (صلی الله علیه وآله): «عیال الرجل أسراؤه، وأحب العباد إلی الله عز وجل أحسنهم صنعاً إلی أسرائه»((4)).

قال: وقال أبو الحسن (علیه السلام): «عیال الرجل أسراؤه، فمن أنعم الله علیه بنعمة فلیوسع علی أسرائه، فإن لم یفعل أوشک أن تزول تلک النعمة»((5)).

قال: وقال (صلی الله علیه وآله): «ألا خیرکم خیرکم لنسائه، وأنا خیرکم لنسائی»((6)).

وعن أبی مریم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «أیضرب أحدکم المرأة ثم یظل معانقها»((7)).

وعن سماعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «اتقوا الله فی الضعیفین، یعنی بذلک الیتیم والنساء»((8)).

وفی وصیة أمیر المؤمنین (علیه السلام) لابنه محمد بن الحنیفة: «لا تملک المرأة من الأمر

ص:238


1- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح6
2- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح7
3- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح8
4- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح9
5- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح10
6- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح11
7- الوسائل: ج14 ص119 الباب 86 من أبواب مقدمات النکاح ح1
8- الوسائل: ج14 ص119 الباب 86 من أبواب مقدمات النکاح ح2

ما یجاوز نفسها، فإن ذلک أنعم لحالها وأرخی لبالها وأدوم لجمالها، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة، فدارها علی کل حال وأحسن لها لیصفو عیشک»((1)).

وفی حدیث لحولاء إنها قالت للنبی (صلی الله علیه وآله): فما للنساء علی الرجال، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «أخبرنی أخی جبرائیل ولم یزل یوصینی بالنساء حتی ظننت أن لا یحل لزوجها أن یقول لها: أف، یا محمد اتقوا الله عز وجل فی النساء فإنهن عوان بین أیدیکم، أخذتموهن علی أمانات الله عز وجل ما استحللتم من فروجهن بکلمات الله وکتابه من فریضتی وسنتی وشریعة محمد بن عبد الله (صلی الله علیه وآله)، وإن لهن علیکم حقاً واجباً بما استحللتم من أجسامهن وبما واصلتم من أبدانهن ویحملن أولادکم فی أحشائهن حتی أخذهن الطلق من ذلک فأشفقوا علیهن وطیبوا قلوبهن حتی تقفن معکم ولا تکرهوا النساء ولا تسخطوا بهن ولا تأخذوا مما آتیتموهن شیئاً إلاّ برضاهن وإذنهن»((2)).

وعن الشیخ أبی الفتوح الرازی فی تفسیره، عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) أنه قال: «استوصوا بالنساء خیراً فإنهن عوان عندکم»((3))، أی أسراء.

وعن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: بعث إلیّ أبو الحسن موسی (علیه السلام) بوصیة أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وساق الوصیة، إلی أن قال: «الله الله فی النساء وما ملکت أیمانکم، فإن آخر ما تکلم به نبیکم أن قال: أوصیکم بالضعیفین النساء وما ملکت أیمانکم»((4)).

ص:239


1- الوسائل: ج14 ص120 الباب 87 من أبواب مقدمات النکاح ح3
2- المستدرک: ج2 ص558 الباب 67 من أبواب مقدمات النکاح ح2
3- المستدرک: ج2 ص558 الباب 67 من أبواب مقدمات النکاح ح3
4- المستدرک: ج2 ص550 الباب 67 من أبواب مقدمات النکاح ح2

وعن الجعفریات، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی حدیث: «ومن اتخذ زوجة فلیکرمها»((1)).

وفی حدیث الحولاء، عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) إنه قال: «وأی رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل مالک خازن النیران فیلطمه علی حر وجهه سبعین لطمة فی نار جهنم، وأی رجل منکم وضع یده علی شعر امرأة مسلمة سمر کفه بمسامیر من نار»((2)).

وعن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «ما زال جبرائیل یوصینی فی أمر النساء حتی ظننت أنه سیحرم طلاقهن»((3)).

وعن أمیرالمؤمنین (علیه الصلاة والسلام) قال: «إن النساء عند الرجال لا یملکن لأنفسهن ضراً ولا نفعاً، وإنهن أمانة الله عندکم فلا تضاروهن ولا تعضلوهن»((4)).

قال الشرائع: (والقسمة بین الأزواج حق علی الزوج، حراً کان أو عبداً، ولو کان عنیناً أو خصیاً، وکذا لو کان مجنوناً ویقسم عنه الولی).

أقول: ربما یقال القسم فی اللغة بفتح القاف مصدر قسمت الشیء أقسمه، وبالکسر الحظ والنصیب، وفی الاصطلاح عبارة عن قسم اللیالی بین الزوجات، ویمکن اعتباره بکلا معنییه من اللغوی، لأن القسم جامعه واحد، فإن القسمة تسبب الحظ والنصیب، لا أن هناک معنیین کما ذکرنا ذلک مکرراً فیما یقال من المعانی

ص:240


1- المستدرک: ج2 ص550 الباب 65 من أبواب مقدمات النکاح ح2
2- المستدرک: ج2 ص550 الباب 65 من أبواب مقدمات النکاح ح4
3- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص440 حق المرأة علی الزوج ح4525
4- المستدرک: ج2 ص550 الباب 65 من أبواب مقدمات النکاح ح7

المرتبطة بالنسبة إلی المادة الواحدة.

وعلی أی حال، فلا خلاف بین الأصحاب فی وجوب القسمة بین الزوجات فی الجملة، وإنما الخلاف فی أنه هل تجب علی الزوج القسمة ابتداءً بمجرد العقد والتمکین کالنفقة، أو لا تجب حتی یبتدئ بها.

والثمرة بین القولین أنه علی القول الأول لو کانت له زوجة واحدة کان لها من کل أربع لیال لیلة یجب علیه المبیت فیها عندها، وکان اللیالی الثلاث الباقیة له یضعها حیث یشاء.

ولو کانت له زوجتان کان لکل واحدة لیلة من کل أربع لیال، واثنتان له یضعهما حیث یشاء، سواء عندهما غیرهما کالمتعة أو مجرداً.

ولو کانت له ثلاث زوجات یبقی له من کل أربع لیال لیلة یضعها حیث یشاء.

ومن کانت له أربع زوجات لا یبقی له شیء من کل أربع، فکل ما فرغ من الدور استأنف دوراً جدیداً علی الترتیب المذکور.

وإذ کان له لیلة أو لیلتان له أن یخص بعض الزوجات بها أو بهما، وإن کان الفضل فی المساواة بینهن، هذا علی القول الأول.

وأما علی القول الآخر: فلو کانت له زوجة واحدة لم یجب علیه القسمة لها مطلقاً ولو بالمبیت لیلة عندها إلاّ بقدر ما یکون من المعاشرة بالمعروف المأمور بها فی الآیة الکریمة وفی الروایات، ولو کانت له زوجات متعددة لم یجب علیه القسمة لهن إلاّ مع المبیت لیلة عند إحداهن، وحیث إنه بدأ الدور یجب علیه حینئذ القسمة لهن حتی یتم الدور، ولا یجب علیه استیناف الدور أیضاً، بل کان له الاعتزال عنهن جمعاء.

وإنما قال فی الجواهر بعدم الفرق بین العبد والحر والعنین والخصی والمجنون، لإطلاق الأدلة المؤیدة بأن القسمة للإیناس والعدل والتحرز عن الإیذاء والمعاشرة

ص:241

بالمعروف، فلا فرق بین جمیع أقسام الأزواج، کما أن المجنون أیضاً یجب علیه، لکنه لما لم یتمکن بنفسه من ذلک قسم عنه الولی، فیطوفه علیهن أو یدعوهن إلیه أو بالتفریق.

ثم إنما یجب علی ولی المجنون إذا کان له فیه إربة أو طلبن، أما إذا لم تکن له إربة ولم یطلبن فلا، إذ الحق مشترک کما یفهم من الأدلة، فإذا لم یرد کلاهما فلا شیء، إذ لیس ذلک حکماً وإنما هو حق، والحق لا یعدوهما.

والظاهر وجوب القضاء سواء فی المجنون أو غیره.

وما فی المسالک من أنه لو قیل بعدم الوجوب کان وجهاً، لأن المجنون غیر مکلف والقضاء تابع للتکلیف بالفعل أو ثابت بأمر وهو منتف هنا.

فیه نظر، ولذا ذهب المشهور علی ما حکی عنهم وتبعهم الجواهر وغیره علی الوجوب، لأن قضاء ذلک من تأدیة الحق الثابت فی ذمة المجنون بحکم خطاب الوضع کالدین ونحوه، ولیس حکماً تکلیفیاً حتی لا یجب.

نعم ینبغی أن یستثنی من الحق سواء فی المجنون أو فی غیره، ما إذا کان أحدهما مریضاً مما یوجب أذیة الآخر، فإنه یسقط حینئذ لدلیل «لا ضرر» ونحوه، بل وکذلک إذا کان عسراً وحرجاً علی أحدهما، والفرق أن العسر والحرج نفسی، والضرر جسمی فی أمثال المقام مما یقع فیه المقابلة بینهما.

أما بالنسبة إلی القضاء فیأتی الکلام السابق وأنه مقتضی «من فاتته فریضة فلیقضها کما فاتته».

ثم إن القواعد قال: (ولو کان یجن ویفیق لم یخص واحدة بنوبة الإفاقة إن کان مضبوطاً، وإن لم یکن فأفاق فی نوبة واحدة قضی للأخری ما جری فی

ص:242

الجنون لقصور حقها، ولو خاف من أذی المجنونة سقط حقها فی القسمة وإلاّ وجب).

وهو کما ذکره، ومنه یعلم حکم ما إذا خافت المرأة من أذی المجنون، وإنما یکون الخوف موجباً لسقوط الحق لأنه نوع عسر وحرج وضرر، فیشمله أدلتها، ولذا قالوا بسقوط الصوم بخوف الضرر، وکذلک الغسل والوضوء والصلاة واقفاً إلی غیر ذلک من الأحکام التی تسقط بسبب خوف الضرر.

وفی محکی کشف اللثام ممزوجاً مع القواعد: (ولو کان یجن ویفیق لم یجز له أن یختص واحدة بنوبة الإفاقة إن کان نوبتها مضبوطاً، بأن یجن یوماً ویفیق یوماً مثلاً، بل یطرح أیام الجنون وینزلها منزلة أیام الغیبة ویقسم أوقات الإفاقة، فلو أقام المجنون عند واحدة لم یقض لغیرها، إذ لا اعتداد به، ویحتمل القضاء ویحتمل أن یکون إلیه القسمة أوقات الإفاقة وإلی الولی القسمة أوقات الجنون فیکون لکل منهن نوبة من کل من الحالتین، وإن لم تکن نوبة الإفاقة مضبوطاً فأفاق فی نوبة واحدة قضی للأخری ما جری لها فی الجنون، أی لم یعتد لکونه عندها فی الجنون، وإن کان بقسمة الولی لقصور حقها من الاستیناس حال الجنون، ولو خاف من أذی زوجته المجنونة سقط حقها من القسمة للضرورة، وإلاّ وجب للعموم وانتفاء العذر).

ولا یخفی أن دلیل هذه الفروع جمع کلیات الحق و«لا ضرر» ونحوه، وأدلة القسم، وإلاّ فلیس فی المسألة دلیل خاص، وهذا هو دلیل وجوب الطواف علی الولی له أو لها فی جنونها، لأن حقوق الناس علی المجنون، وحقوقه علی الناس یجب علی الولی أداؤها واستنقاذها، لأنه معنی کونه ولیاً شرعاً وعرفاً.

فقول الجواهر: (وأما انتقال الحکم التکلیفی إلی الولی فی الزوج والزوجة

ص:243

علی وجه یجب علیه أن یطوف به وأن یأتی بالزوجة علی وجه لا نقصان فی ما یمکن من الاستمتاع بها، وغیر ذلک من الأحکام، فلا دلیل علیه، نعم لو کانت له مصلحة کالطواف به کما لو فرض نفعه بذلک أو منعه من الفساد به أو نحو ذلک من المصالح کان علی الولی حینئذ مراعاتها، فتأمل جیداً، فإنه لم نجد دلیلاً واضحاً سوی اعتبارات یشکل التمسک بها علی أصولنا) غیر ظاهر الوجه.

وعلی أی حال، فلا یبعد ظهور الأدلة فیما ذکره المشهور من وجوب القسمة ابتداءً، بمعنی وجوبها بالعقد والتمکین کالنفقة، ذلک لقوله سبحانه: ﴿وعاشروهن بالمعروف﴾((1))، فإنه لا إشکال عند العرف أنه لو کانت له زوجة فلا ینام عندها لیلة أو أربع فلا ینام عندهن فی کل أربع لیلة أو یفضل بعضهن علی بعض فی اللیالی لم یکن ممن یعاشر بالمعروف، وهو موضوع عرفی فیؤخذ من العرف إلاّ مع إسقاطهن حقهن.

ومادة المعاشرة تدل علی التکرار لا صیغة الأمر، فقول الجواهر: (إن الأمر فیه للتکرار قطعاً ولیس فی کل الأوقات، فبقی أن یکون بحسب ما تقتضیه القسمة إذ لا قائل بثالث)، محل نظر.

وللتأسی بالنبی (صلی الله علیه وآله)، فإنه روی العامة والخاصة فی کتبهم الفقهیة أنه کان یقسم بینهن دائماً حتی کان یطاف به فی مرضه محمولاً، وکان یقول: «اللهم هذا قسمی فیما أملک وأنت أعلم بما لا أملک»((2)). والمراد بما لا أملک المیل القلبی.

فقد روی العیاشی فی تفسیره، عن هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)

ص:244


1- سورة النساء: الآیة 19
2- الوسائل: ج15 ص85 الباب 5 من أبواب القسم والنشوز ح2

فی قول الله: ﴿ولن تستطیعوا أن تعدلوا بین النساء﴾((1))، قال: «فی المودة»((2)).

وروی الطبرسی فی مجمع البیان، عن الصادق (علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام): «إن النبی (صلی الله علیه وآله) کان یقسم بین نسائه فی مرضه فیطاف به بینهن»((3)).

قال: وروی أن علیاً (علیه السلام) کان له امرأتان، فکان إذا کان یوم واحدة لا یتوضأ فی بیت الأخری((4))، فتأمل.

أما الروایات الدالة علی المقصود فهی متواترة:

مثل خبر حسن بن زیاد، عن الصادق (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یکون له المرأتان وإحداهما أحب إلیه من الأخری أله أن یفضلها بشیء، قال: «نعم له أن یأتیها ثلاث لیال والأخری لیلة، لأن له أن یتزوج أربع نسوة فثلاثة یجعلها حیث شاء»، قلت: فتکون عنده المرأة فیتزوج جاریة بکراً، قال: «فلیفضلها حین یدخل بها ثلاث لیال، وللرجل أن یفضل نساءه بعضهن علی بعض ما لم یکن أربعاً»((5)).

وعن محمد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل تکون له امرأتان وإحداهما أحب إلیه من الأخری، قال: «له أن یأتیها ثلاث لیال والأخری لیلة، فإن شاء أن یتزوج أربع نسوة کان لکل امرأة لیلة، فلذلک کان له أن یفضل بعضهن علی بعض ما لم تکن أربعاً»((6)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سئل عن الرجل یکون له امرأتان إحداهما أحب إلیه من الأخری، أله أن یفضل إحداهما علی الأخری، قال: «نعم،

ص:245


1- سورة النساء: الآیة 129
2- الوسائل: ج15 ص76 الباب 7 من أبواب القسم والنشوز ح1
3- الوسائل: ج15 ص85 الباب 5 من أبواب القسم والنشوز ح2
4- الوسائل: ج15 ص85 الباب 5 من أبواب القسم والنشوز ح3
5- الوسائل: ج15 ص80 الباب 1 من أبواب القسم والنشوز ح2
6- الوسائل: ج15 ص81 الباب1 من أبواب القسم والنشوز ح3

یفضل بعضهن علی بعض ما لم تکن أربعاً»((1)).

وعن علی بن عقبة، عن رجل، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت له: الرجل تکون له امرأتان، أله أن یفضل إحداهما بثلاث لیال، قال: «نعم»((2)).

وعن عبد الرحمن بن أبی عبد الله، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل تکون عنده المرأة فیتزوج أخری کم یجعل للتی یدخل بها، قال: «ثلاثة أیام ثم یقسم»((3)).

وعن إبراهیم الکرخی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل له أربع نسوة فهو یبیت عند ثلاث منهن فی لیالیهن فیسمهن، فإذا بات عند الرابعة فی لیلتها لم یمسها، فهل علیه فی هذا إثم، قال: «إنما علیه أن یبیت عندها فی لیلتها ویظل عندها فی صبیحتها، ولیس علیه أن یجامعها إذا لم یرد ذلک»((4)).

وعن زرارة، قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) فی حدیث: «من تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة، ولکنه إن تزوج امرأة فخافت منه نشوزاً وخافت أن یتزوج علیها أو یطلقها فصالحت من حقها علی شیء من نفقتها أو قسمتها فإن ذلک جائز لا بأس به»((5)).

وعن علی بن جعفر، عن أخیه موسی بن جعفر (علیهما السلام)، قال: سألته عن رجل له امرأتان، فقالت إحداهما: لیلتی ویومی لک یوماً أو شهراً أو ما کان، أیجوز ذلک، قال: «إذا طابت نفسها واشتری ذلک منها فلا بأس»((6)).

ص:246


1- الوسائل: ج15 ص80 الباب 1 من أبواب القسم والنشوز ح1
2- الوسائل: ج15 ص81 الباب 1 من أبواب القسم والنشوز ح4
3- الوسائل: ج15 ص82 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح4
4- الوسائل: ج15 ص84 الباب 5 من أبواب القسم والنشوز ح1
5- الوسائل: ج15 ص85 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح1
6- الوسائل: ج15 ص85 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح2

وعن محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، قال: سألته عن الرجل یتزوج المملوکة علی الحرة، قال: «لا، فإذا کانت تحته امرأة مملوکة فتزوج علیها حرة قسم للحرة ما یقسم للملوکة»((1)).

وعن عبد الرحمن بن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یتزوج الأمة علی الحرة، قال: «لا یتزوج الأمة علی الحرة، ویتزوج الحرة علی الأمة، وللحرة لیلتان وللأمة لیلة»((2)).

وعن عبد الله سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «لا ینکح الرجل الأمة علی الحرة، وإن شاء نکح الحرة علی الأمة، ثم یقسم للحرة مثلی ما یقسم للأمة»((3)).

وعن علی بن جعفر، عن أخیه موسی بن جعفر (علیهما السلام)، قال: سألته عن رجل له امرأتان هل یصلح له أن یفضل إحداهما علی الأخری، فقال: «له أربع فلیجعل لواحدة لیلة وللأخری ثلاث لیال»((4)).

وبنفس الإسناد قال: وسألته عن رجل له ثلاث نسوة هل یصلح له أن یفضل إحداهن، فقال: «له أربع فلیجعل لواحدة إن أحب لیلتین وللأخرتین لکل واحدة لیلة، وفی الکسوة والنفقة مثل ذلک»((5)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، إنه سأله عن رجل تکون عنده امرأتان

ص:247


1- الوسائل: ج15 ص87 الباب 8 من أبواب القسم والنشوز ح1
2- الوسائل: ج15 ص88 الباب 8 من أبواب القسم والنشوز ح3
3- الوسائل: ج15 ص88 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح4
4- الوسائل: ج15 ص88 الباب 8 من أبواب القسم والنشوز ح1
5- الوسائل: ج15 ص88 الباب 8 من أبواب القسم والنشوز ح3

إحداهما أحب إلیه من الأخری، أله أن یفضل إحداهما، قال: «نعم له أن یأتی هذه ثلاث لیال وهذه لیلة، وذلک أن له أن یتزوج أربع نسوة فلکل امرأة لیلة، فلذلک کان له أن یفضل إحداهن علی الأخری ما لم یکن أربعاً»((1)).

وعن دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن آبائه (علیهم السلام): أن علیاً صلوات الله علیه قال: للرجل أن یتزوج اربعاً، فإن لم یتزوج غیر واحدة فعلیه أن یبیت عندها لیلة من أربع لیالی، وله أن یفعل فی الثلاث ما أحب مما أحله الله له((2)).

وعن أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره، بإسناده عن الحسن بن زیاد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: وسألته عن الرجل یکون له امرأتان إحداهما أحب إلیه من الأخری أله أن یفضلها بشیء، قال: «نعم، له أن یأتیها ثلاث لیال وللأخری لیلة، لأن له أن یتزوج أربعاً فلیلتاه یجعلهما حیث أحب» إلی أن قال: «وللرجل أن یفضل بعض نسائه علی بعض ما لم یکن أربعاً»((3)).

وعن دعائم الإسلام، عن علی (علیه السلام)، إنه قال فی الرجل عنده المرأة أو الثلاث فیتزوج، قال: «إذا تزوج بکراً قام عندها سبع لیال، فإن تزوج ثیباً قام عندها ثلاثاً، ثم یقسم بعد ذلک بالسواء بین أزواجه»((4)).

وعن الدعائم، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام)، إنه سئل عن الرجل یکون عنده النساء یغشی بعضهن دون بعض دون بعض، فقال: «إنما علیه أن یبیت عند کل واحدة ویقبل

ص:248


1- الوسائل: ج15 ص80 الباب 1 من أبواب القسم والنشوز ح2
2- المستدرک: ج2 ص80 الباب 1 من أبواب القسم والنشوز ح1
3- الوسائل: ج15 ص80 الباب 1 من أبواب القسم والنشوز ح2
4- المستدرک: ج2 ص613 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح1

عندها فی ضحوتها (صبیحتها، خ ل) ولیس علیه أن یجامعها إن لم ینشط لذلک»((1)).

وعن دعائم الإسلام، عن علی (علیه الصلاة والسلام)، إنه سئل عن قول الله عز وجل: ﴿وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً﴾((2)) الآیة، فقال: «عن مثل هذا فاسألوا، ذلک الرجل یکون له امرأتان فیعجز عن إحداهما، أو تکون ذمیمة فیمیل منها ویرید طلاقها وتکره ذلک فتصالحه علی أن یأتیها وقتاً بعد وقت أو علی أن تدع حظها من ذلک»((3)).

وعن الرضوی (علیه السلام): «وأما النشوز فقد یکون من الرجل ویکون من المرأة، فأما الذی من الرجل فهو یرید طلاقها فتقول: أمسکنی ولک ما علیک وقد وهبت لیلتی لک، ویصطلحان علی هذا»((4)).

وعن الدعائم، عن علی (علیه الصلاة والسلام): «ویقسم بینهما للحرة لیلتین وللأمة لیلة»((5)).

وعن محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام)، إنه قال فی حدیث: «ویقسم للحرة الثلثین من ماله ونفسه، وللأمة الثلث من ماله ونفسه»((6)).

وعن عبد الرحمن، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته هل للرجل أن یتزوج النصرانیة علی المسلمة والأمة علی الحرة ... إلی أن قال (علیه السلام): «وللمسلمة الثلثان وللأمة والنصرانیة الثلث»((7)).

ص:249


1- المستدرک: ج2 ص613 الباب 3 من أبواب القسم والنشوز ح1
2- سورة النساء: الآیة 128
3- المستدرک: ج2 ص613 الباب 4 من أبواب القسم والنشوز ح1
4- المستدرک: ج2 ص613 الباب 4 من أبواب القسم والنشوز ح3
5- المستدرک: ج2 ص613 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح3
6- الوسائل: ج15 ص88 الباب 8 من أبواب القسم والنشوز ح2
7- المستدرک: ج2 ص613 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح3

وعن ضریح المحاربی، قال: سألته عن رجل له امرأة وأمهات أولاد، هل لهن قسمة مع المرأة، فقال: «نعم لها یومان ولأم الولد یوم»((1)).

إلی غیرها من الروایات الظاهرة بل الصریحة فی وجوب القسم وأنه حق للمرأة.

أما القول الثانی الذی ذهب إلیه الشیخ وجعله فی الشرائع أشبه، من أنه لا تجب القسمة حتی یبتدئ بها، فقد استدل له بما فی الجواهر تبعاً لغیره، وتبعه غیره، بالأصل وظهور قوله تعالی: ﴿وإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة أو ما ملکت أیمانکم﴾((2))، فی أن الواحدة کملک الیمین فلا حق لها أصلا، ویتم دلالته علی عدم وجوب القسم مطلقاً بالإجماع المرکب.

وبما روی عن النبی (صلی الله علیه وآله)، إنه غضب علی بعض نسائه فاعتزلهن أجمع شهراً.

ولو کان القسم واجباً اختصت الناشزة بالحرمان، ولا دلیل علی أن ذلک من خصوصیاته (صلی الله علیه وآله)، بل الأصل الاشتراک.

هذا بالإضافة إلی استفاضة النصوص أو تواترها فی حصر حق الزوجة علی الزوج فی غیر ذلک.

ففی خبر إسحاق بن عمار، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): ما حق المرأة علی زوجها الذی إذا فعله کان محسناً، قال: «یشبعها ویکسوها وإن جهلت غفر لها»((3)).

ص:250


1- المستدرک: ج2 ص613 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح4
2- سورة النساء: الآیة 3
3- الوسائل: ج14 ص121 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح1

وفی خبر شهاب بن عبد ربه، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): ما حق المرأة علی زوجها، قال: «یسد جوعتها، ویستر عورتها، ولا یقبح لها وجهاً، فإذا فعل ذلک فقد والله أدی إلیها حقها»((1)).

وفی خبر العزرمی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «جاءت امرأة إلی النبی (صلی الله علیه وآله) فسألته عن حق الزوج علی المرأة، فخبرها، ثم قالت: فما حقها علیه، قال: یکسوها من العری ویطعمها من الجوع، وإن اذنبت غفر لها، فقالت: فلیس علیه شیء غیر هذا، قال: لا، قالت: لا ولله لا تزوجت أبداً ثم ولت»((2)).

وخبر یونس بن عمار، قال: زوجنی أبو عبد الله (علیه السلام) جاریة کانت لإسماعیل ابنه، فقال: «أحسن الیها»، فقلت: وما الإحسان إلیها، قال: «أشبع بطنها واکس جنبها واغفر ذنبها»((3)).

إلی غیرها من النصوص التی تقدمت جملة منها.

وفی الکل ما لا یخفی:

أما الأصل، فلأنه لا یقاوم الأدلة السابقة الظاهرة بل الصریحة فی وجوب القسم.

وأما الآیة، فلمنع دلالتها علی أن الواحدة کملک الیمین فی کل شیء، ضرورة أنها فی مقام بیان عدم جواز تزویج الزائد علی الواحدة فیما إذا خیف عدم مراعاة العدل بینهن، وأما أن الواحدة ما ذا حکمها فهی ساکتة عنه کما لا یخفی.

وأما ما روی من اعتزال النبی (صلی الله علیه وآله) نساءه أجمع شهراً، فلأن دلالته علی عدم وجوب القسم مبنیة علی وجوب القسم علیه (صلی الله علیه وآله)، والمشهور بین الخاصة والعامة عدم وجوبه علیه.

ص:251


1- الوسائل: ج15 ص226 الباب 2 من أبواب النفقات ح1
2- الوسائل: ج14 ص118 الباب 86 من أبواب مقدمات النکاح ح3
3- الوسائل: ج14 ص121 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح3

ویؤیده قوله سبحانه: ﴿ترجی من تشاء منهن وتؤوی إلیک من تشاء ومن ابتغیت ممن عزلت فلا جناح علیک ذلک أدنی أن تقر أعینهن ولا یحزنّ ویرضین بما آتیتهن کلهن والله یعلم ما فی قلوبکم وکان الله علیماً حلیماً﴾((1)).

هذا بالإضافة إلی أن فی القصة کان موضوع الأهم والمهم، کما لا یخفی علی من راجع التواریخ والتفاسیر فی قصة ابتعاده (صلی الله علیه وآله) عنهن، فهو بالحکم الثانوی أشبه، وإن لم نقل بما ذکره المشهور فرضاً.

وأما النصوص الدالة علی حصر حق الزوجة علی الزوج فی غیر القسم، فاللازم الخروج عنها بما دل علی الحقوق الأخر، فالحصر مثل الحصر فی مفطرات الصوم وغیره، أو یقال: إنها محمولة علی الحقوق المختصة بها فلا دلالة لها علی عدم استحقاقها القسم الذی هو من الحقوق المشترکة بینهما لأنه نحو من أنحاء الاستمتاع الذی هو حق للزوج.

ووجه حملها علی الحقوق المختصة بها هو لزوم تخصیصها لولا الحمل، بما دل علی أن لها فی کل أربعة أشهر الجماع مرة، مع أنها _ لمکان کونها فی مقام الحصر المؤکد فی بعضها بقوله: «فقد والله أدی إلیها حقها» _ آبیة عن التخصیص، وبما دل علی وجوب السکنی لها، وغیر ذلک.

ومما تقدم یظهر أنه لا فرق بین الواحدة والاثنین والثلاث والأربع، فما عن صریح ابن حمزة، وظاهر المحکی عن المقنعة والنهایة والغنیة والمهذب والجامع من وجوب القسم مع التعدد دون الواحدة، واختاره بعض المتأخرین ومتأخریهم محل إشکال.

ص:252


1- سورة الأحزاب: الآیة 51

وقد تعرض جماعة للمناقشة فی روایة روایة من روایات المشهور، لکنها مناقشات غیر تامة کما یظهر لمن راجع المفصلات.

وبذلک ظهر أنه لا فرق بین وجوب القسمة ابتداءً أو بعد الدور، لإطلاق الأدلة التی ذکرناها.

فقول الجواهر: (القول بوجوب القسمة ابتداءً ولو فی المتعددات التی هی محل اجتماع القولین _ مع ما عرفته فیه من عدم الدلیل الواضح، فضلاً عن أن یکون بحیث یعارض ما سمعت _ یستلزم أحکاماً عدیدة یصعب التزامها، بل لعلها مخالفة للمعلوم من سیرة أهل الشرع وطریقتهم، کعدم جواز الاشتغال فی العبادات والاستئجار فی اللیل ببعض الأعمال وغیر ذلک إلاّ برضا صاحبة اللیلة) غیر ظاهر الوجه.

بل ظاهر سیرة المتشرعة هو القسم، نعم فی الغالب أن النساء یرفعن أیدیهن عن حقهن بالنسبة إلی المستأجر فی اللیل أو المشتغل بالعبادة أو ما أشبه ذلک، أو لأن الحکم یرتفع للاضطرار حیث یرید الرجل أن یحصل معاشه من أجرة اللیل.

ثم إنه لا إشکال ولا خلاف فی عدم جواز جعل القسمة أنقص من لیلة، لکونها خلاف المأمور به فی جملة من الروایات المتقدمة.

أما ما فی الجواهر من التعلیل أیضاً بتعسر ضبط أجزاء اللیل، ولما فی قسمته من تناغص العیش، فکأنه للتقریب إلی الذهن، وإلاّ فلا یخفی ما فیهما.

ولا یضر طول لیلة وقصر اخری ولو بمقدار ساعات کما هو المتعارف فی نقص وزیادة الایام واللیالی، وذلک لأن مثل هذا الأمر مما یتسامح فیه عرفاً ولم ینبه الشارع علی خلافه مما یدل عل أنه جری علی العرف.

نعم فی الأماکن التی تطول اللیل حتی تستوعب وقت النهار وبالعکس

ص:253

یکون الاعتبار بالمتعارف، کما أن الاعتبار به أیضاً فی الآفاق الرحویة حیث یطول اللیل أو النهار أشهراً.

ومن الواضح أن اعتبار اللیل والنهار بالأفق الذی هما فیه، وإلاّ فقد یکون فی أفق اللیل وفی آخر النهار، وعلیه فإذا کان فی طهران فی اللیل وأعطی هنداً حقها، ثم سافروا إلی نیویورک بالطائرة حیث صار نهار طهران هناک لیلاً صح جعل قسم لزوجته الثانیة فی اللیل هناک، وإن کان نهار طهران مما لم یصح له جعله فی قسم الثانیة لو کانوا هنا.

ولا یضر کون أربع وعشرین ساعة بالنسبة إلیهم لیلتین، مما سبب أداءه حق زوجتین بعد إعطاء کل منهما لیلته الذی هو المعیار فی الشریعة.

ومنه یعرف عدم ضرر العکس، بأن سافروا نهاراً من طهران إلی بلد تصادف نهار لیل طهران، حیث لو کانوا فی طهران وجب علیه حق الثانیة، أما حیث فی البلد الجدید نهار أیضاً یتأخر حق الثانیة إلی ما بعد أربع وعشرین ساعة، حیث اتصل نهار طهران بنهار البلد الجدید، وإنما یجب حق الثانیة فی لیل البلد الجدید.

وخبر سماعة: سألته عن رجل کانت له امرأة فیتزوج علیها، هل یحل له أن یفضل واحدة علی الأخری، قال: «یفضل المحدثة حدثان عرسها ثلاثة أیام إذا کانت بکراً، ثم یسوی بینهما بطیبة نفس إحداهما للأخری»((1)).

إذ دلیل الضرر أخص من المدعی، وحدیث سماعة لا دلالة فیه.

ومنه یظهر أن المحکی عن الشیخ فی مبسوطه وجماعة من جواز ذلک

ص:254


1- الوسائل: ج15 ص83 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح8

للأصل، وإطلاق الأمر بالقسمة، وحصول الغرض حیث تحصل التسویة بینهن فی الزمان، ولأن الحق له فتقدیره إلیه، وحقهن إنما هو فی العدل والتسویة وهو متحقق فی الفرض، بل ربما ذلک أصلح لهن وأتم لمطلوبهن، بل وللزوج أیضاً خصوصاً مع تباعد أمکنتهن علی وجه یشق علیه القسم لیلة لیلة، بضمیمة أن التأسی غیر ظاهر الوجوب لأنه فعل، ولم یعلم أن ذلک من باب الواجب، بل لعله من باب المستحب وما أشبه، ونصوص التقسیم مساقة لبیان مقدار الاستحقاق الذی هو أربع من لیالیه علی وجه لو أراد التفضیل بما زاد عنده من الأربع کان له، لا أن المراد منها بیان الاستحقاق المنافی لذلک، بل ربما یقال: بأن المراد من هذه النصوص بیان أقل أفراد القسمة، لا أنه لا یجوز التقسیم أکثر فأکثر،

محل إشکال، إذ لا مجال للأصل مع الأدلة المذکورة، کما لا مجال لإطلاق الأمر بالقسمة مع الروایات الخاصة التی عرفتها، وکون ذلک أصلح أو غیر أصلح تقیید للدلیل من غیر دلیل.

أما مسألة مشقته علیه باعتبار تباعد أمکنتهن فهو أمر خارج عما نحن فیه، فإذا کانت المشقة بحیث ترفع الحکم من جهة دلیل الضرر أو العسر أو الحرج أو ما أشبه فهو من باب دلیل ثانوی، لا من باب أصل المسألة الذی نحن فیه.

ودلیل ﴿لقد کان لکم فی رسول الله أسوة حسنة﴾((1)) خصوصاً مع قوله (صلی الله علیه وآله) کما تقدم، یوجب التأسی بکل شیء إلاّ ما خرج، ولیس المقام مما خرج.

ص:255


1- سورة الأحزاب: 21

وجعل النصوص مساقة لبیان مقدار الاستحقاق خلاف الظاهر، وعلیه فمقتضی القاعدة هو المشهور.

أما ما ذکره الحائری (رحمه الله) بقوله: (والتحقیق أن یقال: إن القسم أزید من لیلة إن کان غیر مخل بما لکل واحدة من لیلة من کل أربع لیال، کما إذا کانت له زوجتان حیث إن المبیت عند کل واحدة منهما ثلاث لیال لا یوجب إخلالاً بما تستحقه کل واحدة منهما من لیلة من أربع لیال کما هو واضح، فلا إشکال فی جوازه، بل ینبغی القطع بجوازه بعد ما عرفت من جواز تفضیل إحداهما علی الأخری بالمبیت عند إحداهما ثلاث لیال وعند الأخری لیلة واحدة، وإن کان القسم أزید من لیلة مخلاً بما لکل واحدة من لیلة واحدة من أربع لیال، کما إذا کن أربعاً فلا إشکال فی عدم جوازه إلاّ برضاهن بعد ما عرفت من ظهور النصوص فی استحقاق کل زوجة لیلة من أربع لیال).

فهو خارج عن محل الکلام، ولیس تفضیلاً فی المسألة.

ثم حیث کن اثنتین یجوز أن یجعل الرجل لیلة المرأة الأولی اللیلة الأولی والخامسة والتاسعة وهکذا، ولا یجوز أن یجعل لها اللیلة الأولی والثامنة مثلاً بحجة أنه جعل لها من کل أربع لیلة، إذ الظاهر من النص والفتوی أنه لا یجوز التأخیر أکثر من ثلاث لیال بعد لیلتها الأولی وهکذا، وإنما یجوز أن یجعل للأولی لیلة ثم یجعل للثانیة ثلاث لیال ثم للأولی لیلة ثم للثانیة ثلاث لیال وهکذا.

ومنه یعرف الحکم فیما إذا کن ثلاثاً.

ولو جعل للأولی لیلتین بالتفضیل علیها بلیلة زائدة، فهل اللازم جعل دورها من اللیلة الأولی، أو یجوز جعل دورها من اللیلة الثانیة الأحوط الأول، وإن کان الأظهر الثانی.

ومنه یظهر ما لو جعل لها ثلاث لیال بالتفضیل علیها بلیلتین.

ص:256

مسألة ١ لو تزوج أربعا دفعة

(مسألة 1): قال فی الشرائع: (ولو تزوج أربعاً دفعةً رتبهن بالقرعة، وقیل یبدأ بمن شاء حتی یأتی علیهن، ثم یجب التسویة علی الترتیب وهو أشبه).

استدل للقرعة بأن ترجیح بعضهن علی بعض بدون القرعة ترجیح بلا مرجح، وإنه یستلزم المیل إلی بعضهن وذلک منهی عنه.

فعن النبی (صلی الله علیه وآله): «من کان له امرأتان فمال إلی إحداهما جاء یوم القیامة وشقه مائل»((1)).

وفی روایة الغوالی، عن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «من کان له زوجتان یمیل مع إحداهما علی الأخری جاء یوم القیامة وأحد شقیه ساقط»((2)).

ولفحوی ما عن النبی (صلی الله علیه وآله)، أنه کان یقرع بین نسائه إذا أراد سفراً، فیصحب من أخرجتها القرعة.

ولأنه کقسمة الأشیاء المشترکة لتعلق الحق بالعقد، فکما لا یصح التعیین فی المشترک بدون القرعة کذلک فی المقام، ولأنه من باب العدل فی القسمة المتوقف علی القرعة فی المبتدئ بها، إلی غیرها من الوجوه التی هی بالاستحسان أشبه.

ولهذا ذهب المشهور کما ینقل عنهم إلی عدم وجوبها وإنما یکون الابتداء بیده.

قال فی الجواهر: إن ذلک عند المصنف والأکثر لأنه (أشبه بأصول المذهب وقواعده، لأن ولایة القسمة بیده، إذ هو المخاطب بها، وإنما یحرم علیه العول والجور فیها، ولازم ذلک التخییر فی الترتیب ووجوب التسویة بعد تمامه علی نحوه لتحقق القسمة حینئذ، وتعیین کل لیلة لصاحبتها)((3)).

وما دل من الأخبار علی حرمة المیل بعد

ص:257


1- الوسائل: ج15 ص84 الباب 4 من أبواب القسم والنشوز ح1
2- المستدرک: ج2 ص6163 الباب 12 من أبواب القسم والنشوز ح1
3- جواهر الکلام: ج31 ص158

ضعف السند فی بعضها، ظاهر فی المیل الکلی عن إحداهما إلی الأخری المستلزم للعول والجور علیها بالإخلال بنفقتها وقسمها وما أشبه، لا مطلق المیل، ولو لم یکن مستلزماً للعول والجور علیها.

ولذا قال سبحانه: ﴿ولن تستطیعوا أن تعدلوا بین النساء ولو حرصتم فلا تمیلوا کل المیل فتذروها کالمعلقة﴾((1)) فإن الآیة المبارکة یستفاد منها أمران:

الأول: حسن العدل بین النساء مهما أمکن.

الثانی: حرمة المیل الکلی عن إحداهن وجعلها کالمعلقة، ومن المعلوم أن مجرد المیل القلبی عن إحداهن من دون ترتیب أثر علیه بتقدیم بعضهن علی بعض لا یجعلها کالمعلقة التی هی لا ذات بعل ولا مطلقة، بل الذی یجعلها کالمعلقة هو المیل عنها فی مقام ترتیب الأثر، حیث إنها حینئذ تصیر کالمعلقة بانقطاع یدها عن زوجها وعن غیره، ولذا لا یقال لمن رتب بینهن وابتدأ ببعضهن أنه مال عن إحداهن إلی الأخری، کما هو الشأن فی سائر التقسیمات، فإذا أعطی لإنسان دنانیر وقیل له قسمهن علی الفقراء فابتدأ بأحد الفقراء لا یقال إنه مال عن بعضهم إلی بعض، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

وفی متواتر الروایات جواز تفضیل بعضهن علی بعض بالمبیت عند إحداهما ثلاث لیال وعند الأخری لیلة واحدة، نعم فی ذلک نوع من الکراهة، وإنما نقول بکراهة التفضیل لما دل من الروایات علی استحباب التساوی الکامل فیما فی قدرة الإنسان.

مثل ما رواه العیاشی فی تفسیره، عن هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)،

ص:258


1- سورة النساء: الآیة 129

فی قول الله: ﴿ولن تستطیعوا أن تعدلوا بین النساء﴾ قال: «فی المودة»((1)).

مما یدل علی أن الخارج من المساواة ما لا اختیار للزوج فیه للزوج فیه، فیظهر منه مطلوبیة المساواة مطلقاً، وقد تقدم فی الحدیث عن علی (علیه السلام) إنه کان لا یتوضأ فی یوم إحداهن عند الأخری((2)).

وعن نوح بن شعیب ومحمد بن الحسن، قال: سأل ابن أبی العوجاء هشام بن الحکم فقال له: ألیس الله حکیماً، قال: بل هو أحکم الحاکمین، قال: فأخبرنی عن قول الله عز وجل: ﴿فأنکحوا ما طاب لکم من النساء مثنی وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة﴾((3)) ألیس هذا فرض، قال: بلی، قال: فأخبرنی عن قول الله عز وجل: ﴿ولن تستطیعوا أن تعدلوا بین النساء ولو حرصتم فلا تمیلوا کل المیل فتذروها کالمعلقة﴾((4))، أی حکیم یتکلم بهذا، فلم یکن عنده جواب، فرحل إلی المدینة إلی أبی عبد الله (علیه السلام)، فقال: «یا هشام فی غیر وقت حج ولا عمرة»، قال: نعم جعلت فداک لأمر أهمنی، إن ابن أبی العوجاء سألنی عن مسألة لم یکن عندی فیها شیء، قال: «وما هی»، فأخبره بالقصة، فقال أبو عبد الله (علیه السلام): «أما قوله: ﴿فأنکحوا ما طاب لکم من النساء مثنی وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة﴾((5)) یعنی فی النفقة، وأما قوله: ﴿ولن تستطیعوا أن تعدلوا بین النساء ولو حرصتم فلا تمیلوا کل المیل﴾((6)) یعنی فی المودة»، قال: فلما

ص:259


1- سورة النساء: الآیة 129
2- الوسائل: ج15 ص85 الباب 5 من أبواب القسم والنشوز ح3
3- سورة النساء: الآیة 3
4- سورة النساء: الآیة 129
5- سورة النساء: الآیة 3
6- سورة النساء: الآیة 129

قدم علیه هشام بهذا الجواب وأخبره، قال: «والله ما هذا من عندک»((1)).

وروی هذه القصة علی بن إبراهیم فی تفسیره، عن أبی جعفر الأحول، وأنه سأله رجل من الزنادقة فقال: أخبرنی عن قول الله: ﴿فأنکحوا ما طاب لکم من النساء﴾ إلی قوله: ﴿فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة﴾ وقال فی آخر السورة: ﴿ولن تستطیعوا أن تعدلوا بین النساء ولو حرصتم فلا تمیلوا کل المیل﴾ فبین القولین فرق، فقال أبو جعفر الأحول: فلم یکن عندی فی ذلک جواب، فقدمت المدینة فدخلت إلی أبی عبد الله (علیه السلام) فسألته عن الآیتین، فقال: أما قوله: ﴿فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة) فإنما عنی فی النفقة، وأما قوله: ﴿ولن تستطیعوا أن تعدلوا بین النساء ولو حرصتم﴾ فإنما عنی فی المودة، فإنه لا یقدر أحد أن یعدل بین امرأتین فی المودة، فرجع أبو جعفر إلی الرجل فأخبره، فقال: هذا شیء حملته الإبل من الحجاز((2)).

ولا منافاة بین تعدد القصة، کما لا یخفی علی من یری الأوضاع العرفیة، حیث إن إشکالاً قد یقع بین الناس فیسأل عنه کل أحد ویطالب بالجواب عن المسؤول.

ویؤید ما ذکرناه من فضیلة العدل التام وإن جاز الخلاف بنوع من الکراهة، ما رواه عبد الملک بن عتبه الهاشمی، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن رجل تکون له امرأتان یرید أن یؤثر إحداهما بالکسوة والعطیة، أیصلح ذلک، قال: «لا بأس واجهد فی العدل بینهما»((3)).

ص:260


1- الوسائل: ج15 ص86 الباب 7 من أبواب القسم والنشوز ح1، الفروع: ج2 ص15، والتهذیب: ج2 ص231
2- تفسیر القمی: ج1 ص155
3- الوسائل: ج15 ص83 الباب 3 من أبواب القسم والنشوز ح1

وعن معمر بن خلاد، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) هل یفضل الرجل نساءه بعضهن علی بعض، قال: «لا، ولا بأس به فی الإماء»((1)).

فإن الجمع بین الروایتین یعطی الکراهة بالنسبة إلی غیر الواجب، واستحباب العدل المطلق، کما ورد مثل هذه الأحادیث فی باب الأولاد أیضاً.

ثم من یری القرعة وجوباً أو استحباباً، لأن بالقرعة یحصل کمال العدل بخلاف الاستئثار بدون القرعة حیث لا یحصل کمال العدل علی ما عرفت _ وقد عرفت أن کمال العدل مستحب _ فهی تحقق بکل صورة ممکنة، مثل أن یجعل الرجل أسامیهن فی رقاع فی کیس ثم یخرج هو أو غیره ولو إحداهن الاسم الأول ثم الثانی ثم الثالث ثم الرابع وهکذا، ویعین اللیالی حسب المخرج من الأسماء مرتباً.

ومثل أن یجعل أسامی اللیالی الجمعة والسبت وهکذا فی کیس ثم یخرج الأول باسم فاطمة والثانی باسم زینب وهکذا.

ومثل أن یکتب الأسامی بالترتیب فی رقاع، مثلاً یکتب فی رقعة فاطمة وزینب وبتول وصدیقة علی الترتیب، وفی رقعة ثانیة یقدم زینب، وفی ثالثة یقدم بتول وهکذا، فیخرج أحد الرقاع ویعمل علیها فی الترتیب بین الجمیع، وتلغو سائر الرقاع الموجودة فی الکیس.

ومثل أن یکتب اسم الرجل ولیلة خاصة فی کل رقعة، مثلاً یکتب أحمد لیلة السبت فی رقعة، وفی رقعة ثانیة أحمد لیلة الأحد، وفی رقعة ثالثة أحمد لیلة الاثنین، وفی رقعة رابعة أحمد لیلة الثلاثاء، ویخرج هو أو إحداهن أو ثالث رقعة فیعمل علیها، فإذا أخرجت فاطمة أحمد لیلة السبت کان لها لیلة السبت، وإذا

ص:261


1- الوسائل: ج15 ص83 الباب 3 من أبواب القسم والنشوز ح2

أخرجت أحمد لیلة الاثنین کان لها لیلة الاثنین وهکذا، إلی غیر ذلک من صور الرقعة الموجبة للعدل التام.

ویؤید استحباب العدل التام ما ذکره القرآن الحکیم حول النبی (صلی الله علیه وآله) حیث قال سبحانه: ﴿تُرْجِی مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِی إِلَیْکَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَیْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَیْکَ ذَلِکَ أَدْنَی أَنْ تَقَرَّ أَعْیُنُهُنَّ وَلاَ یَحْزَنَّ وَیَرْضَیْنَ بِمَا آتَیْتَهُنَّ کُلُّهُنَّ وَاللهُ یَعْلَمُ مَا فِی قُلُوبِکُمْ وَکَانَ اللهُ عَلِیماً حَلِیماً﴾((1)).

فان قرة أعینهن وعدم حزنهن ورضاهن مطلوبة شرعاً.

وعلی أی حال، فقد ظهر مما تقدم أن کیفیة القرعة لیست خاصة بما ذکره الشیخ فی محکی المبسوط، حیث قال: (ذکروا فی کیفیتها أنه إذا کانتا اثنین کفت القرعة مرة واحدة، لأن الثانیة تعینت، وإن کن ثلاثاً احتیج إلی قرعتین، الأولی لتعیین الأولی منهن، والثانیة لتعیین إحدی الباقیتین، وإن کن أربعاً احتیج إلی القرعة ثلاث مرات).

کما أنه لا ینحصر فیما أضافه الجواهر حیث قال:

(قلت: یمکن الاکتفاء بالقرعة الواحدة من الأول، بأن یکتب لیلة کل واحدة منهن فی ورقة ثم یقرع فتکون لیلة کل واحدة منهن ما فی ورقتها، وظاهرهم عدم الحاجة فی القرعة للواحدة، وإن قلنا بوجوب القسم ابتداءً لتعیین لیلتها من الأربع مع فرض التشاح مع الزوج، ولعله لوجوب تعیین الأولی منهن لها فی الفرض لکونها ذات حق تطالب من هو متمکن منه. ودعوی أنه واحدة من الأربع لا الأولی منهن، فإن له أن یتزوج فی تلک اللیلة من یزاحمها فیما یدفعها وضوح الفرق بین وجود المزاحم وعدمه.

ص:262


1- سورة الأحزاب: الآیة 51

کدعوی أنه هو المزاحم، لأن الزائد له، ضرورة عدم کون المراد من کون الفاضل له أنه حق له، فإنه لا یتصور استحقاقه علی نفسه، بل المراد منه عدم استحقاق أحد علیه فلا یتصور کونه مزاحماً لمن له حق علیه).

ثم الظاهر أن القرعة لا توجب وجوباً، وإنما توجب الأفضلیة بناءً علی استحبابها، أما بناءً علی وجوبها فتوجب الاتباع لأنه الظاهر من القرعة لکل أمر مشکل، لکن حیث کان الأمر حقاً لا حکماً علی ما تقدم یجوز إعادتها بالرضا من کلهن لا من التی خرجت اسمها علی الوجوب فقط إذ قد لا ترید غیر الخارجة تغییر ما أفادته القرعة لأنها ترید لیلة متأخرة مثلا.

ولو کان الزوج مجنوناً أو ما أشبه أقرع الولی وعمل بمبیت المجنون حسب القرعة، نعم لو کان عاقلاً قبلاً وأقرع وخرجت القرعة علی ترتیب فجن قبل الابتداء أو فی الأثناء اتبع ما خرجت القرعة، بدون حاجة إلی قرعة جدیدة فی الاستحباب، ولا تجوز قرعة جدیدة علی الوجوب.

ثم لو کان بعضهن أفضل للعلم أو التقوی أو القرابة أو ما أشبه، فهل یستحب تقدیمها، أو یکون المجال للقرعة أیضاً، الظاهر أنه علی الوجوب تجب، لأن الحکم اللا اقتضائی لا یعارض الحکم الاقتضائی علی ما قرر فی محله، أما علی الاستحباب فیکون من تعارض المستحبین، وإن لم یستبعد تقدیم القرعة أیضاً، لأن النبی (صلی الله علیه وآله) کان یقرع فی السفر، مع وضوح أفضلیة بعضهن علی بعض.

ثم إن المسالک قال عند قول الشرائع: (ولو تزوج أربعاً دفعة، إن ذلک من المصنف علی جهة المثال لا الحصر، لأن الخلاف یجری وإن تزوجهن علی الترتیب، أما علی القول بعدم وجوب الابتداء بالقسمة فظاهر، إذ لو کان معرضاً عمن تزوجهن أولاً ثم تزوج غیرهن وأراد القسمة جاء فی البدأة الخلاف، وکذا

ص:263

لو قسم الاثنین وأکمل الدور لنفسه ثم تزوج ثالثة، وأما علی القول بوجوب القسم مطلقاً فیأتی الخلاف فیمن تزوج بها علی رأس کل دور، بأن بات عند ثلاث ثلاث لیال وتزوج رابعة، أو عند اثنتین لیلتین وتزوج ثالثة أو اثنتین).

لکن مقتضی القاعدة عدم الفرق، إذ لو کان له ثلاث وقسم لهن ثم أخذ الرابعة لم یجز له تخریب الدور السابق، لأنه خلاف ظاهر أدلة القسم.

ولهذا رده الجواهر بقوله: (قد یقال: إنه مع القسم للمتقدمات یتعین حقهن فی ما قسمه لهن، کما أنه یتعین حق المتجددة فیما له من اللیالی، ضرورة اقتضاء القسم السابق تعین الحق فی الأولی من الدور مثلاً، نعم لو ترتبن فی النکاح ولم یکن قسم لنشوز أو غیره تأتی البحث حینئذ فی کیفیة البدأة به، والسبق فی النکاح من حیث کونه کذلک لا یقتضی تعیّن لیلة مخصوصة من الأربع، بل هو والنکاح المتأخر سواء فی کیفیة اقتضاء استحقاق لیلة من أربع).

ثم إنه قد عرف مما تقدم أن الحق هنا حقان، حق لیلة من کل أربع لیال وحق الدور، فلا یصح أن یجعل لزینب مثلاً اللیلة الرابعة والخامسة التی هی أولی الدور الثانی، نعم یحق لها إسقاط هذا الحق أو ذاک، فلا یقال: إن لکل واحدة لیلة من الأربع، سواء فی أولها أو وسطها أو آخرها، والرجل یتخیر فی جعل لیلة کل واحدة کیف یشاء، فإن ذلک خلاف ظاهر الأدلة.

ومنه یعلم الحال فیما لو کانت له اثنتان فلکل واحدة لیلة من الأربع ولیلتان له، ولا یحق له أن یجعل أخیر الأربع للأولی، وأول الأربع الثانی لها أیضاً، وکذلک حال الثلاث.

وکما تصح القرعة لواحدة واحدة کذلک تصح لاثنتین اثنتین، ثم یقسم بینهما بالقرعة أو برضاهما.

ص:264

کما أن الظاهر صحة القرعة الاجتماعیة، مثل أن تجتمع الرجال ولکل واحد أربع بحیث کان لکل واحد فاطمة ولکل واحد زینب وهکذا فیقرعون علی الأول من فاطمة وزینب، فإذا خرجت فاطمة مثلاً کان لکل رجل فاطمته أولاً ثم زینبه ثانیاً ثم بتوله ثالثاً وهکذا، إذ لا دلیل علی خصوصیة فی القرعة الانفرادیة والانصراف بدوی، بل یأتی هذا الکلام فی کل مورد من موارد القرعة إذا أمکن الجمع.

ثم إن المسالک قال: (إذا أقرع بینهن وتمت النوبة فلا حاجة إلی إعادة القرعة، بل یراعی ما اقتضته من الترتیب الأول وجوباً أو استحباباً، هذا إذا أوجبنا القسمة مطلقاً أو أراد العود إلیها علی الاتصال، أما لو أعرض عنهن مدة طویلة ففی وجوب البناء علی الترتیب السابق نظر، لأن القسمة الحاضرة حق جدید لا تعلق له بالسابق، بل یحتمل سقوط اعتباره وإن عاد علی الاتصال حیث لا نوجبها مطلقاً، لأن کل دور علی هذا التقدیر له حکم برأسه).

لکن فیه: ما أشار إلیه الجواهر بقوله: (یمکن دعوی ظهور النص والفتوی فی اتحاد القسم، سواء قلنا بوجوبه ابتداءً أو بعد الشروع، وعدم وجوبه علی الزوج علی الثانی بعد إتمام الدور لا ینافی تعینه بالکیفیة التی وقعت أولاً وإن لم یکن مستحقاً علیه، ضرورة کونه قسماً علی کل حال).

نعم یمکن أن یقال: إنهم إن اجتمعوا علی القرعة لدور واحد أو عدة أدوار مثلاً لهذا الشهر أو ما أشبه ذلک، حق له القرعة فی الدور الثانی أیضاً، لأن الحق لا یعدوهم، فإذا رضوا بالقرعة جمیعهم جاز ذلک.

ولو کان الکافر له خمس کافرات، فلکل واحدة لیلة من الخمس إذا راجعونا إن لم یکن لهم کیفیة خاصة فی القسم، وإلاّ کان هو المتبع بدلیل الإلزام، نعم إن

ص:265

راجعونا جاز اتباعهم لما نحکم وإن کانت لهم کیفیة خاصة.

ولو تزوج المسلم بالمحرمة والمحللة لعدم مبالاته أو جهله أو ما أشبه لم یکن للمحرمة قسم، کما أنه لا قسم للمشتبهة فی باب العلم الإجمالی، لأن الحرام أهم من الواجب فی المقام بضرورة المتشرعة، فلیس المرجع الإباحة بتعارض الواجب والحرام.

کما أن الأمر کذلک إذا اشتبه الزوج بین زید وبین عمرو، حیث عقد الأب لأحدهما أربعاً ولا یعلم أنه عقد لأیهما، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ولو أقرع وخالف عمداً أو جهلاً أو نسیاناً أو ما أشبه، أو لم یقرع، حیث تجب علیه القرعة وابتدأ بواحدة سقط حقها بلا إشکال، لأنها قد استوفته، وتکون القرعة للباقیات، ولو لم یقرع وأتم الأربع لم یحتج إلی القرعة للتعیین الحق فیما بعد ذلک، حیث سبق التعیین لهن القرعة فیأتی الدور کالسابق.

قال فی الجواهر: (ولعل کونه قسماً هو الوجه فیما احتمل من وجوب الترتیب أیضاً فیما لو أساء وبدأ بواحدة من غیر قرعة، بناءً علی وجوبها، ثم أقرع بین الباقیات، فإن عصیانه لعدم مراعاة القرعة لا ینافی صدق کونه قسماً، وتعین الحق للباقیات فی غیر اللیلة التی ظلم بها، فیجب علیه حینئذ ذلک الترتب لتشخص القسم بما وقع وإن ظلم فی الأولی).

ومنه یعلم أنه لو اقترع ثم اشتبه فی إعطاء الحق عمل فی الدور الثانی علی الحق علی ترتیب السابق لا علی القرعة.

ولا فرق بین المخالفة والمنافقة والمؤمنة فی القرعة، فإن الفضیلة الدینیة لا توجب التقدیم والتأخیر، کما یؤید ذلک عمل رسول الله (صلی الله علیه وآله)، بالإضافة إلی الإطلاقات المتقدمة.

ولا یشترط فی القرعة التولی، بل یصح التوکیل، فإذا أقرع الوکیل وقلنا

ص:266

بوجوب اتباع القرعة وجب علی الأصیل، أما لو أقرع الولی للمجنون مثلاً ثم أفاق فالظاهر أن له الحق فی تجدید القرعة، لأن الولایة حیث انقطعت انقطعت القرعة أیضاً، نعم یجب الجمع بین حقه وحقهن فلا یجوز له أن یظلم إحداهن بسبب القرعة.

والعدة الرجعیة لا تسبب الحق لها فی التقسیم، وإن کانت المطلقة الرجعیة بمنزلة الزوجة، لانصراف الأدلة عنها، ولو رجع إلیها بعد ذلک لا حق لها فی القضاء.

ولو کان الرجل یجن لیلة ویفیق لیلة مثلاً، فهل یصح جعل حالة المجنون لبعضهن، أو اللازم جعل حالة الإفاقة، احتمالان، وإن کان یحتمل لزوم جعل حالة الإفاقة، لأن جعل حالة المجنون کحالة الإفاقة خلاف العدل المستفاد من الأدلة.

أما إذا کان یتمکن من المبیت لیلة دون لیلة وهکذا، فاللازم جعل القسم فی لیالی إمکانه بلا إشکال.

ولو کانت إحداهن مثلاً لها دور جنون، فهل اللازم جعل لیلتها مصادفة لما لا تجن فیها أو یجوز مطلقاً، احتمالان، والأحوط الأول، لأنه مقتضی قاعدة العدل، وإن کانت المسألة بعدُ لا تخلو عن تأمل.

ثم إنه لو تزوج جدیداً وجعل لها ثلاثاً أو سبعاً کما سیأتی، فهل یعید الدور بالنسبة إلی السابقات أو یجوز له أن یتخذ دوراً جدیداً، الظاهر الأول، لما تقدم من لزوم تساوی الأدوار إلاّ إذا کان برضاهن علی ما عرفت.

ولو مات الزوج فلا یضر القسم الذی جعل لبعضهن دون استیفاء الأخریات

ص:267

حق قسمهن، فلیس ذلک مما یقابل بمال من الترکة.

ولو ماتت إحداهن فلا شیء علی الزوج یعطیه لورثتها فی قبال قسم المیتة.

والظاهر أنه إذا کانت أعطت حقها من القسم للضرة فی قبال المال یکشف موت الزوج أو هی أو الضرة عن بطلان المعاملة، لأنها لا مورد لها بموت أحدهم.

ثم إن الشرائع قال ممزوجاً مع الجواهر: (الواجب فی القسمة المضاجعة بأن ینام قریباً منها علی النحو المعتاد معطیاً لها وجهه کذلک فی جملة من اللیل، بحیث یعد معاشراً بالمعروف لا هاجراً، وإن لم یتلاصق الجسمان، لا المواقعة التی لا تجب علیه إلاّ فی کل أربعة أشهر مرة، ولیست مقدورة فی کل وقت فهی حینئذ حق له متی أراده فعله).

لکنک قد عرفت أن کون الحق خاصاً بکل أربعة أشهر مرة محل نظر، نعم ما ذکره من کیفیة المضاجعة لا المواقعة هو مقتضی القاعدة، بالإضافة إلی خبر إبراهیم الکرخی: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل له أربعة نسوة فهو یبیت عند ثلاث منهن فی لیالیهن ویمسهن، وإذا نام عند الرابعة فی لیلتها لم یمسها، فهل علیه فی هذا إثم، قال: «إنما علیه أن یکون عندها فی لیلتها ویظل عندها فی صبیحتها ولیس علیه أن یجامعها إذا لم یرد ذلک».

وعن دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد (علیه السلام)، إنه سئل عن الرجل یکون عنده النساء یغشی بعضهن دون بعض، فقال: «إنما علیه أن یبیت عند کل واحدة ویقیل عندها فی ضحوتها (صبیحتها خ ل) ولیس علیه أن یجامعها إن لم ینشط لذلک»((1)).

ص:268


1- المستدرک: ج2 ص613 الباب 3 من أبواب القسم والنشوز ح1

بل ربما استفید ذلک من قوله سبحانه: ﴿واهجروهن فی المضاجع﴾((1))، لظهورها فی اشتراط ذلک بالنشوز، وإنّه مع الطاعة لیس للزوج علیها هذا السبیل.

وکذلک یؤیده ما رواه زید بن علی بن الحسین، عن آبائه (علیهم السلام)، قال: «عذاب القبر یکون من النمیمة والبول وعزب الرجل عن أهله»((2))، فإن العزب بمعنی الابتعاد یشمل مثل ذلک أیضاً.

وربما یذکر من المؤیدات لذلک ما عن أبی مریم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «أیضرب أحدکم المرأة ثم یظل معانقها»((3)).

وعن السکونی، عن أبی عبد الله (علیه الصلاة والسلام)، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «إنما المرأة لعبة من اتخذها فلا یضیعها»((4)).

وکذا روایات حرمة أذیة الزوجة مما تقّدم بعضها، إلی غیر ذلک من المؤیدات الکثیرة.

ثم إن الشرائع قال: (ویختص الوجوب باللیل دون النهار، وقیل: یکون عندها فی لیلتها ویظل عندها فی صبیحتها وهو المروی).

أقول: فی جملة من الروایات ذکر اللیلة.

مثل ما عن حسن بن زیاد، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی حدیث قال: سألته عن الرجل تکون له المرأتان وإحداهما أحب إلیه من الأخری، أله أن یفضلها بشیء،

ص:269


1- سورة النساء: الآیة 34
2- الوسائل: ج15 ص87 الباب 7 من أبواب القسم والنشوز ح2
3- الوسائل: ج14 ص119 الباب 86 من أبواب مقدمات النکاح ح1
4- الوسائل: ج14 ص119 الباب 86 من أبواب مقدمات النکاح ح2

قال: «نعم أن یأتیها ثلاث لیال وللأخری لیلة»((1)).

وعن محمد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل تکون له امرأتان وإحداهما أحب إلیه من الأخری، قال: «له أن یأتیها ثلاث لیال والأخری لیلة، فإن شاء أن یتزوج أربع نسوة کان لکل لیلة»((2)).

وعن علی بن عقبة، عن رجل، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت له: الرجل تکون له امرأتان أله أن یفضل إحداهما بثلاث لیال، قال: «نعم»((3)).

وعن الکرخی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل له أربع نسوة، فهل یبیت عند ثلاث منهن فی لیالیهن فیمسهن، فإذا بات عند الرابعة فی لیلتها لم یمسها وهل علیه فی هذا إثم، قال: «إنما علیه أن یبیت عندها فی لیلتها ویظل عندها فی لیلتها فی صبیحتها، ولیس علیه إذا لم یرد ذلک»((4)).

وعن عبد الرحمن بن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یتزوج الأمة علی الحرة، قال: «لا یتزوج الأمة علی الحرة، ویتزوج الأمة علی الحرة، وللحرة لیلتان وللأمة لیلة»((5)).

وعن علی بن جعفر، عن أخیه، موسی بن جعفر (علیهم السلام)، قال: سألته عن رجل له امرأتان، هل یصلح له أن یفضل إحداهما علی الأخری، فقال: «له أربع فلیجعل للواحدة لیلة وللأخری ثلاث لیال»((6)).

ص:270


1- المستدرک: ج2 ص613 الباب 1 من أبواب القسم والنشوز
2- الوسائل: ج15 ص89 الباب 9 من أبواب القسم والنشوز ح3
3- الوسائل: ج15 ص81 الباب 1 من أبواب القسم والنشوز ح4
4- الوسائل: ج15 ص84 الباب 5 من أبواب القسم والنشوز ح1
5- الوسائل: ج15 ص88 الباب 8 من أبواب القسم والنشوز ح3
6- الوسائل: ج15 ص88 الباب 9 من أبواب القسم والنشوز ح1

وبالإسناد قال: وسألته عن رجل له ثلاث نسوة هل یصلح له أن یفضل إحداهن، قال: «له أربع فلیجعل لواحدة إن أحب لیلتین وللأخریین لکل واحدة لیلة، وفی الکسوة والنفقة مثل ذلک»((1)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، إنه سأله عن رجل تکون عنده امرأتان إحداهما أحب إلیه من الأخری، أله أن یفضل إحداهما، قال: «نعم له أن یأتی هذه ثلاث لیال وهذه لیلة، وذلک أن له أن یتزوج أربع نسوة فلکل امرأة لیلة، ولذلک کان له أن یفضل إحداهن علی الأخری ما لم یکن أربعاً»((2)).

إلی غیرها من الروایات المصرحة باسم اللیلة، هذا مؤیداً بالسیرة المستمرة بین المسلمین کافة من أنهم یخصصون اللیالی لزوجاتهم والنهارات لسائر أعمالهم.

بل وربما أید ذلک بما فی الدعاء السادس من الصحیفة السجادیة، حیث قال (علیه الصلاة والسلام): «فخلق لهم اللیل لیسکنوا فیه من حرکات التعب ونهضات النصب، وجعله لباساً لیلبسوا من راحته ومنامه، فیکون ذلک لهم جماماً وقوة ولینالوا به لذة وشهوة، وخلق لهم النهار مبصراً لیبتغوا فیه من فضله، ویتسببوا إلی رزقه، ویسرحوا فی أرضه، طلباً لما فیه میل العاجل من دنیاهم ودرک الآجل فی أخراهم، بکل ذلک یصلح شأنهم ویبلوا أخبارهم وینظر کیف هم فی أوقات طاعته ومنازل فروضه ومواقع أحکامه»((3)).

هذا بالإضافة إلی الأصل عند الشک.

خلافاً للمحکی عن المبسوط، فإنه قال: (کل امرأة قسم لها لیلاً فإن لها نهار تلک اللیلة).

ص:271


1- الوسائل: ج15 ص89 الباب 9 من أبواب القسم والنشوز ح2
2- الوسائل: ج15 ص89 الباب 9 من أبواب القسم والنشوز ح3
3- الصحیفة السجادیة: ص58

وعن ابن الجنید، قال: (العدل بین النساء هو إذا کن حرائر مسلمات لم یفضل إحداهن علی الأخری فی الواجب لهن من مبیت باللیل وقیلولة صبیحة تلک اللیلة کان ممنوعاً من الوطی أو لا).

ویمکن أن یستدل لهذا القول بخبر الکرخی المتقدم، وما تقدم من أن علیاً (علیه الصلاة والسلام) کان لا یتوضأ فی یوم إحداهن عند الأخری((1))، حیث إن الوضوء صباحاً وظهراً وقرب المغرب علی الأغلب، مما یعنی أنه کان (علیه الصلاة والسلام) عندها نهاراً أیضاً.

وما رواه أبو بصیر، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن نکاح الأمة، فقال: «تتزوج الحرة علی الأمة، ولا تتزوج الأمة علی الحرة، ونکاح الأمة علی الحرة باطل، وإن اجتمعت عندک حرة وأمة فللحرة یومان وللأمة یوم، ولا یصلح نکاح الأمة إلاّ بإذن موالیها»((2)).

وفی روایة أخری عنه، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا ینبغی للمسلم أن یتزوج الأمة علی الحرة، ولا بأس أن یتزوج الحرة علی الأمة، فإن تزوج الحرة علی الأمة فللحرة یومان وللأمة یوم»((3)).

وعن محمد بن الفضیل، عن أبی الحسن (علیه السلام)، قال: «لا یجوز نکاح الأمة علی الحرة، ویجوز نکاح الحرة علی الأمة، فإذا تزوجها فلقسم للحرة یومان وللأمة یوم»((4)).

بل وخبر محمد بن مسلم، قال: قلت له: الرجل تکون عنده المرأة یتزوج

ص:272


1- الوسائل: ج15 ص85 الباب 5 من أبواب القسم النشوز ح3
2- المستدرک: ج2 ص613 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح1
3- المستدرک: ج2 ص613 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح4
4- المستدرک: ج2 ص613 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح2

أخری أله أن یفضلها، قال: «نعم إن کانت بکراً فسبعة أیام، وإن کانت ثیباً فثلاثة أیام»((1)).

وعن هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یتزوج البکر، قال: «یقیم لها سبعة أیام»((2)).

وعن عبد الرحمن بن أبی عبد الله، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل تکون عنده المرأة فیتزوج أخری کم یجعل للتی یدخل بها، قال: «ثلاثة أیام ثم یقسم»((3)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی حدیث قال: «إذا تزوج الرجل بکراً وعنده ثیب فله أن یفضل البکر بثلاثة أیام»((4)).

وعن سماعة بن مهران، قال: سألته عن رجل کانت له امرأة فتزوج علیها، هل یحل له أن یفضل واحدة علی الأخری، فقال: «یفضل المحدثة حدثان عرسها ثلاثة أیام إن کانت بکراً ثم یسوی بینهما بطیبة نفس إحداهما للأخری»((5)).

بناءً علی ظهور الیوم فی مجموع اللیل والنهار.

لکن هذه الروایات لا تتمکن من معارضة الروایات السابقة، فإن السابقة إن لم تکن نصاً فلا شک أنها أظهر، خصوصاً بعد التأید بالسیرة والشهرة والأصل وغیرها، بل جملة من الروایات المذکورة للقول الثانی معارضة فی نفسها.

مثل روایة محمد بن مسلم، قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): رجل تزوج امرأة وعنده امرأة، فقال: «إن کانت بکراً فلیبت عندها سبعاً، وإن کانت ثیباً فثلاثاً»((6)).

ص:273


1- الوسائل: ج15 ص81 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح1
2- الوسائل: ج15 ص82 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح3
3- الوسائل: ج15 ص82 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح4
4- الوسائل: ج15 ص82 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح6
5- الوسائل: ج15 ص83 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح8
6- المستدرک: ج2 ص613 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح2

وعن الحسن بن زیاد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث، قال: قلت له: الرجل تکون عنده المرأة فیتزوج جاریة بکراً، قال: «فلیفضلها حین یدخل بها ثلاث لیال»((1)).

وعن دعائم الإسلام، عن علی (علیه السلام)، إنه قال: فی الرجل عنده المرأة أو الثلاث فیتزوج، قال: «إذا تزوج بکراً قام عندها سبع لیال، وإن تزوج ثیباً قام عندها ثلاثاً، ثم یقسم بعد ذلک بالسواء بین أزواجه»((2)).

وعن محمد بن مسلم، قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): رجل تزوج امرأة وعندها امرأة، فقال: «إن کانت بکراً فلیبت عندها سبعاً، وإن کانت ثیباً فثلاث»((3)).

ومنه یعلم الوجه فی روایة عبد الله بن عباس فی حدیث: إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) تزوج زینب بنت جحش فأولم وأطعم الناس... إلی أن قال: ولبث سبعة أیام بلیالیهن عند زینب ثمّ تحول إلی بیت أم سلمة وکان لیلتها وصبیحة یومها من رسول الله (صلی الله علیه وآله)((4))، حیث إنه عمل فلا یدل علی الوجوب، بعد ما تقدم من الأدلة علی عدم وجوب النهار.

ولذا قال الجواهر: (إن نصوص الیوم معارضة بنصوص اللیلة، فلا بد من التجوز بأحد الطرفین، إما بأن یراد من الیوم اللیلة خاصة تسمیة للجزء باسم کله، أو یراد من اللیلة مجموع الیوم المشتمل علی النهار تسمیة للکل باسم جزئه، ولا ریب فی رجحان الأول، لاعتضاده بما سمعت وصحة السند وتعارف لحوق الیوم للّیل فی ذلک، وإن لم یکن واجباً.

ص:274


1- الوسائل: ج15 ص82 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح7
2- المستدرک: ج2 ص613 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح1
3- الوسائل: ج15 ص81 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح1
4- الوسائل: ج15 ص81 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح2

وخبر الحضرمی مع قصوره عن معارضة غیره سنداً وغیره إنما دل علی الصبیحة لا القیلولة، اللهم إلاّ أن یرید الإسکافی من القیلولة المکث عندها فی تلک الصبیحة، بقرینة قوله: (صبیحة تلک اللیلة)، أو یحمل الخبر علی إرادة الیوم من الصبیحة علی معنی خصوص القیلولة منه، لأنها هی التی تشبه اللیل فی السکون والنوم وغیرهما، بخلاف غیرها من أجزاء النهار المعتاد فیها الخروج لتدبیر المعاش ولغیره، وعلی کل حال، فحمله علی الندب متجه).

نعم ربما یشکل ذلک إذا کان فی النهارات یذهب إلی بیت غیرها من إحداهن مثلاً، فهو خلاف ظاهر أدلة العدل والسیرة وغیرهما، لکن إذا کان فی دکانه أو شغله فی النهارات وتتفق الجمعة أو ما أشبه فی نصیب إحداهن حیث لا عمل له فیبقی عندها لم یکن بذلک بأس، لأنه لا یری خلاف دلیل العدل، بالإضافة إلی أن مثل العطل تتفق أیضاً فی أیام غیرها.

قال فی مناهج المتقین: (ویختص وجوب القسم باللیل، ولو قلنا باختصاص النهار بصاحبة اللیلة بمعنی أن الکون عندها غیر لازم، ولکن إن أراد الاستراحة أو التغدی أو القیلولة أو نحو ذلک کان علیه تخصیص صاحبة اللیلة بذلک لا غیرها، لکان حسناً).

ثم الظاهر أن میزان البیتوتة ما یتحقق به مسمی العدل والعشرة بالمعروف مما استفید من قوله سبحانه: ﴿فلا تمیلوا کل المیل فتذروها کالمعلقة﴾((1))، ومن الروایات المتقدمة، بل ومن السیرة المتعارفة، فلا یراد من البیتوتة معها فی اللیلة القیام معها فی جمیع اللیلة، بل ما یعتاد منها عرفاً، وذلک یکون بعد قضاء الرجل الصلاة فی

ص:275


1- سورة النساء: الآیة 129

المسجد والذهاب إلی مثل القراءات المعتادة ومجالسة الضیف ونحو ذلک.

وعلیه فالدخول علی الضرة إن کان منافیاً عرفاً لمسمی لعدل والعشرة بالمعروف وما أشبه لم یجز، وإلاّ جاز، سواء کان الدخول علی الضرة للتسلیم علیها أو لعیادتها أو لقضاء حوائجها، فما عن المبسوط من تقییده بالمرض وإلاّ لم یجز، فإن مکث فی غیر ذلک أثم ووجب قضاء زمانه ما لم یقصر بحیث لا یعد إقامة عرفاً فیأثم خاصة، محل تأمل.

بل لا بأس بالمجامعة مع الضرة أیضاً إذا لم یضر ذلک بمسمی العدل والعشرة بالمعروف، وکثیراً ما یکون مجلس الإنسان ومحل استقباله الأضیاف والدروس وما أشبه فی بیت إحدی الضرتین، فیأکل الطعام عندها مثلاً أو ما أشبه ذلک، مما لا ینافی عرفاً حقها المستفاد من العدل والعشرة بالمعروف معها.

فما فی الحدائق من أنه لیس له الدخول فی تلک اللیلة عند ضرتها إلاّ للضرورة فیما قطع به الأصحاب، محل تأمل، وقطع الاصحاب لا بد أن ینزل علی ما ینافی العدل والمعاشرة بالمعروف، وإلاّ فهو محل نظر.

بل وربما یؤید ما ذکرناه ما ورد فی تفسیر قوله سبحانه: ﴿وإذ أسر النبی إلی بعض أزواجه حدیثاً﴾((1)) الآیة.

وحیث إن المعیار العرف، فالظاهر اختلاف الأشخاص، إذ منهم من یبقی مع أضیافه أو فی بحوثه إلی نصف اللیل، أو یقوم لصلاة اللیل من نصف اللیل، أو یذهب إلی المشاهد المشرفة فی مثل النجف الأشرف وکربلاء المقدسة من نصفه أو قریب السحر أو ما أشبه، إلی غیر ذلک، ومنهم من لیس کذلک فلا یحق

ص:276


1- سورة التحریم: الآیة 3

للزوجة فی الأول المنع، بینما یحق لها فی الثانی.

کما أنه لو اختلفت اللیالی بالنسبة إلی الشخص، ففی لیالی الجمع یذهب إلی المشهد الشریف من نصف اللیل، أو یبقی فیه إلی نصف اللیل، لم یضر ذلک بالنسبة إلی من وقع الأمر فی قسمتها، کما تقدم مثل ذلک بالنسبة إلی نهار الجمعة، وکذلک الحال بالنسبة إلی شهر رمضان وشهر محرم حیث المجالس الحسینیة.

ثم إنه ذکر غیر واحد کالحدائق والریاض والجواهر وغیرهم أن إطلاق النص والفتوی بوجوب اللیلة وارد مورد الغالب، وهو ما یکون معاشه نهاراً، فلو انعکس کالوقاد والحارس والبزار فعماد قسمته النهار خاصة.

وفی الجواهر: (بلا خلاف، جمعاً بین الحقین ودفعاً للضرر والتفاتاً إلی قوله تعالی: ﴿وهو الذی جعل اللیل والنهار خلفة﴾((1))).

أقول: بل یؤیده أیضاً السیرة المستمرة من غیر نکیر.

وعلی هذا فلو اختلف عمله، فکان یعمل تارة باللیل ویستریح بالنهار، وتارة یعمل بالنهار ویستریح باللیل، کالأعمال الدوریة فی المعامل وما أشبه فی الوقت الحاضر، وجب علیه مراعاة التسویة بین زوجاته بحسب الإمکان، فیعمل بما یسمی عدلا، فإذا کان عمله فی اللیل جعل للمرأة النهار وبالعکس، نعم إذا کان الأمر أدواراً لم یحق له جعل کل اللیل لبعضهن، وکل النهار لبعضهن، بل یجعل کلاً من اللیل والنهار لهذه تارة ولهذه أخری.

وإن اتفق أن اضطر فی اللیلة الرابعة مثلاً فی ترک المنزل، جعل لها اللیلة الخامسة حیث یسبب ذلک تأخیر جمیعهن عن الموعد المقرر لهن حسب اللیالی.

أما إذا اضطرت إحداهن فی ترک المنزل لیلاً، فهل یقضی لها أو لیس علیه

ص:277


1- سورة الفرقان: الآیة 62

ذلک، احتمالان، وإن کان لا یبعد الأول، إذا کان خلافه خلاف العدل والمعاشرة بالمعروف.

ومنه یعلم وجوب جعل لیلة للمضطرة لما یوافقها إذا کانت مضطرة بجعل لیال خاصة فی الخارج دوریاً بإلجاء من الجابر مثلاً بحضورها فی المدرسة أو فی المستشفی فی کل أسبوع لیلة أو لیلتین.

ثم إنهم ذکروا أنه لو کان مسافراً معه زوجاته، فمقتضی القسمة فی حقه وقت النزول، قلیلاً کان أم کثیراً، لیلاً أم نهاراً، بما یسمی عدلاً وذلک مربوط بالعرف.

وأشکل علیه والجواهر بأنه إن کان إجماعاً فهو الحجة، وإلاّ أمکنت المناقشة باحتمال سقوط القسم فی حقه لاعتبار تعذر محله، والآیة لا تفید عموم قیام اللیل والنهار مقام الآخر فی کل أمر وجب فی أحدهما علی وجه یفید المطلوب، وأصالة بقاء الحق لا یصلح مثبتاً بمشروعیة أدائه بغیر المحل المخصوص، إذ هو بالنسبة إلی ذلک من الأصول المثبتة، علی أنهم قد ذکروا سقوط القسم للعذر والسفر علی وجه لا یجب علیه قضاؤه، ولعل ذلک ونحوه من عدم المداقة فی هذا الحکم التی قلناه سابقاً).

وفیه: إن مقتضی القاعدة هو ما ذکروه إذا کان یراه العرف قسماً وعدالةً وعدم میل کلی، فالإشکال علیهم بما هو خارج موضوعاً محل نظر، ولیس ذلک من قبیل العذر والسفر علی وجه لا یجب علیه قضاؤه، لأن المفروض أنه یتمکن من العدل فی السفر أیضاً، بخلاف صورة العذر والسفر الذی لا یتمکن من استصحاب زوجاته مثلاً أو لا یجب علیه شرعاً ذلک.

ثم إذا تمکن من القسم الکامل فی السفر وجب، کما إذا کان فی سفینة تبقی أیاماً علی البحر ولکل زوجة عن زوجاته غرفة خاصة.

ص:278

ثم إنه إذا اضطر الرجل إلی الخروج لیلاً لمرض أو مریض أو ما أشبه، فهل علیه قضاؤه، الظاهر نعم إذا کان ذلک مقتضی العدل، دون ما لم یکن، کما إذا کان یضطر للخروج فی بعض اللیالی حیث یتفق الخروج تارة فی دور هذه وتارة فی دور تلک.

والقضاء قد یتحقق بالنهار، وقد یتحقق بتقسیم لیلة أخری بین هذه وتلک.

ثم إن القسم لا یحتاج إلی الغرف أو الدور المتعددة، بل إذا کانت له زوجات فی غرفة واحدة، لکل واحدة فراش، کان القسم بنومه معها فی فراشها، فلا یتحقق القسم إذا نام فی وسط الأربع مثلاً، بل القسم یتحقق بالنوم مع کل واحدة، وإذا نام فی وسط اثنتین تحقق القسم بأکثریة الإقبال أو الإدبار.

ثم إن الشرائع قال: (لو کان عنده مسلمة وکتابیة، کان للمسلمة لیلتان وللکتابیة لیلة).

وفی الجواهر: (بلا خلاف معتد به أجده فیه، بل عن الخلاف الإجماع علیه، لإطلاق إنهن بمنزلة الإماء، وخصوص الخبر المنجبر بذلک، بل عن جماعة عدوا مثله فی الصحیح للمسلمة الثلثان وللأمة والنصرانیة الثلث، فتوقف ثانی الشهیدین فیه فی المسالک فی غیر محله).

أقول: أراد بإطلاق ما دل علی أنهن بمنزلة الإماء، ما رواه أبو بصیر، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن رجل له امرأة نصرانیة له أن یتزوج علیها یهودیة، فقال: «إن أهل الکتاب ممالیک للإمام وذلک موسع منا علیکم خاصة فلا بأس أن یتزوج»، قلت: فإنه تزوج علیهما أمة، قال: «لا یصلح أن یتزوج ثلاث إماء، وإن تزوج علیها حرة مسلمة ولم تعلم أن له امرأة نصرانیة ویهودیة ثم دخل بها، فإن لها ما أخذت من المهر، فإن شاءت أن تقیم معه أقامت، وإن شاءت أن تذهب إلی

ص:279

أهلها ذهبت، وإذا حاضت ثلاث حیض أو مرت لها ثلاثة أشهر حلت للأزواج»، قلت: فإن طلق علیها الیهودیة والنصرانیة قبل أن تنقصی عدة المسلمة، أله علیها سبیل أن یردها إلی منزله، قال: «نعم»((1)).

وفی روایة عبد الرحمن بن أبی عبد الله، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) هل للرجل أن یتزوج النصرانیة علی المسلمة والأمة علی الحرة، فقال: «لا تزوج واحدة منهما علی المسلمة، وتزوج المسلمة علی الأمة والنصرانیة، وللمسلمة الثلثان، وللأمة والنصرانیة الثلث»((2)).

وعن زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن نصرانیة کانت تحت نصرانی فطلقها هل علیها عدة مثل عدة المسلمة، فقال: «لا، لأن أهل الکتاب ممالیک للإمام ألا تری أنهم یؤدون الجزیة کما یؤدی العبد الضریبة إلی موالیه» إلی أن قال: «وأنت تذکر أنهم ممالیک للإمام»((3)) الحدیث، إلی غیر ذلک.

بضمیمة ما دل علی أن الأمة لها نصف الحرة فی القسم، مثل قوله (علیه السلام): «وإن تزوج الحرة علی الأمة فللحرة یومان وللأمة لیلة»((4)).

وفی روایة أخری: «للحرة لیلتان وللأمة لیلة»((5)).

وعن ضریح المحاربی، قال: سألته (علیه السلام) عن رجل له امرأة وأمهات أولاد، هل لهن قسمة مع المرأة، فقال: «نعم لها یومان ولأم الولد یوم»((6)).

ص:280


1- الوسائل: ج14 ص420 الباب 8 من أبواب ما یحرم بالکفر ونحوه ح1
2- الوسائل: ج14 ص419 الباب 7 من أبواب ما یحرم بالکفر ونحوه ح3
3- الوسائل: ج15 ص477 و 478 الباب 45 أبواب العدد فی الطلاق ح1
4- الوسائل: ج15 ص88 الباب 8 من أبواب القسم والنشوز ح3
5- المستدرک: ج2 ص613 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح1
6- المستدرک: ج2 ص613 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح4

ثم الظاهر أنه یصح للکافرة اشتراط القسم الکامل لها کالمؤمنة، لإطلاق أدلة الشرط، لکن ذلک فیما إذا کان له زوجتان مثلاً، حیث یجعل اللیلة التی له فی قسمها، أو فیما إذا اشترط علی نسائه المؤمنات التقلیل من قسمهن، إذ سیأتی أن ذلک جائز نصاً وإجماعاً لمکان بعض النصوص الخاصة فی مسألة أن المرأة إذا خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً جاز لها أن تصالحة بترک حقها من قسم ومهر ونفقة أو بشیء من مالها، وجاز له القبول، لوحدة الملاک فی المقامین، بالإضافة إلی عموم أدلة الشرط، بضمیمة ما تقدم من أن القسم حق ولیس بحکم.

ثم لا یبعد أن یکون قسمتها نصف المؤمنة فیما دینها القسم مثل ذلک أو أکثر، أما إذا کان فی دینها القسم الأقل، مثل لیلة من کل خمس مثلاً، أو لا قسم، لم یلتزم الزوج بما تقدم من المناصفة لقاعدة الإلزام، اللهم إلاّ أن یقال: إن المقام بالنص الخاص مستثنی من دلیل الإلزام فتأمل.

ومنه یعلم الکلام فیما إذا کانت من دین فانتقلت إلی دین آخر، حیث یختلفان فی حقها فی القسم زیادةً ونقیصةً، أو وجوداً وعدماً، أو اختلف تقلیدها من عالم إلی عالم فی الأمرین.

ثم إنه قد ظهر مما تقدم أن صور المسألة خمس:

لأنهن إما أربع مسلمات، فلکل لیلة من الأربع لیال.

وإما ثلاث مسلمات وکافرة، فلهن سبع وله واحدة من الثمان لیال.

وإما مسلمتان وکافرتان، فلهن ست وله اثنتان.

وإما مسلمة مع ثلاث کافرات، فلهن خمس وله ثلاث.

وإما کلهن کافرات، فلهن أربع من الثمان لیلة.

أما قول المسالک فی مثل المسألة بأن تنصیف اللیلة فی القسمة یجوز لعوارض

ص:281

کما سیأتی، وإن لم یجز التنصیف ابتداءً فلا مانع من کونه هنا کذلک، ولما کان الأصل فی الدور أربع لیال فالعدول إلی جعله من ثمان بمجرد ذلک مشکل، خصوصاً إذا قیل بجواز جمع لیلتی الحرة من الثمان، لأن ذلک خلاف وضع القسمة.

ففیه ما تقدم سابقاً من أن الظاهر الأدلة عدم التنصیف والتثلیت وما أشبه، وإنما الاعتبار باللیلة واللیلتین ونحوهما، مثلاً فی روایة: «للحرة لیلتان وللأمة لیلة»، إلی غیرها من الروایات التی تقدمت جملة منها.

ولذا رده الجواهر بقوله: (إن القسم لا یقع فی أقل من لیلة، لما فیه من تنغیص العیش وتعسر ضبط أجزاء اللیل، والمنافاة لظاهر التقدیر باللیلة والیوم، فلا یجوز قسمة اللیلة الواحدة کما اعترف به سابقاً)((1)).

مضافاً إلی ما عن الخلاف وغیره من الإجماع علی ذلک، قلت: بل لعله من المسلمین فضلاً عن المؤمنین.

نعم یمکن أن یقال بالتبعیض إذا لم یتمکن من الإکمال، کما إذا بقی له یومان من انطلاقه حیث یسجن بعد ذلک أو یقتل أو یدخل المستشفی حیث لا یتمکن من لقائهن أو ما أشبه ذلک، فإن الواجب علیه التقسیم لکل واحدة نصف لیلة إذا کن أربع وهکذا، لأن ذلک مقتضی أدلة العدل والعشرة بالمعروف ونحو ذلک، والأدلة المذکورة منصرفة إلی الغالب.

وکذلک الحال إذا کان للزوجات المحذورات المذکورة أو شبهها.

ثم إن ظاهر النص والفتوی جواز الجمع بین لیلتی المسلمة والتفریق، فهو مثل أن یقول: أعط زیداً درهمین وأعط عمرواً درهماً، حیث یجوز إعطاء زید متفرقاً أو مجتمعاً، ومثل أن یقول: کنت فی الکاظمیة لیلتین وفی بغداد لیلة، حیث یمکن أن تکون اللیلتان مجتمعتین أو متفرقتین.

ص:282


1- جواهر الکلام: ج31 ص166

ولذا قال فی الجواهر: (إن إطلاق النص والفتوی جواز الجمع بین لیلتی الحرة والتفریق، خلافاً لما عن بعض فأوجب الثانی إلاّ برضاها بالأول، لأن لها حقاً فی کل أربع واحدة، ولا یسقطه اجتماعهما مع الأمة، وفیه مع إمکان تحصیل ذلک أیضاً فی بعض أفراد الجمع، کما لو کانت اللیلة الأولی الرابع من الدور الأول، والأولی من الدور الثانی، إن المراد من تلک النصوص تقدیر الحق بذلک لا حصر القسم به)((1)).

ثم لو لم یعلم الزوج أنها مسلمة أو کافرة ولم یمکن الفحص، حیث إن الفحص واجب فی أمثال هذه الموارد _ وإن قلنا بمقالة المتأخرین من عدم وجوب الفحص فی الموضوعات، کما ذکرنا تفصیل ذلک فی بعض مباحث الفقه والأصول _ فاللازم إجراء قاعدة العدل بجعل نصف المحتمل لنفسه ونصفه لها، مثلاً إذا کانت مع مسلمة أعطی للمسلمة لیلتین، وللمحتملة لیلة ونصفاً، لأنه الوسط بین لیلة إذا کانت کافرة ولیلتین إذا کانت مسلمة، والنصف الآخر من اللیلة یکون له، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ولو کانت له زوجتان فاطمة المسلمة وهند الکافرة، لکنه اشتبه أیتهما، أجری قاعدة العدل أیضاً، حیث إنه صار لهما من لیالیه الثمان ثلاث فیوزع الثلاث بینهما، لا أن یعطی لکل واحدة لیلة واحدة ویختار لنفسه ستاً، نعم إذا نام عند کل واحدة لیلة لا بأس بذلک، لأن معنی ذلک أنه أعطاهما من الخمس الذی له.

ولو کن ثلاث مسلمات وکافرة، حیث له لیلة من الثمان واشتبهن، أمکن إعطاء کل واحدة لیلة بأن یتلف لیلة نفسه، کما أمکن إخراج ذلک بالقرعة، بل ویمکن الإخراج بالقرعة فی الأمثلة السابقة إن لم نقل أنه حق، وفی الحقوق کالأموال لا مجال لها، فتأمل.

ولو أسلمت الکافرة فی نصف اللیل ذهب نصف حقها وهو نصف اللیل وبقی

ص:283


1- جواهر الکلام: ج31 ص166

نصف حقها الآخر وهو لیلة کاملة یتدارکها لها.

ولو انعکس بأن کفرت المسلمة بأن صارت کتابیة بعد انقضاء لیلة فیما لها لیلتان مثلاً، وقیل المرتدة یجوز لزوجها مباشرتها، بقی لها نصف اللیل یتدارکه لها، علی تأمل.

وهذا الذی استظهرناه من الکفر نصف اللیل أو الإسلام، هو الذی استظهره الجواهر أیضاً فی الحرة والأمة، حیث قال: (قد ظهر لک مما ذکرنا الضابط فی المسألة وهو أن الأمة متی أعتقت بعد استیفاء حقها من النوبة فلا شیء لها وأعطیت الحرة حقها کاملاً، سواء کانت متقدمة أو متأخرة، ومتی أعتقت قبل تمام نوبتها أکمل لها نصیب الحرة).

ثم إنه قد تقدم فی بحث المتعة أنه لا قسمة للمتعة، سواء کانت مع الدائمة أو مجردة، ولو اشتبهت الدائمة بالمتعة فی زوجتین وزوجة واحدة فالکلام فیه کالکلام فی أمثاله حیث تجری قاعدة العدل.

نعم الظاهر أنه یصح اشتراط القسم فی المتعة، لإطلاق أدلة الشرط بعد عدم کونه منافیاً لمقتضی العقد أو للکتاب والسنة.

ولو اشترطت القسم لها بعد ما تزوج أربعاً وجب علیه طلاق إحداهن مقدمة للوفاء بالشرط، وإذا لم یطلق إحداهن لزم تقدیم حقهن علی حق المتعة، لأن ذلک ثابت بالدلیل الأولی وهذا بالدلیل الثانوی، والشرط لا یتمکن أن یرفع الحکم، فإن تمکنت المتعة من إجباره علی الطلاق فهو، وإن لم تتمکن لم یستعبد أن یکون لها حق الشرط علی الزوج فیبدل بالمال، لأن الشرط حق وکلما لم یتمکن الإنسان من استیفاء حقه تمکن من تبدیله بالمال، کما سبق مثل هذه المسألة فی بعض المباحث السابقة مع احتمال أن یکون لها حق الفسخ لمقتضی الشرط أو جبره علی الهبة.

ص:284

ومنه یعلم العکس بأن لو اشترطت علیه ثم تزوج أربعاً، فإنه إذا لم یطلق إحداهن وجب علیه تقدیم الدائمة علی المتعة فی القسم، لأنه لا فرق فی تقدیم الدلیل الأولی تقدم الزمان أو تأخره کمن نذر أن یقرأ القرآن من الظهر إلی الغروب.

ولو تزوج أربع متعات بالشرط، ثم تزوج الخامسة بالشرط، ربما یقال لغی الشرط لأنه لا یملک ذلک والشرط إنما یکون فیما یملک.

لا یقال: ولا یملک الشرط فیما إذا کن أربع دائمات لو شرط للمتعة.

لأنه یقال: إنه یملک ذلک بطلاق إحداهن.

لا یقال: وهنا یملک أیضاً بهبة مدة أحد المتعات السابقات.

لأنه یقال: لا أولویة فی المتعة السابقة واللاحقة.

لکن الظاهر أنه لا فرق فی الدائمة والمتعة فی أنه یملک الهبة أو الطلاق فی اللاحقة أو السابقة، فالشرط نافذ مع ملک أیهما، نعم إذا تعارض الشرط وأصل القسم فی الدائمة أو تعارض الشرطان فی متعتین لم یمکن مشروعیة کلیهما فی عرض واحد لعدم القدرة.

ومنه یعلم حال ما إذا کان له ثلاث دائمات فتزوج بالرابعة وشرط لها فی کل دور لیلة زائدة، فلیلة بأصل الشرع ولیلة بالشرط، أو تزویج الأولی هکذا ثم تزوج بعدها بثلاث دائمات، وحال ما إذا شرط أکثر للزوجة لیلة بالدوام ولیلتین بالشرط.

وفی المقام فروع کثیرة نکتفی منها بهذا القدر.

ثم إن الشرائع قال: (وله أن یطوف علی الزوجات فی بیوتهن وأن یستدعیهن إلی منزله، وأن یستدعی بعضاً ویسعی إلی بعض).

وفی الجواهر: (لا خلاف معتد به فی ذلک، لأن تعیین المسکن یرجع إلیه، کما

ص:285

أن الطاعة واجبة علیهن، ودعوی منافاة الأخیر للعدل والعشرة بالمعروف واضحة المنع).

أقول: وهو کما ذکره المشهور، بل لم یعرف خلاف معتد به فی ذلک، نعم الأفضل التساوی حتی فی هذه الجهة، لإطلاق أدلة المعاشرة بالمعروف وغیره، بل للتأسی بالنبی (صلی الله علیه وآله) حیث تقدم روایة مجمع البیان عن الصادق عن آبائه (علیهم السلام): «إن النبی (صلی الله علیه وآله) کان یقسم بین نسائه فی مرضه فیطاف به بینهن»((1)).

وفی المسالک: تأسیاً بالنبی (صلی الله علیه وآله) فقد کان یطوف علی نسائه فی مساکنهن.

ومنه یعلم أنه یحق له أن یطوف علی الواحدة مثلاً، فإذا صار نصف اللیل طلبها إلی بیته أو بالعکس.

ص:286


1- الوسائل: ج15 ص85 الباب 5 من أبواب القسم والنشوزح 2

مسألة ٢ للبکر سبع وللثیب ثلاث

(مسألة 2): قال فی الشرائع: (وتختص البکر عند الدخول بسبع لیال والثیب بثلاث).

أقول: هذا هو المشهور بین الأصحاب شهرة عظیمة، ویدل علیه متواتر الروایات:

کصحیح ابن أبی عمیر، عن غیر واحد، عن محمد بن مسلم، قال: قلت: الرجل یکون عنده المرأة یتزوج أخری أله أن یفضلها، قال (علیه السلام): «نعم إن کانت بکراً فسبعة أیام، وإن کانت ثیباً فثلاثة أیام)((1)).

وخبره الآخر، قلت لأبی جعفر (علیه السلام): رجل تزوج امرأة وعنده امرأة، فقال: «إذا کانت بکراً فلیبت عندها سبعاً، وإن کانت ثیباً فثلاثاً»((2)).

وخبر هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یتزوج البکر، قال: «یقیم عندها سبعة أیام»((3)).

وخبر دعائم الإسلام، عن علی (علیه السلام)، إنه قال: فی الرجل عنده المرأة أو الثلاث فیتزوج، قال: «إذا تزوج بکراً قام عندها سبع لیال، وإن تزوج ثیباً قام عندها ثلاثاً، ثم یقسم بعد ذلک بالسواء بین أزواجه»((4)).

وفی نوادر أحمد بن محمد بن عیسی، بسنده إلی محمد بن مسلم، قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): رجل تزوج امرأة وعنده امرأة، فقال: «إن کانت بکراً فلیبت عندها سبعاً، وإن کانت ثیباً فثلاث»((5)).

ص:287


1- المستدرک: ج2 ص613 الباب 3 من أبواب القسم والنشوز ح1
2- المستدرک: ج2 ص613 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح2
3- المستدرک: ج2 ص613 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح1
4- المستدرک: ج2 ص613 الباب 3 من أبواب القسم والنشوز ح2
5- المستدرک: ج2 ص613 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح2

وعلی هذا ینزل إطلاق خبر البصری، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یکون عنده المرأة فیتزوج الأخری کم یجعل للتی یدخل بها، قال: «ثلاثة أیام ثم یقسم»((1)).

ویؤید المقام ما رواه المسالک، قال: روی عن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه قال: «للبکر سبعة أیام وللثیب ثلاث، ثم یعود إلی نسائه((2)).

وأنه (صلی الله علیه وآله) لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثة أیام»((3)).

لکن ینافی هذه الروایات بعض الروایات الأخر:

مثل خبر حسن بن زیاد، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قلت: فیکون عنده المرأة فیتزوج علیها جاریة بکراً، قال: «فلیفضلها حین یدخل بها ثلاث لیال»((4)).

وموثق سماعة، قال: سألته عن رجل کانت له امرأة فیتزوج علیها، هل یحل له أن یفضل واحدة علی الأخری، قال: «یفضل المحدثة حدثان عرسها ثلاثة أیام إذا کانت بکراً، ثم یسوی بینهما بطیبة نفس إحداهما للأخری»((5)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی حدیث قال: «إذا تزوج الرجل بکراً وعنده ثیب فله أن یفضل البکر بثلاثة أیام»((6)).

ثم إنه لا خلاف فی النص والفتوی کما عرفت فی عدم زیادة تفضیل الثیب علی الثلاث، نعم ربما دل علیه بعض الروایات:

فعن العلل: إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) تزوج زینب بنت جحش فأولم وأطعم الناس ...

ص:288


1- الوسائل: ج15 ص83 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح8
2- الوسائل: ج15 ص81 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح1
3- الوسائل: ج15 ص81 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح2
4- الوسائل: ج15 ص82 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح7
5- الوسائل: ج15 ص82 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح8
6- الوسائل: ج15 ص82 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح6

إلی أن قال: ولبث سبعة أیام بلیالیهن عند زینب، ثم تحول إلی بیت أم سلمة وکان لیلتها وصبیحة یومها من رسول الله (صلی الله علیه وآله)((1)).

وهذه الروایة محمولة علی تقسیم رسول الله (صلی الله علیه وآله) سبعاً سبعاً، أو أنه کان من اختصاصاته، أو أن ذلک کان برضا سائر أزواجه، أو أن زینب کانت بکراً لعدم تصرف زوجها الأول فیها أو تصرفه فیها ثم رجوعها بکراً کما یکون ذلک فی قسم من النساء، أو غیر ذلک من الوجوه المحتملة التی لا تنافی الروایات المتواترة سابقاً.

وفی الجواهر: (هو مع قصور سنده وشذوذه وعدم مکافاته لما مر من الأخبار، محمول علی الاختصاص به (صلی الله علیه وآله) لعدم وجوب القسم علیه، ولعّله یؤید بعض الاحتمالات السابقة ما روی عن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه قال لأم سلمة حین بنی بها: «ما بک علی أهلک من هوان إن شئت سبعت عندک وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندک ودرت».

ثم إن المحکی عن الشیخ أنه جمع بین الطائفتین بحمل السبع للبکر علی الجواز والثلاث علی الأفضل.

وعن ابن سعید موافقته، بل حکی عن ظاهر السرائر أیضاً ذلک، حیث قال: (إذا عقد علی بکر جاز أن یفضلها بسبع ویعود إلی التسویة ولا یقضی ما فضلها فإن کانت ثیباً فضلها بثلاث لیال).

لکن عن الخلاف إن للبکر حق التخصیص بسبعة وللثیب حق التخصیص بثلاثة خاصة لها أو بسبعة یقضیها للباقیات، واستدل علیه بالإجماع والأخبار، وبما

ص:289


1- الوسائل: ج15 ص81 الباب 2 من أبواب القسم والنشوز ح2

تقدم من قول النبی (صلی الله علیه وآله) لأم سلمة.

وقال فی الحدائق: (الظاهر أنه لا مندوحة عمّا ذکره الشیخ من الجمع المذکور، وأن البکر أکثر ما تفضل به السبع وأقلّه الثلاث والثیب بالثلاث خاصة).

وعلیه فما حکی عن أبی علی من وجه آخر للجمع، حیث قال: (إذا دخل ببکر وعنده ثیب واحدة فله أن یقیم عند البکر أول ما یدخل بها سبعاً ثم یقسم، وإن کانت عنده ثلاث ثیب أقام عند البکر ثلاثاً حق الدخول، فإن شاء أن یسلفها من یوم إلی أربعة تتمة سبعة ویقیم عند کل واحدة من نسائه مثل ذلک ثم یقسم لهن جاز، والثیب إذا تزوجها فله أن یقیم عندها ثلاثاً حق الدخول ثم یقسم لها ولمن عنده واحدة کانت أو ثلاثاً قسمة متساویة)، غیر ظاهر الوجه، إذ لا شاهد لمثل هذا الجمع الذی یعد تبرعیاً عند العرف.

کما أنه یظهر ضعف ما قاله الجواهر بعد نقله خبری حسن بن زیاد وسماعة المعارضین لأخبار المشهور (لمعلومیة رجحان نصوص السبع فی البکر بالشهرة العظیمة، بل عدم الخلاف کما قیل، بل الإجماع المحکی عن جماعة علی وجه لا یقاومها خبرا الثالث المحمولان علی أنها إنما تستحقها دون التکملة سبعاً، وإنما له تقدیمها ویقضیها للباقیات کما سمعته من الإسکافی فی الجملة، أو علی إرادة استمرار تفضیلها بالثلاثة التی له ولها من الأربع، بل لعله ظاهر الأول منهما بقرینة ما قبله وما بعده، فیراد حینئذ من حین الدخول بها وحدثان العرس الأیام القریبة منه أو غیر ذلک)((1)).

إذ الصناعة تقتضی الجمع الذی ذکرناه، نعم لا شک أن المشهور مع الجواهر، لکن غیر المشهور أیضاً فیهم الأعاظم.

ص:290


1- جواهر الکلام: ج31 ص173

قال فی الریاض ممزوجاً مع المتن: (وتختص البکر عند الدخول بثلاث إلی سبع وفاقاً للشیخ فی کتابی الأخبار جمعاً بین الأخبار المختلفة وصریحه فی الکتابین أفضلیة الأول خلافاً للأکثر فالثانی وهو أظهر).

ثم حیث إن الأمر بالبیتوته کذلک فی مقام توهم الحظر، وفی بعض الروایات لفظة: (له) الظاهرة فی الجواز، لم یستفد من الأخبار إلاّ أفضلیة ذلک لا الوجوب، ولذا قال فی الحدائق: (یبقی الکلام فی الوجوب وأکثر أخبار الباب ظاهر فی الجواز مثل قوله: «وله أن یفضل»، ویحمل الأمر فی الروایتین اللتین ذکرناهما علی الاستحباب وأن أقلها الثلاث وأکثرها السبع، ولم أقف علی مصرح بالوجوب صریحاً فی کلامهم).

وفی الریاض: (تختص البکر عند حدثان عرسها والدخول علیها استحباباً لا وجوباً، للأصل مع انتفاء الصارف عنه من النص، وکلام أکثر الأصحاب من حیث عدم تضمنهما ما یدل علی الوجوب سوی الأمر فی بعض النصوص، ولوروده فی مقام جواب السؤال عن جواز التفضیل لا دلالة له علی الوجوب لوروده فی مقام توهم الحظر).

ومنه یعلم وجه النظر فی قول الجواهر حیث قال: (قد یناقش لظهور النص والفتوی أن ذلک علی جهة الاستحقاق لها والأصل فیه وجوب الوفاء ممن علیه، وبه تقوی إرادة الوجوب من الأمر به هنا).

وهو الظاهر أیضاً من مناهج المتقین، حیث قال: (وتجدید النکاح موجب لتفضیل الجدیدة بزیادة مبیت عندها عند الزفاف، فإن کانت بکراً فضلها بسبع لیال متوالیات، وإن کانت ثیباً فبثلاث متوالیات، ولا یقضی ذلک فی حق البواقی، بل یستأنف القسم بعد ذلک).

ص:291

ثم إذا قلنا باستحباب التفضیل ولم یفضل عند الزفاف فلیس له أن یفضل بعد ذلک، لأن الظاهر من المخصص أول العرس لا بعده، نعم لا یبعد أنه إذا لم یفضل وبقی من السبع أو الثلاث شیء جاز له التفضیل عند ذلک.

ولو لم یفضل عمداً أو اضطراراً أو نحو ذلک، فهل علیه القضاء علی الوجوب، احتمالان، من أنه حق، ومن أن الظاهر من النص والفتوی أنه لوقت خاص، فإذا ذهب الوقت ذهب الوجوب.

وسواء قلنا بوجوب السبع والثلاث أو باستحبابهما، فالظاهر أنه حق للمرأة فلها إسقاطه ولیس بحکم، لأن الحق هو المنصرف عند تلقی العرف بمثل هذه الروایات، وربما یؤیده قول النبی (صلی الله علیه وآله) لأم سلمة علی ما تقدم.

ثم لو اختلف تقلیدهما فی السبع والثلاث أو الوجوب والاستحباب، فالمحکم نظر الزوج لأنه المکلف بالأمر.

نعم إذا تنازعا إلی القضاء عمل بما یحکم القاضی کما حقق فی کتاب القضاء، من أنه واجب علیهما اتباع نظر القاضی، وإن کان اجتهادهما أو تقلیدهما أو بالاختلاف مخالفاً لحکمه.

ومنه یعلم حال ما لو ادعی زواجاً جدیداً، وأنکرت النساء السابقات ذلک، أو قال الزوج: الزوجة الجدیدة بکر، وقلن: بل ثیب، فإن المتبع نظره، لأنه المکلف بالأمر، إلاّ إذا ترافعا إلی القضاء، فالمحکم حکم الحاکم حسب موازین المدعی والمنکر، وکذلک لو قال: الجدیدة دائمة، وقلن: إنها متعة.

والظاهر أنه علی الوجوب فی السبع والثلاث کالقسم فی ذی المتعدد، للمرأة الحق فی حبس الزوج عندها إذا أراد الخلاف بالخروج من عندها، لأن ذلک

ص:292

مقتضی الوجوب، نعم مع الاختلاف لا حق لها فی ذلک إلاّ بعد الترافع إلی القضاء وإعطاء الحق لها.

ثم لو قلنا فی السبع والثلاث بالوجوب، فالظاهر صحة المصالحة منها معه، أو مع بعض الزوجات، أو مع الأجنبی لأجل إرادة الأجنبی کون الزوج معه لغرض شرعی لما عرفت من أنه حق لا الحکم.

قال فی الشرائع ممزوجاً مع الجواهر: (الظاهر أنه لا یقضی لنسائه شیء من ذلک، لظهور النص والفتوی لاستحقاقهما القدر المزبور، بل لم نعرف فیه خلافاً بیننا إلاّ ما سمعته من الإسکافی الذی لم نعثر علی دلیل معتد به له).

ومنه یعلم أن ما عن مشهور الشافعیة من أنها إن التمست السبع قضاهن أجمع لغیرها، وإن بات عندها سبعاً من غیر التماس لم یقض إلاّ الأربع، لأنه (صلی الله علیه وآله) خیر أم سلمة فی الخبر المتقدم بین اختیار الثلاثة خالصة والسبع بشرط القضاء، غیر ظاهر الوجه، لإطلاق الأدلة المتقدمة، والحدیث إن تم لم یکن به بأس، لأن أم سلمة کانت ثیباً وحقها ثلاث، والرسول (صلی الله علیه وآله) شرط علیها إن سبع أن یعطی غیرها مثلها، بضمیمة أنه (صلی الله علیه وآله) کان له عدم القسم، بل لعله کان برضا سائر زوجاته، ومثله یجوز لنا أیضاً، فیقول أحدنا للجدیدة الثیب: إن أردت سبعت لک ولهن فیما کان برضاهن، وکذلک یقول للبکر: إن شئت عشرت عندک وعند غیرک، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ثم لو ضیع الزوج حصة الجدیدة من الثلاث أو السبع أو بعضهما، فهل یقابل بالمال، احتمالان، وقد تقدم عدم بعد ذلک، وإن کان الصلح أولی فیما إذا قلنا بأن الصلح یصح ولو بدون مقابل، کما فصلنا ذلک فی کتاب الصلح.

ثم إن المسالک قال: (یجب التوالی فی الثلاث والسبع، لأن الغرض لا یتم إلاّ به، ویتحقق بعدم خروجه فی اللیل إلی عند واحدة من نسائه مطلقاً علی حد ما یعتبر

ص:293

فی القسمة، ولا إلی غیرها لغیر ضرورة أو طاعة کصلاة جماعة ونحوها مما لا یطول زمانه وإن کان طاعة، لأن المقام عندها واجب، فهو أولی من المندوب، ولو فرق اللیالی رأساً ففی الاحتساب به وجهان، من امتثال الأمر بالعدد فکان ذلک بمنزلة القضاء، ومن اشتمال اللیالی علی غایة لا یحصل بدونه کالأنس وارتفاع الحشمة والحیاء).

أقول: وجوب الولاء هو الظاهر من النص والفتوی حیث فی بعضها (ثم یقسم)، وفی بعضها (ثم یسوی بینهما)، أما بالنسبة إلی الخروج وعدم الخروج الذی ذکره المسالک فالظاهر أنه کما تقدم، إذ الدلیل فی المقامین واحد، فلا فرق بینهما من جهة الضیف أو العبادة أو الذهاب إلی إحدی الزوجات والمجامعة معهن وغیر ذلک.

وأما بالنسبة إلی تفریق اللیالی، فالظاهر أن القضاء بالتوالی أیضاً، إلاّ إذا رضیت بغیر التوالی، لأن التوالی معتبر فی الأصل فسقوطه یحتاج إلی دلیل، خصوصاً بعد ما ورد من قوله (علیه الصلاة والسلام): «من فاتته فریضة فلیقضها کما فاتته».

وبذلک یظهر وجه النظر فی إشکال الجواهر علیه، حیث إنه بعد نقل عبارته قال: (کأن مراده وجوب قضاء عدد مشتمل علی التوالی فی أحد الوجهین، لکنه کما تری، خصوصاً مع عدم اعتبار التوالی فی النصوص شرطاً، ومع أرادة الأیام المخصوصة متوالیة متصلة بالعقد، وبذلک افترق الحال بین التوالی فی الکفارة وبینه هنا، بل المتجه هنا إما سقوط القضاء من أصله أو قضاؤها مع الإخلال بها ولو مفرقة، ولعل الثانی لا یخلو من قوة).

فإن فوات الاتصال بالعقد الذی لا یمکن إعادته غیر التوالی بین اللیالی مما

ص:294

یمکن إعادته فیشمله دلیل القضاء.

ثم قال المسالک: (لا فرق فی الزوجة هنا بین الحرة والأمة، المسلمة والکتابیة، حیث یجوز ابتداءً تزویجها، عملاً بالعموم، ولأن المقصود من ذلک أمر یتعلق بالطبع، وهو لا یختلف بالرق والحریة، ولا بالإسلام والکفر، کما یشترک الجمیع فی مدة العنّة والإیلاء، وقیل یتشطر للأمة ما تستحق الحرة کالقسم فی دوام النکاح، وقربه فی التحریر)((1)) والقواعد.

أقول: مقتضی القاعدة التنصیف، لما ورد من نقصان الأمة عن الحرة، وأن الکتابیة کالأمة، ولو شک لإجمال الدلیل کان الأصل العدم، ولذا قال فی الجواهر: (التشطیر قوی خصوصاً بناءً علی أن المقام قسم من القسم أیضاً)، وقوله: خصوصاً، لأنه المستفاد من الأدلة فهو أیضاً قسم، وإن لم یصرح بذلک فی النص إلاّ أنه مستفاد عرفاً.

ومنه یعلم وجه النظر فیما ذکره الکفایة، حیث قال: (والظاهر مساواة الأمة والحرة).

واستقرب العلامة فی التحریر تخصیص الأمة بنصف ما یختص به لو کانت حرة، وفی القواعد رجح المساواة.

ثم قال المسالک: (وفی کیفیة التشطیر وجهان، أحدهما: أن یقبل المنکسر فیبیت للبکر أربع لیال وللثیب لیلتان، وأصحهما أن للبکر ثلاث لیال ونصفاً، وللثیب لیلة ونصفاً، لأن المدة قابلة للتنصیف، فیخرج عند انتصاف اللیل إلی بیت منفرد أو مسجد).

وما ذکره هو مقتضی الظاهر بعد ما عرفت من أن المستفاد من الأدلة التشطیر.

أما ما فی الجواهر من رده بقوله: (إنه علی المختار المتجه الأول لکونه من القسم الذی لا یجوز فی التشقیص وحذف الکسر منها مرجوح بالنسبة إلی تکمیلها

ص:295


1- مسالک الأفهام: ج8 ص330

به ترجیحاً لحق الجدیدة کما عساه یومی إلیه ترجیحها بالسبع والثلاث).

فمحل نظر، إذ عدم الاستفادة من أدلة القسم لا ینافی الاستفاده فی المقام، لأن لکل مقام دلیله.

لا یقال: إن طلاق العبد نصف طلاق الحر، ومع ذلک فهو تطلیقتان، فلیکن المقام مثل ذلک.

لأنه یقال: لا یمکن طلاق ونصف بخلاف المقام، وحیث یصح التشطیر لا فرق فیه بین نصف لیلة ولیلة أو بالعکس.

کما أنه لا فرق فی الثلاث والسبع بین المجنونة والعاقلة والمتوهة والسفیهة وما أشبه، لإطلاق الأدلة من غیر مخصص، وقد عرفت لزوم القسم لهن فعدم شعورهن لا یوجب سلب الحکم.

ثم قال المسالک: (ویعتبر فی الحریة والرقیة بحالة الزفاف، فلو نکحها وهی أمة فزفت إلیه وهی حرة فلها حق الحرائر علی القولین، وإن أعتقت فی أثناء المدة ففی حق الإماء أو الحرائر وجهان أجودهما الثانی، وقد سبق نظیره فی نکاح الکفار إذا تبدل الکفر بالإسلام أو العکس).

وبمثل ذلک أفتی الجواهر وغیره، وذلک لأنه المنصرف من الأدلة، لأن المعیار فی المبیت وعدمه وذلک یتحقق عند الزفاف لا قبله.

نعم لا ینبغی الإشکال فی أنه إذا کان یبیت عندها من أول العقد مثلاً من دون دخول کما هو المتعارف فی الحال الحاضر فی بعض البلاد، کان الاعتبار بالمبیت لا بوقت العرس والدخول، فإذا وفی بدورها ثلاثاً أو سبعاً بدون دخول لم یکن لها الحق فیهما عند العرس والدخول إلاّ بالقسم المتعارف لسائر النساء.

ثم قال المسالک: (ولو قضی حق الجدیدة ثم طلقها ثم راجعها لم یعد حق الزفاف لأنها باقیة علی النکاح الأول فقد وفی حقها، ومن ثم لو طلقها بعد ذلک کان طلاق

ص:296

مدخول بها فتجب العدة، وإن لم یدخل بعد الرجعة، ولو أبانها بما جدد نکاحها ولو فی العدة فالأصح تجدید الحق لعود الجهة بالفراق المبین ویحتمل عود الأول).

أقول: هذا الاحتمال واضح الضعف، کما استضعفه الجواهر أیضاً، لأن الحکم للنکاح وقد حصل، وکونه فی العدة أو لا فی العدة لا یضر بإطلاق النکاح.

ومنه یعلم أنه لو نکحها متعةً ثم فارقها ببینونة أو هبة مما لها عدة بائنة، ثم نکحها دواماً کان الحکم کذلک من حقها فی الثلاث والسبع، وإنما یکون لها سبع لمکان بکارتها، حیث یکون الوطی فی الدبر مثلاً.

ثم قال المسالک: (ولو کان قد أبانها قبل أن یوفیها حقها ثم جدد نکاحها لزمه التوفیة لأنه ظلم بالطلاق، وعلی هذا فلو أقام عند البکر ثلاثاً واقتضها ثم أبانها ثم نکحها وجب أن یبیت عندها ثلاثاً حق زفاف الثیب، ولو قلنا بعود الأول وجب أن یبیت عندها أربعاً، لأن حق الزفاف فی النکاح الثانی علی هذا یبنی علی النکاح الأول، وقد بقی منه هذا المقدار)((1)).

لکن فیه ما ذکره الجواهر، حیث قال: (قد یمنع وجوب وفاء الأول الذی سقط بالطلاق، بل یمکن منع کونه ظلماً لاحتمال اشتراطه ببقاء کونه زوجة لا أنه یحرم علیه طلاقها قبل توفیة حقها، وکذا الکلام فی صاحبة الدور)، وهو کما ذکره فی الفرعین، إذ لا دلیل علی کون الطلاق ظلماً وأدلة القسم لا تخصص أدلة الطلاق، کما لا تخصص أدلة الفسخ فیما له الفسخ.

ومنه یعلم حال ما إذا فسخت هی لحقها فی الفسخ ثم تجدد النکاح بینهما، وکذلک حال ما إذا ارتد ثم رجع وتجدد نکاحه لها.

ثم قال فی المسالک: (قد عرفت أن للجدیدة حق الاختصاص بالعدد المذکور

ص:297


1- مسالک الأفهام: ج8 ص331

والتقدیم به علی غیرها، فإن زفت إلیه بعد تمام الدور حصل لها الاختصاص خاصة، وهکذا لو تزوجها علی واحدة. ولو کان عنده امرأتان فزفت إلیه جدیدة بعد ما قسم بإحداهما من الأخری قضی حق الزفاف وتحقّق هنا الاختصاص والتقدیم ثم قسم للقدیمة الأخری وأعطی الجدیدة ما وفی القدیمة لاستحقاقها حینئذ ثلث القسم. فإن کان قد قسم للأولی لیلة وللأخری بعد حق الزفاف لیلة وبات عند الجدیدة نصف لیلة خرج بقیة اللیلة إلی مسجد ونحوه ثم استأنف القسم بینهن علی السویة. ولو قسم للأولی خمس عشرة وتزوج بکراً خصها بسبع ثم قسم ثلاثاً للقدیمة وواحدة للجدیدة خمسة أدوار، ولو تزوج فی أثناء القسم ظلم من بقی بتأخیر حقها بعد حضوره، ولکن لا یؤثر فی تقدیم الجدیدة ویجب التخلص من مظلمة المتأخرة علی الوجه الذی ذکرناه).

أقول: یرد علی ما ذکره المسالک أن الشارع جعل من کل أربع لیال للزوجتین لیلة وللزوج لیلتین ولا ینقض ذلک إلاّ التصالح بین الأطراف، کأن یجعلوا باختیارهم للزوجتین خمس عشرة خمس عشرة، وللزوج ثلاثین، لکن ذلک إنما یصح إذا لم یرد فی الأمر زوجة جدیدة أو زوجتان جدیدتان، وإلاّ کان مقتضی القاعدة إما قبولها منفردة أو قبولهما إذا کانتا اثنتین التصالح، وحینئذ یکون قد أسقطت حقها بهذا القبول إلاّ ما لا ینافی الصلح.

وإما عدم قبولها فیکون لها أو لهما لیلة ولیلتان بمجرد الزواج وانتهاء أمر الاختصاص بالثلاث والسبع، فلا حق للأطراف السابقة فی فرض صلحهم علی الزوجة الجدیدة التی لم تکن طرفاً.

وقد عرفت فیما تقدم أن الحکم الأولی لا یرفع بالحکم الثانوی، لأن الحکم

ص:298

الثانوی لا مجال له إلاّ بعد عدم الموضوع للحکم الأولی، فإذا صالح الإنسان تمام وقته للاشتغال بما لا یدع مجالاً للقسم قبل زواجه یصح ذلک ما لم یتزوج، فإذا تزوج لم تتمکن المصالحة من هضم حق الزوجة التی جعله الشارع لها، کما أن المرأة إذا نذرت أن تبیت کل لیلة فی بیت أبیها أو شرطت أو صالحت أو حلفت لم ینعقد ما عملت بالنسبة إلی ما بعد الزواج.

وعلی هذا فإذا لم ترض المرأة الجدیدة من الصلح السابق علی خمس عشرة أو ما أشبه کان لها من کل أربع لیال لیلة، والصلح یکون ساری المفعول فی حقهم إذا کن ثلاثاً، أو حقهما إذا کانتا اثنتین.

أما ما ذکره الجواهر علیه بقوله: (أولاً: إنه لا ظلم، لاشتراط حقها بعدم اتفاق نکاح جدید فی الأثناء، وإلاّ کان مقدماً لإطلاق النصوص السابقة)، فلم یعرف وجهه، إذ المسالک لم یقل هنا بالظلم وإنما قال فی الفرع السابق، وقد رده الجواهر فلا وجه لتکراره.

نعم إشکال الجواهر ثانیاً علی المسالک بقوله: (إنه لو فرض نکاحه بعد وفاء الأولی لیلتها دون الثانیة اختصت الجدیدة بأیام زفافها ثم کان لها لیلة من الأربعة ولا یختص قسمها بین الباقیات والجدیدة حتی أنه تستحق الثلث مما لها) انتهی، وارد علی ما عرفت.

لکنه دفعه بما لا یکون الدفع وارداً، فقال: (ولکن قد یدفع الأخیر بأنه لا حق للجدیدة مع القدیمة المستوفیة حقها فی القسم قبل صیرورة الجدیدة زوجة، وإنما تشارک الباقیة فیکون کما لو کان عنده زوجتان إلاّ أن القدیمة الباقیة قد استحقت عند القدیمة الأولی، لأن القسم کان بینهما، فیکون للقدیمة الباقیة ثلثان وللجدیدة ثلث، ویتجه حینئذ ما ذکره أنه إذا وفی القدیمة لیلتها کان للجدیدة نصف لیلة،

ص:299

وکذا الکلام فی قسم الأولی بخمس عشرة، فإنه إذا أراد وفاء الثانیة حقها مع إعطاء الجدیدة حقها من الأدوار المتجددة بات عندها خمسة أدوار علی الوجه المزبور، وهو ثلاث عند القدیمة وواحدة عند الجدیدة فیحصل حینئذ خمس عشرة لیلة للقدیمة وخمس للجدیدة یکون المجموع عشرین، إذ لیس للجدیدة فی الأدوار المزبورة إلاّ خمس، لأن لها من کل أربع لیلة، وللقدیمة الباقیة کذلک)، إلی آخر کلامه.

ومما ذکرناه علی المسالک یظهر حال ما إذا نشزت واحدة من الأربع فهی کالمعدومة، حیث یکون علی الزوج ثلاث لیال للمطیعات ولیلة لنفسه، وبمجرد أن أطاعت الرابعة تدخل فی الدور ویفقد الزوج لیلته.

وحال تخصیص الزوج لکل واحدة خمس عشرة ثم أطاعت بعد الوفاء لاثنتین حال ما تقدم، فقول الجواهر: (وکذا الکلام بما تسمعه من المصنف وغیره من أنه لو کان له أربع فنشزت واحدة ثم قسم لکل خمس عشرة فبات عند اثننتین ثم أطاعت الناشز وجب توفیة الثالثة خمس عشرة والناشز خمساً، إذ لا حق لها فی الثلاثین لیلة التی باتها عند الأولتین لأنها کانت ناشزاً ولها مع الثلاثة اشتراک فی استحقاق الدور فکأن له زوجتین للناشز فی کل دور لیلة وللثالثة ثلاث إلی أن یکمل الخمس عشرة لیلة فیبیت عند الثالثة فی کل دور ثلاثاً وعند الناشز لیلة خمسة أدوار ثم یستألف القسم للأربع)، محل نظر.

وکذا یظهر مما تقدم حال ما ذکره أیضاً بقوله: (وکذا لو نشزت واحدة وظلم واحدة وأقام عند الأخریین ثلاثین لیلة ثم أراد القضاء للثالثة فأطاعت الناشز، فإنه یقسم للمظلومة ثلاثاً وللناشز یوماً خمسة أدوار فیحصل للمظلومة خمس عشرة لیلة، عشرة قضاءً لأنه کان لها من کل دور ثلاث لیال لیلة لنشوز الرابعة

ص:300

وقد بات فیها عند إحدی الأخریین، وخمس أداءً فکلما بات عندها لیلتین قضاءً کانت الثالثة أداءً لها، بخلاف الصورة الأولی، فإن تمام الخمس عشرة فیها أداء لانتفاء الظلم ویحصل خمس للمطیعة کما فی الصورة السابقة إذ الجمیع من واد واحد).

وهل الشارع قطع السبع أو الثلاث من السابقات لأجل الجدیدة من جهة اشتغال الزوج بالجدیدة، أو مطلقاً حتی إذا صالح مع الجدیدة بعدم حق لها فی السبع أو الثلاث أو بعضهما أو وهبت له کلاً أو بعضاً لم یجب علیه فی هذه اللیالی القسم للسابقات، الظاهر الثانی، لأن اللیالی للجدیدة ویملکها الزوج من قبلها فأی حق لهن فی هذه اللیالی، فهو کما إذا وهبت ضرة حقها لضرة أخری، حیث لا حق لغیر الموهوب لها فی هذه اللیلة، فحال هذه اللیالی حال ما إذا عصی الزوج ولم یذهب إلی الجدیدة، حیث لا حق لهن فی هذه اللیالی.

ومن ذلک یظهر وجه الإشکال بما لو عصی الزوج ونام وحده ثم أراد القضاء، إذ القضاء إنما یکون تفویتاً لحق النسوة حیث فرض أنهن أربع أو ما أشبه، وکذا إذا عصی وأعطی حق امرأة لامرأة أخری، أو نام عند المتمتع بها أو عند الناشز، إلی غیر ذلک، وعلیه فیمکن تقدیر حق من ظلمها بمال إلاّ إذا طلق زوجة بما وسع وقته للتدارک، أو وهبته زوجة حتی صار فارغاً فتمکن من التدارک، إلی غیر ذلک من الصور.

ولو وهبت زوجة حقها لزوجة أخری أو صالحت أو نحو ذلک فهل یجب علی الرجل القبول، الظاهر لا، إذ القسم حق للزوجین، فأی حق لإحداهما فی الهبة ونحوها بدون رضا الشریک الذی هو الزوج، فهو کما إذا وهب الزوج حقه

ص:301

المشترک مع صاحبة القسم لزوجة أخری، نعم إذا قبل الزوج وجب، لأن الحق لا یعدوهما.

أما ما روته عائشة قالت: کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) لا یفضل بعضنا علی بعض فی القسم مدة مکثه عندنا، وکان قل یوم یأتی إلاّ وهو یطوف بنا جمیعاً، فیدنو من کل امرأة من غیر مسیس حتی یبلغ التی هو یومها فیبیت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حین أسنت وفرقت أن یفارقها رسول الله (صلی الله علیه وآله): یومی لعائشة، فقبل ذلک رسول الله (صلی الله علیه وآله) منها، قالت: فأنزل الله تعالی فی أشباهها: ﴿وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً﴾((1))، کما عن أبی داود((2)).

فهو مؤید لما ذکرناه من اشتراط رضا الزوج، حیث قال: فقبل ذلک رسول الله (صلی الله علیه وآله) هذا مع الغض عن السند، ومن أن الرسول (صلی الله علیه وآله) لا یفعل ما یوجب أذیة سودة کما لا یخفی.

ثم لو شک الرجل فی إکمال السبع أو الثلاث فالأصل العدم.

ولا فرق فی السبع أو الثلاث بین السفر والحضر، فما یعتاد الآن فی بعض البلاد من الذهاب مع الزوجة إلی ما یسمی بشهر العسل مثلا یکفی فی الأمر، وإن کان بعض الوقت فی الطریق، وسیأتی بعض الکلام فی السفر مما ینفع المقام.

وهل المعیار فی الثیبوبة والبکارة عند العقد أو الزفاف، فإذا تحولت من أحدهما إلی الآخر کان بحکم الأول أو الثانی، _ ویمکن ذلک فی تحول الثیب بکراً أیضاً بسبب بعض الأدویة التی ترجع الغشاء کما قاله بعض الأطباء _ احتمالان، من أنه عقدها علی صفة فیستصحب الحکم، ومن أن المنصرف حال الزفاف من غیر

ص:302


1- سورة النساء: الآیة 128
2- انظر تفسیر القرآن العظیم لابن کثیر: ج1 ص575، والسنن الکبری: ج7 ص300

فرق بین أن یکون هو المزیل للبکارة قبل الزفاف، أو أزالها رجل آخر حراماً أو شبهة، أو بالإصبع أو بالقفز أو غیر ذلک.

ثم إن الشرائع قال: (ولو سیق إلیه زوجتان أو زوجات فی لیلة، قیل یبتدئ بمن شاء، وقیل یقرع، والأول أشبه، والثانی أفضل).

أقول: وهناک قول ثالث حکی عن المبسوط والتحریر بوجوب الابتداء بمن سبق زفافها، لأن لها حق السبق، وما اختاره الشرائع هو الأقرب، لأنه لا دلیل للقرعة إلاّ کمال العدل، ومثله غیر لازم، فهو بین تکلیفین متساویین لا ترجیح لأحدهما علی الآخر فیرجح أیهما شاء، أما احتمال سقوط حقیهما لأنهما إذا تعارضا تساقطا فهو غیر مستفاد من الأدلة.

کم أن الحکم کذلک فی کل واجبین متزاحمین لا ترجیح لأحدهما علی الآخر، ولا ترجیح للبکر لعدم الدلیل.

ثم إن الجواهر قال: (الظاهر القرعة فی وفاء تمام الحق المعتبر فیه التوالی کما عرفت، لا أنه یخیر بین ذلک وبین أن یبیت اللیلة الأولی عند من خرجت القرعة باسمها ثم عند الأخری وهکذا، فإن فی ذلک فوات التوالی فتأمل).

وهو کما ذکره، ولا موضع للتأمل أیضاً، إلاّ أن یوجه بأن فیه جمعاً بین الحقین، نعم لو تمکن الجمع بینهما بأن ینام بینهما أمکن القول بذلک، لکنه مناف لما سبق من لزوم المواجهة أغلب اللیل لمن لها الحصة.

ص:303

مسألة ٣ إلزام المریض والمجبوب بالقسم

(مسألة 3): یلزم القسم بالثلاث والسبع المریض والمجبوب والعنین والمحرم وغیرهم لإطلاق الأدلة، وقد سبق الإلماع إلی قسم المجنون، وأن الولی هو الذی یعمل ذلک، وإذا لم یکن ولی أو لم یتمکن الولی فتمکنت النساء من ذلک فعلن بالنسبة إلیه.

کما أنه لا فرق فی المرأة بین الصحیحة والمریضة والرتقاء والقرناء والعفلاء والحائض والمحرمة والمجنونة وغیرهن.

أما بالنسبة إلی المجذوم والمجذومة ونحوهما من الأمراض المعدیة فلا یجب علیها ولا علیه، بل لا یجوز لمکان العدوی الضار.

وسیأتی الکلام فی الصغیر والناشزة.

ص:304

مسألة ٤ فی السفر یقرع لاسطحاب أیتها

(مسألة 4): قال فی الشرائع: (تسقط القسمة بالسفر).

وفی الجواهر: (بمعنی أن له السفر وحده من دون استصحاب أحد منهن، ولیس علیه قضاء ما فاتهن فی السفر، سواء قلنا بوجوب القسمة ابتداءً أم لا، للإجماع الفعلی من المسلمین علی المسافرة کذلک من غیر نکیر، ولا نقل قضاءً مع أصالة عدم وجوبه بعد قصور أدلة القسم عن مثله)((1)).

نعم ینبغی أن یقید ذلک بما إذا لم یکن السفر طویلاً خلاف المتعارف مثل سنة وما أشبه مع تیسر الاستصحاب، إذ لا دلیل علی لزوم القسم حینئذ، بل الأدلة شاملة له بدون أن یخرج مثله بالسیرة والإجماع ونحوهما، بل هو خلاف إمساک بمعروف أو تسریح بإحسان، فلها الحق فی مطالبة الحاکم بطلاقها إذا کان مخالفاً للإمساک بالمعروف.

نعم فی مثل الحج فی الأزمنة السابقة من البلاد البعیدة الذی کان یستغرق سنة وأکثر لا یستلزم الاستصحاب، للسیرة وغیرهما.

ثم إنه لا إشکال فی أن الزوج لو أراد إخراجهن معه فی السفر جمیعاً أو بعضاً فعلیهن الإجابة إلاّ إذا کان عسراً أو حرجاً أو ضرراً أو ما أشبه.

وکذا إذا کان الشرط للزوجة علیه عدم الخروج عند العقد، والشرط نافذ لعمومات أدلته، ولیس منافیاً لمقتضی العقد أو للکتاب والسنة.

ولا یلزم إخراج الجمیع اتفاقاً من العامة والخاصة، وقد روی العامة والخاصة عن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه کان یستصحب بعض نسائه فی أسفاره، من غیر فرق بین سفر الحرب وسفر الحج وغیرهما، ولا قضاء علیه للمتخلفات للأصل، ولأنه لم ینقل أحد عنه (صلی الله علیه وآله) القضاء، ولو وقع لنقل بینما نقل العامة والخاصة أصل القصة.

بل فی المسالک: فی بعض الروایات إنه (صلی الله علیه وآله) لم یکن یقضی، أما ما أیده بقوله:

ص:305


1- جواهر الکلام: ج31 ص179

(إن المسافرة وإن خصت بصحبة الزوج، لکنها قاست مشقة السفر ولم یحصل لها دعة الحضر، فلو قضی لهن کان خلاف العدل)، فهو أشبه بالاستیناس.

ومنه یعلم أن ما عن بعض العامة: من اشتراط ذلک بکون خروج المصحوبة بالقرعة، فلو صحبها بدونها قضی وإلاّ کان میلاً وظلماً وخروجاً عن التأسی، فإن عدم قضاء النبی (صلی الله علیه وآله) للقرعة.

غیر ظاهر الوجه، والاستدلال علی ذلک بأنه خلاف العدل قد عرفت ما فی أمثاله، فإنه لا یلزم الدقة فی العدل، ولذا قال سبحانه: ﴿فلا تمیلوا کل المیل﴾((1)).

ومنه یعلم وجه الإشکال فیما ذکره القواعد بقوله: (ولو استصحب واحدة من غیر قرعة ففی القضاء إشکال)، ووجهه بقوله: (منشؤه من حیث إنه فی حکم السفر الواحد، لأن الخروج یعقبه الرجوع وقد أقرع له).

وإن قال فی الإیضاح: (وأما مع عدم القرعة فیحتمل عدم القضاء، لأن السفر لا حق للنساء فیه لجواز انفراده، ویحتمل القضاء لأنه ظلم بالتفضیل والتخصیص مع وجوب العدل بینهن للآیة، ومنشأ الاحتمال من دلالة قوله تعالی: ﴿فلا تمیلوا کل المیل﴾ فإذا خصص إحداهن بالسفر من غیر مرجح هو القرعة ولم یقض کان قد مال کل المیل، ومن أن المسافرة وإن فازت بصحبته لکن یحصل لها من المشقة بالسفر بإزاء ذلک، ولم تحصل لها الدعة کما یحصل بالحضر، فلو قضی لهن کان حظهن أوفر وهو خلاف العدل أو میل کل المیل وکلاهما منهی عنه).

وظاهره التوقف کوالده (رحمهما الله تعالی)، لکن کونه میلاً کل المیل محل نظر، نعم ینبغی أن یقال: إنه إن کان کثیر السفر ویستصحب واحدة خاصة أو اثنتین أو

ص:306


1- سورة النساء: الآیة 129

ثلاثاً کذلک کان من المیل کل المیل بالنسبة إلی المتروکة وخلاف المعاشرة بالمعروف، وعلیه فإذا خرجت القرعة فرضاً باسم واحدة أو ما أشبه کل مرة لم یعمل علیها لأنها لا تخصص الآیتین ونحوهما، بالإضافة إلی انصراف القرعة إلی المتعارف من الخروج کل مرة باسم أو ما أشبه ذلک.

والظاهر أنه لا فرق فی السفر بین سفر النقلة من مکان إلی مکان آخر، والإقامة أی السفر الذی تحصل الإقامة فیه، أو الغیبة أی سفر التجارة ونحوها، کعدم الفرق فی کل ذلک بین سفر الحج وسفر الحرب وسفر النزهة وغیرها، وذلک لإطلاق الأدلة السابقة.

ولذا قال فی الجواهر: (الأقوی عدم الفرق بین سفر الحرب وغیره، وبین الخروج بالقرعة وغیره، وبین سفر الإقامة وغیره، للأصل السالم عن المعارض بعد الشک فی تناول أدلة القسم لذلک أو ظهورها فی غیره خصوصاً بعد السیرة المستمرة).

ومنه یظهر وجه النظر فی قول القواعد، حیث قال: (ولو سافر للنقلة وأراد نقلهن فاستصحب واحدة قضی للبواقی، وإن کان بالقرعة، لأن سفر النقلة والتحویل لا یختص بإحداهن، فإذا خص واحدة قضی للبواقی، بخلاف سفر الغیبة)، ویظهر من بعض موافقته لأنه لم یعلق علیه.

کما لا وجه لالتجاء الحدائق إلی الاحتیاط، حیث قال بعد نقل بعض ما تقدم: (ولم أقف بعد التتبع علی نص فی هذا المقام بحیث یمکن الرجوع إلیه فی استنباط شیء من هذه الأحکام، نعم من المشهورات الذائعات بین الخاصة والعامة صحبته (صلی الله علیه وآله) لبعض نسائه فی السفر، وأن ذلک بالقرعة، حتی أن أبا حنیفة فیما نقله عنه العامة والخاصة قد

ص:307

رد علی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی مواضع منها هذا الموضع فقال: إنه کان یصحب بعض نسائه بالقرعة، والقرعة عندی قمار، والظاهر أن جمیع ما ذکره الأصحاب هنا تبعاً للشیخ فی المبسوط وغیره إنما هو من تفریعات العامة... والواجب الرجوع فیما لم ترد به النصوص إلی الاحتیاط، والوقوف فیه علی سواء ذلک الصراط)((1)).

إذ لا وجه للاحتیاط بعد الأدلة العامة التی عرفتها، ولا یلزم أن یکون فی کل مسألة دلیل خاص، وکون العامة ذکروا بعض المسائل لیس معناه أن الخاصة تبعوهم، فإن المسائل محل ابتلاء کلا الطرفین کما لا یخفی، ولا غضاضة فی أخذ الموضوعات من أحد، فإن «الحکمة ضالة المؤمن».

ولا فرق بین الإقامة المتخللة فی حالة السفر وحال السیر فیما ذکر، فقول القواعد: (ولو سافر بالقرعة ثم نوی المقام فی بعض المواضع قضی للباقیات ما أقامه دون أیام الرجوع علی إشکال)، محل نظر.

وإن قال فی الإیضاح فی وجه الإشکال من حیث إنه فی حکم السفر الواحد: (لأن الخروج یعقبه الرجوع، وقد أقرع له، ولأن السفر الذی لا یقضی سفر الغیبة، والرجوع لیس سفر الغیبة، ومن حیث إن السفر قد انقطع بالإقامة فیکون الرجوع سفراً مبتدئاً ولم یقرع له، وفی قضائه الوجهان).

ولذا قال فی الجواهر: (مع قوة احتمال کونها کأیام السفر لاندراجها فیها عرفاً، ولأن السیرة أیضاً علی عدم الفرق بینها وبین غیرها، ویمکن دعوی ظهور عبارة المتن فی ذلک، وإشکال الفاضل فی أیام الرجوع فی غیر محله، ضرورة اتحاد سفر الغیبة ذهاباً وإیاباً والقرعة هنا لا محل لها).

ثم إن کل ذلک فیما إذا کان السفر طویلاً، أما إذا کان قصیراً کلیلة، أو طویلاً بعد التصالح، کما إذا جعل لکل واحدة شهراً برضاهن وسافر بمن فی نوبتها

ص:308


1- الحدائق الناضرة: ج24 ص608

أو سافر بإحداهن فی نوبة نفسه، کما إذا کانت له اثنتان جعل لکل واحدة شهراً ثم سافر بإحداهما فی نوبة نفسه شهراً مثلاً، فلا إشکال ولا حاجة إلی القرعة، وإذا کان یسافر کل یوم نهاراً ویرجع لیلاً فالواجب علیه القسم، کما هو المتعارف الآن فی جملة من الموظفین ونحوهم، حیث یسافرون من النجف أو کربلاء إلی بغداد ویرجعون، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ثم لو سافر باثنتین أو بثلاث وجب علیه العدل بینهما فی السفر، سواء أقرع بینهما أو لم یقرع.

ولو خرجت إحداهما معه بالقهر والإکراه سقط حقها فی القسم، سواء کانت وحدها أو مع أخری، استصحبها هو لأنها ناشز وهی لا حق لها فی القسم والنفقة.

ولو خرج هو بهما فظلم إحداهما قضی لها، إما فی السفر أو فی الحضر من نوبة المظلوم بها، کما فی الجواهر، نعم إذا نشزت فی السفر سقط حقها ولا قضاء.

وله أن یخلف إحداهما فی أثناء السفر فی بعض الأماکن بالقرعة وغیرها، لعدم الفرق بینه وبین منزله قبل إنشاء السفر، نعم لیس له أن یخلفها فی موضع مخطور فلها حینئذ اتباعه ولا یسقط قسمه لمخالفتها له، کما لها الرجوع إلی البلد، ولا تسقط النفقة بذلک، وإذا دار أمرها بین الأمرین المذکورین اتبع أقلهما مخالفة للزوج، لأن الضرورات تقدر بقدرها.

ولو خرجت مع بعض نسائه فتزوج فی السفر بأخری خصها بالثلاث أو السبع فی السفر، ثم عدل بینهن، لإطلاق أدلة الثلاث والسبع الشاملة للسفر والحضر، فالسفر لا یسقط حق الجدیدة.

وإذا تزوج بالجدیدة وهی فی الحضر وهو فی السفر تزویجاً بالوسائل الآلیة، کان حقها حین یرجع من السفر أو یطلبها لتکون معه فی السفر.

وهل یحق له السفر فی أثناء الثلاث أو السبع، احتمالان،

ص:309

من أنه لا یزید علی أصل القسم، ومن أن اللازم الموالاة والسفر ینافیها، نعم إذا استصحبها فی الأثناء فلا إشکال.

ولو خرج وحده ثم استجد زوجة لم یلزمه القضاء للمتخلفات من نوبة الجدیدة، کما فی الجواهر تبعاً للقواعد.

والظاهر أن السفر أیضاً یکون من الحق فی القسم، سواء فیما کان بالتصالح أو فیما کان بالتزویج من جدید، فإذا صالحهن علی أن یکون لکل واحدة شهراً فسافر بها فی شهرها فقد وفی بالقسمة، وکذلک إذا تزوج امرأة وسافر بها سبعة أیام فی البکر أو ثلاثة أیام فی الثیب، لأن الأدلة لا تدل علی أکثر من ذلک، وقد ألمعنا إلی ذلک فیما سبق.

ومنه یظهر وجه النظر فی قول القواعد، حیث قال: (ولو کان تحته زوجتان فتزوج أخرتین وسافر بإحداهما بالقرعة لم یندرج حقها من التخصیص فی السفر، بل له مع العود توفیتها حصة التخصیص، لأن السفر لا یدخل فی القسم ثم یقضی حق المقیمة).

نعم ما ذکره بقوله: (ولو کان له زوجتان فی بلدین فأقام عند واحدة عشراً أقام عند الأخری کذلک، إما بأن یمضی إلیها أو یحضرها عنده)، هو مقتضی القاعدة، ولا اختصاص لذلک بالزوجتین والبلدین، فهو جار فی الثلاث والأربع، کما لا یخص بالإقامة عشراً، بل ذلک جار فی الإقامة شهراً وغیر ذلک لإطلاق الأدلة.

قال فی الشرائع: (ویستحب أن یقرع بینهن إذا أراد استصحاب بعضهن).

أقول: ویدل علیه التأسی بالنبی (صلی الله علیه وآله)، حیث روی العامة والخاصة عنه (صلی الله علیه وآله) ذلک، ولأنه أطیب لقلوبهن کما تقدم فی آیة ﴿یَرْضَیْنَ﴾((1))، وأقرب إلی العدل.

ص:310


1- سورة الأحزاب: الآیة 51

فعن عبد الملک بن عتبة الهاشمی، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الرجل تکون له امرأتان یرید أن یؤثر إحداهما بالکسوة والعطیة أیصلح ذلک، قال: «لا بأس، واجهد فی العدل بینهما»((1)).

مما ظاهره أن الجهد فی العدل مرغوب فیه.

والظاهر أن القرعة تکون أمامهن، لأن بذلک یحصل المقصود، من غیر فرق بین أن یکون هو حاضراً أم لا، نعم إذا اعتمدتا علیه اعتماداً کلیاً بحیث لا یشعرن باحتمال الکذب وغیره جاز العمل وحده أو مع بعضهن.

ولا یستبعد أن تکون الاستخاره أیضاً نوعاً من القرعة.

ثم إن المسالک قال: (وکیفیة القرعة أن یکتب أسماء نسوته فی رقاع بعددهن ویدرجها فی بنادق متساویة وبعضها علی وجه لا یتمیز، ویخرج منها واحدة علی السفر، فمن خرج اسمها صحبها، وإن أراد استصحاب اثنتین معه أخرج رقعة أخری وهکذا. ویجوز والحال هذه الاقتصار علی رقعتین، ویکتب فی کل واحدة اسم اثنتین إذا رضی باستصحاب کل واحدة من الاثنتین، والأول أعدل، لجواز أن یخرج اثنتان مفترقتین فی الرقعتین وهو لا یحصل بهذه الصورة، وإن شاء أثبت الحضر فی ثلاث رقاع والسفر فی واحدة وأدرجها ثم یخرج رقعة علی اسم واحدة، فإن خرجت رقعة السفر استصحبها، وإن خرجت رقعة من رقاع الحضر أخرج رقعة علی الاسم الأخری، وهکذا حتی تبقی رقعة السفر فلیتعین للمتخلفة، ولو أراد السفر باثنتین أثبت السفر فی رقعتین والحضر فی رقعتین).

وکذا نقل مثل ذلک عن کشف اللثام، إلاّ أنه من الظاهر عدم انحصار الطریق

ص:311


1- الوسائل: ج15 ص83 الباب 3 من أبواب القسم والنشوز ح1

فیما ذکر، ولا دلیل علی تعیین کیفیة خاصة، وقد ذکرنا سابقاً بعض کیفیات القرعة فلا حاجة إلی التکرار، بل ومنها الاقتراع بالتسجیل فی الشریط وفتحه.

ولا یبعد استحباب الدعاء أیضاً عند القرعة، علی ما ذکره الوسائل والمستدرک فی کتاب القضاء، وحیث لا دلیل علی وجوبها فالأصل یقتضی عدم الوجوب، وفعل النبی (صلی الله علیه وآله) لا یدل علی اللزوم لأنه عمل والعمل غیر دال علیه، بل الظاهر أن النبی (صلی الله علیه وآله) لم یکن لازماً علیه قطعاً، بقوله سبحانه: ﴿ترجی من تشاء منهن وتؤی إلیک من تشاء﴾((1)) الآیة.

ثم إن الشرائع قال ممزوجاً مع الجواهر: (وهل یجوز العدول عمن خرج اسمها إلی غیرها، قیل کما عن المبسوط والوسیلة: لا یجوز لأنها تعنیت بالسفر وإلاّ انتفت فائدتها، وفیه تردد، بل الأقوی أن له ذلک للأصل السالم عن معارضة ما یقتضی کونها من الملزمات، وفائدة القرعة استحباب اختیارها للسفر).

أقول: بل الظاهر أن عدم اللزوم هو المشهور کما یظهر من تتبع کلماتهم، وفی الحدائق بعد ذکر القولین قال: (الأولی مراعاة القرعة).

والظاهر أن الاقتراع إنما یکون بالنسبة إلی من لهن نوبة، فإذا کن أربعاً وصالح بینهن بأن یکون لکل واحدة شهر والسفر یقع فی شهر إحداهن لم یقترع، اللهم إلاّ أن یقال بإطلاق الأدلة.

وإذا أراد السفر إلی جهة نحو من کربلاء إلی النجف واقترع وخرج اسم فاطمة ثم تبدل رأیه بالسفر إلی بغداد لم تحکم تلک القرعة، وإنما یقرع قرعة جدیدة إلاّ إذا کانت القرعة لکلی السفر.

ص:312


1- سورة الأحزاب: الآیة 51

والظاهر أنه یصح النیابة فی الاقتراع، کما یصح القرعة بالنسبة إلی أسفار متعددة یریدها، مثلاً یرید أن یسافر فی هذا الأسبوع إلی النجف وفی الأسبوع الثانی إلی الحلة وفی الأسبوع الثالث إلی بغداد، ثم یقترع الآن لکل سفرة، سواء ضرب الأسامی علی نحو الأشخاص أو علی نحو الأراضی.

وحیث إن القرعة تعطی نوع أفضلیة للمصحوبة یجوز لها التصالح مع ضرة باستصحابها أو مع نفس الزوج بترکها.

وحیث عرفت أن الاستصحاب کالقرعة من جهة الندب لا الوجوب لم یستبعد جریانهما بالنسبة إلی الناشز أیضاً، بل والمتعة وإن کان ظاهر الأدلة خلافهما إلاّ أن ببعض الاعتبارات یمکن الشمول.

وحیث لا یجب علی الزوج استصحابهن فی السفر، فله أن یشترط علی من یرید استصحابها أن لا تکون لها نفقة فی السفر مثلاً، ولا حق جماع وما أشبه، ولا حاجة فی لزومه علیها أن یکون فی ضمن عقد، لأن الشرط فی مقابل شیء یؤدیها الطرف یلزم علی المشروط علیه.

ثم إنه یستحب التسویة بین الزوجات فی الإنفاق وإطلاق الوجه والجماع وغیر ذلک، للأدلة الخاصة والعامة:

مثل قوله سبحانه: ﴿إن الله یأمر بالعدل والإحسان﴾((1))، وسائر ما دل علی العدل والإنصاف، وما دل علی جب الغیبة، وفی ذلک جبر لقلوبهن وحفظهن عن التحاسد والتباغض والتعالی والتدابر والتقاطع وما أشبه.

ومن الأدلة العامة: ما رواه الصدوق مرسلاً عن الصادق (علیه الصلاة والسلام) إنه قال: «رحم الله عبداً أحسن فیما بینه وبین زوجته، فإن الله تعالی قد ملکه

ص:313


1- سوری النمل: الآیة 9

ناصیتها وجعله القیم علیها»((1)).

قال: وقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «وخیرکم خیرکم لنسائه وأنا خیرکم لنسائی»((2)).

قال: وقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «عیال الرجل أسراؤه، وأحب العباد إلی الله تعالی أحسنهم صنعاً إلی أسرائه»((3)).

أما الروایات الخاصة: فروایة عبد الملک بن عتبة الهاشمی المتقدمة((4)).

وقد تقدم أن علیاً (علیه السلام) کان له امرأتان فکان إذا کان یوم واحدة لا یتوضأ فی بیت الأخری((5)).

وروایة الغولی، عن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «من کان زوجتان یمیل مع إحداهما علی الأخری جاء یوم القیامة وأحد شقیة ساقط»((6))، بل هذه الروایة یظهر کراهة التمایز.

وعن معمر بن خلاد ما یدل علی ذلک أیضاً، فإنه سأل الرضا (علیه السلام) عن تفضیل نسائه بعضهن علی بعض، فقال: «لا»((7)).

والظاهر أنه لا فرق فی استحباب العدل الکامل بین أن تعرف المفضولة تفضیل الفاضلة أو لا تعرف، فإن العدالة صفة مرغوب فیها، سواء عرف الطرف بها أو لم یعرف، والظاهر أن الاستحباب خاص بالمؤمنات.

ص:314


1- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح5
2- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح11
3- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح9
4- الوسائل: ج15 ص83 الباب 3 من أبواب مقدمات النکاح ح1
5- الوسائل: ج15 ص85 الباب 3 من أبواب مقدمات النکاح ح3
6- المستدرک: ج2 ص614 الباب 12 من أبواب مقدمات النکاح ح2
7- المستدرک: ج2 ص614 الباب 12 من أبواب مقدمات النکاح ح3

أما المؤمنة والکافرة فلا استحباب، بل لعل الاستحباب بالعکس بتفضیل المؤمنة، فقد روی محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال فی حدیث: «وتقسم للحرة الثلثین من ماله ونفسه، وللأمة الثلث من ماله ونفسه»((1))، بضمیمة أن الکتابیة کالأمة.

وعن عبد الرحمن، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته هل للرجل أن یتزوج النصرانیة علی المسلمة، والأمة علی الحرة، إلی أن قال (علیه السلام): «وللمسلمة ثلثان والنصرانیة الثلث»((2)).

إلی غیرها من الروایات التی تقدمت جملة منها.

ثم إن استحباب التسویة إنما یکون بعد ما تزف المرأة إلی الرجل، أما مجرد العقد وهی فی بیت أبیها مثلاً کما یتعارف کثیراً فلا یکون مجال للاستحباب، والنصوص والفتاوی منصرفة عن مثل ذلک.

لکن لا یخفی أن استحباب التسویة بین الزوجات إنما هو حکم أولی، ویستثنی من ذلک الأحکام الثانویة، مثل إن أراد بعدم التسویة تأدیب المتأخرة دینیاً أو دنیویاً حتی یرفعها إلی المستوی المطلوب کأن کانت أقل تقوی أو وسخة فیرید بعدم التسویة تأدیبها حتی تکون بمستوی التقوی المطلوب والنظافة المطلوبة وما أشبه.

لا یقال: فلماذا لم یفعله النبی (صلی الله علیه وآله) مع اختلافهن فی التقوی.

لأنه یقال: لم یکن ینفع مثل ذلک فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فإن ذلک مع احتمال التأثیر.

ثم التسویة قد تکون بوحدة الشکل الخاص، وقد یکون بوحدة الکلی، وإن کانت فی أشکال مختلفة، کأن یذهب بإحداهن إلی النجف فی زیارة الغدیر، وبالثانیة

ص:315


1- الوسائل: ج15 ص88 الباب 8 من أبواب القسم والنشوز ح1
2- المستدرک: ج2 ص613 الباب 6 من أبواب القسم والنشوز ح3

إلی کربلاء فی زیارة نصف شعبان وما أشبه ذلک، فإن هذا أیضاً تسویة، وإن کان فی أشکال مختلفة.

أما ما فی الشرائع ممزوجاً مع الجواهر: (وکذا یستحب أن یکون فی صبیحة کل لیلة عند صاحبتها للخبر المتقدم سابقاً الذی منه قیل بالوجوب، وقد عرفت الحال فیه، وأن یأذن لها فی حضور موت أبیها وأمها لما فی منعها من ذلک من المشقة والوحشة وقطیعة الرحم، وإن کان له منعه عن ذلک وعن عیادة أبیها وأمها فضلا عن غیرهما، وعن الخروج من منزله إلاّ لحق واجب، لأن له الاستمتاع بها فی کل زمان ومکان، فلیس لها فعل ما ینافیه بدون إذنه ومنه الخروج إلی بیت أهلها ولو لعیادتهم وشهادة جنائزهم)، إلی آخر ما ذکر.

ففیه مواقع للنظر، فإن وجوب العشرة بالمعروف ووجوب صلة الرحم والتأسی بالنبی والوصی (علیهما السلام) وعشرتهما مع زوجاتهما _ وهما المیزان فی تطبیق الأحکام علی المواضیع الخارجیة، وحیث إنه (صلی الله علیه وآله) أسوة، وإن علیاً (علیه السلام) مخلَّف فی الأمة عِدلاً للقرآن ومفسراً ومیزاناً للأعمال _ یعطی کیفیة المعاشرة فلا حق للزوج فی أکثر من ذلک المیزان.

وقد عرفت أن ما تقدم من منع الرسول (صلی الله علیه وآله) امرأة سافر زوجها من عیادة أبیها وحضور جنازته لما مات لیس إلاّ فعلاً فلا کلیة له.

ثم إنه قال فی القواعد: (ولیس له إسکان امرأتین فی منزل واحد إلاّ برضاهن، فإن ظهر منه الإضرار لها بأن لا یوفیها حقها من نفقة وقسمة وغیرها أمره الحاکم أن یسکنها جنب ثقة لیشرف علیها فیطالبه الحاکم بما یمنعه من حقوقها، فإن أراد السفر بها لم یمنعه، لکن یکاتب حاکم ذلک البلد بالمراعاة).

وقال أیضاً علی ما حکی عنه: (أما المکان فإنه یجب أن ینزل کل واحد منزلاً

ص:316

بانفراده ولا یجمع بین ضرتین فی منزل إلاّ مع اختیارهن، أو مع انفصال المرافق ویستدعیهن علی التناوب، وله المضی إلی کل واحدة لیلة، وأن یستدعی بعضاً ویمضی إلی بعض، ولولم ینفرد بمنزل، بل کان کل لیلة عند واحدة کان أولی، ولو استدعی واحدة فامتنعت فهی ناشز لا نفقة لها ولا قسمة إلی أن تعود إلی الطاعة، وهل له أن یساکن واحدة ویستدعی إلیها، فیه نظر لما فیه من التخصیص).

أقول: المعیار فیما ذکره هو قوله سبحانه: ﴿اسکنوهن من حیث سکنتم من وجدکم ولا تضاروهن لتضیقوا علیهن﴾((1))، وقوله: ﴿فإمساک بمعروف أو تسریح بإحسان﴾((2)).

أمّا سائر الخصوصیات فهی موکولة إلی العرف، واذا اختلفت الأعراف فالظاهر اتباع کل شخص لعرفه، لوضوح أنه قد یکون بالنسبة إلی إنسان عرف ﴿من وجدکم﴾ ولإنسان آخر لا یکون ﴿من وجدکم﴾، وقد یکون ضاراً وقد لا یکون ضاراً.

کما أن المرافعة إلی الحاکم لکلی أدلة المرافعة، ولخصوص بعض الروایات الواردة فی مرافعة بعض النساء إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) وإلی علی (علیه السلام).

ولو أراد السفر بها لم یمنع الحاکم إذا لم یکن السفر موجباً لضرر أو عسر علیها أو إنفلات من ید الحاکم الذی یرید ملاحظة حالهما والکتابة إنما تکون مع الصلاح، فالأحکام المذکورة کلها من باب المثال والمعیار ما ذکرناه.

أما ما أورده الجواهر علیه بأن (آیة المعاشرة بالمعروف یرید منها ما وقته الشارع من القسم الواجب والنفقة، وکذلک آیة ﴿وأسکنوهن من حیث سکنتم﴾((3))، بل ربما

ص:317


1- سورة الطلاق: الآیة 6
2- سورة البقرة: الآیة 229
3- سورة البقرة: الآیة 229

کانت دالاً علی خلاف بعض ما ذکره، نعم لا بأس بذلک سیاسةً وجلباً للقلوب ومراعاةً لکمال العدل ونحو ذلک مما یصلح للاستحباب لا الإیجاب المحتاج إلی دلیل مخصوص بالمطلوب).

فمحل تأمل، إذ الظاهر من الآیة الأولی مطلق المعاشرة بالمعروف لا خصوص ما وقته الشارع، فإن ما وقته من باب المصداق، ولذا أحال الفقهاء عشرات الأحکام علی الآیة المبارکة بدون أن یکون للشارع فیها حکم خاص، والآیة الثانیة ظاهرة فی مفادها إلاّ ما خرج بالدلیل.

ثم إنه قد تقدم أن الوّقاد ونحوه یبیت عندها نهاراً، وعلیه فأول اللیل حکمه حکم الصبیحة فیمن بات لیلاً لإطلاق الآیة، والمناط فی روایة الوضوء وغیرهما، لوضوح أنه لا خصوصیة فی الصبیحة من هذه الجهة.

وحیث قد سبق لزوم المعاشرة بالمعروف آیةً وروایةً ولسیرة الرسول وعلی (صلوات الله علیهما) فلا حق للزوج فی تحدیدها بما یضیق علیها ویکون ضرراً عرفیاً أو حرجاً علیها، مثل أن یحددها بالکون فی محل خاص من الدار، أو لبس لباس خاص، أو عدم معاشرة بعض أهلها أو زوجة أخری من زوجاته، أو عدم الإنارة الکافیة لیلاً، أو عدم التبرید والتسخین الکافیین صیفاً وشتاءً، أو عدم مجیء أحد من أقاربها أو جیرانها عندها، أو عدم ذهابها إلیهما فیما کان ذلک خلاف المعاشرة بالمعروف، ولو کانت الدار للزوج، لأن معنی النهی عن التضییق یشمل حتی مثل ذلک.

أو تقطیب الوجه فی وجهها، أو ضرب أولادها بما یضیق علیها، ویکون عسراً وحرجاً علیها فیما إذا لم یکن واجباً للتأدیب ونحوه، بله من ضربها، أو الأمر بعدم تنظیف نفسها بالغسل أو دخول الماء، أو ملابسها بحجة أن ذلک یصرف الماء

ص:318

أو یملأ البالوعة، أو غیر ذلک من بعض تضییقات الأزواج الضیقی النفوس، فإن کل ذلک غیر جائز شرعاً إذا رآه العرف تضییقاً وضرراً وحرجاً وعدم معاشرة بالمعروف کما هو الغالب، لأن الموضوع یؤخذ منهم، والشارع قد رتب الحکم علیه، وقد قال سبحانه: ﴿ولهن مثل الذی علیهن﴾((1))، فینبغی أن یکون الخارج منه بالدلیل، لا أن یکون الداخل بالدلیل، فلها علیه مثل ما له علیها.

ص:319


1- سورة البقرة: الآیة 228

مسألة ٥ القسم مشترک بین الزوجین

(مسألة 5): قال فی الشرائع: (القسم حق مشترک بین الزوج والزوجة لاشتراک ثمرته)((1))، والمراد باشتراک الثمرة الاستمتاع والإیناس والتعاون.

وقد تقدم وجوب القسم علیه فی أمور، واستحبابه علیه فی أمور، وفی کلا الأمرین هما مشترکان.

فکما یجب علی الرجل المبیت عندها والجماع حسب ما ذکرناه فی مبحث الجماع، وإقباله بوجهه علیها من اللیل، وعدم استعمال المنفرات لها وعدم إیذائها، کذلک یجب علی المرأة کل ذلک، قال سبحانه: ﴿ولهن مثل الذی علیهن﴾((2)).

وکما یستحب له من أجلها أمور: کطلاقة الوجه والزیادة فی الاستجلاب والإحسان والخدمة، وعدم الإفراغ للمنی قبل إفراغها، کذلک یستحب لها بالنسبة إلیه کل ذلک، قال سبحانه: ﴿هن لباس لکم وأنتم لباس لهن﴾((3))، فإن کلا من اللابس واللباس یحفظ الآخر ویداریه ویجمله.

هذا بالإضافة إلی جملة من الروایات المتقدمة مما دل علی طرفی المسألة، والتی منها قول النبی (صلی الله علیه وآله): «ألا خیرکم خیرکم لنسائه، وأنا خیرکم لنسائی»((4)).

وقول أبی الحسن (علیه السلام): «عیال الرجل أسراؤه، فمن أنعم الله علیه بنعمة فلیوسع علی أسرائه، فإن لم یفعل أوشک أن تزول تلک النعمة»((5)).

وقول النبی (صلی الله علیه وآله) فی حدیث آخر: «خیرکم خیرکم لأهله، وأنا خیرکم لأهلی»((6)).

ص:320


1- شرائع الإسلام: ج2 ص281
2- سورة البقرة: الآیة 228
3- سورة البقرة: الآیة 187
4- الوسائل: ج14 ص122 الباب 87 و 88 من أبواب مقدمات النکاح ح11
5- الوسائل: ج14 ص122 الباب 87 و 88 من أبواب مقدمات النکاح ح10
6- الوسائل: ج14 ص122 الباب 87 و 88 من أبواب مقدمات النکاح ح8

وقوله (صلی الله علیه وآله): «عیال الرجل أسراؤه، وأحب العباد إلی الله عز وجل أحسنهم صنعاً إلی أسرائه»((1)).

وقوله (صلی الله علیه وآله): «ملعون ملعون من ضیّع من یعول»((2)).

وقوله (صلی الله علیه وآله): «هلک بذی المروة أن یبیت الرجل عن منزله بالمصر الذی فیه»((3)).

وقول الصادق (علیه السلام): «رحم الله عبداً أحسن فیما بینه وبین زوجته، فإن الله عز وجل قد ملّکه ناصیتها وجعله القیم علیها»((4)).

ومنه یعلم أنه لیس لکل واحد منهما أن یسقط حقه من الآخر بدون رضاه.

ولذا قال فی الشرائع ممزوجاً مع الجواهر: (فلو أسقطت حقها منه کان للزوج الخیار بین الرضا بذلک وعدمه، لما سمعته من الاشتراک بینهما المقتضی لعدم سقوط أحدهما لإسقاط الآخر، ومنه یعلم صورة العکس وهی لو أسقط حقه من ذلک کانت الزوجة بالخیار للاشترک المزبور).

وعلیه فلا حق فی أن یقول: أسقطت حقی علیها فی المبیت والجماع بدون رضاها بالمبیت فی مکان آخر وعدم جماعها بالقدر الواجب، کما لا حق لها فی مثل ذلک بأن لا تستعد لمبیت الزوج معها أو عدم إعطاء نفسها للجماع.

کما أن الظاهر أنه لا حق لأی منهما فی الامتناع عن استمتاع صاحبه معه بغیر الجماع، سواء بالنسبة إلی الرجل أو بالنسبة إلی المرأة، فإذا أرادت المرأة الملاعبة مع الزوج وجب علیه القبول بقدر المعاشرة بالمعروف، کما یجب العکس.

ص:321


1- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح9
2- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح6
3- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح7
4- الوسائل: ج14 ص122 الباب 88 من أبواب مقدمات النکاح ح5

قال سبحانه: ﴿ولهن مثل الذی علیهن بالمعروف﴾((1))، إلی غیر ذلک، وإن لم أرمن تعرض لاستمتاعها به بالخصوص، نعم لا إشکال فی أنه لا یجب علی کل منهما ما یستحب له بالنسبة إلی الآخر.

ثم الظاهر أن إسقاط أحدهما حقه یوجب سقوطه إلی المدة التی أسقطه، لأنه العرفی الذی لم یغیره الشارع، فهو کما إذا أسقط ساکن غرفة المدرسة أو مکان المسجد أو الدار الموقوفة أو ما أسبه حقه وأعطاه لغیره، حیث لا حق له بعد ذلک فی استرجاع حقه إذا أسقطه مطلقاً، ولو شک بعد الإطلاق کان الأصل عدم الاسترجاع، فهو أمر اعتباری یشبه الأمر الحقیقی بإسقاط ملکه فیما له الإسقاط، حیث إنه إذا أسقطه لغیره لا حق له بالرجوع إلاّ إذا دل الدلیل علی ذلک، والمفروض أنه لا دلیل فی المقام.

لا یقال: لا حق لأحدهما علی الآخر فی المستقبل حتی یسقطه.

لأنه یقال: ملک أن یملک کاف، ولذا یری العرف صحة الإسقاط.

ومن یعلم وجه النظر فی قول الجواهر حیث قال: (والظاهر أن المراد بالإسقاط هنا الإذن منها، لا أنه بإسقاط الحقوق التی تسقط بالإسقاط علی وجه لم یکن لصاحب الحق العود إلیه، ولا أنه من قبیل ما فی الذمة وذلک لأنه استمتاع فی زمان مستمر فما دامت مستمرة هی علی الإذن فی ذلک کان ساقطاً، فإذا رجعت عن الإذن کان الحق لها، بل لو خرجت عن قابلیة الإذن بالإغماء أو الجنون لم یستمر السقوط).

فإن قوله: (لأنه استمتاع فی زمان مستمر) لا ینافی کونه حقاً عرفیاً قابلاً للإسقاط والتحویل وما أشبه، وکذلک أنها لو خرجت عن قابلیة الإذن بإغماء أو جنون لم یستمر

ص:322


1- سورة البقرة: الآیة 228

السقوط أول الکلام، فهو کما إذا أسقط حقه من الغرفة وسکنه إنسان آخر وخرج المسقط بالجنون أو الإغماء، فهل یقال: إنه لا یستمر السقوط، وأی دلیل علی ذلک.

وما ذکرناه من الدلیل هو الدلیل لما ذکره الفقهاء والذین منهم الشرائع حیث قال: (ولها أن تهب لیلتها للزوج أو بعضهن مع رضاه، وإنما یعتبر رضاه لأنه مشترک بینهما کما تقدم، فلیس الحق خاصاً بها حتی یکون الاعتبار بهبتها ولو بدون رضاه).

وکیف کان، فالعرف یرون أنه حق کحق الإنسان فی عینه الخارجیة، فکما لها هبتها کذلک له هبته، ویؤیده ما رواه فی المسالک وغیره من أن سودة بنت زمعة لما کبرت وهبت نوبتها لعائشة، وکان النبی (صلی الله علیه وآله) یقسم لها یومها ویوم سودة((1)).

وفی روایات العامة عن عائشة: إن سودة بنت زمعة وهبت نوبتها لعائشة، وکان النبی (صلی الله علیه وآله) یقسم لعائشة یومها ویوم سودة((2)).

وفی روایة ذکرها بعضهم: إنها وهبت نوبتها لعائشة حین أراد رسول الله (صلی الله علیه وآله) طلاقها، فقالت: أمسکنی، وقد وهبت یومی لعائشة، لعلی أن أکون من نسائک فی الجنة((3)).

وفی روایة أخری: إنها إنما قالت له ذلک بعد أن طلقها واحدة فقالت له: راجعنی.

أقول: الظاهر أن عائشة هی التی کانت سبباً، لأن سودة کانت منافسة لها حیث

ص:323


1- المسالک: ج1 ص562 سطر 5
2- سنن البیهقی: ج7 ص296
3- سنن البیهقی: ج7 ص297، والمسالک: ج1 ص572 سطر 7

تزوجها رسول الله (صلی الله علیه وآله) بعد خدیجة مع عائشة، وقد تقدم الإشکال فی بعض ذلک.

والظاهر اعتبار رضا الموهوبة أیضاً، لأنه لا وجه لدخول الهبة فی حقها بدون رضاها، فإنه تصرف فی سلطنتها فینفیه «الناس مسلطون»، ولذا قال فی الجواهر: (الظاهر اعتبار القبول من الموهوبة، فإن لم تقبل لم ینتقل الحق إلیها).

أما قوله: (الظاهر أن إطلاق الهبة علی ذلک توسع، باعتبار أنه لیس من موردها الذی هو الأعیان)، ففیه تأمل، إذ هو حقیقة، ولا دلیل علی أن الهبة خاصة بالأعیان، فالهبة تجری فی الحقوق کما تجری فی الأعیان، ولذا لا یستبعد جریان أحکام الهبة علی ذلک، اللهم إلاّ أن یقال بانصراف أدلة الهبة إلی غیر المقام، فالمتبع فی المقام العرف لأن الشارع لم یغیره، وإن کان ما ذکرناه أقرب.

خلافاً لقول الجواهر، حیث قال: (الإنصاف أن ذلک لیس بأولی من القول بعدم جریان شیء من أحکام الهبة علیها وعدم اندراجها فی إطلاق دلیلها، وإن شارکتها فی بعض الأحکام، فلا یجری علیها حکم هبة الرحم ونحو ذلک من أحکام الهبة، وإطلاق لفظ الهبة فی المرسل والعبارات کله من باب التوسع، وإلاّ فالمراد الإذن منها فی إسقاط حقها علی وجه مخصوص، وهو وضعه عند واحدة منهن، وأما هبتها للزوج فلیس معناه إلاّ الإسقاط).

وکیف کان، فقد ظهر مما تقدم أنه قد تهب لإحداهن أو لبعضهن أو لکلهن علی التساوی أو علی الاختلاف، أو للزوج لیضعه حیث یشاء، بعوض أو بغیر عوض، سواء کان العوض من جنسه، کما إذا کان لفاطمة لیلة الجمعة ولزینب لیلة السبت فتهب هذه لهذه جمعتها وبالعکس سبتها، بحیث یکون کل هبة مقابلة للهبة الثانیة، وقد تکون الهبة بعوض خارجی کالمال ونحوه.

ص:324

ولا یستبعد أن تصح الهبة للمرددة منهن، یعنی تقول: وهبت لیلتی لإحداکن علی سبیل التردید، علی تأمل فی صحة ذلک، لکن المشهور بین الفقهاء عدم الصحة فی مثله، وقد ذکرنا مثل المسألة فیما تقدم.

وکذلک تصح هبة لیلة من لیالیها علی نحو الکلی فی المعین، لإطلاق الدلیل.

ثم إن وهبت لیلتها للضرة برضا الزوج لیس للزوج أن یضعها فی غیر الموهوبة، أما لو وهبت للزوج وضعها حیث شاء منهن ومن غیرهن ولو بأن یترک المبیت فیها عند أحد منهن.

قال فی المسالک: (ثم إن کانت نوبة الواهبة متصلة بنوبة الموهوبة بات عندها لیلتین علی الولاء، وإن کانت منفصلة عنها فالأصح وجوب مراعاة النوبة فیهما، لأن لها حقاً من بین اللیلتین سابقاً فلا یجوز تأخیره، ولأن الواهبة علی تقدیر تأخیر لیلتها قد ترجع بین اللیلتین والموالاة تفوت حق الرجوع علیها).

وفی الجواهر: إن ما ذکره هو الأصح.

ثم إن وهبت لیلتها السبت وللموهوبة لیلة الجمعة فالظاهر أن لیلتها تبقی فی السبت فلا یصح للزوج أن یقصد أن الجمعة من حصة الواهبة، وتظهر النتیجة عند الاسترجاع، حیث إن السبت یرجع وإن قصد الزوج أن الجمعة للواهبة حیث بات عند الموهوبة.

ثم إن وهبتها لهن أجمع أو علی المتعدد منهن وجب قسمتها علیهن مع التساوی فی الهبة، وبالتفاضل مع التفاضل علی معنی المبیت عند کل واحدة منهن بعض اللیلة إن کان قصد الواهبة ذلک، وإن کان قصدها تقسیم لیلة لیلة علی هذه وهذه فعل کما قصدت، ولا حاجة إلی القرعة فی الابتداء والانتهاء لما تقدم من

ص:325

عدم القرعة فی أمثال ذلک.

فهو کما إذا یطلبه دینارین فقال له: أعطهما لزید وعمرو، حیث لا حاجة إلی القرعة فی إعطاء أیهما مقدماً علی الآخر، لأصالة عدم الاحتیاج إلی القرعة، نعم فیها فضل.

من غیر فرق بین ما لو أعطی لیلتها الواحدة لهما، حیث یبیت عند إحداهما أول اللیل وعند الأخری آخره بالتساوی أو الاختلاف حسب کیفیة الهبة، أو أعطی لهما لیلتین حیث یبیت عند کل واحدة لیلة کاملة، إذا لم تکن الهبة أعم، وإلاّ قسم کل لیلة أو قسم لکل واحدة لیلة کاملة.

وبذلک یظهر أن ما ذکره الشرائع ممزوجاً مع الجواهر من باب المثال، وذکره القرعة محل نظر، قال: (وإن وهبتها لهن أجمع وجب قسمتها علیهن، علی معنی المبیت عند کل واحدة منهن بعض اللیلة، ولو رضین بقسمتها لیالی علی معنی أن یکون عند واحدة منهن فی کل دور جاز أیضاً، واتفاق رجوعها بعد استیفاء إحداهن دون الأخری غیر قادح، ومثله یأتی فی القسمة أبعاضاً، ومن هنا کان المتجه القرعة فی الابتداء مع التشاح، فینحصر الخسران حینئذ بالتی حصل رجوع الواهبة قبل استیفائها، وإن وهبت لبعض منهن معینة اخصت بالموهوبة علی حسب ما عرفت).

ولو وهبها للزوج عمل به ما یشاء، ولو وهبها له بشرط صرفه فیهن أو فی بعضهن، وفی الصرف فی الزائد من الواحدة بالتساوی أو بالاختلاف لزم، فإن لم یف بالشرط حق لها الاسترجاع، وأما إذا کان علی نحو القید بطلت الهبة، وإذا کان علی نحو الداعی لم یحق لها الإبطال، وحیث إن دلیل الشرط شامل للمقام یصح بشرط أن لا ینافی مقتضی العقد ولا الکتاب والسنة.

ولو وهبت بشرط أن یجامع الزوج أو الواهبة أو الموهوبة أو ثالثة صح، کما أنه لو شرطت عدم الجماع

ص:326

لأیهما _ حیث لا یجب الجماع _ کان کذلک.

وکما تصح الهبة کذلک یصح الصلح ونحوه، لعموم أدلتها الشاملة للمقام.

وفی الشرائع: (وکذا لو وهبت ثلاث منهن لیالیهن للرابعة لزمه المبیت عندها من غیر إخلال).

ووافقه علیه فی المسالک قائلاً: (ولو فرض هبة الجمیع لواحدة انحصر الحق فیها ولزمه مبیت الأربع عندها)((1))، علی تقدیر القول بوجوب القسمة دائماً، ولا ینزل حینئذ منزلة الواحدة، بل بمنزلة الأربع، ومنه یعلم حال ما لو وهبت اثنتان لیلتهما لاثنتین أو لواحدة.

ثم لا فرق بین کون الموهوبة دائمةً أو متعةً، فإذا کانت ذات أربع وخامسة متعةً فوهبت إحداهن لیلتها للمتعة تنزلت المتعة منزلة الدائمة مع الثلاث الآخر، فتکون للموهوبة من غیر فرق، وکذلک الحال إذا وهبت مدتها للأربع التی واحدهن المتعة، حیث تقسم الهبة بین الأربع علی حد سواء.

وحیث إن الهبة حسب قدرتها، فإذا وهبت لأخری دائمةً أو متعةً علی نحو صحة الانتقال منها أیضاً، یصح للموهوبة هبتها لامرأة أخری أو صلحها کذلک، وإن کانت علی نحو عدم صحة الانتقال کالملک المحجور لم تصح الهبة من الموهوبة لغیرها، وذلک لإطلاق الأدلة فی کل ما ذکرناه مما یشمل المقام أیضاً.

ولو شک فی صحة هبة الموهوبة وعدم صحتها فهو شک راجع إلی التقیید فی الهبة وعدمه، والأصل عدم التقیید، کما إذا شک فی أنه ملک محجوراً أو مطلقاً فإنه یحکم بالإطلاق إلاّ إذا دل الدلیل علی التقیید.

ولو خالف الزوج عمداً أو جهلاً أو نسیاناً أو سهواً أو ما أشبه فلم یبت عند الموهوبة کان کما إذا لو یبت عند إحداهن من ذوات الحق الابتدائی، وقد ألمعنا إلی ذلک فی بعض ما تقدم، کما یأتی بعض تفصیله إن شاء الله.

ص:327


1- مسالک الأفهام: ج8 ص340

ولو شک فی أنه هل کانت الهبة لهند أو لدعد ولم یمکن الاستفسار، لزم إجراء قاعدة العدل، کما أنه تجری قاعدة العدل فیما إذا شک بأن الهبة هل کان للزوج أو لهند، فإن النصف یکون لها والنصف یکون للزوج یضعه حیث یشاء.

ولو وهبت مدتها لهند فطلقت فی أثناء المدة، رجعت الهبة إلی صاحبتها، لعدم صحة الهبة بالنسبة إلی غیر الزوجة وإن زعمتها زوجة، فهو کما إذا وهبت مدتها للأجنبی من الابتداء، ومنه یعلم الحال فیما إذا وهبت مدتها لزوجة وأجنبیة، حیث تصح الهبة بالنسبة إلی الزوجة دون الأجنبیة، سواء کانت الهبة بالتساوی فیبطل نصف الهبة، أو بالاختلاف فتبطل حصة الأجنبیة.

ولو وهبت حصتها من هند فظن الزوج أن الهبة لفاطمة فقبل، بطلت الهبة إلاّ برضاه ولو بنحو الرضا المتأخر، لأن الظاهر دخول الفضولیة فی المقام لإطلاق أدلته.

ومنه یعلم حال ما لو وهب حصة هند لفاطمة فقبلت بذلک بعد الهبة، وعلیه تجری الفضولیة فی کل من الثلاثة الزوج والزوجتین.

ومنه یعلم أنها إذا وهبت مدتها لهند وفاطمة بالتساوی أو بالاختلاف برضا الزوج، فقبلت إحداهما دون الأخری صحت بالنسبة إلی المتقبلة دون الرافضة.

ولو وکل أحد الثلاثة وکیلاً بالنسبة إلی شؤونه الزوجیة بحیث تشمل الوکالة الهبة عطاءً وأخذاً ورضیً صح للوکیل أن یهب أو یقبل أو یرضی، وکذلک إذا کانت الوکالة أعم من الشؤون الزوجیة وغیرها لما یشمل الهبة.

ولو شرط الزوج علیها عند النکاح أو فی ضمن عقد لازم عدم القسم لها مطلقاً أو فی الجملة، أو هبتها المدة مطلقاً أو فی الجملة، صح الشرط ولزم فیما لم یستلزم الغرر لإطلاق أدلة الشرط.

وإذا لم تف بالشرط فیما کان عملاً لها، کما لو کان الشرط أن تهب المدة حیث یرید الزوج ولم تهب کان حال التخلف فی المقام حال تخلف أی شرط فی النکاح ونحوه، وقد تقدم بعض الکلام فی الشروط فی النکاح.

ص:328

مسألة ٦ لو رجعت عن الإذن ولم یعلم الزوج

(مسألة 6): قال فی الشرائع: (إذا وهبت ورضی الزوج صح، ولو رجعت کان لها ولکن لا یصح فی الماضی بمعنی أنه لا یقضی، ویصح فیما یستقبل، ولو رجعت ولم یعلم لم یقض ما مضی قبل علمه).

أقول: أما صحة الهبة إذا رضی الزوج فلما تقدم، وأما أنها إذا رجعت کان لها الرجوع، فقد عرفت ما فیه وأن مقتضی کونها هبة أن لها أحکام الهبة فیما یصح الرجوع فیها أو لا یصح الرجوع، ومنه یعرف الکلام فی الصلح إذا صالحت، وعلی أی حال، فإذا صح الرجوع لها فإنما یکون الرجوع بالنسبة إلی المستقبل لا بالنسبة إلی الماضی لأن الماضی بمنزلة التالف إلاّ أن تکون الهبة أو الصلح علی نحو یؤثر فی الماضی أیضاً، فإن ذلک ممکن لإطلاق أدلة العقود.

ثم إن مقتضی القاعدة ما ذکره الشرائع بقوله: (ولو رجعت ولم یعلم لم یقض ما مضی قبل علمه)، وذلک لما عرفت من أن الأقرب عدم حقها فی الرجوع بعد هبة مدتها أو الصلح علیها أو ما أشبه، بل وحتی عند من یری صحة رجوعها لا حق لها فی القضاء لدلیل الغرر.

ومنه یعلم وجه النظر فیما ذکر المسالک من أن فی المسألة وجهاً آخر وهو أنه یقضی بانعزال الوکیل قبل العلم بالعزل، لکنه وافق الماتن أخیراً بقوله: والحق الأول.

ومنه یعلم وجه النظر فی تقویة الجواهر وجوب القضاء بقوله: (هو لا یخلو من قوة، باعتبار انکشاف استیفاء حقها مع عدم إذنها، وعدم التقصیر لا مدخلیة له فی تدارک الحق لذیه، ولیس هو کالمال المأذون بأکله الذی تأتی فیه قاعدة الغرور، کما أنه لیس من قسم الوکالة التی ثبت بالنص والفتوی عدم انفساخها قبل العلم بعد حرمة القیاس عندنا، فیتجه حینئذ التدارک لها خصوصاً مع علم الزوجة دونه فإنها حینئذ هی ظالمة تقاص من لیلتها، لأن الحرمات قصاص).

ص:329

وفیه ما عرفت، بل الظاهر علی ما ذکره الجواهر أنه لا یجوز للمرأة التمکین للزوج، لأنه تفویت لحق غیرها، کعدم جواز تمکینها بالمبیت لیلة ونحوها فیما إذا کان الزوج یعلم بأن الحق لغیرها فیترک صاحبة الحق ویأتی إلیها، لأن الشارع إنما جعل علیها التمکین فیما کان الحق له، لا فیما إذا کان الحق لغیره کالمقام.

وکذلک حال ما إذا کان الزوج مستأجراً فیترک مقتضی الإجارة ویأتی إلی الزوجة یرید المبیت معها والتمکین منها، فإنه لا یحق لها ذلک إلاّ علی عدم النهی عن الضد.

ثم لو رجع الزوج دون الواهبة لم یضر رجوعه بعد أن عرفت أن الحق من الزوجة الواهبة ومن الزوج ینتقل إلی الموهوبة، وکذلک إذا رجعت الموهوبة، نعم یکون حینئذ کالإعراض عن المال، حیث یحق للزوج أن یبیت حیث یشاء إلاّ أن تکون هبة الزوجة مقیدة بما إذا بات عند الموهوبة وإلاّ فهی ترید حقها حیث یرجع الحق إلی الواهبة، ولا یحق للزوج أن یبیت حیث یشاء.

ثم إذا وهبت ولم ترض الموهوبة أو الزوج بطلت الهبة، لأنها عقد یحتاج إلی ما فی العقود من الإیجاب والقبول ونحوهما، نعم علی ما تقدم من جریان الفضولیة فی ذلک إذا وهبت بدون رضا الزوج أو الموهوبة ثم رضیا کفی، أما إذا وهبت ولم یرضیا بالهبة ثم رضیا، فهل یصح أو لا، احتمالان، وهی من مسألة رفض المالک عمل الفضول ثم قبوله.

وهل تصح الهبة بالنسبة إلی أحد الثلاثة من الزوجتین والزوج قبل الزواج، سواء قبل زواج الثلاثة أو قبل زواج الأولی أو قبل زواج الثانیة، احتمالان، من أنه ملک أن یملک، ومن أنه لا حق فی الحال الحاضر فهو من قبیل بیع ما لیس عنده، والأقرب الثانی.

وإذا وهبت حقها للضرة فی قبال لیلتها، أو فی قبال عوض مالی أو ما أشبه، فلم

ص:330

تف حق لها الفسخ والبقاء، فإن فسخت رجع کل عوض إلی صاحبه، وحیث لا یمکن الاسترجاع فیما إذا انقضت اللیلة أخذت بقدر حقها فی المثمن، وإن لم تفسخ أخذت بقدر حقها فی الثمن علی التفضیل الذی ذکروه هناک، لأن البابین من واد واحد.

ومما ذکرناه یعلم حال قول الشرائع، حیث قال: (لو التمست عوضاً فبذله الزوج هل یلزم، قیل: لا، لأنه حق لا یتقوم منفرداً فلا تصح المعاوضة علیه).

لکن فی الجواهر: (الأقوی خلافه، لإطلاق أدلة الصلح مثلاً الشاملة لمثل ذلک من الحقوق کحق الخیار والشفعة، من غیر فرق بین الصلح علی إسقاطه أو انتقاله فیما کان قابلاً منه للانتقال کما فی المقام).

أقول: هذا إذا کان صلحاً، وکذلک یصح إذا کانت هبةً معوضة، ویصح أن یجعل علی نحو الجعالة أیضاً، بل ولا یبعد البیع لأنه عرفی، ویؤیده خبر علی بن جعفر، عن أخیه موسی (علیه السلام)، سألته عن رجل له امرأتان، قالت إحداهما: لیلتی ویومی لک یوماً أو شهراً أو ما کان، أیجوز ذلک، قال: «إذا طابت نفسها واشتری منها ذلک فلا بأس».

وقد ذکرنا فی کتاب (المکاسب) صحة البیع والشراء فی مثل هذه الأمور، لأنها عرفیة والشارع لم یمنع عنها، بل مثل هذا الدلیل یؤیده، فقول الجواهر: (ومن المعلوم أن إطلاق الشراء مجاز، لأن البیع متعلق بالأعیان، فهو کنایة عن المعاوضة علیه بالصلح مثلاً) غیر ظاهر.

ومما تقدم یظهر وجه القبول والرد فی قول المسالک، حیث قال: (حیث لا تصح المعاوضة یجب علیها رد العوض إن کانت قبضته، ویجب القضاء لها إن کانت لیلتها قد فاتت، لأنه لم یسلم لها العوض، هذا مع جهلهما بالفساد أو علمهما وبقاء العین

ص:331

وإلا أشکل الرجوع، لتسلیطه لها علی إتلافه بغیر عوض حیث یعلم أنه لا یسلم له، کما فی البیع الفاسد مع علمهما بالفساد)((1)).

والظاهر أنه فی صورة علمهما یکون ضامناً وإن لم یبق العین، ولذا قال فی الجواهر: (إنه لا یتم فرض کون البذل بعنوان المعاوضة التی لم یتم له فیها العوض وعدم الرجوع فی البیع الفاسد لو سلم فلدلیل خاص من إجماع ونحوه، ضرورة أن التسلیط المزبور لو اقتضی عدم الرجوع لاقتضی فی المعوضة أیضاً کما فی العوض).

وهو کما ذکره، ویؤیده بعض الروایات الواردة فی الربا:

مثل ما عن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی حدیث قال: «فإن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قد وضع ما مضی من الربا، وحرم علیهم ما بقی من جهل رجع له جهله حتی یعرفه، فإذا عرف تحریمه حرم علیه ووجبت علیه العقوبة إذا رکبه کما یجب علی من یأکل الربا»((2)).

ولو باعت المرأة حقها للرجل أو صالحت أو وهبت أو ما أشبه، حق للرجل المبیت وحده أو عندها أو عند غیرها من الدائمة أو المتعة، سواء بات عند إحداهن فی قبال عوض حتی بالنسبة إلی البائعة، فهو یکون کبیع المشتری البضاعة للبائع أو بدون عوض.

ولو باع الرجل حقه للزوجة غیر ذات الحق صح، فعلیه أن یبیت عندها، سواء کانت غیر ذات الحق من جهة کونها متعةً أو فی غیر لیلتها أو ما أشبه ذلک.

ولو اختلفا _ فیما لو باع أحدهما حقه للآخر _ فی الثمن زیادةً ونقیصةً، سواء کان

ص:332


1- مسالک الأفهام: ج8 ص342
2- الوسائل: ج12 ص431 الباب 5 من أبواب الربا ح3

لیالی أو عروضاً أو نقوداً کان الأصل مع مدعی الأقل.

ولو اختلفا بین المتبابنین، کما لو کانت الزوجة الوحیدة مثلاً اشترت لیلة أخری من الزوج، ثم اختلفا فی أنها لیلة الجمعة أو السبت، کان مورد التحالف، وحیث یبطل یرجع کل عوض إلی صاحبه، ولا یستبعد جریان قاعدة العدل فیما إذا اختلفت زوجتاه أیتهما المشتریة من الثالثة، کما تقدم الإلماع إلی مثل هذه المسألة.

ص:333

مسألة ٧ القسم للصغیرة والمجنونة والناشزة

(مسألة 7): قال فی الشرائع: (لا قسمة للصغیرة ولا المجنونة المطبقة ولا الناشزة ولا المسافرة بغیر إذنه بمعنی أنه لا یقضی لهن عما سلف).

وفی الجواهر: (أما فی الأولی والثالثة فلا أجد فیه خلافاً هنا، وذلک لأن القسمة من جملة حقوق الزوجیة وهی بمنزلة النفقة التی تسقط بالصغر والنشوز، ولعله کذلک فی الناشزة، أما الصغیرة القابلة للاستمتاع الملتذة به فلا دلیل علیه، لاندراجها فی اسم الزوجة التی قد سمعت ما یدل علی استحقاقها اللیلة من الأربع، وسقوط النفقة المشروطة بالدخول لو قلنا به لا یقتضی سقوط حقها من القسم، اللهم إلاّ أن یشک فی شمول أدلته لمثلها والأصل البراءة، ولعله کذلک).

أقول: الظاهر أن ما ذکره من القسم للصغیرة کما ذکره لإطلاق الأدلة، ولا وجه للشک فی الشمول بعد تعارف ذلک عند کثیر من المتزوجین الصغار بالمتزوجات الصغار، کما یتعارف ذلک فی کثیر من القری والأریاف، خصوصاً لما سبق أنه من المعاشرة بالمعروف.

وأما الناشزة فلم أجد فی الروایة ما یدل علی سقوط حقها فی القسم، والآیة المبارکة حیث کانت مجملة لا مفسرة بغیر ذلک لا یمکن الاستدلال بها له، اللهم إلاّ أن یتمسک بها بعد المنع عن إجمالها، لأن عدم القسم من الهجر، أو یقال: یکفی فی ذلک الشهرة المحققة بینهم، أو أنه من مراتب النهی عن المنکر.

ولعل مما یؤید الإجمال فی الآیة المبارکة اختلاف الأقوال فی تفسیرها والمراد بها.

قال فی الکفایة: (وأما الهجران فالمعتبر منه فی هذا الباب الهجران فی المضجع، وقد اختلف فی معناه فقیل: إنه یحول إلیها ظهره فی الفراش، وإلیه ذهب ابن بابویه، وجعله المحقق مرویاً، وقیل: یعتزل فراشها ویبیت علی فراش

ص:334

آخر، وهو قول الشیخ وابن إدریس، وقیل: یبدأ بالأول فإن لم ینجع فالثانی، وقیل: إن المعنی اهجروهن فی بیوتهن التی یبتن فیها أی لا تبایتوهن، وقیل: إنه کنایة عن ترک الجماع).

وقال فی الکشاف: (وقیل: معناه أکرهوهن علی الجماع واربطوهن، من هجر البعیر إذا شده بالهجار، قال بعض الأصحاب: وأما هجرها فی الکلام بأن یمتنع من کلامها فی تلک الحالة فلا بأس به إذا رجا به النفع ما لم یزد عن ثلاثة أیام، لنهی النبی (صلی الله علیه وآله) فوق الثلاثة).

وفی الحدائق: (وأما الهجر فقد اختلف فیه کلامهم، وظاهر کلام الشیخ علی بن إبراهیم تفسیره بالسب، وهو غریب ولم یذکره غیره فیما أعلم، ولا ریب أنه أحد معانی الهجر، لکنه هنا بعید، بل المراد إنما هو ما یؤذن بالصد والإعراض والقطیعة، وقیل: هو أن یحول ظهره فی المضجع، وبه قال ابن بابویه، ورواه الطبرسی فی کتاب مجمع البیان، عن الباقر (علیه السلام)، ونسبه فی الشرائع إلی الروایة، وفی کتاب الفقه الرضوی: «وأما النشوز ...» إلی أن قال: «الهجران هو أن یحول ظهره فی المضجع والضرب بالسواک وشبهه ضرباً رفیقاً». وقیل: أن یعتزل فراشها ویبیت علی فراش آخر، اختاره الشیخ فی المبسوط وابن إدریس. وقیل: إنه کنایة عن ترک الجماع)((1)).

وعن المختلف إنه قال: (قال الشیخ فی المبسوط: الهجران فی المضجع أن یترک قربها).

وقال الشیخ علی بن بابویه فی رسالته وابنه فی مقنعه وابن البراج: (أن یجعل إلیها ظهره، وابن إدریس قال بالأول، وجعل الثانی روایة، وکلاهما عندی جائز، وتختلف ذلک باختلاف الحال فی السهولة والطاعة وعدمها).

ص:335


1- الحدائق الناضرة: ج24 ص617 _ 618

أما بالنسبة إلی المجنونة، فقد قال فی المسالک: (إن کان جنونها مطبقاً فلا قسمة لها، وإن استحقت النفقة، إذ لا عقل لها یدعوها إلی الأنس بالزوج والتمتع به، وإن کان یعتریها أدواراً کالتی تصرع فی بعض الأوقات فهی کالعاقلة فی وجوب القسمة، کذا أطلقه المصنف وجماعة، والأولی تقیید المطبقة بما إذا خاف أذاها ولم یکن لها شعور بالأنس به وإلاّ لم یسقط حقها منها).

ومقتضی القاعدة أن القسم واجب إلاّ إذا دل الدلیل علی التخصیص، ولو شک فی شمول أدلة القسم کان الأصل العدم، ولو شک فی شمول المخصص کان الأصل الوجوب.

قال فی الجواهر: (وأما المجنونة المطبقة فقد علل بأنها لا عقل لها یدعوها إلی الأنس بالزوج والتمتع به، وهو کما تری أخص من المدعی، نعم یمکن الشک فی تناول الأدلة للمجنونة علی حسب ما سمعته فی الصغیرة، خصوصاً مع ظهور المفروغیة منه عند المصنف وغیره، وکأن التقیید بالمطبقة لإخراج ذات الأدوار، فإنه لا یسقط حقها حال إفاقتها قطعاً، أما حال أدوارها فیشکل الفرق بینها وبین المطبقة أداءً وقضاءً).

أقول: وحتی المطبقة إذا کان جنوباً خفیفاً یشک فی سقوط حقها، فالواجب القسم لها.

أما إذا کان أحد الزوجین فی المستشفی ونحوه، أو فی السجن، فإن تمکن الآخر من الالتقاء به من غیر عسر وحرج وضرر وجب، وإلاّ سقط، وقد روی المستدرک فی باب حبس المدیون وحکم المعسر، عن الجعفریات بسند الأئمة (علیهم السلام) إلی علی (علیه السلام): «إن امرأة استعدت علیاً (علیه السلام) علی زوجها فأمر علی (علیه السلام) بحبسه وذلک الزوج لا ینفق علیها إضراراً بها، فقال الزوج: احبسها معی، فقال علی (علیه السلام):

ص:336

لک ذلک انطلقی معه»((1)).

والظاهر وجوب جعل القسم بینهما فی المجلس علی الحاکم، لأنه واجب ولا ینافی الحبس، اللهم إلاّ إذا کان ذلک منافیاً للحبس المقتضی للتأدیب ونحوه، فیقدم الحاکم الحکم الثانوی علی الأولی، نعم لا یحبس غیر من وجب علیه الحبس مع من وجب، فیطلق أحدهما لیأتی ویذهب کما یشاء، بینما یحبس الآخر المستحق له.

ثم إن المسالک قال: (وأما المسافرة فإن کان سفرها بغیر إذنه فی غیر واجب ولا ضروری فلا قسمة لها لأنها ناشزة، وإن کان واجباً مضیّقاً کالحج الواجب بالأصل أو النذر المعین حیث یلزم، أو بإذنه فی غرضه لم یسقط حقها منها، فیجب القضاء لها بعد الرجوع، ولو کان بإذنه فی غرضها غیر الواجب أو الواجب الموسع فقولان، من الإذن فی تفویت حقه فیبقی حقها، ومن فوات التمکین والاستمتاع المستحق علیها لأجل مصلحتها، والإذن إنما یؤثر فی سقوط الإثم وفوات التسلیم المستحق، وإن کان بسبب غیر مأثوم فیه یوجب سقوط ما یقابله، کما إذا فات التسلیم المبیع قبل القبض بسبب تعذر فیه، فإنه یسقط تسلیم الثمن، والأول خیرة العلامة فی التحریر، والثانی خیرته فی القواعد، وحیث نحکم بالوجوب فالمراد وجوب القضاء لفوات محله بالسفر).

أقول: مقتضی الأصل بعد انصراف أدلة القسم إلی المتعارف عدم وجوب القسم للمسافر والمسافرة، وإذا کان أحدهما فی المستشفی أو الحبس أو ما أشبه مما یتعذر القسم أو یتعسر، وما إذا کان أحدهما ذا مرض معد أو کانت هی فی

ص:337


1- الجعفریات: ص108

حالة الولادة، حیث اجتماع النساء مما لا یمکن عرفاً القسم، أو کان القسم یوجب ضرراً علیه أو علیها، کما إذا کانت مصلحته أو مصلحتها فی افتراقهما وعدم ظهورهما خوف الأعداء أو نحو ذلک، فما ذکره المسالک من وجوب القضاء، غیر ظاهر الوجه، بل السیرة علی خلافه، فإن الزوجات إذا سافرن ثم رجعن، الأزواج لا یقسمون لهن، بل یدخلونهن فی الدور، أما الناشزة فقد عرفت الإشکال فی سقوط حقها بالنشوز فی القسم وإن کان لا یبعد السقوط کما هو المشهور.

نعم إذا سافرت هی نشوزاً بدون إذنه فلیس علیه القسم، لأنها أسقطت حقها، وإذا نشز الرجل لا دلیل علی سقوط حقها علیه فی القسم إذا أرادت منه ذلک.

ولقد ألمع الجواهر إلی بعض ما ذکرناه، حیث قال:

(مبنی المسألة علی الظاهر أمران:

أحدهما: أصالة تدارک هذا الحق وقضاؤه أولاً.

ثانیهما: إن ظاهر أدلة القسم شمولها لمثل المفروض، أو أنها ظاهرة فی الزوجات القابلة للتقسیم علیهن.

ولعل الأقوی الأول فی الأول، والثانی فی الثانی، وهو کاف فی سقوط الحق لها، بل منه ینقدح الشک أیضاً فی ثبوته فی الأولین إن لم یکن إجماعاً).

أما کون الظاهر الأول فی الأول، فلأن مقتضی العرفیة القضاء، بالإضافة إلی «من فاتته فریضة فلیقضها کما فاتته».

ثم لا یخفی أن کلامهم فی السفر الذی ینافی القسم، أما السفر الذی لا ینافی القسم، کما إذا سافر یومیاً مثلاً من النجف إلی بغداد ورجع باللیل إلی النجف الأشرف، کما هو المتعارف فی کثیر من البلاد الآن، فحق القسم غیر ساقط، لإطلاق الأدلة.

ولو اشتبهت الزوجة بغیرها أو الرجل بغیره فلم یقسم لها، فهل یقضی بعد

ص:338

الظهور، لا یبعد ذلک لما عرفت من دلیله.

وکذا لو وکل فی طلاقها فلم یطلق الوکیل، ولو لم یقسم مع ظن أنها زوجته حیث وکل فی نکاحها فلم ینکحها الوکیل ثم ظهر عدم النکاح لم تکن طالبة منه تلک اللیالی لیقضیها مستقبلاً.

وإذا اختلفا فی أنه هل قسم لها حیث کان علیه القضاء إذا لم یقسم لها أو لم یقسم، فالأصل مع المرأة المنکرة لإعطائها حق القسم، وأصالة صحة عمل الرجل لا تقف أمام الأصل المذکور.

ولو علم بأنه قسم لإحداهما ولم یعلم هل قسم لفاطمة أو زینب، فالظاهر أنه یجب القضاء بالنسبة إلی کلتیها علی حسب قاعدة العدل فیما یجب القضاء لمن لم یقسم لها، إلاّ إذا اعترفت إحداهما بأنه قسم لها حیث تؤخذ بإقرارها، و«إقرار العقلاء علی أنفسهم جائز»((1)).

ص:339


1- الوسائل: ج16 ص111 ح2

مسألة ٨ الزوج یزور الضرة

(مسألة 8): قد عرفت مما تقدم وجه النظر فی قول الشرائع ممزوجاً مع الجواهر:

(لا یجوز أن یزور الزوج الضرة فی لیلة ضرتها بغیر إذنها، لما فی ذلک من منافاة العدل والإیذاء غالباً، ولأنها مستحقة لجمیع أجزاء اللیلة فلا یجوز صرف شیء منها إلاّ بما جرت به العادة أو دلت قرائن الأحوال علی إذنها فیه، کالدخول علی بعض أصدقائه والاشتغال ببعض العبادة ونحو ذلک، ولا ریب فی عدم دخول زیارة الضرة فیه، واحتمال أن المستثنی زمان أمثال ذلک فله وضعه حیث شاء مناف لظاهر الأدلة إن لم یکن المقطوع به منها).

ویؤید الجواز بالإضافة إلی أنه لا ینافی عرفاً حق القسم کزیارة غیر الضرة، السیرة المستمرة بین المتدینین، حیث إنهم کثیراً ما یزورون الزوجات خصوصاً إذا کان درسه أو بحثه أو عمله فی بیت إحدی الضرتین، ثم یذهب بعد زیارتها أو عمله إلی بیت الضرة الأخری صاحبة القسم.

أما العامة، فقد اختلفوا فی ذلک، فقال (البحر الزخار): (وله الخروج فی النوبة لقضاء حاجة أو موافقة زوجة فی حاجة والتقبیل واللمس، لکن لا یجامع غیرها فی نوبتها، قلت: ظاهر کلام بعضهم الجواز، فإن أطال اللبث مع الأخری فی الحاجة لزمه القضاء).

واستدلوا لذلک بما رووه عن عائشة، قالت: (کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) لا یفضل بعضنا علی بعض فی القسم من مکثه عندنا، وکان قل یوم یأتی إلاّ وهو یطوف علینا جمیعاً فیدنو کل امرأة من غیر مسیس حتی یبلغ التی هو یومها فیبیت عندها).

أما قضیة الإیذاء فلا یخفی إن تأذی إنسان بفعل مباح من إنسان آخر لا یکون حراماً، بل ولا دلیل علی الکراهة أیضاً، ولذا فإن کل منافس یحق له تحسین حاله سواء کان صاحب درس أو منبر أو تألیف أو کسب أو غیر ذلک، وإن کان المنافس الآخر

ص:340

یتأذی بذلک، بل وإن کان یتأذی أبلغ الأذیة.

قال سبحانه: ﴿أم یحسدون الناس علی ما آتاهم الله من فضله﴾((1)).

ثم إن المسالک قال: (إن خرج من عندها فی الحال لم یجب علیه قضاؤه، وإن کان عاصیاً به لأنه قدر یسیر لا یقدح فی المقصود، وإن استوعب اللیلة فی غیر العبادة فلا شبهة فی القضاء، وفیها قولان، من عدم وصول حق صاحبة اللیلة إلیها، ولیس من ضرورات الزیارة الإقامة طول اللیل فهو ظلم، وکل ظلم للزوجة فی المبیت یقضی، واختار المصنف العدم کما لو زار أجنبیاً، والأول أقوی، والفرق بین الأمرین واضح، والأصل ممنوع، فإن زیارة الأجنبی مشروطة بعدم استیعاب اللیلة)((2)).

ومقتضی القاعدة أن تفویت اللیلة وتفویت ما لیس بمتعارف التفویت من اللیلة، مثل نصف من اللیل وما أشبه موجب للقضاء، سواء کان التفویت حراماً کما لو فعله اعتباطاً وتشهیاً بأن یکون عندها لجمالها أو ما أشبه ذلک، أو حلالاً کما إذا کانت الزوجة الثانیة مریضة ونحو ذلک بما کانت محتاجة إلی المساعدة به من عدو أو غیر ذلک.

ومنه یعرف أنه لا فرق بین الزوجة وبین غیرها فیما إذا بقی عنده مفوتاً وقت صاحبة القسم.

ومنه یعلم وجه النظر فیما ذکره الشرائع، حیث قال: (وإن استوعب اللیلة عندها هل یقضیها، قیل: نعم لأنه لم یحصل المبیت لصاحبتها، وقیل: لا کما لو زار أجنبیاً وهو أشبه)، فإن مقتضی القاعدة القضاء لا عدم القضاء وزیارة الأجنبی والزوجة فی ذلک علی حد سواء.

ص:341


1- سورة النساء: الآیة 54
2- مسالک الأفهام: ج8 ص344

أما توجیه الجواهر لکلام الشرائع بقوله: (قلت: محل البحث علی الظاهر ما إذا اقتضی الحال استیعاب اللیلة عندها لتمریضها، والمراد بالتشبیه بزیارة الأجنبی أنه یکون معتاداً کأصل الزیارة، لا أن المراد الزیارة المستوعیة، وحینئذ لا یکون فیه ظلم للزوجة فیبنی علی أصالة التدارک مع عدم الظلم، ویمکن أن یکون بناء المصنف علی عدم التدارک فیما لا یکون ظلماً وهو لا یخلو من وجه، وإن کان الأقوی خلافه).

فلا یخفی ما فیه من النظر، وإن أفتی بخلافه هو، إذ الحکم الوضعی لا یرتبط بالحکم التکلیفی، اللهم إلاّ أن یقال: إن إطلاق أدلة القسم منصرف من مثل التمریض وما أشبه، فالأصل عدم القضاء، لکن الانصراف محل نظر علی ما عرفت.

ثم قال الجواهر: (أما لو طال المکث عند غیر الضرورة قضاه من لیلته إن بقیت له لیلة، وإلاّ بقیت المظلمة فی ذمته إلی أن یتخلص منها بمسامحة ونحوها).

أقول: إن جاز البقاء عند المریضة أو لم یجز أو عند غیرها من سائر زوجاته وبقی فهل یحسب للمریضة أو لا، الظاهر الاحتساب إن کان منطبقاً علی الحق لها، وکون البقاء حراماً فی الفرض الثانی لا ینافی الکفایة عن الحق، لما عرفت من عدم التلازم بین الوضعی والتکلیفی، کما أنه إذا کان البقاء حراماً لجهة أخری مثل معرفة العد بالارتباط بینهما مما یسبب أذی الزوج أو الزوجة أو غیرهما أو نحو ذلک یکون الحکم کذلک من کونه مسقطاً للحق.

ثم قال الشرائع: (ولو دخل فواقعها ثم عاد إلی صاحبة اللیلة لم یقض المواقعة فی حق الباقیات، لأن المواقعة لیست من لوازم القسمة)، وهو کما ذکره لما عرفت من أن المواقعة لا تدخل فی القسم، وقد ألمعنا إلی ذلک فی بعض المسائل السابقة، والظاهر أنه لا إثم فی المواقعة.

ص:342

نعم إن طال الزمان کان الإثم فی طول الزمان، وعلیه فما فی المسالک: من أنه لو لم یطل فالإثم خاصة، محل نظر، والظاهر من العامة أن بعضهم یقول بحرمة المجامعة، وبعضهم بحلیتها کما فی البحر الزخار.

نعم إذا وجبت مجامعة ذات اللیلة فجامع غیرها بما أذهب قوته عن مجامعة ذات الحق، فعل حراماً إن قلنا بأن مقدمة الحرام حرام، ووجب علیه القضاء، ولا دلیل علی حرمة مواقعة الضرة ونحوها فی دار الضرة فی نوبتها إن کانت الدار والفراش للزوج أو لمبیح ونحوه.

أمّا ما رواه العامة کما فی الکشاف: من أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) خلا بماریة فی یوم عائشة وعلمت بذلک حفصة فقال لها: اکتمی علیّ وقد حرمت ماریة علی نفسی وأبشرک أن أبا بکر وعمر یملکان بعدی أمر أمتی، فأخبرت عائشة وکانتا متصادقتین، وقیل خلا بها فی یوم حفصة فأرضاها بذلک واستکتمها فلم تکتم فطلقها واعتزل نساءه ومکث تسعاً وعشرین لیلةً فی بیت ماریة((1))، إلی آخر ما ذکره، فلا یخفی ما فیه من وجوه الضعف وخلاف الواقع.

ص:343


1- الکشاف: ج4 ص124 (سورة التحریم)

مسألة ٩ لو جار فی القسمة

(مسألة 9): قال فی الشرائع: (لو جار فی القسمة قضی لمن أخلّ بلیلتها).

وقال فی المسالک: (لا خلاف فی وجوب القضاء لمن جار علیها بالقسمة فأخل بلیلتها، ولکن القضاء مشروط ببقاء المظلوم بهن فی حباله وبأن یفضل له من الدور فضل یقضی به، فلو کان له أربع فظلم بعضهن فی لیلتها، فإن کان ظلمها بترک المبیت عندها وعندهن لم یمکن قط القضاء لاستیعاب الوقت بالحق علی القول بوجوب القسمة دائماً، فیبقی فی ذمته إلی أن یطلق واحدة منهن أو تنشز أو تموت لیرجع إلیه من الزمان ما یمکن فیه القضاء. ولو کان ظلمه بالمبیت عندهن، فإن جعل لیلتها لواحدة معینة قضاها من دورها، وإن ساوی بینهن وأسقط المظلومة من رأس قضی لها من الزمان بقدر ما فاتها متوالیاً إلی أن یتم لها حقها ثم یرجع إلی العدل، ولو لم یبق المظلوم بهن معه، فإن فارقهن بموت أو غیره ثم تزوج ثلاثاً لم یمکن القضاء لتجدد حقهن وحقها الحاضر فی جمیع الأوقات فلا یمکن رفع الظلم إلاّ بالظلم).

أقول: إذا خرج الزوج من الزوجیة بالارتداد لم یبعد وجوب إعطاء المال للمظلومة، لما تقدم من أنه حق، وحیث یتعذر یتحول إلی المال، وکذا إذا مات أو ماتت الزوجة کان کذلک، وإذا ارتدت فهل یبقی حقها المالی مطلقاً، أو یبطل فیما إذا رأت عدم حقها بقاعدة الإلزام، کما یکون لها الحق إذا بقیت فی حبالته فیما لو قلنا بأنها لم تخرج عن حبالته وأحکامه بالاتداد، احتمالات، لا یبعد الثالث إذا ارتدت کتابیة، والثانی إذا ارتدت غیر کتابیة، فتأمل.

ثم إنه یمکن أن یقال: إنه إذا کان مدیوناً للمظلومة لا وقت له حتی یعطی الدور للجدیدات، لسبق حق المظلومة علی حقهن، وحیث یکون فی ذلک هضماً

ص:344

لحقهن لزم علیه التدارک بالمال، إما لها أو لهن، ولو تعاسرت هی وهن قدم حقها فی المبیت وأعطی حقهن من المال لا العکس ولا التخییر، وهذا بخلاف ما إذا استؤجر فی اللیالی والأیام من قبل حیث لا یتمکن من البقاء عند زوجاته لیلاً کسائر الناس ولا نهاراً، کالوقاد والحارس حیث یبطل الإیجار، لأن الإجارة ترید رفع الحکم الأولی فی مکانه وذلک ما لا یمکن.

فهو کما إذا نذرت أن تذهب کل یوم إلی العتبة المقدسة فی النجف أو کربلاء، وکان النذر قبل أن تتزوج، فإن نذرها بمجرد زواجها یبطل، إذ یرید النذر إبطال الحکم الأولی من وجوب إطاعة الزوج، وکذا کل حکم ثانوی یرید إبطال الحکم الأولی فی مکانه، کما لو نذر قبل الظهر أن یقرأ القرآن من أول الظهر إلی الغروب، حیث إذا جاء الظهر بطل النذر بقدر الصلاة، إلی غیر ذلک، کما ذکرنا تفصیل الکلام فی هذه المسألة فی کتاب الحج، لمن نذر قبل الاستطاعة أن یکون کل عرفة فی کربلاء، وألمعنا إلیه هنا أیضاً.

ثم لو ظلمها بالمبیت عندهن لا حق له فی التدارک لها من حقهن إلاّ إذا کن موافقات لهضم حقها، وإلاّ فهن مغرورات یرجع إلی من غر، وکذلک فی صورة عدم اختیارهن وإن لم یکن غرور، وبذلک یظهر ما فی إطلاقه المتقدم من القضاء لها من حقهن أو حق بعضهن.

ثم قال المسالک حکماً کلیاً مثّله بقوله: (مثاله لو کان معه ثلاث نسوة وبات عند اثنتین عشرین لیلة مثلاً، إما عشراً عند هذه وعشراً عند هذه ولاءً، أو بات عندهما لیلة لیلة إلی تمام العشرة، فتستحق الثالثة عشر لیال علیه أو یوفیها والاءً، ولیس له أن یفرق فیبیت عندها لیلتین وعند کل واحدة لیلة لأنها قد اجتمعت فی ذمته وهو متمکن من وفائها فلا یجوز أن یؤخر، فلو نکح جدیدة عقیب

ص:345

العشرین لم یجز أن یقدم قضاء العشرة لأنه ظلم علی الجدیدة، بل یوفیها أولاً حق الزفاف من ثلاث أو سبع ثم یقسم الدور بینهما وبین المظلومة فیجعل لها لیلة وللمظلومة لیلتها ولیلتی اللتین ظلمها بسببهما، وهکذا ثلاث أدوار فیوفیها تسعاً ویبقی لها لیلة).

أقول: مقضی ما ذکرناه فی الفرع المتقدم أن الحکم کذلک إذا کان الظلم لها بموافقة المظلوم بهن، وإلاّ فهن مغرورات أو ما أشبه یرجعن إلی الزوج الغار.

ثم إنه قد ذکرنا فی بعض المسائل السابقة أن للأربع ونحوهن من کل أربع لیال لیلة، فلا معنی للتدارک للمظلومة أولاً ثم إعطاء الدور للجدیدة، نعم الثلاث والسبع لأجل الزفاف استثناهما الشارع ففرق بینهما وبین اللیالی الآتیة التی أفتی بالتدارک أولاً ثم الوقوع فی الدور للجدیدة.

ثم قال فی المسالک: (فإن کان قد بدأ بالمظلومة بات بعد ذلک لیلة عند الجدیدة لحق القسم، ثم لیلة عند المظلومة لتمام العشر، ویثبت للجدیدة بهذه اللیلة ثلث لیلة، لأن حقها واحدة من أربع، فإذا أکمل لها ثلث لیلة خرج باقی اللیل إلی مکان خال عن زوجاته، ثم یستأنف القسمه للأربع بالعدل، وإن کان قد بدأ بالجدیدة، فإذا تمت التسع للمظلومة باث ثلث لیلة عند الجدیدة وخرج باقی اللیل کما وصفناه، ثم بات لیلة عند المظلومة، ثم قسم بین الکل بالسویة).

أقول: لا حاجة إلی خروج بعض اللیل إلی مکان خال عن زوجاته، وإنما أراد بذلک بیان أنه له الحق فی ذلک، وإن کان فیه نظر کما نبه علیه الجواهر.

ثم قال: (وفی الحکم الجدیدة ما لو کانت واحدة من الأربع غائبة فظلم واحدة من الحاضرات بالأخریین وحضرت الغائبة فیجب قضاء حق المظلومة مع رعایة جانب التی حضرت فیقسم لها لیلة وللمظلومة ثلاثاً، وإن احتیج إلی تبعیض اللیلة

ص:346

فکما وصفناه، وقد یحتاج إلی التبعیض بغیر الظلم، کما لو کان یقسم بین نسائه فخرج فی نوبة واحدة لضرورة ولم یعد أو عاد بعد وقت طویل فیقضی لها من اللیلة التی بعدها مثل ما خرج، ویخرج باقی اللیل إلی المسجد أو نحوه کما قررناه، ویستثنی من الخروج ما إذا خاف اللص والعسس، أو لم یکن فی داره مکان منفرد یحصل لمنامه بقیة اللیلة فیعذر فی الإقامة، والأولی أن لا یستمتع فی ما وراء زمان القضاء)((1)).

وفیه التأمل السابق.

وکیف کان، فقد ظهر مما تقدم من الاحتیاج إلی القضاء أن ذلک إذا لم یرضیا بالمال ونحوه عوض الحق، أو لم تسقط حقها، وإلاّ فلا یبقی مکان لهذه الفروع.

وهل یصح تدارک حق المظلومة نهاراً فیکون کالوقاد والحارس ونحوهما، احتمالان، والأقرب العدم لانصراف الأدلة عن مثل ذلک، نعم إذا کان برضاها لم یکن فیه إشکال، ثم لو جرت القسمة وتحولت المظلومة إلی متعة وجب علیه القضاء لإمکان ذلک وفراغ وقتها عن واجب لها علیه.

ولو ظلمت المرأة الرجل باستغلاله أربع لیال مثلاً، حق له التقاص بعدم النوم عندها ثلاثة أدوار، ولو ظلمت هی سائر الزوجات حق لهن التقاص بأخذ وقتهن فی أدوارها، وإذا استعدت الظالمة للتبدیل بالمال حق لهن عدم القبول، لأن التقاص من الجنس مقدم علی التقاص من غیر الجنس.

ولو ظلم ثالث إیاهما بالإکراه أو الإلجاء کسجن ونحوه، فالظاهر أنه إن تمکن من التدارک بإرضائهما القضاء ونحوه، فهو وإلاّ کان علیه المال لهما لأنه فوت حقهما، والحق یبدل بالمال عرفاً والشارع لم یحدث طریقاً جدیداً فی ذلک فی المقام، فتأمل.

ص:347


1- جواهر الکلام: ج31 ص194

مسألة ١٠ لو نشزت واحدة من الأربع

(مسألة 10): لو کان له أربع فنشزت واحدة، فمقتضی القاعدة سقوط حقها علی ما تقدم من کلام المشهور، وإن کنا ناقشنا فی ذلک، وعن المشهور أنه یفضل للزوج حینئذ من الدور لیلة فی کل أربع لیال یضعها حیث یشاء عندهن أو عند غیرهن أو بالتقسیم بینهن، أو بالتقسیم بینهن وبین نفسه، إلی غیر ذلک، سواء کانت القسمة لیلة لیلة أو أکثر، لأنه لیس لهن أکثر من لیلة فی کل أربع لیال، نعم إذا تفضل علیهن بلیلته أیضاً لم یبق شیء.

ومنه یظهر وجه الضعف فی قول المسالک، حیث قال: (فیما إذا کانت القسمة أکثر من لیلة استوعب دور القسمة أو زاد علیه، لأن أقل النسوة المتعددات یکونان اثنتین، فإذا جعل القسم بینهن اثنتین استوعب حقهما الدور فیسقط حقه من الزائد لأنه أسقطه بیده حیث اختاره الزیادة).

ثم نسب ذلک إلی ظاهر الأصحاب فقال: (ویدل علیه أن ثبوت حقه معهن وتفضیل بعضهن علی بعض علی خلاف الأصل، والدلائل العامة من وجوب العدل والتسویة بینهن یدل علی خلافه ویقتصر فیه علی مورد النص وهو ثبوت حقه فی الزائد عن عددهم فی الأربع عن القسمة لیلة لیلة علی ما فی الروایة الدالة من ضعف السند، ولو لا ظهور اتفاق الأصحاب علیه أشکل إثباته بالنص، وعامة الفقهاء من غیر الأصحاب علی خلافه، وأنه متی قسم لواحدة عدداً وجب أن یقسم للأخری مثلها مطلقاً مع تساویهما فی الحکم).

وفیه مواضع للنظر:

الأول: ما ذکرناه.

الثانی: إن النص لیس بضعیف علی ما تقدم.

الثالث: ما أشکل علیه الجواهر بقوله: (لا ریب فی ظهور النص المشتمل علی

ص:348

الإشارة إلی الآیة الکریمة کما تقدم سابقاً أن للرجل حقاً فی القسم علی نسبة الأربع ضرورة عدم الخصوصیة للأربع، ولا ینافی ذلک وجوب العدل والتسویة وعدم التفضیل، إذ ذلک کله خارج عن محل البحث الذی هو ثبوت حق لهن فیه وعدمه، فإنه لو فرض استیفاء نصیبه بغیر الاستمتاع بأحد منهن لم یکن منافیاً للعدل ولا مفضلاً ولا تارکاً للتسویة، وفتوی عامة غیر الأصحاب بخلافه مما یؤکد حقیقته لا أنه یوهنه بعد أن جعل الله الرشد فی خلافهم، وإطلاق المصنف وغیره فی المسألة لا ینافی ذلک لمعلومیة إرادة القسم من ذلک، بل کاد یکون صریح کلامهم، خصوصاً بعد عدم سوقه لمحل البحث کما هو واضح، فلا ریب فی أن المتجه أن له حقاً علی حسب نسبة الأربع).

وهو کما ذکره، وقد أشار بالنص إلی ما تقدم من خبر حسن بن زیاد وغیره: سألته (علیه السلام) عن الرجل یکون له المرأتان وإحداهما أحب إلیه من الأخری، أله أن یفضلها بشیء، قال: «نعم له أن یأتیها ثلاث لیال والأخری لیلة، لأن له أن یتزوج أربع نسوة وثلاثة یجعلها حیث شاء». قلت: فتکون عنده المرأة فیتزوج جاریة بکراً، قال: «فلیفضلها فیما یدخل بها ثلاث لیال، وللرجل أن یفضل نساءه بعضهن علی بعض ما لم یکن أربعاً»((1)).

وفی هذا الحدیث وغیره إلماع إلی الآیة الکریمة.

أما ما ذکره هامش الجواهر: من أن المراد بالنص فی کلام الجواهر ما رواه العیاشی، عن ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «قضی أمیر المؤمنین (علیه

ص:349


1- الاستبصار: ج3 ص242

السلام) فی امرأة تزوجها رجل وشرط علیها وعلی أهلها إن تزوج علیها امرأة أو هجرها أو أتی علیها سریة فإنها طالق، فقال: «شرط الله قبل شرطکم إن شاء وفی بشرطه، وإن شاء أمسک امرأته ونکح علیها وتسری علیها وهجرها إن أتت بسبیل ذلک، قال الله تعالی فی کتابه: ﴿­فأنکحوا ما طاب لکم من النساء مثنی وثلاث ورباع﴾((1))، وقال: ﴿أحل لکم ما ملکت أیمانکم﴾((2))، وقال: ﴿واللاتی تخافون نشوزهن﴾((3)) الآیة، فالظاهر أنه غیر مرتبط بالمقام، وإن کان فیه إشارة إلی الآیة.

ثم إن الشرائع قال ممزوجاً مع الجواهر: (وعلی کل حال، فإذا نشزت واحدة من الأربع ثم قسم خمس عشرة فوفی اثنتین ثم أطاعت الرابعة وجب أن یجمع بین حقی الباقیة والتی أطاعت، فیوفی الثالثة خمس عشرة والتی کانت ناشزاً خمساً، فیقسم الدور بینهما خاصة للناشز لیلةً وللثالثة ثلاثاً خمسة أدوار فتستوی الثالثة خمس عشرة والناشز خمساً ثم یستأنف، ولیس له أن یفی الثالثة خمس عشرة متوالیة، لمزاحمة حق المطیعة جدیداً التی صارت بتجدید طاعتها کالمرأة الجدیدة التی قد عرفت الحال فیها وهو واضح).

لکن الظاهر أن فی کلامهما إشکالین:

الأول: إنه لیس للثالثة والرابعة عشرون لیلة، إذ حق الرابعة الجدیدة من ثلاثین الباقی من الستین الذی مضی ثلاثون منه للأولتین الربع، أی سبعة ونصف، لأنهن إن کن أربعاً والأیام ثلاثون کان لکل واحدة ربع الثلاثین، والمفروض أنهن الآن أربع واللیالی ثلاثون، أما ما ضاعف الزوج للاثنتین السابقتین فلا ربط

ص:350


1- سورة النساء: الآیة 3
2- سورة النساء: الآیة 3
3- سورة النساء: الآیة 30، تفسیر العیاشی: ج1 ص240 ح121

له بالجدیدة زواجاً أو خروجاً عن النشوز إلی الطاعة.

فلنفرض أن الزوج أعطی ثلاثین للاثنتین السابقتین وجعل للثالثة خمس عشرة وله خمس عشرة من الستین، ثم تزوج زوجة جدیدة أول الثلاثین الثانی، فهل للزوج الحق فی أن یعطی الجدیدة خمس فقط، أو اللازم أن یعطیها سبعاً ونصفاً، وکذلک فی مقام النشوز، وعلی هذا یعطی للثالثة خمس عشرة وللداخلة فی الطاعة أو الجدیدة سبعاً ونصفاً، وله سبع ونصف یکمل بذلک الستون، ثم یبتدأ الدور لکل من الأربع لیلة أو أکثر حسب القرار بینه وبینهن.

الثانی: إن ابتداء الدور للکل لیس بعد الخمسین کما هو ظاهر العبارة المذکورة، بل ابتداء الدور بعد الستین، وإلا لزم انهضام حق الزوج إذ کان له مع الزوجات الثلاث خمس عشرة لیلة، وحیث التحقت الرابعة بالثلاث فی أول الثلاثین الثانی صار حق الزوج سبعة ونصف، فاللازم أن یستوفی الزوج لنفسه هذه السبعة والنصف یضعها حیث یشاء ثم یتبع بالدور لهن جمیعاً.

والحاصل: إنه یعطی للجدیدة زواجاً أو طاعةً من الثلاثین الثانی سبعاً ونصفاً، ویعطی للثالثة خمس عشرة ویبقی سبع ونصف له، ثم بعد اکتمال الستین یوماً یشرع فی الدور، ویمکن استخراج المسألة فی أشباه ذلک بالأربعة المتناسبة المرکبة، کما یمکن استخراجها بالنسبة التی قد عرفت ملاکها.

ص:351

مسألة ١١ لو طاف علی الثلاث ثم طلق الرابعة

(مسألة 11): لو طاف علی ثلاث وطلق الرابعة مثلاً بعد دخول لیلتها فلا إثم، إذ ظاهر الأدلة أن القسم حق المرأة ما دامت فی الحبالة، فإذا خرجت فلا حق لها، نعم إذا فوت حقها بأن کانت لیلتها ثم نام فی مکان آخر سواء عمداً أو جهلاً أو ما أشبه مما لا یختلف الحال فی حقها علیه، وإن اختلف فی الإثم وعدمه ثم طلقها بعد ما وجب الحق علیه لزم علیه التدارک، إما برجوع فی الرجعیة أو نکاح جدید دائماً أو متعةً وإیفائها حقها، وإما بإعطائها ما ترضی من مال ونحوه، والظاهر أن الحق لها فی تعیین أیها، إذ هی صاحبة الحق کالمالک الذی یحق له أی فرد من الکلی الذی هو بدل لماله فی البیع ونحوه.

نعم ما یمتنع عقلاً أو شرعاً علی الزوج لیس لها جعله بدل حقها، مثل ما إذا کانت مطلقة تسعاً مثلاً ثم ترید الزواج جدیداً وإیفائها حقها بالمبیت معها أو ما أشبه ذلک.

ومنه یظهر وجه النظر فی قول المسالک، حیث قال: (حق القسم علی الزوج من الأمور الواجبة فی الجملة بعد الشروع فیه أو مطلقاً، فإن کان له زوجتان فصاعداً وقسم لواحدة ثم دخلت نوبة الأخری حرم علیه طلاقها قبل أن یعطیها حقها من القسم، لاستلزام الطلاق تفویت الواجب فیکون محرماً، ولکنه محرم لأمر خارج من حقیقة الطلاق فلا یبطل به کالبیع وقت النداء یوم الجمعة، ولا فرق فی ذلک بین کون المطلقة بعد حضور نوبتها رابعة وغیرها لاشتراک الجمیع فی المقتضی).

ولذا قال فی الجواهر: (فیه إمکان عدم الإثم به، لأن وجوب القسم مشروط بالبقاء علیه علی الزوجیة، ولا یجب تحصیل الشرط، وکأنه لذا تردد المحقق فی المسألة وإن کان الأقرب ما ذکرناه).

ص:352

قال فی الشرائع: (لو طاف علی ثلاث وطلق الرابعة بعد دخول لیلتها ثم تزوجها، قیل: یجب لها قضاء تلک اللیلة، وفیه تردد ینشأ من سقوط حقها لخروجها عن الزوجیة).

وکأنه مال إلی سقوط الحق، ومراده ب_ (قیل) الشیخ فی محکی مبسوطه.

والإرشاد والتلخیص وغیرهما وافقوا الشرائع.

ومنه یعلم وجه النظر فیما فی المسالک من أن الأقوی وجوب القضاء لمنع الملازمة بین الخروج عن الزوجیة وسقوط الحقوق المتعلقة بها، ومن ثم یبقی المهر وغیره من الحقوق المالیة، وإن طلق فتخصیص بعض الحقوق بالسقوط دون بعض لا دلیل علیه، ثم فرع علی ذلک وجوب التزویج لو توقفت البراءة علیه ولو فرض إمکان التخلیص بوجه آخر تخیر بینهما، وحینئذ فلا یمنع من تزوج رابعة لکون الفرض عدم الانحصار فیه، وعلی تقدیره لم یقدح فی صحة التزویج لما تقدم من عدم اقتضاء مثل هذا النهی الفساد.

ولذا أشکل علیه الجواهر بقوله: (لا یخفی علیک ما فی ذلک کله بعد ما عرفت من ظهور الأدلة فی وجوب هذه الحقوق ما دامت الزوجیة باقیة فهی من قبیل الواجب المشروط ولیست مثل المهر ونحوه).

ثم لو فوت حقها بأن نام مکاناً آخر وطلقها صباحاً مثلاً ثم تزوج بالرابعة ثم تزوجها متعةً مما یتمکن من القضاء، فهل یقدم حقها لسبق تعلقه علی تزویج الرابعة ذات الحق الجدید فلا یبقی للرابعة حق، أو یقدم حق الجدیدة لأنها صاحبة الحق، الظاهر الأول، حیث تزوجها ولا مجال له فی وفاء لیلة لها، وعلیه فإذا کانت الجدیدة تعلم بأنه لا لیل لها وأقدمت علی الزواج فلا إشکال، وإن لم تکن تعلم کانت مغرورة ولزم علیه وفاء حقها بمال ونحوه.

ص:353

ومنه یعلم وجه النظر فی قول الجواهر، حیث قال: (وکیف کان، فمن المعلوم أن وجب القضاء مع إمکانه وإلاّ فلا، کما إذا لم یبت فی لیلتها عند واحدة من الباقیات، أو أنه فارق التی بات عندها وتزوج بجدیدة مع المظلومة أو نحو ذلک، فإنه لا یتمکن من القضاء ما دام تحته أربع زوجات، لاستیعاب حقوقهن اللیالی، بل وکذا إن فارق التی بات عندها ولم یجدد نکاحها ولا نکاح غیرها مع المظلومة بناءً علی أنه لا عبرة بالقضاء حینئذ إلاّ من نوبة المظلوم بها، وإن کان فیه نظر واضح، ضرورة عدم الفرق بعد وصول حقها إلیها بین أن یکون من نوبتها أو مما فضل له دوره)((1)).

ومنه یعلم ما إذا تزوج بالرابعة متعةً بشرط القسم لها وعلیه قضاء للمطلقة ثم تزوج المظلومة المطلقة، حیث إن الشرط للمتعة یرید سلب حق سابق، ولا یتمکن الشرط من ذلک علی ما تقدم مثله.

ص:354


1- جواهر الکلام: ج31 ص197 _ 198

مسألة ١٢ لو کانت له زوجتان فی بلدین

(مسألة 12): قال فی الشرائع: (لو کان له زوجتان فی بلدین فأقام عند واحدة عشراً، قیل کان علیه للأخری مثلها).

قال فی المسالک: (القائل بذلک الشیخ فی مبسوطه، ووجهه ما أشرنا إلیه سابقاً من أن المبیت عند واحدة من الزوجات زیادة علی اللیلة توجب المبیت عند الأخری مثلها مراعاة للعدل بینهن، وأن جواز المفاضلة بین الاثنتین أو الثلاث مشروط بجعل القسم لیلة لیلة، ونقل المصنف له بصیغة القیل یؤذن باستشکاله، ووجهه ما علم من أن للزوج مع الاثنتین نصف الدور فینبغی أن یکون له من العشر نصفها ولکل واحدة منهن ربع فلا یلزم للثانیة إلاّ لیلتان ونصف، وهذا الوجه لم یشر إلیه فی المسألة المشتملة علی القضاء للمظلومة مع وروده فیها).

أقول: مقتضی القاعدة أنه إن کان له أربع وبات عند إحداهن عشراً أن یکون علیه لکل واحدة من الأخریات عشر أیضاً، من غیر فرق أن یکن فی بلد أو بلدین أو بلاد، وإن کان له ثلاث وبات عندهن عشراً أن یبیت عند کل واحدة من الاثنتین عشراً عشراً، وله عشر یبتها حیث یشاء، وإن کانتا اثنتین فله أن یبیت عند الثانیة عشراً وله عشرون یبیته حیث یشاء، أو یبیت عند الثانیة خمساً وله خمس یبیتها حیث یشاء، أما احتمال أن یبیت عند الثانیة لیلتین ونصفاً فلا یخفی ضعفه، لأنه لا یتحقق بذلک العدل.

ولذا قال فی الجواهر: (لا یخفی علیک ما فیه بعد الإحاطة بما قدمناه سابقاً خصوصاً فیما ذکره أخیراً، بل لم أعثر علی غیره قد جزم بالحکم المزبور).

ثم إن الکرکی فی حاشیة له علی الکتاب قال: (علی قول الشیخ إنه مشکل لأن لها نصف القسم فکیف یجب استیعابه للأخری، وأجیب بوجوه ثلاثة:

ص:355

الأول: حمله علی الاستحباب.

الثانی: حمله علی أن له زوجتین أخرتین، فإن مفهوم الاسم لیس بحجة.

الثالث: حمله علی أنه استوفی حقه من القسم).

أقول: لعل أقرب المحامل هو حمله الأول علی الاستحباب، إذ العدالة المطلقة فی حدود إمکان الإنسان مستحبة، کما سبق بعض الروایات الدالة علی ذلک.

ثم إنهم ذکروا أنه یتخیر فی وفاء الثانیة بین الذهاب إلیها واستدعائها إلیه، فإن امتنعت منه مع قدرتها سقط حقها للنشوز حینئذ، لکنک قد عرفت الإشکال فی سقوط الحق فی القسم بالنشوز، فتأمل.

وعلی أی حال، فالنشوز إنما یتحقق فیما إذا لم یکن عسر وحرج أو ضرر علیها فی الذهاب إلیه، وإلاّ لم یوجب ذلک النشوز أیضاً.

ثم لو شک الزوج هل أن بقاءه عند الأولی من حقه فی العشرین، أو حقها فی عشر لها وعشر لضرتها، أو بعضها حقها وبعضها حقه بالتساوی أی خمساً خمساً، أو بالاختلاف کثلاثاً وسبعاً، فإن لم نقل بمدخلیة النیة فی القسم عد حقها وله أن یبیت عشرین حیث شاء، وعلیه عشر للضرة، وإن قلنا بمدخلیة النیة فالأصل عدم وفائه بحقها فعلیه أن یفی حقها بالمبیت عندها عشراً وعند الضرة عشراً ولنفسه عشر أخری، لکن لا یبعد مدخلیة النیة کما هو الحال فی کل أمر مشترک.

نعم یبقی علیه أنه إذا کان کذلک یلزم أن یکون آثماً إذا بات عند إحداهن بقصد أنه من قسم أخری، اللهم إلاّ أن یرد بأن ذلک فیما کان قابلاً للانطباق والمبیت عند ضرة لیس قابلاً لانطباق حق ضرة أخری علیه فیکون حق نفسها.

ص:356

ولو اختلفا فقالت الزوجة: بت عندی من حق نفسک، وقال الزوج: بل من حقک أنت، فالقول قول الرجل، لأنه أبصر بنیته إلاّ أن تقیم هی البینة علی مدعاها، أو ینکل الزوج عن الحلف مع رد الحلف إلیها وعدمه، علی الاختلاف المذکور فی کتاب القضاء.

ص:357

مسألة ١٣ السفر یکفی فی حق الجدیدة

(مسألة 13): قال فی الشرائع ممزوجاً مع الجواهر: (لو تزوج امرأة ولم یدخل بها فأقرع للسفر فخرج اسمها من بین غیرها استصحبها معه، ولکن جاز له مع العود بل وجب إن طلبته منه توفیتها حصة التخصیص التی هی الثلاث أو السبع، لأن ذلک لا یدخل فی السفر، إذ لیس السفر داخلاً فی القسم، خلافاً للمحکی عن الشیخ من الاکتفاء فی تخصیصها بما یحصل فی أیام السفر لحصول المقصود بها وهو الأنس وزوال الحشمة).

أقول: مقتضی القاعدة هو ما ذکره الشیخ، لإطلاق دلیل أن لها الثلاث أو السبع لما یشمل السفر والحضر، فقول الشرائع: (لیس السفر داخلاً فی القسم إشکال)، ولذا قال فی مناهج المتقین: (لو تزوج امرأة ولم یدخل بها فأقرع للسفر فعینتها القرعة وأخذها معه وامتد السفر ثلاث لیال، فما زاد عند کونها ثیباً وسبع لیال، فما زاد عند کونها بکراً ثم عاد فهل تحسب لیالی السفر لیالی التخصیص أم لا، وجهان أظهرهما الاحتساب).

نعم لم یظهر وجه لقوله: (ولم یدخل بها)، إذ الدخول وعدم الدخول لا مدخلیة له فی تخصیص الإطلاق الشامل للسفر والحضر.

ومنه یظهر وجه النظر فیما ذکره المسالک، فإنه بعد أن استجود کلام الشرائع قال: (وفی حکمه ما لو تزوجها فی السفر ولم یکن معه زوجاته، فلو کن معه خصص الجدیدة بالعدد ثم قسم بینها وبین القدیمة بحسبه).

ولا فرق فی الحکم المذکور بین کون المتزوج بها واحدة أو أکثر فاستصحب إحداهن فی السفر بالقرعة أو بدونها علی الاختلاف المتقدم، فإنه یقتضی حق المقیمة إذا حضر من الثلاث أو السبع بعد أن یحسب السفر من حق المصحوبة ثلاثاً أو سبعاً.

ص:358

ثم إنهما لو اختلفا فی أنه هل بات عندها کما یدعی، أو لا کما تنکر، احتاج الزوج إلی الدلیل.

ولو اتفقا علی المبیت لکن قالت الزوجة: إن ذلک کان حراماً قبل الزواج بعنوان أنهما أخلاء أو ما أشبه، وقال الرجل: بل کان بعد الزواج حلالاً، لم یستبعد جریان أصالة الصحة.

أما إذا کانت فی حبالته متعةً ثم دواماً وقال: إن المبیت کان فی حال دوامها، وقالت: بل فی حال المتعة، احتاج الزوج إلی الدلیل، للصحة فی کلا الطرفین، بل لا یبعد ذلک فیما إذا کان وطی شبهة ودوام حیث یدعی هو أن المبیت کان فی الدوام، وتدعی هی أنها کان فی حال وطی الشبهة، لأن الصحة جاریة فی کلا الطرفین.

نعم ربما یقال: بأنه یقدم قول الزوج بأنه کان فی حال النکاح لا وطی الشبهة من باب قوله (علیه الصلاة والسلام): «ضع أمر أخیک علی أحسنه» والأحسن فی المقام هو النکاح لا الشبهة، وإن لم یکن سفاحاً، فتأمل.

ولو بات عند غیر صاحبة الحصة قائلاً: إنه کان بإجازتها أو بهبتها لی أو للضرة أو بالصلح أو بما أشبه وأنکرت، احتاج الزوج إلی الدلیل، من غیر فرق بین تصدق الضرة قوله وعدمه.

والظاهر أنه لا فرق بین حال الکفر والإسلام فی أن القسم محسوب إذا أسلم، فلو نام عند ثلاث منهن ثم أسلم نام عند الرابعة لإطلاق أدلة القسم، أما لو کن خمساً ونام عند أربع وأسلم قبل المبیت عند الخامسة، فلما أسلم أطلق الخامسة فلا إشکال، أما لو أطلق إحدی الأربع وجب علیه المبیت عند الخامسة، لأن الدور لها فی حال الکفر الذی کان ملزماً له، فسقوطه بالإسلام بحاجة إلی دلیل، و«الإسلام یجب» منصرف عن مثل ذلک.

ص:359

نعم إذا کان ظالماً لهن فی حال کفره لا یبعد شمول دلیل الجب له فلا حاجة إلی القضاء ونحوه.

ومما تقدم یعلم الحال فی القسم لو استبصر بعد أن کان مخالفاً، وقد وفی حقهن فی مذهبه دون مذهبنا، أو لم یف فی مذهبه بینما کان ما عمله وفاءً فی مذهبنا.

وعلیه فلو طلق بدون الشهود سقط قسمها، وإن استبصر بعد ذلک لأن الطلاق أثر أثره فی حال کونه مخالفاً فلا تعود الزوجة زوجة، وقد ذکرنا الوجه فی قصة العلامة حیث أرجع زوجة السلطان فی بعض مباحث الفقه.

ص:360

فصل فی النشوز

اشارة

فصل

فی النشوز

قال فی الشرائع: (وهو الخروج عن الطاعة، وأصله الارتفاع، وقد یکون من الزوج، وقد یکون من الزوجة).

أقول: نشز الرجل ینشز إذا کان قاعداً فنهض قائماً، قال سبحانه: ﴿وإذا قیل انشزوا فانشزوا﴾((1))، أی انهضوا إلی أمر من أمور الله تعالی، أو قوموا عن المکان حتی تذهبوا، وسمی نشوز الرجل أو المرأة نشوزاً لأنه بمعصیته قد ارتفع عما أوجب الله تعالی علیه من ذلک للآخر، أو لأنه قد ارتفع عن الآخر فلم یستعد للتساوی معه فی الصداقة والتعاون أو ما أشبه ذلک.

ولذا یطلق النشوز علی الرجل أیضاً فیما إذا خرج عن الطاعة والالتزام بالأحکام، وربما قیل یتحقق فی الشقاق أیضاً، أی فیما نشز کل واحد عن الآخر، لأن کل واحد لم یستعد للتساوی مع الآخر ولم یستعد لتطبیق أحکام الله فهو ارتفع عن أحکام الله سبحانه وتعالی.

أما إطلاق الشقاق فهو لکون أحدهما فی شق والآخر فی شق فلیسا فی مکان

ص:361


1- سورة المجادلة: الآیة 11

واحد وحالة واحدة وتعاون واحد، ویصح إطلاقه علی الأحوال الثلاثة.

وفی المسالک: (الکل جائز بحسب اللغة، لکن ما جری علیه المصنف أوفق لقوله تعالی: ﴿واللاتی تخافون نشوزهن﴾((1)) الآیة، وقوله تعالی: ﴿وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً﴾((2)) الآیة، وقوله تعالی: ﴿وإن خفتم شقاق بینهما﴾((3))،)((4)).

ومنه یعلم وجه النظر فی استبعاد الجواهر والمحکی عن الشیخ أیضاً، قال: الظاهر تحقق اسم النشوز بخروج کل منهما عن الآخر عما وجب علیه، نعم تحقق اسم الشقاق بخروج أحدهما دون الآخر بعید، کما أن ما عن نهایة الشیخ من تخصیص النشوز بخروج الزوج عن الحق کذلک، بل هو خلاف الآیة الأولی وغیرها.

فإن ما ذکره الجواهر من بعد إطلاق الشقاق إلی جانب واحد خلاف الظاهر، قال سبحانه: ﴿فإنما هم فی شقاق﴾((5))، مع العلم أن الرسول (صلی الله علیه وآله) لم یکن فی شقاق، وإنما کانوا هم فی شقاق، وقال سبحانه: ﴿ومن یشاقق الرسول من بعد ما تبین له الهدی ویتبع غیر سبیل المؤمنین نوله ما تولی ونصله جهنم وساءت مصیراً﴾((6)).

نعم لا إشکال فی أن الشقاق مصدر باب المفاعلة کالضراب ونحوه، ولعله أوفق بما یحدث منهما، وإنما یتحقق ذلک من واحد أیضاً لأن من یبتعد فإنه یکون بعد بین الطرفین، فالأصل فیه وإن کان من الجانبین إلاّ أنه یستعمل فی جانب واحد أیضاً لتحقق نتیجة البعد، کما أنه یحصل من الجانبین أیضاً فهو مثل المقاتلة،

ص:362


1- سورة النساء: الآیة 30
2- سورة النساء: الآیة 128
3- سورة النساء: الآیة 35
4- مسالک الأفهام: ج8 ص355
5- سورة البقرة: الآیة 137
6- سورة النساء: الآیة 115

قال سبحانه: ﴿قاتلهم الله﴾((1))، فإن أصله أن یقتل هذا هذا، وهذا هذا ولو بالإرادة، لأن الفعل أحیاناً یطلق ویراد به الإرادة کما یراد بالإرادة الفعل، علی ما ذکره المغنی اللبیب وغیره.

ومنه یعلم أیضاً ما فی کلام الحدائق، حیث قال: (لا یسمّی مورد الشقاق بالنشوز لاستوائهما معاً فی الارتفاع فلم یتحقق ارتفاع أحدهما عن الآخر).

ویؤید ما ذکرناه ما رواه تفسیر العیاشی، عن أبی جعفر (علیه السلام)،  قال: «إذا نشزت المرأة علی الرجل فهی الخلعة فلیأخذ منها ما قدر علیه، وإذا نشز الرجل مع نشوز المرأة فهو الشقاق»((2)).

کما أن قول جماعة منهم من أنه لغةً بمعنی الارتفاع وشرعاً بمعنی الخروج عن الطاعة محل تأمل، إذ المعنی اللغوی والشرعی واحد، اللهم إلاّ أن یرید بأنه تخصیص لموضع خاص فی الشریعة، وإن کان المعنی اللغوی موجوداً هنا أیضاً، فالفرق بالتخصیص والتعمیم.

وکیف کان، فقد قال فی کتاب المصباح المنیر: (نشزت المرأة من زوجها نشوزاً من باب قعد وضرب، عصت زوجها وامتنعت علیه، ونشز الرجل من امرأته نشوزاً بالوجهین ترکها وجفاها. وفی التنزیل: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً﴾((3))، وأصله الارتفاع یقال: نشز من مکانه نشوزاً بالوجهین إذا ارتفع عنه).

وعن جملة من اللغویین کالصحاح والقاموس والمجمع:  نشزت المرأة تنشز نشوزاً استعصت علی زوجها، والرجل نشز علیها إذا ضربها وجفاها، وعن شمس

ص:363


1- سورة التوبة: الآیة 30
2- الوسائل: ج15 ص11 الباب 11 من أبواب القسم والنشوز ح5
3- سورة النساء: الآیة 128

العلوم عصته وخالفته، ونشز علیها ضربها وجفاها، والمراد بالضرب لازم النشوز وإلاّ النشوز لا یلازم الضرب کما هو واضح.

نعم الظاهر أن الجفوة تطابق النشوز، والظاهر أن النشوز شرعاً حسب الأدلة التی تأتی لا یتحقق بامتناع أحدهما عن المستحب بالنسبة إلی الآخر، وإن کان ذلک موجباً لعدم الملاءمة والموافقة وسبباً لتغیر الحالة السابقة، فامتناع المرأة مما لا یجب علیها من الرضاع والطبخ والکنس والغسل وما أشبه لیس بنشوز، کما أن امتناع الرجل عن حسن المعاشرة الذی لیس بلازم علیه لیس نشوزاً، وتحققه منهما لیس شقاقاً، وکذلک لیس من النشوز والشقاق السب، بل وحتی الضرب والتضارب وما أشبه مما یعتاد عند بعض العوام لأنه لیس ارتفاعاً من هذا علی هذا، أو من هذا علی هذا، أو من کلیهما علی الآخر.

ثم الظاهر أن النشوز یتحقق فی المتعة أیضاً، وإن کان الانصراف وبعض الشواهد تخصیصه بالدوام، لکن الانصراف بدوی، وبعض الشواهد مثل ما ورد فی الآیة الکریمة: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾((1)) لو صلح شاهداً لابد من الخروج عنه بالمناط.

قال سبحانه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَی النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَیْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً إِنَّ اللهَ کَانَ عَلِیّاً کَبِیراً﴾((2)).

ص:364


1- سورة النساء: الآیة 34
2- سورة النساء: الآیة 30

وقال سبحانه: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاحَ عَلَیْهِمَا أَنْ یُصْلِحَا بَیْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَیْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ کَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیراً * وَلَنْ تَسْتَطِیعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَیْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِیلُوا کُلَّ الْمَیْلِ فَتَذَرُوهَا کَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ کَانَ غَفُوراً رَحِیماً * وَإِنْ یَتَفَرَّقَا یُغْنِ اللهُ کُلاً مِنْ سَعَتِهِ وَکَانَ اللهُ وَاسِعاً حَکِیماً﴾((1)).

وترک الواجب الذی یوجب النشوز إنما هو الواجب الفعلی لا الشأنی کما هو واضح، فإذا لم یقدر الرجل علی الجماع لمرض أو نحوه أو لم یقدر علی القسم أو الإنفاق أو نحوهما لفقر وما أشبهه، أو لم تتمکن الزوجة من استجابته للجماع ونحوه لمرض أو غیره لم یکن نشوز، وکذلک إذا زعم أحدهما عدم الوجوب علیه تقلیداً أو اجتهاداً خطاءً أو جهلاً بالموضوع.

أما بالنسبة إلی المخالف والکافر فیشملهما فی المقام کغیره قاعدة الإلزام، وعلیه فإذا کان واجباً فی دینها أخذت به وإن لم یجب فی دیننا، وإن لم یکن واجباً لدیها لم یجب علیها وإن کان واجباً عندنا، ومثله ما لو کان الزوج مخالفاً والزوجة مؤالفة، حیث لا نشوز من الزوج إن لم یجب فی مذهبه وإن وجب فی مذهبها، وأما إذا وجب فی مذهبه فهو مأخوذ به وإن لم یجب فی مذهبها.

مثلاً عند السنة تجب التسویة بین المسلمة والذمیة فی القسم (کما نقله البحر الزخار من غیر نقل خلاف) فإذا طلبت العارفة وهی زوجة المخالف ضعف الذمیة حیث فی مذهبها ذلک، ولم یستجب الزوج المخالف لا یکون بذلک ناشزاً، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ص:365


1- سورة النساء: الآیة 128 _ 130

ثم الظاهر أن الخوف فی الآیة المبارکة علی حقیقته لا أنه کالعلم یراد به المعلوم، فإذا قیل إذا علمت بأنه خمر فهو حرام، یراد به أن الخمر حرام لا أن معلوم الخمریة حرام، کما حققه الشیخ المرتضی (رحمه الله) فی أول الرسائل وغیره فی غیره، والخوف لیس کذلک، بل المراد به نفسه، لکن قد یکون مطابقاً للواقع بأن کان المحذور موجوداً حقیقة فخافه، وقد لا یکون بأن اشتبه مثلاً، إذا قال: إذا خفت من المرض فأفطر جاز له بمجرد الخوف، ولیس الحکم تابعاً للمرض واقعاً وجوداً أو عدماً، لأنه الظاهر الذی یستفاد العرف من الخوف المأخوذ فی الموضوع، بل هو کذلک عند العقلاء فقد جعلوا الخوف حیاطة للصیانة بما لو جعل العلم مکانه لکان مفوتاً للمال أو العرض أو الدم، حیث کثیراً ما لا یعلم الإنسان المحذور وإنما یخافه فیقع فی المحذور.

والخوف یشمل حتی الوهم، مثلاً إذا کان أسد یأکل الناس فی الطریق، فإن الإنسان یخافه، وإن کان یأکل کل یوم واحداً من عشرة أو خمسین، وکذلک إذا کان اللصوص یسرقون أموال السیارات فی کل مائة سیارة، یقال عرفاً إنه یخاف منهم، مع وضوح أن العقلاء یفرقون بین الاحتمال الضعیف والقوی، وبین کبر الضرر وقلته، حیث لا یعتنون بالاحتمال الضعیف جداً، ولا بما إذا کان الضرر قلیلاً.

وعلی أی حال، فقد تظهر أمارات النشوز فی المرأة أو الرجل وهی خاصة به، وقد تکون الأمارة أعم مثلاً الثقل فی الکلام والإطاعة مقابل الخفة فیهما قد لا یکون له سبب إلا إرادة النشوز، وقد یکون لأجل أنها ضعفت عن سرعة الحرکة أو حزنت، أو ترید الزهد فی الدنیا فلا ترید زینة الدنیا أو ما أشبه ذلک، فاللازم علی الزوج التبین أن ما یظهر هل هو من أمارات النشوز أو لا.

ص:366

والأحکام تترتب علی الأول دون الثانی أو المشتبه به، لأنه مع الاشتباه لا یسمی أنه یخاف نشوزها عرفاً، فإذا ظهرت الأمارات علی ما ذکرناه ترتب الأحکام المذکورة.

قال فی المسالک: (المراد بظهور أمارات النشوز تغیر عادتها معه فی القول والفعل بأن تجیبه بکلام خشن بعد أن کان بلین، أو غیر مقبلة بوجهها بعد أن کانت تقبل، أو تظهر عبوساً وإعراضاً وتثاقلاً ودمدمة بعد أن کان تلطف له وتبادر إلیه وتقبل علیه ونحو ذلک، واحترزنا بتغیر العادة عما لو کان ذلک من طبعها ابتداءً، فإنه لا یعد أمارة للنشوز، والمصنف اقتصر فی اعتبار العادة علی أدبها وأطلق الباقی والمعتبر ما ذکرناه. نعم مثل التبرم بالحوائج لا یعتبر فی العادة، لأن ذلک حقه فعلیها المبادرة إلیها ابتداءً ولا عبرة فیها بالعادة بخلاف الآداب، فلذا خصها المصنف وهذه الأمور ونحوها لا تعد نشوزاً ولا تستحق ضرباً علیه علی الأقوی، بل یقتصر علی الوعظ فلعلها تبدی عذراً أو ترجع عما وقع من غیر عذر، ویظهر من مجوز الضرب بل الهجر أنها أمور محرمة وإن لم تکن نشوزاً، والضرب لأجل فعل المحرم وفیه نظر).

لکنک قد عرفت أنه کان ینبغی علیه أن یقید ذلک أولاً بالمحرم، لأن المحلل لا یوجب الضرب ونحوه، فربما لا تعرف المرأة القدر الواجب علیه إزاء الزوج، ثم تعرف القدر الواجب، ولذا تترک غیر الواجب الذی کان معتاداً عندها قبل عرفانها بالواجب وغیر الواجب، ومثله لا یوجب عقوبة.

وثانیاً بما تقدم من عدم کون ما تفعل مشترکاً بین علامیته للنشوز وغیره، وإلاّ أشکل ترتب الأحکام علیه.

ص:367

ثم الظاهر أن مقدمات النشوز المجوزة للضرب إنما هی من مراتب المحرم وإلاّ لم یجز الضرب، ولا یلزم أن یکون نشوزاً بنفسها، فلا یقال: کیف یجوز الضرب بمقدمات لیست بمحرمة.

قال فی المسالک: (المراد بحوائجه التی یکون التبرم بها أمارة النشوز ما یجب علیها فعلها من الاستمتاع ومقدماته فی التنظیف المعتاد وإزالة المنفر والاستحداد بأن تمتنع أو تتثاقل إذا طلبها علی وجه یحوج زواله إلی تکلف وتعب ولا أثر للامتناع من حوائجه التی لا یتعلق بالاستمتاع، إذ لا یجب علیها ذلک، وفی بعض الفتاوی المنسوبة إلی فخر الدین أن المراد بها نحو سقی الماء وتمهید الفراش وهو بعید جداً، لأن ذلک غیر واجب علیها فکیف یعد ترکه نشوزاً، وقد نبه المصنف علی ذلک بقوله فی تعریف النشوز: وهو الامتناع عن طاعته فیما یجب له فترک الأمور المذکورة إذا لم یعد نشوزاً فکیف یعد التثاقل عنها من مقدمات النشوز) وهو کما ذکره.

ثم إن الشرائع قال:

فمتی ظهر من الزوجة أمارته، مثل أن تتقطب فی وجهه أو تبرم فی حوائجه أو تغیر عادتها فی أدبها جاز له هجرها فی المضجع بعد عظتها، وصورة الهجر أن یحول إلیها ظهره فی الفراش، وقیل: أن یعتزل فراشها، والأول مروی، ولا یجوز له ضربها والحال هذه، أما لو وقع النشوز وهو الامتناع عن طاعته فیما یجب له جاز ضربها ولو بأول مرة ویقتصر علی ما یؤمل معه رجوعها ما لم یکن مدمیاً ولا مبرحاً).

أقول: لا بأس بالضرب، فلا یقال: إن الإسلام یهین کرامة المرأة بضربها، فإن ذلک خیر من التنازع والتخاصم والرجوع إلی المحاکم مع ما یرافق ذلک من الفضیحة واستعصاء المشکلة أکثر فأکثر أحیاناً کثیرة أو من الطلاق الموجب

ص:368

لهدم العائلة أو من البقاء کذلک مما یؤول إلی ضیاع العائلة وحرمانها من الدفء والهناء وینتهی بالأخرة کثیراً ما إلی ما لا یحمد عقباه.

ثم هل تتمکن المحاکم أن تستقبل کل یوم مئات التنازع من هذا القبیل، وما أکثر أمثال هذه المنازعات فی المدن والقری والأریاف، فالضرب هنا کالضرب للتلمیذ فی المدارس وما أشبه مما هو أصلح عند العقلاء من ترک التلمیذ یفسد ویتأخر أو الرجوع إلی المحاکم لأجل ذلک.

ثم لا یبعد أن یکون ظاهر الآیة الکریمة ترتب کل الثلاثة علی النشوز، لظاهر الواو الذی یقتضی الجمع المطلق، أما کون الواو للترتیب کما ذکره الفقیه الهمدانی فی آیة الوضوء، فهو خلاف الظاهر لا یصار إلیه إلاّ بالقرینة، والمفروض عدم القرینة فی المقام.

ویؤید الجمع المطلق هنا أن الخطاب للأزواج وهم یعتادون العمل بکل ذلک لا ما بعد الإسلام، بل وقبله کان مرسوماً فی الجاهلیة، بل وإلی الآن حیث یضرب أحدهم بمجرد المخالفة وینصح أحدهم ویهجر أحدهم حسب اختلاف الأفراد والبیئات، وإن کان ربما یستشعر من الوعظ والهجر والضرب الترتیب بینها لتعارف الوعظ أولاً ثم الهجر ثم الضرب، لکن ذلک لیس بحیث یصلح قرینة للترتیب بعد کون الخارج عدم الترتیب فیما یفعله الأزواج.

ومما یؤید تعارف الضرب من القدیم ما رواه العامة، عن عبد الله بن زمعة، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «لا یجلد أحدکم امرأته جلد العبید لعله یجامعها _ أو قال: یضاجعها _ آخر الیوم»((1)).

وفی روایة أخری منهم، عن عمر بن الخطاب، إنه قال: کنا مع معشر قریش

ص:369


1- انظر: عشرة النساء من السنن الکبری: ص103 ح284

تغلب رجالنا نساءنا، فقدمنا المدینة فوجدنا نساءهم تغلب رجالهم، فخالفت نساؤنا نساءهم، فذئرت علی أزواجهن، فأتیت النبی (صلی الله علیه وآله) فقلت: یا رسول الله، ذئرت النساء علی أزواجهن، فأذن رسول الله (صلی الله علیه وآله) بضربهن، فأطاف بآل رسول الله (صلی الله علیه وآله) نساء کثیر کلهن یشکون أزواجهن، فقال النبی (صلی الله علیه وآله): لقد أطاف بآل محمد سبعون امرأة کلهن یشکون أزواجهن وما أولئک بخیارکم((1)).

أقول: ذئرت بالذال أخت الدال والهمزة والراء والتاء، یقال: ذئرت المرأة إذا نشزت ونفرت.

وفی روایة أخری عن عبد الله بن أبی ذباب، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «لا تضربوا إماء الله»، فجاء عمر إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقال: ذئرت النساء علی أزواجهن، فرخص فی ضربهن فأطاف بآل محمد نساء کثیر کلهن یشکون أزواجهن، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله) لقد أطاف بآل محمد نساء کثیر یشکون أزواجهن لیسوا أولئک بخیارکم((2)).

وروی الکشاف: إن سعد بن الربیع وکان نقیباً من نقباء الأنصار، نشزت علیه امرأته حبیبة بنت زید بن أبی زهیر فلطمها، فانطلق بها أبوها إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) وقال: أفرشته کریمتی فلطمها، فقال: لتقص منه، فنزلت الآیة الکریمة، فقال (صلی الله علیه وآله): «أردنا أمراً وأراد الله أمراً والذی أراد الله خیر»((3)).

وفیه أیضاً، عن أسماء بنت أبی بکر، قالت: کنت رابعة أربع نسوة عند الزبیر بن العوام، فإذا غضب علی أحدنا ضربها بعود المشجب حتی یکسره علینا، ویروی عن الزبیر أبیات منها:

(ولو لا بنوها حولها لخبطتها)((4))

ص:370


1- انظر سنن البیهقی: ج7 ص304
2- سنن أبی داوود: ج2 ص245 ح2146
3- الکشاف: ج1 ص524
4- الکشاف: ج1 ص525

وعن هشام، عن أبیه قال: کان الزبیر شدیداً علی النساء ویکسر علیهن عیدان المشاجب، والمشجب کما فی الصحاح الخشبة التی تلقی علیها الثیاب((1)).

وفی روایاتنا: إن عثمان ضرب رقیة بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله) بالمشجب فاشتکت إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله)، القصة.

وعن الجعفریات، بسنده إلی علی (علیه السلام)، قال: «أتی النبی (صلی الله علیه وآله) رجل من الأنصار بابنة له، فقال: یا رسول الله إن زوجها فلان بن فلان الأنصاری وإنه ضربها فأثر فی وجهها، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): لیس ذلک لک، فأنزل الله عز وجل: ﴿الرجال قوامون النساء بما فضل الله بعضهم علی بعض وبما أنفقوا من أموالهم﴾((2))، أی قوامون علی النساء فی الأدب، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «أردت أمراً وأراد الله غیره»((3)).

وروی هذا الخبر فی الدعائم أیضاً((4))

أقول: حیث إن أقوال الرسول (صلی الله علیه وآله) کلها وحی بنص الکتاب والضرورة، فلعل النبی (صلی الله علیه وآله) أراد بذلک إظهار الحکم بالآیة حتی لا یقال إنه هو الذی یقول من نفسه بتأدیب الرجال للنساء، إلی غیر ذلک من الروایات الکثیرة والتواریخ الدالة علی تعارف ضرب الزوجة من الزمان القدیم، وإنما خفف الإسلام عن ذلک تخفیفاً کبیراً، وحیث ظاهر الواو الجمع المطلق والتعارف فی الخارج کذلک یکون الأمر علی سبیل التخییر، وإن جاز الجمع بینهما کما یتعارف من السباب والضرب مثلاً.

ومما ذکرناه یتبین وجه النظر فی جملة من الأقوال:

ص:371


1- کما فی البحار: ج22 ص161_ 160 ح22
2- سورة النساء: الآیة 34
3- الجعفریات: ص107 سطر 15
4- الدعائم: ج2 ص217 ح803

مثل ما عن علی بن إبراهیم القمی فی تفسیره، قال فی الآیة الکریمة: إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها، قال زوجها: اتقی الله وأرجعی إلی فراشک فهذه الموعظة، فإن أطاعته فهو، وإلاّ سبها وهو الهجر، فإن رجعت إلی فراشها فذلک، وإلاّ ضربها ضرباً غیر مبرح، فإن رجعت وأطاعت فضاجعته یقول الله: ﴿فإن أطعنکم فلا تبغوا علیهن سبیلا﴾ یقول: لا تکلفوهن الحب فإنما جعل الموعظة والسب والضرب لهن فی المضجع ﴿إن الله کان علیّاً کبیراً﴾((1)).

وفی الحدائق قال: إن هذه الأمور الثلاثة المذکورة فی الآیة علی التخییر أو الجمع أو الترتیب بالتدریج من الأخف إلی الأثقل، وهو جل شأنه قد ذکر الثلاثة متعاطفة بالواو المفیدة للجمع، فذهب ابن الجنید إلی الجمع فی هذه الأمور الثلاثة کما هو ظاهر الواو، وجعلها مترتبة علی النشوز بالفعل ولم یتعرض للحکم مع ظهور أمارته، وکأنه حمل الخوف علی معنی العلم وأبقی الواو علی ظاهرها من إفادة الجمع.

وذهب جمع منهم المحقق فی النافع إلی أن هذه الأمور الثلاثة مترتبة، لکن المحقق اعتبر فی الوعظ ظهور أمارة العصیان، وفی الهجر عدم إفادة الوعظ، وفی الضرب عدم إفادة الهجر.

والعلامة فی الإرشاد جعل الأمور الثلاثة مترتبة علی النشوز بالفعل مع کونها فی نفسها مرتبة، وهو ظاهر کلام علی بن إبراهیم، وظاهر جماعة منهم المحقق فی الشرائع.

والعلامة فی القواعد جعل الأمور الثلاثة منزلة علی الحالین، أعنی ظهور أمارات النشوز وتحققه بالفعل، فإنهم جعلوا الوعظ والهجر معلقاً علی ظهور أماراته، والضرب منوطاً بحصوله بالفعل.

ص:372


1- المستدرک: ج2 ص613 الباب 9 من أبواب القسم والنشوز ح1

والعلامة فی التحریر وقبله جمع من الأصحاب فصلوا فی المسألة تفصیلاً آخر، وجعلوا الأمور الثلاثة مترتبة علی مراتب ثلاثة من حالها، فمع ظهور أمارات النشوز یقتصر علی الوعظ، ومع تحققه قبل الإصرار ینتقل إلی الهجر، فإن لم ینجع وأصرت انتقل إلی الضرب، واستقربه السید فی شرح النافع قال: فیکون معنی الآیة: واللاتی تخافون نشوزهن فعظوهن، فإن نشزن فاهجروهن فی المضاجع، فإن أصررن فاضربوهن((1)).

فإنک تری أن هذه الأقوال لا یمکن استظهارها من الآیة الکریمة، وإنما استظهر کل واحد ما استفاده من بعض القرائن التی رآها مکتنفة بالآیة من العقل أو النقل.

ثم لا یخفی أن هناک فرقاً بین أن تأتی المرأة بمحرم أو خلاف أدب تستحق التأدیب، بمقتضی قوله سبحانه: ﴿قوا أنفسکم وأهلیکم ناراً﴾((2))، وقوله تعالی: ﴿الرجال قوامون علی النساء﴾((3))، وإن لم یکن ذلک من النشوز ولا من مقدماته، وبین أن تنشز أو تأتی بمقدماتها بمقتضی هذه الآیة.

ولذا قال فی المسالک: (لیس من النشوز ولا من مقدماته بذاءة اللسان والشتم، ولکنها تأثم به وتستحق التأدیب علیه، وهل یجوز للزوج تأدیبها علی ذلک ونحوه مما لا یتعلق بحق الاستمتاع أو یرفع أمره إلی الحاکم، قولان تقدما فی باب الأمر بالمعروف، والأقوی أن الزوج فیما وراء حق المساکنة والاستمتاع کالأجنبی، وإن نغص ذلک عیشه وکدر الاستمتاع.

أقول: لکن یمکن أن یقال بالفرق بین الأجنبی وبینه، حیث جعله الله قیماً

ص:373


1- سورة النساء: الآیة 30
2- سورة التحریم: الآیة 6
3- سورة النساء: الآیة 34

علیها کولی الصغیر، حیث قال سبحانه: ﴿قوا أنفسکم وأهلیکم ناراً﴾((1)).

ثم هل من النشوز ما إذا أراد الرجل الجماع ورأت المرأة المنع لمواضع الکراهة، خصوصاً فیما هدد فیه المجامع بأتیان الولد أعمی أو أبرص أو مخبلاً أو ما أشبه، احتمالان، من أدلة استجابتها له ولو علی قتب، ومن أنه إطاعة للشریعة، فالجمع بین الأدلة عرفاً یقتضی حقها فی المنع، ولیس من النشوز فی شیء، ولیس معنی ذلک تقدیم اللا اقتضاء علی الاقتضاء، بل لأنه المستفاد عرفاً من جمع الأدلة.

أما إذا کان تقلیدها التحریم وتقلیده الحلیة، فالظاهر أن لها حق المنع، ولیس من النشوز فی شیء، وکذلک إذا کان الاحتیاط اللازم علیها الاجتناب، بل وکذا إذا رأته حلالاً ویراه اجتهاداً أو تقلیداً حراماً أو خلاف الاحتیاط اللازم ومع ذلک یرید الارتکاب من غیر مبالاة بالشریعة أو جهلاً بالحکم عنده أو نسیاناً أو ما أشبه ذلک.

وکیف کان، فالوعظ مطلق شامل لمطلق أقسامه، فلا خصوصیة لقسم خاص، بل الظاهر أنه شامل للتسبیب أیضاً بتحریک إنسان یعظها أو إعطاء کتاب لها تقرأه أو ما أشبه ذلک، بل لا یستبعد أن یشمل مثل العمل الزاجر المخوف کتعلیق السوط أو التهدید ولو بالمناط.

وفی روایات العامة، عن جابر مرفوعاً: إن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «رحم الله رجلاً یعلق السوط حیث یراه أهل البیت»((2)).

وفی روایة أخری: «علقوا السوط حیث یراه أهل البیت»((3)).

ص:374


1- سورة التحریم: الآیة 66
2- انظر کنز العمال: ج16 ص371 ح44945
3- کنز العمال: ج16 ص371 ح44948

فعلیه هو أعم مما ذکره الحدائق، حیث قال: أما الوعظ فظاهر وهو تخویفها بالله سبحانه، وذکر ما ورد من حقوق الزوج علی المرأة فی الأخبار عن النبی (صلی الله علیه وآله) وعن أبنائه الأطهار (علیهم السلام).

والهجر یشمل کل أقسام الهجر لا خصوص ما ذکروه.

قال العلامة فی محکی المختلف: (قال الشیخ فی المبسوط: الهجران فی المضجع أن یترک قربها((1)).

وقال الشیخ علی بن بابویه فی رسالته وابنه الصدوق فی مقنعه وابن البراج: أن یجعل إلیها ظهره.

وابن إدریس قال بالأول وجعل الثانی روایة.

وکلاهما عندی((2)) جائز، ویختلف ذلک باختلاف الحال فی السهولة والطاعة وعدمها)((3)).

أقول: قد تقدم عن علی بن إبراهیم، أن المراد بالهجر السب، وکأنه فسره بلازمه، وإلاّ فالسب لیس هجراً کما لا یخفی، فالظاهر أن المراد بالهجر کل ما یصدق علیه ذلک عرفاً بما یؤذن بالصد والإعراض والقطیعة والذی منه أن یحول ظهره إلیها فی المضجع، وبه قال ابن بابویه، ورواه الطبرسی فی کتاب مجمع البیان عن الباقر (علیه السلام)، ونسبه فی الشرائع إلی الروایة.

وعن الفقه الرضوی (علیه السلام): «أما النشوز» إلی أن قال: «والهجران هو أن یحول إلیها ظهره فی المضجع، والضرب بالسواک وشبهه ضرباً رفیقاً»((4)).

ولعل اختلاف أقوال الفقهاء فی کیفیة الهجر محمول علی ذکر کل واحد منهم بعض مصادیقه، فما عن المبسوط والسرائر من أنه یعتزل فراشها، وعن المفید من التخییر بین اعتزال الفراش أو تولیة الظهر، وما فی الریاض من أنه أقوی، کلها یشیر إلی معنی واحد، بل ینبغی أن یکون من ذلک الهجر من التکلم معها فی المضجع، بل وفی غیر المضجع أیضاً بالمناط.

ص:375


1- فی المختلف: أن یعتزل فراشها
2- أی عند صاحب المختلف
3- المختلف: ج7 ص395 المسألة 53
4- فقه الرضا: ص545 (ط آل البیت)

ولذا قال جمع من الأصحاب: إن الهجر فی الکلام بأن یمتنع من کلامها فی تلک الحالة إذا رجا به النفع، لکن جماعة منهم قیدوا ذلک بما لم یجز عن ثلاثة أیام لنهی النبی (صلی الله علیه وآله) فوق الثلاثة.

لکن یمکن أن یقال: إنه حکم استثنائی یجوز فی مثل هذا الحال، لإطلاق أدلة الهجر الشامل لذلک أیضاً، فهو کما منع (صلی الله علیه وآله) عن تکلم الثلاثة الذی خلفوا.

وفی الکشاف: قیل معناه أکرهوهن علی الجماع واربطوهن، من هجر البعیر إذا شده بالهجر وهذا من تفسیر الثقلاء، لکن فی هامش الکشاف رد علی الزمخشری مقاله قال ناقلاً عن أحمد إنه قال: ولعل هذا المفسر یتأید بقوله ﴿فان أطعنکم﴾ فإنه یدل علی تقدم إکراه علی أمر ما، وقرینة المضاجع ترشد إلی أنه الجماع.

أقول: وإن جاز ذلک بالنسبة إلی الرجل لأنه حقه فالممتنعة تربط حتی یأخذ منها حقه، إلاّ أنه کما قاله الزمخشری بعید عن ظاهر الآیة.

وأما الضرب فقد تقدم کلام علی بن إبراهیم((1)) أنه یضربها ضرباً غیر مبرح، وبه صرح غیر واحد، وتفسیر علی بن إبراهیم یعتبر متون الروایات عند جمع من المحدثین.

وروی حسن بن علی بن شعبة فی کتاب تحف العقول، عن النبی (صلی الله علیه وآله)، إنه قال فی خطبة الوداع: «إن لنسائکم علیکم حقاً ولکم علیهن حقاً، حقکم علیهن أن لا یوطین فرشکم، ولا یدخلن بیوتکم أحداً تکرهونه إلاّ بإذنکم، وأن لا یأتین بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لکم أن تعضلوهن وتهجرون فی المضاجع وتضربوهن ضرباً غیر مبرح، فإذا انتهین وأطعنکم فعلیکم رزقهن وکسوتهن

ص:376


1- تفسیر القمی: ج1 ص137

بالمعروف»((1)).

والمراد بغیر المبرح ما لا یدمی لحماً ولا یهشم عظماً ویکون کضرب الصبیان للتأدیب بحیث یتألم منه المضروب ولا یوجب ضرراً فی بدنه.

وفی تفسیر مجمع البیان، عن الباقر (علیه السلام): «إنه الضرب بالسواک»((2))، وتقدم أیضاً کلام الفقه الرضوی (علیه الصلاة والسلام).

أما القول بأنه یکون الضرب بمندیل ملفوف أو درة خفیفة، ولا یکون بسباط ولا خشب کما عن الشیخ فی المبسوط نقله عن قوم، فکأنه من باب بعض المصادیق، وکذلک الضرب بالسواک فإنه ضرب وفی نفس الوقت یوجب الإهانة ففیه أمر نفسی وفیه أمر جسدی.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول المسالک، حیث قال: (وفی بعض الأخبار إنه یضربها بالسواک، ولعل حکمته توهمها إرادة المداعبة وإلاّ فهذا الفعل بعید عن التأدیب والإصلاح، وإن استجوده الحدائق).

لما عرفت من أن الضرب بالسواک نوع إهانة نفسی بالإضافة إلی الإیذاء الجسدی فی الجملة، خصوصاً إذا کان السواک طویلاً کما یتعارف عند بعض الناس أما تفسیر بعض الضرب بالذهاب من عندها ففیه ما لا یخفی.

قال فی المسالک: المراد بالتبرم بحوائجه القیام إلیها بتثاقل وتضجر وإن فعلتها.

قال الجواهری: (تبرم به إذا سئمه وضجر منه، وقال: التبریح الشدة، والمراد هنا هو قوة الضرب عرفاً بأن المعتبر من ضرب التأدیب ما یسهل دفعه، ومن ثم

ص:377


1- الوسائل: ج15 ص230 الباب 6 من أبواب النفقات ح2
2- مجمع البیان: المجلد 2 جزء 5 ص95

عبروا عنه بمثل السواک والمندیل)، ثم قال: (ویجب اتقاء المواضع المخوفة کالوجه والخاصرة ومراق البطن ونحوها، وأن لا یوالی الضرب علی مواضع واحد، بل یفرق علی المواضع الصلبة مراعیاً فیه الإصلاح لا التشفی والانتقام فیحرم بقصده مطلقاً، بل بدون قصد المأذون فیه لأجله).

ثم إن المسالک قال: (لو حصل بالضرب تلف وجب الغرم لأنه تبین بذلک أنه إتلاف لا إصلاح، بخلاف الولی إذا أدب الطفل، والفرق أن تأدیب المرأة لحظ نفسه والولد لحظه لا لحظ الولی، وقیل إنهما مشروطان بعدم التلف... وفرق بینهما أیضاً بأن الأولی للزوج أن یعفو ویعرض عنه بخلاف الولی، فإن الأولی له أن لا یعرض عن ضرب التأدیب عند الحاجة لرجوع المصلحة إلی الصبی، وقد ورد الخبر بالنهی عن ضرب الزوجة فی الجملة، ویتفرع علی هذا الفرق عدم ضمان الولی لأنه محسن، ﴿وما علی المحسنین من سبیل﴾((1))،)((2)).

لکن شارح النافع رد ذلک بقوله: وینبغی القطع بعدم غرمه لأنه بتأدیب الطفل محسن، وما علی المحسنین من سبیل((3))، ولا یبعد إلحاق الزوج به فی ذلک، خصوصاً إن کان المقصود من الضرب تأدیبها علی فعل محرم.

أقول: وهو کما ذکره إذا کان حسب الموازین العقلائیة فاتفق ذلک، ولذا قال فی الحدائق: (یمکن أن یقال: إنه إن کان الضرب المذکور لیس مما یترتب علیه التلف بحسب العادة، وإنما اتفق التلف بعده اتفاقاً فهذا لا یترتب علیه ضمان، وإن کان مما یمکن ترتب التلف علیه، فلا یبعد وجوب الضمان).

وحاصله العقلائیة وعدم العقلائیة وهو کلام متین.

ص:378


1- سورة التوبة: الآیة 91
2- مسالک الأفهام: ج8 ص362
3- سورة التوبة: الآیة 91

ومنه یعلم وجه النظر فی إطلاق الجواهر، حیث قال: (ولو حصل بالضرب تلف وجب الغرم لإطلاق أدلته الذی لا ینافیه الرخصة فیه، مع أن المرخص فیه غیر المفروض من الضرب).

ثم حیث کان الحکم علی خلاف القاعدة، فاللازم الاقتصار فیه علی القدر المستفاد من النص والفتوی، ولو بالمناط فلا یجوز التخویف بما لا یشمله أی منهما مثل إلقائها فی الماء بحیث تخشی الغرق، أو إلقاء نار علیها وإن لم تحرق، أو إلقائها من شاهق وإن لم تتأذ بذلک، وإنما تخاف خوفاً متزایداً، أو نتف شعرها، أو صب الماء الحار أو البارد علیها بما تتأذی بذلک، أو تعذیبها، أو جماعها جماعاً عنیفاً یوجب جرح المحل، إلی غیر ذلک.

کما لا یجوز للرجل ضربها إذا شک فی أن أیتهما هی الناشزة.

ولو کانت ناشزة ثم شک فی رجوعها وعدم رجوعها لم یجز الضرب، لأنه بعد تحقق الموضوع، والاستصحاب لا ینفع فی المقام بعد لزوم الفحص فی أمثال هذه الأمور، فإذا نصحها أو هجرها واحتمل احتمالاً عقلائیاً دخولها فی الطاعة لم یکن موضع للاستصحاب، وإن احتمل حسب قواعده، إذ الظاهر عدم جریان الاستصحاب مع الاحتمال العقلائی، وقد ذکرنا لزوم الفحص فی الموضوعات فی مثل الشک فی أنه هل استطاع حتی یجب علیه الحج، أو أنه هل زاد عنده شیء حتی یجب علیه الخمس، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ولا یخفی أن الأمر فی الآیة الشریفة فی قبال توهم الحظر، وإلاّ فلا یجب شیء من الثلاثة علی الزوج، فإنه حقه وله أن یتنازل عن ذلک، لکن فی غیر مورد النهی عن المنکر مما یشمله قوله سبحانه: ﴿قوا أنفسکم وأهلیکم ناراً﴾((1)).

ص:379


1- سورة التحریم: الآیة 6

وروی المستدرک فی باب استحباب إکرام الزوجة، عن جامع الأخبار، عن النبی (صلی الله علیه وآله) إنه قال: «إنی أتعجب ممن یضرب امرأته وهو بالضرب أولی منها، لا تضربوا نساءکم بالخشب، فإن فیه القصاص»((1)) الحدیث.

وفی حدیث الحولاء، عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) إنه قال: «فأی رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل مالک خازن النیران فیلطمه علی حر وجهه سبعین لطمة فی نار جهنم»((2)).

وفی حدیث دعائم الإسلام، عن رسول الله (صلی الله علیه وآله)، «إنه نهی عن ضرب النساء من غیر واجب»((3)).

وعن الغوالی، عن النبی (صلی الله علیه وآله)، قال: «أیما رجل ضرب امرأته فوق ثلاث أقامه الله یوم القیامة علی رؤوس الخلائق فیفضحه، ینظر إلیه الأولون والآخرون»((4)).

وعن أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام) قال: «إن النساء عند الرجال لا یملکن لأنفسهن ضراً ولا نفعاً، وإنهن أمانة الله عندکم فلا تضاروهن ولا تعضلوهن»((5)).

وروی الآمدی فی الغُرر، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام)، إنه قال: «إن رأیت من نسائک ریبة فعاجل لهن النکیر علی الصغیر والکبیر، وإیاک أن تکرر العتب فإن ذلک یغری بالذنب ویهون العتب»((6)).

ص:380


1- المستدرک: ج2 ص550 الباب 65 من أبواب مقدمات النکاح ح3
2- المستدرک: ج2 ص550 الباب 65 من أبواب مقدمات النکاح ح4
3- المستدرک: ج2 ص550 الباب 65 من أبواب مقدمات النکاح ح5
4- المستدرک: ج2 ص550 الباب 65 من أبواب مقدمات النکاح ح6
5- المستدرک: ج2 ص551 الباب 65 من أبواب مقدمات النکاح ح7
6- المستدرک: ج2 ص552 الباب 71 من أبواب مقدمات النکاح ح7

قال فی الشرائع: (وإذا ظهر من الزوج النشوز بمنع حقوقها فلها المطالبة وللحاکم إلزامه).

أقول: الظاهر حق المرأة فی کل ذلک أیضاً کحق الرجل من الوعظ والهجر والضرب، لقوله سبحانه: ﴿ولهن مثل الذی علیهن بالمعروف﴾((1))، ولا ینافی ذلک قوله سبحانه: ﴿وللرجال علیهن درجة﴾، إذ الدرجة أنها هو فیما فضّل الله بعضهم علی بعض، وفیما أنفقوا من أموالهم، کما صرح به فی الآیة الکریمة، وفی الطلاق وما أشبه مما صرح فی النص والفتوی.

وقوله سبحانه: ﴿بالمعروف﴾ لا ینافی ذلک أیضاً، لأن إرجاع الزوج إلی الطاعة لله سبحانه وتعالی فی إعطاء المرأة حقها معروف.

ولقوله سبحانه: ﴿هنّ لباس لکم وأنتم لباس لهن﴾((2))، مما یدل علی التساوی إلاّ فیما خرج، ولیس فی نص أو إجماع أنه مما خرج.

ولأنه من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فیشمله إطلاق الأدلة ولم یقل فی بابها بخروج الزوج بالنسبة إلی الزوجة عن ذلک.

ولما تقدم عن رسول الله (صلی الله علیه وآله): «إنی أتعجب ممن یضرب المرأة وهو بالضرب أولی منها»((3)).

ولجملة من الروایات الدالة علی تساوی الرجل والمرأة فی الحقوق والواجبات إلاّ ما خرج، مثل ما رواه الصدوق فی عقاب الأعمال، عن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «من کان له امرأة تؤذیه لم یقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتی تعتبه

ص:381


1- سورة النساء: الآیة 228
2- سورة البقرة: الآیة 187
3- المستدرک: ج2 ص550 الباب 65 من أبواب مقدمات النکاح ح3

وترضیه، وإن صامت الدهر وقامت وأعتقت الرقاب وأنفقت الأموال فی سبیل الله، وکانت أول من ترد النار»، ثم قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «وعلی الرجل مثل ذلک الوزر والعذاب إذا کان لها مؤذیاً»((1)).

إلی غیر ذلک.

ولا ینافی ذلک عدم ذکره فی الآیة بالنسبة إلی الرجل، مع أنه ذکر بالنسبة إلی المرأة، لتعارف الثانی دون الأول، ویؤیده أنه لم یذکر الوعظ أیضاً، فیما إذا نشز، وهل یقال: إنه لیس لها وعظه إذا نشز، ولیس ذلک إلاّ لعدم التعارف ولخوف المرأة من الطلاق إن فعلت أمثال هذه الأمور.

ومنه یعرف وجع النظر فی قول الجواهر، حیث قال: (لها المطالبة لحقوقها ووعظها إیاه، ولیس لها هجره ولا ضربه، کما صرح به غیر واحد، مرسلین له إرسال المسلّمات، وإن رجت عوده إلی الحق بهما لأنهما متوقفان علی الإذن الشرعی ولیست، بل فی الآیتین ما ینبه علی تفویض ذلک إلیه لا إلیها لأنه هو اللائق بمقامه ومقامها، ولا بأس به، وإن نافی إطلاق أدلة الأمر بالمعروف إذ یمکن دعوی سقوط هذه المرتبة منه هنا، کما تسقط بالنسبة للوالد والوالد، نعم إن عرف الحاکم ذلک باطلاع أو إقرار أو شهود مطلعین علیهما نهاه عن فعل ما یحرم وأمره بفعل ما یجب، فإن نفع وإلاّ عزره بما یراه، وله أیضاً الإنفاق من ماله مع امتناعه من ذلک ولو ببیع عقاره إذا توقف علیه).

فإن ذکر بعض الفقهاء لا یحقق الإجماع، وقوله: (إذ یمکن) إلخ خلاف الإطلاق، والإمکان العقلی لا یقف أمام الدلیل الشرعی، کما أنه لا دلیل علی سقوط

ص:382


1- عقاب الأعمال: ص46 و 48؛ الوسائل: ج14 ص116 الباب 82 من أبواب مقدمات النکاح ح1

مراتب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر بالنسبة للولد والوالد، ولذا لا فرق فی الجهاد بین الجهاد مع الوالد ومع غیره کما فی نهج البلاغة: (کنا نقتل آباءنا)((1)).

ثم الظاهر أن للزوجة إجبار الزوج بأخذ حقها منه، مثل غلق الباب علیه فی لیلة حقها لیبیت عندها، ومثل تخویفها إن لم یؤد حقها، ومثل شد رجله لقضایا الوقاع إذا وجب علیه، ومثل الأخذ من ماله إذا لم ینفق علیها.

ویدل علیه بالإضافة إلی الأدلة العامة، قول الرسول (صلی الله علیه وآله) لهند بالأخذ من مال أبی سفیان، والظاهر أنه حکم شرعی لأنه الأصل فی أقوالهم (علیهم الصلاة والسلام) لا إجارة خاصة من باب الولایة الشرعیة.

وعلیه فهی مخیرة بین الرجوع إلی الحاکم وبین أخذ هذه الحقوق علی ما ذکرناه، کما أنه مخیر بین الرجوع إلی الحاکم وبین الهجر وما أشبه، بل والظاهر أن لها المنع عن بعض حقه فی قبال المنع عن حقها، إذ یظهر من الآیة والروایة من التقابل بین الحقین أنهما کذلک، کحال التقابل بین المثمن والثمن، ولما تقدم من منع نفسها فی قبال منع الزوج إعطاءها مهرها، إلی غیر ذلک.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول الحائری، حیث قال:

(هل وجوب ذلک علی کل منهما مطلق أو مشروط بعدم کون الآخر ناشزاً، أو یکون وجوبه علی الزوج مشروطاً بعدم نشوز الزوجة ووجوبه علی الزوجة مطلقاً غیر مشروط بعدم نشوز الزوج، فنقول: لا إشکال فی أن مقتضی إطلاق ما دل علی ثبوت تلک الحقوق هو الأول، أعنی وجوبه علی کل منهما مطلقاً، فیجب فی الخروج عنه من قیام دلیل.

ص:383


1- نهج البلاغة: الخطبة 56

وقد دل الدلیل من الإجماع والأخبار علی اشتراط وجوب ذلک علی الزوج بعدم نشوز الزوجة، وبقی وجوب ذلک علی الزوجة تحت إطلاق ما دل علی ثبوت تلک الحقوق مطلقاً، إذ لا دلیل علی اشتراط وجوبها علیها بعدم نشوز الزوج، بل مقتضی ظاهر بعض الأخبار هو وجوبه علیها، ولو کان الزوج ناشزاً.

ففی روایة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «أتت امرأة إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقالت: ما حق الزوج علی المرأة، قال (صلی الله علیه وآله): أن تجیبه إلی حاجته وإن کانت علی ظهر قتب، ولا تعطی شیئاً إلاّ بإذنه، فإن فعلت فعلیها الوزر وله الأجر، ولا تبیت لیلة وهو علیها ساخط، قالت: یا رسول الله وإن کان ظالماً، قال: نعم»((1))، حیث إن الظاهر من قولها: (وإن کان ظالماً) هو کونه ظالماً لها بعدم القیام بحقوقها، فتدبر.

وأما ما یتوهم من استفادة اشتراط وجوبه علیها بعدم نشوز الزوج من النصوص المتکلفة لبیان حق کل منهما علی الآخر، حیث یستفاد منها مقابلة حقوق کل منهما بحقوق الآخر، ففیه منع استفادة ذلک منها علی نحو یجوز لکل منهما الامتناع عن القیام بحق الآخر عند امتناع الآخر عن القیام بحقه، ولذا لم یقل أحد فیما إذا ظهر من الزوج النشوز بمنع حقوقها الواجبة من نفقة وقسم ونحوها بجواز امتناعها عن القیام بحقه، بل قالوا: لیس لها هجره، بل لها المطالبة بحقوقها وإلاّ رفعت أمرها إلی الحاکم).

إذ قوله: (لا دلیل علی اشتراط وجوبها علیها بعدم نشوز الزوج) فیه: إنه یکفی دلیلاً قوله تعالی: ﴿ولهن مثل الذی علیهن... وهن لباس لکم وأنتم لباس لهن﴾((2)).

ص:384


1- الوسائل: ج14 ص112 الباب 79 من أبواب مقدمات النکاح ح3
2- سورة النساء: الآیة 187

ونحوهما، وما دل علی أن لکل حقاً علی الآخر مما ظاهره المقابلة عرفاً.

ففی رسالة الحقوق، عن السجاد (علیه الصلاة والسلام): «وأما حق رعیتک بملک النکاح، فأن تعلم أن الله جعلها سکناً ومستراحاً وأنساً وواقیة، وکذلک کل واحد منکما یجب أن یحمد الله علی صاحبه، ویعلم ذلک نعمة منه علیه، ووجب أن یحسن صحبة نعمة الله ویکرمها ویرفق بها، وإن کان حقک علیها أغلظ وطاعتک بها ألزم فیما أحببت وکرهت ما لم تکن معصیة، فإن لها حق الرحمة والمؤانسة، وموضع السکون إلیها قضاءً للذة التی لابد من قضائها وذلک عظیم»((1)).

أما روایة أبی بصیر فلابد وأن یراد بها المبالغة بالظلم الوهمی، أی فیما تتصور المرأة أنه ظلم کما هی عادة النساء، حیث یطلبن ما لا حق لهن، ثم إذا منعهن الأزواج تصورن أنهم ظلموهن، وإلاّ کیف یمکن تصدیق الرسول (صلی الله علیه وآله) سخط الزوج اعتباطاً ظلماً.

وقوله: (لم یقل أحد)، فیه: إنه لا یتم دلیلاً إلاّ إذا کان إجماعاً غیر محتمل الاستناد، وفیهما ما لا یخفی، ویؤید قوله (علیه الصلاة والسلام): «یشتریها بأغلی ثمن»((2)) ونحوه، مما تقدم فی بحث تسلیم المرأة نفسها فی قبال تسلمها المهر.

ثم إن ما ذکرناه هو مقتضی الصناعة وإلاّ فللفتوی مقام آخر، والله العالم.

ص:385


1- تحف العقول: ص118 رقم 19
2- الوسائل: ج14 ص59 الباب 36 ح1

مسألة ١ نشوز الرجل

(مسألة 1): قال فی الشرائع: (ولها ترک بعض حقوقها من قسمة أو نفقة استمالةً له، ویحل للزوج قبول ذلک).

وفی الجواهر: (بلا خلاف أجده فیه، بل الإجماع بقسمیه علیه، مضافاً إلی الأصل والکتاب والسنة، إذ هو المراد من قوله تعالی: ﴿وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح علیهما أن یصلحا بینهما صلحاً﴾((1))،)((2)).

قال فی الکشاف: (خافت من بعلها توقعت منه ذلک، لما لاح لها من مخایلة وأمارته، والنشوز أن یتجافی عنها بأن یمنعها نفسه ونفقته والمودة والرحمة التی بین الرجل والمرأة، وأن یؤذیها بسب أو ضرب، والإعراض أن یعرض عنها بأن یقل محادثتها ومؤانستها، وذلک لبعض الأسباب من طعن فی سن أو دمامة أو شیء فی خَلق أو خُلق أو ملال أو طموح عین إلی أخری أو غیر ذلک، فلا بأس بهما أن یصلحا بینهما صلحاً وهو أن یتصالحا علی أن تطیب له نفساً عن قسمة أو عن بعضها).

أقول: والظاهر أن للرجل الصلح أیضاً إذا خاف عن إعراض المرأة بما لا یجب علیها من رضاع وکنس وطبخ وغسل وزیادة خدمة للشؤون المنزلیة ومشارکة فی الإنتاج فی مثل الخیاط والزارع والراعی وغیرهم حیث تساعدهم زوجاتهم فی الإنتاج، وذلک لإطلاق الأدلة وللمناط فی المقام، ولیس الأمر خاصاً بنشوز الزوج أو إعراضه، وکذلک إذا کانت وکیلة فی طلاق نفسها فأرادت الطلاق فاستمالها الزوج لعدم الطلاق.

وکیف کان، فیدل علی ذلک متواتر الروایات:

ص:386


1- سورة النساء: الآیة 128
2- جواهر الکلام: ج31 ص208

مثل صحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، سألته عن قول الله تعالی: ﴿وإن امرأة خافت﴾ إلی آخر الآیة، فقال (علیه السلام): «هی المرأة تکون عند الرجل فیکرهها، فیقول لها: إنی أرید أن أطلقک، فتقول له: لا تفعل إنی أکره أن تشمت بی ولکن انظر فی لیلتی فاصنع بها ما شئت وما کان سوی ذلک من شیء فهو لک ودعنی علی حالتی، وهو قوله سبحانه: ﴿فلا جناح﴾ إلی آخره، وهذا هو الصلح»((1)).

وخبر أبی حمزة: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن قول الله عز وجل: ﴿وإن امرأة﴾ إلی آخر الآیة، فقال: «إذا کان کذلک فهمّ بطلاقها، فقالت له: أمسکنی وادع بعض ما هو علیک وأحلک من یومی ولیلتی، حل له ذلک ﴿ولا جناح علیهما﴾((2))».

وخبر أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، سألته عن قول الله عز وجل: ﴿وإن امرأة﴾ إلی آخر الآیة، قال: «هذا تکون عنده الامرأة لا تعجبه فیرید طلاقها، فتقول له: أمسکنی ولا تطلقنی وادع لک ما علی ظهرک وأعطیک من مالی وأحلک من یومی ولیلتی، فقد طاب ذلک کله»((3)).

وخبر أحمد بن محمد، عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام)، فی قول الله عز وجل: ﴿وإن امرأة﴾ إلی آخر الآیة، قال: «النشوز من الرجل أن یهمّ بطلاق امرأته، فتقول: ادع ما علی ظهرک وأعطیک کذا وکذا وأحلک من یومی ولیلتی علی ما  

ص:387


1- الوسائل: ج15 ص90 الباب 11 من أبواب القسم والنشوز ح1
2- الوسائل: ج15 ص90 الباب 11 من أبواب القسم والنشوز ح2
3- الوسائل: ج15 ص91 الباب 11 من أبواب القسم والنشوز ح2

اصطلحا فهو جائز»((1)).

وخبر زرارة، سئل أبو جعفر (علیه السلام) عن النهاریة یشترط علیها عند عقدة النکاح أن یأتیها ما شاء نهاراً، أو من کل جمعة أو من کل شهر یوماً وأن النفقة کذا وکذا، قال: «لیس ذلک الشرط بشیء، من تزوج امرأة فلها ما للمرأة من القسمة والنفقة، ولکنه إن تزوج امرأة فخافت منه نشوزاً أو خافت أن یتزوج علیها فصالحت من حقها علی شیء من قسمتها أو بعضها، فإن ذلک جائز لا بأس به»((2)).

وخبر زید الشحام، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «النشوز یکون من الرجل والمرأة جمیعاً، فأما الذی من الرجل فهو ما قال الله عزوجل: ﴿وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح علیهما أن یصلحا بینهما صلحاً والصلح خیر﴾((3))، وهو أن تکون المرأة عند الرجل لا تعجبه فیرید طلاقها فتقول: أمسکنی ولا تطلقنی وادع لک ما علی ظهرک وأحل لک یومی ولیلتی فقد طاب له ذلک»((4)).

وعن دعائم الإسلام، عن علی (صلوات الله علیه)، إنه سئل عن قول الله عزوجل: ﴿وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً﴾ الآیة، فقال: «عن مثل هذا فاسألوا، ذلک الرجل یکون له امرأتان فیعجز عن إحداهما أو تکون ذمیمة فیمیل منها ویرید طلاقها، وتکره ذلک فتصالحه علی أن یأتیها وقتاً بعد وقت، أو علی أن تضع حظها من ذلک»((5)).

وعن الرضوی (علیه السلام): «وأما النشوز فقد یکون من الرجل ویکون من المرأة،

ص:388


1- الوسائل: ج15 ص91 الباب 11 من أبواب القسم والنشوز ح6
2- الوسائل: ج15 ص91 الباب 11 من أبواب القسم والنشوز ح7
3- سورة النساء: الآیة 187
4- الوسائل: ج15 ص91 الباب 11 من أبواب القسم والنشوز ح4
5- المستدرک: ج2 ص613 الباب 11 من أبواب القسم والنشوز ح3

فأما الذی من الرجل فهو یرید طلاقها، فتقول: أمسکنی ولک ما علیک وقد وهبت لیلتی لک، ویصطلحان علی هذا»((1)).

وعن علی بن إبراهیم، فی قوله تعالی: ﴿وإن امرأة خافت﴾ الآیة، قال _ أی الصادق (علیه السلام) _: «إن امرأة خافت من زوجها أن یطلقها ویعرض عنها فتقول له: قد ترکت لک ما علیک ولا أسألک نفقة فلا تطلقنی ولا تعرض عنی فإنی أکره شماتة الأعداء، فلا جناح علیه أن یقبل ذلک ولا یجری علیها شیئاً».

إلی أن قال: وقوله: ﴿وإن امرأة﴾ الآیة، نزلت فی ابنة محمد بن مسلمة کانت امرأة رافع بن خدیجة وکانت امرأة قد دخلت فی السن فتزوج علیها امرأة شابة کانت أعجب إلیه من ابنة محمد بن مسلمة، فقالت له ابنة محمد بن مسلمة: ألا أراک معرضاً عنی مؤثراً علیّ، فقال رافع: هی امرأة شابة وهی أعجب إلیّ، فإن شئت أقررت علی أن لها یومین أو ثلاثة منی ولک یوم واحد، فأبت ابنة محمد بن مسلمة أن ترضاها، فطلقها تطلیقة واحدة ثم طلقها أخری، فقالت: لا والله لا أرضی أو تسوی بینی وبینها، یقول الله: ﴿وأحضرت الأنفس الشح﴾((2))، وابنة محمد لم تطب نفسها بنصیبها ونفسها شحت علیه، فأعرض علیها رافع إمّا أن ترضی وإمّا أن یطلقها الثالثة، فسخت علی زوجها ورضیت فصالحته علی ما ذکرت((3)).

وعن زرارة قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) فی حدیث: «من تزوج امرأة فلها ما

ص:389


1- المستدرک: ج2 ص613 الباب 4 من أبواب القسم والنشوز ح3
2- سورة النساء: الآیة 128
3- المستدرک: ج2 ص613 و 614 الباب 9 من أبواب القسم والنشوز ح1

للمرأة من النفقة والقسمة، ولکنه إن تزوج امرأة فخافت منه نشوزاً وخافت أن یتزوج علیها أو یطلقها فصالحت من حقها علی شیء من نفقتها أو قسمتها، فإن ذلک جائز لا بأس به»((1)).

أما ما رواه العامة عن عائشة: من أن القصة وقعت ما بین سودة وعائشة، حیث رووا أن سودة بنت زمعة حین کرهت أن یفارقها رسول الله (صلی الله علیه وآله) عرفت مکان عائشة من قبله فوهبت لها یومها((2))، فلا یخفی ما فیه.

ورووا أیضاً أن امرأة أراد زوجها أن یطلقها لرغبته عنها وکان لها منه ولد فقالت: لا تطلقنی ودعنی أقوم علی ولدی وتقسم لی فی کل شهرین، فقال: «إن کان هذا یصلح فهو أحب إلی، فأقرها»((3)).

أقول: لکن لا یبعد أن یکون ذلک مکروهاً، بل أحیاناً من أشد المکروهات، فإن فیه أیذاءً لها وکسراً لخاطرها، بالإضافة إلی المناط فیما تقدم فی باب متعة المطلقة من التعلیل.

وما رواه الوسائل فی باب کراهة التوصل إلی الطلاق بطلب المهر، عن حسن بن مالک قال: کتبت إلی أبی الحسن (علیه السلام) رجل زوّج ابنته من رجل فرغب فیه ثم زهد فیه بعد ذلک وأحب أن یفرّق بینه وبین ابنته وأبی الختن ذلک ولم یجب إلی طلاق فأخذه بمهر ابنته لیجیب إلی الطلاق ومذهب الأب التخلص منه، فلما أخذ بالمهر أجاب إلی الطلاق، فکتب (علیه السلام): «إن کان الزهد من طریق الدین فلیعمد إلی التخلیص، وإن کان غیره فلا یتعرض لذلک»((4)).

ص:390


1- الوسائل: ج15 ص91 الباب 11 من أبواب القسم والنشوز ح7
2- سنن البیهقی: ج7 ص303
3- سنن البیهقی: ج7 ص298
4- الوسائل: ج15 ص42 الباب 32 ح1

ثم هل ذلک یأتی أیضاً فی ترک الزوج الحقوق الواجبة أو فعله الحرام، کترک نفقتها وقسمها ظلماً، أو ترکها وإیذائها اعتداءً، احتمالان.

قال فی الحدائق بعد ذکره جملة من الأخبار المتقدمة: وهذه الأخبار بعد حمل مطلقها علی مقیدها ومجملها علی مبینها ظاهرة الاتفاق فی تخصیص صحة الصلح وبراءة ذمة الزوج مما أسقطته عنه المرأة بما لو کرهها أو أراد التزویج علیها أو نحو ذلک مما لا یتضمن إخلالاً بواجب أو ارتکاب محرم.

وبذلک یظهر ضعف قول من قال: إنه لو أخل الزوج بحقوقها الواجبة أو بعضها فترکت له بعض الحقوق جاز ذلک وبرأت ذمته وإن کان آثماً فی نشوزها، لأن الآیة بمقتضی الروایات التی وردت بتفسیرها أکثرها صریح فی تخصیص ذلک بکراهته لها ونحو ذلک، دون الإخلال بالحقوق الواجبة علیه لها، وما أطلق فقرائن ألفاظه ظاهر فی ذلک أیضاً.

وکأنه أشار بذلک إلی ما فی المسالک، قال: (وما ذکرناه حکم بذلها الحق مع عدم تقصیره، وظاهر الآیة جواز قبوله وحله له وإن کان آثماً فی نشوزه، وکذلک عبارة المصنف، والحکم فیه کذلک، لأن مثل ذلک لا یعد إکراهاً علی بذل حقها، وإن أثم فی تقصیره، نعم لو قهرها علی بذله فلا شبهة فی عدم حله، ویظهر من روایة الحلبی تفسیر الآیة بالمعنی الأول خاصة وهو أولی).

أقول: لا إشکال فی أن الاحتیاط ما ذکره الحدائق وتبعه الجواهر بقوله: (إن الأخبار کلها متفقة علی جواز قبوله ما تبذله له من حقوقها فی مقابلة ما یرید فعله معها مما هو غیر محرم علیه کطلاق ونحوه، لا أنه جائز له وإن کان لدفع ما یفعله مما هو محرم علیه).

وسیأتی بعض الکلام فی ذلک عند تعرض الشرائع له إن شاء الله تعالی.

ثم الظاهر عدم الاحتیاج إلی صیغة الصلح وإن کانت أولی.

ص:391

(مسألة 2): قال فی الشرائع: (القول فی الشقاق، وهو فعال من الشق، کأن کل واحد منهما فی شق، فإذا کان النشوز منهما وخشی الشقاق بعث الحاکم حکماً من أهل الزوج وآخر من أهل المرأة علی الأولی، ولو کان من غیر أهلهما أو کان أحدهما جاز أیضاً).

أقول: الأصل فی ذلک قوله سبحانه: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَیْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَکَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَکَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ یُرِیدَا إِصْلاَحاً یُوَفِّقِ اللهُ بَیْنَهُمَا إِنَّ اللهَ کَانَ عَلِیماً خَبِیراً﴾((1))، و(شقاق بینهما) أصله شقاقاً بینهما فأضیف الشقاق إلی الظرف علی طریق الاتساع، کقوله سبحانه: ﴿بَلْ مَکْرُ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ﴾((2))، ویمکن أن یکون مجازاً بجعل البین مشاقاً.

وإنما جعل الحکمین من أهلهما، لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأکثر طلباً للإصلاح ویسکن إلیهما الزوجان، ویظهران لهما ما فی ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة.

أما قوله سبحانه: ﴿إِنْ یُرِیدَا إِصْلاَحاً یُوَفِّقِ اللهُ بَیْنَهُمَا﴾ ففیه احتمالان:

الأول: إن قَصَد الحکمان إصلاح ذات البین بأن کانت نیتهما خالصة صحیحة وقلوبهما مرتبطة بالله سبحانه وتعالی، أنزل الله علی الزوجین الألفة والوفاق بدل الشقاق.

الثانی: إن الضمیرین للزوجین، أی إن یریدا إصلاح ما بینهما وطلبا الخیر وأن یزول عنهما الشقاق ینزل الله علیهما الألفة، وأبدلهما بالشقاق وفاقاً، وبدل البغضاء محبة ومودة، ﴿إِنَّ اللهَ کَانَ عَلِیماً خَبِیراً﴾ یعلم کیف یوفق بین المختلفین ویجمع

ص:392


1- سورة النساء: الآیة 35
2- سورة سبأ: الآیة 33

بین المتفرقین وهو خبیر بدخائل القلوب وما فی الصدور.

وقد ورد فی الحکم جملة من الروایات:

ففی خبر علی بن أبی حمزة: سألت العبد الصالح (علیه السلام) عن قول الله عز وجل: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ﴾ إلی آخر الآیة، قال: «یشترط الحکمان إن شاءا فرقا، وإن شاءا جمعا، فإن فرقا أو جمعا جاز»((1)).

وعن سماعة: سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن قول الله تعالی: ﴿فَابْعَثُوا حَکَماً مِنْ أَهْلِهِ﴾((2)) الآیة، أرأیت إن استأذن الحکمان، فقالا للرجل والمرأة: ألستما قد جعلتما أمرکما إلینا فی الإصلاح والتفریق، فقال الرجل والمرأة: نعم وأشهدا بذلک شهوداً علیهما، أیجوز تفریقهما علیهما، قال: «نعم، ولکن لا یکون إلاّ علی طهر من المرأة من غیر جماع من الزوج»، قیل له: أرأیت إن قال أحد الحکمین: قد فرقت، وقال الآخر: لم أفرق بینهما، فقال: «لا یکون تفریقاً حتی یجتمعا جمیعاً علی التفریق، فإذا اجتمعا جمیعاً علی التفریق جاز تفریقهما»((3)).

وعن محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، سألته عن قول الله تعالی: ﴿فَابْعَثُوا﴾ الآیة، قال: «لیس للحکمین أن یفرقا حتی یستأمرا»((4)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، سألته عن قول الله عز وجل: ﴿فَابْعَثُوا﴾ الآیة، قال: «لیس للحکمین أن یفرقا حتی یستأمرا الرجل والمرأة، ویشترطا علیهما إن شئنا جمعنا وإن شئنا فرقنا، فإن فرقا فجائز وإن جمعا فجائز»((5)).

ص:393


1- الوسائل: ج15 ص90 الباب 1 من أبواب القسم والنشوز ح2
2- سورة النساء: الآیة 35
3- الوسائل: ج15 ص93 الباب 12 من أبواب القسم والنشوز ح1
4- الوسائل: ج15 ص93 الباب 12 من أبواب القسم والنشوز ح2
5- الوسائل: ج15 ص93 الباب 12 من أبواب القسم والنشوز ح4

وعن العیاشی، عن زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «إذا نشزت المرأة علی الرجل فهی الخلعة فلیأخذ منها ما قدر علیه، وإذا نشز الرجل مع نشوز المرأة فهو الشقاق».

وعن زید الشحام، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی قوله تعالی: ﴿فَابْعَثُوا حَکَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَکَماً مِنْ أَهْلِهَا﴾، قال: «لیس للحکمین أن یفرقا حتی یستأمرا الرجل والمرأة»((1)).

قال العیاشی: وفی خبر آخر، عن الحلبی، عنه (علیه السلام): «ویشترط علیهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرقا، فإن جمعا فجائز وإن فرقا فجائز»((2)).

قال: وفی روایة فضالة: «فإن رضیا وقلداهما الفرقة ففرقا فهو جائز»((3)).

وعن محمد بن سیرین عن عبیدة، قال: أتی علی بن أبی طالب (علیه السلام) رجل وامرأة مع کل واحد منهما فئام من الناس، فقال علی (علیه السلام): «ابعثوا حکماً من أهلها وحکماً من أهله»، ثم قال للحکمین: «هل تدریان ما علیکما، إن رأیتما أن تجمعنا جمعتما وإن شئتما أن تفرقا فرقتما»، فقالت المرأة: رضیت بکتاب الله علیّ ولی، فقال الرجل: أما فی الفرقة فلا، فقال علی (علیه السلام): «لا تبرح حتی تقر بما أقرت به»((4)).

وعن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی قول الله عز وجل: ﴿فَابْعَثُوا حَکَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَکَماً مِنْ أَهْلِهَا﴾ قال: «الحکمان یشترطان إن شاءا فرقا وإن شاءا جمعا، فإن جمعا فجائز، وإن فرقا فجائز»((5)).

وعن الرضوی (علیه السلام): «وأما الشقاق فیکون من الزوج والمرأة جمیعاً، کما

ص:394


1- الوسائل: ج15 ص93 الباب 13 من أبواب القسم والنشوز ح8
2- الوسائل: ج15 ص94 الباب 13 من أبواب القسم والنشوز ح4
3- الوسائل: ج15 ص94 الباب 13 من أبواب القسم والنشوز ح5
4- الوسائل: ج15 ص94 الباب 13 من أبواب القسم والنشوز ح6
5- الوسائل: ج15 ص92 الباب 12 من أبواب القسم والنشوز ح2

قال الله: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَیْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَکَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَکَماً مِنْ أَهْلِهَا﴾، یختار الرجل رجلاً صالحاً والمرأة تختار رجلاً فیجتمعان علی فرقة أو علی صلح، فإن أرادا إصلاحاً فمن غیر أن یستأمرا، وإن أرادا التفریق بینهما فلیس لهما إلاّ من بعد أن یستأمرا»((1)).

وعن الصدوق فی المقنع، الذی هو متون الروایات، مثله((2)).

وعن دعائم الإسلام، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام)، إنه قال فی قول الله عز وجل: ﴿فَابْعَثُوا حَکَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَکَماً مِنْ أَهْلِهَا﴾ قال: «لیس لهما أن یحکما حتی یستأمرا الرجل والمرأة ویشترطا علیهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرقا»((3)).

وعن دعائم الإسلام أیضاً، عن جعفر وأبی عبد الله (علیهما السلام)، أنهما قالا فی قول الله عز وجل: ﴿فَابْعَثُوا حَکَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَکَماً مِنْ أَهْلِهَا﴾، قال: «لیس للحکمین أن یفرقا حتی یستأمرا الرجل والمرأة»((4)).

وعنه، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «إن رجلاً أتاه مع امرأة مع کل واحد منهما فئام من الناس، فأمر (علیه السلام) أن یبعثا حکماً من أهله وحکماً من أهلها، ففعلوا ثم دعی الحکمین فقال: «هل تدریان ما علیکما، علیکما إن رأیتما أن یجمعا جمعتما، وإن رأیتما أن یفرقا فرقتما»، فقالت المرأة: رضیت بکتاب الله لی وعلیّ، وقال الزوج: أما الفرقة فلا، فقال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «کذبت لعمر الله حتی ترضی بالذی رضیت»((5)).

ص:395


1- المستدرک: ج2 ص613 الباب 4 من أبواب القسم والنشوز ح3
2- المستدرک: ج2 ص613 الباب 8 من أبواب القسم والنشوز ح1
3- المستدرک: ج2 ص613 الباب 8 من أبواب القسم والنشوز ح2
4- المستدرک: ج2 ص613 الباب 7 من أبواب القسم والنشوز ح3
5- الوسائل: ج15 ص94 الباب 12 من أبواب القسم والنشوز ح6

وعن علی بن إبراهیم فی تفسیره، فی قوله تعالی: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَیْنِهِمَا﴾، قال: «فما حکم به الحکمان فهو جائز، یقول الله: ﴿إِنْ یُرِیدَا إِصْلاَحاً یُوَفِّقِ اللهُ بَیْنَهُمَا﴾ یعنی الحکمین، فإذا کان الحکمان عدلین دخل حَکَم المرأة علی المرأة فیقول: أخبرینی ما فی نفسک فإنی لا أحب أن أقطع شیئاً دونک، فإن کانت هی الناشزة قالت: أعطنی من مالی ما شاء وفرق بینی وبینه، وإن لم تکن ناشزة قالت: أنشدک الله أن لا تفرق بینی وبینه، ولکن استر ذلی فی نفقتی فإنه إلیّ مسیء».

«ویخلو حَکَم الرجل بالرجل فیقول: أخبرنی ما فی نفسک فإنی لا أحب أن أقطع شیئاً دونک، فإن کان هو الناشز قال: خذ لی منها ما استطعت وفرق بینی وبینها فلا حاجة لی فیها، وإن لم یکن ناشزاً قال: أنشدک الله لا تفرق بینی وبینهما فأنها أحب الناس إلی، فأرضها من مالی بما شئت».

«ثم یلتقی الحکَمان وقد علم کل واحد منهما ما أفضی به إلیه صاحبه، فأخذ کل واحد منهما علی صاحبه عهد الله ومیثاقه لتصدقنی ولأصدقنک، وذلک حین یرید الله أن یوفق بینهما، فإذا فعلا وحدّث کل واحد منهما صاحبه بما أفضی إلیه عرفا مَن الناشز، فإن کانت المرأة هی الناشزة، قالا: أنت عدوة الله الناشزة العاصیة لزوجک لیست لک علیه نفقة ولا کرامة لک وهو أحق أن یبغضک أبداً حتی ترجعین إلی أمر الله، وإن کان الرجل هو الناشز، قالا له: یا عدو الله أنت العاصی لأمر الله المبغض لامرأتک وعلیک نفقتها ولا تدخل لها بیتاً ولا تری لها وجهاً أبداً حتی یرجع إلی أمر الله وکتابه».

قال: «وأتی علی بن أبی طالب (علیه السلام) رجل وامرأة علی هذه الحال، فبعث حکماً من أهله وحکماً من أهلها، وقال للحکمین: هل تدریان ما تحکمان، احکما إن شئتما فرقتما، وإن شئتما جمعتما، فقال الزوج: لا أرضی بحکم فرقة ولا أطلقها، فأوجب

ص:396

علیه نفقتها ومنعه أن یدخل علیها، وإن مات علی ذلک الحال الزوج ورثته، وإن ماتت لم یرثها إذا رضیت منه بحکم الحکمین وکره الزوج، فإن رضی الزوج وکرهت المرأة أنزلت بهذه المنزلة إن کرهت لم یکن لها علیه نفقة، وإن مات لم ترثه وإن ماتت ورثها حتی ترجع إلی حکم الحکمین»((1)).

ثم الظاهر من کلام الأصحاب، المصرح به فی عبارة جملة منهم ناسبین له إلی الأصحاب، أنه لا إشکال فی أنه إذا رأی الحکمان الصلح واجتمعا علیه لم یتوقف علی إذن الزوجین، ومعنی ذلک أنه کیف ما اتفقا فی الإصلاح وجب علی الزوجین القبول، فمثلاً إذا أعطیا من الزوج للزوجة کثرة القسم أو النفقة أو تبدیل المنزل أو ما أشبه ذلک لزم علیه القبول، وإذا أعطیا من الزوجة للزوج قلة القسم أو قلة النفقة أو نحو ذلک لزم علیها، لکن یبقی أن الزوج إذا أعطی منه للزوجة لم یخرج من یده حق الطلاق، وأن الزوجة إذا أعطی منها له حق لها طلب طلاق الخلع مثلاً، أو إذا کان شرط الطلاق بیدها کان لها ذلک، فإنه لا دلیل علی أن الحکمین نافذان بحیث یرفعان حتی مثل هذه الأمور.

أما إذا رأیا الفراق فقد قال فی المسالک: (یجب علی الحکمین الاجتهاد فی النظر والبحث عن حالهما والسبب الباعث علی الشقاق والتألیف بینهما ما أمکن، ثم إن رأیا الإصلاح هو الأصلح فعلاه، وإن رأیا الأصلح لهما الفراق، فهل یجوز لهما الفراق، قولان مرتبان علی کونهما وکیلین أو حکمین:

فعلی الأول: لا إشکال فی وجوب مراعاة الوکالة، فإن تناولت الوکالة فعلاه، وإلاّ فلا.

ص:397


1- المستدرک: ج2 ص614 الباب 11 من أبواب القسم والنشوز ح2

وعلی الثانی: ففی جواز الفراق أیضاً قولان مبنیان علی أن مقتضی التحکیم علی الإطلاق تسویغهما فعل ما یریانه صلاحاً، فیتناول الطلاق والبذل حیث یکونان صلاحاً، ومن أن أمر طلاق المکلف إلی الزوج، لقوله (صلی الله علیه وآله): «الطلاق بید من أخذ بالساق» وهذا هو الأشهر. ویدل علیه من الأخبار حسنة الحلبی... ویظهر من ابن الجنید جواز طلاقهما بدون الإذن، لأنه قال: ویشترط الوالی أو المرضی بحکمه علی الزوجین أن للمختارین جمیعاً أن یفرقا بینهما أو أن یجمعا إذا رأیا ذلک صواباً، وعلی کل واحد من الزوجین إنفاذ ذلک والرضا به، وأنهما قد وکلاهما فی ذلک ومهما فعلاه فهو جائز علیهما، وقد روی أن علیاً (علیه السلام) بعث حکمین)((1))، ثم نقل الروایة المتقدمة.

لکن یمکن أن یقال: إن الطلاق لا یکون إلاّ بإجارة الزوج، وإذا کان خلعاً فبإجازتهما، سواء کانا حکمین أو وکیلین، إذ لا دلیل علی أن الحکَم یحق له الطلاق بدون الإجازة، بل ظاهر بعض الأخبار المتقدمة الاحتیاج إلی الإجازة والاستیمار، ولذا قال فی الجواهر: (لا یخفی علیک ظهور النصوص فی أن التفریق لهما مع اشتراطهما ذلک، ولعله لا ینافی کلام المشهور المنزل علی أنه لیس لهما التفریق مع الإطلاق، بل علی ذلک نزل کلام ابن الجنید أیضاً).

وعلیه فإذا رأی حَکَم الرجل أو وکیله أن یطلق بغیر عوض وکان مأذوناً من قبل موکله ومحکّمه فی ذلک طلق مستقلاً به بلا احتیاج إلی حَکَم المرأة، لوضوح أن حَکَم المرأة لا صنع له بالطلاق، ولا فرق فی ذلک بین أن یطلق واحدة أو أزید حسب مقدار التوکیل والتحکیم، وإن رأی الخلع وساعده حَکَم المرأة فیما کان لهما ذلک تخالعا، وإن اختلفا لم ینفذ الأمر، ومن الواضح أنهما إن أرادا الطلاق خلعاً أو غیر خلع بثلاث أو باثنین أو واحد یلزم أن یتوفر فی الطلاق شروط

ص:398


1- مسالک الأفهام: ج8 ص367 _ 368

الطلاق من العدلین والطهارة فی المرأة بدون مواقعة وغیر ذلک، وکذلک حال طلاق المباراة، بل ینبغی أن یقال: إن لهما الفسخ من قبل الرجل أو المرأة فیما إذا کان مورد الفسخ ولم یکن ذلک مضراً بالفوریة لإطلاق الأدلة أو مناطها.

ثم إنه لا إشکال فی أنه یلزم أن یخلو حَکَم الرجل بالرجل وحَکَم المرأة بالمرأة فیما لم تکن الخلوة محرمة، وإلاّ بما یزیل التحریم من وجود إنسان آخر ونحوه، لیعرفا ما عندهما وما فیه رغبتهما، لما تقدم فی جملة من النصوص السابقة، واذا اجتمع الحکَمان بعد الاختلاء بالزوجین لم یخف أحدهما علی الآخر بما علم حتی یتمکنا من رأی الصواب.

وهل یشترط فیهما کونهما رجلین، أو یجوز أن یکونا امرأتین، أو رجلاً واحداً وامرأة واحدة، له أو لها، لم یتعرضوا لذلک فیما وجدت، والانصراف إلی الأول، وکذلک الاحتیاط ویحتمل الجواز.

ثم إن الجواهر قال: (فإن اختلف رأیهما بعث إلیهما آخرین حتی یجتمعا علی شیء)((1)).

لکن الظاهر أنه یکفی بعث واحد آخر، سواء مکان هذا أو مکان هذا، إذ لا دلیل علی لزوم بعث اثنین أیضاً.

ولا یخفی أنه یلزم علی الحکَمین إخلاص النیة فی السعی بقصد الإصلاح، فإنما الأعمال بالنیات، ولکل امرئ ما نوی، فإذا حسنت النیة وفقه الله سبحانه وتعالی للحق والصلاح، قال سبحانه: ﴿إِنْ یُرِیدَا إِصْلاَحاً یُوَفِّقِ اللهُ بَیْنَهُمَا﴾.

وهل المراد بأن یریدا إصلاحاً مجرد الجمع بینهما أو الأعم من الجمع والتفریق، لا یبعد الثانی، وإن کان المنصرف من اللفظ الأول، إلاّ أن الانصراف بدوی، لوضوح أن الإصلاح قد یکون فی الجمع وقد یکون فی الفریق.

فقول الجواهر: (إن مفهوم الشرط یقتضی أن عدم التوفیق بین الزوجین یدل

ص:399


1- جواهر الکلام: ج31 ص217

علی فساد قصد الحکَمین، وأنهما لم یجتمعا علی قصد الإصلاح، بل فی نیة أحدهما أو هما فساد، فلذلک لم یبلغا المراد)، محل تأمل.

والظاهر أنه یجب علیهما أن یقولا ما هو الصلاح، سواء لهما أو للمجموع من الأولاد والأهل ومن أشبه، إذ قد یکون الصلاح فی الاجتماع أو فی الافتراق بالنسبة إلی الزوجین، وقد یکون أحدهما بالنسبة إلی المجموع من حیث المجموع، وبصورة عامة فاللازم ترجیح الأهم علی المهم.

أما إذا رأیا الصلاح فی شیء وقالا غیره لم یستبعد الحرمة، بل الحرمة تکون آکد لو کان قصدهما سیئاً، کما إذا رأیا الصلاح فی الاجتماع لکنهما أرادا الفرقة لأن أحدهما یرید الزواج بالمرأة، أو أن کلیهما یرید الزواج بها، کل یرید الاستئثار أو متعةً بترتیب بینهما مثلاً، لجمالها أو مالها أو عداوتهما الباطنة لها أو له أو لغیر ذلک من الأغراض الفاسدة.

وکذلک إذا رأیا الفراق لکنهما قالا بالاجتماع من الزوجین لغرض سیء مثل أنها بنت أحدهما أو أخته وهو لا یرید بقاءها بلا نفقة أو بلا زوج مثلاً، وکذلک فی طرف الزوج.

وعلی أی حال، فلوأصلحا والأمر یحتاج إلی الفراق بنظرهما فعلا حراماً، وإن لم یضر ذلک بالوضع، أما إذا رأیا الإصلاح وفعلا الفرقة فهل یبطل النکاح أو لا یبطل، احتمالان، لکن ربما یفصل بین وکالتهما أو إذنهما حال کونهما حَکَماً لما یشمل مثل هذا الطلاق أیضاً فالصحة، وإلاّ فالبطلان، وهذا هو الأقرب.

ثم الظاهر أنه إنما ینفذ ما فعله الحکَمان فیما إذا کانا من قبل الحاکم حیث راجعاه أو بدون المراجعة، من باب أنه الولی لإصلاح الفاسد مما یسمی الیوم بالادعاء العام، إذا رأی الاستقلال بذلک صلاحاً أو کانا من قبل الزوجین أو کان

ص:400

أحدهما من قبل الحاکم عن أحد الزوجین والآخر من قبل الزوج الآخر، أما إذا کانا من قبل الأهل أو کان أحدهما من قبل الأهل، وإن کان الآخر من قبل من له الصلاحیة من الحاکم أو الزوج الآخر فلا نفوذ، إذ لا دلیل علی النفوذ، والأصل عدمه.

نعم إذا کان أحدهما من قبل الزوج والآخر من قبل الأهل مثلاً، أو کان أحدهما من قبل الحاکم بالنسبة إلی الزوج والآخر من قبل من لا صلاحیة له، ورأی الوکیل عن الزوج أو من قبل الحاکم للزوج الطلاق وطلق بدون الخلع، صح ذلک لإطلاق أدلة مثل ذلک.

وبذلک یظهر وجه النظر فی کثیر من الکلمات:

ففی الحدائق: (اختلف المفسرون والفقهاء فی المخاطب فی الآیة بإنفاذ الحکم هل هو الحاکم الشرعی أو الزوجان أو أهل الزوجین علی أقوال، وبالأول قطع المحقق فی الشرائع والعلامة فی القواعد، ونسبه فی المسالک إلی الأکثر، قال: وجعلوا ضمیر فابعثوا فی الآیة راجعاً إلی الحکام، والثانی اختیار ابن بابویه فی الفقیه والمقنع وأبیه فی الرسالة والمحقق فی الشرائع، إلاّ أنه فی النافع قال: إذا امتنعا بعثهما الحاکم).

وفی مجمع البیان: (اختلف فی المخاطب بإنفاذ الحکَمین من هو، فقیل: السلطان الذی ترافع الزوجان إلیه، عن سعید بن جبیر وأکثر الفقهاء، وهو الظاهر فی الأخبار عن الصادقین (علیهما السلام).

وقیل: إنه الزوجان أو أهل الزوجین، عن السدی، واختلفوا فی الحکمین هل لهما أن یفرقا بالطلاق إن رأیاه أم لا، والذی فی روایات أصحابنا عنهم (علیهم السلام) أنه لیس لهما ذلک إلاّ بعد أن یستأمراهما ویرضیا بذلک.

ص:401

وقیل: إن لهما ذلک، عن سعید بن جبیر والشعبی والسدی وإبراهیم، ورووه عن علی (علیه السلام)، ومن ذهب إلی هذا القول قال: إن الحکَمین رسولان).

ثم قال الحدائق: (وأنت خبیر بأنه لیس فی الأخبار المتقدمة ما یدل علی ما نحن فیه إلاّ کلام الرضا (علیه السلام) فی کتاب الفقه((1))، فإنه صریح فی أن البعث من الزوجین، وإنما نسب هذا القول إلی الصدوق فی الفقیه لأنه قد عبّر بهذه العبارة ... وظاهر الروایة المرسلة المذکورة فی کلام علی بن إبراهیم هو أن المرسل هو الإمام (علیه السلام)، حیث تضمنت أنه بعد أن أتاه الرجل والمرأة علی هذه الحالة بعث حکَماً من أهله وحکَماً من أهلها ... ونقل عن ابن الجنید أن الإمام یأمر الزوجین أن یبعثا، فیکون هذا قولاً ثالثاً)((2)).

وکیف کان، فإذا فرق الحکَمان أو جمعا بتنازل من حق هذا أو حق هذا وکانا وکیلی الحاکم فصدق الحاکم فعلهما فلا إشکال، وإن أنکر أنه أذنهما فیما فعلا، أو قال: إنهما لم یفعلا الصلاح، بطل عمل الوکیلین، إذ لا مخرج عن أمر الحاکم الذی جعل إلیه الأمر شرعاً.

وأما إذا کانا وکیلی الزوجین فصدقا فلا إشکال، أما إذا کذبا بأن قالا: لم نأمرهما بما فعلا بأن کانت الوکالة أو الإذن فی الحکَمیة لم تشمل ما فعلا، فعلی الحکَمین البینة، وعلیهما الحلف علی قواعد الدعوی، أما إذا قالا: إن ما فعلاه کان مشمولاً للوکالة لکنهما لم یفعلا الصلاح، فعلی الزوجین البینة، ومعنی عدم المشمولیة للوکالة کونها مهملة.

ثم إن الزوجین إن بعثا الحکَمین فلا إشکال، وإن لم یبعثا ورأی الحاکم الصلاح فی البعث بعث وإن لم یرضیا، وإن لم یکن حاکم فالظاهر أن الأمر

ص:402


1- المستدرک: ج2 ص613 الباب 4 من أبواب القسم والنشوز ح3
2- الحدائق الناضرة: ج24 ص627 _ 628

یصل إلی عدول المؤمنین لإطلاق الأدلة، فالأهل لا شأن لهم إطلاقاً، إلاّ بإجازة الزوجین أو الحاکم أو کونهم من عدول المؤمنین، واحتمال شمول الآیة لهم ابتداءً أو بعد تعذر الحاکم والزوجین لا یوجب الظهور الذی هو المأخوذ به فی الکتاب والسنة.

وإذا کان أحد الزوجین أو کلاهما سفیهاً لا شأن له فی مثل هذه الأمور، أو مجنوناً أو صغیراً أو ما أشبه ذلک کان اللازم علی الوالی حاکماً کان أو غیره بعث الحکَمین.

وعلی أی حال، فقد ظهر مما تقدم أن الباعث یمکن أن یکون الزوجین، کما یمکن أن یکون الحاکم، بل هو ظاهر الصدوقین والمحقق فی النافع وغیرهم.

وقال فی کشف اللثام فی شرح عبارته: (وهو حق، ولا یستلزم أن یکون الخطاب فی الأول للزوجین لیستبعد، ولا ینافیه ظاهرها، فإن من المعلوم أن بعثهما الحکَمین جائز وأنه أولی من الترافع إلی الحاکم، وکذا إذا بعث أولیاؤهما الحکمین مع جواز الخطاب فی الآیة لهم عموماً أو خصوصاً، أو البعث منهم فیقسم إلی الواجب وغیره کما فی بعث الحاکم، واقتصر فی النهایة علی نفی البأس عن بعث الزوجین، وبالجملة ینبغی أن لا یکون خلاف فی جواز البعث من کل من هولاء، ووجوبه إذا توقف الإصلاح علیه خصوصاً الحاکم والزوجین، ولا ینشأ الاختلاف فی الآیة الاختلاف فی ذلک).

أقول: کلامه وإن کان تاماً من جهة بعث الزوجین، إلاّ أن جعله البعث من الأهل أیضاً وحدهم بدون إجازة الزوجین کما هو ظاهره، غیر خال من الإشکال، إذ أی شیء یلزم علیهما من الحکَمین الذین لیس بعثهما بإجازتهما ولا بأمر من یلزم علیهما أمره وهو الحاکم، والظاهر أن البعث سواء کان من الحاکم أو من الزوجین

ص:403

یصح أن یکون بعنوان الحکَم، ویصح أن یکون بعنوان الوکیل، فقول الجواهر: (ولو تعذر الجمیع فبعث الزوجان کان المبعوث وکیلاً محضاً لا حکماً فیفعل ما تقتضیه الوکالة من عموم أو خصوص).

وقال: (قد یناقش فی بعث الزوجین بإمکان منع بعث الزوجین حکَمین والأهلین علی وجه یترتب علیه إمضاء حکمهما علیهما بالصلح وإن لم یرضیا، بناءً علی اختصاص الخطاب فی الآیة للحکام لعدم دلیل حینئذ علی ذلک، وکذا الکلام فی العکس، وهذا ونحوه أحد ثمرات الخلاف فی المسألة).

محل نظر، إذ فرق بین الأهلین وبین الزوجین، حیث ورد النص فی الزوجین ولم یرد فی الأهلین.

ومنه یعلم صحة جعل الزوجین الحکَمین بعنوان الحکَم، کما یصح أن یکون بعنوان الوکیل أو بالاختلاف، والفرق هو أن الحکَمین یحکمان حسب ما یریاه صلاحاً بعد جعلهما إیاهما حکَمین، بینما الوکیل لا یتمکن أن یعمل إلاّ فی دائرة الوکالة، وهذا هو الفارق بین الأمرین.

ثم الظاهر أن البعث واجب إذا کان هو الطریق المنحصر لرفع الشقاق، وإلاّ کان أحد أفراد الواجب من الطلاق أو الإصلاح بغیر ذلک، وذلک لظهور الأمر فی الآیة المبارکة فی الوجوب، ولأنه یکون أحد أفراد الواجب إذا کان هنالک واجب آخر، نعم إذا کان الانشقاق فی سبیل الانتهاء لمرض أحدهما مرض الموت أو لسجن کذلک أو قرب سجن أو تسفیر أو تزویج الزوج بزوجة أخری حیث ینتهی النزاع تلقائیاً بینهما أو ما أشبه ذلک، لم یکن أحد الأمور المذکورة واجباً حتی یکون البعث أحد شقوق الواجب التخییری.

قال فی الجواهر: (الظاهر وجوب هذا البعث وفاقاً لجماعة لظاهر الأمر،

ص:404

ولکون ذلک من الأمر بالمعروف، ومن الحسبة التی الحاکم لأمثالها، خلافاً للمحکی عن التحریر من الاستحباب للأصل، وظهور الأمر فی الإرشاد، علی أنه من الأمور الدنیویة التی لا یظهر إرادة الوجوب منه فیها، وفیه: إن الأصل مقطوع بما عرفت، والأخیرین لا ینافیان ظهوره فی الوجوب المؤید بما عرفت).

وهو جید.

ولو راجع أحد الزوجین حاکماً والآخر حاکماً، فبعث کل واحد حکَمین، لم یستعبد کون المبعوث الأول هو المحکم ویبطل الثانی، ویحتمل أن یکون حکَم کلیهما محکماً فیعمل بأکثریة الآراء، فإذا کان ثلاثة منهم وافقوا علی شیء قدم علی الواحد، وإذا تقابل اثنان باثنتین ألغی ویجب الاستیناف، وإنما یعمل بأکثریة الآراء لکون ذلک مقتضی الحجیة، بضمیمة دلیل الشوری، ومنه یعلم حال ما إذا بعث الحاکم من أول الأمر أربعة أو اختار کل من الزوجین اثنین مثلاً.

وقد ذکرنا فی کتاب القضاء عدم استبعاد رجوع المتنازعین إلی حکام متعددین، کثلاثة أو خمسة أو ما أشبه، فإذا حکموا بأکثریة الآراء کان الحکم منفذاً، ولا اعتبار بحکم الأقلیة، لإطلاق أدلة المراجعة إلی الحاکم بضمیمة دلیل الشوری.

ولو بعث الزوجان أو الحاکم الحکَمین لکنهما صالحا وارتفع الشقاق قبل حکم الحکَمین أو طلق الزوج زوجته أو ما أشبه ذلک، کما إذا حصل رضاع محرم بین الطرفین أو نحو ذلک، فالظاهر سقوط قصة التحکیم، لأن ظاهر الآیة والروایة وجود الشقاق فی الاحتیاج إلی حکم الحکَمین.

ص:405

لا یقال: قوله سبحانه: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَیْنِهِمَا﴾ ظاهر فی عدم وجود الشقاق حال البعث، لأن خوف الشیء غیر الشیء.

لأنه یقال: ظاهر الآیة وجود النزاع دون الشقاق، إذ الشقاق یقع بعد النزاع، قال سبحانه: ﴿فإنما هم فی شقاق﴾، فإن فی النزاع یکون أخذ وعطاء فلیسا فی شقین، بینما إذا وقع الشقاق یکون کل واحد فی شق مقابل للآخر.

ومنه یعلم وجه النظر فی جملة من الأقوال فی تفسیر الآیة المبارکة، کقول مجمع البیان: (فإن خفتم أی خشیتم، وقیل: علمتم، والأول أصح، لأنه لو علم الشقاق یقیناً لما احتیج إلی الحکَمین، وکأن مراده کما ذکره الحدائق بقوله: إن الغرض من بعث الحکَمین هو الإصلاح بینهما باجتماع أو فرقة، ومتی کان الشقاق معلوماً علم أنه لا یمکن الإصلاح بالاجتماع، فموضع إرسالهما إنما هو فی مقام یرجی فیه الاجتماع بأن یظهر الکراهة من کل منهما لصاحبه فی الجملة إلاّ أنه یرجی الاجتماع حینئذ).

وقول الجواهر: (الظاهر تحقق الشقاق بینهما بالنشوز من کل منهما، ومن هنا کان المحصل من الأصحاب والمراد بالآیة، إضمار الاستمرار، بمعنی: وإن خفتم استمرار الشقاق بینهما).

ولذا أشکل علی مثل ذلک الریاض، وإن کان فی إشکاله أیضاً مواضع للتأمل، قال: (وفیه نظر لتوقفه علی کون مطلق الکراهة بینهما شقاقاً، ولیس لاحتمال أن یکون تمام الکراهة بینهما، فیکون المراد أنه إذا حصلت کراهة کل منهما لصاحبه وخفتم حصول الشقاق فابعثوا، مع أنه المتبادر عند الإطلاق، والأولی من الإضمار علی تقدیر مجازیته، نعم علی هذا التقدیر یتردد الأمر بین المجاز المزبور وبین

ص:406

التجوز فی الخشیة بحملها علی العلم والمعرفة، وإبقاء الشقاق علی حقیقته التی هی مطلق الکراهة).

إلی غیر ذلک من أقوالهم.

ثم إن المسالک قال: (هل یشترط کون الحکَمین من أهل الزوجین، بمعنی کون المبعوث من قبلها من أهلها والمبعوث من قبله من أهله، قولان، منشأهما دلالة ظاهر الآیة علی کونهما من أهلهما فلا یتحقق امتثال الأمر بدونه، مؤیداً بأن الأهل أعرف بالمصلحة من الأجانب، ومن أن القرابة غیر معتبرة فی الحکَم ولا فی التوکیل وأمرهما منحصر فی الأمرین، ولحصول الغرض بهما أجنبیین، والآیة مسوقة للإرشاد فلا یدل الأمر علی الوجوب، من قبیل: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَایَعْتُمْ﴾، وهذا هو الأشهر وهو الذی قطع به المصنف والأکثر، ولو تعذر الأهل فلا کلام فی جواز الأجانب).

أقول: أما الفرع الثانی: وهو ما إذا تعذر الأهل أو تعسر فلا إشکال فی صحة الأجنبی، أما إذا تیسر فاللازم اتباع الظاهر، إلاّ إذا قطع بعدم الخصوصیة کما یظهر من الأکثر، لکنه محل نظر.

والظاهر أن الأهل لیس خاصاً بالأقرباء، بل یشمل الأنسباء أیضاً، لأنه یقال له عرفاً إنه من أهلهم، خصوصاً فی مثل المقام مما تکتنفه قرینة العرفیة.

ومنه یعلم وجه النظر فیما ذکره الریاض، فإنه بعد أن ذکره عبارة النافع (ویجوز أن یکونا أجنبیین) قال: (إما مطلقاً کما هو ظاهر المتن، أو مقیداً بعدم الأهل کما هو الأقوی، لکن مع ذلک لیس لهما حکم المبعوث من أهلهما من إمضاء ما حکما علیهما، لمخالفته الأصل فیقتصر فیه علی مورد النص، ویکون حکمهما

ص:407

حینئذ الاقتصار علی ما حکم به الزوجان وفیه وکلاء، ولیس لهما من التحکیم الذی هو حکم الحکَمین کما یأتی شیء جداً، وفی حکم فقد الأهل توقف الإصلاح علی الأجنبی).

ولو احتاج الأمر إلی الأجرة بأن لم یستعد الحکَم الصالح من التدخل إلاّ بأجرة، فالظاهر لزوم إعطائه الحاکم من بیت ماله أو منهما، حیث إن الواجب یتوقف علیه، ولا دلیل علی وجوب عملهما بدون أجرة، فأصالة احترام عمل المسلم یقتضی صحة أخذهما الأجرة، سواء کانت الأجرة مقطوعة أو مقدرة بمثل أنه لکل أسبوع من التوسط دینار مثلاً.

ثم الظاهر أن البقاء علی الحکَمین لیس بواجب، سواء کان من قبل الحاکم أو الزوجین للأصل، نعم لو صارت معاملة بین الطرفین وکانت لازمة کالإجارة ونحوها لزم.

ولو عزلا انعزلا بدون المعاملة اللازمة، ولو لم یبلغهما العزل فهل ینعزلان، لا إشکال فی عدم العزل إذا کان علی نحو الوکالة، لما ذکر من دلیله فی کتابها، أما لو کان علی نحو الحکم فقد یقال بعدم العزل للمناط الأولوی، لکن إذا لم یعلم المناط کان مقتضی القاعدة الانعزال، فإن عملا شیئاً قابلاً للفضولیة صحت الإجازة، وإلاّ فلا.

ولا یشترط رضا الزوجین فیما إذا بعث الحاکم لأنه ولی شرعی، سواء کان بعثهما من باب الحکَم أو الوکالة عنه أو عنهما.

قال فی الجواهر: (والظاهر عدم اعتبار رضا الزوجین فی بعثهما، بناءً علی المختار ضرورة کون ذلک سیاسة شرعیة، نعم قد یقال: باعتبار رضاهما علی التوکیل مع احتمال عدمة أیضاً علی معنی

ص:408

أنهما مع الامتناع یوکل عنهما الحاکم قهراً)((1))، وهو جید.

ثم إنهم اشترطوا فی الحکَمین البلوغ والعقل والاهتداء إلی ما هو المقصود من بعثهما، لا الإسلام.

واشتراط العقل واضح، أما الاهتداء فیکفی أن یکون بعد البعث، لأن فائدة الحکَمیة لا تترتب علی الاهتداء قبل البعث فقط، أما البلوغ فربما یکون غیر البالغ أنفذ إلی قلب من بعث من عنده، ففی ما لا یشترط فیه البلوغ من العمل الإصلاحی لا دلیل علیه، اللهم إلاّ أن یقال: قضیة «لا أمر للغلام» تشمل المقام، وأما الإسلام ففی الحکَم لأجل الإصلاح بین الکافرین لا إشکال فی عدم اشتراطه، إذ لا دلیل علیه، وأما إذا کان الحکَم بین المسلمین فإن کان یعد ذلک من السبیل المنفی فی الآیة((2)) لزم، وإلاّ فلا دلیل علیه أیضاً.

وأما العدالة والحریة ففی المسالک: (إن جعلناهما حکَمین اعتبرا قطعاً، وإن جعلناهما وکیلین ففی اعتبارهما وجهان، أجودهما العدم، لأنهما لیسا شرطاً فی الوکیل).

وأشکل علیه فی الجواهر بإمکان منع اعتبار ذلک علی الأول أیضاً، وما دل علی اعتبارهما فی الرئیس العام لا یقتضیه فی مثل المقام المزبور بنظر الرئیس، کما أنه احتمل اعتبارهما علی الثانی بدعوی أن الوکالة إذا تعلقت بنظر الحاکم اعتبر فیها ذلک کأمر الحاکم.

أقول: الظاهر عدم الاشتراط إطلاقاً، لعدم الدلیل علی الاشتراط، فإطلاق الأدلة تشمل غیر العادل وغیر الحر، کما یشمل الأعمی والأصم ونحوهما إذا تمکن من وفاء ما ألقی علیه کاملاً.

ثم إن الحاکم الذی یبعث الحکَمین یلزم أن یکون منصوباً من قبل الشارع، کالفقهاء العدول الجامعی للشرائط، فحکام الجور لا شأن لهم بذلک، ولو کانت تقیة أو ضرورة قدرتا بقدرهما، وقد سبق فی کتابی التقلید والقضاء حرمة مراجعة حکام

ص:409


1- جواهر الکلام: ج31 ص214
2- سورة النساء: الآیة 141

الجور إلاّ لدی الاضطرار.

وفی روایة العامة: إنه وقع بین عقیل بن أبی طالب وبین زوجته فاطمة بنت عقبة شقاق، وکانت من بنی أمیة، فبعث عثمان حکَماً من أهله وهو ابن عباس، وحکماً من أهلها وهو معاویة.

وإذا رأی الحکَمان إمکان الإصلاح بکل من الطلاق والاتفاق علی تنازل من أحدهما للآخر أو من کل منهما للآخر، فهل یجوز لهما الطلاق أو یلزم التوفیق بینهما، احتمالان:

الأول: من جهة إطلاق الأدلة.

الثانی: من جهة أن الشرع أمیل إلی الاتفاق، وهو أحوط، بل لعله یستأنس من ظاهر الآیة والروایة.

ولا یشترط فی جعل الوفاق بینهما الفوریة، فلهما أن یصلحا بینهما بالمتارکة ستة أشهر مثلاً حتی یبرد الهیجان، ثم بعد ذلک یجتمعان.

ولو کان للإصلاح طرق متعددة بتنازل هذا أو هذه أو کلیهما أو ما أشبه، فالظاهر جواز ما یختارانه، لأنه مقتضی إطلاق الأدلة، ولو حاول کل واحد جر النار إلی قرصة أصلح بینهما الحاکم.

وهل یجور الإصلاح بطلاق زوجة أخری له، إذا کانت لا ترضی إلاّ بطلاقها، لا إشکال فیما إذا شملت الوکالة أو الحکَمیة له، وإلاّ ففیه نظر.

ولو اشترط الإسلام أو العدالة فیهما فتحولا إلی الکفر أو الفسق قبل الحکم، بطلت حکَمیتهما إذا کانا بعنوان حکَمین، أما إذا کانا بعنوان وکیلین وکانت الوکالة علی الإطلاق فالوکالة باقیة.

وأما إذا تحولا عن العدالة والإسلام بعد الحکم، کان الحکم نافذاً، للأصل بعد عدم الدلیل علی اشتراط البقاء، نعم علی الاشتراط لو تحولا ثم رجعا، وکذلک لو جن أحدهما ثم عقل لم یستبعد البقاء.

ص:410

وعلی الاشتراط لو جعل حکَماً وهو یعلم فسق نفسه ثم صار عادلاً کفی.

ثم لو جن الزوجان أو أحدهما قبل حکم الحکَمین، فإن کانا وکیلین عنهما بطل الحکم، لأن الأمر رجع إلی ولیهما، بل وکذا لو أغمی علیهما أو علی أحدهما بناءً علی أن الإغماء یبطل الوکالة، لکنا ناقشنا فیه فی کتاب الوکالة.

وإن کانا حکَمین عن الحاکم أو عنهما فلا إشکال فی عدم البطلان فی الأول، إذ لا وجه له بعد عموم أدلته الشاملة للمقام، أما فی الثانی فهل یبطل لأنه لیس بأزید من الوکالة، أو لا، لأنه من قبیل إعطاء المنصب فیبقی مع زوال الناصب فکیف بجنونه، فهو من قبیل جعل المتولی للوقف ثم یجن الواقف، احتمالان، ولم أجد لهم تصریحاً بذلک.

ولو شک فالأصل عدم البقاء، إذ الأمر کما یرأه العرف مستند فهو باق ما دام السند صالحاً، فإذا انتفی بموت أو جنون فلا سند حتی یستند إلیه.

ص:411

المحتویات

المحتویات

مسألة 18 _ الطلاق قبل الدخول یوجب تنصیف المهر................................... 7

مسألة 19 _ لو وهبت المهر.................................................................. 43

مسألة 20 _ إذا أعطاها عوضا عن المهر................................................... 49

مسألة 21 _ شرط خلاف الشرع.............................................................. 52

مسألة 22 _ لو شرط أن لا یفتضها.......................................................... 75

مسألة 23 _ لو شرط أن لا یخرجها من بلدها............................................... 81

مسألة 24 _ لو طلقها ثم تزوجها فی عدته.................................................. 89

مسألة 25 _ لو وهبت المرأة نصف المهر.................................................. 90

مسألة 26 _ لو شرط الخیار فی النکاح....................................................... 97

مسألة 27 _ الصداق یملک بالعقد............................................................. 104

مسألة 28 _ لو مات أحدهما قبل الدخول.................................................... 114

مسألة 29 _ یصح العفو عن نصف المهر................................................... 126

مسألة 30 _ لو غیرت المهر.................................................................. 145

مسألة 31 _ لو نبت أرض المهر أو زرعتها................................................ 149

مسألة 32 _ لو أصدقها تعلیم سورة.......................................................... 151

مسألة 33 _ الجمع بین نکاح وبیع............................................................ 154

ص:412

مسألة 34 _ الزواج علی مهر مبهم.......................................................... 157

مسألة 35 _ لو زوجها الولی بدون مهر المثل.............................................. 159

مسألة 36 _ لو زوج الصغیر فالمهر علی من؟............................................. 161

مسألة 37 _ لو أمهرها نخلا.................................................................. 174

مسألة 38 _ لو أصدق الذمیان خمرا......................................................... 177

مسألة 39 _ الخمر المحترمة.................................................................. 179

فصل فی التنازع

183 _ 228

مسألة 1 _ لو اختلفا فی استحقاق المهر...................................................... 183

مسألة 2 _ لو اختلفا فی أنه دفعه هبة أو مهراً.............................................. 203

مسألة 3 _ لو قال: هذا ابنی منها............................................................. 206

مسألة 4 _ إذا خلا بالزوجة فادعت المواقعة................................................ 210

مسألة 5 _ لو أصدقها تعلیم سورة أو صناعة............................................... 218

مسألة 6 _ لو عقد علیها عقدین............................................................... 219

مسألة 7 _ لو اختلفا فی أن المهر شاة أو فرس.............................................. 225

مسألة 8 _ لو اختلف الزوج وولیها........................................................... 227

فصل فی القسم والنشوز والشقاق

229 _ 360

مسألة 1 _ لو تزوج أربعا دفعة............................................................... 257

ص:413

مسألة 2 _ للبکر سبع وللثیب ثلاث........................................................... 287

مسألة 3 _ إلزام المریض والمجبوب بالقسم................................................. 304

مسألة 4 _ فی السفر یقرع لاسطحاب أیتها.................................................. 305

مسألة 5 _ القسم مشترک بین الزوجین....................................................... 320

مسألة 6 _ لو رجعت عن الإذن ولم یعلم الزوج............................................ 329

مسألة 7 _ القسم للصغیرة والمجنونة والناشزة.............................................. 334

مسألة 8 _ الزوج یزور الضرة............................................................... 340

مسألة 9 _ لو جار فی القسمة................................................................. 344

مسألة 10 _ لو نشزت واحدة من الأربع..................................................... 348

مسألة 11 _ لو طاف علی الثلاث ثم طلق الرابعة.......................................... 352

مسألة 12 _ لو کانت له زوجتان فی بلدین.................................................. 355

مسألة 13 _ السفر یکفی فی حق الجدیدة..................................................... 358

فصل فی النشوز

361 _ 411

مسألة 1 _ نشوز الرجل....................................................................... 386

المحتویات...................................................................................... 413

ص:414

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.