موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی المجلد 55

اشارة

سرشناسه : حسینی شیرازی، محمد

عنوان و نام پدیدآور : الفقه : موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی/ المولف محمد الحسینی الشیرازی

مشخصات نشر : [قم]: موسسه الفکر الاسلامی، 1407ق. = - 1366.

شابک : 4000ریال(هرجلد)

یادداشت : افست از روی چاپ: لبنان، دارالعلوم

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : اخلاق اسلامی

موضوع : مستحب (فقه) -- احادیث

موضوع : مسلمانان -- آداب و رسوم -- احادیث

رده بندی کنگره : BP183/5/ح5ف76 1370

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 70-5515

ص:1

اشارة

ص:2

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

آیة الله العظمی

السید محمد الحسینی الشیرازی

دام ظله

کتاب المزارعة

الجزء الثانی

دار العلوم

بیروت لبنان

ص:3

الطبعة الثانیة

1409 ه_ _ 1988م

دار العلوم _ طباعة. نشر. توزیع.

العنوان: حارة حریک، بئر العبد، مقإبل البنک اللبنانی الفرنسی

ص:4

کتاب المزارعة

اشارة

کتاب المزارعة

الجزء الثانی

ص:5

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:6

مسألة ٨ لو غصب الأرض غاصب

(مسألة 8): إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب ولم یمکن الاسترداد منه، فإن کان ذلک قبل تسلیم الأرض إلی العامل تخیر بین الفسخ وعدمه، وإن کان بعده لم یکن له الفسخ

(مسألة 8): {إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب ولم یکن الاسترداد منه} هذا من باب أنه إذا أمکن واسترد لم یبق موقع للحکم الآتی {فإن کان ذلک قبل تسلیم الأرض إلی العامل تخییر بین الفسخ وعدمه} لأن تسلیم الأرض کان من الشرط الضمنی کما تقدم، فإذا لم تسلم له الأرض کان له الخیار فإذا فسخ صارت المعاملة کأن لم تکن ولم تجر الأحکام الآتیة.

ولا فرق فی حق العامل فی الفسخ بین أن یکون المالک قادراً علی أخذ الأرض وتسلیمها له، ولم یفعل ذلک عصیاناً، لأن التسلیم واجب علیه، أو لم یکن قادراً.

والظاهر أن الزارع لو کان قادراً وجب علیه أخذها من الغاصب، لأن الوفاء بالعقد واجب علیه کوجوبه علی المالک، ومقدمة الوفاء أخذها من الغاصب.

وکیف کان، فإذا لم یفسخ فیما له الفسخ کان محکوماً بالأحکام الآتیة.

{وإن کان} الغصب {بعده} أی بعد تسلیم الأرض إلی العامل {لم یکن له الفسخ} لأن المالک قد فعل ما کان علیه، فلماذا یکون للزارع الخیار حتی یفسخ بسببه، کما إذا أعطی المؤجر الدار للمستأجر فغصبها الغاصب، أو أعطی

ص:7

المستأجر الثوب للأجیر فغصبه الغاصب.

وکذلک العکس، کما إذا اشتغل العامل فی الأرض، فحال ظالم بینه وبین العمل بمثل السجن ونحوه، حیث لیس للمالک فسخ المزارعة.

ولو شک فی أنه هل له الفسخ أم لا، فی أی الطرفین، کانت أصالة بقاء العقد محکمة.

هذا وربما یقال: إنه لا یستبعد أن یکون لکل منهما الزارع فی الأول والمالک فی الثانی حق الفسخ، حیث إن عدم الخیار أی اللزوم ضرر وهو مرفوع، کما ذکروا مثله فی خیار الغبن، حیث استدلوا بلا ضرر علی الخیار، فإن إلزام العامل ببقائه علی العقد بعد غصب الغاصب ضرر علیه، حیث إن اللازم علیه إعطاء حصة المالک فلا ضرر یرفع هذا الإلزام.

وکذلک فی عکسه، حیث إن بقاء المالک علی العقد ضرر علیه بعد سجن الزارع مثلاً، فلا ضرر یعطیه حق الخیار، فإذا فسخ کان له إعطاء أرضه إلی آخر یزرعها.

ثم أی فرق بین تسلیم المالک أرضه إلی الزارع حیث لا حق للزراع فی الفسخ، وبین عدم تسلیمه، فإن کان الفارق الشرع فلا دلیل من الشرع علیه، وإن کان الفارق العرف الذی قرر الشرع عقده فالعرف لا یری فارقاً.

أما قول المستمسک فی مسألة الغصب قبل التسلیم: (بأنه بناءً علی التحقیق من أنه لا ضمان بالنسبة إلی العامل کما یأتی، لا فرق بین الفسخ وعدمه، وحینئذ یبطل أثر العقد قهراً فیکون انفساخاً للعقد) فغیر ظاهر الوجه، إذ

ص:8

لماذا الفسخ القهری بعد أنه لا یقتضی دلیل «لا ضرر» أکثر من عدم اللزوم، کما لم یقتض فی باب الغبن أکثر من عدم لزوم البیع لا بطلانه، وأی ربط بین عدم ضمان العامل وبین عدم الفرق بین الفسخ وعدمه.

بل اللازم القول بالفرق بأنه إن فسخ لم یکن علیه ضمان ولم یطلب هو شیئاً من الغاصب، وإن لم یفسخ کان علیه الضمان وطلب هو من الغاصب، حیث یرجع إلیه المالک وهو یرجع إلی الغاصب، ویختلف الضمانان، فضمان العامل ضمان المسمی، أی الحصة تخمیناً، وضمان الغاصب للزارع ضمان المثل، وربما یتساویان، وربما یزید المسمی علی المثل، وربما ینقص عنه.

والحاصل: إن حال قبل التسلیم وبعده سواء من جهة أن الزارع له حق الفسخ وعدمه، کما أن حال سجن الزارع قبل تسلمه الأرض وبعده سواء، من جهة أن المالک له حق الفسخ فیعطی الأرض إلی زارع آخر، وعدم الفسخ فیکون له علی الزارع الحصة، وهو یرجع إلی حابسه، لما رجحناه فی کتاب الغصب من ضمان الحابس لمثله، فیکون حال المالک حال ما إذا أجر الدار للمستأجر فحبس ظالم المستأجر، حیث یحق للمالک الفسخ إذا کان بقاؤه ضرراً علیه، وعدمه.

بل یمکن أن یقال: إنه إذا غصب غاصب الأرض واستعد المالک أن یعطی حصة العامل تخمیناً، لم یکن للعامل الفسخ، لعدم وجود دلیل «لا ضرر» الموجب لجواز العقد، کما أنه إذا استعد العامل أن یعطی للمالک حصته تخمیناً، لم یکن للمالک الفسخ فیما إذا سجن الزارع، إذ لا ضرر یتوجه إلی المالک بعد عدم فوات حصته، بحیث یوجب دلیل «لا ضرر» جواز عقد المزارعة بعد

ص:9

وهل یضمن الغاصب تمام منفعة الأرض فی تلک المدة

کونها لازمة فیستصحب لزومها، لکن المسألة بعد بحاجة إلی تتبع کلماتهم والتأمل فی الأدلة والأمثلة، کالإجارة والرهن والمساقاة ونحوها.

{و} علی أی حال، فإذا غصب الغاصب الأرض {هل یضمن الغاصب تمام منفعة الأرض فی تلک المدة} مدة إضراره بالحاصل، ولو کانت مدة الغصب أقل، مثلاً کان الحاصل یحصل إذا الزرع زرع فی أول الربیع فلما غصبها الغاصب فی الشهر الأول من الربیع فات أوان الزرع ولم یحصل الزرع، وإن ردها إلی المالک أو الزارع بعد شهر من الغصب فقط، فإن علیه کل ما فوّت، لا أجرة الشهر فقط.

وکذا الکلام فی حبس الزارع إذا قلنا إنه ضامن لما فوته من منافعه، کما هو الحال فی سائر موارد الإجارة، فإذا کانت الدار تستأجر أول السنة بألف لکثرة الراغبین، أما بعده فلا تستأجر إلاّ بمائة، کان علی الغاصب ضمان تسعمائة إذا ردها بعد شهر من الغصب فقط.

بل وکذلک إذا لم یکن للشیء أجرة بقیة السنة، فإنه یجب علیه إرجاعه وإعطاء کل الأجرة التی فاتت بسببه، مثلاً الفندق فی الصیف یؤجر لثلاثة أشهر بمائة، لکن وقت الإجارة أول الصیف، بحیث إذا لم یمکن إیجاره بقی فارغاً، فإنه یجب علیه رده وإعطاء أجرة کاملة، ولا یکون ذلک جمعاً بین العوض والمعوض للمالک، حتی یحتمل أن الغاصب إذا أعطاه أجرة ثلاثة أشهر مما فوته علیه کان له الانتفاع بنفسه بالفندق، وذلک لأنه مثل کسر آنیة زید،

ص:10

للمالک فقط، أو یضمن له بمقدار حصته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض، ویضمن له أیضاً مقدار قیمة حصته من عمل العامل حیث فوته علیه

حیث علی الکاسر الضمان مع حق المالک فی قطعه المکسرة من باب أنه لا دلیل علی سلطة الکاسر علیها.

وکذا إذا منع عامل البناء عن العمل فی أول الصبح، حیث لا یوجد المستأجرون للعامل بعد أول الصبح، فإنه یجب علیه إعطاء أجرته ولیس له سخرته بقیة النهار بحجة أن کل نهار العامل کان فی قبال الأجرة، وقد ذکر الفقهاء ما یرتبط بالمقام فی مسألة بدل الحیلولة، فتأمل.

{للمالک فقط} لأن المنفعة کانت للمالک ففاتت فی ید الغاصب، فیشمله دلیل «الید»((1)) و«لا یتوی»((2)) ونحوهما.

أما العامل، فقد کان له الانتفاع بالأرض، لا أن له منفعة الأرض.

{أو یضمن له بمقدار حصته} المقرورة فی عقد المزارعة {من النصف أو الثلث من منفعة الأرض} لأنه فوت علیه الحصة، فیشمله دلیل «لا یتوی» ونحوه.

{ویضمن له أیضاً مقدار قیمة حصته من عمل العامل، حیث فوته علیه} حیث

ص:11


1- المستدرک: ج2 ص504 الباب 1 من أبواب الودیعة ح12
2- المستدرک: ج3 ص215 الباب 46 من أبواب نوادر الشهادات ح4

ویضمن للعامل أیضاً مقدار حصته من منفعة الأرض، وجهان

إنه استحق عمل العامل، فإذا فوته الغاصب لأن العامل لم یعمل، کان اللازم علی الغاصب تدارکه.

لکن ربما یرد علی ذلک أنه کانت الحصة نتیجة الأرض والعمل فلا حق للمالک فی ما وراء الحصة، کما تقدم مثل هذا الإشکال فی المسألة السابقة.

أما إشکال المستمسک علیه بأنه (لا دلیل علی الضمان بهذا التفویت، فإن من حبس إنساناً فقد فوت علیه الانتفاع بداره وبدابته وبالآلات التی یستعملها، والحابس لا یضمن شیئاً من هذه المنافع التی فوتها علیه لا شرعاً ولا عرفاً).

ففیه: إن المحبوس إذا کان یؤجر دابته کل یوم بدرهم، وداره کل یوم بدرهمین مثلاً، وکان الحبس عشرة أیام، فلماذا لا یضمن الحابس ثلاثین له شرعاً، حیث یصدق: «لا یتوی حق امرئ مسلم»، وعرفاً حیث یرون أن الحابس سبب ضرره والملک حقه، ومثله فی الضمان ما إذا هلکت دابته وانهدمت داره لعدم رعایتهما بسبب حبسه.

{ویضمن للعامل أیضاً مقدار حصته من منفعة الأرض} لأنه فوتها علیه، {وجهان}، اختار الأول جملة من المعلقین، منهم السیدان البروجردی والحکیم، وقال ثانیهما: (وکان المناسب لاختیار المصنف القول الخامس فی المسألة السابقة اختیار الوجه الثانی هنا، ولا وجه للوقف)، وقال السید الجمال: (أقواهما ضمانه لهما جمیعاً بأجرة المثل، والأحوط أن تقسم علیهما بالتصالح علی ما یقتضیه التخمین).

ص:12

ویحتمل ضمانه لکل منهما ما یعادل حصته من الحاصل بحسب التخمین.

{ویحتمل ضمانه لکل منهما ما یعادل حصته من الحاصل بسبب التخمین} لأن الغاصب فوته علیهما، فاللازم علیه تدارکه، وهذا الوجه اختاره ابن العم وقال: هو الأظهر.

أقول: مقتضی القاعدة أنه إن حصل فسخ ضمن الغاصب للمالک أجرة الأرض، لأن المزارعة لما ارتفعت کانت الأرض بمنفعتها للمالک، فعلی الغاصب تدارک الأجرة، إلاّ إذا انتفع الغاصب من الأرض فیقسم الانتفاع بین الأرض وبین العمل، فإن کانت حصة الأرض أکثر من الأجرة کان علی الغاصب إعطاء قدر الحصة للمالک، لأنه حقه عرفاً وشرعاً، وإن لم یحصل فسخ واستنماها الزارع وحصل ناتجه باعتبار حصة الأرض، حیث إن الناتج حصة الأرض، وحصة للعامل أکثر من حصة المالک والزارع، یجب علی الغاصب إعطاؤهما کلاً بنسبة حقه، وعلیه فعلی الغاصب أن یعطی للمالک والزارع أکثر الأمور الثلاثة من الحصة المقررة والأجرة والناتج، الناتج بقدر حقهما بعد أن یکون للغاصب قدر عمله.

فإذا کانت الحصة حسب التخمین عشرة لهما، ثلاثة أخماس للمالک وخمسان للزارع، وکانت الأجرة عشرین، واستنمی الأرض بثلاثین، وفرض أن ثلثه لنفس الغاصب فی قبال عمله، کان للمالک اثنی عشر، وللزارع ثمانیة وهکذا، وذلک لأن الأجرة إن کانت أقل ولم یستنم فقد فوت علیهما الحصة، فالواجب علیه إعطاؤها لهما حسب ما قررا فی المزارعة، وإن کانت الأجرة أکثر، فقد کانت الأجرة لهما لأنهما قررا الناتج بینهما فی عقد المزارعة، والأجرة بدل الناتج، حیث حال الغاصب بینهما وبین الناتج، وإن استنمی وکان النماء أکثر

ص:13

من الأجرة والحصة فالنماء _ بعد إخراج حصة نفس الغاصب لمکان عمله فی الأرض _ للمالک والزارع، بدلاً من حصتهما.

وبذلک یظهر وجه النظر فی کل الأقوال المتقدمة.

ص:14

مسألة ٩ لا یجوز للزارع التعدی عما عینه المالک

(مسألة 9): إذا عین المالک نوعاً من الزرع، من حنطة أو شعیر أو غیرهما تعین، ولم یجز للزارع التعدی عنه، ولو تعدی إلی غیره ذهب بعضهم إلی أنه إن کان ما زرع أضر مما عینه المالک

(مسألة 9): {إذا عین المالک} عند العقد، إذ لا تأثیر للتعیین بعده، کما أنه إذا جعل الشرط نوعاً خاصاً فی ضمن عقد آخر لم یؤثر ذلک الشرط فی عقد المزارعة، وإن کانت المخالفة توجب حق المالک فی فسخ ذلک العقد.

{نوعاً من الزرع من حنطة أو شعیر أو غیرهما تعین} إذا کان ذلک ممکناً، وإنما یتعین لأنه سواء کان علی نحو المصب أو التقیید أو الشرط لزم، فإن الأولین ملزم من جهة العقد، والثالث ملزم من جهة أن المؤمنین عند شروطهم، وعلیه فإذا لم یکن فی صورة المصب والقید ممکناً، إما ابتداءً بأن لم تکن الأرض تربی الحنطة مثلاً، أو اتفاقاً کما إذا اتفق تغیر الطقس مما أسقط إمکانیة زرع الحنطة، بطلت المزارعة، فإن ما وقع علیه العقد لا یمکن، وما یمکن لم یقع علیه العقد، وإذا لم یکن فی صورة الشرط ممکناً، فإن تجاوز الشارط عن شرطه بقیت المزارعة، وإلاّ کان له حق الفسخ.

{ولم یجز للزارع التعدی عنه} بلا إشکال ولا خلاف، وفی الریاض لا خلاف فیه، وفی الجواهر قطعاً، وعن الغنیة الإجماع علیه، وفی المستمسک: (یقتضیه عموم الوفاء بالعقد والشرط).

{ولو تعدی إلی غیره، ذهب بعضهم إلی أنه إن کان ما زرع أضر مما عینه المالک} حیث بعض النباتات تضر الأرض أکثر من غیرها.

ص:15

کان المالک مخیراً بین الفسخ وأخذ أجرة المثل للأرض، والإمضاء وأخذ الحصة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضر، وإن کان أقل ضرراً لزم وأخذ الحصة منه

{کان المالک مخیراً بین الفسخ وأخذ أجرة المثل للأرض} لأن له الحق فی الفسخ لتخلف شرطه {والإمضاء وأخذ الحصة من المزروع} حسب ما قررا من النصف والثلث ونحوهما، {مع أرش النقص الحاصل من الأضر} فإنه إذا رفع الید عن شرطه کان عموم المزارعة شاملاً لهذا المزروع، فله الحصة منه، والأرش لأنه سبب نقصاً.

لکن ربما یقال: إن کان العموم شاملاً لمثل هذا الزرع لم یکن وجه للأرش، لأنه بإجازة المالک، وإن لم یکن العموم شاملاً لم یکن وجه لحصة المضاربة وبقائها وأخذ المالک الحصة.

وکیف کان، فقد ذهب إلی هذا التفصیل الشرائع والتذکرة والتحریر واللمعة وغیرهم، کما فی مفتاح الکرامة.

{وإن کان أقل ضرراً لزم} لأنه لا یوجد دلیل علی الخیار، فإن الخیار کان لأجل قاعدة «لا ضرر» کما فی السابق، حیث إنه توجب الخیار، کما إذا کان غبن فی البیع حیث قالوا بالخیار لأجل دلیل «لا ضرر».

{وأخذ الحصة منه} علی ما ذکره الجماعة المتقدمة.

لکن یرد علیه: إن الخیار فی الشق الأول لأجل لا ضرر، ولأجل الشرط، وفی المقام وإن لم یکن ضرر إلاّ أن الشرط موجود، فاللازم وجود الخیار، ولذا کان قول العلامة فی القواعد

ص:16

وقال بعضهم: یتعین أخذ أجرة المثل للأرض مطلقاً، لأن ما زرع غیر ما وقع علیه العقد، فلا یجوز أخذ الحصة منه مطلقا، والأقوی

أقرب إلی الصواب، حیث جعل للمالک فی هذه الصورة الخیار بین الحصة مجاناً وأجرة المثل.

وما فی مفتاح الکرامة أنه من منفردات القواعد غیر ضار بعد کونه حسب القواعد، بل اللازم أن یکون الحال کذلک إذا زرع الأنفع أو المساوی، حیث إن الانفعیة لا توجب سقوط الشرط فکیف بالمساوی.

{وقال بعضهم} کما عن الروضة وجامع المقاصد والمسالک ومجمع البرهان، وتبعهم بعض المعلقین منهم السید الجمال.

{یتعین أخذ أجرة المثل للأرض مطلقاً} سواء کان أضر أو مساویاً، بل یشمل کلامهم الأنفع أیضاً {لأن ما زرع غیر ما وقع علیه العقد} فلا ربط للعقد به، فکیف یمکن أن تکون حصة منه للمالک.

{فلا یجوز أخذ الحصة منه مطلقاً} أی بالجبر ولا بالاختیار، فلا یمکن الإشکال فیه، لأن الأمر بینهما فإذا تراضیا لم یکن مانع یحول دون رضاهما.

{والأقوی} أن الحاصل لما کان ناتج الأرض والعمل کما ذکرناه مکرراً، کان مقتضی القاعدة اشتراکهما فیه بالنسبة العقلائیة، إذا لم یلغ الشارط شرطه، أما إذا ألغاه فأوضح، حیث إن الاشتراک مقتضی المزارعة العقدیة، فإذا فسخ کان له أکثر الأمرین من الأجرة والحصة، فإذا کانت الحصة أقل أخذ التفاوت أجرة، وإن کانت الحصة أکثر أخذها، کما تقدم مثله.

ص:17

أنه إن علم أن المقصود مطلق الزرع وأن الغرض من التعیین ملاحظة مصلحة الأرض وترک ما یوجب ضرراً فیها یمکن أن یقال: إن الأمر کما ذکر من التخییر بین الأمرین فی صورة کون المزروع أضر، وتعین الشرکة فی صورة کونه أقل ضرراً

ثم إن الأقوی عند المصنف: {أنه إن علم أن المقصود مطلق الزرع وأن الغرض من التعیین ملاحظة مصلحة الأرض} أو مصلحة المالک، حیث إن فائدة بعض المزروعات أکثر من جهة الاقتصاد، أو من جهة احتیاج المالک إلی ذلک القسم من المزروع لأجل صرفه، کما یزرعون الحنطة لأجل أکلهم، أو لأجل إعطاء الضریبة للسلطان، حیث طلب منهم ذلک القسم، إلی غیر ذلک.

{وترک ما یوجب ضرراً فیها} أو لأجل أن الحیوان مثلاً لا یأکل هذا القسم ولا یفسده، بینما یفسد القسم الآخر، إلی سائر الأمثلة، بشرط أن لا یکون جعله فی العقد بنحو المصب والقید.

{یمکن أن یقال: إن الأمر کما ذکر من التخییر بین الأمرین} الفسخ والإمضاء، لأنه من باب تعدد المطلوب، والشرط لا یوجب رفع الید عنه بطلاناً.

{فی صورة کون المزروع أضر، وتعین الشرکة فی صورة کونه أقل ضرراً}، وفیه أولاً: إن کان شرطاً کان فی کلا القسمین الخیار، وإن کان قیداً أو مصباً بطل ولا خیار.

ولذا قال المستمسک: (الأولی فی الإشکال علیه أن یقال: إن تعیین زرع بعینه إن کان دخیلاً فی المزارعة کان قیداً، وترکه یوجب البطلان لفوات المقید

ص:18

لکن التحقیق مع ذلک خلافه، وإن کان التعیین لغرض متعلق بالنوع الخاص لا لأجل قلة الضرر وکثرته، فإما أن یکون التعیین علی وجه التقیید والعنوانیة، أو یکون علی وجه تعدد المطلوب والشرطیة

بفوات قیده، وإن کان أجنبیاً عن المعاملة فلا یوجب الخیار، فالجمع بین المسمی والخیار غیر ممکن، إلاّ أن لا یکون التقیید بنحو تعدد المطلوب) انتهی.

وإن کان فیه إنه یستوعب فی الإشکال علی المصنف ما ذکرناه.

ثم إن جمع المصنف بین (الأقوی) و(التحقیق) غیر ظاهر الوجه، إلاّ أن یرید الأقوی لولا التحقیق، فتأمل.

{لکن التحقیق مع ذلک خلافه}، ثم إن قوله: (إن علم) أراد الواقع، والعلم طریق، فلیس الأمر دائراً مدار العلم وإنما هذا تعبیر عرفی کما لا یخفی.

{وإن کان التعیین} لنوع خاص من الزرع {لغرض متعلق بالنوع الخاص، لا لأجل قلة الضرر وکثرته}.

أقول: ما یذکره من القید وتعدد المطلوب لا فرق فیه بین أن یکون لأجل قلة الضرر وکثرته، أو لأجل أمر آخر، إذ لیس المهم فی المقام الدواعی، بل کیفیة العقد مصباً وقیداً وشرطاً، حیث إن الثالث من باب تعدد المطلوب.

{فإما أن یکون التعیین علی وجه التقیید والعنوانیة} لعل أراد بالعنوانیة المصب، إذ قد یکون الشیء مورد العقد علی نحو البساطة، وقد یکون مورده علی نحو التقید، حیث إن القید خارج والتقید جزء.

{أو یکون علی وجه} الشرطیة و{تعدد المطلوب} حیث المصب مطلق {و} إنما {الشرطیة} من المطلوب الزائد الذی بفقده لا ینتفی أصل المطلوب،

ص:19

فعلی الأول إذا خالف ما عین فبالنسبة إلیه یکون کما لو ترک الزرع أصلاً حتی انقضت المدة، فیجری فیه الوجوه الستة المتقدمة فی تلک المسألة، وأما بالنسبة إلی الزرع الموجود

وإنما ینتفی کماله.

{فعلی الأول إذا خالف} الزارع {ما عین} المالک له من الزرع {فبالنسبة إلیه یکون کما لو ترک الزرع أصلاً} إذ لم یفعل مورد المزارعة، ففعل غیره کعدم فعله، حاله حال ما إذا باعه الکتاب فسلم له القلم، إذ تسلیم القلم وعدمه سواء فی عدم تسلیمه متعلق البیع، {حتی انقضت المدة} بخلاف ما إذا زرع المعین بعد أن زرع غیره، حیث عمل بمقتضی المزارعة حینئذ.

{فیجری فیه الوجوه الستة المتقدمة فی تلک المسألة} وقد عرفت أن الأوجه هناک وجه سابع، ویأتی هنا أیضاً نفس ذلک الوجه.

أما إذا زرع ما عین له بعد أن زرع غیر ما عین، ففی ما عین الحصة، أما فی غیره فمقتضی القاعدة اشتراکهما علی وجه العدل، لما سبق من أن الزرع حاصل الأرض والعمل بنسبة خاصة یراها العرف عدلاً، حیث تتفاوت النسبة إن کان البذر من أحدهما أو من کلیهما، فبتلک النسبة العادلة یقسم الحاصل بینهما.

{وأما بالنسبة إلی الزرع الموجود} الذی کان خلاف التعیین، فقد تقدم حق المالک فی قلعه وعدمه، وهنا یأتی نفس الکلام فی تلک المسألة، هذا من جهة القلع.

ص:20

فإن کان البذر من المالک فهو له، ویستحق العامل أجرة عمله، علی إشکال فی صورة علمه بالتعیین وتعمده الخلاف، لإقدامه حینئذ علی هتک حرمة عمله

أما من جهة التقسیم بالحصص {فإن کان البذر من المالک فهو له} لما بنوه من أن الزرع للزارع {ویستحق العامل أجرة عمله} لأن عمله له مدخلیة فی الحاصل فلا وجه لهدر حقه.

{علی إشکال فی صورة علمه بالتعیین وتعمده الخلاف} بل اللازم عدم الأجرة علی مبناهم، ولذا قال ابن العم: بل لا یستحق إذ الزرع تابع للبذر، وعمله هدر بعد أن لم یأذن به المالک، فهو کما إذا استأجره لیخیط ثوباً فخاط قباءً.

ولذا وجه الإشکال بقوله: {لإقدامه حینئذ علی هتک حرمة عمله} فإن من عمل ما لم یأذن به صاحب العمل، فقد هتک حرمة عمله، مثلاً عامل البناء أخذ التراب من داخل الدار إلی خارجها بدون أمر صاحب الدار، فهل یکون له علی صاحب الدار الأجرة، فإن إلزام صاحب الدار بالأجرة خلاف تسلط الناس علی أموالهم.

وعلی هذا، فلا حق له فی الأجرة وإن کان جاهلاً، فضلاً عما إذا کان عالماً، کما أشار إلیه المستمسک.

هذا ولکن اللازم أن یقال: إنه یستحق الحصة العادلة وإن کان عالماً، فضلاً عما إذا کان جاهلاً أو ناسیاً، لأن الحاصل نتیجة الأرض والبذر والعمل.

ص:21

وإن کان البذر للعامل کان الزرع له، ویستحق المالک علیه أجرة الأرض مضافاً إلی ما استحقه من بعض الوجوه المتقدمة

فهو کما لو نحت خشبة غیره مما ضعفت قیمته، فإنه یکون شریکاً، وإن لم یرض صاحب الخشب بالنحت، إذ هو حقه العرفی و«لا یتوی حق امرئ مسلم».

فهو کما لو مزج لبنه بسکر الغیر حیث یشترک معه، وإن کان بدون رضی ذلک الغیر، فإن دلیل السلطة فی صاحب السکر لا یتمکن من دفع دلیل السلطة فی صاحب اللبن الذی مزج، ولو کان عالماً عامداً بأن کان عمله حراماً.

وفی المقام وإن لم یکن من الزارع إلاّ العمل، لکن العمل أورث له حقاً، فلا یتمکن دلیل «الناس مسلطون» بالنسبة إلی مالک البذر والأرض أن یدفع هذا الحق.

ومنه یعلم أن الحال کذلک فیما إذا أخذ الزارع بذر ثالث وزرعه بدون رضاهما، فإنه یشترک الثلاثة فی الحاصل بالعدل، فلکل منهم حصة من الحاصل.

ومنه یعلم وجه النظر فی قوله: {وإن کان البذر للعامل کان الزرع له، ویستحق المالک علیه أجرة الأرض} إذ فی هذه الصورة أیضاً لکل منهما حصة، نعم من کان له البذر منهما حصته أکثر.

أما الأجرة فلا شأن لها فی أحد المقامین، وإن استدل لها فی هذا المقام بأن الزارع حاله حال الغاصب، إذ حیث استوفی منفعة الأرض کان اللازم علیه إعطاء المالک أجرة أرضه.

{مضافاً إلی ما استحقه من بعض الوجوه المتقدمة} واستحقاقه نقص أرضه إذا نقصت بسبب الزرع، أما الثانی فوجهه واضح، وأما الأول فلما تقدم فی

ص:22

ولا یضر استلزامه الضمان للمالک من قبل أرضه مرتین علی ما بینا فی محله، لأنه من جهتین، وقد ذکرنا نظیر ذلک فی الإجارة أیضاً

المسألة السابعة من الوجوه الستة، مثلاً إذا قلنا هناک إن تارک الزرع علیه أن یعطی للمالک أجرة الأرض، لزم هنا علی الزارع أجرتان، أجرة لترکه الزرع الذی عین له، وأجرة لاستفادته من الأرض، حیث زرع فیها بذره الذی کان حاصله لنفسه.

{و} حیث إنه یستغرب کیف یجب علیه أجرتان لشیء واحد، قال: {لا یضر استلزامه} استلزام الزرع غیر المعین {الضمان للمالک من قبل أرضه مرتین علی ما بیناه فی محله} فی المسألة السابعة، وهنا {لأنه من جهتین} جهة ترک الزرع المعین فتکون الأرض مضمونة، وحیث لا ضمان للمسمی لأنه لا حصة یکون الضمان بأجرة المثل، ومن جهة أنه استوفی منافعها بالزراعة، وحیث إن المنفعة للمالک کان اللازم إعطاء بدلها له والبدل هو الأجرة.

{وقد ذکرنا نظیر ذلک فی الإجارة أیضاً} فإذا استأجر الدار للسکنی فجعلها مخزناً استحق المؤجر علیه أجرتین، المسمی المستحق بسبب المعاوضة، والمثل بسبب الاستفادة منها فی جعلها مخزناً.

ولا یخفی أن هذا الکلام محل منع فی کلا المقامین، فإن الضمان ضمان الید سواء استوفی منافعها أم لا، ویؤیده أنه لو کان کذلک لزمت أجرتان فی صحیحة أبی ولاد، حیث إن المستأجر خالف مقتضی الإجارة واستوفی منفعة البغل، مع أن الإمام (علیه السلام) لم یضمنه کذلک.

ثم إنک قد عرفت أن مقتضی القاعدة إعطاء الحصة للمالک، لأنها نتیجة

ص:23

وعلی الثانی یکون المالک مخیراً بین أن یفسخ المعاملة لتخلف شرطه فیأخذ أجرة المثل للأرض، وحال الزرع الموجود حینئذ ما ذکرنا من کونه لمن له البذر، وبین أن لا یفسخ ویأخذ حصته من الزرع الموجود بإسقاط حق شرطه

أرضه، وقد سبق أن اللازم إعطاؤه أکثر الأمور الثلاثة من الأجرة والمسمی والحصة، أما الحصة فلأنها نتیجة أرضه، وأما المسمی فلأن العقد إن صح فعلیه المسمی، وإن بطل کان مورد قاعدة «ما یضمن بصحیحه»، وأما الأجرة فی العقد إذا بطل فلأنه لم یکن المسمی الأقل، حیث بطل العقد، وقد استولی علی ما أجرته أکثر من المسمی، فتأمل.

{وعلی الثانی} بأن کان تعیین الزرع علی وجه الشرطیة، فلم یزرع العامل ما شرط، وإنما زرع غیره {یکون المالک مخیراً بین أن یفسخ المعاملة لتخلف شرطه ف_} إذا فسخ یأخذ الأکثر من الحصة والأجرة لما تقدم، وعلیه فقوله: {یأخذ أجرة المثل للأرض} محل نظر.

{وحال الزرع الموجود حینئذ ما ذکرنا من کونه} لهما، حیث إنه ناتج للأرض والعمل، ولیس {لمن له البذر فقط}، وإن کان المشهور ذلک، لکن لا دلیل علیه.

{وبین أن لا یفسخ} ویسقط حق شرطه {ویأخذ حصته من الزرع الموجود} فإنه {بإسقاط حق شرطه} یکون الزرع لهما حسب ما قرراه من الحصص.

والظاهر أنه له فی کلا الحالین أخذ النقص الوارد علی الأرض بسبب الزرع، أما فی الأول فواضح، لأن العقد سقط، وأما فی الثانی فلأنه وإن لم یسقط

ص:24

وبین أن لا یفسخ ولکن لا یسقط حق شرطه أیضاً، بل یغرم العامل علی بعض الوجوه الستة المتقدمة، ویکون حال الزرع الموجود کما مر من کونه

لکن النقص کان من التعدی ولا تلازم بین وجود العقد وبین عدم التعدی.

{وبین أن لا یفسخ، ولکن لا یسقط حق شرطه أیضاً} فیطالب بشرطه.

{بل یغرم العامل علی بعض الوجوه الستة المتقدمة}، وکأنه لأن الشرط حق له قد فوته الزارع فاللازم علیه تدارکه، لأنه «لا یتوی حق امرئ مسلم»، والتدارک یکون بأحد الوجوه.

وفیه أولاً: إن المشهور أن فی تخلف الشرط خیار بین البقاء بلا شیء وبین الفسخ، أما البقاء مع أخذ حق الشرط فغیر مشهور.

ولذا قال فی المستمسک: (یشکل بأنه لم یظهر خصوصیة للشرط فی المقام یمتاز بها عن سائر الشروط، فإن حکمها مجرد الخیار عند فوات الشرط، فلم صار حکم الشرط فی المقام أنه یجوز للمشروط له عدم إسقاطه والمطالبة بالضمان، وکیف یصح الضمان والتغریم مع اعتراف المالک بأن التصرف کان عن إذن منه وصحة عقد).

وثانیاً: لو کان له حق الشرط فإنه یکون بقدره لا بأحد الوجوه الستة إن کان الشرط عرفاً له قدر من البدل، فذلک هو اللازم، کما فی خیار العیب حیث قالوا بالأرش، وفی شرط البکارة والختان حیث قالوا بالأرش، لا أحد الوجوه الستة.

{ویکون حال الزرع الموجود کما مر من کونه} بینهما بالحصص، لا أنه

ص:25

لمالک البذر.

{للمالک البذر} لما تقدم من وجهه، بل لا وجه له هنا، وإن قیل به فی غیره، لما ذکره السید البروجردی بقوله: (بل یکون بینهما بمقتضی العقد المفروض عدم فسخه وعدم تقید متعلقه بمفاد الشرط).

وقال المستمسک: (یشکل بأنه مخالف لمقتضی العقد الذی لم یفسخ، فإن مقتضاه کون الحاصل بینهما).

ومما تقدم یظهر حال ما إذا زرع الزارع بعض الأرض دون بعض، فترکها بلا زرع أو زرع فیها علی خلاف ما شرط له، کما أنه إذا خالف الشرط أو القید فعل حراماً إذا کان عمداً، لکن إذا کان عن نسیان أو اضطرار، کما إذا لم یقدر علی زرع ما طلبه المالک ولم یتمکن من إیصال الخبر إلیه لکشف رأیه، فدار الأمر بین زرعه غیر ذلک أو ترکها.

ص:26

مسألة ١٠ لو ا زرع علی أرض لا ماء لها

(مسألة 10): لو زارع علی أرض لا ماء لها فعلاً، لکن أمکن تحصیله بعلاج من حفر ساقیة أو بئر أو نحو ذلک، فإن کان الزارع عالماً بالحال صح ولزم، وإن کان جاهلاً کان له خیار الفسخ، وکذا لو کان الماء مستولیاً علیها وأمکن قطعه عنها

(مسألة 10): {لو زارع علی أرض لا ماء لها فعلاً، لکن أمکن تحصیله بعلاج من حفر ساقیة أو بئر أو نحو ذلک، فإن کان الزارع عالماً بالحال صح ولزم} لإطلاق الأدلة.

قال فی القواعد: (ولو زارعها أو آجرها له ولا ماء لها، تخیر العامل مع الجهل لا مع العلم)، وقد أخذ ذلک عن الشرائع، کما قال بمثله فی التذکرة.

ثم إن کان تحصیل الماء بحاجة إلی أجر، فإن کان هناک نص منهما فی أن الأجر علی من، کان علیه فهو، وإلاّ فإن کان اعتیاد أراداه ولو ارتکازاً کان کما أرادا، لأن العقود تتبع القصود، وإن لم یکن أحدهما فالظاهر أنه علیهما حسب قدر الحصة، لأن من له الغنم فعلیه الغرم.

{وإن کان جاهلاً کان له خیار الفسخ} إذا لم یستعد المالک للمجیء بالماء إلیها.

أما الأول: فلأنه ضرر علیه وعیب، فیشمله دلیل خیار العیب، ودلیل «لا ضرر»، ولأنه من تخلف الوصف إذا کان المنصرف من العقد أن لها الماء وما أشبه.

وأما الثانی: فلأنه لا ضرر ولا عیب إذا جاء المالک بالماء.

ومنه یعلم أن إطلاق المصنف خیاره غیر ظاهر الوجه.

{وکذا لو کان الماء مستولیاً علیها وأمکن قطعه عنها}، ومثله ما لو کان

ص:27

وأما لو لم یمکن التحصیل فی الصورة الأولی أو القطع فی الثانیة کان باطلاً، سواء کان الزارع عالماً أو جاهلاً، وکذا لو انقطع فی الأثناء ولم یمکن تحصیله، أو استولی علیها ولم یمکن قطعه، وربما یقال بالصحة مع علمه بالحال

نقص آخر من سبخة أو أعشاب ضارة أو ما أشبه، من ما یخالف الوصف وضرر وعیب، فإن إطلاق الأدلة یشمل المستثنی منه والمستثنی، لوحدة الملاک فی الجمیع.

{وأما لو لم یمکن التحصیل فی الصورة الأولی والقطع فی الثانیة کان} العقد {باطلاً} لما تقدم فی الشرط السابع.

{سواء کان عالماً أو جاهلاً} لأن الموضوع غیر قابل لعقد المزارعة، فعلم الزارع بذلک لا یجعله قابلاً حتی تصح المزارعة، ولأن مثل هذه المزارعة سفهائیة والمعاملات السفهائیة لا یشملها الدلیل.

{وکذا لو انقطع} الماء {فی الأثناء ولم یمکن تحصیله} فإن ذلک یسقط الأرض عن صلاحیة الزراعة {أو استولی علیها ولم یمکن قطعه}، نعم ینبغی أن یقید ذلک بما إذا لم یمکن الاستفادة کل المدة، وإلاّ کان له الخیار من جهة تبعض الصفقة، لا البطلان رأساً.

{وربما یقال بالصحة مع علمه بالحال} وأنه لا ماء لها، أو الماء مستول علیها، کما فی الشرائع والقواعد والتذکرة والروض والإرشاد، کما حکی عن بعضهم، لکن التحریر قال: إنها تبطل مطلقاً، قال فی محکی کلامه:

ص:28

ولا وجه له

ولو تعذر وصول الماء إلیها لم تصح المزارعة، وتبعه فی إطلاق البطلان جامع المقاصد والمسالک ومجمع البرهان ومفتاح الکرامة وغیرهم.

{ولا وجه له} إذ قد تقدم فی الشرط السابع إمکان الزراعة، فحیث لا إمکان لم یکن وجه للصحة، وإن کان ربما یقال: إن الوجه کون الزارع التزم بإعطاء الحصة فیما علم أنه لا یتمکن تحصیلها من هذه الأرض، فاللازم تحصیلها من مکان آخر وإعطاؤها للمالک، وأی فرق بین أن یعلم أن الشیء لا یسوی بمائة ویشتریه بمائة، حیث تنازل عن التفاوت بلا شیء مقابل التفاوت، وبین المقام حیث تنازل عن کل الحصة، فإن کان صحیحاً صح فی کلا المقامین وإلاّ بطل فیهما، وحیث یصح فی الغبن یصح هنا أیضاً.

لکن فیه الفرق، وأن فی الغبن هناک شیء یقع فی قبال المال، ولیس فی المضاربة شیء، هذا بالإضافة إلی أن المزارعة حقیقتها الزرع، ولا زرع فی المقام.

قال فی المستمسک: (ولعل مرادهم صورة ما إذا لم یکن للأرض ماء فعلی وأمکن تحصیله بحفر ونحوه مما یوجب صعوبة غیر معتادة، کما ذکره المصنف فی أول المسألة).

وقال فی مفتاح الکرامة: (إنه استشکل فی التذکرة فی جواز المزارعة فیما إذا لم یکن للأرض ماء یمکن زرعها به إلا نادراً، فیمکن أن یکون المراد من قولهم: لا ماء لها، أن لا ماء لها غالباً، لا أنه لا ماء لها أصلاً، فیکون القواعد والشرائع قد رجحا أحد وجهی الإشکال وهو الصحة مع الخیار فی صورة الجهل) انتهی.

ص:29

وإن أمکن الانتفاع بها بغیر الزرع، لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع، نعم لو استأجر أرضاً للزراعة مع علمه بعدم الماء وعدم إمکان تحصیله أمکن الصحة لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع، إلاّ أن یکون علی وجه التقیید فیکون باطلاً أیضاً.

وهذا التوجیه أقرب کما لا یخفی.

ثم إن مقتضی القاعدة البطلان {وإن أمکن الانتفاع بغیر الزرع، لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع} إذ لیست المزارعة إلاّ العقد علی الزراعة، فإن لم یمکن الزرع بطل، فیکون کمن یستأجر للصیاغة أو الخیاطة بنفسه ولا یعرفهما، فإنه یبطل العقد، لا أنه یصح ویکلف بعمل آخر، ومثله ما إذا استأجر مکاناً للسکنی وهو غیر قابل للسکنی لکونه مستنقعاً وما أشبه ذلک.

{نعم لو استأجر أرضاً للزراعة} بأن کان قصد الزراعة علی وجه الداعی أو الشرط {مع علمه بعدم الماء وعدم إمکان تحصیله أمکن الصحة} بل اللازم القول بها.

أما فی صورة الداعی فلأن تخلف الداعی لا یوجب خللاً فی العقد.

وأما فی صورة الشرط فلأنه من تخلف الشرط الذی یوجب الخیار لا البطلان {لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع إلاّ أن یکون علی وجه} المصب للعقد، أو {التقیید، فیکون باطلاً أیضاً} علم أو جهل.

ص:30

مسألة ١١ البذر من المالک أو الزارع

(مسألة 11): لا فرق فی صحة المزارعة بین أن یکون البذر من المالک أو العامل أو منهما

(مسألة 11): {لا فرق فی صحة المزارعة بین أن یکون البذر من المالک أو العامل أو منهما} بنسبة متساویة، أو حسب الحصص، أو خلاف الحصص، کأن یکون ثلث البذر لمن له ثلثا الحصة وبالعکس، بل یصح إذا کان البذر من ثالث فی قبال حصة له أیضاً، کل ذلک لأنها کلها عقلائیة، والشارع لم یردع عنها، بل إطلاق أدلة المزارعة شامل لها.

وکذا یصح أن یکون من أحدهما الأرض والبذر، ومن الآخر العمل والعوامل، أو یکون ثلاثة من أحدهم وواحد من الآخر، وقد ادعی الجواهر والحدائق وغیرهما عدم الخلاف أو الإجماع علی ذلک.

بل اللازم القول بالصحة إذا کانت الأربعة من أربعة أو من ثلاثة، بالانفراد أو الاشتراک، مثلاً البذر من ثلاثة أو من واحد.

نعم إذا کانت الأرض من اثنین کانت مزارعتان، کما إذا کان العامل اثنین، وإن أجریت الصیغة فی صورة مزارعة واحدة، وقد ورد جملة من الروایات فی بعض الصور المذکورة.

کما تقدم صحیحة یعقوب بن شعیب: «النفقة منک والأرض لصاحبها»((1)).

«وکذلک أعطی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) خیبر»((2))، مما ظاهرها أن الأرض

ص:31


1- الوسائل: ج13 ص203 الباب10 من أبواب المزارعة والمساقاة ح2
2- الوسائل: ج13 ص201 الباب9 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

ولا بد من تعیین ذلک

کانت من الرسول (صلی الله علیه وآله) حیث صارت مفتوحة عنوة، وسائر اللوازم من أهل خیبر، وقد أعطاهم (صلی الله علیه وآله وسلم) النصف.

کما تقدم أیضاً خبر إبراهیم الکرخی: «من عندی الأرض والبقر والبذر ویکون علی العلج القیام والسقی والعمل فی الزرع حتی یصیر حنطة أو شعیراً».

إلی غیرهما من الروایات الموجودة فی الوسائل والمستدرک فراجعهما.

وإشکال المستمسک بأنه لیس فی روایة إبراهیم أنها مزارعة، ومجرد الصحة أعم من ذلک، غیر وارد، إذ الظاهر منها أنها مزارعة، کما أن تقییده الصحة مزارعة بخصوص ما فی صحیحة یعقوب خلاف ظواهر النصوص والإجماع.

{ولا بد من تعیین ذلک} فلو قالا: من أحدنا الأرض ومن الآخر سائر اللوازم، أو قال: الأرض منی والعمل منک، ولم یعینا ممن البذر لم یصح، لأنه خلاف المزارعة العقلائیة التی أمضاها الشارع، ولأنه مستلزم للغرر.

فالأول: مثل أن یقولا: من أحدنا الکتاب ومن الآخر الثمن، فی عقد البیع.

والثانی: مثل أن یقولا فی الشرط: بشرط أن یخیط أحدنا ثوب الآخر، إلی غیر ذلک مما الجامع عدم التعارف، فلا یشمله الدلیل، بالإضافة إلی أنه غرر، وقد نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عن الغرر((1))، وقد تقدم أن الشهرة

ص:32


1- الوسائل: ج12 ص230 الباب40 من أبواب آداب التجارة ح3

إلا أن یکون هناک معتاد ینصرف إلیه الإطلاق، وکذا لا فرق بین أن تکون الأرض مختصة بالزارع أو مشترکة بینه وبین العامل، وکذا لا یلزم أن یکون تمام العمل علی العامل فیجوز کونه

العملیة المحققة تجبر ضعف سند الحدیث.

وفی الجواهر احتمل لزوم التعیین وإلاّ بطل العقد للغرر، واحتمل کونه علی العامل لصحیحة یعقوب، فإنها کالأصل الشرعی فی ذلک، والإشکال علی الأول بأنه لا دلیل علی بطلان ما فیه الغرر کلیة، غیر تام بعد ما عرفت.

نعم احتمال کونه علی العامل مطلقاً لا یظهر من النص، کما أن العرف الذین هم الأصل _ حیث أمضی فعلهم الشارع _ لا یرون وجهاً للخصوصیة.

{إلا أن یکون هناک} انصراف خاص، وإن لم یکن معتاداً عند العرف، أو {معتاد ینصرف إلیه الإطلاق} مع کون ذلک مقصودهما ولو ارتکازاً، إذ العقود تتبع القصود.

{وکذا لا فرق بین أن تکون الأرض مختصة بالزارع أو مشترکة بینه وبین العامل} للإطلاق، خلافاً لتعلیق ابن العم، حیث قال: الظاهر أنه یعتبر فی المزارعة کون الأرض من أحدهما، والعمل من الآخر، وکأنه لأجل أنه لا یمکن أن یکون بعض الأرض وکل العمل من العامل، ثم یشترک المزارع مع العامل فی حصته، إلاّ أن یکون البذر أو ما أشبه من المزارع.

لکن یمکن أن یقال: إن المزارعة شیء من هذا، وشیء من ذاک، والحصة مشترکة حسب القرار، فلا فرق بین الأقسام کلها مما کان من کل شیء، سواء کان کل الأرض أو بعضها، وکل العمل أو بعضه، وکل اللوازم أو بعضها، ولذا قال: {وکذا لا یلزم أن یکون تمام العمل علی العامل، فیجوز} ذکر {کونه

ص:33

علیهما، وکذا الحال فی سائر المصارف، وبالجملة هنا أمور أربعة: الأرض والبذر والعمل والعوامل، فیصح أن یکون من أحدهما أحد هذه ومن الآخر البقیة،

علیهما، وکذا الحال فی سائر المصارف} کالعوامل والماء والسماد وغیر ذلک، بل والمصارف الخارجیة، مثل ما یعطی للظالم لأجل کفه عن الظلم، وما أشبه ذلک.

نعم لا یکفی فی صدق المزارعة أن یکون کل شیء علی أحدهما، وعلی الآخر الحراسة أو مصانعة الظالم أو ما أشبه، وإن صح مثل هذا العقد بالحصة، لکن ذلک لیس مزارعة، بل عقد جدید یشمله ﴾أوفوا بالعقود﴿، فلیس له أحکام المزارعة، وإن أشکل فی عقد جدید غیر معهود فی الشرع أمکن جعله شرطاً فی ضمن عقد لازم أو بعنوان المصالحة.

{وبالجملة هنا} فی المزارعة {أمور أربعة: الأرض والبذر والعمل والعوامل} الشاملة للوسائل الحدیثة کالمکائن التی تحرث أو تحصد أو تدوس أو ما أشبه ذلک.

{فیصح أن یکون من أحدهما أحد هذه، ومن الآخر البقیة} وقد أشکل علیه غیر واحد من المعلقین، منهم السید البروجردی قائلاً: (هذه التوسعة لا تلائم ما یظهر منه فی مواضع من أن حقیقة المزارعة تملیک مالک الأرض حصة من منفعتها من الزارع بحصة من عمله، وکذا ما فی المسألة التالیة).

أقول: لکن کلامه هذا حاکم علی کلامه ذاک، وأنه ذکر ذاک من باب أظهر المصادیق.

ص:34

ویجوز أن یکون من کل منهما اثنان منها، بل یجوز أن یکون من أحدهما بعض أحدها ومن الآخر البقیة، کما یجوز الاشتراک فی الکل، فهی علی حسب ما یشترکان

{ویجوز أن یکون من کل منهما اثنان منها، بل یجوز أن یکون من أحدهما بعض أحدها} کبعض الأرض {ومن الآخر البقیة، کما یجوز الاشتراک} بینهما {فی الکل}، ولذا قال الحدائق بعد ذکره الأمور الأربعة: (والضابط أن الصور الممکنة فی اشتراک هذه الأربعة بینهما کلاً أو بعضاً جائزة، لإطلاق الإذن فی المزارعة من غیر تقیید بکون بعض ذلک بخصوصه من أحدهما.

{فهی علی حسب ما یشترکان}، قال سماعة: سألته عن مزارعة المسلم المشرک فیکون من عند المسلم البذر والبقر، ویکون الأرض والماء والخراج والعمل علی العلج، قال (علیه السلام): «لا بأس»((1)). فإن المناط فی الروایة یشمل سائر الأقسام.

بل لعله هو الظاهر من ما رواه ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، فیما رواه أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره، أنه سأل عن مزارعة المسلم المشرک، یکون من المسلم البذر جریب من طعام، أو أقل أو أکثر، فیأتیه رجل آخر فیقول: خذ منی نصف البذر ونصف النفقة وأشرکنی، قال (علیه السلام): «لا بأس»، قلت: الذی زرعه فی الأرض لم یشتره، إنما هو شیء کان عنده، قال: «یقومه قیمة کما یباع یومئذ، ثم یأخذ نصف القیمة ونصف النفقة ویشارکه»((2))، فإن ظاهره

ص:35


1- الوسائل: ج13 ص204 الباب12 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1
2- المستدرک: ج2 ص503 الباب10 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

ولا یلزم علی من علیه البذر دفع عینه فیجوز له دفع قیمته، وکذا بالنسبة إلی العوامل، کما لا یلزم مباشرة العامل بنفسه فیجوز له أخذ الأجیر علی العمل

إعطاء المسلم البذر فقط.

{ولا یلزم علی من علیه البذر دفع عینه} إلی العامل، کما إذا کان البذر علی صاحب الأرض، {فیجوز له دفع قیمته} إذ الغالب فی مثل ذلک الأعم من العین والقیمة.

لکن لا یخفی أن ذلک فیما لم یفهم ذات العین، أو ذات القیمة، إذ ربما یفهم أحدهما لقرائن خارجیة ککون تحصیل البذر صعباً فلا یستعد العامل أن یحصله، أو کان باذل البذر لم یرد إلاّ إعطاء القیمة لا العین، لأنه کالصراف لیس شأنه إلاّ إعطاء المال، کما یقال: علی دار فلان، ولا یراد إعطاؤه عین الدار بل قیمته، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

 {وکذا بالنسبة إلی العوامل}، ومنه یعلم حال ما إذا کان کلیاً فی الذمة، أو فی المعین، أو علی نحو الکسر المشاع، أو العین الخاصة الخارجیة، وفی الثلاثة الأخیرة إذا تلف کل المال فإن کان علی نحو الشرط کان للآخر خیار الشرط، وإن کان علی نحو المصب أو القید بطلت المزارعة، علی ما تقدم شبه هذه المسألة.

{کما لا یلزم مباشرة العامل بنفسه} إذا کان هناک إطلاق أراداه ولو ارتکازاً {فیجوز له أخذ الأجیر علی العمل}، فإن الغالب عدم إرادة الخصوصیة، و

ص:36

إلا مع الشرط.

إنما الهدف حصول العمل، والکاف فی (زارعتک) لا یراد به أن العمل علیه، بل المراد به صرف الخطاب، مثل الکاف فی (بعتک) لا یراد به أن الطرف یملک بل صرف الخطاب، ولذا لا یلاحظ أن الطرف أصیل أو وکیل، نعم فی مثل (زوجتک) یراد به أن الطرف أحد الزوجین.

{إلا مع الشرط} حیث لا بد له أن یعمل بنفسه، وإذا لم یرد العمل کان للطرف خیار الفسخ، إلاّ إذا کان علی نحو المصب والتقیید، وإلا مع کون القرائن تدل علی الخصوصیة لا العموم، حیث إن اللازم علی نفسه العمل، والحاصل بناء العرف علی العموم إلا فیما خرج بالقرینة أو الشرط.

ص:37

مسألة ١٢ المزارعة بین أکثر من اثنین

(مسألة 12): الأقوی جواز عقد المزارعة بین أزید من اثنین، بأن تکون الأرض من واحد، والبذر من آخر، والعمل من ثالث، و

(مسألة 12): {الأقوی جواز عقد المزارعة بین أزید من أثنین} وذلک لأنه أمر عرفی لم یثبت ردع الشارع عنه، فیشمله إطلاق أدلة المزارعة، ولو لم یسلم الإطلاق کان المناط کافیاً.

ولذا اختاره الحدائق، ونقله عن الأردبیلی (رحمه الله)، وهو المحکی عن الکفایة، وقال سید البروجردی: (هذا وإن کان غیر بعید علی ما قویناه من کون المزارعة من سنخ المشارکات، لکن إثباته بالدلیل مع ذلک لا یخلو من إشکال، إذ المتیقن منها ما یکون بین الاثنین) انتهی.

وقد أخذ الإشکال من القواعد، حیث قال: (فی صحة کون البذر من ثالث نظر، وکذا لو کان البذر من ثالث والعوامل من رابع.

وکذا المحکی عن الإیضاح أنه لم یرجح، وعن التذکرة التردد، لکنه مال إلی عدم الصحة فی آخر کلامه، وعن التحریر تصح علی إشکال، وجامع المقاصد والمسالک لم یصححاه، لأنه لا تصح المعاملة إلاّ بتوقیف من الشارع ولم یرد النص بمثل هذا.

والذی یؤید الصحة التی ذهب إلیها غیر واحد من المعلقین ما تقدم من إشراک غیره معه فی البذر، ومن ظهور کون المزارعة کان بین الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) وبین أهل خیبر أنها کانت جماعة فی طرف الرسول (صلی الله علیه وآله)، لا أن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) زارع واحداً واحداً.

{بأن تکون الأرض من واحد، والبذر من آخر، والعمل من ثالث، و

ص:38

العوامل من رابع، بل یجوز أن یکون بین أزید من ذلک، کأن یکون بعض البذر من واحد وبعضه الآخر من آخر، وهکذا بالنسبة إلی العمل والعوامل، لصدق المزارعة وشمول الإطلاقات بل یکفی العمومات العامة

العوامل من رابع}، نعم قد تقدم أنه لیس من المزارعة ما لو کان من أحد الحراسة ومن آخر دفع حصة السلطان وأمثال ذلک، وذلک لأنه لیس من المزارعة عند العقلاء فلا یشمله الدلیل. نعم یصح عقداً خارجیاً یشمله دلیل ﴾أوفوا بالعقود﴿.

{بل یجوز أن یکون بین أزید من ذلک، کأن یکون بعض البذر من واحد وبعضه الآخر من آخر، وهکذا بالنسبة إلی العمل والعوامل} لأن الأدلة السابقة شاملة لکل ذلک {لصدق المزارعة} والإشکال فی الصدق کما فی المستمسک غیر ظاهر الوجه، فإن العرف لا یشکون أنه مزارعة، فإنهم لا یرون فرقاً بین الاثنین والأکثر.

{وشمول الإطلاقات} الواردة فی باب المزارعة، ولو أشکل فی الإطلاقات یکفی المناط والمؤیدات المتقدمة.

{بل یکفی العمومات العامة} مثل:﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾((1))، وما أشبه، فإن إطلاقه شامل لکل عقد کان، ولو کان بعض أفراده فی زمان الرسول (صلی الله علیه وآله)، وکل عقد لم یکن ثم کان، فقول المستمسک فی الإشکال علی العمومات أنها تکفی فی

ص:39


1- سورة المائدة: الآیة 1

فلا وجه لما فی المسالک من تقویة عدم الصحة بدعوی أنها علی خلاف الأصل فتتوقف علی التوقیف من الشارع ولم یثبت عنه ذلک

الصحة، ولا تکفی فی کونها مزارعة، غیر ظاهر الوجه بعد صدق المزارعة عرفاً.

نعم إن لم تصدق المزارعة، کما تقدم فی مثال الحارس، ومعطی حصة السلطان ونحوهما، لم یشمله دلیل المزارعة.

وعلیه {فلا وجه لما فی المسالک من تقویة عدم الصحة} قال: والأجود عدم الصحة {بدعوی أنها} أی المزارعة کلاً، أو هذه المزارعة التی بین أکثر من اثنین {علی خلاف الأصل}، قال: ومن توقف المعاملة سیما التی هی علی خلاف الأصل علی التوقیف من الشارع.

وکیف کان، فإن أراد أصل المزارعة علی خلاف الأصل، فتقریبه: إن الأصل عدم الانعقاد، لأن المعاملة تؤثر أثراً، فإذا لم یعلم هل أثرت أم لا، کان الأصل عدم الأثر، وإن أراد هذه المزارعة الخاصة، فتقریبه: إن أصل المزارعة ثابتة بین الاثنین، أما بین الأکثر فحیث لم یدل علیه الدلیل کان الأصل عدم الأثر فیه.

{فتتوقف علی التوقیف من الشارع ولم یثبت عنه ذلک} وإنما قلنا لا وجه له لشمول الإطلاقات والعمومات بعد صدق المزارعة عرفاً، وبعد کونها عقداً یشمله ﴾أوفوا بالعقود﴿ ونحوه.

وربما قیل: بأن الأصل الصحة مع قطع النظر عن الإطلاق والعموم، وذلک لأن المزارعة کانت منذ زمان الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) ولم یعلم

ص:40

ودعوی أن العقد لا بد أن یکون بین طرفین موجب وقابل، فلا یجوز ترکبه من ثلاثة أو أزید علی وجه تکون أرکاناً له، مدفوعة بالمنع، فإنه أول الدعوی

اشتراطها بأن لا یکون بین أزید من اثنین، فالأصل عدم تقیدها بذلک، وفیه: إنه إذا ثبت علی کیفیة خاصة کان الأصل مع عدم الأثر، نعم إنک قد عرفت أن الدلیل دل علی عدم خصوصیة لهذه الکیفیة من الإطلاق والعموم.

{ودعوی أن العقد لابد وأن یکون بین طرفین موجب وقابل} وذلک لأنه العقد المتعارف عند العرف والشارع، فدلیل ﴾أوفوا بالعقود﴿ ونحوه ناظر إلی مثل هذا العقد فقط، {فلا یجوز ترکبه من ثلاثة أو أزید علی وجه تکون أرکاناً له} وإن جاز أن تکون غیر أرکان، بأن کان أکثر من واحد فی طرف، کما إذا کان البائع نفرین لنفر، أو نفر لنفرین فیما لم یثبت بطلان ذلک، کما فی النکاح، حیث لا یصح نکاح طرفه رجل لامرأتین علی سبیل وحدة النکاح، أو طرفه امرأة لرجلین مطلقاً، وکما فی الإیقاع أیضاً، کما فی مثل الطلاق، فلا یصح أن یطلق رجلان امرأةً مطلقاً، أو رجل امرأتین بوحدة الطلاق، وإن صح نکاح رجل لامرأتین نکاحین ولو بصیغة واحدة، أو طلاقه لهما کذلک.

{مدفوعة بالمنع} لقولکم: لا یجوز، {فإنه أول الدعوی} فإن العرف یرون عدم البأس بذلک، فالإطلاق والعموم یشمله، وکذلک فی الإجارة، حیث

ص:41

یمکن أن یکون أطرافها ثلاثة، فمن أحد القماش ومن آخر الخیط ومن ثالث الخیاطة، ولیست إجارتین بل إجارة واحدة، کما أن المزارعة ذات أطراف ثلاثة لیست مزارعتین، بل مزارعة واحدة.

والحاصل: إمکان التعدد کالمشارکة، إذ التقوم بالإیجاب والقبول لا یلزم وحدة کل منهما، لا بمعنی الانحلال إلی عقدین، بل عقد واحد طرف من طرفیه أو کلا طرفیه متقوم بأکثر من واحد، والفرق أنه إذا کان عقدان لم یکن بطلان أحدهما مستلزماً بطلان الآخر، بخلاف ما إذا کان عقد واحد، فإنه إذا انکشف أن مالک البذر مثلاً لم یکن مؤهلاً للعقد بطل، حاله حال ما إذا انکشف عدم مؤهلیة أحد طرفی العقد.

نعم إذا انحل العقد فی الحقیقة إلی عقدین لم تکن مزارعة، وصحا من باب ﴾أوفوا بالعقود﴿، وظهور عدم أهلیة أحدهما لا یوجب البطلان بالنسبة إلی ما طرفاه أهل.

وکیف کان، فقد ظهر مما تقدم أن میل الجواهر إلی المنع من جهة خبر أبی ربیع الشامی وغیره مما تضمن المنع عن التسمیة للبذر ثلثاً وللبقر ثلثاً، حیث قال (علیه السلام): «ولکن یقول لصاحب الأرض: ازرع فی أرضک ولک منها کذا نصفاً أو ثلثاً وما کان من شرط ولا یسمی بذراً ولا بقراً، فإنما یحرم الکلام»، غیر ظاهر الوجه، لأن مورد الروایة جعل الحصة فی قبال أشیاء مع وجود طرفین للعقد، لا وجود أطراف له مع جعل حصة لکل طرف، وکأنه (رحمه الله) أراد استفادة ذلک بالمناط، حیث إن الإمام (علیه السلام) منع من جعل

ص:42

الحصة أکثر من اثنین، وفی العقد ذی الأطراف الثلاثة یکون لکل حصة، فتکون الحصة أکثر من اثنین.

لکن لا یخفی عدم استفادة مثل هذا المناط، ولعل الإمام (علیه السلام) إنما منع عن تعدد الحصص لأنه غالباً یوجب الغبن، حیث إن اللازم ملاحظة العمل بمجموعه فی قبال الأرض بمجموعها، لا ملاحظة کل جزئی.

وکیف کان، فإذا جعل لها ثلاثة أطراف أو أکثر، ثم فسخ أحدهم عقده بخیار له، أو انفسخ لعدم تمکنه، أو ظهر بطلان عقده لعدم أهلیته، انفسخت کل المضاربة لما تقدم، لا أن المزارعة باقیة، وإنما للأطراف الباقین حق الفسخ من جهة شیء یشبه تبعض الصفقة.

نعم لو کانت مزارعتان موجبهما أو قابلهما متعدد، لا یؤثر بطلان أو فسخ إحداهما فی الآخر حق الخیار، إلاّ إذا کانتا مرتبطتین إحداهما بالأخری بشرط أو نحوه، حیث بطلان أو فسخ إحداهما یوجب الخیار.

ص:43

مسألة ١٣ یجوز للعامل مشارکة غیره

(مسألة 13): یجوز للعامل أن یشارک غیره فی مزارعته، أو یزارعه فی حصته، من غیر فرق بین أن یکون البذر منه أو من المالک

(مسألة 13): {یجوز للعامل أن یشارک غیره فی مزارعته} بأن یأخذ عاملاً یساعده فی الزرع علی نحو الشرکة، کما یصح أن یأخذ عاملاً علی نحو الإجارة أو الجعالة أو ما أشبه.

{أو یزارعه فی حصته} بأن تکون مزارعة ثانیة بین العامل وإنسان آخر، وذلک لإطلاق الأدلة وهو المشهور بینهم، بل فی الجواهر بلا خلاف أجده فی شیء من ذلک، بل عن ظاهر الغنیة الإجماع علیه.

أقول: وذلک لأن قصد العقلاء غالباً أن تزرع أرضهم لیکون لهم حصة فیها، ولا یهمهم بعد ذلک کون الزارع هذا أو ذاک، وإن أرادوا الخصوصیة اشترطوا، فعدم الشرط دلیل العدم، ولذا کان الأصل مع عدم الشرط، ولما کان عقد المزارعة مطلقاً جاز أخذ العامل والزارع.

ثم إن لم یشترط المالک حین المزارعة الخصوصیة لیس له بعد ذلک أن یقول: لا تعط الأرض لزارع آخر أو للمزارع الفلانی، وإنما لم یکن له مع أن الأرض أرضه، لأنه بإطلاق العقد أخرج الأرض عن سیطرته، فهو مثل أن یکون المؤجر أطلق الإجارة، ثم یقول للمستأجر: لا أرضی أن یأتی زید إلی داری.

{من غیر فرق بین أن یکون البذر منه أو من المالک} لإطلاق عقد المزارعة فی استخدام الزارع غیره عاملاً أو مزارعاً المقتضی لعدم الفرق، واحتمال

ص:44

ولا یشترط فیه إذنه

الفرق لما ذکره المسالک مما جعل حاصله المستمسک: أنه إذا کان البذر من المالک فلیس للعامل شیء یصح نقله إلی غیره علی نحو الشرکة أو المزارعة علیه، وإن البذر لمالکه، فلا یجوز لأحد التصرف فیه بغیر إذنه، وإذن العامل لیس أذناً من المالک فلا یجوز لغیر الزارع التصرف فیه، غیر تام.

إذ یرد علی أولهما: إن الزارع حق له فی الحاصل بمجرد العقد، فله أن ینقل کل هذا الحق أو بعضه إلی شریک أو مزارع أو ما أشبه، ولذا إذا مات الزارع انتقلت حصته إلی وارثه، فهذا الحق القابل للانتقال لا یفوت به الانتقال القهری بالموت، أو الاختیاری بفعل نفس الزارع، کما یحق له أن ینقله بمعاملة أخری کأن یبیعه لزید إذا قلنا بصحة بین الحق، کما لم نستبعده فی المکاسب.

وعلی ثانیهما: إن البذر خرج عن سلطة المالک ولم یقید بتصرف الزارع بنفسه لإطلاق العقد، ولذا لو مات الزارع انتقل إلی وارثه، کما تقدم.

ولو صح هذا الإشکال منع عن الانتقال إلی الوارث أیضاً، لأنه لیس طرف المالک، بل المقام أولی من الانتقال إلی الوارث، إذ المقام یکون إعطاء البذر إلی المزارع الجدید وفق إرادة المزارع السابق، بینما الإعطاء إلی الوارث لم یکن وفق إرادة المیت.

{ولا یشترط فیه إذنه} لأنه قد أذن إذناً عقدیاً بحیث لا یمکنه الرجوع، إذ الإذن العقدی لازم بلزوم العقد، وعلیه فلا ینفع منعه أیضاً، إذ لا حق له فی المنع بعد إطلاق العقد اللازم لإطلاق الإذن.

ومنه یعلم أنه لو مات المالک وورثه غیره لا یحق له المنع، کما لا یشترط

ص:45

نعم لا یجوز تسلیم الأرض إلی ذلک الغیر إلاّ بإذنه وإلاّ کان ضامناً

الأمر بإذنه إذ أذن من له الإذن السابق علی الوارث، فهو کالإجارة المطلقة إذا منع الوارث للمالک عن تصرف المستأجر بما شمله إطلاق الإجارة.

نعم إذا کان للوارث المنع والإجازة، کما فی الوقف الخاص، کان له إجازة أو إبطال أصل المزارعة فکیف بخصوصیاتها، لأن البطن السابق تصرف فی الزائد من حقه.

{نعم لا یجوز له} عند المصنف وجماعة من الساکتین علیه {تسلیم الأرض إلی ذلک الغیر إلاّ بإذنه} لأنها أرضه، فلا یجوز التصرف فیها إلا بإذن المالک، وحیث لم یأذن عند عقد المزارعة فی التسلیم إلی الغیر احتاج التسلیم إلی الإذن.

لکن غیر واحد من المعلقین قالوا بجواز ذلک حتی مع منعه، لا لما ذکره المستمسک من أن مقتضی جواز أخذ الأجیر جواز تسلیم الأرض إلیه، إذ یمکن منع التلازم لإمکان أن یکون الملک لإنسان مع أن شأناً من شؤونه تابع لإجازة الغیر، کما إذا باعه الدار بشرط أن یکون للبائع حق إجارة أو منع إیجارها من شخص خاص مثلاً، بل لما تقدم من إطلاق الإذن العقدی، فلا حق للمالک بعد إطلاق إذنه العقدی فی التدخل فی شؤونه، وکذا الحال فی باب الإجارة والمضاربة والمساقاة، لوحدة الدلیل فی الکل.

{و} کیف کان، فعند المصنف ومن یری رأیه {إلا} یستأذن فی التسلیم {کان ضامناً} بالإضافة إلی کونه حراماً، لأنه تصرف فی ملک الغیر بدون دلیل شرعی أو رضی ذلک الغیر، یوجب الحکمین التکلیفی والوضعی.

ص:46

کما هو کذلک فی الإجارة أیضاً، والظاهر جواز نقل مزارعته إلی الغیر بحیث یکون کأنه هو الطرف للمالک بصلح ونحوه، بعوض ولو من خارج، أو بلا عوض، کما یجوز نقل حصته إلی الغیر سواء کان ذلک قبل ظهور الحاصل أو

{کما هو کذلک فی الإجارة أیضاً} دلیلاً للطرفین، والضمان علی القول بعدم الجواز.

{والظاهر جواز نقل مزارعته إلی الغیر بحیث یکون کأنه هو الطرف للمالک} إذا کان إطلاق المزارعة حتی من هذا الحیث، فیکون حاله کما إذا نقل المالک الأرض بمزارعتها إلی الغیر فصار المالک الثانی طرفاً لمزارعة الزارع، أو کما إذا مات أحدهما حیث یقوم وارثه مقامه، فإنه یوجب نقل المزارعة من المورّث إلی الوارث، سواء کان النقل {بصلح ونحوه} کشرط فی ضمن عقد، {بعوض ولو من خارج أو بلا عوض} کالهبة مما یمکن فسخها، أو لا کالهبة لذی الرحم.

نعم إذا لم یکن إطلاق فی المزارعة یشمل مثل ذلک لم یصح، لأن کون طرف الإنسان فی عقده شخص آخر من غیر إرادته خلاف سلطة المالک علی ماله، وهذا الدلیل وإن یقتضی بطلان المزارعة عند موت أحدهما، إلاّ أن الدلیل هناک دل علی الصحة.

ومنه یعلم أن قول السید البروجردی: (بل الظاهر عدم جوازه) إطلاقه غیر ظاهر الوجه.

وفیما لو أخذ المزارع شریکاً أو مزارعاً یکون طرف المالک هو المزارع الأول لا الثانی.

{کما یجوز نقل حصته إلی الغیر، سواء کان ذلک قبل ظهور الحاصل، أو

ص:47

بعده، کل ذلک لأن عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض نصفاً أو ثلثاً أو نحوهما إلی العامل، فله نقلها إلی الغیر بمقتضی قاعدة السلطنة، ولا فرق فیما ذکرنا بین أن یکون المالک شرط علیه مباشرة العمل بنفسه أو لا

بعده} لأنه ماله وحقه یفعل فیه ما یشاء من دون حق للمالک فیه {کل ذلک} المشارکة والمزارعة مع الغیر وجواز نقل المزارعة والحصة إلی الغیر {لأن عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض} من المالک {نصفاً أو ثلثاً أو نحوهما إلی العامل، و} حیث إنها نقلت إلیه {قد نقلها إلی الغیر بمقتضی قاعدة السلطنة}.

لکن لا یخفی أن هذا الدلیل غیر کاف، إذ هو یثبت حقه فی إعطائه ماله إلی غیره، مثل النصف والثلث، لکن المحتاج إلی الإثبات حقه فی إجازته التصرف فی ملک المالک وحصة المالک مثل الشریک الذی له حق إعطاء التصرف فی مال نفسه _ إذ کان له هذا الحق _ لا فی مال شریکه، ولذا قال المصنف: نصفاً أو ثلثاً، بل استدلال المصنف لا یکفی حتی بالنسبة إلی مال الزارع، إذ الشرکة تمنع عن تصرف کل شریک فی مال نفسة إلاّ بإجازة الشریک، والمزارعة تقتضی نوعاً من الشرکة.

{ولا فرق فی ما ذکرنا بین أن یکون المالک شرط علیه مباشرة العمل بنفسه أو لا} أما بالنسبة إلی نقل حصته إلی الغیر فلا فرق.

وأما بالنسبة إلی المشارکة والمزارعة فمراده ما ذکره من جواز الکل، لکن لا یجوز التسلیم إلاّ بالإذن، وقد أشار بعدم الفرق المذکور ...

ص:48

إذ لا منافاة بین صحة المذکورات وبین مباشرته للعمل، إذ لا یلزم فی صحة المزارعة مباشرة العمل فیصح أن یشارک

إلی فتوی الشرائع والقواعد والمسالک، حیث فصلوا بین صورة اشتراط المباشرة علی الزارع فلا یجوز له نقل حصته أو مزارعة غیره، وبین صورة عدم اشتراط المباشرة علیه فیجوز ذلک.

ولا یخفی أن إشکالهم فی نقل الحصة غیر ظاهر الوجه.

وإنما لا فرق {إذ لا منافاة بین صحة المذکورات وبین مباشرته للعمل} بنفسه، أو تحصیل إجازة المالک لتسلیمها إلی المشارک والمزارع، وقد أخذ هذا الجواب من الجواهر، ویرد علیه ما ذکره المستمسک من أنه لا یرد بذلک کلام الفاضلین والشهید الثانی، حیث إن مورد کلامهم فی جواز التشریک للغیر أو مزارعته: صورة التشریک فی العمل أیضاً، لا مجرد نقل الحق فقط.

وقد تحصل مما ذکرناه أن نقل حصته لا بأس به، والمشارکة والمزارعة فی نفسها لا بأس بها، ثم بعد ذلک إما أن ینوب بنفسه عن الطرف الجدید فی العمل فیعمل هو، وإما أن یسلمها إلیه بإجازة المالک، فإن لم یجز المالک بطل العقد، لعدم تمکنه من العمل بمقتضاه، من غیر فرق فی ما ذکرناه بین کون عقد المزارعة الأول ضیقاً من أوله فی عمل نفس الزارع، أو شرط المالک علیه المباشرة بنفسه.

أما إذا کان مطلقاً ولو ارتکازاً، فلا مانع من العقد الثانی، ولا حاجة إلی الاستجازة فی تسلیم الأرض إلی العامل الجدید.

{إذ لا یلزم فی المزارعة مباشرة العمل} من الزارع {فیصح أن یشارک

ص:49

أو یزارع غیره ویکون هو المباشر دون ذلک الغیر.

أو یزارع غیره ویکون هو المباشر دون ذلک الغیر} أو یعطی المالک إجازة لشخص آخر، ویوکله المزارع الثانی.

وهل یصح أن یوکل المزارع الثانی نفس مالک الأرض، الظاهر أنه لا بأس به، لأن الحق لما انتقل من المالک إلی المزارع کان له أن یستأجر أو یشارک أو یزارع أی إنسان.

نعم لا یصح أن ینقل الزارع المزارعة إلی المالک، لأن معنی ذلک أن یکون المالک بنفسه مزارعاً، وذلک ما لا یصح.

ص:50

مسألة ١٤ لو تبین بطلان عقد المزارعة

(مسألة 14): إذا تبین بطلان العقد، فإما أن یکون قبل الشروع فی العمل أو بعده، وقبل الزرع بمعنی نثر الحب فی الأرض أو بعده، وقبل حصول الحاصل أو بعده، فإن کان قبل الشروع فلا بحث ولا إشکال

(مسألة 14): {إذا تبین بطلان العقد} تعبیره بالتبین یراد به الأعم من علمهما البطلان من الأول، لیشمل ما سیأتی من بعض الفروع.

{فإما أن یکون قبل الشروع فی العمل أو بعده، وقبل الزرع} والمراد بقبل الزرع {بمعنی نثر الحب فی الأرض أو بعده} بأن نثر.

{فإن کان قبل الشروع} بأن عقد وقبل أی عمل ظهر بطلان العقد، {فلا بحث ولا إشکال} فی أن أی منهما لا یطلب من الآخر شیئاً، لأن المالک لم یسلم أرضه، والعامل لم یشرع فی العمل، لکن ینبغی أن یقال: إنه إذا کان أحدهما غر الآخر بما فوت منافعه، کان مقتضی قاعدة الغرور الرجوع علیه بما تضرر بسببه، مثلاً وقت اتخاذ العمال هذا الأسبوع، وبعده لا یتخذ العمال، وکان المالک یعلم بطلان المزارعة مما یسبب بقاء العامل فارغاً طول السنة، أو کان العامل یعلم ذلک حیث تبقی أرض المالک بائرة طول السنة، ومع ذلک فقد أقدم علی العقد، فإن النبوی المشهور فی کتب الفتاوی: «المغرور یرجع إلی من غره» والعلة فی روایات النکاح فی باب التدلیس من قوله (علیه السلام): «کما غر الرجل وخدعه»((1)) یشملان المقام عرفاً.

ص:51


1- الوسائل: ج14 ص602 الباب7 من أبواب العیوب والتدلیس ح1

وإن کان بعده وقبل الزرع بمعنی الإتیان بالمقدمات من حفر النهر وکری الأرض وشراء الآلات ونحو ذلک فکذلک، نعم لو حصل وصف فی الأرض یقابل بالعوض من جهة کریها أو حفر النهر لها أو إزالة الموانع عنها کان للعامل قیمة ذلک الوصف

أما فی صورة جهل الخادع، فلعله منصرف عمن غره وعمن خدعه، ومع ذلک المسألة بحاجة إلی مزید من التأمل والتتبع.

{وإن کان بعده وقبل الزرع بمعنی الإتیان بالمقدمات من حفر النهر وکری الأرض وشراء الآلات ونحو ذلک} کإبرام العقد مع العمال وشراء البذر {فکذلک} لا بحث ولا إشکال، إذا کان المراد بالمزارعة فی وقت العقد صرف الزرع لا ما یشمل مقدماته، وإلاّ کانت هذه الأمور بمنزلة الزرع، ویأتی هنا الکلام المتقدم فی مورد الغرور إذا تضرر بهذه المقدمات، فإن المشتری بقیمة لا یباع إلاّ بأقل من تلک القیمة، هذا بالإضافة إلی أنه لو کان العمل بأمر المالک ولو بعنوان المطالبة لحقه بظنه صحة العقد کان للعامل علی المالک الأجرة، لأن المالک قد استوفی عمله فعلیه إعطاؤه أجره.

{نعم لو حصل وصف فی الأرض} من عمل العامل {یقابل بالعوض من جهة کریها أو حفر النهر لها أو إزالة الموانع عنها کان للعامل قیمة ذلک الوصف} لأنه من سعیه وللإنسان سعیه.

قال سبحانه:﴿وَأنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إلاّ مَا سَعَی﴾((1))، ولأنه حقه، وقد قال (علیه السلام)

ص:52


1- سورة النجم: الآیة 39

وإن لم یکن کذلک وکان العمل لغواً فلا شیء له، کما أن الآلات لمن أعطی ثمنها، وإن کان بعد الزرع کان الزرع لصاحب البذر

«لا یتوی حق امرئ مسلم»((1)).

نعم، ینبغی أن یستثنی من ذلک ما لو کان البطلان من جهة جعل تمام الحاصل للمالک أو للزارع، حیث فی الأول أهدر الزارع ماله، وفی الثانی أهدر المالک ماله، فلا شیء لأحدهما علی الآخر إذا کان الهدر مطلقاً لا مقیداً بالمزارعة، وإلاّ کان لکل منهما ما قدمه من الخدمة للآخر، حیث إن الآخر هو الذی أمره بذلک.

{وإن لم یکن کذلک} بأن لم یحصل وصف یقابل بالعوض {وکان العمل لغواً فلا شیء له} إلاّ إذا کان بأمر المالک، حیث قد تقدم أن علیه إعطاء بدله.

ومما تقدم یعلم حال ما إذا حصل نقص فی الأرض بسبب العمل، حیث لا شیء علی الزارع، لأنه حصل النقص بسبب المالک وأمره، فقد أهدر حقه بأمره الزارع بالعمل.

{کما أن الآلات} والبذور المشتراة ونحوهما {لمن أعطی ثمنها} مع أن للزارع أخذ التفاوت إذا کان تفاوت من المالک الآمر له بذلک کما تقدم، لأن أمره سبب ضرره.

{وإن کان بعد الزرع کان الزرع} لکلیهما بالنسبة العادلة، کما تقدم غیر مرة من أنه ناتج الأرض والعمل مع ملاحظة أن قدر البذر لمن له البذر، فالقول بأنه {لصاحب البذر} کما فی الریاض والجواهر، وتبعهما المصنف و

ص:53


1- المستدرک: ج3 ص215 الباب46 من أبواب نوادر الشهادات ح5

فإن کان للمالک کان الزرع له، وعلیه للعامل أجرة عمله وعوامله، وإن کان للعامل کان له وعلیه أجرة الأرض للمالک، وإن کان منهما کان لهما علی النسبة نصفاً أو ثلثاً

المعلقون الساکتون علیه غیر ظاهر الوجه.

وقول المستمسک لأنه نماء ملکه فیتبعه فی إضافة المالک، محل نظر، إذ لیس نماء البذر فقط لا عرفاً ولا شرعاً، لأن الشارع لم یقل ذلک، وتشبیهه بالفرخ حیث إنه لصاحب البیضة غیر تام، إذ الفرخ نفس البیضة، ولیس الزرع نفس الحبة، فقوله: {فإن کان للمالک کان الزرع له وعلیه للزارع أجرة عمله وعوامله} محل منع، هذا بالإضافة إلی أن إطلاق الأجرة غیر تام، فإنه إذا هتک عمله ولم تکن زیادة لم یکن له حق فی الأجرة فی صورة عدم الزیادة إلا إذا کان الهتک مقیداً بصورة العقد، وکذا إذا کانت الزیادة بقدر نصیب الزارع منها أقل من الأجرة حسب قرار العقد، بأن لم یحصل علی قدر الأجرة إذا کان العقد صحیحاً.

{وإن کان للعامل کان} الزرع {له} حسب رأیهم، وقد عرفت ما فیه، بل اللازم التقسیم بالنسبة کما عرفت.

{وعلیه أجرة الأرض للمالک} قالوا لاستیفاء منفعتها بالزرع، فیضمنها ضرورة، کما فی المستمسک.

وکیف کان، فإن قلنا بمقالتهم کان اللازم القول بأن الأجرة علی الزارع بالنسبة إلی ما مضی، وأما بالنسبة إلی ما بقی فموقوف علی رضا المالک.

{وإن کان منهما کان لهما علی النسبة} لبذریهما {نصفاً أو ثلثاً} أو ما أشبه، لکن علی ما ذکرناه لیس قدر البذر وحده موجباً للتقسیم، بل یلاحظ مع ذلک

ص:54

ولکل منهما علی الآخر أجرة مثل ما یخصه من تلک النسبة وإن کان من ثالث فالزرع له وعلیه للمالک أجرة الأرض وللعامل أجرة عمله

قدر مدخلیة الأرض أیضاً، ویمکن معرفة ذلک بالأربعة المتناسبة، فیقال: إذا کان کل البذر للمالک مع الأرض، وکل العمل من العامل، کان للعامل الثلث مثلاً، فإذا کان کل الأرض ونصف البذر للمالک، فکم للعامل من الحاصل، وکذلک فی عکسه، فیقال: إذا کان کل البذر وکل العمل من العامل کان للمالک ثلث الحاصل مثلاً، فإذا کان نصف البذر وکل العمل من العامل فکم للمالک من الحاصل، وأصل کل حق یجب أن یعرف من العرف، وعلیهما یقاس صور التفاوت.

{ولکل منهما علی الآخر أجرة مثل ما یخصه من تلک النسبة} لأن العامل عمل بما رجع نفعه إلی المالک، فعلی المالک إعطاء أجرة عمله، ولأن الأرض للمالک، وقد استفاد منها العامل بما رجع حاصلها إلی العامل، فعلی العامل إعطاء أجرة أرضه التی استفاد منها علی مبناهم، أما علی مبنانا فالتقسیم بالحصص

{وإن کان} البذر {من ثالث فالزرع} لهم جمیعاً، لأنه حاصل الأرض والعمل والبذر، فاللازم أن یقسم بینهم، {له} بقدر بذره وللمالک بقدر أرضه وللعامل بقدر عمله.

{وعلیه للمالک أجرة الأرض} بقدر ما استفاد من أرضه، سواء کانت الأرض تحت ید المالک، أو ید العامل، أو تحت ید صاحب الأرض، لأن ذلک لا یفرق فی قدر الضمان.

{وللعامل أجرة عمله وعوامله} بقدر ما استفاد من عمله، لأن العمل ملک

ص:55

وعوامله، ولا یجب علی المالک إبقاء الزرع إلی بلوغ الحاصل إن کان التبین قبله

للعامل فیوجب حقاً له علی من استفاد منه.

أقول: قوله (وعلیه..) إلخ، إنما هو علی مبناهم من أن الحاصل کله لمالک البذر، أما ما استظهرناه فالحاصل یقسم بینهم بدون أن یکون لأحد علی أحد أجر إلاّ فی بعض الصور.

{ولا یجب علی المالک} بعد تبین بطلان المزارعة {إبقاء الزرع إلی بلوغ الحاصل} سواء کان البذر للعامل أو الثالث.

قال فی المستمسک: لأن الزرع بعد أن لم یکن بأذن المالک وإنما کان جریاً علی العقد الفاسد یکون بحکم غرس الغاصب الذی لیس لعرقه حق لأن المقبوض بالعقد الفاسد بمنزلة المغصوب.

{إن کان التبین قبله} قبل الحاصل وإلاّ فالزارع بنفسه یقلع الحاصل، هذا ولکن ربما یقال: إن الجمع بین الحقین إبقاء الزرع مع أخذ المالک الحصة بقدر حقه من الحاصل کما ذکرنا، أو الأجرة بقدر حق الزرع علی ما ذکروا، کما ذکروا فی أکل المخمصة، وذلک لقاعدة «لا ضرر»((1)) و«لا یتوی»((2)) ونحوهما.

ویؤیده ما رواه الدعائم، عن الصادق (علیه السلام) فی باب نوادر المزارعة من المستدرک: «ولا یقلع الزرع»((3)) فراجع.

ص:56


1- الکافی: ج5 ص292 ح8
2- المستدرک: ج3 ص215 من أبواب نوادر الشهادات ح5
3- المستدرک: ج2 ص504 من أبواب نوادر المزارعة ح1

بل له أن یأمر بقلعه، وله أن یبقی بالأجرة إذا رضی صاحبه، وإلاّ فلیس له إلزامه بدفع الأجرة، هذا کله مع الجهل بالبطلان، وأما مع العلم فلیس للعالم منهما الرجوع علی الآخر بعوض أرضه أو عمله

{بل له أن یأمر بقلعه وله أن یبقی بالأجرة إذا رضی صاحبه، وإلاّ فلیس له إلزامه بدفع الأجرة} لقاعدة تسلط الناس علی أموالهم کما تقدم، ولو نقص الأرض بالقلع فهل علی الزارع لأنه السبب، أو لا، لأن المالک أمره بالقلع، احتمالان:

الأول: لکونه کالغاصب، حیث إن یده لیست أمانیة، وقد أتلف مال الغیر فهو ضامن.

والثانی: لأصالة عدم الضمان، بعد عدم کونه عامداً فی الزرع فی ملک الغیر، بل کان محسناً، لأنه وفی بما ظنه عقداً، و﴾مَا عَلَی الْمُحْسِنینَ مِنْ سَبیلٍ﴾((1)).

وحیث عرفت أن مقتضی القاعدة عدم القلع وتقسیم الحاصل لم یکن مجال لمثل هذا الفرع، فتأمل.

{هذا کله مع الجهل} منهما {بالبطلان، وأما مع العلم} مثلاً علما بأن المزارعة باطلة {فلیس للعالم منهما} بالبطلان {الرجوع علی الآخر بعوض أرضه أو عمله}، مثلاً زارعَ زارعٌ کبیر صاحبَ أرض ولما یبلغ صاحب الأرض البلوغ الشرعی، وکان البذر للطفل، فلما عرف الولی طرده، فإنه لیس له أن یأخذ من صاحب

ص:57


1- سورة التوبة: الآیة 91

لأنه هو الهاتک لحرمة ماله أو عمله، فکأنه متبرع به، وإن کان الآخر أیضاً عالماً بالبطلان

الأرض أجرة عمله، وکذا العکس فیما کان الزارع طفلاً، فإنه لیس لمالک الأرض أن یأخذ أجرة أرضه.

{لأنه} العالم منهما بالبطلان {هو الهاتک لحرمة ماله أو عمله}، وما فی المستمسک من الإشکال فی عدم العوض بأنه لما کان العمل بقصد الجری علی مقتضی المعاملة والمعاوضة لا یکون تبرعاً، ولا هو هاتک لحرمة عمله أو ماله.

یرد علیه أولاً: إن القصد مع کون الواقع هتکاً لا ینفع، فهو مثل أن یحمل إنسان تراب دار غیره بقصد أن یأخذ منه أجراً، وصاحب الدار یصرح بأن لا یفعل، فهل قصده ینفع فی استحقاقه الأجرة، والسر أن الأعمال غیر القصدیة لا یؤثر فیها القصد.

وثانیاً: کیف یمکن قصد الجری فی المثال الذی ذکرناه من کون الطرف طفلاً، فإن حاله حال ما إذا کان سفیهاً محجوراً علیه، أو کان الطرف غاصباً، فهل یمکن للزارع أو المالک الذی هو فی طرف غیر صحیح المعاملة أن یکون قاصداً حقیقة للجری علی المعاملة، وهل یقول المستمسک بذلک فی الذی عقد المزارعة مع الغاصب، وکیف کان فإطلاق کلا الطرفین محل نظر.

{فکأنه متبرع به، وإن کان الآخر أیضاً عالماً بالبطلان} إذ علم الآخر وجهله

ص:58

ولو کان العامل بعد ما تسلم الأرض ترکها فی یده بلا زرع، فکذلک یضمن أجرتها للمالک مع بطلان المعاملة، لفوات منفعتها تحت یده، إلاّ فی صورة علم المالک بالبطلان لما مر.

لا یؤثر بالنسبة إلی حکم العالم بالبطلان، هذا کله علی مبناهم، وقد عرفت أن الحاصل علی ما رجحناه یکون بینهما.

ومما تقدم یعلم وجه النظر فی کلام السیدین البروجردی وابن العم، حیث قال الأول: (العلم بالبطلان شرعاً غیر مستلزم لذلک)، وقال الثانی: (بل له الرجوع).

{ولو کان العالم بعد ما تسلم الأرض ترکها فی یده بلا زرع، فکذلک یضمن أجرتها للمالک مع بطلان المعاملة لفوات منفعتها تحت یده} سواء کان عالماً بالبطلان أو جاهلاً، إذ یشمله دلیل «لا یتوی»((1))، و«علی الید»((2))، و«قیمة بغل یوم خالف»((3)) بالمناط، لکن ینبغی أن یستثنی من ذلک فیما کان العامل غیر صحیح المعاملة، لعدم بلوغ أو سفه أو أشبه، حیث لا ضمان علیهم، ولو جهل المالک.

{إلا فی صورة علم المالک بالبطلان لما مر} من أنه هتک حرمة ماله، فیکون کمن ألقی متاعه فی الشارع، حیث لا یضمن المارة علیه، إلی غیر ذلک من صور الهتک.

ص:59


1- المستدرک: ج3 ص215 الباب46 من أبواب نوادر الشهادات ح5
2- المستدرک: ج2 ص504 الباب1 من أبواب الودیعة ح12
3- المستدرک: ج2 ص504 الباب1 من أبواب الودیعة ح12

مسألة ١٥ مقتضی وضع المزارعة

(مسألة 15): الظاهر من مقتضی وضع المزارعة ملکیة العامل لمنفعة الأرض بمقدار الحصة المقررة له، وملکیة المالک للعمل علی العامل بمقدار حصته، واشتراک البذر بینهما علی النسبة، سواء کان منهما أو من أحدهما أو من ثالث

(مسألة 15): {الظاهر} مما یستفاد من العرف الذین هم الأصل فی هذا العمل الذی أمضاه الشارع، أی {من مقتضی وضع المزارعة} عند العقلاء: عدم {ملکیة العامل لمنفعة الأرض بمقدار الحصة المقررة له} کما یراه المصنف، بل استحقاق کل منهما علی الآخر بذل ما جعله علیه، بأن یبذل المالک الأرض والعامل العمل، أما البذر والعوامل، فهما کما قررا علی ما تقدم، وقد تقدم إمکان جعل بذل الأرض والعمل علی کلیهما، فلا تملیک فی البین وإنما تعهد والتزام، وهذا هو الذی استظهره غالب المعلقین الذین ظفرت بکلماتهم.

قال السید البروجردی: (مقتضی المزارعة استحقاق کل منهما علی الآخر بذل ما جعل علیه من حوائج الزراعة، وإن لم یکن مالکاً لعینه ولا منفعته).

نعم سکت علی المتن السیدان ابن العم والجمال.

{و} علیه فلا وجه ل_ {ملکیة المالک للعمل علی العامل بمقدار حصته} أما قوله: {واشتراک البذر بینهما علی النسبة، سواء کان منهما أو من أحدهما أومن ثالث} فکأن وجهه أن الاشتراک فی الحاصل یقتضی ذلک، حیث إن الأصل عدم حصول الاشتراک فجأة بعد الحاصل، لأنه یقتضی انقلاب الملک بدون دلیل،

ص:60

فإذا خرج الزرع صار مشترکاً بینهما علی النسبة، لا أن یکون لصاحب البذر إلی حین ظهور الحاصل فیصیر الحاصل مشترکاً من ذلک الحین، کما ربما یستفاد من بعض الکلمات

بینما أن الانقلاب بسبب العقد لا مانع منه من جهة أن العقد سبب الانقلاب، لکن فیه ما ذکره المستمسک: (إنه غریب لا مأخذ له، ومجرد الاشتراک فی الحاصل لا یقتضی الاشتراک فی مقدماته) انتهی.

أما الوجه المذکور ففیه: إن بعض الحاصل إنما یصبح ملکاً لمن لم یکن له بذر للالتزام، فالانقلاب قبل الحاصل خلاف الأصل، أما علی ما استظهرناه فالحاصل نتیجة العمل والأرض والبذر فهو بینهما علی الأصل، فإن جعلوه کما یقتضیه العرف من النسبة طابق الالتزام العرف، وإلاّ کان الالتزام صارفاً لبعض حصة أحدهما إلی الآخر.

وکیف کان، {فإذا خرج الزرع صار مشترکاً بینهما علی النسبة} لأن الزرع هو الحاصل وهو لهما، إما بالأصل أو بالالتزام، وهذا هو الذی صرح به المسالک فلا یکون الاشتراک قبله ولا متأخراً عنه.

وعلیه فقول المصنف: {لا أن یکون لصاحب البذر إلی حین ظهور الحاصل فیصیر الحاصل مشترکاً من ذلک الحین} ممنوع.

أما قول ابن العم: (الظاهر أنه تابع للتعارف، وأنه یختلف بحسب الأزمنة والأمکنة)، فیرد علیه أن الکلام فی مقتضی القاعدة حتی یکون ما عداه استثناءً، وعدم أصل فی المقام إطلاقاً خلاف العرف کما عرفت، وکیف کان فما ذکرناه هو مقتضی الأصل.

{کما ربما یستفاد من بعض الکلمات} حیث عرّفوا المزارعة بأنها المعاملة

ص:61

أو کونه لصاحب البذر إلی حین بلوغ الحاصل وإدراکه، فیصیر مشترکاً فی ذلک الوقت، کما یستفاد من بعض آخر، نعم الظاهر جواز إیقاع العقد علی أحد هذین الوجهین مع التصریح والاشتراط به من حین العقد

علی الأرض بحصة من حاصلها، فإن الحاصل فی کلماتهم ظاهر فی وقت الظهور فما بعد، ولذا ذکروا اشتراکهما لو قطع قصیلاً، وربما احتمل شمول الحاصل لما قبل الظهور أیضاً، ولا بعد فی ذلک علی ما رجحناه، حیث إن الفراخ ولو کان فی باطن الأرض حاصل من العمل والأرض والبذر، فلا وجه لاختصاص مالک البذر به، اللهم إلاّ إذا التزما بأن الاشتراک بعد الخروج من الأرض فیکون استثناءً.

{أو کونه لصاحب البذر} وإن خرج وظهر {إلی حین بلوغ الحاصل وإدراکه، فیصیر مشترکاً فی ذلک الوقت} وقت البلوغ {کما یستفاد من بعض آخر} من الکلمات، وکأنه لأصالة عدم الانتقال إلا وقت العلم بالانتقال قطعاً، وفیها ما عرفت.

{نعم الظاهر جواز إیقاع العقد علی أحد هذین الوجهین} بل کل وجه ممکن، کاشتراک البذر واشتراک النماء، داخل الأرض أو خارجها، أو بعد مدة قبل البلوغ أو بعد البلوغ، فما طابق الأصل یکون تأکیداً، وما خالف یکون حسب مصب العقد أو القید أو الشرط.

{مع التصریح والاشتراط} بالشرط المخالف {من حین العقد} أو جعله شرطاً فی ضمن عقد لازم آخر.

ص:62

ویترتب علی هذه الوجوه ثمرات، منها: کون التبن أیضاً مشترکاً بینهما علی النسبة علی الأول دون الأخیرین فإنه لصاحب البذر، ومنها: فی مسألة الزکاة، ومنها: فی مسألة الانفساخ أو الفسخ فی الأثناء قبل ظهور الحاصل، ومنها: فی مسألة مشارکة الزارع مع غیره ومزارعته معه

ومنه یعلم أن قول المستمسک: (لکن الشرط المذکور إذا کان منافیاً للمزارعة لا یکون العقد مزارعة، وإن کان صحیحاً) غیر ظاهر الوجه.

{ویترتب علی هذه الوجوه ثمرات، منها: کون التبن أیضاً مشترکاً بینهما علی النسبة} بالحصص {علی الأول} لأن الاشتراک فی البذر یقتضی الاشتراک فی کل حاصلاته.

{دون الأخیرین} حیث إنه لیس من الحاصل حتی یکون مشترکاً بینهما، إذا لم یکن البذر مشترکاً، لکن الظاهر عند العرف أن التبن من الحاصل ومشترک بینهما حتی علی الأخیرین، وکذا کل فوائد الزرع التی تعارف الاستفادة منها.

فقوله: {فإنه لصاحب البذر} محل نظر، وإن سکت علی المتن غالب المعلقین.

{ومنها: فی مسألة الزکاة} کما یأتی فی المسألة الحادیة والعشرین.

{ومنها: فی مسألة الانفساخ أو الفسخ فی الأثناء قبل ظهور الحاصل} فإن ما فی الأرض من البذر یکون لهما علی الأول دون الأخیرین، وسیأتی الکلام فی ذلک فی المسألة السابعة عشرة.

{ومنها: فی مسألة مشارکة الزارع مع غیره ومزارعته معه} کما تقدم الکلام

ص:63

ومنها فی مسألة ترک الزرع إلی أن انقضت المدة إلی غیر ذلک.

فیه فی المسألة الثالثة عشرة، فإن البذر علی الأول للزارع مطلقاً، فتصح مشارکته ومزارعته مع غیره، بخلافه علی الأخیرین، فإن الزارع لا یملک البذر ولا شیء آخر _ إذا کان البذر من المالک _ قبل ظهور الحاصل فلا یقدر علی المزارعة والمشارکة مع غیره.

والحاصل: إنه علی الأول یتمکن منهما قبل الظهور، بخلافه علی الأخیرین، حیث إن الحاصل لم یظهر حتی یکون له شیء بسببه یتمکن من المشارکة والمزارعة.

هذا، ولکن هذه الثمرة غیر تامة، إذ حیث إن المزارعة لیست علی البذر والحاصل، بل علی طرفین هما الأرض والعمل، والزارع طرف یتمکن أن یشارک غیره فیما هو طرف فیه، أو یفوض ما هو طرف فیه إلی غیره، وعلیه فمزارعته ومشارکته جائزة مطلقاً.

{ومنها: فی مسألة ترک الزرع إلی أن انقضت المدة} فإنه علی الأول یشترک الزارع مع المالک فی البذر، فیما کان البذر من المالک، وعلی الأخیرین یختص المالک بالبذر، لأنه لم یظهر حاصل ولم یبلغ حتی یکون لهما.

{إلی غیر ذلک} مثل أن الزارع له أن یهب أو یبیع حصته من البذر لغیره علی الأول، بخلاف الأخیرین، ومثل أن الزارع إذا مات ورثه الورثة فی البذر علی الأول دون الأخیرین، ومثل أنه إذا جاء السیل وذهب بالبذر ذهب من کیسهما علی الأول دون الأخیرین، وهکذا.

ص:64

مسألة ١٦ لو حصل ما یوجب الانفساخ فی الأثناء

(مسألة 16): إذا حصل ما یوجب الانفساخ فی الأثناء قبل ظهور الثمر أو بلوغه، کما إذا انقطع الماء عنه ولم یمکن تحصیله أو استولی علیه ولم یمکن قطعه أو حصل مانع آخر عام، فالظاهر لحوق حکم تبین البطلان من الأول علی ما مر، لأنه یکشف عن عدم قابلیتها للزرع فالصحة کانت ظاهریة

(مسألة 16): {إذا حصل ما یوجب الانفساخ فی الأثناء قبل ظهور الثمر أو بلوغه، کما إذا} لم یتمکن الزارع من الزرع بنفسه مع کون العقد منصباً إلی زرعه بنفسه، أو أخذ ذلک قیداً، لا شرطاً، أو {انقطع الماء عنه ولم یمکن تحصیله، أو استولی علیه ولم یمکن قطعه} والمراد بالإمکان العرفی، وإلاّ فلو أمکن بقیمة باهضة لا یقدم علیها العقلاء، لعدم فائدة للمزارعة حینئذ، لا یکون ذلک إمکاناً.

{أو مانع آخر عام} من الله سبحانه، أو خاص کما مثلنا {فالظاهر} عند المصنف وجملة من المعلقین {لحوق حکم تبین البطلان من الأول علی ما مر} فی أول الکتاب من أنه إذا لم تکن الأرض قابلة للزرع لا تنعقد المزارعة فی مثلها {لأنه یکشف عن عدم قابلیتها للزرع} من الأول، فإذا تبین فقد القید تبین فقد المقید.

{فالصحة کانت ظاهریة}، وفی المسألة قولان آخران:

الأول: ما ذکره من قوله: ویحتمل بعیداً، وذلک مختار ابن العم وغیره، قال: بل لا یخلو من قوة.

والثانی: التفصیل بین حصول حاصل فالانفساخ من حینه، وبین عدم

ص:65

فیکون الزرع الموجود لصاحب البذر، ویحتمل بعیداً کون الانفساخ من حینه، فیلحقه حکم الفسخ فی الأثناء علی ما یأتی، فیکون مشترکاً بینهما علی النسبة.

حصوله فیظهر عدم الصحة من الأول، والظاهر أنه إذا کان حاصل کان من حین الانفساخ لأنه لهما علی ما ذکرناه من کونه حاصل العمل والأرض، ولا وجه لکونه کاشفاً من البطلان من الأصل، وإذا لم یکن حاصل فالظاهر أن الأمر کذلک، إنه من حین الانفساخ لا من الأصل، إذ بناء العقلاء فی المعاملات عدم الکشف فی مثل ذلک مما کان فقد الشرط أو ظهور المانع اتفاقیاً.

وکیف کان {فیکون الزرع الموجود} لهما علی کل حال، لأنه ثمرة الأرض والعمل کما تقدم، لا {لصاحب البذر} کما هو مختارهم.

ومما تقدم یعلم وجه قوله: {ویحتمل بعیداً کون الانفساخ من حینه، فیلحقه حکم الفسخ فی الأثناء علی ما یأتی} لا کما ذکره المستمسک بقوله: (مبنی هذا الاحتمال أن یکون اعتقاد القابلیة للزرع شرطاً لصحة المزارعة، لا وجود القابلیة واقعاً).

إذ فیه: إن العقلاء یقدمون وإن اعتقدوا بما یقع، ولذا لا یقال: ببطلان عقد النکاح إذا علم الزوج مثلاً أن المرأة تموت بعد العقد بالقتل مثلاً، إذ لیست فائدة العقد الحاصل المباشرة فقط.

وإن کانت المسألة بعدُ بحاجة إلی التأمل.

{فیکون مشترکاً بینهما علی النسبة} وقد تقدم وجهه.

ص:66

مسألة ١٧ لو حصل الفسخ فی الأثناء

(مسألة 17): إذا کان العقد واجداً لجمیع الشرائط، وحصل الفسخ فی الأثناء إما بالتقایل أو بخیار الشرط لأحدهما، أو بخیار الاشتراط بسبب تخلف ما شرط علی أحدهما، فعلی ما ذکرنا من مقتضی وضع المزارعة من الوجوه المتقدمة فالزرع الموجود مشترک بینهما علی النسبة ولیس

(مسألة 17): {إذا کان العقد واجداً لجمیع الشرائط، وحصل الفسخ فی الأثناء إما بالتقایل} حیث إنه مبطل عقلاً وشرعاً فی کل العقود، إلاّ ما جعل الشارع له حلاً خاصاً کالنکاح، حیث إن أسباب الفرقة خاصة.

{أو بخیار الشرط لأحدهما} أو لکلیهما، ولم یذکره لأنه لا حاجة إلی خیار شرط الثانی، کما أن خیار الشرط الثالث حاله حال خیار أحدهما کما هو واضح.

{أو بخیار الاشتراط بسبب تخلف ما شرط علی أحدهما} حیث إن تخلف الشرط یعطی للشارط خیار الفسخ، وکذا إذا أخذ بالخیار لأجل الغبن أو العیب أو ما أشبه.

{فعلی ما ذکرنا} فی المسألة الخامسة عشرة {من مقتضی وضع المزارعة} من ملکیة العامل لمنفعة الأرض بمقدار الحصة المقررة له، وملکیة المالک للعمل علی العامل بمقدار حصته {من الوجوه المتقدمة} فی تلک المسألة، {فالزرع الموجود مشترک بینهما علی النسبة} المقررة فی العقد، {ولیس

ص:67

لصاحب الأرض علی العامل أجرة أرضه، ولا للعامل أجرة عمله بالنسبة إلی ما مضی، لأن المفروض صحة المعاملة وبقاؤها إلی حین الفسخ

لصاحب الأرض علی العامل أجرة أرضه، ولا للعامل} علی المالک {أجرة عمله بالنسبة إلی ما مضی} وإنما کان کذلک {لأن المفروض صحة المعاملة وبقاؤها إلی حین الفسخ}.

أقول: قد سبق فی المسألة التاسعة عنه (رحمه الله) ما یخالف لما فی هنا، ومقتضی القاعدة فی المقام أن الفسخ حسب خیار الشرط قد یکون من الأصل، فیجعل المعاملة کأن لم تکن، وقد یکون من الحال، کما أنه قد یکون من المستقبل، فإذا عقدا یوم الجمعة بشرط أن یکون للزارع مثلاً حق الفسخ فی یوم الثلاثاء، فقد یقول: یکون له حق الفسخ من یوم الثلاثاء للماضی، فیتعلق الفسخ بیوم الجمعة، وقد یقول: له حق الفسخ یوم الثلاثاء من نفس الیوم، فیتعلق الفسخ بنفس یوم الثلاثاء، وقد یقول: له حق الفسخ یوم الثلاثاء للمستقبل، فیتعلق الفسخ بیوم الأربعاء مثلاً، فإن کان الشرط علی الأول صار العقد کأن لم یکن، وإن کان علی الثانی والثالث صح العقد بآثاره إلی یوم الثلاثاء فی الثانی، وإلی یوم الأربعاء فی الثالث، وإن جعل الخیار مطلقاً رجع إلی العرف فی فهمه أی الأمرین، الأول أو الثانی منه، فإن العرف یوجب الارتکاز الموجب لانصباب العقد علیه، والعقود تتبع القصود.

ثم إن أبطل بالأخذ بالخیار من الأول، کان الحاصل بینهما حسب التقدیر

ص:68

وأما بالنسبة إلی الآتی فلهما التراضی علی البقاء إلی البلوغ بلا أجرة أو معها، ولهما التراضی علی القطع قصیلاً، ولیس للزارع الإبقاء إلی البلوغ بدون رضا المالک ولو بدفع أجرة الأرض

العرفی، لأنه نتاج الأرض والعمل، لا حسب المقرر فی العقد، وقد تقدم فی بعض المسائل توضیح ذلک.

{وأما بالنسبة إلی الآتی فلهما التراضی علی البقاء إلی البلوغ بلا أجرة أو معها} لأن الأمر بینهما ولا محذور فی التراضی کذلک.

{ولهما التراضی علی القطع قصیلاً} کما لهما الإبقاء إلی مدة قبل حین البلوغ {ولیس للزارع الإبقاء إلی البلوغ} أو مدة أخری {بدون رضی المالک} لأنه خلاف سلطنة المالک علی أرضه، کما لیس للمالک الإبقاء بدون رضی الزارع.

{ولو بدفع أجرة الأرض} فی الأول، وأجرة الزارع فی الثانی.

هذا، ولکن قد تقدم أنه إذا کان ضرر علی الزارع بقطع زرعه کان دلیل «لا ضرر» معارضاً لدلیل السلطنة، فاللازم الجمع بینهما بالإبقاء مع الأجرة، وکذلک العکس إذا کان القلع ضرراً علی المالک وأراد الزارع ذلک، تعارض دلیل لا ضرر المالک ودلیل سلطنة الزارع علی نفسه بعدم العمل، فاللازم الجمع بینهما بالإبقاء مع الأجرة، کما أن الطبیب إذا أجری عملیة جراحیة وفی وسط الإجراء أراد رفع الید، أجبر بالأجرة علی الإتمام، إذا لم یکن طبیب آخر یعمل عمله إذا رفع یده مما سبب عدم الضرر.

ص:69

ولا مطالبة الأرش إذا أمره المالک بالقلع، وللمالک مطالبة القسمة

ولا یخفی أن الکلام علی مختارنا فی أن لکل منهما نسبة من الحاصل، فی ما إذا أراد المالک قلع نسبة الزارع، أو أراد الزارع قلع نسبة نفسه.

ومنه یعلم أن قول المصنف محل نظر، ولذا قال المستمسک: (نعم إذا کان فی قلع الزرع ضرر علی الزارع ولم یکن ضرر علی مالک الأرض فی إبقاء الزرع، کانت قاعدة السلطنة المذکورة محکومة بقاعدة نفی الضرر، وکان له الإبقاء بدفع الأجرة) انتهی.

وعلیه فإذا کان کلاهما یتضرران تساقط الضرران وتقدمت قاعدة السلطنة، سواء فی المالک أو الزارع.

وعلیه فقوله: {ولا مطالبة الأرش إذا أمره المالک بالقلع} غیر ظاهر الوجه، وعلیه تخیر المالک بین إبقائه بأجرة أو قلعه بأرش، وکذلک بالنسبة إلی الزارع فی عکسه، فیما إذا کان القلع ضرراً علی المالک وأراد الزارع قلعه، فإما أن یبقیه ویعطیه الأجرة، أو یقلعه ویعطیه الأرش.

{وللمالک مطالبة القسمة} لقاعدة أن للشریک الحق فی المطالبة، کما ذکرناه فی کتابی القضاء والشرکة، لأنه مقتضی تسلط الناس علی أموالهم((1)).

ص:70


1- البحار: ج2 ص273

وإبقاء حصته فی أرضه إلی حین البلوغ وأمر الزارع بقطع حصته قصیلاً، هذا وأما علی الوجهین الآخرین فالزرع الموجود لصاحب البذر، والظاهر عدم ثبوت شیء علیه من أجرة الأرض أو العمل

{وإبقاء حصته فی أرضه إلی حین البلوغ} أو قبله {وأمر الزارع بقطع حصته قصیلاً} أو بعد مدة قبل البلوغ.

{هذا} کله علی الوجه الأول المتقدم فی المسألة الخامسة عشرة.

{وأما علی الوجهین الآخرین} فی تلک المسألة {فالزرع الموجود لصاحب البذر} علی قاعدتهم: الزرع للزارع، مما قد عرفت الإشکال فیه.

{والظاهر عدم ثبوت شیء علیه من أجرة الأرض} لأن البذر إذا کان للعامل فمالک الأرض لم یعط أرضه علی وجه الضمان مطلقاً، وإنما کان عطاؤه لأرضه علی وجه الضمان فی صورة وجود الحاصل، لا مع عدم الحاصل، فقد هتک المالک احترام أرضه ببذلها بدون البدل إذا لم یکن حاصل، والآن لا حاصل فمن أین یطلب المالک الأجرة، {أو} أجرة {العمل} فإن البذر إذا کان لصاحب الأرض لم یعمل الزارع فیه بقصد الأجرة مطلقاً وإنما کان قصده تحصیله العوض علی تقدیر وجود الحاصل، لا مع عدمه، فقد هتک العامل احترام عمله، فلا وجه لطلبه من المالک شیئاً.

أقول: ما استظهره (رحمه الله) غیر ظاهر، إذ کما ذکر المستمسک البذل فی المقامین لم یکن بقصد التبرع والمجانیة، وإنما کان برجاء الحاصل وانتظاره، فالمالک إنما بذل أرضه والزارع إنما بذل عمله مجاناً إذا فات الحاصل لأمر

ص:71

لأن المفروض صحة المعاملة إلی هذا الحین، وإن لم یحصل للمالک أو العامل شیء من الحاصل، فهو کما لو بقی الزرع إلی الآخر ولم یحصل حاصل من جهة آفة سماویة أو أرضیة

سماوی ونحوه لا مطلقاً، فکل منهما یرید فائدة أرضه وعمله إذا لم یحصل أمر سماوی، فالقول بأنه هتک احترام أرضه وعمله إلاّ فی صورة حصول الحاصل غیر تام، وأی دلیل من شرع أو عقل علی أنه إذا حصل الفسخ فقد هتک احترام أرضه أو عمله.

واستدلال المصنف لما ذکره بقوله: {لأن المفروض صحة المعاملة إلی هذا الحین، وإن لم یحصل للمالک أو العامل شیء من الحاصل} لا یدل علی مدعاه، إذ صحة المعاملة لا تلازم عدم الأجرة.

{فهو} الفسخ لیس {کما لو بقی الزرع إلی الآخر ولم یحصل حاصل، من جهة آفة سماویة أو أرضیة} لأنه فی صورة الآفة قد هتک المالک أرضه والعامل عمله.

أما فی صورة الفسخ فهی علی الأصل من أن کل واحد منهما استوفی من الآخر ما له أجر واحترام من منفعة الأرض أو العمل.

ثم إن کان المسمی مقیداً بالبقاء إلی الآخر کان لهما علی الآخر أجرة المثل حیث ذهب القید، وإلاّ کان لکل منهما بعض المسمی بالنسبة، من جهة أنه مثل تعدد المطلوب، کما فی الإجارة إذا حصل فسخ.

لا یقال: حق کل منهما الأجرة علی الآخر إنما یتم إذا کان حاصل

ص:72

ویحتمل ثبوت الأجرة علیه إذا کان هو الفاسخ.

فذلکة: قد تبین مما ذکرنا فی طی المسائل المذکورة أن هاهنا صوراً:

الأولی: وقوع العقد صحیحاً جامعاً للشرائط والعمل علی

فیما لو بقی العقد ولم یفسخ، أما إذا ظهر أنه لم یکن حاصل ولو بقی العقد فلا وجه للأجرة، لأنه إذا لم تکن أجرة ولو بقی، لم تکن أجرة بطریق أولی إذا لم یبق.

لأنه یقال: قد تقدم أن المالک والزارع لم یهتکا أرضه وعمله، إلاّ فی صورة خاصة وهی صورة البقاء ولم یحصل حاصل، فمقتضی إطلاق حرمة الأرض والعمل الأجر فی غیر تلک الصورة.

{ویحتمل ثبوت الأجرة علیه إذا کان هو الفاسخ} لأنه ضیع الحاصل علی شریکه، والشریک لم یرفع الید عن اجره إذا کان الطرف مضیع الحاصل، وانما کان رافعاً یده عن اجره إذا کان التضیع بآفة سماویة، فإطلاق احترام عمل الغیر وملکه إذا استوفاه انسان یحکم بلزوم الاجر، لکن قد عرفت عدم الفرق بین فسخ أیهما من جهة بقاء احترام العمل والمالک مطلقاً إلاّ فی صورة عدم الحاصل لافة سماویة أو أرضیة.

{فذلکة} من تتمة البحث:

{قد تبین مما ذکرنا فی ضمن المسائل المذکورة} من جهة ما یتعلق بالصحة أو البطلان، من حین العقد أو فی أثنائه، أما من سائر الجهات فقد تبین أمور کثیرة لیس المصنف بصدد فذلکتها.

{أن ههنا صوراً، الأولی: وقوع العقد صحیحاً جامعاً للشرائط والعمل علی

ص:73

طبقه إلی الآخر، حصل الحاصل أو لم یحصل لآفة سماویة أو أرضیة.

الثانیة: وقوعه صحیحاً مع ترک الزارع للعمل إلی أن انقضت المدة، سواء زرع غیر ما وقع علیه العقد أو لم یزرع أصلا.

الثالثة: ترکه العمل فی الأثناء بعد أن زرع، اختیاراً أو لعذر خاص به.

الرابعة: تبین البطلان من الأول.

طبقه إلی الآخر حصل الحاصل} کلاً أو بعضاً {أو لم یحصل لآفة سماویة أو أرضیة} فإن هذا تبین من بیان صحة المزارعة، وکذلک تبین حکم ما إذا لم یحصل بسبب إنسان، وکان علیه (رحمه الله) أن یذکره.

{الثانیة: وقوعه صحیحاً مع ترک الزارع للعمل إلی أن انقضت المدة} کما تقدم فی المسألة السابعة {سواء زرع غیر ما وقع علیه العقد، أو لم یزرع أصلاً} کما تبین حکم ما إذا ترک الزارع العمل مدة ثم زرع، أو لم یسلم المالک الأرض مدة ثم سلمها.

{الثالثة} لم یسبق منه (رحمه الله) وإن کان حکمها حکم الصورة الثانیة، فهی بمنزلة ترک الزراعة فی الجملة:

{ترکه العمل فی الأثناء بعد أن زرع، اختیاراً أو لعذر خاص به} لا بآفة سماویة أو أرضیة عامة، ومثله ترک المالک تسلیم أرضه بأن استرجعها فی الأثناء.

{الرابعة: تبین البطلان من الأول} وقد تقدم حکمه فی المسألة الرابعة عشرة، بأی وجه کان البطلان.

ص:74

الخامسة: حصول الانفساخ فی الأثناء، لقطع الماء أو نحوه من الأعذار العامة.

السادسة: حصول الفسخ بالتقایل أو بالخیار فی الأثناء، وقد ظهر حکم الجمیع فی طی المسائل المذکورة کما لا یخفی.

{الخامسة: حصول الانفساخ فی الأثناء} کما تقدم فی المسألة السادسة عشرة {لقطع الماء أو نحوه من الأعذار العامة}، کما ظهر حکم ما إذا کان عذر خاص سبب الانفساخ، کما إذا سقط العامل عن العمل لأجل سجن أو جنون أو ما أشبه، فیما کان مصب العقد أن یعمل بنفسه، أو کان ذلک علی نحو القید.

{السادسة: حصول الفسخ بالتقایل أو بالخیار فی الأثناء} کما تقدم فی المسألة السابعة عشرة، کما ذکرنا نحن حکم ما إذا لم یسلم المالک الأرض من الأول، أو استردها فی الأثناء، وحکم ما إذا کان المصب کون المالک مالکاً لأن العامل لا یستعد أن یعمل فی أرض غیره، أو کان ذلک علی نحو القید، ثم مات المالک فی الأثناء فورثه الوارث، حیث یبطل العقد، سواء کان قبل العمل أو بعده.

{وقد ظهر حکم الجمیع فی طی المسائل المذکورة کما لا یخفی} ما عدا الثالثة، حیث لم یتعرض لها المصنف کما تقدم.

ص:75

مسألة ١٨ لو تبین أن الأرض کانت مغصوبة

(مسألة 18): إذ تبین بعد عقد المزارعة أن الأرض کانت مغصوبة، فمالکها مخیر بین الإجازة

(مسألة 18): {إذا تبین بعد عقد المزارعة أن الأرض کانت مغصوبة} فقد لا یکون لها مالک خاص یتمکن من الإجازة، کما إذا کانت وقفاً عاماً لنصب خیام الزوار عند زیارتهم، حیث لا حق للزرع فیها، وهنا یظهر بطلان المزارعة ولا محل للإجازة.

وقد یظهر أن الواقف وقف الأرض لزراعة الحنطة مثلاً، فزارَعَها المتولی لزارعة الشعیر، فإن کان ذلک علی نحو التقیید أو المصب ظهر البطلان، وإن کان علی نحو الشرط فللشارط أن یرفع الید عن شرطه وتبقی المزارعة، وأن لا یرفع الید فیفسخ حسب خیار الشرط، وقد یکون بالإمکان الإجازة والرد.

{فمالکها} المراد به من له ذلک، سواء کان مالکاً أو متولیاً أو من أشبه کالحاکم ووکیله {مخیر بین الإجازة}، وقول السید البروجردی: (الظاهر أن هذا العقد بقیوده غیر صالح للإجازة، خصوصاً بعد المدة وبعد ظهور الزرع أیضاً) غیر ظاهر الوجه، إذ المزارعة إما تملیک لمنفعة الأرض بقدر الحصة، وإما تعهد من صاحب الأرض بتسلیهما للزراعة، وکلا الأمرین قابل للإجازة.

نعم إذا تعهد الغاصب من قبل نفسه تسلیم أرض الغیر فلا مورد للإجازة، ولکن قد حقق فی بحث الفضولی ما یظهر منه أنه التعهد من قبل المالک، لکن الفضولی یضع نفسه موضع المالک، کما فی البیع وغیره، وقوله: (خصوصاً بعد المدة) لا خصوصیة له، إلاّ أن یکون ناظراً إلی أنه قد انتهی الأمر بعد المدة فلا محل للإجازة.

ص:76

فتکون الحصة له، سواء کان بعد المدة أو قبلها، فی الأثناء أو قبل الشروع بالزرع، بشرط أن لا یکون هناک قید أو شرط لم یکن معه محل للإجازة

وفیه: إنه لم ینته بالنسبة إلی الآثار، فمحل الإجازة باق.

وکیف کان {ف_} إن أجاز {تکون الحصة له}، وإن أجاز بعض المالکین ولم یجز البعض الآخر فی المتعدد، صحت بالنسبة إلی المجیز، وکان للزارع حق الفسخ، لخیار تبعض الصفقة، وقد سبق حکم الفسخ.

{سواء کان بعد المدة أو قبلها، فی الأثناء أو قبل الشروع بالزرع} وذلک لإطلاق دلیل الإجازة الشامل لکل هذه الصور {بشرط أن لا یکون هناک قید أو شرط لم یکن معه محل للإجازة} قال فی المستمسک: (لم یتضح الوجه فی هذا الشرط، فإن القیود والشروط المذکورة فی ضمن العقد لا تمنع من إجازته، لأن الإجازة تتعلق به علی ما هو علیه من قید أو شرط) انتهی.

وفیه: إن مثل ذلک مثل أن یجعل مصب العقد أو قیده کون المالک هذا، کما تقدم من بطلان المضاربة إذا مات المالک الحقیقی فی مورد جعل المصب أو القید ذلک، وهو فیما نحن فیه أظهر.

نعم، ذکر المصنف للشرط غیر ظاهر، حیث إن الشرط قابل لرفع الید عنه، فلا مورد فیه لعدم إمکان الإجازة، ویمکن للمتن مثال آخر: وهو أن یجعل فی عقد المزارعة البذر مثلاً علی عهدة الغاصب فإن إجازة صاحب الأرض لا تصحح ذلک.

ص:77

وبین الرد، وحینئذ فإن کان قبل الشروع فی الزرع فلا إشکال، وإن کان بعد التمام فله أجرة المثل لذلک الزرع وهو لصاحب البذر

فإنه لا یمکن أن یقال: تکون المزارعة ذات أطراف ثلاثة حینئذ، إذ لم تنشأ المزارعة ذات أطراف ثلاثة، بل ذات طرفین، فالأرض من المالک والعمل من الزارع، والبذر إن کان من الغاصب لم یصح لعدم إنشاء المزارعة ذات أطراف ثلاثة، وإن تحول إلی المالک لم یکن له وجه، لأنه لم یکن البذر غصباً حتی یتحول بالإجازة.

{وبین الرد وحینئذ} حین رد {فإن کان قبل الشروع فی الزرع فلا إشکال} فی صحة الرد، ولا أثر.

{وإن کان بعد التمام} فعلی ما اخترناه یقسم الحاصل بین صاحب البذر وصاحب الأرض والزارع إن کانوا ثلاثة، وإلاّ بین الاثنین حسب النسبة العرفیة، وإن کانت أجرة الأرض أکثر کان لصاحب الأرض التفاوت بین قدر الحاصل وقدر الأجرة، لأنه قد توی حقه واستوفی منافع أرضه، فاللازم علی المستوفی تدارکها، کما سبق.

فقول المصنف: {فله أجرة المثل لذلک الزرع وهو لصاحب البذر} محل إشکال کما تقدم وجهه.

ثم إن الغاصب قد یستولی علی الأرض ویسلمها إلی الزارع، وحینئذ یکون لمالک الأرض أن یرجع إلی أیهما شاء، لتعاقب الأیدی علی أرضه، وقد لا یستولی الغاصب بل یجری العقد فقط، وإنما یستولی الزارع بزعم أنها للغاصب، وحینئذ یکون الزارع هو المرجع للمالک، لأنه لم تجر ید الغاصب علی الأرض، فإن

ص:78

وکذا إذا کان فی الأثناء، ویکون بالنسبة إلی بقیة المدة الأمر بیده، فإما یأمر بالإزالة وإما یرضی بأخذ الأجرة بشرط رضا صاحب البذر، ثم المغرور من المزارع والزارع یرجع فیما خسر علی غاره

أخذ منه أکثر مما استفاد رجع إلی الغاصب من باب الغرور، وإذا کان عالماً بالغصب لم یکن له حق الرجوع، لأنه لیس بمغرور.

{وکذا إذا کان فی الأثناء} لعدم الفرق بین بعد التمام والأثناء فی سوق الأدلة السابقة.

{ویکون بالنسبة إلی بقیة المدة الأمر بیده} بمعنی أنه {فإما یأمر بالإزالة} للزرع {وأما یرضی بأخذ الأجرة} لکن رضاه بأخذ الأجرة {بشرط رضی صاحب البذر} کما تقدم مثله، لکن قد سبق أنه لا حق له للإزالة إذا کان ضرراً، ویکون الجمع بین الحقین بالإبقاء وأخذ الأجرة.

{ثم المغرور من المزارع والزارع یرجع فیما خسر علی غاره} للنبوی المشهور فی کتب الفتاوی المعمول به عندهم، وکفی به حجة: «المغرور یرجع إلی من غر»، وللعلة فی روایات تدلیس الزوجة المعللة برجوع الزوج إلی المدلس، بقوله (علیه السلام): «کما غر الرجل وخدعه» کما تقدم.

ثم إن کون الزارع مغروراً، فکما إذا اشتری الأرض من غاصب بزعم أنها له، فزارعها غیره، فإن من هو بیده الأرض مغرور من طرف الغاصب الأول.

ص:79

ومع عدم الغرور فلا رجوع، وإذا تبین کون البذر مغصوباً فالزرع لصاحبه ولیس علیه أجرة الأرض ولا أجرة العمل

{ومع عدم الغرور فلا رجوع} للأصل.

{وإذا تبین کون البذر مغصوباً} وهذه ثانی صور هذه المسألة، لأن أرکان المزارعة المالک والعامل والبذر وسائر الشؤون، وقد ذکر المصنف (رحمه الله) کل الصور إذا لم تکن علی القاعدة الأولیة.

{فالزرع} بین الثلاثة، لأنه ناتج الأرض والعمل والبذر کما تقدم، لا أنه {لصاحبه} کما ذکروا، بتقریب أنه تابع للبذر، فهو لمن کان له البذر، وقد عرفت أنه خلاف الحقیقة والعرف، والشرع لم یغیر، لعدم وجود دلیل خاص فی المسألة، ومنه یعلم صحة ما ذکره:

{ولیس علیه أجرة الأرض ولا أجرة العمل}، لکنه علی مبنانا من التقسیم لا علی مبناهم، إذ یرد علیهم أنه من قبیل زیادة العین الموجبة للاشتراک القهری فلماذا یتوی حق صاحب الأرض أو العامل.

وإن قیل: حقهما علی الغاصب.

قلنا: لا شک فی أن لهما الحق علیه، لکن الکلام فی قرار الضمان، حیث إن الفائدة عائدة لصاحب البذر، بناءً علی عدم التقسیم بین الثلاثة.

أما وجه عدم الأجرة علیه بناءً علی مبناهم، لأن البذر قد یأتی به مالک الأرض فعلیه للزراع أجرة عمله، وقد یأتی به الزارع فعلیه لمالک الأرض أجرة أرضه، وقد یأتی به ثالث _ فیما کان البذر فی المزارعة علی ثالث _ فعلیه لمالک الأرض أجرة أرضه وللزارع أجرة عمله، لأن کل واحد من الثلاثة استوفی منفعة الأرض وعمل الزارع والمستوفی علیه الأجرة.

ص:80

نعم إذا کان التبین فی الأثناء کان لمالک الأرض الأمر بالإزالة، هذا إذا لم یکن محل للإجازة، کما إذا وقعت المعاملة علی البذر الکلی، لا المشخص فی الخارج أو نحو ذلک، أو کان ولم یجز

{نعم إذا کان التبین فی الأثناء کان لمالک الأرض الأمر بالإزالة} فیما إذا أتی بالبذر الزارع، أو ثالث، أما إذا أتی به نفس مالک الأرض عن علم أو جهل، فإنما یتمکن من الإزالة مع إعطاء البدل، مثلاً أو قیمةً.

و{هذا} الذی ذکرناه بقولنا: (وإذا تبین کون البذر) إلخ {إذا لم یکن محل للإجازة} أی إجازة مالک البذر المزارعة.

{کما إذا وقعت} المزراعة فی {المعاملة علی البذر الکلی، لا المشخص فی الخارج} فإن إجازة البذر الشخصی لا تجعل الأمر مزارعة قد وقعت علی الکلی، والکلی لا ینطبق علی الشخصی إذ إنما ینطبق علی فرد مملوک لمن کان علیه البذر، والبذر الشخصی لیس دخیلاً فی المزارعة حتی یکون لصاحب البذر سلطان علی المزارعة بالإجازة والرد.

{أو نحو ذلک} کما لو وقعت المعاملة علی البذر الشخصی، لکن لیس لمالکه الإجازة، کما إذا کان البذر ملکاً محجوراً له، کما مثلاً أعطاه إنسان له مقیداً بأن یصرفه فی أکله، أو الاستفادة منه فی أرض نفسه.

{أو کان} محل الإجازة {ولم یجز} حیث یترتب علی البذر المغصوب فی هذین الحالین: هذا إذا لم یکن .. أو کان ولم یجز .. ما تقدم.

ص:81

وإن کان له محل وأجاز یکون هو الطرف للمزارعة، ویأخذ الحصة التی کانت للغاصب، وإذا تبین کون العامل عبداً غیر مأذون فالأمر إلی مولاه، وإذا تبین کون العوامل أو سائر المصارف مغصوبة فالمزارعة صحیحة ولصاحبها أجرة المثل أو قیمة الأعیان التالفة، وفی بعض الصور یحتمل جریان الفضولیة

{وإن کان له محل} للإجازة {وأجاز یکون} صاحب البذر {هو الطرف للمزارعة} فقد سبق إمکان أن یکون طرف المزارعة ثلاثة أو أربعة، أحدهم صاحب البذر.

{و} حینئذ {یأخذ} صاحب البذر {الحصة التی کانت للغاصب} أی جعلت له.

{و} الصورة الثالثة فی المسألة: ما {إذا تبین کون العامل عبداً غیر مأذون، فالأمر إلی مولاه} إن أجاز صحت المزارعة وکانت الحصة للمولی إن قلنا بعدم ملک العبد، وإلاّ کانت لنفس العبد، ومثل العبد ما لو باع إنسان عمله لآخر ثم أعطی نفسه للمزارع عاملاً.

{و} الصورة الرابعة: ما {إذا تبین کون العوامل أو سائر المصارف مغصوبة، فالمزارعة صحیحة و} ذلک لإطلاق الأدلة بعد أن لم تکن العوامل وغیرها من المقومات عرفاً، وإنما المقوم الأرض والبذر، و{لصاحبها أجرة المثل أو قیمة الأعیان التالفة} إذا کانت قیمیة، ومثلها بعد التلف إذا کانت مثلیة.

{وفی بعض الصور} صورة ما إذا وقعت المزارعة علی الأعیان الخارجیة لا علی العوامل ونحوهما الکلیة {یحتمل} بل اللازم القول ب_ {جریان الفضولیة}

ص:82

وإمکان الإجازة کما لا یخفی.

کما تقدم فی البذر، لإطلاق أدلة الفضولی الشامل للمقام.

{وإمکان الإجازة کما لا یخفی} لما تقدم من إمکان کون المزارعة بأطراف أربعة.

ثم إذا کانت مغصوبة وأجاز مالکها، کان صاحبها شریکاً مع من أظهر أن العوامل له عند عقد المزارعة من المالک أو الزارع، فإن جعلت لکل حصة، مثلاً قال مالک الأرض: وعلی العوامل وللأرض الربع من الحاصل وللعوامل الربع، کان لمالکها الربع بعد الإجازة، ولو قال: إنی لا أجیز إلاّ بالثلث مثلاً، وقبل مالک الأرض صح، حیث إنه من قبیل شرط الزیادة، فهو کما إذا قال: إنی أقبل الربع بشرط أن تضیف لی نصف السدس.

فلا یقال: إن له أن یجیز إما بقدر الحصة التی وقع علیها العقد، أی الربع، أو لا یجیز، بحجة أنه إن أجاز بالثلث لم یصح، حیث لم یقع العقد علی الثلث.

نعم لو قال: إنی أجزت المعاملة التی وقعت علی الثلث للعوامل، لم یتم إذ لم تکن مثل هذه المزارعة والإجازة تنفع بالنسبة إلی ما وقع، لا أنها تشرع حکماً جدیداً.

وإن لم یجعل لکل من الأرض والعوامل حصة، بل قرروا للمالک النصف فی قبال أرضه وعوامله، وأجاز مالک العوامل کان له بقدر نسبة حق العوامل من النصف، فقد یکون حقهما ربع النصف، أو نصفه أو أکثر أو أقل.

وقد ظهر من الفرع السابق صحة أن یجیز علی أن یکون له النصف أکثر من حقه

ص:83

النسبی، مثلاً کان له من النصف ربعه، فأجاز بأن یکون له نصف النصف، فإن معنی قبول مالک الأرض ذلک أن الزائد علی حقه یکون بمنزلة الشرط.

ثم إن مما تقدم فی الصور الأربع یظهر صحة الإجازة إذا کانت الأمور المتعلقة بالزراعة مغصوبة، من الأرض والعامل والبذر وسائر ما یحتاج إلیها، لإطلاق أدلة الفضولی، کما هو کذلک فی طرفی البیع.

ص:84

مسألة ١٩ خراج الأرض علی صاحبها

(مسألة 19): خراج الأرض علی صاحبها، وکذا مال الإجارة إذا کانت مستأجرة، وکذا ما یصرف فی إثبات الید عند أخذها من السلطان، وما یؤخذ لترکها فی یده، ولو شرط کونها علی العامل بعضاً أو کلاً صح

(مسألة 19): {خراج الأرض علی صاحبها} نقله مفتاح الکرامة عن جمهرة من الفقهاء، وأضاف جملة منهم (ومؤنتها) ثم نقل الإجماع علی ذلک. کما أن المسالک قال: إنه محل وفاق، وذلک لأن خراج الأرض موضوع علی صاحب الأرض، ولا شأن للعامل فیه.

کما أنه إذا کان شیء من قبل الدولة علی العامل _ کما إذا کان ذمیاً وعلی رأسه جزیة _ کان علی نفس العامل من غیر ربط له بالمالک، وکذالک إذا کان علی البذر، أو البقر العاملة زکاة تعلقت به من قبل، أو خمس، کان ذلک علی من له البذر والبقر، ولا یرتبط بالآخر، سواء کانا لمالک الأرض أو العامل أو لغیرهما.

{وکذا مال الإجازة إذا کانت} الأرض أو العوامل والآلات {مستأجرة} أو مصالح علی منفعتها بشیء.

{وکذا ما یصرف فی إثبات الید عن أخذها من السلطان} من قبیل حق الإثبات فی إدارة الدولة، {وما یؤخذ لترکها فی یده} کل عام، حیث تؤخذ ضرائب مالیة حتی فی الدولة الحقة فیما إذا اضطرت الدولة لأخذها من جهة نفقات الحرب الطارءة أو ما أشبه.

{ولو شرط کونها علی العامل بعضاً أو کلاً صح} لإطلاق أدلة الشرط بعد

ص:85

وإن کانت ربما تزاد وربما تنقص، علی الأقوی

عدم کونه منافیاً للکتاب والسنة، ولا لمقتضی العقد، وقد نقل مفتاح الکرامة ذلک عن جماعة من الفقهاء فی باب المساقاة.

نعم، عن مساقاة المبسوط وجامع الشرائع والتبصرة: أن علی المالک الخراج، ولم یذکروا استثناء الشرط، قال: ولعلهم یتأملون فی اشتراطه علی العامل، إذ قد لا یحصل شیء أصلاً، وقد لا یحصل من ذلک تمام المقدار، وهو ضرر عظیم وغرر کثیر.

أقول: عدم ذکر أولئک لا یدل علی مخالفتهم، والإشکال المذکور غیر وارد، إذ هو کنفس عمل العامل، ولعله لم یحصل ربح کذلک، والحل أن العقلاء یقدمون علی ذلک، وإطلاق الدلیل یشمله، فلا وجه للإشکال، ولذا رده مجمع البرهان بالنص والإجماع وقال: إنه لا شبهة فیه.

ومما تقدم یعلم أنه لو شرط العامل علی المالک إعطاء زکاة أو ما أشبه مما یتعلق بآلاته وعوامله وبذره مثلاً، صح لما تقدم.

{وإن کانت ربما تزاد وربما تنقص} لاحتیاج السلطان، أو حسب زیادة الإنتاج وقلته {علی الأقوی} لما تقدم من الدلیل، خلافاً للمسالک حیث قال: (ولو شرط علیه الخراج فزاد السلطان فیه زیادة فهی علی صاحب الأرض، لأن الشرط لم یتناولها ولم تکن معلومة، فلا یمکن اشتراطها کونها علی مالک الأرض)، وهذا هو المنقول عن النهایة والمهذب والسرائر والنافع والتذکرة والتحریر والروضة والوسیلة فی المؤنة، وجامع المقاصد فی المساقاة وغیرهم، کما فی مفتاح الکرامة.

ص:86

ورده فی المستمسک بأنه لا دلیل علی قدح الجهالة فی المقام، وعموم الصحة ینفی ذلک.

أقول: قد یکون الکلام فی ما إذا زاد السلطان وما إذا نقص أنه علی من ولمن، وقد یکون الکلام فی أنه هل یضر الزیادة أم لا.

أما الأول: فالظاهر عدم الضرر، لأنه لا یعد غرراً عرفاً، والشارع لم یمنع إلاّ الغرر العرفی، وکون الغرر الشرعی أعم من الغرر العرفی فیشمل المقام وإن لم یشمله العرفی کما مال إلیه الشیخ المرتضی (رحمه الله) غیر ظاهر الوجه، کما تقدم فی بعض الکتب السابقة.

وأما الثانی: فالظاهر أنه إذا کانت الزیادة فی الدائرة المحتملة عند العقد مما یتسامح العرف فیه کان علی الزارع حسب الشرط، سواء کانت لأجل احتیاج السلطان، کما إذا کانت ضریبة کل جریب عشرة، فأخذ السلطان عشرة ونصفاً، أو لأجل زیادة الإنتاج، کما إذا کانت ضریبة کل جریب عشرة لأجل أن کل جریب یعطی وسقاً فأعطی کل جریب وسقاً ونصفاً، فأخذ السلطان لکل جریب خمسة عشر، وذلک لأن الأمرین داخل فی الدائرة المحتملة عرفاً، وقد فرض أن العقد صب علیه، والعقود تتبع القصود.

أما إذا کانت الزیادة خارجة عن الدائرة المحتملة عرفاً، فالزائد علی المالک، لأن الشرط لم یشمل مثل هذه الزیادة، فقدر شمول الشرط علی الزارع، والقدر الزائد علیه علی مالک الأرض، وکذلک إذا کانت علی العوامل ضریبة وشرطها الزارع المالک لها علی مالک الأرض.

ص:87

فلا یضر مثل هذه الجهالة للأخبار

أما إذا نقصت الضریبة عن المعتاد، فقد یکون النقص فی الدائرة المحتملة، ولا ینبغی الإشکال فی أن التفاوت فی کیس الزارع المشروط له، فإذا کان کل عام یأخذ السلطان عشرة، فأخذ هذا العام تسعة ونصفاً، کان النصف فی کیس الزارع، لما تقدم فی طرف الزیادة.

وإن کان النقص أکثر، کما إذا أخذ السلطان خمسة مثلاً، متفضلاً بالخمسة الباقیة، فهل ذلک فی کیس الزارع، أو کیس المالک، فیأخذ التفاوت المالک عن الزارع، لأن المالک یعطی الحصة للعامل فی قبال عمل العامل ومائة یعطیها للسلطان، والآن أعطی خمسین، وقد غبن المالک، حیث إن الحصة المعطاة للزارع تسوی أکثر من العمل والخمسین، فللمالک الفسخ بالغبن، أو أخذ التفاوت بدلیل «لا ضرر» و«لا یتوی»، احتمالان، وإن کان بناؤهم أن الغبن لا یوجب الخیار بین الفسخ والأرش، لکنا تأملنا فی ذلک فی موضعه، لأن «لا ضرر» له عقد إیجابی أیضاً، کما یستفاد من عمل الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) بقلع الشجرة.

وکیف کان {فلا یضر مثل هذه الجهالة} لما عرفت، و{للأخبار} مثل صحیح داود بن سرحان، عن أبی عبدالله (علیه السلام)، فی الرجل تکون له الأرض یکون علیها خراج معلوم، وربما زاد وربما نقص، فدفعها إلی رجل یکفیه خراجها ویعطیه مائتا درهم فی السنة، قال (علیه السلام): «لا بأس»((1)).

ص:88


1- الوسائل: ج13 ص212 الباب17 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

ومثله ما رواه من لا یحضره الفقیه، عن یعقوب بن شعیب، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، وصحیح یعقوب بن شعیب المروی فی الکافی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل تکون له الأرض من أرض الخراج فیدفعها إلی رجل علی أن یعمرها ویصلحها ویؤدی خراجها وما کان من فضل فهو بینهما، قال (علیه السلام): «لا بأس»((1)).

وما رواه أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره، عن أبی عبد الله (علیه السلام) إنه سأل عن القریة فی أیدی أهل الذمة لا أدری أهی لهم أم لا، سألوا رجلاً من المسلمین قبضها وأدی خراجها، فما فضل فهو له، قال (علیه السلام): «ذلک جائز»((2)).

وهذه الأخبار تدل علی الموضوع بالمناط، باستثناء الخبر الثالث فإنه بمعونة ما یعلم فی الخارج من زیادة الخراج ونقصانه شامل بإطلاقه للمقام، وعلیه فقول الحدائق تبعاً للکفایة بأن الأخبار الثلاثة الأول ظاهرة فی عدم جهالة الشرط المذکور هنا، سیما الخبرین الأولین، محل تأمل.

أما قول مفتاح الکرامة: إن ما ناقش به صاحب الکفایة والمسالک وتذلق به صاحب الحدائق، ففیه إن المراد من نفی البأس فی الخبرین إنما هو بیان الجواز المطلق الذی لا یلزمه اللزوم الذی هو المطلوب).

فیرد علیه: إن الظاهر من مثال المقام اللزوم، لأن نفی البأس فی قبال

ص:89


1- الوسائل: ج13 ص203 الباب10 من أبواب المزارعة والمساقاة ح2
2- المستدرک: ج2 ص503 الباب15 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

وأما سائر المؤن کشق الأنهار وحفر الآبار وآلات السقی وإصلاح النهر وتنقیته، ونصب الأبواب مع الحاجة إلیها، والدولاب ونحو ذلک، مما یتکرر کل سنة أو لا یتکرر، فلا بد من تعیین کونها علی المالک أو العامل

المحذور، لا فی قبال اللزوم، وقول المستمسک فی ردهما: (إن الخبرین الأولین لیسا فی المزارعة، وإنما هما فی موضوع آخر، والخبر الثالث لا ظهور فیه فی جهالة وتردده بین الأقل والأکثر) محل نظر، لما عرفت من المناط فی الأولین لو لم نقل بأنه نوع مزارعة أیضاً، ومن الإطلاق فی الثالث.

وکیف کان، فقد ظهر بما ذکرناه ضعف قول السید البروجردی: (الأقوی ضرر مثل هذه الجهالة، نعم إذا کان الخراج معیناً وزاد السلطان علیه بعد العقد صح الشرط وکانت الزیادة علی المالک).

{وأما سائر المؤن کشق الأنهار وحفر الآبار وآلات السقی وإصلاح النهر وتنقیته ونصب الأبواب مع الحاجة إلیها} کما فی البستان {والدولاب ونحو ذلک مما یتکرر فی کل سنة أو لا یتکرر} بل إذا عمل یبقی عدة سنوات {فلا بد من تعیین کونها علی المالک أو العامل}.

أقول: ذکر جملة من الکتب أن المؤن والخراج علی المالک، وترک جملة أخری المؤن وإنما اقتصر علی الخراج، وفصل المسالک بین أقسام المؤن، وقال فی الجواهر: (لا إشکال فی کون المرجع مع الإطلاق التعارف فیما هو علی المالک والعامل، وإلاّ أشکل الحال)، وتبعه المصنف.

ص:90

إلا إذا کان هناک عادة ینصرف الإطلاق إلیها

ولذا قال: {إلا إذا کان هناک عادة ینصرف الإطلاق إلیها} والمعلقون الذین ظفرت بتعلیقاتهم سکتوا علی المتن جمیعاً، لکن المصنف سکت عن ما إذا لم یکن تعیین ولا عادة، وهو ما ذکره الجواهر بقوله: یشکل، ورده المستمسک بأن مقتضی الإطلاق کونه علی العامل ما لم تقم قرینة علی خلافه، لأن العمل المملوک علی الأجیر، والزرع المملوک علی الزارع، إذا کان مطلقاً کان مقتضی ملکیته وجوب الإتیان به علی کل حال، فتجب جمیع مقدماته من دون فرق بین مقدمة وأخری.

أقول: إذا لم تکن عادة ولا تعیین فقد جعل العمل علی العامل والأرض علی المالک، ولا دلیل علی أن علی أی منهما ما عدا ما جعل علیه، وکون العمل علیه لیس معناه أن مقدماته علیه، کما أن أرض الزراعة علی المالک لیس معناه أن المقدمات التی تصلح الأرض للزراعة الفعلیة علیه، ولذا فاللازم عقد جدید لأجل تلک المؤن، کما إذا لم یکن عرف ولا تعیین بالنسبة إلی البذر والعوامل، حیث لا یصح أن یقال: إنه علی أیهما.

وعلی هذا، فإذا تعاسرا ولم یستعدا للتصالح، أو عقد جدید أو ما أشبه لتعیین أن المؤن علی من، لم یکن لعقد المزارعة ثمر، فهی إما باطلة لعدم شمول الأدلة له، أو صحیحة لکل منهما خیار الفسخ من باب «لا ضرر» ونحوه، کما ذکر مثله فی خیار الغبن، حیث إن اللزوم ضرر، فدلیل «لا ضرر» یرفع لزومه، ولا مجال لدلیل القرعة لأنها فی الموضوع، لا فی الشبهات الحکمیة، کما لا مجال لقاعدة العدل بالتنصیف بینهما، لذلک أیضاً.

ص:91

وأما ما یأخذه المأمورون من الزارع ظلماً من غیر الخراج فلیس علی المالک، وإن کان أخذهم ذلک من جهة الأرض.

ثم قد تقدم أن المعیار فی انصراف الإطلاق ما إذا کان قصد المتعاقدین هو المنصرف ولو ارتکازاً، لأن العقود تتبع القصود، وإلاّ لم ینفع الانصراف إذا لم یکن قصد، والله العالم.

{وأما ما یأخذه المأمورون من الزارع ظلماً من غیر الخراج فلیس علی المالک} کما أن ما یأخذونه من المالک ظلماً لیس علی الزارع، وذلک لأصالة البراءة فیهما.

{وإن کان أخذهم ذلک من جهة الأرض} فی الأول، ومن جهة الزارع فی الثانی، فإن ظلم إنسان لأجل غیره لا یوجب ضمان ذلک الغیر، فإذا أدمی الظالم جسم الابن من جهة أبیه مثلاً، لم یکلف الأب بالدیة.

نعم، لو وکل المالک الزارع بدفع ما یأخذه الجائر لأجل أرضه، کان علی المالک دفع بدله، فهو کما لو قال: أعط للفقیر درهماً، فإن الآمر ضامن لما دفع الوکیل.

أما ما فی خبر سعید الکندی، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إنی آجرت قوماً أرضاً فزاد السلطان علیهم، قال: «أعطهم فضل ما بینهما»، قلت: أنا لم أظلمهم ولم أزد علیهم، قال: «إنهم إنما زادوا علی أرضک»((1)). فالظاهر أنه فی زیادة الخراج، کما ذکره المستمسک.

ثم إن السید البروجردی

ص:92


1- الوسائل: ج13 ص211 الباب16 من أبواب المزارعة والمساقاة ح10

علق علی قول المصنف: (فلیس علی المالک) بقوله: (إلاّ إذا کان أخذهم ذلک معتاداً عند أخذ الخراج بحیث یکون فی العرف جزءاً من الخراج) انتهی.

وهو کذلک، وینبغی استثناء آخر، هو ما إذا تعارف إعطاء الزارع عن المالک بحیث یقع العقد مبنیاً علیه، ولو ارتکازاً، ومثله یستثنی من عکس المسألة، وهو ما إذا تعارف أخذ الظالم من المالک علی الزارع بحیث یقع العقد مبنیاً علیه.

ثم إذا أخذ المأمور الظالم من نفس الزرع، فإن أخذ بنفسه خرج من المال المشترک، لأن المال مشترک ولا أولویة لکونه من هذا أو ذاک، أما إذا أخذه من ید المالک أو الزارع فهل علی المأخوذ منه، أو علی کلیهما، احتمالان، من أن المال مشترک فهو علیهما، ومن أن المعطی هو المکلف به، کما تقدم وجهه عند قوله: (وأما ما یأخذه) فهو علی المعطی، والثانی أقرب، إذ هو کما إذا دفع الشریک الظالم بإعطائه من المال المشترک.

ص:93

مسألة ٢٠ یجوز لهما الخرص علی الآخر

(مسألة 20): یجوز لکل من المالک والزارع أن یخرص علی الآخر بعد إدراک الحاصل بمقدار منه، بشرط القبول والرضا من الآخر، لجملة من الأخبار هنا

(مسألة 20): {یجوز لکل من المالک والزارع أن یخرص علی الآخر} فیقول: أعطنی مائة وسق والباقی لک مثلاً، {بعد إدراک الحاصل} وإن کان قیل البلوغ، إذ لا دلیل لخصوصیته کونه بعد البلوغ کما سیظهر من روایاته، {بمقدار منه} وسیأتی الکلام فی إذا خرص بمقدار مطلق، أو من غیره.

{بشرط القبول والرضا من الآخر}، قوله: (الرضا) عطف تفسیری، وکأنه أتی به لورود لفظ الرضا فی الروایة، وذلک {لجملة من الأخبار هنا} کمرسل محمد بن عیسی، عن بعض أصحابه، قال: قلت لأبی الحسن (علیه السلام): إن لنا أکرة فنزارعهم فیقولون قد حررنا هذا الزرع بکذا وکذا فأعطوناه ونحن نضمن لکم أن نعطیکم حصة علی هذا الحزر، قال (علیه السلام): «وقد بلغ»، قلت: نعم، قال (علیه السلام): «لا بأس بهذا»، قلت: فإنه یجیء بعد ذلک فیقول لنا: إن الحزر لم یجئ کما حزرت قد نقص، قال (علیه السلام): «فإذا زاد یرد علیکم»، قلت: لا، قال: «فلکم أن تأخذوه بتمام الحزر، کما أنه إذا زاد کان له کذلک إذا نقص»((1)).

وخبر سهل قال: سألت أبا الحسن موسی (علیه السلام) عن الرجل یزرع

ص:94


1- الوسائل: ج13 ص207 الباب14 من أبواب المزارعة ح4

له الحراث بالزعفران ویضمن له علی أن یعطیه فی کل جریب یمسح علیه وزن کذا وکذا درهماً، فربما نقص وغرم، وربما استفضل وزاد، قال (علیه السلام): «لا بأس به إذا تراضیا»((1)).

وعن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر، وأبی عبد الله (علیهما السلام) قال: سألته عن الرجل یمضی فأخرص علیه فی النخل، قال: «نعم»، قلت: أرأیت إن کان فضل ما یخرص علیه الخارص أیجزیه ذلک، قال: «نعم»((2)).

إلی غیرها من الروایات.

أما روایة ابن بکیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یزرع له الزعفران فیضمن له الحراث علی أن یدفع إلیه من کل أربعین زعفراناً رطباً منّاً، ویصالحه علی الیابس، والیابس إذا جفف ینقص بثلاثة أرباعه، ویبقی ربعه وقد جرب، قال: «لا یصلح»، قلت: وإن کان علیه أمین یحفظه لم یستطع حفظه، لأنه یعالج باللیل ولا یطاق حفظه، قال: «یُقبّله الأرض أولاً، إن له فی کل أربعین منّاً مناً»((3)).

فلعل منع الإمام (علیه السلام) إنما کان لأجل جهالة أن الیابس یکون ربع الرطب، ولذا أجازه (علیه السلام) ثانیاً إذا لم یلاحظ الیابس فی الخرص.

ص:95


1- الوسائل: ج13 ص206 الباب14 من أبواب المزارعة ح1
2- الوسائل: ج13 ص206 الباب14 من أبواب المزارعة ح3
3- الوسائل: ج13 ص206 الباب14 من أبواب المزارعة ح2

وفی الثمار فلا یختص ذلک بالمزارعة والمساقاة

{وفی الثمار} کصحیح یعقوب بن شعیب، فی حدیث قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجلین یکون بینهما النخل، فیقول أحدهما لصاحبه: اختر إما أن تأخذ هذا النخل بکذا وکذا کیلاً مسمی، وتعطینی نصف هذا الکیل ما زاد أو نقص، وإما أن آخذه أنا بذلک، قال (علیه السلام): «نعم، لا بأس به»((1)).

وکذا أخبار خرص رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) علی أهل خیبر، مثل صحیح الحلبی قال: أخبرنی أبو عبد الله (علیه السلام): «أن أباه حدثه أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أعطی خیبر بالنصف أرضها ونخلها، فلما أدرکت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة فیقوم علیه قیمة، فقال لهم: إما أن تأخذوه وتعطونی نصف الثمر، وإما أعطیکم نصف الثمر، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض»((2)).

ونحوه صحیح یعقوب وأبی الصباح.

وفی الجعفریات، بسند الأئمة (علیهم السلام)، إلی علی (علیه السلام): «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أعطی یهود خیبر علی الشطر، فکان یبعث إلیهم من یخرص علیهم ویأمرهم أن یبقی لهم ما یأکلون»((3)).

{فلا یختص ذلک بالمزارعة والمساقاة} فإن فی المساقاه أیضاً خرصاً،

ص:96


1- الوسائل: ج13 ص202 الباب9 من أبواب المزارعة ح2
2- المستدرک: ج2 ص503 الباب12 من أبواب المزارعة ح2
3- المستدرک: ج2 ص503 الباب12 من أبواب المزارعة ح1

بل مقتضی الأخبار جوازه فی کل زرع مشترک أو ثمر مشترک، والأقوی لزومه بعد القبول وإن تبین بعد ذلک زیادته أو نقیصته، لبعض تلک الأخبار، مضافاً إلی العمومات العامة

ویفهم ذلک من أخبار المزارعة لاتحاد المناط فیهما.

{بل مقتضی} ما یفهم من {الأخبار} من المناط {جوازه فی کل زرع مشترک} ولو بسبب الإرث {أو ثمر مشترک} ولو بسبب بیع الثمار، فإنه جائز علی ما ذکروا فی مسألة بیع الثمار، والظاهر من النص والفتوی کونه إذا کان غیر محصود، فإذا حصد لم یقع فیه ذلک.

ثم إن المناط فی الثمر یشمل مثل الورق والحطب والورد وما أشبه، فإن المناط شامل لکل ذلک.

{والأقوی لزومه} أی الخرص {بعد القبول} کما عن الوسیلة والمهذب وجامع المقاصد ومجمع البرهان وغیرهم، وذلک لأنه عقد فیشمله ﴾أوفوا بالعقود﴿.

{وإن تبین بعد ذلک زیادته أو نقیصته لبعض تلک الأخبار} کمرسل محمد بن عیسی وغیره.

{مضافاً إلی العمومات العامة} الدالة علی صحة کل عقد إلاّ ما خرج، ولیس المقام مما خرج، لکن اللازم تقیید ذلک بما إذا کانت الزیادة والنقیصة من ما یتعارف فی الخرص.

ص:97

خلافا لجماعة والظاهر أنه معاملة مستقلة

أما إذا کانتا مما لا یتعارف فللمغبون منهما حق الغبن، للأدلة التی ذکروها هناک.

{خلافاً لجماعة} کالإیضاح وشرح الإرشاد، حیث قال: إن الأصح أنه إباحة، وأن الخرص لا یملک ولا یضمن، وفی القواعد لو زاد فأباحه علی إشکال.

واستدل لذلک بأن الأصل عدم اللزوم، وفیه: إن ظاهر الأدلة کما تقدم أنه عقد، والعقد أصله اللزوم إلاّ ما خرج بالدلیل، مثل المضاربة حیث قام الإجماع علی عدم لزومها، وحیث إن أدلة الشرط والاشتراط تقتضی الخیار کان اللازم القول به فی المقام أیضاً.

{والظاهر أنه معاملة مستقلة} لأن بناء العرف علی ذلک، والشارع قرره بفعله وقوله، ولم یسمه بیعاً ولا صلحاً ولا نحوهما من سائر العقود، ولا حاجة فیه إلی صیغة، بل یجری فیه المعاطاة لإطلاق أدلتها، ولو أجریاه باللفظ لم یحتج إلی صیغة خاصة للأصل.

ومنه یعلم أن قول جامع المقاصد کما یحکی عنه من أنه لا بد من إیجاب وقبول بلفظ التقبیل أو الصلح أو ما أدی هذا المعنی، غیر ظاهر الوجه، إلاّ أن یرید من باب المثال، ولذا قال فی المستمسک: (لا دلیل علی لزوم إنشاء المعاملة بعقد زائد علی الخرص وقبوله، والأخبار تاباه وتمنعه).

أقول: بل قد ذکرنا فی بعض مباحث الکتاب صحة التقابل بین الطرفین لا الإیجاب والقبول، فکلاهما یعطیان فی قبال الآخر بدون أن یکون من أحدهما

ص:98

ولیست بیعاً ولا صلحاً معاوضیاً

الإعطاء ومن الآخر الأخذ، بل لو لم یبن النکاح علی الاحتیاط فی الفروج صح ذلک فیه أیضاً حیث إنهما یتقابلان، فلا أولویة لأن یکون أحدهما موجباً والآخر قابلاً.

{ولیست بیعاً} لأن العرف الذی هو الأصل فی ذلک لم یجعله بیعاً، بل یجعله فی قبال ذلک، ولذا قال فی مفتاح الکرامة: (اتفقوا علی أنه لیس بیعاً غیر أنه فی التذکرة تردد فی جواز عقدها بلفظ البیع).

وقال فی الجواهر: (إنه بعید لشدة مخالفته لقواعد البیع)، ورده المستمسک بأن المخالفة لقواعد البیع لا تهم لجواز اختلاف أنواع البیع فی الأحکام.

أقول: قد یقال: إنه لیس ببیع، وذلک لما ذکرناه، وقد یقال: هل یصح جعله بیعاً، والظاهر ذلک، لأن کلاً منهما یبیع ماله فی قبال مال الآخر، ومنع ذلک غیر ظاهر، لعدم المانع فی مثل هذا البیع إلاّ إذا قیل إنه داخل فی المحاقلة والمزابنة.

لا یقال: إنه غرری.

لأنه یقال: کلا، ولذا لیس جعله خرصاً غرریاً عند العرف، وقد تقدم أن الشارع لم یوسع دائرة الغرر.

{ولا صلحاً معاوضیاً} لأن للصلح مفهوماً خاصاً لیس ذلک المفهوم فی الخرص.

خلافاً لما عن الدروس والمهذب البارع من أنه نوع من الصلح، وعلی ما ذکرناه یصح أن یجعل بعنوان الصلح، لکنه لیس بخرص حینئذ.

ص:99

فلا یجری فیها إشکال اتحاد العوض والمعوض، ولا إشکال النهی عن المحاقلة والمزابنة

ثم إنه إذا اختلف المفهوم لا یهم أن تختلف الآثار أم لا، فإن المفاهیم اعتبارات عقلائیة قد تکون متصوراً للعقلاء وإن لم یکن اختلاف فی الآثار، ولذا لا حاجة إلی التماس الفروق فی الآثار بین مفهوم ومفهوم، فإذا لم یوجد الاختلاف قیل إنه هو، ولذا قد لا یمضی الشارع مفهوماً مکان مفهوم، وإن کان الأثر واحداً، مثل أن یجعل مکان النکاح الهبة أو الصلح أو البیع، وإن کان نظر الزوجین نتیجة النکاح فی کل الثلاثة.

وحیث کان الخرص معاملة مستقلة {فلا یجری فیها} فی هذه المعاملة {إشکال اتحاد العوض والمعوض} بأن یقال: کیف یعطی ثمرة هذه الشجرات لیأخذ ثمرة هذه الشجرات، بل قد عرفت صحة البیع أیضاً، ولا یکون من اتحاد العوض والمعوض لما ذکره الجواهر من أن المعوض عنه الحصة المشاعة، والعوض المقدار المخصوص من مجموع الحصتین.

أقول: ویتصور أیضاً بغیر ذلک.

{ولا إشکال النهی عن المحاقلة والمزابنة} فإن الحلی أبطل الخرص بحجة أنه إن کان بیعاً لا یخلو أن یکون قد باعه حصة من الغلة والثمرة بمقدار فی ذمته من الغلة والثمرة، أو باعه الحصة بغلة من هذه الأرض، وعلی کلا الوجهین البیع باطل، لأنه داخل فی المزابنة والمحاقلة وکلاهما باطلان، قال: وإن کان صلحاً

ص:100

ولا إشکال الربا، ولو بناءً علی ما هو الأقوی من عدم اختصاص حرمته بالبیع، وجریانه فی مطلق المعاوضات، مع أن حاصل الزرع والشجر قبل الحصاد والجذاذ لیس من المکیل والموزون

بطل أیضاً لدخوله فی باب الغرر، وهذا هو الذی یقتضیه أصول مذهبنا، فلا یرجع عنه بأخبار الآحاد التی لا توجب علماً ولا عملاً)، انتهی بتصرف.

وفیه: إن المنع عن المحاقلة والمزابنة إنما هو فی البیع، وقد تقدم أن الخرص معاملة مستقلة.

{ولا إشکال الربا} بتوهم أنه بیع المثل بزیادة، لأن الغالب عدم التساوی الکامل، فإنه یزید طرف علی طرف، إما علی أن الربا جار فی البیع، وهذا لیس ببیع فهو واضح.

بل {ولو بناءً علی ما هو الأقوی من عدم اختصاص حرمته بالبیع} کما تقدم تفصیله فی کتاب الإجارة، {وجریانه فی مطلق المعاوضات}، وذلک لأنه لیس برباً عرفاً، وما لیس کذلک یصح، لأن الحکم ورد علی الموضوع، والموضوع عرفی، إلاّ إذا دل الدلیل علی أوسعیة أو أضیقیة الشرع عن العرف، بل ما ورد فی باب تحریم الربا من أنه لفساد الأموال لا یشمل المقام، فإنه لا یقال لمن خرص: إنه فسد ماله.

{مع أن حاصل الزرع والشجر قبل الحصاد والجذاذ لیس من المکیل والموزون} والربا فی البیع خاص بالمکیل والموزون، کما ذکره الجواهر

ص:101

ومع الإغماض عن ذلک کله یکفی فی صحتها الأخبار الخاصة، فهو نوع من المعاملة عقلائیة ثبت بالنصوص ولتسم بالتقبل و

لکن ربما یقال: إنهما أیضاً داخل فیهما بالإطلاق أو المناط، فهل یجوز أن یبیع حمل نخل فیه ما یقارب من مائة کیلو بحمل نخل آخر فیه ما یقارب من مائتی کیلو.

{ومع الإغماض عن ذلک کله} بأن سلمنا وجود إشکال اتحاد العوض والمعوض والمحاقلة والربا {یکفی فی صحتها الأخبار الخاصة} التی تقدمت جملة منها، وقد عرفت حجیتها سنداً وصراحتها أو ظهورها دلالةً، فکونها أخبار آحاد لا توجب علماً ولا عملاً، کما ذکره السرائر، غیر ظاهر الوجه، ولا اقتضاء لأصول المذهب ببطلانه، بل قد عرفت أن القواعد تقتضی صحته.

{فهو نوع من المعاملة عقلائیة ثبت بالنصوص} بل لو لم یکن نص کان إطلاق أدلة العقود کافیاً فی إثباته.

{ولتسم بالتقبل} لما قاله المسالک من أن ظاهر الأصحاب أن الصیغة تکون بلفظ القبالة.

أقول: لا حاجة إلی هذا الاسم بعد أن کان الوارد فی النص والفتوی الخرص، وقد قال الشهید (رحمه الله) بنفسه: لا دلیل علی اختصاصه بلفظ التقبیل، أو اختصاصه به.

{و} إن قلت: کیف تقولون إن الخرص معاملة مستقلة، والحال أن المعاملات أمور محصورة ذکرها الفقهاء فی کتب الفقه.

ص:102

حصر المعاملات فی المعهودات ممنوع، نعم یمکن أن یقال: إنها فی المعنی راجعة إلی الصلح غیر المعاوضی، فکأنهما یتسالمان علی أن یکون حصة أحدهما من المال المشترک کذا مقداراً والبقیة للآخر شبه القسمة أو نوع منها، وعلی ذلک یصح إیقاعها بعنوان الصلح علی

قلت: {حصر المعاملات فی المعهودات ممنوع} کما سبق الکلام فیه، وحتی لو قلنا بالحصر فالخرص أمر معهود عقلاً وشرعاً، فلیکن من تلک المعاملات المعهودة.

{نعم، یمکن أن یقال: إنها فی المعنی} والمآل {راجعة إلی الصلح غیر المعاوضی ف_} لیس من الصلح المعاوضی لأنه {کأنهما یتسالمان علی أن یکون حصة أحدهما من المال المشترک کذا مقداراً والبقیة للآخر} وبما ذکره من أنه کذا فی المعنی یظهر الإشکال فیما ذکره المستمسک من أن الصلح یجب أن یکون إنشاؤه بعنوان الصلح، فإذا کان الإنشاء بعنوان آخر لم یکن صلحاً، إذ المصنف لم یقل إنه صلح، بل قال إنه فی المعنی کذلک، وهو تام {شبه القسمة أو نوع منها} حیث یفرز الشریکان حصة أحدهما عن حصة الآخر، ولیس فی القسمة لزوم التساوی، ولذا قال: أو نوع منها، وفی هذا النوع یکون التصالح لعدم التساوی لیکون بلا صلح.

{وعلی ذلک} الذی یؤول إلی الصلح، وإن لم یکن یحتاج إلی ذلک، إذ کل معاملة یصح إجراؤها بعنوان الصلح، {یصح إیقاعها بعنوان الصلح علی

ص:103

الوجه المذکور مع قطع النظر عن الأخبار أیضاً علی الأقوی من اغتفار هذا المقدار من الجهالة فیه إذا ارتفع الغرر بالخرص المفروض، وعلی هذا لا یکون من التقبیل والتقبل

الوجه المذکور مع قطع النظر عن الأخبار} الخاصة فی المقام، وإنما یصح الصلح فی کل المعاملات والتی منها الخرص لإطلاق أدلته، مثل: ﴾والصلح خیر﴿، وأنه سید الأحکام، وجائز بین المسلمین((1))، والفرق بین المعاملة الکذائیة والصلح أن الأول لم یلحظ فیه التوافق _ وإن کان التوافق لازمها _ بینما الصلح أخذ فی مفهومه التوافق، بالإضافة إلی التعامل {أیضاً علی الأقوی من اغتفار هذا المقدار من الجهالة فیه} أی فی الصلح {إذا ارتفع الغرر بالخرص المفروض} الغرر العرفی لإطلاق النهی عنه الشامل للخرص والصلح وغیرهما، کما تقدم الکلام فی ذلک.

وعلیه فإذا کان غرر لم یصح، أما الجهالة بدون الغرر إن فرضت فلا تضر، لعدم الدلیل علی ضررها إذا لم تکن غرراً.

وقد أجبنا فی بعض مباحث الکتاب عن أنه لماذا تضیق دائرة معاملة وتوسع دائرة أخری مع توافق النتائج بینهما غالباً.

{وعلی هذا لا یکون} الخرص {من التقبیل والتقبل} علی ما ذکره المختلف، حیث جعله نوعاً من التقبیل والصلح، وذلک لأنهما عطاء من طرف وأخذ من طرف، فلا یلائم ما إذا کان الإعطاء من الطرفین علی سبیل التقابل، و

ص:104


1- الوسائل: ج13 ص164 الباب3 من أبواب الصلح ح1و2

ثم إن المعاملة المذکورة لا تحتاج إلی صیغة مخصوصة، بل یکفی کل لفظ دال علی التقبل، بل الأقوی عدم الحاجة إلی الصیغة أصلاً، فیکفی فیها مجرد التراضی، کما هو ظاهر الأخبار

لذا خصوهما فی الفقه بالأرض، فإن أحدهما یعطی الأرض والآخر یأخذها، نعم قد تقدم فی بعض الروایات لفظ التقبیل.

{ثم إن المعاملة المذکورة} الخرص {لا تحتاج إلی صیغة مخصوصة} کما ذکره المسالک وغیره، وذلک لأنه لا دلیل علی ذلک، بل الأصل ینفیها، بالإضافة إلی أن العقلاء الذین هم الأصل فی هذه المعاملة لا یرون خصوصیة لها، والشارع حیث قررها لم یجعل شیئاً زائداً علی الأمر العقلائی.

{بل یکفی کل لفظ دال علی التقبل} بل وکذلک التقبیل، إذ لا فرق فی الدلیل المذکور بینهما، فإذا کان الدلیل فی الأول الأصل وبناء العقلاء، کان الدلیلان جاریین فی الثانی.

ومنه یعلم وجه قوله: {بل الأقوی عدم الحاجة إلی الصیغة أصلاً} فإذا کان لإنسان قطع أراض مزروعة فأعطی أحدها لزید خرصاً بکذا، ثم أشار إلی عمرو وبکر وخالد لإعطائهم بقیة قطعه بنحو إعطائها لزید، فأخذوها بدون لفظ کانت تلک معاملة معاطاتیة.

{فیکفی فیها مجرد التراضی، کما هو ظاهر الأخبار} حیث لم تذکر اللفظ وإنما قررت ما یعتاده العقلاء، فما فی الجواهر من أنه (لا ریب فی اعتبار الصیغة، وخلو نصوصها عنه کخلو أکثر نصوص العقود عن ذلک)، غیر ظاهر الوجه،

ص:105

والظاهر اشتراط کون الخرص

إذ من أین لا ریب، ویأتی مثل ذلک الکلام فی العقود، فما لم یعلم اشتراطها فیها نقول بعدم الاشتراط.

وقول المستمسک: (ظاهر النصوص والفتوی أن الخرص من العقود المحتاجة إلی إنشاء بإیجاب وقبول، والنصوص مشتملة علی الأقوال علی اختلاف فی مضامین تلک الأقوال، وکلها ظاهرة فیما ذکرنا من الإنشاء بالعقد اللفظی) انتهی.

یرد علیه أولاً: إنا لا نسلم أن الخرص من العقود المحتاجة إلی اللفظ، بل تجری فیها المعاطاة کسائر العقود.

وثانیاً: اشتمال النصوص علی الأقوال لأجل بیان الحقیقة، لا الاحتیاج إلی اللفظ، وإلا جری مثل ذلک فی نصوص سائر العقود، فمن أین له بالمعاطاة فیها لو کان المعیار الأقوال الواردة فی النصوص، ولذا الذی ذکرناه ذهب جماعة من المعلقین إلی کفایة ما إذا کان للتراضی مظهر فی الخارج.

وقال السید البروجردی: (لابد فیه من الإنشاء، سواء کان باللفظ أو بغیره، والظاهر أن مراد المصنف ذلک، لأن النزاع فی اللفظ لا فی کفایة مجرد الرضا، لوضوح أن مجرد الرضا لا یوجب صدق العقد).

ثم إنا قد ذکرنا فی بعض مباحث الکتاب کفایة المعاطاة فی اللزوم خلافاً للمشهور الذین ذکروا أنها لا توجب اللزوم.

{والظاهر اشتراط کون الخرص} عند صیرورة ما یخرص من الثمر و

ص:106

بعد بلوغ الحاصل وإدراکه فلا یجوز قبل ذلک

الزرع والورق والورد والحطب بحیث یعرف أهل الخبرة بمقداره التقریبی، کما لم یستبعد ذلک السید الجمال فی الحاصل، وذلک لأنه الأمر العقلائی الذی قرره الشارع.

أما ما ذکره المصنف تبعاً لجماعة، وتبعه جملة من المعلقین من اشتراطه {بعد بلوغ الحاصل وإدراکه فلا یجوز قبل ذلک} وکأنه للأصل، وظاهر جملة من الأخبار، کصحاح الحلبی والکنانی ویعقوب فی إرسال النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، ومرسل محمد بن عیسی وغیرها مما تقدم((1)) من الروایات الناصة علی الإدراک والبلوغ، فیستشکل فیه: إن المستفاد عرفاً من البلوغ والإدراک بلوغها حد الخرص لا البلوغ أی الکمال، ولو سلم الظهور فی الثانی کان اللازم التعدی عنه بالمناط، إذ لم یعلم أن الشارع غیر المناط العرفی بل الظاهر أنه أمضاه، وبذلک لا یبقی مجال للأصل.

نعم، لا ینبغی الإشکال فی عدم صحة ذلک قبل الوقت العرفی، للأصل بعد عدم الدلیل.

ولا مانع بعد ذلک الخرص من ظهور ثمار جدد، کما یعتاد فی بعض الأشجار ونحوها، لأن الأمر عرفی کما تقدم، سواء کان الظهور المتأخر فی بعض ثمار نخل وشجر ظهر ثمرهما، أو فی نخل لم یظهر بعدُ ثمره.

والظاهر صحة الخرص بالنسبة إلی شیئین معاً، کأن یخرص الرمان والتمر وغیرهما معاً لإطلاق الدلیل.

ویشترط فی الخراص أن یکون أهل الخبرة، وذلک لأنه لا

ص:107


1- انظر الوسائل: ج13 ص206 الباب14 من أبواب المزارعة

والقدر المتیقن من الأخبار کون المقدار المخروص علیه من حاصل ذلک الزرع

إطلاق للأدلة بدونه، بل ظاهر لفظ الخرص یشیر إلیه، ولا یشترط أن یکون رجلاً ولا عادلاً ولا بالغاً ولا مسلماً للأصل.

ولو قال الخراص: اشتبهت، قبل منه لأنه مما لا یعرف إلاّ من قبله، فله أن یخرص من جدید، وقد ذکرنا فی بعض مباحث الکتاب دلیل حجیة قول من لا یعرف الشیء إلاّ من قبله.

{والمقدار المتیقن من الأخبار کون المقدار المخروص علیه} الذی یکون من عقد الخرص {من حاصل ذلک الزرع}، وفی الجواهر إنه المشهور، وعن جامع المقاصد نسبته إلی تصریح الأصحاب، واستدل له فی المستمسک بأن (المفهوم من الخرص فی النص والفتوی لیس إلاّ تقدیر الحصة المشاعة المبهمة بقدر معین من دون تبدیل شیء ولا معاوضة بین شیئین) انتهی.

ولکن ربما یقال: إن کونه المتیقن لا یقف أمام الإطلاق، وکون ذلک المفهوم من الخرص أول الکلام، فإن مفهومه التقدیر غیر الدقیق، ومنه ﴾قُتل الخرّاصون﴿.

نعم، الغالب جعل الحصة من نفسه، ویؤید الإطلاق خبر سهل المتقدم، بل مرسل محمد ظاهر فی الإطلاق، لأنه قال: (حصة) إذ العبارة تقتضی (حصة منه) إن أراد خصوص کونها منه، خصوصاً وفی خبر سهل: (إذا تراضیا) الذی یستفاد منه العلیة.

وعلیه فالإطلاق وإن کان أظهر، إلاّ أن الاحتیاط سبیل النجاة.

ص:108

فلا یصح الخرص وجعل المقدار فی الذمة من جنس ذلک الحاصل

وکیف کان {ف_} علی المشهور {لا یصح الخرص وجعل المقدار فی الذمة من جنس ذلک الحاصل} أو علی نحو الکلی فی المعین، أو المشاع فی جنس خارجی، والظاهر أنه لا یشترط وحدة نوع المخروص، لوضوح أن التمر أنواع، وقد أطلق رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فی قصة خیبر، کما یظهر من روایاته، کما أنه کذلک فی سائر الثمار وما أشبه.

نعم، لیس لأحدهما الاستبداد بالجنس الجید وإعطاء الآخر الردیء، مثلاً التمر الزاهدی أحسن من البربن، فلا یحق لأحدهما الاستبداد بالزاهدی، أما بعد الخلط فلا یهم زیادة أحدهما علی الآخر فی حصة أحدهما حسب المتعارف، کما لا یحق لأحدهما الاستبداد بالرطب والآخر بالیابس، مثلاً البربن لا ییبس والرطب الزاهدی ییبس، فاللازم جعل الحصة منهما لهما، إلاّ إذا شرط فی ضمن العقد، فإنه یصح لقاعدة: «المؤمنون عند شروطهم».

وفی الفواکه کذلک، لکن هل یصح الاختلاف فی العطاء، کما إذا کان فی بستان التین والرمان والعنب، فیجعل الخرص من أیها لأیهما، أو اللازم ملاحظة النسبة فی کل قسم منها، الظاهر الثانی إلاّ مع الشرط.

أما المستثنی منه فلأنه المنصرف من الخرص، وأما المستثنی فلقاعدة الشرط.

ومنه یعلم الکلام فی مثل الحنطة والشعیر، ومثل البقول المختلفة وأوراد الأدویة المختلفة، إلی غیرها.

ص:109

نعم، لو أوقع المعاملة بعنوان الصلح علی الوجه الذی ذکرنا، لا مانع من ذلک فیه، لکنه کما عرفت خارج عن هذه المعاملة، ثم إن المشهور بینهم أن قرار هذه المعاملة مشروط بسلامة الحاصل، فلو تلف بآفة سماویة أو أرضیه کان علیهما، ولعله لأن تعیین الحصة فی المقدار المعین لیس من باب الکلی فی المعین،

{نعم، لو أوقع المعاملة بعنوان الصلح علی الوجه الذی ذکرنا} بأن یتسالما علی أن یکون حصة أحدهما من المال المشترک للآخر فی قبال قدر معین له فی ذمة الآخر، أو فی المال الخارجی للآخر علی نحو الکلی فی المعین أو المشاع، {لا مانع من ذلک فیه} لما تقدم من عموم أدلة الصلح.

{لکنه کما عرفت خارج عن هذه المعاملة} وداخل فی أدلة الصلح، فله آثار الصلح لا آثار الخرص، وکذلک إذا جعل ذلک بعنوان البیع حیث تجمع فیه شرائط البیع، وهکذا.

{ثم إن المشهور بینهم أن قرار هذه المعاملة مشروطة بسلامة الحاصل} وقد نسب هذا الحکم إلی المشهور المسالک وغیره.

{فلو تلف بآفة سماویة} کالصاعقة {أو أرضیة} کالزلزلة {کان علیهما} بالنسبة، {ولعله لأن تعیین الحصة فی المقدار المعین} کالنصف والثلث {لیس من باب الکلی فی المعین} حتی یکون التلف علی من بیده الزرع والثمر، مثل اشتراء صاع عن صبرة، کما ورد فی أطنان القصب.

ص:110

بل هی باقیة علی إشاعتها، غایة الأمر تعیینها فی مقدار معین، مع احتمال أن یکون ذلک من الشرط الضمنی بینهما،

{بل هی باقیة علی إشاعتها} إذ لا وجه لخروج الحصة عن الإشاعة بعد أن کان مقتضی العقد لیس أکثر من تقدیر الحصة.

{غایة الأمر تعیینها فی مقدار معین} کما ذکرنا، وربما یقال: لیس ذلک بناءً علی بقاء الإشاعة، إذ لو بقی علی الإشاعة احتاج فی تصرفاته إلی إذن المتقبل له، وحیث لا یحتاج کما هو المنصرف من النص وظاهر الفتوی، کان لابد لکون التلف منهما علی التماس دلیل آخر، وهو أن التقبل لما کان مبنیاً علی سلامة الحاصل، فکأنه لم یلتزم المتقبل بما التزم به من الحصة إلاّ بالنسبة إلی الحاصل السالم إلی وقت التسلیم، وعلیه فیکون التلف محسوباً علیهما.

وبذا یستشکل علی ما ذکره السید البروجردی: من أن کون استقرارها مشروطاً بسلامة الحاصل إنما هو للإجماع واستقرار العمل مع عموم البلوی بها.

کما یستشکل علی المستمسک، حیث قال: والقواعد تقتضی کون التلف علی غیر مالک الکلی ولا یشارکه مالک الکلی.

إذ لا یظهر إجماع فی المسألة، کما أن ذلک مقتضی القواعد قد عرفت ما فیه.

{مع احتمال أن یکون ذلک من الشرط الضمنی بینهما} فهو علی نحو الکلی فی المعین، إلاّ أن الشرط کون التلف علیهما.

أقول: الظاهر صحة جعله عند العقد علی نحو الإشاعة، وعلی الکلی بشرط، وبلا شرط.

ص:111

والظاهر أن المراد من الآفة الأرضیة ما کان من غیر الإنسان، ولا یبعد لحوق إتلاف متلف من الإنسان أیضاً به، وهل یجوز خرص ثالث حصة أحدهما أو کلیهما فی مقدار، وجهان أقواهما العدم.

{والظاهر أن المراد من الآفة الأرضیة} فی کلامهم {ما کان من غیر الإنسان} فإن المنصرف من الآفة ذلک، ولو أتلفه حیوان لا یضمن صاحبه، أو طفل أو مجنون وقیل بعدم ضمانهما کان کذلک، لأنه لا ضامن.

{ولا یبعد لحوق إتلاف متلف من الإنسان} الذی یضمن، والحیوان الذی یضمنه الإنسان {أیضاً به} لأن الإشاعة أو غیرها المقتضیة للاشتراک، لا فرق فیها بین تلف أرضی أو سماوی، إنسانی أو غیره، فإن قدر المتلف ذهب من کیسهما، وضمنه أیضاً من أتلف لهما.

{وهل یجوز خرص ثالث حصة أحدهما أو کلیهما فی مقدار، وجهان} الصحة للمناط، ولأنه أمر عقلائی فیشمله دلیل﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، لا بأنه عقد غیر خرص، بل لأنه خرص دل علیه الدلیل الخاص تارة، والدلیل العام﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ تارة، لکن {أقواهما العدم} لأن ظاهر النصوص کصریح الفتاوی عدم الشمول، والمناط غیر معلوم، وإذ لم یشمله الخرص لا یدخل فی (أوفوا) من باب أنه خرص، نعم یشمله دلیل ﴾أَوْفُوا﴿((1))  من باب أنه عقد معاوضة علی الحصة المشاعة

ص:112


1- سورة المائدة: الآیة 1

بعوض فی الذمة، ولا یلزم الغرر((1))، کما تقدم فی مثله، لارتفاع الغرر بخرص أهل الخبرة.

أما الربا فمع کونه مکیلاً أو موزوناً، کما رجحناه سابقاً خلافاً للمستمسک، فلا یلزم لعدم وجود علته فیه، کما قال (علیه السلام): «إنه محرم لفساد المال» بل وحتی مع عدم الاعتماد علی العلة، شمول أدلة الربا لمثله بعید، وإن کانت المسألة بحاجة إلی تأمل أکثر، والله العالم.

ص:113


1- الوسائل: ج12 ص230 الباب4 من أبواب آداب التجارة ح3

مسألة ٢١ وجوب الزکاة علی کلیهما

(مسألة 21): بناءً علی ما ذکرنا من الاشتراک من أول الأمر فی الزرع، یجب علی کل منهما الزکاة إذا کان نصیب کل منهما بحد النصاب، وعلی من بلغ نصیبه إن بلغ نصیب أحدهما، وکذا إن اشترطا الاشتراک حین ظهور الثمر، لأن تعلق الزکاة بعد صدق الاسم، وبمجرد الظهور لا یصدق،

(مسألة 21): {بناءً علی ما ذکرنا من الاشتراک من أول الأمر فی الزرع، یجب علی کل منهما الزکاة} لشمول الأدلة لکلیهما مع توفر سائر الشرائط {إذا کان نصیب کل منهما بحد الزکاة} إذ لا یحسب المال بما هو مال، بل یحسب مال کل إنسان، من غیر فرق بین اشتراکه وعدمه، ولذا لو کان لهذا فی المال المشترک أقل من خمسة أوسق، وکان له فی مکان آخر مشترکاً أو غیر مشترک ما یتمم ذلک وجبت علیه الزکاة.

{و} منه یعلم وجوب الزکاة {علی من بلغ نصیبه} حد النصاب {إن بلغ نصیب أحدهما} دون الآخر، کما إذا کان لأحدهما الثلثان فبلغ نصیبه دون الآخر الذی نصیبه الثلث، ولا فرق فی ذلک بین کون المزارعة بین اثنین أو أکثر، وکذا حال الخمس علیهما أو علی أحدهما إذا توفرت شرائطه فی النصیب.

{وکذا إن اشترطا الاشتراک حین ظهور الثمرة ل_} ما تقدم فی کتاب الزکاة من {أن تعلق الزکاة بعد صدق الاسم، وبمجرد الظهور لا یصدق} وکذا إذا کان الشرط حال صدق الاسم.

ص:114

وإن اشترطا الاشتراک بعد صدق الاسم أو حین الحصاد والتصفیة فهی علی صاحب البذر منهما، لأن المفروض أن الزرع والحاصل له إلی ذلک الوقت فتتعلق الزکاة فی ملکه.

قال فی المستمسک: (فالظاهر وجوب الزکاة علیهما عملاً بإطلاق الأدلة).

أقول: هذا إذا لم نقل بلزوم سبق صدق الاسم، لأنه علة، والعلة مقدمة علی المعلول، فالأدلة لا تشمل المقام، وقد تقدم فی بحث توارد النجاسة والکریة من کتاب الطهارة ما ینفع المقام، فراجع.

{وإن اشترطا الاشتراک بعد صدق الاسم أو حین الحصاد والتصفیة، فهی علی صاحب البذر منهما} لا لما ذکره المصنف بقوله: {لأن المفروض أن الزرع والحاصل له إلی ذلک الوقت} لما قد سبق من أن الحاصل والزرع ولید الأرض والبذر فهو لهما، بل لأن الشرط یجعل مال أحدهما للآخر فی المدة الخاصة فیکون من قبیل شرط النتیجة.

{فتتعلق الزکاة فی ملکه} إذ لا ملک للآخر فی هذا الوقت، والملک الموقت عقلائی کالمنفعة الموقتة.

ومما تقدم یظهر الکلام فی الخرص، فإنه إذا کان ماله طبعاً بقدر النصاب، أو لیس بقدر النصاب، فجعله الخرص بقدره أو سقطه عن قدره، اعتبر التعلق وعدمه بعد الخرص، لأنه زاد ماله بالخرص أو نقص، إن صح الخرص قبل تعلق الزکاة، وإلاّ فالخرص لا یسقط الزکاة ولا یثبتها، لأن التعلق وعدمه کان قبله فلا ینقلب الحکم بعده، إلاّ إذا شرط الزکاة علی صاحبه، فالشرط صحیح، وقد ذکرنا مسألة إعطاء إنسان زکاة آخر فی کتاب الزکاة، فراجع.

ص:115

مسألة ٢٢ لو بقی فی الأرض أصل الزرع

(مسألة 22): إذا بقی فی الأرض أصل الزرع بعد انقضاء المدة والقسمة، فنبت بعد ذلک فی العام الآتی فإن کان البذر لهما فهو لهما، وإن کان لأحدهما فله، إلاّ مع الإعراض وحینئذ فهو لمن سبق، ویحتمل أن یکون لهما مع عدم الإعراض مطلقاً

(مسألة 22): {إذا بقی فی الأرض أصل الزرع بعد انقضاء المدة والقسمة فنبت بعد ذلک فی} ذلک العام أو {العام الآتی} أو بعد ذلک، فقوله (رحمه الله) من باب المثال کما لا یخفی.

{فإن کان البذر لهما فهو لهما} لکن لا بنسبة البذر، بل بإضافة ملاحظة الأرض، فمثلاً لصاحب الأرض ونصف البذر ثلثا الحاصل إن کان القدر العادل للأرض بمقدار السدس کما تقدم غیر مرة.

{وإن کان لأحدهما فله} بقدره لا کله {إلا مع الإعراض} من صاحب البذر، أو صاحب الأرض عن أرضه، وذلک لما ثبت من أن الإعراض والانعراض کالوقوع فی البحر، مسقط للملک، وقد ذکرنا دلیله فی مسألة انکسار السفینة، فقول المستمسک: (لا دلیل علیه) محل نظر.

{وحینئذ فهو لمن سبق} لقاعدة «من سبق»، کما ذکروه فی کتاب إحیاء الموات وغیره.

{ویحتمل أن یکون لهما مع عدم الإعراض مطلقاً} أی وإن کان البذر من

ص:116

لأن المفروض شرکتهما فی الزرع وأصله، وإن کان البذر لأحدهما أو الثالث وهو الأقوی، وکذا إذا بقی فی الأرض بعض الحب فنبت فإنه مشترک بینهما مع عدم الإعراض، نعم لو کان الباقی حب مختص بأحدهما اختص به

أحدهما، حتی علی رأی المصنف من أن الزرع تابع للبذر، وذلک {لأن المفروض شرکتهما فی الزرع وأصله، وإن کان البذر من أحدهما أو لثالث} لما قد سبق من المصنف من أن مقتضی الزراعة کون البذر یکون مشترکاً، فقد قال فی المسألة الخامسة عشرة: (الظاهر من مقتضی وضع المزارعة اشتراک البذر بینهما علی النسبة، سواء کان منهما أو من أحدهما أو من ثالث).

{وهو الأقوی} وقد تقدم هناک ضعف هذا الاحتمال، أما علی ما ذکرناه فالحاصل مشترک وإن لم نقل بمقاله.

{وکذا إذا بقی فی الأرض بعض الحب فنبت، فإنه مشترک بینهما مع عدم الإعراض} لما تقدم فی المستثنی منه والمستثنی، أما إذا لم ینبت الحب ولم یعرض صاحبه عنه فهو له من دون اشتراک، إذا کان لأحدهما أو لثالث، إذ لا وجه للاشتراک إلاّ علی ما ذکره المصنف فی المسألة الخامسة عشرة، وقد عرفت وجه النظر فیه.

وعلیه فلا یخفی أن قوله: {نعم لو کان الباقی حب مختص بأحدهما اختص به} ینافی ما ذکره فی تلک المسألة، إلاّ أن یقول: بأن الذی صار لهما هو الحب الذی ینبت، أما ما لم ینبت فهو خاص بمالکه، فتأمل.

ولو سقط من الزرع حباب أو أفرخت الشجرة فلا ینبغی الإشکال فی أنهما

ص:117

ثم لا یستحق صاحب الأرض أجرة لذلک الزرع النابت علی الزارع فی صورة الاشتراک أو الاختصاص به، وإن انتفع بها إذا لم یکن ذلک من فعله ولا من معاملة واقعة بینهما.

مشترک بینهما إلا مع إعراض أحدهما أو کلیهما، فهما لمن سبق.

ولو شک فی أنه من البذر السابق أو الساقط، فعلی رأی المصنف هو لهما علی أی حال، أما علی ما ذکرنا من عدم الاشتراک فی البذر الأصلی ربما یقال بالاستصحاب، لأن البذر کان لمالکه، ولم یعلم أنه اشترک غیره معه، إذ الاشترک إنما یکون بعد أن ینبت ویصبح حباً جدیداً، فمقتضی الاستصحاب بقاؤه بدون الاشتراک، لکن فیه: إن أرکان الاستصحاب غیر تامة، إذ لم یعلم أن هذا الحب هو الحب السابق، ویحتمل إجراء قاعدة العدل، لأنه من الشک فی المالیات، إذ یعلم أنه إما کله أو نصفه لصاحب البذر مثل درهمی الودعی.

{ثم لا یستحق صاحب الأرض أجرة لذلک الزرع النابت} أجرة {علی الزارع فی صورة الاشتراک أو الاختصاص به، وإن انتفع بها} لأصل البراءة بالنسبة إلی الماضی، أما بالنسبة إلی المستقبل فله أخذ الأجرة أو القلع، علی ما ذکروا.

{إذا لم یکن ذلک من فعله} فهو کما لو أطار الریح الحب إلی أرض الغیر فنبت، حیث لم یکن علی صاحب الحب شیء، إلاّ إذا قلنا بأنه استوفی منفعة ملک الغیر، فاللازم علیه إعطاء الأجرة، لقاعدة «لا یتوی»((1)).

{ولا من معاملة واقعة بینهما} حیث یکون ما علیه لأجل المعاوضة، وإن لم

ص:118


1- المستدرک: ج3 ص215 الباب46 من أبواب نوادر الشهادات ح5

یستوف شیئاً، هذا ولکن قد عرفت أن الحاصل مشترک تلقائیاً، لأنه ولید الحب والأرض.

ولو قلنا بمقالة المشهور من کون الزرع للزارع، کان اللازم إعطاء حق صاحب الأرض، لأنه وإن لم یکن أمر ومعاوضة إلاّ أنه استیفاء، وهو یوجب حقاً للمستوفی منه علی المستوفی، فعلیه الأجرة بالنسبة إلی حقه، کلاً أو بعضاً، کما اختاره بعض المعلقین.

ص:119

مسألة ٢٣ لو اختلفا فی المدة

(مسألة 23): لو اختلفا فی المدة وأنها سنة أو سنتان مثلاً، فالقول قول منکر الزیادة، وکذا لو قال أحدهما: إنها ستة أشهر، والآخر قال: إنها ثمانیة أشهر،

(مسألة 23): {لو اختلفا فی المدة وأنها سنة أو سنتان مثلاً، فالقول قول منکر الزیادة} کما هو المشهور بینهم، بل عن جامع المقاصد أنه تارة ادعی عدم الخلاف فیه، وأخری أنه إجماع، وثالثة نسبته إلی الأصحاب، وعن مجمع البرهان أنه لا شک فیه، وفی الجواهر عدم الخلاف فیه، وذلک لأصالة عدم الزیادة.

{وکذا لو قال أحدهما: إنها ستة أشهر، والآخر قال: إنها ثمانیة أشهر} لما ذکر، وإنما جاء به المصنف لإفادة أن ذلک حال النزاع ولو کان فی أقل من السنة.

ومنهما یعلم حال ما إذا ادعی أحدهما سنة، والآخر أقل من سنة أو أزید من سنة.

ولا فرق فی کل الصور بین أن یکون مدعی الزیادة المالک، أو الزارع، أو ثالث علیه البذر، أو رابع علیه العوامل.

ولو اتفقا فی قدر المدة، وکان الاختلاف فی زمانها، کما إذا قال أحدهما: إنه من الآن إلی ستة أشهر، وقال الآخر: إنها من أول ستة أشهر إلی سنة، کان مورد التحالف.

وکذلک إذا کان بین الوقتین عموم من وجه، کما إذا قال أحدهما: من الآن إلی سنة، وقال الآخر: بل من أول ستة أشهر إلی سنة ونصف، فإن الستة الثانیة متفق علیها، وإنما التحالف لأجل الستة الأولی والثالثة.

ص:120

نعم لو ادعی المالک مدة قلیلة لا تکفی لبلوغ الحاصل ولو نادراً، ففی تقدیم قوله إشکال

{نعم لو ادعی المالک} بل أو الزارع، أو الثالث والرابع {مدة قلیلة لا تکفی لبلوغ الحاصل، ولو} بلوغاً {نادراً، ففی تقدیم قوله إشکال} من أن الأصل معه، ومن أنه یرجع دعواه إلی کون المزارعة فاسدة، والأصل الصحة، ومن المعلوم أن أصالة الصحة فی المعاملة لا تدع مجالاً لأصل العدم الذی یقتضی الفساد، فلو ادعی أحد الزوجین ما یقتضی بطلان العقد، والآخر ما یوافق الصحة ویخالف الاستصحاب، قدّم الصحة، وهکذا فی سائر العقود.

وعلی هذا، فالمقدم قول ذی المدة الکثیرة فی المقام، لکن هل یعطی له کل مدعاه، أو بقدر بلوغ الحاصل، مثلاً ادعی أحدهما سنتین والآخر شهراً، والزرع ینتج فی ستة أشهر، الظاهر عدم إعطائه کل المدة، لأن الأصل مثبت بالنسبة إلی ذلک، والتفکیک فی الأحکام الظاهریة غیر عزیز، فأصالة الصحة تقتضی الصحة ویکفی فیها ستة أشهر، أما الزائد فالأصل عدمها.

لا یقال: العلم الإجمالی بأنها لیست ستة أشهر، لأنها إما شهر أو سنتان.

لأنه یقال: لا مدخلیة للعلم الإجمالی فی المنازعات من هذا القبیل، فما اقتضته الأیمان والبینات یحکم به، وإن کان مخالفاً لطرف العلم الإجمالی، ولذا یعطی للمستهل والموصی له الربع إن شهدت امرأة واحدة، مع أنه إما استهل وأوصی فلهما الکل، وإما لم یستهل ولم یوص فلا شیء، ونأخذ من

ص:121

ولو اختلفا فی الحصة قلة وکثرة، فالقول قول صاحب البذر المدعی للقلة

السارق المال دون القطع، إلی غیر ذلک مما لا یخفی علی من راجع القضاء کثرتها.

وعلیه فإذا اختلفا فی المقام کذلک، حلف مدعی الصحة وصحت المزارعة قدر بلوغ الحاصل.

أما فی الحصة فمدعی السنتین یقول: إن النصف للمالک فی قبال تسلیطه علی أرضه سنتین، ومدعی الشهر یدعی أن الحصة فی قبال شهر، فاللازم إعمال قاعدة العدل، لأن النزاع فی الأمور المالیة، حیث لا مجال للأصل بعد العلم الإجمالی کدرهمی الودعی ونحوه، ویحتمل الرجوع إلی ما یقتضیه العرف فی قدر الحصة لهذه المدة التی یبلغ الحاصل فیها، لأن کلیهما یتساقط بالمعارضة، فالمرجع «لا یتوی حق امرئ مسلم» ونحوه، ویحتمل لزوم الصلح القهری، کما ذکره الفقهاء فی موارد من کتاب القضاء.

{ولو اختلفا فی الحصة قلةً وکثرةً} فادعی کل واحد منهما الکثرة لنفسه، مثل کون نزاعهما لأیهما الثلثان مع اتفاقهما أن الحصة ثلث وثلثان، أو لا بل اختلافا فی أن لکل منهما النصف حسب ادعاء أحدهما، أو لأحدهما ثلث وللآخر الثلثان حسب ادعاء الآخر.

{ف_} المصنف علی {أن القول قول صاحب البذر المدعی للقلة} لأن الزرع لصاحب البذر، کما هو المشهور، فالطرف الآخر یدعی الزائد، والأصل

ص:122

عدمه، سواء فی صورة ادعاء النصف والثلث، أو ادعاء الثلث والثلثین، وقول المصنف قول صاحب البذر إنما هو فیما إذا ادعی القلة للمالک.

أما إذا ادعی الکثرة للمالک ویأباه المالک لاعتقاد کل منهما ما یدعیه، أو لأن هناک محذوراً لمن له الکثرة، مثل مصادرة الظالم أمواله وما أشبه ذلک، فمرجع النزاع أن المالک للحاصل _ حسب المیزان الأولی وهو مالک البذر _ یقول: إن بعض ماله لمالک الأرض، ومالک الأرض یأباه، فهو کما إذا ادعی ذو الید أن ما تحت یده لزید، وزید یأباه، اللازم فیه إجراء قاعدة المدعی والمنکر، أو غیرهما علی ما ذکروه فی کتاب القضاء.

ثم إن ما ذکرناه من أن الأصل مع مدعی القلة فی فرع المصنف إنما هو بناءً علی رأیهم فی الحاصل.

أما بناءً علی ما رجحناه من أن الحاصل لهما، لأنه ولید الأرض والبذر، فمقتضی القاعدة أن الأصل مع من یدعی أن لهما حسب الأرض والبذر، لا مع الآخر المدعی خلاف ذلک، مثلاً یدعی أحدهما المناصفة، والعرف یری ذلک، والآخر یدعی الثلث والثلثین، فإن الأصل مع الأول، لأن الثانی یدعی خلاف مقتضی الملک الأولی، وإذا لم یکن أحدهما یدعی حسب مقتضی العرف کان الأصل مع من قوله أقرب إلی العرف، مثلاً مقتضی العرف المناصفة فادعی أحدهما الثلث والثلثین، والآخر الربع وثلاثة أرباع، فإن الأصل مع الأول، إذ هو أقرب إلی المناصفة من الثانی، وهکذا.

ص:123

هذا إذا کان نزاعهما فی زیادة المدة أو الحصة وعدمها، وأما لو اختلفا فی تشخیص ما وقع علیه العقد، وأنه وقع علی کذا أو کذا، فالظاهر التحالف، وإن کان خلاف إطلاق کلماتهم

{هذا إذا کان نزاعهما فی زیادة المدة أو الحصة وعدمها} أما إذا کان نزاعهما فی أن الزارع یباشر أو لا یباشر، أو أن الزرع یکون حنطةً أو شعیراً، فإن کان هناک أصل مثل مباشرة الزارع، إذ الأصل فی المزارعة ذلک إلاّ ما خرج بقرار غیره، أو جهد الزارع أقل مثلاً فی کل یوم ست ساعات لا ثمان، فالأصل یقدم قول المدعی علی طبقه، وإلاّ فالمرجع التحالف.

{وأما لو اختلفا فی تشخیص ما وقع علیه العقد، وأنه وقع علی کذا} حصة النصفین أو مدة سنة {أو کذا} حصته ثلث وثلثین، أو مدة ستة أشهر مثلاً {فالظاهر التحالف} لأن کلاً منهما یدعی خلاف ما یدعیه الآخر، وهذا هو الذی رجحه جامع المقاصد لولا الإجماع، وتبعه الجواهر فی الجملة، خلافاً للمسالک، حیث أشکل علی جامع المقاصد، بل هو المشهور.

ولذا قال: {وإن کان خلاف إطلاق کلماتهم}، لکن ما علیه المشهور من عدم الفرق بین الصورتین فی رجوع الدعاوی المذکورة ونظائرها إلی باب المدعی والمنکر دون التداعی، هو الصحیح الذی اخترناه فی کتاب القضاء، وذلک لأن المرجع فی تعیین وحدة المصب وکون النزاع فی الزائد علی ذلک، أو تعدد المصب _ حیث یقتضی الأول کونه من باب المدعی والمنکر، والثانی کونه من باب التداعی _ العرف، وهو یری فی مثل المقام أن النزاع لیس إلاّ فی الزائد علی القدر المتفق علیه، لا أنه نزاع فی أصل المصب، سواء

ص:124

صیغ النزاع علی نحو تشخیص ما وقع علیه العقد، أو علی نحو التنازع فی الزیادة، مثلاً قد بقول الزوجان: عقدنا متعةً لشهر قطعاً، وفی الشهر الثانی عندنا خلاف فی أنه داخل العقد أو لا، وقد یقول أحدهما: عقدنا لشهر، ویقول الآخر: بل عقدنا لشهرین، فإن العرف لا یکاد یشک فی وحدة النزاع، وأن مدعی الشهر الثانی مدع للزیادة، فعلیه البینة، لا أنه من التداعی فی المصب الأول.

ولا یخفی أن ما ذکرناه من الإحالة علی العرف، غیر ما ذکره المستمسک من أن المعیار فی تشخیص المدعی والمنکر الغرض المقصود من الدعوی، ولیس المعیار مصب الدعوی، وذلک لعدم تمامیة ما ذکره، فإن العرف یری المصب معیاراً لا الغرض المقصود، مثلاً إذا کان الزوج یدعی أن لا نفقة للزوجة لأنها متعة، والزوجة تری أنها لها لأنها دائمة، فالمقصود وإن کانت النفقة إلاّ أنه لا یقال: الأصل عدمها فتکون المرأة مدعیة والزوج منکراً، بل الاعتبار بالمصب وأنه هل تداع لأن کلاً منهما یدعی غیر ما یدعیه الآخر، أو الأصل عدم قید المدة فالنکاح دائم.

وأما ما ذکرناه من أن کلامنا غیر کلام المستمسک، فلأن الاعتبار بالمصب الذی ندعیه، لا ینافی مع قولنا باعتبار العرف فی التشخیص، بتقریب أن العبرة بالمصب، لکن یعطی المصب بید العرف لیری هل أنه من التداعی، أو من الادعاء والإنکار.

ص:125

فإن حلفا أو نکلا فالمرجع أصالة عدم الزیادة.

ومما ذکرنا یعلم أن کلام جامع المقاصد فی إرجاع النزاع فی جمیع هذه الموارد إلی النزاع فی تشخیص العقد، وجعله من التداعی ممنوع، کما أن ما ذکره المستمسک من أن العبرة بالغرض المقصود لا مصب الدعوی ممنوع أیضاً، وقد نسب ذلک إلی ظاهر الأصحاب مع أن ظاهرهم ما ذکرناه.

أما الجواهر فربما قال باتباع الغرض المقصود، وربما فصل بین أن یکون مصب الدعوی تشخیص العقد فکجامع المقاصد من أنه تداع، وبین أن یکون الزیادة والنقصان، فهو من باب المدعی والمنکر.

وقد عرفت أن المصنف تبعه فی ذلک، والمعلقون تبعوا المصنف غالباً، وإن کان السید الجمال وبعض آخر تبعوا الأصحاب فی جعله من باب المدعی والمنکر فی کلتا الصورتین.

وکیف کان {ف_} إن کان هناک تداع {إن حلفا أونکلا فالمرجع أصالة عدم الزیادة} لسقوطهما، فلم یبق إلاّ الأصل إن وصلت النوبة إلی الحلف، وإلاّ فالشاهد مقدم علیهما، کما هو واضح.

ومما تقدم یعرف الکلام فی الفروع التی ذکرناها عند قوله: (هذا إذا کان نزاعهما ...).

ص:126

مسألة ٢٤ لو اختلفا فی کون البذر علی أیهما

(مسألة 24): لو اختلفا فی اشتراط کون البذر أو العمل أو العوامل علی أیهما فالمرجع التحالف، ومع حلفهما أو نکولهما تنفسخ المعاملة.

(مسألة 24): {لو اختلفا} فی أن الشیء کان شرطاً حتی یکون انتفاؤه موجباً للخیار، أو مصباً حتی یکون انتفاؤه موجباً للبطلان، کان من التداعی، لأنه اختلاف فی ذات العقد، ولو اختلفا فی شرط وعدمه کان الأصل عدمه، ولو اختلفا فی أن العقد کان علی هذه الأرض أو أرض أخری، أو علی أن یزرع حنطة أو شعیراً مثلاً، کان من التحالف.

ولو اختلفا {فی اشتراط کون البذر أو العمل أو العوامل علی أیهما فالمرجع التحالف} لأن کلاً منهما مدع ومنکر.

نعم علی رأی المصنف الذی سبق بأن البذر مع الإطلاق علی العامل، کان العامل مدعیاً، حیث یکون قوله خلاف الأصل، فعلی المالک الحلف، کما أشار إلیه المستمسک وغیره، وکذا فی کل ما کان علی أحدهما مع الإطلاق.

{ومع حلفهما أو نکولهما تنفسخ المعاملة} ظاهراً عند المصنف، وعلله المستمسک بعدم الباذل للبذر الذی لابد منه فی قوامها، وکذا فی بقیة الأمور کالعوامل وما أشبه، لکن ربما یستشکل علی ذلک بأن عدم الباذل للبذر لا یلازم الانفساخ، بالإضافة إلی عدم التلازم بین اختلافهما فی الشرط وبذل أحدهما للبذر لا باعتبار أنه واجب علیه، بل یمکن أن یقال: بأن المعاملة باقیة ویرجع فیما اختلفا فیه إلی کلیهما بالنسبة، فمن له نصف الحاصل علیه قدر من البذر

ص:127

یلائم حصته، وکذلک سائر الأقدار من الحصة، مثلاً إذا کان نصف الحاصل للمالک کان علیه ربع البذر فی المتعارف، لأن الأرض وربع البذر یعادلان نصف الحاصل عرفاً، ونصفه الآخر یعادل العمل وثلاثة أرباع البذر، وإنما نحتمل ذلک لأن مقتضی الأصل کون العقد حسب المتعارف، وما خرج یحتاج إلی الدلیل، کما أنه یحتمل القرعة لأنها لکل أمر مشکل.

ثم لو قلنا بالانفساخ فهو ظاهری، إذ العقد صحیح فی نفسه، وعلی من کان البذر ونحوه أن یبذله بمقتضی ما عقد أو شرط.

وإذا انفسخت المعاملة ظاهراً فعلی من لا یعلم منهما بالواقع أن یؤجر أرضه أو نفسه، أما من یعلم بالواقع الذی علیه فإنما یحق له العمل خلاف مقتضی العقد تقاصاً، فإنه لا یکلف المالک أن یترک أرضه حتی تذهب منافعها هباءً فی المدة التی قررت فیها المزارعة، وکذلک بالنسبة إلی الزارع.

ص:128

مسألة ٢٥ لو اختلفا فی الإجارة والمزارعة

(مسألة 25): لو اختلفا فی الإعارة والمزارعة فادعی الزارع أن المالک أعطاه الأرض عاریة للزراعة، والمالک ادعی المزارعة، فالمرجع التحالف أیضاً.

(مسألة 25): {لو اختلفا فی الإعارة} کما قالها الزارع {والمزارعة} کما قالها المالک {فادعی الزارع أن المالک أعطاه الأرض عاریةً للزراعة، والمالک ادعی المزارعة} فله بعض الحاصل {فالمرجع التحالف أیضاً} لأن کلاً منهما یدعی خلاف ما یدعیه الآخر ولا جامع، وقد سبق أن تشخیص التحالف والادعاء والإنکار مصب الدعوی، لا الغرض المقصود منه، فلا یقال: إن النزاع فی أن للمالک الحصة أم لا، والأصل عدمها.

هذا وفی الشرائع: (لو اختلفا فقال الزارع: أعرتنیها وأنکر المالک وادعی الحصة أو الأجرة ولا بینة، فالقول قول صاحب الأرض، ویثبت له أجرة المثل مع یمین الزارع، وقیل یستعمل القرعة، والأول أشبه).

ومثله قال فی القواعد مع زیادة: (ما لم تزد عن المدعی) بعد (یمین الزارع).

ونقله مفتاح الکرامة عن الإرشاد وغایة المراد وجامع المقاصد والروض والمسالک والکفایة والتذکرة، بزیادة أو نقیصة تلک الجملة.

وعن الفخر نسبته إلی الأصحاب.

وکأن وجه ما ذکروه أن الزارع یدعی الإعارة والمالک ینکرها، فالأصل عدمها، لکنه فیه: إنه معارض بادعاء المزارع الإجارة والمزارعة، والأصل عدمها أیضاً، فاللازم سقوط کلتا الدعویین والرجوع إلی أجرة المثل، کما

ص:129

ذکره التحریر قال: لو ادعی العاریة وادعی المالک الحصة أو الأجرة ولا بینة تحالفا، ویثبت لصاحب الأرض أجرة المثل.

لکن یستشکل فی أجرة المثل بما حکی عن عاریة الخلاف والمبسوط والغنیة واللمعة والکفایة، حیث نفوها بأن المالک المثبت للمزارعة ینفی الإجارة، فمن أین تثبت أجرة المثل علی الزارع، لکن هل علیه إعطاء أقل الأمرین من الأجرة والحصة، أو لا شیء علیه، کما هو ظاهر المحکی عن الأردبیلی (رحمه الله) فی شرحه للإرشاد من أنه إذا حلف المتصرف علی نفیه للإجارة لم یلزمه شیء عوض التصرف، لأصالة البراءة، احتمالان.

أقول: مقتضی القاعدة أنه إذا لم یکن للزرع ثمر، لا شیء للمالک المدعی للمزارعة، لأنه یسلم بأنها مزارعة، وحیث لا حاصل فلا شیء له، وأما إذا کان مساویاً للأجرة فله ذلک لسقوط دعواهما، فله شیء للتصرف فی أرضه، إما الأجرة وإما الحصة، والمفروض تساویهما، وأما إذا کانت الأجرة أکثر فهل له الأجرة لعدم ثبوت المزارعة، أو الأقل کما قاله العلامة وغیره، لأنه معترف بعدم حقه فی الأکثر، احتمالان، وإن کان الأقرب أن له الأقل.

ومنه یعلم وجه النظر فی کلام مفتاح الکرامة وغیره حیث قال: (إذا فرض بعد التحالف سقوط الدعویین بالکلیة فکانتا کأنهما لم تکونا، فالواجب أجرة المثل، زادت أو نقصت، إذ التحالف أسقط أثر اعتراف المالک) انتهی.

ص:130

ومع حلفهما أو نکولهما تثبت أجرة المثل للأرض، فإن کان بعد البلوغ فلا إشکال، وإن کان فی الأثناء فالظاهر جواز الرجوع للمالک

{و} علی هذا، ف_ {مع حلفهما أو نکولهما تثبت أجرة المثل للأرض} فیما کانت للزرع ثمرة، ولم یکن الحاصل أقل من أجرة المثل، کما عرفت وجه القیدین، وکأن السید ابن العم اتبع الشرائع وغیره ممن تقدم ذکرهم حیث علق علی التحالف بأن کونه مورد التحالف إشکال.

وفیه: ما عرفت من ضعف الإشکال.

ثم لو لم یحلف أحدهما کان الحق مع الحالف، کما قرر فی القضاء.

ثم إن اختلافهما فی أنها عاریة أو مزارعة علی ثلاثة أقسام، لأنه إما بعد البلوغ، أو فی الأثناء، أو قبل نثر الحب.

{فإن کان بعد البلوغ فلا إشکال} فی أنه مقتضی ما ذکرناه من الأحکام، بأن المرجع التحالف وغیر ذلک.

{وإن کان فی الأثناء فالظاهر جواز الرجوع للمالک} عن العقد أخذاً باعتراف الزارع، فإن الزارع یدعی أنه عاریة، والعاریة غیر لازمة یجوز للمعیر الرجوع فیها.

لا یقال: المالک یعترف بأنها مزارعة، والمزارعة لا یجوز الرجوع فیها، فالمالک مأخوذ باعترافه.

لأنه یقال: لما أنکر الزارع المزارعة، فإنه یرید عدم إعطاء الحصة، فللمالک الفسخ، کما فی کل مورد یختلف المالک والطرف، مثل البیع والإجارة وغیرهما، حیث یدعیها المالک والمتصرف یقول: إنه هبة أو عاریة أو ما أشبه، حیث

ص:131

للمالک الفسخ، إما من باب التقاص، أو من باب تخلف الشرط أو ما أشبه ذلک.

ومن ذلک تعرف وجه النظر فی کلام المستمسک، حیث علله بقوله: (لأن عدم جواز الرجوع فی المزارعة من جهة العامل، والمفروض اعتراف العامل بأنه لا حق له)، إذ فیه: إن اعتراف الطرف لا یسقط الحق الذی یعترف به الإنسان، فإذا قالت المرأة: لست زوجة لزید، فهل یجوز لزید العمل علی أنها لیست زوجته، بالنسبة إلی آثار الزوجیة، غیر النفقة ونحوها الساقطة بالنشوز، وکذلک إذا باعه داره وقبض الثمن، ثم اعترف المشتری بأنه لم یشترها ونسی أنه قبضه الثمن، وقال: إنه لم یقبض الثمن، فهل یجوز للبائع استرداد العین.

ثم إن الحاکم إذا حکم بأنه لا عاریة ولا مزارعة لا ینفی الواقع، وإنما یحکم ظاهراً بعدمهما، وإنما الواقع یبقی علی ما هو علیه، یلزم علی العالم به منهما أو من غیرهما العمل علی طبقه، إذ الحکم لا یغیر الواقع، کما فصلنا ذلک فی کتاب القضاء، بدلیل قوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إنما أقضی بینکم بالبینات والأیمان» الحدیث. نعم استثنی من ذلک بعض الموارد النادرة بالنص، کما إذا حلف المدیون مثلاً بأنه لیس بمدیون، حیث لا یحق للدائن التقاص منه بعد أن حلف، لما دل علی أن الیمین یذهب بالحق، وإن کان الواجب علی المدیون الوفاء واقعاً، فإذا علم به حرم علیه أکل مال الناس.

ومما تقدم تعرف وجه الإشکال فی قول المستمسک: (إنه إذا ادعی رجل

ص:132

وفی وجوب إبقاء الزرع إلی البلوغ علیه مع الأجرة إن أراد الزارع، وعدمه وجواز أمره بالإزالة وجهان

زوجیة امرأة ظلماً، فحکم الحاکم له وجب علیها مطاوعته بمقدار إلزامه، ولا یجوز علیها ما زاد علی ذلک، فإذا طلب منها المدعی الاستمتاع بها، فإن أمکنها صرفه وجب علیها ذلک، وإن أصر علی الاستمتاع بها وجب علیها المطاوعة وتسقط حرمة المطاوعة للأجنبی بدلیل حرمة رد الحکم، وفی غیر حال وجوب المطاوعة یحرم علیها التعرض له والتکشف) انتهی.

إذ فیه: إن الحاکم لا یغیر الواقع کما تقدم منه (رحمه الله)، بل هو المجمع علیه، وعلیه فلماذا تجب علیها المطاوعة وهی تعلم أنه زنا، واستدلاله بحرمة رد الحکم غیر تام، إذ رد الحکم إنما یحرم إذا لم یعلم الإنسان بطلانه، وإلاّ فقوله (علیه السلام): «فإذا حکم بحکمنا»، یلزم فیه أن یکون حکمهم، فإذا علم أنه لیس حکمهم (علیهم السلام) فهل الواجب اتباعه، ومثله إذا حکم الحاکم بأنه قاتل، فهل یجوز له أن یسلم نفسه للقصاص وهو یعلم أن القاتل غیره، أو أنه مات حتف أنفه لم یقتله أحد، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

{وفی وجوب إبقاء الزرع إلی البلوغ علیه مع الأجرة إن أراد الزارع، وعدمه وجواز أمره بالإزالة} أو إزالة نفسه له {وجهان}.

قال فی القواعد: (وللزارع التبقیة إلی وقت الأخذ).

وقال فی مفتاح الکرامة: (لأنه مأذون فیه، کما فی الشرائع والتذکرة، ولاعتراف المالک أنه زرع بحق، کما فی جامع المقاصد والمسالک ومجمع البرهان) انتهی.

ص:133

هذا وجه الإبقاء، وأما وجه الإزالة فلأنه لما أنکر الزارع الحصة کان کمنکر الأجرة، حیث یجوز للمؤجر إخراجه من الدار، فإن الإذن کان مقیداً بإعطاء الحصة، فإذا ذهب القید ذهب المقید.

لا یقال: إن الأمر بالإزالة ضرر علی الزارع.

لأنه یقال: أولاً: لا یلازم الإزالة الضرر، إذ من الممکن تساوی قیمة القصیل والحصید، أو زیادة الأول علی الثانی.

وثانیاً: علی فرض أنه ضرر،

فأولاً: قد یوجه نفس الزارع هذا الضرر إلی نفسه بإنکاره المزارعة وهو یعلم بها، والمالک عالم بأنه ینکر عصیاناً.

وثانیاً: «لا ضرر» الزارع معارض بسلطنة المالک وبلا ضرره إذا کان الإبقاء بالأجرة ضرراً علیه، لأنه إذا قلعه أعطاه لمزارع آخر یعطیه الحصة وهی أکثر من الأجرة بکثیر.

هذا، ولکن قد تقدم أن «لا ضرر» الزارع مقدم علی سلطة المالک، إذا لم یکن ضرر علی المالک، وأما إذا کان ضرر علی المالک تعارضا وتساقطا، وقدم دلیل السلطنة.

ومنه یعلم وجه النظر فی کلام المستمسک حیث قال: (لا یعارض ضرر الزارع بالضرر الوارد علی المالک من إبقاء الزرع، لأن المالک مقدم علی هذا الضرر، سواء کان العقد مزارعة أم عاریة)، إذ فیه: إن المالک لم یقدم إلاّ بعنوان المزارعة ذات الحصة، فإذا انتفت بإنکار الزارع لم یکن إقدام.

ص:134

وإن کان النزاع قبل نثر الحب فالظاهر الانفساخ بعد حلفهما أو نکولهما.

نعم لو کانت الأجرة أکثر أو مساویة للحصة لم یکن ضرر علی المالک، فلا یشمله دلیل «لا ضرر»، فتحصل: أنه قد لا یکون ضرر علی الزارع، کما إذا لم یکن فرق بین القصیل والحصید، وقد لا یکون ضرر علی المالک، کما إذا لم تنقص الأجرة علی الحصة.

ففی الأول: وجب القلع علی الزارع إذا طلبه المالک.

وفی الثانی: لا حق للمالک فی إیجاب القلع.

وإذا کان هناک ضرران لهما، قدمت السلطنة، لتساقط الضررین فیبقی دلیل السلطنة بلا معارض، وکذا إذا لم یکن لأیهما ضرر فرضاً.

{وإن کان النزاع قبل نثر الحب فالظاهر الانفساخ بعد حلفهما أو نکولهما} لأنه بعد التحالف أو النکول ینفی الحاکم کلا الأمرین، فلا عقد فی البین، وهو معنی الانفساخ.

أما فی الواقع فحیث عرفت أن الحکم لا یغیر الواقع، یکون الأمر بید المالک، فإن علم أنه عاریة صح له إبقاؤها أو فسخها، إذ إنکار کونها عاریة لیس فسخاً، فإن الإنکار إخبار والفسخ إنشاء، مثلاً إنکار أنها زوجته عند عادلین، لیس طلاقاً إذا کانت زوجة فی الواقع.

وإن علم أنه مزارعة، فإن شاء أبقاها بلا بدل، ویطلبه واقعاً ما یصح له التقاص إن لم یحلف، ولا یصح له التقاص إن حلف، لما دل علی إذهاب الحلف بالحق، إن لم نقل إن إذهاب الحق بالحلف خاص بالدین لا العین، فالحاصل عینه للمالک بقدر حصته، فله أخذه إذا تمکن

ص:135

لأنه حقه، بل وإن قلنا: إن ذلک شامل للعین، إلاّ أنه یعلم ندم المزارع أو وارثه مثلاً فیعطیه حقه، وإن شاء فسخها لما تقدم من أن المزارعة کانت ببدل، فحیث یتعذر البدل کان للمالک الفسخ، کما أن المزارع إذا علم إنکار المالک حصته کان له الفسخ.

وبذلک تعرف وجوه النظر فی کلام المستمسک حیث قال: (أما بالنظر إلی الواقع، فإن کان عاریة فإنکارها رجوع بها، أما إذا کان مزارعة فإنکارها لا أثر له، وحکم الحاکم لا یبدل الواقع، فلا موجب للانفساخ، بل یبقی وجوب العمل بها علی تقدیر ثبوتها بحاله حتی ینتهی الوقت) انتهی.

ص:136

مسألة ٢٦ لو اختلفا فی الغصب والمزارعة

(مسألة 26): لو ادعی المالک الغصب والزارع ادعی المزارعة، فالقول قول المالک مع یمینه علی نفی المزارعة.

(مسألة 26): {لو ادعی المالک الغصب والزارع ادعی المزارعة، فالقول قول المالک مع یمینه علی نفی المزارعة} قال فی القواعد: (أما لو قال: غصبتنیها، فإنه یحلف ویأخذ الأجرة والأرش إن عابت وطم الحفر وإزالة الزارع).

وقال فی مفتاح الکرامة: (صرح بذلک کله الشرائع والتحریر والإرشاد وجامع المقاصد والروض والمسالک ومجمع البرهان والکفایة).

أقول: استدلوا لقولهم بأن الأصل بقاء منافع أرضه علی ملکه، فالزارع مدع وعلیه البینة، فإن لم تکن بینة حلف المالک، لکن فی عاریة الخلاف ومزارعة التذکرة أن القول قول الزارع، لأن المالک یدعی علیه عوضاً، والأصل براءة ذمته منه، ولأصالة صحة ید المسلم علی الأرض، فالمالک یدعی خلاف الأصل، هذا والأقرب أن المقام من التداعی، لأن کلاً منهما یدعی خلاف الأصل، فکل من الغصب والمزارعة خلاف الأصل.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول المستمسک: (إذا کان المعیار الغرض المقصود من الدعوی، فدعوی المالک الغصب راجعة إلی دعوی الضمان بأجرة المثل علی العامل وهو منکر للمزارعة، وکلاهما علی وفق الأصل، وقد عرفت أن التحقیق هذا فیکون القول قول المالک) انتهی.

إذ قد تقدم أن المعیار فی التشخیص مصب الدعوی، لا الغرض المقصود منه.

ص:137

ثم إذا کان هذا النزاع قبل نثر الحب تساقط الدعویان ورجعت الأرض إلی المالک ظاهراً، وأما إذا علم بأنه مزارعة حقیقة کان سلب الزارع الأرض محرماً، وقد تقدم فی بعض المسائل السابقة أنه إن سبب ضرر العامل بسبب بطالته کان ضامناً، کما رجحنا الضمان بالنسبة إلی من حبس الحر وما أشبه.

وإن کان بعد الحاصل کان للمالک بقدر الأجرة، زادت عن الحصة أم لا.

نعم، إذا علم الزارع المزارعة لزم علیه إعطاؤه الزائد من الحصة علی الأجرة، لأن الإنکار من المالک لا یسقط حقه.

وإن کان بعد الزرع وقبل الحاصل فالکلام فی المقام کالمسألة السابقة فی الإزالة وعدمها.

ص:138

مسألة ٢٧ إذا قلعه المالک فماذا یصنع بالزکاة

(مسألة 27): فی الموارد التی للمالک قلع زرع الزارع، هل یجوز له ذلک بعد تعلق الزکاة وقبل البلوغ، قد یقال بعدم الجواز إلاّ أن یضمن حصتها للفقراء، لأنه ضرر علیهم، والأقوی الجواز وحق الفقراء یتعلق بذلک الموجود وإن لم یکن بالغاً.

(مسألة 27): فی الموارد التی للمالک قلع زرع الزارع، هل یجوز ذلک له بعد تعلق الزکاة وقبل البلوغ، قد یقال بعدم الجواز} وقد نسبه الجواهر إلی ابن الجنید، وتأمل فی صحة النسبة المستمسک، ووجهه أنه ضرر علی الأصناف وذلک لا یجوز.

{إلا أن یضمن حصتها للفقراء} وأقرانهم {لأنه ضرر علیهم} وهم لم یقدمونه علیه وإنما أقدم المزارع، ولذا کان من الحق تحمله الضرر.

{والأقوی الجواز} کما جعله المختلف الوجه، وذلک لأنه لیس بضرر علی الأصناف حتی ینفیه دلیل «لا ضرر»، بل هو عدم ربح.

{و} ذلک لأن {حق الفقراء یتعلق بذلک الموجود، وإن لم یکن بالغاً} فهو کما إذا أخرج المالک أغنام الراعی عن أرضه، مما یسبب عدم سمن الأغنام والتی فیها شاة الصدقة.

وبذلک یظهر أن استدلال المستمسک لذلک بقوله: (لأن حق الفقراء لا یزید علی حق صاحب الزرع، فإذا جاز قلعه بلا ضمان للمزارع، جاز أیضاً بالنسبة إلی مستحق الزکاة) محل نظر، إذ المهم بیان عدم ضرر الأصناف، وإلاّ فالتلازم بین الضررین أول الکلام.

ص:139

ثم إن من الکلام فی الزکاة یظهر الکلام فی الخمس، حیث کان للمالک ربح بالزرع، فإن قلعه یوجب أقلیة الخمس أیضاً.

أما إذا أبقاه المالک بالأجرة، فهی تخرج من حق الزارع وأصحاب الخمس والزکاة علی النسبة، کما أنه إذا أبقاه تبرعاً بلا أجرة، فإن لاحظ المالک التبرع علی الزارع کان للزارع إخراج الأجرة بقدر نسبة مال الخمس والزکاة، لأن المالک تبرع بالأجرة للزارع لا لهم، وإن لاحظ التبرع علی الجمیع کان فی کیس کل من الزارع وأصحاب الخمس والزکاة بالنسبة، فإذا تبرع المالک بالأجرة له وکانت الأجرة عشرة _ فی الزکوی الذی فیه العُشر _ أعطی المالک عشر الحاصل إلاّ دیناراً، لأن الأجرة قد تبرعت له، أما إذا تبرعها المالک لهما بالنسبة، أعطی عشر الحاصل کاملاً، کما هو واضح.

ومنه یعرف حال ما إذا تبرع المالک الأجرة کلها للأصناف، حیث یعطیهم المالک العشر وعشرة دنانیر.

وکذا یعرف حال ما إذا تبرع ببعض الأجرة التی علی المالک للزارع، والبقیة للفقراء، أو بالعکس، فإن المعیار فی الکل إرادة المالک.

ص:140

مسألة ٢٨ إعطاء الأرض الخراجیة للغیر

(مسألة 28): یستفاد من جملة من الأخبار أنه یجوز لمن بیده الأرض الخراجیة أن یسلمها إلی غیره لیزرع لنفسه ویؤدی خراجها عنه، ولا بأس به.

(مسألة 28): {یستفاد من جملة من الأخبار أنه یجوز لمن بیده الأرض الخراجیة أن یسلمها إلی غیره لیزرع لنفسه ویؤدی خراجها عنه، ولا بأس به} لإطلاق الأدلة، فإن الإطلاق یشمل ذلک، وإن لم تکن أخبار خاصة فکیف بوجود الأخبار.

مثل خبر إبراهیم بن میمون، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قریة لأناس من أهل الذمة لا أدری أصلها لهم أم لا، غیر أنها فی أیدیهم وعلیها خراج، فاعتدی علیهم السلطان فطلبوا إلی فأعطونی أرضهم وقریتهم علی أن أکفیهم السلطان بما قل أو کثر، ففضل لی بعد ذلک فضل بعد ما قبض السلطان ما قبض، قال (علیه السلام): «لا بأس بذلک، لک ما کان من فضل»((1)).

وعن داود بن سرحان، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل تکون له الأرض علیها خراج معلوم، وربما زاد وربما نقص، فیدفعها إلی رجل علی أن یکفیه خراجها ویعطیه مائتی درهم فی السنة، قال (علیه السلام): «لا بأس»((2)).

وعن أبی بردة بن رجا، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن القوم یدفعون أرضهم إلی رجل فیقولون: کُلْها وأدّ خراجها، قال (علیه السلام): «لا بأس

ص:141


1- الوسائل: ج13 ص212 الباب17 من أبواب المزارعة والمساقاة ح2
2- الوسائل: ج13 ص212 الباب17 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

به إذا شاؤوا إن یأخذوها أخذوها»((1)).

وخبر أبی الربیع قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) فی الرجل یأتی أهل قریة، وقد اعتدی علیهم السلطان فضعفوا عن القیام بخراجها، والقریة فی أیدیهم ولا یدری هی لهم أم لغیرهم فیها شیء، فیدفعونها إلیه علی أن یؤدی خراجها، فیأخذ منهم ویؤدی خراجها ویفضل بعد ذلک شیء کثیر، فقال (علیه السلام): «لا بأس بذلک إذا کان الشرط علیهم بذلک»((2)).

وهل هذا عقد خاص أو مراضاة، احتمالان:

وإن لم یبعد الأول، لأنه نوع عقد عرفاً، لکن ظاهر خبر أبی بردة أنه غیر لازم، ولعله شرط ضمنی.

کما أن ظاهر هذه الأخبار عدم الفرق بین الأرض والقریة مما له حاصل، سواء الحاصل الزارعی أو التجاری بإیجار بیوتها ونحو ذلک.

ثم إنا قد ذکرنا فی الکتب الاقتصادیة أن المستفاد من بعض الأخبار، وقد أفتی بعض الفقهاء به: لزوم عدم الإجحاف فی المعاملات، فلا یحق لمستأجر القریة والأرض وأخذهما مزارعة أو نحوها الإجحاف بحق أهل القریة وإلاّ ردّ إلی الأجرة العادلة.

وقد تقدم فی بعض مسائل الکتاب أنه لا یضر هذا المقدار من الجهالة فی خراج السلطان إذا لم یکن غرراً عرفاً.

ص:142


1- الوسائل: ج13 ص212 الباب17 من أبواب المزارعة والمساقاه ح3
2- الوسائل: ج13 ص212 و213 الباب17 من أبواب المزارعة والمساقاة ح4

مسائل متفرقة

مسائل متفرقة

الأولی: إذا قصر العامل فی تربیة الزرع فقل الحاصل، فالظاهر ضمانه التفاوت

{مسائل متفرقة} راجعة إلی المزارعة.

{الأولی: إذا قصر العامل فی تربیة الزرع فقلّ الحاصل، فالظاهر ضمانه التفاوت} لقاعدة: «لا یتوی حق امرئ مسلم»((1))، وما أشبه، وقد سبق أن الحیلولة دون الإنسان والعمل، أو دونه وماله فلم یستفد منه موجب للضمان، لصدق «من أتلف» ونحوه، فقد أتلف العامل علی مالک الأرض منفعة أرضه.

وعلیه فلا فرق بین أن یزرع کلها دون الزرع المثمر متعارفاً، أو لم یزرع بعض الأرض إطلاقاً، کما لا فرق بین کون ذلک عن تقصیر کما فی المتن، أو قصور.

ومنه یعلم الإشکال فی إشکال المستمسک علی ذلک، حیث قال: (لا دلیل علی ضمان النقص إلاّ قاعدة الإتلاف وهی تختص بالنقص الطارئ علی الموجود کاملاً، ولا تشمل ما لو وجد ناقصاً، ویحتمل أن یکون المراد نقص العمل المؤدی

ص:143


1- المستدرک: ج3 ص215 الباب46 من أبواب نوادر الشهادات ح5

بحسب تخمین أهل الخبرة، کما صرح به المحقق القمی (قدس سره) فی أجوبة مسائله.

إلی نقص الحاصل، وفیه: إن الأعمال الذمیة لا تکون مضمونة) انتهی ملخصاً.

إذ «من أتلف» عرفی وهو شامل لکلا قسمی التلف.

وابن العم کبعض المعلقین الآخرین اختاروا کلام الماتن، حیث سکتوا علیه، خلافاً لآخرین حیث أشکلوا علیه فی أصل المسألة، وفی أن فتواه هنا تنافی اختیاره الوجه الخامس من الوجوه الستة سابقاً فی مسألة ترک الزارع الزرع.

ثم الظاهر أن المالک إذا علم بذلک قبل البلوغ، له خیار الفسخ، حیث لم یعمل بشرطه، والکلام فی الحاصل الموجود والأجرة ما تقدم فی شبه المسألة.

ثم إن التفاوت الذی للمالک حق فیه علی العامل إنما یعرف {بحسب تخمین أهل الخبرة} لأنه طریق عقلائی إلی قدر الحاصل، والشارع لم یردع عنه، فیشمله دلیل «من أتلف» ونحوه، فإن موضوع التلف یعرف بهم.

{کما صرح به المحقق القمی (قدس سره) فی أجوبة مسائله}.

ثم إنه إذا قصر المالک فی إعطاء الأرض، إما بأن أعطاها بعد مدة، حیث أضر ذلک بالزرع، أو أعطاها غیر خالیة من الموانع مع أنه کان علیه ذلک أو ما أشبه، کان علیه أیضاً ضمان التفاوت بنفس الدلیل المتقدم فی الفرع السابق.

ویأتی الکلام بالنسبة إلی البذر والعوامل إذا أعطی الثالث والرابع دون ما ینبغی، وقد تقدم الکلام فی مثل هذه الأمور فی مسألة سابقة.

یبقی شیء، وهو أن العامل إذا

ص:144

الثانیة: إذا ادعی المالک علی العامل عدم العمل بما اشترط فی ضمن عقد المزارعة من بعض الشروط، أو ادعی علیه تقصیره فی العمل علی وجه یضر بالزرع، وأنکر الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصیر فیه، فالقول قوله، لأنه مؤتمن فی عمله

أکثر من العمل زائداً عن المتعارف، فهل یعطی کل الحصة للمالک، أو بمقدار حقه من الحصة المقررة بزیادة حقه لما أخذ الزرع الزائد من أرضه، الظاهر الثانی.

وعلیه فکل الزائد باستثناء حق الأرض للزارع، مثلاً کان المتعارف إعطاء مائة وسق، وبزیادة العمل أعطی مائتی وسق مما لم یشمله دلیل المزارعة، فإن المائة الثانیة مشترکة بینهما، هذا بقدر أرضه والعامل حسب عمله، لما ذکرناه مکرراً من أن الحاصل یشترک فیه العمل والأرض.

{الثانیة: إذا ادعی المالک علی العامل عدم العمل بما اشترط فی ضمن عقد المزارعة من بعض الشروط، أو ادعی علیه تقصیره فی العمل علی وجه یضر بالزرع، وأنکر الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصیر فیه، فالقول قوله لأنه مؤتمن فی عمله} ولیس علی الأمین إلاّ الیمین، ولو لا القاعدة المذکورة لکان الأصل مع المالک، إذ الأصل عدم الوفاء بالشرط، والأصل عدم فعل تمام ما کان علیه من العمل.

نعم لو کان التقصیر بالزیادة کان الأصل مع الزارع، فقد یدعی أنه أعطی الزرع ماءً قلیلاً ففسد، وقد یدعی أنه أعطاه ماءً کثیراً ففسد.

أما لو انعکس الأمر، بأن ادعی الزارع علی المالک أنه سلمه أرضاً غیر صالحة،

ص:145

وکذا لو ادعی علیه التقصیر فی حفظ الحاصل بعد ظهوره وأنکر.

ولذا فسد الزرع، مع أنه کان الواجب علیه تسلیم الأرض صالحة، أو أرضاً صالحة، حیث کانت الأرض الکلیة مورد المزارعة، فالأصل مع الزارع لأن تسلیم المالک الأرض الصالحة خلاف الأصل، إلاّ أن یقال: أصالة حمل فعل المسلم علی الصحیح مقدمة علی ذلک الأصل.

ومثله یقال فی الزارع أیضاً، لأصالة حمل فعله من الزراعة علی الصحیح أیضاً.

ولوادعی أحدهما فساد العقد فعلی الزارع الأجرة علی القول المشهور، والآخر صحته فالحصة، قدم قول مدعی الصحة، لأصالة الصحة فی العقود کما تقدم مثله.

{وکذا لو ادعی علیه التقصیر فی حفظ الحاصل بعد ظهوره وأنکر} العامل ذلک، لقاعدة «الأمین مؤتمن».

ولا یخفی أنه بالإضافة إلی أنه «لیس علی الأمین إلاّ الیمین» الذی هو مورد النص والإجماع، یدل علی الحکم أیضاً السیرة المستمرة من المتشرعة علی قبول قول الأمین فیما اؤتمن علیه، کما ادعاها غیر واحد، بل عدّ فی الجواهر من الضروریات قبول إخبار الوکیل فی التطهیر.

وقال فی المستمسک: هو فی محله، ولذا یقبلون إخبار الأجیر والمتبرع بالعمل ونحوهما.

نعم ینبغی أن یقال: إن الحاکم إذا شک فی صدق الأجیر ونحوه فیما ادعی المستأجر ونحوه خیانته أو شکه فیه، کان له الفحص بالتحقیق وتفریق الأجراء ونحو ذلک، فلا یقال: إنه لیس علیه إلاّ الحلف وأنه یحق له أن لا یجیب عن

ص:146

الثالثة: لو ادعی أحدهما علی الآخر شرطاً متعلقاً بالزرع

الأسئلة الموجهة إلیه حال التحقیق، لما یستفاد من المناط فیما ذکروه فی کتاب القضاء من التحقیق عن الشهود.

ویدل علیه أیضاً قاعدة «من ملک شیئاً ملک الإقرار به» الذی ادعی علی صحتها الإجماع کثیر من الأعاظم، فإن الوکیل یقبل قوله فی ما وکّل فیه، والحاکم فی أنه حکم بکذا، والزوج فی أنه طلق زوجته، والولی فی تصرفه فی شأن من شؤون المولی علیه، وذوی المیت فی غسل میتهم والصلاة علیه، والوصی فیما أوصی إلیه، إلی غیر ذلک.

نعم یأتی فی کل ذلک تحقیق الحاکم عن المتهم منهم حتی بالنسبة إلی الحاکم السابق المعزول، مثلاً إذا ادعی علیه المحکوم علیه بالحیف وما أشبه، کما ذکروه فی کتاب القضاء.

أما قول المستمسک: (إن الجامع بین ما نحن فیه وبین قاعدة من ملک هو أنه إذا کان الفعل وظیفة الإنسان فأخبر بوقوعه یقبل، سواء کان الجاعل للوظیفة الشارع المقدس أم غیره من الناس، والأول هو مورد قاعدة من ملک، والثانی مورد قاعدة خبر المؤتمن علی فعل إذا أخبر بفعله) انتهی.

فیحتاج إلی التأمل حیث إن المؤتمن لا فرق فیه بین أن یکون أمیناً من الشارع أو الناس، فیشمله لیس علی الأمین، کما یشمله قاعدة من ملک، لأنه مالک.

{الثالثة: لو ادعی أحدهما علی الآخر شرطاً متعلقاً بالزرع} أو بغیره مما شرط فی ضمن عقد المزارعة، فإنها حیث کانت لازمة کان الشرط فی ضمنها لازماً أیضاً.

ص:147

وأنکر أصل الاشتراط فالقول قول المنکر.

الرابعة: لو ادعی أحدهما علی الآخر الغبن فی المعاملة فعلیه إثباته، وبعده له الفسخ.

الخامسة: إذا زارع المتولی للوقف الأرض الموقوفة بملاحظة مصلحة البطون إلی مدة لزم

{وأنکر} الآخر {أصل الاشتراط} أو الزیادة فیه مع قبول أصله، مثلاً قال: إنه شرط علیه عدم اشتراء البذر من فلان، فإنه شرط، أو قال: شرط علیه أن لا یزرع فی البرد، وقال الزارع: بل کان الشرط أن لا أزرع فی البرد الشدید لا مطلق البرد.

{فالقول قول المنکر} لما تقدم من أصالة العدم، وإذا کان المنکر الزارع فی ما ادعی مخالفة شرط علیه شمله «لیس علی الأمین» وقاعدة «من ملک».

{الرابعة: لو ادعی أحدهما علی الآخر الغبن فی المعاملة} فله الخیار، أو العیب فی الأرض أو الزرع والعوامل، أو تخلف الوصف فیها، أو الاشتراط بأن شرط علیه أنه یحق له الفسخ أو ما أشبه.

{فعلیه إثباته} لأصالة عدمه {وبعده} أی بعد الإثبات {له الفسخ} حسب الخیار، والمراد ب_ (بعده) فی عالم الإثبات، وإلا فلو فسخ قبل ذلک وأثبت بعده أنه کان له الفسخ ثبت فسخه.

{الخامسة: إذا زارع المتولی للوقف الأرض الموقوفة} فإن لم تکن بمصلحة البطون بطلت، وإن کانت {بمصلحة البطون إلی مدة لزم} العقد، لإطلاق أدلة لزوم المزارعة.

ص:148

ولا تبطل بالموت

{ولا تبطل بالموت} للمتولی أو البطن، لأن للمتولی الصلاحیة لذلک، لکن اللازم أن یقید ذلک بحد صلاحیة المتولی، فإن الواقف إذا جعل متول فی کل مرتبة، کان معنی ذلک أن التولیة تنقطع بالموت وتصل النوبة إلی المتولی الذی بعده، فلا حق للمتولی فی التصرف أکثر من شأنه.

نعم حیث لا حد لعمر الإنسان بحیث یعلمه، یلزم أن یعمل المتولی حسب المتعارف، فلا یحق له أن یؤجر الوقف مائة سنة مثلاً، والحال أنه یعلم أن بعد خمسین سنة مثلاً تصل النوبة إلی متول بعده، وإلاّ کان جعل الواقف المتولی الذی بعده لغواً.

نعم إذا أعطی الواقف الصلاحیة فوق ذلک للمتولی ولو ارتکازاً، کان معناه عدم حق المتولی اللاحق، وله ذلک لأنه ملکه.

ومثل ذلک یجری بالنسبة إلی الفقهاء الذین هم وکلاء الأئمة (علیهم السلام)، فإنه لا حق للفقیه فی تولی الشؤون إلی ما بعده، لأن المنصرف من الوکالة نفس مدة بقائه عرفاً، وإلاّ لزم عدم الوکالة بالنسبة إلی من بعده من جهة هذا الشیء الذی تصرف فیه الفقیه السابق أکثر من حقه.

وعلیه فإذا کان وقف متولیه الفقیه من جهة ولایته، وآجره مدة خمسین سنة، أکثر من عمره حسب المتعارف، فمات وجاء الفقیه الثانی کان له الإجازة والفسخ، لأنه فضولی بالنسبة إلی الزائد من حقه.

وکذا بالنسبة إلی الولی والمتولی والوصی وما أشبه، فما تعارف من إجارة بعض الأوقاف تسعاً وتسعین سنة محل تأمل بالنسبة إلی البقاء، وإنما یفعل المتولی

ص:149

وأما إذا زارع البطن المتقدم من الموقوف علیهم الأرض الموقوفة ثم مات فی الأثناء قبل انقضاء المدة، فالظاهر بطلانها من ذلک الحین لانتقال الأرض إلی البطن اللاحق، کما أن الأمر کذلک فی إجارته لها، لکن استشکل فیه المحقق القمی (رحمه الله) بأن عقد المزارعة لازمة ولا تنفسخ إلاّ بالتقایل أو ببعض الوجوه التی ذکروها، ولم یذکروا فی تعدادها هذه الصورة

الآتی ما یراه صلاحاً من الإجازة والرد، إلاّ إذا کان المرتکز من قصد الواقف ذلک، مثلاً اضطر المتولی إلی إیجاره لأنه انهدم ولا یمکن تعمیره إلاّ بإیجاره أکثر من عمره، إلی غیر ذلک من الأمثلة، والمسألة بحاجة إلی تأمل أکثر.

{وأما إذا زارع البطن المتقدم من الموقوف علیهم الأرض الموقوفة، ثم مات فی الأثناء} أو خرج عن الصلاحیة {قبل انقضاء المدة، فالظاهر} کونه فضولیاً، إن شاء البطن اللاحق أجاز، وإن شاء رد.

وکأنه هو مراده بقوله: {بطلانها من ذلک الحین لانتقال الأرض إلی البطن اللاحق} کما اقتضاه جعل الواقف {کما أن الأمر کذلک فی إجارته لها} وصلحه علیها، إلی غیر ذلک.

{لکن استشکل فیه المحقق القمی (رحمه الله) بأن عقد المزارعة لازمة ولا تنفسخ إلاّ بالتقایل أو ببعض الوجوه التی ذکروها} کانقطاع الماء ونحوه مما تقدم.

{ولم یذکروا فی تعدادها هذه الصورة} ولعله أراد ادعاء الإجماع علی ذلک، ولم یکن عدم ذکرهم من باب عدم الالتفات إلی المسألة هنا، وذلک

ص:150

مع أنهم ذکروا فی الإجارة بطلانها إذا آجر البطن المتقدم ثم مات فی أثناء المدة، ثم استشعر عدم الفرق بینهما بحسب القاعدة فالتجأ إلی أن الإجارة أیضاً لا تبطل بموت البطن السابق فی أثناء المدة، وإن کان البطن اللاحق یتلقی الملک من الواقف لا من السابق، وأن ملکیة السابق کانت إلی حین موته،

{مع أنهم ذکروا فی الإجارة بطلانها إذا آجر البطن المتقدم ثم مات فی أثناء المدة} فعدم ذکرهم فی المزارعة مع ذکرهم فی الإجارة دلیل علی أن بناءهم عدم البطلان، أو الخیار فی باب المزارعة.

{ثم استشعر} المحقق {عدم الفرق بینهما} الإجارة والمزارعة {بحسب القاعدة} لأنهما من باب واحد، إن کان حق للبطن اللاحق فی الإجارة جری فی المزارعة، وإن لم یکن حق فی المزارعة کانت الإجارة کذلک.

{فالتجأ إلی} الإشکال علی المشهور فی الإجارة وقال: {إن الإجارة أیضاً} کالمزارعة {لا تبطل بموت البطن السابق فی أثناء المدة} التی أجرها البطن السابق.

إن قلت: کیف لا تبطل والبطن اللاحق لیس وراء البطن السابق فی الحق، فلیس مثل الملک حیث إن الوارث وراء المورث فی الملک.

قلت: {وإن کان البطن اللاحق یتلقی الملک من الواقف لا من} البطن {السابق، وأن ملکیة السابق کانت إلی حین موته} لأن الواقف لما ملک الملک ممتداً جعل کل قطعة من ملکیته الممتدة لبطن من البطون مرتباً، وإنما تبقی الإجارة بعد موت البطن،

ص:151

بدعوی أنه إذا آجر مدة لا تزید علی عمره الطبیعی، ومقتضی الاستصحاب بقاؤه بمقداره، فکما أنها فی الظاهر محکومة بالصحة کذلک عند الشارع وفی الواقع، فبموت السابق ینتقل ما قرره من الأجرة إلی اللاحق لا الأرض بمنفعتها، إلی آخر ما ذکره من النقض والإبرام، وفیه ما لا یخفی،

{بدعوی أنه إذا آجر مدة لا تزید علی عمره الطبیعی} حیث لا یحق له إیجاره أزید من عمره الطبیعی قطعاً، لأن المالک _ الواقف _ لم یجعل له ذلک، کان {ومقتضی الاستصحاب بقاؤه بمقداره} بقاء الإیجار بمقدار عمره الطبیعی، فإنه إذا شک فی بطلانه قبل انتهاء المدة استصحب البقاء لتمامیة أرکان الاستصحاب {فکما أنها} أی الإجارة {فی الظاهر} بمقتضی الاستصحاب {محکومة بالصحة کذلک عند الشارع وفی الواقع} لأن الواقع أن کل بطن له حق بقدر عمره الطبیعی، والشارع قرر ذلک، حیث جعل «الوقوف علی حسب ما وقفها أهلها» {فبموت} البطن {السابق ینتقل ما قرره من الأجرة إلی اللاحق} بدون أن تبطل الإجارة، وإنما یسدد المستأجر أقساطه إلی البطن اللاحق، فإذا کانت الإجارة هکذا کانت المزارعة کذلک {لا الأرض بمنفعتها} فإنها لا تنتقل إلی البطن اللاحق حتی تبطل الإجارة.

{إلی آخر ما ذکره من النقض والإبرام} لإثبات أن کلاً من مزارعة الأرض الموقوفة وإجارتها لا تبطل بموت البطن السابق.

{وفیه ما لا یخفی} مما تقدم، فإن الواقف جعل حق البطن السابق محدوداً

ص:152

ولا ینبغی الإشکال فی البطلان بموته فی المقامین.

والشارع أمضی ما جعله الواقف، فکیف یحق للبطن السابق أن یتصرف فی ما للبطن اللاحق، سواء فی الإجارة أو المزارعة أو غیرهما کالصلح ونحوه.

{ولا ینبغی الإشکال فی البطلان بموته فی المقامین} ولا مجال للاستصحاب بعد عدم تمامیة أرکانه، لأنه لیس شک فی اللاحق، بل علم بالانقلاب عن الحالة السابقة.

ومنه یعلم حال ما إذا کانت العوامل أو الماء أو العبد وقفاً وجرت الإجارة أو المزارعة أو نحوهما علیها.

ثم إن موت البطن السابق قد یکون قبل الشروع فی عمل المزارعة، فلا شیء للبطن السابق، سواء أجاز البطن اللاحق أم لا، فإن أجاز کان العقد له بجمیع مزایاه، وإلاّ بطل وردت الأرض إلیه.

وقد یکون بعد انتهاء بلوغ الحاصل وتمام المزارعة فالحاصل کله للبطن السابق حسب الحصة المقررة له.

وقد یکون فی الأثناء، فإن أجاز البطن اللاحق المزارعة کان البطنان یشترکان فی الحصة للأرض کل بنسبة حقه فی الأرض، مثلاً کان للأرض النصف وکان قدر بقاء البطن السابق بقدر حقه فی ثلث النصف، کان له السدس، والسدسان للبطن اللاحق وهکذا، وإن لم یجز البطن اللاحق المزارعة بطلت وکان حکمه کما تقدم فی مسألة الفسخ والانفساخ.

ومما تقدم یعلم وجه النظر فی کلام السید الجمال حیث قال: (لو کان موت البطن المتقدم بعد خروج وقت الزرع، فالظاهر صحة المزارعة بالنسبة إلی مزروع تلک السنة، ولو کان البطن المتقدم هو الزارع کان الزرع له بلا أجرة

ص:153

السادسة: یجوز مزارعة الکافر، مزارعاً کان أو زارعاً.

علیه للبطن المتأخر، وکذلک الحال فی ثمرة النخیل والأشجار أیضاً لو مات البطن المتقدم بعد ظهورها وترث الزوجة نصیبها من جمیع ذلک) انتهی.

{السادسة: یجوز مزارعة الکافر، مزارعاً کان أو زارعاً}.

أولاً: لإطلاق الأدلة.

وثانیاً: نصوص خیبر، حیث کان الزراع کفاراً، وما تقدم من بعض الروایات الدالة علی مزارعة العلج.

لا یقال: إن کان المزارع کافراً أوجب تسلیط الکافر علی المؤمن، ﴾ولن یجعل الله للکافرین علی المؤمنین سبیلا﴿.

لأنه یقال: إنه لیس بتسلیط، وقد ورد أن الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) کان یعمل عند بعض الکفار کما فی البحار، أما خدیجة (علیها السلام) حیث کان یعمل عندها الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) قبل الإسلام، فلم یعلم أنها کانت کافرة، ولعلها کانت مؤمنة، کما ورد فی أبی طالب وفاطمة بنت أسد (علیهما السلام) وغیرهما، بالإضافة إلی أن ذلک کان قبل نزول الآیة المبارکة.

أما المؤمن الذی یعمل عند الکافر الحربی، فالظاهر أنه لا احترام لعقده بالنسبة إلیه، لأنه مهدور المال، وکذلک الحربی الذی یعمل عند المسلم، مثل مسلم یعمل فی مزرعة یهودی فی فلسطین، أو یهودی هناک یعمل فی مزرعة مسلم، ثم إذا اختلف طرفا المزارعة اللذان أحدهما مسلم والآخر کافر وراجعا حاکم المسلمین، کان علیه أن یحکم بحکم الإسلام، أو حکم الکفار الذی فیه نفع للمسلم من باب قاعدة الإلزام، ولا یحق له أن یحکم بحکم الکفار بما فیه ضرر المسلم، للأصل

ص:154

السابعة: فی جملة من الأخبار النهی عن جعل ثلث للبذر وثلث للبقر وثلث لصاحب الأرض، وأنه لا ینبغی أن یسمی بذراً ولا بقراً، فإنما یحرم الکلام، والظاهر کراهته، وعن ابن الجنید وابن البراج حرمته، فالأحوط الترک.

بعد عدم قاعدة الاستثناء هنا، أما إذا کان طرفا النزاع کافرین، فله أن یحکم بحکمنا بینهما أو بحکمهم، کما ذکرناه فی کتاب القضاء وغیره.

ثم إن القاضی الذی یرجع إلیه مزارعان مسلمان، له أن یحکم حسب اجتهاده أو تقلیده، إن قلنا بصحة کون القاضی المنصوب مقلداً، وإن کان حکمه مخالفاً لأحدهما أو کلیهما اجتهاداً أو تقلیداً، لما ذکرناه فی کتاب القضاء من حکم الحاکم حسب نظره، فراجع.

{السابعة: فی جملة من الأخبار} تقدمت فی المسألة الثانیة عشرة {النهی عن جعل ثلث للبذر وثلث للبقر وثلث لصاحب الأرض}، والظاهر أنه من باب المثال، وإلاّ فالحکم کذلک إذا جعل لأحدهما أکثر أو أقل.

{وأنه لا ینبغی أن یسمی} فی ضمن عقد المزارعة {بذراً ولا بقراً} وقد استدل الإمام (علیه السلام) بقوله: {«فإنما یحرم الکلام»} والمراد بالتحریم هنا عدم انعقاد المزارعة، بقرینة «یحلل الکلام»، وقد ذکر المراد به الشیخ (رحمه الله) فی المکاسب فراجع کلامه.

{والظاهر کراهته} لإعراض المشهور عنها {و} إن حکی {عن ابن الجنید وابن البراج حرمته} ومال إلی ذلک الجواهر، إذ الإعراض قوی جداً بحیث لا یدع مجالاً للریب، ولکن مع ذلک {فالأحوط الترک} فإن الاحتیاط سبیل النجاة.

ص:155

الثامنة: بعد تحقق المزارعة علی الوجه الشرعی یجوز لأحدهما بعد ظهور الحاصل أن یصالح الآخر عن حصته بمقدار معین من جنسه أو غیره بعد التخمین بحسب المتعارف، بل لا بأس به قبل ظهوره أیضاً،

{الثامنة: بعد تحقق المزارعة علی الوجه الشرعی یجوز لأحدهما} أو الثلاثة أو الأربعة إذا تعددوا {بعد ظهور الحاصل أن یصالح الآخر} أو یصالح شخصاً خارجاً {عن حصته} إذا کان حسب الموازین العرفیة له حصة، لا ما إذا علم أن لا حصة له {بمقدار معین من جنسه} کالحنطة بالحنطة {أو غیره} وذلک لعمومات الصلح من دون مانع فی المقام، وعن الجنس غیر ضائر بتوهم الربا لما تقدم فی مسألة العشرین من أنه من جهة فساد الأموال کما فی النص، وهذا لیس منه، لا لأنه لیس بمکیل ولا موزون، کما علله المستمسک.

{بعد التخمین} وهل یصح بدونه، الظاهر ذلک إذا لم یکن غرراً، وقول المستمسک: (إن النهی عن الغرر خاص بالبیع) قد تقدم الإشکال فیه.

وعلیه فلابد أن یکون التخمین {بحسب المتعارف} والظاهر أن القید توضیحی، لأن التخمین ظاهر فی ذلک.

{بل لا بأس به قبل ظهوره أیضاً} لإطلاق أدلة الصلح، ولیس هذا من بیع الثمرة حتی یستشکل فیه قبل ظهوره.

نعم لابد من العلم ولو العادی بظهوره فی المستقبل، وإلاّ فإذا لم یثبت طرف الصلح لم یصح الصلح، وإذا صالح ولم یظهر ظهر بطلان الصلح، إذ تبین أنه لم یکن له موضوع.

ص:156

کما أن الظاهر جواز مصالحة أحدهما مع الآخر عن حصته فی هذه القطعة من الأرض بحصة الآخر فی الأخری، بل الظاهر جواز تقسیمهما بجعل إحدی القطعتین لأحدهما والأخری للآخر، إذ القدر المسلم لزوم جعل الحصة مشاعة من أول الأمر وفی أصل العقد.

{کما أن الظاهر جواز مصالحة أحدهما مع الآخر عن حصته فی هذه القطعة} الخاصة {من الأرض بحصة الآخر فی} القطعه {الأخری} لإطلاق أدلة الصلح، وکذلک عن حصته فی نوع مزروع بحصة الآخر من مزروع آخر، سواء فی هذه المزارعة إذا کان المزروع أنواعاً أو مزارعة أخری أو ملک آخر له، کل ذلک لإطلاق الأدلة.

{بل الظاهر جواز تقسیمها} لإطلاق دلیل القسمة، ولأن «الناس مسلطون علی أموالهم» بشرط أن لا یکون غرراً أیضاً.

{بجعل إحدی القطعتین لأحدهما، والأخری للآخر} والتقسیم غیر الصلح کما لا یخفی علی من راجع بابیهما فی کتاب الصلح وکتابی القضاء والشرکة.

{إذ القدر المسلّم لزوم جعل الحصة مشاعة من أول الأمر} کما هو مقتضی المزارعة، فلا یصح أن یجعل لکل واحد حصة فی قطعة، أو مزروعاً خاصاً إذا کان یُزرع قسمان أو أکثر.

{وفی أصل العقد} فلا ینافی الصلح، أو التقسیم بعد ذلک.

وکذلک یصح أن یجعل بعد المزارعة حصته لشریکه فی المقطع الثانی فی ما کان ذا قطعات، أو إذا زرع مرتین فی السنة فی عقد مزارعة، بأن یجعل هذا الزرع له، والثانی لشریکه، وکذا إذا جعل بالصلح لأحدهما الحب وللآخر التبن مثلاً، إلی غیرها من الصور.

ص:157

التاسعة: لا یجب فی المزارعة علی أرض إمکان زرعها من أول الأمر، وفی السنة الأولی، بل یجوز المزارعة علی الأرض بائرة لا یمکن زرعها إلاّ بعد إصلاحها وتعمیرها سنة أو أزید، وعلی هذا إذا کانت أرض موقوفة وقفاً عاماً أو خاصاً، وصارت بائرة یجوز للمتولی أن یسلمها إلی شخص بعنوان المزارعة إلی عشر سنین أو أقل أو أزید، حسب ما تقتضیه المصلحة،

{التاسعة: لا یجب فی المزارعة علی أرض إمکان زرعها من أول الأمر} إذ لا دلیل علی هذا القید، فأدلة المزارعة تشمل هذه الصورة من غیر مقید، کما أنه کذلک بالنسبة إلی البذر والعامل والعوامل، فإذا لم تکن صالحة حال العقد لاحتیاج البذر إلی تنقیة وکانت العوامل صغیرة والعامل مریضاً مثلاً، لم یضر بصحة المزارعة.

{وفی السنة الأولی} إذا عقدت المزارعة لسنوات {بل یجوز المزارعة علی أرض بائرة} بعدم الماء أو کثرته أو الأملاح أو غیر ذلک {لا یمکن زرعها إلاّ بعد إصلاحها وتعمیرها سنة أو أزید}.

نعم إذا لم یمکن الإصلاح لها فی هذه السنة لم یصح مزارعتها لهذه السنة لعدم الموضوع، وکذلک فی البذر، إذا لم یمکن تحصیله من ید الغاصب، وعقدت الزراعة علی هذا البذر الشخصی فی هذه السنة، وکذلک بالنسبة إلی العامل والعوامل.

{وعلی هذا، إذا کانت أرض موقوفة وقفاً عاماً أو خاصاً، وصارت بائرة، یجوز للمتولی أن یسلمها إلی شخص} أو أکثر {بعنوان المزارعة إلی عشر سنین أو أقل أو أزید، حسب ما تقتضیه المصلحة} إذ لا حق للمتولی إلاّ

ص:158

علی أن یعمرها ویزرعها إلی سنتین مثلاً لنفسه، ثم یکون الحاصل مشترکاً بالإشاعة بحصة معینة.

العمل بذلک، أو حسب عدم المفسدة إذا لم نشترط المصلحة، کما هو کذلک فی مال الصغیر {علی أن یعمرها ویزرعها إلی سنتین مثلاً لنفسه} فلا تکون للموقوف علیه والمولی علیه، وکذلک بالنسبة إلی الوصیة بالثلث ونحو ذلک.

{ثم یکون الحاصل مشترکاً بالإشاعة بحصة معینة} وحیث کان ذلک متعارفاً فی الأوقاف ذکره المصنف، فلا مانع فیه من جهة الوقف ولا من جهة المزارعة.

وعلیه فإشکال المستمسک علی المصنف (رحمه الله) (بأن هذا لا دخل له فی تفریع جواز المزارعة علی أرض الوقف البائرة، علی ما ذکره من جواز انفصال الزرع عن سنة عقد المزارعة، بل کان له الأول ترکه، لأن اختصاص الزرع بالعامل فی السنتین الأولیین مثلاً ینافی وضع المزارعة من لزوم کون الحاصل مشترکاً)، إلی آخر کلامه غیر ظاهر الوجه، وما المانع من شرط مثل ذلک فی سائر المزارعات، بأن یقول: زارعتک الأرض سنتین بشرط أن یکون الحاصل فی السنة الثالثة لی مثلاً، سواء تلفظ بالشرط أو جعله شرطاً ضمنیاً.

ثم إن ما ذکره من استظهار عدم تمامیة کفایة کون الزرع مشترکاً فی بعض السنین، بل اللازم اشتراکه دائماً مستدلاً بصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، ولکن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به». وقال: «لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس»

ص:159

العاشرة: یستحب للزارع _ کما فی الأخبار _ الدعاء عند نثر الحب بأن یقول: «اللهم قد بذرنا وأنت الزارع واجعله حباً متراکباً»

انتهی، غیر تام، کیف والروایة لا دلالة فیها علی المنع بعنوان الشرط الضمنی بل المزارعة أیضاً، إذ عدم شمول القسم المذکور فی الروایة له لا یدل علی عدم الصحة، لأنه من باب مفهوم اللقب، مع أنه متعارف عند أهل الزراعة کما سلّم به المستمسک، فیشمله دلیل المزارعة، لأن عمل الشرع إمضائی، فما لم یدل علی المنع لا وجه لمنعه، فقوله: (نعم یمکن البناء علی صحته لا بعنوان المزارعة بل بعنوان عقد آخر غیرها لکنه لیس من الکتب المحررة فی کتب الفقهاء)، لا یخفی ما فیه من النظر.

وکیف کان، فمثل ذلک جار فی الوقف کما یجری فی الملک، سواء کان وقفاً عاماً مثل الوقف للمسجد، أو خاصاً کالوقف للذریة، ولذا الذی ذکرناه سکت علی المتن جملة من المعلقین کالسادة ابن العم والجمال والبروجردی وغیرهم، وإن قال بعضهم: (إنه یصح من حین الاشتراک، لا وقت عدمه، فإنه یصح بعنوان الشرط فی ضمن المزارعة، والله العالم).

{العاشرة: یستحب للزارع _ کما فی الأخبار _ الدعاء عند الحب بأن یقول} کما فی خبر شعیب العقرقوفی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا بذرت فقل: {اللهم قد بذرنا وأنت الزارع فاجعله حباً متراکباً»} وفی نسخة أخری: «مبارکاً»((1)).

ص:160


1- الوسائل: ج13 ص197 الباب5 من أبواب المزارعة والمساقاة ح2

وفی بعض الأخبار: «إذا أردت أن تزرع زرعاً فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة وقل: ﴾أَفَرَأَیْتُمْ ما تَحْرُثُونَ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴿ ثلاث مرات، ثم تقول: بل الله الزارع، ثلاث مرات، ثم قل: "اللهم اجعله حباً مبارکاً وارزقنا فیه السلامة"، ثم انثر القبضة التی فی یدک فی القراح».

{وفی بعض الأخبار} عن ابن بکیر، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): {«إذا أردت أن تزرع زرعاً فخذ قبضة من البذر»}.

أقول: إذا کان البذر بواسطة الآلة لم یبعد استحباب ذلک مع أول نثرها.

{«واستقبل القبلة وقل: ﴾أفرأیتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون﴿ ثلاث مرات»} تقرأ الآیة التی هی من سورة الواقعة.

{«ثم تقول: بل الله الزارع، ثلاث مرات، ثم قل: "اللهم اجعله حباً مبارکاً وارزقنا فیه السلامة" ثم انثر القبضة التی فی یدک فی القراح»((1))}.

ولا یبعد کفایة قراءة ذلک بأیة لغة کانت له، أما إذا فسر الآیة فلم یقرأ الآیة الکریمة.

وهل یستحب مثل ذلک فی شتل الفسیل مما لیس بنثر الحب، لا یبعد ذلک.

ثم إنهم ذکروا فی توقیفیة الأسماء أنه لا یصح إلاّ الوارد حتی بصیغته، فلم یجز أن یسمی الله ماکراً، ولا مضلاً، مع أنه ورد ﴾ومکر الله﴿، ﴾ومن یضلل الله﴿، فهذه الروایة تدل علی جواز إطلاق الزارع علیه سبحانه.

ص:161


1- الوسائل: ج13 ص197 الباب5 من أبواب المزارعة والمساقاة ح3

وفی خبر آخر: «لما هبط آدم (علیه السلام) إلی الأرض احتاج إلی الطعام والشراب، فشکا ذلک إلی جبرئیل، فقال له جبرئیل: یا آدم کن حراثاً، فقال (علیه السلام): فعلمنی دعاءً، قال: قل: اللهم اکفنی مؤنة الدنیا وکل هول دون الجنة، وألبسنی العافیة حتی تهنئنی المعیشة».

{وفی خبر آخر} عن مسمع، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: {«لما أهبط آدم (علیه السلام)، إلی الأرض احتاج إلی الطعام والشراب، فشکا ذلک إلی جبرئیل، فقال له جبرئیل: یا آدم کن حراثاً، قال (علیه السلام): فعلمنی دعاءً»} ولا ینافی ذلک: ﴾وعلّم آدم الأسماء کلها﴿((1))، لأن الأنبیاء (علیهم السلام) کانوا یتبعون الوحی وإن علموا بالشیء، وذلک لأکثریة التواضع له سبحانه.

{«قال: قل: اللهم اکفنی مؤنة الدنیا وکل هول دون الجنة»} أی قبلها {«وألبسنی العافیة حتی تهنئنی المعیشة»((2)).

هذا والظاهر أنه دعاء عام لا أنه خاص بوقت الزرع، لکن الوسائل ذکره فی هذا الباب فاتبعه المصنف، ولعله لأجل مقدمة الکلام، وإن کان فی دلالتها علی مطلوبهما نظر.

وعن علی بن محمد رفعه، قال (علیه السلام): «إذا غرست غرساً أو نبتاً فاقرأ علی کل عود أو حبة: سبحان الباعث الوارث، فإنه لا یکاد یخطئ إن شاء الله»((3)).

ص:162


1- سورة البقرة: الآیة 31
2- الوسائل: ج13 ص196 الباب5 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1
3- الوسائل: ج13 ص197 الباب5 من أبواب المزارعة والمساقاة ح4

وعن محمد بن یحیی رفعه، عن أحدهما (علیهما السلام): «تقول: إذا غرست أو زرعت: ﴾ومثل کلمة طیبة کشجرة طیبة، أصلها ثابت وفرعها فی السماء، تؤتی أکلها کل حین بأذن ربها﴿ »((1)).

وفی المستدرک روایتان فی هذا الباب، إحداهما مثل ما تقدم، والثانیة عن ابن فهد فی رقیة الدود الذی یأکل المباطخ والزرع((2)).

ص:163


1- الوسائل: ج13 ص197 الباب5 من أبواب المزارعة والمساقاة ح5
2- المستدرک: ج2 ص502 الباب4 من أبواب المزارعة والمساقاة ح2

ص:164

کتاب المساقاة

اشارة

کتاب المساقاة

ص:165

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:166

کتاب المساقاة

قال فی مفتاح الکرامة: (قد طفحت عبارات الأصحاب من المقنعة إلی الریاض بلفظ المساقاة، وإنما خلت عنه عبارة المقنع والانتصار).

قال فی المستمسک: (إن لفظ المساقاة لم یذکر فی الکتاب والسنة، ولا فی أخبار الأئمة (علیهم السلام) وإنما ذکر مفهومها والمراد منها فی النصوص).

أقول: أخذ هذا من صاحب الحدائق، حیث أشکل علی الفقهاء بأن هذا الاسم لم یرد فی الأخبار، وإنما هو شیء اصطلحوا علیه، وتبعوا العامة فی التسمیة بهذا الاسم.

لکن فی مفتاح الکرامة: (فی صحیحتی یعقوب بن شعیب: «هذا من الماء وأعمره ولک نصف ما خرج»((1)). وفی صحیحتی الحلبی وغیره: «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أعطی خیبر بالنصف أرضها ونخلها بالمساقاة»((2)). ولهذا استدل علیها جماعة بالأخبار کالشیخ والراوندی وأبی العباس وغیرهم)، انتهی.

وفی المستدرک: روی عن الدعائم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، أنه

ص:167


1- الوسائل: ج13 ص202 الباب9 من أبواب المزارعة والمساقاة ح2
2- الوسائل: ج13 ص201 الباب9 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

الأدلة علی مشروعیة المساقاة

وهی معاملة علی أصول ثابتة بحصة من ثمرها،

سئل عن المساقاة، فقال: «هو أن یعطی الرجل أرضه وفیها أشجار أو نخل، فیقول: أسق هذا واعمره واحرثه ولک مما تخرج کذا وکذا بشیء بنسبة، مما أتفقا علیه من ذلک، فهو جائز»((1)).

قال فی القواعد: (وهی مفاعلة من السقی، وسمیت به لأن أکثر حاجة أهل الحجاز إلیه لأنهم یسقون من الآبار).

أقول: لعل العلامة أراد أن أهل الحجاز یستأجرون عمالاً للسقی معهم، فکل من صاحب الأرض والعامل یسقی من البئر، وبهذه المناسبة سمیت مساقاة لتعاونهم فی السقی، ولعل الأظهر أنه من قبیل المزارعة، من أحدهم الأشجار ومن الآخر السقی، فهو من باب التغلیب، أو لأنه یسقی سقیاً بعد سقی، من قبیل المطالعة، کما تقدم فی کتاب المزارعة.

{و} کیف کان، ف_ {هی معاملة علی أصول ثابتة}، وفی بعض العبارات (نابتة) بالنون بدل الثاء. {بحصة من ثمرها}، والمراد بالأصول الثابتة کما سیأتی فی الشرط السادس قبال المقلوعة، أو الودیء، ولکن اللازم أن یقال: بصحة المساقاة حتی فی المقلوعة والودیء إذا أرید غرسها وسقیها.

ص:168


1- المستدرک: ج2 ص502 الباب7 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

ولا إشکال فی مشروعیتها فی الجملة، ویدل علیها مضافاً إلی العمومات: خبر یعقوب بن شعیب، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، سألته عن الرجل یعطی الرجل أرضه وفیها رمان أو نخل أو فاکهة ویقول: اسق هذا من الماء،

ومنه یعلم صحة المساقاة بالنسبة إلی النباتات، کالنعناع والفجل والأزهار، وما لا ثمر له وإنما فائدتها الظل والحطب، وما یزرع فی المزهریات، وما ینبت علی الحیطان للتجمیل، وما له ثمر، ونحو ذلک من کل الأقسام، لإطلاق الدلیل أو مناطه، ولأنه عمل عقلائی والشارع لم یمنع عنه، فیشمله: ﴾أوفوا بالعقود﴿ ونحوه، وإن کان ذلک لو لا الإطلاق أو المناط لم یجعل منه معاملة خاصة، کما تقدم شبه الکلام فی ذلک فی باب المزارعة والمضاربة.

{ولا إشکال فی مشروعیتها} فإنه بالإضافة إلی النص مجمع علی صحتها، کما فی الحدائق والجواهر ومفتاح الکرامة وغیرها، {فی الجملة} بالشروط والخصوصیات الآتیة.

{ویدل علیها مضافاً إلی العمومات} مثل ﴾تجارة عن تراض﴿، و﴾أوفوا بالعقود﴿ ونحوهما، {خبر یعقوب بن شعیب} المروی فی کتب المشایخ الثلاثة، وطریقان منه صحیح {عن أبی عبد الله (علیه السلام)، سألته عن الرجل یعطی الرجل أرضه وفیها رمان أو نخل أو فاکهة} أی سائر الفواکه {ویقول: اسق هذا من الماء

ص:169

واعمره ولک نصف ما أخرج، قال (علیه السلام): «لا بأس»، وجملة من أخبار خیبر، منها صحیح الحلبی قال: أخبرنی أبو عبد الله (علیه السلام) أن أباه حدثه: «أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أعطی خیبراً بالنصف أرضها ونخلها، فلما أدرکت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة»، هذا مع أنها من المعاملات العقلائیة ولم یرد نهی عنها و

واعمره ولک نصف ما أخرج} هل یصح هذا، {قال (علیه السلام): «لا بأس»}((1))، وقد تقدم خبر الدعائم وغیره.

{وجملة من أخبار خیبر، منها صحیح الحلبی} الذی رواه الکافی بسند صحیح، والإشکال فی الصحة لأجل إبراهیم بن هاشم غیر تام، کما تقدم فی بعض الکتب، ولذا جعله الفقیه الهمدانی (رحمه الله) من الصحاح.

{قال: أخبرنی أبو عبد الله (علیه السلام) أن أباه (علیه السلام) حدثه: «أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أعطی خیبراً بالنصف أرضها ونخلها، فلما أدرکت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة للخرص»((2))} للخرص، کما تقدم فی مسألة الخرص من کتاب المزارعة، حیث إن النخل کان علی نحو المساقاة، بینما کانت الأرض علی نحو المزارعة.

{هذا مع أنها من المعاملات العقلائیة ولم یرد نهی عنها} فیشمله: ﴾أوفوا بالعقود﴿، لا بعنوان أنه عقد جدید، بل العقد الذی یجریه العقلاء وهو المساقاة، إذ (أوفوا) شامل لکلا القسمین: العقد الجدید والعقود العقلائیة المعنونة، کما

ص:170


1- الوسائل: ج13 ص204 الباب11 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1
2- المستدرک: ج2 ص503 الباب12 من أبواب المزارعة والمساقاة ح3

لا غرر فیها حتی یشملها النهی عن الغرر، ویشترط فیها أمور:

الأول: الإیجاب والقبول، ویکفی فیها کل لفظ دال علی المعنی المذکور، ماضیاً کان أو مضارعاً أو أمراً، بل الجملة الاسمیة مع قصد الإنشاء

ألمعنا إلی ذلک مکرراً.

{ولا غرر فیها حتی یشملها النهی عن الغرر} إذ الغرر عرفی، والعرف لا یری فیها غرراً، فقول المستمسک: فیه منع ظاهر، غیر ظاهر الوجه، وقد تقدم مثله فی باب المزارعة.

{ویشترط فیها أمور}:

{الأول: الإیجاب والقبول} بلا إشکال ولا خلاف، کما یظهر من کلماتهم، وذلک لأنها عقد، ولا تحقق له إلاّ بهما، أما أنها عقد فلأنها تحدد سلطنة شخصین سلطنة المالک علی أشجاره، حیث یجعلها تحت ید الساقی، وسلطنة الساقی علی نفسه، حیث یجعل منافع نفسه تحت اختیار المالک.

ثم لا فرق فی ذلک بین تعدد الموجب والقابل فی الإجراء، أو وحدتهما، کما إذا کان وکیلاً عنهما، أو ولیاً لهما، أو کان بین نفسه ومن هو ولی أو وکیل عنه مثلاً، وذلک لتحقق العقد المعتبر، فاحتمال عدم کفایة الواحد غیر ظاهر الوجه.

{ویکفی فیهما کل لفظ دال علی المعنی المذکور} لإطلاق الأدلة بعد عدم دلیل علی لفظ خاص، ولذا قال فی القواعد: (فی الإیجاب کل لفظ دال علی المقصود، وفی القبول هو اللفظ الدال علی الرضا).

{ماضیاً کان أو مضارعاً أو أمراً، بل الجملة الاسمیة مع قصد الإنشاء}، والإشکال

ص:171

شروط المساقاة

بأی لغة کانت، ویکفی القبول الفعلی بعد الإیجاب القولی، کما أنه یکفی المعاطاة.

فی الأمر بأنه لیس إنشاءً للمفهوم الإیقاعی، فلا یکون إیجاباً ولا قبولاً، کما فی المستمسک، غیر ظاهر الوجه، بعد أن الإنشاء یتحقق به والعقد یؤدی به عرفاً، وقد تقدم فی بعض الروایات لفظ: (اسق).

وکذا یأتی بالجملة الاسمیة لما ذکرناه، من غیر فرق بین الصریح والمجاز والکنایة، إذا تحقق العقد عرفاً بها، لعدم دلیل علی الخصوصیة.

وعلی هذا، فکلام الشرائع وغیره حیث ألزموا لفظ الماضی، فیه منع، کما أنه قد تقدم فی بحث المزارعة مسألة الإیجاب والقبول، وأنه یمکن الإیجاب من أی منهما، کما یمکن التعاطی بدون عنوان الإیجاب والقبول، فراجع.

{بأی لغة کانت} بل قد عرفت هناک کفایة الإشارة المفهمة مع قصد الإنشاء، لصدق العقد بذلک.

{ویکفی القبول الفعلی بعد الإیجاب القولی} لشمول العقد لهما، حیث إن مقوم العقد عند العرف التزام نفسی ومظهر، ولذا یتحقق باللفظین وبالعملین وبلفظ وعمل، سواء کان الإیجاب لفظاً والقبول عملا أو بالعکس.

ولذا قال: {کما أنه یکفی المعاطاة}، ولذا استشکل علی جامع المقاصد والمسالک، حیث أشکلا فی جریان المعاطاة فی المقام، وقد علله المسالک باشتمال هذا العقد علی الغرر وجهالة العوض، بخلاف البیع والإجارة، فینبغی الاقتصار فیه علی موضع الیقین.

ص:172

الثانی: البلوغ والعقل والاختیار.

الثالث: عدم الحجر لسفه أو فلس.

الرابع: کون الأصول مملوکة عیناً ومنفعةً، أو منفعة فقط،

وفیه أولاً: لا جهالة ولا غرر عرفاً، وقد تقدم أن الغرر وجوداً وعدماً میزانه العرف.

وثانیاً: إنهما إن ضرا لا فرق بین اللفظ وغیره، اللهم إلاّ أن یرید أن الخارج ما کان أقل غرراً، واللفظ یقلل الغرر، لأنه أوضح فی مفاده من العمل، وفیه: عدم تسلیم الفرق بالأقلیة والأکثریة.

ومنه یظهر النظر فی قول مفتاح الکرامة، حیث قال: (والأصح أنه لابد فی اللزوم من اللفظ).

أما استدلال المستمسک للصحة بقوله: (وفی المقام وإن کان صحیح یعقوب المتقدم یختص باللفظ، لکن روایات خیبر عامة له وللفعل).

ففیه: إن روایات خیبر حکایة فعل، والفعل لا عموم له ولا إطلاق، ویکفی فی عدم الاحتیاج إلی اللفظ عدم دلیل علیه بعد أن العرف الذین هم الأصل لا یرون لللفظ مدخلاً.

{الثانی: البلوغ والعقل والاختیار} وأن لا یکون مفلساً ولا سفیهاً، کما تقدم وجه کل ذلک فی کتاب المزارعة، فلا حاجة إلی تکراره، وقد ذکرنا هناک أن فلس العامل غیر ضار، کما ذکرنا مسألة الصبی والمجنون الأدواری والسکران، إلی غیر ذلک.

فقوله: {الثالث: عدم الحجر لسفه أو فلس} بإطلاقه منظور فیه.

{الرابع: کون الأصول مملوکة عیناً ومنفعةً} کالأملاک الأخر {أو منفعةً فقط}،

ص:173

أو کونه نافذ التصرف فیها لولایة أو وکالة أو تولیة.

الخامس: کونها معینة عندهما معلومة لدیهما.

کما إذا استأجرها {أو کونه نافذ التصرف فیها لولایة أو وکالة أو تولیة} کالولایة علی الصغیر، والتولیة فی الوقف، وذلک لأنه لولا الملک ونحوه کانت المعاملة فی أموال الناس فضولیة.

ولو لم یکن ملک أحد کالغابة لا حق له قبل الحیازة حتی یجعل بعضها للساقی.

وولایة الحاکم فی الأوقاف العامة والمفتوحة داخلة فی الولایة، والوصی بالنسبة إلی ثلث المیت داخل فی التولیة، لأن ما کان معیناً من الشارع داخل فی الأول، وما کان من قبل إنسان داخل فی الثانی.

{الخامس: کونها معینة عندهما} فلا یکون کلیاً، ولا مردداً {معلومة لدیهما} فلا یکفی المعین المجهول، کما إذا علم أنه البستان الفلانی، لکن لا یعرف کم فیه من الأشجار، أو کیف یسقی بالدالیة أو غیرها، واللازم (عندهما) إذ لا یکفی علم أحدهما.

ولا یخفی أن العلم قد یحصل بالوصف، وقد یحصل بالرویة، وکلاهما کاف، إذ لا دلیل علی لزوم أحد الأمرین، خلافاً للإرشاد ومجمع البرهان حیث شرطا الرؤیة، واستدل لها ثانیهما بأنه مع عدم الرؤیة مجهول، وفیه: إنه لا جهل إذا کانت رؤیة خبیر، نعم إذا کانت رؤیة سطحیة لا ترفع الجاهلة، أو عمیقة عن غیر خبیر لم تنفع، لأن الغرر باق، کما أن میزان الوصف هو رفع الغرر، لا التعمق ولا السطحیة.

ولذا قال فی جامع المقاصد عند قول القواعد: (معلومة): إما بأن تکون مرئیة مشاهدة وقت العقد أو قبله، أو موصوفة بوصف یرفع الجهالة، ثم

ص:174

السادس: کونها ثابتة مغروسة فلا تصح فی الودی أی الفسیل قبل الغرس.

علله بأنه لو لا ذلک لزم الغرر، وقوله: (أو قبله) یرید به قبلاً قریباً، بحیث لا یکون غرر، کما هو واضح، إذ القبل البعید الموجب للتغییر لا ینفع، حیث لا یرفعه.

ثم الظاهر صحة مساقاة کلیة، إذ لا دلیل علی لزوم الشخصیة، کما أن الکلی فی المعین والکسر المشاع کذلک.

ومنه یعلم أن المردد داخل فی الکلی فی المعین، واستدلال المستمسک لمنعه بأن لا وجود للمردد فی الخارج، منقوض بالکلی فی المعین، والکسر المشاع، وعلیه فاشتراط التعیین لا دلیل علیه إلاّ الانصراف من أدلة المزارعة، وفیه: إنه بدوی، وکأنه لذا لم یأت مفتاح الکرامة لقول القواعد (معلومة) بدلیل، أو أنه وکله إلی وضوحه لدیه.

ثم إنه لو وصف وظهر خلاف الوصف، کان له خیار تخلف الوصف، إلاّ إذا کان الموصوف مصباً للعقد أو مقیداً، فهو باطل کما تقدم وجهه فی المزارعة.

{السادس: کونها ثابتة مغروسة} ذکره غیر واحد، بل فی جامع المقاصد: لم ینقل فی ذلک خلاف لأحد، واستدلوا له بالإجماع وأصالة عدم الانعقاد بدون ذلک، وبأنه قد لا یعلق فلا موضوع للمساقاة، وبأنه غرر، وبأن المنصرف من النصوص والفتاوی الثابت.

{فلا تصح فی الودیّ} علی وزن غنیّ {أی الفسیل قبل الغرس}.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ الإجماع علی تقدیره محتمل الاستناد، بل ظاهره، والأصل لا یقاوم

ص:175

السابع: تعیین المدة بالأشهر والسنین

الدلیل، وبأنه قد لا یعلق _ کما استدل به التذکرة _ دلیل أخص من المدعی، ونادر جداً، فهو مثل الاستدلال بأن الثابت قد یموت، ولا غرر عرفاً، والانصراف لو کان فهو بدوی.

وعلیه فتصح المساقاة فیما لا أصول لها کالخضر، کما تصح فی مثل الفسیل ونحوه، اللهم إلاّ إذا أرید الاحتیاط.

ثم إذا قیل بأنه لیس مساقاة، یمکن جعله عقداً مستقلاً داخلاً فی ﴾أوفوا بالعقود﴿، ولذا قال المستمسک: (إلاّ أن یقال هذا بالنظر إلی أدلة مشروعیة المساقاة، أما بالنظر إلی الأدلة العامة فمقتضاها الصحة، وإن لم یکن بعنوان المساقاة).

{السابع: تعیین المدة بالأشهر والسنین} الظاهر أنه لابد أن لا یکون غرر، أما ما عدا ذلک فلا دلیل علیه، فیصح المساقاة ما دامت الأشجار باقیة، وفی مدة معینة، وذلک لأنه إذا لم یعین أحدهما لزم الغرر فیشمله النهی، بخلاف ما إذا عین، وإطلاق النصوص السابقة یشمل کلیهما، فقول المسالک: (فلا تجوز المساقاة دائماً، فإنه یبطل العقد قولاً واحداً، لأن عقد المساقاة لازم، ولا معنی لوجوب الوفاء به دائماً) انتهی، محل نظر.

ثم إنهم استدلوا لذلک بالإجماع، وبروایة أبی الربیع: «یتقبل الأرض من أربابها بشیء معلوم إلی سنین مسماة».

ویرد علی الأول: إن جملة من الفقهاء کالمقنعة والمراسم والنهایة والخلاف لم یذکروا ذلک، فکیف یدعی الإجماع، بالإضافة إلی أنه محتمل الاستناد.

وعلی الثانی: إنه من مفهوم اللقب.

ص:176

وکونها بمقدار یبلغ فیه الثمر غالباً، نعم لا یبعد جوازها فی العام الواحد إلی بلوغ الثمر من غیر ذکر الأشهر، لأنه معلوم بحسب التخمین، ویکفی ذلک فی رفع الغرر

ومنه یعلم کفایة التعیین بما لا غرر فیه، وإن کان مثل بلوغ الثمر، لأنه معلوم عند العرف، والاختلافات القلیلة بین أوقات بلوغ الثمر لا یوجب غرراً عرفاً.

{وکونها بمقدار یبلغ فیه الثمر غالباً} أی بمقدار الحاجة، فإن کل قسم من الأشجار یحتاج إلی الماء مدة خاصة أحیاناً إلی قبل البلوغ، وأحیاناً إلی حین القطع للثمر، فلیس المراد بلوغ الثمر من غیر نظر إلی ذلک، فإشکال المستمسک علیه: بجواز عدم احتیاج الشجر إلی السقی فی جمیع المدة إلی زمان البلوغ، وتکون المعاملة علی سقیه بمقدار الحاجة لا غیر وتنتهی قبل البلوغ، محل إشکال.

ثم الظاهر أنه یصح أن یعامله علی السقی بعض المدة، لأنه عمل عقلائی فی المساقاة لم یمنعه الشارع، ولو لم یکن إطلاق کفی فیه المناط، ویؤیده أنه یصح جعل عمیلین للسقی، ثم یبنیان بینهما علی أن یسقی کل واحد مدة طولیة، مثل أن یسقی أحدهما الشهر الأول، والثانی الشهر الثانی مثلاً.

ثم إذا کان الشجر لا یحتاج إلی السقی، إما لکفایة الأمطار له، أو لشرب جذوره من باطن الأرض أو ما أشبه ذلک، بطلت المساقاة، لأنها بلا موضوع.

{نعم لا یبعد جوازها فی العام الواحد} بل الأعوام المتعددة، لعدم الخصوصیة للواحد {إلی بلوغ الثمر} کما تقدم {من غیر ذکر الأشهر، لأنه معلوم بحسب التخمین} عند العرف {ویکفی ذلک فی رفع الغرر} الذی قد

ص:177

مع أنه الظاهر من روایة یعقوب بن شعیب المتقدمة.

الثامن: أن یکون قبل ظهور الثمر أو بعده وقبل البلوغ

عرفت سابقاً أن موضوعه عرفی.

وبذلک یظهر وجه النظر فی کلام المسالک، حیث رجح المشهور بعدم الجواز، وفی کلام القواعد بالإشکال فی صحته، وکذا قال فی التذکرة: لو قدرت بإدراک الثمار لم تجز علی إشکال.

أما الجواز فهو قول أبی علی وجماعة، کما نقله مفتاح الکرامة، ولا یخفی أن إطلاق صحیح یعقوب المتقدم، وبناء العرف الذین هم الأصل فی هذه المعاملة یشملانه.

ولذا قال المصنف: {مع أنه} أی الشمول لا خصوص بلوغ الثمر {الظاهر من روایة یعقوب بن شعیب المتقدمة}((1)).

ثم إن اللازم تعیین الابتداء ولو ارتکازاً لکونه معلوماً، وإلاّ لزم الغرر، کما أنه لو کان التخمین خطأً ظهر عدم الصحة، وأما إذا کان مما لا یخمن لاختلاف هواء المکان مما یتقدم تارة ویتأخر أخری بما یوجب الغرر عرفاً لم یصح للنهی عنه، وقد عرفت فیما سبق أن الحدیث معمول به مما یصح الاعتماد علیه.

{الثامن: أن یکون قبل ظهور الثمرة أو بعده وقبل البلوغ} لإطلاق أدلة المساقاة، بالإضافة إلی نقل الإجماع علی الأول، بل فی الجواهر الإجماع بقسمیه علیه، وإلی نقل الشهرة فی الثانی، واحتمال انصراف الأخبار عنه لا وجه له بعد أنه عقلائی، ویؤیده أنه کثیراً ما یحتاج إلیه صاحب الأشجار لموت العامل

ص:178


1- الوسائل: ج13 ص203 الباب10 من المزارعة والمساقاة ح2

بحیث کان یحتاج بعد إلی سقی أو عمل آخر، وأما إذا لم یکن کذلک ففی صحتها إشکال

ونحوه بعد الظهور قبل البلوغ، ولیس هو ممن یتمکن من القیام، والقول بأنه یستأجر حینئذ غیر تام، إذ الإجارة صحیحة حتی قبل الظهور، فما المانع فی جواز المساقاة فی الأول دون الثانی، ولا یخفی أن ذلک استیناس لا دلیل حتی یقال بأن الفارق النص.

أما قول المصنف: {بحیث کان یحتاج بعد إلی السقی أو عمل آخر} فلا یخفی ما فی تردیده، إذ لو لم یحتج إلی السقی وإنما احتاج إلی عمل آخر لا یسمی مساقاة ولا یترتب علیه أحکامها.

نعم، یصح عقد جدید علیه، ویدخل فی ﴾أوفوا بالعقود﴿ أو إجارة ونحوها للعامل، وما تقدم فی صحیحة یعقوب: «اسق هذا من الماء واعمره» لا یراد به العمران وحده علی سبیل البدل من السقی حتی یکون کل واحد منهما مورد عقد المساقاة بل العمران تبع للسقی.

ومما تقدم یظهر المساقاة بعد البلوغ أیضاً، إذ بعد البلوغ یحتاج إلی الماء فلا خصوصیة لقبل البلوغ الذی قاله المصنف: {وأما إذا لم یکن کذلک ففی صحتها إشکال} من جهة انصراف الأدلة عن مثله فلا تصح، ومن جهة المناط فی أخبار المساقاة إن لم یکن إطلاق، وقد ادعی جامع المقاصد والمسالک الإجماع علی صحته، وبعض المعلقین قالوا بصحته جعالة، والمستمسک قال: (لا تصح مساقاة لا أنها لا تصح مطلقاً، ولذا حکی عن بعض جواز ذلک، وحینئذ فالبناء علی الأخذ بالعموم متعین لعدم وضوح القید له وإن لم تثبت به المساقاة) انتهی.

ص:179

وإن کان محتاجاً إلی حفظ أو قطوف أو نحو ذلک.

والسادة ابن العم والبروجردی والجمال وجملة آخرون سکتوا علی المتن، لکن مقتضی القاعدة صحتها مساقاة، إذ المناط موجود بالإضافة إلی أنه عقلائی یتعارف عند العرف، ولما صححه الشارع بدون مقید کان لازمه الصحة إذا کان هناک سقی.

وأما إذا لم یکن فلا ینبغی الإشکال فی عدم صحته مساقاةً {وإن کان محتاجاً إلی حفظ أو قطوف أو نحو ذلک} ویصح إجارةً وجعالةً وعقداً مستقلاً وصلحاً وما أشبه ذلک، مع توفر المعاملة لشرائطها المذکورة فی أبوابها.

ولا یخفی أنه تصح کل هذه المعاملات بالنسبة إلی حقول الدواجن، سواء الطیور، أو الأنعام، أو الأسماک، أو الحیوانات الأخر، مثل حقل الأرانب والفئران والحیات لأجل الاختبار وأخذ السم لأجل الأدویة أو ما أشبه ذلک مما یتعارف الآن، فیعقد مثلاً لأجل أن یکون من أحدهما المحل، ومن الآخر العمل، ومن الثالث الدجاج، ومن الرابع المال الذی یحتاج إلیه فی شؤون التربیة، ویکون الحاصل بینهم حسب الحصص، وکذا إذا کانوا أقل من أربعة أو أکثر.

کما تقدم مثله فی کتاب المزارعة، أو یکون من أحدهما المحل والدجاج وما أشبه، ومن الآخر العمل.

ثم قد یجعل ذلک حسب الجعالة والإجارة والصلح والشرط فی ضمن عقد، وقد یجعل ذلک عقداً مستقلاً یشمله ﴾أوفوا بالعقود﴿، ولا یضر فی هذا العقد إلاّ ما ثبت بالأدلة العامة، مثل دلیل الغرر، أو کون المالک محجوراً، أو کان أحدهما طفلاً أو مجنوناً، أما ما عدا ذلک فلا یمکن أن یقاس بالمزارعة، مثلاً لا یقال:

ص:180

التاسع: أن یکون الحصة معینة مشاعة، فلا تصح مع عدم تعیینها إذا لم یکن هناک انصراف، کما لا تصح إذا لم تکن مشاعة بأن یجعل لأحدهما مقداراً معیناً والبقیة للآخر، نعم لا یبعد جواز أن یجعل لأحدهما أشجاراً معلومة وللآخر أخری

فی هذا العقد یضر جعل قدر معین لأحدهما.

مثلاً قد یقال: ولک نصف الربح، وقد یقال: ولک ألف دجاجة من ثلاثة آلاف الحاصل.

وکذلک یأتی هنا جملة من الخیارات، مثل خیار الغبن والعیب وتخلف الوصف وما أشبه، لإطلاق أدلتها.

{التاسع: أن یکون الحصة معینة} فلا یصح أن تکون مجهولة، مثل لک شیء، أو مرددة مثل لک الثلث أو الربع، وذلک لأن کلیهما غرر، بالإضافة إلی ظاهر النص والإجماع المستفاد من تسالمهم علی ذلک، بل فی مفتاح الکرامة: طفحت عباراتهم بذلک، وعن التذکرة وجامع المقاصد الإجماع علیه، وهو الظاهر ممن راجعنا کلماتهم.

{مشاعة فلا تصح مع عدم تعیینها، إذا لم یکن هناک انصراف، کما لا تصح إذا لم تکن مشاعة بأن یجعل لأحدهما مقداراً معیناً والبقیة للآخر} وذلک هو صریح المشهور، بل لم نظفر بخلاف صریح من أحدهم، وهو مقتضی ظاهر الروایات، بل ادعی غیر واحد کالمبسوط وغیره عدم الخلاف فیه.

{نعم لا یبعد جواز أن یجعل لأحدهما أشجاراً معلومة، وللآخر أخری} کأنه لأنه عقلائی ولم یردع عنه الشارع، لکن فیه: إنه خلاف موازین المساقاة، والشارع إنما أمضی المساقاة العقلائیة.

ص:181

بل وکذا لو اشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والاشتراک فی البقیة، أو اشترط لأحدهما مقدار معین مع الاشتراک فی البقیة، إذا علم کون الثمر أزید من ذلک المقدار وأنه تبقی بقیة.

نعم إذا أرید بذلک معاملة مستقلة ولم یکن منافیاً للأدلة العامة، مثل الغرر ونحوه، کانت الصحة مقتضی القاعدة.

أما تعلیقة السید البروجردی: (أی مع اشتراکهما فی الباقی، وإلاّ فلا تصح المساقاة قطعاً، ومع ذلک فالصحة مع فرض دخول تلک الأشجار فی المساقاة لا تخلو من إشکال، وکذا ما بعده) انتهی.

فالظاهر أنه أراد احترام المصنف بعدم رده، وإلاّ فتفسیره لکلام المصنف غیر ظاهر، لأنه قال: وللأخر أخری.

وکیف کان، فالظاهر صحة إخراج بعض الأشجار لأحدهما من باب الشرط، ولا ینافی ذلک المساقاة، إذ إطلاق دلیل الشرط شامل له، مع أنه لیس بمناف لجوهر المساقاة بل لإطلاقه.

أما جعل بعض الأشجار لأحدهما وبعضها للآخر فهو لیس بمساقاة، وإنما یصح عقداً مستقلاً إذا لم یکن غرر ونحوه.

ومنه یعلم وجه قوله: {بل وکذا لو اشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والاشتراک فی البقیة} فإن مقتضی القاعدة الصحة، وإن أشکل فیه جماعة من المعلقین منهم ابن العم، وکأنه خلاف وضع المساقاة المتلقی من الشارع والشائع فی العرف، وفیه: إنه خلاف الإطلاق لا خلاف مقتضی العقد، کما تقدم.

ومنه یعلم وجه قوله: {أو اشترط لأحدهما مقدار معین مع الاشتراک فی البقیة إذا علم کون الثمر أزید من ذلک المقدار وأنه تبقی بقیة} واشتراطه

ص:182

العاشر: تعیین ما علی المالک من الأمور، وما علی العامل من الأعمال،

العلم لا الواقع، فلم یقل: إذا کان الثمر أزید، لأنه مع عدم العلم غرر، والغرر مبطل وإن لم یکن فی الواقع ضرراً، وقد أشکل المستمسک فی کل الصور الثلاثة بأن الدلیل علی اعتبار الإشاعة ظاهر فی اعتبارها فی جمیع الثمرة، فإذا بنی علی العمل به لم تجز فی کل هذه الاستثناءات، وقد عرفت أن دلیل الإشاعة لا یمنع عن الاستثناء.

نعم، لا ینبغی الإشکال فی البطلان إذا شرط کل الثمرة لأحدهما، وأما إذا شرط بعض الثمر لأجنبی فالظاهر الصحة، لأنه مشمول لإطلاق دلیل الشرط، فقول مفتاح الکرامة: (فلو اشترط کون جزء منها وإن قلّ لثالث بطلت المساقاة، لعدم المقتضی لاستحقاقه غیر الشرط المخالف لوضع العقد)، غیر ظاهر الوجه، إذ یرد علیه:

أولاً: إنه لیس بشرط مخالف لوضع العقد، بل لإطلاقه.

وثانیاً: بأن الشرط الفاسد لیس بمفسد، کما قرر فی محله، فهو مثل شرط أن یساعده المالک فی شیء من السقی أو نحوه، أو یساعده ثالث مجاناً، أو بعوض منه أومن غیره.

{العاشر: تعیین ما علی المالک من الأمور، وما علی العامل من الأعمال} مثل حفر الأنهار، وتنظیف الآبار، ونصب الدولاب أو تعمیره، والدابة التی تدیر المدار، وتأبیر النخل، وتشذیب الأشجار، وقلع الحشائش الضارة، وغیر ذلک، وهذه الأمور کلها أو بعضها قد یکون علی هذا، وقد یکون علی ذاک، ثم

ص:183

إذا لم یکن هناک انصراف.

آلات القطع والتشذیب وإخراج الثمر من الأکمام، ویختلف فی کل ذلک المدن والأقوام.

ف_ {إذا لم یکن هناک انصراف} یقع العقد علیه ارتکازاً، کان اللازم تعیینه فی عقد المساقاة أنه علی أی منهما.

ولا یخفی أن الانصراف بدون القصد ولو ارتکازاً لا ینفع، لأن العقود تتبع القصود، وإلاّ لم یکن (عقدکم) المستفاد من ﴾أوفوا بالعقود﴿، ولو لم یکن تعارف ولم یذکرا فی العقد، فالظاهر البطلان، لأنه من المعاملة المجهولة الموجبة للغرر، ولا ینفع قبولهما بعد ذلک، لأن معنی النهی وضعی، کما قالوا فی المعاملات، وکذلک کل معاملة غرریة إذا تراضیا بعد العقد، إلاّ أن یکون معاملة جدیدة ولو بالمعاطاة، وقد تقدمت مثل هذه المسألة فی المزارعة، ویأتی بعض ما له نفع هنا فی المسألة التاسعة إن شاء الله.

ولو کان هناک ارتکازان مختلفان قصد کل منهما أحدهما بطل أیضاً، لأن العقد لا یقع علی شیء، إلاّ إذا کان من قبیل تخلف الشرط فالخیار.

ص:184

مسألة ١ هل تصح المساقاة بعد الظهور قبل البلوغ

(مسألة 1): لا إشکال فی صحة المساقاة قبل ظهور الثمر، کما لا خلاف فی عدم صحتها بعد البلوغ والإدراک بحیث لا یحتاج إلی عمل غیر الحفظ والاقتطاف، واختلفوا فی صحتها إذا کان بعد الظهور قبل البلوغ، والأقوی کما أشرنا إلیه صحتها، سواء کان العمل مما یوجب الاستزادة أو لا

(مسألة 1): {لا إشکال فی صحة المساقاة قبل ظهور الثمر}، وقد تقدم أنه مقتضی النص والفتوی، وادعی علیه الإجماع.

{کما لا خلاف} وقد تقدم دعوی الإجماع {فی عدم صحتها بعد البلوغ والإدراک بحیث لا یحتاج} إلی الماء، وإن احتاج {إلی عمل غیره} ک_ {الحفظ والاقتطاف} والتشمیس والکبس فی الظرف وما أشبه ذلک، لأنه غیر مساقاة، فقول المهذب البارع بصحتها لها غیر ظاهر الوجه.

نعم قد تقدم صحة إجراء الصلح والإجارة والشرط والعقد المستقل فیها.

{واختلفوا فی صحتها إذا کان بعد الظهور قبل البلوغ}، عدم الصحة لأن الأدلة واردة فی ما قبل الظهور.

{والأقوی کما أشرنا إلیه صحتها}، قد تقدم منه الصحة فی الصورة الأولی، وتوقف فی الثانیة، ووجه الصحة إطلاق الدلیل أو مناطه بعد کونها عقلائیة وهم الأصل فی هذه المعاملة، ولم یکن من الشارع ردع، فاللازم القول بالصحة.

{سواء کان العمل مما یوجب الاستزادة أو لا} إذا کان سقی وکان ذلک یقف

ص:185

خصوصاً إذا کان فی جملتها بعض الأشجار التی بعد لم یظهر ثمرها.

دون فساد الشجر ونحوه، إذ لا دلیل علی أکثر من هذین الأمرین فی المساقاة، ولفظ الحاصل فی الروایة وکلام الفقهاء لا یدل علی الاستزادة، ولذا کان المحکی من الخلاف والغنیة والسرائر والمختلف والمهذب البارع وإیضاح النافع وجامع الشرائع أنها تصح إذا بقی للعامل، من دون تقیید بکونه فیه زیادة الثمرة، وعن ما قبل الأخیر منهم أن الحفظ عن النقص زیادة حکمیة، وعن مجمع البرهان کفایة الزیادة فی الکیفیة.

وأما اشتراطنا للسقی فلأنه مقتضی کونه مساقاة الوارد فی النص والفتوی، کما عرفت فیما تقدم.

{خصوصاً إذا کان فی جملتها} أی جملة الأعمال {بعض الأشجار التی بعدُ لم یظهر ثمرها} حیث إن الأمر بالنسبة إلی تلک الأشجار مساقاة حقیقة، لکن لابد وأن یقال بکون ذلک عرفیاً، لا مثل شجرة واحدة، أو بعض ثمر شجرة واحدة.

نعم، إذا لم یکن سقی ولا حفظ من النقص صح ذلک بعنوان معاملة مستقلة، لا بعنوان المساقاة، أما الثانی فلما عرفت، وأما الأول فلأن ﴾أوفوا بالعقود﴿، و﴾تجارة عن تراض﴿ وما أشبه یشمله.

ص:186

مسألة ٢ جواز المساقاة علی الأشجار

(مسألة 2): الأقوی جواز المساقاة علی الأشجار التی لا ثمر لها وإنما ینتفع بورقها، کالتوت والحناء ونحوهما.

(مسألة 2): {الأقوی جواز المساقاة علی الاشجار التی لا ثمر لها، وإنما ینتفع بورقها کالتوت} القسم الذی لا ثمر له {والحنا ونحوهما} کما هو المشهور، وذلک لإطلاق الأدلة، وکونها عقلائیة متعارفة، ویشمله بالمناط «ولک نصف ما أخرج» فی الصحیحة، إذ ما أخرج أعم، والانصراف إلی الثمرة لو کان فهو بدوی، ولذا قال فی المسالک: (وفی بعض الأخبار ما یقتضی دخوله، والقول بالجواز لا یخلو من قوة).

وعلیه فلا وجه ظاهر لما فی الجواهر من التفصیل بین أن تکون المساقاة علی هذه الأشجار تبعاً فیجوز، ومستقلاً فلا یجوز، للزوم الاقتصار علی المتیقن فیما کان علی خلاف الأصل.

أما الاستدلال لذلک بما فی التذکرة وجامع المقاصد، من أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) عامل أهل خیبر بشطر ما یخرج من النخل والشجر، ففیه تأمل، إذ العمل لا إطلاق له، ولعله کان الشجر مما یثمر.

وکیف کان، فنحن فی غنی عن ذلک بعد الشهرة المحققة، والإجماع المدعی فی الخلاف، والمناط کما تقدم.

ومما تقدم یعلم وجه صحتها علی ما له زهر، سواء کان للجمال أو الدواء وما له حطب، ولذا قال العلامة فی القواعد: وکذا ما یقصد زهره کالورد وشبهه.

ص:187

مسألة ٣ المساقاة علی أصول غیر ثابتة

(مسألة 3): لا یجوز عندهم المساقاة علی أصول غیر ثابتة کالبطیخ والباذنجان والقطن وقصب السکر ونحوها، وإن تعددت اللقطات فیها کالأولین، ولکن لا یبعد الجواز للعمومات وإن لم یکن من المساقاة المصطلحة، بل لا یبعد الجواز فی مطلق الزرع کذلک

(مسألة 3): {لا یجوز عندهم المساقاة علی أصول غیر ثابتة} وإنما قال (عندهم) لتعبیر غیر واحد منهم ب_ (ثابتة) فی تعریف المساقاة، والمراد ب_ (عندهم) المشهور منهم {کالبطیخ والباذنجان والقطن وقصب السکر ونحوها} کالخضر أمثال السلق والفجل والکراث وغیرها.

{وإن تعددت اللقطات فیها کالأولین} وکأکثر الخضر {ولکن لا یبعد الجواز} کما عن یحیی بن سعید جوازها فی الباذنجان، وعن الشیخ جوازها فی البقل الذی یجز مرة بعد أخری، لکن عن التذکرة الإجماع علی عدم صحتها فی المذکورات، وفی القثاء والبقول التی لا تثبت فی الأرض، وفیه نظر.

{للعمومات} الواردة، مثل: ﴾أوفوا بالعقود﴿، و﴾إلاّ أن تکون تجارة عن تراض﴿ وما أشبه.

{وإن لم یکن من المساقاة المصطلحة} فیه نظر، إذ قد عرفت أن الأصل فی المساقاة العقلائیة، وحیث لم یردع عنها الشارع، بل قال: (أوفوا) و(تجارة) کان اللازم أنها مساقاة مصطلحة، ومنه یعلم عدم صحة إشکال الجواهر فی ذلک، فراجع کلامه.

{بل لا یبعد الجواز فی مطلق الزرع کذلک} وإن قال فی القواعد: (والبقل والبطیخ والباذنجان وقصب السکر وشبهه ملحق بالزرع)، وفسره مفتاح الکرامة

ص:188

فإن مقتضی العمومات الصحة بعد کونه من المعاملات العقلائیة، ولا یکون من المعاملات الغرریة عندهم، غایة الأمر أنها لیست من المساقاة المصطلحة.

بأنه (کما لا تجوز المساقاة علی الزرع بعد زرعه کذلک لا تجوز المساقاة علی هذه الأمور).

وإنما تصح {فإن مقتضی العمومات} المتقدمة {الصحة}، بل فی المستمسک أنه مقتضی صحیح یعقوب المتقدم {بعد کونها من المعاملات العقلائیة} علی التقریب المتقدم، بل قد عرفت أن ذلک سبب دخولها فی المساقاة، لا أنها معاملة جدیدة.

{ولا یکون من المعاملات الغرریة} لأن العرف لا یراها غرراً، وهو المیزان فی هذا الباب، فالمقتضی موجود والمانع مفقود.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول المستمسک: (لا إشکال فی أنها غرریة للجهل بمقدار الحاصل، لکن لا دلیل علی المنع عن الغرر کلیة)، ولذا قال: {عندهم} أی عند العرف {غایة الأمر إنها لیست من المساقاة المصطلحة} عند المشهور، وإن کانت منها لغة، بل قد عرفت کلام الشیخ فیما یجزّ مرة بعد أخری، وکلام ابن سعید فی الباذنجان.

ثم إنه لو أرید الاحتیاط عُقد ذلک بعنوان الإجارة، أو الصلح، أو الشرط فی ضمن عقد، أو الجعالة مثلاً.

ص:189

مسألة ٤ الأشجار التی لا تحتاج إلی السقی

(مسألة 4): لا بأس بالمعاملة علی أشجار لا تحتاج إلی السقی لاستغنائها بماء السماء أو لمص أصولها من رطوبات الأرض

(مسألة 4): {لا بأس بالمعاملة علی أشجار لا تحتاج إلی السقی لاستغنائها بماء السماء أو لمصّ أصولها من رطوبات الأرض}.

قال فی القواعد: (وتصح المساقاة علی البعل من الشجر، کما یصح علی ما یفتقر إلی السقی). ونقله مفتاح الکرامة عن المبسوط والتحریر والمهذب البارع وإیضاح النافع وجامع المقاصد، ومن التذکرة لا نعرف فیه خلافاً، ثم قال: والمستفاد من الأخبار وکلام الأصحاب أن السقی بخصوصه لیس شرطاً فی هذه المعاملة، بل المدار علی العمل الذی تحتاج إلیه تلک الأشجار، فحیث لا تحتاج إلی السقی، مثل بساتین أطراف الشام لا یکون معتبراً، ونقل عن القاموس أن البعل کل شجر ونخل وزرع لا یسقی أو ما سقته السماء.

أقول: واستدلوا لذلک بالأصل، وبأنه لو لا ذلک لبطلت المساقاة فیها عمر الدهر، وبأنه عمل عقلائی فیشمله دلیل المساقاة، وبالإجماع المتقدم من التذکرة ومفتاح الکرامة.

وصحیحة یعقوب بن شعیب، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «وکذلک أعطی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) خیبراً حینما أتوه فأعطاهم إیاها علی أن یعمروها ولهم النصف مما أخرجت».

قال فی المستمسک: (فإنه شامل للمقام، وحکایة الإمام ذلک یدل علی العموم).

وفی الکل نظر، لأن المساقاة مأخوذة من السقی، وقد عرفت أنه موجود

ص:190

وإن احتاجت إلی إعمال أخر، ولا یضر عدم صدق المساقاة حینئذ، فإن هذه اللفظة لم ترد فی خبر من الأخبار، وإنما هی من اصطلاح العلماء، وهذا التعبیر منهم مبنی علی الغالب، ولذا قلنا بالصحة إذا کانت المعاملة بعد ظهور الثمر واستغنائها من السقی،

فی النص والفتوی، مما ظاهره أنه لابد من السقی، فکما لا یصح أن یقال بصحة المزارعة بلا زرع، بل لإصلاح الأرض وجری النهر ونحوه مما یکون مقدمة للزراعة ولیس فیه نفس الزراعة، کذلک بالنسبة إلی المساقاة.

وعلیه فالأصل لا مورد له، وعدم احتیاج بساتین إلی السقی عمر الدهر لا یضر، إذ أی تلازم بین الأمرین، وکونه عملاً عقلائیاً یشمله (أوفوا) لا دلیل المساقاة، والإجماع محل نظر، حیث لم یذکر الأمر أکثر الفقهاء حسب اطلاعنا، والصحیحة حکایة فعل فلا دلالة فیها.

{و} علیه فإجراء عقد مستقل علیه {إن احتاجت إلی أعمال أخر} طریق الاحتیاط.

{و} مما تقدم یعرف وجه النظر فی قوله: {لا یضر عدم صدق المساقاة حینئذ، فإن هذه اللفظة لم ترد فی خبر من الأخبار، وإنما هی من اصطلاح العلماء} فقد عرفت ورود الخبر به وإن کان ضعیفاً.

أما قوله: {وهذا التعبیر منهم مبنی علی الغالب} فیه: إن من صرح بجوازه فی غیر المحتاج إلی السقی تام، أما أکثرهم الذین لم یصرحوا فنسبة ذلک إلیهم بحاجة إلی التأمل.

{ولذا قلنا بالصحة إذا کانت المعاملة بعد ظهور الثمرة واستغنائها من السقی}

ص:191

وإن ضویق نقول بصحتها وإن لم تکن من المساقاة المصطلحة.

لکنا أشکلنا علی ذلک، وقلنا بالاحتیاج إلی السقی ولو لأجل عدم فساد الثمرة مما لا مدخلیة له فی إنمائها.

{وإن ضویق} فی صحة المساقاة إذا لم یحتج إلی السقی {نقول بصحتها، وإن لم تکن من المساقاة المصطلحة} وذلک للأدلة العامة مثل (أوفوا بالعقود)، و(تجارة عن تراض)، بعد أن عرفت أنها شاملة حتی للعقود غیر المعنونة فی الروایات وکلام الفقهاء.

ثم إنه لا فرق بین أقسام السقی وإن کان بسبب الأمطار الاصطناعیة، وذلک للإطلاق وعدم وجود فرد فی زمان الروایات لا یمنع من شمول الإطلاق.

ص:192

مسألة ٥ المساقاة علی فسلان مغروسة

(مسألة 5): یجوز المساقاة علی فسلان مغروسة وإن لم تکن مثمرة إلاّ بعد سنین، بشرط تعیین مدة تصیر مثمرة فیها ولو بعد خمس سنین أو أزید.

(مسألة 5): {یجوز المساقاة علی فسلان مغروسة وإن لم تکن مثمرة} أی نوع من الثمر حتی الحطب کما تقدم {إلا بعد سنین} کما عن المبسوط والتذکرة والإرشاد وجامع المقاصد والروض ومجمع البرهان، وذکره القواعد وغیره.

{بشرط تعیین مدة تصیر مثمرة فیها ولو بعد خمس سنین أو أزید} أما إذا کانت المدة دون الثمر لم یصح، لأن المساقاة بالحصة، والمفروض أنه لا حصة حینئذ.

وإنما تصح المساقاة کذلک لعموم الأدلة، کما فی مفتاح الکرامة، وفی المستمسک: والظاهر أنه لا خلاف فیه.

وهل تصح المساقاة دون مدة الثمرة بشرط إعطائه منها حصة وقت ثمرها، کما إذا کانت النخلة تعطی الثمرة فی وسط السنة فیساقیه علی شؤونها مدة أربعة أشهر علی أن یعطیه ربع ثمرها مثلاً، احتمالان:

من انصراف الأدلة وأنهم ذکروا إلی حین الإثمار.

ومن أنه عقلائی، والانصراف بدوی، وذکرهم لا یدل علی عدم صحة ذلک إلا من صرح منهم بعدم الصحة، ولا یبعد الصحة، وإن کان المتیقن صحته عقداً جدیداً لا مساقاةً، ویؤید الصحة أن المساقاة لا تبطل بموت أحدهما، فللعامل الحصة وإن لم یدرک الثمر.

ص:193

مسألة ٦ المساقاة علی الودی

(مسألة 6): قد مر أنه لا تصح المساقاة علی ودی غیر مغروس، لکن الظاهر جواز إدخاله فی المعاملة علی الأشجار المغروسة بأن یشترط علی العامل غرسه فی البستان المشتمل علی النخیل والأشجار ودخوله فی المعاملة بعد أن یصیر مثمراً،

(مسألة 6): {قد مرأنه لا} دلیل علی أنه لا {تصح المساقاة علی ودی غیر مغروس} إلاّ الانصراف الذی یحمل علی البدویة فی نظر العرف، فإنهم لا یرون فرقاً بین أن یعطیه بستاناً فیه الودی المغروس وبین أن یعطیه أرضاً ومئات الفسیل لیغرسها ویعتنی بها حتی تثمر.

أما الذین قالوا بعدم الصحة مساقاةً کالمصنف فلابد له أن یقول بالصحة معاملة جدیدة.

و{لکن الظاهر جواز إدخاله فی المعاملة علی الأشجار المغروسة} بنحو الشرط فإنه یشمله إطلاق دلیل الشرط. {بأن یشترط علی العامل غرسه فی البستان المشتمل علی النخیل والأشجار} فإن القائلین ببطلان المساقاة علی الودی لا یقولون به فی صورة الشرط.

{و} یکون {دخوله فی المعاملة بعد أن یصیر مثمراً} إذ المساقاة شاملة للسابق والمتجدد، کما یخرج منها ما یسقط ویقطع من النخل والشجر، فکما أن الفسیل المتجدد مع النخیل یدخل فی المعاملة کذلک الودی الذی سوف یغرس.

ومنه یعلم أن قوله (یصیر مثمراً) من باب المثال، فإنه یدخل وإن لم یصر مثمراً، إذ لیس اللازم دخول المثمر فقط فی المساقاة، ولذا یدخل فیها ما فی البستان مما لیس بمثمر.

ص:194

بل مقتضی العمومات صحة المعاملة علی الفسلان غیر المغروسة إلی مدة تصیر مثمرة، وإن لم تکن من المساقاة المصطلحة.

{بل مقتضی العمومات صحة المعاملة علی الفسلان غیر المغروسة إلی مدة تصیر مثمرة} وقد عرفت أنه من المساقاة المصطلحة، أما علی رأی المصنف بأنه {وإن لم تکن من المساقاة المصطلحة} فیری أن ذلک داخل فی معاملة جدیدة، بمقتضی ﴾أَوْفُوا﴿((1))، و﴾تِجارَةً﴿((2)) ونحوهما کما تقدم.

أما قول المستمسک بشمول صحیح یعقوب له((3)) فقد سبق الإشکال فیه.

ومما تقدم یعلم أن إشکال السادة البروجردی وابن العم والجمال فی ذلک محل منع.

نعم ینبغی التمسک بمعاملة جدیدة فی ما إذا کان دون الفسیل مثل الأرز، حیث بعد مدة من زرعه یقلع من مکانه ویزرع فی مکان آخر، فإن مثله لا یسمی مساقاة اصطلاحاً وعرفاً، فلا یشمله دلیل المساقاة، فتأمل.

ص:195


1- سورة المائدة: الآیة 1
2- سورة النساء: الآیة 29
3- الوسائل: ج13 ص202 الباب9 من أبواب المزارعة ح2

مسألة ٧ المساقاة لازمة

(مسألة 7): المساقاة لازمة لا تبطل إلاّ بالتقایل، أو الفسخ بخیار الشرط، أو تخلف بعض الشروط، أو بعروض مانع عام موجب للبطلان، أو نحو ذلک.

(مسألة 7): {المساقاة لازمة} بلا إشکال ولا خلاف، کما ادعی عدم الخلاف فیه المسالک، والإجماع جامع المقاصد، وکذلک ادعی غیرهما مثلهما، وذلک لإطلاق دلیل الوفاء بالعقد، وهو المراد من استدلالهم له بالأصل، إذ لا یصار إلی مثل الاستصحاب إلاّ إذا کان شک فی البقاء.

ف_ {لا تبطل إلاّ بالتقایل، أو الفسخ بخیار الشرط} المجعول فی العقد أو فی عقد آخر، لأن مقتضی صحة مثل هذا الشرط أن للمشروط له حق الفسخ للعقد اللازم بطبعه.

{أو تخلف بعض الشرط} وقد تقدم دلیل کل ذلک فی المزارعة فلا حاجة إلی تکراره.

{أو بعروض مانع عام} مثل انقطاع الماء أو الانغمار فیه، فإنه {موجب للبطلان} إذ لا متعلق، والأدلة لا تشمل ما لا متعلق له، وإن زعما حین العقد وجود المتعلق، إذ بالزعم لا یصح الواقع، وبالعکس ما لو زعما وجود المانع لکن صار العقد بالإنشاء، کما لو أجریاه وکیلهما فإنه یصح لأن الواقع إمکانه.

{أو نحو ذلک} کما یأتی فی المساقاة المقیدة بالمباشرة إذا مات.

ص:196

مسألة ٨ لا تبطل المساقاة بموت أحد الطرفین

(مسألة 8): لا تبطل بموت أحد الطرفین، فمع موت المالک ینتقل الأمر إلی وارثه، ومع موت العامل یقوم مقامه وارثه

(مسألة 8): {لا تبطل} المساقاة {بموت أحد الطرفین} کما هو المشهور، بل عن جامع المقاصد لا نعرف فی ذلک خلافاً، لکن عن المهذب البارع والمقتصر أن من قال ببطلان العقد فی الإجارة قال ببطلانه هنا ومن لا فلا.

أقول: مقتضی القاعدة ما ذکره المشهور، لأصالة اللزوم فی العقود، وتنظیر المقام بالإجارة من جهة أنها نوع إجارة للعامل فیأتی فی المساقاة ما ذکر هناک غیر تام.

ولا یخفی أن عدم بطلانها من طرف حساب الأشجار إنما هو إذا لم یکن ملکیته لها محدوداً، کالوقف بالنسبة إلی البطون، ومثل متولی الوقف العام حیث لا حق له بعد موته فی الولایة، وکذلک الوصی المحدود وما أشبه، وإلاّ کان مقتضی القاعدة البطلان إن لم یجز ذو الحق اللاحق لأنه بالنسبة إلیه فضولی.

وکیف کان {فمع موت المالک ینتقل الأمر إلی وارثه} لأنه حق له، فیشمله دلیل «ما ترکه المیت فلوارثه»، ولا فرق فی ذلک بین ربحه بذلک أو ضرره، لأن المالک الذی یملک حتی النقل قد فعل ذلک فلا حق لوارثه فی نقضه.

{ومع موت العامل یقوم مقامه وارثه} لا بمعنی أن للمالک حق جبره علی العمل، إذ الوارث لم یعقد حتی یکون قد سلب حریة نفسه بنفسه، بل «الناس مسلطون علی أنفسهم»((1)) شامل له.

ص:197


1- البحار: ج2 ص273

لکن لا یجبر علی العمل، فإن اختار العمل بنفسه أو بالاستیجار فله، وإلاّ فیستأجر الحاکم من ترکته من یباشره إلی بلوغ الثمر، ثم یقسم بینه وبین المالک، نعم لو کانت المساقاة مقیدة بمباشرة العامل

ولذا قال: {لکن لا یجبر علی العمل} وإنما یقع حق المالک علی ترکة العامل {فإن اختار} وارث العامل {العمل بنفسه أو بالاستیجار فله} ذلک، ولا حق للحاکم أن یجبره بأن یعطی من الترکة ما یستأجر به غیره، وذلک لأنه لا حق للمالک إلا فی العمل فلا حق له فی تعیین العامل، کسائر الحقوق الکلیة التی لیس لذی الحق أن یجبر من علیه الحق بالنسبة إلی فرد خاص من الکلی.

{وإلاّ} یقدم ورثة العامل علی إعطاء العمل بنفسه أو أجیره أو ما أشبه، إذ لا خصوصیة للاستیجار أیضاً، فله أن یلتمس متبرعاً أن یعمل المساقاة، {فیستأجر الحاکم من ترکته} إن کانت له ترکة {من یباشره إلی بلوغ الثمر} أی إلی آخر مدة المساقاة.

{ثم یقسم} الحاصل {بینه وبین المالک}، وإذا لم یمکن الحاکم وصلت النوبة إلی عدول المؤمنین علی ما ذکروا، ثم بعده للمالک حق التقاص بأن یأخذ من مال العامل من یستأجر به، وذلک لشمول أدلة التقاص إطلاقاً أو مناطاً للمقام، وإذا لم تکن له ترکة.

{نعم، لو کانت المساقاة مقیدة بمباشرة العامل} سواء کانت بنحو المصبّ، بأن جعل عمل العامل بشخصه موضوعاً للمساقاة، فهو مثل جعل هذا البستان موضوعاً للمساقاة، حیث إذا لم یکن تلک الأرض لا موضوع لها، أو بنحو القید، وهو ما کان التقیید داخلاً والقید خارجاً، کما تقدم مثله فی المزارعة

ص:198

تبطل بموته، ولو اشترط علیه المباشرة لا بنحو التقیید، فالمالک مخیر بین الفسخ لتخلف الشرط وإسقاط حق الشرط، والرضا باستئجار من یباشر.

{تبطل بموته} لانتفاء الموضوع، ومثله بالنسبة إلی المالک والبستان، فقد یقول العامل: إنی لا أعمل فی أرض إنسان آخر، ویجعل ذلک مصباً أو قیداً، فإنه إذا مات المالک انتفی الموضوع، سواء کان مصباً أو قیداً، فإن العقود تتبع القصود.

أما بالنسبة إلی البستان فقد یجعل الکلی طرف المساقاة، کما تقدم أنه صحیح، وقد یکون الفرد مصباً أو قیداً، فإذا لم یقدر المالک من تسلیم ذلک بطلت المساقاة.

وکأنهم لم یذکروه إما من باب عدم صحة الکلی عندهم، وإما من باب أن الغالب الشخصی بالنسبة إلیه.

{ولو اشترط علیه المباشرة لا بنحو التقیید} والشرط التزام فی التزام ولیس مصباً ولا قیداً {فالمالک مخیر بین الفسخ لتخلف الشرط، و} بین {إسقاط حق الشرط والرضا باستیجار من یباشر} فیبقی العقد.

وکذا الکلام إذا کان شخص المالک أو البستان علی نحو الشرط بالنسبة إلی خیار العامل بین الفسخ، والرضا بإسقاط حق الشرط.

ص:199

مسألة ٩ ماذا علی العامل وماذا علی المالک

(مسألة 9): ذکروا أن مع إطلاق عقد المساقاة جملة من الأعمال علی العامل، وجملة منها علی المالک، وضابط الأولی ما یتکرر کل سنة، وضابط الثانیة ما لا یتکرر نوعاً وإن عرض له التکرر فی بعض الأحوال

(مسألة 9): {ذکروا أن مع إطلاق عقد المساقاة} بأن لم یعینوا شیئاً، وکان الارتکاز منصباً علیه العقد، والارتکاز قد یکون من باب بنائهم الشخصی وقد یکون من باب أنه المتعارف فی عرفهم {جملة من الأعمال علی العامل، وجملة منها علی المالک، وضابط الأولی} عندهم {ما یتکرر کل سنة}، نقله مفتاح الکرامة عن الإرشاد واللمعة والروض ومجمع البرهان والکفایة والریاض.

أقول: وذهب آخرون إلی أن الضابط ما فیه مستزاد الثمرة، ونقله عن المبسوط والوسیلة والسرائر وجامع الشرائع والشرائع والنافع والتبصرة وغیرها، بل عن المختلف والمهذب البارع أنه الأشهر وعلیه الأکثر.

ثم قال: والضابطان متلازمان، فإن ما تحصل به زیادة الثمرة هو ما یتکرر کل سنة مما فیه صلاح الثمرة وتحتاج إلیه حصولاً وزیادةً وجودةً.

{وضابط الثانیة ما لا یتکرر نوعاً، وإن عرض له التکرار فی بعض الأحوال}.

أقول: کأنه فهم من کلامهم الأول، وإلاّ ففی مفتاح الکرامة: (لم أجد من صرح بالضابط فیما یجب علی المالک، لکنه یفهم من مطاوی کلماتهم).

أقول: ولذا قال فی محکی التنقیح: (ما یجب علی العامل له ضابطان: الأول ما فیه مستزاد الثمرة، الثانی: ما کان تکراراً کل سنة، وما یجب علی المالک

ص:200

فمن الأول إصلاح الأرض بالحفر فیما یحتاج إلیه، وما یتوقف علیه من الآلات، وتنقیة الأنهار والسقی ومقدماته کالدلو والرشاء وإصلاح طریق الماء واستقائه إذا کان السقی من بئر أو نحوه، وإزالة الحشیش المضرة وتهذیب جرائد النخل والکرم والتلقیح

له ضابطان، الأول: ما یفتقر إلی بذل المال، والثانی: ما لا یتکرر غالباً ویعد صالحاً فی الأصول).

{فمن الأول: إصلاح الأرض بالحفر فیما یحتاج إلیه} وترفیع الأماکن المحتاجة إلیه مثل أطراف السواقی، حیث لا یعطی الماء لدی زیادته إلی ممرات البستان.

{وما یتوقف علیه من آلات} کالمسحات ونحوها غیرها کالمنجل والمنشار {وتنقیة الأنهار} ومصب الدوالی {والسقی ومقدماته} مثل ربط الدابة بالناعور ونحوه، وإزالة السدد الموجود فی المصب والمجری، بل ومؤخراته مثل إیقاف الدابة عن الحرکة وجعل السدد، وفی هذه الأیام تشغیل الماکنة وإطفاؤها.

وکذا علیه ما یحتاج السقی إلیه {کالدلو والرشا وإصلاح طریق الماء} المتصل بالنهر ونحوه {واستقائه إذا کان السقی من بئر أو نحوه} الظاهر أن (نحوه) أی نحو البئر، فالضمیر یلزم أن یکون مؤنثاً، لأن البئر مؤنث سماعاً.

{وإزالة الحشیش المضرة} بالزرع، وإن کانت نافعة فی نفسها، والتأنیث باعتبار أفراده وإلاّ فالحشیش لیس بمؤنث.

{وتهذیب جرائد النخل والکرم} وسائر الأشجار لأنها بحاجة إلی التشذیب {والتلقیح} للثمر، ویأتی الکلام فی اللقاح هل علی نفس المالک، فإنه وإن تکرر

ص:201

واللقاط والتشمیس وإصلاح موضعه وحفظ الثمرة إلی وقت القسمة.

ومن الثانی: حفر الآبار والأنهار، وبناء الحائط والدولاب والدالیة ونحو ذلک مما لا یتکرر نوعاً.

واختلفوا فی بعض الأمور أنه علی المالک أو العامل، مثل البقر الذی یدیر الدولاب

کل سنة لأنه بحاجة إلی مال کثیر أم لا.

{واللقاط} بجمع الثمر الساقط عمداً عند هز الأشجار لجمع الثمر، أو کان ذلک بسبب ریح ونحوه.

{والتشمیس} والحفظ عن المطر ونحوه {وإصلاح موضعه} وموضع الحفظ بالکنس ونحوه.

{وحفظ الثمرة} فی المحفظة المعدة له فی البستان {إلی وقت القسمة} الوقت المتعارف، وإلاّ فلا حق للمالک فی التأخیر عنه حتی یکون کل حفظه علی العامل.

و{من الثانی} الذی علی المالک: {حفر الآبار والأنهار} والسواقی والقنوات {وبناء الحائط} فی البستان المحوط، وإلاّ کان من السالبة بانتفاء الموضوع.

{والدولاب والدالیة ونحو ذلک مما لا یتکرر نوعاً}.

ثم إن قولهم ما یتکرر کل سنة فی الضابط الأول یراد به مع کل استثمار، إذ لا خصوصیة للسنة، فبعض أشجار الفواکه التی تعطی کل سنة مرتین مما یحتاج کل مرة إلی إعمال تلک الأمور یکون حالها حال ما تعطی الثمر کل سنة مرة، وکذلک عکسه مثل ما تعطی کل سنتین مرة، ولذا تقدم التلازم بین العرفین لما علی العامل.

{واختلفوا فی بعض الأمور أنه علی المالک أو العامل، مثل البقر} والحمار والبغل {الذی یدیر الدولاب}، فعن المبسوط وغیره أن البقر علی رب المال، و

ص:202

والکش للتلقیح وبناء الثلم ووضع الشوک علی الجدران وغیر ذلک، ولا دلیل علی شیء من الضابطین، فالأقوی أنه إن کان هناک انصراف فی کون شیء علی العامل أو المالک فهو المتبع، وإلاّ فلا بد من ذکرنا یکون علی کل منهما رفعاً للغرر،

عن السرائر وغیره أنه علی العامل.

استدل لمن قال بالأول: بأن البقر لیس من العمل، فلیس علی العامل.

واستدل للثانی: بأنه یراد للعمل، فاللازم أن یکون علی العامل.

{والکش للتلقیح} فعن الشیخ وکثیر من الفقهاء أنه علی المالک، وعن السرائر وجملة منهم أنه علی العامل، والاستدلال للرأیین کما فی البقر.

{وبناء الثلم} فی الحیطان {ووضع الشوک علی الجدران وغیر ذلک} هل هی علی المالک لأنها لیست من العمل، ولأنها زیادة فی البستان فلا ربط لها بالعامل، أو علی العامل لأنها مقدمة الاستثمار حیث لا یسرقها اللصوص ولا یفسدها الحیوانات فلا ربط لها بالمالک.

{ولا دلیل علی شیء من الضابطین} والاستدلالات المذکورة لها غیرتامة، {فالأقوی أنه إن کان هناک انصراف فی کون شیء علی العامل أو المالک} أو هما بالاشتراک انصرافاً بنی علیه العقد ولو ارتکازاً، إذ بدون ذلک لا یکون (عقودکم) وإن کان انصراف، لأن العقود تتبع القصود.

{فهو المتبع} ولذا الذی ذکرناه إذا تعارض العرف العام والخاص عند هؤلاء اتبع الخاص، لأنه المبنی علیه العقد.

{وإلا فلابد من ذکر ما یکون علی کل منهما رفعاً للغرر} إذ مع عدم الذکر

ص:203

ومع الإطلاق وعدم الغرر یکون علیهما معاً، لأن المال مشترک بینهما، فیکون ما یتوقف علیه تحصیله علیهما.

یکون غرراً، ومع الغرر تبطل المساقاة، لأن نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) یدل علی الوضع، کما تقدم.

{ومع الإطلاق وعدم الغرر یکون علیهما معاً} بالنسبة العقلائیة، وإن خالفت نسبة الحصة {لأن المال مشترک بینهما فیکون ما یتوقف علیه تحصیله علیهما} کما فی الجواهر.

واحتمل کونها علی العامل، لصحیح یعقوب بن شعیب، حیث قال (علیه السلام): «النفقة منک والأرض لصاحبها»، ثم قال: «وکذلک أعطی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) خیبر»((1))، الحدیث.

فإن خیبر کانت بعضها بالمساقاة، فلما شبهها الإمام (علیه السلام) بالمزارعة دل التشبیه علی استوائهما فی أن النفقة من العامل، فإنه کما لیس فی المزارعة علی المالک إلاّ دفع الأرض، کذلک لیس فی المساقاة علی المالک إلاّ دفع الأصول.

قال فی المستمسک علی کلام الجواهر فی محتمله: (ولو فرض قصور النصوص عن إثبات ذلک کان هو مقتضی الإطلاق)، وأشکل علی تعلیل المصنف (بأنه لا یجب علی الشرکاء فی أمر فعل ما یقتضی حصوله أو بقاءه، فإن الشرکاء فی دار لا یجب علیهم تعمیرها، والشرکاء فی شجر أو حیوان لا یجب علیهم تنمیته) انتهی.

ص:204


1- الوسائل: ج13 ص203 الباب10 من أبواب کتاب المزارعة ح2

ویرد علیه أولاً: إن الصحیح لا یدل إلاّ علی النفقة المتعارفة کونها علی العامل، ولذا لا یقولون بأن کل النفقة علی العامل فی المزارعة، وعلیه فلا دلیل فی تشبیه المساقاة بها علی ذلک.

وثانیاً: إن أی إطلاق یقتضی أن النفقة علی العامل، فإن أرید إطلاق النص فلا إطلاق فیه من هذه الجهة، وإن أرید إطلاق العقد، فالعقود تتبع القصود، ولا إطلاق لها.

وثالثاً: إنه لو قیل بالإطلاق کان اللازم أن یقال: إنها علی المالک، إذ نفقة الأشجار علی صاحبها کما ذکروه فی کتاب النفقات، فانتقالها إلی العامل یحتاج إلی دلیل، وحیث لا دلیل فاللازم أن تکون کما فی السابق علی المالک.

ورابعاً: إن الإنسان یجب علیه حفظ ماله، والحاصل لما صار مالهما حسب العقد کان اللازم علیهما حفظه، کما ذکروه فی کتاب النفقات، وعلیه یجب علی الشرکاء حفظ الدار وإلاّ کان إسرافاً، فهل یجوز ترک الدار والبستان حتی تنهدم ویفسد الثمر، ولذا سکت علی المتن کافة المعلقین الذین ظفرت بتعلیقاتهم کالسادة ابن العم والبروجردی والجمال وغیرهم علی کثرتهم.

ولو کانا من بلدین، عادة کل بلد شیء علی خلاف عادة البلد الآخر، وارتکز کل عند العقد عادة بلده، فإن کان علی نحو المصب أو القید بطل العقد، لعدم توارد الإیجاب والقبول علی شیء واحد، ولو کان علی نحو الشرط کان لصاحب الشرط الخیار حیث تخلف شرطه.

ص:205

مسألة ١٠ لو اشترط کون جمیع الأعمال علی المالک

(مسألة 10): لو اشترطا کون جمیع الأعمال علی المالک فلا خلاف بینهم فی البطلان، لأنه خلاف وضع المساقاة، نعم لو أبقی العامل شیئاً من العمل علیه واشترط کون الباقی علی المالک، فإن کان مما یوجب زیادة الثمرة فلا إشکال فی صحته

(مسألة 10): {لو اشترطا کون جمیع الأعمال علی المالک، فلا خلاف بینهم فی البطلان} لا مساقاةً ولا عقداً مستقلاً، إما المساقاة ف_ {لأنه خلاف وضع المساقاة} فلا مصب إذا کان علی نحو المصب، وهو شرط علی خلاف مقتضی العقد إذا کان علی نحو الشرط.

لا یقال: الشرط الفاسد یوجب الخیار لا أنه مفسد.

لأنه یقال: هذا الشرط سبب أن لا یکون عقد، إذ العقد له جانبان وهذا لیس له إلاّ جانب واحد، وأما العقد المستقل فلأنه لیس بعقد علی ما عرفت.

{نعم لو أبقی العامل شیئاً من العمل علیه واشترط کون الباقی علی المالک، فإن کان} ما أبقاه العامل علی نفسه {مما یوجب زیادة الثمرة فلا إشکال فی صحته}.

نعم، علی ما ذکرناه من لزوم الماء فی المساقاة یشترط أن یکون فی ضمن ما أبقاه السقی، کما قد تقدم استظهار صحة المساقاة وإن لم توجب زیادة الثمرة إذا کان العمل یوجب حفظها وعدم فسادها.

ثم الظاهر أن مراده من (شیئاً) أمراً معتداً به، لا أن یکون دلیل المساقاة عرفاً وشرعاً منصرفاً عنه، وإلاّ لم یصح.

ص:206

وإن قیل بالمنع من جواز جعل العمل علی المالک ولو بعضاً منه، وإلاّ کما فی الحفظ ونحوه ففی صحته قولان، أقواهما الأول، وکذا الکلام إذا کان إیقاع عقد المساقاة بعد

{وإن قیل بالمنع من جواز جعل العمل علی المالک ولو بعضاً منه} وقد نسب ذلک إلی الشیخ فی المبسوط، وإلی الوسیلة وجامع الشرائع، وعلله فی الأول بأن موضوع المساقاة علی أن من رب المال المال، ومن العامل العمل، ونحوه حکی عن غیره، وربما قرب ذلک بأنه المساقاة المتعارف، وأنه ظاهر صحیحی یعقوب: «یقول: اسق هذا من الماء واعمره ولک نصف ما أخرج».

قال فی المستمسک: (وما ذکره فی المبسوط من التعلیل متین، نعم یمکن تصحیحه بعنوان غیر المساقاة عملاً بالأدلة العامة).

وفیه: بعد أنه مساقاة عرفاً لکن لا مطلقاً، وإنما بقدره یشمله الدلیل، فلا وجه لعدم کونه مساقاة، وهل هذا إلاّ مثل شرط أن یعمل معه إنسان ثالث، وهل یقال هناک بالبطلان.

{وإلا} یکن العمل الذی أبقاه العامل لنفسه مما یوجب زیادة الثمرة {کما فی الحفظ ونحوه} بأن کانت المساقاة لأجله {ففی صحته قولان: أقواهما} الثانی، لأنه لیس بمساقاة کما عرفت، وقد تقدم من المصنف ما ظاهره نفی الخلاف فی البطلان، بل ادعی الإجماع علیه، فتقویته هنا {الأول} غیر ظاهر الوجه.

{وکذا الکلام إذا کان إیقاع عقد المساقاة بعد

ص:207

بلوغ الثمر وعدم بقاء عمل إلاّ مثل الحفظ ونحوه، وإن کان الظاهر فی هذه الصورة عدم الخلاف فی بطلانه کما مر.

بلوغ الثمرة وعدم بقاء عمل إلاّ مثل الحفظ ونحوه} فإن الأقوی أیضاً عدم صحته مساقاةً، نعم یصح فی کلا الموردین عقداً مستقلاً کما تقدم.

{وإن کان الظاهر فی هذه الصورة عدم الخلاف فی بطلانه کما مر}، لکن عن المهذب البارع القول بالصحة.

ثم مثل شرط جمیع الأعمال علی المالک شرط کون الأصول علی العامل، فإنه باطل أیضاً، والکلام فی تبعیض العمل أو الأصول أو ما أشبه یعرف مما تقدم، والله سبحانه العالم.

ص:208

مسألة ١١ إذا ترک العامل ما اشترط علیه

(مسألة 11): إذا خالف العامل فترک ما اشترط علیه من بعض الأعمال، فإن لم یفت وقته فللمالک إجباره علی العمل، وإن لم یمکن فله الفسخ

(مسألة 11): {إذا خالف العامل فترک ما اشترط علیه من بعض الأعمال} سواء کانت مرتبطة بالمساقاة مثل إعطاء مزید من الماء للأشجار أو إعطائها الماء فی أوقات خاصة، أو غیر مرتبطة مثل أن یصلی فی البستان جماعةً لأجل زیادة البرکة مثلاً، واستظهر المستمسک إرادة المصنف القسم الثانی فقط، وکأنه لمثاله فی الأخیر بالخیاطة، ولإتیان الحکم فی المسألة السادسة والعشرین، فاللازم تخصیص تلک بالقسم الأول، وهذه بالقسم الثانی لئلا یکون تکرار، ولکن إطلاقه فی کلتا المسألتین یمنع عن ذلک، ومثاله بالخیاطة لا یدل علی الاختصاص، والتکرار فی الکتاب غیر عزیز.

{فإن لم یفت وقته فللمالک إجباره علی العمل} لأنه بالشرط صار حقاً له، والحق حیث لا یتوی کان له الحق فی أخذه ولو بالإجبار، قال (علیه السلام): »لی الواجد یحل عقوبته وحبسه».

{وإن لم یمکن} الإجبار {فله الفسخ} بخیار تخلف الشرط، وهل الأمر مرتب بین الإجبار والفسخ حتی لا یکون فسخ إذا أمکن الإجبار کما هو ظاهر کلامه، أم مخیر من أول الأمر بینهما، کما سیأتی فی المسألة السادسة والعشرین، وسیأتی تفصیل الکلام هناک.

وهل للمالک الأخذ بأجرة العمل، کما هو ظاهر کلام التحریر، حیث قال فی محکی کلامه: (إذا شرط المالک علی العامل عملاً معیناً وجب علی العامل القیام به، فإن أخل بشیء منه تخیر المالک بین فسخ

ص:209

العقد وإلزامه بأجرة العمل) انتهی.

وظاهر کلامه مطلق، یشمل ما فات وقت العمل أو لم یفت، وإن کان ظاهر المصنف اختصاص الاحتمال بالأول، حیث إنه لم یحتمله فی الفرع المتقدم، الظاهر الإطلاق، لأن المالک استحق علی العامل شیئین: ذات الشرط، وکونه صادراً من العامل مباشرة، فلما تعذرت المباشرة لعدم إمکان إجباره، بعد عدم إتیانه به بنفسه، بقیت الذات، فله استیفاؤها عیناً بأخذ أجیر آخر من کیس العامل، أو عمل المالک بنفسه بأجرة من کیس العامل، کما أن له الفسخ بخیار تخلف الشرط.

ومنه یعلم وجه النظر فی کلام الجواهر، حیث أشکل بأنه (مبنی علی تملیک الشرط العمل المشروط لمن له، علی وجه یکون من أمواله، وهو ممنوع، فإن أقصاه إلزام من علیه الشرط بالعمل وإجباره علیه، والتسلط علی الخیار لعدم الوفاء به، لا لکونه مالاً له) انتهی.

وفی کلام المستمسک حیث قال: (المرتکزات العرفیة تأبی القول بهذا الضمان وإن کان العمل مملوکاً بالشرط فلا مجال للبناء علیه).

إذ یرد علی أولهما: إن الملکیة أمر عرفی، فإذا رآها العرف ولم یردع الشارع عنها کان اللازم القول بها، ولذا یعدها العرف مالاً ویبذل فی قبالها المال، فإذا باعه داراً بشرط أن یخیط المشتری ثوبه جعل الثمن أقل، بخلاف ما إذا لم یشترط علیه خیاطة الثوب حیث یجعل الثمن أکثر.

وبهذا ظهر أن المرتکزات العرفیة علی خلاف ما ذکره المستمسک، أما

ص:210

مثاله لما ذکره بمن استؤجر علی صوم یوم الجمعة فلم یصم لم یستحق الأجرة، لا أنه یستحقها وعلیه قیمة صوم یوم الجمعة، قال: وکذلک کلامهم فی خیار الاشتراط خال عن التعرض لذلک، وظاهر أنه مع فوات الشرط یتخیر من له الشرط بین فسخ العقد وإمضائه من دون استحقاق شیء.

ثم استظهر من کلام الشیخ المرتضی (رحمه الله) حیث قال فی مبحث الشرط: (ولو کان الشرط عملاً من المشروط علیه یعدّ مالاً ویقابل بالمال کخیاطة الثوب فتعذر، ففی استحقاق المشروط له لأجرته، أو مجرد الخیار وجهان): (إن مراده من الأجرة حصة من الثمن بحیث یکون الشرط کجزء من أحد العوضین) انتهی.

فیرد علیه أولاً: إنه لا نسلم عدم استحقاقه قیمة صوم یوم الجمعة، فهو مصادرة علی المطلوب، بل الظاهر أن العرف یری ذلک، ولذا إذا ارتفعت قیمة الصوم بین وقت الإجارة ووقت العمل یری العرف أن تارک الصوم فوّت علی المستأجر قیمة أکثر من الأجرة.

ویظهر ذلک بما لو استأجره للحج سنة ثمانین بمائة فلم یحج، وصارت أجرة الحج فی سنة واحدة وثمانین بمائة وخمسین، کان للمستأجر أن یرفع یده عن شرط السنة ویلزمه بالحج فی العام الثانی، أو أن یأخذ منه بقدر أجرة الحج لیستأجر بها غیره، لأنه حقه و«لا یتوی حق امرئ مسلم».

وثانیاً: لو سلم فی مثل الصوم الذی لا یعد مالاً، لا نسلم فی مثل الخیاطة، ولذا قال الشیخ المرتضی (رحمه الله): (الذی یعد مالاً ویقابل بالمال کخیاطة الثوب) والفارق المرتکزات العرفیة.

ص:211

وإن فات وقته فله الفسخ بخیار تخلف الشرط، وهل له أن لا یفسخ ویطالبه بأجرة العمل بالنسبة إلی حصته، بمعنی أن یکون مخیراً بین الفسخ وبین المطالبة بالأجرة، وجهان، بل قولان، أقواهما ذلک

وثالثاً: إن استظهاره من کلام الشیخ أن مراده ما ذکره غیر ظاهر، بل قوله: (لأجرته) ظاهر فی نفس الأجرة، لا الحصة من الثمن.

وکیف کان، فالأقرب أنه إذا لم یفت الوقت کان له الإجبار، ثم إذا لم یمکن الإجبار کان له أن یعمل بنفسه، أو یستأجر غیره بأجرة من کیس العامل، أو الفسخ، مرتباً أو غیر مرتب.

{وإن فات وقته فله الفسخ بخیار تخلف الشرط} لما ذکر فی الخیارات {وهل له أن لا یفسخ ویطالبه بأجرة العمل بالنسبة إلی حصته} لا بالنسبة إلی الواقع، إذ قد تکون الحصة أکثر من حقه الواقعی، وقد تکون أقل، مثلاً حقه مائة بینما الحصة تکون مائتین، أو خمسین، فإذا ترک نصف العمل فی الأول أخذ منه مائة، وفی الثانی أخذ منه خمسة وعشرین، وإنما لا یلاحظ الواقع لأنه لم یلزم بالواقع وإنما بالحصة.

{بمعنی أن یکون مخیراً بین الفسخ، وبین المطالبة بالأجرة، وجهان، بل قولان} قد عرفت وجههما {أقواهما} عند المصنف وجملة من المعلقین منهم ابن العم {ذلک} لما تقدم من أن الشارط ملک ذلک علی المشروط علیه، فله مطالبته ببدله.

لا یقال: علی هذا لا یختص الأجرة بحصة من العمل، لأن المالک یملک تمام العمل فی عهدة العامل بإزاء حصة من الزرع، والتخلف إتلاف له یوجب غرامة بقدر حقه، فحال المقام حال ما إذا اشتری مائة کیلو من الحنطة بمائة دینار

ص:212

ودعوی أن الشرط لا یفید تملیک العمل المشروط لمن له علی وجه یکون من أمواله، بل أقصاه التزام من علیه الشرط بالعمل وإجباره علیه

ثم لم یسلمه البائع إلاّ خمسین، حیث إن حقه فی خمسین باقیة بقدر قیمته، سواء کانت قیمته مائة أو خمسة وعشرین.

لأنه یقال: لم یدخل المشروط علیه إلاّ بأن یؤدی قدر المائة عملاً، فإذا لم یؤد إلاّ نصف المائة مثلاً، کان علیه أن یؤدی نصف المائة الآخر، فلا علیه أن یؤدی مائة فی الارتفاع، ولا له أن یؤدی خمسة وعشرین فی الانخفاض، اللهم إلاّ أن یقال: لما ملک الشارط علیه ذلک کان للشارط العمل، فإن ارتفع کان للشارط بقدر المرتفع، وإن انخفض کان للشارط بقدر المنخفض، مثلاً اشتری زید ما قیمته دینار بنصف دینار بشرط أن یخیط ثوب البائع، وقیمة خیاطة الثوب نصف دینار، فإن الشارط ملک علی الخیاط خیاطة ثوب، فإن لم یخط کان له أن یأخذ قیمة الخیاطة، فإذا ارتفعت قیمة الخیاطة إلی دینار کان له علی الخیاط دینار، وإن انخفضت القیمة إلی ربع دینار کان له علیه ربع دینار.

ثم لا یخفی أنه بناءً علی استحقاقه أجرة العمل، علی المشروط علیه أجرة الفائت لا العمل المجرد، مثلاً إذا کان عمل الساقی بالشرط _ الذی هو نصف کل عمل الساقی مثلاً _ کان الثمر یسوی مائة دینار، أما حیث لم یعمل یسوی الثمر خمسة وعشرین، فإن الشارط یطلبه خمسة وسبعین، لأنه القدر الفائت، لا خمسین باعتبار أنه لم یعمل نصف العمل فقط.

{ودعوی أن الشرط لا یفید تملیک العمل المشروط لمن له علی أن یکون من أمواله} کما سبق عن الجواهر {بل أقصاه}، لا یرید أن هناک أدنی من ذلک إذ الإجبار والخیار متفق علیه {التزام من علیه الشرط بالعمل وإجباره علیه}

ص:213

والتسلط علی الخیار بعدم الوفاء به مدفوعة بالمنع من عدم إفادته التملیک، وکونه قیداً فی المعاملة لا جزءاً من العوض یقابل بالمال لا ینافی إفادته لملکیة من له الشرط إذا کان عملاً من الأعمال علی من علیه.

والمسألة سیالة فی سائر العقود، فلو شرط فی عقد البیع علی المشتری مثلاً خیاطة ثوب فی وقت معین،

لأنه حق للشارط، و«لا یتوی حق امرئ مسلم» وهو واجد ولَیُّه یوجب عقوبته وحبسه.

{والتسلط} للشارط {علی الخیار ب_} سبب {عدم الوفاء به} بالشرط {مدفوعة بالمنع من عدم إفادته التملیک} کیف والعرف یراه مالاً، ولذا یجعله فی مقابل المال، کما تقدم فی مثال اشتراط الخیاطة ونحوها.

{و} إن قلت: إن الشرط لا یقابل بالمال ل_ {کونه قیداً فی المعاملة لا جزءاً من العوض یقابل بالمال}.

قلت: {لا ینافی} کونه قیداً {إفادته لملکیة من له الشرط إذا کان عملاً من الأعمال علی من علیه}، وجه عدم المنافاة أن الملکیة أمر عرفی، والعرف یری المقام ملکاً، ولا یلاحظ الدقة العقلیة فی أنه قید أو جزء، فلا فرق عند العرف بین أن یقول: الکتاب وخیاطة ثوبک لک بدینار، وبین أن یقول: الکتاب لک بدینار بشرط أن أخیط ثوبک، فإن المشتری إنما یدفع الدینار فی کلا الحالین فی قبال الکتاب وخیاطة الثوب.

{والمسألة سیالة فی سائر العقود} بل والإیقاعات، مثل الطلاق والعتق والإبراء.

ص:214

وفات الوقت فللبائع الفسخ أو المطالبة بأجرة الخیاطة، وهکذا.

{فلو شرط فی عقد البیع علی المشتری مثلاً خیاطة ثوب فی وقت معین وفات الوقت} ولم یخط {فللبائع الفسخ أو المطالبة بأجرة الخیاطة} ولو لم یفت کان له الإجبار، مضافاً إلی ذین، علی ما تقدم.

{وهکذا} فی سائر العقود، مثلاً رهنه داره بألف وبناء دکانه، وکان بناء الدکان یسوی مائة، مما یکون الرهن فی الحقیقة بألف ومائة، فإذا لم یبن کان له أخذ المائة.

إلی غیرهما من العقود، وکذا فی الإیقاعات، فإذا کان الطلاق الخلعی فی قبال مائة ولم تدفع إلاّ تسعین بشرط خیاطة ثوبه وأجرتها عشرة، فلم تخط کان له أخذ العشرة منها.

والشاهد علی أنه ملک یستحق بدله العرف، والشارع لم یردعهم، وبذلک یکون ممضیاّ من قبله، حیث قال: ﴾أوفوا﴿، و﴾تجارة﴿، و«عند شروطهم»، وما أشبه من هذه المطلقات.

ص:215

مسألة ١٢ لو شرط العامل أن یعمل غلام المالک معه

(مسألة 12): لو شرط العامل علی المالک أن یعمل غلامه معه صح، أما لو شرط أن یکون تمام العمل علی غلام المالک، فهو کما لو شرط أن یکون تمام العمل علی المالک، وقد مر عدم الخلاف فی بطلانه لمنافاته لمقتضی وضع المساقاة،

(مسألة 12): {لو شرط العامل علی المالک أن یعمل غلامه معه صح} بلا إشکال ولا خلاف، بل عن التذکرة وغیره الإجماع علیه، وذلک لإطلاق دلیل «المؤمنون عند شروطهم».

وتوهم الإشکال بأن ذلک خلاف مقتضی العقد، لأن مقتضی عقد المساقاة أن یکون الأصول من المالک والعمل من العامل، وهنا صار الأصول وبعض العمل من المالک.

غیر وارد، إذ بعض العمل یصح أن یکون من نفس المالک، فکیف بغلامه.

ومنه یعلم صحة اشتراطه علیه أن یعمل معه ولده غیر البالغ مثلاً.

{أما لو شرط أن یکون تمام العمل علی غلام المالک} أو ولده الصغیر مثلاً {فهو کما لو شرط أن یکون تمام العمل علی المالک} فهو لا یصح.

{و} ذلک لما {قد مرّ} فی المسألة العاشرة من {عدم الخلاف فی بطلانه}، وذلک {لمنافاته لمقتضی وضع المساقاة}، لکن قد یقال بالصحة إذا کان الإشراف شیئاً مهماً یساوی حق الحصة عرفاً، کما إذا کانت الأصول والعمل فی جانب، وکون المساقی زیداً فی جانب، حیث لولاه یغصب السلطان البستان أو لا یعطیه الماء أو ما أشبه ذلک، لکن لا یخفی أن مثل ذلک لیس عقد مساقاة، بل عقد آخر یشمله ﴾أوفوا بالعقود﴿، والکلام فی عدم صحته مساقاةً.

ص:216

ولو شرط العامل علی المالک أن یعمل غلامه فی البستان الخاص بالعامل، فلا ینبغی الإشکال فی صحته، وإن کان ربما یقال بالبطلان بدعوی أن عمل الغلام فی قبال عمل العامل فکأنه صار مساقیاً بلا عمل منه، ولا یخفی ما فیها

{ولو شرط العامل علی المالک أن یعمل غلامه} أو ولده غیر البالغ {فی البستان الخاص بالعامل، فلا ینبغی الإشکال فی صحته} وذلک لإطلاق دلیل الشرط وعدم منافاته للکتاب ولا لمقتضی العقد، وإن ذکر الفاضلان وغیرهما المسألة علی نحو یشعر بوجود الخلاف، ولعله من جهة ما یظهر من الشیخ فی المبسوط کما حکی.

ووجه عدم الصحة ما ذکره بقوله: {وإن کان ربما یقال بالبطلان بدعوی أن عمل الغلام فی قبال عمل العامل} إذا فرض استواء عملهما بأن کانت لکل منهما أصول بقدر الآخر وکان عمل الساقی فی بستان المالک بقدر عمل غلام المالک فی بستان الساقی، وأسوأ من ذلک ما لو کان عمل الغلام فی بستان الساقی أکثر، أما إذا کان أقل فلا یأتی الوجه المذکور للبطلان.

{فکأنه صار مساقیاً بلا عمل منه} وقد تقدم أن جعل الساقی نفسه بلا عمل حسب الشرط ینافی مقتضی العقد وهو یوجب بطلانه.

{ولا یخفی ما فیها} إذ کون العمل علی المالک مناف لوضع المساقاة، بخلاف المقام، فإنه لا ینافی المساقاة.

ثم إن الشرط وإن لم یکن مفسداً علی ما حقق فی محله، إلاّ أن مثل الشرط فی المقام مفسد من جهة عدم القصد إلی المساقاة معه، فهو مثل اشتراط

ص:217

ولو شرطا أن یعمل غلام المالک للعامل تمام عمل المساقاة، بأن یکون عمله له بحیث یکون کأنه هو العامل، ففی صحته وجهان، لا یبعد الأول، لأن الغلام حینئذ کأنه نائب عنه فی العمل بإذن المالک،

أن لا یکون المبیع ملکاً للمشتری، والمرأة زوجة فی النکاح، حیث لا یقال فی مثلهما بصحة البیع والنکاح من جهة أن الشرط الفاسد لیس بمفسد.

و(فیها) عائد إلی (الدعوی) وإذا بطلت الدعوی فلا بطلان.

{ولو شرطا أن یعمل غلام المالک للعامل تمام عمل المساقاة} فینتقل بالمساقاة عمل الغلام إلی العامل، لا أن عمل الغلام یبقی للمالک کما کان فی الفرع السابق، {بأن یکون} بالشرط علی نحو شرط النتیجة {عمله له، بحیث یکون} الغلام {کأنه هو العامل} فیکون کما إذا وهب المالک عمل غلامه للعامل، أو استأجر العامل الغلام فکان عمله للعامل بالإجارة ثم جعل عمل الغلام فی المساقاة.

{ففی صحته وجهان، لا یبعد الأول} الصحة، إذ العمل بالشرط صار للعامل، وحیث لم یکن اللازم فی المساقاة مباشرة العامل صح أن یسقی بواسطة آخر، من غیر فرق بین عبد نفسه أو أجیره أو من وهب له عمله أو ما أشبه ذلک، فإذا عمل غلام المالک للعامل بالنیابة عنه کان بمنزلة الأجیر للعامل.

{لأن الغلام حینئذ} حین الشرط {کأنه نائب عنه} الظاهر عدم الاحتیاج إلی (کأنه) بل نائب عنه {فی العمل} فی البستان {بإذن المالک} فهو کما إذا وهب المالک عمل عبده لزید، ثم ساقاه علی أصول، وجعل العامل العبد یعمل فی البستان.

ص:218

وإن کان لا یخلو عن إشکال مع ذلک، ولازم القول بالصحة الصحة فی صورة اشتراط تمام العمل علی المالک بعنوان النیابة عن العامل.

{وإن کان لا یخلو عن إشکال مع ذلک} لأن حاصل الأمر أن العامل لا یعمل عملاً، ومع ذلک له الحصة، بینما فی المساقاة حصة العامل فی مقابل عمله، لکن فیه: إن العامل یعمل عملاً بنائبه، وقد تقدم أنه إذا لم یشترط المباشرة صح أن یعمل بنفسه أو نائبه.

أما أن النائب کیف صار نائباً له بالشرط أو بالإجارة أو بتبرع النائب العمل للعامل أو غیر ذلک، فإنه لا یرتبط بالمساقاة حتی یضرّ بها.

{ولازم القول بالصحة} فی العبد {الصحة} للمساقاة أیضاً {فی صورة اشتراط تمام العمل علی المالک بعنوان النیابة عن العامل}، لأن العمل یکون عمل العامل حینئذ، فتکون له الحصة فی قبال عمله النیابی، وکذلک فی عکس المسألة، کما إذا أعطی المالک أصوله لإنسان عاریة فأعطی المستعیر الأصول إلی المالک بعنوان المساقاة، فعمل المالک فی الأصول، فإن للمستعیر الحصة _ وإن کان کل من الأصول والعمل من المالک _ لأن فائدة الأصول صارت للمستعیر بالعاریة، والحصة له فی قبال فائدته من الأصول.

ص:219

مسألة ١٣ لا یشترط مباشرة الساقی العمل

(مسألة 13): لا یشترط أن یکون العامل فی المساقاة مباشراً للعمل بنفسه، فیجوز له أن یستأجر فی بعض أعمالها أو فی تمامها ویکون علیه الأجرة، ویجوز أن یشترط کون أجرة بعض الأعمال علی المالک، والقول بالمنع لا وجه له

(مسألة 13): {لا یشترط أن یکون العامل فی المساقاة مباشراً للعمل بنفسه} وذلک لتعارف اتخاذ العامل الأجیر ونحوه، ولم یردع عنه الشارع، فمثلها ممضاة یشمله إطلاق الأدلة.

{فیجوز له أن یستأجر فی بعض أعمالها أو فی تمامها ویکون علیه الأجرة} حسب مقتضی الإجارة، وتکون الحصة له سواء کانت أزید من الأجرة أو أقل أو مساویاً، واحتمال أنه لا وجه لزیادة الأجرة بدون أن عمل العامل عملاً غیر تام، لأن عمله هو الاستیجار وهو عقلائی بإزائه المال، فقد ذکرنا فی کتاب (الفقه: الاقتصاد) أن المال فی قبال العمل الجسدی والفکری والمواد وشرائط الزمان والمکان والعلاقات الاجتماعیة.

{ویجوز} للعامل {أن یشترط کون أجرة بعض الأعمال علی المالک} سواء بإعطائها من الثمرة أو غیرها، وإنما جاز لإطلاق دلیل الشرط الذی لا ینافیه الکتاب ولا مقتضی العقد.

{والقول بالمنع} کما حکی عن الشیخ معللاً منافاته لمقتضی عقد المساقاة، إذ هی إعطاء الأصول فقط فی قبال عمل العامل، فقد أعطی المالک هنا الأصول وبعض العمل.

{لا وجه له} إذ مثل هذا الشرط ینافی الإطلاق، لا المقتضی، ولذا قال

ص:220

وکذا یجوز أن یشترط کون الأجرة علیهما معاً فی ذمتهما، أو الأداء من الثمر، وأما لو شرط علی المالک أن یکون أجرة تمام الأعمال علیه أو فی الثمر، ففی صحته وجهان:

أحدهما: الجواز لأن التصدی لاستعمال الأُجراء نوع من العمل

الجواهر: (وفیه منع واضح، ضرورة عدم ما یدل علی اعتبار ذلک حتی بالشرط ونحوه).

وإشکال المستمسک علیه بأن أدلة المساقاة لا إطلاق لها یشمل المقام غیر وارد، إذ العرف یری ذلک مساقاة، والشارع لم یردع عنه، وکفی بمثل ذلک إطلاقاً، وإلاّ أشکل علی المستمسک فی کل المسائل التی تمسک فیها بالإطلاق.

{وکذا یجوز أن یشترط کون الأجرة علیهما معاً}، وذلک لإطلاق دلیل الشرط بعد عدم منافاته للکتاب أو مقتضاها، سواء جعلت {فی ذمتهما أو الأداء من الثمر} أو فی مال خارجی بمختلف الخارجی من الشخصی والکلی فی المعین والمشاع، أو بالاختلاف بأن تکون الأجرة التی علی أحدهما نحواً وعلی الآخر نحواً آخر، کل ذلک لما عرفت من الإطلاق.

{وأما لو شرط} العامل {علی المالک أن یکون أجرة تمام الأعمال علیه، أو فی الثمر} الذی للمالک، إذ لو کان فی مطلق الثمر کانت مشترکة بینهما، أو أن یجعل الثمر أثلاثاً، ثلث للمالک وثلث للعامل وثلث لمن یعمل أجیراً.

{ففی صحته وجهان، أحدهما: الجواز لأن التصدی} من العامل {لاستعمال الأجراء نوع من العمل} وأی فرق بین أن تکون للعامل الحصة ویستأجر الأُجراء

ص:221

وقد تدعو الحاجة إلی من یباشر ذلک لمعرفته بالآحاد من الناس وأمانتهم وعدمها، والمالک لیس له معرفة بذلک.

والثانی: المنع لأنه خلاف وضع المساقاة، والأقوی الأول، هذا

بقدر منها، مثلاً له نصف الثمر ویعطی الأجراء نصف ماله، أو أن تکون للعامل الربع بشرط أن یستأجر الأجراء بالربع، فإن العقلاء لا یفرقون بین الأمرین.

{وقد تدعو الحاجة إلی من یباشر ذلک} أی استعمال الأجراء {لمعرفته بالآحاد من الناس وأمانتهم} وخوفهم من العامل دون المالک {وعدمها، والمالک لیس له معرفة بذلک} أو لا یخاف منه الأجیر حتی یعمل کما یعمل إذا استأجره العامل، إلی غیرها من الدواعی العقلائیة فی إعطاء العامل الحصة فی قبال استئجاره للأجراء.

{والثانی: المنع لأنه خلاف وضع المساقاة} من کون العمل من العامل بنفسه، أو بالنیابة تبرعاً عنه، أو فی قبال حصة، أو أجرة تخرج من کیس المالک.

{والأقوی الأول}، وإن خالفه أکثر المعلقین أمثال السادة الجمال والبروجردی وابن العم وغیرهم، لأنه لیس بمساقاة حینئذ، والمنع وإن کان مشکلاً إلاّ أن القول بکونه مساقاةً أیضاً مشکل، والأحوط أن یقال: إنه عقد مستقل، ولذا قال المستمسک: (التعلیل المذکور یقتضی عدم صحته مساقاةً، ولا یمنع من صحته عقداً آخر).

{هذا} بعض الکلام فی الفروض السابقة، نعم لا ینبغی الإشکال فی ما إذا جعل کل الأجرة علی المالک فی عقد آخر، فإنه لا یضر بکون العقد السابق

ص:222

ولو شرطا کون الأجرة حصة مشاعة من الثمر بطل، للجهل بمقدار مال الإجارة فهی باطلة.

مساقاةً، فإنه مثل أن یجعل علیه مال من دون ذکر الأجرة، ومثله ما إذا شرط علیه فی المساقاة إعطاء مائة دینار مع النصف للعامل وکانت المائة بقدر الأجرة، إذ لا یرد علیه الإشکال السابق، وإن کان الشرط المذکور بداعی إعطاء المائة أجرة لمن یستأجره العامل.

{ولو شرطا کون الأجرة} لمن یستأجره العامل {حصة مشاعة من الثمر بطل} إن کانت الحصة مجهولة {للجهل بمقدار مال الإجارة فهی باطلة} إذ قد تحقق لزوم العلم بقدر مال الإجارة.

ص:223

مسألة ١٤ إذا شرط انف ا رد أحدهما بالثمر

(مسألة 14): إذا شرطا انفراد أحدهما بالثمر بطل العقد

(مسألة 14): {إذا شرط انفراد أحدهما بالثمر بطل العقد} علی المشهور، إذ المساقاة شرعاً وعرفاً غیر ذلک فلا مساقاة.

نعم، اللازم القول بالصحة إذا کان هناک مقصود عقلائی، فإنه داخل فی عموم ﴾أوفوا بالعقود﴿، کما إذا کان غرض المالک حصول السقایة لئلا تیبس الأصول، فیجعل کل الثمر للعامل، کما ذکره المستمسک، أو کان غرض العامل الاستفادة من هواء البستان وعمل السقایة لأجل ترویض جسمه وسکنی البستان فیجعل کل الثمر للمالک، ولذا لم یکن وجه لتخصیص المستمسک الصحة بالأول، فإن کلا الأمرین عمل عقلائی لا وجه للقول بالبطلان فی أی منهما، نعم إذا لم تکن أیة فائدة للمالک أو للعامل لم یکن وجه للصحة.

ثم هل یصح الأمر مساقاةً إذا جعل العامل لنفسه أکله من البستان کل یوم یعمل فیه بعد الثمر، أو استفادته من حشائش البستان وسعف النخل، أو دود الأرض فإن له قیمة حیث إنه دواء، أو أطیانه أو ما أشبه ذلک، وکذا العکس إذا جعل المالک لنفسه مثل ذلک، وجعل کل الثمر لأحدهما _ بعد أنه لا ینبغی الإشکال فی صحته عقداً جدیداً _ احتمالان:

من أنه نوع من الفائدة، بل الأوراد والحطب ونحوهما نوع من الثمر، فیشمله المناط أو الإطلاق.

ومن أنه خلاف المساقاة المتعارفة الواردة فی النص والفتوی، مقتضی الصناعة الثانی إلاّ إذا عدّ مثل الورد ثمراً کما تقدم، فیکون مساقاةً.

ص:224

وکان جمیعه للمالک، وحینئذ فإن شرطا انفراد العامل به استحق أجرة المثل لعمله، وإن شرطا انفراد المالک به لم یستحق العامل شیئاً لأنه حینئذ متبرع بعمله.

أما قوله فی صورة البطلان: {وکان جمیعه للمالک} فقد تقدم الإشکال فیه، لأن الثمر حاصل الأمرین: العمل والأصل، فلا وجه لاختصاص أحدهما به فاللازم التقسیم بالنسبة العقلائیة.

{وحینئذ} علی مبناهم من اختصاص المالک بالثمر بعد بطلان المساقاة {فإن شرطا انفراد العامل به استحق أجرة المثل لعمله} لأن المالک استوفی عمله فیکون ضامناً له، لقاعدة «لا یتوی حق امرئ مسلم» و«حقوق المسلمین لا تبطل» وغیرهما، کما تقدم الإلماع إلی ذلک فی کتابی المضاربة والمزارعة.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول المستمسک الذی تمسک له بعدم الردع فقال: (لأن الاستیفاء من أسباب الضمان عرفاً فیکون موجباً له شرعاً لعدم الردع) انتهی.

ثم إنه یأتی هنا احتمال أقل الأمرین من الثمرة والأجرة، لأن العامل قبل بالأقل، فی صورة أقلیة الثمرة عن الأجرة.

{وإن شرطا انفراد المالک به} فهل {لا یستحق العامل شیئاً}، ولذا قال الشرائع والقواعد: بل الأکثر، کما فی المسالک، أنه إذا تبین بطلان المساقاة کانت الثمرة للمالک.

{لأنه حینئذ متبرع بعمله} کما عن المسالک والکاشانی والریاض، أو یستحق العامل أجرة المثل، لأن رضاه کان مبنیاً علی العقد، فإذا لم یکن عقد لم

ص:225

یکن رضی، ویقال مثله فی جمیع أشباه ذلک، کما إذا عقدها بدون مهر المثل ثم ظهر بطلان العقد وقد افتضها حیث یکون علیه مهر المثل، إلی غیر ذلک من المقامات.

ولذا قال فی الجواهر: (الرضا بالعقد المتضمن لعدم الأجرة لیس رضاً بالعمل بلا أجرة، فإن الحیثیة ملاحظة).

أو یفصل بین الأمرین بأنه إذا کان رضی مطلقاً لم یستحق، وإن کان رضی مبنیاً علی العقد استحق، لما ذکر من الوجهین، الأقرب الثالث، لأنه مقتضی القاعدة.

أما الإشکال علی استحقاق العامل _ بأی حال سواء أطلق، أو فی الصورة التی ذکرها المفصل _ بأنه خلاف قاعدة: (ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده) فقد رده المستمسک بأنه دلیلها الإجماع، ولا إجماع فی المقام، کما یرده أیضاً بأنها قاعدة مصطیدة من الأدلة الأولیة، وقد عرفت أن الدلیل الأولی فی المقام یقتضی التفصیل.

ثم إنه بناءً علی استحقاق العامل أقل الأمرین من الأجرة والحصة، فیما شرط انفراد العامل بتمام الثمر مقتض لعدم استحقاقه شیئاً إذا لم یکن ثمر أصلاً.

ص:226

مسألة ١٥ الحصة من بعض الأنواع

(مسألة 15): إذا اشتمل البستان علی أنواع، کالنخل والکرم والرمان ونحوها من أنواع الفواکه، فالظاهر عدم اعتبار العلم بمقدار کل واحد، فیجوز المساقاة علیها بالنصف أو الثلث أو نحوهما وإن لم یعلم عدد کل نوع، إلاّ إذا کان الجهل بها موجباً للغرر.

(مسألة 15): {إذا اشتمل البستان علی أنواع، کالنخل والکرم والرمان ونحوها من أنواع الفواکه} بل وکذا غیر الفواکه، حیث قد تقدم أن مثل الأزهار والأعشاب العقاقیریة ونحوها داخلة فی المساقاة أیضاً.

{فالظاهر عدم اعتبار العلم بمقدار کل واحد} کما هو المشهور، بل عن التذکرة الإجماع علیه، ونسبه المستمسک إلی ظاهر الأصحاب، وذلک لأنه عقلائی متعارف فیشمله إطلاق الأدلة أو مناطها.

{فیجوز المساقاة علیها بالنصف أو الثلث أو نحوهما، وإن لم یعلم عدد} أشجار {کل نوع} ولا کمیة ثمر کل نوع ولو تخمیناً، بل الظاهر أن الأمر کذلک فیما إذا لم یعلم ما ذا فی البستان من الأشجار، هل هی موز أو تفاح أو زیتون أو ما أشبه، إذا کان العمل والحاصل معلوماً ولو تخمیناً.

{إلاّ إذا کان الجهل بها موجباً للغرر} لنهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عنه، کما تقدم.

وکذلک یمنع عما إذا کان عدم معرفة المالک أو العامل قدر الاحتیاج إلی الماء للجهل بأن الأرض رطبة تسقی الأصول أم لا، أو قدر الثمر التخمینی، مثلاً لم یعلم العامل هل یعطی ألف وسق، أو خمسین وسقاً حیث لم یکن یقبل

ص:227

علی الثانی، أو کان المالک لا یعلم حیث لم یکن یعطی علی الأول، إلی غیر ذلک من صور الغرور.

ثم إنه إن انخدع بزعمه إعطاء الحاصل بقدر کذا، لکن صارت عوارض فی الجو مما سبب قلة الثمر فلا یضر، لأن بناء المساقاة والمزارعة علی ذلک.

ص:228

مسألة ١٦ جواز الاختلاف فی الحصص

(مسألة 16): یجوز أن یفرد کل نوع بحصة مخالفة للحصة من النوع الآخر، کأن یجعل النخل بالنصف والکرم بالثلث والرمان بالربع وهکذا، واشترط بعضهم فی هذه الصورة العلم بمقدار کل نوع، ولکن الفرق بین هذه وصورة اتحاد الحصة فی الجمیع غیر واضح، والأقوی الصحة مع عدم الغرر فی الموضعین

(مسألة 16): {یجوز أن یفرد کل نوع بحصة مخالفة للحصة من النوع الآخر} کما هو المشهور، وفی الجواهر بلا خلاف ولا إشکال، {کأن یجعل النخل بالنصف والکرم بالثلث والرمان بالربع وهکذا} ووجهه أنه من المساقاة العقلائیة والعرفیة، فالدلیل یشمله إطلاقاً أو مناطاً.

{واشترط بعضهم} کالعلامة فی القواعد، ونقله مفتاح الکرامة عن الشیخ والمحقق والشهیدین وغیرهم، بل ظاهره اتفاقهم علیه، لأنه قال فی الخلاف: لم یشترط علمه بکل منهما، لکنه مراد له.

{فی هذه الصورة} صورة أن یفرد کل نوع بحصة {العلم بمقدار کل نوع} وکأن الاشتراط لأجل أنه بدون العلم یستلزم الغرر.

{ولکن الفرق بین هذه وصورة اتحاد الحصة} من الکل أی {فی الجمیع غیر واضح}، وقد حاول المسالک وغیره إبداء الفرق، لکن بما لیس بفارق فی المقام.

{والأقوی الصحة مع عدم الغرر فی الموضعین} لإطلاق بناء العقلاء، وقد قرره الشارع کما دل علیه الإطلاق، والإشکال فی ذلک باختلاف الدواعی فی الحصص فهو غرری دائماً غیر تام، إذ قد تختلف الدواعی بما تجعله غرراً، وقد

ص:229

والبطلان معه فیهما.

لا تختلف، مثلاً قد یکون مقصود أحدهما الثمر، لأن أکثر أکله الثمر، فإذا لم یعلم بذلک کان مغروراً عرفاً، وقد یکون مقصودهما المال، والمال بقدر کذا تخمیناً من غیر فرق بین أن یکون الزیتون أکثر أو التفاح مثلاً، ثم لیس المراد العلم الدقیق، بل کما قاله التذکرة حیث قال: المعرفة إنما تکون بالنظر والخرص والتخمین.

ومن ذلک ظهر وجه قوله: {والبطلان معه فیهما}، إذ قد سبق أن نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عن الغرر یفید الوضع، وهو کما یبطل المساقاة یبطل إذا قُصد به عقد جدید.

ص:230

مسألة ١٧ لو ساقاه بالنصف تارة والثلث أخری

(مسألة 17): لو ساقاه بالنصف مثلاً إن سقی بالناضح، وبالثلث إن سقی بالسیح، ففی صحته قولان: أقواهما الصحة، لعدم إضرار مثل هذه الجهالة لعدم إیجابهما الغرر

(مسألة 17): {لو ساقاه بالنصف مثلاً إن سقی بالناضح، وبالثلث إن سقی بالسیح، ففی صحته قولان}: البطلان کما عن المبسوط والتذکرة والتحریر والمسالک والمفاتیح وغیرهم، وعن الکفایة والریاض إنه الأشهر، وهو دلیل وجود القول بالصحة، وإن ذکر مفتاح الکرامة وغیره أنه لم یجده.

نعم فی الشرائع بعد أن أفتی بالبطلان وعلله بأن الحصة لم تتعین قال: وفیه تردد.

وکیف کان، ف_ {أقواهما الصحة} لإطلاق الدلیل أو مناطه، بعد أنه أمر عقلائی عرفی ولم یردع عنه الشارع ولا مانع.

{لعدم إضرار مثل هذه الجهالة، لعدم إیجابها الغرر} فقد تقدم أنه عرفی، والعرف لا یری الغرر فی ذلک، والجهالة المانعة من المعاملة غیر متحققة، وما یتحقق منها لیس مانعاً.

ثم الغرر لا یلازم الضرر، فتعلیل المصنف الحکم بعدم الضرر وتعلیله بعدم الغرر محل نظر، بل کان الأولی تعلیله بعدم الغرر.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول المستمسک: إن کان دلیل مانعیة الجهالة شاملاً لما نحن فیه، کان اللازم القول بالبطلان، وإن لم یکن الدلیل شاملاً فاللازم القول بالصحة، وإن کان الجهل موجباً للخطر)، إذ الغرر کاف فی المنع، فإن بین

ص:231

مع أن بناءها علی تحمله خصوصاً علی القول بصحة مثله فی الإجارة،

الجهالة والغرر لغویاً عموماً من وجه، فإذا لم یعلم ما ذا فی یده لم یصح شراؤه بدرهم وإن علم أنه یسوی بدرهم، فالجهالة منعت وإن لم یکن غرر، والعاصی عن علم مغرور لغةً وعرفاً وإن علم بالواقع وآثاره، نعم فی المعاملات ونحوها بینهما عموم مطلق، فکل غرور عن جهل، ولا عکس.

ثم الظاهر أمثال هذه المرددات فی المعاملات یوجب أن یملک المالک علی الآخر الأمر المردد، فإنه المتفاهم عرفاً، فقول المستمسک: (بأن المالک یملک علی العامل الجامع بین الأمرین فی قبال الحصة الجامعة بین الحصتین، إذ لیس فی المردد مطابق فی الخارج، لأن کل ما فی الخارج متعین) انتهی ملخصاً، غیر ظاهر الوجه.

لأنه یرد علیه أولاً: إنه خلاف المتفاهم عرفاً.

وثانیاً: بأن الجامع لا خارج له أیضاً.

وثالثاً: بأنهما متساویان فی الإنشاء، لأنه خفیف المؤنة، والمعاملة لا تحتاج إلاّ الإنشاء والعقلائیة وکلاهما متوفر فی المقام.

{مع أن بناءها} أی المساقاة {علی تحمله} أی تحمل الغرر فی الجملة، وهذا من الغرر فی الجملة، وإلاّ فلیس المراد أن کل أنواع الغرر غیر ضار بها.

{خصوصاً علی القول بصحة مثله فی الإجارة} فإن الإجارة أضیق دائرة من المساقاة، فإذا جاز ذلک فی الأضیق جاز فی الأوسع بطریق أولی.

ص:232

کما إذا قال: إن خطت رومیاً فبدرهمین، وإن خطت فارسیاً فبدرهم.

{کما إذا قال: إن خطت رومیاً فبدرهمین، وإن خطت فارسیاً فبدرهم} فإنه إذا جاز لم یکن استثناءً عن الغرر المانع، بل لیس بغرر، ففی المقام أولی أن لا یکون غرراً.

نعم من منع فی الإجارة للزومه الغرر، قال بمثله هنا، إلاّ أن یرد علیه بعدم التلازم، لتحمل المساقاة من الغرر ما لا تتحمل الإجارة مثله، لکن الأقوی صحته حتی فی الإجارة.

ص:233

مسألة ١٨ إذا شرط أحدهما علی الآخر شیئا

(مسألة 18): یجوز أن یشترط أحدهما علی الآخر شیئاً من ذهب أو فضة أو غیرهما، مضافاً إلی الحصة من الفائدة، والمشهور کراهة اشتراط المالک علی العامل شیئاً من ذهب أو فضة، ومستندهم فی الکراهة غیر واضح،

(مسألة 18): {یجوز أن یشترط أحدهما علی الآخر شیئاً من ذهب أو فضة أو غیرهما} من الأموال والأعمال {مضافاً إلی الحصة من الفائدة} وذلک لإطلاق دلیل الشرط، ولا محذور فی المقام، ولذا لم یکن فیه بیننا خلاف، وفی المسالک: (إن العامة أطبقوا علی منعه وأبطلوا به المساقاة) انتهی.

وحکی عن المهذب أن الأحوط ترکه، ولعله أراد الاحتیاط الاستحبابی.

ومنه یعلم صحة اشتراط کل منهما علی الآخر، کأن یشترط المالک علی الزارع أوقیة من الفضة، والعامل علی المالک أوقیة من الذهب، لما تقدم من الإطلاق.

و{المشهور کراهة اشتراط المالک علی العامل شیئاً من ذهب أو فضة} بل فی المسالک: لا نعلم بینهم خلافاً فی ذلک، {ومستندهم فی الکراهة غیر واضح}، لکن فتوی الفقیه کافیة فی جریان دلیل التسامح، بل ادعی مفتاح الکرامة الإجماع علیه، وإن قال: إن فی الکافی والتذکرة التصریح بجواز الاشتراط ولم یذکرا الکراهة.

{کما أنه لم یتضح اختصاص الکراهة بهذه الصورة} اشتراط المالک علی العامل {أو جریانها فی العکس} اشتراط العامل علی المالک {أیضاً} لکن مقتضی

ص:234

کما أنه لم یتضح اختصاص الکراهة بهذه الصورة أو جریانها بالعکس أیضاً، وکذا اختصاصها بالذهب والفضة أو جریانها فی مطلق الضمیمة، والأمر سهل.

ذکرهم الأول فقط عدم الفتوی فی الثانی، کما أشار إلیه المستمسک وغیره.

{وکذا} لم یتضح عند المصنف {اختصاصها} أی الکراهة {بالذهب والفضة أو جریانها فی مطلق الضمیمة} وإن کان یرد علیه أنهم أطلقوا جواز الاشتراط بدون استثنائهم للضمیمة، مما یدل علی عدم قولهم بالکراهة فیها، ولعله شک من جهة احتمال أنهم مثلوا بالذهب والفضة، لا أنهم أرادوا الخصوصیة بهما فی الکراهة.

{والأمر سهل} وإن کان لا کراهة فی ضمیمة غیرهما.

ثم لا فرق فی کراهتهما أن یکونا بصورة النقد أو الحلی أو لا، لإطلاق قولهم بالکراهة بضمیمة التسامح.

ص:235

مسألة ١٩ هل تلف بعض الثمر یسقط من الشرط

(مسألة 19): فی صورة اشتراط شیء من الذهب والفضة أو غیرهما علی أحدهما، إذا تلف بعض الثمرة هل ینقص منهما شیء أو لا، وجهان

(مسألة 19): {فی صورة اشتراط شیء من الذهب والفضة أو غیرهما علی أحدهما} ولو عملاً کخیاطة الثوب {إذا تلف بعض الثمرة} بما لا یعوض، لا ما إذا عوضها المتلف وإلاّ فلا إشکال ولا خلاف فی المسألة حسب القواعد الأولیة، {هل ینقص منهما شیء أو لا، وجهان} وجه النقص من جهة أن عمل الساقی مقابل بالحصة وتلک المقابلة منحلة إلی مقابلات، فإذا کانت الحصة ألف منّ والعمل ألف ساعة، وشرط ألف مثقال من الفضة من العامل للمالک، کان معنی ذلک أن کل منّ یأخذه العامل یعطی فی قباله ساعة من العمل ومثقالاً من الفضة، فإذا تلف مائة منّ کان اللازم علیه إعطاء تسعمائة مثقال.

وهکذا ینبغی الکلام فی العکس، لو شرط العامل علی المالک ألف مثقال مع الحصة، کان معناه أن کل ساعة من عمله أعطاها فی قبال منّ ومثقال، فإذا نقص من عمله بقدر مائة ساعة کان للمالک أن ینقص من الشرط بقدر مائة مثقال.

هذا، ثم إن ما ذکروه فی الذهب ونحوه یأتی فی العمل أیضاً، فإذا کانت الحصة ألف منّ والعمل ألف ساعة، وشرط خیاطة عشرة أثواب من العامل للمالک، کان معنی ذلک أن کل مائة منّ فی قبال مائة ساعة وخیاطة ثوب، فإذا نقص مائة منّ کان للعامل أن لا یخیط له إلاّ تسعة أثواب، وهکذا.

ولذا قال المحقق والشهید الثانیان: إن المساقاة علی الثمرة مبنیة علی التبعیض، لأن المقابلة بین العمل والثمرة منحلة إلی مقابلات متعددة، ووجه

ص:236

أقواهما العدم

عدم النقص عدم المقابلة بین أجزاء الشرط وأجزاء الطرفین، بل الشرط أمر خارج، ففی المثال المقابلة بین ألف ساعة وألف منّ فقط، وإنما العقد مشروط بالشرط.

والأقرب من الوجهین وجه ثالث، وهو التفصیل بین صورتی القصد إذ العقود تتبع القصود، فإن قصدا المقابلة بین أجزاء الشرط وأجزاء الطرف کان اللازم النقص، وإن لم یقصدا کان اللزوم عدم النقص، لکن المتعارف القصد، فإن المعاملات مبنیة علی تعارف جعل الشرط حسب الموازین الاقتصادیة.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول المصنف: {أقواهما العدم} تبعاً لجامع المقاصد والمسالک والروضة، کما حکاه مفتاح الکرامة عنهم واختاره هو، وإن قال القواعد: وفی تلف البعض أو قصور الخروج إشکال، وتبعه فی عدم الترجیح محکی الإیضاح، وقد استدل له المستمسک بوجوه لا تخلو من نظر قال:

أولاً: بأن التلف لا یوجب بطلان المعاوضة، لأنه من کیس العامل أیضاً ولا یختص بالمالک.

وثانیاً: بأن المقابل به العمل جنس الثمرة لا أجزاؤها.

وثالثاً: بأنه لا دلیل علی تبعیة الشرط لأحد العوضین فی التقسیط، إذ الشرط لیس من أحد العوضین، وإنما هو خارج عن المعاوضة، فإذا بطلت فی بعضها لم یکن وجه لسقوط الشرط أو تبعضه، لأنه خلاف عموم صحة الشرط.

ویرد علی الأول: إنه لما کان الشرط فی جانب مقابل جانب آخر لم یکن

ص:237

فلیس قرارهما مشروطاً بالسلامة، نعم لو تلفت الثمرة بجمیعها أو لم تخرج أصلاً ففی سقوط الضمیمة وعدمه أقوال.

وجه لعدم البطلان بقدره مثل تبعض الصفقة.

وعلی الثانی: إن المقابل أجزاء لا جنس، ولذا یختلف بزیادة الأجزاء وقلتها مع وجود الجنس علی کلا الحالین.

وعلی الثالث: إن الدلیل العرف، والشارع لم یمض إلاّ الأمر العرفی، ولذا لا یشک العرف فی أنه لو اشتری منه شاتین بدینارین بشرط خیاطة ثوبین، کل خیاطة تسوی درهماً، لو ظهر عدم ملکیته لإحدی الشاتین، فی أن لا حق للبائع إلاّ فی دینار وخیاطة ثوب، حیث إن المفروض أن الشاة فی السوق تسوی دیناراً ودرهماً.

وکیف کان، فقد عرفت أن المعیار القصد وهو مختلف، وإنما ذکرنا الردود المذکورة فی قبال من یطلق العدم، وعلیه {ف_} إطلاق قوله: {لیس قرارهما مشروطاً بالسلامة} محل نظر.

{نعم لو تلفت الثمرة بجمیعها أو لم تخرج أصلاً ففی سقوط الضمیمة وعدمه أقوال}:

الأول: السقوط کما فی الشرائع والقواعد ومحکی المهذب البارع وجامع المقاصد والروضة وغیرها، وجملة منهم قالوا یجب الوفاء مع السلامة، فیحتمل السلامة فی الکل أو البعض، وإن کان ظاهرها السلامة فی الکل، وجملة منهم اقتصر علی اشتراط عدم التلف، فراجع مفتاح الکرامة وغیره، وعلل السقوط المسالک بأنه لولاه کان

ص:238

ثالثها: الفرق بین ما إذا کانت للمالک علی العامل فتسقط، وبین العکس فلا تسقط.

أکلاً للمال بالباطل، فإن العامل قد عمل ولم یحصل له عوض، فلا أقل من خروجه رأساً برأس، وربما یعلل ذلک بأنه إذا لم یکن ثمر یبطل المساقاة، فإذا لم تکن مساقاة لم یکن وجه لوجوب الوفاء بالشرط.

الثانی: عدم السقوط، لأنه مقتضی الشرط، واستفادة العامل من الحصة وعدمها لا ترتبطان بالوفاء بالشرط، کما فی سائر الأماکن، کما إذا استأجر بشرط لکنه لم یتمکن المستأجر من الاستفادة عن العین، فإنه لا یوجب سقوط الشرط الذی علیه، وکونه أکلاً للمال بالباطل أول الکلام، بل هو أکل للمال حسب الشرط وذلک لیس بباطل، وقوله: (فلا أقل) بحاجة إلی الاستدلال، فإنه لیس من الأدلة الشرعیة.

أما حیث ابتناء المساقاة علی المعاوضة، فإذا تلفت الثمرة بطلب المساقاة، ففیه سؤال أنه من أین تبطل المساقاة بعد أن لم یکن التلف من أحد الطرفین، فهل إذا ماتت الزوجة یبطل العقد، فلا یلزم علی الزوج الوفاء بالشرط الذی علیه مما ذکر فی ضمن العقد.

{ثالثها: الفرق بین ما إذا کانت} الشروط {للمالک علی العامل فتسقط} بالتلف لما تقدم فی دلیل القائل بالسقوط {وبین العکس} بأن کانت الشروط للعامل علی المالک {فلا تسقط} لما ذکره المسالک قائلاً: (نعم لو کان الشرط للعامل علی رب

ص:239

رابعها: الفرق بین صورة عدم الخروج أصلاً فتسقط، وصورة التلف فلا

الأرض اتجه عدم سقوطه، لأن الغرض من قبل العامل قد حصل، والشرط قد وجب بالعقد فلا وجه لسقوطه، وربما قیل بمساواته للأول وهو ضعیف).

أقول: لا یخفی أن الاستدلال المذکور إنما یلائم ما إذا کان وجه سقوط الشرط الذی لرب المال ما تقدم منه من قوله: (فلا أقل من خروجه رأساً برأس)، أما علی الاستدلال الثانی الذی ذکرناه بقولنا: (وربما یعلل) فالعلة هنا باقیة، إذ لو کان بطلان المساقاة موجباً لبطلان الشرط _ وقد بطلت المساقاة _ لم یکن وجه للشرط، من غیر فرق بین شرط المالک علی العامل أو بالعکس، بل یتجه سقوط شرط العامل علی المالک، حتی علی العلة التی ذکرها المسالک، فیقال: بأنه لولاه لکان أکلاً للمال بالباطل، فإن المالک قد أعطی أصوله سنة کاملة مثلاً ولم یحصل له عوض فلا أقل من خروجه رأساً برأس.

{رابعها: الفرق بین صورة عدم الخروج} للزرع {أصلاً فتسقط} الشروط من الطرفین علی الآخر، {وصورة} الخروج ثم {التلف فلا} تسقط، لأنه إذا لم تخرج فلا مساقاة فلا شرط، أما إذا خرجت فقد دخل الثمر فی ملکهما، فوجب علی العامل الوفاء بالشرط لأنه حصل الحصة، وعلی المالک الوفاء بالشرط لأنه حصل الحصة.

أما تلف الحصة بعد ذلک فلا ربط له بالمشروط له، کما إذا شرط البناء

ص:240

والأقوی عدم السقوط مطلقاً، لکونه شرطاً فی عقد لازم فیجب الوفاء به، ودعوی أن عدم الخروج أو التلف کاشف عن عدم صحة المعاملة من الأول لعدم ما یکون مقابلاً للعمل،

علی المالک شرطاً، فلما بنی الدار وکملت انهدمت بآفة سماویة مثلاً، فإن الانهدام لا یوجب سقوط شرط العامل علی المالک، وکذلک العکس، فإن انهدام الدار لا یوجب سقوط شرط المالک علی العامل بعد أن انتهی عمله وأخذ أجرته.

{والأقوی عدم السقوط مطلقاً} إلاّ إذا کان الشرط علی نحو محدود بخروج الثمرة وعدم تلفها، ووجه الاستثناء واضح، إذ لو کان الشرط محدوداً لم یکن شرط فی غیر تلک الصورة، من غیر فرق بین أن یکون الشرط محدوداً بخروج الثمرة، أو ببقائها وعدم تلفها بعد الخروج، وکأن المصنف والذین اتبعوه من المعلقین لم یقصدوا صورة الاستثناء ولذا أطلقوا الحکم.

وإنما کان اللازم عدم السقوط مطلقاً {لکونه شرطاً فی عقد لازم فیجب الوفاء به} لإطلاق دلیل الوفاء بالشرط {و} ال_ {دعوی} التی ادعاها فی جامع المقاصد دلیلاً علی السقوط من {أن عدم الخروج} للثمر {أو التلف} بعد الخروج {کاشف عن عدم صحة المعاملة من الأول، لعدم ما یکون مقابلاً للعمل} فإن الحصة کانت تقابل العمل، والشرط للمالک علی العامل کان لأجل ما یستفید العامل من الحصة، فإذ لا حصة فلا مقابل للعمل فلا معاملة، وحیث لا معاملة فلا شرط، إذ الشرط یجب الوفاء به

ص:241

أما فی صورة کون الضمیمة للمالک فواضح، وأما مع کونها للعامل فلأن الفائدة رکن فی المساقاة فمع عدمها لا یکون شیء فی مقابل العمل، والضمیمة المشروطة لا تکفی فی العوضیة، فتکون المعاملة باطلة من الأول، ومعه لا یبقی وجوب الوفاء بالشرط، مدفوعة مضافاً إلی عدم تمامیته

إذا کان فی ضمن معاملة، والتلف أو عدم الخروج کاشف عن بطلان المعاملة، وکذا العکس أی شرط العامل علی المالک إنما کان لأجل المعاملة، فإذا لم تکن معاملة فلا شرط.

{أما فی صورة کون الضمیمة للمالک فواضح} إذ لا شیء حصله العامل حتی یعطی الضمیمة، {وأما مع کونها للعامل} علی المالک {فلأن الفائدة} التی یستفیدها کل منهما من الحصة {رکن فی المساقاة، فمع عدمها} لعدم الخروج أو التلف {لا یکون شیء فی مقابل العمل}.

{و} إن قلت: (الشیء) شرط المالک للعامل فی قبال عمل العامل للمالک.

قلت: {الضمیمة المشروطة} من المالک للعامل {لا تکفی فی العوضیة} لأن الضمیمة خارجة عن قوام المعاوضة، ولذلک لا تبطل المعاوضة بترک الشرط، ولا یکون من باب خیار تبعض الصفقة {فتکون المعاملة باطلة من الأول} أی لا یکون شیء فی مقابل العمل فتکون المعاملة باطلة. وقوله: (الضمیمة) جواب عن سؤال مقدر، کما ذکرناه.

{ومعه} أی مع بطلان المعاملة {لا یبقی وجوب الوفاء بالشرط} کما تقدم توضیحه فی کلام المسالک.

{مدفوعة مضافاً إلی عدم تمامیته} أی تمامیة البطلان

ص:242

بالنسبة إلی صورة التلف لحصول العوض بظهور الثمرة وملکیتها وإن تلف بعد ذلک بأنا نمنع

{بالنسبة إلی صورة} خروج الثمر، ثم {التلف لحصول العوض} للعامل {بظهور الثمرة} حیث قد تقدم أن الثمرة من أول ما تخرج تکون لکلیهما حسب المقرر من الحصة، فقد أعطی العامل والشرط والعمل فی قبال ما دخل فی ملکه من الثمرة {و} ذلک ل_ {ملکیتها} للعامل.

{وإن تلف بعد ذلک} فهو کما إذا اشتری داراً فی قبال ألف دینار وخیاطة ثوب البائع، فإنها إذا تلفت لا یضر ذلک باستحقاق البائع للألف والخیاطة، وکذلک حال المالک إذا شرط علیه العامل شیئاً، فإن المالک قد ملک الحصة بظهورها، فاللازم علیه أن یعطی شرط العامل، وإن تلفت الثمرة بعد ذلک فقد عمل العامل حتی صارت الثمرة، وفی قبال عمله له حق أخذ شرطه من المالک.

ومنه یعلم أن احتمال الجواهر أن یکون موضوع المعاوضة الظهور مع الإدراک، فإذا ظهر بدون الإدراک لم یحصل أحدهما علی شیء، فلیس علیه إعطاء الشرط للشارط، وذلک لعدم النفع بالثمرة بدون الإدراک، غیر وجیه، إذ المرتکز عرفاً فی باب المساقاة أن الحصة تملک بمجرد الظهور، ولیس الإدراک مقوماً للمعاوضة.

نعم یصح کلامه إذا کانت المعاملة علی أن یملک العامل الحصة بعد الإدراک، لکنه خلاف بناء العرف فی مساقاتهم، کما أن المضاربة کذلک، حیث یملکان الربح بمجرد ظهوره وإن تلف بعد ذلک.

{بأنا نمنع} أن العقد لا یلزم الوفاء به إلاّ إذا ظهرت الحصة، فإن العقلاء یرون وجوب اللزوم بالعقد وشروطه بمجرد

ص:243

کون المساقاة معاوضة بین حصة من الفائدة والعمل، بل حقیقتها تسلیط من المالک للعامل علی الأصول للاستنماء له وللمالک، ویکفیه احتمال الثمر وکونها فی معرض ذلک، ولذا

تحققه سواء أثمر أم لا، فاللازم علی المالک بذل الأصول، وعلی العامل بذل العمل، کما أن علی کل منهما بذل ما شرط علیه، أما أنه یثمر أم لا، فذلک أمر خارج، حاله حال النکاح والخلع والبیع والإجارة وغیرها فالعقد إذا وقع وجب علی الزوجین الوفاء، وإن مات أحدهما لم یضر بالعقد والشرط واللوازم، کما أنه إذا تلف المال فی العقود الأخر أو ماتت الزوجة فی الخلع لم یضر ذلک بالعقد والشرط واللوازم، وکذلک إذا لم یربح فی المضاربة ولم یخرج الزرع فی المزارعة.

نعم قد ذکرنا عند قول المصنف (والأقوی عدم السقوط) ما یستثنی من ذلک.

أما قول المصنف: إنا نمنع {کون المساقاة معاوضة بین حصة من الفائدة} من المالک {و} بین {العمل} من العامل {بل حقیقتها تسلیط من المالک للعامل علی الأصول للاستنماء له وللمالک} فالنماء غایة للمعاوضة، وتخلف الغایة لا یقدح فی بقاء المعاوضة، کما حقق فی بحث تخلف الداعی فی المعاملات، إذ الداعی لیس مصباً ولا شرطاً ولا قیداً.

{ویکفیه} أی یکفی فی التسلیط {احتمال الثمر وکونها فی معرض ذلک} أی المساقاة فی معرض الثمر {ولذا} الذی لیس معاوضة بین الحصة والعمل

ص:244

لا یستحق العامل أجرة عمله إذا لم یخرج، أو خرج وتلف بآفة سماویة أو أرضیه فی غیر صورة ضم الضمیمة، بدعوی الکشف عن بطلانها من الأول واحترام عمل المسلم

{لا یستحق العامل أجرة عمله} مع أنه بذل العمل {إذا لم یخرج} الثمر {أو خرج وتلف بآفة سماویة أو أرضیة فی غیر صورة ضم الضمیمة} وحیث کان کذلک فی غیر صورة ضم الضمیمة _ أی شرط الذهب ونحوه فی ضمن المساقاة _ کان کذلک فی صورة ضم الضمیمة أیضاً، لا بطلان للمعاملة بعدم الخروج أو التلف، فاللازم إعطاء الشرط، أی الذهب ونحوه.

{بدعوی الکشف عن بطلانها من الأول}، (بدعوی) یتعلق ب_ (یستحق)، یعنی أن توهم استحقاق العامل أجرة عمله إذا لم یخرج الثمر أو التلف، إنما هو بدعوی کشف عدم الثمر عن البطلان للمساقاة.

{واحترام عمل المسلم} عطف علی (بطلانها) أی وجه توهم الأجرة أن عمل المسلم محترم، فحیث لم یحصل العامل علی الحصة وجب علی المالک إعطاؤه أجرة عمله.

فیرد علیه أولاً: إن ذلک خلاف المرتکز عرفاً من کونها معاوضة بین العمل والحصة، بالإضافة إلی أنه مقتضی تعریف الفقهاء للمساقاة بأنها معاملة علی أصول ثابتة بحصة من ثمرها، وقد عرف المصنف المساقاة بذلک کما تقدم، وظاهر الروایات أیضاً ذلک.

ففی صحیحة یعقوب بن شعیب: «اسق هذا من الماء واعمره، ولک نصف

ص:245

فهی نظیر المضاربة حیث إنها أیضاً تسلیط علی الدرهم أو الدینار للاسترباح له وللعامل

ما أخرج»((1))، فإنه کما قاله المستمسک:  کالصریح فی أن المقابلة کانت بین السقی والأعمال وبین الحصة، وکذلک هو ظاهر روایات خیبر، وکذلک یؤیده أن الأمر کذلک فی المزارعة والمضاربة والجعالة.

وعلیه فلیس (التسلیط) الذی ذکره المصنف إلاّ لازم المفهوم المذکور، حیث لا یتمکن العامل من العمل فی البستان إلاّ بعد أن یسلطه المالک علیه.

وثانیاً: أن قوله: (ولذا لا یستحق) غیر ظاهر الوجه، فإن عدم استحقاق الأجرة فی صورة عدم الخروج أو التلف إنما هو لأنه لا وجه للاستحقاق، فإن العامل دخل علی أن لا یکون له شیء إذا لم یخرج أو تلف، فمن أین یستحق علی المالک شیئاً فهو قرر فی عقده أن عمله فی قبال الحصة، فإذا لم تکن حصة ذهب عمله هدراً، کما فی المضاربة والمزارعة والجعالة، واحترام عمل المسلم إنما یکون إذا طلبه غیره أو استوفاه ولم یهدره المسلم بنفسه، أما إذا لم یطلبه غیره ولم یستوفه، أو طلبه الغیر أو استوفاه، لکن المسلم بنفسه أهدره، لم یکن لعمله احترام بأجرة ونحوها.

ومما تقدم یظهر وجه النظر فی قول المصنف: {فهی نظیر المضاربة حیث إنها أیضاً تسلیط علی الدرهم أو الدینار} من المالک {للاسترباح له وللعامل}

ص:246


1- الوسائل: ج13 ص202 الباب9 من أبواب المزارعة والمساقاة ح2

وکونها جائزة دون المساقاة لا یکفی فی الفرق، کما أن ما ذکره فی الجواهر من الفرق بینهما بأن فی المساقاة یقصد المعاوضة بخلاف المضاربة التی یراد منها الحصة من الربح الذی قد یحصل وقد لا یحصل، وأما المساقاة فیعتبر فیها الطمأنینة بحصول الثمرة

فإن هناک أیضاً التسلیط لازم المعاملة، وإلاّ فحقیقة المعاملة عمل العامل فیها فی قبال حصة الربح.

{و} إن قلت: لا یمکن تنظیر المساقاة بالمضاربة، إذ المضاربة لما کانت جائزة کانت عبارة عن التسلیط، وکأنه إذن.

قلت: کلتاهما عقد، وإن اختلفتا فی اللزوم والجواز.

ف_ {کونها جائزة دون المساقاة، لا یکفی فی الفرق} فی الجهة التی نحن بصددها، {کما أن ما ذکره فی الجواهر من الفرق بینهما} حتی لا تقاس المساقاة بالمضاربة فلا یأتی فی المساقاة ما ذکر فی المضاربة من أنه تسلیط من المالک للعامل علی حاله، {بأن فی المساقاة یقصد المعاوضة} بین العمل والحصة {بخلاف المضاربة التی یراد منها الحصة والربح}، ففیها تسلیط فقط بداعی الربح، وتخلف الداعی لا یوجب شیئاً، بخلاف ذهاب أحد العوضین فی المساقاة حیث یوجب البطلان، {الذی قد یحصل وقد لا یحصل، وأما المساقاة ف_} حیث {یعتبر فیها الطمأنینة بحصول الثمرة} لا یکون عقدها إلاّ معاوضة بین العمل والحصة، فإذا انتفی أحدهما _ أی الحصة _ لا تکون معاوضة.

ص:247

ولا یکفی احتماله، مجرد دعوی لا بینة لها، ودعوی أن من المعلوم أنه لو علم من أول الأمر عدم خروج الثمر لا یصح المساقاة ولازمه البطلان إذا لم یعلم ذلک

{ولا یکفی احتماله} کما یکفی الاحتمال فی المضاربة {مجرد دعوی لا بینة لها} خبر قوله: (کما أن ما ذکره الجواهر).

وإنما کانت مجرد دعوی، لأن المساق فی کلتا المساقاة والمضاربة واحد، إذ المالک یعطی الحصة من الربح والثمر فی قبال عمل العامل، ولذا لم یذکروا الطمأنینة لا فی المساقاة ولا فی المضاربة.

ومنه یعلم أن ما ذکره المستمسک محل نظر، قال: (نعم لما کانت المساقاة تقتضی أعمالاً کثیرة شاقة فی مدة طویلة لم یقدم علیها العقلاء غالباً إلا مع الاطمینان، بخلاف المضاربة، فإن أعمالها خفیفة فی مدة قلیلة غالباً، یکثر منهم الإقدام علیها مع ضعف الاحتمال) انتهی.

إذ لا نسلم الفارق المذکور، فإن العقلاء لا یقدمون إلی المضاربة إلاّ مع الاطمینان غالباً.

{ودعوی أن من المعلوم أنه لو علم من أول الأمر} عند إرادة العقد {عدم خروج الثمر} بل أو تلفه بالجراد ونحوه {لا یصح المساقاة} إذ هی مبنیة علی الموازین العقلائیة وهی ما کان مع الاحتمال، ولو المتساوی مثلاً.

{ولازمه بطلان ذلک} العقد {إذا لم یعلم ذلک} من أول الأمر {ثم انکشف بعد ذلک} لأنه لا فرق بین العلم والجهل، فإن المطلوب الثمر، وإذا لم یکن

ص:248

ثم انکشف بعد ذلک، مدفوعة بأن الوجه فی عدم الصحة کون المعاملة سفهیة مع العلم بعدم الخروج من الأول، بخلاف المفروض

ثمر فلا مساقاة، سواء جهل أو علم.

والحاصل: إنه کما إذا علم بالبطلان من أول الأمر لأجل عدم الثمر لم تصح، فإذا عقدها والحال هذه لم یجب الوفاء بالشرط، کذلک إذا ظهر البطلان بعد ذلک لأجل عدم الثمر.

{مدفوعة} بأنا لا نسلم عدم الفرق بین ظهور عدم الثمر من الأول أو بعد ذلک {ب_} سبب {أن الوجه فی عدم الصحة} إذا علم من أول الأمر {کون المعاملة سفهیة مع العلم بعدم الخروج} للثمر {من الأول} عند إرادة العقد، والمعاملة السفهیة باطلة، إذ الشارع إنما أمضی العقلائیة منها.

{بخلاف المفروض} من ظهور عدم الثمر بعد المعاملة، أما ما ذکره المستمسک من التقیید لکلام المصنف بقوله: (إنها وإن لم تصح بعنوان کونها مساقاة، وأما عدم الصحة بعنوان کونها عقداً من العقود فغیر ظاهر، لشمول الأدلة العامة إذا کان قد نوی المعاوضة بین العمل وبین التمکین من الأصول إذا کان له غرض فی التمکین، ولا وجه للفساد من جهة کونها سفهیة إذ الثابت بطلان معاملة السفیه وإن کانت عقلائیة، لا بطلان معاملة الرشید وإن کانت غیر عقلائیة) انتهی.

فیرد علیه أولاً: إن المصنف أراد بطلان المساقاة، لا عقداً من العقود، فلیس

ص:249

فالأقوی ما ذکرنا من الصحة ولزوم الوفاء بالشرط وهو تسلیم الضمیمة وإن لم یخرج شیء إن تلف بالآفة، نعم لو تبین عدم قابلیة الأصول للثمر إما لیبسها أو لطول عمرها أو نحو ذلک، کشف عن بطلان المعاملة من الأول، ومعه یمکن استحقاق العامل للأجرة إذا کان جاهلاً بالحال.

کلامه تقییداً لما قاله مع أن ظاهره التقیید.

وثانیاً: إن الثابت بطلان کلتا المعاملتین، إذ الأدلة العامة والخاصة منصرفة عن المعاملات السفهیة مما لا داعی عقلائی فیها، ولذا تراه بنفسه قال: إذا کان له غرض فی التمکین.

وکیف کان {فالأقوی ما ذکرنا من الصحة} مع الاستثناء الذی ذکرناه {ولزوم الوفاء بالشرط وهو التسلیم مع الضمیمة، وإن لم یخرج شیء، أو تلف بالآفة} وإن کان التلف معنویاً بأن تسمم، وإن کان ظاهره ظاهراً حسناً کما قد یتفق.

{نعم لو تبین عدم قابلیة الأصول للثمر، إما لیبسها أو لطول عمرها أو نحو ذلک} کأن لم تبلغ بعد ومدة المساقاة لا تکفی لبلوغها وثمرها {کشف عن بطلان المعاملة من الأول} لأن الشرط الضمنی الذی یرتکز علیه العقلاء قابلیة الشجر للإثمار، وإذا لم یکن هذا الشرط الضمنی کانت المعاملة سفهیة.

نعم یصح عقداً مستقلاً إذا کان له غرض عقلائی فی التسلیط والتسلط {ومعه} إذا أجراه مساقاة {یمکن استحقاق العامل للأجرة إذا کان جاهلاً بالحال}.

ص:250

أما اشتراط جهله، لأنه إذا علم فقد أهدر بنفسه عمله.

وأما عدم الفرق بین علم المالک وجهله، کما یستفاد من عدم اشتراط علمه، فلأنه لا فرق فی ضمان الإنسان أجرة غیره فیما إذا أمره بشیء بین أن یعلم عدم الفائدة فی عمل ذلک الغیر، أو لا یعلم، لأن مقتضی احترام عمل المسلم أن من استوفاه أو أمره به، وإن لم یأت بثمر، أن المستوفی والآمر ضامن له، فإنه «لا یتوی حق امرئ مسلم».

ولذا إذا لم یکن أمر ولا استیفاء لم یضمن، وإن جهل العامل بالحال، لأصالة البراءة.

ص:251

مسألة ٢٠ جعل بعض الأصول للعامل

(مسألة 20): لو جعل المالک للعامل مع الحصة من الفائدة ملک حصة من الأصول مشاعاً أو مفروزاً، ففی صحته مطلقاً، أو عدمها کذلک، أو التفصیل بین أن یکون ذلک بنحو الشرط فیصح، أو علی وجه الجزئیة فلا، أقوال، والأقوی الأول للعمومات

(مسألة 20): {لو جعل المالک للعامل مع الحصة من الفائدة ملک حصة من الأصول مشاعاً} کربع الأصول {أو مفروزاً} مثل هذه الأشجار الخاصة، وإنما قال (مع الحصة) لأنه إذا لم یجعل الحصة وإنما جعل مجرد الأصول مشاعاً أو مفروزاً لم یکن مساقاةً، وتصح معاملة مستقلة، إذ لا وجه لبطلانه بعد کونه عقلائیاً ولا غرر ولا غیره مما یوجب بطلانه.

{ففی صحته مطلقاً} إذ لا مانع من الصحة، فإنه سواء جعل بعنوان الشرط أو الجزء کان صحیحاً، إذ لا ینافی الکتاب ولا مقتضی العقد.

{أو عدمها کذلک} کما هو المشهور بینهم، وحکاه الجواهر عن الأکثر، مما ظاهره وجود القول بالصحة، وإن قال الریاض: إنه لم یقف علی مخالف، وتردد فی المسألة الشرائع وأشکل فیها القواعد.

{أو التفصیل بین أن یکون ذلک بنحو الشرط فیصح، أو علی وجه الجزئیة فلا} کما جعله الجواهر التحقیق فی المسألة.

{أقوال} وقد اختار الأخیر السید البروجردی، وأشکل فی الأول ابن العم إلاّ أن یکون بنحو الاستثناء، وقال بعضهم بالصحة إذا کان بنحو معاملة أخری.

{والأقوی الأول للعمومات} لأنه إذا جعل شرطاً شمله دلیلا المساقاة والشرط، وإن جعل جزءاً شمله دلیل المساقاة، فإنه عقلائی ولم یردع الشارع عنه، ولو

ص:252

ودعوی أن ذلک علی خلاف وضع المساقاة کما تری، کدعوی أن مقتضاها أن یکون العمل فی ملک المالک إذ هو أول الدعوی،

لم یسلم العموم شمله المناط، فقول المستمسک: (لکن العمومات لا تثبت المساقاة) محل نظر، إذ لیس مراده بالعمومات، مثل: ﴾أَوْفُوا﴿((1))،  و﴾تِجارَةً عَنْ تَراضٍ﴿((2))، بل ما ورد من الروایات فی المساقاة، بالإضافة إلی أنه لما کان مساقاةً عرفاً شمله (أوفوا) أو (تجارة) فالموضوع یؤخذ من العرف والحکم من العموم.

{ودعوی أن ذلک علی خلاف وضع المساقاة کما تری} إذ یتعارف فی المساقاة ذلک کما لا یخفی علی من راجع العرف.

ومنه یعلم ضعف قول المستمسک (فیه نظر ظاهر)، فإن مورد نصوص المساقاة یختص بغیر هذه الصورة {کدعوی أن مقتضاها أن یکون العمل} من العامل {فی ملک المالک} وعمل الساقی هنا فی ملکین جزء لمالکه وجزء لنفسه، حیث إن تلک الأشجار التی جعلها لنفسه بالشرط أو الجزء قد صارت ملکاً لنفسه {إذ هو أول الدعوی} فأی مانع من أن تکون الحصة والشجرات المجعولة له فی قبال عمله فی حصة المالک أو فی حصتهما، والإشکال فیه بأن النصوص والفتاوی فیما کانت الأصول کلها ملکاً للمالک، لا أن یکون بعضها للعامل مردود بما ذکره المستمسک، من أن المراد من وجوب أن تکون الأصول فی ملک المالک وجوب ذلک بالإضافة إلی ما قبل العقد لا بعده، ولذا لا تبطل المساقاة بخروج الأصول

ص:253


1- سورة المائدة: الآیة 1
2- سورة المائدة: الآیة 29

والقول بأنه لا یعقل أن یشترط علیه العمل فی ملک نفسه، فیه: إنه لا مانع منه إذا کان للشارط فیه غرض أو فائدة کما فی المقام، حیث إن تلک الأصول وإن لم تکن للمالک الشارط إلاّ أن عمل العامل فیها ینفعه فی حصول حصة من نمائها،

عن ملک المالک ببیع ونحوه، بل لا تبطل لو باعها علی العامل دون غیره من الناس.

{والقول بأنه لا یعقل أن یشترط علیه العمل فی ملک نفسه} کما فی المسالک حیث وجه به المنع الذی جعله الأوجه، کما أن الدعوی السابقة أیضاً ذکرها المسالک أیضاً.

توضیح ذلک: إنه لما انتقلت بعض الأصول إلی الساقی کانت الحصة من المالک فی مقابل أمرین، عمل العامل فی ملک المالک وعمله فی ملک نفسه، فقد صارت المعاملة بالنسبة إلی أصول الساقی بدلاً ومبدلاً فی ملک شخص واحد، مع أن المعاملة یجب أن تکون بین مالین لطرفین.

{فیه: إنه لا مانع منه إذا کان} عقلائیاً بأن کان {للشارط فیه غرض أو فائدة} کما لو استأجره لأن یبنی دار نفسه، حیث إنه ولد المستأجر، فإن الفائدة ترجع إلی الأجیر، لکن للمستأجر فیه غرض حیث إنه یرید بناء دار ولده، حتی إذا لم یفعله الولد کان یستأجر غیره، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

{کما فی المقام حیث إن تلک الأصول وإن لم تکن للمالک الشارط} لأنها قد انتقلت بحکم الشرط إلی الساقی {إلا أن عمل العامل فیما ینفعه} أی المالک {فی حصول حصة من نمائها} لأن المفروض أن نماء الکل، مما للمالک الشارط

ص:254

ودعوی أنه إذا کانت تلک الأصول للعامل بمقتضی الشرط، فاللازم تبعیة نمائها لها، مدفوعة بمنعها بعد أن کان المشروط له الأصل فقط فی عرض تملک حصة من نماء الجمیع، نعم لو اشترط کونها له علی وجه یکون نماؤها له بتمامه

ومما للعامل بحکم الشرط، لکلا الطرفین، فللمالک بعض نماء ما للعامل، وللعامل بعض نماء ما للمالک.

{ودعوی} أنه لا نفع للمالک فی أشجار العامل ل_ {أنه إذا کانت تلک الأصول للعامل بمقتضی الشرط} لأن الساقی شرط علی المالک أن تکون بعض الأصول له {فاللازم تبعیة نمائها لها} لتلک الأصول، فیکون النماء للعامل لا للمالک، لأن النماء تابع للأصل، کما هو بناؤهم علی ما سبق مکرراً.

{مدفوعة بمنعها} فإن النماء تابع للأصل إذا لم یشترط أن یکون بعض النماء لغیر من له الأصل، فلیس کل النماء لتلک الأشجار للعامل {بعد أن کان المشروط له الأصل فقط فی عوض تملک} المالک {حصة من نماء الجمیع} فله شیئان نصف جمیع الثمار مثلاً، وعشر شجرات فی قبال أن یسقی الأشجار کلها لیربح المالک.

{نعم لو اشترط} العامل علی المالک {کونها} تلک الاشجار العشرة مثلاً {له علی وجه یکون نماؤها له بتمامه} بحیث یکون کل نمائها له أیضاً {کان کذلک} أی کما ذکره المدعی بأنه لا یعقل أن یشترط علیه العمل فی ملک نفسه.

هذا، ویرد علیه أنه لما ذا لا یعقل، وقد تقدم صحة مثل هذا الشرط وهو عقلائی

ص:255

کان کذلک لکن علیه تکون تلک الأصول بمنزلة المستثنی من العمل، فیکون العمل فیما عداها مما هو للمالک بإزاء الحصة من نمائه مع نفس تلک الأصول.

لا ینافیه الکتاب ولا مقتضی العقد، وتکون النتیجة أن المالک أعطاه عشر أشجار بنمائها علی أن یعمل فی أشجار نفسه وأشجار المالک ویأخذ نصف حصة نماء أشجار المالک، وأی محذور فی هذا عقلا أو شرعاً، فلا حاجة إلی قول المصنف:

{لکن علیه تکون تلک الأصول بمنزلة المستثنی من العمل، فیکون العمل} الذی طلبه المالک من الساقی {فیما عداها مما هو للمالک بإزاء الحصة من نمائه مع نفس تلک الأصول}.

ومن ذلک ظهر وجه النظر فی کلام المستمسک الذی جعله مقتضی التحقیق بأنه إن کانت المعاملة مساقاةً صح ذلک شرطاً وبطل قواماً فی المعاوضة، لقصور أدلة المساقاة عن شموله، کما ذکره الجواهر، وإن کانت المعاملة عقداً مطلقاً لا بعنوان المساقاة صح مطلقاً عملاً بالعمومات.

إذ قد تقدم أن لا وجه لعدم شمول دلیل المساقاة لما أفتی ببطلانه، لأنه مساقاة عقلائیة، فتشمله عمومات الوفاء بالعقد، کما یشمله المناط فی أدلة المساقاة، والقول بأنه إذا شمله العمومات کان عقداً جدیداً لا مساقاةً، غیر تام، إذ العمومات کما تشمل العقود الجدیدة تشمل العقود المعنونة إذا تحقق عنوانها لدی العرف، فإذا کان شیء إجارة عند العرف شمله ﴾أَوْفُوا﴿((1)) و﴾تِجارَةً عَنْ تَراضٍ﴿((2))، بتقریره إیاه إجارة لها أحکام الإجارة لا عقداً جدیداً لیس له أحکام الإجارة، وهکذا.

ص:256


1- سورة المائدة: الآیة 1
2- سورة النساء: الآیة 29

مسألة ٢١ إذا تبین فی الأثناء عدم خروج الثمر

(مسألة 21): إذا تبین فی أثناء المدة عدم خروج الثمر أصلاً، هل یجب علی العامل إتمام السقی، قولان أقواهما العدم.

(مسألة 21): {إذا تبین فی أثناء المدة عدم خروج الثمر أصلاً} أو عدم فائدة فی ما خرج لأن الجراد یأکله، أو السیل یذهب به، أو البرد یفسده مثلاً، {هل یجب علی العامل إتمام السقی} أو لا، {قولان}، فعن ظاهر المسالک الوجوب، وعن جامع المقاصد العدم، {أقواهما العدم} لأن المساقاة کانت لفائدة الثمرة، فإذا لم تکن لم یکن وجه له، وقد ذهب المشهور إلی هذا القول حتی أن کافة المعلقین الذین ظفرت بکلماتهم سکتوا علی المتن.

وفی المستمسک مال إلی التفصیل قائلاً: (واللازم ابتناء الوجوب وعدمه علی انفساخ المساقاة وعدمها، فإذا قلنا بالانفساخ کما هو المشهور فاللازم البناء علی عدم وجوب إتمام العمل للأصل، وإن قلنا بعدم الانفساخ کما یراه المصنف، فاللازم البناء علی وجوب العمل عملاً بالعقد، اللهم إلاّ أن یدعی العمل اللازم فی المساقاة ما یکون موجباً للنماء لا مطلقاً، کما هو غیر بعید عند العرف) انتهی.

أقول: إذا کان عمل العامل فی قبال الحصة ولا حصة فرضاً، فلماذا یعمل بعد تبین عدم الحصة هل لمقتضی العقد، والمفروض أن العقد مصباً أو شرطاً أو قیدأ ولو ضمنیاً بقصد ما إذا أثمر، والعقود تتبع القصود، أو أن العمل حتی لا ییبس أصول الأشجار وما أشبه من الأعمال التی تحتاج إلیها الأصول لأجل بقائها للمستقبل، فذلک وإن کان أمراً عقلائیاً، لکن لا یشمله المساقاة المبینة علی الحصة.

ص:257

نعم إذا کان عقد مطلق لأجل الإثمار والبقاء وکان للعامل الحصة من باب الأجرة بحیث یشمل إطلاقه الأجرة فی حال عدم وجود الحصة، کان اللازم القول ببقاء اللزوم، ویعطیه المالک الأجرة أو أقل الأمرین من مثل الحصة والأجرة بالنسبة إلی بقیة الوقت وقدر النسبة من قیمة أو مثل الحصة بالنسبة إلی ماضی الوقت.

وعلیه فما ذکره المصنف فی المساقاة علی وفق القاعدة، وإن کانت المسألة بحاجة إلی تتبع أکثر، والله العالم.

ص:258

مسألة ٢٢ استئجار المالک أجیرا للعمل

(مسألة 22): یجوز أن یستأجر المالک أجیراً للعمل مع تعیینه نوعاً ومقداراً بحصة من الثمرة أو بتمامها بعد الظهور وبدو الصلاح، بل وکذا قبل البدو،

(مسألة 22): {یجوز أن یستأجر المالک} للأصول {أجیراً للعمل} فی بستانه بدون عقد المساقاة {مع تعیینه} العمل {نوعاً} أی کیفاً {ومقداراً} أی کماً بحیث یرفع الغرر، إذ لا دلیل علی أکثر من ذلک {بحصة من الثمرة أو بتمامها} ومقصوده بقاء الأشجار ونمائها وما أشبه ذلک، فلا یقال: أیة فائدة له فی هذه الإجارة.

ومنه یعلم صحة الإجارة ولو لم تکن ثمرة وإنما بالأجرة الخارجیة {بعد الظهور وبدو الصلاح} ولذا قال الشرائع: (إذا استأجر أجیراً للعمل بحصة منها فإن کان بعد بدو صلاحها جاز)، وفی الجواهر: (بلا خلاف ولا إشکال لعموم الأدلة وإطلاقها السالمین عن معارضة ما یقتضی المنع، ومراده بذلک ما یتوهم من أن العمل غیر معلوم والأجرة غیر معلومة مع اشتراط المعلومیة فیهما فی الإجارة.

والجواب: إن التخمین والخرص یکفی فی المعلومیة عرفاً بما یرفع الغرر، ولا دلیل علی الاحتیاج إلی أکثر من ذلک.

{بل وکذا قبل البدو} للصلاح بعد الظهور، وذلک لإطلاق ما دل علی صحة الإجارة، واشتراط الشرائع للصحة بقوله: (وإن کان بشرط القطع صح) غیر ظاهر الوجه، إذ لا دلیل علی هذا الشرط فی الصحة، ولعله لوجود هذا الشرط فی البیع بفهم المناط فی الإجارة أیضاً، لکن أصل اشتراط ذلک فی البیع محل نظر، فکیف بالقطع بالمناط، ولذا قال المستمسک: (والتحقیق عدمه فی البیع).

ص:259

بل قبل الظهور أیضاً إذا کان مع الضمیمة الموجودة أو عامین، وأما قبل الظهور عاماً واحداً بل ضمیمة فالظاهر عدم جوازه، لا لعدم معقولیة تملیک ما لیس بموجود

{بل قبل الظهور أیضاً، إذا کان مع الضمیمة الموجودة أو عامین} لإطلاق دلیل صحة الإجارة، بل لعله یستفاد من المناط فی البیع أیضاً، فإنه یجوز البیع کذلک، فالإجارة أولی ولو أولویة عرفیة، أو یقال: حتی إذا لم تفهم الأولویة جاز لوحدة الملاک، وکیف کان فالإطلاق کاف فی المقام.

{وأما قبل الظهور عاماً واحداً بلا ضمیمة فالظاهر عدم جوازه}، واستدل لذلک بالإجماع الذی ذکره التذکرة والمسالک، وبأن عوض الإجارة یشترط فیه الوجود والمعلومیة کعوض البیع، وهما منتفیان فی المقام، وبالغرر، لأنه لا یعلم هل یثمر أم لا، وعلی فرضه کم یثمر.

والکل محل مناقشة، إذ الإجماع محتمل الاستناد، واشتراط الوجود غیر ظاهر الوجه بعد الإطلاق والمعقولیة والعرفیة الذین هم الأصل فی المعاملات، والمعلومیة العرفیة موجودة بالتخمین، ولذا صح أن یستأجر عامین أو أکثر، ولذا فلا غرر، وقد تقدم أن دلیل لزوم المعلومیة ما دل علی النهی عن الغرر، فالجواز لو لا ملاحظة الإجماع أقرب.

{لا لعدم معقولیة تملیک ما لیس بموجود} کما علله بذلک محتمل الجواهر، قائلاً: (لم یجز قولاً واحداً لکونها معدومة).

وقد قرر ذلک بعض المعلقین، حیث قال: (الظاهر أنه وجه وجیه)، لکن فی المستمسک: (الظاهر أن مراد الجواهر اشتراط کون عوض الإجارة موجوداً

ص:260

لأنا نمنع عدم المعقولیة بعد اعتبار العقلاء وجوده لوجوده المستقبلی

لما دل علی إلحاقها بالبیع، لا لعدم المعقولیة).

وعلی أی حال، فکلا الوجهین محل نظر {لأنا نمنع عدم المعقولیة بعد اعتبار العقلاء وجوده} أی وجوده الاعتباری، إذ لا وجود خارجی له قطعاً، ووجوده بغیر صورة الثمرة، لأن الثمار إنما هی عبارة عن التحول عن الماء والتراب ونحوهما، مثل کل حی یکون ثم یفسد، فإنها من التراب ونحوه إلی التراب، ولذا قال سبحانه: ﴾منها خلقناکم وفیها نعیدکم﴿ لا ینفع فی صدق الموجود.

أولاً: لأن الثمرة بصورتها معدومة، إذ لا وجود للصورة وإن کانت المادة موجودة، فإن المرکب ینتفی بانتفاء جزئه.

وثانیاً: الاعتبار یجب أن یکون عقلائیاً، لأنهم الأصل فی المعاملات وقد قررهم الشارع بإضافة بیان شرط أو مانع، ولا اعتبار عقلائی لوجودها بوجود موادها داخل التربة وفی الضوء ونحو ذلک.

وعلی أی حال، فالمراد وجوده الاعتباری {لوجوده المستقبلی} ولو علله بالاعتبار العقلائی لم یحتج إلی ما ذکر من دفع الإیراد، فإن العقلاء یرون المستقبل طرفاً فی جملة من العقود والإیقاعات کالوصیة والوقف والنذر والإجارة وغیرها، ولذا لا یشترط أن یکون له مال موجود حال الوصیة بالثلث، ولا وجود البطون حال الوقف علیهم، ولا ما یبذله فی نذره حال النذر، ولا المنفعة حال الإجارة، إلی غیر ذلک.

ص:261

ولذا یصح مع الضمیمة أو عامین، حیث إنهم اتفقوا علیه فی بیع الثمار، وصرح به جماعة ههنا، بل لظهور اتفاقهم علی عدم الجواز کما هو کذلک فی بیع الثمار، ووجه المنع هناک خصوص الأخبار الدالة علیه، وظاهرها أن وجه المنع الغرر

{ولذا} الذی ذکرناه، لا لما ذکروه {یصح مع الضمیمة أو عامین، حیث إنهم اتفقوا علیه فی بیع الثمار، وصرح به جماعة ههنا} کما عرفت، فإذا لم یکن للوجود الحالی أثر جازت الإجارة، وإن کان اللازم الوجود الحالی فلماذا لا یعتبر فی ما إذا کان مع الضمیمة أو فی عامین.

{بل لظهور اتفاقهم علی عدم الجواز} کما عرفت، وإن قد عرفت أنه محتمل الاستناد بالإلحاق بالبیع، وحیث لا دلیل علی الإلحاق إلاّ المناط یکون القطع بالمسألة محل نظر، خصوصاً وإلحاقه فی المقام بالمساقاة أقرب إلی الذهن العرفی، لأن الإجارة تفید فائدة المساقاة.

{کما هو کذلک فی بیع الثمار} حیث یمنع إلا عامین وأکثر، أو مع الضمیمة بالإجماع.

{ووجه المنع هناک خصوص الأخبار الدالة علیه، وظاهرها أن وجه المنع الغرر}، ففی موثق سماعة المروی فی الکافی، قال: سألته عن بیع الثمرة هل یصلح شراؤها قبل أن یخرج طلعها، فقال: «لا، إلاّ أن یشتری معها شیئاً من غیرها رطبة أو بقلاً، فیقول: أشتری منک هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بکذا وکذا، فإن لم تخرج الثمرة کان رأس مال المشتری فی الرطبة والبقل».

ومما تقدم یعلم وجه النظر فی کلام السید الجمال، حیث قال: (الظاهر

ص:262

لا عدم معقولیة تعلق الملکیة بالمعدوم، ولو لا ظهور الإجماع فی المقام لقلنا بالجواز مع الاطمئنان بالخروج بعد ذلک، کما یجوز بیع ما فی الذمة مع عدم کون العین موجودةً فعلاً عند ذیها، بل وإن لم یکن فی الخارج موجوداً أصلاً،

عدم خروج المعاملة عن کونها غرریة بشیء من الأمرین، ولا سبیل إلی مقایسة المقام ببیع الثمار)، إذ فیه: إنه لا غرر عرفی فیه، ولیس بیع الثمار کذلک غرریاً حتی یقال بانه استثناء بالنص.

{لا عدم معقولیة تعلق الملکیة بالمعدوم، ولو لا ظهور الإجماع فی المقام} بالمنع {لقلنا بالجواز مع الاطمینان بالخروج بعد ذلک} بل الغرر بعد الخروج وبدو الصلاح أیضاً موجود إن وسعت دائرته، حیث کثیراً ما یتلف الثمر بسبب برد أو مطر أو ما أشبه ذلک، فلیس الجواز إلاّ لأجل عدم اعتناء العرف بمثل هذه الاحتمالات، فکذلک الحال قبل الخروج.

{کما یجوز بیع ما فی الذمة مع عدم کون العین موجودة فعلا عند ذیها} أی ذی الذمة، ولیس ذلک إلاّ لأجل عدم اعتبار العرف والشرع الوجود الخارجی عند البیع.

{بل وإن لم یکن فی الخارج موجوداً أصلاً} وذلک لأن العقلاء إنما یریدون النتائج ولا همّ لهم فی ما سوی ذلک، والنتیجة لا فرق فیها بین الوجود عند الطرف، أو فی الخارج فی حال البیع والإجارة وغیرهما، وبین عدمها، ولذا لولا النص فی البیع لکان إطلاق أدلته بعد الاعتبار العقلائی کافیاً فی الصحة.

ص:263

والحاصل: إن الوجود الاعتباری یکفی فی صحة تعلق الملکیة، فکأن العین موجودة فی عهدة الشجر کما أنها موجودة فی عهدة الشخص.

{والحاصل: إن الوجود الاعتباری} الذی یعتبره العقلاء {یکفی فی صحة تعلق الملکیة}، فلا یقال: الملکیة إضافة وهی تحتاج إلی طرفین، وحیث لا طرف فلا إضافة، إذ الإضافة خفیف المؤنة تتعلق بالموجود حالاً والموجود مستقبلاً، وعلیه یصح جعل الثمرة أجرة وإن لم تظهر بعد، إذا کان لها وجود فی المستقبل، فالعبرة عند العقلاء بحال الإضافة لا حال الإنشاء، ولذا تصح الوصیة بالشیء إذا کان له وجود فی المستقبل بعد موته، وإن لم یکن له وجود فی الحال، ولا تصح إذا لم یکن له وجود فی المستقبل، وإن کان له وجود فی الحال، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

أما قوله: {فکأن العین موجودة فی عهدة الشجرة، کما أنها موجودة فی عهدة الشخص} فهو بعید عن المعاملات العرفیة، فی فهمهم فی هذا الباب، إلاّ أن یرید أنها موجودة فیها بالقوة.

ص:264

مسألة ٢٣ إذا بطل عقد المساقاة لمن یکون الثمر

(مسألة 23): کل موضع بطل فیه عقد المساقاة یکون الثمر للمالک، وللعامل أجرة المثل لعمله

(مسألة 23): {کل موضع بطل فیه عقد المساقاة یکون الثمر للمالک} علی المشهور بینهم، بل لم یظهر من أحدهم خلاف، وعن التذکرة الإجماع علیه، واستدلوا لذلک کما فی المسالک وغیره بأن النماء یتبع الأصل فالثمرة تکون ملکاً لمالک الأصل بعد أن لم یکن موجب للخروج عنه، لکن یرد علیه ما ذکرناه فی المزارعة من أنه لا دلیل شرعی ولا عقلی لذلک بعد أن الثمر ناتج لأمرین: الأصل والعمل، فلماذا یختص به أحدهما.

وعلیه فاللازم أن یقسم بینهما حسب الحق المقرر لهما عرفاً، بدلیل «لا یتوی»((1))، و«أن حقوق المسلمین لا تبطل»((2)) وغیرهما، فحال المقام حال ما إذا اشترک العمل والعامل ورأس المال والمدیر فی إنتاج شیء، حیث إن لکل منهم بقدر حقه.

ومنه یعلم وجه النظر فی قولهم: {وللعامل أجرة المثل لعمله} کما ذکره غیر واحد، بل هو المشهور بینهم شهرة عظیمة، بل عن الریاض لا خلاف ولا إشکال فیه، وإن تأمل فی کلامه غیر واحد لخلاف بعضهم فیه.

وکیف کان، فقد استدل له کما فی المسالک وغیره، بأن العامل لم یتبرع بعمله ولم یحصل له العوض المشروط فیرجع إلی الأجرة.

أقول: لا یخفی أن ما ذکره بعض الدلیل، إذ لا یتم المذکور بنفسه دلیلاً

ص:265


1- المستدرک: ج3 ص215 الباب 46 من أبواب نوادر الشهادات ح5
2- الوسائل: ج14 ص210 الباب6 من أبواب عقد النکاح ح9

إلا إذا کان عالماً بالبطلان ومع ذلک أقدم علی العمل،

لإمکان أن لا یتبرع ولم یحصل له العوض، ومع ذلک لا یستحق، کما إذا عامل مع طفل أو سفیه مثلاً، فإنه _ علی ما ذکروا من تبعیة النماء للأصل _ لم یتبرع بعمله ولم یحصل له العوض، ومع ذلک لا أجرة له، إذ لا دلیل علی الأجرة، وحیث لم یکن دلیل علی الکلیة المذکورة لم تکف فی الاستدلال بها علی الأجرة، وقد ضم المستمسک إلی ذلک بقوله: (إن الدلیل المذکور لا یکفی وحده إلاّ بضمیمة کون الضمان بالاستیفاء، فحیث إن المالک استوفی ضمن).

وفیه: إنه لا یکفی أیضاً، إذ یرد النقص المذکور هنا أیضاً، فإذا طلب الطفل من الحمال حمل متاعه إلی مکان کذا، فحمل فقد استوفی عمله، ومع ذلک لا دلیل علی ضمانه إلاّ ما قد یقال من قاعدة «ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده».

وفیه: إن القاعدة مصیدة فلا تکفی إلاّ فی المورد الذی دلیل علیها، ولیس المقام منه، وأوضح منه ما إذا زعم أن زیداً قال له: احمل متاعی إلی مکان کذا فحمل، ثم تبین بطلان زعمه وأنه قال لإنسان آخر، فإنه وإن حصل داعی المالک لأنه أراد نقل متاعه، إلاّ أنه لا أجرة له علی المالک، إذ لا وجه لها والأصل عدمها، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ثم إنه علی ما استظهرناه من کون الثمر نتیجة الأمرین، ولذا فهو لهما، لم یأت موضوع الأجرة وإنما یکون لهما حتی فیما إذا ساقاه طفل أو سفیه حیث لم یهم حال الساقی إلاّ فی وجود الحصة بخصوصها وعدمه.

{إلا إذا کان عالماً بالبطلان، ومع ذلک أقدم علی العمل} کما ذکره

ص:266

أو کان الفساد لأجل اشتراط کون جمیع الفائدة للمالک، حیث إنه بمنزلة المتبرع فی هاتین الصورتین، فلا یستحق أجرة المثل علی الأقوی

الشهید الثانی فی المسالک، وتبعه غیر واحد {أو کان النماء لأجل اشتراط کون جمیع الفائدة للمالک} کما ذکره الشهید الأول فی محکی حواشیه علی إجارة القواعد وتبعه غیره، وقد جمع جماعة منهم المصنف بین القیدین.

واستدل له بقوله: {حیث إنه بمنزلة المتبرع فی هاتین الصورتین، فلا یستحق أجرة المثل علی الأقوی} إذ المتبرع کما تقدم فی المزارعة وغیرها قد أهدر حرمة عمله، سواء کان هناک ثمر کما فی المزارعة والمساقاة، أو فائدة خارجیة للمالک، کما فی بناء داره وخیاطة ثوبه، أو حصل له داع کما فی الحمال الذی یحمل متاعه إلی مقصده، إلی غیر ذلک من الموارد، وحیث أهدر فلا حق له یشمله «لا یتوی»((1)) ونحوه، فهو کمن ألقی متاعه فی الشارع معرضاً عنه، حیث ذهب ملکه عنه، کما یدل علیه ما دل فی مسألة انکسار السفینة وضیاع الشاة، فإن کان الإعراض القهری یوجب ذلک، کان الإعراض القصدی موجباً له بطریق أولی، وقد ذکرنا تفصیل ذلک فی بعض مباحث الکتاب.

ثم إنه کان ینبغی استثناء ما إذا کان المساقی طفلاً أو سفیهاً أو نحو ذلک أیضاً لما تقدم من الدلیل.

ص:267


1- المستدرک: ج3 ص215  الباب 46 من أبواب نوادر الشهادات ح5

وإن کان عمله بعنوان المساقاة.

أما ما احتمل من أنه ینبغی استثناء ما إذا لم یثمر، ففیه: إنه من باب السالبة بانتفاء الموضوع، حیث إن کلام المصنف فیما أثمر لما قال: (یکون الثمر للمالک) وحیث تقدم تفصیل الکلام فی ذلک فی المسألة من المزارعة لا داعی إلی تکرار الکلام.

{وإن کان عمله بعنوان المساقاة} إذ القصد له مدخلیة، فإن الإنسان إذا استؤجر للإتیان بقضاء صلوات المیت ثم أتی بها بعنوان المتبرع عنه بطلت الإجارة، لانتفاء متعلقها، إذا لم تکن الإجارة علی کل تقدیر، وسقطت الإجارة، بخلاف ما إذا أتی بها بعنوان الإجارة.

وکذلک فی المساقاة والمضاربة والمزارعة، فإن عمل بعنوان التبرع لا حصة له، سواء کانت صحیحة أو باطلة، وإلاّ کانت له الحصة فی صورة الصحة والأجرة، ونحوها فی صورة البطلان.

ص:268

مسألة ٢٤ اشتراط عقد مساقاة فی عقد مساقاة

(مسألة 24): یجوز اشتراط مساقاة فی عقد مساقاة، کأن یقول: ساقیتک علی هذا البستان بالنصف علی أن أساقیک علی هذا الآخر بالثلث، والقول بعدم الصحة لأنه کالبیعین فی بیع المنهی عنه

(مسألة 24): {یجوز اشتراط مساقاة} بإجراء عقدها، أو الإتیان بعملها بدون عقد، علی نحو شرط النتیجة {فی عقد مساقاة، کأن یقول: ساقیتک علی هذا البستان بالنصف علی أن أساقیک علی هذا الآخر} سواء ذکر الحصة مثلاً {بالثلث} ونحوه أو لا، وهذا هو المشهور منهم، لإطلاق دلیل الشرط، وقد تقدم فی المزارعة صحة شرط النتیجة کشرط الفعل.

فإذا کان شرط فعل فلم یفعل أجبر علیه، وإن لم یمکن الإجبار فالظاهر أن الحاکم الشرعی یقوم مقامه فی إجراء العقد، علی نحو ما ذکروا من أنه إذا لم یطلق زوجته بعد أن رفض العشرة بالمعروف طلقها الحاکم لأنه ولی الممتنع.

وإذا لم یتمکن الحاکم من ذلک تخیر بین الفسخ وعدمه، وهل له أن لا یفسخ ویأخذ التفاوت إذا کان الشرط فی العرف یقابل بشیء، کما إذا کان حق العامل فی المساقاة الأولی یقابل بمائة، فجعل له من الحصة ما یقابل بثمانین وکان الشرط یساوی عشرین، أم لیس له ذلک، لا یبعد الأول.

وقد تقدم تفصیل الکلام فی ذلک فی بعض المسائل السابقة، وإن کان المنسوب إلی المشهور عدم القول به.

ومما ذکر یعرف الکلام فی شرط النتیجة {والقول بعدم الصحة} کما عن الشیخ فی المبسوط، وقیل إنه لم یعرف لغیره {لأنه کالبیعین فی بیع، المنهی عنه} فقد روی الصدوق، عن شعیب بن واقد، عن الحسین بن زید، عن الصادق

ص:269

ضعیف لمنع کونه من هذا القبیل، فإن المنهی عنه البیع حالاً بکذا ومؤجلاً بکذا، أو البیع علی تقدیر کذا بکذا وعلی تقدیر آخر بکذا،

(علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام) فی مناهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «ونهی عن بیعین فی بیع»((1)).

وفی روایة الشیخ فی التهذیب: «نهی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) عن سلف وبیع وعن بیعین فی بیع»((2)).

{ضعیف} وإن کان ربما یستدل له بالمناط، إذ لا خصوصیة للبیع، فالنهی جار فی المزارعة والمساقاة والمضاربة والإجارة وغیرها، لکن المناط غیر مقطوع به، {لمنع کونه من هذا القبیل، فإن المنهی عنه البیع حالاً بکذا ومؤجلاً بکذا} أو بأجلین بثمنین، أو فی مکانین بثمنین، أو لبضاعتین بثمنین، أو لبضاعة واحدة بثمنین مثلاً إلی غد بدرهم وإلی بعده بدرهمین، أو یسلم إلیک هنا بدرهم وهناک بدرهمین، أو أما هذا بدرهم أو ذاک بدرهمین، أو هذا بدرهم أو نصف دینار.

{أو البیع علی تقدیر کذا} کمجیء الحجاج {بکذا، وعلی تقدیر آخر} کعدم مجیئهم {بکذا} إلی غیر ذلک من المحتملات.

وعلی أی حال، لا یرتبط بشرط بیع فی بیع، حتی إذا قلنا بالمناط حتی یتعدی منه من البیع بشرط، إلی المساقاة بشرط.

ص:270


1- الوسائل: ج12 ص266 الباب12 من أبواب البیع وشروطه ح12
2- الوسائل: ج12 ص246 الباب13 من أبواب عقد البیع وشروطه ح12

والمقام نظیر أن یقول: بعتک داری بکذا علی أن أبیعک بستانی بکذا، ولا مانع منه لأنه شرط مشروع فی ضمن العقد.

{و} علی أی حال ف_ {المقام} فی المساقاة بشرط مساقاة لیس مثل البیعین فی بیع، بل {نظیر أن یقول: بعتک داری بکذا علی أن أبیعک بستانی بکذا، ولا مانع منه} لإطلاق أدلة البیع والشرط {لأنه شرط مشروع فی ضمن العقد} لا ینافی الکتاب والسنة، ولا مقتضی العقد.

ولو قال: ساقیتک هذا البستان بنصف حاصله وذاک بربع حاصله، صح سواء کانا عقدین فی عقد، مثل نکاحین فی نکاح، حیث لا یعقل أن یکون نکاح واحد لهما، أو عقداً واحداً ذا أجزاء، حیث إذا تخلف أحدهما کان من خیار تبعض الصفقة، کما تقدم مثله.

وکذا یصح أن یکون الشرط علی المساقی من العامل، کأن یقول: ساقیتک هذا البستان بنصف حاصله، فقال: قبلت علی أن تسقی بستانی بربع حاصله مثلاً، وتتوفر الأغراض العقلائیة فی مثل ذلک، مثل أن یکون کل واحد منهما قریباً من بستان الآخر فبستان زید فی کربلاء وهو فی النجف، وبستان عمرو فی النجف وهو فی کربلاء، أو غیر ذلک مثل أن یکون لأحدهما بستان الرمان، لکنه عارف بسقی الموز وإصلاحه، والآخر بالعکس.

ص:271

مسألة ٢٥ جواز تعدد العامل أو المالک

(مسألة 25): یجوز تعدد العامل کأن یساقی مع اثنین بالنصف له والنصف لهما، مع تعیین عمل کل منهما بینهم أو فیما بینهما وتعیین حصة کل منهما

(مسألة 25): {یجوز تعدد العامل کأن یساقی مع اثنین} مساقاة واحدة {بالنصف له والنصف لهما} وقد ذکر تعدد العامل الشیخ والعلامة والمحقق الثانی وغیرهم، بل لم نظفر بمخالف لمن عنون هذا الفرع.

{مع تعیین عمل کل منهما بینهم} بأن قال المالک: علیک السقی فی الشتاء وعلی شریکک السقی فی الصیف.

{أو فیما بینهما} بأن وزع العاملان العمل بینهما.

والفرق أن فی الأول یلزم، لأنه مورد العقد، وفی الثانی لا یلزم، حیث إنه لا عقد بینهما یلزم کلا منهما بما عین له شریکه.

ولو لم یعین المالک عملهما فی ضمن العقد وتشاحا، کان اللازم تنصیف کل عمل بینهما، ولو جعل المالک النصف لهما وعین عمل کل منهما فمع التساوی یکون لکل منهما من الحصة بقدر الآخر، ومع الاختلاف کان لکل منهما بالنسبة، فلأحدهما مثلاً ثلث النصف، لأنه یعمل نصف شریکه، وللآخر ثلثاه وهکذا، فإنه مقتضی الارتکاز فی العقد، ویصح أن یجعل الأقل للأکثر عملاً وبالعکس لملاحظة خارجیة دینیة ککونه إرفاقاً لکثرة عیاله، أو دنیویة، کل ذلک لإطلاق الأدلة.

{وتعیین حصة کل منهما} من المالک عند العقد، أو منهما بعده، وفی الأول یلزم وفی الثانی لا یلزم لما عرفت.

ثم إنه یصح للمالک أن یقول: لکما النصف من العنب والرمان _ وفی

ص:272

وکذا یجوز تعدد المالک واتحاد العامل، کما إذا کان البستان مشترکاً بین اثنین فقالا لواحد: ساقیناک علی هذا البستان بکذا، وحینئذ فإن کانت الحصة المعینة للعامل منهما سواء کالنصف أو الثلث مثلاً صح، وإن لم یعلم العامل کیفیة شرکتهما وأنها بالنصف أو غیره

البستان هما فقط _ لکل نصفهما أی الربع، أو بالاختلاف، أو لأحدکما العنب وللآخر الرمان، کل ذلک لإطلاق الأدلة.

ویدل علی جواز تعدد العامل مع اتحاد المالک، بالإضافة إلی الإطلاق قصة مساقاة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) مع أهل خیبر علی ما تقدم.

{وکذا یجوز تعدد المالک واتحاد العامل} فی عقد واحد، وإلا فمساقاتان لهما بالنسبة إلی عامل واحد، فلیس محل الکلام هنا، وقد ذکر المسألة الشیخ والعلامة والمحققان وغیرهم، بل لم یظهر خلاف، والدلیل علیه الإطلاق ولو بالمناط، والعمومات علی النحو الذی ذکرناه فی بعض المسائل، لا أن یکون عقداً جدیداً غیر المساقاة.

{کما إذا کان البستان مشترکاً بین اثنین فقالا لواحد: ساقیناک علی هذا البستان بکذا} من الحصة، وکذا تصح إذا کان لهما بستانان وساق واحد بمساقاة واحدة بأن یکون کل منهما جزءاً من عقد.

{وحینئذ فإن کانت الحصة المعینة للعامل منهما، سواء کالنصف أو الثلث مثلاً صح} لأن العامل یعلم مقدار حصته وبذلک لا غرر {وإن لم یعلم العامل کیفیة شرکتهما وأنها بالنصف أو غیره} هل لکل منهما نصف البستان أو لهذا ثلثه ولذاک ثلثاه، أو غیر ذلک، فإن جهل العامل بذلک لا یوجب غرراً، وعلیه فإذا

ص:273

وإن لم یکن سواء کأن یکون فی حصة أحدهما بالنصف وفی حصة الآخر بالثلث مثلاً، فلا بد من علمه بمقدار حصة کل منهما لرفع الغرر والجهالة فی مقدار حصته من الثمر.

کان لکل نصف البستان صح أن یجعلا للعامل نصف الثمر، من کل منهما نصف ثمره، کما یصح أن یجعلا من کل منهما للعامل نصف الثمر، من أحدهما ثلثه ومن الآخر ثلثاه، وإذا کان لأحدهما ثلث البستان وللآخر ثلثاه صح أن یجعل صاحب الثلث للعامل _ الذی له نصف تمام الثمر من کل البستان _ ثلث نصف العامل، أو ثلثی نصف نصف العامل، فالأقسام خمسة:

لأنه إذا کان لکل مالک نصف فی بستان یسوی ثمره تسعین، صح أن یجعل الخمسة والأربعون علیهما بالتساوی أو الاختلاف، وإذا کان لمالک الثلث وللآخر الثلثان فی البستان المذکور، صح أن یجعل لصاحب الثلث الثلث، أی خمسة عشر، أو أقل من الثلث کعشرة، أو أکثر کعشرین.

{وإن لم یکن سواء، کأن یکون فی حصة أحدهما بالنصف وفی حصة الآخر بالثلث مثلاً} ولم یعلم العامل کم له، لأنه إذا علم کم له، مثلاً نصف المجموع لا بأس به، لأنه لیس بغرر.

{فلابد من علمه بمقدار حصة کل منهما لرفع الغرر والجهالة} المنهی عنه فی حدیث النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، وقد عرفت حجیته، فإشکال المستمسک غیر ظاهر الوجه.

{فی مقدار حصته من الثمر}، قال فی الشرائع: (لو کان الأصول لاثنین فقالا

ص:274

لواحد: ساقیناک علی أن لک من حصة فلان النصف ومن حصة الآخر الثلث صح، بشرط أن یکون عالماً بقدر نصیب کل واحد منهما، ولو کان جاهلاً بطلت المساقاة لتجهل الحصة).

أقول: ومن علته یظهر أن المناط الجهالة المطلقة، لا ما إذا علم حاصل جمع الحصتین، وإن لم یعلم ما علی کل واحد، مثلاً علم أن ما یحصل منها عشرون وسقاً، لأنه له لا غرر کما لهما لا غرر.

ومنه یعلم العکس، وهو أن العامل إذا علم مقدار ما یحصل لکنهما جهلا مقدار ما یکون علیهما لجهلهما بقدر حصتهما من البستان مما لزم غررهما بطل أیضاً.

بقی شیء، وهو أن العامل والمالک لو کانا متعدداً صح عقد واحد، کما إذا کان بستان مشترکاً بین الأب وابنه الصغیر، لإرثهما من زوجته المیتة مثلاً، فقال الأب أصالةً وولایةً لنفرین: ساقیتکما هذا البستان بأن یکون لکما النصف صح، لإطلاق الدلیل.

ص:275

مسألة ٢٦ إذا ترک العامل العمل بعد العقد

(مسألة 26): إذا ترک العامل العمل بعد إجراء العقد ابتداءً أو فی الأثناء، فالظاهر أن المالک مخیر بین الفسخ أو الرجوع إلی الحاکم الشرعی، فیجبره علی العمل

(مسألة 26): {إذا ترک العامل العمل بعد إجراء العقد ابتداءً أو فی الأثناء} ولم یکن ذلک عن دعوی له علی المالک بأنه غبنه، أو تبین له أنه لا یفی بشرطه فی إعطائه الحصة ولا یقدر علی إنقاذها منه أو ما أشبه ذلک.

{فالظاهر أن المالک مخیر بین الفسخ أو الرجوع إلی الحاکم الشرعی فیجبره علی العمل} إلی غیر ذلک من شقق التخییر کما سیأتی.

أما الفسخ، فلأن الالتزام بهذا العقد ضرر علی المالک، فدلیل «لا ضرر» یرفع لزومه، کما ذکروا فی خیار الغبن، ولأن مبنی العقد علی ذلک ارتکازاً، فهو شرط ضمنی یستدعی تخلفه الخیار.

وأما الرجوع إلی الحاکم الشرعی، فلأنه من طرق إنقاذ الحق، وللإنسان أن یتمسک بما ینقذ حقه مما هو مشروع.

وأما التخییر بینهما، فلأنهما طریقان ولا دلیل علی تعیین أحدهما فالأصل عدم التعیین.

وربما یقال: بأنه لا حق له فی الفسخ ما دام یتمکن من الرجوع إلی الحاکم لأصالة اللزوم، وقد فرض إمکان إنقاذ حقه، والضرر متدارک بالرجوع إلی الحاکم.

وفیه: بالإضافة إلی أن ذلک لا یمنع من خیار الشرط الضمنی کما تقدم، أن إنقاذ الحق کما یمکن بالرجوع إلی الحاکم یمکن بالفسخ، إذ الحق یشمل کلاً من طرفی المعاملة إما هذا وإما هذا، وکذا إذا فسخ أو أخذ بدل ماله تقاصاً.

ص:276

وإن لم یمکن جبره استأجر من ماله من یعمل عنه

لا یقال: إنه لم یهب حقه، لأنه إذا رجع إلی الحاکم أخذ ما ثبت بسبب العقد.

لأنه یقال: إنه حیث ذهب حقه فلا مجال لأصالة اللزوم.

هذا بالإضافة إلی المناط فی جملة من الخیارات، وإلی أن الشارع إنما أمضی المعاملة العرفیة، وهی فی العرف یوجب الخیار، أو الرجوع إلی الحاکم إذا ترک الطرف ما علیه، ولذا قال فی الجواهر: (قد یقال: بأن تعین الرجوع إلی الحاکم من دون خیار مناف لما یستفاد منهم فی غیر المقام، کالخیار بعدم الوفاء بالشرط، وکالخیار بتأخیر الثمن وبالامتناع من العمل وتسلیم العین المستأجرة ونحو ذلک من ثبوت الخیار بمجرد حصول شیء من ذلک من غیر مراجعة إلی الحاکم، بل ظاهرهم أنه متی حصل من أحد المتعاقدین بعقد لازم ما ینافی استحقاق الآخر علیه، شرع له الشارع الفسخ، وکان العقد فی حقه جائزاً دفعاً لضرره بذلک).

وإشکالات المستمسک علیه غیر واردة، کما لا یخفی علی من راجعها، مما لا نطیل المقام بذکرها وما فیها.

{وإن لم یمکن جبره} علی العمل {استأجر} وإنما کان الجبر مقدماً علی الاستیجار لأن عمله بنفسه طرف العقد، فاللازم أن یأتی هو به، ولا نرید بعمله بنفسه المباشرة، بل قیامه بنفسه مباشرة أو تسبیباً.

{من ماله من یعمل عنه} والإجارة کالمثال، وإلاّ فالصلح والهبة المشروطة ونحوهما أیضاً له نفس الفائدة، فالدلیل یشمل الجمیع، وإنما یستأجر الحاکم لأنه الموضوع لأجل إعطاء الحقوق والفصل فی القضایا، وولایته فی ذلک هی

ص:277

ولایة ﴿وَالَّذینَ آمَنُوا﴾ فی آیة ﴿إنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّهُ﴾((1)) لأنها امتداد منها، وقد ثبتت من قوله (علیه السلام): «فارجعوا إلی رواة حدیثنا»((2))، وقوله (علیه السلام): «فإنی قد جعلته علیکم حاکماً»((3))، و«اللهم ارحم خلفائی»((4))، إلی غیر ذلک، ولذا استدل بالآیة صاحب الجواهر للمقام.

ومنه یعلم أن قول المستمسک: (لکن الآیة الشریفة متعرضة لولایة الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) والإمام (علیه السلام)، فالاستدلال بها علی ولایة الحاکم موقوف علی دلیل یدل علی عموم نیابة الحاکم، ولکنه مفقود) إلی آخر کلامه غیر ظاهر الوجه، إذ المراد بالآیة ولو بقرینة الخارج أن المراد ولایة الذین آمنوا الممتدة، وإلاّ کانت الآیة ضد ولایة الأئمة (علیهم السلام) وولاتهم فی حال حیاتهم.

والروایات دلت علی امتداد ولایتهم إلی نواب الغیبة، کما ذکرناه فی کتاب الفقه: (الاجتهاد والتقلید) و(الحکم فی الإسلام) و(السیاسة) فالعموم ثابت، بالإضافة إلی أن أمثال المقام من شأن القضاة عرفاً فی کل دین وقانون، فإذا دل الدلیل علی أنه قاض ثبت أمثال المقام له تلقائیاً، فإن الحاکم ثابت له کل ما کان للإمام مما تقوم به الشؤون إلاّ ما خرج بالدلیل، ولذا لم نستبعد أن یکون له سن القوانین التی تحتاج إلیها الأمة فی دفع الهرج والمرج، وما یکون وضع القانون علی خلاف سلطنة الأفراد أهم من إعطائهم السلطة المستفادة من «الناس

ص:278


1- سورة المائدة: الآیة 55
2- الوسائل: ج18 ص101 الباب1 ح9
3- الوسائل: ج18 ص98 الباب1 من صفات القاضی ح1
4- الوسائل: ج18 ص100 الباب1 ح7

مسلطون علی أموالهم وأنفسهم»((1))، مثل قوانین المرور، حیث إن دون الوضع یسبب کثرة تلف الأموال والأنفس، سواء فی وضع أصل القانون، مثل إلزام الوقوف أمام الإشارات الحمراء، والسیر من الطرف الأیمن إلی غیر ذلک، أو وضع العقوبات الرادعة له، مثل تغریم المخالف ولو بالمال أو السجن مما یردعه من باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وقاعدة «لا ضرر»((2))، والاهم والمهم.

وکذلک الحال بالنسبة إلی القوانین الثانویة الاضطراریة، مثل جعل القانون حال الحرب بالأخذ من أموال الناس بقدر خمسین بدل الخمس، إلی غیر ذلک، وقد ذکرنا فی الکتب المتقدمة بعض الشواهد لذلک، کما ذکرناها أیضاً فی کتابی: (الحدود والتعزیرات) و(القضاء).

مثلاً: إذا کان الوضع الاقتصادی للبلاد متدهوراً مما أوجب کثرة السرقة ولم تکن عقوبة القطع رادعة، جاز سجن السراق عوض القطع إلی أن یستقیم الوضع الاقتصادی، فإنه ضرورة، ولا ینافی ذلک کون القانون یشمل حتی غیر مورد الضرورة، مثل أنه لا ضرورة عند ما إذا کان الشارع فارغاً والإشارة حمراء فی وقوف السیارات، إذ لا ضرورة حینئذ فی الوقوف، فکیف یغرم المخالف، وإنما لا ینافی لأنه یدور الأمر بین ضرب القانون العام وإن أخذ البریء، وبین إحالة مواضع الصلاح والفساد إلی الأفراد، وذلک مما یوجب الضرر الأکثر، وعدم استقامة النظام والهرج والمرج

ص:279


1- بحار الأنوار: ج2 ص273
2- الکافی: ج5 ص280 ح2، التهذیب: ج7 ص146 ح651

فیأتی قانون الأهم والمهم فی المقام، ولا یلزم من ذلک تأسیس فقه جدید کما ربما یتوهم، لأنه یلزم جعل عقوبات جدیدة ومالیات جدیدة ومعاملات جدیدة وتحدید حریات وما أشبه ذلک، وإنما لا یلزم لأنه تأسیس تطبیقات جدیدة لقوانین فقهیة أولیة وثانویة موجودة علی المتطلبات العصریة.

ولا فرق فی کل ذلک بین التکلیفیات والوضعیات.

فلا یقال: إن صح جعل القانون الملائم لم یتغیر الوضع، مثل من اضطر إلی شرب الخمر ینجس فمه، وآکل طعام الغیر فی المخمصة یضمن.

لأنه یقال: لا دلیل علی أن الوضع غیر التکلیف، کما ذکره الشیخ (رحمه الله) فی الرسائل، فإذا جاء الوباء وکان من مبعثه الحلیب، ولم یعلم أی حلیب کذلک، جاز للحاکم أن یقنن سکب وإفناء کل حلیب وقایةً عن مرض الناس، ولا یضمن بالنسبة إلی ما کان واقعاً غیر مبعث للوباء لأصالة عدم الضمان، والنقض بأنه ربما یستلزم العمل خلاف الضروری غیر تام، إذ المفروض أن القانون یکون من وضع المجتهد العادل الخبیر بالدین والدنیا وما یصلح أمور المسلمین، ومثله لا یفعل غیر الجائز فلا یصطدم قانونه بالضروری.

ومما تقدم علم أن ذلک لیس من باب ولایة الفقیه بالمعنی الذی توهمه بعض من أنه یضع ما یشاء ویترک ما یشاء، ولا من باب المصالح المرسلة التی لا نقول بها، إذ ولایة الفقیه إنما تکون فی دائرة الأحکام الإسلامیة، والمراد بالولایة أن الفقیه یتولی التصرف فی البلاد والعباد لا غیره، لا خارج

ص:280

أو بأجرة مؤجلة إلی وقت الثمر فیؤدیها منه، أو یستقرض علیه ویستأجر من یعمل عنه،

دائرة أحکام الإسلام، لکن تکون فی ضمن دائرة الأحکام الثانویة من لا ضرر ولا حرج والاهم والمهم، ورعایة مصالح العباد حتی لا یستلزم اختلال النظام والهرج وغیر ذلک.

کما أن المصالح المرسلة التی یقول بها العامة مبنیة علی أن أموراً محتاج إلیها لم یذکرها الشارع لا عموماً ولا خصوصاً، وذلک غیر تام، لأنه ما من شیء إلا ورد به کتاب أو سنة بالعنوان الأولی أو الثانوی، کما ورد بذلک متواتر الروایات، فلا مصالح مرسلة، فالفارق بیننا وبینهم أنهم یحکمون حسب الرأی والقیاس، ونحن نحکم حسب الأدلة الثانویة، وکون النتیجة أن بین قوانینهم وقوانیننا عموماً من وجه، ویکون التصادق فی بعض القوانین غیر ضار بقولنا لا مصالح مرسلة، لأن الفارق بیننا وبینهم:

أولاً: فی موارد الافتراق.

وثانیاً: فی مستند الحکم فی موارد الاجتماع، والله سبحانه العالم.

ومما تقدم یعلم وجه قوله: {أو بأجرة مؤجلة إلی وقت الثمر فیؤدیها منه}، وکذا إذا أعطی الأجیر من مختلف مال العامل کإعطائه بعض الثمر بنفسه لا بما یبیعه حتی یؤدیه نقداً، أو یجعل أجرته جلوسه فی داره الخالیة أو ما أشبه ذلک، لوحدة الملاک فی کل ذلک، وکذلک قوله: {أو یستقرض علیه ویستأجر من یعمل عنه}، ولم یعلم وجه تفکیک المستمسک بین جبره والاستقراض، فلم یجعلهما

ص:281

وإن تعذر الرجوع إلی الحاکم أو تعسر فیقوم بالأمور المذکورة عدول المؤمنین، بل لا یبعد جواز إجباره بنفسه أو المقاصة من ماله، أو استیجار المالک عنه ثم الرجوع علیه، أو نحو ذلک،

من وظائف القاضی، وبین الاستئجار من ماله فاستظهر أنه من وظائف القاضی.

{وإن تعذر الرجوع إلی الحاکم أو تسعر فیقوم بالأمور المذکورة عدول المؤمنین} لقوله (علیه السلام): «إن کان مثلک ومثل عبد الحمید فلا بأس». ولغیره من ما ذکر فی ولایة العدول.

وعلیه فلا وجه لإشکال المستمسک بأن ولایة العدول لیست ثابتة فی مثل المقام، ولا سیما بملاحظة تدارک الضرر بالخیار.

{بل لا یبعد جواز إجباره بنفسه} بدون مراجعة الحاکم والعدول، لما دل علی جواز دفاع الإنسان عن نفسه وعن ماله، نعم یجب أن یقید ذلک بما إذا لم یوجب مفسدة لا یرضی بها الشارع.

{أو المقاصة من ماله} لما دل علی المقاصة إطلاقاً أو مناطاً، وللأولویة المستفادة من قوله (علیه السلام): «لیّ الواجد یحل عقوبته وحبسه».

{أو استیجار المالک عنه، ثم الرجوع علیه} لأنه نوع من التوصل إلی الحق مما یدل علیه المناط فی المقاصة ولیّ الواجد وغیرهما {أو نحو ذلک} من سائر طرق الوصول إلی حقه مما لم یدل دلیل علی المنع عنه، مما یفهم من إطلاق الأدلة أو مناطها، کأن یبیع شیئاً له ویعطیه جعالة لمن یعمل عمله وما أشبه ذلک.

ص:282

وقد یقال: بعدم جواز الفسخ إلاّ بعد تعذر الإجبار، وأن اللازم کون الإجبار من الحاکم مع إمکانه وهو أحوط، وإن کان الأقوی التخییر بین الأمور المذکورة

نعم حیث إن الأمر ضرورة لزم أن یقدر بقدرها، کما لزم التدرج من الأخف فالأخف، فإذا أمکن إیجار ماله أو بیعه کان الإیجار مقدماً، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

{وقد یقال} بل هذا هو ظاهر المشهور، وقد ینسب إلی ظاهر الأصحاب، لکن جملة منهم أمثال التحریر ومجمع البرهان خالف، فلا إجماع فی المسألة.

{بعدم جواز الفسخ إلاّ بعد تعذر الإجبار} لما تقدم من أن مستند الفسخ قاعدة «لا ضرر»،  ولا ضرار مع تمکن الإجبار، وفیه ما تقدم.

{وأن اللازم کون الإجبار من الحاکم مع إمکانه} لأن الحاکم وضع لإیصال الحقوق إلی أربابها، فلا یصح لنفسه الإجبار مع إمکان الحاکم، لأنه یوجب المفاسد مما لا یرضی بها الشارع.

{وهو أحوط} خروجاً من خلاف من أوجب، ولأنه لا توهم محذور فی ما ذکر بخلاف ما ذکرناه من التخییر، حیث احتمال المحذور الذی ذکروه.

{وإن کان الأقوی التخییر بین الأمور المذکورة} من الفسخ والإجبار بنفسه، مباشرةً أو تسبیباً، والرجوع إلی الحاکم أو وکیله والمقاصة والاستیجار ونحوه للعمل عنه، وکثیر من المعلقین کابن العم قرر المصنف علی تخییره، وإن أوجب الاحتیاط السید البروجردی، وقوی الترتیب السید الجمال.

ص:283

هذا إذا لم یکن مقیداً بالمباشرة، وإلاّ فیکون مخیراً بین الفسخ والإجبار، ولا یجوز الاستیجار عنه للعمل، نعم لو کان اعتبار المباشرة بنحو الشرط لا القید یمکن إسقاط حق الشرط والاستیجار عنه أیضاً.

و{هذا} التخییر {إذا لم یکن} العقد {مقیداً} قیداً أو مصباً {بالمباشرة} من العامل، {وإلا فیکون مخیراً بین الفسخ والإجبار} والمقاصة، إذ لا محل لاستیجار غیره، حیث لا یشمل العقد ذلک.

{و} قوله: {لا یجوز الاستیجار عنه للعمل} یراد به الوضع، إذ لا یصح، لا أنه یصح ولا یجوز شرعاً حتی یکون مثل البیع وقت النداء.

{نعم لو کان اعتبار المباشرة بنحو الشرط لا القید} ولا المصب {یمکن إسقاط حق الشرط والاستیجار عنه أیضاً} إذ بإسقاطه یکون کما لم یکن شرط، فله إنقاذ حقه بالاستیجار.

ولم یظهر وجه لإشکال المستمسک فی صحة شرط مقومات موضوع العقد فی ضمن العقد فی مقابل جعلها قیوداً له، فإذا جعلت شرائط فلابد أن تلحظ قیداً لموضوع العقد، فیلزم حینئذ جعل موضوع العقد ثانیاً، وهو خلاف المرتکز العرفی.

إذ یرد علیه: إن المرتکز العرفی التزام فی التزام، فلا یکون الأمر التزاماً واحداً، إما یوجد وإما لا یوجد، بل إن وقف الشارط علی الالتزام الثانی کان له الفسخ، وإن صرف النظر عنه کان له البقاء علی الالتزام الأول، وذلک بخلاف القید، فإن له التزاماً واحداً بالحدود المقیدة، فأمره دائر

ص:284

بین الوجود والعدم، وبخلاف المصب فإن مصب العقد هو الحد لا المحدود، فأمره دائر بین الوجود والعدم أیضاً.

والإنشاء حیث إنه خفیف المؤنة یمکن أن یجعل مرة مستقلاً ومرة ثانیة فی ضمن الأول، ویمکن أن یتوجه إلی المحدود، کما یمکن أن یتوجه إلی الحد، ومن الواضح أنه لو جعل المحدود انتزع منه الحد، ولو جعل الحد انتزع منه المحدود، إذ لا یعقل أحدهما بدون الآخر.

ص:285

مسألة ٢٧ إذا تبرع عن العامل متبرع

(مسألة 27): إذا تبرع عن العامل متبرع بالعمل جاز إذا لم یشترط المباشرة، بل لو أتی به من غیر قصد التبرع عنه أیضاً کفی،

(مسألة 27): {إذا تبرع عن العامل متبرع بالعمل جاز} لأصالة تسلط المتبرع علی عمله بعد أن لم یکن محذور من طرف المالک ولا العامل {إذا لم یشترط المباشرة} بنحو المصب والقید، وإلاّ لم یصح التبرع عنه لأن عمل العامل غیر قابل للنیابة عنه، أما إذا کان بنحو الشرط جاز للشارط رفع یده عن شرطه فیصح التبرع عنه، لأنه بعد رفع یده عنه یکون المطلوب صرف العمل بنفسه أو بالتسبیب أو نحوهما، والمتبرع یأتی بنفس العمل.

ثم فی صورة التبرع إذا کان بنحو المصب والقید لم یستحق العامل علی المالک شیئاً، لأنه لم یفعل شیئاً حتی یأخذ مقابله، وصارت المعاملة من السالبة بانتفاء الموضوع، وکذا إذا کان بنحو الشرط ولم یرفع الشارط یده عن شرطه، أما إذا رفع فالعامل یستحق حصته، لأنه قد أتی المتبرع العمل عنه فکأن العامل أنجز العمل بنفسه، مثل ما إذا استأجر العامل، حیث إن عمل الأجیر عمل العامل، وإذا أدی العامل عمله استحق حصته.

{بل لو أتی به} المتبرع {من غیر قصد التبرع عنه} عن العامل {أیضاً کفی} کأنه لأن المرکوز فی أذهان المالکین أن المهم الإتیان بالعمل، فمع الإتیان به بمباشرة العامل أو أجیره أو المتبرع عنه أو المتبرع لا عنه، فقد حصل العمل الذی فی قباله الحصة، فاللازم أن یدفع الحصة للعامل.

ص:286

بل ولو قصد التبرع عن المالک کان کذلک أیضاً، وإن کان لا یخلو عن إشکال، فلا یسقط حقه من الحاصل، وکذا لو ارتفعت الحاجة إلی بعض الأعمال کما إذا حصل السقی بالأمطار ولم یحتج

ومنه یظهر وجه قوله: {بل ولو قصد التبرع عن المالک کان کذلک أیضاً}، ولا یخفی أن المتبرع لو لم یقصد لا عن هذا ولا عن ذاک، کان أیضاً قد تبرع، لأن التبرع عبارة عن العمل بدون قصد الأجرة، ولیس فی معناه قصد النیابة عن أحد.

نعم یشکل عدم کون قدر حقه له إذا لم یقصد التبرع عن أی منهما، بما ذکرناه من الثمر أن نتیجة العمل والأصل، فاللازم أن یدخل فی ملک من لا قصد له بقدر حقه.

{وإن کان لا یخلو} کل من الفرضین {عن إشکال} لأنه إذا لم یقصد المتبرع العمل عن العامل لا ینسب الفعل إلی العامل کی یستحق العامل بسبب فعله الحصة.

وما تقدم فی وجه قوله: (کفی) غیر تام، لأنه حتی إذا کان مهم المالک أن یؤتی بالعمل لا ربط للعمل بالعامل کی یستحق الحصة، فیکون من أکل المال بالباطل، ویکون حاله حال ما إذا صار العمل بسبب الطبیعة الإلهیة مثل السقی بالمطر کما سیأتی.

{فلا یسقط حقه من الحاصل، وکذا لو ارتفعت الحاجة إلی بعض الأعمال کما إذا حصل السقی} فی الجملة {بالأمطار} أو السیول أو ما أشبه {ولم یحتج

ص:287

إلی النزح من الآبار، خصوصاً إذا کانت العادة کذلک، وربما یستشکل بأنه نظیر الاستیجار لقلع الضرس إذا انقلع بنفسه، فإن الأجیر لا یستحق الأجرة لعدم صدور العمل المستأجر علیه منه، فاللازم فی المقام أیضاً عدم استحقاق ما یقابل ذلک العمل،

إلی النزح من الآبار} ونحوه، إذ المعاملة لیست علی الجزئیات إذا کان معظم الأعمال یأتی من الساقی، لتعارف حصول الجزئیات بدون فعل الساقی مثل المطر أحیاناً، وسقوط جملة من الثمار مما یقلل عمل الساقی فی القطف، إلی غیر ذلک.

{خصوصاً إذا کانت العادة کذلک} إذ المعاملة تنصب حینئذ إلی غیر ما جرت العادة بأن یفعل بنفسه، فقد أتی الساقی بکل ما علیه وفی قباله یستحق حصته.

{وربما یستشکل} استحقاق الساقی للحصة إذا صار السقی بنفسه {بأنه نظیر الاستیجار لقلع الغرس إذا انقلع بنفسه} کما ذکره الجواهر، ومثله الاستیجار لقطف الثمر أو قلع الشجرة أو تأبیرها أوهدم الحائط أو تدفئة أو تبرید الغرفة، إلی غیر ذلک، إذا أوقعت الأریاح الثمار والأشجار وأبرها وأسقطت الحائط، وإذا دفئت أو بردت الهواء بما لم یکن مجال لهما بعد ذلک.

{فإن الأجیر لا یستحق الأجرة لعدم صدور العمل المستأجر علیه منه} حیث إن الأجرة کانت فی قبال عمله، وحیث لا عمل فلا أجرة، {فاللازم فی المقام} مبحث المساقاة {أیضاً عدم استحقاق} الساقی {ما یقابل ذلک العمل} الذی تبرع به المتبرع، حیث إن الساقی لم یعمل عملاً، فکیف یستحق الحصة مع أن الحصة

ص:288

ویجاب بأن وضع المساقاة وکذا المزارعة علی ذلک، فإن المراد حصول الزرع والثمرة، فمع احتیاج ذلک إلی العمل فعله العامل، وإن استغنی عنه بفعل الله أو بفعل الغیر سقط واستحق حصته، بخلاف الإجارة فإن المراد منها مقابلة العوض بالعمل منه أو عنه

کانت فی مقابله، وتنظیره بالإجارة لیس قیاساً، بل من باب وحدة الدلیل فیهما.

{ویجاب} بما ذکره الجواهر {بأن وضع المساقاة وکذا المزارعة علی ذلک}، حیث إن المراد بالتعامل فیها فعل معظم الأعمال لا ما یتفق أحیاناً أو عادةً، فالحصة فی قبال المعظم، وقد فعله الساقی، بل الحال کذلک فی الإجارة فإذا استأجره للسقی أو القطف أو ما أشبه لم یضر بالأجرة سقی المطر أحیاناً، أو قطف الهواء لبعض الثمار.

وعلیه فتخصیص عدم الإشکال بالمزارعة والمساقاة غیر ظاهر الوجه.

{فإن المراد حصول الزرع والثمرة} بفعل الساقی والزارع معظم أعمالهما {فمع احتیاج ذلک إلی العمل فعله العامل} وکانت الأجرة والحصة فیهما فی مقابل ما عمل، وکذلک الحال فی المضاربة، حیث یتعارف إنجاز بعض الأعمال من غیر العامل.

{وإن استغنی عنه بفعل الله أو بفعل الغیر سقط} ذلک الذی فعل بنفسه عن العامل فی الموارد الأربعة {واستحق حصته} العامل أجیراً أو مزارعاً أو مساقیاً أو عاملاً فی المضاربة.

ومنه یعلم الإشکال فی قوله: {بخلاف الإجارة فإن المراد منها} المنصب علیه العقد {مقابلة العوض بالعمل منه أو عنه} إذ الإجارة أیضاً کذلک، فلو استأجره لقلع أضراسه وکانت شدیدة، لکن اتفق أن سقط علی وجهه أو مرض

ص:289

ولا بأس بهذا الفرق فیما هو المتعارف سقوطه أحیاناً کالاستقاء بالمطر مع بقاء سائر الأعمال، وأما لو کان علی خلافه کما إذا لم یکن علیه إلاّ السقی واستغنی عنه بالمطر أو نحوه کلیة

بما سبب تزلزل الإسنان فسهل قلعها، لم یکن ذلک مضراً بالأجرة إذا کان مثل ذلک المرض ونحوه مما لا یضر بالأجرة عرفاً.

والحاصل: إن التعارف إذا کان موجوداً لم یضر عدم بعض العمل فی الإجارة وغیرها کالمساقاة، وإذا لم یکن أضر فیهما.

{و} کیف کان، {لا بأس بهذا الفرق} بین الإجارة والمساقاة عند المصنف، وإن قد عرفت البأس به عندنا {فیما هو المتعارف سقوطه} عن العامل {أحیاناً، کالاستقاء بالمطر مع بقاء سائر الأعمال} علی العامل.

{وأما لو کان علی خلافه} أی خلاف المتعارف، بحیث سقط عن العامل بعض الأعمال التی کانت مقابلة بالحصة، کما إذا سقط عنه نصف السقی والحال أنه لم یکن المتعارف ذلک، فإن فیه یلزم أن یقال بنصف الحصة.

{کما} أنه إذا سقط عنه کل العمل کان اللازم أن یقال بسقوط کل الحصة، مثل ما {إذا لم یکن علیه إلاّ السقی} فقط فی عقد المساقاة {واستغنی عنه بالمطر أو نحوه کلیة} کالسیل، أو کان علیه قطف الثمار فسقطت بسبب الهواء ونحوها، وقد عرفت أن حال الاستغناء عن نصف العمل أو ربعه مثلاً کذلک بالنسبة، فتخصیص المصنف الأمر بقوله: (کلیة) إنما هو لأجل إسقاط الحصة کلیة.

ص:290

فاستحقاقه للحصة مع عدم صدور عمل منه أصلاً مشکل.

{فاستحقاقه للحصة مع عدم صدور عمل منه أصلاً} محل منع، ولذا أشکل علیه غیر واحد من المعلقین حیث قال: إنه {مشکل} إذ لا وجه للاستحقاق إلاّ ما تقدم عند قوله: (کفی) وقد عرفت وجه النظر فیه هناک.

ثم إذا سقط نصف العمل مثلاً، فالظاهر أن لکل منهما الفسخ، لخیار تبعض الصفقة، وکذلک إذا تبرع عن المالک، أو إطلاقاً _ أی لا عن العامل _ متبرع بنصف العمل ونحوه، حیث إن دلیل الخیار الذی ذکروه فی البیع ونحوه آت هنا أیضاً.

والکلام فی باب المساقاة آت فی الأبواب الثلاثة الأخر، أی المضاربة والمزارعة والإجارة کما عرفت.

ص:291

مسألة ٢٨ إذا فسخ المالک العقد بعد امتناع العامل

(مسألة 28): إذا فسخ المالک العقد بعد امتناع العامل عن إتمام العمل، یکون الثمر له وعلیه أجرة المثل للعامل بمقدار ما عمل

(مسألة 28): {إذا فسخ المالک العقد بعد امتناع العامل عن إتمام العمل} فإن لم یعمل أصلاً أو عمل ما لا یکون له مدخل فی الثمر بأن لم یستند الثمر إلیه {یکون الثمر له} للمالک لأنه ناتج أشجاره، ولا ربط له بالعامل.

{وعلیه أجرة المثل للعامل بمقدار ما عمل} إذا کان عمل ما لا مدخلیة له للثمر، وذلک لأن العامل قد عمل للمالک عملاً محترماً، فاللازم علیه عند انتفاء الحصة الأجرة.

وتوضیح الکلام فی ذلک أن الصور أربع: لأنه إما أن یفسخ قبل العمل، أو بعده، بما لا مدخلیة له بالثمر، أو بماله مدخلیة، أو بعد ظهور الثمر.

ففی الأولی: لم یعمل شیئاً حتی یستحق شیئاً.

وفی الثانیة: إن کان الفسخ من الأصل _ إذا کان له الفسخ من الأصل _ فإن کان العقد ذا أجزاء کان للعامل حق الأجرة، وإذا کان العقد ارتباطیاً بحیث إنه حین العقد قررا ولو ارتکازاً أن لا شیء له إذا لم یکمل العمل، لا وجه لأن یکون للعامل شیء.

وفی الثالثة: الظاهر أن له بقدر ما کان له مدخلیة فی الثمر، لما تقدم مکرراً من أن الثمر ولید الأصول والعمل، فلا وجه لاختصاصه بصاحب الأصول وتکون الأجرة لصاحب العمل، ولا فرق فی ذلک بین أن یکون الفسخ من أصله أو من حینه.

ص:292

هذا إذا کان قبل ظهور الثمر، وإن کان بعده یکون للعامل حصته وعلیه الأجرة للمالک إلی زمان البلوغ إن رضی بالبقاء، وإلاّ فله الإجبار علی القطع بقدر حصته إلاّ إذا لم یکن له قیمة أصلاً فیحتمل أن یکون للمالک

{هذا کله إذا کان قبل ظهور الثمر، وإن کان بعده} وهی الصورة الرابعة {یکون للعامل حصته} لأنه قد تقدم أن بالظهور یملک کل منها حصته.

{وعلیه} أی علی العامل {الأجرة للمالک} أجرة الأرض بالنسبة إلی ما تبقی الحصة فی أرضه {إلی زمان البلوغ إن رضی} المالک {بالبقاء}، والمراد أجرة المثل إلاّ إذا قررا أزید أو أقل منه، لأن الأمر بینهما فلهما التراضی کیف شاءا، {وإلا} یرضی المالک ببقاء حصة العامل {فله الإجبار علی القطع بقدر حصته} لتسلط المالک علی ماله فله إزالة ثمر الغیر عنه إذا لم یلزم ضرر من ذلک علی العامل.

أما إذا لزم الضرر فقد سبق فی بحث المزارعة أنه قد یعارض تضرر المالک من بقائه فله الإجبار لکون المرجع قاعدة السلطنة بعد تعارض الضررین وتساقطهما، وقد لا یتضرر المالک فیقدم لا ضرر العامل علی سلطنة المالک، لأن السلطنة دلیل أولی یُقدم علیه الدلیل الثانوی، فتأمل.

ومنه یعلم أن إطلاق المستمسک قوله: (إذا لزم من القطع ضرر علی العامل کان دلیل نفی الضرر مانعاً من إجباره علی القطع) انتهی محل نظر، وهو مثل إطلاق المصنف حق الإجارة {إلا إذا یکن له قیمة أصلاً فیحتمل أن یکون للمالک} لما ذکروه من أن الثمر لصاحب الأرض، فإذا کانت له مالیة کانت

ص:293

کما قبل الظهور.

للعامل حسب القرار فی الحصة، أما إذا لم تکن له مالیة فلا ملکیة للعامل، وحیث لا تکون للعامل فهو للمالک {کما قبل الظهور}.

لکن یرد علیه أولاً: إن قبل الظهور إذا کان شیء کان للعامل أیضاً، لما ذکرناه من قاعدة أنه تابع للعمل والأصل.

وثانیاً: الملکیة للعامل لا تتوقف علی المالیة، فلا موجب للخروج عما دل علی الاشتراک فی الظهور، کما ذکره المستمسک.

ص:294

مسألة ٢٩ إذا لم یعمل العامل استأجر عنه المالک

(مسألة 29): قد عرفت أنه یجوز للمالک مع ترک العامل العمل أن لا یفسخ ویستأجر عنه ویرجع علیه، إما مطلقاً کما لا یبعد، أو بعد تعذر الرجوع إلی الحاکم، لکن یظهر من بعضهم اشتراط جواز الرجوع علیه بالإشهاد علی الاستیجار عنه،

(مسألة 29): {قد عرفت أنه یجوز للمالک مع ترک العامل العمل أن لا یفسخ} المساقاة {ویستأجر عنه ویرجع علیه} من یعمل عمله، فللعامل الحصة وللأجیر الأجرة علی العامل، من غیر فرق بین أن تکون الأجرة من نفس الحصة أو من غیرها، سواء کانت الأجرة أکثر من الحصة أو أقل أو مساویاً، لإطلاق ما دل علی الإجارة علی العامل.

{إما مطلقاً کما لا یبعد} وقد أیدناه سابقاً {أو بعد تعذر الرجوع إلی الحاکم} کما اختاره بعض.

{لکن یظهر من بعضهم اشتراط جواز الرجوع علیه بالإشهاد علی الاستیجار عنه} کما ذکره الفاضلان علی تردد وإشکال، بل عن جامع المقاصد إن الرجوع مع الإشهاد موضع وفاق، وفی المسالک إن الأقوی أنه یرجع مع نیته مطلقاً، ونقل قولاً آخر بأنه یرجع مع تعذر الإشهاد لا مع إمکانه، ووجهه أن الأصل عدم التسلط علی شغل ذمة الغیر بحق یطالب به فیقتصر فیه علی موضع الوفاق، ووجهه فی الإیضاح بأن الشارع أمر بالإشهاد ولم یحصل.

وفیهما ما لا یخفی، لأن الأصل لا یقاوم الدلیل الذی ذکر علی الاستیجار والرجوع.

أما الأمر فقد رده مفتاح الکرامة بأنا لم نجد به أمراً، إلاّ أن یکون استنهض علیه الإجماع.

ص:295

فلو لم یشهد لیس له الرجوع علیه حتی بینه وبین الله، وفیه ما لا یخفی، فالأقوی أن الإشهاد للإثبات ظاهراً، وإلاّ فلا یکون شرطاً للاستحقاق، فمع العلم به أو ثبوته شرعاً یستحق الرجوع، وإن لم یکن أشهد علی الاستیجار، نعم لو اختلفا فی مقدار الأجرة فالقول قول العامل فی نفی الزیادة

أقول: وحیث عرفت أنه لا إجماع فلا وجه، واحتمال أنه أراد بالأمر ﴾استشهدوا﴿ ونحوه، فیه: إن ذلک لیس فی المقام، والمناط غیر مقطوع به.

وعلیه {ف_} القول بأنه {لو لم یشهد لیس له الرجوع علیه حتی بینه وبین الله و} إن کان قد استأجر {فیه ما لا یخفی} للأصل بعد أن لا دلیل علیه کما عرفت، {فالأقوی أن الإشهاد للإثبات ظاهراً} لدی الاختلاف {وإلا فلا یکون شرطاً للاستحقاق} لعدم الدلیل علی الشرطیة {فمع العلم} من العامل {به أو ثبوته شرعاً} ببیّنة ونحوها اطلعوا علی الأمر {یستحق الرجوع، وإن لم یکن أشهد علی الاستیجار} لأنه حقه، والحق لا یحتاج فی واقعه إلی الإشهاد.

ومنه یعلم أنه لو کان أشهد ثم نسی الشاهد، أو مات، أو لم یرض بأن یشهد، لم یذهب حقه.

{نعم لو اختلفا فی مقدار الأجرة} التی أعطاها المالک للأجیر بدل العامل، فقال العامل: إنها مائة، وقال المالک: إنها مائة وخمسون مثلاً، {فالقول قول العامل فی نفی الزیادة} لأصالة عدمها، والمالک مدع یحتاج إلی البینة، لکن هذا إذا کان الاختلاف بین الزائد والناقص.

ص:296

وقد یقال: بتقدیم قول المالک لأنه أمین، وفیه ما لا یخفی

أما إذا کان الاختلاف بین متقابلین، کما إذا قال المالک: أعطیته وسقاً من الحنطة، وقال العامل: بل وسقاً من الشعیر، کان من التحالف لعدم الجامع، وإن کان الشعیر یسوی أقل، لأن المناط فی المنازعات مصب الدعوی لا الإکمال کما سبق تفصیله.

{وقد یقال: بتقدیم قول المالک لأنه أمین} فیحلف ویأخذ الزائد، أو ما یدعیه فی صورة التنازع، {وفیه ما لا یخفی} لأن أدلة الأمین منصرفة عن مثله.

وربما یقال: إن وجه الإشکال أن ما دل علی قبول قول الأمین مختص بالمؤتمن من قبل الخصم.

وفیه: إنه لا وجه للاختصاص، ولذا الحاکم الشرعی والولی الشرعی مثل الأب والجد یقبل قولهما.

أما احتمال تقدیم قول المالک لقاعدة (من ملک شیئاً ملک الإقرار به)، ففیه: إن القاعدة مصیدة، فاللازم النظر فی دلیلها وهو یشمل المقام.

ومما تقدم ظهر أنه لا یؤخذ بقول الأجیر: إنه أخذ الأقل أو الأکثر، إذ لا حجیة فیه.

نعم لو قال: إنه أقل، والمالک قال الأکثر، کان للعامل إعطاء الأقل للأجیر من باب أنه یعترف بأنه لا حق له فی أکثر من ذلک، وإقرار العقلاء علی أنفسهم جائز.

ص:297

وأما لو اختلفا فی أنه تبرع عنه أو قصد الرجوع علیه فالظاهر تقدیم قول المالک لاحترام ماله وعمله إلاّ إذا ثبت التبرع، وإن کان لا یخلو عن إشکال، بل یظهر من بعضهم تقدیم قول العامل.

{وأما لو أختلفا} المالک والعامل {فی أنه} أی الذی عمل فی البستان {تبرع عنه} بأن قاله العامل فلا حق للمالک فی حق الرجوع إلی العامل {أو قصد الرجوع علیه} بأن استأجر عنه {فالظاهر تقدیم قول المالک لاحترام ماله وعمله} من جهة أنه أعرف بقصده، فیشمله دلیل (ما لا یعرف إلاّ من قبله) کما تقدم وجهه فی بعض المسائل السابقة.

والاستدلال له بقاعدة (من ملک) کما فی المستمسک، قد عرفت الإشکال فیه.

{إلا إذا ثبت التبرع} بشاهد أو إقرار سابق أو نحوه، فإنه إذا أنکر لم ینفع لتقدم الشاهد، ولأن الإنکار بعد الإقرار لا یسمع، فقاعدة (إقرار العقلاء علی أنفسهم) محکمة کما ثبت فی کتاب الإقرار.

{وإن کان لا یخلو عن إشکال} لأصالة براءة ذمة العامل {بل یظهر من بعضهم تقدیم قول العامل} للأصل المذکور، واستدل له فی الجواهر بأن أصالة عدم تبرع الإنسان بعمل یحصل فیه غرامة من الغیر لیست أصلاً أصیلاً.

وفیه: ما تقدم من أنه ما لا یعرف إلاّ من قبله، وقاعدة من ملک _ علی مذاقهم _ ومع وجود الأمارة لا مجال للرجوع إلی الأصل، ولذا أید السیدان الحکیم والبروجردی القول الأول.

ولو مات المالک وقال الأجیر من قبله: إن العامل استأجره _ بدل العامل _، وقال العامل: بل تبرعتَ کان الأصل مع العامل، لأن المالک کان یملک التصرف بالاستیجار ولیس ذلک للأجنبی، فقاعدة (من ملک) تجری فی المالک دون مدعی أنه استأجره، وشمول (ما لا یعرف من قبله) لما نحن فیه، فیه خفاء إن لم یکن منصرفاً عنه.

ص:298

مسألة ٣٠ لو تبین أن الأصول مغصوبة

(مسألة 30): لو تبین بالبینة أو غیرها أن الأصول کانت مغصوبة، فإن أجاز المغصوب منه المعاملة صحت المساقاة، وإلاّ بطلت وکان تمام الثمرة للمالک المغصوب منه

(مسألة 30): {لو تبین بالبینة أو غیرها} من الموازین الشرعیة {أن الأصول کانت مغصوبة، فإن أجاز المغصوب منه المعاملة صحت المساقاة} لأن العقد وقع فضولیاً، والفضولی یصح بإجازة المالک.

ومنه یعلم أن قول السید البروجردی: (صلاحیة هذا العقد بقیوده للإجازة محل تردد)، غیر ظاهر الوجه.

وکذلک لو تبین أن بعض الأصول کانت مغصوبة وأجاز مالکها، أما إذا لم یجز کان للعامل خیار تبعض الصفقة بالنسبة إلی قدر مال المالک.

{وإلا} یجز المالک فیما کانت کل الأصول مغصوبة {بطلت} بلا إشکال ولا خلاف لقاعدة السلطنة.

أما قول المصنف: {وکان تمام الثمر للمالک المغصوب منه} فقد تقدم غیر مرة أنه مبنی علی تبعیة النماء للأصل فی الملک، مع أنه لم یدل علیه عرف أو شرع، بل النماء تابع للأصول والعمل، فلکل بقدر حقه سواء کان زائداً علی الحصة المقررة أم لا، واحتمال أن یکون للعامل أقل الأمرین من الحصة وحقه، لأن الحق إذا کان أکثر فقد تنازل عنه بقبوله الحصة الأقل، قد تقدم فی بعض المسائل الإشکال فیه، حیث إنه إنما رضی بالأقل بالعقد لا مطلقاً، اللهم إلاّ إذا رضی بالأقل مطلقاً، فقد أهدر بنفسه حقه فی التفاوت.

ص:299

ویستحق العامل أجرة المثل علی الغاصب

{و} کیف کان، فإذا بنی علی أن کل الثمر للمغصوب منه کما هو المشهور {یستحق العامل أجرة المثل علی الغاصب} کما صرح به غیر واحد، لأن الغاصب أمره بالعمل، فاللازم علیه إعطاء بدله من باب «لا یتوی» ونحوه، حیث لم تسلم له الحصة التی اقتضاها العقد الباطل.

وفی الجواهر استدل للرجوع علی الغاصب بأن العامل مغرور من الغاصب فیرجع علی من غره.

وربما یشکل علی الأول بأنه لا دلیل علی أن الأمر یوجب الضمان، وإنما الید توجبه والاستیفاء، وکلاهما مفقودان فی المقام، و«لا یتوی» لا یثبت کون الآمر هو المسؤول، فهو استدلال علی الموضوع بالحکم.

وعلی الثانی بما فی المستمسک بأنه قد یکونان معاً مغرورین من سبب خارجی، ولازمه ضیاع عمل العامل حینئذ، وهو کما تری، فالدلیل أخص من الدعوی.

ویرد علی الأول: إنه حق عرفی فیشمله «لا یتوی»، فإن من أمر غیره بالعمل فقد جعل ذلک الغیر ذا حق علی نفسه، فلیس ذلک من باب أن الحکم کفل موضوعه.

ولذا استدل له فی المسالک وغیره بأن الغاصب هو الذی استدعاه إلی العمل، فیکون العمل مضموناً علیه بالاستیفاء، ولیس المراد بالاستیفاء الخارجی منه، إذ قد لا یثمر البستان _ فیما إذا لم یقصد العامل التبرع إذا کان العقد باطلاً، إذ قد سبق أنه یستحق وإن کان إذا کان العقد صحیحاً لا یستحق شیئاً _ بل استیفاء العمل، أی هدره بأمره.

ص:300

إذا کان جاهلاً بالحال، إلاّ إذا کان مدعیاً عدم الغصبیة، وأنها کانت للمساقی، إذ حینئذ

وعلی الثانی: أولاً: إن الإشکال أخص من دعوی الجواهر، نعم إن تم ما ذکره المستمسک کان دلیل الجواهر أیضاً أخص من مدعاه.

وثانیاً: إذا غر إنسان إنساناً کان علی الغار الضمان، وإن کان الغار أیضاً مغروراً فی نفسه، کما إذا أعطی زید مال عمرو لبکر بعنوان أنه مال زید بعنوان أنه أباحه له، فأعطاه بکر لخالد بعنوان الإباحة فأتلفه، فإنه إذا رجع مالکه إلی المتلف حق للمتلف أن یرجع إلی بکر، وإن کان بکر أیضاً مغروراً لإطلاق المغرور یرجع إلی من غره.

{إذا کان} العامل {جاهلاً بالحال} وأن ما أعطاه المساقی من الأصول غصب، إذ لو کان العامل عالماً بأنه غصب لم یحق له التصرف فیه، ولم یکن مغروراً من قبل الغاصب حتی یرجع إلیه، لأن العامل بنفسه أهدر عمل نفسه، کما تقدم فی بعض الأمثلة السابقة من عمل الحمال بدون أمر صاحب الحمل.

نعم علی ما اخترناه من أن الثمر حاصل العمل والأصل، کان للغاصب الحصة، لأنها ثمر عمل نفسه، ولا وجه أن یکون لغیره، کما إذا فعل الغاصب فی مال المغصوب ما أوجب زیادته، فإن الزیادة لا وجه لأن تکون للمغصوب منه، فإن خروج نتیجة عمل الإنسان عن ملکیته إلی ملکیة غیره بحاجة إلی الدلیل، ولا دلیل علی ذلک فی المقام.

{إلا إذا کان} العامل {مدعیاً عدم الغصبیة، وأنها کانت للمساقی، إذ حینئذ

ص:301

لیس له الرجوع علیه لاعترافه بصحة المعاملة وأن المدعی أخذ الثمرة منه ظلماً، هذا إذا کانت الثمرة باقیة، وأما لو اقتسماها وتلفت عندهما، فالأقوی أن للمالک الرجوع بعوضها علی کل من الغاصب والعامل

لیس له} للعامل {الرجوع علیه} علی الغاصب {لاعترافه بصحة المعاملة} کما فی المسالک وغیره {وأن المدعی أخذ الثمرة منه ظلماً} فیکون الحال کما إذا کان المساقی مالکاً واقعاً وقد أخذ ظالم الثمر، حیث لیس للعامل الرجوع علی المساقی، فإن الظالم هو الضامن لحصة العامل لا المساقی.

نعم، علی الغاصب الضمان فی مفروض المتن، لأن جهل العامل بکون المساقی غاصباً لا یغیر الواقع، وأن الغاصب غر العامل فعلیه ضمانه، إذ لیس معنی المغرور یرجع إلی من غره الحکایة، بل التکلیف والوضع کما لا یخفی.

و{هذا} الذی ذکرناه من أخذ المالک تمام الثمر وللعامل الرجوع إلی الغاصب لو کان جاهلاً إنما هو فی ما {إذا کانت الثمرة باقیة، وأما لو اقتسماها} الغاصب وعامله {وتلفت عندهما} أو تلفت عندهما قبل القسمة، إذ الید ید ضمان فالتلف یوجب الضمان.

{فالأقوی أن للمالک الرجوع بعوضها علی کل من الغاصب والعامل} کما اختاره العلامة وجملة من المتأخرین، وذلک لأن کلیهما قد وضع یده علیه، فیشمله دلیل «علی الید ما أخذت حتی تؤدی»، ولا یخفی أن أخذه لکل الثمر مبنی علی ما ذکروا من أن الثمر لصاحب الأصل.

ص:302

بتمامه وله الرجوع علی کل منهما بمقدار حصته، فعلی الأخیر لا إشکال، وإن رجع علی أحدهما بتمامه رجع علی الآخر بمقدار حصته

أما علی ما ذکرنا، فإن للمالک الرجوع إلی ما عدا حق العامل، حیث تقدم أن الثمر نتاج العمل والأصل ولکل حقه، ولا اعتبار لملاحظة المالک الحصة المقررة للعامل لأنها باطلة، بل الحق الطبیعی له زاد عن الحصة أو نقص.

وکیف کان، فعلی مبناهم للمالک أن یرجع إلی أیهما شاء {بتمامه} لأن المقام مثل الأیادی المتعاقبة مما یشمل کلاً منهما دلیل الید {وله الرجوع علی کل منهما بمقدار حصته} لأنه متلف لها، ولأنه إذا جاز الرجوع فی الکل جاز الرجوع فی البعض.

ومنه یعلم جواز رجوعه إلی کل منهما بقدر ما یشاء من الثمر، مثل ما إذا کان کل منهما أخذ نصفه، یرجع إلی أحدهما بالثلث وإلی الآخر بالثلثین وهکذا، لما عرفت من دلیل الید الشامل لکل منهما.

{فعلی الأخیر} من رجوعه إلی کل منهما بما أتلف من حصته {لا إشکال} فی أنه لا یرجع أحدهما علی الآخر بشیء، لأن کل واحد أتلف شیئاً من مال المالک، وقد رجع المالک إلیه بما أتلف فلا وجه لأن یرجع إلی غیره.

{وإن رجع} المالک {علی أحدهما بتمامه} أو بأزید من ما أتلف {رجع علی الآخر بمقدار حصته} لأن استقرار الضمان بالنسبة إلی النصف وما أشبه علی من أتلف، ودلیل «من أتلف» حاکم علی دلیل «علی الید»، لکن إذا کان العامل جاهلاً وأعطاه المساقی الحصة باعتبار أنه له وأتلفها العامل ورجع المالک علی الغاصب بالکل، یشکل رجوع الغاصب علی العامل بالحصة التی أعطاها للمالک

ص:303

إلا إذا اعترف بصحة العقد وبطلان دعوی المدعی للغصبیة، لأنه حینئذ معترف بأنه غرمه ظلماً

إذ الغاصب بنفسه سلم الحصة، وقد غر بذلک العامل فلا رجوع علیه، إذ المغرور یرجع إلی الغار لا العکس.

{إلا إذا اعترف} من أخذ المالک منه الکل {بصحة العقد وبطلان دعوی المدعی للغصبیة} فإنه لا یرجع إلی الآخر بما تلف فی ید الآخر من الحصة، من غیر فرق بین کون المعترف بالصحة المساقی أو العامل.

{لأنه} أی مدعی الصحة {حینئذ معترف بأنه غرمه ظلماً} لأن ما أخذه منه کان ملکاً له، فلماذا یرجع إلیه، حاله حال ما إذا لم یکن الأصل غصباً وجاء ظالم وأخذ تمام الثمر من أحدهما، فإنه لا حق للمأخوذ منه أن یأخذ شیئاً من الآخر، إذ الظلم توجه إلی المغصوب منه فلماذا یرجع بعض الظلم إلی غیره، وکون داعی الظالم الطرف الآخر لا یجعل الضمان علی الطرف الآخر، کما إذا جاء الظالم وأخذ من الصانع ضریبة علی مال المالک، فإنه إذا أعطاه من کیسه لم یکن له أن یرجع إلی المالک.

وکیف کان، فقد عرفت أن للمالک الرجوع إلی کل واحد منهما بالنصف أو بالتمام، بل بأکثر من النصف علی أحدهما وبالبقیة علی الآخر.

وفی المسألة قولان آخران:

الأول: ما عن ظاهر الإرشاد، من أنه لیس للمالک الرجوع علی المساقی أو العامل بتمام الثمرة، وإنما له الرجوع علی کل منهما بحصته لا غیر، ولعل وجهه أن کل واحد أتلف بعض الثمرة، فهو الضامن له بدلیل «من أتلف مال

ص:304

وقیل: إن المالک مخیر بین الرجوع علی کل منهما بمقدار حصته، وبین الرجوع علی الغاصب بالجمیع، فیرجع هو علی العامل بمقدار حصته، ولیس له الرجوع علی العامل بتمامه إلاّ إذا کان عالماً بالحال، ولا وجه له بعد ثبوت یده علی الثمر،

الغیر فهو له ضامن»، فلا وجه للرجوع إلی غیره، ودلیل «علی الید» لا یشمل المقام، لعدم استقلال ید أحدهما علی کل الثمرة، لکن فیه: إن کلیهما له ید علی کل الثمرة، ولا منافاة بین دلیل «علی الید» ودلیل «من أتلف»، أما ما تقدم من حکومة «أتلف» علی «الید» فقد کان ذلک فی استقرار الضمان.

{وقیل:} والقائل الفاضلان وغیرهما، وهذا هو القول الثانی من القولین الآخرین.

{إن المالک مخیر بین الرجوع علی کل منهما بمقدار حصته، وبین الرجوع علی الغاصب بالجمیع} ولا حق له فی الرجوع علی العامل بالجمیع {ف_} إذا رجع علی الغاصب بالجمیع {یرجع هو علی العامل بمقدار حصته} لقرار الضمان علیه بالتلف.

{و} إنما کان له الرجوع لما تقدم، ووجه أنه {لیس الرجوع علی العامل بتمامه} لأن ید العامل کانت بالنیابة عن المساقی فلا تستوجب الضمان، ودلیل «علی الید» منصرف عن ید النائب {إلا إذا کان عالماً بالحال} وکأنه لعدم انصراف «علی الید» عن العامل العالم بخلاف ما إذا کان جاهلاً فإنه منصرف عنه {ولا وجه له} إذ الانصراف سواء قیل به فی مطلق النائب، أو النائب الجاهل ممنوع {بعد ثبوت یده} أی ید العامل {علی الثمر} کله.

ص:305

بل العین أیضاً

{بل العین أیضاً} حیث إن الأصول کلها کانت تحت ید العامل من غیر فرق بین استقلاله واشتراکه بالید مع المالک.

ثم لا یخفی أنه یکفی فی ضمان الغاصب للکل کونه تحت سلطته وإن لم یکن تحت یده، إذ دلیل «علی الید» شامل لکل أنواع السلطة، وکذلک إذا کان المساقی والعامل کلاهما فی البستان کان تحت ید کلیهما، لا أن نصفه تحت ید هذا ونصفه تحت ذاک، لصدق استیلائهما علی کل أجزاء البستان.

ومنه یعلم وجه النظر فی کلام المستمسک قال: (یمکن فرض المسألة تارةً باستقلال ید کل منهما، وأخری بعدم استقلال ید أحدهما بأن تکون الثمرة فی یدهما معاً، وثالثةً باستقلال ید المساقی دون العامل بل تکون ید العامل علی وجه الاشتراک، ورابعةً بالعکس.

والحکم فی الأول: ما ذکره العلامة ومن تبعه ومنهم المصنف.

وفی الثانی: هو ما ذکره فی ظاهر الإرشاد.

وفی الثالث: یرجع المالک علی المساقی بتمام الثمرة، ولیس له الرجوع علی العامل إلاّ بحصته لا غیر.

وفی الرابع: بالعکس) انتهی.

نعم، إذا کان نصف البستان فی ید هذا ونصفه فی ید ذاک، بحیث لا مدخلیة للآخر فیه، کان علی کل واحد منهما نصفه، لکنه خلاف فرضهم.

ص:306

فالأقوی ما ذکرنا لأن ید کل منهما ید ضمان، وقرار الضمان علی من تلف فی یده العین، ولو کان تلف الثمرة بتمامها فی ید أحدهما کان قرار الضمان علیه، هذا ویحتمل فی أصل المسألة

وکیف کان {فالأقوی ما ذکرنا، لأن ید کل منهما ید ضمان} فیشمله دلیل «الید»((1)) {وقرار الضمان علی من تلف فی یده العین} لحکومة دلیل «من أتلف»((2)) علی دلیل «الید» کما عرفت، وذلک لأن «من أتلف» یثبت الضمان علی المتلف، أما «علی الید» فلا یثبت إلا رده، أما کون الرد منه أو من غیره ممن أتلف فلا تعرض له بذاک، وکذلک الحال فی تعاقب الأیدی فی باب الغصب ونحوه، حیث إن القرار علی من أتلف وإن کان الجمیع ضامناً بحیث یتمکن المغصوب منه من الرجوع إلی أیهم شاء.

{ولو کان تلف الثمرة بتمامها فی ید أحدهما کان قرار الضمان علیه} وهکذا إذا کان تلف البعض، أو کان التلف بید غاصب من العامل، أو الغاصب من المالک.

{هذا} إذا کان من تلف فی یده غیر مغرور، وإلاّ کان القرار علی الغار کما تقدم.

{ویحتمل فی أصل المسألة} مسألة تعاقب الأیدی علی الثمرة التی ظهر

ص:307


1- المستدرک: ج2 ص504 الباب1 من أبواب الودیعة ح12
2- الوسائل: ج18 ص238 الباب10 من أبواب کتاب الشهادات ح1

کون قرار الضمان علی الغاصب مع جهل العامل، لأنه مغرور من قبله، ولا ینافیه ضمانه لأجرة عمله فإنه محترم

أنها لغیر المتعاقدین {کون قرار الضمان علی الغاصب} وإن تلف الثمر کلاً أو بعضاً فی ید العامل {مع جهل العامل، لأنه مغرور من قبله} والمغرور یرجع إلی من غره، وحیث إن الغاصب غره کان علیه القرار.

وقد تقدم فی (الفذلکة) من کتاب المزارعة وجه رجوع المغرور إلی من غره، من النبوی المعمول به فی الفقه عند الخاصة والعامة مما یجعله حجة، ومن أحادیث تدلیس الزوجة المتضمنة لجواز الرجوع إلی المدلس معللاً فی بعضها بأنه غرّ وخدع، بل یمکن أن یستدل لذلک بالارتکاز العرفی، حیث إن الشارع لم یردع عنه، وذلک بمعونة «لا یتوی»((1))، وقاعدة الضرر((2)) وغیرهما، ولذا ادعی الإجماع علی القاعدة المذکورة ولم یظهر من أحد مخالفته.

{و} إن قلت: کیف یضمن الغاصب الأجرة وقرار الضمان، مع أن الحصة تلفت فی ید العامل، وهل یکون الغاصب ضامناً لعوضین، والحال أن العمل لیس له إلاّ عوض واحد، وهکذا کیف یمکن أن یکون العامل استفاد من عمله أجرة وحصة مع أن عمله إما أن یقابل بالأجرة أو بالحصة لأنه عمل واحد.

قلت: {لا ینافیه} أی ما ذکرنا من کون القرار علی الغاصب {ضمانه} أی ضمان الغاصب {لأجرة عمله} أی عمل العامل، وإنما لا ینافی {فإنه} عمله {محترم}

ص:308


1- المستدرک: ج3 ص215 الباب 46 من أبواب نوادر الشهادات ح5
2- الکافی: ج5 ص280 ح2 التهذیب: ج7 ص146 ح651

وبعد فساد المعاملة لا یکون الحصة عوضاً عنه فیستحقها، وإتلافه الحصة إذا کان بغرور من الغاصب لا یوجب ضمانه له.

والاحترام یقتضی أن یکون له عوض.

{وبعد فساد المعاملة} لأن طرفها الغاصب لا المالک {لا یکون الحصة عوضاً عنه} أی عن عمل العامل {فیستحقها} أی الأجرة.

{و} أما عدم ضمانه للحصة التی أتلفها فلأن {إتلافه الحصة إذا کان بغرور من الغاصب لا یوجب ضمانه له} لأن المغرور یرجع إلی من غره، فلم یستحق العامل عوضین لعمله، بل عوض واحد هو الأجرة، وإنما لا یرجع إلیه بالحصة لأن الغاصب غره.

وهذا هو الاحتمال الذی قواه السید ابن العم وسکت علیه السید الجمال، وإن أشکل علیه السیدان البروجردی والحکیم قال أولهما: (هذا الاحتمال ضعیف، فإنه لم یدخل علی أن تکون الحصة له مجاناً، ولم یغره الغاصب بذلک، بل علی کونها له بعوض عمله الذی خرج عن کونه عوضاً له، واستحق أجرته علی الغاصب) انتهی.

وما ذکراه أقوی، لأن المورد لیس من موارد قاعدة الغرور، فإن الغاصب لم یغره علی مجانیة الحصة حتی لا یرجع إلیه، بل جعلها له عوض عمله، فإذا أخذ عوض عمله لم تکن له الحصة، فللمالک أن یرجع إلیه، وإذا رجع إلی الغاصب تمکن الغاصب من الرجوع إلیه، ولذا قال المستمسک: (إن القاعدة تختص بالخسارة المضمونة، ولا تجری فی الخسارة المضمونة بالعوض التی أقدم علیها المغرور، ولذا لو اشتری من الفضولی عیناً جهلاً ثم أتلفها ولم یدفع

ص:309

الثمن إلی البائع فرجع علیه المالک فی بدل المبیع لم یجز له الرجوع إلی البائع فی تدارک خسارة ثمن المبیع الذی دفعه إلی المالک، لأن خسارة الثمن کانت فی مقابل المبیع الذی أخذه وکان مقدماً علی ضمانه به).

أقول: حیث قد سبق أن الساقی له الحصة لأنها نتاج عمله لم یأت فیه کل ما ذکر من الجانبین.

ص:310

مسألة ٣١ لا یساقی العامل غیره

(مسألة 31): لا یجوز للعامل فی المساقاة أن یساقی غیره مع اشتراط المباشرة أو مع النهی عنه، وأما مع عدم الأمرین ففی جوازه مطلقاً کما فی الإجارة والمزارعة، وإن کان لا یجوز تسلیم الأصول إلی العامل الثانی إلاّ بإذن المالک

(مسألة 31): {لا یجوز للعامل فی المساقاة أن یساقی غیره مع اشتراط المباشرة} فقد یشترط المالک أن لا یساقی غیره، وقد یشترط أن لا یجعل له نائباً بل یباشر العمل بنفسه، وعلی أی یلزم علی العامل الوفاء بالشرط.

{أو مع النهی عنه} إذ لا فرق فی الشرط أن یکون بصورة الإیجاب کالأول (اشتراط المباشرة) أو السلب کالثانی (النهی عنه).

ثم قد تقدم هنا وفی المزارعة أنه قد یکون علی نحو المصب، أو القید، أو الشرط، ففی المصب والقید لا یمکن رفع الید، أما فی الشرط فله مع المخالفة الفسخ والبقاء، لمکان خیار الاشتراط.

{وأما مع عدم الأمرین ففی جوازه مطلقاً} کما حکی عن بعض أفاضل متأخری المتأخرین.

قال فی الجواهر: ولعله ظاهر المحکی عن الإسکافی.

{کما فی الإجارة والمزارعة} حیث یجوز أن یؤجر العین لآخر، وأن یزارع آخر {وإن کان لا یجوز تسلیم الأصول إلی العامل الثانی إلاّ بإذن المالک} وذلک لأنه مال الغیر ولم یأذن المالک فی تسلیمه إلی الغیر، إلاّ إذا کان مقتضی الإطلاق ذلک، کما فی الإجارة والمزارعة والمضاربة کذلک من باب أن الإذن فی الشیء إذن

ص:311

أو لا یجوز مطلقاً وإن أذن المالک، أو لا یجوز إلاّ مع إذنه، أو لا یجوز قبل ظهور الثمر ویجوز بعده

فی لوازمه عرفاً مما کان مرتکزاً فی العقد، إذ العقود تتبع القصود، ولعله تختلف الأعراف فی الأمکنة المتعددة والأزمنة، کما یختلف الأشخاص فی أمثال ذلک.

{أو لا یجوز مطلقاً وإن أذن المالک} کما هو ظاهر المشهور حیث أطلقوا عدم الجواز، وعلله فی الشرائع بأن المساقاة إنما تصح علی أصل مملوک للمساقی بضمیمة أنه حیث لا یملک العامل الأصول فلا حق له فی المساقاة، والإذن غیر نافع بعد عدم کونه مساقاةً، فإن الإذن لیس مشرعاً بأن یجعل الإجارة رهناً والبیع صلحاً مثلاً، وکذلک ههنا.

وقال فی التذکرة فی تعلیله عدم الجواز: بأنه عامل فی المال بجزء من نمائه، فلم یجز أن یعامل غیره، إن فهم منه (من المالک) بضمیمة أنه لیس العامل مالکاً.

نعم قال بعد ذلک: إنه إنما أذن له خاصة واستأمنه دون غیره، ومقتضی هذه العلة جوازه إذا أذن له المالک، کما قال المصنف: {أو لا یجوز إلاّ مع إذنه} وهو ظاهر المسالک، والمنسوب إلی المختلف أیضاً، وإن کان فی النسبة نظر.

وکیف کان، فوجهه أنه لا یحق له أن یعامل علی مال غیره بعد عدم الإذن، فإذا أذن جاز.

{أو لا یجوز قبل ظهور الثمر ویجوز بعده} أما عدم الجواز قبل الظهور فلما تقدم، وأما بعده فلما أشار إلیه المسالک، فإنه قال بعد تقریب المنع مطلقاً: وربما أشکل الحکم فیما لو ظهرت الثمرة وبقی فیها عمل یحصل

ص:312

أقوال أقواها الأول، ولا دلیل علی القول بالمنع مطلقاً أو فی الجملة بعد شمول العمومات من قوله تعالی: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ و﴿تِجارَةً عَنْ تَراضٍ﴾

به زیادة فیها، فإن المساقاة حینئذ جائزة والعامل یصیر شریکاً فیها.

وتبعه فی ذلک مفتاح الکرامة قال: (إنه یرد علی ما فی الشرائع ما إذا ظهرت الثمرة وبقی فیها عمل یحصل به زیادة، لأن المساقاة علی الأصل لأجل نمائه).

{أقوال، أقواها الأول} لإطلاق الأدلة بعد عدم صحة دلیل المنع، إذ لا وجه للزوم کون الأصول مملوکة إلاّ الانصراف أو کونه مورد الروایات، والأول غیرتام والمورد لا یخصص.

{ولا دلیل علی القول بالمنع مطلقاً أو فی الجملة} کما فی التفصیلین {بعد شمول العمومات} وطریق إثباتها لکونها مساقاة أنها مساقاة عرفیة فیما ورد {من قوله تعالی:﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾((1))، و﴾تِجارَةً عَنْ تَراضٍ﴾((2))} یشملها علی عنوانها المساقاتی.

ومنه یظهر أن قول المستمسک: (العمومات لا تثبت المساقاة، وإنما تثبت صحة العقد وترتب مضمونه) غیر ظاهر الوجه، ولذا سکت علی المتن السیدان ابن العم والجمال، وجملة من المعلقین.

وإن أشکل علیه السید البروجردی قائلا: (لا یجوز له مساقاة الغیر علی أن یکون الغیر عاملاً له، وهو عاملاً لمالک الأصول وهو مراد القوم فی هذا الخلاف) انتهی.

ص:313


1- سورة المائدة: الآیة 1
2- سورة النساء: الآیة 29

وکونها علی خلاف الأصل فاللازم الاقتصار علی القدر المعلوم ممنوع بعد شمولها، ودعوی أنه یعتبر فیها کون الأصل مملوکاً للمساقی أو کان وکیلاً عن المالک أو ولیاً علیه، کما تری إذ هو أول الدعوی.

أما مسألة الإذن، فاللازم أن یقال: إنه تابع لإجازة المالک عند العقد ولو ارتکازاً، أو بعده، ولذا قال السید الحکیم: (إطلاق المساقاة اقتضی جواز أخذ الأجیر للعمل، لأن الإذن فی الشیء إذن فی لوازمه، ولأجل ذلک یضعف القول بالتفصیل بین إذن المالک وعدمه) انتهی.

فإنه إذا لم یکن الإذن هنا إذناً فی اللوازم لم یصح.

{وکونها علی خلاف الأصل} إذ الأصل عدم الانعقاد {فاللازم الاقتصار علی القدر المعلوم} کما أشار إلیه الجواهر من أن العمومات المذکورة تختص بالعقود المعهودة فلا تشمل غیرها فلا تصلح الآیتان لإثبات مثل هذه المساقاة.

{ممنوع بعد شمولها} لا بعنوان معاملة جدیدة، بل بعنوان المساقاة بالتقریب المتقدم، {ودعوی أنه یعتبر فیها کون الأصل مملوکاً للمساقی} کما تقدم فی عبارة الشرائع {أو کان} المساقی {وکیلاً عن المالک} فیکون العامل جعل المساقاة للمالک لا لنفسه {أو ولیاً علیه} کما فی مساقاة الأب والحد وولی الیتیم، ولیس المقام أی الثلاثة، لا له الأصل ولا هو وکیله ولا هو ولی فلا تصح، {کما تری} بعد الإطلاق {إذ هو أول الدعوی} فمن أین هذه القیود بعد المناط فی الأدلة الخاصة بالمساقاة والعمومات الشاملة لما نحن فیه بالتقریب المتقدم.

ومن ذلک یظهر وجه النظر فی کلام الجواهر حیث قال: (الأدلة الخاصة

ص:314

لا تشمل المقام، والأدلة العامة لا تصلح لتشریع مثل ذلک، فالمناط فی الأدلة الخاصة، وشمول الأدلة العامة لکل عقد عرفی _ بضمیمة أنه مساقاة عرفیة _ دلیلان علی الصحة).

ومما تقدم یظهر جواز ترامی المساقاة، کما یظهر أنه لو لم نجوز المساقاة باعتبار أن المالک لا یأذن فی تسلیم البستان إلی العامل الثانی _ والإذن معتبر _ یکفی فی جوازها إذا کان العامل الأول یباشر أمور داخل البستان، ولو بأجرة من العامل الثانی، والعامل الثانی یباشر غیر ذلک مثل حفر البئر وإجراء الماء من خارج البستان وتجفیف الثمر وتسویقه وغیر ذلک، لأن ذلک لا یحتاج إلی الإذن، فیما إذا لم یکن منع عنه بالنسبة إلی حصته فی التجفیف والتسویق، والله سبحانه العالم.

ص:315

مسألة ٣٢ خراج السلطان علی المالک

(مسألة 32): خراج السلطان فی الأراضی الخراجیة علی المالک، لأنه إنما یؤخذ علی الأرض التی هی للمسلمین لا الغرس الذی هو للمالک، وإن أخذ علی الغرس فبملاحظة الأرض، ومع قطع النظر عن ذلک أیضاً کذلک فهو علی المالک مطلقاً

(مسألة 32): {خراج السلطان فی الأراضی الخراجیة علی المالک} کما هو المشهور بینهم شهرة عظیمة {لأنه إنما یؤخذ علی الأرض التی هی للمسلمین} والأرض للمالک، ولا یهم السلطان بعد ذلک أن غرس فیها أشجاراً أو زرع فیها زرعاً {لا الغرس الذی هو للمالک} أی لیس باعتبار الغرس حتی یقال: إن أخذه للغرس باعتبار ثمره، فإذا کان کذلک لزم إعطاء کل من له الثمر بنسبة حقه.

{و} لو فرض {أن أخذ علی الغرس} لا علی الأرض {فبملاحظة الأرض} لا بملاحظة الثمر {ومع قطع النظر عن ذلک} وأنه لماذا یؤخذ {أیضاً کذلک} الخراج علی المالک، لأن العامل یعمل فی قبال حصة له، فإذا کان علیه بعض الخراج لم یکن له تمام الحصة، مع وضوح أن له تمام الحصة.

{فهو علی المالک مطلقاً} سواء أخذ باعتبار الأرض أو الأصول أو الثمر لأن اعتبار الثمر داع لأخذه من المالک لا أنه علیه، وقد ورد فی بعض التواریخ أن الأرض کان یؤخذ منها باعتبار الکرم والنخل والزرع مختلفاً قدر الخراج، والمالک کان هو الطرف، لا العامل الذی لیس أکثر من الأجیر یعمل لقاء أجر، لکن لابد وأن یقید ذلک بالمتعارف المرکوز فی ذهنهم لدی العقد، ولذا

ص:316

إلا إذا اشترط کونه علی العامل أو علیهما بشرط العلم بمقداره.

قال فی المستمسک: (لا یظهر له وجه إلاّ أن السلطان قد جعله علی المالک لا علی غیره، ولو فرض أن السلطان قد جعله علی العامل کان علیه أیضاً، کما أنه لو فرض أن الخراج کان بنحو المقاسمة بأن کان حصة من الثمرة کان علیهما معاً) انتهی.

ومقتضی الموازین الاقتصادیة التی لا إجحاف فیها أن یکون لکل من السلطان والمالک والعامل حصة بنسبة ملکهم للأرض والأصول والعمل، حیث إن الثمر نتیجة الثلاثة، فاللازم أن یجعل لکل بقدر حقه.

{إلا إذا اشترط کونه علی العامل أو علیهما} بنسبة خاصة کالنصف أو الثلث والثلثین أو ما أشبه {بشرط العلم بمقداره} کما ذکره المسالک وغیره، واستدلوا له بأنه بدون العلم یجهل القدر فیکون غرراً.

أقول: جهل العامل ضار، أما جهل المالک فلیس بضار، مثلاً یشترط حین المساقاة أن یکون خمسة أوساق علی العامل، وإن لم یعلم المالک هل یؤخذ منه مائة وسق أو ثمانین مثلاً، وذلک لأنه لا دلیل علی لزوم علم المالک للأصول.

أما ما ذکره المستمسک من أنه لا دلیل علی قدح الجهالة فی مثل ذلک، وعموم نفی الغرر، غیر ثابت، فقد تقدم جوابه، وأن الحدیث أجمعوا علی العمل به، فلا وجه لعدم الأخذ بمقتضاه.

ص:317

مسألة ٣٣ العامل یملک الحصة بظهور الثمر

(مسألة 33): مقتضی عقد المساقاة ملکیة العامل للحصة من الثمر من حین ظهوره، والظاهر عدم خلاف فیه إلاّ من بعض العامة حیث قال: بعدم ملکیته له إلاّ بالقسمة، قیاساً علی عامل القراض حیث أنه لا یملک الربح إلاّ بعد الانضاض، وهو ممنوع علیه

(مسألة 33): {مقتضی عقد المساقاة ملکیة العامل للحصة من الثمر من حین ظهوره} هذا مما لا ینبغی الإشکال فیه، وعلیه الشهرة المحققة والإجماع المدعی، لکن ربما یقال: إن مقتضی القاعدة الملکیة من قبل الظهور کما فی المزارعة من حین حصل فی البذر نمو سبب ارتفاع قیمته وإن لم یفرخ بعد، لأن العامل سبب لذلک، فإذا أعطی البذر أسبوعاً الماء فتغیرت قیمته من عشرة إلی خمسة عشر فإن الخمسة الزائدة نتیجة البذر والعمل فاللازم اشتراک المالک والعامل فیه.

وکذلک فی باب المساقاة حیث إن سقی الأصول شهراً مثلاً وإن لم یفرخ بعد، أهلّ الأصول للثمر، وهذا التأهیل له قیمة، فلماذا لم یکن منها للعامل شیء، إلاّ إذا کان الشرط ارتکازاً عدم الملک إلاّ من حین الظهور، لکن العقلاء یجعلون مثل هذا التأهیل لهما.

{و} کیف کان ف_ {الظاهر عدم الخلاف فیه} من جهة الإیجاب وأنه یملک من حین الظهور {إلا من بعض العامة حیث قال: بعدم ملکیته له إلاّ بالقسمة، قیاساً علی عامل القراض حیث} قال ذلک العامی {إنه} عامل القراض {لا یملک الربح} المقرر له من النسبة {إلا بعد الانضاض}، والجامع بین الأمرین أن کلیهما عامل لیس له إلاّ العمل، بینما فی کلیهما مالک له رأس المال والأصول {وهو ممنوع علیه

ص:318

حتی فی المقیس علیه، نعم لو اشترطا ذلک فی ضمن العقد لا یبعد صحته

حتی فی المقیس علیه} فمن أین لا یملک العامل فی المضاربة إلاّ بعد القسمة، ولو لم یملک فلماذا یقسم المالک.

أما ما ذکره المستمسک من الفارق بینهما، بأن الربح وقایة لرأس المال فلا ربح إلاّ بعد وصول رأس المال إلی المالک، ولا مجال لذلک فی المساقاة.

فیرد علیه: إن الأمر تابع للواقع، فلا یکون ذلک دلیلاً علی عدم الملک فیما لم تکن خسارة، والعمدة ما ذکرناه من أن الناتج فی البابین ثمرة العمل والأصل فهو لهما، بالإضافة إلی أنه مقتضی العقد عند العقلاء فی البابین.

{نعم لو اشترطا ذلک} عدم ملکیة العامل إلاّ بالقسمة، و{فی ضمن العقد، لا یبعد صحته} لعموم «المؤمنون عند شروطهم»((1))، وهو شرط لیس مخالفاً للکتاب والسنة ولا لمقتضی العقد، خلافاً للسیدین البروجردی والحکیم، حیث أشکلا فی الحصة، قال ثانیهما: (ویشکل بأن ذلک لیس من الشرط فی ضمن العقد، بل هو تحدید لموضوع العقد، وحینئذ فتصحیحه یکون بعموم صحة العقد، لکنه لا یثبت عنوان المساقاة، إذ الأدلة الخاصة بها لا تشمله).

أقول: إطلاق المساقاة یقتضی أن تکون الحصة للعامل من حین الظهور، فالشرط یتمکن أن یؤخر ذلک، ولذا سکت علی المتن السیدان ابن العم والجمال

ص:319


1- الوسائل: ج15 ص30 الباب19 من أبواب المهور ح4

ویتفرع علی ما ذکرنا:

وغالب المعلقین.

وعلی ما ذکرناه من أن الحصة للساقی تلقائیاً، لأنه نتیجة عمله، لا یشکل ذلک لأنه بالشرط _ الذی هو کشرط النتیجة _ أخر الملکیة، وإن کان فی المسألة بعد تأمل.

{ویتفرع علی ما ذکرنا} من کون ملکیة العامل بعد الظهور:

ص:320

فروع

فروع

منها: ما إذا مات العامل بعد الظهور قبل القسمة مع اشتراط مباشرته للعامل، فإن المعاملة تبطل من حینه، والحصة تنتقل إلی وارثه علی ما ذکرنا.

{فروع}

{منها: ما إذا مات العامل بعد الظهور قبل القسمة مع اشتراط مباشرته للعمل} وکان بعض العمل باقیاً إذ لو انتهی کل العمل لا وجه للبطلان {فإن المعاملة تبطل من حینه} لأنه لا یقدر علی المباشرة بالموت، ولا یمکن أخذ النائب عنه لاشتراط المباشرة، {والحصة تنتقل إلی وارثه علی ما ذکرنا} من أن الملکیة من حین الظهور، فقد ملک العامل بعض الحصة بقدر عمله فینتقل ما ملک إلی وارثه، بخلاف ما إذا قیل بأن الانتقال إلی العامل یکون بالقسمة، فإنه حیث لم یتم العمل فلا قسمة فلا ملکیة للعامل حتی ینتقل إلی وارثه.

لکن لا یخفی أن انتقال بعض الحصة إلی العامل إنما هو إذا عقد عقد المساقاة ذات أجزاء بأن یکون کل بعض العمل فی قبال بعض الحصة، ومع ذلک للمالک الفسخ لتبعض الصفقة.

ص:321

ومنها: ما إذا فسخ أحدهما بخیار الشرط أو الاشتراط بعد الظهور وقبل القسمة أو تقایلا.

ومنها: ما إذا حصل مانع عن إتمام العمل بعد الظهور.

أما إذا جعل مجموع العمل فی قبال مجموع الحصة کشف موت العامل عن بطلان المساقاة، لأن المفروض أن الحصة فی قبال مجموع العمل من حیث المجموع، ولا یکون ما ظهر من الثمر مقابلاً لما عمل إلی حین الموت، فإذا مات العامل کشف عن عدم المقابل للحصة فی الحقیقة، فیکون تمام الثمر للمالک وعلیه أجرة المثل لما عمل، لأنه کان عمله بأمر المالک، وقد استوفی العامل عمله، هذا علی مبناهم، وأما علی ما اخترناه من أن الثمر نتیجة العمل والأصول فیملک العامل بالنسبة مطلقاً.

{ومنها: ما إذا فسخ أحدهما بخیار الشرط} بأن شرط الخیار لنفسه {أو الاشتراط} بأن شرط شیئاً فلم یف به الطرف مثلاً، ففسخ لأجل عدم الوفاء بشرطه {بعد الظهور وقبل القسمة أو تقایلا} حیث إن العامل یملک حصته بقدر عمله، بناءً علی ملکیته للحصة بالظهور، ولا یملک بعض الحصة وإنما الأجرة بناءً علی أن ملکیته لها تکون بالقسمة، وقد تقدم بعض ما ینفع هنا أیضاً فی (منها) السابق.

ثم إن الفسخ والتقایل إنما یکون کذلک إذا کان من حینه، أما إذا کان من أصله لم یکن وجه لتملک العامل الحصة، علی مبناهم.

{ومنها: ما إذا حصل مانع عن إتمام العمل بعد الظهور} کما إذا منع الجائر

ص:322

ومنها: ما إذا أخرجت الأصول عن القابلیة لإدراک الثمر لیبس أو فقد الماء أو نحو ذلک بعد الظهور، فإن الثمر فی هذه الصور مشترک بین المالک والعامل وإن لم یکن بالغاً.

ومنها: فی مسألة الزکاة، فإنها تجب علی العامل أیضاً إذا بلغت حصته

عن العمل مطلقاً أو عمل العامل مثلاً، حیث یبطل العقد وللعامل حصته، بخلاف ما إذا قیل بأن ملک العامل للحصة یکون من حین القسمة.

لکن لا یخفی أنه لا إطلاق لکلام المصنف، فإنه إنما یتم إن لم یمکن استیجار الغیر، أو کان المباشرة قیداً أو مصباً أو کان شرطاً ولم یرفع المالک یده عن شرطه، وإلاّ فیستأجر من یتم العمل، کما لا یخفی.

{ومنها: ما إذا أخرجت الأصول عن القابلیة لإدراک الثمر لیبس أو فقد الماء أو نحو ذلک} مثل شدة البرد أو الجراد المانع عن إدراک الثمر {بعد الظهور، فإن الثمر فی هذه الصورة مشترک بین المالک والعامل، وإن لم یکن بالغاً} لفرض أن الظهور یوجب الملک، أما إذا قیل بأن القسمة توجب الملک، فحیث لا بلوغ فلا قسمة فلا ملک للعامل علی مبناهم کما عرفت، لکن یلزم أن یقید المتن بما إذا لم یکن العقد مبنیاً علی بلوغ الثمر، کما ربما یبنی علی ذلک.

أما إذا کان مبنیاً کشف خروج الأصول عن القابلیة عن بطلان العقد، فیلزم علی المالک إعطاء الأجرة للعامل، وقد تقدم بعض الکلام فی الأجرة فلا داعی إلی تکراره.

{ومنها: فی مسألة الزکاة، فإنها تجب علی العامل أیضاً إذا بلغت حصته

ص:323

النصاب کما هو المشهور لتحقق سبب الوجوب وهو الملکیة له حین الانعقاد أو بدو الصلاح علی ما ذکرنا، بخلافه إذا قلنا بالتوقف علی القسمة، نعم خالف فی وجوب الزکاة علیه ابن زهرة هنا وفی المزارعة، بدعوی

النصاب} بناءً علی ملکیة العامل للحصة بمجرد الظهور، خلافاً لما إذا قیل بأن الملکیة من حین القسمة {کما هو المشهور} من تعلق الوجوب {لتحقق سبب الوجوب وهی الملکیة له} للشیء المزکی {حین الانعقاد أو بدو الصلاح علی ما ذکرنا} تبعاً للمشهور من الملکیة عند الظهور {بخلافه إذا قلنا بالتوقف} توقف ملک العامل للحصة {علی القسمة} فإنه حین تعلق الوجوب ملک للمالک فلا تتعلق الزکاة علی العامل.

لکن لا یخفی أن ذلک إنما یفید إذا کان العامل له نصف الثمر کله، لا نصف ما حصل علیه المالک مثلاً، فإنه علی الأول تخرج کل الزکاة من کیس المالک، مثلاً أعطی البستان عشرة أوسق فیخرج المالک وسقین زکاةً ویعطی للعامل خمسة أوسق، نصف کل الثمر، ویبقی له ثلاثة أوساق.

أما إذا کان العقد علی أن یکون للعامل نصف ما یبقی ملکاً کما فی الثانی، کان للعامل أربعة أوسق فقط، سواء قلنا بملکیة العامل من حین الظهور، لأنه یخرج وسقاً من خمسة أوساقه، أو قلنا بملکیته بعد التقسیم، لأن الوسقین زکاة یعطیه المالک ثم یقسم ثمانیة أوساق نصفین فنصیب العامل أربعة أوساق علی کل حال.

{نعم خالف فی وجوب الزکاة علیه ابن زهرة هنا وفی المزارعة، بدعوی

ص:324

أن ما یأخذه کالأجرة، ولا یخفی ما فیه من الضعف، لأن الحصة قد ملکت بعقد المعاوضة أو ما یشبه المعاوضة لا بطریق الأجرة

أن ما یأخذه} العامل {کالأجرة} قال: (إن الزکاة تجب علی مالک البذر والنخل، وما یأخذه المزارع والمساقی کالأجرة عن عمله، ولا خلاف أن الأجرة لا تجب فیها الزکاة.

وکذا إن کان البذر للزارع، لأن ما یأخذه مالک الأرض کالأجرة عن أرضه، فإن کان البذر منهما فالزکاة عن کل واحد منهما إذا بلغ مقدار سهمه النصاب) انتهی.

وقال فی المختلف: إن قول ابن زهرة لیس بذلک البعید من الصواب، نعم المشهور خلافه، کما نسبه إلیهم جامع المقاصد والمسالک والکفایة علی ما فی مفتاح الکرامة، وعن السرائر إن هذا مذهب أصحابنا بلاخلاف بینهم.

ولعل ابن زهرة یری أن استحقاق العامل أو المالک إنما یکون بعد بدو الصلاح حیث تعلقت الزکاة بالثمر قبل ذلک، فإن کان البذر للمالک تبعه النماء، وإن کان للعامل تبعه النماء، علی مبناهم من أن الثمر تابع للأصل والبذر.

{ولکن لا یخفی ما فیه من الضعف} لا علی ما ذکرناه من تبعیة الثمر لکل من البذر والعمل، بل حتی علی مبنی المشهور {لأن الحصة قد ملکت بعقد المعاوضة أو ما یشبه المعاوضة} فالمعاوضة معناها إن أعطی المالک الحصة فی قبال أن یعطیه العامل العمل، وشبه المعاوضة معناه أن المالک أعطاه الحصة فی قبال أن یعمل، لأن العمل من العامل لیس شیئاً یعطی إلی المالک، {لا بطریق الأجرة} إذ لیس العامل أجیراً عند المالک، لکن لا یخفی أن کون الحصة عوضاً

ص:325

مع أن مطلق الأجرة لا تمنع من وجوب الزکاة، بل إذا تعلق الملک بها بعد الوجوب، وأما إذا کانت مملوکة قبله فتجب زکاتها کما فی المقام، وکما لو جعل مال الإجارة لعمل زرعاً قبل ظهور ثمرة فإنه یجب علی المؤجر زکاته إذا بلغ النصاب، فهو نظیر ما إذا اشتری زرعاً قبل ظهور الثمر،

لیس بأقرب من کونها أجرة، بل أقربهما کونها أجرة، فإن المالک یستأجر العامل فی العقود الأربعة بأن یعمل فی قبال الحصة، لکن ربما تسمی إجارة، وربما مزارعة ومساقاة، وربما مضاربة، بل وکذلک الجعالة، إلاّ أن فی کل مزیة، فإن هذه المعاملات من هذه الجهة أشبه بالإجارة منها بالبیع.

وإنما الإشکال علی الغنیة ما ذکره بقوله: {مع أن مطلق الأجرة لا تمنع من وجوب الزکاة، بل} إطلاق أدلة الزکاة یشمله.

نعم {إذا تعلق الملک بها بعد الوجوب} لم تجب علی العامل، لأن الوجوب صار فی ملک الغیر والحال أنه لیس کذلک.

{وأما إذا کانت} الأجرة {مملوکة قبل الوجوب، فتجب زکاتها کما فی المقام} حیث قد تقدم أن الثمر بالظهور یکون ملکاً للعامل.

{وکما لو جعل مال الإجارة لعمل زرعاً قبل ظهور ثمره} وکذا إذا جعل مال الإجارة الثمر قبل ظهوره فإنه لا بأس به إذا لم یوجب الغرر، لأنه عمل عقلائی ولم یردع عنه الشارع، {فإنه یجب علی المؤجر} نفسه، أی الأجیر {زکاته إذا بلغ النصاب} لإطلاق أدلتها {فهو نظیر ما إذا اشتری زرعاً قبل ظهور الثمر} أو انتقل إلیه الثمر بسائر أنحاء الانتقال.

ص:326

هذا وربما یقال بعدم وجوب الزکاة علی العامل فی المقام، ویعلل بوجهین آخرین:

أحدهما: إنها إنما تجب بعد إخراج المؤن، والفرض کون العمل فی مقابل الحصة فهی من المؤن، وهو کما تری

{هذا وربما یقال: بعدم وجوب الزکاة علی العامل فی المقام، ویعلل بوجهین آخرین} غیر ما تقدم عن ابن زهرة من أن الحصة کالأجرة ولا زکاة فی الأجرة، وقد أشار إلیهما الجواهر بقوله: (لعل ابن زهرة لحظ عدم الوجوب فی الأجرة عن العمل باعتبار عدم استحقاق تسلمها إلاّ بعد تمام العمل، والزکاة یعتبر فیها التمکن من التصرف فی المال المملوک، وأنه لحظ وجوبها بعد المؤنة والفرض کون العمل فی مقابلها فهو حینئذ مؤنته) انتهی.

{أحدهما: إنها إنما تجب بعد إخراج المؤن} فلا تجب الزکاة علی المؤنة، سواء علی المالک أو علی من یأخذ المؤنة، مثلاً اکتری المالک الثیران بخمسة أوسق، وقد حصل علی عشرة أوسق، فإن الخمسة التی یعطیها فی قبال الثیران لا تجب زکاتها لا علی المالک ولا علی صاحب الثیران.

ومنه یعلم وجه النظر فی تعلیق السید الجمال بقوله: (لو صح ذلک فأقصی ما تقتضیه هو سقوط زکاتها عن المالک، ولا أثر له فی السقوط عن العامل) انتهی.

إذ فیه: إن المالک لا یزکیها لأنها مؤنة، والعامل لا یزکیها لأنها لم تتعلق بها الزکاة فی ملکه.

{والفرض کون العمل فی مقابل الحصة فهی من المؤن وهو کما تری} إذ المؤنة لا یجب علی المالک فیها الزکاة لا إشکال فیه، وإنما الکلام

ص:327

وإلا لزم احتساب أجرة عمل المالک والزارع لنفسه أیضاً، فلا نسلم أنها حیث کانت فی قبال العمل تعد من المؤن.

فی العامل فإنه إذا ملک ما یزکی فی قبال عمله، وقد تعلقت الزکاة به بعد أن انتقل إلیه، شمله دلیل الزکاة، فلا وجه لعدم الزکاة فیه.

وقد أجاب المصنف عن الإشکال بجوابین نقضی وحلی:

فالأول: ما ذکره بقوله: {وإلا لزم احتساب أجرة عمل المالک والزارع لنفسه أیضاً} من المؤنة، فلا زکاة فیهما أیضاً مع أنه لیس کذلک، وحیث بطل اللازم بطل الملزوم.

بیان ذلک: إنه لا فرق بین عمل العامل لنفسه أو لغیره، فإذا کان عمله لنفسه لا یرفع الزکاة عن الحاصل کان عمله للمالک أیضاً لا یرفع الزکاة عن الحاصل.

والثانی: ما ذکره بقوله: {فلا نسلم أنها} أی الحصة {حیث کانت فی قبال العمل تعد من المؤن} وجه عدم التسلیم أن المؤنة معناها ما یصرف، فلا تشمل المؤنة الحصة، بل تبقی الحصة داخلة تحت عمومات أدلة الزکاة.

وفی کلا وجهیه نظر.

إذ یرد علی الأول: إن عمل الإنسان لنفسه لا یسمی مؤنة، بخلاف ما إذا لزم علیه أن یعطی شیئاً لغیره إزاء عمل ذلک الغیر فإنه یسمی مؤنة، ولذا إذا قیل لإنسان یملک داراً کم صرفت فی هذه الدار، یقول ألفاً مثلاً، فیحسب أجرة البناء والعمال وما أعطاه بدلاً من المصالح، ولا یحسب من ضمن ذلک عمل نفسه، فإذا کان عمل نفسه فی الدار، بوقوفه لمراقبة البنائین والعمال یسوی مائة، حیث إنه إذا استأجر إنساناً آخر للمراقبة أعطاه مائة، لم یقل ألفاً

ص:328

الثانی: إنه یشترط فی وجوب الزکاة التمکن من التصرف، وفی المقام وإن حصلت الملکیة للعامل بمجرد الظهور، إلاّ أنه لا یستحق التسلم إلاّ بعد تمام العمل، وفیه: مع فرض تسلیم عدم التمکن من التصرف

ومائة، وما دل علی إخراج المؤنة من الأصل، ثم الزکاة علی الحاصل لا یشمل مثل عمل نفسه.

کما یرد علی الثانی: إن عدم التسلیم غیر تام، فلماذا لا تشمل المؤنة الحصة، فإن المؤنة کل ما صرفه المالک حتی حصل علی الشیء فی یده الآن، وأی فرق بین أن یعطی للساقی ونحوه أجرة نقدیة، أو حصة من نفس الثمر، وبذلک تخرج الحصة من عمومات أدلة الزکاة.

{الثانی: إنه یشترط فی وجوب الزکاة التمکن من التصرف، وفی المقام} لیس للعامل التمکن من التصرف {وإن حصلت الملکیة للعامل بمجرد الظهور} للثمر، وإنما لا تلازم الملکیة التمکن من التصرف، لأن الحصة وإن صارت ملکاً له {إلا أنه لا یستحق التسلم إلاّ بعد تمام العمل} حین سقی الماء کاملاً وعمل کل شیء علیه حتی اقتطفت الثمرة.

{وفیه مع فرض تسلیم عدم التمکن من التصرف} وإنما لا نسلم ذلک أولاً لأن العامل متمکن من التصرف، کما فی کل مال مشترک، حیث یتمکن مجموع الشرکاء من التصرف، وإن لم یتمکن کل فرد منهم، وما دل علی اشتراط التمکن من التصرف لا یشمل مثل عدم تمکن کل فرد فرد، کما لا یخفی

ص:329

أن اشتراطه مختص بما یعتبر فی زکاته الحول کالنقدین والأنعام لا فی الغلات، ففیها وإن لم یتمکن من التصرف حال التعلق یجب إخراج زکاتها بعد

علی من راجع دلیله فی کتاب الزکاة، وهذا هو الذی أشار إلیه المستمسک وقال: (لو بنی علی اعتباره بالنسبة إلی کل واحد من العامل والمالک کان اللازم عدم وجوب الزکاة علی المالک أیضاً، لأنه لا یتمکن من التصرف فی الثمر بلا إذن العامل، ولا یجوز له طلب القسمة قبل تمام العمل، فحاله حال العامل، فإذا لم تجب علی العامل زکاة حصته لعدم التمکن من التصرف فیها لم یجب علی المالک الزکاة فی حصته أیضاً کذلک) انتهی.

ثم إنه ربما ینقض (عدم التمکن) فی المقام بأنه إذا منع الظالم تصرف صاحب بستانین من التصرف فی أحدهما، فإنه لا یکون مسلوب التصرف فی أحدهما الجامع بینهما، فتجب علیه الزکاة بالنسبة إلی أحدهما، وکذلک المقام، حیث إن مجموع الشرکاء متمکنون، وإن لم یتمکن کل واحد منهم، لکن فیه الفرق بأن مالک البستانین یتمکن من التصرف فی أحدهما، وهنا کل من المالک والعامل لا یتمکن من التصرف فی حصته.

{إن اشتراطه مختص بما یعتبر فی زکاته الحول کالنقدین والأنعام لا فی الغلات} علی ما تقدم منه فی کتاب الزکاة، وإن أشکل فیه بعدم الفرق بین الغلات وفیها فی اعتبار التمکن من التصرف فی وجوب الزکاة فیها.

{ففیها وإن لم یتمکن من التصرف حال التعلق یجب إخراج زکاتها بعد

ص:330

التمکن علی الأقوی کما بین فی محله، ولا یخفی أن لازم کلام هذا القائل عدم وجوب زکاة هذه الحصة علی المالک أیضاً، کما اعترف به فلا یجب علی العامل لما ذکر، ولا یجب علی المالک لخروجها عن ملکه.

التمکن علی الأقوی کما بین فی محله} فراجع المسألة فی السابعة عشرة، والحادیة والأربعین من مسائل الختام من کتاب الزکاة.

{ولا یخفی أن لازم کلام هذا القائل}: لا زکاة علی العامل لأنه غیر قادر علی التصرف، {عدم وجوب زکاة هذه الحصة} حصة العامل {علی المالک أیضاً، کما اعترف به} القائل.

{فلا تجب} الزکاة {علی العامل} فی حصة نفسه {لما ذکر} من عدم تمکنه من التصرف، {ولا یجب علی المالک لخروجها عن ملکه}، بل قد عرفت عدم الزکاة فی حصة المالک أیضاً، لأنها لیست ملکاً للعامل حتی تجب زکاتها علیه، ولا یتمکن المالک من التصرف فیها حتی تجب زکاتها علیه، وکذا یأتی الکلام بعدم وجوب الزکاة فی کل مال مشترک، وذلک واضح الإشکال.

ص:331

مسألة ٣٤ لو اختلفا فی مقدار حصة العامل

(مسألة 34): إذا اختلفا فی صدور العقد وعدمه، فالقول قول منکره، وکذا لو اختلفا فی اشتراط شیء علی أحدهما وعدمه، ولو اختلفا فی صحة العقد وعدمها قدم قول مدعی الصحة

(مسألة 34): {إذا اختلفا فی صدور العقد وعدمه، فالقول قول منکره} لأصالة عدمه، وإذا اختلفا فی أن العقد الصادر کان حال بلوغهما وعقلهما وجواز تصرفهما، فالقول قول المثبت، لأصالة الصحة.

{وکذا لو اختلفا فی اشتراط شیء} فی ضمن العقد {علی أحدهما وعدمه} فالقول قول الثانی لأصالة العدم، ولو اختلفا فی أن الشرط الذی صدر قطعاً کان هذا أو ذاک، فإن کان بینهما جامع، الأصل مع نافی الزائد علی المتیقن، وإن لم یکن بینهما جامع فالقرعة أو قاعدة العدل فی المالیات.

{ولو اختلفا فی صحة العقد وعدمها} من جهة غیر جهة کمال العاقدین، مثل هل کان إنشاءً، أو تقدم الإیجاب علی القبول عند مشترطه، أو ما أشبه ذلک {قدم قول مدعی الصحة} لأصالة الصحة، کما فصلها الشیخ المرتضی (رحمه الله) فی المکاسب.

ولو اختلفا فی أن العاقد کان هو المالک أو الفضولی، کان الأصل مع المالک أو ورثته النافی، ولا مجال لأصالة الصحة هنا، لأنه لم یعلم أنه (أمر أخیه) حتی یشمله «ضع أمر أخیک علی أحسنه»((1)).

وکذلک فی اختلافهما فی أن العامل هل هو الذی کان طرف العقد، أو الفضولی عن قبله.

ولو اختلفا فی أن العقد هل کان علی هذا البستان أو علی ذاک، أو هل کان السقی فی الشتاء أو

ص:332


1- الوسائل: ج8 ص614 الباب161 من أحکام العشرة ح3

ولو اختلفا فی قدر حصة العامل قدم قول المالک المنکر للزیادة، وکذا لو اختلفا فی المدة، ولو اختلفا فی قدر الحاصل قدم قول العامل، وکذا لو ادعی المالک علیه سرقةً أو إتلافاً أو خیانةً

فی الصیف کان المحل للقرعة.

{ولو اختلفا فی قدر حصة العامل، قدّم قول المالک المنکر للزیادة} لأصالة عدم الزیادة، لکن هذا علی مبناهم فی أن الحاصل للمالک أولاً وبالذات، أما علی ما نراه فإذا کان العامل یدعی بقدر حقه والمالک ینفیه ویدعی أن الحصة أقل منه، فالقول قول العامل.

{وکذا لو أختلفا فی المدة} بین الزیادة کسنتین، والنقیصة کسنة، فالقول قول مدعی الأقل، لأصالة عدم الزیادة.

أما إذا کان الاختلاف فی مثل الصیف والشتاء، فقد عرفت أنه مجال القرعة، لأنه لا أصل فی المقام ولا دلیل سواها بعد شمولها للمقام.

{ولو اختلفا فی قدر الحاصل قدّم قول العامل} المدعی للأقل، لأنه أمین، ولأنه ذو ید، ولیس علی الأمین إلاّ الیمین.

ومنه یعلم أنه لو کان الحاصل بید المالک قدم قوله من باب أنه ذو ید، ولو کان یدهما علیه قدم قول العامل لأنه أمین، ولو کان بید ثالث کان المعتبر أن یکون عن أیهما أو عن کلیهما.

{وکذا لو ادعی المالک علیه سرقةً أو إتلافاً أو خیانةً} کان القول قول العامل، لأنه ذو ید وأمین.

ولو اتفقا علی أنه أعطی ألف وسق، لکن قال أحدهما:

ص:333

وکذا لو ادعی علیه أن التلف کان بتفریطه إذا کان أمیناً له، کما هو الظاهر، ولا یشترط فی سماع دعوی المالک تعیین مقدار ما یدعیه علیه

من کل من الرمان والعنب، وقال الآخر: من أحد النوعین فقط، قدم قول العامل لأنه أمین کما تقدم، وقول المالک إن کان بیده لأنه ذو ید.

{وکذا لو ادعی علیه أن التلف کان بتفریطه إذا کان أمیناً له} فلأنه لیس علی الأمین إلاّ الیمین، ولو لم یکن أمیناً له، مثل أن کان ساقیاً وکان البستان مودعاً بید غیره، فالظاهر أنه إذا فرط حتی أوجب التلف کان علیه الضمان، لأنه مشمول ل_ «من أتلف مال الغیر فهو له ضامن»، لکن إذا ادعی علیه المالک ذلک کان علیه الإثبات.

أما قول المستمسک: (إذ لو لم یکن أمیناً فلا أثر لتفریطه، فإنه لا یوجب الضمان حینئذ) فلم یعلم وجهه {کما هو الظاهر}.

ومما تقدم ظهر حال ما إذا کان البستان بیدهما وادعی العامل علی المالک أنه تلف الثمر بسببه.

{ولا یشترط فی سماع دعوی المالک} عند الحاکم، إذ بعض الدعاوی لا تسمع إطلاقاً، کما ذکرناه فی کتاب القضاء، وکذلک الحال فی دعوی العامل علی المالک.

{تعیین مقدار ما یدعیه علیه} فالدعوی سواء کانت معلومة أو مجهولة إذا کانت ذات أثر تسمع، نعم إذا کانت مجهولةً لا أثر لها، کما إذا ادعی عند الحاکم أنه یطلب إنساناً ما فرساً مثلاً، لم تسمع.

ص:334

بناءً علی ما هو الأقوی من سماع الدعوی المجهولة، خلافاً للعلامة فی التذکرة فی المقام.

{بناءً علی ما هو الأقوی من سماع الدعوی المجهولة} وهذا هو الذی اختاره الأکثر، لإطلاق ما دل علی سماع الدعوی، فلو ادعی أنه یطلب زیداً فرساً، أو شاةً، أو مقداراً من المال لا یعلم قدره سمع منه، فإذا ثبت علیه أعملت القواعد فی خصوصیاته، کما ذکرناه فی کتاب القضاء.

بل أحیاناً تسمع وإن کانت غارقة فی المجهولیة، کما إذا ادعت المرأة أنها تزوجها رجل، أو ادعی أنه قتل ولده إنسان ما، حیث یطلقها الحاکم فی الأول، ویعطیه الدیة من بیت المال، کما أودی علی (علیه السلام) قتیلة الزحام فی البصرة، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

{خلافاً للعلامة فی التذکرة فی المقام} قال: (فإن ادعی المالک علیه خیانةً أو سرقةً فی الثمار أو السعف أو الأغصان أو أتلف أو فرط بتلف لم تسمع دعواه حتی یحررها، فإذا حررها وبین قدر ما خان فیه وأنکر العامل وجب علی مالک البینة) انتهی، وقد تبعه علی ذلک جماعة، والأصل ما ذکروه فی کتاب القضاء فراجع.

ولو قال: سرق أحد الساقیین، کان له حلف علیهما، کما لو قال: سرق أحد المالکین.

وکذا لو قال المالک: إنه سرق إما من التمر أو العنب، ولو قال: سرق عشرة أوساق، وظهر أنه سرق خمسة کان علیه فی الخمسة الباقیة البینة، وإلاّ فالأصل مع السارق.

وفی المقام فروع کثیرة یعرف أحکامها من کتاب القضاء.

ص:335

مسألة ٣٥ إذا ثبتت الخیانة من العامل

(مسألة 35): إذا ثبتت الخیانة من العامل بالبینة أو غیرها، هل له رفع ید العامل علی الثمرة أو لا، قولان، أقواهما العدم لأنه مسلط علی ماله، وحیث إن المالک أیضاً مسلط علی حصته، فله أن یستأجر أمیناً یضمه مع العامل، والأجرة علیه لأن ذلک لمصلحته

(مسألة 35): {إذا ثبتت الخیانة من العامل بالبینة أو غیرها} من أدلة الإثبات کالإقرار {هل له رفع ید العامل علی الثمرة أو لا، قولان} الفاضلان وغیرهما ذکروا عدم رفع الید، وفی الجواهر أن احتمال رفع یده لم أجد قولاً لأحد من أصحابنا، بل ولا لغیرهم، لکن حکی مفتاح الکرامة عن المبسوط قال: قیل یکتری من یکون معه لحفظ الثمرة منه، وقیل ینتزع من یده ویکتری من یقوم مقامه ولم یرجع.

{أقواهما العدم، لأنه} العامل {مسلط علی ماله، وحیث إن المالک أیضاً مسلط علی حصته، فله أن یستأجر أمیناً یضمه مع العامل} وذلک لأن الحاکم موضوع لحفظ أموال الناس وأعراضهم ودمائهم ورفع النزاع بینهم، وحیث إن ذلک لا یمکن إلاّ بالأمین المستأجَر _ بالفتح _ کان علیه ذلک.

هذا لکن یمکن أن یکون المخرج بتسلیط المالک إذا أراد ذلک، ورفع ید العامل أو ضمه معه، والحاصل للحاکم الأخذ بأحد الأطراف مع التساوی، وترجیح ما هو ذو ترجیح مع المرجح.

أما قوله: {والأجرة علیه} أی علی المالک {لأن ذلک لمصلحته} تبعاً لما ذکره القواعد، ونقله مفتاح الکرامة عن المحققین والإیضاح والمسالک وغیرهم.

فیرد علیه أولاً: إنه الضرر علی المالک توجه إلیه من هذه المساقاة فله

ص:336

ومع عدم کفایته فی حفظ حصته جاز رفع ید العامل واستیجار من یحفظ الکل، والأجرة علی المالک أیضاً.

فسخها، کما ذکروا فی باب خیار الغبن أن «لا ضرر» یقتضی رفع اللزوم عن المعاملة.

وثانیاً: إن الضرر إنما کان سببه العامل، فاللازم أن تکون الأجرة علیه، فهو رجل مضار.

ومثله إذا ظهر أن أحد الشریکین خائن، أو أراد شخص التعدی بولد أو زوجة زید مما أضطر الحافظ له بأجرة، إلی غیر ذلک من الأمثلة، وکون الأمر لمصلحة المالک لا یسقط سببیة العامل.

{ومع عدم کفایته فی حفظ حصته جاز رفع ید العامل} کما فی القواعد والمسالک، لقاعدة نفی الضرر((1)) المقدمة علی قاعدة السلطنة((2))، حیث إنها قاعدة أولیة فتقدم علیها القواعد الثانویة.

وبهذا تبین أن إشکال بعضهم فی رفع ید العامل للتعارض بین «لا ضرر» وقاعدة السلطنة، غیر ظاهر الوجه، بالإضافة إلی تأیید ما ذکرناه بقصة سمرة، حیث إن «لا ضرر» المالک تقدم علی قاعدة سلطنة سمرة.

{واستیجار من یحفظ الکل، والأجرة علی المالک أیضاً} قد عرفت دلیل ذلک والإشکال علیه.

ثم إن القواعد قال: (ولو ضعف الأمین عن العمل ضم غیره إلیه، ولو عجز بالکلیة أقیم مقامه من یعمل عمله والأجرة فی الموضعین علیه، و

ص:337


1- الکافی: ج5 ص292 ح8
2- بحار الأنوار: ج2 ص273

ونقله فی مفتاح الکرامة عن التحریر وجامع المقاصد أیضاً، وقال: (إن الوجه فی الضم والإقامة واضح لتوقف العمل علیه، وفی کون الأجرة علیه فیهما أن العمل الواجب علیه قد تعذر من قبله لضعفه أو لعجزه، فیجب علیه أن یستأجر من یختاره).

أقول: هذا إذا لم تکن المباشرة مصباً أو قیداً، وإلاّ بطلت المساقاة، وإن کانت شرطاً فله رفع الید عن شرطه، وأن یتقید به فیفسخ لتخلف الشرط.

ثم إن الاستیجار هل هو عمل الحاکم ابتداءً، أو یفعله بنفسه فی عرضه، احتمالان، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی بعض المسائل السابقة.

ص:338

مسألة ٣٦ هل تصح المغارسة

(مسألة 36): قالوا المغارسة باطلة، وهی أن یدفع أرضاً إلی غیره لیغرس فیها علی أن یکون المغروس بینهما، سواء اشترط کون حصته من الأرض أیضاً للعامل أو لا، ووجه البطلان الأصل بعد کون ذلک علی خلاف القاعدة

(مسألة 36): {قالوا} وهم المشهور قدیماً وحدیثاً، بل عندنا کما فی محکی التذکرة والمسالک، وإجماعاً کما عن جامع المقاصد، لکن عن ظاهر مجمع البرهان التوقف فی البطلان لو لا الإجماع لمکان العمومات، وکذا عن الکفایة والمفاتیح، بل عن الأخیر نسبة الصحة إلی القیل.

{المغارسة باطلة، وهی أن یدفع أرضاً إلی غیره لیغرس فیها علی أن یکون المغروس بینهما} بالنصف والثلث ونحو ذلک، أو أن یکون المغروس رماناً وعنباً مثلاً، فالأول لأحدهما والثانی للآخر، أو لأحدهما نصف العنب وثلث الرمان والبقیة للآخر، إلی غیر ذلک.

{سواء اشترط کون حصته من الأرض أیضاً للعامل} فمقدار نصف الأرض التی فیها نصف أشجار العامل للعامل، أو أکثر من قدر حصته أو أقل، {أو لا} وإنما لا یصح الشرط لوضوح أن الشرط تابع للعقد، فإذا بطل العقد لم یکن للشرط مجال.

{ووجه البطلان الأصل} بعدم انعقاد مثل هذه المعاملة {بعد کون ذلک علی خلاف القاعدة} لأن عقود المعاوضات موقوفة علی إذن الشارع، وهی منتفیة هنا، کما فی المسالک.

أما الأول: فلأن الأحکام یجب أن تتلقی من الشارع، وإلاّ لم یصح عمل

ص:339

بل ادعی جماعة الإجماع علیه، نعم حکی عن الأردبیلی وصاحب الکفایة الإشکال فیه، لإمکان استفادة الصحة من العمومات، وهو فی محله

عبادة کان أو معاملة أو غیرها، ﴾قل الله أذن لکم أم علی الله تفترون﴿ فإن مقتضی کون الإنسان عبداً أنه لا یقدر علی شیء إلاّ بإذن المولی، کما دل علیه الکتاب والسنة والإجماع والعقل.

وأما الثانی: فلأنه لا دلیل فی الشرع علی صحة المغارسة فهی باطلة {بل ادعی جماعة الإجماع علیه} کما تقدم، بل فی الجواهر الإجماع بقسمیه علیه.

{نعم حکی عن الأردبیلی} فی مجمع البرهان {وصاحب الکفایة الإشکال فیه}، وذلک {لإمکان استفادة الصحة من العمومات} وبذلک یکون مأذوناً من الشارع {وهو فی محله} لأنه لا مانع من شمول: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾((1))، و﴿تِجارَةً عَنْ تَراضٍ﴾((2))، ونحوهما للمغارسة.

وادعاء انصرافها إلی العقود المتعارفة غیر تامة، إذ لا وجه للانصراف إلی المتعارفة أولاً، وإلاّ لقیل بذلک فی کافة الکلیات بالنسبة إلی الأفراد المتجددة، فهل یقال: بحرمة رکوب الطائرة واستعمال النفط مثلاً لأنهما  فردان متجددان، بل بناء المدرسة والمستشفی لأنهما لم یکونا فی زمن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة (علیهم السلام)، إلی غیر ذلک من ألوف المصادیق المتجددة، بالإضافة إلی أن المغارسة متعارفة ثانیاً.

ص:340


1- سورة المائدة: الآیة 1
2- سورة النساء: الآیة 29

إن لم یتحقق الإجماع، ثم علی البطلان یکون الغرس

ثم إنه یمکن أن یستند القائل بالبطلان بالإجماع أو الغرر، وکلاهما فیه نظر.

إذ الإجماع أولاً: محتمل الاستناد. وثانیاً: غیر ظاهر المراد.

ولذا قال المستمسک: (لم یتضح أن مراد القائلین بالبطلان هو البطلان مطلقاً، بل من الجائز أن یکون مراد بعضهم بل أکثرهم البطلان بعنوان المساقاة، فلا تجری علیها أحکامها، لا البطلان تعبداً مطلقاً) انتهی.

والغرر منتف، إذ العرف لا یری غرراً، وقد تقدم غیر مرة أن المیزان فی الغرر العرف.

ومن ذلک یعرف عدم استقامة ما ذکره التذکرة من فساد بعض المعاملات، مثل أن یدفع لغیره بهیمة لیعمل علیها والربح بینهما، قائلاً فی وجه الفساد: (لأن البهیمة یمکن إجارتها فلا حاجة إلی عقد آخر علیها یتضمن الغرر).

إذ یرد علیه: إنه لا غرر، بالإضافة إلی أن الاستدلال المذکور غیر ظاهر الوجه، ولعله (رحمه الله) أراد ذکر بعض الوجوه الاستحسانیة فی قبال القائلین بالقیاس، بعد أن کانت فتواه البطلان لبعض ما لا یقبل العامة الاستدلال به من الروایات التی لها دلالة بنظره الشریف.

ومنه یعلم صحة أمثال ذلک، کما إذا دفع إلیه دکانه لیکتسب فیه والربح بینهما، أو داره لینزل فیها الضیوف کذلک، أو أعطاه دابته لیرعاها ودرها وولدها وصوفها لهما، أو دجاجته وحمامه أو ما أشبه لیحفظهما ویکون البیض والفرخ والریش لهما، أو ما أشبه ذلک مما هو کثیر.

{إن لم یتحقق الإجماع} وقد عرفت أنه لا إجماع فی المغارسة فکیف بغیره.

{ثم علی البطلان یکون الغرس}

ص:341

لصاحبه، فإن کان من مالک الأرض فعلیه أجرة عمل الغارس إن کان جاهلاً بالبطلان

لهما بالنسبة، لأنه نتیجة الأرض والعمل، کما تقدم غیر مرة.

أما قول المصنف: إنه {لصاحبه} کما ذکره غیر واحد مستدلاً علیه بعدم ما یوجب خروجه عن ملکه بعد البناء علی بطلان العقد، فیرد علیه: إن الملک حصل مشترکاً، لا لأحدهما، سواء کان الأصل لهذا أو لذاک.

{فإن کان من مالک الأرض فعلیه أجرة عمل الغارس} بناءً علی کلامهم، لأن المالک هو الذی أمر، والأمر یوجب الأجرة، لقاعدة «لا یتوی» ونحوها، وإن لم یستوف المالک شیئاً، کما إذا جاء السیل وأذهب کل الأشجار أو نحو ذلک، فاستدلال المستمسک للأجرة بأن العمل مضمون بالاستیفاء أخص من المدعی.

{إن کان} العامل {جاهلاً بالبطلان} إذ لو کان عالماً بالبطلان فقد أهدر عمله، کما تقدم فی بعض المسائل السابقة.

لکن قد سبق أن مقتضی القاعدة القول بإطلاق الأجرة، لأن العالم لم یهدر عمله، إذ لا تلازم بین بطلان معاملة وبین هدر العمل، وحیث لم یهدر عمله کان له علی الآمر الأجرة سواء استوفی أو لا.

أما لو کان العمل حراماً وعلم المأمور بالحرمة لم یمکن له أجر، کما إذا أمره بقتل مسلم وعلم أنه حرام، فإنه لا أجرة علیه لذلک، لأن الله إذا حرم شیئاً حرم ثمنه((1)).

ص:342


1- العوالی: ج2 ص110 ح301

وإن کان للعامل فعلیه أجرة الأرض للمالک مع جهله به، وله الإبقاء بالأجرة

نعم إذا کان الأمر مقیداً بالصحة الشرعیة لم یکن للعامل أجرة إذا لم تصح شرعاً، لأنه لا أمر، إذا لم یکن العامل مغروراً، ولم یکن استیفاء من المالک.

وعلیه فاللازم علی المالک الأجرة بشرط أن یکون أمر، أو غرور مستند إلی المالک، أو استیفاء، فالأول لقاعدة «لا یتوی»((1))، والثانی لقاعدة «المغرور یرجع إلی من غره»((2))، والثالث لقاعدة أن نتیجة السعی للساعی فاستیلاء الغیر علیها یوجب بدلاً علی ذلک الغیر.

ولذا إذا کان العمل حراماً، ولم یعلم العامل کان علی الآمر الأجرة، کما إذا أمره بقتل مسلم بزعم أنه مهدور الدم فی مثل جلاد القاضی، فقتله فظهر حقن دمه، فإن للجلاد أجرته من جهة قاعدة الغرور الحاکمة علی «إن الله إذا حرم شیئاً حرم ثمنه»، ومثله لو وطأها زاعمة الحلیة فإن لها علیه المهر، سواء کان الواطی عالماً بالحرمة أو جاهلاً، فلا یقال: حیث کان الوطی حراماً لم یکن لها مهر، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

{وإن کان} الغرس {للعامل ف_} علی مبناهم {علیه أجرة الأرض للمالک مع جهله به}، قد عرفت أنه لا فرق بین العلم والجهل، ولذا أشکل علی المتن السادة ابن العم والجمال والبروجردی، وقال المستمسک: وکذا مع علمه لأنه لم یأذن

ص:343


1- المستدرک: ج3 ص215 الباب من أبواب نوادر الشهادات ح5
2- الوسائل: ج12 ص266 الباب12 من أبواب عقد البیع وشروطه ح12

أو الأمر بقلع الغرس أو قلعه بنفسه

للعامل فی غرس شجره مجاناً، وإنما أذن له فی غرسه بعوض، فإذا فات العوض استحق الأجرة شرعاً).

{وله الإبقاء بالأجرة} لأنه أذن له فی جعل الغرس بالحصة، فلما فاتت الحصة أخذت الأجرة مکانها، کما لو أعطی داره بالأجرة الباطلة، فإن الأجرة الصحیحة تأخذ مکانها، فإن الأرض للمالک وله سلطة علیها فله مطالبة أجرتها.

{أو الأمر بقلع الغرس} لأن مقتضی سلطنته علی الأرض إخلاؤها من الغرس، وعلیه أرش النقصان کما یأتی {أو قلعه بنفسه} إن لم یقلعه العامل، وإنما قیدناه بذلک لأنه لا حق فی تصرف المالک فی غرس الغیر إلاّ بإذنه، فإذا أمره بقلعه ولم یقلعه کان له أن یقلعه بنفسه لدلیل «لا ضرر»، فإن بقاء غرس الغیر فی أرضه ضرر علیه، کما فی قصة سمرة((1))، فإن سلطنة المالک علی أرضه تعطی له الحق فی إخلاء أرضه من الغرس.

واحتمال أنه إذا استعد العامل لقلعه کان للمالک أیضاً ذلک، فهما فی عرض الآخر کما هو ظاهر عبارة المصنف، لأن قاعدة سلطنة العامل علی غرسه لا تجری إذا کانت موجبة للعدوان علی أرضه، لأنه کما لو أخذ السارق شیئاً ووضعه فی بیته، فإنه یحق لصاحب الشیء أن یدخل بیته لأخذ متاعه.

غیر تام، إذ لا وجه لسقوط سلطنة الغارس بعد أن یستعد هو للإزالة، فلا عدوان حتی یسقط سلطنته، وکذا نقول بالنسبة إلی السارق فإنه إذا استعد

ص:344


1- الکافی: ج5 ص292 ح8

أن یرد السرقة بنفسه لا دلیل علی سقوط سلطنته علی داره بمنع الغیر عن دخولها، اللهم إلاّ أن یقال بتعارض دلیلی السلطنة، حیث تقول إحداهما: لا تدخل أرض الغیر، وتقول الأخری: لا تتصرف فی غرس الغیر، فتتساقطان ویباح لکل منهما العمل علی خلاف سلطنة الآخر، ویکون الأمر والقلع فی عرض الآخر، لا أن القلع فی طول الأمر، وکذلک فی مسألة السارق.

لا یقال: بالفرق بأن السارق معتد، ولیس کذلک الغارس.

لأنه یقال: اعتداؤه السابق لا یوجب سقوط سلطنته علی داره، فإنه الآن حیث رجع عن الاعتداء الأمر دائر بین دخول المسروق منه داره وبین تصرف السارق فی متاع المسروق منه، وحیث إن کلیهما موجب لسقوط سلطنته ما لم یکن ترجیح فیکون الأمر بالتخییر، لأن شمول قاعدة السلطنة لأحدهما لیس بأولی من شموله للآخر.

إن قلت: الظاهر من حدیث سمرة تقدم حق صاحب الأرض، لأن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) لم یقل لسمرة اذهب واقلع شجرتک.

قلت: کلا، حیث إن سمرة ما کان یطیع فکان لابد من سقوط سلطنته، ولیس الکلام إلاّ فی مورد استعداده لتنفیذ الأمر.

أما الاستدلال لتقدیم حق صاحب الأرض بما إذا أمر الحاکم الشرعی بجلب إنسان، حیث لا یحق له دخول دار ذلک الإنسان وإنما ینادیه من خارجها، فإن لم یستجب حق له دخول داره، مما یدل علی أنه إذا تعارض الحقان تقدم حق صاحب

ص:345

وعلیه أرش نقصانه إن نقص من جهة القلع

الدار ونحوها، ففیه إن ذلک من جهة إمکان الجمع بین الحقین، حق الحاکم فی جلبه، وسلطنته علی داره، فلا ینهتک أی الحقین، والکلام فیما نحن فیه فیما ینهتک أحد الحقین ولا ترجیح.

ثم هل یرجح ما إذا کان ضرر أحدهما أکثر، بتقدیم الضرر الأقل، مثلاً فرشت فی الدار لبن رطبة فدخولها یوجب خرابها، بینما مالک الدار یعرف کیف یدخلها بدون خراب اللبن، لکن صاحب المتاع یعرف کیف یخرج المتاع حتی لا یتضرر المتاع بالخدش بالحیطان ونحوه، وخراب اللبن ضرر عشرة علی مالک الدار وخدش المتاع ضرر خمسة علی مالک المتاع، لا یبعد تقدیم أقلهما ضرراً، لأن «لا ضرر» کما ینفی الأصل ینفی الزائد، فإن الضرورات تقدر بقدرها، حاله حال ما إذا تعارض عسران حیث یقدم أقلهما، إلی غیر ذلک من مسائل تعارض فردی دلیل ثانوی أو فردی دلیلین ثانویین.

نعم لو کان مثل السرقة کان علی السارق إعطاء ضرر المسروق منه بخدش متاعه إذا سبب ذلک، أما إذا کان مثل أن کان لزید متاع فی داره ثم وهب الدار لزید والمتاع لعمرو وأخرج زید متاع عمرو، فیما کان الإخراج أقل ضرراً، لم یستبعد عدم تحمل زید ضرر المتاع.

والمسألة بعدُ بحاجة إلی التأمل، والله سبحانه العالم.

{وعلیه أرش نقصانه إن نقص من جهة القلع} لأنه سبب ذلک، فیشمله «من أتلف مال الغیر فهو له ضامن»((1))، فاللازم أن لا یتضرر أحدهما، فإما یبقی مع الأجرة

ص:346


1- الوسائل: ج18 ص238 الباب10 ح1

ویظهر من جماعة أن علیه تفاوت ما بین قیمته قائماً ومقلوعاً

للمالک، أو یقلع مع الأرش للغارس جمعاً بین الحقین، ولیس بظالم فیما فعل، لیشمله قوله (علیه السلام) کما فی کتاب الغصب من الوسائل: «لیس لعرق ظالم حق».

لکن یلزم أن یقال: إنه إذا کان أحدهما مغروراً رجع إلی الغار له، فلا إطلاق فی الأجرة والأرش، فهو کما إذا قال: ازرع فی هذه الأرض، وهو یعلم أنه لیس بأرضه، فجاء المالک وقلع الزرع، حیث إن الآمر ضامن للأرش من جهة أنه غر الغارس.

ثم إن القواعد قال: (ولو دفع قیمة الغرس لیملکه، أو الغارس قیمة الأرض لیملکها، لم یجبر الآخر علیه) انتهی.

وذهب إلی کل من الأمرین جماعة، لقاعدة تسلط الناس علی أموالهم، وأنه لا تکون المعاملة إلاّ بالتراضی.

وقال أیضاً: (ولو ساقاه علی الشجر وزارعه علی الأرض المتخللة بینها فی عقد واحد جاز، بأن یقول: ساقیتک علی الشجر وزارعتک علی الأرض، أو عاملتک علیها بالنصف، ولو قال: ساقیتک علی الأرض والشجر بالنصف جاز، لأن زرع الأرض لم یجز له) انتهی.

لکن لو کان إعراض له عن الأرض، کما یغلب ذلک فی المساقین جاز له زرع الأرض، ویکون کله للزارع، کما فی العکس بأن زارعه علی الأرض وکان فیها بعض الأشجار التی أعرض مالک الأرض عنها، کان للزارع سقیها وثمرها، وقد ذکرنا وجه خروج الملک بالإعراض فی بعض المباحث السابقة.

{ویظهر من جماعة} کالمحقق وغیره، قال فی مفتاح الکرامة: إن فی جامع المقاصد أنه تفاوت ما بین کونه قائماً بالأجرة ومقلوعاً وهو خیرة الروضة ومجمع البرهان، {أن علیه تفاوت ما بین قیمته قائماً ومقلوعاً} وذلک غیر الأرش، کما هو

ص:347

ولا دلیل علیه بعد کون المالک مستحقاً للقلع، ویمکن حمل کلام بعضهم علی ما ذکرنا من أرش النقص الحاصل بسبب القلع إذا حصل بأن انکسر مثلاً، بحیث لا یمکن غرسه فی مکان آخر، ولکن کلمات الآخرین لا یقبل هذا الحمل، بل هی صریحة فی ضمان التفاوت بین القائم والمقلوع

واضح، فإذا کانت قیمته قائماً مائة ومقلوعاً ثمانین کان علیه عشرون، وهذا بخلاف الإرش فإنه عبارة من النقص الحاصل فی الزرع بسبب الکسر ونحوه.

{ولا دلیل علیه} لأصالة عدم ضمان المالک التفاوت المذکور، فلو لم یحدث فی الزرع المقلوع کسر لعیدانه ونحوه لم یکن علیه شیء {بعد کون المالک مستحقاً للقلع} لکن ربما یقال: إنه لا تلازم بین استحقاق المالک للقلع، وبین عدم ضمانه للتفاوت، إذ أنه ضامن من جهة أنه أذن فی الغرس، والإذن یستلزم ضمان الصفة الحاصلة من نصب الغرس فی الأرض الفائتة بقلعه، فلیس الغرس من باب عرق ظالم، وهذا هو الذی رجحه المستمسک وبعض المعلقین، وإن کان المشهور منهم، ومنهم السادة البروجردی وابن العم والجمال وافقوا المصنف.

{ویمکن حمل کلام بعضهم} ممن ذکروا التفاوت {علی ما ذکرنا من أرش النقص الحاصل بسبب القلع إذا حصل} ذلک النقص {بأن انکسر مثلاً بحیث لا یمکن غرسه فی مکان آخر} أو أمکن غرسه لکن لا یعطی الثمر السابق، وما أشبه ذلک.

{ولکن کلمات الآخرین لا تقبل هذا الحمل، بل هی صریحة فی ضمان التفاوت بین القائم والمقلوع} بل قال فی المستمسک: إن الحمل الذی ذکره

ص:348

حیث قالوا مع ملاحظة أوصافه الحالیة من کونه فی معرض الإبقاء مع الأجرة أو القلع، ومن الغریب ما عن المسالک من ملاحظة کون قلعه مشروطاً بالأرش لا مطلقاً

المصنف بعید عن کلامهم وعن مبناهم.

{حیث قالوا مع ملاحظة أوصافه الحالیة من کونه فی معرض الإبقاء مع الأجرة أو القلع} فإن مثل هذه العبارة لا ترتبط بالأرش الذی هو التفاوت بین الصحیح والمتکسر والمستوی والممرود، مما یستلزم القلع.

{ومن الغریب} لدی المصنف {ما عن المسالک من ملاحظة کون قلعه مشروطاً بالأرش لا مطلقاً}، قال: (والمراد بالأرش تفاوت ما بین قیمته فی حالتیه علی الوضع الذی هو علیه وهو کونه باقیاً بأجرة ومستحقاً للقلع بالإرش وکونه مقلوعاً، لأن ذلک هو المعقول من أرش النقصان لا تفاوت ما بین قیمته قائماً مطلقاً ومقلوعاً، إذ لا حق له فی القیام کذلک لیقوم بتلک الحالة، ولا تفاوت ما بین کونه قائماً بأجرة ومقلوعاً لما ذکرنا للأرش بالقلع من جملة أوصافه، ولا تفاوت ما بین کونه قائماً مستحقاً للقلع ومقلوعاً لتخلف بعض أوصافه أیضاً کما بیناه، ولا بین کونه قائماً مستحقاً للقلع بالأرش ومقلوعاً لتخلف وصف القیام بأجرة.

وهذه الوجوه المنفیة ذهب إلی کل منها بعض، اختار الثانی منها الشیخ علی (رحمه الله)، والأخیر فخر الدین فی بعض ما ینسب إلیه، والآخران ذکرهما من لا یعتد بقوله، والأول مع سلامته لا یخلو من دور، لأن معرفة الأرش فیه متوقفة علی معرفته، حیث أخذ فی تحدیده.

والظاهر أن القیمة لا تختلف باعتباره، وأن تقدیر کذلک کتقدیره مقلوعاً وقائماً

ص:349

بأجرة فلا یضر مثل هذا الدور) انتهی.

فالمسالک یری أن المالک یقول له: تخیر بین بقائه بأجرة وبین قلعه بأرش، فالأول یثمر مائتین مثلاً، وأجرة الأرض حینئذ خمسون، مما یحصل علیه مائة وخمسون، والثانی قیمته مائة وأرشه عشرون، إذ قد تتساوی نتیجة الأمرین وقد تختلف.

وعلیه فالزارع مخیر بین الأمرین مما یحصل مائة وخمسین أو مائة وعشرین، لا أنه یستحق مائة فقط قیمة المقلوع، ولا أنه یستحق علی المالک قیمة التفاوت بین قیامه مطلقاً بدون إعطائه الأجرة، وبین المقلوع بدون الأرش، أی مائة علی المالک کما فی المثال، بالإضافة إلی مائة قیمة المقلوع.

ولا تفاوت بین کونه قائماً بأجرة ومقلوعاً بدون أرش، ولتوضیح ذلک وسائر الوجوه التی ذکرها المسالک نذکر المقارنة بهذه الصورة:

التفاوت بین

وبین

القائل

أ: البقاء بأجرة والقلع بأرش

وکونه مقلوعاً

قال به المسالک

ب: قیمته قائماً

وکونه مقلوعاً

قال به بعضٌ لا یعتد بقوله

ج: کونه قائماً بأجرة

وکونه مقلوعاً

قال به الشیخ علی

د: کونه قائماً مستحقا للقلع

وکونه مقلوعاً

قال به بعض من لا یعتد بقوله

ه: کونه قائماً مستحقاً للقلع بالأرش

وکونه مقلوعاً

قال به فخر الدین

ص:350

وقد أشکل المستمسک علیه بإشکالین فی کلیهما نظر، قال: (ولا یخفی ما فیه من التهافت، فإن ما ذکره فی رفع إشکال الدور راجع إلی عدم اعتبار ملاحظة الأرش، وهو عین الوجه الثانی الذی نفاه ونسبه إلی الشیخ علی، فما الذی دعا إلی نفیه أولاً والبناء علیه أخیراً.

ثم إن الدور لا یختص بما ذکره هو من الوجه الأول، بل یجری فی الوجه الأخیر الذی نسبه إلی الفخر لذکر الأرش فیه أیضاً، فإن کان ذکره موجباً للدور فالوجه الأخیر کذلک، وإن کان الظاهر ارتفاع الدور بالاختلاف بالتفصیل والإجمال) انتهی.

إذ یرد علی أولهما: إن المسالک یقول بکلا الأمرین، لا بالأجرة فقط، کما قاله الشیخ علی، وعدم اختلاف القیمة باعتباره غیر عدم القول به.

وعلی ثانیهما: إن الوجه الذی قال به المسالک مما یراه صحیحاً أراد لرفع دوره، أما ما قاله الفخر فلیس یراه صحیحاً حتی یرفع دوره.

نعم ما ذکره المستمسک أخیراً من أن رفع الدور بالإجمال والتفصیل، صحیح کما ذکروه فی باب التبادر وغیره من الأصول.

ثم إن المصنف لم یکن فی صدد ذکر الأقوال حتی یرد علیه إشکال المستمسک

ص:351

فإن استحقاقه للأرش من أوصافه وحالاته فینبغی أن یلاحظ أیضاً فی مقام

بقوله: (لا یظهر وجه لاستغراب ما فی المسالک بخصوصه، لاشتراک الوجوه الخمسة المذکورة فیها المنسوبة إلی قائلیها فی ضمان الصفة الخاصة الحاصلة بالنصف الزائلة بالقلع علی اختلافها فی کیفیة التقدیم) انتهی.

وعلی هذا فإذا فاتت صفة الغرس للغارس کانت مضمونة علی صاحب الأرض بعد أن کان الغرس بإذنه بما لا یشمله قوله (علیه السلام): «لیس لعرق ظالم حق».

وعلیه فإذا لم یکن لا ضرره معارضاً بلا ضرر المالک، تقدم علی قاعدة سلطنة المالک، وإن تعارض لا ضررهما تقدمت علی لا ضرر الغارس _ بعد تساقط الضررین _ قاعدة سلطنة المالک((1))، وقد تقدم بیان ذلک فیما سبق.

ثم إنه إذا قلع المالک أو قلع بأمره کان علیه تدارک الصفة، فیقوّم الشجر غیر مستحق للبقاء، لأنه صفة الشجر الذی لا یستحق بقاءً فی أرض الغیر لا مجاناً ولا بأجرة، بل بأرش، کما تقدم فی کلام المصنف، لا کما ذکره المسالک من تقدیمه باقیاً بأجرة، إذ لیس ذلک من صفة الشجر حال القلع، وأعطی المالک ذلک للغارس.

{فإن استحقاقه للأرش من أوصافه وحالاته، فینبغی أن یلاحظ أیضاً فی مقام

ص:352


1- بحار الأنوار: ج2 ص273

التقویم مع أنه مستلزم للدور کما اعترف به، ثم إنه إن قلنا بالبطلان یمکن تصحیح المعاملة بإدخالها تحت عنوان الإجارة أو المصالحة أو نحوهما مع مراعاة شرائطهما، کأن تکون الأصول مشترکة بینهما إما بشرائها بالشرکة أو بتملیک أحدهما للآخر نصفاً منها مثلاً

التقویم} کما عرفت وجه الغرابة فیه {مع أنه مستلزم للدور کما اعترف} المسالک {به} وقد تقدم رده.

{ثم إنه إن قلنا بالبطلان} ببطلان المغارسة بعنوان المساقاة أو مطلقاً علی ما ذکره المشهور کما تقدم {یمکن تصحیح المعاملة بإدخالها تحت عنوان الإجارة} فیکون الغرس والأرض من المالک، ویستأجر العامل بنسبة من الثمار بدون نسبة من الأرض أو معها، أو یکون الغرس من العامل فیستأجر الأرض علی أن یغرس فیها غرسه، وتکون أجرة أرض المالک نصف الثمر مع حصة من الغرس أو بدونها، مع ملاحظة سائر شرائط الإجارة فی کلا الطرفین.

{أو المصالحة} فإن الصلح جائز بین المسلمین وهو خیر وسید الأحکام {أو نحوهما} کالجعالة والشرط فی ضمن معاملة لازمة.

{مع مراعاة شرائطهما کأن تکون الأصول مشترکة بینهما} هذا بیان لشرط المصالحة، لکنه غیر محتاج إلیه.

ولذا قال المستمسک: هذا لا حاجة إلیه فی إیقاع المصالحة، فیمکن أن یکون الغرس لصاحب الأرض فقط.

{إما بشرائها بالشرکة أو بتملیک أحدهما للآخر نصفاً منها مثلاً} أو ثلثاً

ص:353

إذا کانت من أحدهما فیصالح صاحب الأرض مع العامل بنصف منفعة أرضه مثلاً، أو بنصف عینها علی أن یشتغل بغرسها وسقیه إلی زمان کذا، أو یستأجره للغرس والسقی إلی زمان کذا بنصف منفعة الأرض مثلاً.

أو ما أشبه {إذا کانت من أحدهما فیصالح صاحب الأرض مع العامل بنصف منفعة أرضه مثلاً} أو أقل أو أکثر من النصف {أو بنصف عینها علی أن یشتغل بغرسها بسقیه إلی زمان کذا} مما یرفع الغرر، فإن الغرر غیر جائز حتی فی الصلح، لنهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عنه مطلقاً، ومنه یعلم صحة الإطلاق إذا لم یکن غرراً.

{أو یستأجره للغرس والسقی إلی زمان کذا} لاشتراط الزمان فی الإجارة کما تقدم فی کتابها {بنصف منفعة الأرض مثلاً} أو نصف عینها أو أقل أو أکثر، وقد سبق صحة المغارسة معاملة مستقلة بعد شمول ﴾أوفوا بالعقود﴿ له، فلا حاجة إلی إدخالها فی العناوین المذکورة.

وبما تقدم یظهر أنه لم یعرف وجه لقول ابن العم: (علی أن یستأجر، فیه منع)، فإنه إن أراد منع الاستیجار حتی مع توفر شرط الإجارة لم یکن له وجه، وإن أراد المنع بدون توفر شرائطها، فلیس کلام المصنف فی ذلک.

ومما تقدم من المباحث السابقة ظهر حال ما إذا استأجره لأن یغرس البحر لازدیاد الأسماک أو الطحالب أو ما أشبه، کما یتعارف الآن، فإنه یصح إجارةً ومصالحةً وجعالةً وعقداً مستقلاً مع وجود شرائطها فی الثلاثة، والشرائط العامة کعدم الغرر فی العقد المستقل.

ص:354

مسألة ٣٧ لو لم یعلم کیفیة حصول المغارسة

(مسألة 37): إذا صدر من شخصین مغارسة ولم یعلم کیفیتها وأنها علی الوجه الصحیح أو الباطل بناءً علی البطلان یحمل فعلهما علی الصحة

(مسألة 37): {إذا صدر من شخصین مغارسة ولم یعلم کیفیتها، وأنها علی وجه الصحیح} بدخولها فی عنوان صحیح {أو الباطل بناءً علی} المشهور من {البطلان} فی المغارسة {یحمل فعلهما علی الصحة} لأصالة الصحة المعتمدة عند العقلاء والمتشرعة، وهذا هو الذی أفتی به غالب المعلقین، ومنهم السادة ابن العم والحکیم والجمال، خلافاً لآخرین، ومنهم السید البروجردی قال: (لا موقع لأصالة الصحة مع کون الأمر دائراً بین عنوانین أحدهما صحیح والآخر فاسد، نعم إذا کانا متصرفین فی المغروس بعنوان کونه لهما کانت الید منهما أمارة علی ملکیتهما، وترتب آثار الصحة علی کل منهما).

أقول: لم یظهر وجه التفصیل فی أصالة الصحة بعد إطلاق أدلته مثل: «ضع أمر أخیک علی أحسنه».

وأی فرق بین أن یدعی أحدهما إجارة صحیحة والآخر إجارة فاسدة أو مغارسة باطلة، والقول بأن المستفاد من دلیل أصالة الصحة وجود جامع، أول الکلام.

ثم ما استثناه بقوله: (نعم) لا یظهر وجهه، إذ ادعاؤه بأنه مغارسة إقرار من نفسه علی البطلان، فأیة فائدة فی تصرفه بعد هذا الإقرار، وعلیه فالأقرب ما ذکره الماتن وغیره.

ثم إن القائل بالبطلان یلزم علیه ترتیب ما یتمکن من آثار البطلان علی

ص:355

تذنیب

إذا ماتا أو اختلفا فی الصحة والفساد.

تذنیب:

فی الکافی عن أبی عبد الله (علیه السلام): «من أراد أن یلقح النخل إذا کان لا یجود عملها ولا یتبعل بالنخل فیأخذ حیتاناً صغاراً یابسة

ما یدعیه إذا کان فی الواقع معتقداً بما یقول، إذ الحکم لا یغیر الواقع کما ذکرناه فی کتاب القضاء وغیره.

وعلیه ف_ {إذا ماتا} بعد الاختلاف {أو اختلفا فی الصحة والفساد} وهما حیان فتکلیف الوارث مثل تکلیفهما فی البناء علی الصحة بعد حکم الحاکم.

ثم إن کلیهما لو قال إنه مغارسة، وإنما اختلفا فی الحکم اجتهاداً أو تقلیداً، وهل هی باطلة أو صحیحة، لا یتمکن القائل بالبطلان من إجراء آثار الصحة، إذ لا دلیل علی ذلک.

نعم إذا رجعا إلی الحاکم الشرعی وکان اجتهاده الصحة فقضی بذلک، کان علی القائل بالبطلان التزام صحته، کما أنه إذا رجعا إلی من یری بطلانه، کان علی القائل بالصحة التزام بطلانه لمکان الحکم، کما ذکرنا تفصیل ذلک فی کتاب القضاء.

{تذنیب:

فی الکافی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «من أراد أن یلقح النخل إذا کان لا یجود عملها ولا یتبعل بالنخل»} فی بعض نسخ الوسائل (حملها) و(یبتعل) بتقدیم الباء علی التاء، والمراد أن الثمر فیه قلیل غیر نافع، أو لا یعطی ثمراً کالمرأة غیر ذات البعل حیث لا تلد {«فلیأخذ حیتاناً صغاراً یابسة

ص:356

فیدقها بین الدقین، ثم یذر فی کل طلعة منها قلیلاً ویصر الباقی فی صرة نظیفة ثم یجعله فی قلب النخل ینفع بإذن الله تعالی».

وعن الصدوق فی کتاب العلل، بسنده عن عیسی بن جعفر العلوی، عن آبائه (علیهم السلام)، إن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «مر أخی عیسی (علیه السلام) بمدینة فإذا فی ثمارها الدود فسألوا إلیه ما بهم، فقال (علیه السلام): دواء هذا معکم ولیس تعلمون، أنتم قوم إذا غرستم الأشجار

فیدقها بین الدقین»} ما یدق فیه الشیء.

{«ثم یذر فی کل طلعة منها قلیلاً ویصر الباقی فی صرة نظیفة ثم یجعله فی قلب النخل»} أی بین سعفات رأسه {«ینفع بإذن الله تعالی»((1))} فی تکثیر الثمر وتحسینه.

والظاهر أنه لا یشترط حلیة تلک الأسماک، لکن لا یبعد أن یکون ذلک فائدة السمک، لا کل حیوان البحر کالضفدع والسلحفاة وما أشبه، ووقت هذا العمل عند تأبیر النخل.

{وعن الصدوق فی کتاب العلل، بسنده عن عیسی بن جعفر العلوی، عن آبائه (علیهم السلام) أن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «مر أخی عیسی (علیه السلام) بمدینة فإذا فی ثمارها الدود فسألوا إلیه»} عن دواء {«ما بهم، فقال (علیه السلام): دواء هذا معکم ولیس تعلمون»} ذلک {«أنتم قوم إذا غرستم الأشجار

ص:357


1- الوسائل: ج13 ص198 الباب6 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

صببتم التراب ولیس هکذا یجب، بل ینبغی أن تصبوا الماء فی أصول الشجر ثم تصبوا التراب کی لا یقع فیه الدود، فاستأنفوا کما وصف فأذهب عنهم ذلک».

وفی خبر عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «تقول إذا غرست أو زرعت: ﴿مثلاً کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ تُؤْتی أُکُلَها کُلَّ حینٍ بِإِذْنِ رَبِّها﴾،

صببتم التراب»} علی الفسیل بعد وضعه فی الحفرة {«ولیس هکذا یجب»} فی تحسین الثمر.

{«بل ینبغی أن تصبوا الماء فی أصول الشجر»} عند وضعه فی الحفرة {«ثم تصبوا التراب کی لا یقع فیه الدود»} فإن الأثرین المذکورین ولید السببین کما یعرفه أهل البساتین {«فأستأنفوا»} فی المستقبل {«کما وصف (علیه السلام) فأذهب عنهم ذلک»((1))} الدود.

{وفی خبر عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «تقول إذا غرست أو زرعت: ﴿مثلاً کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِی السَّماءِ تُؤْتی أُکُلَها کُلَّ حینٍ بِإِذْنِ رَبِّها﴾»((2))} أی إن ذلک القول یوجب جودة الثمر وکثرته، کما یستفاد منه عرفاً.

ص:358


1- الوسائل: ج13 ص193 الباب2 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1
2- الوسائل: ج13 ص197 الباب5 من أبواب المزارعة والمساقاة ح5

وفی خبر آخر: «إذا غرست غرساً أو نبتاً فاقرأ علی کل عود أو حبة: سبحان الباعث الوارث فإنه لا یکاد یخطئ إن شاء الله تعالی».

{وفی خبر آخر} عن علی بن محمد رفعه، قال (علیه السلام): {«إذا غرست غرساً أو نبتاً فاقرأ علی کل عود أو حبة: سبحان الباعث الوارث، فإنه لا یکاد یخطئ إن شاء الله تعالی»((1))}.

ثم إنه یکره سخرة المسلمین بدون الإحسان إلیهم بما لا یکون کذلک مع الکفار، فإن ﴾رحماء بینهم﴿ یقتضی ذلک (والأشداء علی الکفار﴿ یعطی عدم البأس بالدقة معهم.

ولعله یشیر إلی ذلک ما رواه أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره، عن ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) أنه قال: «کان علی (علیه السلام) یکتب إلی عماله: لا تسخروا المسلمین فتذلوهم، ومن سألکم غیر الفریضة فقد اعتدی، ویوصی (علیه السلام) بالأکارین وهم الفلاحون»((2)).

وإلی هنا انتهی ما قصدنا بیانه فی هذا الکتاب، نسأل الله سبحانه أن یوفقنا لإتمام (الفقه) ویجعله منهلاً للأحکام، وسبباً لتطبیق الإسلام، ویتقبله بقبول حسن.

ص:359


1- الوسائل: ج13 ص197 الباب5 من أبواب المزارعة والمساقاة ح4
2- المستدرک: ج2 ص502 الباب17 من أبواب المزارعة ح1. وفی الوسائل: ج13 ص216 الباب20 من أبواب المزارعة ح1

سبحان ربک رب العزة عما یصفون، وسلام علی المرسلین، والحمد الله رب العالمین، وصلی الله علی محمد وآله الطیبین الطاهرین.

قم المشرفة

1/محرم/1402ﻫ

محمد بن المهدی الحسینی الشیرازی

ص:360

المحتویات

المحتویات

ص:361

ص:362

کتاب المزارعة

7 _ 143

مسألة 8 _ لو غصب الأرض غاصب............................................................ 7

مسألة 9 _ لا یجوز للزارع التعدی عما عینه المالک............................................ 15

مسألة 10 _ لو زارع علی أرض لا ماء لها...................................................... 27

مسألة 11 _ البذر من المالک أو الزارع........................................................... 31

مسألة 12 _ المزارعة بین أکثر من اثنین........................................................ 38

مسألة 13 _ یجوز للعامل مشارکة غیره......................................................... 44

مسألة 14 _ لو تبین بطلان عقد المزارعة....................................................... 51

مسألة 15 _ مقتضی وضع المزارعة............................................................ 60

مسألة 16 _ لو حصل ما یوجب الانفساخ فی الأثناء............................................ 65

مسألة 17 _ لو حصل الفسخ فی الأثناء.......................................................... 67

مسألة 18 _ لو تبین أن الأرض کانت مغصوبة................................................ 76

مسألة 19 _ خراج الأرض علی صاحبها........................................................ 85

مسألة 20 _ یجوز لهما الخرص علی الآخر..................................................... 94

ص:363

مسألة 21 _ وجوب الزکاة علی کلیهما........................................................... 114

مسألة 22 _ لو بقی فی الأرض أصل الزرع.................................................... 116

مسألة 23 _ لو اختلفا فی المدة..................................................................... 120

مسألة 24 _ لو اختلفا فی کون البذر علی أیهما.................................................. 127

مسألة 25 _ لو اختلفا فی الإجارة والمزارعة.................................................... 129

مسألة 26 _ لو اختلفا فی الغصب والمزارعة................................................... 137

مسألة 27 _ إذا قلعه المالک فماذا یصنع بالزکاة.................................................. 139

مسألة 28 _ إعطاء الأرض الخراجیة للغیر...................................................... 141

مسائل متفرقة....................................................................................... 143

کتاب المساقاة

165 _ 360

الأدلة علی مشروعیة المساقاة..................................................................... 168

شروط المساقاة...................................................................................... 172

مسألة 1 _ هل تصح المساقاة بعد الظهور قبل البلوغ........................................... 185

مسألة 2 _ جواز المساقاة علی الأشجار........................................................... 187

مسألة 3 _ المساقاة علی أصول غیر ثابتة........................................................ 188

مسألة 4 _ الأشجار التی لا تحتاج إلی السقی..................................................... 190

مسألة 5 _ المساقاة علی فسلان مغروسة......................................................... 193

مسألة 6 _ المساقاة علی الودی.................................................................... 194

مسألة 7 _ المساقاة لازمة........................................................................... 196

ص:364

مسألة 8 _ لا تبطل المساقاة بموت أحد الطرفین................................................. 197

مسألة 9 _ ماذا علی العامل وماذا علی المالک.................................................... 200

مسألة 10 _ لو اشترط کون جمیع الأعمال علی المالک........................................ 206

مسألة 11 _ إذا ترک العامل ما اشترط علیه...................................................... 209

مسألة 12 _ لو شرط العامل أن یعمل غلام المالک معه......................................... 216

مسألة 13 _ لا یشترط مباشرة الساقی العمل..................................................... 220

مسألة 14 _ إذا شرط انفراد أحدهما بالثمر....................................................... 224

مسألة 15 _ الحصة من بعض الأنواع........................................................... 227

مسألة 16 _ جواز الاختلاف فی الحصص...................................................... 229

مسألة 17 _ لو ساقاه بالنصف تارة والثلث أخری............................................... 231

مسألة 18 _ إذا شرط أحدهما علی الآخر شیئا................................................... 234

مسألة 19 _ هل تلف بعض الثمر یسقط من الشرط............................................. 236

مسألة 20 _ جعل بعض الأصول للعامل......................................................... 252

مسألة 21 _ إذا تبین فی الأثناء عدم خروج الثمر............................................... 257

مسألة 22 _ استئجار المالک أجیرا للعمل......................................................... 259

مسألة 23 _ إذا بطل عقد المساقاة لمن یکون الثمر.............................................. 265

مسألة 24 _ اشتراط عقد مساقاة فی عقد مساقاة.................................................. 269

مسألة 25 _ جواز تعدد العامل أو المالک......................................................... 272

مسألة 26 _ إذا ترک العامل العمل بعد العقد..................................................... 276

مسألة 27 _ إذا تبرع عن العامل متبرع.......................................................... 286

مسألة 28 _ إذا فسخ المالک العقد بعد امتناع العامل............................................. 292

ص:365

مسألة 29 _ إذا لم یعمل العامل استأجر عنه المالک............................................. 295

مسألة 30 _ لو تبین أن الأصول مغصوبة...................................................... 299

مسألة 31 _ لا یساقی العامل غیره................................................................ 311

مسألة 32 _ خراج السلطان علی المالک.......................................................... 316

مسألة 33 _ العامل یملک الحصة بظهور الثمر.................................................. 318

فروع................................................................................................. 321

مسألة 34 _ لو اختلفا فی مقدار حصة العامل.................................................... 332

مسألة 35 _ إذا ثبتت الخیانة من العامل.......................................................... 336

مسألة 36 _ هل تصح المغارسة.................................................................. 339

مسألة 37 _ لو لم یعلم کیفیة حصول المغارسة................................................. 355

تذنیب................................................................................................ 356

المحتویات........................................................................................... 361

ص:366

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.