موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی المجلد 63

اشارة

سرشناسه : حسینی شیرازی، محمد

عنوان و نام پدیدآور : الفقه : موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی/ المولف محمد الحسینی الشیرازی

مشخصات نشر : [قم]: موسسه الفکر الاسلامی، 1407ق. = - 1366.

شابک : 4000ریال(هرجلد)

یادداشت : افست از روی چاپ: لبنان، دارالعلوم

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : اخلاق اسلامی

موضوع : مستحب (فقه) -- احادیث

موضوع : مسلمانان -- آداب و رسوم -- احادیث

رده بندی کنگره : BP183/5/ح5ف76 1370

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 70-5515

ص:1

اشارة

ص:2

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

آیة الله العظمی

السید محمد الحسینی الشیرازی

دام ظله

کتاب النکاح

الجزء الثانی

دار العلوم

بیروت لبنان

ص:3

الطبعة الثانیة

1409 ه_ _ 1988م

مُنقّحة ومصحّحة مع تخریج المصادر

دار العلوم _ طباعة. نشر. توزیع.

العنوان: حارة حریک، بئر العبد، مقابل البنک اللبنانی الفرنسی

ص:4

کتاب النکاح

اشارة

الجزء الثانی

ص:5

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:6

فصل

اشارة

فصل

لا یجوز التزویج فی عدة الغیر

فصل

{لا یجوز التزویج فی عدة الغیر} بلا إشکال ولا خلاف، بل فی الجواهر الإجماع بقسمیه علیه، وذلک لما یفهم من روایات المنع الآتیة بأن الحکم تکلیفی کما هو وضعی، بالإضافة إلی دلالة الآیة المبارکة: ﴿ولا تعزموا عقدة النکاح حتی یبلغ الکتاب أجله﴾((1))، فإن المراد _ کما یتبادر إلی الذهن _ نفس العقد لا العزم فقط.

والمراد ببلوغ الکتاب أجله انقضاء العدة، والآیة وإن کانت بالنسبة إلی عدة الوفاة إلاّ أن الإجماع دل علی عدم الفرق بین أقسام العدة.

وحیث إن الکفار الذین یقرهم الإسلام تحت حکمه لهم أن یطبقوا أحکامهم علی أنفسهم لم یکن ذلک التزویج فی العدة محظوراً علیهم من حکم الإسلام، بل یشملهم «ألزموهم بما التزموا به»((2))، وکذلک بالنسبة إلی غیر الشیعة إن رأوا ذلک جائزاً.

أما إذا أراد الشیعی أن یأخذ زوجة ممن لا یعتقد بحرمة التزویج فی العدة

ص:7


1- سورة البقرة: الآیة 235
2- الوسائل: ج15 ص321 الباب 3 من أبواب مقدمات الطلاق ح5

دواماً أو متعةً، سواء کانت عدة الطلاق بائنة أو رجعیة أو عدة الوفاة أو عدة وطی الشبهة، حرة کانت المعتدة أو أمة، ولو تزوجها حرمت علیه أبداً

فهل له ذلک من باب «ألزموهم» کما یجوز تزویج الشیعی المطلقة منهم، وإن لم یکن طلاقها صحیحاً بنظر الشیعة، أم لا، لأن الحکم واقعی وهم مکلفون بالفروع کتکلیفهم بالأصول، احتمالان، والظاهر الأول، وإن کان الأحوط الثانی، فتأمل.

ولو لم نعلم أن مذهبها الجواز أو المنع، کما لو أراد أن یتمتع بکتابیة طلقها زوجها عن قریب، أو بمخالفة کذلک ولم یمکنه الفحص، فمقتضی القاعدة المنع، لأنه فی باب الفروج، وقد تقدم فی المسألة الخمسین عند الکلام فی اشتباه من یجوز النظر بین من لا یجوز، وجه هذه القاعدة.

فلا یقال: إن الأصل الإباحة، أما إذا کان مذهبها الجواز وکان الزوج ذو العدة علیها من یری المنع، کما إذا تزوجها شیعی ثم أراد شیعی آخر أن یتزوجها فی عدة الأول، فهل یشمله دلیل «ألزموهم» کما إذا طلقها الشیعی بدون الشاهدین لأن مذهبها ذلک، المسألة بحاجة إلی التتبع والتأمل، ولعله یأتی عند بیان هذه القاعدة تفصیل الکلام فی هذه الفروع إن شاء الله تعالی.

{دواماً أو متعةً، سواء کانت عدة الطلاق بائنةً أو رجعیةً، أو عدة الوفاة أو عدة وطی الشبهة، حرة کانت المتعدة أو أمة، ولو تزوجها حرمت علیه أبداً} بلا إشکال ولا خلاف فی کل ذلک، بل فی الجواهر _ عند قول المصنف: {من تزوج امرأة فی عدتها عالماً حرمت علیه أبداً} _ قال: الإجماع بقسمیه علیه،

ص:8

وفی المستمسک ادعی الإجماع بقسمیه علی ما فی المتن.

ویدل علی ما ذکر روایات متواترة.

ففی أخبار زرارة وداود وأدیم، عن الصادق (علیه السلام)، قال: «الذی یتزوج المرأة فی عدتها وهو یعلم لا تحل له أبداً»((1)).

وفی الصحیح عنه (علیه السلام)، قال: «إذا تزوج الرجل المرأة فی عدتها ودخل بها لم تحل له أبداً، عالماً کان أو جاهلاً، وإن لم یدخل بها حلت للجاهل ولم تحل للآخر»((2)).

وصحیح ابن الحجاج، عن أبی إبراهیم (علیه السلام)، سألته عن الرجل یتزوج المرأة فی عدتها بجهالة أهی ممن لا تحل له أبداً، قال (علیه السلام): «لا، أما إذا کان بجهالة فلیتزوجها بعد ما تنقضی عدتها، فقد یعذر الناس فی الجهالة بما هو أعظم من ذلک»، فقلت: بأی الجهالتین أعذر، بجهالته أن یعلم أن ذلک محرم علیه أم بجهالته أنها فی عدة، فقال: «إحدی الجهالتین أهون من الأخری، الجهالة بأن الله حرم علیه، وذلک لأنه لا یقدر علی الاحتیاط معها»، فقلت: فهو فی الأخری معذور، قال: «نعم إذا انتقضت عدتها فهو معذور فی أن یتزوجها»، فقلت: فإن کان أحدهما متعمداً والآخر یجهل، فقال: «الذی تعمد لا یحل له أن یرجع إلی صاحبه أبداً»((3)).

ص:9


1- الوسائل: ج14 ص344 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص345 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
3- الوسائل: ج14 ص345 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

وسیأتی توضیح لهذا الخبر.

وصحیح الحلبی، عن الصادق (علیه السلام)، سألته عن المرأة الحبلی یموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن یمضی لها أربعة أشهر وعشراً، فقال: «إن کان دخل بها فرق بینهما، ثم لا تحل له أبداً، واعتدت بما بقی علیها من الأول واستقبلت عدة أخری من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم یکن دخل بها فرّق بینهما واعتدت بما بقی علیها من الأول وهو خاطب من الخطاب»((1)).

ونحوه موثق ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)((2)).

وفی الموثق الآخر المضمر، سألته عن رجل تزوج امرأة فی عدتها، قال: «یفرق بینهما، وإن کان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ویفرق بینهما فلا تحل له أبداً، وإن لم یکن دخل بها فلا شیء لها من مهرها»((3)).

وفی الحسن أو الموثق، قلت لأبی إبراهیم (علیه السلام): بلغنا عن أبیک أن الرجل إذا تزوج المرأة فی عدتها لم تحل له أبداً، فقال (علیه السلام): «هذا إذا کان عالماً، فإذا کان جاهلاً فارقها وتعتد ثم یتزوج نکاحاً جدیداً»((4)).

وفی خبر حمران، سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن امرأة تزوجت فی عدتها بجهالة منها بذلک، فقال: «لا أری علیها شیئاً، ویفرق بینها وبین الذی تزوج بها، ولا تحل

ص:10


1- الوسائل: ج14 ص346 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6
2- الوسائل: ج14 ص344 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
3- الوسائل: ج14 ص346 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7
4- الوسائل: ج14 ص347 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح10

له أبداً»، قلت: فإن کانت قد عرفت أن ذلک محرم علیها، ثم تقدمت علی ذلک، فقال (علیه السلام): «إن کانت قد تزوجت فی عدة لزوجها الذی طلقها علیها فیها الرجعة فإنی أری علیها الرجم، وإن کانت تزوجت فی عدة لیس لزوجها الذی طلقها علیها فیها الرجعة، فإن أری علیها حد الزانی، ویفرق بینها وبین الذی تزوجها ولا تحل له أبداً»((1)).

وعن محمد بن مسلم، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): المرأة یتوفی عنها زوجها فتضع وتتزوج قبل أن تبلغ أربعة أشهر وعشراً، قال: «إن کان الذی تزوجها دخل بها لم تحل له واعتدت ما بقی علیها من الأولی وعدة أخری من الأخیر، وإن لم یکن دخل بها فرق بینهما وأتمت ما بقی من عدتها وهو خاطب من الخطاب»((2)).

وعن أدیم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال فی حدیث: «والذی یتزوج المرأة فی عدتها وهو یعلم لا تحل له أبداً»((3)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا تزوج المرأة فی عدتها ثم دخل بها لم تحل له أبداً، عالماً کان أو جاهلاً، وإن لم یدخل بها حلت للجاهل، ولم تحل للآخر»((4)).

ص:11


1- الوسائل: ج14 ص348 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح17
2- المستدر ک : ج2 ص578 الباب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
3- المستدر ک : ج2 ص578 الباب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
4- المستدر ک : ج2 ص578 الباب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3

وعن ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یتزوج المرأة قبل أن تنقضی عدتها، قال: «یفرّق بینهما ثم لا تحل له أبداً إن کان فعل ذلک بعلم ثم واقعها، ولیس العالم والجاهل فی هذا سواءً فی الإثم»، ثم قال: «ویکون لها صداقها إن کان واقعها، وإن لم یکن واقعها فلا شیء»((1)).

وعن دعائم الإسلام، عن علی (علیه السلام)، إنه قضی فی امرأة توفی زوجها وهی حبلی فتزوجت قبل أن تنقضی الأربعة الأشهر والعشر، قال: «یفرّق بینهما ولا یخبطها حتی آخر الأجلین»، قال جعفر بن محمد (علیه السلام): «هذا إذا لم یکن دخل بها، وأما إذا تزوج الرجل المرأة فی عدتها وکان قد دخل بها فرق بینهما ولم تحل له أبداً، ولها صداقها بما استحل من فرجها، وإن لم یکن دخل بها فرق بینهما، فإذا انقضت عدتها تزوجها إن شاء وشاءت، هذا إذا کانا عالمین بأن ذلک لا یحل، وإن جهلا ذلک وکان قد دخل بها فرق بینهما حتی تنقضی عدتها ثم یتزوجها إن شاء وشاءت»، قیل له (علیه السلام): فإن کان أحدهما یتعمد ذلک والآخر جهله، قال: «الذی تعمد لا یحل له أن یرجع إلی صاحبه وقد یعذر الناس فی الجهالة بما هو أعظم من هذا»((2)).

وفی روایة ابن شهر آشوب: أتی عمر بامرأة أنکحت فی عدتها ففرق بینهما وجعل صداقها فی بیت المال، وقد أجبر مهراً رد نکاحه، وقال: لا یجتمعان

ص:12


1- المستدر ک : ج2 ص578 الباب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6
2- المستدر ک : ج2 ص578 الباب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7

إذا کانا عالمین بالحکم والموضوع، أو کان أحدهما عالماً بهما

أبداً، فبلغ علیاً (علیه السلام)، فقال: «إن کانوا جهلوا السنة لها المهر بما استحل من فرجها ویفرق بینهما، فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب»، فخطب عمر الناس فقال: ردوا الجهالات إلی السنة، ورجع إلی قول علی (علیه السلام)((1)).

والرضوی (علیه السلام): «ومن خطب امرأة فی عدة للزوج علی رجعة وتزوجها وکان عالماً لم تحل له أبداً، فإن کان جاهلاً وعلم من قبل أن یدخل بها ترکها حتی یستوفی عدتها من زوجها ثم تزوجها، فإن دخل بها لم تحل له أبداً، عالماً کان أو جاهلاً، فإن ادعت المرأة أنها لم تعلم أن علیها عدة لم تصدق علی ذلک»((2)).

إلی غیرها من الروایات بهذه المضامین.

ومن الواضح أن إطلاق الروایات یشمل کل أقسام العدة التی ذکرها المصنف، کما أن الجمع العرفی بین الروایات المذکورة یقتضی أن سبب الحرمة الأبدیة کل من العلم والدخول.

أما ما فی روایة الدعائم مما ظاهره یخالف ذلک فاللازم رد علمه إلی أهله.

ثم إن الحرمة الأبدیة {إذا کانا عالمین بالحکم} وأنها تحرم، {والموضوع} وأنها فی العدة، کما صرح بذلک جماعة، وهو ظاهر بعض الأخبار المتقدمة.

{أوکان أحدهما عالماً بهما} کما یقتضیه صحیح عبد الرحمان بن الحجاج

ص:13


1- الوسائل: ج2 ص578 الباب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح9
2- المستدر ک : ج2 ص578 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح8

المتقدم وغیره، وصرح غیر واحد من الفقهاء، وذلک لأن الزوجیة من الإضافات المتکافئة الأطراف کالأخوة، وفیها لا یعقل تحقق الإضافة من طرف دون طرف، وإذ لم تحقق الزوجیة لم یتحقق الحل من أی جانب.

وکذا فی أمثال المقام، کما إذا یری أحدهما صحة العقد بالفارسیة ولا یری الآخر، أو کان یری أحدهما تحقق الرضاع المحرم دون الآخر، أو تنازعا فی تحقق شرط أو وجود مانع عن صحة الزواج، فإنه لا یقبل تحقق الزواج بالنسبة إلی طرف دون طرف.

نعم ربما یکون أحدهما معذوراً لجهله، بینما لایکون الآخر کذلک، وهذا هو مرادهم من الحلیة الظاهریة.

والحاصل: إن الزوجیة أمر واقعی فی عالم الاعتبار، فهو إما کائن فالحل لهما، أو لا فلا حل لأحدهما.

نعم حکی عن المقدس البغدادی القول بأنه لا مانع من الالتزام تبعیض الصحة فی الواقع، لأنها فی المعاملة مجرد ترتب الآثار، فلا بأس فی جریانها بالنسبة إلی شخص دون الآخر، وربما یؤید صحة ما ذکره بأنه لا حقیقة للأحکام الوضعیة إلاّ الأحکام التکلیفیة کما ذکرها الشیخ المرتضی (رحمه الله) فی بعض مباحثه.

وحیث إن الزوجیة من الأحکام الوضعیة فمعناها حلیة الدخول والنفقة والإرث وغیرها، وذلک یصح من جانب دون جانب، فیصح لهذا أن یدخل بها ویلزم علی الآخر الامتناع، کما یجب علی هذا الإعطاء ویحرم علی الآخر الأخذ بعنوان

ص:14

النفقة، وإذا مات لم یجز لها الأخذ من ماله، أما إذا ماتت له الآخذ من ماله.

ولعل هذا هو الظاهر من صحیح ابن الحجاج، فقلت: فإن کان أحدهما متعمداً والآخر یجهل، فقال (علیه السلام): «الذی تعمد لا یحل له أن یرجع إلی صاحبه أبداً»((1)).

ولا وجه حینئذ لقول المستمسک: إن الظاهر من الصحیح الحکم التکلیفی الظاهری الخاص بالجاهل.

أما ما تقدم من أن الزوجیة من الإضافات، ففیه: إنه خلط بین المقولة الاعتباریة والمقولة الحقیقیة، فإن الأخوة مقولة حقیقیة لا یمکن تحققها من طرف دون طرف.

أما الزوجیة التی هی حکم شرعی فیمکن تحققها کذلک إذا قیل بأن المراد بها الأحکام التکلیفیة، فلا فرق بین أن یقول المولی: هذا زوج وهذه لیست بزوجة، أو أن یقول: هذا له الدخول بهذه وهذه لایحق لها التمکین، وتظهر الثمرة فی حال غفلة الثانی أو نومه أو ما أشبه، کما لا یحق للأول أخذ الخامسة ویحق لها أخذ الزوج، إلی آخر الأحکام المترتبة علی الزوجیة من جانبه، وعلی عدم الزوجیة من جانبها.

وهذا الکلام بالنسبة إلی التبعیض تام إن قلنا بمقالة الشیخ المرتضی (رحمه الله)، کما لم نستبعده فی الأصول.

ص:15


1- المستدر ک : ج2 ص578 الباب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

مطلقاً، سواء دخل بها أم لا، وکذا مع جهلهما بهما لکن بشرط الدخول بها، ولا فرق فی التزویج بین الدوام والمتعة

أما إذا لم نقل به فالحق مع المانع عن التبعیض.

ولا یخفی أنه فرق بین ما نحن فیه ومسألة الرضاع ونحوهما، وبین مسألة الاختلاف فی أنه حصل العقد أم لا، فإن الکلام فیما نحن فیه فی التفکیک واقعاً، أما صورة اختلافهما فی أنه وقع العقد أم لا، ونحوه، فالواقع إما تحقق الزوجیة من الطرفین، أو عدم تحققها من أی طرف.

ثم إن فی صورة العلم تحرم {مطلقاً، سواء دخل بها أم لا} لما عرفت من أنه مقتضی النص والفتوی، وهل المراد بالعلم ما لا ینافی الغفلة والنسیان، لأنه عالم غافل أو عالم ناس، الظاهر لا، بل المراد الحضور لأنه المنصرف منه.

{وکذا} تحرم أبداً {مع جهلهما بهما} بالموضوع والحکم {لکن بشرط الدخول بها} کما تقدم أنه مقتضی النص والفتوی.

ولو شک فی الدخول فالأصل عدمه، کما أنه لو شک فی العلم فالأصل عدمه، وکذا لو شک فی أنه کان یعلم الموضوع والحکم، أو کان یعلم أحدهما فقط، فالأصل عدم علمه بهما.

والمراد بالعلم أعم من قیام الحجة، ولو کان بثبوت شرعی.

ولو شک أو ظن کان کالجاهل، وإن کان مقصراً فی عدم تعلمه.

{ولا فرق فی التزویج} الموجب لحرمة الأبد فی العالم {بین الدوام والمتعة} کما یقتضیه إطلاق النص والفتوی، والانصراف إلی الدوام لو قیل به فلا شک

ص:16

کما لا فرق فی الدخول بین القبل والدبر، ولا یلحق بالعدة أیام استبراء الأمة، فلا یوجب التزویج فیها حرمة أبدیة ولو مع العلم والدخول

أنه بدوی، بل فی الجواهر جعل عدم الفرق معقد الإجماع.

{کما لا فرق فی الدخول بین القبل والدبر} لإطلاق النص والفتوی، وقد تقدم فی بعض الروایات أنه أحد المأتیین، ولذا صرح فی الجواهر وغیره بعدم الفرق، ولو قیل بالانصراف إلی القبل فهو بدوی کما لا یخفی.

ولا فرق بین أن یدخل فیها أو تدخل فیه، لأن الظاهر من النص والفتوی حصول هذالشیء.

وهل یشمل الدخول فی حال الجنون وحال الطفولة وما إذا صدر فی حال النوم أو الاضطرار أو الإکراه أو عدم الاختیار، کما إذا أراد الملاعبة فدخل بدون الاختیار، لإطلاق الأدلة، أو لا یشمل، لرفع هذه الأمور وانصراف الأدلة إلی الاختیاری منه، أو یفصل بین الثلاثة الأول فعدم الحرمة، والثلاثة الأخیرة فالحرمة، لعدم التکلیف فی الأول، وفی الأخیرة یفعل هو باختیاره فی الجملة، احتمالات.

ومنه یعلم حال ما لو أدخلت فیها من الزوج غیر الممیز أو السکران أو شارب المرقد، أو أدخله فیها إنسان آخر إلجاءً.

ولا شک أن الأحوط فی الجمیع ترتیب آثار الحرمة، وإن کان لا یبعد عدمها لانصراف الأدلة إلی المختار.

{ولا یلحق بالعدة أیام استبراء الأمة، فلا یوجب التزویج فیها حرمة أبدیة ولو مع العلم والدخول} کما أفتی بذلک المسالک وکشف اللثام والجواهر، للوقوف

ص:17

بل لا یبعد جواز تزویجها فیها، وإن حرم الوطی قبل انقضائها، فإن المحرم فیها هو الوطی دون سائر الاستمتاعات

علی موضع النص واستصحاب الحل، بل إطلاقات أدلة الحل.

نعم عن القواعد أنه قال: (فیه إشکال)، وکأنه لوحدة المناط، وفیه: إنه لا قطع بالمناط، خصوصاً وأحکام الأمة أخف غالباً، ولذا أید المتن المستمسک والسادة البروجردی وابن العم والجمال وغیرهم، حیث سکتوا علی المتن.

{بل لا یبعد جواز تزویجها فیها، وإن حرم الوطی قبل انقضائها} أی قبل انقضاء العدة، {فإن المحرم فیها هو الوطی دون سائر الاستمتاعات} للأصل وجملة من الروایات، ولذا اشتهر جوازها عدا الوطی، خلافاً للمبسوط والسرائر فی محکیهما فحرما سائر الاستمتاعات، والأقوی هو المشهور لجملة من الروایات.

کصحیح محمد بن إسماعیل، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الجاریة تشتری من رجل مسلم یزعم أنه قد استبرأها أیجزی ذلک أم لا بد من استبرائها، قال: «یستبرؤها بحیضتین»، قلت: یحل للمشتری ملامستها، قال: «نعم ولا یقرب فرجها»((1)).

وموثق عمار الساباطی، عن الصادق (علیه السلام)، قال: «الاستبراء علی الذی یبیع الجاریة واجب إن کان یطؤها وعلی الذی یشتریها الاستبراء أیضاً»، قلت: فیحل له أن یأتیها دون الفرج، قال: «نعم قبل أن یستبرأها»((2)).

ص:18


1- الوسائل: ج14 ص507 الباب 6 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح5
2- الوسائل: ج14 ص516 الباب 18 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح5

وفی خبر عبد الله بن محمد، عن الصادق (علیه السلام)، إنه قال له: «لا بأس بالتفخیذ لها حتی تستبرأها، وإن صبرت فهو خیر لک»((1)).

وخبر حمران، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل اشتری أمة هل یصیب منها دون الغشیان ولم یستبرئها، قال: «نعم إذا استوجبها وصارت من ماله»((2)) الحدیث.

إلی غیر ذلک من الروایات.

وأما فی روایة محمد بن إسماعیل من عدم اعتبار قول البائع، فقد ورد فی بعض الروایات اعتباره إذا کان ثقة، کخبر حفص، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی الرجل یشتری الأمة من رجل فیقول: إنی لم أطأها، فقال (علیه السلام): «إن وثق به فلا بأس أن یأتیها»((3)).

أما السرائر والمبسوط، فقد استدل لهما بخبر إبراهیم بن عبد الحمید، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یشتری الجاریة وهی حبلی أیطأها، قال (علیه السلام): «لا»، قلت: فدون الفرج، قال: «لا یقربها»((4)).

وهذه الروایة بالإضافة إلی أنها واردة فی الحلبی التی لا استبراء فیها، معارضة بجملة من الروایات:

کصحیحة رفاعة، قال: سألت أبا الحسن موسی (علیه السلام)، إلی أن قال:

ص:19


1- الوسائل: ج14 ص501 الباب 5 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح1
2- الوسائل: ج14 ص491 الباب 2 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح1
3- الوسائل: ج14 ص503 الباب 6 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح1
4- الوسائل: ج14 ص507 الباب 8 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح8

قلت: فإن کانت حبلی فما لی منها إذا أردت، قال: «ما دون الفرج»((1))، ومثلها غیرها.

هذا ولکن ربما یقال: بأن أیام الاستبراء کأیام العدة فی عدم جواز التزویج، وأن التزویج مع العلم أو الدخول یوجب الحرمة الأبدیة، وذلک للروایات التی أطلقت العدة علی أیام الاستبراء، فتشمل أدلة العدة هذه الأیام.

فعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، أنه قال فی رجل ابتاع جاریة ولم تطمث، قال (علیه السلام): «إن کانت صغیرة لا یتخوف علیها الحبل فلیس له علیها عدة، ولیطأها إن شاء، وإن کانت قد بلغت ولم تطمث فإن علیها العدة»((2)).

وعن منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الجاریة التی لا یخاف علیها الحبل، قال: «لیس علیها عدة»((3)).

وعن ابن أبی یعفور، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال فی الجاریة التی لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل، قال: «لیس علیها عدة یقع علیها»((4)).  

وعن عبد الرحمن بن أبی عبد الله، قال: سألت أبی (علیه السلام) عن الرجل یشتری الجاریة التی لم تبلغ المحیض، وإذا قعدت عن المحیض عن عدتها، وما یحل للرجل من الأمة حتی یستبرأها قبل أن تحیض، قال: «إذا قعدت عن المحیض أو لم تحض

ص:20


1- الوسائل: ج14 ص505 الباب 8 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح3
2- الوسائل: ج14 ص498 الباب 3 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح1
3- الوسائل: ج14 ص498 الباب 3 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح2
4- الوسائل: ج14 ص498 الباب 3 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح2

وکذا لا یلحق بالتزویج الوطی بالملک أو التحلیل، فلو کانت مزوجة فمات زوجها أو طلقها، وإن کان لا یجوز لمالکها وطیها ولا الاستمتاع بها فی أیام عدتها ولا تحلیلها للغیر، لکن لو وطأها أو حللها للغیر فوطأها لم تحرم أبداً علیه

فلا عدة لها، والتی تحیض فلا یقربها حتی تحیض وتطهر»((1)).

إلی غیرها من الروایات.

وإذا تحقق ذلک لم یجز تزویجها أیضاً، ولا تلازم بین جواز الاشتراء وبین جواز النکاح، ولذا لا یصح نکاح الحامل ویجوز اشتراؤها، إلی غیر ذلک من الأحکام المذکورة فی باب الإماء.

{وکذا لا یلحق بالتزویج الوطی بالملک أو التحلیل}، کما عن الکرکی، ونص علیه الجواهر، وتبعهما المستمسک وجملة من المعلقین، وتقتضیه أصالة عدم التحریم بعد أن أدلة العدة لا تشمله.

{فلو کانت مزوجة فمات زوجها أو طلقها، وإن کان لا یجوز لمالکها وطیها ولا الاستمتاع بها فی أیام عدتها}، وکذا لوخرجت عن حبالته بفسخ أو ارتداد أو انقضاء مدة المتعة.

{ولا تحلیلها للغیر} تحلیلاً یوجب الوطی، أما تحلیلا دون ذلک ففیه کلام مذکور فی باب أحکام الإماء.

{لکن لو وطأها أو حللها للغیر فوطأها لم تحرم أبداً} حرمة أبدیة {علیه} فی

ص:21


1- الوسائل: ج14 ص499 الباب 3 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح4

أو علی ذلک الغیر ولو مع العلم بالموضوع والحکم.

وطی المالک {أو علی ذلک الغیر} المحلل له الواطی لها {ولو مع العلم بالموضوع والحکم}.

لکن ربما یورد علی ذلک مثل ما تقدم من إطلاق لفظ العدة علی المقام، فتشملها أدلة المنع.

فعن عمار بن موسی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یزوج جاریته من عبده ویرید أن یفرق بینهما فیفر العبد کیف یصنع، قال: «یقول لها: اعتزلی فقد فرقت بینکما فاعتدی، فتعتد خمسة وأربعین یوماً ثم یجامعها مولاها إن شاء، وإن لم یفر قال له مثل ذلک»، قلت: فإن کان المملوک لم یجامعها، قال: «یقول لها: اعتزلی فقد فرقت بینکما، ثم یجامعها مولاها من ساعته إن شاء ولا عدة علیها»((1)).

لکن یمکن أن یقال: إن وطی المولی فی حال زواجها عالماً عامداً أشد، ومع ذلک لم یحرمها الشارع بذلک، کما رواه علی بن سلیمان، قال: کتبت إلیه (علیه السلام)، رجل له غلام وجاریة زوّج غلامه جاریته، ثم وقع علیها سیدها، هل یجب فی ذلک شیء، قال: «لا ینبغی له أن یمسها إلاّ أن یطلقها الغلام»((2)).

بدعوی أن ظاهرها عدم حرمتها علیه، فیحق له بعد الطلاق مسها، إلاّ أن یقال: إن الروایة لا تتعرض لذلک، بل تعرضت لحکم عدم جواز مسها فی حال زواجها، أما إذا مسها فلا تتعرض الروایة لحکمها بعد ذلک، فتأمل.

ص:22


1- الوسائل: ج14 ص550 الباب 45 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح3
2- الوسائل: ج14 ص549 الباب 44 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح3

مسألة ١ وطی المعتدة عن شبهة

(مسألة 1): لا یلحق بالتزویج فی العدة وطی المعتدة شبهة من غیر عقد، بل ولا زنا إلاّ إذا کانت العدة رجعیة کما سیأتی، وکذا إذا کان بعقد فاسد لعدم تمامیة أرکانه.

(مسألة 1): {لا یلحق بالتزویج فی العدة وطی المعتدة شبهة من غیر عقد} بأن کان المرأة فی عدة من طلاق ونحوه فیطؤها إنسان شبهة، فإنها لا تحرم علی هذا الواطی.

{بل ولا زنا} بأن زنی زان بمن فی العدة، فإن زناه لا یوجب تحریماً علیه.

{إلا إذا کانت العدة رجعیة کما سیأتی}.

أما المستثنی منه، فللأصل، فیشمله جواز النکاح، وأدلة وطی المعتدة الموجب للتحریم خاصة بالوطی عن عقد، فلا یشمل الوطی شبهة، وانسحاب حکم الوطی عن عقد إلی الوطی زنا وشبهة بطریق أولی لا دلیل علیه إلاّ المناط، وهو غیر مقطوع به خصوصاً فی الزنا، فربما کان عقابه فی الآخرة یوجب عدم عقاب له فی الدنیا، من قبیل ﴿ومن عاد فینتقم الله منه﴾.

وأما المستثنی، فلأن الزنا بذات العدة الرجعیة هو من أسباب التحریم الأبدی کما سیأتی.

أما إذا کانت العدة بعضها بائنة وبعضها رجعیة، کما إذا اختلعها فصارت بائنة، ثم رجعت فی البذل فصارت رجعیة، فمقتضی القاعدة أن یکون لکل حال حکمه، فالزنا فی حال البینونة لا یوجب تحریماً بخلافه حال الرجعیة.

{وکذا} لا یلحق بالتزویج فی العدة {إذا کان} التزویج {بعقد فاسد} بما لا یسمی عقداً عند العرف {لعدم تمامیة أرکانه} فإنه حینئذ لا یسمی عقداً وتزویجاً، فلا یتحقق

ص:23

وأما إذا کان بعقد تام الأرکان وکان فساده لتعبد شرعی، کما إذا تزوج أخت زوجته فی عدتها أو أمها أو بنتها أو نحو ذلک مما یصدق علیه التزویج، وإن کان فاسداً شرعاً، ففی کونه کالتزویج الصحیح إلاّ من جهة کونه فی العدة

موضوع نصوص التحریم، وهذا مما لا ینبغی الإشکال فیه، بل ولم أجد خلافاً فیه بین من تعرض له.

ومن هذا القبیل ما إذا کان أمر إنساناً بالعقد فی وقت خاص فزعم أنه عقد ثم تبین أنه لم یعقد.

{وأما إذا کان بعقد تام الأرکان} عرفاً {وکان فساده لتعبد شرعی، کما إذا تزوج أخت زوجته فی عدتها} أی عدة الأخت المطلقة {أو أمها}، لعل نظره بما إذا کان وطی البنت شبهة لأجل عقد باطل ثم فی عدتها تزوج بأمها، وإلا فأم الزوجة لکونها من المحرمات الأبدیة بنفسها لا یعقل أن یترتب أثر علی العقد علیها فی عدتها، کما أشکل بذلک علی الماتن المستمسک والجمال والاصطهباناتی وغیرهم.

{أو بنتها} إذا لم یدخل بأمها، إذ مع الدخول بالأم تحرم الأم أبداً، {أونحو ذلک مما یصدق علیه التزویج، وإن کان فاسداً شرعاً، ففی کونه کالتزویج الصحیح إلاّ من جهة کونه فی العدة} لأن التزویج المحرم الوارد فی الأخبار اسم للأعم من الصحیح والفاسد، إذا کان یسمی عرفاً بالتزویج، فکما أن التزویج الصحیح یوجب الحرمة الأبدیة إذا کان فی العدة، کذلک التزویج العرفی _ وإن کان فاسداً شرعاً _ یوجب الحرمة الأبدیة إذا کان فی العدة.

ص:24

وعدمه لأن المتبادر من الأخبار التزویج الصحیح مع عدم کونه فی العدة، إشکال، والأحوط الإلحاق فی التحریم الأبدی، فیوجب الحرمة مع العلم مطلقاً، ومع الدخول فی صورة الجهل.

{وعدمه} وأن التزویج الفاسد شرعاً لا یوجب تحریماً أبدیاً، بل وجوده کعدمه، {لأن المتبادر من الأخبار التزویج الصحیح مع عدم کونه فی العدة}.

وکأنه لذا قال فی الجواهر: إن لفظ التزویج والنکاح للأعم، خلافاً لما حکی عن التحریر حیث قال: إن الظاهر أن مراد علمائنا بالعقد فی المحرم والعقد فی ذات العدة هو العقد الصحیح الذی لولا المانع ترتب علیه أثره.

بل الجواهر فی باب الإحرام وافق علی ما فی التحریر، قال: إن المنساق من نصوص المقام وفتاواه العقد الصحیح فی نفسه، وهذا هو الذی اختاره المستمسک وغیر واحد من العلماء، بل المراد بکل ما هو من هذا القبیل کالصلاة والصوم والحج والبیع والرهن والنکاح والطلاق وغیرها الذی یراه الشارع صحیحاً.

فلا {إشکال} فی المقام.

{و} إن کان {الأحوط} استحباباً {الإلحاق فی التحریم الأبدی، فیوجب الحرمة مع العلم مطلقاً} دخل أو لم یدخل {ومع الدخول فی صورة الجهل}.

ثم إنه لا فرق فی فساد العقد کون ذلک من جهة اللفظ أو من جهة المرأة أو غیرهما، فإن إطلاق أدلة جواز النکاح یشمل الکل، ودلیل المنع لا یشمل أیاً منها.

ثم إنه لو عقده الفضولی فی العدة فعلم فأجاز حرم علیه أبداً، لأنه بإجازته صار عقده.

ص:25

أما إذا لم یجز فلا عقد له حتی یکون من العقد فی العدة.

وإن أجازه بعد انقضاء العدة، فإن کانت الإجازة کاشفة حرمت أبداً، لأنه کالعقد فی حال العدة، وإن کانت الإجازة ناقلة لم تحرم لأنه من العقد بعد العدة.

لکن مسألة إیجاب الإجازة علی الکشف الحرمة الأبدیة بحاجة إلی مزید من التأمل.

ص:26

مسألة ٢ الملاک علم الزوج لا الولی

(مسألة 2): إذا زوجه الولی فی عدة الغیر مع علمه بالحکم والموضوع

(مسألة 2): {إذا زوجه الولی فی عدة الغیر مع علمه} أی الولی {بالحکم} وأن النکاح فی العدة باطل {والموضوع} وأن هذه المرأة فی العدة، لا یوجب ذلک الحرمة الأبدیة، لأن الظاهر الأدلة علم الزوج لا الولی.

ولو کان الزوج طفلاً ممیزاً، وعلم بأنها فی العدة وزوّجها بنفسه _ إن قلنا باعتبار عبارة الصبی _ وکان مأذوناً من قبل الولی فی هذا الزواج، أو زوجه الولی مع علم الصبی بالحکم والموضوع، فالظاهر عدم الحرمة الأبدیة للصبی، لأن «عمد الصبی خطأ»، ولحدیث رفع القلم((1)).

وعلی کلا التقدیرین فالنکاح باطل.

ثم لو زوج اثنتین إحداهما فی العدة مع العلم والعمد، فالظاهر بطلان نکاح ذات العدة فقط، أما نکاح غیرها فلا یبطل، إذ لا وجه للبطلان إلاّ وحدة لفظ النکاح، بأن قال وکلیهما: (زوجتکهما)، وبطلان بعض الصفقة لا یوجب سرایة البطلان إلی بعض آخر خال من المحذور.

ولو علم إجمالاً بأن فاطمة أو زینب فی العدة، فزوج زینب وظهرت أنها هی التی فی العدة، فهل تحرم أبداً، احتمالان، من أنه تزویج فی العدة عالماً، ومن أن المنصرف من النص والفتوی العلم التفصیلی لا الإجمالی، والثانی أظهر، وإن کان الأول أحوط.

نعم لا ینبغی الإشکال فی أنه لو علم أن إحدی نساء المدینة فی العدة

ص:27


1- الوسائل: ج19 ص66 الباب 36 من أبواب القصاص ح2

أو زوجه الوکیل فی التزویج بدون تعیین الزوجة کذلک لا یوجب الحرمة الأبدیة، لأن المناط علم الزوج لا ولیه أو وکیله، نعم لو کان وکیلاً فی تزویج امرأة معینة وهی فی العدة، فالظاهر کونه کمباشرته بنفسه

مثلاً، وزوج فاطمة فعلم أنها هی التی کانت فی العدة، لم تحرم لعدم شمول النص لمثل ذلک قطعاً.

ثم إنه لو زوج الوکیل هنداً لزید وهو یعلم أنها فی العدة فلا إشکال فی أنها لا تحرم علی نفس الوکیل إذا أراد أن یتزوجها فی المستقبل لنفسه، إذ الدلیل دل علی الحرمة فیما إذا کان المتزوج هو العالم.

کما أنه لو أغری إنسان عالم بأنها فی العدة إنساناً فزوجها، لم یکن المغری ممن تحرم علیه أبداً بلا إشکال.

{أو زوجه الوکیل فی التزویج بدون تعیین} الزوج {الزوجة کذلک} بأن کان الوکیل عالماً بالحکم والموضوع والزوج جاهل، ومثله ما لوکان الزوج الجاهل عین الزوجة {لا یوجب الحرمة الأبدیة، لأن المناط} فی التحریم {علم الزوج} کما هو الظاهر من النص والفتوی {لا ولیه أو وکیله}.

ومثلهما الفضولی کما تقدم فی المسألة السابقة.

{نعم لوکان وکیلاً فی تزویج امرأة معینة وهی فی العدة} بأن قال الزوج: زوّج لی فاطمة، والزوج یعلم أن فاطمة فی العدة، {فالظاهر کونه کمباشرته بنفسه} فی أنه إذا علم الزوج أنها فی العدة وعلم بالحرمة حرمت علیه أبداً، وذلک لأن الأدلة دلت علی أن (من تزوج) ونحوه، وهو یصدق سواء زوج

ص:28

لکن المدار علم الموکل لا الوکیل.

بنفسه أو بوکیله، کما أن ظاهر دلیل (من بنی مسجداً) ونحوه یشمل المباشر والموکل.

{لکن المدار علم الموکل لا الوکیل} لعله ذکر هذه الاستدراک لأجل رفع توهم أن هذه الفروع معطوفة علی الفرعین السابقین المفروض فیهما علم الولی والوکیل.

ثم إنه لو قال للوکیل: زوج لی إحدی بنات زید، وهو یعلم أن واحدة غیر معینة لدیه، أو معینة لدیه، کفاطمة مثلاً فی العدة، فزوج الوکیل المعتدة، فهل تحرم علیه أم لا، ظاهر المستمسک الحرمة الأبدیة، لأنه یصدق أنه تزوج امرأة فی عدتها وهو عالم.

لکن فیه خفاء، لأن النص منصرف عن مثله، ولوکان مثل هذا الانصراف لیس موجوداً فی بعض الأماکن الأخر، کما إذا قال له: اقتل أحد هؤلاء، وکانوا خمسة أحدهم مسلم محقون الدم، والأربعة کفار مهدور الدم، فإنه إذا قتل المسلم صدق أن الآمر هو القاتل فیما کان المأمور آلة فقط، فتأمل.

ص:29

مسألة ٣ المطلقة رجعیة زوجة

(مسألة 3): لا إشکال فی جواز تزویج من فی العدة لنفسه، سواء کانت عدة الطلاق أو الوطی شبهة أو عدة المتعة أو الفسخ بأحد الموجبات أو المجوزات له، والعقد صحیح إلاّ فی العدة الرجعیة فإن التزویج فیها باطل، لکونها بمنزلة الزوجة

(مسألة 3): {لا إشکال فی جواز تزویج من فی العدة لنفسه} کما لا خلاف إذا لم یکن هناک محذور خارجی، کما إذا ارتد الزوج أو ما أشبه ذلک، وذلک لأن أدلة المنع منصرفة إلی ما کان فی عدة الغیر، کما أن المنساق إلی الذهن ما ذکره المستمسک وغیره من أن العدة إنما شرعت احتراماً لذی العدة فلا تمنع من التزویج بنفس ذی العدة.

{سواء کانت عدة الطلاق} الطلاق القابل لنکاح الزوج فیه، {أو الوطی شبهة} لخلیة، أما المتزوجة ونحوها فواضح أنه لا یحق للواطی شبهة نکاحها، {أو عدة المتعة} إذا لم یکن محذور، کما إذا کانت أمة ولم یرض مولاها بنکاحها.

{أو الفسخ بأحد الموجبات} للفسخ کالکفر {أو المجوزات له} کالفسخ بالعیوب، فإنه یجوز الفسخ لا أنه یوجبه.

{و} إذا عقد فی حال عدة نفسه ف_ {العقد صحیح} بلا إشکال کما عرفت {إلا فی العدة الرجعیة فإن التزویج فیها باطل کونها بمنزلة الزوجة}، والزوجة لا تعقد علیها مرة ثانیة لأن العقد علیها لغو.

ثم إن المستفاد من النص والفتوی أن المطلقة طلاقاً رجعیاً لا یؤثر الطلاق فی بینونتها إلاّ عند انقضاء العدة، فهی زوجة قابلة للانفکاک إذا بقیت بلا إرجاع، ولذا

ص:30

وإلا فی الطلاق الثالث الذی یحتاج إلی المحلل فإنه أیضاً باطل بل حرام ولکن مع ذلک لا یوجب الحرمة الأبدیة

قال فی الجواهر، فی لواحق کتاب الطلاق: والمسألة الثانیة إن نفقتها کنفقة الزوجیة بل هی هی، لأن الطلاق لم یسقطها، وفی الجملة من الروایات استحباب أن تتزین للرجل، ﴿لعل الله یحدث بعد ذلک أمراً﴾((1)).

وبهذا یظر أن قول المستمسک بصحة نکاحکها من جدید فی حال العدة الرجعیة ویترتب علی صحة العقد ثبوت المهر واستحقاقه بالدخول وغیر ذلک من أحکام الزوجیة الحدیثة، محل منع.

{وإلا فی الطلاق الثالث الذی یحتاج إلی المحلل فإنه} بدون المحلل {أیضاً باطل} لم یقره الشارع {بل حرام} لعله استفید حرمته من النهی الوارد فی النص والفتوی، فإنه لا منافاة بین التکلیف والوضع کما فی عقد حال الإحرام وغیره.

ومنه یعلم أن ما ذکره المستمسک من أنه لم یقف علی هذه الحرمة محل نظر.

{ولکن مع ذلک} الذی ذکرنا أنه باطل حرام {لایوجب الحرمة الأبدیة}

ص:31


1- سورة الطلاق: الآیة 1

وإلا فی عدة الطلاق التاسع فی الصورة التی تحرم أبداً، وإلا فی العدة لوطئه زوجة الغیر شبهة لکن لا من حیث کونها فی العدة، بل لکونها ذات بعل، وکذا فی العدة لوطئه فی العدة شبهة إذا حملت منه بناءً علی عدم تداخل العدتین،

للأصل بعد عدم الدلیل علیها، {وإلا فی عدة الطلاق التاسع فی الصورة التی تحرم أبداً} فإنه سیأتی فی کتاب الطلاق الکلام حول الطلاق التاسع لا یکون موجباً للحرمة الأبدیة إذا لم تتوفر فیه الشروط المذکورة هناک.

وکیف کان، فإن نکاح المطلق طلاقاً تاسعاً لزوجته المطلقة فی العدة لا یؤثر فی صحة العقد.

{وإلا فی العدة لوطئه زوجة الغیر} أو امرأة تحرم علیه {شبهة} فإنه لا یصح نکاحه فی العدة.

{لکن} عدم صحة النکاح {لا من حیث کونها فی العدة، بل لکونها ذات بغل} أو کونها تحرم علیه لسبب آخر کالمحارم نسباً أو رضاعاً أو کالحرمة لأنها أمة الغیر أو ما أشبه ذلک.

{وکذا} لیس العقد صحیحاً {فی العدة} العدة عن غیر الواطی {لوطئه فی العدة شبهة إذا حملت منه} کأن وطأ زید امرأة محرمة علیه، لکونها فی عدة طلاق عمرو مثلاً وطیاً شبهة فحملت منه، فإن العدة من الحمل لها توجب أن لا یصح عقدها له فی هذه العدة الأولی للحمل، کما لا یصح عقدها له فی العدة الثانیة، عدة الطلاق.

{بناءً علی عدم تداخل العدتین} عدة الطلاق من زواجها المطلق، وعدة وطی الشبهة من الرجل الذی وطأها شبهة.

ص:32

فإن عدة وطی الشبهة حینئذ مقدمة علی العدة السابقة التی هی عدة الطلاق أو نحوه لمکان الحمل، وبعد وضعه تأتی بتتمة العدة السابقة، فلا یجوز له تزویجها فی هذه العدة، أعنی عدة وطی الشبهة وإن کانت لنفسه، فلو تزوجها فیها عالماً أو جاهلاً بطل

{فإن عدة وطی الشبهة حینئذ مقدمة علی العدة السابقة التی هی عدة الطلاق أو نحوه} من سائر العدد، کعدة الوفاة وعدة الفسخ، وإنما تقدم عدة وطی الشبهة علی عدة الطلاق {لمکان الحمل} فإنها لما حملت من وطی الشبهة کانت عدة وطی الشبهة مدة الحمل، ومدة الحمل تبدأ من حین الوطی.

{وبعد وضعه} أی وضع المرأة الطفل (الحمل) {تأتی بتتمة العدة السابقة} کعدة الطلاق {فلا یجوز له تزویجها فی هذه العدة (عدة الحمل) {لنفسه} نفس الواطی شبهة، مثلاً عمرو طلق زوجته وانقضی علی ذلک قرء فوطأها زید شبهة فحملت منه، فإن مدة الحمل هی فی عدة زید لوطی الشبهة، وبعد انقضاء مدة الحمل کتسعة أشهر مثلاً ووضعها للولد، تتم بقیة عدة الطلاق، أی قرئین آخرین، فإن عدة الطلاق ثلاثة قروء، فإن الواطی شبهة لا یحق له تزویج المرأة فی عدة الحمل، مع أن عدة الحمل تکون من نفس هذا الواطی شبهة، {فلو تزوجها فیها عالماً} بالموضوع والحکم {أو جاهلاً} بهما أو بأحدهما {بطل} العقد، للمناط فی عدم جواز العقد فی عدة الغیر، فإنها الآن وإن لم تکن فی عدة الغیر لکن لها حالة مستقبلیة حیث تکون بعد وضع الحمل فی عدة الغیر، والعرف الملقی إلیه دلیل حرمة النکاح فی عدة الغیر لا یری فرقاً بین أن یکون العقد فی حال العدة، أو أن

ص:33

ولکن فی إیجابه التحریم الأبدی إشکال.

یکون العقد فی حال تدخل الزوجة فی المستقبل فی العدة، فإن المستفاد من الأدلة عرفاً عدم جواز التزویج إلاّ بعد انتهاء العدة.

{ولکن فی إیجابه} عقد هذه المرأة الحامل {التحریم الأبدی} فی صورة العلم بالموضوع والحکم {إشکال}، من جهة أن أدلة التحریم لا تشمل إلاّ العقد فی نفس العدة، لا فی وقت تکون المرأة فی المستقبل فی العدة.

ثم لا یخفی أنه کما لا یحق للواطی شبهةً نکاح المرأة فی مدة عدة الحمل، کذلک لا یحق للزوج المطلق أن ینکح هذه المرأة فی عدة الحمل، وإن جاز له أن ینکحها فی عدة الطلاق الآتیة بعد وضع المرأة، إذ عدة الحمل لیست للزوج المطلّق، بل للواطی شبهةً کما هو واضح، وسیأتی تتمة المسألة فی المسألة العاشرة.

أما تقدم عدة وطی الشبهة علی عدة الطلاق فسیأتی الکلام فیه فی مبحث الطلاق إن شاء الله تعالی.

ص:34

مسألة ٤ الاعتبار فی الدخول

(مسألة 4): هل یعتبر فی الدخول الذی هو شرط فی الحرمة الأبدیة فی صورة الجهل أن یکون فی العدة، أو یکفی کون التزویج فی العدة مع الدخول بعد انقضائها، قولان،

(مسألة 4): هل یعتبر فی الدخول الذی هو شرط فی الحرمة الأبدیة فی صورة الجهل} بالموضوع أو الحکم {أن یکون فی العدة} فإذا عقد فی العدة جاهلاً ثم دخل بعد أن خرج العدة لم یکن الدخول موجباً للحرمة الأبدیة.

{أو یکفی} فی الحرمة الأبدیة {کون التزویج فی العدة مع الدخول} الکائن ذلک الدخول {بعد انقضائها}.

{قولان}، اختار أولهما المسالک وتبعه الجواهر، وذلک لأصالة عدم الحرمة الأبدیة بعد عدم إمکان العمل بإطلاق الأخبار الدالة علی الحرمة الأبدیة بالدخول، وإنما لا یمکن العمل بإطلاقها لاحتفافها بما یمکن أن تکون قرینة، مثلاً فی صحیحة: «إن کان دخل بها فرق بینهما ولم تحل له أبداً واعتدت ما بقی علیها من الأول» فإنه نص فی أن الدخول کان فی العدة.

وفی صحیحة علی بن رئاب، عن حمران: «إن کانت تزوجته فی عدتها لزوجها الذی طلقها علیها الرجعة فإنی أری أن علیها الرجم»، فإن الرجم لا یکون إلاّ بالدخول فی العدة.

إلی غیر ذلک من الروایات المشعرة بذلک.

ومنه یعلم أنا لا نحتاج إلی تقیید المطلق بهذ الأخبار، حتی یقال: إن المقید لا یتوی علی تقیید المطلق لعدم التنافی فی الحکم بینهما، بل یکفی اکتناف الکلام بما یصلح أن یکون قرینة وهو حاصل، بالإضافة إلی الانصراف إلی الدخول فی حال العدة، ولو شک فی الحکم ولم یجر أصل موضوعی فالأصل الحل، بل الانصراف آت فی مطلقات الفقهاء أیضاً، فقول الریاض إن الفتاوی کالنصوص مطلقة

ص:35

إن الأحوط الثانی، بل لا یخلو عن قوة، لإطلاق الأخبار بعد منع الانصراف إلی الدخول فی العدة.

فی إفادة التحریم بالدخول، وإن کان الدخول بعد العدة غیر ظاهر الوجه.

نعم لا إشکال فی {أن الأحوط الثانی} أی التحریم الأبدی.

أما ما اختاره المصنف بقوله: {بل لا یخلو عن قوة، لإطلاق الأخبار بعد منع الانصراف إلی الدخول فی العدة} ففیه ما تقدم، ولذا اختار السیدان الحکیم والجمال عدم الحرمة الأبدیة، کما منع القوة، واحتاط فی المسألة السیدان ابن العم والاصطهباناتی.

ولو شک فی أن الدخول صار فی العدة کان الأصل تأخر الحادث.

ویأتی فی المقام مسألة مجهولی التاریخ.

ص:36

مسألة ٥ لو شک أنها فی العدة

(مسألة 5): لو شک أنها فی العدة أم لا، مع عدم العلم سابقاً، جاز التزویج خصوصاً إذا أخبرت بالعدم

(مسألة 5): {لو شک أنها فی العدة أم لا، مع عدم العلم سابقاً} بأحد الأمرین، إذ لو علم بأحدهما استصحب المعلوم، {جاز التزویج} لأصالة عدم کونها فی العدة.

وکذا لو شکت هی، وهکذا لو شک الرجل فی أنه فی عدة الأخت أو عدة الرابعة، أو شکت هی، وإذا شک العاقد حمل فعل المسلم علی الصحیح، فلا یحتاج إلی التحقیق.

ولو علم بأن إحداهما أو أحدهما أو هذا أو هذه _ فی عقدین _ فی العدة، وکان کلاهما محل الابتلاء لم یجز عقد أحدهما، لمکان العلم الإجمالی، وإن کان العقدان فی زمانین، لما حقق فی الأصول من عدم الفرق فی العلم الإجمالی بین الدفعیة والتدریجیة.

أما إذا علم بأن الزوج أو الزوجة فی العدة، فهو علم تفصیلی بعدم الجواز، کما أن الرجل إذا علم بأنه أو من یرید زواجها فی العدة، وکذلک المرأة إذا علمت بأنها أو الزوج فی العدة، لم یجز الزواج لأنه علم تفصیلی.

ولو علم العاقد بأن أحدهما _ فی عقدین _ فی العدة، لکن لم یکن أحدهما محل الابتلاء، أو کان أطراف العلم غیر محصور فلا بأس بعقده.

ولا یخفی أن المراد بعدم الجواز عدم ترتیب الأثر، أما مجرد إجراء اللفظ فیمکن أن یقال: لیس بمحرم، للأصل إلاّ فیما علم حرمته، کما تقدم من عدم جواز العقد فی العدة تکلیفاً، کما أنه یوجب الحرمة الأبدیة وضعاً.

{خصوصاً إذا أخبرت بالعدم} فإنه لا إشکال فی قبول قبولها، بل

ص:37

وکذا إذا علم کونها فی العدة سابقاً وشک فی بقائها إذا أخبرت بالانقضاء

هو المشهور، ویدل علی ذلک أنها ذات الید علی نفسها، فکما یقبل قولها فی الطهارة والنجاسة لبدنها أو ثوبها أو ما أشبه ذلک، یقبل قولها فی أنها فی العدة أو لا.

ویدل علیه السیرة القطعیة، وصحیح زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «العدة والحیض للنساء إذا ادعت صُدقت».

بل ویؤیده أو یدل علیه بالمناط، الروایات الکثیرة الواردة فی جملة من المقامات الأخر، مثل الأخبار الواردة فی المتعة.

کخبر محمد بن عبد الله الأشعری، قلت للرضا (علیه السلام): الرجل یتزوج المرأة فیقع فی قلبه أن لها زوجاً، قال (علیه السلام): «ما علیه، أریت لو سألها البینة کان یجد من یشهد أن لیس لها زوج»((1)).

وقال محمد بن راشد: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إنی تزوجت المرأة متعة فوقع فی نفسی أن لها زوجاً ففتشت عن ذلک فوجدت لها زوجاً، قل: «ولم فتشت»((2)).

وخبر أبان بن تغلب، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إنی أکون فی بعض الطرقات فأری المرأة الحسناء ولا آمن أن تکون ذات بعل أو من العواهر، قال: «لیس هذا علیک، إنما علیک أن تصدقها فی نفسها»((3)).

إلی غیرها من الروایات.

{وکذا إذا علم کونها فی العدة سابقاً، وشک فی بقائها إذا أخبرت بالانقضاء} لأن قبول قولها حسب ما ذکرناه سابقاً یقتضی ذلک.

ص:38


1- الوسائل: ج15 ص441 الباب 24 من أبواب العدد ح1
2- الوسائل: ج14 ص457 الباب 10 من أبواب المتعة ح5
3- الوسائل: ج14 ص457 الباب 10 من أبواب المتعة ح3

وأما مع عدم إخبارها بالانقضاء فمقتضی استصحاب بقائها عدم جواز تزویجها، وهل تحرم أبداً إذا تزوجها مع ذلک، الظاهر ذلک

وکذا إذا علم بأنها کانت فی عدة، فإن کانت فی عدة کبیرة کانت باقیة، وإن کانت فی عدة صغیرة فقد خرجت من العدة، فأخبرت أنها کانت فی عدة صغیرة.

{وأما مع عدم إخبارها بالانقضاء فمقتضی استصحاب بقائها} أی بقاء العدة {عدم جواز تزویجها}، وکذلک بالنسبة إلی أخت الزوجة والخامسة بعد طلاق الرجل الرابعة إن أخبر بانقضاء العدة فیها، وإلا کان مقتضی الاستصحاب عدم خروج الرجل من العدة.

{وهل تحرم أبداً إذا تزوجها مع ذلک} الاستصحاب {الظاهر ذلک} لأن الاستصحاب قائم مقام العلم، فکما أنها تحرم إذا علم بکونها فی العدة وتزوجها، کذلک إذا استصحب أو قامت أمارة أو ما أشبه ذلک.

وبهذا أفتی المستمسک، وسکت علی المتن جملة من المعلقین، لکن ینبغی أن یقید ذلک بما إذا کان ملتفتاً واستصحب، وإلا لم یجر الاستصحاب کما حقق فی الأصول، وجهله یعذره عن الحرمة الأبدیة.

لکن فی تعلیقه ابن العم قال عند قول المصنف: (الظاهر ذلک): (فیه إشکال، إلاّ إذا دخل بها).

وفی تعلیقة السید البروجردی: (إذا دخل بها ولم ینکشف الخلاف، وأما مع الانکشاف فلا تحرم، ومع الدخول لا یخلو من الإشکال).

أقول: أما مع انکشاف الخلاف فلا إشکال فی عدم الحرمة، إذ الأحکام تابعة للمواضیع الواقعیة لا الوهمیة.

وأما الإشکال إذا لم یدخل، والحرمة إذا دخل، فکأنه لأجل أن استصحاب العدة

ص:39

وإذا تزوجها باعتقاد خروجها عن العدة، أو من غیر التفات إلیها، ثم أخبرت بأنها کانت فی العدة، فالظاهر قبول قولها وإجراء حکم التزویج فی العدة، فمع الدخول بها تحرم أبداً.

لا یثبت حرمة النکاح إلاّ علی الأصل المثبت، أما إذا دخل فالأصل حرمة الدخول، لکن فی کلا الامرین تأمل.

{وإذا تزوجها باعتقاد خروجها عن العدة، أو من غیر التفات إلیها} بأن لم یلتفت إلی احتمال أنها فی العدة {ثم أخبرت بأنها کانت فی العدة، فالظاهر} عدم {قبولها}، فإن أصالة الصحة لا تدع مجالاً لقبول قولها، کما إذا ادعت بعد التزویج أنها لم تکن راضیة عند العقد، أو ادعت أن زوجها الأول طلقها فی حال الحیض أو فی طهر المواقعة أو ما أشبه، إلاّ إذا تحقق صحة کلامها.

{و} علیه لا {إجراء} ل_ {حکم التزویج فی العدة} بمجرد ادعائها، وکأنه لما ذکرنا قال السید البروجردی: (إن الظهور المذکور محل تأمل)، وفی تعلیقة أخری: (إن ما ذکرناه المصنف أحوط).

وعلی هذا فلا أثر لکلامها.

{فمع الدخول بها} لم {تحرم أبداً} ولا یحتاج الزوج إلی التحقیق حول صدقها، ویظهر تقدم أصل الصحة علی الدعوی بعد وقوع العقد من بنائهم فی مختلف المسائل التی ذکروها فی أبواب المعاملات والنکاح والطلاق وغیرها، مثل ما ذکره الشرائع من أنه (لو راجع المطلق زوجته فادعت بعد الرجعة انقضاء العدة قبل الرجعة، فالقول الزوج، إذ الأصل صحة الرجوع) انتهی.

ص:40

مع أن إطلاق کونها مصدقة یقتضی عدم صحة الرجوع، إلی غیرها من المسائل.

ومنه یعلم أن تعلیق المستمسک علی قوله: (فالظاهر قبول قولها) بقوله: (لمصحح زرارة المتقدم وغیره بل هو المتیقن من المصحح) انتهی. غیر ظاهر الوجه.

نعم لو حقق الزوج وکان قد دخل، فثبت صحة قولها، حرمت أبداً، لأنه دخول فی العدة.

ص:41

مسألة ٦ حکم الجهل بالحکم وبالموضوع فی العدة

(مسألة 6): إذا علم أن التزویج کان فی العدة مع الجهل بها حکماً أو موضوعاً، ولکن شک فی أنه دخل بها حتی تحرم أبداً أو لا، یبنی علی عدم الدخول، وکذا إذا علم بعدم الدخول بها، وشک فی أنها کانت عالمة أو جاهلة، فإنه یبنی علی عدم علمها، فلا یحکم بالحرمة الأبدیة.

(مسألة 6): {إذا علم أن التزویج کان فی العدة مع الجهل بها حکماً أو موضوعاً، ولکن شک فی أنه دخل بها حتی تحرم أبداً أو لا، یبنی علی عدم الدخول}، لأن الأصل عدم الدخول، فلو علم إجمالاً بالدخول إما بهذه الزوجة أو بزوجته الأخری، لم ینفع فی الحرمة الأبدیة، لأن أحد طرفی العلم الإجمالی لا أثر له.

نعم لو علم بالدخول بهذه أو بالأخری فی حال الحیض، وجب الاجتناب لوجود الأثر لکلا الطرفین، وکذا إذا علم بأنه دخل بهذه أو بالأخری التی هی أیضاً نکحها فی العدة.

{وکذا إذا علم بعدم الدخول بها، وشک فی أنها} حال العقد {کانت عالمة أو جاهلة، فإنه یبنی علی عدم علمها} لأصالة عدم علمها {فلا یحکم بالحرمة الأبدیة}.

کما أنه کذلک لا یحکم بالحرمة الأبدیة إذا شک فی أنه حال التزویج هل کان عالماً أم لا.

ولو شک فی أنه حال العقد مع علمهما هل کان هازلاً أم لا، فالأصل الصحة، فتحرم أبداً.

ص:42

مسألة ٧ العلم الإجمالی بالعدة

(مسألة 7): إذا علم إجمالاً بکون إحدی الامرأتین المعینتین فی العدة ولم یعلمها بعینها، وجب علیه ترک تزویجهما، ولو تزوج إحداهما بطل، ولکن لا یوجب الحرمة الأبدیة، لعدم إحراز کون هذا التزویج فی العدة

(مسألة 7): {إذا علم إجمالاً بکون إحدی الامرأتین المعینتین فی العدة ولم یعلمها بعینها، وجب علیه ترک تزویجهما} للعلم الإجمالی بوجوب اجتناب إحداهما لکن بشرط أن تکون الثانیة محلاً للابتلاء، لا ما إذا علم الفقیر أنه إما بنت الملک التی لا تعطی له قطعاً أو هذه المرأة التی یرید زواجها فی العدة، فإنه یجوز له الزواج بها، لعدم تنجیز العلم الإجمالی.

{ولو تزوج إحداهما بطل} ظاهراً، أی لم یترتب علیه الأثر لأصالة عدم ترتب الأثر فی کل مورد لا یعلم توفر الشروط.

{ولکن لا یوجب الحرمة الأبدیة، لعدم إحراز کون هذا التزویج فی العدة} لأصالة عدم الحرمة الأبدیة، نظیر ما لو توضأ بأحد الإنائین المعلوم نجاسة أحدهما، فإنه یبنی فیه علی عدم ترتب الأثر عملاً باستصحاب الحدث.

أما ما ذکره المستمسک من استثناء ما إذا کان الحال السابقة فی المرأتین معاً أنهما فی العدة، وعلم خروج إحداهما منها وبقاء الأخری فیها، فیجوز جریان الاستصحاب فیهما معاً، لما لم ینافیا العلم عملاً، ومقتضاه حرمتها الأبدیة.

ففیه: ما قررناه فی الأصول، من أن الأصل لا یجری فی طرفی العلم الإجمالی، لوجود العلم.

ص:43

نعم لو تزوجهما معاً حرمتا علیه فی الظاهر، عملاً بالعلم الإجمالی.

{نعم لو تزوجهما معاً} ولو فی زمانین {حرمتا علیه فی الظاهر، عملاً بالعلم الإجمالی} وإن لم تحرم غیر ذات العدة علیه واقعاً، ویثمر ذلک أن إنساناً آخر لا یقدر علی زواج کلتیهما، لأنه یعلم أن إحداهما ذات زوج.

أما بالنسبة إلی المرأة فلا بأس بزواج أیهما ممن شائت، لأنها تعلم أنها هی مزوجة أو الأخری، ومثل هذا العلم غیر مؤثر، بل هو من قبیل واجدی المنی.

ص:44

مسألة ٨ لو شک بأنها فی عدة نفسه أو غیره

(مسألة 8): إذا علم أن هذه الامرأة المعینة فی العدة، لکن لا یدری أنها فی عدة نفسه أو فی عدة لغیره، جاز له تزویجها، لأصالة عدم کونها فی عدة الغیر، فحاله حال الشک البدوی.

(مسألة 8): {إذا علم أن هذه الامرأة المعینة فی العدة، لکن لا یدری أنها فی عدة نفسه أو فی عدة لغیره، جاز له تزویجها، لأصالة عدم کونها فی عدة الغیر}، ولا یعارضها أصالة عدم کونها فی عدة نفسه، لعدم الأثر لهذا الأصل.

{فحاله حال الشک البدوی} الجاری فیه الأصل، ولو علم أنها فی العدة، لکن شک فی أنها عدة الوفاة الطویلة، أو عدة الطلاق القصیرة، فالأصل عدم الحرمة بعد انقضاء الزمان القصیر، ولا یعارضه أصل بقاء کونها فی العدة، لأنه من قبیل المسببی، والأصل السببی مقدم علیه.

ص:45

مسألة ٩ صور التزویج بذات البعل

(مسألة 9):

(مسألة 9): لو تزوج بذات البعل فله أربع صور: لأنه إما عالم، أو جاهل، وعلی کل حال أما أن یدخل بها، أو لا.

الأولی: أن یکون عالماً ودخل بها، ولا إشکال ولا خلاف فی الحرمة الأبدیة فی هذه الصورة.

ویدل علیه جملة من النصوص:

کموثق أدیم بن الحر، قال أبو عبد الله (علیه السلام): «التی تتزوج ولها زوج یفرق بینهما ولا یتعاودان أبداً»((1)).

وموثق زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، فی امرأة فُقد زوجها أو نعی إلیها فتزوجت، ثم قدم زوجها بعد ذلک فطلقها، قال (علیه السلام): «تعتد منهما جمیعاً ثلاثة أشهر عدة واحدة، ولیس للآخر أن یتزوجها أبداً»((2)).

وموثقه الآخر، عنه (علیه السلام)، قال: «إذا نعی الرجل إلی أهله أو أخبروها أنه قد طلقها فاعتدت وتزوجت، فجاء زوجها الأول، فإن الأول أحق بها من هذا الأخیر، دخل بها أو لم یدخل بها، ولیس للآخر أن یتزوجها أبداً، ولها المهر بما استحل من فرجها»((3)).

ومرفوع أحمد بن محمد: «إن الرجل إذا تزوج امرأة وعلم أن لها زوجاً، فرق بینهما ولم تحل له أبداً»((4)).

ص:46


1- الوسائل: ج14 ص341 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص341 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
3- الوسائل: ج14 ص342 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6
4- الوسائل: ج14 ص343 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح10

والرضوی، قال (علیه السلام): «من تزوج امرأة لها زوج ودخل بها أو لم یدخل بها، أو زنی بها لم یحل أبداً»((1)).

هذا بالإضافة إلی المناط فی أخبار ذات العدة المتقدمة، فإنها إن لم تکن دلیلا فلا شک فی کونها مؤیدة.

وهل علم المرأة _ دون الرجل _ کعلم الرجل، لا یبعد ذلک، لقاعدة المشارکة فی التکلیف، بالإضافة إلی المناط فی أخبار ذات العدة.

الثانیة: أن یکون عالماً ولم یدخل بها، وهذا موجب للحرمة الأبدیة أیضاً، ویدل علیه إطلاق الموثق وغیره.

الثالثة: أن یکون جاهلاً ودخل بها، وهذا یوجب الحرمة الأبدیة أیضاً، ویدل علیه بعض الروایات السابقة.

نعم یعارضها صحیح عبد الرحمان بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة ثم استبان له بعد ما دخل بها أن لها زوجاً غائباً فترکها، ثم إن الزوج قدم فطلقها أو مات عنها أیتزوجها بعد هذا الذی کان تزوجها ولم یعلم أن لها زوجاً، قال (علیه السلام): «ما أحب له أن یتزوجها حتی تنکح زوجاً غیره»((2)).

قال فی الوسائل: (لعل الدخول هنا بمعنی الخلوة لما تقدم، ویمکن

ص:47


1- المستدر ک : ج2 ص577 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص341 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

أن یراد منه أنه یترکها حتی تتزوج زوجاً غیره، وإن کانت لا تحل له بعد ذلک، إذ لیس بصریح فیه) انتهی.

ولا یخفی بُعد کلا التوجیهین، ولذا قال فی المستمسک بعد نقله عن الوسائل توجیهه الأول: إنه بعید، لکنه أولی من التصرف فی النصوص السابقة.

أقول: حیث إن التعارض ظاهر بین الطائفتین تقدم الأولی علی الثانیة بالشهرة المحققة، وبتأیید روایات الدخول فی العدة، اللهم إلاّ أن یقال: بعدم التأیید لاحتمال أشدیة المنع فی العدة، حیث یتعارف عند غیر المبالین الزواج فی العدة لعدم أهمیتهم بها، ولیس کذلک ذات الزوج، بل نکاح ذات الزوج لا یکون إلاّ نادراً جداً، فمن الممکن تشدید الشارع بالنسبة إلی ذات العدة بما لم یشدد مثله فی ذات الزوج.

الرابعة: أن یکون جاهلاً ولم یدخل بها، وهذا لا یوجب الحرمة الأبدیة علی المشهور، بل عن المسالک إنه لا إشکال فی الحل، وعن الحدائق لیس فیه خلاف یعرف، وعن الریاض دعوی الإجماع علیه.

ویدل علیه بالإضافة إلی المناط فی أخبار تزویج ذات العدة، صحیح عبد الرحمان بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة ولها زوج وهو لا یعلم، فطلقها الأول أو مات عنها ثم علم الأخیر أیراجعها، قال (علیه السلام): «لا، حتی تنقضی عدتها»((1)).

فانها تقید إطلاقات المنع، کما أنها مقیدة بما دل علی الحرمة

ص:48


1- الوسائل: ج14 ص141 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3

یلحق بالتزویج فی العدة فی إیجاب الحرمة الأبدیة تزویج ذات البعل

الأبدیة مع الدخول.

ومما تقدم تعرف وجه النظر فی کلام القواعد وکاشف اللثام والبروجردی فی تعلیقه.

قال الأول: (ولو تزوج بذات البعل ففی إلحاقه بالمعتدة إشکال، ینشأ من عدم النصوص ومن أولویة التحریم) انتهی.

وفیه: وجود النص، وعدم القطع بالأولویة.

وقال الثانی: إنه لو عمل بأخبار التحریم أمکن الحکم بالتحریم مطلقاً مع الجهل والعلم، ومع الدخول وبدونه لإطلاقها.

وفیه: ما قد عرفت من عدم الإطلاق، بل الصناعة تقتضی تقیید بعضها ببعض.

وقال الثالث عند قول الماتن: (یلحق بالتزویج): (علی إشکال).

وفیه: إن ظاهر إشکاله یعود إلی کل صور المسألة، مع وضوح أن بعض صور المسألة یدل علیها النص والإجماع کما عرفت.

وعلی هذا فما ذکره المصنف هو الأوفق بالقواعد، قال: {یلحق بالتزویج فی العدة فی إیجاب الحرمة الأبدیة تزویج ذات البعل} ممن أقر الإسلام صحة زواجه، ولو لم تکن مسلمة کأهل الکتاب، وذلک لإطلاق الأدلة.

نعم لوکانت هی فی دینها لا تری بأساً بذلک، أو کانت ذات مذهب إسلامی لا یری بأساً، فهل تحرم من جهة إطلاق الأدلة، أم لا تحرم من جهة قاعدة «ألزموهم»، احتمالان، وإن کان لا یبعد عدم الحرمة، إلاّ فیما دل دلیل خاص یستثنی ذلک من

ص:49

فلو تزوجها مع العلم بأنها ذات بعل حرمت علیه أبداً مطلقاً، سواء دخل بها أو لا، ولو تزوجها مع الجهل لم تحرم إلاّ مع الدخول بها، من غیر فرق بین کونها حرةً أو أمةً مزوجة، وبین الدوام والمتعة، فی العقد السابق أو اللاحق

القاعدة، لوضوح أن القاعدة واردة علی الأدلة الأولیة التی منها حکم التزویج لذات البعل، فتأمل، وقد سبق بعض الکلام فی هذه القاعدة.

{فلو تزوجها مع العلم بأنها ذات بعل حرمت علیه أبداً} وقد سبق الکلام حول ما إذا کان الزوج طفلاً ممیزاً وما أشبه.

{مطلقاً، سواء دخل بها أو لا}، ولا یخفی أن الزواج حقیقة فی الإیجاب والقبول، فلو أوجبت بدون القبول، أو قبل قبل الإیجاب علی القول بلزوم الإیجاب بعد القبول، لم یضر، کما إذا کان عازماً علی النکاح ثم فی وسط العقد تغیر رأیه فلم یکمله.

{ولو تزوجها مع الجهل} بأنها ذات بعل {لم تحرم إلاّ مع الدخول بها} قبلاً أو دبراً، کما تقدم فی المعتدة.

{من غیر فرق بین کونها حرة أو أمة مزوجة، وبین الدوام والمتعة} سواء کان أحدهما {فی العقد السابق أو اللاحق}، کل ذلک لإطلاق النص.

ثم إن الظاهر النص والفتوی ولو بقرینة الانصراف، کون العقد اللاحق صحیحاً فی نفسه إذا لم یکن محذور کونها ذات البعل، فلو عقد علی ذات البعل التی هی أخت زوجته، أو کانت الخامسة بالنسبة إلیه، أو ما أشبه ذلک، لم یوجب

ص:50

وأما تزویج أمة الغیر بدون إذنه مع عدم کونها مزوجةً فلا یوجب الحرمة الأبدیة، وإن کان مع الدخول والعلم.

العقد حرمة أبدیة، کما أنه إذا دخل والحال هذه دخل فی مسألة الزنا بذات البعل.

{وأما تزویج أمة الغیر بدون إذنه مع عدم کونها مزوجة، فلا یوجب الحرمة الأبدیة} للأصل بعد خروجه عن مورد النص، واحتمال تعدی حکم الزوجة إلیها لأنها موطوءة المولی بالملک فمناط الزوجة یشلمها غیر تام، لعدم القطع بالمناط.

{وإن کان مع الدخول والعلم} وکذا الحکم فی الأمة المحللة.

ص:51

مسألة ١٠ إذا تزوجها فی عدة لم تشرع فیها

(مسألة 10): إذا تزوج امرأة علیها عدة ولم تشرع فیها کما إذا مات زوجها ولم یبلغها الخبر، فإن عدتها من حین بلوغ الخبر، فهل یوجب الحرمة الأبدیة أم لا، قولان، أحوطهما الأول، بل

(مسألة 10): {إذا تزوج امرأة علیها عدة ولم تشرع فیها} شرعاً {کما إذا مات زوجها ولم یبلغها الخبر، فإن عدتها من حین بلوغ الخبر}، کما دل علی ذلک النص والفتوی، وسیأتی الکلام حولها فی مبحث العِدَد من کتاب الطلاق إن شاء الله تعالی.

{فهل یوجب الحرمة الأبدیة}، کما اختاره الریاض، معللاً ذلک بأنه لو تزوجها بعد هذا الزمان فی زمان العدة لاقتضی التحریم إلیه ففیه أولی، لأنه أقرب إلی زمان الزوجیة.

{أم لا} کما اختاره القواعد والمسالک، وعلله فی کشف اللثام والجواهر بأنها لیست زوجة ولا معتدة، لعدم الاعتداد علیها قبل العلم بالوفاة، فیرجع فیها إلی أصالة الحل، وما ذکره الریاض صرف استحسان أو مناط لم یثبت القطع به.

{أحوطهما الأول} فإن الاحتیاط سبیل النجاة، {بل} هو أشد فی باب الفروج، قال شعیب الحداد: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): رجل من موالیک یقرؤک السلام، وقد أراد أن یتزوج امرأة، وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد کان لها زوج فطلقها علی غیر السنة، وقد کره أن یقدم علی تزویجها حتی یستأمرک فتکون أنت تأمره، فقال أبو عبد الله (علیه السلام): «هو الفرج، وأمر الفرج شدید، ومنه یکون الولد ونحن نحتاط فلا یتزوجها»((1)).

ص:52


1- الوسائل: ج14 ص193 الباب 16 من أبواب مقدمات الن ک اح ح1

لا یخلو عن قوة.

وعن مسعدة بن زیاد، عن جعفر (علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام)، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «لا تجامعوا فی النکاح علی الشبهة، وقفوا عند الشبهة، یقول: إذا بلغک أنک قد رضعت من لبنها وأنها لک محرم وما أشبه ذلک، فإن الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام عند المهلکة»((1)).

وعن علاء بن سیابة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة وکلت رجلاً بأن یزوجها من رجل، _ إلی أن قال: _ فقال (علیه السلام): «إن النکاح أحری وأحری أن یحتاط فیه وهو فرج، ومنه یکون الولد»((2)).

لکن الجواز وعدم الحرمة الأبدیة {لا یخلو عن قوة} فإنه هو مقتضی القاعدة کما عرفت، کما أفتی بذلک المستمسک وجملة من المعلقین.

نعم لا إشکال فی بطلان العقد، کما صرح به غیر واحد، لأن المفهوم من النص والفتوی أنه ما دامت علاقة الزوجیة للأول باقیة لا یصح العقد الآخر، لامتناع تحقق علقتین شرعاً بالنسبة إلی امرأة واحدة.

ص:53


1- الوسائل: ج14 ص193 الباب 16 من أبواب مقدمات الن ک اح ح2
2- الوسائل: ج14 ص193 الباب 16 من أبواب مقدمات الن ک اح ح3

مسألة ١١ حکم الولد بین الزوج وغیره

(مسألة 11): إذا تزوج امرأة فی عدتها ودخل بها

(مسألة 11): {إذا تزوج امرأة فی عدتها ودخل بها} فإن کان عن علم وعمد وحملت وجاء الولد بحیث یحتمل کونه من الزوج ومن المتزوج، فالولد للزوج بلا إشکال، لقاعدة «الوالد للفراش».

وإن جاء الولد بحیث یقطع کونه لیس من الزوج، فهو ولد زنا من العالم من الزوجین، وغیر زنا من الجاهل منهما، وإن کانا عالمین کان الولد للزنا من أبویه، وذلک لأن «الولد للفراش» لیس مطلقاً، بل منصرف إلی الولد المحتمل کونه من الزوج.

وإن جاء الولد بحیث یقطع کونه لیس من الممتزوج فهو للزوج بلا إشکال.

أما لو فرض مجیء الولد بحث یقطع أنه لیس منهما، لقصر الزمان أو طوله، فهو من غیرهما، إما بالوطی، أو بجذب الرحم.

ولا یخفی أنه إن حکم بکونه من الممتزوج یکون علیه حراماً إن کانت بنتاً، کما قرر فی المخلوق من ماء الزانی، ویحرم علی الوالدة تزویجه إن کان ولداً، إلی آخر ما ذکروه فی باب الزنا.

ومثل الزواج فی العدة من جهة ما ذکرنا، الزنا والزواج بذات البعل، والزنا أو زواج أمة الغیر زواجاً وهی للمولی یروح ویغدو علیها، لوحدة الأدلة فی الکل.

ولو تزوجها فی العدة أو هی ذات زوج أکثر من واحد، وکان احتمال الزوج ممکناً فهو للزوج، وإلا فهو لمن احتمل کونه منه، إن کان واحداً کان له، وإن کان أکثر أقرع بین المحتملات.

وکذا إذا زنی بها نفران وجاء الولد أقرع بینهما، وفائدة القرعة حینئذ ظهور أنه من أیهما حتی یترتب علیه أحکام النکاح، إذ بنت الزانی لا یتزوجها

ص:54

مع الجهل فحملت مع کونها مدخولة للزوج الأول فجاءت بولد فإن مضی من وطی الثانی أقل من ستة أشهر ولم یمض من وطی الزوج الأول أقصی مدة الحمل، لحق الولد بالأول، وإن مضی من وطی الأول أقصی المدة ومن وطی الثانی ستة أشهر

الزانی کما عرفت، وإنما نقول بالقرعة لأنها لکل أمر مشکل.

هذا إذا کان الدخول عن علم وعمد.

أما إذا تزوج بذات العدة ودخل بها {مع الجهل فحملت مع کونها مدخولة للزوج الأول} أو احتمل کون الزوج أفرغ الماء علی فرجها فحملت منه، إذ الرحم تجذب الماء، {فجاءت بولد، فإن مضی من وطی الثانی أقل من سنة أشهر} لأن المعروف أن الولد لا یبقی إذا جاء بأقل من ستة أشهر، وسیأتی الکلام فی هذه المسألة فی مکانها إن شاء الله تعالی.

{ولم یمض من وطی الزوج الأول أقصی مدة الحمل، لحق الولد بالأول} کما فی المسالک والجواهر، بل ادعی علیه القطع، وفی المستمسک یظهر منهم التسالم علیه.

وتقتضیه قاعدة الفراش، إذ الفراش للزوج الأول حال انعقاد النطفة فیکون الولد له.

بالإضافة إلی مرسل جمیل، عن بعض أصحابه، عن أحدهما (علیهما إسلام) فی المرأة تزوج فی عدتها، قال: «یفرق بینهما وتعتد عدة واحدة منهما جمیعاً، وإذا جاءت بولد لستة أشهر أو أکثر فهو للأخیر، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول».

{وإن مضی من وطی الأول أقصی المدة ومن وطی الثانی ستة أشهر أو

ص:55

أو أزید إلی ما قبل الأقصی فهو ملحق بالثانی، وإن مضی من الأول أقصی المدة ومن الثانی أقل من ستة أشهر فلیس ملحقاً بواحد منهما، وإن مضی من الأول ستة فما فوق وکذا من الثانی فهل یلحق بالأول أو الثانی

أزید إلی ما قبل الأقصی فهو ملحق بالثانی} کما فی المسالک والجواهر، وعن الریاض بلا إشکال، وفی المستمسک یظهر من کلماتهم أنه لا خلاف فیه، لأن الواطی شبهة غیر عاهر فهو فراش، مضافاً إلی مرسل جمیل.

{وإن مضی من الأول أقصی المدة، ومن الثانی أقل من ستة أشهر، فلیس ملحقاً بواحد منهما} للعلم بانتفائه عنهما، لتولده فی زمان لا یصلح أن یکون لأحدهما.

ومنه یعلم ما لو تولد قبل مضی أقل المدة منهما، أو بعد مضی أکثر المدة منهما.

{وإن مضی من الأول ستة فما فوق} دون أقصی الحمل، {وکذا من الثانی فهل یلحق بالأول} لأنه أصح الفراشین، بل هو الفراش الصحیح، إذ الثانی وطی بشبهة والمنصرف من الفراش الصحیح منه، واختار هذا بعض.

{أو الثانی} کما عن الشرایع والقواعد والمسالک وکشف اللثام وغیرها، بل عن المسالک نسبته إلی الأکثر، وذلک للنصوص الواردة فی المقام، کإطلاق مرسل الجمیل المتقدم.

ص:56

أو یقرع

وصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا کان للرجل منکم الجاریة یطأها، فیعتقها فاعتدت ونکحت، فإن وضعت لخمسة أشهر فإنه لمولاها الذی أعتقها، وإن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخیر»((1)).

وصحیح البزنطی، عمن رواه، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام)، عن الرجل إذا طلق امرأته ثم نکحت وقد اعتدت ووضعت لخمسة أشهر فهو للأول، وإن کان ولدت أنقص من ستة أشهر فلأمه وأبیه الأول، وإن ولدت لستة أشهر فهو للأخیر ((2)).

وموثق أبی العباس، قال: قال (علیه السلام): «إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخیر، وإن کان لأقل من ستة أشهر فهو للأول»((3)).

ثم إن المرسل یکفی فی الاعتماد بعد أن رواه الصدوق فی الفقیه، وقد تکرر منا حجیة ما فیه إلاّ إذا علم عدم الحجیة، لأنه (رحمه الله) ضمن، وضمانه کاف.

هذا بالإضافة إلی وحدة المناط، وفهم الأصحاب عدم الفصل بین الموارد، مما یوجب التعدی من مورد الروایات الثلاث إلی ما نحن فیه.

{أو یقرع} کما عن المبسوط وفخر الإسلام، لأنها لکل أمر مشکل((4))، والمقام منه، لأن لکل منهما فراشاً، فتتعارض قاعدة الفراش فیهما، وحیث لا ترجیح

ص:57


1- الوسائل: ج15 ص115 الباب 17 من أبواب أحکام الأولاد ح1
2- الوسائل: ج15 ص117 الباب 17 من أبواب أحکام الأولاد ح11
3- الوسائل: ج15 ص117 الباب 17 من أبواب أحکام الأولاد ح12
4- الوسائل: ج18 ص189 الباب 3 ح11

والأقوی لحوقه بالثانی لجملة من الأخبار، وکذا إذا تزوجها الثانی بعد تمام العدة للأول واشتبه حال الولد.

یتساقطان ویکون المرجع القرعة.

{و} قد ظهر لک مما ذکرناه أن {الأقوی لحوقه بالثانی لجملة من الأخبار} التی تقدمت روایتها.

{وکذا إذا تزوجها الثانی بعد تمام العدة للأول واشتبه حال الولد} بل لحوقه هنا بالثانی أقوی، حیث إنه المنصرف من الفراش، فإن زواجاً قد انتهی لا یسمی فراشاً.

ومما تقدم یعلم حکم ما إذا تزوج المرأة فی حال کونها ذات زوج اشتباهاً، فإن الولد للثانی.

ثم إن مفروض مسألة المصنف ما إذا وطأ الزوج أولاً، ووطأ الواطی المشتبه ثانیاً، أما إذا کان العکس بأن تزوجها الزوج فوطأها مما یوجب العدة ثم طلقها وتزوجها الثانی فی العدة اشتباهاً فوطأها، ثم راجعها الزوج، لفرض أنها فی العدة فوطأها، وکان الولد محتملاً لأحد الوطیین، وطی الزوج فی العدة ووطی المشتبه، ولم یکن من الوطی الأول للزوج قطعاً، فهل یکون الولد للمشتبه، أو للزوج، أو القرعة، احتمالات، وإن کان مقتضی القاعدة المستفادة من مناط الروایات أنه هنا للزوج، لأنه ثانی الواطیین.

نعم إذا لم یعلم أن أیاً من الزوج والمشتبه وطأ أولاً فالمقام للقرعة، لعدم دلیل للإلحاق بأحدهما، والقرعة لکل أمر مشکل، والله العالم.

ص:58

مسألة ١٢ إذا کانت عدتان

(مسألة 12): إذا اجتمعت عدة وطی الشبهة مع التزویج أو لا معه وعدة الطلاق أو الوفاة أو نحوهما، فهل تتداخل العدتان، أو یجب التعدد، قولان، المشهور علی الثانی وهو أحوط،

(مسألة 12): {إذا اجتمعت وطی الشبهة مع التزویج} الباطل، بأن زوج زواجاً فاقداً للشرائط فزعم صحته فوطأ، فإن الوطی هذا یکون وطی شبهة.

{أو لا معه} کأن زعم أن فلانة زوجته فوطأها بدون أن یکون زواجاً بینهما أصلاً، {وعدة الطلاق أو الوفاة أو نحوهما} کعدة الفسخ وعدة المتعة {فهل تتداخل العدتان} کما عن الصدوق وابن الجنید، بل فی الجواهر أنه مال إلیه جماعة من متأخری المتأخرین، والمراد بالتداخل اندراج الأقل تحت الأکثر إذا کان بینهما أقل وأکثر، فإذا اعتدت الأکثر کفی.

{أو یجب التعدد، قولان، المشهور علی الثانی} وفی الجواهر یمکن دعوی الإجماع علیه، بل عن الشیخ فی الخلاف الإجماع علیه، {وهو أحوط} ویدل علیه بعض الأخبار:

کصحیح محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: المرأة الحبلی یتوفی عنها زوجها فتضع وتتزوج قبل أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، فقال (علیه السلام): «إن کان الذی تزوجها دخل بها فرّق بینهما ولم تحل له أبداً، واعتدت بما بقی علیها من عدة الأول، واستقبلت عدة أخری من الآخر ثلاثة قروء،

ص:59

وإن لم یکن دخل بها فرّق بینهما وأتمت ما بقی من عدتها وهو خاطب من الخطاب»((1)).

وصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) مثله((2)).

وموثق محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یتزوج المرأة فی عدتها، قال: إن کان دخل بها فرّق بینهما ولم تحل له أبداً وأتمت عدتها من الأول عدة أخری من الآخر، وإن لم یکن دخل بها فرّق بینهما وأتمت عدتها من الأول وکان خاطباً من الخطاب»((3)).

وخبر علی بن بشیر النبال، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، وفیه: «وإن فعلت ذلک بجهالة منها ثم قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحد، وفرق بینهما وتعتد بما بقی من عدتها الأولی، وتعتد بعد ذلک عدة کاملة»((4)).

وروی السید المرتضی فی الطبرسیات: إن امرأة نکحت فی العدة ففرق بینهما أمیر المؤمنین (علیه السلام) وقال: «أیما امرأة نکحت فی عدتها، فإن لم یدخل بها زوجها الذی تزوجها فإنها تعتد من الأول، ولا عدة علیها للثانی وکان خاطباً من الخطاب، وإن کان دخل بها فرق بینهما، وتأتی ببقیة العدة من الأول ثم تأتی

ص:60


1- الوسائل: ج14 ص344 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
2- الوسائل: ج14 ص346 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6
3- الوسائل: ج14 ص346 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح9
4- الوسائل: ج14 ص349 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح18

وإن کان الأول لا یخلو عن قوة حملاً للأخبار الدالة علی التعدد علی التقیة

من الثانی بثلاثة قروء مستقبلة»((1)).

{وإن کان الأول لا یخلو عن قوة} لورود جملة من الأخبار بذلک {حملاً للأخبار الدالة علی التعدد علی التقیة}.

أما یدل علی عدم التعدد، فهی صحیح زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، فی امرأة تزوجت قبل أن تنقضی عدتها، قال: «یفرق بینهما وتعتد عدة واحدة منهما جمیعاً»((2)).

وخبر أبی العباس، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی المرأة تتزوج فی عدتها، قال: «یفرق بینهما وتعتد عدة واحدة عنهما جمیعاً»((3)).

ومرسل جمیل عن أحدهما (علیهما السلام)، فی المرأة تتزوج فی عدتها، قال (علیه السلام): «یفرق بینهما وتعتد عدة واحدة منهما جمیعاً»((4)).

وخبر زرارة، عن الباقر (علیه السلام)، فی امرأة فقدت زوجها أو نعی إلیها فتزوجت ثم قدم زوجها بعد ذلک فطلقها، قال: «تعتد منهما جمیعاً ثلاثة أشهر عدة واحدة، ولیس للآخر أن یتزوجها أبداً»((5)).

ص:61


1- عن طبرسیات المرتضی ک ما فی الجواهر: ج32 ص365
2- الوسائل: ج14 ص347 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح11
3- الوسائل: ج14 ص347 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح12
4- الوسائل: ج14 ص348 الباب 16 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح14
5- الوسائل: ج14 الباب 15 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

بشهادة خبر زرارة وخبر یونس

وقد حمل جماعة الأخبار السابقة علی الندب، وأیدوا ذلک بأن العدة إما للاحترام أو لعدم الاختلاط، وکلاهما حاصلان من العدة الواحدة.

وآخرون حملوا أخبار التعدد علی التقیة {بشهادة خبر زرارة وخبر یونس}.

فعن زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن امرأة نعی إلیها زوجها فاعتدت وتزوجت، فجاء زوجها الأول ففارقها الآخر، کم تعتد للثانی، قال (علیه السلام): «ثلاثة قروء، وإنما یستبرؤ رحهما بثلاثة قروء وتحل للناس کلهم»، قال زرارة: وذلک أن إناساً قالوا: تعتد عدتین من کل واحدة عدة، فأبی أبو جعفر وقال (علیه السلام): «تعتد ثلاثة قروء، وتحل للرجال»((1)).

وعن یونس فیما رواه الکافی، عن بعض أصحابه، فی امرأة نعی إلیها زوجها فتزوجت ثم قدم الزوج الأول فطلقها وطلقها الآخر، قال: فقال إبراهیم النخعی: علیها أن تعتد عدتین، فحملها زرارة إلی أبی جعفر (علیه السلام)، فقال: «علیها عدة واحدة»((2)).

وفی الجواهر: (حکی أن طلیحة کانت تحت رشید الثقفی فطلقها البتة فنکحت فی آخر عدتها، ففرق عمر بینهما وضربها بمخفقة وضرب زوجها وفرق بینهما، ثم قال: أیما رجل تزوج امرأة فی عدتها، فإن لم یکن دخل بها زوجها الذی تزوجها فرق بینهما، وتأتی ببقیة عدة الأول، فإن شاء تزوجها، وإن کان دخل بها فرق

ص:62


1- الوسائل: ج15 الباب 38 من أبواب العدد ح15
2- الوسائل: ج15 الباب 38 من أبواب العدد ح15

وعلی التعدد یقدم ما تقدم سببه

بینهما وتأتی ببقیة عدة الأول ثم تستأنف عدة للثانی ثم لا تحل له أبداً)((1)).

ثم إنه ربما أشکل علی روایات وحدة العدة، بإعراض المشهور عنها، حتی أن الصدوق تنافی کلامه الأول فی وحدة العدة کلام آخر له فی التعدد، وقد استغرب المستمسک ذلک، وسبقه إلی نقل کلامی الصدوق الجواهر.

لکن فیه: إنه لم یعلم الإعراض المسقط عن الحجیة، لأنهم وجهوها بما یظهر منهم الاعتماد علیها، ولعلهم فعلوا ذلک لمخالفة أخبار الوحدة لأصالة عدم التداخل.

وما قربه المصنف هو الأقرب، کما جعله السید الحکیم مقتضی الإنصاف، وإن قوی أو احتاط السادة ابن العم والجمال والبروجردی فی موافقة المشهور، ولا ریب أنه أحوط.

{و} بناءً {علی التعدد} وأنه یلزم أخذ العدة لکل سبب مستقلاً {یقدم ما تقدم سببه}، فی المستمسک: (بلا خلاف فیه فی الجملة، ولا إشکال للأصل والنصوص) انتهی.

والمراد بالأصل أصالة فوریة العدة بعد سببها، لأنه المنصرف من النص والفتوی.

نعم لا یمکن هذا بالنسبة إلی العدة الثانیة التی تکون بعد العدة الأولی مباشرة.

نعم إذا لم تعلم بموت زوجها ووطأها مشتبه فأخذت عدة وطی الشبهة ثم علمت بموت زوجها تکون عدة المتأخر مقدمة علی عدة المتقدم، ولو کانت

ص:63


1- الجواهر: ج32 ص265 من ک تاب الطلاق

معتدة للشبهة فمات زوجها، فقد حکی عن المسالک احتمال تقدیم عدة الوفاة لکونها للزوج وهی مستندة إلی العقد اللازم، لکن هذا أشبه بالاستحسان، إذ کون العدة للزوج لا یلازم تقدمها، واستنادها إلی العقد دون استناد عدة وطی الشبهة لا یوجب أحقیة عدة العقد، فأصالة بقاء عدة وطی الشبهة محکمة.

وکذا احتمل أنه لو کانت معتدة للشبهة فطلقها زوجها، فقد احتمل تقدیم عدة الطلاق لکونها أقوی سبباً، ورده فی المستمسک بأنه کما تری خلاف الأصل.

لکن ربما یؤید تقدم عدة الطلاق إذا کان رجعیاً، أن ما دل علی أن المطلقة رجعة زوجة، یدل علی اتصال عدته بالطلاق، وهو أقوی من دلالة اتصال عدة وطی الشبهة بالوطی.

ثم إنه إذا اقترن السببان، کما إذا کان وطی الشبهة فی حال جریان الطلاق أو فی آن الموت، فهل یکون لها الخیار فی تقدیم أیة العدتین شاءت، أو تقدم عدة الوفاة والطلاق علی عدة الشبهة لأنهما أقوی منها، کما تقدم وجهه، أو تقرع لأنها لکل أمر مشکل، احتمالات، ولعل الأخیر أحوط، وإن قال المستمسک بالأول، لعدم المرجح.

ثم إنه بناءً علی التعدد لو اجتمعت علیها ثلاث عِدَد، کما إذا وطأها اثنان شبهة وطلقت، فالکلام فی ذلک کما تقدم فی العدتین، والأقوی الاجتماع کما سبق وجهه، فلا حاجة إلاّ إلی عدة واحدة متداخلة.

ثم إنه علی التداخل تکون العدة ذات حکمین، لأنه لا وجه لتداخل الآثار، وإن کان وجه لتداخل ذوات العدد.

ص:64

إلا إذا کان إحدی العدتین بوضع الحمل فتقدم، وإن کان سببها متأخراً، لعدم إمکان التأخیر حینئذ، ولو کان المتقدمة عدة وطی الشبهة والمتأخرة عدة الطلاق الرجعی فهل یجوز الرجوع قبل مجیء زمان عدته

{إلا إذا کان إحدی العدتین بوضع الحمل فتقدم، وإن کان سببها متأخراً}، کما صرح بذلک فی الشرائع والقواعد وغیرهما، وفی غیر موضع من الجواهر نفی الخلاف والإشکال فیه، ووافق المتن المستمسک وکل المعلقین الذین ظفرت بهم، إذ سکتوا علی المتن، وذلک {لعدم إمکان التأخیر حینئذ} وواضح أن مراده عدم الإمکان شرعاً لا عقلاً.

{ولوکانت المتقدمة عدة وطی الشبهة والمتأخرة عدة الطلاق الرجعی} کما لو وطأ الزوجة واطی اشتباهاً ثم طلقها الزوج فعلیها عدتان علی المشهور، کما تقدم.

{فهل یجوز الرجوع قبل مجیء زمان عدته}، حیث إن ظاهر الأدلة أن للزوج الرجوع ما لم تنقض عدة الطلاق، واختاره کشف اللثام والجواهر وغیرهما، أم لا، فلا حق للزوج الرجوع فی زمان عدة وطی الشبهة، بل له الرجوع إذا جاءت عدة الطلاق بعد انتهاء عدة الشبهة، لأنها فی حال عدة وطی الشبهة لیست فی عدة رجعیة، والأدلة دلت علی جواز الرجوع فی حال عدة الطلاق، کما عن القواعد والمسالک قال: (ثانیهما له الرجعة فی زمان إکمالها بعد الحمل، لا زمان الحمل، لأنها حینئذ لیست فی عدة رجعیة) انتهی.

قولان، والأقرب الأول، لدلالة جملة من الروایات علی الأول.

ص:65

وهل ترث الزوج إذا مات قبله فی زمان عدة وطی الشبهة، وجهان، بل قولان،

ففی صحیح محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، قال: سألته عن رجل طلق امرأته واحدة، قال: «هو أملک برجعتها ما لم تنقض العدة»((1)).

وصحیحه الآخر، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «وإذا أراد أن یراجعها أشهد علی رجعتها قبل أن تنقضی أقراؤها»((2)).

وفی خبره، عن أبی جعفر (علیه السلام): «وهو أحق برجعتها ما لم تنقض ثلاثة قروء»((3)).

وفی موثق عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «فإن طلقها الثانیة أیضاً شاء أن یخطبها مع الخطاب إن کان ترکها حتی یخلو أجلها، فإن شاء راجعها قبل أن ینقضی أجلها، فإن فعل فهی عنده علی تطلیقتین»((4)).

وصحیح علی بن رئاب، عن یزید الکناسی، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «لا ترث المختلعة والمخیرة والمبارات والمستأمرة فی طلاقها، هؤلاء لا یرثن من أزواجهن شیئاً فی عدتهن، لأن العصمة قد انقطعت فیما بینهن وبین أزواجهن من ساعتهن، فلا رجعة لأزواجهن ولا میراث بینهم»((5)).

{وهل ترث الزوج إذا مات قبله فی زمان عدة وطی الشبهة، وجهان، بل قولان

ص:66


1- الوسائل: ج15 ص371  الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق وأحکامه ح1
2- الوسائل: ج15 ص371  الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق وأحکامه ح4
3- التهذیب: ج8 ص28 من أحکام الطلاق ح4
4- التهذیب: ج8 ص29 من أحکام الطلاق ح5
5- الوسائل: ج17 ص532 الباب13 من أبواب میراث الأزواج ح6

لا یخلو الأول منهما من قوة، ولو کانت المتأخرة عدة الطلاق البائن فهل یجوز تزویج المطلق لها فی زمان عدة الوطی قبل مجیء زمان عدة الطلاق، وجهان

لا یخلو الأول منهما من قوة} کما عرفت وجهه، ویترتب علی ذلک سائر الأحکام باستثناء الوطی، کتزیین الزوجة للزوج، وجواز الاستمتاعات بها بعد الرجوع، وأنها لا تخرج من البیت فی عدة وطی الشبهة، وعدم جواز تزویج أختها والخامسة فی هذه المدة، إلی غیر ذلک.

وهذا الوجه الأول هو الذی قرره السادة ابن العم والجمال والبروجردی، کما استظهره المستمسک أیضاً.

ثم علی التداخل لا ینبغی الإشکال فی أنه لا یجوز الرجوع إذا انقضت عدة الزوج وبقیت عدة وطی الشبهة، کما لو حملت من الشبهة وطلقها زوجها فإن عدة الطلاق تنقضی قبل انقضاء عدة وطی الشبهة، وعلیه لا یجوز للزوج الرجوع بعد انقضاء وطی الشبهة.

{ولو کانت المتأخرة عدة الطلاق البائن} کما لو وطأها المشتبه وهی زوجة، ثم طلقها الزوج طلاقاً خلعیاً، فإنها تقدم عدة وطی الشبهة ثم تعتد عدة طلاق الخلع.

{فهل یجوز تزویج المطلق لها فی زمان عدة الوطی قبل مجیء زمان عدة الطلاق، وجهان} بل قولان:

الأول: المنع، لإطلاق دلیل منع النکاح علی کل معتدة، وقد تقدم من المصنف أنه لا یجوز التزویج بذات العدة، وإن کانت عدة وطی الشبهة، ولأنه لا یصح الاستمتاع بالمعتدة بوطی الشبهة، وکل نکاح لم یتعقبه حل الاستمتاع کان باطلاً، کما قاله العلامة فیما حکاه الجواهر عنه، وللاتفاق الذی حکاه کشف اللثام عنهم، من أنه لیس للأجنبی أن ینکح امرأة فی عدة شبهة، هذه هی الأدلة الثلاثة التی ذکروها للقول بالمنع.

وأشکل فی المسألة

ص:67

لا یبعد الجواز، بناءً علی أن الممنوع فی عدة وطی الشبهة وطی الزوج لها، لا سائر الاستمتاعات بها کما هو الأظهر

الاصطهباناتی، واحتاط ابن العم، وقوی السید البروجردی المنع، وبنی المستمسک جواز النکاح علی جواز سائر الاستمتاعات غیر الوطی، فإن قیل بالجواز جاز النکاح وإلا لم یجز، وحیث إنه قوی عدم جواز الاستمتاعات قال بحرمة النکاح.

والثانی: {لا یبعد الجواز} بل هو الظاهر {بناءً علی أن الممنوع فی عدة وطی الشبهة وطی الزوج لها، لا سائر الاستمتاعات بها، کما هو الأظهر}، وإنما نقول بالجواز لأنه لا دلیل علی المنع، إلاّ ما تقدم من أدلتهم الثلاثة، وفی الکل نظر.

إذ یرد علی الأول: إنا لا نسلم مثل هذا الإطلاق بحیث یشمل حتی مثل فرض المسألة، ولذا کان کلام المصنف السابق فی المنع غیر مناف لکلامه فی المقام، فما یظهر من المستمسک من إشکال التهافت بین کلامی المصنف غیر ظاهر الوجه.

ولأنه یرد علی الثانی: إنه لا دلیل علی عدم حلّ سائر الاستمتاعات، بل ظاهر الأدلة عدم جواز الوطی فقط.

فعن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن رجلین شهدا علی رجل غائب عند امرأته أنه طلقها، فاعتدت المرأة وتزوجت، ثم إن الزوج الغائب قدم فزعم أنه لم یطلقها، فأکذب نفسه أحد الشاهدین، فقال (علیه السلام): «لا سبیل للأخیر علیها، ویؤخذ الصداق من الذی شهد،

ص:68

فیُردّ علی الأخیر، والأول أملک بها، وتعتد من الأخیر، ولا یقربها الأول حتی تنقضی عدتها»((1)).

فإن ظاهر (لا یقربها) الوطی.

ولو شک فی المنع عن سائر الاستمتاعات فالأصل الجواز، بل یشملها قوله (علیه السلام): «لا یحرم الحرام الحلال»، بل لو قیل بالمنع عن الاستمتاعات کان اللازم عدم حق لها فی النفقة فی المتزوجة الموطوءة شبهة، وعدم حق للزوج لها فی المنع عن الخروج عن الدار، وکل ذلک خلاف إطلاقات الأدلة.

ومنه یعلم أن استظهار السید الحکیم أن معنی العدة المنع عن کل استمتاع، غیر ظاهر الوجه خصوصاً وینقضه عدة الرجعیة.

ولأنه یرد علی الثالث: إن الاتفاق لو تم ولم یکن محتمل الاستناد فمقعده منصرف إلی غیر ما نحن فیه.

ویؤیده ما ذکرناه من جواز العقد، التلازم العرفی بین بقاء الزوجیة التی وقع الوطی فی أثنائها وبین جواز إحداثها لنفس الزوج ثانیاً بعد زوالها، ولذا لا ینبغی الإشکال فی أنه إذا وطئت المزوجة شبهة ثم طلقها طلاقاً رجعیاً جاز للزوج الرجوع فی العدة، ولو کان تلازم بین وطی الشبهة وبین عدم جواز العقد مطلقاً أی حتی للزوج، کان مقتضاه أن لا یجوز للزوج الرجوع، کما أنه إذا کان وطی الشبهة یمنع الاستمتاعات کان ینبغی عدم جواز الرجوع لما تقدم عن العلامة فیما نقله الجواهر.

ومنه یعلم الإشکال فی ما ذکره السید البروجردی فی تعلیقه بقوله: (واجتماع

ص:69


1- الوسائل: ج18 ص242 الباب 13 من أبواب الشهادات ح3

ولو قلنا بعدم جواز التزویج حینئذ للمطلّق فیحتمل کونه موجباً للحرمة الأبدیة أیضاً، لصدق التزویج فی عدة الغیر، لکنه بعید لانصراف أخبار التحریم المؤبد عن هذه الصورة

وطی الشبهة مع بقاء الزوجیة التی وقع الوطی فی أثنائها غیر مستلزم لجواز إحداثها ثانیاً بعد زوالها).

{ولو قلنا بعدم جواز التزویج حینئذ للمطلق} لأنها فی عدة وطی الشبهة {فیحتمل کونه} کون تزویجه عالماً بالحکم والموضوع {موجباً للحرمة الأبدیة أیضاً}، بالإضافة إلی الحرمة التکلیفیة، {لصدق التزویج فی عدة الغیر} فیشمله ما تقدم من الروایات الدالة علی أن من تزوج فی عدة الغیر حرمت علیه أبداً.

{لکنه بعید، لانصراف أخبار التحریم المؤبد عن هذه الصورة}، کما أن الشیخ المرتضی (رحمه الله) ادعی هذا الانصراف، وهو قریب جداً، إذ المنصرف من الزواج فی عدة الغیر ما إذا لم یکن بین العاقد والزوجة علقة سبق الزوجیة، وما جعله المستمسک مؤیداً لعدم الانصراف من أنهم لم یتعرضوا لعدة وطی الشبهة فلیس ذلک إلاّ لبنائهم علی العموم لها محل نظر، إذ هذا الفرع قلیل الالتفات إلیه.

ولذا نری أن القواعد وغیرها فرضوا المسألة فیما لو کانت عدة طلاق البائن مقدمة، مع أنهم لم یتعرضوا لهذا الفرع الذی یکون فیه عدة الطلاق متأخرة، فراجع الجواهر فی مسألة ما لو حملت من زنا ثم طلقها الزوج.

ولذا الذی ذکرنا من الانصراف سکت السادة ابن العم والجمال والاصطهباناتی

ص:70

هذا ولو کانت العدتان لشخص واحد، کما إذا طلق زوجته بائناً ثم وطأها شبهة فی أثناء العدة فلا ینبغی الإشکال فی التداخل، وإن کان مقتضی إطلاق بعض العلماء التعدد فی هذه الصورة أیضاً.

وغیرهم علی المتن، وإن قال السید البروجردی: لا بعد فیه بعد شموله الأدلة، وکون الانصراف فی محل المنع هذا، نعم لا شک فی حسن الاحتیاط فإنه طریق النجاة.

{هذا ولو کانت العدتان لشخص واحد، کما إذا طلق زوجته بائناً} کطلاق الخلع {ثم وطأها شبهة فی أثناء العدة، فلا ینبغی الإشکال فی التداخل}، کما ذکره الفاضلان وتبعهما الجواهر، وذلک لأن العدة سواء کانت للاحترام أو مخافة اختلاط المیاه، فإنها لا تکون متعددة فی المقام، فإنه لا ماءان، ویحصل الاحترام بالعدة الواحدة.

{وإن کان مقتضی إطلاق بعض العلماء} بل الأکثر کما فی الجواهر، {التعدد فی هذه الصورة أیضاً}، وکأنه لأجل أن لکل سبب مسبباً، بل جعله ابن العم أحوط، لکن یرد علیه أن شمول إطلاقهم لمثل هذه الصورة محل تأمل، بل یمکن القول بالانصراف.

نعم لا بأس بالاحتیاط الاستحبابی، والله العالم.

ص:71

مسألة ١٣ هل الثالث مهر المثل أو المسمی

(مسألة 13): لا إشکال فی ثبوت مهر المثل فی الوطی بالشبهة المجردة عن التزویج، إذا کانت الموطوءة مشتبهة وإن کان الواطی عالماً، وأما إذا کان بالتزویج ففی ثبوت المسمی

(مسألة 13): {لا إشکال فی ثبوت مهر المثل فی الوطی بالشبهة المجردة عن التزویج} نصاً وإجماعاً، فإن التعلیل فی جملة من الروایات له عموم یشمل المقام.

مثل روایة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام) وفیها: «ولها المهر بما استحل من فرجها»((1)).

وفی روایة أبی بصیر، عنه (علیه السلام): «فلها المهر بما استحل من فرجها»((2)).

وفی روایة عبد الله بن سنان، عنه (علیه السلام): «ویکون لها صداقها بما استحل من فرجها»((3)).

إلی غیرها من الروایات.

{إذا کانت الموطوءة مشتبهة}، أما إذا کانت عالمة فلا مهر لها، لما سیأتی فی باب المهور من أنه «لا مهر لبغی».

{وإن کان الواطی عالماً} فإن المهر حق المرأة، وحق الإنسان لا یسقط بعصیان إنسان آخر.

{وأما إذا کان بالتزویج} وقد عین فیه المهر {ففی ثبوت المسمی} کما عن الشیخ فی المبسوط، لأن «ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده»، فإذا العقد هو السبب فی ثبوت المهر، إذ العقد هو الوجه فی الشبهة فکان کالصحیح، ولإطلاق

ص:72


1- التهذیب: ج7 ص488 فی الزیادات فی فقه الن ک اح ح169
2- الوسائل: ج18 ص242 الباب 13 من أبواب الشهادات ح2
3- الوسائل: ج14 ص350 الباب 17 من أبواب ما یحترم بالمصاهرة ح21

أو مهر المثل، قولان، أقواهما الثانی

الروایات المتقدمة المنصرفة إلی المسمی.

{أو مهر المثل} لأن الفرج مضمون حسب الروایات المتقدمة، والمسمی لا وجه له، إذ العقد الذی استند إلیه المسمی کان باطلا، وما یضمن لا کلیة له، إذ هی قاعدة مصطیدة، وإنما اللازم الرجوع إلی مقتضی الأدلة، وهی تقتضی الضمان بالمثل.

وانصراف الأخبار ممنوع، بل ظاهر قولهم (علیهم السلام): «بما استحل» أن السبب الاستحلال، وهو یناسب المثل لا المسمی، ألا تری أنه لو قیل حیث استحللت مال زید فعلیک قیمته، لم یفهم منه إلاّ القیمة المثلیة، فهو نظیر ضمان المقبوض بالعقد الفاسد.

{قولان}، وینبغی أن یفصل فی المسألة بین ما إذا کان المسمی أقل من المثل فالأقل، وبینما کان أکثر فالمثل، وذلک لأنه إذا کان أقل فقد دخلت المرأة علی هذا المقدار، فهی قد أهدرت حقها باختیارها، کما إذا باع بأقل من القیمة، ثم ظهر بطلان العقد، فإنه لا حق له بالتفاوت بین المثل والمسمی، ولا یرد هنا أن الأقل کان مستنداً إلی العقد الساقط فرضاً فاللازم المثل، إذ سقوط العقد لا یؤثر فی إرجاع ما أسقطته بنفسها من التفاوت، فتأمل.

فقول المصنف: {أقواهما الثانی} علی إطلاقه محل نظر، وإنما قیدنا المتن بقولنا: وقد عین فیه المهر، لأنه إذا لم یعین المهر لم یکن کلام فی المثل، فإنه لا مزاحم للمثل حینئذ.

ثم إنه قد تبین من الفرع السابق، أنه إذا کان تزویج ولکنها کانت تعلم بطلان العقد، لم یکن لها مهر، لأنها بغی، فلا أثر فی وجود العقد وعدمه، ولا فرق فی

ص:73

وإذا کان التزویج مجرداً عن الوطی فلا مهر أصلا.

وجوب المهر بالعقد بین أن یعلم الزوج بطلان العقد وعدمه، لأن المهر لازم لما استحل من فرجها.

ثم فی مورد مهر المثل یختلف الحال بالقصد واللفظ، فإن قصدا المتعة وظهر البطلان کان لها مثل مهر المتعة، وإن قصدا الدوام وظهر البطلان کان لها مثل مهر الدوام.

أما فی الشبهة فهل یختلف مطلقاً، أو لا یختلف مطلقاً، أو یفصل، مثلاً إذا قصدا متعة فلم یعقد فوطأها ظناً بالعقد کان شبهة المتعة فلها مهر المتعة، وإذا قالا له یعقدهما دواماً، کان شبهة الدوام فلها مهر الدوام.

وکذا إذا تزوج اثنان باثنتین متعةً، فجاء کل إلی زوجة الأخری اشتباهاً فلها مهر المتعة، بخلاف ما إذا زوجا دواماً فجاء کل واحد إلی زوجة الأخری اشتباهاً فلها مهر الدوام.

وکذا إذا ظنا أنهما زوجان دواماً، أو کانت المرأة نائمة فجاءها المشتبه، فلها مهر الدوام.

احتمالات، وإن کان التفصیل لا یخلو عن قرب.

{وإذا کان التزویج مجرداً عن الوطی فلا مهر أصلاً} للأصل بعد انتفاء السبب، إذ السبب إما العقد وإما الوطی، وکلاهما منتف.

واحتمال ثبوت شیء لها لسائر الاستمتاعات غیر بعید، لأنه «لا یتوی حق امرئ مسلم»، خصوصاً إذا کان العقد لمجردها بأن شرطت عدم الوطی، واحتمال عدم الحق إلاّ بالوطی لا وجه له، ومسألة أن منافع الحر لا تضمن غیر معلومة، کما ذکرناه فی باب الغصب.

ص:74

ثم إذا کان الوطی مشتملاً علی الحالتین، بأن کانا مشتبهین فی أوله وعلما فی وسط الدخول، کان لها المهر باعتبار الأول، إذ العلم بالحرمة فی أثناء حالة الدخول لا یسقط الحق السابق، کما أنه کذلک إذا کان الوطی فی حالة الزنا، لکن أجریا العقد فی وسط حالة الدخول، فإن الحرمة الأولی لا تؤثر فی سقوط المهر المسبب عن العقد الصحیح.

ثم إنه تبین من ما تقدم أن الاعتبار فی ثبوت المهر وسقوطه، علم المرأة بکونها بغیةً وعدم علمها، ولا اعتبار بعلم الرجل، فلو کانت المرأة بغیة فلا مهر وإن ظن الرجل الصحة، وإن لم تکن بغیة فلها المهر وإن کان الرجل یعلم عدم الصحة، ولو شک فی کونها بغیة فالأصل العدم، حملاً لفعل المسلم علی الصحیح.

والحاصل: إن الصور ست:

لأنها إما أن تقطع بکونها بغیة، أو تقطع بکونها غیر بغیة، أو تشک فی ذلک، وعلی کل حال فإما أن تکون فی الواقع محرمة علی الرجل، أم لا.

ویسقط المهر إذا کانت فی الواقع بغیة وعلمت بذلک.

أما إذا کانت محللة له فلها مهرها بما استحل من فرجها.

وکذا إذا کانت محرمة علیه لکنها تقطع بالحلیة، لأنها لیست بغیة حیئنذ.

أما إذا شکت وکانت محرمة فی الواقع، ففی ثبوت المهر، لأنها لا تسمی بغیة، وعدمه لأن الأصل فی صورة الشک الحرمة، فلا وجه لإقدامها علی الوطی مع عدم علمها بالحلیة، فهی فی حکم البغیة، وجهان، الأحوط الأول، وإن کان الأقرب الثانی، فتأمل.

ص:75

مسألة ١٤ مبدأ عدة وطی الشبهة

(مسألة 14): مبدأ العدة فی وطی الشبهة المجردة عن التزویج حین الفراغ من الوطی، وأما إذا کان مع التزویج فهل هو کذلک، أو من حین تبین الحال، وجهان، والأحوط الثانی، بل لعله الظاهر من الأخبار.

(مسألة 14): {مبدأ العدة فی وطی الشبهة المجردة من التزویج حین الفراغ من الوطی} الأخیر، کما ذکره الجواهر وغیره، وهم وإن لم یذکروا الأخیر، إلاّ أنه لابد من التقیید به، لوضوح أن العدة لأجل الوطی الأخیر حیث هو المیزان فی برائة الرحم حکمةً.

فلا یقال: لیس کذلک فیما کان الوطی الأخیر بدون الإنزال، والمراد بالوطی الإخراج الکامل، فإذا طال الوطی دقیقةً مثلاً یحسب أول العدة مبدأ الدقیقة الثانیة، لظهور الأدلة فی کون العدة متصلة بالسبب.

ویدل علی ما ذکرناه أنه المتبادر إلی الذهن من روایات وطی الشبهة.

کصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن رجلین نکحا امرأتین فأتی هذا بأمرة ذا، وهذا بامرأة ذا، قال: «تعتد هذه من هذا، وهذه من هذا، ثم ترجع کل واحدة إلی زوجها»((1)).

{وأما إذا کان مع التزویج فهل هو کذلک} من حین الوطی لأن الزواج الباطل لا اعتبار به، فاللازم أن یکون المبدأ من حین الوطی {أو من حین تبین الحال} أی تبین أن الزواج باطل {وجهان} اختار ثانیهما الجواهر والمستمسک وغیرهما.

{و} لذا قال مصنف: {الأحوط الثانی، بل لعله الظاهر من الأخبار}، ففی

ص:76


1- الوسائل: ج14 ص395 الباب 49 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

صحیح إبراهیم بن عبد الحمید: إن أبا عبد الله (علیه السلام) قال فی شاهدین شهدا عند امرأة أن زوجها طلقها فتزوجت ثم جاء زوجها، قال (علیه السلام): «یضربان الحد ویضمنان الصداق للزوج، ثم تعتد وترجع إلی زوجها الأول».

والمراد بالصداق صداق وطی الشبهة الذی خسره الزوج الثانی، فإنهما یعطیانه إیاه، فإن الظاهر من هذا الحدیث أن الاعتداد بعد التفرق.

ثم إنه لو کان وطی الشبهة بظن التزویج، کما لو وکلا من یزوجهما فی یوم کذا، فلم یزوجهما نسیاناً مثلاً، وعاش بعضهما البعض من ذلک الیوم إلی سنة، فظهر عدم الزواج، فهل یکون العدة من الوطی الأخیر، لأنه لا زواج فالمعیار الوطی، أو من حین العلم، لما استظهره المستمسک فی الفرع المتقدم من أن (المستفاد من النصوص أن المدة التی تکون فیها الموطوءة تحت سلطان الواطی وفی حباله یستمتع بها ویضاجعها لیست جزءاً من العدة، فیکون مبدأ العدة فی جمیع الصور ارتفاع الاشتباه لا حین الوطی) انتهی. احتمالان، لا یبعد الأول، إذ لیس فی المقام إلاّ وطی شبهة یوجب العدة، أما سائر الاستمتاعات فلا تحتاج إلی العدة.

وإن کان الأحوط الثانی، بل هو الأحوط فی الفرع الأول للمصنف، کما إذا بقیتا عند المشتبهین مدة من الزمن، بدعوی احتمال ظهور صحیح الحلبی فیما ذکره المستمسک.

ثم إنه إذا قلنا بأن العدة فی صورة التزویج من حین تبین الحال، فالمعیار تبین الحال عند المرأة، وإن لم یتبین عند الرجل، لأنها المکلفة بالعدة، وفی الفرع

ص:77

السابق حیث إن العدة فی وطی الشبهة من حین الوطی، فإذا علمت فی وسط الوطی احتسب من ذلک الحین، لا من بعد تمامه، لأن باقی الوطی زنا إن کان باختیارها ولا احترام له، کما أنها إن کانت مجبورة فی إتمام الوطی لم یکن له احترام الشبهة _ وإن لم تکن عاصیة _ ولا عدة لمثله، للأصل بعد عدم الدلیل.

ص:78

مسألة ١٥ لا مهر إذا کانت عالمة

(مسألة 15): إذا کانت الموطوءة بالشبهة عالمةً، بأن کان الاشتباه من طرف الواطی فقط، فلا مهر لها إذا کانت حرة، إذ لا مهر لبغی، ولو کانت أمة ففی کون الحکم کذلک، أو یثبت المهر لأنه حق السید، وجهان، لا یخلو الأول منهما من قوة.

(مسألة 15): {إذا کانت الموطوءة بالشبهة} بأن کان الرجل واطئاً بالشبهة وهی {عالمة} بأنه وطی غیر جائز {بأن کان الاشتباه من طرف الواطی فقط، فلا مهر لها إذا کانت حرة} ولم تکن مجبورة {إذ لا مهر لبغی}، أما إذا کانت مجبورة فلها المهر بما استحل من فرجها.

{ولو کانت} البغیة {أمة، ففی کون الحکم کذلک} لا مهر لها لأنها بغیة {أو یثبت المهر لأنه حق السید} و«لا یتوی حق امرئ مسلم».

{وجهان، لا یخلو الأول منهما من قوة}، کما اختاره الشرائع وغیره، فإن «لا مهر لبغی» وارد علی حق المولی، کورود استرقاق العبد فی جنایته علی حق المولی، خصوصاً إذا کان المولی دخیلاً فی الأمر، کما ذکره بعض المعلقین، وللکلام تفصیل طویل لعلنا نذکره فی مقام آخر.

ثم إن المناط فی العلم والجهل الحالی منهما، فلو علم ونسی أو غفل کان من الجهل.

ص:79

مسألة ١٦ لا یتعدد المهر بتعدد الوطی

(مسألة 16): لا یتعدد المهر بتعدد الوطی مع استمرار الاشتباه، نعم لو کان مع تعدد الاشتباه تعدد.

(مسألة 16): {لا یتعدد المهر بتعدد الوطی}، لا ینبغی الإشکال فی ذلک، واستظهره الجواهر، فإنه {مع استمرار الاشتباه} یکون نکاحاً واحداً، ویدل علیه النص المتقدم، بل هو ظاهر الفتاوی، فحال الاشتباه حال الزواج حیث لا یتعدد المهر فیه.

{نعم لوکان مع تعدد الاشتباه تعدد} کما إذا ذهب لیلاً إلی بیته فظنها زوجته فوطأها، ثم تبین أنها لیس له بزوجة، وبعد مدة وقع نفس الاشتباه وهکذا، وذلک أن کل سبب یحتاج إلی مسبب جدید، والأصل عدم التداخل، والنص والفتوی منصرفان عن هذا.

ولوکانت الموطوءة شبهةً ذات زوج لم یلزم علی الواطی شیء للزوج، وإن کان الوطی من حق الزوج، لعدم الدلیل، والأصل العدم.

ولا فرق فی ما ذکر بین کون المرأة محرماً أم لا، محرمة علیه أبداً برضاع ونحوه أم لا، لإطلاق النص والفتوی.

ثم لا یخفی أنه من أقسام وطی الشبهة الموجب للمهر ما لو ارتد أو ارتدت فوطأها بظن الجواز، وکذا إذا طلقها ووطأها فی عدة البائنة بظن الجواز، إذ الوطی حینئذ محرم، وکلما کان الوطی محرماً لأنها لیست زوجة وکانا جاهلین أو کانت هی جاهلة أوجب المهر بما استحل من فرجها.

وقد ذکر هذا الفرع الشیخ، وأوجب مهرین، مهراً للعقد ومهراً للوطی، وتبعه الجواهر، وإن

ص:80

فرق الشرایع بین وطی المرتد فطرة والمرتد ملة، فقال بعد کلام الشیخ: (ویشکل بأنها فی حکم الزوجة إذا لم یکن عن فطرة).

وفیه: إنه لا دلیل علی أنها بحکم الزوجة.

ولوکانت موطوءة الشبهة وواطیها علی غیر دین الإسلام، أو علی غیر المذهب ممن لا یری المهر، ألزمت بما التزمت به.

وکذا لوکان الرجل مسلماً والمرأة کتابیة وهی لا تری المهر، وهکذا بالنسبة إلی المخالفة.

أما إذا انعکس بأن کان الزوج مخالفاً والزوجة عارفة وهو لا یری المهر، فالظاهر المهر لقاعدة «لا یتوی»((1)).

ص:81


1- المستدر ک : ج3 ص215 من أبواب نوادر الشهادات ح5

مسألة ١٧ التزویج بالمرأة الزانیة

(مسألة 17): لا بأس بتزویج المرأة الزانیة غیر ذات البعل للزانی وغیره

(مسألة 17): {لا بأس بتزویج المرأة الزانیة غیر ذات البعل} وغیر المحرمة بنسب أو برضاع أو ما أشبه، لوضوح أن الکلام فی المسألة من حیث الزنا، ولذا لم یکن لاستثاء ذات البعل فقط وجه معتد به.

{للزانی وغیره} أما للزانی فهو المشهور شهرة عظیمة، بل عن الخلاف والغنیة دعوی الإجماع علیه، وإن کان المحکی عن الشیخین وآخرین المنع إلاّ مع التوبة.

ویدل علیه متواتر الروایات، بالإضافة إلی عموم أدلة الحل، وعموم الحرام لا یحرم الحلال، کصحیح عبید الله بن علی الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: أیما رجل فجر بامرأة، ثم بدا له أن یتزوجها حلالاً، قال (علیه السلام): «أوله سفاح وآخره نکاح، ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراماً، ثم اشتراها بعدُ فکانت له حلالا»((1)).

ثم إن ظاهر إطلاق هذا الصحیح وغیره عدم الفرق بین أن حملت منه أم لا.

وصحیح أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن یتزوجها، فقال (علیه السلام): «حلال، أوله سفاح وآخره نکاح، أوله حرام وآخره حلال»((2)).

وخبر زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «لا بأس إذا زنی رجل بامرأة

ص:82


1- الوسائل: ج14 ص331 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
2- الوسائل: ج14 ص340 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

أن یتزوج بها بعد، مثل ذلک مثل رجل سرق ثمرة نخلة ثم اشتراها بعد»((1)).

وخبر هاشم المثنی، قال: کنت عند أبی عبد الله (علیه السلام) جالساً فدخل علیه رجل فسأله عن الرجل یأتی المرأة حراماً أیتزوجها، قال: «نعم وأمها وابنتها»((2)).

وخبر علی بن جعفر (علیهما السلام)، عن أخیه (علیه السلام)، قال: سألته رجل زنی بامرأتین أله أن یتزوج بواحدة منهما، قال (علیه السلام): «نعم، لا یحرم حلالاً حرام»((3)).

وعن منصور، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل کان بینه وبین امرأة فجور، أتحل له ابنتها، إلی أن قال: «فإن کان جامعها فلا یتزوجها إن شاء»((4)).

أما دلیل الشیخین فهی جملة من الروایات:

کخبر أبی بصیر، سألته (علیه السلام) عن رجل فجر بأمرة ثم أراد بعدُ أن یتزوجها، فقال له: «إذا تابت حل له نکاحها»، قلت: کیف یعرف توبتها، قال: «یدعوها إلی ما کان علیه من الحرام، فإن امتنعت فاستعفرت ربها عرف توبتها»((5)).

ص:83


1- الوسائل: ج14 ص332 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح8
2- الوسائل: ج14 ص332 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6
3- الوسائل: ج14 ص332 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح9
4- الوسائل: ج14 ص576 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
5- الوسائل: ج14 ص332 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7

وخبر إسحاق بن حریز، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قلت له: الرجل یفجر بالمرأة ثم یبدو له فی تزویجها هل یحل له ذلک، قال: «نعم إذا هو اجتنبها حتی تنقضی عدتها باستبراء فرجها من ماء الفجور فله أن یتزوجها، وإنما یجوز له أن یتزوجها بعد أن یقف علی توبتها»((1)).

وفی الموثقة، عنه (علیه السلام)، فی الرجل یحل له أن یتزوج امرأة کان یفجر بها، فقال: «إن أنس منها رشداً فنعم، وإلا فلیراودها علی الحرام فإن تابعته فهی علیه حرام، وإن أبت فلیتزوجها»((2)).

وخبر محمد، عن أحدهما (علیهما السلام)، قال: «لو أن رجلاً فجر بامرأة ثم تابا فتزوجها لم یکن علیه شیء من ذلک»((3)).

وخبر الجعفریات، بسنده إلی علی (علیه السلام)، فی الرجل یزنی بالمرأة ثم یتوب الرجل فیرید أن یتزوجها، قال (علیه السلام): «إذا تابا جمیعاً فلا بأس أن یتزوجها»، فقیل: هذا الرجل قد تاب وعلم من نفسه أنه قد تاب، فکیف له أن یعلم أن المرأة تابت، قال: «یدعوها إلی الفجور، کما کان یدعوها إلیه قبل ذلک، فإن اعیت علیه فقد تابت، لا بأس أن یتزوجها، فإن أجابته إلی الفجور حرم نکاحها»((4)).

ص:84


1- الوسائل: ج14 ص331 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
2- الوسائل: ج14 ص331 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
3- المستدرک: ج2 ص576 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
4- المستدرک: ج2 ص576 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

وخبر الدعائم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، أنه قال فی الرجل یزنی بالمرأة ثم یرید أن ینکحها بعد ذلک نکاحاً صحیحاً، قال (علیه السلام): «إن تابا فلا بأس»((1)).

وقد أجیب عن هذه الروایات بالحمل علی الکراهة، بقرینة قوة الروایات السابقة، بالتمثیل فیها بالنخلة، وبقرینة ما سیأتی من جواز تزویج الزانیة التی زنی بها غیره، فجواز تزویج من زنی بنفسه بها أقرب، للمناط القطعی فی نظر العرف، وبقرینة اشتراط تزویجها فی بعض الروایات بتوبته أیضاً، وهذا قرینة التنزیه، إذ توبته لیست شرطاً بلا إشکال.

ومنه یعلم أنه لا مجال للقول بأن الروایات الثانیة أخص مطلقاً من الروایات الأولی، فاللازم تقیید بالروایات الثانیة، کما لا حاجة إلی القول بأن الثانیة ساقطة لموافقتها لأحمد بن حنبل وقتادة، فهی محمولة علی التقیة، حتی یرد ذلک بأن ابن حنبل کان بعد زمان الصادقین (علیهما السلام)، الذین ذکرا روایات التقیید، أما قتادة فلم یکن یأبه به، لما ورد من جملة من الروایات من محاجتهما (علیهما السلام) لقتادة مما یظهر منه عدم أهمیة له.

نعم، لا إشکال فی أن الأحوط أکیداً عدم نکاحها إلاّ بعد التوبة، کما

ص:85


1- المستدرک: ج2 ص576 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7

سیأتی الاحتیاط من المصنف بالنسبة إلی ذلک.

وکأنه لما ذکرناه من قرائن الکراهة فی تزویج الزانیة ذهب المشهور إلی الجواز، بل قد عرفت أنه ادعی الإجماع علی ذلک.

ولا فرق فی الکراهة بین الدوام والمتعة.

ثم إن نکحها بعد الزنا وجاءت بولد لم یعلم أنه من أی المائین، کان محکوماً بالحلیة، لقاعدة الفراش، کما أنه إذا جاءت بالولد الظاهر کونه قبل الحلیة فهو ولد زنا، له أحکامه، کما أنه فی العکس ولد حلال مقطوع به.

هذا کله فی ما إذا أراد الزانی أن ینکحها، أما إذا أراد غیر الزانی أن ینکحها، فالمشهور شهرة عظیمة، بل کادت أن تکون إجماعاً جوازه، خلافاً للمحکی عن الحلبی والمقنع فحرماه.

واستدل للمشهور بجملة من الروایات:

کصحیحة علی بن رئاب، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن المرأة الفاجرة یتزوجها الرجل المسلم، قال (علیه السلام): «نعم وما یمنعه، ولکن إذا فعل فلیحصن بابه مخافة الولد»((1)).

وخبره زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها، فإذا الثناء علیها فی شیء من الفجور، فقال (علیه السلام): «لا بأس بأن یتزوجها ویحصنها»((2)).

وخبر علی بن یقطین، قلت: لأبی الحسن (علیه السلام): نساء أهل المدینة،

ص:86


1- الوسائل: ج14 ص334 الباب 13 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6
2- الوسائل: ج14 ص333 الباب 12 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

قال: «فواسق»، قلت: فأتزوج منهن، قال (علیه السلام): «نعم»((1)).

وخبر زرارة أیضاً: سأله (علیه السلام) عمار وأنا حاضر، عن الرجل یتزوج الفاجرة متعة، قال: «لا بأس، وإن کان التزویج الآخر فلیحصن بابه»((2)).

إلی غیرها.

أما من قال بعدم الجواز، فقد استدل بالآیة الکریمة: ﴿الزانی لا ینکح إلاّ زانیة أو مشرکة والزانیة لا ینکحها إلاّ زان أو مشرک وحُرّم ذلک علی المؤمنین﴾((3)).

وبجملة من الروایات، کالروایات المانعة عن تزویج الزانی نفس الزانیة، ففی المقام المنع بطریق أولی.

وفیه: أما الآیة المبارکة فظاهرها الوطی، أی لا یزنی ولا تزنی، وهی تحریض لعدم زنا المؤمنین والمؤمنات، فإن الزنا شأن الزناة والمشرکین لا المؤمنین الأطیاب.

أما إشکال المستمسک علی دلالتها بأنها لو حمل علی تشریع التحلیل والتحریم کان مقتضاه جواز تزویج المسلم الزانی المشرکة، وجواز تزویج المشرک الزانیة المسلمة، ولم یقل به أحد، ففیه: إن اللقب لا مفهوم له.

أما ما ورد فی جملة من الروایات مما ظاهره إرادة النکاح بمعنی التزویج

ص:87


1- الوسائل: ج14 ص333 الباب 12 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
2- الوسائل: ج14 ص333 الباب 12 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
3- سورة النور: الآیة 3

والأحوط

من الآیة، فهی محمولة علی الکراهة.

فعن علی (علیه السلام) فی تفسیر الآیة، قال: «نزلت هذه الآیة فی نساء کن بمکة معروفات بالزنا، منهن سارة وخیثمة ورباب حرم الله نکاحهن، فالآیة جاریة فی کل من کان من النساء مثلهن»((1)).

ویؤید الکراهة: ما عن نوادر أحمد بن محمد بن عیسی، بسنده إلی زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قول عز وجل: ﴿الزانی لا ینکح إلاّ زانیة أو مشرکة والزانیة لا ینکحها إلاّ زان أو مشرک﴾ قال: «هن نساء مشهورات بالزنا وشهروا وعرفوا، والناس الیوم بذلک المنزل، من أقیم علیه الحد بالزنا وشهر به لا ینبغی لأحد أن ینکحه حتی یعرف منه توبة»((2)). فإن لفظ: (لا ینبغی) ظاهر فی الکراهة.

والحاصل: الآیة إما محمولة علی الکراهة، أو محمولة علی الوطی بالزنا، ویؤید ذلک أن تزویج الزانی لم یقل أحد بحرمته، أما لفظ (حرّم) فی الآیة، فالمراد به شدة الکراهة، فإن الحرام یستعمل فی الممنوع عقلاً أو شراعاً، لزوماً أو کراهةً، قال تعالی: ﴿حرام علی قریة أهلکناها أنهم إلینا لا یرجعون﴾.

{والأحوط} احتیاطاً مطلقاً أن لا یتزوجها إلاّ بعد العلم ببراءة رحمها من ماء الفجور، سواء کان الفاجر بها هو الناکح أو غیره، وإذا لم یعلم براءة الرحم قام استبراء رحمها بحیضة مقام العلم.

ص:88


1- الوسائل: ج14 ص336 الباب 13 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5
2- المستدر ک : ج2 ص577 الباب 13 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

وذلک لموثق إسحاق بن حریز المتقدم، قلت له: الرجل یفجر بالمرأة ثم یبدو له فی تزویجها هل یحل له ذلک، قال (علیه السلام): «نعم إذا هو اجتنبها حتی تنقضی عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن یتزوجها، وإنما یجوز له أن یتزوجها بعد أن یقف علی توبتها»((1)).

والخبر حجة، وقد عمل به غیر واحد، کالتحریر والمسالک والحدائق والوسائل وغیرهم.

ورده بعدم عمل المشهور غیر تام، إذ أولاً: لا نعلم عدم عمل المشهور.

وثانیاً: إن الشهرة المستندة إلی الأدلة الاعتباریة لا تسقط الخبر عن الحجیة، إذا ظهر لنا ضعف المستند، کما نراه فی کلام الجواهر وغیره.

أما ما ذکرناه من کفایة العلم، فلأن ظاهر الخبر الطریقیة لا الموضوعیة، ولذا مال إلی التحریم بدون الاستبراء المستمسک.

ویؤیده ما رواه الحسن بن علی بن شعبة، فی تحف العقول، عن أبی جعفر الجواد (علیه السلام)، أنه سئل عن رجل نکح امرأة علی زنا أیحل له أن یتزوجها، قال (علیه السلام): «یدعها حتی یستبرءها من نطفته ونطفة غیره، إذ لا یؤمن منها أن تکون قد أحدثت مع غیره حدثاً کما أحدثت معه، ثم یتزوج بها إن أراد فإنما مثلها مثل نخلة أکل منها رجل حراماً ثم اشتراها فأکل منها حلالاً»((2)).

وروی الشیخ المفید، عن الحسن، عن الصادق (علیه السلام)، فی المرأة

ص:89


1- الوسائل: ج14 ص331 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
2- الوسائل: ج15 ص477 الباب 44 من أبواب العدد ح2

الأولی أن یکون بعد استبراء رحمها بحیضة من مائه أو ماء غیره، إن لم تکن حاملاً، وأما الحامل فلا حاجة فیها إلی الاستبراء، بل یجوز تزویجها ووطیها بلا فصل

الفاجرة هل یحل تزویجها، قال (علیه السلام): «نعم إذا هو اجتنبها حتی تنقضی عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور، فله أن یتزوجها بعد أن یقف علی توبتها»((1)).

ومنه یظهر وجه جعل المصنف {الأولی أن یکون بعد استبراء رحمها بحیضة من مائه، أو ماء غیره}.

ثم لا ینبغی الإشکال فی عدم الاحتیاج إلی العدة إذاکانت صغیرة، أو کان الزنا وطیاً بدون إنزال، أو کانت یائسة، أو کانت مقلوعة الرحم، أو مقطوعة عدم الحمل، أو ما أشبه ذلک، کالمزنیة من دبرها بما لم یتسرب الماء إلی رحمها قطعاً.

{إن لم تکن حاملاً، وأما الحامل فلا حاجة فیها إلی الاستبراء، بل یجوز تزویجها ووطیها بلا فصل} فإن الموثقة لا تشمله.

قال فی المستمسک: (بلا إشکال ظاهر فیه ولا خلاف، فعدم الدلیل علی لزوم العدة فیها، والنصوص المتقدمة لا تشملها، بل ظاهرها عدمها) انتهی.

ثم لما کان الاستبراء طریقیاً کما عرفت، فإذا تزوجها بدون الاستبراء، وعلم

ص:90


1- المستدر ک : ج2 ص577 الباب 13 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7

نعم الأحوط ترک تزویج المشهور بالزنا إلاّ بعد ظهور توبتها

بعد ذلک أنها کانت حاملاً قبل زواجه بها صح الزواج، وکذلک إذا ظهر أنها لم تکن حاملاً، أما إذا لم یظهر فالنکاح باطل، والولد إذا جاء ولم یعلم أنه منه أو من الزنا، وکان لم یعلم بحرمة النکاح فالولد شبهة، وإلا بأن علم بالحرمة ولم یعتن فالولد لیس له، إذ لا فراش شرعیاً حتی یوجب لحوق الولد به.

ثم إنه لا فرق فی الإشکال فی عقد الزانیة بدون الاستبراء بین أن یکون دواماً أو متعةً، لإطلاق الأدلة.

{نعم الأحوط ترک تزویج المشهورة بالزنا إلاّ بعد ظهور توبتها} لجملة من الروایات الناهیة عن ذلک.

ففی صحیح زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قول الله عز وجل ﴿الزانی...﴾ الآیة، قال: «هن نساء مشهورات بالزنا، ورجال مشهورون بالزنا، قد شهروا بالزنا وعرفوا به، والناس الیوم بذلک المنزل، فمن أقیم علیه حد الزنا أو شهر منهم بالزنا لم ینبغ لأحد أن یناکحه حتی یعرف منه توبته»((1)).

وخبر حکم بن حکیم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی الآیة المتقدمة: «إنما ذلک فی الجهر»، ثم قال: «لو إن انساناً زنا ثم تاب تزوج حیث شاء»((2)).

إلی غیرها من الأخبار المتواترة بهذه المضامین، کخبر أبی صباح الکنانی

ص:91


1- الوسائل: ج14 ص335 الباب 13 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
2- الوسائل: ج14 ص335 الباب 13 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

وخبر محمد بن مسلم، وخبر أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره((1)).

وفی خبر محمد بن مسلم، عن الباقر (علیه السلام)، قال: «من شهر بالزنا أو أقیم علیه حد فلا تزوجها»((2)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن الرجل یشتری الجاریة قد فجرت أیطأها، قال: «نعم، إنما کان یکره النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) نسوة من أهل مکة کن فی الجاهلیة تعلن بالزنا، فأنزل الله ﴿الزانی لا ینکح إلاّ زانیة أو مشرکة﴾ وهی المؤاجرات المعلنات بالزنا، منهن خیثمة ورباب وسارة التی کانت بمکة، التی کان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أحلّ دمها یوم فتح مکة من أجل أنها کانت تحض المشرکین علی قتال النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) وکانت تقول لأحدهم: کان أبوک یفعل کذا وکذا، ویفعل کذا وکذا، وأنت تجبن من قتال محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)، فنهی الله أن ینکح امرأة مستعلنة بالزنا، أو ینکح رجل مستعلن بالزنا، قد عرف ذلک منه حتی یعرف منه التوبة»((3)).

ومن الأخبار التی بهذه المضامین أخبار علی بن إبراهیم فی تفسیره((4))، والرضوی((5))، والدعائم، وغیرها((6)).

ولکن مع ذلک یظهر من جملة أن المنع علی سبیل الکراهة

ص:92


1- المستدر ک : ج2 ص576 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
2- المستدر ک : ج2 ص577 الباب 13 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6
3- المستدر ک : ج2 ص577 الباب 13 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
4- المستدر ک : ج2 ص577 الباب 13 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
5- المستدر ک : ج2 ص577 الباب 13 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5
6- المستدر ک : ج2 ص577 الباب 13 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3

للأصل، ولما سیأتی فی إمساک الزوجة إذا کانت زانیة، ولأن الآیة تمنع الوطی، وإلا فمن المشکل جداً الفتوی بحرمة تزویج المرأة نفسها للزانی، وقرینة السیاق تقتضی وحدة الحکم فیهما، بل ظاهر المسالک أن الفتوی بالجواز بدون التوبة هی المشهورة بین الأصحاب.

وربما أید عدم الحرمة باضطراب الروایات المانعة، ووجود بعض قرائن الکراهة فیها، وضعف السند فی جملة منها.

هذا ولکن کل ذلک لا یمنع من الاحتیاط المطلق الذی ذکره المصنف، وتبعه علیه غیر واحد من المعلقین، خصوصاً إذا کان هناک مخافة اختلاط المیاه واشتباه النسب، فإن العلة فی موثقة إسحاق السابقة تشتمل المقام أیضاً، والظاهر أن الاحتیاط مراعی حتی فیما إذا کانت حاملاً، لإطلاق الأدلة فی المقام.

نعم لو کانت کافرة مشهورة بالزنا فأسلمت وتابت فلا کراهة من جهة حدیث: «الإسلام یجب ما قبله»((1))، بل لا یبعد رفع الکراهة إذا حدت المرأة، وکذلک إذا حد الرجل، الأول للدلیل، والثانی للمناط.

فعن سعد بن عبد الله فی حدیث، عن صاحب الزمان (علیه السلام)، أنه سئل عن الفاحشة المبینة التی إذا أتت المرأة بها فی أیام عدتها جاز للزوج أن یخرجها من بیته، فقال (علیه السلام): «الفاحشة المبینة هی السحق دون الزنا، فإن المرأة

ص:93


1- مجمع البحرین مادة (جب)

بل الأحوط ذلک بالنسبة إلی الزانی بها، وأحوط من ذلک ترک تزویج الزانیة مطلقاً إلاّ بعد توبتها، ویظهر ذلک بدعائها إلی الفجور فإن أبت ظهر توبتها.

إذا زنت وأقیم علیها الحد لیس لمن أرادها أن یمتنع بعد ذلک من التزویج بها لأجل الحد، وإذا سحقت وجب علیها الرجم، والرجم خزی، ومن أمر الله برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، ومن أبعده فلیس لأحد أن یقربه»((1)).

ویمکن أن یستفاد من العلة کون الحکم کذلک بالنسبة إلی کل من یستحق الرجم ولو غیر المساحقة، کما یستفاد منها کراهة زواج المساحقة، والله العالم.

{بل الأحوط} ترک {ذلک} التزویج {بالنسبة إلی الزانی بها،} فإذا اشتهرت بالزنا لأجل زنا رجل بها _ وإن لم تکن زانیة بکل رجل زان _ لم یتزوجها الزانی إلاّ بعد التوبة، وذلک لإطلاق أدلة المنع الشاملة للزانی نفسه.

{وأحوط من ذلک ترک تزویج الزانیة مطلقاً} وإن لم تکن مشهورة بالزنا، وقد کانت زنت مرة واحدة مثلاً.

{إلا بعد توبتها، ویظهر ذلک} أی أنها تابت بالعلم الوجدانی وشهادة العدلین وإخبار أهل الخبرة، وإن لم یکن کل ذلک _ کما هو الغالب _ عرف {بدعائها إلی الفجور، فإن أبت ظهر توبتها} کما تقدم فی النص، لکن بشرط أن لا یعلم احتیالها بالإباء، وإلا فالأمارة ساقطة مع العلم بخلافها.

ثم إن الزنا الموجب للحرمة أو الکراهة أعم من زناها قبلاً أو دبراً.

أما إذا کانت لا تزنی ولکنها یستمتع بها الرجال،

ص:94


1- الوسائل: ج14 ص334 الباب 12 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5

فالظاهر عدم الحرمة إطلاقاً، وإن لم یستبعد الکراهة لأنها غیر عفیفة، وقد وردت فی روایات متواترة استحباب عفتها، بما یظهر منها کراهة عدم العفة.

ثم إن الشهرة بین الناس بأنها زانیة إذا بلغت حد الشیاع کافیة فی الحرمة والکراهة.

أما الظن ومناولة الألسن بدون الوصول إلی الموازین الشرعیة، فإنهما لا یدخلانها فی عداد الزانیات، وإن أدخلاها فی عداد عدم العفیفات.

ص:95

مسألة ١٨ لو زنت الزوجة لم تحرم

(مسألة 18): لا تحرم الزوجة علی زوجها بزناها

(مسألة 18): {لا تحرم الزوجة علی زوجها بزناها} علی المشهور، بل عن المبسوط الإجماع علی بقاء زوجیتها، إلاّ عن الحسن البصری، لکن المنقول عن المفید وسلار الحرمة.

وکیف کان، فالمشهور هو الأوفق بالقواعد للأصل، ولما ورد من أن «الحرام لا یحرم الحلال»((1)).

ولروایة عباد بن صهیب، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام)، قال: «لا بأس أن یمسک الرجل امرأته إن رأها تزنی، وإن لم یقم علیها الحد فلیس علیه من إثمها شیء»((2)).

وعن ابن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل رأی امرأته تزنی أیصلح له أن یمسکها، قال (علیه السلام): «نعم إن شاء»((3)).

وعن ابن عیسی فی نوارده، بسنده إلی زرارة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: جاء رجل إلی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، فقال: یا رسول الله، إن امرأتی لا تدفع یدل لامس، قال: «طلقها»، قال: یا رسول الله إنی أحبها، قال: «أمسکها»((4)).

والظاهر أن المراد إمساکها عن الزنا بحفظها عن ذلک، لما رواه الدعائم

ص:96


1- الوسائل: ج14 ص320 الباب 4 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5
2- الوسائل: ج14 ص325 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح11
3- الوسائل: ج14 ص333 الباب 12 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
4- المستدر ک : ج2 ص577 الباب 12 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

عن الصادق (علیه السلام) فی حدیث قال: «فأما أن یتزوج الرجل امرأة قد علم منها الفجور فلیحصن بابه أی یحفظها، فقد سأل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) رجل فقال: یا رسول الله ما تری فی امرأة عندی ما ترد ید لامس، قال: طلقها، قال: فإنی أحبها، قال: فأمسکها إن شئت»((1)).

ولا یخفی وجوب حفظ الزوجة عن الزنا أکثر من غیرها، لأن حفظها آکد، قال سبحانه: ﴿قوا أنفسکم وأهلیکم ناراً﴾((2)).

وقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «لعن الله من ضیع من یعول»((3)).

وعن الساباطی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المرأة الفاجرة یتزوجها الرجل، فقال لی: «وما یمنعه، ولکن إذا فعل فلیحصن بابه»((4)).

وعن الحلبی، قال: أخبرنی من سمع أبا جعفر (علیه السلام) قال: فی المرأة الفاجرة التی قد عرف فجورها أیتزوجها الرجل، قال: «وما یمنعه، ولکن إذا فعل فلیحصن بابه»((5)).

أما المفید وسلار فقد استدل لهما بالآیة الشریفة، حیث إنها کما تدل علی المنع عن الابتداء تدل علی المنع عن الاستدامة، لوحدة المناط، وقد تقدم الجواب عن مثل هذا الاستدلال.

وبجملة من الروایات المحمولة علی الکراهة ونحوها بقرینة الروایات السابقة، کخبر الفضل بن یونس قال:

ص:97


1- المستدر ک : ج2 ص576 الباب 12 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
2- سورة التحریم: الآیة 6
3- الوسائل: ج14 ص122 الباب 18 من مقدمات الن ک اح ح6
4- المستدر ک : ج2 ص576 الباب 12 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
5- الوسائل: ج14 ص334 الباب 12 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6

سألت أبا الحسن موسی (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة فلم یدخل بها فزنت، قال (علیه السلام): «یفرق بینهما وتحد الحد ولا صداق لها»((1)).

وخبر السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام)، قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «فی المرأة إذا زنت قبل أن یدخل بها الرجل یفرق بینهما ولا صداق لها، إن الحدث کان من قبلها»((2)).

وربما یحملان علی ما إذا کان الزنا قبل الزواج، فإنه عیب کبیر یمکن أن یکون منشأً للفسخ، باعتباره خلاف الشرط الضمنی المقطوع به، ولذا لم یکن لها صداق.

ویؤید هذا الحمل ما رواه معاویة بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها کانت زنت، قال: «إن شاء أخذ الصداق ممن زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها، وإن شاء ترکها»((3)).

ثم إنه قد وردت روایات فی باب زنا الزوج شبیهة بهذه الروایات محمولة علی الندب، لعدم الفتوی من أحد به، بل لعله من القطعیات.

ففی خبر طلحة بن زید، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام): قرأت

ص:98


1- الوسائل: ج14 ص601 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
2- الوسائل: ج14 ص601 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
3- المستدر ک : ج2 ص577 الباب 12 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5

وإن کانت مصرة علی ذلک، ولا یجب علیه أن یطلقها.

فی کتاب علی (علیه السلام): «إن الرجل إذا تزوج المرأة فزنی قبل أن یدخل بها، لم تحل له لأن زان، ویفرق بینهما ویعطیها نصف الصداق»((1)).

أقول: لأنه طلاق قبل الدخول.

وخبر علی بن جعفر (علیهما السلام)، عن أخیه موسی (علیه السلام): سألته عن رجل تزوج بامرأة فلم یدخل بها فزنی، ما علیه، قال: «یجلد الحد ویحلق رأسه ویفرق بینه وبین أهله ینفی سنة»((2)).

أقول: ویمکن العمل بهذین الخبرین بجبر الحاکم الشرعی له بالطلاق إن شاءت، حیث إن زنا الزوج عار علی کثیر من العفیفات، وعسر وحرج لهن بما لا یتحمل.

ثم إنه لا یستبعد لزوم احتراز المرأة إذا زنت، إذا کان معرض تکون الولد من الزانی أو منه، لمناط ما تقدم من استبراء الزانیة بحیضة خوفاً من اختلاط المیاه، وما فی الجواهر من رده لذلک بأنه لا نسب للزانی لا یقاوم المناط المذکور.

{وإن کانت مصرة علی ذلک، ولا یجب علیه أن یطلقها}، قال فی المستمسک: للأصل، بل الظاهر أنه لا خلاف فیه، ولا قائل بوجوب الطلاق، کما أنه لیس علی المرأة أخذ الطلاق منه إن کان مصراً علی الزنا، وإن کان بإمکانها الطلاق

ص:99


1- الوسائل: ج14 ص616 الباب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
2- الوسائل: ج14 ص616 الباب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

لاستعداد الزوج ذلک أو لأنها شرطت الطلاق.

ثم لا یخفی أن کراهة التزویج بالفاجرة دواماً، لا کراهة الاستمتاع بها لمدة قلیلة، أما إذا کانت المدة کثیرة کان فی حکم الدوام.

فعن زرارة، قال: سأله (علیه السلام) عمار وأنا حاضر، عن الرجل یتزوج الفاجرة متعة، قال: «لا بأس وإن کان التزویج الآخر فلیحصن بابه»((1)).

وحیث یوجد مناط الدوام فی المتعة الطویلة الأمد ألحقناها به.

ثم إن الفاجرة إذا کانت یوجب جماعها المرض الذی لا یجوز تحمله شرعاً، کالأمراض الزهریة ونحوها، لم یجز جماعها لذلک، وإن جاز تزویجها مطلقاً أو بعد التوبة.

وإذا کان الزوج مصراً علی الزنا وأمکنت الزوجة من خلاص نفسها منه، کان الأفضل لها ذلک، لما تقدم من کراهة تزویج الزانی، ومن الواضح وجود المناط فی الاستدامة.

ص:100


1- الوسائل: ج14 ص333 الباب 12 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

مسألة ١٩ إذا زنی بذات البعل

(مسألة 19): إذا زنا بذات بعل دواماً أو متعةً حرمت علیه أبداً،

(مسألة 19): {إذا زنا بذات بعل دواماً أو متعةً حرمت علیه أبداً} علی المشهور شهرة عظیمة، واستدلوا لذلک بالشهرة المحققة، وبالإجماع المدعی فی کلام الانتصار والغنیة والحلی وفخر المحققین، وبالأولویة، فإن العقد علی ذات البعل مع العلم إذا کان محرماً، فالزنا أولی بالتحریم، وإذا کان الدخول مع العقد محرماً حتی للجاهل فالزنا أولی.

وبالرضوی، قال (علیه السلام): «ومن زنا بذات بعل محصناً کان أو غیر محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها، وأراد الذی زنی بها أن یتزوج بها لم تحل له أبداً، ویقال لزوجها یوم القیامة خذ من حسناته ما شئت»((1)).

وبما ذکره بعض المتأخرین، قال: روی «أن من زنا بامرأة لها بعل، أو فی عدة رجعیة، حرمت علیه ولم تحل له أبداً».

وبما عن انتصار السید، قال: (ومما انفردت به الإمامیة القول بأن من زنی بامرأة ولها بعل حرم علیه نکاحها أبداً، وإن فارقها زوجها، وباقی الفقهاء یخالفون فی ذلک، والحجة فی ذلک إجماع الطائفة _ إلی أن قال _: وقد ورد من طرق الشیعة فی خطر ما ذکرناه أخبار معروفة، ثم قال: ومما ظن انفراد الإمامیة به القول بأن من زنی بامرأة وهی فی عدة من بعل له فیها علیها رجعة حرمت علیه بذلک ولم تحل له أبداً، والحجة لأصحابنا فی هذه المسألة الحجة التی قبلها، والکلام فی المسألتین

ص:101


1- المستدر ک : ج2 ص576 الباب 11 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح8

واحد) انتهی. فإن ظاهره ورود روایات بالمسألتین.

لکن عن الشرایع ما ظاهره التردد، فإنه نسب التحریم إلی المشهور، وحکی التوقف فی المسألة عن بعض المتأخرین.

وظاهر الوسائل والمستدرک التوقف.

وکیف کان، فیرد علی الأول: أی الإجماع ما عرفت من توقف جماعة، ولذا قال المسالک بعدم تحقق الإجماع علی وجه یکون حجة.

وعلی الثانی: إن الأولویة غیر محققة، ولذا قال المستمسک: القطع بالأولویة غیر حاصل.

وعلی الثالث: إن الرضوی والمراسیل لا حجیة فیها، ولذا لم یستند المشهور إلیها.

وإذا لم یتحقق شیء من أدلة المنع، فإطلاقات «لا یحرم الحرام الحلال»، وما دل علی زواج من زنی بها، کما فی المسألة المتقدمة، وإطلاقات أدلة النکاح، والتمثیل فی جملة من الروایات بمن أکل الثمرة حراماً ثم اشتری النخلة فأکلها حلالاً، إلی غیر ذلک، لها مجال واسع، ولکن یشکل الفتوی بذلک بعد الشهرة العظیمة والإجماعات المنقولة وعدم ظهور خلاف صریح فی المسألة.

نعم إذا زنی بها قبل إسلامهما، فلا ینبغی الإشکال فی أن «الإسلام یجب ما قبله».

أما إذا کان أحدهما مسلماً حین الزنا والآخر کافراً، ثم أسلم الکافر، فهل یأتی حدیث الجب، أو هل یأتی دلیل الإلزام فیما إذا زنی المسلم بالکافرة، ثم طلقها زوجها وکان من مذهبها الجواز، وکذلک بالنسبة إلی المخالفة، فقد تقدم الکلام فی بعض المسائل السابقة فی شبه هذه المسألة فراجع، لأن المسألتین من باب واحد.

ص:102

فلا یجوز له نکاحها بعد موت زوجها أو طلاقه لها أو انقضاء مدتها إذا کانت متعةً، ولا فرق علی الظاهر بین کونه حال الزنا عالماً بأنها ذات بعل أم لا، کما لا فرق بین کونها حرةً أو أمةً وزوجها حراً أو عبداً، کبیراً أو صغیراً، ولا بین کونها مدخولاً بها من زوجها أو لا، ولا بین أن یکون ذلک بإجراء العقد علیها وعدمه، بعد فرض العلم بعدم صحة العقد

وکیف کان {ف_} علی المشهور {لا یجوز له نکاحها بعد موت زوجها أو طلاقه لها} أو انفصاله عنها بأی سبب ولو کان فسخاً أو نحوه.

{أو انقضاء مدتها إذا کانت متعةً}، کل ذلک لإطلاق النص والفتوی، کما نص علیه بعض.

کما لا فرق بین کون الزانی واطیاً فی القبل أو دبر، وکون ذات البعل دخل بها الزوج أو لا.

{ولا فرق علی الظاهر بین کونه حال الزنا عالماً بأنها ذات بعل أم لا} لإطلاق النص والفتوی، وصرح بذلک الجواهر.

وقوله (علی الظاهر) لاحتمال الفرق، وأن المنصرف هو حال العلم.

کما أنه لا فرق بین کونه عالماً بالحکم أم لا.

{کما لا فرق بین کونها حرةً أو أمة، وزوجها حراً أو عبداً، کبیراً أو صغیراً} عاقلاً أو مجنوناً، مؤمناً أو مخالفاً أو کافراً، إذا لم یکن من دینهما جواز أخذها بعد ذلک، أو من دین الکافر جواز هذا الفعل بذات البعل، وإلا فقد تقدم الکلام فی ذلک.

{ولا بین کونها مدخولاً بها من زوجها أو لا} لإطلاق النص کما سبق.

{ولا بین أن یکون ذلک} الوطی من الزانی {بإجراء العقد علیها وعدمه، بعد فرض العلم بعدم صحة العقد}، أما إذا کان یزعم صحة العقد فهو من وطی الشبهة

ص:103

ولا بین أن تکون الزوجة مشتبهة أو زانیة أو مکرهة، نعم لو کانت هی الزانیة وکان الواطی مشتبهاً فالأقوی عدم الحرمة الأبدیة، ولا یلحق بذات البعل الأمة المستفرشة، ولا المحللة

لا من الزنا بذات البعل.

{ولا بین أن تکون الزوجة مشتبهة أو زانیة} أو مضطرة أو غافلة {أو مکرَهة} أو مع عدم شعورها أصلاً، کما إذا کانت فی حالة النوم أو السکر أو الإغماء أو نحوها.

{نعم لو کانت هی الزانیة وکان الواطی مشتبهاً} بأن ظن أنها غیر ذات بعل فتزوجها وهی تعلم بأنها ذات بعل، {فالأقوی عدم الحرمة الأبدیة} لأن مورد النص والفتوی الزنا، وهذا شبهة ولیس برنا، ولذا قال الجواهر: (فی الحرمة أبداً إشکال).

أقول: أما احتمال الحرمة أبداً لأجل زناها واشتراک التکلیف غیر تام، إذ لم یعلم باشتراک التکلیف.

ثم إن مثل اشتباهه أنها غیر ذات بعل اشتباهه وظنه بأنها زوجته، وکذا اشتباهه وظنه بأن ذلک جائز شرعاً، لتجدد عهده بالإسلام مثلاً، وذلک لأنه لا یسمی زناً، بل وطی شبهة کما عرفت.

لکن الظاهر الحرمة أبداً إذا علم أنها إما زوجته أو ذات بعل، أو علم بأن إحدی المرأتین ذات بعل، ومع ذلک لم یأخذ بقاعدة وجوب الاجتناب واقترب منها.

{ولا یلحق بذات البعل الأمة المستفرشة} التی وطأها مولاها {ولا المحللة} وذلک للأصل بعد عدم شمول النص والفتوی له، ولذا قال فی الجواهر: إنه

ص:104

نعم لو کانت الأمة مزوجة فوطأها سیدها لم یبعد الحرمة الأبدیة علیه، وإن کان لا یخلو من إشکال

لا یجد فیه خلافاً، واحتمال وحدة الملاک غیر کاف فی الحکم بعد عدم القطع به وکونه خلاف الأصل، إذ الأصل أنه «لا یحرم الحرام الحلال»، بالإضافة إلی أصل البراءة.

{نعم لو کانت الأمة مزوجة فوطأها سیدها} عالماً عامداً {لم یبعد الحرمة الأبدیة علیه} لأنه من الزنا بذات البعل، فیشمله النص والفتوی، {وإن کان لا یخلو من إشکال} من جهة الانصراف وبعض الروایات:

مثل روایة علی بن سلیمان، التی رواها الشیخ، قال: کتبت إلیه رجل له غلام وجاریة زوج غلامه جاریته ثم وقع علیها سیدها، هل یجب فی ذلک شیء، قال: «ینبغی له أن لا یمسها حتی یطلقها الغلام»((1)).

وکذلک سکوت ما رواه الصدوق فی المقنع، قال: «روی أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أتی برجل زوج جاریته مملوکه ثم وطأها فضربه الحد»((2)).

بل لا یبعد عدم الحرمة إذا کان الزوج عبده ولم یطأها، فإن وطی المولی لها تفریق لها عنه، إذ الاختیار بیده، کما یظهر من الأخبار.

ففی روایة عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، سألته عن الرجل یزوج

ص:105


1- الوسائل: ج14 ص549 الباب 44 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح3
2- الوسائل: ج14 ص550 الباب 44 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح8

ولو کان الواطی مکرَهاً علی الزنا فالظاهر لحوق الحکم، وإن کان لا یخلو عن إشکال أیضاً.

جاریته من عبده، ویرید أن یفرق بینهما _ إلی أن قال _ قلت: فإن کان المملوک لم یجامعها، قال: «یقول لها اعتزلی، فقد فرقت بینکما، ثم یجامعها مولاها من ساعته إن شاء، ولا عدة علیها»((1)).

ومثلها غیرها، کما عنونها الوسائل وغیره فی باب کیفیة تفریق الرجل بین عبده وأمته.

{ولو کان الواطی مکرَهاً علی الزنا فالظاهر لحقوق الحکم} لإطلاق النص والفتوی {وإن کان لا یخلو عن إشکال أیضاً}، إذ الزنا فی النص منصرف إلی المختار، بالإضافة إلی رفع الإکراه، لکن فی المستمسک منع الانصراف، وفیه نظر.

ومنه یعرف الکلام فیما إذا کان الزانی ملجأً أو مضطراً أو صغیراً أو مجنوناً أو سکراناً أو ما أشبه، لحدیث رفع التسع، وحدیث رفع القلم، والقول بأنهما یرفعان التکلیف والعقاب لا الوضع، یرد علیه ما ذکرناه فی هذا الشرح من الإطلاق إلاّ ما خرج بالدلیل، من نص أو ضرورة أو إجماع، کالجنابة الحاصلة بالإدخال والإنزال، والنجاسة ونحوهما، ولا وجه لتخصیص الرفع بالعقاب والأحکام التکلیفیة.

کما أن منه یعلم أنه لو أن ذات البعل هی التی زنت، کما إذا کان الرجل نائماً فأدخلت ذکره فی فرجها، فإنه لا یوجب الحرمة.

ص:106


1- الوسائل: ج14 ص550 الباب 44 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح3

مسألة ٢٠ لو شک فی کونها فی العدة

(مسألة 20): إذا زنی بامرأة فی العدة الرجعیة حرمت علیه أبداً، دون البائنة وعدة الوفاة وعدة المتعة ووطی الشبهة والفسخ، ولو شک فی کونها فی العدة أو لا، أو فی العدة الرجعیة أو البائنة، فلا حرمة ما دام باقیاً علی الشک

(مسألة 20): {إذا زنی بامرأة فی العدة الرجعیة حرمت علیه أبداً}، الکلام فی هذه المسألة کالکلام فی المسألة السابقة دلیلاً وإشکالاً وفتویً.

أما إذا زنی الرجل فی عدته بامرأة غیر ذات البعل ولا ذات عدة، کما إذا طلق الرابعة فنکح الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة، فلا إشکال فی عدم الحرمة الأبدیة، للإطلاق من غیر دلیل علی الحرمة.

{دون البائنة وعدة الوفاة وعدة المتعة ووطی الشبهة والفسخ} قالوا: لخروج کل ذلک عن معقد الإجماع والمراسیل المتقدمة، وهو کذلک، فلا وجه لإشکال الریاض فی ذلک لوجود الأولویة من النکاح فی العدة الموجب للحرمة الأبدیة، وفیه ما تقدم فی تلک المسألة من عدم القطع بالأولویة.

{ولوشک فی کونها فی العدة أو لا، أو فی العدة الرجعیة أو البائنة} أو أن التی فی العدة هی هذه أو امرأة أخری غیر محل الابتلاء {ﻓ_} اللازم الفحص، لما ذکرناه مکرراً من وجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة إلاّ ما خرج، والمقام لیس مما خرج، بل الفحص فی المقام أولی لأنها باب الفروج المشدد فیه، فإذا لم ینته فحصه إلی نتیجة ﻓ_ {لا حرمة ما دام باقیاً علی الشک} للأصل الموجب لشمول إطلاقات أدلة الزواج له.

ص:107

نعم لو علم کونها فی عدة رجعیة وشک فی انقضائها وعدمه، فالظاهر الحرمة خصوصاً إذا أخبرت هی بعدم الانقضاء، ولا فرق بین أن یکون الزنا فی القبل أو الدبر، وکذا فی المسألة السابقة.

ولا یخفی أن قوله: (ما دام) لا وجه له بعد ما تقدم من الإشکال فی الحرمة الأبدیة فیما إذا لم یعلم بکونها فی العدة لعدم صدق الزنا، فتأمل.

{نعم لو علم کونها فی عدة رجعیة، وشک فی انقضائها وعدمه، فالظاهر الحرمة} للاستصحاب، إلاّ إذا تبین بعد ذلک خروجها عن العدة.

ولو شک فی أن الزواج کان صحیحاً أم لا، فالأصل الصحة، فیکون من الزنا بذات العدة الرجعیة.

{وخصوصاً إذا أخبرت هی بعدم الانقضاء} بل فی هذه الصورة محکومة بالعدم لحجیة قولها کما سبق، وکذلک إذا کان هناک شیاع مفید للعلم، بناءً علی اشتراط العلم فی الشیاع، أو شاهدان یشهدان بعدم خروجها عن العدة.

ولو شک فی أن العقد کان متعةً أو دواماً، فقد تقدم أن الأصل فی مثل هذا الشک المتعة، فلا تکون عدتها رجعیة.

{ولا فرق بین أن یکون الزنا فی القبل أو الدبر} لإطلاق الزنا علی کلیهما، وانصراف الزنا إلی الأول بدوی کما لا یخفی.

{وکذا فی المسألة السابقة}.

ثم إنه لو علم بأنه زنی بإحدی هاتین حرمتا علیه للعلم الإجمالی، إلاّ فیما إذا کانت الشبهة غیر محصورة، أو کانت إحداهما خارجة عن محل الابتلاء مما یوجب عدم تنجیز العلم الإجمالی.

ص:108

مسألة ٢١ من أوقب غلاما

(مسألة 21): من لاط بغلام فأوقب ولو بعض الحشفة حرمت علیه أمه أبداً وإن علت، وبنته وإن نزلت، وأخته

(مسألة 21): {من لاط بغلام فأوقب}، وإنما قال (فأوقب) لأن اللواط یستعمل أحیاناً فی ما دون الدخول، {ولو بعض الحشفة} کأنه لصدق الإیقاب، وتقییده بتمام الحشفة فی وجوب الغسل لمثل قوله: «إذا التقی الختانان» لا یقتضی التقیید بذلک هنا، إلاّ أن یقال: إن فهم العرف یقتضی وحدة کل المقامات، بل یمکن أن یقال فی صدق الإیقاب ونحوه تأمل، ولذا جعل بعض المعلقین الحکم علی نحو الاحتیاط.

نعم عن القواعد والمسالک والروضة وجامع المقاصد وغیرها کفایة بعض الحشفة فی التحریم، بل عن الریاض الاتفاق فی الظاهر واقع علیه، وتبعهم المستمسک وجملة من المعلقین.

ولو شک فالأصل العدم، وإن کان الاحتیاط یقتضی التجنب لأنه باب الفروج.

ولو کان مقطوع الحشفة فما بقی منه کاف فی إیجاب التحریم لصدق الإیقاب.

ولا فرق بین الإیقاب حال النعوظ وعدمه للإطلاق.

نعم إذا أدخل ذکره المقطوع فلا ینبغی الإشکال فی عدم التحریم لعدم الصدق، کما أنه إذا أجری عملیة فرفعت إسته، فإن صَدَق الإیقاب ونحوه حرم، وإلا لم یحرم للأصل.

{حرمت علیه أمه أبداً وإن علت، وبنته وإن نزلت، وأخته}، أما حرمة الأم والبنت والأخت فلا إشکال فیه ولا خلاف، وقد حکی علی ذلک الإجماع من الانتصار والخلاف والغنیة وشرح النافع للسید والتذکرة والمسالک وغیرهم،

ص:109

وفی الجواهر هو فی أعلی درجات الاستفاضة والتواتر.

ویدل علی الحکم جملة من الروایات:

مثل صحیح ابن أبی عمیر، عن بعض أصحابنا، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل یعبث بالغلام، قال: «إذا أوقب حرمت علیه بنته وأخته»((1)).

وموثق إبراهیم بن عمر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل لعب بغلام هل تحل له أمه، قال: «إن کان ثقب فلا»((2)).

وخبر حماد بن عثمان، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): رجل أتی غلاماً أتحل له أخته، قال: فقال: «إن کان ثقب فلا»((3)).

ومرسل الصدوق، قال: روی عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی رجل لعب بغلام، قال: «إذا أوقب لم تحل له أخته أبداً»((4)).

والرضوی (علیه السلام)، قال: «ومن لاط بغلام» إلی أن قال: «ولا تحل له أخته فی التزویج أبداً وابنتها» وقال فی موضع آخر: «ومن ولج بالصبی لم تحل له أخته أبداً»((5)).

ثم إنه لا إشکال فی عدم تحریم أخت الأخت التی لیست هی بأخت، کما

ص:110


1- الوسائل: ج14 ص339 الباب 15 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص340 الباب 15 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7
3- الوسائل: ج14 ص340 الباب 15 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
4- الوسائل: ج14 ص340 الباب 15 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5
5- المستدرک: ج2 ص577 الباب 15 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

من غیر فرق بین کونهما کبیرین أو صغیرین أو مختلفین

لا إشکال فی عدم تحریم بنت الأخت.

أما حرمة أم الأم، وبنت البنت، فقد حکی عن ابن إدریس والقواعد، وفی الجواهر قال: إنه لیس ببعید، لکن کشف اللثام تنظر فی ذلک، وفی المستمسک الأصل یقتضی الحل لولا دعوی الاتفاق علیه.

أقول: والظاهر الحل، لعدم الدلیل علیه، وشمول البنت والأم لبنت البنت ولأم الأم بالقرینة فی بعض الأماکن لا یوجب القول بذلک فی کل مکان، بل لا یکاد یفهم من النص والفتوی إلاّ الأم والبنت فقط، کما هو کذلک فی سائر المحاورات العرفیة، فالقول بعدم الحرمة أقرب، خصوصاً فی مثل بنت ابن البنت، وأم أب الأم، إلی غیر ذلک.

أما ما ذکره المصنف من قوله: {من غیر فرق بین کونهما کبیرین أو صغرین أو مختلفین} فاللازم فیه التفصیل، وهو أنه لا إشکال فی الحکم إذا کان الواطی کبیراً والموطوء غلاماً، أی لا ما إذا کان قبل البلوغ، ولا ما إذا کان رجلاً کبیر السن، وذلک لأنه مورد النص والإجماع.

وأما إذا کان الواطی کبیراً، والموطوء صغیراً ممن لا یسمی بالغلام، فقد صرح بعدم الفرق فیه بعض، لکنه لا یخلو من نظر، لأن المذکور فی النصوص هو الغلام، وهو لا یشمل ما إذا لم یسم بالغلام لصغره، فالتعدی عنه بحاجة إلی فهم عدم الخصوصیة، فمع عدمه کان الأصل الجواز.

وکذا فی الإشکال إذا کان الموطوء کبیراً بحیث لا یسمی بالغلام کالشیخ والکهل، فإنه وإن صرح فی القواعد وغیره بعدم الفرق، إلاّ أن المستمسک قال:

ص:111

(لا یخلو من نظر، لأن المذکور فی النصوص هو الغلام، وهو لا یشمل الشیخ والکهل، فالتعدی یحتاج إلی فهم المثالیة من الغلام وأن المراد مطلق الذکر، أو الإجماع علی عدم الفصل، لکن کلا من الأمرین غیر ظاهر، وإن کان غیر بعید) انتهی.

أقول: فعلی هذا، فالأصل الحلیة.

أما إذا کان الواطی صغیراً بما لا یسمی رجلاً، وذلک بأن لم یبلغ الحلم، فالمحقق والشهید الثانیان وجملة من تبعهما قالوا بعدم الفرق، لفهم عدم الخصوصیة.

واستشکل فیه القواعد وغیرها، لأن النص اشتمل علی لفظ (الرجل) وهو لا یشمل الصغیر، بالإضافة إلی دلیل الرفع عن الثلاث، ولذا مال المستمسک إلی عدم الحرمة، کما أن السید الجمال وبعض آخر من المعلقین قالوا بأن الحرمة فی الواطی الصغیر لا تخلو من إشکال.

وعلی هذا فمقتضی القاعدة أن الحرمة خاصة بما إذا کان الواطی بالغاً والموطوء یسمی غلاماً، أما فیما عدا ذلک فالأصل الحلیة.

ومنه یعلم أنه لو کان الواطی مجنوناً أو نائماً أو سکراناً أو ما أشبه ممن یرتفع التکلیف عنه لم یوجب الحرمة، لأدلة الرفع، وانصراف أدلة المنع عنه، فإن مثل قوله (علیه السلام): «رجل یعبث بالغلام»، و«رجل لعب بغلام» لا یشمله.

کما أنه إذا أُلجأ بالوطی، کما إذا شد وثاقاً وأدخل ذکره فی غلام، لم یکن یوجب ذلک الحرمة.

کما لا یبعد رفع الحکم فی الاضطرار والإکراه، لأدلة الرفع والانصراف.

ثم إنه لا فرق بین البنت والأخت الموجودتین حال اللواط أو المخلوقتین

ص:112

ولا تحرم علی الموطوء أم الواطی وبنته وأخته علی الأقوی

بعده، کانتا للأبوین أو للأب أو للأم، کانت الأم أو هما من الحلال أو الزنا أو الشبهة أو الرضاع للإطلاق، وانما نتعدی إلی الرضاع لأنه لحمة کلحمة النسب، فتأمل.

ولوکانا کافرین ثم أسلم اللاطی فقد جب الإسلام((1)) لعمله ذاک، بل وإن کان الملوط مسلماً.

إما إذا کانت الأم أو البنت أو الأخت ممن لا تقول بالحرمة لکفرها، أو لأن مذهبها کذلک، فهل یجوز لقاعدة «ألزموهم»، أم لا للإطلاق، احتمالان، والأول لا یخلو من وجه، وإن کانت المسألة بحاجة إلی التأمل.

{ولا تحرم علی الموطوء أم الواطی وبنته وأخته علی الأقوی} کما هو المشهور للأصل وعدم الدلیل، بل حکی الإجماع عما عدا الشیخ علی جوازه.

أما من منع ذلک فقد احتمل أن یکون مأخذه احتمال رجوع الضمیر فی الأخبار لکل من الفاعل والمفعول.

وفیه ما لایخفی، ولذا قال الجواهر: (بل الظاهر عدم جواز مثل ذلک _ رجوع الضمیر لکل من الفاعل والمفعول _ لغةً إلاّ علی ضرب من المجاز المقطوع بعدمه هنا).

ولو شک فی أنه کان واطیاً أو موطوءاً مع علمه بأنه کان أحدهما، فالأصل جواز أخذه، لأنه من قبیل ثوب واجدی المنی علی ما ذکروا.

ولو علم باللواط لکنه شک فی أنه کان قبل بلوغه أم لا، فالأصل عدم البلوغ.

کما أنه لو شک فی أن الموطوء کان غلاماً أو لم یبلغ حال اللواط مبلغ الغلام، کان الأصل عدم بلوغه.

ولو شک فی أن الموطوء کان أخاً لهذه البنت، أو ابناً له، أو أباً

ص:113


1- مجمع البحرین: مادة (جب)

ولو کان الموطوء خنثی حرمت أمها وبنتها علی الواطی، لأنه إما لواط أو زنا وهو محرم إذا کان سابقاً کما مر

حلت بعد الفحص، لأصالة الحلیة.

{ولو کان الموطوء خنثی حرمت أمها وبنتها علی الواطی، لأنه إما لواط أو زنا وهو محرم} فإن الزنا بالمرأة یوجب تحریم البنت والأم للزانی {إذاکان} الزنا {سابقاً} علی العقد، کما یأتی فی المسألة الثامنة والعشرین من الفصل الآتی إن شاء الله تعالی.

أما قوله: {کما مر} فلعله من خطأ النساخ.

وکیف کان ففی القواعد: ولو أوقب خنثی مشکل فالأقرب عدم التحریم، وعلله فی محکی کشف اللثام بالأصل مع الشک فی السبب، ووجه الخلاف الاحتیاط مع تغلیب جانب الحرمة.

أقول: بناءً علی عدم کون الخنثی طبیعة ثالثة، فإن أوقب فیه رجل فهو إما امرأة فتحرم أمه وبنته، وإما رجل فتحرم أخته وأمه وبنته، وحیث العلم الإجمالی کان اللازم حرمة الجمیع.

ولعل عدم ذکر المصنف الأخت لانحلال العلم، فإنه یعلم بحرمة الأم والبنت علی کلا التقدیرین، ولا یعلم حرمة الأخت، فالأصل العدم.

لکن ربما یقال: إنه من قبیل العلم الإجمالی بأنه إما أن یجب علیه صیام ثلاثة أیام أول رجب أو یومین أول شعبان، حیث یجب علیه صیام الخمسة، وإلا لم یعلم بإتیان ما وجه علیه من التکلیف علی کل حال.

أما بناءً علی کون الخنثی طبیعة ثالثة لم یکن إیقابه محرماً، إذ لیس هو

ص:114

والأحوط حرمة المذکورات وإن کان ذلک بعد التزویج

رجلاً ولا امرأة، فلا یشمله أحد التکلیفین.

هذا إذا أوقب رجل فی الخنثی، أما إذا أوقب الخنثی فی غلام فبناءً علی وجوب التکلیفین علیه وجب علیه اجتناب الثلاثة من الموطوء، لاحتمال الخنثی أن یکون ما أدخله فی الغلام ذکراً، وأنه رجل فی الواقع.

وکذا إذا أدخل الخنثی فی الخنثی.

لکنا ذکرنا فی بعض المباحث السابقة أن للخنثی أن یجعل نفسه ذکراً أو أنثی، والاحتیاط أن یکون ذلک بالقرعة، فیترتب علیه کل أحکام ذلک الصنف الذی جعل نفسه منه.

ثم لا یخفی أن الکلام فی ما إذا أدخل الخنثی فی دبر الذکر أو المرأة أو الخنثی، کان الکلام فیما إذا أدخل الذکر فی دبر الخنثی.

{والأحوط حرمة المذکورات وإن کان ذلک بعد التزویج} کما عن ابن سعید فی الجامع، بل نسب إلی ظاهر جماعة أطلقوا الحکم بالتحریم.

لکن المشهور شهرة عظیمة عدم التحریم، بل ادعی بعضهم أنه اتفاقی لا مخالف فیه فتوی وروایة، إلاّ ما یظهر من مرسل ابن أبی عمیر.

واستدل للحل بالأصل، وبقولهم (علیهم السلام): «لا یحرم الحرام الحلال»((1)).

وللحرمة بمرسل ابن أبی عمیر، عن بعض أصحابنا، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل یأتی أخا امرأته، فقال: «إذا أوقبه حرمت علیه المرأة»((2)).

وربما یؤید ذلک بإطلاق بعض الروایات السابقة، والمرسل وإن کان أخص

ص:115


1- الوسائل: ج14 ص320 الباب 4 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5
2- الوسائل: ج14 ص320 الباب 15 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

خصوصاً إذا طلقها وأراد تزویجها جدیداً، والأم الرضاعیة کالنسبیة

مطلقاً من قاعدة لا یحرم الحرام الحلال، إلاّ أن قوة تلک القاعدة فتویً وعملاً وروایةً، وضعف المرسل فی نفسه سنداً وعملاً یوجب تقدیم القاعدة علیه، فإن الخاص إنما یقدم علی العام إذا لم یکن للعام قوة توجب صرف ظهور الخاص عن الإلزام إلی الکراهة.

ثم إن المرسل فی أخت الموطوء، فالتعدی عنه إلی أمه وابنته _ کما یظهر من المصنف _ لا وجه له، إلاّ وحدة المناط وهو غیر مقطوع به.

{خصوصاً إذا} وقع الإیقاب فی حالة زوجیته له ﻓ_ {طلقها وأراد تزویجها جدیداً} لم یجز لشموله الأدلة له إلاّ أن یقال: إنها إذا کانت محللة بعد الإیقاب فحرمته الأبدیة بالطلاق مستبعدة.

نعم إذا طلقها ثم أوقب أخاها مثلاً، لم یجز نکاحها من جدید، لأنه حینئذ مشمول للأدلة، کما ذکره الشیخ المرتضی (رحمه الله).

ثم إنه انقلب الموطوء بنتاً _ کما یقال بإمکان ذلک بإجراء عملیة جراحیة، کما رأینا عکسه من انقلاب البنت ولداً فی زماننا _ فلا إشکال فی جواز أخذ الواطی لها، بل لا یبعد انقلاب الحکم بالنسبة إلی بنته وأمه وأخته، لأن الحکم یتبع الموضوع، فإن تبدل الموضوع تبدل الحکم.

{والأم الرضاعیة کالنسبیة} کما فی الجواهر، وعن التحریر والروضة والریاض وکشف اللثام وغیرهم، لعموم کون الرضاع لحمة کلحمة النسب، وإشکال القواعد فی ذلک کأنه لأجل انصراف النسبیة من الأدلة.

ص:116

وکذلک الأخت والبنت، والظاهر عدم الفرق فی الوطی بین أن یکون عن علم وعمد واختیار، أو مع الاشتباه کما إذا تخیله امرأته أو کان مکرهاً أو کان المباشر للفعل هو المفعول

وفیه: إن دلیل الرضاع یتمم دلیل النسب، فتأمل.

{وکذلک الأخت والبنت} لوحدة الملاک فی الجمیع، کما لا فرق بین الأخت من الأبوین أو من أحدهما، وسواء کانت الأم والأخت والبنت عن وطی صحیح، أو عن وطی شبهة، أو عن زنا، کل ذلک لإطلاق الأدلة.

{والظاهر} عند المصنف {عدم الفرق فی الوطی بین أن یکون عن علم وعمد واختیار، أو مع الاشتباه} مقابل العلم {کما إذا تخیله امرأته أو کان مکرَهاً} مقابل العمد {أو کان المباشر للفعل هو المفعول} مقابل الاختیار.

لکن فی الکل نظر، لأن النص منصرف إلی العلم والعمد، کما فی کل فعل ینسب إلی الفاعل بدون قرینة إراده العموم، مثلاً فی قوله سبحانه: ﴿من قتل نفساً بغیر نفس﴾((1))، وقوله: ﴿الزانیة والزانی﴾((2))، وقوله: ﴿السارق والسارقة فاقطعوا أیدیهما﴾((3))، إلی غیرها، کلها منصرفة إلی العلم والعمد والاختیار.

هذا بالإضافة إلی حدیث الرفع.

وقد أشکل فی الثالث المستمسک بقوله: (یشکل بأنه لا تصح حینئذ نسبة الفعل إلی الفاعل، وإنما تصح نسبته إلی المفعول

ص:117


1- سورة المائدة: الآیة 32
2- سورة النور: الآیة 3
3- سورة المائدة: الآیة 38

ولو کان الموطوء میتاً ففی التحریم إشکال، ولو شک فی تحقق الإیقاب وعدمه بنی علی العدم

فیخرج عن ظاهر النصوص) انتهی.

ویؤید عدم الحرمة فی الثلاثة أن لفظ اللعب والعبث الواردین فی النصوص لهما دلالة عرفیة علی العلم والعمد والاختیار، وإلا لم یسم نفس العمل بهذین اللفظین، نعم لاشک فی أن الاحتیاط الاجتناب.

{ولو کان الموطوء میتاً ففی التحریم إشکال} کما عن القواعد، خلافاً لجامع المقاصد حیث لم یبعد التحریم، لعموم النص، وللجواهر حیث أفتی بالحلیة من جهة أن المنساق من النصوص الغلام الحی، فیبقی غیره علی عمومات الحل، وتبعه المستمسک، وهذا هو الأظهر.

کما أن الواطی لو کان میتاً بأن أدخل آلته فی نفسه، فعلی القول بأنه لا یحوز للموطوء أخت الواطی وأمه وبنته، یجوز فی المقام.

{ولو شک فی تحقق الإیقاب وعدمه بنی علی العدم} للأصل، وکذا إذا علم بالإیقاب ولم یعلم أنه کان علی الوجه المحرم کالعلم والعمد والاختیار، أم لا.

ولو علم بأنه أوقب أحد هذین، فإن کان کلاهما محل ابتلائه حرم، وإلا لم یحرم، کما إذا لم یکن لأحدهما لا بنت ولا أخت وقد توفیت أمه مثلاً، فتأمل.

ثم إنه لا فرق فی التحریم أن یکون بإنزال أم لا، لإطلاق الأدلة.

کما لا فرق بین الابتداء والاستدامة، فلوکان متزوجاً ثم علم بذلک وجبت المفارقة فوراً، ولا حاجة إلی الطلاق.

ص:118

ولا تحرم من جهة هذا العمل الشنیع غیر الثلاثة المذکورة، فلا بأس بنکاح ولد الواطی ابنة الموطوء أو أخته أو أمه، وإن کان الأولی الترک فی ابنته.

نعم، إذا لم یکن یعلم بالحرمة کانت أولاده للشبهة، کما أن لها علیه مهر المثل، أو أقل الأمرین من المسمی والمثل، علی ما ذکرناه فی مسألة سابقة.

أما دیة فض البکارة فلا، لأنها ساعدت علی ذلک، کما تقدم الکلام فیه.

ولو علم بحصول إیقاب، لکنه لم یعلم هل أنه حدث قبل زواجه بها أو بعده، فالأصل صحة العقد.

ولو فارق فیما إذا کان عن شبهة وجبت علیها العدة.

ولو کان الموقب مخالفاً ممن مذهبه الجواز، فهل یحرم علی المرأة التمکین للإطلاق أم لا، لقاعدة «ألزموهم»((1))، الظاهر الثانی، وإن کان الأحوط الأول، فهو مثل ما یؤخذ منهم ما أخذوه بالتعصیب ونحوه.

{ولا تحرم من جهة هذا العمل الشنیع غیر الثلاثة المذکورة} للأصل بعد عدم الدلیل، بل فی الجواهر بلا خلاف أجده فیه.

{فلا بأس بنکاح ولد الواطی ابنة الموطوء أو أخته أو أمه، وإن کان الأولی الترک فی ابنته} لمرسل موسی بن سعدان، عن بعض رجاله، قال: کنت عند أبی عبد الله (علیه السلام)، فقال له رجل: ما تری فی شابین کانا مضطجعین، فولد لهذا غلام ولهذا جاریة، أیتزوج ابن هذا ابنة هذا، فقال (علیه السلام): «نعم، سبحان الله لم لا یحل، فقال: إنه کان صدیقاً له، قال: «وإن کان فلا بأس»، قال: فإنه کان یفعل به،

ص:119


1- الوسائل: ج5 ص321 الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق ح5

قال فأعرض بوجهه، ثم أجابه وهو متستر بذراعه، فقال: «إن کان الذی منه دون الإیقاب فلا بأس أن یتزوج، وإن کان قد أوقب فلا یحل له أن یتزوج»((1)).

وحیث إنها مرسلة ولم یعرف قائل بها لم یکن تفید إلاّ الأولویة التی ذکرها المصنف.

ص:120


1- الوسائل: ج14 ص340 الباب 15 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3

فصل فی المحرمات الأبدیة

فصل

من المحرِّمات الأبدیة التزویج حال الإحرام((1)).

لا یجوز للمُحرم أن یتزوج امرأة مُحرمة، سواء کان بالمباشرة أو بالتوکیل، مع إجراء الوکیل العقد حال الإحرام، سواء کان الوکیل محرماً أو محلاً، وکانت الوکالة قبل الإحرام أو حاله.

وکذا لو کان بإجازة عقد الفضولی الواقع حال الإحرام، أو قبله مع کونها حاله بناءً علی النقل، بل علی الکشف الحکمی، بل الأحوط مطلقاً.

ولا إشکال فی بطلان النکاح فی الصور المذکورة.

وإن کان مع العلم بالحرمة حرمت الزوجة علیه أبداً، سواء دخل بها أو لا، وإن کان مع الجهل بها لم تحرم علیه علی الأقوی دخل بها أو لم یدخل، لکن العقد باطل علی أی حال، بل لوکان المباشر للعقد مُحرماً بطل، وإن کان من له العقد محلاً.

ولوکان الزوج محلاً وکانت الزوجة مُحرمة فلا إشکال فی بطلان العقد، لکن هل یوجب الحرمة الأبدیة، فیه قولان، الأحوط الحرمة، بل لا یخلو عن قوة.

ولا فرق

ص:121


1- وحیث ک تبنا هذه المباحث فی ( ک تاب الحج) فلا داعی إلی ت ک رارها، فعلی الطالب أن یرجع إلی هنا ک ، والله المستعان منه (دام ظله)

فی البطلان والتحریم الأبدی بین أن یکون الإحرام لحج واجب أو مندوب، أو لعمرة واجبة أو مندوبة، ولا فی النکاح بین الدوام والمتعة.

(مسألة 1): لو تزوج فی حال الإحرام مع العلم بالحکم، لکن کان غافلاً عن کونه مُحرماً أو ناسیاً له، فلا إشکال فی بطلانه، لکن فی کونه مُحرّماً أبداً إشکال، والأحوط ذلک.

(مسألة 2): لا یلحق وطی زوجته الدائمة أو المنقطعة حال الإحرام بالتزویج فی التحریم الأبدی، فلا یوجبه، وإن کان مع العلم بالحرمة والعمد.

(مسألة 3): لو تزوج فی حال الإحرام، ولکن کان باطلاً من غیر جهة الإحرام، کتزویج أخت الزوجة أو الخامسة، هل توجب التحریم أو لا، الظاهر ذلک لصدق التزویج فیشمله الأخبار، نعم لو کان بطلانه لفقد بعض الأرکان بحیث لا یصدق علیه التزویج لم یوجب.

(مسألة 4): لو شک فی أن تزویجه هل کان فی الإحرام أو قبله، بنی علی عدم کونه فیه، بل وکذا لو شک فی أنه کان فی حال الإحرام أو بعده علی إشکال، وحینئذ فلو اختلف الزوجان فی وقوعه حاله أو حال الإحلال سابقاً أو لاحقاً، قدم قول من یدعی الصحة، من غیر فرق

ص:122

بین جهل التاریخین أو العلم بتاریخ أحدهما.

نعم لوکان محرماً وشک فی أنه أحل من إحرامه أم لا، لا یجوز له التزویج، فإن تزوج مع ذلک بطل وحرمت علیه أبداً، کما هو مقتضی استصحاب بقاء الإحرام.

(مسألة 5): إذا تزوج حال الإحرام عالماً بالحکم والموضوع، ثم انکشف فساد إحرامه صح العقد ولم یوجب الحرمة، نعم لوکان إحرامه صحیحاً فأفسده ثم تزوج، ففیه وجهان، من أنه قد فسد، ومن معاملته معاملة الصحیح فی جمیع أحکامه.

(مسألة 6): یجوز للمُحرم الرجوع فی الطلاق فی العدة الرجعیة، وکذا تملک الإماء.

(مسألة 7): یجوز للمُحرم أن یوکل محلاً فی أن یزوجه بعد إحلاله، وکذا یحوز له أن یوکل مُحرماً فی أن یزوجه بعد إحلالهما.

(مسألة 8): لو زوجه فضولی فی حال إحرامه لم یجز له إجازته فی حال إحرامه، وهل له ذلک بعد إحلاله، الأحوط العدم، ولو علی القول بالنقل، هذا إذا کان الفضولی محلاً، وإلا فعقده باطل لا یقبل الإجازة، ولوکان المعقود له محلاً ((1)).

ص:123


1- إلی هنا انتهی الجزء الأول من کتاب النکاح حسب تجزأة المؤلف (دام ظله) فی الطبعة الأولی

ص:124

فصل فی المحرمات بالمصاهرة

اشارة

فصل

فی المحرمات بالمصاهرة

وهی علاقة بین أحد الطرفین مع أقرباء الآخر تحدث بالزوجیة، أو الملک عیناً أو انتفاعاً بالتحلیل أو الوطی شبهة أو زنا،

فصل

فی المحرمات بالمصاهرة

{و} المراد بالمصاهرة فی ما جری علیه اصطلاح جملة من الفقهاء {هی} ما ذکره المصنف بأنها {علاقة بین أحد الطرفین} مع الآخر، فإن علاقة الرجل مع المرأة التی نکحها وهی متزوجة ودخل بها مما یوجب الحرمة الأبدیة، مشمولة لعلاقة المصاهرة بالمعنی الاصطلاحی، فلیست المصاهرة خاصة بما ذکره المصنف بقوله: {مع أقرباء الآخر}.

وکیف کان، فهی {تحدث بالزوجیة، أو الملک عیناً} بأن یملک الإنسان عین المملوکة {أو انتفاعاً بالتحلیل} فإن المحلل له یملک انتفاع المحللة لا عینها.

{أو الوطی شبهة أو زنا} کما قال جماعة بأن الزنا بالمرأة یوجب حرمة بنتها وأمها.

ص:125

أو النظر واللمس فی صورة مخصوصة.

{أو النظر واللمس} فی مسألة منظورة الأب وملموسته {فی صورة مخصوصة} إذ لیس کل صور المذکورات توجب العلقة، بل لها شرائط تذکر فی محالها.

ثم المراد بالزوجیة أعم من العقد ومن الوطی، إذ قد یوجب نفس العقد العلاقة، وقد یوجب الوطی بالعقد العلاقة المذکورة.

ولا بأس هنا بالإشارة إلی إشکال یثیره بعض غیر المسلمین علی الإسلام، بأنه قید أتباعه عن الذهاب إلی أعماق الحیاة بسبب الأشیاء الشکلیة التی لا أهمیة لها من الکبت وتقیید الحریات، ففی باب الزواج جعل عدة نساء محرمات بینما خلقت المرأة للرجل وبالعکس، فیصح أی امرأة لأی رجل بدون حاجة من قائمة طویلة من المحرمات.

وفی أبواب الطهارة والصلاة والصوم والحج والاعتکاف جعل الإسلام أحکاماً وقوانین وواجبات تعیق الإنسان عن التفرغ لبناء الحیاة، فلو لم یکن المسلمون مقیدین بهذین القیدین لکان فراغهم أکثر مما یتیح لهم جوب آفاق الحیاة کما جابها الغربیون والشرقیون لما تحللوا عن قیود الدین والکنیسة.

والجواب:

أولاً: إن المسلمین لم یتأخروا من جهة تقیدهم بالحلال والحرام والعبادة والطاعة، بل تأخروا من جهة أنهم ترکوا الدنیا والصناعة بعکس ما أمرهم الإسلام: ﴿ربنا آتنا فی الدنیا حسنة﴾((1))، فإن الصناعة لا ترتبط بضعف الدین، ألیس للشرق والغرب دین هو القوانین التی تحکم سلوکهم وسیرهم فی الحیاة،

ص:126


1- سورة البقرة: الآیة 201

بل قوانین الشرق الکابتة للإنسان أکثر بمرات من قوانین الإسلام، وقوانین الغرب الکابتة للإنسان أکثر کذلک من قوانین الإسلام، فإنهم مقیدون بقوانین الکنیسة بالإضافة إلی القوانین المدنیة.

وثانیاً: إن عدم ضبط الزواج بقوانین کما ضبطه الإسلام، ینتهی بالآخرة إلی شقاء الرجل والمرأة وهدم العائلة، کما نجده الآن فی الغرب والشرق من هدم العوائل وشقاء الجانبین وکثرة الطلاق والعوانس والعزاب، بما یتبع ذلک من الفقر والعقد النفسیة والأمراض الناشئة من البغاة وللواط وغیرها، والسبب هو أن تشریع القوانین الصارمة حول الزواج، بالإضافة إلی أن بعضها لأجل الاحترام کعدم تزویج زوجة الأب، وبعضها لأجل عدم التلاؤم وعدم التملی الجنسی کعدم تزویج الأمهات والأخوات، وبعضها لأجل عدم إحداث مشاکل فی الحیاة الجنسیة کتزویج الأختین، وبعضها لأجل تسویر المحظورات بالأسوار الاحتیاطیة، «فمن رعی حول الحمی أوشک أن یقع فیه»((1))، مثل المحرمات الرضاعیة التی هی أسوار حول المحرمات النسبیة، وبعضها تأدیبات وعقوبات مثل النکاح فی العدة، ونکاح المطلقة ثلاثاً قبل المحلل، إلی غیر ذلک مما لکل وجه معقول مما یقول به الإنسان حتی بدون الشریعة، کما نری عقلاء العالم الملحد ونحوه یلتزمون بجملة منها، أنها نوع

ص:127


1- الوسائل: ج18 ص122 الباب 12 من أبواب صفات القاضی ح39

أنظمة اجتماعیة لابد من وضعها لأجل إضفاء الاحترام حول علاقة الزواج، فإن الشیء النادر المحتاج إلیه أکثر أحتراماً من الشیء المبتذل ولوکان کثیر الاحتیاج، ولذا تری احترام الذهب بما لا یحترم مثله التراب، وإن کان الثانی أکثر فائدة، وإضفاء الاحترام یملأ النفس کما أن الطعام یملأ الجسد، فهو إعطاء للنفس بدونه تبقی النفس خاویة.

أما بالنسبة إلی الطهارة إلی آخرها، فإنها تفید فوائد منها النظافة وحفظ الصحة والتمارین الجسدیة، ومنها تربیة النفس بحیث تصلح للاجتماع، فإن النفس غیر المرباة لا تکون صالحة للمعاشرة، وهی نواة تفسخ الاجتماع وفساده.

ومنها الارتباط بالله سبحانه الذی هو رأس کل خیرات الإنسان، حیث إن الإنسان إذا علم أن حرکاته وسکناته تحت إشراف عالم قدیر، یجزی المحسن بالإحسان والمسیء بالعذاب، کان هذا الإنسان مستقیماً معتدلاً مسارعاً إلی الخیرات، منقلعاً عن المظالم والآثام، مما یسبب سعادته الداخلیة، بالإضافة إلی تقویة الاجتماع واجتثاث جذور الفساد عنه، هذا إلفات بسیط إلی الجواب، والتفصیل فی الکتب المعددة له.

ص:128

مسألة ١ حرمة زوجة کل من الأب والابن

(مسألة 1): تحرم زوجة کل من الأب والابن علی الآخر

(مسألة 1): {تحرم زوجة کل من الأب والابن علی الآخر} بلا إشکال ولا خلاف، بل إجماعاً متواتراً نقله، وضرورةً من الدین، ویشهد له قوله سبحانه: ﴿ولا تنکحوا ما نکح آباؤکم من النساء﴾((1)).

وقوله تعالی: ﴿وحلائل أبنائکم الذین من أصلابکم﴾((2)).

وفی روایة، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حرمة نساء النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن یدخل بها أتحل لابنه، لقالوا: لا، فرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أعظم حرمة من آبائهم»((3)).

وعن محمد بن مسلم، قلت له (علیه السلام): رجل تزوج امرأة فلمسها، قال: «هی حرام علی أبیه وابنه، ومهرها واجب»((4)).

وعن علی بن یقطین، عن أبی الحسن (علیه السلام) فی حدیث، أنه سئل عن قوله تعالی: ﴿قل إنما حرم ربی الفواحش ما ظهر منها﴾((5))، إلی أن قال: ﴿وما بطن﴾: «یعنی ما نکح الآباء، فإن الناس کانوا قبل أن یبعث النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) إذا کان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تکن

ص:129


1- سورة النساء: الآیة 22
2- سورة النساء: الآیة 23
3- الوسائل: ج14 ص312 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
4- الوسائل: ج14 ص314 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5
5- سورة الأعراف: الآیة 33

أمه فحرم الله عز وجل ذلک»((1)).

وفی روایة، عن علی بن الحسین (علیهما السلام)، الفواحش ما ظهر منها وما بطن، قال (علیه السلام): «ما ظهر نکاح امرأة الأب، وما بطن الزنا»((2)).

وعن یونس، قال: قلت لأبی إبراهیم موسی (علیه السلام): رجل تزوج امرأة فمات قبل أن یدخل بها أتحل لابنه، فقال: «إنهم یکرهونه لأنه ملک العقدة»((3)).

أقول: الکراهة بمعنی التحریم بلا إشکال، کما ذکره غیر واحد.

وفی وصیة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لعلی (علیه السلام): «إن عبد المطلب سن فی الجاهلیة خمس سنن أجراها الله عز وجل له فی الإسلام، حرم نساء الآباء علی الأبناء، فأنزل الله عز وجل: ﴿ولا تکحوا ما نکح آباؤکم من النساء﴾ » الحدیث((4)).

وعن الرضا (علیه السلام) فی حدیث قال: «کان لعبد المطلب خمس من السنن أجراها الله تعالی له فی الإسلام، حرم نساء الآباء علی الأبناء، سن الدیة فی القتل مائة من الإبل، وکان یطوف بالبیت سبعة أشواط، ووجد کنزاً فأخرج منه الخمس،

ص:130


1- الوسائل: ج14 ص314 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7
2- الوسائل: ج14 ص315 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح8
3- الوسائل: ج14 ص315 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح9
4- الوسائل: ج14 ص315 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح10

فصاعداً فی الأول ونازلاً فی الثانی

وسمی زمزم سقایة الحاج»((1)).

أقول: الظاهر أن المراد بالأخیر أنه جعل ماء زمزم مباحاً أن یستولی علیه بعض الأعیان ویأخذ المال فی مقابل الماء.

وفی حدیث أبی الجارود، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی باب أن الحسن والحسین (علیهما السلام) من صلب رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «فسلهم هل یحل لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) نکاح حلیلتهما، فإن قالوا نعم کذبوا، وإن قالوا لا، فهما والله ولداه لصلبه، وما حرم علیه إلاّ للصلب»((2)).

إلی غیرها من الروایات.

{فصاعداً فی الأول، ونازلاً فی الثانی} بلا إشکال ولا خلاف، بل ضرورةً وإجماعاً متواتراً نقله، ویدل علیه بالإضافة إلی تفسیر الآیة بالأعم جملة من الروایات مثل بعض ما تقدم.

وصحیح محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، قال (علیه السلام): «لو لم تحرم علی الناس أزواج النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لقول الله عز وجل: ﴿ما کان لکم أن تؤذوا رسول الله، ولا أن تنکحوا أزواجه من بعده أبداً﴾((3))، حرمن علی الحسن والحسین (علیهما السلام) بقول الله عز وجل: ﴿ولا تنکحوا ما نکح

ص:131


1- الوسائل: ج14 ص316 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح11
2- الوسائل: ج14 ص316 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح12
3- سورة الأحزاب: الآیة53

نسباً أو رضاعاً

آباؤکم من النساء﴾ ولا یصلح للرجل أن ینکح امرأة جده»((1)).

وعن دعائم الإسلام، عن علی (علیه السلام)، فی قول الله عز وجل: ﴿ولا تنکحوا ما نکح آباؤکم من النساء﴾((2)) قال: «إذا نکح الرجل امرأة ثم توفی عنها أو طلقها لم تحل لأحد من ولده، کان دخل بها أو لم یدخل، ولا یتزوج الرجل امرأة جده، هی محرمة علی ولده ما تناسلوا»((3)).

وعن محمد بن مسلم، عن الباقر (علیه السلام): «یقول الله: ﴿ولا تنکحوا ما نکح آباؤکم من النساء﴾ فلا یصلح للرجل أن ینکح امرأة جده»((4)).

إلی غیرها من الروایات.

{نسباً أو رضاعاً} بلا إشکال ولا خلاف فی الرضاع، بل إجماعاً متواترا.ً

فعن برید، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حدیث: إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب»((5)).

وعن ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قلت: سمعته یقول: «یحرم من الرضاع ما یحرم من القرابة»((6)).

ص:132


1- الوسائل: ج14 ص313 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- سورة النساء: الآیة 22
3- المستدر ک : ج2 ص574 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
4- الوسائل: ج14 ص313 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
5- الوسائل: ج14 ص281 الباب 1 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
6- الوسائل: ج14 ص281 الباب 1 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

دواماً أو متعة

وعن أبی الصباح، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، إنه سئل عن الرضاع، قال: «یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب»((1)).

ونحوه، عن ابن سرحان، عنه (علیه السلام)((2)).

وعن عبید بن زرارة، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إنا أهل بیت کبیر _ إلی أن قال: _ فقال: «ما یحرم من النسب فهو یحرم من الرضاع»((3)).

وعن الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرضاع، فقال: «یحرم منه ما یحرم من النسب»((4)).

وفی روایة مسعدة، عن الصادق (علیه السلام) فی الإماء المحرمات ما یؤید ذلک((5)).

إلی غیرها من الروایات.

وهناک تفاصیل للرضاع مذکورة فی بابه.

{دوماً أو متعةً} بلا خلاف ولا إشکال، بل إجماعاً، لإطلاق أدلة الزوجة والزوج، بل ربما استفید من انقلاب المتعة دواماً إذا لم یذکر المدة أنهما حقیقة واحدة، ولذا ذکرنا فیما سبق أنه لو شک أنها متعة إلی شهر مثلاً أو دوام، فالأصل

ص:133


1- الوسائل: ج14 ص281 الباب 1 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
2- الوسائل: ج14 ص281 الباب 1 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
3- الوسائل: ج14 ص281 الباب 1 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5
4- الوسائل: ج14 ص282 الباب 1 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح8
5- الوسائل: ج14 ص517 الباب 19 من أبواب نکاح العبید والإماء ح1

بمجرد العقد، وإن لم یکن دخل، ولا فرق فی الزوجین والأب والابن بین الحر والمملوک.

الاستمرار بعد المدة المعلومة.

{بمجرد العقد، وإن لم یکن دخل} بلا خلاف ولا إشکال، بل إجماعاً، وذلک لصدق الأدلة وإن لم یدخل، فجعل المستمسک العمدة فی المسألة الإجماع، لاحتمال أن یکون النکاح فی ﴿ما نکح آباؤکم﴾ الوطی لا وجه له، بل یمکن استفادة ذلک من بعض أحادیث العامریة والکندیة اللتین طلقهما الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) من دون دخول((1))، فراجع.

{ولا فرق فی الزوجین والأب والابن بین الحر والمملوک} بلا إشکال ولا خلاف بل إجماعاً، ذلک لإطلاق الأدلة.

کما لا فرق بین الکبیر والصغیر، والعاقل والمجنون، وأن یکون العقد بنفسه أو وکیله أو ولیه، أو فضولی إذا أجاز، کل ذلک لإطلاق الأدلة کإطلاق الفتاوی.

وهل یشمل قاعدة «ألزموهم» و«الإسلام یجب» مقامنا فی الکافر، وفی من لا یری حرمة بعض ما نری حرمته من المذاهب، احتمالان، فالأول کما إذا تزوج الکافر زوجة أبیه ثم أسلم، فهل یجب علیه إطلاقها من باب الإطلاقات، أم لا من جهة «الإسلام یجب ما قبله»، لا یبعد الثانی.

أما لزوم إطلاقه أخته أو أمه أو بنته فیما إذا تزوجها فی حال کفره، فهو

ص:134


1- الوسائل: ج14 ص314 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

خارج عن القاعدة من باب الضرورة والإجماع، وکذلک فی باب الرضاع قبل الإسلام.

والحاصل: إن قاعدة الجب تشمل کل شیء إلاّ ما علم خروجه قطعاً، ولیس ما نحن فیه مما علم خروجه، وإن کان الأحوط الاجتناب.

والثانی: کما إذا کانت زوجة الأب والأب کلاهما مخالفین، وطلقها قبل الدخول مثلاً، وهما لا یریان الحرمة، فهل یشملهما قاعدة «ألزموهم» کما تشمل ما إذا طلق بلا شهود أو ما أشبه، حیث یجوز لنا نکاحها من جهة الإطلاق، أم لا، لأنها زوجة الأب، احتمالان، ومقتضی القاعدة الجواز، لأنه لیس مما علم خروجه من قاعدة الإلزام.

ومنه یعلم حکم العکس، بما إذا کانت زوجة الأب مستبصرة، وکان الولد الذی یرید زواجها مخالفاً، ولا یری بأساً بغیر مدخولة الأب.

ص:135

مسألة ٢ تحرم مملوکة أحدها بالدخول

(مسألة 2): لا تحرم مملوکة الأب علی الابن وبالعکس مع عدم الدخول وعدم اللمس والنظر، وتحرم مع الدخول

(مسألة 2): {لا تحرم مملوکة الأب علی الابن وبالعکس مع عدم الدخول وعدم اللمس والنظر} علی المشهور شهرة عظیمة، فی الحدائق نفی الخلاف فیه، وعن شرح النافع للسید والریاض الإجماع علیه.

واستدل له فی الجواهر بالأصل، وظهور حصر المحرمات فی غیرهما، ضرورة عدم اندراجهما فی حلیلة الابن ومنکوحة الأب.

أما قوله سبحانه: ﴿ما نکح آباؤکم﴾ وقوله: ﴿حلائل أبنائکم﴾((1)) فهما ظاهران فی الزوجات المنکوحات.

ولأن الحسین (علیه السلام) تزوج ببنت کسری، مع أن الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) کان من جملة ملاکها عند ماجاؤوا بها أسیرة، مع وضوح عدم الفرق بین ملک الأب لکل الأمة أو لبعضها.

{وتحرم مع الدخول} بلا خلاف ولا إشکال، بل قیل بأنه إجماع من المسلمین.

وقد استدل لذلک بالآیتین، وهو وإن لم یکن بعیداً لفهم المناط، إلا أنک قد عرفت الإشکال فی دلالتهما.

وفی خبر موسی بن بکر، عن زرارة، قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) فی حدیث: «إذا أتی الجاریة وهی حلال فلا تحل تلک الجاریة لابنه ولا لأبیه»((2)).

ص:136


1- سورة النساء: الآیة 23
2- الوسائل: ج14 ص313 الباب 2 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

أو أحد الأمرین إذا کان بشهوة

{أو أحد الأمرین إذا کان بشهوة} من النظر واللمس، وقد نسب هذا القول إلی المشهور، وعن الحلی والمحقق والعلامة وغیرهم الجواز، وعن المفید وأبی الصلاح وسلار واللمعة حل منظورة الابن علی الأب خاصة.

ومستند الأولین: روایات متعارضة، الجمع بینهما یقتضی ترجیح القول الثانی.

أما القول الثالث: فلم یوجد له دلیل إلاّ اقتصار بعض نصوص المنع علی منظورة الأب.

وکیف کان، فمن أدلة القول الأول:

صحیح محمد ابن إسماعیل: «إن جردها ونظر إلیها بشهوة حرمت علی أبیه وابنه»، قلت: إذا نظر إلی جسدها، قال: «إذا نظر إلی فرجها وجسدها بشهوة حرمت علیه»((1)).

ومن أدلة القول الثانی: موثق علی بن یقطین، عن العبد الصالح (علیه السلام)، عن الرجل یقبل الجاریة یباشرها من غیر جماع داخل أو خارج أتحل لابنه أو لأبیه، قال: «لا بأس»((2)).

ویؤید الحلیة الأخبار الحاصرة للإماء المحرمات فی عشرة.

والکلام فی المسألة طویل نترکه لقلة الابتلاء به فی الحال.

ص:137


1- الوسائل: ج14 ص317 الباب 3 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص585 الباب 77 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح3

وکذا لا تحرم المحللة لأحدهما علی الآخر إذا لم تکن مدخولة.

{وکذا لا تحرم المحللة لأحدهما علی الآخر إذا لم تکن مدخولة} للأصل، أما احتمال أن یکون التحلیل بمنزلة العقد المحرم، ففیه: إنه لا قطع بالمناط، فهو یشبه الاستحسان.

ص:138

مسألة ٣ حرمة أم الزوجة وبنتها

(مسألة 3): تحرم علی الزوج أم الزوجة وإن علت، نسباً ورضاعاً مطلقاً

(مسألة 3): {تحرم علی الزوج أم الزوجة وإن علت} کأم أمها وأم أبیها وهکذا، {نسباً} ضرورة {ورضاعاً} بلا إشکال، لما دل أنه «یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب» {مطلقاً} دخل بالبنت، أو لم یدخل، کما هو المشهور شهرة عظیمة، وفی الروضة کاد یکون إجماعاً، وعن الغنیة والناصریات الإجماع علیه، خلافاً لابن أبی عقیل فاشترط الحرمة بالدخول کالبنت.

استدل المشهور بقوله سبحانه: ﴿وأمهات نسائکم﴾((1))، فإن إطلاقه شامل لما إذا دخل بالبنت أم لا.

وأورد علیه بعدم الدلالة إلاّ إذا قلنا بأن المشتق حقیقة فیما انقضی، وإلاّ فظاهر الآیة حرمة أم الزوجة فی حال کونها زوجة، فإذا طلقها أو ما أشبه فهی محللة إلاّ فیما قام الإجماع علی العدم وهی ما إذا دخل بالبنت، أما ما عداها فعلی أصل الإباحة.

کما استدل له بجملة من النصوص، کروایة إسحاق بن عمار، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام)، عن علی (علیه السلام) فی حدیث قال: «والأمهات مبهمات دخل بالبنات أو لم یدخل بهن فحرموا وأبهموا ما حرم الله تعالی»((2)).

وخبر أبی حمزة، سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن یدخل بها، هل تحل له ابنتها، قال: فقال (علیه السلام): «قد قضی فی هذا أمیر

ص:139


1- سورة النساء: الآیة 23
2- الوسائل: ج14 ص351 الباب 18 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3

المؤمنین (علیه السلام) إن الله تعالی یقول: ﴿وربائبکم اللاتی فی حجورکم من نسائکم اللاتی دخلتم بهن، فإن لم تکونوا دخلتم بهن فلاجناح علیکم﴾((1))، ولو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن یدخل بها لم تحل له أمها»، قال: قلت: ألیس هما سواء، قال: فقال: «لا، لیس هذه مثل هذه، إن الله تعالی یقول: ﴿وأمهات نسائکم﴾((2)) ولم یستثن فی هذه، کما اشترط فی تلک، هذه هنا مبهمة لیس فیها شرط، وتلک فیها شرط»((3)).

وخبر غیاث بن إبراهیم، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام)، إن علیاً (علیه السلام) قال: «إذا تزوج الرجل المرأة حرمت علیه ابنتها إذا دخل بالأم، فإذا لم یدخل بالأم فلا بأس أن یتزوج بالابنة، فإذا تزوج بالأبنة فدخل بها أو لم یدخل بها فقد حرمت علیه الأم»، وقال (علیه السلام): «الربائب علیکم حرام کن فی الحجر أو لم یکن»((4)).

وموثق أبی بصیر، قال: سألته عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن یدخل بها، فقال (علیه السلام): «یحل له ابنتها ولا تحل له أمها»((5)).

أما العمانی فاستدل لقوله: _ بعد الإشکال فی عموم الآیة باحتمال رجوع القید

ص:140


1- سورة النساء: الآیة 23
2- سورة النساء: الآیة 23
3- العیاشی: ج1 ص230 ح74
4- الوسائل: ج14 ص352 الباب 18 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
5- الوسائل: ج14 ص352 الباب 18 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5

﴿من نسائکم اللاتی دخلتم بهن﴾ إلی الجملتین معاً _ بجملة من الروایات:

کصحیح جمیل بن دراج، وحماد بن عثمان، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «الأم والبنت سواء إذا لم یدخل بها، یعنی إذا تزوج المرأة ثم طلقها، فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء ابنتها»((1)).

وفی روایة الفقیه، عن جمیل، عنه (علیه السلام): «الأم والبنت فی هذا سواء، إذا لم یدخل بإحداهما حلت له الأخری»((2)).

وصحیح منصور بن حازم، قال: کنت عند أبی عبد الله (علیه السلام)، فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة فماتت قبل أن یدخل بها، أیتزوج بأمها، فقال أبو عبد الله (علیه السلام): «قد فعله رجل منا فلم یر به بأساً»، فقلت له: جعلت فداک ما تفخر الشیعة إلاّ بقضاء علی (علیه السلام) فی هذه الشمخیة التی أفتاها ابن مسعود أنه لا بأس بذلک، ثم أتی علیاً (علیه السلام)، فقال له علی (علیه السلام): «من أین أخذتها» فقال: من قوله الله عزوجل: ﴿وربائبکم اللاتی فی حجورکم من نسائکم اللاتی دخلتم بهن، فإن لم تکونوا دخلتم بهن فلا جناح علیکم﴾ فقال (علیه السلام): «إن هذه مستثناة، وهذه مرسلة ﴿وأمهات نسائکم﴾ »، فقال أبو عبد الله (علیه السلام): «أما تسمع ما

ص:141


1- الوسائل: ج14 ص355 الباب 20 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
2- الوسائل: ج14 ص365 الباب 20 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6

یروی هذا عن علی (علیه السلام)»، فلما قمت ندمت، وقلت: أی شیء صنعت یقول هو قد فعله رجل منا فلم نر به بأساً، وأقول أنا: قضی علی (علیه السلام)، فلقیته بعد ذلک، فقلت: جعلت فداک مسألة الرجل إنما کان الذی کنت تقول، کان زلة منی، فما تقول فیها، فقال: یا شیخ تخبرنی أن علیاً (علیه السلام) قضی فیها وتسألنی ما تقول فیها»((1)).

وخبر محمد بن إسحاق، قال: قلت له: رجل تزوج امرأة ودخل بها ثم ماتت، أیحل له أن یتزوج أمها، قال: «سبحان الله کیف یحل له أن یتزوج أمها وقد دخل بها»، قال: قلت له: فرجل تزوج امرأة فهلکت قبل أن یدخل بها تحل له أمها، قال: «وما الذی یحرم علیه منها ولم یدخل بها»((2)).

وخبر الدعائم فی حدیث: «وکذلک الأم إذا وطأ أمها لم یطأها بعدها حرة کانت أو مملوکة»((3)).

وقال الصدوق فی المقنع: «إذا تزوج البنت فدخل بها أو لم یدخل فقد حرمت علیه الأم، وروی أن الأم والبنت فی هذا سواء إذا لم یدخل بإحداهما حلت له الأخری»((4)).

وقد أجاب المشهور عن روایات الجواز بأمور:

ص:142


1- الوسائل: ج14 ص354 الباب 20 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص356 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5
3- المستدر ک : ج2 ص579 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
4- الوسائل: ج16 ص356 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6

الأول: ما نقله الوسائل عن الشیخ، أن صحیح حماد وجمیل مخالف للقرآن، فاللازم ترک العمل به، وفیه: إن الرجوع إلی القرآن إنما یکون بعد تعذر الجمع العرفی، والحال أنه یمکن الجمع بالحمل علی الکراهة.

الثانی: حمل أخبار الجواز علی التقیة، کما نقله الوسائل عن الشیخ أیضاً، وفیه: بالإضافة إلی أنه بعد تعذر الجمع العرفی، وقد عرفت إمکان الجمع، أن المحکی عن المسالک عدم اعتبار الدخول عن أکثر علماء الإسلام، إلاّ أن یقال إن مراده بالتقیة، التقیة علی اصطلاح الحدائق، لکن الشیخ قال: لأنه موافق لمذهب بعض العامة.

أما الاستدلال لکونه تقیة بصحیح منصور، فلا یخلو من إشکال، لاضطراب دلالة صحیح منصور کما لا یخفی، فلا یعلم منه أی الحکمین تقیة، أو أن الحکم بالمنع علی سبیل الکراهة.

الثالث: ما ذکره الوسائل من أن التفسیر فی روایة جمیل وحماد لیس من الإمام، بل هو من بعض الروات فلیس بحجة، بل هو ممنوع، ثم ذکر بعض المعانی البعیدة للحدیث.

وفیه أولاً: إنه خلاف الظاهر کما ذکره المستمسک.

وثانیاً: إن غیره کاف فی الحجة، إذ لیس دلیل الجواز منحصراً بما ذکر.

الرابع: ما عن الشیخ بأن حدیث جمیل وحماد مضطرب المتن، إذ هما یرویانه تارة عن أبی عبد الله (علیه السلام) بلا واسطة، وأخری بواسطة الحلبی، وثالثة إن جمیلاً

ص:143

وکذا بنتها وإن نزلت

یرویه مرسلاً عن بعض أصحابه، عن أحدهما (علیهما السلام).

وفیه: إن هذا لا یسمی اضطراباً ولعله وقع کل ذلک.

الخامس: إن هذه الاحادیث خلاف الإجماع المقطوع به، إذ لا یضر مخالفة العمانی فی الإجماع.

أقول: هذا الوجه هو العمدة، وهو یکفی فی رد علم الروایات المجوزة إلی أهلها (علیهم السلام).

{وکذا ابنتها} بلا إشکال ولا خلاف، للنص والإجماع، فقد تقدم ذکرها فی الآیة المبارکة، وفی نصوص متواترة.

{وإن نزلت} کبنت البنت، وبنت ابن البنت، بلا إشکال ولا خلاف، بل عن آیات الأحکام یعلم الحکم من النصوص والإجماع، لکن فی المستند بعد دعواه الإجماع علی ذلک قال: وإن لم یستنبط من الأخبار، ورده المستمسک بأنه لا تبعد دعوی دلالة النصوص المشتملة علی التعبیر بالبنت _ لقرب عمومها _ للبنت بواسطة.

أقول: المنصرف من البنت بلا واسطة، ولذا إذا قال: أعط هذا لبنتک، أو اخطب ألیک بنتک، أو جاء فلان مع بنته، لم یتبادر إلی الذهن إلاّ بنته بلا واسطة، فإذا أعطاه لبنت بنته مثلاً، أو زوجها إیاه فی مسألة الخطبة، رأی العرف أنه فعل خلاف ما طلب إلیه، لکن مناسبة الحکم والموضوع فی المقام یقتضی التعمیم کما یتقضیه فی آیة تحریم البنات.

ص:144

بشرط الدخول بالأم، سواء کانت فی حجره أم لا،

{بشرط الدخول بالأم} بلا إشکال ولا خلاف، بل تقدم دلالة الکتاب والسنة علی ذلک، بالإضافة إلی الإجماعات المتواترة فی کلماتهم، فإذا لم یدخل بالأم وفارقها بطلاق أو موت أو فسخ أو انقضاء مدة المتعة لم تحرم البنت.

والدخول أعم من القبل والدبر، والظاهر عدم الفرق بین أقسام الدخول بأن کان فی حال صغرهما أو صغر أحدهما، أو إکراهاً أو إلجاءً بأن هی أدخلت ذکره فی نفسها، أو غیر ذلک، للإطلاق النص والفتوی، وإن کان یأتی فی بعضها ما ذکرناه سابقاً فی بعض المسائل من جهة حدیث رفع القلم ورفع الإکراه وما أشبه، فتأمل.

{سواء کانت فی حجره أم لا} بلا إشکال ولا خلاف عندنا، بل عن التذکرة والمسالک والحدائق وغیرهم الإجماع علیه.

ویدل علیه ما تقدم من الروایات الناصة علی عدم الفرق بین أن تکون فی الحجر أم لا، فالآیة جاریة مجری الغالب، ولعله أتی بهذا القید لزیادة التنفیر، فکیف یتزوج الإنسان من هی فی حجره وبمنزلة بنته، لکن فی روایة الدعائم ظهور تفسیر آخر للآیة.

فقد روی عن الصادق (علیه السلام)، قال فی تفسیر الآیة: «هی ابنة امرأته، علیه حرام إذا کان دخل بأمها، فإن لم یکن دخل بأمها فتزویجها له حلال».

وقال (علیه السلام) فی قوله عز وجل: ﴿فی حجورکم﴾ قال: «الحجر الحرمة یقول: اللاتی فی حرمتکم، وذلک مثل قوله: أنعام وحرث حجر، یقول: محرمة»((1)).

ص:145


1- المستدر ک : ج2 ص578 الباب 18 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6

وإن کان تولدها بعد خروج الأم عن زوجیته، وکذا تحرم أم المملوکة الموطوءة علی الواطی، وإن علت مطلقاً، وبنتها.

أقول: ومنه قوله تعالی: ﴿حجراً محجوراً﴾.

أما خبر محمد بن عبد الله بن جعفر، المروی فی الاحتجاج، عن صاحب الزمان (علیه السلام)، أنه کتب إلیه هل یجوز للرجل أن یتزوج بنت امرأته، فقال (علیه السلام): «إن کانت ربیت فی حجره فلا یجوز، وإن لم تکن ربیت فی حجره وکانت أمها فی غیر حباله، فقد روی أنه جائز»((1)).

ففیه: إنه لابد من حملها علی التقیة لموافقتها لمذهب داود ومالک، بالإضافة إلی ضعف السند.

{وإن کان تولدها بعد خروج الأم عن زوجیته} لإطلاق النص والفتوی، وقد تقدم جملة من النصوص الدالة علی الإطلاق.

{وکذا تحرم أم المملوکة الموطوءة علی الواطی، وإن علت مطلقاً، وبنتها} وإن نزلت، بلا إشکال ولا خلاف، بل دعوی الإجماع علیه مستفیضة، ویدل علیه جملة من الروایات.

کصحیحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: سألته عن رجل کانت له جاریة وکان یأتیها فباعها فأعتقت وتزوجت فولدت ابنة، هل تصلح ابنتها لمولاها الأول، قال: «هی علیه حرام وهی ابنته، والحرة والمملوکة فی هذا سواء»((2)).

ص:146


1- الوسائل: ج14 ص351 الباب 21 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7
2- الوسائل: ج14 ص351 الباب 21 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6

وصحیح الحسین بن سعید، قال: کتبت إلی أبی الحسن (علیه السلام): رجل له أمة یطأها فماتت أو باعها ثم أصاب بعد ذلک أمها، هل له أن ینکحها، فکتب (علیه السلام): «لا تحل له»((1)).

ومرسل جمیل، عن بعض أصحابه، عن أحدهما (علیهما السلام)، فی رجل کانت له جاریة فوطأها ثم اشتری أمها أو بنتها، قال علیه السلام: «لا تحل له»((2)).

وروایة رزین، عن أبی جعفر (علیه السلام)، فی رجل کانت له جاریة فوطأها ثم اشتری أمها وبنتها، قال: «لا تحل له، الأم والبنت سواء»((3)).

وروایة الحسین بن بشر، قال: سألته عن الرجل تکون له الجاریة ولها ابنة فیقع علیها، أیصلح له أن یقع علی ابنتها، فقال (علیه السلام): «أینکح الرجل الصالح ابنته»((4)).

إلی غیرها من الروایات الکثیرة التی إطلاقها ومناطها یشمل ما إذا کانت الزوجة حرة والأم والبنت جاریتین، أو الموطوءة جاریة وأمها وبنتها حرتین، وکذلک یشمل ما إذا کانت الموطوءة بالتحلیل أو بالدام أو بالمتعة، والأم والبنت بلون آخر من ألوان الحلیة الذاتیة التی حرمت بواسطة وطی الأم أو البنت.

ص:147


1- الوسائل: ج14 ص358 الباب 21 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7
2- الوسائل: ج14 ص359 الباب 21 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح8
3- الوسائل: ج14 ص360 الباب 21 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح14
4- الوسائل: ج14 ص357 الباب 21 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

نعم فی بعض الروایات ما ینافی ذلک، مثل روایة رزین، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: قلت له: تکون عندی الأمة فأطأها ثم تموت أو تخرج عن ملکی، فأصیب ابنتها أیحل لی أن أطأها، قال (علیه السلام): «نعم لا بأس به، إنما حرم ذلک من الحرائر، فأما الإماء فلا بأس به»((1)).

وقد ردها الشیخ بأنه شاذ نادر لم یرده غیر بیاع الأنماط مع أنه روی ما یناقضه کما مر.

وقال فی الوسائل: یمکن کون الضمیر فی وطئها راجعاً إلی الأم، یعنی: وإن ملک البنت تحل له الأم واستدامة ملک البنت، بخلاف الحرائر، قال: ویحتمل التقیة((2)).

أقول: الروایة لیست منحصرة بروایة رزین، وکونها تقیة بحاجة إلی التتبع، وحمل الوسائل خلاف الظاهر، لکن التعارض بین الطائفتین بما لا یمکن الجمع العرفی بینهما یدخلهما فی باب التراجیح، ولا شک أن الروایات المانعة هی المشهورة، فلا یجوز العمل بغیرها.

ولعله إلی هذا أشار المستمسک حیث قال: (لا مجال للعمل بما دل علی الجواز بعد دعوی الإجماع علی خلافها).

ص:148


1- الوسائل: ج14 ص360 الباب 21 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح16
2- الوسائل: ج14 ص360 الباب 21 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح16 ذیل الحدیث

مسألة ٤ أقسام الدخول

(مسألة 4): لا فرق فی الدخول بین القبل والدبر، وتکفی الحشفة أو مقدارها، ولا یکفی الإنزال علی فرجها من غیر دخول وإن حبلت به

(مسألة 4): {لا فرق فی الدخول بین القبل والدبر} کما هو المشهور، ویدل علیه قوله (علیه السلام): «هو أحد المأتیین»، وغیره مما تقدم فی بعض المباحث السابقة.

ومنه یعلم أن قول کشف اللثام: یحتمل العدم لتبادر القبل، وانتفاء الإحصان فی الدبر، ممنوع، إذ التبادر لو کان فهو بدوی، والکلام فی الإحصان مربوط بغیر المقام.

{ویکفی الحشفة أو مقدارها} لا إشکال فی ذلک ولا خلاف، فلا یشترط إدخال الکل، وإنما الکلام فی احتمال کفایة بعض الحشفة لصدق الدخول، لکن فیه: إن تبادر وحدة المقامات بعد ما ورد من النصوص فی العدة والمهر والغسل بالتقاء الختانین کاف فی المقام، فلا حاجة إلی ما ذکره المستمسک من أن العمدة الإجماع إن تم حتی یقال: إن الإجماع المحتمل الاستناد لیس بحجة، فإطلاق الدخول محکم.

{ولا یکفی الإنزال علی فرجها من غیر دخول} لأن المناط الدخول، کما فی النص والفتوی، فهو إن حصل حرم وإن لم ینزل، وإن لم یحصل لم یحرم وإن أنزل.

{وإن حبلت به} فإنه یمکن ذلک، کما فی النص والفتوی.

{أما إذا أدخل بغلاف، فإن کان الغلاف بحیث یمنع من صدق الدخول، کما

ص:149

وکذا لا فرق بین أن یکون فی حال الیقظة أو النوم، اختیاراً أو جبراً منه أو منها.

إذا کان فی زجاج مثلاً فلا یوجب التحریم، کما لا یوجب سائر أحکام الدخول، وقد ذکرنا ذلک فی باب الصوم، أما إذا لم یمنع الصدق فإنه یوجب التحریم.

{وکذا لا فرق بین أن یکون فی حال الیقظة أو النوم}، هذا مبنی علی عدم انصراف الإدخال فی حال التکلیف من الآیة والروایة، وعلی عدم ورود دلیل الرفع علی الإطلاق، وإلا أشکل التحریم بذلک.

ومنه یعلم الحال فی قوله: {أو جبراً منه أو منها}، وکذلک إذا أدخل وهو طفل أو مجنون، أو مضطر، أو أدخل وهی میتة، إلی غیر ذلک مما تقدم أمثاله فی باب وطی الغلام.

ولو شک فی أنه حصل الدخول أم لا، فالأصل العدم.

ولوشک فی أنه هل دخل مقدار الحشفة، فالأصل العدم.

ولو شک أن هذه التی یرید تزویجها بنت الموطوءة أو أمها أم لا، فالأصل العدم، لأن النسب إنما یثبت بالدلیل، کما ذکروا فی باب الشک فی القرشیة من مسائل الحیض، وقد تقدم الکلام حوله فی کتاب الطهارة، وذکرنا هناک وفی مواضع أخر أن الأصل إنما یجری إذا فحص ولم یظفر بشیء.

ولو شک هل أنها ابنة أو أم الموطوءة أم لا، فإن کان علی نحو العلم الإجمالی، وکان کل طرف محل الابتلاء وجب الاجتناب، وإلا بأن کان غیر محصور، أو محصوراً بدون

ص:150

الابتلاء بکل الأطراف جاز، کما حقق فی محله.

ثم إن المحرم علی کلیهما الواطی والطرف، وهو المراد من زواجه من الأم والبنت کما هو واضح.

ص:151

مسألة ٥ عدم جواز وطی مملوکة الأب والابن

(مسألة 5): لا یجوز لکل من الأب والابن وطی مملوکة الآخر من غیر عقد ولا تحلیل

(مسألة 5): {لا یجوز لکل من الأب والابن} فضلاً عن غیرهما، أی تصرف فی مملوکة الآخر من التصرفات غیر الشهویة بل الشهویة، لحرمة التصرف فی مال الغیر بغیر إذنه، بله لا یجوز لأحدهما النظر المحرم إلی مملوکة الآخر، فضلاً عن {وطی مملوکة الآخر من غیر عقد ولا تحلیل}، وذلک بلا خلاف ولا إشکال، کما یظهر من إرسالهم المسألة إرسال المسلّمات، بل ادعی الریاض الإجماع علیه.

وأما صحیح ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: فی کتاب علی (علیه السلام): «إن الولد لا یأخذ من مال والده شیئاً، ویأخذ الوالد من مال ولده ما شاء، وله أن یقع علی جاریة ابنه إن لم یکن الابن وقع علیها، وذکر أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال لرجل: أنت ومالک لأبیک»((1)).

فاللازم حمله علی الحکم الأخلاقی بإلزام الابن أخلاقیاً رضی بالأمرین، الأخذ من ماله ووطی جاریته، بقرینة ذیل الروایة، فإن المراد بالملک ما ذکره سبحانه ﴿یهب لمن یشاء إناثاً﴾، وإلا فمن الواضح عند المتشرعة بل ضرورة أن الولد لیس ملکاً.

وهذا التأویل أقرب من القول الذی ذکره بعضهم من حمله

ص:152


1- الوسائل: ج14 ص545 الباب 40 من أبواب ن ک اح العبید ح6

وإن لم تکن مدخولة له، وإلا کان زانیاً.

علی صورة التقویم، وقد تقدم الکلام فی هذه المسألة فی کتاب الحج من هذا الشرح فراجع.

ومثل الابن البنت، کما أن مثلهما الحفید، ومثل الأب الجد، لوحدة الدلیل فی الکل.

{وإن لم تکن مدخولة له، وإلا کان زانیاً} بلا إشکال ولا خلاف، کما یظهر من کلماتهم، وقد ذکره الجواهر وقرره المستمسک.

وکذا لا یجوز للولد وطی مملوکة الأم، بل وکذا لا یحق للأم التزویج بمملوک الولد دون رضی الولد، لأن العبد لا یملک نفسه، والنکاح شیء کما قال (علیه السلام): «أ فشیء الطلاق»((1))، حیث قال سبحانه: ﴿لا یقدر علی شیء﴾((2)).

ص:153


1- التهذیب: ج7 ص347 ح5
2- سورة النحل: الآیة 75

مسألة ٦ تقویم الأب مملوکة الإبن

(مسألة 6): یجوز للأب أن یقوم مملوکة ابنه الصغیر علی نفسه ووطؤها

(مسألة 6): {یجوز للأب أن یقوّم مملوکة ابنه} أو بنته، بل لا یبعد ذلک بالنسبة إلی الجد والحفید للمناط، بعد أن کان حکم الأب والجد واحد فی باب الولایة {علی نفسه، ووطؤها} أو الاستمتاع منها بسائر الاستمتاعات، أو التصرف فیها بسائر التصرفات.

وفی أصل المسألة لا خلاف ولا إشکال، بل فی الجواهر الإجماع بقسمیه علیه.

ویدل علیه جملة من الروایات:

مثل صحیح الکنانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن رجل یکون لبعض ولده جاریة وولده صغار، هل یصلح له أن یطأها، فقال (علیه السلام): «یقومها قیمة عدل، ثم یأخذها ویکون لولده علیه ثمنها»((1)).

ومثله غیره، لکن بشرط أن یعلم بأن الولد لم یطأها، کما إذا کانت الجاریة للبنت، أو علم ذلک من الخارج.

ففی خبر حسن بن صدقة، عن أبی الحسن (علیه السلام): «إذا اشتریت أنت لابنتک جاریة أو لابنک وکان الابن صغیراً ولم یطأها، حل لک أن تقبضها فتنکحها، وإلا فلا إلاّ بإذنهما»((2)).

ولا یبعد أن یکون المناط آتیاً فیما إذا قبضها لنفسه، أن یبیعها أو یحللها أیضاً.

ص:154


1- الوسائل: ج14 ص343 الباب 40 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص321 الباب 5 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

والظاهر إلحاق الجد بالأب، والبنت بالابن، وإن کان الأحوط خلافه، ولا یعتبر إجراء صیغة البیع أو نحوه وإن کان أحوط، وکذا لا یعتبر کونه مصلحة للصبی

{والظاهر إلحاق الجد بالأب} کما ذکره غیر واحد، وقواه الجواهر، وإن أشکل فیه بعضهم، وقد تقدم وجه الإلحاق، {والبنت بالابن} کما عرفت، {وإن کان الأحوط خلافه} لأن الحکم علی خلاف القاعدة فیقتصر فیه علی مورد النص.

{ولا یعتبر إجراء صیغة البیع ونحوه} لأن النص لم یذکر ذلک، بل ظاهر قوله (علیه السلام): «یقومها علی نفسه» إنجاز ذلک ولو کان فی نفسه بدون لفظ، واحتمال انصراف التقویم إلی الاشتراء فیکون هو بائعاً ولایةً ومشتریاً أصالة، لا یضر بعد عدم ضرر الاحتمال بالاستدلال بالظاهر.

وهذا هو الذی اختاره المستمسک وغیر واحد من المعلقین الساکتین علی المتن.

{وإن کان أحوط} خروجاً عن خلاف من أوجب، بادعاء الانصراف ونحوه، واختاره جامع المقاصد والجواهر وآخرون، بل عن الأول دعوی عدم الخلاف فیه، لکنه کما تری.

{وکذا لا یعتبر کونه مصلحة للصبی} لإطلاق النص، واشتراطه آخرون لقوله سبحانه: ﴿ولاتقربوا مال الیتیم إلاّ بالتی هی أحسن﴾((1))، والمناط آت فی غیر الیتیم، وفیه: إنه لا قطع بالمناط.

ص:155


1- سورة الأنعام: الآیة 152

نعم یعتبر عدم المفسدة، وکذا لا یعتبر الملاءة فی الأب وإن کان أحوط.

{نعم یعتبر عدم المفسدة} لانصراف النص عن صورة المفسدة، بل عن الریاض دعوی الإجماع علیه، لکن ربما قیل: بالفرق بین المفسدة المحرمة فلا یجوز، وبین غیر المحرمة فتجوز، لقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «أنت ومالک لأبیک»، وهذا غیر بعید، لعدم تسلیم انصراف النص عن مثله.

{وکذا لا یعتبر الملاءة فی الأب} للأصل والإطلاق، ولأنه یمکن أن یردها علیه بمقابل القیمة، {وإن کان أحوط} لما دل علی اعتبار الملاءة فی الاتجار بمال الیتیم، وللآیة المتقدمة، وقد عرفت أن المناط غیر معلوم، بل معلوم العدم.

أما احتمال اشتراط أن لا یکون الأب أو الولد عبداً، لأن تصرف العبد فی نفسه، والتصرف فی مال العبد لا یجوز إلاّ بإجازة السید، فهو خارج عن محل الکلام، وإن کان ذلک لازماً فی نفسه، فلو فعل بدون الإجازة لزم الإجازة، کما قال (علیه السلام): «لم یعص الله، وإنما عصی سیده»((1)).

وکذا هل یشترط عدم احتمال أن لا یبالی الولد فیما بعد بعمل الأب، فینکحها حراماً، الظاهر لا، للإطلاق، وأنه مثل منع تزویج الأب بامرأة یحتمل أن یتزوجها بعده ولده.

ص:156


1- الوسائل: ج14 ص523 الباب من أبواب ن ک اح العبید ح1

مسألة ٧ زنا الابن بمملوکة الأب

(مسألة 7): إذا زنی الابن بمملوکة الأب حد، وأما إذا زنی الأب بمملوکة الابن فالمشهور عدم الحد علیه، وفیه إشکال.

(مسألة 7): {إذا زنی الابن بمملوکة الأب حد} بلا إشکال ولا خلاف، وذلک لإطلاق الأدلة، بل الحد هنا أشد باعتبارها محرماً للولد، فإن جواری الآباء محارم للأبناء وبالعکس، لأنهن بمنزلة الأمهات وحلائل الأبناء.

{وأما إذا زنی الأب بمملوکة الابن فالمشهور عدم الحد علیه}، بل فی الجواهر وعن جامع المقاصد عدم الخلاف فیه، لکن عن المسالک فی أواخر حد السارق أن الأب لو زنی بجاریة الابن حد.

{وفیه إشکال} إذ الحکم خلاف الإطلاقات، خصوصاً إذا کان الولد یدخل بها فإنها ذات محرم للأب، فاللازم أن یکون الحکم فیه أشد، ولم أجد دلیلاً للمشهور إلاّ ما عن المسالک مما ظاهره وجود النص فیه، لکن فی المستمسک: لم أعثر علیه ولا علی من أشار إلیه سواه.

نعم، من المستبعد جداً أن أعاظم الفقهاء یفتون بمثل هذه الفتیا بدون وجود نص معتبر، ولعله یکفی فی کونه شبهة تدرء بسببها الحدود، فإن الشبهة شاملة لشبهة الفاعل کشمولها لشبهة الفقیه، لکن ینبغی عدم الإشکال فی لزوم تأدیبه، لأن العمل حرام، خصوصاً إذا کانت مدخولة.

ص:157

مسألة ٨ وطی أحدهما مملوکة الآخر

(مسألة 8): إذا وطأ أحدهما مملوکة الآخر شبهة لم یحد، ولکن علیه مهر المثل، ولو حبلت فإن کان الواطی هو الابن عتق الولد قهراً،

(مسألة 8): {إذا وطأ أحدهما مملوکة الآخر شبهة لم یحد} لأن «الحدود تدرء بالشبهات»((1))، من غیر فرق أن تکون الشبهة فی الموضوع کما لو ظن أنها جاریته، أو فی الحکم کما إذا ظن جواز ذلک علیه، وتفصیل الکلام فی الشبهة فی کتاب الحدود.

{ولکن علیه مهر المثل} ودیة البکارة إن کانت بکراً، لما استحل من فرجها، ولما ثبت من الدیة علی البکارة، لکن إذا کان الوطی بسبب العقد شبهة فعلیه أقل الأمرین من المسمی والمثل، لما سبق فی بعض المسائل من أن المرأة لو دخلت علی أقل من مهر مثلها لم یکن لها أزید من ذلک، اللهم إلاّ أن یقال: إن المهر للمولی، علی القول بعدم ملک العبد، فلا حق لها فی إسقاط ما للمولی من زیادة المثل علی المسمی، أو یقال: إنه حتی علی أن العبد یملک لا یحق لها إسقاط حقها، لأنه شیء، والعبد لا یقدر علی شیء.

{ولو حبلت} الأمة والحال هذا {فإن کان الواطی هو الابن عتق الولد قهراً} کما عن الفاضلین والشهید والمحقق الثانیین، وذلک لأنه لو بقی رقاً کان ملکاً لمالک الأمة، وهو جده، والإنسان لا یملک ولده وإن نزل، ذکراً کان أو أنثی، وإلیه أشار

ص:158


1- المستدر ک : ج3 ص219 الباب 21 من أبواب مقدمات الحدود ح4

مطلقاً، وإن کان الأب لم ینعتق، إلاّ إذا کان أنثی، نعم یجب علی الأب فکه إن کان ذکراً.

بقوله: {مطلقاً}، إذ هو فی قبال قوله: {وإن کان} الواطی {الأب} لجاریة ابنه {لم ینعتق} الولد من حیث النسب، وإن انعتق من حیث تبعیة الابن لأشرف الأبوین فی باب الحریة والرقیة، کما ذکروه فی بابه، ولذا أشکل علیه المستمسک لإطلاقه عدم العتق.

{إلا إذا کان أنثی}، أما أنه لا ینعتق إذا کان ذکراً فلأنه لو بقی رقاً کان ملکاً لمالک الأمة وهو أخوه، ولا مانع من أن یملک الرجل أخاه.

وأما أنه ینعتق إذا کان أنثی فلأن الرجل کما لا یملک عمودیه (الآباء وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا) لا یملک محارمه، ومنها الأخت، وحیث لا تکون الأنثی مملوکة لمالک کانت حراً قهراً، إذ لا فاصل بین الأمرین.

{نعم یجب علی الأب فکه إن کان ذکراً} للنصوص الدالة علی ذلک.

وحیث إن البحث غیر مرتبط بهذا الباب مع قلة فائدته فی الحال الحاضر، ترکنا تفصیل الکلام فیه وفی أدلته.

ص:159

مسألة ٩ النکاح علی العمة والخالة

(مسألة 9): لا یجوز نکاح بنت الأخ أو الأخت علی العمة والخالة إلاّ بإذنهما،

(مسألة 9): {لا یجوز نکاح بنت الأخ أو الأخت علی العمة والخالة إلاّ بإذنهما} علی المشهور شهرة عظیمة، بل عن غیر واحد دعوی الإجماع علیه، بل فی الجواهر إن علیه الإجماع مستفیضاً أو متواتراً.

خلافاً للإسکافی والعمانی فأجازا ذلک، وللمقنع الذی منع ذلک مطلقاً حتی مع الإجازة، فیما یحکی عن کلامهم.

ومقتضی القاعدة مع المشهور، للنصوص الکثیرة الدالة علی ذلک.

کموثق محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «لا تتزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت علی العمة ولا علی الخالة إلاّ بإذنهما، وتزوج العمة والخالة علی ابنة الأخ وابنة الأخت بغیر إذنهما»((1)).

وخبر أبی عبیدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) یقول: «لا تنکح المرأة علی عمتها، ولا علی خالتها، إلاّ بإذن العمة والخالة» ((2)).

وعن السکونی، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام): «إن علیاً (علیه السلام) أتی برجل تزوج امرأة علی خالتها فجلده وفرق بینهما»((3)).

أقول: الظاهر أن الجلد کان لأجل فعله الحرام، حیث کان الزواج بدون رضا الخالة، ولا حاجة إلی حمله علی التقیة کما فعله بعض الفقهاء، وإن کان ربما یقال:

ص:160


1- الوسائل: ج14 ص375 الباب 30 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص375 الباب 30 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
3- الوسائل: ج14 ص376 الباب 30 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

إنه إن علم کان حکمه الرجم لأنه زنا محصن، وإن کان لا یعلم فإن الحدود تدرأ بالشبهات، ولم یکن حکمه الجلد، فلابد من حمله علی التقیة، فتأمل.

وعن الکنانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا یحل للرجل أن یجمع بین المرأة وعمتها، ولا بین المرأة وخالتها»((1)).

وعن أبی عبیدة، عن الصادق (علیه السلام)، قال: «لا یحل للرجل أن یجمع بین المرأة وعمتها، ولا بین المرأة وخالتها، ولا علی أختها من الرضاعة»((2)).

وعن مالک بن عطیة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «لا تزوج المرأة علی خالتها، وتزوج الخالة علی ابنة أختها»((3)).

وعن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «إنما نهی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) عن تزویج المرأة علی عمتها وخالتها، إجلالاً للعمة والخالة، فإذا أذنت فی ذلک فلا بأس»((4)).

إلی غیرها من الروایات.

فإن متقضی الجمع بین هذه الروایات الجواز مع الإذن، والمنع بدونه، حملاً للمطلق علی المقید.

ومنه یعلم أن القول بالمنع مطلقاً خلاف الروایات المجوزة مع الإذن.

ص:161


1- الوسائل: ج14 ص376 الباب 30 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7
2- الوسائل: ج14 ص376 الباب 30 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح8
3- الوسائل: ج14 ص377 الباب 30 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح9
4- الوسائل: ج14 ص377 الباب 30 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح10

من غیر فرق بین الدوام والانقطاع

کما أن خبر علی بن جعفر (علیهما السلام) قال: سألت أخی (علیه السلام) عن رجل یتزوج المرأة علی عمتها أو خالتها، قال: «لا بأس، لأن الله عز وجل قال: ﴿وأحل لکم ما وراء ذلکم﴾((1))»((2))، الذی استدل به من قال بالجواز مطلقاً، خلاف الروایات الدالة علی المنع بدون الإذن، مما یوجب حمل خبر علی بن جعفر (علیهما السلام) علی صورة الإذن.

ثم الظاهر أنه یأتی فی المقام ما ذکرناه مکرراً من أن المرأة لو کانت مخالفاً مذهبها الجواز، أو کانت کتابیة دینها الجواز، لم یحتج الرجل إلی الإذن، لقاعدة «ألزموهم بما التزموا به» فرضاها الناشی عن إجازة دینها _ ولو بدون الرضا _ کاف.

نعم إذا لم تأذن لم یکن للرجل الزواج، لأن الحکم معلق علی الرضا الشخصی، فهو حق لها، فتأمل.

{من غیر فرق بین الدوام والانقطاع} للإطلاق، واحتمال الانصراف إلی الدوام بدوی، خصوصاً بعد قوله (علیه السلام): «إجلالاً للعمة والخالة».

نعم الظاهر أنه لا یأتی ذلک فیما إذا کانت بعنوان ملک الیمین أو التحلیل، لأنه لا قطع بالمناط بعد أن کان اللفظ الزواج الظاهر فی غیرهما، فتأمل.

ص:162


1- سورة النساء: الآیة 24
2- الوسائل: ج14 ص377 الباب 30 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح11

ولا بین علم العمة والخالة وجهلهما، ویجوز العکس وإن کانت العمة والخالة جاهلتین بالحال علی الأقوی.

{ولا بین علم العمة والخالة وجهلهما} للإطلاق.

{ویجوز العکس} بلا إشکال ولا خلاف إلاّ عن المقنع فأطلق المنع، بل عن الذکرة الإجماع علیه.

ویدل علیه بعض الروایات السابقة المقدمة علی دلیل المقنع الذی استدل له، وهو خبر الکنانی المتقدم: «لا یحل للرجل أن یجمع بین المرأة وعمتها، ولا بین المرأة وخالتها»، وإنما قلنا بالتقدم لأنه مطلق لابد أن یقید بالمقیدات.

{وإن کانت العمة والخالة جاهلتین بالحال علی الأقوی} کما هو المشهور، بل لم یعرف الخلاف إلاّ عن المسالک، حیث قال فیما حکاه عنه الجواهر: یشترط علم الداخلة بکون المدخول علیها زوجته وإلا لم یصح، ولم یعرف له وجه ظاهر إلاّ التوهم فیما رواه من خبر محمد بن مسلم، عن الباقر (علیه السلام) قال: «لا تزوج الخالة والعمة علی بنت الأخ وابنة الأخت بغیر إذنهما»((1)).

وفیه: إن الروایة حسب ضبظ الکتب الصحیحة «تزوج الخالة...».

ومنه یعلم الإشکال فی کلام القواعد، حیث قال: الأقرب أن للعمة والخالة فسخ عقدهما لو جهلتا لا المدخول علیها، وکأنه لما عن کشف اللثام من عدم الفرق فی الاحترام بین التقدم والتأخر، لکن فیه: إنه اجتهاد فی مقابل النص.

ص:163


1- الوسائل: ج14 ص376 الباب 30 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5

مسألة ١٠ الجمع بین العمة والخالة

(مسألة 10): الظاهر عدم الفرق بین الصغیرتین والکبیرتین والمختلفتین، ولا بین اطلاع العمة والخالة علی ذلک وعدم اطلاعهما أبداً، ولا بین کون مدة الانقطاع قصیرةً ولو ساعة، أو طویلة،

(مسألة 10): {الظاهر عدم الفرق بین الصغیرتین والکبرتین والمختلفتین} لإطلاق الأدلة، واحتمال الانصراف إلی ما لو کانت العمة والخالة کبیرة لمکان (إذنهما) فی النص الذی لا یحصل من الصغیرة ممنوع، إذ هو بدوی، مثل احتمال أن ذلک فیما إذا أمکن إذنهما، لا ما إذا لم یکن لإغماء دائم أو سفر طویل أو ما أشبه.

ثم إنه لا إشکال فی عدم کفایة غیر الممیزة، أما الممیزة غیر البالغة فهل یکفی إذنها للإطلاق، أم لا لأن عمد الصبی خطأ، احتمالان، والثانی أحوط، وإن کان الأول غیر بعید، لکن الأقرب کون الإذن حینئذ بید الولی کما سیأتی.

{ولا بین اطلاع العمة والخالة علی ذلک، وعدم اطلاعهما أبداً} للإطلاق، واحتمال تقید المنع بالاطلاع، لأن المنع لأجل عدم أذیتهما _ کما یستفاد عرفاً من النصوص _ وهی لا تحصل فی صورة عدم الاطلاع، مردود بأن الاحتمال لا یدفع الإطلاق.

{ولا بین کون مدة الانقطاع قصیرة ولوساعة، أو طویلة} للإطلاق، واحتمال الانصراف إلی الطویلة فلا یضر القصیرة فیه إنه بدوی.

ص:164

علی إشکال فی بعض هذه الصور، لإمکان دعوی انصراف الأخبار.

{علی إشکال فی بعض هذه الصور، لإمکان دعوی انصراف الأخبار}، لکن فیه ما عرفت، ولذا قوی التعمیم السیدان ابن العم والبروجردی.

وقال فی المستمسک: الانصراف بدوی لا یعول علیه فی رفع الید عن الإطلاق.

ص:165

مسألة ١١ حکم اقتران العقدین

(مسألة 11): الظاهر أن حکم اقتران العقدین حکم سبق العمة والخالة.

(مسألة 11): {الظاهر أن حکم اقتران العقدین حکم سبق العمة والخالة} فی احتیاج صحة عقد بنت الأخ وبنت الأخت علی رضاهما، وإلا صح عقد العمة والخالة وبطل عقد البنتین.

واستدل لذلک بإطلاق روایتی الکنانی وأبی عبیدة، بل بالتعلیل فی الروایة الثانیة لمحمد بن مسلم، ویؤید ذلک ما دل علی صحة عقد الحرة وبطلان عقد الأمة لو جمعهما فی عقد واحد، کما ورد فی الخبر الصحیح، لوحدة الملاک فی المقامین.

خلافاً لمن یقول بصحة عقدهما، لأن الممنوع فی غالب الروایات إدخال البنتین علی العمة والخالة، والجمع فی عقد واحد لیس من الإدخال، والعلة فی الروایة الثالثة إنما هی من باب الحکمة کما هو واضح.

أما الروایتان، ففی المستمسک رمی إحداهما بالضعف، لکن الروایة الثانیة لیست ضعیفة فیمکن الاعتماد علیها، وعلیه فالإشکال فی الاقتران الموجب لبطلان عقد بنت الأخ وبنت الأخت إلاّ برضاهما هو مقتضی القاعدة.

ص:166

مسألة ١٢ عدم الفرق بین المسلمتین و الکافرتین

(مسألة 12): لا فرق بین المسلمتین والکافرتین والمختلفتین.

(مسألة 12): {لا فرق بین المسلمتین والکافرتین والمختلفتین} لإطلاق الأدلة، وقد تقدم الإشکال فی قاعدة «ألزموهم» فإنها لا تشمل المقام، واحتمال عدم شمول الأدلة لما إذا کانت العمة والخالة کافرة من جهة أن الحکم لأجل الاحترام، ولا احترام لهما، یرد علیه:

أولاً: إن الذمیة محترمة.

وثانیا: بأن الاحترام حکمة ولیست بعلة.

نعم إذا کان الکافر تزوج بکافرتین حیث دینه لا یشترط ذلک فأسلم، فالظاهر بقاء نکاح البنتین وإن لم ترضیا، لأن وحدة حکم الاستدامة للابتداء لا یدل علیه إلاّ المناط، وهو لیس بمقطوع به، من غیر فرق بین أن تسلما أو تبقیا علی کفرهما أو تسلم إحداهما.

ص:167

مسألة ١٣ عدم الفرق فی العالی والدانی

(مسألة 13): لا فرق فی العمة والخالة بین الدنیا منهما والعلیا.

(مسألة 13): {لا فرق فی العمة والخالة بین الدنیا منهما والعلیا} کما عن الشیخ فی بعض کتبه، وتبعه غیر واحد، لکن عن القواعد وغیره الإشکال فیه.

استدل الأولون: بالاشتراک فی العلة، وصدق العمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت.

نعم فی الجواهر احتمال الصدق، وهو غیر حسن، إذ الاحتمال لا یصح مستنداً للفتوی، وإنما یکون مستنداً للاحتیاط.

واستدل للثانی: بالأصل بعد انصراف الدنیا منهما، وهذا القول وإن کان أقرب، خصوصاً فیما إذا کانت عمة الجدة من الأم مثلاً أو ما أشبه ذلک، إلاّ أن القول الأول أحوط.

ص:168

مسألة 14 هل یکفی الرضا الباطنی

(مسألة 14): فی کفایة الرضا الباطنی منهما من دون إظهاره، وعدمها وکون اللازم إظهاره بالإذن قولاً أو فعلاً، وجهان.

(مسألة 14): {فی کفایة الرضا الباطنی منهما دون إظهاره} بقول أو فعل، کما أن لو ذهبت هی وخطبتها لتکون مساعدة لها فی إدارة البیت.

{وعدمها وکون اللازم إظهاره بالإذن قولاً أو فعلاً، وجهان} الظاهر الثانی، لأن فی النصوص ذکر الإذن، وما فی روایة ابن جعفر من ذکر الرضا، یراد به الرضا الذی له مظهر، فإنه مقتضی الجمع العرفی، کما فی قوله تعالی: ﴿إلا أن تکون تجارة عن تراض منکم﴾((1)).

ثم الإذن لا یلزم أن یکون عن رضی قلبی واقعاً، فإذا أذنت ثم قالت: إنی لم أکن راضیاً، لم یسمع کلامها، کما فی سائر أبواب العقود والإیقاعات.

نعم لو علمنا أن الإذن اللفظی لا یطابق رضی القلب لم ینفع، إذ الظاهر من (الإذن) فی النص والفتوی ما کان صادراً عن القلب.

أما إذا کان الإکراه بحیث یصح معه المعاملة، کما إذا قال لها: إن لم تأذنی طلقتک، فأجازت تفادیاً عن الطلاق جاز، لأنه لیس من الإکراه الرافع للحکم، کما فی کل مورد یکره المکرِه المکرَه بإکراه له علی الحق فی هذا العمل الذی یتفادیه المکره، وتفصیل ذلک فی باب الإکراه من المکاسب.

والظاهر أنه لا یسقط حقها فی اعتبار إذنها مع نشوزها، إذ لا دلیل علی أن النشوز یسقط حقها، وقیاسه بالنفقة مع الفارق، فإطلاق دلیل الاحتیاج إلی الإذن شامل للمقام.

ص:169


1- سورة النساء: الآیة 29

مسألة ١٥ لو أذنت ثم رجعت

(مسألة 15): إذا أذنت ثم رجعت ولم یبلغه الخبر فتزوج لم یکفه الإذن السابق.

(مسألة 15): {إذا أذنت ثم رجعت ولم یبلغه الخبر فتزوج لم یکفه الإذن السابق}، إذ الرجوع یجعل الإذن معدوماً فهو نکاح بدون الإذن، ولا دلیل علی أنه من قبیل فعل الوکیل الذی لم یبلغه عزل موکل.

وإذا قالت: إنی رجعت، فهل الأصل عدمه فالنکاح صحیح، أو أن کلامها صحیح لأن ذلک مما لا یعرف من قبلها، الظاهر الأول، خصوصاً إذا کانت بحیث یمکن الإعلام عن رجوعها ولم تفعل، فتأمل.

ص:170

مسألة ١٦ لو رجعت عن الإذن بعد العقد

(مسألة 16): إذا رجعت عن الإذن بعد العقد لم یؤثر فی البطلان.

(مسألة 16): {إذا رجعت عن الإذن بعد العقد لم یؤثر فی البطلان}.

لا ینبغی الإشکال فی ذلک، لأن الأدلة علقت النکاح بالإذن السابق علیه، فإطلاق دلیل الصحة محکم.

وإذا طلق وانقضت العدة احتاج إلی إذن جدید.

أما إذا کانت فی العدة لم یحتج، إذ المرأة فی العدة بمنزلة المتزوجة، فإذا أراد الرجوع لم یحتج إلی إذن جدید.

نعم فی البائن یحتاج إلی الإذن إذا أراد تجدید النکاح فی العدة.

ص:171

مسألة ١٧ الظاهر کفایة إذنهما

(مسألة 17): الظاهر کفایة إذنهما وإن کان عن غرور، بأن وعدها أن یعطیها شیئاً فرضیت، ثم لم یف بوعده، سواء کان بانیاً علی الوفاء حین العقد أم لا، نعم لو قیدت الإذن بإعطاء شیء فتزوج ثم لم یعط کشف عن بطلان الإذن والعقد، وإن کان حین العقد بانیاً علی العمل به.

(مسألة 17): {الظاهر کفایة إذنهما وإن کان} الإذن {عن غرور}، بأن غررت عن نفسها کما لو ظنت أن بنت الأخ والأخت تساعدها، أو عن غیرها من الأجنبی کما إذا وعد أبوهما إعطاءهما مالاً مثلاً، أو من نفس البنتین کما إذا وعدتاهما المساعدة لهما فی الشؤون المنزلیة مثلاً، أو من الزوج {بأن وعدها أن یعطیها شیئاً فرضیت ثم لم یف بوعده}.

وذلک لأن الأدلة دلت علی أن إذنهما کاف منهما، سواء کان داعی الإذن یکون حصل أم لا.

{سواء کان} الواعد {بانیاً علی الوفاء حین العقد، أم لا} إذ عدم بنائها الوفاء لا یؤثر فی الإذن المطلق غیر المقید الحاصل منهما.

{نعم لو قیدت الإذن بإعطاء شیء} أو توفیر خدمة لهما، مثل أن یتخذ لهما داراً مرفهة، أو خادمة تساعدهما مثلاً، {فتزوج} بأن کان الإذن مقیداً {ثم لم یعط} ولم یف {کشف} عدم وفائه {عن بطلان الإذن والعقد} لانتفاء المقید بانتفاء قیده.

{وإن کان حین العقد بانیاً علی العمل به} إذ الشرط وهو الإعطاء والوفاء

ص:172

مفقود، والبناء علی العمل لا یصحح القید.

ومما تقدم ظهر الإشکال فی إشکال السید البروجردی وغیره فیما إذا کان بانیاً من الأول علی عدم الوفاء، ولذا سکت علی المتن السیدان ابن العم والجمال وقرره المستمسک.

ص:173

مسألة ١٨ إعتبار إذنهما من باب الحکم الشرعی

(مسألة 18): الظاهر أن اعتبار إذنهما من باب الحکم الشرعی، لا أن یکون لحق منهما، فلا یسقط بالإسقاط.

(مسألة 18): {الظاهر أن اعتبار إذنهما} لیس {من باب الحکم الشرعی} الأولی، بل هو من قبیل قوله (علیه السلام): «لم یعص الله وإنما عصی سیده» ف_ {لا} حکم للشارع إلاّ تبعاً لحق العمة والخالة وذلک ب_ {أن یکون لحق منهما} لأن الحق هو المنصرف عرفاً من أمثال هذه الموارد، ولذا یقول: عرف المتشرع أن الإذن حقهما، بدون أدنی شائبة مجاز.

وما استظهره المصنف من أنه حکم لا حق {فلا یسقط بالإسقاط} خلاف الظاهر، وإن استدل له فی المستمسک (بأن کونه حقاً یتوقف علی ثبوت ملک لعین أو فعل، وهو خلاف الأصل، بل خلاف الدلیل الموجب لاعتباره ولو بعد الإسقاط) انتهی.

ولذا اشکل علی المتن ابن العم، وإن وافقه البروجردی والجمال.

وعلی هذا بأن یکون حقاً فالظاهر أنه بید ولیهما إذا کانتا صغیرتین أو مجنونتین، فللولی حق الإذن إذا کان فی صلاحهما، کما یتصرف فی سائر شؤون الصغیر والمجنون.

ص:174

مسألة ١٩ إذا شرط فی عقدهما إذنهما

(مسألة 19): إذا اشترط فی عقد العمة أو الخالة إذنهما فی تزویج بنت الأخ أو الأخت، ثم لم تأذنا عصیاناً منهما فی العمل بالشرط، لم یصح العقد علی إحدی البنتین، وهل له إجبارهما فی الإذن، وجهان.

(مسألة 19): {إذا اشترط فی عقد العمة أو الخالة إذنهما فی تزویج بنت الأخ أو الأخت، ثم لم تأذنا عصیاناً منهما فی العمل بالشرط، لم یصح العقد علی إحدی البنتین} لإطلاق الأدلة، فهو کما إذا شرط علیه أن یزوجه أمته فی عقد بیع فعصی ولم یزوج، لم یصح عقد الشارط.

{وهل له إجبارهما فی الإذن، وجهان}:

وجه الإجبار: إن هذا حقه فله أخذه بالإجبار، کما یأخذ سائر الحقوق کذلک.

ووجه الثانی: إن الشرط لا یثبت إلاّ واجباً علی المشروط، لا أنه یثبت حقاً علیه حتی یکون للشارط إجباره.

والأول هو الأقوی، وعلیه فإذا لم یمکن إجباره بأن لم ینفع الإجبار فی الإذن، قام الحاکم الشرعی مقامه فی الإذن، کما یقوم مقام الممتنع فی کل حق علیه إذا لم یمکن إجباره، لأن ذلک مقتضی ولایته علی الممتنع.

ومن ذلک یظهر أنه لا وجه للقول بعدم قیام الحاکم الشرعی مقامه من جهة أن الشرط لا یفید إلاّ الوجوب علی المشروط علیه، فإذا امتنع أجبر علی أداء الواجب من باب الأمر بالمعروف، فإذا لم یفعل الواجب لا یقوم الحاکم مقامه،

ص:175

نعم إذا اشترط علیهما فی ضمن عقدهما أن یکون له العقد علی ابنة الأخ أو الأخت، فالظاهر الصحة وإن أظهرتا الکراهة بعد هذا.

إذ لا یقوم الحاکم مقام تارک الواجب، کما إذا امتنع عن أداء الصلاة، فإن الحاکم لا یصلی بدلاً عنه.

ثم إنه لما کان الإذن حقاً کما تقدم، کان له إسقاطه ضمن عقد، کما یصح إسقاط کل حق من هذا القبیل، ولذا قال: {نعم إذا اشترط علیهما فی ضمن عقدهما أن یکون له العقد علی ابنة الأخ أو الأخت فالظاهر الصحة}، ومقابل الظاهر احتمال أن لا یصح، لأن اعتبار الإذن من باب الحکم الشرعی، والحکم غیر قابل للإسقاط، لکنک قد عرفت أنه حق ولیس بحکم.

{وإن أظهرتا الکراهة بعد هذا}، إذ لا قیمة لکراهتهما بعد أن أسقطتا حقهما، کما إذا أسقط حقه فی فسخ البیع عند العقد فیما إذا ظهر معیباً أو مغبوناً، فإن کراهته للبیع وعدم رضاه به لا أثر له، إلی غیر ذلک من موارد إسقاط الحق ضمن عقد ونحوه.

ص:176

مسألة ٢٠ إذا أجازتا بعد الزواج

(مسألة 20): إذا تزوجهما من غیر إذن ثم أجازتا صح علی الأقوی.

(مسألة 20): {إذا تزوجهما من غیر إذن ثم أجازتا صح علی الأقوی} کما عن العلامة وغیره، خلافاً لما عن المحقق وغیره من القول بالبطلان، والأقرب الأول، لتحقق شرط الصحة الذی هو الإذن، فیشمله دلیل الصحة، فإن الإذن لما کان حقاً صح لحوقه، کما یصح سبقه، کما فی بیع الفضولی ونحوه.

ویؤیده قوله (علیه السلام) فی نکاح العبد بدون إذن مولاه: «إنه لم یعص الله، وإنما عصی سیده»، فإذا أجاز جاز، لأنه مما یدل علی أن الإجازة اللاحقة کافیة إذا لم یکن عصیان الله ابتداءً، بل کان عصیاناً تبعاً لعصیان الإنسان.

ومن ذلک تعرف وجه الإشکال فی کلام من یقول بالبطلان، مستدلاً بأن النهی عن النکاح بدون الإذن یقتضی الفساد.

وبما رواه ابن جعفر (علیهما السلام)، عن أخیه (علیه السلام): «ولا تزوج بنت الأخ والأخت علی العمة والخالة إلاّ برضا منهما، فمن فعل ذلک فنکاحه باطل»((1)).

إذ یرد علی الأول: إنه بعد الإذن لیس نکاحاً بدون الإذن، فهو من قبیل النهی عن بیع ما لیس عنده، فإنه إنما یقتضی الفساد إذا لم یأذن المالک.

وعلی الثانی: إن المفروض لحوق الرضا، فهو مثل ﴿تجارة عن تراض﴾ فی صحة التجارة إذا لحقها الرضا.

ص:177


1- الوسائل: ج14 ص325 الباب 30 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

ومما تقدم یظهر أنه لو تزوجهما بدون رضاهما ثم ماتت العمة والخالة أو طلقتا، سقط اعتبار رضاهما وصح القعد، فهو مثل ما إذا باع مال أبیه ثم مات الأب، حیث یصح البیع بموته بدون أن یتوقف علی شیء آخر، کما قرر فی کتاب المکاسب.

ومنه یظهر الإشکال فی کلام الجواهر حیث قال: (لو ماتتا قبل علمهما کان لابد من تجدید العقد).

ثم إن المنسوب إلی الشیخین وآخرین أنه لو تزوجهما بدون رضاهما کان للعمة والخالة الخیار فی فسخ عقد أنفسهما أو فسخ عقد البنتین، واستدل لذلک بأن العقدین وقعا صحیحین، وحیث لا یمکن الجمع بینهما إلاّ بإذن فهما مخیرتان فی رفع الجمع بینهما بین رفع الأول ورفع الثانی.

وفیه أولاً: إنه لا دلیل علی أن بیدهما فسخ عقد أنفسهما، بل هو خلاف أدلة صحة العقد، وأن الافتراق لا یکون بید المرأة إلاّ فی موارد خاصة من العیوب والتدلیس.

وثانیاً: إن بیدهما عدم الإذن فینفسخ عقد البنتین تلقائیاً، لا أن بیدهما فسخ عقد البنتین، والفرق بین الأمرین واضح.

ومن الإشکال المذکور یظهر الإشکال فی کلام ابن إدریس، حیث قال ببطلان العقد الثانی وتزلزل العقد الأول، فیکون للعمة والخالة فسخ عقد أنفسهما.

إذ یرد علیه أولاً: إنه لا دلیل علی بطلان عقد البنتین.

ص:178

وثانیا: إنه لا دلیل علی تزلزل عقد العمة والخالة.

ثم إن الکلام فیما إذا منعتا عن العقد علی البنتین قبل عقدهما، أو أظهرتا عدم رضائهما بعد عقدهما، هو الکلام الذی ذکره فی باب بیع الفضولی، وأنه لا یصح الإذن فی انعقاد العقد بعد النهی وعدم الرضا.

نعم، إذا منعتا وقبل العقد رضیتا صح العقد بلا إشکال، کما أنه إذا رضیتا وقبل العقد منعتا لم یصح، کما تقدم.

ص:179

مسألة ٢١ لو شک فی سبق عقد أحدهما

(مسألة 21): إذا تزوج العمة وابنة الأخ، وشک فی سبق عقد العمة أو سبق عقد الابنة، حکم بالصحة، وکذا إذا شک فی السبق والاقتران بناءً علی البطلان مع الاقتران.

(مسألة 21): {إذا تزوج العمة وابنة الأخ، وشک فی سبق عقد العمة أو سبق عقد الابنة، حکم بالصحة} وکذا بالنسبة إلی الخالة وابنة الأخت، وذلک لأصالة الصحة الجاریة فی کل عقد شک بعد أن عقده فی صحته وفساده.

{وکذا إذا شک فی السبق والاقتران، بناءً علی البطلان مع الاقتران}، أما بناءً علی الصحة فالعقد صحیح علی کل حال کما هو واضح.

ولا فرق بین أن یکون الشک طارءاً بأن علم أولاً بالسبق واللحوق ثم نسی، أو ساریاً بأن لم یعلم من الأول.

ومن صور الشک الابتدائی ما إذا وکل اثنین فی عقدهما فعقدا ولم یعلم سبق أیهما مع علمه بسبق أحدهما، أو لم یعلم السبق والاقتران أصلاً.

ص:180

مسألة ٢٢ إذا ادعتا عدم الإذن

(مسألة 22): إذا ادعت العمة أو الخالة عدم الإذن، وادعی هو الإذن منهما، قدم قولهما، وإذا کانت الدعوی بین العمة وابنة الأخ مثلاً فی الإذن وعدمه فکذلک قدم قول العمة.

(مسألة 22): {إذا ادعت العمة أو الخالة عدم الإذن، وادعی هو الإذن منهما، قدم قولهما} بالنسبة إلی الدعوی لأصالة عدم الإذن الموافق لقولهما، ولا مجال لأصل الصحة فی إبطال حق الغیر فی مورد الدعاوی المتعلقة بحق إنسان له الإذن، کما إذا ادعی زید أنه بتوکیل عمرو له أجری العقد، وأنکر عمرو أن یکون وکّله، لم یجر أصل الصحة فی العقد الذی أجراه مدعی الوکالة.

وکذا إذا ادعی المدعی أن الولی أذن له فی عقد المولی علیه فأنکر الولی ذلک، فإن إطلاق أصل الصحة منصرف عن المقام.

ولذا قال المستمسک: (إن دلیل أصل الصحة من السیرة والإجماع غیر ثابت فی مثل المقام مما کان المدعی لعدم الشرط ممن یقوم به الشرط، ففرق بین أن تکون دعوی عدم الإذن صادرة ممن تقوم به الإذن، وأن تکون صادرة من غیره) انتهی.

{وإذا کانت الدعوی بین العمة وابنة الأخ مثلاً فی الإذن وعدمه فکذلک قدم قول العمة} وتتحقق صورة الدعوی فیما إذا کان إرث الزوج بید العمة وأرادت منع ابنة الأخ عن نصیب الزوجة وادعت هی أنها زوجة، وأن العمة أذنت عند العقد، إلی غیرها من صور التنازع بینهما مما یسمعها الحاکم.

نعم، إذا علمت ابنة الأخ أنها أذنت، وأن إنکارها عن عمد أو نسیان أو ما أشبه

ص:181

فلها أن تأخذ حصتها من الإرث.

کما أن الزوج فی الفرع السابق إذا علم بالإذن وأن له الحق لم یؤثر کون الحکم فی جانبها من ترتیب آثار الزوجیة وجوباً کالوطی کل أربعة أشهر مرة، أو جوازاًً کالنظر إلیها، أو حرمةً کحرمة أختها، إلی غیر ذلک، بالنسبة إلی ابنة الأخ.

ص:182

مسألة ٢٣ لو تزوج ثم شک فی الإذن

(مسألة 23): إذا تزوج ابنة الأخ أو الأخت، وشک فی أنه هل کان عن إذن من العمة والخالة أو لا، حمل فعله علی الصحیح.

(مسألة 23): {إذا تزوج ابنة الأخ أو الأخت، وشک} بعد العقد {فی أنه هل کان عن إذن من العمة أو الخالة أو لا، حمل فعله علی الصحیح} لما ذکرناه فی کتاب التقلید من حمل الإنسان فعل نفسه علی الصحیح بالنسبة إلی الأعمال السابقة.

وکذا إذا شک ابنة الأخ والأخت فی أن تزویجه لهما هل کان عن إذن أم لا، حیث تحملان فعل الزوج علی الصحیح.

وکذا فیما إذا شک إنسان آخر.

ص:183

مسألة ٢٤ لو حصل بنتیة الأخ أو الأخت بعد التزویج

(مسألة 24): إذا حصل بنتیة الأخ أو الأخت بعد التزویج بالرضاع لم یبطل، وکذا إذا جمع بینهما فی حال الکفر ثم أسلم، علی وجه.

(مسألة 24): {إذا حصل بنتیة الأخ أو الأخت بعد التزویج بالرضاع}، کما إذا تزوجها وهی صغیرة فشربت اللبن من زوجة أخ المرأة مثلاً {لم یبطل} النکاح، لأن الأدلة دلت علی عدم نکاح بنت الأخ فیما کانت بنت الأخ سابقة علی النکاح، لا ما إذا کانت لاحقة علیه، إلاّ أن یقال: بحرمة مطلق الجمع، وذلک ما عرفت سابقاً فساده.

{وکذا إذا جمع بینهما فی حال الکفر} فی حال صحة ذلک عنده فی دینه، لیشمله «لکل قوم نکاح» {ثم أسلم، علی وجه} وجیه، لأن حال الکفر صح النکاح، وبعد أن أسلم لا یکون النکاح ابتدائیاً حتی یحتاج إلی إذن العمة، وقد عرفت أن ظاهر الأدلة هو الاحتیاج إلی الإذن فیما إذا أرید استیناف النکاح.

ومما ذکرناه یعلم الإشکال فی إشکال المستمسک فی کلا فرعی المصنف، ولذا سکت السادة ابن العم والبروجردی والجمال علی الفرع الأول، وقوی ابن العم الفرع الثانی.

ص:184

مسألة ٢٥ لو طلق طلاقا رجعیا

(مسألة 25): إذا طلق العمة أو الخالة طلاقاً رجعیاً لم یجز تزویج إحدی البنتین إلاّ بعد خروجهما عن العدة، ولو کان الطلاق بائناً جاز من حینه.

(مسألة 25): {إذا طلق العمة أو الخالة طلاقاً رجعیاً لم یجز تزویج إحدی البنتین} لأن المطلقة رجعیاً زوجة، فحکمها فی حال الرجعة حکم الزوجة.

{ولو کان الطلاق بائناً جاز من حینه}، وکذا إذا کان الفراق بالفسخ أو بانقضاء مدة المتعة.

ثم لا یخفی أنه إذا کانت المرأة عمة وخالة، نسباً أو رضاعاً أو بالاختلاف، احتاج الإمر إلی رضاها من کلتا الجهتین، فلو قالت: إنی آذنة من حیث کونی عمة لا من حیث کونی خالة لم ینفع.

ص:185

مسألة ٢٦ لو طلق طلاقا خلعیا

(مسألة 26): إذا طلق إحداهما بطلاق الخلع، جاز له العقد علی البنت، لأن طلاق الخلع بائن، وإن رجعت فی البذل لم یبطل العقد.

(مسألة 26): {إذا طلق إحداهما بطلاق الخلع جاز له العقد علی البنت، لأن طلاق الخلع بائن} فلیست العمة والخالة زوجة له، وإن کانتا فی عدة البائن له، فلا مانع من تزویجه بالبنتین، لأنه یشمله إطلاق أدلة الزواج.

{وإن رجعت فی البذل} حتی أصبح طلاق الخلع رجعیاً، فهل ینقلب عقد البنتین متوقفاً علی إجازة العمة والخالة، لأنه رجوع إلی الزوجیة السابقة، فکأن نکاح البنتین وقع فی حال زوجیة العمة والخالة، فإذا لم تأذنا بطل عقد البنتین.

أو {لم یبطل العقد} وإن لم تأذنا، لأنه حال عقدهما لم تکن العمة والخالة زوجة له، وحین رجوعهما فی البذل کان من قبیل دخول العمة والخالة علی البنتین.

احتمالان، الظاهر الثانی، وإن کان الأول أقرب إلی الاحتیاط.

ولا فرق فی عدم بطلان عقد البنتین برجوعهما عن البذل بین جهل الراجعة بأنه قد تزوج البنتین أم لا.

ثم إن الزوجة لو لم تکن عمة شرعاً فصارت عمة بعد أن تزوج ببنت الأخ، کما إذا تبناها جد البنت، مثلاً تزوج محمد بفاطمة، ثم تزوج بصدیقة حفیدة صالح، ثم ادعی صالح أن فاطمة بنته، وهی قبلت الدعوی مما ترتب علیه آثار البنتیة، أو شهد شاهدان بذلک، وإن کان صالح میتاً، فهل یکون زواج الحفیدة السابق علی الحکم الشرعی متوقفاً علی إذن فاطمة، احتمالان، من أنه حین الزواج لم یکن مانع، ومن أن الادعاء والشهادة أثبت سبق العمیة علی الکشف،

ص:186

والأول أقرب، وإن کان الثانی أحوط.

ومنه یعرف حکم العکس، بأن کانت الزوجة عمة شرعاً فتزوج بنت الأخ، ثم حکم شرعاً بأنها لیست عمة، کما إذا شهد شاهدان بأنها لیس بنتاً لجد الحفیدة، وقد کانت العمة ردت زواج زوجها من بنت الأخ، وکان الرد قبل ثبوت أنها لیست عمة شرعاً.

ص:187

مسألة ٢٧ هل یجری الحکم فی المملوکتین

(مسألة 27): هل یجری الحکم فی المملوکتین والمختلفتین، وجهان، أقواهما العدم.

(مسألة 27): {هل یجری الحکم فی المملوکتین} بأن کانت العمة وبنت الأخ مثلاً مملوکتین لرجل، بأن یتوقف وطی بنت الأخ علی إجازة العمة.

{والمختلفتین} بأن کانت إحداهما زوجة والأخری مملوکة یرید وطیها بالملک.

{وجهان}، من إطلاق خبر الکنانی ونحوه إذا حمل علی الوطی وللمناط، ومن أن الظاهر العقد لا الوطی، ولأن العمة المملوکة لا تملک حق نفسها فکیف تملک إبطال عقد مولاها، ولذا کان {أقواهما العدم}، بل فی الجواهر إنه التحقیق، وإنه ظاهر النصوص والفتاوی.

وسکت علی المتن السادة ابن العم والبروجردی والجمال، وأیده المستمسک، فتأمل.

ص:188

مسألة ٢٨ الزنا الطارئ علی التزویج

(مسألة 28): الزنا الطارئ علی التزویج لا یوجب الحرمة إذا کان بعد الوطی

(مسألة 28): {الزنا الطاری علی التزویج لا یوجب الحرمة إذا کان بعد الوطی} بلا إشکال ولا خلاف، بل فی الجواهر الإجماع بقسمیه، بل المحکی منهما مستفیض أو متواتر.

ویدل علیه متواتر الروایات:

ففی صحیح ابن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، أنه سئل عن الرجل یفجر بالمرأة أیتزوج بابنتها، قال (علیه السلام): «لا، ولکن إن کانت عنده امرأة ثم فجر بأمها أو أختها، لم تحرم علیه امرأته، إن الحرام لا یفسد الحلال»((1)).

وصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل تزوج جاریة فدخل بها ثم ابتلی بها ففجر بأمها أتحرم علیه امرأته، فقال (علیه السلام): «لا، إنه لا یحرم الحلالَ الحرامُ»((2)).

وصحیح زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، إنه قال: «فی رجل زنا بأم امرأته أو ببنتها أو بأختها، فقال (علیه السلام): «لا یحرّم ذلک علیه امرأته» ثم قال: «ما حرّم حرام حلالاً قط»((3)).

وفی خبره الآخر، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل زنی بأم امرأته أو بأختها، فقال: «لا یحرم ذلک امرأته، إن الحرام لا یفسد الحلال ولا یحرمه»((4)).

ص:189


1- الوسائل: ج14 ص326 الباب 8 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص326 الباب 8 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
3- الوسائل: ج14 ص326 الباب 8 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
4- الوسائل: ج14 ص327 الباب 8 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

بل قبله أیضاً علی الأقوی

وصحیح محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، إنه سئل عن الرجل یفجر بالمرأة أیتزوج ابنتها، قال (علیه السلام): «لا، ولکن إن کان عنده امرأة ثم فجر بابنتها أو أختها لم تحرم علیه التی عنده»((1)).

إلی غیرها من الروایات.

{بل قبله} أی قبل الوطی بعد العقد {أیضاً علی الأقوی} بل المشهور شهرة عظیمة، بل لم ینقل الخلاف إلاّ عن أبی علی، ونسب إلی ظاهر الاستبصار، ومال إلیه الحدائق، ونقله عن بعض مشایخه، کذا فی المستمسک.

أما وجه المشهور فهو إطلاقات الأخبار المتقدمة، بالإضافة إلی قوة التعلیل فی عدم تحریم الحرام الحلال.

وأما وجه القول بالحرمة فهو خبر الکنانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبداً، وإن کان قد تزوج ابنتها قبل ذلک ولم یدخل بها فقد بطل تزویجه، وإن هو تزوج ابنتها ودخل بها ثم فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها فلیس یفسد فجوره بأمها نکاح بنتها إذا هو دخل بها، وهو قوله (علیه السلام): لا یفسد الحرام الحلال إذا کان هکذا».

وفیه: إن هذه الروایة الواحدة وإن کانت موثقة، لا تقاوم الروایات الکثیرة المطلقة المعللة مما یجب حملها علی ضرب من الکراهة، خصوصاً وقد ادعی فی محکی الریاض أن هذا الخبر ضعیف لشذوذه، وقد ادعی جماعة من الأصحاب الإجماع علی خلافه.

ص:190


1- الوسائل: ج14 ص327 الباب 8 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7

فلو تزوج امرأة ثم زنی بأمها أو بنتها لم تحرم علیه امرأته، وکذا لو زنی الأب بامرأة الابن لم تحرم علی الابن، وکذا لو زنی الابن بامرأة الأب لا تحرم علی أبیه

أقول: ولعله محمول علی التقیة بالمعنی الذی ذکره لها فی الحدائق.

ثم الظاهر أنه علی الکراهة فهی خاصة بمورد النص من الزنا بالأم بعد تزویج البنت وعدم الدخول بها، لا العکس من الزنا بالبنت بعد تزویج الأم وعدم الدخول بها.

{فلو تزوج امرأة ثم زنا بأمها أو ابنتها لم تحرم علیه امرأته} سواء دخل بها أم لا، أما إذا دخل بإحداهما قبل تمام العقد، بأن دخل بین الإیجاب والقبول، فهو یعد من الدخول قبل التزویج، لأنه لا یتم إلاّ بتمام الإیجاب والقبول.

ثم إنه لو قلنا بأن الزنا بالأم قبل تزویج البنت محرم، فلو تزوج بالبنت ثم زنی بالأم ثم طلق البنت أو انفصل عنها بسبب آخر، جاز له تزویجها مرة ثانیة، ولا یعد تزویجه للبنت ثانیاً من الزواج بالبنت بعد الزنا بالأم، لأنه منصرف عن مثله، وقد کانت حلالاً له قبل طلاقها.

{وکذا لو زنا الأب بامرأة الابن لم تحرم علی الابن، وکذا لو زنا الابن بامرأة الأب لا تحرم علی أبیه}، کما یدل علیه بالإضافة إلی الأصل ومتواتر التعلیلات المتقدمة، بعض الروایات:

مثل خبر زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام): «إن زنی رجل بامرأة أبیه أو بجاریة أبیه، فإن ذلک لا یحرمها علی زوجها، ولا یحرم الجاریة علی سیدها، إنما

ص:191

وکذا الحال فی اللواط الطارئ علی التزویج، فلو تزوج امرأة ولاط

یحرم ذلک منه إذا کان أتی الجاریة وهی حلال، فلا تحل تلک الجاریة أبداً لأبیه ولا لابنه»((1)).

ورواه الصدوق، عن ابن بکیر، إلاّ أنه قال: «بامرأة ابنه أو بامرأة أبیه أو بجاریة أبیه»((2)).

وخبر مرازم، سمعت أبا عبد الله (علیه السلام)، وسئل عن امرأة أمرت ابنها أن یقع علی جاریة لأبیه فوقع، فقال (علیه السلام): «أثمت وأثم ابنها، وقد سألنی بعض هؤلاء عن هذه المسألة، فقلت له: أمسکها، إن الحلال لا یفسده الحرام»((3)).

ومنه یعرف أن شرط الوطی إنما هو محمول علی ما لا ینافی الأدلة المتقدمة، کروایة عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل تکون عنده الجاریة فیقع علیها ابن ابنه قبل أن یطأها الجد، أو الرجل یزنی بالمرأة هل یجوز لأبیه أن یتزوجها، قال (علیه السلام): «لا، إنما ذلک إذا تزوجها فوطأها ثم زنی بها ابنه لم یضره، لأن الحرام لا یفسد الحلال، وکذلک الجاریة»((4)).

{وکذا الحال فی اللواط الطارئ علی التزویج، فلو تزوج امرأة ولاط}

ص:192


1- الوسائل: ج14 ص319 الباب 4 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص319 الباب 4 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
3- الوسائل: ج14 ص320 الباب 4 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
4- الوسائل: ج14 ص320 الباب 4 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

بأخیها أو أبیها أو ابنها لم تحرم علیه امرأته، إلاّ أن الاحتیاط فیه لا یترک.

وأما إذا کان الزنا سابقاً علی التزویج، فإن کان بالعمة أو الخالة یوجب حرمة بنتیهما

بعد الزواج {بأخیها أو أبیها وابنها لم تحرم علیه امرأته} فإن الحرام لا یفسد الحلال، سواء دخل بالزوجة أم لم یدخل {إلا أن الاحتیاط فیه لا یترک} کما تقدم الکلام فیه فی المسألة الإحدی والعشرین من الفصل السابق.

{وأما إذا کان الزنا سابقاً علی التزویج، فإن کان بالعمة أو الخالة، یوجب حرمة بنتیهما} کما هو المشهور شهرة عظیمة، بل عن الانتصار والتذکرة الإجماع علیه، خلافاً للمحکی عن الحلی والمختلف فتوقفا فی المسألة.

ویدل علی التحریم صحیح محمد بن مسلم، قال: سأل رجل أبا عبد الله (علیه السلام)، وأنا جالس عن رجل نال من خالته فی شبابه ثم ارتدع، یتزوج ابنتها، قال (علیه السلام): «لا»، قلت: إنه لم یکن أفضی إلیها، إنما کان شیء دون شیء، فقال (علیه السلام): «لا یصدق ولا کرامة»((1)).

وموثق أبی أیوب، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سأله محمد بن مسلم وأنا جالس عن رجل نال من خالته وهو شاب ثم ارتدع، أیتزوج ابنتها، قال: «لا»، قال: إنه لم یکن أفضی إلیها إنما کان شیء دون ذلک، قال (علیه السلام): «کذب»((2)).

ص:193


1- الوسائل: ج14 ص319 الباب 10 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص319 الباب 10 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

أقول: هذا بالنسبة إلی الخالة، أما بالنسبة إلی العمة فیدل علیه الإجماع، ومرسل الحلی، روی: «إن من فجر بعمته أو خالته لم تحل له ابنتاهما»((1)).

ولعل الحلبی أراد بالروایة ما فی الرضوی (علیه السلام) قال: «فإن زنی رجل بعمته أو خالته حرمت علیه ابنتاهما أن یتزوجهما»((2)).

وقد أشکل المسالک فی الحکم المذکور بضعف السند وعدم التصریح فیه بالوطی، بل بعدمه الذی لا یلیق بمنصب الإمامة تکذیبه فیه، وأنه فی الخالة خاصة، وحینئذ فیتجه ادراج حکم الزنا بهما فی حکم غیرهما، لا أن الزنا بهما ینشر الحرمة وإن لم نقل بنشر الحرمة فی الزنا بغیرهما.

أقول: الإشکال فی السند غیر وارد، وتکذیب الإمام (علیه السلام) لعله کان بسبب علمه، فإنه وإن کان مضعفاً فی الجملة إلاّ أنه لا یسقط الخبر عن الحجیة، خصوصاً والظاهر من صحیح الکناسی أنه کان کما قال الإمام (علیه السلام) فی مورد آخر، قال: إن رجلاً من أصحابنا تزوج امرأة قد زعم أنه کان یلاعب أمها ویقبلها من غیر أن یکون أفضی إلیها، قال: فسألت أبا عبد الله (علیه السلام) فقال لی: «کذب مره فلیفارقها»، قال: فأخبرت الرجل، فو الله ما رفع ذلک عن نفسه وخلی سبیلها((3)).

ص:194


1- الوسائل: ج14 ص370 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
2- الوسائل: ج14 ص576 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6
3- الوسائل: ج14 ص323 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5

نعم فی العمة لا دلیل إلاّ المرسل والرضوی، وکلاهما غیر حجة، خصوصاً والحلی لم یعتمد علی ما رواه، لأنه قال: فإن کان علی المسألة إجماع فهو الدلیل علیها.

أما ما ربما یقال: من أن روایات الباب لا تقاوم قوله سبحانه: ﴿وأحل لکم ما وراء ذلکم﴾((1))، ومتواتر الروایات الدالة علی أن «الحرام لا یحرم الحلال» خصوصاً مثل ما رواه زرارة من قول الباقر (علیه السلام): «ما حرم حرام حلالا قط»((2))، ولاحتمال التقیة فی روایات التحریم، لأنه مذهب بعض العامة.

فیرد علی الأولین: إن الخاص مقدم علی العام.

وعلی الثالث: إن أکثریة العامة علی التحلیل.

ولذا لا ینبغی التأمل فی الحکم، کما ذکره الجواهر وأیده المستمسک وغیره، وإن کان الحکم فی الخالة أقوی من الحکم فی العمة.

نعم ذلک خاص بالزنا قبل التزویج ببنتیهما، أما بعد التزویج فلا إشکال فی ذلک.

وهل وطی الشبهة حکمه حکم الزنا، الظاهر لا، للأصل وقاعدة «لا یحرم الحرام الحلال»، وسحب مناط الزنا إلی المقام غیر مقطوع به.

وفی انسحاب الحکم إلی عمة الأب والأم وخالتهما فما علا،

ص:195


1- سورة النساء: الآیة 24
2- الوسائل: ج14 ص324 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح9

احتمالان، من الإطلاق، ومن الانصراف إلی الدنیا، والثانی أقرب، خصوصاً بعد قاعدة «لا یحرم الحرام»، وإن کان الأول أحوط.

وکذا فی انسحاب الحکم إلی أحفادهما، کبنت بنت العمة أو بنت ابنها.

أما العمة والخالة من الرضاع، وکذا أولادهما من الرضاع، فلا یبعد انسحاب الحکم من جهة أن «الرضاع لحمة کلحمة النسب».

وأما إذا کان الفاعل صغیراً، أو مضطراً أو ملجأً، أو کانت هی الداخلة منه فیها فی نوم أو نحوه، أو کان الفاعل مجنوناً، فالظاهر عدم انسحاب الحکم، لما تقدم فی مسألة اللواط المحرّم للأم والأخت والبنت.

نعم لا فرق بین أن تکون العمة والخالة صغرتین أو کبیرتین للإطلاق، کما لا فرق بین وطیهما فی القبل أو الدبر، لکن الظاهر لزوم أن یکون بمقدار الحشفة، وقد تقدم الکلام فی ذلک، ولا یشترط الإنزال للإطلاق.

أما غیر الإدخال من سائر أقسام الاستمتاع فلیس محرِّماً للأصل.

وإذا دخل بهما فی حال کفرهما جاز التزویج ببنتهما بعد الإسلام، لأن «الإسلام یجب ما قبله»((1))، کما أنه لا یبعد شمول «ألزموهم» إذا کانت هی لا تری التحریم، سواء کانت کافرة أو مخالفة.

ولو شک فی الدخول فالأصل العدم. ولو ادعت هی الدخول وأنکر جاز له تزویجه بهما.

ولو علم بإدخاله فی الخالة أو العمة، فإن کانت کلتا بنتیهما محلاً للابتلاء لم یجز، وإلا بأن لم تکن لإحداهما بنت، أو لم تکن محلاً للابتلاء جاز،

ص:196


1- مجمع البحرین: مادة «جب»

وإن کان بغیرهما ففیه خلاف

لقاعدتی العلم الإجمالی والشبهة غیر المبتلی بها.

ولا فرق فی بنتیهما المخلوقة حلالاً، أو شبهة، لأن حکم الشبهة حکم الحلال.

أما إذا کانت مخلوقة زناً، ففیه احتمالان، من أنها لیست بنتاً شرعاً، ومن أن بناءهم فی باب النکاح والمحرمیة وما أشبه أنها بنت، وإنما الخارج قضایا الإرث ونحوها، والثانی أقرب، کما سیأتی الکلام فیه إن شاء الله تعالی.

ولا فرق فی تحریم بنتیهما بین علمهما بالحرمة أو جهلهما أو بالاختلاف للإطلاق.

{وإن کان} الزنا السابق علی التزویج {بغیرهما ففیه خلاف}، فالمحکی عن الأکثر، بل المشهور الحرمة، وفی الجواهر وفاقاً للأکثر نقلاً مستفیضاً ومحصلاً.

خلافاً للآخرین حیث ذهبوا إلی الحلیة، وهو الذی حکاه الجواهر عن الفقیه والمقنع والمقنعة والمسائل الناصریة والمراسم والسرائر والنافع والإرشاد وکشف الرموز، بل عن التبیان أیضاً، وعن ابن إدریس والریاض شهرة القول بالحل، وعن المرتضی دعوی الإجماع علیه.

کما أن القول بالتحریم مشهور عند المخالفین، فعن التذکرة نسبته إلی عمران بن الحصین وعطار وطاووس ومجاهد والنخعی والثوری وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأی.

وکیف کان، فالأقرب الحل، لأنه طریق الجمع بین طائفتی الروایات الواردة فی المقام، بعد تأیید رویات الحل بقوله سبحانه: ﴿وأحل لکم ما وراء ذلکم﴾((1)).

ص:197


1- سورة النساء: الآیة 24

وبالروایات المتواترة من أن «الحرام لا یفسد الحلال».

ففی صحیح سعید بن یسار، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل فجر بامرأة یتزوج ابنتها، قال (علیه السلام): «نعم یا سعید، إن الحرام لا یفسد الحلال»((1)).

وصحیح هشام بن المثنی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، إنه سأله عن الرجل یأتی المرأة حراماً أیتزوجها، قال: «نعم، وأمها وبنتها»((2)).

وصحیحته الأخری، قال: کنت عند أبی عبد الله (علیه السلام)، فقال له رجل: رجل فجر بامرأة أتحل له ابنتها، قال: «نعم، إن الحرام لا یفسد الحلال»((3)).

وموثق حنان بن سدیر، قال: کنت عند أبی عبد الله (علیه السلام) إذ سأل سعید عن رجل تزوج امرأة سفاحاً هل تحل له ابنتها، قال: «نعم إن الحرام لا یحرم الحلال»((4)).

وصحیح صفوان، قال: سأله المرزبان، عن رجل یفجر بالمرأة وهی جاریة قوم آخرین، ثم اشتری ابنتها أتحل له ذلک، قال (علیه السلام): «لا یحرم الحرام الحلال، ورجل فجر بامرأة حراماً أیتزوج بابنتها، قال (علیه السلام): «لا یحرم الحرام الحلال»((5)).

ص:198


1- الوسائل: ج14 ص324 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6
2- الوسائل: ج14 ص324 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6
3- الوسائل: ج14 ص324 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح10
4- الوسائل: ج14 ص325 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح11
5- الوسائل: ج14 ص325 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح12

وروایة زرارة قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): رجل فجر بامرأة هل یجوز له أن یتزوج بابنتها، قال (علیه السلام): «ما حرم حرام حلالاً قط»((1)).

إلی غیرها من الروایات التی تکررت جملة منها بإسناد آخر فی المستدرک أیضاً، وصحة سند جملة من هده الروایات وصراحتها وعمل غیر واحد من الفقهاء بها قدیماً وحدیثاً أوجب صرف الروایات الدالة علی التحریم عن ظاهرها، وهی التی استدل بها القائل بالتحریم.

کصحیح محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) أنه سئل عن الرجل یفجر بالمرأة أیتزوج بابنتها، قال (علیه السلام): «لا، لکن إن کانت عنده امرأة ثم فجر بأمها أو أختها لم تحرم علیه امرأته، إن الحرام لا یفسد الحلال»((2)).

وصحیح العیص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل باشر امرأة وقبّل، غیر أنه لم یفض إلیها ثم تزوج ابنتها، فقال (علیه السلام): «إن لم یکن أفضی إلی الأم فلا بأس، وإن کان أفضی إلیها فلا یتزوج ابنتها»((3)).

وصحیح منصور بن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن رجل کان بینه وبین امرأة فجور، هل یتزوج ابنتها، فقال: «إن کان من قبلة أو شبهها فلیتزوج ابنتها ولیتزوجها هی إن شاء»((4)).

ص:199


1- الوسائل: ج14 ص324 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح9
2- الوسائل: ج14 ص326 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
3- الوسائل: ج14 ص334 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
4- الوسائل: ج14 ص323 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3

والأحوط التحریم بل لعله لا یخلو عن

وعن الکافی روایته هکذا: «فلیتزوج ابنتها إن شاء، وإن کان جماعاً فلا یتزوجها»((1)).

إلی غیرها من الروایات التی تکررت جملة منها فی المستدرک.

وقد أجاب المحرمون عن روایات الحل:

بحملها تارة علی التقیة.

وأخری بأن المراد بها دون الجماع.

وثالثة: بترجیح روایات التحریم علیها بالشهرة.

ورابعة: بأن المراد بقاعدة «لا یحرم الحرام الحلال» ما کان تزویج البنت سابقاً، ببیان أن المراد بالحلال الحلال الفعلی لا الحلال الشأنی.

وخامسة: بأن روایات التحریم الأکثر عدداً.

وسادسة: بأن نصوص التحریم أوضح طریقاً.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ قد عرفت أن کلا القولین مشهوران عند العامة، وإرادة دون الجماع خلاف صریحها، والشهرة موجودة فی القولین، وإرادة الحلیة الفعلیة خلاف صریح روایات التحلیل، والأکثر عدداً لو سلم صغراه لم یکن من المرجحات، ولم یعلم وجه کون روایات التحریم أوضح طریقاً، فالقول بالحلیة هو الأقرب، ولذا قال فی المستمسک: «إن الأخذ بنصوص التحلیل متعین».

{و} إن کان {الأحوط التحریم}.

أما قول المصنف: {بل لعله لا یخلو عن

ص:200


1- الوسائل: ج14 ص323 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

قوة

قوة} ففیه ما لا یخفی، ولذا قال السید البروجردی: القوة محل تأمل، بل منع.

بقی أمران:

الأول: إن أم المزنی بها حالها حال البنت، فإذا قلنا بالحرمة فی البنت حرمت فی الأم، وإذا قلنا بالحلیة فی البنت حلت فی الأم، وذلک للفهم من الأخبار أن الزنا کالوطی الصحیح أم لا، فإن کان الأول فالتحریم فیهما، وإن کان الثانی فالحلیة فیهما.

الثانی: هل تحرم المزنی بها علی أب الزانی وابنه، فیه الاحتمالان السابقان، وإن کان الأظهر الحلیة، لقوله تعالی: ﴿وأحل لکم ما وراء ذلکم﴾((1))، ولمتواتر النصوص: «لا یفسد الحرام الحلال» بعد شموله للحلال شأناً، کما یظهر من الروایات السابقة، ولذا تحمل ما دل علی النهی علی الکراهة.

کصحیح أبی بصیر، سألته عن الرجل یفجر بالمرأة أتحل لابنه، أو یفجر بها الابن أتحل لأبیه، قال: «إن کان الأب والابن مسها واحد منهما فلا تحل له»((2)).

وخبر ابن جعفر، عن أخیه (علیهم السلام)، قال: سألته عن رجل زنی بامرأة هل تحل لابنه أن یتزوجها، قال: «لا»((3)).

ص:201


1- سورة النساء: الآیة 24
2- الوسائل: ج14 ص328 الباب 9 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
3- الوسائل: ج14 ص328 الباب 9 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

وکذا الکلام فی الوطی بالشبهة، فإنه إن کان طارئاً لا

ویؤید الحلیة ما رواه الوسائل، من صحیح الهاشم بن المثنی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إن الحرام لا یفسد الحلال»((1)).

وعن حنان بن سدیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «الحرام لا یفسد الحلال»((2)).

فإنه ذکر هاتین الروایتین فی هذا الباب، ثم قال: (حملهما الشیخ علی تأخر الزنا عن التزویج) انتهی، فإن ظاهره أنهما مطلقة وقد وردتا فی هذا الباب، وإلا لم یکن وجه للحمل، بل کان اللازم أن یقول یخصص بصحیحة أبی بصیر وغیرها.

ویؤیده أیضاً حصر الصدوق فی المقنع الحرمة فیما إذا کان حلالاً، مما یدل أن الحرام لا یوجب الحرمة، بضمیمة أن المقنع متون الروایات، قال: «فإن زنی رجل بامرأة أبیه أو امرأة ابنه، أو بجاریة أبیه أو ابنه، فإن ذلک لا یحرمها علی زوجها، ولا تحرم الجاریة علی سیدها، وإنما یحرم ذلک إذا کان منه حلالاً، فإذا کان حلالاً فلا تحل تلک الجاریة أبداً لابنه».

والحلیة هو ظاهر المستمسک حیث إنه قال بتحریمها علی الأب والابن علی القول بالحرمة فی بنت المزنی بها وأمها، قال: (لأن الزنا علی هذا القول بمنزلة الدخول بالعقد الصحیح فلا فرق عند القائلین بالنشر بین المسألتین)، وقد تقدم منه (رحمه الله) احتیار الحلیة فی مسألة بنت المزنی بها وأمها، والله سبحانه العالم.

{وکذا الکلام فی الوطی بالشبهة، فإنه إن کان طارئاً} علی النکاح {لا

ص:202


1- الوسائل: ج14 ص324 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح10
2- الوسائل: ج14 ص329 الباب 9 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

یوجب الحرمة، وإن کان سابقاً علی التزویج أوجبها.

یوجب الحرمة} فإن کانت البنت فی حبالته ثم وطأ أمها شبهةً لم تحرم، للأصل وقوله سبحانه: ﴿وأحل لکم ما وراء ذلکم﴾((1))، وقولهم (علیهم السلام): «لا یحرم الحرام الحلال»((2))، إذا أرید منه الحرام الذاتی.

{وإن کان سابقاً علی التزویج} فالمشهور أنه {أوجبها}، والمحکی عن ابن إدریس والشرایع والنافع عدم النشر، وتردد جمع منهم العلامة فی القواعد، والثانی أقرب، للأصل والآیة والروایة.

استدل للحرمة کما فی الجواهر بعد أن قوی الحرمة، بالإجماع المحکی عن التذکرة المعتضد بنفی الخلاف فی محکی المبسوط، وبالشهرة العظیمة نقلاً وتحصیلاً، بل عن ابن المنذر نسبته إلی علماء الأمصار وعد منهم أصحاب النص وهم الإمامیة فالعمدة فی تأییده ذلک، انتهی.

وبالآیة الکریمة: ﴿ولا تنکحوا ما نکح آباؤکم﴾((3))، بناءً علی أن النکاح أعم من الوطی.

وبقولهم (علیهم السلام): «لا یحرم الحرام الحلال»((4)). فإن مفهومه أن الحلال یحرم الحلال، والوطی بالشبهة حلال.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ کیف یتحقق الإجماع مع مخالفة من عرفت.

ص:203


1- سورة النساء: الآیة 24
2- الوسائل: ج14 ص325 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح12
3- سورة النساء: الآیة 22
4- الوسائل: ج14 ص325 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح12

قال فی المستمسک: (فإن خلاف الحلی والمحقق وتوقف العلامة فی القواعد مانع من صحة الاعتماد علی الإجماع).

أما الآیة فلا شک فی أن وطی الشبهة خارج من دلالتها.

والحدیث ظاهر فی الحرام الواقعی، والوطی شبهة محرم معذور فیه، ولذا کان تارک الواجب وفاعل المحرم جاهلاً جهلاً عذراً، لفعله القبح وإن لم یکن هناک قبح فاعلی، ولذا منع السید البروجردی ما ذکره الماتن من القوة فی الحرمة.

ثم إنه حیث لم تتحقق الحرمة فی وطی الشبهة لم تتحقق فی مثل وطی المجنون والطفل والنائم والسکران وشارب المرقد، وإن لم یصطلح علی ذلک بوطی الشبهة.

وواطی الشبهة إن علم فی الأثناء فأخرج فوراً لم یکن خارجاً عن وطی الشبهة، أما إن أبقی کان من الزنا، ولم یدخل فی مسألة وطی الشبهة، فإن النتیجة تابعة لأخس المقدمتین.

ومثله ما لو انعکس، کما إذا زنی وغفل فی الأثناء فقطع بأنه وطی لزوجته مثلاً.

ومثل وطی الشبهة فی عدم التحریم ما لو أکره أو جبر أو اضطر إلی الزنا، لأنه «لا یحرم الحرام الحلال»، ولقوله سبحانه: ﴿وأحل لکم ماوراء ذلکم﴾((1))، وتتحقق الشبهة بالجهل بالحکم أو الموضوع.

ص:204


1- سورة النساء: الآیة 24

مسألة ٢٩ لو زنی بمملوکة أبیه

(مسألة 29): إذا زنی بمملوکة أبیه، فإن کان قبل أن یطأها الأب حرمت علی الأب، وإن کان بعد وطئه لها لم تحرم، وکذا الکلام إذا زنی الأب بمملوکة ابنه.

(مسألة 29): {إذا زنی بمملوکة أبیه، فإن کان قبل أن یطأها الأب حرمت علی الأب} کما عن الشیخ وابن الجنید وابن البراج، وعن القواعد إنه قال: فی التحریم نظر، والأقرب عدم الحرمة، لقوله سبحانه: ﴿وأحل لکم ما وراء ذلکم﴾((1))، وقولهم (علیهم السلام): «لا یحرم الحرام الحلال»((2)).

ولما تقدم من خبر زرارة، قال أبو جعفر (علیه السلام): «إذا زنی رجل بامرأة أبیه أو بجاریة أبیه، فإن ذلک لا یحرمها علی زوجها، ولا یحرم الجاریة علی سیدها، إنما یحرم ذلک منه إذا أتی الجاریة وهی له حلال فلا تحل تلک الجاریة لابنه ولا لأبیه»((3)).

والکلام فی المسألة طویل نکتفی منه بهذا القدر.

{وإن کان بعد وطئه لها لم تحرم} کما عن الأکثر، ویدل علیه ما تقدم من الآیة والروایة، وقیل یحرم لعموم قوله تعالی: ﴿ولا تنکحوا ما نکح آباؤکم﴾ وقد تقدم أن ظاهره النکاح لا الوطی.

{وکذا الکلام إذا زنی الأب بمملوکة ابنة} فهی لا تحرم، قبل الدخول کان

ص:205


1- سورة النساء: الآیة 24
2- الوسائل: ج14 ص325 الباب 6 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح12
3- الوسائل: ج14 ص319 الباب 4 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

أو بعد الدخول، للأدلة المتقدمة، مع وجود الاختلاف بین الأصحاب هنا، لأن المسألتین عندهم من باب واحد، ولم یظهر لهم تام دلیل بالنسبة إلی المنع الذی ذکره جملة منهم فی الأولی أو الثانیة.

ص:206

مسألة ٣٠ عدم الفرق فی الزنا بین القبل والدبر

(مسألة 30): لا فرق فی الحکم بین الزنا فی القبل أو الدبر.

(مسألة 30): {لا فرق فی الحکم بین الزنا فی القبل أو الدبر}، والحکم لا إشکال فیه علی الظاهر کما فی المستمسک، وذلک لصدق الزنا فی کلیهما علی القول بالتحریم.

ولأصالة عدم الحرمة علی القول بعدم التحریم لما تقدم دلیله.

ص:207

مسألة ٣١ لو شک فی تحقق الزنا

(مسألة 31): إذا شک فی تحقق الزنا وعدمه بنی علی العدم، وإذا شک فی کونه سابقاً أو لا بنی علی کونه لاحقاً.

(مسألة 31): {إذا شک فی تحقق الزنا وعدمه بنی علی العدم} للأصل، سواء کان من جهة الشک فی الدخول وعدمه، أو شک فی أن المزنی بها کانت هذه أو غیرها، مع عدم وجود علم إجمالی یقتضی الاجتناب عن کلا الطرفین.

{وإذا} علم بالزنا و{شک فی کونه سابقاً أو لاحقاً، بنی علی کونه لاحقاً} فلا حرمة.

ثم إن المراد بکونه لاحقاً إجراء أصالة الصحة فی العقد التی معها لا مجال لتقسیم المسألة إلی ما یعلم تاریخ العقد ویجهل تاریخ الزنا وبالعکس، وما یجهل تاریخهما، کما فعله المستمسک وأشکل لأجله فی صورتی الشک فی تاریخ العقد والعلم بتاریخ الزنا، لأصالة عدم العقد إلی حین الزنا المثبتة لکون الزنا محرماً، والشک فی تاریخهما معاً الموجب لسقوط الأصلین، فتکون الشبهة موضوعیة والمرجع فیها إلی أصالة عدم ترتب الأثر علی العقد فیحکم ببطلانه.

ولذا الذی ذکرناه من الصحة مطلقاً، سکت علی المتن السادة ابن العم والبروجردی والجمال وغیرهم.

ص:208

مسألة ٣٢ لو علم بأنه زنی بإحداهما

(مسألة 32): إذا علم أنه زنی بإحدی الامرأتین، ولم یدر أیتهما هی، وجب علیه الاحتیاط إذا کان لکل منهما أم أو بنت، وأما إذا لم یکن لإحداهما أم ولا بنت فالظاهر جواز نکاح الأم أو البنت من الأخری.

(مسألة 32): {إذا علم أنه زنی بإحدی الامرأتین، ولم یدر أیتهما هی، وجب علیه الاحتیاط إذا کان لکل منهما أم أو بنت} لأنه مقتضی العلم الإجمالی، ولکن ینبغی اشتراط أن تکون کلتاهما محلاً للابتلاء، وإلا لم یکن العلم منجزاً، کما ذکروه فی الأصول.

{وأما إذا لم یکن لإحداهما أم ولا بنت، فالظاهر جواز نکاح الأم أو البنت من الأخری} لأنه حیث یخرج بعض الأطراف عن محل الابتلاء یکون الباقی بحکم الشبهة البدویة، فیجری فیه أصل الحل.

ومثل عدم الأم والبنت لإحداهما عدم ابتلائه بهما لکفر أو زواج أو ما أشبه مما یعلم استمراره.

وإذا کان أطراف العلم الإجمالی ثلاثة إحداهما لیست محلاً للابتلاء لم ینفع فی انحلال العلم کما هو واضح.

ومثل ما تقدم فی تنجیز العلم، إذا علم بالحرمة لکن إما من جهة الزنا بأمها أو من جهة اللواط بأخیها.

إلی غیر ذلک من فروض العلم الإجمالی.

ص:209

مسألة ٣٣ عدم الفرق بین الاختیار والاجبار فی الزنا

(مسألة 33): لا فرق فی الزنی بین کونه اختیاریاً أو إجباریاً أو اضطراریاً، ولا بین کونه فی حال النوم أو الیقظة، ولا بین کون الزانی بالغاً أو غیر بالغ، وکذا المزنی بها، بل لو أدخلت الامرأة ذکر الرضیع فی فرجها نشر الحرمة علی إشکال، بل لو زنی بالمیتة فکذلک،

(مسألة 33): {لا فرق فی الزنا بین کونه اختیاریاً أو إجباریاً أو اضطراریاً}، وذلک للإطلاق، وإن کان فیه ما عرفت سابقاً من أن دلیل رفع الاضطرار والإکراه یوجب عدم کل الأحکام لا العقاب فقط، إذ ظاهر دلیل الرفع رفع کل تبعة دنیویة أو أخرویة إلاّ ما خرج بنص أو إجماع أو ضرورة.

ومنه یعلم الإشکال فی قوله: {ولا فی کونه فی حال النوم أو الیقظة، ولا بین کون الزانی بالغاً أو غیر بالغ}، فاللازم عدم الحکم فی زنا النائم وغیر البالغ وکذا السکران الفاقد للوعی والمجنون ونحوهم لأدلة رفع القلم.

{وکذا المزنی بها} لأنه إذا تحقق الزنا من طرف الرجل فالحرمة حکمه، ولایرتبط الأمر بالمزنی بها.

کما یعلم مما تقدم الإشکال فی قوله: {بل لو أدخلت المرأة ذکر الرضیع فی فرجها نشر الحرمة} إذ لیس ذلک زنا، لما عرفت من رفع القلم عن الصبی.

{علی إشکال} حتی عند المصنف، من جهة أنه منصرف عن قوله (علیه السلام) «لو زنا»، فلا یصدق الدلیل علیه.

{بل لو زنا بالمیتة فکذلک} نشر الحرمة عند المصنف لإطلاق الدلیل {علی

ص:210

علی إشکال أیضاً، وأشکل من ذلک لو أدخلت ذکر المیت المتصل، وأما لو أدخلت الذکر المقطوع فالظاهر عدم النشر.

إشکال أیضاً} لأن المنصرف من الدلیل الزنا بالحی فلا یشمل الزنا بالمیتة.

{وأشکل من ذلک} فی نشر الحرمة {لو أدخلت ذکر المیت المتصل} لانصراف الدلیل عن مثله.

{وأما لو أدخلت الذکر المقطوع} أو أدخل الرجل ذکره فی الفرج المقطوع {فالظاهر عدم النشر} لعدم صدق الزنا.

ولا ینافی ما ذکرناه کون العمل حراماً یوجب حداً أو تعزیراً، لأن مناط کل مقام دلیله.

ص:211

مسألة ٣٤ لو طلق الزوجة بعد الزنا

(مسألة 34): إذا کان الزنا لاحقاً فطلقت الزوجة رجعیاً ثم رجع الزوج فی أثناء العدة لم یعد سابقاً حتی ینشر الحرمة، لأن الرجوع إعادة الزوجیة الأولی، وأما إذا نکحها بعد الخروج عن العدة، أو طلقت بائناً فنکحها بعقد جدید ففی صحة النکاح وعدمها وجهان، من أن الزنا حین وقوعه لم یؤثر فی الحرمة لکونه لاحقاً، فلا أثر له بعد هذا أیضاً، ومن أنه سابق بالنسبة إلی هذا العقد الجدید

(مسألة 34): {إذا کان الزنا لاحقاً فطلقت الزوجة رجعیاً، ثم رجع الزوج فی أثناء العدة لم یعد} الزنا {سابقاً حتی ینشر الحرمة} علی القول بنشره للحرمة، {لأن الرجوع إعادة الزوجیة الأولی} بل قد عرفت أن المطلقة رجعیة زوجة فکأنها لم تخرج عن حبالته، فلا یشمله دلیل تحریم الزنا السابق علی العقد، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی المسألة السادسة والعشرین.

{وأما إذا نکحها بعد الخروج عن العدة، أو طلقت بائناً فنحکها بعقد جدید} أو کان الانفصال بالفسخ أو انقضاء مدة المتعة أو بالارتداد {ففی صحة النکاح وعدمها وجهان}، وجه الصحة {من أن الزنا حین وقوعه لم یؤثر فی الحرمة لکونه لاحقاً فلا أثر له بعد هذا أیضاً}، وهذا هو الأقرب، لأن المستفاد من دلیل تحریم الزنا أنه لا تحل المرأة بعده، فإذا کانت له حلالاً لم یکن فرق بین بعده مباشرة أو بعده بفاصل.

{ومن أنه سابق بالنسبة إلی هذا العقد الجدید}، وجعله المستمسک أقوی

ص:212

والأحوط النشر.

لإطلاق الأدلة، وفیه: إنه لا إطلاق لها بعد مرکوزیة المناسبة التی ذکرناها بین حل الوطی بعد الزنا مباشرةً وحله بعده بفاصل.

{و} إن کان {الأحوط النشر}، وقد سکت السادة إبن العم والبروجردی والجمال علی المتن دلیلاً علی ترددهم فی المسألة.

نعم لا ینبغی الإشکال فی أنه إذا زنی بها ثانیاً کان اللازم التحریم، لأنه زنا لیس بعده حلیة.

ثم إنه إذا زنی بالمرأة فانقلبت إلی ذکر، کما تجری علمیات جراحیة فی الحال الحاضر من هذا القبیل، أو لاط بالغلام ثم انقلب انثی، فالظاهر حل البنت والأخت، لأن الحکم یتبع موضوعه والاستصحاب لا مجال له بعد تبدل الموضوع، فتأمل.

ولو لاط بفتاة، ثم انقلبت ذکراً _ کما رأیناه فی العراق، حیث کانت امرأة تسمی فضیلة فأجروا لها عملیة جراحیة فصارت ذکراً وسمی نفسه فاضلاً، وقد جاءنی فی حالة ذکورته وقد نبتت له لحیة، وألف کتاباً حول نفسه بهذا الشأن _ فهل تحرم أخته وبنته وأمه، الظاهر لا، لأنه لم یلط بالولد، وموضوع النص اللواط بالشاب.

وعلیه تکون الثلاثة محرمة علی الفاعل إذا فعل حالة الذکورة لا حالة الأنوثة، ومما ذکرنا یعرف حال سائر الفروض.

ص:213

مسألة ٣٥ لو زوجه فضولا ثم زنی بأمها

(مسألة 35): إذا زوجه رجل امرأة فضولاً فزنی بأمها أو بنتها ثم أجاز العقد، فإن قلنا بالکشف الحقیقی کان الزنا لاحقاً، وإن قلنا بالکشف الحکمی أو النقل کان سابقاً.

(مسألة 35): {إذا زوجه رجل امرأة فضولاً فزنی بأمها أو بنتها} بناءً علی أن الزنا ینشر الحرمة {ثم أجاز العقد} بأن کان الزنا متوسطاً بین العقد والإجازة {فإن قلنا بالکشف الحقیقی کان الزنا لاحقاً} إذ الإجازة کشفت عن سبق العقد حقیقة.

{وإن قلنا بالکشف الحکمی} فالظاهر أنه کالکشف الحقیقی، إذ هو محکوم بذلک، وأنه إنما یجیز ما تقدم، ولذا لو افتضها وهو لا یعلم أنها عقدت له لم یکن علیه دیة، کما أنه لم یحد، إلی غیر ذلک من الأحکام.

{أو النقل کان سابقاً} لوضوح أنه بناءً علی ذلک لم یکن عقد قبل الإجازة.

ص:214

مسألة ٣٦ منظورة ومملوسة الأب

(مسألة 36): إذا کان للأب مملوکة منظورة أو ملموسة له بشهوة حرمت علی ابنه، وکذا العکس علی الأقوی فیهما، بخلاف ما إذا کان النظر أو اللمس بغیر شهوة، کما إذا کان للاختبار أو للطبابة أو کان اتفاقیاً، بل وإن أوجب شهوة أیضاً، نعم لو لمسها لإثارة الشهوة، کما إذا مس فرجها أو ثدیها أو ضمها لتحریک الشهوة، فالظاهر النشر.

(مسألة 36): {إذا کان للأب مملوکة منظورة أو ملموسة له بشهوة، حرمت علی ابنه} کما تقدم الکلام فی ذلک فی المسألة الثانیة من هذا الفصل.

{وکذا العکس، علی الأقوی فیهما}، وهل هذا خاص بالأب أو یشمل الجد احتمالان، وإن کان الأظهر عدم الشمول، لأن الحکم علی خلاف الأصل، والمنصرف من النص الأب والابن فقط، فالعمومات هی المحکمة فی ما عداهما.

{بخلاف ما إذا کان النظر أو اللمس بغیره شهوة} لتقید النص بالشهوة، {کما إذا کان للاختبار} هل أنها سمراء أو بیضاء مثلاً، {أو للطبابة، أو کان اتفاقیاً} کما إذا وقع نظره إلیها {وإن أوجب شهوة أیضاً} لأنه لا یسمی نظر بشهوة.

{نعم لو لمسها لإثارة الشهوة، کما إذا مس فرجها أو ثدیها أو ضمها لتحریک الشهوة، فالظاهر النشر} کما لم یستبعده الجواهر، وتبعه المستمسک، وسکت علیه المعلقون، لشمول النص لمثله.

ص:215

ثم إن منظورة الأب وملموستة فی الحرة، سواء کان اللمس أو النظر حراماً أو حلالاً، بأن کانا بشبهة، لا یوجبان إلاّ الکراهة بالنسبة إلی الآخر، وإن کان ربما یحتمل ذلک کما سیأتی.

أولاً: للمناط فی المملوکة.

وثانیاً: لبعض الروایات:

مثل خبر أبی بصیر، قال: سألت عن الرجل یفجر بالمرأة أتحل لابنه، أو یفجر بها الابن أتحل لأبیه، قال: «لا، إن کان الأب أو الابن مسها واحد منهما فلا تحل»((1))، بناءً علی أن المراد بالمس اللمس.

وعن محمد بن مسلم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا جرد الرجل ووضع یده علیها فلا تحل لابنه»((2)).

وثالثاً: لأن النظر واللمس أولی من العقد المحرّم، لکن لا نقول بالحرمة هنا للإجماع فلا أقل من الکراهة.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ لا علم بالمناط، وظاهر المس الوطی، وخبر ابن مسلم منصرف إلی الجاریة، ولذا ذکرها الفقهاء فی بابها، والأولویة ممنوعة، وعلی هذا فلا کراهة بالنسبة إلی الحرة، والله سبحانه العالم.

ص:216


1- الوسائل: ج14 ص328 الباب 9 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص328 الباب 9 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

مسألة ٣٧ المرأة المملوکة

(مسألة 37): لا تحرم أم المملوکة الملموسة والمنظورة علی اللامس والناظر علی الأقوی، وإن کان الأحوط الاجتناب

(مسألة 37): {لا تحرم أم المرأة المملوکة الملموسة والمنظورة علی اللامس والناظر علی الأقوی} کما هو المشهور، قال فی الشرائع: (ومن نشر به الحرمة یحصر التحریم علی أب اللامس والناظر وابنه خاصة دون أم المنظورة أو الملموسة).

أقول: ویدل علیه بالإضافة إلی الأصل، المطلقات کقوله سبحانه: ﴿وأحل لکم ما وراء ذلکم﴾((1))، وغیره.

{وإن کان الأحوط الاجتناب} کما عن أبی علی الفتوی به، ولم یستبعده الجواهر، بل عن الشیخ الإجماع علیه، ولا یخفی ما فی الإجماع، ولذا قال کشف اللثام: إنه ممنوع، ولعل الشیخ أراد به أنه مطابق للنص الآتی، وحیث إن النص مجمع علی العمل به فهو إجماعی، کما وجه الشیخ المرتضی (رحمه الله) أمثال هذه الإجماعات بمثل هذا التوجیه.

وکیف کان، فقد استدل للتحریم بجملة من الروایات:

مثل المروی عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «لا ینظر الله إلی رجل نظر إلی فرج امرأة وابنتها»((2)).

ص:217


1- سورة النساء: الآیة 24
2- المستدر ک : ج2 ص578 الباب 18 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح8

کما أن الأحوط اجتناب الربیبة الملموسة أو المنظورة أمها، وإن

وعنه (صلی الله علیه وآله وسلم): «من کشف قناع امرأة حرمت علیه أمها وبنتها»((1)).

ویرد علی ذلک أولاً: ضعف السند.

وثانیاً: فی الحدیث الأول ذکر النظر إلی موضع خاص، فکیف یستفاد منه الإطلاق.

وثالثاً: إنه کنایة عن الجماع، وإلاّ فمن الواضح أن الربیبة لا تحرم بمجرد عقد الأم، فقد نظر إلی فرجها فرج ابنتها، وکشف القناع عنها ولم تحرم ابنتها، کما سیأتی.

أما الروایات الواردة فی أم الزوجة، وأنه لیس له أن یتزوج البنت، فلیست مربوطة بأم المرأة المملوسة والمنظورة، ولا قطع بالمناط کما لا یخفی.

{کما أن الأحوط اجتناب الربیبة الملموسة أو المنظورة أمها}، بل فی الجواهر قوی التحریم وجعل النظر واللمس قائماً مقام الوطی، واستدل له بصحیح ابن مسلم: سئل أحدهما (علیهما السلام) عن رجل تزوج امرأة فنظر إلی رأسها وبعض جسدها أیتزوج ابنتها، قال (علیه السلام): «لا، إذا رأی منها ما یحرم علی غیره فلیس له أن یتزوج ابنتها»((2)).

ص:218


1- المستدر ک : ج2 ص579 الباب 20 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6
2- الوسائل: ج14 ص353 الباب 19 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

کان الأقوی عدمه

وخبر أبی الربیع، قال: سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة فمکث معها أیاماً لا یستطیعها غیر أنه قد رأی منها ما یحرم علی غیره ثم یطلقها، أیصح له أن یتزوج ابنتها، قال: «أیصلح له وقد رأی من أمها ما رأی»((1)).

ومثله موثق محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)((2)).

ثم إنه وإن لم یذکر فی هذه الروایات اللمس، إلاّ أنه مشمول لها بطریق أولی.

{وإن کان الأقوی عدمه} کما هو المشهور، بل فی المستمسک إنه ظاهر الأصحاب، حیث اشترطوا فی تحریم الربیبة الدخول بأمها.

وکیف کان، یدل علی المشهور الآیة الکریمة: ﴿فإن لم تکونوا دخلتم بهن فلا جناح علیکم﴾((3))، فإنه کالصریح فی أن المیزان الدخول فقط.

ولوکان اللمس والنظر محرِّمان کان اللازم سبق التحریم علی الدخول، لأنهما سابقان علی الدخول إلاّ فی النادر جداً، حیث لا یکون لمس الحشفة للموضع قبل دخولها وحصول التقاء الختانین، إذ لا یراد باللمس لمس الید، بل الجسم فی الجملة الشامل للمس الحشفة.

ومنه یظهر أنه لو لم یحمل صحیح ابن مسلم علی الکراهة کان معارضاً لظاهر الکتاب، مما یوجب رد علمه إلی أهله.

بالإضافة إلی صحیح العیص بن

ص:219


1- الوسائل: ج14 ص353 الباب 19 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
2- الوسائل: ج14 ص353 الباب 19 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
3- سورة النساء: الآیة 23

بل قد یقال: إن اللمس والنظر یقومان مقام الوطی فی کل مورد یکون الوطی ناشراً للحرمة

القاسم قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام)، عن رجل باشر إمرأته وقبّل غیر أنه لم یفض إلیها ثم تزوج ابنتها، قال: «إن لم یکن أفضی إلی الأم فلاب أس، وإن کان أفضی فلا یتزوج ابنتها»((1)).

والقول بأن الموجود فی نسخة (باشر امرأة) لا (امرأته) فیدل علی الأجنبیة، یرد علیه:

أولاً: إن الموجود فی نسخنا (امرأته).

وثانیا: إن (امرأة) أعم من الأجنبیة، وبعد ذلک لا حاجة إلی إسقاط صحیح ابن مسلم بالإعراض، کما فعله بعض الفقهاء.

هذا بالإضافة إلی الروایات المصرحة بدوران الأمر مدار الدخول وجوداً وعدماً، کقول الصادق (علیه السلام) فی روایة الدعائم: «هی ابنة امرأته علیه حرام إذا کان دخل بأمها، فإن لم یکن دخل بأمها فتزویجها له حلال»((2))، ولذا أفتی غیر واحد بالکراهة حتی من المحدثین کالوسائل والمستدرک.

{بل قد یقال: إن اللمس والنظر یقومان مقام الوطی فی کل مورد یکون الوطی ناشراً للحرمة}، لکن عن المسالک إنه لم یقف علی القائل بالتحریم، وإنه قول ضعیف جداً لا دلیل علیه.

ص:220


1- الوسائل: ج14 ص354 الباب 19 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
2- المستدر ک : ج2 ص578 الباب 18 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

فتحرم الأجنبیة الملموسة أو المنظورة شبهة أو حراماً علی الأب والابن، وتحرم أمها وبنتها حرة کانت أو أمة، وهو وإن کان أحوط إلاّ أن الأقوی خلافه، وعلی ما ذکر فتنحصر الحرمة فی مملوکة کل من الأب والابن علی الآخر إذا کانت ملموسة أو منظورة بشهوة.

{فتحرم الأجنبیة الملموسة أو المنظورة شبهةً أو حراماً علی الأب والابن، وتحرم أمها وبنتها حرة کانت أو أمة، وهو وإن کان أحوط إلا أن الأقوی خلافه} للإطلاقات والعمومات، بل عرفت أن قول الجواهر نادر.

{وعلی ما ذکر فتنحصر الحرمة فی مملوکة کل من الأب والابن علی الآخر إذا کانت ملموسة أو منظورة بشهوة} لأنه المنصرف من الأدلة.

أما إذا وقع نظره أو لمسها لإنقاذها من الغرق ونحوه لم یکن یوجب الحرمة علی القول به، وکذا بالنسبة إلی الحرة کراهةً أو تحریماً علی قول الجواهر، وإطلاق الأدلة المتقدمة بالنسبة إلی کل نظر أو لمس منصرف إلی ذلک.

ص:221

مسألة ٣٨ النظر واللمس بشهوة

(مسألة 38): فی إیجاب النظر أو اللمس إلی الوجه والکفین إذا کان بشهوة نظر، والأقوی العدم.

(مسألة 38): {فی إیجاب النظر أو اللمس إلی الوجه والکفین إذا کان بشهوة نظر، والأقوی العدم} لأصالة الحل بعد انصراف الأدلة المانعة عن ذلک، لأن ما ذکر فیها کان التقبیل والکشف والتجرید ونحوهما مما لا یصدق علی المقام.

والظاهر أن مراده من استثناء الوجه والکفین ما إذا کان بالنظر لا بمثل المس کوضع خده علی خدها وقرصها ونحوهما، کما أشار إلیه المستمسک، وقد أشار السیدان ابن العم والبروجردی إلی أن استثناء الوجه والکفین إنما هو فی النظر.

نعم یمکن أن یقال: إن لمس ما یجوز النظر إلیه جائز إذا لم یکن بشهوة، کما ذکرناه فی مسألة اللمس بدلیل بعض الروایات فی غسل غیر المحرم.

ثم إن المنصرف من اللمس الموجب للکراهة أو الحرمة هو ما إذا کان للجسد، لا ما إذا لمس ثوبها ونحو ذلک، وقد تقدم فی مسألة النظر واللمس فروع تنفع فی المقام أیضاً.

ص:222

مسألة ٣٩ یحرم الجمع بین الأختین

(مسألة 39): لا یجوز الجمع بین الأختین فی النکاح

(مسألة 39): {لا یجوز الجمع بین الأختین فی النکاح} بلا إشکال ولاخلاف من أحد، بل الإجماعات علیه متواترة، وهو من ضروریات دین الإسلام، ویدل علیه قوله تعالی: ﴿وأن تجمعوا بین الأختین﴾((1)).

ومتواتر الروایات:

ففی صحیحة محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «قضی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی أختین نکح إحداهما رجل ثم طلقها وهی حبلی، ثم خطب أختها فجمعهما قبل أن تضع أختها المطلقة ولدها، فأمره أن یفارق الأخیرة حتی تضع أختها المطلقة ولدها، ثم یخطبها ویصدقها صداقاً مرتین»((2)).

أقول: مرة لأجل الشبهة، والثانیة لأجل النکاح.

وعن مروان بن دینار قال: قلت لأبی إبراهیم (علیه السلام): لأی علة لا یجوز للرجل أن یجمع بین الأختین، قال: «لتحصین الإسلام وفی سائر الأدیان یری ذلک»((3)).

أقول: المراد تحصینه عن دنایا الأمور، فإن الجمع بینهما یوجب التشاجر المنتهی إلی قطع الرحم بینهما وبین أولادهما.

وعن جمیل بن دراج، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل تزوج أختین فی عقدة واحدة، قال: «یمسک أیتهما شاء ویخلی سبیل الأخری»((4)).

ص:223


1- سورة النساء: الآیة 23
2- الوسائل: ج14 ص366 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
3- الوسائل: ج14 ص367 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
4- الوسائل: ج14 ص367 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

دواماً أو متعةً

ومرسله عن بعض أصحابه، عن أحدهما (علیهما السلام)، أنه قال: فی رجل تزوج أختین فی عقدة واحدة، قال (علیه السلام): «هو بالخیار یمسک أیهما شاء ویخلی سبیل الأخری»((1)).

إلی غیرها من الروایات التی تأتی جملة منها فی ثنایا البحث إن شاء الله.

ثم إنه لا یبعد أن یکون الجمع بین الأختین فی الزنا أشد حرمة، وإن لم یکن له حد أکثر، وکذلک الزنا بالأم والبنت مثلاً، لما یستفاد من تحریم ذلک من أنه مع الحلیة الشأنیة لإحداهما یکون الثانی حراماً فکیف بالحرمة الفعلیة.

{دواماً أو متعةً} بلا خلاف ولا إشکال، لصحیح البزنطی، عن الرضا (علیه السلام)، قال: سألته عن رجل تکون عنده امرأة یحل له أن یتزوج أختها متعةً، قال (علیه السلام): «لا»((2)).

والروایة وإن تضمنت کون إحداهما دائماً والأخری متعة، إلاّ أن المناط فیها بالإضافة إلی إطلاقات النص والفتوی، یعطی عدم الفرق بین أن تکونا دائمتین أو متعتین أو بالاختلاف.

وما فی خبر منصور الصیقل، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «لا بأس بالرجل أن یتمتع أختین»((3))، فالمنصرف منه متعتهما بالتفریق.

ص:224


1- الوسائل: ج14 ص368 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
2- الوسائل: ج14 ص367 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4
3- الوسائل: ج14 ص370 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

سواء کانتا نسبیتین أو رضاعیتین أو مختلفتین، وکذا لا یجوز الجمع بینهما فی الملک مع وطئهما

{سواء کانتا نسبیتین أو رضاعیتین} بلا إشکال ولا خلاف، ویدل علیه بالإضافة إلی عموم «یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب»((1))، صحیح أبی عبیدة، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «لا تنکح المرأة علی عمتها، ولا علی خالتها، ولا علی أختها من الرضاعة»((2)).

أما إذا کانتا ولدی زنا أو إحداهما کذلک فالظاهر المنع، لإطلاق الأدلة التی اتخذت فی موضوعها الأخت عرفاً، ولذا قالوا: لا یجوز أن یتخذ الإنسان ابنته المخلوقة من ماء الزنا، أما کون العاهر له الحجر فلا ینافی ذلک، لأن انقطاع النسب فی الإرث ونحوه بدلیل، لا یستلزم عدم صدق البنت والأخت ونحوهما حتی یبیح الزواج.

ومنه یعلم الحرمة فی الأختین الموطوءة شبهةً فی إحداهما أو کلتیهما {أو مختلفتین} جعله السید الحکیم من غلط النسخة، أما السید البروجردی فقد قال: أی مختلفتی الانتساب إلی أبیهما أو أمهما الذی هو الملاک لکونهما أختین.

{وکذا لا یجوز الجمع بینهما فی الملک مع وطئهما} فإذا کانتا له ووطأ إحداهما لم یجز له وطی الأخری بلا إشکال ولا خلاف، بل عن الکشف اللثام والجواهر الإجماع علیه، ویدل علیه قوله سبحانه: ﴿وأن تجمعوا بین الأختین﴾((3)

ص:225


1- الوسائل: ج14 ص326 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3
2- الوسائل: ج14 ص376 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح8
3- سورة النساء: الآیة 23

وأما الجمع بینهما فی مجرد الملک من غیر وطی فلا مانع منه

فإن وطیهما یوجب صدق أنه جمع بین الأختین.

بالإضافة إلی متواتر الروایات.

کموثق الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت له: الرجل یشتری الأختین فیطأ إحداهما ثم یطأ الأخری بجهالة، قال (علیه السلام): «إذا وطأ الأخیرة بجهالة لم تحرم علیه الأولی، وإن وطأ الأخیرة وهو یعلم أنها علیه حرام حرمتا علیه جمیعاً»((1)).

وخبر عبد الغفار الطائی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل کانت عنده أختان فوطأ إحداهما ثم أراد أن یطأ الأخری، قال: «یخرجها عن ملکه»، قلت: إلی من، قال: «إلی بعض أهله»، قلت: فإن جهل ذلک حتی وطأها، قال: «حرمتا علیه کلتاهما»((2)).

إلی غیرها من الروایات الکثیرة التی توجب حمل ما دل علی الجواز علی بعض المحامل.

کصحیح علی بن یقطین، قال: سألت أبا إبراهیم (علیه السلام) عن أختین مملوکتین وجمعهما، قال: «تستقیم ولا أحبه لک»، فإنه محمول علی التقیة، کما ذکره غیر واحد، أو علی النهی عن الجمع بینهما فی الملک کراهةً مخافة أن یطأهما.

ثم المراد بوطئهما أعم من القبل والدبر للإطلاق.

{وأما الجمع بینهما فی مجرد الملک من غیر وطی فلا مانع منه} بلا إشکال

ص:226


1- الوسائل: ج14 ص372 الباب 29 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5
2- الوسائل: ج14 ص372 الباب 29 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح6

وهل یجوز الجمع بینهما فی الملک مع استمتاع بما دون الوطی، بأن لم یطأهما، أو وطأ إحداهما واستمتع بالأخری بما دون الوطی، فیه نظر، مقتضی بعض النصوص الجواز

ولاخلاف، بل عن المسالک والتذکرة وغیرهما الإجماع علیه، ویدل علیه إطلاقات الملک وجملة من الروایات السابقة والآتیة، کما یجوز له أن یتملک إحداهما ویعقد علی الأخری بدون وطی کلتیهما، کما سیأتی الکلام فیه.

وکذا لو کانتا محللتین له بدون وطیهما، أو کانت إحداهما ملکاً أو عقداً، والأخری محللة.

{وهل یجوز الجمع بینهما فی الملک مع الاستمتاع بما دون الوطی بأن لم یطأهما} وإنما استمتع بکلتیهما {أو وطأ إحداهما واستمتع بالأخری بما دون الوطی، فیه نظر} لأنه من الجمع بین الأختین عرفاً، فیشمله دلیل المنع، بل أفتی بذلک بعض، وفی جامع المقاصد إنه لا خلاف فیه، وفی المسالک إنه لا قائل بالفصل بین الوطی والاستمتاع.

لکن {ومقتضی بعض النصوص الجواز}، وهو ما رواه العیاشی فی تفسیره، کما فی الوسائل، عن عیسی بن عبد الله، قال: سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن أختین مملوکتین ینکح إحداهما أتحل له الأخری، فقال: «لیس له أن ینکح الأخری إلاّ فیما دون الفرج، وإن لم یفعل فهو خیر له، نظیر تلک المرأة تحیض فتحرم علی زوجها أن یأتیها فی فرجها لقول الله عز وجل: ﴿ولا تقربوهن حتی یطهرن﴾ وقال:

ص:227

وهو الأقوی، لکن الأحوط العدم.

﴿وأن تجمعوا بین الأختین إلاّ ما قد سلف﴾((1)) یعنی فی النکاح، فیستقیم للرجل أن یأتی امرأته وهی حائض فیما دون الفرج»((2)).

{و} الجواز {هو الأقوی} لإطلاق أدلة الاستمتاع بالمملوکة، وإنما الخارج بالنص والإجماع الوطی فیقی الباقی.

وهل یقال: إنه لا یجوز أن ینظر إلی الثانیة إلی ما لا یحل لغیر المولی والزوج النظر إلیه منها، وأی فرق بین الأمرین.

وعلیه فالتحریم إنما هو لدلیل اجتهادی هو المستند فی دعوی المسالک وجامع المقاصد، ومثله لیس بحجة، ولذا سکت السادة ابن العم والبروجردی والجمال والاصطهباناتی علی المتن، وإن کان ظاهر المستمسک المنع.

{لکن الأحوط} مع ذلک کله {العدم}.

ولا یبعد انسحاب ماذکرناه هنا إلی المملوکتین أماً وبنتاً، وعمةً وخالةً، وبنتی أخیها وأختها، إلی غیر ذلک.

ثم الظاهر إنه لا یجوز تزویج أختین مسیحیتین مثلاً، ممن تری جواز ذلک، فلا تشمل المقام قاعدة «ألزموهم» فإنه خارج بالإجماع، کخروج الأم والبنت والأخت وما أشبه للرجل، إذا کن مجوسیات أو نحوهن یرین جواز ذلک.

وکما أنه یحرم الجمع بین الأختین، یحرم الجمع بین الأخوات نصاً وإجماعاً، فإنه لا فرق بین الاثنتین والأکثر.

ص:228


1- سورة النساء: الآیة 23
2- الوسائل: ج20 ص486 ب29 من أبواب تحریم الجمع بین الأختین... ح26157 ط آل البیت

مسألة ٤٠ لو تزوج أختا وملک أختا

(مسألة 40): لو تزوج بإحدی الأختین وتملک الأخری، لا یجوز له وطی المملوکة إلاّ بعد طلاق المزوجة وخروجها عن العدة إن کانت رجعیة، فلو وطأها قبل ذلک فعل حراماً، لکن لا تحرم علیه الزوجة بذلک.

(مسألة 40): {لو تزوج بإحدی الأختین وتملک الأخری، لا یجوز له وطی المملوکة إلاّ بعد طلاق المزوجة وخروجها عن العدة إن کانت رجعیة} کما هو المشهور بینهم، وذلک لشمول أدلة الزواج للأولی، وشمول أدلة الملک للأخری، ولأن وطی الثانیة یکون جمعاً بین الأختین علی ما استفید من أخبار تملک الأختین، حیث منعت عن وطیهما مع إجازتها وطی إحداهما، فإذا ملکت الثانیة لم یحل وطیها وإن لم یطأ المعقودة، إذ المستفاد من الأدلة أن العقد کالوطی، فکما لا یجوز عقد الأختین ولا وطیهما، کذلک لا یصح عقد أخت ووطی أخت بالملک.

وإنما لا نقول بخروج المعقودة عن العقد فسخاً إذا وطأ المملوکة، لأن العقد وجواز الوطی للأولی مستصحبان، وحیث لا یمکن الجمع حرمت الثانیة وطیاً، فإذا خرجت الأولی بفسخ أو انقضاء مدة المتعة أو انقضاء مدة الرجعة فی الطلاق الرجعی جاز له وطی الثانیة.

أما إذا کانت العدة بائنة فهی خارجة من حین الطلاق.

{فلو وطأها قبل ذلک فعل حراماً، لکن لا تحرم علیه الزوجة بذلک} لقولهم (علیهم السلام): «الحرام لا یحرم الحلال»، ولمکان استصحاب الحلیة، ولذا صرح الجواهر وغیره بذلک.

ص:229

ولا یحد حد الزنا بوطی المملوکة، بل یعزر، فیکون حرمة وطیها کحرمة وطی الحائض.

{ولایحد حد الزنا بوطی المملوکة} لأنه لیس بزنا، بل حرام آخر، فإن الزنا کما یستفاد من النص والفتوی مالم یکن عقداً ولا ملکاً ولا شبهةً.

{نعم} حیث فعل الحرام {یعزر} کما هو فی کل حرام.

قال فی المستمسک: (ولزوم الحد فی وطی الأمة المزوجة للإجماع والنص).

أقول: بالإضافة إلی أنه یصدق عرفاً علیه أنه زنی، لمکان زوجیة الغیر.

{فیکون حرمة وطیها کحرمة وطی الحائض} والوطی فی حال الصوم والإحرام والاعتکاف وما أشبه، حرام فیه تعزیر، ولیس زنا فیه حد.

ص:230

مسألة ٤١ وطی إحدی الأختین

(مسألة 41): لو وطأ إحدی الأختین بالملک، ثم تزوج الأخری، فالأظهر بطلان التزویج، وقد یقال:

(مسألة 41): {لو وطأ إحدی الأختین بالملک، ثم تزوج الأخری} قبل أن یخرج الأولی عن ملکه {فالأظهر بطلان التزویج} لما تقدم من أن الوطی کالعقد لا یصح الجمع بینه وبین العقد، فإذا عقد علی إحداهما لا یجوز وطی الأخری، وإذا وطأ إحداهما لا یجوز تزویج الأخری، ومعنی لا یجوز الوضع لا التکلیف فقط، إذ هو معناه فی المعاملات ونحوها، ولذا کان قوله سبحانه: ﴿ولا تنکحوا ما نکح آباؤکم﴾((1))، دالاً علی البطلان، ومثله غیره.

وإنما قلنا بأن إخراج الأولی عن ملکه کاف فی صحة نکاح الأخری، لما دل علی ذلک.

فقد روی ابن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «إذا کان عند الرجل الأختان المملوکتان فنکح إحداهما ثم بدا له فی الثانیة فنکحها فلیس ینبغی له أن ینکح الأخری حتی تخرج الأولی عن ملکه، یهبها أو یبیعها، فإن وهبها لولده یجزیه»((2)).

ومثله غیره.

{وقد یقال} والقائل المبسوط والمختلف والتحریر، وظاهر المسالک المیل إلیه، کما حکی عنهم،

ص:231


1- سورة النساء: الآیة 22
2- الوسائل: ج14 ص371 الباب 29 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

بصحته وحرمة وطی الأولی إلاّ بعد طلاق الثانیة.

{بصحته وحرمة وطی الأولی إلاّ بعد طلاق الثانیة}، واستدل لذلک بأمرین:

الأول: إن التزویج أقوی من ملک الیمین، فإذا تزاحما قدم التزویج، وإنما کان التزویج أقوی لکثرة الأحکام التی تلحق به ولا تلحق بالملک، کعدم جواز الأکثر من الأربع والقسم والطلاق والظهار والإیلاء وغیرها.

الثانی: الروایات الدالة علی حرمة الأولی بوطی الثانیة، فلیکن زواج الثانیة بمنزلة وطیها، کصحیحة الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قلت له: الرجل یشتری الأختین فیطأ إحداهما ثم یطأ الأخری بجهالة، قال: «إذا وطأ الأخیرة بجهالة لم تحرم علیه الأولی، وإن وطأ الأخیرة وهو یعلم أنها علیه حرام حرمتا علیه جمیعاً»((1)).

وخبر أبی بصیر، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل کانت له أختان مملوکتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخری أیرجع إلی الأولی فیطؤها، قال: «إذا وطأ الثانیة فقد حرمت علیه الأولی حتی تموت، أو یبیع الثانیة من غیر أن یبیعها من شهوة لأجل أن یرجع إلی الأولی»((2)).

ومثلهما غیرهما.

ویرد علی الأول: إنه لا دلیل علی أن التزویج أقوی من الملک، والأحکام المذکورة لا تدل علی الترجیح بحیث یوجب التزاحم بینهما تقدیم التزویج، فإنه أشبه بالقیاس.

ص:232


1- الوسائل: ج14 ص372 الباب 29 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح5
2- الوسائل: ج14 ص373 الباب 29 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح7

وعلی الثانی: إن انسحاب الحکم من المملوکتین إلی مملوکة ومزوجة لا قطع به، بالإضافة إلی أن فی جملة من الروایات حرمتهما معاً، مثل الروایات الثانیة وغیرها.

وعلیه فاستصحاب حلیة الوطی بالنسبة إلی الأولی محکمة، والأحوط اجتنابهما وطلاق الثانیة.

وهنا قول ثالث ذکره ابن العم، وهو صحة التزویج وحرمة وطی الثانیة ما دامت الأولی فی ملکه، وکأنه لأصالة الصحة، فهو کما إذا تزوج الأولی واشتری الثانیة، فإنه لا یجوز وطیهما معاً، وفی المقام کذلک.

ص:233

مسألة ٤٢ لو تزوج بأخت ثانیة بعد الزواج بالأولی

(مسألة 42): لو تزوج بإحدی الأختین ثم تزوج بالأخری بطل عقد الثانیة

(مسألة 42): {لو تزوج بإحدی الأختین ثم تزوج بالأخری} عالماً بالحکم والموضوع أو جاهلاً بهما أو بالاختلاف {بطل عقد الثانیة}، عن کاشف اللثام إنه قطعی، وفی الجواهر بلا إشکال ولا خلاف، وفی المستمسک قررهما بعد نقلهما.

ویدل علیه أنه مصداق الجمع، فتنفیه الآیة المبارکة، إلاّ أن یقال: إن رفع الجمع یکون برفع إحداهما، لا الثانیة خاصة.

ویقتضی ذلک صحیح ابن مسکان، عن أبی بکر الحضرمی، قال: قلت لأبی جعفر (علیه السلام): رجل نکح امرأة ثم أتی أرضاً فنکح أختها ولا یعلم، قال: «یمسک أیتهما شاء ویخلی فی سبیل الله الأخری»((1)).

لکن یعارض ذلک صحیحة زرارة بن أعین، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة فی العراق ثم خرج إلی الشام فتزوج امرأة أخری، فإذا هی أخت امرأته التی بالعراق، قال: «یفرق بینه وبین المرأة التی تزوجها بالشام، ولا یقرب المرأة العراقیة حتی تنقضی عدة الشامیة»، قلت: فإن تزوج امرأة ثم تزوج أمها وهو لا یعلم أنها أمها، قال: «قد وضع الله تعالی عنه جهالته بذلک»، ثم قال: «إن علم أنها أمها فلا یقربها، ولا یقرب الابنة حتی تنقضی عدة الأم عنه، فإذا انقضت عدة الأم حل له نکاح الابنة»((2)).

ص:234


1- الوسائل: ج14 ص369 الباب 26 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
2- الوسائل: ج14 ص368 الباب 26 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

سواء کان بعد وطی الأولی أو قبله، ولا یحرم بذلک وطی الأولی وإن کان قد دخل بالثانیة، نعم لو دخل بها مع الجهل بأنها أخت الأولی یکره له وطی الأولی قبل خروج الثانیة عن العدة، بل قیل یحرم للنص

أقول: أی حل وطی الابنة.

وفی خبر الدعائم، عن الباقر (علیه السلام)، قال: «ولو أن رجلاً نکح امرأة ثم أتی أرضاً أخری فنکح أختها وهو لا یعلم فعلیه إذا علم أن ینزع عنها»((1)).

أقول: مقتضی الجمع بین الطائفتین أفضلیة ترک الثانیة، إلاّ أن إطباقهم علی بطلان الثانیة، وتؤید ذلک بروایات تزویج الأخت فی عدة الأخت الأولی کما سیأتی، أوجب حمل روایة الحضرمی علی ما ذکره الشیخ، من أنه إذا أراد إمساک الأولی فلیمسکها بالعقد الثابت المستقر، وإن أراد إمساک الثانیة فلیطلق الأولی ثم یمسک الثانیة بعقد مستأنف، فإن هذا التوجیه علی بعده أولی من الطرح.

{سواء کان بعد وطی الأولی أو قبله} لإطلاق النص والفتوی، {ولا یحرم بذلک} التزویج للثانیة {وطی الأولی، وإن کان قد دخل بالثانیة} لأن الحرام لا یحرم الحلال.

{نعم لو دخل بها مع الجهل بأنها أخت الأولی، یکره له وطی الأولی قبل خروج الثانیة عن العدة}، عدة الحمل إن حملت، وعدة الوطی دواماً أو متعةً

ص:235


1- المستدر ک : ج2 ص580 الباب 26 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3

الصحیح وهو الأحوط.

إن لم تحمل، وإنما قلنا بالکراهة لصحیح زرارة المتقدم، بعد حمله علی الکراهة لإعراض المعظم عن ظاهره الدال علی التحریم، ولعل وجه إعراضهم الاستصحاب وقاعدة «الحرام لا یحرم الحلال» وغیر ذلک.

{بل قبل یحرم} کما عن الشیخ فی نهایته، وابنی حمزة والبراج {للنص الصحیح} أی روایة زرارة {وهو الأحوط}.

لکن لا یخفی أن الاجتناب عن الأولی إنما یکون إذا وطأ الثانیة، إذ لا عدة بدون الوطی، وینبغی أن یقید ذلک بما إذا جهل بالحکم أو الموضوع أو کلیهما.

أما إذا کان عالماً عامداً أنه لا یصح نکاح الأخت، کان عمله زنا ولا احترام لوطی الزانی فلا عدة لها، ولذا جاز له وطی الأولی بدون عدة للثانیة.

ثم إنه إذا طلق الأولی فی عدة الثانیة، فهل یصح له الرجوع، أو نکاحها فی عدة الثانیة، لها صور:

الأولی: أن یکون طلاقها بدون عدة لکونها صغیرة أو یائسة أو غیر مدخول بها، وینبغی أن یقال بعدم صحة نکاحها، لأنه لا یصح نکاح الأخت فی عدة الأخت.

الثانیة: أن یکون طلاقها مع عدة رجعیة، والظاهر جواز رجوعه إلیها لأن المطلقة رجعیة زوجة.

الثالثة: أن یکون طلاقها مع عدة بائنة کالخلع، وفیه احتمالان، عدم جواز النکاح

ص:236

بسبب عدة الثانیة، وجوازه لأن النکاح لا یزید عن دخول الأولی فی حبالته کما کانت، فکما صح بقاؤها فی حبالته بعد وطی الثانیة، کذلک صح إدخالها فی حبالته من جدید، وهذا هو الأقرب، وقد مر مثله فی بعض المسائل السابقة.

ص:237

مسألة ٤٣ لو تزوج الأختین

(مسألة 43): لو تزوج الأختین ولم یعلم السابق واللاحق، فإن علم تاریخ أحد العقدین حکم بصحته دون المجهول، وإن جهل تاریخهما حرم علیه وطیهما،

(مسألة 43): {لو تزوج الأختین ولو یعلم السابق واللاحق، فإن علم تاریخ أحد العقدین حکم بصحته دون} ما جهل تاریخه، وذلک لأصالة عدم تزویج الأخری إلی حینه، فیشمل عقد معلوم التاریخ إطلاقات الأدلة، فإن العقد علی المرأة صحیح إذا لم یکن عقد علی أختها، فإذا جری أصل عدم العقد علی الأخت وانضم إلی العقد علی المعلوم التاریخ أثمر صحة المعلوم، کما أثمر بطلان {المجهول}.

وإن شک فی السبق والتقارن، فله صورتان:

الأولی: مع علمه بأنه لو کان سابق فهو عقد (فاطمة) ترک الثانیة (رقیة) مثلا، وصح عقد فاطمة، لأن عقدها لو کان السابق صح، وإن کان المقارن أبطل عقد رقیة وصح فاطمة أیضاً، لما سیأتی من أنه لو عقدهما فی عقد واحد اختار إحداهما.

الثانیة: مع عدم علمه بذلک، فإن علم تاریخ أحدهما وجهل تاریخ الآخر، اختار معلوم التاریخ، فإن کان مقارناً صح، وإن کان غیر مقارن فی الواقع کان أصل عدم تزویج الآخر إلی حین عقد هذه محکماً.

{وإن جهل تاریخهما حرم علیه وطیهما} للعلم الإجمالی، لکن یعارض ذلک العلم الإجمالی بوجوب وطی إحداهما فی کل أربعة أشهر مرة، فکل واحدة

ص:238

وکذا وطی إحداهما إلاّ بعد طلاقهما أو طلاق الزوجة الواقعیة منهما، ثم تزویج من شاء منهما بعقد جدید بعد خروج الأخری عن العدة، إن کان دخل بها أو بهما

منهما إما حرام الوطی أو واجب الوطی، فیکون حالهما حال منذورة الفعل أو الترک، ومقتضی القاعدة وإن کان مخیراً، إلاّ أن أهمیة الفروج تمنع عن ذلک، فلا یبقی إلاّ القرعة وهی مقتضی القاعدة، أو طلاق المنکوحة منهما وعقد من شاء منهما من جدید، وإذا طلقها فعلیه إعطاء المهر الواحد لهما نصفین، لما ذکرناه فی کتاب الخمس وغیره من أن الشک فی المالیات المقارن للعلم الإجمالی لا یوجب الاحتیاط، بل التوزیع.

{وکذا} یحرم {وطی إحداهما إلاّ بعد طلاقهما} بأن یطلق کل واحدة باحتمال الزوجیة، وإلا فمن الواضح أن إحداهما لیست بزوجة، {أو طلاق الزوجة الواقعیة منهما} إذ لا یعتبر فی الطلاق العلم المعین لأصالة عدمه بعد شمول الأدلة للمجهول، {ثم تزوج من شاء منهما بعقد جدید}.

ثم إنه إذا جهل نکاح أیة الأختین وکانتا من أُمین، حرم علیه أیضاً کلتا الأُمین، إلاّ إذا قلنا بالقرعة، فیترتب علیها کل الآثار.

ثم إنما یصح نکاح جدید علی إحداهما {بعد خروج الأخری عن العدة} لاحتمال أن تکون الأخری هی الزوجة الواقعیة فلا یجوز تزویج أختها إلاّ بعد خروجها عن العدة إذا کان دخل بها وکان الطلاق رجعیاً.

{إن کان دخل بها أو بهما} وإلا فلا عدة، وکذا إذا کانت العدة بائنة، إذ یجوز نکاح أخت الزوجة بعد انفصالها بالعدة البائنة.

ص:239

وهل یجبر علی هذا الطلاق دفعاً لضرر الصبر علیهما، لا یبعد ذلک لقوله تعالی: ﴿فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ﴾

{وهل یجبر علی هذا الطلاق دفعاً لضرر الصبر علیهما}، احتمالان، بل قولان:

الأول: الوجوب، وهذا اختاره المصنف بقوله: {لا یبعد ذلک} تبعاً للتذکرة والقواعد وکشف اللثام {ل_} أمور:

الأول: {قوله تعالی: ﴿فإمساک بمعروف أو تسریع بإحسان﴾((1))} فإن الآیة وإن وردت بعد قوله: ﴿الطلاق مرتان﴾ مما استظهر منها فی المستمسک أن المراد من التسریح والفراق ترک الرجوع بها فی العدة حتی تنتهی العدة لا الطلاق، لکن المناط القطعی المستفاد منها عرفاً أنه بیان کیفیة المعاشرة مع الزوجة سواء کان بعد الطلاق أو قبل الطلاق.

ومنه یعلم وجه دلالة قوله تعالی: ﴿وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسکوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف﴾((2))، وقوله تعالی: ﴿فإذا بلغن أجلهن فأمسکوهن بمعروف أو فارقوهن﴾((3)).

الثانی: ما دل علی نفی الحرج والضرر، لأن بقاء هذه الزوجة علی زوجیتها ضرر علیها وحرج.

الثالث: إنه حق لها علیه، و«لا یتوی حق امرئ مسلم»((4)).

ص:240


1- سورة البقره: الآیة 229
2- سورة البقرة: الآیة 223
3- سورة الطلاق: الآیة 2
4- العوالی: ج1 ص315 ح36

وربما یقال: بعدم وجوب الطلاق علیه وعدم إجباره

{وربما یقال: بعدم وجوب الطلاق علیه وعدم إجباره} للأصل، ولأنه إذا أجبر علی الطلاق وقع الطلاق عن إکراه، وطلاق المکرَه باطل، والأدلة الثلاثة لوجوب الطلاق مدخولة.

أما الدلیل الأول: فقد عرفت وجهه.

وأما الثانی: فلأن الضرر أو الحرج لیس من الزوجیة، بل من أحکام الزوجیة بعد الاشتباه، فدلیل نفیها یتقضی نفی تلک الأحکام.

وأما الثالث: فلأنه فرع ثبوت الحق، وحیث کان لکل منهما إجراء البراءة کواجدی المنی، لم یکن له منهما حق حتی یعطی بالطلاق.

أقول: لا ینبغی الإشکال فی أنه إذا لم ترغب المرأتان فی الطلاق لا یجب علیه الطلاق، إذ أدلة الوجوب علی تقدیر تمامیتها لا تشمل هذه الصورة.

أما إذا رغبت فحیث إنها لم تعلم بنکاحها فلیست هی مبتلاة بهذا النکاح المحتمل، وإن کان الزوج مبتلی به من جهة الإنفاق، ومن جهة عدم إمکانه زواج الخامسة وزواج أخت ثالث لهما، إلی غیر ذلک، واذ لم تکن هی مبتلاة بنکاحها المحتمل فلیس لها الإجبار، إذ أدلة الإجبار الثلاثة هی فرع ابتلائها، فالزوجة إما أن تمسک أو تسرح، والضرر والحرج غیر موجودین فی حال عدم ابتلائها، ولم یثبت زواجها حتی یثبت حق لها علیه.

نعم لا یصح دلیل القول الثانی بأن الطلاق عن إکراه باطل، لوضوح

ص:241

أن الإکراه إنما یوجب البطلان إذا لم یکن إکراهاً علی الواجب، وإلا فهو بمنزلة الاختیار.

وعلی هذا، فمقتضی القاعدة فی هذه المسألة عدم لزوم الطلاق، لا من جانبه ولا من جانبهما.

نعم یمکن الاستدلال بهذه الأدلة من الجانبین فی مسألة ثانیة، وهی ما لو تزوج الأختین فی عقد واحد، غافلاً عن کونهما أختین مثلاً، فهل یجبر علی اختیار إحداهما، الظاهر ذلک للأدلة الثلاثة من الآیة والحرج والحق.

وإن أشکل المستمسک علی الحرج بالإشکال المتقدم، ثم قال: (لکن لیس بناء الفقهاء علیه فلا یجوز الزنا للحرج، ولا یجوز أکل مال الغیر للحرج، ولا یجوز شرب الخمر للحرج، فلایکون الحرج مجوزاً لفعل المحرمات عندهم، وإن کان مجوزاً لترک الواجبات، وإن کان الفرق بین الواجبات والمحرمات فی ذلک غیر ظاهر، ومقتضی دلیل نفیه نفی التحریم کنفی الوجوب، ومقتضی ذلک أنه یجوز لکل من الأختین أن یستمتع بها غیر المعقود له رفعاً للحرج، لا وجوب الطلاق علی الزوج) انتهی.

أقول: یمکن أن یقال: علی ما ذکره (قدس سره)،

أولاً: إن الزوجیة هی مجموعة أحکام، فلیست هناک زوجیة وأحکام زوجیة حتی ترفع أدلة الحرج أحکام الزوجیة لا نفسها، فمعنی رفع الأحکام هو رفع الزوجیة.

وثانیاً: إن إطلاق أدلة رفع الحرج یجوّز فعل المحرم، کما یجوّز ترک

ص:242

وأنه یعین بالقرعة

الواجب، إلاّ إذا کان هناک نص أو إجماع علی عدم الرفع، فکما أن الصوم إذا کان حرجیاً یرتفع وجوبه، کذلک الکذب غیر الضار إذا کان حرجیاً یجوز قوله، وکما أن الزنا لا یباح بالحرج لوجود إجماع أو نحوه علی ذلک، کذلک الحرب الواجبة إذا صارت حرجیة لا تسقط، ولذا قالوا بأنه إذا نذر ترک الدخان مثلاً وصار الترک حرجاً علیه سقطت حرمة الدخان.

وثالثاً: إن جواز استمتاع الأختین لغیر المعقود له إنما هو لأجل أنهما کواجدی المنی، فلهما النکاح کما تقدم، وإذا کان الطلاق رافعاً لحرج المرأة کما إذا کانت شابة شبقة فتمرض زوجها بالشلل مما یشق علیها مشقة شدیدة عدم قضایا الجنس، کان أدلة الحرج کفیلة بإلزام الزوج بطلاقها لتتزوج بمن یقوم بأمرها، فالطلاق أحیاناً یجب علی الزوج لرفع حرج المرأة.

وبهذا لا تصل النوبة إلی تمتع الأجنبیة بالأجنبی فی حال کونها زوجة لإنسان آخر، لأن الحرج کالضرر ذا مراتب، لا یجوز التنزل إلی الحرام الأشد مع إمکان الأخف، لأن الضرروات تقدر بقدرها.

{وأنه یعیین بالقرعة} لأنها لکل أمر مشکل، وهذا منه، وقد تقدم أنه الأظهر.

وربما أورد علیه بما ذکره جامع المقاصد فی مثل المسألة، بأن القرعة لا مجال لها فی الأمور التی هی مناط الاحتیاط التام، وهی الأنکحة التی تتعلق بها الأنساب والإرث والتحریم والمحرمیة.

ص:243

وقد یقال: إن الحاکم یفسخ نکاحهما

وفیه: إن إطلاق دلیل القرعة شامل للمقام، وقد وجد نظیره فی من نزا علی شاة فی قطیع غنم وقد اشتبهت بغیرها.

لا یقال: فلماذا لا تجری القرعة فی کل موارد الاحتیاط من العلم الإجمالی.

لأنه یقال: موارد العلم الإجمالی علی ثلاثة أقسام:

الأول: ما یکون یوجب ضرراً مالیاً، وفیه تجری قاعدة العدل، کما إذا شک فی أنه نذر دیناراً لزید أو لعمرو، أو أن علیه الخمس أو الزکاة، ولا یمکن الجمع بینهما فی مورد مصداق لهما، وقد فصلنا ذلک فی کتاب الخمس وغیره.

الثانی: ما یکون ضرراً غیر مالی کالمقام، وفیه تجری القرعة.

الثالث: ما لم یکن کأحدهما، وفیه الاحتیاط.

وإنما لا نقول به فی الأولین، لأن دلیل «لا ضرر» حاکم فی الأول، وهو بضمیمة قاعدة العدل الموجود شبهها فی درهمی الودعی وغیره یقتضی التقسیم، ودلیل القرعة حاکم فی الثانی، بضمیمة دلیل «لا ضرر»، ویوجد شبهه فی مسألة القطیع.

{وقد یقال: إن الحاکم یفسخ نکاحهما}، کما اختاره محکی القواعد فی مسألة تزویج ولیی المرأة من رجلین مع اشتباه السابق منهما، وتبعه فی جامع المقاصد لقاعدة نفی الضرر، مع أنه لا یمکن الإجبار فی الطلاق، إذ طلاق المکرَه غیر صحیح.

وفیه: إنه لا وجه لوصول النوبة إلی الحاکم، إذ قد تتسلم لبقاء الاشتباه

ص:244

ثم مقتضی العلم الإجمالی بکون إحداهما زوجة وجوب الإنفاق علیهما ما لم یطلق، ومع الطلاق قبل الدخول نصف المهر لکل منهما، وإن کان بعد الدخول فتمامه

فلا ضرر من الشارع علیها، وقد لا تتسلم فحالها حال المغبون فی أن «لا ضرر» یقتضی خیاره، وهنا تفسخ هی النکاح إن لم یکن قبل ذلک قاعدة القرعة محکمة، وإلا فلا ضرر حتی یتدارک بالفسخ، والقول بأنهم حصروا موارد الفسخ ولیس هذا منه، فیه: إن حصرهم لا دلیل علیه.

{ثم مقتضی العلم الإجمالی بکون إحداهما زوجة وجوب الإنفاق علیهما} بالتقسیم، لما تقدم فی العلم الإجمالی بالحقوق المالیة، کما إذا شک أن أیتهما بنته مثلاً، ولا تصل النوبة إلی القرعة التی ذکرها المستمسک، کما لا تصل النوبة إلیها فی ما إذا علم أنه مدیون لزید أو عمرو.

{ما لم یطلق}، أما إذا طلق فقد سقطت النفقة، کما أنه إذا أقرع وخرجت إحداهما زوجته کان الإنفاق علیها فقط، إذ لا مجال بعد القرعة لشیء آخر.

{وإن کان بعد الدخول فتمامه} مقسماً بینهما، ویدل علی هذه القاعدة بالإضافة إلی أن الأمر دائر بین أن یتضرر بإعطاء کل واحدة منهما تمام المهر، وذلک خلاف أدلة «لا ضرر»، وبین أن یرجح إحداهما وذلک ترجیح بلا مرجح بلا دلیل شرعی، وبین أن یعطی کل واحدة بالنسبة، ففی الاثنتین النصف، وفی

ص:245

الثلاثة الثلث وهکذا، إنها المستفاد من الموارد المختلفة فی الروایات:

کروایة عبد الله بن المغیرة، عن غیر واحد من أصحابنا، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجلین کان معهما درهمان، فقال أحدهما: الدرهمان لی، وقال الآخر: هما بینی وبینک، فقال: «أما الذی قال هما بینی وبینک، فقد أقر بأن أحد الدهمین لیس له وأنه لصاحبه، ویقسم الآخر بینهما»((1)).

وروایة السکونی، عن الصادق (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام)، عن رجل استودع رجلاً دینارین فاستودعه آخر دیناراً فضاع دینار منهما، فقال: «یعطی صاحب الدینارین دیناراً، ویقسم الآخر بینهما نصفین»((2)).

وروایة إسحاق بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجلین اختصما فی دابة فی أیدیهما،  _ إلی أن قال: _ فقیل له: فلو لم تکن فی ید واحد منهما وأقام البینة، فقال (علیه السلام): «احلفهما فأیهما حلف ونکل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جمیعاً جعلتها بینهما نصفین»((3)).

وروایة غیاث بن إبراهیم: «لو لم تکن فی یده جعلتها بینهما نصفین».

ونحوهما روایة تمیم بن طرفة((4)).

ص:246


1- الوسائل: ج13 ص169 الباب 9 من أبواب أحکام الصلح ح1
2- الوسائل: ج13 ص171 الباب 12 من أبواب أحکام الصلح ح1
3- الوسائل: ج18 ص183 الباب 12 من أبواب ک یفیة الح ک م وأحکام الدعوی ح1
4- الوسائل: ج18 ص183 الباب 12 من أبواب ک یفیة الح ک م وأحکام الدعوی ح3

وفی روایة یونس بن یعقوب، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة، قال (علیه السلام): «ما کان من متاع النساء فهو للمرأة، وما کان من متاع الرجال والنساء فهو بینهما»((1)).

وروایة رفاعة، قال (علیه السلام): «وما یکون للرجال والنساء قسم بینهما»((2)).

وروایة السکونی، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام)، عن علی (علیه السلام)، فی رجل أقر عند موته لفلان وفلان لأحدهما عندی ألف درهم، ثم مات علی تلک الحال، فقال علی (علیه السلام): «أیهما أقام البینة فله المال، وإن لم یقم واحد منهما البینة فالمال بینهما نصفان»((3)).

هذه ما جمعها المستمسک من الروایات، ومن المعلوم کفایتها لاستفادة قاعدة کلیة منها، فقوله: (لا یمکن التعدی منها إلی غیرها، مع ثبوت خلافها فی بعض مواردها وفی موارد أخری، کما یظهر من ملاحظة مواردها وباب إرث الغرقی والمهدوم علیهم، فالبناء علیها غیر ظاهر) انتهی. لیس علی ما ینبغی، فإن الاستفادة عرفیة، وخروج بعض الموارد بالنص من باب التخصیص، وأغلب العمومات لها تخصیص، وهناک روایات أخر کإرث الخنثی.

نعم هذا کله إن لم نقل بالقرعة، أما إن قلنا بها کما قال أو مال إلیها

ص:247


1- الوسائل: ج18 ص183 الباب 12 من أبواب ک یفیة الح ک م وأحکام الدعوی ح3
2- الوسائل: ج17 ص525 الباب 8 من أبواب میراث الزوج ح4
3- الوسائل: ج13 ص400 الباب 25 من أبواب الوصایا ح4

لکن ذکر بعضهم أنه لا یجب علیه إلاّ نصف المهر لهما، فلکل منهما الربع فی صورة عدم الدخول، وتمام أحد المهرین لهما فی صورة الدخول، والمسألة محل إشکال کنظائرها من العلم الإجمالی

القواعد وجامع المقاصد وکشف اللثام والجواهر کان کل شیء تبعاً لها.

وکیف کان، فیظهر مما تقدم صحة ما أشار إلیه المصنف بقوله: {لکن ذکر بعضهم أنه لا یجب علیه إلاّ نصف المهر لهما، فلکل منهما الربع فی صورة عدم الدخول}، إذ یقسم النصف بینهما، وإذا کان الاشتباه بین الثلاث والأربع والأکثر کان التقسیم علی حسب الکسر المشتبه فیه.

{وتمام أحد المهرین لهما فی صورة الدخول}، ومعنی کون تمام أحد المهرین لهما أنه إذا جعل مهر إحداهما عشرة ومهر الأخری عشرین، وقد حصل الدخول کان للأولی خمسة وللثانیة عشرة، وإذا کان لم یدخل بهما کان للأولی اثنان والنصف وللثانیة خمسة.

هذا ما یقتضیه کلام المصنف وسکت علیه الشراح والمعلقون.

لکن فیه: إنه لا یتم فی صورة الدخول، إذ الدخول یوجب المهر کله إذا کان عن شبهة، فالواجب علیه المهر المسمی للمعقودة، والمثل لغیر المعقودة، فلو فرضنا أن المسمی عشرة والمثل عشرون، کان اللازم أن یعطی ثلاثین لکل واحدة منهما نصفه فصاحبة العشرة زید خمسة لقاعدة العدل، وصاحبة العشرین نقصت خمسة للقاعدة.

{و} علی ماذکرناه فلیست {المسألة محل إشکال کنظائرها من العلم الإجمالی

ص:248

فی المالیات.

فی المالیات} وإن أشکل فیها المصنف وآخرون.

ومما تقدم یظهر حال ما إذا وطأ واحدة ولم یطأ الأخری فی کیفیة توزیع المهر، والله سبحانه العالم.

ص:249

مسألة ٤٤ لو اقترن عقد الأختین

(مسألة 44): لو اقترن عقد الأختین بأن تزوجهما بصیغة واحدة، أو عقد علی إحداهما ووکیله علی الأخری فی زمان واحد، بطلا معاً

(مسألة 44): {لو اقترن عقد الأختین بأن تزوجهما بصیغة واحدة} أو عقدهما وکیلاه {أو عقد علی إحداهما ووکلیه علی الأخری فی زمان واحد، بطلا معاً}، کما عن المبسوط وابنی حمزة وإدریس، واختاره الشرائع ونسب إلی أکثر المتأخرین.

واستدل لذلک بأن صحتهما غیر ممکن، فاللازم إما بطلانهما أو بطلان أحدهما معیناً أو مخیراً، وحیث لا یمکن الأخیران، لأن فی أولهما ترجیح بلا مرجح، وفی ثانیهما الجهالة حین العقد، لأبد من القول ببطلانهما، وقد یقال بصحة ما ابتدأ باسمها أولاً إن کان هناک ابتداء، لأنه یعین الأولی فلا یکون بغیر معین.

ویؤیده ما رواه دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد (علیهما السلام)، إنه سأل عن رجل تزوج أختین أو خمس نسوة فی عقدة واحدة، قال: «یثبت نکاح الأخت التی بدأ باسمها عند العقد، والأربع من النسوة اللاتی بدأ بأسمائهن، ویبطل نکاح ما سواهن، فإن لم یعلم من بدأ بأسمائهن منهن بطل النکاح کله»((1)).

وفیه: بعد ضعف الروایة، أن تقدیم الاسم لا یکون معیناً، إذ العقود تتبع القصود.

نعم ینبغی أن یقال علی القول ببطلان کلیهما إنه فیما إذا کان عقد إحداهما

ص:250


1- المستدر ک : ج2 ص580 الباب 25 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

وربما یقال: بکونه مخیراً فی اختیار أیهما شاء، لروایة

فضولیاً بأن وکلته إحداهما فقط فعقد علی کلتیهما، أو وکل الزوج أن یعقد فلانة فعقد علی کلتیهما، ولم یأذن الزوج أو المعقودة فضولة، عدم بطلان عقد منهما، لأن مرجع ذلک إلی عدم العقد إلاّ علی إحدلهما.

ولا یخفی أن العقد علی أکثر من أختین حاله حال العقد علیهما، کما أن العقد علی الأم والبنت مثلاً حاله ذلک، لوحدة المناط فی الکل، ولذا ذکر فی الروایات العقد علی الخمس ردفاً للعقد علی الأختین.

{وربما یقال} کما عن الشیخ وأتباعه والمهذب والجامع والمختلف: {بکونه مخیراً فی اختیار أیهما شاء، لروایة} صحیحة وهی صحیحة جمیل المرویة فی الفقیه، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل تزوج أختین فی عقدة واحدة، قال (علیه السلام): «یمسک أیتهما شاء ویخلی سبیل الأخری»، وقال (علیه السلام) فی رجل تزوج خمساً فی عقدة واحدة، قال: «یخلی سبیل أیتهن شاء»((1)).

ومثلها کافیة فی المقام، ولا یضر روایة الکافی لها بالإرسال، وروایة التهذیب لها بالإرسال، وبأن فی طریقه علی بن السندی المجهول، إذ تکفی روایة الفقیه، ولذا قدمها فی الوسائل فی الذکر، وأفتی بمضمونها فی عنوان الباب، وتبعه المستدرک فی عنوان الباب، بالإضافة إلی أنا نری حجیة ما فی الکافی لضمان صاحبه، فالإرسال ونحوه لا یضر بروایات الکافی فی نفسها.

ص:251


1- الوسائل: ج14 ص368 الباب 25 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

محمولة علی التخییر بعقد جدید

ولذا أفتی بذلک المستمسک، وقال: القاعدة تخصص بها، بل ربما یقال: إن ما فی الروایة هو مقتضی القاعدة، إذ العقلاء یرون التخییر فی مثل المقام، کما یرون صحة ما یقع علیه العقد دون ما لا یقع فی المعاملات إذا جمعهما فی عقدة واحدة ولم یعلم أن الشارع أحدث طریقة جدیدة، فدلیل ﴿أوفوا بالعقود﴾((1)) یشمله، مثلاً إذا باع ما یملک وما لا یملک صح العقد فیما یملک، وإذا کان مالکاً لأحد شیئین تخییر، کما إذا قال الواهب له: وهبتک أحدهما، فقال: قبلت، ثم قال الموهب له لثالث: بعتک ما أملک، یری العرف صحة العقد.

أقول: وهذا لا بأس به، وإن کان الذی یظهر من غیر واحد عدم الصحة، وعلی هذا فقوله: بأن الروایة {محمولة علی التخییر بعقد جدید} کما عن کشف اللثام غیر ظاهر الوجه، وإن سلمه المعلقون کالسادة ابن العم والبروجردی والجمال وغیرهم لسکوتهم علیه.

هذا وربما یفرق بین ما إذا عقدهما فی عقد واحد وکلیه، أو عقدهما بنفسه، أو عقدهما ولیاه أو وکیلاه، فالکلام کما تقدم، وبین ما إذا عقد إحداهما بنفسه والأخری بوکیله، بأن مقتضی القاعدة هنا صحة عقد نفسه لتأخر مرتبة عمل الوکیل عن عمل النفس، فإذا تصرف فی متعلق الوکالة بطلت الوکالة، وهذا أحوط، وإن کان دلیله بحاجة إلی التأمل.

نعم لا شک فی تقدم عقده بنفسه أو بوکیله علی عقد الفضولی، وإن أجازه

ص:252


1- سورة المائدة: الآیة 1

ولو تزوجهما وشک فی السبق والاقتران

بعد ذلک لعدم ثمر علی الإجازة إلاّ علی الکشف الحقیقی، فتأمل.

{ولو تزوجهما وشک فی السبق والاقتران}، فإن اختار إحداهما کان من العلم الإجمالی السابق فیما لو علم بسبق عقد إحداهما، لأنه إما کان اقتران فما اختارها صح عقدها، وإما سبق لمن اختارها فیصح عقدها، وإما لحوق لمن اختارها فلا یصح عقدها وإنما صح عقد السابق.

وعلیه یعلم إجمالا بصحة عقد إحداهما، ویکون المرجع القرعة کما ذکرناها.

وإن لم یختر إحداهما فالأمر مردد بین أن یکون هناک واقع مجهول، کما إذا کان سبق ولحوق واقعاً، وبین أن لا یکون، کما إذا کان تقارن واقعاً، فإن قلنا بأن «القرعة لکل أمر مشکل» جاز حتی فی ما لا واقع له کما هو مذهب بعضهم ولا بعد فیه، أقرع بینهما، وإلا أجبر علی الاختیار ثم الإقراع، بناءً علی ما ذکرناه سابقاً من الإجبار لأنه یلزم بالإمساک بالمعروف أو التسریح بالإحسان.

قال فی المستمسک: (هذا إذا کان الشک فی السبق والاقتران بالنسبة إلی کل منهما، أما إذا کان بالنسبة إلی واحدة منهما بعینها دون الأخری، بأن تردد فی العقد علی هند بین کونه سابقاً ومقارناً، وفی عقد زینب بین أن یکون لاحقاً ومقارناً، فقد علم ببطلان العقد علی زینب، إما لمقارنته أو للحقوقه) إلی آخر کلامه، وکأنه (رحمه الله) أراد مماشاة المصنف، وإلا فقد تقدم منه الصحة فی المقارنة للصحیحة المتقدمة.

وعلیه فکل عقد محتمل للصحة، أما عقد هند فصحته من حیث السبق أو المقارنة مع الاختیار.

ص:253

حکم ببطلانهما أیضاً.

وأما عقد زینب فصحته من حیث المقارنة مع الاختیار، وعلیه یلزم عقد هند إن اختاره، لأنه إما سابق وإما مقارن مختار، أما إذا اختار عقد زینب لم یعلم بالصحة، لأن أصل عدم المقارنة یسقط بأصل عدم التأخر، وإذا ما علم بالمقارنة الذی هو موضوع الاختیار لم یصحح اختیاره زوجیتها.

ثم إنه علم مما تقدم أنه فی صورة المقارنة یجب اختیار إحداهما، للزوم الإمساک بالمعروف لمن یریدها بعد صحة العقد بالنسبة إلی إحداهما.

وکیف کان، فقول المصنف: {حکم ببطلانهما أیضاً} محل إشکال.

ص:254

مسألة ٤٥ لو وطأ إحدی الأختین المملوکتین

(مسألة 45): لو کان عنده أختان مملوکتان فوطأ إحداهما حرمت علیه الأخری حتی تموت الأولی أو یخرجها عن ملکه ببیع أو صلح أو هبة أو نحوها ولو بأن یهبها من ولده، والظاهر کفایة التملیک الذی له فیه الخیار، وإن کان الأحوط اعتبار لزومه، ولا یکفی علی الأقوی ما یمنع من المقاربة مع بقاء الملکیة کالتزویج

(مسألة 45): {لو کان عنده أختان مملوکتان فوطأ إحداهما حرمت علیه الأخری حتی تموت الأولی أو یخرجها عن ملکه} کما تقدم فی المسألة التاسعة والثلاثین، ویدل علیه النص والإجماع.

فلو ماتت أو خرجت عن ملکه {ببیع أو صلح أو هبة أو نحوها، ولو بأن یهبها من ولده}، حلت علیه الأخری، وإنما نص علی یهبها لولده لقوله (علیه السلام) فی صحیح ابن سنان: «فإن وهبها لولده یجزیه».

{والظاهر کفایة التملیک الذی له فیه الخیار}، لإطلاق الأدلة، خصوصاً ما ورد فیها من «یهبها» والهبة جائزة غالباً.

{وإن کان الأحوط اعتبار لزومه} لاحتمال أن یراد بالإخراج عن الملک إخراج الانقطاع، ومع الخیار لا انقطاع، لکنه احتیاط استحبابی کما هو واضح.

{ولا یکفی} فی حلیة الثانیة {علی الأقوی} خلافاً للعلامة فی بعض کتبه إشکالاً أو اختیاراً فی الجملة {ما یمنع من المقاربة مع بقاء الملکیة کالتزویج

ص:255

للغیر والرهن والکتابة ونذر عدم المقاربة ونحوها، ولو وطأها من غیر إخراج للأولی لم یکن زنا، فلا یحد ویلحق به الولد، نعم یعزر.

للغیر والرهن والکتابة ونذر عدم المقارنة ونحوها}، وإنما کان الأقوی عدم الکفایة لأن الدلیل دل علی أن التحلیل إنما یکون بالخروج عن الملک، وهو غیر حاصل فی الفروض المذکورة، ووجه الإشکال أن المعیار عدم الإمکان شرعاً من الوطی، وهو کما یحصل بالإخراج من الملک یحصل بالأمور المذکورة.

{ولو وطأها من غیر إخراج للأولی لم یکن زنا} کما تقدم فی المسألة التاسعة والثلاثین {فلا یحد} حد الزنا {ویلحق به الولد} لأن الولد المنعقد فی حال مثل الحیض والإحرام ملحق بالواطی.

{نعم یعزر} لفعله الحرام، کما یعزر کل فاعل للحرام.

ص:256

مسألة ٤٦ فروع الجمع بین الأختین

(مسألة 46): إذا وطأ الثانیة بعد وطی الأولی، حرمتا علیه مع علمه بالموضوع والحکم، وحینئذ فإن أخرج الأولی عن ملکه حلت الثانیة له مطلقاً، وإن کان ذلک بقصد الرجوع إلیها، وإن أخرج الثانیة عن ملکه یشترط فی حلیة الأولی أن یکون إخراجه لها لا بقصد الرجوع إلی الأولی، وإلا لم تحل،

(مسألة 46): {إذا وطأ الثانیة بعد وطی الأولی، حرمتا علیه مع علمه بالموضوع} وأنهما أختان {والحکم} أن وطیهما حرام علیه، لما فی صحیح الحلبی من حرمتهما جمیعاً بعد وطی الثانیة عمداً.

{وحینئذ فإن أخرج الأولی عن ملکه حلت الثانیة له مطلقا} کما تقدم فی المسألة السابقة، {وإن کان ذلک} الإخراج {بقصد الرجوع إلیها} وذلک لإطلاق الدلیل الشامل لکلا صورتی الإخراج {وإن أخرج الثانیة عن ملکه یشترط فی حلیة الأولی أن یکون إخراجه لها لا بقصد الرجوع إلی الأولی، وإلا لم تحل}، ویدل علیه خبر أبی الصباح الکنانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: سألته عن رجل عنده أختان مملوکتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخری، فقال (علیه السلام): «إذا وطأ الأخری فقد حرمت علیه الأولی حتی تموت الأخری»، قلت: أریت إن باعها، فقال (علیه السلام): «إن کان إنما یبیعها لحاجة ولا یخطر علی باله من الأخری شیء فلا أری بذلک بأساً، وإن کان إنما یبیعها لیرجع إلی الأولی فلا»((1)).

ص:257


1- الوسائل: ج14 ص374 الباب 29 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح9

وأما فی صورة الجهل بالحرمة موضوعاً أو حکماً، فلا یبعد بقاء الأولی علی حلیتها والثانیة علی حرمتها، وإن کان الأحوط عدم حلیة الأولی إلاّ بإخراج الثانیة، ولو کان بقصد الرجوع إلی الأولی، وأحوط من ذلک کونها کصورة العلم.

{وأما فی صورة الجهل بالحرمة موضوعاً أو حکماً}، أی إن جهل بأنهما معاً حرام علیه، إما لجهله بأنهما أختان أو لجهله بأن الأختین معاً محرم، {فلا یبعد بقاء الأولی علی حلیتها، والثانیة علی حرمتها}، فقوله (علیه السلام) فی صحیح الحلبی: «إذا وطأ الأخیرة بجهالة لم تحرم علیه الأولی، وإن وطأ الأخیرة وهو یعلم أنها علیه حرام حرمتا علیه جمیعاً». ظاهر فی أنه مع الجهل لا تحرم الأولی.

{وإن کان الأحوط حلیة الأولی إلاّ بإخراج الثانیة، ولوکان بقصد الرجوع إلی الأولی، وأحوط من ذلک کونها کصورة العلم}، وقد اختصرنا فی هاتین المسألتین لعدم کونهما محل الابتلاء فی الحال الحاضر، والله المستعان.

ص:258

مسألة ٤٧ لو کانت الأختان من الزنا

(مسألة 47): لو کان الأختان کلتاهما أو إحداهما من الزنا، فالأحوط لحوق الحکم من حرمة الجمع بینهما فی النکاح والوطی إذا کانتا مملوکتین.

(مسألة 47): {لو کان الأختان کلتاهما أو إحداهما من الزنا فالأحوط} إن لم یکن أقوی {لحوق الحکم من حرمة الجمع بینهما فی النکاح والوطی إذا کانتا مملوکتین} وذلک لأن الأدلة الدالة علی حرمة النسب ونحوه شامل لما یسمی به عرفاً، کسائر الموضوعات التی یکون المرجع فیها العرف، فکما لا تصح تزویج ولد الزنا بأمه وخالته وبنته ونحوهن من الزنا، کذلک لا یصح تزویج الأختین من الزنا.

قال فی المستند فی مسألة النسب: (سواء کان نسباً شرعیاً أو نسباً غیر شرعی وهو اتصاله بالزنا إجماعاً قطعیاً، بل ضرورة دینیة فی الأولی، وإجماعاً محکیاً حکاه الشیخ فی الخلاف والفاضل فی التذکرة والمحقق الثانی فی شرح القواعد والهندی فیه أیضاً، وفی الکفایة لا أعرف فیه خلافاً بین الأصحاب، وفی المفاتیح نسبه إلی ظاهر أصحابنا فی الثانی، کل ذلک بعد الإجماع فیما ثبت فیه الإجماع لصدق النسبة عرفاً ولغةً، وأصالة عدم النقل، فتشمله الآیة، ویتعدی إلی غیر من ذکر فیها إن لم یشمل الجمیع بالإجماع المرکب، ولا یضر عدم ثبوت سائر أحکام النسب بالنسب الحاصل من الزنا کالتوارث وإباحة النظر والانعتاق وارتفاع القصاص وتحریم حلیلة الابن والجمع بین الأختین ونحوها، لأنه إنما هو بدلیل خارجی دال علی تعلقها بالنسبة الشرعیة خاصة).

ص:259

أقول: لم یظهر لی الدلیل الخاص الدال علی جواز حلیلة الابن من الزنا، وعلی جواز الجمع بین الأختین منه، بل ما ذکره أولا من استفادة النسب العرفی دالة علی حرمتهما أیضاً.

ومما ذکرناه وذکره المستند یظهر ضعف ما فی المستمسک، من (أنه خلاف المتسالم علیه عندهم من نفی النسب بالزنا کما یقتضیه قوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الولد للفراش وللعاهر الحجر»((1))، فإن الظاهر منه أنه وارد فی مقام بیان الحکم الواقعی من نفی النسب عن العاهر واقعاً)، ثم استدل بما ورد من أن ولد الزنا لایرث، ثم قال: (لکن المستفاد من بعض الروایات ومن مذاق الشرع الأقدس أن حرمة النکاح والوطی تابعة للنسب العرفی فلا حظ ما ورد فی الاستنکار لأن یکون أولاد آدم قد تزوجوا أخواتهم، وأن تحریم النکاح من الأحکام الإنسانیة لا من الأحکام الشرعیة تعبداً) انتهی.

فإنه یرد علیه أولاً: إن التسالم علی نفی النسب بالزنا فی الجملة لا یرتبط بالمقام، کما عرفت الإجماعات المتعددة فی المقام علی أن الزنا کالنسب الصحیح فی الحرمة.

وثانیاً: إن قوله (صلی الله علیه وآله وسلم) إنما هو فیما إذا تردد الأمر، لا ما إذا علم أنه لیس للفراش، فلا ربط له بالمقام.

نعم استدلال الإمام (علیه السلام) به علی عدم إرث ولد الزنا یدل علی إرادته (صلی الله علیه وآله وسلم) العموم، لکن لابد من إرادته (صلی الله علیه وآله وسلم)

ص:260


1- الوسائل: ج14 ص565 الباب 56 من أبواب ن ک اح العبید ح1

فی الجملة، لما عرفت من الإجماعات المتکررة علی عدم الفرق فی النکاح بین النسب الصحیح وبین الزنا، فتأمل.

وثالثاً: لم یظهر وجه مثاله بقصة أولاد آدم (علیه السلام)، فإنهم کانوا بالنکاح الصحیح، کما أنه لم یظهر وجه قوله: (مذاق الشرع)، إذ لو أراد ما إذا کان العقل یحکم بالقبح فالشرع یحکم به، لقاعدة کلما حکم به العقل حکم به الشرع، حیث إن الأحکام تابعة للمصالح، فإذا کشف العقل المصلحة فقد کشف علة الحکم، وبکشفه لها ینکشف الحکم، وهذه القاعدة هی التی عبر عنها بعض السنة من أنه حیثما کانت المصلحة کان حکم الله، أرادوا کشف العقل المصلحة بالحسن القطعی الواصل إلی حد اللزوم عقلاً وکشفه المفسدة کذلک، ففیه: إن حرمة نکاح مثل الأختین مثلاً لیس من القبائح عقلاً، ولذا کان جائزاً فی بعض الشرایع.

ففی روایة مروان بن دینار، قال: قلت لأبی إبراهیم (علیه السلام): لأی علة لا یجوز للرجل أن یجمع بین الأختین، قال (علیه السلام): «لتحصین الإسلام، وفی سائر الأدیان یری ذلک»((1)).

وإن أراد الاستحسان، ففیه إنه لا یصلح دلیلا.

نعم یبقی علی المسألة ما ربما یقال: من استنکار المسلمین إلحاق معاویة زیاداً

ص:261


1- الوسائل: ج14 ص367 الباب 24 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح3

بنسبه، فإنه إذا لم یکن مانع عن وجود النسب، فلماذا استنکره المسلمون مستدلین بقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الولد للفراش»((1))، ویمکن أن یرد بأن أم زیاد کانت مزوجة زنی بها أبو سفیان، فالولد کان شرعاً لزوجها، لا لأبی سفیان.

وکیف کان، اللازم القول بحرمة النکاح وجواز النظر فی مثل البنت المخلوقة من ماء الزانی، ونظر الأم لولدها کذلک إلی غیرهما، والدلیل فی الکل هو وجود النسب العرفی الذی لا یرد علیه إلاّ قوله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وهو مجمل من هذا الحیث، والله العالم.

ص:262


1- الوسائل: ج14 ص569 الباب 58 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح4

مسألة ٤٨ إذا طلق الأخت رجعیا

(مسألة 48): إذا تزوج بإحدی الأختین ثم طلقها طلاقاً رجعیاً لا یجوز له نکاح الأخری إلاّ بعد خروج الأولی عن العدة

(مسألة 48): {إذا تزوج بإحدی الأختین ثم طلقها طلاقاً رجعیاً لا یجوز له نکاح الأخری إلاّ بعد خروج الأولی عن العدة} بلا إشکال ولا خلاف، کما ادعاه الجواهر، وسکت علیه المستمسک.

ویدل علیه بالإضافة إلی أن المطلقة رجعیة زوجة، جملة من الروایات:

کخبر أبی الصباح الکنانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن رجل اختلعت منه امرأته أیحل له أن یخطب أختها قبل أن تنقضی عدتها، قال: «إذا برئت عصمتها منه ولم کن له علیها رجعة، فقد حل أن یخطب أختها»((1)).

وخبر زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، فی رجل طلق امرأته وهی حبلی، أیتزوج أختها قبل أن تضع، قال (علیه السلام): «لا یتزوجها حتی یخلو أجلها»((2)) (بطنها خ ل) حیث إنه ظاهر فی الطلاق الرجعی لمکان الحمل.

وروایة الدعائم، عن علی (علیه السلام)، إنه قال: «إذا طلق الرجل المرأة لم یتزوج أختها حتی تنقضی عدتها»((3)).

وفی روایة الجعفریات، بسنده إلی علی (علیه السلام)، إنه قال: «علی الرجل خمس عدات» إلی أن قال: «والرجل یطلق المرأة فیرید أن یتزوج أختها، والرجل

ص:263


1- الوسائل: ج14 ص370 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- الوسائل: ج14 ص371 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2
3- المستدرک: ج2 ص580 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

وأما إذا کان بائناً بأن کان قبل الدخول أو ثالثاً أو کان الفراق بالفسخ لأحد العیوب أو بالخلع و المباراة جاز له نکاح الأخری، والظاهر عدم صحة رجوع الزوجة فی البذل بعد تزویج أختها کما سیأتی فی باب الخلع إن شاء الله،

یطلق المرأة فیرید أن یتزوج عمتها أو خالتها، فلیس له أن یتزوج حتی تنقضی عدة التی طلق» الخبر((1)).

{وأما إذاکان بائناً بأن کان قبل الدخول} حیث لا عدة أصلاً، وکذا فی الصغیرة والیائسة.

{أو ثالثاً} لا یحق له الرجول إلاّ بعد المحلل.

{أو کان الفراق بالفسخ لأحد العیوب} بعد أن دخل، أما إذا لم یدخل فهو داخل فی قوله: (قبل الدخول).

{أو بالخلع والمباراة جاز له نکاح الأخری} بلا إشکال ولا خلاف، إذ لا عدة فی بعضها والعدة فی الآخر لیست مانعة، لأنه لیس من الجمع بین الأختین، وفی ما تقدم من خبر الکنانی دلالة علیه.

{والظاهر عدم صحة رجوع الزوجة فی البذل بعد تزویج أختها، کما سیأتی فی باب الخلع إن شاء الله}، قالوا: لأن المال فی قبال البضع، فإذا تعذر إعطاء البضع لأنه جمع بین الأختین، تعذر أخذ المال بسبب الرجوع.

لکن یرد علیه: إن الرجوع فی المال لیس معناه إعطاء البضع، بل للزوج فی صورة عدم المانع أن یرجع، فإذا کان له مانع فی الرجوع، لأنه أخذ الخامسة أو الأخت أو العمة أو الخالة أو

ص:264


1- المستدر ک : ج2 ص580 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح2

نعم لو کان عنده إحدی الأختین بعقد الانقطاع وانقضت المدة لا یجوز له علی الأحوط نکاح أختها فی عدتها، وإن کانت بائنة للنص الصحیح

ما أشبه ذلک، لم یکن لإطلاقات أدلة الرجوع فی البذل مانع.

وکذا إذا صار مجنوناً أو أغمی علیه أو ما أشبه مما لا یتمکن معه من الرجوع، ولم تعلم المرأة ولیه بذلک، وکذا فیما إذا نذر عدم الرجوع أو حلف أو عاهد أو شرط فی ضمن عقد أو أمره من تجب علیه إطاعته، فتأمل.

{نعم لوکان عنده إحدی الأختین بعقد الانقطاع وانقضت المدة لا یجوز له علی الأحوط نکاح أختها فی عدتها، وإن کانت بائنة، للنص الصحیح}، لما رواه الحسین بن سعید، قال: قرأت فی کتاب رجل إلی أبی الحسن الرضا (علیه السلام)، الرجل یتزوج المرأة متعة إلی أجل مسمی فینقضی الأجل بینهما، هل یحل له أن ینکح أختها من قبل أن تنقضی عدتها، فکتب: «لا یحل له أن یتزوجها حتی تنقضی عدتها»((1)) کذا رواه الشیخ فی التهذیب.

ونحوه رواه الکافی والفقیه ونوادر محمد بن أحمد بن عیسی.

وفی المقنع: «فإذا تزوجت امرأة متعة إلی أجل مسمی، فلما انقضی أجلها أحببت أن تتزوج أختها فلا تحل لک حتی تنقضی عدتها»((2)).

وعن نهایة المرام: إن العمل به متعین، وإن رماه

ص:265


1- الوسائل: ج14 ص369 الباب 22 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1
2- المستدر ک : ج2 ص580 الباب 26 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح4

والظاهر أنه کذلک إذا وهب مدتها وإن کان مورد النص انقضاء المدة.

السرائر بالشذوذ ومخالفة أصول المذهب، وفی المستمسک: (إن مقتضی القواعد الجواز، لإعراض الأصحاب عنها)، لکن الإعراض والشذوذ کلاهما محل نظر، ولذا سکت السادة ابن العم والبروجردی والجمال وغیرهم علی المتن.

أما إشکال أنه یقتضی علی الجواز الجمع بین الأختین، ففی ساعة یتمتع بهذه مع الدخول، وفی ساعة بالثانیة وهکذا، مع أن مناط الجمع بینهما موجود فی المقام، وأنه یقتضی أن تکون الأختان بل الأخوات ذوات حمل منه فی وقت واحد، ولذا ینقل أن الماتن (رحمه الله) قال لإنسان فعل ذلک: کیف تحمل أختان منک، فیه: إنها بالاستحسان أشبه.

{والظاهر أنه کذلک إذا وهب مدتها، وإن کان مورد النص انقضاء المدة} لوحدة المناط فی المقامین عرفاً.

ومما تقدم یعلم حکم ما إذا طلق الأخت بائناً وأراد متعة الأخت، وکذا بالعکس.

ص:266

مسألة ٤٩ إذا زنی بإحدی الأختین

(مسألة 49): إذا زنی بإحدی الأختین جاز له نکاح الأخری فی مدة استبراء الأولی، وکذا إذا وطأها شبهة جاز له نکاح أختها فی عدتها لأنها بائنة، نعم الأحوط اعتبار الخروج عن العدة خصوصاً فی صورة کون الشبهة من طرفه والزنا من طرفها، من جهة الخبر الوارد فی تدلیس الأخت التی نامت فی فراش أختها بعد لبسها لباسها.

(مسألة 49): {إذا زنی بإحدی الأختین جاز له نکاح الأخری فی مدة استبراء الأولی} للأصل بعد عدم الدلیل علی العدة، بل ظاهر حصر عدة الرجل فی روایة الجعفریات المتقدمة فی خمس أنه لا عدة له فی غیرها.

{وکذا إذا وطأها شبهة جاز له نکاح أختها فی عدتها لأنها بائنة} وقد تقدم أن عدة البائنة لا تمنع من نکاح الأخت الثانیة، فإذا کان کذلک فی الوطی بالعقد کان کذلک وطی الشبهة بطریق أولی، بالإضافة إلی إطلاق أدلة الزواج وخیر الجعفریات المتقدم.

{نعم الأحوط اعتبار الخروج عن العدة} للمناط فی صحیح برید الأتی {خصوصاً فی صورة کون الشبهة من طرفه والزنا من طرفها، من جهة الخبر الوارد فی تدلیس الأخت التی نامت فی فراش أختها بعد لبسها لباسها}.

ففی صحیح برید العجلی، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة فزفت إلیه أختها وکانت أکبر منها، فأدخلت منزل زوجها لیلاً فعمدت إلی ثیاب امرأته فنزعتها منها ولبستها، ثم قعدت فی حجرة أختها ونحت امرأته وأطفأت المصباح واستحیت الجاریة أن تتکلم، فدخل الزوج الحجلة فواقعها وهو یظن أنها امرأته

ص:267

التی تزوجها، فلما أن أصبح الرجل قامت إلیه امرأته، فقالت: أنا امرأتک فلانة التی تزوجت، وإن أختی مکرت بی فأخذت ثیابی فلبستها وقعدت فی الحجلة ونحتنی، فنظر الرجل فی ذلک فوجد کما ذکر، فقال (علیه السلام): «أری أن لا مهر للتی دلست نفسها، وأری أن علیها الحد لما فعلت حد الزانی غیر محصن، ولا یقرب الزوج امرأته التی تزوج حتی تنقضی عدة التی دلست نفسها، فإذا انقضت عدتها ضم إلیه امرأته»((1)).

قالوا: وحیث إن الأصحاب أعرضوا عن هذا الصحیح، لعدم تعرضهم لمضمونه فلا یعمل به.

لکن المسألة بحاجة إلی التتبع والتأمل، وإلا فمجرد عدم التعرض لا یوجب صدق الإعراض، والاحتیاط العمل بمضمونها.

ص:268


1- الوسائل: ج14 ص604 الباب 9 من أبواب العیوب والتدلیس ح1

مسألة ٥٠ جواز الجمع بین فاطمیتین

(مسألة 50): الأقوی جواز الجمع بین فاطمیتین علی کراهة، وذهب جماعة من الأخباریة إلی الحرمة والبطلان بالنسبة إلی الثانیة، ومنهم من قال بالحرمة دون البطلان، فالأحوط الترک، ولو جمع بینهما فالأحوط طلاق الثانیة أو طلاق الأولی وتجدید العقد

(مسألة 50): {الأقوی جواز الجمع بین فاطمیتین}، وهو المعروف بین الأصحاب، کما فی المستمسک، ولم أجد أحداً من قدماء الأصحاب ولا متأخریهم ذکر ذلک فی المکروهات، فضلاً عن المحرمات کما فی الجواهر.

{علی کراهة} لظاهر النص الآتی المحمول علی الکراهة، لإعراض المشهور عنه.

{وذهب جماعة من الأخباریة إلی الحرمة والبطلان بالنسبة إلی الثانیة} کما فی الحدائق، قال: والتحقیق أن هذه المسألة مثل مسألة الجمع بین الأختین حذو النعل بالنعل، وحینئذ فالمخرج منها کما تقدم ثمة، وهو أن یفارق الثانیة، وإن طلقها فهو أولی.

{ومنهم من قال: بالحرمة دون البطلان} کما عن الشیخ جعفر بن کمال الدین، وکأنه لأن النص لا یدل علی البطلان، وإنما دل علی الحرمة، فاللازم الاقتصار علی موضعه.

{فالأحوط} احتیاطاً مستحباً {الترک}.

وهل یشمل ذلک ما لوکان الانتساب إلیها بواسطة الأم مثلا، احتمالان، لا یبعد ذلک لصدق (ولد) فی النص علیه.

{ولو جمع بینهما فالأحوط طلاق الثانیة أو طلاق الأولی وتجدید العقد

ص:269

علی الثانیة بعد خروج الأولی عن العدة، وإن کان الأظهر _ علی القول بالحرمة _ عدم البطلان لأنها تکلیفیة، فلا تدل علی الفساد.

ثم الظاهر عدم الفرق فی الحرمة أو الکراهة بین کون الجامع بینهما فاطمیاً أو لا، کما أن الظاهر اختصاص الکراهة أو الحرمة بمن کانت فاطمیة من طرف الأبوین أو الأب، فلا تجری فی المنتسب إلیها (صلوات الله علیها) من طرف الأم،

علی الثانیة بعد خروج الأولی عن العدة،} ولکن ربما یرد علیه إن الطلاق ثبت کراهته کراهة شدیدة فلا دلیل علی أن کراهة التزویج بهما تقاوم شدة کراهة الطلاق، ولعل المشقة علیها (علیها السلام) من طلاق ولدها أکثر من مشقة جمعها مع مثلها.

{وإن کان الأظهر _ علی القول بالحرمة _ عدم البطلان، لأنها} کما یراه العرف من ظاهر النص {تکلیفیة، فلا تدل علی الفساد}، إذ لا قصور فی موضوع العقد لتدل علی الفساد، وإنما هو لإجل الإیذاء وهو لا یوجب الفساد، کما لو کانت المعاملة توجب إیذاء مؤمن.

{ثم الظاهر} من إطلاق النص {عدم الفرق فی الحرمة أو الکراهة بین کون الجامع بینهما فاطمیاً أو لا}، کما لا فرق بین أن یکون ذلک بالدوام أو بالمتعة أو بالاختلاف للإطلاق.

{کما أن الظاهر} عند المصنف {اختصاص الکراهة أو الحرمة بمن کانت فاطمیة من طرف الأبوین أو الأب، فلا تجری فی المنتسب إلیها (صلوات الله علیها) من طرف الأم} لأن المنصرف من (ولد) من کان من طرف الأب، ولأنه

ص:270

خصوصاً إذا کان انتسابها إلیها بإحدی الجدات العالیات، وکیف کان فالأقوی عدم الحرمة، وإن کان النص الوارد فی المنع صحیحاً علی ما رواه الصدوق فی العلل بإسناده عن حماد، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «لا یحل لأحد أن یجمع بین اثنتین من ولد فاطمة (علیها السلام) إن ذلک یبلغها فیشق علیها، قلت: یبلغها، قال: «أی والله».

لو کره أو حرم کل منتسب لزم عدم الجمع _ کراهة أو حرمة _ فی کثیر من الناس لانتسابهم إلیها (علیها السلام) ولو بسبب جدة ونحوها.

{خصوصاً إذا کان انتسابها إلیها بإحدی الجدات العالیات}.

وهل ولد الزنا منهن لها ذلک الحکم، احتمالان، من أن للعاهر الحجر، ومما تقدم من وجود الانتساب لغةً، والشارع لم یحدث فی الموضوع شرطاً.

{وکیف کان، فالأقوی عدم الحرمة، وإن کان النص الوارد فی المنع صحیحاً، علی ما رواه الصدوق فی العلل} کما وراه الشیخ أیضاً بسند غیر صحیح، {بإسناده عن حماد، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «لا یحل لأحد أن یجمع بین اثنتین من ولد فاطمة (علیها السلام) إن ذلک یبلغها فیشق علیها، قلت: یبلغها، قال: «أی والله»}((1)).

ص:271


1- الوسائل: ج14 ص387 الباب 40 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة ح1

وذلک لإعراض المشهور عنه، مع أن تعلیله ظاهر فی الکراهة، إذ لا نسلم أن مطلق کون ذلک شاقاً علیها إیذاء لها، حتی یدخل فی قوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «من آذاها فقد آذانی».

أقول: أما من لم تکن من ولدها ولوکانت من ولد علی (علیه السلام) فلیس لها هذا الحکم، کما هو ظاهر.

وإنما حملناها علی الکراهة {وذلک لإعراض المشهور عنه} عملاً، والسیرة علی خلافه، حتی أن الوسائل تردد فی الحکم فی عنوان الباب {مع أن تعلیله ظاهر فی الکراهة}.

إذ یرد علیه أولاً: إنه لیس کل جمع شاقاً، إذا لم تکن مشقة علی نفس الفاطمیتین، فإن المنصرف ما لوکانت مشقة.

وثانیاً: إن مشقة بقائها بدون زوج أکثر من مشقة کونهما ضرتین، ولذا یشکل القول بالکراهة فی هاتین الصورتین.

وثالثا: بما ذکره (رحمه الله): {إذ لا نسلم أن مطلق کون ذلک شاقاً علیها إیذاءً لها، حتی یدخل فی قوله (صلی الله علیه وآله): «من آذاها فقد آذانی»}((1))، إذ لیس کل مشقة أذیة، فإن الدراسة والتجارة ربما کانت مشقة ولا یقال لها إنها ‘یذاء، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

والعمدة ما ذکرناه من الإعراض والسیرة، ولعل مراد الإمام (علیه السلام) بعض أولادها (علیها السلام) القریبات، کمن کن فی زمانهم (علیهم السلام).

ص:272


1- البحار: ج10 ص9

أما رمی الأمر بکونه بدعة، وأن من المحتمل أنه من مجعولات ابن الخطاب، فهو خلاف وجود الخبر الصحیح.

ومما تقدم ظهر حال المتصلة إلیها بواسطة زینب وأم کلثوم (علیهما السلام).

ص:273

مسألة ٥١-٥٧ مسائل فی تزویج الأمة

(مسألة 51): الأحوط ترک تزویج الأمة دواماً مع عدم الشرطین، من عدم التمکین من المهر للحرة وخوف العنت بمعنی المشقة أو الوقوع فی الزنا، بل الأحوط ترکه متعة أیضاً، وإن کان القول بالجواز فیها غیر بعید.

وأما مع الشرطین فلا إشکال فی الجواز، لقوله تعالی: ﴿ومن لم یستطع﴾((1)) إلی آخر الآیة، ومع ذلک الصبر أفضل فی صورة عدم خوف الوقوع فی الزنا، کما لا إشکال فی جواز وطیها بالملک، بل وکذا بالتحلیل، ولا فرق بین القن وغیره، نعم الظاهر جوازه فی المبعضة لعدم صدق الأمة علیها، وإن لم یصدق الحرة أیضاً.

(مسألة 52): لو تزوجها مع عدم الشرطین فالأحوط طلاقها، ولو حصلا بعد التزویج جدد نکاحها إن أراد علی الأحوط.

(مسألة 53): لو تحقق الشرطان فتزوجها ثم زالا أو زال أحدهما لم یبطل ولا یجب الطلاق.

(مسألة 54): لو لم یجد الطول أو خاف العنت، ولکن أمکنه الوطی بالتحلیل أو بملک الیمین یشکل جواز التزویج.

(مسألة 55): إذا تمکن من تزویج حرة لا یقدر علی مقاربتها

ص:274


1- سورة النساء: الآیة 25

لمرض أو رتق أو قرن أو صغر أو نحو ذلک، فکما لم یتمکن، وکذا لو کانت عنده واحدة من هذه أو کانت زوجته الحرة غائبة.

(مسألة 56): إذا لم تکفه فی صورة تحقق الشرطین أمة واحدة یجوز الاثنتین، أما الأزید فلا یجوز کما سیأتی.

(مسألة 57): إذا کان قادراً علی مهر الحرة لکنها ترید أزید من مهر أمثالها بمقدار یعد ضرراً علیه، فکصورة عدم القدرة لقاعدة نفی الضرر، نظیر سائر المقامات کمسألة وجوب الحج إذا کان مستطیعاً ولکن یتوقف تحصیل الزاد والراحلة علی بیع بعض أملاکه بأقل من ثمن المثل أو علی شراء الراحلة بأزید من ثمن المثل، فإن الظاهر سقوط الوجوب، وإن کان قادراً علی ذلک، والأحوط فی الجمیع اعتبار کون الزیادة مما یضر بحاله لا مطلقاً.

ص:275

ص:276

فصل فی نکاح الإماء

فصل

فی نکاح الإماء

الأقوی جواز نکاح الأمة علی الحرة مع إذنها، والأحوط اعتبار الشرطین، من عدم الطول وخوف العنت، وأما مع عدم إذنها فلا یجوز، وإن قلنا فی المسألة المتقدمة بجواز عقد الأمة مع عدم الشرطین، بل هو باطل.

نعم لو أجازت بعد العقد صح علی الأقوی، بشرط تحقق الشرطین علی الأحوط.

ولا فرق فی المنع بین کون العقدین دوامیین أو انقطاعیین أو مختلفین، بل الأقوی عدم الفرق بین إمکان وطی الحرة وعدمه لمرض أو قرن أو رتق إلاّ مع عدم الشرطین.

نعم، لا یبعد الجواز إذا لم تکن الحرة قابلة للإذن لصغر أو جنون، خصوصاً إذا کان عقدها انقطاعیاً، ولکن الأحوط مع ذلک المنع.

وأما العکس، وهو نکاح الحرة علی الأمة فهو جائز ولازم إذا

ص:277

کانت الحرة عالمة بالحال، وأما مع جهلها فالأقوی خیارها فی بقائها مع الأمة وفسخها ورجوعها إلی أهلها.

والأظهر عدم وجوب إعلامها بالحال، فعلی هذا لو أخفی علیها ذلک أبداً لم یفعل محرماً.

(مسألة 1): لو نکح الحرة والأمة فی عقد واحد مع علم الحرة صح، ومع جهلها صح بالنسبة إلیها، وبطل بالنسبة إلی الأمة إلاّ مع إجازتها، وکذا الحال لو تزوجهما بعقدین فی زمان واحد علی الأقوی.

(مسألة 2): لا إشکال فی جواز نکاح المبعضة علی المبعضة، وأما علی الحرة ففیه إشکال، وإن کان لا یبعد جوازه لأن الممنوع نکاح الأمة علی الحرة، ولا یصدق الأمة علی المبعضة، وإن کان لا یصدق أنها حرة أیضاً.

(مسألة 3): إذا تزوج الأمة علی الحرة فماتت الحرة أو طلقها أو وهب مدتها فی المتعة أو انقضت لم یثمر فی الصحة، بل لابد من العقد علی الأمة جدیداً إذا أراد.

(مسألة 4): إذا کان تحته حرة فطلقها طلاقاً بائناً یجوز له نکاح الأمة فی عدتها، وأما إذا کان الطلاق رجعیاً ففیه إشکال، وإن کان لا یبعد الجواز لانصراف الأخبار عن هذه الصورة.

ص:278

(مسألة 5): إذا زوجه فضولی حرة فتزوج أمة، ثم أجاز عقد الفضولی فعلی النقل لا یکون من نکاح الأمة علی الحرة فلا مانع منه، وعلی الکشف مشکل.

(مسألة 6): إذا عقد علی حرة وعقد وکیله علی أمة، وشک فی السابق منهما لا یبعد صحتهما، وإن لم تجز الحرة، والأحوط طلاق الأمة مع عدم إجازة الحرة.

(مسألة 7): لو شرط فی عقد الحرة أن تأذن فی نکاح الأمة علیها صح، ولکن إذا لم تأذن لم یصح، بخلاف ما إذا شرط علیها أن یکون له نکاح الأمة.

ص:279

ص:280

فصل فی نکاح العبید

فصل

فی نکاح العبید والإماء

(مسألة 1): أمر تزویج العبد والأمة بید السید، فیجوز له تزویجهما ولو من غیر رضاهما، أو إجبارهما علی ذلک، ولا یجوز لهما العقد علی نفسهما من غیر إذنه، کما لا یجوز لغیرهما العقد علیهما کذلک، حتی لو کان لهما أب حر، بل یکون إیقاع العقد منهما أو من غیرهما علیهما حراماً إذا کان ذلک بقصد ترتیب الأثر، ولو لا مع إجازة المولی. نعم لو کان ذلک بتوقع الإجازة منه فالظاهر عدم حرمته، لأنه لیس تصرفاً فی مال الغیر عرفاً، کبیع الفضولی مال غیره.

وأما عقدهما علی نفسهما من غیر إذن المولی ومن غیرهما بتوقع الإجازة فقد یقال بحرمته لسلب قدرتهما، وإن لم یکونا مسلوبی العبارة، لکنه مشکل لانصراف سلب القدرة عن مثل ذلک.

وکذا لو باشر أحدهما العقد للغیر بإذنه أو فضولة فإنه لیس بحرام علی الأقوی،

ص:281

وإن قیل بکونه حراماً.

(مسألة 2): لو تزوج العبد من غیر إذن المولی وقف علی إجازته، فإن أجاز صح، وکذا الأمة علی الأقوی، والإجازة کاشفة، ولا فرق فی صحته بها بین أن یکون بتوقعها أو لا، بل علی الوجه المحرم، ولا یضره النهی لأنه متعلق بأمر خارج متحد.

والظاهر اشتراط عدم الرد منه قبل الإجازة فلا تنفع الإجازة بعد الرد.

وهل یشترط فی تأثیرها عدم سبق النهی من المولی فیکون النهی السابق کالرد بعد العقد أو لا، وجهان، أقواهما الثانی.

(مسألة 3): لو باشر المولی تزویج عبده أو أجبره علی التزویج فالمهر إن لم یعین فی عین یکون فی ذمة المولی، ویجوز أن یجعله فی ذمة العبد یتبع به بعد العتق مع رضاه، وهل له ذلک قهراً علیه، فیه إشکال، کما إذا استدان علی أن یکون الدین فی ذمة العبد من غیر رضاه.

وأما لو أذن له فی التزویج فإن عین کون المهر فی ذمته، أو فی ذمة العبد، أو فی عین معینة تعین، وإن أطلق ففی کونه فی ذمته أو فی ذمة العبد مع ضمانه له وتعهده أداءه عنه أو کونه فی کسب العبد، وجوه أقواها الأول، لأن الإذن فی الشیء إذن فی لوازمه، وکون المهر علیه بعد عدم قدرة العبد علی شیء، وکونه کلاً علی

ص:282

مولاه من لوازم الإذن فی التزویج عرفاً.

وکذا الکلام فی النفقة، ویدل علیه أیضاً فی المهر روایة علی ابن أبی حمزة، وفی النفقة موثقة عمار الساباطی.

ولو تزوج العبد من غیر إذن مولاه ثم أجاز، ففی کونه کالإذن السابق فی کون المهر علی المولی أو بتعهده أو لا، وجهان.

ویمکن الفرق بین ما لو جعل المهر فی ذمته فلا دخل له بالمولی وإن أجاز العقد، أو فی مال معین من المولی أو فی ذمته فیکون کما عین، أو أطلق فیکون علی المولی.

ثم إن المولی إذا أذن فتارة یعین مقدار المهر، وتارة یعمم، وتارة یطلق، فعلی الأولین لا إشکال، وعلی الأخیر ینصرف إلی المتعارف، وإذا تعدی وقف علی إجازته، وقیل: یکون الزائد فی ذمته یتبع به بعد العتق.

وکذا الحال بالنسبة إلی شخص الزوجة، فإنه إن لم یعین ینصرف إلی اللائق بحال العبد من حیث الشرف والضعة فإن تعدی وقف علی إجازته.

(مسألة 4): مهر الأمة المزوجة للمولی، سواء کان هو المباشر أو هی بإذنه أو بإجازته، ونفقتها علی الزوج إلاّ إذا منعها مولاها عن التمکین لزوجها، أو اشترط کونها علیه، وللمولی استخدامها

ص:283

بما لا ینافی حق الزوج، والمشهور أن للمولی أن یستخدمها نهاراً ویخلی بینها وبین الزوج لیلا، ولابأس به، بل یستفاد من بعض الأخبار.

ولو اشترطا غیر ذلک فهما علی شرطهما.

ولو أراد زوجها أن یسافر بها هل له ذلک من دون إذن السید، قد یقال لیس له، بخلاف ما إذا أراد السید أن یسافر بها فإنه یجوز له من دون إذن الزوج، والأقوی العکس، لأن السید إذا أذن بالتزویج فقد التزم بلوازم الزوجیة، والرجال قوامون علی النساء.

وأما العبد المأذون فی التزویج فأمره بید مولاه، فلو منعه من الاستمتاع یجب علیه طاعته إلاّ ما کان واجباً علیه من الوطی فی کل أربعة أشهر، ومن حق القسم.

(مسألة 5): إذا أذن المولی للأمة فی التزویج وجعل المهر لها صح علی الأقوی من ملکیة العبد والأمة، وإن کان للمولی أن یتملک ما ملکاه، بل الأقوی کونه مالکاً لهما ولمالهما ملکیة طولیة.

(مسألة 6): لو کان العبد أو الأمة لمالکین أو أکثر، توقف صحة النکاح علی إذن الجمیع، أو إجازتهم، ولو کانا مبعضین توقف علی إذنهما وإذن المالک ولیس له إجبارهما حینئذ.

(مسألة 7): إذا اشترت العبدَ زوجتُه بطل النکاح وتستحق المهر إن کان ذلک بعد الدخول، وأما أن کان قبله ففی سقوطه أو سقوط

ص:284

نصفه أو ثبوت تمامه وجوه مبنیة علی أنه بطلان أو انفساخ.

ثم هل یجری علیها حکم الطلاق قبل الدخول أو لا، وعلی السقوط کلاً إذا اشترته بالمهر الذی کان لها فی ذمة السید بطل الشراء، للزوم خلو البیع عن العوض.

نعم لا بأس به إذا کان الشراء بعد الدخول، لاستقرار المهر حینئذ، وعن العلامة فی القواعد البطلان إذا اشترته بالمهر الذی فی ذمة العبد وإن کان بعد الدخول، لأن تملکها له یستلزم براءة ذمته من المهر فیخلو البیع عن العوض، وهو مبنی علی عدم صحة ملکیة المولی فی ذمة العبد، ویمکن منع عدم الصحة مع أنه لا یجتمع ملکتیها له ولما فی ذمته، بل ینتقل ما فی ذمته إلی المولی بالبیع حین انتقال العبد إلیها.

(مسألة 8): الولد بین المملوکین رق، سواء کان عن تزویج مأذون فیه، أو مجاز، أو عن شبهة مع العقد، أو مجردة، أو عن زنا منهما، أو من أحدهما، بلا عقد، أو عن عقد معلوم الفساد عندهما، أو عند أحدهما.

وأما إذا کان أحد الأبوین حراً فالولد حر إذا کان عن عقد صحیح أو شبهة مع العقد أو مجردة، حتی فیما لو دلست الأمة نفسها بدعواها الحریة فتزوجها حر علی الأقوی، وإن کان یجب علیه حینئذ دفع قیمة

ص:285

الولد إلی مولاها، وأما إذا کان عن عقد بلا إذن مع العلم من الحر بفساد العقد، أو عن زنا من الحر منهما فالولد رق.

ثم إذا کان المملوکان لمالک واحد فالولد له، وإن کان کل منهما لمالک فالولد بین المالکین بالسویة، إلاّ إذا اشترطا التفاوت أو الاختصاص بأحدهما.

هذا إذا کان العقد بإذن المالکین أو مع عدم الإذن من واحد منهما، وأما إذا کان بالإذن من أحدهما فالظاهر أنه کذلک، ولکن المشهور أن الولد حینئذ لم یأذن، ویمکن أن یکون مرادهم فی صورة إطلاق الإذن بحیث یستفاد منه إسقاط حق نمائیة الولد، حیث إن مقتضی الإطلاق جواز التزویج بالحر أو الحرة، وإلا فلا وجه له.

وکذا لو کان الوطی شبهة منهما، سواء کان مع العقد أو شبهة مجردة، فإن الولد مشترک، وأما لو کان الولد عن زنا من العبد فالظاهر عدم الخلاف فی أن الولد لمالک الأمة، سواء کان من طرفها شبهة أو زنا.

(مسألة 9): إذا کان أحد الأبوین حراً فالولد حر لا یصح اشتراط رقیته علی الأقوی فی ضمن عقد التزویج فضلاً عن عقد خارج لازم، ولا یضر بالعقد إذا کان فی ضمن عقد خارج، وأما إن کان فی

ص:286

ضمن عقد التزویج فمبنی علی فساد العقد بفساد الشرط وعدمه، والأقوی عدمه.

ویحتمل الفساد وإن لم نقل به فی سائر العقود إذا کان من له الشرط جاهلاً بفساده، لأن فی سائر العقود یمکن جبر تخلف شرطه بالخیار، بخلاف المقام حیث إنه لا یجری خیار الاشتراط فی النکاح، نعم مع العلم بالفساد لا فرق، إذ لا خیار فی سائر العقود أیضاً.

(مسألة 10): إذا تزوج حر أمة من غیر إذن مولاها حرم علیه وطیها، وإن کان بتوقع الإجازة، وحینئذ فإن أجاز المولی کشف عن صحته علی الأقوی من کون الإجازة کاشفة، وعلیه المهر والولد حر ولا یحد حد الزنا وإن کان عالماً بالتحریم، بل یعزر.

وإن کان عالماً بلحوق الإجازة فالظاهر عدم الحرمة وعدم التعزیر أیضاً.

وإن لم یجز المولی کشف عن بطلان التزویج، ویحد حینئذ حد الزنا إذا کان عالماً بالحکم، ولم یکن مشتبهاً من جهة أخری، وعلیه المهر بالدخول، وإن کانت الأمة أیضاً عالمة علی الأقوی، وفی کونه المسمی أو مهر المثل، أو العشر إن کانت بکراً ونصفه إن کانت ثیباً، وجوه، بل أقوال، أقواها الأخیر ویکون الولد لمولی الأمة.

وأما إذا کان جاهلاً بالحکم أو مشتبهاً من جهة أخری، فلا یحد، ویکون الولد حراً، نعم ذکر بعضهم أن علیه قیمته یوم سقط حیاً، ولکن

ص:287

لا دلیل علیه فی المقام، ودعوی أنه تفویت لمنفعة الأمة کما تری، إذ التفویت إنما جاء من قبل حکم الشارع بالحریة، وعلی فرضه فلا وجه لقیمة یوم التولد، بل مقتضی القاعدة قیمة یوم الانعقاد، لأنه انعقد حراً فیکون التفویت فی ذلک الوقت.

(مسألة 11): إذا لم یجز المولی العقد الواقع علی أمته ولم یرده أیضاً حتی مات، فهل یصح إجازة وارثه له أم لا، وجهان، أقواهما العدم، لأنها علی فرضها کاشفة، ولا یمکن الکشف هنا الآن المفروض أنها کانت للمورث، وهو نظیر من باع شیئاً ثم ملک.

(مسألة 12): إذا دلست أمة فادعت أنها حرة فتزوجها حر ودخل بها، ثم تبین الخلاف وجب علیه المفارقة وعلیه المهر لسیدها، وهو العشر ونصف العشر علی الأقوی، لا المسمی ولا مهر المثل، وإن کان أعطاها المهر استرد منها إن کان موجوداً، وإلا تبعت به بعد العتق، ولوجاءت بولد ففی کونه حراً أو رقاً لمولاها قولان، فعن المشهور إنه رق، ولکن یجب علی الأب فکه بدفع قیمته یوم سقط حیاً، وإن لم یکن عنده ما یفکه به سعی فی قیمته، وإن أبی وجب علی الإمام (علیه السلام) دفعها من سهم الرقاب أو من مطلق بیت المال.

والأقوی کونه حراً، کما فی سائر موارد اشتباه الحر، حیث إنه لا إشکال فی کون الولد حراً فلا خصوصیة لهذه الصورة، والأخبار الدالة علی رقیته منزلة علی

ص:288

أن للمولی أخذه لیتسلم القیمة، جمعاً بینها وبین ما دل علی کونه حراً.

وعلی هذا القول أیضاً یجب علیه ما ذکر من دفع القیمة أو السعی أو دفع الإمام (علیه السلام)، لموثقة سماعة((1)).

هذا کله إذا کان الوطی حال اعتقاده کونها حرة.

وأما إذا وطأها بعد العلم بکونها أمة فالولد رق لأنه من زنا حینئذ، بل وکذا لو علم سبق رقیتها فادعت أن مولاها أعتقها ولم یحصل له العلم بذلک ولم یشهد به شاهدان، فإن الوطی حینئذ أیضاً لا یجوز لاستصحاب بقائها علی الرقیة.

نعم لو لم یعلم سبق رقیتها جاز له التعویل علی قولها لأصالة الحریة، فلو تبین الخلاف لم یحکم برقیة الولد، وکذا مع سبقها مع قیام البینة علی دعواها.

(مسألة 13): إذا تزوج عبد بحرة من دون إذن مولاه ولا إجازته کان النکاح باطلاً، فلا تستحق مهراً ولا نفقة، بل الظاهر أنها تحد حد الزنا إذا کانت عالمة بالحال وأنه لا یجوز لها ذلک، نعم لوکان ذلک لها بتوقع الإجازة واعتقدت جواز الإقدام حینئذ بحیث تکون شبهة فی حقها لم تحد، کما أنه کذلک إذا علمت بمجیء الإجازة.

ص:289


1- الوسائل: ج14 ص579 الباب 16 من أبواب ن ک اح العبید والإماء ح5

وأما إذا کان بتوقع الإجازة وعلمت مع ذلک بعدم جواز ذلک فتحد مع عدم حصولها، بخلاف ما إذا حصلت فإنها تعزر حینئذ لمکان تجریها.

وإذا جاءت بولد فالولد لمولی العبد مع کونه مشتبهاً، بل مع کونه زانیاً أیضاً، لقاعدة النمائیة بعد عدم لحوقه بالحرة.

وأما إذا کانت جاهلة بالحال فلا حد والولد حر وتستحق علیه المهر یتبع به بعد العتق.

(مسألة 14): إذا زنی العبد بحرة من غیر عقد فالولد حر وإن کانت الحرة أیضاً زانیة، ففرق بین الزنا المجرد عن عقد، والزنا المقرون به مع العلم بفساده حیث قلنا إن الولد لمولی العبد.

(مسألة 15): إذا زنی حر بأمة فالولد لمولاها، وإن کانت هی أیضاً زانیة، وکذا لو زنی عبد بأمة الغیر فإن الولد لمولاها.

(مسألة 16): یجوز للمولی تحلیل أمته لعبده، وکذا یجوز له أن ینکحه إیاها، والأقوی إنه حینئذ نکاح لا تحلیل، کما أن الأقوی کفایة أن یقول له: أنکحتک فلانة، ولایحتاج إلی القبول منه أو من العبد، لإطلاق الأخبار ولأن الأمر بیده فإیجابه مغن عن القبول.

بل لا یبعد أن یکون الأمر کذلک فی سائر المقامات، مثل الولی والوکیل عن الطرفین، وکذا إذا وکل غیره فی التزویج فیکفی قول الوکیل أنکحت أمة موکلی لعبده فلان، أو أنکحت عبد موکلی أمته، وأما لو أذن للعبد

ص:290

والأمة فی التزویج بینهما فالظاهر الحاجة إلی الإیجاب والقبول.

(مسألة 17): إذا أراد المولی التفریق بینهما لا حاجة إلی الطلاق، بل یکفی أمره إیاهما بالمفارقة، ولا یبعد جواز الطلاق أیضاً، بأن یأمر عبده بطلاقها، وإن کان لا یخلو من إشکال أیضاً.

(مسألة 18): إذا زوج عبده أمته یستحب أن یعطیها شیئاً، سواءً ذکره فی العقد أو لا، بل هو الأحوط، وتملک الأمة ذلک بناءً علی المختار من صحة ملکیة المملوک إذا ملکه مولاه أو غیره.

(مسألة 19): إذا مات المولی وانتقلا إلی الوارثة فلهم أیضاً الأمر بالمفارقة بدون الطلاق، والظاهر کفایة أمر أحدهم فی ذلک.

(مسألة 20): إذا زوج الأمة غیر مولاها من حر فأولدها جاهلاً بکونها لغیره، علیه العشر أو نصف العشر لمولاها، وقیمة الولد، ویرجع بها علی ذلک الغیر، لأنه کان مغروراً من قبله، کما أنه إذا غرته الأمة بتدلیسها ودعواها الحریة تضمن القیمة وتتبع به بعد العتق، وکذا إذا صار مغروراً من قبل الشاهدین علی حریتها.

(مسألة 21): لو تزوج أمة بین شریکین بإذنهما، ثم اشتری حصة أحدهما أو بعضها، أو بعضاً من حصة کل منهما، بطل نکاحه

ص:291

ولایجوز له بعد ذلک وطیها.

وکذا لو کانت لواحد واشتری بعضها.

وهل یجوز له وطیها إذا حللها الشریک، قولان: أقواهما نعم للنص.

وکذا لا یجوز وطی مَن بعضه حر إذا اشتری نصیب الرقیة لا بالعقد ولا بالتحلیل منها، نعم لو هایاها فالأقوی جواز التمتع بها فی الزمان الذی لها، عملاً بالنص الصحیح، وإن کان الأحوط خلافه.

ص:292

فصل فی الطوارئ

فصل

فی الطوارئ

وهی العتق والبیع والطلاق.

أما العتق، فإذا أعتقت الأمة المزوجة کان لها فسخ نکاحها إذا کانت تحت عبد بل مطلقاً وإن کانت تحت حر علی الأقوی، والظاهر عدم الفرق بین النکاح الدائم والمنقطع، نعم الحکم مخصوص بما إذا أعتق کلها، فلا خیار لها مع عتق بعضها علی الأقوی، نعم إذا أعتق البعض الآخر أیضاً ولو بعد مدة کان لها الخیار.

(مسألة 1): إذا کان عتقها بعد الدخول ثبت تمام المهر، وهل هو لمولاها أو لها، تابع للجعل فی العقد، فإن جعل لها فلها، وإلا فله، ولمولاها فی الصورة الأولی تملکه کما فی سائر الموارد، إذ له تملک مال مملوکه بناء علی القول بالملکیة، لکن هذا إذا کان قبل انعتاقها.

وأما بعد انعتاقها فلیس له ذلک، وإن کان قبل الدخول ففی سقوطه أو سقوط

ص:293

نصفه أو عدم سقوطه أصلا وجوه، أقواها الأخیر، وإن کان مقتضی الفسخ الأول، وذلک لعدم معلومیة کون المقام من باب الفسخ لاحتمال کونه من باب بطلان النکاح مع اختیارها المفارقة، والقیاس علی الطلاق فی ثبوت النصف لا وجه له.

(مسألة 2): إذا کان العتق قبل الدخول والفسخ بعده، فإن کان المهر جعل لها فلها، وإن جعل للمولی أو أطلق ففی کونه لها أو له قولان، أقواهما الثانی، لأنه ثابت بالعقد وإن کان یستقر بالدخول، والمفروض أنها کانت أمة حین العقد.

(مسألة 3): لو کان نکحها بالتفویض، فإن کان بتفویض المهر فالظاهر أن حاله حال ما إذا عین فی العقد، وإن کان بتفویض البضع فإن کان الانعتاق بعد الدخول وبعد التعیین فحاله حال ما إذا عین حین العقد، وإن کان قبل الدخول فالظاهر أن المهر لها لأنه یثبت حینئذ بالدخول والمفروض حریتها حینه.

(مسألة 4): إذا کان العتق فی العدة الرجعیة فالظاهر أن الخیار باق، فإن اختارت الفسخ لم یبق للزوج الرجوع حینئذ، وإن اختارت البقاء بقی له حق الرجوع.

ثم إذا اختارت الفسخ لا تتعدد العدة، بل

ص:294

یکفیها عدة واحدة، ولکن علیها تتمیمها عدة الحرة، وإن کانت العدة بائنة فلا خیار لها علی الأقوی.

(مسألة 5): لا یحتاج فسخها إلی إذن الحاکم.

(مسألة 6): الخیار علی الفور علی الأحوط فوراً عرفیاً، نعم لوکانت جاهلة بالعتق أو بالخیار أو بالفوریة جاز لها الفسخ بعد العلم، ولا یضره التأخیر حینئذ.

(مسألة 7): إن کانت صبیة أو مجنونة فالأقوی أن ولیها یتولی خیارها.

(مسألة 8): لا یجب علی الزوج إعلامها بالعتق أو بالخیار إذا لم تعلم، بل یجوز له إخفاء الأمر علیها.

(مسألة 9): ظاهر المشهورعدم الفرق فی ثبوت الخیار لها بین أن یکون هو المباشر لتزویجها أو آذنها فاختارت هی زوجاً برضاها، ولکن یمکن دعوی انصراف الأخبار إلی صورة مباشرة المولی بلا اختیار منها.

(مسألة 10): لو شرط مولاها فی العتق عدم فسخها فالظاهر صحته.

(مسألة 11): لو أعتق العبد لاخیار له ولا لزوجته.

ص:295

(مسألة 12): لو کان عند العبد حرة وأمتان، فأعتقت إحدی الأمتین، فهل لها الخیار أو لا، وجهان.

وعلی الأول إن اختارت البقاء فهل یثبت للزوج التخییر أو یبطل نکاحها، وجهان.

وکذا إذا کان عنده ثلاث أو أربع إماء فأعتقت إحداها.

ولو أعتق فی هذا الفرض جمیعهن دفعة ففی کون الزوج مخیراً، وبعد اختیاره یکون التخییر للباقیات، أو التخییر من الأول للزوجات، فإن اخترن البقاء فله التخییر، أو یبطل نکاح الجمیع، وجوه.

ص:296

فصل فی العقد وأحکامه

اشارة

فصل

فی العقد وأحکامه

(مسألة 1): یشترط فی النکاح الصیغة، بمعنی الإیجاب والقبول اللفظیین

فصل

فی العقد وأحکامه

مسألة ١ اشت ا رط الصیغة فی النکاح

(مسألة 1): {یشترط فی النکاح الصیغة، بمعنی الإیجاب والقبول اللفظیین} بلا إشکال ولا خلاف عندهم، وفی المستند یجب فی النکاح الصیغة باتفاق علماء الإسلام، بل الضرورة من دین خیر الأنام.

وفی الحدائق أجمع العلماء من الخاصة والعامة علی توقف النکاح علی الإیجاب والقبول اللفظیین.

وقال الشیخ المرتضی: أجمع علماء الإسلام کما صرح به غیر واحد علی اعتبار أصل الصیغة فی عقد النکاح، فلا یباح بالإباحة أو المعاطاة، وکذا ادعی غیر هؤلاء الإجماع.

واستدل لذلک بأمور:

ص:297

الأول: الإجماع المذکور.

الثانی: الضرورة.

الثالث: أصالة تحریم الفرج إلی أن یثبت سبب الحل شرعاً، کما استدل به الجواهر فی بعض فروع هذه المسألة.

الرابع: إن اللفظ هو الفارق بین النکاح والسفاح، فإذا لم یکن لفظ کان سفاحاً.

الخامس: قوله تعالی: ﴿وأخذن منکم میثاقاً غلیظاً﴾((1))، فإن المیثاق لا یکون إلاّ باللفظ.

السادس: روایة العجلی، حیث سأله عن الآیة المبارکة، قال (علیه السلام): «المیثاق هو الکلمة التی عقد بها النکاح»((2)).

السابع: السیرة المتصلة بزمانهم (علیهم السلام)، فإنهم (علیهم السلام) عقدوا بالألفاظ، کما ورد فی جملة من الروایات، وهکذا جرت السیرة علی ذلک إلی الیوم.

الثامن: ما دل علی انعقاد النکاح دائماً إذا لم یذکر المدة((3)).

التاسع: ما دل علی أن الهبة لا تحل إلاّ لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).

ص:298


1- سورة النساء: الآیة 21
2- الوسائل: ج14 ص195 الباب 1 من أبواب ن ک اح عقد الن ک اح ح4
3- الوسائل: ج14 ص198 الباب 2 من أبواب ن ک اح عقد الن ک اح ح2

فعن زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام): «لا تحل الهبة لأحد بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)»((1)).

وفی حدیث محمد بن قیس، عنه (علیه السلام)، قال: «فأحل الله هبة المرأة نفسها لرسول الله (صلی الله علیه وآله) ولا یحل ذلک لغیره»((2)).

فإنه إن لم یحتج النکاح إلی الصیغة الخاصة لم یکن وجه لعدم صحة البهة إلاّ للرسول (صلی الله علیه وآله وسلم).

العاشر: إن النکاح موضوع عرفی قد أمضاه الشارع، والعرف لا یرون النکاح إلاّ بالصیغة.

أقول: لعل فی مجموع هذه الأمور کفایة.

وإن کان یرد علی الأول: إنه محتمل الاستناد، ومثله لیس بحجة.

وعلی الثانی: الإشکال فی وجود الضرورة، وإن کانت فهی فی قبال السفاح، لا فی الاحتیاج إلی اللفظ.

وعلی الثالث: إن إطلاقات النکاح لا تدع مجالاً للأصل.

وعلی الرابع: بما ذکره المستمسک من أن الفارق بین النکاح والسفاح لا یرتبط باللفظ، إذ السفاح الوطی لا بعنوان الزوجیة، وفی النکاح الوطی بعنوان الزوجیة، وإن لم یکن إنشاؤها باللفظ کما فی نکاح بعض أهل الشرائع الباطلة

ص:299


1- الوسائل: ج14 ص200 الباب 2 من أبواب ن ک اح عقد الن ک اح ح9
2- الوسائل: ج14 ص200 الباب 2 من أبواب ن ک اح عقد الن ک اح ح8

فإنه نکاح ولیس بسفاح وإن کان بغیر لفظ، ولذا جعل العمدة فی الاحتیاج إلی اللفظ الإجماع.

وعلی الخامس: إن المیثاق یکون بغیر اللفظ، فإنه مشتق من الوثوق الحاصل أخذه بکل دال علیه.

وعلی السادس: إن الکلمة تشمل کل ظاهرة، ولذا یقال: کلمات الله، ویطلق علی الکتابة الکلمة، بالإضافة إلی أن الروایة مذیلة بقوله (علیه السلام): «وأما قوله تعالی: ﴿غلیظاً﴾ فهو ماء الرجل یفضیه إلیها﴾((1))، فإنه ظاهر فی أن المیثاق الفعل لا القول، أی أن فعل النکاح المقارن للمنی میثاق غلیظ، فلا دلالة فی الروایة علی مجرد القول.

وعلی السابع: أن فعلهم (علیهم السلام) لا یدل علی الانحصار، بعد صدق النکاح علی الفعل بدون القول أیضاً، مثل قوله سبحانه: ﴿زوجناهم بحور عین﴾ حیث إن ظاهره إعطاؤهن لهم لا إجراء اللفظ.

وعلی الثامن: ما سیأتی الکلام فی ذلک من المناقشة فی کون الروایة علی خلاف الأصل، لکون العقود تتبع القصود أم لا، وعلی أی حال، لا تکون هذه الروایة دلیلاً علی مطلب المستدل.

وعلی التاسع: إن المراد بالهبة بلا عوض کهبة المال، ومن المعلوم أن

ص:300


1- الوسائل: ج14 ص195 الباب 1 من أبواب ن ک اح عقد الن ک اح ح4

فلا یکفی التراضی الباطنی

المرأة لا توهب للرجل، کما أن الرجل لا یوهب للمرأة، ویدل علی ذلک متواتر الروایات التی ذکرها الوسائل وغیره مما یفید ذلک، مثل ما رواه الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث: «ولا تحل الهبة إلاّ لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فأما لغیر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فلا یصلح نکاح إلاّ بمهر، وذلک معنی قوله: ﴿وامرأة مؤمنة﴾ »((1)) الحدیث.

وعلی العاشر: إن شأن النکاح عند العرف شأن سائر العقود، یحتاج إلی الرضا والمظهر، فإذا حصلا حصل العقد نکاحاً کان أو غیره.

وأما قوله (علیه السلام): «إنما یحلل الکلام ویحرم الکلام»، فقد أجاب عنه الشیخ المرتضی (رحمه الله) فی باب المعاطاة من المکاسب فراجع.

وکیف کان، فلا یمکن الإغضاء عن الإجماع المدعی فی کلامهم مستفیضاً.

ویؤیده ما رواه الوسائل فی باب الزنا من کتاب الحدود، عن سماعة، قال: سألته (علیه السلام) عن رجل أدخل جاریة یتمتع بها ثم نسی حتی واقعها، یجب علیه حد الزانی، قال: «لا، ولکن یتمتع بها بعد النکاح ویستغفر ربه مما أتی»((2)).

وإن کان فی دلالته نظر، إذ ظاهرها عدم تعیین المدة والمهر مما یشترط فی المتعة، وإنما الکلام فیما إذا کان تعیین بدون لفظ.

{فلا یکفی التراضی الباطنی} بین الزوج والزوجة، أو ولیهما، أو ما أشبه،

ص:301


1- الوسائل: ج14 ص200 الباب 2 من أبواب ن ک اح عقد الن ک اح ح6
2- الوسائل: ج18 ص412 الباب 42 من أبواب ن ک اح عقد الن ک اح ح1

ولا الإیجاب والقبول الفعلیین

لأنه بالإضافة إلی أنه لا لفظ له لا مظهر له، والمظهر شرط فی المعاملات التی هی أقل مرتبة من النکاح فکیف بالنکاح.

{و} کذا {لا} یکفی {الإیجاب والقبول الفعلین} کالمعاطاة، سواء کان الفعل عملاً کالوطی والقبلة وما أشبه، أو إشارة کالأخرس، وعدم الکفایة لما تقدم من الدلیل، واستثناء الأخرس إنما هو لدلیل خاص، بل یکفی فیه عدم شمول الأدلة له للانصراف، لکن لا یخفی أن الظاهر أنه لا یکفی التعاطی فی باب النکاح فیما لو أراده المسلم.

أما غیر المسلم فقوله (علیه السلام): «لکل قوم نکاح»((1))، شامل له.

ولا یستشکل بأنه کیف حلل الشارع لغیر المسلم مالم یحلله للمسلم، لأنه یرد علیه إن مصلحة التحلیل أهم.

ثم إن من الإیجاب والقبول الفعلیین الکتابة، کما تعتاد عند بعض الأقوام من أن الزوجین یذهبان إلی المحکمة ویسجل الحاکم أنهما رضیا بالزواج بینهما، فإنه أیضاً نوع من الإشارة.

ولو تزوج فی حال غیر الإسلام ثم أسلم، لم یحتج إلی إجراء اللفظ، للسیرة من زمان النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) إلی هذا الوقت، حیث لا یأمر المسلمون الکافرین الذین دخلوا فی الإسلام جدیداً بإعادة النکاح.

ص:302


1- انظر الوسائل: ج18 ص430 الباب 1 من أبواب حد القذف ح3

وأن یکون الإیجاب بلفظ النکاح أو التزویج

وعلی هذا فالرضا والإشارة والتعاطی والکتابة لیست نکاحاً.

ثم ربما یزاد دلیلاً علی عدم کفایة الرضا أنه لو کان کافیاً لم یکن زنا إلاّ فی الإکراه، ومن المعلوم أن غالب الزنا یتم برضی الطرفین، لکن فیه تأمل، إذ عنوان الزنا الذی یقصده الزناة غیر عنوان النکاح الذی یقصده الناکحون.

نعم ربما یکون ما ذکر مؤیداً لاشتراط اللفظ.

{و} یشترط {أن یکون الإیجاب بلفظ النکاح أو التزویج} لأنهما لفظان وردا فی الشریعة کتاباً وسنة، قال تعالی: ﴿زوجناکها﴾((1))، ولیس المراد الوطی أو المزاوجة اللغویة.

وقال تعالی: ﴿ولا تنحکوا ما نکح آباؤکم﴾((2))، والمراد الزواج لا الوطی، وذلک لحرمة منکوحة الأب علی الابن، ولوکان المراد الوطی لم تدل الآیة علی حرمة المنکوحة مطلقاً.

وعلی هذا فلا یقال: باحتمال أن یراد بالأول المزاوجة، مثل قوله تعالی: ﴿زوجناهم بحور عین﴾((3))، وبالثانیة الوطی مثل قوله تعالی: ﴿الزانی لا ینکح إلا زانیة﴾، حیث قالوا: المراد بالآیة إن الزناة والزوانی یطابق بعضهم بعضاً فی عمل القبیح

ص:303


1- سورة الأحزاب: الآیة 37
2- سورة النساء: الآیة 22
3- سورة الدخان: الآیة 54

علی الأحوط فلا یکفی بلفظ المتعة فی النکاح الدائم، وإن کان لا یبعد کفایته مع الإتیان بما یدل علی إرادة الدوام

{علی الأحوط فلا یکفی المتعة فی النکاح الدائم، وإن کان لا یبعد کفایته مع الإتیان بما یدل علی إرادة الدوام}، کأن تقول المرأة: متعتک نفسی دائماً، فیقول الرجل: قبلت.

استدل المانع: بأصالة عدم الانعقاد، وأن فی النکاح شوب عبادة فهو توقیفی، وأن المتعة مجاز فی الدائم، وقد قرروا عدم الإتیان بالألفاظ المشترکة والمجازیة فی العقود، والإجماع الذی ادعاه الطبریات.

والکل کما تری.

لأن الأصل لا مجالة له إلاّ عند إعواز الدلیل، والدلیل موجود، فإن إطلاقات النکاح والوفاء بالعقد شامل له، والمانع یقول بالصحة فی المنقطع فیما قال: متعت، فلا منافاة بین العبادیة والصحة فی المقام أیضاً، وما قرروه لیس بتام، ولذا أجاز نفس المانع الإجراء بلفظی النکاح والزواج وهما مشترکان کما عرفت، والإجماع مخدوش کبری وصغری کما لا یخفی.

وحیث ظهر الإشکال فی قول المانع لم یستبعد کفایة لفظ المتعة لإفادته مفهوم النکاح، ووروده فی باب المنقطع، بالإضافة إلی ما دل علی أنه لو لم یذکر الأجل انقلب دائماً، فإن الظاهر من ذلک أن المتعة صالحة للأمرین، بل قد یقال: إن حقیقة النکاح شیء واحد، وإنما ذکر الأجل وعدم ذکره یؤثر فی الآثار، فلیس تلک الروایات خلاف القاعدة القطعیة من أن العقود تتبع القصود، إذ یکون حاله حال من أجری البیع ولم یذکر الشرط مع أنه أراده، فالعقد لا یتبع

ص:304

ویشترط العربیة مع التمکن منها

القصد المجرد، بل القصد الملفوظ به، فکما أن فی البیع لا نقول بالبطلان، لأنه بدون خیار لیس بمقصود، ولا نقول بوجود الخیار لأنه قصده، بل نقول بالصحة بلا خیار، لأن القصد بدون المظهر لا أثر له، کذلک فی المقام، المتعة معناها النکاح فإن ذکر الأجل حال کونه مقصوداً له تحققت آثار المنقطع، وإلا کان علی الأصل دائماً.

وکیف کان، فالإشکال فی أن الروایة التی ذکرت حکم الانقلاب غیر وارد.

{ویشترط العربیة مع التمکن منها}، کما اختاره واحد، بل عن المبسوط والتذکرة الإجماع علیه، وقال فی المستند: (وفاقاً لغیر من شذ وندر، بل بإجماعنا، إلی أن قال: خلافاً للمحکی عن ابن حمزة، فاستحب العربیة، واختاره فی المفاتیح وشرحه، واستقربه فی الکشف) انتهی.

أقول: وفی المستمسک إن البناء علی جواز غیر العربی هو المتعین.

وهذا هو الظاهر للأصل والإطلاقات، بعد أن أدلة القول بوجوب العربیة مخدوشة، فإنهم استدلوا لذلک بأمور:

الأول: أصالة عدم الانعقاد بغیرها.

الثانی: إن فی النکاح شائبة عبادة فهی توقیفیة.

الثالث: إن الآیات والروایات الواردة فی النکاح کلها بالعربیة.

الرابع: الإجماع المتقدم.

ص:305

ولو بالتوکیل علی الأحوط، نعم مع عدم التمکن منها ولو بالتوکیل علی الأحوط یکفی غیرها من الألسنة

الخامس: ما عن التذکرة من أن غیر العربی بالنسبة إلیه کالکنایة فلا یعتبر به.

السادس: إن الاحتیاط فی الفروج یقتضی ذلک، کما عن کشف اللثام.

وفی الکل ما لا یخفی، فإنه لا أصل فی المقام بعد شمول الإطلاقات وأصالة عدم الاشتراط، وما فی الجواهر من انصراف الإطلاقات إلی العربیة غیر تام، ولو سلم الانصراف فهو بدوی، وکون النکاح فیه شائبة عبادة ممنوع صغری وکبری، والآیات والروایات إنما کانت بالعربیة لأنها لسانهما کما فی سائر المعاملات، والإجماع محتمل الاستناد، بالإضافة إلی من عرفت من عدم ذهابهم إلی ذلک، وکون غیر العربی کالکنایة ممنوع، والاحتیاط حسن، لا أنه لازم بعد وجود المطلقات.

ومما تقدم یعرف أنه لا وجه لتفصیل السید الجمال، حیث قال: (لا یبعد صحة النکاح من کل قوم بلسانهم)، إذ لو شمل الإطلاق کل ما أدی النکاح لم یکن فرق بین أن یکون بلغتهم أم لا.

نعم لا إشکال فی أن الأحوط ملاحظة العربیة مطلقاً، خصوصاً إذا کان لغته العربیة.

{ولو بالتوکیل علی الأحوط} لأنه نوع من التمکن، {نعم مع عدم التمکن منها ولو بالتوکیل علی الأحوط یکفی غیرها من الألسنة}، بل عن الذکرة الاتفاق هنا علی الجواز مع عدم القدرة علی العربیة، وعدم إمکان التعلم وإن تمکن من التوکیل، وإنما قالوا بجواز الترجمة مع أنهم قالوا بلزوم العربیة، ولیس المقام کالصلاة

ص:306

إذا أتی ترجمة اللفظین من النکاح والتزویج

الواجبة، إذ لیس النکاح واجباً، لأن المستند عندهم غالباً فی لزوم العربیة الإجماع، ولا إجماع مع عدم التمکن من العربیة.

ما فی باب الصلاة فوجوبها بضمیمة دلیل المیسور یقتضی الإتیان بالترجمة، لکن لا ستقیم ذلک بالنسبة إلی النوافل، إلاّ أن یتم الإجماع والأولویة، وما رد من أن الأعجمی یقرأ القرآن ملحوناً فترفعه الملائکة صحیحاً.

ولا یخفی أن لزوم کون الصلاة عربیة لیس استعماراً کما ربما یزعم، بل من جهة توحید لغة التفاهم بین المسلمین، وهو مطلب عقلائی یهتم به عقلاء العالم بأن تکون لغة مشترکة بین الأقوام المختلفة الداخلة فی إطار دین أو قانون واحدة.

{إذا أتی بترجمه اللفظین من النکاح والتزویج} لما تقدم من اعتبارهما، فمع عدم إمکانهما أتی بمعناهما، ویضاف علی ذلک معنی لفظ (المتعة) إن قلنا بصحتها کما تقدم.

ومثل الترجمة لو جاء بنفس اللفظین، مثلاً قالت فی اللغة الفارسیة: (به نکاح دادم خودم را به شما) أو قال: (تزویج کردم شما را).

ثم إن معنی التزویج جعلهما قرینین مقارنة علی نحو خاص، ومعنی النکاح جعلهما ذا علقة بحیث یصح أن یطأ الزوج الزوجة، ومعنی التمتع جعلهما ذا علقة بحیث یصح أن یتلذذ أحدهما بالآخر.

والظاهر أن الترجمة الحرفیة غیر لازم، بل یکفی ترجمة المضمون، وذلک للإطلاقات التی لم یخرج منها إلاّ صورة إمکان العربیة، کما أن الظاهر أن العربی الغلط فی حال عدم إمکان الصحیح، بل حال إمکانه کاف

ص:307

والأحوط اعتبار الماضویة، وإن کان الأقوی عدمه

فلو قال: (زوجتک نفسی) بکسر نون النفس، أو قال: (جوزتک) بدل (زوجتک) صح، کما ذکره السید أبو الحسن (رحمه الله)، إذ لا دلیل علی لزوم صحة العربیة، نعم الاحتیاط فی مراعاة الصحة.

وحال العربی العامی حال الفارسیة، وإن کان أقرب منه، فإذا دار الأمر بینهما کان العامی مقدماً.

ومنه یعرف حال مختلف اللهجات، مثل تبدیل المصریین الجیم بالکاف، وتبدیل السوریین القاف بالهمزة، إلی غیر ذلک.

أما الغلط فی الاسم وفی المتعلق الذی لیس من صمیم النکاح، کما لو قال: (هفته) مکان (هفده) أو قال: (تینار) مکان (دینار) فالظاهر عدم ضرره حتی مع الإمکان من الصحة، لأنها لیست من الصیغة، والإجماع لا یشمله.

ثم فی العربیة لا حاجة إلی فهم المفردات والخصوصیات، کان تعرف أن (أنکحتک) التاء للفاعل والکاف للمفعول، بل اللازم أن یفهم أن هذه الجملة تؤدی هذا المعنی، وذلک لعدم الدلیل علی الاشتراط المذکور.

{والأحوط اعتبار الماضویة} بل هو المشهور بین المتأخرین کما نسب إلیهم.

واستدل لذلک بالاحتیاط، وبعدم صراحة غیر الماضی، وبأن المضارع والأمر لیسا موضوعین للإنشاء، إلی غیر ذلک من الوجوه الضعیفة.

{وإن کان الأقوی عدمه} کما عن ابن أبی عقیل والمحقق وآخرین، ووافقهم المستند والمستمسک وغیرهما.

ولا فرق بین المتعة والدوام، وإن کان المحکی

ص:308

فیکفی المستقبل والجملة الخبریة، کأن یقول: أزوجک، أو أنا مزوجک فلانة، کما أن الأحوط تقدیم الإیجاب علی القبول

عن بعض شراح المفاتیح ذهاب جماعة من الأصحاب إلی جواز المستقبل فی المتعة خاصة.

{فیکفی المستقبل والجملة الخبریة، کأن یقول: أزوجک، أو أنا مزوجک فلانة} کما یصح فی الطلاق (فلانة طالق) بالجملة الخبریة.

ویؤیده روایة أبان بن تغلب: کیف أقول لها إذا خلوت بها، قال: تقول: «أتزوجک متعةً علی کتاب الله وسنة نبیه، لا وارثة ولا موروثة، کذا وکذا یوماً» إلی أن قال: «فإذا قالت: نعم، فقد رضیت فهی امرأتک وأنت أولی الناس بها»، قلت: فإنی أستحیی أن أذکر شرط الأیام، قال (علیه السلام): «هو أضر علیک»، قلت: وکیف، قال: «إنک إن لم تشترط کان تزویج مقام، ولزمتک النفقة فی العدة، وکانت وارثه لم تقدر علی أن یطلقها إلاّ طلاق السنة».

{کما أن الأحوط} استحباباً {تقدیم الإیجاب} من المرأة {علی القبول}، کما نسب إلی الأکثر والأشهر فی مطلق العقود، لکن فی المستند إن الأظهر الأشهر کما قیل، بل بالإجماع کما عن المبسوط والسرائر، عدم التوقف علیه، فیجوز تقدیم القبول، وهذا هو الأقرب.

استدل للأول: بالاحتیاط ونحوه، وبما فی المستمسک من أن القبول العقدی _ أعنی ما یقابل الإیجاب _ مختص بما یتعلق بالإیجاب الماضی، فیکون معنی القبول المقابل للإیجاب هو الرضا بما جعل وأنشأ، أما الرضا بما یجعل وینشأ فلا یکون قبولاً بالمعنی المقابل للإیجاب، فلو تقدم القبول لم یکن قبول بذلک المعنی.

ص:309

أقول: أما الاحتیاط ونحوه فلا یخفی ما فیه بعد وجود الإطلاقات.

وأما الاستدلال المذکور فلأنه إن أراد أن القبول انفعال، والانفعال لا یعقل أن یتقدم علی الفعل، ففیه: إن ذلک فی الأمور التکوینیة، ولیس ما نحن فیه منها، وإن أراد غیر ذلک فعلیه أن یثبت أن المحتاج إلیه فی العقود کون أحدهما موجباً والآخر قابلاً، أی الاحتیاج إلی القبول العقدی بالمعنی الذی ذکره.

فإن الظاهر أن الزوج والزوجة کلاهما یبیح نفسه للآخر، فی إطار الإسلام، وکما یمکن إباحة هذا لتلک یمکن العکس، وکذلک یمکن أن یبیح کل قبل قبول الآخر وبعد قبوله، فإن الامور الاعتباریة خفیف المؤنة.

ومنه یعلم أن ما ذکره المستند وغیره من وجوب أن یکون الإیجاب من جانب الزوجة، والقبول من جانب الزوج، لأنها التی تأخذ العوض، ولأنه الوارد فی الأخبار، غیر تام، لأن رکنی العقد هما الزوجان والمهر أمر تشریفی، فهما من قبیل تبدیل الحنطة بالشعیر، وما فی الأخبار من باب المصداق، وإلا فهما زوجان.

ویؤید ما ذکرناه من جواز تقدیم کلام الرجل علی المرأة _ الذی قالوا إنه تقدیم القبول علی الإیجاب _ ما فی صحیحة زرارة من قصة تزویج آدم وحواء (علیهما السلام) حیث قال سبحانه لآدم (علیه السلام): «قد زوجتکها فضمها إلیک»، فقال لها آدم: «إلی فأقبلی»((1)).

ص:310


1- الوسائل: ج14 ص2 الباب 1 من أبواب مقدمات الن ک اح ح1

وکذا الأحوط أن یکون الإیجاب من جانب الزوجة، والقبول من جانب الزوج، وإن کان الأقوی جواز العکس

وفی روایة الهاشمی فی تزویج خدیجة (علیها السلام) لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، قالت خدیجة: قد زوجتک یا محمد نفسی، والمهر علیّ فی مالی، وذلک کان بعد أن خطب أبو طالب إلی عمها وتلجلج العم((1)).

وفی روایة البغدادی فی جواب أبی عبد الله (علیه السلام) خطبته فی نکاح، قال (علیه السلام): «أنکحنا خاطبکم علی أن لها من الصداق ما ذکرتم»((2)).

کما یدل علی ذلک ما تقدم من روایة أبان، إلی غیرها من الروایات.

وحیث قد عرفت أن الأمر اعتباری وهو خفیف المؤنة، فلا فرق أن یکون القبول المقدم قبلت أو رضیت أو غیرهما، فالتفصیل بعدم صحة تقدیم (قبلت) وصحة مثل (رضیت) غیر ظاهر.

{وکذا الأحوط أن یکون الإیجاب من جانب الزوجة، والقبول من جانب الزوج} لما تقدم من کلام المستند {وإن کان الأقوی جواز العکس} لما عرفت، ویؤید ذلک ما ورد فی القرآن الحکیم من نسبة النکاح إلی المرأة أیضاً.

قال تعالی: ﴿ولا تنکحوا ما نکح آباؤکم﴾((3)).

وقال سبحانه: ﴿حتی تنکح زوجاً غیره﴾((4)).

ص:311


1- الوسائل: ج14 ص197 الباب 1 من أبواب مقدمات الن ک اح ح9
2- ال ک افی: ج5 ص372 باب خطب الن ک اح ح5
3- سورة النساء: الآیة 22
4- سورة البقرة: الآیة 230

وأن یکون القبول بلفظ قبلت، ولا یبعد کفایة رضیت، ولا یشترط ذکر المتعلقات، فیجوز الاقتصار علی لفظ قبلت، دون أن یقول قبلت النکاح لنفسی أو لموکلی بالمهر المعلوم، والأقوی کفایة الإتیان بلفظ الأمر کأن یقول: زوجنی فلانة، فقال: زوجتکها

{و} الأحوط أیضاً استحباباً {أن یکون القبول بلفظ قبلت} لأنه حقیقة المعنی، وللاقتصار علیه فی کلام جماعة، وللاحتیاط، ولکن کلها لا تصلح لاحتیاط لزومی فکیف بالفتوی.

{و} لذا {لا یبعد} بل الأقوی {کفایة رضیت} وغیره من کل ما یدل علی القبول، فإذا قال أحدهما: أنکحتک نفسی، وقال الآخر: رضیت، کفی.

{ولا یشترط ذکر المتعلقات} لا فی طرف الإیجاب، ولا فی طرف القبول، للأصل بعد تحقق النکاح بالمجرد منها.

{فیجوز الاقتصار علی لفظ} أنکحت فی الإیجاب، بعد التبانی علی الخصوصیات.

کما یجوز الاقتصار علی لفظ {قبلت} فی القبول، من {دون} أن یقول: {قبلت النکاح لنفسی أو لموکلی بالمهر المعلوم}، قال فی المستمسک: بلا خلاف عندنا ولا إشکال.

{والأقوی کفایة الإتیان بلفظ الأمر، کأن یقول: زوجنی فلانة، فقال: زوجتکها}

ص:312

وذلک لصدق الإطلاقات علیه، ولذا اختاره الشیخ وابنا حمزة وزهرة والشرایع وغیرهم.

ویدل علیه خبر سهل الساعدی، الذی رواه الخاصة والعامة، بل عن المسالک إنه المشهور بینهما، ورواه کل منهما فی الصحیح:

إن امرأة أتت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقالت: یا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهبت نفسی لک، وقامت قیاماً طویلاً، فقام رجل وقال: یا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) زوجنیها إن لم یکن لک فیها حاجة، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «هل عندک من شیء تصدقها إیاه»، فقال: ما عندی إلاّ إزاری هذا، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إن أعطیتها إزارک جلست لا إزار لک، اجلس التمس ولو خاتماً من حدید» فلم یجد شئاً، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «هل معک من القرآن شیء» قال: نعم سورة کذا وسورة کذا، السور التی سماها، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «زوجتک بما معک من القرآن»((1)).

وفی صحیح محمد بن مسلم، المروی فی الکافی والتهذیب، قال: جاءت امرأة إلی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) فقالت: زوجنی، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «من لهذه» فقام رجل فقال: أنا یا رسول الله زوجنیها، فقال: «ما تعطیها»، فقال: ما لی شیء، قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «لا»، فأعادت، فأعاد رسول الله (صلی الله علیه وآله) الکلام، فلم یقم أحد غیر الرجل، ثم أعادت، فقال رسول الله (صلی

ص:313


1- المستدر ک : ج2 ص563 الباب 1 من أبواب عقد الن ک اح ح4

وإن کان الأحوط خلافه.

الله علیه وآله وسلم) فی المرة الثالثة: «أتحسن من القرآن شیئاً» قال: نعم، قال: «قد زوجتکها علی ما تحسن من القرآن فعلّمها إیاه»((1)).

وفی روایة السکونی: جاءت امرأة إلی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) فقالت: زوجنی، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «من لهذه» فقام رجل، _ إلی أن قال: _ «قد زوجتکها علی ما تحسن من القرآن، فعلّمها إیاه»((2)).

وحیث لیس فی شیء من طرق الحدیث أن الرجل أعاد القبول، فیکون قوله قبولاً مقدماً علی الإیجاب، کما ذکره الجماعة.

وقد تقدم أنه یصح أن یکون إیجاباً لعدم الدلیل علی لزوم کون الإیجاب من المرأة.

وعلی کل حال فالأمر کاف فی کونه قبولاً أو إیجاباً.

{وإن کان الأحوط} احتیاطاً استحباباً {خلافه} بل عن ابن إدریس ومختلف العلامة والجامع المنع لأصالة عدم العصمة وللاحتیاط فی الفروج، والروایة تنزل علی ما عن الشهید فی شرح الإرشاد من أن الواقع من النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قام مقام الإیجاب والقبول، لثبوب الولایة المستفاد من قوله تعالی: ﴿النبی أولی بالمؤمنین من أنفسهم﴾((3))، فیکون ذلک من خواصه (علیه السلام).

وأشکل فیها بعض آخر لإجمالها واحتمالها أن تکون قصة لبعض الأمر لا لکله.

ص:314


1- الوسائل: ج15 ص3 الباب 2 من أبواب المهور ح2
2- الوسائل: ج14 ص195 الباب 2 من أبواب عقد النکاح ح3
3- سورة الأحزاب: الآیة 6

وقال فی الجواهر: الإنصاف عدم خلو دلالة الخبر المزبور علی ذلک من الإشکال، _ إلی أن قال: _ علی أنه لو کان قبولاً لزم جواز التخلل بین الإیجاب والقبول بالکلام الکثیر، إلخ.

أقول: أصالة عدم العصمة والاحتیاط لا مجال لهما بعد الإطلاق والنص، والإشکالات المذکورة غیر کافیة لإسقاط الروایة، إذ إعماله (صلی الله علیه وآله وسلم) الولایة خلاف کونه أسوة، ولا إجمال فی الروایة، وکونها بعض القصة خلاف الظاهر، والتخلل بین الإیجاب والقبول بالکلام الکثیر لا مانع منه بعد الصدق، فما استظهره المصنف هو المتعین.

ص:315

مسألة ٢ کفایة الإشارة للأخرس

(مسألة 2): الأخرس یکفیه الإیجاب والقبول بالإشارة مع قصد الإنشاء، وإن تمکن من التوکیل علی الأقوی.

(مسألة 2): {الأخرس یکفیه الإیجاب والقبول بالإشارة مع قصد الإنشاء} بلا خلاف ظاهر، وعن کشف اللثام إنه مما قطع به الأصحاب.

{وإن تمکن من التوکیل علی الأقوی} وذلک لإطلاق أدلة العقود الشامل له، لأنه عقده.

ویؤیده فحوی ما ورد فی الطلاق، مثل صحیح البزنطی، عن الرضا (علیه السلام)، فی الأخرس الذی لا یکتب ولا یسمع کیف یطلقها، قال: «بالذی یعرف به من أفعاله»((1)).

أما استدلال المستمسک لذلک بما ورد فی قراءته وتلبیته وتشهده فلا یخفی ما فیه، لأنها تکالیفه المتعینة، فإذا لم یقدر علی بعضها شمل المقدور له دلیل المیسور، ولیس المقام مثل ذلک.

ثم إنه لا فرق بین الخرس الدائم والموقت، کما إذا انعقد لسانه لمدة من جهة مرض ونحوه.

ومثله الکلام فی ما إذا کان الولی للطفل أخرس وأراد زواجه.

ص:316


1- الوسائل: ج15 ص300 الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق ح1

مسألة ٣ عدم کفایة الکتابة

(مسألة 3): لا یکفی فی الإیجاب والقبول الکتابة.

(مسألة 3): {لا یکفی فی الإیجاب والقبول الکتابة} علی المشهور، واستدل له بالاحتیاط والإجماع علی اعتبار اللفظ، وبما فی جامع المقاصد من أن الکتابة کنایة ولا یقع النکاح بالکنایات.

ویرد علی الأول: إنه لا مجال للاحتیاط بعد شمول دلیل العقد، فإذا کتبنا البیع ونحوه صدق عرفاً أنهما عقدا، ولیست المعاهدات الدولیة المبرمة بالکتابة إلاّ قسماً من العقود.

والإجماع علی اللفظ محتمل الاستناد، وکلام جامع المقاصد مخدوش صغری وکبری، فالقول بالکفایة لیس بذلک البعید، وإن کان الفتوی به مشکلة جداً.

نعم ینبغی عدم الإشکال فی ما إذا کتب الأخرس لأنه نوع من الإشارة بل أقومها.

ص:317

مسألة ٤ عدم وجوب التطابق فی الألفاظ

(مسألة 4): لا یجب التطابق بین الإیجاب والقبول فی ألفاظ المتعلقات، فلو قال: أنکحتک فلانة، فقال: قبلت التزویج، أو بالعکس کفی، وکذا لو قال: علی المهر المعلوم، فقال الآخر: علی الصداق المعلوم، وهکذا فی سائر المتعلقات.

(مسألة 4): {لا یجب التطابق بین الإیجاب والقبول فی ألفاظ المتعلقات}، فی الجواهر إنه لا خلاف فیه ولا إشکال، وذلک لوضوح شمول إطلاق العقد للمتخالفین إذا کان المؤدی واحداً.

{فلو قال: أنکحتک فلانة، فقال: قبلت التزویج، أو بالعکس کفی}، وکذا إذا کان للرجل والمرأة اسمان، فقال أحدهما اسماً، وقال الآخر اسماً آخر.

{وکذا لو قال: علی المهر المعلوم، فقال الآخر: علی الصداق المذکور}، وهکذا لو سمی أحدهما الدنانیر، وقال الآخر: علی الصداق المعلوم، وکذا إذا قال أحدهما: بالدراهم، وقال الآخر: بالدنانیر، إذا کانا واحداً عرفاً، ولم یلحظ الخصوصیة الفردیة فی الصداق.

{وهکذا فی سائر المتعلقات} مثلاً قال الأول فی المتعة: فی المدة المعلومة، وقال الثانی: فی أربع وعشرین ساعة مثلاً، إلی غیر ذلک.

ص:318

مسألة ٥ کفایة قول: نعم

(مسألة 5): یکفی علی الأقوی فی الإیجاب لفظ نعم بعد الاستفهام، کما إذا قال: زوّجتنی فلانة بکذا، فقال: نعم، فقال الأول: قبلت، لکن الأحوط عدم الاکتفاء.

(مسألة 5): {یکفی علی الأقوی فی الإیجاب لفظ نعم بعد الاستفهام، کما إذا قال: زوّجتنی فلانه بکذا، فقال: نعم، فقال الأول: قبلت}، وذلک لشمول إطلاقه أدلة العقد له، ویدل علیه روایة أبان بن تغلب المتقدمة((1)).

ومن المعلوم عدم الفرق بین الدوام والمتعة فی ذلک، بل الظاهر أنه لا یحتاج إلی قول الأول نعم، لما سبق من صدق عقد النکاح بدون ذلک.

وفی روایة عبید بن رزارة قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن التزویج بغیر خطبة، فقال (علیه السلام): «أو لیس عامة ما تتزوج فتیاتنا ونحن نفرق الطعام علی الخوان فنقول: یا فلان زوج فلاناً فلانة، فیقول: نعم قد فعلت»((2)).

{لکن الأحوط عدم الاکتفاء}، وعلل ذلک بأنه من قبیل الإیقاع بالمجازات المستنکرة عرفاً، لأن الحذف والتقدیر اعتماداً علی السؤال إنما یکون فی الجواب الخبری، لا فیما لو قصد الإنشاء، فإنه یکون ابتداء کلام، وإذا کان الإنشاء بنحو مستنکر عرفاً لا یصح، لأن إطلاق الصحة منزل علی العرف.

ص:319


1- الوسائل: ج14 ص466 الباب 18 من أبواب المتعة ح1
2- الوسائل: ج14 ص196 الباب 1 من أبواب عقد الن ک اح ح7

وفیه: منع کلتا المقدمتین، إذ کونه مستنکراً معلوم العدم، وکون المستنکر لا یشمله الإطلاق واضح المنع، إذ منتهی الأمر أنه فرد نادر، ولیس بحیث ینصرف الإطلاق عنه انصرافاً یوجب خروجه عن الفردیة عند المتعارف، ولذا لا یشک أحد فی أنه لو قال المشتری للبائع: بعنی الکتاب بدرهم، فقال البائع: نعم، بقصد الإنشاء کان قد تم البیع.

ص:320

مسألة ٦ اللحن فی الصیغة

(مسألة 6): إذا لحن فی الصیغة، فإن کان مغیراً للمعنی لم یکف، وإن لم یکن مغیراً فلا بأس به إذا کان فی المتعلقات، وإن کان فی نفس اللفظین کأن یقول: جوزتک بدل زوجتک، فالأحوط عدم الاکتفاء به، وکذا اللحن فی الأعراب.

(مسألة 6): {إذا لحن فی الصیغة، فإن کان مغیراً للمعنی لم یکف}، قال فی المستمسک: (لأنه من المستنکر عرفاً)، وفیه ما تقدم، بل المعیار فهم العرف وقصد الإنشاء، فإذا حصلا کفی لصدق العقد ونحوه.

{وإن لم یکن مغیراً فلا بأس به} للإطلاق الشامل له، ولا دلیل علی لزوم صحة الألفاظ، ولا فرق فیما ذکرناه من الصحة علی کل تقدیر بین أن یکون اللحن فی اللفظین، أو فی سائر المتعلقات، بل عدم الضرر فی سائر المتعلقات أوضح.

فقول المصنف: {إذا کان فی المتعلقات، وإن کان فی نفس اللفظین کأن یقول: جوزتک بدل زوجتک فالأحوط عدم الاکتفاء به} غیر ظاهر الوجه، فإن الغلط لا یضر مطلقاً إلاّ إذا لم یصدق علیه الصیغة، ولذا قال المستمسک: الظاهر أنه لیس من المستنکر عرفاً، فیشمله إطلاق النفوذ.

وقد اختار الصحة فی (جوزتک) السید أبو الحسن الأصفهانی (رحمه الله).

وما أبعد ما بینه وبین قول السید البروجردی: (إنه من اللحن المغیر للمعنی ولا یکفی بلا إشکال).

{وکذا اللحن فی الإعراب} فإنه إذا توفر فیه الفهم وقصد الإنشاء کفی للصدق عرفاً کما عرفت، ومراده من الإعراب أعم من البناء، کما إذا قال: (زوّجتک فاطمة) بالتنوین.

ص:321

مسألة ٧ قصد الإنشاء فی الصیغة

(مسألة 7): یشترط قصد الإنشاء فی إجراء الصیغة.

(مسألة 7): {یشترط قصد الإنشاء فی إجراء الصیغة} بلا إشکال ولا خلاف، لأن عقد النکاح کسائر العقود إیقاع، ولا یتحقق الإیقاع بدون قصد الإنشاء.

لکن قصد الإنشاء خفیف المؤنة جداً.

ولا فرق فی لزوم قصد الإنشاء بین أصل الزواج أو المهر، ولا بین الإیجاب والقبول، ولا فی المدة فی المتعة، کما هو واضح.

ص:322

مسألة ٨ عدم اشتراط معرفة الفعل والفاعل فی المجری

(مسألة 8): لا یشترط فی المجری للصیغة أن یکون عارفاً بمعنی الصیغة تفصیلاً، بأن یکون ممیزاً للفعل والفاعل والمفعول، بل یکفی علمه إجمالاً بأن معنی هذه الصیغة إنشاء النکاح والتزویج، لکن الأحوط العلم التفصیلی.

(مسألة 8): {لا یشترط فی المجری للصیغة أن یکون عارفاً بمعنی الصیغة تفصیلاً} إذ لا دلیل علی هذا الشرط، فیکفی فی الصحة شمول الإطلاق، فلا حاجة {بأن یکون ممیزاً للفعل والفاعل والمفعول، بل یکفی علمه إجمالاً}، الإجمال بالمعنی المنطقی لا بالمعنی الأصولی، بل الظاهر کفایته بالمعنی الأصولی أیضاً بأن یعلم أن إحدی هاتین الصیغتین تفید الزواج فقالهما وقصد الإنشاء، فإذا علم {بأن معنی هذه الصیغة} أو إحدی هاتین {إنشاء النکاح والتزویج} کفی.

{لکن الأحوط العلم التفصیلی} للاحتیاط فی الفروج.

ص:323

مسألة ٩ الموالاة بین الإیجاب والقبول

(مسألة 9): یشترط الموالاة بین الإیجاب والقبول، وتکفی العرفیة منها، فلا یضر الفصل فی الجملة بحیث یصدق معه أن هذا قبول لذلک الإیجاب

(مسألة 9): {یشترط الموالاة بین الإیجاب والقبول} بمقدار یصدق معه العقد حتی یشمله إطلاق (العقود) {و} لذا قال:

{تکفی العرفیة منها، فلا یضر الفصل فی الجملة بحیث یصدق معه} العقد.

وکأن المصنف أراد ما ذکرناه بقوله: {إن هذا قبول لذلک الإیجاب}، وإلا فلیس المعیار ذلک، بل صدق العقد.

أما نفی المستمسک اشتراط الموالای العرفیة وجعله المدار علی صدق المطابقة ناقلاً من القواعد عدم الانعقاد لو أخر القبول مع الحضور بحیث لا یعد مطابقاً للإیجاب، فإن أراد العرفیة بالمعنی الذی ذکرناه فلا وجه لإنکاره، وإن أراد مقابل الحقیقیة التی هی أوسع من الحقیقة فی الجملة فکلامه تام.

وکیف کان، فیدل علی عدم ضرر الفصل المفوت للموالاة الحقیقیة، بالإضافة إلی أنه لا ینافی صدق العقد، بعض الروایات المتقدمة فی فصل الکلمات فی قصة طلب امرأة من الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) زواجها.

ومنه یعلم أن احتیاط بعض الفقهاء بعدم الفصل، حتی أنهم کانوا یرون لزوم ذکر المتعلقات، قبل الصیغة، کأن یقول: (علی المهر المعلوم أنکحتها له) لیتصل به (قبلت) لیس له وجه، حتی الوجه الاحتیاطی.

ص:324

کما لا یضر الفصل بمتعلقات العقد من القیود والشروط وغیرها وإن کثرت.

ولذا قال المصنف: {کما لا یضر الفصل بمتعلقات العقد من القیود والشروط وغیرها وإن کثرت}.

ثم إنه إذا کثر الفصل بحیث شک فی صدق العقد کان الأصل عدمه، ولا یکون مجال لأصالة الصحة، لأنه من المستمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة.

ص:325

مسألة ١٠ إتحاد مجلس الإیجاب والقبول

(مسألة 10): ذکر بعضهم أنه یشترط اتحاد مجلس الإیجاب والقبول، فلو کان القابل غائباً عن المجلس فقال الموجب: زوجت فلاناً فلانة، وبعد بلوغ الخبر إلیه قال: قبلت، لم یصح.

وفیه: إنه لا دلیل علی اعتباره من حیث هو، وعدم الصحة فی الفرض المذکور إنما هو من جهة الفصل الطویل أو عدم صدق المعاقدة والمعاهدة لعدم التخاطب

(مسألة 10): {ذکر بعضهم} العلامة فی القواعد {إنه یشترط اتحاد مجلس الإیجاب والقبول، فلوکان القابل غائباً عن المجلس، فقال الموجب: زوجت فلاناً فلانة، وبعد بلوغ الخبر إلیه قال: قبلت، لم یصح} وقد وجهه جامع المقاصد بأن العقود اللازمة لابد فیها من قوع القبول علی الفور عادة بحیث یعد جواباً للإیجاب.

أقول: وقد أید ذلک بالاحتیاط، وبأنه خلاف العقود المتلقاة من الشارع {وفیه: إنه لا دلیل علی اعتباره من حیث هو} إذ لا نص ولا إجماع علی اتحاد المجلس.

{وعدم الصحة فی الفرض المذکور إنما هو من جهة الفصل الطویل أو عدم صدق المعاقدة والمعاهدة لعدم التخاطب}.

أقول: لیس فی المقام إلا لزوم صدق العقد، أما الفصل الطویل فقد عرفت أنه غیر ضار إذا لم یضر بالصدق المذکور.

أما الاحتیاط ففیه إنه غیر لازم مع الصدق الموجب، لشمول الإطلاق له.

وکونه خلاف العقود المتلقاة، غیر ضار، إذ لا دلیل علی انحصار العقد فی الکیفیة المتلقاة، کما تقدم الکلام فی ذلک.

ص:326

وإلا فلو فرض صدق المعاقدة وعدم الفصل مع تعدد المجلس، کما إذا خاطبه وهو فی مکان آخر لکنه یسمع صوته ویقول: (قبلت) بلا فصل مضر فإنه یصدق علیه المعاقدة.

ولذا قال المصنف: {وإلا فلو فرض صدق المعاقدة وعدم الفصل مع تعدد المجلس صح} وهذا فرض حقیقی، فانه إذا قالت المرأة صباحاً: زوجت نفسی محمداً، فقال محمد فی مجلس آخر عصراً: قبلت ذلک، رأی العرف وقوع العقد، فحاله حال عقد البیع وغیره مما لایضره تعدد المجلس، فیکون {کما إذا خاطبه وهو فی مکان آخر، لکنه یسمع صوته، ویقول: (قبلت) بلا فصل مضر، فإنه یصدق علیه المعاقدة}.

ومنه العقد بالتلفون واللاسلکی ونحوهما، وکذا إذا أوجبت عبر التلفزیون أو الرادیو، فسمع وقبل، إلی غیرها من الأمثلة، والله العالم.

ص:327

مسألة ١١ التنجیز فی النکاح

(مسألة 11): ویشترط فیه التنجیز کما فی سائر العقود، فلو علقه علی شرط أو مجیء زمان بطل

(مسألة 11): {ویشترط فیه التنجیز، کما فی سائر العقود، فلو علقه علی شرط أو مجیء زمان} کما لو قال: زوجتک إن جاء زید أو فی یوم الجمعة الآتی {بطل}.

واستدلوا لذلک بالإجماع، وبأن المتلقی من الشارع اتصال زمان العقد بزمان الزوجیة، والشرط یجعل الانفصال بینهما، وبأن الإنشاء إیجاد للمنشأ وکما أن الإیجاد الحقیقی لا یقبل الإناطة والتعلیق کذلک الإنشاء الذی هو إیجاد ادعائی.

أقول: لو لا الإجماع وقضیة التلقی _ إن قلنا بأنها توجب صرف الإطلاق عن شمول غیر المنجز _ لم یکن هناک دلیل آخر.

إذ أولاً: الإیجاد المعلق ممکن، بمعنی أنه یوجد الآن المعد فإذا حصل شرطه وُجد الشیء.

وثانیاً: لا تلازم بین الأمرین، إذ الایجاد الحقیقی لیس مثل الإیجاد الاعتباری، فإن الاعتبار خفیف المؤنة، ولذا قلنا فی باب المکاسب: إنه لو لا الإجماع لکان العقد المعلق صحیحاً، وأی فرق بین الوصیة والتدبیر وغیرهما من ما ذکروا صحة التعلیق فیها، وبین البیع والإجارة مما ذکروا عدم الصحة فیهما.

وحیث إن محل الکلام فی هذه المسألة هناک، نکتفی منه هنا بهذا القدر.

ص:328

نعم لو علقه علی أمر محقق معلوم، کأن یقول: إن کان هذا یوم الجمعة زوجتک فلانة، مع علمه بأنه یوم الجمعة صح، وأما مع عدم علمه فمشکل.

{نعم لو عقله علی أمر محقق معلوم، کأن یقول: إن کان هذا یوم الجمعة زوجتک فلانة} أو قال: إن کان هذا أباها فقد زوجتک بنته {مع علمه بأنه یوم الجمعة} وأن الرجل الحاضر أبوها مثلاً {صح} العقد، کما عن الفاضلین والشهیدین والمحقق الثانی وغیرهم، وذلک لأنه تنجیز وإن کان فی صورة تعلیق، کما أن العکس وهو التعلیق فی صورة التنجیز غیر صحیح، کما إذا قال فی یوم السبت: زوجتک فی یوم الأحد.

ولا یخفی أن کلام المصنف ککلماتهم، إنما هو مع عدم الفصل، وإلا لم یصح، کما إذا قال: إذا جاءک یوم الأحد زوجتک، فإنه معلق علی أمر محقق معلوم، لکن حیث یکون فصل بین الإنشاء والحلیة لم یصح، کما ذکرناه فی الدلیل الثانی.

{وأما مع عدم علمه فمشکل}، وذلک لأنه لم ینشأ النکاح، فإن وجود الشرط فی الواقع لا یؤثر فی إنشاء المنشأ، هذا بالإضافة إلی أن الشیخ المرتضی (رحمه الله) ادعی الإجماع علی البطلان فیه.

هذا کله حسب الموازین الشرعیة، أما حسب الموازین العرفیة، فقد عرفت أن الإنشاء لخفة مؤنته یصلح أن یکون معلقاً بأمر حاضر أو مستقبل، یعلم المنشیء ذلک أم لم یعلم، کان الشرط منفصلاً عن الإنشاء أم متصلاً به.

ص:329

وقد ظهر مما تقدم عدم صحة النکاح المؤجل، أی المنشأ بعد زمان الإنشاء، کما إذا قالت یوم الجمعة: زوجتک نفسی من یوم السبت، وإن صح ذلک فی الاجارة، ولذا یصح أن یؤجر داره هذه السنة لزید، وینشأ إیجارها لعمرو _ من الآن _ لسنة ثانیة، ولا یصح ذلک بالنسبة إلی زوجین فی المتعة، أو إنشائه الآن لزوج ثان بعد طلاق الزوج الأول.

نعم قد یستفاد من بعض الروایات صحة انفصال زمان النکاح عن زمان العقد، فیما رواه الکلینی (رحمه الله) عن بکار بن کردم، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): الرجل یلقی المرأة فیقول: زوجنی نفسک شهراً، ولا یسمی الشهر بعینه، ثم یمضی فیلقاها بعد سنین، فقال له: «شهره إن کان سماه فإن لم یکن سماه فلا سبیل له علیها»((1)).

لکن العمل بذلک مشکل، وإن کانت الروایة علی طبق القاعدة العرفیة فی المعاملات، إذ لا مانع من ذلک عقلاً، والاعتبار بید المعتبر، کما أنه ینبغی أن یجوز الانفصال فی البیع أیضاً، بأن یبیعه داره من بعد سنة، کما یجوز ذلک بالنسبة إلی الإجارة والعاریة.

نعم لا إشکال أنه من المنکرات الشرعیة أن تزوج المرأة نفسها لزوجین، کأن تزوج نفسها متعة من الصباح إلی اللیل لزید، وتزوج نفسها فی الحال لعمرو من اللیل إلی الصباح، ولا یکون دخول للأول أو لا یوجب عدة کالیائسة، أو تنکح

ص:330


1- المستدر ک : ج2 ص592 الباب 27 من أبواب المتعة ح1

نفسها الآن للثانی بعد انقضاء عدة الأول.

أما الاستدلال للمنع بما رواه الکلینی، عن إسحاق بن عمار، قال: قلت: لأبی الحسن موسی (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة متعة، ثم وثب علیها أهلها، فزوجوها بغیر إذنها علانیة، والمرأة امرأة صدق کیف الحیلة، قال: «لا تمکن زوجها من نفسها حتی ینقضی شرطها أو عدتها»((1)).

_ أقول: المراد بالشرط زمان المتعة، وقوله (علیه السلام): (أو عدتها) أی إذا کانت بلا عدة کالیائسة، فانقضاء الشرط وإلا احتاج إلی انقضاء العدة _.

قلت: إن شرطها سنة ولا یصبر لها زوجها ولا أهلها سنة، فقال: «فلیتق الله زوجها الأول ولیتصدق علیها بالأیام، فإنها قد ابتلیت والدار دار هدنة» _ أی لا یمکن إظهار الأحکام کاملة، فإنها إن أظهرت أنها متعة خشیت من عواقبها _ «والمؤمنون فی تقیة».

قلت: فإنه تصدق علیها أیامها وانقضت عدتها کیف تصنع، قال: «إذا خلا الرجل بها فلتقل هی یا هذا أن أهلی وثبوا علی فزوجونی منک بغیر أمری ولم یستأمرونی وإنی الآن قد رضیت، فاستأنف الآن فتزوجنی تزویجاً صحیحاً فیما بینی وبینک».

فلا یخفی ما فیه، إذ الروایة تدل علی منع اجتماع زوجین فی حال واحد لا فی حالین، کما هو محل الکلام.

ثم کما لا یصح للمرأة أن تتزوج زوجین فی حالین بإنشاء النکاح فی زمان

ص:331


1- الوسائل: ج14 ص493 الباب 41 من أبواب المتعة ح1

واحد، کذلک لا یصح للرجل أن یتزوج الخامسة وأخت الزوجة والربیبة فی حال واحد لزمانین، کأن یتزوج الأربع ثم یقول: تزوجت الخامسة بعد طلاق إحداهن، وهو یعلم أنه یطلقها بعد یوم مثلاً، أو یقول: تزوجت هنداً متعة إلی اللیل وأختها من اللیل، أو تزوجت الأم الآن وابنتها بعد انقضاء مدة الأم، ولا یدخل بالأم، وذلک لوضوح کونه من المنکرات شرعاً.

وکما لا یصح النکاح المتأخر، لا یصح النکاح المتقدم، کأن یقول: تزوجتها من الشهر الماضی، والظاهر أنه یوجب بطلان النکاح حتی بالنسبة إلی الحال إن کان علی وجه التقیید، وإن کان علی نحو تعدد المطلوب ففیه احتمالان، البطلان لعدم ثبوت مثل ذلک شرعاً، والصحة لأنه مثل ما إذا زوج امرأتین ثم تبین عدم صحة زواج إحداهما، ومقتضی القاعدة الثانی، وإن کان الاحتیاط یقتضی الأول.

ص:332

مسألة ١٢ العقد المخالف للاحتیاط

(مسألة 12): إذا أوقعا العقد علی وجه یخالف الاحتیاط اللازم مراعاته، فإن أراد البقاء فاللازم الإعادة علی الوجه الصحیح، وإن أرادا الفراق فالأحوط الطلاق

(مسألة 12): {إذا أوقعا العقد علی وجه یخالف الاحتیاط اللازم مراعاته، فإن أراد البقاء فاللازم الإعادة علی الوجه الصحیح}، لوضوح أنه بدون ذلک لا یتمکن من الاستمتاع ونحوه، سواء بالنسبة إلی الأحکام الواجبة کالوطی فی کل أربعة أشهر، أو بالنسبة إلی الأحکام المستحبة کالاستمتاع، أو بالنسبة إلی المباحة کالنظر إلی ما لا یحل لغیر الزوج النظر إلیه، أو بالنسبة إلی المکروهة کالوطی فی الدبر.

{وإن أراد الفراق فالأحوط الطلاق} لوضوح أنه بدون ذلک لا یتمکن من الخروج عن تبعیة الزوجیة، مثل وجوب الإنفاق وإباحة الأخت والخامسة والربیبة بالنسبة إلی ما لم یدخل بالأم، إلی غیر ذلک.

والحاصل: حیث إن الأمر فی المقام دائر بین محذورین، ویمکن التخلص من کلا الأمرین، لم یکن من مورد الدوران بین محذورین، مثل منذور الفعل والترک، بل اللازم التمسک بالمندوحة سواء فعلاً أو ترکاً.

ومنه یعلم حال تارک طریقی الاجتهاد والتقلید العامل بالاحتیاط، حیث لا یتمکن من الجمع بین أحکام الزوجیة وأحکام عدمها، کما إذا عقد بالفارسیة مثلاً، فإنه لا یتمکن من جعلها کزوجة فی وطی أربعة أشهر، ولا من جعلها کغیر زوجة فی عدم وطیها فیما إذا أرادت الوطی ولم تسقط حقها، فاللازم الفرار إلی المندوحة إما بعقدها من جدید مع موافقتها، أو بطلاقها.

ص:333

وإن کان یمکن التمسک بأصالة عدم التأثیر فی الزوجیة، وإن کان علی وجه یخالف الاحتیاط الاستحبابی، فمع إرادة البقاء الأحوط الاستحبابی إعادته علی الوجه المعلوم صحته، ومع إرادة الفراق فاللازم الطلاق.

نعم الظاهر فی فرع المصنف وفرعنا، إذا ترکت المرأة حقها فی الوطی أمکن الاحتیاط فی سائر الجهات بإعطائها النفقة، وعدم وطیها وعدم تزویج الخامسة وأختها إلی غیر ذلک.

لکن ذلک إذا لم یکن محذور آخر، کما إذا حلف أن لا یطلق، فإنه یتردد أمره بین الإبقاء ولزوم الوطی وبین الطلاق وکلاهما حرام، فهو من التردد بین المحذورین حیث لا مندوحة، واللازم ترجیج الأهم.

{وإن کان یمکن التمسک بأصالة عدم التأثیر فی الزوجیة} بالنسبة إلی المجتهد الفاحص، لأن کونه نکاحاً صحیحاً حادث لا یعلم به، فالأصل عدمه.

أما بالنسبة إلی العامی فلا یحق له إلاّ الأخذ بالاحتیاط فی عقدها من جدید أو بالطلاق، وإذا دار بین المحذورین قدم الأهم، ولما ذکرناه قیده السید البروجردی بما قیدناه بأنه من شأن المجتهد، وأشکل علیه المستمسک بأن صحة التمسک بالأصل المذکور ینافی کون المورد من موارد الاحتیاط اللزومی.

{وإن کان علی وجه یخالف الاحتیاط الاستحبابی فمع إرادة الفراق فاللازم الطلاق} إذا لم ترض الزوجة بإسقاط حقها، ولم یرد هو أخذ الخامسة والأخت وما أشبه.

ص:334

مسألة ١٣ العاقد یجب کماله

(مسألة 13): یشترط فی العاقد المجری للصیغة الکمال بالبلوغ والعقل، سواء کان عاقداً لنفسه أو لغیره، وکالة أو ولایة أو فضولا، فلا اعتبار بعقد الصبی، ولا المجنون ولو کان أدواریاً حال جنونه، وإن أجاز ولیه أو أجاز هو بعد بلوغه أو إفاقته علی المشهور بل لا خلاف فیه.

(مسألة 13): {یشترط فی العاقد المجری للصیغة الکمال بالبلوغ} علی المشهور بینهم {والعقل} بلا إشکال، إذ عبارة المجنون الصادرة بدون تعقل، مثل أصوات البهائم والنائم، فإن الأدلة لا تشملها، فلو علّم الطیر الصیغة فأجراها لم ینفع، {سواء کان عاقداً لنفسه أو لغیره، وکالةً أو ولایةً أو فضولاً}، لا یتصور الولایة فی غیر البالغ وغیر العاقل لأنهما لیسا ولیین، کما حقق فی محله.

{فلا اعتبار بعقد الصبی، ولا المجنون ولو کان أدواریاً حال جنونه، وإن أجاز ولیه أو أجاز هو بعد بلوغه أو إفاقته علی المشهور، بل لا خلاف فیه}.

الظاهر وجود الخلاف فیه، فإن المنسوب إلی المحقق وفخر المحققین والأردبیلی وجماعة آخرین جواز تصرف الصبی الممیز بإذن الولی.

واستدل المشهور للمنع بأمور، منها: حدیث «رفع القلم عن الصبی حتی یحتلم»((1)).

ومنها: ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «عمد الصبی وخطأُه واحد»((2)).

ص:335


1- الوسائل: ج14 ص66 الباب 36 من أبواب القصاص فی النفس ح2
2- الوسائل: ج19 ص307 الباب 11 من أبواب العاقلة ح2

لکنه فی الصبی الوکیل عن الغیر محل تأمل، لعدم الدلیل علی سلب عبارته إذا کان عارفاً بالعربیة وعلم قصده حقیقة، وحدیث رفع القلم منصرف عن مثل هذا

ومنها: خبر حمزة بن حمران، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حدیث إنه قال: «الجاریة إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنین ذهب عنها الیتم، ودفع إلیها مالها وجاز أمرها فی الشراء والبیع»، قال: «والغلام لا یجوز أمره فی الشراء والبیع، ولا یخرج من الیتم حتی یبلغ خمس عشرة سنة أو یحتلم أو یشعر أو ینبت قبل ذلک»((1)).

{لکنه فی الصبی الوکیل عن الغیر محل تأمل، لعدم الدلیل علی سلب عبارته إذا کان عارفاً بالعربیة} أو قلنا بعدم اشتراط العربیة کما تقدم، فإطلاقات الأدلة تشمله کما تشمل سائر المجرین للصیغة.

{وعلم قصده حقیقة} لتوقف العقد علی القصد کما هو ظاهر.

{وحدیث رفع القلم منصرف عن مثل هذا} إذ الظاهر منه رفع قلم التکلیف الذی وضعه الشارع، وصحة عبارته لم یضعها الشارع، فمعنی رفع القلم أنه کما لو کان قبل الإسلام، إلا فیما خرج کزناه وسرقته ونحوهما، ومن المعلوم أنه قبل الإسلام لم یکن مسلوب العبارة.

وأما روایة عمد الصبی فظاهرها تنزیل العمد منزلة الخطأ فیما کان للخطأ حکم خاص فی غیر الصبی، فیخص ذلک بالجنایة فلا ربط للحدیث بالمقام.

ص:336


1- الوسائل: ج13 ص142 الباب 2 من أبواب أحکام الحجر ح1

أما خبر حمزة فالظاهر منه جواز أمرهما بعد البلوغ علی نحو الاستقلال، أما بدون الاستقلال فلا ینفیه الخبر، وکلامنا فی جواز لفظهما مستنداً إلی موکل أو ولی.

هذا بالإضافة إلی ظهور جملة من الأدلة علی جواز عبارته کقوله تعالی: ﴿وابتلوا الیتامی حتی إذا بلغوا النکاح، فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إلیهم أموالهم﴾((1))، فإن الظاهر من ابتلائهم کما ذکره غیر واحد ابتلاؤهم بالمعاملات الیسیرة لاختبار رشدهم الفکری، وقوله: ﴿فادفعوا﴾ أی أموالهم کاملة، وهذا یدل علی جواز معاملتهم فی الجملة.

وقد روی الصدوق أنه سئل الصادق (علیه السلام)، عن قول الله تعالی: ﴿فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إلیهم أموالهم﴾ قال: «إیناس الرشد حفظ المال»((2)).

وعن عیص بن القاسم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الیتیمة متی یدفع إلیها مالها، قال: «إذا علمت أنها لا تفسد ولا تضیع»، فسألته إن کانت قد زوجت، فقال: «إذا زوجت فقد انقطع ملک الوصی عنها»((3)).

بل یظهر ذلک أیضاً من روایة أصبغ بن نباتة، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام)، إنه قضی أن یحجر علی الغلام المفسد حتی یعقل((4)).

ص:337


1- سورة النساء: الآیة 6
2- الوسائل: ج13 ص433 الباب 45 من أبواب أحکام الوصایا ح6.  
3- الوسائل: ج13 ص433 الباب 45 من أبواب أحکام الوصایا ح1
4- الوسائل: ج13 ص141 الباب 1 من أبواب الحجر ح5

ومثل الآیة فی الدلالة روایة السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، «نهی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) عن کسب الإماء، فانها إن لم تجد زنت إلاّ أمة قد عرفت بصنعة ید، ونهی عن کسب الغلام الصغیر الذی لا یحسن صناعة بیده فإنه إن لم یجد سرق»((1)).

فإنه یدل علی الجواز،

أولاً: فیما إذا أحسن الصنعة.

وثانیاً: فیما إذا کان ثقة، مع الغض عن دلالتها علی الکراهة بقرینة التعلیل وإردافه للأمة.

وکذلک مثلهما فی الدلالة روایة إبراهیم بن أبی یحیی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «تزوج رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أم سلمة زوجها إیاه عمر بن أبی سلمة وهوصغیر لم یبلغ الحلم»((2)).

هذا بالإضافة إلی السیرة، فقد قال فی المستمسک: إنه ادعی غیر واحد من الأعلام علی وقوع المعاملة مع الصبیان قبل البلوغ فی بلاد الإسلام وفی جمیع الأعصار، وحملها علی کونها صادرة من غیر المبالین فی الدین کما تری خلاف المقطوع به، فإن الظاهر استقرار سیرة العقلاء علی المعاملة مع الممیزین مع رشدهم کالبالغین، ولأجل عدم الردع عنها من الشارع المقدس جری علیها المتشرعة.

ص:338


1- الوسائل: ج12 ص118 الباب 33 من أبواب مای ک تسب به ح1
2- الوسائل: ج14 ص223 الباب 16 من أبواب عقد الن ک اح ح1

وکذا إذا کان لنفسه بإذن الولی أو إجازته، أو أجاز هو بعد البلوغ، وکذا لا اعتبار بعقد السکران

{وکذا إذا کان لنفسه بإذن الولی} وإن لم یعلم الولی الخصوصیات {أو إجازته} بعد العقد {أو أجاز هو بعد البلوغ}.

وهل یحمل فعله علی الصحة إذا شک الطرف فی الإذن، الظاهر الحمل فی الأشیاء الحقیرة، کما إذا اشتری شیئاً حقیراً، وفی ما لیس بتصرف کبیر لنفسه، کما إذا عقد زوجة زید موجباً، وذلک لما تقدم من السیرة وغیره.

أما فی الأشیاء الجلیلة لنفسه، کما إذا أرید التزویج لنفسه أو اشتراء دار ونحوه لنفسه فلا، إذ الأدلة المجوزة لا تشمل مثل ذلک، فلا مجال لحمل تصرفه علی الصحة کما ذکره السید الحکیم.

ثم إنه لا ینبغی الإشکال فی عدم الحاجة إلی الإسلام فضلاً عن الإیمان، فیصح إجراء الکافر العقد للمسلم للأصل، وإطلاق الأدلة، ولا دلیل علی الاشتراط.

والظاهر أنه إذا لم یعلم أنه عقد صحیحاً کان الأصل الصحة، لأنه یجری فی عمل غیر المسلم کما یجری فی عمل المسلم، ولذا تصح معاملاتهم مع أنا لا ندری هل حصل علی هذا المال بالسرقة أو غیرها، إلی غیر ذلک، وقولهم (حمل فعل المسلم علی الصحیح) یراد به مثل الذبح ونحوه، لا الاختصاص، وإن کانت المسألة بحاجة إلی مزید من التأمل والتتبع.

{وکذا لا اعتبار بعقد السکران} الذی خرج عن التعقل، لا السکر الخفیف الذی لا ینافی تعقله.

ص:339

فلا یصح ولو مع الإجازة بعد الإفاقة

{فلا یصح ولو مع الإجازة بعد الإفاقة} وذلک هو المشهور، إذ لا عقل له فلا قصد له، والعقود تتبع القصود، إذ لو لا القصد لا عقد، وتسمیته عقداً مجاز للمشابهة.

وأشکل علی ذلک المستمسک، بأن (الظاهر تحقق القصد من السکران، بل والنائم، بل والحیوان، إذ القصد الإرادة، والحیوان فصله الممیز عن مطلق الجماد کونه متحرکاً بالإرادة، فالعمدة فی عدم صحة عقد السکران والنائم ونحوهما ووإیقاعهم خروجه عن منصرف أدلة النفوذ والصحة، لعدم الاعتداد به عند العرف، فلا یکون سبباً عندهم ولا منشأ لاعتبار الأثر، فلا یکون سبباً شرعاً لما عرفت من أن مقتضی الإطلاقات المقامیة الرجوع إلی العرف فی تشخیص الأسباب) انتهی.

أقول: مرادهم بأنه لا قصد للسکران القصد المنصب علیه الحکم، لا أی قصد، فالإشکال المذکور غیر ظاهر الوجه.

أما الإشکال علیه بأن الفصل الممیز للحیوان عن الجماد هو الإرادة غیر تام، لأن الجماد أیضاً یرید بدلیل قوله تعالی: ﴿فوجدا فیها جداراً یرید أن ینقض﴾((1))، فیرد علیه بالإضافة إلی أنه خارج عن المبحث، فلا یثلم به إشکال المستمسک، أن الظاهر أن الإرادة فی الآیة من باب التشبیه، لا الإرادة حقیقة، وإن کان یمکن أن یجعل للجماد مرتبة من الإرادة، کما أن له مرتبة من التعقل.

کما یظهر من قوله تعالی: ﴿یا جبال أوبی معه﴾((2))، ومن قوله: ﴿وإن من شیء

ص:340


1- سورة ال ک هف: الآیة 77.
2- سورة سبأ: الآیة 10

وأما عقد السکری إذا أجازت بعد الإفاقة ففیه قولان، فالمشهور أنه کذلک، وذهب جماعة إلی الصحة مستندین إلی صحیحة ابن بزیع

إلا یسبح بحمده﴾((1))، إلی غیرها من الآیات والروایات الدالة علی ذلک، بل هو ظاهر قوله تعالی: ﴿قالتا آتینا طائعین﴾((2)).

{وأما عقد السکری إذا أجازت بعد الإفاقة، ففیه قولان، فالمشهور أنه کذلک} لا اعتبار به {وذهب جماعة إلی الصحة} کما عن الشیخ فی النهایة وابن البراج والصدوق فی الفقیه والمقنع وشرح النافع والکفایة والحدائق والوسائل وشرح المفاتیح، وفی الجواهر إنه مال إلیه غیر واحد من متأخری المتأخرین، وذکر منهم سید المدارک، وفی المستند اختیاره.

{مستندین إلی صحیحة ابن بزیع} قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن امرأة ابتلیت بشرب النبیذ فسکرت فزوجت نفسها رجلاً فی سکرها، ثم أفاقت فأنکرت ذلک، ثم ظنت أنه یلزمها ففزعت منه فأقامت مع الرجل علی ذلک التزویج أحلال هو لها، أم التزویج فاسد لمکان السکر ولا سبیل للزوج علیها، فقال (علیه السلام): «إذا أقامت بعد ما أفاقت فهو رضی منها»، قلت: ویجوز ذلک التزویج علیها، فقال (علیه السلام): «نعم»((3)).

أقول: الظاهر من الروایة أن العقد فی المورد بمنزلة عقد الفضولی، وأنه إن

ص:341


1- سورة الإسراء: الآیة 44
2- سورة فصلت: الآیة 11
3- الوسائل: ج14 ص221 الباب 14 من أبواب عقد الن ک اح ح1

ولا بأس بالعمل بها، وإن کان الأحوط خلافه

جاز جاز وإلا لم یجز، والإقامة إجازة عملیة، ولا یضر بذلک ظنها، إذ الظن غیر المطابق للواقع لا یوجب بطلان العقود بسبب عدم الرضا الشأنی، کما أنه لو عقدها فضولی فظن لزوم العقد فرضیت رضی ناشئاً عن هذا الظن، فإنه لا یوجب البطلان، فإن حال ذلک حال تخلف الداعی علی ما ذکروه فی باب العقود.

ومنه یعلم أن الروایة علی طبق القاعدة فی أنها جعلت المعیار رضاها بعد ذلک، وإن لم تکن علی طبق القاعدة فی کون عقدها کعقد الفضولی، بل ربما یقال: إنها علی طبق القاعدة من هذه الجهة، لأن المعیار الرضا فقط واللفظ مظهر، کما تقدم فی مسألة احتیاج النکاح إلی اللفظ، أو من جهة أن النکاح لفظ ورضی وقد حصلا، فهو من قبیل قوله (علیه السلام): «لم یعص اللّه وإنما عصی سیده»، فإذا أجاز جاز وهذا غیر بعید، وإن کان القول به لو لا الروایة کان مشکلاً.

وکیف کان، فعلی هذا فاللازم أن نتعدی إلی سائر العقود، ومنه عقد السکران، وکأنه لذا کان ظاهر الشرائع التردد فی عقد السکران مطلقاً، وقال فی الجواهر: إنه محل الخلاف وإنه لا یختص الخلاف بعقد السکری.

{ولا بأس بالعمل بها} کما عمل بها المستمسک أیضاً، وقال: إن الروایة صحیحة معمول بها، وقد سکت علی المتن السادة ابن العم والبروجردی والجمال وغیرهم.

{وإن کان الأحوط خلافه} بأن لا ترضی فیبطل العقد قطعاً، لأن الروایة علقت علی ذلک، أو یطلقها بعد رضاها، أو ینکحها من جدید، ویرتب علی ذلک آثار

ص:342

لإمکان حملها علی ما إذا لم یکن سکرها بحیث لا التفات لها إلی ما تقول، مع أن المشهور لم یعملوا بها وحملوها علی محامل، فلا یترک الاحتیاط.

العقد الصحیح بعد الطلاق، فلا ینکح الولد ما نکحه أبوه کذلک، إلی سائر الأحکام.

{لإمکان حملها علی ما إذا لم یکن سکرها بحیث لا التفات لها إلی ما تقول} کما عن المختلف، لکنه خلاف الإطلاق، وإن کان ربما یؤید ذلک بأن معتاد الشرب لا یؤثر فیه بحیث یفقد الالتفات، إذ یرده أنه لو کان کذلک لم یحتج إلی رضاها بعد ذلک.

{مع أن المشهور لم یعملوا بها وحملوها علی محامل} لکن الشهرة علی العدم غیر ضائرة بعد عمل الأعاظم، وکون عدم عملهم مستنداً إلی وجوه اجتهادیة.

بالإضافة إلی ما فی المستند من أن الشهرة إنما یوجب الضعف لو بلغت حداً یکون مخالفها شاذاً، وهو فی المقام غیر معلوم، والمحامل کلها خلاف الظاهر، إذ قد عرفت ضعف حمل المختلف.

کما أن کشف اللثام حملها علی ما إذا کان الزوج جاهلاً بسکرها فإنه لا یسمع فی حقه قول المرأة، وتجری علیهما أحکام الزوجیة ظاهراً، وإن لم یکن لها زوجیة واقعاً، وفیه: إنه خلاف الظاهر من وجوه.

وربما حملت علی کفایة مجرد الرضا، وفیه ماتقدم.

وکیف کان {ف_} لا بأس بالعمل بها وإن کان {لا یترک الاحتیاط} بما ذکرناه سابقاً.

ص:343

وعلی أی حال، فلا یتعدی من السکر إلی شارب المرقد والنائم والمصروع ونحوهم ممن لا اعتبار بلفظه عرفاً، للأصل وعدم وحدة المناط، واللّه العالم.

ثم الظاهر عدم کفایة لفظ السکران بسائر العقود والإیقاعات فیما کان وکیلاً، وکذا بالنسبة إلی عقد النکاح، لأن الثابت أن الشارع جعله بمنزلة الفضولی فی عقد نفسه لا عقد غیره.

نعم لا ینبغی الإشکال فی عدم الفرق بین الدائم والمتعة، بل لا یبعد أن یکون الرجوع منها فی البذل فی الخلع، والرجوع منه فی العدة فی حکم النکاح.

کما أن الظاهر حرمة وطیها قبل أن تظهر الرضا إذا عقدها فی حال السکر، کما هو کذلک فی الفضولی.

ص:344

مسألة ١٤ لا بأس بعقد السفیه

(مسألة 14): لا بأس بعقد السفیه إذا کان وکیلاً عن الغیر فی إجراء الصیغة، أو أصیلاً مع إجازة الولی، وکذا لا بأس بعقد المکرَه علی إجراء الصیغة للغیر أو لنفسه إذا أجاز بعد ذلک.

(مسألة 14): {لا بأس بعقد السفیه إذا کان وکیلاً عن الغیر فی إجراء الصیغة} بلا إشکال ولا خلاف، بل ادعی بعضهم الإجماع علیه، ویقتضیه إطلاق الأدلة بعد أن لم یکن فی السفیه ما یقتضی بطلان عقده، {أو أصیلاً مع إجازة الولی} إذ منتهی الأمر أن السفه یمنع عن الاستقلال فی التصرف، أما غیر ذلک فلا یقتضیه دلیل حجر السفیه، بل اللازم صحة نکاحه لنفسه ولو بدون الإجازة إذا لم یستلزم التصرف فی المال، کما أنه یصح عقد السفیه فضولة لشمول الأدلة له.

{وکذا لا بأس بعقد المکرَه علی إجراء الصیغة للغیر} کما لو قال له المکرِه: أقتلک إن لم تجر الصیغة، وادعی فی المستمسک الإجماع علیه، وعلله بإطلاق الأدلة، وأن حدیث نفی الإکراه لا یقتضی البطلان.

أقول: وذلک لانصراف الرفع عن مثله، کانصراف أدلة «لا ضرر» و لا حرج والاضطرار عنه، فإذا کان عدم إجرائه الصیغة ضرراً أو حرجاً أو کان مضطراً إلی ذلک لم تبطل الصیغة.

{أو لنفسه إذا أجاز بعد ذلک} للانصراف المذکور، فإنه لو کان مرفوعاً حتی مع الإجازة کان خلاف الامتنان، بینما یکون الرفع رافعاً إذا کان الرفع امتناناً.

ص:345

مسألة ١٥ عدم اشتراط الذکورة للعاقد

(مسألة 15): لا یشترط الذکورة فی العاقد، فیجوز للمرأة الوکالة عن الغیر فی إجراء الصیغة، کما یجوز إجراؤها لنفسها.

(مسألة 15): {لا یشترط الذکورة للعاقد} بلا إشکال ولا خلاف، وفی الجواهر بلا خلاف بل یمکن تحصیل الإجماع علیه، وعن کشف اللثام إنه کذلک عندنا، وفی المستند بالإجماع المحقق والمحکی.

أقول: أما إجراء الرجل أصالة ووکالة فضرورة، وأما إجراء المرأة فللإطلاقات، وخصوص روایة زواج خدیجة (علیها السلام) نفسها، وما تقدم من المرأة التی کانت لها زوج وزوجت، حیث علمها الإمام (علیه السلام) إجراء العقد مع زوجها الثانی فی لیلة الزواج، وفی روایات المتعة جملة وافیة تدل علی ذلک.

{فیجوز للمرأة الوکالة عن الغیر فی إجراء الصیغة، کما یجوز إجراؤها لنفسها}، وکذلک إجراؤها ولایة إذا کانت ولیة، والظاهر کفایة إجراء العقد لنفسه ولغیره بإجازة المولی وبدون إجازته.

أما لنفسه بدون الإجازة سابقة فلأنه الظاهر من قوله (علیه السلام): «لم یعص الله وإنما عصی سیده، فإذا أجازه فهو له جائز»((1))، وأما لغیره بدون الإجازة، لأنه لا یشمله دلیل عدم جواز تصرفه، مثل قوله تعالی: ﴿لا یقدر علی شیء﴾((2))، ولا نفصل الکلام فی ذلک لعدم الابتلاء الحالی به.

کما أن الظاهر الصحة مع نذر العدم وعهده

ص:346


1- الوسائل: ج15 ص71 الباب 58 من أبواب المهور ح2
2- سورة النحل: الآیة 75

وشرطه ومنع الزوج والأبوین، إذ منتهی الأمر أنه فعل حراماً، والحرام لا یبطل فی مثل المقام، بل هو من قبیل البیع وقت النداء.

ومثله ما إذا کان التلفظ ضاراً بصحته ضرراً بالغاً، أو موجباً لضرر غیره، کما إذا کان تکلمه جهراً یوجب إیذاء مریض أو إعلام قاتل یأتی فیقتل إنساناً أو ما أشبه ذلک، إذ الحرمة لا تنافی الصحة.

ص:347

مسألة ١٦ بقاء المتعاقدین علی الأهلیة

(مسألة 16): یشترط بقاء المتعاقدین علی الأهلیة إلی تمام العقد، فلو أوجب ثم جن أو أغمی علیه قبل مجیء القبول لم یصح،

(مسألة 16): هل {یشترط بقاء المتقاعدین علی الأهلیة إلی تمام العقد، فلو أوجب ثم جن أو أغمی علیه قبل مجیء القبول لم یصح} أو لا یشترط ذلک، احتمالان.

وجه الاشتراط أمور:

الأول: الإجماع المدعی.

الثانی: انصراف الأدلة عن مثله.

الثالث: ما فی الجواهر من أن شرطیة القصد والرضا ونحوهما فی العقد یقتضی اعتبار ذلک فی تمام العقد المرکب من الإیجاب والقبول، لا اعتبار قصد الموجب فی الإیجاب فقط، وقصد القابل فی القبول فقط، فإذا ارتفعت القابلیة بعد الإیجاب قبل القبول لم یحصل الشرط فی تمام العقد.

الرابع: ماذکره الشیخ المرتضی (رحمه الله) من توقف معنی المعاقدة والمعاهدة علی ذلک.

الخامس: ما عن المسالک من أن العقد اللازم قبل تمامه یکون بمنزلة الجائز، یجوز لکل منهما فسخه، ویبطل بما یبطل به الجائز، ومن جملته الجنون والإغماء.

السادس: ما عن التذکرة من أن التخاطب بین المتعاقدین معتبر، وهو منتف مع نوم صاحبه، وکلامه آت فی سائر الموانع.

السابع: إنه کما لا عقد مع موت أحدهما قبل انتهاء العقد، کما إذا أوجب ثم مات، کذلک فی سائر الطوارئ.

ص:348

الثامن: أصالة عدم الانعقاد وعدم الأثر، إذا وصل الأمر إلی الشک.

أقول: قد یمتد العارض من بعد الإیجاب إلی حین القبول، کما إذا أوجب ثم جن حتی کان قبول القابل حال جنون الموجب.

وقد لا یمتد، کما إذا أوجب فجن أحدهما لحظة ثم أفاق، فقبل القابل، لا ینبغی الإشکال فی صحة الثانی، إذ لا دلیل علی البطلان، والإطلاقات تشمله.

أما الإجماع المدعی فلیس بحجة، للمناقشة فی صغراه وکبراه، وأما الانصراف فلا نسلمه، ولو سلم فهو بدوی قطعاً، وأما کلام الجواهر فهو ظاهر فی غیر هذه الصورة، فإن ظاهره صورة الامتداد، وکلام الشیخ (رحمه الله) أیضاً ظاهر فی ذلک، وإلا کان ممنوعاً، إذ لا یفهم العرف من معنی المعاقدة والمعاهدة هذه الدقة بأن لا ینام أو لا یجن أو لا یغمی علیه لحظة بین الإیجاب والقبول.

وأما الوجوه الأخر فبادیة الضعف فی نفسها، أو بمعونة ما ذکرناه فی وجه ضعف الوجوه السابقة.

أما فی صورة الامتداد، کما إذا أوجب ثم جنّ حال قبول القابل، أو کان الإیجاب فی حال جنون القابل ثم ارتفع جنونه فقبل، أو أوجب حال صغر القابل ثم بلغ فقبل، أو أوجب ثم أفلس فقبل القابل حال إفلاس الموجب، أو أوجب ثم مات فقبل القابل حال موت الموجب، أو ما أشبه ذلک، فلابد من تقسیم ذلک إلی قسمین:

الأول: ما کان مثل جنون القابل وصغره وفلسه ونومه حال الإیجاب ثم

ص:349

کمل وقبل، هذا ینبغی فیه القول بالصحة، لأنه أولی بالصحة من الفضولی، فإن العرف یری أن المعتبر عقد ورضا لاحق، وقد حصل الأمران، وأی فرق بین أن یعقد الفضولیان حال نوم الأصلیین ثم یرضیان بالعقد، وبین أن یعقد الأصیل حال نوم الآخر ثم یستیقظ ویقبل، بل هذا أولی بالصحة من الأول.

ومنه یعلم أن إشکال المستمسک فی ذلک بأن (الظاهر البطلان فیه، لأن التخاطب بین المتعاقدین شرط فی صحة المعاقدة، إذ لا تکون معاهدة بین الاثنین إلاّ إذا کان أحدهما یوحی إلی الآخر ویعاهده، وإذا لم یکن أحدهما قابلاً للخطاب لا یکون قابلاً للعهد معه، ولا أقل من الشک فی اعتبار ذلک عرفاً فی مفهوم العقد، والأصل عدم ترتب الأثر) انتهی ملخصاً.

غیر تام، إذ أی دلیل علی لزوم التخاطب بعد صدق المعاهدة بدون ذلک، ولذا تصدق المعاهدة إذا قبل الأصیلان ما فعله الفضولیان.

ویظهر من محکی کلام التذکرة عدم اعتبار التخاطب بین الموجب والقابل، ولذا لا یشک العرف فی أنه إذا کان زید نائماً فقال عمرو: اشتریت من زید الکتاب بدرهم، فاستیقظ فقیل له ذلک، فقال: قبلت، ثم أراد إبطال المعاملة، یقال له عرفاًً: إنک التزمت بها فکیف تبطلها، وحیث صدقت المعاملة والمعاهدة فلا مجال للأصل الذی ذکره المستمسک.

الثانی: ما کان مثل جنون البائع بعد إیجابه قبل قبول القابل، ولا یبعد فی هذا أیضاً الصحة، لأن کل واحد منهما إنما یفعل ما یرتبط به، وقد فعل الموجب

ص:350

وکذا لو أوجب ثم نام بل أو غفل عن العقد بالمرة، وکذا الحال فی سائر العقود، والوجه عدم صدق المعاقدة والمعاهدة مضافاً إلی دعوی الإجماع وانصراف الأدلة.

ما یرتبط به، وأی فرق بین أن یخرج عن الأهلیة قبل قبول الآخر أو بعد قبوله.

ولا ینقض ذلک بما إذا رجع قبل قبول الآخر، إذ الرجوع یجعل إیجابه کالعدم، بخلاف الجنون مثلاً، فانه لم یرجع، ولذا لم یشک فی البطلان فی صورة الرجوع، بینما الشک واقع فی صورة الجنون ونحوه.

ولا یستشکل ذلک بعدم صدق المعاقدة، إذ تحقق المعاقدة لا یکون إلاّ بأن یعقد کل من طرفه، وقد عقد الموجب من طرفه، فإذا لحقه عقد القابل من طرفه فقد تحققت المعاقدة، وإن کان هذا القسم الثانی لا یخلو من إشکال، خصوصاً إذا مات العاقد قبل قبول الطرف، فلا ینبغی ترک الاحتیاط، وکأنه لذا علق ابن العم قول المصنف: (لم یصح) بقوله: (لا یترک الاحتیاط بالطلاق).

ومما ذکرناه یظهر موارد النظر فی کلام المصنف: {وکذا لو أوجب ثم نام، بل أو غفل عن العقد بالمرة، وکذا الحال فی سائر العقود} لأن الدلیل فی الکل واحد {والوجه عدم صدق المعاقدة والمعاهدة، مضافاً إلی دعوی الإجماع وانصراف الأدلة}، وقد عرفت ضعف کل ذلک.

نعم لا ینبغی الإشکال فی أنه لو شک بعد العقد أنه نام فی الأثناء أم لا، أو أنه هل کان نائماً فی حال إجراء الطرف الآخر، کانت أصالة الصحة محکمة، لأنه معها لا مجال لأصالة عدم الأثر، کما قرر فی محله من تقدیم أصل الصحة علی استصحاب عدم الأثر، والله العالم.

ص:351

مسألة ١٧ یشترط تعیین الزوج و الزوجة

(مسألة 17): یشترط تعیین الزوج والزوجة علی وجه یمتاز کل منهما عن غیره بالاسم أو الوصف الموجب له أو الإشارة

(مسألة 17): {یشترط تعیین الزوج الزوجة علی وجه یمتاز کل منهما عن غیره، بالاسم أو الوصف الموجب له أو الإشارة}، واستدلوا لذلک بأمور:

الأول: الإجماع المدعی صریحاً أو ظاهراً فی التذکرة وکشف اللثام والجواهر والحدائق وغیرهم.

الثانی: إنه الأسلوب المتلقی من الشارع.

الثالث: السیرة المستمرة.

الرابع: إن الاستمتاع یقتضی فاعلا ومنفعلا معینین لتعیینه.

الخامس: إن الزوجیة من الإضافات التی لا تقوم بغیر المتعینین، نظیر الأخوة والأبوة والبنوة فلا یصح اعتبارها بین غیر المتعین، کما لا یصح اعتبارها لغیر الحی، أو لغیر الإنسان، کذا ذکره المستمسک.

السادس: الأصل، کما استدل به المستند، بالإضافة إلی الإجماع.

السابع: إن الأدلة لا تشمل غیر المعین.

الثامن: الاحتیاط.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ الإجماع محتمل الاستناد، والأسلوب لا یدل علی انحصاره فیه بعد شمول الإطلاقات لغیره، والسیرة لا تمنع عما عداه.

والرابع والخامس لا یضران بالإطلاقات والاعتبارات، إذ حال النکاح حال المعاملة، فکما یصح بیع الکلی مع احتیاجه إلی الإضافة، کذلک لیکن حال النکاح، ولوجود الإطلاق والاعتبار لا یبقی مجال للأدلة الثلاثة الأخر، وربما

ص:352

فلو قال: زوجتک إحدی بناتی بطل، وکذا لو قال: زوجت بنتی أحد ابنیک أو أحد هذین،

یؤید الصحة ما دل علی تزویج الأختین والخمس بلفظ واحد، حیث إنه یختار أحدهما أو أربعة منها، کما تقدم فی المسألة الرابعة والأربعین.

أما تأیید الصحة بقصة شعیب (علیه السلام)، ففیه: إن ظاهرها أنه (علیه السلام) لم ینکح بذلک، وانما قال: (أرید) وظاهر الإرادة قبل الفعل، لامثل قوله تعالی: ﴿إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت﴾((1)) حیث یراد بالإرادة الفعل.

ولو بدل المستدل بما دل علی ترک الزائد من الأربع لو أسلم عن أربع لکان أسلم، لإمکان دعوی وحدة المناط فی المقامین.

وکیف کان، فلا مناص عن متابعة المشهور بعد الإجماعات المتکررة التی لم یظهر خلاف أحد حتی میلاً.

{فلو قال: زوجتک إحدی بناتی بطل، وکذا لو قال: زوجت بنتی أحد ابنیک}، وبطریق أولی لو قال: زوجت إحدی بناتی أحد ابنیک، {أو أحد هذین}، ولعل الفرق بین (ابنیک) و(هذین) أن فی الأول یقرأ العقد مع وکلیهما، وفی الثانی مع الأصیل.

وکان مقتضی ذلک أن یمثل فی طرف البنت أن تقولا: زوجناک إحدانا.

وحیث ظهر عدم صحة الکلی فی المعین ظهر بطریق أولی عدم الصحة فی الفرد المردد.

بالإضافة إلی أنه لا مطابق له فی الخارج، ولا مصداق _ کما فی المستمسک _ فتأمل.

وعدم الصحة بالنسبة إلی الکلی المطلق والکسر المشاع، کأن یقول:

ص:353


1- سورة الأحزاب: الآیة 33

وکذا لو عین کل منهما غیر ما عینه الآخر، بل وکذا لو عینا معیناً من غیر معاهدة بینهما، بل من باب الاتفاق صار ما قصده أحدهما عین ما قصده الآخر

زوجتک بنتاً فضولةً، ثم یعطیه أیة بنت قبلت بهذه الفضولیة، أو أن یقول: إحدی بناتی الموجودة أو التی ستولد.

والکسر المشاع بأن یکون الزواج لنصفی بنتین أو نصفی رجلین.

والکل واضح موضوعاً وبطلاناً.

کما أن من الواضح عدم صحة نکاح نصف إنسان، وإن صح بیع نصف حیوان أو عبد أو أمة.

{وکذا لو عین کل منهما غیر ما عینه الآخر} لعدم التطابق بین الإیجاب والقبول، فلا یتحقق العقد.

ومنه یعلم أنه لا یصح إذا قصد أمرین: کلی البنت وهذه خاصة، من باب تعدد المطلوب، فإذا لم تکن هذه لتصح غیرها، کما ذکروا صحة ذلک فی باب البیع.

{بل وکذا لو عینا معیناً من غیر معاهدة بینهما، بل من باب الاتفاق صار ما قصده أحدهما عین ما قصده الآخر}، کما إذا کانت له بنت تسمی فاطمة فی جملة بناته، فقصدها العاقد حین قال: زوجتک إحدی بناتی، وقصدها القابل حین قال: قبلت، حیث إنه قد رآها مثلاً من قبل وعشقها.

ووجه البطلان فی هذا أنه غرر والغرر مبطل.

أما الکبری، فلما ورد من نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عن الغرر((1)).

وأما الصغری، فلأن العاقد حال العقد لا یعلم هل یقبل الزوج هذه المقصودة

ص:354


1- الوسائل: ج12 ص266 الباب 12 من أبواب عقد البیع ح13

وأما لو کان ذلک مع المعاهدة لکن لم یکن هناک دال علی ذلک من لفظ أو فعل أو قرینة خارجیة مفهمة فلا یبعد الصحة، وإن کان الأحوط خلافه، ولا یلزم تمیز ذلک المعین عندهما حال العقد، بل یکفی التمیز الواقعی مع

فی قبوله، والزوج لا یعلم هل أن الموجب عقد له علی هذه التی یعقدها هو، وإن کان الجزم ببطلان مثل ذلک یحتاج إلی تأمل.

{وأما لوکان ذلک} التعیین {مع المعاهدة، لکن لم یکن هناک دال علی ذلک} التعیین حال إجراء العقد {من لفظ أو فعل أو قرینة خارجیة مفهمة} کما لو تعاهدا قبل العقد علی تزویجه بنته الکبری، ثم قال: زوجتک إحدی بناتی، وهو یقصد تلک، فقال: قبلت، {فلا یبعد الصحة} إذ لا دلیل علی التعیین حال العقد.

{وإن کان الأحوط خلافه} لأن البناء علی المعین قبلاً لا یحعل العقد واقعاً علی المعین، إذا لم یذکر ما یعینه فی حال العقد.

ولا یخفی أن ما ذکرناه فی الشرح هو الذی استفدناه من قصد المصنف، وإن کان السید البروجردی قال بالإجمال فی عبارته بما لفظه: (العبارة لا تخلو من إجمال، فإن تحقق المعاهدة مع انتفاء ما یدل علی وحدة المقصود غیر متصور، وإجراء العقد مبنیاً علی المعاهدة یدل علی وحدته فی العقد أیضاً) انتهی.

وإذا کان مراد المصنف ما شرحناه فلا وجه متعد به للاحتیاط الذی ذکره.

{ولا یلزم تمیز ذلک المعین عندهما حال العقد، بل یکفی التمیز الواقعی مع

ص:355

إمکان العلم به بعد ذلک، کما إذا قال: زوجتک بنتی الکبری، ولم یکن حال العقد عالماً بتاریخ تولد البنتین، لکن بالرجوع إلی الدفتر یحصل له العلم.

نعم إذا کان ممیزاً واقعاً، ولکن لم یمکن العلم به ظاهراً، کما إذا نسی تاریخ ولادتهما ولم یمکنه العلم به، فالأقوی البطلان، لانصراف الأدلة عن مثله، فالقول بالصحة والتشخیص بالقرعة ضعیف.

إمکان العلم به بعد ذلک، کما إذا قال: زوجتک بنتی الکبری، ولم یکن حال العقد عالماً بتاریخ تولد البنتین، لکن بالرجوع إلی الدفتر یحصل له العلم}، وإنما قلنا بصحة ذلک لإطلاق الأدلة ولا مقید له، کما نص علیه الجواهر.

ثم إنه لا فرق بین أن یکون التمیز فی الماضی کالمثال، أو فی المستقبل کما إذا قال: زوجتک بنتی التی ستدخل من الباب، أو فی الحال کما إذا قال: زوجتک بنتی التی تطبخ الآن، وهما لایعلمانها بالذات.

نعم إذا کان تمیز المستقبل متوقفاً علی الزواج، کما إذا قال: بنتی التی تلد فی المستقبل ولداً جمیلاً مثلاً، لم یصح کما هو واضح.

{نعم إذا کان ممیزاً واقعاً، ولکن لم یکن العلم به ظاهراً، کما إذا نسی تاریخ ولادتهما، ولم یمکنه العلم به، فالأقوی البطلان، لانصراف الأدلة عن مثله} بضمیمة أصالة عدم ترتب الأثر، کما استدل بها الجواهر، کما یظهر من کلامه.

{فالقول بالصحة} کما عن ظاهر القواعد وکشف اللثام وتبعهما المستمسک، {والتشخیص بالقرعة} لأنها لکل أمر مشکل((1))، بل عدم الاحتیاج إلی التشخیص أحیاناً، کما إذا أرادا العقد لمجرد نتیجة المحرمیة، فعقدها ساعة مثلاً، {ضعیف} وإن کان الأظهر الصحة.

ص:356


1- الوسائل: ج18 ص189 الباب 3 ح11

مسألة ١٨ اختلاف الاسم و الوصف

(مسألة 18): لو اختلف الاسم والوصف أو أحدهما مع الإشارة، أخذ بما هو المقصود، وألغی ما وقع غلطاً، مثلا لو قال: زوجتک الکبری من بناتی فاطمة، وتبین أن اسمها خدیجة، صح العقد علی خدیجة التی هی الکبری، ولو قال: زوجتک فاطمة وهی الکبری، فتبین أنها صغری صح علی فاطمة،

(مسألة 18): {لو اختلف الاسم والوصف أو أحدهما مع الإشارة، أخذ بما هو المقصود} لکلا الطرفین، مثلاً لو قال: زوجتک بنتی فاطمة، والحال أن اسمها رقیة، ولا بنت له سوی واحدة صح، لأن مقصودهما شیء واحد، وکذا لو قال: زوجتک هذه فاطمة، والحال أن اسمها رقیة، صح إذا کان مقصودهما هذه، 

أما إذا کان مقصودهما فاطمة بطل، لأن هذه لیست فاطمة.

ووجه الصحة أن قصدهما صب علی شیء واحد.

{وألغی ما وقع غلطاً} والإشکال فی الصحة بالتخالف بین الاسم والوصف لا وجه له بعد أن کان العقود تتبع القصود.

{مثلاً لو قال: زوجتک الکبری من بناتی فاطمة، وتبین أن اسمها خدیجة، صح العقد علی خدیجة التی هی الکبری}، علی شرط أن لا یکون مقصود الزوج زواج امرأة اسمها فاطمة، لأنه یحب هذا الاسم، أو نذر ذلک مثلاً، وإلا بطل، لأن المنکوحة لیست مقصده، إذ مقصده مرکب کونها کبری وکون اسمها فاطمة، فحال ذلک حال ما إذا کان قصده أن یکون عمرها أربع عشرة سنة، وأن تکون بنت زید، فإن تخلف أی من القیدین یوجب بطلان العقد.

{ولو قال: زوجتک فاطمة وهی الکبری، فتبین أنها صغری، صح علی فاطمة

ص:357

لأنها المقصود، ووصفها بأنها کبری وقع غلطاً فیلغی، وکذا لو قال: زوجتک هذه وهی فاطمة أو وهی الکبری، فتبین أن اسمها خدیجة أو أنها صغری، فإن المقصود تزویج المشار إلیها، وتسمیتها بفاطمة أو وصفها بأنها الکبری وقع غلطاً فیلغی.

لأنها المقصودة ووصفها بأنها کبری وقع غلطاً فیلغی} الغلط ویصح المقصود.

ومما تقدم تبین أنه لو کان مقصوده الأمرین معاً بطل أیضاً.

{وکذا لو قال: زوجتک هذه وهی فاطمة أو وهی الکبری، فتبین أن اسمها خدیجة أو أنها صغری} صح العقد {فإن المقصود تزویج المشار إلیها، وتسمیتها بفاطمة أو وصفها بأنها الکبری وقع غلطاً فیلغی}.

ولو شک عند تخلف الوصف والإشارة أن المقصود کان الوصف مثلاً، والوصف متوفر فهو صحیح، أو أن المقصود کانت الإشارة حتی لا یصح، لعدم توفر الإشارة، فهل یقال بالصحة لأصالة الصحة فی العقود، أو البطلان لأصالة عدم الأثر، احتمالان، ویأتی فی المسألة التالیة ما یوضح الحکم.

کما أنه لا إشکال فی صحة ما لو کان من قبیل تخلف الداعی، کما إذا تزوجها بظن أن عمرها أربع عشرة سنة، فظهرت أکثر من ذلک، لأن العقود لا تتبع الدواعی، کما هو واضح.

ص:358

مسألة ١٩ صور اختلاف الزوجین

(مسألة 19): إذا تنازع الزوج والزوجة فی التعیین وعدمه، حتی یکون العقد صحیحاً أو باطلاً، فالقول قول مدعی الصحة، کما فی سائر الشروط إذا اختلفا فیها، وکما فی سائر العقود

(مسألة 19): {إذا تنازع الزوج والزوجة فی التعیین وعدمه، حتی یکون العقد صحیحاً} إذا کان معیناً {أو باطلاً} إذا کان غیر معین {فالقول قول مدعی الصحة} لأصالة الصحة، {کما فی سائر الشروط إذا اختلفا فیها} مما یوجب البطلان والصحة علی تقدیرین.

{وکما فی سائر العقود} إذا اختلفا فی شرط یوجب صحةً وبطلاناً علی تقدیرین، وذلک لأن أصل العقد واقع، وانما الاختلاف فی شرط صحته الذی هو التعیین، فأصالة الصحة تکفی فی إثبات الشرط.

ومنه یعلم أن إشکال المستمسک عی المتن کمثاله محل تأمل، قال: (إن التعیین المعتبر فی صحة العقد یقابل العقد المردد أو الکلی، فأحدهما یدعی وقوع العقد علی المعین، والآخر بما حاصله یدعی وقوعه علی الکلی أو علی المردد، فالنزاع فی موضوع العقد، وفی کون أصالة الصحة تصلح لإثبات موضوع العقد تأمل، فهو کاختلاف البائع والمشتری فی أن البیع وقع علی عبد البائع أو علی ولده، فإثبات وقوعه علی العبد بأصل الصحة محل تأمل).

وفیه أولاً: إن إطلاق أصالة الصحة یقتضی الصحة إلاّ فیما خرج بالدلیل، أو کان موضوع أصالة الصحة غیر متحقق، وشیء من الأمرین غیر موجود فی المقام، فإنه قد وقع عقد ولا یعلم فساده، فالأصل صحته، وآثارها حجة، ومن آثارها أن

ص:359

یکون المعین زوجاً أو زوجةً، وأی فرق بینه وبین ما إذا اختلفا فی أن العقد کان فی حال کون المجری غیر مؤهل أو کان مؤهلاً، أو کان غرریاً أو غیر غرری، إلی غیر ذلک من الاختلافات.

وکذا إذا اختلف الزوجان فی أنها هل کانت راضیة حال إجراء العقد أو کان بإکراه، بل وحتی إذا اختلفا فی أنها هل هی التی قالت: نعم، عند طلب الوکالة، أو أن غیرها قالت: نعم، إلی غیر ذلک.

وثانیاً: إن المثال لا ینطبق علی المقام، لأن الاختلاف فی التعیین وعدمه لیس من قبیل ولده وعبده، وإنما المثال ینطبق علی الفرع الثانی أی تنازعهما فی أنها فاطمة أو خدیجة.

ومما تقدم یظهر وجه النظر فی تعلیق السید البروجردی، حیث قال: إذا لم یرجع إلی التنازع فی وقوع العقد علی المعین وعدمه، وإلا فالقول قول المنکر مع یمینه.

إذ یرد علیه أولاً: إن المسألة لیست لها صورتان.

وثانیاً: لماذا لا تجری أصالة الصحة فی المقام مع أنه من موضوع أصالة الصحة، وإلا لملک کل عاقد أن یبطل العقد بأمثال هذه المنازعات.

ومثلهما فی الإشکال علیهما ما فی تعلیق السید الجمال، قال: (ظاهر العبارة هو کون النزاع فی وقوع العقد علیها أو علی امرأة أخری، فیکون أجنبیاً عن جریان أصالة الصحة فیه، بل یقدم قول المنکر بیمینه.

ص:360

وإن اتفقا الزوج وولی الزوجة علی أنهما عینا معیناً وتنازعا فیه أنها فاطمة أو خدیجة، فمع عدم البینة المرجع التحالف

نعم لو تسالما علی وقوع العقد علیها وکان النزاع فی صحته وفساده یقدم قول مدعی الصحة).

إذ فیه أولاً: إن ظاهر العبارة لیس کما ذکره.

وثانیاً: لا حاجة إلی تسلیمهما بأن العقد وقع علیها، بل یکفی فی جریان أصالة الصحة تسلیمهما بأن عقداً وقع، لکن اختلفا فی أنه هل وقع علی الکلی أو علیها بالذات، الذی ذکرنا من استقامة المتن لم یعلق علیه ابن العم ومعلقون آخرون.

{وإن اتفقا الزوج وولی الزوجة علی أنهما عینا معیناً وتنازعا فیه أنها فاطمة أو خدیجة، فمع عدم البینة المرجع التحالف}، وذلک لأن کلا الطرفین یسلّمان بصحة العقد، وإنما الخلاف فی أنه هل هی هذه أو هذه.

ومثله ما لو انعکس، بأن سلّم أب الولد والزوجة صحة العقد، لکنهما اختلفا فی أنه زوجها لولده هذا أو ذاک.

وإنما کان المرجع التحالف، لأن کلاً منهما مدع ومنکر لما یدعیه الآخر، فالزوج یدعی أن فاطمة مثلاً زوجته، والولی ینکر ذلک، والولی یدعی أن زینب زوجته والزوج ینکر ذلک، فإن کان لأحدهما بینة کان الحق له، وکذا إذا لم یکن لأحدهما بینة لکن حلف أحدهما ونکل الآخر کان الحق له، وإن کان لکلیهما بینة أو حلف کلاهما تساقطا وبطلت الدعویان، فهل یرجع الأمر إلی القرعة، لأنها لکل أمر مشکل، أو ینفسخ النکاح، احتمالان، وإن کان

ص:361

کما فی سائر العقود، نعم هنا صورة واحدة اختلفوا فیها، وهی ما إذا کان لرجل عدة بنات فزوج واحدة ولم یسمها عند العقد، ولا عینها بغیر الاسم

الأول أقرب للنص المذکور، ولأنه لا دلیل علی الانفساخ، وإن قال به المستمسک.

ثم إن الکلام فی أنه هل یقدم قول الأکثر شهوداً کالکلام فی سائر فروع المسألة، مثل ما إذا کان النزاع بین الزوج ونفس الزوجتین لا ولیهما، أو کان لهما ولیان النزاع بینهم جمیعاً، وکذلک الکلام فی أنه کیف یقع النزاع بین الولی وبین الزوج، لا بین المشتبه زوجیتها.

إلی غیرها من الامور المربوطة بهذه المسألة موکول إلی باب القضاء فحال المقام {کما فی سائر العقود} بحاجة إلی تفصیل طویل لیس المقام محله.

{نعم هنا صورة واحدة اختلفوا فیها، وهی ما إذا کان لرجل عدة بنات}، ثلاثة کما هی مورد الروایة((1))، أو اثنتین أو أکثر، بل الظاهر تعدی الأمر إلی کل ولی لعدة نساء، وإن لم یکن بینهما قرابة، لأن من یقول بالنص لابد وأن یری وحده المناط، ومن یقول بالقاعدة فهی مطردة، بل ینبغی التعدی إلی العکس، وهو ما لو زوج أحد أولاده الذکور ولایة أو وکالة، وکذا للوکیل عن عدة ذکور.

{فزوج واحدة ولم یسمها عند العقد، ولا عینها بغیر الاسم} کالإشارة ونحوها

ص:362


1- الوسائل: ج14 ص222 الباب 15 من أبواب عقد الن ک اح ح1

لکنه قصدها معینة واختلفا فیها، فالمشهور الرجوع إلی التحالف الذی هو مقتضی قاعدة الدعاوی، وذهب جماعة إلی التفصیل بین ما لو کان الزوج رآهن جمیعاً فالقول قول الأب، وما لو لم یرهن فالنکاح باطل، ومستندهم صحیحة أبی الحذاء

{لکنه قصدها معینة واختلفا فیها} الزوج والولی هل هی هذه أو هذه.

أما ما فی الروایة من کون النزاع بین الکبری والصغری فلا مدخلیة له فی الحکم، فإن الحکم کذلک إذا کان الاختلاف بین الکبری والوسطی مثلاً کما هو واضح.

{فالمشهور الرجوع إلی التحالف} کما حکی عن الحلی والمسالک والروضة وشرح النافع وجامع المقاصد، وفی المستمسک قال: لم أقف علی من نسب ذلک إلی المشهور، وقال السید البروجردی: المشهور بین من تعرض للمسألة هو ما تضمنه الروایة.

{والذی هو مقتضی قاعدة الدعاوی وذهب جماعة} کالشیخ فی النهایة وابن البراج والمحقق والعلامة والشهید فی اللمعة وغیرهم، وعن المسالک نسبة ما ذکره المحقق إلی أکثر الأصحاب {إلی التفصیل بین ما لو کان الزوج رآهن جمیعاً فالقول قول الأب، وما لو لم یرهن فالنکاح باطل، ومستندهم صحیحة أبی الحذاء} التی رواها الکلینی (رحمه الله) قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل کن له ثلاث بنات أبکار فزوج إحداهن رجلاً، ولم یسم التی زوج للزوج ولا للشهود، وقد کان الزوج فرض لها صداقاً، فلما بلغ إدخالها علی الزوج بلغ

ص:363

وهی وإن کانت صحیحة إلاّ أن إعراض المشهور عنها مضافا إلی مخالفتها للقواعد مع إمکان حملها علی بعض المحامل یمنع عن العمل بها

الزوج أنها الکبری من الثلاثة، فقال الزوج لأبیها: إنما تزوجت منک الصغیرة من بناتک، قال: فقال أبو جعفر (علیه السلام): «إن کان الزوج رآهن کلهن ولم یسم له واحدة منهن فالقول فی ذلک قول الأب، وعلی الأب فیما بینه وبین اللّه تعالی أن یدفع إلی الزوج الجاریة التی کان نوی أن یزوجها إیاه عند عقدة النکاح، وإن کان الزوج لم یرهن کلهن ولم یسم له واحدة منهن عند النکاح، فالنکاح باطل»((1)).

وقد روی هذه الروایة الشیخ والصدوق أیضاً.

{وهی وإن کانت صحیحة، إلاّ أن إعراض المشهور مضافاً إلی مخالفتها للقواعد وإمکان حملها علی بعض المحامل، یمنع عن العمل بها}.

ولکن لا یخفی ما فی کل هذه الأمور، إذ لم یثبت إعراض المشهور عنها، ومخالفتها للقواعد غیر ضائر، إذ لا یشترط فی العمل بالروایة أن تکون موافقة للقواعد، وإمکان الحمل علی بعض المحامل لا یوجب صرف النظر عن الروایة.

نعم یبقی أنه یمکن دعوی ظهور الروایة فیما لا ینافی القواعد، فإن الزوج إذا رآهن ولم یعین واحدة کان معنی ذلک تزویج الأب له أیة منهن، فیکون کما

ص:364


1- الوسائل: ج14 ص222 الباب 15 من أبواب عقد الن ک اح ح1

فقول المشهور لا یخلو عن قوة، ومع ذلک الأحوط مراعاة الاحتیاط، وکیف کان لا یتعدی عن موردها.

إذا رأی المشتری عدة أقلام، وقال: بعنی واحداً، فإن ظاهره أنه فوض الأمر إلی البائع، ثم إن ادعی أنه أراد الذی فی طرف یمین البائع مثلاً لم یقبل قوله، لأن أصالة الصحة محکمة، بخلاف ما إذا لم یرهن، فإن المنصرف من توکلیه أنه یرید الأحسن، والأحسن هی الصغیرة.

ولعل کشف اللثام أشار إلی ذلک، حیث قال: (لا بعد فی أن یکون التفویض إلی الولی جائزاً فی النساء اللاتی رآهن، لأنهن تعین عنده دون من لم یرهن لکثرة الجهالة، لا أن الرؤیة دلیل علی التفویض وأن التفویض جائز مطلقاً) انتهی.

وإن احتمل فی الروایة ذلک فلا یمکن جعلها مخصصة للقواعد الأولیة، بل اللازم الاقتصار فیها علی ما لا ینافی القواعد.

{فقول المشهور لا یخلو عن قوة و} إن کان {مع ذلک الأحوط مراعاة الاحتیاط} فإنه سبیل النجاة، وإذا کان مقتضی القاعدة هو المعمول به مع الاحتیاط فی مورد الروایة لم یکن وجه لقوله.

{وکیف کان لا یتعدی عن موردها} بالإضافة إلی أنه إذا عمل بالروایة فالمناط الذی ذکرناه فی أول المسألة یقتضی التعدی، حیث یری العرف وحدة الحکم فی الروایة وما یتعدی منها إلیه.

ثم الظاهر أن المراد بالبطلان فی الروایة البطلان بدون إجازة الزوج، وإلا فلا یزید ذلک عن عقد فضولی عقده الولی لإنسان ابتداءً.

ص:365

مسألة ٢٠ لا یصح نکاح الحمل وانکاحه

(مسألة 20): لا یصح نکاح الحمل وإنکاحه، وإن علم ذکوریته أو أنوثیته، وذلک لانصراف الأدلة،

(مسألة 20): {لا یصح نکاح الحمل وإنکاحه، وإن علم ذکوریته أو أنوثیته، وذلک لانصراف الأدلة}، وللإجماع المدعی، وربما علل بالجهالة، وأنه هل هو ولد أو أنثی، واحد أو اثنان، والعمدة ما ذکره المصنف، والإشکال فیه بأنه بدوی غیر وارد، فإنه من أظهر مصادیق الانصراف.

أما الإجماع فإنه وإن جعله الجواهر العمدة، لکن فی صغراه تأمل، ولذا قال المستمسک: (ویظهر من کلماتهم أنه مما لاخلاف فیه) مما یظهر منه نوع تردد فی عدم الخلاف فکیف بالإجماع.

أما الجهالة بأنه ذکر أو انثی وغیره، کما عن المسالک، فیرد علیه ما أورده المصنف أولاً، وبأنه یمکن أن یزوجه بنته وولده فی نکاحین، فیعلم صحة أحدهما فیما إذا علم وحدته وعدم کونه خنثی.

وکیف کان، فحال الجنین حال المیت فی عدم صحة التزویج، ویؤید ذلک جعله مثله فی الدیة، ولا ینقض ذلک بصحة ملکه فی مبحث العبید والإماء، ولا بصحة النذر المتعلق به کما فی آیة ﴿إنی نذرت لک ما فی بطنی محرراً﴾((1))، لوجود الاعتبار العقلائی والإمضاء الشرعی فی المقامین دون المقام.

ص:366


1- سورة آل عمران: الآیة 35

کما لا یصح البیع أو الشراء منه ولو بتولی الولی، وإن قلنا بصحة الوصیة له عهدیة، بل أو تملیکیة.

{کما لا یصح البیع أو الشراء منه ولو بتولی الولی} لانصراف الأدلة إلاّ فیما استثنی، کما فیما إذا کان بعض الورثة حملاً فباع الوصی الترکة، أو عزلت حصته وخاف الحاکم أو غیره من الأولیاء علی حصته، فإنه یجوز له بیعها.

لکن ربما یقال: إنه إذا صار لذلک اعتبار عقلائی صار موضوعاً للحکم الشرعی، مثل: ﴿أوفوا بالعقود﴾((1))، و ﴿أحل اللّه البیع﴾((2))، وهذا وإن کان غیر بعید إلاّ أنه یشکل الفتوی به، ولذا لم نستبعد أن یکون للطفل المشوه الذی سبب أبواه تشویهه مثلاً أن یطالبهما بالدیة بنفسه أو بولیه، لأنه حقه، و«لا یتوی حق امرئ مسلم».

{وإن قلنا بصحة الوصیة له عهدیة، بل أو تملیکیة} للدلیل الخاص الموجود فی باب الوصیة.

نعم قد أشکلنا نحن فی باب الوصیة العهدیة له إذا رفض بعد البلوغ، لأن قاعدة «الناس مسلطون علی أنفسهم» تقتضی أن لا یتمکن إنسان جعل إیجاب علی إنسان آخر بدون رضاه، وتفصیل الکلام فی کتاب الوصیة.

والظاهر أنه یصح بیعه ورهنه وإجارته وما أشبه فی الحمل إذا کان عبداً له، لإطلاق الأدلة، والانصراف بدوی، کما یصح کل ذلک بالنسبة إلی الحیوان.

ص:367


1- سورة المائدة: الآیة 1
2- سورة البقرة: الآیة 275

وکذا الظاهر أن الجنایة علیه یوجب آثاره من القصاص والدیة، کما إذا ضرب بطن حامل فانکسرت ید الطفل، وإن کان الأحوط التصالح، من جهة احتمال الانصراف المؤید بأن قتل الجنین لیس کقتل الإنسان الحی، وأنه مثل المیت فی الدیة.

والظاهر صحة عتقه، للإطلاق، والانصراف إن قیل به فهو بدوی.

کما یصح وقفه، للإطلاق، ویؤیده الاستصحاب لما فی الآیة، فتأمل.

ص:368

مسألة ٢١ لا یشترط علم کل من الزوجین بأوصاف الآخر

(مسألة 21): لا یشترط فی النکاح علم کل من الزوج والزوجة بأوصاف الآخر مما یختلف به الرغبات وتکون موجبة لزیادة المهر أو قلته

(مسألة 21): {لا یشترط فی النکاح علم کل من الزوج والزوجة بأوصاف الآخر} ولا بأوصاف أقربائهما، کأنه لا إشکال فیه ولا خلاف، بل ادعی الجواهر الضرورة علی ذلک، ویقتضیه السیرة القطعیة کما فی المستمسک.

ویدل علیه إطلاق الأدلة، فیصح النکاح مع الجهالة، وإن کان الاختلاف {مما یختلف به الرغبات، وتکون موجبة لزیادة المهر أو قلته}.

فإذا لم یعلم الزوج أن الزوجة بکر أو ثیب، أسود أو أبیض، جمیلة أو قبیحة، أبوها تاجر أو فقیر، من بیت رفیع أودنی، ولد حلال أو الزنا، إلی غیرها، وتزوجها لم یکن بذلک بأس.

وکذلک إذا لم تعلم الزوجة ذلک بالنسبة إلی الزوج، ولعل السر فیه أن الزواج لیست معاملة، وإنما هو نوع من التصاحب والتعاون، فلا یلاحظ فیه هذه الأمور.

وأما ما عن کشف اللثام من ظهور کلامه فی قدح کثرة الجهالة، کأنه أراد بذلک ما کان علی خلاف المنصرف، بأن لم یرض أحدهما بکل المحتملات، فیکون من باب التدلیس، وإن کان ربما یستدل له بقوله تعالی: ﴿آتوههن أجورهن﴾((1)).

ص:369


1- سورة النساء: الآیة 24

فلا یضر بعد تعیین شخصها الجهل بأوصافها، فلا تجری قاعدة الغرر هنا.

وقوله سبحانه: ﴿آتیت أجورهن﴾((1)).

وبما ورد من أنه یشریها بأغلی ثمن، لکن الظاهر أن المراد بالآیة والروایة التشبیه لا الحقیقیة، ولذا لم یدرجوا باب النکاح فی بابی الإجارة والبیع.

{فلا یضر بعد تعیین شخصها الجهل بأوصافها، فلا تجری قاعدة الغرر هنا} وإن ورد نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عن الغرر، واستدل به بعض الفقهاء لعدم جواز الغرر فی سائر المعاملات غیر البیع الذی ورد فیه نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عن بیع الغرر، مما لا یبعد أن یکون العمل جابراً له، إلاّ أن الضرورة والسیرة القطعیة تکفیان فی الخروج عن هذه الکلیة.

ثم إن بابی التدلیس والعیوب الموجبة للفسخ لا ربط لهما بالمقام کما هو واضح، فلا یدلان علی الاشتراط، وحیث لا یشترط علمهما فأولی عدم اشتراط علم أولیائهما فیما کان لهما ولیان، وأولی عدم اشتراط علمهما بأولیاء الآخر فیما کان له ولی، للأصل والسیرة وغیرهما.

ص:370


1- سورة الاحزاب: الآیة 50

فصل فی مسائل متفرقة

مسألة ١ عدم اشتراط الخیار فی النکاح

فصل

فی مسائل متفرقة

الأولی: لا یجوز فی النکاح دواماً أو متعةً اشتراط الخیار فی نفس العقد

فصل

فی مسائل متفرقة

{الأولی: لا یجوز فی النکاح دواماً أو متعةً اشتراط الخیار فی نفس العقد} بلا إشکال ولا خلاف، بل عن الخلاف والمبسوط والسرائر وجامع المقاصد والمسالک وکشف اللثام وغیرهم الإجماع علیه.

وفی الجواهر الإجماع بقسمیه علیه.

وقد استدلوا لذلک بأن النکاح لا یدخل فیه التقایل، فلا یدخل فیه الشرط لتلازمهما، وبالسیرة القطعیة، وبحصر أسباب الرد فی أمور خاصة مذکورة فی باب العیوب التی توجب الرد، والحصر یفید عدم صحة الرد بغیر تلک العیوب، فإذا دخل فیه الخیار کان معناه صحة الرد بغیر تلک العیوب.

ص:371

فلو شرطه بطل، وفی بطلان العقد به قولان، المشهور علی أنه باطل، وعن ابن إدریس أنه لا یبطل ببطلان الشرط المذکور، ولا یخلو قوله عن قوة،

وبقول الصادق (علیه السلام) فیما تقدم من خبر نکاح المتعة: «إنک إن لم تشترط» _ أی لم تذکر المدة فی العقد _ «کان تزویج مقام»، وجه الدلالة أنه یکون حینئذ تزویجاً دائماً لا تزلزل فیه.

إلی غیر ذلک من الأدلة التی لا تکون کافیة، وإن کانت مؤیدة، باستثناء الإجماع المقطوع به والسیرة.

إذ لا دلیل علی التلازم بین التقایل والشرط، کما أن حصر العیوب فی المذکورات لا یدل علی عدم دخول الشرط، إذ ظاهر الحصر أنه لا یرد بغیر المذکورات من سائر العیوب، فلا ینافی ذلک الرد بسبب الشرط، وخبر أبان یدل علی أن عدم ذکر المدة توجب الدوام، لأنه إذا ذکر الشرط لم ینفع فی جواز الرد به.

قال فی المستمسک: (ظاهر الحدائق وجود القائل بالجواز لأنه نسب المنع إلی المشهور، ولکن لم یعرف بذلک قائل).

وفیه: إنه لا ظهور لذلک، إذ ربما بنسب الحکم إلی المشهور من باب أن الناسب لم یطلع علی کلام الکل، لامن باب أنه اطلع علی المخالف.

{فلو شرطه بطل} الشرط لأنه یکون من الشرط المخالف للکتاب والسنة.

{وفی بطلان العقد به قولان، المشهور علی أنه باطل} وقد نسب المسالک وکشف اللثام والجواهر البطلان إلی المشهور.

{وعن ابن إدریس إنه لا یبطل} العقد {ببطلان الشرط المذکور، ولا یخلو قوله عن قوة}، وهذا هو الذی اختاره غیر واحد من المعلقین کالسیدین ابن العم

ص:372

إذ لا فرق بینه وبین سائر الشروط الفاسدة، فیه مع أن المشهور علی عدم کونها مفسدة للعقد ودعوی کون هذا الشرط منافیاً لمقتضی العقد بخلاف سائر الشروط الفاسدة التی لا یقولون بکونها مفسدة، کما تری

والجمال وإن تأمل فیه السید البروجردی.

{إذ لا فرق بینه} أی بین الشرط فی عقد النکاح {وبین سائرالشروط الفاسدة، فیه مع أن المشهور علی عدم کونها مفسدة للعقد} لأنه هناک رضاءان، رضا بأصل العقد ورضا بالشرط، ولیس الرضا بأصل العقد مقیداً بالرضا بالشرط حتی أنه إذا فسد الشرط یکون العقد فاسداً، لفوات المقید بفوات قیده، ولذا قال فی الجواهر: وضوح وجه البطلان بفوات الرضا المقرون بالشرط بفواته.

{ودعوی کون هذا الشرط منافیاً لمقتضی العقد} إذ مقتضی العقد اللزوم فالخیار مناف له، وکل شرط نافی مقتضی العقد بطل، إذ لا یتحقق العقد، کما إذا نکح بشرط أن لا یکون الرجل محرماً للمرأة، أو باع بشرط أن لا یملک المشتری المثمن مثلاً.

{بخلاف سائر الشروط الفاسدة التی لا یقولون بکونها مفسدة} کما إذا شرط فی عقد البیع أن یشرب المشتری خمراً مثلاً، حیث إن هذا الشرط وإن کان باطلاً لکنه لا یبطل العقد، إذ لیس منافیاً لمقتضی العقد.

{کما تری} إذ اللزوم لیس من ذاتیات النکاح، ولذا یصح المتعة، ویصح ما إذا کان فی أحدهما عیب یوجب صحة الرد، أو کان هناک تدلیس یعطی الحق

ص:373

وأما اشتراط الخیار فی المهر فلا مانع منه

فی الرد بسببه، وعلیه فلیس شرط الخیار خلاف مقتضی العقد حتی یکون القصد إلی مضمون العقد ومضمون الشرط من القصد إلی المتنافیین الموجب لعدم تحقق القصد إلی العقد.

لا یقال: العقد فی غیر الموارد الثلاثة یقتضی شرعاً الدوام، فالشرط خلاف مقتضی العقد شرعاً.

لأنه یقال: ذلک لا یجعل قصد العاقد إلی العقد والشرط قصداً إلی المتنافیین، لإمکان عدم التفاته إلی مقتضی العقد شرعاً، أو التفاته ولکن قصد الخلاف تشریعاً، وعلی أی حال لم یأت بخلاف مقتضی العقد.

{وأما اشتراط الخیار فی المهر فلا مانع منه} فإذا فسخ المهر بالخیار یکون العقد بلا مهر، فتکون کالمفوضة للبضع، وجواز اشتراطه هو المعروف بینهم، کما فی المستمسک، والمصرح به فی الشرائع والقواعد والمسالک وکشف اللثام وغیرهم.

واستدل له فی الجواهر بقول (علیه السلام): «المؤمنون عند شروطهم»((1))، وهو شرط لا یخالف الکتاب ولا السنة ولا ینافی مقتضی العقد، لأن المهر لیس رکناً فی الدوام کما قرر فی محله، إذ حقیقة النکاح إعطاء کل من الزوجین نفسه للآخر وهو حاصل، سواء کان بمهر أو بدون مهر.

وربما یحتمل فساد مثل هذا الشرط لإطلاق

ص:374


1- الاستیصار: ج3 ص232 ح4، التهذیب: ج7 ص271 ح4

ولکن لا بد من تعیین مدته، وإذا فسخ قبل انقضاء المدة یکون کالعقد بلا ذکر المهر، فیرجع إلی مهر المثل

بعض العبارات: (لا خیار فی النکاح) الشامل للخیار فی المهر، ولأن المهر جزء، فإذا تزلزل بالخیار فإما أن یتزلزل الکل وهو باطل، لأن العقد لا یقع متزلزلاً فی باب النکاح، کما سبق.

وأما أن لا یتزلزل وهو غیر تام، إذ تزلزل الجزء یستلزم تزلزل الکل فی الجملة.

وفیهما ما لا یخفی، فإن المنصرف من الإطلاقات نفس العقد لا المهر، وتزلزل المهر لا یوجب تزلزل العقد، لأنه التزام فی ضمن التزام، ولذا یصح بلا مهر.

{ولکن لابد من تعیین مدته} کما عن المسالک وغیره، واستدل له بأن المنصرف من إطلاق دلیل الشرط ما کان عقلائیاً یقدم علیه العقلاء، فعدم تعیین المدة غیر عقلائی، فلا یدخل فی إطلاق دلیل الشرط.

وفیه: إنه لا شک فی إقدام العقلاء علی مثل هذا الشرط، ولذا أطلق غالب الأصحاب، واحتمل الصحة کشف اللثام معللاً ذلک بإطلاقهم، وإن کان الجواهر أفتی بما أفتی به المسالک.

ومثل اشتراط الخیار فی أصل المهر، اشتراطه فی خصوصیاته، کأن یشترط الخیار فی مدة المهر الغائب، إلی غیر ذلک، لإطلاق دلیل الشرط.

{وإذا فسخ قبل انقضاء المدة} فإذا کان معنی الاشتراط خیار قدر المهر {یکون کالعقد بلا ذکر المهر فیرجع إلی مهر المثل} لأنهما التزما بأصل المهر،

ص:375

هذا فی العقد الدائم الذی لا یلزم فیه ذکر المهر، وأما فی المتعة حیث إنها لا تصح بلا مهر فاشتراط الخیار فی المهر فیها مشکل.

وإنما جعل الخیار فیما ذکر من المسمی، فإذا بطل المسمی رجع إلی مهر المثل.

وأما إذا کان معنی الاشتراط حقه فی الفسخ بدون بدل، کان لازم الفسخ أن یبقی العقد بلا مهر أصلاً.

ومنه یعلم عدم استقامة إطلاق المصنف الرجوع إلی مهر المثل.

کما أنه یظهر الحال فیما إذا جعل الخیار فی بعض المهر لا فی کله، وأنه یکون له حالتان أیضاً.

{هذا فی العقد الدائم الذی لا یلزم فیه ذکر المهر، وأما فی المتعة حیث إنها لا تصح بلا مهر فاشتراط الخیار فی المهر فیها} إن کان بمعنی الخیار فی قدر المهر حتی یرجع عند الانفساخ إلی مهر المثل، أو فی بعض المهر حتی إذا فسخ لا یبقی العقد بلا مهر، فلا إشکال فیه، لإطلاق دلیل الشرط الذی لا یلزم منه محذور فی المقام.

وأما إن کان بمعنی الخیار فی أصل المهر کله، حتی إذا فسخ بقی العقد بلا مهر أصلا، ف_ {مشکل}، لأنه بفسخ المهر ینفسخ العقد، لأن المهر معتبر فی عقد المتعة، ومعنی اعتباره أنه لا تصح متعة بدون المهر، فإذا فسخ بقی العقد بلا مهر وهو مبطل له، إذ یکون اشتراط الخیار فی المهر، کاشتراط الخیار فی عقد النکاح.

ص:376

الثانیة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة

ومنه یظهر أن إطلاقهم صحة اشتراط الشرط فی المهر، یراد به فی الدائم لا المتعة، اللهم إلاّ أن یقال: إنه لا یزید علی کونه شرطاً فاسداً، ومثله یَفسد لا أنه یُفسد کما تقدم وجهه، ولعل نظر المصنف حیث لم یفت بالبطلان إلی هذا.

ثم لا یخفی أن صحة شرط الخیار _ فی کل مورد قلنا بصحة شرطه _ یصح أن یکون لأحد الزوجین أو لأجنبی، لإطلاق دلیل الشرط.

والمدة للخیار إذا قیداه بها، یصح أن تکون متصلة بالعقد، أو منفصلة عنه.

مسألة ٢ لو ادعی أحدهما الزوجیة وصدقه الآخر

{الثانیة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة} ولم نتمکن من تحصیل تصدیقها أو تکذیبها، قبل الإقرار فی حق المدعی، ولم یقبل فی حق الطرف.

أما بالنسبة إلی المدعی فلقاعدة إقرار العقلاء، وأما بالنسبة إلی الطرف فلأنه لا دلیل علی صدقه بالنسبة إلیه، إلاّ إذا أقام البینة وما أشبه، مثل ما إذا کان معاشرها معاشرة الأزواج، فإن حمل فعل المسلم علی الصحیح وإخبار ذی الید وما أشبه یقتضی تصدیقه من الطرفین، وعلی ذلک جرت سیرة المتشرعة، بل سیرة العقلاء کافة.

ومثله ما إذا اقترن دعواه بالشیاع ولو لم یکن مفیداً للعلم، لما حققناه فی کتاب التقلید من حجیة الشیاع وإن لم یفد العلم.

وکما الکلام فی الزوج

ص:377

فصدقته، أو ادعت امرأة زوجیة رجل فصدقها، حکم لهما بذلک فی ظاهر الشرع، ویرتب جمیع آثار الزوجیة بینهما، لأن الحق لا یعدوهما، ولقاعدة الإقرار

کذلک یکون الکلام فی ادعاء الزوجة.

ولا فرق فیما ذکرناه بین أن یکون طرف المدعی حیاً أو میتاً.

أما لو ادعی زوجیتها {فصدقته، أو ادعت امرأة زوجیة رجل فصدقها} وإن ظننا الکذب، إذا لم تکن أمارة شرعیة علی خلاف الادعاء {حکم لهما بذلک} بلا إشکال ولا خلاف ظاهر من أحد، وفی الحدائق إنه لا ریب فی الحکم المذکور، وفی المستمسک بلا خلاف فی ذلک ظاهر، وفی المستند والجواهر إرساله إرسال المسلّمات، {فی ظاهر شرع} لأن الإقرار والتصدیق لایفیدان أکثر من الحکم الظاهری، أی الإنجاز والتعذیر.

{ویرتب جمیع آثار الزوجیة بینهما}، ویدل علی ذلک بالإضافة إلی عدم الخلاف والسیرة، ما ذکره بقوله: {لأن الحق لا یعدوهما} فهما بالنسبة إلیه مثل ذی الید، وقد سبق فی بعض مباحث الفقه قبول قوله فی کل ما یتعلق به، إذا لم یجعل الشارع له طریقاً خاصاً.

{ولقاعدة الإقرار} التی لوازمها حجة أیضاً، فإشکال المستمسک بأن (القاعدة تختص بما یکون علی نفسه، فلا تشمل ما یتعلق بغیره، ومنه إرث أحدهما من الآخر، فإنه یتعلق بوارثه) انتهی، غیر ظاهر الوجه، ولذا لو قال: إنی غیر متزوج، أو لا أملک الزیادة، أو لیس مالی بقدر النصاب، أو لا أملک

ص:378

وإذا مات أحدهما ورثه الآخر، ولا فرق فی ذلک بین کونهما بلدیین معروفین أو غریبین، وأما إذا ادعی أحدهما الزوجیة وأنکر الآخر فیجری علیهما قواعد الدعوی

شیئاً حتی أعطی النفقة لأقربائی، إلی غیر ذلک، قبل منه بلوازمه، مع أن الأول إقرار فی حق الغیر، لاحتمال کونه متزوجاً أربعاً، فلا یحق له هدر حقهم بأخذ الخامسة، أو هدر حق العمة والخالة بتزویج بنتی أختها وأخیها، والثانی یحتمل کونه هدراً لحق الإمام والسادة، والثالث لحق الفقراء ومن إلیهم، والرابع لحق الأقرباء.

واستدل المستمسک له بقاعدة: «من ملک شیئاً ملک الإقرار به».

قیل فیه: إن ملک الرجل للمرأة وبالعکس أول الکلام، فلا یثبت بهذه القاعدة موضوعها، فتأمل.

{وإذا مات أحدهما ورثه الآخر} لأنه من لوازم الزوجیة، کما أنه إذا مات أحدهما أو طلق الزوج اعتد الآخر فی المرأة، وفی الرجل بالنسبة إلی مدة العدة فی الطلاق بالنسبة إلی أختها ونحوهها.

{ولا فرق فی ذلک بین کونهما بلدیین معروفین أو غریبین} لإطلاق الأدلة السابقة، وقد ذکر الجواهر أنه لخلاف بعض العأمة فی المسألة، حیث منع من قبول الإقرار فی البلدیین، بناءً منه علی اعتبار الإشهاد فی النکاح، وضعفه کضعف مبناه واضح لا یحتاج إلی التفصیل.

{وأما إذا ادعی أحدهما الزوجیة وأنکر الآخر فیجری علیهما قواعد الدعوی} کما ذکره المحقق والعلامة وغیرهما، مرسلین له إرسال المسلّمات، وذلک

ص:379

فإن کان للمدعی بینة وإلا فیحلف المنکر أو یرد الیمین فیحلف المدعی ویحکم له بالزوجیة، وعلی المنکر ترتیب آثاره فی الظاهر، لکن یجب علی کل منهما العمل علی الواقع بینه وبین الله

لإطلاق أدلة الدعوی {فإن کان للمدعی بینة} غیر معارضة ببینة المنکر، قبل قوله، لقاعدة: إن علی المدعی البینة وعلی المنکر الیمین.

نعم إذا کان لکلیهما بینة، فهل یتساقطان مطلقاً، أو یقدم من کانت بینته أکثر، فیه کلام مربوط بباب القضاء.

{وإلا} یکن لأحدهما بینة {فیحلف المنکر} ویکون الحق له {أو یرد الیمین فیحلف المدعی ویحکم له بالزوجیة} إذا لم نقل بأن مجرد رد المنکر یثبت علیه الدعوی.

{وعلی المنکر} إذا ظهر الحق للمدعی {ترتیب آثاره} آثار الزواج {فی الظاهر} فقط، إذ الحکم لا یوجب تغییر الواقع، إذا علم أو شک فی أنها زوجة له أم لا، وترتیب الآثار إنما هی بالمقدار المجبور علیه الذی لا مندوحة له، إذا علم بأنها لیست زوجة، بل یشکل جداً فی مثل وطی کل أربعة أشهر مرة، لأنه زنا باعتقاده إذا کان هو المنکر، أو باعتقادها إن کانت هی المنکرة.

نعم إذا لم یعلم بالواقع وإنما یستند إلی الحجة، فالحکم مقدم علیه، کما صرح به السیدان البروجردی والحکیم.

{لکن یجب علی کل منهما العمل علی الواقع بینه وبین اللّه} إذا علم بأن الواقع خلاف الحکم، کما صرح بذلک غیر واحد، لأصالة أن الحکم لا یغیر الواقع.

ص:380

وإذا حلف المنکر حکم بعدم الزوجیة بینهما، لکن المدعی مأخوذ بإقراره المستفاد من دعواه، فلیس له إن کان هو الرجل تزویج الخامسة، ولا أم المنکرة، ولا بنتها مع الدخول بها، ولا بنت أخیها أو أختها إلاّ برضاها، ویجب علیه إیصال المهر إلیها

ویؤیده فی المقام صحیح هشام بن الحکم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إنما أقضی بینکم بالبینات والأیمان، ولعل بعضکم ألحن بحجته من بعض، فأیما رجل قطعت له من مال أخیه شیئاً فإنما قطعت له قطعة من نار»((1)).

ومحل الکلام فی ذلک فی کتاب القضاء.

{وإذا حلف المنکر حکم بعدم الزوجیة بینهما} لما ذکر فی کتاب القضاء من أن الحلف یذهب بالحق ظاهراً، {لکن المدعی مأخوذ بإقراره، المستفاد من دعواه}، إذ البینة والحلف لا یغیران الواقع، فلیس حلف المرأة بأنها لیست زوجة للرجل بمنزلة الطلاق أو الفسخ، ولا بمنزلة عدم النکاح أصلا.

{فلیس له} أی للمدعی {إن کان هو الرجل تزویج الخامسة، ولا أم المنکرة} ولا أختها {ولا بنتها مع الدخول بها} بل ولا مع عدم الدخول بها إذا لم یطلقها، لوضوح عدم جواز الجمع بین الأم والبنت.

{ولا بنت أخیها إلاّ برضاها} کما صرح بذلک المستند وغیره.

{ویجب علیه إیصال المهر إلیها} کلاً لمقتضی العقد، أو بعضاً إن قلنا بأنه قبل

ص:381


1- الوسائل: ج18 ص169 الباب 2 من أبواب ک یفیة الح ک م وأحکام الدعوی ح2

نعم لا یجب علیه نفقتها لنشوزها بالإنکار، وإن کانت هی المدعیة لا یجوز لها التزویج بغیره

الدخول مثل الطلاق قبل الدخول إذا لم یکن دخل بها، هذا فی الدائم.

أما المنقطع فلا حق لها إذا امتنعت عن الاستمتاعات، ویسقط بالنسبة حتی مع الدخول، إذا کان امتناع لها عن بقیة المدة.

{نعم لا یجب علیه نفقتها، لنشوزها بالإنکار} کما عن المسالک وکشف اللثام، وصرح به الحدائق والمستند والجواهر، ناسباً الحدائق له إلی الأصحاب.

ولا یخفی أن کون النفقة فی قبال التمکین هو المستفاد من الأخبار عند عرضها علی العرف، ولو بمعونة القرائن الخارجیة، ولذا أرسله الفقهاء إرسال المسلّمات، فإشکال المستمسک بأن النشوز إذا کان الامتناع بدون عذر شرعی، أما مع العذر کما إذا کانت حائضاً أو مسافرة استطاعة للحج فلا نشوز، وهنا لها عذر شرعی حسب المفروض، غیر ظاهر الوجه.

وکیف یمکن القول بوجوب نفقتها علی المدعی وعلی زوجها الثانی الذی تزوجها، بل یمکن أن یستفاد کون النفقة فی قبال التمکین من قول النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) فی ما رواه تحف العقول فی حدیث: «وأطعنکم فعلیکم رزقهن وکسوتهن بالمعروف» فإن عدم الإطاعة ولو کان من جهة إنکارها الزوجیة یسقط الرزق، أما عدم الإطاعة فی الحج ونحوه فإنما یثبت النفقة فیه لدلیل خاص.

{وإن کانت هی المدعیة، لا یجوز لها التزویج بغیره} کما صرح بذلک

ص:382

إلا إذا طلقها ولو بأن یقول: هی طالق إن کانت زوجتی، ولا یجوز لها السفر من دون إذنه، وکذا کل ما یتوقف علی إذنه

الجماعة السابقون، وذلک لأنها ذات زوج باعتقادها، فیکف تتزوج، وإذا أرادت الخلاص طلقها الحاکم الشرعی إذا لم یستعد الزوج طلاقها، وذلک لأنه لا یمسکها بالمعروف، فلابد من التسریح بالإحسان، وحیث یکون ممتنعاً یکون الولی هو الحاکم.

ولا فرق بین الامتناع بعد عدم حصول الإمساک بالمعروف، بین أن یکون عن عذر أو بلا عذر.

أما النفقة فهل یحق لها السرقة منه مثلاً لأنها ممکنة، أم لا لأنه لا یعترف بکونها زوجة له، احتمالان، الظاهر الأول، واعترافه غیر مهم بعد أن تری أنها زوجة له واقعاً.

{إلا إذا طلقها ولو بأن یقول: هی طالق إن کانت زوجتی}، وهذا التعلیق غیر ضار بعد کونها زوجةً واقعاً، فهو مثل أن یقول: إن کان النهار موجوداً فهی طالق، وقد مر مثل ذلک فی إجراء صیغة العقد.

{ولا یجوز لها السفر من دون إذنه} علی تأمل، إذ هو راض الآن بذلک، ولو کان رضاه عن اعتقاد خاطئ، فهو من باب تخلف الداعی الذی لا یضر.

{وکذا کل ما یتوقف علی إذنه} کالصوم المندوب ونحوه.

ویقتضی ذلک أن لا یحق لأختها، وبنتی أختها وأخیها، وأمها وبنتها، إذا علمن أنها مزوجة

ص:383

ولو رجع المنکر إلی الإقرار، هل یسمع منه ویحکم بالزوجیة بینهما، فیه قولان، والأقوی السماع إذا أظهر عذراً لإنکاره ولم یکن متهماً

أن یقبلن الزواج بالرجل، إلاّ إذا رضیت فی بنتی الأخ والأخت، کما أن الخامسة لا یحق لها القبول بزواجها له، إذا علمت بصدق المدعیة.

{ولو رجع المنکر إلی الإقرار، هل یسمع منه ویحکم بالزوجیة بینهما} لقاعدة إقرار العقلاء، فإنه لا فرق فیها بین الإقرار بعد الإنکار، أو بدون الانکار، فکما أنه إذا أنکر أولاً أنه مدیون لفلان دیناراً، ثم أقر به أخذ به ولم یلتفت إلی إنکاره السابق، کذلک إذا أقر بالزوجیة بعد إنکاره.

{فیه قولان}، أما وجه عدم السماع فلأن إقراره وإنکاره یتساقطان، فالأصل عدم الزوجیة، {والأقوی السماع} مطلقاً لما عرفت من تقدم قاعدة الإقرار.

أما ما ذکره المصنف من قوله: {إذا أظهر عذراً لإنکاره ولم یکن متهماً} فکأنه إذا لم یظهر العذر تساوی إقراره وإنکاره فلا یقدم إقراره، ویتساقطان ویکون الأصل عدم الزوجیة، بخلاف ما إذا أظهر عذراً، فإن الإقرار یقدم عند العقلاء لکثرة إنکار الإنسان لشیء فراراً من توابعه، ثم یعترف به تسلیماً للأمر الواقع، وتحریضاً من النفس اللوامة إظهاره الحق.

أما وجه تقییده بعدم کونه متهماً، فلأنه إذا کان متهماً فی إقراره لم یشمله قاعدة إقرار العقلاء، فیبقی الإنکار ساری المفعول، لکنک قد عرفت قوة قاعدة إقرار العقلاء، فلا یبقی وجه لتقییده بالقیدین.

ص:384

وإن کان ذلک بعد الحلف، وکذا المدعی إذا رجع عن دعواه وکذب نفسه

{وإن کان ذلک بعد الحلف} فإن الحلف لا تسقط قاعدة الإقرار، ولذا لو حلف أنه لیس مدیوناً لزید ثم أقر بالدین أخذ به، وکذلک حکم الحاکم لا یوجب تغییر الواقع، کما یدل علیه ما تقدم من صحیح هشام وغیره، مما ذکروه فی کتاب القضاء.

{وکذا المدعی إذا رجع عن دعواه وکذب نفسه} فأنکر الزوجیة بعد ما ادعاها وقد أنکر الزوجیة الآخر، فإنه یسمع إنکاره، وإن کان إنکاراً بعد الإقرار.

واستدلوا لذلک، مع أنه خلاف قاعدة إقرار العقلاء، بأمور:

الأول: إن بناء العقلاء علی عدم الأخذ بالإقرار إذا کان صادراً لغیر بیان الواقع، بل لأمر آخر، فإذا أنکر المقر ظهر أن إقراره کان صادراً لغیر بیان الواقع، وحیث إن الشارع قرر الطریقة العقلائیة، فقوله: «إقرار العقلاء علی أنفسهم جائز»((1))، یرید به ما لم یکن إقراراً بداع آخر غیر بیان الواقع.

الثانی: إن الإنکار بعد الإقرار أمر معتاد، وکثیراً ما یقع الإقرار ثم الإنکار، والحال أن الإنکار واقع مطابق للحقیقة، فإذا لم یسمع دعواه یذهب کثیر من الحقوق هدراً، ولا یجوز إهدار الحقوق، فاللازم السماع.

ص:385


1- الوسائل: ج16 ص111 الباب 3 من أبواب ح ک م الإقرار ح2

نعم یشکل السماع منه إذا کان ذلک بعد إقامة البینة منه علی دعواه، إلاّ إذا کذبت البینة نفسها أیضاً.

الثالثة: إذا تزوج امرأة تدعی خلوها عن الزوج فادعی زوجیتها رجل

الثالث: جریان السیرة علی سماع الإنکار بعد الإقرار، کسماع الإقرار بعد الإنکار.

أقول: لا یخفی أن فی هذه الجملة کفایة، وإن کان یخدش بعضها، بل عن المسالک نسبة السماع إلی الأکثر، وفی الجواهر عند قول المحقق: (قیل: لا تقبل دعواه لأنه مکذب لإقراره، وقیل: یقبل لأنه ادعی ما هو معتاد، وهو أشبه) قال: (لم نتحقق القائل بالأول من العامة فضلا عن الخاصة وإنه لم نجد خلافه فی القبول).

{نعم یشکل السماع منه إذا کان ذلک} الإنکار لادعائه السابق {بعد إقامة البینة منه علی دعواه}، وذلک لإطلاق أدلة حجیة البینة التی لا یضره إنکار من قامت البینة له، فإذا ادعی زوجیة امرأة وأقام بینة ثم أنکر، لم یسقط لوازم الزوجیة من عدم تزویج الخامسة وأمها وبنتها وأختها، إلی غیر ذلک.

{إلاّ إذا کذبت البینة نفسها أیضاً} إذ تسقط البینة حینئذ ویسمع إنکاره.

وحیث إن هذه المباحث مرتبة بباب الشهادات والإقرار والقضاء، فتفصیل الکلام فیها موکول إلی تلک الأبواب.

مسألة ٣ لو تزوج ام أ رة تدعی خلوها

{الثالثة: إذا تزوج امرأة تدعی خلوها عن الزوج، فادعی زوجیتها رجل

ص:386

آخر لم تسمع دعواه إلاّ بالبینة

آخر لم تسمع دعواه إلاّ بالبینة} ذکره غیر واحد، بل ربما نسب إلی أکثر الأصحاب، وذلک لأنه مدع، والبینة علی المدعی.

ولخبر یونس، قال: سألته عن رجل تزوج امرأة فی بلد من البلدان فسألها لک زوج، فقالت: لا، فتزوجها ثم إن رجلاً أتاه فقال: هی امرأتی، فأنکرت المرأة ذلک، ما یلزم الزوج، فقال (علیه السلام): «هی امرأته إلاّ أن یقیم البینة»((1)).

ونحوه مکاتبة الحسین بن سعید، وخبر عبد العزیز بن المهتدی، قال: سألت الرضا (علیه السلام) قلت: جعلت فداک، إن أخی مات وتزوجت امرأته، فجاء عمی فادعی أنه کان تزوجها سراً، فسألتها عن ذلک فأنکرت أشد الإنکار، وقالت: ماکان بینی وبینه شیء قط، فقال (علیه السلام): «یلزمک إقرارها، ویلزمه إنکارها»((2)).

ومنه یعرف لزوم حمل موثق سماعة علی الاستحباب، قال: سألته عن رجل تزوج أمة (جاریة، خ ل) أو تمتع بها، فحدثه رجل ثقة أو غیر ثقة فقال: إن هذه امرأتی ولیست لی بینة، فقال (علیه السلام): «إن کان ثفة فلا یقربها، وإن کان غیر ثقة فلا یقبل منه»((3)). أو یحمل علی ما إذا اطمأن من قول الثقة.

والموثق وإن کان أخص، إلاّ أن عدم العامل به کما قالوا، أوجب حمله علی أحد المحملین.

ص:387


1- الوسائل: ج14 ص226 الباب 23 من أبواب عقد الن ک اح ح3
2- الوسائل: ج14 ص226 الباب 23 من أبواب عقد الن ک اح ح1
3- الوسائل: ج14 ص226 الباب 23 من أبواب عقد الن ک اح ح2

نعم له مع عدمها علی کل منهما الیمین، فإن وجّه الدعوی علی الامرأة فأنکرت وحلفت سقط دعواه علیها، وإن نکلت أو ردت الیمین علیه فحلف لا یکون حلفه حجة علی الزوج، وتبقی علی زوجیة الزوج مع عدمها، سواء کان عالماً بکذب المدعی أو لا،

{نعم له مع عدمها} أی عدم البینة {علی کل منهما} الزوج الزوجة {الیمین} أما الیمین علی الزوجة فلأنها منکرة، وعلی المنکر الیمین، وأما الیمین علی الزوج فهو إنما یکون إذا ادعی المدعی علم الزوج بأنها زوجة للمدعی، فیحلف الزوج علی عدم علمه، کل ذلک للقواعد المقررة فی کتاب القضاء.

{فإن وجّه الدعوی علی الامرأة فأنکرت} إما لادعائها أنها لا تعلم، مثلاً یدعی المدعی أن ولیها زوجها له، وتدعی هی عدم علمها، أو لادعائها عدم الزواج أصلاً، فإنها إن أنکرت {وحلفت سقط دعواه علیها} لأن الأیمان تسقط الدعوی، کما ورد فی النص والفتوی.

{وإن نکلت أو ردت الیمین علیه فحلف} علی ما ذکروه فی باب القضاء، من أن مجرد النکول یسقط الدعوی، أو بعد حلف المدعی {لا یکون حلفه حجة علی الزوج} لأصالة صحة نکاح الزوج.

{وتبقی علی زوجیة الزوج مع عدمها} أی عدم البینة {سواء کان} الزوج {عالماً بکذب المدعی أو لا} بل کان جاهلاً بصدقه أو کذبه، وذلک لأن الزوجیة حق الزوج، وهذا الحق لا یسقط بمجرد عدم حلف الزوجة.

ص:388

وإن أخبر ثقة واحد بصدق المدعی وإن کان الأحوط حینئذ طلاقها فیبقی النزاع بینه وبین الزوج

نعم إن قامت البینة ثبت عدم الزوجیة، لأن لوازم البینة حجة، ولذا لا تبقی بعد البینة علی زوجیة الزوج، بل لو ادعی المدعی زوجیة امرأة زید وصدقت المرأة، لم تقبل الدعوی بدون البینة، إذ إقرارها وقع فی حق الغیر، والإقرار فی حق الغیر لیس بنافذ.

ومنه یعلم الإشکال فی أصل توجه الیمین إلی المرأة، لما ذکره المسالک وغیره، (بأن الیمین إنما تتوجه إلی المنکر، إذا کان بحیث لو اعترف لزم الحق ونفع المدعی، والأمر هنا لیس کذلک، لأن المرأة لو صادقت المدعی دعواه لم تثبت الزوجیة، لأن إقرارها واقع فی حق الغیر، وهو الزوج) انتهی.

ومنه یعرف حکم العکس، وهو ما إذا ادعت المرأة زوجیة رجل عنده أختها أو أربعة أو بنتها أو أمها، وأنکر الزوج، ولم تکن لها بینة، لم یتوجه الحلف إلیه، لأنه حتی وإن أقر کان اعترافاً بحق الغیر، أی الأخت والرابعة وما أشبه، وإذ لم یصح الإقرار لم یصح الحلف مع الإنکار.

لکن المسألة بحاجة إلی التأمل، فنکلها إلی کتاب القضاء.

{وإن أخبر ثقة واحد بصدق المدعی} أن زوجة الزوج زوجة له، وذلک لأن الثقة لا تکون جامعة لشرط الشهادة الحجة فی مثل الدعاوی.

{وإن کان الأحوط حینئذ طلاقها} جمعاً بین الاحتیاطین، وقد تقدم فی موثقة سماعة أن المدعی إن کان ثقة لا یقربها الزوج، لکنه حیث کان خلاف الاحتیاط أیضاً کان الاحتیاط فی طلاقها.

{فیبقی النزاع بینه وبین الزوج}، فالمدعی یدعی أنها زوجته، والزوج

ص:389

فإن حلف سقط دعواه بالنسبة إلیه أیضاً، وإن نکل أو رد الیمین علیه فحلف حکم له بالزوجیة إذا کان ذلک بعد أن حلف فی الدعوی علی الزوجة بعد الرد علیه، وإن کان قبل تمامیة الدعوی مع الزوجة فیبقی النزاع بینه وبینها کما إذا وجه الدعوی أولاً علیه،

ینکر ذلک بدعوی جهله أو علمه بالعدم، والمفروض أنه لا بینة للمدعی لتحسم النزاع.

{فإن حلف} الزوج {سقط دعواه} دعوی المدعی {بالنسبة إلیه} إلی الزوج {أیضاً} کما سقط دعواه قبلاً بالنسبة إلی المرأة.

{وإن نکل} الزوج {أو ردّ الیمین علیه} أی علی المدعی {فحلف} المدعی {حکم له} أی للمدعی {بالزوجیة إذا کان ذلک} ای کان حلف المدعی فی قبال الزوج {بعد أن حلف} المدعی {فی الدعوی} الأولی التی کانت {علی الزوجة بعد الرد} أی رد الزوجة الحلف {علیه} أی علی المدعی.

والحاصل: المدعی حلف مرتین، مرة حینما ادعی ضد الزوجة، ومرة حینما ادعی ضد الرجل.

{وإن کان} حلف المدعی ضد الزوج {قبل تمامیة الدعوی مع الزوجة} بأن ادعی أولاً ضد الزوج، فحلف المدعی ضد الزوج ثم ادعی ضد المرأة، {فیقی النزاع بینه وبینها}، وقد مثل المصنف لقوله: (قبل تمامیة الدعوی) بقوله: {کما إذا وجه الدعوی أولاً علیه} أی علی الزوج.

ص:390

والحاصل: إن هذه دعوی علی کل من الزوج والزوجة، فمع عدم البینة إن حلفا سقط دعواه علیهما، وإن نکلا أو رد الیمین علیه فحلف ثبت مدعاه، وإن حلف أحدهما دون الآخر فلکل حکمه، فإذا حلف الزوج فی الدعوی علیه فسقط بالنسبة إلیه والزوجة لم تحلف بل ردت الیمین علی المدعی أو نکلت، ورد الحاکم علیه فحلف، وإن کان لا یتسلط علیها لمکان

{والحاصل: إن هذه الدعوی} من المدعی أن زوجة فلان زوجته {علی کل من الزوج والزوجة} لأنه یرید إبطال حقهما {فمع عدم البینة للمدعی} یأتی دور حلفهما.

أما إذا کانت له بینة فالحق یکون للمدعی {إن حلفا} الزوجان {سقط دعواه علیهما} لأن المنکر إذا حلف سقط دعوی المدعی.

{وإن نکلا أو رد الیمین علیه فحلف} المدعی {ثبت مدعاه} لأن یمین المدعی بمنزلة البینة إذا لم یکن للمدعی بینة، ولم یحلف المنکر.

{وإن حلف أحدهما دون الآخر فلکل} من الزوجین {حکمه، فإذا حلف الزوج فی الدعوی علیه فسقط} دعوی المدعی {بالنسبة إلیه} أی بالنسبة إلی الزوج {و} الحال أن {الزوجة لم تحلف بل ردت الیمین علی المدعی أو نکلت وردّ الحاکم} الحلف {علیه} أی علی المدعی ضد الزوجة، {فحلف} المدعی.

{وإن کان} المدعی {لا یتسلط علیها} بسبب حلف المدعی ضد الزوجة {لمکان

ص:391

حق الزوج إلاّ أنه لو طلقها أو مات عنها ردت إلیه، سواء قلنا إن الیمین المردودة بمنزلة الإقرار أو بمنزلة البینة أو قسم ثالث، نعم فی استحقاقها النفقة والمهر المسمی علی الزوج إشکال، خصوصاً إن قلنا أنه بمنزلة الإقرار،

حق الزوج} کما تقدم.

وقوله (وإن کان) بمنزلة الجواب لقوله: (فإذا حلف الزوج فی الدعوی).

{إلا} أن فائدة حلف المدعی ضد الزوجة {أنه} أی الزوج {لو طلقها أو مات عنها} أو فسخ هو أو هی نکاحها لفاسخ {ردت} الزوجة {إلیه} أی إلی المدعی، لأن المانع عن نفوذ حلف المدعی کان حق الزوج، فإذا سقط هذا الحق نفذ حق المدعی.

{سواء کان قلنا إن الیمین المردودة بمنزلة الإقرار أو بمنزلة البینة أو قسم ثالث} إذ هی علی کل وجه من الوجوه الثلاثة، تکون مثبتة لحق الحالف علی خصمه، وقذ ذکر الفقهاء فی کتاب القضاء فروعاً متفرقة علی الخلاف المذکور، کما أنهم ذکروا أدلة لکل وجه من الوجوه الثلاثة.

{نعم فی استحقاقها النفقة والمهر المسمی علی الزوج} فی حال عدم حلفها ضد المدعی {إشکال} من جهة أن الیمین المردودة علی المدعی تثبت أنها لیست زوجة لمن هی فی حبالته الآن، وإذ لم تکن زوجة فکیف تستحق علیه المهر والنفقة، {خصوصاً إن قلنا إنه} أی یمین المدعی {بمنزلة الإقرار} منهما علی أنها لیس زوجة لمن فی حبالته.

ص:392

أو البینة، هذا کله إذا کانت منکرة لدعوی المدعی، وأما إذا صدقته وأقرت بزوجیته فلا یسمع بالنسبة إلی حق الزوج، ولکنها مأخوذة بإقرارها، فلا تستحق النفقة علی الزوج ولا المهر المسمی، بل ولا مهر المثل إذا دخل بها لأنها بغیة بمقتضی إقرارها، إلاّ أن تظهر عذراً فی ذلک

{أو البینة} فإن الإقرار یسقط حقها، والبینة تثبت لوازمها، هذا وجه عدم استحقاقها.

وأما وجه استحقاقها، فلأنها کانت زوجة قبل ادعاء المدعی، وهی لم تصدق ادعاءه، ولعل عدم حلفها من جهة أنها تجل الله عن الحلف أو لمحذور آخر، فزوجیتها ثابتة لمن فی حبالته، وهی تلازم النفقة والمهر، فلا وجه لسقوطهما بمجرد النکول أو الرد.

{هذا کله إذا کانت منکرة لدعوی المدعی، وأما إذا صدقته وأقرت بزوجیته فلا یسمع بالنسبة إلی حق الزوج} لما تقدم من أنه إقرار فی حق الغیر، ومثله لا یسمع.

{ولکنها مأخوذة بإقرارها} لقاعدة «إقرار العقلاء علی أنفسهم جائز»((1))، {فلا تستحق النفقة علی الزوج ولا المهر المسمی، بل ولا مهر المثل إذا دخل بها، لأنها بغیة} ولا المهر ولا نفقة لبغیة {بمقتضی إقرارها، إلا أن تظهر عذراً فی ذلک، وإنما لم

ص:393


1- الوسائل: ج16 ص111 الباب 3 من أبواب الإقرار ح3

وترد علی المدعی بعد موت الزوج أو طلاقه، إلی غیر ذلک.

تتزوج بالزوج الذی هی فی حبالته، إلاّ لجهلها بالحرمة مثلاً، فإن الوطی یکون بشبهة حینئذ، ووطی الشبهة له مهر، والظاهر أنه أقل الأمرین من المثل والمسمی، إذ لو کان المسمی أقل فقد رضیت بذلک، وهو یسقط الزیادة، وإن کان المثل أقل فالمسمی لا یثبت بوطی الشبهة، إذ المثبت له العقد الصحیح والمفروض انتفاؤه، فتأمل.

{وترد علی المدعی بعد موت الزوج أو طلاقه} أو فسخ النکاح {إلی غیر ذلک} مثل أنها لا یکون بینها وبین أقرباء الزوج علاقة، إلا بقدر ما یستلزمه البغاء أو وطی الشبهة، بینما تکون بینها وبین أقرباء المدعی العلاقة، ولا ترث الزوج وإنما ترث المدعی.

بقی شیء، وهو أنه لو لم تصدق الزوجة دعوی المدعی ولا أنکرته، بل ادعت عدم العلم، بأن قالت: لا أدری، کما إذا ادعی المدعی تزویجها حین ولایة الأب والجد علیها بأن کان صغیرة حین زواجها، فإن ادعی المدعی علیها العلم فله الحق فی أنه یحلفها علی نفی علمها.

قال فی المستند: لأنه دعوی مستلزم تحقق المدعی به، لثبوت حق له، فیدخل فی عموم «الیمین علی من أنکر»، وإن لم یدع المدعی علیها العلم فلا تسلط له علیها بالزوجیة، إلاّ بعد قیام البینة، للأصل الخالی من المعارض، ولا بالحلف للأدلة المصرحة بأن الحلف علی البنت.

أقول: وحیث إن تفصیل الکلام فی هذه الفروع من شأن کتاب القضاء

ص:394

الرابعة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة وأنکرت، فهل یجوز لها أن تتزوج من غیره قبل تمامیة الدعوی مع الأول، وکذا یجوز لذلک الغیر تزویجها، أو لا، إلاّ بعد فراغها من المدعی، وجهان، من أنها

نکتفی فی المقام بهذه القدر، والله العالم بحقائق الأحکام.

وإن کان لابد من التنبیه علی أنه إن أمکن للقاضی استخراج الحق من غیر طریق البینة والحلف وجب علیه ذلک، کما قرر فی کتاب القضاء.

مسألة ٤ هل یجوز التزویج قبل تمام الدعوی

{الرابعة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة} وصدقت فهی زوجته، وإن سکتت مدعیة عدم علمها به، لاحتمال أن ولیها زوجها فی صغرها، کان علی المدعی البینة وعلیها الحلف لعدم علمها، فإذا أقام بینة کان الحق له، وإن لم یقم وحلفت علی عدم علمها کان الحق لها.

{و} إن {أنکرت فهل یجوز لها أن تتزوج من غیره قبل تمامیة الدعوی مع الأول، وکذا یجوز لذلک الغیر تزویجها، أو لا، إلاّ بعد فراغها من المدعی، وجهان}.

ووجه ثالث هو التفصیل بین تضرر المرأة من عدم الزواج لطول الدعوی وتراضی المدعی فیجوز الزواج، وبین عدم الضرر فلا یجوز.

نسب المسالک إلی المحقق عدم الجواز مطلقاً، واحتمل هو التفصیل، واختار الجواهر الجواز مطلقاً.

وجه الجواز مطلقاً: {من أنها} مسلطة علی نفسها، لقاعدة «الناس مسلطون علی أنفسهم»((1)).

ص:395


1- البحار: ج2 ص172

قبل ثبوت دعوی المدعی خلیة ومسلطة علی نفسها، ومن تعلق حق المدعی بها، وکونها فی معرض ثبوت زوجیتها للمدعی مع أن ذلک تفویت حق المدعی إذا ردت الحلف علیه وحلف، فإنه لیس حجة علی غیرها وهو الزوج

فإنها {قبل ثبوت دعوی المدعی خلیة} شرعاً {ومسلطة علی نفسها} فیحق لها أن تتزوج، کما یحق لها أن تسافر وتفعل کل ما یحق للخلیة أن تفعله، وکذلک إذا ادعی إنسان مالاً فی ید إنسان آخر فإنه یحق لذی الید أن یفعل بما فی یده ما شاء، لقاعدة سلطنة الناس علی ما فی أیدیهم.

{و} وجه المنع مطلقاً {من تعلق حق المدعی بها، وکونها فی معرض ثبوت زوجیتها للمدعی، مع أن ذلک تفویت حق المدعی إذا ردت الحلف علیه وحلف، فإنه لیس حجة علی غیرها وهو الزوج} فإن المرأة إذا تزوجت ونکلت فحلف المدعی کان الحق للمدعی إذا کانت المرأة خلیة.

أما إذا کانت مزوجة فنکلت فقد عرفت فی المسألة السابقة أن حلف المدعی لا یوجب زوجیة المرأة للمدعی، لأنها حق الغیر.

بل قد عرفت أن تصدیق المرأة المزوجة للمدعی لا یفید، لأنه إقرار فی حق الغیر الذی هو الزوج، إذاً فتزوجیها یوجب تفویت حق المدعی، وما یفوت حق الغیر لیس بجائز.

لکن یرد علی هذا الاستدلال، أن المعرضیة للحق لا توجب قصر السلطنة علی النفس، إذ السلطنة ثابتة والمزاحم غیر ثابت.

ومثله إذا ادعت امرأة زوجیة رجل وأنکر الرجل، فیحق له أن یزوج أختها وأمها وبنتها، وإن کان فی معرض الدعوی، فلا یقال: لا یحق له ذلک فی حال الدعوی.

وکذا الکلام فی المال المتنازع

ص:396

ویحتمل التفصیل بین ما إذا طالت الدعوی فیجوز للضرر علیها بمنعها حینئذ، وبین غیر هذه الصورة، والأظهر الوجه الأول، وحینئذ فإن أقام المدعی بینة وحکم له بها کشف عن فساد العقد علیها

فیه، إذا أراد التصرف فیه من له ید علیه، والزوجة التی یدعی إنسان زوجیتها إذا أراد الزوج وطیها مثلاً، إلی غیر ذلک.

والحاصل: إنه کما ذکره المستمسک (لیس تصرفاً فی الحق، بل من قبیل رفع موضوعه، فیسقط، علی أن جواز الادعاء من الأحکام ولم یثبت أنه من الحقوق، فإنه لا یسقط بالإسقاط) انتهی.

{ویحتمل التفصیل} المتقدم عن المسالک {بین ما إذا طالت الدعوی فیجوز للضرر علیها بمنعها حینئذ} من الزواج، {وبین غیره هذه الصورة} فلا یجوز، ویرد علیه بالإضافة إلی ما تقدم أن فی صورة الضرر یتعارض ضرر المرأة وضرر المدعی فیساقطان ویکون المرجع حق المدعی، بالإضافة إلی أنه یلزم علی هذا القول أن یکون المدار التضرر وإن کان بدون طول مدة الدعوی، وطول المدة حینئذ یکون مصداقاً، لا أن الأمر منحصر فیه.

{والأظهر} عند المصنف ومن وجدتهم من المعلقین کالسادة البروجردی وابن العم والجمال وغیرهم {الوجه الأول} لما عرفت، {وحینئذ} إذا تزوجت {فإن أقام المدعی بینة وحکم له بها کشف عن فساد العقد علیها} لأن البینة کما تکون حجة علی المستقبل تکون حجة علی الماضی، لکن الظاهر أنه إن لم یثبت تعمدها فی الزواج مع علمها ببطلانه، أن لها حق النفقة والمهر علی زوجها الثانی، لأصالة حمل فعل المسلم علی الصحیح.

ص:397

وإن لم یکن له بینة وحلفت بقیت علی زوجیتها، وإن ردت الیمین علی المدعی وحلف ففیه وجهان، من کشف کونها زوجة للمدعی فیبطل العقد علیها، ومن أن الیمین المردودة لا یکون مسقطاً لحق الغیر وهو الزوج، وهذا هو الأوجه، فیثمر فیما إذا طلقها الزوج أو مات عنها، فإنها حینئذ ترد علی المدعی، والمسألة سیالة

{وإن لم یکن له بینة وحلفت، بقیت علی زوجیتها} إذ سقط بذلک دعوی المدعی، {وإن ردت الیمین علی المدعی} ولم یحلف، بقیت علی زوجیتها أیضاً.

{و} إن {حلف ففیه وجهان}، وجه بطلان زواجها بالثانی {من کشف کونها زوجة للمدعی فیبطل العقد علیها}، ووجهه السید البروجردی بأنه إنما یحلف الیمین المردودة لإثبات ما کان ادعاه علیها ما کانت خلیة عن هذا الزوج، ولم یکن لدعواه توجه إلیه أصلاً.

{ومن أن الیمین المردودة لا یکون مسقطاً لحق الغیر وهو الزوج، وهذا هو أوجه} لقاعدة السلطنة التی لا ترفعها الدعوی، ومجرد الادعاء لا ینفع فی کون الحلف الآن مسقطاً لحق الغیر، بل لو أنها بعد زواجها صدقت المدعی لم یکن لتصدیقها أثر، لأنه إقرار فی حق الغیر.

وفی تعلیقه ابن العم: (لا یترک الاحتیاط فی هذه المسألة وسابقتها).

وفی تعلیقة السید الجمال: (لا تسمع الدعوی فی شیء مما یکون من هذا القبیل إلاّ بالبینة). وفیه نظر واضح.

وکیف کان {فیثمر} یمین المدعی {فیما إذا طلقها الزوج أو مات عنها} أو فسخ النکاح {فإنها حینئذ ترد علی المدعی، والمسألة سیالة} فی باب الزواج کما

ص:398

فی دعوی الأملاک وغیرها أیضاً.

الخامسة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة فأنکرت، وادعت زوجیته امرأة أخری لا یصح شرعاً زوجیتها لذلک الرجل مع الامرأة الأولی، کما إذا کانت أخت الأولی أو أمها أو بنتها، فهناک دعویان إحداها من الرجل علی الامرأة، والثانیة من الامرأة الأخری علی ذلک الرجل، وحینئذ فإما أن لا یکون

عرفت بعض أمثلتها سابقاً.

و{فی دعوی الأملاک وغیرها أیضاً} کما إذا ادعی إنسان مالاً فی ید زید، وحلف الیمین المردودة کان له، أما إذا باعه المالک فی حال الدعوی لم تنفع الیمین المردودة فی انتزاع الملک من ید المشتری، لأن المدعی علیه قد فوت حق المدعی بتفویت موضوعه، وکذا یأتی الکلام فی باب الإجارة والهبة والوقف والرهن وغیرها.

مسألة ٥ لو ادعت أخت الزوجة: أنها زوجة الرجل

{الخامسة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة فأنکرت، وادعت زوجیته امرأة أخری لا یصح شرعاً زوجیتها لذلک الرجل مع الامرأة الأولی، کما إذا کانت أخت الأولی أو أمها أو بنتها}، مثلاً ادعی زید أن فاطمة زوجته، وقالت أخت فاطمة: إنی زوجة زید، فإنه لا یصح زواج الأختین، وهاتان الدعوییان لا یصح شرعاً جمعهما.

{فهناک دعویان، إحداهما من الرجل علی الامرأة} الأولی {والثانیة من الامرأة الأخری علی ذلک الرجل}، وحینئذ {ف_} المحتملات ثلاثة، لأنه {إما أن لا یکون

ص:399

هناک بینة لواحد من المدعیین، أو یکون لأحدهما دون الأخری، أو لکلیهما، فعلی الأول یتوجه الیمین علی المنکر فی کلتا الدعویین، فإن حلفا سقطت الدعویان، وکذا إن نکلا وحلف کل من المدعیین الیمین المردودة

هناک بینة لواحد من المدعیین} دون الدعوی الأخری، {أو یکون لإحداهما دون الأخری، أو لکلیهما، فعلی الأول} عدم البینة أصلاً {یتوجه الیمین علی المنکر فی کلتا الدعویین، فإن حلفا سقطت الدعویان.

وکذا تسقط الدعویان {إن نکلا وحلف کل من المدعیین الیمین المردودة}، وذلک لأنه لا یمکن الجمع بین الدعویین، لعدم إمکان أن تکون الأختان زوجة لشخص واحد، فالدعویان متکاذبتان، وحیث لا ترجیح تسقط کلتاهما.

وفی المقام احتمالان آخران:

الأول: أشار إلیه المستمسک، قال: (قد یشکل جواز رد الیمین من أحدهما بعد أن رد علیه الیمین من الآخر، لأن نتیجة الرد التساقط، ولذا قال فی الجواهر: "ولو ردت الأولی علیه الیمین مثلا فحلف فهل له رد الیمین علی المدعیة وجهان" إلاّ أن یقال: إن التساقط لیس من آثار الرد الثانی، بل من آثار الردین، واجتماع الیمینین المردودتین) انتهی کلامه.

الثانی: أن یکون الفیصل بعد الحلفین المردودتین القرعة، لأنها لکل أمر مشکل، ومجرد التکاذب إذا حلفا لا یوجب عدم حلف أحدهما، إذ حال الیمینین حال الشهادتین، کما إذا أقام الرجل الشهادة علی أن فاطمة زوجته، وأقامت

ص:400

وإن حلف أحدهما ونکل الآخر وحلف مدعیه الیمین المردودة سقطت دعوی الأول، وثبت مدعی الثانی، وعلی الثانی، وهو ما إذا

أخت فاطمة أنها زوجة الرجل، فإنهما لا یعقل اجتماعهما شرعاً، ومع ذلک إذا اجتمعا لزمت القرعة.

وکذا إذا قال الرجل: فاطمة زوجتی وصدقته، وقالت أخت فاطمة: الرجل زوجی وصدقها الرجل، فإنه لا یمکن الجمع بین آثار الإقرارین شرعاً، فإذا جمعا لزم القرعة.

وکذا فی کل دلیل واحد جمع بین أمرین لا یمکن الجمع بینهما شرعاً، وفی کل دلیلین کذلک، کما إذا أقر بأن فاطمة زوجته وصدقته، وقامت الشهادة علی أن أخت فاطمة زوجته، إذ لا یمکن الجمع بین الشهادة وبین الإقرار، إذا لم نقل بأن الشهادة تقدم علی الإقرار، وإلا لم یکن مجال للتنازع بین الدلیلین، وسیأتی عن قریب روایة الزهری المفصلة فی المسألة.

{وإن حلف أحدهما ونکل الآخر وحلف مدعیه الیمین المردودة} مثلاً قال الزوج: فاطمة زوجتی، وأنکرت فاطمة وحلفت، وقالت أخت فاطمة: الرجل زوجی، ولم یحلف الزوج علی إنکاره، {سقطت دعوی الأول} لأن حلف فاطمة أسقطت دعواه، {وثبت مدعی الثانی} لأن نکول الرجل عن الحلف لإنکاره زوجیة الأخت یثبت أن أخت فاطمة زوجته، وعلیه یکون أخت فاطمه زوجة الرجل، لا فاطمة.

{وعلی الثانی} من الأقسام الثلاثة التی ذکرت فی أول المسألة {وهو ما إذا

ص:401

کان لأحدهما بینة، ثبت مدعی من له البینة، وهل تسقط دعوی الآخر أو یجری علیه قواعد الدعوی من حلف المنکر أو رده، قد یدعی القطع بالثانی لأن کل دعوی لا بد فیها من البینة أو الحلف، ولکن لا یبعد تقویة

کان لأحدهما بینة} ولم یکن للآخر بینة {ثبت مدعی من له البینة} لأن البینة تثبت الحق.

{وهل تسقط دعوی الآخر} لعدم إمکان الجمع بین الأختین مثلا، {أو یجری علیه قواعد الدعوی من حلف المنکر أو رده} لإطلاق أدلة الدعوی الشاملة لهذه الدعوی.

{قد یدعی القطع بالثانی لأن کل دعوی لابد فیها من البینة أو الحلف} وهذه الکلیة صادقة علی دعوی الثانی.

وهذا هو الأقرب، ویوضحه أنه لو تصادق زوجان علی أن بینهما الزوجیة، ثم ادعت أخت الزوجة أنها زوجة لهذا الرجل، سمعت دعواها، وخیر الرجل بین الحلف والنکول إن لم یکن بینة، وفائدة السماع أنها إذا طلقت الزوجة أو ماتت أو فسخ نکاحها کانت الأخت زوجة للرجل، لرفع المانع بطلاقها ونحوه.

وبسماع دعوی الأخت أفتی الشهید وتبعه الجواهر، فقالا بأنه لابد للزوج من الیمین علی نفی دعوی الأخت، لأنه منکر بالنسبة إلی دعواها، والبینة علی زوجیته أختها لا تقتضی العلم بکذبها، ضرورة إمکان صدق البینة مع تقدم العقد علیها، وإن شئت قلت البینة حجة لا علم، والحجة یمکن مخالفتها للواقع.

ص:402

الوجه الأول لأن البینة حجة شرعیة، وإذا ثبت بها زوجیة إحدی الامرأتین لا یمکن معه زوجیة الأخری، لأن المفروض عدم إمکان الجمع بین الامرأتین، فلازم ثبوت زوجیة إحداهما بالأمارة الشرعیة عدم زوجیة الأخری

وبذلک یظهر أن إشکال المستمسک علی الجواهر بقوله: (وفیه إن ذلک یتم إن کان مستند البینة وقوع القعد المبنی علی ظاهر الصحة، أما إذا کان المستند العلم، فالبینة کما تشهد بالزوجیة المدعاة للرجل مثلاً، تدل علی کذب دعوی الأخت ضرورة) انتهی. غیر رافع لما ذکرناه بقولنا: (وإن شئت) فلا ینفع رد المستمسک للجواهر فی إبطال الحکم الذی ذکره المصنف بقوله: (قد یدعی).

ومما ذکرناه یظهر وجه ضعف ما أفتی به المصنف بقوله: {ولکن لا یبعد تقویة الوجه الأول} بسقوط دعوی الآخر {لأن البینة حجة شرعیة، وإذا ثبت بها زوجیة إحدی الامرأتین لا یمکن معه زوجیة الأخری، لأن المفروض عدم إمکان الجمع بین الامرأتین، فلازم ثبوت زوجیة إحداهما بالأمارة الشرعیة عدم زوجیة الأخری}.

إذ الحجة الشرعیة لا تنفی احتمال الطرف الآخر، ومع الاحتمال یأتی دور سماع الدعوی، وهی تفید ما إذا ارتفع المانع، فحاله حال ما إذا ادعت أختان زوجیة رجل، وأقامت إحداهما البینة، وصدق الرجل للتی لا بینة لها، فإن البینة محکمة إلاّ أن فائدة إقراره أنه إذا انفصل عن الزوجة ثبتت زوجیة الأخری، بالإضافة إلی وجوب إعطائها النفقة.

وعدم إمکان الجمع بینهما واقعاً لا یضر، فهو مثل

ص:403

ما إذا اعترف بداره لزید أولاً، ثم لعمرو ثانیاً، حیث تعطی الدار لزید، وثمنها لعمرو، مع عدم إمکان الجمع بین الأمرین، فتأمل.

نعم ربما یستفاد من روایة الزهری، عن علی بن الحسین (علیهما السلام) عدم سماع الدعوی للثانیة، وإن کانت لها بینة، فإذا لم تکن لها بینة فبالطریق الأولی.

قال: «فی رجل ادعی علی امرأة أنه تزوجها بولی وشهود، وأنکرت المرأة ذلک، وأقامت أخت هذه المرأة علی هذا الرجل البینة أنه تزوجها بولی وشهود، ولم یوقت وقتاً، إن البینة بینة الزوج، ولا تقبل بینة المرأة، لأن الزوج قد استحق بضع هذه المرأة وترید أختها فساد هذا النکاح، ولا یقبل بینتها إلاّ بوقت قبل وقتها، أو دخول بها»((1)).

وهذه الروایة وإن کانت ضعیفة، إلاّ أن المستند والجواهر وغیرهما قالوا: إنها منجبرة بالشهرة، بل دعوی عدم الخلاف والإجماع علی طبقها، قیل: إنها موافقة للقاعدة، إذ لدی تعارض البینتین تتساقطان، ویقدم إقراره علی دعوی الأخت التی لا دلیل لها، إذ بینتها سقطت حسب الفرض.

قال فی محکی کشف اللثام: (إن الوجه فی ترجیح بینته علی بینتها أنها تنکر ما هو فعله، ولعله عقد علی الأولی قبل العقد علیها، وهی لا تعلم، ولا یعلم فعله إلاّ من قبله) انتهی، وفیه نظر ظاهر.

أما إذا کانت بینة الأخت سابقة فی التوقیت فإنها تقدم، إذ لا مجال لبینة الزوج

ص:404


1- الوسائل: ج14 ص225 الباب 22 من أبواب عقد الن ک اح ح1

وعلی الثالث: فإما أن یکون البینتان مطلقتین أو مؤرختین، متقارنتین أو تاریخ أحداهما أسبق من الأخری، فعلی الأولین تتساقطان ویکون کما لو لم یکن بینة أصلاً، وعلی الثالث ترجح الأسبق،

لأن بینة الزوج تدل علی زواجه من الزوجة، وهذا لا یکفی، إذ زواج الأخت فی حال کون أختها المدعیة زوجته باطل.

وکذا إذا کان الرجل دخل بالمدعیة فإنه بعد سقوط البینتین یکون الدخول دلیلاً علی الزواج، لحمل فعلهما علی الصحیح، ولا یعارض ذلک بشیء، إذ لیس فی النص دخول الرجل بالزوجة غیر المدعیة، وسیأتی تتمة الکلام فی المسألة.

{وعلی الثالث} بأن کانت البینة لکلیهما {فإما أن یکون البینتان مطلقتین أو مؤرختین، متقارنتین أو تاریخ إحداهما أسبق من الأخری} أو إحداهما مطلقة والأخری مؤرخة:

{فعلی الأولین} المطلقتین والمقارنتین {تتساقطان ویکون کما لو لم تکن بینة أصلا} للتعارض بینهما ولا ترجیح، إلاّ إذا قلنا فی باب البینات بتقدیم الأکثر عدداً، وکان أحدهما أکثر عدداً، کما فصل فی باب الشهادات.

{وعلی الثالث} بأن کانتا مؤرختین وإحداهما أسبق {ترجح الأسبق} لأن الأسبق لا یدع مجالاً لغیره، فهو کما إذا عقد أختاً، ثم عقد الأخت الثانیة، فإن عقده الثانی یکون باطلاً.

لکن فی إطلاق المصنف نظراً ظاهراً، إذ الأقسام أربعة: لأن مستند الشهادتین إما العلم، وإما الظهور،

ص:405

إذا کانت تشهد بالزوجیة من ذلک التاریخ إلی زمان الثانیة وإن لم تشهد ببقائها إلی زمان الثانیة فکذلک إذا کانت الامرأتان الأم والبنت مع تقدم تاریخ البنت

وإما الأول العلم والثانی الظهور، أو بالعکس.

ففی الأول: فالشهادتان متعارضتان، ولا وجه لتقدیم الأسبق، وحینذاک فالمرجع إما القرعة، أو الأکثر عدداً، إذا قلنا بتقدیم الأکثر عدداً.

وفی الثانی: کذلک، کما إذا شهد کل علی أنه کان یعاشرها معاشرة الأزواج.

وفی الثالث: یقدم الأولی، فإن المستند إلی العلم مقدم علی المستند إلی ظاهر وقوع العقد، إذ الأولی ترفع مستند الثانیة.

وفی الرابع: تقدم الثانیة، لأن العلم یرفع مستند الأولی فی البقاء، وهو الاستصحاب {إذا کانت تشهد بالزوجیة من ذلک التاریخ} السابق {إلی زمان الثانیة}.

{و} أما {إن لم تشهد ببقائها إلی زمان الثانیة فکذلک} ترجح الأسبق {إذا کان الامرأتان الأم والبنت مع تقدم تاریخ البنت} إذ بمجرد العقد علی البنت تحرم الأم، قال تعالی: ﴿أمهات نسائکم﴾((1)).

ص:406


1- سورة النساء: الآیة 23

بخلاف الأختین والأم والبنت مع تقدم تاریخ الأم، لإمکان صحة العقدین بأن طلق الأولی وعقد علی الثانیة فی الأختین، وطلق الأم مع عدم الدخول بها، وحینئذ ففی ترجیح الثانیة أو التساقط وجهان، هذا ولکن وردت روایة تدل علی تقدیم بینة الرجل، إلاّ مع سبق بینة الامرأة المدعیة، أو الدخول بها فی الأختین

{بخلاف الأختین والأم والبنت مع تقدم تاریخ الأم} فلا یحکم بالأسبق {لإمکان صحة العقدین، بأن طلق الأولی وعقد علی الثانیة} فی الأختین {وطلق الأم مع عدم الدخول بها} إذ لو دخل بها حرمت البنت أبداً {وحینئذ} أی حین کانت المسألة فی الأختین، وفی الأم والبنت مع تقدم تاریخ الأم مع عدم الدخول.

{ففی ترجیح الثانیة} لأن مستندها الشهادة، وهی تقدم علی مستند الأولی الذی هو الاستصحاب {أو التساقط} لأنهما بینتان فتتساقطتان {وجهان} واللازم القول بذلک التفصیل المتقدم فی مستند البینتین، فإذا کان مستند إحدی البینتین مقدماً علی مستند الأخری بطلت البینة التی مستندها مؤخر، أما مع التساوی أو الجهل بالمستند فتتساقطان.

{هذا} هو مقتضی الأصل فی البینتین المتعارضتین، {ولکن وردت روایة} الزهری المتقدمة {تدل علی تقدیم بینة الرجل، إلاّ مع سبق بینة الامرأة المدعیة، أو الدخول بها فی الأختین} وقد رواها الشیخ أیضاً، عن عبد الوهاب بن عبد

ص:407

وقد عمل بها المشهور فی خصوص الأختین، ومنهم من تعدی إلی الأم والبنت أیضاً، ولکن العمل بها حتی فی موردها مشکل، لمخالفتها للقواعد وإمکان حملها علی بعض المحامل

الحمید الثقفی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)((1)).

{وقد عمل بها المشهور} بل قد ادعی بعض عدم الخلاف فیه، وبعض آخر الإجماع علیه، إلاّ أن المحکی عن نکت المحقق مخالفتها، {فی خصوص الأختین} لأنها مورد الروایة المخالفة للقاعدة، کما عرفت.

{ومنهم} کما یظهر من الجواهر المیل إلیه، لکن عن المسالک وجامع المقاصد کما فی المستند الجزم بعدم التجاوز عن مورد النص، {من تعدی إلی الأم والبنت أیضاً} واستندوا فی ذلک إلی تعلیله (علیه السلام): «لأن الزوج قد استحق بضع هذه المرأة، وترید أختها فساد النکاح فلا تصدق...».

{ولکن العمل بها حتی فی موردها مشکل، لمخالفتها للقواعد} وذلک لأن تقدیم بینة الزوج علی بینة الأخت لا وجه له مع أنهما متعارضتان، وقد تقدم الإشکال فی توجیه کشف اللثام لجعله موافقاً للقاعدة.

{وإمکان حملها علی بعض المحامل} کما ذکره الحدائق، من أن حکمه بتقدیم بینة الرجل وصحة دعواه وبطلان دعوی الأخت، لعله لأمر ظهر له (علیه السلام) بقرائن الحال یومئذ.

وفیه: إن ذلک خلاف الظاهر، ولا یصار إلی مثله لمجرد أن الروایة مخالفة

ص:408


1- الوسائل: ج18 ص185 الباب 11 من أبواب ک یفیة الح ک م وأحکام الدعوی ح13

التی لا تخالف القواعد.

السادسة: إذا تزوج العبد بمملوکة، ثم اشتراها بإذن المولی، فإن اشتراها للمولی بقی نکاحها علی حاله، ولا إشکال فی جواز وطیها

للقاعدة، فإنه کما ذکر المستمسک أکثر الروایات الدالة علی الوجوب والحرمة ونحوهما مخالفة للقواعد العامة، فلا وجه لحملها علی المحامل {التی لا تخالف القواعد}.

ثم إن غیر واحد منهم ذکروا الافتقار إلی الیمین، حسب القواعد العامة، إلاّ أن فی المستند وعن غیره عدم الاحتیاج إلیها، لخلو النص عنها، بینما هو فی مقام البیان، کما یظهر من تفصیله، فالقول بلزوم الیمین لجواز وقوع عقد لم یطلع علیه البینة، غیر تام.

وکیف کان، فالظاهر لزوم العمل بالنص فی مورده، کما لا یبعد التعدی عنه، وإن کان رعایة الاحتیاط أولی، ولذا قال ابن العم: (العمل بالروایة فی موردها هو المتعین)، وقال السید البروجردی: (لا إشکال فیه بعد عمل المعظم، وانما الإشکال فی التعدی).

مسألة ٦ لو اشتری العبد زوجته المملوکة

{السادسة: إذا تزوج العبد بمملوکة، ثم اشتراها بإذن المولی} أو اشتراها بغیر إذنه لکنه أجاز بعد ذلک، {فإن اشتراها للمولی، بقی نکاحها علی حاله} للأصل بعد أن لم یکن دلیل علی بطلان النکاح، فحالها حال العبد الزوج إذا انتقلت ملکیته من سید إلی سید.

{ولا إشکال فی جواز وطیها} إذا رضی مولاها

ص:409

وإن اشتراها لنفسه بطل نکاحها وحلت له بالملک، علی الأقوی من ملکیة العبد، وهل یفتقر وطیها حینئذ إلی الإذن من المولی أو لا، وجهان، أقواهما ذلک

الجدید، إذ لا یجوز التصرف فی ملک الغیر إلاّ بإذنه، أما بالنسبة إلی وطیها حال کونها ملکاً للمولی الأول فلأنه هو الذی عقدها.

{وإن اشتراها لنفسه، بطل نکاحها} بل فی الجواهر دعوی الإجماع بقسمیه علیه.

وقد استدلوا لذلک بقوله تعالی: ﴿إلا علی أزواجهم، أو ما ملکت أیمانهم﴾((1))، بناءً منهم علی ظهوره فی منع الجمع بینهما، ویؤیده أن لکلٍ أثراً، فالطلاق یأتی فی الزواج دون الملک، وکذلک القسم والبیع یأتی فی الملک دون الزواج، والضرورة قائمة علی أنه لا یأتی الأثران فی مفروض الکلام، بأن یجوز بیعها ویجوز طلاقها، کما أن استحقاقه الجمع بین القسم لکونها زوجة، وعدم القسم لکونها أمة، یعطیان عدم الجمع بین الملک والزوجیة.

{وحلت له بالملک} بالضرورة والإجماع ولعموم الآیة، ویؤید عدم الجمع بین الأمرین ما دل علی عتق الجاریة ثم زواجها، ولو جمع الأمران أمکن زواجها فی حال کونها أمة له.

{علی الأقوی من ملکیة العبد} وقد حقق ذلک فی محله.

{وهل یفتقر وطیها حینئذ} حین اشتراها لنفسه {إلی الإذن من المولی} لأنه تصرف فی نفسه، والعبد لا یقدر علی شیء نصاً وإجماعاً {أو لا} لأنها زوجته، والزوج یتصرف فی زوجته حسب ما قرره الشرع، {وجهان، أقواهما ذلک} کما

ص:410


1- سورة المعارج: الآیة 30

لأن الإذن السابق إنما کان بعنوان الزوجیة، وقد زالت بالملک، فیحتاج إلی الإذن الجدید.

ولو اشتراها لا بقصد کونها لنفسه أو للمولی، فإن اشتراها بعین مال المولی کانت له وتبقی الزوجیة، وإن اشتراها بعین ماله کانت له وبطلت الزوجیة

فی الجواهر لما تقدم.

لا یقال: لا یحتاج إلی الاذن، لأن الإذن السابق کاف.

لأنه یقال: لا یکفی الإذن السابق {لأن الإذن السابق إنما کان بعنوان الزوجیة، وقد زالت بالملک، فیحتاج إلی الإذن الجدید}.

وفیه نظر، لما ذکره المستمسک من أن الزوجیة لیست مقومة لموضوع الاستصحاب عرفاً، فزوالها لا یوجب تبدل الموضوع، فلا مانع من الاستصحاب.

ومنه یعرف العکس، وهو ما لو کانت ملکاً له ثم أعتقها وتزوجها، أو باعها من إنسان وتزوجها.

{ولو اشتراها لا بقصد کونها لنفسه أو للمولی، فإن اشتراها بعین مال المولی کانت له} أی للمولی إذا أجاز المولی، أو کان وکیلاً فی التصرف فی ماله، فإن المعاوضة تقتضی أن یدخل المعوض فی کیس من خرج من کیسه العوض، {وتبقی الزوجیة} لما تقدم من الأصل.

{وإن اشتراها بعین ماله کانت له} للعبد {وبطلت الزوجیة} وجاز وطیها باعتبار الملک، لما سبق من عدم الجمع بین الأمرین.

ص:411

وکذا إن اشتراها فی الذمة، لانصرافه إلی ذمة نفسه، وفی الحاجة إلی الإذن الجدید وعدمها الوجهان.

السابعة: یجوز تزویج

{وکذا} تکون له {إن اشتراها فی الذمة، لانصرافه إلی ذمة نفسه}، المراد ارتکاز ذلک، لا الانصراف اللفظی، لأن کلامنا فی مقام الثبوت لا مرحلة الإثبات، وإذا کان الارتکاز إلی ذمة المولی _ کما إذا کان یتصرف فی أموال المولی ومن قبله تجارة _ کانت الأمة للمولی.

{وفی الحاجة إلی الإذن الجدید وعدمها الوجهان} السابقان.

مسألة ٧ إذا ادعت المرأة أنها خلیة

{السابعة: یجوز تزویج} المرأة نفسها لرجل یقدم علی زواجها، ولاحاجة إلی التحقیق هل أنه یجوز له التزویج من جهة أن له أربعاً أم لا، أو هل یجوز له التزویج بها لأنه قد تزوج بنتها أو أمها، أو فی حبالته الآن أختها، وإنما لم یکن حاجة إلی التحقیق حملاً لفعل المسلم علی الصحیح.

ومنه یعلم أنه لا حاجة إلی التحقیق بالنسبة إلی العاقد الذی یرید عقد امرأة لرجل، بأن یسأل هل هو یحق لها التزویج، من جهة عدة، أو کونها مزوجة الآن، أو ما أشبه ذلک، فما یعتاده بعض العاقدین من التحقیق، خصوصاً بالنسبة إلی المطلقة، لاحتمال بطلان طلاقها، أو عدم انقضاء عدتها، لیس إلاّ من باب الاحتیاط الذی هو سبیل النجاة، ومن باب الإتقان، وقد قال (صلی الله علیه وآله): «رحم اللّه امرءاً عمل عملاً فأتقنه».

ص:412

امرأة تدعی أنها خلیة من الزوج من غیر فحص

وهل للرجل أن یعقد علی امرأة یشک أنها بنت أو أم أو أخت لزوجته، أو أنها محرمة علیه لوجه آخر، وکذا فی المرأة، الظاهر عدم الحاجة إلی التحقیق للأصل، وإن کان الاحتیاط أولی من جهة أنها فرج، والاحتیاط فی الفروج آکد.

نعم إذا کان معرضاً یحتاط بالفحص، لما ذکرناه مکرراً من وجوب الفحص فی الموضوعات، کوجوبه فی الأحکام، فتأمل.

ومما تقدم یعلم أنه یجوز تزویج {امرأة تدعی أنها خلیة من الزوج، من غیر فحص} بلا خلاف، بل ربما یظهر من تسالمهم الإجماع علیه، للأصل، وجملة من الأخبار:

کخبر میسر، قال: قلت لأبی عبد اللّه (علیه السلام): ألق المرأة بالفلاة التی لیس فیها أحد، فأقول لها ألک زوج، فتقول: لا، فأتزوجها، قال (علیه السلام): «نعم هی المصدقة علی نفسها»((1)).

وخبر أبان بن تغلب، عن أبی عبد اللّه (علیه السلام)، فی المرأة الحسناء تُری فی الطریق، ولا یعرف أن تکون ذات بعل أو عاهرة، قال (علیه السلام): «لیس هذا علیک، وإنما علیک أن تصدقها»((2)).

ص:413


1- الوسائل: ج14 ص456 الباب 10 من أبواب المتعة ح1
2- المستدر ک : ج2 ص589 الباب 9 من أبواب المتعة ح1

مع عدم حصول العلم بقولها، بل وکذا إذا لم تدع ذلک، ولکن دعت الرجل إلی تزویجها أو أجابت إذا دعیت إلیه

وتقدم خبرا عبد العزیز بن المهتدی ویونس((1)) فی المسألة الثالثة، وهما یدلان علی نفس الحکم، کما أن مثل خبر یونس خبر حسین بن سعید((2)).

بل ربما یستفاد ذلک من خبر الجعفریات، عن الباقر (علیه السلام)، قال: «الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء»((3))، إن أرید منه أن قولهن فی العدة مقبولة، کما استفاد منه المستدرک.

ومما ذکر یعلم لزوم حمل خبر الجعفریات علی بعض المحامل، کالاستحباب أو کونه فی صورة الاتهام، فقد روی عن علی (علیه السلام)، فی امرأة قدمت علی قوم فقالت: إنه لیس لی زوج، ولا یعرفها أحد، فقال (علیه السلام): «لا تزوج حتی تقیم شهوداً عدولاً أنه لا زوج لها»((4)).

{مع عدم حصول العلم بقولها} بل وإن حصل الظن غیر المعتبر بأنها ذات زوج.

{وکذا إذا لم تدع ذلک، ولکن دعت الرجل إلی تزویجها، أو أجابت إذا دعیت إلیه} للأصل.

ص:414


1- الوسائل: ج14 ص456 الباب 10 من أبواب المتعة ح2
2- الوسائل: ج14 ص456 الباب 10 م ک ن أبواب المتعة ح1
3- المستدر ک : ج3 ص20 الباب 22 من أبواب العدد ح1
4- المستدر ک : ج2 ص564 الباب 15 من أبواب عقد النکاح ح2

بل الظاهر ذلک، وإن علم کونها ذات بعل سابقاً وادعت طلاقها أو موته

ویدل علیه خبر الفضل مولی محمد بن راشد، عن أبی عبد اللّه (علیه السلام)، قال: قلت: إنی تزوجت امرأة متعة، فوقع فی نفسی أن لها زوجاً، فسألتها، فقال أبو عبد اللّه (علیه السلام): «ولم سألتها»((1)).

وخبر محمد بن عبد اللّه الأشعری، قال: قلت للرضا (علیه السلام): الرجل تزوج بالمرأة فیقع فی قلبه أن لها زوجاً، فقال (علیه السلام): «وما علیه، أرأیت لو سألها البینة، فهل یجد من یشهد لیس لها زوج»((2)).

أما خبر عمر بن حنظلة، قلت لأبی عبد اللّه (علیه السلام): إنی تزوجت امرأة فسألت عنها فقیل فیها، فقال (علیه السلام): «وأنت لم سألت، أیضاً لیس علیکم التفتیش»((3))، فهو غیر ظاهر فیما نحن فیه کما ذکره المستمسک، وإن أدرجه الوسائل فی باب أن المرأة مصدقة فی عدم الزوج.

{بل الظاهر ذلک، وإن علم کونها ذات بعل سابقاً وادعت طلاقها أو موته}، للأصل، أی حمل فعل المسلم علی الصحیح، بالإضافة إلی الإطلاق، فهو مثل العکس، بأن علمت المرأة أن الرجل له أربع نساء، ثم یقدم علی زواجها، فإن لها أن تحمل فعلها علی الصحیح، فتزوج منه بدون السؤال عنه.

ص:415


1- الوسائل: ج14 ص457 الباب 10 من أبواب المتعة ح3
2- الوسائل: ج14 ص457 الباب 10 من أبواب المتعة ح5
3- الوسائل: ج14 ص228 الباب 25 من أبواب المتعة ح1

نعم لو کانت متهمة فی دعواها فالأحوط الفحص عن حالها، ومن هنا ظهر جواز تزویج زوجة من غاب غیبة منقطعة ولم یعلم موته وحیاته

وکذا إذا طلق الرابعة ولم تعلم الخامسة هل أن عدتها منقضیة أم لا، إلی غیرها من الأمثلة.

{نعم لو کانت متهمة فی دعواها} موت زوجها أو طلاقها {فالأحوط الفحص من حالها}، والظاهر أن الاحتیاط استحبابی، ولذا أفتی الشرائع وغیره باستحباب السؤال مع التهمة، بل یظهر عن الحدائق وغیرها أنه إجماعی، ویدل علیه حمل فعل المسلم علی الصحیح، وبعض الروایات السابقة.

وإن کان یدل علی لزوم السؤال صحیح أبی مریم، عن أبی جعفر (علیه السلام): أنه سئل عن المتعة، فقال (علیه السلام): «المتعة الیوم لیست کما کانت قبل الیوم، إنهن کن یومئذ یؤمن والیوم لایؤمن فاسألوا عنهن»((1)).

لکن تعلیله ظاهر فی الاستحباب، کما أن بعض الروایات السابقة المؤیدة بالأصل مقدمة علیه، خصوصاً والمشهور یؤید عدم السؤال، أما روایة الجعفریات((2)) السابقة فقد عرفت عدم إمکان العمل بظاهرها.

{ومن هنا ظهر جواز تزویج زوجة من غاب غیبة منقطعة ولم یعلم موته وحیاته} إذا أخبرت بأنها لا زوج لها، لأن قولها حجة، حملاً لفعل المسلم، بل

ص:416


1- الوسائل: ج14 ص451 الباب 6 من أبواب العدد ح1
2- المستدر ک : ج2 ص564 الباب 15 من أبواب عقد الن ک اح ح1

إذا ادعت حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن أو بأخبار المخبرین، وإن لم یحصل العلم بقولها، ویجوز للوکیل أن یجری العقد علیها ما لم یعلم کذبها فی دعوی العلم، ولکن الأحوط الترک خصوصاً إذا کانت متهمة.

لایبعد کفایة مجرد إقدامها، ککفایة مجرد إقدام زوج له أربع نسوة غابت إحداهن مثلاً، فلا حاجة إلی قوله: {إذا ادعت حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن أو بإخبار المخبرین، وإن لم یحصل العلم بقولها} فإن کونهن المصدقات _ کما تقدم فی روایة میسر((1)) _ یقتضی الاعتماد علیها قولاً وفعلاً.

{و) کما یجوز للرجل أن یتزوجها، کذلک {یجوز للوکیل أن یجری العقد علیها ما لم یعلم کذبها فی دعوی العلم} بل قد عرفت أن أصالة الصحة فی فعل المسلم تقتضی صحة کلامها وإن لم تُظهر العلم بموت زوجها، بالإضافة إلی ما تقدم من إطلاق أنها مصدقة، وحجیة قول ذی الید، والإنسان ذو ید علی نفسه، وقاعدة تسلط الناس علی أنفسهم، ووحدة الملاک بین الرجل المقدم علی عقد الخامسة وأخت الزوجة وما أشبه، وبین المرأة المقدمة علی الزواج.

{ولکن الأحوط الترک خصوصاً إذا کانت متهمة} لما تقدم.

ثم الظاهر أنه لا یحتاج إلی التحقیق إذا ادعت أنها مسلمة، أو أنه مسلم.

وأما إذا کان فی بلد لم یعلم أنه أو أنها مسلم، فإذا کان من بلاد الإسلام

ص:417


1- الوسائل: ج14 ص228 الباب 25 من أبواب المصاهرة ح2

الثامنة: إذا ادعت امرأة أنها خلیة، فتزوجها رجل، ثم ادعت بعد ذلک کونها ذات بعل، لم تسمع دعواها، نعم لو أقامت البینة علی ذلک فرق بینها وبینه، وإن لم یکن هناک زوج معین بل شهدت بأنها ذات بعل علی وجه

کفی إقدامه علی الزواج وإن لم یعلم بأنه أو أنها مسلم، کما هو کذلک بالنسبة إلی اللقیط والمیت واللحوم وما أشبه.

مسألة ٨ إذا ادعت المرأة أنها خلیة ثم ادعت خلافه

{الثامنة: إذا ادعت امرأة أنها خلیة، فتزوجها رجل، ثم ادعت بعد ذلک کونها ذات بعل، لم تسمع دعواها} لعدم الدلیل علی سماع دعواها، وأصالة صحة العقد تقتضی عدم السماع، کما فی کل من أراد بعد العقد أن یبطل العقد بادعاء فقد شرط أو وجود مانع، ولو ادعت علم الزوج بذلک کان لها حق الحلف علیه، فإن حلف بعدم علمه کفی.

{نعم لو أقامت البینة علی ذلک فرق بینها وبینه} لتقدم البینة علی أصالة الصحة، ثم إنها إذا ادعت الاشتباه کان لها أقل الأمرین من المهر المسمی والمثل.

وکذا إذا لم تدع شیئاً، لأصالة حمل فعلها علی الصحة، وإن ادعت العلم والعمد حدّت، ولا مهر لها لأنه «لا مهر لبغی».

ثم لا یخفی أنه یلزم أن تکون البینة بینة العلم، لا بینة أنها کانت مزوجة، إذ التعارض حینئذ یکون بین الاستصحاب وبین أصالة الصحة، والثانیة مقدمة علی الأولی، کما فی سائر الموارد.

{وإن لم یکن هناک زوج معین بل شهدت} البینة {بأنها ذات بعل علی وجه

ص:418

الإجمال.

التاسعة: إذا وکلا وکیلاً فی إجراء الصیغة فی زمان معین، لا یجوز لهما المقاربة بعد مضی ذلک الزمان

الإجمال} لإطلاق أدلة البینة.

ومما تقدم یظهر الکلام فیما إذا ادعی الزوج بعد أن عقد علیها بأنها خامسة زوجاته، أو أنه متزوج بأختها مثلاً، فإنه لا یسمع دعواه، بل یحتاج إلی البینة، ولا فائدة فی أن یقال له اترکها، ولا تحتاج إلی إقامة الدعوی، إذ لا ینفع ترکها فی إسقاط نفقة العدة، ولا فی إرجاع المهر إلی أقل الأمرین من المثل والمسمی، کما هو واضح.

مسألة ٩ لا تجوز المقاربة إلاّ بعد العلم بالعقد

{التاسعة: إذا وکلا وکیلاً فی إجراء الصیغة فی زمان معین، لا یجوز لهما المقاربة} أو ترتیب سائر آثار الزوجیة کالاستمتاع والنظر إلی ما لا یحل لغیر الزوج النظر إلیه {بعد مضی ذلک الزمان} وذلک للشک فی تحقق العقد الموجب للرجوع إلی أصالة العدم، وکما لا یحق لهما الاستمتاع کذلک لا یحق لها مطالبته بالقسم والنفقة والمهر.

وهل یحق لهما الزواج بالخامسة وبزوج آخر، احتمالان، من الأصل، ومن قاعدة الاحتیاط، خصوصاً فی الفروج، والأحوط أکیداً الفحص.

ثم الظاهر أنه یجب علی الوکیل الإجراء فی الزمان المعین إذا کان الأمر معرضاً لترتیبهما آثار العقد، وکذا فیما کان معرضاً لترتیب ذویهما، کأن ینظر

ص:419

إلا إذا حصل لهما العلم بإیقاعه، ولا یکفی الظن بذلک وإن حصل من إخبار مخبر بذلک، وإن کان ثقة

الزوج إلی أم الزوجة، والزوجة إلی ولد الزوج نظراً لا یحل لغیر المحرم، وإنما یجب لأنه بترکه النکاح یوقع الناس فی الحرام الواقعی، ومنع المنکر واجب کالنهی عن المنکر، فالتمسک بعدم الوجوب لأصالة عدمه، وبأنهما حیث لا یعلمان بأن عملهما حرام فلا حرمة لهما غیر تام، بل حال ذلک حال ما إذا وکلاهما فی إجراء العقد فأجریا ألفاظاً فارغة أوهماهما بأنها ألفاظ العقد، حیث رتبا بعد ذلک آثار العقد علی ألفاظهما.

ثم إنه لو نسی الوکیل، ثم تذکر وجب علیه إما إخبارهما بعدم العقد، أو الإسراع فی عقدهما، لکن إنما له الإسراع إذا لم یعلم بسحبهما کلامهما لنشوب نزاع أو نحوه بینهما، ولم یعلم بعروض ما یمنع عن بقاء الوکالة، کموت أحدهما أو کتزویج الرجل بالخامسة مثلاً، ولو من باب جهلهما بأنه لا یجوز الجمع بین أکثر من أربع {إلا إذا حصل لهما العلم بإیقاعه، ولا یکفی الظن بذلک} لأنه لیس بحجة {وإن حصل من إخبار مخبر بذلک وإن کان ثقة}، لکنا قد احتملنا فی بعض کتب (الفقه) الکفایة لبناء العقلاء، ولقوله (علیه السلام): «حتی یستبین لک غیر ذلک، أو تقوم به البینة»((1)). وإخبار الثقة استبانة، ومقابلته بالبینة لأن بعض الموضوعات بحاجة إلی البینة ککثیر من أبواب الشهادات.

ص:420


1- المستدر ک : ج3 ص190 الباب 3 من أبواب صفات القاضی ح3

نعم لو أخبر الوکیل بالإجراء کفی إذا کان ثقة، بل مطلقاًً، لأن قول الوکیل حجة فیما وکل فیه.

وعلی کل حال، فلا یجوز فتویً أو احتیاطاً ترتیبهما آثار عدم الزوجیة _ الآثار المحرمة کتزویج الخامسة _ بعد إخبار الثقة.

ومثل إخبار الثقة الشیاع بأن الوکیلین عقدا وإن لم یفد العلم، لما ذکرناه فی کتاب التقلید من عدم لزوم العلم فی الشیاع فراجع.

{نعم لو أخبر الوکیل بالإجراء کفی إذا کان ثقة، بل مطلقاً، لأن قول الوکیل حجة فیما وکل فیه} لقاعدة: «من ملک شیئاً ملک الإقرار به»، ولغیرها مما ذکروه فی باب الوکالة.

ص:421

ص:422

المحتویات

فصل

7 _ 120

مسألة 1 _ وطی المعتدة عن شبهة........................................................... 23

مسألة 2 _ الملاک علم الزوج لا الولی....................................................... 27

مسألة 3 _ المطلقة رجعیة زوجة............................................................. 30

مسألة 4 _ الاعتبار فی الدخول............................................................... 35

مسألة 5 _ لو شک أنها فی العدة............................................................... 37

مسألة 6 _ حکم الجهل بالحکم وبالموضوع فی العدة....................................... 42

مسألة 7 _ العلم الإجمالی بالعدة............................................................... 43

مسألة 8 _ لو شک بأنها فی عدة نفسه أو غیره.............................................. 45

مسألة 9 _ صور التزویج بذات البعل........................................................ 46

مسألة 10 _ إذا تزوجها فی عدة لم تشرع فیها.............................................. 52

مسألة 11 _ حکم الولد بین الزوج وغیره.................................................... 54

مسألة 12 _ إذا کانت عدتان.................................................................. 59

مسألة 13 _ هل الثالث مهر المثل أو المسمی............................................... 72

ص:423

مسألة 14 _ مبدأ عدة وطی الشبهة........................................................... 76

مسألة 15 _ لا مهر إذا کانت عالمة.......................................................... 79

مسألة 16 _ لا یتعدد المهر بتعدد الوطی.................................................... 80

مسألة 17 _ التزویج بالمرأة الزانیة.......................................................... 82

مسألة 18 _ لو زنت الزوجة لم تحرم........................................................ 96

مسألة 19 _ إذا زنی بذات البعل.............................................................. 101

مسألة 20 _ لو شک فی کونها فی العدة...................................................... 107

مسألة 21 _ من أوقب غلاما.................................................................. 109

فصل فی المحرمات الأبدیة

121 _ 123

فصل فی المحرمات بالمصاهرة

125 _ 275

مسألة 1 _ حرمة زوجة کل من الأب والابن............................................... 129

مسألة 2 _ تحرم مملوکة أحدها بالدخول..................................................... 136

مسألة 3 _ حرمة أم الزوجة وبنتها........................................................... 139

مسألة 4 _ أقسام الدخول....................................................................... 149

مسألة 5 _ عدم جواز وطی مملوکة الأب والابن........................................... 152

مسألة 6 _ تقویم الأب مملوکة الإبن......................................................... 154

مسألة 7 _ زنا الابن بمملوکة الأب........................................................... 157

ص:424

مسألة 8 _ وطی أحدهما مملوکة الآخر...................................................... 158

مسألة 9 _ النکاح علی العمة والخالة......................................................... 160

مسألة 10 _ الجمع بین العمة والخالة........................................................ 164

مسألة 11 _ حکم اقتران العقدین.............................................................. 166

مسألة 12 _ عدم الفرق بین المسلمتین والکافرتین.......................................... 167

مسألة 13 _ عدم الفرق فی العالی والدانی................................................... 168

مسألة 4 _ هل یکفی الرضا الباطنی.......................................................... 169

مسألة 15 _ لو أذنت ثم رجعت............................................................... 170

مسألة 16 _ لو رجعت عن الإذن بعد العقد.................................................. 171

مسألة 17 _ الظاهر کفایة إذنهما.............................................................. 172

مسألة 18 _ إعتبار إذنهما من باب الحکم الشرعی......................................... 174

مسألة 19 _ إذا شرط فی عقدهما إذنهما..................................................... 175

مسألة 20 _ إذا أجازتا بعد الزواج............................................................ 177

مسألة 21 _ لو شک فی سبق عقد أحدهما.................................................... 180

مسألة 22 _ إذا ادعتا عدم الإذن.............................................................. 181

مسألة 23 _ لو تزوج ثم شک فی الإذن...................................................... 183

مسألة 24 _ لو حصل بنتیة الأخ أو الأخت بعد التزویج.................................. 184

مسألة 25 _ لو طلق طلاقا رجعیا............................................................ 185

مسألة 26 _ لو طلق طلاقا خلعیا............................................................. 186

مسألة 27 _ هل یجری الحکم فی المملوکتین............................................... 188

مسألة 28 _ الزنا الطارئ علی التزویج..................................................... 189

مسألة 29 _ لو زنی بمملوکة أبیه............................................................ 205

ص:425

مسألة 30 _ عدم الفرق فی الزنا بین القبل والدبر.......................................... 207

مسألة 31 _ لو شک فی تحقق الزنا........................................................... 208

مسألة 32 _ لو علم بأنه زنی بإحداهما....................................................... 209

مسألة 33 _ عدم الفرق بین الاختیار والاجبار فی الزنا.................................... 210

مسألة 34 _ لو طلق الزوجة بعد الزنا....................................................... 212

مسألة 35 _ لو زوجه فضولا ثم زنی بأمها................................................. 214

مسألة 36 _ منظورة ومملوسة الأب......................................................... 215

مسألة 37 _ المرأة المملوکة................................................................... 217

مسألة 38 _ النظر واللمس بشهوة............................................................ 222

مسألة 39 _ یحرم الجمع بین الأختین........................................................ 223

مسألة 40 _ لو تزوج أختا وملک أختا........................................................ 229

مسألة 41 _ وطی إحدی الأختین............................................................. 231

مسألة 42 _ لو تزوج بأخت ثانیة بعد الزواج بالأولی..................................... 234

مسألة 43 _ لو تزوج الأختین................................................................ 238

مسألة 44 _ لو اقترن عقد الأختین........................................................... 250

مسألة 45 _ لو وطأ إحدی الأختین المملوکتین............................................. 255

مسألة 46 _ فروع الجمع بین الأختین....................................................... 257

مسألة 47 _ لو کانت الأختان من الزنا....................................................... 259

مسألة 48 _ إذا طلق الأخت رجعیا........................................................... 263

مسألة 49 _ إذا زنی بإحدی الأختین......................................................... 267

مسألة 50 _ جواز الجمع بین فاطمیتین...................................................... 269

مسألة 51 _ 57 _ مسائل فی تزویج الأمة................................................... 274

ص:426

فصل فی نکاح الإماء

277 _ 279

فصل فی نکاح العبید

281 _ 292

فصل فی الطوارئ

293 _ 296

فصل فی العقد وأحکامه

297 _ 370

مسألة 1 _ اشتراط الصیغة فی النکاح........................................................ 297

مسألة 2 _ کفایة الإشارة للأخرس............................................................ 316

مسألة 3 _ عدم کفایة الکتابة................................................................... 317

مسألة 4 _ عدم وجوب التطابق فی الألفاظ.................................................. 318

مسألة 5 _ کفایة قول: نعم..................................................................... 319

مسألة 6 _ اللحن فی الصیغة.................................................................. 321

مسألة 7 _ قصد الإنشاء فی الصیغة.......................................................... 322

مسألة 8 _ عدم اشتراط معرفة الفعل والفاعل فی المجری................................ 323

مسألة 9 _ الموالاة بین الإیجاب والقبول.................................................... 324

مسألة 10 _ إتحاد مجلس الإیجاب والقبول.................................................. 326

مسألة 11 _ التنجیز فی النکاح................................................................ 328

ص:427

مسألة 12 _ العقد المخالف للاحتیاط......................................................... 333

مسألة 13 _ العاقد یجب کماله................................................................ 335

مسألة 14 _ لا بأس بعقد السفیه............................................................... 345

مسألة 15 _ عدم اشتراط الذکورة للعاقد..................................................... 346

مسألة 16 _ بقاء المتعاقدین علی الأهلیة..................................................... 348

مسألة 17 _ یشترط تعیین الزوج والزوجة................................................. 352

مسألة 18 _ اختلاف الاسم والوصف........................................................ 357

مسألة 19 _ صور اختلاف الزوجین........................................................ 359

مسألة 20 _ لا یصح نکاح الحمل وانکاحه.................................................. 366

مسألة 21 _ لا یشترط علم کل من الزوجین بأوصاف الآخر............................. 369

فصل فی مسائل متفرقة

371 _ 421

مسألة 1 _ عدم اشتراط الخیار فی النکاح.................................................... 371

مسألة 2 _ لو ادعی أحدهما الزوجیة وصدقه الآخر........................................ 377

مسألة 3 _ لو تزوج امرأة تدعی خلوها...................................................... 386

مسألة 4 _ هل یجوز التزویج قبل تمام الدعوی............................................ 395

مسألة 5 _ لو ادعت أخت الزوجة: أنها زوجة الرجل...................................... 399

مسألة 6 _ لو اشتری العبد زوجته المملوکة................................................ 409

مسألة 7 _ إذا ادعت المرأة أنها خلیة......................................................... 412

مسألة 8 _ إذا ادعت المرأة أنها خلیة ثم ادعت خلافه...................................... 418

مسألة 9 _ لا تجوز المقاربة إلاّ بعد العلم بالعقد............................................. 419

ص:428

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.