موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی المجلد 58

اشارة

سرشناسه : حسینی شیرازی، محمد

عنوان و نام پدیدآور : الفقه : موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی/ المولف محمد الحسینی الشیرازی

مشخصات نشر : [قم]: موسسه الفکر الاسلامی، 1407ق. = - 1366.

شابک : 4000ریال(هرجلد)

یادداشت : افست از روی چاپ: لبنان، دارالعلوم

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : اخلاق اسلامی

موضوع : مستحب (فقه) -- احادیث

موضوع : مسلمانان -- آداب و رسوم -- احادیث

رده بندی کنگره : BP183/5/ح5ف76 1370

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 70-5515

ص:1

اشارة

ص:2

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

آیة الله العظمی

السید محمد الحسینی الشیرازی

دام ظله

کتاب الإجارة

الجزء الثانی

دار العلوم

بیروت لبنان

ص:3

الطبعة الثانیة

1409 ه_ _ 1988م

مُنقّحة ومصحّحة مع تخریج المصادر

دار العلوم _ طباعة. نشر. توزیع

العنوان: حارة حریک، بئر العبد، مقابل البنک اللبنانی الفرنسی

بیروت لبنان

ص:4

کتاب الإجارة

اشارة

کتاب الإجارة

الجزء الثانی

ص:5

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:6

مسألة ١ إیجار المستأجر العین من آخر

(مسألة 1): یجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة وما بمعناها أن یؤجر العین المستأجرة

(مسألة 1): {یجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة وما بمعناها} کاشتراط عدم الإیجار للغیر أو عدم التسلیم إلی الغیر، فإنه لیس اشتراط المباشرة بل یمکن تحقّق هذا الشرط بدون المباشرة، بأن یبقی العین المستأجرة فارغة، {أن یؤجّر العین المستأجرة} لأنّ الإجارة تقتضی نقل المنفعة إلی المستأجر فهی ملکه یحقّ له أن ینقلها إلی غیره بإجارة أو صلح أو غیر ذلک.

وقد تقدم فی الفصل المسائل المرتبطة بهذا المبحث، وإنما الکلام هنا فی مسألة أخری، وهی أنه هل یحقّ له أن یؤجّر بالأکثر أو لا، والمصنّف علی أنه یحقّ له بأن یؤجّر بالأکثر مطلقاً إلاّ فی البیت والدار والدکان والأجیر، وذلک فی موردین من صور إجارتها:

الأول: إجارة الکل بجنس الأجرة السابقة ولم یحدث المستأجر فی العین حدثاً.

الثانی: إجارة البعض بجنس الأجرة السابقة ولم یحدث المستأجر فی العین حدثاً.

وعلی هذا:

1 _ فالإجارة بالأکثر فی غیر الموارد الأربعة.

2 _ وبالمساوی فی الأربعة.

ص:7

بأقل مما استأجر وبالمساوی له مطلقاً، أی شیء کانت، بل بأکثر منه أیضاً إذا أحدث فیها حدثاً

3 _ وبالأقل فی الأربعة.

4 _ وبالأکثر إذا حدث فیه حدثاً.

5 _ وبالأکثر إذا لم یکن من جنس الأجرة.

کلّها جائزة.

وتفصیل الکلام فی ذلک: إنه یجوز أن یؤجّر العین المستأجرة {بأقلّ مما استأجر} مطلقاً {وبالمساوی له مطلقاً، أی شیء کانت} العین المستأجرة، وذلک بلا خلاف ولا إشکال، ویدل علیه النصوص الخاصة الآتیة، والنصوص العامة فی مطلق الإجارة، والإجماع المدّعی فی کلامهم {بل بأکثر منه أیضاً إذا حدث فیها حدثاً} بلا إشکال ولا خلاف، ویدل علیه النص والإجماع، بل فی الجواهر: الإجماع بقسمیه علیه.

فمن النصوص:

صحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): فی الرجل یستأجر الدار ثم یؤاجرها بأکثر ممّا استأجرها، قال: «لا یصلح ذلک إلاّ أن یحدث فیها شیئاً»((1)).

وظاهر «لا یصلح» الحرمة إلاّ إذا کانت هناک قرینة صارفة إلی الکراهة، فإنّ ما لا یصلح معناه الفساد.

ص:8


1- الوسائل: ج13 ص263 الباب 22 من أبواب الإجارة ح4

بل ومثله صحیحه الآخر، عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: «لو أنّ رجلاً استأجر داراً بعشرة دارهم فسکن ثلثیها وأجّر ثلثها بعشرة دارهم لم یکن به بأس، ولا یؤاجرها بأکثر مما استأجرها به إلاّ أن یحدث فیها شیئاً»((1)).

وروایة دعائم الإسلام، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، أنه سئل عن الدار یکتریها الرجل ثم یستأجرها منه غیره بأکثر، قال: «لا، إلاّ أن یحدث فیها شیئاً، وإن اکتری بعضها بمثل ما استأجرها وسکن البعض فلا بأس»((2)).

ثم الظاهر أنّ الحکم تبعّد محض، وإن کان ربّما یعلّل بأنّ الشارع لم یرد أن یأخذ الإنسان زیادة علی ما دفع بدون أی عمل، وهذا وإن کان حاصلاً فیما إذا سکن البعض إلاّ أنّ ذلک استثنی من جهة أنّ الذی یسکن غالباً محتاج، فروعی فیه ذلک لاحتیاجه، إلاّ أنّ التعلیل لا یخلو من إشکال، إذ إجازة الشارع الزیادة بغیر الجنس وبصورة الإحداث مضافاً إلی صحة حق العمل فی کلّ الموارد، إلی غیر ذلک من النقوض مما ینافی هذا التعلیل.

ص:9


1- الوسائل: ج13 ص263 الباب 22 من أبواب الإجارة ح3
2- المستدرک: ج2 ص509 الباب 10 من أبواب الإجارة ح1

بقی فی المقام أمر هو:

أن الظاهر أنّ المراد بإحداث حدث کلّما یقال له فی العرف حدث، کالصبغ والبناء وتغییر بعض المرافق والأبواب، أو زیادة غرفة، أو نقیصة غرفة مثلاً، أو غیر ذلک.

ولو شک فی شیء أنه یقال له حدث أم لا، فالأصل العدم، کما أنه لو حدث فیه حدثاً ثم غیر الحادث إلی حالته السابقة، فهل یبقی الحکم بجواز الإجارة بالأکثر أم لا، احتمالان، من استصحاب حالة الإحداث، بل یصدق حقیقة أنه أحدث حدثاً، ومن أن المنصرف إلیه أنّ الحدث یکون باقیاً.

ثم لو حدث فیه الحدث من دون أن یکون للمستأجر مدخلیة فی الإحداث، کما لو أطاحت الریح بعض جدرانها أو ما أشبه ذلک، فالأصل عدم الجواز، لظهور الفعل فی الإرادة، سواء کان مباشرةً أو تسبیباً، ولیس أحدهما فی مورد الریح ونحوها.

کما أنّ الظاهر أنّ زیاد القیمة السوقیة لا توجب جواز الزیادة بدون إحداث الحدث، کما إذا استأجرها بمائة حین تساوی الدار ذلک، والحال أنه استأجرها بتسعین، لم یجز ذلک.

وإن کان ربّما یقال بأنّ المنصرف من النص غیر مثل هذه

ص:10

الحالة، أما إذا ضم ضمیمة إلی العین المستأجرة وأجّرها بالأکثر وإن کانت تلک الضمیمة داراً أخری، کما إذا استأجر دار بعشرة وأخری بعشرین وآجرهما صفقة بأربعین فالظاهر أنه لیس به بأس.

وإن کان ربما یقال إنه لو کانت الضمیمة مثل الدار لم یجز، لصدق أنه أجّرها بأکثر.

ثم إنه لا فرق فی عدم الجواز أن یؤجر الدار بالأکثر مرة واحدة أو مرات عدیدة، کأن یؤجّر غرفة لهذا وغرفة لذاک وغرفة لثالث بما یکون مجموع الأجرة أکثر من مجموع الأجرة التی استأجرها بها.

وإن کان ربما یحتمل خروج هذه الصورة، لانصراف الدلیل إلی أجرة الکل، ویؤیده صحة إجارة بعض الدار بقدر مجموع الأجرة فیما إذا سکن بعضها، فإذا صحّ ثم بدا له أن یخرج من الدار لیؤجّر الباقی بشیء آخر لم یکن وجه للبطلان بعد شمول إطلاقات الأدلة له، وإن شک فی شمول النص لهذه الصورة فأصالة صحة الإجارة محکمة.

ثم الظاهر أنه إذا لم یحدث فیها حدثاً لم تصح الإجارة بأکثر، وإن أحدث بعد الإجارة حدثاً، لأنّ ظاهر النص والفتوی کون الإحداث قبل الإجارة.

نعم ویحتمل الصحة فیما إذا کانت أول مدة الإجارة منفصلة

ص:11

من زمن الإیجار وأحدث فیها حدثاً قبل التسلیم، کما إذا أجّر الدار بمائة من أول شهر رمضان وکانت الإیجار فی أول شعبان، وأحدث فیها حدثاً فی النصف من شعبان، لکن مع ذلک لا یخلو من إشکال.

ثم الظاهر أنّ الحکم خاص بالإجارة، فلا یجری فی الصلح والهبة المعوضة ونحوهما، لأصالة الصحة وعدم القطع بالمناط، وإن أشکل فیه صاحب الجواهر مثلاً، لا بإطلاق حرمة الفضل فی الروایات الآتیة، مع أنه اعترف بأنّ ظاهر الأصحاب اختصاص الحکم بالإجارة.

ثم إنّه هل تشمل الإجارة الشرط الموجب للزیادة، کما إذا استأجر الدار بتسعین وأجّرها بتسعین بشرط أن یهبه عشرة أو أن یعطیه إیاه، أم لا، احتمالان.

ظاهر الأصحاب کما فی الجواهر: عدم الإشکال.

ویحتمل الإشکال من جهة أنه هو الإجارة فی الواقع وإن تغیر صورة الأجرة، فتأمّل.

بقی الکلام فی أنه هل من الإجارة بالأکثر صورة ما إذا مضی بعض الزمان علی الإجار الأولی ثم أجّر بنفس الأجرة، کما إذا استأجر الدار من أول رمضان إلی سنة بمائة، ثم أجّرها من أول شوال إلی أحد عشر شهراً بمائة، حیث إنه زیادة فی الأجرة، أم لیس من الإجارة بالأکثر لانصراف الدلیل إلی زیادة الأجرة،

ص:12

خصوصاً وأنّ الغالب أنّ المستأجر الأول یؤجّر بالزیادة أو نحوها بعد مضی زمان ولو یوم من وقت الإجارة الأولی، الظاهر الثانی، ولو شک فالأصل الصحة، للشک فی شمول المخصص له بعد شمول إطلاقات الإجارة لمثله.

والظاهر أنّ الحکم لیس خاصّاً بالمستأجر، بل هو کذلک فی وارثه، فلو استأجر الدار زید بمائة ثم مات وورثه عمرو لم یحقّ له أن یؤجرها بأکثر، لأنّ المنصرف کون المحذور إجارة الدار بأکثر، سواء صدرت الإجارة من المستأجر أو وکیله أو ولیه أو وارثه، أو أجرها الفضولی کذلک ثم أجاز المستأجر.

ثم إنه لا یشمل الحکم إذا وهب له هبة معوضة أو صالح هو ثم أراد الإیجار، لأنّ النص والفتوی فی مورد أن کان استأجرها هو.

ثم لو جهل المستأجر حرمة ذلک وأجّر بالزیادة ثم التفت لم یکن له إلاّ أجرة المثل، کما فی کل مورد تبطل الإجارة، ولا یضرّ حینئذ زیادة أجرة المثل عن أجرة الأصل، لأنّها لیست بعنوان الإجارة، فحاله حال ما إذا غصبه غاصب حیث یجب علیه إعطاؤه بدله وإن کان البدل أکثر من أجرة المثل.

والظاهر أنه لا تصحّ الإجارة بالأکثر بالإجارة زمانین بما مجموعهما أکثر، مثلاً استأجر دار بمائة لمدة سنة ثم أجّرها لمدة ستة أشهر بستّین، ولمدة ستة أشهر بمبلغ خمسین لصدق الدلیل.

ص:13

أو کانت الأجرة من غیر جنس الأجرة السابقة

نعم اللازم القول ببطلان ما کانت الزیادة بالنبسة إلیه کالستین فی المثال لا مطلقاً، لأنه لا وجه لبطلان الخمسین.

ثم إنّ بعض أقسام إحداث الحدث واضح، کما إذا عمّر فی الدار غرفة أخری أو صبغها، کما أنّ بعضها لا یعدّ إحداثاً عرفاً، کما إذا نظّف الدار بالکنس، وبعضها مشکوک فیه، کما إذا خطّط علی القماس لتحدید مواضع الفصل والإلصاق، وحینئذ فالمرجع أصالة عدم کونه إحداثاً للحدث.

{أو کانت الأجرة من غیر جنس الأجرة السابقة} کما عن جماعة کثیرة التصریح به کذا فی المستمسک، فی الجواهر: دعوی الإجماع المحکی علیه إن لم یکن المحصل.

وقد استدل له: بأنّ الظاهر من (الأکثر) الممنوع فی الروایات، الأکثر فی الجنس لا الأکثر فی المالیة والقیمة، لا أقل من عدم ظهور لفظ (الأکثر) فی العموم، فإذا شک فی أنّ الخاص الذی هو المنع عن الأکثر فی القیمة فالأصل الرجوع إلی العام، کما قرّر فی الأصول، ویؤید ذلک المثال بعشرة دارهم فی النص السابق، وکذلک کلمة المثل فی خبر الدعائم، وغیر ذلک من الشواهد الأخر.

أمّا ما استدل به الجواهر من أنّ سبب المنع الرّبا المعلوم انتفاه فی الفرض، فلم نعرف وجهه بعد أن لم یکن رباً

ص:14

إصطلاحیاً ولا قامت حجة علی أنّ المنع لأجل رباً من نوع آخر، فهو اجتهاد محض لا یصحّ أن یکون مستنداً للحکم.

ولو استأجر الدار بعشرة، ثم أجّرها بعشرة ومنّ من الحنطة، کان ذلک من الزیادة، ولا ینافی ذلک ما استظهرناه من أنّ المراد وحدة الجنس، لأنّ وحدة الجنس فی أصل القیمة لا فی الزیادة کما هو المنصرف.

نعم لو أجّرها بتسعة ومنّ من الحنطة یساوی درهمین مثلاً لم یکن به بأس، لأنّه لا یصدق بالأکثر، لعدم توفّر أصل الأجرة.

وکذا الظاهر أنّ الجنس هنا الجنس الواحد، فالحنطة والشعیر هنا جنسان لا مثل باب الرّبا، فلو استأجرها بمنّ حنطة وأجرّها بمنین من الشعیر لم یکن به بأس، لعدم صدق الأکثر، ومجّرد کثرة الوزن لا یوجب صدق الأکثر إلاّ بضرب من التجرید والمجاز، أی بأن یجرّد الجنسان عن الفصول ویلاحظ فیهما أصل الوزن، وهو خلاف المنصرف من (الأکثر) لا یصار إلیه إلاّ بالقرینة.

ثم إنّ الأکثریة فی النقود بالوحدات لا بالأوزان، إلاّ إذا کان وزن النقد معتبراً حسب اعتبار المعتبر، مثلاً إذا استأجرها بمائة دینار کان (الأکثر) مائة وخمسة دنانیر، وإن کان وزن المائة والخمسة أقل من وزن المائة حسب الإجارة، حیث جعل الأجرة فی الإیجار: النقود ذوی الفئات الأقل وزناً.

ص:15

کما لو کانت الإجارة أولاً بالدنانیر المفردة وثانیاً بالخمسات أو العشرات مثلاً.

وهل أنّ النقد کلّها من جنس واحد کالدینار الورقی والخمسون فلساً النیکلی والعشرة أفلاس النحاس، فإذا استأجرها بالأوراق لم یحقّ له أن یؤجّرها بالأکثر وإن دفع النیکل أو النحاس.

أو أنّ کلّ قسم من جنس فلا یحقّ له أن یؤجّرها بالأکثر ورقاً، فلا مانع من الأکثر نیکلاً أو نحاساً، احتمالان، وإن کان الظاهر الأول، لصدق الأکثر عرفاً، فإنّ المتعارف فی النقود التجرید عن الخصوصیات إلاّ المالیة المشترکة بین مختلف فئاتها، وقد عرفت أنّ مبحث الرّبا یرتبط بهذا المبحث، فلکل باب حکمه بمقتضی فهم العرف.

ومنه یظهر وحدة کافة النقود أیضاً وإن کانت مختلفة حسب الأقطار، فالتومان والدینار والمارک واللیرة والجنیه والدولار وغیرها وحدة واحدة، فإذا استأجرها بالدینار لا یحقّ له أن یؤجّرها بالأکثر وإن جعل الأجرة توماناً، وذلک لصدق الأکثر عرفاً.

ثم هل الأصل والفرع جنس واحد، کالغنم الحی واللحم، والحلیب والجبن، والحنطة والخبز، أم جنسان، لعل الأقرب أنها جنسان فی المقام، لأنّ العرف لا یقول هذا الغنم أکثر من هذا اللحم إلاّ بالتجرید.

نعم ربّما یشکل ذلک فی مثل الماء والثلج، ومع الشک فی

ص:16

بل مع عدم الشرطین أیضاً فیما عدا البیت والدار والدکان والأجیر

صدق الأکثر عرفاً، المرجع الجواز، للشک فی التخصیص کما عرفت.

وممّا تقدم یعرف حال الفرعین من أصل واحد کالخبز والدهن، لأنها جنسان عرفاً، فلا یصدق الأکثر إلاّ بالتجرید.

وهنا فروع أخر تعرف حکمها ممّا تقدم.

{بل مع عدم الشرطین أیضاً فیما عدا البیت والدار والدکان والأجیر} وذلک لاختصاص أدلة المنع السالمة عن المعارض الأقوی بهذه الأربعة، وهذا هو الذی ذهب إلیه المشهور، حیث فصّلوا فی المسألة، فمنعوا فی هذه الأربعة وأجازوا فی غیرها.

والمخالف فی المسألة جماعة:

الأول: من عمّم التحریم لجمیع الأعیان المستأجرة، وهو المحکی عن المرتضی والحلبی والشیخین وابن الجنید والصدوق وابن البراج وسلار، حکاه الجواهر عن المختلف قال: وإن کان فیه ما فیه.

الثانی: إلحاق الرحی والسفینة بالأربعة، کما فی الوسائل.

الثالث: القول بالکراهة مطلقاً فی الأربعة وغیرها، کما عن اختیار العلاّمة فی المختلف حاکیاً له عن والده والدیلمی فی رسالته والمفید، واختاره الکرکی وثانی الشهیدین وغیرهم، إلاّ مع الاستثناءین، کما فی الجواهر.

ص:17

وأما فیها فإشکال، فلا یترک الاحتیاط بترک إجارتها بالأکثر،

الرابع: تقیید الحکم بما إذا کان رأس المال ربویاً، کما عن ابن الجنید.

وهناک أقوال أخر تظهر من خلال کلماتهم.

ثم إنّ المصنّف لم یفت بالتحریم فی الأربعة بل قال: {وأمّا فیها فإشکال، فلا یترک الاحتیاط بترک إجارتها بالأکثر} خلافاً لجماعة من المعلّقین کالسادة ابن العم والبروجردی والأصطهباناتی وغیرهم، حیث أفتوا بالتحریم.

وکأنّ تردّده لأجل ما استدل به فی دلیل القول بالکراهة ممّا سیأتی.

وکیف کان، فیدل علی التحریم فی الأربعة جملة من النصوص:

کخبر أبی الربیع المرویّ فی الکتب الأربعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یتقبّل الأرض من الدهاقین ثم یؤاجرها بأکثر ممّا تقبّلها به ویقوم فیها بحظ السلطان، فقال: «لا بأس به، إنّ الأرض لیست مثل الأجیر ولا مثل البیت، إنّ فضل الأجیر والبیت حرام»((1)).

وخبر أبی المعز المروی فی الکتب الثلاثة دون الفقیه، ورواه المقنع أیضاً، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یؤاجر الأرض ثم یؤاجرها بأکثر ممّا استأجرها، قال: «لا بأس، إن هذا

ص:18


1- الوسائل: ج13 ص259 الباب 20 فی أحکام الإجارة ح2

لیس کالحانوت ولا الأجیر، إن فضل الحانوت والأجیر حرام»((1)).

وروایة إبراهیم بن میمون، عن إبراهیم بن المثنی، المرویة فی الکتب الثلاثة أیضاً، سأل أبا عبد الله (علیه السلام) وهو یسمع عن الأرض یستأجرها الرجل ثم یؤاجرها بأکثر من ذلک، قال: «لیس به بأس، إنّ الأرض لیست بمنزلة الأجیر والبیت، إن فضل البیت حرام وفضل الأجیر حرام»((2)).

وروایة أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره، عن ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یستأجر أرضاً فیؤاجرها بأکثر من ذلک، قال: «لیس به بأس، إن الأرض لیست بمنزلة البیت والأجیر، إن فضل البیت والأجیر حرام»((3)).

وقد تقدّم روایات الحلبی والدعائم، کما سیأتی ما یدل علی بعض المقصود أیضاً.

أما الأقوال الأخر فقد استدلّ القائل بالتحریم فی الکل: بأنّ المذکورات فی هذه الروایات کروایة السفینة والرحی،

ص:19


1- المقنع: ص33 السطر 4
2- الوسائل: ج13 ص260 الباب 20 فی أحکام الإجارة ح5
3- مستدرک الوسائل: ج2 ص509 الباب 11 من باب الإجارة ح1

والأرض، وهی من باب المثال، فاللازم التعدّی إلی سائر الأعیان، لوحدة المناط.

وفیه: إنّ النص بنفسه فرّق بین الأرض وغیرها، فکیف یقال بأنّه من باب المثال، مضافاً إلی أنه لا علم بالمناط حتی یتعدّی.

واستدلّ القائل بإلحاق الرحی والسفینة بالأربعة، ببعض النصوص:

کروایة سلیمان بن خالد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إنّی لأکره أن استأجر الرحی وحدها ثم أؤجّرها بأکثر ممّا استأجرتها، إلاّ أن أحدث فیها حدثاً أو أغرم فیها غرماً».

ونحوه خبر أبی بصیر عنه (علیه السلام) ((1)).

وخبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام): «إنّ أباه کان یقول: لا بأس أن یستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفینة ثم یؤاجرها بأکثر ممّا استأجرها به، إذا أصلح فیها شیئاً»((2)).

وهذه الأخبار _ بالإضافة إلی ضعف السند فی الجملة کما

ص:20


1- الوسائل: ج3 ص259 الباب 20 فی أحکام الإجارة ح1. والتهذیب ج7 ص204 باب 19 فی المزارعة ح46
2- الوسائل: ج13 ص263 الباب 22 فی أحکام الإجارة ح2

بل الأحوط إلحاق الرحی والسفینة بها أیضاً فی ذلک

اعترف به فی الجواهر، وعدم ذهاب المشهور بل إعراضهم إلاّ من المعلّم للتحریم مطلقاً _ لا دلالة فیها، إذ الکراهة أعمّ من الحرمة کما إن البأس المفهوم من خبر إسحاق أعم من الحرمة، وقرینیة ذکر الدار لیست بأولی من قرینیة ذکر الأرض، وستأتی الکراهة فیها لا التحریم.

وعلی هذا، فلا وجه لتوقّف المصنّف فی المسألة حیث قال: {بل الأحوط إلحاق الرحی والسفینة بها أیضاً فی ذلک}، نعم لا بأس بالاحتیاط الاستحبابی.

أمّا القائلون بالکراهة فی الکل، فقد استدلوا بأصالة الجواز، بعد تعارض النصوص الموجب لحملها علی الکراهة، فأنهم جعلوا کل الأعیان بمنزلة واحدة، وحیث ذکر فی بعض النصوص الکراهة کنص الرحی، وذکر فی بعض الجواز کنص الأرض، قالوا بالکراهة فی الکل، ولعلّ توقّف المصنّف فی المسألة من هذه الجهة.

لکن الإنصاف أنّه لا وجه لذلک بعد ما عرفت فی التفصیل فی الروایات بین الأرض وغیرها، وعدم صلاحیة روایة الرحی للقرینة.

أمّا ابن الجنید الذی خصص عدم التحریم بما إذا کانت الأجرة ربویة، فکأنه لم یجد وجهاً للتحریم إلاّ کونه رباً، وإن لم یکن کالربّا المعهود.

وربّما یستدل له بجملة من الروایات:

کخبر الحلبی: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أتقبّل الأرض

ص:21

بالثلث والربع فأقبّلها بالنصف، قال: «لا بأس به»، قلت: فأتقبلها بألف درهم فأقبلها بألفین، قال: «لا یجوز». قلت: لم، قال: «لأنّ هذا مضمون وذلک غیر مضمون»((1)).

وخبر إسحاق بن عمّار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا تقبّلت أرضاً بذهب أو فضة فلا تقبّلها بأکثر ممّا تقبلتها به، وإن تقبلتها بالنصف والثلث فلک أن تقبّلها بأکثر ممّا تقبّلتها، لأنّ الذهب والفضة مضمونان»((2)).

ونحوه خبر أبی بصیر، لکن فیه: «مصمتان»، بدل «مضمونان»((3)).

وخبر النوادر، عن ابن مسلم، عن الصادق (علیه السلام) قال: «لا یؤاجر الأرض بالحنطة والشعیر» إلی أن قال: «وإن استأجرها بالذهب والفضة فلا یؤاجرها بأکثر، لأنّ الذهب والفضة مضمون، وهذا لیس بمضمون»((4)).

لکن هذه الروایات لا دلالة فیها، إذ موضوعها الأرض فقط، فالتعدّی عنها إلی غیرها لا وجه له، مضافا إلی أن الجنس الربوی لا یخصّ الذهب والفضة،

ص:22


1- الوسائل: ج13 ص260 الباب 21 فی أحکام الإجارة ح1
2- الوسائل: ج13 ص261 الباب 21 فی أحکام الإجارة ح2
3- الوسائل: ج13 ص262 الباب 21 فی أحکام الإجارة ح6
4- المستدرک: ج2 ص509 الباب 9 من کتاب الإجارة ح2

والأقوی جواز ذلک مع عدم الشرطین فی الأرض علی کراهة، وإن کان الأحوط الترک فیها أیضاً

مع أن الروایات خصّصت الأمر بهما، وأجازت الأکثر فیما دونهما.

أما المراد بهذه الروایات، فقد قال الجواهر: (إنّ أحسن شیء یقال فیها: إنّ المراد الفرق بین المزارعة والإجارة، وکنّی عن الثانیة بالضمان باعتبار وجوب الأجرة فیها علی کلّ حال، بخلاف المزارعة، فإنّ أجرتها غیر مضمونة، ومن هنا جاز فیها الأکثر، سواء کانت مأخوذة بالإجارة أو المزارعة بخلاف الإجارة، فلا یکون حینئذ للذهب والفضة خصوصیة) انتهی.

وهو حسن، وإن کان هناک احتمال آخر فی الروایات المذکورة، وهو: إنّ شارع لم یرد تضرّر متقبّل الأرض، وذلک یتحقّق فیما إذا جعل فی مقابل الأرض مالاً خاصاً، أمّا إذا جعل ثلث الوارد ونحوه، فلا ضرر علی المتقبّل، وذکر الذهب والفضة من باب المثال، حیث إنّهما عملة المعاملة، وإلاّ فالحال کذلک إذا جعل فی مقابل الأرض کمیة خاصة من الحنطة کعشرة أطنان مثلاً.

{والأقوی جواز ذلک} أی الإیجار بالأکثر {مع عدم الشرطین من الأرض علی کراهة، وإن کان الأحوط الترک فیها أیضاً} وذلک لوجود طائفتین من الروایات، بعضها تجوز،

ص:23

وبعضها تمنع، فاللازم حمل المانع علی الکراهة جمعاً.

فمن الروایات المجوّزة ما تقدم من الروایات الأربع الدالة علی الجواز فی الأرض دون الحانوت ونحوه، وهی روایات أبی الربیع، وأبی المعزا، وإبراهیم، والنوادر.

أمّا الروایات المعارضة، فهی روایة إسماعیل بن فضل الهاشمی، حیث سأل الصادق (علیه السلام) عن الرجل استأجر أرضاً من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام معلوم فیؤاجرها قطعة قطعة أو جریباً بشیء معلوم، فیکون له فضل فیما استأجر من السلطان ولا ینفق شیئاً، أو یؤاجر تلک الأرض قطعاً علی أن یعطیهم البذر والنفقة فیکون له فی ذلک فضل علی إجارته وله تربة الأرض أو لیست له، فقال: «له إذا استأجرت أرضاً فأنفقت فیها شیئاً أو رمّمت فیها فلا بأس بما ذکرته»((1)).

وروایة إسحاق المتقدمة التی ذکر فیها «الدار والأرض والسفینة»((2)).

ومضمر سماعة، وفیه بعد أن سأله عن رجل اشتری مرعی بخمسین، قال (علیه السلام): «ولیس أن یبیعه بخمسین درهماً

ص:24


1- الوسائل: ج13 ص261 الباب 21 من أحکام الإجارة ح3 _4
2- الوسائل: ج13 ص263 الباب 22 من أحکام الإجارة ح2

ویرعی معهم، ولا بأکثر من خمسین ولا یرعی معهم، إلاّ أن یکون قد عمل فی المرعی عملاً، حفر بئراً، أو شق نهراً، أو تعنّی فیه برضی أصحاب المرعی، فلا بأس ببیعه بأکثر ممّا اشتراه، لأنه قد عمل فیه عملاً فبذلک یصلح له»((1))، بناءً علی حمله علی الإجارة، کما فهمه الکلینی وغیره بناءً علی ما ذکره صاحب الوسائل.

أمّا ما ذکره صاحب المستمسک تبعاً لما یشعر به إلماع الجواهر، من إیقاع التعارض بین روایتی أبی المعزا وإبراهیم بن میمون، وبین روایات الحلبی وأبی بصیر وإسحاق بن عمار التی ذکرناها فی دلیل ابن الجنید، قال: (فإنّ هذه الروایات مانعة عن الأجرة الزائدة إذا کانت مضمونة فی الذمة، أو أنها لا تقبل الزیادة والنقیصة، فتحمل المطلقات علیها، ولیس لهذه المقیدات معارض کی تسقط عن الحجیة).

ففیه: إنّ التفصیل فی الروایات المجوزة مانعة عن التقیید فیها، فلا بدّ من حمل ما ذکره المستمسک من الروایات المانعة علی ما تقدم عن الجواهر، وحمل الروایات المانعة التی ذکرناها علی الکراهة، کما صنعه المشهور، وهذا بالإضافة إلی الاضطراب فی الروایات المانعة کما لا یخفی.

ص:25


1- الوسائل: ج13 ص264 الباب 22 فی أحکام الإجارة ح6

بل الأحوط الترک فی مطلق الأعیان إلا مع إحداث حدث فیها.

نعم لا بأس بما ذکره المصنّف من الاحتیاط خروجاً عن خلاف المحرم کصاحب الوسائل وغیره.

ثم إنّ ما فی روایة إسماعیل من المنع من الإجارة بالأکثر مع اختلاف الجنس، إلاّ إذا غرم شیئاً أو أحدث حدثاً، محمول علی الکراهة، لعدم عامل به کما استظهره المستمسک.

{بل الأحوط الترک فی مطلق الأعیان إلاّ مع إحداث حدث فیها} إذا کانت الأجرة بجنس واحد، لا ما إذا کانت بجنسین، وکان اللازم ذکر الشرطین هنا، إذ لم یقل أحد بأن الأعیان أکثر تضییقاً من الأربعة.

والحاصل: الاحتیاط إلحاق مطلق الأعیان بالأربعة المذکورة خروجاً من خلاف من عمّم کما تقدّم، والاحتمال المناط.

بقی شیء، وهو: أنّ المصنّف ذکر جواز الإجارة بالأکثر فی صورة الإحداث فی الإربعة، فهل المراد الإحداث فی الأجیر أیضاً، أو الإحداث خاص بالثلاثة، ظاهر کلامهم العموم، فیکون الإحداث فی الأجیر أیضاً، ویمکن أن یمثل له بتعلیم الأجیر شیئاً، أو بمعنی أوسع من ذلک، بأن یشمل إحداث الحدث، فله تطییبه من المرض أو تنظیفه من الوسخ أو تجدید ثیابه مثلاً.

لکن النصوص خالیة عن ذلک بالنسبة إلی الأجیر، ولا وجه للتعدّی إلاّ المناط غیر المعلوم، فالقول بأنّ الأجیر إنّما یجوز

ص:26

إیجاره بالأکثر إذا خالف جنس الأجرة فقط أقرب، ولم أر من تعرّض لهذه الخصوصیة بالنص، لکن احتمال أن مرادهم فی الإحداث هو الثلاثة فقط إذ إحداث الحدث منصرف إلی الثلاثة.

وإذا قلنا بإحداث الحدث فیه فهل یشمل ذلک وطء الأمة الأجیرة التی یحلّ وطؤها بتحلیل مولاها، أو الاستمتاع بها، أو بغیرها من سائر النساء الأجیرات، احتمالان، وإن کان الأقرب العدم.

لأنّ الظاهر من النص والفتوی إحداث الحدث الموجب للصلاح، کما مثّل له فی بعض الروایات بشقّ النهر وما أشبه، فإحداث الحدث الذی لا أثر له، أو الذی له أثر فی الإفساد، کما أذا صبّ الماء فی بئر الدار ممّا لا یظهر له أثر أصلاً، أو إذا أفسد بعض غرف الدار، لا یوجب جواز الإیجار بالأکثر.

ثم إنّ المذکور فی الروایات هی الأربعة المذکورة فی المتن.

وتفصیل الکلام فی ذلک أنّ المراد بالبیت والدار شیء واحد، أو أنّ بینهما عموماً مطلقاً، وذلک لإطلاق البیت علی الدار وعلی الغرفة، فکل دار بیت، ولیس کل بیت دار، وهل البیت یشمل غیر البناء أمثال البیوت الخشبیة والشعریة کالخیام، الظاهر نعم، لا لإطلاق البیت علیها فی العرف، وکذلک الظاهر شمول البیت والدار لمثل الخانات والفنادق وما أشبه، فإنّ تغییر الاسم بملاحظة للتمییز لا یوجب تغییر الواقع.

ص:27

نعم لا یشمل البیت والدار لمثل المراحیض، والحمامات، والحدائق، وما أشبه.

ولو استأجره بیتاً، ثم أجّره مقهی، فهل یشمل الحکم المذکور له، وإذا عکس کأن استأجره مقهی ثم أجّره بیتاً، احتمالان، وإن کان لا یبعد العدم، لأنّ المنساق من النص والفتوی وحدة العنوان فی الاستئجار والإیجار.

نعم لو استأجره بیتاً ثم أجّره دکاناً أو بالعکس، احتمل انسحاب الحکم إلیه علی تأمّل.

والظاهر أنّ سرداب البیت وسطحه أیضاً محکوم بذلک، فإذا استأجر سرداب البیت للسکنی ثم أجّره بأکثر لم یصحّ، لصدق البیت علیه.

ولا فرق فی تحریم الأکثر إلاّ مع أحد الشرطین، أن یکون القصد من الاستئجار سکناه أولاً ثم تبدّل رأیه إلی الإیجار، أو کان قصده الاتّجار من الأول کالسماسرة الذین یستأجرون البیوت ثم یؤجّرونها بالأکثر أو ما أشبه.

وشقق العمارات التی تستأجر للسکنی حالها حال البیت، وإن لم تستأجر للسکنی بل المستودع وما أشبه، فهل ینسحب الحکم إلیها، احتمالان: من انصراف النص والفتوی إلی البیوت السکن، ومن صدق البیت علیها حقیقة.

وبیت الخلاء لیس بیتاً فی المقام، والاسم نوع من المجاز.

والبیوت التی تنقل کالبیوت التی تضنع الآن وکالبیوت الخشبیة التی تصنع فی البحر للسکنی فی البلاد التی تضیق

ص:28

أراضیها بواسطة البحر، محکوم بحکم المقام، لأنها بیت حقیقة.

ولیس من البیوت المطاعم والمطابع والمصانع والمعامل وما أشبه، لعدم الصدق.

وممّا تقدم تعرف حکم الفنادق التی یستأجرها بعض الناس لإیجار غرفها، فالاحتیاط أن یحدث فیها حدثاً ولو جزئیاً إذا کان یؤجّر الفندق مجموعاً بأکثر، ولو کان الإیجار لغرفة غرفة کما هو المتعارف.

ولکن ربّما یقال: إنّ الظاهر من الروایة الآتیة فی مسألة إجارة البعض، أنّ المحظور هو إجارة البعض بأکثر من أجرة الکل، أمّا إجارة کل بعض بما یوجب کون إجارة المجموع أکثر من مال الإجارة الذی استأجرها المستأجر الأول به فلا بأس، وهذا لیس ببعید، هذا کله فی البیت والدار.

أمّا الحانوت، فالظاهر شموله لکلّ بناء ثابت، سواء کان بناءً من مواد البناء، أو الخشب، أو من الشعر ونحوه فی حوانیت أهل الأریاف أو ما أشبه.

نعم فی شموله لعربیات الناقلة، کما هو المتعارف فی البائعین الجوّالین، إشکال، وإن کان الاحتیاط ذلک کالبیوت المتحرکة، وإن کان فی صدق الحانوت علی المتحرکة خفاء دون البیوت المتحرکة الذی لا یبعد الصدق العرفی علیها.

ص:29

هذا وکذا لا یجوز أن یؤجر بعض أحد الأربعة المذکورة بأزید من الأجرة، کما إذا استأجر داراً بعشرة دنانیر وسکن بعضها وآجر البعض الآخر بأزید من العشرة فإنه لا یجوز بدون إحداث حدث.

نعم لا إشکال فی عدم صدق الحانوت علی الدابّة المحمّلة بالحاجیات التی تدور فی القری والأریاف، کما لا إشکال فی عدم صدقه علی الباسط الذی یعتاد بعض الضعفاء استخدامه فی حواشی الطرقات.

وفی المقام فروع کثیرة نکتفی منها بهذا القدر.

{هذا} بعض الکلام فی إجارة المذکورات.

{وکذا لا یجوز أن یؤجّر بعض أحد الأربعة المذکورة بأزید من الأجرة} أی مع اتّحاد الجنس، وإنّما نقیده بهذا القید لوحدة الدلیل فی إجارة الکل وإجارة البعض فی أنّ الظاهر من الأکثر أکثر جنساً واحداً لا ما إذا کان جنسین، کما صرّح بذلک الشرائع وغیره.

{کما إذا استأجر داراً بعشرة دنانیر وسکن بعضها وأجّر البعض الآخر بأزید من العشرة فإنّه لا یجوز بدون إحداث حدث} بلا خلاف ولا إشکال عند من یقول بالتحریم فی إجارة الکل بالأکثر، إلاّ من المحکی عن الشیخ، حیث منع عن ذلک لکونه رباً.

ویدل علی الحکم فی المستثنی والمستثنی منه خبر أبی

ص:30

الربیع عن الصادق (علیه السلام): «ولو أنّ رجلاً استأجر داراً بعشرة دارهم فسکن ثلثیها وأجرّ ثلثها بعشرة دراهم لم یکن به بأس، ولکن لا یؤاجرها بأکثر ممّا استأجرها»((1)).

بل هو الظاهر من جملة أخری من الأخبار.

کخبر محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، قال: سألته عن الرجل یستکری الأرض بمائة دینار، فیکری نصفها بخمسة وتسعین دیناراً، ویعمّر هو بقیتها، قال: «لا بأس»((2))، حیث یظهر منه البأس فی إجارة البعض المساوی والأزید.

لکن حیث استثنی المساوی فی الروایة السابقة یبقی الإشکال فی الإجارة بالأزید.

وروایة الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لو أنّ رجلاً استأجر داراً بعشرة دارهم، فسکن ثلثیها وأجّر ثلثها بعشرة دراهم، لم یکن به بأس، ولا یؤاجرها بأکثر ممّا استأجرها به إلاّ أن یحدث فیها شیئاً»((3))، بناءً علی أنّ الضمیر فی لا یؤاجرها عائد إلی الثلث باعتبار کونه داراً، وإلاّ لم یکن شاهد للمنع من الزیادة

ص:31


1- الوسائل: ج13 ص260 الباب 20 فی أحکام الإجارة ح3
2- الوسائل: ج13 ص262 الباب 22 فی أحکام الإجارة ح1
3- الوسائل: ج13 ص263 الباب 22 من أحکام الإجارة ح3

وأما لو آجر بأقل من العشرة فلا إشکال، والأقوی الجواز بالعشرة أیضاً وإن کان الأحوط ترکه.

بالنسبة إلی البعض، إلی غیر ذلک ممّا سیأتی أیضاً.

{وأمّا لو أجّر بأقل من عشرة فلا إشکال} ولا خلاف لما عرفت من النصوص.

{والأقوی الجواز بالعشرة أیضاً} للنص المتقدم الصریح بذلک الموجب لحمل المنافی علی الکراهة، وحدیث الدعائم عن الصادق (علیه السلام) فی إجارة الدار، قال (علیه السلام): «وإن أکری بعضها بمثل ما استأجرها وسکن البعض فلا بأس»((1)).

وفی المقنع الذی هو متن الأخبار: «ولو أنّ رجلاً استأجر داراً بعشرة دارهم فسکن ثلثیها وأجّر ثلثها بعشرة دراهم لم یکن به بأس، ولکن لا یؤاجرها بأکثر ممّا تقبّلها به»((2)).

ومخالفة الشیخ لا بأس بها، بعد أنه عللّه بکونه رباً الذی قد عرفت الإشکال فیه فی نفسه، فضلاً عن أنه خلاف النص.

{وإن کان الأحوط ترکه} لبعض النصوص المحمولة علی الکراهة، مثل المفهوم من روایة محمد بن مسلم المتقدمة، والمفهوم من روایة علی بن جعفر، عن أخیه (علیه السلام):

ص:32


1- الدعائم: ج2 ص76 باب 19 فی ذکر الإجارات ح215
2- المقنع: ص33 السطر 5

حیث سأله عن رجل استأجر أرضاً أو سفینة بدرهمین فآجر بعضها بدرهم ونصف وسکن هو ما بقی أیصلح ذلک، قال: «لا بأس»((1)).

ومثل روایة سماعة: فی المرعی الذی أخذه الرجل بخمسین، قال (علیه السلام): «ولیس له أن یبیعه بخمسین درهماً ویرعی معهم»((2)). وقد تقدم أنّ المراد بالبیع الإجارة.

ومثل المفهوم من روایة الدعائم، عن الصادق (علیه السلام)، سئل عن رجل استأجر أرضاً بمائة دینار فأجّر بعضها بتسعة وتسعین دیناراً وعمل فی الباقی، قال: «لا بأس»((3)).

إلی غیر ذلک.

وممّا تقدم تعرف أنه لیس المناط فی الإجارة للبعض بالمساوی سکناه فی البعض الآخر، بل تصحّ الإجارة بالمساوی وإن أجّر البعض الآخر، أو أبقاه فارغاً أو ما أشبه ذلک.

ثم إنّه لا فرق فی موارد المنع بین ارتفاع قیمة الشیء السوقیة وبین عدمه، لإطلاق النص والفتوی، واحتمال أنّ المنصرف هو وحدة القیمة

ص:33


1- الوسائل: ج13 ص264 الباب 21 فی أحکام الإجارة ح8
2- الوسائل: ج13 ص264 الباب 22 فی أحکام الإجارة ح6
3- مستدرک الوسائل: ج2 ص509 الباب 11

ممنوع، لأنه لو فرض الانصراف فهو بدوی، خصوصاً ومن المعلوم عدم جمود الأسواق بل تحرّکها صعوداً وهبوطاً غالباً بالمؤثرات الداخلیة والخارجیة، والله العالم.

ص:34

مسألة ٢ إیکال العمل إلی الغیر

(مسألة 2): إذا تقبّل عملاً من غیر اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف إلیها، یجوز أن یوکله إلی عبده أو صانعه أو أجنبی،

(مسألة 2): {إذا تقبّل عملاً من غیر اشتراط المباشرة ولا مع الإنصراف إلیها، یجوز أن یوکله إلی عبده أو صانعه أو أجنبی} بلا إشکال ولا خلاف فی المستثنی والمستثنی منه.

أمّا عدم الجواز فی صورة الاشتراط أو الانصراف، فلأنّ «الناس مسلّطون علی أموالهم» وما یتعلق بهم وإن لم یکن مالاً، کالعبادة عن أنفسهم أو عن بیتهم، وحیث إن لهم السلطة علی ذلک لم یکن للغیر التصرف فی هذه السلطة بغیر إذنهم، ومعنی ذلک لیس إلاّ الحکم الوضعی تارة، والتکلیفی تارة أخری.

بمعنی أنه إن استأجره المالک لخیاطة ثوبه لم یحقّ له إیجار غیره لذلک، بمعنی بطلان الإجارة إن لم یرض المالک، وإن استأجره لخیاط ثوب فقیر أو ثوب ولده البالغ مثلاً، أو استأجره لحج نیابی عن نفسه فیما کان غیر قادر علی الحج بنفسه، أو استأجره لحج عن عن أبیه، أو عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) مثلاً، فاستأجر الأجیر خیاطاً لخیاطة ثوب الفقیر أو الولد، أو إنساناً آخر للحج عن المستأجر، وعن الرسول (صلی الله علیه وآله) کانت الإجارة عن نفس الأجیر لا عن المستأجر، فلا یحقّ له أن یطالب المستأجر بالأجرة، فإنّ الإجارة وإن لم تکن باطلة لإطلاق أدلّة الإجارة وشمولها لمثل هذه الإجارة، لکن حیث إنّ إجارة المستأجر لم تشمل مثل ذلک بالاشتراط أو الانصراف لم یکن للأجیر الحق فی أخذ الأجرة منه.

ص:35

ثم إنّ المراد بالاشتراط أعمّ من التقیید، فإنّه قد تکون مباشرة الأجیر تقییداً، وقد تکون اشتراطاً، فإذا کان تقییداً لم یحقّ للمالک التنازل عنه، لأنّ القید تضییق لدائرة الإجارة فلیس قابلاً لرفع الید عنه مع بقاء المقید.

نعم إذا رفع الید عنه وقال له: أعطه للخیاط، أو استنب من یعمل العمل فی مثل الحجّ والصلاة، کان ذلک موجباً لاستحقاق أجرة المثل، أو أقل الأمرین من المثل أو المسمّی علی الاحتمالات التی تقدمت فی بعض المسائل السابقة.

وإذا کان اشتراطاً کان للمالک الحقّ فی رفع الید عن الشرط، تبقی الإجارة لما لها، فإذا عمل الغیر استحقّ الأجیر أجرة المسمّی لصحة الإجارة، هذا کله فی صورة القید أو الاشتراط لفظاً أو انصرافاً.

وأمّا إذا لم یکن قیداً ولا شرطاً، فالظاهر أنه لا خلاف ولا إشکال فی جواز الإیکال إلی الغیر، لما سیأتی من النصوص والفتاوی بالإضافة إلی أنه مقتضی القاعدة، إذ العمل حینئذ صار ملکاً للأجیر فیشمله دلیل «الناس مسلّطون»((1)) ونحوه.

ثم إنه مع الاشتراط إذا عمل بعضه بنفسه، وأوکل بعض العمل إلی غیره،

ص:36


1- بحار الأنوار: ج2 ص273

کان للمالک الحق فی الفسخ أخذاً بالشرط، فلا یعطیه شیئاً، کما أنّ له الإبقاء بالنسبة إلی ما عمل فیعطیه من المسمّی بالنسبة، کما أنّ له الإبقاء للعقد تماماً بإسقاط شرطه، فیعطیه تمام المسمّی.

أمّا مع التقیید، فإنه لا یحق له الإبقاء علی تمام العقد، ولا علی بعض العقد، إذ القید عدم عند عدم القید.

هذا بالنسبة إلی المستأجر، وأمّا الأجیر وعمیله فإن أبطل المستأجر الإجارة وکانت معتلّقة بمثل ثیاب المستأجر، ولم یرض المستأجر خیاطة العمیل، بطلت الإجارة الثانیة، وإن رضی المستأجر بقیت الإجارة الثانیة ویکون حال ذلک حال الفضولی.

وأما إذا کانت الإجارة متعلّقة بالحج عنه، أو عن رسول الله (صلی الله علیه وآله)، أو خیاطة ثوب الولد أو الفقیر، فإن اشتراط الأجیر بقاء الإجارة الأولی کان له الحق فی إبطال الإجارة، وإن کان قید إبقاء الإجارة الأولی بطلت الإجارة الثانیة بمجرد بطلان الإجارة الأولی، وإن لم یشترط ولم یقید الأجیر ذلک، کانت الإجارة الثانیة بحالها، إذ بطلان الإجارة الأولی لا یرتبط ببطلان الإجارة الثانیة، وخیاطة ثوب الفقیر أو الحج عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) لا یشترط فیهما رضایة المستأجر، وکون داعی الأجیر فی إقدامه علی هذه

ص:37

ولکن الأحوط عدم تسلیم متعلق العمل کالثوب ونحوه إلی غیره من دون إذن المالک

الإجارة، الإجارة الأولی لا یوجب البطلان عند تخلّف الداعی، لما قرّر فی محله من أنّ تخلّف الداعی لا یوجب بطلان المعاملة، بل لو کان العمل الحج عن نفس الأجیر، أو عن والده المتوفی مثلاً، لم یوجب بطلان الإجارة الأولی بطلان الإجارة الثانیة، إذ لا یشترط رضایة ولی المیت فی التبرّع عنه، بل یسقط عنه إذا تبرّع عنه متبّرع، ولا دلیل علی أنه حقّ خاص بالوارث.

بل کذلک فی النیابة عن نفس الحی وإن لم یرض، فإذا قال عمرو لزید: لا تزر عنی، وزار عنه صحّت الزیارة، وکذا إذا أعطی عنه ما وجب علیه، کما لو أعطی دینه فإنه لیس تصرّفاً فیه ومخالفاً لسلطنته، ویؤید ذلک ما ذکرناه فی کتابی الحج والزکاة، ولذا یصحّ إعطاء الزکاة عن الممتنع عن ماله وعن غیر ماله مع أنّ الزکاة عبادة، فراجع.

وفی المقام فروع أخر تظهر ممّا ذکرناه.

ثم إنّ الإیکال إلی الغیر یصحّ أن تکون بإجارة أو صلح أو تبرع من ذلک الغیر، لإطلاق الأدلة، {ولکن الأحوط} عند المصنّف والمعلّقین الساکتین علیه {عدم تسلیم متعلّق العمل کثوب ونحوه إلی غیره من دون أذن المالک}، وذلک لأنّ الثوب

ص:38

وإلا ضمن، وجواز الإیکال لا یستلزم جواز الدفع کما مر نظیره فی العین المستأجرة له،

أمانة فی یده، ولا یحقّ للإنسان أن یسلّم الأمانة إلی غیره بدون إذن المالک، کذا أفتی فی الشرائع والجواهر وغیرهما، خلافاً للمختلف والمسالک فجوّزا التسلیم بدون الأذن.

وفصّل ابن الجنید بین أن یکون المسلّم إلیه مأموناً فیجوز التسلیم بدون إذن المالک، وإلاّ احتاج إلی الأذن.

وقد تقدم الکلام فی ذلک مفصلاً، وقد رجّحنا مذهب المجوّزین، وقلنا إنه هو الذی تقتضیه القاعدة والنص، وکأنّ وجه احتیاط المصنّف وعدم فتواه بالعدم خروجه عن خلاف المجوّز {و} علیه ف_ {إلا} یستأذن المالک فی التسلیم {ضمن} لکونه من التعدّی والتفریط الموجبین للضمان {وجواز الإیکال لا یستلزم جواز الدفع کما مر نظیره فی العین المستأجرة له}.

ثم لو قلنا باحتیاج الدفع إلی الأذن ولم یأذن، کان اللازم بطلان الإجارة الثانیة، لأنه استئجار لما لا یملک المستأجر، فیکون أکلاً للمال بالباطل، ویکون حاله حال ما إذا استأجره لأن یعمل فی بیت فی ید السلطان لا یتمکن من تسلیمه إلیه ولا یتمکن هو من تسلّمه، حیث إنّ احتمال صحة الإجارة واستحقاق العمیل الأجرة لأنه بذل ما بإمکانه وإنّما کان الامتناع من طرف الأجیر ممنوع، إذ هو امتناع شرعیّ، والامتناع

ص:39

فیجوز له استیجار غیره لذلک العمل بمساوی الأجرة التی قررها فی إجارته أو أکثر وفی جواز استیجار الغیر بأقل من الأجرة إشکال،

الشرعی کالامتناع العقلی، أمّا ما احتمله المسالک من جبر الحاکم الشرعیّ للمالک بالدفع، وذلک لحقّ الإجارة الثانیة، فلا وجه له بعد کون الشیء من حقّ المالک، وأنه تصرّف فی ماله بغیر رضاه.

ثم إنه إذا جازت الإجارة الثانیة {فیجوز له استئجار غیره للذلک العمل بمساوی الأجرة التی قررّها فی إجازته} الأولی {أو أکثر} بأن کانت إجارته الأولی بمائة والثانیة بمائة وعشرة مثلاً، وذلک لإطلاق أدلة الإجارة بدون ما یمنع عن المساوی والأکثر.

{وفی جواز استئجار الغیر بأقل من الأجرة إشکال واختلاف} فعن النهایة والسرائر والإرشاد والتحریر کما فی الشرائع المنع، بل عن بعضهم أنه الأشهر، بل عن المسالک: إنه المشهور، وعن القواعد والتذکرة والشهیدین والمحقّق الثانی والخراسانی: الجواز مع الکراهة.

استدل القائل بالحرمة بجملة من النصوص:

کالمروی عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، أنه سأل عن الرجل یتقبّل بالعمل فلا یعمل فیه ویدفعه إلی آخر

ص:40

فیربح فیه، قال (علیه السلام): «لا، إلاّ أن یکون قد عمل فیه شیئاً»((1)).

وعن أبی حمزة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یتقبّل العمل فلا یعمل فیه ویدفعه إلی آخر یربح فیه، قال: «لا»((2)).

وعن محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، قال: سألته عن الرجل الخیاط یتقبّل العمل فیقطّعه ویعطیه من یخطیه ویستفضل، قال: «لا بأس، قد عمل فیه»((3)).

وعن المجمع قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أتقبّل الثیاب أخیطها ثم أعطیها الغلمان بالثلثین، فقال: «ألیس تعمل فیها»، فقلت: أقطّعها وأشتری لها الخیوط، قال: «لا بأس»((4)).

وعن علی الصائغ، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أتقبّل العمل ثم أقبله من غلمان یعملون معی بالثلثین، فقال:

ص:41


1- الوسائل: ج13 ص265 الباب 23 فی أحکام الإجارة ح1
2- الوسائل: ج13 ص265 الباب 23 فی أحکام الإجارة ح4
3- الوسائل: ج13 ص266 الباب 23 فی أحکام الإجارة ح5
4- الوسائل: ج13 ص566 الباب 23 فی أحکام الإجارة ح6

«لا یصلح ذلک إلاّ أن تعالج معهم فیه»، قال: قلت: فإنّی أذیبه لهم، فقال: «ذلک عمل فلا بأس به»((1)).

وعن دعائم الإسلام، عن الصادق (علیه السلام)، أنه سئل عن الصائغ یتقبّل العمل ثم یقبله بأقل ممّا تقبّله به، قال: «إن عمل فیه شیئاً أو دبّره أو قطّع الثوب إن کان ثوباً أو عمل فیه عملاً، فالفضل یطیب له، وإلاّ فلا خیر فیه»((2)).

أمّا من قال بالجواز، فقد استدل بالمرویّ عن الحکم الخیاط، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إنّی أتقّبل الثوب بدراهم وأسلّمه بأقل من ذلک لا أزید علی أن أشقّه، قال: «لا بأس به». ثم قال: «لا بأس فیما تقبّله من عمل قد استفضلت فیه»((3)).

وعن روایة الشیخ، قال: «لا بأس فیما تقبّلت من عمل ثم استفضلت فیه»((4)).

هکذا رواه الکافی فی بعض نسخه، والشیخ فی التهذیب، کما رواه الفقهاء هکذا، فلا اعتبار بما روی فی بعض

ص:42


1- الوسائل: ج13 ص566 الباب 23 فی أحکام الإجارة ح7
2- الدعائم: ج2 ص80 فصل20 ح236
3- الوسائل: ج13 ص265 الباب 23 فی أحکام الإجارة ح2
4- التهذیب: ج7 ص210 الباب 20 فی الإجارات ح7

نسخ الکافی بکلمة (بأکثر) مکان «بأقل»، مضافاً إلی أن سیاق العبارة لا یؤیده، حیث إنّ قول الراوی: (لا أزید علی أن أشقّه) ظاهر فی أنه علّل بذلک وجه أخذ الزیادة، کما أن ظاهر جواب الإمام (علیه السلام) ذلک.

والظاهر کفایة الروایة سنداً ودلالة لأن تکون شاهد جمع بحمل تلک الروایات علی الکراهة، وبعد ذلک لا حاجة إلی الاستناد إلی کلمة: «لا یصح» أو «الأخیر» فی ظهورهما فی الکراهة، وذلک للشک فی الظهور المزبور، بل یمکن استظهار الحرمة من إطلاقهما إذا لم تکن قرینة صارفة.

کما أنه بعد تلک الروایة لا حاجة إلی الاستدلال بما وراه السرائر والعلاّمة عن أبی حمزة، حیث قال (علیه السلام): «لا بأس» مکان «لا» حتی یقال: إنه اشتباه، ولذا رواه غیر واحد من الکتب بکلمة (لا) فقط.

قال فی الجواهر: (إنّما لم نجده کذلک، وإنما الموجود فیما حضرنا من نسخة الوسائل والوافی ما حکیناه، وفی مفتاح الکرامة: لیس فی التهذیب عین ولا أثر، والظاهر أنه سهو وغفلة، ثم حکی عن التهذیب ومجمع البرهان والوافی روایته کما ذکرنا) انتهی.

أقول: وهکذا وجدته فی الوسائل، لکنّ الإنصاف أنّ مثل روایة السرائر والعلاّمة توجب الاضطراب فی المتن الموجب

ص:43

إلا أن یحدث حدثاً أو یأتی ببعض، فلو آجر نفسه لخیاطة ثوب بدرهم یشکل استیجار غیره لها بأقل منه إلا أن یفصله أو یخیط شیئاً منه ولو قلیلاً، بل یکفی أن یشتری الخیط أو الإبرة فی جواز الأقل.

لسقوط الروایة عن الدلالة علی أحد الطرفین، فالقول بالکراهة أقرب، وإن کان إشکال المصنّف أحوط، وقد أبقاه غیر واحد من المعلّقین علی ما هو علیه المتن.

نعم قوّی السادة ابن العم والبروجردی والأصطهباناتی عدم الجواز.

وکیف کان، فالإشکال أو عدم الجواز إنّما هو إذا أعطاه کما أخذ، {إلاّ أن یحدث حدثاً أو یأتی ببعض} من العمل المستأجر علیه، کأن یخیط بعض الثوب، {فلو أجّر نفسه لخیاطة ثوب بدرهم یشکل استئجار غیره لها بأقل منه، إلاّ أن یفصّله أو یخیط شیئاً منه ولو قلیلاً، بل یکفی أن یشتری الخیط أو الإبرة} ویدفعهما إلی الأجیر لیعمل بهما فیه {فی جواز الأقل} کل ذلک لتطابق النص والفتوی فی الجواز حینئذ.

لکن فی کفایة اشتراء الخیط والإبرة بدون أن یعمل فیه عملاً إشکال، نبّه علیه المستمسک، حیث إنّ ظاهر النصوص العمل فیه، لا کلّ غرامة خارجیة لأجله، ولعلّ من اکتفی بذلک فهم من الروایات عدم جواز أکل الفضل بلا أی شیء، أو فهم من روایة المجمع أنّ الواو فی «واشتری لها

ص:44

الخیوط» للتنویع لا للجمع، وهذا وإن کان قریباً فی نفسه کما فهمه غالب المعلّقین، ولذا لم یعلّقوا علی هذا الموضوع، إلاّ أنّ الفتوی بذلک مشکل، بعد ذهاب المشهور علی خلافه، کما یفهم ذلک من تخصیصهم الجواز بالعلاج فقط.

ثم إنّ المصنف وغیره لم یذکروا الجواز فی صورة اختلاف الجنس، ولعلّه لخلو النصوص عن ذلک، بل ظاهرها أنّ کلّ فضل لا یجوز، ومن المعلوم صدق الفضل ولو مع اختلاف الجنس، کأن یستأجره بدینار فیستأجر هو بمنّ من الحنطة المساوی لدینارین، فإنّه فضل عرفاً.

وبذلک یظهر الفرق بین المقام وبین مسألة الأجیر والحانوت والدار والبیت المتقدمة.

قال فی الجواهر: (ولم یذکر أحد هنا الاختلاف بالجنس، نعم عن التذکرة أنه حکی عن الشیخ عدم الجواز مع اتّحاد الجنس إلا أن یعمل فیه شیئاً ولم نتحقّقه، لکن قد سلف لنا فی مسألة الأجیر والبیت ما یمکن أن یکون وجهاً لذلک) انتهی.

وفی المقام فروع کثیرة نکتفی بذکر بعضها:

الأول: الظاهر أنّه لا یکفی إعطاء غرامة خارجیة، اللّهم إلاّ إذا قلنا بکفایة اشتراء الإبرة والخیط، وقد تقدم الکلام فیه.

الثانی: الظاهر أنه لا فرق فی کون التقبّل الأول والثانی من

ص:45

باب الإجارة أو الصلح أو ما أشبه، أو بالاختلاف لإطلاق الأدلة، وإن کان ظاهر الفقهاء الإجارة فقط.

الثالث: هل أنه إذا أخذ الفضل یکون الفضل فقط حراماً، أو أنّ کلّ المعاملة فاسدة، احتمالان، بناء الفقهاء فساد المعاملة ولا بأس به، وعلیه فإذا خاط الثوب من غیر علم بذلک فهل له أجرة المثل أو بالمقدار الذی قرّر فی الإجارة الأولی أو أقل الأمرین أو أکثر الأمرین احتمالات، أمّا إذا علما بذلک فالظاهر المثل، وقد تقدم أمثال هذه المسألة فی السابق فلا نعید الکلام فیها.

الرابع: الظاهر أنه لا یشترط أن یباشر العمل فیه بنفسه لحلیة الزیادة، بل یکفی بوکیله أو صانعه أو ما أشبه، وعلیه یصحّ له أن یوکل الأجیر فی أن یعمل فیه شیئاً عن قبل المستأجر الثانی وتکون بقیة العمل من قبل نفس الأجیر.

نعم الظاهر الاحتیاج إلی الاستناد فی العمل، فلو احتاج الثوب إلی الصبغ فطرحه الهواء فی الماء الملّون لم یکف ذلک، لإنه لم یعمل فیه.

الخامس: کلّ معاملة یرید الاستفضال فیها تحتاج إلی عمل، فلو أخذ الخیاط عشرین ثوباً بعشرین معاملة احتاج کلّ

ص:46

ثوب إلی أن یعمل فیه لیستفضل، أمّا إذا أخذ العشرین بمعاملة واحدة کفی العمل فی ثوب واحد منها.

السادس: اللازم أن یکون العمل فی جنس ما أخذه له، کأن یخیط الثوب، لا من غیر الجنس کأن یصبغ الثوب الذی أخذه للخیاطة صبغاً لا یرتبط بالخیاط أصلاً، فضلاً من العمل الموجب للفساد کأن یشقّق الثوب شقّاً مفسداً.

السابع: الظاهر جواز الاستفضال فیما إذا ضم إلی الخیاطة مثلاً شیئاً آخر، مثلاً استأجره لخیاطة ثوبه وبناء داره بألف دینار، وکانت الأجرة للخیاطة حسب المتعارف دیناراً، فإنه یحقّ له الاستفضال، لأنّ النص منصرف عنه.

الثامن: الظاهر عدم فائدة العمل المتأخر عن الإجارة الثانیة، کما إذا استأجره لخیاطة الثوب باستفضال ثم خاط الأجیر الأول جزءاً من الثوب، لظهور الدلیل فی العمل السابق، نعم إذا جعله شرطاً فی ضمن عقد الإجارة لم تبعد الکفایة.

التاسع: إذا شرط الأجیر الثانی علی الأول شرطاً یعادل الاستفضال فهل تصحّ الإجارة، کما إذا أخذ الأوّل الثوب بدینار، وأعطاه الثانی بدینار ونصف وشرط علیه الثانی ترمیم داره

ص:47

وکذا لو أجّر نفسه لعمل صلاة سنة أو صوم شهر بعشر دراهم مثلاً فی صورة عدم اعتبار المباشرة یشکل استیجار غیره بتسعة مثلاً إلا أن یأتی بصلاة واحدة أو صوم یوم واحد مثلاً.

المعادل لنصف دینار، الظاهر الصحة، لأنّه لا استفضال، نعم لو کان الترمیم یعادل أقل من النصف ففیه إشکال.

العاشر: یکفی کلّ ما یسمّی عملاً أو علاجاً فی الجواز لإطلاق الأدلة، ولو کان قلیلاً، لکن مع صدق کونه عملاً عرفاً، فلا یکفی العمل اللغوی الذی لا یصدق علیه فی العرف أنه عمل فیه عملاً.

{وکذا لو أجّر نفسه لعمل صلاة سنة أو صوم شهر بعشرة دراهم مثلاً فی صورة عدم اعتبار المباشرة} ولو لصلاة واحدة أو صوم یوم {یشکل استئجار غیره بتسعة مثلاً}، قال فی الجواهر: (وقد ینساق من النص والفتوی أنّ محلّ البحث فی العمل بالعین کخیاطة الثوب وصیاغة الخاتم ونحوهما، أمّا العمل الصرف کالصوم والصلاة والحج ونحوها فیبقی علی أصل الجواز، اللهم إلاّ أن یقال: إنّ ذکر بعض لوازم العمل فی العین لا یقتضی تقیید ذلک به وحینئذ یعتبر فی جواز تقبیله بالأقل عمل شیء منه)((1))، انتهی.

فلا یصحّ الإیجار بالأقل {إلاّ أن یأتی بصلاة واحدة أو صوم یوم واحد مثلاً}، وفی الحج یأتی ببعض المقدمات واللوازم کاشتراء

ص:48


1- جواهر الکلام: ج27 ص310

الإحرام ونحوه فیما کان الإیجار للمجموع لا للعمل فقط، إذ لا یتصور التبعیض فی العمرة أو الحج.

وکیف کان، فالتعدّی عن مورد النصوص إلی ذلک إنّما هو بسبب المناط، وذلک قریب جدّا إلی الفهم العرفی.

ومثل ذلک عمل الطبیب والمهندس والمحامی ومن أشبههم، حیث یلزم عمل شیء ثم إیکاله إلی غیره، إذا استؤجر لأجل طبابة المرضی سنة، أو تصمیم خریطة لبناء مدینة، أو دار، والدفاع عن قضایا الفقراء، أو عن قضیة واحدة.

ومثلهم ما لو استؤجرت المرأة للرضاع، حیث یصحّ لها استئجار غیرها، بعد أن ترضع الطفل رضعة أو أکثر وهکذا.

ویصحّ ترامی الإجارات بأن یستأجر زید عمرواً، وعمرو محمداً، ومحمد علیاً، وهکذا.

ثم لو استأجر الأجیر غیره، فالإجارة إنما تکون بینهما بدون ارتباط صاحب العمل، فإذا لم یف المستأجر الثانی لم یکن للأجیر الرجوع إلی المستأجر الأول، کما أنه إذا لم یعمل الأجیر الثانی العمل لم یکن للمستأجر الأول المطالبة منه، نعم له المطالبة من الأجیر الأول.

وهنا فی المقام فروع أخر تعلم ممّا ذکرناه، والله العالم.

ص:49

مسألة 3 لو استؤجر لعمل لا بشرط المباشرة

(مسألة 3): إذا استؤجر لعمل فی ذمته لا بشرط المباشرة یجوز تبرع الغیر عنه،

(مسألة 3): {إذا استؤجر لعمل فی ذمته} فإنّه قد یکون العمل فی الذمة، کما إذا استأجر الإنسان الخیاط لیخیط له ثوبه، وقد تکون العین فی الذمة کإتلاف مال الناس، فإنّ المال قد یکون فی ذمته، وقوله (فی ذمته) قید توضیحی، لأن کلّ عمل إنّما یکون فی الذمة، ویحتمل بعیداً أن یکون قیداً إخراجیاً مقابل العمل الخارجی الذی لا یتصور فیه قسمان ذمّی وغیر ذمی، کما إذا استأجره لیمشی کذا فرسخاً، قاصداً بذلک تقویم جسم الأجیر لکونه ولده أو نحوه ممّن یهمه أمر صحة جمسه، فإنّ مورد الإجارة لیس أمراً ذمیاً بل عملاً خارجیاً فتأمّل.

{لا بشرط المباشرة} ولا بقیدها بأن تکون الإجارة ضیقة، والفرق أنه لو کان بشرط المباشرة صحّ رفع الید عن الشرط وبقیت الإجارة، بخلاف ما إذا کان بقیدها فإنّه بدون المباشرة لا عقد ف_ {یجوز تبرّع الغیر عنه} لأنّ المهم العمل وقد حصل، ولا خصوصیة للعامل، أو لکون النائب نائباً فی مقابل مال أو بلا مقابل، ووفاء الأجیر بالعقد یحصل بإتیان الأجیر العمل بنفسه أو نائبه الإجاری أو التبرعی.

والحاصل: أنه لیس هناک واجب علی الأجیر إلاّ تحویل العمل وقد حصل، وکذا فی کلّ دین أو عین فی ذمة إنسان،

ص:50

وتفرغ ذمته بذلک ویستحق الأجرة المسماة، نعم لو أتی بذلک العمل المعین غیره لا بقصد التبرع عنه لا یستحق الأجرة المسماة،

ولذا ذکرنا فی باب الحج أنّ الأصل فی الأمور تقبّلها النیابة إلاّ ما خرج بالدلیل، فإذا کان زید مطلوباً لعمرو بدینار، أو بمنّ من الحنطة فأعطاه محمد بهذا العنوان برأت ذمة زید {وتفرغ ذمّته بذلک ویستحق الأجرة المسمّاة} لأنّها کانت فی مقبال العمل الصادر عن طرف الأجیر، وقد حصل.

ومنه یظهر أنه لا وجه للإشکال فی ذلک بأنّ العامل غیر الأجیر، والأجیر غیر عامل، فیکون أکله للأجرة بدون أن یأتی بشیء أکلاً للمال بالباطل، إذ أنّ التبرّع عنه یجعل العمل للأجیر بدون أکله للمال بالباطل، فی مقابل عمله الذی أهدی إلیه من طرف العامل، فحاله حال ما إذا أعطی الأجنبی دینه، أو ردّ أمانته، حیث یصدق عرفاً إنه وفّی دینه وردّ أمانته فإنّ العمل یکون عمله بسبب قصد العامل إلصاقه به، وقد ذکر فی المستمسک أنه لا إشکال فی ذلک، وسکت علی المتن جمیع المعلّقین.

{نعم لو أتی بذلک العمل المعین غیره} أی غیر الأجیر {لا بقصد التبرع عنه} إما بلا قصد إلصاق بأحد، أو بقصد الإلصاق بنفس العامل، أو بقصد الإلصاق بإنسان آخر غیر الأجیر، فإنّه ینتفی حینئذ موضوع فراغ الذمة، فیکون من باب السابقة بانتفاء الموضوع و{لا یستحق الأجرة المسمّاة} لأنّ الأجرة

ص:51

وتنفسخ الإجارة حینئذ لفوات المحل، نظیر ما مر سابقاً من الإجارة علی قلع السن فزال ألمه، أو لخیاطة ثوب فسرق أو حرق.

فی مقابل العمل، ولا عمل للأجیر، لا مباشرةً ولا عملاً مرتبطاً به بتبرّع أو تسبیب، وکذا الحکم فی الدین، فإنه لو أعطی زید عمرواً دیناراً ولم یقصد أنه الدینار الذی یطلبه من محمد لم تفرغ ذمة محمد من الدینار، لأنّه لم یوف دینه لا بنفسه ولا بتبرّع متبرّع یرتبط به.

{وتنفسخ الإجارة حینئذ لفوات المحلّ}، لکن هذا إذا لم یکن العمل کلّیاً قابلاً للانطباق علی فرد آخر، وإلاّ لم تبطل الإجارة، إذ لم یذهب المحل، کما إذا استأجره لیعلّم ولده صفحة من القرآن أو سقی حدیقته أسبوعاً، فإنّ المتعلّق للإجارة قابل للانطباق علی کلّ صفحة وعلی کلّ أسبوع، فتعلیم الغیر الصفحة أو سقی الغیر للحدیقة لا یوجب فوات المحلّ، فالفوت إنّما هو إذا کان {نظیر ما مر سابقاً من الإجارة علی قلع السنّ فزال ألمه، أو لخیاطة ثوب} خاص {فسرق أو حرق}.

ثم الظاهر أنه لا یفید عدم رضایة الأجیر للأجرة بتبّرع الغیر فیما تقدم من الإسقاط لحقّ المستأجر واستحقاق الأجیر للأجرة، إذ لا دلیل علی اشتراط ذلک بإجازته ورضاه، فیشمله إطلاق الدلیل، کما لا یشترط رضاه بأداء الغیر دینه فی إسقاط الدین من ذمّته.

لا یقال: إنّ الذمة کما لا تملأ بدون رضایة صاحب الذمّة

ص:52

وإجازته کذلک لا تفرغ بدون رضاه وإجازته، وأیضاً أن یکون العمل له نوع من الهدیة، فکما لا تقبل الهدیة ولا تکون للمهدی إلیه بدون قبوله کذلک العمل.

لأنه یقال:

أولاً: الذمّة قد تملأ بدون رضایة صاحب الذمة، کما فی القود التی علی العاقلة وغیره.

وثانیاً: إنه وجه لتنظیر الإفراغ بالإملاء، بعد الفارق بینهما بشمول الدلیل للإفراغ دون الإملاء.

کما أنه لا یقاس العمل بالهدیة، إنّ الهدیة نوع من العقد الذی لا یتحقّق إلاّ بالطرفین، بخلاف العمل الذی هو نوع من الإیقاع، فلا یحتاج إلی رضایة المعمول له، فهو من قبیل الطلاق والعتق والإبراء، الذی لا یشترط فیه رضایة المطلّقة والمعتق والمبرّأ، وظاهر﴿کلُّ امْرِئٍ بِما کَسَبَ رَهینٌ﴾((1))،﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری﴾((2)) إنما هو فی الأوزار لا فی کلّ شیء حتی فی الثواب، ولذا تصحّ النیابة عن الغیر ولو بدون عمله ورضاه، ولو بعد موته.

ص:53


1- سورة الطور: الآیة 21
2- سورة فاطر: الآیة 18

وقوله سبحانه:﴿وَأَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعَی﴾((1)) مخصّص بما دلّ من النص والإجماع علی أنّ له بعض ما لم یسع له، کما أنه مخصّص بالضرورة بالأمور الدنیویة کالإرث ونحوه من الأموال التی تصل إلیه بدون سعیه، وکذلک الأحکام التی تترتّب علیه بدون سعیه ککونه محرماً مع هذه وغیر محرم مع تلک لأجل نسب أو رضاع أو ما أشبه، ولذا فإنّ الحصر إضافی.

ص:54


1- سورة النجم: الآیة 39

مسألة 4 الأجیر الخاص لا یعمل عملا ینافی حق المستأجر

(مسألة 4): الأجیر الخاص وهو من أجّر نفسه علی وجه یکون جمیع منافعه للمستأجر فی مدة معینة

(مسألة 4): {الأجیر} علی قسمین، إمّا خاص وإمّا مشترک، والکلام الآن فی الأجیر {الخاص، وهو} علی أقسام:

الأول: {من أجّر نفسه علی وجه یکون جمیع منافعه للمستأجر فی مدة معینة} فیصّح للمستأجر أن یأمره بالخیاطة أو الکتابة أو النجارة مثلاً، وبذلک یظهر أنّ لیس المراد تملک جمیع منافعه المتضادّة بحیث یملک علیه الخیاطة والکتابة والنجارة معاً، بل المراد القدر الجامع بین تلک الأمور الذی یقبل الانطباق علی کلّ واحد منها، وهذا هو المشهور فی أمثال المقام.

ویحتمل صحة التردید فی المتعلّق، بأن یکون أحدها علی سبیل البدل مورد الإجارة، ولا إشکال عقلیّ فی ذلک بعد کونه بید المعتبر، ولا إشکال شرعیّ بعد شمول ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾((1)) له، ولا غرر، إذ هو عرفیّ کما ذکرناه غیر مرة، خلافاً للشیخ المرتضی الذی استقرب کون الغرر الشرعیّ أخصّ من الغرر العرفی، وحتی لو قلنا بمقاله لا یلزم من ذلک محذور.

ثم إنّ القول بأنّ الفرد المردد لا وجود له فی الخارج فلا یصحّ أن یکون متعلّقاً للإجارة محل الإشکال، إذ وجوده الاعتباری کافٍ فی ذلک، وقد حقّقنا ذلک فی بعض المباحث.

ص:55


1- سورة المائدة: الآیة 1

أو علی وجه تکون منفعته الخاصة کالخیاطة مثلاً له، أو أجر نفسه لعمل مباشرة مدة معینة،

الثانی: {أو} أجّر نفسه {علی وجه تکون منفعته الخاصة کالخیاطة مثلاً له} ولا حاجة فی ذلک لما ذکره بعض المعلّقین من أنّ المستأجر یملک حینئذ القدر المشترک بهذه الخصوصیة، ثم إنّ هذین القسمین یکون متعلّق الإجارة المنفعة، بخلاف ما یأتی فإنّ متعلّق الإجارة العمل.

الثالث: {أو أجّر نفسه لعمل مباشرة مدة معینة} بأن کان متعلّق الإجارة العمل المباشر فی مدة معینة، لا علی نحو الشرط، بل علی نحو القید، أمّا إذا کان العمل المباشر فقط متعلّق الإجارة، أو کانت المدة المعینة فقط متعلّق الإجارة، فلا یکون الأجیر خاصاً، وذلک لأمکان إجارة نفسه لإنسان آخر، إذ لم تذکر مدّة الإجارة الأولی فی صورة قید المباشرة فقط، ولإمکان إجارة نفسه لإنسان آخر مدة مباشرة، إذ لا تنافی بین الإجارة المطلقة الصالحة لعدم المباشرة وبین الإجارة المباشرة فی صورة قید المدة فقط.

هذا ولکن لا یخفی أنّ هذین أیضاً قسم من الخاص، وإن کان لا یترتّب علیها التصادم مثل التصادم المترتّب علی الخاص بالمعنی الأخص.

ثم لا یخفی بأنّ ما ذکره السید الحکیم من الفرق بین

ص:56

أو کان اعتبار المباشرة أو کونها فی تلک المدة أو کلیهما علی وجه الشرطیة لا القیدیة

قسمی ما ذکره المصنّف الثانی والثالث تعلیقاً علی قوله (منفعته الخاصة) بقوله (من دون اشتغال ذمّته بشیء نظیر إجارة الدابّة بلحاظ منفعتها الخاصة، فإنه لا اشتغال فی ذلک لذمة الدابة ولا لذمة المؤجر، وبذلک افترق الثالث عنه، فإنّ فیه اشغال ذمّته بلا تملّک لمنفعته الخاصة أصلاً) ((1)) انتهی، محل تأمّل.

إذ فی القسمین ذمّة الأجیر تشتغل، منتهی الأمر فی القسم الثانی تشتغل بالمنفعة التی هی نتیجة العمل، وفی القسم الثالث تشتغل بالعمل الذی ینتج المنفعة، وإلاّ فإن لم تشتغل ذمّة الأجیر فبماذا یطالب الأجیر.

ولقد أجاد السید الجمّال، حیث قال فارقاً بین الوجهین الأولین، والأوجه الأربع الأخیرة التی منها القسم الثالث: (وأما الوجوه الأربع الأخیرة فمرجعها وإن کان علی تملیک عمل فی الذمة لا إلی تملیک المنفعة) إلی آخره.

الرابع: {أو کان اعتبار المباشرة} فقط {أو کونها فی تلک المدة} فقط {أو کلیهما} مباشرة ومدة {علی وجه الشرطیة} بأن یکون التزاماً فی التزام، بحیث یمکن التفکیک بینهما، وإسقاط الشرط وإبقاء المشروط، {لا القیدیة} حتی لا یمکن التفکیک کما هو مفروض القسم الثالث.

ص:57


1- مستمسک العروة الوثقی: ج12 ص98

لا یجوز له أن یعمل فی تلک المدة لنفسه أو لغیره بالإجارة أو الجعالة أو التبرع عملاً ینافی حق المستأجر

ثم إنه یبقی علی المصنّف أنه لماذا لم یذکر فی وجه القیدیة الأقسام الثلاثة: المباشرة فقط، وتلک المدة فقط، وکلیهما، مع أنه لا فرق فی تصور الأقسام الثلاثة فی کل من القید والشرط.

وکیف کان، ففی الأقسام الأربعة التی ذکرها المصنّف {لا یجوز له} أی للأجیر {أن یعمل فی تلک المدة لنفسه أو لغیره بالإجارة أو الجعالة أو التبرّع} وحسب شرط للغیر أو مضاربة أو مسابقة أو ما أشبه {عملاً ینافی حقّ المستأجر} بلا إشکال، وأرسله فی الجواهر وغیره إسال المسلّمات، بل یظهر منه احتمال وجود الاجماع علیه.

واستدل له فی الجواهر والمستمسک بخبر إسحاق: سألت أبا إبراهیم (علیه السلام) عن الرجل یستأجر الرجل بأجرٍ معلوم فیبعثه فی ضیعته فیعطیه رجل آخر دراهم ویقول: اشتر بهذا کذا وکذا، فما ربحت بینی وبینک، فقال: «إذا أذن له الذی استأجره فلیس به بأس»((1))، هذا بالإضافة إلی القواعد العامة، فإنّ منفعة الأجیر أو عمله صار للغیر، فلا یحقّ له أن یجعله متعلّق عقدٍ ثانٍ لإنسان آخر.

ص:58


1- الوسائل: ج13 ص250 الباب 9 فی أحکام الإجارة ح1

إلا مع إذنه،

إن قلت: إنّ الأمر بالشیء لا ینهی عن ضدّه.

قلت: لیس هذا من باب الأمر بالشیء، بل هو من باب عدم السلطة علی مال الغیر، فإنّ المنفعة والعمل ملک للغیر، وحسب الإجارة الأولی، فإدخال بعض هذه المسألة فی باب الأمر والنهی لا یظهر له وجه، کما ظهر أنه لیس من باب الأجرة علی الواجبات حتی یقال: إنّ ذلک یمکن، مثل أن یستأجر الأب والابن الأجیر مرتین لأجل عمل للأب أو للابن ممّا المنفعة تعود إلیهما معاً، إذ أنّ المنفعة صارت لأحدهما ولم یصحّ جعلها للآخر، وکذا العمل، فإنّه تصرف فی مال الغیر.

فاحتمال أنّ هذه المسألة من صغریات مسألة الأجرة علی الواجبات فإذا قیل هناک بصحة الأجرة یلزم أن نقول هنا بالصحة أیضاً، فیه ما لا یخفی.

{إلاّ مع إذنه} کما استثناه الجواهر أیضاً، ولا یخفی أنّ الإذن فی باب القید معناه أحد أمرین: إمّا إسقاط المستأجر لحقّه، وإمّا تصالحه مع الأجیر لتبدیل حقّه إلی محلٍ آخر، وهذا یختلف حسب کیفیة الإذن، وأنّ الإذن فی باب الشرط قد یرجع إلی إسقاط الشرط فقط، فیکون اللازم علی الأجیر الإتیان بالعمل _ الذی هو الالتزام الأول _ فی محل آخر، وقد یرجع إلی

ص:59

ومثل تعیین المدة تعیین أول زمان العمل بحیث لا یتوانی فیه إلی الفراغ، نعم لا بأس بغیر المنافی کما إذا عمل البناء لنفسه أو لغیره

إسقاط المشروط والشرط معاً، وقد یرجع إلی التصالح والتبدیل من محل إلی محل.

والفرق بین إسقاط الشرط وبین الصلح: أنّ فی الأول یکون العمل مطلقاً بعد إسقاط الشرط ویکون الإتیان به حسب رغبة الأجیر، بخلاف باب الصلح فإنه یلزم اتّباع وجهة نظر الاثنین فی محل العمل، فتأمل.

{ومثل تعیین المدة} فی کل الأقسام المذکورة {تعیین أول زمان العمل بحیث لا یتوانی فیه إلی الفراغ} فإنه صیغة أخری للتعیین، فإنه لا فرق بین أن یقول: آجرتک لعمل کذا فی هذا الأسبوع، إذا کان العمل یحتاج إلی أسبوع من الزمان، أو أن یقول: آجرتک لأن تعمل کذا فی هذا الیوم.

ثم إنّ مثل تعیین المدة کذلک تعیین آخر زمان العمل، کأن یقول: بحیث یکون آخر العمل یوم آخر الشهر، وکذلک تعیین وسط العمل.

{نعم لا بأس بغیر المنافی، کما إذا عمل البنّاء لنفسه أو لغیره

ص:60

فی اللیل فإنه لا مانع منه إذا لم یکن موجباً لضعفه فی النهار، ومثل إجراء عقد أو إیقاع أو تعلیم أو تعلّم فی أثناء الخیاطة ونحوها

فی اللیل} فیما کان وقت الإجارة النهار {فإنه لا مانع منه إذا لم یکون موجباً لضعفه فی النهار} ضعفاً یقلّل من عمله للمستأجر، أمّا مطلق الضعف فلا مانع منه، {ومثل إجراء عقد أو إیقاع أو تعلیم أو تعلّم فی أثناء الخیاطة} التی أجّر نفسه لأجلها {ونحوها} من سائر الأعمال غیر المنافیة، کما مثّل بذلک فی الجواهر، ثم نقل عن المسالک احتمال المنع، وعن الروضة أنّ فیه وجهین، من التصرف فی حقّ الغیر، ومن شهادة الحال، وأشکل علیهما ثم استثنی بقوله: (اللّهم إلاّ أن یرید خصوص الذی تملک سائر منافعه من أفراده، لکن المتجّه فیه حینئذ المنع لکون المنفعة حینئذ مملوکة للمستأجر، وإن کان الأجیر متشاغلاً بغیرها له إلاّ مع الفحوی) انتهی.

أقول: إن کانت الإجارة شاملة لمثل هذه المنافع فاللازم المنع، وإلاّ فاللازم الجواز، وإن شک کان الأصل الجواز، للشک فی صیرورة تلک المنافع مال المستأجر، فالأصل بقاؤها علی ملک الأجیر، بل قال غیر واحد بصحة عمل العبد لمثل هذه الأعمال، لأنها لا تلازم الملک، حتی وإن أظهر المالک عدم رضاه، مثل أن یقرأ القرآن فی حال عمله للمولی، قالوا: لأنّ أدلة ملک العبد لا تشمل مثل هذه الأمور، فإنّ کلمة (الشیء) المذکورة فی الآیة

ص:61

لانصراف المنافع عن مثلها، هذا ولو خالف وأتی بعمل مناف لحق المستأجر فإن کانت الإجارة علی الوجه الأول بأن یکون جمیع منافعه للمستأجر وعمل لنفسه فی تمام المدة أو بعضها فللمستأجر أن یفسخ ویسترجع

الکریمة: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ﴾((1)) لا تشمل الذکر ونحوه.

ثم إن کانت الإجارة مطلقة لکلّ المنافع فالظاهر أنه لا تشمل أمثال هذه المنافع {لانصراف المنافع عن مثلها}، نعم إذا لم یکن انصراف لمعلومیة احتیاج المستأجر لتعلیم أولاده مثلاً، کانت داخلة فی الإجارة.

هذا کلّه تمام الکلام فی الأقسام الأربعة المتصوّرة للأجیر الخاص بشقوقها المختلفة.

{ولو خالف} الأجیر {وأتی بعمل منافٍ لحقّ المستأجر، فإن کانت الإجارة علی الوجه الأول} وهو {بأن یکون جمیع منافعه للمستأجر، وعمل لنفسه فی تمام المدة أو بعضها} المعتنی به عرفاً، لا کمثل دقیقة أو ما أشبه فإنّه وإن کان حراماً لکنه لا یترتّب علیه الآثار الآتیة، لانصراف الأدلة عن مثله، فحاله فی الأموال حال حبة من الحنطة التی لا تقابل بالمال، وإن کان غصبها حراماً موجباً للوزر.

{فللمستأجر أن یفسخ} الإجارة کلاً فیما عمل الأجیر لنفسه تمام المدة {ویسترجع

ص:62


1- سورة النحل: الآیة 75

تمام الأجرة المسماة أو بعضها

تمام الأجرة المسّماة أو} أن یفسخ بالنسبة ویسترجع {بعضها} فیما عمل الأجیر لنفسه بعض المدة، ویدل علی جواز الفسخ أنّ لزوم المعاملة ضرر علی المستأجر فلا ضرر یرفع اللزوم، وحیث إنّ کلّ معاملة تنحل فی الحقیقة إلی عدة التزامات فللمستأجر أن یفسخ البعض کما ذکروا فی باب خیار تبعّض الصفقة، ودلّ علیه النص والفتوی، بل یدل علیه أیضاً أنه مقتضی عدم التسلیم الذی علیه مبنی المعاوضة، وإشکال المستمسک فی فسخ البعض: بأنّ القاعدة تقتضی عدم التبعیض فی الفسخ، فلو فسخ کان له المسمّی وعلیه عوض البعض المستوفی، انتهی، غیر تام لما عرفت.

ثم هل له أن یفسخ البعض ویبقی البعض فی صورة عمل الأجیر لنفسه تمام المدة، احتمالان، من انحلال المعاملة إلی عدّة معاملات کما عرفت، ومن عدم الدلیل علی مثل هذا الانحلال فی المقام، وهذا أقرب.

ثم هل للأجیر خیار تبعّض الصفقة فیما فسخ المستأجر البعض، فیما کان له فسخ البعض، احتمالان، من أنّ التبعیض ضرر علیه فله الفسخ، ومن أنّ الضرر توجه علیه بفعل نفسه فلا یشمله دلیل «لا ضرر»، کما لا یشمل کل مرة أقدم علی الضرر فی المعاملة، ولذا قالوا: بأنّه لو علم أنّ قیمة المتاع دون ما یساومه علیها البائع وأقدم علی الشراء لم یکن له خیار الغبن.

هذا وربّما یحتمل فی أصل المسألة، أی صورة ما إذا عمل

ص:63

أو یبقیها ویطالب عوض الفائت من المنفعة بعضاً أو کلاً، وکذا إن عمل للغیر تبرعاً، ولا یجوز له علی فرض عدم الفسخ

الأجیر لنفسه فی تمام المدة الانفساخ، لأنه لم یسلّم العمل، فهو کتلف المبیع قبل القبض، وهذا هو الذی یستفاد من المحکی عن الشیخین وسلار وأبی صالح والنافع، لکن فیه: أنّ کون التلف قبل القبض من مال المالک إنّما هو بدلیل خاص، فلا یرفع الید عن مقتضی قاعدة لزوم الإجارة فی المقام، منتهی الأمر یجمع بین دلیل اللزوم ودلیل «لا ضرر» بالخیار، ومثل الحکم فی عمل المستأجر لنفسه فی تمام المدة عمله لنفسه فی بعض المدة.

{أو یبقیها} أی یبقی المستأجر الإجارة فلا یفسخها {ویطالب عوض الفائت من المنفعة بعضاً} فیما عمل الأجیر لنفسه بعض المدة {أو کلاً} فیما عمل الأجیر لنفسه کلّ المدة.

ثم إنّ مثل عمل الأجیر لنفسه کلّ المدة أو بعضها أن لا یعمل أصلاً فی کلّ المدة أو فی بعض المدة، لوحدة الدلیل فی المقامین، أی مقام أن عمل لنفسه أو لم یعمل أصلاً.

{وکذا إن عمل} الأجیر {للغیر تبرّعاً} لوحدة الدلیل، وإنما قلنا بأنّه له حقّ إبقاء الإجارة وطلب عوض الفائت، أی أجرة المثل، لأصالة بقاء الإجارة، وقد عرفت أنه لا دلیل علی انفساخها، وحیث فوّت الأجیر عمل المستأجر کان للمستأجر مطالبته بعوض الفائت.

{ولا یجوز له} أی للمستأجر {علی فرض عدم الفسخ

ص:64

مطالبة الغیر المتبرع له بالعوض، سواء کان جاهلاً بالحال أو عالماً، لأن المؤجر هو الذی أتلف المنفعة علیه دون ذلک الغیر، وإن کان ذلک الغیر آمراً له بالعمل

مطالبة الغیر المتبّرع له بالعوض} الجار متعلّق ب_ (مطالبة).

وفیه احتمالات أخر:

الأول: إنّ للمستأجر مطالبة أیهما شاء، کما اختاره المسالک.

الثانی: التفصیل بین جهل الغیر بالحال فلا یرجع إلیه، وبین علمه فیختار المستأجر فی الرجوع إلی أیهما شاء.

الثالث: التفصیل بین أمر الغیر للأجیر فیحقّ للمستأجر الرجوع إلی کل منهما، وبین عدم أمر الغیر فلا یحقّ للمستأجر الرجوع إلاّ إلی الأجیر.

الرابع: إنّ الضامن هو الغیر فقط.

استدل المصنّف لما ذهب إلیه حیث قال: {سواء کان جاهلاً بالحال أم عالماً، لأنّ المؤجّر هو الذی أتلف المنفعة علیه دون ذلک الغیر وإن کان ذلک الغیر آمراً له بالعمل} فدلیل «من أتلف» یشمل المؤجّر دون سواه، والعلم والجهل فی الغیر، والأمر وغیره، لا یوجبان صرف الضمان من التلف إلی غیره، فیکون الضمان هنا

ص:65

کالضمان فی کلّ متلف لمصلحة الغیر، سواء کان ذلک الغیر عالماً أو جاهلاً، آمراً أو غیر آمر.

أمّا القول الأول، فقد استدل له بأنّ کلیهما تعدّیاً علی حق المستأجر، فله أن یأخذ من أیهما شاء، وذلک لشمول دلیل الید لکلیهما، إذ حاله حال الأیادی المتعاقبة.

وفیه: مضافاً إلی أنه لا دلیل علی أنّ کلّ عدوان یوجب الضمان، أنّ دلیل الید لا یشمل المقام، إذ الغیر لم یضع الید علی مال المستأجر، فإنّ کون کلّ المنافع للمستأجر لا یلازم صدق الید الذی هو المیزان فی الضمان.

کما استدل لهذا القول أیضاً: بأنّ الغیر مستوفٍ للمنفعة فعلیه ضمانها، وأجیب بأنه لا دلیل علی أنّ کلّ استیفاء یوجب الضمان إذا لم یصدق دلیل الید.

أقول: والظاهر تمامیة هذا القول، إذ بعد فرض أنّ کلّ المنافع للمستأجر تکون هذه المنفعة أیضاً له، وحیث إنّ کلیهما وضعا الید علیها یکون کالمغصوب الذی تعدّدت علیه الأیادی، حیث یحقّ للمغصوب منه الرجوع إلی أیهما شاء، نعم فی صورة غرور المتبّرع له یکون قرار الضمان علی الأجیر لقاعدة الغرور.

وإشکال المستمسک بأنّ المنفعة لیست تحت یده لأنّ المنافع إنّما تکون تحت الید بتبع العین ذات المنفعة،

ص:66

والأجیر لیس تحت ید الغیر المتبّرع له، ففیه: إنّ المنفعة الخارجیة التی کانت للمستأجر صارت تحت ید الغیر، کما یشهد بذلک العرف، فدلیل الید یشمله.

وأمّا القول الثانی، فقد استدل لعدم الضمان فی صورة الجهل بما فی الجواهر، من أنه لا وجه للرجوع إلیه فی صورة الجهل، إذ لا یزید علی من عمل له العبد بدون إذن مولاه، ومن دون إذنه واستدعائه.

وفیه: إنّ الضمان لا یتبع العلم والجهل، لأنه من الأحکام الوضعیة، فإذا صدق دلیل الید کان ضامناً ولو کان جاهلاً، والتمثیل بالعبد منظور فیه، إذ اللازم أن یقال فی العبد أیضاً الضمان، لأن منافعه ملک الغیر، فوضع الید علیها یوجب الضمان، اللّهم إلاّ إذا کان هناک دلیل خاص بعدم الضمان، فیکون الدلیل الخاص هو الفارق.

وأمّا القول الثالث، فقد استدل له بأنّ الغیر بأمره یکون هو المستوفی للعمل الذی هو ملک المستأجر فعلیه عوضه، بخلاف ما إذا لم یأمر، وفیه: إنّ الاستیفاء حاصل فی الصورتین، ودلیل الید یشملهما، والآمر بمجرده ما لم یکن الآمر أقوی من المباشر لا دلیل لضمانه، فإن کان الاستیفاء فهو حاصل فیهما، وإن کان کون الآمر أقوی من المباشر فهو لا یحصل إلاّ فی بعض موارد الأمر.

ص:67

إلا إذا فرض علی وجه یتحقق معه صدق الغرور، وإلا فالمفروض أن المباشر للإتلاف هو الموجر، وإن کان عمل للغیر

وأمّا القول الرابع، فکأنه لأنّ المنفعة ما دامت لم تظهر لم تکن تحت الأجیر، وإذا ظهرت فالمفروض أنها تحت ید الغیر، فدلیل الید یشمله دون الأجیر، وفیه: إن العرف یری مرور ید الأجیر علیه، فضلاً عن صورة وضع یده علیها بعد الظهور وقبل إعطائها للغیر.

ثم إنّ المصنّف (رحمه الله) استثنی من إطلاق عدم ضمان الغیر بقوله: {إلاّ إذا فرض} کون الغیر آمراً {علی وجه یتحقّق معه صدق الغرور} فیشمله دلیل «المغرور یرجع إلی من غرّ» حیث أنّ الأجیر المغرور فیرجع إلی الآمر الغار، ولعلّ وجه الاستدلال حینئذ لرجوع المستأجر إلی الغیر أنه حیث یصحّ رجوع الأجیر یصحّ رجوع المستأجر، لأنّ البدل بالآخرة یدخل کیس المستأجر.

ومنه: یظهر وجه النظر فی قول المستمسک: إن صدق الغرور إنّما یصحح رجوع الأجیر وهو المغرور إلی الغار، ولا یصحح رجوع المستأجر علیه، لعدم کونه مغروراً، فتأمل.

{وإلاّ} یصدق الغرور {فی} حقّ المستأجر فی الرجوع إلی الغیر إذ {المفروض أنّ المباشر للإتلاف هو المؤجّر} فقط.

هذا کلّه فیما إذا عمل الأجیر للغیر بعنوان التبرّع، {وإن کان عمل للغیر

ص:68

بعنوان الإجارة أو الجعالة فللمستأجر أن یجیز ذلک ویکون له الأجرة المسماة فی تلک الإجارة أو الجعالة، کما أن له الفسخ والرجوع إلی الأجرة المسماة

بعنوان الإجارة أو الجعالة} أو نحوها کالشرط فی ضمن عقد لازم {فللمستأجر أن یجیز ذلک} العقد ونحوه {ویکون له الأجرة المسمّاة فی تلک الإجارة أو الجعالة} وفی صورة الشرط ما یقع فی مقابل الشرط من الأجرة حسب المتعارف، لأنّ الشرط أیضاً جزء من الأجرة، فتأمّل.

وإنّما یحقّ له الإجارة لتلک المعاملة لأنها معاملة وقعت علی ماله فهو فضولی، ویکون للممالک أن یجیز، للأدلة الدّالة علی صحة إجازة المالک للفضولی.

ثم إنه لا فرق فی ذلک بین أن تکون المعاملة علی ما فی الذمة أم لا، إذ ما فی الذمة وإن لم یکن ملکاً للغیر لکن المعاملة علی ما فی الذمة ینافی حقّ الغیر، فلابد من إجازته، وکذا علّله فی المستمسک، وفی الجواهر ما یستفاد منه أنه من الواضحات حیث قال فی مثل المقام: (إنه باعتبار حصره علیه بالمباشرة والمدة کالشخصی وجری علیه حکم الفضولیة وغیرها کما هو واضح) انتهی.

{کما أنّ له الفسخ} لعقد نفسه {والرجوع إلی الأجرة المسمّاة} التی قررها للأجیر، وذلک لأنّ إلزامه بهذا العقد ضرر علیه، فدلیل «لا ضرر» یرفع الإلزام، کما ذکروا فی باب الخیارات أمثال خیار الغبن، وقد تقدم هنا توضیحه، بالإضافة إلی أنّ

ص:69

وله الإبقاء ومطالبة عوض المقدار الذی فات، فیتخیر بین الأمور الثلاثة،

الأجیر لم یسلّم ما علیه الذی هو مبنی المعاوضة، {وله الإبقاء ومطالبة عوض المقدار الذی فات} بأن یطالب الأجیر بذلک لأنه فوّت حقّه، وقد تقدم ذهاب المسالک إلی تخییره بین الرجوع إلی کل من الأجیر والمستأجر الثانی، وأنّ ما ذکره هو الأقرب.

وعلی هذا {فیتخیر} المستأجر الأول {بین الأمور الثلاثة}، وفی تعلیقه السید البروجردی (رحمه الله): (بل وبین رابع، وهو إبقاء إجارة نفسه وردّ الإجارة الثانیة، والرجوع علی مستأجرها بأجرة مثل العمل) انتهی.

وهو کلام متین، وعلی هذا فإذا استأجر الأجیر بمائة واستأجر الثانی بخمسین وأجرة مثل عمله للثانی بعشرین وأجرة مثل عمله للأول بثلاثین، یکون له الحقّ فی أیها شاء، المائة بفسخه إجارة نفسه، والخمسین بإجازته الإجارة الثانیة، والثلاثین بإبقائه إجارة نفسه ومطالبة الأجیر بما فوّت علیه، والعشرین بإبقائه إجارة نفسه ومطالبة المستأجر بما فوّت علیه.

وتنظیم الصور الأربع هکذا:

إنّ المستأجر إمّا أن یفسخ إجارة نفسه، أو یبقی إجارة نفسه، وإن أبقی إجارة نفسه فإمّا أن یجیز الإجارة الثانیة، أو لا یجیز الإجارة الثانیة، وإن لم یجز الإجارة الثانیة فله أن یرجع إلی الأجیر، وله أن یرجع إلی المستأجر الثانی، وعلیه فإحدی الصور فیما إذا فسخ إجارة نفسه

ص:70

وثلاث صور فیما إذا أبقی إجارة نفسه، وإذا أبقی فصورة إذا أجاز الثانیة، وصورتان إذا لم یجز الثانیة.

أمّا ما ذکره السید البروجردی بعد تعلیقه السابق بقوله: (ثم إن أخذ عوض المثل أو المسمّی فی هذه الفروض نحو استیفاء لمنفعة الأجیر فمع تمکن المستأجر منه بلا عسر ولا ضرر لا یبعد عدم جواز فسخ عقد نفسه) انتهی، فیه إشکال، إذ ذلک إنما یتم فیما کان متعلّق الإجارة أعمّ من مثل هذه المنفعة، ولم یکن قصد المستأجر فی الإجارة المنفعة التی یریدها المستأجر، بل کان أعم من المنفعة التی یریدها المستأجر أو یریدها الأجیر، وإلاّ بأن کان قصده المنفعة التی یریدها المستأجر فإنّ ذلک لم یتحقّق، وبعدم تحققّه یکون له الفسخ، وحیث إن الغالب فی إجارة إنسان لجمیع منافعه أن یکون قصد المستأجر هو ما یریده المستأجر لا الأجیر، یکون له حقّ الفسخ مطلقاً، کما ذکره المصنّف.

نعم لو کان الاستئجار بحیث یکون لکلّ من المستأجر والأجیر اختیار المنفعة التی یتوخّونها لم یکن له حقّ الفسخ.

ثم إنه لو عمل الأجیر لنفسه فی المدة المعینة فقد جعله الجواهر کالعمل لغیره تبرّعاً، لکن الظاهر أنّ المستأجر مخیر بین الفسخ والرجوع إلی أجرة المسمّی، والإبقاء للإجارة والرجوع إلی أجرة المثل، والإبقاء للإجارة والرجوع إلی قیمة العمل الذی أنجزه لنفسه، مثلاً لو نجّر النجار لنفسه باباً یساوی نجره له خمسة

ص:71

دنانیر، ولکن کان أجرة مثل هذا النجار فی الیوم دینارین، وقد استأجره المستأجر بدینار، فإنّه یتخیر بین الفسخ والرجوع إلی دیناره، وبین إبقاء الإجارة والرجوع إلی دینارین، أو الرجوع إلی خمسة دنانیر.

کما أنه له الرجوع إلی نفس العمل، بأن یصبح شریکاً للنجار فی بابه الذی نجره، بأن یکون له الخشب وللمستأجر الصنع، فإذا نجر خشبة مباحة لم یقصد حیازتها جاز للمستأجر حیازتها وله الخشب والصنع، وقد ظهر مما تقدم دلیل هذه الوجوه.

ثم إنه لو حاز المباحات فی المدة المذکورة فعن الروضة إنه قال: لو حاز شیئاً من المباحات بنیة التملّک ملک، وکان حکم الزمان المصروف فی ذلک ما ذکرناه، أی الرجوع إلی أجرة المثل إن لم یفسخ العقد، وأشکل علیه فی الجواهر قائلاً: (وفیه إنه یمکن دعوی ملکیة المباح للمستأجر إذا کان أجیراً خاصاً مملوکة سائر منافعه علی وجه یندرج فیه حیازة المباحات، أو کان أجیراً خاصّاً بالنسبة إلیها)، إلی آخره.

أقول: ولا بأس بما ذکره الجواهر، وعلیه فلا یکون للمستأجر الفسخ، إذ لم یفعل الأجیر خلاف الإجارة، لفرض شمول الإجارة لمثله، ومن هنا یمکن أن یقال: إنّ کلام الشهید فی غیر مفروض کلام الجواهر، لأنّ فرض الشهید إنّما هو فیما

ص:72

وإن کانت الإجارة علی الوجه الثانی، وهو کون منفعته الخاصة للمستأجر، فحاله کالوجه الأول، إلا إذا کان العمل للغیر علی وجه الإجارة أو الجعالة ولم یکن من نوع العمل المستأجر علیه، کأن تکون الإجارة واقعة علی منفعة الخیاطی

یکون للمستأجر الفسخ، فالنزاع بینهما شبه اللفظی، {وإن کانت الإجارة علی الوجه الثانی} من الوجوه الأربعة {وهو کون منفعته الخاصة للمستأجر} کأن یستأجره لأن تکون خیاطته له ثم خالف، فالمخالفة علی ثلاثة أقسام:

الأول: أن لا یعمل أصلاً فی المدة المذکورة، وحینئذ یکون للمستأجر الخیار فی إبقاء الإجارة والرجوع إلیه بأجرة المثل، وفی فسخ الإجارة والرجوع إلیه بأجرة المسمّی.

الثانی: أن یعمل للغیر تبرّعاً، أو أن یحوز المباحات مثلاً، وقد تبین حالها من الصور السابقة.

الثالث: أن یعمل للغیر علی وجه الإجارة والجعالة {فحاله کالوجه الأول} من أنّ للمستأجر أن یتّخذ أحد الإجراءات الأربعة التی ذکر المصنّف ثلاثة منها، وذکر السید البروجردی الوجه الرابع.

{إلاّ إذا کان العمل للغیر علی وجه الإجارة أو الجعالة ولم یکن} العمل الثانی {من نوع العمل المستأجر علیه، کأن تکون الإجارة واقعة علی منفعة الخیاطی} فاستأجرة المستأجر الأول لیخیط له فی المدة المقرّرة

ص:73

فأجر نفسه للغیر للکتابة أو عمل الکتابة بعنوان الجعالة، فإنه لیس للمستأجر إجازة ذلک، لأن المفروض أنه مالک لمنفعة الخیاطی فلیس له إجازة العقد الواقع علی الکتابة، فیکون مخیراً بین الأمرین من الفسخ واسترجاع الأجرة المسماة، والإبقاء ومطالبة عوض الفائت.

{فأجّر نفسه للغیر للکتابة أو عَمَلَ} بصیغة الماضی {الکتابة بعنوان الجعالة، فإنّه لیس للمستأجر إجازة ذلک} العقد الثانی {لأن المفروض أنه} أی المستأجر الأول {مالک لمنفعة الخیاطی فلیس له إجازة العقد الواقع علی الکتابة} إذ لا یملک المستأجر الأول الکتابة حتی یکون بیده إجازتها أو فسخها.

{فیکون} المستأجر الأول حینئذ {مخیراً بین الأمرین، من الفسخ واسترجاع الأجرة المسمّاة، والإبقاء ومطالبة عوض الفائت} أی أجرة المثل.

هذا وأشکل علیه فی المستمسک: بأنه إذا فرضنا أن الإجارة الثانیة منافیة للإجارة الأولی وجب البناء علی توقّف صحتها علی إجازة المستأجر الأول، ولا تتوقّف صحة الإجازة علی کون موضوع العقد المجاز ملکاً للمجیز، فإنّه تصح إجازة المرتهن لبیع الرهن وإن لم یکن ملکاً له، إلی آخره.

ثم أشکل فی الإجازة من جهة ثانیة بقوله: (بناءً علی ما عرفت من امتناع ملک المنفعتین المتضادّتین إذا وقعت الإجارة الثانیة علی المنفعة المضادّة لما وقعت علیه الإجارة الأولی، یشکل

ص:74

القول بصحتها حتی مع إجازة المستأجر الأول، لأنها لیست مملوکة للأجیر، فلا یمکن أن یملک عوضها)، انتهی.

والحاصل أنّ المصنّف والمستمسک کلیهما متّفقان علی عدم صحة الإجازة، لکنّ المصنّف یری أنّ عدم الصحة من جهة أنّ المستأجر لا یملک ذلک، والمستمسک یری أنّ عدم الصحة من جهة أنّ الأجیر لا یملک ذلک.

أقول: إنّ إجازة المستأجر قد یکون معناها رفع یده عن حقّه، من قبیل الإعراض عن العین بإلقائها فی الشارع، وقد یکون معناها التصالح بأخذ أجرة المثل لما فاته من العمل، وقد یکون معناها التصالح بأخذ الأجرة الجدیدة التی یعطیها المستأجر الثانی مقابل حقّه فی الخیاطة، وکلّ ذلک لا بأس به.

نعم إذا کان معنی الإجازة جمع الأجیر بین الأجرة عن المستأجر الأول والأجرة عن المستأجر الثانی بدون إعراض المستأجر الأول عن الأجرة، کان لازم ذلک ملک المنفعتین المتضادتین، وعلی هذا تصحّ الإجازة فی بعض الصور، وتبطل فی بعض الصور، لا أنّ البطلان مطلقاً، کما یظهر من الحکیم والمصنف.

أمّا ما ذکره السید الجمّال من تعلّق الإجارة الواردة علی أحد المنافع المتضادّة بالقدر المشترک الذی کان المؤجّر مالکاً له، فالإجارة الثانیة ترد

ص:75

وإن کانت علی الوجه الثالث فکالثانی، إلا أنه لا فرق فیه فی عدم صحة الإجازة بین ما إذا کانت الإجارة أو الجعالة واقعة علی نوع العمل المستأجر علیه أو علی غیره، إذ لیست منفعة الخیاطة مثلا مملوکة للمستأجر حتی یمکنه إجازة العقد الواقع علیها، بل یملک عمل الخیاطة فی ذمة المؤجر

علی ملکه المستأجر الأول وتصلح للإجارة من المستأجر الأول لذلک، ففیه: ما تقدم فی أول هذه المسألة فراجع.

{وإن کانت} الإجارة الأولی {علی الوجه الثالث} من الوجوه الأربعة، وهو أن أجّر نفسه لعمل مباشرة مدة معینة، بأن کانت الإجارة للعمل الذی هو السبب لا المنفعة التی هی المسبّب کما تقدم توضیحه، {ف_} الحکم فیه {کالثانی} أی الوجه الثانی، فیما إذا عمل الأجیر لغیر المستأجر الأول، {إلاّ أنه لا فرق فیه} أی فی هذا الوجه {فی عدم صحة الإجازة} الثانیة ولو أجازها المستأجر الأول {بین ما إذا کانت الإجارة أو الجعالة واقعة علی نوع العمل المستأجر علیه}، مثلاً استأجره الأول لعمل الخیاطة ثم استأجره الثانی للخیاطة أیضاً.

{أو علی غیره} کما لو استأجره الثانی للکتابة مثلاً، {إذ لیست منفعة الخیاطة مثلاً مملوکة للمستأجر حتی یمکنه إجازة العقد الواقع علیها، بل یملک عمل الخیاطة فی ذمة المؤجر} لکن عرفت ما فی هذا الإشکال فی الوجه الثانی، مضافاً إلی أنه یمکن أن

ص:76

وإن کانت علی الوجه الرابع، وهو کون اعتبار المباشرة أو المدة المعینة علی وجه الشرطیة لا القیدیة، ففیه وجهان: یمکن أن یقال بصحة العمل للغیر بعنوان الإجارة أو الجعالة من غیر حاجة إلی الإجازة، وإن لم یکن جائزاً

یقال: إنّ الأجارة الثانیة إن کانت واقعة علی عمل الخیاطة یلزم أن یکون حاله حال الوجه الثانی عند المصنّف أیضاً، لأنّ عمل الخیاطة مملوک للمستأجر، فالتعلیل المذکور فی کلامه یناسب ما إذا کانت الإجارة علی المنفعة لا علی العمل، فتأمّل.

وقد أطال المستمسک هنا بما حاصله یرجع إلی ما ذکرناه فی الجملة، مع ورود الإشکال المذکور فی الوجه الثانی هنا علیه أیضاً، فراجع.

{وإن کانت} الإجارة الأولی {علی الوجه الرابع} من الوجوه الأربعة {وهو کون اعتبار المباشرة أو المدة المعینة} أو کلیهما {علی وجه الشرطیة لا القیدیة} بخلاف الأقسام الثلاثة السابقة التی کانت الإجارة علی وجه القیدیة {ف_} إن خالف الأجیر وعمل للغیر کان {فیه وجهان}: صحة المعاملة الثانیة وبطلانها، {یمکن أن یقال بصحة العمل للغیر بعنوان الإجارة أو الجعالة من غیر حاجة إلی الإجازة} من المستأجر الأول {وإن لم یکن جائزاً} ولا منافاة بین الصحة وعدم الجواز کما ذکروا فی باب

ص:77

من حیث کونه مخالفة للشرط الواجب العمل، غایة ما یکون أن للمستأجر خیار تخلف الشرط ویمکن أن یقال بالحاجة إلی الإجازة لأن الإجارة أو الجعالة منافیة لحق الشرط، فتکون باطلة بدون الإجازة.

البیع عند نداء یوم الجمعة((1)) لأنّ النهی لم یتعلّق بأحد أرکان المعاملة بل بأمر خارج.

وإنّما قلنا بأنه غیر جائز {من حیث کونه مخالفة للشرط الواجب العمل، غایة ما یکون أن للمستأجر خیار تخلف الشرط} وفیه: إنّ الشرط یفید الموضع، فللشارط إبطال المعاملة أو إجازتها، ولذا قال غیر واحد من المعلّقین: إنّه لا سبیل إلی توجیه هذا الوجه، وإن قال ابن العم فی تعلیقته: أقواهما الصحة.

{ویمکن أن یقال بالحاجة إلی الإجازة أو الجعالة منافیة لحقّ الشرط فتکون باطلة بدون الإجازة}، وفی تعلیقة السید البروجردی: (إحداث وجه ثالث هو عدم الصحة حتی مع الإجازة أیضاً، إذ الإجازة بمعنی إمضاء العقد لنفسه لا موقع لها، وبمعنی إسقاط ما استحقّه بالشرط توجب تجدّد سلطنة الأجیر بعدها، فلا تنفع فی صحة ما وقع منه قبلها)، انتهی.

أقول: الأقرب هو الوجه الثانی، والوجه الثالث محل منع علی کلا شقیه.

أمّا الشقّ الأول: فلأنه من باب بیع الغاصب لنفسه الذی

ص:78


1- انظر کتاب البیع _ المعاطاة، للمؤلف، طبع دار العلوم بیروت

ذهب إلی صحته غیر واحد إذا أجاز المالک، بل الأمر هنا أهون، لأنّ للمستأجر تشبّثاً بالإجارة الثانیة.

وأمّا الشقّ الثانی: فلأنّه من باب من باع ثم ملک، بل هو أهون منه، فمن قال بصحته هناک یقول بصحته هنا، بل یمکن أن یقال: إنّه من باب الفضولی العادی الذی لا إشکال فی صحتّه، وهذا هو الأقرب.

ثم الظاهر أنه یحقّ للمستأجر الأول أن یسقط شرطه فی مقابل شیء یأخذه من الأجیر أو المستأجر الثانی.

نعم لا یحقّ له فی إجبار أیهما بأعطاء شیء، بل له إجبار الأجیر بالوفاء بالشرط.

ثم إنّه لو عمل الأجیر للمستأجر الثانی فیما قلنا ببطلان الإجارة کان اللازم القول بأجرة المثل، أو أقل الأمرین، لقاعدة «ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده».

بقی شیء، وهو أنّ ذکر الجعالة بصورة مطلقة فی عداد الإجارة فی الصور الأربع کلّها محل إشکال.

ص:79

مسألة 5 موارد جواز العمل للغیر

(مسألة 5): إذا أجر نفسه لعمل من غیر اعتبار المباشرة ولو مع تعیین المدة، أو من غیر تعیین المدة ولو مع اعتبار المباشر، جاز عمله للغیر ولو علی وجه الإجارة قبل الإتیان بالمستأجر علیه، لعدم منافاته له

(مسألة 5): {أذا أجّر نفسه لعمل من غیر اعتبار المباشرة ولو مع تعیین المدة، أو من غیر تعیین المدة ولو مع اعتبار المباشرة} علی سبیل منع الخلو، أو بلا تعیین المدة ولا المباشرة.

وعدم التعیین قد یکون بالنص، وقد یکون للإطلاق الذی لا ینصرف إلی أحد الأمرین، {جاز عمله} لنفسه و{للغیر ولو علی وجه الإجارة} أو بدونها کالتبرّع، أو سائر أقسام العقود، کما یجوز ترکه العمل.

لکن من الواضح أنّ المراد عدم العمل أو الإجارة المستغرقین لتمام المدة، مثل أن یؤجّر نفسه لزید لأن یعمل له سنة مثلاً، ثم یؤجّر نفسه لعمرو لأن یعمل له آخر عمره مثلاً، کما ذکره الجواهر، ونقله عن الریاض.

وکذا بالنسبة إلی المباشرة، فإنّ ذلک إنما هو فیما إذا وجد آخر یتمکن من هذا العمل، أمّا إذا أجّر نفسه لأن یعمل لزید عملاً فی هذا الشهر، وفی هذا الشهر لا یوجد إنسان آخر یعمل ذلک العمل، إمّا لعدم وجود إنسان آخر أو لعدم معرفته بهذا العمل، لم یکن له العمل للغیر، للمنافاة التی هی مبنی الامتناع فی المسألة السابقة.

{قبل الإتیان بالمستأجر علیه، لعدم منافاته له} أی عدم

ص:80

من حیث إمکان تحصیله لا بالمباشرة أو بعد العمل للغیر، لأن المفروض عدم تعیین المباشرة أو عدم تعیین المدة، ودعوی أن إطلاق العقد من حیث الزمان یقتضی وجوب التعجیل ممنوعة، مع أن لنا أن نفرض الکلام فیما لو کانت قرینة علی عدم إرادة التعجیل.

منافاة العمل الثانی للعمل الأول حتی یمنع الأول عن الثانی، {من حیث إمکان تحصیله لا بالمباشرة} فیما لم یشترط المباشرة {أو بعد العمل للغیر} فیما لم یعین زمان العمل للمستأجر الأول، {لأنّ المفروض عدم تعیین المباشرة أو عدم تعیین المدة}.

کما أنّ من الواضح أنه لو عین المباشرة والمدة لکن لم یکن تزاحم بین العملین، ککون الأجرة الثانیة فی مقابل إجراء عقد لفظی، بینما کانت الإجارة الأولی لأجل عمل جسمی، أو کون المدة فی الأولی متأخرة، مثلاً أجّر نفسه لزید فی السنة الآتیة ولعمرو فی هذه السنة أو مطلقاً لم یکن بذلک بأس.

{ودعوی أنّ إطلاق العقد} الأول {من حیث الزمان یقتضی وجوب التعجیل ممنوعة}، هذا خلاف ما ذکره فی المسألة الخامسة من الفصل الأول، کما نبّه علیه السید الحکیم (رحمه الله) {مع أنّ لنا أن نفرض الکلام فیما لو کانت قرینة علی عدم إرادة التعجیل} إذ المقصود أن لم یکن تعجیل فی الإجارة الأولی سواء کان بالنص أو القرینة.

ثم إنه لو أجّر نفسه إجارتین مطلقتین من حیث المدة أو

ص:81

المباشرة یجوز له تقدیم أیهما شاء ومباشرة أیهما شاء، کما یحقّ له أن یأخذ شیئاً إضافیاً للمباشرة أو للتقدیم، لأنّ الأجیر لا یجب علیه ذلک.

ولو کانت الإجارة مقیدة بالمباشرة أو التعجیل فخالف، بأن أعطاه لغیره فعمله أو أخّره، فإن کان ذلک علی نحو القید لم یستحقّ شیئاً، لأنه لم یأت بمقتضی الإجارة ولیس له حتی أجرة المثل، ولا مجال لقاعدة ما یضمن بصحیحه، لأنّه لم یکن ضامناً فی تلک المدة التی أتی بالعمل فیها، ولا لذلک العمل الذی باشره الغیر، وإن کان علی نحو الشرط کان للمستأجر إسقاط الشرط ببدل أو غیر بدل، فیکون علیه تمام الأجرة، کما کان له الأخذ بالشرط وفسخ العقد.

ثم إنّ الإجارة لو کانت مطلقة غیر منصرفة إلی التعجیل فإنّ إبطاء المؤجّر أزید من المتعارف کان للمستأجر إلزامه ولو بواسطة الحاکم، فإن لم یتمکن من إلزامه کان له الفسخ، لأنّ الالتزام بمثل هذا العقد ضرر، فدلیل «لا ضرر» رافع للإلزام، کما ذکروا مثله فی خیار الغبن ونحوه، وقد أطال الجواهر فی نقل الأقوال والمناقشة فی هذه المسألة، فراجع.

ولو أجّر نفسه من أول الشهر فاختلف أول الشهر فی قطرین، فإن کان انصراف إلی أول الشهر الذی یکون فی محل

ص:82

العقد اتّبع، وإلاّ جاز له العمل فی أول الشهر فی القطر الثانی الذی هو فیه الآن، کما إذا أجّر نفسه لقضاء صلوات أبیه من أول الشهر، وکذا بالنسبة إلی أول الیوم حیث یختلف بحسب اختلاف الأفق.

ص:83

مسألة 6 تخلف الشرط عن المشروط

(مسألة 6): لو استأجر دابة لحمل متاع معین شخصی أو کلی علی وجه التقیید

(مسألة 6): {لو استأجر دابة لحمل متاع معین شخصی} کهذا المتاع الخارجی {أو کلّیّ} کوزنة من الحنطة {علی وجه التقیید} لا أنه کان التعیین من باب المثال، لأنه إذا کان علی وجه المثال کان له أن یحمّلها غیر ذلک المتاع، وعلیه یحمل کلمات الفقهاء الذین أجازوا زرع غیر المعین.

فعن التذکرة أنه قال: (إنّ القول بأنّ له أن یزرع ما عینه وما ضرره کضرره أو أدون، ولا یتعین ما عینه قول عامة أهل العلم إلاّ داود وباقی الظاهریة، فإنهم قالوا: لا یجوز له زرع غیر ما عینه حتی لو وصف الحنطة بأنها حمراء لم یجز أن یزرع البیضاء).

وعن جامع المقاصد أنّ جواز العدول هو المشهور بین عامة الفقهاء، إلی غیر ذلک من کلماتهم، ولذا وجّهها فی محکی مفتاح الکرامة بقوله: (وجه القول بجواز العدول أنّ الغالب المعروف المألوف أنّ الفرض المقصود فی الإجارة للمالک تحصیل الأجرة خاصة، وهی حاصلة علی التقادیر الثلاثة، فکلام أهل العلم مبنی علی الغالب المعروف)، انتهی.

ولا أنه کان التعیین من باب الشرط، فإنّه حینئذ لو خالف یکون للمالک إسقاط شرطه وله أجرة المسمّی، وله أن یأخذ

ص:84

فحملها غیر ذلک المتاع أو استعملها فی الرکوب، لزمه الأجرة المسماة وأجرة المثل لحمل المتاع الآخر أو الرکوب.

بشرطه ویبطل المعاملة وتکون حینئذ له أجرة المثل أو أقل الأمرین علی التفصیل المتقدم فی بعض المسائل السابقة، وله أن یطالب بالشرط ویکون حاله حال القید کما سیأتی.

{فحمّلها غیر ذلک المتاع أو استعملها فی الرکوب} والعکس بأن استأجرها للرکوب فحمّلها المتاع، أما لو حمّلها الأزید کمن کان استأجرها لحمل وزنة حنطة فحمّلها وزنة ونصفاً، فقد تقدم فی بعض المسائل فیه احتمالان، أجرة المثل للمجموع، أو أجرة المسمّی وأجرة المثل بالنسبة إلی الزیادة، أو أجرة المسمّی وبنسبة أجرة المسمّی للزیادة، أو أجرة المسمّی وأجرة المثل للمجموع معاً.

وکیف کان، ففی المقام قال المصنّف: {لزمه الأجرة المسمّاة وأجرة المثل} أمّا أجرة المسمّی فلمقتضی المعاملة، وأمّا أجرة المثل ف_ {لحمل المتاع الآخر أو الرکوب} فیکون حاله حال ما إذا استأجر داراً ثم لم یجلس فیها، فإنّ علیه الأجرة وإن لم ینتفع بالدار، فهو لم ینتفع بالدابّة فی مورد الإجارة، وحیث کان انتفاعه بها فی غیر مورد الإجارة من قبیل الغصب کان علیه أجرة المثل.

ومثله لو استأجر الدار وکان صاحبها جالساً فیها وقال: أنا أجلس حتی تأتی أنت لأفرغها لک، وقبل المستأجر ولم یأت حتی انتهت المدة، فإنّ علیه إعطاء الإجارة مع أنّ المالک انتفع بالدار

ص:85

وکذا لو استأجر عبداً للخیاطة فاستعمله فی الکتابة، بل وکذا لو استأجر حراً لعمل معین فی زمان معین وحمله علی غیر ذلک العمل مع تعمده، وغفلة ذلک الحر واعتقاده أنه العمل المستأجر علیه.

نفعین نفع الإجارة ونفع الجلوس فیها.

{وکذا لو استأجر عبداً للخیاطة فاستعمله فی الکتابة} أو استأجر داراً للسکنی فاستعملها حانوتاً {بل وکذا لو استأجر حرّاًً لعمل معین فی زمان معین، وحمله علی غیر ذلک العمل مع تعمّده وغفلة ذلک الحرّ واعتقاده أنه العمل المستأجر علیه}.

أمّا إذا لم یکن العمل معیناً لم یکن موضوع للمسألة، إذ للمستأجر أن یستعمله فیما شاء، وإذا لم یکن الزمان معیناً لم یکن استعماله فی زمان ما فی شیء آخر خلافاً للإجارة، بل للحرّ علیه أجرة مثل ذلک العمل الذی عمله، وللمستأجر علی الحرّ العمل الذی استأجره علیه.

وأمّا قید التعمّد، فلأنّه إذا لم یکن متعمّداً فی تحمیله عملاً آخر، بل زعم أنه العمل الذی استأجره علیه، یکون هناک تهاتر قهری، إذ یطلب الأجیر من المستأجر قیمة هذا العمل الثانی ویطلب المستأجر من الأجیر قیمة العمل المستأجر علیه ویتهاتران إلاّ فی المقدار الزائد من أحدهما علی الآخر، فإن من استوفی الزائد علیه أن یدفعه إلی صاحبه، فتأمّل.

ص:86

ودعوی أن لیس للدابة فی زمان واحد منفعتان متضادتان، وکذا لیس للعبد فی زمان واحد إلا إحدی المنفعتین من الکتابة أو الخیاطة، فکیف یستحق أجرتین، مدفوعة بأن المستأجر بتفویته علی نفسه واستعماله فی غیر ما یستحق کأنه حصل له منفعة أخری.

وأما قید غفلة الحرّ، فلأنّ الحرّ إن لم یکن غافلاً بل أتی بالعمل المخالف وهو یعلم أنه مخالف للمستأجر علیه، فإنّه لا یکون وفاءً حتی یستحقّ فی مقابله الأجرة، ولا مالکاً لهذا العمل المأتی به حتی یشمله احترام عمل المسلم، إذ لا یملک الأجیر هذا العمل بعد أن استغرق زمانه بعمل آخر استؤجر علیه، هذا وللنظر فی هذه القیود مجال واسع.

{و} کیف کان ف_ {دعوی أنه لیس للدابّة فی زمان واحد منفعتان متضادّتان، وکذا لیس للعبد فی زمان واحد إلاّ إحدی المنفعتین من الکتابة أو الخیاطة، فکیف یستحق} صاحب العبد أو الدابّة {أجرتین مدفوعتین، بأنّ المستأجر بتفویته علی نفسه} المنفعة التی استأجرهما لها {واستعماله} الدابة والعبد {فی غیر ما یستحقّ کأنه حصل له منفعة أخری} ویکون کالمثالین المتقدمین من إخلاء الدابة، أو سکن المالک الدار حیث انتفع هو بالدار وأخذ أجرتها أیضاً.

ثم لا یخفی أنّ المسألة مربوطة بباب الغصب فی الجملة، وقد ذکر الجواهر هناک والمستمسک هنا تفصیلاً طویلاً حول

ص:87

المسألة، وکذا ذکر مفتاح الکرامة وغیره شققاً واحتمالات فی المسألة، والذی ینبغی أن یقال هنا ممّا یرتبط بالمقام أنّ للإجارة صوراً:

الأولی: أن تکون الأجرة فی مقابل الانتفاع الرکوبی مثلاً علی وجه القید، فإذا لم یکن رکوب بطلت الإجارة، وحینئذٍ تکون للمالک أجرة المثل.

الثانیة: أن تکون الأجرة فی مقابل الانتفاع السالب لغیر الرکوب، بمعنی أنه لا یحقّ له غیر الرکوب، أمّا الرکوب فلا یلزم علیه، والفرق بینها وبین الأولی أنّ فی الصورة الأولی یجب علیه الرکوب حتی لا یحقّ له ترک الرکوب، کما لا یحقّ له حمل شیء علیها، وفی هذه الصورة یحقّ له ترک الرکوب، ولکن لا یحقّ له حمل شیء علیها، کلّ ذلک علی وجه القیدیة، وحینئذ فإن رکب أو لم یرکب ولم یحمل علیها شیء یکون علیه المسمّی، أمّا إذا حمل علیها فالإجارة باطلة ویکون علیه المثل.

الثالثة: أن تکون الإجارة فی مقابل أصل الانتفاع الأعمّ من الرکوب والحمل، ولکن بشرط الرکوب من باب الالتزام فی الالتزام، حتی أنه إذا لم یف بالشرط کان للمالک حقّ الفسخ لا أن الإجارة باطلة، وحینئذ فالشرط علی نوعین:

ص:88

الأول: أن یکون الشرط سلبیاً، أی لا یحمل علیها، أمّا من جهة الرکوب فله الخیار فی أن یرکب أو یبقیها فارغة من کلّ من الرکوب والحمل، وحینئذ فإن رکب أو أبقاها فارغة من الحمل والرکوب کان علیه المسمّی، وإن حمل علیها کان المالک بالخیار بین الفسخ حسب الشرط فله أجرة المثل، أو الإمضاء وإسقاط الشرط فله أجرة المسمّی، أو الإمضاء مع المطالبة بالشرط المقتضیة تلک المطالبة لأخذ التفاوت، إن کان هناک تفاوت بین الرکوب المشروط والحمل الذی حملها به، أمّا إذا لم یکن تفاوت لم یکن له شیء إلاّ العصیان، حیث خالف الشرط إذا صدر منه عمداً، والضمان إذا أصاب الدابّة عطب أو ما أشبه.

الثانی: أن یکون الشرط سلبیاً وإیجابیاً، أی لا یحمل علیها ویرکبها، بأن لا یبقی الدابة فارغة، فإذا خالف بترک الرکوب والحمل کان للمالک الفسخ وأجرة المثل، أو الإمضاء وإسقاط الشرط فالمسمّی، أو الإمضاء ومطالبة الشرط المقتضیة لأخذ التفاوت إن کان تفاوت، کما إذا کانت الدابّة إذا لم تحمل ولم ترکب کان أجرها أکثر من جهة من الجهات، کما فی السفینة إذا خلت، أو الدار إذا خلت یسرع إلیها الخراب مثلاً، وإذا خالف بالحمل علیها أو الحمل والرکوب معاً کان للمالک إحدی الثلاثة المذکورة.

ص:89

هذا، أمّا ذکره المصنّف من الأجرتین فمضافاً إلی أن اللازم الذی یظهر من تشقیقنا السابق أن یکون کلاماً خاصاً ببعض الصور المذکورة لا کلها، وإلی ما ذکره السیدان البروجردی والحکیم من أنه لم یعرفا من أحد فتوی بذلک، ولا وجهاً مذکوراً فی کلامهما، إنه غیر تام، إذ لا یملک الإنسان إلاّ المنفعة المطلقة القابلة الانطباق علی کلّ منفعة منفعة، وحیث لا یملک منفعتین فی حال واحد فلا معنی لأن تکون له أجرتان.

أمّا ما تقدم من النقض بما إذا بقی فی الدار بإذن المستأجر، ففیه إنه منفعة واحدة کانت للمستأجر فی مقابل الأجرة أباحها للمالک، فالمالک لم تکن منفعتان لداره، بل له منفعة واحدة هی الأجرة، والسکنی کانت منفعة مال المستأجر، کما إذا اشتری من زید خبزاً بعشرة فلوس، ثم أباح الخبز لیأکله البائع، فإنه لا یصدق علی ذلک أن المالک کانت له منفعتان لخبزه العین والبدل.

وکذا ما تقدم من النقض الآخر الذی هو عدم الانتفاع بالدار أصلاً، فإنّ ذلک لا یصحح أن الدار لها منفعتان، بل لها منفعة واحدة لم تستوف.

ص:90

مسألة 7 لو عمل غیر العمل المتفق علیه

(مسألة 7): لو أجر نفسه للخیاطة مثلاً فی زمان معین

(مسألة 7): {لو أجّر نفسه للخیاطة مثلاً فی زمان معین} فالصور المتصورة حینذاک خمسة:

الأولی: أن یعمل نفس العمل المستأجر علیه بلا زیادة ولا نقیصة، وواضح حینذاک استحقاقه لکمال الأجرة.

الثانیة: أن یعمل أزید من عمل المستأجر علیه، کما إذا استأجره لخیاطة ثوب، فخاط له ثوبین، وحینئذ یکون له أجرة المسمّی بالنسبة إلی المستأجر علیه، ولا یکون له شیء بالنسبة إلی الزائد، لأنه متبرّع بعمله حیث لم یأمره المستأجر بذلک، وإن کان قصد الأجرة ولو کان ذلک ظناً منه أنّ المستأجر أمره بذلک، فإنّه وإن کان حینئذ مغروراً لکنه لیس بتغریر المستأجر له، بل أنّ جهله هو الذی غرّه.

نعم إذا کانت الزیادة تفسد متعلّق الإجارة، کما إذا استأجره لسقی الحدیقة مقداراً خاصاً من الماء، فسقاها أزید بما أفسدها، فلا إشکال فی ضمانه لإفساده، وإنما الکلام فی استحقاقه أصل الأجرة.

والظاهر أنه إن کانت الإجارة بشرط لا، کما هو المرکوز فی الأذهان فی أمثال هذه الموارد، لم یستحق شیئاً، فإنّ من یستأجر لأجل السقی إنما یرید الإصلاح لا الإفساد، وإن لم تکن بشرط

ص:91

لا، استحقّ الأجرة لأنّه عمل بمقتضی الإجارة، ومثل السقی الزائد الطبخ الزائد فیما إذا استأجره للطبخ ساعة فطبخ ساعة ونصفاً بما أوجب حرق الطعام مثلاً.

الثالثة: أن یعمل أقلّ من المستأجر علیه، وفیه ثلاثة أقسام:

الأول: أن یکون المقدار المحدّد علی نحو القید، فإن نقص عن ذلک لم یکن له شیء من الأجرة، لأنّه لم یأت بمقتضی الإجارة أصلاً، مثل أن یستأجره لختان ولده فقصّ نصف الغلفة فإنّ الإجارة للکل علی نحو القید، وحینئذ إن أفسد أو أضرّ کان علی الأجیر ضمانه.

الثانی: أن یکون المقدار المحدّد علی نحو الشرط، بأن کان هناک التزام بالأصل والتزام بالمقدار الخاص الذی هو حدّ للأصل، کما لو استأجره للخیاطة بدرزین، حیث یکون أصل الخیاطة مورداً للإجازة، والدرز الثانی علی نحو الشرط لا علی نحو القید، وحینئذ لو خاط بدرز واحد کان للمالک أحد ثلاثة أمور.

أحدها: أن یسقط شرطه ویعطیه الأجرة کاملة.

ثانیها: أن یفسخ الإجارة حسب الشرط، وحینئذ هل له مثل أجرة عمله، لأنّ عمله منبعث من أمر المالک و «لا یتوی حقّ

ص:92

امرئ مسلم» خصوصاً إذا کان عدم التمام لا باختیاره، کما إذا مات فی أثناء العمل أو عرض له عارض من مرض أو سجن أو ما أشبه ذلک، أو لا أجرة له لأنّ الإجارة انفسخت ولم یکن عمل البعض مورد طلب المالک وإجارته، أو یفصل بین أن لا یعمل بالشرط اختیاراً فلا أجرة له، أو اضطراراًً کالموت فله من المسمّی أو المثل بقدره.

احتمالات، وإن کان قد تقدم دعوی صاحب الجواهر عدم الخلاف فی أنّ کلّ مورد یبطل فیه عقد الإجارة یجب فیه أجرة المثل مع استیفاء المنفعة أو بعضها، استدل لذلک بقاعدة «ما یضمن بصحیحه» وقاعدة احترام عمل المسلم وماله((1))، وقاعدة «من أتلف»((2))، وقاعدة «لا ضرر»((3))، وآیة: ﴿لا تَأْکُلُوا﴾((4))، وغیرها.

نعم ربّما یناقش فی کلّ ذلک فیما إذا کان عمله کلا عمل بالنسبة لمقصود المالک، مثل ما إذا کان یرید سفراً طویلاً یحتاج وکأ مائه إلی درزین من الخیاطة، وکان سائر الخیاطین لا یأخذون الدرز الثانی إلاّ بتمام القیمة، فإنه لا وجه للقول بأن یتضرّر المالک بإعطاء أجرة ونصف لأجل درزین، فإن «لا ضرر» الخیاط

ص:93


1- الوسائل: ج19 ص10 الباب 3 من أبواب القصاص ح3، المستدرک: ج3 ص249
2- الوسائل: ج18 ص238 الباب 10 من أبواب الشهادات ح1
3- الکافی: ج5 ص292 ح8، التهذیب: ج7 ص47
4- سورة البقرة: الآیة 188

للدرز الأول معارض بلا ضرر المالک بإعطاء نصف الإجرة للخیاط الأول بلا أن یحصّل مقصده، فتأمّل.

ثالثها: أن یأخذ بشرطه بأن یقول: إنّی أرید الشرط وإن لم تفعله فأعطنی بدله، حیث إنّ الشروط لها قیمة عرفاً، فالأجرة وإن کانت فی مقابل المشروط، لکن للشارط أن یأخذ المال فی مقابل إسقاطه للشرط، علی ما تقدم فی بعض المباحث السابقة.

الثالث: أن یکون متعلّق الإجارة علی نحو الأجزاء، کما إذا استأجره لیخیط له عشرة أثواب بعشرة دنانیر، فخاط خمسة منها.

والظاهر أنّ المستأجر مخیر بین الفسخ لتبعض الصفقة وإعطائه أجرة مثل ما عمل، وبین إبقاء الإجارة وإعطائه من أجرة المسمّی بالنسبة، وإنما قلنا بالنسبة، لأنه ربما تکون أجرة النصف بمقدار نصف الأجرة، وقد تکون بمقدار أکثر من النصف، وقد تکون بمقدار أقلّ.

نعم ربما یکون کلا من الفسخ وإعطاء أجرة المثل، والإبقاء وإعطاء المسمّی بالنسبة ضرراً علی المالک، کما استأجر المؤلف المطبعی لطبع ألفی کتاب له بمائة وخمسین دیناراً، والحال أنّ طبع الألف الأول مائة دینار، فإنه کلما زادت کمیة الطبع نقصت الأجرة بالنسبة إلی الکمیات المتصاعدة، کما أنّ الحال أنّ نصف الألفین، فیما إذا طبع الألفین یکون معادلاً لخمسة وسبعین دیناراً، فإنّ المالک فی مثل هذا الفرض، وهو فرض حقیقی فی عالم

ص:94

فاشتغل بالکتابة للمستأجر مع علمه بأنه غیر العمل المستأجر علیه، لم یستحق شیئاً، أما الأجرة المسماة فلتفویتها علی نفسه بترک الخیاطة، وأما أجرة المثل للکتابة مثلاً فلعدم کونها

المطبوعات فی الحال الحاضر، إن فسخ وأراد أن یعطی أجرة المثل کان علیه أن یعطی مائة دینار، ویکلفه المائة الثانیة مائة دینار أیضاً، فخسر خمسین دیناراً، وإن أبقی الإجارة وأراد أن یعطی من المسمّی بالنسبة کان علیه أن یعطی خمسة وسبعین دیناراً، وحیث یلزم أن یعطی للمائة الثانیة مائة دینار تکون خسارته خمسة وعشرین دیناراً، فهل له أن یعطی للمطبعی خمسین دیناراً فقط جبراً لخسرانه، لأنّ المطبعی هو الذی أضرّه، أم لا، احتمالان.

الرابعة: أن لا یعمل شیئاً أصلاً، وقد تقدم حکمه وأنّ له الفسخ واسترجاع المسمّی، أو الإبقاء وأخذ أجرة المثل لما فوّته علیه من العمل علی إشکال فی الجملة.

الخامسة: أن یعمل عملاً مخالفاً، کما لو أجّر نفسه للخیاطة {فاشتغل بالکتابة للمستأجر} أو مع اتّحاد الجنس کما إذا أجّر نفسه لخیاطة ثوبه الأزرق فخاط ثوبه الأبیض، أو خاط قباءه مثلاً {مع علمه بأنّه غیر العمل المستأجر علیه لم یستحقّ شیئاً، أمّا الأجرة المسمّاة} لا یستحقّها {فلتفویتها علی نفسه بترک الخیاطة، وأمّا أجرة المثل للکتابة} لا یستحقّها وکذا أجرة المثل لخیاطة ثوبه الأبیض أو لقبائه {مثلاً فلعدم کونها} أی الکتابة فی المثال

ص:95

مستأجراً علیها فیکون کالمتبرع بها، بل یمکن أن یقال بعدم استحقاقه لها ولو کان مشتبهاً غیر متعمد، خصوصاً مع جهل المستأجر بالحال.

{مستأجراً علیها فیکون کالمتبرّع بها} وإن لم یقصد التبرّع، إذ لا وجه لإلزام المالک بشیء لم یقله هو، ولا مجال لما یضمن بصحیحه یضمن بفساده، إذ لا فاسد هنا أصلاً، بل شیء آخر کما لا یخفی.

{بل یمکن أن یقال بعدم استحقاقه لها ولو کان} الأجیر فی عمله {مشتبهاً غیر متعمّد} فإنّ اشتباه الأجیر لا یوجب بذل المالک ما لم یقله {خصوصاً مع جهل المستأجر بالحال} ولم یعلم أنّ الأجیر یخیط بقاءه بدل الثوب، أو یکتب له بدل الخیاطة، وجه الخصوصیة احتمال ضمان المستأجر أجرة المثل فیما إذا علم بالحال ولم ینبّه الأجیر، وذلک لأنه یعدّ فی العرف غارّاً للأجیر إذا لم ینبهّه، والمغرور یرجع إلی من غرّ، لکن لا یخفی ما فیه، فإنّ کلّ ساکت لا یعدّ غارّاً، فأصالة عدم الضمان محکمة.

ص:96

مسألة 8 لو اشتبه فی حمل المتاع

(مسألة 8): لو أجر دابته لحمل متاع زید من مکان إلی آخر، فاشتبه وحملها متاع عمرو، لم یستحق الأجرة علی زید ولا علی عمرو.

(مسألة 8): {لو أجّر دابّته لحمل متاع زید من مکان إلی آخر، فاشتبه وحمّلها متاع عمرو، لم یستحقّ الأجرة لا علی زید ولا علی عمرو} إذ لم یستأجره زید لذلک فیستحقّ علیه الأجرة، ولا استأجره عمرو أصلاً فلا یحقّ علیه أجرته، وکذا لو استأجرها زید لحمل أثاثه فحمل أولاده، أو بالعکس.

ولو حمل متاع زید وعمرو معاً، إن لم یکن الإیجار علی نحو القید أو الشرط بوحدة الحمل، استحقّ الأجرة علی المستأجر.

أمّا إذا کان علی نحو القید أو الشرط، کما هو المتعارف فی الذین یستأجرون سیارة خصوصیة أو شققاً کذلک أو نحوهما، فإن کان علی نحو القید بطلت الإجارة، وکان للمؤجر علی المستأجر أجرة المثل أو أقلّ الأمرین، وإن کان علی نحو الشرط کان للمستأجر إبطال الإجارة وإعطاء أجرة المثل، أو إبقائها وصرف النظر عن الشرط وإعطاء الأجرة المسمّاة، أو الأخذ بالشرط واسترجاع التفاوت علی النحو الذی ذکرناه سابقاً.

ثم إنه لا فرق فی ذلک بین کون مجیء الغیر إلی السیارة أو الشقة بإذن المؤجر أو بدون إذنه، والظاهر أنه إذا کان بدون إذنه لیس للمالک إلاّ أجرة المثل علی الغاصب، لا کل ضرر تضرّره بسبب فسخ المستأجر، مثلاً إذا أجّره سیارته لزید بخمسة دنانیر

ص:97

وکانت أجرة مثلها ثلاثة، ولما جاء الغاصب أعطاه زید اثنین ونصف أجرة سیارة فیها إنسان واحد، فإنّ المالک لا یحقّ له أن یأخذ من الغاصب إلاّ مقدار أجرته لا دینارین ونصف، وإن کان ربما یحتمل ضمانه من جهة أنّه سبب ضرره، مثل ما ذکروا فی أنّ الغاصب لو منعه من الاکتساب تحمّل ضرره.

ص:98

مسألة 9 موارد الإجارة

(مسألة 9): لو أجّر دابته من زید مثلاً فشردت قبل التسلیم إلیه أو بعده فی أثناء المدة بطلت الإجارة.

(مسألة 9): {لو أجّر دابّته من زید مثلاً فشردت قبل التسلیم إلیه أو بعده فی أثناء المدة} فیما مرّ من المدة زمان معتدّ به یقابل بشیء من المال لا ما إذا لم یمر شیء معتدّ به فإنّه من أفراد ما قبل التسلیم الحکم {بطلت الإجارة} مطلقاً فیما إذا کانت شردت قبل التسلیم أو ما فی حکمه، وبطلت بالنسبة إلی باقی المدة فیما إذا شردت فی الأثناء.

وجه البطلان فی الکل أو فی البعض، أنّ المال بإزاء المنفعة، فإذا فاتت المنفعة کلاً أو بعضاً لم یکن إیجار بالنسبة إلی الفائت، کما تقدم شبه ذلک فی مسألة انهدام الدار ونحوها، ومن هناک تعرف أقسام الشرود الذی قد یکون اختیاریاً لمالک أو مستأجر أو الأجنبی، وقد یکون غیر اختیاری کشرودها بنفسها، أو إلی واقع الإجارة بالنسبة إلی المدة.

مثلاً لو استأجر الدابة للذهاب إلی البلد الفلانی والرجوع بدینار، وکانت أجرة الذهاب ثلاثة أرباع الدینار مثلاً، یکون للمالک ثلاثة أرباع الدینار إذا شردت بعد إتمام الذهاب، وذلک لأنه مقتضی الإجارة.

ومثل الشرود أن تموت الدابة أو تمرض بما لا تتمکن من الحمل، ولو لم تتمکن من الحمل الکامل کان للمستأجر الخیار بین الفسخ أو الإعطاء بالنسبة، أمّا الفسخ فلخیار تبعّض الصفقة، وأمّا الإعطاء بالنسبة لأنه القدر الملزم علیه حسب الإیجار المفروض توزیعه إلی وحدات إیجاریة.

ص:99

وکذا لو أجّر عبده فأبق، ولو غصبهما غاصب فإن کان قبل التسلیم فکذلک، وإن کان بعده یرجع المستأجر علی

نعم ینبغی فی مسائل الشرود فی الأثناء ونحوها أن یکون لکلّ من المالک والمستأجر خیار تبعّض الصفقة، فالمرجع أجرة المثل أو أقل الأمرین من المثل والمسمّی.

{وکذا لو أجّر عبده فأبق} وهکذا لو أجّر المولی علیه فأبق، لوحدة الدلیل فی الکل.

ثم إنه لو رجعت الدابة والعبد بعد شرود مدة، فإن لم یبق من زمن الإجارة شیء أو بقی شیء لا یعتدّ به فالحکم کما تقدم، وإن بقی شیء معتدّ به یقابل بالمال، فلکلّ منهما الحق فی الفسخ بالنسبة إلی بقیة المدة من ابتداء زمان الشرود لتبعض الصفقة، أو البقاء علی الإجارة وإعطاء الأجرة باستثناء زمان الشرود.

ولو استعد المستأجر لدفع تمام الإجارة بدون استثناء زمان الشرود، فالظاهر أنّه لا یحقّ للمالک الفسخ بخیار تبعّض الصفقة، لأنّه لا تبعّض بالنسبة إلیه، مثلاً استأجر زید دابة عمرو لمدة أسبوع بسبعة دنانیر، ثم شردت یوماً فی الوسط، فإن أراد زید إعطاءه ستة دنانیر کان لعمرو خیار تبعّض الصفقة، أمّا إذا أراد أن یعطیه السبعة صارفاً نظره عن یوم الشرود لم یکن لعمرو خیار الفسخ، وحال الشرود فی أول المدة کالحال فیه فی وسط المدة لوحدة الدلیل فیها.

{ولو غصبهما} أی الدابّة والعبد {غاصب فإن کان قبل التسلیم فکذلک} حکمه حکم الشرود {وإن کان بعده یرجع المستأجر علی

ص:100

الغاصب بعوض المقدار الفائت من المنفعة، ویحتمل التخییر بین الرجوع علی الغاصب وبین الفسخ فی الصورة الأولی، وهو ما إذا کان الغصب قبل التسلیم.

الغاصب بعوض المقدار الفائت من المنفعة}، أمّا البطلان قبل التسلیم فلأن الغصب منزّل منزلة التلف، وقد تقدم مثله فی المسألة العاشرة والحادیة عشرة من الفصل الثالث فراجع.

وأمّا رجوع المستأجر علی الغاصب فی صورة الغصب فی الأثناء، فلأنه هو الذی غصب حقّه فعلیه ضمانه، إنّما الکلام فی أنّه هل یضمن المسمّی أو المثل، احتمالان، تقدم فی المسألة السابقة.

{ویحتمل التخییر بین الرجوع علی الغاصب وبین الفسخ} والرجوع إلی المالک {فی الصورة الأولی وهو ما إذا کان الغصب قبل التسلیم} وهذا هو الذی رجّحه سابقاً، واختاره السادة البروجردی والحکیم والجمّال والأصطهباناتی.

ثم الظاهر أنّ الأمر کذلک فی الصورة الثانیة، وهی الغصب فی أثناء المدة، لما عرفت من خیار تبعّض الصفقة.

ص:101

مسألة 10 موارد بطلان الإجارة

(مسألة 10): إذا أجّر سفینته لحمل الخل مثلاً من بلد إلی بلد، فحملها المستأجر خمراً، لم یستحق المؤجر إلاّ الأجرة المسماة، ولا یستحق أجرة المثل لحمل الخمر، لأن أخذ الأجرة علیه حرام، فلیست هذه المسألة مثل إجارة العبد للخیاطة فاستعمله المستأجر فی الکتابة.

(مسألة 10): {إذا أجّر سفینته لحمل الخلّ مثلاً من بلد إلی بلد، فحمّلها المستأجر خمراً لم یستحقّ المؤجّر إلاّ الأجرة المسمّاة}، واستحقاقه المسمّاة علی مذاق المصنّف من جهة تفویته المنفعة، لا من جهة استیفائها، فحال السفینة المحمّلة بالخمر حال الخالیة من أی شیء، فکما یستحقّ المؤجّر أجرته إذا أبقاها المستأجر خالیة کذلک حال ما إذا حمّلها الخمر.

{ولا یستحقّ أجرة المثل لحمل الخمر} بالإضافة إلی الأجرة المسمّاة، علی ما بناه المصنّف من أنّ للمالک فی أمثال المقام أجرتین: المسمّی حسب الإجارة، والمثل حسب استیفائه منفعة العین فی غیر الأمر المستأجر علیه، {لأنّ أخذ الأجرة علیه} أی علی حمل الخمر {حرام} ف_ «إنّ الله إذا حرّم شیئاً حرم ثمنه»((1))، ولعن رسول الله (صلی الله علیه وآله) عشرة((2))، {فلیست هذه المسألة مثل مسألة إجارة العبد للخیاطة فاستعمله المستأجر فی الکتابة} لأنّ العمل الثانی هنا حرام وهناک حلال، ومثله لو استأجرها للخیاطة فاستعملها فی الزنا، فإنّ لها أجرة الخیاطة فقط لا أجرة الزنا.

هذا، ولکنّ الظاهر وحدة الحکم فی المسألتین، وذلک لما ذکره السید

ص:102


1- الوسائل: ج8 ص238 الباب 10 من الشهادات ح1
2- الوسائل: ج12 ص356 الباب 6 من الخیار ح5

لا یقال: فعلی هذا إذا غصب السفینة وحملها خمراً کان اللازم عدم استحقاق المالک أجرة المثل لأن أجرة حمل الخمر حرام.

لأنا نقول: إنما یستحق المالک أجرة المثل للمنافع المحللة الفائتة فی هذه المدة، وفی المسألة المفروضة لم یفوت علی المؤجر منفعة، لأنه أعطاه الأجرة المسماة لحمل الخل بالفرض.

البروجردی بقوله: (إنّ حرمة استیفاء المنفعة علی من یستوفیها لا یوجب عدم استحقاق المالک عوضه علیه إذا لم یکن التحریم راجعاً إلیه، وإلاّ لکان اللاّزم عدم ضمان الغاصب للمنافع المستوفاة لحرمة استیفائها علیه، وعدم لزوم مهر المثل علی الزانی فیما إذا کانت المرأة مشتبهة لحرمة وطئها علی الرجل)، انتهی.

{لا یقال: فعلی هذا إذا غصب السفینة وحمّلها خمراً کان اللازم عدم استحقاق المالک أجرة المثل، لأنّ أجرة حمل الخمر حرام} فاللازم عدم الأجرة فی المقامین أو الأجرة فی المقامین، لأنّ کلیهما من باب واحد.

{لأنّا نقول: إنّما یستحق المالک أجرة المثل للمنافع المحلّلة الفائتة فی هذه المدة، وفی المسألة المفروضة لم یفوّت علی المؤجّر منفعة، لأنه أعطاه الأجرة المسمّاة لحمل الخلّ بالفرض}، لکن فیه: إنه ربّما تکون أجرة الخمر أکثر فقد فوّت الزیادة علی المثل، فاللازم أن یقول المصنّف بأکثر الأمرین من المثل والمسمّی، کما اختاره السیدان البروجردی والأصطهباناتی.

ثم إنّه لو أجّر دابته أو سفینته لحمل الخمر أو ما أشبه بطلت الإجارة بلا إشکال، ولم یکن لصاحب الدابة والسفینة أجر، لأنّه هو

ص:103

الذی فوّت منافع ماله، کالزانیة التی لا أجر لها.

ویدل علیه ما عن دعائم الإسلام، عن الصادق (علیه السلام)، علی ما ذکره المستدرک أنه قال: «من أکتری دابّة أو سفینة فحمّل علیها المکتری خمراً أو خنازیر أو ما یحرم لم یکن علی صاحب الدابة شیء، وإن تعاقد علی حمل ذلک فالعقد فاسد والکراء علی ذلک حرام»((1)).

وهل هذا الحکم جار فیما إذا کان المستأجر من یبیح الخمر فی مذهبه کالمسیحی والیهودی من باب «ألزموهم بما التزموا به»((2))، ولذا یصحّ أخذ ثمن خمر أو خنزیر باعهما، أم لا، من جهة إطلاق أدلة التحریم، احتمالان.

ثم إنّه لا إشکال فی صحة الإجارة واستحقاق الأجرة لو استأجرهما استئجاراً مطلقاً لکنه حمّلهما الخمر مثلاً، إذ لا دلیل علی بطلان الإجارة أو عدم استحقاق الأجرة، فالإطلاق شامل للمقام.

ولو أصرّ المستأجر حملهما الخمر والخنزیر مثلاً ولم یمکن ردعه، فهل یجوز إبطال الإجارة من جهة أنّ لزوم الإجارة ضرر شرعی، والضرر الشرعی کالضرر العرفی فی أنّ الشارع لا یُلزم به، فیکون حال المقام حال الغبن، حیث استدلوا بأنّ لزوم المعاملة حیث کان ضرریاً رفعه الشارع، فللمغبون خیار الفسخ، أو لا، لإطلاق أدلة اللزوم، لا یبعد الأول بل لا یبعد وجوب الإبطال من

ص:104


1- المستدرک: ج2 ص510 الباب 19 فی نوادر کتاب الإجارة ح10
2- الوسائل: ج17 ص485 الباب 4 من أبواب میراث الأخوة والأجداد ح5 و2

باب النهی عن المنکر إن کان الإبطال نوعاً منه.

لا یقال: مقتضی ذلک صحة إبطال البیع أیضاً إذا أراد المشتری صرف العین فی الحرام.

لأنه یقال: الفرق أنّ صرف المشتری للعین فی الحرام لا یعدّ ضرراً علی البائع، لأنه انقطع عن الملک بسبب البیع، بخلاف الإجارة التی یعدّ صرف العین فی الحرام ضرراً علی المالک.

ألا تری أنه لو استأجر دار زید وجعلها مخمرة، یری العرف أنّ شینه علی صاحب الدار، أمّا إذا باعه الدار وجعلها مخمرة لم یکن یری العرف ارتباط ذلک بالبائع.

ولو أبطل صاحب الدار أو السفینة أو الدابّة الإجارة کان له أجرة المثل بالنسبة إلی ما یأتی لما تقدم.

وکذا الحقّ لصاحب الأرض فی إبطال الإجارة إذا أراد المستأجر زرع الکرم فیها لأجل الخمر.

ولکن لا یخفی أنه ینبغی تقیید الإبطال بما إذا لم یقدر المالک من دفع ذلک بسبب الحاکم الشرعی أو غیر ذلک، إذ مع إمکان الدفع بدون عسر لا تکون الإجارة ضرریة.

ص:105

مسألة ١1 لو اشتبه فی المرکوب

(مسألة 11): لو استأجر دابة معینة من زید للرکوب إلی مکان، فاشتبه ورکب دابة أخری له، لزمه الأجرة المسماة للأولی، وأجرة المثل للثانیة، کما إذا اشتبه فرکب دابة عمرو فإنه یلزمه أجرة المثل لدابة عمرو والمسماة لدابة زید حیث فوت منفعتها علی نفسه.

(مسألة 11): {لو استأجر دابة معینة من زید للرکوب إلی مکان، فاشتبه ورکب دابّة أخری له لزمته الأجرة المسمّاة ل_} الدابة {الأولی} حسب الإجارة {وأجرة المثل للثانیة} لاستیفاء المنفعة فیشمله دلیل «علی الید»، {کما إذا اشتبه فرکب دابّة عمرو، فإنه یلزمه أجرة المثل لدابّة عمرو، والمسمّاة لدابّة زید حیث فوّت منفعتها} أی منفعة دابة زید {علی نفسه}، والأولی تعلیل ذلک بکونه مقتضی الإجارة.

ولو اشتبه المؤجّر فلم یعطه الدابّة المستأجرة أصلاً، فالظاهر أنّ للمستأجر الحقّ فی الفسخ وإرجاع أجرة المسمّی، أو الإبقاء والرجوع إلی أجرة المثل، کما تقدم أمثال ذلک فی بعض المسائل السابقة.

ولو اشتبه المؤجّر فأعطاه دابّة أخری لنفس المؤجّر، فإن کانت أجرة مثلها أکثر من أجرة المسمّی، وعلم المستأجر بالاشتباه، احتمل أن یکون للمؤجّر أجرة المثل، لأنه مغرور فیرجع إلی من غرّ، أمّا إن لم یعلم المستأجر لم یکن علیه الزائد، لأصالة عدم ضمان الزائد بعد عدم دلیل للضمان.

وإن کانت أجرة مثلها أقّل وعلم المستأجر بالاشتباه، فالظاهر أنه لیس للمستأجر أخذ التفاوت بین المسمّی والمثل، لأنّه هو الذی فوّت علی نفسه، والمباشر أقوی من السبب، فأصالة لزوم الإجارة محکمة، ولا

ص:106

مخرج عنها بالنسبة إلی التفاوت، وإن لم یعلم المستأجر بالاشتباه کان له التفاوت، لأنه لم یستوف من ماله إلاّ بعضه، فالباقی علی ذمّة المؤجّر.

وممّا تقدم بعرف حال اشتباه وکیل المؤجّر أو وکیل المستأجر فی الإعطاء أو الأخذ.

ولو کان الاشتباه حین الدفع ورفع فی الأثناء، کما أذا استأجر دابّة ذات خمس سنوات، فسلمه دابّة ذات أربع سنوات فإنها بعد سنة تکون ذات خمس سنوات، ولم یکن المقصود ارتفاع سنوات الدابة سنة فسنة، بل کان المقصود أن تکون الدابة لها خمس سنوات أو أکثر فحسب، فالظاهر أنّ له التفاوت بین الدابّتین بالنسبة إلی السنة الأولی، کما أن له الخیار إذا علم بعد استیفاء المنفعة فی السنة الثانیة، لتبعض الصفقة.

وفی المقام فروع کثیرة، من قبیل کون السنوات شرطاً أو قیداً أو غیرهما، نکتفی من ذلک بما یظهر من المسائل السابقة، والله العالم.

ص:107

مسألة ١2 الاشتباه فی المستأجر علیه

(مسألة 12): لو أجر نفسه لصوم یوم معین عن زید مثلاً

(مسألة 12): {لو أجّر نفسه لصوم یوم معین عن زید مثلاً} ثم صامه عن عمرو اشتباهاً، فالظاهر بطلان الإجارة، لأنه لا منفعة فی مقابل المال، ولا یصحّ أخذ یوم آخر بدله، لأنه غیر مستأجر.

وعلیه لا یحقّ للمستأجر إبقاء الإجارة وأخذ أجرة المثل من الأجیر، لأنه لا معنی لإبقاء الإجارة حیث لا متعلّق لها.

کما أنّ الظاهر صحة الصوم من عمرو، لأنه لا وجه لبطلانه، فیشمله أدلة النیابة، إذ القربة متحقّقة، وکون الیوم متعلّق حق الغیر لا یوجب البطلان، فإنه لیس بأسوأ من الوضوء بماء الغیر مع الجهل بذلک.

نعم لو تعمّد الصوم من الغیر أشکل الصحة، وإن قصد القربة، لأنّ الوقت لیس له، فکیف یصرفه فی غیر مصرفه، اللّهم إلاّ إذا تنزّل صاحب الأجرة من حقّه قبل أن یصوم، لأنه من باب إسقاط الحقّ.

ولو صام عن غیره وتذکر فی الأثناء فإنّ کان قبل الظهر عدل بالنیة، إلاّ إذا أجاز صاحب الأجرة قبل التفاته، وإن کان بعد الظهر بقی علی النیة الأولی، لأنه لا عدول بعد الظهر، کما حقّق فی کتاب الصوم.

ولو أجّر نفسه لصوم یوم معین قضاء صوم زید فصام معه إنسان آخر تبرّعاً مثلاً، لم تبطل الإجارة، لأنه لم یتحقّق متعلّقها حتی یقال إنه لا صوم علی المیت فکیف یأخذه هذا الأجیر.

نعم لو استؤجر لصوم یوم ولم یعین الیوم، فصام غیره الیوم تبرّعاً مثلاً، قبل أن یصوم هو لم یستبعد بطلان الإجارة، لأنه لا متعلّق لها، أمّا لو صام المتبرع قبل شروع هذا فی الصوم، کما لو کان المتبرع فی أفق یطلع

ص:108

ثم أجر نفسه لصوم ذلک الیوم عن عمرو

الفجر فیه قبل طلوعه فی أفق الأجیر لم تبطل الإجارة، لأنّ المتعلّق بعد باقٍ، إذ سقوط الصوم عن ذمة المیت إنما یکون بإتمامه لا بالشروع فیه.

هذا ولو استأجر الولی نفرین للصوم أو استأجر بنفسه نفرین لحجة الإسلام فیما لا یتمکن من الذهاب هو بنفسه، فالظاهر صحة إجارتهما، وإن لم یکن علیه یومان وحجّان، فإنّ ذلک من باب الاحتیاط الحسن شرعاً وعقلاً، والله سبحانه یختار أحبّهما إلیه بالمناط المذکور فی باب أداء الصلاة مرة ثانیة، فإنّ مطلقات الإجارة یشملهما، ولیس ذلک من قبیل ما یعلم أنه لا متعلّق له.

نعم لو علمنا بعدم المتعلّّق لم تصّح الإجارة، مثل أن یستأجر إنساناً لیقضی الصوم الفائت عن النبی أو الإمام (علیهما السلام)، فإنّه لا متعلّق لها فالإجارة فاسدة.

ولو أجّر نفسه لصوم ما، ثم أجّر نفسه لصوم ثانٍ فذلک علی أربعة أقسام:

الأول: أن تکون الإجارتان مطلقتین، وذلک مما لا إشکال فیه، لشمول مطلقات الإجارة لهما من دون محذور.

الثانی: أن تکون الإجارة الأولی مطلقة، والثانیة مقیدة بیوم معین، ولا إشکال أیضاً.

الثالث: أن یکون بالعکس، ولا إشکال أیضاً.

الرابع: أن تکون الإجارتان مقیدتین، بأن أجّر نفسه لصوم یوم معین عن زید مثلاً {ثم أجّر نفسه لصوم ذلک الیوم عن عمرو} فإن کان

ص:109

لم تصح الإجارة الثانیة، ولو فسخ الأولی بخیار أو إقالة قبل ذلک الیوم لم ینفع فی صحتها، بل ولو أجازها ثانیاً

التعیین للیوم أو للمباشر علی نحو القید {لم تصحّ الإجارة الثانیة} لأنّ المنفعة لیست مملوکة للأجیر بعد أن صارت ملکاً للمستأجر الأول، فلا یکون فی مقابل الأجرة الثانیة شیء.

ثم هل تصحّ الإجارة الثانیة بإجازة المستأجر الأول أم لا، احتمالان، ذهب السید الحکیم إلی الثانی قائلاً: (بل لا تصحّ وإن أجاز المستأجر الأول، لأنّ المانع لا یخصّ بتعلق حق الغیر کما سبق کی تصحّ الإجازة بإجازته، بل المانع عدم الملک لا للأجیر ولا لغیره ...) انتهی.

خلافاً لآخرین من المعلّقین، حیث قالوا بالصحة فی صورة الإجازة، فقال السید الجمّال: (لو أجازها المستأجر الأول صحّت وکانت الأجرة المسمّاة فی الإجازة الثانیة ملکاً للمستأجر الأول، والأجرة المسمّاة فی الأولی ملکاً للأجیر مطلقاً) انتهی.

والصحة أقرب، بأنّ الحقّ لا یعدوهما، فإذا أجّر نفسه أحدهما وأجاز الآخر لم یکن وجه لعدم الصحة، والإشکال بعدم الملک لا لهذا ولا ذاک لم یعرف وجهه، ومعنی إجازة المستأجر الأول رفع یده عن کون الصوم لمیته مثلاً، فیکون الصوم للمستأجر الثانی.

ومنه یعلم وجه النظر فی قوله: {ولو فسخ} الأجیر أو المستأجر الإجارة الأولی {بخیار أو إقالة قبل ذلک الیوم} المعین الذی قرّر أن یصومه {لم ینفع فی صحتها} أی صحة الإجارة الثانیة {بل ولو أجازها} أجاز الأجیر الإجارة الثانیة {ثانیاً} بعد الفسخ للإجارة الأولی، بل لا بدّ من

ص:110

بل لا بد له من تجدید العقد، لأن الإجازة کاشفة ولا یمکن الکشف هنا لوجود المانع حین الإجارة، فیکون نظیر من باع شیئاً ثم ملک بل أشکل.

تجدید العقد} بالنسبة إلی متعلّق الإجارة الثانیة {لأنّ الإجازة کاشفة ولا یمکن الکشف هنا لوجود المانع حین الإجارة} والمانع هو عدم الملکیة الذی عرفته فی تعلیل المستمسک {فیکون نظیر من باع شیئاً ثم ملک}.

لکن یرد علیه:

أولاً: عدم الإشکال فی من باع ثم ملک عند جماعة.

وثانیاً: إنّ ذلک لیس نظیر من باع ثم ملک، إذ عدم إمکان الکشف إنّما هو إذا قلنا بالکشف الحقیقی حیث لا یمکن تبدیل غیر الملک ملکاً فی موضعه، أمّا الکشف الحکمی فلا بأس به.

وأمّا ما ذکره المستمسک وجهاً للمنع بقوله: (والعمدة أنّ إضافة العوض إلی مالک بعینه من قوام المعاوضة، فإذا تبدّل فقد فاتت المعاوضة الواقعة وتعذّرت صحتها) انتهی.

ففیه: إنّ ذلک لیس بشیء جدید، بل هو إشکال من باع ثم ملک، فتأمّل.

{بل أشکل} لأنّ ملکیة المتضادین بدلیة، فإذا ملک المستأجر الأول أحدهما تعییناً خرج الآخر عن الملکیة تعییناً وتخییراً، فعدم القدرة علی الضد الثانی یوجب خروجه عن صلاحیة المالک، فالمانع فیه ذاتی، بخلاف مسألة من باع ثم ملک، فإنّ المانع فیه عرضی، وهو تبدل المالک

ص:111

من دون قصور فی ذات المملوک، کذا عللّه المستمسک وإن کان بعض المعلّقین قال: إنّ الأمر بالعکس، لأنّ الإجارة لا توجب ملکاً حقیقیاً، کما یوجبه البیع فی الأعیان الخارجیة، فالملکیة فی الإجارة أخفّ من الملکیة فی العین.

ولکنّ الظاهر تساوی الأمرین لعدم وجود إشکال إلاّ من حیث الاعتبار للملکیة، وهو مساوٍ فیهما، هذا کله فیما کان التعیین علی نحو القید.

أمّا لو کان علی نحو الشرط وتعدّد المطلوب، فلا ینبغی الإشکال فی صحة الإجارة الثانیة، لأنّ معناها رفع الید عن الخصوصیة مع بقاء أصل ملکیة المستأجر الأول، فلیس من تبدیل الملک الذی استشکل فیه بأنّ ذلک من قبیل من باع ثم ملک، بل هو من قبیل بیع المالک للعین المرهونة ثم أجاز البیع المرتهن، حیث إنّ المفروض أنّ الإجارتین الواقعتین علی أصل الصوم لا تتعارضان، وإنما المعارضة بین شرط الأول الموجب لتعلّق حق له بهذا الیوم الخاص وبین ملک الثانی.

ص:112

فصل

إجارة الأرض لزرع الحنطة بما یحصل منها من الحنطة

فصل

لا یجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعیر بما یحصل منها من الحنطة أو الشعیر، لا لما قیل من عدم کون مال الإجارة موجوداً حینئذ لا فی الخارج ولا فی الذمة،

{لا یجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعیر بما یحصل منها من الحنطة أو الشعیر} علی المشهور شهرة عظیمة علی ما فی الجواهر.

نعم حکی عن النافع والتبصرة والمختلف المخالفة.

{لا لما قیل} والقائل صاحب الجواهر: {من عدم کون مال الإجارة موجوداً حینئذ لا فی الخارج ولا فی الذمة}، ومن المعلوم أنّ ما لیس له خارج ولا هو فی الذمة لیس مالاً حتی یصلح أن یکون فی مقابل العین المؤجّرة، أمّا أنّه لیس فی الخارج، فلوضوح أنّ الأرض فی مفروض الکلام جرداء لا زرع فیها، وأمّا أنه لیس فی الذمّة، فلأنّ المفروض أنّ الإجارة فی مقابل حاصل الأرض لا فی مقابل الأمر الذمی.

ثم إنّه قد حاول السیدان البروجردی والحکیم، تصحیح ما ذکره الجواهر.

فقال الأول: (وهو تام فیما إذا أرید تملیکها من حین الإجارة) انتهی.

ص:113

ومن هنا

ولکن هذا فی الحقیقة تسلیم لإشکال الماتن، إذ الاعتبار کاف فی المقابلة بالأرض فلا حاجة إلی التملیک من حین الإجارة.

وقال الثانی: (إنّ منع المصنّف یتم إذا کان المقصود من الدلیل المنع العقلی، أمّا إذا کان المقصود المنع الشرعی من جهة الغرر الحاصل من الشک فی الوجود أو الشک فی مقدار الموجود فالمنع لا یرفع الغرر الحاصل) انتهی.

وفیه:

أولا: إنّ کون ذلک من باب الغرر غیر ظاهر من کلام صاحب الجواهر، بل ظاهره غیر ذلک.

وثانیاً: إنه علی تقدیر تسلیم الغرر فإنّما هو نادر جدّاً، إذ الأصل العقلائی یقضی بإجراء الأمور الطبیعیة علی طبائعها الأوّلیة، وإلاّ لزم أن تکون کثیر من المعاملات غرریة من جهة بعض الاحتمالات العقلیة.

هذا مضافاً إلی أنه یرد علی صاحب الجواهر: إنّ الروایات أجازت إجارة الأرض بالثلث والربع وما أشبه، مع أنه لیس ذلک فی الخارج ولا فی الذمّة، فإن کان المحذور ما ذکره لزم تساوی الإشکال فی البابین، والذی أظنّ أنّ صاحب الجواهر أراد ذکر وجه تقریبی للحرمة کسائر العلل التی لا اطّراد لها ولا انعکاس، وإنّما تذکر فی باب الأحکام للاستیناس وتقریب الذهن.

{ومن هنا} وأن سبب التحریم عند صاحب الجواهر عدم وجود

ص:114

یظهر عدم جواز إجارتها بما یحصل منها ولو من غیر الحنطة والشعیر، بل عدم جوازها بما یحصل من أرض أخری أیضاً لمنع ذلک فإنهما فی نظر العرف واعتبارهم بمنزلة الموجود کنفس المنفعة، وهذا المقدار کاف فی الصحة، نظیر بیع الثمار سنتین أو مع ضم الضمیمة

المال {یظهر عدم جواز إجارتها بما یحصل منها ولو من غیر الحنطة والشعیر} فإنّ عدم الوجود لا فی الحال ولا فی الذمّة لیس خاصاً بالحنطة والشعیر، {بل عدم جوازها بما یحصل من أرض أخری أیضاً} لوجود العلة المذکورة، وقد أفتی بهذین المنعین الجواهر أیضاً تبعاً لما ذکره أولاً من علة المنع.

{لمنع ذلک فإنّهما فی نظر العرف} الذی هو المعیار لمالیة الشیء حتی یصحّ أن یکون بدلاً عن المنفعة فی باب الإجارة {واعتباره} أی اعتبار العرف ما یحصل من الأرض {بمنزلة الموجود کنفس المنفعة} التی لیست موجودة فی حال الإجارة لا فی الذمّة ولا فی الخارج، ومع ذلک تصحّ الإجارة باعتبارها.

{وهذا المقدار کاف فی الصحة} إذ لا دلیل علی أزید من الاعتبار العرفی فی المالیة، فإذا اعتبر العرف کونه مالاً کفی.

ولا یخفی ما فی تعلیقتی السیدین البروجردی والجمّال، حیث قال الأول: المنفعة وجودها نفس وجود العین.

وقال الثانی: المنفعة لمّا کانت تابعة للعین ومن شؤونها، والثمرة ممّا یحصل من الشجرة کان وجودهما بنفس وجود العین.

فإنّ کون المنفعة نفس العین خلاف الواقع والعرف.

{نظیر بیع الثمار سنتین أو مع ضمّ الضمیمة} فإنّ الشارع أجاز ذلک مع أنه لیس بموجود فی

ص:115

فإنها لا یجعل غیر الموجود موجودا مع أن البیع وقع علی المجموع بل للأخبار الخاصة

الخارج وإنما کانت الإجازة للاعتبار العرفی، {فإنها لا تجعل غیر الموجود موجوداً مع أنّ البیع وقع علی المجموع} ولیس ذلک خلافاً للقاعدة حتی یتمّ کلام السید البروجردی من أنه تعبّد فلیس نظیراً لمسألتنا، بل التعبّد فی المنع عن صورة بیع الانفراد، وذلک لأنّ العرف یری جواز الکل، والأدلة العامة تشملها، وإنّما أخرج الشارع صورة واحدة، فالتنظیر الذی ذکره المصنّف فی محله.

وکأنّ المصنّف (رحمه الله) أراد بهذا التنظیر مقابلة الجواهر حیث إنه نظّر مسألته أیضاً بالبیع، فقال: (مؤیداً ذلک کلّه بالحسن: عن رجل اشتری من رجل أرضاً جرباناً معلومة بما تذکر عن أن یعطیه من الأرض، قال: «حرام»((1))، بناءً علی عدم ظهور الفرق بین ثمن المبیع والأجرة) انتهی.

{بل للأخبار الخاصة} التی بعضها مطلقة وبعضها مقیدة، وحمل المشهور المطلقة علی المقیدة، وهی:

صحیحة الحلبی، عن الصادق (علیه السلام) قال: «لا تقبل الأرض بحنطة مسمّاة، ولکن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به»((2)).

وخبر أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا تؤاجر

ص:116


1- الوسائل: ج13 ص23 و24 الباب 12 من أبواب بیع الثمار ح2 و3
2- الوسائل: ج13 ص209 الباب 16 من أبواب المزارعة ح1

الأرض بالحنطة ولا بالشعیر ولا بالثمر ولا بالأربعاء ولا بالنطاف ولکن بالذهب والفضة لأنّ الذهب والفضة مضمون وهذا لیس بمضمون»((1)).

أقول: أربعاء جمع ربیع، وهو النهر الصغیر، والنطاف جمع نطفة، وهی الماء القلیل الراکد فی الغدران، وقد یطلق علی الماء الکثیر، کما فی کلام علی (علیه السلام) حیث عبّر عن الفرات بالنطفة((2)).

ولعلّ المراد بالحدیث الإجارة فی مقابل الماء المشکوک وجوده، أو الذی سوف یکون، فیکون مثل الحنطة المحتملة غیر الموجودة الآن، وسیأتی تفسیر قریب من ذلک فی بعض الروایات.

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة»((3)).

وعن الفضیل بن یسار، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن إجارة الأرض بالطعام، قال: «إن کان من طعامها فلا خیر فیه»((4)).

وعن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا تؤاجر الأرض بالحنطة ولا بالتمر ولا بالشعیر ولا بالأربعاء ولا بالنطاف»((5)).

وعن أبی المعزاء، قال: سأل یعقوب الأحمر أبا عبد الله (علیه

ص:117


1- الوسائل: ج13 ص209 الباب 16 من أبواب المزارعة ح2
2- انظر: نهج البلاغة: الخطبة 48
3- الوسائل: ج13 ص209 الباب 16 من أبواب المزارعة ح4
4- الوسائل: ج13 ص210 الباب 16 من أبواب المزارعة ح5
5- الوسائل: ج13 ص210 الباب 16 من أبواب المزارعة ح6

السلام) وأنا حاضر، فقال: أصلحک الله إنه کان لی أخ قد هلک وترک فی حجری یتیماً ولی أخ یلی ضیعة لنا وهو یبیع العصیر من یصنعه خمراً ویؤاجر الأرض بالطعام، فأمّا ما یصیبنی فقد تنزّهت فکیف أصنع بنصیب الیتیم، فقال: «أمّا إجارة الأرض بالطعام فلا تأخذ نصیب الیتیم منه إلاّ أن تؤاجرها بالربع والثلث والنصف»((1)).

وعن أبی بردة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن إجارة الأرض المحدودة بالدراهم المعلومة، قال: «لا بأس»، وسألته عن إجارتها بالطعام، فقال: «إن کان من طعامها فلا خیر فیه»((2)).

وعن یونس، عن غیر واحد، عن أبی جعفر (علیه السلام) وأبی عبد الله (علیه السلام)، أنهما سُئلا ما العلّة التی من أجلها لا یجوز أن تؤاجر الأرض بالطعام وتؤاجرها بالذهب والفضة، قال: «العلّة فی ذلک أنّ الذی یخرج منها حنطة وشعیر، ولا تجوز إجارة حنطة ولا شعیر بشعیر»((3)).

وعن نوادر أحمد بن محمد بن عیسی، عن الصادق (علیه السلام) فی حدیث: «وأمّا إجارة الأرض بالطعام فلا تجوز، ولا تأخذ منها شیئاً، إلاّ أن یؤاجر بالنصف والثلث، ولا یؤاجر الأرض بالحنطة والشعیر، ولا الربع وهو

ص:118


1- الوسائل: ج13 ص210 الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة ح7
2- الوسائل: ج13 ص211 الباب 16 من أبواب المزرعة والمساقاة ح9
3- الوسائل: ج13 ص211 الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة ح11

وأما إذا أجّرها بالحنطة أو الشعیر فی الذمة لکن بشرط الأداء منها ففی جوازه إشکال،

الشرب، ولا بالنطاف وهو فضلات المیاه، ولکن بالذهب والفضة»((1)).

وهذه الروایات کما تراها ظاهرة فی المنع من أن تکون الإجارة بطعام نفس الأرض، کما أنّ ظاهرها کون المنع إنّما هو فیما إذا کان مال الإجارة شیئاً محدوداً لا مثل الثلث والربع.

أمّا بالنسبة إلی اختصاص الحکم بالحنطة والشعیر أو تعمیمه لکل طعام، فظاهر الروایات الثانی، إلاّ أنّ صاحب الجواهر وغیره خصّوا المطلقات بالمقیدات، أی ما ذکر فیه الحنطة والشعیر فقط، لکنه تخصیص خلاف الظاهر، بل خلاف صریح ما ذکر فیها التمر، إذ المثبتان لا یقید أحدهما الآخر، والشهرة لا تصلح مقیدة، فاللازم إمّا القول بإطلاق المنع من هذه الجهة، وإمّا الحمل علی الکراهة فی الکل، لبعض القرائن الداخلیة والخارجیة کما سیأتی الکلام فی ذلک.

{وأمّا إذا أجّرها بالحنطة والشعیر فی الذمّة لکن بشرط الأداء منها، ففی جوازه إشکال} قال فی الجواهر: (أما لو جعله فی الذمة ولکن شرط الأداء منها أو من أرض معینة أخری، فلا یبعد الجواز للعمومات، ویجری علیه حکم الشرط حینئذ، مع احتمال البطلان فیه عملاً بما سمتعه من النصوص فی خصوص هذا الشرط) انتهی.

أقول: قوله (فی خصوص) متعلق ب_ (عملاً) لا

ص:119


1- المستدرک: ج2 ص303 الباب 112 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

والأحوط العدم لما یظهر من بعض الأخبار، وإن کان یمکن حمله علی الصورة الأولی، ولو أجرها بالحنطة أو الشعیر من غیر اشتراط کونهما منها فالأقوی جوازه

ب_ (النصوص)، فلیس نص فی هذا الشرط، وعلیه فوجه الصحة إطلاقات أدلة الإجارة وإطلاقات أدلة الشرط، ووجه البطلان المناط فی الروایات المانعة، إذ لا یفهم العرف فرقاً بین أن تکون الإجارة منصبّة علی الحاصل من نفس الأرض أو أن یکون ذلک علی نحو الشرط.

{و} لا إشکال فی أنّ {الأحوط} الأولی {العدم، لما یظهر من بعض الأخبار، وإن کان یمکن حمله علی الصورة الأولی} وهی أن تکون الإجارة بأجرة هی من الأرض، ومراد المصنّف ببعض التعلیلات کقوله (علیه السلام): «وهذا لیس بمضمون»((1)).

ولکن لا یخفی أنّ مساق الأخبار لا یرتبط بالشرط أصلاً، وعلیه فإذا لم یف المستأجر بالشرط کان للمؤجر الفسخ أخذاً بحقّ الشرط، سواء لم یف عمداً أو لم یف اضطراراً، کما لو لم تعط الأرض الحاصل، أو لم یزرع فیها أصلاً، والظاهر أنّ للمؤجر أخذ الحنطة من الخارج، وأخد التفاوت بین الحنطتین إن کان هناک تفاوت، أو التصالح علی إسقاط الشرط بأخذه شیئاً وإن لم یکن تفاوت بین الحنطتین.

{ولو أجّرها بالحنطة أو الشعیر من غیر اشتراط کونهما منها فالأقوی جوازه} لإطلاق أدلة الإجارة بعد کون المنع خاصاً بما إذا کان وجه

ص:120


1- الوسائل: ج13 ص209 الباب 16 من أبواب المزارعة ح3

نعم لا یبعد کراهته، وأما إجارتها بغیر الحنطة والشعیر من الحبوب فلا إشکال فیه

الإجارة الحنطة والشعیر من نفس الأرض، فإنّ المفهوم من قوله (علیه السلام): «إن کان طعامها فلا خیر فیه»((1))، أنه إن لم یکن من طعامها ففیه الخیر، وبذلک یقید إطلاق قوله (علیه السلام): «لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة»((2))، ونحو ذلک غیره، بل لعلّ المنصرف من مثل هذه الروایات هو إعطاء الأجرة من الأرض، وذلک لتعارف کون الإعطاء من نفس الأرض.

إذ الزارع إنّما یعطی الأجرة من نفس زرعه، لا أنه یشتری الحنطة من السوق ویؤدّی دینه، ویبیع هو بنفسه حنطته للسوق، فإنّه خلاف المتعارف، فکأنّ الشارع أراد عدم ذکر ذلک فی الإجارة لأنه غیر مضمون، کما نص بذلک، بخلاف الکل فإنه مضمون، إذ حاله حال الذهب والفضة، ولذا ذهب المشهور قدیماً وحدیثاً إلی الجواز.

{نعم لا یبعد کراهته} خروجاً من خلاف من لم یجز أو أخذاً ببعض الإطلاقات المتقدمة، حملاً للمقیدات علی الفرد المحرّم.

{وأمّا إجارتها بغیر الحنطة والشعیر من الحبوب فلا إشکال فیه} عند المصنّف وبعض آخر، بل هو المشهور کما قیل، وذلک لإطلاقات الإجارة المقیدة بالحنطة والشعیر، أمّا الروایات التی ذکر فیها التمر، أو

ص:121


1- الوسائل: ج13 ص209 الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة ح5
2- الوسائل: ج13 ص209 الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة ح3

خصوصاً إذا کان فی الذمة مع اشتراط کونه منها أو لا.

هی مطلقة، فتحمل علی الکراهة لعدم عمل المشهور بها، ولکن مقتضی القاعدة الإشکال، کما أشکل فیه السادة البروجردی والحکیم والاصطهباناتی وغیرهم، إذ لا وجه لتقیید أحد المثبتین بالآخر، ولم یعلم إعراض المشهور إلی حدّ إسقاطها عن الحجیة، بل المحکی عن الخلاف والمبسوط والسرائر والمختلف والتنقیح وجامع المقاصد وإیضاح النافع والتذکرة وغیرها المنع، {خصوصاً إذا کان فی الذمة مع اشتراط کونه منها أو لا} وذلک لما عرفت من أنه غیر مورد الأخبار، ولم یعرف المناط القطعی حتی یتعدی من مورد الأخبار إلیه.

بقیت فی المقام صور:

الأولی: أن یستأجرها بالحنطة مثلاً فیما یزرعها شعیراً، ولا إشکال فی الصحة.

الثانیة: أن یستأجرها بالطحین من نفس الأرض، ولا ینبغی الإشکال فی البطلان، وکذا سائر الفروع کالخبز والدقیق مثلاً.

الثالثة: أن یستأجرها بحنطة من أرض معینة غیرها، وفیه إشکال وإن کان الأقرب المنع، للتعلیل بأنه غیر مضمون فی بعض النصوص.

الرابعة: أن یستأجرها بالکسر المشاع، مثل النصف والثلث ونحوهما، ولا إشکال فی الصحة للإطلاق، وخصوص جملة من الأخبار المتقدمة.

الخامسة: أن یستأجرها بحنطة منها، ولکن مع العلم القطعی

ص:122

بخروجها منه، وفیه احتمالان، من إطلاقات النص والفتوی، ومن التعلیل فی بعض نصوص المنع بأنه غیر مضمون، فلا یرد فیما علمنا بأنه مضمون.

السادسة: الصلح علی ذلک أو الهبة المعوّضة، والظاهر الصحة، لإطلاقات أدلّتهما، ولم یعلم المناط القطعی حتی یتعدّی عن مورد ذلک إلی غیره.

السابعة: إذا جعل فی ضمن مال الإجارة الحنطة من نفسها، کما إذا قال: آجرتک علی وزنة من الحنطة منّ منها من نفس الأرض. فالظاهر البطلان بالنسبة، وحینئذ یکون له خیار تبعّض الصفقة.

الثامنة: هل إجارة غیر الأرض من ما یزرع فیه کالزهریات والحب ونحوه، بحاصل منها أیضاً حاله حال الأرض أم لا، احتمالان، وإن کان لایبعد المنع للمناط.

التاسعة: هل إجارة البحر والمعدن بحاصل منهما حاله حال ذلک، احتمالان، وإن کان لا یبعد الجواز، لإطلاق أدلة الإجارة، ولیس التعلیل فی قوة بحیث یمکنه التعدّی، والمناط غیر قطعی.

العاشر: لو استأجر کذلک بطلت الإجارة، وکان للمؤجر أجرة المثل أو أقل الأمرین من المثل والمسمّی، وإن کان البذر من المالک عند الإجارة بالشرط فالظاهر أنّ للمستأجر أجرة مثل عمله، والحاصل للمالک، لأنّ الزرع یتبع البذر.

ص:123

الحادیة عشرة: إجارة الحیوان کالبقرة والدجاجة بحاصلها، أیضاً فیها الاحتمالان المتقدمان.

الثانیة عشرة: تقدم فی بعض الروایات المنع عن إجارة الأرض بالنطاف والأربعاء، ولم أجد من تعرض لذلک، وإن کان مقتضی القاعدة المنع بعد ورود النص، الظاهر الحجة، ولعلّه یشمله أیضاً التعلیل بأنه غیر مضمون.

وهناک فروع أخر نکتفی منها بهذا القدر، والله العالم.

ص:124

مسألة ١ إجارة حصة من أرض معینة مشاعة

(مسألة 1): لا بأس بإجارة حصة من أرض معینة مشاعة، کما لا بأس بإجارة حصة منها علی وجه الکلی فی المعین مع مشاهدتها علی وجه یرتفع به الغرر، وأما إجارتها علی وجه الکلی فی الذمة فمحل إشکال، بل قد یقال بعدم جوازها لعدم ارتفاع الغرر بالوصف، ولذا لا یصح السلم فیها، وفیه إنه یمکن وصفها علی وجه یرتفع فلا مانع منها إذا کان کذلک,

(مسألة 1): {لا بأس بإجارة حصة من أرض معینة مشاعة، کما لا بأس بإجارة حصة منها علی وجه الکلّی فی المعین مع مشاهدتها} أو وصفها {علی وجه یرتفع به الغرر} وذلک لإطلاقات أدلة الإجارة، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

والفرق بین الأمرین: إنّ الحصة المشاعة تکون فی المجموع حتی إذا تلف جزء تلف من الطرفین، بخلاف الکلّی فی المعین الذی یکون تلفه من المالک.

{وأمّا إجارتها علی وجه الکلّی فی الذمّة فمحلّ إشکال، بل قد یقال بعدم جوازها لعدم ارتفاع الغرر بالوصف، ولذا لا یصحّ السلم فیها} لاشتراط بیع السلم بالوصف الرافع للغرر، {وفیه: إنه یمکن وصفها علی وجه یرتفع} الغرر {فلا مانع منها إذا کان کذلک} أی کان الوصف رافعاً للغرر.

وإشکال السید البروجردی بقوله: (لکنه مجرد فرض ظاهراً، إذ الوصف لا یحیط بما فیها من الخصوصیات الموجبة لتفاوت الرغبات)، انتهی.

غیر وارد، إذ العرف یقضی بإمکان ذلک، وأولی منه إذا شرط وفائه الکلّی من أرض خاصة مشاهدة مثلاً.

ص:125

مسألة ٢ استیجار الأرض لتعمل مسجداً

(مسألة 2): یجوز استیجار الأرض لتعمل مسجداً لأنه منفعة محللة، وهل یثبت لها آثار المسجد من حرمة التلویث ودخول الجنب والحائض ونحو ذلک، قولان، أقواهما العدم

(مسألة 2): {یجوز استئجار الأرض لتعمل مسجداً} فی الجملة {لأنه منفعة محلّلة} فإطلاق أدلة الإجارة یشملها، وقول بعض العامة لا یجوز قیاساً بالصلاة واضح المنع، إذ لا ملازمة بین بطلان الإجارة علی الصلاة، وبطلان إجارة مکان الصلاة کما ذکره المستمسک، فإنّ حال المکان حال اللباس ونحوه یجوز إجارته للصلاة فیه، مضافاً إلی منع المقیس علیه فی مثل صلاة الأجیر، بل حتی فی صلاة الفریضة، کما سیأتی فتوی بعض الفقهاء بإجازة ذلک.

{وهل یثبت لها آثار المسجد، من حرمة التلویث ودخول الجنب والحائض ونحو ذلک، قولان}، المحکی من جامع المقاصد المنع، لأنّ المسجد المتلقی من الشرع هو المؤبد، فلا یشمله إطلاق أدلة المسجد، فإذا استأجر لذلک کان مصلّی لا مسجداً.

والمحکی عن الأردبیلی: الجواز، بدعوی کون المسجد أعمّ من الموقوف مؤبّداً وغیره، خصوصاً إذا کانت المدة طویلة، والفرد المتلقّی من الشارع لا دلیل علی الانحصار فیه، إلاّ الانصراف البدائی، فإذا استأجر أرضاً مثلاً لمدة ثلاثین سنة وعمرها بعنوان المسجد، لا یشک العرف الصدق بالنسبة إلیه، وإن کان السیدان ابن العم والحکیم منعا عن ذلک تبعاً للمصنف حیث قال: {أقواهما العدم}، أمّا اشتراط کون المدة طویلة فلتوقف الصدق العرفی علیه، وکلّما شک فی الصدق

ص:126

نعم إذا کان قصده عنوان المسجدیة لا مجرد الصلاة فیه، وکانت المدة طویلة کمائة سنة أو أزید، لا یبعد ذلک لصدق المسجد علیه حینئذ.

فالأصل العدم، وبذلک یظهر وجه قول المصنف: {نعم إذا کان قصد عنوان المسجدیة لا مجرد الصلاة فیه، وکانت المدة طویلة کمائة سنة أو أزید} بل والأقل أیضاً فی الجملة {لا یبعد ذلک} وأنه یکون مسجداً محکوماً بأحکام المسجد {لصدق المسجد علیه حینئذ}.

ثم إذا قلنا ببطلان المسجدیة غیر الدائمة، فالإجارة إن کانت لذلک علی نحو القید بطلت لتعذّر متعلّقها، وإن کانت الإجارة لذلک علی نحو الشرط کان للشارط إبطالها، وإن کانت علی وجه الداعی صحّت الإجارة ولا تصحّ المسجدیة، وإن عملها مسجداً فلا یترتّب علیه أحکام المسجد.

ومّما تقدم تعرف حکم الاستئجار لجعلها حسینیة أو مدرسة أو ما أشبه، وإن کان الأمر فی أمثالها أهون، لعدم أسلوب خاص متلقّی من الشرع فیها، فیشملها قوله (علیه السلام): «الوقوف علی حسب ما وقفها أهلها»((1)).

وهل تصحّ إجارة المسجد لمصلحة، ذکرنا فی کتاب الوقف عدم استبعاد ذلک فی بعض صوره، وکذلک إجارة سائر الموقوفات، أمّا إذا کانت الوقفیة لها بحیث یشمل الإجارة فلا إشکال لدلیل «الوقوف علی حسب ما وقفها أهلها».

وکذا یجوز إجارة القرآن والتربة الحسینیة وکتب الأدعیة، وإن لم یجز بیع بعضها، لإطلاقات أدلة الإجارة، وعدم التلازم بین البیع والإجارة.

ص:127


1- الوسائل: ج13 ص295 الباب 2 من أبواب أحکام الوقف والصدقات ح1

مسألة ٣ استیجار النقود للزینة

(مسألة 3): یجوز استیجار الدراهم والدنانیر للزینة أو لحفظ الاعتبار أو غیر ذلک من الفوائد التی لا تنافی بقاء العین.

(مسألة 3): {یجوز استئجار الدراهم والدنانیر للزینة أو لحفظ الاعتبار أو غیر ذلک من الفوائد التی لا تنافی بقاء العین} کما صرّح بذلک الجواهر وغیره، لشمول إطلاقات أدلة الإجارة لها، واحتمال المنع لوجوه ضعیف، ولا فرق فیها بین کونها ذهباً وفضةً، أم ورقاً أو سائر العملات التی تسمّی بهذه الأسامی أو بغیرها، کالدولار والجنیه، والدنانیر الورقیة، والدراهم النیکلیة، والفلس الصفری، وغیرها.

ثم إنّه یلزم أن تحفظ العین کما هو مقتضی الإجارة، فلا یصح التعامل بها.

کما أنه لا فرق فی صحة الإجارة بین کونها بالأقل أو المساوی أو الأکثر، کأن یستأجر دیناراً لمدة سنة بدینار وربع، ولا مجال لتوهّم الربا، لأنه فی البیع والقرض، والعلّة المذکورة لحرمة الرّبا فی بعض الروایات بأنّه لفساد الأموال غیر آت هنا، مضافا إلی أنها حکمة، کما لا یخفی.

ص:128

مسألة ٤ استیجار الشجر للاستظلال

(مسألة 4): یجوز استیجار الشجر لفائدة الاستظلال ونحوه کربط الدابة به أو نشر الثیاب علیه.

(مسألة 4): {یجوز استئجار الشجر} والحائط ونحوهما {لفائدة الاستظلال ونحوه کربط الدابّة أو نشر الثیاب علیه} أو ربط حبل الأرجوحة أو السفینة به، وذلک لشمول إطلاقات أدلة الإجارة له.

وهذا لا ینافی جواز الاستظلال بحائط الناس وشجرهم بدون إذنهم، حتی یقال إذا کانت له مالیة لما جاز بدون الإذن، وإذا لم یکن له مالیة لما جازت الإجارة، إذ الجواز بدون الإذن للعلم بالرضا.

وکذا یجوز إجارة البحر والهواء والصحراء للاستفادة منها فی مرور السفن، أو حیواناتها للاصطیاد، أو مرور الطائرات، أو بناء الغرف الناتئة فی هواء دار الغیر، أو مرور السیارات، أو أنابیب النفط، أو الجیش، والقوافل، أو القطارات، أو ما أشبه من تلک.

ولیس غرراً إذا کان فی مورد المعرفة العقلائیة.

وکذلک یجوز إجارة الفضاء للاستفادة من نور الشمس أو الریاح فی اتخاذ الطاقة المحرکة منهما، کما هو المتعارف الآن.

ص:129

مسألة ٥ استیجار البستان للتنزه

(مسألة 5): یجوز استیجار البستان لفائدة التنزه، لأنه منفعة محللة عقلائیة.

(مسألة 5): {یجوز استئجار البستان لفائدة التنزّه لأنّه منفعة محللّة عقلائیة} فتشمله أدلة الإجارة.

وهل یجوز استئجار رحم امرأة لتربیة الولد، له صور:

الأولی: أن تکون رحم أجنبیة فیزرّق فیها منی الرجل لیتکون الولد من منی الرجل والمرأة الأجنبیة، وهذا لا یجوز قطعاً.

الثانیة: أن تکون رحم أجنبیة بأن یزرّق فیها منی الزوجین، وهذا لا یجوز أیضاً.

الثالثة: أن یزرّق منی الزوجین فی رحم زوجة ثانیة لنفس الزوج، ومقتضی القاعدة جوازه، فتجوز الإجارة تبعاً لذلک.

الرابعة: أن یزرّق منی الزوج فی حال أخذه من الزوج، إلی الزوجة بعد انفصالها عنه وخروجها من العدة أو فی حال عدة البائن، وهذا فیه إشکال، بل الأقرب عدم جوازه.

الخامسة: صور تزریق المنی من المولی فی أمته، ویعرف حالها ممّا تقدم.

السادسة: صور تزریق المنی من حیوان إلی حیوان آخر، وکلّها جائزة.

السابعة: صور تزریق منی الإنسان فی الحیوان، کأن یستعار رحم قرد لتربیة ولد من منی الزوجین، وهذا جائز من جهة رحم القرد، أمّا

ص:130

من جهة کون المنی لزوجین أو لأجنبیین، فلکلّ حکمه جوازاً ومنعاً.

الثامنة: العکس بأن یزرق منی حیوانین فی امرأة، ولا یبعد الجواز، لأنه لا دلیل علی الحرمة، وکلّما لم یکن دلیل علی الحرمة شمله أصالة الحلّ.

وهناک صور أخری تعرف حالها ممّا تقدم.

وهل یجوز استئجار الزوجة زوجها للملامسة، حیث لا یجب علیه ذلک، الظاهر الجواز للأدلة العامة.

ص:131

مسألة ٦ الاستیجار لحیازة المباحات

(مسألة 6): یجوز الاستیجار لحیازة المباحات، کالاحتطاب والاحتشاش والاستقاء، فلو استأجر من یحمل الماء له من الشط مثلاً ملک ذلک الماء بمجرد حیازة السقاء،

(مسألة 6): {یجوز الاستئجار لحیازة المباحات، کالاحتطاب والاحتشاش والاستقاء} وصید الأسماک والوحوش والطیور واستخراج المعادن وغیرها، کما اختاره غیر واحد کالشرائع وغیره.

وأشکل فیه العلاّمة فی کتاب القواعد من جهة أنه هل یقع للمؤجر أو المستأجر، وتبعه من المعلّقین السید البروجردی قال: إنه محل إشکال.

نعم یجوز علی مقدّماتها من الجمع والحمل إلیه، لیملکها بعد استیلائه علیها، ووافقه الأصطهباناتی، خلافاً لسائر المعلّقین والمستمسک، حیث وافقوا المصّنف علیه.

وکیف کان، فیدل علی الجواز إطلاقات أدلة الإجارة، والتجارة عن تراض، والوفاء بالعقود ونحوها، بل والسیرة المستمرة، فإنّه لا یزال رؤساء الصیادین ومن أشبه یستأجرون للحیازة.

والذی یمکن أن یستدل به للمنع هو ما أشار إلیه العلاّمة بما یمکن توجیهه بأنّ الحیازة من الأسباب القهریة لتملّک الحائز ولو قصد الغیر، فلا یصرف الملک إلی المستأجر حتی مع قصد الحائز ذلک.

وفیه: إنه لم یعلم کون الحیازة کذلک، بل سیأتی الدلیل علی خلاف ذلک.

ثم لا فرق فی صحة الاستئجار علی الحیازة بین إعطاء المستأجر الآلات، کسفینة الصید ونحوها، أم لا {فلو استأجر من یحمل الماء له من الشط مثلاً، ملک ذلک الماء بمجرد حیازة السقاء} لحصول الحیازة الموجبة

ص:132

فلو أتلفه متلف قبل الإیصال إلی المستأجر ضمن قیمته له، وکذا فی حیازة الحطب والحشیش، نعم لو قصد الموجر کون المحوز لنفسه، فیحتمل القول بکونه له،

للملک فلا یتوقّف علی شیء آخر من الوصول إلی ید المستأجر أو نحوه.

{فلو أتلفه متلف قبل الإیصال إلی المستأجر ضمن قیمته له}، والاحتمال الآخر هو عدم الضمان، لأنّ الحائز لم یملک، لفرض أنه لم یحز لنفسه حتی یوجب الملک، والمستأجر لم یملک بالحیازة لما تقدم من إشکال العلاّمة، فالمتلف إنما أتلف المباح الأصلی، وذلک لا یوجب الضمان.

ثم بناءً علی ما اخترناه، لو أتلفه نفس الحائز کان الحکم ضمانه أیضاً، لأنه أتلف مال الغیر، کما أنه یعلم منه أن نتاج المحاز أیضاً للمالک المستأجر، فلو باض الطیر المصید بین الحیازة وبین الوصول إلی المستأجر کان للمستأجر.

{وکذا فی حیازة الحطب والحشیش} وغیرهما، لوحدة الدلیل فی الکل.

{نعم لو قصد المؤجر کون المحوز لنفسه} لا للمستأجر {ف_} هل یکون له أو للمستأجر {یحتمل القول بکونه له} لأنّ «الأعمال بالنیات»((1))، فنیة المؤجر کون المحاز له یوجب أن یکون له لا للمستأجر، لأنه یشمله إطلاقات أدله الحیازة، ولا صارف لها عن هذا المورد، فإنّ الإیجار وحده لا یکفی صارفاً، وهذا هو الذی اختاره ابن العم فی التعلیقة {ویکون

ص:133


1- الوسائل: ج1 ص34 الباب 5 من أبواب مقدمات العبادات ح7

ویکون ضامناً للمستأجر عوض ما فوته علیه من المنفعة خصوصاً إذا کان

ضامناً للمستأجر عوض ما فوّته علیه من المنفعة} لأنه بعدم عمله للمستأجر فوّت علیه حقّه فیکون ضامناً له بالمثل.

کما أنّ الظاهر أنّ للمستأجر علی هذا القول، خیار الفسخ فیرجع إلی المسمّی، کما فی کلّ من لم یسلّم العمل إلی صاحبه، وقد تقدم فی بعض المباحث السابقة الإشارة إلیه.

ثم لو لم یفسخ وقلنا بالمثل، فهل المراد بالمثل مثل ما حصّل الأجیر فی حیازته، أم مثل قیمة عمله لو عمل مع قطع النظر عمّا حصّله، احتمالان:

من أنه حصل علی الکمیة الفلانیة حتی أنه لو صرف النیة إلی المستأجر لحصل المستأجر علی هذه الکمیة، فالمثل مثل ما حصله.

ومن أنّ المثل حیث یطلقونه مثل واقع العمل مع قطع النظر من الخارج، فقد یکون المثل الخارجی أزید، وقد یکون المثل الخارجی أقلّ، ولعلّ الأقرب المثل الواقعی لا المثل الخارجی.

ولا یخفی أنّ الاحتمالین إنّما هو فیما إذا حاز مثل المستأجر علیه، کأن استأجره لصید السمک فصاد السمک، أمّا إذا استأجره لصید السمک فذهب واحتطب، فاللازم القول بالمثل الواقعی قولاً واحداً، لا مثل المحاز، إذ لا ربط بالمحاز مع المستأجر علیه.

کما أنّ أصل المسألة وهو احتمال کونه له أو للمستأجر، إنما هو فیما إذا حاز مثل المستأجر علیه، أمّا إذا حاز غیره فاللازم القول بأنّ المحاز له، وأنّ للمستأجر المثل، أو الفسخ فیرجع إلی المسمّی، {خصوصاً إذا کان

ص:134

الموجر أجّر نفسه علی وجه یکون تمام منافعه فی الیوم الفلانی للمستأجر، أو یکون منفعته من حیث الحیازة له.

المؤجر أجر نفسه علی وجه یکون تمام منافعه فی الیوم الفلانی للمستأجر، أو یکون منفعته من حیث الحیازة له}، (خصوصاً) راجع إلی الضمان، أی أنّ الضمان علی هذا القول عام خصوصاً فی هاتین الصورتین.

أمّا غیر هاتین الصورتین فهی صورة أن یکون المستأجر علیه فی الذمّة، بخلاف الصورتین، فإنّهما فیما إذا کان المستأجر علیه فی الخارج، فإنه یصحّ أن یستأجر المستأجر الأجیر علی أن تکون ذمته مشغولة، ویصحّ أن یستأجره علی أن یکون عمله الخارجی له.

والفرق بینهما یظهر فیما إذا لم یحتج العمل إلی النیة، کالخیاطة، لا الحیازة المحتاجة إلی النیة، فإنّه إن استأجره علی أن تکون الخیاطة له فی ذمّة الأجیر احتاج تطبیق ما فی الذمة علی الخیاطة الخارجیة حتی تکون الخیاطة للمستأجر، إلی النیة، فإنّ انطباق ما فی الذمة إلی ما فی الخارج یحتاج إلی القصد، فإذا خاط ولم یقصد کونه مصداقاً لما فی ذمته لم تکن الخیاطة للمستأجر.

وأمّا إن استأجره علی أن تکون الخیاطة الصادرة منه خارجاً للمستأجر، فإنّ الخیاطة الصادرة من الأجیر تکون للمستأجر رأساً بدون احتیاج إلی قصد ونیة الانطباق.

ثم إنّ قوله (خصوصاً) إنّما هو لأجل أنّ الضمان فی الصورة الثالثة (وهی صورة کون الإجارة علی ما فی الذمّة) أخفی، لأنه محل توهّم أن یقال: إنّ الأجیر لم یتلف علی المستأجر متعلّق حقّه، فلا یکون ضامناً له، إذ المتعلّق الذی هو فی ذمّته باق علی حاله، وما حصّله فی الخارج بالحیازة لیس مربوطاً بالمستأجر، وهذا بخلاف ما إذا کان عمله الخارجی

ص:135

وذلک لاعتبار النیة فی التملک بالحیازة، والمفروض أنه لم یقصد کونه للمستأجر بل قصد نفسه،

للمستأجر، کما فی مثالی المصنّف (رحمه الله)، حیث إنه بسبب عدم نیته أتلف العمل الذی کان للمستأجر، فیضمن بدله، هذا کلّه وجه الخصوصیة.

أمّا وجه عدم الفرق بین الصور الثلاث فی الضمان: أنّ فی الصورة الثالثة التی کان المتعلّق فیها ذمیاً أیضاً، لم یأت المؤجر بمتعلّق الإجارة، فإنّ الذمة لم تکن متعلّقة للإجارة بما هی هی، بل بما ینطبق علی الخارج، وحیث لم یأت بالمتعلّق یکون ضامناً، علی نحو الصورتین اللتین ذکرهما المصنّف.

{و} إنما قلنا (فیحتمل...) {ذلک لاعتبار النیة فی التملّک بالحیازة}، فإذا امتحی الماء من البئر بقصد تنظیفها وأخذ یصبّه فی الأرض لم یحز ذلک الماء ولم یملکه، وکذا إذا أخذ التراب من وسط الجادة لتنظیفها لم یکن حائزاً ومالکاً له، بل یبقی الماء والتراب علی إباحتهما الأصلیة، لا أنه یملکهما وبطرحهما یکون معرض عنهما لیکونا بلا مالک بعد أن صار مالکاً لهما، ولذا إذا أخذ إنسان کفاً من الماء أو التراب وهما فی دلوه أو مکرفته لم یکن غاصباً ومتصرّفاً فی مال الناس.

{والمفروض أنه لم یقصد کونه للمستأجر بل قصد نفسه}، ومثله ما لو قصد إنساناً آخر غیر المستأجر، أم لم یقصد أحداً أصلاً، فإنه لم یصرف المنحاز إلی المستأجر فیستحقّ علیه المثل.

نعم لو لم یقصد أحداً یحتمل استحقاق المستأجر لنفس المنحاز، لأنه

ص:136

ویحتمل القول بکونه للمستأجر لأن المفروض أن منفعته من طرف الحیازة له فیکون نیة کونه لنفسه لغواً، والمسألة مبنیة علی أن الحیازة من الأسباب القهریة لتملک الحائز ولو قصد الغیر

أقرب إلی المثل، کما ذکروا مثله فیما إذا أخرج المال المطروح فی البحر بعد أن أعطی بدله فإنّه یرجعه إلی المالک لأنه أقرب إلی المثل، بل هو حقیقة، ففی ما نحن فیه إذا أبی إعطاء المثل أو أراد إعطاءه غیره کان للمستأجر جبره بإعطاء نفس المنحاز، إذ لا مانع لإعطائه، فإنه لم یصبح ملکاً لأحد، فتأمّل.

{ویحتمل القول بکونه للمستأجر لأنّ المفروض أنّ منفعته من طرف الحیازة له} أی للمستأجر، وذلک فی الصورتین اللتین ذکرهما المصنّف، أمّا فی الصورة الثالثة التی ذکرناها وهی کون متعلّق الإجارة فی الذمة، فلیس حالها حالهما کما لا یخفی.

{فتکون نیة کونه لنفسه لغواً} من قبیل نیة الإنسان أن یکون استخراجه المعدن من ملک زید لنفسه.

{والمسألة مبنیة علی أنّ} کیفیة سببیة الحیازة للملک ما هی، فهل أنّ {الحیازة من الأسباب القهریة لتملّک الحائز ولو قصد الغیر} أو لم یقصد أصلاً، وذلک لما اشتهر بینهم من أن «من حاز ملک»، قال فی المستمسک: (فإنّ المضمون المذکور وإن لم یرد به نص بلفظه فقد ورد ما یدل علی معناه مثل قوله (علیه السلام): «للید ما أخذت وللعین ما رأت»((1))، انتهی.

أقول: لا إشکال فی أنّ الحیازة من الأسباب للتملّک، ویدل علیه

ص:137


1- انظر المستدرک: ج2 ص504

الأدلة الأربعة: کقوله سبحانه: ﴿خَلَقَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمیعاً﴾((1)). وقوله: ﴿وَسَخَّرَ لَکُمْ﴾((2)).

وفی الحدیث القدسی: «خلقت الأشیاء لأجلک وخلتقک لأجلی»((3)).

وقوله سبحانه: ﴿أُحِلَّ لَکُمْ صَیْدُ الْبَحْرِ﴾((4)).

وقوله تعالی: ﴿وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا﴾((5)).

وما ورد فی إحیاء الأراضی المیتة وأنها للمحیی((6)).

وما ورد فی الاحتطاب ونحوه، وقوله (صلی الله علیه وآله) فی ما رواه المستدرک عن الغوالی أنه قال: «من سبق إلی ما لم یسبقه إلیه أحد فهو أحق به»((7)).

وما ورد فی صید السمک والطیر والوحش((8)).

ص:138


1- سورة البقرة: الآیة 29
2- سورة الجاثیة: 13
3- مشارق انوار الیقین: ص179
4- سورة المائدة: الآیة 96
5- سورة المائدة: الآیة 2
6- الوسائل: ج17 ص326 الباب 1 من إحیاء الموات
7- العوالی: ج3 ص480 ح4
8- الوسائل: ج16 ص240 الباب 29 وص 242 الباب 33

ولازمه عدم صحة الاستئجار لها، أو یعتبر فیها نیة

وما ورد فی حیازة المعدن وأنّ فیه الخمس((1)).

وما ورد فی حیازة الأرض لبناء المسجد((2)) ونحوه.

وما ورد فیما إذا کان فی جوف الدابّة أو السمکة شیء ثمین((3)).

وما ورد فیما إذا وجد الإنسان شیئاً فی الخربة ((4))، إلی غیر ذلک ممّا هو کثیر.

بالإضافة إلی الإجماع القطعی والضرورة والعقل.

وهذا کلّه لا إشکال فیه، وإنّما الإشکال فی أنه هل أنّ ذلک لا یقبل النیابة أم یقبلها، فإن قلنا بأنّها من الأسباب القهریة، قصد الحیازة أم لم یقصد، قصد نفسه أو قصد غیره، {ولازمه عدم صحة الاستئجار لها} فلا کلام، لکنّ الإشکال فیه أنه أول الکلام.

هذا بالإضافة إلی أنّ التلازم غیر ظاهر، إذ یمکن الاستئجار للحیازة لا بقصد أن یکون المحوز ملکاً للمستأجر، بل بقصد أن یشغل المستأجر مثلاً ولده الأجیر بمثل هذه الأعمال حتی یتدرب فیها، فإنّ عود النفع إلی المستأجر فی الإجازة لا یلازم عود الملک إلیه، {أو یعتبر فیها نیة

ص:139


1- الوسائل: ج6 ص342 الباب 3
2- الوسائل: ج3 ص485 الباب 8
3- الوسائل: ج17 ص358 الباب 9، وص 359 الباب 10
4- الوسائل: ج17 ص354 الباب 5 ح1

التملک ودائرة مدارها، ولازمه صحة الإجارة وکون المحوز لنفسه إذا قصد نفسه وإن کان أجیر الغیر، وأیضاً لازمه عدم حصول الملکیة له إذا قصد کونه للغیر من دون أن یکون أجیراً له أو وکیلاً عنه، وبقاؤه علی الإباحة إلا إذا قصد بعد ذلک کونه له بناءً علی عدم جریان

التملّک ودائرة مدارها} أی مدار النیة، بحیث یکون کل من التملّک وعدمه والتملّک لنفسه أو غیره دائراً مدار النیة، فإن نوی التملّک ملک، وإلاّ لم یملک، وإن نوی لنفسه کان لنفسه، وإن نوی غیره صار لغیره، {ولازمه صحة الإجارة وکون المحوز لنفسه إذا قصد نفسه وإن کان أجیراً للغیر} وکون المحوز لغیره وإن لم یستأجره الغیر لذلک، لأنه دائر مدار النیة حسب الفرض.

وهذا ما ذکره بقوله: {وأیضاً لازمه عدم حصول الملکیة له إذا قصد کونه للغیر من دون أن یکون أجیراً له أو وکیلاً عنه و} لازمه أیضاً {بقاؤه علی الإباحة} إذا حاز بدون قصد التملّک، بل بقصد اللعب، أو لأجل تنقیة الطریق مثلاً، أو ما أشبه ذلک، لأنه لم یقصد التملّک الذی هو مدار الملک حسب هذا الاحتمال، {إلاّ إذا قصد بعد ذلک کونه له}.

وقد اختلفوا فی اعتبار نیة التملّک فی ملک الحائز.

فعن المبسوط اعتبار النیة فی التملک، وتبعه الدروس ومفتاح الکرامة وغیرهما.

وفی الجواهر: دعوی السیرة، بل الضرورة علی عدم الاعتبار.

وفی الشرائع والقواعد: التردّد والإشکال فیه، {بناءً علی عدم جریان

ص:140

التبرع فی حیازة المباحات والسبق إلی المشترکات وإن کان لا یبعد جریانه

التبرع فی حیازة المباحات والسبق إلی المشترکات} فإذا قصد إنسان أن تکون السمکة التی یصطادها لزید تبرّعاً لم تکن السمکة له بل للصائد، وکذا إذا تبرّع بأخذ مکان فی المسجد لزید لا یکون ذلک المکان لزید بل للآخذ وهکذا.

وقوله (بناءً) دلیل علی بقاء الشیء علی الإباحة الأصلیة إذا قصد به الغیر، وذلک لأنه لم یصر لنفس الحائز، لأنه لم یقصد ذلک، ولم یصر للمقصود لأنه لا یجری التبرّع فی الحیازة، وإنما لا یجری التبرّع لأنّ الدلیل إنّما دلّ علی أنّ السبق إنّما یفید السابق، أمّا أن یفید ولو کان ذلک من نیة السابق فالأصل عدمه، وحیث کان الأصل عدم صیرورة المباح للغیر کان اللازم أن لا یکون للسابق أیضاً، إذ لم ینو کون المحوز لنفسه، فتبقی العین المحازة علی حالتها الأصلیة.

{وإن کان لا یبعد جریانه} أی جریان التبرّع فی حیازة المباحات والسبق إلی المشترکات، وذلک لأنّ الأصل العقلائیّ المخصّص لأصالة العدم، أنّ کلّ شیء یصلح فیه التبرّع إلاّ ما خرج بالدلیل، ولیس المقام ما خرج بالدلیل، وذلک لأنّ العقلاء یرون صحة التبرّع فی کلّ شیء، ودلیل السبق لم یدل علی أن یکون السبق بقصد کونه لنفسه، فإطلاقه یشمل التبرّع للغیر، إذ لیس معنی أحقّ به أحق بملکیته، بل معناه حسب المتفاهم عرفاً أحقّ بالتوجیه الذی یوجهه، سواء وجّهه إلی نفسه أو وجهه إلی غیره.

نعم إنّ مجرد قصد التبرّع لا یوجب عدم تمکن رجوعه، فله أن یرجع

ص:141

أو أنها من الأسباب القهریة لمن له تلک المنفعة، فإن لم یکن أجیراً یکون له، وإن قصد الغیر فضولاً فیملک بمجرد قصد الحیازة، وإن کان أجیراً للغیر یکون لذلک الغیر قهراً، وإن قصد نفسه أو قصد غیر ذلک الغیر، والظاهر عدم کونها من الأسباب القهریة مطلقاً، فالوجه الأول غیر صحیح،

حتی بعد أن سلّمه إلی الغیر، لأنه لا یزید عن أن یکون هبة، والهبة لا تلزم إلاّ فی الموارد الخاصة.

ومنه یعلم أنّ قول السیدین البروجردی والأصطهباناتی: (بل یبعد) غیر ظاهر الوجه، ولذا سکت غالب المعلّقین کابن العم وغیره علی المتن.

{أو أنها من الأسباب القهریة لمن له تلک المنفعة، فإن لم یکن أجیراً یکون له، وإن قصد الغیر فضولاً} أی بدون أن یستأجره الغیر، {فیملک} الحائز المحوز {بمجرد قصد الحیازة} ولا ینفع قصد کونه للغیر فی صرف المحوز إلی ذلک الغیر، وذلک لأنّ الحائز هو المالک لمنفعة نفسه فالمحوز یکون له.

{وإن کان أجیراً للغیر یکون} المحوز {لذلک الغیر قهراً، وإن قصد نفسه أو قصد غیر ذلک الغیر}، لغرض أنّ الملک تابع لمن ملک منفعة الحائز، والمستأجر هو الذی یملک منفعة الحائز، هذه احتمالات ثلاثة فی الحیازة.

{والظاهر عدم کونها من الأسباب القهریة مطلقاً} فلا تکون الحیازة سبباً لملک الحائز فی جمیع الصور، بل إنّما تکون سبباً لملکه فی بعض الصور، {فالوجه الأول غیر صحیح} وإنّما استظهرنا ذلک، لأنّ ظاهر أدلة «من سبق» ونحوه الاحتیاج إلی القصد، فإنه لا یصدق عرفاً

ص:142

ویبقی الإشکال فی ترجیح أحد الأخیرین، ولا بد من التأمل.

(سبق) فیما إذا أخذ یقلع الحشیش ویطرحه إلی جانب آخر بقصد تنظیف المکان.

لا یقال: فکیف تقولون بتملّک المشتری للدابة ما فی جوفها، والمشتری للدار ما فیها من المعدن مثلاً، مع أنه لم یقصد ذلک.

لأنّه یقال: إنّ المشتری قصد ذلک قصداً إجمالیاً، فإنّه یقصد اشتراء الدار والدار بما تحوی علیه، کالمشتری للدابة إذا تبین کونها حاملاً، فالقصد موجود، وإنما لیس القصد تفصیلیاً، بل إجمالیاً.

{ویبقی الإشکال فی ترجیح أحد الأخیرین ولا بدّ من التأمّل} والظاهر أنّ أصل الحیازة یحتاج إلی نیة من له الملک، فإذا لم ینو الملک لا یکون ملکاً له، وأنها یصحّ فیها الإجارة والوکالة والتبرّع، ولازم ذلک أمور:

الأول: إنّ الإنسان لو کان غیر أجیر ونحوه وحاز المباح بقصد أن یکون له، صار له.

الثانی: فی مفروض الأمر الأول لو قصد التبرّع للغیر صار لذلک الغیر، لکنه نوع من الهبة فیحتاج إلی جمیع شرائط الهبة، وأحکامه أحکامها.

الثالث: فی مفروض الأمر الأول لو حاز المباح لا بقصد الملک بل بقصد تنظیف المکان مثلاً، لم یصر لا له ولا لغیره، بل یبقی علی إباحته الأصلیة.

ص:143

الرابع: لو کان الإنسان أجیراً کان المحاز للمستأجر، سواء قصد شیئاً أو لم یقصد، وإذا قصد لا فرق بین أن یقصد أنه لنفسه أو للمستأجر أو لإنسان آخر، هذا کلّه فیما إذا قصد المستأجر الملکیة لنفسه.

الخامس: لو کان الإنسان أجیراً ولم یقصد المستأجر الملک لنفسه، بل لمستأجره أو لإنسان آخر تبرعاً، صار الملک لمن قصده المستأجر.

السادس: لو کان الإنسان أجیراً ولم یقصد المستأجر الملک، بل قصد تنظیف الطریق مثلاً، لم یصر الملک له، وحینئذ فإن قصد الأجیر الملک لنفسه أو لإنسان آخر صار الملک لمن قصده المستأجر، وإلاّ بقی علی إباحته الأصلیة.

ویدل علی ما ذکرناه، الجمع بین أدلة «من سبق»((1)) وأدلة صحة الإجارة والتبرّع، وأدلة صحة النیابة فی کلّ شیء إلاّ ما خرج.

وعلی هذا ففی مفروض مسألة المتن، وهو ما إذا أجّر نفسه للحیازة ثم قصد الحائز تملّک نفسه للمحوز، یکون الشیء المحوز للمستأجر، وتکون نیة الحائز أنّ الشیء لنفسه لغواً.

وممّا ذکرناه یظهر التأمل فی کثیر ممّا ذکره الماتن والجواهر والمستمسک وغیرهم.

ص:144


1- الوسائل: ج12 ص30 الباب 17 من أبواب آداب التجارة ح1 و2

مسألة ٧ استیجار المرأة للإرضاع

(مسألة 7): یجوز استیجار المرأة للإرضاع بل للرضاع، بمعنی الانتفاع بلبنها وإن لم

(مسألة 7): {یجوز استئجار المرأة للإرضاع} بلا إشکال ولا خلاف، ویدل علیه الأدلة الأربعة.

فمن الکتاب، قوله تعالی: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَکُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾((1))، وغیرها من الآیات المشعرة بذلک مثل: ﴿وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْری﴾((2)).

ومن السنة، ما دلّ علی استئجار حلیمة السعدیة لرسول الله (صلی الله علیه وآله)، وما دلّ علی اتّخاذ المرضعة مما ذکره الوسائل وغیره فی باب الرضاع من النکاح.

والإجماع، فی المسألة قطعی.

والعقل، یری حسن ذلک.

هذا بالإضافة إلی شمول أدلة الإجارة لما نحن فیه، إذ لا وجه لمنع إطلاقها أو عمومها لمثل المقام، والإشکال بأنّه یتلف العین وهو اللبن، والإجارة لا تصحّ إلاّ فی مورد المنفعة غیر تام، إذ حال ذلک حال إجارة البستان وإجارة الدار التی فیها بئر ماء أو حنفیة الماء أو الکهرباء، وإجارة السیارة والطیارة والقطار الصارفة للوقود، إلی غیر ذلک.

{بل} یجوز الاستئجار {للرضاع بمعنی الانتفاع بلبنها، وإن لم

ص:145


1- سورة الطلاق: الآیة 6
2- سورة الطلاق: الآیة 6

یکن منها فعل

یکن منها فعل} کما اختاره الشرائع والجواهر وغیرهما، وذلک لأنّ تسلیم المرأة نفسها لیمصّ الولد من ثدیها منفعة عقلائیة، فلا یکون الثمن بإزاء اللبن حتی یستشکل بأنّ ذلک أشبه بالبیع من الإجارة، فإشکال جامع المقاصد: (بأنّ الإجارة مشروعة لنقل المنافع لا الأعیان، واللبن من الثانیة) محل نظر.

وکون الداعی فی الإجارة اللبن لا یوجب تقابل المال باللبن، کما لا یوجب ذلک ما إذا استأجر داراً وکان مقصوده الانتفاع بمائها فقط، فإنّ الداعی لا یوجب صرف المعاملة إلیه حتی تناط المعاملة بالداعی.

نعم إذا جعل المال فی مقابل اللبن لم تصحّ إجارة بل هو بیع، فإن توفر شروط البیع فیه جاز، وإلاّ لم یجز، ولا یشترط صحة الإجارة بضمّ الحضانة المراد بها تربیة الولد لأصالة عدم الشرط، وقد صرّح بذلک الجواهر وغیره، ناقلاً له عن جماعة.

نعم عن جماعة اشتراط ذلک، وکأنه لتوهّم عدم صحة الإجارة للرّضاع المجرد، إذ هو من مقابلة المال بالعین، وقد عرفت الإشکال فیه فی الرضاع، فکیف بالإرضاع.

کما أنه بعد تطابق النص والفتوی والقاعدة علی الجواز لا وجه للإشکال فی ذلک بمجهولیة مقدار اللبن، إذا الجهالة الضارّة هی الجهالة العرفیة، ولا جهالة فی المقام، أمّا الجهالة الدقیة فلیست ضارة فی المعاملة، وإلاّ لزم بطلان أکثر المعاملات، مثلاً من یستأجر الدار لا یعلم مدی قوة

ص:146

مدة معینة،

البناء وعدد الآجر المبنی فیها، ومقدار عمق أساسها، وهکذا فی سائر المعاملات وسائر أمثلة الإجارة.

{مدة معینة} کسنة أو ستّة أشهر، بحیث تکون هی قابلة للإرضاع، أما استئجارها خمس سنوات مثلاً فذلک لا یصحّ، إذ لا لبن لها فی مثل هذه المدة، وحینئذ تکون الإجارة باطلة بالنسبة إلی المدة الزائدة، ویکون لکل منهما خیار تبعّض الصفقة إذا جهل ذلک من أول الأمر، نعم إن أمکن لبنها فی هذه المدة بسبب دواء أو ما أشبه صحّ.

ثم إنه تصحّ الإجارة حسب المدة کما تصحّ حسب الرضاعات، وهکذا حسب اشتداد العظم وإنبات اللحم، لأنّ کلّ ذلک میزان عقلائیّ معروف تخرج الإجارة عن الجهالة والغرر المنهیین.

ویجوز الاستئجار بعلامتین مثل ستّة أشهر کلّ شهر مائة رضعة مثلاً، ویصحّ أن یکون کلّ ذلک علی نحو القید، أو علی نحو الشرط، فإن کان علی نحو القید وخالف بطلت الإجارة، واستحقّت أجرة المثل، علی المیزان السابق الذی ذکرناه فی أن کلّ إجارة تبطل یستحقّ الأجیر أجرة المثل، وإن کان علی نحو الشرط کان له خیار تخلّف الشرط، فیختار بین الفسخ والإمضاء.

ویلزم ذکر زمان الرضاع ومکانه وکون الرضعة بإلقام الثدی أو حلب اللبن فی الإناء، مثلاً إذا کان هناک اختلاف الرغبات الموجب للجهالة مع عدم ذکرها، کما إذا کان الرضاع فی اللیل هو مقصود الأم التی ترید أن تنام، أو الرضاع فی البادیة هو مقصود الأبوین اللذین یریدان تربیة ولدهما فی البادیة، لأجل صحة جسمه وفصاحة لسانه، أو الرضاع

ص:147

ولا بد من مشاهدة الصبی الذی استؤجرت لإرضاعه لاختلاف الصبیان، ویکفی وصفه علی وجه یرتفع الغرر، وکذا لا بد من تعیین المرضعة شخصاً أو وصفاً علی وجه یرتفع الغرر.

من الثدی الموجب لنشر الحرمة حیث یکون المقصود نشر الحرمة، أو لا من الثدی حیث یکون المقصود عدم نشر الحرمة مثلاً.

{ولا بدّ من مشاهدة الصبی الذی استؤجرت لإرضاعه لاختلاف الصبیان} الموجب لاختلاف الرغبات، وأنه إذا لم تشاهد أوجب الغرر والجهالة، والظاهر أنّه لیس المراد المشاهدة بالعین فقط، بل الاختبار لتری کم یشرب وکیف یشرب وکم عمره، لاختلاف الصبیان فی کثرة الشرب وقلّته وما أشبه ذلک.

نعم إذا کانت المرأة هی الأجیرة یلزم مشاهدتها، وأما إن کانت أمة یلزم مشاهدة المولی لأنه طرف المعاملة.

{ویکفی وصفه علی وجه یرتفع الغرر} لأنّ الوصف قائم مقام المشاهدة.

{وکذا لا بدّ من تعیین المرضعة شخصاً أو وصفاً علی وجه یرتفع الغرر} فإنّه نهی النبی (صلی الله علیه وآله) عن الغرر((1))، والظاهر أنه یعتبر رفع الجهالة أیضاً، لعدم التلازم بین رفع الغرر ورفع الجهالة.

مثلا إذا أخذ زید شیئاً مجهولاً فی یده لم یعلم أنه ذهب أو نحاس، ولکن علمنا أنّ قیمته دیناراً مثلاً، فإنه لا یصحّ بیع ذلک، فإنه لیس بغرر، مع أنه مجهول لا یجوز بیعه.

ص:148


1- الدعائم: ج2 ص21 باب ذکر ما نهی عنه من بیع الغرر ح34

نعم لو استوجرت علی وجه یستحق منافعها أجمع التی منها الرضاع لا یعتبر حینئذ مشاهدة الصبی أو وصفه وإن اختلفت الأغراض بالنسبة إلی مکان

ثم الظاهر أنّه یصحّ أن یکون کل من المرضعة والرضیع فی باب الإجارة شخصیاً، أو کلیاً فی المعین، أو کلیاً مطلقاً، أو مشترکاً، أو مردّداً علی وجه لم نستبعده فیما سبق، مثلاً یجوز للمولی أن یؤجّر إحدی إمائه العشرة أمة کلّیة مثلاً، أو أمتین تشترکان فی الإرضاع، أو إحدی هاتین الأمتین، کلّ ذلک لإطلاق أدلة الإجارة، وعدم ضرر أو غرر أو جهالة فی ذلک، والجهالة فی الجملة الموجودة فی الکلّی ونحوه غیر ضار، لما عرفت من انصراف أدلة الجهالة عن مثلها.

ثم لا إشکال فی استرضاع الکافرة، کتابیة کانت أم لا، لوجود الأدلة فی ذلک، بالإضافة إلی الإطلاقات، ونجاسة لبنها غیر ضارة بعد أن لیس هناک دلیل علی لزوم طهارة اللبن، وإنما قال الفقهاء بعدم جواز إیکال الطفل النجس فیما إذا کان مضرّاً، ولیس اللبن کذلک، بل النجاسة لمصلحة کما لا یخفی، وکذلک یجوز إرضاع طفل کافر.

نعم إذا کان طرف العقد محارباً لم تصحّ الإجارة، لأنه لا احترام له فی نفسه وعقده وغیر ذلک.

{نعم لو استؤجرت علی وجه یستحقّ منافعها أجمع} کما إذا استؤجرت کخادمة فی البیت تعمل کل شیء {التی منها الرضاع، لا یعتبر حینئذ مشاهدة الصبی أو وصفه} إذ لیس الجهل بذلک غرراً أو جهالة ضارّة.

{وإن اختلف الأغراض} العقلائیة {بالنسبة إلی مکان

ص:149

الإرضاع لاختلافه من حیث السهولة والصعوبة والوثاقة وعدمها، لا بد من تعیینه أیضاً.

الإرضاع لاختلافه} أی المکان {من حیث السهولة والصعوبة والوثاقة وعدمها، لا بدّ من تعیینه أیضاً} کما عرفت، وقد ذکر ذلک غیر واحد من الفقهاء، کالمبسوط والوسیلة والعلاّمة والشهید الثانی وغیرهم.

ولکن تردّد فیه الشرائع، ونفاه الجواهر، ولقد أجاد المصنّف حیث قیده بصورة اختلاف الأغراض، فإن اختلفت الأغراض العقلائیة بحیث کان عدم ذکره جهالة وغرراً اشترط ذلک، وإلاّ لم یشترط، فیصح الإغفال عنه.

ص:150

مسألة ٨ استیجار الم أ رة المتزوجة للإرضاع

(مسألة 8): إذا کانت المرأة المستأجرة مزوجة، لا یعتبر فی صحة استیجارها إذنه

(مسألة 8): {إذا کانت المرأة المستأجرة مزوّجة لا یعتبر فی صحة استئجارها إذنه} کما هو المشهور، لأنّ المرأة تملک نفسها ولا حقّ للزوج علیها إلاّ الفراش والخروج من المنزل بدون الإذن.

خلافاً للمحکی عن المبسوط والخلاف والسرائر والشرائع والجامع، فاشترطوا إذنه، وذلک لأنه لا دلیل علی الصحة بدون إذنه، ولأنّ الزوج مالک لمنافعها، وفیهما نظر.

إذ أصالة الصحة بمعنی کون إنسان یملک أمر نفسه إلاّ ما خرج بالدلیل محکمة، والزوج لا یملک منافع المرأة، لعدم الدلیل علی ذلک.

وکذلک بالنسبة إلی إذن الأب للبنت، والأخ للأخت، إلی غیرهما، فإنّه لا یعتبر شیء منه فی صحة الإجارة، وآیة ﴿یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ﴾((1)) لا تدل علی توقّف أعمال الأولاد علی رضی الأبوین.

ثم إنه ربما یقال: إنّ إرضاع الزوجة لو کان خلاف شأن الزوج احتاج إلی الإذن، لکنه لا دلیل علیه أیضاً، کما إذا کان إرضاع البنت أو الأخت أو العمّة أو الخالة أو من أشبههن، فإنّه لا دلیل علی وجوب حفظ شأن الناس بالنسبة إلی تصرف الإنسان فی نفسه أو ماله أو ما أشبه، فإن کان سفر الأخت مثلاً خلاف شأن الأخ، وکذلک سفر الأخ بالنسبة إلی أخیه، أو

ص:151


1- سورة الشوری: الآیة 49

ما لم یناف ذلک لحق استمتاعه، لأن اللبن لیس له، فیجوز لها الإرضاع من غیر رضاه، ولذا یجوز لها أخذ الأجرة من الزوج علی إرضاعها لولده، سواء کان منها أو من غیرها، نعم لو نافی ذلک حقه لم یجز إلا بإذنه

القریب بالنسبة إلی قریبه، لم یضر ذلک بسفره، کما أنه إذا کان عمل الزوج عملاً خاصاً کالکناسة خلاف شأن الزوجة، لم یجب علیه ترکه لأجلها، فإنّ «الناس مسلّطون علی أموالهم وأنفسهم»((1))، إلاّ ما خرج، ولیس المقام من المستثنی.

{ما لم یناف ذلک لحقّ استمتاعه}، أمّا إذا نافی حقّ الاستمتاع أو استلزم الخروج عن المنزل احتاج إلی إذنه، سواء کانت المنافاة لأجل أنّ الإرضاع فی وقت الاستمتاع، أو لأجل أنّ الإرضاع ینهکها فلا تستعدّ للاستمتاع.

{لأنّ اللبن} والإرضاع والارتضاع {لیس له} بل لها، فإنّ الناس مسلّطون علی أموالهم وأنفسهم {فیجوز لها الإرضاع من غیر رضاه، ولذا} الذی لها اللبن والإرضاع والارتضاع {یجوز لها أخذ الأجرة من الزوج علی إرضاعها لولده}، کما دلّ علی ذلک الکتاب والسنة والعقل والشهرة.

بل المخالف فی المسألة المبسوط علی ما حکی، فإنّه منع عن أخذ الأجرة تبعاً لما سبق من أنّ الزوج مالک لمنافعها، وفیه ما تقدم.

{سواء کان} الولد {منها أو من غیرها، نعم لو نافی ذلک حقّه لم یجز إلاّ بإذنه}، ولو أجّرت نفسها بدون إذنه کان فضولیاً، فإن أجاز

ص:152


1- البحار: ج2 ص272

ولو کان غائباً فأجرت نفسها للإرضاع، فحضر فی أثناء المدة وکان علی وجه ینافی حقه انفسخت الإجارة بالنسبة إلی بقیة المدة.

جازت وإلاّ بطلت.

وإن أجّرت نفسها بدون الإذن ثم طلّقت قبل الإمضاء والردّ، فهل یکفی ذلک فی صحة الإجارة، أو یحتاج إلی إجازته لأنه وقع فی ملکه، احتمالان:

ولا یخفی أنّ حال العدة الرجعیة حال المزوجة.

ولو أجاز الزوج البعض کأن ترضع نهاراً فقط، کان لکلّ من الزوجة وصاحب الولد خیار تبعّض الصفقة.

ولو کان بعض الرضاع منافیاً لحقّه دون بعض کان له الردّ فیما ینافی حقّه فقط.

{ولو کان} الزوج {غائباً فأجّرت نفسها للإرضاع} وکان ذلک فی حال لم یناف حقّه {فحضر فی أثناء المدة وکان علی وجه ینافی، انفسخت الإجارة بالنسبة إلی بقیة المدة} إذا شاء الانفساخ، وإلاّ فهی لا تنفسخ بنفسها، بل تکون فضولیة کما عرفت.

فإذا فسخ کان لکلّ من الزوجة والمستأجرة الحقّ فی فسخ کلّ الإجارة، لتبعّض الصفقة بشروطه المقرّرة فی کتاب البیع.

وکما أنّ للزوج حقّ الفسخ فی المقدار المنافی لحقه زماناً، کذلک له حق الفسخ فی المقدار المنافی لحقّه کمیةً، مثلاً إذا کانت رضعة واحدة لا تنافی حقّه، أمّا رضعتان فکانت منافیة، کان له حقّ الفسخ بالنسبة إلی رضعة واحدة، وهکذا.

ص:153

مسألة ٩ لو کانت الم أ رة خلیة فآجرت نفسها ثم تزوجت

(مسألة 9): لو کانت المرأة خلیة فأجرت نفسها للإرضاع أو غیره من الأعمال ثم تزوجت قدم حق

(مسألة 9): {لو کانت المرأة خلیة} عن الزوج {فأجّرت نفسها للإرضاع أو غیره من الأعمال ثم تزوجت} قدّم حقّ الزوج علی حقّ المستأجر، إلاّ إذا دخل الزوج علی شرط عملها لنفسها، وذلک لأنّ حق الزوج أصلیّ وحقّ المستأجر عرضیّ، والحقّ الأصلی لا یسقط بالحقّ العرضیّ.

مثل أنه إذا أجّر الإنسان نفسه لعمل ینافی الصلاة، وکان إیجاره نفسه قبل دخول وقت الصلاة، وکانت المدة تستغرق کلّ الوقت، قدم حقّ الصلاة علی حق الاستئجار، فإنّ الحقوق الأصلیة طاردة للحقوق العارضیة، إذ لا مجال لها مع وجود الحقوق الأصلیة فی موضعها، وقد تقدم شبه المسألة فی کتاب الحج فیما لو نذر أن یکون أیام الحج فی کربلاء.

ولو ملکت کل امرأة ذلک صحّ لها أن تنذر حال خلّوها أن تذهب إلی بیت أقربائها متی شاءت، وبذلک یسقط حقّ الزوج فی الاستمتاع والخروج من الدار، بل یکون الأمر بیدها.

وکذلک بالنسبة إلی الکافر الذی یتأتی منه النذر، فإنّه ینذر قبل الأسر أن یذهب حیث شاء ویعمل ما یشاء، ومما یکون راجحاً أو یحلف مطلقاً، فإذا استعبد یکون له حقّ ذلک ولا حقّ للمولی علیه.

وکذلک یقسم قبل تعلّق الخمس والزکاة أن لا یتصرف فی المال إلاّ فی التجارة أو صرفه علی عائلته مثلاً، ومثله ما إذا شرط ذلک فی ضمن عقد أو نحوه.

ولا أظنّ أنّ أحداً یلتزم بهذه النتائج، فقول المصنّف: {قدم حقّ

ص:154

المستأجر علی حق الزوج فی صورة المعارضة، حتی أنه إذا کان وطؤه لها مضراً بالولد منع منه.

المستأجر علی حق الزوج فی صورة المعارضة حتی إنه کان وطؤه لها مضرّاً بالولد منع منه} محل نظر.

بل یؤید ذلک إطلاق المحکی عن القواعد: للزوج الوطئ وإن لم یرض المستأجر، وإن حمله المستمسک علی صورة عدم الضرر، لکنه خلاف إطلاقه، والله العالم.

ص:155

مسألة ١٠ إجبار المولی أمته علی الإرضاع

(مسألة 10): یجوز للمولی إجبار أمته علی الإرضاع إجارة أو تبرعاً، قنةً کانت أو مدبرة أو أم ولد، وأما المکاتبة المطلقة فلا یجوز له إجبارها، بل وکذا المشروطة،

(مسألة 10): {یجوز للمولی إجبار أمته علی الإرضاع}، کما صرّح بذلک فی الجواهر وغیره، لأنّ الأمة مملوکة للمولی، ولا یحتاج تصرفه فیها إلی إذنها {إجارةً أو تبرّعاً} أو صلحاً أو غیر ذلک {قنةً کانت، أو مدبرة أو أم ولد} فإن التدبیر والأمومة لا تخرجانها عن الملکیة.

{وأما المکاتبة المطلقة} التی تتحرّر بمقدار ما أعطت من مال الکتابة {فلا یجوز له إجبارها} کما صرّح بذلک فی الجواهر، وذلک لأنّ المستفاد من النص والفتوی أنّ عقد الکتابة یخرج المملوک عن ملک المولی محضاً، وإن کان انتقالاً متزلزلاً، ولذا تسقط نفقة المملوک وفطرته عن المولی، ولم یکن له استخدامه، إلی غیر ذلک من الأحکام، کذا ذکره الجواهر هنا، لکن فی الشرائع فی کتاب الکتابة أفتی أن فطرة المشروط علی مولاه، فتأمل.

بل الذی یظهر منهم حیث أفتوا، الخلاف فی المسألة فی المکاتبة المشروطة، وعن المبسوط الاتفاق فی باب المطلقة.

نعم إذا أجّرها المولی قبل المکاتبة ثم کاتبها کان اللازم وفاءها بمتعلّق الإجارة، لسبق حقّ المستأجر.

{بل وکذا المشروطة} التی إن لم تودّ تمام مال الکتابة کانت رقّاً، کما یظهر من النص والفتوی، خلافاً للمبسوط والتحرر فی المحکی منهما، حیث أفتیا بجواز إجبار المولی لها، ومنه یعلم أنّ دعوی المستمسک الإجماع علی ذلک منظور فیه.

نعم إذا لم تتمکن من الأداء بالکیفیة المقرّرة فی کتاب المکاتبة ردّت

ص:156

کما لا یجوز فی المبعّضة، ولا فرق بین کونها ذات ولد یحتاج إلی اللبن أو لا، لإمکان إرضاعه من لبن غیرها.

إلی الرقّ وکان للمولی إجبارها حینئذ.

{کما لا یجوز فی المبعضة} التی بعضها حرّ، کما أفتی بذلک الجواهر وعلّله المستمسک بقوله: للاشتراک بینه وبینها، وفیه: إنّ الاشتراک لا یوجب سقوط حقّ المولی عن البعض المربوط به، خصوصاً إذا کانت مهایاة، وکان الجبر فی زمان المولی، ویدل علی ذلک بعض الأخبار التی ذکرها الجواهر فی کتاب المکاتبة عند قول الشرائع: (السادس: إذا ملک المملوک نصف نفسه) إلی آخره، فراجع.

وتفصیل الکلام فی هذه المسائل فی باب الکتابة.

کما أنّ المشترکة لکلّ منهما جبرها بالنسبة إلی حقّ نفسه، {ولا فرق بین کونها ذات ولد یحتاج إلی اللبن أو لا} وإنما قلنا لا فرق {لإمکان إرضاعه من لبن غیرها}.

وعن القواعد والتذکرة والتحریر وجامع المقاصد: إن کان لإحداهن ولد لم یجز له أن یؤجّرها إلاّ أن یفضل عن ولدها، لأنّ السید إنّما یملک فاضل حاجة مملوکه، وفیه نظر واضح.

أمّا لو لم یمکن الإرضاع من لبن الغیر بحیث یموت الطفل إن أرضعت أمه لطفل آخر، فالظاهر عدم جوازه، علی تأمّل فی المسألة من جهة أنّ وجوب الإرضاع لا یخرج اللبن عن الملکیة المصحّحة للإجارة، وقد تحقّق فی موضعه أنّ الأمر بالشیء لا یستلزم النهی عن الضد، وأنّ النهی فی المعاملة إذا لم یکن موجّهاً إلی أرکانها لم یوجب البطلان کالبیع فی وقت النداء.

ص:157

مسألة ١١ صور انفساخ الإجارة أو بقائها

(مسألة 11): لا فرق فی المرتضع بین أن یکون معیناً أو کلیاً، ولا فی المستأجرة بین تعیین مباشرتها للإرضاع أو جعله فی ذمتها، فلو مات الصبی فی صورة التعیین، أو المرأة فی صورة تعیین

(مسألة 11): {لا فرق فی المرتضع بین أن یکون معیناً أو کلیاً} کما لا فرق فی الکل بین أن یکون فی الذمة أو فی المعین، وذلک لشمول إطلاق أدلة الإجارة والعقد لکلّ الأقسام.

{ولا فی المستأجرة بین تعیین مباشرتها للإرضاع أو جعله فی ذمتها} ولا بین أن تکون شخصیة أو کلیة فی الذمة أو فی المعین، کما إذا استأجر أب المرتضع من مولی الإماء أمة کلّیة فی الذمّة، أو فی الإماء العشرة التی للمولی مثلاً، وذلک لشمول الإطلاقات لکلّ ذلک.

ولا یبعد صحة ذلک بالنسبة إلی غیر المولی أیضاً، کما إذا استأجر أب المرتضع من زید امرأة کلّیة أو فی المعین لإرضاع ولده من النساء اللواتی وکّلن زیداً فی إیجارهن، بل بدون الوکالة أیضاً، فیحصل علی امرأة یستأجرها لهذا الشأن، کما یتعارف الآن مثل ذلک فی الخادمات، فإنّ بعض البلاد الثریة تستأجر من بعض الأشخاص فی البلاد الفقیرة خادمات علی نحو الکلّی فی الذمة، وهو یتعامل مع النساء الفقیرات لذلک.

وکذلک هو متعارف بالنسبة إلی إجارة الدول للمحامین والمهندسین والأطباء ومن أشبه.

وصیرورة المسألة فی بعض فروعها شبیهاً بمسألة من باع ثم ملک غیر ضارّ، لعدم صحة القیاس بعد شمول الإطلاقات لما نحن فیه، بالإضافة إلی الإشکال فی المقیس علیه.

{فلو مات الصبی فی صورة التعیین أو المرأة فی صورة تعیین

ص:158

المباشرة انفسخت الإجارة، بخلاف ما لو کان الولد کلیاً أو جعل فی ذمتها، فإنه لا تبطل بموته أو موتها إلاّ مع تعذر الغیر من صبی أو مرضعة.

المباشرة} علی نحو القید {انفسخت الإجارة} کما تقدم فی مسألة أنه لو تعذّر أحد طرفی الإجارة انفسخت، فراجع.

أمّا إذا کان علی نحو الشرط جاز للشارط أن یأخذ بشرطه فیفسخ الإجارة، کما جاز له أن یرفع الید عن الشرط ویطلب مرتضعاً أو مرضعة أخری.

هذا کله إذا مات أحدهما قبل شیء من الارتضاع.

أما بعد ذلک فاللازم القول بالانفساح من حین الموت، ثم یکون لکلّ منهما الخیار فی إبقاء الإجارة بالنسبة إلی المقدار الذی تحقّق فیه الرضاع بنسبة أجرة المسمّی، وفی إبطال الإجارة لتبعّض الصفقة، فلها أجرة المثل أو أقل الأمرین من المثل والمسمّی، کما سبق شبه المسألة.

هذا وإذا کانت الإجارة علی نحو الکلّی فی المعین فالبطلان وغیره من الفروع المذکورة إنما هو فیما إذا مات کلّ الصبیان أو المرضعات کما لا یخفی، فإنّ الکلی فی المعین بالنسبة إلی تعذّر البعض حاله حال الکلّی فی الذمّة، وبالنسبة إلی تعذّر الکل حاله حال الشخص الخارجی.

{بخلاف ما لو کان الولد کلّیاً} فی الذمّة {أو جعل} الإرضاع {فی ذمّتها فإنّه} أی الإیجار {لا یبطل بموته أو موتها} لبقاء طرف الإجارة فلا وجه للبطلان {إلاّ مع تعذّر الغیر من صبی أو مرضعة} حیث إنّ التعذر یوجب سقوط طرف الإجارة الموجب للبطلان.

ثم إنه لو کانت المرأة المعینة قیداً مریضة یضرّ إرضاعها بصحة الولد ضرراً بالغاً

ص:159

بطلت الإجارة، کما أنّ الطفل إذا کان مریضاً یعدی مرضه إلی المرأة کذلک، ولو أرضعت الطفل فمات کان علیها الدیة، کما أنها لو ماتت من جرّاء الإرضاع جاءت مسألة السبب والمباشر.

ولو لم یشرب الطفل اللبن، فالظاهر بطلان الإجارة لتعذّر طرفها کما سبق مثله، ولو کان الطفل یستفرغ اللبن فالبطلان وعدمه تابع لکیفیة الإجارة وأنها للمصّ فقط أو للامتلاء، ولو کانت الکیفیة مستفادة من الانصراف ونحوه، ولو شرب بعض الوقت دون البعض، کان حاله حال ما إذا مات الطفل فی الأثناء ممّا تقدم.

ولو اشتبهت المرضعة فأرضعت طفلاً آخر لم تستحقّ الأجرة، کما أنّ امرأة أخری لو اشتبهت فأرضعت الطفل لم تستحق الأجرة، أمّا بالنسبة إلی المستأجرة فإن بذلت نفسها استحقّت الإجارة، کما فی مسألة الخیاط لو بذل نفسه ولم یعطه المستأجر القماش.

وکما یجوز استئجار المرضعة للإنسان کذلک یجوز للحیوان وإن کان کلباً محترماً، أمّا الکلب غیر المحترم والخنزیر ففی الاستئجار لهما إشکال، من کونهما لا احترام لهما، فلا احترام لشیء متعلّق بهما، ومن أنّ «لکلّ کبد حرّی أجر»، ودخلت مومسة الجنة فی کلب.

نعم بالنسبة إلی من یحترمهما فی دینه لا بأس بذلک، لقاعدة «ألزموهم بما التزموا به»((1)).

وکذلک یجوز استئجار

ص:160


1- الوسائل: ج17 ص598 الباب 2 من أبواب میراث المجوس ح2

الحیوان لإرضاع إنسان أو حیوان.

وهل یصحّ استئجار الکلب المحترم لإرضاع الإنسان، وکذلک الخنزیر المحترم من أهله، احتمالان، من النجاسة، وقد قال الفقهاء: لا یجوز إطعام الأطفال النجس، ومن أنّ ذلک خاص بالنجس الضارّ، أمّا غیره فلا دلیل علیه، ولذا جاز استئجار أهل الذمّة لإرضاع الطفل، مع أنّهم نجس علی المشهور.

ولو استأجر امرأة للإرضاع فتبین أنّ لبنها یضرّ الصبی، فالظاهر بطلان الإجارة، لدلیل «لا ضرر»((1)).

ص:161


1- الوسائل: ج17 ص340 الباب 12 ح1

مسألة ١٢ استیجار ما یسبب إتلاف الأعیان

(مسألة 12): یجوز استیجار الشاة للبنها، والأشجار للانتفاع بأثمارها، والآبار للاستقاء ونحو ذلک،

(مسألة 12): {یجوز استئجار الشاة للبنها} أو صوفها أو بعرها، وکذلک سائر الحیوانات حتی المحرّمة، وحتی النجسة إذا فرض لها نفع محلّل مقصود، وکان الحیوان مملوکاً کالکلب المحترم، أو الخنزیر عند أهله، وذلک لشمول الطلاقات له، بالإضافة إلی مصحّحة ابن سنان: عن رجل دفع إلی رجل سمن ودراهم معلومة لکلّ شاة کذا وکذا فی کلّ شهر، قال (علیه السلام): «لا بأس بالدراهم، أمّا السمن فلا أحبّ ذلک إلاّ أن تکون حوالب فلا بأس»((1)).

ونحوها روایة الحلبی((2)).

قال فی المستمسک: (لکنهما غیر ظاهرتین فی الإجارة، فالمرجع القواعد المقتضیة للمنع).

أقول: الظاهر عرفاً منهما الإجارة، وأشکل أیضاً بعض المحشین کالسید البروجردی، وإن کان سکوت آخرین کالسید ابن العم عدم الإشکال، وهو الأقوی، تبعاً للجواهر وغیره.

قال فی الجواهر: (ومن هنا یتجّه إیجار الشاة لرضاع الصبی أو سخلته، کما نصّ علیه فی القواعد ومحکی غیرها).

{والأشجار للانتفاع بأثمارها} وحطبها وما أشبه، لإطلاق أدلة الإجارة بعد کون ذلک یعدّ منفعة عرفاً لا عیناً، ولکن أشکل فیه فی الجواهر، وتبعه المستمسک، أمّا غالب المعلّقین فعلی الجواز.

{والآبار للاستقاء، ونحو ذلک} کاستئجار الدابّة لنتاجها، والحمام للاستفادة بمائه،

ص:162


1- الوسائل: ج12 ص260 الباب 9 من أبواب عقد البیع وشروطه ح4
2- الوسائل: ج12 ص260 الباب 9 من أبواب عقد البیع وشروطه ح1

ولا یضر کون الانتفاع فیها بإتلاف الأعیان، لأن المناط فی المنفعة هو العرف، وعندهم یعد اللبن منفعة للشاة، والثمر منفعة للشجر، وهکذا

وفحل الضراب للاستفادة من منیّه، والبحر والنهر للاستفادة من أسماکهما، والهواء والأرض للاستفادة من وحشها وطیرها ومعدنها وحطبها وحشیشها ونحو ذلک، کلّ ذلک لإطلاق أدلة الإجارة بعد عدّ هذه الأمور منفعة.

نعم لا یصحّ إجارة الطعام للأکل، والشمع والنفط للإشعال، والصبغ والحنّاء للاستعمال، والماء للشرب، الموجب تلف العین.

وقد أشکل الجواهر والقواعد غیرهما فی بعض المذکورات التی قلنا بجواز الإجارة فیها، ولم یشکلوا فی بعض کفحل الضراب، وفصّلوا فی کیفیة الانتفاع فی مقابل الأجرة فی بعض ثالث کالبئر، فراجع الجواهر والقواعد وغیرهما.

والمستمسک أشکل فی صحة الإجارة فیما ذکره المصنّف، لأنّ اللبن والماء والثمر أعیان لا منافع، وفیه نظر ظاهر، ولذا سکت أغلب المعلّقین علی المتن کالسیدین ابن العم والجمّال وغیرهما.

{ولا یضرّ کون الانتفاع فیها بإتلاف الأعیان، لأنّ المناط فی المنفعة هو العرف، وعندهم یعدّ اللبن منفعة للشاة} والصوف والولد والمنی مثلاً منفعة للشاة، {والثمر} والحطب والسعف والورد والصمغ وما أشبه {منفعة للشجر وهکذا}، فإنّ متعلّق الإجارة فیما نحن فیه الأمور الباقیة من الشجر والشاة والبئر ونحوها، لا الأمور التالفة من اللبن والثمر

ص:163

ولذا قلنا بصحة استئجار المرأة للرضاع وإن لم یکن منها فعل بأن انتفع بلبنها فی حال نومها، أو بوضع الولد فی حجرها وجعل ثدیها فی فم الولد من دون مباشرتها لذلک، فما عن بعض العلماء من إشکال الإجارة فی المذکورات لأن الانتفاع فیها بإتلاف الأعیان وهو خلاف وضع الإجارة، لا وجه له.

والماء والحطب ونحوها.

وکون الانتفاع بعین بإتلاف عین أخری لا ینافی حقیقة الإجارة، کما ذکره السید الجمّال، وإلاّ لزم عدم صحة استئجار الدار أیضاً، لأنّ المشی ونحوه یوجب إتلاف بعض أجزاء الأرض والدرج ونحوهما.

{ولذا} الذی ذکرناه من أنّ المناط فی المنفعة هو العرف {قلنا بصحة استئجار المرأة للرضاع وإن لم یکن منها فعل}، فلا یتوهّم أنّ الأجرة فی مقابل الفعل منها من أخذ الولد وجعله فی حضنها وإلقامه الثدی ونحو ذلک، کما ربّما قیل بذلک، {بأن انتفع} الولد {بلبنها فی حال نومها، أو بوضع الولد فی حجرها وجعل ثدیها فی فم الولد من دون مباشرتها لذلک} کما إذا کانت المرأة مشلولة لا تقدر علی شیء.

{فما عن بعض العلماء من إشکال الإجارة فی المذکورات لأن الانتفاع فیها بإتلاف الأعیان وهو} أی إتلاف العین {خلاف وضع الإجارة} التی هی تتعلّق بالمنفعة {لا وجه له}، وإشکال المستمسک بأنّ المنفعة الملحوظة فی المعاوضة فی الإجارة یراد بها ما هو مقابل العین، فإنّهم ذکروا أنّ البیع تملیک الأعیان، والإجارة تملیک المنافع، فالمنافع یراد بها ما یقابل العین، فلا تنطبق علی العین، وإلاّ لجازت الشاة بلحاظ سخلها، والجاریة

ص:164

بلحاظ ولدها، والبزر بلحاظ الزرع، وکذا فی جمیع موارد التوالد، إلی آخره.

مندفع بأنّ البیع یقع فیه المال بإزاء العین، والإجارة یقع فیها المال بلحاظ المنفعة، وإن کانت تلک المنفعة عیناً، والفارق الاعتبار والعرف، ولذا قلنا بصحة إجارة الشاة بلحاظ السخل، أما إجارة الجاریة بلحاظ الولد فإن أمکن أن یصبح الولد مال المستأجر فلا بأس به.

کما أنّ المنع عن إجارة البزر لأجل الزرع إنّما هو لفناء البزر، وقد اشترط فی الإجارة أن تکون العین باقیة، وکذا فی کلّ مورد من موارد التوالد إن کان العرف رأی أنه منفعة جاز، وإلاّ لم یجز.

ولذا تعارف الآن إجارة البحار بلحاظ الأسماک، وهل یشک أحد فی الإشکال فی إجارة الدار التی فیها بئر ینتفع بمائها، وإذا لوحظ فی الإجارة عدم فناء العین لزم بطلان الإجارة للأرض لفناء الأملاح فیها إذا زرعت.

وإن قیل: إنّ الفارق بین الأملاح وبین اللبن، العرف حیث لا یری الأملاح عیناً بینما یری اللبن عیناً.

قلنا: فالمعیار فی رؤیة المنفعة والعین العرف، وهو لا یری اللبن عیناً بل منفعة.

ص:165

مسألة ١٣ عدم جواز الإجارة لإتیان طائفة من الواجبات

(مسألة 13): لا یجوز الإجارة لإتیان الواجبات العینیة کالصلاة الخَمس، والکفائیة کتغسیل الأموات

(مسألة 13): {لا یجوز الإجارة لإتیان الواجبات العینیة کالصلاة الخَمس، والکفائیة کتغسیل الأموات} علی المشهور بین الفقهاء.

واستدلوا له بأدلة نوجز الإشارة إلیها، حیث إنّها ذکرت فی الشرح فی مکان آخر:

الأول: إنّ اللازم فی باب الإجارة أن تعود المنفعة إلی المستأجر، ولا منفعة تعود إلی المستأجر فی إتیان الواجب، فأیة منفعة تعود إلی المستأجر فیما إذا استأجر إنساناً لأن یأتی بالصلاة الواجبة علی الأجیر نفسه.

الثانی: إنّ المعاملة سفهیة.

الثالث: إنّ أخذ الأجرة منافیة لقصد القربة، إذ الصلاة المأتی بها حینئذ تکون لأجل الأجرة، لا لأجل الله تعالی.

الرابع: إنّ أخذ الأجرة منافیة للإخلاص المأمور به فی العبادة، قال تعالی: ﴿وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصینَ لَهُ الدِّینَ﴾((1)).

الخامس: إننا نتیقّن بوجوب حصول الواجب مجاناً، فالإتیان به فی مقابل الأجرة خلاف ما نتیقّنه من الشارع.

السادس: التنافی بین صفة الوجوب والإجارة، وذلک لأن الوجوب یجعل العمل ملکاً لله سبحانه، والإجارة لا تکون إلاّ إذا کان العمل ملکاً

ص:166


1- سورة البینة: الآیة 5

للأجیر، لأنّ الإجارة عبارة عن نقل ملکیة المنفعة من الأجیر إلی المستأجر، فإذا لم یملک الأجیر العمل حسب الفرض لم یصح نقله فی مقابل الأجرة.

السابع: کون أکل المال بإزاء الواجب أکلاً للباطل.

الثامن: إنّ اللازم فی العمل الإجاری إتیانه من حیث کونه مستحقّاً للغیر، بینما اللازم فی الواجب إتیانه من حیث کونه مستحقّاً لله سبحانه.

التاسع: إنه لا سلطنة للأجیر علی العمل، حیث إنه لله تعالی، بینما یشترط فی الإجارة سلطنته علی العمل.

العاشر: السیرة علی عدم أخذ الأجرة علی الواجبات.

وهذه الإشکالات ذکرها شرح القواعد والجواهر والشیخ الأنصاری والمیرزا النائینی والمستمسک وغیرهم.

ومن الواضح أنّ المذکورات بعضها خاص بباب العبادة، وبعضها عام لکلّ الواجبات.

هذا ولکنّ جماعة آخرین لم یرتضوا بإطلاق عدم صحة الإجارة المحکی عن المشهور، بل فصّلوا فی المسألة تفاصیل متعدّدة، کالتفصیل بین التعبّدی بعدم الجواز، والتوصّلی بالجواز، والتفصیل بین الأصلی فالعدم، والمقدمی فالجواز، والتفصیل بین الکفائی التوصّلی فالجواز، وبین غیره فعدم الجواز.

وعن ابن العم علی قوله (والکفائیة) بقوله: (فی عدم جواز أخذ

ص:167

الأجرة علی الواجبات الکفائیة علی إطلاقه إشکال).

إلی غیرها من التفصیلات التی تظهر من کلماتهم.

لکنّ الوجوه المذکورة کلّها محلّ مناقشة ونظر، فإذا انضم عدم تمامیة الوجوه إلی أصالة صحة الإجارة بالأدلة الثانویة الواردة علی أصالة الفساد فی المعاملات، کان مقتضی الأصل صحة الإجارة فی مطلق الواجبات.

أما المناقشة فی الوجوه المذکورة، فنقول:

یرد علی الأول: إنّ العقلاء یرون لزوم کون الإجارة وافیة بغرض المستأجر، لا أن تعود المنفعة إلیه منها، ولذا یرون صحة الإجارة لأجل تنظیف مساکن الفقراء، أو لأجل خیاطة ثیابهم، أو ما أشبه ذلک، مضافاً إلی عود الثواب والأجر إلی المستأجر، ولذا یصحّ الاستئجار لأجل الحج والزیارة عن المیت بلا إشکال ولا خلاف.

وعلی الثانی: إنه لا وجه لکون المعاملة سفهیة بعد وجود مثلها عند العقلاء وعند الشارع.

وعلی الثالث: إنه لا منافاة بین القربة والأجرة، بل الأجرة من قبیل الداعی علی الداعی، ولذا لا یقولون بالمنافاة بینهما فی باب النیابة عن المیت، وعن الحی فی العبادات المستحبة.

وعلی الرابع: إنه کما لا منافاة بین الأجرة والقربة، کذلک لا منافاة بینها وبین الإخلاص.

ص:168

وعلی الخامس: إنّ دعوی الیقین علی مدّعیها، وکیف نتیقّن والحال أنّا نری بعض الواجبات کالصناعات الواجبة کفایةً أو عیناً لانحصار الصانع فی قدر الکفایة، لا بأس بأخذ الأجرة علیها، کما هو المشهور بین الفقهاء.

وعلی السادس: إنه لا تنافی بین صفة الوجوب والإجارة، إذ مفهوم الوجوب لزوم الإتیان، ولزوم الإتیان لا ینافی تعلّق غرض المستأجر بالإتیان أیضاً، فیعطی المال لأجل حصول غرضه، وقد عرفت أنه لا یلزم عود النفع فی باب الإجارة إلی المستأجر، بل اللازم هو حصول غرضه، وقد عرفت حصول ذلک فی الشرع فی باب الصناعات الواجبة، وفی باب أخذ الوصی الأجرة، مع أنّ تنفیذ الوصیة واجب علیه.

وعلی السابع: إنه لماذا یکون أکلاً للباطل مع أنّ المعطی یحصّل غرضه، والمعطی له أخذه بحکم العقلاء وبحکم الشرع.

وربّما یقال: إنه مثل أن یأخذ الموظّف المأمور بالعمل للناس من قبل الحکومة رشوة ممّن یعمل له.

وفیه:

أولا: إنه لیس کذلک، ولذا لا یسمّی هنا رشوة، ویسمّی هناک رشوة، والفارق العرف.

وثانیاً: إنه لو کان کذلک لزم ذلک فی الصناعات وفی عمل الوصی.

ص:169

وتکفینهم، والصلاة علیهم، وکتعلیم القدر الواجب من أصول الدین وفروعه، والقدر الواجب من تعلیم القرآن کالحمد وسورة منه،

ولا مجال للقول بأنه خروج بالدلیل، لأنّ الوجه العقلی لا یرفع بالدلیل الشرعی.

وعلی الثامن: إنه لا یلزم فی إتیان العمل الإجاری إلاّ وجوده فی الخارج، ولا دلیل علی الحیثیة المذکورة، بل الشرع بإطلاقات الأدلة والعقلاء ینفون الحیثیة المذکورة.

وعلی التاسع: إنه عبارة أخری عن الوجه السادس الذی عرفت الجواب عنه.

وعلی العاشر: إنّ السیرة علی عدم الإجارة لا علی عدم جواز الإجارة.

فأیّ مانع بعد هذا کلّه أن یعطی إنسان خیّر الأجرة لتارکی الصلاة أو الصوم أو الحج أو ما أشبه علی أن یصلّوا ویصوموا ویحجوا، بل ذلک من أفضل القربات.

هذا تمام الکلام فی الاستدلال، ولکن المسألة بعد محتاجة إلی التأمّل والتتّبع، خصوصاً بعد ذهاب المشهور إلی عدم الجواز، والله العالم المسدّد.

{و} ممّا تقدم تعرف حکم أخذ الأجرة علی تغسیل الأموات و{تکفینهم والصلاة علیهم و} غیر ذلک {کتعلیم القدر الواجب من أصول الدین وفروعه، والقدر الواجب من تعلیم القرآن کالحمد وسورة منه} لمن لا یتسنّی له الجماعة.

وما ورد من أنّ الإمام أمیر المؤمنین (علیه

ص:170

وکالقضاء والفتوی ونحو ذلک، ولا یجوز الإجارة علی الأذان. نعم لا بأس بارتزاق القاضی والمفتی والمؤذن من بیت المال، ویجوز الإجارة لتعلیم الفقه والحدیث والعلوم الأدبیة،

السلام) قال له إنسان: إنّی أحبّک فی الله، فقال له: «إنّی أبغضک فی الله، لأنک تبغی علی تعلیم القرآن أجراً»((1))، بعد تمامیة سنده، محمول علی الاستحباب اتّفاقاً، إذ لا یقولون بحرمة أخذ الأجرة علی تعلیم القرآن مطلقاً.

بل ظاهر جعل تعلیم القرآن مهراً، کما علیه النص والفتوی، ویدل علی جواز مقابلة التعلیم بالأغر من المال وهو البضع، وقد ذکرنا فی بعض مواضع الشرح وجه تشدید الرسول (صلی الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) فی بعض المستحبّات والمکروهات.

{وکالقضاء والفتوی ونحو ذلک، ولا یجوز الإجارة علی الأذان} کما تقدم فی مبحث الأذان فراجع.

{نعم لا بأس بارتزاق القاضی والمفتی والمؤذن من بیت المال} ومعلّم الواجب من الأصول والفروع.

والارتزاق عبارة عن إعطاء الرزق لا بعنوان الأجرة، وقد ورد الدلیل فی بعض ذلک، کما نقح کلّ فی بابه، کقوله (علیه السلام): «لابد من قاض ورزق للقاضی»((2)).

وقد ورد فی أجر بعض هؤلاء أدلة خاصة مذکورة فی محلّها.

{ویجوز الإجارة لتعلیم الفقه والحدیث والعلوم الأدبیة} غیر المقدار الواجب منها کفایةً أو عیناً حسب

ص:171


1- الوسائل: ج12 ص113 الباب 30 من أبواب ما یکتسب به ح1
2- المستدرک: ج3 ص208 الباب 28 من کیفیة الحکم ح4

وتعلیم القرآن، ما عدا المقدار الواجب، ونحو ذلک.

ما تقدم {وتعلیم القرآن، ما عدا المقدار الواجب، ونحو ذلک} من سائر العلوم غیر الواجبة لا کفایةً ولا عیناً.

وکذلک حال الأعمال، فالعمل الواجب شرعاً کالجهاد الواجب لا یجوز أخذ الأجرة علیه، وکذلک مقدّمات الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهی عن المنکر، إلی غیرها.

ص:172

(مسألة 14): یجوز الإجارة لکنس المسجد والمشهد وفرشها وإشعال السراج ونحو ذلک.

(مسألة 14): {یجوز الإجارة لکنس المسجد والمشهد} بالقدر الذی لیس بواجب، کما إذا کان بقاء الوساخة موجباً للهتک المحرّم، {وفرشها وإشعال السراج ونحو ذلک}.

أمّا إزالة النجاسة المحرّم بقاؤها فلا یجوز أخذ الأجرة علیها لما تقدم. وقد عرفت وجه النظر فی ذلک کلّه.

وکذا الکلام فی المقدار الواجب من البناء حیث إنّ عدمه هتک وإهانة، بل اللازم القول بذلک بالنسبة إلی الزیارة بالمقدار الذی عدمه هتک وإهانة، ولذا ورد وجوب إیفاد الوالی الإسلامی الناس إلی الحج، وزیارة الرسول (صلی الله علیه وآله) لئلا تخلو تلک الأماکن من الزائر، وکذلک الکلام بالنسبة إلی المقدار اللازم من الأثاث کالسراج والفرش ونحوهما.

ثم إنه لا یستبعد وجوب ما یتوقّف ظواهر الإسلام علیه، عیناً علی الحاکم الإسلامی، وکفایةً علی غیره، إن لم یقم هو بذلک أو لم یقدر، مثل وجود المساجد فی البلد، وصلوات الجماعة والأذان، ووجود المصاحف، وکتب الحدیث، ومجالس الوعظ والإرشاد، والمدارس الدینیة، والأوقاف لأجل التبلیغ والإرشاد، وما أشبه ذلک.

وذلک لأنّ هذه الأمور من الشعائر التی من لم یعظمها لم یکن له تقوی، ومن المعلوم وجوب التقوی، لکن حیث إنّ اللازم من هذه الأمور بمقدار الشعائر لم یکن واجباً إلاّ بمقدار الکفایة، وحیث إنّ الحاکم الإسلامی هو المکلّف بالمصالح العامة فاللازم علیه إقامة ذلک، فإن لم یقم وجب علی کلّ المسلمین کفایةً، هذا بالنسبة إلی مثل المسجد والأذان

ص:173

وصلاة الجماعة، أمّا بالنسبة إلی الأمر والنهی والدعوة إلی الإسلام وإرشاد الضال فأدلة وجوبها کافیة لإفادة الوجوب فی المقام.

وعلی کلّ حال، فأخذه الأجرة علی مثل هذه الأمور جائزة حسب ما قرّرناه حتی فی العبادیات منها، أمّا حسب رأی المشهور فلا یجوز أخذ الأجرة بل الارتزاق، وحسب رأی المفصل بین التعبّدی والتوصّلی، أو النفسی والمقدمی، فلکلّ مقام حکمه.

بل ربّما یستدل لوجوب ما ذکرناه قوله تعالی: ﴿أَقیمُوا الصَّلاةَ﴾((1)) وما أشبه من الأدلة الظاهرة فی الوجوب، والله العالم.

بقی شیء، وهو: وجوب الصناعات کفایةً، فیحرّم أخذ الأجرة علیها علی قول المطلق، لحرمة الإجارة علی الواجبات، لکن فی حدیث تحف العقول جواز الإجارة علی بعض المذکورات((2)) مما یؤید عدم حرمة الإجارة علی کلّ واجب، کما یراه من أطلق ذلک.

ولا بأس بالإشارة إلی حدود الموضوع فی الجملة، وإن کان خارجاً عن محل البحث، فنقول:

الظاهر أنّ کلّ ما یتوقّف علیه النظام واجب وجوبَ کفایة، سواء کانت صناعة أو تعلیماً وتعلّماً أو غیر ذلک، حتی أمثال کنس الشوارع وإضاءتها، ویدل علی ذلک أمور علی سبیل منع الخلو:

الأول: دلیل «لا ضرر».

ص:174


1- سورة النساء: الآیة 77
2- تحف العقول: ص242

والثانی: دلیل رفع الحرج.

الثالث: ما دلّ علی وجوب العلم، کقوله (علیه السلام): «طلب العلم فریضة علی کلّ مسلم ومسلمة»((1))، علی ما رواه فی المعالم والبحار وغیرهما((2)).

الرابع: ما فهمناه من الشرع من أنّ الشارع لم یرد الهرج والمرج.

الخامس: ما دل علی وجوب عزة المسلمین وتقدمهم، کقوله تعالی:﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنینَ﴾((3)).

وقوله (علیه السلام): «الإسلام یعلو ولا یُعلی علیه»((4)).

وقوله تعالی:﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾((5)).

فیجب علی الحاکم الشرعیّ أن یقرّر الأنظمة التی تنفی ضرر المسلمین وإن کانت تلک الأنظمة تحدّ من حرّیات النفس والمال، لأنّ «لا ضرر»((6)) أخصّ مطلقاً من الأدلة الأوّلیة.

مثل أن یقرّر نظام مرور السیارات، ونظام دخول البلد والخروج منه، ونظام البناء، ونظام منع الاستیراد والإصدار، ونظام الطوارئ،

ص:175


1- الکافی: ج1 ص30 فی کتاب العلم ح1
2- العوالم، کتاب العلم والعقل
3- سورة المنافقون: الآیة 8
4- الوسائل: ج17 ص376  ح5 و11
5- سورة الأنفال: الآیة 60
6- الوسائل: ج17 ص240 باب 12 ح1

ونظام التسعیر ونحوها ممّا یکون فی عدمه ضرراً علی المسلمین، فإنّ «لا ضرر» کما هو شخصی بالنسبة إلی کلّ فرد، کذلک هو نوعی بالنسبة إلی الأضرار العامة، وذلک لإطلاق دلیله، فتخصیصه بالأضرار الشخصیة لا وجه له، والقول بأنّ الأسعار بید الله، أو أنّ الجمرک حرام فی الإسلام فلا یحقّ للحاکم الإسلامی التسعیر، أو فرض ضریبة علی التصدیر أو الاستیراد، یرد علیه: إنها من الأدلة الأوّلیة التی یرفعها دلیل «لا ضرر» ونحوه.

کما أنّ القول بأنّ «لا ضرر» لا یثبت الحکم وإنما ینفی الحکم محل منع، فإنّ النبی (صلی الله علیه وآله) وضع الحکم بإجازته قلع شجرة سمرة فی أول یوم أصدر هذا الدلیل وجعل دلیل القلع «لا ضرر»((1)).

والإشکال بأنّه إذا کان «لا ضرر» نوعیاً لزم عدم وجوب الوضوء علی غیر المتضرر بالماء إذا کان النوع یتضرّرون به، مدفوع بالفرق بین حکم کلّ إنسان إنسان، فإنه یتبع «لا ضرر» نفسه، وحکم الحاکم الملاحظ للضرر النوعی إذا لم یمنع شیئاً، حتی إنّ تعلیقه الحکم علی الضرر أیضاً یوجب الضرر.

مثلاً إذا قال الحاکم: أیها المارّون فی الشوارع بسیارتهم لا تعملوا ما یوجب الضرر، لزم من ذلک إزهاق أرواح کثیرة، حیث إنّ کل صاحب سیارة یظن أن سیره کما یرید لا یوجب الضرر، فتصطدم السیارات وتهلک نفوس وأموال، ففی أمثال هذا المقام للحاکم أن یصنع نظام المرور

ص:176


1- انظر المصدر نفسه

مستند إلی دلیل «لا ضرر»، ویجب علی الناس اتباعه حتی من یعلم أنّ خرقه للنظام لا یوجب ضرراً، لوجوب إطاعة نائب الإمام، فإن الراد علیه کالراد علی الله سبحانه((1))، وکذلک فی سائر أمثلة الأنظمة التی هی من شأن الحاکم.

وبهذا المستند حرّم المیرزا الکبیر المجدّد التنباک، لأنّه کان ضرراً عاماً، فحرّم حتی علی الذی لم یکن فی شربه ضرراً شخصیاً.

ومنه یعرف وجه الاستدلال بدلیل «لا حرج».

أما دلیل وجوب العلم، فإنّ إطلاق طلب العلم شامل لکلّ علم لم یحرِّمه الشارع، وحیث إنّ العقل دلّ علی استحالة تعلّم کلّ إنسان کلّ العلوم، فاللاّزم أن نقول إنّ ذلک علی وجه الکفایة.

ولا یقیده قول الرسول (صلی الله علیه وآله): «إنما العلم ثلاث: آیة محکمة، أو فریضة عادلة، أو سنّة قائمة»((2)).

ولا قول علی (علیه السلام): «إنما العلوم أربعة: علم النحو لحفظ اللسان، وعلم الفقه لحفظ الأدیان، وعلم النجوم لحفظ الأزمان، وعلم الطب لحفظ الأبدان»((3)).

لأنّ الحصر فیها إضافیّ، والمثبتان لا یقید أحدهما بالآخر، وکون الحصر إضافیاً یدل علیه شواهد فی الداخل،

ص:177


1- الکافی: ج1 ص67 ح10
2- لکافی: ج1 ص32
3- البحار: ج1 ص218

کما فی حدیث الرسول (صلی الله علیه وآله) حیث إنه فی قبال ذلک الرجل الذی قیل عنه إنه علامة.

وفی الخارج، کقوله تعالی: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾((1))، فإنّ تهیئة ذلک یحتاج إلی مختلف العلوم قدیماً وحدیثاً، بالإضافة إلی ما قاله الفقهاء من وجوب الصناعات التی یتوقّف علیها النظام، ومن ذلک یعرف أن تخصیص الحدیث بالعلوم الدینیة بلا مخصّص.

وأمّا دلیل عدم الهرج والمرج الذی یستلزمه عدم النظام أو عدم توفّر المواد اللازمة، للإجماع، فقد قالوا بأنّ ذلک یستفاد من مذاق الشرع، لأنّ الکرامة الإنسانیة کما قال تعالی: ﴿وَلَقَدْ کَرَّمْنا بَنی آدَمَ﴾((2))، وکون کلّ شیء خلق لأجله، ینافیان الهرج والمرج، بالإضافة إلی نفی الضرر والعسر الملازمین للهرج والمرج.

وفی خاطری: أنّ أحد الأئمة (علیهم السلام) جعل نفی الهرج والمرج دلیلاً علی شیء.

وفی حدیث أمیر المؤمنین (علیه السلام): «لا مرحباً بوجوه إن اجتمعوا ضرّوا، وإن تفرقوا نفعوا»((3)).

ومن المعلوم أنه یکون فی حالات الهرج هکذا، أی تجتمع الوجوه التی فی اجتماعها الضرر.

ص:178


1- سورة الأنفال: الآیة 60
2- سورة الإسراء: الآیة 70
3- انظر نهج البلاغة: ص504، ط الصالح

وأمّا ما دلّ علی وجوب عزة المسلمین وتقدمهم، فذلک یدل لزوم تفوقهم علی الأعداء فی کل شیء صناعةً ونظاماً وجمالاً للمدن وغیرها، وذلک ممّا یفتح المجال أمام الحاکم الشرعی لسنّ الأنظمة الملائمة لذلک.

هذا ولکن لا یخفی أنّ الواجب فی کل ذلک عدم تجاوز الحدود اللازمة، فإنّ الضرورات تقدّر بقدرها، والأدلة الأولیة کدلیل تسلّط الناس علی أموالهم وأنفسهم((1))، لا یرفع الید عنها إلاّ بقدر الأدلة الثانویة الواردة علیها.

کما أنّ هناک أموراً مشکوکة أو مشتبهة یجب أن یعمل بالنسبة إلیها حسب الأصول المقرّرة، کالاستصحاب والبراءة والعلم الإجمالی المقتضی للاحتیاط وغیرها.

ومّما تقدم ظهر أنه لو کان أمام الحاکم الشرعی نظام واحد یکفل «لا ضرر» أو ما أشبه لزم علیه سنّه، وإذا کان هناک نظامان یکفل کلّ واحد منهما بذلک سنّ التخییر بینهما.

ولا یخفی أنّ المبحث الذی ذکرناه لم یکن مبحثاً واحداً وإنما مباحث متعدّدة متشابکة یحتاج کلّ واحد منها إلی بحث طویل، وإنّما أردنا الإلماع إلی ذلک فی الجملة، والإشارة إلی الخطوط الرئیسیة للبحث، والله العالم المسدّد.

ص:179


1- البحار: ج2 ص272 ح11

مسألة ١٥ جواز الإجارة لحفظ المتاع

(مسألة 15): یجوز الإجارة لحفظ المتاع أو الدار أو البستان مدة معینة عن السرقة والإتلاف، واشتراط الضمان لو حصلت السرقة أو الإتلاف ولو من غیر تقصیر.

(مسألة 15): {یجوز الإجارة} للإنسان {لحفظ المتاع أو الدار أو البستان} أو غیرها {مدة معینة} مع ذکر سائر الخصوصیات الرافعة للغرر، وإلاّ کان من الغرر المنهی عنه، الموجب لبطلان الإجارة.

ومنه یعلم أنّه لا خصوصیة للمدة المعینة، بل المناط رفع الغرر، وإن کان بوجه آخر، مثل ما دام الثمر علی النخل والشجر، أو ما دام بقاء الزوار فی کربلاء المقدسة، ممّا لا یکون غرراً عرفاً.

وقد عرفت سابقاً أنّ الغرر المنهی عنه هو العرفی، إذا لم یثبت وجود غرر شرعی أخصّ من العرفی، علی ما مال إلیه الشیخ المرتضی (رحمه الله).

{عن السرقة والإتلاف} وغیرهما ممّا هو مقصود عقلائی، ویکون تحت ید المؤجر، أمّا غیر ذلک فلا، کما إذا استأجره للحفظ عن الموت، إذ الموت لیس باختیار الإنسان، نعم یصحّ إجارته للحفظ عن الموت الناشئ من الإهمال فی أکل الحیوان وحفظه أو ما أشبه ذلک.

{و} یجوز {اشتراط الضمان لو حصلت السرقة أو الإتلاف ولو من غیر تقصیر}، أما مع التقصیر فلا یحتاج إلی الشرط، وقد أشکل علی ذلک غیر واحد بأنه:

أولاً: شرط مخالف للشریعة، حیث إنّ الأمین لیس بضامن.

ص:180

وثانیاً: بأنه شرط النتیجة ومثله غیر معقول، ولذا فاللازم شرط الفعل وهو شرط کون المدرک علی المؤجر.

لکن کلا الإشکالین غیر وارد، إذ عدم الضمان فی نفسه لا یستلزم عدم الضمان مع الشرط، فإنّ الشرط المخالف للکتاب والسنة هو ما أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً، أو کان خلاف مقتضی العقد، ولیس شیء من ذلک فی المقام، وکون شرط النتیجة غیر معقول أول الکلام.

نعم إذا علمنا أنّ الشارع یجعل شیئاً سبباً لشیء، کان ذلک سبباً لبطلان شرطه، کما إذا قال: بشرط أن تکون بنتک زوجتی بدون عقد النکاح، أو زوجتک مطلقة بدون الطلاق أو ما أشبه ذلک، ولیس المقام من ذلک.

ومنه یعرف أنّ تعلیقة السادة البروجردی والأصطهباناتی والجمال وغیرهم علی المتن بتفسیر شرط الضمان بأن یدفع بدل التالف من ماله، کتعلیقة المستمسک بأنه من شرط النتیجة وأنّ شرط النتیجة غیر معقول، محل تأمّل، خصوصاً بعد أن ورد ضمان الأجیر إذا کان أجیراً علی الحفظ، کما فی خبر إسحاق بن عمّار((1))، وقد تقدم الکلام فی المسألة فی فصل أنّ العین المستأجرة أمانة.

ثم إنه کما یصحّ اشتراط الضمان للکل، یصحّ اشتراط ضمان البعض، واشتراط الضمان المطلق لکلّ حدث، أو اشتراط الضمان المقید

ص:181


1- الوسائل: ج13 ص250 الباب 9 من أبواب الإجارة ح1

فلا بأس بما هو المتداول من اشتراط الضمان علی الناطور إذا ضاع مال، لکن لا بد من تعیین العمل والمدة والأجرة علی شرائط الإجارة.

ببعض الأحداث.

ولو قلنا ببطلان الضمان علی نحو شرط النتیجة واشترط العرف ذلک، فالظاهر أنّه من شرط الفعل، إذ المنصرف عندهم من هذا الشرط تدارک النقص أو التلف، لا المعنی الدّقی المذکور، إلاّ إذا علمنا أنّ الشرط کان علی النحو الباطل.

وإذا کان الشرط باطلاً لم یوجب فساد الإجارة لما حقّقناه فی موضعه من أنّ الشرط الفاسد لیس مفسداً، ویأتی الکلام حینئذ ما حقّق فی کلّ شرط فساد جهل الطرفان أو أحدهما فساده أو عملا بذلک ولم یهتمّا للفساد الشرعی.

وکیف کان {فلا بأس بما هو المتداول من اشتراط الضمان علی الناطور، إذا ضاع مال} بسرقة أو غیرها، {لکن لا بدّ من تعیین العمل} الذی یقوم به الناطور {والمدة} علی ما عرفت {والأجرة} وسائر الخصوصیات التی بدونها تکون الإجارة غرریة {علی شرائط الإجارة} التی تقدمت.

ثم إنّ الضمان مع الإطلاق ضمان وقت السرقة إلاّ إذا نص غیره، أو کان منصرفاً إلی غیره عند العقد.

وکما یصحّ الضمان علی الأجیر کذلک یصحّ اشتراطه علی ولی الأجیر، إذا کان عبداً أو صغیراً أو ما أشبه ذلک، لوحدة الدلیل فی الکل.

ص:182

مسألة ١٦ شرائط صحة الاستیجار العبادی

(مسألة 16): لا یجوز استیجار اثنین للصلاة عن میت واحد فی وقت واحد، لمنافاته للترتیب المعتبر فی القضاء،

(مسألة 16): {لا یجوز استئجار اثنین للصلاة عن میت واحد} کما ذکره غیر واحد {فی وقت واحد}، وذلک {لمنافاته للترتیب المعتبر فی القضاء} المستفاد من قوله (علیه السلام): «الأولی فالأولی»، کما مرّ فی مبحث القضاء، وقد مرّ أیضاً القول بعدم وجوب الترتیب، وحینئذ فتصّح الإجارة.

لکن لا یخفی أنّ المراد استئجارهما بعنوان الإتیان بالصلاة الواجبة علی المیت أو الموصی بها وصیة لازمة علی وجه الترتیب.

أمّا إذا لم تکن الصلاة واجبة علی المیت، بأن کانت معادة احتیاطاً استحبابیاً فلا بأس بذلک، کما أنه إذا کانت واجبة علی المیت، ولکن استأجر الإنسان لها ولم یکن واجباً علیه الاستئجار لعدم الوصیة، أو لوجود وصیة غیر لازمة، بأن أوصی بدون تخلف مال مثلاً، فلا بأس بذلک.

کما أنه إذا کانت الوصیة لازمة ولکن لا یرید المیت الترتیب، بأن أراد الإتیان بهذه الکمیة من الصلاة کیف اتّفقت، لم یکن بذلک بأس، وذلک لوضوح أنه یصحّ تکرار الصلاة عن المیت، فمنتهی الأمر أن یکون الإتیان بالصلاة مکرّراً، وکما یصحّ المکرّر الطولی یصحّ المکرّر العرضی کما قرّر فی باب القضاء.

لا یقال: لا یصح المکرّر العرضی فیما إذا کانتا واجبتین علی المیت، فلو صلّی اثنان عنه صلاة الصبح مثلاً لم تقعا صلاتی صبح، لوجوب الترتیب، ولا صلاة صبح یوم واحد لأنهما لا تقعان واجبتین، إذ لا

ص:183

وجوب لهما، ولا مستحبتین لفرض أنه تجب علیه صلاة الصبح، ولا واحدة واجبة والأخری مستحبة، لأنه ترجیح بلا مرجّح.

لأنه یقال: لا بأس بإطاعتین فی آن واحد، إلاّ إذا دل الدلیل علی خلافه، ولا دلیل فی المقام، إذ الإطاعة لا تنفی ما عداها وإنما تنفی ترک الطاعة، فیصحّ أن یؤدّی الإنسان خمسین أو زکاتین فی آن واحد، کما یصحّ أن یصلّی اثنان علی المیت فی آن واحد صلاتین، کل واحد فرادی وهکذا، ولعلّ الله سبحانه یختار کلتیهما أو أحبّهما إلیه بالمناط فی الصلاة المعادة، إذا لم یکن فی أحدهما خلل مبطل، وإلاّ کانت المختارة هی الصحیحة الخالیة عن الخلل.

ومّما تقدم یعلم أنه یصحّ استئجار اثنین لکن أحدهما یأتی بالصلاة عقیب الآخر، کما إذا استأجرهما فیأتی أحدهما من أول الشمس إلی الظهر ویأتی الآخر من الظهر إلی الغروب، أو یأتی أحدهما بالصبح وبعده یأتی الآخر بالظهر، ثم یأتی الأول بالعصر والثانی بالمغرب وهکذا.

کما أنه یصحّ إذا کان الوقت الواحد مختلفاً، کما إذا استأجر من فی العراق ومن فی خراسان فی وقت واحد، أی أول الشمس إلی ساعة بعد الشمس، حیث إن أول الشمس یختلف فی البلدین مقدار ساعة فیحصل الترتیب.

ثم إنّه إن استأجرهما فی مفروض المتن، فإنّ قید بکون المأتی به هی الصلاة الواجبة علی المیت، أو الموصی بها وصیة لازمة، واتّفق تقارن الإجارتین بطلتا علی المشهور، لعدم وجود المتعلّق لإحدی الإجارتین،

ص:184

بخلاف الصوم فإنه لا یعتبر فیه الترتیب،

ولا أولویة لصحة أحدهما علی صحة الأخری، ویحتمل بطلان أحدهما علی سبیل منع الخلو ویکون الاختیار بیده، کما فی ما إذا أسلم عن خمس، حیث یبطل نکاح إحداهن ویکون الاختیار بید الزوج، وذلک لعدم وجه لبطلانهما، إذ مقتضی البطلان فی إحداهما لا فی کلتیهما، وقد حقّقنا المبحث فی بعض مسائل الشرح.

وإن اتّفق تعاقب الإجارتین بطلت الثانیة، لأنه لا مجال لها مع الإجارة الأولی، أمّا إذا لم یقید لا لفظاً ولا انصرافاً فالإجارتان صحیحتان إن لم تکونا علی مال المیت المحدّد للإجارة ذات المتعلّق الواجب، إذ یصحّ الإتیان للمیت بصلاتین فی وقت واحد، فلا وجه لبطلان الإجارة.

وفی المقام فروع کثیرة، ککون المستأجر جاهلاً أو عالماً، وکون الأجیر کذلک، ثم إتیان الأجیر بالصلاة فی کلّ صورة أم لا، إلی غیرها من الصور، نضرب عنها بعد وضوح أحکامها، بناءً علی ما تقدم فی هذه المسألة ومسألة الغرر وما أشبه ممّا تقدم طرف منها فی المسائل السابقة، والله سبحانه العالم.

{بخلاف الصوم فإنه لا یعتبر فیه الترتیب} کما حقّق فی کتاب الصوم فراجع.

ثم إنه یصحّ استئجار نفرین لأجیر واحد للصلاة عن میت واحد، لإطلاق أدلة الإجارة لمثله، کما یصحّ ذلک بالنسبة إلی الصوم وغیره، ولو استأجر إنساناً لقضاء الصلاة أو الصیام أو ما أشبه عن المیت ثم تبین أنّ الغیر قام بما علی المیت تبرّعاً أو بإجارة إنسان آخر له، فإن کانت الإجارة مقیدة بالإتیان بما علی المیت بطلت الإجارة لعدم المتعلّق

ص:185

وکذا لا یجوز استیجار شخص واحد لنیابة الحج الواجب عن اثنین، ویجوز ذلک فی الحج المندوب

لها، وإلاّ صحّت وإن کان الداعی للإجارة ذلک، إذ العقود لا تقید بالدواعی کما حقّق فی محلّه.

{وکذا لا یجوز استئجار شخص واحد لنیابة الحج الواجب عن اثنین} إذ أدلة القضاء تدل علی لزوم أن یکون الحج الواحد عن إنسان واحد، أمّا لو کان علی إنسان حجّان واجبان بالإسلام والنذر، أو بنذرین أو ما أشبه، فیصحّ استئجار نفرین للإتیان بحجیه فی سنة واحدة، إذ لا دلیل علی وجوب الترتیب بینهما، فالأصل عدمه، ویشمله أدلة النیابة والإجارة.

ثم إنّ منه یعلم عدم صحة استئجار شخص واحد لنیابة الصلاة الواجبة أو الصوم الواجب عن اثنین، کأن یأتی بصلاة الصبح عن زید وعمرو، أو أن یأتی بیوم صوم واجب عنهما، ولو نوی القاضی عنهما بطلت صلاته وصومه، إذ لا دلیل علی وجوب عبادة هکذا، کما لا دلیل علی أنه یقع عن أحدهما، وفرّق بین المعاملة التی احتملنا صحة أحدهما تخییراً کالخامسة فی باب النکاح، وبین العبادة حیث إنّ العبادة توقیفیة، بخلاف المعاملة فإنّها عرفیة، والشارع إنّما قرّر ما بناه العرف فی باب المعاملات إلاّ ما زاد أو نقص، فتأمّل.

{ویجوز ذلک فی الحج المندوب} بأن یستأجر إنساناً لنیابة الحج المندوب عن نفرین، أو یأتی إنسان بالحج المندوب تبرّعاً عن اثنین، أو یکون عن أحدهما بمقتضی الإجارة المطلقة التی لا تنافی التشریک، وعن

ص:186

وکذا فی الزیارات،

الآخر تبرّعاً، وذلک لأصالة الصحة بعد عدم الدلیل علی لزوم الوحدة، کما یصحّ أن یأتی إنسانان بالحج الواجب أو المندوب، أو أحدهما واجباً والآخر مندوباً، عن إنسان واحد، إذ لا دلیل علی المنافاة، وبالإضافة إلی الأصل یدل علی خصوص المقام جملة من الروایات:

کصحیح ابن إسماعیل: سألت أبا الحسن (علیه السلام) کم أشرک فی حجّتی، قال (علیه السلام): «کم شئت»((1)).

وفی صحیح معاویة بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قلت له: أشرک أبویّ فی حجّتی، قال: «نعم». قلت: أشرک إخوتی فی حجّتی، قال: «نعم، إن الله عزوجل جاعل لک حجّاً ولک أجر لصلتک إیاهم»((2)).

إلی غیرهما ممّا تقدم فی کتاب الحج.

وإذا ثبتت المشروعیة جازت الإجارة علیه، وبعض الروایات وإن کانت مطلقة من حیث الواجب والمندوب، إلاّ أنّ الأدلة الخارجیة والقرائن الداخلیة مقیدة لها.

وکما یصحّ ذلک فی الحج المندوب، یصحّ فی العمرة المندوبة، للمناط والأصل ولشمول الحج لهما، لاشتماله علی العمرة غالباً.

{وکذا فی الزیارات} بلا إشکال فی کلّ الصور التی ذکرناها فی باب الحج.

قال موسی بن جعفر (علیه السلام) فی خبر الحضرمی: «فإذا

ص:187


1- الوسائل: ج8 ص142 الباب 27 من أبواب النیابة فی الحج ح1
2- الوسائل: ج8 ص142 الباب 27 من أبواب النیابة فی الحج ح2

أتیت قبر النبی (صلی الله علیه وآله) فقضیت ما یجب علیک، فصلّ رکعتین ثم قف عند رأس النبی (صلی الله علیه وآله) ثم قل: السلام علیک یا نبی الله، عن أبی وأمّی وولدی وخاصتی وجمیع أهل بلدی، حرّهم وعبدهم، وأبیضهم وأسودهم، فلا تشاء أن تقول للرجال قد أقرأت رسول الله (صلی الله علیه وآله) عنک السلام إلاّ کنت صادقاً»((1)).

إلی غیرها من الروایات الواردة فی باب الزیارات.

وکذلک یصحّ النیابة عن المتعدّدة إجارة أو تبرّعاً فی الاعتکاف للأصل والمناط {کما یجوز النیابة عن المتعدّد تبرّعاً فی الحج والزیارات} للأصل والإجماع والروایات التی تقدمت بعضها، وکذا فی سائر أعمال الخیر کقراءة القرآن والإطعام وغیرها.

ثم إنّ الظاهر أنه لا یشترط رضی المتبّرع عنه، لعدم الدلیل علی ذلک، بل عدم رضاه أیضاً لیس بضارّ لما ذکر، والقول بأنه کیف یعطی ثواب ما لا یرضی به والحال أنه قال تعالی: ﴿لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعی﴾((2))، وقال: ﴿کُلُّ امْرِئٍ بِما کَسَبَ رَهینٌ﴾((3))، إلی غیر ذلک من الأدلة الدالة علی ذلک، محل منع.

أولاً: بأنه إن تم تلک الأدلة فی شمولها علی المقام، لزم عدم تمامیة النیابة حتی فی صورة الرضی، وهذا ما لا یقول به المستشکل.

ص:188


1- الوسائل: ج10 ص280 الباب 14 من أبواب المزار وما یناسبه ح1
2- سورة النجم: الآیة 39
3- سورة الطور: الآیة 21

کما یجوز النیابة عن المتعدد تبرعاً فی الحج والزیارات، ویجوز الإتیان بها لا بعنوان النیابة بل بقصد إهداء الثواب لواحد أو لمتعدد.

وثانیاً: إنه لیس له استحقاقاً، أمّا أن یکون له تفضّلاً فلا مانع منه، وبذلک یرفع التنافی بین دلیل النیابة وما أشبه، ودلیل ﴿أن لیس للإنسان إلاّ ما سعی﴾((1)).

وثالثاً: إنّ تلک المثوبات هی آثار طبیعیة ولا یشترط فیها الرضی وما أشبه، کما لا یشترط فی إرث الإنسان المیت رضی الوارث، وفی سکره رضاه بشرب الخمر وما أشبه من الآثار الطبیعیة.

وکیف کان فهذه مسألة کلامیة لا ترتبط بما نحن فیه.

ثم الظاهر أنه لا یصحّ تبعیض العمل النیابی الواحد لاثنین وأکثر، بأن ینوی أن تکون الرکعة الأولی من صلاته لزید والرکعة الثانیة لعمرو، أو أن یکون طوافه لزید وصلاة طوافه لعمرو، وذلک لانصراف الأدلة عن مثل ذلک، وإن کان یحتمل الصحة لأصالة صحة النیابة التی یأتی التکلم حولها فی المسألة الآتیة.

نعم لا إشکال فیما إذا کان مثل قراءة القرآن، فیتلو سورة أو آیة عن هذا، وسورة أو آیة عن ذاک، وهکذا.

{ویجوز الإتیان بها لا بقصد النیابة بل بقصد إهداء الثواب} سواء کان إهداء الثواب {لواحد أو لمتعدّد} بلا إشکال، وقد ورد مثل ذلک فی صلاة الوحشة التی یهدی ثوابها إلی المیت.

ویدل علیه ما فی مرسل الفقیه، قال رجل للصادق (علیه السلام): جعلت فداک إنی کنت نویت أن أشرک فی

ص:189


1- سورة النجم: 39

حجتی العام أمی، أو بعض أهلی، فنسیت، فقال: «الآن فأشرکهما»((1)).

ومثل ذلک بعض الأخبار الأخر، مضافاً إلی کونه مقتضی الأصل، إذ الأصل أنّ الثواب الذی هو للإنسان یمکنه إهداءه لغیره، لوحدة کیفیة المالکیة إلاّ فیما خرج فی الدلیل، فکما یمکن إهداء نتائج الإنسان فی الدنیا إلی غیره کذلک یمکن إهداء نتائج ماله فی الآخرة.

نعم لا یمکن نقل النیابة من شخص إلی شخص بعد العمل، أو جعل النیابة أصالة أو بالعکس، لأصالة عدم انقلاب العمل عمّا وقع علیه، وعدم الدلیل الشرعی علی ذلک، کما أنه لا یمکن نقل الثواب بعد إهدائه إلی إنسان، إلی إنسان آخر، للأصل وعدم الدلیل.

والظاهر صحة إهداء ثواب العمل الواجب والمستحب، کأن یصلّی صلاته الیومیة ویهدی ثوابها إلی میته مثلاً، إذ لکلّ عمل ثواب هو یملکه، فإهداؤه لا ینافی کونه آتیاً بالتکلیف الواجب کما لا یخفی.

کما أنّ الظاهر أنّ بین النیابة وإهداء الثواب فی أمثال العبادات عموماً مطلقاً، فکلّما أمکن النیابة أمکن إهداء الثواب، بدون العکس، مثلاً یصحّ أن یأتی الإنسان بالصلاة والصیام ویهدی ثوابهما إلی غیر الممیز، بینما لا یصحّ ذلک بالنسبة إلی النیابة عنه، وکذلک النیابة عن الحائض لا تصحّ فی صلاته بأن یصلّی الیومیة نیابة عن الحائض بعد موتها، بینما یصحّ ذلک بالنسبة لإهداء الثواب لها.

ص:190


1- الفقیه: ج2 ص279 باب 178 ح1

نعم ربّما یستشکل فی صحة إهداء ثواب أمثال الصلوات الیومیة المأتی بها تبرّعاً، بأن یصلّی الإنسان صلاة الصبح مثلاً لا احتیاطاً أو قضاءً لنفسه أو نیابة، بل ابتداءً بعنوان صلاة الصبح ویهدی ثوابها إلی میته، وذلک لأنه لا دلیل علی شرعیة مثل هذه الصلاة، کعدم الدلیل علی شرعیة الحج الثانی بعنوان حجة الإسلام، وأدلة «الصلاة خیر موضوع» وما أشبه یشک فی شمولها لمفروض الکلام.

ثم الظاهر صحة إهداء الثواب إلی الحی لإطلاق الأدلة.

نعم فی إهداء الثواب إلی مثل الکافر المأمور بعدم موادّته إشکال، وإن کان ذکر فی الوسائل باباً حول برّ المیت القریب وإن کان کافراً، أو ما أشبه.

ثم الإشکال فی أنّ إهداء الثواب لا یسقط التکلیف، فإن کان علی المیت حج فحج إنسان وأهدی ثوابه إلیه لم یسقط تکلیف القضاء عنه، والله العالم.

ص:191

مسألة ١٧ الإجارة للنیابة عن الحی

(مسألة 17): لا یجوز الإجارة للنیابة عن الحی فی الصلاة.

(مسألة 17): {لا یجوز الإجارة للنیابة عن الحیّ فی الصلاة} الواجبة الیومیة وغیرها وجوباً لأصالة، أو وجوباً بالعرض، إذا کان علی نحو المباشرة، أما الوجوب بالعرض علی نحو القابلیة للنیابة فجاز النیابة فیه، کما إذا نذر أن یأتی بصلاة مباشرةً أو تسبیباً إذا قضی الله دینه مثلاً.

وکذا لا یجوز الإجارة للنیابة عن الحی فی الصوم الواجب کذلک، وکذلک بالنسبة إلی الحج الواجب کذلک فیما إذا کان قادراً بنفسه، فهذه الخمس صلوات قادراً کان أم لا، والصوم کذلک والحج قادراً فقط لا تصحّ النیابة فیها عن الحیّ بالضرورة من دین الإسلام والإجماع القطعی، وإنما قیدنا الحج لأنه إذا کان غیر قادر جاز النیابة بالدلیل والفتوی کما تقدم ذلک فی کتاب الحج فراجع.

أمّا الصلاة والصوم فلا فرق فیهما بین القادر والعاجز، وذلک لأنه إن کان قادراً وجب علیه الإتیان بهما، وإن کان عاجزاً ففی الصلاة یأتی بها حسب القدرة ولو کصلاة الغریق والمرتحل لکلّ رکعة تسبیحة واحدة من تسبیحات الأربع، إلاّ إذا کان ساقطاً عن التکلیف کالمغمی علیه حیث لا صلاة علیه أصلاً. وفی الصوم إن کان قادراً أتی به، وإن کان عاجزاً لم یجب علیه أصلاً، فلا مجال فیهما للنیابة.

ولا فرق فیهما بین الواجب ذاتاً کالیومیة وصیام شهر رمضان، أو عرضاً تبعاً لشیء آخر کصلاة الطواف والأموات والآیات وصوم الکفارة.

وکأنّ احتیاط بعض الفقهاء بإتیان صلاة الطواف بنفسه وبنائبه، إذا

ص:192

کان لا یحسن الأداء کاملاً لها، من باب عدم فهم الخصوصیة فی صلاة الطواف بین عدم القادر لأصلها، لأنه خرج من مکة ولم یؤدها ولا یتمکن من العود حیث دلّ الدلیل علی النیابة فیها حینئذ، وبین عدم القادر لخصوصیاتها کالکمال المطلوب فی الشرع فیها بصحة قراءة الحمد والسورة، أو أنّ ذلک لأجل المناط فی النیابة عن الحی العاجز أو المناط فی النیابة عن الإمام المهدی (علیه السلام)، کما ثبت فی کتاب الحج مع أنه حی قادر، وما أشبه ذلک، وإن کانت کلّ تلک الوجوه ضعیفة، بل الظاهر أنه احتیاط مستحب وجهه ضعیف جدّاً.

وکیف کان، ففی غیر هذه الخمسة الأصل یقتضی جواز النیابة بل رجحانها، وذلک لأصالة النیابة فی کلّ عمل عقلاً، ولم یعرف من الشارع المنع عنه، عبادةً أو معاملةً أو حکماً، باستثناء ما علم المنع الرافع لأصالة صحة النیابة.

أمّا أصالة النیابة فلأنا نجد العقلاء یستنیبون فی کلّ أعمالهم إلاّ إذا کانت هناک خصوصیة خارقة، وأمّا أنّ الشارع لم یمنع عنه، فلأنه لا دلیل علی المنع، ویکفی ذلک دلیلاً علی عدم المنع، وأمّا الاستثناء ففی مثل الحدود التی لا تقبل النیابة بأن تقطع ید غیر السارق، أو یجلد غیر الزانی، أو ما أشبه ذلک.

أمّا ما عدا ذلک من بیع أو شراء أو نکاح أو طلاق أو قضاء أو شهادة أو غیرها، فإنّها تقبل النیابة، وإن کان هناک اختلاف فی الجملة فی معنی النیابة المحقّقة فی کلّ واحد من هذه الأمور.

ص:193

ولو فی الصلوات المستحبة.

وعلی هذا فتصحّ النیابة فی العبادات المستحبّة کلّها، من صلاة أو صوم أو حج أو زکاة أو اعتکاف أو وضوء أو غسل أو زیارة أو قراءة قرآن أو إطعام أو غیرها.

کما تصحّ النیابة فی الخمس والزکاة والکفارة المالیة الواجبات، وقد ذکرنا فی کتاب الزکاة الروایة الدّالة علی إعطاء زکاة إنسان آخر، والخمس بدل الزکاة فینسحب فیه حکمها، بالإضافة إلی الأصل الذی ذکرناه.

لا یقال: إنّ ظاهر التکالیف موجهة إلی الإنسان نفسه، فأصالة النیابة العقلائیة مرفوعة بهذا الظاهر.

لأنه یقال: الظاهر من کلّ تکالیف العقلاء إنما هو إرادة وجود حاصل العمل فی الخارج، ولا خصوصیة للأفراد إلا من باب أنهم المحصّلون للغرض، مثلاً تری أوامر الحکومة بالنسبة إلی موظفی الجمارک والماء والکهرباء والجوازات والمواصلات وغیرها حصول هذه الأمور فی الخارج، وکذلک أوامر الموالی بالبیع والشراء وحفظ الدار والبستان وغیرها، فإنها لغرض حصول النتائج فی الخارج.

نعم هناک بعض الأوامر المقصود بها ذات المأمور، لکن ذلک یحتاج إلی دلیل خاص، وعلیه فلا ظاهر للتکالیف فی خصوصیة الموجّه إلیه التکلیف، وقد رأینا الشارع قرّر النیابة فی کثیر من العبادات والمعاملات والأحکام ممّا یدل علی تقریر الشارع طریقة العقلاء، ففیما لم نعلم إرادته خصوصیة المکلّف کان اللاّزم الرجوع إلی هذا الأصل.

ومنه یعلم أنّ قول المصنّف: {ولو فی الصلوات المستحبة} محل مناقشة، ولذا اختار

ص:194

نعم یجوز ذلک فی الزیارات والحج المندوب وإتیان صلاة الزیارة لیس بعنوان النیابة بل من باب سببیة الزیارة لاستحباب الصلاة بعدها رکعتین ویحتمل جواز قصد النیابة فیها لأنها تابعة للزیارة

الجواز الشیخ المرتضی والسید الحکیم.

وکذا قال السید ابن العم: جوازها فی الصلوات المستحبة لا یخلو من قوة، وقال السید الجمال: جوازها لا یخلو من وجه.

ولا أعرف بماذا کان یفتی السید الوالد (رحمه الله) لأنه لا یحضرنی تعلیقه علی العروة، ولذا خلی الشرح عن الاشارة إلی آرائه حیث کتبت هذا القسم من الشرح فی الکوبت ولم أتمکن من تحصیل تعلیقته من کربلاء المقدسة لا نقطاع الطریق.

وکیف کان، فعلیه یصحّ أن یستنیب الإنسان عن غیره بأمر منه أم بدونه فی إتیان نوافله الیومیة، أو صیام أیام البیض، أو غیر ذلک.

ویؤید الاستنابة فی الصلاة مع قطع النظر عن الإطلاقات الآتیة، خصوصا النیابة فی صلاة الطواف فی نیابة الحج المندوب وفی صلاة الزیارة، فتخصیص المصنّف الجواز بقوله: {نعم یجوز ذلک فی الزیارات والحج المندوب} محل نظر.

کما أنّ قوله: {وإتیان صلاة الزیارة لیس بعنوان النیابة، بل من باب سببیة الزیارة لاستحباب الصلاة بعدها رکعتین} أو أکثر، فالصلاة للنائب لا للمندوب عنه محل منع، إذ الذی یظهر من النصوص أنّ النیابة فی الصلاة علی نحو النیابة فی الزیارة، لا أنّ الصلاة عن نفسه والزیارة عن غیره، کما صرّح به المستمسک.

{ویحتمل جواز قصد النیابة فیها لأنها تابعة للزیارة} بل هو الظاهر

ص:195

والأحوط إتیانها بقصد ما فی الواقع.

کما قرّره علیه غیر واحد من المعلّقین، کالسادة البروجردی والحکیم وغیرهما، {والأحوط إتیانها بقصد ما فی الواقع}.

وکیف کان، فیدل علی صحة النیابة فی الصلاة المستحبة وغیرها جملة کبیرة من الروایات، وبعضها شامل للحی والمیت بالنص، وبعضها خاص بالمیت إلاّ أنّ أصالة عدم الفرق بین للحیّ والمیت فی ذلک یوجب التعمیم.

کالمروی عن الکافی وعدّة الداعی، عن محمد بن مروان، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «ما یمنع الرجل منکم أن یبرّ والدیه حیین ومیتین، یصلّی عنهما، ویتصدق عنهما، ویحج عنهما، ویصوم عنهما، فیکون الذی صنع لهما، وله مثل ذلک فیزیده الله ببرّه وصلته خیراً کثیراً»((1)).

والمروی عن أبی حمزة، قال: قلت لأبی إبراهیم (علیه السلام): أحج وأصلی وأتصدق عن الأحیاء والأموات من قرابتی وأصحابی، قال: «نعم تصدّق عنه وصلّ عنه ولک أجر بصلتک إیاه»((2)).

وما رواه ابن المشهدی عن بعض الصادقین (علیهم السلام): أنه سئل عن الرجل یصلی رکعتین أو یصوم یوماً أو یحج أو یعتمر أو یزور رسول الله (صلی الله علیه وآله) أو أحد الأئمة (صلوات الله علیهم) ویجعل ثواب ذلک لوالدیه أو لأخ له فی الدین، أو یکون له علی ذلک ثواب، فقال:

ص:196


1- الکافی: ج2 ص159 ح7، وعدة الداعی: ص86
2- الوسائل: ج5 ص367 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات ح9

«إنّ ثواب ذلک یصل إلی من جعل له من غیر أن ینقص من أجره شیء»((1)).

وما روی عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: «إنّ امرأة من خثعم سألت رسول الله (صلی الله علیه وآله) أن تحج عن أبیها لأنه شیخ کبیر، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «نعم فافعلی»((2)).

إلی غیرها من الروایات الکثیرة المذکورة فی الوسائل والمستدرک فی أبواب الحج والصلاة والتجارة والوصیة والاحتضار وغیرها، فراجع.

ولا یعارض ذلک إلاّ مکاتبة ابن الجندب، قال: وکتبت إلی أبی الحسن (علیه السلام) أسأله عن الرجل یرید أن یجعل أعماله فی البر والخیر والصلة أثلاثاً، ثلثاً له وثلثین لأبویه، أو یفردهما بشیء ممّا یتطوع به، وإن کان أحدهما حیاً والآخر میتاً، فکتب إلّی: «أمّا المیت فحسن جائز، وأمّا الحیّ فلا، إلاّ البرّ والصلة»((3)).

ورواه ابن طاووس بجعل «الصلاة» بدل «الصلة»((4)).

ص:197


1- المستدرک: ج2 ص231 الباب 82 من المزارح 1
2- دعائم الاسلام: ص336 فی ذکر الحج عن الزمنی والأموات
3- الوسائل: ج5 ص368 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات ح16
4- کما فی المستمسک: ج12 ص138

وفیه:

أولاً: إنه محتمل للتقیة، خصوصاً وهی مکاتبة، ویؤیده ما رواه کردین، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): الصدقة والصوم والحج یلحق بالمیت، قال: «نعم»، وقال (علیه السلام): «هذا القاضی خلفی وهو لا یری ذلک»، قلت: وما أنا وذا، فو الله لو أمرتنی أن أضرب عنقه لضربت عنقه ((1)).

فإنّه وإن لم یکن فیما نحن فیه، لکن یؤید احتمال التقیة، خصوصاً وأنّ الخبر مشتمل علی ما لا یقول به المشهور، ودلّ علیه النصوص.

وثانیاً: اضطراب متنه.

ثالثاً: ما فی المستمسک، قال: (إنّ مورد الحدیث التشریک للحیّ فی الصلاة، فلا یدل علی المنع من إفراده بالنیابة عنه، إذ لعل للتشریک خصوصیة، کما ورد ذلک فی خبر علی بن جعفر، عن أخیه موسی بن جعفر (علیه السلام)، سألته عن رجل جعل ثلث حجّته لمیت وثلثیها لحیّ، فقال: «للمیت ذلک وللحی فلا»((2))،) انتهی.

ومنه یعلم أنّ تخصیص الوسائل وابن طاووس وغیرهما لبعض الأخبار المتقدمة محل منع.

ص:198


1- الوسائل: ج5 ص367 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات ح12
2- المستمسک: ج12 ص138، والوسائل: ج8 ص140 الباب 25 من أبواب النیابة فی الحج ح9

مسألة ١٨ لو عمل لغیره من دون إذنه

(مسألة 18): إذا عمل للغیر لا بأمره ولا إذنه لا یستحق علیه العوض، وإن کان بتخیل أنه مأجور علیه فبان خلافه.

(مسألة 18): {إذا عمل للغیر لا بأمره ولا إذنه} القائم مقام الأمر {لا یستحقّ علیه العوض وإن کان یتخیل أنه مأجور علیه فبان خلافه} بلا إشکال ولا خلاف، لأصالة عدم الضمان إذا لم یکن هناک عقد، أو ید، أو إتلاف، أو شبه عقد، أو تصرف، ولا شیء من الأربعة فی المقام، أمّا إیجاب الخمسة للضمان فلأدلة: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾((1))، و«علی الید ما أخذت»((2))، و«من أتلف مال الغیر فهو له ضامن»((3))، و«ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده»((4))، وما دلّ علی إیجاب الوطئ المحترم المهر کوطئ الأمة مثلاً بظنّ أنها محلّلة له، وأمّا عدم إیجاب غیرها له فللأصل المتقدم.

وإن قلت: رجوع فائدة الشیء إلی الإنسان یلازم کونه تحت یده فیشمله دلیل الید، بالإضافة إلی حرمة عمل المسلم.

قلت: لا یصدق الید بمجرد رجوع المنفعة، کما أنّ حرمة عمل المسلم لا کلیة له، ولو فرض لها کلیة تعارضت بقاعدة «الناس مسلّطون

ص:199


1- سورة المائدة: الآیة 1
2- المستدرک: ج2 ص502 الباب 1 من أبواب الودیعة ح12
3- انظر الوسائل: ج18 ص239
4- الجواهر: ج37 ص73

علی أموالهم وأنفسهم»((1))، فإنه لو ضمن الإنسان ما لم یأمر به کان خلاف قاعدة السلطة فیتعارضان والنتیجة التساقط فأصالة الضمان محکمة.

ثم إنّ عدم الضمان لا فرق فیه بین أن یأمر الإنسان بشیء فیأتی المأمور بغیره، أو یأمر إنساناً آخر فیأتی غیره بنفس ذلک العمل أو لا، وذلک لإطلاق أدلة عدم الضمان.

وتخلّف الشرط والقید بالنسبة إلی المأمور به یوجبان عدم الضمان أیضاً، کما إذا أمره أن یصبغ غرفته بلون أخضر فصبغها بلون أحمر، أو أمره أن یصبغها فی الشتاء فصبغها فی الصیف مثلاً.

والظاهر أنّ علی العامل خسارة إزالة اللون وما ینجم عن الصبغ من أضرار لقاعدة الید، وهکذا فی کلّ مورد، فلو صبغها بالأحمر کان علیه إزالتها ولو نجم عن ذلک خدش فی الغرفة کان علیه ترمیمها.

ص:200


1- البحار: ج2 ص272 ح11، والعوالی: ج1 ص222 ح99

مسألة ١٩ استحقاق الأجرة للعمل للغیر مع أمره

(مسألة 19): إذا أمر بإتیان عمل فعمل المأمور ذلک، فإن کان بقصد التبرع لا یستحق علیه أجرة وإن کان من قصد الآمر إعطاء الأجرة، وإن قصد الأجرة وکان ذلک العمل مما له أجرة استحق وإن کان من قصد الآمر إتیانه تبرعاً.

(مسألة 19): {إذا أمر بإتیان عمل فعمل المأمور ذلک} العمل فله صور أربع:

لأنه قد یقصد الآمر التبرّع، وقد یقصد الأجرة، وعلی کلّ حال فقد یقصد العامل الأجرة، وقد یقصد التبرّع.

{فإن کان} المأمور علی ذلک العمل {بقصد التبرّع لا یستحقّ علیه أجرة وإن کان من قصد الآمر إعطاء الأجرة} بلا إشکال ولا خلاف، قال فی المستمسک: (فإنّه إباحة منه لعمله تمنع عن ضمانه واحترامه کإباحة ماله)((1)).

نعم هذا إنّما یتمّ فیما إذا کان مجرد الأمر لا الإجارة، أمّا إذا کانت إجارة فقد یکون متعلّق الإجارة الذمّة أو ما أشبه ممّا لا ینطبق علی العمل الخارجی إلاّ بالقصد، وقد یکون المتعلّق العمل الخارجی، ففی الأولی یکون قصد التبرّع موجباً لعدم الأجرة، أمّا فی الثانیة فإنّه لا یفید قصد التبرّع فی عدم الأجرة، إذ لا یحقّ له أن یقصد التبرّع بعمل هو للمستأجر، نعم له إسقاط الأجرة مثل إسقاط کلّ حقّ للإنسان علی الآخر.

{وإن قصد} العامل {الأجرة وکان ذلک العمل ممّا له أجرة استحقّ وإن کان من قصد الآمر إتیانه تبرّعاً} بشرط أن لا یکون عمله بعد تصریح الآمر بأنه یرید منه أن یعمل تبرّعاً، بلا إشکال ولا خلاف، کما ادّعاه

ص:201


1- المستمسک: ج12 ص139

الجواهر وغیره، بل عن مجمع البرهان: یحتمل أن یکون مجمعاً علیه، وإن کان محتمل الشرائع فی کتاب الجعالة العدم، حیث قال: (لو استدعی الردّ ولم یبذل الأجرة لم یکن للراد شیء لأنه متبرّع بالعمل) انتهی.

کذا فی المستمسک((1))، لکن الظاهر أنه لیس خلافاً فی المسألة، إذ معنی لم یبذل الأجرة أنه استدعی الرد بدون الأجرة، لا السکوت عن الأجرة.

وکیف کان، فقد استدل لاستحقاقه الأجرة بأمور:

الأول: السیرة.

الثانی: المناط فی قوله تعالی: ﴿وَلا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ﴾((2))، إذ یعدّ ترک إعطائه الأجرة أکلاً للمال بالباطل.

ألا تری أنه لو قال للحمّال: احمل متاعی إلی الدار، فحمل الحمّال، ثم لم یعطه الأجرة صدق عرفاً أنه أکل مال الحمّال بالباطل، وکذا لغیره من سائر العمّال، والقول بأنه عمله لا ماله، دقّة عقلیة لیست مناط الأحکام المبنیة علی الفهم العرفی.

الثالث: قوله (صلی الله علیه وآله): «حرمة ماله کحرمة دمه»((3)).

فإنّ عمل الإنسان مال من أمواله عرفاً، وإن کان ربّما ینصرف المال إلی المال

ص:202


1- المستمسک: ج12 ص140
2- سورة البقرة: الآیة 188
3- تنبیه الخواطر: ج1 ص11

الخارجی فی غیر أمثال هذه المقامات، لکن لا انصراف فی المقام.

وقول المستمسک: (إنه ظاهر فی الحرمة التکلیفیة، بمعنی أنه لا یجبر المسلم علی العمل ولا یقهر علیه، ویکون ذلک حراماً، لا أنه یکون مضموناً) فیه: إنه خلاف الظاهر، بل الظاهر الاحترام الموجب للحکمین التکلیفی والوضعی.

الرابع: إنه ظالم، وهناک تلازم عرفی بین حرمة الظلم ووجوب الإیفاء.

الخامس: إنه استیفاء للمنفعة ذات المالیة، کما عن المسالک.

السادس: قاعدة احترام مال المسلم، کما فی الجواهر، لکنه هو الثالث کما لا یخفی.

السابع: دلیل ما یضمن بصحیحه، إذ هی إجارة فاسدة حیث لم یعین فیها الأجرة، أو جعالة فاسدة.

لکن یرد علیه: إنّ ذلک فیما إذا لم یقصد الآمر التبرّع، وإلاّ لم تکن إجارة ولا جعالة.

الثامن: قاعدة الید، فإنّها تشمل المنافع عرفاً وإن لم یکن ذو المنفعة تحت الید.

ومما تقدم یعلم أنّ إشکال مفتاح الکرامة فی الضمان لو لا الاتفاق لأصالة براءة الذمّة وعدم وجود دلیل الضمان، محل نظر.

بقی الکلام فی أمور:

الأول: إنّ قول المصنّف: (وکان ذلک العمل ما له أجرة) کأنه یرید

ص:203

سواء کان العامل ممن شأنه أخذ الأجرة ومعداً نفسه لذلک أولاً

بذلک إخراج ما لا أجرة له عرفاً، کما إذا أعطی للحداد سکیناً وقال له: فتحه، حیث لا أجرة لمثل هذا العمل عرفاً، أو قال لإنسان: خذ الخبز من الخبّاز وأعطنی، أو ما أشبه ذلک.

وفیه: إنه مع عدم تبرّع العامل لا وجه لعدم الأجرة، بل هو من قبیل حبة الحنطة فی الأموال الخارجیة التی هی حقّ للمالک، فلا یجوز إتلافها بدون رضاه، وقد جعل الشارع الجزاء علی مثقال الذرة.

الثانی: إنه لا فرق فی بعث الغیر علی العمل بین أن یکون بالأمر مثل أن یقول: خط لی هذا الثوب، أو بالفعل مثل أن یدفع الثوب إلی الخیاط أو یجلس بین یدی الدلاّک، أو بالإذن کأن یقول الصبّاغ، أتأذن لی أن أصبغ دارک، فقال: أنت مأذون فی ذلک. کما صرّح بذلک الجواهر وجامع المقاصد والمستمسک وغیرهم، وذلک لاشتراک الکل فی الأدلة السابقة.

ومثلها لو أرسل ولده، أو کلبه المعلّم إلی الخیاط بثوبه، أو أرسل ولده إلی الحلاق لیحلق رأسه.

الثالث: الحکم بالأجرة ثابت {سواء کان العامل ممن شأنه أخذ الأجرة} کالخیاط والحدّاد {ومعدّاً نفسه لذلک أو لا} وذلک لعموم الأدلة المتقدمة.

ومنه یعلم أنّ تخصیص المبسوط والخلاف بما ظاهره العامل الذی من شأنه أخذ الأجرة، لاقتصارهما علی ذکر الصانع، محل منع، اللّهم إلاّ أن یقال: إنّ ذلک من باب المثال، وإثبات الشیء لا ینفی ما عداه، ولذا نصّ الشرائع والجواهر وغیرهما علی التعمیم.

ص:204

الرابع: الظاهر ممّن أطلق المسألة وصریح آخرین: إنّ الأجرة التی یضمن بها للعامل هی أجرة المثل، والمراد مثل ذلک العمل من العامل للإنسان المعمول له، فقد تکون الأجرة لزید التاجر دیناراً، بینما للإنسان العادی نصف دینار، وکذلک قد تکون أجرة الحلاّق الفلانی دیناراً بینما تکون أجرة غیره نصف دینار.

وذلک فی مقابل احتمال أن تکون الأجرة ما قصده الآمر، أو ما قصده العامل.

أمّا وجه ما قصده الآمر، فلأنه لم یقدم علی أکثر من ما قصده، فأصالة براءته من الزائد محکمة.

وأمّا وجه ما قصده العامل، فلأنه لم یبذل عمله دون ذلک، فاحترام عمله یقتضی إعطاءه ما قصده، کما إذا لم یبع ماله بأقلّ ممّا یرید، وإن کان ما یریده أکثر من الثمن.

ولکن فیهما نظر واضح، إذ الأدلة المتقدمة إنما تدل علی أجرة المثل، فلا مجال للاحتمالین.

واحتمال أن یکون توکیلاً من الآمر للعامل، والعامل إنّما أجّر نفسه بهذا المقدار الذی یریده، لا یخفی ما فیه، ولذا قال فی المستمسک: الضمان بالمسمّی غیر ظاهر، إلاّ أن یکون مفاد الأمر التوکیل المطلق، وقال فی الجواهر: کون المقام من الضمانات لا المعاملات.

الخامس: لو أمره بأن یعمل عمل نفسه، کأن أمره بأن یخیط ثوب نفسه، فمقتضی القاعدة أنه لا یضمن الأجرة له، لعدم تمشیّ الأدلة الثمانیة

ص:205

بل وکذلک إن لم یقصد التبرع ولا أخذ الأجرة، فإن عمل المسلم محترم

المتقدمة فی هذا المورد، فأصالة عدم الضمان محکمة، واحتمال أنه مغرور، و«المغرور یرجع إلی من غرّ» فیما إذا کان العامل جاهلاً بأنّ القماش لنفسه لا للآمر، فیکون حاله حال ما إذا قدّم إلیه طعاماً فأکله، ثم تبین أنه طعام نفس الآکل، حیث ربّما قیل بالضمان هناک، أو أوهمه أنّ الدار للآمر فأمره بهدمها، ثم تبین أنّ الدار کانت للهادم حیث یضمن الآمر ذلک، مدفوع بأنّ «المغرور یرجع إلی من غرّ» فیما إذا تضرّر المغرور، ولا ضرر فی المقام.

نعم إذا أوجب الآمر خسارة علیه، تحمّل الغارّ الخسارة، لکن ذلک لیس ممّا نحن فیه.

السادس: لو قصد العامل التبرّع وقصد الآمر الأجرة، لم یکن للآمر إلزام العامل بأخذ الأجرة، إذ لا سلطة له علیه، وعدم تحمّل الآمر منّة العامل لا یوجب رفع سلطة العامل علی نفسه.

السابع: لو قصد العامل الأجرة ثم أبرأ صحّ، أما لو قصد التبرّع ثم أراد أخذ الأجرة لم یصحّ، إذ بعد إذهابه احترام عمل نفسه لا حقّ له فی إعادة الاحترام، إذ لا دلیل علی الانقلاب، فالأصل عدمه.

{بل وکذلک} یحقّ للعامل أخذ الأجرة {إن لم یقصد التبرّع ولا أخذ الأجرة} کأن عمله ذاهلاً من الأمرین.

{فإن عمل المسلم محترم} لما تقدم من الأدلة علیه، وهذا لیس

ص:206

ولو تنازعا بعد ذلک فی أنه قصد التبرع أو لا، قدم قول العامل، لأصالة عدم قصد التبرع بعد کون عمل المسلم محترماً، بل اقتضاء احترام عمل المسلم ذلک

خاصاً بالمسلم، بل الکافر المحترم أیضاً حکمه کذلک، لتمشّی بعض الأدلة الثمانیة فیه، نعم إذ کان کافراً حربیاً لم یحقّ له أخذ الأجرة، لعدم احترام ماله وعمله.

ثم إنّ حال الآلة والحیوان المستعمل فی حاجة الإنسان حال نفس الأجیر، سواء کانا معدّین للأجرة أم لا، وسواء علم صاحبهما أم لا، فإذا کان لزید کلب معلّم فاصطاد به عمرو کان علیه أجرة الکلب، وکذلک إذا کانت له سیارة فرکبها عمرو.

{ولو تنازعا بعد ذلک} العمل الذی عمله له بأمره أو حثّه {فی أنه قصد التبرّع أو لا} فقال الآمر: قصدت التبرّع، وقال العامل: لم أقصد، {قدّم قول العامل، لأصالة عدم قصد التبرّع} ولا نحتاج إلی قصد الأجرة، حتی یقال: إنه یعارض بأصالة عدم قصد الأجرة فیتساقطان والمرجع أصل البراءة.

إذ قد عرفت أنّ الأجرة هی الأصل، إذا لم یقصد التبرّع، سواء قصد شیئاً أو لم یقصد أصلاً، فلیس الأصل مثبتاً، ولذا قال: {بعد کون عمل المسلم محترماً} فعمل المسلم محترم، ولم یخرج منه إلاّ صورة قصده التبرّع، فإذا شک فی هذا القصد کان المرجع أصالة احترام عمل المسلم.

{بل} لا نحتاج إلی أصالة عدم قصد التبرّع، لأنّ {اقتضاء احترام عمل المسلم ذلک} الأجرة فی مورد التنازع

ص:207

وإن أغمضنا عن جریان أصالة عدم التبرع، ولا فرق فی ذلک بین أن یکون العامل ممن شأنه وشغله أخذ الأجرة وغیره، إلا أن یکون هناک انصراف أو قرینة علی کونه بقصد التبرع أو

{وإن أغمضنا عن جریان أصالة عدم التبرّع} لأن اللاّزم التمسّک بالعام، إلاّ فی مورد العلم بالمخصّص، فإذا قال: أکرم العلماء، ثم قال: لا تکرم الفسّاق منهم، وشککنا فی فرد هل أنه فاسق أم لا، کان اللاّزم احترامه للعلم بشمول العام له، والشک فی شمول الخاص له، وإن کانت الشبهة مصداقیة، فتأمّل.

ثم إنه لو انعکس التنازع، بأن قال المالک: قصدت الأجرة، وقال العالم: بل قصدت التبرّع، فهل المناط أصالة الاحترام، أو قاعدة الأخذ بقول المدّعی فیما لا یعرف إلاّ من قبله، وقاعدة إقرار العقلاء علی أنفسهم جائز((1))، الظاهر الثانی، وإن کان فی إطلاق القاعدة الأولی تأمّل.

{ولا فرق فی ذلک} الذی ذکرنا من ضمان الآمر {بین أن یکون العامل ممّن شأنه وشغله أخذ الأجرة، وغیره}، خلافاً لمن فصّل، وإنما قلنا بعدم الفرق لإطلاق الأدلة المذکورة {إلاّ أن یکون هناک انصراف أو قرینة علی کونه بقصد التبرّع} لکن اللاّزم أن یکون الانصراف أو القرینة بحیث یکون العامل ملتزماً به، وإلاّ فان کان هناک انصراف ولکن قال العامل: إنّی لم أقصد التبرّع، لم یکن وجه لرفع الید عن أصالة الاحترام، إذ لیس المقام من مباحث الألفاظ حتی یضرّه الانصراف ونحوه.

ولو تنازعا

ص:208


1- الوسائل: ج16 ص568 الباب 3 من أبواب کتاب الإقرار ح2

علی اشتراطه.

فی وجود الانصراف الملزم أو القرینة فالحکم ما تقدم فی باب التنازع.

{أو علی اشتراطه} أی اشتراط الآمر التبرّع، فإذا کان هناک اشتراط صریح بالتبرّع أو قرینة علیه کان ذلک مخرجاً من أصالة احترام عمل المسلم، والله العالم.

ص:209

مسألة ٢٠ ما یجوز إجارته، وما تجوز الإجارة علیه

(مسألة 20): کل ما یمکن الانتفاع به منفعة محللة مقصودة للعقلاء مع بقاء عینه، یجوز إجارته،

(مسألة 20): {کلّ ما یمکن الانتفاع به منفعة محللّة مقصودة للعقلاء مع بقاء عینه یجوز إجارته} بلا إشکال ولا خلاف، بل یظهر من الجواهر: الاجماع علیه فی الجملة.

فإنّ الإجارة نقل المنافع وإن عدّت أعیاناً، کثمرة الشجرة فی إجارة البستان، وماء البئر فی إجارة الدار ونحوهما، کما أنّ البیع نقل الأعیان، والظاهر أنّ الحق یجوز بیعه کما یجوز إجارته لصدق دلیلهما علیه، فالإشکال من بعض المحقّقین فی إجارته أو بیعه بعد صدق العرف المحقّق للموضوع الموجب لجریان الحکم فی مطلقات الأدلة علیه، محل منع.

وکیف کان، فما لم یمکن الانتفاع به أصلاً، أو أمکن ولکن لم یکن تحت اختیار المؤجر وملکه کعین الشمس مثلاً، أو کان تحت اختیار المؤجر ولکن لا یدخل تحت اختیار المستأجر، کأسد ربّاه إنسان ولا یتمکن غیره من الانتفاع به، لا تصحّ إجارتها، وکان علی المصنّف ذکر هذه القیود.

ثم إنّ المنفعة یلزم أن تکون محلّلة، فلا تصحّ إجارة آلات اللهو والقمار والصلبان ونحوها، لعدم وجود منفعة محلّلة لها، فإجازة الشارع للإجارة وإمضاؤه لها لا تشمل أمثال هذه الأمور.

ومنه یعلم جواز إجارة الکلب المحترم لوجود المنفعة المحلّلة له، أمّا الخنزیر فلا تصحّ إجارته لعدم کونه ملکاً، ولا یتعلّق به الحقّ، فلیس من قبیل الأرض المحجرة التی تصحّ إجارتها لکونها متعلّقة للحقّ وإن لم تکن ملکاً.

ص:210

نعم تصحّ إجارة الذمی له لمثله، لأنه ملک عندهم، فتشمله إطلاقات الإجارة بعد قاعدة «ألزموهم بما التزموا به»((1)).

واللازم أن تکون المنفعة مقصودة للعقلاء، فإن لم تکن مقصودة للعقلاء لم تصحّ الإجارة، لانصراف الأدلة عن مثله، فإنّ الشارع إنّما أمضی الإجارة العقلائیة، ومنه یعلم أنّه لو کانت المنفعة مقصودة لهم فی زمان دون زمان، أو مکان دون مکان، تبع ذلک الجواز والمنع، کما ذکروا مثله فی باب الربا، حیث لا تجوز الزیادة بالنسبة إلی المکان الذی یکون الجنس فیه مکیلاً أو موزوناً، وتجوز بالنسبة إلی المکان الذی یکون فیه الجنس معدوداً مثلاً.

ثم الاعتبار بأن لا تکون المعاملة سفهیة أو أن تکون عقلائیة، احتمالان:

من أنّ الشارع إنّما أباح العقلائیة بحکم الانصراف، فغیرها لا تصحّ وإن لم تکن سفهیة.

ومن أنّ الإطلاق یقتضی الصحة إلاّ ما خرج، والخارج السفهائیة بحکم المناط فی معاملات السفیه، وبحکم أنه نوع من أکل المال بالباطل الممنوع شرعاً، فغیر السفهائیة صحیح، کما إذا استأجر أرض زید لمدة ألف سنة، وکان له مقصود فی ذلک، وإن لم یکن العقلاء یقدمون علی مثله.

هذا ولکن ربّما یقال: التلازم بین غیر العقلائیة والسفهیة، فلا مورد لهذا النزاع.

وممّا تقدم یعلم أنّ المعاملة لو کانت ذات جانبین، فمن جانب أحدهما عقلائیة، ومن جانب الآخر سفهیة، لم تصح، لاشتراط العقلائیة

ص:211


1- الوسائل: ج15 ص321 الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق ح5 و6

وکذا کل عمل محلل مقصود للعقلاء عدا ما استثنی، یجوز

المطلقة فیها، کما فی کلّ معاملة تتوفّر الشروط فیها من جانب واحد فقط.

ثم إنک قد عرفت سابقاً اشتراط بقاء العین، إذ بدون البقاء لا تسمّی إجارة، فلا تصحّ إجارة الخبز للأکل، والماء للشرب، والشمع للإشعال، کما مثّل لها الجواهر وغیره.

لکن هل لا تصحّ إجارة المذکورات فیما إذا کانت لأعیانها الباقیة بعد التغوّط والتبوّل والاحتراق فائدة عقلائیة، کما هو المتعارف الآن من إرجاع المذکورات إلی أعیان مفیدة بالمکائن والآلات، احتمالان، وإن کان الظاهر عدم الإشکال فی صحة إجارتها للصدق العرفیّ حینئذ، وإن تغیرت صورها فی الجملة بعد الخروج والاحتراق، إذ لا دلیل علی لزوم بقاء الصورة، فیجوز إجارة الحلّی للزینة وإن أذابها المستأجر بإذن المؤجر أو بدون إذنه.

والحاصل أنّ مع صدق الإجارة عرفاً ووجود الفائدة المحلّلة بعد الخروج والاحتراق لا وجه للمنع، کما لا یستبعد الطهارة بالنسبة إلی الخروج إذا انقلب أو استحال، لصدق أدلة الأمرین علیه بالتقریب الذی ذکروه فی الاستحالة والانقلاب من أمثال الخمر إلی الخلّ، والکلب إلی الملح وما أشبه، وتنجس الخروج فی فترة لا یوجب سقوط الحقّ فیه، کما لا یوجب ذلک فی باب العصیر ونحوه ممّا یصبح خمراً ثم خلاًّ.

والکلام فی المقام طویل نکتفی منه بهذا القدر.

{وکذا کلّ عمل محلّل مقصود للعقلاء، عدا ما استثنی، یجوز

ص:212

الإجارة علیه، ولو کان تعلق القصد والغرض به نادراً،

الإجارة علیه} بأن تکون إجارة العین لأجل ذلک العمل، کإجارة الإنسان لأجل الخیاطة والکتابة وما أشبه، وإجارة الحیوان لأجل الحمل أو ما أشبه، داخلة فی القسم الأول کما لا یخفی، وأشار بقوله: (عدا ما استثنی) إلی الإجارة لأجل تعلیم الواجب وما أشبه ممّا تقدم الکلام فیه.

والمراد بالحلال غیر الحرام، وإن کان مکروهاً أو مباحاً، لا الحلال الاصطلاحی کما لا یخفی، کما أنّ الحلیة إنما هی معتبرة بالنسبة إلی طرفی الإجارة، فیجوز للذمی الإجارة لأجل التغنی مثلاً، وإن لم یجز ذلک لنا.

ثم إنّه لا یلزم فی العمل الإنشاء، بل یصحّ بالنسبة إلی الإبقاء، کما إذا استأجر الإنسان الجالس فی مکان لأن یبقی جالساً مدة لوجود فائدة فی ذلک، کما إذا کان وجوده یمنع الطیر من التقاط الحبّ الذی نشره فی الشمس لأجل التجفیف، فلا یقال: بأنّه لیس بعمل، کما أنه لا یتوقّف علی القول بتبدّل الأکوان من الأبحاث الفلسفیة.

{ولو کان تعلّق القصد والغرض به نادراً} هذا قید لکلّ من المنفعة والعمل کما لا یخفی، والمراد بذلک الخروج عن السفهائیة، إذ الفائدة النادرة إذا لوحظ الشیء بالنسبة إلیها لم تکن الإجارة سفهائیة أو غیر عقلائیة.

وإشکال المستمسک بقوله: (إذا کان الغرض خاصّاً أو کان کثیر الوجود، لا یکون ذا مالیة ولا یجوز بذل المال بإزائه، لأنه أکل للمال بالباطل) غیر معلوم المراد.

ص:213

لکن فی صورة تحقق ذلک النادر، بل الأمر فی باب المعاوضات الواقعة علی الأعیان أیضاً کذلک، فمثل حبة الحنطة لا یجوز بیعها، لکن إذا حصل مورد یکون متعلقاً لغرض العقلاء ویبذلون المال فی قبالها یجوز بیعها.

{لکن فی صورة تحقّق ذلک النادر} إمّا فعلاً أو شأناً، کما إذا علم بأنّه سوف یکثر الفار فاستأجر من الآن هرّة البلد التی هی أملاک للناس، فإنّ هذه المنفعة نادرة، لکن کونها عقلائیة کافیة لصحة تعلّق الإجارة بالعین.

وکیف کان، فمراده بالتحقّق التحقّق فی ظرفه لا فی حال الإجارة.

{بل الأمر فی باب المعاوضات الواقعة علی الأعیان أیضاً کذلک} فی أنّ المعاوضة إذا لم تکن عقلائیة بذاتها، ولکن کانت عقلائیة فی صورة نادرة، صحّت المعاوضة بالنسبة إلی تلک الصورة النادرة، {فمثل حبة الحنطة لا یجوز بیعها} لعدم المالیة العقلائیة {لکن إذا حصل مورد یکون متعلّقاً لغرض العقلاء ویبذلون المال فی قبالها یجوز بیعها} کما إذا کان هناک طائر جمیل لا یصطاد إلاّ بحبة الحنطة.

وذلک لأنه لا دلیل علی عدم صحّة البیع إلاّ انصراف الأدلة عن مثله فی الموارد المتعارفة التی لا ینتفع بحبة الحنطة، فإذا کانت مورد الانتفاع لم یکن وجه لبطلان البیع، فقول المشهور بالمنع عن بیعها، منصرف إلی صورة عدم المنفعة العقلائیة، والحاصل أنّ إطلاقات أدلة المعاملات محکمة إلاّ فی صورة کونها غیر عقلائیة، والله العالم.

ص:214

مسألة ٢١ شرائط الاستیجار للحج المستحبی

(مسألة 21): فی الاستیجار للحج المستحبی أو الزیارة لا یشترط أن یکون الإتیان بها بقصد النیابة، بل یجوز أن یستأجره لإتیانها بقصد إهداء الثواب إلی المستأجر أو إلی میته.

(مسألة 21): {فی الاستئجار للحج المستحبی أو الزیارة لا یشترط أن یکون الإتیان بها بقصد النیابة} عن المستأجر أو من یریده المستأجر من میته أو حیّ مربوط به، {بل یجوز أن یستأجره لإتیانها} أی الزیارة أو الحج {بقصد إهداء الثواب إلی المستأجر أو إلی میته} أو الحیّ المراد له، وذلک بأن تکون الإجارة فی قبال عمل الإهداء لا فی مقابل الثواب، إذ لو کانت الإجارة فی مقابل الثواب یرد علیه:

أولاً: إنه لا علم بوجود الثواب غالباً، لاحتمال کون العمل مقروناً بما یمنع الثواب عنه، فإنّه ﴿إنما یتقبّل الله من المتقین﴾((1)).

وثانیاً: بأنّ المال لم یقع فی قبال العمل، بینما یجب أن یکون المال فی قبال العمل، فلو کان المال فی قبال الثواب لم یرتبط الثواب بالمؤجر، بل کان ذلک من قبیل البیع لا الإجارة.

لکن ربّما یستشکل ذلک أیضاً: بأنّ إهداء الثواب عمل قلبی ولیس عملاً خارجیاً، ولم یعلم إطلاق فی أدلة الإجارة یشمل مثل هذا العمل، بل هو من قبیل أن یستأجره لینوی نیة أو یفکر تفکیراً أو یبرئ المدیون إبراءً.

ص:215


1- المستمسک: ج12 ص143 بتفاوت

وفیه: إنه عمل عقلائیّ إذا کان له أثر بالنسبة إلی غرض المستأجر، ومثله مشمول لأدلة الإجارة، لتحقّق الموضوع وإن کان فیه خفاء فی الجملة.

ثم إن مما تقدم یعلم أنه لا فرق فی الإجارة علی ذلک بین أن یکون قبل العمل أو بعده، إذ إهداء الثواب یمکن تحققه بعد العمل، کما یمکن قبل العمل، فإذا عمل عملاً لنفسه کان له ثواب لذلک فیمکن إهداؤه، والقول بأنّه لا یعلم أنّ الله سبحانه یقبل نقل الثواب من هذا الإنسان إلی المستأجر ممنوع بأنّ الظاهر من بعض الأدلة الواردة فی إهداء ثواب الأعمال کصلاة الوحشة وما أشبه، وأنّ ذلک جائز فی سنة الله سبحانه، بالإضافة إلی أنّ الأصل إمکان النقل.

نعم یبقی أنّه إن کان مراد المستأجر هذا العمل القبلی سواء کان هناک ثواب أم لا، فالإجارة فی صورة عدم الثواب واقعاً باطلة، إذ لا أثر للعمل القبلی متعلّقاً بغرض العقلاء حتی یکون مصحّحاً للإجارة، فالإجارة غرریة لعدم العلم بوجود المتعلّق لها، وهی باطلة، وإن کان مراده العمل القبلی ذا المتعلّق فهو غیر معلوم، إذ لا یعلم وجود الثواب لما یعمله أو عمله، لکن الظاهر أنّ أصالة وجود الثواب کافیة فی صحّة الإجارة، فتأمّل.

ثم إنّه بناءً علی کون متعلّق الإجارة العمل القبلی أی الإهداء، لا تختص صحة الإجارة بالزیارة والحج المستحبی، بل تجری الإجارة فی الأعمال الواجبة أیضاً، کأن یستأجره لأجل أن یهدی إلیه ثواب صلاته

ص:216

ویجوز أن یکون لا بعنوان النیابة ولا إهداء الثواب، بل یکون المقصود إیجادها فی الخارج من حیث إنها من الأعمال الراجحة فیأتی بها لنفسه

الیومیة، أو حجّه الإسلامی، إذ الواجب فیهما هو الإتیان، وهذا لم یقع متعلّق الإجارة، وإنما متعلّق الإجارة إهداء الثواب، إهداء ثوابهما، ولا دلیل علی أنه یلزم علی العامل بالواجب إبقاء ثواب عمله لنفسه، فإنه یصح أن یهدی الإنسان ثواب أعماله الواجبة والمستحبة إلی حی أو میت، فإذا صحّ الإهداء فی الواجب صحّ أن یؤجر الإنسان نفسه لذلک.

ثم إنه تصحّ الإجارة علی العمل وإهداء الثواب، بأن یستأجره لیحج ویهدی ثوابه إلی المستأجر، وکذلک علی إهداء الثواب، وهذا القسم یصحّ أن تکون الإجارة فیه قبل العمل أو بعده، بخلاف القسم الأول الذی لا تصحّ الإجارة فیه إلاّ قبل العمل.

وکذلک علی العمل المجرد بدون إهداء الثواب إذا کان هناک غرض عقلائیّ لهذه الإجارة، وقد عرفت سابقاً کفایة الغرض العقلائی فی الإجارة وإن لم یکن شیء عائداً إلی المستأجر، وهذا القسم الثالث هو ما أشار إلیه بقوله: {یجوز أن یکون لا بعنوان النیابة ولا إهداء الثواب، بل یکون المقصود} للمستأجر {إیجادها} أی الزیارة مثلاً {فی الخارج من حیث إنّها من الأعمال الراجحة}.

بل ولو لم یکن العمل راجحاً، إذ لا یشترط فی متعلّق الإجارة الرجحان بل العقلائیة، فیستأجره مثلاً لأجل أن یحفر بئراً، وغرضه فی ذلک أن یستفید هو المستأجر بتراب هذا البئر، أو إشغال الأجیر بعمل إذ لا یرید بطالته مثلاً، {فیأتی} الأجیر {بها} أی بالزیارة مثلاً {لنفسه

ص:217

أو لمن یرید نیابة أو إهداء.

أو لمن یرید نیابة} عنه {أو إهداء} ثواب إلیه، إذ لم یکن متعلّق الإجارة إلاّ العمل، أمّا کونه عن فلان أو کون ثوابه لفلان، فهذا باق علی إطلاقه القابل لصرفه إلی من شاء الأجیر.

ثم إن کان المقصود للمستأجر القسم الثالث کان اللازم صحّة أن یؤجّر الأجیر نفسه للنیابة أیضاً، أو إهداء الثواب، کأن یستأجره زید لأن یأتی بالحج ویستأجره عمرو لأن ینوب عنه فی الحج، بشرط أن لا یکون عمرو یرید فی إجارته العمل والنیابة، وإلاّ لم تصحّ الإجارة الثانیة، إذ العمل الواحد لا یمکن إعطاؤه لنفرین بالإجارة.

اللّهم إلاّ إذا کان مقصود المستأجر الأول وجود العمل فی الخارج بأیة کیفیة کانت، من أصالة واجبة علی نفس الأجیر أو مستحبة، أو نیابة عن غیره واجبة أو مستحبة، فتأمّل.

ثم إنّ فی إهداء الثواب یصحّ أن یقارن الإجارة للعمل المجرد أیضاً، بأن یؤجّر نفسه لزید بأن یأتی بالعمل فقط، کما هو القسم الثالث، ولعمرو بأن یهدی إلیه الثواب کما هو القسم الثانی، لکن النیابة وإهداء الثواب لا یجتمعان، بأن یؤجّر نفسه للنیابة عن زید وعن عمرو لإهداء ثواب ذلک الحج النیابی له، إذ ثوابه لیس للأجیر حتی یهدیه إلی عمرو.

نعم إذا کانت الإجارة الثانیة لأجل أن یهدی ثواب نفسه الحاصل له بالنیابة لا ثواب أصل العمل صحّ، لأنه ورد أنّ الأجیر فی الحج له تسع

ص:218

حجج، وللمستأجر عنه حجة واحدة، وفی بعض الروایات: إنّ له عشر حجج، فیؤجّر نفسه لأن یأتی بالحج النیابی عن زید، ویؤجّر ثانیاً بأن یهدی ثواب تسع حجج الحاصل له لإنسان آخر غیر المستأجر الأول، بل أو للمستأجر الأول أیضاً، لعدم المنافاة بین الإجارتین.

ص:219

مسألة ٢٢ ما یتوقف علیه استیفاء المنفعة

(مسألة 22): فی کون ما یتوقف علیه استیفاء المنفعة کالمداد للکتابة، والإبرة والخیط للخیاطة مثلاً، علی المؤجر أو المستأجر،

(مسألة 22): {فی کون ما یتوقف علیه استیفاء المنفعة کالمداد للکتابة، والإبرة والخیط للخیاطة، مثلاً علی المؤجر أو المستأجر} أو لمن عین علیه، وبدون التعیین الإجارة مجهولة باطلة، إذا لم یکن هناک تعیین حسب العرف والعادة، أو أنّ الشیء الذی یصرف کالخیط علی المستأجر، والشیء الذی یبقی کالإبرة علی الأجیر، أقوال أربعة:

ففی الشرائع والمحکی عن السرائر والتحریر والإرشاد، وفی الجواهر: إنها علی المؤجر.

وعن المسالک والروضة وموضع من التذکرة: إنها علی المستأجر.

وعن مجمع البرهان: وجوب التعیین.

وعن بعض القول الرابع.

استدل من قال بکونها علی المؤجر، بتوقف العمل المستأجر علیه علی ذلک فیجب من باب المقدمة.

ومن قال بأنها علی المستأجر، بأن المؤجر إنما أجّر نفسه للعمل فحسب، أمّا ما یتوقف علیه العمل فهو خارج عن العمل.

ومن قال بالتعیین، بأنّ المستأجر علیه مجمل فاللازم التعیین، وإلاّ بطل للجهالة.

ومن قال بالتفصیل، بأنّ الخیط حیث یکون للمستأجر فهو علیه، أمّا

ص:220

قولان والأقوی وجوب التعیین إلاّ إذا کان هناک عادة ینصرف إلیها الإطلاق، وإن کان القول بکونه مع عدم التعیین وعدم العادة علی المستأجر لا یخلو عن وجه أیضاً لأن اللازم علی الموجر لیس إلاّ العمل.

الإبرة فلا ربط لها بالمستأجر، وإنما العمل یتوقف علیه فهو علی المؤجر.

والأقرب من هذه الأقوال أنها علی المستأجر، إذ الإجارة إنما اقتضت عمل المؤجر لا أکثر، فکون ما عداه علیه یحتاج إلی الدلیل، وحیث لا دلیل فالأصل عدم الوجوب علیه، ولا یعارض ذلک بأصالة عدم الوجوب علی المستأجر، إذ تطلبّه للعمل من المؤجر یلزم علیه توفیر الأسباب له، وإطلاق الوجوب إنما یقتضی أن یعمل المؤجر لا أن یستعمل إبرة نفسه، أو أن یعطی الخیط من نفسه للمستأجر، بل إذا أعطی کان له أخذ البدل، لقاعدة السلطنة.

ومن ذلک یظهر ما فی المستمسک وغیره من جعل کونها علی الأجیر أقرب، کما یظهر ما فی المتن حیث قال: {قولان والأقوی وجوب التعیین إلاّ إذا کان هناک عادة ینصرف إلیها الإطلاق}، إذ لا وجه لذلک بعد کون المستأجر علیه العمل.

 {وإن کان القول بکونه مع عدم التعیین وعدم العادة علی المستأجر لا یخلو عن وجه أیضاً}، واختاره السید الجمال، وبعض آخر من المعلّقین، وإن کان السیدان ابن العم والبروجردی وغیرهما اختاروا ما فی المتن، {لأنّ اللازم علی المؤجر لیس إلاّ العمل} فلا وجه لکون شیء آخر علیه، سواء کان کالإبرة أو کالخیط.

ص:221

ثم إنّ مقتضی کون العمل علی المستأجر فقط أنه لا یلزم علیه المجیء إلی مکان آخر، فإذا استأجر الطبیب أو الحلاّق أو نحوهما لا یجب علیهما أن یأتیا إلی مکان المریض أو من یرید الحلق، إلاّ إذا کان هناک عرف أو عادة أو قرینة أخری.

وإذا کانت هناک أدوات مختلفة للعمل، سواء کانت من الأدوات التی تصرف أو تبقی، ولم یکن هناک عرف أو عادة علی تعیین أحدهما، کان التعیین بید العامل، کما إذا اختلفت الخیوط أو الأبر، أو المداد، أو الموس للحلق، وإن کان بعضها أردأ من بعض، لأنّ العمل هو المستحق علیه، وذلک یتأتی بکلّ واحد من تلک الأدوات.

ولو أراد المالک أداة وأراد العامل أداة أخری، کان المقدّم رأی العامل فیما إذا أعطی الأداة من نفسه، إذ لا یحقّ للمالک أن یفرض سلطته علی العامل، فالناس مسلّطون علی أنفسهم((1)) محکم.

ص:222


1- بحار الأنوار: ج2 ص272

مسألة ٢٣ الجمع بین الإجارة والبیع بعقد واحد

(مسألة 23): یجوز الجمع

(مسألة 23): {یجوز الجمع بین} إجارتین فی صیغة واحدة، وحینئذ فاللازم العلم بکل متعلّق وکل أجرة، ولا یکفی العلم بالمجموع من حیث المجموع، إذ اللازم معرفة الطرفین فی کل إجارة، وإلاّ کان من الإجارة المجهولة الموجبة للبطلان.

فإذا قال: أجّرتک داری وحماری بمائة، یلزم معرفة ما یقابل الدار وما یقابل الحمار من المائة، وهذا بخلاف ما إذا کانت إجارة واحدة متعلّقها أمران، فإنّ اللازم معرفة المجموع من حیث المجموع بدون الاحتیاج إلی معرفة کلّ جزء جزء.

والفارق فی کونهما إجارتین أو إجارة واحدة القصد، فکما أنّه إذا قال لزید وعمرو وبکر: أن یستأجر لکلّ واحد داراً، فقال زید لصاحب الدارین: استأجرت الدارین منک داراً لزید وداراً لعمرو، تکون الإجارة فی الواقع إجارتین، ولکن فی صیغة واحدة، فکذلک إذا قصد إجارتین لإنسان واحد، وحینئذ إذا ظهر عیب فی أحد المتعلّقین فإن کانت إجارة واحدة کان للمستأجر الفسخ فی الکل لتبعض الصفقة، وأما إذا کانت إجارتین لم یکن له إلا الفسخ فی المعیب.

نعم لا یصحّ نکاح واحد وطلاق واحد یتعلّق بزوجتین لإنسان واحد أو لإنسانین، وکذلک لا یصحّ عقد واحد لإجارة وبیع وإن کان المتعلّق واحداً، کما إذا أجّره داره سنة وباعها له بعد سنة، بل هما أمران فی صیغة واحد، فلکلّ واحد منهما حکمه الخاص به، فکأنه أجرهما فی صیغتین.

لکن ربّما یقال: بکفایة العلم فی الجملة، سواء کانا مراداً واحداً، أو

ص:223

بین الإجارة والبیع مثلاً بعقد واحد، کأن یقول: بعتک داری وأجّرتک حماری بکذا، وحینئذ یوزع العوض علیهما بالنسبة، ویلحق کلا منهما حکمه، فلو قال: أجرتک هذه الدار وبعتک هذا الدینار بعشرة دنانیر، فلا بد من قبض العوضین بالنسبة إلی البیع فی المجلس، وإذا کان فی

مرادین، لمنع الجهالة الضارّة حینئذ، وعدم العلم من کلّ منهما أو من المشتری أو المستأجر لثمن وأجرة کلّ واحد منهما غیر ضائر، فکما إذا اشترک اثنان لاشتراء شیء صفقه واحدة لا یضرّ عدم العلم بما یقع علی کلّ منهما من الثمن، کذلک فی المقام، لأنه لا یعدّ ذلک جهالة عرفیة حتی یدخله فی نهی النبی (صلی الله علیه وآله)، وهذا هو ظاهر المصنّف (رحمه الله) حیث قال:

یجوز الجمع بین {الإجارة والبیع مثلاً بعقد واحد، کأن یقول: بعتک داری وأجّرتک حماری بکذا} من الدنانیر {وحینئذ یوزّع العوض علیهما بالنسبة}.

فإذا کانت بیع الدار مائة وإجارة الحمار عشرة، وکان العوض المسمی خمسة وخمسین، یکون منه فی مقابل الدار خمسون، وفی مقابل الحمار خمسة، حتی إذا بطل أحدهما بفسخ أو تقایل أو ما أشبه یسترجع من العوض بالنسبة.

{ویلحق کلّ منهما حکمه} إذا کان أحدهما بیع ثمر أو صرف أو ربوی أو ما أشبه، {فلو قال: أجّرتک هذه الدار وبعتک هذا الدینار بعشرة دنانیر، فلابدّ من قبض العوضین بالنسبة إلی البیع فی المجلس} إذ بیع الصرف یحتاج إلی القبض فی المجلس، {وإذا کان فی

ص:224

مقابل الدینار بعد ملاحظة النسبة أزید من دینار أو أقل منه بطل بالنسبة إلیه للزوم الربا، ولو قال: أجّرتک هذه الدار وصالحتک هذه الدینار بعشرة دنانیر مثلاً، فإن قلنا بجریان حکم الصرف من وجوب القبض فی المجلس وحکم الربا فی الصلح فالحال کالبیع، وإلا فیصح بالنسبة إلی المصالحة أیضاً.

مقابل الدینار بعد ملاحظة النسبة أزید من دینار أو أقل منه) کما إذا کانت أجرة الدار تسعة دنانیر ونصف، أو ثمانیة ونصف، فیما کانت النسبة نصف العشر أو عشراً ونصفاً {بطل} العقد {بالنسبة إلیه} أی إلی البیع {للزوم الربا}، والمعاملة الربویة باطلة، لا أنّ الزائد فقط فی هذا الطرف أو ذاک باطل والمعاملة باقیة، کما حقّق فی محلّه.

{ولو قال: أجّرتک هذه الدار وصالحتک هذا الدینار بعشرة دنانیر} وکان فی مقابل الدینار أزید أو أنقص {فإن قلنا بجریان حکم الصرف من وجوب القبض فی المجلس وحکم الربا} من لزوم عدم الزیادة والنقیصة {فی الصلح} حتی یکون حاله حال البیع {فالحال کالبیع} من أنّ عدم التقابض فی المجلس والزیادة والنقیصة یوجبان البطلان، کما أنّ من یقول بالتفصیل بین المسألتین من جریان حکم الربا وعدم جریان حکم الصرف یقول هنا أیضاً بذلک، {وإلاّ فیصحّ} العقد {بالنسبة إلی المصالحة أیضاً} کما یصحّ بالنسبة إلی الإجارة.

ثم إنّه لا فرق فیما ذکرناه بین أن یأتی فی العقد بلفظ واحد فیما کان اللفظ صحیحاً، کما إذا قال: بعتک هذا الحمار ومنفعة الدار مدة کذا بمبلغ کذا، إذا قلنا بصحة لفظ البیع فی الإجارة، أو بلفظین کما مثّل

ص:225

المصنّف، لأنّ النتیجة واحدة.

ومثل الجمع بین الإجارة والبیع، الجمع بین الإجارة والمزارعة، أو المساقاة أو الرهن أو غیرها من سائر المعاملات، لوحدة المناط فی الجمیع.

کما أنّ الجمع بین معاملتین أخریین من جنس واحد أو جنسین، حکمه حکم جمع إجارتین أو إجارة وبیع.

ولو جمع بین إجارة وبیع ربوی، لکن نصّ علی أن یکون ثمن المبیع بقدره لا أزید أو أقل صحّ، ولم یأت موضوع النسبة والربا کما لا یخفی.

ص:226

مسألة ٢٤ استیجار من یقوم بکل ما یأمره

(مسألة 24): یجوز استیجار من یقوم بکل ما یأمره من حوائجه، فیکون له جمیع منافعه

(مسألة 24): {یجوز استئجار من یقوم بکلّ ما یأمره} المستأجر أو إنسان آخر من الأمور غیر المحرّمة، أمّا إذا قصد الأعمّ من المحرّم فالإجارة باطلة بالنسبة إلیها، فیکون مثل تبعّض الصفقة.

أمّا إذا کان القصد المحرّم فقط فالإجارة باطلة إطلاقاً، ویعرف تفصیل الکلام فی الإجارة من تفصیل الکلام فی باب بیع المحرّم والمحلّل معاً، وأنّه کیف یوزّع الثمن علی الأمرین إلی غیره من الفروع.

{من حوائجه} سواء کانت معلومة تلک الحوائج لدی الإجارة أو مجهولة، إذا کان سنخها معلوماً، لإطلاق أدلة الإجارة والوفاء بالعقد، بعد أن لم یکن الجهل بالعمل موجباً لجهالة الإجارة أو غرراً.

ویؤید ذلک سیرة المتشرعة فی استئجار الخدم، فإنّ الجهالة فی الخصوصیات غیر ضارّة، کما إذا جهل مقدار ما یشربه الطفل من اللبن، أو مقدار ما یبنیه البنّاء أو یصبغه الصبّاغ کلّ یوم وشبه ذلک، بل هو جار فی البیع أیضاً، کما إذا جهل المشتری مقدار أساس البناء وماهیة الجص والطابوق والخشب، إلی غیرها، فإنّ أمثال هذه الجهالات فرعیة لا تضرّ بأصل المعاملة، ولا توجب دخولها فی المجهول المنهی عنه، أو الغرر الممنوع شرعاً.

{فیکون له جمیع منافعه} علی سبیل البدل، إذ لا یملک الأمران المتضادّان کما سبق الکلام حوله، فلو أمره بشیء فأتی بغیره، کما إذا أمره بالکتابة فخاط، أو بالعکس، فهل یستحقّ علیه التفاوت أو أنّ له الفسخ، احتمالان:

من أنّه ضیع علیه ماله، فیستحقّ التفاوت.

ص:227

ومن أنه لم یف بمقتضی العقد فله الفسخ، وإذا فسخ لم یکن له أجرة المثل، إذ قد أتی بالعمل من دون إذن، وإن کان العمل للمستأجر کما إذا خاط ثوبه فضولی مثلاً.

والظاهر أنه إن کان العمل أجنبیاً عن مورد الإجارة، کما إذا کانت الإجارة للخدمات المنزلیة فأمره بخدمة فأتی بشیء غیر مربوط بالإجارة أصلاً، فإنه یحقّ للمستأجر أخذ ما فاته من العمل، أو الفسخ واسترجاع الأجرة.

أمّا إذا کان العمل المأتی به من متعلّق الإجارة ولکن لم یرده المستأجر، مثلاً أمره أن یأتی فی هذا الیوم بکنس الدار، وفی الیوم الثانی بتهذیب الحدیقة، فقدّم تهذیب الحدیقة فی هذا الیوم، فإنه یحقّ للمستأجر الفسخ أو أخذ التفاوت بین العمل المأتی به والعمل المأمور به إذا کان العمل المأمور به أکثر قیمة.

وقد تقدم الکلام حول ما إذا لم یأت بالعمل أصلاً، وأنّ حاله حال خراب الدار المستأجرة الذی یوجب الفسخ، لا أنّ الإجارة باقیة وللمستأجر البدل، فتأمل.

ثم إنّ الإجارة علی أن تکون جمیع منافع الأجیر للمستأجر، قد تکون علی نحو القضیة الحقیقیة بأن تکون کلّ المنفعة له أو المنافع المتجدّدة، وقد تکون علی نحو القضیة الخارجیة، بأن تکون المنافع الموجودة فعلاً.

فعلی الأولی إذا تجدّدت للأجیر منافع، کما إذا صار کاتباً أو خیاطاً مثلاً بعد أن لم یکن له تلک الملکة حال الإجارة، تکون المنفعة الجدیدة أیضاً للمستأجر.

ص:228

والأقوی أن نفقته علی نفسه لا علی المستأجر.

وعلی الثانیة لیست للمستأجر تلک المنفعة الجدیدة.

{والأقوی أنّ نفقته} أی الأجیر فی مفروض المسألة {علی نفسه} أو من وجبت نفقته علیه کأبیه وابنه مثلاً، {لا علی المستأجر} کما عن السرائر والتذکرة والمختلف والتحریر والإیضاح وجامع المقاصد والمسالک والروضة ومجمع البرهان والمفاتیح والکفایة.

بل عن التذکرة عن ابن المنذر: لا أعلم فی ذلک خلافاً ساکتاً علیه، کلّ هذا نقله الجواهر، ثم قال: (بل لعلّ ذلک هو الأقوی فی النظر)، خلافاً لمن أوجب النفقة علی المستأجر، واختاره الشرائع والقواعد والإرشاد والروض، بل عن اللمعة: أنه المشهور.

والظاهر الأول، لأصالة عدم وجوب النفقة علی المستأجر، ولا دلیل علی الوجوب من آیة أو روایة أو إجماع، ولیس ذلک مقتضی العقل أیضاً کما لا یخفی.

نعم ربّما یستدل للقول الثانی بالصحیح المروّی فی الکافی والتهذیب، عن سلیمان بن سالم، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن رجل استأجر رجلاً بنفقة ودراهم مسمّاة علی أن یبعثه إلی أرض، فلمّا أن قدم أقبل رجل من أصحابه یدعوه إلی منزله الشهر والشهرین فیصیب عنده ما یغنیه من نفقة المستأجر، فنظر الأجیر إلی ما کان ینفق علیه فی الشهر إذا هو لم یدعه فکافأه به الذی یدعوه، فمن مال من تکون تلک المکافأة، أمن مال الأجیر، أو من مال المستأجر، قال (علیه السلام):

ص:229

إلا مع الشرط أو الانصراف من جهة العادة،

«إن کان فی مصلحة المستأجر فهو من ماله، وإلاّ فهو علی الأجیر»، وعن رجل استأجر رجلاً بنفقة مسمّاة ولم یفسّر شیئاً علی أن یبعثه إلی أرض أخری، فما کان من مؤنة الأجیر من غسل الثیاب والحمام فعلی من، قال (علیه السلام): «فعلی المستأجر»((1)).

وأشکل علیه فی الجواهر بجهل الراوی والإعراض وظهوره صدراً وعجزاً فی ذکر النفقة فی العقد.

أقول: الإشکالان الأولان غیر تامّین، إذ الجهل لو کان کفاه ضمان الکافی کما ذکرناه غیر مرة، والإعراض غیر متحقّق بعد ما عرفت من الخلاف، نعم إنه خارج عمّا نحن فیه کما ذکره، وتبعه المستمسک وغیره.

أمّا إشکال المستمسک علیه بأنّ (مورده کون نظر المستأجر إلی منفعة خاصة استأجره علیها لا إلی جمیع المنافع کما هو محل الکلام).

ففیه: إنّه إن ثبت الحکم فی المنفعة الخاصة فثبوته فی کل المنافع بالأولی، بالإضافة إلی أن ظاهره جمیع المنافع لأنّ إذهابه إلی أرض أخری یستوعب کلّ منافعه کما لا یخفی.

{إلاّ مع الشرط} فإنّ عموم «المؤمنون عند شروطهم»((2)) یشمل

ص:230


1- الوسائل: ج13 ص250 الباب 10 من أبواب الإجارة ح1
2- الوسائل: ج15 ص30 الباب 19 و20 من أبواب المهور ح4، الاستبصار: ج3 ص232 ح4

وعلی الأول لا بد من تعیینها کماً وکیفاً، إلا أن یکون متعارفاً، وعلی الثانی علی ما هو المعتاد المتعارف

المقام {أو الانصراف من جهة العادة} انصرافاً یقوم مقام الشرط أو مقام جزء الإجارة، ولکنّ اللازم التزام المستأجر قلباً بذلک، فإن کان انصرافاً عرفیاً لکن لم یقصده المستأجر لم ینفع فی التزامه بذلک، إذ العقود تتبع القصود، والحاصل أنّ الانصراف لیس بنافع فی عالم الثبوت، وإنما ینفع فی عالم الإثبات.

{وعلی الأول} یعنی الشرط {لا بدّ من تعیینها کمّاً وکیفاً} مثلاً کلّ یوم مرتین من الطعام، وأن یکون أرزاً أو ما أشبه، وذلک لئلا یلزم الغرر فی الإجارة، إذ الجهل بالتوابع جهل بالإجارة.

وما ذکره فی المستمسک: من أنه قد یظهر من الصحیح الاکتفاء بذکرها إجمالاً اعتماداً علی التقدیر الشرعی، فیه ما لا یخفی، إذ الصحیح منزّل علی ما کان انصراف من جهة المتعارف کما هو الغالب، لا أنّ له تقدیراً شرعیاً خاصاً.

{إلاّ أن یکون متعارفاً} لأن المتعارف قائم مقام التعیین فلا یلزم الغرر.

{وعلی الثانی} أی وجود الانصراف یحمل {علی ما هو المعتاد المتعارف} من الکمّ والکیف، اللّهم إلاّ إذا کان تعارفاً من جهة أصل الإنفاق، ولم یکن تعارفاً من جهة الکمّ والکیف، فإنه لا بدّ من التعیین بالنسبة إلی الکمّ والکیف کما لا یخفی، فإنه لا تلازم بین التعارفین، فمن

ص:231

ولو أنفق من نفسه، أو أنفقه متبرع، یستحق مطالبة عوضها علی الأول، بل وکذا علی الثانی لأن الانصراف بمنزلة الشرط.

الممکن احتیاج أصل النفقة إلی الشرط دون قدرها، ومن الممکن عکس ذلک.

{ولو أنفق من نفسه أو أنفقه متبرّع، یستحقّ مطالبة عوضها علی الأول} إذ الشرط یوجب الوضع إلاّ إذا کان الشرط بحیث لا یوجب ذلک، مثلاً قال له: بشرط أن آتی إلی مطبخک وآکل غدائی، فإنه إذا لم یذهب فقد أهدر حقّ نفسه، ولا وجه لاستحقاقه المطالبة.

أمّا المتبّرع، فإن کان تبرعه مطلقاً استحقّ الأجیر، أمّا إذا لم یکن تبرعه مطلقاً بل تبرّعاً عن المستأجر کان اللازم عدم استحقاق الأجیر، لأنه بمنزلة مال المستأجر، کما أشار إلیه المستمسک، ولو لم یأکل بعض المرات لم یستحقّ لأصالة العدم، إلاّ إذا کان الشرط بحیث یشمل مثل ذلک، {بل وکذا علی الثانی، لأنّ الانصراف بمنزلة الشرط}.

ولو سبب العمل جرحاً أو مرضاً له لم یکن ذلک علی المستأجر إلاّ بالشرط، لأصالة العدم، فما تعارف الآن من تحمّل المستأجر ذلک حسب القوانین غیر تام، نعم إن أوجب القانون العرف والعادة دخل فی الثانی.

ثم إنّه لو اشترط المستأجر علی المؤجر نفقة المستأجر أو کان عرف صحّ الشرط أیضاً، کما إذا استأجره لصید السمک وشرط علیه الإنفاق.

ثم إن شرط نفقة العیال للمستأجر أو المؤجر، وکذا شرط اللباس والسکن وما أشبه، لإطلاق أدلة الشرط.

ولو اختلفا فی الشرط أو العرف کان

ص:232

الأصل العدم، ولو لم یف المشروط علیه کان للشارط جبره، فإن لم یتمکن صحّ له الفسخ أو الإبقاء والمقاصّة ولو من العمل لإطلاق أدلة التقاص.

ثم إنه یجوز للأجیر أن یستفضل بعض طعامه ولباسه، بل أن لا یأکل الذی أخذه، أو لا یلبس، وإنما یکتفی بما یحصل علیه من الخارج، إذا لم یکن الشرط الأکل واللبس.

ولو مرض فالظاهر أنّ له طعام المرض لا طعام الصحیح، فما فی الجواهر من أنه لو استغنی الأجیر لمرض لم یسقط حقّه الذی قد حصل فی العقد جزءً أو شرطاً محل نظر.

وهنا فروع تظهر من باب النفقات، لاتّحاد المناط فی البابین.

ص:233

مسألة ٢٥ استعمال الأجیر مع عدم تعیین الأجرة

(مسألة25): یجوز أن یستعمل الأجیر مع عدم تعیین الأجرة وعدم إجراء صیغة الإجارة، فیرجع إلی أجرة المثل، لکنه مکروه.

(مسألة 25): {یجوز أن یستعمل الأجیر مع عدم تعیین الأجرة وعدم إجراء صیغة الإجارة} وذلک بلا إشکال ولا خلاف کما یظهر من کلماتهم، فقد عنون المسألة الشیخ والعلاّمة وغیرهما من غیر ذکر خلاف أو إشارة إلی مخالف، وفی المستمسک: (الظاهر عدم الخلاف فیه کما عن مجمع البرهان)، وفی مفتاح الکرامة: (عدم وجدان القائل بالتحریم) انتهی.

والمعلّقون للعروة سکتوا علی المتن، ممّا یدل علی عدم إشکالهم فی المسألة.

ووجه عدم الإشکال عدم وجود ما یدل علی الإشکال، فیشمله إطلاق أدلة الإجارة، إذ لا ینبغی الشبهة فی أنه إجارة عرفیة {فیرجع إلی أجرة المثل، لکنه مکروه} لما ورد من الروایات فی ذلک.

فعن جعفر بن محمد، عن آبائه (علیهم السلام) فی حدیث المناهی فیما رواه الفقیه: «نهی رسول الله (صلی الله علیه وآله) أن یستعمل أجیر حتی یعلم ما أجرته»((1)).

وفی الکافی والتهذیب، عن مسعدة بن صدقة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلا یستعملن أجیراً حتی یعلم ما أجره»((2)).

ص:234


1- الوسائل: ج13 ص246 الباب 3 من أبواب الإجارة ح3
2- الوسائل: ج13 ص245 الباب 3 من أبواب الإجارة ح2

وفی الکافی، عن سلیمان الجعفری، قال: کنت مع الرضا (علیه السلام) فی بعض الحاجة، فأردت أن انصرف إلی منزلی فقال لی: «انصرف معی فبت عندی اللیلة»، فانطلقت معه فدخل إلی داره مع المغیب، فنظر إلی غلمانه یعملون فی الطین أوادی الدواب وغیر ذلک، وإذا معهم أسود لیس منهم، فقال: «ما هذا الرجل معکم» قالوا: یعاوننا ونعطیه شیئاً، قال (علیه السلام): «قاطعتموه علی أجرته»، قالوا: لا، هو یرضی منّا بما نعطیه، فأقبل علیهم یضربهم بالسوط، وغضب لذلک غضباً شدیداً، فقلت: جعلت فداک لم تدخل علی نفسک، فقال: «إنّی قد نهیتهم عن مثل هذا غیر مرة أن یعمل معهم أحد حتی یقاطعوه علی أجرته، واعلم أنه ما من أحد یعمل لک شیئاً بغیر مقاطعة ثم زدته لذلک الشیء ثلاثة أضعاف علی أجرته إلاّ ظنّ أنک قد أنقصته أجرته، وإذا قاطعته ثم أعطیته أجرته حملک علی الوفاء، فإن زدته حبّة عرف ذلک لک ورأی أنک قد زدته»((1)).

أقول: لا یخفی أنّ تعلیل الإمام (علیه السلام) دلیل الکراهة، بالإضافة إلی السیرة المستمرّة بلا منازع، بل لم أجد من أفتی بالحرمة حتی صاحب الوسائل ومن أشبه، وضرب الإمام الرضا (علیه السلام) إنّما هو لمخالفة العبید له، فکانوا بذلک عصاة لله سبحانه، کما أنّ قوله: «من کان یؤمن بالله» معناه إیماناً کاملاً، کما ورد مثل ذلک فی کثیر من المستحبّات مثل

ص:235


1- الوسائل: ج13 ص245 الباب 3 من أبواب الإجارة ح1، الفروع: ج1 ص412، التهذیب: ج2 ص175

قوله (علیه السلام): «من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلیکتحل»((1)).

وقوله (علیه السلام): «من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلا یبیت شبعان وجاره جائع»((2)).

إلی غیرهما.

ثم إنه مثل استعمال الأجیر فی الحکم، استعمال ملک المالک بعنوان الإجارة بدون إجراء الصیغة ولا تعیین الأجرة، کأن یسکن فی غرفة الفندق أو یذهب إلی الحمام أو ما أشبه، وکذلک استعمال الأجیر وملکه، کما لو رکب السیارة التی یسوقها صاحبها أو ما أشبه، ذلک لأنّ الکل من واد واحد.

ثم الظاهر أنه لا فرق فی الکراهة بین أن تکون معلومة أم لا، کما یتعارف الآن من أنّ أجرة الحمل من مکان کذا إلی مکان کذا بمبلغ کذا، وکذلک أجرة السیارة وغیرها، وإن کان ظاهر بعض النصوص المتقدمة: إنّ الکراهة خاصة بصورة عدم العلم.

کما أنه لو تنازع الطرفان فی الأجرة فالمرجع العرف فی تعیین أجرة المثل، ولو لم یکن  عرف کان أصالة عدم ضمان الزائد محکمة. ولو اختلف العرف فهل الأصل عدم ضمان الزائد أو لزوم أخذ الوسط، مثلاً قال بعض العرف: بأنه مائة، وقال بعضهم: بأنه خمسون، فالوسط خمسة وسبعون وهکذا، احتمالان، وإن کان الأقرب الثانی، کما ذکروا مثله فی مسألة اختلاف المقوّمین.

ص:236


1- مکارم الأخلاق: ص46
2- انظر: الوسائل: ج16 ص465 الباب 44، والمستدرک: ج3 ص90 الباب 38، وسفینة البحار: ج1 ص683 مادة «تبع»

ولا یکون حینئذ من الإجارة المعاطاتیة کما قد یتخیل، لأنه یعتبر فی المعاملة المعاطاتیة اشتمالها علی جمیع شرائط تلک المعاملة عدا الصیغة، والمفروض عدم تعیین الأجرة فی المقام، بل عدم قصد الإنشاء منهما،

{ولا یکون حینئذ من الإجارة المعاطاتیة کما قد یتخیل} أنه من الإجارة المعاطاتیة {لأنه یعتبر فی المعاملة المعاطاتیة اشتمالها علی جمیع شرائط تلک المعاملة عدا الصیغة، والمفروض عدم تعیین الأجرة فی المقام}، ولکنّ الظاهر أنه من الإجارة المعاطاتیة، إذ هذا أیضاً قسم من الإجارة، ولا دلیل علی اشتراط شرائط المعامل فی المعاطاتیة، وعلی تقدیر التسلیم فالأجرة أیضاً معینة حسب المتعارف، ولا یلزم العلم بها، فإنّ العلم الإجمالی کاف، ولذا نری العرف لا یشکون فی تسمیة ذلک بالإجارة، فیشمله دلیل الإجارة.

هذا بالإضافة إلی التعیین فی کثیر من المقامات، فإطلاق أنه لیس من المعاطاتیة للدلیل الذی ذکره محل إشکال، وإن سکت علیه کلّ من وجدتهم من المعلّقین کالسادة ابن العم والبروجردی والأصطهباناتی والجمال وغیرهم.

{بل عدم قصد الإنشاء منهما} إذ لا یقارن عمل العامل ولا استخدام المستخدم قصد الإنشاء، بل هو من قبیل المتصرف فی الحمام حال عدم کون الحمامی موجوداً، حیث لا إنشاء من أحدهما، لکن فیه: وجود قصد الإنشاء فإنّه خفیف المؤنة، ولذا قال فی المستمسک: (بعد أن کان کلاً منهما قاصداً للأجر، وأنّهما تباینا علی أمر واحد، کیف لا یکونان

ص:237

ولا فعل من المستأجر، بل یکون من باب العمل بالضمان، نظیر الإباحة بالضمان کما إذا أذن فی أکل طعامه بضمان العوض

قد قصدا الإنشاء، وسیأتی منه أنّ ذلک من باب العمل بالضمان الذی لا یکون إلاّ مع قصد الإنشاء) انتهی.

بل یتصور قصد الإنشاء حتی فی مثل الحمامی، إذ القصد کالنیة التی لا یلزم فیها الحضور الذهنی فی الحال، ولذا یکون الصائم النائم ناویاً، وهنا کذلک أیضاً، إذ الحمامی یقصد الإنشاء المطلق، فإذا التقی قصده بقصد المستأجر تحقّق العقد المعاطاتی.

{ولا فعل من المستأجر} والمعاطاة تتوقّف علی الفعل الدال علی الإنشاء، والفعل فیها قائم مقام القول، وفیه: وجود شبه الفعل فإن الأمر بالعمل هو شبیه الفعل الدال علی إنشاء المعاملة، وعنوان المصنّف استعمال الأجیر لا یکون إلاّ بفعل أو ما أشبه الفعل.

{بل یکون من باب العمل بالضمان نظیر الإباحة بالضمان، کما إذا أذن فی أکل طعامه بضمان العوض}، لا یخفی أنه وإن أمکن هذه الصورة ومآله إلی عدم إسقاط الإنسان احترام عمله أو ماله، بعد قبول المعمول له أو المتصرف فی المال ذلک، فیشمله دلیل: «لا یتوی حقّ امرئ مسلم»((1))، و﴿تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ﴾((2))، وما أشبههما، إلاّ أنّ المتعارف کون المقام من باب الإجارة المعاطاتیة، وقد یظهر من المصنّف

ص:238


1- المستدرک: ج3 ص215 باب نوا د ر الشهادات ح5
2- سورة البقرة: الآیة 188

ونظیر التملیک بالضمان کما فی القرض علی الأقوی من عدم کونه معاوضة، فهذه الأمور عناوین مستقلة غیر المعاوضة، والدلیل علیها السیرة

وغیره فی مختلف المسائل المربوطة بهذا النحو أنه من باب الإجارة، فقد تقدم منه فی المسألة التاسعة عشرة: أنه إذا أمر العامل بالعمل ضمن أجرته إذا لم یقصد العامل التبرّع.

والمصنّف أخذ ذلک من صاحب الجواهر حیث قال: ولو لا ظهور کلام من تعرّض لذلک فی أنّ الحمام من الإجارات لأمکن القول بأنه من الإباحات للأعیان والمنافع بعوض، وهی قسم مستقل برأسها لا تدخل تحت عقود المعارضة ولها أفراد کثیرة انتهی.

نعم الظاهر من الشیخ والمحقّق والعلاّمة وغیرهم فی مختلف المسائل أنها کلّها من الإجارة، فراجع.

{ونظیر التملیک بالضمان کما فی القرض علی الأقوی من عدم کونه معاوضة} مقابل أن یکون القرض معاوضة بین ما یعطی الآن وما یأخذ غداً، والظاهر أنّ کلا الأمرین صحیح فی القرض، {فهذه الأمور عناوین مستقلة غیر المعاوضة} الإیجاریة أو ما أشبه، ولا بأس بالمعاملة المستقلة، وإن لم تکن فی زمن النبی والأئمة (علیهم السلام)، إذ عمومات العقد والتجارة وما أشبه شاملة لها، ولذا نقول بصحة العقود الجدیدة کالتأمین، والشخصیة الاعتباریة للمنصب أو الصندوق أو ما أشبه، کما بسطنا الکلام فی ذلک فی کتاب الحج.

{والدلیل علیها السیرة} المتلقّاة من الشارع لتسلسل هکذا

ص:239

بل الأخبار أیضاً، وأما الکراهة فللأخبار أیضاً.

معاملات إلی زمن الأئمة (علیهم السلام).

{بل الأخبار أیضاً} وقد تقدم شمول العمومات لمثل هذه المعاملات.

{وأمّا الکراهة} فی المقام {فللأخبار أیضاً} کما تقدم جملة منها، والحکمة فی الکراهة النزاع وما ذکره الإمام الرضا (علیه السلام).

ص:240

مسألة ٢٦ لو استأجر أرضا مدة معینة وغرس ما لا یدرک فی المدة

(مسألة 26): لو استأجر أرضاً مدة معینة فغرس فیها أو زرع ما لا یدرک فی تلک المدة، فبعد انقضائها للمالک أن یأمره بقلعها.

(مسألة 26): {لو استأجر أرضاً مدة معینة} بدون أن یذکر علی نحو الشرط أو القید کونها لغرس أو زرع، سواء کان داعیه عند الإجارة ذلک أم لا، {فغرس فیها أو زرع ما لا یدرک فی تلک المدة} أو ما یدرک لکن اتّفق أنه لم یدرک، أو ما یدرک ولکن کان غرسه بعد انقضاء مدة من الإجارة ممّا لا یدرک فی مثل الوقت الباقی، مثلاً استأجرها سنة ثم غرس فیها بعد ستة أشهر ما لا یدرک إلاّ بعد تسعة أشهر>

{فبعد انقضائها للمالک أن یأمره بقلعها} سواء علم الزارع بعدم الإدراک أم لا، وسواء کان للمقلوع نفع أم لا، وذلک لقاعدة: «الناس مسلّطون علی أموالهم»((1))، ولا یخصّص ذلک بقاعدة «لا ضرر»((2))، إذ فی صورة علم الزارع فهو مقدم علی ضرر نفسه، وفی صورة جهلة فلا ضرر المالک معارض بلا ضرر الزارع، فإذا تساقط رجع إلی أصالة تسلّط الناس علی أموالهم.

إن قلت: لا ضرر للمالک مع تدارک الزارع بإعطاء الأجرة.

قلت: المستفاد من دلیل «لا ضرر» ودلیل السلطنة أنّ الأول لا یمکن أن یرفع الثانی، کما هو المرکوز فی أذهان المتشرعة، وإلاّ فلو جهل

ص:241


1- بحار الأنوار: ج2 ص273
2- الوسائل: ج17 ص340 باب 12 ح1

الزارع أنّ هذه الأرض للغیر بأن ظنّ أنها أرض نفسه فزرع فیها أو بنی، لزم القول بإبقاء البناء والزرع فی مقابل الأجرة، وهذا ما لا یلتزم به أحد.

وکذا لو ظنّ أنّ الدار له مثلاً، ثم أجّرها بمائة وکانت الأجرة لها ألفاً، فإنّه لا حقّ له فی أخذ الزیادة من المستأجرة لقاعدة الغرر، مع أنّ المالک له الحقّ فی أن یأخذ منه الألف ممّا یوجب تضرره تسعمائة.

وعلی هذا فقد یتعارض «لا ضرر» المالک بلا ضرر الطرف الآخر، وعند التساقط یکون المرجع دلیل السلطنة، وقد یقدم دلیل السلطنة علی دلیل «لا ضرر» الطرف، لأنه المرکوز فی أذهان المتشرّعة من الجمع بین الدلیلین.

فلا یقال: بأنّ دلیل «لا ضرر» ثانوی فیقدم علی الدلیل الأولی کدلیل السلطنة.

کما أنّه لا یقدّم الضرر الأضعف علی الضرر الأقوی، إلاّ إذا فهمنا من الشارع وجوب التقدیم، مثلاً إذا دار الأمر بین قطع ید زید أو قطع أصبعه قدّم الثانی، لفهمنا أهمیة قطع الید علی قطع الأصبع، أمّا إذا دار الأمر بین ضرر المالک القلیل وضرر الطرف الکثیر لم یقدّم الأول لعدم فهم الأهمیة.

لا یقال: إنّ فی مورد حدیث «لا ضرر» فی قصة سمرة بن جندب قدّم النبی (صلی الله علیه وآله) لا ضرر صاحب البستان علی لا ضرر سمرة((1))، وذلک

ص:242


1- انظر الفقیه: ج3 ص59 ح208 و147. الکافی: ج5 ص292 ح8

لأنّ تضرّر المالک کان أکثر من تضرّر سمرة بأخذ الإجازة کلّما أراد أن یدخل البستان.

لأنه یقال: لم یکن ضرر علی سمرة بأخذ الإجازة، فالضرر کان فی طرف واحد فقط.

إن قلت: فکیف یجوز الشارع أکل مال الناس فی المخمصة مع أنّه خلاف دلیل السلطنة، وقد قلتم بأنّ دلیل السلطنة یقدّم علی دلیل لا ضرر فی المسألة محل البحث.

قلت: ذلک لما استفدناه من الأهمیة فی الحفظ علی الإنسان، ومثل هذه الأهمیة لم تعلم فی المقام، أی الزارعة فی أرض الغیر.

فتحصّل أنّ مقتضی القاعدة تقدیم دلیل السلطنة علی دلیل «لا ضرر»، أمّا فی صورة علم الزارع بعدم کفایة المدة فلأنه أقدم علی الضرر، وأمّا فی صورة جهل الزارع فلأنّ دلیل السلطنة وإن کان دلیلاً أوّلیاً لکن المستفاد من دلیل «لا ضرر» عرفاً أنه لا یجری فی أمثال المقام إلاّ إذا فهمنا من الشارع أهمیة بالغة، کما عرفنا الأهمیة فی باب أکل المخمصة.

وبهذا تبین أنه لا وجه لجعل التعارض بین «لا ضرر» المالک و «لا ضرر» الزارع والقول بتساقطهما والرجوع إلی دلیل السلطنة، کما صنعه بعض، إذ لا ضرر علی المالک بعد تدارک الزارع الأجرة، فتأمل.

کما أنه ممّا تقدم تبین أنه لا فرق بین الانتفاع بالمقلوع لأکل الدواب ونحوه، وبین عدم الانتفاع أصلاً.

ص:243

بل وکذا لو استأجر لخصوص الغرس أو لخصوص الزرع ولیس له الإبقاء ولو مع الأجرة

فلا یقال: إنه فی صورة الانتفاع یجب الإقلاع، لأنه لا یشمله دلیل «لا ضرر» بخلاف صورة عدم الانتفاع، إذ الضرر موجود فی الحالین، منتهی الأمر قلّة الضرر وکثرته.

{بل وکذا لو استأجر لخصوص الغرس أو لخصوص الزرع} لما تقدم من الدلیل، {ولیس له الإبقاء ولو مع الأجرة} إذ لا وجه لرفع سلطنة المالک إلاّ إذا أحرزت الأهمیة الشرعیة، والمفروض أنها لم تحرز فی المقام، فلو استأجر إنسان داراً وانقضت المدة لزم علیه إفراغ الدار، وإن تضرّر بالإفراغ بکسر بعض ظروفه، أو لأخذ الحمّالین أجرة زائدة علی المتعارف ممّا یوجب أن یسمّی فی العرف بأنه ضرر علیه، إلاّ إذا کان فی الإفراغ مثلاً خطراً علی نفس المستأجر، بأن کان هناک عدو له إذا خرج من الدار قتله، فإنّه یقدّم دلیل «لا ضرر» هنا علی دلیل السلطنة، لما أحرزناه من الأهمیة.

لکن ینبغی فی المقام استثناء صورة من إطلاق المصنّف وغیره، وهی صورة کون الإجارة مقیدة بالغرس، ولم یکن الغرس ذا نفع فی مدة الإجارة أصلاً، مثلاً استأجرها ثلاثة أشهر لغرس ما لا یدرک ولا ینتفع به إلاّ فی مدة سنة مثلاً، فإنّ الإجارة حینئذ باطلة، لأنه من أکل المال بالباطل، فإنّ المالک أخذ المال فی مقابل لا شیء، إذ المفروض أنّ الإجارة مقیدة بالغرس الذی لا ینفع به أصلاً حتی فی علف الدواب، فیکون مثل أن یستأجر الدار لسکنی أولاده، والحال أنه لا ولد له أصلاً.

ص:244

ولا مطالبة الأرش مع القلع، لأن التقصیر من قبله. نعم لو استأجرها مدة یبلغ الزرع فاتفق التأخیر لتغیر الهواء أو غیره أمکن أن یقال بوجوب الصبر علی المالک مع الأجرة

فإن کان المالک عالماً بذلک لم یکن له الحقّ فی أجرة المثل، لأنه أقدم علی ضرر نفسه، وإن لم یکن عالماً کان له أجرة المثل، کما فی کلّ مورد تبطل الإجارة.

وهنا بخلاف ما إذا کانت الإجارة مطلقة فغرس المستأجر فی الأرض ما لا یدرک، فإنّ للمالک حقّ الأجرة، إذ المنفعة کانت مطلقة، وإنما الزارع لم ینتفع، فیکون حاله حال ما إذا استأجر الدار لکنه لم یسکن فیها، بخلاف مفروض الاستثناء حیث إنّ المنفعة کانت خاصة بصورة الغرس والمفروض أنه لا نفع للأرض بمثل هذه المنفعة أصلاً.

{و} ممّا ذکر ظهر أنه {لا} حقّ للزارع فی {مطالبة الأرش}، التفاوت بین القائم إلی أن یدرک والمقلوع {مع القلع لأنّ التقصیر من قبله} أی إنه أقدم علی ما لا حقّ له، وفی مثله لا مجال لتطبیق دلیل نفی الضرر، لانصرافه عن مثله، کما یظهر من ملاحظة کثیر من نظائره التی لا ریب عند المتشرّعة فی بقاء سلطنة المالک علی ماله أو نفسه بحالها، کما ذکره المستمسک وغیره.

{نعم لو استأجرها مدة یبلغ الزرع فاتّفق التأخیر} لا من الزارع کما إذا أخّر فی الزرع، فإنه کالفرع السابق فی أنه مقدم علی ضرر نفسه، بل کان التأخیر {لتغیر الهواء أو غیره} کقلّة الماء {أمکن أن یقال بوجوب الصبر علی المالک مع الأجرة} جمعاً بین الحقّین، حقّ الزارع الذی لم یقدم

ص:245

للزوم الضرر إلا أن یکون موجباً لتضرر المالک.

علی ضرر نفسه، وحقّ المالک الذی له السلطنة علی ملکه، فیکون حال المسألة حال أکل المخمصة، حیث یجوز للجائع الأکل بدون رضی المالک ولکن بعوض.

وإنما یجب الصبر {للزوم الضرر} علی الزارع لو قیل بوجوب القلع علیه، فالمرجع قاعدة الضرر الحاکمة علی قاعدة السلطنة.

لکن قد عرفت الإشکال فی ذلک، فإن المسألتین من باب واحد {إلاّ أن یکون} الصبر {موجباً لتضرّر المالک} کما أنه إذا صبر شهراً زائداً فات من یده السنة الجدیدة، فدلیل «لا ضرر» المالک یتعارض مع دلیل لا ضرر الزارع، فیتساقطان، ویکون المرجع دلیل السلطنة.

ثم إنه لا فرق بین کون ضرر المالک أقوی أو ضرر الزارع، لأنه لا دلیل علی تقدّم الضرر الأقوی، إلاّ إذا علمنا أهمیة أحدهما من الشارع، کما سبق.

نعم لو استعد الزارع لتدارک ضرر المالک، کما لو استعد أن یعطیه للشهر الزائد أجرة سنة کاملة التی تفوت علی المالک، بقی لا ضرر الزارع بلا معارض.

وقد أکثر الفقهاء الکلام حول هذه المسألة وصورها، لکن حیث إنّ محل الکلام غیر هذا الباب ترکنا تفصیلها لمحلّها، والله العالم.

ص:246

فصل فی التنازع

اشارة

فصل

فی التنازع

{فصل}

{فی التنازع} فی مورد الإجارة، ولیعلم أنّ اللازم علی القاضی الذی یراجع إلیه فی کافة مسائل المنازعات التی منها ما نحن فیه، أن یستخرج الحقّ بالقرائن والشواهد، لا أن یکتفی بالبینة والیمین، وفی حدیث عن الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) ذمّ الذی یکتفی بهما، والظاهر أنّ الإمام (علیه السلام) کان یخرج غالب الحقائق بهذه الوسیلة، کما لا یخفی علی من راجع قضایاه، فلم تکن من باب قضیة فی واقعة کما اشتهر ذلک، بل کان من باب أحد الأمرین: إمّا من باب استخراج الحقّ بالشواهد، کما فی قصة اشتباه الولد بین أمّین واشتباه العبد بالسید، حیث أمر الإمام (علیه السلام) بحفر حفرتین فی حائط المسجد، وإمّا من جهة أنّ للإمام (علیه السلام) والحاکم أن یحکما حسب المصلحة الملزمة وإن کان الحکم خارجاً عن نطاق القواعد العامة، مثل أن یعفو عن القاتل إذا سبّب نجاة بریء کما فی قصة القصّاب الذی وجد فی الخربة وإلی جنبه قتیل، إلی غیر ذلک.

ص:247

مسألة ١ التنازع فی أصل الإجارة

(مسألة 1): إذا تنازعا فی أصل الإجارة قدم قول منکرها مع الیمین، فإن کان هو المالک استحق أجرة المثل دون ما یقوله المدعی، ولو زاد عنها لم یستحق تلک الزیادة، وإن وجب علی المتصرف إیصالها إلیه، وإن کان المنکر هو المتصرف فکذلک

(مسألة 1): {إذا تنازعا} المدعی والمنکر {فی أصل الإجارة} فقال الساکن: فی الدار إجارة، وقال المالک: لیست إجارة، {قدّم قول منکرها مع الیمین} لأنّ الأصل العدم، وقد حقّق فی باب القضاء أنّ المدّعی هو الذی یخالف قوله الأصل، فالمنکر هو الذی یوافق قوله الأصل، والکلام فی ذلک طویل موکول إلی کتاب القضاء.

ثم إن تقدم قول المنکر فی هذه المسألة ممّا لا إشکال فیه ولا خلاف، وإن کان محتمل بعض العبائر غیر ذلک.

{فإن کان} المنکر {هو المالک استحقّ أجرة المثل، دون ما یقوله المدّعی، ولو زاد} ما یقوله المدّعی {عنها} أی عن أجرة المثل {لم یستحق تلک الزیارة} لاعترافه بأنّه لا مسمّی فی البین، فحقّه منحصر فی أجرة المثل، {و} لکن {وجب علی المدّعی المتصرّف إیصالها} أی الزیادة {إلیه} إذا کان بینه وبین الله یعلم بالإجارة، لأنه یری حقّ المالک فی الزیادة، فحاله حال کلّ مدین ینکر الدائن أنه یطلبه جهلاً أو غفلةً أو ما أشبه، وإلاّ فإن کان کاذباً فی نفسه لم یجب إیصال الزیادة، إذ لا یطلبه المالک، ومجرد الإقرار لا یوجب الحقّ واقعاً.

{وإن کان المنکر هو المتصرّف} بأن ادّعی المالک أنه أجرها،

ص:248

لم یستحق المالک إلا أجرة المثل، ولکن لو زادت عما یدعیه من المسمی لم یستحق الزیادة لاعترافه بعدم استحقاقها،

وأنکر المتصرّف وادّعی أنه تصرف فی العین بمقتضی التبرّع، {فکذلک لم یستحقّ المالک إلاّ أجرة المثل} لأنّه القدر المتیقّن فی قبال ملکه، فإنّ الثابت أنّ المتصرف استوفی المنفعة المقابلة لأجرة المثل، ولم یثبت أنه کان علی وجه التبرّع، فأصالة احترام أموال الناس تقتضی استحقاق المالک لأجرة المثل.

لا یقال: المقام من التنازع المقتضی للتحالف، إذ التبرّع أیضاً خلاف الأصل.

لأنّه یقال: المقدار المحقّق أن المتصرف تصرف فی مال المالک، ولم یعلم أنه بوجه مسقط لحقّ المالک، فاللاّزم إعطاؤه أجرته، ولا فرق فی ذلک بین أن یدّعی المتصرف التبرّع أو أنه تصرف فیه اعتباطاً أو لم یقل شیئاً بل قال: إنه لم یکن إجارة.

نعم لو قال: إنّه تصرف اعتباطاً کان تصدیقاً لاستحقاق المالک الأجرة، کما لزم علیه الضمان، إذ لم تکن العین أمانة مالکیة، ولا أمانة شرعیة بیده حتی لا یکون ضمان.

{ولکن لو زادت} أجرة المثل {عمّا یدّعیه} المالک {من المسمّی} کما لو کانت أجرة مثل الدار المتصرف فیها مائة وقال المالک: إنه أجّرها بخمسین {لم یستحقّ} المالک {الزیادة لاعترافه بعدم استحقاقها} وإقرار العقلاء علی أنفسهم جائز.

کما أنه لو کان جنس الأجرة التی یدّعیها مخالفاً للنقد، کما لو قال: أجّرته الدار بطنّ من القمح، لم یثبت کلامه بل أعطی النقد، ویحقّ له

ص:249

ویجب علی المتصرف إیصالها إلیه، هذا إذا کان النزاع بعد استیفاء المنفعة

أن یأخذه تقاصّاً، لأنّ النقد لیس ما یستحقه ابتداءً حسب دعواه، {ویجب علی المتصرف إیصالها إلیه} إذا کان باعتقاده أنّ تصرفه کان بدون إذن المالک، أمّا إذا کان اعتقاده أنّ تصرّفه کان إباحة لم یجب إیصال الزیادة کما لا یخفی، ولذا قال فی المستمسک: إذا کان یری استحقاق المالک لها.

ثم إنّ المالک إن ادّعی الإجارة وقال: إنّه کانت الأجرة دون المثل، ولکن ادعی الغبن فی قبول الأجرة دون المثل، کان اللازم إعطاءه أجرة المثل إن کان الغبن محتملاً فی حقّه، کما فی کلّ مورد ادّعی أحد الطرفین الغبن.

 {هذا} کله {إذا کان النزاع بعد استیفاء المنفعة} ولو استیفاء بنحو إغلاق المتصرف الدار، إذ لا یشترط الانتفاع کما لا یخفی.

وإن کان النزاع بعد استیفاء جزء من المنفعة کان اللازم تسقیط الحقّ بقدر المستوفی، ورجع المال إلی المالک بالنسبة إلی ما بقی من المدة، وفی هذه الصورة إذا کان المتصرف یدّعی الإجارة بالمسمّی الذی هو أکثر من المثل، وینکر المالک، یکون للمتصرف الأخذ بخیار تبعّض الصفقة وإبطال الإجارة وإعطاء المثل بالنسبة.

مثلاً قال المالک: إنه لم یکن إجارة، وقال المتصرف: إنه کان إجارة بمائة، والحال أنه یساوی بخمسین، فإنّه إذا أبطل الحاکم کونه إجارة، وقد مضی من المدة النصف کان للمتصرف الأخذ بالخیار وإعطاء المالک خمسة وعشرین فقط، کما أنه لو انعکس بأن ادّعی المالک الإجارة بالأقل من المثل وأنکر المتصرف، کان للمالک بعد بطلان الإجارة حسب حکم الحاکم أن یأخذ بخیار تبعّض الصفقة، فیأخذ نصف المثل الذی هو

ص:250

وإن کان قبله رجع کل مال إلی صاحبه.

أکثر من نصف المسمّی.

ثم إن کان النزاع {قبله} أی قبل الاستیفاء {رجع کلّ مال إلی صاحبه} لأنه مقتضی إبطال الإجارة، فیحقّ لمدعی الإجارة أن یأخذ ما کان علیه دفعه _ علی تقدیر الإجارة _ اقتصاصاً.

لکن ربّما یشکل إطلاق ذلک بأنّه إنما یتم فیما إذا کانت الإجرة مثلاً، أمّا إذا کانت مسمّاة أزید أو أنقص من المثل کان اللازم إعطاء الزیادة، مثلاً المالک الذی یری أنه أجّر الدار التی تساوی بمائة، أجّر بثمانین، إذا أخذ الدار بعد إبطال الحاکم الإجارة، یری أنه مدین للطرف بعشرین، لأنّ الطرف إنما أکل منه ثمانین لا مائة، فاللاّزم علیه أن یردّ المالک علی الطرف عشرین، وبالعکس إذا کانت الدار تساوی ثمانین وقد اعترف الطرف أنه استأجرها بمائة کان اللازم علیه أن یدفع إلی المالک عشرین.

اللّهم إلاّ أن یقال: إنّ الامتناع من أحد الطرفین یوجب إسقاط حقّه الذی جاء من قبل الإجارة کما تقدم، أو یفرق بین أن یکون الامتناع مع علمه بالإجارة امتناعاً باطلاً فلا حقّ له، وبین أن یکون الامتناع بزعم أنّ الحقّ معه لنسیان أو ما أشبه فله حقّ فی التفاوت، أو یفرّق بین أن یکون الممتنع هو المستفید فلا حقّ له فی الزیادة، أو یکون غیره المستفید فلذلک الغیر الحقّ، مثل أن یمتنع الولی للصغیر، فإنّه لا وجه لبطلان حقّ الصغیر لأجل امتناع ولیه، کما إذا کان الدار لصغیر فأجّرها ولیه بالأزید من أجرة المثل، فامتنع من الإعطاء بحجة أنه لم یؤجرها، فإنّه یلزم علی المستأجر إعطاء زیادة المسمّی من المثل للصغیر، إذ لا ذنب للصغیر یوجب سقوط الزیادة، فتأمل.

ص:251

مسألة ٢ الاتفاق علی الإذن فی استیفاء المنفعة

(مسألة 2): لو اتفقا علی أنه أذن للمتصرف فی استیفاء المنفعة، ولکن المالک یدعی أنه علی وجه الإجارة بکذا أو الإذن بالضمان، والمتصرف یدعی أنه علی وجه العاریة، ففی تقدیم أیهما وجهان، بل قولان

(مسألة 2): {لو اتّفقا علی أنه أذن للمتصرف فی استیفاء المنفعة، ولکنّ المالک یدّعی أنه علی وجه الإجارة بکذا} مساویاً للمسمّی أو زائداً علیه أو ناقصاً عنه {أو الإذن بالضمان} کما تقدم فی بعض المسائل، أو ادّعی أنه علی وجه الهبة المشروطة أو الصلح بکذا، أو ما أشبه من الدعاوی المتضمنة لعدم المجانیة، {والمتصرف یدّعی أنه علی وجه العاریة} أو ما أشبه من الدعاوی المتضمّنة علی کونه علی وجه المجانیة {ففی تقدیم أیهما وجهان، بل قولان}:

الأول: تقدیم قول مدّعی العاریة، وهو المحکی عن الخلاف والمبسوط والغنیة واللمعة ومجمع البرهان والکفایة، ووجهه أصالة براءة ذمة مدّعی العاریة، فإنهما متّفقان علی أنّ استیفاء المنفعة کان بوجه مشروع، وإنّما الخلاف فی أنه هل کان بعوض أم لا، والأصل براءة ذمة المستوفی.

والثانی: تقدیم قول مدّعی الإجارة، وهو المحکی عن الحلی والمهذب والقواعد وجامع المقاصد والروض والمسالک والکفایة، واختاره الشرائع، ووجهه قاعدة احترام مال المسلم إلاّ أن یثبت عدمه، وحیث لم یثبت عدمه فاللازم الضمان.

وقد بنی بعض الفقهاء المسألة علی أنّ المعیار فی تطبیق المدّعی والمنکر، مضمون کلام

ص:252

المتداعیین، فیکون الباب من التداعی، لأنّ الإجارة والعاریة متقابلان، فکلّ یدّعی خلاف ما یدّعیه الآخر، فیتخالفان ویکون المرجع البراءة أو احترام المال.

أو أنّ المعیار مقصود المتنازعین وغرضهما فیکون مدّعی العاریة مدّعیاً، ومدّعی الإجارة منکراً، لأنّ غرضهما من هذا النزاع عدم إعطاء المال، أو إعطاؤه، لأنّ القاعدة تقتضی احترام المال، فالذی یقول بعدم احترامه یکون مدّعیاً.

ثم الظاهر أنّ المعیار مضمون کلام المتداعیین لا غرضهما، ولذا ذکروا فی باب القضاء اختلاف الحکم فی کثیر من المسائل حسب اختلاف کلام الطرفین وإن کان الغرض من مختلف صور کلامهما واحداً، فراجع.

کما أنّ الظاهر أنه لا فرق بین أن تکون الأجرة علی حسب دعوی مدّعی الإجارة عیناً أو ذمةً فی أصل جریان کون الأصل البراءة أو قاعدة الاحترام، إذ لو کان مدّعی الإجارة یقول بأنّ الأجرة النقد ذمةً أو عیناً، لم تکن هناک دعوی جدیدة، وإن کان یقول: بأنّ الأجرة شیء غیر النقد، کانت هناک دعوی جدیدة، سواء کان ذلک الشیء فی الخارج أو فی الذمة.

کما أنه لا یفرّق بالنسبة إلی ما نحن فیه فی کون الأصل البراءة أو قاعدة الاحترام بین کون مدّعی الأجرة یدّعی ما یساوی أجرة المثل أو أزید أو أنقص.

نعم هناک فروق تنشأ من اختلاف کون الأجرة عیناً أو فی ذمة، ومن اختلاف کون الأجرة مساویة للمثل أو أزید أو أنقص، لا ترتبط بأصل المسألة.

ثم إنّ المصنّف بین الوجهین بقوله: {من أصالة البراءة بعد

ص:253

من أصالة البراءة بعد فرض کون التصرف جائزاً، ومن أصالة احترام مال المسلم الذی لا یحل إلا بالإباحة، والأصل عدمها، فتثبت أجرة المثل بعد التحالف، ولا یبعد ترجیح

فرض کون التصرف جائزاً} فهما متّفقان علی أنّ تصرّفه کان جائزاً، ولکن اختلافهما فی أنّه هل کان بضمان أم لا، فالأصل عدم الضمان.

{ومن أصالة احترام مال المسلم((1)) الذی لا یحل إلاّ بالإباحة} أو الإعراض مثلاً {والأصل عدمها، فتثبت أجرة المثل بعد التحالف} إن لم یکن المالک یدّعی أنه أقل، وإلاّ فالثابت الأقل حسب اعترافه، فإنّ إقرار العقلاء علی أنفسهم جائز((2)).

{ولا یبعد ترجیح الثانی} بل هو الأقوی، کما اختاره کثیر من المعلّقین، فإنّ قاعدة الاحترام مقدّمة علی أصالة البراءة، فإنّ کلّ تصرّف فی مال الغیر یوجب الضمان، فهی دلیل اجتهادیّ لا مجال معه للأصل العملی، وهذه القاعدة مستفادة من الکتاب والسنة والإجماع والعقل.

هذا بالإضافة إلی أنه یؤید فی المقام بما فی الجواهر تبعاً لما فی مفتاح الکرامة حسب ما ذکره المستمسک: من صحیح إسحاق بن عمّار، عن أبی الحسن (علیه السلام) الوارد:

فیمن استودع رجلاً ألف درهم فضاعت، فقال الرجل: إنّها ودیعة، وقال الآخر: إنها قرض، قال (علیه السلام): «المال لازم له إلاّ أن یقیم البینة أنّها کانت ودیعة»((3)).

ص:254


1- الوسائل: ج16 ص111 ح2
2- الوسائل: ج12 ص568 الباب 3 من کتاب الإقرار ح2
3- المستمسک: ج12 ص162، والوسائل: ج13 ص232 الباب 7 ح1

الثانی وجواز التصرف أعم من الإباحة.

والظاهر أنّ المراد إقامة البینة لنفی المال فلا ینافی ما ذکرناه من أنّ المعیار مضمون کلام المتخاصمین، وذلک لأنّ إقامة البینّة علی عدم الضمان لا معنی لها.

ثم إنّه یؤید کون القول قول المالک، ما رواه الدعائم، عن الصادق (علیه السلام)، إنه سئل عن الرجل یسکن دار الرجل فیقول صاحب الدار: اکتریها، ویقول الساکن: أسکنتنی للإکراء، ولا بینة لواحد منهما، قال (علیه السلام): «فالقول قول ربّ الدار مع یمینه، وله قیمة الکراء، وإن کان لأحدهما بینة کانت البینة أولی»((1)).

{وجواز التصرف أعمّ من الإباحة} فلا یقال: إنّ التصرف کان جائزاً فإذا شک فی الضمان وعدمه کان الأصل العدم، لما عرفت من تقدّم القاعدة.

هذا وإن قررّ نتیجة النزاع الأولی وهو أنّ التصرف کان علی وجه الضمان یأتی دور النزاع الثانی.

وهناک نزاعان:

الأول: فی کون الأجرة مساویة للمثل أم لا.

والثانی: فی کون الأجرة عیناً أو نقداً.

أمّا بالنسبة إلی النزاع الأول، فإن ادّعی المالک أجرة المثل کان له ذلک، لأنه مقتضی احترام مال الناس، وإن ادّعی الأزید لم یثبت، لأصالة عدم الزیادة، وإن ادّعی الأقل لم یکن له أکثر من ذلک لقاعدة إقرار العقلاء، ولو انعکس الأمر بأن کان مدّعی الإجارة هو

ص:255


1- الدعائم: ج2 ص77 فی ذکر الإجارات ح222

المتصرف، ومدّعیی العاریة هو المالک، فبعد سقوط الدعوی بالمتحالف کان المالک یدّعی أنه لا ضمان للمتصرف، والمتصرف یدّعی ضمانه، فاللاّزم علی کلّ منها العمل بمقتضی عقیدته، فیجب للمتصرف إیصال المال إلی المالک، کما لا یجوز للمالک أخذه، والمفروض أنّه لا یهب المالک للمتصرف حتی تبرأ ذمته، ولیس المقام من قاعدة إقرار العقلاء کما لا یخفی.

وأمّا بالنسبة إلی النزاع الثانی، فإن ادّعی المالک أنّ الأجرة عین ولیس بنقد، سواء کان فی الذمّة أو فی الخارج، کان الأصل عدمه، إذ الضمان لیس إلاّ بالنقد ولم یثبت خلافه.

کما أنه إن ادّعی أنه فی الخارج ولیس فی الذمة لم یثبت ذلک، لأنه دعوی زیادة علی أصل الضمان، فالأصل عدم ذلک.

والکلام فی المقام کثیر نکتفی منه بهذا القدر، والله العالم.

ص:256

مسألة ٣ التنازع فی قدر المستأجر

(مسألة 3): إذا تنازعا فی قدر المستأجر قدم قول مدعی الأقل.

(مسألة 3): {إذا تنازعا فی قدر المستأجر} علیه، کما لو قال صاحب الدار: أجّرتک نصف الدار، وقال المستأجر: أجّرتنی کلّ الدار، أو انعکس، بأن قال المالک: أجّرتک الکل، وقال المستأجر: استأجرت النصف، {قدّم قول مدّعی الأقل} علی ما هو المعروف بینهم، لأصالة عدم وقوع الإجارة علی الزائد المختلف فیه، فیکون القائل بالزائد مدّعیاً، والمنکر له منکراً، فیکون الحلف علیه.

هذا بناءً علی کون المعیار فی المرافعة النتیجة والغرض، وإلاّ فإن کان المعیار صورة النزاع کان اللازم التحالف، لأنّ کلّ واحد منهما یدّعی خلاف ما یدّعیه الآخر، کذا ذکره المستمسک.

لکن الإنصاف أنه لیس المقام من التحالف، وإن کان المعیار الصورة، إذ فرق بین کون العرف یری الکلامین لا یلتقیان فی جامع، کالمسألة السابقة التی أحدهما یقول: إنّه إجارة، والآخر یقول: إنه عاریة، وبین کونه یری التقاءهما فی جامع کمسألتنا، والحاصل إنّ المعیار هو رؤیة العرف لا الدقة، وإلاّ فالنزاع فی أنه باعه عبداً أو دابّة یرجع إلی الأقل والأکثر بالدقة فی ملاحظة القیمة، أو صفات الإنسان الزائدة علی الحیوان، أو ما أشبه ذلک، کما یرجع النزاع فی أنه باعه بدینار أو دینارین إلی التداعی، لأن کلّ واحد منهما یدّعی خلاف ما یدّعیه الآخر.

ثم إنّ التنازع فی قدر المستأجر علیه قد یکون مع الاتّفاق فی قدر الأجرة، کما لو قال: أجّرتک نصف الدار بمائة، فقال: بل کلّها بمائة،

ص:257

وقد یکون مع الاختلاف فی ذلک، کما لو قال المالک: أجّرتک نصف الدار بمائة، فقال: بل کلّها بخمسین.

ففی الأولی: یکون المعیار ما ذکرناه فی المسألة.

أمّا فی الثانیة: فهل هو من التداعی لرؤیة العرف ذلک، حیث إنّ القدر الجامع خفیّ، فیکون من قبیل العاریة والإجارة، أو من مسألة المدّعی والمنکر، فاللازم الذهاب إلی الأقل فی کلّ من العین والأجرة، فأصالة عدم تمام الدار یقتضی النصف، وأصالة عدم المائة یقتضی الخمسین، فاللازم أن یکون نصف الدار بخمسین.

وهذا وإن کان خلاف قول الطرفین، إلاّ أن مسائل المرافعات کثیر منها من هذا القبیل، کما تقدم مثله فی مسألة ما لو ادّعی إیجاره الدار بأکثر من أجرة المثل، وادّعی المتصرف العاریة، فإنّ الحکم بأنّه إجارة بأجرة المثل خلاف قول کلیهما.

ص:258

مسألة ٤ التنازع فی رد العین المستأجرة

(مسألة 4): إذا تنازعا فی رد العین المستأجرة قدم قول المالک.

(مسألة 4): {إذا تنازعا فی ردّ العین المستأجرة قدّم قول المالک} المنکر للردّ، بلا إشکال ولا خلاف، لأصالة عدم الردّ.

قال فی المستمسک: (وقبول دعوی الودعی الردّ لو تم لا یقتضی قیاس المقام علیه) انتهی.

وذلک لأنه ثبت بالدلیل المخالف للأصل، ولا قطع بالمناط.

والتنازع فی ردّ البعض کالتنازع فی ردّ الکل بالنسبة إلی ردّ البعض الذی ینکره المالک.

ولو سلّم کلاهما الردّ، لکن قال أحدهما: بأنّ المردود نفس العین المستأجرة، وقال الآخر: بل غیرها، ففی قبول المنکر لردّ نفس العین لأصالة عدم ردّ العین، أو قول المثبت لردّ العین لأن الأصل العقلائی یقتضی صحة الردّ إلاّ ما ثبت خلافه، کأصالة السلامة فی العین إلاّ ما ثبت خلافهما، وأیضاً لو ملک أحد الإنکار لزم هدم ما تسالما علیه حین الردّ، وهدم المستالم علیه خلاف بناء العقلاء، أو أنّ المقام من التداعی لادعاء کلّ واحد خلاف ما یدّعیه الآخر ولا جامع بینهما، أو الفرق بین المتسالم المبنی علی الموازین العقلائیة، کما إذا کان کلّ من الطرفین لدی التسلیم عارفاً بالشیء ولم تکن هناک علّة خارجیة، فالقول قول مثبت الردّ، وبین التسالم المبنی علی غیر الموازین العقلائیة، کما إذا سلّمه إلی وکیله أو سلّمه الوکیل إلیه والوکیل لا یعلم بالخصوصیات، أو کان التسلیم لیلاً فی الظلام مثلاً، فالقول قول منکر التسلیم أو التحالف، احتمالات:

والظاهر الاحتمال الرابع، لأن التسلیم والتسلّم اعتراف علمی من

ص:259

الجانبین بصحة التسلیم، وإقرار العقلاء علی أنفسهم جائزاً، لا إذا کان هناک علّة، فلیس فی الأمر إقرار عقلائی، فیکون المحکم أصالة عدم التسلیم ولیس المقام من التحالف، إذ تسلیم الشیء الأجنبی عن المعیّن لا یرتبط بالمعاملة، فلا یعارض أصل عدم تسلیمه أصل عدم تسلیمه الشیء المربوط بالمعاملة.

ومن هذه المسألة یتبین حال ما إذا ادعی المتسلم للمبیع أو المتصرف للنقد أنه لم یتسلم المبیع وإنما تسلم غیره، أو أن الذی دفعه إلیه الطرف کان أقل من النقد الذی صرفه عنده.

وکذا العکس، بأن ادعی المسلّم للمبیع بأنه مسلّم غیره، أو ادعی الطرف أنه سلّم أزید، إلی غیر ذلک من المسائل التی هی من هذا القبیل فبدون العلّة لدی التسلیم یکون المدعی هو المخالف للتسلیم، ومع العلة یکون المدعی هو الموافق للتسلیم، للأصل العقلائی فی الأول، وهو مقدم علی أصالة عدم التسلیم، وأصالة عدم التسلیم فی الثانی.

نعم، إذا لم یتسلم الطرف الشیء وادعی أنه لیس ماله، أو أنه أقل من المبلغ الذی أعطاه لیصرفه، کان المرجع أصالة العدم.

وکیف کان، فإذا حکم بأنّ المال لیس ماله، کان اللازم علی المستأجر إعطاء المثل أو القیمة، کما یلزم علی الطرف إعطاء النقیصة.

ص:260

مسألة ٥ التنازع فی التلف والتعدی وعدمهما

(مسألة 5): إذا ادعی الصائغ أو الملاح أو المکاری تلف المتاع من غیر تعدّ ولا تفریط، وأنکر المالک التلف، أو ادعی التفریط أو التعدی، قدم قولهم مع الیمین علی الأقوی.

(مسألة 5): {إذا ادعی الصائغ أو الملاح أو المکاری} أو من أشبههم من الأمناء علی أموال الناس بالأجرة {تلف المتاع من غیر تعدّ ولا تفریط، وأنکر المالک التلف، أو أدعی التعدی أو التفریط} ففی تقدیم قول المالک إلا بیمین المدعی، أو تقدیم قوله إلا ببینة المدعی قولان:

ذهب إلی الأول: المشهور قدیماً وحدیثاً، فقد حکی هذا القول فی الجواهر عن النهایة فی أول کلامه، والخلاف والمبسوط والمراسم والکافی والمهذب والوسیلة والسرائر وجامع الشرائع والتذکرة والتحریر والقواعد والإرشاد والمختلف والتنقیح وإیضاح المنافع وجامع المقاصد والروض والمسالک.

بل عن السرائر: نسبتها إلی أکثر المحصلین، بل عن الغنیة: الإجماع علیه، بل عن الخلاف: إجماع الفرقة وأخبارهم علیه، وهذا هو الذی اختاره المصنف فقال: {قدم قولهم مع الیمین علی الأقوی} واختاره من وجدته من المعلقین، کالسادة ابن العم والبروجردی والجمال والاصطهباناتی والخونساری وغیرهم.

وذهب إلی القول الثانی: المفید والمرتضی قطعاً، ونسب إلی بعض آخر، وعن المسالک: إنه المشهور.

والأقرب هو القول الأول، لجملة من الروایات، مثل:

خبر بکر بن حبیب: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أعطیت جبّة إلی

ص:261

القصّار فذهب بزعمه، قال (علیه السلام): «إن اتّهمته فاستحلفه، وإن لم تتّهمه فلیس علیه شیء»((1)).

وخبره الآخر، عنه (علیه السلام) قال: «لا یضمن القصّار إلاّ ما جنت یداه وإن اتّهمته أحلفته»((2)).

وخبر أبی بصیر المرادی، عنه (علیه السلام): «لا یضمن الصائغ ولا القصّار ولا الحائک إلاّ أن یکونوا متّهمین، فیخوّف بالبینة، ویستحلف لعلّه یستخرج منها شیئاً»((3)).

هذا بالإضافة إلی الروایات الدّالة عن أنّ الأمین لیس بضامن، وأنّ علیه الیمین.

واستدل من قال بالبینة بجملة أخری من الروایات:

کروایة الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فی الغسّال والصبّاغ ما سرق منهما من شیء فلم یخرج منه علی أمر بین أنه قد سرق، وکلّ قلیل له أو کثیر فإن فعل فلیس علیه شیء، وإن لم یقم البینة وزعم أنه قد ذهب الذی ادّعی علیه فقد ضمنه إن لم یکن له بینة علی قوله»((4)).

وعن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام): قال سألته عن قصّار دفعت إلیه ثوباً فزعم أنه سرق من بین متاعه، قال: «فعلیه أن یقیم البینة

ص:262


1- الوسائل: ج13 ص275 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح16
2- الوسائل: ج13 ص275 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح17
3- الوسائل: ج13 ص274 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح11
4- الوسائل: ج13 ص272 الباب 29 من أبواب احکام الاجارة ح3

أنه سرق من بین متاعه ولیس علیه شیء، فإن سرق متاعه کلّه فلیس علیه شیء»((1)).

وفی خبر الدعائم، عن الصادق (علیه السلام)، أنه سئل عن الحمّال یحمل مع الزیت فیقول: ذهب أو أهریق، فقال: «إنه إن شاء أخذه». وقال: إنه قال: «إنه ذهب أو أهریق أو قطع علیه الطریق فلا یصدّق إلاّ ببینة».

أقول: والظاهر أنّ الشارع أقام الشاهد مقام الحلف، وإنّما قدم الحلف لأنّه الممکن فی الغالب، إذ الشاهد قلیل فی مثل هذه الموارد، ولعلّ خبر أبی بصیر المرادی یشهد لذلک، والحاصل أنّ الحلف کاف وإن کانت البینة أیضاً کافیة.

وإنما قلنا: إنّ الشاهد قائم مقام الحلف لا العکس، لأنّ الحلف هو الوسیلة الغالبة للإثبات، وإن کان الشاهد هو الأصل فی نفسه، فتأمّل.

وعلیه فکلّ واحد من الحلف والشاهد یکفی للإثبات.

ثم إنّ هناک طوائف أخر من الروایات.

الأولی: ما دلّ علی الضمان مطلقاً، ومحملها فیما إذا تعدّی أو فرّط.

الثانیة: ما دل علی عدم الضمان مطلقاً، ومحملها ما إذا لم یتعدّ ولم یفرط، وذلک لوجود شاهد الجمع بین الطائفتین.

ص:263


1- الوسائل: ج13 ص272 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح5

الثالثة: ما دل علی تفضّل بعض الأئمة (علیهم السلام) علی الأجیر، ومحملها صورة ضمان الأجیر، فلا تدافع بین الروایات، ولا حاجة إلی حملها علی رأی العامة والتقیة کما صنعه الجواهر، کما أنّ هذه الطوائف لا تنافی الطائفتین السابقتین لأنهما فی صورة النزاع وفی عالم الإثبات، بخلاف هذه الطوائف الثلاث، فأنّها فی مقام الثبوت.

أمّا ما دلّ علی الضمان مطلقاً، فهی:

ما عن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سئل عن القصّار یفسد، فقال: «کلّ أجیر یعطی الأجرة علی أن یصلح فیفسد فهو ضامن»((1)).

وعن الکاهلی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن القصّار یسلّم إلیه الثوب واشترط علیه یعطینی فی وقت، قال: «إذا خالف وضاع الثوب بعد الوقت فهو ضامن»((2)).

وخبر إسماعیل بن أبی الصباح، قال: سألته عن الثوب أدفعه إلی القصّار فیخرقه، قال (علیه السلام): «أغرمه فإنّک دفعته إلیه یصلحه ولم تدفع إلیه لیفسده»((3)).

وخبر یونس، عن الرضا (علیه السلام)، قال: سألته عن القصّار والصائغ أیضمنون، قال: «لا یصلح إلاّ أن یضمنوا». قال: وکان یونس

ص:264


1- الوسائل: ج13 ص271 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح1
2- الوسائل: ج13 ص273 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح7
3- الوسائل: ج13 ص273 الباب 29 من أبواب احکام الإجارة ح8

یعمل به ویأخذ((1)).

وعن السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «إنّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) رفع إلیه رجل استأجر رجلاً یصلح بابه، فضرب المسمار فانصدع الباب، فضمنّه أمیر المؤمنین (علیه السلام)»((2)).

وعن أبی الصباح، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن القصّار هل علیه ضمان، فقال: «نعم کلّ من یعطی الأجر لیصلح فیفسد فهو ضامن»((3)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یعطی الثوب لیصبغه فیفسده، فقال: «کلّ عامل أعطیته أجراً علی أن یصلح فأفسد فهو ضامن»((4)).

وأمّا ما دلّ علی عدم الضمان مطلقاً:

فعن الحلبی، عن الصادق (علیه السلام)، فی حدیث سأله عن رجل استأجر أجیراً فأقعده علی متاعه فسرق، قال (علیه السلام): «هو مؤتمن»((5)).

وعن السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی حدیث: «إنّ أمیر

ص:265


1- الوسائل: ج13 ص273 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح9
2- الوسائل: ج13 ص274 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح10
3- الوسائل: ج13 ص274 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح13
4- الوسائل: ج13 ص275 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح19
5- الوسائل: ج13 ص505 الباب14من أبواب حد السرقة ح14

المؤمنین (علیه السلام) کان لا یضمن من الغرق والحرق والشیء الغالب»((1)).

وعن معاویة بن عمّار، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الصبّاغ والقصّار، فقال (علیه السلام): «لیس یضمنان»((2)).

وعن محمد بن الحسن الصفّار، قال: کتبت إلی الفقیه فی رجل دفع ثوباً إلی القصّار لیقصّره، فدفعه القصّار إلی قصّار غیره لیقصّره، فضاع الثوب، هل یجب علی القصّار أن یردّه إذا دفعه إلی غیره وإن کان القصّار مأموناً، فوقّع (علیه السلام): «هو ضامن له إلاّ أن یکون ثقة مأموناً إن شاء الله»((3)).

وهذا الخبر یشهد للجمع الذی ذکرناه بین ما دلّ علی الضمان وما دلّ علی عدم الضمان، کما یشهد لذلک أیضاً خبر أبی بصیر المرادی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا یضمن الصائغ ولا القصّار ولا الحائک إلاّ أن یکونوا متّهمین فیخوّف بالبینة، ویستحلف لعلّه یخرج منه شیئاً». وفی رجل استأجر جمّالاً فیکسر الذی یحمل أو یهریقه، فقال: «علی نحو من العامل إن کان مأموناً فلیس علیه شیء، وإن کان غیر مأمون فهو ضامن»((4)).

ص:266


1- الوسائل: ج13 ص272 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح6
2- الوسائل: ج13 ص274 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح14
3- الوسائل: ج13 ص275 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح18
4- الوسائل: ج13 ص274 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح11

وأمّا ما دلّ علی التفضّل علیه، فعن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «کان علی (علیه السلام) یضمن القصّار والصائغ، یحتاط به علی أموال الناس، وکان أبو جعفر (علیه السلام) یتفضّل علیه إذا کان مأموناً»((1)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قریب منه((2)).

وعن الفقیه، عن الصادق (علیه السلام) قال: «کان أبی (علیه السلام) یضمّن القصّار والصوّاغ ما أفسدوا، وکان علی بن الحسین (علیه السلام) یتفضّل علیهم»((3)).

وعن المقنّع، قال: «کان أبو جعفر (علیه السلام) یتفضّل علی القصّار والصائغ إذا کان مأموناً»((4)).

واللازم حمل «إذا کان مأموناً» علی صورة الأمانة غیر المنافیة للضمان.

کما أنّ الجمع بین روایتی الصادق (علیه السلام) عن أبیه (علیه السلام) أنه کان یضمن وکان لا یضمن، هو اختلاف حالات الباقر (علیه السلام) فی التضمین ف_ (کان) لا یدل علی الاستمرار، أو أنّ روایة الفقیه معناها

ص:267


1- الوسائل: ج13 ص274 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح12
2- الوسائل: ج13 ص272 الباب 29 من أبواب أحکام الإجارة ح4
3- الفقیه: ج33 ص161 ح3
4- المقنع: ص32 سطر 30

أنّ الإمام کان یحکم بالضمان، فلا ینافی عدم أخذه شخصاً لأجل التفضّل.

وهناک روایات أخر بهذه المضامین الخمسة التی ذکرناها یجدها، المتتبّع فی کتابی الوسائل والمستدرک فی باب الإجارة وغیره.

ثم إنّه لو انعکس فرض المتن، بأن قال الأجیر: بأنه تعدّی، وأنکر المالک، کان علی الأجیر الدفع، وعلی المالک أن لا یأخذه، کما أنّ الظاهر أنه إذا اشترط علی الأجیر الضمان ضمن، وإن لم یتعدّ ولم یفرط وذلک حسب الشرط.

أمّا ما دلّ علی ضمانهم وإن أقاموا البینة فاللازم حمله علی التقیة کما صنعه الجواهر، أو علی ما إذا کان هناک شرط الضمان، وهذا لیس ببعید، إذ الغالب فی المستأجر الشرط الصریح أو الضمنی، ولو بتعارف الضمان وبناء العقد علیه، والله العالم.

ص:268

مسألة ٦ کراهة تضمین الأجیر فی مورد ضمانه

(مسألة 6): یکره تضمین الأجیر فی مورد ضمانه من قیام البینة علی إتلافه أو تفریطه فی الحفظ أو تعدیه أو نکوله عن الیمین أو نحو ذلک.

(مسألة 6): {یکره تضمین الأجیر فی مورد ضمانه من قیام البینة علی إتلافه أو تفریطه فی الحفظ أو تعدیه أو نکوله عن الیمین أو نحو ذلک} مثل أن یعترف هو.

وقد سکت المعلّقون علی المتن ممّا یدل علی موافقتهم له، وفی المستمسک کما نسب إلی الأصحاب قال: وقد یشهد به خبر حذیفة:

عن الرجل یحمل المتاع بالأجر فیضیع فتطیب نفسه أن یغرّمه لأهله أیأخذونه، قال: فقال لی: «أمین هو»، قلت: نعم. قال: «فلا یأخذ منه شیئاً»((1)).

أقول: الخبر لا یدلّ علی تمام المطلوب، ولعلّ وجه الکراهة ما دلّ علی تفضّل الأئمة (علیهم السلام) علی الأجر کما تقدم بعض روایاته، فإنّ ظاهرها وإن کان استحباب التفضل، وقد ثبت أنه لا تلازم بین استحباب الفعل وکراهة الترک أو العکس، إلاّ أنّ الاستفادة العرفیة قد تکون قرینة علی طرفی الحکم.

ومنه هذا المقام، فإنّه إذا قیل للدائن اترک المدین، استفید عرفاً استحباب الترک وکراهة الأخذ، ثم إنه لا ینافی کراهة الأخذ مع ما ورد من احتیاط الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) فإنّه من باب الحکم الشرعی کما لا یخفی، کما أنّ ما ورد من أنّ الإمام الباقر (علیه السلام) کان یضمن کما

ص:269


1- الوسائل: ج12 ص279 الباب 30 من أبواب أحکام الإجارة ح12

فی روایة الفقیه إن کان معناه أخذه، ثم لا یلازم أنه (علیه السلام) کان یفعل المکروه، لما حقّق فی محله من أنّ الإمام (علیه السلام) حیث یعلم علل الکراهة والاستحباب، فإذا فعل الأول وترک الثانی کان لعدم وجود العلّة أو لمزاحمة ذلک بأمر أهم.

ص:270

مسألة ٧ التنازع فی مقدار الأجرة

(مسألة 7): إذا تنازعا فی مقدار الأجرة قدم قول المستأجر.

(مسألة 7): {إذا تنازعا فی مقدار الأجرة قدّم قول المستأجر} الذی یقول بأنّها أقل، وعن التذکرة: إنه قول علمائنا، وذلک لأصالة عدم الزائد، وقد تقدم احتمال التحالف کما تقدّم ردّه.

ولو قال المؤجر: إنّه أقل، لم یکن له حقّ فی أخذ الزائد لاعترافه بعدم استحقاقه، وإن کان المستأجر حیث یعلم أنه استأجره بأکثر یلزم علیه التخلّص من الزائد، وقد تقدم حکم اقتران هذا النزاع بنزاع فی المستأجر علیه.

ثم الظاهر أنه لا فرق بین أن یکون القدر الأقل الذی یدّعیه المستأجر مساویاً أو قریباً للمتعارف أو أقل منه بکثیر، کما إذا کانت أجرة الدار فی المتعارف مائة فادّعی المستأجر أنه استأجرها بعشرة، وکذلک عکس المسألة فی صورة إقامة البینة، کما إذا ادّعی المالک أنه استأجرها بألف فی مفروض المسألة، فإنّ صرف الاستبعاد الخارجی لا یوجب انقلاب المدّعی والمنکر ممّا هما علیه حسب الموازین الشرعیة.

لکن الظاهر أنه فی مثل هذه الموارد التی تتعارض الموازین الشرعیة مع القرائن الخارجیة المفیدة للظنّ القوی، یلزم تمسّک القاضی بما یظهر الحقّ بمختلف الوسائل، لا أنه یکتفی بالبینة والیمین، فقد ورد الذم من الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) لمن یکتفی بالبینة والیمین، وکان الإمام (علیه السلام) بنفسه یستخرج الحقّ بالوسائل المختلفة، کما یظهر لمن یراجع قضایاه.

ص:271

ثم إنه لو کان التنازع فی مدة دفع الأجرة، فقال المستأجر: کان الدفع فی أقساط، وقال المؤجر: دفعة واحدة، قدّم قول المؤجر، لأصالة عدم الشرط کما یأتی.

ص:272

مسألة ٨ التنازع فی المستأجر

(مسألة 8): إذا تنازعا فی أنه أجّره بغلاً أو حمارا، أو آجره هذا الحمار مثلاً أو ذاک، فالمرجع التحالف.

(مسألة 8): {إذا تنازعا فی أنه أجّره بغلاً أو حماراً، أو أجّره هذا الحمار مثلاً أو ذاک، فالمرجع التحالف} کما هو المشهور، وذلک لأنه لا جامع بین النزاعین حتی یکون القدر المتّفق علیه خارجاً عن النزاع، والزائد علیه مورداً لأصل العدم.

وفی الجواهر: (إنه لا خلاف فیه ولا إشکال، لکن المحکی عن الشیخ والقاضی: إنه یحلّف البائع کالاختلاف فی الثمن)، انتهی.

وذلک یظهر من أنّ الحکم کذلک فی باب الإجارة، لاتّحاد البابین من حیث المدرک، وکأنّه لأن المقصود فی الإجارة مطالبة المستأجر بما یدّعی استئجاره، والمالک ینفی ذلک، فالأصل مع البائع.

ولکن لا یخفی ما فیه، فإنّ ضابط التحالف کما یظهر من النص والفتوی: أن لا یتّفقا علی شیء بحیث لا یکون بینهما جامع عرفیّ، حتی یری العرف أنّ مدّعی هذا یخالف مدّعی ذاک، وهذا المیران منطبق علی ما نحن فیه، وقد تقدم أنّ المیزان فی الدعوی مصبّ النزاع لا مرجعه وما یؤول إلیه، إذ قوله (علیه السلام): «البینة علی المدّعی والیمین علی من أنکر»((1)) یؤول لیستفاد منه عرفاً المدّعی والمنکر لدی العرف لا الدقة العقلیة أو ما أشبه.

ثم إنّ بطلان النزاع إنّما هو إذا حلفا أو إذا سکتا فلم یحلف أی منهما، أما إذا حلف أحدهما حکم له، کما أنّ الحلف إنّما هو إذا لم یکن

ص:273


1- انظر الوسائل: ج18 ص170 الباب 3 من أبواب کیفیة الحکم ح1

بینّة وإلاّ قدّمت البینة، کما هو المیزان فی باب المنازعات.

فإذا بطلت الإجارة وکان قد استوفی المستأجر من العین أو استوفی المؤجر من الأجرة، کما إذا کانت الأجرة شاة وشرب لبنها، کان علی المستأجر أجرة المثل، وعلی المؤجر ثمن المثل، أو المثل إذا کان مثلیاً، وإنما یعطی المستأجر أجرة المثل إذا لم یکن المسمّی أقل، وإلاّ ففی وجوب إعطاء المثل أو الأقل احتمالان:

من أنّ الإجارة لمّا بطلت کان اللازم أجرة المثل، کما تقدم دلیله فی بعض المسائل السابقة.

ومن أن المالک أباح التصرف للمستأجر فی مقابل الأقل، فلا حق له فی الأکثر.

أمّا ما ذکره المستمسک: من أنّ علیه أجرتین، أجرة الحمار الذی ترک الانتفاع به بتقصیر منه حسب الإجارة، وأجرة الفرس بمقتضی أصالة عدم إجارتها إیاه((1)).

ففیه:

أولاً: إنه لیس کلّ عدم انتفاع تقصیر، بل أحیاناً یکون لأنّ المؤجر هو الذی أعطاه المرکوب، ولم یعرف المستأجر أنه خلاف ما وقعت الإجارة علیه.

وثانیاً: قد تقدم نقل لزوم الأجرتین عن بعض فی مثل المسألة،

ص:274


1- یراجع المستمسک: ج12 ص170 بتفاوت

وکذا لو اختلفا فی الأجرة أنها عشرة دراهم أو دینار،

وتقدم الإشکال فیه، فقوله: (إنّ ذلک ما تقتضیه القواعد) لم یعرف له وجه.

ثم إنه لو اختلفا فی أنه أجّره حماراً عمره سنة، أو عمره سنتین مثلاً، فهل المورد من الأقل والأکثر الموجب لأصالة عدم الزائدة، أو من المتباینین الموجب للتحالف.

الظاهر اختلاف الموارد حسب العرف، فقد یری العرف التباین بین طرفی النزاع، وقد یری العرف أنّهما اتفقا علی شیء واختلفا فی شیء، فلکل واحد حکمه، مثلاً إذا کانت الإجارة للسفاد أو الاستفادة من لبنه، والسنّ الأقل لا یسفد ولا یعطی اللبن، کان من التباین، وإن کانت الإجارة لأجل الرکوب الذی لا یختلف کثیراً باختلاف العمر یکون من الاختلاف بین الأقل والأکثر وهکذا.

{وکذا لو اختلفا فی الأجرة أنّها عشرة دراهم أو دینار} فإنّه من مورد التحالف، فإن کان قبل الاستیفاء بطلت الإجارة، وإن کان بعده کان علی المستأجر أجرة المثل أو أقل الأمرین علی ما تقدم.

لکن لا یخفی أنّ کون المورد من باب التنازع إنّما هو فیما إذا کان الدرهم فی مقابل الدینار عرفاً، أمّا إذا کان عنوانین لشیء واحد هو المقدار الخاص من المالیة کما هو المتعارف الآن، ولم یقصد الطرفان الخصوصیة لم یکن من النزاع فی شیء، مثلاً إذا أجّر الدار فی وقتنا الحاضر بمائة دینار فهم العرف المالیة، کما هو قصد الطرفین غالباً أیضاً، ولذا نری أنه لا فرق لدیهما بین أن یعطی درهماً أو دیناراً أو فلساً بقدر مائة دینار.

ص:275

ثم إنّه لو سقط النقد المذکور فی العقد عن الاعتبار، کان علیه أن یعطی من النقد الآخر، لما عرفت من أنّ العبرة المقصودة للطرفین مطلق النقد الجامع بینهما لا خصوصیة النقد، وإن زاد أو نقص لم یکن یؤثر ذلک فی زیادة الأجرة أو نقصها، بل اللازم إعطاء المقدار المذکور حین العقد، مثلاً کان کلّ دینار یعادل عشرین درهماً، ثم صار یعادل عشرة دراهم أو ثلاثین درهماً فإنّ الأجرة هی عشرون درهماً، لا أقل ولا أکثر.

نعم لو کان للنقد خصوصیة، کما لو جعل الأجرة لیرة مثلاً، وکانت اللیرة سابقاً تعادل عشرین درهماً، والآن تعادل مائة درهم، لا لتنزّل الدرهم بل لتصاعد الذهب، کان اللاّزم إعطاء اللیرة أو قیمتها لأنّها هی الأجرة المقرّرة.

وهذه المسألة سیالة فی البیع والمهر والدین وغیرها، ولو شک أنه عنوان أو مقصود بذاته ولم یکن عرف کان اللاّزم جعله مقصوداً بذاته، إذا العنوانیة خلاف الأصل کما لا یخفی.

ص:276

مسألة ٩ لو اختلفا فی الشرط الأول

(مسألة 9): إذا اختلفا فی أنه شرط أحدهما علی الآخر شرطاً أو لا، فالقول قول منکره.

(مسألة 9): {إذا اختلفا فی أنه شرط أحدهما علی الآخر شرطاً أو لا، فالقول قول منکره} لأصالة عدم الشرط.

نعم من یری أن اختلاف الخصوصیات یوجب اختلاف المتشخّص کما تقدم، یری أنّ المقام من التداعی، لکنک قد عرفت ما فیه، وکون اختلاف الشرط موجباً لاختلاف المشروط الذی مقوّم فی باب التناقض المنطقی لا یوجب السرایة إلی ما نحن فیه الذی میزانه العرف لا الدقّة العقلیة.

ثم إنه لا فرق فی الشرط بین أن یکون مقوّماً أم لا.

فمن الأول: ما إذا ادّعی المستأجر أنه شرط علی المؤجر تسلمیه داراً ثانیة إلی جانب الدار المستأجرة تسلیماً مجاناً، فإنه مقوّم عرفاً، لرجوع ذلک إلی أنه استأجر دارین بأجرة واحدة.

ومن الثانی: ما إذا ادّعی أنه شرط علی المؤجر بتلوین الدار أو مدّ الکهرباء لها مثلاً.

وإنما قلنا بعدم الفرق لأنّ الشرط عرفاً أمر زائد علی الأصل المتّفق علیه، فلا یوجب اختلافاً فی أصل العین المستأجرة.

ثم إنّه لو اتّفقا فی أصل الشرط واختلفا فی بعض خصوصیاته، مثلاً قال أحدهما: إنّ الشرط کان تلوین الدار بلون أحمر، وقال الآخر: بل بلون أخضر، فهذا نزاع فی الشرط، فإن کان هناک قدر متّفق علیه حلف منکر الزائد، وإلاّ تحالفا وسقط الشرط، وسقط بمقداره من الأجرة، فإنّ

ص:277

للشرط قسطاً من الأجرة بالنسبة، فإذا کانت أجرة الدار مع الشرط مائة، وبدون الشرط خمسین، کان اللازم دفعه هو نصف الأجرة.

هذا إذا لم یکن الشرط المختلف فیه یزید وینقص، کما إذا کان اللونان لهما قیمة واحدة، أمّا إذا زاد ونقص کأن تکون قیمة الشرط الذی یقوله المالک عشرة، وقیمة الشرط الذی یقوله المستأجر عشرین، أشکل الأمر.

نعم للشارط إذا لم یف الطرف بشرطه أن یفسخ الإجارة بمقتضی الشرط بینه وبین الله، ویرتّب علی ذلک الأحکام المرتبطة بفسخ الإجارة، فتأمّل.

ص:278

مسألة ١٠ التنازع فی المدة

(مسألة 10): إذا اختلفا فی المدة أنها شهر أو شهران مثلاً، فالقول قول منکر الأزید.

(مسألة 10): {إذا اختلفا فی المدة أنها شهر أو شهران مثلاً، فالقول قول منکر الأزید} کما عن جماعة، لأنّهما متّفقان فی الأقل، مختلفان فی الأزید، فالأصل مع منکر الزیادة، ومعه لا مجال للقرعة، کما عن الشیخ، لکن نوقش فی نسبة القول إلیه.

ثم إنّه لا فرق بین کون مدّعی زیادة المدة المؤجر أو المستأجر، ولو کانت المدة المختلف فیها دائرة بین متباینین، کما إذا قال: أجّرتک شهر رمضان، فقال: بل أجّرتنی شهر شوال، کان من التحالف، لأنه لا جامع بینهما، وکون أصل الإجارة جامعاً لا یکفی بعد رؤیة العرف التبایین بین الإجارة فی شهر رمضان مع الإجارة فی شهر شوال.

نعم إذا کانت الإجارة فی شهر تباین الإجارة فی شهرین عرفاً، مثلاً کانت إجارة الدابّة فی شهرین یکفی لسفر الحج، بینما إجارتها شهراً لا یکفی لذلک ولا لشیء آخر مثلا، یکون المقام من التحالف، فتأمل.

ولو اختلفا فی کون المستأجر لنفسه أو وکیل عن آخر فیما تبین أنه عزله عزلاً یکون معه إجارته فضولیة، یکون القول قول من یقول: إنه لنفسه، لأصالة عدم الوکالة.

ولو اختلفا فی المؤجر أو المستأجر، مثلاً قال صاحب الدار: إنه أجّرها لزید، فقال زید: بل إنّه اجّرها لعمرو، یکون قول النافی مقدمّاً، لأصالة عدم الإجارة، کما أنّ عمرو لا یلزم بذلک إذا نفاه عن نفسه، والعلم الإجمالی بأنّ الإجارة وقعت مع أحدهما لا ینفع فی المقام، کما ذکروا مثله فی واجدی المنی.

ص:279

ثم إنّ المالک یأخذ الدار لنفسه إمّا من باب الفسخ، حیث إنّه له ذلک إذا لم یستعد المستأجر تسلیم الثمن إلیه، وإمّا من باب التقاص، ولکن إذا کانت الأجرة المسمّاة أقل من المثل حینئذ یکون الزائد للمستأجر.

ومثل الاختلاف فی المستأجر الاختلاف فی المؤجر، کما لو قال: إنّک أجّرتنی دارک فقال: بل أجّرک زیده داره.

ولو اختلفا فی أنّ الدار التی أجّرها ولایة علی الصبی أو المجنون هل کانت فی زمان الصبی أو الجنون، أو فی زمان البلوغ والعقل، کان الأصل الموضوعی بقاء الولایة التابعة لأصالة بقاء الجنون والصبی، والمسألة من باب الحادثین، فیأتی هنا ما ذکروه فی مسألة الجهل بالتاریخ وغیره.

ولو اختلفا فی أنّ مصبّ الإجارة کان أمرین مثل کتابین، أو أمراً واحداً، فإن کان أحد الأمرین محرزاً والآخر مشکوکاً فیه، کان الأصل عدم صبّ الإجارة علی الأمر المشکوک فیه.

أمّا إذا کان الشک فیهما، فإن قلنا بصحة إجارة الواحد المردّد کانت المسألة من الأقل والأکثر، وإلاّ بطلت الإجارة، لأنّه من المتباینین، فبعد التحالف یحکم ببطلانها.

ولو اختلفا فی أنّ الربیع الذی کان مبدأ الإجارة هل هو الربیع الأول أو الثانی، کان الأصل مع من یقول بأنه الثانی، لأصالة عدم دخول الربیع الأول فی الإجارة.

ولو انعکس بأن کان الاختلاف فی الربیع الذی هو منتهی الإجارة، کان الأصل مع من یدّعی أنه الأول، لأصالة عدم تعلّق الإجارة بالربیع الثانی.

ص:280

ولو کان الاختلاف فی أنّ الربیع الذی هو المبدأ أو المنتهی هل هو شهر الربیع أو فصل الربیع، کان الأصل مع من یدّعی المتأخر فی المبدأ، ومع من یدّعی المتقدم فی المنتهی.

ولو اختلفا فی أنّ الشهر الذی هو متعلّق الإجارة هل هو هلالی حتی یکون تسعة وعشرین یوماً، أو عددیّ حتی یکون ثلاثین یوماً، کان الأصل مع من یدّعی الهلالیة، لأصالة عدم دخول یوم الثلاثین فی الإجارة.

ولو اختلفا فی أن الإجارة هل وقعت علی کلّی، کإجارة دار موصوفة بصفات خاصة، أو علی شخصی کإجارة هذه الدار، فهل المقام من التحالف لرؤیة العرف أنه من التردّد بین المتباینین، أو مع منکر الخصوصیة، حیث إنّ أصل الدار متّفق علیه، وإنما الاختلاف فی الخصوصیة الزائدة، احتمالان، لعلّه تختلف الموارد، ففی مثل الدار یری العرف أنه من المتباینین، وفی مثل المصباح یری العرف أنه من الأقل والأکثر.

ولو اختلفا فی أنّ أول الإجارة للدار فیما إذا کانت الإجارة لمدة سنة، هل هو شهر محرّم الحرام حتی یکون الانقصاء بأول محرّم، أو کان صفر حتی یکون الانقصاء بأول صفر، فالظاهر أنه راجع إلی أن شهر محرّم الثانی داخل فی الإجارة أم لا، ممّا یقتضی کون الأصل عدم دخوله إذا حدث الخلاف فی أول محرّم الثانی.

أمّا إذا کان الخلاف فی أول محرّم الأول کان الأصل عدم دخوله، فیکون منتهاها إلی أول صفر الثانی.

ثم إنک قد عرفت: أنّ المستأجر أمین لا

ص:281

یضمن التلف إلاّ بالتعدّی والتفریط، فلو تحقّق تفریطه فاختلفا فی القیمة، فقال المؤجّر: إن قیمته کانت ألفاً، وقال المستأجر: بل تسعمائة، فالأصل مع المستأجر.

وفی المقام فروع کثیرة نکتفی بهذا القدر.

ص:282

مسألة ١١ التنازع فی الصحة والفساد

(مسألة 11): إذا اختلفا فی الصحة والفساد، قدم قول من یدعی الصحة.

(مسألة 11): {إذا اختلفا فی الصحة والفساد، قدّم قول من یدّعی الصحة}، وفی المستمسک عن الکفایة: إنه المعروف بین الأصحاب لاستقرار سیرة العقلاء والمتشرعّة علی حمل الفعل الصادر المحتمل الصحة والفساد علی الصحة، ولا یختص ذلک بفعل المسلم، بل یطّرد ذلک فی فعل کلّ عاقل((1)).

وربّما فرق بین کون الخلاف فی الصحة من جهة کون مجری الصیغة مالکاً عاقلاً بالغاً، فلا تجری أصالة الصحة، وبین کون الخلاف فی سائر الشرائط فتجری أصالة الصحة، نظراً إلی أنّ السیرة کالإجماع لبیّة، فاللاّزم الأخذ بالقدر المتیقن.

وفیه: إنّ السیرة جاریة فی الکل، وبذلک یخصّص أصل عدم النقل کسائر الأدلة الاجتهادیة الواردة علی الأصول العملیة، فإذا ادّعی أحدهما: إنه حین إجراء العقد لم یکن بالغاً أو عاقلاً أو مالکاً بأن کان فضولیاً، أو لم یکن عالماً بالعین أو العوض، أو قدّم القبول أو ما أشبه ممّا یوجب البطلان، وأنکر الآخر، کان الأصل مع مدّعی الصحة، فیحلف، إلاّ إذا أقام مدّعی الفساد البینة.

ثم إنه قد استدل لأصالة الصحة بالأدلة الأربعة:

أمّا من الکتاب، فبقوله تعالی: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾((2))، بناءً

ص:283


1- مستمسک العروة الوثقی: ج12 ص172
2- سورة البقرة: الآیة 83

علی تفسیره بما فی الکافی من قوله: «لا تقولوا إلاّ خیراً حتی تعلموا ما هو»((1)).

وقوله تعالی: ﴿اجْتَنِبُوا کَثیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾((2))، فإن ظنّ السوء إثم، وإلاّ لم یکن شیء من الظنّ إثماً.

وقوله تعالی: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾((3))، بناءً علی أنّ الخارج من عمومه لیس إلاّ ما علم فساده لأنّه المتیقن.

وقوله تعالی: ﴿إلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ﴾((4)).

وأمّا من السنة فروایات، مثل ما فی الکافی عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «ضع أمر أخیک علی أحسنه، حتی یأتیک ما یقلبک عنه، ولا تظنّن بکلمة خرجت من أخیک سوءاً وأنت تجد لها فی الخیر محملاً»((5)).

وقول الصادق (علیه السلام): «کذّب سمعک وبصرک عن أخیک_ فإن شهد عندک خمسون قسامة أنه قال قولاً، وقال لم أقله فصدّقه وکذبهم»((6)).

ص:284


1- تفسیر البرهان: ج1 ص120 ح3
2- سورة الحجرات: الآیة 12
3- سورة المائدة: الآیة 1
4- سورة النساء: الآیة 29
5- الکافی: ج2 ص362
6- الکافی: ج8 ص147 ح25

وقوله (علیه السلام): «إنّ المؤمن لا یتّهم أخاه، وإنه إذا اتّهم أخاه انماث الإیمان فی قلبه کانمیاث الملح فی الماء»((1))، إلی غیرها.

ومن الإجماع، یکفی أنه لا خلاف بینهم یعرف، حتی أنه ربّما خالف فی بعض جزئیات المسألة بعض الفقهاء کالمحقّق الثانی، لکنه رجع وأفتی بالصحة أیضاً.

ومن العقل، أنه لو بنی علی الفساد لزم الهرج والمرج، لأنه یشک کثیراً فی صحة المعاملات السابقة.

هذا بالإضافة إلی جریان أصل الصحة فی العبادات والأحکام بلا إشکال.

قال (علیه السلام): «ما مضی من صلاتک وطهورک فامضه کما هو»((2)).

ولا إشکال فی أنّ القاضی إذا حکم ثم شک فی حکمه، أو أجری الوالی حدّاً أو تعزیراً أو قصاصاً ثم شک یبقی ما حکم منفّذاً.

وهذا کله مؤید لکون الحکم کذلک فی باب المعاملات، والعمدة فی المقام السیرة القطعیة بحیث إنه لو لم یعمل بها لم یعمل بسیرة أصلاً، لأنّها من أقواها کما لا یخفی، والمسألة مفصّلة مذکورة فی رسائل شیخنا المرتضی (قدّس الله سرّه) فراجعه.

ص:285


1- الکافی: ج2 ص361 ح1
2- الوسائل: ج1 ص331 الباب 42 من أبواب الوضوء ح6

مسألة ١٢ التنازع فی البلد المقصد

(مسألة 12): إذا حمل الموجر متاعه إلی بلد، فقال المستأجر: استأجرتک علی أن تحمله إلی البلد الفلانی غیر ذلک البلد، وتنازعا، قدم قول المستأجر فلا یستحق المؤجر أجرة حمله.

(مسألة 12): {إذا حمل المؤجر} نفسه {متاعه إلی بلد} أو مکان فی نفس البلد {فقال المستأجر: استأجرتک علی أن تحمله إلی البلد الفلانی غیر ذلک البلد} الذی حملت المتاع إلیه، أو غیر ذلک المکان، {وتنازعا، قدّم قول المستأجر} بیمینه إذا لم تکن للمؤجر بینة {فلا یستحقّ المؤجر أجرة حمله} لأصالة عدم وقوع الإجارة علی ما ادّعاه الأجیر، فلا یستحق الأجرة علی عمله، کذا علّله فی المستمسک.

ولا یعارض ذلک بأصالة عدم وقوع الإجارة علی ما ادّعاه المستأجر، لأنّ الأجیر هو الذی یطالب بحقّه، أمّا المستأجر فلا یرید شیئاً إلاّ نفی دعوی الأجیر، فینطبق علیهما میزان المدّعی والمنکر، فالأجیر إن ترک ترک، بخلاف المستأجر فإنّه إن ترک لم یترک.

هذا ولکن السید البروجردی قال فی تعلیقه: بل یتحالفان، فإنّ المالک مضافاً إلی نفیه استحقاق الأجیر أجرة حمله إلی هذا البلد یدّعی علیه حمله إلی البلد الفلانی وهو ینکره.

وفرّق السید الحکیم بین صورتی المسألة فقال: (للمسألة صورتان.

الأولی: أن یکون کلّ واحد من المتعاقدین فی مقام مطالبة صاحبه بحقّ، بأن یکون المستأجر فی مقام مطالبة الأجیر لعمل المستأجر علیه حسبما یدّعی، والأجیر فی مقام مطالبة المستأجر بالأجرة، لأنه یدّعی وقوع العمل المستأجر علیه، وفی هذه الصورة هما متداعیان یدّعی کلّ

ص:286

منهما شیئاً علی خلاف الأصل وینکره الآخر فیتحالفان.

الثانیة: أن یکون أحدهما مطالباً لصاحبه بشیء، دون صاحبه فلا یطالبه بشیء، وفی الصورة یکون المطالب مدّعیاً وصاحبه منکراً، فیقدّم قوله بیمینه، کما إذا انتهت مدة الإجارة فبطلت أو تعذّر العمل المستأجر علیه لعجز عقلی أو شرعی)، انتهی.

أقول: والظاهر ما ذکره السید البروجردی، لأنّ المعیار فی التحالف صورة الدعوی، فهما متداعیان لتباین الدعوتین عرفاً، فإنّ المالک یدّعی استحقاقه علی الأجیر نقل المتاع إلی البصرة مثلاً، والأجیر یدّعی استحقاقه الأجرة لنقله المتاع إلی بغداد، فکلّ واحد یدّعی ما ینکره الآخر، أمّا جریان أصالة العدم فی طرف المستأجر فقط فلا وجه له، بل الأصالة جاریة فیهما.

کما أنّ تفصیل السید الحکیم لا یخلو من تأمّل، إذ فی ما کانت صورة الدعوی متخالفة یکون مورد التداعی، سواء کانت لدعوی أحدهما الآن نتیجة أم لا، بخلاف ما إذا کانت صورة الدعوی إیجاباً وسلباً، فإنّ المورد من المدّعی والمنکر، وإن کانت لدعوی کلیهما نتیجة.

فإذا ادّعت امرأة أنّ زوجها أفضاها قبل البلوغ، وأنکر الرجل، کان لکلّ من الدعوی والإنکار نتیجة، إذ لازم الدعوی استحقاق النفقة الدائمة علی الزوج، ولازم الإنکار استحقاق الطاعة علی الزوجة، ومع ذلک فالأمر من الادّعاء والإنکار لا من التداعی.

ولو قال لمولی الأمتین: زوّجتنی أمتک هنداً، فقال: بل أمتی

ص:287

وإن طلب منه الرد إلی المکان الأول

رقیة، کان من التداعی، وإن لم یکن لإحدی الدعوتین أثر، کما لو کانت رقیة میتّة، بعد أن لم یکن أثر علی تقدیر کونها هی المزوّجة.

هذا ثم إنّه لو کان مفروض مسألة المتن نزاعاً فی حال عدم النقل، فهذا یطالب بنقله إلی البلد الفلانی والثانی یرید نقله إلی بلد آخر، فلا إشکال أنه من التداعی.

ثم إنه هل الحکم کما ذکر فیما إذا کان أحد البلدین فی طریق البلد الآخر، أم لا، بل إنّه من النزاع فی الأقل والأکثر، کما إذا کان البلدان فی خطّ واحد، لکن أحدهما بعد فرسخ والثانی بعد فرسخین، الظاهر أنه من المدّعی والمنکر، إذ یتّفقان علی لزوم سیر فرسخ، وإنّما الخلاف فی الفرسخ الثانی، حیث یثبته المالک وینکره الأجیر، فالأصل مع الأجیر.

ثم إنّ مثل النزاع فی مسألة الحمل سائر النزاعات التی هی من هذا القبیل، کما إذا قال المؤجر: استأجرتک لکتابة هذا الموضوع، أو خیاطة هذا الثوب، أو نجارة هذا الباب، أو حدادة هذا القفل، أو تدریس هذا الکتاب أو ما أشبه، فقال الأجیر: بل غیره.

وکذا إذا کان بین الأمرین المختلف فیهما عموم من وجه، إذ لا یکفی وجود مورد الاتفاق فی الجملة، بل اللازم أن لا یکون من أحدهما ادّعاء أصلاً، فإذا کان من أحدهما ادّعاء سواء کان علی نحو التباین أو العموم من وجه کان من مورد التحالف.

{وإن طلب} المالک {منه} أی من الأجیر {الردّ إلی المکان الأول} بعد أن تقدّمت دعواه علی دعوی الأجیر، أو قلنا: إنّه من

ص:288

وجب علیه،

الادّعاء والإنکار، وقدّم قول المستأجر {وجب علیه} بلا إشکال، بل لم أجد فیه خلافاً، وذلک یکفی فی قطع أصالة عدم الوجوب علی الأجیر، کما أنه کذلک بالنسبة إلی الغاصب الذی نقل المتاع إلی محل آخر غیر محلّه الأول.

ویستدل له أیضاً، بالإضافة إلی ذلک، بقوله (علیه السلام): «لا یتوی حقّ امرئ مسلم»((1)).

وقوله (علیه السلام): «کلّ مغصوب مردود»((2)).

وقوله (صلی الله علیه وآله): «علی الید ما أخذت حتی تؤدّیه»((3)).

وقوله (علیه السلام): «من نال من رجل شیئاً من عرض أو مال وجب علیه الاستحلال من ذلک والتنصل من کلّ ما کان منه إلیه»((4)).

وقوله (صلی الله علیه وآله): «من أخذ عصی من أخیه فیردّها».

إلی غیرها من الروایات المذکورة فی کتاب الغصب.

وتقریب الاستدلال أنّ کون مال الإنسان فی المکان الذی وضعه هو حقّاً من حقوقه فلا یتوی، والردّ لا یکون إلاّ بردّه إلی المکان الذی أخذ منه، نعم لو رضی المالک بأن یردّه فی غیر ذلک المکان، کما إذا کان المالک

ص:289


1- المستدرک: ج3 ص215 باب نوادر الشهادات ح5
2- الجواهر: ج37 ص58
3- المستدرک: ج2 ص504 الباب 1 من أبواب الودیعة ح12
4- الدعائم: ج2 ص485

ولیس له رده إلیه إذا لم یرض ویضمن

فی مکان نقل إلیه الشیء صدق أنه ردّه.

ومنه یظهر الاستدلال بقوله (صلی الله علیه وآله): «حتی یؤدّیه»، فإنّ الأداء الکامل لا یکون إلاّ بردّه إلی المکان المأخوذ منه، کما أنّ قوله: (والتنصل من کل ما کان منه) یتوقف صدقه علی إرجاعه إلی مکانه، وکذلک قوله (صلی الله علیه وآله): «فلیردّها»، وهذا هو السرّ فیما ذکره المستمسک بقوله: لا یبعد أن یکون ذلک من الأحکام العرفیة للضمان.

نعم لو کان المالک تنازل عن مکان الأخذ لمحذور فی ذلک المکان، کما إذا غصبه عنه مثلاً فی البحر أو فی وسط صحراء، فإنّه لا یجوز للآخذ ردّ المال إلی ذلک المکان، لأنه تصرّف فی المال لا یرضی به صاحبه، کما أنّه إن قال للحمّال: لا تنقل المال إلی مکان آخر، بعد أن نقله إلی ذلک المکان بدون إذن المالک، لم یکن للحمّال المخالفة ونقله إلی مکانه الأول، لأنه تصرّف فی ماله بغیر إذنه فلا یجوز.

ولا یخفی أنّ کثیراً من الفروع المذکورة فی باب الغصب آتیة هنا لوحدة الملاک فیهما.

ثم إذا تحالفا کان الأصل عدم ضمان المالک بشیء، لأصالة عدم الضمان المقدمة علی قاعدة احترام عمل الحمّال، لما سبق فی بعض المسائل من أنّ الاحترام إنّما یکون إذا لم یهدر هو حرمته، والمقام من ذلک بعد أن لم یثبت أنّ المالک قال له بالحمل إلی ذلک المکان.

فلا یقال: کیف یقدّم الأصل علی القاعدة، مع أنّ القاعدة دلیل اجتهادی ومرتبته مقدّمة علی الأصل العملی.

وممّا تقدم تعرف وجه قوله {ولیس له ردّه إلیه إذا لم یرض ویضمن

ص:290

له إن تلف أو عاب لعدم کونه أمیناً حینئذ فی ظاهر الشرع.

له إن تلف أو عاب} فی هذا الردّ، بل وفی النقل السابق بعد أن لم تثبت الإجارة {لعدم کونه أمیناً حینئذ فی ظاهر الشرع} إذ لیست أمانة مالکیة ولا أمانة شرعیة فیشمله أدلة الضمان.

ثم إنّه فی مورد کون المکانین أحدهما فی طریق الآخر _ ممّا قلنا بأنّه من الدعوی بین الأقل والأکثر حیث کان الأصل عدم الزائد الذی یدّعیه المالک _ تکون الإجارة بالنسبة إلی المقدار الأقل محقّقة بجمیع لوازمها.

ثم إنّه إن ردّ الحمّال المتاع إلی مکانه الأول فی صورة التداعی بدون إذن المالک لم یکن علیه شیء غیر الإثم ظاهراً، وهل للمالک الحقّ فی أن یقول له: ارجع المال إلی المکان المنقول إلیه أم لا، احتمالان، من أنّ نقله الثانی یبطل نقله الأول، فکأنه لم ینقله أصلاً، ومن أنّ کون المال فی المکان الثانی صار حقّاً للمالک فله أن یطالبه بنقله إلیه ثانیاً.

ثم إنّه لو اختلفا فی أنه هل کانت الإجارة إلی المکان الأبعد أو الأقرب، فقال الحمّال: إلی المکان الأبعد، وکان الأصل مع المالک الذی حلف، لزم علی الحمّال أن یرجع المال إلی المکان الأقرب، وفاءً بالإجارة إن بقی الوقت، وإن لم یبق الوقت لم تکن له أجرة لا المسمّی لأنه لم یفعل بمقتضی الإجارة، ولا المثل لأنّ عمله غیر محترم بمقتضی ظاهر الشرع.

ثم إنّه لو اختلفا فی المحل المنقول إلیه وقد نقل إلی مکان ثالث، کان اللازم علیه إرجاعه إلی المکان الأول إن تحالفا، وإلی المکان الذی یقوله المالک أو یقوله هو إن کان الحکم له.

فرع:

لو استأجره لینقل متاعه إلی العراق مثلاً، أو إلی کربلاء، فإن

ص:291

کان هناک انصراف إلی وسط المدینة أو محل السیارات أو مکان خاص فی المدینة، وکذلک إن کان هناک انصراف من العراق إلی أول العراق أو وسطه أو ما أشبه، فالمتّبع هو المنصرف إلیه، وإن لم یکن هناک انصراف کان الوفاء بنقله إلی أول القطر أو أول البلد للصدق، وما ورد من أنه یبلغه إلی أشهر المواضع المعروفة محمول علی ما إذا کان هناک انصراف.

فعن الدعائم، عن الصادق (علیه السلام): إنه سئل عن الرجل یکتری من المکاری إلی العراق، أو إلی خراسان، أو إلی أفریقیة، أو إلی أندلس، أو مثل هذا، یسمّی البلد، ولا یذکر الموضع منه الذی ینتهی إلیه، قال: «یبلغه أشهر المواضع المعروفة من هذا البلد، کبغداد من العراق، أو القیروان من الأفریقیة، ونیسابور من خراسان»((1)).

ثم إنّهما لو اختلفا فی المبدأ، فقال أحدهما: من وسط کربلاء إلی النجف، وقال الآخر: بل من آخر کربلاء، کان الأصل مع من یدّعی بأنه من آخر کربلاء، لأصالة عدم الزائد.

ولو کان الاختلاف فی المنتهی، وهو أنه هل إلی وسط النجف أو إلی آخر النجف کان الأصل مع من یدّعی إلی وسط النجف، لأصالة عدم الزائد أیضاً.

ولو اختلفا فی تعیین المکان المبدأ أو المنتهی، وفی إطلاقه، کان الأصل مع من یدّعی الإطلاق، لأنّ التعیین قید زائد، فالأصل عدمه.

ص:292


1- المستدرک: ج2 ص510 الباب 19 من نوادر الإجارة ح13

ولو اختلفا فی أنّ النقل کان بالجوّ أو البرّ أو البحر مثلاً، کان من التحالف، لتباین الدعوتین.

وکذلک لو کان الاختلاف فی وسیلة النقل، هل هی عربیة أو سیارة، لزم التحالف.

ولو تنازعا فی أنه هل عین علی الأجیر أن یکون هو القائم بالعمل أم لا، کان الأصل مع من یقول بعدم تعیین القائم بالعمل.

ولو کان الاختلاف فی الشخص، بأن قال المستأجر: أردت منک أن تستعمل زیداً فی بناء داری، فقال المقاول: بل جرت الإجارة علی استعمال عمرو، کان من التحالف.

وفی المقام فروع کثیرة نکتفی منها بهذا القدر، والله العالم.

ص:293

مسألة ١٣ التنازع فی العمل المستأجر علیه

(مسألة 13): إذا خاط ثوبه قباءً وادعی المستأجر أنه أمره بأن یخیطه قمیصاً، فالأقوی تقدیم قول المستأجر لأصالة عدم الإذن فی خیاطته قباءً

(مسألة 13): {إذا خاط ثوبه قباءً} مدّعیاً بأنّ متعلق الإجارة کان القباء {وادّعی المستأجر أنه أمره بأن یخیطه قمیصاً، فالأقوی} أنّ المقام من التحالف، لأنّ کلّ واحد منهما یدّعی شیئاً خلاف دعوی الآخر، وقد تقدّم أنّ المعیار فی التحالف صورة النزاع لدی العرف، ومن المعلوم أنّ صورة النزاع تباین الدعوتین مهما کانت النتائج، وذهب إلی هذا القول السید البروجردی فی تعلیقته هذا.

وقد اختلفوا فی المسألة إلی أربعة أقوال:

الأول: ما اختاره المصنّف تبعاً لغیر واحد من {تقدیم قول المستأجر، لأصالة عدم الإذن فی خیاطته قباءً}، فهو منکر فعلیه الحلف، وهذا القول ذهب إلیه الفاضلان والشهیدان والمحقّق الثانی وغیرهم، بل ربّما نسب إلی المشهور، وقد وافق المتن علی هذا القول أکثر المعلّقین.

الثانی: ما عن التذکرة، ورأی قواه الخلاف، إن القول قول لخیاط، واستدل له الثانی بأنّ الخیاط غارم وأنّ ربّ الثوب یدّعی علیه قطعاً لم یأمره به، فیلزمه بذلک ضمان الثوب، فکان علیه البینة فإذا فقدها وجب علی الخیاط الیمین.

أقول: ویشهد لهذا القول روایة الدعائم، عن الصادق (علیه السلام) أنّه قال: «إذا دفع رجل إلی خیاط ثوباً فخاطه قباءً، قال ربّ

ص:294

الثوب: إنّما أمرتک أن تخیط قمیصاً، وقال: الخیاط بل أمرتنی أن أخیطه قباءً، ولا بینة بینهما، فالقول قول الخیاط مع یمینه»((1)).

وحیث إنّ الروایة ضعیفة السند ولم یوجد عامل بها، حتی أنّ التذکرة لم یستند إلیها، فعلمها موکول إلی أهلها.

أمّا ما استدل به الشیخ، ففیه ما لا یخفی، إذ مطالبة المالک للعامل بضمان الثوب لا توجب کون المالک مدّعیاً، لأنّ ذلک من آثار عدم الإذن فی قطع الثوب قباءً، فإذا جری کفی فی ترتیب استحقاق الأرش، فیکون قوله موافقاً للأصل أیضاً، فیکون منکراً مدّعیاً، کذا فی المستمسک، بالإضافة إلی أنه ربّما لا یکون علیه ضمان فیما إذا لم یکن للقطع أرش، بأن لم یکن القطع نزّل من قیمة القماش.

الثالث: التفصیل بین ما إذا لم یدّع المالک الأرش فالقول قوله، وبین ما إذا ادّعی الأرش فالتحالف، لأنّ المالک یدّعی الأرش، والعامل یدّعی الأجرة.

وحکی هذا القول عن احتمال التذکرة ومجمع البرهان، وفیه ما تقدم من عدم الفرق بین دعوی المالک الأرش وعدمها، إذ لا یغیر ذلک من أصالة عدم إذنه، هذا مضافاً إلی أنّ توجیه التحالف بما ذکر لا وجه له، بل وجه التحالف ما ذکرناه من اختلاف الدعوتین الذی هو میزان التحالف، لأنّ کلاّ منهما مدّع ومنکر حسب ما یفهم العرف من ظاهر النزاع.

ص:295


1- المستدرک: ج2 ص510 الباب 19 من نوادر الإجارة ح15

وعلی هذا فیضمن له عوض النقص الحاصل من ذلک

الرابع: ما اختاره السید الحکیم، من التفصیل بین ما إذا قلنا بأنّ المعیار صورة الدعوی فالتحالف، وبین ما إذا کان مآل الدعوی فکما ذکره المصنّف، لکنّه رجّح الثانی کما یظهر من شرحه، فراجع.

ثم إنّ السید البروجردی فرّق بین عنوان المتن فجعله من التحالف، وبین عنوان الفقهاء فجعله من تقدیم قول المالک، قال: (هذا الفرع مذکور فی کتب الخاصة والعامة هکذا، إذا خاط ثوبه قباء فقال المالک: أمرتک بأن تخیطه قمیصاً، وقال الخیاط: بل أمرتنی بخیاطته قباء، فعلیه یکون الأقوی تقدیم قول المالک، لأن دعوی المالک علی الخیاط غیر ملزمة، فتبقی دعوی الخیاط علی المالک إذنه فیما فعله، فالقول فیها قول المالک، وأمّا علی ما قرّره الماتن فالمرجع فیه هو التحالف)، انتهی.

وما ذکره عنوان الشرائع والجواهر وغیرهما.

لکن الظاهر عدم الفرق، لأنّ صورة النزاع واحدة، وهما دعوتان متقابلتان فالمرجع التحالف فی کلتا الصورتین، ولذا قال المستمسک: (إنّه لا فرق بین أن یکون فرض المسألة من باب الإجارة کما هو ظاهر المتن، وأن یکون من باب الأمر بالعمل علی وجه الجعالة کما هو ظاهر فرض الأصحاب للمسألة).

{وعلی هذا} الذی ذکرناه من تقدیم قول المستأجر، أو إذا قدّم قول المستأجر علی باقی الأقوال لوجود بینة أو حلف أو ما أشبه، {فیضمن} الأجیر {لو عرض النقص الحاصل من ذلک} العمل أی

ص:296

ولا یجوز له نقضه إذا کان الخیط للمستأجر وإن کان له کان له،

القص والخیاطة، لأنه حصل بفعله غیر المأذون فیه، فیدخل فی عموم «من أفسد»، «من أتلف» وما أشبههما من الأدلّة.

وإذا حصلت زیادة فالظاهر أنه شریک للمالک، کما إذا کان القماش قبل الخیاطة قباءً یساوی عشرة، وبعد الخیاطة صارت قیمته عشرین، وعدم رضایة المالک بذلک لا یوجب عدم کون فائدة العمل للعامل، کما ذکروا مثله فی باب الغصب، وعدم رغبة المالک فی ذلک إنّما هو مثل عدم رغبته فی ما إذا خلط الغاصب لبن المالک بالدبس فی کونه موجباً للشراکة القهریة.

وإذا سقطت قیمة المخیط من حیث کونه قماشاً وحدثت له قیمة جدیدة من حیث کونه مخیطاً، فالقیمة الجدیدة کلّها للخیاط، وإنّما یطلب صاحب القماش من الخیاط القیمة التی أسقطها بفعله.

{ولا یجوز له نقضه إذا کان الخیط للمستأجر} أو کان الخیط من المباحات أو لمالک آخر وأضرّ ببقائه فی القماش، وذلک لعدم جواز التصرف فی مال الغیر إلاّ بإذنه، وإذا کان الخیط مباحاً لم یکن له ذلک أیضاً، لأنه تصرّف فی المقاش.

{وإن کان} الخیط {له} أی للخیاط {کان له} نقضه لأنه ماله، فیکون تحت سلطته، قال فی الجواهر: (ولو کانت الخیوط للخیاط کان له أخذها لقاعدة: الناس مسلّطون علی أموالهم((1))، وعدوانیته بظاهر الشرع لا تسقط حرمة ماله، واعترافه أنها ملک للمالک تبعاً للعمل الذی

ص:297


1- بحار الأنوار: ج2 ص273

قد ادّعی أنه قد استأجرها لا ینافی استحقاق أخذها، ولو علی جهة المقاصّة أو لانفساخ العقد بتعذّر دفع الأجرة)، انتهی.

وعلّله فی المستمسک بما حاصله: إنّ الوجود القائم بعینین لمالکین یکون تحت تصرّفهما، فإن رضی أحدهما کان تحت سلطة مطلقة للآخر، وإن لم یرض خرج عن سلطة الآخر أیضاً، مثلاً العقد القائم بالعوضین إن أوجب البائع کان الموجود تحت سلطة مطلقة للمشتری، وإن لم یوجب بطلت سلطة البائع أیضاً.

وفی المقام: إن رضی صاحب الثوب ببقاء الخیط کان البقاء تحت سلطة مالک الخیط، وإن لم یرض صاحب الثوب بالبقاء بطلت سلطة صاحب الخیط، ولذا إذا لم یرض صاحب الخیط بالبقاء بطلت سلطة صاحب الثوب علی بقائه.

ثم أشکل علی ذلک بالفرق بین التصرف فی الثوب من حیث کونه مخیطاً، فإنّ حاله حال ما ذکرناه من مثال العقد، وبین التصرف فی الثوب الذی یکون مقدّمة لنقض الخیط، فإنّ هذا التصرف قائم بالثوب فقط، فهو تحت سلطة المالک فقط، فإذا لم یرض لم یجز ذلک، انتهی ملخّصاً.

وفی کلّ من التعلیل والردّ مناقشة، وإن کان اللازم القول بعدم جواز النقض، لأنه بمنزلة تصرف أحد الشریکین فی المال المشترک بدون رضایة الآخر. ولذا قال المستمسک بعد کلامه السابق: (فالخروج عن القواعد المقتضیة للمنع إذاً لا یصح).

ص:298

أمّا سائر المعلّقین الذین وجدت تعلیقاتهم، کالسادة ابن العم والبروجردی والجمال والأصطهباناتی وغیرهم، فقد وافقوا المتن بالسکوت علیه، ولم یظهر لی وجه تام لفتواهم.

اللّهم إلا أن یقال: إنّ جر الخیط لیس تصرّفاً عرفاً، أو یقال: إنّ بقاء الخیط ضرر علی مالکة فقاعدة «لا ضرر» حاکمة علی قاعدة السلطة، أو یقال: إنّ صاحب الثوب إن کان راضیاً بجرّ الخیط جاز لرضاه بذلک، وإن لم یرض کان حاله حال الشریک الذی لا یرضی بالقسمة فیما یمکن تقسیمه حیث یجبر علی ذلک، إعمالاً لقاعدة: «الناس مسلّطون».

لکن یرد علی الأول: إنه لا إشکال فی أنّ جرّ الخیط تصرف فی القماش.

ویرد علی الثانی:

أولاً: إنه إنما یصح فیما إذا کان البقاء ضرراً علی الخیاط.

ثانیاً: إنه فیما إذا لم یعارض ضرره بضرر المالک المستلزم من جرّ الخیط حیث یوجب ذلک فساد القماش.

وثالثاً: إنّ «لا ضرر» إنسان لا یرفع سلطة إنسان آخر، إلاّ إذا علمنا من الشارع الأهمیة، کالأکل من مال الغیر للجائع المشرف علی الهلاک، ولذا إذا کان تنقیص المالک قیمة متاعه ضرراً علی صاحب البضاعة المنافس له لم یوجب نفی ضرره رفع سلطة المالک علی ماله، إلی غیرها من الأمثلة.

ص:299

ویضمن النقص الحاصل من ذلک

ویرد علی الثالث: إنّ التقسیم یلزم أن یکون تحت إشراف الولی الذی هو الحاکم الشرعی إذا لم یکن برضی من الجانبین، لأنّ المتیقن من رفع سلطة الشریک هو تدخل الولی العام، أما بدونه فدلیل السلطة محکم.

اللّهم إلاّ أن یقال: إنّ دلیل السلطة متعارض بالنسبة إلی الشریکین فیسقط، ویکون المرجع «کل شیء لک حلال» أو ما أشبه من الأدلة الأولیة، فتأمّل.

ثم إذا منع المالک الخیاط عن أخذ خیطه فامتنع، لم یتمکن المالک من التصرّف فی الثوب لأنه تصرّف فی الخیط الذی لا یرضی صاحبه، ویکون حاله حال الشریکین اللذین لا یرضی أحدهما بتصرّف الآخر.

وما ذکره المستمسک وجهاً لجواز التصرّف بقوله: (إلاّ أن یقال: إنّ منع مالک الثوب من التصرّف فی ثوبه ضرر فینتفی، ولا ضرر فی منع مالک الخیط عن أخذ خیطه حسب الفرض) انتهی، فیه: ما تقدم من أنّ لا ضرر إنسان لا یرفع سلطة إنسان آخر علی ماله إلاّ فی مورد الأهمیة.

{ویضمن} الخیاط {النقص الحاصل من ذلک} الجرّ لخیوطه، لأنّ النقص حصل بفعله، فیشمله عموم أدلة الضمان، لکن ربّما یقال: إنه لو أوجب الجرّ نقصاً لم یجز له ذلک، لأنه لا یجوز تنقیص مال الناس، هذا بالإضافة إلی أنه لا یجوز التصرف فی مال الناس، واللازم الرجوع إلی الحاکم فی فصل المسألة.

ص:300

والظاهر حصول الشرکة بین المالک والخیاط فی کلّ من الثوب والخیط وفی المالیة، إن زادت المالیة، وذلک لوضوح أنّ الثوب للمالک والخیط للخیاط فیکون حالهما حال الدهن والدبس إذا اختلطا وکانا لمالکین، وأنّ المالیة إنّما حصلت بهما فهی لهما.

فقول المستسمک: (إنّ المالیة من الاعتبارات التی هی منتزعة من حصول الرغبة ولا تقبل الشرکة عند العقلاء) منظور فیه، إذ المالیة أمر اعتباری له، تقررّ فی موضعه، وهی تقبل الشرکة عند العقلاء.

ثم إنه إذا حصل نقص فی الخیط من جرّاء الخیاطة لم یضمنه المالک، لأنّ ظاهر الشرع یقتضی عدم أخذ المالک بشیء بعد أن لم یثبت علیه الإیجار علی هذه الکیفیة من الخیاطة، ولم یأذن بذلک.

بقی شیء، وهو أنه إن تمکن الخیاط من إعادة القماش علی حاله، کما إذا کان من النایلون مثلاً أمکن إلصاقه بواسطة الحرارة، فلا إشکال فی أنه لا یحقّ له جعله قمیصاً بعد أن جعله قباءً، لأنه بدعواه أنّ المالک أمره بجعله قباءً ینفی عن نفسه إجازة المالک بجعله قمیصاً، فیحتاج إلی إجازة جدیدة من المالک.

أمّا هل یحقّ له أن یردّه قماشاً، احتمالان، من أنه تصرف فی مال الناس بدون الإذن فلا یجوز، ومن احتمال انصراف أدلة منع التصرف فی أموال الناس عن مثله، بالإضافة إلی أنه مقدمة الأداء، فیشمله »علی الید ما أخذت حتی تؤدّی»((1))، ولعلّ الأول أقرب دلیلاً وإن کان

ص:301


1- المستدرک: ج2 ص504 الباب 1 من أبواب الودیعة ح12

ولا یجب علیه قبول عوضه لو طلبه المستأجر، کما لیس علیه قبول عوض الثوب لو طلبه المؤجر

الثانی أقرب إلی أذهان العرف.

ثم إنّ هذه المسألة جاریة فی سائر أمثالها، کما إذا اختلف المالک والبنّاء فی أنه هل کانت الإجارة علی جعلها داراً أو حماماً، واختلف النجار والمالک فی کون الإجارة للباب أو الدولاب، واختلف الحداد والمالک فی جعل الحدید فأساً أو منشاراً وغیر ذلک.

ولو تمکن العامل من نقض ما عمل وإیجاد ما یقوله المالک، کان له أقل الأمرین من المسمّی والمثل، إذ لو کان المسمّی أقلّ فالمالک لم یقدم إلاّ علی ذلک، ولو کان المثل أقل فإنّ العامل بدعواه أنّ المالک لم یستأجره لذلک فقد نفی المسمّی، وحیث إنّه کان مأذوناً من قبل المالک فی العمل فله المثل.

ثم إن أراد الخیاط تبدیل مال المالک بآخر حسب رغبته لم یجب علی المالک القبول، لأصالة سلطة الناس علی أموالهم، ولا دلیل علی زوال سلطته عن ماله، أو إمکان جبره بالتبدیل.

ولو کان ما یقول کلّ من المالک والعامل مشترکاً فی قدر، غیر مشترک فی قدر آخر، کما إذا قال المالک: أمرتک بکتابة نصف القرآن، فقال العامل: بل بکتابة کلّ القرآن، کان للعامل من الأجرة بالنسبة، والله العالم.

{ولا یجب علیه} أی علی الخیاط {قبول عوضه} أی عوض الخیط {لو طلبه المستأجر} ذلک لأنه مقتضی سلطة الخیاط علی خیطه {کما لیس علیه} أی علی المالک {قبول عوض الثوب لو طلبه المؤجر} الخیاط لقاعدة السلطة أیضاً.

ص:302

نعم فیما صار الأمر مشترکاً بینهما أجبرهما الحاکم بالإفراز إمّا بالبیع ونحوه، أو اشتراء أحدهما مال الآخر، کما فی کلّ قسمة اختیاریة أو قهریة.

ثم إنّ الفروع المرتبة علی معاملة کلّ منهما مع المال معاملة ما یدّعیه، إذاً یری دعواه صحیحة، کثیرة نضرب عنها خوف التطویل.

ولو أراد المالک شدّ خیط فی کلّ خیط حتی إذا سلّه عاد خیط المالک فی مکانه لم تجب الإجابة، لأنه تصرف فی مال الخیاط فلا یجوز إلاّ بطیب نفسه، کما ذکره الجواهر.

ولو انتفع المالک بالثقب الموجودة فی الثوب بعد سلّ الخیط لم یکن للخیاط مطالبته بشیء إلاّ إذا کانت الثقب أورثت زیادة قیمة القماش کما تقدم.

ولو قال المالک: أمرتک بأن تصنعه قباءً ذا بطانة، فأنکر الخیاط، فالقول قول الخیاط بیمینه، لأنّ کونه ذا بطانة أمر زائد عن المقدار المتفق علیه بینهما.

نعم إذا کان هناک فی بعض الأمثلة تباین بین الدعوتین کان من التحالف.

ولو قال المالک: أمرتک بأن تصنعه قباءً للکبیر، وقال الخیاط: بل قباءً مطلقاً، أو قباءً للصغیر.

ففی الأول: یکون من المقید والمطلق، والأصل مع منکر التقیید.

وفی الثانی: یکون من المتباینین، والمرجع التحالف.

وفی المقام مسائل أخر نکتفی منها بهذا القدر.

ص:303

هذا ولو تنازعا فی هذه المسألة والمسألة المتقدمة قبل الحمل وقبل الخیاطة فالمرجع التحالف.

{ولو تنازعا فی هذه المسألة} مسألة الاختلاف فی الخیاطة {والمسألة المتقدمة} فی ما کان الاختلاف بین المالک والحمّال فی أنّ الإجارة للحمل إلی بلد کذا أو إلی غیره، وکان الاختلاف {قبل الحمل وقبل الخیاطة فالمرجع التحالف}.

أمّا علی ما اخترناه من التحالف حتی بعد الحمل والخیاطة فالأمر واضح.

وأما علی مبنی المصنّف من أنّ بعد الحمل والخیاطة یکون الأصل مع المالک، فلأنّ مصبّ الدعوی مختلف ولا جامع، إذ کلّ واحد منهما یدّعی خلاف ما یدّعیه الآخر، وینکر ما یثبته الآخر، فاللازم التحالف، وإذا حصل التحالف بطلت الإجارة کما هی القاعدة.

ص:304

مسألة ١٤ علی من یقدم قوله، الیمین للآخر

(مسألة 14): کل من یقدم قوله فی الموارد المذکورة علیه الیمین للآخر.

(مسألة 14): {کلّ من یقدم قوله فی الموارد المذکورة} فی المسائل المتقدمة، وتقدم قوله لأنّ معه الأصل، {علیه الیمین للآخر} لأنه منکر، والمنکر إنّما یثبت حقّه بالیمین، فإنّ «البینة علی المدّعی والیمین علی من أنکر» نصّاً وإجماعاً.

ولا یخفی أنّ أصل العدم ولو فرض أنه أصل عدم الأزلی یکون ذا أثر فی المقام، بمعنی أنه مع أی طرف کان، کان حکمه الحلف، وإن لم نقل به فی باب الاستصحاب، وذلک لأنّ باب المرافعات باب خاص یتّبع الدلیل الخاص به، ولذا لا اعتبار بالید ونحوها، فإنّها تحکم فی عدم صورة التعارض، کما لا یخفی.

ثم إنّ فی المقام مسائل کثیرة مربوطة بباب القضاء:

مثل اختلاف المدّعی والمدّعی علیه فی أنّ الإجارة کانت بالصیغة أو بالمعاطاة، فیما إذا کان اختلاف بینهما فی اللزوم والجواز.

ومثل أنّ أحدهما لو علم بطلان ما ادّعاه الآخر ممّا أقام علیه البینة أو حلف علیه، فهل له أن یعمل بعلمه، أو علیه أن یعمل بمقتضی الحکم والحلف.

ومثل أنّ الحلف أمام من یکون.

ومثل أنها لو اختلفا فی بعض ما فی البیت أنه للمؤجر أو المستأجر.

ص:305

ومثل أنه هل یحقّ لمن حکم علیه أن یستأنف النزاع عند حاکم آخر أو لا.

إلی غیرها، والله العالم المستعان.

ص:306

خاتمة

خراج الأرض المستأجرة

خاتمة

فیها مسائل:

الأولی: خراج الأرض المستأجرة فی الأراضی الخراجیة علی مالکها.

{خاتمة}

{فیها مسائل}:

{الأولی: خراج الأرض المستأجرة فی الأراضی الخراجیة علی مالکها}، الظاهر أنّ المقصود من المالک المؤجر الذی أخذ الأرض من السلطان أولاً، لأنّ المشهور بینهم أنّ الأراضی الخراجیة لا تملک.

نعم فی أصل المسألة خلاف، فقال بعض: بأنها تملک بالآثار، فإذا زالت الآثار زال الملک، وقال بعض: بأنّ للإمام (علیه السلام) أن یملک بعض الأرض إذا رأی فی ذلک مصلحة المسلمین، وکذلک الحاکم الشرعی، مثلاً إذا دهم المسلمین عدو لا یمکن دفعه إلاّ بمال کثیر، ولیس عند الحاکم ذلک المال، جاز له بیع بعض الأرض لموضوع الأهم والمهم، أو ما أشبه ذلک.

وتفصیل الکلام فی المسألة موکول إلی موضعه، وإنما کان المقصود الإشارة إلی أنّ لفظ (المالک) هنا لا یراد به المالک حقیقة، بناءً علی المشهور.

ثم إنّ کون الخراج علی المؤجر ممّا یظهر منهم التسالم علیه قدیماً

ص:307

ولو شرط کونه علی المستأجر صح علی الأقوی، ولا یضر کونه مجهولاً من حیث القلة والکثرة لاغتفار مثل هذه

وحدیثاً، ذلک لأن الخراج إنّما هو علی صاحب الأرض لا علی من استأجرها، ولیست العلّة عین المدّعی، بل المراد أنّ المنصرف من إطلاقات أدلة الخراج أنه علی الذی کانت الأرض له، کما أنّ الضربیة التی تقرّرها الحکومات الآن إنّما هی علی المالک لا المستأجر.

هذا بالإضافة إلی الاستصحاب المقتضی لذلک، وجملة من الروایات الآتیة فی آخر المسألة، ومع ذلک فلا وجه لاحتمال أن یکون علی المستأجر لأنّ الخراج معناه الشیء الذی یخرج، وأنه إنّما یؤخذ لأجل ثمر الأرض فهو علی الثمرة.

ثم إنه لا فرق فی الحکم بین أن یکون المأخوذ بنحو الخراج أو بنحو المقاسمة، لإطلاق ما ذکرناه من الأدلة، وعلیه فإذا دارت علی الأرض عدّة أیاد لم یکن الخراج إلاّ علی الذی تقبّله من السلطان.

{ولو شرط} فی ضمن عقد الإجارة أو عقد آخر {کونه علی المستأجر} أو کون بعضه علیه {صحّ علی الأقوی} لعموم «المؤمنون عند شروطهم»((1))، وهذا هو المشهور بینهم، وإن ناقش فیه المسالک حیث منع عن الشرط المذکور للجهالة، وإنما لم تصحّ مناقشته لقوله:

{ولا یضرّ کونه مجهولاً من حیث القلّة والکثرة، لاغتفار مثل هذه

ص:308


1- الوسائل: ج15 ص30 الباب 19 و20 من أبواب المهور ح4، الاستبصار: ج3 ص232 ح4

الجهالة عرفاً

الجهالة عرفاً} وقد تقدم أنّ الجهالة الضارّة بالمعاملة، مبیعاً کانت أو غیرها هی الجهالة الضارّة عرفاً، ولذا لا إشکال فی جهالة أسس البناء ونوعیة الخشب وجنس المراوح والوسائل الکهربائیة وما أشبه فی جمیع معاملات الدور ونحوها، من بیع أو إجارة أو رهن أو غیرها.

ومثله شرط کون الزکاة علی المشتری وما أشبه ذلک، ولیس هذا الشرط من قبیل أن یشترط علیه أن یملکه ما فی صندوق، المردّد بین القلیل والکثیر، لما نری من فرق العرف فیقولون إنه من بیع المجهول بخلاف ما نحن فیه.

ومّما تقدم یظهر لک ما فی المستمسک حیث قال: (فالعمدة ما عرفت فی أول الکتاب من أنه لا دلیل علی قدح الجهالة کلّیة فی عقد الإجارة، ودلیل نفی الغرر مختص بالبیع، والإجماع علی القدح غیر حاصل) انتهی.

إذ الجهالة العرفیة قادحة، وإنما المقام خارج موضوعاً، ودلیل نفی الغرر عام نصاً وإجماعاً فهناک حدیثان:

الأول: إنه «نهی النبی (صلی الله علیه وآله) عن بیع الغرر»((1)).

ص:309


1- الوسائل: ج12 ص330 الباب 40 من أبواب آداب التجارة ح3

ولإطلاق بعض الأخبار.

والاجماع لا یخفی، فإنهم یستندون فی کلّ أبواب المعاملات بالغرر فی إبطال العقد الغرری.

نعم لو کان الخراج مجهولاً جهلاً عرفیاً لم یصحّ، کما إذا کان أخذ السلطان فوضی، فمرة یأخذ الکل، ومرة یأخذ الأکثر، ومرة یأخذ النصف أو ما أشبه، وإطلاق الروایات وکلام الفقهاء منزل علی غیر هذه الصورة، لأنه غیرها هو المنصرف فی کلماتهم« {ولإطلاق بعض الأخبار} وظهور بعض آخر.

ثم إنه یدل علی الحکم أصلاً وشرطاً جملة من الروایات.

کخبر سعید الکندی، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إنّی أجرت قوماً أرضاً فزاد السلطان علیهم، فقال: «أعطهم فضل ما بینهما». قلت: أنا لم أظلمهم ولم أزد علیهم، قال: «إنهم إنما زادوا علی أرضک»((1)).

وصحیح داود بن سرحان المروی فی الکافی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل تکون له الأرض علیها خراج معلوم، وربّما زاد وربّما نقص، فیدفعها إلی رجل علی أن یکفیه خراجها ویعطیه مائتی درهم فی السنة، قال: «لا بأس»((2)).

ومثله صحیح یعقوب بن شعیب، عن الصادق (علیه السلام) المروی

ص:310


1- الوسائل: ج13 ص211 الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة ح10
2- الوسائل: ج13 ص212 الباب 17 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

أخذ الأجرة علی قراءة التعزیة

الثانیة: لا بأس بأخذ الأجرة علی قراءة تعزیة سید الشهداء وسائر الأئمة (صلوات الله علیهم)،

فی الفقیه وفی التهذیب((1))، ولکن فی الفقیه للحدیث صدر.

والمروی فی دعائم الإسلام، عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: «لا بأس أن یعطی الرجلُ الرجلَ الأرض علیها الخراج علی أن یکفیه خراجها ویدفع إلیه شیئاً معلوماً»((2)).

وعن المقنع، الذی هو متون الأخبار، قال: «لا بأس أن یستأجر الرجل الأرض بخمس ما یخرج منها أو بدون ذلک أو بأکثر ممّا یخرج منها من الطعام والخراج علی البلح»((3)).

إلی غیرها من الروایات المذکورة فی کتاب المزارعة، وإن کان فی دلالة أکثرها خفاء، فراجع باب جواز اشتراط خراج الأرض علی المستأجر.

{الثانیة: لا بأس بأخذ الأجرة علی قراءة تعزیة سید الشهداء وسائر الأئمة (صلوات الله علیهم)} بلا إشکلال ممّن تعرّض لهذه المسألة، وکذا بالنسبة إلی سائر الأئمة (علیهم السلام) والصدّیقة الطاهرة (علیها السلام) والأنبیاء (علیهم السلام)، وأولادهم الذین یستحقون ذلک، کلّ ذلک لإطلاق أدلة الإجارة، وأدلة العقد، وکذلک بالنسبة إلی سائر شؤونهم کأخذ الأجرة علی التمثیل لهم الذی یسمّی بالتشبیه، وإنشاد الشعر، وتألیف الکتاب، وغیر ذلک.

ص:311


1- التهذیب: ج2 ص175، الفقیه: ج2 ص82
2- المستدرک: ج2 ص502 الباب 8 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1
3- المستدرک: ج2 ص503 الباب 15 من أبواب المزارعة والمساقاة ح2

نعم أخذ الأجرة فی مقابل ذکر المصائب الکاذبة أو التمثیلیات المشینة التی هی إهانة لهم حرام، ف_ «إنّ الله إن حرّم شیئاً حرّم ثمنه»((1)).

ولو قرأ الخطیب أو من أشبهه کذباً، لم یکن له حقّ الأجرة بالنسبة، فإذا عامله علی مائة لعشرة أیام فکان عشر ما قرأه کذباً لم یکن حق فی عشر المبلغ.

ثم إن لم یحضر بعض الأیام أو بعض الوقت، فإن کانت الإجارة علی نحو المتعدّد، لم یکن لصاحب المجلس خیار تبعّض الصفقة.

وإن کانت الإجارة واحدة للمجموع کان له خیار تبعّض الصفقة، کسائر موارد الإجارة.

ولو شک الخطیب فی أنّ ما قرأه صادق أو کاذب، أو هل وفی بالقدر الذی علیه، کمّاً أو کیفاً أو زماناً، فلیس له أن یأخذ الأجرة، لأنّ الأجرة فی مقابل الوفاء الکامل المشکوک فیه.

ولو قرأ بدون تعیین الأجرة فعلی صاحب المجلس إعطاؤه أجرة المثل، وکلّما أعطاه أقل من ذلک فهو ضامن، ولو قید صاحب المجلس الخطیب بقراءة التعزیة، ورأی الخطیب احتیاج المستمع إلی الوعظ والمسائل، فلا إشکال فی أنه لو خالف کلام المستأجر سواء کان علی نحو القید أو علی نحو الشرط مع أخذه بالشرط، لم یستحقّ علیه الأجرة.

وإنّما الکلام فی أنه هل له حقّ المخالفة، الظاهر أنّ له ذلک، بل یجب، لأنّ تعلیم الجاهل وإرشاد الضالّ وتنبیه الغافل والأمر

ص:312


1- الوسائل: ج8 ص238 الباب 10 من الشهادات ح1

بالمعروف، والنهی عن المنکر، کلّها من الواجبات، فلا یمکن للإجارة أن ترفع هذه الواجبات.

ولو لم یرض صاحب المجلس بذلک وانحصار الإرشاد فی مجلسه سقط حقّه للأهمیة، فلا یقال: بتعارض الواجب والحرام والأصل التساقط.

ثم إنّ الإجارة لو سقطت بسبب المخالفة، وقدّم صاحب المجلس المال إلی الخطیب، فإن کان تقدیماً اضطراریاً لم یجز للخطیب، لأنّ المأخوذ حیاءً کالمأخوذ غصباً، إذ لا طیب لنفسه، وإن کان تقدیماً هدیةً وما أشبه کان له الحقّ فی الأخذ.

ثم الظاهر أنه یجب علیهما إذا کان الأمر بنحو الإجارة، تعیین الزمان والکم والکیف، مثل أن یقول: تقرأ أول العاشرة إلی الحادیة عشرة فی العشرة الأولی من المحرم قراءة جیدة بصوت شجیّ أو جذّاب مؤثر، أو سائر الشروط والکیفیات، کأن تقرأ الأشعار للسید حیدر الحلّی مثلاً، ویکفی فی ذلک کلّه الانصراف بسبب معروفیة کمیة القراءة وکیفیتها، فکل ما یکون فی ترکه الغرر یکون ذکره لفظاً أو انصرافاً واجب فی صحة الإجارة، وکلّما بطلت الإجارة وکان الخطاب بأمر صاحب المجلس، یکون اللازم علیه أجرة المثل.

ثم إنه لا یحقّ للخطیب أن یستصحب تلمیداً إلاّ بإجازة صاحب المنزل أو رضاه، کما لا یحقّ لصاحب المجلس أن یعطی وقت الخطیب بعد الإجارة إلی خطیب آخر إلاّ برضاه، کلّ ذلک لأنّه مقتضی دلیل السلطنة ودلیل الإجارة، ولا یحقّ للخطیب أن یخطب بدون رضی

ص:313

ولکن لو أخذها علی مقدماتها من المشی إلی المکان الذی یقرأ فیه کان أولی.

صاحب البیت إذا لم یستأجره، لأنه تصرف فی حقّ الغیر، وإن أصرّ علیه المستمعون، کما لا یحقّ له أن یذکر ما یکون فیه أذی لصاحب المجلس أو غیره، إذا لم یقتض ذلک دلیل ثانوی أهمّ، ککونه أمراً بمعروف علی نحو یسقط حقّ صاحب البیت ویبیح أذاه من السلطة أو غیرها.

ثم إنّ منع بعض الدول الخطباء عن المنبر لا یؤثر تحریماً إلاّ إذا کانت دولة شرعیة کما لا یخفی، وإذا منعته الدولة غیر الشرعیة یحقّ له الخطاب، إلاّ إذا کان فی ذلک ضرراً ولم یکن ذلک الضرر معارضاً بأمر أهم، کما لا یخفی.

ثم إنّ المستمعین لا یحقّ لهم الحضور فی منبر خطیب یکون ترویجه حراماً، لأجل انحراف فی عقیدته أو سلوکه أو ضرر مترتّب علی منبره أو ما أشبه ذلک.

{ولکن لو أخذها علی مقدّماتها من المشی إلی المکان الذی یقرأ فیه} وما أشبه ذلک کصعود المنبر {کان أولی} لیکون أقرب إلی الإخلاص، ولأن یخرج عن ما ورد من النهی عن الأکل بهم (علیهم السلام)، کما أنّ الأولی من ذلک أن یکون إعطاء المال مجاناً هبةً قربةً إلی الله تعالی، لأنه أبعد أیضاً عن توهّم الأکل بهم.

ثم لا یخفی أنه لیس من الکذب لسان الحال المتعارف الذی یکون لساناً للحال ولم یوجب هتکاً ولا إهانة، لأنه:

ص:314

أولاً: لا یعدّ کذباً عرفاً، کما لیس من الکذب التوریة والمبالغة والإغراق المتعارفات.

وثانیاً: لما ورد من ذلک علی لسان المعصومین (علیهم السلام) کالمنسوب إلی الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) حیث أنشد:

قال الحبیب وکیف لی بجوابکم

وأنا رهین جنادل وتراب

أکل التراب محاسنی فنسیتکم

وحجبت عن أهلی وعن أترابی((1))

وأنشد الإمام الهادی (علیه السلام) قصیدة الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) التی منها:

فأفصح القبر عنهم حین ساء لهم

تلک الوجوه علیها الدود تنتقل((2))

إلی غیرهما.

ثم إنه ینبغی أن یکون منبر الخطیب کفوءً لمستوی المستمعین الذین یحضرون تحت منبره من مختلف المستویات، وأن لا یأخذ أوقاتهم الثمینة فی أشیاء لا تنفعهم دیناً ودنیاً، بل أحیاناً تضرهم، بل إذا کان ضرراً لهم کان حراماً کما لا یخفی، کما أنه ینبغی أن یلائم منبره روح العصر مع کونه خدمة الإسلام، فإنّه من مصادیق لسان القوم، قال سبحانه: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ

ص:315


1- البحار: ج43 ص217
2- مروج الذهب: ج4 ص94 (ط مصر 1385 ه_ )

استیجار الصبی الممیز

الثالثة: یجوز استیجار الصبی الممیز

قَوْمِهِ﴾((1))، کما قال الرسول الأکرم (صلی الله علیه وآله): «إنّا معاشر الأنبیاء أُمرنا أن نکلّم الناس علی قدر عقولهم»((2)).

ومن الملحق بهذا الباب أخذ الأجرة علی قراءة القرآن فی فاتحة أو تعزیة أو علی قبر أو ما أشبه، وإن کان مکروهاً لقوله (علیه السلام): «لأنک تبغی علی القرآن أجراً»((3)).

ویأتی هنا بعض المسائل المتقدمة فی الخطابة، کما إذا أخذ الأجرة علی القرآءة وقرأ غلطاً وما أشبه ذلک.

ومن باب أخذ الأجرة علی التعزیة والقرآن، أخذ الأجرة لأجل قراءة زیارة الأئمة وأولادهم والأنبیاء والصدّیقة الطاهرة (علیهم السلام) کما لا یخفی.

أما الاستئجار لقضاء صلاة المیت وصومه، وللحج وللزیارة عن حیّ أو میت، فقد ذکر بعض مسائله فی أبوابه، کما أن بعض مسائله الأخر تأتی هنا، کما أن الاستئجار لأجل تعلیم أصول الدین أو الواجبات قد تبین ممّا سبق فی الکتاب والله العالم.

الثالثة: {یجوز استئجار الصبی الممیز} ولداً أو بنتاً، والتقیید بالممیز لأنّ غیر الممیز حکمه حکم البهیمة، لکن الظاهر أنه لا وجه

ص:316


1- سورة إبراهیم: الآیة 4
2- انظر بحار الأنوار: ج2 ص69
3- الوسائل: ج12 ص114 الباب 30 من أبواب ما یکتسب به ح1

من ولیه الإجباری أو غیره کالحاکم الشرعی

لهذا التقیید فی الثلاثة الأول، أی قراءة القرآن والتعزیة والزیارة، حیث إنّ المقصود منها یحصل بمجرد وجودها لا بوقوعها علی نحو العبادة، کما سیأتی تفصیل ذلک.

وحیث إنّ وجود الثلاثة یأتی من أی أحد، ممیزاً کان أم لا، فلا وجه للتقیید، فإنّ حال ذلک حال الطبخ والغسل والعجن حتی أنه یصحّ إجارة الحیوان المعلّم قراءة القرآن مثلاً لأجل ذلک، بل والآلة الجامدة کالمسجلة ونحوها.

نعم إذا أراد النیابة لم یصحّ، إذ لا یعقل النیابة فی غیر الممیز، فإنه من الأمور القصدیة التی لا تتأتیّ إلاّ من الممیز.

{من ولیه الإجباری} کالأب والجد {أو غیره} أی غیر الإجباری {کالحاکم الشرعی} والوصیّ والقیم، ونائب الخمسة، والظاهر أن المراد بغیر الإجباری بأصل الشرع، فإنّ الولی فی أصل الشرع هم الآباء والأجداد، وإنما السبعة الآخرون هم أولیاء فی مرتبة ثانیة، وإنما یصحّ للولی إجارته لأنه ولیّ شرعاً.

ومنه یعرف إمکان استئجار غیر الممیز أیضاً کما عرفت.

أمّا الإجارة من غیر الولی فلا تصح، لأنه لیس له حقّ التصرف، وإن تولّی أمر الصبی وکان قریباً له کالأم والأخ وما أشبه.

ثم لا یبعد أنه تصحّ الإجارة من نفس الصبی الممیز إذا قلنا بصحة معاملاته علی کراهة، کما ذهب إلی ذلک الشرائع، لقوله سبحانه: ﴿وَابْتَلُوا الْیَتامی حَتَّی إِذا بَلَغُوا النِّکاحَ﴾((1))، ممّا یدل علی صحة تصرفاته فی الجملة، وبذلک یفرق

ص:317


1- سورة النساء: الآیة 6

لقراءة القرآن والتعزیة والزیارات،

بینه وبین المجنون الممیز، حیث لا یصحّ فی الثانی هذه الجهة، وإن صحّ إیجاره من ولیه.

وکذلک یصحّ إیجار غیر الممیز من المجنون من ولیه، علی نحو ما تقدم فی إیجار غیر الممیز لأجل قراءة القرآن ونحوه.

{لقراءة القرآن والتعزیة والزیارات} أو الوعظ والإرشاد أو ما أشبه ذلک.

ولا یخفی أنّ هذه الأمور تقع من الصبی، سواء کان المقصود منها مجرد وجودها أو کان المقصود منها وجه العبادیة، سواء قلنا إنّ عبادات الصبی شرعیة، أو تمرینیة، لأنه لا شک فی الفرق بین صلاة الصبی وبین خیاطته إذا قصد القربة بالصلاة، بل لا إشکال فی الفرق بین صلاته التی یأتی بها مع قصد القربة أو بدون قصد القربة، وکذا الفرق بین صلاة الممیز وغیر الممیز، فإشکال المستمسک بناءً علی کون المقصود منها لا یحصل إلاّ بوقوعها علی وجه العبادة، کأنه یرید بذلک کون المقصود أن تکون کعبادات المکلّفین، فإنّ هذا هو الذی یفرّق فیه بین کونها شرعیة أو تمرینیة، کما لا یخفی.

وکیف کان، فعبادات الصبی علی ثلاثة أقسام:

منها: ما لیس بشرعی ولا تمرینی، کحجّه الذی یلبس به فی حال رضاعه.

ومنها: ما هو تمرینی ولیس بشرعی، کما إذا أتی بالعمل قبل التمیز، فإنه یؤثّر فیه تمرینیاً، ولیس بشرعی قطعاً.

ومنها: ما هو مختلف فیه، کالذی یأتی به بعد التمییز.

ص:318

بل الظاهر جوازه لنیابة الصلاة عن الأموات، بناءً علی الأقوی من شرعیة عباداته.

{بل الظاهر جوازه} أی الاستئجار {لنیابة الصلاة عن الأموات} والصوم عنهم، والحج الواجب عن الأموات والأحیاء {بناءً علی الأقوی من شرعیة عباداته}، وذلک لإطلاق أدلة التشریع الشامل للبالغ وغیر البالغ، وعلیه یصحّ أن یکون مصلّیاً عن المیت، ویکفی ذلک عن الأحیاء، بل اللازم أن یصحّ کونه إمام الجماعة إن لم یکن دلیل خاص لنفیه وما أشبه ذلک.

لکن لا یخفی أنّ دلیل رفع القلم((1))، ودلیل عمد الصبی خطأ((2))، وما أشبههما ینفی الشرعیة بهذا المعنی، ولذا یکون المرکوز فی أذهان المتشرّعة قولاً وعملاً عدم الشرعیة بهذا المعنی، فلا نجدهم أن یعطوا العبادة للصبی، بل إذا فعل الوصی ذلک عدّوه من المنکرات.

وما ذکره المستمسک من (أنّ الجمع العرفی بین دلیل الرفع وبین الأدلة العامة یقتضی حمل دلیل الرفع علی رفع الإلزام، فیکون ترخیصاً فی مخالفة الوجوب والحرمة، کما یشهد به ذکره فی سیاق النائم، فإنه أحد الثلاثة الذین رفع عنهم القلم، ولا ریب أنه لا یسقط عنه التکلیف بالمرة وإنما یسقط عنه اللزوم العقلی) انتهی، لا یخلو من نظر.

إذ الظاهر لدی العرف من الجمع بین الدلیلین أنّ دلیل الرفع إخراج للصبی عن دائرة التکلیف أصلاً، کما ذکرناه فی غیر موضع من

ص:319


1- الوسائل: ج19 ص66 الباب 36 من أبواب القصاص فی النفس ح2
2- الوسائل: ج19 ص307 الباب 11 ح2

هذا الشرح، کما أنه لو قال الملک: إنّ الفئة الفلانیة خارجون عن موضوع القوانین التی نضعها للبلاد، فالقانون لا یشملهم أصلاً فی نظر العرف.

والذی استشهد به یرد علیه:

أولاً: إنّ المجنون أیضاً أحد الثلاثة، ولیس علیه تکلیف أصلاً، فلماذا یلاحظ سیاق النائم ولا یلاحظ سیاق المجنون.

وثانیاً: إنّ النائم أیضاً ساقط عنه التکلیف إطلاقاً، وإنما یثبت التکلیف علیه بعد الانتباه بدلیل آخر، حتی أنه لو کنّا نحن وهذا الدلیل کان اللازم أن نقول بالسقوط مطلقاً، أی عدم الثبوت للتکلیف علیه حتی بعد الیقظة.

ثم إنه ورد فی الروایات ذکر التمرین فی باب الصبی کما لا یخفی، ولا وجه لصرفه عن ظاهره.

ثم إنّ المستمسک قال: والظاهر أن صحة النیابة عن الأموات لا تبتنی علی شرعیة عبادة النائب، فإنّ الفقیر غیر المستطیع یجوز نیابته عن المیت فی حج الإسلام، والمسافر تشرع له النیابة عن المیت فی صلاة التمام، والحاضر تشرع له النیابة عن المیت فی صلاة القصر وهکذا، وفیه نظر، فإنّ الشرعیة فی مقابل التمرینیة لا فی مقابل عدم الوجوب وهی موجودة فی النائب وإن لم یجب علیه الحج ولم یکلّف بالتمام أو القصر.

والحاصل أنه فرق بین الصبی وبین الفقیر، فإنّ الأول لا مقتضی له بخلاف الثانی، فإنّ الوجوب والندب صفتان للحج الذی یؤتی بحقیقة واحدة، بخلاف الشرعیة والتمرینیة حیث أنهما حقیقتان، فوجود

ص:320

لمن یکون النماء بعد انقضاء مدة الإجارة

الرابعة: إذا بقی فی الأرض المستأجرة للزراعة بعد انقضاء المدة أصول الزرع فنبتت، فإن لم یعرض المستأجر عنها کانت له، وإن أعرض عنها وقصد صاحب الأرض تملکها کانت له

الجامع فی البالغ یکفی فی کونه نائباً، وإن لم یکن داخلاً فی إحدی الصفتین، بخلاف الصبی الذی لا وجود للجامع عنده أصلاً، فتنظیر أحدهما بالآخر مع الفارق.

هذا، وهل تصحّ نیابة الصبی عن صبی مثله، احتمالان، من عموم أدلة النیابة ولا محذور فکلا الأمرین داخلان فی جامع التمرینیة، ومن انصراف أدلة النیابة عن مثله، بل انصراف أدلة عبادة الصبی إلی ما یقوم هو بنفسه لا بنائبه.

والظاهر صحة ذلک بقصد الرجاء، وأنه أیضاً نوع من التمرین بأن یأتی بعمل الغیر فتأمّل.

{الرابعة: إذا بقی فی الأرض المستأجرة للزراعة} أو المستأجرة مطلقاً وقد زرع فیها {بعد انقضاء المدة أصول الزرع فنبتت، فإن لم یعرض المستأجر عنها کانت له، وإن أعرض عنها وقصد صاحب الأرض تملکها کانت له} ذکره غیر واحد من الفقهاء.

واستدلوا له:

أولاً: بأنه کالفرخ إذ هو لصاحب البیض لا للذی حضنه تحت دجاجته حتی صار فرخاً.

وثانیاً: بالإجماع المدعی، وعدم الخلاف المذکورین فی کلماتهم.

وثالثاً: بأن النماء تابع الأصل فیملکه مالک الأصل، أما کون النماء تابعاً فلأنّ الحکم بملکیة الشیء ملکیة مطلقة یقتضی ذلک لدی المتفاهم عرفاً.

ص:321

هذا ولکن لی فی ذلک إشکالاً، حیث إن مقتضی القاعدة الاشتراک، فإنّ النبت إنما کان ولید عوامل متعدّدة: من الأرض والماء والهواء والضیاء والأصول جمیعاً، فلماذا یختصّ بصاحب الأصول، ومن المعلوم أنّ ولید المال المشترک یلزم أن یکون لکلّ الملاّک لا لأحدهم، إذ من المعلوم أنّ النبات عبارة عن المرکب من الأرض والماء ونحوهما، فإنّ النواة والأصل کمعمل یحوّل الأرض والماء إلی النبات، وإلاّ فمن الواضح أنّ النواة لا تکبر بنفسها، فإنه من المستحیل أن یصبح مقدار المثقال مقدار طن، فیما نری أنّ النخلة طنّ بینما النواة مثقال مثلاً، فإنّ الأرض هی التی تحرک إلی النخلة، وکذلک الماء جزء من النبات، والشمس والهواء عاملان فی النمو، وقد کانا ملک صاحب الأرض.

ولذا لو تمکن إنسان أن یسحب الهواء أو أشعة الشمس من فضائه لم یحقّ له ذلک، ومن الواضح أنّ لهما مالیة عرفیة، ونحن نری أنّ فی الحال الحاضر یدیر الفنیون المعامل بواسطة حرارة الشمس وقوة الریح.

فإذا کان کلّ ذلک عوامل للنبات فلماذا تخصّص الملکیة لمالک الأصول والنواة، وحتی فی الفرخ إذا کان بسبب تحضین زید له تحت دجاجته تحضیناً شرعیاً کان ذلک من قبیل صبغ الثوب، ممّا یوجب زیادة قیمته الموجبة للاشتراک فیه.

مضافاً إلی أنه فرق بین المثالین، فإنّه وإن لم نقل بالاشتراک فی الفرخ لزم أن نقول بالاشتراک فی النبات، إذ الفرخ لم یزد زیادة عینیة عن البیض، بینما النبات زاد زیادة عینیة عن الأصول والنواة.

والإشکال فی ذلک بالنقض بما إذا أکلت الأمة الحامل مال زید ممّا

ص:322

أوجب نمو الولد فی بطنها مع یقین أنّ الولد نما من طعام زید فاللازم اشتراکه بین المولی ومالک الطعام، غیر وارد، لما ثبت من النص والضرورة علی أنه لیس من أسباب الملک للعبید هذا النوع من الإسهام فی الولد، فإنّ ما دلّ علی أسباب الملک للعبید خاص بالأمور المذکورة فی الفقه، ولیس هذا من تلک الأسباب.

ومّما تقدم ظهر الإشکال فی أدلة المشهور.

فإنّه یرد علی دلیلهم الأول: الإشکال فی کلا التنظیر والمقیس علیه.

وعلی الثانی: بأن المسألة غیر مذکورة فی کلمات کثیر منهم.

ففی الإجماع إشکال صغری وکبری، بل نفس العلامة الذی ادّعی فی بعض کتب التذکرة الإجماع علی کلام المشهور تردّد فی کتاب آخر من کتب التذکرة فی الأمر، واحتمل أن یکون النبات لمالک الأرض، لأنّ التقویم إنما حصل فی أرضه، وإن کان ربما یدفع التدافع بین کلامیه، لکن الدفع غیر تام.

وکیف کان فالإجماع غیر محقّق.

وعلی الثالث: بأنا لا ننکر تبعیة النماء للأصل، لکن الکلام فی أنه تابع لأصل واحد وهو النواة، أو لکل الأصول کالأرض والماء أیضاً، مع أنک قد عرفت الإشکال فی مثل التفریخ أیضاً.

بقی الکلام فی أمرین:

ص:323

الأول: هل هناک فرق بین أصول الزرع، وبین النواة التی تلقی فی أرض الغیر فتنبت.

والثانی: ما هو میزان الخروج عن الملک، وما المراد بالإعراض، هل هو قلبی أو عملی، وما الدلیل علی أنّ الإعراض موجب لسقوط الملک.

أما بالنسبة إلی الأمر الأول، فنقول: الظاهر عدم الفرق بینهما، لأنّ کلیهما ملک ومال للمالک أی مالک الأصول ومالک النواة، والقول بأنّ النواة لیست مالاً وإنما هی ملک، بدعوی أنّ بین الأمرین مورداً عموماً مطلقاً، فکلّ مال ملک ولیس کل ملک مال، والتمثیل للثانی بحبة الحنطة أو النواة الواحدة أو قطعة الخزف المکسورة أو ما أشبه ذلک، فیه نظر.

إذ لو أرید بالفرق بین الأمرین فرقاً لغویاً فلا نجد ذلک فی قوامیس اللغة، وإن أرید فرقاً عرفیاً فها هو العرف لا یری بینها فرقاً، فکلّ ملک مال وکلّ مال ملک، مع وضوح أنّ المراد بالمال الشی المضاف إلی الإنسان لا ما له مالیة وإن لم یضف إلی إنسان کالمعدن غیر المحوز.

والقول: (بأنّ المالیة متقوّمة بما یتنافس العقلاء علی موضوعها، والتنافس إنما یکون مع الاعتداد بمرتبة المالیة، فإذا لم تکن بمرتبة معتدّ بها لم یکن موضوعها، ولیست الملکیة کذلک، فإنّها تابعة لأسباب أخری عرفیة أو شرعیة، فیصحّ اعتبارها مع وجود السبب ولو لم تکن للعین) انتهی، محل إشکال.

إذ لنا أن نتساءل من الذی عرّف هذا التعریف للمال وللملک، هل

ص:324

هو شرع أو عرف أو لغة، وأنی للقائل بإثبات أحد ذلک، بل المال المضاف والملک مترادفان.

ولا نسلّم أنّ حبة الحنطة لا تسمّی مالاً، ولذا یلزم أن یشمله دلیل «من أتلف مال الغیر»((1)) فیما إذا أتلفها إنسان، وإلاّ فأی دلیل علی الضمان؟

هل هو «علی الید ما أخذت»((2))، وفیه: إنّا نفرض أنّ المتلف لم یضع الید علیها وإنما أتلفها بإلقاء شیء علیها.

أو السیرة، وأین السیرة، فهل إتلاف الأشیاء من هذا القبیل کثیر الوجود حتی نقول بالسیرة، بل لا یخفی قلة وجود أمثال هذه الإتلافات قلّة یکاد یلحقها بالمعدوم.

أو المناط فی دلیل من أتلف، وأی مناط والحال أنّ المناط یقوّمه التساوی أو أوضحیة المقیس، وهنا لیس کذلک.

أو أنّ الإتلاف ظلم عرفاً، وفیه: إنّ الظلم لا یلازم الضمان.

ویؤید کون الحبة مالاً إطلاق العرف علیها المال، فیقولون هذا مالی، کما یقولون هذا ملکی، ومن المعلوم أنّ الجملتین لا عنایة فیهما حتی یقال إنّ جملة هذا مالی مجاز بالقرینة.

وعلی کلّ حال، فالظاهر أنّ حال الأصول وحال النواة واحد، وإن فرّق بینهما بعض الفقهاء کالعلاّمة وغیره، فالذی نقوله فی الأصول نقوله فی النواة والحبة التی أطارتهما الریح إلی ملک الغیر فنبتتا فی أرضه.

وأما الأمر الثانی، فنقول: الظاهر أنّ الخروج عن الملک یتحقّق

ص:325


1- الوسائل: ج18 ص238 الباب 10 من أبواب الشهادات ح1
2- المستدرک: ج2 ص502 الباب 1 من أبواب الودیعة ح12

بانقطاع الملک عن المالک عرفاً، وإن لم یقصد المالک الإعراض، فإنّ الملک من الأمور الاعتباریة، والشارع حکم علی هذا الأمر الاعتباری، فإذا لم یر العرف بقاءه خرج عن الملکیة، ولیس کذلک الزوجیة ونحوها.

فقولهم: إنّ الملکیة کالزوجیة إذا ثبتت دامت یحتاج إلی دلیل، ولذا نری أنّ العرف لا یری الملکیة للسمک والطیر والوحش إذا صادها الإنسان ثم انفلتت من یده والتحقت بإخوتها فی الماء أو الهواء أو الغاب، فلا یصحّ أن یعدّده فی عداد ملکه فیقول مثلاً: لی ثلاثة أسماک سمکتان فی الحوض وسمکة فی البحر، حتی لو أنّ إنساناً عرف نفس السمکة وأخذها لم تکن لصائدها الأول.

ومن هذا القبیل لو وقع إبریقه فی البحر، فإنّه لا یصح له عرفاً أن یقول: لی إبریقان أحدهما فی داری وآخر فی عمق البحر، ولذا إذا تمکن إنسان من إخراجه لم یکن مال مالکه الأول، وهکذا بالنسبة إلی الدار والمسجد أو الموقوفة التی أصابها الزلزال فخربت فی ضمن خراب القریة کلّها، فإنّه لا یعتبر عرفاً أن أراضیها موقوفة أو مملوکة، لأنّ الموقوف أیضاً تابع لقدر الملک فحیث لم یملک المالک الأرض أکثر من المدة المتعارفة لم یملک أن یوقفها إلاّ فی المدة التی هی له عرفاً.

ولعل فی جملة من الروایات الواردة فی باب انکسار السفینة وطیران الطیر واللقطة دلیلاً علی ما ذکرناه:

ففی خبر السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی حدیث: «وإذا غرقت السفینة وما فیها فأصابه الناس فما قذف به البحر علی ساحله فهو

ص:326

لأهله وهم أحقّ به، وما غاص علیه الناس وترکه صاحبه فهو لهم»((1)).

ومثله ما رواه الشعیری، عن الصادق (علیه السلام): «حیث سأله عن سفینة انکسرت فی البحر فأخرج بعضه بالغوص، وأخرج البحر بعض ما غرق فیها، فقال (علیه السلام): «أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله، الله أخرجه لهم، وأمّا ما خرج بالغوص فهو لهم وهم أحقّ»((2)).

وعن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنه قال: «جاء رجل إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقال: یا رسول الله إنی وجدت شاة، قال: «هی لک أو لأخیک أو للذئب»، قال: فإنّی وجدت بعیراً، قال: «خفه حذاؤه وکرشه سقاؤه فلا تهجه»((3)).

وفی روایة المقنع: «بطنه وعاؤه وکرشه سقاؤه وخفه حذاؤه»((4)).

إلی غیرها من الروایات المذکورة فی کتاب اللقطة وغیره.

وإن کان قد وقع للفقهاء اختلاف کبیر فی المسألة، ولو علمنا أنّ العرف یری الملکیة وشککنا فی أنّه خرج عن ذلک بمخرج، فالاستصحاب یقتضی البقاء، ولو کان الشک فی أصل رؤیة العرف الملکیة لم یجر الاستصحاب، لأنه من باب الشک فی المقتضی فالمرجع عمومات ما دل

ص:327


1- الوسائل: ج17 ص362 الباب 11 من أبواب القصاص ح1
2- الوسائل: ج17 ص362 الباب 11 من أبواب القصاص ح2
3- مستدرک الوسائل: ج17 ص130 ب 8 باب حکم التقاط الشاة والدابة و... ح20961
4- المستدرک: ج3 ص153 الباب 8 من أبواب القصاص ح4

علی حلّ ما فی الأرض جمیعاً((1))، والکلام فی المقام طویل جدّاً نوکله إلی محلّه.

بقی الکلام فی الإعراض:

ولا ینبغی الإشکال أنّ الإعراض إذا تحقّق خرج الشیء عن الملک، إذ الملک أمر عرفی کما تقدم، وقد أمضاه الشارع، فکلما لم یذکر له الشارع شرطاً أو قیداً یبقی علی حاله العرفی، ولا إشکال فی أنّ الإعراض عند العرف موجب لزوال الملک، کما أنه لم نجد دلیلاً علی أنّ الشارع رفض ذلک، هذا مضافاً إلی السیرة المستمرة فی أخذ المتدینین بقایا الحطب وما أشبه، ولیس ذلک من باب إباحة التصرّف بل التملّک، کما یشهد بذلک تصرفاتهم.

ثم الظاهر الإعراض القلبی لا یکفی، بل یحتاج إلی المظهر، ولو کان المظهر من قبیل ترکه وعدم الاعتناء فیما یعتاد الاعتناء بأمثاله، فلو أنّ إنساناً أعرض عن ما علی ظهره من العباء ولم یظهر ذلک، وعرف بالإعراض القلبی إنسان بسبب مّا، لم یکن له أخذه لعدم تحقّق انقطاع الملک عرفاً، هذا بالإضافة إلی الاستصحاب مع الشک.

فتحصل أنّ سبب الخروج عن الملک انقطاع الملک عرفاً وإن لم یعرض، والإعراض القلبی الذی له مظهر خارجی، وحیث إنّ الإعراض أمر حادث، فإذا شککنا فی أنّ الشیء الباقی من باب الترک إعراضاً، أو من باب اللقطة، کانت أصالة عدم الإعراض محکمة فیشمله دلیل اللقطة، لا لکون

ص:328


1- سورة البقرة: الآیة 29

وإن أعرض عنها وقصد صاحب الأرض تملکها کانت له، ولو بادر آخر إلی تملکها ملک وإن لم یجز له الدخول فی الأرض إلا بإذن مالکها.

الأصل مثبتاً، بل لأصالة بقاء الملک المحقّقة لموضوع اللقطة کما لا یخفی.

{ولو بادر آخر إلی تملّکها ملک} لتحقّق وجه الملک وهو الاستیلاء علی الشیء المباح، فإنّه بإعراض المالک صار کسائر المباحات، فلمّا استولی إنسان آخر علیه صار ملکاً له.

لا یقال: إنه بعد إعراض المالک، ملک لصاحب الأرض لاستیلاء صاحب الأرض علیه، فحاله حال المطر الذی ینزل فی بیت إنسان، حیث إنه ملک لصاحب البیت، ولا یحقّ لإنسان آخر الاستیلاء علیه.

لأنه یقال: لا دلیل علی أنّ مجرد حصول المباح فی ملک إنسان یکون من أسباب ملکه لذلک الشیء، بل أصالة بقائه علی الإباحة محکمة، والمطر کذلک، فإنه إن لم یقصد مالک الدار ملکه له لا دلیل علی أنه یصبح ملکاً له، وکذلک إذا عشّ طیر فی شجرة إنسان، فإنّ فراخه وبیضه لا یصبح ملکاً لصاحب الشجرة، فیحقّ لإنسان آخر أن یملکهما.

نعم یرد علی المتن ما تقدم، من أنّ مقتضی القاعدة اشتراک صاحب الأرض مع المستولی علی الأصول، لأنّ النبات تابع لکلّ من الأصل والأرض.

{وإن لم یجز له الدخول فی الأرض إلاّ بإذن مالکها} لعموم عدم جواز التصرف فی مال الغیر إلاّ بإذنه، وما ذکره السید الحکیم من جریان السیرة علی الدخول والعبور فی الأرض غیر المحصّنة والمحجّبة ونحو ذلک من التصرفات غیر المعتدّ بها، قال: (ومن ذلک یظهر جواز العبور فی الشوارع المستحدثة فی المدن) انتهی، لا یخلو من إشکال، فإنّ السیرة إنما

ص:329

الضمان بذبح القصاب الحیوان علی وجه غیر شرعی

الخامسة: إذا استأجر القصاب لذبح الحیوان فذبحه علی غیر الوجه الشرعی

هی للعلم بالرضا، ولا سیرة مع الشک فی الرضا، فضلاً عن العلم بعدم الرضا، وقد تقدم أنّ وجه العبور فی الشوارع أنّ المحل یسقط عن الملکیة العرفیة.

هذا مضافاً إلی ما فی تفریع الشارع علی البستان غیر المحصّن من النظر الواضح.

{الخامسة: إذا استأجر القصّاب لذبح الحیوان فذبحه علی غیر الوجه الشرعی} کأن لم ینحر أوداجه الأربعة {بحیث صار حراماً، ضمن قیمته} لقاعدة «من أتلف مال الغیر فهو له ضامن»((1))، کما تقدم فی المسألة الرابعة من فصل کون العین المستأجرة أمانة.

لکن هل ضمان القیمة عام للعارف بالذبح وغیره، أم خاص بالعارف فقط؟

وهل أنّ المراد بالقیمة قیمة الحیوان الحیّ أم المذکی؟

وهل أن القیمة قیمة الکل أو البعض المحرّم؟

وهل أنّ القیمة مضمونة وإن أمکن بیعها لمن یستحل أم لا؟

وهل أنّ الضمان یتحقّق إذا ما کان المستأجر لا یهتم بالحلال والحرام، أم أنه خاص بما إذا کان یهتم بذلک؟

وهل أنّ الحکم کذلک فی ما إذا کان المستأجر ممّن یحلّل المذبوح کذلک، أم خاص بمن یحرم؟

وهل أنه إذا جهل المستأجر بالحرمة وصرف المذبوح کان له أخذ البدل أم لا؟

ص:330


1- الوسائل: ج8 ص238 الباب 10 من الشهادات ح1

نقول: أمّا بالنسبة إلی الفرع الأول، فالظاهر أنّ الضمان خاص بالنسبة إلی العارف بالذبح، أمّا إذا کان جاهلاً بالذبح فالسبب أقوی من المباشر، کما إذا استأجر صاحب الحیوان بعض أهل الریف الذی لا یحسن الذبح ولا یدری الحکم بحیث ظنّ أنه إنما یرید قتل الحیوان فقتله، فإنّ أصالة عدم الضمان محکمة، وعلیه یکون للذابح الأجرة علی صاحب الحیوان، لکن لا أجرة المسمّی، بل أجرة مثل عمله، لأنّ عمل الإنسان محترم، وإنما لیس له أجرة المسمّی لأنّ متعلق الإجارة لم یؤت به، والظاهر أنّ له أقل الأمرین من المسمّی والمثل، لما تقدم غیر مرة فی المسائل السابقة.

وأمّا بالنسبة إلی الثانی، فالظاهر أنّ ضمان الذابح إنّما هو بقدر الحیوان الحی لا الحیوان المذکی، فإذا کان الحیّ مائة والمذکی خمسین، کان لصاحب الحیوان علی الذابح مائة، لأنه أجاز فی التذکیة الموجبة لإفناء خمسین بلا بدل فیما إذا ذکی، أی أجاز إفناء التفاوت المقارن للتذکیة لا مطلقاً، ولو فرض أنّ قیمة المذکی أکثر من الحیوان الحی لم یکن للمالک الزیادة، لأن الذابح لم یتلف علیه تلک الزیادة.

وأمّا بالنسبة إلی الثالث، فالظاهر أنّ الضمان بقدر المحرّم، لا بقدر الکل، فلو کان الحیوان یساوی مائة وما حرّم منه بالذبح یساوی ثمانین، وبقی العشرون المقابل للصوف ونحوه محلّلاً، لم یضمن الذابح إلاّ الثمانین، لأنه هو المقدار الذی أتلفه، فضمان غیره یحتاج إلی دلیل مفقود.

وأمّا بالنسبة إلی الرابع، فالظاهر عدم الضمان إن أمکن ذلک، إذا

ص:331

کانت القیمة متساویة، وإذا کانت أقل کما إذا کان المستحل یشتریه بمائة بینما المحرّم یشتریه بمائة وعشرین ضمن التفاوت، لأنّ ذلک حصل بفعل الذابح.

وأمّا بالنسبة إلی الخامس، ففیه احتمالان، من أنّه خسارة واقعیة وإن لم یشعر بها المالک فاللازم الضمان، ومن أنّ المالک سلّطه علی ذلک فلا ضمان، وهذا هو الأقرب.

ومنه یظهر الفرع السادس، وأنّ الحکم بالضمان خاص بالمحرّم، إذ المحلّل قد أذن فی قتل الحیوان کیفما کان، بل الظاهر أنه یحقّ للقصّاب اتّباع طریقة المالک عمداً، لقاعدة «ألزموهم بما التزموا به»((1)).

ولقوله (علیه السلام): «لحکمتُ بین أهل التوراة بتوارتهم»((2)).

ولما ورد من إجازة الإمام (علیه السلام) لبعض أصحابه، أن یفتی لمن کان علی غیر طریقة الأئمة (علیهم السلام) بما یرون من المذاهب، مثلاً إذا رأی المالک صحة الذبح فوق الجوزة جاز للقصّاب أن یفعل ذلک، وإن کان الذبح کذلک محرّماً فی مذهب القصّاب.

وقاعدة أنّ الکفّار وسائر الناس مکلّفون بالفروع محکومة بما تقدم من الأدلة، من «ألزموهم»((3)) ونحوه.

ص:332


1- الوسائل: ج15 ص321 الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق ح5 و6
2- الوسائل: ج18 ص218 الباب 27 من أبواب کیفیة القضاء ح1
3- الوسائل: ج15 ص321 الباب 36 من أبواب مقدمات الطلاق ح5 و6

بحیث صار حراما ضمن قیمته، بل الظاهر ذلک إذا أمره بالذبح تبرعاً، وکذا فی نظائر المسألة.

وأمّا بالنسبة إلی الفرع السابع، فالظاهر ضمان القصّاب، لأنه أتلف مال المالک وإن صرفه لمالک جهلاً مثلاً، أو صرفه من جهة عدم المبالاة، بعد أن کان الاستئجار أو الإذن خاصاً بالذبح الشرعی، وأکل المالک الحرام جاهلاً بذلک أم عامداً، لا یسقط الضمان المحقّق علی القصّاب بسبب الإتلاف.

وفی المقام فروع أخر ترکناها خوف التطویل.

{بل الظاهر ذلک} الضامن علی القصّاب {إذا أمره بالذبح تبرّعاً} لقاعدة «من أتلف»، والإذن لم یکن بالنسبة إلی ما فعله القصّاب، کما لا یخفی.

ثم إنه لا فرق فی ما تقدم بین کون التحریم عمداً أو جهلاً أو نسیاناً أو سهواً أو غفلةً لما قرّر عندهم من أن الضمان حکم وضعی لا یفرّق فیه أقسام التلف.

{وکذا فی نظائر المسألة} وإن کان لکلّ مسألة أسلوبها الخاص فی الأحکام، کما إذا استأجره لغسل میته فغسله غسلاً باطلاً، أو لصید السمک فی شبکته فصادها وترکها حتی ماتت فی الماء، أو لرمی الوحش والطیر فرماهما بدون البسملة، أو نحو ذلک بما یسبّب التحریم، ومثل ذلک ما إذا أفسد الطعام فیما إذا استأجره لطبخه، إلی غیر ذلک، ولا یخفی سوق الدلیل فی کلّ المذکورات، والله العالم.

ص:333

لو آجر نفسه للصلاة علی أحد فاشتبه

السادسة: إذا أجّر نفسه للصلاة عن زید فاشتبه وأتی بها عن عمرو

{السادسة: إذا أجّر نفسه للصلاة عن زید فاشتبه وأتی} بالصوم عن زید لم تفرغ ذمة زید عن الصلاة، ولا ذمة الأجیر عن الإجارة، نعم تفرغ ذمة زید عن الصیام إذا کان علیه صوم ولا یستحق الأجیر الأجرة علی الصوم، لأنه کالمتبرّع، وإذا أتی غیر الأجیر بالعمل علی ظنّ أنه الأجیر تفرغ ذمة المیت ولکن لا یستحق العامل الأجرة، وهل تبقی الإجارة علی حالها، له صورتان:

الأولی: أن تکون الإجارة لأجل إفراغ ذمة المیت، وفی هذه الصورة تبطل الإجارة لعدم المتعلّق لها.

الثانیة: أن تکون الإجارة لأجل الإتیان بهذا العمل مهما کان، وفی هذه صورة لا تبطل الإجارة لبقاء المتعلّق.

ومثل ذلک إذا استأجر الولد الأکبر ثم استأجر الولد الأصغر وأتی الأجیر الأول، فله صورتان بالنسبة إلی الأجیر الثانی.

ولو أجّر نفسه للصلاة عن زید فاشتبه الأجیر وأتی {بها عن عمرو} فقد یکون عمرو ذاتاً وقد یکون عنواناً، والعنوان قد یکون علی نحو صرف الإشارة، وقد یکون علی نحو القید، فالصور ثلاث:

الأولی: أن یقصد أنه یصلّی عن عمرو الشخصی، ویشیر إلی ذات عمرو الخارجی.

الثانیة: أن یقصد أنه یصلی عن الذات الخارجی الصدیق له _ أی

ص:334

فإن کان من قصده النیابة عن من وقع العقد علیه وتخیل أنه عمرو فالظاهر الصحة عن زید واستحقاقه الأجرة، وإن کانت ناویاً النیابة عن عمرو علی وجه التقیید لم تفرغ ذمة زید ولم یستحق الأجرة، وتفرغ ذمة عمرو إن کانت مشغولة

زید _ ولکن یجعل عمرو عنواناً له، فیظنّ أنّ اسمه عمرو مثلاً.

الثالثة: أن یقصد أنه یصلّی عن الذات الخارجی الذی قاله المستأجر، ولکن یجعل عمرو قیداً له، أی یصلّی عمّن قاله المستأجر المقید بکونه عمرو.

{فإن کان من قصده النیابة عمّن وقع العقد علیه وتخیل أنه عمرو} وهو الصورة الثانیة {فالظاهر الصحة عن زید} لأنه قصد الشخص الذی وقعت الإجارة مرتبطة به، ولعلّ قول المصنّف: (الظاهر) من جهة احتمال أنّ قصد عمرو یجعل المقصد الذات والعنوان معاً، فیکون کصورة التقیید، إذ لا ذات هو معنون بهذا العنوان کما سیأتی، {واستحقاقه الأجرة} لإتیانه بمتعلّق الإجارة، {وإن کان ناویاً النیابة عن عمرو علی وجه التقیید} وهی الصورة الأولی، أمّا الصورة الثانیة فلم یتعرّض لها المصنّف.

وکیف کان ففی هاتین الصورتین {لم تفرغ ذمة زید}، أمّا فی الصورة الأولی فلأنه لم یأت بالعمل له أصلاً، وإن کان لمن قصده حقیقة خارجیة، وأمّا فی الصورة الثالثة فلأنه لا خارج لزید المقید بکونه عمرو أصلاً، {ولم یستحق الأجرة} علی عمله.

نعم إذا بقی وقت الإجارة لزم أن یأتی بالعمل ثانیاً ویستحقّ الأجرة {وتفرغ ذمة عمرو إن کانت مشغولة} لأنّ فراغ الذمة یکون

ص:335

إیکال المستأجر بتجدید الإجارة

ولا یستحق الأجرة من ترکته لأنه بمنزلة التبرع، وکذا الحال فی کل عمل مفتقر إلی النیة.

السابعة: یجوز أن یؤجر داره مثلاً إلی سنة بأجرة معینة، ویوکل المستأجر فی تجدید الإجارة عند انقضاء

بإتیان الصلاة له، وقد أتی بها له، {ولا یستحقّ} الأجیر {الأجرة من ترکته} أی ترکه عمرو المأتی له بالصلاة {لأنّه بمنزلة التبرّع} فإنه عمل بدون أمر ولا إجارة، وإنما قال: (بمنزلة) لأنه لم یقصد التبرّع.

{وکذا الحال فی کلّ عمل مفتقر إلی النیة} عبادة کانت کالصیام والحج، أم لا کالنکاح والبیع.

فلو استأجره زید لأن ینکح له امرأة، فنکحها لعمرو الشخصی _ وهی الصورة الأولی _ صحّ النکاح لعمرو فضولاً، ولم یستحقّ أجرة لا عن زید ولا عن عمرو.

وإن نکحها للذات الموکل له، وظنّ أنّ اسمه عمرو، فإنّ النکاح صحیح لزید، واستحق علیه الأجرة _ وهی الصورة الثانیة _.

وإن نکحها للذات الخارجی المقید بکونه عمرو _ وهی الصورة الثالثة _ لم یقع النکاح عن أحدهما وبطل، ولم یستحقّ الأجرة.

وفی المقام مسائل کثیرة نضرب عنها خوف التطویل.

{السابعة: یجوز أن یؤجّر داره مثلاً سنة بأجرة معینة، ویوکل المستأجر} وکالة خارجیة أی لیس فی ضمن عقد الإجارة {فی تجدید الإجارة عند انقضاء المدة} بلا إشکال، وذلک لعمومات أدلة الوکالة، ولا یخفی أنّ الوکالة فی الحال وإن کان متعلّقها فی المستقبل، ویصح أیضاً أن ینشئ الوکالة المستقبلة، فلا یکون حینئذ وکیلاً فی الحال، وإنما تأتی

ص:336

المدة وله عزله بعد ذلک، وإن جدد قبل أن یبلغه خبر العزل لزم عقده.

الوکالة مع متعلّقها فی المستقبل، وحیث إنّ کلا الأمرین أمر عقلائی فإطلاقات الوکالة تشملهما.

وکذا فی کلّ عقد، إلاّ إذا علم من الشارع عدم رضاه بذلک کما فی النکاح، فإنّه لا یصحّ أن ینشأ النکاح الآن ویقصد بذلک تحقّق الزوجیة بعد سنة، والإیقاعات أیضاً کذلک، فلا یصح الطلاق یوم الجمعة لتطلق الزوجة یوم السبت، وکذلک فی العتق والإبراء ونحوهما.

{وله عزله بعد ذلک} لما تحقّق فی باب الوکالة من أنها أمر جائز، فلکل واحد من الطرفین رفضها متی شاء، ولا یضر العزل بالإجارة، وإن کان داعی المستأجر للدار من إیجارها بهذه القیمة أو فی هذه المدة مثلاً أن یستولی علیها لسنة أخری مثلاً بمقتضی الوکالة، فإنّ تخلّف الداعی لا یوجب الخیار.

نعم إذا استأجرها بقیمة أعلی لأجل الوکالة، حتی أنّ الدار بدون الوکالة لا تساوی بهذه القیمة، کان عزله منها موجباً لخیاره فی فسخ الإجارة، وإن لم تکن الوکالة شرطاً فی العقد.

{وإن جدّد} المستأجر الإجارة {قبل أن یبلغه خبر العزل لزم عقده} لما ثبت فی باب الوکالة من أن التصرف قبل بلوغ العزل نافذ.

نعم لو أجّرها المالک قبل أن یستأجرها المستأجر ثانیاً لم یبق للوکالة المذکورة أثر، وتبطل إجارة المستأجر بعد ذلک.

ص:337

ویجوز أن یشترط فی ضمن العقد أن یکون وکیلاً عنه فی التجدید بعد الانقضاء، وفی هذه الصورة لیس له عزله.

{ویجوز أن یشترط} المستأجر {فی ضمن العقد أن یکون وکیلاً عنه فی التجدید بعد الانقضاء} أی انقضاء مدة الإجارة، وذلک لإطلاق أدلة الشرط إلاّ ما حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً، {وفی هذه الصورة لیس له عزله} لأنّ الشرط لازم، وهو یقتضی الوضع لا أنه مجرد التکلیف کما حقّق فی محلّه.

وما ذکره المستمسک من إرجاع هذا الشرط إلی اشتراط أن لا یعزله، فإذا أعزله لم یصحّ لأنه تصرف فی حقّ الغیر فیخرج عن سلطانه، وإنما أرجعه إلی شرط عدم العزل لأنّ الوکالة من النتائج التی لا یصحّ شرطها، فضلاً عن شرطها حدوثاً وبقاءً، إذ البقاء یمتنع جعله وإنشاؤه، فإذا کان البقاء لا یقبل الإنشاء بالعقد فأولی أن لا یقبل الإنشاء بالشرط، فیه ما لا یخفی.

لأنّ من الأشیاء ما یحتاج إلی التکوین فی عالم الخارج، ومنها ما یحتاج إلی التکوین فی عالم الاعتبار، والاعتبار قد یکون إحداثاً فقط، وقد یکون إحدثاً وإبقاءً، وإلاّ کیف أمکن الإحداث.

والحاصل إنّ الأمور الاعتباریة إنما هی بید المعتبر، ومنها کلّ أنواع العقود والإیقاعات، حتی أنه لو لا الدلیل الخاص لکنّا نقول بصحة التعیین من کلّ عقد وإیقاع، بأن ینشأ تارة النکاح المؤقت وتارة النکاح الدائم، بمعنی أن یکون أثر المؤقت نفس أثر الدائم من النفقة والإرث وغیرهما، وکذلک ینشأ تارة الطلاق المؤقت وتارة الطلاق الدائم.

قیاس عالم الاعتبار بعالم الخارج یوضح هذه الحقیقة، فإنّ الموجود یحتاج تکویناً وإبقاءً إلی الموجد، فکذلک الموجود الاعتباری، ولذا ذکروا أنّ بحذاء کلّ مقولة اعتباریة مقولة خارجیة، بل

ص:338

لیس من المعقول أن یکون الشیء بید المعتبر إنشاءً لا إبقاءً، وإلاّ فکیف یبقی المعلول بدون العلّة، لا العلّة التکوینیة ولا العلّة الاعتباریة.

ثم إنه کما یصحّ هذا الشرط فی ضمن نفس عقد الإجارة، کذلک یصحّ فی ضمن عقد آخر خارجی.

ولو مات المؤجر لم یکن لورثته عزله، لأنّ الإنشاء کان بید المیت تبعاً للملک، فیبقی علی ما أنشأ، کما أنه لیس للورثة إبطال الإجارة التی أجرها المیت.

نعم لو تنازل المستأجر عن الشرط کان للمالک عزله، لأنه حقّ له، فإذا تنازل عنه سقط.

ولو شرط هذا الشرط لکن المستأجر لم یجدّد العقد بعد الإنقضاء، فإن کان علی نحو تعدد المطلوب یبقی اختیاره فی التجدید فی أی وقت شاء، وإن کان علی نحو وحدة المطلوب بأن کان الشرط أن یجدّد العقد بعد الانقضاء للإجارة فوراً عرفیاً وانقضی الفور العرفی، کانت الوکالة ساقطة تلقائیاً.

ومنه یعلم أنه لو حدّد زمن الوکالة _ بعد انقضاء العقد _ بزمان مقدّر، کأن قال: بشرط أن أکون وکیلاً عنک بعد الانقضاء مدة أسبوع، کان للمستأجر التجدید مدة الأسبوع لا أکثر.

ثم إنّ شرائط التجدید حسب ما یذکرانه، وإن لم یذکر شرط کان حسب المنصرف إلیه، مثلاً قال: بشرط أن أکون وکیلاً فی التجدید بنفس الأجرة ولمدة سنة أخری وهکذا، وإن لم یذکر انصرف إلی التجدید بأجرة المثل والزمن المحدّد لأجرة مثل ذلک الشیء عرفاً، ففی الدار الزمن

ص:339

إیجار المبیع قبل انقضاء مدة الخیار

الثامنة: لا یجوز للمشتری ببیع الخیار بشرط رد الثمن للبائع أن یؤجر المبیع أزید من مدة الخیار للبائع،

المحدّد غالباً هو سنة، ولو شک فی الزیادة والنقیصة کان اللازم إجراء أصالة عدم الزیادة.

ثم الظاهر من الشرط السابق أنه شرط المرة الواحدة، فإذا انقضت الإجارة السابقة سقط الشرط، اللّهم إلاّ أن یصرّح باستمرار الشرط، ولو اختلفا فی الاستمرار والمرة، فالقول قول منکر الاستمرار.

ولو أجّر الشیء المؤجر قبل إیجار المستأجر لنفسه فی زمن حقّه فی إیجاره لنفسه کان فضولیاً، لأنه متعلّق حقّ المستأجر.

ولو مات المستأجر بعد الشرط سقطت الوکالة، فإذا کانت الأجرة قد زیدت لهذا الشرط کان للورثة الفسخ لخیار الغبن.

نعم لو کان الشرط کون ذلک الحق له بحیث یتعدّی إلی الورثة، کسائر الحقوق التی تنتقل إلی الورثة، لعموم ما ترکه المیت فلوارثه، لم یسقط الحق، ولو شک فی العموم والخصوص فالأصل عدم العموم.

وفی المقام مسائل أخر تظهر ممّا ذکرناه.

{الثامنة: لا یجوز للمشتری ببیع الخیار بشرط ردّ الثمن للبائع أن یؤجّر المبیع أزید من مدة الخیار للبائع} کما نسب إلی المشهور، وذلک لأنّ الإیجار أزید من مدة الخیار ینافی حقّ البائع، فهو تصرّف فیما لا سلطة له علیه، بل السلطة لغیره.

وقد أجاز الشیخ المرتضی (رحمة الله) ذلک فی الخیارات الأصلیة

ص:340

دون مثل هذا الخیار، فقال: (فالجواز لا یخلو من قوة فی الخیارات الأصلیة، وأما الخیارات المجعولة بالشرط فالظاهر من اشتراطه إرادة إبقاء الملک لیستردّه عند الفسخ).

ولم یستبعد المستمسک((1)) ما ذکره الشیخ، وإن کان الذین وجدتهم من المعلّقین سکتوا علی المتن ممّا یدل علی موافقتهم له.

أقول: لکن الظاهر جواز ذلک، لأنّ الإجارة لا تنافی حقّ البائع، إذ إن لم یفسخ البائع کان الملک للمشتری وقد أجّره بلا محذور، وإن فسخ البائع یکون الإیجار بالنسبة إلی زمان المشتری صحیحاً، وبالنسبة إلی زمان الفسخ فضولیاً، فإن أجاز البائع الفاسخ صحّ، وإلاّ بطل بالنسبة إلی تلک المدة بعد الفسخ.

منتهی الأمر أن المستأجر إن کان عالماً بالأمر سقطت الأجرة علی الزمانین، وأعطی للمؤجر المشتری بقدر زمانه، وإن لم یکن عالماً بالأمر کان للمستأجر الفسخ للإجارة، وإعطاء المشتری أجرة المثل أو أقل الأمرین.

نعم لا تصحّ الإجارة بالنسبة إلی زمان ما بعد الفسخ إن کان المستأجر هو البائع، لعدم صحة إجارة الإنسان لملک نفسه.

ومنه یظهر أنّ ما استدل له للمشهور من منافاة الإیجار لحقّ ذی الخیار، فیه نظر، کما أنّ الفرق الذی ذکره الشیخ بین الخیارات الأصلیة والخیارات المجعولة لیس فرقاً فی ذات الخیار، بل الفرق لأمر خارجی، وإلاّ فذات الخیار واحد، والملک المتعلّق به الخیار کالملک غیر المتعلق به الخیار، لما حقّق فی

ص:341


1- مستمسک العروة الوثقی: ج12 ص205

ولا فی مدة الخیار من دون اشتراط الخیار حتی إذا فسخ البائع یمکنه أن یفسخ الإجارة، وذلک لأن اشتراط الخیار من البائع فی

موضعه من أنّ تعلّق الخیار لا یؤثّر فی حقیقة الملک.

وعلیه فإذا لم یکن ذلک الفارق الخارجی الذی ذکره الشیخ بقوله: (فالظاهر من اشتراطه) إلی آخره، والذی أیده المستمسک بقوله: (عملاً بالقرینة العامة) إلی آخره، فی الإجارة للعین ذات الخیار الأصلی وذات الخیار المجعول بالشرط، کانت علی حدّ سواء، وذلک کما إذا باعه بخیار الفسخ عند ردّ الثمن، لکن إنما جعل هذا الشرط لحفظ ماء وجهه وإظهار نفسه بحیث إنه قادر علی تحصیل الثمن، وإن کان علم فی قرارة نفسه أنه لا یقدر، وأنه لا یتمکن من الاسترداد أصلاً.

والحاصل أنّ کلام الشیخ والسید لیس وارداً فی المسألة لأنه خیار، بل لأمر خارجی هی القرینة، فالخیار بذاته لیس مانعاً.

هذا کلّه مضافاً إلی کون المسألة ممّا أفتی بها المشهور محل نظر، لأنهم أفتوا بعدم جواز التصرف تصرّفاً یمنع من الاسترداد، والإجارة لیست کذلک.

وممّا تقدم یظهر وجه الإشکال فی قوله: {ولا فی مدة الخیار من دون اشتراط الخیار حتی إذا فسخ البائع یمکنه} أی المشتری {أن یفسخ الإجارة}، وذلک لأنّ البائع إن لم یفسخ بقیت الإجارة، وإن فسخ کانت الإجارة بالنسبة إلی بقیة المدة فضولیة.

{و} أما التعلیل بقوله: {ذلک لأنّ اشتراط الخیار من البائع فی

ص:342

لو قام بالعمل غیر الأجیر

قوة إبقاء المبیع علی حاله حتی یمکنه الفسخ فلا یجوز تصرف ینافی ذلک.

التاسعة: إذا استؤجر لخیاطة ثوب معین لا بقید المباشرة

قوة إبقاء المبیع علی حاله حتی یمکنه الفسخ فلا یجوز تصرف ینافی ذلک} فقد عرفت ما فیه:

أولاً: بأنه لیس فی قوة ذلک مطلقاً.

وثانیاً: بأن التصرّف الإیجاری لا ینافی ذلک.

وثالثاً: بأنّ کلّ إیجار لیس کذلک.

کما نبّه علیه المستمسک بقوله: أما إذا لم یکن کذلک کما فی إجارة السفینة علی المسافرین لا تکون الإجارة منافیة لذلک، بالإضافة إلی أنّ الإیجار لو کان خیاریاً أیضاً لم تکن منافاة أصلاً.

وکیف کان، فعلی تقدیر تمامیة أصل المسألة فإطلاق عدم صحة الإیجار لا یخلو من نظر، فهل یکون إیجار غرفة الفندق المبیع بالبیع الشرطی لیلة واحدة للزائر ذا محذور.

نعم الظاهر منافاة إیجار مثل السیارة إلی مسافات بعیدة فیما إذا کان الفسخ محتملاً، وعند الفسخ لا یمکن استرجاعها.

{التاسعة: إذا استؤجر لخیاطة ثوب معین} أمّا إذا کان الثوب کلّیاً فلیس کما یأتی من الحکم {لا بقید المباشرة} بخلاف ما إذا کان بقید

ص:343

فخاطه شخص آخر تبرعاً عنه استحق الأجرة المسماة، وإن خاطه تبرعاً عن المالک لم یستحق المستأجر شیئاً وبطلت الإجارة.

المباشرة فحکمه یختلف کما سیأتی، {فخاطه شخص آخر تبرّعاً عنه} أی عن الأجیر {استحقّ} الأجیر {الأجرة المسمّاة} لحصول العمل من الأجیر، إذ التبرّع للأجیر یوجب أن یکون العمل له فیستحق الأجیر العوض.

أمّا إذا کان الثوب المستأجر علیه غیر معین، فإنّ خیاطة المتبرّع أیضاً حاله کذلک، إذ کما یتحقّق المستأجر علیه بخیاطة نفس الأجیر لثوب ما، کذلک یتحقّق المستأجر علیه بخیاطة المتبرّع عن الأجیر.

وأما إذا کان بقید المباشرة فخیاطة المتبرّع لا تنفع فی استحقاق الأجیر، لأنه إذا کان الثوب معیناً فقد سقط متعلّق الإجارة بحصول الخیاطة للثوب، فلا یستحقّ الأجیر أجرة العمل، وإذا کان الثوب کلّیاً فلأنّ الثوب الکلّیّ بعد باق، فعلی الأجیر أن یفی بمقتضی الإجارة، ولا یستحقّ الأجیر والمتبرّع أجرةً لخیاطة ذلک الثوب، أمّا المتبرّع فلفرض أنه متبرّع، وأمّا الأجیر فلأنه لم یعمل عملاً.

ومثل المتبرّع فیما ذکرناه إذا أمر الأجیر غیره بالخیاطة، أو إذا استأجر الأجیر غیره للخیاطة، لوحدة الدلیل فی الجمیع.

{وإن خاطه تبرّعاً عن المالک لم یستحقّ المستأجَر} بالفتح، أی الأجیر {شیئاً، وبطلت الإجارة} لعدم تحقّق العمل من الأجیر، وحیث إنّ العمل متعذّر بطلت الإجارة، أمّا إذا کان الثوب کلّیاً کان التبرّع غیر

ص:344

وکذا إن لم یقصد التبرع عن أحدهما، ولا یستحق علی المالک أجرة لأنه لم یمکن مأذوناً من قبله، وإن کان قاصداً لها أو معتقداً أن المالک أمره بذلک.

ضائر، إذ الثوب الکلّیّ بعد باق، فللأجیر أن یطلب ثوباً ثانیاً ویخیطه ویأخذ الأجرة.

وأمّا إذا کان الثوب شخصیاً ولکن بقید المباشرة بطلت الإجارة أیضاً، لسقوط العمل المستأجر علیه.

{وکذا إن لم یقصد التبرّع عن أحدهما} لا المالک ولا الأجیر، لم یستحقّ الأجیر شیئاً وبطلت الإجارة، لأنه لم یأت بالعمل حتی یستحقّ شیئاً ولم یبق متعلّق الإجارة، {ولا یستحقّ} المتبرّع {علی المالک أجرة} لأنه أتی بالعمل بدون إجارة ولا أمر، {لأنه لم یکن مأذوناً من قبله} إذناً یوجب الضمان، {وإن کان} الخیاط {قاصداً لها} أی للأجرة {أو معتقداً أنّ المالک أمره بذلک} إذ القصد والاعتقاد لا یوجبان ضمان المالک.

وکیف کان، فصور المسألة اثنتی عشرة:

لأنّ الثوب إمّا کلّی أو شخصیّ، وعلی کلّ حال فالإجارة إمّا بقید المباشرة أو لا، وعلی کلّ حال إمّا أن یکون الخائط یقصد التبرّع عن الأجیر أو عن المالک، أو لا یقصد التبرّع عن أحدهما، والمصنّف إنما ذکر ثلاث صور فقط، وبقیة الصور تعرف مما ذکرناه.

ثم إنه لو أتی المتبرّع بنصف العمل فی مورد یکون کلّ العمل مسقطاً للإجارة فلکل من الأجیر والمستأجر خیار الفسخ لتبعّض الصفقة، فإنّ

ص:345

الإجارة علی العمل المرکب

العاشرة: إذا أجّره لیوصل مکتوبه إلی بلد کذا إلی زید مثلاً فی مدة معینة

فسخ الأجیر لم یستحقّ شیئاً، سواء کان فسخه قبل العمل أو بعده، وإن فسخ المستأجر فإن کان قبل العمل لم یستحقّ الأجیر شیئاً، وإن کان بعد العمل استحقّ أجرة المثل، أو أقل الأمرین من المثل أو المسمّی بالنسبة.

ثم إنّ کلّ ما تقدم کان حال ما إذا کانت المباشرة علی نحو القید، أمّا إذا کانت علی نحو الشرط، فالبطلان فی أی مورد ذکرنا أنه باطل فی باب القید إنما یکون إذا أخذ المستأجر بالشرط، بأن أسقط الإجارة لخیار تخلّف الشرط، وأما إذا أسقط الشرط لم یکن بطلان کما لا یخفی.

ثم إنّ الموارد التی ذکرنا فیها أنّ الإجارة تبطل لفوات المحل، إنما هو فیما إذا لم یبق محل لعمل الأجیر، وإلاّ لم یبطل، کما إذا انفتق الثوب بعد خیاطة المتبرّع، أو کان المحل قابلاً لتوارد عملین علیه ولم یکن المنصرف من الإجارة العمل الأول.

{العاشرة: إذا أجّره لیوصل مکتوبه إلی بلد کذا إلی زید مثلاً فی مدة معینة} فلمّا وصل إلی هناک رأی أنّ زیداً قد مات، فإن کانت الإجارة علی العمل الذی یأتی من الأجیر استحقّ الأجرة، لأنه عمل ما یتمکن من الإتیان به، وإن کانت الإجارة علی الإیصال فقط بحیث إنّ ما سواه مقدّمة لم یستحقّ شیئاً، وإن کانت الإجارة علی المجموع استحقّ بالنسبة.

ولو وجد زیداً مسافراً فسافر حتی أوصله إلیه لم یستحقّ أزید من أجرة المسمّی، لأنّ الزائد لم یکن بأمر المستأجر ولا إیجاره.

ولو وجد زیداً قبل البلد الفلانی، مثلاً استأجره لیسافر إلی العراق من

ص:346

فحصل مانع فی أثناء الطریق أو بعد الوصول إلی البلد، فإن کان المستأجر علیه الإیصال وکان طی الطریق مقدمة لم یستحق شیئاً، وإن کان المستأجر علیه مجموع السیر والإیصال استحق بالنسبة.

الکویت ویوصله إلیه فی النجف فوجده فی کربلاء، فإن کان الطریق مقدّمیاً استحقّ تمام الأجرة، وإن کان الطریق داخلاً فی متعلّق الإجارة استحقّ بالنسبة.

ولو ضلّ المکتوب فی أثناء الطریق، فإن کان السیر والإیصال مورد الإجارة استحقّ بالنسبة، وإن کان الإیصال مورد الإجارة لم یستحقّ شیئاً.

{فحصل مانع فی أثناء الطریق أو بعد الوصول إلی البلد} فلم یتمکن من إیصال الکتاب إلیه {فإن کان المستأجر علیه الإیصال وکان طی الطریق مقدمة لم یستحقّ شیئاً} لأنه لم یأت بالمستأجر علیه، وإن کان عدم إتیانه بدون اختیاره.

ومثله لو أوصله ولکن بعد المدة المقرّرة، فیما إذا کانت المدة قیداً أو شرطاً، لأنه لم یأت بالمستأجر علیه أیضاً.

{وإن کان المستأجر علیه مجموع السیر والإیصال استحقّ بالنسبة} کما أنه إذا أوصله بدون السفر، لمجیء زید إلی نفس البلد، استحقّ بالنسبة أیضاً، لأنه أوصل الکتاب إلیه.

ومّما تقدم یعرف أنه لو مات الأجیر قبل الإیصال استحقّ بالنسبة فی صورة کون الإجارة علی المجموع، ولم یستحقّ شیئاً إذا کانت الإجارة علی الإیصال.

کما عرف الفرق بین صورتی عدم ذهابه إلاّ إلی بعض الطریق ثم رجوعه لعدو أو ما أشبه، فإنه یستحقّ بالنسبة إذا کان الإیجار للمجموع، دون ما إذا کان للإیصال.

ص:347

وکذا الحال فی کل ما هو من هذا القبیل، فالإجارة مثل الجعالة قد تکون علی العمل المرکب من أجزاء، وقد تکون علی نتیجة ذلک العمل.

{وکذا الحال فی کلّ ما هو من هذا القبیل}، کما إذا استأجر الحاج المعلّم ثم مات المعلّم فی أثناء الطریق أو مرض، فإن کانت الإجارة لأعمال الحج لم یستحقّ شیئاً، وإن کانت للمجموع استحقّ بالنسبة.

ثم إنه لو شک فی أنّ الإجارة کانت بأیة کیفیة، کما إذا ماتا معاً وأرادا الوارثان التصفیة بینهما، کان الأصل عدم الضمان، لتعارض أصلی عدم کون الإجارة للإیصال، وعدم کون الإجارة للمجموع، فیتساقطان، ولیس الإیصال والمجموع من باب الأقل والأکثر، حتی یکون أصل عدم الزیادة محکماً، بأن یقال: الإیصال مورد الإجارة یقیناً أما الطریق فلم یعلم کونه مورد الإجارة فالأصل عدمه، وعلیه فلا تعارض بین الأصلین، لأنّ الإجارة علی الإیصال تباین الإجارة علی المجموع، فتأمل.

ولو أوصل الکتاب إلی غیر زید، فإن کان الإیصال مورد الإجارة لم یستحقّ شیئاً، وإن کان المجموع مورد الإجارة استحقّ بالنسبة، ولو أوصل غیر الکتاب إلی زید اشتباهاً فالحکم کذلک.

{فالإجارة مثل الجعالة قد تکون علی العمل المرکب من أجزاء} بحیث تکون الإجارة منبسطة علی الأجزاء {وقد تکون علی نتنیجة ذلک العمل}، وما ذکره السیدان البروجردی والأصطهباناتی علی کلام المصنّف حیث قالا، والعبارة للأول: (لکن الإجارة علی نتیجة العمل إنما تصحّ إذا کانت مترتبة علیه غالباً بحیث لا تکون الإجارة غرریة بخلاف الجعالة، والفرق هو أنّ

ص:348

فمع عدم حصول تمام العمل فی الصورة الأولی یستحق الأجرة بمقدار ما أتی به، وفی الثانیة لا یستحق شیئاً، ومثل الصورة ما إذا جعلت الأجرة فی مقابلة مجموع العمل من حیث المجموع

المستأجر یملک المستأجر علیه علی الأجیر بخلاف الجاعل، فإنه لا یستحقّ علی العامل شیئاً، وإنما یعمل هو باختیاره بترقّب الفائدة) انتهی، لا یخلو من مناقشة.

فإنه بالإضافة إلی أنه خارج عن محل البحث، لأنّ الکلام الآن فی متعلّق الإجارة، وأنه شیء أو أشیاء، لا أنه متی تصحّ ومتی لا تصحّ.

یرد علیه: أنه لا معنی لکون الإجارة علی النتیجة غرریة، لأنّ المفروض أنّ المقدمة لیست داخلة فی الإجارة، فکون المقدمة موصلة أم لا؟ لا تجعل الإجارة غرریة.

نعم إذا شرط أو قید النتیجة المستأجر علیها بکونها من طریق کذا، أتی فیه کلام التعلیق علی تأمّل أیضاً.

{فمع عدم حصول تمام العمل فی الصورة الأولی یستحقّ الأجرة بمقدار ما أتی به} وإذا شک فی المقدار جری أصالة العدم بالنسبة إلی الزائد علی القدر المتیقّن {وفی الثانیة لا یستحقّ شیئاً} لأنه لم یأت بشیء من العمل المستأجر علیه، {ومثل الصورة} الثانیة {ما إذا جعلت الأجرة فی مقابلة مجموع العمل من حیث المجموع} علی نحو وحدة المطلوب، فإذا لم یأت بالأجزاء فکأنه لم یأت بشیء، ولم یستحقّ شیئاً.

ص:349

کما إذا استأجره للصلاة أو الصوم فحصل مانع فی الأثناء عن إتمامها

{کما إذا استأجره للصلاة أو الصوم فحصل مانع فی الأثناء عن إتمامها} فإنّ الأجزاء کلّها متعلّق الإجارة لکن علی نحو المجموع.

لکن هناک فرق بین أجزاء الصلاة والصوم وأجزاء السیر، فإنّ أجزاء الصلاة والصوم لیست موضوعة لغرض عقلائی فی حال انفراد بعض الأجزاء عن بعض، فلا یصحّ أن تکون الأجرة بإزاء الأجزاء، بل لا بدّ وأن تکون بإزاء المجموع من حیث إنه مجموع، بخلاف أجزاء السیر، فقد تکون موضوعاً للغرض، وتصحّ الإجارة علیها فی حال الانفراد عن الباقی، هذا ما أشکل به السید الحکیم علی المتن.

لکن یمکن أن یقال:

أولاً: إنّ الصلاة أیضاً أجزاؤها موضوعة لغرض، فإنّ کلّ واحد من التکبیر والقراءة والرکوع والسجود والتشهّد یصحّ أن یؤجّر الإنسان علیها، فحال الصلاة حال السیر تماماً، نعم الغرض الصلاتی لا یحصل من الأجزاء، کما أن غرض الإیصال لا یحصل من أجزاء السیر.

وثانیاً: إنّ الصوم أیضاً ممّا یحصل من أجزائه فی الجملة الغرض، فإنّ الغرض من الصیام الکفّ عن الطعام والجماع لحفظ الصحة وتمرین النفس علی الطاعة وما أشبه، ولا شک فی أنّ الکف من الصباح إلی الظهر له نصف ما للکف من الصباح إلی اللیل من الأثر، نعم جزء الصوم لیس صوماً، وهذا ممّا لا یضر بکونه موضوعاً للغرض العقلائی.

وثالثاً: قد یکون الأجیر لا یستعد لأن یؤجّر نفسه لقضاء الصلاة

ص:350

والصیام إلاّ بتبسیط الأجرة علی الأجزاء، وکان فی استئجاره غرض عقلائی کتمرینه علی العمل أو ما أشبه ذلک، فأی مانع من أن یستأجره المستأجر کذلک، إذ لا یلزم فی الإجارة کون الغرض العقلائی حاصلاً من العمل بنفسه، بل یمکن حصوله من جهة أخری کما لا یخفی.

ولذا سکت غالب من وجدناهم علی المتن، کالسادة ابن العم والبروجردی والجمال وغیرهم.

ثم إنّه إذا أجّره لیوصل عدّة مکاتیب فأوصل بعضها، فإن کانت الأجرة بأن الکلّ من حیث الکل وکانت بإزاء الإیصال لم یستحقّ شیئاً، وإن کانت الأجرة بإزاء کلّ جزء وکانت بإزاء الإیصال استحقّ بنسبة بعض الإیصال إلی کل الإیصال، وإن کانت بإزاء الطریق وإیصال الکلّ من حیث إنه کل استحقّ للطریق فقط بدون الإیصال، ولوحظت النسبة بین الطریق وبین الإیصال، وإن کانت بإزاء الطریق وإیصال کلّ جزء استحقّ للطریق ولإیصال ذلک الجزء، ولو حظت النسبة بین الطریق وبین إیصال کلّ جزء جزء.

ثم إنّه إن شرط المالک علی الأجیر أنه إن لم یوصل المکتوب إلی الطرف کان علیه کذا من الضمان، فالظاهر صحة الشرط.

لا یقال: إنه إن لم یوصل فقط بطلت الإجارة ولا ملزم للشرط بعد بطلان الإجارة، لأنّ الشرط یجب فی ضمن العقد، فإذا لم یکن عقد لم یکن شرط.

ص:351

لو کان للأجیر علی العمل خیار الفسخ

الحادیة عشرة: إذا کان للأجیر علی العمل خیار الفسخ، فإن فسخ قبل الشروع فیه فلا إشکال، وإن کان بعده استحق أجرة المثل

لأنه یقال: ما نحن فیه مثل ما تقدم فی المسألة الثانیة عشرة من الفصل الأول، وقد تقدم فیه صحة مثل ذلک، فراجع.

ومنه یظهر صحة أن یقول المستأجر: إن أوصلت فلک مائة، وإن لم توصل فلک عشرة مثلاً.

{الحادیة عشرة: إذا کان للأجیر علی العمل خیار الفسخ، فإن} لم یفسخ أصلاً فله أجرة المسمّی بلا إشکال، لأنه مقتضی الإجارة، وإن {فسخ قبل الشروع فیه فلا إشکال} فی عدم استحقاقه شیئاً.

ومثل الصورتین إذا کان للمستأجر خیار الفسخ ولم یفسخ أصلاً، أو فسخ قبل الشروع فی العمل، وکذا إذا کان لهما خیار الفسخ أو کان خیار الفسخ لثالث، وذلک لوحدة الدلیل فی الکل.

{وإن کان الفسخ بعده} أی بعد العمل {استحقّ} الأجیر {أجرة المثل} لا المسمّی، وذلک لأنّ العمل وقع علی نحو الضمان، فإذا بطل ضمانه بالمسمّی تعین ضمانه بالمثل، قال فی المستسمک: (والظاهر أنّ ذلک ممّا لا إشکال فیه ولا خلاف فإنّ الضمان هنا أولی من الضمان مع فساد العقد بقاعدة ما یضمن)((1))، انتهی.

ص:352


1- المستمسک: ج12 ص208

وإن کان فی أثنائه استحق بمقدار ما أتی به من المسمی أو المثل علی الوجهین المتقدمین، إلا إذا کان المستأجر علیه المجموع من حیث المجموع فلا یستحق شیئاً

فلا یقال: إنّ العمل حینما فسخ العقد یکون کالعمل بلا إجازة المالک فیکون تبرّعاً، إذ إنّ العمل ناشئ عن إرادة المالک، فقاعدة احترام عمل المسلم محکمة.

لکن یمکن أن یقال: إنّ اللازم أقل الأمرین من المثل والمسمّی، إذ المالک لم یدخل إلاّ بهذا المقدار فإلزامه بأکثر من ذلک _ فیما إذا کان المثل أکثر _ إلزام بما لم یلتزم به، کما تقدّم أمثاله فی المسائل السابقة.

{وإن کان} الفسخ {فی أثنائه} بأن عمل بعض العمل ثم فسخ {استحقّ بمقدار ما أتی به من المسمّی أو المثل علی الوجهین المتقدّمین} کما تقدم فی المسألة الخامسة من فصل یملک المستأجر المنفعة، إلی آخره.

{إلاّ إذا کان المستأجر علیه المجموع من حیث المجموع، فلا یستحقّ} الأجیر {شیئاً} لأنّه بعدم إتیانه ببعض العمل لم یأت بشیء ممّا أوجر علیه، إذ المؤجّر علیه هو مجموع العمل، فهو بفسخه قد أذهب احترام عمل نفسه.

وإن اختلفا فی أنّ الإجارة کانت علی الأجزاء أو المجموع، فالظاهر التحالف، لتباین الدعوتین عرفاً، وبعد التحالف فالمحکم أصالة براءة ذمة المستأجر.

ومثل الاستئجار علی المجموع من حیث المجموع الاستئجار علی کلّ جزء ولکن بشرط اقترانه بالأجزاء الأخر، فإنه فی هذه الصورة یحقّ

ص:353

وإن کان العمل مما یجب إتمامه بعد الشروع فیه، کما فی الصلاة بناءً علی حرمة قطعها، والحج بناءً علی وجوب إتمامه، فهل هو کما إذا فسخ بعد العمل أو لا، وجهان أوجههما الأول.

للمستأجر الفسخ للإجارة حسب خیار الشرط.

{وإن کان العمل ممّا یجب إتمامه بعد الشروع فیه، کما فی الصلاة بناءً علی حرمة قطعها، والحج بناءً علی وجوب إتمامه}، والصوم القضائی بعد الظهر، بل ومثل العملیات الجراحیة التی یجب علی الطبیب إتمامها، لأنّ ترک العمل إلقاء للنفس فی التهلکة، وما أشبه ذلک کإیصال السائق المسافرین إلی المقصد، لأنّ إبقاءهم فی الصحراء یوجب هلاکهم.

{فهل هو کما إذا فسخ بعد العمل} فی استحقاق المسمّی {أو لا} بل یستحقّ من المسمّی بنسبة العمل ولا یستحقّ شیئاً علی البقیة.

وإن فسخ المستأجر بعد ذلک لتبعّض الصفقة علیه استحقّ أقل الأمرین من المسمّی بالنسبة وأجرة المثل.

{وجهان أوجههما} عند المصنّف {الأول}، ووجهه المستمسک: (بأنّ الممتنع شرعاً کالممتنع عقلاً، فالإجارة تکون علی الحدوث لا علی الحدوث والبقاء، فیستحقّ الأجرة بمجرد الحدوث، وأنّ الوجوب کان بتسبیب المستأجر فیکون التدارک علیه، وأنه کان بتغریر من المستأجر فیرجع إلیه بقاعدة الغرر) انتهی.

ویمکن أن یکون وجهه أن التزام المستأجر ببعض العمل هو التزام له بکل العمل، لأنّ الإذن فی الشیء إذن فی لوازمه، فیکون أجر کلّ العمل علیه.

هذا وأجههما عند السید الحیکم الثانی، حیث أشکل علی الأوجه المذکورة بأنّ الإجارة لیست علی الحدوث، وإلا لزم ثبوت الأجرة وإن لم یتم

ص:354

العمل، وأنّ التسبیب کان مشترکاً بینها، مضافاً إلی أنّ هذا التسبیب لا یوجب الضمان لعدم الدلیل علیه بعد أن لم یکن موجباً لنسبة الضرر إلیه عرفاً، وأنه لا تغریر من المستأجر بعد أن کان العقد مشترکاً بینهما.

کما أنه یرد علی الوجه الرابع الذی ذکرناه أنّ الالتزام ببعض العمل لیس التزاماً بکلّه بحیث یوجب الضمان.

وعلی هذا فالوجه الأول ضعیف، وإن اختاره السادة البروجردی والجمّال والأصطهباناتی وغیرهم، وفصّل السید ابن العم فعلّق علی المتن بقوله: (إذا لم یکن إتمام العمل بقصد المجّانیة)، انتهی.

وذلک لأنه إذا قصد المجانیة لم یکن وجه لضمان المستأجر، فإنّه حتی فی صورة الاستئجار إذا قصد الأجیر المجّانیة لم یکن له أجرة، إذ الإجارة لا تنطبق علی العمل المأتیّ به، إلاّ فیما إذا لم یکن للأجیر وقت لنفسه، بل کان کلّ وقته للمستأجر، فیکون حاله حال العبد الذی لا أثر لقصده المجّانیة فی إهداء مال المولی، لأنه بدل لما لیس له.

والأقرب عندی هو الوجه الثانی، فإنّ إتمام العمل إنما هو بأمر الشارع لا بإجارة أو أمر من المستأجر، فأصالة عدم ضمان المستأجر بالنسبة إلی بقیة العمل محکمة، ولذا إذا ترک العمل فی مثل الصلاة والصیام لم یستحقّ الأجرة بالنسبة إلی بقیة العمل، لأنه لم یأت بعمل، وکذا لم یستحق بالنسبة إلی ما مضی من العمل، لأنه لیس المستأجر علیه، فإنّه بعض الصلاة والحج والصوم لیس صلاة وصوماً وحجاً.

ص:355

هذا إذا کان الخیار فوریاً، کما فی خیار الغبن إن ظهر کونه مغبوناً فی أثناء العمل وقلنا: إن الإتمام مناف للفوریة، وإلا فله أن لا یفسخ إلا بعد الإتمام.

ومن هذا یظهر أنه لابدّ وأن یحمل قوله: (أو لا) علی عدم الاستحقاق أصلاً، لا علی الاستحقاق بالنسبة، کما ربّما توهّم انصراف المتن إلیه، ونحن تمشیاً مع الانصراف فسّرنا العبارة به.

أمّا فی مثل العمل الجراحی فهل یستحقّ المسمّی بالنسبة أو المثل لما مضی من العملیة، لصدق بعض العملیة علیه أم لا، احتمالان، وإن کان لا یبعد الأول علی تأمل.

ثم لا یخفی أنّ تعلیقة ابن العم فی موضعه، إذا قلنا بمقالة المصنّف، إذ العمل المقصود به التبرّع لا وجه لاستحقاق الأجرة علیه.

ومنه یظهر إمکان أن یستحق الأجیر بعض الأجرة المسمّی أو المثل بالنسبة إلی ما مضی، وذلک فیما إذا أتّم العمل بقصد التبرّع، فإنّ له أخذ المسمّی بالنسبة، وهل للمستأجر أن یفسخ لتبعّض الصفقة فیعطیه المثل أم لا، لأنه لا تبعّض للصفقة، احتمالان.

{هذا إذا کان الخیار فوریاً، کما فی خیار الغبن إن ظهر کونه مغبوناً فی أثناء العمل وقلنا: إنّ الإتمام مناف للفوریة}، أو کان منافیاً واقعاً، کما لو تبین ذلک أول سیره للحج فیما یطول سفره من ابتداء العمرة إلی انتهاء الحج أکثر من شهرین مثلاً، أو أنّ الإتمام لم یکن منافیاً للفوریة لکنه أراد الفسخ، {وإلاّ فله أن لا یفسخ إلا بعد الإتمام} أو کان الخیار خیار شرط ممتد إلی ما بعد الإتمام.

ص:356

وکذا الحال إذا کان الخیار للمستأجر

ثم إنه لا ینبغی الإشکال فی أنه لا یستحقّ علی المستأجر شیئاً إن نقل العمل إلی غیر المستأجر بعد الفسخ، کما إذا صام وقبل الظهر فسخ الإجارة ونقل بالصوم إلی نفسه، أو إلی مستأجر آخر، أو نقله بعد الظهر فی الصوم المستحب، إذ لا وجه لاستحقاقه علی المستأجر بعد أن انتقل العمل إلی غیره.

ثم إنه لو جاز إبطال الصلاة فی الأثناء کما إذا کانت صلاة مندوبة، فالظاهر أنه إن استمر فی الصلاة له الحقّ فی الأجرة بالنسبة، وإلاّ لم یستحقّ شیئاً، لأنه بعد إبطالها لم یأت ببعض العمل، إذ ما مضی من الصلاة خرج عن کونه صلاة بعد أن أبطلها.

ثم إن فسخ الأجیر فی الأثناء أوجب ضرر المستأجر، فالظاهر أنّ دلیل «لا ضرر» لا یشمل المقام، لأن المستأجر هو الذی أقدم علی الضرر، مثلاً البنّاء إذا توقّف فی أثناء العمل أوجب إفساد المطر لما بنی ممّا یسبّب خسارة المستأجر.

اللّهم إلاّ إذا کان تضرّره محرّماً شرعاً فإنه یجبر علی العمل، والظاهر أنه له أجرة المثل حینئذ، کما إذا فسخ فی أثناء العملیة الجراحیة فإنه یجبر علی إتمام العملیة إذا کان فی إهمالهما ضرر علی المستأجر، فإنّ إقدام نفس المستأجر علی ضرره لا یوجب صحة إضراره، لأنّ الإقدام لا یرفع الحکم الشرعی، وإنما قلنا بالأجرة جمعاً بین الحقّین، کما ذکروا مثله فی باب أکل المخمصة.

{وکذا الحال} مثل الأجیر {إذا کان الخیار للمستأجر} فإذا فسخ قبل الشروع فلا شیء علیه للأجیر، وإن فسخ بعد الإتمام فعلیه تمام

ص:357

الأجرة، وإن فسخ فی الأثناء کان للأجیر بالنسبة، مسمّی أو مثلاً علی ما تقدم.

ثم إنه إن فسخ المستأجر قبل العمل ولم یعلم الأجیر به حتی أتم العمل أو أتی ببعضه، کان للأجیر المثل کلاّ أو بعضاً، وإن کان المسمّی أزید من المثل ولم یرض الأجیر بالمثل، لأنه إنما قاول علی المسمّی، وذلک لأنّ أدلة الضمان لا تفی إلاّ بمقدار المثل، فحال المقام حال ما إذا لم یرض صاحب البضاعة بیعها بالمثل، فإنه لا یجب علی ذلک، أمّا إذا أتلفها شخص فإنه لا حقّ له علیه إلاّ المثل.

أما التفصیل الذی ذکره المستمسک بقوله: (بعد ما کان المستأجر مقدماً علی بذل الأجرة فی مقابل العمل من دون خیار، فلزوم الضرر المثبت لخیاره معارض بلزوم الضرر الوارد علی الأجیر بالفسخ، ومعه لا مجال لتقدیم ضرره، فلا خیار له فی الفسخ، وهذا غیر بعید، وعلی هذا فاللازم التفصیل بین صورة أن یکون الفاسخ المستأجر ویکون الخیار شرعیاً، وبین غیرها من الصور، فیستحق الأجیر فی الأول تمام الأجرة، ولا یستحقّ فی غیرها شیئاً فتأمّل) انتهی.

ففیه: إنّ إقدام المستأجر علی بذل الأجرة ناشئ عن جهله الذی هو عذر له شرعاً وعقلاً فی الفسخ أو الرجوع إلی أجرة المثل، فالقول بلزوم إعطاء المستأجر کلّ الأجرة ضرر محض بلا معارض، بخلاف القول بلزوم أخذ الأجیر مقدار استحقاقه الذی لا ضرر فیه إطلاقاً، مثلاً إذا استأجر زید عمرواً لأن یحج عن أبیه بمبلغ ألف دینار، ثم علم فی أثناء

ص:358

إلا أنه إذا کان المستأجر علیه المجموع من حیث المجموع وکان فی أثناء العمل یمکن أن یقال: إن الأجیر یستحق بمقدار ما عمل من أجرة المثل لاحترام عمل المسلم.

حج الأجیر أنّ الأجرة المتعارفة هی مائتا دینار، فالقول بأنه لیس لزید الفسخ ولزوم إعطائه الألف ضرر محض بالنسبة إلی زید، بخلاف ما إذا قلنا بأنّ له حقّ الفسخ، منتهی الأمر لابد له أن یعطی الأجیر المائتین تدارکاً عن ضرره فی الوقت ولاحترام عمله، أما أن یوجب الشارع إعطاء الألف وتضرر المستأجر ثمانمائة لأجل عدم تضرّر هدر احترام عمل الأجیر الذی یساوی مائتین فذلک تضریر من الشارع للمستأجر، هذا بالإضافة إلی أن مدرک خیار الغبن لیس دلیل الضرر فقط، فسقوط بعض المدارک للخیار لا یوجب سقوط سائر المدارک.

ثم یبقی الکلام فی قول المستمسک: (ولا یستحقّ الأجیر فی غیرها شیئاً أیضاً) یرد علیه: إنّ الخیار الشرطی أیضاً هو بتقریر الشارع، فإذا لم یصحّ الخیار الشرعی لم یصحّ الخیار الشرطی أیضاً، فتأمّل.

{إلاّ أنه إذا کان المستأجر علیه المجموع من حیث المجموع وکان} الفسخ {فی أثناء العمل یمکن أن یقال: إنّ الأجیر یستحقّ بمقدار ما عمل من أجرة المثل لاحترام عمل المسلم}((1))، کما إذا استأجره لأن یصبغ داره فضرب القسم البطانی من الصبغ ثم تبین أن المستأجر کان مغبوناً ففسخ،

ص:359


1- المستدرک: ج3 ص146

فإن احترام عمل الأجیر یقتضی أن یستحقّ أجرة مثل عمله، لا النسبة من أجرة المسمّی، لفرض أنه مغبون فی أجرة المسمّی.

لکنه یرد علیه.

أولاً: ما ذکره السید الحکیم من أنه لو لم یکن للجزء الذی عمله قیمة لم یکن وجه لإهدار مال المستأجر من جهة احترام عمل الأجیر، إذ کما أن عمل الأجیر محترم کذلک مال المستأجر فإنه محترم المال، وإن کان کافراً ذمّیاً، لا یجوز أخذ ماله بلا عوض عائد إلیه، فلا الشارع أهدر احترام مال المستأجر، ولا أنه بنفسه أقدم علی هذا الإهدار، فلماذا یهدر احترام ماله.

ومّما ذکرنا یظهر وجه النظر فی کلام السید الحکیم المخصّص للمسألة، بما إذا کان المستأجر مسلماً، إلاّ أن یحمل أنه علی سبیل المثال.

کما یظهر وجه النظر فی کلام المصنّف، حیث علّل الحکم باحترام عمل المسلم، الذی یظهر منه الفرق بینه وبین عمل الکافر، فلا حقّ له وإن کان محترم العمل کالذمی.

وثانیاً: إنّ جبر المستأجر علی إعطاء أجرة المثل لما لم یقصده لا وجه له، وإن کان لعمل الأجیر مالیة.

مثلاً کان قصده تذهیب داره بلون الذهب، وکان کارهاً للون آخر، وضرب العامل البطانة التی کان لها لون الرماد ثم فسخ المستأجر لما تبین له أنه مغبون، وکانت أجرة مثل عمل العامل عشرة دنانیر، والان المستأجر مجبور أن یستأجر إنساناً آخر لیصبغ

ص:360

علی من تکون نفقة الدابة المستأجرة

خصوصاً إذا لم یکن الخیار من باب الشرط.

الثانیة عشرة: کما یجوز اشتراط کون نفقة الدابة المستأجرة والعبد والأجیر المستأجرین للخدمة أو غیرها

الدار باللون الذهبی بقیمة مائة دینار أیضاً، فلماذا یخسر العشرة بینما لم یعد إلیه عائد من الصبغ ولم یخفّف علیه کلفة الصبغ ثانیاً.

وأمّا ما استثناه المستمسک بقوله: (نعم إذا أتمّ الأجیر العمل تبرّعاً منه بعد الفسخ فی الأثناء کان تبعیض الأجرة فی محلّه، لکون المبعّض له ماله حینئذ فی ضمن الکل، کما أنه بعض المطلوب ومقابل ببعض الأجرة)، ففیه: إنّ وجود المالیة وکونه بعض المطلوب ومقابلاً ببعض الأجرة، لا ینفع بعد أن لم یکن مورد الإجارة، فأی فرق بین أن یعمل العامل بلا إجارة لما هو مطلوب للمالک وله مالیة، وبین أن یعمل استناداً إلی إجارة مفسوخة، فتأمّل.

ولذا علّق ابن العم علی قول المصنّف: (یمکن أن یقال) بقوله: (لکنه بعید)، وإن سکت علیه السیدان البروجردی والجمال وغیرهما.

{خصوصاً إذا لم یکن الخیار من باب الشرط}، لأنه إذا کان من باب الشرط یکون العامل قد أقدم علی ضیاع عمله علی تقدیر الفسخ فی الأثناء، بخلاف ما لو کان الخیار شرعیاً فإنه لم یقدم علی الضیاع وإن علم بأنّ للمالک حقّ الفسخ، فإنّ العلم بذلک لا یعدّ إقداماً.

{الثانیة عشرة: کما یجوز اشتراط کون نفقة الدابة المستأجرة والعبد والأجیر المستأجرین للخدمة أو غیرها} کالرّضاع فی الأمة، والتعلیم للأولاد

ص:361

علی المستأجر إذا کانت معینة بحسب العادة، أو عیناها علی وجه یرتفع الغرر، کذلک یجوز اشتراط کون نفقة المستأجر علی الأجیر أو المؤجر بشرط التعیین أو التعین الرافعین للغرر

فی العبد {علی المستأجر} بینما أنّ النفقة علی المؤجر حسب مقتضی القاعدة {إذا کانت} النفقة {معینة بحسب العادة} وإن کان فیها اختلاف مّا حسب المتعارف، فإنّ هذا الاختلاف الجزئی غیر ضار، لأنّه لا یسمّی عرفاً جهالة وغرراً، وقد تقدم وجود مثل هذه الجهالة فی الجملة فی أغلب المعاملات.

{أو عیناها علی وجه یرتفع الغرر} إذا لم یریدا المتعارف، أو لم یکن هناک عرف، وقول السید الحکیم: (لکن الإشکال فی إمکان ذلک فیما یتعارف لاختلاف الأحوال والأطوار السفریة الموجب لاختلاف النفقات کمّا وکیفاً ومدةً)((1)) لا یخلو من إشکال.

{کذلک یجوز اشتراط کون نفقة المستأجر علی الأجیر أو المؤجر بشرط التعین} عرفاً {أو التعیین الرافعین للغرر} لإطلاق أدلة الشرط الشامل للمقام.

والظاهر أنّ أدویة المرض، والضرائب التی یأخذها الظالم اتّفاقاً، والنذور والهدایا التی ینذرها أو یهدیها المشروط نفقته، والمصارف الاتّفاقیة التی لم تکن متعارفة کالمکوس لأثاثه، وما یصانع به الجائر لأجل تسهیل أمره وما أشبه ذلک، لیس داخلاً فی المتعارف، ولا فی شرط النفقة، إلاّ إذا کان هناک تعارف أو ذکر فی باب شرط النفقة، کما أنّ

ص:362


1- مستمسک العروة الوثقی: ج12 ص212

فما هو المتعارف من إجارة الدابة للحج واشتراط کون تمام النفقة ومصارف الطریق ونحوها علی الموجر لا مانع منه إذا عینوها علی وجه رافع للغرر.

النفقات غیر المتعارفة، کما إذا کان أکولاً أو ذا مزاح خاص لا یلائمه إلاّ الأطعمة الغالیة، لیست داخلة فی المتعارف.

وکیف کان {فما هو المتعارف من إجارة الدابة للحج، واشتراط کون تمام النفقة ومصارف الطریق ونحوها علی المؤجر} أی صاحب الدابة بأن یکون الشرط فی ضمن إیجار الدابة أن تکون نفقة الحاج علی صاحب الدابة {لا مانع له إذا} کان هناک عرف أو {عینوها علی وجه رافع للغرر} کما تقدم.

ثم إنّ هذا النوع من الإیجار والشرط وإن کان صحیحاً فی نفسه لکنه لیس متعارفاً، بل المتعارف ما ذکره السید البروجردی بقوله: (المتعارف من عمل الحجاج والحملة داریة لیس من إجارة الدابة، ولا الشرط فی ضمنها، بل هو إجارة النفس للمسافرة بالحاج من البلد إلی البلد مثلاً، مع تهیئة جمیع محاویجه السفریة بکذا وکذا، وهی أیضاً جائزة، ولیس من تملیک العین وإن کان العمل لا یتم إلاّ بصرف الأعیان، کما فی الصبغ والغسل والإرضاع) انتهی.

وکما یصحّ الشرط بالنبسة إلی نفقة الدابة کذلک یصحّ بالنسبة إلی مصارف السیارة المتعارفة، أما کل الطوارئ فإن کانت الإجارة غرریة عرفاً لم یصحّ وإلا صح، کما نشاهد الآن فی مسألة شرکات التأمین، ومن

ص:363

المعلوم أنّ العرف لا یعدون ذلک غرریة، وإن کان لا یدری الطرفان کم مصارف السیارة المؤمنة طول السنة، وما ذکره الشیخ المرتضی (رحمه الله) من أضیقیة دائرة الغرر الشرعی عن الغرر العرفی لا یخلو من مناقشة کما ذکرناه فی موضعه.

ثم إنّ الحملدار إذا لم یتمکن من الوفاء بالشرط لمرض أو شبهه، أو لم یف عمداً فللحاج فسخ الإجارة وإعطاء أجرة المثل أو أقل الأمرین من المسمّی والمثل إذا کان بعد الحج أو فی أثنائه، وأما قبله فإنه إذا فسخ صار الطرفان کما قبل الإیجار.

ثم إنّ اشتراط بعض الدول علی الحملدار شروطاً فی مسکن الحاج ومأکلهم وسائر شؤونهم لا یجب علی الحملدار الوفاء به، فإنّ الإطاعة خاصة بالله ورسوله (صلی الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) ونوابهم.

نعم إذا جرت الإجارة بین الحاج والحملدار علی حسب تلک الشروط وجب علیه الوفاء من باب الشرط الشرعی.

ثم إن التذکرة المفتوحة والتی یتمکن بها المستأجر من السفر فی مدة کذا أو من خمسة أسفار أو عشرة مثلاً، فالظاهر أنها من الإجارة، وحیث إن الاختلاف المذکور لا یوجب غرراً عرفاً لم یکن بذلک بأس شرعاً، فیکون الاختلاف فی المقام کالاختلاف فی السیر من النجف إلی کربلاء من طریق الأعلی أو الأوسط أو الأسفل، والسیر لیلاً أو نهاراً، ممّا لا یشک أحد فی أنه لیس بغرر، وإن کان اختلافاً فی نفسه، وإن أشکل بأنه غرر عرفی فاللازم تصحیح المعاملة بوجوه أخر.

واحتمال أنه لیس بإجارة بل معاملة جدیدة، بعید جداً، وإن کان

ص:364

التداخل فی الإجار

الثالثة عشرة: إذا أجّر داره أو دابته من زید إجارة صحیحة بلا خیار له، ثم أجرها من عمرو کانت الثانیة فضولیة موقوفة علی إجازة زید.

من الممکن جعله معاملة جدیدة، بأن یعطی للحملة دار المال فی مقابل الخدمات کلها.

{الثالثة عشرة: إذا أجّر داره أو دابّته من زید إجارة صحیحة بلا خیار له} فی الفسخ {ثم أجّرها من عمرو، کانت الثانیة فضولیة موقوفة علی إجازة زید} لأنّ المنفعة کانت لزید فنقلها إلی عمرو یحتاج إلی إجارة زید.

وإنما قال: (بلا خیار له) لأنه إن کان للمؤجر خیار وأجّرها إلی عمرو کانت الإجارة الثانیة فسخاً للإجارة الأولی فیما إذا قصد بالإجارة الثانیة ذلک، فإنه حینئذ فسخ عملیّ، نعم إذا قصد الفضولیة عن زید لم یکن فسخاً، وکان کصورة ما لا خیار له.

ثم إنّ ما ذکره المصنّف إنما هو فیما إذا وقعت الإجارة الثانیة علی نفس ما وقع علیه الإجارة الأولی، کما إذا أجّر عبده لزید لیکتب له من الصباح إلی الظهر، ثم أجّر عبده لعمرو لیکتب له من الصباح إلی الظهر أیضاً.

أمّا إذا أجّره لعمرو إجارة مطلقة، أو إجارة لأجل أن یکنس له داره من الصباح إلی الظهر، فالظاهر أنّ حاله حال الإجارة لمنفعة الکتابة، لأنّ المنافع المتضادّة لا تملک إلاّ علی سبیل البدل، فإن الملک تابع للمملوک، والمملوک لیس قابلاً لأکثر من المنفعة الواحدة، وعلی هذا فإن

ص:365

فإن أجاز صحت له ویملک هو الأجرة فیطالبها من عمرو، ولا یصح له إجازتها علی أن تکون الأجرة للمؤجر.

لم یجز المستأجر فلا کلام، وإن أجاز کان معنی ذلک التنازل عن حقّه، لا إجازة ما لیس له.

فلا یقال: إنّ المنفعة المطلقة والمنفعة الکنسیة لیستا للمستأجر فکیف یجیزهما.

وإذا کان معنی الإجازة التنازل عن حقّ نفسه، فقد یکون تنازلاً عن ما هو له منفعة العبد الکتابیة، فإنّ الأجرة الثانیة تکون حنیئذ للمالک، وقد حصل علی الأجرة الأولی بالإجارة، وحصل علی الإجارة الثانیة، لأنّ متعلّقها إباحة من المستأجر له، کما إذا أباح زید داره لیؤجّرها عمرو لنفسه، فإنّ الأجرة یحصّلها عمرو حسب إباحة المالک، وقد یکون تبدیلاً لماله من المنفعة إلی المنفعة الثانیة، أی أنّ المستأجر أعطی المنفعة المملوکة له عوضاً لما یأخذه من المنفعة المطلقة أو المنفعة الکنسیة.

ومنه یعلم أنه یحقّ للمؤجر أن یجیز للمستأجر أن ینتفع بالعبد منفعة مطلقة، أو منفعة کنیسیة فیما إذا أجّره أولاً لمنفعة الکتابة، فإنّ معنی ذلک إباحة المالک الانتفاع بالعبد أیة منفعة، أو منفعة خاصة ممّا هما له علی سبیل البدل، فإن أجاز {صحت له} أی صحت الإجازة الثانیة لزید {ویملک هو} أی زید فی المثال {الأجرة} لأنّ الأجرة عوض ملکه لمنفعة الدار {فیطالبها} زید {من عمرو} إن لم یکن المالک قبضها، وإلاّ أخذها من المالک.

{ولا یصحّ له} أی لزید {إجازتها علی أنّ تکون الأجرة للمؤجر} لما قرّروه فی کتاب البیع من أنه لا یصحّ أن یدخل العوض فی کیس من لم یخرج المعوض من کیسه، وقد ذکرنا فی موضعه الإشکال فیه.

ص:366

إذ لا دلیل عقلی ولا شرعی علی المنع، مع وجود بناء العقلاء علی ذلک، ولذا نراهم فی باب الإجارة یعطی أجرة دار الفقیر، وظاهرهم بل صریحهم: إنه یدفع الأجرة لتکون منفعة الدار للفقیر، کما أنهم فی باب البیع یدفعون ثمن خبز الفقیر إلی الخبّاز، لا بعنوان أن یکون الخبز لمالک الثمن ثم یأکله الفقیر، ولا بعنوان أن یکون الثمن للفقیر ثم یدفع إلی الخبّاز مقابل خبزه، بل بعنوان أن یکون الخبز للفقیر فی مقابل أن یکون العوض خارجاً من کیس المتبرّع إلی الخبّاز.

ومن الواضح أنه عوض ومعوض بدلیل العرف، فقول المستمسک هنا تبعاً للشیخ المرتضی (رحمه الله) وجماعة آخرین من الفقهاء: إنّ ما ذکره المصنّف ممّا لا إشکال فیه، محل مناقشة.

وإن شئت قلت: إنّ المعاوضة عرفاً فی البیع والإجارة وما أشبه کون المال بإزاء العین أو الحقّ مثلاً، أمّا أنّ أحد الشیئین یدخل فی کیس من خرج من کیسه الشیء الآخر فلا، ولذا یصحّ الأقسام الأربعة فی البیع:

الأول: أن تخرج الدار من کیس زید إلی کیس عمرو فی مقابل خروج الثمن من کیس عمرو إلی کیس زید.

الثانی: أن تخرج الدار من کیس زید إلی کیس عمرو فی مقابل أن یخرج الثمن من کیس صدیق عمرو إلی کیس زید.

الثالث: أن تخرج الدار من کیس صدیق زید إلی کیس عمرو فی

ص:367

وإن فسخ الإجارة الأولی بعدها، لأنه لم یکن مالکاً للمنفعة حین العقد الثانی، وملکیته لها حال الفسخ لا تنفع إلا إذا جدد الصیغة وإلا فهو من قبیل من باع شیئاً ثم ملک،

مقابل أن یخرج الثمن من کیس عمرو إلی کیس زید.

الرابع: أن تخرج الدار من کیس صدیق زید إلی کیس صدیق عمرو فی مقابل أن یخرج الثمن من کیس عمرو إلی کیس زید.

ثم إنّ المصنّف ذهب إلی أنه لو أجّر دابّته من زید ثم أجّرها من عمرو لا تصح لزید إجازة الثانیة علی أن تکون الأجرة للمؤجّر.

{وإن فسخ الإجارة الأولی بعدها} أی بعد الإجارة الثانیة، وإنما قلنا: إنه لا تصحّ {لأنّه} أی المؤجر {لم یکن مالکاً للمنفعة حین العقد الثانی} ولا إجارة إلاّ فی ملک، فإنّه وإن لم یکن نص بهذا اللفظ إلاّ من الواضح أنّ تصرف الإنسان إنما یصحّ فیما ملک التصرف فیه، ولا یصحّ تصرّف الإنسان فی ملک غیره بدون ولایة شرعیة سابقة، أو إجارة لاحقة، وکلتاهما مفقود فی المقام.

{وملکیته} أی المؤجر {لها} أی للمنفعة {حال الفسخ} للإجارة الأولی {لا تنفع} فی صحة الإجارة الثانیة {إلاّ إذا جدّد الصیغة} حتی تکون إجارة بعد الفسخ حینما یملک المؤجر المنفعة {وإلاّ} یجدّد الصیغة بل اکتفی بالإجارة السابقة التی کانت حال ملکیة المستأجر الأول للمنفعة، {فهو من قبیل من باع شیئاً ثم ملک} حیث دل النص والفتوی علی عدم صحته.

ص:368

لکن ربّما یقال: بالصحة هنا فی باب الإجارة، وإن لم نقل بالصحة فی باب البیع، وذلک لأنّ ما دلّ علی عدم صحة البیع أمران:

الأول: النص القائل بأنه «لا تبع ما لیس عندک».

لکن یرد علیه: إنّ ذلک خاص بالبیع، فتعدّیه إلی غیره یحتاج إلی قطع بالمناط، ولا نقطع بالمناط، فلا یمکننا التعدّی عن مورد البیع إلی الإجارة وغیرها من العقود.

والثانی: إنّ الإجازة التی تصدر من البائع بعد أن صار الشیء ملکاً له هل هی إجازة لتبدیل الإضافة التی کانت حاصلة بین المالک الأول والملک، أم هی إجازة لتبدیل الإضافة التی حصلت الآن بین البائع والملک.

مثلاً کانت الدار لزید یوم الجمعة ثم باعها عمرو لخالد یوم السبت، ثم صارت الدار لعمرو بالإرث یوم الأحد، ثم أجاز عمرو البیع یوم الاثنین، فهل هذه الإجازة إجازة لتبدیل الإضافة الحاصلة بین زید والملک إلی خالد والملک، أم إجازة لتبدیل الإضافة الحاصلة بین عمرو والملک إلی خالد والملک.

فإن کانت الأولی، ففیه: إنه لا حقّ لعمرو فی تبدیل الإضافة بین زید والملک، إلی الإضافة بین خالد والملک، بالإضافة إلی أنه لو صار هذا التبدیل لزم أن یدخل الثمن فی کیس زید لا فی کیس عمرو.

وإن کانت الثانیة، ففیه: إنّ فی حال العقد وهو یوم السبت لم

ص:369

تکن إضافة بین الملک وبین عمرو، وفی حال وجود الإضافة _ أی یوم الأحد _ لم یکن عقد.

لکن یرد علی هذا الاستدلال الثانی: إنّ العقد له اعتبار ممتد من حین العقد _ یوم السبت _ إلی حین ملک عمرو الدار _ یوم الأحد _ فالإجازة الحاصلة یوم الاثنین تتعلّق بالعقد الذی بقی ممتداً إلی یوم الأحد، ویکفی فی ذلک الاعتبار العرفی.

ومنه یظهر أن قول المستشکل (وفی حال وجود الإضافة) أی یوم الأحد (لم یکن عقد) لیس بتام، لأنه إن أراد لم یکن إنشاء عقد، ففیه: إنه مسلم، لکن لا حاجة إلی وجود إنشاء العقد، وإن أراد لم یکن امتداد عقد، ففیه: عدم صحة دعواه، لأنه کان امتداد عقد، هذا بالإضافة إلی أنه لا حاجة إلی مثل هذه الدقة فی تصحیح العقد، بل المحتاج إلیه أن یسمی فی العرف (عقدکم) لینطبق علیه: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾((1)).

ومن الواضح أنه لو باع زید مال أبیه فی حال حیاة الأب، ثم أجاز البیع بعد أن مات الأب وورث زید المال، سمی فی العرف (عقده) وهذا المقدار کاف فی وجوب الوفاء.

نعم حیث ورد النص فی باب البیع بالمنع عن بیع ما لیس عنده نقول بذلک علی تأمّل، أمّا فی الإجارة فلا نص، فلا نقول به، بل لا

ص:370


1- سورة المائدة: الآیة 1

ولو زادت مدة الثانیة عن الأولی لا یبعد لزومها علی المؤجر فی تلک الزیادة، وأن یکون لزید إمضاؤها بالنسبة إلی مقدار مدة الأولی.

بأس بالإجارة لما لیس له، ثم أجاز الإجارة عند ما صار الملک للمؤجّر، کما إذا أجار مال أبیه ثم ورثه وأجاز الإجارة وکذلک فی سائر المعاملات.

والذی یؤید صحة البیع والإجارة وسائر العقود _ لو لا النص المخرج للبیع _ أنه أی فرق بین أن یؤجّر الولد داراً کلیة موصوفة ثم یسلّم دار والده التی ورثها بعد الإجارة من باب الوفاء، وبین أن یؤجّر عین دار والده الشخصیة ثم یسلّمها بعد أن مات الوالد وورث الولد الدار.

{ولو زادت مدة الثانیة عن الأولی} بأن أجّر المالک داره إلی زید مدة سنة ثم أجّرها إلی عمرو مدة سنة وستة أشهر {لا یبعد لزومها علی المؤجر فی تلک الزیادة} لأنه إجارة بلا مزاحم، ومجرد اقتران هذه الإجارة بالإجارة الأولی التی لیست للمالک لا یوجب بطلانها، لأنّه من قبیل إجارة ما له وما لیس له، حیث تصحّ الإجارة فیما له وإن بطلت الإجارة فیما لیس له.

{وأن یکون لزید إمضاؤها} أی الإجارة {بالنسبة إلی مقدار مدة الأولی} لأنّ إجارة المالک بالنسبة إلی مدة الأولی فضولیة، فإن أجاز زید لم یکن لعمرو خیار الفسخ، وکذا إن لم یجز وکان عمرو عالماً بالفضولیة بالنسبة إلی مدة الأولی، نعم لعمرو خیار الفسخ إن لم یجز زید، ولم یکن عمرو عالماً بالفضولیة، وذلک لتبعّض الصفقة علیه.

ومنه یعلم العکس، وهو أنه

ص:371

لو استأجر عینا ثم تملکها فی مدة الإجارة

الرابعة عشرة: إذا استأجر عیناً ثم تملکها قبل انقضاء مدة الإجارة بقیت الإجارة علی حالها

لو أجّر المالک داره من زید بعد ستة أشهر ثم أجّرها من عمرو من الآن إلی سنة وستة أشهر، حیث إنّ الأمر یحتاج إلی الإجازة بالنسبة إلی ما بعد ستة أشهر.

ولو أجّر المالک الدار لزید مرتین، کما لو أجّرها له أولاً لمدة سنة بمائة دینار ثم أجّرها له ثانیاً بخمسین أو مائة وخمسین فی نفس مدة الإجارة الأولی، فلا یتصوّر الفضولیة فی المقام.

نعم یمکن أن یقال: إنّه لو فسحت الإجارة الأولی بخیار أو تقایل صحّت الإجارة الثانیة علی ما تقدم من عدم الإشکال فیمن أجّر ثم ملک.

ثم هل تصحّ أن یؤجّر المستأجر الدار إلی نفس المؤجّر لأنه یملک المنفعة، أم لا لأنه لا یملک العین، الظاهر الأول، لما تقدم من أنه لا یشترط ملکیة العین فی صحة الإجارة.

ثم إنه یأتی فی المقام مسألة ترامی الإجارات، کما ذکروا فی مسألة ترامی البیوع، مع سوق ما ذکروه هناک إلی هنا بتفاوت لا یخفی.

ثم إنه لو أجّر الدار بزعم أنه فضولی ثم تبین أنّ الدار کانت له، أو بالعکس فأجّرها بزعم أنّها له ثم تبین أنه فضولی، فالظاهر جریان حکم الإجارة المالکیة فی الأولی والفضولیة فی الثانیة، لأنّ العقد فی الأولی صدر من أهله ووقع فی محله، وفی الثانیة صدر من غیر أهله، والزعم لا یضر بالعقد.

وفی المقام مسائل أخر تظهر من باب البیع فلا نطیل بذکرها.

{الرابعة عشرة: إذا استأجر عیناً ثم تملکها قبل انقضاء مدة الإجارة بقیت الإجارة علی حالها} فهو یملک العین بالاشتراء ویملک المنفعة

ص:372

فلو باعها والحال هذه لم یملکها المشتری إلا مسلوبة المنفعة فی تلک المدة، فالمنفعة تکون له ولا تتبع العین.

ثم للمشتری خیار الفسخ إذا لم یکن عالماً بالحال

بالإجارة لأصالة بقاء الإجارة بعد أن لم یکن وجه لبطلانها، فحال المقام حال ما إذا باع داره من زید بعد أن أجّرها من عمرو، وإذا لم یعلم المشتری أنّ هذه الدار التی ابتاعها هی الدار التی استأجرها قبل ذلک ثم تبین أنها نفس الدار المؤجّرة له کان له خیار فسخ البیع، وذلک کما إذا استأجرها وکیله أولاً، ثم اشتراها هو بنفسه ثانیاً، أو بالعکس ممّا سبّب عدم علمه بأنها نفس الدار المستأجرة.

وکذا إذا اشتری داراً کلّیة ثم أعطاها البائع من باب الوفاء، فإنه یحقّ له أن لا یقبل هذا الفرد، لأن منفعتها مستوفاة من قبل، والبیع یقتضی انتقال الملک بتوابعه، فإذا لم یکن له توابع کان غبناً ویشمله دلیل «لا ضرر».

{فلو باعها والحال هذه لم یملکها المشتری إلاّ مسلوبة المنفعة فی تلک المدة} التی تکون الدار فی إیجاره {فالمنفعة تکون له} أی للمستأجر الذی ملک الدار وباعها {ولا تتبع} المنفعة فی تلک المدة {العین} لأنّ المنفعة لم تکن تابعة للملک، بل منتقلة إلی المشتری بسبب الإیجار لا بسبب تبعیة العین.

{ثم للمشتری خیار الفسخ إذا لم یکن عالماً بالحال} لما تقدم من دلیل «لا ضرر».

ثم إنّ المعلّقین اختلفوا فی المسألة، فالسیدان ابن العم

ص:373

وکذا

والبروجردی وافقا المتن، والسید الحکیم ذهب إلی أن المتعین انتقال المنفعة إلی المشتری أیضاً، والسیدان الجمال والأصطهباناتی قالا، والعبارة للأول: (فیه إشکال، ولا یترک الاحتیاط باشتراط التبعیة أو عدمها فی عقد البیع، ومع عدمه فلا یترک الاحتیاط بالتراضی والتصالح).

والذی یمکن أن یکون وجهاً لمقالة المصنّف: إنّ المنفعة إنما تنتقل إلی المشتری إذا کانت مملوکة للبائع بالتبعیة، أما إذا کانت مملوکة للبائع لوجه آخر فلا وجه لانتقال التابع بسبب انتقال المتبوع.

ونظیر ذلک ما إذا اشتراها وهی فی إجارة الغیر ثم باعها، فإنّ المنقول عنه هو نفس العین، أما منفعتها فتبقی مملوکة للمستأجر، ومقتضی ما ذکره المصنّف أنه لو رهن العین یکون أیضاً کذلک، أی أنّ المنفعة تبقی خارج عقد الرهن، وکذلک إذا باع العبد الذی ملک عمله بالإجارة قبل انتقاله إلیه، أو باع البستان الذی ملک ثمرتها قبل أن یملک عین البستان، فإنه تبقی عمل العبد وثمرة البستان ملکاً للبائع، إلی غیرها من الأمثلة.

لکن الإنصاف أنّ القول بذلک مشکل جدّاً، لأنه لا دلیل علی أنّ المنفعة إنما تنتقل إلی المشتری إذا کانت مملوکة للبائع بالتبعیة، بل الظاهر لدی العرف أنّ المنفعة التابعة للملک تنتقل بانتقال الملک، سواء کان سبب انتقالها إلی البائع التبعیة أو غیرها، وإنما لا تنتقل المنفعة فیما إذا کان المستأجر غیر المشتری لأنها لیست تابعة فی هذا الحال، فهو من قبیل السالبة بانتفاء الموضوع، وممّا ذکرناه یظهر وجه النظر فی قوله: {وکذا

ص:374

الحال إذا تملک المنفعة بغیر الإجارة فی مدة ثم تملک العین، کما إذا تملکها بالوصیة أو بالصلح أو نحو ذلک فهی تابعة للعین إذا لم تکن مفروزة، ومجرد کونها لمالک العین لا ینفع فی الانتقال إلی المشتری، نعم لا یبعد تبعیتها للعین إذا کان قاصداً لذلک حین البیع.

الحال إذا تملّک المنفعة بغیر الإجارة فی مدة ثم تملّک العین} ثم باع العین قبل انقضاء تلک المدة.

{کما إذا تملّکها} أی المنفعة {بالوصیة أو بالصلح أو نحو ذلک} کالإرث أو استملاک العبد الجانی {ف_} الحاصل أن المنفعة فی رأی المصنّف {تابعة للعین إذا لم تکن مفروزة} أمّا إذا کانت مفروزة فلیست تابعة للعین سواء انتقلت العین بالتملیک أو الوصیة أو الصلح أو سائر أنواع الانتقال {ومجرد کونها} أی المنفعة {لمالک العین لا ینفع فی الانتقال إلی المشتری} حینما یبیع العین.

{نعم لا یبعد تبعیتها للعین إذا کان قاصداً لذلک} أی أن تکون تبعاً {حین البیع} بأن قصد البیع بتوابعها، کما یقصد نحو ذلک سائر البائعین.

ولا یحتاج إلی قصد تملیک المنفعة والعین معاً علی نحو قصد تملیک شیء مع المبیع، کما ذکره المستمسک، بل یکفی القصد علی نحو ما ذکرناه، فحصر المستمسک القصد بین ما ذکره أولاً بما أشرنا إلیه، وما ذکره ثانیاً بقوله: (وإذا کان المراد أنه قاصداً للتبعیة فهو غیر ظاهر، لأنّ قصد التبعیة لا یوجب الملک بالتبعیة إذا لم تکن مقتضیة

ص:375

لو استأجر أرضا فأصابتها آفة

الخامسة عشرة: إذا استأجر أرضاً للزراعة مثلاً فحصلت آفة سماویة أو أرضیه توجب نقص الحاصل لم تبطل،

لذلک) انتهی، غیر حاصر، لما عرفت من وجود وجه ثالث، هو ما ذکرناه.

وکأنّ المصنّف أراد قصد التبعیة المجردة، ولذا قال: (لا یبعد)، وإلاّ فقصد ضم المنفعة لا غبار علیه، فلا یحتاج إلی أن یقول: (لا یبعد) علی نحو التردید.

وحیث فهم السید ابن العم من المتن قصد الانتقال علّق علیه بقوله: (أی الإنتقال المنفعة)، وفهم السید البروجردی عکسه، ولذا قال: (فیه تأمّل بل العدم لا یخلو من رجحان، نعم لا بأس بضمّها إلیها فی العقد)((1)) والله العالم.

{الخامسة عشرة: إذا استأجر أرضاً للزارعة مثلاً} أو استأجر حیواناً للانتفاع بلبنه وصوفه ونتاجه {فحصلت آفة سماویة أو أرضیة} کالحر والبرد الشدیدین، أو قلّة المیاه والمطر، أو مجیء الجراد {توجب نقص الحاصل}، أو عدمه بأن أکلت الجراد کلّ الحاصل، أو جفّ الحاصل بسبب موجة الحر الشدید، أو تسمّم الحاصل بسبب آفة کونیة {لم تبطل} الإجارة، وبطریق أولی لو کانت الآفة من صنع البشر، کما إذا صار تفجیر القنبلة الذریة سبباً فی تسمّم الحاصل أو احتراقه، وإنما لا تبطل الإجارة لعدم المقتضی للبطلان بعد أن کانت العین ذات منفعة یصحّ بذل المال بإزائها، فیشمله أدلة العقود وأدلة الإجارة.

ومن الواضح الفرق بین عدم صلاحیة العین وبین أمر طارئ

ص:376


1- العروة الوثقی المحشی: ج5 ص134 حاشیة البروجردی. ط جامعة المدرسین قم

ولا یوجب ذلک نقصاً فی مال الإجارة ولا خیاراً للمستأجر.

خارج عن العین، ولذا لو تبین بعد الإجارة أنّ الأرض غیر صالحة للزارع أصلاً، أو لما یتوقّع من مقدار الزراعة لتسمّم فی الأرض أو قلة أملاح أو ملوحة زائدة أو ما أشبه ذلک، یلزم القول بالبطلان إذا لم تکن له أیة فائدة، ووجود الخیار إذا کانت الفائدة أقلّ من المتعارف، بخلاف ما إذا علم العرف أنه سیأتی جراد أو برد شدید یوجب إبادة الحاصل، أو نقصه، فإنّه یشمله دلیل العقد ولا یشمله دلیل الخیار.

نعم بعض الآفات یوجب البطلان أو الخیار، کما إذا کانت الأرض فی مسیر الجراد الزاحف کلّ سنة، بحیث لا یری لها العرف نفعاً أصلاً، أو نفعاً دون المقدار الظاهر لدی أول نظرة، فإنه تبطل الإجارة فی الصورة الأولی، بمعنی عدم انعقادها، إذ لا منفعة لمثل هذه الأرض حتی تقابل بالأجرة، وللمستأجر حقّ الفسخ فی الصورة الثانیة، لأنه عیب أو غبن.

وکذلک فیما إذا کانت الأرض قریبة من منطقة التجارب النوویة مثلاً، ممّا توجب إبادة الحاصل أو نقصه، ومثل ذلک ما لو کانت مطمعاً للصوص أو السلطان الغاصب بحیث توجب عدم المنفعة عرفاً أصلاً، أو قلّة المنفعة.

وکذلک فی دار السکنی التی تکون مطمعاً للصوص بحیث لا یستأجرها العرف أصلاً، أو لا یستأجرونه بالمقدار المتعارف لمثل هذه الدار لو لا هذا النقص.

{ولا یوجب نقصاً فی مال الإجارة} إذ لا تبعیض فی المنفعة حتی یبعّض مال الإجارة {ولا خیاراً للمستأجر} لعدم وجود غبن أو عیب أو ما أشبه ذلک من نقص الصفة الموجب للخیار.

ص:377

نعم لو شرط علی المؤجر إبراءه من ذلک بمقدار ما نقص بحسب تعیین أهل الخبرة ثلثاً أو ربعاً أو نحو ذلک، أو أن یهبه ذلک المقدار إذا کان مال الإجارة عیناً شخصیة فالظاهر الصحة،

{نعم لو شرط} المستأجر {علی المؤجّر إبراءه من ذلک} أی مال الإجارة {بمقدار ما نقص} والنقص إنما یعرف {بحسب تعیین أهل الخبرة} فإنّهم هم الذین یعینون المقدار المعتاد للثمر، ومنه یظهر مقدار النقص الحاصل، أو بحسب المقرّر بینهما، مثلاً یشترط المستأجر علی المؤجّر أنه إن نقص عن عشرة أطنان فالنقص علی المؤجر، {ثلثاً أو ربعاً أو نحو ذلک} من الکسر المشاع أو المقدار الخاص.

{أو} یشترط {أن یهبه ذلک المقدار} الناقص {إذا کان مال الإجارة عیناً شخصیة} أما إذا کان کلّیاً لم یعین بعد فلا معنی للهبة بل اللازم الإبراء {فالظاهر الصحة} لهذا الشرط، لإطلاق «المؤمنون عند شروطهم»((1))، والجهالة فی الشرط کالتعلیق فیه کلاهما جائزان، ولا یسریان إلی متعلّق العقد الممنوع کلاّ ذلک فیه کما سیأتی وجهه.

ولو لم یبرئ أو لم یهب کان له جبره، فإن لم یمکن حقّ له التنقیص من مال الإجارة أو الاقتصاص من مال آخر للمؤجّر، إذ الشرط یقتضی الوضع کما مرّ غیر مرة.

ولو تلف کلّ الحاصل فقد یکون الشرط إذا تلف البعض، وقد یکون الشرط أیّ مقدار تلف، فإن کان الشرط

ص:378


1- الاستبصار: ج3 ص232 ح4، الوسائل: ج15 ص30 الباب 19 و20 من أبواب المهور ح4

بل الظاهر صحة اشتراط البراءة علی التقدیر المذکور بنحو شرط النتیجة، ولا یضره التعلیق لمنع کونه مضراً فی الشروط.

الثانی استحقّ المستأجر الکل، وإن کان الأول فإن کان علی نحو یکون معناه عدم استحقاق المستأجر الکل إذا تلف الکل لم یستحقّ الکل، وإنما یستحقّ أکثر مقدار یشمله اللفظ حسب العرف، وإن کان علی نحو الطبیعة الموجودة فی البعض والکل، استحقّ الکل.

ثم إنّ قول المصنّف: (فالظاهر) إنما هو مقابل احتمال ضرر الجهالة فی الشرط کما سیأتی.

{بل الظاهر صحة اشتراط البراءة} من کلّ الأجرة عند تلف الکل، أو مقدار منه عند تلف البعض {علی التقدیر المذکور بنحو شرط النتیجة} بأن تبرأ ذمة المستأجر بدون الاحتیاج إلی الإبراء، وذلک لشمول دلیل الشرط لمثله، {ولا یضره} الجهالة {التعلیق} فی مثل هذه الشروط {لمنع کونه مضرّاً فی الشروط} وإن کان مضرّاً فی أصل العقد.

أمّا ضرر التعلیق فی أصل العقد فلأن العقد الذی هو بمعنی الإلزام والالتزام لا یتحقّق فی صورة التعلیق، وإن تحقّق فی صورة الخیار، وذلک لأنّ التعلیق معناه عدم الإلزام والالتزام، فإنه التزام علی تقدیر، لا التزام مطلقاً، والعقد معناه الالتزام المطلق.

أمّا الخیار، فإنه لا ینافی کونه التزاماً مطلقاً، بل معناه مؤکد للالتزام المطلق، إذ معنی الخیار أنّ ذا الخیار یبطل الالتزام، هذا بالإضافة إلی أنّ الشارع إنما قرّر العقد المتعارف، والمتعارف هو المنجزّ لا المعلّق کما لا یخفی، فتأمّل.

ص:379

وأمّا ضرر الجهالة، فلما ورد من النهی عن البیع المجهول بالمناط، ولأنه غرر، وقد نهی النبی (صلی الله علیه وآله) عن الغرر((1))، وأما عدم ضرر التعلیق والجهالة فی الشرط فلما عرفت من إطلاق أدلة الشرط.

نعم لیس معنی عدم ضررهما فی الشرط أنّ کلّ مجهول ومعلّق غیر ضائر، بل المجهول والمعلّق الذی لا یکون غرراً، إذ النهی عن الغرر یشمل الشرط أیضاً، فإذا قال: بعتک هذا الشیء بشرط أن یکون لی حقّ مّا، بدون ذکر ذلک الحقّ، بطل الشرط، لأنه غرر ومجهول، وکذلک إذا قال: بشرط أنه إذا حدث أمر مّا _ بدون تعیین ذلک الأمر _ فلی علیک إرجاع نصف الثمن، لم یصحّ الشرط.

والحاصل: إنّ الدلیل دلّ علی ضرر الجهالة والتعلیق المتعلقین بنفس العقد، لا علی ضررهما إذا کانا فی الشرط، إلاّ إذا أوجبا غرریة الشرط، وحینئذ فیما لو کان الشرط غرریاً یبطل الشرط فقط، لما حقّق فی محلّه من أنّ الشرط الفاسد لیس بمفسد.

والإشکال فی العقد الذی یشتمل علی الشرط المجهول أو المعلّق، بأنّ جهالة الشرط وتعلیقه یسری إلی جهالة العقد وتعلیقه فاللازم بطلان العقد، وذلک لرجوع الشرط إلی جزء من العوضین، وإذا کان أحد العوضین مجهولاً أو معلّقاً بطل العقد، غیر تام، لمنع کون الشرط راجعاً إلی جزء من العوضین خارجاً وإن کان کذلک أولاً، وقد ذکر الشیخ المرتضی (رحمه الله) تفصیل الکلام فی هذه الأمور فی المکاسب، فراجع.

ص:380


1- الوسائل: ج12 ص230 الباب 40 من أبواب التجارة ح3

نعم لو شرط براءته علی التقدیر المذکور حین العقد

ومن المعلوم اتّحاد العقود فی هذه الأمور، فلا فرق بین البیع والإجارة فی ذلک.

بقی الکلام فی أن شرط النتیجة غیر ضارّ لما تقدم.

وفرق المستمسک بین أن یکون شرط النتیجة علی نحو إنشاء أصل العقد فیکون المنشأ أمرین، مضمون العقد ونفس النتیجة فترتب بمجرد الشرط إذا لم یعتبر فی إنشائها سبب خاص، وبین أن یکون علی نحو شرط الفعل، فالملکیة مثلاً تارة تشترط فی ضمن العقد علی أن تکون فی عهدة المشروط علیه فیجب علیه تحصیلها فتکون حینئذ من قبیل شرط الفعل، وتارة تشترط لا علی أن تکون فی عهدة متعهد بها، وهی بهذه الملاحظة ممّا لا تقبل أن تکون موضوعاً لإضافة المملوکیة، إلی آخر ما ذکره. وعلیه یصحّ القسم الأول من شرط النتیجة دون الثانی.

محتاج إلی التأمّل، إذ الشیء المربوط بالطرف المقابل یصحّ له أن یغمض عنه، فإنّ معنی البراءة الإغماض عن قدر من الأجرة، وهذا الإغماض بید الطرف، فقد یغمض عنه اختیاراً، وقد یغمض عنه حسب الشرط الذی یقتضی الوضع.

نعم یشترط فی شرط النتیجة أن لا یکون مما صرّح الشارع بعدم تقریره، کأن یشترط أن تکون بنته زوجة المشتری بدون إجراء عقد النکاح، أو أن تکون زوجته خارجة عن حبالته بدون إیقاع الطلاق، أو ما أشبه ذلک.

{نعم لو شرط براءته علی التقدیر المذکور حین العقد}، (حین)

ص:381

بأن یکون ظهور النقص کاشفاً عن البراءة من الأول، فالظاهر عدم صحته لأوله إلی الجهل بمقدار مال الإجارة حین العقد.

متعلّق ب_ (براءته)، {بأن یکون ظهور النقص کاشفاً عن البراءة من الأول، فالظاهر عدم صحّته} أی عدم صحّة الشرط المذکور، ولیس المراد عدم صحة العقد، إلاّ علی القول بأنّ الشرط الفاسد مفسد، وهو خلاف التحقیق، کما ذکر فی محلّه.

وإنما قلنا بعدم الصحة {لأوله} أی هذا الشرط {إلی الجهل بمقدار مال الإجارة حین العقد} لکن هذا إذا کان المراد من البراءة عدم اشتغال الذمة به، أمّا إذا کان المراد السقوط عن الذمة بعد الاشتغال به فلا یلزم المحذور، کما نبّه علیه المستمسک.

ثم إنّ مثل الشرط المذکور فی مثل هذه المسألة، اشتراط الخادم الذی یستأجر الفندق أو الدار، أنّ الزوّار إذا لم یأتوا إلی کربلاء فی هذه السنة یخفّف عن الأجرة الثلث أو أکثر أو أقل، لما تقدم فی دلیل المسألة.

ولو انعکس بأن اشتراط صاحب البستان أو الدار الزیادة بالهبة ونحوها إذا زاد الحاصل أو جاء الزوار بمقدار معین کدینار عن کلّ زائر، أو بکسر مشاع کالثلث أو نحوه، صحّ أیضاً، لإطلاق دلیل الشرط.

ومثل اشتراط الزیادة والنقیصة فی طرف المال، اشتراط الزیادة والنقیصة فی طرف العین، کما لو اشتراط صاحب البستان أنه إن زاد الحاصل کان علی المستأجر التخلّی عن نصف البستان للمالک.

وکذا اشتراط صاحب الدار اشتراط التخلّی عن الغرفة الفلانیة للمالک إن جاء الزوار، وکذا اشتراط صاحب المال علی صاحب الدار

ص:382

إجارة الأرض مدة معلومة بتعمیرها

السادسة عشرة: یجوز إجارة الأرض مدة معلومة بتعمیرها وإعمال عمل فیها من کری الأنهار وتنقیة الآبار وغرس الأشجار ونحو ذلک

والبستان أن یمنحه مجّاناً البستان المجاور أو الدار المجاورة إذا جاء الزوار، أو نقص الحاصل مثلاً.

ولو اختلفا فی الشرط وعدمه کان الأصل العدم، ولو اتّفقا فی أصل الشرط واختلفا فی ماهیته فإن کان الاختلاف من قبیل التباین فالمرجع التحالف وإن کان من قبیل الأقل والأکثر فالمرجع أصالة عدم الزیادة.

{السادسة عشرة: یجوز إجارة الأرض الزراعیة مدة معلومة ب_} أن تکون الأجرة {تعمیرها وإعمال عمل فیها من کری الأنهار وتنقیة الآبار وغرس الأشجار ونحو ذلک} من سائر الأعمال التی یحتاج إلیها البستان والأرض الزراعیة، ولکن بشرط أن یکون کلّ من العین ومقدار الخدمات التی یؤدّیها المستأجر إلی العین بعنوان الأجرة معلوماً، بحیث لا تکون المعاملة غرریة، کما نبّه علیه السیدان البروجردی والأصطهباناتی.

وإنما تصحّ الإجارة کذلک لشمول مطلقات العقود والإجارة لمثلها، فإنه قد جعل العمل أجرة للعین.

کما إذا استأجر الخیاط دار زید فی مقابل خیاطته له ملابسه، ولا فرق فی العمل الذی یجعل أجرة بین أن یکون عملاً فی نفس العین، أو عملاً خارجیاً.

ثم إنّه قد دلّ علی صحة الإجارة المذکورة، جملة من الروایات:

ص:383

وعلیه یحمل قوله (علیه السلام): «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها بعشرین سنة أو أکثر فیعمرها ویؤدی ما خرج علیها» ونحوه غیره.

کصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها بعشرین سنة أو أقل أو أکثر فیعمرها ویؤدّی خراجها ولا یدخل أصلاً فی شیء من القبالة فإنّه لا یحل»((1)).

وصحیحه الآخر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إنّ القبالة أن تأتی الأرض الخربة فتقبلها من أهلها عشرین سنة أو أقل من ذلک أو أکثر فتعمرها وتؤدّی ما خرج علیها فلا بأس به»((2)).

وصحیح یعقوب بن شعیب، فی حدیث قال: وسألته عن الرجل یعطی الأرض الخربة ویقول: أعمرها وهی ملک ثلاث سنین أو خمس سنین أو ما شاء الله، قال: «لا بأس»((3)).

والمراد ب_ (ما شاء الله) ما یذکر أنه من المدة، لا المدة المجهولة کما لا یخفی.

إلی غیرها من الروایات المذکورة فی باب المزارعة والمساقاة.

{وعلیه یحمل قوله (علیه السلام): «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها بعشرین سنة»} أو أقل {«أو أکثر فیعمرها ویؤدّی ما خرج علیها». ونحوه غیره} أن کان المحتمل فی الروایات أموراً:

ص:384


1- الوسائل: ج13 ص219 الباب 93  ح2
2- الوسائل: ج13 ص204 الباب 11 من أبواب المزارعة والمساقاة ح2
3- الوسائل: ج13 ص204 الباب 11 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

الأول: أنّ المراد الإجارة، کما ذکره المصنّف، بأن تکون العین فی إجارة العامل فی مقابل الأجرة التی هی العمل فیها.

الثانی: أنّ المراد الإجارة علی العمل، بأن یستأجر صاحب الأرض العامل للعمل فی الأرض والأجرة منافع الأرض.

الثالث: أن یکون علی نحو الصلح بالتصالح بینهما، علی أن یعمل العامل فی مقابل استفادته من الأرض، ویقرّب ذلک الجهالة الغالبة فی أمثال هذه المعاملات، والتی لا یصحّحها إلاّ الصلح.

الرابع: البیع، بأن یبیع صاحب الأرض فائدتها والثمن عمل العامل، وهذا بعید جداً.

الخامس: الجعالة، بأن تکون فائدة الأرض جعلاً علی العمل.

السادس: أن تکون معاملة مستقلة، بأن یملک کلّ واحد منهما الطرف الآخر، فیملّک مالک الأرض منافعها للعامل، ویملّک العامل عمله لمالک الأرض.

والظاهر أنّ هذه المحتملات کلّها صحیحة، وإن کان الأقرب إلی الذهن هو الأخیر، لا ما ذکره المصنّف، لانصراف الروایات عن الإجارة المعهودة، ولا ما ذکره المستمسک من أنه معاملة مستقلة مفادها تملیک المنفعة للعامل وتملیک مالک الأرض للعمل بلا معاوضة بین المنفعة والعمل، إذ الظاهر من الروایات المقابلة بین الأمرین لا بین التملیکین.

ثم الظاهر أنّ جعل الخراج علی العامل جزءاً أو شرطاً لیس بلازم،

ص:385

فیجوز جعله علی المالک، کما أنّ الظاهر أنّ اشتراط کلّ طرف علی الآخر شرطاً جائز، ویدخل فی عموم «المؤمنون»((1)).

ثم إنه إن قلنا: إنّ المعاملة المذکورة فی المعاملات المعروفة کالإجارة فهی لازمة بلا إشکال، وإن کانت معاملة مستقلة، فالظاهر لزومها أیضاً لعموم: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾((2)).

ثم إن بعد تمام المدة تکون الزراعة الحاصلة فی الأرض للمالک، وإن کانت الأصول والبذر للعامل، وذلک لأنه مقتضی المعاوضة، اللّهم إلاّ أن یجعل شیء منها للعامل حسب العقد أو الشرط.

وکما یصحّ مثل هذه المعاملة فی باب الزراعة، تصحّ هذه المعاملة فی باب العمارة، بأن یعطیه الأرض لیعمرها دوراً أو حمامات أو دکاکین أو معامل، وتکون العمارة للمالک بعد انتهاء المدة، وکذلک تصحّ فی باب الحیوان وفی باب الأشجار، بأن یعطیه الحیوان أو الشجر لیربیه مدة معینة فی قبال نتاجه فی تلک المدة.

وکذلک تصحّ فی باب الخدمات المتقابلة، کأن یستأجر إنسان إنساناً لیعمل له الأجیر فی مقابل أن یربّی الأجیر تربیة دینیة أو علمیة أو بدنیة أو ما أشبه ذلک، کل ذلک لإطلاق أدلة الإجارة وأدلة العقود.

ص:386


1- فی العوالی: ج1 ص293 ح173: « المؤمنون عند شروطهم » ، إلاّ أن فی الوسائل: ج12 ص353 ح1 و2: « المسلمون عند شروطهم »
2- سورة المائدة: الآیة 1

أخذ الأجرة علی الطبابة

السابعة عشرة: لا بأس بأخذ الأجرة علی الطبابة، وإن کانت من الواجبات الکفائیة، لأنها کسائر الصنائع واجبة بالعوض لانتظام نظام معایش العباد

{السابعة عشرة: لا بأس بأخذ الأجرة علی الطبابة}، أما إذا لم تکن الطبابة واجبة بأن کانت لأجل الوقایة من المرض المحتمل الذی لا تجب الوقایة عنه، أو شبه ذلک فلا إشکال فی جواز أخذ الأجرة، لأنه عمل والعمل محترم إذا کان من الإنسان المحترم.

بل یجوز أخذ الأجرة {وإن کانت من الواجبات الکفائیة} بأن کان هناک أطباء متعدّدون یتمکن کلّ منهم من العلاج {لأنها کسائر الصنائع واجبة بالعوض} بمعنی أنّ الشارع لم یوجبه مجّاناً، بل إنما أوجبه سواء أتی به بعوض أم لا، فلیس مثل صلاة الیومیة، بل مثل النجارة والحدادة والبناء ونحوها التی وجبت «لانتظام نظام معایش العباد»((1)).

وما ذکره المستمسک من (أنّ الظاهر کون (بالعوض) غلطاً لأنها واجبة بالعوض وبغیر عوض، وإلاّ لما کان فعلها مجّاناً أداء للواجب) انتهی، لا یخلو من إشکال، إذ المراد بالوجوب بالعوض ما ذکرناه لا ما ذکره.

ثم إنّ السیدین الجمّال والأصطهباناتی ذکرا فی تعلیقهما، واللفظ للأول: (لأنّ وجوبها لمّا کان عبارة أخری عن الإلزام بعدم حبسها عمّن یحتاج إلیها فلیس هو مخرجاً لذات العمل عن ملک مالکه، ویجوز أخذ الأجرة علیه حذو سائر الأعمال)، وفیه: إنه أی فرق بین وجوب الفعل أو حرمة

ص:387


1- تحف العقول: ص240

بل یجوز وإن وجبت عیناً لعدم من یقوم بها غیره.

الترک، فإنّ ما دلّ علی حرمة أخذ الأجرة إن تمّ جار فیهما.

ثم إنک قد عرفت فی بعض المباحث السابقة الإشکال فی ما اشتهر بینهم من حرمة أخذ الأجرة علی الواجبات، ولو فرض أن تمّ ذلک فی الجملة فإنما هو فی أشیاء خاصة کالصلاة الیومیة لا مطلقاً، فأصل صحة الإجارة فی الطبابة ونحوها محکم.

{بل یجوز} أخذ الأجرة {وإن وجبت عیناً} علی إنسان {لعدم من یقوم بها غیره} کما هو شأن کلّ واجب کفائیّ.

وفرق بعضهم بین الوجبات العینیة والواجبات الکفائیة بما لا محصل له.

ثم إنه لا یجوز أخذ الأجرة علی الطبیب المستأجر من قبل الحکومة أو هیئة _ فیما صحّت الإجارة _ لخدمة المرضی، لأنّ عمله للمستأجر، فلا شیء له حتی یأخذ الأجرة من المریض فی مقابله.

ثم إنّ وجوب الطبابة إنما هو فیما إذا کان المرض مهلکاً، أو کان الإنسان الصحیح معرّض لمرض مهلک، لا إشکال فیه، لوجوب إنقاذ النفس المحترمة ضرورةً وإجماعاً.

أمّا إذا لم یکن المرض مهلکاً، بل مضراً إضراراً بالغاً، کما إذا أوجب ذهاب العین، أو الألم الذی لا یجوز تحمّله شرعاً، فوجوب ذلک:

أولاً: من جهة التلازم العرفی بین الوجوب علی صاحب المرض والطبیب، إذ لو قیل لإنسان یجب علیک دفع المرض، لا یمکن أن یقال لمن بیده الدفع: لا یجب علیک العلاج.

ص:388

وثانیاً: لما ورد عن المسیح (علیه السلام) أنه قال ما مضمونه: (التارک لدواء الجریح والجارح له علی حدّ سواء)((1)) ممّا رواه الجواهر، بل لعلّه مشمول لقوله (علیه الصلاة والسلام): «لا ضرر ولا ضرار»((2))، فإنه یشمل ذلک عرفاً، إذ نفی الضرر علی الجمیع، فکما لا یحقّ للإنسان أن یضرّ نفسه ولا یحقّ لغیره أن یضره، کذلک لا یحقّ للإنسان ولا لغیره أن یترک المضرور فی ضرره، وقد تقدم البحث عن ذلک فی بعض مجلدات الفقه.

وإذا کان هناک طبیبان أحدهما أخصائی والآخر عادیّ، فهل یجب عینیاً علی الأخصائی المباشرة، الظاهر العدم، إلاّ إذا توقف العلاج علیه.

وکما یجب علی الطبیب العلاج، کذلک یجب علی الإنسان دراسة الطبّ عیناً أو کفایةً، لوحدة الدلیل المتقدم فیهما.

والظاهر أنه یجب تطبیب الحیوان المحترم أیضاً، لما دلّ علی وجوب الرفق به، وأنّ الإنسان مسؤول عنه یوم القیامة، بالإضافة إلی أنّ ترکه حتی یموت فی الحیوانات النافعة إسراف محرّم.

أمّا تطبیب الأشجار ونحوها فوجوبه ناشئ عن حرمة الإسراف، أو مقدمة إنقاذ الإنسان من الهلاک، أو الإبقاء علی نظام معایش العباد، أو لا ضرر علی التقریب الذی ذکرناه.

ص:389


1- الجواهر: ج37 ص84 (بالمضمون)
2- الوسائل: ج17 ص340 الباب 12 من إحیاء الموات ح1

ویجوز اشتراط کون الدواء علیه مع التعیین الرافع للغرر، ویجوز أیضاً مقاطعته علی المعالجة إلی مدة

{ویجوز اشتراط کون الدواء علیه مع التعیین الرافع للغرر} لعموم «المؤمنون عند شروطهم»((1))، ولأنه نهی النبی (صلی الله علیه وآله) عن الغرر((2))، ولا یضرّ کون الشرط موجباً لحقّ المستأجر فی عین مال الأجیر، إذ المحذور أن تکون ذات الإجارة موجبة لذلک لا ما یشترط فی ضمنها.

أمّا إذا لم یشترط کون الدواء علی الطبیب فالدواء لیس علی الطبیب، لأنّ الطبیب أجیر، والأصل عدم کونه علیه.

وعن القواعد إنه قال: (والکحل علی المریض، ویجوز اشتراطه علی الکحّال)، وقال: (ولو اشترط الدواء علی الطبیب فالأقرب الجواز) انتهی.

أمّا الأدلة التی یتطبب بها أو یجری العملیة بسببها، کالشرط للحجام، والفصاد، والدرجة والسمّاعة، لقیاس الحرارة وحرکات القلب، فالمنصرف منه عرفاً أنه علی الطبیب، ولو لم یکن انصراف لم یکن علیه، لأنه استؤجر علی العمل والملاحظة، فالأصل عدم تکلیفه بأکثر من ذلک.

{ویجوز أیضاً مقاطعته علی المعالجة إلی مدة} بأن یقول المریض له

ص:390


1- الوسائل: ج15 ص30 الباب 19 و20 من أبواب المهور ح4، الاستبصار: ج3 ص232 ح4
2- الوسائل: ج12 ص230 الباب 40 من أبواب آداب التجارة ح3

أو مطلقاً، بل یجوز المقاطعة علیها بقید البرء أو بشرطه

أعطیک عشرة دنانیر لتعطینی دورة کاملة من الدواء المکافح للحمی القرمزیة فی ظرف عشرة أیام مثلاً، فیما إذا کان هناک میزان خاص لمکافحة ذلک المرض حتی لا یلزم الغرر.

{أو مطلقاً} بأن لم یذکر المدة، لکن کانت المدة المردّدة بین القلیل والکثیر لا یوجب الغرر، قال فی المستمسک: (نظیر خیاطة الثوب المردّد زمانها بین القلیل والکثیر لکن تعین الثوب کاف فی رفع الغرر)، انتهی.

ومنه یعرف أنّ إشکال ابن العم فی ذلک، کفتوی السیدین البروجردی والأصطهباناتی، بعدم صحة الإجارة لا یخلو من نظر، فإنّ المحذور المتوهم هو الغرر الذی عرفت عدم لزومه فی المقام، وفی نظیره الذی هو الخیاطة.

وإن شئت قلت: إنّ الصور الممکنة هی:

تعیین الزمان، وتعیین العمل، وتعیین کفاح المرض، وتعیین البرء، وتعیین الدواء، مثلاً مرض الصداع یرتفع فی خمسة أیام بخمس تزریقات کلّ مرة نصف إبرة، فإنه یصحّ أن یقول للطبیب: استأجرک فی خمسة أیام للصداع، أو لتزریق خمس أبر، أو لتکافح مرض الصداع، أو لتبرئنی من هذا المرض، أو لتصرف فی علاجی إبرتین ونصف، کلّ ذلک جائز، سواء أطلق مکان القیود الأخر أم لا، وذلک لعدم الغرر فی کلّ تلک الحالات.

{بل یجوز المقاطعة علیها} أی علی المعالجة {بقید البرء أو بشرطه} والقید یکون فیما کان البرء مقوّماً لموضوع الإجارة، فإذا لم

ص:391

إذا کان مظنوناً بل مطلقاً.

یحصل البرء بطلت الإجارة، ولم یستحقّ الطبیب شیئاً، إلاّ إذا کانت الإجارة ذات جزءین فیکون من باب تبعّض الصفقة، والشرط یکون فیما کان البرء شرطاً بدون أن یکون فی مقابل الأجرة، فإذا لم یحصل البرء لم تبطل الإجارة، وإنما کان للمریض خیار تخلّف الشرط، فإذا فسخ کان له أجرة المثل أو أقل الأمرین من المثل والمسمّی.

{إذا کان} البرء {مظنوناً، بل مطلقاً} وإن لم یکن مظنوناً، لعموم «المؤمنون عند شروطهم»((1))، وعموم ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾((2))، فیما کان البرء قیداً، فإنه لا یشترط فی صحّة الإجارة ظنّ المستأجر بقدرة الأجیر، فإنه یصحّ إجارة الخیاط للخیاطة وإن ظنّ أنه لا یقدر علیها لمرض أو عدو یمنعه أو ما أشبه ذلک.

ومنه یعلم أنّ احتمال البرء کاف فی صحة الإجارة إذ أخذ قیداً، أمّا إذا أخذ شرطاً فلا یشترط حتی احتماله، فإنه من قبیل أن یشترط الشیء المتعذّر، حیث إنّ فساد الشرط لا یسری إلی العقد، لما حقّق فی محلّه من أنّ الشرط الفاسد لا یفسد.

ثم إنّ السادة ابن العم والبروجردی والجمال، أشکلوا فی قید البرء وشرطه، والعبارة للأول قال: (لا تصح هذه المعاملة إلاّ بعنوان

ص:392


1- الوسائل: ج15 ص30 الباب 19 و20 من أبواب المهور ح4
2- سورة المائدة: الآیة 1

الجعالة.

ووجّه البطلان الثانی بأنّ المعاملة غرریة، لأنه وإن کان ربّما یحصل البرء بمقدمات اختیاریة لکنّ حصوله اتفاقی فالمعاملة علیه غرریة.

وقال الثالث: لو قاطعه بقید البرء فمقتضی اعتبار المقدوریة فی متعلّق الإجارة هو فسادها من أصله.

وقال فی المستمسک: (اللّهم إلاّ أن یحصل الغرر مع عدم الظنّ بالحصول فتبطل لذلک لا لعدم القدرة، لکنه یتوقّف علی عموم نفی الغرر للإجارة، وقد عرفت الإشکال فیه)، انتهی.

أقول: لا وجه للبطلان إذا کان البرء شرطاً، فإنّ منتهی الأمر أن یکون الشرط فاسداً، ومن المعلوم أنّ الشرط الفاسد لیس مفسداً کما قرّر فی محلّه، بالإضافة إلی أنّ أحداً لم یشترط فی باب الشرط أن یکون مظنون الحصول، وإطلاقات أدلة الشرط تشمل کلّ شرط، ولو کان مقطوع عدم الحصول إذا اتّفق حصوله واقعاً، إذ لا مدخلیة للعلم والجهل فی المعاملات إلاّ فی مثل الغبن ونحوه ولیس المقام منه.

هذا وأما اعتبار المقدوریة فهی واقعیة لا علمیة، فلو أنّ الإنسان استأجر داراً بشرط أن یسکنها، لکنه مات قبل السکنی لم یکن الشرط مقدوراً واقعاً مع صحة الإجارة، هذا إذا کان شرطاً.

وأما إذا کان قیداً، فإن کان واقعاً مقدوراً ولو بمقدّماته صحّت الإجارة، إذا لم یدل دلیل علی اعتبار القدرة مباشرة، ولذا لو استأجره لإحراق کناسة داره صحّت الإجارة، وإن لم یکن الإحراق مقدوراً إلاّ بمقدّماته، وإذا لم یکن واقعاً

ص:393

وما قیل من عدم جواز ذلک لأن البرء بید الله فلیس اختیاریاً له، وأن اللازم مع إرادة ذلک أن یکون بعنوان الجعالة لا الإجارة، فیه إنه یکفی کون مقدماته العادیة اختیاریة.

مقدوراً بأن لم یبرء بطلت الإجارة، کسائر المواضع التی یظنّ المؤجّر القدرة ولکنه لا یقدر.

والحاصل أنّ البرء لو کان شرطاً صحّت الإجارة فی کلّ، منتهی الأمر إذا لم یبرء کان للمستأجر خیار الشرط، وإن کان قیداً فإن تحقّق صحّت الإجارة وإلاّ بطلت.

أما ما ذکره المستمسک من الإشکال فی عموم نفی الغرر، فقد عرفت أنّ النص والفتوی علی العموم.

{وما قیل: من عدم جواز ذلک} أی الإجارة علی البرء {لأنّ البرء بید الله فلیس اختیاریاً له} أی للطبیب، وما لیس باختیاره کیف یؤجّر نفسه علیه {وأنّ اللازم مع إرادة ذلک} البرء {أن یکون} التعامل {بعنوان الجعالة لا الإجارة}، حیث قال فی محکی القواعد: (ولو جعل له علی البرء صحّ جعالة لا إجارة).

وشرحه فی محکی جامع المقاصد بقوله: (أمّا عدم صحّته إجارةً فإنّ ذلک لیس من مقدور الکحّال، وإنما هو من فعل الله سبحانه، وأمّا صحّته جعالة، فلأنّ السبب فی حصوله کاف فی استحقاق الجعل إذا حصل وإن کان من فعل الله تعالی).

{فیه: إنه یکفی کون مقدّماته العادیة اختیاریة} بحیث تصحّ نسبة الفعل إلی الفاعل، والبرء کذلک فی المقام، فإنّ مقدّماته العادیة اختیاریة.

ص:394

هذا ویرد علی من فرّق بین الإجارة والجعالة: أنه لا فرق بینهما، إذ لو کانت الجعالة علی المقدّمات صحّت الإجارة علیها أیضاً، وإن کانت الجعالة علی البرء، الذی هو لیس بمقدور حسب فرق من قال بالفرق، فلا معنی لجعل الجعالة علی الأمر غیر الاختیاری، فهل قول من یمنع الإجارة یلزم أن یمنع الجعالة أیضاً.

وتصحیح المستمسک للفرق، فیه ما لا یخفی، فإنّه قال: (نعم الفرق بین الإجارة والجعالة أنّ الإجارة تتضمّن تملیک المستأجر عمل الأجیر، والجعالة لا تتضمّن ذلک، ولأجل هذا الفرق امتنع وقوع الإجارة علی غیر المقدور وجاز وقوع الجعالة علیه مع الاحتفاظ بصحّة النسبة إلی المجعول له، وعدم القدرة لا ینافی صحّة النسبة، وإن کان ینافی صحّة التملک)، انتهی.

إذ یرد علیه: أنه لو سلّم عدم مقدوریة البرء فکیف یمکن جعل الجعالة علیه، وإذا کان مقدوراً کیف تصحّ النسبة.

ولم یبین السید الحکیم وجه قوله: (وعدم القدرة لا ینافی صحّة النسبة)، فإنه لا یعقل نسبة غیر المقدور إلی غیر القادر، فهل تصحّ نسبة طلوع الشمس إلی زید.

کما یرد الإشکال علی ما ذکره السید الأصطهباناتی بقوله: (إنما یکفی فی اختیاریة الأمور التسبّبیة ومقدوریتها کون جمیع مقدّماتها اختیاریة، مثل الاحتراق الحاصل بالإلقاء فی النار، والقتل الحاصل بقطع الرقبة مثلاً وهکذا، وفیما نحن فیه لیس کذلک، فإنّ من جملة مقدّمات حصول البرء

ص:395

هو إرادته تعالی وکونه بیده وهو خارج عن اختیار العبد فلا یکون مقدوراً له)، انتهی.

إذ لا فرق بین البرء والاحتراق، فإنّ إرادة الله کما تکون من مقدّمات البرء کذلک تکون من مقدّمات الاحتراق، وجریان العادة بالاحتراق دون البرء غالباً، یرد علیه: إنّ العادة لا توجب أن لا تکون إرادة الله من مقدّمات الاحتراق أولاً، کما أنّ العادة جاریة فی برء بعض الأمراض بالأسباب الطبیعیة ثانیاً، فالفرق بین الأمرین غیر فارق.

وهکذا یرد الإشکال علی ما ذکره السید الجمال، حیث قال: (إنّما یکفی اختیاریة المقدّمات فی اختیاریة ذیها إذا کان کمخیطیة الثوب مثلاً أثراً متوالداً منها ولم یتوسّط فی البین مقدمة أخری غیر اختیاریة، وإلاّ کانت هی الأخیر من أجزاء علّته، واستند الأثر إلیها ویکون تابعاً لها فی عدم المقدوریة، ولا یصحّ الالتزام به بالإجارة مثلاً او الاشتراط أو غیر ذلک، وظاهر أنّ برء المریض وکذا سمن الدابّة ونحوهما من ذلک، نعم لمّا کانت الجعالة لا تتضمّن إلزاماً علی العامل، وکان المنشأ بها هو الالتزام له علی تقدیر خاص، فالفرق بینها وبین الإجارة وکذلک الشرط فی ضمن العقد من هذه الجهة ظاهر)((1)) انتهی.

إذ یرد علیه:

أولاً: إنّ توسط مقدمة غیر اختیاریة لا ینافی الاختیار، وإلاّ لم یصحّ إجارة السیارة والطائرة والسفینة لأنّ توصله إلی البلد الفلانی، إذ

ص:396


1- العروة الوثقی المحشی: ج5 ص138 حاشیة النائینی

ولا یضر التخلف فی بعض الأوقات، کیف وإلا لم یصح بعنوان الجعالة أیضاً.

الهواء والماء المسیران لها غیر اختیاریة، وکذلک فی القتل والاحتراق لهما مقدمة غیر اختیاریة وهی قابلیة الإنسان لتقبّل القتل والحطب لتقبّل الإحراق.

وثانیاً: إنّ الفارق الذی ذکره بین الإجارة والجعالة غیر تام، إذ لیس الکلام فی الإلزام والالتزام، بل إنّ أخذ الجعل لا یمکن أن یکون لأمر غیر اختیاری، کما أنّ أخذ الأجرة لا یمکن أن یکون لأمر غیر اختیاری، فإذا کان البرء أمراً اختیاریاً صحّ أخذ الأجرة وأخذ الجعل علیه، وإن لم یکن أمراً اختیاریاً لم یصحّ أخذ أی منهما علیه، وإن کان الأخذ للجعل لأجل إتیان المقدّمات فلیکن أخذ الأجرة لأجل ذلک أیضاً، فلا فرق بینهما أصلاً.

ولذا قال المصنّف: {ولا یضرّ التخلّف فی بعض الأوقات} کسائر أنواع الإجارة التی تتخلّف النتیجة فیها فی بعض الأوقات، فإنّ التخلّف لا یوجب غرراً، ولا کون متعلّق الإجارة غیر مقدور، {وإلاّ لم یصحّ بعنوان الجعالة أیضاً} لما عرفت.

ومنه تعرف وجه النظر فی ما ذکره الأصطهباناتی بقوله: (الملازمة ممنوعة، والفارق هو کون المستأجر مالکاً للمستأجر علیه، بخلاف الجاعل، فإنه لا یستحقّ علی العامل شیئاً، وإنما یعمل هو باختیاره بترتّب الفائدة)، انتهی.

ثم الظاهر صحّة الإجارة المتعارفة للأطباء فی المستشفیات والمصحّات

ص:397

للطبابة من الصبح إلی الظهر، وإن لم یعرف قدر المرضی، کما تصحّ الإجارة لطبابة أشخاص معدودین کخمسة مثلاً کلّ یوم، وإن لم یعرف أمراضهم ولا مقدار ما یستوعب فحص کلّ واحد منهم، وذلک لعموم أدلة العقد والإجارة، وعدم شمول الغرر له عرفاً.

ومثله استئجار الطبیب لأجل مکافحة الوباء وما أشبه بتزریق الإبر ونحوه، وإن لم یعرف المدة التی تستوعبها المکافحة، ولم یعرف مقدار الدواء الذی یصرفه لأجل ذلک، لکن لا بدّ وأن یکون ذلک معلوم الحدود حتی لا یسمّی غرراً عرفاً.

وکما یجوز الاستئجار للطبابة کذلک یجوز الاستئجار للعملیة الجراحیة، لإطلاق أدلة العقد والإجارة، ولو کانت العملیة للنساء والطبیب الرجل فی صورة الاضطرار بأن لا تکون هناک امرأة طبیبة یعتمد علیها، وکان المرض مهلکاً أو مؤذیاً بحیث صدق الاضطرار، وکان العلاج منحصراً بالعملیة، وکذلک قیام الرجل مقام القابلة بما ذکر من الشروط، کما یجوز العکس بأن تباشر الطبیبة المریض بالشرط المذکور، ولو توفّر کلا الجنسین لا یجوز لعدم الاضطرار.

والظاهر أنّ مجرد صوت المرأة أو لمس نبضها من وراء الثوب لیس محرّماً، فمراجعة المرأة إلی الطبیب الرجل لیس محظوراً، وإن لم یکن اضطرار.

ومن أنحاء العملیة المشروطة بما ذکرناه: قلع السنّ وعلاج العین وما أشبههما، واحتمال عدم الحاجة إلی الاضطرار فیهما لاستثناء الوجه، لا یخفی ما فیه.

ص:398

ولا یجوز انفراد الطبیب بالمرأة فی غرفة مسدودة الأبواب، لأنه من الخلوة بالأجنبیة، کما لا یصحّ العکس أیضاً.

والطبیب إنما یجوز له مباشرة المرأة باللمس والعملیة إذا لم یکن هناک طبیبة، وإلاّ لم یصحّ، إذ جوازه له إنما هو تبع لاضطرارها، فإذا لم تکن مضطرة لم یجز له أیضاً.

ولو شک الطبیب فی وجودها وعدمه، أو علم بوجودها، ولکن شک فی اعتماد المریضة علیها ممّا یوجب عدم إباحة رجوعها إلیه وعدم اعتمادها، فالظاهر أنّ له جواز مباشرتها، لأصالة عدم الوجود، وعدم الاعتماد، وحمل فعل المسلم علی الصحیح، فتأمّل، إذ الأصل عدم الاضطرار إلاّ بعد التحقیق، کما ذکروا من أنه لا یجوز شراء الوقف إلاّ بعد تحقیق المشتری بوجود المبرّر الشرعی للبیع، ولا یجوز الاعتماد علی فعل المسلم المحمول علی الصحیح، وکذلک فی کلّ محرّم فی نفسه، فإذا رأی الإنسان أنّ زیداً یشرب الخمر لا یصحّ له أن یحمل فعله علی الصحیح باحتمال أنه مضطر، بل اللازم أن ینهاه عن المنکر حتی یثبت خلافه.

ثم إنّ تجبیر الکسر أیضاً من أقسام العملیة، فحکمه حکمها کما لا یخفی.

ولا یشترط الاضطرار فی المسائل المتقدّمة بما إذا لم یتمکن الرجل، طبیباً کان أو مریضاً، بإجراء النکاح أو الرضاع أو التحلیل أو الاشتراء الموجبة للمحرمیة، وذلک لصدق الاضطرار حتی مع إمکان تلک الأمور.

ولا یجوز للطبیب أن یأخذ الأجرة إذا لم یعرف المرض، إذ المریض إنّما یعطیه الأجرة لأجل إعطاء الدواء الذی یکون لمرضه، کما لا

ص:399

یجوز له أخذ الأجرة إذا أخطأ فی الوصف أو العملیة، بل إذا أخطأ ولم یأخذ البراءة وسبّب تلف عضو أو ذهاب قوة أو قتل نفس وجبت علیه الدّیة.

وقال جمع من الفقهاء: إنه إن تمکن من النظر إلی المرأة فیما یحتاج إلی النظر، بواسطة المرآة، قدم ذلک علی النظر إلی جسمها، ولی فیه تردّد.

نعم إذا تمکن من تفهّم ضربات القلب بالسمّاعة لا إشکال فی أنه مقدّم علی اللمس للجسم، لأنّ المس حرام بخلاف التفهم بالآلة.

وهل أنّ وجود المرض ولو لم یکن مؤذیاً ولا مهلکاً یوجب صدق الاضطرار، احتمالان، ولا یبعد الصدق، إذ الاضطرار کلمة عرفیة، والعرف یری أن المریض مضطر، خصوصاً إذا أوجب المرض تشویهاً أو ما أشبه کالبهق والبرص وما أشبه.

نعم ربّما یشک فی صدق الاضطرار إذا کانت المرأة عقیمة، واحتمل العلاج بالمراجعة إلی الطبیب، أو إذا کان الرجل عقیماً واحتاج الطبیب إلی أخذ منیه الموجب للاستمناء.

ولا إشکال أنه من الاضطرار ما إذا کان یبول فی فراشه أو تبول فی فراشها، ولذا یجوز لهما استعمال الدواء المحرّم أیضاً إذا انحصر الدواء فیه، کما یقال بأنّ علاجه بیض الغنم.

ولا ینبغی الإشکال فی صحة الرجوع إلی الأجنبی فیما إذا کان العلاج محتملاً وإن کان احتمالاً ضعیفاً لصدق الاضطرار.

وإذا لم یجز العلاج لعدم الاضطرار أو ما أشبه کالقطع بعدم الفائدة، فالظاهر أنّ الإجارة باطلة، لأنه من أکل المال بالباطل.

وإذا دار الأمر بین رجوعها إلی المسلم أو الکافر، فهل تتخیر أم یتقدم المسلم، احتمالان، من إطلاق

ص:400

الاستیجار لختم القرآن

الثامنة عشرة: إذا استؤجر لختم القرآن لا یجب أن یقرأه مرتباً بالشروع من الفاتحة والختم بسورة الناس، بل یجوز أن یقرأ سورة فسورة علی خلاف الترتیب

أدلة الاضطرار، ومن أنّ الکافر یحتاج إلی اضطرار ثانوی أیضاً، للمناط المستفاد من قوله سبحانه: ﴿وَلا نِسائِهِنَّ﴾((1))، إذ المفهوم الذی ذکره جملة من المفسّرین للآیة الکریمة تحریم کشف المرأة المسلمة جسدها للمرأة الکافرة، والاحتمال الثانی أقرب.

والظاهر أنه إن أراد الطبیب أخذ أجرة زائدة وکان العلاج واجباً عینیاً علیه، جاز جبره وإعطاءه أجرة المثل.

والمسائل المربوطة بالطبیب کثیرة جداً تحتاج إلی کتاب مستقل نکتفی منها بهذا القدر، وإن کان بعضها خارجاً عن موضوع المسألة لکن ذکرناها لکثرة الابتلاء، والله العالم.

{الثامنة عشرة: إذا استؤجر لختم القرآن لا یجب أن یقرأه مرتّباً، بالشروع من الفاتحة والختم بسورة الناس، بل یجوز أن یقرأ سورة فسورة علی خلاف الترتیب} قال فی المستمسک: (عملاً بالإطلاق، وأمّا الانصراف إلی الابتداء بالأول والختم بالأخیر فبدوی) انتهی.

ویظهر من سکوت ابن العم الموافقة علیه، لکن السید البروجردی قال: (إلاّ أن یکون هناک تعارف یوجب انصراف الأطلاق إلیه)، والسید

ص:401


1- سورة الأحزاب: الآیة 55

الجمال ادّعی وجود الانصراف قال: (الأحوط أن یقرأه مرتّباً، بل لا یبعد أن ینصرف إلیه إطلاقه).

أقول: وهذا هو الأظهر عندی، إذ لا یشک العرف عندنا من أنه لو قیل: ختم فلان القرآن أنه قرأه مرتبّاً، وکذلک ینصرف من إطلاقات قول المعصومین (علیهم السلام) من ختم القرآن کان له کذا، ومن ما ورد من أنّ الإمام الرضا (علیه السلام) کان یختم القرآن کلّ ثلاثة أیام مرة، وأنّ حبیب بن مظاهر کان یختم القرآن کلّ لیلة((1)).

نعم ربّما تکون قرینة خارجیة تدل علی الأعمّ من الترتیب، کما إذا قیل: إنّ التلمیذ فی المدرسة ختم القرآن تعلّماً، فإنه یشمل ما إذا کان تعلّم القرآن غیر مرتّب، وکذلک إذا قیل: ختم فلان رسائل الشیخ دراسةً أو شرحاً أو تدریساً، فإنه یشمل ما إذا فعل ذلک الأمر غیر مرتّب.

وبهذا نستظهر أن یکون القرآن مجموعاً فی زمن الرسول (صلی الله علیه وآله) فی هذا الترتیب الموجود الیوم، لما ورد من روایات الرسول (صلی الله علیه وآله) بأنّ من قرأ القرآن کلّه((2)) أو ختم القرآن، کما فی روایة أبی ذر، وأن ساعة من العلم خیر من ختم القرآن کذا مرة، فإنه لو لم یکن للقرآن وحدة واحدة لم یستقم هذا التعبیر.

ص:402


1- انظر: ثواب الأعمال وعقابها، للصدوق ص125 160
2- أصول الکافی: ج3 ص611

ولما ورد من أنه إذا نزلت آیة قال الرسول (صلی الله علیه وآله): ضعوها فی الموضع الفلانی من السورة الفلانیة، وإذا نزلت سورة قال (صلی الله علیه وآله): ضعوها بعد السورة الفلانیة.

وقد ورد أنّ من قرأ السورة الفلانیة کان له کذا من الأجر أو الفائدة، ومن المعلوم أنّ السورة الفلانیة اسم لمجموعها التی منها آیات نزلت فی المدینة مثلاً ثم وضعت فی وسط سورة فی مکة مثلاً.

وکذلک یؤید ما ذکرناه قوله (صلی الله علیه وآله) أنه أعطی المفصّل فی قبال الکتاب السماوی الفلانی، وهکذا ممّا یؤید أنّ المفصّل کان مجموعاً فی آخر القرآن مثلاً.

أمّا ما ورد من أنّ الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) أتاهم بالقرآن فلم یقبلوه، فقد ورد عنه (علیه السلام) أیضاً أنه أتاهم بتنزیله وتأویله، مما یدل علی أنّ الشیء الذی لم یقبلوه هو ذلک المجموع الذی یصدق مع عدم قبولهم تأویله.

وما ذکر فی التواریخ من أنّ فلاناً جمع القرآن، فالمراد به أنه حذف القرآنات التی کانت موجودة عند کلّ صحابی سورة أو سوراً، فإنّ العادة جاریة أنّ الإنسان الحاضر عند المدرّس یکتب الدرس، فإذا أردنا جمع درس المدرّس نأخذ الکتاب ممّن حضر کلّ الدرس ونرد جزوات الذین حضروا متقطعاً إلی ذلک المجموع، وهکذا کتب کلّ صحابی جزءاً أو

ص:403

سورة أو سوراً من القرآن، وقد ردّ الجمیع فلان إلی قرآن واحد مجموع حسب ترتیب الرسول (صلی الله علیه وآله).

وأما الروایات الواردة فی زیادة القرآن ونقصه فأغلبها من أحمد السیاری وقد ذکره علماء الرجال أنه کذّاب وضاع غال، وهل یعتمد بمثله فی هذا الأمر العظیم، وغیر الأغلب قابل للتأویل، بل فیها شواهد التأویل، کما لا یخفی علی من راجع (فصل الخطاب) للحاج النوری (رحمه الله).

ولا یخفی أنّ اتّهام السنّة الشیعة بأنهم قائلون بالتحریف، مردود علیهم بالمثل، فإنّهم أیضاً قائلون بالتحریف، بل قولهم أبشع، فإنّهم ذکروا قصة الغرانیق التی لم یتفوّه الشیعة بمثلها ولن یتفوّه أبداً، بل یظهر من السیوطی الاتّفاق علی ذلک، کما لا یخفی علی من راجع تفسیره، والکلام فی المسألة طویل ذکرنا بعضها استطراداً.

وکیف کان، فالظاهر لزوم الترتیب فی باب الإستئجار وباب النذور وأخویه وباب الشرط وغیرها.

وما ذکره السید الحکیم (رحمه الله) بقوله: (قراءة القرآن تارة یراد بها قراءة جنس القرآن وأخری یراد بها قراءة الفرد التام، فإن أرید الأول تمّ ما فی المتن، وإن أرید الثانی فلا بدّ من الابتداء بالأول والانتهاء بالأخیر، لأنّ الفرد له هیئة خاصة علی ترتیب خاص، فإذا قرأ علی غیر

ص:404

بل یجوز عدم رعایة الترتیب فی آیات السورة أیضاً.

تلک الهیئة لم یؤت بقراءة الفرد الخاص) انتهی، وإن کان صحیحاً فی نفسه إلاّ أنّ الکلام الآن فی المنصرف من کلام المستأجر، لا أنه إذا أراد کذا کان کذا.

{بل یجوز عدم رعایة الترتیب فی آیات السورة أیضاً} للإطلاق المذکور فی السور.

لکن فیه ما لا یخفی، وکأنّ سکوت المعلّقین هنا المستشکلین فی السور لأجل وضوح الإشکال هنا فاکتفوا بذکر الإشکال فی السور.

ولذا قال المستمسک بعد کلامه السابق: (وأوضح منه قراءة السور، فإنّه لا یراد منها الجنس بل المراد منها الآیات علی الهیئة الخاصة) انتهی.

أمّا بالنسبة إلی کلمات الآیة فالذی لا ینبغی الشک فیه أنه لا تصدق الآیة بقراءتها علی غیر الترتیب، کما إذا قرأ (العالمین ربّ لله الحمد) وأوضح منه الحروف، کما إذا قرأ عوض (عالمین): (نیلماع)، ولا ینقض ما ذکرناه بما إذا أمره بکتابة القرآن علی لافتة مثلاً، فإنه یصدق فیما إذا کتب الحرف الأخیر أولا ثم الحرف الثانی، وهکذا بالنسبة إلی الآیات، لأنه یراد بالکتابة حصول الترتیب فی عالم الخط لا الترتیب فی الکتابة، والترتیب فی عالم الخط یحصل بعد تمام الکتابة، ولیس کذلک القراءة کما لا یخفی، إذ لا یحصل الترتیب فی عالم اللفظ بعد القراءة المعرّجة.

ومنه یظهر جواز حفظ القرآن آیات غیر مترتّبة إذا کان المقصود جمع القرآن فی الحفظ، إذ بعد حفظ التمام یحصل الترتیب الذهنی، وکذلک إذا استأجر المعلم لتعلیم ولده القرآن فإنه یصدق مع التعلیم المعرّج، لأنّ

ص:405

ولهذا إذا علم بعد الإتمام أنه قرأ الآیة الکذائیة غلطاً أو نسی قراءتها یکفیه قراءتها فقط، نعم لو اشترط علیه الترتیب وجب مراعاته

المقصود استیعاب التلمیذ للقرآن تعلّماً وذلک یحصل بعد تعلم تمامه.

{ولهذا} الذی ذکره المصنّف من أنه لا یجب الترتیب {إذا علم بعد الإتمام} أو بعد التجاوز {أنه قرأ الآیة الکذائیة غلطاً، أو نسی قراءتها، یکفیه قراءتها فقط} من دون الاحتیاج إلی إعادة ما قرأ بحیث یحصل الترتیب.

لکن یرد علیه:

أولاً: إنه لو قلنا بالترتیب لزمت الإعادة.

ثانیاً: إنا لم نقل بالإعادة کما هو الأظهر، لأنّ الإجارة لا تقتضی إلاّ ما هو المنصرف من إعادة نفس الآیة أو الکلمة أو السورة المنسیة أو المقروءة غلطاً، وذلک لأنّ تعارف قراءة الغلط حتی أنّ النادر خلافه أوجب هذا الانصراف الذی یریده غالباً المؤجر والمستأجر عند إجراء الإجارة.

{نعم لو اشتراط علیه الترتیب وجب مراعاته} لمقتضی الشرط، فلو خالف کان للشارط الفسخ.

ولو قرأ الغلط فی صورة الشرط أو نسی لم یجب إلاّ قراءة ما نسی أو غلط فیه، لأنّ الإجارة لا تقتضی أکثر من ذلک، ولو کان الترتیب متعلّق الإجارة لزم أن یعید علی ما یحصل معه الترتیب، والظاهر أنه لا یلزم إعادة ما قبل الغلط إلاّ إذا توقف الصدق علیه، مثلا إذا قرأ عوض (ربّ العالمین): (رت العالمین) بالتاء، لا یکفی

ص:406

ولو علم إجمالاً بعد الإتمام أنه قرأ بعض الآیات غلطاً من حیث الإعراب أو من حیث عدم أداء الحرف من مخرجه أو من حیث المادة، فلا یبعد کفایته وعدم وجوب الإعادة، لأن اللازم القراءة علی المتعارف والمعتاد، ومن المعلوم وقوع ذلک من القارئین غالباً إلا من شذ منهم.

إعادة التاء باءً بدون إعادة الراء.

أمّا إعادة المضاف إلیه فقط دون المضاف، أو الوصف دون الموصوف، فالظاهر أنه لا بأس به، أمّا إعادة المجرور بدون حرف الجر، أو إعادة المنصوب والمجزوم بدون حرف النصب والجزم ففیه إشکال.

کما أنه لو شرط عدم الترتیب لغایة له فی ذلک وجب العمل بالشرط.

نعم لو شرط عدم الترتیب بما یحصل معه تشویه للقرآن الحکیم لم یجز العمل بالشرط، وإذا کانت الإجارة منصبّه علی ذلک بطلت الإجارة.

{ولو علم إجمالاً بعد الإتمام} أو التجاوز {أنه قرأ بعض الآیات غلطاً من حیث الإعراب أو من حیث عدم أداء الحرف من مخرجه} الواجب، وإن کان الظاهر أنّ المخرج غیر معتبر، وإنما المعتبر الصدق العرفی، {أو من حیث المادة} کما لو بدّل الضاد بالزاء مثلاً {فلا یبعد کفایته وعدم وجوب الإعادة}، وذلک {لأنّ اللازم القراءة علی المتعارف والمعتاد، ومن المعلوم وقوع ذلک} الغلط {من القارئین غالباً إلاّ من شذ منهم} فالإجارة المنصرفة علی المتعارف لا تقتضی أکثر من ذلک.

ثم الظاهر المنصرف عن الإجارة أنه یلزم أن تکون القراءة للقرآن

ص:407

أو الزیارة أو الدعاء أو ما أشبه ذلک علی النحو المتعارف من حیث السرعة أو البطء، فلو خالف المتعارف لم یستحق الأجرة.

وکذا بالنسبة إلی الخطیب الذی یستأجر لأجل القراءة، لا بدّ له من ملاحظة المتعارف زماناً ومکاناً ومستمعین وما أشبه، فمثلاً یوم عاشوراء یقتضی قراءةً أکثر من یوم أول المحرم، ومع کون القراءة فی حرم الحسین (علیه السلام) المزدحم بالزائرین والمصلّین یقتضی التخفیف أکثر من إذا کان فی مکان خال کالحسینیات والمساجد، ومع کثرة المستمعین یقتضی الزیادة فی القراءة علی ما إذا کان مع قلّتهم.

ولو استأجره لقراءة دعاء الکمیل أو دعاء الافتتاح أو دعاء السحر أو الندبة فالظاهر لزوم اتّباع المتعارف فی الوقت، کأول اللیل بالنسبة إلی دعائی الکمیل والافتتاح، وآخر اللیل بالنسبة إلی دعاء السحر، وأول الصبح أو آخر العصر بالنسبة إلی دعاء الندبة.

ولو استأجره لأن یقرأ مجلساً علی الحسین (علیه السلام) فالظاهر لزوم أن یقرأه عندما کان هناک مستمعین لا أن یقرأ وحده، ولو استأجر لزیارة الحسین (علیه السلام) مثلاً فاللازم الزیارة المتعارفة وصلاة الزیارة منها، فلا یکفی السلام فقط، کما لا یلزم الآداب غیر المتعارفة کالغسل ولبس أنظف الثیاب، أمّا زیارة الشهداء وعلی الأکبر والعبّاس (علیهم السلام) فذلک تابع للانصراف العرفی.

ولو شک فی أیة زیارة فالأصل العدم، ولو استأجره لزیارة المدینة فالمتیقّن زیارة الرسول وفاطمة والأئمة (علیهم الصلاة والسلام) أمّا زیارة

ص:408

شهداء أحد وإبراهیم وأمّ البنین (علیهم السلام) فهی تابعة للانصراف، ومع الشک الأصل العدم.

ولو استأجره لحج أو عمرة أو صلاة أو صیام أو اعتکاف لزم أن یأتی بالمتعارف من الأعمال ولو المستحبة منها کالقنوت فی الصلاة، کلّ ذلک لانصراف الإجارة إلی ذلک.

ولو اختلف المتعارف بأن کان بعض الناس یصنعون کذا وبعضهم یصنعون کذا، فإن کانت الإجارة مطلقة قابلة للانطباق علی أیهما کان المستأجر مخیراً، وإلاّ لزم إتیانه بالأکثر، لأنّ الاشتغال الیقینی یحتاج إلی براءة یقینیة، کذا قیل، لکن الظاهر کفایة الأقل لأصالة البراءة، وهی مقدمة علی أصالة الشغل.

ثم إنه یتخیر المستأجر بین الجهر والإخفات إذا لم یکن أحدهما واجباً، ولا منصرفاً من الإجارة، کما أنه یتخیر بین القراءة عن القرآن والکتاب أو حفظاً.

ولو استؤجر لأن یزور الحسین (علیه السلام) لیلة عرفة أو النصف من شعبان مثلاً، فالظاهر أنه لا یجب علیه أن یقرأ الزیارة المخصوصة، إلاّ إذا کان هناک انصراف، کما أنه لا یشترط فی الزیارة لمس الضریح وتقبیله، نعم یشترط دخول المقام، فلا تکفی الزیارة من خارجها.

ولو استأجره لقراءة القرآن مثلاً فهل یصحّ أن یؤجّر نفسه لآخر فی أن یقرأ القرآن جهراً حتی یسمع المستأجر الثانی أم لا، احتمالان، الجواز لأنه استئجار علی الوصف ولم یکن مستأجراً علیه من قبل، والعدم لأنّ الکلی

ص:409

نعم لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلاً لزم علیه الإعادة مع العلم به فی الجملة، وکذا الکلام فی الاستیجار لبعض الزیارات المأثورة أو غیرها.

لا یتحقّق إلاّ بأحد أفراده، فالفرد المحقّق للکلی مستأجراً علیه، وهذا الاحتمال أقرب.

ثم إنّ حضور القلب لیس شرطاً فی تحقّق المستأجر علیه، لأصالة العدم.

وفی المقام مسائل کثیرة نکتفی منها بهذا القدر.

{نعم لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلاً} لزم علیه أن یقرأ الکل صحیحاً، ولا یضرّ إذا غلط ورجع، لأن المنصرف القراءة الصحیحة فی الجملة، لا القراءة الصحیحة أول مرة من قراءته، و{لزم علیه الإعادة مع العلم به فی الجملة} فإذا شک فی سورة الحمد أنه قرأ الآیة الثانیة أو الثالثة غلطاً لزم علیه إعادتهما تحقیقاً لیقین البراءة، ولو شک بعد الفراغ أو التجاوز أنه قرأ صحیحاً أم لا، فالظاهر جریان قاعدتهما.

ثم إنّه إذا لم یکن هناک شرط ولا انصراف، فالظاهر صحة القراءة المتعارفة ممّا لا یلفظ فیها إلاّ بالقراءة المعتادة لدی الأجیر، فالریفی من الإیرانی والترکی والمصری الذی یتلفّظ الضاد زاءً أو الجیم کافاً أو ما أشبه ذلک تکفی قراءته فی فراغ ذمته، لأنّ المنصرف من الإجارة هو ما یقرؤه.

{وکذا الکلام} مثل ما ذکرناه فی القرآن {فی الاستئجار لبعض الزیارات المأثورة أو غیرها} کالأدعیة ونحوها، وظاهر هذا الکلام أنّ

ص:410

وکذا فی الاستیجار لکتابة کتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها لا یضر فی استحقاق الأجرة إسقاط کلمة أو حرف أو کتابتهما غلطاً.

التقدیم والتأخیر فی الزیارات المتعدّدة المترتّبة، کأن یقدّم زیارة الشهداء (علیهم السلام) ثم علی بن الحسین (علیه السلام) ثم الوارث ثم الأذن للدخول.

وکذا تقدیم فقرة متأخرة علی فقرة متقدّمة فی زیارة واحدة، کاف فی أداء العمل الإجاری، لکنه خلاف المنصرف من الإجارة، کما هو کذلک بالنسبة إلی القرآن.

أمّا مسألة الغلط والاشتباه والسهو فحالها فی الزیارة حالها فی القرآن.

ثم الظاهر أنه لو استأجر لکتابة قرآن کامل أو کتاب کذلک لم یتحقّق العمل إلاّ بالکتابة المنظّمة بمعنی التسلیم للقرآن والکتاب منظّماً، وإن کانت الکتابة حین ما یکتب مبعثراً، لأنه المنصرف من الإجارة.

ثم الظاهر أنه لو استأجر لزیارة الإمام (علیه السلام) یکفی أن یزوره بالزیارات المذکورة فی کتب العلماء، سواء کانت مسندة أو بلا ذکر الإمام فی السند، بل ولو کانت الزیارة من تألیف ابن طاووس ونحوه، لأنّ المنصرف کلّ ما کان مذکوراً فی کتب العلماء، اللّهم إلاّ إذا علمنا بأنّ قصده الزیارات المأثورة فقط.

{وکذا فی الاستئجار لکتابة کتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها لا یضرّ فی استحقاق الأجرة إسقاط کلمة أو حرف} سهواً {أو کتابتهما غلطاً} إذا کان بالقدر المتعارف، لکن الظاهر وجوب التصحیح، وذلک

ص:411

الاستیجار للحج من بلد المیت

التاسعة عشرة: لا یجوز فی الاستیجار للحج البلدی أن یستأجر شخصاً من بلد المیت إلی النجف، وشخصاً آخر من النجف إلی مکة أو إلی المیقات، وشخصاً آخر منها إلی مکة.

لانصراف الإجارة إلی المتعارف الذی یشمل ما ذکر من الغلط والسقوط وما أشببهما، ولو کتب أو قرأ غلطاً أکثر من المتعارف، فالظاهر أنه إذا کانت الإجارة متعلّقة بالکلی لم یلزم علی المستأجر قبول هذا الفرد، بل له أن یطالب بغیره، وإذا کانت الإجارة متعلّقة بالشخصی، فإن صدق الفرد علی ذلک لکن کان معیباً کان له خیار الفسخ بالعیب، وإن لم یصدق بطلت الإجارة، والله العالم.

{التاسعة عشرة: لا یجوز فی الاستئجار للحج البلدی} بمعنی لا یکفی فی أداء الحج البلدی إذا کان الواجب علیه حج بلدی، إما لأن قلنا بأنّ الواجب الحج البلدی کما قال به بعض الفقهاء، وإمّا لوجوبه علیه کذلک بالنذر أو الوصیة أو ما أشبه، {أن یستأجر شخصاً من بلد المیت إلی النجف، وشخصاً من النجف إلی مکة أو إلی المیقات، وشخصاً آخر منها} أی من المیقات {إلی مکة} أو ما أشبه ذلک، وذلک لأنّ المنصرف من أدلة الحج البلدی هو أن یکون الحاج هو الذی یسیر کلّ الطریق بین البلد وبین مکة المکرّمة.

ولذا إذا لم یکن المنصرف ذلک، کما إذا نذر حجّاً بلدیاً وکان مقصود السیر فی هذا الطریق والحج بحیث یشمل نذره أن یکون السائر هو الحاج أو غیره، کفی فی أداء نذره تعدّد السائر والحاج، لکن لا یخفی أنّ ذلک لا یسمّی حجّاً بلدیاً إلاّ بنوع من العنایة والمجاز.

ص:412

إذ اللازم أن یکون قصد الموجر من البلد الحج، والمفروض أن مقصده النجف مثلاً وهکذا، فما أتی به من السیر لیس مقدمة للحج، وهو نظیر أن یستأجر شخصاً لعمرة التمتع وشخصاً آخر للحج،

أمّا ما ذکره المصنّف (رحمه الله) من تعلیل ذلک بقوله: {إذ اللازم أن یکون قصد المؤجر من البلد الحج، والمفروض أنّ مقصده النجف مثلاً وهکذا، فما أتی به من السیر لیس مقدّمة للحج} ففیه: إنه لیس اللازم فی تحقّق الحج البلدی القصد، بل ترتب الحج علی السیر، فلو سار بدون القصد وحج سمّی حجّاً بلدیاً، ولو قصد ولم یحج وحج غیره لم یسمّه حجّاً بلدیاً، فکان الأولی أن یقول: إذ اللازم أن یکون السائر هو الحاج، وفی مفروض المتن لیس السائر هو الحاج.

أما مسألة القصد فذلک أمر آخر، لأنه ربّما یفهم من الدلیل أو یکون قصد الناذر والوصی أن یقترن السیر بالقصد أیضاً، وربّما لا یفهم ولا یقصد ذلک، فما فی المستمسک حیث قال: (فکان مراده أنّ الواجب فی الحج البلدی أن یحج الشخص عن السیر من البلد بقصد الحج فالسیر من البلد لا لقصد الحج لیس قیداً للحج البلدی فلا یکون مقدمة للحج، وهذا التعلیل فی غایة المتانة) انتهی، لم أتبین وجه متانته.

{وهو} فی عدم کفایته للحج البلدی {نظیر أن یستأجر شخصاً لعمرة التمتّع وشخصاً آخر للحج} لأنه کما یستفاد من أدلة النیابة لزوم کون الآتی للعمرة والحج شخصاً واحداً، إذ دخلت الحج فی العمرة إلی یوم القیامة، حسب ما قاله رسول الله (صلی الله علیه وآله)،

ص:413

ومعلوم أنه مشکل

الظاهر من ذلک الدخول لزوم إتیان إنسان واحد لهما أصلیاً أو نیابیاً، إذ حال النیابة حال الأصل إلاّ فیما علم اختلافهما فیه، کذلک یستفاد من أدلة الحج البلدی کون الآتی بالسیر والحج إنساناً واحداً کما ذکرناه، ومن ذلک تعرف أنّ ما ذکره بعض المحشین من أن بناء المصنّف إنما هو علی القول بالمقدمة الموصلة غیر تام.

وأمّا إشکال السید الحکیم (رحمه الله) علی المحشی بأنّ المقدمة فی المقام موصلة حسب الفرض لتحقّق الحج من النائب الثانی، لا یخفی ما فیه، إذ عمل إنسان لا یکون مقدمة لعمل إنسان آخر فی مثل المقام إطلاقاً، فلا یصحّ أن یقال له مقدمة موصلة أو غیر موصلة.

{و} کیف کان ف_ {معلوم أنه} أی أن یستأجر شخصاً للعمرة وآخر للحج {مشکل} ولم یقل باطل، لاحتمال کفایة ذلک فی سقوط الحج عن المنوب عنه، إذ دخول الحج فی العمرة لا یفهم منه أکثر من إتیانهما فی عام واحد، أمّا إتیانها من إنسان واحد فلا یفهم من ذلک، والأصل عدم لزوم وحدة النائب، کأصالة عدم لزوم وحدة قاضی الصلوات أو الصیامات.

ولا یخفی أنّ التنظیر من باب المثال فقط، فلا یقال: إنه کیف یفتی فی النظیر بعدم الصحة وفی المنظّر به بالإشکال، کما أنّ العمرة والحج حالهما حل السیر والحج فی کون الواجب فی کلّ منهما جزءین: (السیر والحج) فی المقام، و(العمرة والحج) فی النظیر، فإشکال المستمسک فی التنظیر، منظور فیه.

ص:414

بل اللازم علی القائل بکفایته أن یقول بکفایة استیجار شخص للرکعة الأولی من الصلاة وشخص آخر للثانیة وهکذا متمم.

{بل اللازم علی القائل بکفایته} بعد أن استفید من الدلیل أنهما جزءا عمل واحد {أن یقول بکفایة استئجار شخص للرکعة الأولی من الصلاة، وشخص آخر للثانیة، وهکذا متمم} الصلاة باستئجار ثالث للرکعة الثالثة، وذلک ممّا لا یقول به أحد.

وکذا علی القائل بالکفایة أن یقول باستئجار شخص لصیام الصباح وآخر لصیام العصر، والقاعدة أنه مهما استفید من الدلیل لزوم وحدة الآتی بالعمل لم یصحّ تعدد الآتی به، وإن لم یستفد من الدلیل ذلک جاز التعدّد، کما إذا قام کلّ إنسان ببناء جزء من المسجد، والمستفاد عرفاً من أدلة الوضوء والغسل والتیمم والصلاة والصیام والاعتکاف والحج والعمرة وحج التمتع بجزئیه وحدة العمل، فلا یصحّ تعدّد الآتی أصالة أو نیابة أو أصالة ونیابة.

کما إذا تشارک اثنان بأن یأتی کلّ واحد منهما بنصف یوم من الصیام علی وجه الاستحباب، أو یأخذ نائبین بأن یأتی کلّ واحد بنصف الاعتکاف، أو أنّ شخصاً بنصف الصیام لنفسه ثم یستنیب لنصفه الثانی، وکذلک النیابة فی الأجزاء.

وما دلّ علی الاستنابة فی الطواف أو ما أشبه، فإنّما هو بدلیل خاص کما لا یخفی.

ثم إنّ السید الجمال خلافاً للسادة ابن العم والبروجردی والحکیم وغیرهم أفتی بجواز أن یأتی إنسان بالسیر وإنسان آخر بالحج

ص:415

الاستیجار لصلاة المیت

العشرین: إذا استؤجر للصلاة عن المیت فصلی ونقص من صلاته بعض الواجبات غیر الرکنیة سهواً فإن لم یکن زائداً

فی مفروض المتن، ولعلّه لأنه فهم من أدلة الحج البلدی لزوم السیر والحج، ولم یفهم الارتباط بینهما، لکنه خلاف الفهم العرفی.

ثم هل یکفی فی إتیان الحج البلدی أن یأتی الصبی غیر البالغ بالسیر ثم یأتی بالحج بعد بلوغه، لأنّ السیر توصلی، أو لا، إلاّ إذا قلنا بصحة نیابة الصبی علی ما اختاره المصنّف فی بعض المسائل السابقة، احتمالان.

{العشرون: إذا استؤجر للصلاة عن المیت فصلی ونقص من صلاته بعض الواجبات غیر الرکنیة سهواً} کأن نسی الحمد مثلاً، أمّا إذا کان الناقص الواجب الرکنی کالرکوع فالصلاة باطلة، ومن المعلوم أنّ العمل الباطل لا أجرة له، لأنه أکل للمال بالباطل، ولأنه غیر متعلّق الإجارة، ومثله إذا کان الناقص الشرط کالوضوء مثلاً، سواء فقد أصل الوضوء أو شرطه وجزؤه المقوّم له.

وکذلک فی البطلان الموجب لعدم استحقاق الأجرة إذا کان النقص عمداً ولو غیر رکن، کما إذا لم یقرأ الحمد عمداً.

أما إذا کان النقص بالزیادة، فإن کانت زیادة غیر ضارة کزیادة الحمد مثلاً ولم تکن موجبة للبطلان کالحمد السهویة، کان حال ذلک حال النقیصة غیر المبطلة، وإن کانت موجبة للبطلان کالحمد العمدیة بطلت الصلاة ولم تستحقّ الأجرة، ومثلها زیادة الرکن، نعم زیادة الرکن غیر الضارّ، کالرکوع والسجود للتبعیة فی الجماعة،

ص:416

علی القدر المتعارف الذی قد یتفق أمکن أن یقال لا ینقص من أجرته شیء، وإن کان الناقص من الواجبات والمستحبات المتعارفة أزید من المقدار المتعارف ینقص من الأجرة بمقداره

حالها حال مطلق الزیادة غیر الضارّة، {فإن لم یکن} الناقص أو الزائد {زائداً علی القدر المتعارف الذی قد یتّفق} للإنسان المتعارف {أمکن أن یقال: لا ینقص من أجرته شیء}، وقد أقرّ المصنّفَ علی ذلک السادةُ ابن العم والبروجردی والحکیم والجمال والأصطهباناتی وغیرهم، وذلک لأنّ الإجارة منصرفة إلی المتعارف الشامل لهذا الفرد أیضاً، وفی قبال هذا احتمال أن ینقص من أجرته بقدر النقص، لأنّ الفرد المستأجر علیه هو الفرد الکامل، فالفرد الناقص وإن کان مبرئاً للذمة، إلاّ أنه أقل من المستأجر علیه فاللازم أن ینقص بحسابه.

ومثل ذلک ما إذا کان الناقص مستحبّاً، کما لو نقص القنوت، فإنه یأتی فیه الاحتمالان، وإن کان اللازم القول بالأجرة الکاملة، {وإن کان الناقص من الواجبات والمستحبات المتعارفة أزید من المقدار المتعارف} فإن کان بحیث خرج عن المستأجر علیه، کما لو اقتصر فی صلاته علی التکبیرة والرکوع والقیام المتّصل به والسجود والتشهد والسلام مثلاً، لم یستحقّ أجرة وإن کان ذلک موجباً لبراءة ذمة المیت، لأنها صلاة صحیحة، وذلک لأن براءة ذمة المیت لیس معناها استحقاق العامل للأجرة إذا لم یستأجر علی ذلک.

وإن لم یکن بحیث خرج عن المستأجَر علیه {ینقص من الأجرة بمقداره} وفاقاً لمن عرفت من المعلّقین، وذلک لأنّ الأجرة فی قبال الأجزاء،

ص:417

إلا أن یکون المستأجر علیه الصلاة الصحیحة المبرئة للذمة

فإذا نقص بعض الأجزاء نقص من الأجرة بالنسبة.

اللّهم إلاّ إذا کان قابلاً للتدارک وقد تدارکه، کالتشهد المنسی والسجدة المنسیة، ولم تکن الإجارة متعلّقة بالفرد الکامل الأول وإلاّ لم ینفع التدارک.

والظاهر أنّ للمستأجر خیار تبعّض الصفقة فی مفروض المتن، فإذا فسخ رجع إلی أقل الأمرین من المثل والمسمّی، {إلاّ أن یکون المستأجر علیه الصلاة الصحیحة المبرئة للذمة} فإنّ الصلاة الناقصة لمّا کانت مبرئة للذمة کانت تمام موضوع الإجارة فیتسحقّ الآتی بها تمام الأجرة، کذا فی المستمسک.

وأضاف السید البروجردی صورة ما إذا کان المستأجر علیه طبیعة الصلاة، لصدق الطبیعة علی مثلها فیستحقّ تمام الأجرة أیضاً، والغالب أن تکون الإجارة متعلّقة بالصلاة المبرئة للذمة، لأنها المقصود للمستأجر، فإذا شک فی مراده حمل علی ذلک، لأصالة عدم التکلیف بالزائد.

کما أنّ الظاهر أنه لو شک الأجیر وأتی بمقتضی الشک، أو ظنّ وأتی بمقتضاه کفی ما أتی به فی استحقاق تمام الأجرة أو بعضها علی التفصیل المتقدّم فی کونه بالمقدار المتعارف أو أزید منه.

ولو لم یأت بمقتضی الشک کما لو شک بین الثلاث والأربع، ولم یأت برکعة الاحتیاط لم یستحق ظاهراً، وإن کان استحقاقه فی الواقع دائراً مدار کون الصلاة أربع

ص:418

ونظیر ذلک إذا استؤجر للحج فمات بعد الإحرام ودخول الحرم، حیث إن ذمة المیت تبرأ بذلک، فإن کان المستأجر علیه ما یبرئ الذمة استحق تمام الأجرة، وإلا فتوزع ویسترد ما یقابل بقیة الأعمال.

رکعات.

ولو علم إجمالاً بأنّه استؤجر لإحدی صلاتین فأتی بهما استحقّ الأجرة، ولو أتی بإحداهما لم یستحقّ ظاهراً، وإن کان فی الواقع دائراً مدارکون المأتی به منطبقاً علی المستأجر علیه وعدمه.

{ونظیر ذلک} فی الاستحقاق وعدمه مسائل الزیادة والنقیصة.

ومثله {إذا استؤجر للحج} کما لو حاضت المرأة الأجیرة فأخذت نائباً {ف_} إذا {مات} الأجیر {بعد الإحرام ودخول الحرم} استحقّ الأجرة {حیث إنّ ذمة المیت} أو الحیّ العاجز المنوب عنه، بل وکذا فی الحج النیابی الاستحبابی {تبرأ بذلک} نصاً وإجماعاً، بل تقدم منّا فی کتاب الحج احتمال براءة ذمته بمجرد الإحرام وإن لم یدخل الحرم، فراجع.

{فإن کان المستأجر علیه ما یبرئ الذمة استحقّ} الأجیر {تمام الأجرة} لأنه أتی بمتعلّق الإجارة، {وإلاّ} فإن کان المستأجر علیه الحج الکامل علی نحو القید لم یستحقّ الأجیر شیئاً، لأنه لم یأت بالمستأجر علیه، وإن کان الأعمال {فتوزّع الأجرة ویسترد ما یقابل بقیة الأعمال} وللمستأجر خیار تبعّض الصفقة، ومحل المسألة کتاب الحج فراجع.

ولو استأجره لصیام القضاء فمات فی الأثناء، أو حاضت المرأة، لم یستحقّ من

ص:419

الأجرة شیئاً، لأنه لم یأت بشیء من المستأجر علیه.

نعم إذا أکل تقیة عند الغروب استحقّ تمام الأجرة، لأنه أتی بالمستأجر علیه، إذ یصحّ الصوم کذلک.

وفی المقام مسائل أخر تظهر أحکامها ممّا تقدم.

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرین، ونسأله أن یتم جمیع أمورنا بخیر، ویجعل عواقب أمورنا خیراً.

الکویت

محمد بن المهدی الحسینی الشیرازی

16/ ذی القعدة / 1393ﻫ

ص:420

المحتویات

المحتویات

مسألة 1 _ إیجار المستأجر العین من آخر................................................... 7

مسألة 2 _ إیکال العمل إلی الغیر............................................................. 34

مسألة 1 _ لو استؤجر لعمل لا بشرط المباشرة............................................. 50

مسألة 1 _ الأجیر الخاص لا یعمل عملا ینافی حق المستأجر............................. 54

مسألة 1 _ موارد جواز العمل للغیر.......................................................... 80

مسألة 1 _ تخلف الشرط عن المشروط...................................................... 84

مسألة 1 _ لو عمل غیر العمل المتفق علیه................................................. 90

مسألة 1 _ لو اشتبه فی حمل المتاع.......................................................... 96

مسألة 1 _ موارد الإجارة...................................................................... 98

مسألة 1 _ موارد بطلان الإجارة............................................................. 102

مسألة 1 _ لو اشتبه فی المرکوب............................................................ 106

مسألة 1 _ الاشتباه فی المستأجر علیه........................................................ 108

فصل

112 _ 248

إجارة الأرض لزرع الحنطة بما یحصل منها من الحنطة................................. 114

ص:421

مسألة 1 _ إجارة حصة من أرض معینة مشاعة............................................ 124

مسألة 2 _ استیجار الأرض لتعمل مسجداً................................................... 126

مسألة 3 _ استیجار النقود للزینة.............................................................. 127

مسألة 4 _ استیجار الشجر للاستظلال....................................................... 128

مسألة 5 _ استیجار البستان للتنزه............................................................ 130

مسألة 6 _ الاستیجار لحیازة المباحات....................................................... 132

مسألة 7 _ استیجار المرأة للإرضاع.......................................................... 142

مسألة 8 _ استیجار المرأة المتزوجة للإرضاع.............................................. 150

مسألة 9 _ لو کانت المرأة خلیة فآجرت نفسها ثم تزوجت................................. 154

مسألة 10 _ إجبار المولی أمته علی الإرضاع.............................................. 156

مسألة 11 _ صور انفساخ الإجارة أو بقائها................................................. 158

مسألة 12 _ استیجار ما یسبب إتلاف الأعیان.............................................. 162

مسألة 13 _ عدم جواز الإجارة لإتیان طائفة من الواجبات................................ 166

مسألة 14 _ جواز الإجارة لکنس المسجد.................................................... 172

مسألة 15 _ جواز الإجارة لحفظ المتاع...................................................... 180

مسألة 16 _ شرائط صحة الاستیجار العبادی............................................... 182

مسألة 17 _ الإجارة للنیابة عن الحی........................................................ 192

مسألة 18 _ لو عمل لغیره من دون إذنه.................................................... 198

مسألة 19 _ استحقاق الأجرة للعمل للغیر مع أمره......................................... 200

مسألة 20 _ ما یجوز إجارته، وما تجوز الإجارة علیه.................................... 210

مسألة 21 _ شرائط الاستیجار للحج المستحبی............................................. 214

مسألة 22 _ ما یتوقف علیه استیفاء المنفعة................................................. 220

ص:422

مسألة 23 _ الجمع بین الإجارة والبیع بعقد واحد........................................... 222

مسألة 24 _ استیجار من یقوم بکل ما یأمره................................................. 226

مسألة 25 _ استعمال الأجیر مع عدم تعیین الأجرة........................................ 234

مسألة 26 _ لو استأجر أرضا مدة معینة وغرس ما لا یدرک فی المدة ..... 240

فصل

فی التنازع

246 _ 308

مسألة 1 _ التنازع فی أصل الإجارة.......................................................... 248

مسألة 2 _ الاتفاق علی الإذن فی استیفاء المنفعة........................................... 252

مسألة 3 _ التنازع فی قدر المستأجر......................................................... 256

مسألة 4 _ التنازع فی رد العین المستأجرة.................................................. 258

مسألة 5 _ التنازع فی التلف والتعدی وعدمهما............................................. 260

مسألة 6 _ کراهة تضمین الأجیر فی مورد ضمانه........................................ 268

مسألة 7 _ التنازع فی مقدار الأجرة.......................................................... 270

مسألة 8 _ التنازع فی المستأجر.............................................................. 272

مسألة 9 _ لو اختلفا فی الشرط الأول........................................................ 276

مسألة 10 _ التنازع فی المدة.................................................................. 278

مسألة 11 _ التنازع فی الصحة والفساد..................................................... 282

مسألة 12 _ التنازع فی البلد المقصد......................................................... 286

مسألة 13 _ التنازع فی العمل المستأجر علیه............................................... 294

مسألة 14 _ علی من یقدم قوله، الیمین للآخر.............................................. 304

ص:423

خاتمة

306 _ 420

خراج الأرض المستأجرة...................................................................... 308

أخذ الأجرة علی قراءة التعزیة................................................................ 310

استیجار الصبی الممیز........................................................................ 316

لمن یکون النماء بعد انقضاء مدة الإجارة.................................................... 320

الضمان بذبح القصاب الحیوان علی وجه غیر شرعی.................................... 330

لو آجر نفسه للصلاة علی أحد فاشتبه........................................................ 334

إیکال المستأجر بتجدید الإجارة............................................................... 336

إیجار المبیع قبل انقضاء مدة الخیار......................................................... 340

لو قام بالعمل غیر الأجیر..................................................................... 342

الإجارة علی العمل المرکب................................................................... 346

لو کان للأجیر علی العمل خیار الفسخ...................................................... 352

علی من تکون نفقة الدابة المستأجرة......................................................... 360

التداخل فی الإجارة............................................................................ 364

لو استأجر عینا ثم تملکها فی مدة الإجارة................................................... 372

لو استأجر أرضا فأصابتها آفة................................................................ 376

إجارة الأرض مدة معلومة بتعمیرها......................................................... 382

أخذ الأجرة علی الطبابة....................................................................... 386

الاستیجار لختم القرآن......................................................................... 400

الاستیجار للحج من بلد المیت................................................................ 412

الاستیجار لصلاة المیت....................................................................... 416

ص:424

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.