موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی المجلد 54

اشارة

سرشناسه : حسینی شیرازی، محمد

عنوان و نام پدیدآور : الفقه : موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی/ المولف محمد الحسینی الشیرازی

مشخصات نشر : [قم]: موسسه الفکر الاسلامی، 1407ق. = - 1366.

شابک : 4000ریال(هرجلد)

یادداشت : افست از روی چاپ: لبنان، دارالعلوم

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : اخلاق اسلامی

موضوع : مستحب (فقه) -- احادیث

موضوع : مسلمانان -- آداب و رسوم -- احادیث

رده بندی کنگره : BP183/5/ح5ف76 1370

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 70-5515

ص:1

اشارة

ص:2

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

آیة الله العظمی

السید محمد الحسینی الشیرازی

دام ظله

کتاب المضاربة والمزارعة

دار العلوم

بیروت لبنان

ص:3

الطبعة الثانیة

1409 ه_ _ 1988م

مُنقّحة ومصحّحة مع تخریج المصادر

دار العلوم _ طباعة. نشر. توزیع.

العنوان: حارة حریک، بئر العبد، مقابل البنک اللبنانی الفرنسی

ص:4

کتاب المضاربة

اشارة

کتاب المضاربةالجزء الثانی

ص:5

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:6

مسألة ٣٣ شرط مال أو عمل خارجی فی المضاربة

(مسألة 33): إذا شرط أحدهما علی الآخر فی ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً، کأن اشترط المالک علی العامل أن یخیط له ثوباً أو یعطیه درهماً أو نحو ذلک أو بالعکس، فالظاهر صحته

(مسألة 33): {إذا شرط أحدهما علی الآخر فی ضم عقد المضاربة مالاً أو عملاً کأن اشترط المالک علی العامل} أو شرط العامل علی المالک {أن یخیط له ثوباً أو یعطیه درهماً أو نحو ذلک} من الشروط التی لا ترتبط بالمضاربة، فی قبال القسم الآخر من الشروط المرتبطة بالمضاربة کشرط أن یسلم المالک إلی العامل المال نجوماً {أو بالعکس} کشرط المالک علی العامل سفراً خاصاً أو تجارةً خاصةً أو ما أشبه، لا إشکال فی صحة القسم الثانی من الشرط، بل علیه النص والفتوی.

فقد روی أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره، عن أبیه، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «کان للعباس مال مضاربة فکان یشترط أن لا یرکبوا بحراً ولا ینزلوا وادیاً، فإن فعلتم فأنتم ضامنون، فأبلغ ذلک رسول الله (صلی الله علیه وآله) فأجاز شرطه علیهم»((1)).

وقریب منه صحیح الحلبی((2))، وغیره.

وأما القسم الثانی {فالظاهر صحته} کما هو المشهور بینهم، وذلک لإطلاق أدلة صحة الشرط فی غیر ما خالف الکتاب والسنة، أو مقتضی العقد، بل والمناط فی القسم الأول.

ص:7


1- الوسائل: ج13 ص182 الباب 1 من أبواب المضاربة ح12
2- الوسائل: ج13 ص182 الباب 1 من أبواب المضاربة ح7

وکذا إذا اشترط أحدهما علی الآخر بیعاً أو قرضاً أو قراضاً أو بضاعةً أو نحو ذلک، ودعوی أن القدر المتیقن ما إذا لم یکن من المالک إلاّ رأس المال ومن العامل إلاّ التجارة مدفوعة، بأن ذلک من حیث متعلق العقد فلا ینافی اشتراط مال أو عمل

{وکذا إذا اشترط أحدهما علی الآخر بیعاً أو قرضاً أو قراضاً أو بضاعةً} أو إیقاعاً {أو نحو ذلک} لکن التحریر أشکل فی الشروط الخارجة مما لیس من مصلحة العقد ولا مقتضاه، مثل اشتراط النفع ببعض السلع، مثل لبس الثوب واستخدام العبد ورکوب الدابة ووطی الجاریة وضمان العامل المال أو بعضه، فهذه الشروط کلها باطلة تفسد العقد إن اقتضت جهالة الربح، وإلا فلا علی إشکال.

والظاهر أن وجه الإشکال _ بالإضافة إلی ما سیأتی _ أن أدلة الشرط لا تشمل الشروط غیر المربوطة بالمضاربة، فأی ربط بین وطئ الجاریة والمضاربة، ولو لانصراف دلیل الشرط عن مثلها. وفیه: إنه لا وجه للانصراف، ولو کان فهو بدوی، خصوصاً ودلیل الشرط حیث أخرج من الشرط المنافی للکتاب والسنة والشرط المخالف لمقتضی العقد، مما یقتضی دخول ما عداهما فی المستثنی منه.

وهناک إشکال آخر علی مثل هذه الشروط، ذکره مفتاح الکرامة وغیره، وأشار إلیه المصنف بقوله: {ودعوی أن القدر المتیقن} من دلیل المضاربة {ما إذا لم یکن من المالک إلا رأس المال، ومن العامل إلا التجارة} فأی ربط لأمثال تلک الشروط مع المضاربة {مدفوعة بأن ذلک} رأس المال والعمل {من حیث متعلق العقد، فلا ینافی} انحصار المتعلق بهما {اشتراط مال أو عمل

ص:8

خارجی فی ضمنه، ویکفی فی صحته عموم أدلة الشروط، وعن الشیخ الطوسی، فیما إذا اشترط المالک علی العامل بضاعة بطلان الشرط دون العقد فی أحد قولیه، وبطلانهما فی قوله الآخر، قال: لأن العامل فی القراض لا یعمل عملاً بغیر جعل ولا قسط من الربح

خارجی فی ضمنه} الذی هو مقتضی أدلة صحة الشروط فی العقود.

{ویکفی فی صحته عموم أدلة الشرط} ولا إشکال فیه بما تردد فیه المستمسک باحتمال عدم صدق المضاربة، إذ لا ربط للاشتراط بالصدق، کما فی سائر العقود، فإن الشرط المنافی لمقتضی العقد ینافی الصدق لا غیره، حتی وإن کان مخالفاً للکتاب والسنة، وإنما البطلان حینئذ من دلیل خارج یشترط عدم منافاة الشرط لهما، هذا بالإضافة إلی أن بطلان الشرط لا یوجب فساد العقد، ولذا قال أخیراً: وإن کان الظاهر صدق العنوان عرفاً.

{وعن الشیخ الطوسی فیما إذا اشترط المالک علی العامل بضاعة بطلان الشرط دون العقد فی أحد قولیه} لأن الشرط الفاسد لیس بمفسد {وبطلانهما فی قوله الآخر} حکاهما المسالک عن الشیخ فی المبسوط، وأشکل علیه المستمسک وغیره بأن النسبة غیر ظاهرة، واستدل بأن عبارة المبسوط لا تدل علی القولین، لأن ما ذکره الشیخ أولاً کان وجهاً لا قولاً، وهو کذلک، لکن صریح الشرائع والتذکرة أن فی المسألة قولین.

وکیف کان، فقد {قال} الشیخ فی وجه بطلانهما: {لأن العامل فی القراض لا یعمل عملاً بغیر جعل ولا قسط من الربح} واللازم أن یکون القسط واضحاً

ص:9

وإذا بطل الشرط بطل القراض، لأن قسط العامل یکون مجهولاً، ثم قال: وإن قلنا إن القراض صحیح والشرط جائز لکنه لا یلزم الوفاء به، لأن البضاعة لا یلزم القیام بها، کان قویاً.

وحاصل کلامه فی وجه بطلانهما: أن الشرط المفروض

وإلا صار القسط مجهولاً، والجهل بالقسط یوجب انتفاء المضاربة، لأنه خلاف مقتضی العقد، فهو مثل أن یقول: قارضتک علی شیء من الربح.

{وإذا بطل الشرط} لجهالته {بطل القراض} إذ الشرط خلاف مقتضی العقد {لأن قسط العامل یکون مجهولا} لأن الشرط قد بطل، وإذا بطل ذهب من نصیب العامل وهو النصف قدر ما زید فیه لأجل البضاعة، وذلک القدر مجهول وإذا ذهب من المعلوم مجهول کان الباقی مجهولاً، ولهذا بطل القراض.

{ثم قال} الشیخ: {وإن قلنا إن القراض صحیح والشرط جائز} لأنه لیس خلاف الکتاب والسنة {لکنه لا یلزم الوفاء به} لأنه فی ضمن عقد جائز والشرط فی ضمن العقد الجائز جائز، {لأن البضاعة لا یلزم القیام بها، کان قویاً}.

ویأتی مثل هذا الکلام فی کل شرط لا یلزم القیام به وإن کان الشرط موجباً لجهل مقدار حصة أحدهما الموجب لجهل حصة کلیهما، حیث إن الجهالة فی أحد الطرفین فی الأعداد وسائر أقسام الکم والکیف یوجب جهالة کلا الطرفین، فإذا قسمت الحمرة الشدیدة _ ذات عشر درجات مثلاً _ إلی قسمین لم یعلم أن فی الطرف الأیمن کم درجة من الشدة، لم یعلم شدة الطرف الأیسر.

{وحاصل کلامه فی وجه بطلانهما} العقد والشرط {أن الشرط المفروض

ص:10

مناف لمقتضی العقد فیکون باطلاً، وببطلانه یبطل العقد، لاستلزامه جهالة حصة العامل من حیث إن للشرط قسطاً من الربح، وببطلانه یسقط ذلک القسط، وهو غیر معلوم المقدار

مناف لمقتضی العقد فیکون باطلاً} فإن أدلة الشرط لا تشمل الشرط المنافی لمقتضی العقد.

{وببطلانه یبطل العقد لاستلزامه جهالة حصة العامل} وقد عرفت أن جهالتها توجب جهالة حصة المالک أیضاً {من حیث إن للشرط قسطاً من الربح}، وکذلک فی سائر الشروط فی العقود، فإذا باعه بدینار بشرط أن یخیط المشتری ثوبه وکانت أجرة الخیاطة درهماً، کان معنی ذلک أنه باعه بدینار ودرهم وهکذا.

{وببطلانه یسقط ذلک القسط، وهو غیر معلوم المقدار} وهذا غیر کلی أن کل شرط فاسد مفسد، فإنه وإن لم نقل بذلک الکلی نقول بإفساده فی المقام، لما عرفت من منافاته لمقتضی العقد.

وکیف کان، فما یستفاد من کلام الشیخ فی وجه بطلان مثل هذه المضاربة أمران:

الأول: إن عقد المضاربة إنما یکون إذا کان من طرف عمل، ومن طرف مال، وهذا لا یتحقق فیما إذا وضع المالک علی العامل عملین {عمل المضاربة} و{عمل البضاعة} وجعل المال فی مقابل المضاربة فقط، ومعنی ذلک أن یکون علی العامل عمل بدون حصة ربح.

الثانی: إن الشرط إذا بطل _ لأنه خلاف مقتضی العقد، کما ظهر وجهه

ص:11

وفیه منع کونه منافیاً لمقتضی العقد، فإن مقتضاه لیس أزید من أن یکون عمله فی مال القراض بجزء من الربح، والعمل الخارجی لیس عملاً فی مال القراض، هذا مع أن ما ذکره من لزوم جهالة حصة العامل بعد بطلان الشرط ممنوع، إذ لیس الشرط مقابلاً بالعوض فی شیء من الموارد

فی الأول _ صارت حصة العامل مجهولة، إذ حصة العامل النصف إذا کان یعمل البضاعة أیضاً، فإذا لم یعمل البضاعة {لأنه شرط فاسد} لم یعلم کم قدر حصة العامل.

وأجاب المصنف عن أولهما بقوله: {وفیه منع کونه منافیاً لمقتضی العقد، فإن مقتضاه} أی مقتضی العقد {لیس أزید من أن یکون عمله فی مال القراض بجزء من الربح} فمال من المالک وعمل قراض من العامل، ولکلٍ جزء خاص من الربح.

{والعمل الخارجی} وهو البضاعة المشروطة علی العامل {لیس عملاً فی مال القراض) حتی یقال: بأنه عمل من العامل بدون ربح له من المالک.

{هذا مع أن ما ذکره} فی إشکاله الثانی: {من لزوم جهالة حصة العامل بعد بطلان الشرط ممنوع} فإن الربح الذی للعامل إنما هو فی قبال عمله المضاربی، لا فی قبال عمله المضاربی وعمله البضاعی معاً، {إذ لیس الشرط مقابلاً بالعوض فی شیء من الموارد} فإذا باعه کتاباً بدرهم بشرط أن یکنس البائع دار المشتری، لم یکن الدرهم فی

ص:12

وإنما یوجب زیادة العوض فلا ینقص من بطلانه شیء من الحصة حتی تصیر مجهولة

مقابل الکتاب والکنس، بل الدرهم فی قبال الکتاب فقط، والشرط أمر خارجی التزمه البائع فی ضمن العقد، فإذا انتفی الکنس لم یکن أحد طرفی العقد مجهولاً.

{وإنما یوجب زیادة العوض} فإن المالک أعطی زیادة للعامل فی قبال عمله المضاربی، وداعیه فی إعطائه هذه الزیادة أن العامل یعمل له البضاعة، وفرق واضح بین الداعی وبین الجزء من المعاملة، فإن الإنسان قد یعطی دیناراً للخطیب لأنه قرأ خطاباً، وقد یعطیه دیناراً فی قبال أنه خطب خطاباً.

{فلا ینقص من بطلانه} أی بطلان الشرط {شیء من الحصة حتی تصیر مجهولة} وتوجب جهالته بطلان المعاملة.

أما ما ذکره المستمسک من الإشکال علی الشیخ بقوله: (کان الأولی فی الإشکال علیه أن یقال إذا کان الشرط ملحوظاً عوضاً عن العمل، فبطلانه یوجب بطلان المعاوضة، وحصول الجهالة لانتفاء المعاوضة بانتفاء أحد طرفیها، وإذا لم یکن ملحوظاً عرضاً فلا جهالة فی العوض).

فیرد علیه بالإضافة إلی أن اللازم أن یقول: {إذا کان الشرط ملحوظاً عوضاً عن الربح} لأن الشرط من المالک علی العامل، فالمالک یعطیه الربح فی قبال عملین، عمل المضاربة وعمل البضاعة، وأنه لم یظهر وجه للأولویة.

نعم أشکل المستمسک علی ضرر الجهالة بقوله: (لو سلم الجهالة فی العوض علی هذا النهج فإنها غیر قادحة فی البیع، کما إذا باع ما یملک وما لم یملک

ص:13

وأما ما ذکره فی قوله: وإن قلنا إلخ، فلعل غرضه أنه إذا لم یکن

فضلاً عن المقام الذی لا تقدح فیه جهالة وجود الربح ولا جهالة مقداره التعینی وإن کان معلوماً بالحصة المشاعة، کما أشکل غیره أیضاً ببیع ما یملک وما لا یملک).

أقول: الإشکال وارد حیث إن الجهالة المطلقة ضارة، لا الجهالة بالقدر الواقع إزاء کل جزء، وإنما یضر الأول دون الثانی لأن دلیل نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عن الغرر((1)) لا یشمل إلا الأول، فحال الجهالة فی المقامین {مالم یملک وما لم یملک} حال ما إذا اشتری داراً وبستاناً بألفین، ولم یعلم أن أیاً منهما بإزاء کم من العوض.

ثم علی ما ذکرناه من جواز الجهالة بالنسبة إلی العین، یجوز أن یشتری الدار بقدر من النقد یکون ذلک النقد فی قبال الدار إذا بیعت هی والبستان بألفین، وذلک لأن النسبة معلومة فی الواقع عند العرف، وإن لم یعرفها المتبایعان.

ولذا یجوز أن یشتری وسقاً من الحنطة بدینار فی بلد یعرف قدر الوسق، وقیمة الدینار {قوته الشرائیة} وإن کان الطرفان غریبین لا یعرف هذا المشتری کم قدر الوسق بوزن بلادهم {حیث الوزن فی بلده بالحقق} ولا یعرف البائع قیمة الدینار بقوته الشرائیة فی بلادهم {حیث النقد فی بلده الدرهم} والمسألة وإن کانت بحاجة إلی التأمل، إلا أنها فی الجملة حسب القواعد.

{وأما ما ذکره} الشیخ {فی قوله: وإن قلنا إلخ، فلعل غرضه أنه إذا لم یکن

ص:14


1- الوسائل: ج12 ص266 الباب 12 من أبواب عقد البیع وشروطه ح12

الوفاء بالشرط لازماً یکون وجوده کعدمه فکأنه لم یشترط، فلا یلزم الجهالة فی الحصة، وفیه: إنه علی فرض إیجابه للجهالة لا یتفاوت الحال بین لزوم العمل به وعدمه، حیث إنه علی التقدیرین زید بعض العوض لأجله

الوفاء بالشرط لازماً یکون وجوده کعدمه فکأنه لم یشترط} فکما أنه إذا لم یکن شرط لم یکن هناک ما یضر بالمضاربة، فکذلک إذا کان شرط لکنه کان وجوده کعدمه.

{فلا یلزم الجهالة فی الحصة} الظاهر أن غرض الشیخ ما ذکره المستمسک بقوله: (غرضه تضعیف ما ذکره أولاً، واختیار صحة الشرط، وعدم وجوب الوفاء به لخصوصیة فی مضمونه، وهو البضاعة التی هی من العقود الجائزة، لا القصور فیه. أما إشکاله علی الماتن بأنه إذا کان غرض الشیخ ما ذکره الماتن کان الأولی تقریره، بناءً علی البطلان، لأن الباطل أولی أن یکون وجوده کعدمه، فکأنه لم یشترط)، انتهی.

فلم یظهر وجهه، لأنه إذا کان الشرط باطلاً أوجب الضرر بوجوده، وهو ما ذکره أولاً بأنه یوجب الجهالة، فکیف یقال: إن وجوده کعدمه.

{و} کیف کان ف_ {فیه: إنه علی فرض إیجابه} أی إیجاب الشرط {للجهالة لا یتفاوت الحال بین لزوم العمل به وعدمه، حیث إنه علی التقدیرین زید بعض العوض لأجله}، لکن یرد علی المصنف أنه کما تقدم أضرب الشیخ عن کلامه

ص:15

هذا وقد یقرر فی وجه بطلان الشرط المذکور أن هذا الشرط لا أثر له أصلا، لأنه لیس بلازم الوفاء، حیث إنه فی العقد الجائز، ولا یلزم من تخلفه أثر التسلط علی الفسخ، حیث إنه یجوز فسخه، ولو مع عدم التخلف

الأول إلی قوله: (وإن قلنا ...) فبنی علی صحة کل من العقد والشرط غیر أنه لا یجب الوفاء بالشرط لخصوصیة فی مضمونه، فلا یرد علیه قول المصنف: (وفیه ...)، ولذا أشکل علیه السید الجمال بقوله: (بعد أن کان مرجع هذا الوجه الأخیر إلی المنع عن کون الشرط فی ضمن العقود الجائزة بمنزلة الضمیمة لأحد العوضین وکان وجوده کعدمه، وکأنه لم یشترط فلا یقع من العوض الآخر شیء بإزائه علی کل من تقدیری صحته أو فساده، وإذا کان کذلک فمن أین یفرض إیجاب فساده جهالة العوض، وهل هو إلا من فرض إیجاب الشیء لما یلازم نقیضه).

{هذا وقد یقرر فی وجه بطلان الشرط المذکور} شرط البضاعة علی العامل بما ذکره الجواهر ب_ {أن هذا الشرط لا أثر له أصلاً، لأنه لیس بلازم الوفاء، حیث إنه فی العقد الجائز} الذی هو المضاربة، وکل شرط فی العقد الجائز غیر لازم الوفاء، کما تقدم أنه المشهور بینهم.

{ولا یلزم من تخلفه أثر التسلط علی الفسخ، حیث إنه یجوز فسخه ولو مع عدم التخلف}، فإن الشرط له آثار منها أثر تکلیفی هو وجوب الوفاء به، وبه یکون إیصال الحق إلی صاحب الشرط، فإنه وإن کان فی نفع الغیر، کما إذا شرط البائع علی المشتری إعطاءه خبزاً للفقیر، فإن الإعطاء حق للبائع إذا أعطاه المشتری للفقیر فقد أعطی حق البائع، وکذلک إذا شرط علیه قراءة سورة

ص:16

وفیه أولاً: ما عرفت سابقاً من لزوم العمل بالشرط فی ضمن العقود الجائزة ما دامت باقیة ولم تفسخ، وإن کان له أن یفسخ حتی یسقط وجوب العمل به.

وثانیاً: لا نسلم أن تخلفه لا یؤثر فی التسلط علی الفسخ

من القرآن بثواب أب المشتری مثلا.

ومنها وضعی هو جواز الفسخ مع التخلف، إن قلنا بوجود الحکم الوضعی کما هو المشهور. ومنها أنه إذا لم یف به المشروط علیه کان للشارط إلزامه به بسبب الحاکم، ومنها حق المشروط له أن یبطل ما کان خلاف الشرط إذا کان مما یقبل البطلان، کما إذا اشترطت علی الزوج أن لا یتزوج علیها فتزوج، فإن لها حق الإبطال للنکاح الجدید، إلی غیر ذلک مما ذکروا فی مسألة الشرط، وإن کان بعضها محل تأمل.

وعلی أی حال، فلا یترتب علی الشرط فی المقام أی أثر یجب الوفاء به، ولا یأتی حق الفسخ من قبل تخلف الشرط ولا للشارط إلزام المشروط علیه إذا لم یف.

{وفیه أولاً: ما عرفت سابقاً} من اختیار المصنف {لزوم العمل بالشرط فی ضمن العقود الجائزة ما دامت باقیة ولم تفسخ، وإن کان له} أی المشروط علیه {أن یفسخ} العقد {حتی یسقط وجوب العمل به} أی بالشرط.

{وثانیاً: لا نسلم أن تخلفه لا یؤثر فی التسلط علی الفسخ} إذا الفسخ علی قسمین: فسخ من جهة جواز العقد، وفسخ من جهة تخلف الشرط، وأحدهما غیر الآخر

ص:17

إذ الفسخ الذی یأتی من قبل کون العقد جائزاً إنما یکون بالنسبة إلی الاستمرار، بخلاف الفسخ الآتی من تخلف الشرط، فإنه یوجب فسخ المعاملة من الأصل

{إذ الفسخ الذی یأتی من قبل کون العقد جائزاً إنما یکون بالنسبة إلی الاستمرار}، فإذا عقد أول الشهر وفسخ وسط الشهر یکون الفسخ من وسط الشهر، ویترتب آثار العقد من أول الشهر إلی وسطه.

{بخلاف الفسخ الآتی من تخلف الشرط، فإنه یوجب فسخ المعاملة من الأصل} وإنما أتی هذا الفرق، لأن فی العقد الجائز لا دلیل علی أکثر من کون الفسخ من حین الفسخ، لا من أول زمان العقد، ولذا تکون کل الآثار من أول العقد إلی حین الفسخ للطرف المنتقل إلیه ونحوه، فإذا وکل زیداً فی اشتراء عشرة دور وکانت له من الأجرة لکل اشتراء دینار، فاشتری خمسة وفسخ أحدهما کان للمشتری علی البائع خمسة دنانیر، لا أجرة المثل لکل اشتراء، بتوهم أن الفسخ من الأصل فعلیه أجرة المثل، «لئلا یتوی عمل المسلم».

أما الفسخ فی العقد اللازم لتخلف الشرط، فهو فسخ من حین العقد، لأن العقد أنیط بهذا الشرط، فإذا لم یحصل الشرط کان للشارط أن یبطل العقد من أصل، حیث لم یف المشروط علیه بشرطه، وهکذا یکون حال العقد الجائز، لوحدة العلة فیهما، لکن ربما یورد علی ذلک أن الفسخ فی العقد اللازم أیضاً من حین الفسخ، ولذا فإذا تزوج البنت ثم فسخ عقدها، لأن فیها أحد مجوزات الفسخ، بقیت الأم حراماً، وکذلک سائر أقسام المحرمات بالمصاهرة إذا حصل

ص:18

فإذا فرضنا أن الفسخ بعد حصول الربح فإن کان من القسم الأول اقتضی حصوله من حینه، فالعامل یستحق ذلک الربح بمقدار حصته، وإن کان من القسم الثانی یکون تمام الربح للمالک

فسخ من أی منهما، وذلک لأنه حصل النکاح المحرم بالإطلاق، ولا دلیل علی أن الفسخ یجعله کأن لم یکن.

وکذلک إذا حلف أن لا یبیع ثم باع بالشرط وفسخ کان علیه الحنث، حیث إن الفسخ لا یجعل البیع کأن لم یکن، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

وإن شئت قلت: إن مقتضی الأدلة کون الفسخ من حین الفسخ، لأن تأثیره أثراً رجعیاً فی ما سبق بحاجة إلی الدلیل، والأصل عدمه، إلا إذا کان فی مورد دلیل خاص، ویدل علی ما ذکرناه ما ورد من أن النماء فی مدة الخیار للمشتری إذا حصل الفسخ.

وکیف کان، فموضع المسألة لیس هنا، وإنه أردنا الإلماع إلیه.

أما علی ما ذکره المصنف: {فإذا فرضنا أن الفسخ بعد حصول الربح فإن کان من القسم الأول} الذی یکون أثر الفسخ من حین الفسخ، لا من الأصل {اقتضی حصوله من حینه، فالعامل یستحق من ذلک الربح مقدار حصته} بالنسبة، فإذا کان له النصف کان له نصف الربح الحاصل إلی حین الفسخ وهکذا، سواء زادت الحصة عن الأجرة أو نقصت أو ساوت، وإن کان فی المساوی لا یظهر أثر عملی للفرق بین الحصة والأجرة.

{وإن کان من القسم الثانی} الذی یکون أثر الفسخ من الأصل وکأنه لم یحصل عقد أصلا {یکون تمام الربح للمالک} لأنه نماء ملکه، والمفروض أن العقد صار کأن لم یکن، وقد جعل هذا فی جامع المقاصد مقتضی النظر،

ص:19

ویستحق العامل أجرة المثل لعمله، وهی قد تکون أزید من الربح، وقد تکون أقل، فیتفاوت الحال بالفسخ وعدمه إذا کان لأجل تخلف الشرط.

لکن الجواهر قال: إنه لا یمکن التزام فقیه به، وإنه لا ینطبق علی القواعد.

أقول: هذا بالإضافة إلی ما ذکرناه مکرراً من عدم استقامة کون نماء الملک للمالک، لأنه ناتج العمل والملک معاً، فاللازم أن یکون بینهما.

{و} کیف کان، فعلی رأی المصنف {یستحق العمامل أجرة المثل لعمله، وهی قد تکون أزید من الربح، وقد تکون أقل} وقد تقدم أن احتمال أن یکون له أقل الأمرین، لأن الحصة إذا کانت أقل لا حق له فی التفاوت بینهما وبین الأجرة، لأنه بنفسه أهدر التفاوت، حیث دخل علی أن یکون له بقدر الحصة فقط، غیر تام، بعد أن کان دخوله کذلک إنما کان حیث العقد، لا أنه دخل مطلقاً ولو لم یکن عقد.

{فیتفاوت المال بالفسخ وعدمه} أی عدم الفسخ، وإن کان فسخ آخر من جهة جواز {العقد إذا کان لأجل تخلف الشرط} فقد یکون له حصة أقل أو أکثر من الأجرة، وقد یکون له أجرة أقل أو أکثر من الحصة.

وکیف کان، فإشکال المصنف علی الجواهر غیر ظاهر، وإن جعله المستمسک ظاهراً، وغالب من وجدتهم من المعلقین سکتوا علی المصنف فی إشکاله علی الجواهر، إلا أن أحدهم قال عند قول المصنف: {بخلاف الفسخ الآتی من تخلف الشرط}: (الظاهر عدم الفرق بین الصورتین فی کون الانفساخ من حین الفسخ)، انتهی.

ولعله أراد ما ذکرناه، والله العالم.

ص:20

مسألة ٣٤ الربح للعامل بمجرد الظهور

(مسألة 34): یملک العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره من غیر توقف علی الإنضاض أو القسمة، لا نقلاً ولا کاشفاً علی المشهور، بل الظاهر الإجماع علیه، لأنه مقتضی اشتراط کون الربح بینهما

(مسألة 34): {یملک العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره، من غیر توقف علی الإنضاض} بأن یصبح الربح نقداً {أو القسمة} بأن یکون له حق قبل القسمة فإذا قسم کان له ما قسم له {لا نقلاً ولا کشفاً} فالإنضاض والقسمة لا ینقلان الربح إلی العامل، کما أنهما لا یکشفان عن کون الربح کان للعامل قبل ذلک، فلا مدخلیة لهما إطلاقاً، بل وجودهما کعدمهما فی أن الملک للعامل حصل بمجرد الربح، وقولهم ظهور الربح یراد به عالم الثبوت، لا عالم الإثبات، کما هو واضح.

{علی المشهور، بل الظاهر الإجماع علیه} ولذا قال المسالک: لا یکاد یتحقق فیه مخالف ولا نقل فی کتب الخلاف عن أحد من أصحابنا ما یخالفه، ونحوه من غیره.

نعم فی القواعد: ویملک بالظهور لا بالإنضاض علی رأی.

قال فی المستمسک: وظاهره التوقف وعدم انعقاد الإجماع علیه.

{لأنه مقتضی اشتراط کون الربح بینهما}، فإذا حصل ربح کان بینهما.

وإشکال المستمسک وغیره علیه بأن الشرط إنما اقتضی الملک علی تقدیر الوجود لا أنه یقتضی الوجود، کما هو المدعی. ومنه یظهر الإشکال فی قوله: (ولأنه مملوک)، انتهی.

غیر وارد، لأن الحکم وهو {للعامل} کان مرتباً علی الموضوع وهو {الربح}، فإذا حصل الربح حصل الحکم، فادعاء عدم الملک مع قبول تحقق {الربح} غیر ظاهر الوجه.

ص:21

ولأنه مملوک ولیس للمالک فیکون للعامل، وللصحیح: رجل دفع إلی رجل ألف درهم مضاربة فاشتری أباه وهو لا یعلم، قال (علیه السلام): «یقوّم فإن زاد درهماً واحداً انعتق

{ولأنه مملوک} إذ لیس من المباحات الأصلیة، ولا مثل الوقف.

{ولیس للمالک} لفرض أنه زائد علی حصة المالک، کما لیس لغیرهما بالضرورة.

{فیکون للعامل}، والإشکال علیه، کما فی بعض الحواشی: (إن الربح قبل الإنضاض لیس أمراً موجوداً فی الخارج حتی یکون مملوکاً، بل ولا یعتبر العقلاء للربح وجوداً فی مقابل العین مملوکاً بملکیة ما وراء ملکیة العین) انتهی.

غیر وارد، إذ الربح أمر عرفی ولیس دقیاً وهو حاصل، وقوله بعدم اعتبار العقلاء خلاف ما یظهر من مراجعة العرف، ولذا یؤخذ من مثل هذا العامل الضرائب فی الحکومات الحاضرة، ویفرح العاملون بهذا الظهور، ویکذبون إذا ادعوا أنهم لا یملکون شیئاً، إلی غیر ذلک.

{وللصحیح} الذی رواه المشایخ الثلاثة، عن الصادق (علیه السلام) قال: قلت له: {رجل دفع إلی رجل ألف درهم مضاربة فاشتری أباه وهو لا یعلم}، أی فهل یعتق الأب علی العامل، حیث إن الإنسان لا یملک العمودین.

{قال (علیه السلام): «یقوم} الأب {فإن زاد درهماً واحداً} هذا من باب المثال کما لا یخفی، إذ زیادة دانیق له نفس الحکم أیضاً {انعتق} لبناء العتق علی التغلیب

ص:22

واستسعی فی مال الرجل»، إذ لو لم یکن مالکاً لحصته لم ینعتق أبوه، نعم عن الفخر عن والده أن فی المسألة أربعة أقوال، ولکن لم یذکر القائل ولعلها من العامة.

{واستسعی} العبد {فی مال الرجل»}((1)) المالک، لأن الزائد من حصة العامل للمالک، وجه الاستدلال بهذا الصحیح أنه {إذ لو لم یکن} العامل {مالکاً لحصته} بمجرد زیادة درهم {لم ینعتق أبوه} فإن العتق إنما هو فیما إذا کان العامل مالکاً لشیء.

وردّ المستمسک للمصنف بقوله: (هذا أول الکلام، بل من الجائز الانعتاق بذلک وارتکابه أهون من ارتکاب ملک العامل بالظهور، إذ تحقق أنه لا وجود له) غیر ظاهر، إذ لا وجه للانعتاق إلا الملک، کما یفهم من روایات الانعتاق لمن ملک العمودین، ولیس کلام المصنف فی الاستحالة العقلیة، بل کلامه فی الظهور العرفی وهو حاصل، فرده ب_ (الجائز) خلاف القاعدة.

نعم الأدلة العقلیة ترد إذا کان خلاف المدلول ممکناً، ولذا قالوا (إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال) إنما هو فی الأدلة العقلیة، لا فی الظهورات العرفیة المستفادة من الأدلة اللفظیة.

{نعم عن الفخر عن والده} العلامة {أن فی المسألة أربعة أقوال} کما نقله المسالک وغیره عنه {ولکن لم یذکر القائل ولعلها من العامة} کما ذکر بعضها التذکرة عنهم.

ص:23


1- الوسائل: ج13 ص188 الباب 8 من أبواب المضاربة ح1

أحدها: ما ذکرنا.

الثانی: إنه یملک بالإنضاض، لأنه قبله لیس موجوداً خارجیاً، بل هو مقدر موهوم.

الثالث: إنه یملک بالقسمة، لأنه لو ملک قبله لاختص بربحه ولم یکن وقایة لرأس المال.

الرابع: إن القسمة کاشفة عن الملک سابقاً، لأنها توجب استقراره، والأقوی ما ذکرنا لما ذکرنا.

{أحدها: ما ذکرنا} من ملک العامل للربح بمجرد الظهور.

{الثانی: إنه یملک بالإنضاض، لأن قبله لیس موجوداً خارجیاً، بل هو مقدر موهوم} وقد ذکر هذا التعلیل الإیضاح لهذا الوجه، ورده المستمسک بأنه إن تم اقتضی نفی الأول لا إثبات الثانی، وفیه: إنه یثبت الثانی بمقدمة مطویة هی عدم الشک فی کونه لدی الانضاض للعامل، لأنه حینئذ موجود خارجی.

{الثالث: إنه یملک بالقسمة} فالإنضاض لا یکفی فی ملکیة العامل له {لإنه لو ملک قبله لاختص بربحه} کما ذکره الإیضاح تعلیلاً لهذا الوجه، ورده له بأنه إنما ینفی الأولین ولا یثبت الثالث، فیه ما تقدم فی الثانی.

{ولم یکن وقایة لرأس المال} فکونه وقایةً دلیل علی عدم ملک العامل له قبل القسمة.

{الرابع: إن القسمة کاشفة عن الملک سابقاً} بظهور الربح {لأنها} أی القسمة {توجب استقراره} فالفرق بینه وبین الثالث أن القسمة فی الثالث ناقلة، وفی هذا کاشفة، وأثر الفرق المذکور یظهر مما ذکروه فی الکشف والنقل فی التصرف الذی یتعقب المعاطاة، وفی مسألة بیع الفضول وغیرهما.

{والأقوی ما ذکرنا} من القول الأول {لما ذکرنا} من الدلیل.

ص:24

ودعوی أنه لیس موجوداً کما تری، وکون القیمة أمراً وهمیاً ممنوع

{ودعوی} القول الثانی {أنه لیس موجوداً، کما تری} إذ لو أرید به الوجود الذی یحصل بالإنضاض فذلک مما لم یدعه أحد، ولو أرید به الوجود الاعتباری الذی هو میزان جملة من المالیات مما یجعله العقلاء محور الأخذ والعطاء فهو موجود، ولذا یجعله العقلاء منشأ الآثار.

{و} إن قلت: الموجود هو العین فقط، والعین لم یزد فیها، والقیمة وإن زیدت إلا أنها لیست شیئاً خارجیاً، بل هی أمر وهمی، والأمر الوهمی لا یعقل أن یکون ملکاً، لأن ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبت له.

قلت: {کون القیمة أمراً وهمیاً ممنوع} لأن الأمر الوهمی لا یکون منشأ اعتبار العقلاء، والآثار التی یرتبونها علی الموجود، فإذا رأیناهم یرتبون الآثار علی القیمة ظهر من ذلک أن للقیمة وجوداً عندهم، ومثل هذا الوجود کاف فی أن یکون مملوکاً.

ومنه یعلم أن قول المستمسک: (إن الدعوی المذکورة فی محلها ولذلک کان المعروف بینهم عدم وجوب الخمس فی ارتفاع القیمة، وأفتی به المنصف فی کتاب الخمس، وقوله (ممنوع) غیر ظاهر، إذ القیمة عبارة عن المالیة التی تکون فی العین، ولا  شک أنها أمر اعتباری ناشئ عن حدوث الرغبة فی العین المصحح للتنافس علیها عند العقلاء وبذل المال بإزائها، ولیس لها وجود عینی فی الخارج) انتهی.

غیر ظاهر الوجه، فإن المعروف من عدم الخمس فی ارتفاع القیمة محل منع، مع أنه یصدق علیه الغنیمة والفائدة، ألا یقال إن فلاناً استفاد فائدة

ص:25

کبیرة إذا صار رأس ماله علی الضعف، وقد فسر غیر واحد الغنیمة بالفائدة، وکذلک یقال غنم غنیمة کبیرة.

وقول الجواهر (بأن الربح حقیقة ما زاد علی عین رأس المال) مصادرة، وادعاء أن العرف واللغة یقتضیان ذلک أول الکلام، بل الظاهر منهما أعم من ذلک، کما یجده المراجع إلی العرف وإلی اللغة المأخوذة أیضاً من العرف.

وأما قول المستمسک: (المنع غیر ظاهر)، ففیه: بالإضافة إلی النقض بأنه لو لم یکن ارتفاع القیمة شیئاً فلماذا یبذل المال بإزائه، أن العین کانت فی قبال عشرة، فلماذا صارت الآن فی قبال عشرین، ألیس هناک روح سار فی هذه العین قد یکون معادلاً لعشرة وقد یکون معادلاً لعشرین.

فإن القیمة کما حققه الاقتصادیون ویراه العرف، روح سار فی الأعیان باعتبار ذلک الروح تکون عین تساوی عیناً أو أقل منها أو أکثر، فکل من مقدار خاص من اللبن والتمر والزبد والجبن فیه شیء یجعل اللبن بقدر التمر قیمة وأکثر من الزبد وأقل من الجبن مثلاً، وبالارتفاع والانخفاض العین لم تتبدل، فما الذی بدل إذا لم تکن القیمة أمراً واقعیاً وموجوداً فی عالم الاعتبار.

وقد حقق فی محله أن الأمور الاعتباریة والأمور الانتزاعیة لها وجودات فی عوالمها، کما أن الأعیان الخارجیة لها وجودات فی عوالمها، وتلک الوجودات هی محل الآثار الشرعیة والعقلیة، وکما لا یضر عدم وجود العین فی عالمی الاعتبار والانتزاع، کذلک لا یضر عدم وجود الأمور الاعتباریة و

ص:26

مع أنا نقول: إنه یصیر شریکاً فی العین الموجودة بالنسبة، ولذا یصح له مطالبة القسمة مع أن المملوک لا یلزم أن یکون موجوداً خارجیاً، فإن الدین مملوک، مع أنه لیس فی الخارج

الانتزاعیة فی عالم الأعیان، ولم یدع أحد أن للارتفاع وجوداً فی الأعیان الخارجیة حتی یرده المستمسک بأن القیمة لیس لها وجود عینی فی الخارج، وکان الأولی فی المقام إحالة الأمر إلی العرف حتی لا یحتاج إلی ذکر الأمور الدقیة.

{مع أنا نقول:} إذا سلمنا عدم وجود قیمة یشترک فیها العامل لأنها أمر وهمی {إنه} أی العامل {یصیر شریکاً فی العین الموجودة بالنسبة}، وذلک بعد تسلیم ثلاث مقدمات: هی أن الربح موجود عرفاً، وأن العامل شریک فی الربح، وأنه لا مکان للشرکة إلا العین، فاللازم الاشتراک فی العین.

{ولذا} الذی هو شریک فعلی {یصح له مطالبة القسمة} حیث إن العامل له إبطال المضاربة، ولولا حقه فی الربح بعد الإبطال فمن أین له المطالبة بالقسمة؟

ومنه یعرف وجه النظر فی کلام المستمسک حیث قال: (لا وجه له، لأنه إذا لم یکن له ربح فلا ملک للعامل فی الذمة ولا فی العین) انتهی.

ثم نأتی لنسلّم أن القیمة لیست عیناً خارجیة، ونسلّم أن العامل لیس شریکاً فی العین، لکنا نقول: العامل مالک لهذه القیمة التی لیست خارجیة، وذلک ما أشار إلیه بقوله: {مع أن المملوک لا یلزم أن یکون موجوداً خارجیاً، فإن الدین مملوک، مع أنه لیس فی الخارج} فإذا طلب زید من عمرو دیناراً قال: إنی أملک دیناراً، عرفاً وشرعاً، مع أن الدینار لیس فی الخارج، فإذا صح ذلک فی

ص:27

ومن الغریب إصرار صاحب الجواهر علی الإشکال فی ملکیته، بدعوی أنه حقیقة ما زاد علی عین الأصل، وقیمة الشیء أمر وهمی لا وجود له لا ذمة ولا خارجاً، فلا یصدق علیه الربح، نعم لا بأس أن یقال: إنه بالظهور ملک أن یملک، بمعنی أن له الإنضاض فیملک

الدین فأی مانع أن یصح فی القیمة التی لیست بعین خارجیة، وقد رد ذلک المستمسک بما لا یعلم مراده قال: (هذا مسلّم، إلا أنه لما کان له مطابق خارجی ومصداق عینی، صح أن یکون مملوکاً، ولیس کذلک القیمة المالیة) انتهی.

فإنه إذا انتهت النوبة إلی مثل هذا کان العکس أولی، إذ القیمة لها مطابق خارجی ومصداق عینی هی العین الموجودة، بینما الدین الذی فی ذمة إنسان لیس له مطابق خارجی ولا مصداق عینی.

{ومن الغریب إصرار صاحب الجواهر علی الإشکال فی ملکیته} أی ملکیة الربح {بدعوی أنه حقیقة ما زاد علی عین الأصل} لأن الأصل علی حاله وإنما المفروض ارتفاع القیمة.

{وقیمة الشیء أمر وهمی لا وجود له لا ذمةً ولاخارجاً} إذ لیس فی ذمة المالک ولا له فی الخارج عین، لفرض بقاء العین علی حالها.

{فلا یصدق علیه الربح} وحیث لا یمکن إنکار أنه حدث شیء بارتفاع القیمة، إذ تختلف حال ما قبل زیادة القیمة وعند زیادة القیمة، قال: {نعم لا بأس أن یقال: إنه بالظهور} للربح {ملک} العامل {أن یملک، بمعنی أن له الانضاض فیملک} إذ نض المال، وهل هذا الکلام (نعم) إلاّ تحاش من أمر عرفی وحقیقة

ص:28

وأغرب منه أنه قال: بل لعل الوجه فی خبر عتق الأب ذلک أیضاً، بناءً علی الاکتفاء بمثل ذلک فی العتق المبنی علی السرایة، إذ لا یخفی ما فیه، مع أن لازم ما ذکره کون العین بتمامها ملکاً للمالک حتی

اعتباریة إلی أمر لیس بعرفی، وإلی ما لا یعتبره العقلاء.

{وأغرب منه أنه قال: بل لعل الوجه فی خبر عتق الأب} فی الصحیح المتقدم((1)) {ذلک} أی ملک العامل أن یملک الربح، فیما اشتری أباه وربح ولو درهماً {أیضاً، بناءً علی الاکتفاء بمثل ذلک} أی ملک أن یملک {فی العتق المبنی علی السرایة} فکما یحرر الشارع العبد بالسرایة، کذلک یحرر الشارع العبد إذا ملک العمودان أن یملکا شیئاً من العبد.

وإنما کان أغرب {إذ لا یخفی ما فیه} إذ لا داعی إلی مثل هذا التکلف بعد أن یری العرف أن الولد قد ملک شیئاً من أبیه بمجرد ارتفاع قیمة الأب، فاللازم أن یختص أمر العتق بما إذا ملک لا بإضافة ما إذا ملک أن یملک، ولذا لم یذکر ذلک أحد من الفقهاء قبل الجواهر، بل والمشهور بعده أیضاً ذهبوا إلی ما ذهب إلیه من قبله (رحمه الله).

قال السید البروجردی: هذا (أی لعل الوجه...) فی غایة الضعف، إذ غایة ما یمکن أن یقال هو أن ملکه لأن یملک أباه موجب لعتق أبیه، ولیس هنا کذلک، فإنه ملک أن یملک قیمة أبیه لا نفسه.

{مع أن لازم ما ذکره} الجواهر {کون العین بتمامها ملکاً للمالک حتی

ص:29


1- الوسائل: ج13 ص188 الباب 1 إذا اشتری أباه ح1

مقدار الربح مع أنه ادعی الاتفاق علی عدم کون مقدار حصة العامل من الربح للمالک، فلا ینبغی التأمل فی أن الأقوی ما هو المشهور، نعم إن حصل خسران أو تلف بعد ظهور الربح خرج عن ملکیة العامل، لا أن یکون کاشفاً عن عدم ملکیته من الأول

مقدار الربح مع أنه} بنفسه {ادعی الاتفاق علی عدم کون مقدار حصة العامل من الربح للمالک} فکیف یمکن الجمع بین هذین الکلامین.

{فلا ینبغی التأمل فی أن الأقوی} بل المتعین {ما هو المشهور} من ملک العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره، أما کون الربح وقایة لرأس المال، کما ذکره القائل بالقول الثالث، فلیس ذلک دلیلاً علی تمامیة ما ذکرناه، وذلک لما ذکره بقوله:

{نعم إن حصل خسران أو تلف بعد ظهور الربح خرج عن ملکیة العامل، لا أن یکون} التلف أو الخسران {کاشفاً عن عدم ملکیة من الأول}، فالملکیة تحصل من حین الظهور للربح، لکنها ملکیة غیر مستقرة، کما عبر بذلک غیر واحد من الفقهاء، وإن قال السید البروجردی: (إنه لیس بذلک البعید لأن ما اشترط فی العقد کونه بینهما هو ربح تجارته بالمال، لا ربح کل واحد من معاملاته والربح المتعقب بالخسران لا یوجب کون التجارة رابحة حتی یشمله الشرط، ودلالة النص علیه أیضاً لا یخلو من مناقشة، وعلی تقدیر حصول الملکیة فالظاهر عدم ترتب آثار الملک علیه، لتعلق ضرر المال به، لکونه وقایة لرأس ماله) انتهی.

ص:30

وعلی ما ذکرنا یترتب علیه جمیع آثار الملکیة، من جواز المطالبة بالقسمة وإن کانت موقوفة علی رضا المالک، ومن صحة تصرفاته فیه من البیع والصلح ونحوهما، ومن الإرث وتعلق الخمس والزکاة وحصول الاستطاعة للحج، وتعلق حق الغرماء به ووجوب صرفه فی الدین مع المطالبة، إلی غیر ذلک.

ولا یخفی أن النزاع علمی لا أثر له.

{وعلی ما ذکرنا} من أنه ملک متزلزل {یترتب علیه جمیع آثار الملکیة، من جواز المطالبة بالقسمة} بالنسبة إلی الربح، کما هو شأن کل شریکین فی شیء {وإن کانت} القسمة {موقوفة علی رضی المالک} إذ القسمة لا تکون إلا برضی الطرف.

نعم إن امتنع الطرف کان له الإجبار بواسطة الحاکم، وإن لم یمکن الإجبار کان له الأخذ من باب التقاص کما ذکرنا ذلک فی کتاب القضاء.

{ومن صحة تصرفاته فیه من البیع والصلح ونحوهما} من سائر المعاملات الممکنة شرعاً، وکذلک مثل جعله مهراً، {ومن الإرث} لو مات {وتعلق الخمس والزکاة وحصول الاستطاعة للحج} لأنه مال، فیشمله أدلة تلک الأمور.

{وتعلق حق الغرماء به} فی المفلس {ووجوب صرفه فی الدین مع المطالبة} وعدم مال له غیره عیناً، أو مع وجود مال آخر له کفایةً {إلی غیر ذلک} کوجوب إعطاء نفقة واجبی النفقة منه عیناً أو کفایةً، وأنه لا یکون معسراً حتی ینظر إلی المیسرة، ولزوم وفاء نذره ونحوه منه، ولو فعل بالمال فعل الملاک ثم خسر ونحوه

ص:31

فإن کانت عینه موجودة استرجعها، أو أعطی بدلها، إذ لا دلیل علی لزوم کون الوقایة من العین، فإن المفهوم عرفاً من کون الربح وقایةً أنه أو بدله کذلک، کما هو المستفاد من وجوب أداء الأمانة وصرف ربح الوقف ونحوهما، فإذا أعطاه دیناراً أمانةً فأرجع دیناراً کان قد أدة الأمانة ولایعد خائناً.

وکذلک إذا أخذ ربح الوقف، وصرف بقدره فی الموقوف علیه، کان عمل بقاعدة «الوقوف علی ما وقفها أهلها»، إلی غیر ذلک.

ولو لا رؤیة العرف الأعم _ والمفروض أنه هو الذی ألقی إلیه الکلام، حسب «إلا بلسان قومه» ونحوه _ لکان اللازم القول بالخصوصیة فی العین، ولو للاستصحاب، ولو أجری علی العین معاملة ثم ظهرت الخسارة کانت المعاملة فضولیة متوقفة علی إجازة المالک.

نعم إذا أجری المعاملة علی الذمة، ثم جعل الربح وفاءً فسقط الربح، کان علیه أن یفی من مکان آخر.

إلی غیرها من المسائل المرتبطة بالمقام من مختلف أبواب المعاملات.

ص:32

مسألة ٣٥ الربح وقایة لرأس المال

(مسألة 35): الربح وقایة لرأس المال، فملکیة العامل له بالظهور متزلزلة، فلو عرض بعد ذلک خسران أو تلف یجبر به إلی أن تستقر ملکیته، والاستقرار یحصل بعد الانضاض والفسخ والقسمة

(مسألة 35): {الربح وقایة لرأس المال} بلا إشکال ولا خلاف، وفی المسالک إنه محل اتفاقهم، ویدل علی ذلک أنه مقتضی العقد، لأن حصة من الربح المجعول للعامل لا تحقق له إذا خسر.

أما ما فی المستمسک من أن الربح المجعول للعامل ما زاد علی تدارک النقص المالی الحادث من خسران أو تلف، فلا یخفی ما فیه من المسامحة فی التعبیر، إذ القدر المتدارک لا یسمی ربحاً.

{فملکیة العامل به بالظهور متزلزلة} لأنه لا یعلم هل یخسر ونحوه أم لا، فلو لم یخسر ونحوه ظهر أنه کان ملکاً مستقراً لم یعلم به، فإن احتمال الخسران ظاهری، إذ الواقع لا یغیر عن واقعه.

{فلو عرض بعد ذلک خسران أو تلف یجبر به} أی بذلک الربح {إلی أن تستقر ملکیته} فلا تزلزل بعد ذلک.

{والاستقرار یحصل بعد الانضاض والفسخ والقسمة} لأن العقد قد انتهی بجمیع توابعه، فلا وجه لعدم الاستقرار، فإن مقتضی الملک الاستقرار، إلا إذا دل دلیل علی عدم استقراره، فلا مجال لاحتمال کون مقتضی الاستصحاب عدم الاستقرار، لأن الاستقرار مرتبة شدیدة والأصل عدمه، إذ بالإضافة إلی ما ذکرناه نقول: التزلزل والاستقرار مرتبتان من قبیل نوعین فلا تدرج بینهما حتی یقال

ص:33

فبعدها إذا تلف شیء لا یحسب من الربح، بل تلف کل علی صاحبه

بجریان الاستصحاب فی المرتبة النازلة.

وقد ذکرنا مثل ذلک فی عقدی الدوام والمتعة، فلیست المتعة مرتبة خفیفة والدوام مرتبة شدیدة، حتی إذا شک أو اختلفا یکون الأصل مع المتعة، بل مقتضی الأصل أن یکون مع الدوام لأن قیده بالزمن خلاف الأصل، وبدون القید یکون الدوام.

وقد أشار الجواهر إلی وجه ما ذکره المصنف بقوله: لا ریب فی الاستقرار حینئذ ضرورة انتهاء العقد بجمیع توابعه مع تراضیهما بذلک.

أقول: وسکت عن المقدمة المطویة، أی ما ذکرناه بقولنا: (فلا وجه...)، وقال فی جامع المقاصد: لا بحث فی الاستقرار بذلک، وفی المستمسک: لا ریب فیه، وعن الإیضاح: الإجماع علیه، لأنه قال: یستقر بارتفاع العقد وانضاض المال والقسمة عند الکل.

وکیف کان، فإذا اجتمعت الثلاثة {فبعدها إذا تلف شیء لا یحسب من الربح، بل تلف کل} من الأصل والربح للمالک عند المالک والربح للعامل عند العامل {علی صاحبه} إذ لا وجه لأن یکون مال إنسان علی إنسان آخر، والظاهر أنه یصح الشرط فی ضمن عقد لازم علی أن یکون التلف بعد الثالثة من کیس غیر مالکه، لإطلاق أدلة الشرط.

هذا إذا اجتمعت الثلاثة، أما الثلاثة المفردة الأخر، أی إذا حصل الفسخ وحده بدون الانضاض والقسمة، أو حصل الانضاض فقط، أو القسمة فقط، وکذلک

ص:34

ولا یکفی فی الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ، بل ولا قسمة الکل کذلک

الثالثة المرکبة، أی الانضاض مع الفسخ أو مع القسمة، أو الفسخ مع القسمة، فقد أشار المصنف إلیها بقوله:

{ولا یکفی فی الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ} کما هو المشهور، وجعله فی الجواهر بلا ریب، وإن کان یظهر من القواعد حیث قال: إنما یستقر بالقسمة أو بالانضاض والفسخ، أن القسمة کافیة فی الاستقرار.

ولذا أشکل علیه جامع المقاصد بأن قسمة الربح وحده لا تخرجه عن کونه وقایة لرأس المال، انتهی، إلا أنه لم یظهر له وجه تام، إذ معنی القسمة بناؤهم علی أن یکون لکل ما قسم له، فاسترجاعه منه بالخسارة ونحوه یحتاج إلی دلیل، ولذا قال فی المستمسک: (لا إطلاق لفظی لدلیل الوقایة، کی یتمسک به فی المقام، وأن العمدة فی الوقایة الإجماع والارتکاز العرفی، ولیس من الواضح شمولهما لما بعد القسمة) انتهی.

أما تصحیحه بما فی بعض التعالیق بأن القسمة فسخ فعلی، فلا یکون التلف بعدها محسوباً من الربح، ففیه: عدم تسلیم أن کل قسمة فسخ، کما إذا کان رد المال إلی المالک مع نصیبه من الربح، لاحتمال عروض عارض أو لداع آخر من الدواعی.

{بل ولا قسمة الکل کذلک} یرد علیه أنه لا یکون فی قبال ما تقدم من قسمة الربح، وقد ذکر جامع المقاصد أنه لا معنی للقسمة إلاّ قسمة الربح، إذ لیس فی رأس

ص:35

ولا بالفسخ مع عدم القسمة

المال شراکة، أما ما ذکره السید البروجردی وتبعه بعض المعلقین الآخر بقوله: الظاهر إن قسمة الکل لا تنفک عن الفسخ، فیرد علیه ما تقدم من عدم التلازم بین القسمة وبین الفسخ.

{ولا بالفسخ مع عدم القسمة} وکأنه لأن المضاربة لم تتم بعد، وإذا بقی حکم المضاربة یکون الخسران علی الربح، لأنه من أحکامها، لکن فی الجواهر تبعاً لجامع المقاصد جعله مبنیاً علی وجوب البیع علی العامل بعد الفسخ، وإن قلنا بعدمه فوجهان.

لکن الأقرب أن الفسخ یوجب استقرار الملک، إذ المفروض أن الجبران کان من توابع المضاربة، وقد ارتفعت بالفسخ، ولذا أشکل غیر واحد من المعلقین علی المصنف، والاستدلال للجبران بالاستصحاب وعموم «علی الید»((1)) وصدق مال القراض لیشمله ما دل علی أن مال القراض وضعیته من الربح، بضمیمة أن عدم صدق أنه مقارض لا ینافی صدق مال المقارضة الذی هو موضوع الحکم المذکور، وأن رأس المال یجب أن یسلم إلی المالک تاماً إذا کان ربح فیشمله له، غیر تام ینافی ما قرراه من التسلیم التام مع وجود الربح وأن الارتکاز العرفی بقاء الأحکام إلی أن تتحقق القسمة، غیر تام علی ذکر بعضهم.

إذ یرد علی الأول: إنه لا مجال له بعد تبدل الموضوع بالفسخ.

وعلی الثانی: إن المال أمانة بید العامل فلا یشمله دلیل الید.

وعلی الثالث: إنه کان مال المقارضة، فدلیل الجبران لا یشمله، وإلاّ لشمل

ص:36


1- المستدرک: ج13 ص215 باب نوادر الشهادات ح5

فلو حصل خسران أو تلف أو ربح کان کما سبق، فیکون الربح مشترکاً والتلف والخسران علیهما، ویتمم رأس المال بالربح، نعم لو حصل الفسخ ولم یحصل الانضاض ولو بالنسبة إلی البعض وحصلت القسمة فهل تستقر الملکیة أم لا.

ما إذا حصل جمیع الثلاثة الانضاض والفسخ والقسمة، وهل یقول القائل بذلک ویری أن خروج ذلک بدلیل خاص.

وعلی الرابع: إن التسلیم لیس من تتمة المضاربة، کما أن تسلیم العین المستأجرة لیس من تتمة الإجارة، إلی غیر ذلک، کیف والمفروض أن المضاربة قد ارتفعت بالفسخ.

وعلی الخامس: إن الارتکاز بالعکس، وأنه یقتضی بقاء الأحکام إلی أن تتحقق الفسخ، کما فی سائر العقود، فإذا حصل الفسخ وارتفعت المضاربة ارتفعت بکل أحکامها.

ومنه یعلم وجه النظر فی قوله: {فلو حصل خسران أو تلف أو ربح کان کما سبق} قبل الفسخ {فیکون الربح مشترکاً والتلف والخسران علیهما ویتمم رأس المال بالرح} بل اللازم أن یکون لکل ماله، ولکل أحکام ماله من الربح والخسران والتلف.

{نعم لو حصل الفسخ ولم یحصل الانضاض ولو بالنسبة إلی البعض وحصلت القسمة} بأن حصل أمران من الأمور الثلاثة الفسخ والقسمة {فهل تستقر الملکیة} کما ذهب إلیه جامع المقاصد والجواهر والمستمسک وغیرهم من المعلقین الذین ظفرت بتعلیقاتهم، لانتهاء أمد المضاربة بالفسخ کما تقدم، {أم لا}، لبعض

ص:37

إن قلنا بوجوب الانضاض علی العامل فالظاهر عدم الاستقرار، وإن قلنا بعدم وجوبه ففیه وجهان، أقواهما الاستقرار.

والحاصل: إن اللازم أولاً دفع مقدار رأس المال للمالک ثم یقسم ما زاد عنه بینهما علی حسب حصتهما، فکل خسارة وتلف قبل تمام المضاربة یجبر بالربح، وتمامیتها بما ذکرنا من الفسخ والقسمة.

الأدلة السابقة فی صورة الفسخ مع عدم القسمة، أم یفصل بما ذکره المصنف بقوله: {إن قلنا بوجوب الانضاض علی العامل فالظاهر عدم الاستقرار، وإن قلنا بعدم وجوبه ففیه وجهان، أقواهما الاستقرار} وکأنه لأنه فی الأول لم تتم المضاربة، وفی الثانی حیث لا یجب الانضاض، فقد انتهت المضاربة، فلا وجه لعدم الاستقرار، لکنک عرفت أن مقتضی القاعدة الاستقرار مطلقاً.

قال فی المستمسک: (الظاهر أن الارتکاز العرفی یساعد علی الاستقرار بالقسمة وإن قلنا بوجوب الانضاض علی العامل تعبداً).

أقول: لعله أراد بالتعبد بناء العقد علی ذلک، لا أنه تعبد شرعی، إذ العقود تتبع القصود، ولذا کان الارتکاز العرفی دلیلاً علی الاستقرار، إذ لا یظهر من الأدلة الشرعیة تصرف الشارع فی المضاربة خلاف العرف، بل قد أمضاها الشارع کما سبق أول بحث المضاربة.

{والحاصل: إن اللازم} عند المصنف {دفع مقدار رأس المال للمالک وثم یقسم ما زاد عنه بینهما علی حسب حصتهما فکل خسارة وتلف قبل تمام المضاربة یجبر بالربح} ولو کان التلف والخسارة أتی علی کل الربح {وتمامیتها بما ذکرنا من الفسخ والقسمة}.

ومنه یعلم وجه النظر فی کلام السید الجمال، حیث

ص:38

قال: محصل ذلک هو أنه لو اجتمعت الأمور الثالثة المذکورة ینتهی عمل المضاربة بذلک، ویخرج الربح من کونه وقایة لرأس المال وتستقر مالکیة العامل لحصته، ولو حصل الفسخ والانضاض ولم یحصل القسمة ففی الاستقرار وعدمه وجهان، مبنیان علی کون القسمة خارجة عن عمل المضاربة جاریة مجری تمیز سائر المشترکات، أو کونها من متمماته.

ولو حصل الفسخ والقسمة بلا انضاض ففیه أیضاً وجهان، مبنیان علی انتهاء عمل المضاربة برضی المالک بقسمة العروض أو عدم انتهائه ووجوب الانضاض علی العامل، والأقوی هو الأول، ولا یخرج الربح بما عدا ذلک عن کونه وقایةً لرأس المال حتی بالقسمة ناضاً إلا مع الفسخ لا مع عدمه علی الأقوی.

ص:39

مسألة ٣٦ إذا طلب أحدهما تقسیم الربح

(مسألة 36): إذا ظهر الربح ونض تمامه أو بعض منه، فطلب أحدهما قسمته، فإن رضی الآخر فلا مانع منها، وإن لم یرض المالک لم یجبر علیها، لاحتمال الخسران بعد ذلک، والحاجة إلی جبره به

(مسألة 36): {إذا ظهر الربح ونض تمامه أو بعض منه، فطلب أحدهما قسمته، فإن رضی الآخر فلا مانع منها} لأن المال بینهما، وقد رضیا بالقسمة، ثم إن خسر بعد ذلک فإن قیل بمقالتنا فی المسألة السابقة من أن القسمة کافیة فی خروج الربح المقسوم عن کونه یجبر خسران رأس المال فلا إشکال، وإن قیل بمقالتهم من التدارک، فإذا خسر کان اللازم علی العامل التدارک.

{وإن لم یرض} العامل بالقسمة، وإنما أراد المالک القسمة، حق للمالک إذ لا وجه لعدم القسمة، مما سیأتی فی صورة عدم رضی المالک، فدلیل السلطنة یشمل المقام، وسیأتی تتمة الکلام فیه.

وإن لم یرض {المالک} قال المصنف تبعاً للمشهور، بل عن جامع المقاصد والمسالک والجواهر ما یظهر عدم الخلاف فیه:

{لم یجبر} المالک {علیها لاحتمال الخسران بعد ذلک، والحاجة إلی جبره به} کما علله بذلک غیر واحد.

ویرد علیه أولاً: إن احتمال الخسران غیر مطرد، إذ من الممکن القطع بعدم الخسران.

وثانیاً: إن ذلک إنما یمنع إذ أراد العامل التصرف فی حصته، أما إذا لم یرد التصرف فلا مانع.

وثالثاً: إن ذلک إنما یمنع من وجوب تمکین العامل من حصته، لا من أصل القسمة.

ص:40

ورابعاً: یمکن أخذ الکفیل ونحوه من العامل بالتدارک إذا خسر.

وخامساً: إن الاحتمال لا یرفع تسلط الناس علی أموالهم((1))، فإن دلیل «لا ضرر» لا یشمل احتماله، کما لا یشمل أی دلیل احتماله، وما ورد فی باب الصوم من أن الصائم إذا خاف علی عینه من الرمد إنما ثبت أن حکم الخوف حکم الضرر بدلیل خاص، کما ثبت ذلک فی احتمال ضرر الوضوء والغسل والصلاة من قیام وما أشبه ذلک.

أما قول المستمسک فی الإشکال علی ذلک بأن احتمال الضرر المالی غیر منفی، ولا مأخوذ موضوعاً للأحکام، نعم احتمال الضرر النفسی منفی فیرفع اللازم إجماعاً، انتهی.

فیرد بأن مقتضی إطلاق «لا ضرر» أن کلاً من الضرر المالی والعرضی والنفسی والجسدی منفی، ویؤیده أن الحدیث ورد فی الضرر النفسی الذی هو عبارة أخری عن الحرج، إذ أن سمرة لم یکن یضر الأنصاری مالیاً، وإنما کان یضره نفسیاً، أی إن الأمر کان حرجاً علیه، فلا یمکن أن لا یشمل الحدیث مورده، وکان عدم ذکرهم للضرر النفسی اکتفاءً منهم بذکرهم لدلیل الحرج.

أما نفی احتمال الضرر النفسی _ کما یظهر تسلیمه من المستمسک _ فلم یدل علیه دلیل، اللهم إلا أن یرید بالنفسی الجسدی، ویکون الاستدلال حینئذ للنفی لیس بدلیل «لا ضرر» لأن الاحتمال لیس ضرراً، والدلیل إنما قد نفی الضرر لا احتمال الضرر، بل یکون الاستدلال لذلک بمثل ﴿لا تُلْقُوا بِأَیْدیکمْ

ص:41


1- بحار الأنوار: ج2 ص273

قیل: وإن لم یرض العامل فکذلک أیضاً، لأنه لو حصل الخسران وجب علیه ردّ ما أخذه، ولعله لا یقدر بعد ذلک علیه لفواته فی یده وهو ضرر علیه، وفیه: إن هذا لا یعد ضرراً

إِلَی التَّهْلُکةِ﴾((1))، وبما ذکروا فی کتاب الطهارة والصلاة والصوم من أن المفهوم عرفاً من دفع الضرر دفع احتماله أیضاً إذا کان الاحتمال عقلائیاً، ولو کان من درجات الوهم، فإذا کان کل ستة یقتل واحد منهم، کان ذهاب أحدهم یوجب وهم أنه یقتل، بینما الاحتمال فی الأکثر من النصف ظن، وفی النصف شک، وقد ذکرنا تفصیل ذلک فی تلک الکتب.

{قیل:} والقائل التذکرة والتحریر والقواعد، کما حکی {وإن لم یرض العامل فکذلک أیضاً} لم یجبر علیها {لأنه لو حصل الخسران وجب علیه رد ما أخذه، ولعله لا یقدر بعد ذلک علیه لفواته فی یده، وهو ضرر علیه} کما علله بذلک فی جامع المقاصد، فیشمله دلیل «لا ضرر».

{وفیه} ما رده الجواهر علی المحقق الثانی ب_ {أن هذا لا یعد ضرراً} حتی یرفعه دلیل «لا ضرر» ویکون حاکماً علی ما دل علی سلطنة الناس علی أموالهم((2)).

وقد ذکرنا فی {کتاب القضاء} لزوم القسمة فی المال المشترک إذا أراد أحدهما ذلک، ولا حاجة إلی تعلیل ذلک بما فی الجواهر والمستمسک بضرورة المحافظة علیه بعدم التصرف، بل لو أغرمه لم یکن علیه ضرر لأنه فی مقابل ما

ص:42


1- سورة البقرة: الآیة 195
2- بحار الأنوار: ج2 ص273

فالأقوی أنه یجبر إذا طلب المالک، وکیف کان إذا اقتسماه ثم حصل الخسران فإن حصل بعده ربح یجبره فهو، وإلا رد العامل أقل الأمرین من مقدار الخسران وما أخذ من الربح

تصرف فیه، وذلک لأنه حتی إذا فرض أنه ضرر علیه لا یتدارک لم یکن وجه لرفع الید عن دلیل السلطة، فهو مثل ما إذا لم یشتر أحد بضاعة الشریک بعد القسمة، فإن ذلک وإن کان ضرراً علی الشریک لم یمنع من القسمة، إلا إذا کان للضرر قوة یوجب تقدیمه علی دلیل السلطنة.

وکذا إذا کان رخص الجار قیمة بضاعته یوجب ضرراً علی الجار الآخر، إذ مثل هذا الضرر لا یوجب منع الجار عن رخص بضاعته، إلی غیر ذلک من الأمثلة، فإن دلیل «لا ضرر» قد ینصرف عن محل، وقد یعارض بلا ضرر آخر، وقد یعارض بدلیل آخر فلا یقدم دلیل لا ضرر علی ذلک إلا إذا کان أقوی مناطاً.

{فالأقوی أنه یجبر إذا طلب المالک} کما هو المشهور حسب ما وجدناه فی کلمات المتأخرین، لما عرفت من قاعدة السلطنة.

{وکیف کان، إذا اقتسماه ثم حصل الخسران فإن حصل بعده ربح یجبره فهو} إذ لا یضر الخسران حینئذ بتدارک رأس المال من الربح، الذی تقدم أنه مقتضی المضاربة.

{وإلا} فعلی ما تقدم إن اخترناه من أن القسمة توجب ملکیة کل لما أخذه فلا شیء أیضاً، إذ الخسران یکون حینئذ علی المالک الذی رضی بالقسمة، لأنه أقدم علی خسارة نفسه.

وإن لم یرض المالک {ردّ العامل أقل الأمرین من مقدار الخسران وما أخذ من الربح} المراد مقدار الخسران الذی علیه، إذ لما قسم الربح کان

ص:43

لأن الأقل إن کان هو الخسران فلیس علیه إلا جبره والزائد له، وإن کان هو الربح فلیس علیه إلا مقدار ما أخذ، ویظهر من الشهید أن قسمة الربح موجبة لاستقراره، وعدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها، حیث قال علی ما نقل عنه: إن المردود أقل الأمرین مما أخذه العامل من رأس المال لا من الربح،

الخسران علیهما بالنسبة کما هو مقتضی المضاربة.

{لأن الأقل إن کان هو الخسران فلیس علیه إلا جبره} فلا وجه لأخذ ما بقی من الربح منه.

{والزائد} التفاوت بین قدر ما أخذ وقدر حصته من الخسران {له} لأنه ماله لم یخرجه عن کیسه شیء.

{وإن کان هو الربح فلیس علیه إلا مقدار ما أخذ} فإنه لو لم یکن أخذ ربحاً لم یکن علیه شیء، فکذا إذا أخذ لم یکن علیه أزید من الربح.

{ویظهر من الشهید أن قسمة الربح موجبة لاستقراره، وعدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها، حیث قال علی ما نقل عنه} الشهید الثانی فی المسالک بما خلاصته: {إن المردود أقل الأمرین مما أخذه العامل من رأس المال لا من الربح} أی إذا کانت الخسارة أقل رد الخسارة، وإذا کان ما أخذه من رأس المال أقل رد القدر الذی أخذه من رأس المال، لا کما تقدم من المصنف وذکره المشهور من أن المردود أقل الأمرین من مقدار الخسران وما أخذ من الربح.

ص:44

فلو کان رأس المال مائة والربح عشرین فاقتسما العشرین، فالعشرون التی هی الربح مشاعة فی الجمیع، نسبتها إلی رأس المال نسبة السدس، فالمأخوذ سدس الجمیع، فیکون خمسة أسداسها من رأس المال، وسدسها من الربح، فإذا اقتسماها استقر ملک العامل علی نصیبه من الربح، وهو نصف سدس العشرین، وذلک درهم وثلثان یبقی معه ثمانیة وثلث من رأس المال، فإذا خسر المال الباقی رد أقل الأمرین مما خسر ومن ثمانیة وثلث.

{فلو کان رأس المال مائة والربح عشرین فاقتسما العشرین، فالعشرون} لیس الربح وإنما فیه شیء من الربح، کما أن بقیة الربح تبقی فی المائة الباقیة بعنوان أنه رأس المال، إذ العشرون {التی هی الربح مشاعة فی الجمیع، نسبتها إلی رأس المال نسبة السدس، فالمأخوذ سدس الجمیع} أی مأخوذ بعضه من رأس المال وبعضه من الربح، ولیس المأخوذ ربحاً خاصاً، کما لیس الباقی (المائة) رأس مال خالص {فیکون خمس أسداسها من رأس المال، وسدسها من الربح} فإن المأخوذ من المشاع مشاع فلا یعین لأن یکون المأخوذ ربحاً فقط.

ومقتضی تقسیم العشرین علی الستة أن تکون کل حصة سدس العشرین {فإذا اقتسماها} أی العشرین المأخوذ باسم الربح {استقر ملک العامل علی نصیبه من الربح، وهو نصف سدس العشر} {وذلک درهم وثلثان} ف_ {یبقی معه} أی عند العامل {ثمانیة وثلث من رأس المال} وهو التفاوت المذکور {فإذا خسر المال الباقی} أی المائة {رد} العامل {أقل الأمرین مما خسر ومن ثمانیة وثلث}.

ص:45

وفیه: مضافاً إلی أنه خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران الحاصل بعد ذلک بالربح السابق إن لم یلحقه ربح وأن علیه غرامة ما أخذه منه أنظار أخر، منها أن المأخوذ إذا کان من رأس المال

فإذا خسر عشرین رد ثمانیة وثلث، وإذا خسر ستة عشر مثلاً رد ثمانیة، إذ النصف الثانی من الخسارة علی المالک فإن المالک أیضاً أخذ (عشرة)، منها واحد وثلثان ربح، وثمانیة وثلث من رأس المال.

ولا یخفی أن کلام الشهید الأول فی أن القسمة توجب استقرار ملک العامل للربح تام، وقد ذکرنا وجهه سابقاً.

أما کلامه بالنسبة إلی أن المأخوذ لیس الربح فقط بل الخلیط من الربح ورأس المال بالنسبة، لیس بتام، إذ المشاع یعین بتعیین الطرفین له.

{وفیه: مضافاً إلی أنه} کون القسمة موجبة للاستقرار فلا یتدارک بالربح المقسوم الخسارة فی المستقبل {خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران الحاصل بعد ذلک} بعد الخسران {بالربح السابق إن لم یلحقه ربح} یکفی لجبر الخسارة.

{وأن علیه} أی علی الربح السابق المقسوم {غرامة ما أخذه} أحدهما {منه} أی من الربح.

أقول: قد تقدم أن مقتضی القاعدة کلام الشهید وأن الربح المقسوم لا یجبر الخسارة، وإنما المعلوم أن الربح الذی لم یقسم یجبر الخسارة {أنظار أخر، منها أن المأخوذ إذا کان من رأس المال} کما قاله الشهید حیث جعل ثمانیة وثلث فی

ص:46

فوجوب رده لا یتوقف علی حصول الخسران بعد ذلک. ومنها أنه لیس مأذوناً فی أخذ رأس المال فلا وجه للقسمة المفروضة، ومنها أن المفروض أنهما اقتسما المقدار من الربح بعنوان أنه ربح، لا بعنوان کونه منه ومن رأس المال

مثاله _ من أخذ العشرة _ من رأس المال {فوجوب رده لا یتوقف علی حصول الخسران بعد ذلک} لأن رأس المال یجب أن یعطی للمالک سواء خسرت التجارة أم لا.

أقول: یرد علیه أنه إن لم یخسر لم یجب الرد، باعتبار أن المأخوذ من رأس المال یتدارک بالربح الباقی فی رأس المال، إذ المفروض أن عشرة فی مائة وعشرین ربح العامل، وأی فرق بین أن یحسب لنفسه کل العشرة التی أخذها أو أن یرد الثمانیة والثلث التی أخذها ویأخذ ثمانیة وثلثا باعتبار أنه الربح.

(ومنها أنه لیس مأذوناً فی أخذ رأس المال فلا وجه للقسمة المفروضة)، وفیه: إن الوجه أنهما رضیا بذلک، والأمر لا یعدوهما، فحیث إن لهما أن یأخذا العشرین قدر الربح، وفرض الشهید أن المال مشاع لا یمکن فرزه، کان لابد من أخذ المشاع الذی یکون بقدر الربح.

{ومنها أن المفروض أنهما اقتسما المقدار من الربح} العشرین {بعنوان أنه ربح، لا بعنوان کونه منه ومن رأس المال}، هذا الإشکال وارد إذ حیث إن المال لهما فلهما إفراز الربح من رأس المال، اللهم إلا أن یرید الشهید غیر هذا الفرض بأن أخذا من المجموع لا بعنوان أنه ربح فقط، کما ألمع إلی ذلک

ص:47

ودعوی أنه لا یتعین لکونه من الربح بمجرد قصدهما مع فرض إشاعته فی تمام المال مدفوعة، بأن المال بعد حصول الربح یصیر مشترکاً بین المالک والعامل، فمقدار رأس المال مع حصته من الربح للمالک ومقدار حصة الربح المشروط للعامل له، فلا وجه لعدم التعین بعد تعیینهما مقدار مالهما فی هذا المال

بعض المعلقین، ولیس ببعید لأنه من المستبعد أن یظن الشهید أن لیس لهما حق الإفراز.

{ودعوی} الجواهر {أنه لا یتعین} العشرون المأخوذ {لکونه من الربح بمجرد قصدهما مع فرض إشاعته فی تمام المال} فلا یرد الاعتراض علی الشهید {مدفوعة بأن المال بعد حصول الربح یصیر مشترکاً بین المالک والعامل} خمسة أسداس ونصف للمالک، ونصف السدس للعامل فی مثال المائة والعشرین.

{فمقدار رأس المال مع حصة من الربح للمالک، ومقدار حصة الربح المشروط للعامل له، فلا وجه لعدم التعین بعد تعیینهما مقدار مالهما فی هذا المال} إذ الحق لا یعدوهما.

أقول: للمسألة ثلاث صور، لأنهما إما أن یأخذا العشرین بعنوان المشاع، أو بعنوان الربح، أو لا بعنوان خاص مما یقتضی الإشاعة أیضاً، والإشکال وارد علی الشهید فی الثانیة، وقد عرفت أنه لعل کلامه فی غیر هذه الصورة، أما صورة أخذهما بعنوان رأس المال فخارجة عن کلام الشهید.

ص:48

فقسمة الربح فی الحقیقة قسمة لجمیع المال ولا مانع منها.

{فقسمة الربح} بینهما {فی الحقیقة قسمة لجمیع المال} إلی الربح المقسوم وإلی رأس المال الباقی {ولا مانع منها}.

أما إشکال المستمسک علی الشهید بوجه آخر أیضاً بقوله: (ومنها أن اللازم البناء علی الوقایة بالربح الباقی فی المال، لأن المفروض علی کلامه عدم صحة القسمة فالربح کان مشاعاً فی المال) انتهی، فغیر ظاهر، إذ مفروض کلام الشهید شمول الخسارة لکل مقدار الربح.

ص:49

مسألة ٣٧ لو باع العامل حصته بعد الظهور

(مسألة 37): إذا باع العامل حصته من الربح بعد ظهوره صح مع تحقق الشرائط من معلومیة المقدار وغیره، وإذا حصل خسران بعد هذا لا یبطل البیع، بل یکون بمنزلة التلف فیجب علیه

(مسألة 37): {إذا باع العامل حصته من الربح بعد ظهوره}، ولا یصح قبل الظهور وإن کان فی الواقع موجود إذ ذلک داخل فی الغرر المنهی عنه، کما أنه لا یصح إجراء أیة معاملة علی شیء مجهول وجوده للعامل، {صح} لما تقدم من أنه ماله.

{مع تحقق الشرائط من معلومیة المقدار وغیره} من الأمور المذکورة فی کل المعاملات.

وعلیه فیصح إجراء سائر المعاملات علی الربح أیضاً لإطلاق أدلتها، کما یصح للمالک أیضاً أن یجری المعاملات علی قدر الربح، وحاله حال العامل فی قوله: {وإذا حصل خسران بعد هذا} التعامل {لا یبطل البیع بل یکون بمنزلة التلف} للمبیع فی سائر المعاملات، لما دل من لزوم البیع المانع من إرجاع المبیع إلی البائع، وحیث یجب أن لا یضیع حق الطرف کان مقتضی الجمع بین الأدلة التدارک {فیجب علیه} أن یعطی للمشتری مثله إذا کان مثلیاً أو قیمته إذا کان قیمیاً.

لکن السید البروجردی وبعض آخر من المعلقین قالوا: بانکشاف بطلان البیع، إما لعدم الملک أو بتعلق حق المالک بجبر خسران رأس ماله، انتهی.

لکن الظاهر أن ما ذکره المصنف هو علی وفق القاعدة من {جبره بدفع أقل

ص:50

جبره بدفع أقل الأمرین من مقدار قیمة ما باعه ومقدار الخسران.

الأمرین من مقدار قیمة ما باعه ومقدار الخسران} لکن ذلک فیما إذا باعه بالقیمة العادلة لا أقل أو أکثر، أما إذا باعه بالأقل، مثلاً کان الربح منّاً من الحنطة قیمته دینار فباعه بنصف دینار، فإن اللازم علیه أن یعطی الدینار جبراً للخسارة لا نصف دینار لأن الربح یجبر الخسارة لا الأقل من الربح، وأما إذا باعه بالأکثر فدلیل أن الربح یجبر الخسارة لا یشمل ذلک الزائد الاعتباطی الذی جعله البائع للعامل کالمنحة باسم البیع، فلیس علیه إلا إعطاء القیمة العادلة جبراً للخسارة.

ص:51

مسألة ٣٨ الخسارة تجبر بالربح

(مسألة 38): لا إشکال فی أن الخسارة الواردة علی مال المضاربة تجبر بالربح، سواء کان سابقاً علیها أو لاحقاً ما دامت المضاربة باقیة ولم یتم عملها، نعم قد عرفت ما عن الشهید من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا اقتسماه وأن مقدار الربح من المقسوم تستقر ملکیته، وأما التلف فإما أن یکون بعد الدوران فی التجارة

(مسألة 38): {لا إشکال فی أن الخسارة الواردة علی مال المضاربة تجبر بالربح} کما تقدم وجهه {سواء کان} الربح {سابقاً علیها أو لاحقاً} بها أو مقارناً لها، کما إذا کانت له معاملتان ربح فی إحداهما وخسر فی الأخری {ما دامت المضاربة باقیة ولم یتم عملها} کل ذلک لإطلاق الأدلة، ولا یخفی أن بقاء المضاربة غیر تمام العمل ولذا جاء بهما.

{نعم قد عرفت ما عن الشهید} الأول فی المسألة السابقة {من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا اقتسماه}.

وقد ذکرنا هناک أن مقتضی القاعدة ما قاله الشهید، ولا یتصور هذا بالنسبة إلی الربح اللاحق والمقارن، لأن الربح تلقائیاً یجبر الخسارة فلا مجال لقسمة الربح لأنه من باب السالبة بانتفاء الموضوع، ولذا قیده المصنف ب_ (السابق) وإن کان کلام الشهید مطلقاً أولاً، بل قدم تقدم قوله (فإذا خسر) مما ظاهره أن الربح سابق.

{وأن مقدار الربح من المقسوم تستقر ملکیته} هذا فی الخسارة المصطلحة {وأما التلف فإما أن یکون بعد الدوران فی التجارة} بان اشتری وباع أو ما

ص:52

أو بعد الشروع فیها أو قبله، ثم إما أن یکون التالف البعض أو الکل، وأیضاً إما أن یکون بآفة من الله سماویة أو أرضیه أو بإتلاف المالک أو العامل أو الأجنبی علی وجه الضمان، فإن کان بعد الدوران فی التجارة فالظاهر جبره بالربح

أشبه من المعاملات ثم وقع التلف {أو بعد الشروع فیها} کما سیأتی مثاله {أو قبله، ثم} علی کل تقدیر {إما أن یکون التالف البعض أو الکل، و} علی أی حال {أیضاً إما أن یکون بآفة من الله سماویة} کالصاعقة {أو أرضیة} کالزلزلة {أو بإتلاف المالک} المضارب {أو العامل أو الأجنبی علی وجه الضمان} إذ قد یتلفه بدون الضمان کما إذا اشتری بالمال دابة فصانت مما اضطر الطرف أن یرمیها فیقتلها.

والمراد بالتلف أعم من الحقیقی کما إذا صب الماء علی الأرض أو احترق المتاع، ومن الحکمی کما إذا وقع فی البحر أو سرقه سارق حیث لم یتلف المال حقیقة وإنما هو فی حکم التلف، وإن کان قد یعبر عن ذلک بالتلف أیضاً باعتبار فقد المالک له والحیلولة بینه وبینه.

{فإن کان بعد الدوران فی التجارة فالظاهر} من الدلیل {جبره بالربح} کما عن المحقق والعلامة، وفی المستمسک الظاهر أنه لا خلاف فیه، وعن مجمع البرهان أنه إجماع، وذلک لأن بناء المضاربة عرفاً الذی أمضاه الشارع حسب الأدلة التی قررتها بدون ذکر تغییر لهذه الجهة علی ذلک.

ومنه یعلم ضعف ما عن جامع المقاصد من احتماله ضعیفاً عدم الجبران إذا کان التلف بآفة سماویة أو غصب

ص:53

ولو کان لاحقاً مطلقاً سواء کان التالف البعض أو الکل کان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبی، ودعوی أن مع الضمان

غاصب أو سرقة سارق، لأنه نقصان لا تعلق له بتصرف العامل وتجارته، ولأنه فی الغصب والسرقة یحصل الضمان علی الغاصب والسارق بلاحاجة إلی جبره بمال القراض، انتهی.

وذلک لأن المبنی علیه القراض أعم من التلف السماوی، کما أن الکلام فی ما لم یرد السارق والغاصب ولم یعوضا، أما مع الرد أو التعویض فلا مکان للجبر.

ولا یخفی أن مراده کل أقسام وساطة الإنسان وعدم وساطة الإنسان فی التلف، لوضوح عدم الخصوصیة لتلف السماء ولا للسرقة والغصب، فإذا فقد بالزلزلة أو تلف بهیجان البحر أو ما أشبه ذلک، أو أتلفه إنسان غیر السارق أو حیوان أو ما أشبه کان داخلاً فی مناطه.

ثم لیس المراد بالدوران فی التجارة دوران کله، بل بعضه أیضاً کذلک، لوحدة الدلیل فی کلا المقامین، کما لا فرق بین الدوران الموجب للربح أو للخسارة أو لم یوجب شیئاً.

{ولو کان لاحقاً مطلقاً} أی {سواء کان التالف البعض أو الکل} أی القدر المساوی لرأس المال، مثلاً کان مائة فربح عشرین ثم تلف المائة، إذ لو تلف کل المال لم یبق مجال للجبران {کان التلف بآفة} غیر إنسانیة {أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبی} فإذا ربح المائة عشرة وأتلف العامل عشرة أخذ المالک کل المال، وإذا أتلف عشرین أخذ کل المال ویطلبه خمسة عشر، وإذا أتلف خمسة یأخذ کل الباقی بلا طلب.

{و} ال_ {دعوی} المتقدمة احتمالاً من المحقق الثانی ب_ {أن مع الضمان}

ص:54

کأنه لم یتلف لأنه فی ذمة الضامن کما تری، نعم لو أخذ العوض یکون من جملة المال، بل الأقوی ذلک إذا کان بعد الشروع فی التجارة، وإن کان التالف الکل کما إذا اشتری فی الذمة وتلف المال قبل دفعه إلی البائع فأداه المالک

من المتلف {کأنه لم یتلف لأنه فی ذمة الضامن} فلا وجه لجبر الخسارة بالربح {کما تری} حیث تقدم الإشکال علیه.

{نعم} لا إشکال فی أنه {لو أخذ العوض} من المتلف، ومنه إذا کان المتلف نفس العامل حیث ذکرناه فی الصور الثلاث المتقدمة {یکون من جملة المال} حیث یقوم العوض مقام الأصل، من غیر فرق بین أن یکون التلف ما یوجب بدلاً أو ما یوجب بدل حیلولة کما لو ألقاه الضامن فی البحر مثلاً أو أضاعه أو ما أشبه ذلک {بل الأقوی ذلک} جبر الخسران بالربح {إذا کان} التلف {بعد الشروع فی التجارة، وإن کان التالف الکل کما إذا اشتری} للمضاربة {فی الذمة وتلف المال قبل دفعه إلی البائع}، وقد کانت المضاربة مطلقة تشمل الشراء فی الذمة _ کما هو الغالب علی ما تقدم فی بعض المسائل السابقة _ أو کانت خاصة بالاشتراء نقداً لکن أذن المالک فی الشراء فی الذمة بعد ذلک.

وقد تقدم أیضاً مسألة تخلف الشرط فی المضاربة وأنه لا یضر بتوزیع الربح، للنص الخاص الذی عمل به المشهور {فأداه المالک} أداء المالک علی أقسام:

لأنه إما أن یؤدی بقصد أن ینضم ما أداه إلی أصل المال، وهذه مضاربة جدیدة

ص:55

تتوقف علی قبول العامل وأن ینضم هذا إلی الأول، لأن الفرض عدم بطلان الأول لأن العقد باق وإن تلف المال فإنه لا دلیل علی أن تلف المال یبطل العقد.

ولذا قال غیر واحد من الفقهاء إن المقتضی العقد لا الدوران فی التجارة، فإذا اشتری للمضاربة فتلف الثمن قبل نقده فالشراء للمضاربة وعقدها باق، وقد حکی ذلک عن المبسوط والتحریر والمسالک والتذکرة والسرائر والإرشاد وجامع المقاصد والروض ومجمع البرهان والإیضاح وغیرهم.

هذا ولکن للإشکال فی المسألة مجال، إذ ما یجعل المبیع للمضاربة أحد أمرین:

الأول: أن یکون البیع نقداً فی قبال الثمن ویؤدیه، وهذا مفروض الانتفاء.

الثانی: أن یشتری المبیع فی الذمة بقصد المضاربة ویؤدی ما فی الذمة من مال المضاربة، وإلا فإذا لم یؤده من مال المضاربة بأن تلف الثمن فأداه من مال آخر لم یکن مجرد القصد کافیاً فی جعل المبیع للمضاربة، فهو مثل أن یتلف کل مال المضاربة قبل الاشتراء، حیث إنه لو قصد الاشتراء للمضاربة لم یقع لها فإنه من باب السالبة بانتفاء الموضوع، وأی فرق بین أن یقصد المضاربة قبل التلف أو بعده، وإذن المالک أو إعطاؤه مالاً جدیداً لا یجعله المضاربة السابقة.

وإما أن یؤدی بقصد القرض، وإما أن یؤدی بقصد أنه یکون للمالک لا للمضاربة، وکلا الأمرین لا یجعلان من العمل مضاربة.

إذ القرض إن کان علی نفسه فهو غیر معقول، إذ الإنسان لا یطلب نفسه و

ص:56

أو باع العامل المبیع وربح فأدی، کما أن الأقوی فی تلف البعض الجبر وإن کان قبل

إن کان علی العامل فهو یکون مال العامل لا مال المضاربة، والأداء بعنوان أن المبیع یکون ماله یخرجه عن المضاربة.

ومنه یظهر الإشکال فی ما عطف علی (فأداه المالک) بقوله: {أو باع العامل المبیع وربح فأدی} فإن قوام المضاربة بالمال الخارجی فإذا انتفی المال انتفت المضاربة ویکون البیع لنفس العامل، ولا وجه لأن یکون المالک طرفاً، کما أنه إن أعطاه المالک مالاً جدیداً یکون مضاربة جدیدة لا ربط لها بالمضاربة القدیمة.

وبذلک یظهر وجه النظر فی قول المستمسک: (إن هذه الصورة خارجة عن محل الکلام السابق فیحتمل فیها صحة المضاربة، لأن الوفاء کان بمال المضاربة وهو الربح، لکنه ضعیف لانتفاء مال المضاربة الذی کان قوام المضاربة الموجب لانتفائها، وحینئذ یکون الربح للمالک، وللعامل أجرة المثل) انتهی.

إذ یرد علیه أنه لا وجه لارتباط المالک بالبیع حتی یکون الربح له، لأن اشتراء العامل الشیء فی الذمة یجعل نفسه طرف المعاملة، وقصده أن یؤدی الثمن من مال المضاربة لا یجعله للمالک، وإنما ما یجعله للمالک هو الأداء الخارجی، فتأمل.

والمسألة بحاجة إلی تأمل أکثر.

{کما أن الأقوی فی تلف البعض الجبر} لما تقدم من بناء المضاربة علی الجبر بالربح، وقد أمضی الشارع المضاربة العقلائیة {وإن کان} تلف البعض {قبل

ص:57

الشروع أیضاً، کما إذا سرق فی أثناء السفر قبل أن یشرع فی التجارة، أو فی البلد أیضاً قبل أن یسافر، وأما تلف الکل قبل الشروع فی التجارة فالظاهر أنه موجب لانفساخ العقد، إذ لا یبقی معه مال التجارة حتی یجبر أو لا یجبر، نعم إذا أتلفه أجنبی وأدی عوضه تکون المضاربة باقیة

الشروع أیضاً، کما إذا سرق فی أثناء السفر قبل أن یشرع فی التجارة، أو فی البلد أیضاً قبل أن یسافر} لشمول الدلیل السابق کلتا الصورتین، وظاهر إطلاقهم عدم الفرق فی تلف البعض بین بقاء الأقل والأکثر أو المساوی للتالف، وإن کان فیما إذا تلف إلا جزئی منه کما إذا بقی من عشرة الآخر واحد تأمل، لأن الدلیل المذکور فی البطلان إذا تلف الکل آت هنا أیضاً {وأما تلف الکل قبل الشروع فی التجارة فالظاهر أنه موجب لانفساخ العقد، إذ لا یبقی معه مال التجارة حتی یجبر أو لا یجبر)، قال فی المستمسک: (الظاهر أنه مسلّم وإن کان مقتضی ما ذکروه فی المسألة السابقة من أن قوام المضاربة العقد الصحة، إذ لا فرق فی ذلک بین أن یکون التلف بعد الشراء وقبله).

أقول: وهذا مما یؤید ما تقدم من الإشکال فی التلف ولو بعد الاشتراء.

{نعم إذا أتلفه أجنبی وأدی عوضه} فعلاً أو شأناً، بأن قال: عامل وإنی أؤدی ثمنه مثلاً {تکون المضاربة باقیة} لأن التلف المؤدی عوضه فی حکم عدم التلف، فلا وجه لبطلان المضاربة.

ومنه یعلم أن الأمر دائر مدار الواقع، فإن أدی فی المستقبل کشف عن صحة المضاربة، وإن لم یؤد کشف عن بطلانها، فلا اعتبار لمجرد القول من المتلف

ص:58

وکذا إذا أتلفه العامل.

فلو قال: أؤدی، ولم یؤدلم ینفع، ولو قال: لا أؤدی، وأدی ولو بالتقاص من ماله، لم یضر.

{وکذا إذا أتلفه العامل} وأمکنه تأدیة العوض.

ص:59

مسألة ٣٩ العامل أمین لا یضمن

(مسألة 39): العامل أمین فلا یضمن إلا بالخیانة، کما لو أکل بعض مال

(مسألة 39): {العامل أمین} قال فی الجواهر: إنه لا إشکال فیه ولا خلاف بل هو إجماعی.

ویدل علیه النصوص العامة الدالة علی أن کل أمین لا ضمان علیه((1))، والمناط فی الأبواب الأخر، والأحادیث الخاصة، مثل:

صحیحة ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یستبضع المال فیهلک أو یسرق أعلی صاحبه ضمان، فقال: «لیس علیه غرم بعد أن یکون الرجل أمیناً»((2)).

وعن محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «قضی علی (علیه السلام) فی تاجر اتجر بمال واشترط نصف الربح فلیس علی المضارب ضمان»((3)).

وعن الدعائم، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنه قال: «من أخذ مالاً مضاربة فلیس علیه فیه ضمان، فإن اتهم استحلف، ولیس علیه من الوضعیة شیء»((4)).

وفی حدیث آخر رواه الدعائم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، وفیه: «وهو فی الودیعة والمضاربة رجل مأمون»((5)).

{فلا یضمن إلاّ بالخیانة} للأصل، ولا إشکال فیه ولا خلاف، کما صرح بذلک بعضهم، ویظهر من الآخرین التسالم علیه.

وقد تقدم الکلام فی ذلک فی المسألة الخامسة {کما لو أکل بعض مال

ص:60


1- الوسائل: ج13 ص228 الباب 4 من أبواب الودیعة ح2، 3، 4
2- الوسائل: ج13 ص185 الباب 3 من أبواب المضاربة ح3
3- الوسائل: ج13 ص185 الباب 3 من أبواب المضاربة ح2
4- المستدرک: ج2 ص501 الباب 5 من أبواب المضاربة ح1
5- المستدرک: ج2 ص501 الباب 5 من أبواب المضاربة ح2

المضاربة أو اشتری شیئاً لنفسه فأدی الثمن من ذلک أو وطأ الجاریة المشتراة أو نحو ذلک، أو التفریط بترک الحفظ، أو التعدی بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه، کما لو سافر مع نهیه عنه أو عدم إذنه فی السفر

المضاربة} مما لم یکن له أکله إلا بإجازة أو اضطراراً أو ما أشبه {أو اشتری شیئاً لنفسه فأدی الثمن من ذلک} بدون الإجازة والاضطرار ونحوهما {أو وطأ الجاریة المشتراة} إذ لا حق له فی وطیها بعد کونها مالاً مشترکاً، {أو نحو ذلک} مما یعد خیانةً عرفاً، فإن الخیانة موضوع عرفی له أفراد کثیرة {أو التفریط بترک الحفظ}، والتفریط هو ترک ما ینبغی له أن یفعل، کترک علف الدابة مثلا.

ولذا کان ما ذکره المصنف من باب المثال، أو أراد بترک الحفظ کل أقسام ذلک {أو} ب_ {التعدی} وهو فعل ما لا ینبغی له أن یفعل، وبینه وبین الخیانة عموم من وجه مفهوماً، فلو أسرع فی المشی بالدابة أو أعطاها علفاً زائداً فعطبت، سمی تعدیاً ولم یسمّ خیانة.

أما تفسیر المصنف له بقوله: {بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه} ففیه: إنه تفسیر بالأعم من وجه، ومما ذکر یعلم أن عدم ذکر الشرائع التعدی وإنما ذکر الخیانة والتفریط من باب أنه أدخله فی أحدهما.

کما أن ما ذکره المستمسک من أن الذی یظهر من الاستعمالات العرفیة أن التعدی والتفریط کل منهما خیانة غیر ظاهر الوجه، {کما لو سافر مع نهیه عنه أو عدم إذنه فی السفر}.

وفی حدیث أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)

ص:61

أو اشتری ما نهی عن شرائه، أو ترک شراء ما أمره به، فإنه یصیر بذلک ضامناً للمال لو تلف، ولو بآفة سماویة، وإن بقیت المضاربة کما مر، والظاهر ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلک أیضاً

فی الرجل یعطی الرجل مالاً مضاربة وینهاه أن یخرج إلی أرض أخری فعصاه، فقال (علیه السلام): «هو له ضامن والربح بینهما إذا خالف شرطه وعصاه»((1)).

إلی غیرها من الروایات((2)).

وقد تقدم حدیث اتجار العباس مضاربة واشتراطه أن لا یرکبوا بحراً ولا ینزلوا وادیاً فإن فعلتم فأنتم ضامنون فأبلغ ذلک رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فأجاز شرطه علیهم((3)).

{أو اشتری ما نهی عن شرائه، أو ترک شراء ما أمر به} أو خالف شرطاً له فی البیع والشراء، إلی غیر ذلک.

{فإنه یصیر بذلک ضامناً للمال لو تلف ولو بآفة سماویة، وإن بقیت المضاربة کما مر} من الأدلة الخاصة علی ذلک، وقد ذکرنا هناک الأقسام المتصورة فی عقد المضاربة.

{والظاهر} من الأدلة الدالة علی أن التعدی بکل أقسامه یوجب الضمان {ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلک أیضاً} مثل الخسارة الحاصلة حال التعدی وذلک لإطلاق الأدلة.

لکن ربما یقال: إنه لا وجه للضمان خارج القدر الذی تعدی فیه، مثلاً اشتری دابة

ص:62


1- الوسائل: ج13 ص183 الباب 1 من أبواب المضاربة ح10
2- الوسائل: ج13 ص183 الباب 1 من أبواب المضاربة ح12
3- الوسائل: 12 ص83 الباب 1 أن المالک إذا عین ح12

وإذا رجع عن تعدیه أو خیانته فهل یبقی الضمان أو لا، وجهان، مقتضی الاستصحاب بقاؤه، کما ذکروا فی باب الودیعة أنه لو أخرجها الودعی عن الحرز بقی الضمان وإن ردها بعد ذلک إلیه، ولکن لا یخلو عن إشکال، لأن المفروض بقاء الإذن وارتفاع سبب الضمان

بمال المضاربة فضربها أکثر من الحق بما یعد تعدیاً، فهل إذا تنزلت قیمة الدابة من جهة السوق یکون العامل ضامناً؟

فإن دلیل الضمان إما الشرع وإما العقل،

أما الشرع فلا إطلاق یشمل مثل المقام، والنصوص السابقة لا تشمل مثل ذلک.

وأما العقل فلأن بناء العقلاء الذی یکون منطلقاً للعقد هو الضمان فی قدر التعدی لا فی غیره.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول الجواهر: قد یقال أو یقوی ضمانه للوضیعة المتجددة بعد التعدی.

{وإذا رجع عن تعدیه أو خیانته فهل یبقی الضمان أو لا، وجهان مقتضی الاستصحاب بقاؤه}، کما ذهب إلیه السادة ابن العم والبروجردی وغیرهما.

{کما ذکروا فی باب الودیعة أنه لو أخرجها الودعی عن الحرز یبقی الضمان وإن ردها بعد ذلک إلیه} وذلک للاستصحاب، فإن ارتفاع سبب الضمان غیر معلوم، وحیث تتم أرکان الاستصحاب کان اللازم القول ببقاء الضمان {ولکن لا یخلو عن إشکال}.

بل الظاهر عدم الضمان فی کلا المقامین {لأن المفروض بقاء الإذن وارتفاع سبب الضمان}، قال فی المستمسک: (فإذا بقی الإذن بقی الاستیمان، وإذا

ص:63

ولو اقتضت المصلحة بیع الجنس فی زمان ولم یبع، ضمن الوضیعة إن حصلت بعد ذلک

ثبت الاستیمان فقد شمله عموم «لا ضمان علی الأمین» وهو مقدم علی الاستصحاب، ومثله الکلام فی الودیعة).

أقول: مراده بالمقدم أنه لا یتم أرکان الاستصحاب.

ثم لا یخفی أن الکلام هنا فی ضمان رأس المال، أما ضمان الوضیعة فیختص بالمخالفة للمالک أو کون التعدی سبباً لذلک، وإلا فلا وجه لضمانه.

ولذا قال فی المستمسک: (فإذا کانت الوضیعة حاصلة بعد التعدی أو التفریط لم یضمنها، وإن کان یضمن العین، وإذا کانت الوضیعة بعد مخالفة المالک ضمنها کما ضمن العین) انتهی، فتأمل.

{ولو اقتضت المصلحة بیع الجنس فی زمان ولم یبع} ثم باعه فی زمان کان الثمن أکثر أو مساویاً فلا شیء، أما إذا باعه فی زمان کان الثمن أقل {ضمن الوضیعة إن حصلت بعد ذلک} لأنه سبب الوضیعة بتفریط منه، فاللازم أن یکون غرامته علیه، ویستدل للتلازم بین التفریط وبین الغرامة، بأنه لا إذن للمالک فی هذا البیع، لأن مبنی العقد علی البیع مع المصلحة، فترکه مخالفة للعقد، ویکون مخالفاً للمالک، وبدلیل «لا ضرر»، فإن العامل هو الذی أضر بالمالک حیث لم یبع فی وقت المصلحة.

ویرد علی الأول: إن المالک خولف فی البیع وقت عدم الوضیعة، أما البیع وقت الوضیعة فلم یکن مخالفة للمالک، خصوصاً إذا کان خوف زیادة الوضیعة

ص:64

مثلاً کان السبت ربح، والأحد لاربح ولا وضیعة، والاثنین وضیعة عشرة، والثلاثاء وضیعة عشرین، فإن عدم البیع فی السبت مخالفة.

أما البیع فی الاثنین فلیس مخالفة، وإلا فماذا یفعل إذا لم یبع، فهل لا یبیع أصلاً وهو خلاف المضاربة، أو یؤخر البیع إلی الثلاثاء وهو أکثر وضیعة، وذلک ما لا یرضاه المالک، وخلاف مقتضی العقد المبنی علی الاتجار بالصلاح.

وعلی الثانی: إن الإضرار من عدم البیع وهو أمر سلبی لا یوجب الضمان، أما البیع فقد عرفت أنه لا بد منه وهو لم یسبب الإضرار.

اللهم إلا أن یقال: إن کل نوع من هذا الضرر یوجب دخوله فی مسألة «لا ضرر» ولا ضرر له عقد إیجابی أیضاً کما کان فی مورده له عقد إیجابی، حیث أمر الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) بقلع شجرة سمرة مستدلاً بلا ضرر((1))، فإذا حبس إنسان مال تاجر حتی حصلت فیه وضیعة کان ضامناً لتلک الوضیعة.

کما لم نستبعده تبعاً لبعض الفقهاء فی حبس الحر، حیث سبب الحبس فوت جملة من فوائده، فالحابس ضامن لما فات، وکذا فی المقام الحابس لماله والحائل بینه وبین ماله حتی صار فیه وضیعة ضامن، ولا یبعد هذا، حیث یقال عرفاً: إنه أضر به.

لکن اللازم تقیید خسارة العامل بمثل هذا الضرر بما إذا کان عدم بیعه فی وقت عدم الوضیعة عن علم وعمد

ص:65


1- انظر الکافی: ج5 ص280 ح2. التهذیب: ج7 ص146 ح651، من لا یحضره الفقیه: ج3 ص59 ح2081

وهل یضمن بنیة الخیانة مع عدم فعلها، وجهان، من عدم کون مجرد النیة خیانة، ومن صیرورة یده حال النیة بمنزلة ید الغاصب

أما إذا کان لرجاء الربح الأکثر أو ما أشبه لم یکن علیه شیء، فإنه وإن أضر به واقعاً إلا أن مبنی العقد علی الاتجار حسب ما یراه صلاحاً، لا حسب الصلاح واقعاً، إذ لا یطلب من العامل علم الغیب.

ومما تقدم یعلم حال ما إذا کان للمال ربح مائة مثلاً، فلم یبع عمداً حتی صار الربح أقل، حیث إن مقتضی الکلام السابق أنه ضامن للتفاوت، لصدق أنه أضر به عرفاً، فهو تفویت الربح کتفویت عمل الحر، وإن کان الفتوی بذلک أصعب من الفتوی فی مسألة الوضیعة، والله سبحانه العالم.

{وهل یضمن بنیة الخیانة مع عدم فعلها، وجهان} وجه العدم: {من عدم کون مجرد النیة خیانة} فإن صیرورة الید بمجرد النیة بمنزلة ید الغاصب لا دلیل علیه، {و} وجه الضمان: {من صیرورة یده حال النیة بمنزلة ید الغاصب} فإن العقلاء لا یعتمدون علی ناوی الخیانة، ولذا لا یؤمنوه مالهم ونساءهم وأولادهم.

ویؤیده ما ورد من أن من نوی عدم إعطاء مهر زوجته فهو عند الله زان((1))، ومن نوی عدم رد دینه فهو عند الله سارق((2))، لکن الأقوی الأول، کما اختاره غالب المعلقین، فإن الخیانة أمر عرفی، وهی لیست حاصلة، وعدم التأمین لا لأنه خائن

ص:66


1- الوسائل: ج15 ص21 الباب 11 من أبواب المهور ح1
2- الوسائل: ج15 ص21 الباب 11 من أبواب المهور ح11

ویمکن الفرق بین العزم علیها فعلاً، وبین العزم علی أن یخون بعد ذلک.

الآن، بل لأنه فی صدد الخیانة، کما أنهم لا یذهبون إلی من یقتلهم لا لأنه قاتل الآن بل لخوف القتل، والحدیث تنزیل کما هو واضح.

{ویمکن الفرق بین العزم علیها فعلاً، وبین العزم علی أن یخون بعد ذلک} لکنه غیر فارق، فإن العزم الفعلی لا یسبب صدق الخیانة، اللهم إلا أن یقال: إنه لا یسمی الآن أمیناً عرفاً، وقد تقدم فی صحیح ابن مسلم: لیس علیه غرم بعد أن یکون الرجل أمیناً، فمفهومه أن علیه الغرم إذا لم یعد أمیناً عرفاً.

لکن فیه: إنه إن لم یخن مدة مضاربته یقال إنه أمین وإن قصد الخیانة، کما أن من لم یزن یقال إنه عفیف وإن نوی الزنا، ولذا ذکر غیر واحد من المعلقین أن الفرق غیر فارق.

ص:67

مسألة ٤٠ لا یشتری المالک من العامل شیئا

(مسألة 40): لا یجوز للمالک أن یشتری من العامل شیئاً من مال المضاربة لأنه ماله، نعم إذا ظهر الربح یجوز له أن یشتری حصة العامل منه مع معلومیة قدرها، ولا یبطل بیعه بحصول الخسارة بعد ذلک

(مسألة 40): {لا یجوز} أی لا ینفذ {للمالک أن یشتری من العامل شیئاً من مال المضاربة} کما نص بذلک الشرائع والقواعد وشراحهما، بل فی الجواهر إنه لا خلاف فیه ولا إشکال، {لأنه ماله} ولیس تبدیل الإنسان مالاً له بمال آخر لنفسه معاملة، فإذا فعل المالک ذلک بقی المال السابق مال مضاربة، ولا یکون المال الثانی مال مضاربة، فإذا تاجر به العامل کان له الأجرة لا المسمی الذی هو النسبة.

(نعم إذا ظهر الربح یجوز له أن یشتری حصة العامل منه، مع معلومیة قدرها) لما تقدم من أن ظهور الربح یوجب ملک العامل لقدر حصته، وقوله (مع ...) من باب أنه طریق إلی الثبوت، وإلا فالمدخلیة له لا لعالم الإثبات، فإذا لم یعلم قدر حصة العامل وکان فی الواقع طناً من الحنطة واشتری الطن وکان قاصدین مال العامل لم یکن وجه لبطلان البیع.

إذ اللازم اشتراء مال العامل، لا مال نفسه، وذلک حاصل فی المقام {ولا یبطل بیعه بحصول الخسارة بعد ذلک} وجه توهم البطلان أنه لا مال للعامل مع الخسارة فقد اشتری المالک مال نفسه، ولذا قال فی محکی جامع المقاصد: لو تجدد الخسران أمکن القول بالبطلان

ص:68

فإنه بمنزلة التلف، ویجب علی العامل رد قیمتها لجبر الخسارة، کما لو باعها من غیر المالک، وأما العامل فیجوز أن یشتری من المالک قبل ظهور الربح، بل وبعده

ولم أجد تصریحاً لذلک، فینبغی التوقف، ورده الجواهر بأنه فی غیر محله، {فإنه بمنزلة التلف ویجب علی العامل رد قیمتها لجبر الخسارة، کما لو باعها من غیر المالک}.

کما تقدم فی المسألة السابعة والثلاثین، وفی تعلیقة السید البروجردی علی (قیمتها): (بل ثمنها المسمی وإن قلنا بصحة البیع باعتبار القول بالملک وأن الحق لا یعدوهما، وذلک لإقدام المالک علی عدم جبر الزیادة إن کانت القیمة أکثر) انتهی.

وفیه: إن معنی جبران الخسارة بقدر قیمة الشیء الواقعیة لا بقدر المسمی، فإذا باع منّاً من الحنطة _ وهو نصیبه من الربح _ بنصف دینار، بینما قیمته دینار فقد أخذ قدر دینار، فإذا خسر المتاع قدر دینارین کان اللازم علیه رد الدینار، إذ الخسارة تدارک بالربح الواقعی لا الربح الذی فرضه العامل ربحاً، وقوله (لإقدام المالک) غیر ظاهر الوجه، إذ لا یلزم اطلاع المالک علی البیع، فإنه إذا باعه مشاعاً بدون قسمة لأجنبی کان حقه ولا یلزم اطلاع المالک علیه.

ومنه یعلم أنه لو باعه بأکثر من قیمته لم یکلف إلا بدفع قدر القیمة لتسدید الخسارة.

{وأما العامل فیجوز أن یشتری من المالک قبل ظهور الربح} لأن المال للمالک وإن لم یربح، و«الناس مسلطون علی أموالهم»، {بل وبعده} أیضاً، سواء کان قصدهما

ص:69

لکن یبطل الشراء بمقدار حصته من المبیع لأنه ماله، نعم لو اشتری منه قبل ظهور الربح بأزید من قیمته بحیث یکون الربح حاصلاً بهذا الشراء، یمکن الإشکال فیه حیث إن بعض الثمن حینئذ یرجع إلیه من جهة کونه ربحاً، فیلزم من نقله إلی البائع عدم نقله من حیث عوده إلی نفسه

الشراء من الأصل أو من الربح الخاص بالمالک {لکن یبطل الشراء بمقدار حصته} أی حصة العامل {من المبیع}.

کما ذکره العلامة وغیره، فإذا کان الأصل عشرة والربح ثلاثة فاشتری العامل اثنی عشر کان البیع باطلاً بالنسبة إلی النصف، لأنه لنفس العامل فهو مثل اشتراء المالک لماله {لأنه ماله}، ولا یصح اشتراء الإنسان مال نفسه، فإذا لم یعلم أحدهما بذلک کان له خیار تبعض الصفقة.

{نعم لو اشتری} العامل {منه} من المالک {قبل ظهور الربح بأزید من قیمته} فاشتری ما قیمته عشرة باثنی عشر {بحیث یکون الربح حاصلاً بهذا الشراء} لأن نصف الربح _ وهو واحد فی المثال _ للعامل، إذا جعل حصته من الربح بنسبة النصف {یمکن الإشکال فیه} أی فی هذا البیع {حیث إن بعض الثمن} وهو الواحد فی المثال {یرجع إلیه} إلی العامل {من جهة کونه ربحاً} فقد اشتری العامل مال نفسه بمال نفسه {فیلزم من نقله إلی البائع عدم نقله من حیث عوده إلی نفسه} وذلک باطل.

ثم لا یخفی إن هذا الإشکال مبنی علی اعتبار أن کل ربح یدخل کیس المالک، باعتبار أنه ربح لماله، کما تقدم من المصنف، وبعد الاسترباح

ص:70

ویمکن دفعه بأن کونه ربحاً متأخر عن صیرورته للبائع، فیصیر أولاً للبائع الذی هو المالک من جهة کونه ثمناً، وبعد أن تمت المعاملة وصار ملکاً للبائع وصدق کونه ربحاً یرجع إلی المشتری الذی هو العامل، علی حسب قرار المضاربة

تنتقل حصته منه من ملک مالک رأس المال إلی العامل، حسب المقرر فی المضاربة.

وفیه: إن الاعتبار العقلائی ما ذکرناه سابقاً، من أن من أحدهما المال ومن الآخر العمل، والربح ولید لهما، فالربح یدخل فی کیسهما ابتداءً، فتکون حصة منه تنقل إلی صاحب رأس المال وحصة منه تنقل إلی صاحب العمل، وهذا لیس خلافاً للقاعدة العقلائیة، ولا للأدلة الشرعیة.

نعم، الإشکال فی حصة العامل فقط باعتبار کون العوض والمعوض لشخص واحد، وذلک ما لا یعقل، فإذا اشتری ما قیمته عشرة بعشرین، یکون الإشکال فی خمسة منه، وهی نصف الربح.

وبذلک یظهر أن جواب الماتن مبنی علی ما ذکروا، لا علی ما ذکرناه.

{و} کیف کان {یمکن دفعه بأن کونه ربحاً متأخر عن صیرورته للبائع، فیصیر أولاً للبائع الذی هو المالک من جهة کونه ثمناً} لماله، والثمن یدخل فی کیس من یخرج المثمن من کیسه، والمفروض أن القیمة أصلاً وربحاً بدل، وربح المال للمالک.

{وبعد أن تمت المعاملة وصار ملکاً للبائع وصدق کون ربحاً، یرجع إلی المشتری الذی هو العامل، علی حسب قرار المضاربة} فلم یجمع العوض

ص:71

فملکیة البائع متقدمة طبعاً، وهذا مثل ما إذا باع العامل مال المضاربة الذی هو مال المالک من أجنبی بأزید من قیمته، فإن المبیع ینتقل من المالک والثمن یکون مشترکاً بینه وبین العامل، ولا بأس به فإنه من الأولی یصیر ملکاً للمالک ثم یصیر بمقدار حصة العامل منه له بمقتضی قرار المضاربة، لکن

والمعوّض فی کیس واحد إطلاقاً، لا بقدر ربح العامل ولا غیره، علی حسب نظرهم.

{فملکیة البائع متقدمة طبعاً} علی ملکیة العامل تقدم الموضوع علی الحکم، {وهذا مثل ما إذا باع العامل مال المضاربة الذی هو مال المالک من أجنبی بأزید من قیمته} مثله فی أن جوابهما واحد، وإن کان هو إشکالاً آخر عاماً فی مطلق المعاملات الرابحة فی باب القراض، کذا فی تعلیقة السید البروجردی.

{فإن المبیع ینتقل من المالک، والثمن یکون مشترکاً بینه وبین العامل، ولا بأس به}، ولا یخفی أن هذا مبنی أیضاً علی کلامهم، لا علی ما اخترناه من أن کلاً منهما له حصة من الربح من أول الأمر، لا أن الربح یدخل کله فی کیس المالک، ثم یدخل حصة منه فی کیس العامل، {فإنه} علی رأیهم {من الأولی یصیر ملکاً للمالک} باعتبار أن الربح تابع لرأس المال.

{ثم یصیر بمقدار حصة العامل منه له} کأنه أجیر عند المالک {بمقتضی قرار المضاربة} فی قدر الحصة.

{لکن} المصنف جعل مخرجاً آخر لدخول الربح فی کیس العامل ابتداءً،

ص:72

هذا علی ما هو المشهور من أن مقتضی المعاوضة دخول المعوّض فی ملک من خرج عنه العوض، وأنه لا یعقل غیره، وأما علی ما هو الأقوی من عدم المانع من کون المعوّض لشخص والعوض داخل فی ملک غیره، وأنه لا ینافی حقیقة المعاوضة

لا کما ذکرناه، فإنه جعل کل الربح للمالک حسب رأیهم، لکن قال: بأن حصة من الربح یدخل کیس العامل ابتداءً، {هذا علی ما هو المشهور من أن مقتضی المعاوضة دخول المعوض فی ملک من خرج عنه العوض، وأنه لا یعقل غیره}، فإن معنی العوض هو ذلک، وإلا لم یکن عوضاً، فمعنی عدم المعقولیة انتفاء الموضوع، لأنه غیر معقول، مثل اجتماع النقیضین.

{وأما علی ما هو الأقوی من عدم المانع من کون المعوّض لشخص، والعوض داخل فی ملک غیره} فهو أمر عقلائی، کإعطاء الإنسان الثمن للخباز لیعطی خبزاً للفقیر، بدون تملیک الفقیر الثمن، ولا دخول الخبز فی ملک المعطی ثم إعطاؤه للفقیر.

{وأنه لاینافی حقیقة المعاوضة} بل قد ذکرنا هنا إلماعاً، وفی بعض الکتب الفقیهة تفصیلاً: إمکان الأقسام الأربعة، بأن یکون الأمر ذا طرفین أو ثلاثة _ بصورتیها _ أو أربعة، کأن یعطی دیناراً للخباز فی قبال أن یخیط ولده ثوب ولد صاحب الدینار، بل وما إذا لم یکن ثالث کأن یعطی دیناراً للخباز لیعطی الخبز للأسماک وهو قسم خامس، ومنه یعلم مواضع النظر فی کلام المستمسک فراجع.

ص:73

فیمکن أن یقال: من الأول یدخل الربح فی ملک العامل بمقتضی قرار المضاربة، فلا یکون هذه الصورة مثالاً للمقام ونظیراً له.

{فیمکن أن یقال: من الأول یدخل الربح فی ملک العامل بمقتضی قرار المضاربة} بدون أن فی یدخل ملک المالک ثم ینتقل منه إلی العامل {فلا یکون هذه الصورة مثالاً للمقام ونظیراً له} حیث قد عرفت أن الإشکال هو أنه یلزم من نقل العوض عدم نقله.

ص:74

مسألة ٤١ أخذ العامل بالشفعة

(مسألة 41): یجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالک فی مال المضاربة، ولا یجوز العکس، مثلاً إذا کانت دار مشترکة بین العامل والأجنبی فاشتری العامل حصة الأجنبی بمال المضاربة، یجوز له إذا کان قبل ظهور الربح أن یأخذها بالشفعة، لأن الشراء قبل حصول الربح یکون للمالک، فللعامل أن یأخذ تلک الحصة بالشفعة منه، وأما إذا کانت الدار مشترکة بین المالک والأجنبی فاشتری العامل

(مسألة 41): {یجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالک فی مال المضاربة} بأن اشتری شیئاً بمال المضاربة وقد کان مشترکاً بین الأجنبی والعامل، فیأخذه العامل بعنوان الشفعة بعد وجود شرائطها، وإنما یجوز الأخذ بالشفعة لإطلاق أدلتها الشامل للمقام.

{ولا یجوز العکس} بأن یأخذ المالک بالشفعة ما اشتراه العامل له، لأن الشیء المشتری للمالک، لأنه اشتری بمال المالک فلا معنی لتملکه بالشفعة {مثلاً إذا کانت دار مشترکة بین العامل والأجنبی فاشتری العامل حصة الأجنبی بمال المضاربة} فصارت الدار مشترکة بین العامل والمالک {یجوز له إذا کان قبل ظهور الربح أن یأخذها بالشفعة} لأن الأجنبی باع الشیء الذی کان شریکاً فیه مع العامل _ وإن کان المباشر للاشتراء العامل بنفسه _ فصار العامل شریکاً مع المالک {لأن الشراء قبل حصول الربح یکون للمالک} فقط بلا حصة للعامل فیه {فللعامل أن یأخذ تلک الحصة بالشفعة منه} أی من المالک.

{وأما إذا کانت الدار مشترکة بین المالک والأجنبی فاشتری العامل حصة

ص:75

حصة الأجنبی لیس للمالک الأخذ بالشفعة، لأن الشراء له فلیس له أن یأخذ بالشفعة ما هو له.

الأجنبی} بأن صار حصة الأجنبی للمالک {لیس للمالک الأخذ بالشفعة} لانتفاء موضوع الشفعة {لأن الشراء له} لنفس المال فقد صار کل الملک للمالک، إذ نصفه أولاً کان للمالک، ونصفه الثانی اشتراه العامل بمال المالک فلا موضع للشفعة.

{فلیس له أن یأخذ بالشفعة ما هو له}، وهذا الحکم مذکور فی الشرائع والقواعد وغیرهما وقرره کافة المعلقین والشراح الذین ظفرت بکلماتهم، وإنما قال قبل ظهور الربح، لأنه إذا کان بعد ظهور الربح کان حصة من المشتری لنفس العامل فکیف یأخذ الشیء الذی لنفسه ولغیره _ أی المالک _ بالشفعة، إذ الشفعة أن یأخذ مال شریکه لا مال نفسه، لکن یمکن یقال: إن دلیل الشفعة شامل لما بعد ظهور الربح، لأنه عبارة عن أخذ حصة الشریک التی بیعت _ فیما لم یکن هناک شرکاء أکثر من اثنین _ وهنا العامل یأخذ حصة الشریک التی بیعت، وعدم تمکن العامل من اشتراء کل الحصة، لأن بعض الحصة لنفس العامل لا یمنع من شمول دلیل الشفعة للمقام.

ص:76

مسألة ٤٢ عدم جواز وطی العامل للجاریة

(مسألة 42): {لا إشکال فی عدم جواز وطی العامل للجاریة التی اشتراها بمال المضاربة، بدون إذن المالک، سواء کان قبل ظهور الربح أو بعده، لأنها مال الغیر أو مشترکة بینه وبین الغیر الذی هو المالک، فإن فعل کان زانیاً یحد مع عدم الشبهة کاملاً إن کان قبل حصول الربح، وبقدر نصیب المالک إن کان بعده.

کما لا إشکال فی جواز وطیها إذا أذن له المالک بعد الشراء، وکان قبل حصول الربح، بل یجوز بعده علی الأقوی من جواز تحلیل أحد الشریکین صاحبه وطی الجاریة المشترکة بینهما.

وهل یجوز له وطیها بالإذن السابق فی حال إیقاع عقد المضاربة أو بعده قبل الشراء أم لا، المشهور علی عدم الجواز لأن التحلیل إما تملیک أو عقد، وکلاهما لا یصلحان قبل الشراء، والأقوی کما عن الشیخ فی النهایة الجواز لمنع کونه أحد الأمرین، بل هو إباحة ولا مانع من إنشائها من قبل الشراء إذا لم یرجع عن إذنه بعد ذلک، کما إذا قال: اشتر بمالی طعاماً ثم کل منه.

هذا مضافاً إلی خبر الکاهلی، عن أبی الحسن (علیه السلام)، قلت: رجل سألنی أن أسألک أن رجلاً أعطاه مالاً مضاربة یشتری ما یری من شیء، وقال له: اشتر جاریة تکون معک، والجاریة إنما هی لصاحب المال إن کان فیها وضیعة فعلیه، وإن کان ربح فله،

ص:77

فللمضارب أن یطأها، قال (علیه السلام): «نعم»((1)).

ولا یضر ظهورها فی کون الشراء من غیر مال المضاربة من حیث جعل ربحها للمالک، لأن الظاهر عدم الفرق بین المضاربة وغیرها فی تأثیر الإذن السابق وعدمه.

وأما وطی المالک لتلک الجاریة فلا بأس به قبل حصول الربح، بل مع الشک فیه لأصالة عدمه، وأما بعده فیتوقف علی إذن العامل، فیجوز معه علی الأقوی من جواز إذن أحد الشریکین صاحبه}.

مسألة ٤٣ لو اشتری العامل زوج المالک

(مسألة 43): {لو کان المالک فی المضاربة امرأة فاشتری العامل زوجها، فإن کان بإذنها فلا إشکال فی صحته، وبطلان نکاحها ولا ضمان علیه، وإن استلزم ذلک الضرر علیها بسقوط مهرها ونفقتها، وإلا ففی المسألة أقوال:

البطلان مطلقاً للاستلزام المذکور، فیکون خلاف مصلحتها.

والصحة کذلک، لأنه من أعمال المضاربة المأذون فیها فی ضمن العقد، کما إذا اشتری غیر زوجها.

والصحة إذا أجازت بعد ذلک.

وهذا هو الأقوی، إذ لا فرق بین الإذن السابق والإجازة اللاحقة، فلا وجه للقول الأول، مع أن قائله غیر معلوم، ولعله من یقول بعدم

ص:78


1- الوسائل: ج13 ص190 الباب 11 من أبواب المضاربة ح1

  صحة الفضولی إلا فیما ورد دلیل خاص، ومع أن الاستلزام المذکور ممنوع لأنها لا یستحق النفقة إلا تدریجاً، فلیست هی مالاً لها قوته علیها، وإلا لزم غرامتها علی من قتل الزوج.

وأما المهر فإن کان ذلک بعد الدخول فلا سقوط، وإن کان قبله فیمکن أن یدعی عدم سقوطه أیضاً بمطلق المبطل، وإنما یسقط بالطلاق فقط، مع أن المهر کان لسیدها لا لها.

وکذا لا وجه للقول الثانی بعد أن کان الشراء المذکور علی خلاف مصلحتها، لا من حیث استلزام الضرر المذکور، بل لأنها ترید زوجها لأغراض أخر، والإذن الذی تضمنه العقد منصرف عن مثل هذا.

ومما ذکرنا ظهر حال ما إذا اشتری العامل زوجة المالک، فإنه صحیح مع الإذن السابق أو الإجازة اللاحقة، ولا یکفیه الإذن الضمنی فی العقد للانصراف}.

مسألة ٤٤ لو اشتری من ینعتق علی المالک

(مسألة 44): {إذا اشتری العامل من ینعتق علی المالک، فإما أن یکون بإذنه أو لا، فعلی الأول ولم یکن فیه ربح صح وانعتق علیه وبطلت المضاربة بالنسبة إلیه، لأنه خلاف وضعها، أو خارج عن عنوانها، حیث إنها مبنیة علی طلب الربح المفروض عدمه، بل کونه خسارة محضة، فیکون صحة الشراء من حیث الإذن من المالک،

ص:79

لا من حیث المضاربة، وحینئذ فإن بقی من مالها غیره بقیت بالنسبة إلیه، وإلا بطلت من الأصل، وللعامل أجرة عمله إذا لم یقصد التبرع.

وإن کان فیه ربح فلا إشکال فی صحته، لکن فی کونه قراضاً فیملک العامل بمقدار حصته من العبد، أو یستحق عوضه علی المالک للسرایة، أو بطلانه مضاربةً واستحقاق العامل أجرة المثل لعمله، کما إذا لم یکن ربح أقوال، لا یبعد ترجیح الأخیر، لا لکونه خلاف وضع المضاربة، للفرق بینه وبین صورة عدم الربح، بل لأنه فرع ملکیة المالک المفروض عدمها.

ودعوی أنه لابد أن یقال: إنه یملکه آناًمّا ثم ینعتق أو بقدر ملکیته حفظاً، لحقیقة البیع علی القولین فی تلک المسألة، وأی منهما کان یکفی فی ملکیة الربح، مدفوعة بمعارضتها بالانعتاق الذی هو أیضاً متفرع علی ملکیة المالک، فإن لها أثرین فی عرض واحد: ملکیة العامل للربح والانعتاق.

ومقتضی بناء العتق علی التغلیب تقدیم الثانی، وعلیه فلم یحصل للعامل ملکیة نفس العبد، ولم یفوت المالک علیه أیضاً شیئاً، بل فعل ما یمنع عن ملکیته، مع أنه یمکن أن یقال: إن التفویت من الشارع لا منه.

لکن الانصاف أن المسألة مشکلة بناءً علی لزوم تقدم ملکیة

ص:80

المالک وصیرورته للعامل بعده، إذ تقدم الانعتاق علی ملکیة العامل عند المعارضة فی محل المنع.

نعم لو قلنا: إن العامل یملک الربح أولاً بلا توسط ملکیة المالک بالجعل الأولی حین العقد وعدم منافاته لحقیقة المعاوضة، لکون العوض من مال المالک والمعوض مشترکاً بینه وبین العامل کما هو الأقوی لا یبقی إشکال، فیمکن أن یقال بصحته مضاربة، وملکیة العامل حصته من نفس العبد علی القول بعدم السرایة، وملکیته عوضها إن قلنا بها.

وعلی الثانی أی إذا کان من غیر إذن المالک، فإن أجاز فکما فی صورة الإذن، وإن لم یجز بطل الشراء، ودعوی البطلان ولو مع الإجازة لأنه تصرف منهی عنه کما تری، إذ النهی لیس عن المعاملة بما هی، بل لأمر خارج فلا مانع من صحتها مع الإجازة.

ولا فرق فی البطلان مع عدمها بین کون العامل عالماً بأنه ممن ینعتق علی المالک حین الشراء أو جاهلاً، والقول بالصحة مع الجهل لأن بناء معاملات العامل علی الظاهر، فهو کما إذا اشتری المعیب جهلاً بالحال ضعیف، والفرق بین المقامین واضح.

ثم لا فرق فی البطلان بین کون الشراء بعین مال المضاربة، أو فی الذمة بقصد الأداء منه، وإن لم یذکره لفظاً.

نعم لو تنازع هو والبائع فی کونه لنفسه أو للمضاربة، قدم قول

ص:81

البائع ویلزم العامل به ظاهراً وإن وجب علیه التخلص منه، ولو لم یذکر المالک لفظاً ولا قصداً کان له ظاهراً وواقعاً}.

مسألة ٤٥ لو اشتری أبا المالک

(مسألة 45): {إذا اشتری العامل أباه أو غیره ممن ینعتق علیه، فإن کان قبل ظهور الربح ولا ربح فیه أیضاً صح الشراء، وکان من مال القراض، وإن کان بعد ظهوره أو کان فیه ربح فمقتضی القاعدة وإن کان بطلانه لکونه خلاف وضع المضاربة، فإنها موضوعة کما مر للاسترباح بالتقلیب فی التجارة والشراء، المفروض من حیث استلزامه للانعتاق لیس کذلک، إلا أن المشهور بل ادعی علیه الإجماع صحته، وهو الأقوی فی صورة الجهل بکونه ممن ینعتق علیه، فینعتق مقدار حصته من الربح منه، ویسری فی البقیة، وعلیه عوضها للمالک مع یساره، ویستسعی العبد فیه مع إعساره.

لصحیحة ابن أبی عمیر، وعن محمد بن قیس، عن الصادق (علیه السلام)، فی رجل دفع إلی رجل ألف درهم مضاربة فاشتری أباه وهو لا یعلم، قال (علیه السلام): «یقوّم فإن زاد درهماً واحداً انعتق واستسعی فی مال الرجل»((1)).

وهی مختصة بصورة الجهل المنزل علیها إطلاق کلمات العلماء

ص:82


1- الوسائل: ج13 ص188 الباب 8 من أبواب المضاربة ح1

أیضاً، واختصاصها بشراء الأب لا یضر بعد کون المناط کونه ممن ینعتق علیه، کما أن اختصاصها بما إذا کان فیه ربح لا یضر أیضاً بعد عدم الفرق بینه وبین الربح السابق، وإطلاقها من حیث الیسار والإعسار فی الاستسعاء أیضاً منزل علی الثانی، جمعاً بین الأدلة.

هذا ولو لم یکن ربح سابق ولا کان فیه أیضاً لکن تجدد بعد ذلک قبل أن یباع، فالظاهر أن حکمه أیضاً الانعتاق والسرایة بمقتضی القاعدة، مع إمکان دعوی شمول إطلاق الصحیحة أیضاً للربح المتجدد فیه، فیلحق به الربح الحاصل من غیره لعدم الفرق}.

ص:83

مسألة ٤٦ فسخ المضاربة أو انفساخها

اشارة

(مسألة 46): قد عرفت أن المضاربة من العقود الجائزة، وأنه یجوز لکل منها الفسخ إذا لم یشترط لزومها فی ضمن عقد لازم، بل أو فی ضمن عقدها أیضاً.

ثم قد یحصل الفسخ من أحدهما وقد یحصل البطلان والانفساخ لموت أو جنون أو تلف مال التجارة بتمامها، أو لعدم إمکان التجارة لمانع أو نحو ذلک، فلا بد من التکلم فی حکمها من حیث استحقاق

(مسألة 46): {قد عرفت} فی أول الکتاب {أن المضاربة من العقود الجائزة، وأنه یجوز لکل منهما} العامل والمالک {الفسخ إذا لم یشترط لزومها فی ضمن عقد لازم} فإذا اشترط کانت لازمة، وإذا فسخ لم یؤثر لما تقدم من أن الشرط یوجب الوضع.

{بل أو فی ضمن عقدها أیضاً} بناءً علی أن الشرط فی ضمن العقد الجائز لازم أیضاً، لکنک قد عرفت فیما سبق أنه مخالف لمقتضی القاعدة، ولذا قال المشهور أن الشرط فیه غیر لازم.

{ثم قد یحصل الفسخ من أحدهما} وإذا فسخا فی زمان واحد حصل الانفساخ، وعدم ذکر المصنف له لعدم الحاجة إلی ذکره بعد وضوح کفایة فسخ أحدهما.

{وقد یحصل البطلان} التلقائی {والانفساخ، لموت أو جنون أو تلف مال التجارة بتمامها} فینتفی الموضوع، وقد تقدم منه إمکان تلف کل مال المالک ومع ذلک لا تنفسخ، {أو لعدم إمکان التجارة لمانع} فی التجارة أو فی العامل کما إذا سجن فلا یقدر التجارة {أو نحو ذلک، فلا بد من التکلم فی حکمها من حیث استحقاق

ص:84

العامل للأجرة وعدمه، ومن حیث وجوب الإنضاض علیه وعدمه، إذا کان بالمال عروض، ومن حیث وجوب الجبایة علیه وعدمه إذا کان به دیون علی الناس، ومن حیث وجوب الرد إلی المالک وعدمه، وکون الأجرة علیه أو لا.

فنقول: إما أن یکون الفسخ من المالک أو العامل، وأیضاً إما أن یکون قبل الشروع فی التجارة أو فی مقدماتها أو بعده، قبل ظهور الربح أو بعده، فی الأثناء أو بعد تمام التجارة

العامل للأجرة وعدمه، ومن حیث وجوب الانضاض علیه وعدمه، إذا کان بالمال عروض} ولم یرد المالک العروض، وإلا فلو أراد المال العروض لم یحق للعامل انضاضه، {ومن حیث وجوب الجبایة علیه وعدمه إذا کان به دیون علی الناس} وجمع العروض إذا کان متفرقاً فیما أراد المالک نفس العروض {ومن حیث وجود الرد إلی المالک وعدمه} بل علی نفس المالک أن یسترد ماله {وکون الأجرة علیه أو لا}، وإذا احتاج تحصیل المال إلی القضاء من حیث لزوم مراجعته القضاء وغیر ذلک.

{فنقول: إما أن یکون الفسخ من المالک أو العامل} فیما إذا کان فسخ لا انفساخ {وأیضاً إما أن یکون قبل الشروع فی التجارة أو فی مقدماتها} کالسفر لأجل اشتراء بضاعة خاصة من بلد آخر أو نحو ذلک من المقدمات {أو بعده} أی بعد الشروع فی التجارة {قبل ظهور الربح أو بعده، فی الأثناء} أی أثناء التجارة {أو بعد تمام التجارة}.

ولا یخفی عدم التکرار بالنسبة إلی قوله (أو فی مقدماتها أو بعده) وقوله

ص:85

الفسخ قبل العمل

بعد إنضاض الجمیع أو البعض أو قبله، قبل القسمة أو بعدها، وبیان أحکامها فی طی مسائل:

الأولی: إذا کان الفسخ أو الانفساخ ولم یشرع فی العمل ولا فی مقدماته فلا إشکال، ولا شیء له ولا علیه، وإن

(فی الأثناء) لأن المراد بالأول أوائل الشروع، وبالثانی أواخره أو أواسطه، {بعد انضاض الجمیع أو البعض، أو قبله} بأن کان کل المال عروضاً {قبل القسمة} أو فی أثنائها، لإمکان الفسخ فی أثناء القسمة {أو بعدها} أی بعد قسمة البعض، إذ بعد قسمة التمام لا یبقی محل للفسخ.

{و} هذه الصور {بیان أحکامها فی طی مسائل:

الأولی: إذا کان الفسخ} من أحدهما {أو الانفساخ} التلقائی {ولم یشرع} العامل {فی العمل ولا فی مقدماتها فلا إشکال، ولا شیء له ولا علیه} بل المال یرجع إلی المالک لعدم الموجب لأن تکون له شیء، ولا علیه شیء، لکن ربما یقال: یمکن أن یکون له شیء أو علیه شیء، کما إذا أبطل العامل عمله السابق لأجل عمل المضاربة کعامل البناء، حیث أعطاه زید درهماً وقال له: لا تعمل هذا الیوم لتعمل لی، فأبطل عمله البنائی.

وقرب الظهر حیث یشرع عمله المضاربی، لأن أهل الأغنام مثلاً فی هذا الوقت یأتون إلی البلد لبیع أغنامهم فسخ المالک المضاربة، حیث لا یتمکن العامل من عمل البناء لیحصل علی قوت یومه، فإن علی المالک إعطاءه الأجرة، لأنه مغرور فی ترک عمله فیرجع إلی من غرّه، ولأن ضرره صار بسبب المالک فیشمله «لا ضرر»، فحاله حال ما إذا حبس الحر، حیث اخترنا تبعاً لبعض الفقهاء ضمان قدر عمله، هذا بالنسبة إلی له. وأما بالنسبة إلی علیه فکما إذا سبب العامل ضرر المالک، کما إذا کان العمل فی السفر وکان العامل وقت سفرهم

ص:86

کان بعد تمام العمل والانضاض فکذلک، إذ مع حصول الربح یقتسمانه، ومع عدمه لا شی ء للعامل ولا علیه إن حصلت خسارة، إلا أن یشترط المالک کونها بینهما، علی الأقوی من صحة هذا الشرط، أو یشترط العامل علی المالک شیئاً إن لم یحصل ربح

هذا الیوم الجمعة وبعد ذلک لا یسافرون إلی الجمعة المقبلة، فأخذ العامل من المالک، ثم لما سافر سائر العمال، حیث لا یقدر المالک من استخدام عامل آخر فسخ العامل المضاربة حیث أوجب جمود مال المالک وعدم تمکنه من استرباحه، فیکون حال العامل حال من حبس مال المالک، حیث إن مقتضی قاعدة الغرور وقاعدة «لا ضرر» أن یکون ضامناً، لکن لیس بناء الفقهاء علی ما یظهر من کلمات بعضهم الضمان فی کلتا المسألتین، والمسألة بحاجة إلی تأمل أکثر وتتبع أوسع.

{وإن کان بعد تمام العمل والانضاض فکذلک} لا شیء له ولا علیه، لعدم موجب لهما، کما فی المستمسک وغیره، {إذ مع حصول الربح یقتسمانه} عملاً بالمضاربة التی انتهت {ومع عدمه لا شیء للعامل} لأنه أقدم علی أن لا یکون شیء له إذا لم یکن ربح فهو أهدر عمله {ولا علیه إن حصلت خسارة} لأن المالک أقدم علی أن لا یکون لماله ربح ویحتمل الخسارة إن کانت خسارة التجارة {إلا أن یشترط المالک کونها} أی الخسارة {بینهما علی الأقوی من صحة هذا الشرط} لقاعدة «المؤمنون عند شروطهم»((1)) کما مر فی المسألة الرابعة.

{أو یشترط العامل علی المالک شیئاً إن لم یحصل ربح} لقاعدة «المؤمنون

ص:87


1- الوسائل: ج15 ص45 الباب 40 من أبواب المهور ح2، الکافی: ج5 ص404

وربما یظهر من إطلاق بعضهم ثبوت أجرة المثل مع عدم الربح

عند شروطهم»، وهی روایة عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، کما رواه المستدرک، عن الغوالی، فی کتاب التجارة، وضعف سندها غیر ضار بعد الجبر القطعی بعمل الفقهاء بها، ولا دلیل علی أن الشرط لا یشمل هذین المقامین، لکن أشکل المستمسک علی ذلک بقوله: (لکن بعد فسخ العقد یبطل الشرط معه ولا یجب العمل به، نعم قد تجب أجرة المثل أو أقل الأمرین من أجرة المثل لقاعدة الضمان بالاستیفاء).

أقول: إذا قلنا بأن الشرط فی ضمن العقد الجائز لازم الوفاء به له لم یهم فی وجوب العمل بالشرط تمام العمل العقدی وعدمه، کما إذا استأجر داره فی هذا الیوم بشرط أن یخیط ثوبه، فإنه إذا انتهی الیوم لا یسقط وجوب خیاطة ثوبه علیه، لأنه مقتضی دلیل الشرط کما یفهم العرف، نعم إن لم نقل بوجوب الوفاء فی العقد الجائز تم ما ذکره المستمسک، لکن تعلیله غیر تام حینئذ.

{وربما یظهر من إطلاق بعضهم ثبوت أجرة المثل مع عدم الربح} کأنه أشار بذلک إلی ما ذکره العلامة فی التذکرة حیث قال: (فإن فسخا العقد أو أحدهما فإن کان قبل العمل عاد المالک فی رأس المال ولم یکن للعامل أن یشتری بعده، وإن کان قد عمل، فإن کان المال ناضاً ولا ربح فیه أخذه المالک أیضاً، وکان للعامل أجرة عمله إلی ذلک الوقت أیضاً) انتهی.

وربما حمل ذلک علی أنه کان متعارفاً الأجرة فی هذه صورة، وحیث بنیت المضاربة علی المتعارف کان اللازم علیه الأجرة من باب الشرط الضمنی، بضمیمة أن مثل هذا الشرط لازم الوفاء به، لکن یرد هذا الوجه أنه قال فی

ص:88

ولا وجه له أصلا لأن بناء المضاربة علی عدم استحقاق العامل لشی ء سوی الربح علی فرض حصوله کما فی الجعالة.

القواعد: (وإذا فسخ القراض والمال ناض لا ربح فیه أخذه المالک ولا شیء للعامل) انتهی.

نعم یمکن الجمع بین کلامیه بأن الثانی فیما إذا لم یعمل العامل فیه، أو أن المراد لا شیء من المال المقرر، أی الربح، لأنه سالبة بانتفاء الموضوع، وإذا تم الحمل المذکور فی کلام التذکرة ظهر وجه النظر فی رد الجواهر له، فإنه نسبه إلی الغرابة، وعلله فی المستمسک بأنه خلاف مبنی المضاربة.

وفیه: إنه لم یظهر ذلک، لأن العمال حیث یریدون سد حاجاتهم، ولا یریدون استبداد الملاک بأکثریة الربح یجعلون لأنفسهم الحصة فی الربح لا الأجرة، مع تطلبهم الأجرة فی قبال عملهم إذا لم یکن ربح، أو کان الربح الذی یصیبهم أقل من الأجرة.

وکیف کان، فإذا کان هذا الشرط ولو ضمناً کان للعامل ذلک، ثم إن الظاهر أن المصنف نسب ذلک إلی الإطلاق حیث احتمل أن العلامة أراد بذلک صورتی الشرط وعدمه، فإطلاقه یشمل صورة عدم الشرط.

وکیف کان، فإذا لم یکن شرط لم تکن له الأجرة {لأن بناء المضاربة علی عدم استحقاق العامل لشیء سوی الربح علی فرض حصوله کما فی الجعالة} فإنه لا إشکال فی أن العامل لا یستحق شیئاً إذا لم یحصل الأمر المجعول له، نعم إذا کان هناک أیضاً شرط ولو ضمنی استحق الأجرة، علی ما ذکرناه فی المضاربة.

ص:89

الفسخ فی الأثناء

الثانیة: إذا کان الفسخ من العامل فی الأثناء قبل حصول الربح فلا أجرة له لما مضی من عمله، واحتمال استحقاقه لقاعدة الاحترام لا وجه له أصلاً

{الثانیة: إذا کان الفسخ من العامل فی الأثناء} أثناء العمل {قبل حصول الربح فلا أجرة له} لما تقدم فی الأولی من أنه مقتضی المضاربة _ إذا لم یکن شرط ضمنی _ فلا یستحق {لما مضی من عمله} شیئاً، لکن قد ذکرنا فی بعض المسائل السابقة أن ربح المستقبل لو کان جزء سببه عمل العامل کان من موضوع ماله ربح، فالمراد ب_ (قبل) الأعم من الربح الحالی والربح المستقبلی لأنه ربح أیضاً.

{واحتمال استحقاقه لقاعدة الاحترام} المستفادة من «لا یتوی حق امرئ مسلم»((1)) ونحوه، حیث إن عمله یوجب حقاً له، کما فی موارد الإجارة، کما إذا استأجره لنشدان الضالة، أو إلقاء الشبکة فی البحر ورقابتها کیما یحصل السمک احتمالاً وما أشبه ذلک.

{لا وجه له أصلاً} لأن الاحترام إنما یکون إذا لم یهدر الإنسان احترام عمل نفسه، والعامل بإقدامه علی أن لا شیء له إذا لم یربح قد أهدر عمل نفسه.

أما ما ذکره المستمسک بقوله: (علی أنک قد عرفت أنها لا توجب الضمان، لأن احترامه یقتضی حرمة اغتصابه لا ضمان ما یقع منه) انتهی.

ففیه: إنه لا حاجة إلی الاغتصاب، بل إذا کان إنسان سبباً لعمله بدون قبوله التبرع کان إطلاق «لا یتوی» سبباً لثبوت حقه.

ص:90


1- المستدرک: ج3 ص215 باب نوادر الشهادات ح5

وإن کان من المالک أو حصل الانفساخ القهری ففیه قولان، أقواهما العدم أیضاً بعد کونه هو المقدم علی المعاملة الجائزة التی مقتضاها عدم استحقاق شیء إلا الربح

{وإن کان} الفسخ {من المالک أو حصل الانفساخ القهری} بموت أو جنون أو نحوهما {ففیه قولان}: أجرة المثل، کما فی الشرائع، وعن المختصر النافع والإرشاد واللمعة والروض وغیرهم، کما حکاه عنهم مفتاح الکرامة وغیره، وعلله فی المسالک بأن عمله محترم صدر بإذن المالک لا علی وجه التبرع بل فی مقابلة الحصة، وقد فاتت بفسخ المالک قبل ظهور الربح فیستحق أجرة المثل إلی حین الفسخ.

خلافاً للمسالک وظاهر القواعد، لأنه تنظر فی استحقاقه الأجرة، واختیار الجواهر وغیرهم فقالوا بعدم الأجرة، واختاره المصنف.

ولذا قال: {أقواهما العدم أیضاً بعد کونه هو المقدم علی المعاملة الجائزة التی مقتضاها عدم استحقاق شیء إلا الربح}، ولو شک کان الأصل العدم.

وما یمکن أن یستدل به للأجر قاعدة الاحترام المردودة بأن العامل هو الذی أذهب احترام عمله کما تقدم، وقاعدة الاستیفاء المردودة بأن المالک لم یستوف شیئاً، وقاعدة التفویت المرددة بأنها إنما توجب الضمان علی المفوت إذا لم یقدم العامل علی الفوت وهنا قد أقدم.

هذا ویمکن أن یقال: عدم حصول الربح لو استمر فی المضاربة إذا علم به یکون أولی فی عدم استحقاقه، لأنه إن استمر إلی الأخیر لم یکن له شیء، فأولی إذا لم یستمر، وجه الأولویة أنه لم یضیع بقایا عمله التی کان یعملها إذا لم یکن فسخ.

ثم إن کلام جملة منهم وإن کان فی کل من الفسخ والانفساخ، إلا أن عدم الاستحقاق فی صورة الانفساخ بطریق أولی، حیث إنها أبعد عن تفویت المالک حق العامل.

ص:91

ولا ینفعه بعد ذلک کون إقدامه من حیث البناء علی الاستمرار.

الثالثة: لو کان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالک وصرف جملة من رأس المال فی نفقته، فهل للمالک تضمینه مطلقاً

{ولا ینفعه بعد ذلک} الذی هو أقدم علی معاملة جائزة {کون إقدامه من حیث البناء علی الاستمرار} إذ هذا البناء وحده لا یوجب استحقاقه الأجرة بعد أن کان یعلم أنه معرض للفسخ الموجب لعدم شیء له فهو مقدم علی هدر عمله، کما فی الجعالة، حیث إنه أقدم علی عدم استحقاقه الجعل إن لم یظفر بالشیء المجعول له المال بالشروط المحددة للجعل.

ثم إن مقتضی ما ذکرنا من عدم استحقاقه الأجرة، أنه لا فرق بین أن استفاد المالک من عمل العامل علماً أم لا، کما إذا أخذ العامل فی المقدمات التی لا تحتاج إلی المال، لکنها تزید المالک خبرة، مثلاً أخذ العامل یدور علی التجار لیعلم الأجناس ومواضعها وقیمها وما أشبه ذلک وقال کل ذلک للتاجر، فإنها لیست أرباحاً، وإن کانت أفادت التاجر مالاً فی المستقبل حیث لا یحتاج إلی دوران أسبوع مثلاً لیعرف موقع حاجته.

الفسخ بعد السفر

{الثالثة: لو کان الفسخ من العامل بعد السفر} أو شبه السفر {بإذن المالک} إذناً خاصاً أو بمقتضی إطلاق عقد المضاربة، إذ لا دلیل إلی الاحتیاج إلی الإذن الخاص مع وجود الإطلاق.

{وصرف جملة من رأس المال فی نفقته فهل للمالک تضمینه مطلقاً}، سواء کان لعذر أو لا لعذر، لأنه أضر بالمالک فیشمله دلیل «لاضرر»((1)) بتقریب أن عدم

ص:92


1- الوسائل: ج17 ص340 الباب 12 من إحیاء الموات ح1

أو إذا کان لا لعذر منه وجهان، أقواهما العدم لما ذکر من جواز المعاملة وجواز الفسخ فی کل وقت، فالمالک هو المقدم علی ضرر نفسه.

تضمینه ضرر مثل ما استدلوا به فی باب خیار العبن ونحوه، أو التقریب الذی ذکرناه من دلالة الروایة علی العقد الإیجابی أیضاً، حیث إن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) استدل بها لأجل الإیجاب بقلع شجرة سمرة.

{أو إذا کان} الفسخ {لا لعذر منه} مثل مرض أو نحوه، حیث إن فی صورة العذر لم یکن عامداً فی إضرار المالک، فیشمله مثل قوله (علیه السلام):  «ما غلب الله علیه فهو أولی بالعذر»((1)).

{وجهان، أقواهما العدم} مطلقاً {لما ذکر} فی الثانیة {من جواز المعاملة وجواز الفسخ فی کل وقت} أراده أحدهما، سواء تضرر الآخر بالفسخ أو لا، فلا مقتضی للضمان.

{فالمالک هو المقدم علی ضرر نفسه} حیث أقدم علی مثل هذا العقد، وقول المستمسک: (إنما یتم ذلک إذا کان المالک یحتمل الفسخ، أما إذا کان لا یحتمله فلا إقدام منه، فالعمدة عدم موجب للضمان، لا حال السفر ولا حال الفسخ) یرد علیه أنه لو لا الإقدام لم یکن مجال للعمدة، لأنه إذا لم یهدر ماله بإقدامه کان موجب الضمان «لا ضرر» و«لایتوی» و«علی الید ما أخذت» وما أشبه ذلک.

ص:93


1- البحار: ج2 ص273 ح11

الرابعة: لو حصل الفسخ أو الانفساخ قبل حصول الربح وبالمال عروض لا یجوز للعامل التصرف فیه بدون إذن المالک

وهل یقول المستمسک بحق المجعول له إذا صرف وقته وکان قاطعاً بالظفر بالشیء المجعول له المال، مستدلاً بأنه لم یکن یحتمل عدم الظفر فلا إقدام منه، والوجه واضح فی المقامین، فإن الإقدام علی مثل هذه المعاملة إقدام علی لوازمها، سواء علم تفصیلاً اللوازم أو لم یعلم، والأمثلة لذلک کثیرة، کما إذا أقدم علی مهر کثیر بزعم بقاء الزوجة فماتت، أو طلقها قبل الدخول أو بعده، فإن علیه کل المهر أو نصفه، ولا یصح له أن یقول: إنی لم أکن أحتمل الموت أو الطلاق، فلست مقدماً علی إعطاء مثل هذا المال، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

وبما ذکرناه ظهر وجه النظر فی کلام السید البروجردی، حیث علق علی (أقواهما) بقوله: (مشکل جداً مع عدم العذر، لأن استحقاقه لنفقة السفر قد ثبت بالنص، وشمول إطلاقه له بعید).

إذ یرد علیه أولاً: إنه لا وجه لعدم شمول الإطلاق.

وثانیاً: بأن ذلک مقتضی المعاملة فی المحتاجة إلی السفر.

وثالثاً: خصوصاً إذا أذن المالک إذناً خاصاً.

الفسخ قبل حصول الربح

{الرابعة: لو حصل الفسخ أو الانفساخ قبل حصول الربح وبالمال عروض، لا یجوز للعامل التصرف فیه بدون إذن المالک} إذناً سابقاً أو حالاً، کما أفتی به الشرائع وغیره، خلافاً لمن أجاز التصرف.

وجه الأول: إن الفسخ والانفساخ رافع للمعاملة التی أوجبت الإذن فی التصرف، والمفروض أنه لا إذن خاص له فلا یجوز أن یتصرف فی مال الناس بدون رضاهم تصرفاً تقلیبیاً فکیف التصرف

ص:94

ببیع ونحوه، وإن احتمل تحقق الربح بهذا البیع، بل وإن وجد زبون یمکن أن یزید فی الثمن فیحصل الربح، نعم لو کان هناک زبون بانٍ علی الشراء بأزید من قیمته لا یبعد جواز إجبار

{ببیع ونحوه} من التصرفات الناقلة ونحوها.

أما قول المصنف: {وإن احتمل تحقق الربح بهذا البیع} فلأن الاحتمال لا یقاوم دلیل عدم جواز التصرف فی أموال الناس.

أما القول بالجواز مطلقاً، فکأنه یتمسک بأن هذا التصرف من شؤون المضاربة فیشمله دلیل العقد المتضمن للأذن، وفیه عدم تسلیم أنه من شؤونها حتی بعد الفسخ والانفساخ، فدلیل عدم الجواز بلا مزاحم.

{بل وإن وجد زبون یمکن أن یزید فی الثمن فیحصل الربح} لإطلاق دلیل المنع، لکن فی تعلیقة السید البروجردی مع هذا الاحتمال: لا یبعد جواز مطالبة رب المال بتمکینه من البیع والانضاض.

أقول: مقتضی القاعدة أن یکون للعامل حق الاستعلام، سواء بواسطة نفسه أو بواسطة المالک، لاحتمال وجود حقه فیه احتمالا عقلائیاً، فهو مثل لزوم الفحص علی المالک فیما احتمل وجود حق العامل فی ماله بعد أن مات العامل، فإنه المستفاد من مثل «لا یتوی» بالاستفادة العرفیة، فلا یقال: إنه حیث لا یعلم بالحق لا یشمله دلیل «لا یتوی»((1)).

{نعم لو کان هناک زبون بان علی الشراء بأزید من قیمته لا یبعد جواز إجبار

ص:95


1- المستدرک: ج3 ص215 باب نوادر الشهادات ح5

المالک علی بیعه منه، لأنه فی قوة وجود الربح فعلاً، ولکنه مشکل مع ذلک، لأن المناط کون الشیء فی حد نفسه زائد القیمة والمفروض عدمه

المالک علی بیعه منه، لأنه فی قوة وجود الربح فعلاً} بل الربح موجود لا أنه فی قوته، فإن الشیء له مالیة کذا الآن، بل لا یبعد أن یکون الأمر کذلک إذا لم یکن المشتری المذکور موجوداً الآن، بل سیوجد قریباً، کما إذا کان غداً تأتی قافلة الحجاج فیشترون البضاعة بأغلی، إذ العرف یحسب مثل ذلک مالاً وإن لم یکن الآن.

وعلیه فقوله: {ولکنه مشکل مع ذلک، لأن المناط کون الشیء فی حد نفسه زائد القیمة، والمفروض عدمه} غیر ظاهر الوجه، وربما علل بأنه لا سلطنة له علی المالک فی صورة ظهور الربح الذی لا یزید علی کونه شریکاً، ضرورة أنه لا سلطنة للشریک علی بیع مال الشرکة بغیر إذن شریکه، إذ یرد علی المناط المذکور أنه لا دلیل علی مثل هذا المناط بعد حکم العرف أنه ربح، ولذا إذا تنزلت القیمة السوقیة للبضاعة ثم وجد شخص یشتریها بقیمته السابقة غیر المتنزلة فلم یبعها وکیله ثم باعها بالقیمة المتنزلة قال العرف: إن الوکیل سبب خسارة المالک، ومن المعلوم أن الخسارة والربح والتساوی أمور ثلاثة ترد علی موضوع واحد، فإذا صدق أحدها صدق الاثنان الآخران.

أما العلة المذکورة ففیها:

أولاً: إن له الإجبار، کما فی کل مال مشترک.

وثانیاً: إن له بیع حصة نفسه إذا لم نقل بالإجبار، فإن الشریک لا سلطنة له علی مال شریکه، لکنه مسلط علی قدر مال نفسه فی المال المشترک.

ومما ذکر یعلم وجه النظر فی کلام المستمسک حیث ذکر العلة ساکتاً

ص:96

وهل یجب علیه البیع والإنضاض إذا طلبه المالک أو لا، قولان، أقواهما عدمه

علیها، وفی کلام السید البروجردی حیث قبل بمناط المصنف قائلاً: (هذا هو المناط فی اشتراکه مع المالک فی نفس العروض، وأما استحقاقه لتحصیل الربح المالی منها الذی هو الغرض الأقصر من المضاربة فمناطه کونها معرضاً له بالبیع، سواء کان لأجل زیادة قیمتها السوقیة، أو لوجود الراغب الشخصی فالأقوی عدم الفرق بینهما)، کما ظهر وجه النظر فی کلام الجواهر فراجع.

ومما تقدم یعلم أن حال ما یشتری فی مکان آخر بالربح حال ما یشتری فی زمان آخر بالربح، وقد عرفت أنه مثل ما إذا کان یشتریه زبون خاص بالربح، وکذا إذا کان یشتری بشرط خاص بالربح، کما إذا کان فرد باب أو حذاء بدرهم، أما إذا اشتری له فرد آخر بدرهم صار الزوج بثلاثة دراهم، والمناط صدق الربح عرفاً وهو موجود فی کل الأقسام المذکورة.

{وهل یجب علیه البیع والانضاض إذا طلبه المالک} أو لا، وقد حصل الفسخ أو الانفساخ {قولان}: الوجوب لموضع من المبسوط وجامع الشرائع والقواعد، وعدمه للشرائع والروضة والمسالک {أقواهما} عند المصنف {عدمه} لأنه إذا حصل الفسخ، فلا وجه لإلزام العامل بشیء، فإنه لایشمله دلیل الوفاء بالعقد((1))، ولا دلیل آخر فی المقام، والأصل البراءة.

ص:97


1- سورة المائدة: الآیة 1

ودعوی أن مقتضی قوله (علیه السلام): «علی الید ما أخذت حتی تؤدی» وجوب رد المال إلی المالک کما کان، کما تری.

{و} أما القائل بالوجوب، فقد استدل بأنه المعهود المتعارف المبنی علیه العقد، وفی کثیر من الأحیان لا یقدر المالک علی البیع والانضاض ولا تنفعه العین، ولعله أشار إلی ذلک ما فی القواعد بقوله: الأقرب إجباره علی البیع لیرد المال کما أخذه، وفیه منع کونه المعهود المتعارف فلما فسخ لا مجال لجبر أحدهما بشیء متعلق بالعقد الزائل، وعدم إمکان المالک للبیع لا یوجب حقاً علی آخر، بل یعطی الأجرة لمن باع.

{ودعوی أن مقتضی قوله (علیه السلام)} کما فی مستدرک الوسائل فی کتاب الودیعة: {«علی الید ما أخذت حتی تؤدی»}((1)) مما اشتهر بینهم، بل أجمعوا علی الاستناد إلیه {وجوب رد المال إلی المالک کما کان} فدلیل المضاربة، وإن لم یشمل البیع والانضاض، إلا أنه مقتضی دلیل آخر {کما تری} وذلک لما فی جامع المقاصد من (أن الظاهر منه رد المأخوذ، أما رده علی ما کان علیه فلا دلالة له، والتغییر بما حدث کان بإذن المالک وأمره) انتهی.

ومراده أن ظاهر الحدیث وإن کان الرد کما کان، إلا أنه لا یشمل قید (کما کان) إذا کان التغییر بإذن المالک.

ومما تقدم یعلم الجواب عن دلیل «لا ضرر»((2))، إذا کان عدم الانضاض ضرراً

ص:98


1- المستدرک: ج2 ص504 الباب 1 من أبواب العاریة ح12
2- الکافی: ج5 ص280، التهذیب: ج7 ص146 ح651

الفسخ بعد الربح

الخامسة: إذا حصل الفسخ أو الانفساخ بعد حصول الربح قبل تمام العمل أو بعده_ وبالمال عروض، فإن رضیا بالقسمة کذلک فلا إشکال، وإن طلب العامل بیعها فالظاهر عدم وجوب إجابته

إذ هو نشأ من أمر المالک وإذنه، فلا دلیل علی إجبار غیره برفع الضرر، وکذلک الجواب عن دلیل رد الأمانات((1)).

وقد ظهر مما ذکر عدم وجوب تبدیل المتاع بغیره إذا أراده المالک، وکذلک إذا کان نضاً فأراد المالک تبدیله بالمتاع، ولذا لم یقل بأی منهما أحد.

{الخامسة: إذا حصل الفسخ أو الانفساخ بعد حصول الربح قبل تمام العمل أو بعده وبالمال عروض، فإن رضیا بالقسمة کذلک فلا إشکال} ولا خلاف، إذ الحق لا یعدوهما، من غیر فرق بین جعل العروض لأحدهما والنض للآخر، أو تقسیم کل منهما لهما، أو غیر ذلک.

{وإن طلب العامل بیعها فالظاهر} عند المصنف {عدم وجوب إجابته} للأصل بعد أن أحد الشریکین لا یسلط علی إجبار الشریک علی البیع، لأن الإجبار خلاف تسلط الناس علی أموالهم((2)).

نعم للعامل بیع حصة نفسه، کما تقدم فی المسألة السابقة، ولذا علله المسالک بإمکان وصول العامل إلی حقه بقسمه العروض، خلافاً لما فی القواعد

ص:99


1- المستدرک: ج2 ص504 الباب 1 من أبواب الودیعة ح12
2- بحار الأنوار: ج2 ص273

وإن احتمل ربح فیه خصوصاً إذا کان هو الفاسخ، وإن طلبه المالک ففی وجوب إجابته وعدمه وجوه،

من أنه یجبر المالک علی إجابته، وعلله المسالک بوجوب تمکین العامل من الوصول إلی غرضه الحاصل بالإذن، وربما لم یوجد راغب فی شراء بعض العروض، أو وجد لکن بنقصان، أو رجی وجود زبون یشتری بأزید فیزید الربح، ولا ریب أن للعامل مزیة علی الشریک من حیث إن حقه یظهر بالعمل والربح عوضه، انتهی.

وأشکل علیه المستمسک بأنه لا یرجع إلی محصل یخرج به عن قواعد الشرکة المانعة من تسلط الشریک علی إجبار شریکه الآخر.

أقول: الظاهر عدم حقه فی الإجبار کما تقدم.

{و} ما ذکره الشهید الثانی یصلح وجهاً {إن احتمل ربح فیه} یظهر بالبیع لما سبق فی الرابعة، فإطلاق کل من القولین محل نظر، ولا خصوصیة لقوله: {خصوصاً إذا کان هو الفاسخ} إذ کونه فاسخاً وعدمه لا یؤثر فی عدم حقه فی البیع فی الأولی وحقه فی البیع فی الثانیة، وکأنه لذا قال بعض المعلقین: الأحوط الإجابة مع احتمال حصول الربح قبل البیع.

{وإن طلبه المالک ففی وجوب إجابته وعدمه وجوه}:

الأول: الوجوب مطلقاً، لتسلط الناس علی أموالهم، فهو یرید انفصال ماله

ص:100

ثالثها التفصیل بین صورة کون مقدار رأس المال نقداً فلا یجب، وبین عدمه فیجب، لأن اللازم تسلیم مقدار رأس المال کما کان، عملاً بقوله (علیه السلام): «علی الید»

عن مال شریکه، وقد قال المستمسک: إنه الأوفق بالقواعد، وقال به جماعة من المعلقین أیضاً.

الثانی: عدم الوجوب، کما هو ظاهر الشرائع وغیره، مطلقاً للأصل بعد إمکان وصول المالک إلی حقه بقسمة العروض فلا وجه للوجوب.

{ثالثها: التفصیل بین صورة کون مقدار رأس المال نقداً فلا یجب، وبین عدمه فیجب} کما أفتی به القواعد وجامع المقاصد وغیرهما {لأن اللازم تسلیم مقدار رأس المال کما کان عملاً بقوله (علیه السلام): «علی الید»}((1)) فإن کان مقدار رأس المال نقداً فقد سلمه، والأصل عدم وجوب الإجابة فی الزائد علیه.

أما إذا لم یکن مقدار رأس المال نقداً، فدلیل «علی الید» یلزمه علی البیع.

لکن لا یخفی أن هذا التفصیل لا یتم علی إطلاقه، إذ فی صورة کون بعض قدر رأس المال غیر نقد یدل هذا الدلیل علی لزوم البیع بالنسبة إلی تکملة النقد لا مطلقاً.

ولا یخفی أنه لا یستفاد من کلام القواعد وبعض آخر إطلاق الإجبار فی صورة عدم نقد کل رأس المال، بل ظاهره الإجبار بقدر أن ینض متمم رأس المال

ص:101


1- المستدرک: ج2 ص504 الباب 1 من أبواب الودیعة ح12

والأقوی عدم الوجوب مطلقاً وإن کان استقرار ملکیة العامل للربح موقوفاً علی الانضاض، ولعله یحصل الخسارة بالبیع، إذ لا منافاة

لأنه قال: وکذا یجبر مع الربح، ولو نض قد رأس المال فرده العامل لم یجبر علی انضاض الباقی وکان مشترکاً بینهما.

وجعل فی الجواهر مبنی الخلاف فی المقام الخلاف فیما یتحقق به استقرار ملک العامل للربح، فإن کان الاستقرار بالفسخ لم یکن للمالک الإجبار، وإن کان الاستقرار یتوقف علی الانضاض، لأنه من تتمة المضاربة، فلابد من القول بالوجوب، لأن المضاربة باقیة والبیع من توابعها.

لکن المصنف لم یرتض بهذا البناء فقال: {والأقوی عدم الوجوب مطلقاً وإن کان استقرار ملکیة العامل للربح موقوفاً علی الانضاض، ولعله یحصل الخسارة بالبیع} أو لا یربح فلا حق للعامل، فما لم ینض لا دلیل علی أن العامل له حق {إذ لا منافاة} بین کون الانضاض من تتمة المضاربة وبین عدم وجوب البیع علی العامل، فلا دلیل علی التلازم بین کون الانضاض من تتمة المضاربة وبین وجوب البیع علی العامل، کما جعل الجواهر التلازم بینهما.

کما لا منافاة بین عدم کون الانضاض من تتمة المضاربة وبین وجوب البیع علی العامل، حیث لم یجعل الجواهر التلازم.

وجه عدم المنافاة فی الأول: إن المضاربة لما انفسخت لم یکن عقد حتی یوجب شیئاً علی العامل، من بیع أو غیره، فمن أین وجوب البیع علی العامل بعد الفسخ.

ووجه عدم المنافاة فی الثانی: إن من الممکن عدم کون الانضاض من تتمة المضاربة، ومع ذلک یجب البیع علی العامل بدلیل تعبدی، مثل «علی الید ما أخذت» أو نحوه.

ص:102

فنقول: لا یجب علیه الانضاض بعد الفسخ، لعدم الدلیل علیه، لکن لو حصلت الخسارة بعده قبل القسمة بل أو بعدها یجب جبرها بالربح حتی أنه لو أخذه یسترد منه.

لو کان فی المال دیون علی الناس

السادسة: لو کان فی المال دیون علی الناس

وإذا عرفت وجه الاحتمالات الثلاثة {فنقول: لا یجب علیه الانضاض بعد الفسخ لعدم الدلیل علیه} إذ الدلیل إما المضاربة وإما «لا ضرر» وإما «علی الید»، وقد عرفت فی مسألة سابقة انتهاء المضاربة بالفسخ، کما أن الدلیلین لا یدلان علی الوجوب.

{لکن} لا یلازم عدم وجوب البیع عدم جبران الخسارة إذا ظهرت بعد الفسخ، إذ الخسارة لا تدع مکاناً لحصة العامل، سواء أخذها أو لم یأخذها، ظهر قبل الفسخ أو بعده، لأنه دخل علی عدم حصة له وهدر عمله إذا کانت خسارة، وذلک لا یرتبط بظهور الخسارة قبل الفسخ.

ف_ {لو حصلت الخسارة بعده} أی بعد الفسخ {قبل القسمة بل أو بعدها یجب جبرها بالربح حتی أنه لو أخذه} العامل {یسترد منه} وقد تقدم أنه لو تصرف فیه تصرفاً ناقلاً أخذ منه بدله.

أقول: قد تقدم بعض الکلام فی ذلک فی المسألة الخامسة والثلاثین فراجعها.

{السادسة: لو کان فی المال دیون علی الناس} فحصل فسخ وانفساخ من

ص:103

فهل یجب علی العامل أخذها وجبایتها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا، وجهان، أقواهما العدم،

أحدهما أو کلیهما، أو انتهت مدة المضاربة {فهل یجب علی العامل أخذها وجبایتها بعد الفسخ أو الانفساخ} کما ذکره جمع منهم المبسوط وجامع الشرائع واالشرائع والتذکرة وجامع المقاصد والإرشاد والروض والقواعد والمسالک وغیرهم، علی ما حکی عن بعضهم، {أم لا} کما ذهب إلیه آخرون، وإن کان القول الأول أشهر، بل المشهور، {وجهان} بل قولان کما عرفت.

استدل للأول: بما فی المسالک وغیره من أن مقتضی المضاربة رد رأس المال علی صفته والدیون لا تجری مجری المال، وأن الدین ملک ناقص، وأن الذی أخذه کان ملکا تاماً، فاللازم أن یرده کما أخذه لظاهر «علی الید ما أخذت حتی تؤدی» وإذن المالک بالإدانة إنما کانت علی طریق الاستیفاء لا مطلقة بدلالة القرائن ولاقتضاء الخبر ذلک.

لکن المصنف قال: {أقواهما العدم} للأصل بعد عدم تمامیة الأدلة المذکورة، إذ (مقتضی المضاربة) قد سقط بالفسخ وإذا انتفت العلة انتفی المعلول، و(علی الید) لا یشمل المقام، لأن المالک قد دخل علی أنه عقد جائز، فهو الذی أهدر حقه بعد کون مقتضی الجواز الفسخ، وإذا فسخت فلا شیء ملزم للعامل أن یعمل لأجل مال المالک، و(إذن المالک) لم یکن إذناً خارجیاً، بل فی ضمن المضاربة، فاللازم ملاحظة مقتضی المضاربة لا أکثر من ذلک، و(الخبر) لم یدل علی هذا الفرع بالذات، وإن کان أراد انصراف الخبر، ففیه إنه لو سلم فهو بدوی.

ثم إنه قد ذهب جملة من المعلقین إلی الوجوب فتویً کالسید البروجردی

ص:104

من غیر فرق بین أن یکون الفسخ من العامل أو المالک.

إذا مات أحدهم قام وارثه مقامه

السابعة: إذا مات المالک أو العامل قام وارثه مقامه فیما مر من الأحکام.

أو احتیاطاً کالسید ابن العم، وفصل السید الجمال قائلاً: (الأقوائیة بإطلاقها ممنوعة، بل لو کان الفسخ من العامل فلا یبعد وجوب الجبایة)، وفیه: عدم الفرق بین کون الفسخ من العامل أو غیره بعد أن دخل المالک علی هدر حقه، حیث إنه قبل بالمضاربة التی تنتفی بالفسخ فلا یبقی حق لأحدهما علی الآخر.

ولذا قال المصنف: {من غیر فرق بین أن یکون الفسخ من العامل أو المالک} ومنه یعلم حال الانفساخ.

{السابعة: إذا مات المالک أو العامل قام وارثه مقامه فیما مر من الأحکام} إذا ثبت أن المالک له حق علی العامل فی الانضاض واستیفاء الدیون، فإذا مات المالک انتقل هذا الحق منه علی العامل إلی وارثه، لقاعدة «ما ترکه المیت فلوارثه»، وکذا إذا ثبت حق العامل علی المالک فی جواز بیع العروض بعد الفسخ ومات العامل انتقل حقه إلی وارثه.

أما إذا لم نقل بأی من الحقین فلیس للمیت منهما حق ینتقل إلی وارثه، فاحتمال استصحاب عدم حق علی ورثة أحدهما علی الآخر غیر تام الأرکان، إذ لا شک فی اللاحق، لإطلاق دلیل «ما ترکه المیت فلوارثه» إن کان عدم الحق فی السابق، حیث حیاة المورث.

ومنه یعلم أقوائیة ما اختاره الشرائع حیث قال: (وکذا لو مات رب المال

ص:105

وهو عروض کان له البیع إلا أن یمنعه الوارث وفیه قول) انتهی. إلا أنه لا وجه للاستثناء، فإنه إذا کان حقاً للعامل فمن أین یحق للوارث منعه.

ومنه یعلم وجه النظر فی کلام المستمسک، حیث قال: (وظاهر الشرائع أن جواز البیع الثابت للعامل ثابت له مع موت المالک، إلا أن یمنعه وارث المالک، ولکنه غیر ظاهر الوجه، فإن المأذون لا یجوز له التصرف فی المأذون فیه مع موت الآذن، للانتقال إلی الوارث المقتضی لحرمة التصرف فیه بغیر إذنه، ولا یکفی فی جوازه عدم المنع من المالک، ولذلک کان القول الآخر الذی حکاه فی الشرائع هو المتجه) انتهی.

وفیه: إن تصرف العامل کان حقاً له علی المالک، فمن أین سقط حقه بالموت، ولم یکن مجرد إذن حتی إذا مات الآذن یذهب الإذن ویکون الاختیار بید الوارث.

ثم إن السید البروجردی وجملة من المعلقین قالوا عند قول المصنف (قام وارثه): (فیما له من الأموال والحقوق، وأما ما علیه من الحقوق فلا، کما إذا مات العامل وقلنا بوجوب الانضاض علیه مع مطالبة المالک) انتهی. وهو وإن کان فی محله فی الجملة، إلا أن إطلاقه محل نظر، إذ لو کان علی العامل حق فی قبال ما له من الحق لا یصح أن یقال بانتقال حقه الدی له إلی وارثه دون أن یقوم الوارث بما علیه من الحق، لأنهما فی قبال الآخر، فکیف ینتقل أحدهما فقط، وکذلک بالنسبة إلی المالک.

ص:106

لا یجب أزید من التخلیة

الثامنة: لا یجب علی العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزید من التخلیة بین المالک وماله، فلا یجب علیه الإیصال إلیه، نعم لو أرسله إلی بلد آخر غیر بلد المالک

{الثامنة: لا یجب علی العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزید من التخلیة بین المالک وماله، فلا یجب الإیصال إلیه} لأصالة عدم الوجوب، خلافاً لفتوی ابن العم وقول السید البروجردی بوجوب الإیصال، وکأن وجه ذلک أن الإیصال من مقتضی المضاربة. وفیه: إن المضاربة بعد الفسخ لا بقاء لها حتی یلزم ما کان تقتضیه.

ومنه یعلم عدم صحة الاستدلال لذلک بدلیل الید، بالإضافة إلی أنها لا تدل علی الإیصال، بل التخلیة أداء، فإذا وضع عنده أمانة کان رفع یده عنها عند إرادة المالک إیاها {أداءً} عرفاً، والقول بأن الواجب الإیصال لکنه إذا احتاج إلی أجرة علی المالک جمعاً بین الحقین، فیه: إنه لا حق فی الإیصال حتی یجمع بینهما بذلک.

نعم لا شک أن صرف التخلیة لو کان موجباً للخطر علی المال لم یجز له إلا التخلیة فیما لا خطر إذا لم یتمکن المالک من رفع الخطر، کما إذا کانت شاة بید الراعی الذی معه کلب فی مذئبة، حیث إن تخلیه عن الشاة یعرضها للافتراس، فإن مثل هذه التخلیة لا تسمی أداءً، نعم إذا کان للحفظ أجرة کانت علی المالک جمعاً بین الحقین.

{نعم لو أرسله إلی بلد آخر غیر بلد المالک}، ینبغی أن یزاد ببلد المالک بلد المال الذی اختاره المالک أن یکون بلداً للمال لا البلد الذی یسکنه المالک،

ص:107

ولو کان بإذنه یمکن دعوی وجوب الرد إلی بلده، لکنه مع ذلک مشکل

إذ العبرة بذلک، فإذا کان المالک یسکن بغداد لکن أمواله التجاریة فی بیروت، وقد أعطی من هناک المال للعامل کانت العبرة ببیروت، حیث إن بیروت منطلق تجارته، بل ربما لا یرید إیصال المال إلی بغداد لأنه بلد تسلط علیه الاشتراکیون مثلاً.

وکیف کان {ولو کان} الإرسال {بإذنه یمکن دعوی وجوب الرد إلی بلده} وجه الإمکان أنه من توابع المضاربة، فمقتضی «لا ضرر»((1))، و«علی الید»((2)) وما أشبه ذلک وکون الإرسال بإذنه لا یخرجه عن الأدلة المذکورة.

{لکنه مع ذلک مشکل} بل اللازم التفصیل بین ما إذا کان بإذنه _ الإذن المستفاد من إطلاق المضاربة _ فلا یجب إذ المضاربة انتهت، وقد عرفت الإشکال فی دلالة «علی الید» و«لا ضرر» علی ذلک بعد انتهاء المضاربة.

وتوهم أن المال بیده أمانة والله یأمر برد الأمانات، غیر تام، إذ لیس المراد بالرد إلا التخلیة، وإلا فلو قال المالک لزید: اذهب بمالی إلی بلد فلان فی قبال أجرة کذا أو تبرعاً، فهل یقول أحد بوجوب رده إلی بلده إذا أراد ذلک، مستدلا بآیة الأمانة.

ولیس عدم وجوب الرد إلا لأجل أن الآیة لا یستفاد منها ذلک، فأصالة عدم الوجوب هی المحکمة، ولذا قال المستمسک: إذا کان الإرسال بإذنه فلا ینبغی التأمل فی عدم الوجوب.

ص:108


1- المستدرک: ج2 ص504 الباب 1 من أبواب الودیعة ح12
2- الفقیه: ج3 ص59 ح3081

وقوله (علیه السلام): «علی الید ما أخذت» أیضاً لا یدل علی أزید من التخلیة، وإذا احتاج الرد إلیه إلی الأجرة فالأجرة علی المالک کما فی سائر الأموال،

{وقوله (علیه السلام): «علی الید ما أخذت» أیضاً لا یدل علی أزید من التخلیة} لما تقدم من عدم دلالة تؤدی علی أکثر منها، وما فی المستمسک من أن الأداء الذی أخذ غایة للضمان ملازم لأخذ المالک، فلا یتحقق بدونه فلا یکفی فیه مجرد التخلیة من دون أن یأخذه المالک، انتهی. غیر ظاهر الوجه، فأی فرق بین الأداء فی الروایة والآیة، وقد سلم دلالة الآیة علی التخلیة مع أن اللفظ فیهما واحد.

وکأنه لذا رجع (رحمه الله) أخیراً وقال: (اللهم... فالمراد من الأداء رفع الید من العین، مضافاً إلی أن ذلک هو الموافق للارتکاز العقلائی فی باب الضمان) إلی آخر کلامه.

وبین ما کان بغیر إذنه، فاللازم علیه رده إلی بلده، کما هو کذلک فی کل من أرسل مال إنسان إلی مکان آخر بدون إذنه، فإن اللازم علیه إحضاره عنده، لأنه المستفاد من الآیة والروایة السابقتین، بل الارتکاز أیضاً حیث إن النقل تفویت لخصوصیة المکان التی کانت للعین فیجب تدارکاتها، کما أفتی به المستمسک.

{وإذا احتاج الرد إلیه} فیما کان الإرسال بإذنه {إلی الأجرة فالأجرة علی المالک} لأن الرد لمصلحته، ولا وجوب له علی العامل فلا وجه لکون الأجرة علی العامل {کما فی سائر الأموال} للمالک.

نعم إذا أرجع العامل ماله إلیه بأجرة بدون طلبه منه، لم یکن وجه لکون

ص:109

نعم لو سافر به بدون إذن المالک إلی بلد آخر وحصل الفسخ فیه، یکون حاله حال الغاصب فی وجوب الرد والأجرة، وإن کان ذلک منه للجهل بالحکم الشرعی من عدم جواز السفر بدون إذنه.

الأجرة علیه، إذ الأصل عدمه، وإن کان ذلک الإرجاع فی نفع المالک، لأن المناط فی الضمان إما الأمر أو کون الأثر للعمل، کما تقدم فی بعض المسائل السابقة.

{نعم لو سافر به بدون إذن المالک إلی بلد آخر وجعل الفسخ فیه، یکون حاله حال الغاصب فی وجوب الرد} لما تقدم {والأجرة} لتوقف الرد الواجب علیها.

أما إذا لم یرد المالک رده فلا حق له فی رده، لأنه تصرف عدوانی فی مال الناس، وإذا کان الحاکم الجائر یأخذ مالاً للبقاء هناک أو الرد إلی المالک فالکلام فی ذلک المال کما تقدم من أنه لو کان بإذن المالک _ ولو لإطلاق المضاربة _ فهو علی المالک، وإلا کان علی العامل.

{وإن کان ذلک منه} من العامل {للجهل بالحکم الشرعی من عدم جواز السفر بدون إذنه} إذ الجهل لا یرفع الضمان، وإذا کان الواجب علی العامل الرد إلی مکان خاص _ مثل مکان المالک أو مکان المال کما تقدم _ فطلب منه المالک الرد إلی مکان آخر، لم تجب علیه الإجابة، وإن کان ذلک المکان أقصر أو أقل أجرة.

ثم إنه کما کان الحال فی السفر کذلک الحال فی الحضر، إذ قد ینقل المتاع إلی طرف آخر من البلد مما یحتاج إلی النقل إلی مکان المالک، لوحدة الدلیل فی المقامین، والله العالم.

ص:110

مسألة ٤٧ لا یلزم أن یکون الربح حاملا من رأس المال

(مسألة 47): قد عرفت أن الربح وقایة لرأس المال، من غیر فرق بین أن یکون سابقاً علی التلف أو الخسران أو لاحقاً، فالخسارة السابقة تجبر بالربح اللاحق وبالعکس، ثم لا یلزم أن یکون الربح حاصلا من مجموع رأس المال، وکذا لا یلزم أن تکون الخسارة واردة علی المجموع، فلو اتجر بجمیع رأس المال فخسر، ثم اتجر ببعض الباقی فربح، یجبر

(مسألة 47): {قد عرفت أن الربح وقایة لرأس المال} یتدارک به ضرره وتلفه {من غیر فرق بین أن یکون} الربح {سابقاً علی التلف أو الخسران أو لاحقاً} بلا إشکال ولا خلاف، بل ظاهر الإجماع علیه، وفی الجواهر ادعاء الضرورة فی الجملة علی ذلک.

ومنه یعلم حاله الضرر المقارن للربح فی قطعتین من المال {فالخسارة السابقة تجبر بالربح اللاحق، وبالعکس} الخسارة اللاحقة تجبر بالربح السابق، وکذا بالنسبة إلی المتقارنین.

{ثم لا یلزم أن یکون الربح حاصلاً من مجموع رأس المال} إذ إطلاق دلیل الجبران شامل لکلیهما.

{وکذا لا یلزم أن تکون الخسارة واردة علی المجموع} فالإطلاق شامل للأقسام التسعة الحاصلة من ضرب کون الربح من المجموع، ومن البعض الوارد علیه الخسارة، ومن البعض الذی لم یرد علیه الخسارة، فی الأقسام الثالثة للخسارة.

{فلو أتجر بجمیع رأس المال فخسر، ثم اتجر ببعض الباقی فربح، یجبر

ص:111

ذلک الخسران بهذا الربح، وکذا إذا اتجر بالبعض فخسر ثم اتجر بالبعض الآخر أو بجمیع الباقی فربح، ولا یلزم فی الربح أو الخسران أن یکون مع بقاء المضاربة حال حصولها، فالربح مطلقاً جابر للخسارة والتلف مطلقاً ما دام لم یتم عمل المضاربة.

ثم إنه یجوز للمالک أن یسترد بعض مال المضاربة فی الأثناء

ذلک الخسران بهذا الربح} لإطلاق ما دل علی الجبر.

{وکذا} عکسه فیما {إذا اتجر بالبعض فخسر ثم اتجر بالبعض الآخر أو بجمیع الباقی فربح} فقد یربح الدرهم أو الدینار أو کلاهما، وعلی کل حال فقد یخسر الدرهم أو الدینار أو کلاهما، کان الربح قبلاً، أو بعداً، أو مع الخسارة.

{ولا یلزم فی الربح أو الخسران أن یکون مع بقاء المضاربة حال حصولهما} حصول أی منهما {فاربح مطلقاً جابر للخسارة و} ل_ {التلف مطلقاً ما دام لم یتم} ال_ {عمل} المرتبط ب_ {المضاربة} وقد تقدم الکلام فی ذلک فی المسألة الخامسة والثلاثین فراجعها.

{ثم إنه یجوز للمالک أن یسترد بعض مال المضاربة فی الأثناء} کما اختاره غیر واحد من الفقهاء، وذلک لأن العقد جائز مبنی عرفاً علی الانفکاک، فلیس هو مثل النکاح مما لا یمکن تجزأته، وإذا کان کذلک عرفاً وقرره الشارع بدون تغییر کان اللازم أن یکون الحکم کذلک شرعاً، ویؤیده ما ذکروه فی باب العقود اللازمة من خیار تبعض الصفقة، فإنه إذا لم یکن العقد مبنیاً علی الانفکاک

ص:112

ولکن تبطل بالنسبة إلیه وتبقی بالنسبة إلی البقیة، وتکون رأسَ المال

کان اللازم البطلان لا الخیار، وکأن هذا هو وجه تسالمهم علی الحکم المذکور فی المتن، کما صرح بذلک المستمسک.

ومنه یعلم وجه النظر فی المسألة الثانیة عشرة الآتیة فی مسائل الختام من عدم صحة التبعیض فی ما إذا کان رأس المال لاثنین فاسترد أحدهما ماله، فإنه إذا جاز فی المالک الواحد استرداد لبعض ماله جاز لأحدهما بطریق أولی.

{ولکن تبطل} المضاربة {بالنسبة إلیه} أی إلی القدر المردود {وتبقی بالنسبة إلی البقیة، وتکون} تلک البقیة هی {رأسَ المال}.

ومنه یظهر حال کل الأقسام، لأن رأس المال إما لواحد وإما لاثنین، وعلی أی حال العامل إما واحد أو اثنان، فإن الاسترداد لبعض رأس المال وانسحاب العامل من بعض رأس المال، أو انسحاب أحد العاملین لا یوجب بطلان المضاربة.

وبذلک یظهر أنه لا وجه لما ذکره المستمسک قائلاً: (ویحتمل فی المقام الالتزام ببقاء المضاربة حتی بالنسبة إلی ما أخذه المالک، ویکون ما أخذه المالک بحکم ما لو وضع فی کیس مستقل وأفرز عن باقی المال) إلی آخره، إذ لا وجه لهذا الاحتمال لا شرعاً ولا عرفاً، وکأنه لذا قال: (لکن لازم ذلک جواز تصرف العامل به بعد أخذ المالک فیتعین البناء علی التبعیض) انتهی.

لکن لیس بطلان الاحتمال المذکور من جهة بطلان اللازم، بل لما ذکرناه.

ص:113

وحینئذ فإذا فرضنا أنه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلی رأس المال مقداراً من البقیة، ثم اتجر العامل بالبقیة أو ببعضها فحصل ربح، یکون ذلک الربح جابراً للخسران أو التلف السابق بتمامه، مثلاً إذا کان رأس المال مائة فتلف منها عشرة أو خسر عشرة وبقی تسعون، ثم أخذ المالک من التسعین عشرة، وبقیت ثمانون، فرأس المال تسعون، وإذا اتجر بالثمانین فصار تسعین، فهذه العشرة الحاصلة ربحاً تجبر تلک العشرة، ولا یبقی للعامل شیء

{وحینئذ فإذا فرضنا أنه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلی} بعض {رأس المال، مقداراً من البقیة ثم اتجر العامل ب_} کل {البقیة أو ببعضها، فحصل ربح یکون ذلک الربح} عند المصنف {جابراً للخسران أو التلف السابق بتمامه} لا بالنسبة کما سیأتی فی کلام المحقق.

{مثلاً إذا کان رأس المال مائة فتلف منها عشرة أو خسر عشرة وبقی تسعون، ثم أخذ المالک من التسعین عشرة، وبقیت} عند العامل {ثمانون، فرأس المال تسعون}، ثمانین عند العامل وعشرة التلف أو الخسارة.

{وإذا اتجر بالثمانین فصار تسعین، فهذه العشرة الحاصلة ربحاً تجبر تلک العشرة} التالفة {ولا یبقی للعامل شیء}، لکن فیه: إنه بناءً علی هذا لم یخسر المالک شیئاً بینما خسر العامل عمله، بینما أن المضاربة مبنیة علی أن لا یخسر العامل عمله إذا کان فی المال ربح.

وإن شئت قلت: إن العامل إنما دخل علی أن یکون الربح جبراناً للخسارة إذا

ص:114

وکذا إذا أخذ المالک بعد ما حصل الربح مقداراً من المال، سواء کان بعنوان استرداد بعض رأس المال أو هو مع الربح أو من غیر قصد إلی أحد الوجهین، ثم اتجر العامل بالباقی أو ببعضه فحصل خسران أو تلف، یجبر بالربح السابق بتمامه حتی المقدار الشائع منه فی الذی أخذه المالک، ولا یختص الجبر بما عداه حتی یکون مقدار حصة العامل منه باقیاً له، مثلاً إذا کان رأس المال مائة فربح عشرة ثم أخذ المالک عشرة ثم اتجر العامل

کان المال مائة، فکما أنه لم یدخل إذا کان المال من الأول تسعین، کذلک لم یدخل إذ أخذ المالک من المائة عشرة، فبأی دلیل لا یکون للعامل شیء إذا لم یدخل فی مثل هذه المعاملة.

{وکذا إذا أخذ المالک بعد ما حصل الربح مقداراً من المال سواء کان} المأخوذ {بعنوان استرداد بعض رأس المال أو هو مع الربح} وکان علیه أن یذکر (أو الربح) إذ لا فرق بین قصده أخذ الربح خالصاً أو مع بعض رأس المال، {أو من غیر قصد إلی أحد الوجهین، ثم اتجر العامل بالباقی} کلاً {أو ببعضه فحصل} بعد ذلک {خسران أو تلف، یجبر بالربح السابق بتمامه} أی بتمام الخسران أو التلف {حتی المقدار الشائع منه فی الذی أخذه المالک} خلافاً لما سیأتی من کلام المحقق حیث جعل الجبران بالنسبة لا بتمامه.

{ولا یختص الجبر بما عداه حتی یکون مقدار حصة العامل منه} من الربح {باقیاً له، مثلاً إذا کان رأس المال مائة فربح عشرة ثم أخذ المالک عشرة ثم اتجر العامل

ص:115

بالبقیة فخسر عشرة أو تلف منه عشرة، یجب جبره بالربح السابق حتی المقدار الشائع منه فی العشرة المأخوذة، فلا یبقی للعامل من الربح السابق شیء، وعلی ما ذکرنا فلا وجه لما ذکره

بالبقیة خسر عشرة أو تلف منه عشرة، یجب جبره بالربح السابق حتی المقدار الشائع منه فی العشرة المأخوذة، فلا یبقی للعامل من الربح السابق شیء}، ویرد هنا أیضاً ما ذکرناه فی سابقه، فإن العامل خسر عمله مع حصول الربح، والمالک لم یخسر شیئاً مع وجود الخسارة، فلماذا تختص الخسارة بالعامل دون المالک.

وإن شئت قلت: إن العامل دخل علی أنه یجبر الربح السابق الخسارة إذا کانت الخسارة علی کل المال، أی مائة وعشرة، لا علی بعض المال أی المائة فقط، فلماذا یجبر الربح الخسارة الواردة لا علی کل المال، ویمکن أن یقال علی المصنف فی کلا الفرعین: إن العقد بین المالک والعامل کان بحیث یکون کل المال من المالک وکل العمل من العامل، وعلی هذا یکون الربح بینهما والخسارة علی المالک، وفی الحقیقة الخسارة تکون علیهما حیث خسر المالک ماله والعامل عمله، فکما أنه إذا لم یفعل العامل کل العمل کان خلاف العقد، کذلک إذا لم یترک المالک کل المال کان خلاف العقد.

{وعلی ما ذکرنا فلا وجه لما ذکره} المصنف (رحمة الله علیه) وإن سکت علیه بعض المعلقین کالسادة ابن العم والجمال وغیرهما، بل الوجه لما عن الشیخ فی المبسوط و{المحقق} فی الشرائع حیث قال: إذا کان مال القراض مائة فخسر عشرة وأخذ المالک عشرة ثم عمل بها الساعی فربح کان رأس المال تسعة وثمانین

ص:116

المحقق وتبعه غیره من أن الربح اللاحق لا یجبر مقدار الخسران الذی ورد علی العشرة المأخوذة لبطلان المضاربة بالنسبة إلیها، فمقدار الخسران الشائع فیها لا ینجبر بهذا الربح

إلا تسعاً، لأن المأخوذ محسوب من رأس المال فهو کالموجود، فإذا کان المال فی تقدیر تسعین، فإذا قسم الخسران _ وهو عشرة _ علی تسعین کانت حصة العشرة المأخوذة دیناراً وتُسعاً، فیوضع ذلک من رأس المال.

{وتبعه غیره} کالقواعد والتذکرة والإرشاد وجامع المقاصد والمسالک ومجمع البرهان وغیرهم {من أن الربح اللاحق لا یجبر مقدار الخسران الذی ورد علی العشرة المأخوذة لبطلان المضاربة بالنسبة إلیها} حیث إن العشرة خرجت عن المضاربة بأخذ المالک إیاها.

{فمقدار الخسران الشائع فیها} أی فی العشرة المأخوذة {لا ینجبر بهذا الربح} ووجهه واضح، إذ العشرة التی خسرها موزعة علی جمیع الباقی الذی هو التسعون، فکل عشرة من التسعین خسر واحداً وتُسعاً، فإن ضرب تسع مرات واحد وتُسع فی الواحد ینتج عشرة، وحیث إن المالک أخذ عشرة، فقد خرجت العشرة بضررها وربحها عن المضاربة، لأن الربح إنما یجبر به الخسران المتعلق بمال المضاربة، فیکون الربح یجبر الآن الخسران المتعلق بالباقی، وهو تسعة وثمانون إلا تُسعاً، فالواحد والتُسع الباقی إلی التسعین یکون ربحاً خالصاً بدون أن یکون فی قباله خسران، ویکون بین المالک والعامل

ص:117

فرأس المال الباقی بعد خسران العشرة فی المثال المذکور لا یکون تسعین، بل أقل منه بمقدار حصة خسارة العشرة المأخوذة وهو واحد وتسع

فإذا فرض أنهما قررا أن یکون لکل منهما نصف الربح کان للعامل خمسة أتساع، وهکذا.

{فرأس المال الباقی بعد خسران العشرة فی المثال لا یکون تسعین، بل أقل منه بمقدار حصة خسارة العشرة المأخوذة وهو} أی حصة خسارة العشرة المأخوذة، والإتیان بضمیر المذکر باعتبار الجبر، {واحد وتسع} ومراده أن رأس المال الذی یجبر نقصه بعد أخذ المالک العشرة من المائة هو تسعة وثمانون إلا تسعاً، ولا یجبر من الربح المتأخر النقص المتعلق بالعشرة التی أخذها المالک، لخروج العشرة المأخوذة عن مال المضاربة، وهکذا الحال فی سائر الأمثلة یوزع الخسران علی الجمیع بالنسبة، ولا یجبر بالربح الخسران المتعلق بما أخذه المالک، بل یجبر خصوص الخسران المتعلق بالباقی.

فلو کان رأس المال عشرة فخسر اثنین، ثم أخذ المالک أربعة، فإذا ربحت الأربعة الباقیة اثنین کان نصف الاثنین جابراً للخسران الوارد علی الباقی، والنصف الآخر بین المالک والعامل حسب شرطهما، فإن کان الشرط تنصیف الربح کان لکل منهما نصف الواحد، وإن کان الشرط تثلیثه کان لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان وهکذا، ولذا قال العلامة فی القواعد والتذکرة: إنه لو خسر رأس المال (المائة) عشرة ثم أخذ المالک خمسة والأربعین، ثم خسر عشرة وزع الخسران علی الجمیع، فیلحق الخمسة والأربعین التی أخذها المالک نصف الخسران وهو خمسة، ویلحق الباقی أیضاً خمسة، فإذا ربح بعد ذلک عشرة کان نصفها جابراً

ص:118

للخسران الوارد علی الباقی، والنصف الآخر بین المالک والعامل علی حسب شرطهما فی المضاربة.

وإلی هذا أشار السید البروجردی حیث قال: (انفساخ المضاربة بالنسبة إلی ما أخذه المالک وبقاؤها بالنسبة إلی البقیة _ کما اعترف به _ مستلزم لعدم سهم المأخوذ من الخسران بربح البقیة فیما بعد، وکذا العکس، إذ المضاربة فیه بعد ما تمت وهی خاسرة أو رابحة لا تنقلب عما تمت علیه، فیستقر خسرانها علی المالک إن کانت خاسرة، ولا یکون ربحها وقایةً لشیء إن کانت رابحة، بخلافها فی البقیة فإنها لبقائها لا یتعین لأحدهما إلا بالاختتام) انتهی.

وبذلک یظهر وجه النظر فی إشکال الجواهر فی کلام المحقق ومن تبعه، ولذا رده المستمسک بأن فیه: بأنه بعد بطلان المضاربة فیه یخرج عن کونه مال المضاربة، فلا وجه لجبر خسارته بربح غیره الباقی، لأن ربح مال المضاربة یجبر خسران ذلک المال لا خسران غیره، فإن أحدهما صار أجنبیاً عن الآخر، انتهی.

فلماذا یجبر ربح الأجنبی لخسران الأجنبی، ویکون الحال کما إذا مات المالک وأخذ أحد الورثة الوارث للعشر عشرة وأبقی البقیة تسعة أعشار عند العامل بالمضاربة السابقة، فإنه لا وجه لجبران ربح التسعین خسران العشرة التی أخذها ذلک الوارث.

ومما تقدم یظهر أنه لا فرق فی عدم الجبران بین أخذ المالک للعشرة

ص:119

فیکون رأس المال الباقی تسعین إلا واحداً وتسع، وهی تسعة وثمانون إلا تسع.

وکذا لا وجه لما ذکره بعضهم فی الفرض الثانی إن مقدار الربح الشائع فی العشرة التی أخذها المالک لا یجبر الخسران اللاحق، وإن حصة العامل منه یبقی له، ویجب علی المالک رده إلیه، فاللازم فی المثال المفروض عدم بقاء ربح للعامل

ونحوها بعنوان فسخ المضاربة فی تلک العشرة أو لا بهذا العنوان، إذ المفروض أن ما یأخذ المالک خرج عن مال المضاربة، فتفصیل المستمسک بین الفرضین، وموافقة الجواهر فی الثانی منهما حتی لو صرفه المالک فخرج عن کونه مال المضاربة لانعدامه، مستدلاً بأن مثل هذا الخروج لانتفاء القابلیة لا یلزم من لزوم الجبر، غیر ظاهر الوجه.

قال المصنف: {وکذا لا وجه لما ذکره بعضهم} کالعلامة {فی الفرض الثانی} وهو ما إذا أخذ المالک بعد ما حصل الربح مقداراً من المال، ثم اتجر العامل بالباقی فحصل خسران أو تلف یجبر بالربح السابق بتمامه حتی المقدار الشائع منه فی الذی أخذه المالک {إن مقدار الربح الشائع فی العشرة التی أخذها المالک لا یجبر الخسران اللاحق، وإن حصة العامل منه یبقی له ویجب علی المالک رده إلیه} فالمائة ربحت عشرة، ثم أخذها المالک عشرة فبقیت مائة، ثم خسرت عشرة، وعلیه لا شیء للعامل علی رأی المصنف، لأن الربح یجبر الخسران، فالمالک بالنتیجة کانت له مائة والآن له مائة، خلافاً للعلامة وغیره، قالوا بأن بعض الربح للعامل، لما تقدم فی المسألة السابقة.

أما علی رأی المصنف {فاللازم فی المثال المفروض عدم بقاء ربح للعامل

ص:120

بعد حصول الخسران المذکور، بل قد عرفت سابقاً أنه لو حصل ربح واقتسماه فی الأثناء وأخذ کل حصته منه ثم حصل خسران أنه یسترد من العامل مقدار ما أخذ، بل ولو کان الخسران بعد الفسخ قبل القسمة، بل أو بعدها إذا اقتسما العروض وقلنا بوجوب الانضاض علی العامل وأنه من تتمات المضاربة.

بعد حصول الخسران المذکور} وقد عرفت أن الإشکال وارد أیضاً علی قوله: {بل قد عرفت سابقاً أنه لو حصل الربح} کالعشرة الزائدة علی المائة {واقتسماه فی الأثناء وأخذ کل حصة منه ثم حصل} بعد الاقتسام {خسران، أنه یسترد من العامل مقدار ما أخذه} لیجبر الربح الخسارة، وقوله:  (مقدار) یراد به قدر الخسارة، لا کل مقدار ما أخذ، فإذا حصل خسران اثنین فی المثال استرد من العامل واحداً لا کل خمسته، وإنما ینزل الأمر علی ما کان ربح ثمانیة فقط مثلاً، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

{بل ولو کان الخسران بعد الفسخ} وقد عرفت الإشکال فیه فی المسألة الخامسة والثلاثین {قبل القسمة أو بعدها، إذا اقتسما العروض وقلنا بوجوب الانضاض علی العامل، وأنه من تتمات المضاربة} ولذا أشکل علیه غیر واحد من المعلقین، کالسادة البروجردی والحکیم والجمال وغیرهم.

ص:121

مسألة ٤٨ إذا کانت المضاربة فاسدة

(مسألة 48): إذا کانت المضاربة فاسدة، فإما أن یکون مع جهلهما بالفساد، أو مع علمهما، أو علم أحدهما دون الآخر، فعلی التقادیر الربح بتمامه للمالک لإذنه فی التجارات وإن کانت مضاربته باطلة

(مسألة 48): {إذا کانت المضاربة فاسدة} فساداً شاملاً، ومنه یعلم حال فسادها فی الجملة بأن کان أول العقد صحیحة ثم طرأ علیها الفساد، فإن لکل واحد من الصحة الأولیة والفساد التالی حکمهما.

{فإما أن یکون مع جهلهما بالفساد، أو مع علمهما، أو علم أحدهما دون الآخر} أما الشک بالفساد فإنه مجری أصالة عدم الانعقاد، أو أصالة الصحة فی المعاملة، فلیس حال الشک حال رابع، کما أنه لو اختلفت حال أحدهما أو کلیهما فی العلم والجهل بأن قطع أولاً بالصحة وثانیاً بالفساد، أو بالعکس، کان لکل حال حکمه، مما سیأتی من الأحکام الثلاثة.

{فعلی کل التقادیر الربح بتمامه للمالک} عند المصنف {لإذنه فی التجارات} وعلله المستسمک بأن المضاربة تستلزم الإذن فی التجارة وإن کانت باطلة.

{و} الإذن الحاصل یوجب کون الربح للمالک و{إن کانت مضاربته باطلة} لکن هذا بناءً علی ما تقدم منهم من أن الربح تابع للمال، وقد عرفت هناک عدم دلیل علی ذلک، بل اللازم أن یکون الربح بینهما، لأنه ناتج عن العمل والمال، فلا وجه لاختصاصه بأحدهما لا شرعاً ولا عرفاً، بل العرف یری أنه تابع لهما بنسبة خاصة، فیشملهما «لا یتوی حق امرئ مسلم»((1)) ونحوه من الأدلة الشرعیة.

ص:122


1- المستدرک: ج3 ص215 باب نوادر الشهادات ح5

وکیف کان فصور المضاربة أربع:

الأولی: الصحة، وللعامل کالمالک قدر حقه المقرر فی العقد إذا لم یکن إجحاف ولا إکراه، ولو الإکراه الأجوائی، کما ذکرناه فی (الفقه: الاقتصاد)، وإلا کان له قدر حقه العرفی من الربح.

الثانیة: الفساد مع علمهما بالفساد، وحینئذ یکون الربح بینهما حسب العدل بالنسبة إلی المال والعمل، سواء کان المقرر فی العقد الباطل أقل أو أکثر أو مساویاً، إذ المقرر لما بطل رجع کل إلی حقه، ولا یکون للعامل أقل إذا رضی به عند العقد _ بدلیل أنه أهدر حقه بالنسبة إلی التفاوت بین حقه وبین الأقل الذی رضیه _ وإنما لا یکون لأن قدر حقه نتیجة عمله ولم یهبه للمالک، فمن أین صار للمالک، ودخوله علی أن یکون له أقل من حقه لیس هبة للمالک.

ومنه یعلم العکس، بأن قررا أن یکون للعامل أکثر من حقه الطبیعی، فإن الزائد لا یکون للعامل، إذ دخول المالک علی أن یکون الزائد للعامل لیس هبة للعامل، فمن أین یکون الزائد للعامل.

الثالثة: الفساد مع علم المالک فقط بالفساد، والربح بینهما کما قررا إن کان المقرر لکل منهما بقدر حقه الطبیعی، وإن کان المقرر للعامل أقل من حقه کان له بقدر کل حقه لما تقدم فی الثانیة، وإن کان المقرر للعامل أکثر من حقه کان له بقدر حقه الطبیعی لما تقدم فی الثانیة أیضاً، فإن دخول أحدهما علی أن یأخذ أقل من حقه لیس هبة للآخر، فلا یکون للآخر من باب الهبة، ولا من باب المعاملة، لفرض بطلانها، فمن أین یؤخذ بعض حق هذا ویعطی للآخر.

ص:123

نعم لو کان الإذن مقیداً بالمضاربة توقف ذلک علی إجازته، وإلا فالمعاملات الواقعة باطلة، وعلی عدم التقیید أو الإجازة یستحق العامل مع جهلهما

الرابعة: الفساد مع علم العامل فقط، وحالها حال الثالثة أیضاً، لما ذکر هناک من الدلیل.

وبما ذکرناه یظهر وجوه النظر فی کلام المصنف والمعلقین الذین اتبعوه علی کثرتهم، ممن ظفرت بتعلیقاتهم، فلا حاجة إلی تکرار الإشکال عند نقل المتن.

{نعم لو کان الإذن مقیداً بالمضاربة} بأن لم یکن إذن مطلق حتی بدون المضاربة، وسیأتی فی المسألة الثانیة من مسائل الختام مقتضی القاعدة فیما إذا لم تکن قرینة فی أنه هل الإذن مطلق أو خاص بالمضاربة، {توقف ذلک} أی کون الربح للمالک أو لهما {علی إجازته} لأنه تصرف فی ماله من غیر إذن، {وإلا فالمعاملات الواقعة} علی ماله {باطلة} لأنها فضولیة لم تلحقها الإجازة.

ویأتی فی المقام مسألة ما إذا لم یأذن المالک وأراد العامل جعل المعاملة لنفسه کانت المعاملة فی الذمة، بأقسامها المتقدمة فی بعض المسائل السابقة، أو فی العین الخارجیة علی نحو الجزئی أو الکلی فی المعین أو الکسر المشاع.

{وعلی} تقدیر {عدم التقیید} للإذن بالمضاربة، مما تصح المضاربة بمجرد وقوعها {أو} التقیید و{الإجارة} من المالک بعد العقد {یستحق العامل مع جهلهما لأجرة عمله} لأنه عمل محترم لم یقصد التبرع به، ولا دلیل من الخارج أنه لا یستحق شیئاً، فاللازم استحقاقه، لقاعدة «لا یتوی»((1)) وغیرها.

ص:124


1- المستدرک: ج3 ص215 باب نوادر الشهادات ح5

لأجرة عمله، وهل یضمن عوض ما أنفقه فی السفر علی نفسه لتبین عدم استحقاقه النفقة، أو لا لأن المالک سلطه علی الإنفاق مجاناً، وجهان، أقواهما الأول

هذا ولکنک قد عرفت أن مقتضی القاعدة أن یکون له حقه الطبیعی الملحوظ فیه أن الربح ولید المال والعمل.

{وهل یضمن} العامل {عوض ما أنفقه فی السفر علی نفسه} حیث قد تقدم فی بعض المسائل السابقة أن نفقة السفر علی المالک، وإنما یکون العامل فی المقام ضامناً {لتبین عدم استحقاقه النفقة} بعد أن ظهر بطلان المضاربة، إذ لا مضاربة حتی تکون النفقة علی المالک، {أو لا} یضمن العامل {لأن المالک سلطه علی الإنفاق مجاناً} والمجان لا عوض له {وجهان أقواهما} عند المصنف وجملة من المعلقین {الأول} وذلک لأن النفقة لم تکن مجانیة علی تقدیر عدم المضاربة، فقاعدة الید تقتضی الضمان، فإن «من أتلف مال الغیر فهو له ضامن»((1)) إلا إذا کان استثناء، والمفروض عدم الاستثناء فی المقام، لأن الرضی لم یکن إلا تقدیریاً، وحیث لم یکن التقدیر کان الضمان إذ لا استثناء، فهو کما أعطی طعاماً لمن زعمه زیداً بقید أنه زید، حیث یضمن لو أکله إذا لم یکن زیداً، وإن زعم هو عند أکل الطعام أنه زید، وذهب جمع من المعلقین کالسیدین ابن العم والجمال وغیرهما إلی عدم الضمان، لقاعدة «ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده»((2))، فإن

ص:125


1- الوسائل: الباب 10، 11، 14 کتاب الشهادات
2- انظر: الجواهر: ج22 ص358

ولا یضمن التلف والنقص، وکذا الحال إذا کان المالک عالماً دون العامل، فإنه یستحق الأجرة، ولا یضمن التلف والنقص، وإن کانا عالمین

النفقة إما من ضمن العقد بأن کانت شرطاً فتشملها القاعدة، وإما لیست من ضمن العقد فلا تکون مورداً للعقد، إلا أن ملاک القاعدة _ وهو الإذن والتسلیط علی ماله مجاناً _ یجری فی النفقة.

هذا ومقتضی القاعدة التفصیل بین ما إذا کان داعی التسلیط المضاربة فلا عوض، لأنه تسلیط بالمجان، مثل ما إذا ضیفه بداعی بیع شیء له مثلاً، وبین ما إذا کان من قیود المضاربة فلا تسلیط مجاناً، بل التسلیط مرتبط بصحة العقد، وإذ لا عقد فلا تسلیط مجاناً، فیشملها دلیل الید، فلا تجری قاعدة «ما لا یضمن» ولا ملاکها.

{ولا یضمن التلف والنقص} لأصالة عدم الضمان بعد کونه أمیناً، والأمین لا یضمن إلا بالتعدی والتفریط، ومنه یعلم وجه عدم ضمان الخسارة.

{وکذا الحال إذا کان المالک عالماً دون العامل، فإنه یستحق الأجرة} بل النسبة العادلة کما تقدم، {ولا یضمن التلف والنقص} وقد ألمعنا سابقاً إلی صورة تبدل العلم إلی الجهل أو العکس فی الأثناء، فلکل حکمه، فإن الحکم یتبع الموضوع.

{وإن کانا عالمین} ببطلان المضاربة، فالنفقة علی المالک، لأنه مع علمه بالبطلان أذن له فی صرفها، کمن یعلم أنها لیست زوجته ومع ذلک یعطیها المال بعنوان أنها زوجته مثلاً، والتلف والنقص علی المالک، لأنه سلطه علی ماله، فهو

ص:126

أو کان العامل عالماً دون المالک فلا أجرة له، لإقدامه علی العمل مع علمه بعدم صحة المعاملة،

أمین لیس علیه ضمان، والربح بینهما بالنسبة لما تقدم من أنه ولید المال والعمل، فلکل منهما حصته.

{أو کان العامل عالماً دون المالک} فالضمان للنفقة، لأنه یعلم أن المالک لم یبذل له إیاها، کمن علم أنه لیس بزید، وقد أعطاه المالک المال باعتبار أنه زید، کما یضمن التلف والنقص والخسارة، لأنه لیس بأمین بعد أن علم أنه لم یستأمنه المالک.

وعلیه {فلا أجرة له} أیضاً {لإقدامه علی العمل مع علمه بعدم صحة المعاملة} وعدم تفویض المالک العمل إیاه.

لکن جملة من المعلقین کما فی المستمسک، ذکروا أن العلم بعدم صحة المعاملة شرعاً لا یقتضی الإقدام علی التبرع الموجب لعدم الاستحقاق، انتهی.

ولکنک قد عرفت أن مقتضی القاعدة النسبة، لأن الربح ولیدهما، سواء علما بالبطلان أو جهلا، أو علم أحدهما، وکذلک حال الغاصب إذا خلط ماله بمال زید مما أوجب زیادة قیمتهما، فإن الزیادة حیث کانت تابعة للمالین کانت لهما بالنسبة، وأی فرق بین ربح المال وربح العمل، فإن العرف یری اشتراکه بینهما، فیشمله دلیل «لا یتوی»((1))، و﴿لا تَأْکلُوا أَمْوالَکمْ﴾((2))، وما أشبه، مما یقرر الحکم علی الموضوع

ص:127


1- المستدرک: ج3 ص215 باب نوادر الشهادات ح5
2- سورة البقرة: الآیة 188

وربما یحتمل فی صورة علمهما أنه یستحق حصته من الربح من باب الجعالة، وفیه إن المفروض عدم قصدها، کما أنه ربما یحتمل استحقاقه أجرة المثل إذا اعتقد أنه یستحقها مع الفساد، وله وجه

العرفی الذی لم یردعه الشارع.

{وربما یحتمل فی صورة علمهما أنه یستحق حصته من الربح من باب الجعالة} فقد جعل المالک للعامل کذا من الربح، وحیث عمل العامل وربح استحق ما جعل له.

{وفیه: إن المفروض عدم قصدها} فإن عنوان الجعالة غیر عنوان المضاربة، فالأول إیقاع کالإذن، والثانی عقد کالمزارعة والمساقاة والإجارة، ولما کانا نوعین فلا یصح أحدهما إلا بقصده، فما صبا علیه الکلام یقع، والجعالة لم یصب علیها الکلام، والامور المحتاجة إلی الإذن حالها حال العقود تتبع القصود.

ومن ذلک تعرف وجه النظر فی کلام بعض المعلقین حیث قال: (إن المضاربة مرکبة من الجعالة وغیرها، وحیث انتفت المضاربة لم ینتف غیرها التی هی الجعالة، وبذلک فیستحق النسبة).

ولذا لم یعلق علی المتن السادة ابن العم والبروجردی والجمال وغیرهم، بل أیده المستمسک بما ذکرناه من اختلاف العنوانین.

{کما أنه ربما یحتمل استحقاقه أجرة المثل إذا اعتقد} العامل {أنه یستحقها مع الفساد، و} هذا الاحتمال {له وجه} لأنه لم یهدر عمله حتی یکون کالإعراض عن ماله، بل أقدم علی أنه مستحق شرعاً وعرفاً لأجرة المثل.

ص:128

وإن کان الأقوی خلافه، هذا کله إذا حصل ربح ولو قلیلاً، وأما مع عدم حصوله فاستحقاق العامل الأجرة ولو مع الجهل مشکل، لإقدامه علی عدم العوض لعمله مع عدم حصول

{وإن کان الأقوی} عند المصنف وکافة المعلقین الذین ظفرت بتعلیقاتهم {خلافه} إذ اعتقاد شیء لا یجعل منه واقعاً، فهو کما إذا زعم الغاصب أنه یستحق أجرة المثل بنقله مال المغصوب منه من مکان إلی مکان آخر، بزعمه أنه کالحمال المستحق لأجرة المثل إذا أمره المالک بنقل المتاع، فهل هذا الزعم یوجب استحقاقه أجرة المثل، وأی فرق بین المقام والمثال من جهة محل البحث.

{هذا کله إذا حصل ربح ولو قلیلاً، وأما مع عدم حصوله، فاستحقاق العامل الأجرة ولو مع الجهل مشکل} وجه الأجرة أنه عمل وعمل المسلم محترم، فإنه «لا یتوی حق امرئ مسلم»((1))، فلو صحت المضاربة لم یکن له شیء، لأنه أقدم علی أنه لا شیء له مع عدم ربح المضاربة، أما والحال أن المضاربة فاسدة فلم یدخل علی أن لا یکون له شیء فلم یهدر هو عمله.

لکن الأقرب وفاقاً لجملة من المعلقین عدم شیء له {لإقدامه علی عدم العوض لعمله مع عدم حصول

ص:129


1- المستدرک: ج3 ص215 باب نوادر الشهادات ح5

الربح وعلی هذا ففی صورة حصوله أیضاً یستحق أقل الأمرین من مقدار الربح وأجرة المثل، لکن الأقوی خلافه، لأن رضاه بذلک کان مقیداً بالمضاربة ومراعاة الربح،

الربح} وما لا یضمن بصحیه لا یضمن بفاسده((1))، ولماذا یضمن المالک الأجرة والحال أن الأصل عدمها.

{وعلی هذا ففی صورة حصوله} أی الربح، فی حال بطلان المضاربة {یستحق أقل الأمرین من مقدار الربح وأجرة المثل}، إذ الربح لو کان أقل فقد أهدر هو بإقدامه علی رضاه بنسبة الربح التفاوت بین الربح والأجرة، ولو کانت الأجرة أقل کان بطلان المضاربة سبباً لعدم استحقاقه النسبة فلا تبقی له إلا الأجرة.

هذا، ولکن قد تقدم أن مقتضی القاعدة النسبة العادلة، لأن الربح ناتج المال والعمل، وحیث بطلت المضاربة کان المرجع القاعدة.

قال المصنف: {لکن الأقوی خلافه} أی خلاف استحقاقه أقل الأمرین، بمعنی أنه یستحق قدر الأجرة فی هذه الصورة {لأن رضاه بذلک کان مقیداً بالمضاربة} فإذا انتفت المضاربة _ لفرض بطلانها _ کان الأصل عدم استحقاقه القدر المقرر، وحیث إن عمله محترم لابد وأن یعطی أجرة المثل لا أقل الأمرین.

ولا یخفی تشویش العبارة، وکأنه لذا فسر المستمسک قوله: (لکن الأقوی خلافه): (یعنی فلا یستحق العامل أیضاً فی هذه الصورة) انتهی.

ولا یخلو تفسیره من نظر.

ص:130


1- انظر: الجواهر: ج22 ص358

والاحتیاط فی هذا وبعض الصور المتقدمة أولی.

{و} کیف کان ف_ {مراعاة الاحتیاط فی هذا} الفرع الأخیر {وبعض الصور المتقدمة} بإعطاء العامل شیئاً فیما دار الأمر بین استحقاقه وعدم استحقاقه، وإعطائه أکثر الأمرین فیما دار حقه بین الأقل والأکثر {أولی} فإن الاحتیاط سبیل النجاة.

ولو تعاسرا فالصلح خیر، ولا مکان للقرعة لأنه حق مالی، وقد ذکرنا غیر مرة أنه مجری قاعدة العدل، والله العالم.

ص:131

مسألة ٤٩ إذا لم یکن للمدعی بینة

(مسألة 49): إذا ادعی علی أحد أنه أعطاه کذا مقداراً مضاربةً، وأنکره ولم یکن للمدعی بینة، فالقول قول المنکر مع الیمین.

(مسألة 49): {إذا ادعی} ادعی المالک {علی أحد أنه أعطاه کذا مقداراً مضاربة، وأنکر} ذلک الأحد أصل إعطائه، أو المقدار الذی یدعیه، کما لو قال المالک: أعطیته مائة، وقال العامل: بل خمسین.

{ولم یکن للمدعی بینة، فالقول قول المنکر مع الیمین} لأصالة عدم أخذه أصل المال، أو الزائد علی ما یعترف به، ولو فرض عدم جریان الأصل فی الموضوع لمعارضته أو نحوها کان الأصل الحکمی یقتضی عدم وجوب شیء علی العامل من إرجاع المال أو ضمانه الذی یکون غالباً الغرض المقصود من الدعوی.

قال فی المستمسک: (فلو فرض أن المالک یعترف بإرجاع المال إلیه علی تقدیر صدقه فی الدعوی، أو یعترف بتلفه من غیر ضمان لم یکن أثر لدعواه فلا تسمع منه) انتهی.

ولو انعکس الأمر، بأن ادعی العامل إعطاءه أو الأزید، وأنکر المالک أصل الإعطاء أو المزید _ إذ ربما یکون ذلک بسبب تدین المالک ونسیانه، أو لأن الجائر مثلاً یصادر مال من کان له مائة، فیدعی العامل أن المائة التی عنده للمالک، ویدعی المالک أن له خمسینه فقط، إلی غیر ذلک من الأمثلة _ کان الأصل مع المالک، والعامل إن علم صدق نفسه لزم علیه إیصال المال إلی المالک بأیة صورة، لفرض أن المالک أنکر خوفاً أو نسیاناً أو ما أشبه، لا أنه أعرض حتی یکون

ص:132

للعامل أخذه لنفسه.

وإذا لم یمکن الإیصال إلی المالک أعطاه إلی الحاکم الذی هو ولی الممتنع.

ولو کان بین المالک والعامل تنازع، کما لو ادعی أحدهما أنه أعطاه درهماً والآخر دیناراً، وکان ثمر لهذا النزاع کان من باب التداعی، لأن کلاً منهما ینکر ما یدعیه الآخر.

ص:133

مسألة ٥٠ لو تنازعا فی مقدار رأس المال

(مسألة 50): إذا تنازع المالک والعامل فی مقدار رأس المال الذی أعطاه للعامل، قدم قول العامل بیمینه مع عدم البینة، من غیر فرق بین کون المال موجوداً أو تالفاً مع ضمان العامل، لأصالة عدم إعطائه أزید مما یقوله، وأصالة براءة ذمته إذا کان تالفاً بالأزید، هذا

(مسألة 50): {إذا تنازع المالک والعامل فی مقدار رأس المال الذی أعطاه للعامل} والغالب أن یکون المدعی المالک، وإن کان یمکن أن یکون العامل کما تقدم تصویره فی المسألة السابقة.

{قدم قول العامل بیمینه مع عدم البینة} للمالک، لقاعدة «البینة علی المدعی والیمین علی من أنکر» {من غیر فرق} بین کون المالک یدعی الزیادة من الجنس أو من غیر الجنس، فقد یقول: أعطیته ألف دینار، وینکر العامل إلا خمسمائة، وقد یقول: أعطیته ألف دینار ومائة درهم، وینکر العامل الدراهم، فإن قاعدة المدعی والمنکر یشمل الصورتین.

ولا فرق {بین کون المال موجوداً أو تالفاً مع ضمان العامل} للتالف، لأنه لو لم یکن ضامناً فلا أثر للدعوی حتی تسمع، {لأصالة عدم إعطائه أزید مما یقوله} العامل {وأصالة براءة ذمته} أی ذمة العامل {إذا کان} المال {تالفاً بالأزید} (الباء) متعلق بذمته، وعلیه فالباء بمعنی (من).

قال ابن مالک:

(بالباء استعن وعد عوض الصق

و مثل مع ومن وعن بها انطق).

{هذا} الذی ذکرناه من تقدیم قول العامل بیمینه إذا لم تکن بینة، لا فرق

ص:134

إذا لم یرجع نزاعهما إلی النزاع فی مقدار نصیب العامل من الربح، کما إذا کان نزاعهما بعد حصول الربح وعلم أن الذی بیده هو مال المضاربة، إذ حینئذ النزاع فی قلة رأس المال وکثرته یرجع إلی النزاع فی مقدار نصیب العامل من هذا المال الموجود، إذ علی تقدیر قلة رأس المال یصیر مقدار الربح منه أکثر، فیکون نصیب العامل أزید، وعلی تقدیر کثرته بالعکس

فیه بین أن یرجع نزاعهما إلی النزاع فی مقدار نصیب العامل أم لا، إذ قد عرفت فی بعض المسائل السابقة أن العبرة فی أحکام المنازعات بمصب النزاع لا بما یؤل إلیه، ولذا یختلف حکم النزاع بتغییر المصب، وإن کان أولهما إلی أمر واحد، وهذا هو المشهور، کما یظهر من کلماتهم فی کتاب القضاء، خلافاً لما نقلناه عن المستمسک، حیث یظهر منه أن العبرة بما یؤل إلیه نزاع.

وعلیه فقول المصنف مشکل، قال: {إذا لم یرجع نزاعهما إلی النزاع فی مقدار نصیب العامل من الربح، کما إذا کان نزاعهما بعد حصول الربح وعلم أن الذی بیده هو مال المضاربة} والمال مائة وعشرة مثلاً، فالمالک یقول: کان رأس المال مائة، فنصیب العامل خمسة نصف الربح، والعامل یقول: بل کان رأس المال تسعین فنصیبی عشرة من عشرین الربح.

{إذ حینئذ النزاع فی قلة رأس المال وکثرته یرجع إلی النزاع فی مقدار نصیب العامل من هذا المال الموجود} هل هو خمسة أو عشرة فی المثال {إذ علی تقدیر قلة رأس المال یصیر مقدار الربح منه أکثر، فیکون نصیب العامل أزید، وعلی تقدیر کثرته بالعکس} یکون نصیب العامل أقل.

ص:135

ومقتضی الأصل کون جمیع هذا المال للمالک، إلا بمقدار ما أقر به للعامل

{ومقتضی الأصل کون جمیع هذا المال للمالک، إلا بمقدار ما أقر به للعامل}، وفیه:

أولاً: ما تقدم من أن الاعتبار بالمصب لا بالمآل، ولذا قال ابن العم: بل وکذا إذا رجع إلیه إذا کان مصب الدعوی النزاع فی مقدار رأس المال کما هو المفروض.

وثانیاً: العامل ذو الید وبعض المال له، فالمالک مدعی للزیادة وهو بحاجة إلی البینة، لأن الربح یدخل فی کیس العامل ابتداءً، لا أنه یرجع إلی المالک ثم یعطیه للعامل، أما علی مبنانا من أن الربح ولید المال والعمل فواضح، وأما علی مبناهم من أنه ولید المال فلأن القرار یجعله لکل منهما بالنسبة من أول الأمر.

ومنه یظهر النظر فی قول المستمسک حیث قال: (وإن کان مقتضی الید کون جمیعه للعامل إلا ما أقر به للمالک، إلا أن ذا الید لما أقر بأن أصله للمالک احتاج فی إثبات دعوی الاستحقاق إلی بینة، فمع عدمها یقدم قول المالک لسقوط ید العامل عن الحجیة بهذا الإقرار)، إلی آخر کلامه.

وعلی ما ذکرناه یختلف حکم النزاع فیما إذا قال المالک: مالی کان مائة، وقال العامل: بل تسعین، حیث الأصل مع العامل، وفیما إذا قال المالک: نصیب العامل خمسة، وقال العامل: بل عشرة، فإن الأصل مع المالک.

أما إذا قال المالک: مائة فله خمسة، وقال العامل: تسعون فلی عشرة، فالظاهر أنه مورد التحالف.

ص:136

وعلی هذا أیضاً لا فرق بین کون المال باقیاً أو تالفاً لضمان العامل، إذ بعد الحکم بکونه للمالک إلا کذا مقدار منه فإذا تلف مع ضمانه لا بد أن یغرم المقدار الذی للمالک.

ولو قال المالک: رأس المال تسعین فلک عشرة، وقال العامل: بل مائة فلی خمسة، انعکس الأمر فی الصور الثلاث.

وإذا لم یقبل المالک الزائد کان الحاکم هو الآخذ له، کما تقدم.

ومما تقدم یعلم حال ما لو تنازعا فی أن المال هل کان مائة فلم یربح ولم یخسر، فلا شیء للعامل، أو کان تسعین فربح عشرة فللعامل خمسة.

وکذا عکسه، أی ادعی العامل أنه کان مائة، وقال المالک: بل کان تسعین.

ومما تقدم یظهر وجه النظر فی قوله: {وعلی هذا أیضاً لا فرق بین کون المال باقیاً أو تالفاً بضمان العامل}، وجه النظر عدم ضمان الأزید الذی ینکره العامل وتعلیله ب_ {إذ بعد الحکم بکون للمالک إلا کذا مقدار منه، فإذا تلف مع ضمانه لابد أن یغرم المقدار الذی للمالک} غیر تام، إذ یختلف مصب النزاع، فإذا قال المالک: أعطیته مائة وربح عشرة فأطلبه مائة وخمسة، وقال العامل: بل یطلبنی مائة فقط، کان الأصل معه، ولا یکلف شرح أسباب النزاع، کما ذکرناه فی کتاب:  القضاء والشهادات.

ثم إنه حیث کان المرجع فی تشخیص المدعی والمنکر مصب الدعوی، لا الغرض المقصود من الدعوی، کما عرفت، کانت هذه المسألة کالمسألة السابقة فی وحدة حکمهما.

ص:137

نعم إذا کان التشخیص حسب الغرض المقصود کان بین المسألتین فرق.

ولو ادعی المالک أن العامل صرف نقده بالأکثر، فقال: بل بالأقل، مع توافقهما فی قدر رأس المال، کان الأصل مع العامل.

ولو قال المالک: إنه صرفه فی السوق السوداء، حیث صادره الحاکم، وقال العامل: بل فی السوق البیضاء، ومصادرة الحاکم له اعتباطیة، کان علیه الیمین، لأنه أمین، کما یأتی فی المسألة الآتیة.

ص:138

مسألة ٥١ لو ادعی المالک خیانة العامل

(مسألة 51): لو ادعی المالک علی العامل أنه خان أو فرط فی الحفظ فتلف، أو شرط علیه أن لا یشتری الجنس الفلانی، أو لا یبیع من زید أو نحو ذلک، فالقول قول العامل فی عدم الخیانة والتفریط، وعدم شرط المالک علیه الشرط الکذائی

(مسألة 51): {لو ادعی المالک علی العامل أنه خان أو فرط فی الحفظ فتلف} کلاً أو بعضاً {و} ادعی أنه {شرط علیه أن لا یشتری الجنس الفلانی أو لا یبیع من زید أو نحو ذلک} من الشرائط الزمانیة والمکانیة وطرف المعاملة والجنس وما أشبه.

{فالقول قول العامل فی عدم الخیانة والتفریط} وذلک لأنه أمین، و«لیس علی الیمین إلا الیمین»، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی المسألة التاسعة والثلاثین.

ولو اختلفا فی کیفیة التفریط، فقال المالک: إنه تفریط أتلف المتاع، وقال العامل: إن هلاک المتاع لم یکن بذلک التفریط، بل حدث بعد ذلک، کان الأصل مع العامل أیضاً، حیث قد تقدم فی بعض المسائل السابقة أن الأمین إذا فرط ثم رجع عن التفریط رجعت أمانته بأحکامها.

{وعدم شرط المالک علیه الشرط الکذائی} لأصالة عدم الاشتراط، کما أن العامل إذا ادعی شرطاً علی المالک وأنکره المالک کان الأصل عدم شرطه علیه.

ص:139

والمفروض أن مع عدم الشرط یکون مختاراً فی الشراء وفی البیع من أی شخص أراد، نعم لو فعل العامل ما لا یجوز له إلا بإذن من المالک، کما لو سافر أو باع بالنسیئة وادعی الإذن من المالک، فالقول قول المالک فی عدم الإذن،

{والمفروض أن مع عدم الشرط یکون مختاراً فی الشراء وفی البیع من أی شخص أراد} وبسائر الخصوصیات التی یشملها إطلاق عقد المضاربة، لکن لا یخفی أن ادعاء المالک إنما یسمع إذا کان للنزاع ثمر، أما إذا لم یکن ثمر فلا یشمله دلیل الترافع، کما ذکر فی کتاب القضاء.

ولو قال المالک: شرطت علیه أن لا یشتری الحنطة، وقال العامل: بل کان الشرط عدم اشتراء الشعیر، کان من التحالف، لأنه تداع، لا مدع ومنکر، وکذا فی أمثال ذلک مما الجامع مورد اتفاقهما، وإنما الاختلاف فی الخصوصیات المتقابلة.

{نعم لو فعل العامل ما لا یجوز له إلا بإذن من المالک، کما لو سافر أو باع بالنسیئة وادعی الإذن من المالک} وقلنا: إن الإطلاق لا یشملهما، فیحتاج الأمر إلی إذن خاص، کما تقدم من المصنف، وإن استظهرنا شمول الإطلاق لهما، إلا القدر غیر المتعارف منهما، {فالقول قول المالک فی عدم الإذن} لأصالة عدمه.

ولو قال العامل: أذن لی فی السفر مطلقاً، وقال: بل فی سفر خاص، أو قال العامل: فی النسیئة مطلقاً، وقال: بل لشخص خاص مثلاً، کان القول للمالک فی عدم الإطلاق، لأصالة

ص:140

والحاصل: إن العامل لو ادعی الإذن فیما لا یجوز إلا بالإذن قدم فیه قول المالک المنکر، ولو ادعی المالک المنع فیما یجوز إلا مع المنع قدم قول العامل المنکر له.

عدم الزیادة، فلا یقال: إن کلاً من الإطلاق والتقیید خلاف الأصل، فهو من مورد التحالف.

{والحاصل: إن العامل لو ادعی الإذن فیما لا یجوز إلا بالإذن، قدم فیه قول المالک المنکر} لأن الأصل عدم الإذن.

{ولو ادعی المالک المنع فیما یجوز إلا مع المنع} لأن الإطلاق یشمله إلا بمنع خاص {قدم قول العامل المنکر له} لأن الأصل عدم المنع.

ولو قال العامل: إنه کان علی نحو الشرط فالمضاربة صحیحة ولی حصتی، علی ما تقدم من أن مخالفة الشرط لا توجب منع حصة العامل، وقال المالک: بل کان علی نحو مصب عقد المضاربة، فالمخالفة توجب عدم العمل بالعقد، فالظاهر إنه من مورد التداعی، لا أن الأصل بقاء المضاربة، لأن کلاً ینکر ما یدعیه الآخر.

ص:141

مسألة ٥٢ لو ادعی العامل الخسارة

(مسألة 52): لو ادعی العامل التلف وأنکر المالک قدم قول العامل، لأنه أمین، سواء کان بأمر ظاهر أو خفی

(مسألة 52): {لو ادعی العامل التلف وأنکر المالک} سواء کان ادعاؤه تلف البعض أو الکل {قدم قول العامل} بیمینه لأنه أمین، ولیس علی الأمین إلا الیمین، کما تقدم فی المسألة الخامسة والثلاثین من وجود الأدلة العامة والخاصة بالمضاربة فی المقام.

ویؤیده صحیح محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، عن الرجل یستبضع المال فیهلک أو یسرق، أعلی صاحبه ضمان، قال: «لیس علی صاحبه غرم بعد أن یکون الرجل أمیناً»((1)).

فإنه یدل باللزوم العرفی علی عدم البینة علیه، بل لو لا دلیل الیمین کان دالاً علی عدم الیمین أیضاً، فقول المستسمک: (إنما تدل الصحیحة علی عدم ضمان الأمین لا علی عدم تکلیفه بالبینة، فهی حکم فی مقام الثبوت لا فی مقام الإثبات) انتهی، محل نظر.

وکیف کان، فالعامل {لأنه أمین} یقبل قوله بالیمین {سواء کان} ادعاؤه التلف {بأمر ظاهر} کالحرق، حیث یمکن التحقیق {أو خفی} کالسرقة، فیما لا یمکن التحقیق عن صدقه.

وإذا علم المالک کذب العامل، فهل له أن یطور النزاع بحیث یستنقذ حقه منه، مثلاً أعطاه مائة وربح عشرین، منها للمالک مائة وعشرة

ص:142


1- الوسائل: ج13 ص228 الباب 4 من أبواب الودیعة ح5

وکذا لو ادعی الخسارة أو ادعی عدم الربح أو ادعی عدم حصول المطالبات فی النسیئة مع فرض کونه مأذوناً فی البیع بالدین

فإذا قال العامل: إنه قد سرق منه مائة وعشرة، قال المالک: إن رأس المال کان مائتین وعشرین، فاللازم إعطاء الباقی (المائة والعشرة)، احتمالان:

من أنه إنقاذ حق، ولبعض النصوص التی ذکرناها فی کتاب الشهادات.

ومن أنه کذب ولا یجوز.

والأقرب الأول، فراجع تفصیل المسألة هناک.

ومنه یعلم حال ما إذا صدق العامل لم یقبل به المالک، حیث یضطر إلی الکذب لتخلیص نفسه.

{وکذا لو ادعی} العامل {الخسارة أو ادعی عدم الربح أو ادعی عدم حصول المطالبات فی النسیئة مع فرض کونه مأذوناً} إطلاقاً وإذنا خاصاً {فی البیع بالدین} کل ذلک بلا إشکال ولا خلاف، کما یظهر من کلماتهم، بل صرح به فی الجواهر فی بعض فروع المسألة.

ومنه یعلم حال ما إذا سلم المالک بعض کلامه دون بعض، کما إذا ادعی العامل خسارة مائة فسلم المالک خسارة أربعین، فإن العامل مقبول القول بالنسبة إلی الستین الأخر، والیمین المطلوبة منه علی خسارة أو تلف الستین، لا علی الأربعین الذی سلمه المالک کما هو واضح، ولو قال المالک:  تلفت الدراهم، وقال العامل: بل الدنانیر، کان قول العامل مقبولاً والمالک یحق له أخذ مقدار الدنانیر من الدراهم، أما الزائد المختلف فیه فیأخذه الحاکم علی ما سبق فی بعض المسائل

ص:143

ولا فرق فی سماع قوله بین أن یکون الدعوی قبل فسخ المضاربة أو بعده، نعم لو ادعی بعد الفسخ التلف بعده ففی سماع قوله لبقاء حکم أمانته، وعدمه لخروجه بعده عن کونه أمیناً، وجهان.

المتقدمة {ولا فرق فی سماع قوله بین أن یکون الدعوی} فی المالک علیه {قبل فسخ} أو إتمام أو انفساخ {المضاربة أو بعده} لإطلاق أدلة أنه أمین، کما هو الحال فی کل أشباه ذلک کالمزارعة والمساقاة والعاریة والودیعة والإجارة وغیرها.

{نعم لو ادعی بعد الفسخ} أو أخویه {التلف بعده، ففی سماع قوله لبقاء حکم أمانته} فإن إطلاق أدلة الأمین یشمله، والظاهر أنه أراد ما ذکرناه، لا الاستصحاب کما فهمه المستمسک.

{وعدمه} أی عدم سماع قوله إلا بالبینة، لأنه مدع حینئذ {لخروجه بعده عن کونه أمیناً} فاللازم إجراء مقتضی الدعوی فی حقه، حیث إن المدعی یحتاج إلی البینة.

{وجهان} أقواهما سماع قوله، کما اختاره ابن العم وغیره، وقال فی المستمسک: (إذا تحقق ذلک _ أی حکم أمانته _ فلا مجال للوجه الثانی) انتهی.

نعم، یجب أن لا یخرج من الأمانة إلی الخیانة، بأن کان مقصراً فی الرد مع طلب المالک، إذ حینئذ لیس ما عنده أمانة شرعیة ولا مالکیة، فالضمان من باب القاعدة بعد سقوط دلیل الأمانة بالنسبة إلیه.

ص:144

ولو أقر بحصول الربح ثم بعد ذلک ادعی التلف أو الخسارة وقال: إنی اشتبهت فی حصوله، لم یسمع منه لأنه رجوع عن إقراره الأول

{ولو أقر بحصول الربح ثم بعد ذلک ادعی التلف} للمال قبل حصول الربح {أو الخسارة} لأصل المال {وقال: إنی اشتبهت فی حصوله} أی حصول الربح {لم یسمع منه} کما أفتی به المحقق والعلامة وغیرهما {لأنه رجوع عن إقراره الأول} وعلله فی الجواهر بسبق إقراره الماضی علیه بقاعدة «إقرار العقلاء علی أنفسهم جائز»((1))، وقاعدة عدم سماع الإنکار بعد الإقرار السالمین عن معارضة قاعدة سماع الأمین فی کل ما یدعیه، بعد عدم ثبوت هذا العموم، وإنما الثابت المسلم ما لم یسبق بإقرار.

وقد أقر المصنف علی ما ذکره غیر واحد من المعلقین کالسیدین ابن العم والبروجردی، لکن قال السید الجمال: الأقوی سماع دعوی الغلط أو الاشتباه أو نحوهما فی الإقرار، ولا یکون رجوعاً عن إقراره السابق، بل یکون دعوی علی خلاف ظاهره.

أقول: وما ذکره هو مقتضی القاعدة، لإطلاق دلیل أن الأمین لیس علیه إلا الیمین، وکثیراً ما یکون غالطاً أو مشتبهاً، ودلیل الأمین ورد علی قاعدتی الجواهر، مضافاً إلی عدم وضوح أنهما قاعدتان، بل قاعدة واحدة.

ص:145


1- الوسائل: ج16 ص568 الباب 3 من کتاب الإقرار ح2

ومما ذکرنا یعلم وجه النظر فی قول المستمسک: (من أن قاعدة عدم سماع الإنکار بعد الإقرار تختص بما إذا کان الإنکار وارداً علی ما ورد علیه الإقرار بحیث یکون معارضاً له، کما إذا قال: لک علی درهم، ثم قال: لیس لک علی درهم.

أما إذا کان الإنکار وارداً علی أمر آخر غیر الواقع الذی ورد علیه الإقرار کما فی المقام، لم یکن وجه للرد، فإن قوله: اشتبهت أو غلطت، أو ما قصدت الواقع، وإنما کان إخباری توریة، أو قصدت الواقع لا بقصد بیان الواقع بل بقصد التخلص من الضرر، ونحو ذلک مما لا یکون القول الثانی وارداً علی ما ورد علیه الأول، ولا معارضاً له، فلا یکون من الإنکار بعد الإقرار) انتهی.

إذ لا شک فی ورود الإنکار علی ما ورد علیه الإقرار فی المقام عرفاً، فإن لم نقل بإطلاق أمانة العامل الشامل لقوله الثانی، کان اللازم الذهاب إلی ما ذهب إلیه الجواهر.

ومنه یظهر أضعفیة عدم قبول قوله حتی مع البینة، کما استظهره الجواهر من قول الشرائع، إذ منتهی الأمر سقوط قول العامل بدون البینة، فلماذا یسقط قوله مع البینة بعد وضوح أن البینة حاکمة علی الإقرار کما ذکرناه فی کتاب الشهادات.

فلو شهدت امرأة علی نفسها بالزنا أربع مرات، وقالت البینة: کانت حال ما تدعیه من الزنا عندنا سقط قولها لا من باب درء الحدود بالشبهات، بل من باب أقدمیة البینة علی الإقرار، وکذا لو قال: أخذت من زید دیناراً البارحة فهو

ص:146

ولکن لو قال: ربحت ثم تلف، أو ثم حصلت الخسارة قبل منه.

یطلبنی، وقامت البینة أن زیداً کان البارحة فی بلدنا، فلم یأخذ منه، قدمت البینة علی الإقرار، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

وعلیه فالاستدلال لتقدیم الإقرار علی البینة فی المقام بأن الدعوی الثانیة من قبیل الإنکار بعد الإقرار، وهو غیر مسموع، والبینة لما کانت مکذبة بإقراره الأول فهی أیضاً غیر مسموعة، مع أنها لا تسمع إذا لم تکن لها دعوی مسموعة، انتهی. غیر ظاهر الوجه.

کما أن رد المستمسک له بأنه لیس من الإنکار بعد الإقرار، بل هو من باب شرح حال الإقرار، انتهی، قد عرفت ما فیه.

نعم لقد أجاد فی قوله: إطلاق سماع قوله الأمین یقتضی قبوله فیسقط به الإقرار، ودعوی عدم العموم فی سماع قول الأمین ضعیفة لإطلاق قولهم (علیهم السلام): «إن اتهمته فاستحلفه» الشامل له من دون قرینة علی صرفه عنه، انتهی.

وعلیه فمقتضی ما ذکرناه أنه لو قال: إنه ربح، ولم یرجع عنه، وقالت البینة: إنه یکذب اشتباهاً أو عمداً أو غلطاً، سمع قولهم لا إقراره، ویؤید ما ذکرناه رفع الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) القصاص عمن أقر علی نفسه بالقتل، ثم ظهر قاتل آخر ورجع المقر الأول وادعی أنه اضطر إلی الإقرار، کما ذکرناه فی کتاب الشهادات، فراجع.

{ولکن لو قال: ربحت ثم تلف، أو حصلت الخسارة} أو حصلت الخسارة أولاً بما سدها الربح أو ما أشبه ذلک {قبل منه} لإطلاق دلیل أنه أمین، والأمین لیس علیه إلا الیمین.

ص:147

ثم إن الاعتبار باستیمان المالک إیاه، لا کونه أمیناً عند الناس، لأنه المستفاد من إطلاق الأدلة، کما تقدم بعضها فی المسألة الخامسة والثلاثین.

ولو لم یستأمنه المالک بأن یراه خائناً، لکن جعل علیه رقیباً، کان القول قول الرقیب لا العامل، فإذا ادعی العامل التلف ونحوه _ مما هو خلاف الأصل _ احتاج إلی الشاهد، لعدم شمول دلیل الأمین له کما هو واضح.

ولو ادعی العامل الأمین التلف أو الخسارة، مما هو خلاف الأصل، لکنه أبی عن الحلف، لم یشمله دلیل الأمین، بل اللازم أخذه به بدون الرد، أو مع الرد علی المالک، علی الاختلاف هناک.

ص:148

مسألة ٥٣ لو اختلفا فی مقدار حصة العامل

(مسألة 53): إذا اختلفا فی مقدار حصة العامل وأنه نصف الربح مثلاً أو ثلثه، قدم قول المالک

(مسألة 53): {إذا اختلفا فی مقدار حصة العامل وأنه نصف الربح مثلاً أو ثلثه}، قال بالأول المالک، وقال بالثانی العامل، أو بالعکس، لأن کلاً منهما زعم أنه الحقیقة ولم یرد أن یأکل حق الآخر، أو لأن فی کون حصة المالک النصف الضریبة التصاعدیة الزائدة علیه، فأراد التخلص منها، وکذلک بالنسبة إلی العامل، فتکون دعواه الزیادة لغیره فراراً من ضرر أکثر، فالأصل مع مدعی نفی الزیادة.

لا یقال: لا أصل مع المالک فی نفی الزیادة، لأن الأصل کون کل الربح له إلا ما خرج، فالأصل مع العامل.

لأنه یقال: قد تقدم الإشکال فی کون الربح تابعاً للمال، حیث قلنا إنه تابع للمال والعمل بالنسبة، نعم یصح ذلک علی قول المشهور الذین یرون الربح تابعاً للمال.

ولو ادعی المالک الزیادة لنفسه {قدم قول المالک} کما هو المشهور، بل عن التذکرة نسبته إلی علمائنا، ولا یخفی أن هذا إنما یتم علی مبناهم فی أن الربح تابع للمال.

أما علی ما ذکرناه من أنه تابع للمال والعمل بالنسبة، فالأصل یکون تارةً مع المالک إذا ادعی أکثر من حقه، وتارة مع العامل إذا ادعی أکثر من حقه، مثلاً کان مال المضاربة ألفاً فربح خمسمائة والنسبة العادلة أن یکون للعامل ثلاثة أخماسه وللمالک خمساه، فادعی المالک نصفه، أو ادعی العامل سبعة أعشاره، فإن الأصل عدم الخمسین للمالک فی الأول وللعامل فی الثانی.

ص:149

وقد ذکر جامع المقاصد کلاماً فیه مواضع للنظر، قال: (إن کلامهم بتقدیم قول المالک واضح إن کان الاختلاف قبل حصول الربح، لأن المالک متمکن من منع الربح کله بفسخ العقد، وأما بعد حصوله فإن کلاً منهما مدع ومدعی علیه، فإن المالک یدعی استحقاق العمل الصادر فالحصة الدنیا والعامل ینکر ذلک فیجیء القول بالتحالف إن کانت أجرة المثل أزید مما یدعیه المالک، ولا أعلم لأصحابنا قولا بالتحالف، وإنما القول بالتحالف مع الاختلاف فی الربح مطلقاً قول الشافعی) انتهی.

إذ یرد علیه أولاً: إنه لا فرق بین حصول الربح وعدم حصوله، وقوله: (لأن المالک) إلخ، لا ربط له بالنزاع، إذ التمکن من الفسخ لا أثر له فی تبدیل مصب النزاع.

وثانیاً: قوله: (متمکن من منع الربح کله) لم یفهم وجهه، إذ کلامه قبل حصول الربح فمنع المالک الربح من باب السالبة بانتفاء الموضوع، مع أن اللازم أن یکون کلامه فی السالبة بانتفاء المحمول فتأمل.

وثالثاً: إن التحالف إنما یکون إذا لم یکن هناک أصل، والحال أنه موجود، أما علی قول المشهور فلأن الأصل مع المالک، وأما علی قولنا: فلأنه مع من لا یدعی الزیادة عن حقه.

أما رد المستمسک له بأن کلام جامع المقاصد مبنی علی أن المعیار فی تشخیص المدعی والمنکر مصب الدعوی، والحال أن المعیار فی تشخیص المدعی والمنکر الغرض المقصود من الدعوی، فقد عرفت فی بعض المسائل

ص:150

السابقة أنه خلاف ظاهر الأدلة ونص المشهور ومقتضی القاعدة.

فلو اختلف الزوجان فی أنه دوام أو متعة، وکان غرضهما من الدعوی النفقة، فهل الحاکم ینظر فی الدعوی، أو فی استحقاقها النفقة وعدمها، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ولقد أشکل الجواهر علی جامع المقاصد بقوله: (لا ریب فی أن کلاً منهما مدع ومنکر إذا کان نزاعهما فی تشخیص ما وقع علیه عقد المضاربة ضرورة اقتضاء الأصل عدم کل من الشخصین، نعم بعد تعارض الأصول فی ذلک یرجع إلی أصل آخر ولا ریب فی کونه مع المالک، لأن الأصل عدم استحقاق العامل الزائد) انتهی.

وهو متین إلا فی جعله الأصل الآخر مع المالک، إذ قد عرفت أن الأصل مع من یدعی الحصة المعقولة.

أما إشکال المستمسک علیه بأن الأصل المذکور لا یثبت إحدی الدعویین ولا ینفیهما، ففیه: إنه لم یرد صاحب الجواهر الإثبات والنفی، بل أراد أنهما یتعارضان ویکون المرجع بعد التساقط شیء آخر.

أما ما فی کلام جامع المقاصد من مسألة أجرة المثل، ففیه: إنه لا موقع لأجرة المثل بعد اتفاقهما علی قرار خاص، وقد یکون کلاهما ینکرانها، نعم إن بدل الأجرة بالحصة کما ذکرناه کان له وجه.

ص:151

مسألة ٥٤ لو أنکر المضاربة ثم أقر

(مسألة 54): إذا ادعی المالک أنی ضاربتک علی کذا مقدار وأعطیتک، فأنکر أصل المضاربة أو أنکر تسلیم المال إلیه، فأقام المالک بینة علی ذلک، فادعی العامل تلفه لم یسمع منه وأخذ بإقراره المستفاد من إنکاره الأصل

(مسألة 54): {إذا ادعی المالک أنی ضاربتک علی کذا مقدار وأعطیتک} کل المال، أو بعض المال وإنما عندی لک بقیة المال فقط، {فأنکر} العامل {أصل المضاربة} وتبعاً لذلک أنکر تسلیم کل المال أو بعضه {أو أنکر تسلیم المال} کله أو بعضه {إلیه} بعد أن سلّم أنه ضاربه {فأقام المالک بینة علی ذلک} الأصل، أو التسلیم للکل أو البعض {فادعی العامل تلفه} وقال: إنی إنما أنکرت الأصل لأنی لو سلمت به کانت البینة علی، ولذا أنکرت حیث لا بینة لی وقد تلف المال فی یدی، {لم یسمع منه} دعواه التلف {وأخذ بإقراره المستفاد من إنکاره الأصل} یعنی إنکار المضاربة أو إنکار التسلیم، فإن إنکاره یساوق إقراره بعدم التلف عنده، فإن ما لم یأخذه لم یتلف عنده، فلا یسمع دعواه.

والظاهر أنه إذا أقام البینة علی التلف سمع منه، لأن البینة مقدمة علی إقراره، لما تقدم فی بعض المباحث السابقة من تقدیم البینة علی الإقرار، فقول بعضهم بعدم قبول البینة بعد إقراره، غیر ظاهر الوجه.

والکلام فی المسألة فی أمور:

الأول: إنه حیث أنکر أصل المضاربة أو التسلیم، لم یقبل قوله بعد ذلک بأنه تلف، وذلک لأن دلیل «لیس علی الأمین إلا الیمین» منصرف عن مثل هذا الأمین إن لم نقل إنه بإنکاره خرج عن موضوع الأمین وصار خائناً، وهل هذا

ص:152

یجعله خائناً مطلقاً، أو لا مطلقاً، أو یفصل بین قصده الخیانة وقصده رفع التبعة عن نفسه، حیث ظن جواز ذلک، احتمالات:

الأول: من جهة أنه یعد خائناً عرفاً.

الثانی: من جهة أن الخیانة عبارة عن الخیانة فی المال، لا الکذب فی القول، فمن یقول: إنه لم یستأجر الدار من زید بل أودعها إیاه مثلاً، لا یقال له عرفاً إنه خائن.

والثالث: من جهة أنه إذا لم یقصد الخیانة فالإنکار الذی ظنه جائزاً شرعاً لا یدخله فی الخائن عرفاً، فقد زعم أنه لا یقبل قوله: إذا قال إنه تلف، بخلاف ما إذا أنکر، حیث یقبل قوله بعد عدم البینة لمدعیه، وهذا هو الأقرب.

الأمر الثانی: إنه إذا أقام البینة علی التلف قبل، لأنه مدع أقام البینة، فیشمله أدلة البینة، ولا وجه لعدم قبولها بعد إنکاره، کما هو کذلک فی أمثال المقام، مثلاً إذا أنکر المستأجر أنه تسلّم العین، ولما ظهر کذبه أقام البینة علی أنه ردها إلی المؤجر، أو أنکر الزواج ولما ظهر کذبه أقام البینة أنه طلقها، إلی غیر ذلک من الأمثلة، وعلی القائل بعدم شمول دلیل البینة لمثل المقام أن یتمسک بالانصراف وهو غیر ظاهر، ولو شک فی الانصراف کان الأصل الإطلاق.

الأمر الثالث: إنه إذا ظهرت خیانته، حیث یسقط قوله المجرد عن البینة، یلزم علیه إعطاء العین، أو البدل مثلاً أو قیمةً، لقاعده الید وغیرها.

وبذلک ظهر وجه النظر فی قول المستمسک بعدم سماع قوله الذی کذبه،

ص:153

نعم لو أجاب المالک: بأنی لست مشغول الذمة لک بشیء، ثم بعد الإثبات ادعی التلف، قبل منه لعدم المنافاة بین الإنکار من الأول وبین دعوی التلف.

وعدم سماع بینته التی کذبها وأنه خائن.

کما ظهر الإشکال فی جملة من الکلمات والحواشی، کقول القواعد: لو أنکر القراض ثم ادعی التلف لم یقبل قوله، إلی غیر ذلک.

ولقد أجاد السیدان البروجردی والجمال حیث قالوا: بقبول قوله إذا أقام البینة.

وقد تحصل مما ذکرناه أنه قد یقبل قوله بیمینه، مثله مثل حاله قبل إنکاره، وقد یقبل قوله بالبینة لظهور خیانته فلا یقبل قوله کالسابق، وإنما یشمله إطلاق دلیل البینة، وإذا لم یقبل قوله فعلیه الضمان، لدلیل الید والضمان للعین إلا إذا قامت البینة علی التلف المضمون فیرجع إلی البدل.

ولو ضمن ولم یکن عنده العین حتی یسلمها سجن لإعطاء العین حتی حصول الیأس فیقبل منه البدل.

{نعم لو أجاب} العامل {المالک} عند ادعائه المضاربة أو التسلیم: {بأنی لست مشغول الذمة لک بشیء}، فلا یجبر علی أن یجیب بأنه ضارب أو سلم أو لا، لما قرر فی کتاب القضاء والشهادات من عدم الإجبار.

{ثم بعد الإثبات} بالبینة أو غیرها أنه سلمه المال {ادعی التلف، قبل منه} لأنه لم یظهر أنه یکذب فی دعواه عدم الاشتغال {لعدم المنافاة بین الإنکار من الأول وبین دعوی التلف} ثانیاً.

وبذلک ظهر أحکام الصور الأربع: لأن العامل إما یقول: لم أتسلم المال، وقد یقول: لست مشغول الذمة، وعلی کل حال، فقد تقوم البینة

ص:154

أنه تسلم المال، وقد تقوم أنه مشغول الذمة.

وبما ذکرناه یظهر وجه النظر فی إیراد المستمسک علی الماتن، فراجع کلامه.

ولذا سکت علیه کافة المعلقین الذین ظفرت بتعلیقاتهم، وهم فوق العشرة من الأعاظم.

ص:155

مسألة ٥٥ لو اختلفا فی صحة المضاربة

(مسألة 55): إذا اختلفا فی صحة المضاربة الواقعة بینهما وبطلانها، قدم قول مدعی الصحة.

(مسألة 55): {إذا اختلفا فی صحة المضاربة الواقعة بینهما وبطلانها} أو بطلان بعضها {قدم قول مدعی الصحة} سواء کان المدعی المالک أو العامل، لأصالة الصحة المستفادة من النص، والمشهورة فی الفتوی، وقد ذکر دلیله الجواهر والشیخ فی المکاسب وغیرهما فراجع.

ثم الظاهر عدم الفرق فی الاختلاف فی الصحة والفساد من جهة عدم البلوغ، أو عدم العقل، أو الحجر، أو فقد سائر الشروط، لإطلاق دلیل الصحة الوارد علی أصالة عدم الانعقاد الذی هو الأصل الأولی فی المعاملات.

ومنه یعلم جریان أصل الصحة فی البعض إذا ثبت بطلان البعض، کما إذا کان أحد المالکین أو العاملین أو النقدین، فیما کان مالکان لعامل واحد، أو عاملان لمالک واحد، أو نقدان متعلق المضاربة، غیر واجد الشرائط، فإنه لا یؤثر فی بطلان کل المضاربة، بل قد یکون الخیار من باب تبعض الصفقة، إلی غیر ذلک من الأحکام.

نعم قد تقدم فی بعض المسائل السابقة أنه إذا کان عقدان فی صیغة عقد، مثل نکاح الرجل زوجتین فی صیغة واحدة، لم یؤثر بطلان أحدهما فی خیار تبعض الصفقة بالنسبة إلی الآخر.

ص:156

مسألة ٥٦ لو ادعی أحدهما الفسخ

(مسألة 56): إذا ادعی أحدهما الفسخ فی الأثناء وأنکر الآخر قدم قول المنکر، وکل من یقدم قوله فی المسائل المذکورة لا بد له من الیمین.

(مسألة 56): {إذا ادعی أحدهما الفسخ فی الأثناء وأنکر الآخر قدم قول المنکر} لأصالة عدم الفسخ، ومثله ما إذا ادعی أحدهما الانفساخ، ولو ادعی أحدهما الفسخ فلا ینفع، للزوم المضاربة بشرط ونحوه، والآخر الانفساخ القهری، فاتفاقهما علی عدم وجود المضاربة الآن لا ینفع بعد أن کان الفسخ خلاف الشرط والانفساخ خلاف الأصل فتأمل.

{وکل من یقدم قوله فی المسائل المذکورة} لأنه یوافق الأصل {لا بد له من الیمین} لقاعدة «البینة علی المدعی والیمین علی من أنکر»، فإذا کان للمدعی البینة فهو، وإلا حلف المنکر، وإن لم یحلف ففی الحکم علیه أو ردّ الیمین علی المدعی قولان، ذکرنا تفصیله فی کتاب القضاء، فراجع.

ص:157

مسألة ٥٧ لو ادعی العامل الرد

(مسألة 57): إذا ادعی العامل الرد وأنکره المالک

(مسألة 57): {اذ ادعی العامل الرد وأنکره المالک} فالظاهر أن الأصل مع العامل، لإطلاق دلیل «لیس علی الأمین إلا الیمین» ککون الأصل معه فی التلف والخسارة وغیرهما.

وقول المستمسک: (إن عموم ما دل علی قبول قول الأمین یقتضی المنع عن العمل بالأصل، مندفعة بأنه لا عموم، لما دل علی قبول قول الأمین یشمل المقام، مما کان الفعل مشترکاً بینه وبین المالک، ولذا کان المشهور عدم القبول) انتهی.

غیر ظاهر الوجه، إذ من أین الفرق بین الفعل المشترک وغیر المشترک مع إطلاق الدلیل، إلا احتمال الانصراف وهو لو کان بدوی، ومن وجود الإطلاق فی المقام یظهر أنه لا حاجة إلی استدلال جامع المقاصد والمسالک بقبول قول العامل بأنه إذا لم یقبل قوله یلزم تخلیده فی السجن، لأنه إذا کان صادقاً امتنع أخذ المال منه، وإذا کان کاذباً فظاهر حاله أنه لا یکذب نفسه فیلزم تخلید حبسه، انتهی.

إذ فیه إنه لا یخلد السجن، بل یسجن حتی یظهر صدقه أو کذبه، فإن کان الأول أطلق، ولا محذور فی سجن البریء احتیاطاً، کما کان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) یسجن فی المشتبه کونه قاتلاً ستة أیام((1))، وکذا أفتی الفقهاء بالسجن للمشتبه، لأن الفقیه وضع لتنظیم أمور البلاد والعباد، وذلک یلازم سجن مثله، کما ذکرنا تفصیله فی کتاب الحدود والقضاء والشهادات، وإن کان ظهر کذبه أخذ من ماله

ص:158


1- الوسائل: ج18 ص181 من أبواب کیفیة الحکم ح3

قدم قول المالک

وأطلق، وإن لم یکن له مال أطلق بضمان، فإنه ﴿إِنْ کانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلی مَیْسَرَةٍ﴾((1)).

ومنه یعلم أن قول المصنف: {قدم قول المالک} لمطابقة قوله لأصالة عدم الرد، فیکون منکراً فإن أقام العامل البینة فهو، وإلاّ حلف المالک وکان الحکم له، غیر ظاهر الوجه، إذ الإطلاق لا یدع مجالاً للأصل، کما هو کذلک فیما إذا ادعی العامل التلف أو الخسارة أو ما أشبه.

ولنا أن نسأل عن المستمسک عن فرقه بین المتن وبین ما قاله أخیراً، حیث قال: (نعم إذا کان المالک قد أمره بالرد إلی موضع معین عند انتهاء المضاربة، فادعی العامل ذلک، لم یبعد القبول کغیره من الأعمال المتعلقة به بالنسبة إلی المال لاختصاص الفعل به حینئذ) انتهی.

وقد عرفت أن الفرق بین الاشتراک والاختصاص غیر فارق، نعم کافة المعلقین الذین ظفرت بتعلیقاتهم سکتوا علی المصنف، کالسادة ابن العم والبروجردی والجمال، وکأنهم ذهبوا إلی الانصراف المذکور، وهل یقولون بمثل ذلک فیما إذا ادعی المالک بعد أخذه المال أنه أخذه ناقصاً أو معیباً، أو أنه لم یکن ماله بل بدله أو ما أشبه ذلک.

ویؤید قبول قول العامل ما ورد من ادعاء الظئر أنه ولدهم وشکهم فی کونه ولدهم أو إنکاره لذلک، ولو کان احتاج العامل إلی البینة فی دعواه الرد، لملک کل مالک أن یدعی علیه عدم رده _ بعد أن رده علیه _ فیأخذ منه مرة ثانیة.

ص:159


1- سورة البقرة: الآیة 280

وکذا ملک کل وارث أن یدعی علی عمال مورثه ذلک، ولا مجال لسماع قوله إنه رد علی المالک، ولو مرت علی المعاملة أزمنة طویلة کعشرین سنة ونحوه.

ومن البعید جداً أن یقولوا بذلک هنا وفی أشباهه، کما إذا ادعی ورثة کل مستأجر علی مؤجر نفسه للمورث للعمل العین، کما إذا طلبت الورثة من الخیاط والنجار والحداد ونحوهم استرجاع ثیاب وأخشاب وحدائد مورثیهم، والعمدة إطلاق دلیل الأمین.

ص:160

مسألة ٥٨ لو اشت ا ره العامل لنفسه

(مسألة 58): لو ادعی العامل فی جنس اشتراه أنه اشتراه لنفسه، وادعی المالک أنه اشتراه للمضاربة، قدم قول العامل، وکذا لو ادعی أنه اشتراه للمضاربة وادعی المالک أنه اشتراه لنفسه لأنه أعرف بنیته

(مسألة 58): {لو ادعی العامل فی جنس اشتراه أنه اشتراه لنفسه، وادعی المالک أنه اشتراه للمضاربة، قدم قول العامل} بیمینه لأنه منکر، فیشمله «البینة علی المدعی والیمین علی من أنکر».

{وکذا لو ادعی} العامل {أنه اشتراه للمضاربة وادعی المالک أنه اشتراه لنفسه} أو ادعی أحدهما الاشتراک فی المشتری والآخر الاختصاص فیه، فإن القول قول العامل {لأنه أعرف بنیته} فیشمله دلیل ذی الید إطلاقاً أو مناطاً، وهذا الدلیل هو منشأ ما اشتهر بینهم من أن ما لا یعرف إلا من قبله یکون قوله حجة فیه، إذا لم یقم الطرف المدعی دلیلاً علی بطلان قوله، وربما یستدل لذلک أیضاً ببناء العقلاء مما لم یردعه الشارع.

{ولأنه أمین فیقبل قوله} إذ یشمله إطلاق «لیس علی الأمین إلا الیمین»، وربما یستدل لذلک بقاعدة «من ملک شیئاً ملک الإقرار به»((1))، لکن الظاهر أنها مستفادة من الأدلة السابقة فلا تکون دلیلا فی قبال تلک الأدلة.

ولو قال العامل: إنه اشتراه للمضاربة، ثم قال: بل لنفسه، أو بالعکس، وقال: إنه اشتبه فی کلامه الأول

ص:161


1- مفتاح الکرامة: ج9 ص225 کتاب الإقرار

ولأنه أمین فیقبل قوله، والظاهر أن الأمر کذلک لو علم أنه أدی الثمن من مال المضاربة، بأن ادعی أنه اشتراه فی الذمة لنفسه، ثم أدی الثمن من مال المضاربة، ولو کان عاصیا فی ذلک.

فإن کان فی أحد کلامیه ضرر علیه قبل، لقاعدة إقرار العقلاء، وإلا ففی قبول أیهما وجوه.

{والظاهر أن الأمر کذلک} فی تقدیم قول العامل {لو علم أنه أدی الثمن من مال المضاربة بأن ادعی أنه اشتراه فی الذمة لنفسه، ثم أدی الثمن من مال المضاربة} فإنه {ولو کان عاصیاً فی} التصرف فی مال الغیر بدون إذنه إلا أن {ذلک} لا یوجب سقوط قوله بعد کونه ذا ید وأعرف بنیته، ولذا قال السید البروجردی: لأن قبول قوله فی نفی اشترائه للمضاربة لیس لأجل أمانته فقط حتی ترتفع بخیانته التی أقر بها، بل هو موافق للأصل، مضافاً إلی أنه أعرف بنیته.

أقول: بل ربما لا یکون عصیاناً وخیانةً، کما إذا کان یزعم أن العبرة فی الأمانة أن یؤدی الإنسان مثل النقد إذا صار وقت بذله، لا أن الشرط إعطاء عینه، فاشتری لنفسه داراً لیسکنها وبذل مال المضاربة لأنه یرید التجارة بمال المضاربة فی اشتراء الحبوب، لأنه یراه أکثر ربحاً، وبعد لم یحن وقت الحبوب، فإنه لیس بخائن ولا عاص فی هذا الدفع من مال المضاربة.

ومنه یعلم وجه النظر فی إشکال ابن العم والحکیم، قال ثانیهما: (لا یخلو من إشکال، فإن قاعدة قبول قول من لا یعرف إلا من قبله لا تخلو من إشکال فی المقام

ص:162

لمخالفتها لظاهر الفعل، وکذلک قاعدة سماع قول الأمین، فإنه یختص بما إذا لم یکن ظاهر حجة علی خلافه کما فی المقام) انتهی.

وجهه أن ظاهر الفعل لا حجیة فیه مع خلاف القول، إذ حجیة ظاهر الفعل مستفادة من حمل فعل المسلم علی الصحة، ومن الواضح أن قوله مقدم علی فعله، فإذا قال الجزار: لم یذبحه ببسم الله، قدم قوله علی فعله، وکذا إذا قال أفطر لزعمه أن المسافر یفطر من بلده، أو أنه یفطر وإن نوی إقامة عشرة أیام، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

أما عدم سماع قول الخائن، فیرد علیه:

أولاً: إنه أخص، لما عرفت من إمکان أن لا یکون خائناً.

وثانیاً: ما عرفت من عدم التلازم بین الخیانة وبین عدم سماع قوله، لقاعدة ما لا یعرف إلا من قبله.

ومما تقدم یعرف الکلام فی خلاف المسألة التی عنونها الماتن، بأن اشتری شیئاً وأعطی ثمنه من مال نفسه ثم ادعی أنه اشتراه للمضاربة، وإعطاؤه الثمن من مال نفسه کان من جهة زعمه أنه ثمن المضاربة، أو لأنه أراد استدراکه من مال المضاربة أو نحو ذلک، فلأنه أمین یقبل قوله، ولأنه ما لا یعرف إلا من قبله.

ص:163

مسألة ٥٩ لو اختلفا فی المضاربة والقرض

(مسألة 59): لو ادعی المالک أنه أعطاه المال مضاربة، وادعی القابض أنه أعطاه قرضاً یتحالفان.

(مسألة 59): {لو ادعی المالک أنه أعطاه المال مضاربة، وادعی القابض أنه أعطاه قرضاً یتحالفان} لأن کل واحد منهما مدع ومنکر، کما علله بذلک جامع المقاصد، قال: (فإن العامل یدعی خروج المال عن ملک المالک، والمالک ینکره، والمالک یدعی استحقاق عمل العامل فی مقابل الحصة بالقراض والعامل ینکره).

أقول: هذا بالإضافة إلی أنه لا جامع بینهما یکون ما عداه خلاف الأصل، ولذا قال التحریر: هو أقرب، وقال: الإیضاح هو واضح.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول السید البروجردی قال: (وفیه وجه آخر أن القول قول المالک، لأن القابض مقر بعد الأجرة لعمله، وأنه عمل لنفسه، والمالک مقر بثبوت حصة من الربح للقابض، فینحصر النزاع فی غیر تلک الحصة، والعامل یدعیه بالإقراض المخالف للأصل فیحلف المالک علی نفیه ویحکم له به. وأما دعوی المالک للقراض فغیر ملزمة لا یتوجه بها حلف علی منکرها) انتهی.

وکأنه أخذه من القواعد حیث قال: أو ادعی المالک القراض والعامل القرض، فالقول قول المالک فیثبت له مع الیمین مدعاه من الحصة، واختاره فی التذکرة، لأن المال ملکه والأصل تبعیة الربح له فمدعی خلافه یحتاج إلی البینة.

وفیه أولاً: ما تقدم من أن الربح تبع لکلا المال والعمل، لا للمال فقط.

وثانیاً: إن الاعتبار بمصب النزاع لا الغرض المقصود، وقد سبق أن هذا هو بناء المشهور المستفاد من الأدلة، کما ذکرناه فی کتاب القضاء، کما یظهر

ص:164

فإن حلفا أو نکلا للقابض أکثر الأمرین من أجرة المثل والحصة من الربح

بما ذکرناه الإشکال فی تفصیل جامع المقاصد وتردید المستمسک، قال أولهما: (لو کان الاختلاف قبل حصول الربح لکان القول قول المالک مع یمینه قطعاً، لأن الأصل بقاء المال له، ولا معارض له هنا)، وقال ثانیهما: (إذا کان المعیار فی تشخیص المدعی والمنکر مصب الدعوی فلا ریب فی أن المقام من التداعی، لأن کلا منهما یدعی الأصل، وإذا کان المعیار الغرض المقصود من الدعوی فیختلف باختلاف الموارد)، إلی آخر کلامه.

إذ یرد علی الأول: أن لا أصل فی المقام، فإن المال قبل عقد القراض علیه غیر المال بعد عقد القراض، فلا تمامیة لأرکان الاستصحاب.

وعلی الثانی: ما تقدم من أن التشخیص بالمصب لا بالغرض المقصود.

وبذلک ظهر وجه الإشکال فی کلام السید الجمال، حیث جعل النزاع من باب المدعی والمنکر دون التداعی، لکن علی تفصیل فراجع تعلیقته.

وکأنه لما ذکرناه سکت جملة من الأساطین علی المتن، منهم السید ابن العم وغیره.

{فإن حلفا أو نکلا} فیما لیس لأحدهما بینة کما هو واضح {کان للقابض أکثر الأمرین من أجرة المثل والحصة من الربح} کما عن التحریر والإیضاح وجامع المقاصد وغیرهم، وعن القواعد بناءً علی التحالف، وعللوه بأنه إن کان الأکثر نصیبه من الربح فرب المال یعترف له به وهو یدعی کله، وإن کانت

ص:165

أجرة المثل أکثر، فالقول قوله بیمینه فی عمله، کما أن القول قول رب المال فی ماله فإذا حلف قبل قوله فی أنه ما عمل بهذا الشرط، وإنما عمل بعوض لم یسلم له، فیکون له أجرة المثل.

أقول: لا یخفی ما فی هذا التوجیه، إذ لا وجه لملاحظة أجرة المثل مطلقاً، فإن المالک یدعی أن الزائد علی الحصة له، والعامل یدعی أن کل الربح له، فهما متفقان علی أنه لا أجرة مثل للعامل، فمن أین جاءت أجرة المثل.

وعلیه فاللازم إعطاء العامل الحصة من الربح، حسب ما یدعیه المالک من القراض.

أما الزائد علی الحصة فهما یتنازعان فیه، المالک یقول: إنه له، والعامل یقول: إنه له، فمقتضی قاعدة العدل أن یقسم بینهما بالسویة، کما ذکرناه فی کتاب الخمس وغیره، فإذا کان الربح مائة، وقال المالک: إنه بیننا بالسویة، کان له خمس وعشرون، لأن المالک یسلم أن العامل له خمسون مضاربةً، ویکون النزاع فی الخمسین الآخر، ویقسم بینهما بالسویة، ولذا قال السید ابن العم: للقابض الحصة من الربح ویقسم الزائد بینهما، وقال بعض المعلقین: أما ما ذکره بعض آخر من الإقراع فی الزائد ففیه إنه خلاف ما ثبت فی المالیات من قاعدة العدل الحاکمة علی القرعة.

ومما تقدم یظهر وجه النظر فی کلام المستمسک حیث قال: (هما معاً یعترفان باستحقاق العامل الحصة، ویختلفان فی استحقاقه للزائد، فالعامل یدعی ذلک بدعوی کون المال له، والمالک ینکر ذلک، وحیث إن الأصل عدم خروج المال

ص:166

إلا إذا کانت الأجرة زائدة عن تمام الربح، فلیس له أخذها لاعترافه بعدم استحقاق أزید من الربح.

عن ملک المالک فقول العامل مخالف للأصل فیکون مدعیاً، وقول المالک موافق له فیکون منکراً، فإذا حلف المالک ثبت قوله وبطلت دعوی العامل) انتهی.

إذ فیه أولاً: عدم تمامیة أرکان الاستصحاب حتی یجری الأصل فی المقام.

وثانیاً: الملاحظ مصب الدعوی، لا الغرض المقصود منه أو أوله، فإذا حلفا أو نکلا سقط کلتا الدعویین، ورجع الأمر إلی الاختلاف فی الزائد من الحصة، فیقسم بینهما حسب العدل، والقول بأنه مقطوع عدم الصحة، لأنه إن کان قرضاً کان الزائد للعامل، وإن کان قراضاً کان للمالک، مدفوع بأن قاعدة العدل أصل فی مقام الجهل، کدرهمی الودعی وإرث الخنثی من الموارد المتعددة التی حکم بذلک الشارع.

ومما تقدم ظهر أنه لا مجال لقول المصنف: {إلا إذا کانت الأجرة زائدة عن تمام الربح فلیس له أخذها، لاعترافه بعدم استحقاقه أزید من الربح} إذ قد تقدم أنه لا موقع لذکر أجرة المثل.

ثم إن مما تقدم یظهر حال العکس، وهو ما لو ادعی المالک أنه أعطاه قرضاً، وقال العامل: بل قراضاً، ویکون ذلک فیما إذا تلف المال بدون تفریط، حیث علی القرض العامل ضامن، بخلاف ما إذا کان علی القراض، هذا وقد یکون الاختلاف حقیقةً لا لأجل التخلص من التبعة، بل لأجل أن کلا منهما یزعم ما یقوله حقاً.

ص:167

وعلی أی حال، فإذا لم یکن لأحدهما بینة کان من مورد التحالف، فإذا حلفا أو نکلا کان اللازم إجراء قاعدة العدل بإعطاء العامل للمالک النصف، لأنه إن کان قرضاً کان اللازم علیه إعطاء الکل، وإن کان قراضاً لم یلزم علیه شیء، لأن التلف بدون التفریط من کیس المالک.

نعم إذا کان الأمر بالتفریط لم یکن مورد للنزاع، إذ علی کل تقدیر یلزم علیه رد کل المال.

وإذا ربح المال وقال المالک: إنه قرض فلا حق لی فی الربح، وقال العامل: بل قراض فلک حق الربح، کانت الحصة التی یعطیها العامل معلقة، فیکون الآخذ لها الحاکم، وقد ذکرنا فی بعض المسائل السابقة أن الحکم مع إصرارهما علی الرفض التنصیف، لقاعدة العدل، وعلیه فلا وجه لقول المصنف.

ص:168

مسألة ٦٠ لو اختلفا فی القرض والمضاربة

(مسألة 60): إذا حصل تلف أو خسران فادعی المالک أنه أقرضه، وادعی العامل أنه ضاربه، قدم قول المالک مع الیمین.

(مسألة 60): {إذا حصل تلف أو خسران فادعی المالک أنه أقرضه} فلا تبعة علیه {وادعی العامل أنه ضاربه} فالتبعة علی المالک فیما لم یکن التلف والخسران بتفریط ونحوه {قدم قول المالک مع الیمین}، وسبقه إلی ذلک القواعد والتذکرة والتحریر کما حکی عنهم، وقد علله بعضهم بأن الأصل فی وضع الید علی مال الغیر ترتب وجوب الرد علیه، لعموم قوله (علیه السلام): «علی الید ما أخذت حتی تؤدی» ولأن العامل یدعی علی المالک کون ماله فی یده علی وجه لو تلف لم یجب بدله والمالک ینکر، فالأصل مع المالک، یشمله قوله (علیه السلام): «والیمین علی من أنکر»((1)).

وفیه: أن لا أصل فی وضع الید، لأن وضع الید علی قسمین، ید أمانة وغیرها، وعلی الید ناظر إلی الثانی لا الأول، بمقتضی الجمع بین «علی الید» وبین «لیس علی الأمین إلا الیمین».

أما تعلیله الثانی، ففیه إنه خلاف مصب الدعوی، وقد تقدم أن اللازم ملاحظة مصب الدعوی، وإلا فالأصل أیضاً براءة ذمة العامل، فالمالک مدع أیضاً إن قیل هذا الأصل زال بتحقق إثبات یده علی مال المالک المقتضی لکونه فی العهدة.

قلت: لیس کل إثبات ید علی مال أحد یقتضی کونه فی العهدة، لأنک قد عرفت أن إثبات الید علی قسمین.

ص:169


1- الوسائل: ج18 الباب 4 من کتاب القضاء ح1

أما جواب المستمسک عن الید، بأنه مختص بما إذا کان المال المأخوذ مال الغیر، وهو خلاف دعوی المالک، إذ فی القرض لا یکون المال مال الغیر، بل یکون مال نفسه، ولذا یکون ضمان المال بالقرض لا بالید، إلی آخره.

ففیه: إنا لو لم نقسم الید علی قسمین شمل الحدیث کل أقسام الید، فإن الشیء مصداق «ما أخذت»، فإن قیل: الأصل الضمان إلا ما خرج، کان اللازم لمدعی الخروج الإثبات.

وإن قیل: لا أصل، بل الید الضمانیة وغیر الضمانیة فی حد سواء کل یرید الإثبات، کان المقام من التداعی.

وإن قیل: الأصل عدم الضمان _ باعتبار براءة الأخذ _ إلا ما خرج، کان اللازم لمدعی الضمان الإثبات.

وقد اختلفوا فی مسألة اختلاف الراکب ومالک الدابة فی أنها عاریة فلا أجرة، أو إجارة فعلی الراکب أجرة، فذهب الشیخ وابن زهرة وأول الشهیدین والأردبیلی والخراسانی إلی قبول قول الراکب لأصالة البراءة، وذهب غیر واحد بل قیل إنهم الأکثر أو المشهور، بتقدیم قول مدعی الإجارة، وعلله الجواهر بأصالة احترام مال المسلم کدمه وعرضه مما لازمه الضمان إلا ما خرج، والمسألة سیالة.

ومما تقدم ظهر وجه النظر فی کلام السید البروجردی، حیث اختار تقدیم قول المالک مستدلا بأصالة الضمان فی الأموال التالفة عند غیر مالکها الثابتة بالنص والفتوی، ولولاها لکان القول قول العامل، لأصالة عدم الإقراض، وکون دعوی القراض غیر ملزمة.

وفی کلام ابن العم، حیث قال: لا یبعد تقدیم قول العامل.

وغالب المعلقین بین هذین القولین.

ص:170

نعم تأمل فیه بعضهم، وقد عرفت أن مقتضی القاعدة التحالف، لأنه مقتضی ملاحظة مصب الدعوی، کما هو کذلک فی أمثال هذه المنازعات، کما لو قال أحدهما: إنه رهن، وقال الآخر: بل إجارة. أو قال: إنه جعالة، وقال الآخر: إنه إجارة، إلی غیرهما کالإجارة والمزارعة أو المساقاة، إلی غیر ذلک، فإنه لا أصل بعد عدم موافقة الأصل لأحدهما فی المصب، وعدم النظر إلی أول الدعوی.

هذا کله مقتضی القاعدة الأولیة، وإن کان یظهر من غیر واحد من الروایات خلاف ذلک.

مثل صحیح إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن رجل استودع رجلاً ألف درهم، فضاعت فقال الرجل: کانت عندی ودیعة، وقال الآخر: إنما کانت لی علیک قرضاً، فقال (علیه السلام): «المال لازم له، إلا أن یقیم البینة أنها کانت ودیعة»((1)).

وصحیحة محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، أنه قال فی رجل رهن عند صاحبه رهناً فقال الذی عنده الرهن: ارتهنه عندی بکذا وکذا، وقال الآخر: إنما هو عندک ودیعة، فقال (علیه السلام): «البینة علی الذی عنده الرهن أنه بکذا وکذا، فإن لم یکن له بینة فعلی الذی له الرهن الیمین»((2)).

ص:171


1- الوسائل: ج13 ص232 الباب 7 من أبواب أحکام الودیعة ح1
2- الوسائل: ج13 ص136 الباب 16 من أبواب أحکام الرهن ح1

وعن عباد بن صهیب، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن متاع فی ید رجلین أحدهما یقول: استودعتکه، والآخر یقول: هو رهن، قال فقال: «القول قول الذی یقول هو إنه رهن، إلا أن یأتی الذی ادعی أنه أودعه بشهود»((1)).

إلی غیرها من الروایات.

وإن کان المستمسک قال بعد أن ذکر المصحح: إن استفادة الکلیة منه غیر ظاهرة، وتفصیل الکلام فی ذلک فی کتاب الرهن والودیعة وغیرهما.

ص:172


1- الوسائل: ج13 ص137 الباب 16 من أبواب أحکام الرهن ح3

مسألة ٦١ لو اختلفا فی الإبضاع والمضاربة

(مسألة 61): لو ادعی المالک الإبضاع، والعامل المضاربة، یتحالفان.

(مسألة 61): {لو ادعی المالک الإبضاع} فکل الربح للمالک {والعامل المضاربة} فلیس کل الربح للمالک {یتحالفان} کما عن التذکرة إنه أقرب، وعن الإیضاح إنه الأصح، وذلک لأنهما دعویان متعارضتان، فلا وجه لجعل أحدهما مدعیاً والآخر منکراً، بعد أن عرفت أن العبرة بمصب الدعوی، لا بمآله والغرض المقصود منه، خلافاً للقواعد، حیث قال: إن القول قول العامل، لأن عمله له فیکون قوله مقدماً فیه، وکأن مراده العمل له بعض الربح، کما أن للمال بعض الربح فلا وجه لتقدیم قول من یرید کل الربح.

ومنه یعلم عدم ورود إشکال المستمسک علیه، قال: التعلیل المذکور معارض بمثله بالنسبة إلی المالک، فإن المال للمالک فیکون قوله مقدماً فیه أیضاً.

ومما تقدم یظهر وجه النظر فی کلام السیدین البروجردی وابن العم، حیث قال الأول: (إن ادعی المالک الإبضاع بلا أجرة أو بأجرة المثل وهی أقل من الحصة المدعاة من الربح الحاصل لا مباینة لها، وأما مع تساویهما أو کون الأجرة أکثر فالظاهر عدم توجه الحلف إلیهما، بل یحکم له بالحصة أخذاً بإقرارهما).

وقال الثانی: (الظاهر تقدیم قول المالک بیمینه).

وجه النظر أن الملاحظ فی الدعوی المصب لا الغرض، وکلام الأول مبنی علی ملاحظة الغرض، وکلام الثانی ناظر

ص:173

ومع الحلف أو النکول منهما یستحق العامل أقل الأمرین من الأجرة والحصة من الربح

إلی کون الأصل أن الربح تابع للمال فالعامل المدعی خلاف ذلک یحتاج إلی البینة، وقد سبق عدم تمامیة ذلک وأن الربح تابع للمال والعمل معاً، فاللازم ملاحظة مصب الدعوی والتحالف، وعلیه فلا فرق بین کون مدعی الإبضاع یدعیه بأجرة کما یظهر من کلام المصنف أخیراً، أو بلا أجرة، کما هو الإبضاع المصطلح علیه عند المشهور، فإن نتیجة الدعوی الاستحقاق وعدمه أو مقدار الاستحقاق.

أما الدعوی فلیست فی ذلک، کما لو ادعی أحدهما الدوام والآخر المتعة، حیث یختلف وجوب النفقة وعدمها، أو قالت: کان زنا بإکراه فالمهر، وقال: بل بدون إکراه فلا مهر، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

{ومع الحلف أو النکون منهما} حیث لا بینة {یستحق العامل أقل الأمرین من الأجرة والحصة من الربح} کما قال بذلک العلامة وغیره علی تقدیر القول بالتحالف فی الإبضاع الذی یکون مع الأجرة، أما الإبضاع بلا أجرة علی ما یدعیه المالک، فالنزاع فی أصل استحقاق العامل.

وذلک لأن الحصة لو کانت أقل لم یدع العامل أکثر منها، وهو یعترف بأنه لا یحق له أکثر من الحصة، وإن کانت الأجرة أقل فالعامل وإن کان یدعی الأکثر منها، إلا أنه لا دلیل له علی أکثریة استحقاقه، والمالک إنما یسلم بالأجرة، فلا ملزم للمالک بإعطائه أکثر من الأجرة.

أما التعلیل للأجرة بأنها إن کانت أقل من الحصة، فلأن الحصة قد انتفت

ص:174

بیمین المالک، ففیه إنه أخص من المدعی، لأن المدعی أن للعامل أقل الأمرین فی صورتی التحالف والنکول، وهذا التعلیل إنما یناسب صورة التحالف لا صورة النکول.

ومنه یعلم أن قول السید الجمال: إن المسألة مشکلة وذات وجوه، محل نظر.

هذا إن کان علی تقدیر البضاعة أجرة المثل، أما إذا لم تکن أجرة، فهل یقدم قول المالک، کما ذکره غیر واحد من المعلقین، لأصالة عدم شیء للعامل، حیث إن ادعاءه المضاربة إذا لم یکن له بینة یقابل بأصالة العدم فی طرف المالک فیحلف المالک وینتهی النزاع ولا شیء للعامل، أو أن المقام من التحالف أیضاً لأن مصب الدعوی هو المعتبر، وربما لا یرید العامل بدعواه المضاربة الحصة وإنما یرید مطلباً آخر، مثل کونه مشتغلاً بخدمة الناس مثلاً، احتمالان، وإن کان الظاهر الثانی، لما تقدم من أن العبرة بمصب الدعوی، والبضاعة والمضاربة عنوانان کالإجارة والودیعة والرهن والعاریة.

ومنه یعلم أن ما فی بعض الحواشی من ضعف احتمال التحالف لعدم جریان أصالة عدم البضاعة ضعیف، حتی فی صورة عدم شیء للعامل فی البضاعة، فکیف بصورة الأجرة له.

وقول آخر لا أثر لنفی الإبضاع، وإنما الإثر لنفی القراض، فیقدم قول المالک مع یمینه، محل إشکال، لما عرفت من الأثر حتی فی صورة الإبضاع مجاناً.

وربما توهم أنه لا شیء للعامل، لأن الحصة سقطت بیمین المالک، والأجرة سقطت بإنکار العامل لها.

وفیه: إن کلیهما یتفقان علی شیء للعامل من الربح أو خارجه، وإنما الساقط

ص:175

الخصوصیة، فهو کاتفاقهما علی أن المقرض یطلب من المقترض دیناراً أو درهماً، فاللازم براءة الذمة وإن اختلفا فی أنه دینار أو درهم، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

نعم إذا لم یکن الجامع فی المرافعات، لم یمکن العلاج بعد نفی الخصوصیتین، کما إذا ادعی أنه زوجه بنته فاطمة، وادعی الأب تزویجه بخدیجة، فإنه لا یمکنه أخذ إحداهما، وإن علم زوجیة إحداهما له فی الجملة.

نعم لا یقدر هو أن یأخذ الخامسة والأم وما أشبه، کما لا یقدر الأب تزویج فاطمة.

ومثله الکلام فی القتل المردد حیث لا یمکن القصاص من أحد المشتبهین بأنه قاتل، وإن أمکن توزیع الدیة علیهما لقاعدة العدل، علی ما ذکرناه فی کتاب القصاص وغیره.

ثم إن کانت الأجرة مباینة للحصة، کما إذا کانت الأجرة باعتراف المالک شاةً، والحصة التی یدعیها العامل دیناراً، کان اللازم أقل الأمرین منهما، أو أقل الأمرین من القیمة السائدة بینهما مما یسمی بالروح الاقتصادی الساری فی الأجناس المختلفة فی علم الاقتصاد، احتمالان:

من أن أحدهما أقرب، فإن کانت الشاة أقل من الدینار أعطاه شاة، لأن أحدهما یقول بها، وإن کان الدینار أقل أعطاه دیناراً، لأن أحدهما یقول به.

ومن أن الأقربیة لا تنفع بعد إنکار الآخر، بخلاف الروح السائد بین الشاة والدینار، فإنهما یتفقان علی ذلک الروح السائد بین کلیهما.

وهذا فیما إذا لم تکن الأجرة والحصة متحدتین جنساً، وإلا فلا مجال لهذا الکلام.

ص:176

ولو لم یحصل ربح فادعی المالک المضاربة لدفع الأجرة وادعی العامل الإبضاع، استحق العامل بعد التحالف أجرة المثل لعمله.

{ولو لم یحصل ربح فادعی المالک المضاربة لدفع الأجرة} أی التخلص منها، وقوله (لدفع) من باب لام العاقبة، مثل ﴿لِیَکونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً﴾((1))، وإلا فقد یکون النزاع لزعم کل منهما أنه الواقع حقیقة، کما تقدم.

{وادعی العامل الإبضاع} بأجرة، فقد تقدم أن الإبضاع قسمان، فقد یکون تبرعاً وقد یکون بأجرة، {استحق العامل بعد التحالف} منهما أو النکول منهما حیث لا بینة، {أجرة المثل لعمله} وذلک لما تقدم من أن المناط مصب الدعوی لا أَوْله والغرض منه.

ومنه یعلم أن قول السادة ابن العم والبروجردی والحکیم بأن المسألة من باب المدعی والمنکر، وإذ لا بینة للمالک یحلف العامل غیر ظاهر الوجه.

قال فی المستمسک: (لا یخفی أن دعوی المالک المضاربة إذا کان یقصد بها دفع الأجرة عن نفسه، فیکون العمل بلا عوض، کان حینئذ مدعیاً، لمخالفة قوله لأصالة ضمان عمل العامل، وکان العامل المدعی للأجرة منکراً لموافقة قوله للأصل المذکور، فإذا لم یقم المالک البینة علی المضاربة حلف العامل وثبتت له الأجرة، فالمقام من باب المدعی والمنکر) انتهی.

ومنه یعلم وجه النظر فی جملة أخری من التعلیقات، فراجع کلامهم.

ص:177


1- سورة القصص: الآیة 8

مسألة ٦٢ لو اختلفا فی مقدار نصب العامل

(مسألة 62): إذا علم مقدار رأس المال ومقدار حصة العامل، واختلفا فی مقدار الربح الحاصل، فالقول قول العامل، کما أنهما لو اختلفا فی حصوله وعدمه کان القول قوله، ولو علم مقدار المال الموجود فعلاً بید العامل واختلفا فی مقدار نصیب العامل منه

(مسألة 62): {إذا علم مقدار رأس المال} کمائة مثلاً {ومقدار حصة العامل} کنصف الربح مثلاً {واختلفا فی مقدار الربح الحاصل} هل هو عشرون حتی یکون للمالک عشرة، أو عشرة حتی یکون له خمسة {فالقول قول العامل} لأنه أمین، کما فی النص والفتوی مما إطلاقه یشمل المقام.

{کما أنهما لو اختلفا فی حصوله وعدمه، کان القول قوله} بعدم حصول الربح لأنه أمین، أما إذا قال المالک: لم یحصل الربح إما اعتقاداً أو لمصلحة، حیث إن الدولة تأخذ ضریبة زائدة من کل ما له الربح، وقال العامل: بل حصل الربح، فهل یقدم قول العامل لأنه أمین، أو المالک لأصالة عدم الربح، ومعنی کون المالک أمیناً فی الضرر ونحوه لا فی الربح، لأن الضرر ونحوه منصرف أدلة أمانته، وحیث لا یکون مجال لدلیل أمانة العامل کان أصل عدم الربح محکماً، فیکون القول للمالک، احتمالان، لا یبعد الثانی، ویکون اللازم علی العامل إیصال حصة المالک من الربح _ علی ما یقوله _ إلیه، فإن لم یقبل أعطاه الحاکم، لأنه ولی الممتنع، ولیس للعامل أخذه لنفسه، لأن المالک لم یعرض عنه، وإنما یدعی أنه لیس له، وفرق بین الأمرین.

{ولو علم مقدار المال الموجود فعلاً بید العامل} کمائة وأربعة وعشرین مثلاً {واختلفا فی مقدار نصیب العامل منه} فقال المالک: إنه ثمانیة، وقال العامل: بل اثنی عشر

ص:178

فإن کان من جهة الاختلاف فی الحصة أنها نصف أو ثلث، فالقول قول المالک قطعاً، وإن کان من جهة الاختلاف فی مقدار رأس المال فالقول قوله أیضاً، لأن المفروض أن تمام هذا الموجود من مال المضاربة أصلاً وربحاً

{فإن کان من جهة الاختلاف فی الحصة} المقررة للعامل {أنها نصف} فاثنی عشر {أو ثلث} فثمانیة، لفرض توافقهما أن الربح أربعة وعشرین لأن أصل المال مائة {فالقول قول المالک قطعاً} لأصالة عدم کون الأربعة المختلف فیها للعامل بعد بنائهم علی أن الربح تابع للمال إلا بقدر أخرجاه منه للعامل.

لکن قد تقدم الإشکال فی المبنی، وأن مقتضی القاعدة کون الربح ولیداً للعمل والمال معاً بنسبة عقلائیة، وعلیه فإن کانت النسبة العقلائیة مع العامل _ أی النصف فی المثال _ کان الأصل معه، لأن المدعی من یخالف قوله الأصل، وعلیه فإن لم یکن للمالک بینة حلف العامل وکان له ما یدعیه، وإن شئت قلت: المالک یدعی زیادة علی حقه مما هو من حق العامل بطبعه فعلیه البینة، فإن لم تکن بینة أخذه العامل بحلفه.

{وإن کان من جهة الاختلاف فی مقدار رأس المال} فالعامل یدعی أن المائة والعشرة الحاضرة عشرون منه ربح فلی عشرة، لأن رأس المال کان تسعیناً، والمالک یقول: بل رأس المال مائة فلک خمسة.

{ف_} المصنف یری أن {القول قوله} قول المالک {أیضاً، لأن المفروض أن تمام هذا الموجود من مال المضاربة أصلاً وربحاً} لأن عندهم ربح المال

ص:179

ومقتضی الأصل کونه بتمامه للمالک إلا ما علم جعله للعامل، وأصالة عدم دفع أزید من مقدار کذا إلی العامل لا تثبت کون البقیة ربحاً، مع أنها معارضة بأصالة عدم حصول الربح أزید من مقدار کذا، فیبقی کون الربح تابعاً للأصل إلا ما خرج.

کله للمالک، وإنما یخرج شیء منه من کیس المالک إلی العامل حسب عقد المضاربة.

{ومقتضی الأصل کونه بتمامه للمالک إلا ما علم جعله للعامل} أی ما جعل، وذکر العلم من باب الطریقیة.

{و} إن قلت: الأصل أن المالک لم یدفع أزید من التسعین إلی العامل، وعلیه فالتفاوت بین التسعین وبین المائة وعشرة ربح للعامل نصفه، وهو عشرة.

قلت: {أصالة عدم دفع أزید من مقدار کذا} مثل التسعین فی المثال {إلی العامل لا تثبت کون البقیة} العشرین {ربحاً} لأنه من اللوازم العقلیة، ومثلها لا تثبت بالاستصحاب حیث إن بناء المحققین عدم حجیة الأصل المثبت.

{مع أنها معارضة بأصالة عدم حصول الربح أزید من مقدار کذا} کالعشرة حسب ادعاء المالک، فیتساقط الأصلان، وحیث إن الربح للمالک إلا بمقدار علم خروجه، لم یکن للعامل إلا خمسة، فی المثال.

وإلیه أشار بقوله: {فیبقی کون الربح تابعاً للأصل إلا ما خرج} وکان الأولی أن یقول المصنف: الأصل المثبت إن کان حجة تعارض الأصلان، إذ الأصل الثانی أیضاً مثبت، لما ذکره المستمسک من أنه لا یثبت کون الربح الموجود

ص:180

للمالک إلا بناءً علی الأصل المثبت، وإن لم یکن الأصل المثبت حجة لم یجر أصل عدم دفع مقدار کذا إلی العامل.

هذا تمام الکلام فی قول المصنف التابع للمشهور فی کون الربح تابعاً للمال، لکنک قد عرفت أن القاعدة تقتضی کون الربح تابعاً لهما بالنسبة العرفیة، فلا أصل یقتضی کون کل الربح للمالک إلا ما علم خروجه للعامل.

وعلیه فمقتضی القاعدة أن یکون القول قول العامل بیمینه فی أن الأصل کان تسعیناً والربح عشرین فی المثال، أی فی رأس مال أقل وربح أکثر، لأنه أمین، وقد تقدم أنهما لو اختلفا فی قدر رأس المال أو فی قدر الربح کان القول قول العامل.

ومما تقدم ظهر الکلام فی کل أقسام المسألة وهی ثمانیة، لأن مقدار رأس المال إما متفق علیه، أو مختلف فیه.

وعلی کل حال فمقدار حصة العامل إما متفق علیه، أو مختلف فیه.

وعلی کل حال فمقدار الربح إما متفق علیه، أو مختلف فیه.

ویضاف إلی ذلک صور جهلهما أو جهل أحدهما بأحد الأمور الثلاثة من الأصل والربح والحصة.

ص:181

ص:182

مسائل

لو کان عنده مال المضاربة فمات

مسائل

الأولی: إذا کان عنده مال المضاربة فمات، فإن علم بعینه فلا إشکال، وإلا فإن علم بوجوده فی الترکة الموجودة من غیر تعیین فکذلک

مسائل

{الأولی: إذا کان عنده مال المضاربة فمات، فإن علم بعینه فلا إشکال}، وفی الجواهر: ولا خلاف، فی أن اللازم إعطاؤه إلی مالکه، فإن کان فی ضمنه الربح أخذ الورثة مقدار حق مورّثهم ودفعوا الباقی إلی المالک، أی إنهما شریکان یلزم الإفراز برضی الطرفین، کما فی سائر الأموال المشترکة، ولا یخفی أن البینة فی تعیینه قائمة مقام العلم، فمراد المصنف بالعلم أعم من الوجدانی، فیشمل التنزیلی، ومثلهما الإقرار من المالک أیضاً، إلی غیر ذلک.

{وإلا فإن علم بوجوده فی الترکة الموجودة من غیر تعیین فکذلک} لا إشکال فی حق المالک، وله أقسام ثلاثة:

لأنه إما علی نحو الشرکة، کما إذا کان المیت یطلب مائة دینار من زید، نصفه للمالک ونصفه لنفسه فتقاضاها، فإن المائة المعطاة تکون علی نحو الشرکة.

ص:183

ویکون المالک شریکاً مع الورثة بالنسبة

وإما علی نحو الخلط، بأن کان له خمسون دیناراً وأخذ خمسین دیناراًَ ثمن ما باعه من مال المضاربة، حیث اختلطا عنده، فإن کل دینار إما له وإما للمالک، إذا لم نقل بحصول الشرکة القهریة بعد خلطهما، کما قیل بذلک فی دراهم الودعیین.

وإما علی نحو الکلی فی المعین، کما إذا اشتری من مال المضاربة لنفسه علی نحو الکلی فی المعین، أو اشتری من مال نفسه لأجل المضاربة علی نحو الکلی فی المعین.

{و} علی الأول: {یکون المالک شریکاً مع الورثة بالنسبة}، فیقسم بینهم علی نسبة أموالهم، کما فی قسمة غیرهم من الشرکاء، کما ذکره الجواهر مفسراً به عبارة الشرائع، وفی الحدائق نسب هذا إلی الأصحاب.

وإذا تلف شیء بدون تعد وتفریط کان من الجمیع بالنسبة، فإذا تلف دینار کان الذاهب من کل من الورثة والمالک النصف إذا فرض أن لکل منهما خمسیناً، وهکذا یذهب من أحدهما الثلث أو الربع إذا کان له ثلث أو ربع.

وعلی الثانی: فالمحکم فی المقام قاعدة العدل، إذ هذا الدینار الذاهب قد ذهب من أحدهما، وحیث لا وجه لترجیح أحدهما کان اللازم التنصیف، وکذا إذا کان مال المیت منحازاً عن مال المضاربة، مثلاً فی صندوق دنانیر المضاربة وفی صندوق دنانیر نفسه، ولم یعلم المالک والورثة أن الصندوق الذی سرق کان لأیهما، فإن قاعدة العدل تقتضی تقسیم البقیة، وکذا إذا کان من جنسین مثلاً کان للمالک أثواب وللمیت أخشاب ولم یعلم أیهما لأیهما، فاحترقت أحدهما، فإن الثانیة

ص:184

تقسم بینهما، وقد ذکرنا قاعدة العدل فی کتاب الخمس والدیات والقضاء وغیرها.

ومن ذلک یظهر أن إشکال المستمسک علیهم غیر وارد، قال: (ویظهر من الجمیع أن الاشتباه فی المقام یقتضی الاشتراک حتی مع عدم الامتزاج، وهو غیر ظاهر بل یشکل حتی مع العلم بالامتزاج فی المثلیات، مثل وضع ثوب فی أثواب، فإنه لا یوجب الاشتراک إذا عرف بعینه، وکذا إذا اشتبه بغیره فإنه لا دلیل علی هذا الاشتراک) انتهی.

فإن فیه ما دل علی قاعدة العدل المستفادة من النص، ودونها لا علاج إلا بالقرعة، وقاعدة العدل حاکمة علیها، ولعل إطلاق خبر السکونی شامل للمقام.

فقد روی عن جعفر، عن آبائه، عن علی (علیهم السلام)، أنه کان یقول: «من یموت وعنده مال المضاربة، قال (علیه السلام): إن سماه بعینه قبل موته، فقال: هذا لفلان، فهو له، وإن مات ولم یذکر فهو أسوة الغرماء»((1)).

وعلی الثالث: فهل یحشر المالک مع سائر الغرماء فی الضرب بالحصص، لإطلاق الأدلة والتی منها خبر السکونی المذکور، أو أن المالک الذی له الکلی

ص:185


1- الوسائل: ج13 ص191 الباب 13 من أبواب أحکام المضاربة ح1

ویقدم علی الغرماء إن کان المیت مدیوناً، لوجود عین ماله فی الترکة، وإن علم بعدم وجوده فی ترکته ولا فی یده ولم یعلم أنه تلف بتفریط أو بغیره أو رده علی المالک فالظاهر عدم ضمانه

فی المعین یعطی حقه کاملاً، کما إذا کان المیت حیاً واحترق کل أطنان قصبه ما عدا ما اشتراه المشتری بنحو الکلی فی المعین، احتمالان، وإن کان الأقرب الضرب مع الغرماء، لأنه لا وجه لاستصحاب حال حیاة المیت بعد تغیر الموضوع عرفاً، فهنا مال تعلق به حق المالک المضاربی وسائر الغرماء، فلا دلیل علی تفضیل بعضهم علی بعض، والمسألة بعدُ بحاجة إلی التأمل.

ومنه یعرف وجه التأمل فی إطلاق قوله: {ویقدم علی الغرماء إن کان المیت مدیوناً، لوجود عین ماله فی الترکة} إذ فرق بین عین المال وبین الکلی فی المعین، فإنه لیس عیناً بحیث یعلم بشمول دلیل تقدیم من له العین علی سائر الدیان لمثل الکلی فی المعین.

ثم إنه إذا مات وعنده مال المضاربة ولم یعلم أنه فی ضمن الترکة، بل احتمل ذلک واحتمل خلافه، بأن احتمل أنه فی الذمة، أو فی مکان آخر مدفون أو نحو ذلک، فالظاهر أنه یضرب مع الغرماء لإطلاق أدلته، ولأنه مقتضی قاعدة العدل بعد الجهل بالواقع.

{وإن علم بعدم وجوده فی ترکته ولا فی یده، ولم یعلم أنه تلف بتفریط} حتی یکون ضامناً ویضرب مع الغرماء {أو بغیره، أو ردّه علی المالک} أو وهبه المال إیاه أو ما أشبه مما لا حق لمالک {فالظاهر} أنه یضرب مع الغرماء إذا کان ماله أقل من دیونهم، ویأخذه المالک کاملاً إن لم یکن کذلک لعموم «علی الید»،

ص:186

وکون جمیع ترکته للورثة، وإن کان لا یخلو عن إشکال بمقتضی بعض الوجوه الآتیة، وأما إذا علم ببقائه فی یده إلی ما بعد الموت:

1: ولم یعلم أنه موجود فی ترکته الموجودة أو لا، بأن کان مدفوناً فی مکان غیر معلوم، أو عند شخص آخر أمانة، أو نحو ذلک

فإنه یدل علی لزوم الأداء إلا إذا علم المخرِج، وفی المقام لا علم بالمخرِج، فهو کما إذا کان زید یطلب من عمرو، واحتملنا أنه وهبه أو ما أشبه ذلک، فإن مقتضی القاعدة إعطاؤه إلا إذا ثبت الخلاف.

ولذا قال المستمسک: (إنه مقتضی عموم «علی الید»، إذ لا یعتبر فیه أن یکون حال الموت، ضرورة صدقه مع کون الید فی بعض آنات الحیاة، وعلی هذا کان اللازم علی المصنف القول بالضمان فیه کما فی الصور الآتیة) انتهی.

ومنه یعلم أن سکوت المعلقین علی قول المصنف ظاهر {عدم ضمانه، وکون جمیع ترکته للورثة} غیر وجیه، وإن قال: {وإن کان لا یخلو عن إشکال، بمقتضی بعض الوجوه الآتیة} وبناء السیرة علی الضمان أیضاً فی المقام وسائر أمثاله.

{وأما إذا علم ببقائه فی یده إلی ما بعد الموت}:

{1: ولم یعلم أنه موجود فی ترکته الموجودة} فی أیدی الورثة مثلاً {أو لا، بأن} احتمل أنه حین موته {کان مدفوناً فی مکان غیر معلوم، أو عند شخص آخر أمانة، أو نحو ذلک} بأن وضعه فی مکان ما من أملاکه الکثیرة، والنتیجة أنه کان تحت ید المیت، وإن لم یکن فی ضمن ترکته.

ص:187

2: أو علم بعدم وجوده فی ترکته مع العلم ببقائه فی یده، بحیث لو کان حیاً أمکنه الإیصال إلی المالک.

3: أو شک فی بقائه فی یده وعدمه أیضاً.

ففی ضمانه فی هذه الصور الثلاث وعدمه خلاف وإشکال علی اختلاف مراتبه، وکلمات العلماء فی المقام وأمثاله کالرهن والودیعة ونحوهما مختلفة، والأقوی الضمان فی

{2: أو علم بعدم وجوده فی ترکته مع العلم ببقائه فی یده} بخلاف الصورة الأولی حیث لا یعلم بأنه موجود فی الترکة أم لا، فإنه إن علم ببقائه فی یده یکون علی صورتین، لأنه إما لا یعلم بوجوده فی الترکة، وإما یعلم بعدم وجوده فی الترکة، {بحیث لو کان حیاً أمکنه الإیصال إلی المالک}.

{3: أو شک فی بقائه فی یده وعدمه أیضاً} عطف علی إذا علم ببقائه فی یده، وهی الصورة الثالثة.

{ففی ضمانه فی هذه الصور الثلاث} مطلقاً {وعدمه} مطلقاً، والتفصیل کما یأتی، {خلاف وإشکال}، لکن الإشکال لیس فی کل الصور علی حد سواء من القوة، بل {علی اختلاف مراتبه} فإن مرتبة الإشکال فی بعض الصور قویة، وفی بعض الصور ضعیفة.

{وکلمات العلماء فی المقام وأمثاله کالرهن والودیعة ونحوهما} کالإجارة والعاریة {مختلفة} کما لا یخفی علی من راجع الشرائع والقواعد وشروحهما فی الکتب المذکورة.

{والأقوی الضمان فی} کل الصور الثلاث.

ص:188

الصورتین الأولیین، لعموم قوله (علیه السلام): «علی الید ما أخذت حتی تؤدی» حیث إن الأظهر شموله للأمانات أیضاً

أما فی {الصورتین الأولیین} علی ببقائه فی یده ولم یعلم أنه موجود فی ترکته، أو علم بعدم وجوده فی ترکته، ف_ {لعموم قوله (علیه السلام)} المروی فی مستدرک الوسائل، باب الغصب، رواه عن أبی الفتوح والغوالی، المجمع علی العمل به فی مختلف الأبواب حتی أنه الأصل والخارج یحتاج إلی الدلیل: {«علی الید ما أخذت حتی تؤدیه»}((1))، حیث إن المراد بالید الاستیلاء، وإن لم یکن أخذاً بالید، علی ما هو المتفاهم عرفاً من أن المراد بالید المثال لا الجارحة. وبالأداء الإرجاع إلی استیلاء المالک ولو کان بصرفه فیما أمر المالک، کما لو قال: أعطه للفقیر أو ألقه فی البحر فی مثل السفینة المشرفة علی الغرق، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

{حیث إن الأظهر شموله للأمانات أیضاً} مالکیةً کانت أو شرعیة، کشموله للید العدوانیة، لأن الشمول هو مقتضی الإطلاق، فاحتمال عدم الشمول لعدم الإطلاق، أو للانصراف بعد تسلیم الإطلاق، غیر ظاهر الوجه، إذ لا وجه لاحتمال عدم الإطلاق، أما احتمال الانصراف فسیأتی وجهه مع جوابه.

بل یشمله أیضاً قوله (علیه السلام): «لا یتوی حق امرئ مسلم» فإنه کان حقاً له یحتاج خروجه عن حقه إلی دلیل.

ص:189


1- المستدرک: ج2 ص504

ودعوی خروجها لأن المفروض عدم الضمان فیها مدفوعة، بأن غایة ما یکون خروج بعض الصور منها، کما إذا تلفت بلا تفریط، أو ادعی تلفها کذلک إذا حلف

وکذلک قول علی (علیه السلام) کما فی غصب المستدرک، عن الدعائم: «لا یجوز أخذ مال المسلم بغیر طیب نفس منه»((1)).

ومثله ما فی الکتاب المذکور، عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «المسلم أخو المسلم، لا یحل ماله إلا عن طیب نفس منه»((2)).

إلی غیر ذلک من أمثال هذه الروایات الشاملة لکل أقسام أخذ أموال الناس إلا ما خرج.

{ودعوی خروجها لأن المفروض عدم الضمان فیها مدفوعة، بأن غایة ما یکون} من الخروج {خروج بعض الصور منها، کما إذا تلفت بلا} تعدّ أو {تفریط} حیث إن الشارع حکم بعدم الضمان حینئذ {أو ادعی تلفها کذلک} ولم یکن للمالک بینة علی خلافه {إذا حلف} الأمین، لأن الشارع جعل علیه الیمین فقط، والفرق بینهما أن الأول مقام الثبوت، والثانی مقام الإثبات.

وقول المستمسک فی رد ادعاء المصنف (إطلاق علی الید): بأنه (لا بد أن یکون المراد بالید فی الروایة الید المبنیة علی الرد، فلا یشمل الید المبنیة علی الإبقاء وترک الأداء فلا یشمل ید الأمین المفروضة فی المقام، ویتعین الرجوع إلی أصالة

ص:190


1- المستدرک: ج3 ص146
2- المستدرک: ج3 ص146

البراءة، ولو کان خروج الأمانات من باب التخصیص لزم تخصیص الأکثر، فإن المتعارف فی الید هو ید الأمین کالمرتهن والمستعیر والمستودع والأجیر علی العمل فی العین والمستأجر للعین لاستیفاء منافعهما، والملتقط والوصی والولی والشریک وعامل المضاربة والعامل فی الزراعة والمساقاة والجعالة، إلی غیر ذلک) انتهی.

غیر ظاهر الوجه، إذ کل من ذکره لا بد لهم من الرد إلا إذا تلف من غیر تفریط، فمن أین یلزم تخصیص الأکثر، وقد جعل الفقهاء فی مختلف کلماتهم الروایة أصلاً حتی إذا أرادوا الإخراج منها ذکروا للاستثناء دلیلاً، وهذا دلیل فهمهم الإطلاق، فالأمانات لیست خارجة، بل کلها داخلة، وإنما الخارج ما تلف بدون تعدّ، کما یستفاد من «لیس علی الأمین إلا الیمین».

ومنه یعلم وجه النظر فی تعلیقات السادة ابن العم والجمال والبروجردی:

قال الأول: (الأقوی عدم الضمان فی الصورة الثانیة ووجوب التخلص فی الصورة الأولی).

وقال الثانی: (الظاهر خروج الأمانات تخصیصاً أو تخصصاً عن عمومه).

وقال الثالث: (الأقوی عدم الضمان فی الصورة الثانیة).

وأما الصورة الأولی: فالظاهر فیها عدم جواز تصرف الورثة فیما بأیدیهم حتی یتخلصوا منه لضمان المیت وتعلقه بالترکة حتی یکون أسوة الغرماء کما أفاد، بل لازم العلم الإجمالی بکون ما کان فی یده إلی موته مال الغیر أسقط اعتبارها فی جمیع أطرافه بالنسبة إلی القدر المعلوم، فعلی هذا یکون المضارب مقدماً علی الغرماء لا أسوة لهم، انتهی.

ص:191

وذهب جمع آخر من المعلقین إلی عدم الضمان فی الصورتین، لأنه من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة، بعد الاعتراف من المصنف بخروج بعض الصور مع احتمال کون محل النزاع منه.

إذ یرد علی الأول: بأن العلم ببقائه فی یده إلی ما بعد الموت _ أی الصورة الأولی من الصور الثلاث _ یکفی فی شمول «علی الید» له.

واستظهار السید الجمال اختصاص الضمان بما إذا کان مفرطاً فی ترک الوصیة به، وإلا فالأقوی عدمه، انتهی.

فیه: إنه إذا لم یفرط فی ترک الوصیة، فما الذی یخرج المقام عن دلیل الید.

وعلی الثانی: إنه لا وجه لخروج الأمانات، لما عرفت فی جواب المستمسک، فإن الإطلاق شامل لها، وإنما الخارج صورة ما علم عدم التفریط والتعدی.

وعلی الثالث: إنه لم یعلم وجه قوة عدم الضمان فی الصورة الثانیة مع شمول «علی الید» له.

وأما جعله (رحمه الله) الصورة الأولی من باب العلم الإجمالی، ففیه: إنه أن تم ما ذکره فی الصورة الثانیة لم ینفع العلم الإجمالی بعد أن کان أحد طرفی العلم الإجمالی خارجاً عن محل ابتلاء الورثة مما یوجب إجراء البراءة بالنسبة إلی الطرف الذی هو محل الابتلاء.

أما ما ذهب إلیه جمع من المعلقین من کون الصورتین من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة، ففیه: إن المقام لیس من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة، بل من قبیل التمسک بالعام فیما لم یعلم هل أنه خرج عن العام بالمخصص أم لا،

ص:192

وأما صورة التفریط والإتلاف ودعوی الرد فی غیر الودیعة

فالأول: مثل أن یقول المولی: کل خمر حرام، فإذا لم یعلم أن هذا المائع خمر جاز تناوله، لأنه لا یمکن التمسک بکل خمر حرام لإثبات فردیة هذا المشکوک لکلی الخمر.

والثانی: کما إذا قال المولی: أکرم کل عالم، وعلمنا بأن الفاسق لا یکرم، وکان زید عالماً عادلاً، وشککنا فی فسقه، فإن التمسک لإکرامه بأکرم کل عالم، لیس من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة، والمقام کذلک، فقد کان الواجب علی العامل ردّ مال المالک، ولم یعلم هل أنه تلف بدون تعد أو تفریط حتی یخرج عن عموم «علی الید» أم لا، فاللازم التمسک بالعام حتی یثبت المخرِج، والمفروض أنه لیس بثابت.

والحاصل: إن التمسک بالعام فی الفرد الذی لم یعلم خروجه منه، لیس من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة، وإنما التمسک بالعام فی الفرد الذی لم یعلم دخوله فی العام هو من التمسک بالعام فی الشهبة المصداقیة.

{وأما صورة التفریط} فی الأمانة حتی تلفت {والإتلاف} الذی یسمی بالتعدی، {ودعوی الرد فی غیر الودیعة} حیث إن المشهور بینهم أن دعواه لا تقبل إلا بالبینة.

نعم المشهور أن دعوی الرد فی الودیعة مقبولة بالیمین، کما تقبل دعوی التلف، ولا یخفی أن دلیل «لیس علی الأمین إلا الیمین» قبول الدعوی فی کل

ص:193

ودعوی التلف والنکول عن الحلف فهی باقیة تحت العموم، ودعوی أن الضمان فی صورة التفریط والتعدی من جهة الخروج عن کونها أمانة

أقسام الأمانة، ولا خصوصیة للودیعة، وتفصیل الکلام فی ذلک فی محله.

{ودعوی التلف والنکول عن الحلف} لأن الشارع جعل الیمین علی الأمین فإذا لم یحلف لم یکن مخرج عن قاعدة «البینة علی المدعی» ومن الواضح أن مدعی التلف داخل فی کلی المدعی.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول المستمسک: (ثبوت الضمان فی هذه الصورة کأنه لأجل تحقق الخیانة، ولکنه غیر ظاهر لجواز أن یکون للتورع عن الیمین، کما یجوز أن یکون اشتباهاً منه فی دعوی التلف فلم تجوز الخیانة) انتهی.

إذ لیس ذلک لأجل الخیانة بل لما ذکرناه.

{فهی باقیة تحت العموم} عموم «علی الید»، ولا یتوقف بقاؤها تحت العموم علی تحقق الخیانة، کما قاله المستمسک، فتحصل أن «علی الید» شامل للید الأمانیة.

إن قلت: لا ضمان فی ید الأمانة.

قلت: بل ضمان إلا إذا تلف بدون التعدی والتفریط.

إن قلت: لا نسلم الضمان فی ید الأمانة من باب «علی الید»، بل من باب الخروج الموضوعی، أی عدم الضمان فی ید الأمانة وهذه ید خیانة حیث التعدی والتفریط، أو لدلیل خارجی.

ص:194

أو من جهة الدلیل الخارجی، کما تری لا داعی إلیها، ویمکن أن یتمسک بعموم ما دل علی وجوب رد الأمانة

قلت: لیس الضمان من جهة الخیانة، بل الضمان من جهة «علی الید» المؤید بعموم دلیل رد الأمانة.

وقد أشار إلیه المصنف المضیف إلی الاستدلال ب_ «علی الید» بقوله: (لعموم قوله (علیه السلام): «علی الید»((1))).

وإلی (إن قلت) بقوله: (ودعوی خروجها).

وإلی (قلت) بقوله: (مدفوعة).

وإلی (إن قلت) الثانی وجوابه، بقوله: (ودعوی أن الضمان فی صورة التفریط والتعدی من جهة الخروج عن کونها أمانة) فإن التعدی والتفریط نوع من الخیانة، لأن المالک ائتمن الأمین بإبقاء العین فی صورة الحفظ، فإذا لم یحفظها لتعد أو لتفریط لم یکن أمیناً من قبل المالک، فیکون داخلا فی عموم «علی الید».

{أو من جهة الدلیل الخارجی} الذی یدل علی الضمان، وإن لم تکن خیانة، والحاصل أنه لا ضمان فی ید الأمانة، فقولکم (مدفوعة) غیر تام، ویبقی الإشکال الذی ذکرناه بقولنا: (ودعوی خروجها) علی حاله.

وقد أجاب المصنف عن إشکال (ودعوی أن الضمان) بقوله: {کما تری لا داعی إلیها} فلیس الضمان من جهة الخیانة، أو دلیل خارجی، بل الضمان من جهة إطلاق «علی الید» وأی مانع فی إطلاق «علی الید» حتی لا نتمسک به.

{ویمکن أن یتمسک} للضمان فی الصورتین السابقتین، بالإضافة إلی «علی الید» {بعموم ما دل علی وجوب رد الأمانة} قال سبحانه:﴿إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُکمْ أن تُؤَدُّوا

ص:195


1- المستدرک: ج3 ص504

بدعوی أن الرد أعم من رد العین ورد البدل، واختصاصه بالأول ممنوع، أ لا تری أنه یفهم من قوله (علیه السلام): «المغصوب مردود»

الْأَماناتِ إِلی أَهْلِها﴾((1))، وإشکال المستمسک علی هذا التمسک بقوله: (لکن الوجوب المذکور تکلیفی محض لا یقتضی ضماناً، ولا اشتغال ذمة بالعین لیتعلق ذلک الحق بالترکة) إلی آخره، غیر ظاهر الوجه، بعد ظهور الوجوب التکلیفی فی المالیات علی استتباعه للحکم الوضعی، ولذا فهم الفقهاء من آیة الخمس والزکاة ونحوهما الوضع.

{و} إن قلت: ظاهر الآیة رد العین، وقد فرض أن العین لیست فی الترکة، أو لا یعلم وجود العین فی الترکة، کما تقدم فی الصورتین.

قلت: الإشکال غیر وارد {بدعوی أن الرد أعم من رد العین ورد البدل، واختصاصه بالأول ممنوع} وحیث قد عرفت أن هذا الجواب جواب عن الإیراد الذی ذکرناه بقولنا: (وإن قلت ظاهر الآیة)، فلا مورد لإشکال جملة من المعلقین علی الماتن، منهم السیدان الحکیم والجمال، بأن الضمان لو ثبت کان أعم من العین والبدل، وأما مع عدم ثبوته، کما هو مفروض المقام، فلا مجال لهذه الدعوی وإثبات الضمان بها، لأنه من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

{ألا تری أنه یفهم من قوله (علیه السلام): «المغصوب مردود»} کما ذکره الوسائل،

ص:196


1- سورة النساء: الآیة 58

وجوب عوضه عند تلفه، هذا مضافاً إلی خبر السکونی، عن علی (علیه السلام) أنه کان یقول: من یموت وعنده مال مضاربة، قال: «إن سماه بعینه قبل موته فقال هذا لفلان، فهو له، وإن مات ولم یذکر فهو أسوة الغرماء»

فی کتاب الغصب، {وجوب عوضه عند تلفه} أو الحیلولة بینه وبین المغصوب منه، فإن المثل أو القیمة ردّ عرفاً عند تعذر الرد للعین لتلف أو وقوع فی البحر أو ما أشبه، ومنع الفهم من ذلک، بل هو من جهة ضمان المغصوب لا من جهة وجوب رده _ کما فی المستمسک _ خلاف ما یفهمه العرف، بل الضمان لم یفهم إلا من أمثال تلک العبارة.

{هذا} وجه الاستدلال لضمان الصورتین بدلیل «علی الید»((1)) وبآیه رد الأمانة {مضافاً إلی خبر السکونی} الذی رواه الشیخ، عن جعفر (علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام)، {عن علی (علیه السلام) أنه کان یقول: من یموت وعنده مال مضاربة، قال: «إن سماه بعینه قبل موته، فقال: هذا لفلان، فهو له»} أی لا یشرکه الغرماء فیه ولا یضرب معهم {«وإن مات ولم یذکر فهو أسوة الغرماء»}((2))، والإشکال علی سند الحدیث بعدم ثبوت وثاقة النوفلی، مدفوع بأن ابن محبوب من أصحاب الإجماع، وعلی دلالته بانصراف الحدیث إلی صورة وجود المال، مدفوع بأن الانصراف بدوی لو سلم، فالمناط العرفی یشمل محل الکلام.

ص:197


1- المستدرک: ج2 ص504
2- الوسائل: ج13 ص191 الباب 13 من أبواب المضاربة ح1

وأما الصورة الثالثة فالضمان فیها أیضاً لا یخلو عن قوة، لأن الأصل بقاء یده علیه إلی ما بعد الموت واشتغال ذمته

ومنه یعلم بأن إشکال بعض المعلقین علی الحدیث بأنه (مخصص بما دل علی اختصاص ضمان العامل بصورة التفریط أو التعدی، فمع الشک فی التفریط أو التعدی لا وجه للتمسک به) انتهی.

محل نظر، فمن أین هذا التخصیص، فقد عرفت سابقاً أن دلیل الید والآیة شاملان لکل أنواع الید إلا ما خرج، والمفروض فی المقام عدم الدلیل علی الخروج.

{وأما الصورة الثالثة} وهی ما لو شک فی بقائه فی یده وعدمه {فالضمان فیها أیضاً لا یخلو عن قوة} وذلک لعموم «علی الید» من غیر حاجة إلی استصحاب بقاء یده علیه إلی حال الموت، إذ المخرج له عن الضمان صورة تلفه بلا تفریط، فإذا لم یعلم بالمخرج کان اللازم التمسک بالعام، وقد تقدم أنه لیس من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

ومنه یعلم أن تعلیل المصنف للحکم المذکور بقوله: {لأن الأصل بقاء یده علیه إلی ما بعد الموت} لا یخلو من إشکال، کما أشار إلیه المستمسک، ولعل المصنف أراد بالاستصحاب تحقیق موضوع خبر السکونی، حیث قال: «من یموت وعنده مال المضاربة»، فإذا شک فی بقائه فی یده حال الموت ثبت ذلک بالاستصحاب.

{و} یدل علی الحکم بالإضافة إلی «علی الید» والخبر {اشتغال ذمته

ص:198

بالرد عند المطالبة، وإذا لم یمکنه ذلک لموته یؤخذ من ترکته بقیمته، ودعوی أن الأصل المذکور معارض بأصالة براءة ذمته من العوض، والمرجع بعد التعارض الید المقتضیة لملکیته، مدفوعة بأن الأصل الأول حاکم علی الثانی، هذا

بالرد عند المطالبة} لوجوب رد الأمانة، کما سبق الاستدلال بالآیة المبارکة لذلک.

ومما تقدم یظهر وجه النظر فی تعلیقات السادة ابن العم والبروجردی والجمال وغیرهم من الإشکال فی الضمان أو الفتوی بعدم الضمان.

{وإذا لم یمکنه ذلک} أی الرد عند المطالبة {لموته یؤخذ من ترکته بقیمته}، ومن الکلام فی الموت یظهر الکلام فی کل ما لم یمکن الوصول إلیه، لجنون وإغماء وفقدان بالضیاع، وسجن لا یمکن الوصول إلیه، إذ الدلیل فی الکل واحد.

{ودعوی أن الأصل المذکور} أصل بقاء اشتغال ذمته بالرد عند المطالبة {معارض بأصالة براءة ذمته من العوض} فیتساقطان، {والمرجع بعد التعارض قاعدة الید} فی العامل، لأن الأصل أن ما فی ید الإنسان ملکه إلا إذا أثبت المدعی خلافه بالبینة، {المقتضیة لملکیته} فلا وجه لضمانه للمالک.

{مدفوعة بأن الأصل الأول} أصل الاشتغال {حاکم علی الثانی} البراءة، فإن الأول أصل موضوعی، والثانی أصل حکمی، وما دام الأصل جار فی الموضوع لا مجال لجریانه فی الحکم، وإشکال المستمسک بأن الأصل الموضوعی لا مجال له قد تقدم جوابه.

{هذا} الذی ذکرناه فی رد من ادعی أن قاعدة ید العامل تقتضی ملکیته،

ص:199

مع أنه یمکن الخدشة فی قاعدة الید بأنها مقتضیة للملکیة إذا کانت مختصة، وفی المقام کانت مشترکة، والأصل بقاؤها علی الاشتراک

حیث سلمنا قاعدة الید، وإنما کان ردنا بأن الأصل الأول حاکم علی الثانی.

{مع أنه یمکن الخدشة فی قاعدة الید} فلیست قاعدة الید مرجعاً بعد التعارض {بأنها مقتضیة للملکیة} ملکیة ذی الید {إذا کانت مختصة} بأن لم یعلم أن تحت ید العامل مال غیره.

{وفی المقام کانت مشترکة} لأن تحت ید العامل مال نفسه ومال غیره {والأصل بقاؤها} أی الید {علی الاشتراک} فلا یصح التمسک بها لإثبات الملکیة لذی الید.

والحاصل: إنا ذکرنا أن الأصل بقاء مال المالک تحت ید العامل، فله مطالبته بعد موت العامل، والمستشکل یقول: الأصل أن کل ما تحت ید العامل مال نفسه، وهذا الأصل مخدوش، لأن أصل کل ما تحت یده لنفسه إنما یجری فی الید المختصة لا الید المشترکة، والمفروض أن ید العامل کانت مشترکة فیستصحب بقاء اشتراکها، ومع إثبات الاشتراک بالاستصحاب لا مجال لأصالة کل ما تحت ید إنسان لنفسه.

وبهذا تبین أن قول المستمسک: (الملکیة لیست موضوعاً للکلام، بل موضوعه الضمان واللاضمان، سواء کانت ملکیة أم لم تکن، فقاعدة الید المقتضیة للملکیة لا توافق أحد الأصلین ولا تخالفه، فالرجوع إلیها بعد المعارضة غیر ظاهر)، إلی آخر کلامه.

غیر ظاهر الإیراد علی المصنف، کما أن قول بعض الحواشی: الید أمارة

ص:200

بل فی بعض الصور یمکن أن یقال: إن یده ید المالک من حیث کونه عاملاً له، کما إذا لم یکن له شیء أصلاً فأخذ رأس المال وسافر للتجارة ولم یکن فی یده سوی مال المضاربة، فإذا مات یکون ما فی یده بمنزلة ما فی ید المالک

الملک بالنسبة إلی الترکة الموجودة ما لم یعلم باشتمالها علی ملک الغیر، ولا علم فی المقام، محل منع، إذ لا نحتاج إلی العلم الوجدانی، بل العلم التنزیلی باستصحاب بقاء ملک المالک تحت ید العامل کاف فی الحکم بعدم دلالة ید العامل علی ملکیته لکل الترکة.

والحاصل: إن الید إذا لم تکن معلومة الاشتراک کانت حاکمة علی أن کل ما تحتها لذی الید، أما إذا کانت معلومة الاشتراک، علماً وجدانیاً أو بأمارة ونحوها کالاستصحاب، لم تحکم الید بملکیة کل ما تحتها لذی الید، فالاشتراک السابق الموجب للضمان باق إلی الآن.

وبذلک یظهر وجه النظر فی کلام المستمسک، فراجع شرحه علی قول الماتن (إذا کانت مختصة).

{بل فی بعض الصور یمکن أن یقال:} لا تجری قاعدة (ید العامل دلیل علی ملکه للترکة)، فلا شیء للمالک فیها ل_ {أن یده ید المالک من حیث کونه عاملاً له} وتحت یده مال المالک فقط.

{کما إذا لم یکن له شیء أصلاً فأخذ رأس المال و} اتجر به أو {سافر للتجارة ولم یکن فی یده سوی مال المضاربة} حیث یکثر أن یکون المال من شخص والعمل من شخص آخر {فإذا مات} العامل {یکون ما فی یده بمنزلة ما فی ید المالک} فلا تجری قاعدة ما فی ید إنسان هو لذی الید حتی یثبت

ص:201

وإن احتمل أن یکون قد تلف جمیع ما عنده من ذلک المال، وأنه استفاد لنفسه ما هو الموجود فی یده.

وفی بعض الصور یده مشترکة بینه وبین المالک، کما إذا سافر وعنده من مال المضاربة مقدار، ومن ماله أیضاً مقدار

خلافه، بل القاعدة هنا أن ما فی ید إنسان (العامل) هو لغیره حتی یثبت أنه لنفسه.

{وإن احتمل أن یکون قد تلف جمیع ما عنده من ذلک المال} فلا مال للمالک عنده {وأنه استفاد لنفسه ما هو الموجود فی یده} فإن هذا الاحتمال لا یرفع قاعدة ما فی یده لغیره بمقتضی الاستصحاب.

وقول المستمسک: (إن ذلک خلاف عموم حجیة دلیل الید وخلاف المرتکزات العقلائیة) غیر ظاهر الوجه، کیف والاستصحاب لا یدع مجالاً لعموم دلیل الید، وکونه مرتکز العقلاء أول الکلام، بل الظاهر لدی العقلاء أنه لو کان بدون مال وإنما له العمل أنه باق علی حاله ذلک إلا أن یثبت خلافه، ولذا إذا اشتری داراً أو نحوها قالوا إنه سرق من مال المالک ونحو ذلک مما لا یخفی علی من راجع العرف، ولا فرق فی ذلک بین أن یوجد فی الترکة عین مال المالک مما یحتمل أنه انتقلت إلیه أو غیرها، فقول المستمسک: (وأظهر منه ما لو علم بتبدل العین التی کانت للمالک بعین أخری، کما إذا کانت بیده دراهم فمات، فوجد بیده دنانیر، فإنه لا مجال للحکم بأنها ملک المالک) انتهی، محل منع.

{وفی بعض الصور یده مشترکة بینه وبین المالک، کما إذا سافر} أو لم یسافر {وعنده من مال المضاربة مقدار، ومن ماله أیضاً مقدار} ثم مات واحتمل أن مال

ص:202

نعم فی بعض الصور لا یعد یده مشترکة أیضاً، فالتمسک بالید بقول مطلق مشکل.

ثم إن جمیع ما ذکر إنما هو إذا لم یکن بترک التعیین عند ظهور أمارات الموت مفرطاً، وإلا فلا إشکال فی ضمانه.

المضاربة تلف، وأنه استفاد لنفسه بمقدار مال المضاربة، أو أن هذا الباقی کل ماله، فإن الاستصحاب ومرتکز العقلاء خلاف ذلک.

{نعم فی بعض الصور لا یعد یده مشترکة أیضاً} کما إذا علمنا أنه یصفی کل مال المضاربة کل سنة مرة مثلاً، ویأخذ المال من جدید، ولم نعلم هذا الآن بعد التصفیة أو قبلها، وکذلک إذا علمنا أنهما عقدا عقد المضاربة ولم نعلم هل سلم المالک المال إلی العامل أم لا، ومات العامل وادعی المالک أنه سلمه، وأن بعض هذه الدنانیر فی ترکة العامل له.

{فالتمسک بالید} لکون المال للعامل لا للمالک {بقول مطلق مشکل} لما عرفت من اختلاف الصور.

{ثم إن جمیع ما ذکر} من احتمال عدم ضمان العامل فی بعض صور المسألة {إنما هو إذا لم یکن} العامل {بترک التعیین عند ظهور أمارات الموت مفرطاً} إذ اللازم الوصیة بمال الناس فی صورة ضیاعه عند عدم الوصیة {وإلا فلا إشکال فی ضمانه} للخیانة، ولو شک فی الإفراط فالأصل عدمه حملاً لفعل المسلم علی الصحة، ولیس الأمر خاصاً بالموت، بل اللازم ذلک عند ظهور أمارات عدم القدرة لسجن دائم أو جنون أو ما أشبه، وقد تقدم أن الموت فی کلماتهم من باب المثال.

ص:203

لو علق المضاربة علی أمر واقع

الثانیة: ذکروا من شروط المضاربة التنجیز، وأنه لو علقها علی أمر متوقع بطلت، وکذا لو علقها علی أمر حاصل إذا لم یعلم بحصوله، نعم لو علق التصرف علی أمر صح

{الثانیة: ذکروا من شروط المضاربة التنجیز} فإنه وإن لم یذکر هذا الشرط جملة منهم فی بعض الکتب، لکنهم ذکروه فی بعض الکتب الأخر فی العقود والإیقاعات، مما یدل علی اشتراطهم جمیعاً ذلک فی کل تلک الأبواب:

فعن شرح الإرشاد للفخر أن تعلیق الوکالة علی الشرط لا یصح عند الإمامیة، وکذا سائر العقود جائزةً کانت أو لازمة.

وعن المسالک فی مبحث اشتراطه التنجیز فی الوقف، قال: واشتراط تنجیزه مطلقاً موضع وفاق کالبیع وغیره من العقود، ولیس علیه دلیل بخصوصه.

إلی غیر ذلک، وقد ذکر الشیخ فی المکاسب تفصیل الکلام فی ذلک، فلا حاجة إلی تکراره.

{وأنه لو علقها علی أمر متوقع} کطلوع الشمس، أو قدوم زید {بطلت، وکذا إذا علقها علی أمر حاصل إذا لم یعلم بحصوله}، کما إذا قال: إن کان هذا الیوم جمعة، حیث یعلم بأنه یوم الجمعة، أما إذا لم یعلم بأنه یوم جمعة بطلت أیضاً، وقد صرح بذلک المسالک، وألمع إلیه جامع المقاصد وغیره.

{نعم لو علق التصرف علی أمر صح} إذ لیس ذلک تعلیقاً فی المضاربة، کما إذا قال: ضاربتک علی کذا، لکن تصرفک فی المال من یوم الجمعة، أو حین قدوم القافلة، وذلک لعموم الصحة بعد عدم الدلیل علی البطلان، بل عن التذکرة نفی الخلاف فی الصحة.

ص:204

وإن کان متوقع الحصول، ولا دلیل لهم علی ذلک إلا دعوی الإجماع علی أن أثر العقد لا بد أن یکون حاصلاً من حین صدوره

{وإن کان} ذلک الأمر {متوقع الحصول} غیر مقطوع به کقدوم زید {ولا دلیل لهم علی ذلک} اشتراط التنجیز {إلا دعوی الإجماع} الذی قد عرفته {علی أن أثر العقد لابد أن یکون حاصلاً من حین صدروه}.

وإلا أنه خلاف الکیفیة المتلقاة من الشارع فی العقود والإیقاعات.

وإلا أنه لو صح لصح فی النکاح والإطلاق مع ضرورة عدم صحته فیهما، وإذا انتفی اللازم انتفی الملزوم.

وإلا ما فی تعلیق السید البروجردی من قوله: لعل دلیلهم هو منافاة التعلیق لتحقق المعاقدة بینهما بحسب اعتبار العقلاء.

وإلا أصالة عدم الصحة بعد أن أصل الصحة الذی أطبقوا علیه فی العقود لا یشمل المقام لإطباقهم علی عدم الصحة.

وإلا ما ذکره الشهید فی القواعد بأن الانتقال بحکم الرضا، ولا رضا إلا مع الجزم، والجزم ینافی التعلیق.

وإلا ما عن الخلاف والمبسوط والتذکرة من أنه لا دلیل علی الجواز والصحة إذا لم تکن منجزة.

وإلا أن الإنشاء لا یعقل أن یتقدم علی المنشأ، فالإنشاء غیر قابل للتعلیق.

وإلا أن العقود والإیقاعات الشرعیة منصرفة إلی المتعارف، وهو التنجیز لا التعلیق.

وفی الکل ما لا یخفی:

لأن الإجماع إن تم موضوعاً مشکل حکماً، لأنه محتمل الاستناد.

والکیفیة المتلقاة من الشارع لا تقید بعد ظهورها فی أنها أحدی الصور، ووجود الإطلاق المحکم فی أمثال ذلک.

والضرورة فی النکاح والطلاق فارقة، فکیف یقاس بهما ما لا ضرورة فیه.

ولا منافاة بین التعلیق والمعاقدة عند العقلاء، بل الظاهر أنهم لا یفرقون بین المعلق وغیر المعلق، کما یشهد بذلک الرجوع إلیهم.

وبعد ذلک لا یبقی مجال

ص:205

وهو إن صح إنما یتم فی التعلیق علی المتوقع، حیث إن الأثر متأخر، وأما التعلیق علی ما هو حاصل فلا یستلزم التأخیر

لأصالة عدم الصحة.

وجواب القواعد أنه لماذا لا یکون الرضا إلاّ مع الجزم.

کما أن جواب الشیخ والعلامة أن الدلیل إطلاق الأدلة بعد کون العقلاء لا یفرقون بین المعلق والمنجز.

أما مسألة تقدیم الإنشاء علی المنشأ، ففیه: إن الإنشاء خفیف المؤنة، ومتعلق العقد أو الإیقاع قد ینشأ حالاً، وقد یجعله إنشاءً فی المستقبل، ولذا قال المستمسک: (إن التعلیق فی العقود والإیقاعات ثابت فی الشریعة مثل الوصیة التملیکیة والعهدیة والتدبیر والنذر والعهد والیمین إجماعاً، بل ضرورةً عند أهل العلم، مع أنه راجع إلی تعلیق المنشأ لا تعلیق نفس الإنشاء، فقول القائل: بعتک إذا جاء رأس الشهر، یراد به تعلیق البیع علی مجیء رأس الشهر، لا تعلیق إنشاء البیع علیه) انتهی.

والانصراف إلی المتعارف غیر وجیه، إذ لا وجه للانصراف بحیث ینصرف وجه اللفظ بما لا یعد المعلق فرداً.

وإن شئت قلت: الانصراف لو سلّم فهو بدوی، ولذا قال المصنف: {وهو إن صح إنما یتم فی التعلیق علی المتوقع، حیث إن الأثر متأخر، وأما التعلیق علی ما هو حاصل} فیما إذا یعلم بحصوله {فلا یستلزم التأخیر} فلماذا ذکروا بطلانه أیضاً، کما تقدم نقله عن المسالک وغیره.

ص:206

بل فی المتوقع أیضاً إذا أخذ علی نحو الکشف، بأن یکون المعلق علیه وجوده الاستقبالی لا یکون الأثر متأخراً، نعم لو قام الإجماع علی اعتبار العلم بتحقق الأثر حین العقد تم فی صورة الجهل لکنه غیر معلوم

{بل فی المتوقع أیضاً إذا کان بنحو الکشف} علی نهو الشرط المتأخر {بأن یکون المعلق علیه وجوده الاستقبالی} فالإنشاء والمنشأ فی الحال، وإنما یکون الشرط متأخراً زماناً.

ومنه یعرف وجه النظر فی إشکال السید الجمال علی قول المصنف (وجوده الاستقبالی) بأن هذا من فروع ما تخیله من الواجب المعلق، ولا یرجع إلی محصل، انتهی.

إذ فیه أنه لا إشکال فیه عقلاً أو شرعاً، فیشمله إطلاق الأدلة ف_ {لا یکون الأثر متأخراً}، نعم یرد علیه ما ذکره المستمسک بأنه خارج عن محل کلامهم فی مانعیة التعلیق علی المتأخر.

وکیف کان، فما ذکره الماتن صحیح فی نفسه.

{نعم لو قام الإجماع علی اعتبار العلم} علم العاقد {بتحقق الأثر حین العقد تم} شرط التنجیز {فی صورة الجهل} أی صورة التعلیق علی الشرط المقارن، {لکنه} أی الإجماع {غیر معلوم} فإنه وإن ادعی الإجماع علی شرط التنجیز لکنک قد عرفت الإشکال فیه بأنه محتمل الاستناد إن تم صغراه، ولذا کان المحکی عن الحدائق الرجوع إلی أصالة عدم الشرطیة، وعن الکفایة نسبة الحکم إلی المشهور.

ص:207

ثم علی فرض البطلان لا مانع من جواز التصرف ونفوذه من جهة الإذن، لکن یستحق حینئذ أجرة المثل لعمله إلا أن یکون الإذن مقیداً بالصحة، فلا یجوز التصرف أیضاً.

{ثم علی فرض البطلان لا مانع من جواز التصرف} تصرف العامل الذی ضارب المالک معه بنحو التعلیق {ونفوذه من جهة الإذن} لأن المالک له عقد وله إذن، ولیس الأول مقیداً للثانی، فإذا بطل العقد بقی الإذن الموجب لصحة تصرف المال، ولذا احتمل فی القواعد أن مع فساد الوکالة لتعلیقها علی الشرط بقاء الإذن المسوغ للتصرف، وجعله التذکرة أقرب، والعلة فی الوکالة آتیة فی المقام أیضاً.

نعم إن احتمل أن الإذن کان مقیداً لم یجز التصرف، لأنه لا یجوز التصرف فی مال الناس إلا برضاهم.

{لکن} العامل {یستحق حینئذ أجرة المثل لعمله} لأن الحصة المسماة قد ذهبت ببطلان العقد، فإذا استوفی المالک عمل العامل بالبدل حسب قصدهما، کان له أجرة المثل علیه، ویأتی فی المقام احتمال أقل الأمرین من الأجرة والحصة علی ما تقدم فی بعض المسائل السابقة.

{إلاّ أن یکون الإذن مقیداً بالصحة} فحیث لا صحة لا إذن، فلا یصح التصرف، وإذا ذهب کان له نماء عمله فقط علی ما اخترناه من أن النماء تابع للمال والعمل معاً.

{فلا یجوز التصرف أیضاً} أی کما لا صحة للعقد، وإذا شک فی أنه بعد

ص:208

لا یشترط فی العامل عدم الفلس

الثالثة: قد مر اشتراط عدم الحجر بالفلس فی المالک وأما العامل فلا یشترط فیه ذلک لعدم منافاته لحق الغرماء نعم بعد حصول الربح منع من

بطلان العقد هل بقی الإذن أم لا، کان المرجع عدم الإذن، لأنه أمر حادث لم یعلم وجوده بعد العقد، حاله حال ما إذا انتهی زمن العقد، کما لو کانت مدة المضاربة سنة وانتهت مثلا.

ومن ذلک یعرف وجه النظر فی قول المستمسک: (ومع الشک یرجع إلی إطلاق العقد الموجب لإطلاق الإذن) انتهی.

ولو تصرف بزعم الإذن، فقال المالک لم یکن للإذن إطلاق بل کان مقیداً بالعقد، کان القول قوله لأنه لا یعرف إلا من قبله، وقد سبق فی بعض المسائل السابقة تصدیق قول من لا یعرف إلا من قبله، بل جعله الفقهاء قاعدة، وعلیه فإذا لم یکن ربح لا شیء للعامل، وإذا کان ربح کان له بقدر عمله لا بقدر الأجرة ولا بقدر الحصة، لأن الحصة انتفت بانتفاء العقد، والأجرة لا مجال لها مع عدم وجود الإذن، والله سبحانه العالم.

{الثالثة: قد مر اشتراط عدم الحجر بالفلس فی المالک} لوضوح أن المحجور لا یجوز له التصرف فی ماله.

{وأما العامل ف_} إنه وإن مر اشتراط عدم حجره، لکن الظاهر أنه {لا یشترط فیه ذلک، لعدم منافاته لحق الغرماء} فإن حقهم فی مال المفلس لا فی جسده.

{نعم بعد حصول الربح} الذی قد تقدم أنه یملک الحصة بمجرد حصوله {منع من التصرف} فی مجموع المال، لأنه مشترک بینه وبین المالک، وکما

ص:209

التصرف إلا بالإذن من الغرماء بناءً علی تعلق الحجر بالمال الجدید.

بطلان المضاربة بعروض الموت

الرابعة: تبطل المضاربة بعروض الموت کما مر، أو الجنون أو الإغماء کما مر فی سائر العقود الجائزة

یمنع المفلس من التصرف فی ماله الخاص یمنع من التصرف فی المال المشترک.

{إلاّ بالإذن من الغرماء بناءً علی} ما هو الصحیح من {تعلق الحجر بالمال الجدید} لوحدة المناط فی المال القدیم والجدید، وإن أشکل علیه بعض، وتفصیل الکلام فی ذلک فی کتاب الحجر.

نعم لو أفرزت حصته جاز له التصرف فی مال المضاربة بعد الإفراز، لأن المال للمالک لا له، فلا مانع من تصرفه، إذ لیس المال متعلق الحجر.

{الرابعة: تبطل المضاربة بعروض الموت} لأحدهما {کما مر، أو الجنون أو الإغماء کما مر فی سائر العقود الجائزة} ولا دلیل علی ذلک إلا الشهرة المحققة عندهم، والوفاق الذی ادعاه المسالک فی شرح قول الشرائع: (تبطل الوکالة بالموت والجنون والإغماء من کل واحد منهما) قال: (هذا موضع وفاق، ولأنه من أحکام العقود الجائزة) انتهی.

وعلله غیر واحد، کما فی التذکرة، بخروجه حینئذ عن التکلیف وسقوط اعتبار تصرفه وعباراته فی شیء.

ص:210

وظاهرهم عدم الفرق بین کون الجنون مطبقاً أو أدواریاً، وکذا فی الإغماء بین قصر مدته وطولها، فإن کان إجماعاً وإلاّ فیمکن أن یقال بعدم البطلان فی الأدواری والإغماء القصیر المدة، فغایة الأمر عدم نفوذ التصرف حال حصولهما

{وظاهرهم عدم الفرق بین کون الجنون مطبقاً أو أدواریاً} دوراً قصیراً أو طویلاً.

{وکذا فی الإغماء بین قصر مدته وطولها} وإنما کان ظاهرهم ذلک لإطلاقهم البطلان {فإن کان إجماعاً} محققاً غیر محتمل الاستناد فهو {وإلا} وهو الأظهر إذ لا قطع بصغری الإجماع، وکبراه مشکلة لظهور استنادهم إلی ما تقدم من العلة.

{فیمکن أن یقال بعدم البطلان فی الأدواری والإغماء القصیر المدة} فیهما، والفارق بین قصر المدة وطولها فیهما عدم شمول الإطلاقات لطویل المدة، کما إذا جن سنة أو أغمی علیه کذلک، فإن العرف یری أنهما کالنوم القصیر مدته حسب المتعارف، بل النوم الطویل المدة کثلاثة أشهر أیضاً، غیر مشمول للإطلاق، فحاله حال طویل المدة منهما.

وأما لو شک فی أنه طویل أو قصیر، کان المرجع العرف الذی یری أن مثله مشمول للإطلاق، أو الإطلاق منصرف عنه.

{فغایة الأمر عدم نفوذ التصرف حال حصولهما} للمالک من العامل، أما العامل حال حصولهما له، فلا إشکال ولا خلاف فی عدم نفوذ تصرفه.

ص:211

وأما بعد الإفاقة فیجوز من دون حاجة إلی تجدید العقد، سواء کانا فی المالک أو العامل

أما الأول: أی وجه (غایة الأمر) أن المالک حیث لا حق له فی التصرف بنفسه، لا حق له فی التصرف من العامل بإذنه المضاربی، إذ الوکیل کالأصیل.

وأما الثانی (أی العامل حال حصولهما له) فلأن المجنون والمغمی علیه لا ینفذ تصرفه، کعدم نفوذ تصرف النائم والسکران بالإجماع، إلا فیما استثنی من تزویج السکری نفسها، لکن ربما یستشکل فی عدم نفوذ تصرف العامل حال جنون أو إغماء المالک، لعدم التلازم بین عدم صحة عمل المالک وعدم حصة عمل العامل، فکما أنه إذا نام الأصیل صح للوکیل العمل، ولا تلازم بین عدم صحة عمل الأصیل النائم وعدم صحة عمل وکیله، کذلک المقام.

وکیف کان، فمقتضی القاعدة عدم صحة تصرف المغمی علیه والمجنون أصیلاً وعمیلاً.

وأما عدم صحة تصرف العمیل حال جنون وإغماء المالک قصیراً، فلا دلیل علیه، سواء حال حصولهما للأصیل أو بعده.

{وأما بعد الإفاقة فیجوز من دون حاجة إلی تجدید العقد، سواء کانا فی المالک أو العامل} ولذا قال المستمسک: وإن کان فی الموکّل فهو لا یقتضی بطلان الوکالة، وعدم صحة تصرف الوکیل فی حاله فضلاً بعد الإفاقة، فالبطلان لا تقضیه القواعد العامة، ولذا حکی عن جامع الشرائع عدم البطلان بالجنون، وکذا فی الإغماء ساعة، ولذا سکت عن المتن أعاظم المعلقین کالسادة ابن العم والجمال والبروجردی وغیرهم.

ص:212

وکذا تبطل بعروض السفه لأحدهما

{وکذا تبطل بعروض السفه لأحدهما} وذلک لأن المضاربة إذن، والمالک إذا کان سفیهاً فکما لا یحق له التصرف بنفسه لا یحق له التصرف بوکیله، والعامل إذا سفه لا یحل له التصرف فی الأموال، فإنه ممنوع من التصرف فی مال نفسه فکیف لا یمنع من التصرف فی مال غیره، وقد قال سبحانه:﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکمُ﴾((1)).

وفی المستمسک بعد نقله بطلان وکالة الوکیل بالحجر علی الموکّل فیما یمنع الحجر من التصرف، عن الشرائع والقواعد وغیرهما، قال: ویظهر منهم التسالم علیه، ولولاه لأشکل ذلک بأن الحجر علی الموکل لسفه إنما یمنع تصرف الموکّل لا تصرف الوکیل إذا کان توکیله فی حال الرشد.

وفی بعض الحواشی: عدم المانع من سفه العامل، وإنما المانع فی سفه المالک.

أقول: لا دلیل علی أن سفه العامل مانع، والإجماع غیر مسلّم إن لم یکن مسلّم العدم، والآیة یراد بها ماله لا مال غیره، وهل یمنع الإنسان أن یعطی دیناراً للسفیه لیشتری ویبیع الماء إذا ربح فهو، وإذا خسر کان ذلک بثواب أمواته حیث أعطی الماء للعطاشی بثمن أقل، فتأمل.

وأما المالک، فإذا کان له وکیل رشید یدبر أمواله، وقد ضاربه فی حال رشده، حیث لا یمنع من التصرف، فأی مانع من بقاء مضاربته، والمضاربة عقد کالإجارة ونحوها الاعتبار فیها بحال العقد، کما تقدم مثله فی الفرع السابق.

وعلیه فمقتضی القاعدة عدم البطلان فیهما، وإن کانت المسألة بعدُ بحاجة إلی التأمل.

ص:213


1- سورة النساء: الآیة 5

أو الحجر للفلس فی المالک أو العامل أیضاً، إذا کان بعد حصول الربح إلا مع إجازة الغرماء.

إذا ضارب المالک فی مرض الموت

الخامسة: إذا ضارب المالک فی مرض الموت صح، وملک العامل

{أو الحجر للفلس فی المالک أو العامل أیضاً} لأنه بالحجر علی المالک یقع أمواله تحت نظر الحاکم، فلا یحق لنفسه التصرف فیها بنفسه أو وکیله، وبالحجر علی العامل لا یحق له التصرف فی مال نفسه فکیف بمال غیره.

وفیه: ما تقدم فی السفه، فإن الحجر یمنع تصرف المالک لا المضارب العامل للمحجور، فإنها معاملة کالإجارة، فأی أثر للحجر فی بقائها وعدمه، وقد عرفت الجواب عن الإشکال فی العامل إذا حجر مما تقدم، ولذا قال جمع من المعلقین: إن حجر العامل لا یمنع تصرفه ولا یبطل المضاربة، قال ابن العم: (الظاهر عدم بطلان المضاربة فی صورة حجر العامل بالفلس)، وقال السید البروجردی: (تفلیس العامل بعد ظهور الربح لا یبطل المضاربة، بل فی منعه من التصرف أیضاً إشکال).

أقول: فی إشکاله إشکال، ولذا قال المصنف: {إذا کان بعد حصول الربح إلا مع إجازة الغرماء} وذلک لأن ماله الجدید یکون موضع الحجر کماله القدیم، علی ما تقدم.

نعم من رأی أن ماله الجدید لا یکون موضع الحجر، کان له إجازة العمل، لأن ربحه الجدید لیس موضع الحجر، فلا وجه لمنعه عن التصرف.

{الخامسة: إذا ضارب المالک فی مرض الموت صح} للعمومات الشاملة لمضاربته، وکذا إذا ضارب العامل فی مرض الموت دون حصته {وملک العامل

ص:214

الحصة وإن کانت أزید من أجرة المثل علی الأقوی من کون منجزات المریض من الأصل، بل وکذلک علی القول بأنها من الثلث، لأنه لیس مفوتاً لشیء علی الوارث، إذ الربح أمر معدوم ولیس مالاً موجوداً للمالک وإنما حصل بسعی العامل.

الحصة وإن کانت أزید من أجرة المثل} کما یملک المالک الحصة وإن کانت أکثر من حقه، فلا حق للعامل فی الزائد بعد قراره فی الثانی {علی الأقوی} فیهما {من کون منجزات المریض من الأصل} حیث لا فرق بین المریض وغیره من هذه الجهة.

{بل وکذلک علی القول بأنها من الثلث} کما ذهب إلیه جمع، وقد صرح غیر واحد بما فی المتن، بل عن صریح مجمع البرهان أو ظاهره أنه لا خلاف فیه، وإن تأمل فیه بعض السادة المعلقین، وفی إطلاق تأمله نظر، إذ لو کان تأمل لزم أن یکون فیما إذا زاد الزائد من حقه علی الثلث، وإلا فمقتضی القاعدة أن الزائد یخرج من الثلث.

وکیف کان، فقد عللوا الصحة حتی علی القول بأن المنجزات من الثلث بما ذکره الماتن بقوله: {لأنه لیس مفوتاً لشیء علی الوارث، إذ الربح أمر معدوم ولیس مالاً موجوداً للمالک} حتی لا یجوز التعدی فیه عن الثلث علی هذا القول {وإنما حصل بسعی العامل}.

لکن لا یخفی ما فی هذا التعلیل، لأن الربح نماء المال، فتملیکه المحاباتی تضییع علی الوارث، یشمله دلیل المنع إذا کان أکثر من الثلث إلا بإجازة الوارث، إما بالإطلاق أو المناط، ولذا أشکل علی الماتن

ص:215

تبیین کون رأس المال لغیر المضارب

السادسة: إذا تبین کون رأس المال لغیر المضارب سواء کان غاصباً أو جاهلاً بکونه لیس له

غیر واحد من المعلقین، بناءً علی أن المنجزات من الثلث، کالمستمسک وغیره.

ومنه یعلم حال ما إذا ضارب العامل دون حقه، فإنه محاباة بماله للمالک فیشمله الإطلاق أو المناط، اللهم إلا أن یقال: بین المالک والعامل فرق ففی المالک یکون التنازل عن المال الذی هو نماء المال، وفی العامل تنازل عن العمل ولیس العمل مشمولاً لأدلة منجزات المریض، فکما یحق للمریض التبرع بعمل لإنسان، یحق له أخذ أقل من حقه منه، وهذا هو مقتضی القاعدة.

ومن الکلام فی المقام یعرف الکلام فی طرفی المزارعة والمساقاة والإجارة فیمن استأجر أجیراً، والوکالة بأجرة والجعالة وغیرها، حیث لا یصح لباذل المال الزیادة إذا زادت عن أجرة المثل وعن الثلث ولم یجز الوارث، ویصح لباذل العمل النقیصة.

{السادسة: إذا تبین کون رأس المال لغیر المضارب} والتبین طریقی کما لا یخفی، وإلا فالمعیار عالم الثبوت {سواء کان غاصباً أو جاهلاً بکونه لیس له} والمراد بالجاهل عذره فی تصرفه، إذ من الواضح أن الغاصب أعم من الجاهل.

والحاصل: عدم کون المال له، سواء کان عالماً بذلک أو جاهلاً أو ناسیاً أو غافلاً، وسواء کان غصبه مع العلم حراماً أو لا للاضطرار ونحوه.

ص:216

فإن تلف فی ید العامل أو حصل خسران فلمالکه الرجوع علی کل منهما، فإن رجع علی المضارب لم یرجع علی العامل

{فإن تلف فی ید العامل أو حصل خسران فلمالکه الرجوع علی کل منهما} والمراد بحصول الخسران أنه تاجر فخسر، لا أن المعاملة صحیحة کما فرض المستمسک فأشکل علی الماتن.

والحاصل: إن مراد الماتن أن النقص سواء بالتلف الخارجی، أو التلف التجاری _ وإن کانت التجارة فی نفسها باطلة لعدم الإجازة _ یسلط المالک علی الأخذ من أی منهما، بالإضافة إلی الباقی من ماله الذی لم یتلف، وذلک لعموم «علی الید»، و«لا یتوی» وما أشبه مما یشمل کلاً منهما، وقد حقق فی محله أن الضمان لیس تابعاً للعلم والعمد، بل یشمل وإن کان الإتلاف اضطراریاً، إلا فیما کان إذن من الشارع مثل إلقاء الأمتعة فی البحر عند خوف غرق السفینة، کما ذکروا.

{فإن رجع} المالک {علی المضارب لم یرجع علی العامل} وقد ذکره العلامة فی بعض کتبه وغیره، وعللوه بأن العامل أخذه من المضارب علی وجه الأمانة، ولیس علی الأمین شیء، لکن فی القواعد وغیره التفصیل فی المسألة بین علم الثانی فیرجع الأول علیه، وبین جهله فلا یرجع الأول علیه، وعلله بأنه مع العلم قد استقر التلف فی یده.

وکذا ذکر السید البروجردی وبعض المعلقین الآخر بأنه مع علم الثانی یرجع المضارب إلیه.

وکیف کان، فللمسألة صور أربع، لأن المضارب إما عالم أو جاهل، وعلی

ص:217

وإن رجع علی العامل رجع إذا کان جاهلا علی المضارب وإن کان جاهلا أیضاً لأنه مغرور من قبله

کل حال، العامل إما عالم أو جاهل، فإن کانا عالمین رجع المضارب إلی العامل لشمول «علی الید» له، فقد أتلف مال الغیر وهو عالم، فإذا أخذ الغیر ماله من المضارب طلب المضارب بدله ممن تلف فی یده، لأنه فی الحقیقة إعطاء من المتلف إلی المالک لکن بواسطة المضارب.

وإن کان العامل فقط عالماً رجع المضارب إلیه، کما ذکر فی الصورة الأولی.

وإن کانا جاهلین، فالظاهر عدم رجوع المضارب، لأن المضارب غر العامل فلا یرجع الغار إلی المغرور، لأنه خلاف «المغرور یرجع إلی من غر» وهو حدیث نبوی معمول به، بل مجمع الاستناد إلیه فهو حجة، فإذا کان المغرور یرجع إلی من غرّ لم یرجع الغار علی المغرور، وإطلاقه شامل لما إذا کان الغار عامداً أم لا، فإذا زعم زید أن الطعام لنفسه فأعطاه لعمرو، وعمرو جاهل بأنه لیس لزید فأکله، لم یرجع زید إلی عمرو بثمنه إذا رجع مالک الطعام إلی زید، فإن دلیل الغرور حاکم علی دلیل الید.

وإن کان المضارب فقط عالماً لم یرجع إلی العامل، لما ذکر فی صورة جهلهما.

{وإن رجع} المالک {علی العامل رجع} العامل {إذا کان جاهلاً علی المضارب وإن کان جاهلاً أیضاً} أما فی صورة علم المضارب فلأنه غر العامل، والمغرور یرجع إلی من غر، وأما فی صورة جهل المضارب ف_ {لأنه مغرور من قبله} حیث أوهمه المضارب أن لا خسارة علیه، کما تقدم فی مسألة رجوع المالک إلی المضارب.

ولا یخفی أن عدم رجوع العامل إلی المضارب فی صورة التلف والخسران إنما هو إذا لم یکن التلف والخسران بتعدّ أو تفریط، وإلا لم یرجع،

ص:218

وإن حصل ربح کان للمالک إذا أجاز المعاملات الواقعة علی ماله، وللعامل أجرة المثل علی المضارب مع جهله

إذ لیس مغروراً حینئذ، فإن المضارب لم یرفع التلف عن عاتقه إذا تعدی حتی یصدق علیه المغرور.

{وإن حصل ربح کان للمالک} فقط عند المصنف، بل المشهور الذین یرون الربح ناتج المال {إذا أجاز المعاملات الواقعة علی ماله} فإنه إذا لم یجز لم تکن معاملة حتی یکون ربح، کما أن المالک إذا أجاز نفس المضاربة کان الربح بینه وبین العامل علی حسب ما قرر فی المضاربة، کذا ذکره المستمسک.

لکن بناءً علی ما تقدم من أن الربح حاصل المال والعمل، إذا کان للمضارب مدخلیة فی الربح عرفاً، لم یستبعد أن یکون له شیء بقدر حقه.

ومنه یعلم وجه النظر فی قوله: {وللعامل أجرة المثل علی المضارب} إذ الربح بین المالک والعامل، فلماذا یکون شیء علی المضارب، بل اللازم أن یکون الربح مقسماً بین المالک والعامل، وعلیه فلا مجال لقوله: {مع جهله} إذ الربح ولید الأمرین حتی مع العلم.

وکیف کان، فالصور أربع، فإنه إذا ربح وأجاز المالک البیع لا المضاربة، فإما المضارب والعامل عالمان، أو جاهلان، أو أحدهما عالم والآخر جاهل بصورتیه.

فإذا کانا عالمین کان للعامل مقدار حقه، لا الأجرة ولا المقدار المبنی علیه بین المضارب وبینه، إذ الأجرة قد تکون دون الحق، وقد تکون فوقه، بالإضافة إلی أنه لا وجه للأجرة لأنها تکون تابعة للإجارة ولم تحصل، وإنما قلنا

ص:219

والظاهر عدم استحقاقه الأجرة علیه مع عدم حصول الربح، لأنه أقدم علی عدم شیء له مع عدم حصوله، کما أنه لا یرجع علیه إذا کان عالماً بأنه لیس له، لکونه متبرعاً بعمله حینئذ.

کان له مقدار حقه، لما سبق من أن الربح تابع المال والعمل معاً.

وإن کان العامل عالماً کان کذلک، لأن المضاربة لما کانت باطلة لم یکن له إلا مقدار حقه.

وإن کانا جاهلین، فالظاهر أنه إذا کان مقدار حقه العملی أقل من مقدار حقه المضاربی، لم یکن له الرجوع إلی المضارب بالتفاوت، مثلاً ضاربه علی أن یکون له نصف الربح، وحقه العملی الذی استوفاه من المالک ربع الربح، فإنه لیس له الرجوع إلی المضارب بالربع الآخر، بزعم أنه مغرور، لأنه دخل لأن یکون له النصف، فاللازم إعطاء الغار التفاوت، وذلک لأن زعمه أن له النصف لا یوجب زائداً علی حقه، فهو لیس بمغرور بالنسبة إلی الزائد من حقه الذی زعم أنه له حسب القرار المضاربی.

ومنه یعلم حال ما إذا کان العامل جاهلاً دون المضارب.

{والظاهر عدم استحقاقه} أی العالم {الأجرة علیه} علی المضارب {مع عدم حصول الربح، لأنه أقدم علی عدم شیء له مع عدم حصوله} فهو الذی أهدر حقه کالذی یلقی متاعه فی الشارع معرضاً عنه، حیث یسقط ملکه عنه، وقد تقدم تفصیل الکلام فی ذلک فی المسألة الثامنة والأربعین فراجع.

{کما أنه لا یرجع علیه إذا کان عالماً بأنه لیس له، لکونه متبرعاً بعمله حینئذ} کان الأولی أن یقول: إنه هتک احترام عمله، لا أنه تبرع به، وکأنه أراد لازم الهتک وإذهاب الاحترام، وقد تقدم الکلام فی هذا الفرع أیضاً.

ص:220

اشتراط صحة عمل المضاربة

السابعة: یجوز اشتراط المضاربة فی ضمن عقد لازم، فیجب علی المشروط علیه إیقاع عقدها مع الشارط، ولکن لکل منهما فسخه بعده

ومنه یعلم وجه النظر فی قول المتسمسک: (إنه لم یقصد التبرع، وإنما قصد الربح ولو تشریعاً، فیکون المضارب قد استوفی عمله، فعلیه ضمانه) إلی آخره، فإن قصد الربح مع العلم لا ینفع.

{السابعة: یجوز اشتراط المضاربة فی ضمن عقد لازم} بأن یشترط إیقاع عقد المضاربة، ولذا قال: {فیجب علی المشروط علیه إیقاع عقدها مع الشارط} إذا کان الشرط ذلک، وإلا مع من شرط، مثلاً قد یبیع زید لعمرو داراً بشرط أن أن یضارب معه فی التجارة، وقد یشترط أن یضارب مع ابنه فی التجارة، ولا فرق فی وجوب العمل بالشرط أن یشترط علیه أن یکون مالکاً فی المضاربة، أو أن یکون عاملاً.

ثم الظاهر لزوم أن یکون حدود الشرط معلوماً، أما إذا کان غیر معلوم یبطل الشرط، إذ المضاربة بکم ولکم مدة، وما إلی ذلک لها سعة کبیرة إذا لم تحدد بالحدود العقلائیة بطل الشرط لأنه غرر، وقد نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عن الغرر، لکن بطلان الشرط لا یستلزم بطلان العقد وإنما یعطی للشارط حق الخیار.

وکیف کان، فمن ما تقدم یظهر وجه النظر فی قول السید البروجردی: (حقیقة المضاربة غیر قابلة للاشتراط کذلک، وإیقاع عقدها غیر مقصود للعقلاء)، إذ فیه: إن إیقاع عقدها المتعقب بالعمل إذا لم یفسخ مقصود للعقلاء.

{ولکن لکل منهما فسخه بعده} إذ المضاربة جائزة والشرط کان العقد

ص:221

والظاهر أنه یجوز اشتراط عمل المضاربة علی العامل بأن یشترط علیه أن یتجر بمقدار کذا من ماله إلی زمان کذا علی أن یکون الربح بینهما، نظیر شرط کونه وکیلاً فی کذا فی عقد لازم، وحینئذ لا یجوز للمشروط علیه فسخها

بموازینه وقد وفی المشروط علیه بالشرط، هذا إذا لم یکن الشرط العقد المتعقب بالعمل، وإلا نافی الفسخ الشرط مما یعطی للشارط حق فسخ تلک المعاملة اللازمة.

{والظاهر} من إطلاق أدلة الشرط الشامل للمقام {أنه یجوز اشتراط عمل المضاربة علی العامل} بدون إجراء عقدها {بأن یشترط علیه أن یتجر بمقدار کذا من ماله إلی زمان کذا علی أن یکون الربح بینهما} بالتناصف أو غیره، لکن هذا لا یکون مضاربة شرعیة، ولا تترتب علیه أحکام المضاربة، فهو من قبیل شرط النتیجه الذی یصح أحیاناً، ولا یصح أحیاناً مثل شرط أن تکون زوجیة بلا عقد أو تخرج عن حبالته بلا طلاق، إلی غیر ذلک، فهو {نظیر شرط کونه وکیلاً فی کذا} فی عقد لازم، فقد یشترط إجراء عقد الوکالة، وقد یشترط العمل الخارجی المترتب أحیاناً علی الوکالة العقدیة، وعلیه فإذا شرط عقد الوکالة وعقدها کان له الفسخ، لأن الوکالة عقد جائز، وقد فعل ما شرط، واحتمال لزوم العمل فی الجملة فی الوکالة والمضاربة علی ما ذکره بعض المعلقین لأن صرف العقد لیس مقصوداً للعقلاء، غیر تام، إذ قد یکون صرف العقد مقصوداً.

{وحینئذ} إذا کان الشرط عمل المضاربة، لا عقد المضاربة {لا یجوز} أی لا یصح {للمشروط علیه فسخها} إذ لیس عقداً حتی یقبل الفسخ، بل اللازم

ص:222

کما فی الوکالة.

إیقاع المضاربة بعنوان الجعالة

الثامنة: یجوز إیقاع المضاربة بعنوان الجعالة کأن یقول: إذا اتجرت بهذا المال وحصل ربح فلک نصفه

علی المشروط علیه العمل {کما فی} شرط {الوکالة} عملاً حیث لا یقبل الفسخ.

{الثامنة: یجوز إیقاع المضاربة بعنوان الجعالة، کأن یقول: إذا اتجرت بهذا المال وحصل ربح فلک نصفه}، أو یقول: من اتجر بهذا المال وربح فله نصفه، وذلک لإطلاق أدلة الجعالة الشاملة للمقام، والفرق أن الجعالة إیقاع والمضاربة عقد، وهذا الذی ذکره الماتن هو الذی سکت علیه المعلقون ممن وجدت تعلیقاتهم إلا السیدان البروجردی والحکیم.

فقال الأول: (إن قلنا بصحة الجعالة مع عدم معلومیة الجعل بحسب الکمیة وعدم وجوده حال عقدها وهو محتاج إلی التأمل).

وفیه: أن لا وجه للتأمل بعد کون الأمر عقلائیاً ولم یردع منه الشارع، واحتمال أنه غرر فیشمله نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عن الغرر، غیر تام، إذ لیس غرراً عرفیاً، وقد ذکرنا فی بعض مباحث الکتاب أن ما ذهب إلیه الشیخ المرتضی (رحمه الله) من أخصیة دائرة الغرر الشرعی عن الغرر العرفی بحاجة إلی التأمل، لأن الشارع لم یبین الموضوع، فاللازم أخذه من العرف، فلا یکون بینهما إلا التساوی.

وقال الثانی: (المضاربی مخالفة لقاعدة کون الربح لصاحب الأصل التی هی مقتضی المعاملة، ولکن بنی علیها للدلیل الخاص، وهذا الدلیل لم یکن فی

ص:223

فیکون جعالة تفید فائدة المضاربة، ولا یلزم أن یکون جامعاً لشروط المضاربة، فیجوز مع کون رأس المال من غیر النقدین أو دیناً أو مجهولاً جهالة لا توجب الغرر

الجعالة، وعلیه فلا تصح فی المقام لمخالفتها، لقاعدة لزوم رجوع الربح إلی المالک).

وفیه أولاً: قد تقدم أن مقتضی القاعدة کون الربح لهما المالک والعامل، فلیست المضاربة مخالفة للقاعدة.

وثانیاً: إن الجعالة أمر عقلائی فتصح وإن سلم کلامه فی المضاربة، وعلیه فلا فرق بین الصورة المذکورة فی المتن، وبین أن یقول: اتجر بهذا المال فإذا ربحت أعطیتک حصة من الربح.

وکذا یصح جعل الأمر صلحاً، کأن یقول: صالحتک علی أن تعمل بهذا المال علی أن یکون نصف الربح لک، وذلک لأنه أمر عقلائی أیضاً، والشارع لم یردع عنه، فیشمله إطلاق دلیل الصلح.

وکیف کان {فیکون} ما ذکره الماتن {جعالة تفید فائدة المضاربة} بشرط أن یکون بشروط الجعالة، کأن یکون له جعل ولا یکون غرراً عرفیاً، ویکون کل منهما بالغاً عاقلاً، إلی آخر الشروط المذکورة هناک.

{ولا یلزم أن یکون جامعاً لشروط المضاربة} لأنه لیس مضاربة، کما أنه إذ أوقعاه صلحاً لزم توفر شروط الصلح فیه، لا شروط المضاربة والجعالة.

{فیجوز مع کون رأس المال من غیر النقدین} وإشکال بعض المعلقین فی ذلک غیر ظاهر الوجه، {أو دیناً أو مجهولاً لا توجب الغرر} إذ الغرر منهی

ص:224

وکذا فی المضاربة المشروطة فی ضمن عقد بنحو شرط النتیجة، فیجوز مع کون رأس المال من غیر النقدین.

الأب والجد یتجران بمال الصغیر

التاسعة: یجوز للأب والجد الاتجار بمال المولی علیه بنحو المضاربة بإیقاع عقدها

عنه مطلقاً فیشمل الجعالة، وقد تقدم الکلام حول هذا الشرط وما قبله فی شروط المضاربة.

{وکذا} لا یشترط شروط المضاربة العقدیة {فی المضاربة المشروطة فی ضمن عقد} لازم {بنحو شرط النتیجة} کما تقدم فی المسألة السابقة، وقول المسمسک: (هذا غیر ظاهر، إذ المضاربة مفهوم واحد، ولا فرق بین جعله بالأصالة وبالتبعیة، وکل ما یعتبر فی الأول یعتبر فی الثانی، فلو شرط فی حال فقد الشرائط کان الشرط مخالفاً للکتاب فیکون باطلاً) انتهی.

غیر ظاهر الوجه، إذ الکلام فی جعل الشرط نتیجة المضاربة لا عقد المضاربة، والشرائط المعتبرة إنما هی فی عقد المضاربة، ولذا سکت علی الماتن کافة المعلقین الذین ظفرت علی تعلیقاتهم.

{فیجوز مع کون رأس المال من غیر النقدین} إن قلنا باشتراطه فی المضاربة، حیث قد تقدم استظهار عدم الاشتراط، وکذا بالنسبة إلی سائر الشروط الخاصة بالمضاربة، مثل کون الربح نسبةً لا قدراً خاصاً، إلی غیر ذلک.

{التاسعة: یجوز للأب والجد الاتجار بمال المولی علیه بنحو المضاربة بإیقاع عقدها} مع نفسه بعنوان الولایة، لکن اللازم مراعاة المصلحة لهما،

ص:225

بل مع عدمه أیضاً بأن یکون بمجرد الإذن منهما، وکذا یجوز لهما المضاربة بماله مع الغیر علی أن یکون الربح مشترکاً بینه وبین العامل

أو عدم المفسدة، علی الاختلاف فی تصرفها فی شؤونه، واحتمال لزوم تعدد الموجب والقابل، بالإضافة إلی أنه غیر ظاهر الوجه حتی فی النکاح یمکن تدارکه بتوکیل الأب والجد إنساناً عنهما، أو عن الصغیر لیکون العاقد اثنین، کما یصح جعل نفسهما مالکاً والصغیر عاملاً، إذ قد تقدم عدم بعد ذلک بالنسبة إلی الصغیر، وکذلک یصح جعل الجعالة مکان المضاربة، کما قد تقدم فی المسألة الثامنة.

{بل مع عدمه أیضاً} بأن یکون علی نحو المعاطاة، فقول المستمسک: وحینئذ لا یکون مضاربة، لم یعرف وجهه، اللهم إلا أن یرید أن المصنف أراد ذلک بقرینة قوله: {بأن یکون بمجرد الإذن منهما} فیرد علی المصنف أنه لم یذکر المعاطاة إلا إذا أراد بالعقد الأعم من اللفظی والعملی.

{وکذا یجوز لهما المضاربة بماله مع الغیر} لإطلاق ولایتهما الشاملة لذلک {علی أن یکون الربح مشترکاً بینه} أی المولی علیه {وبین العامل} أو له حصة أیضاً لإشرافه، وکذا لهما الإذن للغیر فی المعاملة بماله ولهما جعله معاطاة، وعلیه فصور کون المال للصغیر ستة:

لعقد المضاربی والمعاطاة والإذن، لهما أو للغیر، ومعنی الإذن لأنفسهما الالتفات إلی أنه مال الصغیر یتعاملان معه، والربح بینهما.

وإذا صح جعل الصغیر عاملاً جاءت الأقسام الستة هنا أیضاً.

ص:226

وکذا یجوز ذلک للوصی فی مال الصغیر، مع ملاحظة الغبطة والمصلحة والأمن من هلاک المال.

الأب والجد یوصیان بالمضاربة

العاشرة: یجوز للأب والجد الإیصاء بالمضاربة بمال المولی علیه بإیقاع الوصی عقدها لنفسه أو لغیره مع تعیین الحصة من الربح أو إیکاله إلیه، وکذا یجوز لهما الإیصاء بالمضاربة فی حصة القصیر من ترکتهما

{وکذا یجوز ذلک للوصی فی مال الصغیر مع ملاحظة الغبطة والمصلحة والأمن من هلاک المال} هذا عطف تفسیر، وذلک علی ما ذکروا فی مطلق تصرفاته فی مال الصغیر.

قال سبحانه: ﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتیمِ إلا بِالَّتی هِیَ أَحْسَنُ﴾((1)).

وکذا یجوز للحاکم ووکیله بالنسبة إلی مال المجانین والغیّب وما أشبه، لأدلة الولایة، علی الحدود التی ذکروها فی ولایة الفقیه.

{العاشرة: یجوز للأب والجد الإیصاء بالمضاربة بمال المولی علیه} بأن یوصیا {بإیقاع الوصی عقدها} وذلک لإطلاق أدلة ولایتهما حتی للوصیة بشؤون المولی علیه، وکذا یجوز لهما الوصیة بالعمل المضاربی علی نحو النتیجة بدون العقد، کما تقدم ذلک فی غیر مال الصغیر، {لنفسه} بأن یکون العامل عاملاً للصغیر {أو لغیره} أو لهما {مع تعیین الحصة من الربح أو إیکاله إلیه} أی إلی الوصی لیعمل حسب المصلحة.

{وکذا یجوز لهما الإیصاء بالمضاربة فی حصة القصیر من ترکتهما} وهذا

ص:227


1- سورة الأنعام: الآیة 152

بأحد الوجهین، کما أنه یجوز ذلک لکل منهما بالنسبة إلی الثلث المعزول لنفسه، بأن یتجر الوصی به أو یدفعه إلی غیره مضاربة ویصرف حصة المیت فی المصارف المعینة للثلث

بخلاف السابق، حیث کانت الوصیة بالنسبة إلی مال المولی علیه المملوک حال الوصیة.

وکذا یجوز قسم ثالث، وهو ما إذا یحصل المولی علیه مالاً فی المستقبل لا من ترکة الأب والجد کأن یوصی بالمضاربة بما یحصله من إرث أمه، أو ما یحصله جائزة علی درسه مثلاً {بأحد الوجهین} لنفسه أو لغیره، إلی آخره.

وکذا المضاربة ونتیجة المضاربة، ولم یعلم وجه لإشکال السید الجمال بأن الإیصاء مطلقاً لا یخلو من إشکال، إلا أن یقال إنه لا إطلاق فی دلیل ولایتها یشمل مثل هذا الإیصاء، وفیه: إنه بالإضافة إلی الإطلاق یدل علیه ما یأتی من الخبرین.

{کما أنه یجوز ذلک لکل منهما بالنسبة إلی الثلث المعزول لنفسه} وهما من باب المثال، وإلا فلا فرق بین الأب والجد وغیرهما فی هذا، وإنما نقول به لإطلاق أدلة الوصیة الشاملة للمقام أیضاً، واحتمال أن الثلث غیر مملوک لأحد، ولا مضاربة إلا فی المملوک، مردود بأن الملک أمر اعتباری، والعرف والشرع جعلاه للمیت.

{بأن یتجر الوصی به أو یدفعه إلی غیره مضاربة ویصرف حصة المیت فی المصارف المعنیة للثلث} أو یصرفه فیما یراه صلاحاً، أو یشتری بالربح داراً أو دکاناً مثلاً ویصرف ربحه فی المصارف، أو یجعل تلک الدار مدرسة للطلاب مثلاً، إلی غیر ذلک مما هو مشمول لإطلاق الأدلة.

ص:228

وکذا یجوز الإیصاء منهما بالنسبة إلی حصة الکبار أیضاً

{وکذا یجوز الإیصاء منهما بالنسبة إلی حصة الکبار} من الإرث {أیضاً} کما ذکره المحقق، وقال فی المسالک: المصنف وأکثر الجماعة أطلقوا الصحة فی الورثة الشامل للمکلفین.

وعن الکفایة أن المشهور لم یعتبروا کون الأولاد صغاراً، وقد استندوا فی ذلک إلی الروایة الآتیة فی المسألة، وإلی أنه مقتضی القاعدة، وفی کلا الأمرین إشکال کما سیأتی.

وفی قبال هذا القول ما یحکی عن ابن إدریس من المنع حتی فی مال الصغار، وکأنه لأن ولایتهما تنقطع بموتهما، وفیه: ما عرفت.

وأعدل الأقوال هو حق الوصیة بالنسبة إلی الصغار، والثلث وعدم حقهما بالنسبة إلی حق الکبار، لأنه خلاف قاعدة سلطنة الناس علی أموالهم، نعم لو وصی الأب والجد بالنسبة إلی الکبار، وأمضوا صح، ولیس لهم الرجوع بعد الموت، لما دل علی لزوم الوصیة إذا قبله الموصی إلیه، فإنه کما یرفع القبول النفوذ بالنسبة إلی نفس الإنسان یرفع النفوذ بالنسبة إلی ماله.

وعلی هذا، فلو أوصی بالنسبة إلی أموال الکبار ولم یجیزوا الوصیة، لا فی حال حیاته ولا بعد موته، وعمل الوصی بما أوصی کانت المعاملة فضولیة إن شاؤوا أجازوا المضاربة أو البیع الذی تبعها، وإن شاؤوا لم یجیزوا، وقد تقدم الکلام فی مثل ذلک فی مسألة کون رأس المال لغیر المضارب.

ولو أوصی الأب والجد، والابن صغیر، وقبل عمل الوصی فی ماله بالمضاربة کبر، لم یصح له التصرف لانقطاع الولایة بکبره، ولو کبر وجن انتقلت الولایة إلی الحاکم الشرعی علی ما ذکروا، فلا حق للوصی، بل وإن اتصل جنونه بصغره، وإن أشکلنا علی ذلک فی بعض مباحث الفقه.

ص:229

ولا یضر کونه ضرراً علیهم من حیث تعطیل مالهم إلی مدة، لأنه منجبر بکون الاختیار لهم فی فسخ المضاربة وإجازتها، کما أن الحال کذلک بالنسبة إلی ما بعد البلوغ فی القصیر فإن له أن یفسخ

وحیث قد عرفت الإشکال فی الوصیة بالنسبة إلی مال الکبار تعرف الإشکال فی قوله: {ولا یضر کونه ضرراً علیهم من حیث تعطیل مالهم إلی مدة} إذ سواء کان ضرراً أو ربحاً أو لیس أحدهما لا حق للمیت فی الوصیة المذکورة ولا حق للوصی فی التنفیذ، هذا بالإضافة إلی أن إطلاقه أنه ضرر علیهم غیر تام، إذ لیس ذلک یلازم الضرر، کما أشار إلیه المستمسک.

وتعلیله بقوله: {لأنه منجبر بکون الاختیار لهم فی فسخ المضاربة وإجازتها} غیر ظاهر الوجه، لأنه إن لم یکن للمیت والوصی حق، فلا حق حتی یحتاج إلی التعلیل، فهو مثل أن یقال بصحة وکالة أجنبی لزید فی المضاربة بمال عمرو فهل یصح أن یعلل ذلک ب_ (لأنه منجبر ...) وإن کان للمیت حق فهو حقه، سواء کان انجبار أم لا.

ومنه یعلم أن إشکال المستمسک علی الماتن بقوله: (إذا کانت الوصیة إضراراً بالورثة فهی باطلة بلاحاجة إلی الفسخ، لا أنها صحیحة ویکون للوارث الفسخ) انتهی.

غیر ظاهر الوجه، لأنه إذا لم یکن حق المیت والوصی فلا یقع الکلام فی أنه إضرار أو لا، بل یکون ذلک حینئذ من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

{کما أن الحال کذلک بالنسبة إلی ما بعد البلوغ فی القصیر، فإن له أن یفسخ

ص:230

أو یجیز، وکذا یجوز لهما الإیصاء بالاتجار بمال القصیر علی نحو المضاربة، بأن یکون هو الموصی به لا إیقاع عقد المضاربة، لکن إلی زمان البلوغ أو أقل، وأما إذا جعل المدة أزید فیحتاج إلی الإجارة بالنسبة إلی الزائد

أو یجیز} لأنه بالبلوغ یملک أمره وتنقطع الولایة عنه، کما هو واضح.

ومنه یعلم أن ذکر المستمسک الإضرار به وعدمه لم یظهر له محل.

{وکذا یجوز لهما} الأب والجد {الإیصاء بالاتجار بمال القصیر علی نحو المضاربة، بأن یکون هو الموصی به لا إیقاع عقد المضاربة} فیوصی بنتیجة العقد، لا بالعقد نفسه، کما سبق مثل ذلک فی بعض المسائل السابقة، وألمعنا إلیه فی هذه المسألة.

ومنه یعلم أن قول المستمسک: (یعنی تکون الوصیة إنشاءً للمضاربة بعد الموت نظیر الوصیة التملیکیة التی هی إنشاء للتملیک بعد الموت) غیر ظاهر الوجه.

{لکن إلی زمان البلوغ أو أقل} إذ لا حق للولی فی الولایة بعد زمان البلوغ، {وأما إذا جعل المدة أزید فیحتاج إلی الإجازة بالنسبة إلی الزائد} من القصیر بعد أن بلغ، لأنه ماله وله الولایة فیه.

وقول المستمسک بأن الوصیة إذا لم تکن مضرة نافذة لما بعد البلوغ، غیر ظاهر الوجه، إذ نفس الولی لم یکن له ولایة لما بعد البلوغ، فکیف تکون الولایة لوصیه بعد البلوغ، فإن ذلک

ص:231

ودعوی عدم صحة هذا النحو من الإیصاء لأن الصغیر لا مال له حینه وإنما ینتقل إلیه بعد الموت ولا دلیل علی صحة الوصیة العقدیة فی غیر التملیک فلا یصح أن یکون إیجاب المضاربة علی نحو إیجاب التملیک بعد الموت

مناف لقاعدة سلطنة الناس علی أموالهم((1)).

{ودعوی عدم صحة هذا النحو} أی الوصیة بنتیجة المضاربة، {من الإیصاء} الذی ذکره بقوله: بأن یکون هو الموصی به لا إیقاع عقد المضاربة.

{لأن الصغیر لا مال له حینه} أی حین الإیصاء {وإنما ینتقل إلیه بعد الموت} فکیف یوصی الأب والجد بأن یتصرف الوصی فی مال الصغیر تصرفاً علی نحو المضاربة، فإن الوصیة تحتاج إلی المتعلق، ولا متعلق هنا، إذ متعلقها مال الصغیر، ولا مال للصغیر حال الوصیة.

{و} إن قلت: کما یصح أن یملک الموصی قبل موته، أی یوجب التملیک، کذلک یصح أن یوصی بعمل المضاربة فی مال ولده قبل موته، فذاک إیجاب تملیک وهذا إیجاب وصیة ومتعلق کلیهما مال نفسه ومال ولده بعد الموت.

قلت: {لا دلیل علی صحة الوصیة العقدیة} أی عقد الوصیة المتعلقة بالمال {فی غیر التملیک} فیصح أن یقول: کتابی ملک فلان بعد موتی، ولا یصح أن یقول: نقد ولدی یضارب به بعد موتی.

{فلا یصح أن یکون إیجاب المضارب علی نحو إیجاب التملیک بعد الموت}

ص:232


1- بحار الأنوار: ج2 ص273

مدفوعة بالمنع، مع أنه الظاهر من خبر خالد بن بکر الطویل فی قضیة ابن أبی لیلی السالمی، وموثق محمد بن مسلم المذکورین فی باب الوصیة

إذ ثبت ذلک فی التملیک، ولم یثبت ذلک فی الوصیة بنتیجة عقد المضاربة، وکأن المستمسک استظهر من لفظ (الإیجاب) فی کلام المصنف إنشاء المضاربة، ولذا فسر عبارته السابقة (بأن یکون هو الموصی به) بما ذکره فی شرحه (یعنی تکون الوصیة إنشاءً للمضاربة)، وأشکل علی الماتن هنا: (لأن الصغیر لا مال له حینه) بقوله: (هذا لا دخل له فی الإشکال. إلخ) مع أن الظاهر من عبارة المصنف ما فسرناه فراجع کلامه.

{مدفوعة بالمنع} إذ عدم مال للصغیر حین الوصیة لا یمنع أن یوصی بأنه لدی حصول المال به یعمل به عمل المضاربة، کما لا یمنع من أن یوصی أن یعقد علی ماله عقد المضاربة.

فأولاً: إطلاق أدلة الوصیة یشمله.

وثانیاً: {مع أنه الظاهر من خبر خالد بن بکر الطویل فی قضیة أبن أبی السالمی، وموثق محمد بن مسلم المذکورین فی باب الوصیة}

والأول حجة أیضاً لروایة المشایخ الثلاثة له، ولأنه رواه من هو من أصحاب الإجماع، فقد روی محمد بن أبی عمیر، عن عبد الرحمان بن الحجاج، عن خالد بن بکر الطویل، قال: دعانی أبی حین حضرته الوفاة فقال: یا بنی اقض مال أخوتک الصغار واعمل به وخذ نصف الربح وأعطهم النصف ولیس علیک ضمان، فقد تبین أم ولد أبی بعد وفاة أبی إلی ابن أبی لیلی فقالت: إن هذا کل أموال ولدی، قال: فاقتصصت علیه ما أمرنی به، فقال لی ابن أبی لیلی: إن کان أبوک أمرک

ص:233

بالباطل لم أجزه، ثم أشهد علی ابن أبی لیلی إن أنا حرکته فأنا له ضامن، فدخلت علی أبی عبد الله (علیه السلام) فقصصت علیه قصتی، ثم قلت له: ما تری، فقال: «أما قول ابن أبی لیلی فلا أستطیع رده، وأما فیما بینک وبین الله عزوجل فلیس علیک ضمان»((1)).

أقول: لعل ابن أبی لیلی رده، لأنه ادعی الوصیة، وتلک بحاجة إلی الشاهد، ولعل الإمام (علیه السلام) قرر ذلک حیث قال: (فیما بینک وبین الله) مثل قتل الإنسان زوجته إذا رآها تزنی، حیث إنه معذور فیما بینه وبین الله، وإن کان یحتاج إلی الإثبات عند الحاکم، کما ورد فی حدیث رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وهل الإمام أراد بقوله: (لا أستطیع رده) أنه حکم صحیح أو لتقیة من القاضی الجائر، أو لأن المستفتی لا یمکن من أن یعمل بالوصیة لأذیة القاضی له، احتمالات.

والموثق هو ما رواه المشایخ الثلاثة (رحمهم الله) عن محمد بن مسلم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، أنه سئل عن رجل أوصی إلی رجل بولده وبمال لهم وأذن له عند الوصیة أن یعمل بالمال، وأن یکون الربح بینه وبینهم، فقال: «لا بأس به من أجل أن أباه قد أذن له فی ذلک وهو حی»((2)).

وظاهر الخبرین لیس إیجاب المضاربة، بل الوصیة بعمل المضاربة، کما لیس

ص:234


1- الوسائل: ج13 ص478 الباب 92 من أبواب أحکام الوصایا ح2
2- انظر الوسائل: ج13 ص478 الباب 92 من أبواب أحکام الوصایا ح1. الفقیه: ج4 ص228 ح5538

وأما بالنسبة إلی الکبار من الورثة فلا یجوز بهذا النحو، لوجوب العمل بالوصیة وهو الاتجار فیکون ضرراً علیهم

وصیة بعقد المضاربة، فما فهمه المصنف _ حسب ما استظهرناه منه، لا کما فهمه المستمسک منه _ هو الظاهر، والکلام فی تفصیل ما فی الروایتین خارج عن محل البحث فی المضاربة، ولذا ترکناه لموضعه، وحیث إن ظاهرهما علی الوصی المضاربة لا وجه لاحتمالات المستمسک فی المراد من عبارة الموصی، فراجع کلامه.

وکیف کان، فالوصیة بالعقد وبالعمل کلاهما صحیح.

{وأما بالنسبة إلی الکبار من الورثة فلا یجوز} لا بنحو الوصیة بالعقد، ولا بنحو الوصیة بالعمل المضاربی، کما أفتی بعدم الجواز غیر واحد، لأنه خلاف سلطنتهم علی أموالهم، والروایتان أولاهما فی الصغار، وثانیتهما لا إطلاق لها، حیث إن السؤال فیها عن واقعة خارجیة، والواقعة لا إطلاق لها إن لم نقل بأن ظاهرها أنهم کانوا صغاراً، لأنه المنصرف فی الوصیة بالولد ومالهم، وفی المستمسک: لا یبعد وحدة الواقعة المحکیة بالخبرین.

ثم إن المصنف فصل بین ما تقدم فأجازه بالنسبة إلی الکبار، وبین هذا النحو فقال: لا یجوز {بهذا النحو لوجوب العمل بالوصیة وهو الاتجار فیکون ضرراً علیهم} وکأنه بعد تسلیمه صحة هذه الوصیة من جهة الروایة الخاصة، لأن الوصیة السابقة بالعقد، والعقد الذی یختار الکبیر فسخه لا ضرر فیه، وهذه الوصیة بالاتجار، والاتجار لا یمکن فسخه إلا بعد مدة حتی تتحقق الوصیة، فهذه المدة

ص:235

من حیث تعطیل حقهم من الإرث وإن کان لهم حصتهم من الربح خصوصاً إذا جعل حصتهم أقل من المتعارف.

الحادیة عشر: إذا تلف المال فی ید العامل بعد موت المالک من غیر تقصیر فالظاهر عدم ضمانه

ضرر علی الورثة الکبار {من حیث تعطیل حقهم من الإرث وإن کان له حصتهم من الربح}، وفیه:

أولاً: إن ما یکون رابحاً لا یعد ضرراً.

وثانیاً: إن الروایة إن شملت الکبار کان اللازم العمل بها فی کلا قسمی الوصیة، وإن لم تشملهم کان اللازم عدم القول بالصحة إلاّ إذا أجازوا بأنفسهم، فالفرق علی أی حال لا یظهر له وجه.

{خصوصاً إذا جعل حصتهم أقل من المتعارف} حیث إنه ضرر ظاهر من جهة تعطیل حقهم مدة، ومن جهة تقلیل جعل ما لهم من الحصة، والکلام فی المسألة طویل موکول إلی المفصلات.

لو تلف المال فی ید العامل

{الحادیة عشر: إذا تلف المال فی ید العامل بعد موت المالک من غیر تقصیر فالظاهر عدم ضمانه} فإن بطلان المضاربة بالموت لا یخرج العامل عن کونه أمیناً إذا لم یقصر فی إیصال المال إلی ورثته ولم یتعدّ ولم یفرّط، وإنما قال: (الظاهر) لأنه فی قبال احتمال الضمان، لأن الأمانة إما مالکیة وإما شرعیة، والأمانة المالکیة مفقودة، لأن المالک الجدید وهو الوارث لم یؤمن العامل، والأمانة الشرعیة لا دلیل علیها، فیشمل المقام دلیل «علی الید» ونحوه، ولکن یرد هذا الاحتمال أن وضع المضاربة علی الأمانة حتی بعد الموت کوضع العاریة والودیعة وما أشبه، فهو

ص:236

رأس المال مشترک والعامل واحد

وکذا إذا تلف بعد انفساخها بوجه آخر.

الثانیة عشر: إذا کان رأس المال مشترکاً بین اثنین فضاربا واحداً ثم فسخ أحد الشریکین، هل تبقی بالنسبة إلی حصة الآخر أو تنفسخ من الأصل، وجهان، أقربهما الانفساخ

أمانة مالکیة، ولو شک فالأصل بقاء الأمانة، ولو لم یجر فالأصل بقاء عدم الضمان.

ومنه یعلم الحال فیما إذا مات العامل، حیث انفسخت المضاربة، فلو تلف فی ید وارثه ونحوه بدون توان فی الرد أو تعدّ وتقصیر لم یکن ضمان علیهم.

{وکذا إذا تلف المال بعد انفساخها بوجه آخر} کجنون العامل أو المالک أو ما أشبه، وذلک لنفس الدلیل المتقدم فی الفسخ.

{الثانیة عشر: إذا کان رأس المال مشترکاً بین اثنین، فضاربا واحداً ثم فسخ أحد الشریکین} حیث یجوز الفسخ فی البعض عقلاً وشرعاً وعرفاً ف_ {هل تبقی} المضاربة {بالنسبة إلی حصة الآخر، أو تنفسخ من الأصل} أو من حین الفسخ، {وجهان} بل وجوه، الظاهر أنه إن کان بنحو عقد واحد انفسخ من الأصل الحال حسب العقد، لأن العقود تتبع القصود، وإن کان بنحو عقدین انفسخ أحدهما فقط، وانفساخه إن کان بنحو ارتباط أجزائه انفسخ من الأول، وإن کان لا بنحو ارتباط أجزائه انفسخ من حین الفسخ لا من الأول.

ومنه یعلم وجه النظر فی قوله: {أقربهما الانفساخ} وکأن وجهه أنها مضاربة واحدة، فلا تتبعض بالفسخ، وقد تقدم فی بعض المسائل السابقة أن العقد الواحد قد یکون بمنزلة عقدین وعقود، ولذا یکون خیار تبعض الصفقة، وقد یکون بسیطاً لا یمکن التبعیض فیه، ولذا أشکل علی المتن غیر واحد کالسادة ابن العم

ص:237

نعم لو کان مال کل منهما متمیزاً وکان العقد واحداً لا یبعد بقاء العقد بالنسبة إلی الآخر.

لو أخذ للمضاربة وترکها لسنة

الثالثة عشر: إذا أخذ العامل مال المضاربة وترک التجارة به إلی سنة مثلاً، فإن تلف ضمن ولا یستحق المالک علیه غیر أصل المال، وإن کان آثماً فی تعطیل مال الغیر.

والحکیم والبروجردی وغیرهم، وإن کان فی إطلاق عدم الانفساخ الذی ذهب إلیه المستمسک أیضاً نظر لما عرفت.

أما قوله: {نعم لو کان مال کل منهما متمیزاً وکان العقد واحداً لا یبعد بقاء العقد بالنسبة إلی الآخر} فیرد علیه أن لیس الاعتبار بتمیز وعدم تمیز المال، بل بوحدة وعدم وحدة العقد التابعة للقصد، اللهم إلا أن یرید أن التمیز یجعل العقد عقدین بخلاف الوحدة، وحینئذ یشکل المبنی.

{الثالثة عشر: إذا أخذ العامل مال المضاربة وترک التجارة به} فی مدة یتعارف التجارة به فیها ولو لیوم، کما فی أیام زیارة الإمام الحسین (علیه السلام) حیث إن بعض التجارات یزدهر بما لیس لها ذلک الازدهار فی یوم بعد مثلاً.

فقوله: {إلی سنة مثلاً} هو من باب المثال {فإن تلف ضمن} لأنه من الخیانة، حیث لم یؤذن المالک حبس المال هذه المدة، إلا إذا کان للحبس وجه شرعی کمرض العامل مع عدم إمکان إیصاله المال إلی المالک، أو خوفه علی المال من الظالم ونحوه، حیث لا خیانة توجب الضمان.

{ولا یستحق المالک علیه غیر أصل المال، وإن کان آثماً فی تعطیل مال الغیر} کما هو المشهور بینهم، وعلله المستمسک بأنه لا موجب له والأصل البراءة،

ص:238

اشتراط العامل عدم جبران الربح للخسارة

الرابعة عشر: إذا اشترط العامل علی المالک عدم کون الربح جابراً للخسران مطلقاً، فکل ربح حصل یکون بینهما وإن حصل خسران بعده أو قبله، أو اشترط أن لا یکون الربح اللاحق جابراً للخسران السابق أو بالعکس

وإن کان آثماً فی حبسه بغیر إذن مالکه، انتهی.

لکن مقتضی القاعدة الضمان، لأن الربح حق تواه الحابس فیشمله «لا یتوی حق امرئ مسلم»((1)) ونحوه، کما ذکرنا مثله فی حبس الإنسان الحر عن عمله، أو حبس داره ودکانه عن الإیجار وهکذا.

{الرابعة عشر: إذا اشترط العامل علی المالک عدم کون الربح جابراً للخسران مطلقاً} ومعنی مطلقاً ما یفسره بالقبل والبعد {فکل ربح حصل یکون بینهما وإن حصل خسران بعده أو قبله} أو معه، کما إذا کانت له صفقتان ربح فی إحداهما وخسر فی الأخری.

{أو اشترط أن لا یکون الربح اللاحق جابراً للخسران السابق أو بالعکس} أو الربح المقارن جابراً للخسران المقارن، وذلک قد یکون بفرض عقلائی، کما إذا کان رأی المالک إرشاداً أن یتجر فی البحر بالإضافة إلی اتجاره فی البر، فقال العامل: إنه یخسر، فقال: إذا خسرت لا تجبر الخسارة بالربح مثلاً.

ص:239


1- المستدرک: ج3 ص215 باب نوادر الشهادات ح5

فالظاهر الصحة، وربما یستشکل بأنه خلاف وضع المضاربة، وهو کما تری.

لو خالف العامل المالک

الخامسة عشر: لو خالف العامل المالک فیما عینه جهلاً أو نسیاناً أو اشتباهاً، کما لو قال: لا تشتر الجنس الفلانی أو من الشخص الفلانی مثلاً، فاشتراه جهلاً، فالشراء فضولی موقوف علی إجازة المالک

{فالظاهر الصحة} لإطلاق دلیل الشرط، ولیس الجبر من مقتضیات ذات المضاربة حتی یقال بأنه خلاف مقتضی العقد.

{وربما یستشکل بأنه خلاف وضع المضاربة} لوضعها علی الجبران، ولذا قال السید البروجردی: بل الظاهر البطلان مع وحدة المضاربة، وأشکل فیه جملة من السادة کابن العم والجمال وغیرهما، وقال فی المستمسک: المنصرف من قوله (علیه السلام): «الربح بینهما والوضیعة علی المال» غیر ما ذکر.

وفیه: إنه مقتضی إطلاقها لا مقتضی ذاتها، ولذا قال المصنف: {وهو کما تری} إذ قد عرفت جواب الإشکال المذکور.

ولو شک فی شرعیة ذلک کان المرجع العرف، لأن الشارع أمضی ما لدی العرف کسائر العقود، وقد عرفت أن العرف یری أنه مقتضی الإطلاق لا مقتضی الذات.

{الخامسة عشر: لو خالف العامل المالک فیما عینه جهلاً} بمراده مما عینه {أو نسیاناً أو اشتباهاً، کما لو قال: لا تشتر الجنس الفلانی أو من الشخص الفلانی مثلاً} أو ما أشبه ذلک من الأمور المربوطة بالزمان والمکان والنقد والخصوصیات {فاشتراه جهلاً} أو نسیاناً أو اشتباهاً {فالشراء فضولی موقوف علی إجازة المالک}، وکذا إذا فعل العامل ذلک عمداً، لکن هل یکون ذلک عملاً مضاربیاً،

ص:240

وکذا لو عمل بما ینصرف إطلاقه إلی غیره، فإنه بمنزلة النهی عنه، ولعل منه ما ذکرنا سابقاً من شراء من ینعتق علی المالک مع جهله بکونه کذلک، وکذا الحال إذا کان مخطئاً فی طریقة التجارة

الظاهر التفصیل، بأنه لو کانت المضاربة منصبة علی خلاف ما عمله العامل لم یکن مضاربة، وإلا کان مضاربة ولهما حسب المقرر، حسب ما تقدم فی مسألة مخالفة شرط المالک نصاً وفتویً.

أما لو کانت المضاربة منصبة فقد سبق أن للعامل حسب حقه العقلائی من الربح المنقسم بین المال والعمل، لاحصة المضاربة ولا الأجرة، بفرض أنه لم یکن عملاً مضاربیاً ولم یکن بأمر المالک حتی تکون له أجرة المثل.

{وکذا لو عمل بما ینصرف إطلاقه} إطلاق العقد {إلی غیره} وکان ذلک المنصرف مقصوداً، فإن العقود تتبع القصود، {ف_} مراد المصنف {إنه بمنزلة النهی عنه} ذلک حیث إن النهی وعدم الإذن سواء فی النتیجة.

{ولعل منه ما ذکرنا سابقاً من شراء من ینعتق علی المالک مع جهله بکونه کذلک} لوضوح أن المالک یرید الربح فلا یرضی بما یسبب الخسران، ومقتضی القاعدة أنه لو اشتراه وأمضاه المالک أو سبق أن أطلق لذلک، أو أذن إذناً خاصاً فإن لم یکن ربح فیه، یلزم أن یتدارک بالربح، وإن کان فیه ربح کان للعامل بقدر حصته منه، وحیث عدم الابتلاء بالمسألة نترک تفصیلها.

{وکذا الحال إذا کان مخطئاً فی طریقة التجارة} خطأً لا بالنظر إلی الواقع بل بالنظر إلی المتعارف، إذ التاجر لا یعلم الواقع.

ص:241

بأن اشتری ما لا مصلحة فی شرائه عند أرباب المعاملة فی ذلک الوقت، بحیث لو عرض علی التجار حکموا بخطئه.

وحدة المالک وتعدد العامل

السادسة عشر: إذا تعدد العامل

أما ما کان خطأً حسب المتعارف کان العقد منصرفاً عنه فیکون فضولیاً، ولذا قال: {بأن اشتری ما لا مصلحة فی شرائه عند أرباب المعاملة فی ذلک الوقت} وإن کان مصلحة فی وقت آخر، کاشتراء ملابس الصیف فی الشتاء مثلاً {بحیث لو عرض علی التجار حکموا بخطئه} وقوله: (ما لا مصلحة) إنما هو من باب المثال، وإلا فالحکم کذلک إذا کانت مصلحةَ مهم فی قبال المصلحة الأهم، مثلاً کان اشتراء الخشب یربح عشرة، واشتراء الحدید یربح مائة، حیث یخطئون التجار من یترک الحدید إلی الخشب.

ولا یخفی أنه لیس معنی ذلک ملاحظة التجارة من دون ملاحظة الشرع، بل المربح منهما، فإذا کان التجار یحتکرون احتکاراً حراماً أو مکروهاً فلم یحتکر، لم یکن من مصادیق خلاف المصلحة حتی فی المکروه، إذ اتباع أوامر الشرع هو الذی صدقه الشرع من المضاربة، نعم ربما یقال فی المکروه: إنه خلاف المصلحة، لأن المالک لم یقصد ذلک والعقود تتبع القصود.

{السادسة عشر: إذا تعدد العامل} حیث قد سبق فی بعض المسائل السابقة صحة تعددهما، وقد ذکره المحقق والعلامة وشراحهما.

ص:242

کأن ضارب اثنین بمائة مثلا بنصف الربح بینهما متساویاً أو متفاضلاً، فإما أن یمیز حصة کل منهما من رأس المال کأن یقول: علی أن یکون لکل منه نصفه، وإما لا یمیز، فعلی الأول الظاهر عدم اشتراکهما فی الربح والخسران والجبر إلا مع الشرط

{کأن ضارب اثنین بمائة مثلاً بنصف الربح} للعاملین أو ثلثه أو غیر ذلک {بینهما متساویاً أو متفاضلاً} مطلقاً، أو فی الجملة، کان یکون متساویاً لهما فی الصیف ومتفاضلاً بینهما فی الشتاء، کل ذلک لإطلاق أدلة المضاربة.

{فإما أن یمیز حصة کل منهما من رأس المال، کأن یقول: علی أن یکون لکل} منهما {منه} أی من المال {نصفه} أو یقول: لیعمل زید فی النقد الذهبی، لأنه أعلم بارتفاعاته وإنخفاضاته، ولیعمل عمرو فی النقد الفضی، الذین کون منهما رأس المال.

{وإما لا یمیز، فعلی الأول الظاهر عدم اشتراکهما فی الربح والخسران والجبر} أی جبر الربح للخسران، وذلک لأنهما مضاربتان لا مضاربة واحدة، والشرع والعرف دلا علی أن الأمور الثلاثة مرتبطة بکل مضاربة لنفسها {إلا مع الشرط} فیشمله إطلاق أدلة الشرط، وهذا هو الذی اختاره معظم المعلقین، منهم السیدان ابن العم والجمال، خلافاً للسیدین البروجردی والحکیم.

فقد قال الأول: لکن معه یشکل بقاء عنوان المضاربة.

وقال الثانی: الظاهر البطلان مع وحدة المضاربة.

وفیهما: إنه لا وجه للبطلان والإشکال إلا لعدم کونه مضاربة عرفیة فلا تشملها الأدلة الشرعیة، وفیه: إن العرف

ص:243

لأنه بمنزلة تعدد العقد، وعلی الثانی یشترکان فیها وإن اقتسما بینهما فأخذ کل منهما مقداراً منه، إلا أن یشترطا عدم الاشتراک فیها، فلو عمل أحدهما وربح وعمل الآخر ولم یربح أو خسر یشترکان فی ذلک الربح ویجبر به خسران الآخر

یساعد علی کونه مضاربة، وإنما لا یشترکان بدون الشرط {لأنه بمنزلة تعدد العقد} ومع التعدد لا وجه للاشتراک، {وعلی الثانی} أی مع عدم تمیز رأس المال، کما هی العادة فی إعطاء المال لاثنین یعملان معاً فیه، {یشترکان فیها} أی فی الربح والخسران والجبر، لأنه مضاربة واحدة عرفاً وشرعاً، والمضاربة الواحدة تکون هکذا.

{وإن اقتسما بینهما فأخذ کل منهما مقداراً منه} وتاجر فیه تجارة غیر التجارة التی تاجر بها غیره، أو سافر أحدهما براً والآخر بحراً، إلی غیر ذلک.

{إلا أن یشترطا عدم الاشتراک فیها} فی الربح والخسران والجبر، وأشکل علی مثل هذا الشرط جماعة من المعلقین، وکأنه لأنه خلاف مقتضی العقد مع أنه خلاف مقتضی الإطلاق، فالأقوی ما ذکره المصنف.

والظاهر أن الشرط یلزم أن یکون بین المالک والعاملین لا بینهما، إذ لا وجه للزوم الشرط بینهما، وإن شرطا بینهما فی ضمن عقد لازم لزم باعتبار نقل بعض حصة أحدهما إلی الآخر، ومثله فی تدارک الخسران من أحدهما بالربح من الآخر.

وعلیه {فلو عمل أحدهما وربح وعمل الآخر ولم یربح أو خسر، یشترکان فی ذلک الربح، ویجبر به خسران الآخر} فالربح لهما کما لو کانا عاملاً واحداً

ص:244

بل لو عمل أحدهما وربح ولم یشرع الآخر بعدُ فی العمل فانفسخت المضاربة، یکون الآخر شریکاً وإن لم یصدر منه عمل، لأنه مقتضی الاشتراک فی المعاملة، ولا یعد هذا من شرکة الأعمال کما قد یقال، فهو نظیر ما إذا آجرا نفسهما لعمل بالشرکة، فهو داخل فی عنوان المضاربة لا الشرکة

{بل لو عمل أحدهما وربح ولم یشرع الآخر بعدُ فی العمل ف_} فسخ أحد الثلاثة المالک أو العامل الرابح أو غیره، أو {انفسخت المضاربة} بموت ونحوه {یکون الآخر شریکاً، وإن لم یصدر منه عمل} حسب الشرط.

وقد قوی ذلک الجواهر، وأیده المستمسک، وسکت علیه معظم المعلقین منهم السادة ابن العم والجمال والبروجردی، وإن أشکل علیه بعضهم، وکأنه لأنه خلاف مقتضی المضاربة.

وفیه: ما تقدم مکرراً من أنه خلاف إطلاقه.

{لأنه مقتضی الاشتراک فی المعاملة، ولا یعد هذا من شرکة الأعمال} الباطلة، کما حقق فی کتاب الشرکة.

{کما قد یقال} بأنه من شرکة الأعمال فلا تصح، وهل مراد المصنف أن بذلک قولاً منا، أو أشار به إلی قول المالک من العامة، کما فی المستمسک، لایهم ذلک بعد صحته حسب مقتضی القاعدة.

{فهو نظیر ما إذا آجر أنفسهما لعمل} کخیاطة ثوب المستأجر {بالشرکة} هذا من تتمة کما قد یقال، فکما أنه باطل کذلک المقام، وإنما لا تشبه المضاربة شرکة الأعمال لما أشار إلیه بقوله: {فهو داخل فی عنوان المضاربة لا الشرکة} ولا تلازم بین أحکام الشرکة وأحکام المضاربة.

ص:245

کما أن النظیر داخل فی عنوان الإجارة.

السابعة عشر: إذا أذن المالک للعامل فی البیع والشراء نسیئة، فاشتری نسیئة وباع کذلک، فهلک المال فالدین فی ذمة المالک، وللدیان إذا علم بالحال أو تبین له بعد ذلک الرجوع علی کل منهما

{کما أن النظیر} فی إجارتهما لعمل بالشرکة {داخل فی عنوان الإجارة} فاللازم ملاحظة قوانین الإجارة فی مثل ذلک، وقد ذکرنا فی بعض مباحث الفقه إلی أن العمل الواحد بغایة واحدة یمکن أن یکون صحیحاً إذا أوجبناه بمعاملة، ویکون غیر صحیح إذا أوجبناه بمعاملة أخری، کالجهالة فی الصلح حیث لا تضر، بینما تضر مثلها فی البیع، وذلک لأن حدود وأحکام کل معاملة تختلف مما تختلف معها الخصوصیات، وکذلک حال العقلاء فی أغراضهم، حتی مع قطع النظر عن الشرع.

إذن المالک لمعاملة النسیئة

{السابعة عشر: إذا أذن المالک} بمقتضی إطلاق العقد، أو صریحاً وإن لم یقتض العقد ذلک {للعامل فی البیع والشراء نسیئةً، فاشتری نسیئة وباع کذلک} أو فعل أحدهما {فهلک المال، فالدین فی ذمة المالک} لأن المال له والعامل بمنزلة الوکیل، لکن لابد وأن تکون المضاربة مطلقة، إذ لو کانت مشروطة بتحمل العامل کل الخسارة أو بعضها فالدین یکون فی ذمة العامل فی الأول، ویکون بالنسبة إلی تحمل العامل فی ذمته فی الثانی.

{وللدیان إذا علم بالحال} من الأول {أو تبین له بعد ذلک} بأنه مال المضاربة وطرفه العامل لا المالک {الرجوع علی کل منهما} إن کان العامل باقیاً علی عمله، کما قید به السید البروجردی، وإلا فهو قد أصبح أجنبیاً، والأجنبی لا یطالب

ص:246

فإن رجع علی العامل وأخذ منه رجع هو علی المالک، ودعوی أنه مع العلم من الأول

بعد علم الدائن بأنه لا یرتبط بالمعاملة.

{فإن رجع} الدیان {علی العامل وأخذ منه، رجع هو علی المالک} لأنه عامل من قبله، وقد فرض أن الخسارة لیست علی العامل بل علی المالک، ووجه الرجوع إلی العامل مع علمه بأنه لیس له ما ذکره الجواهر من أن ذلک من أحکام ولی العقد، یعنی أن العرف یرون الرجوع إلی العاقد الذی عقد لیأخذ المبیع ویعطی الثمن، ولم یثبت من الشارع الردع عنه، فیدل علیه إطلاق أدلة العقود شرعاً، وکذا الحال فی الوکالة والمأذون فی المعاملة ونحوهما، ولذلک بنوا علی جواز الرجوع إلی کل من الوکیل والموکل، وإن علم بأنه وکیل من أول الأمر، نعم لو أبی الموکل تسلیم الشیء _ ثمناً أو مثمناً _ للوکیل کان المدعی علیه هو الموکّل، إذ لا وجه للدعوی علی الوکیل.

{ودعوی أنه مع العلم من الأول} کان ذکر الأول من باب أنه لو لم یعلم من الأول کان مغروراً، وإن تبین له بعد ذلک، و«المغرور یرجع إلی من غر».

لکن فیه أولاً: لیس کل من لم یعلم أن طرفه وکیل مغروراً، إذ أغلب الناس یبیعون فی مقابل مال، ولا یهمهم أن الطرف أصیل أو وکیل، ومثل هذا لا یسمی مغروراً.

وثانیاً: إنه علی فرض الغرور له أن یرجع إلی المباشر إذا أبی الأصیل

ص:247

لیس له الرجوع علی العامل لعلمه بعدم اشتغال ذمته، مدفوعة بأن مقتضی المعاملة ذلک خصوصاً فی المضاربة، وسیما إذا علم أنه عامل یشتری للغیر ولکن لم یعرف ذلک الغیر أنه من هو ومن أی بلد

وإلا فلا وجه للرجوع إلی المباشر وهو قادر علی الرجوع إلی الأصیل وهو غیر آب عن الوفاء، وعلیه فالحکم کذلک إذا تبین له بعد ذلک، فی غیر صورة الغرور.

{لیس له الرجوع علی العامل، لعلمه بعدم اشتغال ذمته} ولماذا یرجع إلیه وغیره المدیون، وکأنه لذا قال الشرائع: إذا اشتری لموکّله کان البائع بالخیار إن شاء طالب الوکیل وإن شاء طالب الموکل، والموجه اختصاص المطالبة بالموکل مع العلم بالوکالة، واختصاص الوکیل مع الجهل بذلک، {مدفوعة بأن مقتضی المعاملة ذلک} لما تقدم وجهه من الجواهر.

{خصوصاً فی المضاربة} والمزارعة والمساقاة، لأن العامل مفوض إلیه، والمالک غیر مربوط بالمعاملة.

{وسیما إذا علم أنه عامل یشتری للغیر ولکن لم یعرف ذلک الغیر} بشخصه {أنه من هو ومن أی بلد} مثلاً، قال فی المستمسک: فی وجه (سیما) فإنه لو لا جواز الرجوع علی العالم لم یقدم علی المعاملة معه أحد، لما فی ذلک من الخطر العظیم.

أقول: لا یخفی أن هذا وجه استحسانی لا أنه دلیل شرعی.

ص:248

ولو لم یتبین للدیان أن الشراء للغیر، یتعین له الرجوع علی العامل فی الظاهر، ویرجع هو علی المالک.

الثامنة عشر: یکره المضاربة مع الذمی، خصوصاً إذا کان هو العامل، لقوله: «لا ینبغی للرجل المسلم أن یشارک الذمی ولا یبضعه بضاعة،

{ولو لم یتبین للدیان أن الشراء للغیر، یتعین له الرجوع علی العامل فی الظاهر} إذا أراد إنقاذ حقه، إذ لا غیر فی نظره صرف له، فهو من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

{ویرجع هو علی المالک} لأنه الأصیل حقیقة الذی دخل البدل فی کیسه، فاللازم أن یخرج ما بإزاء البدل من کیسه حسب حکم العوض والمعوض، وإن ذکرنا فی بعض المباحث السابقة أن العوضین یمکن أن یکون لهما طرفان أو ثلاثة أو أربعة، إلا أن المتعارف أولیاً التقابل بین الأمرین، فیدخل العوض فی کیس من خرج المعوّض من کیسه وبالعکس.

ولو لم یتمکن البائع من قبض ثمنه من العامل أو المضارب، وکانت العین موجودة استرجعها ممن عنده عاملاً أو مالکاً، لأنها عین ماله، فلا یرجع الأمر إلی البدل، مثلاً أو قیمةً.

وفی المقام مسائل کثیرة مربوطة بباب الوکالة وغیرها.

کراهة المضاربة مع الذمی

{الثامنة عشر: یکره المضاربة مع الذمی خصوصاً إذا کان هو العامل، لقوله} أی أبی عبد الله (علیه السلام) فیما رواه علی بن رئاب فی الصحیح: {«لا ینبغی للرجل المسلم أن یشارک الذمی، ولا یبضعه بضاعة»((1))} فإنه یستفاد منه المضاربة، إما

ص:249


1- المستدرک: ج2 ص500 الباب 1 من أبواب الشرکة ح1. الوسائل: ج13 ص176 الباب 2 من أبواب الشرکة ح1

ولا یودعه ودیعة ولا یصافیه المودة»، وقوله (علیه السلام): «إن أمیر المؤمنین (علیه السلام) کره

إطلاقاً أو أن المنصرف منه المضاربة، إذ لا یراد بها الاصطلاح، وإن لم یسلم کلا الأمرین کان المناط محکماً {«ولا یودعه ودیعة، ولایصافیه المودةQ}.

أقول: قال سبحانه: ﴿لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الآخر یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾((1)).

وقال سبحانه: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَی الْکفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ﴾((2)).

ولا ینافی هذا قول علی (علیه السلام) کما فی نهج البلاغة: «الناس صنفان، إما أخ لک فی دین أو نظیر لک فی الخلق»((3))، إذ قوله (علیه السلام) فی جهة إجراء القانون، وقوله سبحانه فی جهة المعاشرة، وقرینة ذلک (رحماء بینهم)، وأن علیاً (علیه السلام) کان یأمر عامله مالک بذلک.

أما اشتغال علی (علیه السلام) عند بعض الیهود کما فی البحار، فقد کان ذلک اضطراراً، أو استدراجاً له إلی الإسلام، کما استدرجت فاطمة (علیها السلام) عائلة یهودیة بذهابها إلی عرسهم، کما فی بعض التواریخ.

{وقوله (علیه السلام)} کما عن الکافی: {«إن أمیر المؤمنین (علیه السلام) کره

ص:250


1- سورة المجادلة: الآیة 22
2- سورة الفتح: الآیة 29
3- نهج البلاغة: الخطبة 52

مشارکة الیهودی والنصرانی والمجوسی إلا أن تکون تجارة حاضرة لا یغیب عنها المسلم»، ویمکن أن یستفاد من هذا الخبر کراهة مضاربة من لا یؤمن منه فی معاملاته من الاحتراز عن الحرام.

المضاربة علی نقد کلی

التاسعة عشر: الظاهر صحة المضاربة علی مائة دینار مثلاً کلیاً

مشارکة الیهودی والنصرانی والمجوسی إلا أن تکون تجارة حاضرة»} نقداً {«لا یغیب عنها المسلم»}((1)).

ویمکن أن یکون وجه الکراهة تقویة الکفار، واحتمال الخیانة، أو ما ذکره المصنف بقوله: {ویمکن أن یستفاد من هذا الخبر کراهة مضاربة من لا یؤمن منه فی معاملاته من الاحتراز عن الحرام}، وبهذا یظهر أن الذمی من باب المثال فیه یشمل کل کافر، وإن کان المناط غیر مقطوع به، حیث من المحتمل أن أهل الکتاب له خصوصیة فی الکراهة.

وکیف کان، فقوله سبحانه: ﴿لا یَنْهاکمُ اللَّهُ عَنِ الَّذینَ لَمْ یُقاتِلُوکمْ فِی الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوکمْ مِنْ دِیارِکمْ أن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إنّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطینَ﴾((2)) لا ینافی الکراهة المذکورة لأنه فی قبال ﴿إنما یَنْهاکمُ اللَّهُ﴾((3)) الآیة، وإن کان ربما یتوهم أن البر غیر قابل للتخصیص، ومن أقسامه التجارة والشرکة وما أشبه.

وکیف کان فالوقوف علی النص أسلم، وأن للتسامح فی أدلة السنن باباً واسعاً، والله العالم.

{التاسعة عشر: الظاهر صحة المضاربة علی مائة دینار مثلاً کلیاً} وإنما کان

ص:251


1- الوسائل: ج13 ص176 الباب 2 من أبواب الشرکة ح2
2- سورة الممتحنة: الآیة 8
3- سورة الممتحنة: الآیة 9

فلا یشترط کون مال المضاربة عیناً شخصیة، فیجوز إیقاعهما العقد علی کلی ثم تعیینه فی فرد، والقول بالمنع لأن القدر المتیقن العین الخارجی من النقدین ضعیف، وأضعف منه احتمال المنع حتی فی الکلی فی المعین، إذ یکفی فی الصحة العمومات.

الظاهر ذلک، لإطلاق أدلة المضاربة وکون مثلها عقلائیة فلا مانع منها، {فلا یشترط کون مال المضاربة عیناً شخصیة، فیجوز إیقاعهما العقد علی کلی ثم تعیینه فی فرد} خارجی، وبذلک یظهر وجه النظر فی کلام المستمسک، حیث قال: (لا یخفی أن الکلی إذا لم یکن خارجیاً ولا ذمیاً لم یقبل أن یکون مملوکاً، فضلاً عن أن یکون موضوعاً للمضاربة، لأن المضاربة إنما تکون من المالک) انتهی.

إذ فیه: إن الکلی حقیقة، ولیس مراد المصنف الکلی الذی لیس فی الخارج ولا فی الذمة، وهل یمکن أن یقال بکلی لیس فی أحدهما.

{و} کیف کان، ف_ {القول بالمنع لأن القدر المتیقن} من أدلة المضاربة {العین الخارجی} المشخصة {من النقدین ضعیف}، کیف والعقلاء یجرون کثیراً من معاملاتهم علی الکلیات، خصوصاً فی النسیئة والسلف، بل وفی الکالی بالکالی وإن لم یجوزه الشرع، وأصالة عدم ترتب المضاربة التی ذکرها المستمسک لا محل لها بعد کونها عقلائیة، فشتملها أدلة المضاربة الشرعیة.

{وأضعف منه احتمال المنع حتی فی الکلی فی المعین} وقد تقدم صحتها فیه فی أول الکتاب {إذ یکفی فی الصحة العمومات} فالکلی المطلق والکلی فی المعین والکسر المشاع والعین الشخصیة کلها یصح أن یتعلق بها المضاربة.

ص:252

متمم العشرین: لو ضاربه علی ألف مثلاً فدفع إلیه نصفه فعامل به، ثم دفع إلیه النصف الآخر، فالظاهر جبران خسارة أحدهما بربح الآخر، لأنه مضاربة واحدة

ومنه یعلم صحة جعل بعض مال المضاربة أحدها وبعضها قسماً آخر، کمائة دینار نقداً ومائة کلیاً، إلی غیر ذلک، کما یصح جعل حصة العامل علی نحو الکسر المشاع أو الکلی فی المعین، فللعامل النصف من الربح بحیث إذا تلف شیء یتلف من العامل أیضاً، أو بحیث لا یتلف منه، کما تقدم إلالماع إلی ذلک.

{متمم العشرین}، الظاهر عدم صحة لفظ (متمم) وإن ذکره بعض، إذ هذا هو العشرون، لا أنه متمم له، فکما لا یصح أن یقال للدار: متمم الدار، إلا للجزء الأخیر منها، لا یصح أن یقال: متمم العشرین إلا للجزء الأخیر منه.

إن قلت: ذلک باعتبار أن المسائل عشرون، وهذا آخرها.

قلت: فاللازم أن یقال متمم العاشر، وهکذا، فکما أن التاسع والعاشر ونحوهما جزء، فإن صح إضافة التمم فی بعضها صح فی البعض الآخر، وإلا لم یصح، غایة الأمر أن یکون ذلک خلاف وحدة السیاق، وکفی به خلافاً للبلاغة، ولذا لا تجد فی کلام البلغاء من هذا عین ولا أثر، ومن راجع خصال الصدوق (رحمه الله) لم یجد للفظ المتمم فی أخیر أعداد الخصال ولا مرة واحدة.

وکیف کان {لو ضاربه علی ألف مثلاً، فدفع إلیه نصفه فعامل به، ثم دفع إلیه النصف الآخر، فالظاهر جبران خسارة أحدهما بربح الآخر} وذلک {لأنه مضاربة واحدة} عند العرف، وإن سبق بعض نقده بعض نقده الآخر، فهو مثل الاتجار

ص:253

وأما لو ضاربه علی خمسمائة فدفعها إلیه وعامل بها وفی أثناء التجارة زاده ودفع خمسمائة أخری، فالظاهر عدم جبر خسارة إحداهما بربح الأخری، لأنهما فی قوة مضاربتین، نعم بعد المزج والتجارة بالمجموع یکونان واحدة.

من العامل ببعض المال مقدماً علی الاتجار بالبعض الآخر، وحیث إنه عرفی شمله إطلاق الأدلة أیضاً.

{وأما لو ضاربه علی خمسمائة فدفعها إلیه وعامل بها، وفی أثناء التجارة زاده ودفع خمسمائة أخری}، وإنما قال: (وعامل بها) لأنه إذا لم یعامل وجعلا بعد دفع الثانیة الدفعین معاملة واحدة کانا مضاربة واحدة أیضاً.

{فالظاهر عدم جبر خسارة إحداهما بربح الإخری} لما عرفت من أنهما مضاربتان، فلا وجه لجبر أحدهما بالآخر، فقوله: {لأنهما فی قوة مضاربتین} لیس علی ما ینبغی، فإنهما مضاربتان حقیقة، کما أن الخیانة فی أحدهما لا یوجب جریان أحکام الخیانة بالنسة إلی الأخری، إذ لا ربط بینهما، فقول ابن العم: (بل الظاهر الجبران)، کأنه یرید ما ذکرناه من قصدهما کون المجموع مضاربة واحدة، فإن العقود تتبع القصود.

{نعم بعد المزج والتجارة بالمجموع یکونان واحدة} إذ الغالب قصدهما ذلک، وإلا لم یکن له وجه، ولذا قال المستمسک: المزج لا یستوجب ذلک کالمزج بمال الغیر.

ولو اختلفا فی قصد الوحدة والاثنینیة بعد ذلک، فالقول قول منکر الاثنینیة، إذ فسخ الأولی وإنشاء غیرها برأس مال واحد خلاف الأصل.

ص:254

والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً.

سبحان ربک رب العزة عما یصفون، وسلام علی المرسلین، والحمد لله رب العالمین، وصلی الله علی محمد وآله الطیبین الطاهرین.

قم المقدسة

21/ شوال /1401 ه_

محمد بن المهدی الحسینی الشیرازی

ص:255

ص:256

ص:257

ص:258

کتاب المزارعة

اشارة

کتاب المزارعة

ص:259

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، ولعنة الله علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:260

کتاب المزارعة

وهی المعاملة علی الأرض بالزراعة بحصة من حاصلها

کتاب المزارعة

وهی مفاعلة، الأصل فیها أن یکون من الطرفین مثل المقاتلة والمصالحة والمرافعة وما أشبه، حیث إن الطرفین یشترکان فی الزارعة، أحدهما آمراً والآخر عاملاً، کما یشترکان فی القتل والصلح ورفع النزاع إلی الحاکم، إلی غیر ذلک.

أما ما ذکره المستمسک من أنه السعی نحو الفعل، فیرد علیه بالإضافة إلی أنه خلاف المتفاهم عرفاً، والمصرح به فی کتب اللغة والفقه، أنه لو کان کذلک لزم صحة أن یقال: قاتل زید عمرواً، إذا سعی لقتله وکان عمرو نائماً فقتله، أو سعی لصلحه أو ما أشبه ذلک، مع وضوح أنه لیس کذلک.

ولذا قال فی محکی جامع المقاصد: لا شک أن الزراعة فی لسان أهل اللغة مفاعلة من الزرع، وهذا المعنی یتحقق فی المعنی الشرعی، لأن المعاملة المذکورة یقارنها الزرع من المتعاملین وإن کان بمباشرة أحدهما، لأن الآخر بأمره إیاه زارع.

وقد سبق فی کتاب المضاربة من هذا الشرح تفصیل ذلک فراجع.

{وهی المعاملة علی الأرض بالزراعة بحصة من حاصلها} وهذا التعریف هو المشهور

ص:261

وتسمی مخابرة أیضاً، ولعلها من الخبرة بمعنی النصیب، کما یظهر من مجمع البحرین

بینهم المحکی عن المبسوط وکتب الفاضلین والشهیدین وغیرهم.

نعم علق المهذب وفقه الراوندی أن المزارعة استیجار الأرض ببعض ما یخرج منها.

قال فی مفتاح الکرامة: وکأنهما یذهبان إلی أنها نوع خاص من الإجارة.

استحباب المزارعة

أقول: الظاهر من الأخبار والفتاوی وعمل العرف أنها قسم جدید من العقد، لا أنها نوع من الإجارة، فمن أحدهما الأرض ومن الآخر العمل والعوامل والبذر وما أشبه.

وبذلک یظهر الفرق بینها وبین الإجارة، فإن إجارة الأرض لا یملک موجرها علی مستأجرها شیئاً غیر الأجرة، وهنا یملک الموجر لها مضافاً إلی الحصة لأن یعمل العامل، ولیس له الامتناع عن العمل.

کما أنها تفترق عن إجارة الأجیر بأن فی إجارة الأجیر لا یملک الأجیر علی المستأجر شیئاً غیر الأجرة، وهنا یملک علی مالک الأرض بذل الأرض، مضافاً إلی الحصة، کذا فی المستمسک.

وجعل السید البروجردی الأقرب کونها من المشارکات.

وکیف کان، فالحقیقة الشرعیة والعرفیة هی ما ذکرها الفقهاء، ولا یهم بعد ذلک القوالب والاصطلاحات.

{وتسمی مخابرة أیضاً، ولعلها من الخبرة} علی وزن غرفة {بمعنی النصیب، کما} قال فی القاموس: الخبرة النصیب تأخذه من لحم أو سمک، وهذا الوجه {یظهر من مجمع البحرین} وغیره أیضاً، والظاهر أن الأصل واحد فیهما

ص:262

ولا إشکال فی مشروعیتها بل یمکن دعوی استحبابها لما دل علی استحباب الزراعة بدعوی کونها أعم من المباشرة والتسبیب

إذ تسمیة النصیب خبرة أیضاً من الخبر، کما ذکرناه فی هذا الشرح وغیره من وحدة الأصل فی کل المشتقات من مادة واحدة.

قال فی المسالک: (إما من الخبیر وهو الأکّار، أو من الخبارة وهی الأرض الرخوة، أو مأخوذة من معاملة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لأهل خیبر).

أقول: والأظهر الأول، فإن الثالث بعید جداً، أو خلاف اشتقاق اللفظ، والثانی أیضاً بحاجة إلی الفحص عن أصله، إذ لماذا تسمی الأرض الرخوة خبارة، فلم یبق إلا الأول.

{ولا إشکال فی مشروعیتها} بل عن المبسوط والسرائر جائزة عندنا، وقد نقل عدم الخلاف فیه فی مفتاح الکرامة عن الخلاف وفقه الراوندی والغنیة والتذکرة والمهذب البارع والتنقیح ومجمع البرهان والمسالک.

أما إشکال بعض الاقتصادیین المائلین إلی الشرق، فیها وفی المضاربة والمساقاة بأنها استثمار الإنسان، فقد عرفت جوابه فی کتابی المضاربة والاقتصاد.

{بل یمکن دعوی استحبابها} وقد تکون واجبة کما ذکروا فی باب الصناعات {لما دل علی استحباب الزراعة، بدعوی کونها أعم من المباشرة والتسبیب} هذا بالنسبة إلی مالک الأرض، لا بالنسبة إلی العامل الزارع، فإنه لا شک فی استحبابه.

نعم إن لم نقل بشمول روایات الباب لمالک الأرض فلا شک فی أنه من

ص:263

ففی خبر الواسطی قال: سألت جعفر بن محمد (علیهما السلام) عن الفلاحین، قال: «هم الزارعون کنوز الله فی أرضه، وما فی الأعمال شیء أحب إلی الله من الزراعة، وما بعث الله نبیاً إلا زارعاً

باب التعاون وباب التجارة وغیرهما مما هو مستحب أیضاً، أو یقال: بأن المزارعة مقدمة مستحب، ومقدمته مستحبة، وإن لم نقل بأن مقدمة الواجب والحرام واجبة ومحرمة.

{ففی خبر الواسطی، قال: سألت جعفر بن محمد (علیهما السلام) عن الفلاحین} ما شأنهم؟ {قال: «هم الزارعون»} لعله (علیه السلام) أراد أن یشیر إلی قوله: ﴿ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون﴾ فکأنه (علیه السلام) قال: هم الذین ذکرهم الله فی کتابه فی مقام التمجید، لأنهم یتخلقون بأخلاق الله سبحانه، کما قال (علیه السلام): «تخلقوا بأخلاق الله».

{«کنوز الله فی أرضه»} فکما أن الکنز مال مذخور کذلک الفلاح أدخره الله، فکل من الکنز والزارع یعطی الناس الخیر والرزق، أو سمی کنزاً بعلاقة السبب والمسبب، لأن الزارع یستخرج کنز الثمار والفواکه المودعة فی الأرض.

{«وما فی الأعمال شیء أحب إلی الله من الزراعة»} بالنسبة إلی أعمال المعاش، أو کل الأعمال حتی العبادة، ووجهه أن یعطی رزق ذوی الأرواح الذی فیه بقاؤهم.

{«وما بعث الله نبیاً إلا زارعاً»} قبل نبوته، ولعل السر ما یأتی من عدم کرههم قطر السماء، وفی ذلک قبول رحمة الله من المطر، ومن هذا الحدیث یستفاد

ص:264

إلا إدریس (علیه السلام) فإنه کان خیاطاً».

وفی آخر، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «الزارعون کنوز الأنام، یزرعون طیباً أخرجه الله وهم یوم القیامة أحسن الناس مقاماً،

أن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) کان أیضاً زارعاً مدة من عمره، فإن فی أطراف مکة المکرمة واحات یزرع فیها، ولذا ورد فی کتاب الحج مسألة قطع شجر الحرم ونبته، ولعل سر زرع الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) وبعض الأئمة (علیهم السلام) کان اقتداءً بالأنبیاء (علیهم السلام)، أو کان لأجل أنه أحب عمل إلی الله سبحانه.

{إلا إدریس (علیه السلام) فإنه کان خیاطاً»((1))} ولا ینافی ذلک رعی موسی (علیه السلام)، ونبی الإسلام (صلی الله علیه وآله)، وصناعة داود (علیه السلام)، إذ لا مفهوم للّقب.

{وفی} خبر {آخر، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «الزارعون کنوز الأنام»} بالمعنی المتقدم للکنز {«یزرعون طیباً»} فإن کل الأشجار طیبة، فهی غذاء أو دواء حتی الحنظل والشوک {«أخرجه الله»} فإن الزارع یفعل المعد، وإنما الزراع حقیقة هو الله کسائر الأعمال، ولذا قال سبحانه: ﴿وما رمیت إذ رمیت ولکن الله رمی﴾.

{«وهم یوم القیامة أحسن الناس مقاماً»} إما لأن فیهم الأنبیاء (علیهم السلام) وإما المراد أحسن من غیرهم من ذوی الأعمال.

ص:265


1- المستدرک: ج2 ص501 الباب 2 من أبواب المزارعة ح3

وأقربهم منزلة یدعون المبارکین».

وفی خبر عنه (علیه السلام) قال: سئل النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): أی الأعمال خیر، قال: «زرع یزرعه صاحبه وأصلحه وأدی حقه یوم حصاده»، قال: فأی الأعمال بعد الزرع، قال: «رجل فی غنم له قد تبع بها مواضع القطر یقیم الصلاة،

{«وأقربهم منزلة»} وقرباً إلی رحمة الله {«یدعون»} هناک {«المبارکین»}((1))، لبرکتهم، وقد ذکرنا معنی البرکة فی فقه: الاقتصاد.

{وفی خبر عنه (علیه السلام) قال: سئل النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): أی الأعمال خیر، قال: «زرع یزرعه صاحبه وأصلحه»} حتی أثمر {«وأدی حقه یوم حصاده»}((2)) إما الزکاة أو حق الحصاد کما تقدم فی کتاب الزکاة، قال سبحانه: ﴿وآتوا حقه یوم حصاده﴾.

{قال: فأی الأعمال بعد الزرع} خیر، {قال: «رجل فی غنم له قد تبع بها مواضع القطر»} کما هی العادة فی أصحاب الأغنام، حیث یتتبعون مواضع الأمطار لأجل الماء والعشب، ولعل خیریته من جهة عدم کراهة قطر السماء، ولأجل أنهم یکدحون کثیراً، وأنهم أکثر تطلباً لرحمة الله وملاحظة لآیات الله فی السماء والأرض.

{«یقیم الصلاة»} بأن کان مسلماً مبالیاً، ولذا قال (صلی الله علیه وآله وسلم):

ص:266


1- الوسائل: ج13 ص194 الباب 3 من أبواب المزارعة ح7، وأیضاً ج12 ص25 الباب 10 من أبواب التجارة ح3
2- الوسائل: ج13 ص194 الباب 3 من أبواب المزارعة ح8

ویؤتی الزکاة» قال: فأی المال بعد الغنم خیر، قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «البقر یغدو بخیر ویروح بخیر»، قال: فأی المال بعد البقر خیر، قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «الراسیات فی الوحل المطعمات فی المحل، نعم المال النخل من باعها فإنما ثمنه بمنزلة رماد

{«ویؤتی الزکاة»} فإن فی الغنم زکاة {قال: فأی المال بعد الغنم خیر، قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «البقر یغدو»} صباحاً إلی محل الماء والعشب {«بخیر»} حیث إنه یذهب ابتغاء الرزق {«ویروح بخیر»} حیث یرجع باللبن، ولم یذکر (صلی الله علیه وآله وسلم) الصلاة والزکاة هنا وفی الزرع، لأنهما مخالطان لأهل المدن غالباً فیؤثر فیهم الدین، بینما أصحاب الأغنام فی الصحاری غالباً فیحتاجون إلی إلفات أکثر.

{قال: فأی المال بعد البقر خیر، قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «الراسیات»} أی الثابتات {«فی الوحل»} الطین {«المطعمات»} بالتمر {«فی المحل»} القحط، فإن الحیوانات تموت والمزارع تجف لعدم الماء، بینما النخیل تثمر لأن جذورها تجمع من ماء الأرض.

وقوله: (بعد) إما لترتیب الکلام أو للبعدیة فی الخیر، وعلی الثانی فکان النخل أقل برکة من ما ذکر قبله.

{«نعم المال النخیل»} لأنه قطعه خیر بتمره ونواه وسعفه وغیرهما، وفی العراق یصنع من النخل أکثر من خمسین قسماً من الأطعمة والحوائج کالدبس والحلوا والحصیر والمروحة إلی غیر ذلک.

{«من باعها»} بیان لکراهة بیع النخل بدون تبدیل {«فإنما ثمنه بمنزلة رماد

ص:267

علی رأس شاهق اشتدت به الریح فی یوم عاصف إلا أن یخلف مکانها» قیل: یا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فأی المال بعد النخل خیر، فسکت، فقام إلیه رجل فقال له: فأین الإبل، قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «فیها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار تغدو مدبرة

علی رأس شاهق»} مرتفع {«اشتدت به الریح فی یوم عاصف»} شدید الریاح، لأن ثمن المباع یذهب بسرعة فلم یبق مثمن ولا ثمن، فمن الأفضل عدم بیعه.

{«إلا أن یخلف مکانها»}((1)) بأن یشتری مکانها نخیلاً أو مثل الدار ونحوه، حیث یحرز المال عن التلف.

{قیل: یا رسول الله (صلی الله علیه وآله) فأی المال بعد النخل خیر، فسکت} علامة أنه لا شیء، وواضح أن الکلام کان فی المجتمع الزارعی، فإن المدینة المنورة کانت کذلک.

{فقام إلیه (صلی الله علیه وآله وسلم) رجل فقال له: فأین الإبل، قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «فیها الشقاء والجفاء والعناء»} یشقی الإنسان به لأتعابه الکثیرة، ویجفو الإبل صاحبه لأنه عنود غضوب، وفیه العناء والمشقة.

{«وبعد الدار»} إما لأن أهل الإبل مجبورون أن یعیشوا فی الصحاری، أو لأن محل آبالهم بعید عن مسکنهم الذی هو فی المدینة {«تغدو مدبرة وتروح مدبرة»} أی مدبرة عن صاحبها، لما علی صاحبها من المشقة فی إذهابها إلی الصحراء والماء وإرجاعها إلی محالها.

ص:268


1- المستدرک: ج2 ص510 الباب 1 من أبواب المزارعة ح1، وانظر الوسائل: ج13 ص192 الباب 1 من أبواب المزارعة ح1

وتروح مدبرة لا یأتی خیرها إلا من جانبها الأشئم، أما إنها لا تعدم الأشقیاء الفجرة».

وعنه (علیه السلام): «الکیمیاء الأکبر الزراعة».

وعنه (علیه السلام): «إن الله جعل أرزاق أنبیائه فی الزرع والضرع».

{«لا یأتی خیرها»} کالرکوب والنتاج واللبن {«إلا من جانبها الأشئم»} کنایة عن تلاطم ذلک مع الشوم، أی الصعوبة فی الاستفادة منها.

{«أما إنها»} الإبل {«لا تعدم الأشقیاء الفجرة»}((1))، فإنهم حیث لا یهتمون بالموازین الإسلامیة یتخذون الإبل.

أقول: الأحادیث المرتبطة بأمثال ذلک کلها للإرشاد إلی الأفضل، لا المنع عن غیر الأفضل، ومثلها أحادیث المسکن والزوجة والأطعمة والحیوانات وغیرها، فلیس معنی کراهة الزواج بالقسم الفلانی من النساء أن تبقی هی فارغة عانسة، بل معناها اختیار غیرها علیها إذا دار الأمر بینهما، کما یقال: اشتر الفاکهة الجیدة إذا ذهبت إلی السوق.

{وعنه (علیه السلام)} قال: {«الکیمیاء الأکبر الزراعة»}((2)) فإن فائدته أکثر من فائدة الکیمیاء الذی یذهب النحاس، وهل رأی أحد جزءاً من ألف جزء من فائدة الزراعة فی الکیمیاء.

{وعنه (علیه السلام)} قال: {«إن الله جعل أرزاق أنبیائه فی الزرع والضرع»}

ص:269


1- المستدرک: ج2 ص501 الباب1 من أبواب المزارعة ح1
2- الوسائل: ج13 ص194 الباب3 من أبواب المزارعة والمساقاة ح8

کیلا یکرهوا شیئاً من قطر السماء».

وعنه (علیه السلام) أنه سأله رجل فقال له: جعلت فداک أسمع قوماً یقولون إن المزارعة مکروهة، فقال (علیه السلام): «ازرعوا فلا والله ما عمل الناس عملاً أحل ولا أطیب منه»، ویستفاد من هذا الخبر ما ذکرنا من أن الزراعة أعم من المباشرة والتسبیب

الأنعام الثلاثة بعلاقة الجزء والکل {«کیلا یکرهوا شیئاً من قطر السماء»}((1))، هذا غالبی کما لا یخفی فیهم، إذ من غیرهم أیضاً من لا یکره القطر، وفیه: إذ القطر الضار لیس مما لا یکره، وقد ذکرنا وجه هذه العلة فی أول الأحادیث.

{وعنه (علیه السلام)، أنه سأله رجل فقال له: جعلت فداک أسمع قوماً یقولون إن المزارعة مکروهة، فقال (علیه السلام): «ازرعوا»} إما المراد الزارع أو صاحب أرض الزراعة {«فلا والله ما عمل الناس عملاً أحل ولا أطیب منه»}((2)) فإن المکاسب یتطرق إلیها الحرام بالربا والغش والاحتکار وما أشبه، کما أنها کثیراً ما لا تکون طیبة للفساد الساری فیه، مثل فساد اللحم وضرر الألبسة والأوانی وغیرها.

{ویستفاد من هذا الخبر ما ذکرنا من أن الزراعة أعم من المباشرة والتسبیب} إن قلنا بأن السائل سأل عن فعل مالک الأرض مع أنه محتمل للأمرین، بل ربما یقال بأن ظاهر (ازرعوا) فعل العامل لا المالک، ولعله لذا تأمل فی الاستفادة المذکورة بعض الفقهاء.

ص:270


1- الوسائل: ج13 ص193 الباب 3 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1
2- الوسائل: ج13 ص193 الباب 3 من أبواب أحکام المزارعة ح1

وأما ما رواه الصدوق مرفوعاً، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه نهی عن المخابرة، قال: وهی المزارعة بالنصف أو الثلث أو الربع، فلا بد من حمله علی بعض المحامل لعدم مقاومته لما ذکر

نعم یمکن استحباب المزراعة من فعل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حیث قبل خیبر ببعض حاصلها((1))، کما سیأتی بالإضافة إلی ما تقدم.

نعم فی بعض النسخ (الزارعة) مکان (المزارعة) فلا ربط له بالمقام.

{وأما ما رواه الصدوق} فی معانی الأخبار {مرفوعاً، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه نهی عن المخابرة، قال: وهی المزارعة بالنصف أو ثلث أو الربع((2))، فلابد من حمله علی بعض المحامل لعدم مقاومته لما ذکر} مثل أن أمثالهم کثیراً ما یظلمون الفلاحین.

فقد روی ابن أبی یعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «من زرع حنطة فی أرض فلم یدرک زرعه، أو خرج زرعه کثیر السعیر فبظلم عمله فی رقبة الأرض، أو بظلم المزارعة وأکرته، لأن الله یقول:﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذینَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَیْهِمْ طَیِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾((3)) یعنی لحوم الإبل والبقر والغنم»((4)).

وإن کان المراد عمل الفلاح، فلعل السر أنهم کثیراً ما لا یبالون بدینهم، لما رواه کتاب الغایات، عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «شرار الناس

ص:271


1- الوسائل: ج13 ص199 الباب 8 من أبواب أحکام المزارعة ح1
2- معانی الأخبار: ج1 ص278 باب معنی المحاقلة والمزابنة ح1
3- سورة النساء: الآیة 160
4- تفسیر العیاشی: ج1 ص284 ح304

شرائط المزارعة

وفی مجمع البحرین: وما روی من أنه (صلی الله علیه وآله وسلم) نهی عن المخابرة، کان ذلک حین تنازعوا فنهاهم عنها.

ویشترط فیها أمور:

أحدها: الإیجاب والقبول، ویکفی فیها کل لفظ دال، سواء کان حقیقةً أو مجازاً مع القرینة

الزارعون والتجار إلا من شح منهم علی دینه»((1)).

{وفی مجمع البحرین: وما روی من أنه (صلی الله علیه وآله وسلم) نهی عن المخابرة، کان ذلک حین تنازعوا فنهاهم عنها}((2)) فالنهی لأجل الظلم، أو عدم إعطاء الحق، أو عدم الالتزام بالدین، أو لأجل النزاع.

{و} کیف کان، ف_ {یشترط فیها أمور} وإن کان فی اشتراط بعضها تأمل کما سیأتی.

{أحدها: الإیجاب والقبول} لأنها عمل طرفین، وکل عمل کذلک لابد فیه ذلک، حیث إن العرف یراه والشارع لم یردع عنه، وإلی ذلک یرجع کلام الجواهر وغیره فی تعلیلهم الاحتیاج إلیهما بأنها من العقود بلا خلاف، بل الإجماع بقسمیه علیه.

{ویکفی فیهما کل لفظ دال، سواء کان حقیقةً أو مجازاً مع القرینة} لإطلاق الأدلة بعد أن العقلاء یرون کفایة کل ذلک ولم یغیره الشارع.

ص:272


1- المستدرک: ج2 ص504 الباب 18 من أبواب نوادر المزارعة ح2
2- مجمع البحرین: ج3 ص282 کتاب الراء مادة (خبر)

الإیجاب والقبول

کزارعتک أو سلمت إلیک الأرض علی أن تزرع علی کذا، ولا یعتبر فیهما العربیة، ولا الماضویة، فیکفی الفارسی وغیره والأمر، کقوله: ازرع هذه الأرض علی کذا

ومنه یعلم عدم لزومه القرینة، إذ لا دلیل علیها، فإذا فهم الطرفان مرادهما باللفظ المشترک، أو المجاز مع القرینة کفی، إذ المعیار القصد مع المظهر، وقد حصل المظهر.

ومنه یعلم أن قول بعض المعلقین: (علی نحو یکون ظاهراً فی المطلوب) غیر ظاهر الوجه.

{کزارعتک، أو سلمت إلیک الأرض علی أن تزرع علی کذا} کما ذکر الأول الفاضلان والشهیدان وغیرهم، وذکروا أنهما من باب المثال، فیصح مثل: سلمتها إلیک وأعطیتها لک وقبلتها لتعمل کذا، إلی غیر ذلک، کما ذکر بعض تلک الألفاظ جملة منهم.

{ولا یعتبر فیهما العربیة} للأصل بعد الإطلاقات {ولا الماضویة} لذلک، وقد ذکرنا فی بعض مباحث الفقه عدم اشتراطهما فی أی عقد إلا ما قام علیه دلیل خاص.

{فیکفی الفارسی وغیره} من اللغات، بل الظاهر کفایة الأشارة لاعتماد العقلاء علیها، ولا دلیل خاص من الشرع علی خلافها، و«إنما یحلل الکلام ویحرم الکلام» قد أجیب عنه فی باب المعاطاة.

{والأمر کقوله: ازرع هذه الأرض علی کذا} کما ذکره الشرائع، وتبعه

ص:273

التذکرة والتحریر والإرشاد ومجمع البرهان والکفایة، کما حکی عنهم، وعن الریاض أنه مذهب الأکثر، وعن الروضة أنه المشهور.

وفی القواعد: أو ازرع هذه الأرض علی إشکال.

لکن عن ظاهر الشرائع والتحریر والإرشاد فی کتاب المساقاة عدم الاکتفاء به.

کما حکی مفتاح الکرامة عدم الصحة عن الإیضاح واللمعة وجامع المقاصد وتعلیق الإرشاد والروض والمسالک والروضة والریاض.

والأقوی الأول، لما عرفت من أنه وفق القاعدة، بالإضافة إلی صحیحة یعقوب بن شعیب، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن رجل یعطی الرجل أرضه فیها ماء (رمان، خ ل) أو نخل أو فاکهة، ویقول: اسق هذا من المال واعمره ولک نصف ما أخرجه الله عزوجل، قال (علیه السلام): «لا بأس»((1))، بضمیمة فهم عدم الخصوصیة.

وفی خبر ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، فیما رواه محمد بن عیسی فی نوادره، أنه سئل عن مزارعة المسلم المشرک، یکون من المسلم البذر جریب من طعام أو أقل أو أکثر، فیأتیه رجل آخر فیقول: خذ منی نصف البذر ونصف النفقة وأشرکنی، قال: «لا بأس»((2))، الحدیث.

ص:274


1- الوسائل: ج13 ص202 الباب 9 من أبواب المزارعة ح2
2- المستدرک: ج2 ص503 الباب 10 من أبواب المزارعة ح1

وخبر الدعائم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، أنه سئل عن رجل أکری أرضاً فقال له رجل: خذ منی نصف البذر ونصف نفقتک وأشرکنی فی الزرع واتفقا علی ذلک، فقال (علیه السلام): «هو جائز»((1)).

أما قول المسالک: إن المجیزین أجازوا الأمر استناداً إلی روایة أبی الربیع الشامی والنضر بن سوید، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، وهما قاصرتان عن الدلالة علی ذلک، فالاقتصار علی لفظ الماضی أقوی، فکأنه أراد من جهة اشتمالها علی لفظ المضارع مما یدل علی عدم خصوصیة الماضی فیشمل بالمناط الأمر أیضاً.

ومراده بالروایتین: ما رواه الشیخ والصدوق عن الشامی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، أنه سئل عن الرجل یزرع أرض رجل آخر فیشترط علیه ثلثاً للبذر وثلثاً للبقر، فقال (علیه السلام): «لا ینبغی أن یسمی بذراً ولا بقراً، ولکن یقول لصاحب الأرض: ازرع فی أرضک ولک منها کذا وکذا نصفاً وثلثاً وما کان من شرط، ولا یسمی بذراً ولا بقراً، فإنما یحرم الکلام»((2)).

والثانی: روایة الکلینی والشیخ، عن النضر بن سوید، عن عبد الله بن سنان، أنه قال فی الرجل یزارع فیزرع أرض غیره فیقول: ثلث للبقر وثلث للأرض، قال: «لا یسمی شیئاً من الحب والبقر، ولکن یقول: ازرع فیها کذا وکذا إن

ص:275


1- المستدرک: ج2 ص503 الباب 11 من أبواب المزارعة ح1
2- الوسائل: ج13 ص200 الباب 8 من أبواب المزارعة ح6

شئت نصفاً وإن شئت ثلثاً»((1)).

ومثلهما فی الدلالة: روایة أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره، عن ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: فی رجل زرع أرض غیره فقال: ثلث للأرض وثلث للبقر وثلث للبذر، قال: «لا یسمی بذراً ولا بقراً ولکن یقول: ازرع فیه کذا، إن شئت نصفاً أو ثلثاً» وقال: «المزارعة علی النصف جائزة، قد زارع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) علی أن علیهم المؤنة»((2)).

وروی الدعائم، عنه (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس وأقل وأکثر مما یخرج إذا کان صاحب الأرض لا یأخذ الرجل المزارع إلا بما أخرجت، ولا ینبغی أن یجعل للبذر نصیباً، ولکن یقول لصاحب الأرض: ازرع فی أرضک ولک مما أخرجت کذا وکذا»((3)).

نعم یمکن أن یستفاد الأمر من ما رواه أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره، عن ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، أنه سئل عن مزارعة المسلم المشرک، یکون من المسلم البذر جریب من طعام أو أقل أو أکثر، فیأتیه رجل آخر فیقول: خذ منی نصف البذر ونصف النفقة وأشرکنی، قال: «لا بأس»، قلت: الذی زرعه فی الأرض لم یشتره إنما هو شیء کان عنده، قال: «یقومه قیمة کما

ص:276


1- الوسائل: ج13 ص200 الباب 8 من أبواب المزارعة والمساقاة ح5
2- المستدرک: ج2 ص502 الباب 6 من أبواب المزارعة والمساقاة ح3
3- المستدرک: ج2 ص502 الباب 6 من أبواب المزارعة والمساقاة ح2

یباع یومئذ ثم یأخذ نصف القیمة ونصف النفقة ویشارکه»((1)).

وإذ قد عرفت اقتضاء القاعدة الصحة، ووجود الأمر وإن کان من العامل، والمضارع الذی یفهم منه الأمر أیضاً بالمناط، کما ذکره الإیضاح من فهم الأمر من المضارع بالأولویة، وعدم القول بالفصل بینهما، کان اللازم القول بصحة الأمر، سواء کان من المزارع أو العامل.

وسیأتی صحة الإیجاب من أیهما کان، بل قال بعضهم بصحته فی النکاح، لما دل علی أنه قال رجل للرسول (صلی الله علیه وآله وسلم): زوّجنی، فزوّجها إیاه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)((2)).

والوجه فی صحة کل من الماضی والمضارع والأمر: أن الإنسان إذا ملک شیئاً سواء کان ذلک الشیء خارجیاً کالعقار والأثاث، أو اعتباریاً مثل مُلک إعطاء الرئیس الاعتبار لورقة باعتبار أنه نقد رائج فی البلد کان له رفع یده عنه بإعطائه لغیره، وهذا الإعطاء یصح بأی من الألفاظ الثلاثة عرفاً، کما یصح بغیرها من الکنایات والإشارات والمجازات، والجامع وجود حاک عن الإعطاء، وهذه القاعدة العقلائیة لم یغیرها الشارع إلا فی ما دل الدلیل علیه، والمقام من المستثنی منه لا المستثنی، فإذا کانت السلطة للطرفین کان عقداً، لأن کل واحد منهما

ص:277


1- المستدرک: ج2 ص503 الباب 18 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1
2- الوسائل: ج14 ص195 الباب 2 من کتاب عقد النکاح ح3

أو المستقبل أو الجملة الاسمیة مع قصد الإنشاء بها، وکذا لا یعتبر تقدیم الإیجاب علی القبول

یحتاج إلی رفع سلطته فی مقابل رفع الآخر لسلطته، وإذا کانت لطرف واحد کالعتق والطلاق کان إیقاعاً، وبذلک ظهر مواقع النظر فی کلام المستمسک فراجع.

{أو المستقبل} کما تقدم فی النص، وتقتضیه القاعدة، ولا فرق فی المستقبل بین الخطاب وغیره، کما إذا قال مالک الأرض: یزرع زید العامل کذا بکذا، فلما علم قال: قبلت، أو قال الزارع: أزرعُ أرض فلان بکذا، فلما سمع المالک قال: قبلت، وذلک لأن العرف یری ذلک مزارعة، ولا دلیل علی ردع الشارع.

{أو الجملة الإسمیة مع قصد الإنشاء بها} مثل قوله: إنی مزارع معک هذه الأرض علی کذا.

أما إذا قال: من زرعه فله کذا، فهو جعالة،

والدلیل علی صحة الجملة الإسمیة والفعلیة ما تقدم فی الأمر والمستقبل.

{وکذا لا یعتبر تقدیم الإیجاب علی القبول} حیث إن القبول تأثر باختیار للأثر، ولا یعقل تأخر المؤثر من المتأثر، ولابد وأن یراد القبول العرفی، فإذا قال الخیاط: إنی أقبل أن أخیط قباءک، فقال: نعم خط لی، تقدم القبول العرفی علی الإیجاب، فإذا کان القبول کاشفاً عما سیفعله بعد إیجابه لم یکن ذلک طرفاً للعقد، إذ هو إخبار لا إنشاء، والعقد إنشاء ولیس بإخبار عن الماضی والمستقبل.

أما إذا کان إنشاءً لما یکون فی طرف القابل بهذا اللفظ أو إنشاءً بهذا اللفظ لطرف العقد، إذ لا یلزم فی العقد إلا إعطاء کل طرف ما له عطاؤه کما تقدم

ص:278

ویصح الإیجاب من کل من المالک والزارع، بل یکفی القبول الفعلی بعد الإیجاب القولی علی الأقوی

سواء جعلاه بإنشاء الإیجاب والقبول، أو بانشاءین متقابلین، فقد کفی، ولذا تقدم عن المصنف الاحتیاج إلی قصد الإنشاء.

{ویصح الإیجاب من کل من المالک والزارع} کما فی کل العقود کذلک، إلا إذا قیل بالإجماع فی النکاح، إذ لا خصوصیة لکون أحدهما موجباً والآخر قابلا حتی فی البیع بالنقد، فیبیع الدینار بمنّ حنطة، أو بالعکس، أو ینشأ کل إعطاء ما عنده بمقابل ما عند الآخر، وقد ذکرنا فی بعض المباحث أنه لو لا الإجماع أمکن ذلک فی النکاح أیضاً، لأنه فی الحقیقة إعطاء کل منهما نفسه فی قبال إعطاء الآخر نفسه، فلا وجه عقلی للالتزام بکون المرأة موجبة والرجل قابلاً، بل یمکن العکس.

وکذلک یمکن التعاطی.

ویدل علی إیجاب الزارع الروایات الأربعة المتقدمة الواردة بلفظ (ازرع).

{بل یکفی القبول الفعلی} من المالک والزارع {بعد الإیجاب القولی} من الطرف الآخر {علی الأقوی}، فیقول المالک: أعطیک هذه الأرض لأن تزرعها إلخ، فیتسلم الزارع الأرض ویشتغل بالعمل فیها، أو یقول الزارع: إنی آخذ هذه الأرض لأزرعها إلخ، فیخرج المالک من الأرض بقصد تخلیتها للزارع ویتسلمها الزارع.

وکفایة القبول الفعلی مذکورة فی القواعد، ونقلها مفتاح الکرامة عن تعلیق الإرشاد ومجمع البرهان والکفایة، قال: لحصول الدلالة به علی الرضا.

أقول: أی إنشاء العقد بالرضا، لوضوح أن الرضا وحده لیس عقداً، خلافاً

ص:279

وتجری فیها المعاطاة وإن کانت لا تلزم إلا بالشروع فی العمل.

لما عن التذکرة والإرشاد واللمعة وجامع المقاصد والمسالک والروضة والریاض، حیث قالوا بأنه لابد من القبول اللفظی، لأنه لم یثبت کون الفعلی سبباً ملزماً عند الشارع.

أقول: حیث إن الشارع لم یصرح بما یخالف العرف، والعرف یری الکفایة کان ذلک ممضی من الشارع.

{وتجری فیها المعاطاة} کما یظهر من کلماتهم، ونص علیه الجواهر، ویدل علیه ما ذکروه فی کتاب البیع من شمول الأدلة العاملة للمعاطاة، والمعاطاة هنا أن یعطی صاحب الأرض للزارع، إذ لا طرفین فی التعاطی.

أما قوله: {وإن کانت لا تلزم إلا بالشروع فی العمل} ففیه: إنه أول الکلام، إذ لو صدق العقد، کما یصدق عرفاً، لا وجه لعدم لزومها.

وإن استدل له المستمسک بقوله: للإجماع علی عدم لزوم المعاطاة إلا بالتصرف المانع من الرد، فإن الإجماع مخدوش صغری وکبری.

ولا فرق فی اللزوم بین أن یکون الطرفان عملاً، أو کان أحدهما لفظاً، مع أن ظاهر القواعد وغیره تحقق اللزوم بالثانی، قال العلامة فیه: (ولابد فیها من إیجاب)، إلی أن قال: (ومن قبول وهو کل لفظ أو فعل دل علی الرضا، وهو عقد لازم من الطرفین لا یبطل إلا بالتقایل) إلخ، وظاهره أن الحکم اللزوم، وإن کان من أحدهما الفعل.

وقال فی مفتاح الکرامة: (صحة القبول بالفعل ولزوم العقد به خیرة تعلیق الإرشاد ومجمع البرهان والکفایة)، ثم قال مفتاح الکرامة: (تسمیة ما اشتمل علی القبول الفعلی عقداً مسامحة، وإنما هو معاطاة) إلی آخر کلامه، فإذا تحقق أن

ص:280

البلوغ والعقل والاختیار

الثانی: البلوغ والعقل والاختیار وعدم الحجر لسفه أو فلس ومالکیة التصرف فی کل من المالک والزارع

المعاطاة شاملة لما کان طرفاه أو أحد طرفیه فعلاً، وقال الجماعة المذکورة إن الثانی لازم، استفید منه اللزوم فیما کان طرفاه فعلاً أیضاً، ولا إجماع فی المسألة.

ثم إن هذا العقد یدل علیه الأدلة الأربعة:

قال تعالی:﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾((1)).

وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): «المؤمنون عند شروطهم»((2)). بناءً علی شمول الشرط للعقد أیضاً، کما نص علیه غیر واحد.

والإجماع ادعاه جامع المقاصد والمسالک ومجمع البرهان وغیرهم، کما حکی عنهم.

والعقلاء یرون العقد لازماً إلا ما خرج بدلیل خاص عندهم، ولیست المزارعة المستثناة، ولذا الذی ذکرناه أشکل غیر واحد من المعلقین علی قوله: (إلا)، نعم جماعة آخرون منهم السادة ابن العم والجمال والبروجردی سکتوا علی الماتن.

{الثانی: البلوغ والعقل والاختیار، وعدم الحجر لسفه أو فلس} حیث فصلنا الکلام حول هذه الشروط فی کتاب المضاربة وغیره، فلا داعی إلی تکراره، إذ الدلیل فیهما عام یشملهما وغیرهما.

{ومالکیة التصرف فی کل من المالک والزارع} بأن لا تکون الأرض مرهونة مما یسبب عدم القابلیة، ولا أن یکون عمل الزارع لغیره بإجارة ونحوها، فهذا

ص:281


1- سورة المائدة: الآیة 1
2- الوسائل: ج15 ص30 ح4

کون النماء مشترکا

نعم لا یقدح فلس الزارع إذا لم یکن منه مال لأنه لیس تصرفاً مالیاً.

الثالث: أن یکون النماء مشترکاً بینهما، فلو جعل الکل لأحدهما لم یصح مزارعة.

الشرط لقصور فی موضوع التصرف، والشرائط السابقة لقصور فی المتصرف.

{نعم لا یقدح فلس الزارع} بل ولا سفهه، إذ لا دلیل علی اشتراط أن لا یکون أحدهما {إذا لم یکن منه مال لأنه لیس تصرفاً مالیاً} وإن کان المعلقون لم یستثنوا السفه، بل أبقوا إطلاق المتن، کما أن کثیراً من الفقهاء لم یستثنوا فلس الزارع.

{الثالث: أن یکون النماء مشترکاً بینهما} بنحو الکسر المشاع، کالثلث والنصف، کما دل علی ذلک النص والفتوی، وقد تقدم بعض الأدلة علی ذلک، کما سیأتی بعضها الأخر.

{فلو جعل الکل لأحدهما لم یصح مزارعة} وقد ادعوا الإجماع علی ذلک، بالإضافة إلی أنه خلاف العرف ولم یقرره الشرع.

قال فی مفتاح الکرامة: لأن المنقول عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) وأهل بیته (علیهم السلام) إنما ورد علی الاشتراک فی الحصة، والأمور الشرعیة متلقاة منهم (علیهم السلام)، ولا یجوز التجاوز، ثم ادعی عدم الخلاف فی ذلک.

نعم یصح ذلک حسب الشرط فی ضمن عقد لازم، وهل یصح معاملة غیر مزارعة، کما قد یتوفر الداعی العقلائی لذلک، مثلاً الدولة تأخذ الأراضی البائرة فیحتال المالک لبقاء أرضه بإعطائها لمن یزرعها بکل حاصلها، أو أن

ص:282

کون النماء مشاعا

الرابع: أن یکون مشاعاً بینهما، فلو شرطا اختصاص أحدهما بنوع کالذی حصل أولاً، والآخر بنوع آخر، أو شرطا أن یکون ما حصل من هذه القطعة من الأرض لأحدهما وما حصل من القطعة الأخری للآخر لم یصح.

الزارع إذا بقی بلا عمل أخذ سخرة قهراً فیعطی نفسه لأن یعمل فی الأرض ویکون للمالک کل حاصله لأجل الفرار من السخرة، أو لا یصح، احتمالان.

{الرابع: أن یکون مشاعاً بینهما، فلو شرط اختصاص أحدهما بنوع، کالذی حصل أولاً} أو الحنطة مثلاً فیما یزرع فیها حنطة وغیر حنطة.

{والآخر بنوع آخر}، أو أحدهما بالنوع الأجود والآخر بالأردأ.

{أو شرطا أن یکون ما حصل من هذه القطعة من الأرض لأحدهما، وما حصل من القطعة الأخری للآخر لم یصح} شرعاً، وإن لم یکن فیه محذور عند العقلاء.

ویأتی هنا الکلام فی الشرط الثالث من أنه هل یصح معاملةً أخری أم لا، بعد وضوح صحته حسب الشرط فی عقد لازم.

وفی صحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «لا تقبل الأرض بحصة مسماة، وبالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به»، وقال: «لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس»((1)).

ونقل مفتاح الکرامة عند قول العلامة: یشترط فی الحصة أمران العلم بقدرها والشیاع، ذلک عن النهایة والخلاف والمبسوط

ص:283


1- الوسائل: ج13 ص200 الباب 8 من أبواب المزارعة والمساقاة ح7

تعیین الحصة

الخامس: تعیین الحصة بمثل النصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذلک، فلو قال: ازرع هذه الأرض علی أن یکون لک أو لی شیء من حاصلها بطل.

السادس: تعیین المدة بالأشهر والسنین، فلو أطلق بطل

وغیرها من کتب المتقدمین، وعن الوسیلة والغنیة والسرائر والشرائع وغیرهم، قال: بل لا أجد فی ذلک خلافاً ولا تأملاً.

وفی المستمسک بلا خلاف ظاهر، وعن مجمع البرهان کأنه إجماع.

{الخامس: تعیین الحصة بمثل النصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذلک} لا ما إذا أبهم {فلو قال: أزرع هذه الأرض علی أن یکون لک أو لی شیء من حاصلها بطل} کما هو المصرح به فی کلام جماعة، بل عن التذکرة الإجماع علیه، والمراد کل شیء مجهول کالجزء والنصیب والبعض، کما فی مفتاح الکرامة وغیره.

ویدل علیه بالإضافة إلی جملة من الروایات کما تقدم بعضها، أنه یوجب الغرر، وقد نهی النبی (صلی الله علیه وآله) عن الغرر.

وهل یشترط علمهما بقدر المعین مشاعاً، أم یکفی عرفان العرف، لا یبعد الثانی، لإطلاق الأدلة بعد تعارف هذا الشیء فی المعاملات حتی فی مثل البیع ونحوه، حیث کثیراً ما لا یعلم المسافر أن الحقة أو الکیلو أو ما أشبه کم یساوی من وزن بلده، وکذلک لا یعلم مقدار قیمة التومان الشرائیة فی العراق، والدینار العراقی فی إیران، إلی غیر ذلک، ولذا لا یعد ذلک غرراً.

{السادس: تعیین المدة بالأشهر والسنین، فلو أطلق بطل}، حکاه مفتاح

ص:284

تعیین المدة

نعم لو عین المزروع أو مبدأ الشروع فی الزرع لا یبعد صحته إذا لم یستلزم غرراً

الکرامة عن المقنعة والمراسم والکافی والمبسوط والمهذب والوسیلة والغنیة والسرائر والإرشاد وغیرهم، وفی الجواهر بلا خلاف معتد به، بل لعل الإجماع علیه، وعن التذکرة الإجماع علیه.

والدلیل علیه الغرر، فقد ورد «نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عن الغرر»((1))، وهو وإن کان ضعیف السند إلا أنه مجبور بالعمل، وأنه بدون التعیین خلاف مقتضی العقد العرفی الذی قرره الشارع، ولذا استدل به فی المسالک.

ومنه تعلم، أن قول المستمسک فی رده: (إنه لا یرجع إلی دلیل) غیر ظاهر الوجه.

وخبر أبی الربیع الشامی الذی استدل به غیر واحد، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، سألته عن أرض یرید رجل أن یتقبلها فأی وجوه القبالة أحل، قال: «یتقبل الأرض من أربابها بشیء معلوم إلی سنین مسماة فیعمر ویؤدی الخراج»((2))، فإنه بالإطلاق أو المناط یشمل المقام.

ولا یخفی أن لیس مراد المشهور خصوصیة التعیین بالزمان، ولذا قال المصنف: {نعم لو عین المزروع أو مبدأ الشروع فی الزرع لا یبعد صحته إذا لم یستلزم غرراً}، ولذا کان المحکی عن المفاتیح والریاض

ص:285


1- الوسائل: ج12 ص230 الباب 40 من أبواب آداب التجارة ح3
2- الوسائل: ج13 ص214 الباب 18 من أبواب المزارعة والمساقاة ح5

بل مع عدم تعیین ابتداء الشروع أیضاً إذا کانت الأرض مما لا یزرع فی السنة إلا مرة، لکن مع تعیین السنة

أن هناک جماعة منا مصرحین بعدم اشتراط تعیین المدة، والاکتفاء بتعیین المزروع عنها.

نعم ذکر الفاضلان فی الشرائع والقواعد والتذکرة والتحریر، وکذا المسالک، عدم کفایة تعیین المزروع عن المدة، واستدل لذلک بالغرر، وفیه ما لا یخفی.

ومنه یعلم أن قول السید البروجردی: إنه مستلزم للغرر فی العادة، غیر ظاهر الوجه، کیف وبناء المزارعات العرفیة تحدید وقت العمل بالزراعة أو مبدأ الزرع، کما أن قول بعض المعلقین بلزوم تعیین المنتهی أیضاً غیر ظاهر، لأن الزرع معلوم منتهی.

نعم إذا کان مرادهما عدة زراعات فی ما یزرع مرات فی السنة، أو مرة فی کل سنة، لکن لم یعینا کم زراعة، کان اللازم تعیین إما المنتهی وإما المرات، لأن عدم التعیین غرر.

أما قول المستمسک: (ربما یکون تعیین المدة موجباً للغرر إذا کان من المحتمل عدم بلوغ الزرع فیها، لأن فی ذلک تعریضاً لضیاع الزرع، بناءً علی استحقاق المالک قلعه عند انتهاء المدة، أو الخسارة المالیة بناءً علی غیر ذلک)، فهو تام فی نفسه، وإن کان مراد الطرفین لا یشمل ذلک، لأنه خارج عن عمل المتعارف.

ومما تقدم یعرف وجه قوله: {بل مع عدم تعیین ابتداء الشروع أیضاً إذا کانت الأرض مما لا یزرع فی السنة إلا مرة، لکن مع تعیین السنة} فإذا کانت

ص:286

لعدم الغرر فیه، ولا دلیل علی اعتبار التعیین تعبداً، والقدر المسلم من الإجماع علی تعیینها غیر هذه الصورة، وفی صورة تعیین المدة لابد وأن تکون بمقدار یبلغ فیه الزرع

الأرض لا تزرع فی السنة إلا مرة واحدة لم تتفاوت المالیة باختلاف الابتداء والانتهاء {لعدم الغرر فیه} حتی یشمل دلیل نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عنه.

{ولا دلیل علی اعتبار التعیین تعبداً}، بل الدلیل إما الغرر وقد عرفت نفیه فی المقام، وإما تعارف ذلک عند العقلاء حیث إن الشارع أمضاه، وقد عرفت عدم الخصوصیة عندهم.

{و} إما الإجماع، وفیه: إن {القدر المسلم من الإجماع علی تعیینها غیر هذه الصورة} کما تقدم نقله عن جماعة منا.

{وفی صورة تعیین المدة لابد وأن تکون بمقدار یبلغ فیه الزرع}، قال فی القواعد: ولو شرطا مدة یدرک الزرع فیها قطعاً أو ظناً صح، وقال فی مفتاح الکرامة: کما فی جامع المقاصد والمسالک والکفایة والریاض.

أقول: والظاهر أن مراده بالظن الذی یعتمد علیه العقلاء، إذ بدون ذلک غرر، وإنما العقلاء یعتمدون علی الظن لغلبة عدم العلم بالدقة ببلوغ الزرع فی مدة محدودة، فإن الطقس وما أشبه له مدخلیة فی سرعة البلوغ وبطئه، وقد ذکر المستمسک کلاماً طویلاً لخصه فی أنه لا دلیل لفظی علی مانعیة الغرر فی المقام، وإنما هی مستفادة من ظهور الإجماع، وأن اندفاع الغرر یکون

ص:287

فلا تکفی المدة القلیلة التی تقصر عن إدراک النماء.

بتعیین المزروع ونحو ذلک بلا حاجة إلی تعیین المدة، وأن تعیین المدة غیر جائز، إما لأنه مفوت للمقصود أو إنه عبث ولغو فلا یکون له أثر.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ مانعیة الغرر مستفادة من القاعدة العقلائیة فی المعاملة، والنص المعمول به والإجماع، وتعیین المدة من أوجه دفع الغرر، ولیس بعبث ولا مفوت للمقصود.

{فلا تکفی المدة القلیلة التی تقصر عن إدراک النماء} سواء کان النماء ثمراً أو زهراً أو ورقاً أو غصناً أو حطباً، وهذا هو المحکی عن الإیضاح وجامع المقاصد والمسالک والریاض وغیرهم، خلافاً لما نسبه مفتاح الکرامة من الصحة إلی ظاهر إطلاق المقنعة والمراسم والمبسوط والکافی والمهذب والوسیلة والغنیة والسرائر وجملة من کتب الفاضلین، وظاهر القواعد التوقف قال: ولو علم القصور فإشکال.

استدل الأولون: بأن ذلک خلاف وضع المزارعة، وأنه مفوت للغرض، إذ الغرض الحصة من النماء ولا یتحقق فی المدة الناقصة، فهو خلاف مقتضی العقد.

واستدل للآخرین: بعموم ﴿أوفوا بالعقود﴾، وأنه یمکن التراضی بالإبقاء بعد المدة، وأنه حیث زرع بحق فالواجب إبقاؤه، وأنه یمکن أن تکون مدة استیلاء ذی الأرض قلیلة فتنتقل إلی نفس العامل بإرث أو إجارة أو ما أشبه، فیکون لذی الأرض الحصة المقررةز

وکأن توقف العلامة لتضارب الدلیلین، ولکن الظاهر التفصیل بین ما إذا کان العمل عقلائیاً، کما فیما إذا کانت مدة صاحب الأرض

ص:288

کون الأرض قابلة للمزارعة

السابع: أن تکون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج، فلو کانت سبخة لا یمکن الانتفاع بها، أو کان یستولی علیها الماء قبل أوان إدراک الحاصل أو نحو ذلک، أو لم یکن هناک ماء للزراعة ولم یمکن تحصیله ولو بمثل حفر البئر أو نحو ذلک ولم یمکن الاکتفاء بالغیث، بطل.

قلیلة وبعدها تنتقل إلی نفس الزارع مثلاً فالصحة، وإلا فالبطلان، وبه یظهر أن إطلاق کلا القولین محل نظر.

{السابع: أن تکون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج} کما هو المشهور المنسوب إلی الشیخ والفاضلین والشهیدین وغیرهم، بل قد یلوح من الکفایة الإجماع علیه، کما فی مفتاح الکرامة.

نعم لم یتعرض لهذا الشرط فی المقنعة والمراسم والنهایة والسرائر والوسیلة والکافی والغنیة کما حکی، ولعله لوضوحه لم یتعرضوا له، بل فی المستمسک عند قول المصنف (بطل): البطلان أوضح من أن یستدل علیه بالإجماع.

{فلو کانت سبخة لا یمکن الانتفاع بها، أو کان یستولی علیها الماء} أو الملح أو الجراد أو ما أشبه {قبل أوان إدراک الحاصل} المقرر، أو أی حاصل {أو نحو ذلک} من الآفات السماویة والأرضیة.

{أو لم یکن هناک ماء للزراعة ولم یمکن تحصیله ولو بمثل حفر البئر أو نحو ذلک} کإجراء القنات {ولم یمکن الاکتفاء بالغیث بطل} لأنه خلاف عقد المزارعة عند العقلاء، والشارع إنما أمضی المضارعة العقلائیة کما تقدم.

ص:289

تعیین المزروع

الثامن: تعیین المزروع من الحنطة والشعیر وغیرهما مع اختلاف الأغراض فیه، فمع عدمه یبطل إلا أن یکون هناک انصراف یوجب التعیین، أو کان مرادهما التعمیم، وحینئذ فیتخیر الزارع بین أنواعه.

وقد قال فی مجمع البرهان: إن اشتراط هذا الشرط ظاهر، ولعله قصد ما ذکرناه، وحیث إن الشرط واقعی لم یفرق فیه بین العلم بعدم القابلیة، وعدم العلم بها، والعلم بالقابلیة جهلاً مرکباً.

{الثامن: تعیین المزروع من الحنطة والشعیر وغیرهما} لکن هذا الشرط لیس مطلقاً، بل إنما یکون {مع اختلاف الأغراض} للعقلاء {فیه} فإنه مع اختلاف أغراضهم إذا لم یعینا لا تکون مزارعة عقلائیة فلا تشملها الأدلة، {فمع عدمه یبطل}.

وبذلک یظهر أن قول المستمسک: (الظاهر من العبارة البطلان حتی مع إرادة التعمیم) غیر ظاهر إذ ظاهر مراد المصنف أن فی صورة اختلاف الأغراض حتی أغراضهما إذا لم یعینا بطل، وقد صرح بذلک بعد جمل.

{إلا أن یکون هناک انصراف یوجب التعیین} وأراداه ولو ارتکازاً، فإن العقود تتبع القصود.

{أو کان مرادهما} ولو ارتکازاً {التعمیم، وحینئذ فیتخیر الزارع بین أنواعه} سواء کان تعمیماً مطلقاً أو فی دائرة خاصة، مثل الأشجار ذات الفواکه أو نحو ذلک.

قال فی القواعد: (إطلاق المزارعة یقتضی تخییر العامل فی زرع أی نوع شاء) انتهی.

ص:290

تعیین مقدار الأرض

التاسع: تعیین الأرض ومقدارها، فلو لم یعینها بأنها هذه القطعة أو تلک القطعة، أو من هذه المزرعة أو تلک، أو لم یعین مقدارها بطل مع اختلافها بحیث

وهذا هو الأشهر کما عن الکفایة والریاض، وفی الأخیر: إن علیه عامة من تأخر، بل عن الغنیة الإجماع علیه.

ومنه یعلم أن ما عن التذکرة من أنه (یحتمل قویاً وجوب التعیین لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس المزروعات)، وفی جامع المقاصد (إنه الأصح ولم یقل به أحد قبله ولا بعده)، إن أرادا عدم صحة الإطلاق فهو خلاف الإطلاق وقاعدة العقلاء فی کثیر من الموارد، وإن أراداه فی مورد خلاف کون الإطلاق قصدهما فذلک لیس منافیاً لکلام المشهور. وإن قیل: إن اللازم التعیین فی صورة اختلاف أغراض العقلاء، وإلا کان من الغرر وخلاف المزارعة العقلائیة. ففیه: إنه مع إرادتهما الإطلاق لا غرر، وإرادة کثرة من العقلاء قسماً خاصاً لا یوجب احتکار الأمر علیه حتی لا یشمل ما عداه إطلاق أدلة المزارعة.

وقول المستمسک: (إن الرضا بالتعمیم لا یرفع مانعیة الغرر)، فیه: إن الغرر عقلائی، فإذا أقدم العقلاء علی شیء لم یکن ذلک مصداقاً للغرر.

{التاسع: تعیین الأرض} هل هی أرضه فی العراق أو فی الحجار مثلاً، من القطعة الفلانیة {ومقدارها} جریب أو جریبان، إلی غیر ذلک.

{فلو لم یعینها بأنها هذه القطعة أو تلک القطعة، أو من هذه المزرعة أو تلک، أو} عینهما لکن {لم یعین مقدارها} بأن قال: من هذه المزرعة من هذه القطعة منها، لکن لم یقل جریب أو جریبان {بطل} العقد {مع اختلافها} أی الأرض {بحیث

ص:291

یلزم الغرر، نعم مع عدم لزومه لا یبعد الصحة، کأن یقول: مقدار جریب من هذه القطعة من الأرض التی لا اختلاف بین أجزائها، أو أی مقدار شئت منها، ولا یعتبر کونها شخصیة، فلو

یلزم الغرر} لنهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عن الغرر((1))، ولأنه خلاف المزارعة العقلائیة.

{نعم مع عدم لزومه} أی لزوم الغرر فی إطلاق الأرض {لا یبعد الصحة} لإطلاق الأدلة.

وإن شئت قلت: إنه قد یکون الغرر موجوداً ومع ذلک یقدمان علیه، وهذا لا یصح، لأن الشارع نهی عنه، وقد لا یکون غرر، وهنا یصح، {کأن یقول: مقدار جریب من هذه القطعة من الأرض التی لا اختلاف بین أجزائها} أو یقول: إحدی هذه القطع.

وکون مثل هذا فرداً مردداً، ومثله لا وجود له فی الخارج غیر تام، إذ هو کالکلی فی المعین فالجواب هناک یأتی هنا.

{أو أی مقدار شئت منها} لإقدام العقلاء علی مثل ذلک، وهذا غیر الکلی فی المعین، وإن وجهه بعض المعلقین بذلک، وفیه ما لا یخفی، کما أن ابن العم وبعض آخر أشکلوا فیه، وکأنه خلاف المعاملات المتعارفة، لکن الظاهر أنه لا بأس به.

{ولا یعتبر کونها شخصیة، فلو} جعله علی نحو الکسر المشاع صح، سواء کان بنفسه مالکاً للکسر المشاع، أو کان الکل له، لبناء العقلاء وإطلاق الأدلة.

ص:292


1- الوسائل: ج12 ص230 الباب 40 من أبواب آداب التجارة ح3

تعیین کون البذر علی أی منهما

عین کلیاً موصوفاً علی وجه یرتفع الغرر، فالظاهر صحته، وحینئذ یتخیر المالک فی تعیینه.

العاشر: تعیین کون البذر علی أی منهما

وکذا لو {عین کلیاً موصوفاً علی وجه یرتفع الغرر} أو کلیاً فی المعین {فالظاهر صحته} خلافاً لمن جعل الصحیح الکلی فی المعین فقط، إذ لا وجه للفصل، فإن جاز جاز فی کلیهما، وإلا لم یجز فی کلیهما.

ووجه الجواز ما تقدم من بناء العقلاء وإطلاق الأدلة، ولأنه لا فرق بین المقام وبین سائر المعاملات، حیث بناء العقلاء علی الصحة فی الکلی المطلق والکلی فی المعین والکسر المشاع.

نعم لعله لا یصح الکلی المطلق فی الوقف، لأنه خلاف بناء العقلاء وخلاف الکیفیة المتلقاة من الشارع.

{وحینئذ یتخیر المالک فی تعیینه} سواء کان علی نحو المطلق أو فی المعین، فقول السید البروجردی: (الظاهر بطلانه إذا لم یکن کلیاً فی المعین بل صحته فیه أیضاً محل تأمل) غیر ظاهر الوجه.

{العاشر: تعیین کون البذر علی أی منهما} المالک أو العامل أو بالاشتراک، مع الاختلاف فی القدر أو التساوی، مع وحدة جنس البذر أو تعدده.

قال فی القواعد: (وتصح المزارعة إذا کان من أحدهما الأرض خاصة، ومن الآخر البذر والعمل والعوامل، وکذا إذا کان البذر لصاحب الأرض والعمل منه، أو کان البذر منهما، سواء اتفقا فی الحصة أو اختلفا، وسواء تساویا

ص:293

وکذا سائر المصارف واللوازم

فی البذر أو تفاوتا، وفی صحة کون البذر من ثالث نظر) انتهی.

وقال فی محکی المسالک والروضة: (تجوز الاحتمالات الممکنة مع الاشتراک فی الأمور الأربعة کلاً أو بعضاً، فمتی کان من أحدهما بعضها ولو جزءاً من الأربعة، ومن الآخر الباقی مع ضبط ما علی کل واحد منهما صحت).

{وکذا سائر المصارف واللوازم} وذلک لصدق المزارعة عند العقلاء وتعارف کل الأقسام، فیشمله إطلاق أدلة المزارعة.

وعن جامع المقاصد: الإطباق علی صحة المزارعة مع کون البذر علی المالک، ولا ینافی ذلک إلا بعض الروایات.

کصحیحة یعقوب بن شعیب، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: وسألته عن المزارعة، قال: «النفقة منک والأرض لصاحبها، فما أخرج الله تعالی من شیء قسم علی الشطر، وکذلک أعطی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) خیبر حین أتوه فأعطاهم إیاها علی أن یعمروها ولهم النصف مما أخرجت)((1)).

وبعد الإجماع المذکور وفتوی المشهور لا بد من حمل الروایة علی تعارف ذلک فی ذلک الزمان، لا انحصار المزارعة، ویؤیده خبر الکرخی.

ص:294


1- الوسائل: ج13 ص203 الباب 10 من أبواب المزارعة والمساقاة ح2

إذا لم یکن هناک انصراف مغن عنه ولو بسبب التعارف.

{إذا لم یکن هناک انصراف مغن عنه} قصده الطرفان، إذ العقود تتبع القصود، {ولو} کان الانصراف {بسبب التعارف}.

والحاصل: الأمر دائر مدار القصد سواء کان انصراف أم لا.

ص:295

مسألة ١ إذا کان حق الاختصاص

(مسألة 1): لا یشترط فی المزارعة کون الأرض ملکاً للمزارع، بل یکفی کونه مسلطاً علیها بوجه من الوجوه، کأن یکون مالکاً لمنفعتها بالإجارة والوصیة أو الوقف علیه، أو مسلطاً علیها بالتولیة کمتولی الوقف العام أو الخاص والوصی، أو کان له حق اختصاص بها مثل التحجیر والسبق

(مسألة 1): {لا یشترط فی المزارعة کون الأرض ملکاً للمزارع} إذ لا دلیل علی ذلک، فبناء العقلاء علی کفایة الاستیلاء المشروع محکم بعد إمضاء الشارع له.

{بل یکفی کونه مسلطاً علیها بوجه من الوجوه} المشروعة {کأن یکون مالکاً لمنفعتها بالإجارة} أو الجعالة أو الهبة أو اشتراء المنفعة أو الشروط، {أو الوصیة أو الوقف علیه} أو غیر ذلک من أقسام الملک، والوقف الذری ملک، کما حقق فی محله.

{أو مسلطاً علیها بالتولیة کمتولی الوقف العام أو الخاص والوصی} والولی والحاکم فی الأراضی التی له استیلاء علیها ونائبه.

{أو کان له حق اختصاص بها بمثل التحجیر والسبق} وذلک لکفایة الأولویة فی صحة المزارعة، وذلک لبناء العقلاء وعدم ردع الشارع، ولا دلیل علی اعتبار الملکیة فیها، فإذا زارعها تصبح ملکاً له.

ومنه یعلم وجه النظر فی قول السید البروجردی: (لا یکفی التحجیر فی صحتها، إذ التحجیر یفید أولویة بإحیائها، وعدم جواز مزاحمته فیه، لا اختصاصه

ص:296

ونحو ذلک، أو کان مالکاً للانتفاع بها، کما إذا أخذها بعنوان المزارعة فزارع غیره أو شارک غیره، بل یجوز أن یستعیر الأرض للمزارعة، نعم لو لم یکن له فیها حق أصلاً

بمنافعها حتی لا یجوز لغیره التصرف فیها إلا بإذنه).

{ونحو ذلک} کما إذا وضع فیه شیئاً، ولا یخفی أن هذا فرد خفی من السبق، ولذا قال السید الجمال: (ویتم مالکیة من له حق السبق والتحجیر بهذه المزارعة)، أقول: إذ لا فرق بین إحیاء الإنسان بنفسه أو إحیائه بعماله، وکون الأرض لمن عمل فیها کما ذکره بعض الاقتصادیین المائلین إلی الشرق لا وجه له عقلاً ولا شرعاً، کما فصلناه فی کتاب (الفقه: الاقتصاد).

{أو کان مالکاً للانتفاع بها، کما إذا أخذها بعنوان المزارعة فزارع غیره أو شارک غیره} کما سیأتی الکلام فیه فی المسألة الثالثة عشرة إن شاء الله تعالی.

{بل یجوز} أی تصح المزارعة {أن یستعیر الأرض للمزارعة} إذ یکون له حق فی الأرض، فیشمله الأدلة.

فقول بعضهم: إنه لا یصح، لأن المستعیر یملک الانتفاع من غیر تسلط علی المعیر، ولا یملک التملیک علیه، ولا إیجار حق الزراعة للغیر علیه، غیر ظاهر المراد.

{نعم لو لم یکن له فیها حق أصلاً} أو کان حق لغیر المزارعة، کما إذ استأجر أرضاً لغیر الزراعة، أو أعارها إیاه لا للزراعة، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ص:297

لم یصح مزارعتها، فلا یجوز المزارعة فی الأرض الموات مع عدم تحجیر أو سبق أو نحو ذلک، فإن المزارع والعامل فیها سواء, نعم یصح الشرکة فی زراعتها مع اشتراک البذر أو بإجارة أحدهما نفسه للآخر فی مقابل البذر أو نحو ذلک، لکنه لیس حینئذ من المزارعة المصطلحة

{لم یصح مزارعتها} إذ لا وجه اختصاص له یعطیه لغیره فی قبال شیء من الحاصل.

{فلا یجوز المزارعة فی الأرض الموات مع عدم تحجیر أو سبق أو نحو ذلک، فإن المزارع والعامل فیها سواء}، وهل له حق فیما إذا کان اسمه حافظاً، کما إذا کانت اللصوص تخاف سلطانه، فإذا نسبت الزراعة إلیه تجنبوا فسادها، فیقول للعمال: اعملوا ولی کذا من الحاصل، لا تبعد الصحة، لأنه أمر عقلائی لم یظهر ردع الشارع عنه، وتکون الحصة فی قبال الحفظ الحاصل من کون اسمه علی الأرض، وإن کانت المسألة بحاجة إلی التأمل.

ولو جعلوه صلحاً أو شرطاً فی ضمن عقد لازم لم یکن إشکال فی صحتها.

{نعم تصح الشراکة فی زراعتها مع اشتراک البذر} أو العوامل أو نحو ذلک، ولکن الکلام فی أنه هل یکون حینئذ من باب المزارعة، أو من باب عقد آخر، مشمول لقوله تعالی: ﴿أوفوا بالعقود﴾.

{أو بإجارة أحدهما نفسه للآخر فی مقابل البذر أو نحو ذلک} کالصلح والهبة وغیرهما، {لکنه لیس حینئذ من المزارعة المصطلحة} التی لها أحکام خاصة.

ص:298

ولعل هذا مراد الشهید فی المسالک من عدم جواز المزارعة فی الأراضی الخراجیة التی هی للمسلمین قاطبة إلا مع الاشتراک فی البذر أو بعنوان آخر، فمراده هو فیما إذا لم یکن للمزارع جهة اختصاص بها

{ولعل هذا مراد الشهید فی المسالک من عدم جواز المزارعة فی الأراضی الخراجیة التی هی للمسلمین قاطبة} فلیس مراده لأنها لیست ملکاً، بل مراده ما لم یکن لأحدهما استیلاء علیها بالإجارة من ولی الأمر، قال: إنه لا تشرع المزارعة إذا لم تکن الأرض ملکاً لأحدهما کما فی الأراضی الخراجیة، {إلا مع الاشتراک فی البذر أو بعنوان آخر} علی ما تقدم.

کیف وقد ورد فی النص جواز ذلک، ففی صحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی حدیث إنه سئل عن مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث، قال: «نعم لا بأس به، فقد قبل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) خیبر أعطاها الیهود حین فتحت علیه بالخبر والخبر هو النصف»((1)).

ومثله خبر الفیض بن المختار((2))، وغیره.

{فمراده هو فیما إذا لم یکن للمزارع جهة اختصاص بها} من أنواع الاختصاصات التی تقدمت الإشارة إلیها.

ص:299


1- الوسائل: ج13 ص200 الباب 8 من أبواب أحکام المزارعة والمساقاة ح8
2- الوسائل: ج13 ص208 الباب 15 من أبواب أحکام المزارعة والمساقاة ح3

وإلا فلا إشکال فی جوازها بعد الإجازة من السلطان، کما یدل علیه جملة من الأخبار.

{وإلا فلا إشکال فی جوازها بعد الإجازة من السلطان} إجازة مشروعة.

{کما یدل علیه جملة من الأخبار}.

وقد کثر الکلام حول مراد المسالک مما لا یهم التعرض له بعد وضوح الحکم.

ص:300

مسألة ٢ بعض أقسام المزارعة

(مسألة 2): إذا أذن لشخص فی زرع أرضه علی أن یکون الحاصل بینهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما فالظاهر صحته.

(مسألة 2): إذا أذن لشخص فی زرع أرضه علی أن یکون الحاصل بینهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما} سواء کان سائر الخصوصیات کالأرض والمدة ونحوهما معلوماً، أم لا.

{فالظاهر صحته} لإطلاق تسلط الناس علی أموالهم وأنفسهم((1))، فالمالک متسلط علی ماله، والزارع متسلط علی نفسه، ویکون الوارد کما أذن، لأن العامل یستحق أجرة أرضه، إذ هو نوع معاملة عقلائیة، فیشمله ﴿أوفوا بالعقود﴾، وإن لم یکن لازماً من أحد الطرفین، لأنه عقد إذنی کالوکالة.

والسیدان ابن العم والبروجردی أشکلا فی ذلک، قال الأول: (فی هذه الفروع وأمثالها إشکال). وقال الثانی: (صحته فی غایة الإشکال، فإن مرجعه إلی جعل شیء علی الزارع لنفسه من دون أن یستحق الزارع علیه إحداث الزرع فی أرضه ولا إبقاءه إلی أوان بلوغه، وهذا من أعظم الغرر).

وفیه: إنه انتفاع فی قبال انتفاع وهو عقلائی، وإن لم یکن من أحد الطرفین لازماً، وکونه غرراً عقلائیاً ممنوع، وهل هذا إلا مثل المضاربة فی أن للمالک الفسخ إذا شاء، وکذا للعامل، وهل یقول السیدان المضاربة أیضاً غرر.

ثم قد تقدم أن الزرع إذا کان بإجازة المالک یشکل أن یکون الحق لصاحب الأرض

ص:301


1- البحار: ج2 ص273

وإن لم یکن من المزارعة المصطلحة، بل لا یبعد کونه منها أیضاً، وکذا لو أذن لکل من یتصدی للزرع وإن لم یعین شخصاً، وکذا لو قال: کل من زرع أرضی هذه أو مقداراً من المزرعة الفلانیة فلی نصف حاصله أو ثلثه مثلاً فأقدم واحد علی ذلک فیکون نظیر الجعالة

فی إجباره علی قلعه إذا کان فیه ضرر علی الزارع.

{وإن لم یکن من المزارعة المصطلحة} لأنها عقد وهذا إذن {بل لا یبعد کونه منها أیضاً} إطلاقه ممنوع، إذ قد عرفت أن الإذن غیر العقد.

نعم إذا کان المزارع فی مقام إنشاء العقد، وکان الإذن إلماعاً إلی إنشائها، وقبل الزارع قولاً أو فعلاً کان عقداً.

{وکذا لو أذن لکل من یتصدی للزرع وإن لم یعین شخصاً} فإن هذا یختلف عن الأول فی أن الأول إذن لشخص خاص وهذا إذن عام، وقد تقدم أن الإذن قد یکون مع ذکر الخصوصیات، وقد یکون بدون ذکرها، ومن عدم الذکر هذا.

ومثله العکس، کأن یقول شخص: من أخذ بذری وعواملی وزرع بها أرضه فلی النصف، وهو صحیح أیضاً، حیث قد تقدم فی أول الکتاب أن کون الإیجاب من أحدهما والقبول من الآخر غیر لازم، بل یمکن العکس، أو جعل الطرفین فی العقد سواء.

{وکذا لو قال: کل من زرع أرضی هذه أو مقداراً من المزرعة الفلانیة فلی نصف حاصله أو ثلثه مثلاً} والفرق بین هذا والإذن أن هذا جعل نفسی والإذن مستفاد منه، بخلاف الإذن فإنه صریح فی الإذن، وإن کان الحاصل فیهما واحداً.

{فأقدم واحد علی ذلک} فإن له ما جعل له {فیکون نظیر الجعالة} وإن لم یکن

ص:302

فهو کما لو قال: کل من بات فی خانی أو داری فعلیه فی کل لیلة درهم، أو کل من دخل حمامی فعلیه فی کل مرة ورقه

جعالة لأنها إیقاع، وهذا لیس کذلک، فلا یرد علیه إشکال السید البروجردی، بل هو عکس الجعالة فإنها جعل شیء علی نفسه لغیره علی فرض وقوع عمل من الغیر.

کما أنه ظهر مما تقدم الإشکال فی قول السید الجمال: الظاهر أن یکون جمیع ذلک من المزارعة الصحیحة، ویکون أجنبیاً عن الجعالة، وإلا اتجه بطلانه.

{فهو کما لو قال: کل من بات فی خانی أو داری فعلیه فی کل لیلة درهم، أو کل من دخل حمامی فعلیه فی کل مرة ورقة} إلی غیر ذلک من الأمثلة المتعارفة.

فإن الظاهر صحته للعمومات، فإنه عقد عرفاً، ولیس إجارة للحمام والخان إذا لم یشتمل علی شرائط الإجارة، ولا یلزم عدم صحته إذا لم یکن إجارة إذ هو نوع من المعاملات العقلائیة، بل یمکن القول بشمول اللزوم المستفاد من (أوفوا) له، فلا یحق لأحدهما إخراج أو خروج فی نصف اللیل، وفی متوسط بقائه فی الحمام بحجة أنه لم یکن عقد فلا لزوم، بخلاف ما إذا کان إذناً مجرداً، حیث للمالک الإخراج وله الخروج، فقول السید الجمال فی مثل الحمام والخان (إنه من باب الإباحة بالعوض، نعم لو زاد ما عینه المالک من أجرة المثل، ففی لزوم تلک الزیادة بالبیتوتة فی الخان ودخول الحمام إشکال) انتهی، محل نظر.

ص:303

فالظاهر صحته للمعلومات، إذ هو نوع من المعاملات العقلائیة، ولا نسلم انحصارها فی المعهودات، ولا حاجة إلی الدلیل الخاص لمشروعیتها، بل کل معاملة عقلائیة صحیحة إلا ما خرج بالدلیل الخاص، کما هو مقتضی العمومات.

وکیف کان {ف_} إن {الظاهر صحته للعمومات، إذ هو نوع من المعاملات العقلائیة، ولا نسلم انحصارها فی المعهودات} إذ لا وجه إلا انصراف ﴿أوفوا بالعقود﴾ ونحوه، ولو سلم الانصراف فهو بدوی.

أما قول السید البروجردی: هذه الأمثلة إن صحت کانت صحتها توسعة فی المعهودات، لا أنها معاملات أخر غیرها، ففیه: إن العرف لا یراها داخلة فی المعهودات.

أما ما فی الروایة إنما أخذ الجعل لدخول الحمام، فاللازم القول بالتوسعة فیها، أو کون ذلک الزمان الأمر علی نحو الجعالة، وذلک لا یضر بما ذکرناه.

ولما ذکرناه من أنها معاملات مستقلة عرفاً، سکت کافة المعلقین الذین ظفرت بکلماتهم، ما عدا السید البروجردی، علی المتن.

{و} علیه ف_ {لا حاجة إلی الدلیل الخاص لمشروعیتها} إذ الدلیل العام کاف.

{بل کل معاملة عقلائیة صحیحة إلا ما خرج بالدلیل الخاص} مما کان منهیاً عنه بنفسه، کالکالی، أو لفقد شرط أو جزء أو وجود مانع.

{کما هو مقتضی العمومات}، ویؤیده ما ورد من أن علیهم الأصول وعلینا

ص:304

الفروع، وقد ذکرنا فی کتاب الحج الصندوق الذی یقترض منه الناس، وفی کتاب السیاسة الشخصیة الحقوقیة، وألمعنا إلی المسألة فی عدة کتب أخری مما جامعه شمول العمومات للأمور المستحدثة.

ص:305

مسألة ٣ المزارعة عقد لازم

(مسألة 3): المزارعة من العقود اللازمة، لا تبطل إلا بالتقایل، أو الفسخ بخیار الشرط، أو بخیار الاشتراط أی تخلف بعض الشروط المشترطة علی أحدهما

(مسألة 3): {المزارعة من العقود اللازمة} لإطلاق دلیل الوفاء بالعقد، وهو بلا خلاف ولا إشکال، وهو اتفاق کما فی المسالک، وإجماعاً کما عن جامع المقاصد، وفی الجواهر بلا خلاف بل لعل الإجماع بقسمیه علیه، ولم ینقل فی مفتاح الکرامة المعد لذکر الأقوال ولا فی غیره خلافاً.

{لا تبطل إلا بالتقایل} لإطلاق أدلته الشامل للمزارعة وغیرها، وقد ذکر البطلان بالتقایل غیر واحد من الفقهاء، کالفاضلین والشهیدین وغیرهم، وعن الریاض _ کما فی مفتاح الکرامة _ لا خلاف فی البطلان بالتقایل، وعن مجمع البرهان والکفایة کأنه إجماعی.

{أو الفسخ بخیار الشرط} بأن شرط أحدهما علی الآخر الخیار، ولا خلاف فی ذلک أیضاً، کما یظهر من کلماتهم، وذلک لقاعدة «المؤمنون عند شروطهم»((1))، بعد أن لم یکن خلاف الکتاب والسنة ولا خلاف مقتضی العقد.

{أو بخیار الاشتراط، أی تخلف بعض الشروط المشترطة علی أحدهما} فإن فوت الشرط یعطی الحق لمن فات علیه الخیار، ولا یظهر خلاف منهم فی

ص:306


1- الوسائل: ج15 ص30 الباب 19 و20 من أبواب المهور ح4، الاستبصار: ج3 ص232 ح4، التهذیب: ج7 ص311 ح66

وتبطل أیضاً بخروج الأرض عن قابلیة الانتفاع لفقد الماء أو استیلائه أو نحو ذلک

هذه المسألة، فإن الشارع فی المعاملات أمضی بناء العقلاء إلا ما زاد أو نقص، ولیس المقام من المستثنی، وقد ذکرنا تفصیله فی کتاب البیع، فلا حاجة إلی الإعادة هنا.

ثم اللازم مجیء خیار الغبن هنا أیضاً، کما نبه علیه المستمسک بالتقریب الذی ذکره الشیخ المرتضی (رحمه الله) فی المکاسب، بل وبعض الخیارات الأخر مثل خیار تخلف الوصف ونحوه، لأن أدلتها شاملة للمقام، کما لا یخفی.

{وتبطل أیضاً بخروج الأرض عن قابلیة الانتفاع، لفقد الماء أو استیلائه أو نحو ذلک} مثل وقوعها تحت برکان نار، أو استملاح الأرض بما لا ینتفع بها، أو سرایة النفط أو نحوه إلیها، إلی غیرها.

وقد اختلفوا فی ذلک هل تبطل مطلقاً، أو مع الجهل من الزارع، أو إذا کان من الأول کذلک، لا إذا صار بعد الزرع کذلک، أو أنه یوجب الخیار.

قال فی القواعد: (ولو زارعها أو آجرها له ولا ماء لها تخیر العامل مع الجهل لا مع العلم).

قال فی مفتاح الکرامة: (کما صرح بذلک کله فی الشرائع والتذکرة وفی الإرشاد والروض أنها تبطل مع الجهل لا مع العلم).

وقال فی الإرشاد: (ولو زارع علی ما لا ماء لها بطل إلا مع علمه).

وظاهر التحریر أو صریحه أنها تبطل حینئذ، قال: وقد ظهر بالبطلان فی کلام الإرشاد عدم اللزوم فیوافق الشرائع.

أقول: الظاهر البطلان إذا لم یمکن الانتفاع بها فی الزراعة، لأنه لا یمکن الانتفاع فلا عقلائیة فی المعاملة علیها، والشارع إنما أمضی المعاملات العقلائیة

ص:307

ولا تبطل بموت أحدهما، فیقوم وارث المیت منهما مقامه

ولذا جعل جامع المقاصد والمسالک ومجمع البرهان البطلان علی طبق القاعدة سواء علم أو جهل.

نعم إذا حصل ذلک فی بعض المدة أولاً أو وسطاً أو أخیراً، کان اللازم القول بالخیار، لأنه من باب تبعض الصفقة، ومع عدم الفسخ فالنسبة حسب الزرع، مثلاً کان الزرع فی ثلاثة أرباع السنة الأولی ضعفه، أو نصفه بالنسبة إلی ربع السنة الثانی، فإنه یقسم الزرع بینهما حسب النسبة المقررة، فإذا کان حاصل الزرع طناً فی کل السنة والآن صار حاصل الزرع ربع الطن فی ثلاثة أرباع السنة، کان لکل من المالک والزارع الثمن، لا أن یکون للمالک ثلاثة أرباع الربع باعتبار الزمان، وذلک لأن العقلاء یلاحظون الإنتاج لا المدة، فحیث لا فسخ کان الازم ملاحظة المرکوز.

أما مع الفسخ فالذی اخترناه فی باب المضاربة وکتاب الاقتصاد، أن اللازم ملاحظة النسبة العقلائیة، لأنه نتاح حاصل الأرض، ولکل منهما نسبة خاصة من الإنتاج عند العقلاء.

{ولا تبطل بموت أحدهما} کما ذکره الفاضلان والشهیدان وغیرهم، بل فی جامع المقاصد: لا نعرف خلافاً فی أن المزارعة لا تبطل بموت أحد المتعاقدین.

أقول: وذلک لأنه عقد لا دلیل علی بطلانه بموت أحدهما.

{فیقوم وارث المیت منهما مقامه} إن کان المیت المالک بقیت الأرض علی حالها یزرع فیها الزارع حسب الشرط، وإن کان المیت العامل کان لوارثه

ص:308

نعم تبطل بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل

أن یعمل بنفسه، أو بعامل یتفق معه، وقد نص المحقق والشهید الثانیان وغیرهما بقیام الوارث منهما مقامهما.

لا یقال: إذ العقد لم یکن مع وارث العامل أن یقوم مقام مورثه، فدلیل سلطنة الناس علی أنفسهم((1)) حاکم بأن له ما لا یقل من الفسخ.

لأنه یقال: لیس ذلک خلاف سلطنة ورثة العامل، فإن الارض تنتقل إلی ورثة مالک الأرض فی حال کونها متعلقة لحق العامل، والبذر _ إذا کان البذر علی العامل _ ینتقل إلی ورثة العامل متعلقاً لحق صاحب الأرض، والعمل دین علی العامل یستوفی من ترکته کسائر دیون کل أحد، فلیس فی ذلک منافاة لحق ورثة العامل، کما لم یکن فیه منافاة لحق ورثة صاحب الأرض.

ومنه یعلم أن موت کلیهما لا یؤثر أیضاً فی بقاء المزارعة.

نعم إذا لم یشأ الوارثان، أو أحدهما وطرف المزارعة الباقی حیاً، بقاءها أمکنهما التقایل، لما تقدم من صحته، ولا فرق فیه بین الأصیل والوریث.

ومنه یعلم أنها لا تبطل بالجنون والسفه والحجر وما أشبه.

{نعم تبطل بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل} إذا کان الاشتراط علی نحو مصب العقد، أو کان قیداً، حیث إن المقید عدم عند عدم قیده، أما إذا کان علی نحو الشرط فانتفاء الشرط یعطی الخیار لا البطلان، کما نبه علی

ص:309


1- البحار: ج2 ص273

سواء کان قبل خروج الثمرة أو بعده

ذلک المستمسک وغیر واحد من المعلقین، خلافاً لإطلاق المسالک وغیره من بطلانها بانتفاء الشرط.

ثم إنه ینبغی أن یکون العکس کذلک، فإذا شرط العامل أن یکون تحت مالکیة المالک ثم مات المالک کان له الفسخ إذا کان شرطاً، وإلا بطل إن کان مصباً أو قیداً، کما ذکرنا.

{سواء کان قبل خروج الثمرة أو بعده}، قال فی المسالک: (وهو مشکل لو کان موته بعد خروج الثمرة لأنه قد ملک الحصة، وإن وجب علیه بقیة العمل فخروجه عن ملکه بعد ذلک بعید).

ورده الجواهر بأن الملک وإن حصل، لکنه متزلزل إلی حصول تمام العمل، نحو ملک العامل فی المضاربة فی بعض الأحوال.

وأید المستمسک الجواهر.

أقول: إذا بطلت المزارعة لم یستلزم ذلک بطلان الملک حتی یقع الکلام فی ذلک فیطلق البطلان أو عدمه، بل اللازم أن یقال: إذا بطلت المزارعة بالفسخ للاشتراط، أو تلقائیاً للمصب أو القید، فقد یکون قصدهما حین العقد علی نحو تعدد المطلوب، بأن یکون البطلان من الوسط لا من الأول، فیکون الحال کالطلاق حیث یبطل العقد من حینه لا من أصله، وقد یکون علی نحو وحدة المطلوب بأن یوجب البطلان من الأول.

ففی تعدد المطلوب والبذر للمالک إن کان قصدهما الملکیة إذا تم العمل لا حق للزارع بعد البطلان، وإذا کان قصدهما الملکیة لکل جزء جزء من العمل

ص:310

وأما المزارعة المعاطاتیة فلا تلزم إلا بعد التصرف، وأما الإذنیة فیجوز فیها الرجوع دائماً

کان اللازم إعطاء حصة العامل بقدر عمله لأنه لا وجه لعدم ملکیته، وفی تعدد المطلوب والبذر للعامل کان الاشتراک مقتضی القاعدة، وأنهما للمالک علی العامل _ إذا رضی المالک بإبقاء زرعه، أو قلنا بلزوم الإبقاء لأن الإذن فی الشیء إذن فی لوازمه _ أجرة بقاء حصة العامل فی أرضه.

وفی وحدة المطلوب والبذر للمالک، لا حق للعامل إلا أجرة عمله، أو أقل منها ومن المسمی علی قول آخر.

وفی وحدة المطلوب والبذر للعامل، فمقتضی القاعدة کون الحاصل لهما إلی الإذن، لأنه ناتج الأرض والبذر والعمل، کما تقدم.

أما بعد الفسخ، فإما الإبقاء بالأجرة علی العامل قهراً، إذا قلنا بأن الإذن فی الشی إذن فی لوازمه، وکذلک إذا اختار الإبقاء، وإما الإزالة، وسیأتی بعض توضیح لذلک فی المسألة السادسة إن شاء الله تعالی.

{وأما المزارعة المعاطاتیة ف_} الظاهر أنها لازمة أیضاً کما تقدم، وإن کان علی مبنی المصنف التابع للمشهور أنها {لا تلزم إلا بعد التصرف} کسائر المعاملات المعاطاتیة عندهم.

{وأما} المزارعة {الإذنیة} فقد عرفت أن الصحیح أنها لیست مزارعة {فیجوز فیها الرجوع دائماً} لأن الإذن لیس بعقد، بل هو إجازة، والمجیز متی ما أراد سحب إجازته، فإن «الناس مسلطون علی أموالهم وأنفسهم»((1))، لکن الرجوع إنما یکون

ص:311


1- البحار: ج2 ص273

لکن إذا کان بعد الزرع وکان البذر من العامل یمکن دعوی لزوم إبقائه إلی حصول الحاصل، لأن الإذن فی الشیء إذن فی لوازمه

بالنسبة إلی المستقبل لا الماضی، لأن الماضی لا یعود عن حالته، إلا إذا دل دلیل علی الرجوع الحکمی، وذلک لیس بموجود فی المقام.

نعم یستشکل علی المصنف بأن الإذنیة إذا کانت مزارعة مصطلحة یجب أن یکون لازماً، وقد تقدم منه أنه من المصطلحة، فکیف یجمع بین الکلامین، اللهم إلا أن یقال: إنه لا دلیل علی لزوم الإذنیة، فالأصل عدم لزومها حتی بعد التصرف، فتأمل.

{لکن إذا کان} الرجوع {بعد الزرع وکان البذر من العامل یمکن دعوی لزوم إبقائه إلی حصول الحاصل، لأن الإذن فی الشیء إذن فی لوازمه} فإذا أذن فی الابتداء کان إذناً فی الإبقاء.

لکن یرد علیه أولاً: إنه لا حاجة إلی هذه القاعدة بعد کون الإذن فی الإبقاء صریح کلام الإذن، لا لازمه، إذ معنی استحقاق الحصة الإبقاء، فإن بدون الإبقاء لا حصة.

وثانیاً: إن الإذن فی الإبقاء ولو کان صریحاً لا یقتضی عدم جواز الرجوع، فإذا رجع کان اللازم علیه تدارک ما تضرر به العامل، إن کان العامل مغروراً من قبله، لقاعدة الغرور.

أما ما ذکره المستمسک من أنه لا دلیل علی جواز رجوع المالک عن إذنه بعد عمل العامل، لا سیما إذا کان النتاج لا یحتاج إلی عمل، ففیه: إن الدلیل هو تسلط

ص:312

وفائدة الرجوع أخذ أجرة الأرض منه حینئذ ویکون الحاصل کله للعامل.

الناس علی أموالهم وأنفسهم((1))، ولا دلیل علی أن الإذن یوجب اللزوم.

{وفائدة الرجوع أخذ أجرة الأرض منه} أی من العامل {وحینئذ یکون الحاصل کله للعامل}، لکن یمکن أن یقال: إنه إذا رجع کان له إلزام العامل بقلع زرعه بلا أرش، إن لم یکن له أرش، أو کان ولم یکن مغروراً.

أما کون کل الحاصل للعامل، فیرد علیه: إنه إذا أذن فی قبال شیء له فلا وجه لکون کل الحاصل للعامل، بل للمالک بعضه حسب القرار، فإن النتاج حاصل الأرض والبذر والعمل کما تقدم.

ص:313


1- البحار: ج3 ص272

مسألة ٤ استعارة أرض للزراعة

(مسألة 4): إذا استعار أرضاً للمزارعة ثم أجری عقدها لزمت، لکن للمعیر الرجوع فی إعارته

(مسألة 4): {إذا استعار أرضاً للمزارعة ثم أجری} المستعیر {عقدها} مع إنسان عامل صحت الاستعارة لإطلاق أدلتها، فتکون منفعة الأرض للمستعیر بإباحة المالک فیجعل للعامل تسلطه علی تلک المنافع فی قبال أن یکون للمستعیر بعض الحاصل {لزمت} لأن المزارعة لازمة، فلا یتمکن المستعیر من الرجوع وإبطال المزارعة.

{لکن للمعیر الرجوع فی إعارته} لأن العاریة لیست بلازمة، وعقد المستعیر علیها لا یجعلها لازمة، إذ لا دلیل علی ذلک، فالأصل البقاء علی الجواز بالنسبة إلی المعیر.

نعم نفس المستعیر لا یحق له الإرجاع، لأنه بعقده منع نفسه من الإبطال، والإرجاع إبطال.

وبذلک یظهر أن قول المستمسک لا یخلو من نظر، فإن المزارعة قد اقتضت علی وجه اللزوم استحقاق المستعیر والعامل لمنفعة الأرض فلا یمکن رجوع المنفعة إلی مالکها یترتب علی الرجوع فائدة محل نظر، إذ من أین علی وجه اللزوم بینهما یؤثر فی قلب جواز المالک إلی اللزوم، فإذا لم یکن دلیل علی ذلک کان مقتضی القاعدة بقاء الجواز بالنسبة إلی المالک علی حاله.

لا یقال: وجه اللزوم أن الإذن لإیقاع العقد اللازم علی ملکه بمنزلة الإذن فی إتلاف ماله، سواء قلنا بتملیک المنافع فی المزارعة والإجارة، أو بایجاد إضافة موجبة للسلطنة علیها.

ص:314

فیستحق أجرة المثل لأرضه علی المستعیر، کما إذا استعارها للإجارة فآجرها

لأنه یقال: إنما هو إتلاف بالنسبة إلی الماضی لا المستقبل، فهو کما أعاره إعارة مطلقة، حیث إنه إذا زارعها لم یخرج ذلک عن حقیقة الإعارة.

{ف_} إذا رجع المالک حق له قلع الزرع إذا لم یوجب ضرراً، وقلعه مع إعطاء أرشه إذا أوجب ضرراً، إذا کان مغروراً، وبدون الارش إذا لم یکن مغروراً، ویکون کما لو قال له: (ازرعه لکنی إذا أردت الأرض قلعت الشجر وأخذتها منک)، فقوله: {یستحق أجرة المثل لأرضه علی المستعیر} محل إشکال، ولا یخفی أن مراده أجرة المثل لما بعد الرجوع، إذ لا أجرة لما قبله حیث کانت عاریة ولا شیء فی العاریة.

{کما إذا استعارها للإجارة} لإطلاق أدلة العاریة، فقول المستمسک: (فی صحة هذه الاستعارة نظر، فإن الاستعارة استباحة الانتفاع بالعین واستیفاء منفعتها، والإجارة لیست استیفاءً للمنفعة بل استیفاء لعوضها فلا تصح الاستعارة لها) غیر ظاهر الوجه، فإن المالک أعطی المنفعة للمستعیر والمستعیر أعطاها فی قبال أجرة.

{فآجرها} ثم إن الکلام فی لزوم العقد بالنسبة إلی طرفی الإجارة، وعدم لزوم العاریة من طرف المالک هنا، کما تقدم فی الاستعارة للمزارعة.

لا یقال: کیف تخرج فائدة الملک من کیس المعیر، ویدخل عوضها إلی کیس المستعیر.

ص:315

بناءً علی ما هو الأقوی من جواز کون العوض لغیر مالک المعوض.

لأنه یقال: الفائدة صارت ملکاً للمستعیر فتخرج من کیسه، حیث یدخل بدلها إلی کیسه أیضاً.

ومنه یظهر أن قول المصنف: {بناءً علی ما هو الأقوی من جواز کون العوض لغیر مالک المعوّض} فیه نظر من وجهین:

الأول: إنه جواب عن الإشکال التی ذکرناه لا عما ذکره من الإشکال.

الثانی: إن جواب ما ذکرناه لیس کما ذکره.

ص:316

مسألة ٥ اشتراط الذهب والفضة فی المزارعة

(مسألة 5): إذا شرط أحدهما علی الآخر شیئاً فی ذمته أو فی الخارج من ذهب أو فضة أو غیرهما مضافاً إلی حصته من الحاصل صح

(مسألة 5): {إذا شرط أحدهما علی الآخر شیئاً فی ذمته أو فی الخارج} شخصیاً أو مشاعاً أو کلیاً مطلقاً أو کلیاً فی المعین أو مردداً بین شیئین مثلاً کأن یعطیه إحدی ضیاعه {من ذهب أو فضة أو غیرهما مضافاً إلی حصته من الحاصل} أو شرط علیه عملاً کخیاطة ثوبه، أو تعلیم ولده، إلی غیر ذلک من الشروط السائغة غیر المنافیة للکتاب والسنة ولا لمقتضی العقد.

{صح} ولزم کما هو المشهور شهرة عظیمة، إذ لم یعرف المخالف، إلا أن الشرائع والتذکرة والمختلف والإیضاح کما حکی عنهم نقلوا عن بعض أصحابنا القول بالمنع، ولکن اعترف غیر واحد من الفقهاء بأنهم لم یعرفوا القائل به، ولعله استند إلی أن الشرط فیها خلاف المزارعة المتلقاة من الشرع.

وفیه: إنها إمضاء والعقلاء یرون الشرط فیها، بالإضافة إلی دلیل «المؤمنون عند شروطهم»((1)).

نعم ذکر غیر واحد من الفقهاء کراهة أن یشترط مع الحصة شیئاً من ذهب أو فضة، کما حکی عن جامع الشرائع والتحریر وجامع المقاصد،

ص:317


1- الوسائل: ج15 ص30 الباب 9 من أبواب المهور ح4

بل عن المختلف عن الشیخ حکایته ولم یعلم له وجه، ولعل المصنف صرح بهما فی قبال هذا القول.

والظاهر أن نقول نحن بالکراهة لأدلة التسامح، وربما یوجه بأن المالک إن أعطی وربما لا یحصل علی الحصة، فقد أعطی الذهب بلا بدل وذلک غرر، وإن أعطی العامل، فربما لا یحصل الحصة فیکون کذلک، وإذا حصلت الحصة فهی فی مقابل عمل العامل وأرض المالک، فبماذا یقابل الذهب والفضة، وفیهما ما لا یخفی.

وکیف کان، فقد قال فی القواعد: (ولو تضمن العقد شرطاً سائغاً لا یقتضی الجهالة لزم)، والظاهر أن قید (لا یقتضی) مستدرک، لأنه إذا کان اقتضی الجهالة لم یکن سائغاً، ولذا لم یذکر القید المذکور أکثرهم، وکان المحکی عن مساقاة جامع المقاصد الإشکال فی القید المذکور.

وکیف کان، فالشرط الباطل إن صیغ شرطاً أوجب الخیار، وإن صیغ مصباً أو قیداً أوجب البطلان کما تقدم، هذا بالإضافة إلی ورود بعض الروایات الدالة علی صحة الشرط.

مثل ما رواه المشایخ الثلاثة، عن محمد بن السهل بن الیسع، عن أبیه، قال: سألت أبا الحسن موسی (علیه السلام) عن الرجل یزرع له الحراث بالزعفران ویضمن له أن یعطیه فی کل جریب أرض یمسح علیه وزن کذا وکذا درهماً، فربما نقص وغرم، وربما استفضل وزاد، قال (علیه السلام): «لا بأس به

ص:318

ولیس قراره مشروطاً بسلامة الحاصل

إذا تراضا»((1)).

واستدلال جملة من الفقهاء بهذه الروایة من باب المناط، وإلا فهی غیر مرتبطة بما نحن فیه، إذ الظاهر أن الروایة لیست فی المزارعة، بل فی الاستیجار، فیستأجر صاحب الأرض الفلاح لیزرع له لأن یعطیه فی قبال کل جریب کذا من الحاصل، ولیس هذا أسلوب المزارعة، بل أسلوب اتخاذ الأجیر.

{ولیس قراره مشروطاً بسلامة الحاصل}، فإنهم قد اختلفوا فی أنه هل یسقط من الشرط بحسابه إذا لم یسلم الحاصل، کما هو مختار المسالک، قال: (فلو تلف البعض سقط منه بحسابه، لأنه کالشریک، وإن کانت حصته معینة)، ثم قال: (مع احتمال أن لا یسقط منه شیء بتلف البعض متی بقی قدر نصیبه عملاً بإطلاق الشرط) انتهی.

أو لا یسقط، کما عن الکافی، قال فی مفتاح الکرامة: (وهو ظاهر الباقین وهو الأقوی).

أقول: الظاهر أنه تبع لقصدهما، فإن العقود تتبع القصود، وإذا لم یعرف القصد لموت أو نحوه یراجع إلی العرف فی استفادة أی الأمرین، لأن الألفاظ المطلقة إذا لم یکن قصد خاص أو لم یعرف ذلک یستفتی فیه العرف، حیث إن الارتکاز یجعل القصد حسب المستفاد من العرف.

ومنه یعرف أن قول السادة ابن العم والبروجردی وغیرهما بأنه مشروط

ص:319


1- الوسائل: ج13 ص206 الباب 14 من أبواب المزارعة والمساقاة ح1

بل الأقوی صحة استثناء مقدار معین من الحاصل لأحدهما مع العلم ببقاء مقدار آخر لیکون مشاعاً بینهما

بالسلامة، کقول المستمسک لا یسقط عن الشرط شیء، وإن تلف جمیع الحاصل نظیر الدین فی الذمة، محل منع.

{بل الأقوی صحة استثناء مقدار معین من الحاصل لأحدهما} کمائة منّ {مع العلم ببقاء مقدار آخر لیکون مشاعاً بینهما} کما استفید من کلام الشیخ وغیره من الذین صرحوا بجواز اشتراط إخراج البذر أولاً، کما أن بالصحة صرح المختلف واستظهر من الکفایة کما فی مفتاح الکرامة، لکن الأشهر کما عن المفاتیح، والمشهور کما عن المسالک والکفایة البطلان، وفی القواعد: بطل علی إشکال.

استدل الأولون: بإطلاق أدلة الشرط بعد أنه لم یخالف الکتاب والسنة ولا مقتضی العقد.

واستدل الآخرون: بما فی الشرائع، قال: لم یصح لجواز أن لا تحصل الزیادة.

وفیه أولاً: إن الدلیل أخص من المدعی لجواز أن تحصل الزیادة.

وثانیاً: إن کثیراً من الشروط معرض للفقدان، کما إذا شرط فی البیع خیاطة الثوب، أو فی المزارعة زرع الحنطة إلی غیر ذلک، مع احتمال موت المشروط علیه أو فقدان الحنطة حین البذر، فهل یقال بالبطلان فی کل تلک الموارد.

قال فی المستمسک: (لا فرق بین أن یکون الشرط متعلقاً بالحاصل، کما هنا

ص:320

فلا یعتبر إشاعة جمیع الحاصل بینهما علی الأقوی، کما یجوز استثناء مقدار البذر لمن کان منه.

أو متعلقاً بخارج الحاصل کما فی المسألة السابقة، فالتفصیل بینهما، کما عن الاکثر، بلا فاصل) انتهی.

ثم إنه لا یمکن الاستدلال لصحة هذا الشرط بالروایة المتقدمة إلاّ بالمناط، کما عرفت فی الفرع السابق، إذ قدم تقدم أنها لیست ظاهرة فی المزارعة، فاستدلال المستمسک بها لهذا الفرع غیر ظاهر الوجه.

ثم إن العلم لیس شرطاً، فذکره فی کلام الماتن وغیره طریقی، بل اللازم الواقع.

{فلا یعتبر إشاعة جمیع الحاصل بینهما علی الأقوی} وکذا یصح أن یشترط للمالک عشرة أقفزة من الحنطة، وللعامل خمسة أقفزة من الشعیر، والباقی منهما مشترک بینهما، لما تقدم من الدلیل.

{کما یجوز استثناء مقدار البذر لمن کان منه} البذر، کما عن النهایة والمهذب والسرائر، بل عن المبسوط واستحسان التحریر ولازم کلام المختلف والکفایة، خلافاً لآخرین حیث قالوا بالبطلان، وعن الإیضاح نسبته إلی کثیر من الأصحاب، والمفاتیح إلی الأشهر، والمسالک والکفایة إلی المشهور، وفی القواعد بطل علی إشکال، وعن التذکرة مثله.

والأقوی القول الأول، لإطلاق أدلة الشرط، وخصوص خبر إبراهیم الکرخی، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أشارک العلج _ المشرک خ ل _ فیکون من عندی الأرض والبقر والبذر، ویکون علی العلج القیام والسقی والعمل فی

ص:321

الزرع حتی یصیر حنطةً أو شعیراً، وتکون القسمة فیأخذ السلطان حقه، ویبقی ما بقی علی أن للعلج منه الثلث ولی الباقی، قال: «لا بأس بذلک»، قلت: فلی علیه أن یرد علی مما أخرجت الأرض البذر ویقسم ما بقی، قال (علیه السلام): «إنما شارکته علی أن البذر من عندک، وعلیه السقی والقیام»((1))، فإن ظاهر التعلیل جواز ذلک مع الاشتراط، وإنما لا یجوز الآن لأنه لم یکن شرط.

وصحیح یعقوب بن شعیب، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل تکون له الأرض من أرض الخراج فیدفعها إلی الرجل علی أن یعمرها ویصلحها ویؤدی خراجها، وما کان من فضل فهو بینهما، قال (علیه السلام): «لا بأس»((2)).

فإن ظاهر (من فضل) بعد إخراج المؤن والتی منها البذر.

وروی أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره، عن ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، إلی أن قال: «المزارعة علی النصف جائزة، قد زارع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) علی أن علیهم المؤنة»((3)).

أقول: وعلی هذا یصح اشتراط البذر لمن بذله أو لغیره من الطرف الآخر أو لهما بغیر تساو بینهما.

أما الذین قالوا بالمنع، فقد استدل لهم بأنه خلاف مقتضی المزارعة،

ص:322


1- الوسائل: ج13 ص202 الباب 10 من أبواب کتاب المزارعة والمساقاة ح1
2- الوسائل: ج13 ص203 الباب 15 من أبواب کتاب المزارعة والمساقاة ح2
3- المستدرک: ج2 ص502 الباب 6 من أبواب کتاب المزارعة والمساقاة ح3

أو استثناء مقدار خراج السلطان أو ما یصرف فی تعمیر الأرض ثم القسمة

حیث یلزم أن یجعل لهما بالحصص، ولما تقدم عن الشرائع فی الفرع السابق من احتمال أن لا یحصل مقدار البذر أو أکثر منه، وفی کلا الوجهین نظر واضح، کما تقدم هناک، فقول بعض المتأخرین لا ینبغی التأمل فی البطلان غیر ظاهر الوجه، ولذا سکت علی المتن کل المعلقین الذین ظفرت بکلماتهم فی المقام، والله العالم.

{أو استثناء مقدار خراج السلطان} لما تقدم من الدلیل الخاص والعام، بل واستثناء مقدار الخمس والزکاة لإطلاق أدلة الشرط.

{أو ما یصرف فی تعمیر الأرض ثم القسمة} لما یبقی بعد المستثنیات بینهما علی التساوی أو الاختلاف.

قال فی القواعد: أو یشترط أحدهما الهرف والآخر الأفل، أو ما یزرع علی الجداول، والآخر فی غیرها _ عطفاً علی البطلان _ ولذا قال فی مفتاح الکرامة: هذا باطل بلا خلاف، کما فی موضعین من المبسوط، وبلا خلاف بین العلماء کما فی التذکرة، وکذا نقل لا خلاف عن الغنیة والسرائر.

أقول: إن تم الإجماع فهو، وإلا فالأصل صحته، لأنه عقلائی لم یمنع الشارع عنه، ثم إن الشرط إذا بطل لم یبطل العقد، نعم إذا کان مصباً أو قیداً بطل، کما تقدم الوجه فی الأمرین، ثم إن البطلان إنما یقطع به إذا لم یکن الهرف والأفل جزءاً کما إذا اشترط لأحدهما النصف

ص:323

وهل یکون قراره فی هذه الصورة مشروطاً بالسلامة کاستثناء الأرطال فی بیع الثمار أو لا، وجهان.

مع أحدهما وإلا فالصحة مقتضی القاعدة.

وقال فی التذکرة: فی الصحة نظر، لکن المجوزین من العامة اتفقوا علی بطلانه.

أقول: حیث لا وجه للنظر إلا احتمال لزوم أن لا یکون مع الحصة شیء، وقد عرفت الإشکال فیه سابقاً، فالصحة مقتضی القاعدة.

ومنه یعلم أن قول مفتاح الکرامة: إن البطلان قضیة الأصل، غیر ظاهر الوجه.

{وهل یکون قراره فی هذه الصورة مشروطاً بالسلامة کاستثناء الأرطال فی بیع الثمار} حیث إن المشهور بین الفقهاء أنه إذا باع الثمرة واستثنی مقداراً معیناً فخاست الثمرة ینقص من المستثنی علی حسب النسبة، بل فی الجواهر بلا خلاف أجده فیه.

{أو لا}، إذ لا وجه لذلک وإن قلنا به هناک، {وجهان} الأقرب أن مقتضی القاعدة أنه لو کان الاستثناء علی نحو المشاع کان مشروطاً بالسلامة، فکلما نقص شیء نقص من الشرط بالنسبة، ولو کان علی نحو الکلی فی المعین لم یکن مشروطاً بالسلامة.

وبذلک یظهر وجه النظر فی إطلاق أی من الوجهین، کما یظهر وجه النظر فی إطلاق تعلیقة ابن العم حیث قال: الظاهر أنه مشروط بها، أما إشکال السید البروجردی علی المتن بقوله: لا موقع لهذا التردید بعد کون المعروض استثناء هذه الأمور من الحاصل، فالظاهر الإشکال فیه لأن کلام المصنف وجود

ص:324

شیء من الحاصل یکفی للمستثنی، لا أن کل الحاصل خاس أو نحوه.

نعم إذا خاس کل الحاصل وکان الاستنثاء من الحاصل لم یکن وجه لاحتمال عدم الاشتراط بالسلامة.

ثم إنه لو شک من أنه هل کان الاستثناء علی نحو الکلی أو الإشاعة، فإن کان عرف رجع إلیه، ولو اختلف العرف فالمرجع عدم زیادة الحق للمشترط، حیث إن الأصل کون الثمر لهما بنسبة الأرض والعمل، بعد إخراج المؤن فقط.

ص:325

مسألة ٦ التأخیر الحاصل

(مسألة 6): إذا شرط مدة معینة یبلغ الحاصل فیها غالباً، فمضت والزرع باق لم یبلغ، فالظاهر أن للمالک الأمر بإزالته بلا أرش، أو إبقاءه ومطالبة الأجرة إن رضی العامل بإعطائها، ولا یجب علیه الإبقاء بلا أجرة، کما لا یجب علیه الأرش مع إرادة الإزالة لعدم حق للزارع بعد المدة، والناس مسلطون

(مسألة 6): {إذا شرط مدة معینة یبلغ الحاصل فیها غالباً، فمضت} تلک المدة {والزرع باق لم یبلغ، فالظاهر أن للمالک الأمر بإزالته} إن کان البذر من العامل، أما إذا کان البذر من المالک فلیس له ذلک، إذ لا حق له علی العامل، والحال أنهم یقولون بأن الزرع تابع للبذر.

وقد نقل مفتاح الکرامة حقه فی أمر الزارع بالإزالة عن غیر واحد من الفقهاء، وکان ذلک لقاعدة سلطنة الناس علی أموالهم، حیث إن الأرض للمالک، وزرع الزارع بعد انقضاء المدة لا وجه لبقائه فیها بدون رضی مالک الأرض.

{بلا أرش} فلا یحق للزارع أخذ التفاوت بین المزروع والقصیل عن مالک الأرض، لأصالة عدم ضمان المالک.

{أو إبقاءه ومطالبته الأجرة إن رضی العامل بإعطائها} إذ العامل مسلط علی ماله، فلا یحق لمالک الأرض أخذ الأجرة بالقوة منه.

{ولا یجب علیه} أی المالک {الإبقاء بلا أجرة} لأنه خلاف قاعدة تسلط الناس، بل ولا مع الأجرة لأنه معاملة جدیدة لا یجبر المالک عیها إلا برضاه.

{کما لا یجب علیه الأرش مع إرادة الإزالة} لقاعدة السلطة والأصل کما تقدم، ولذا قال: {لعدم حق للزارع بعد المدة} المقررة {والناس} المالک {مسلطون

ص:326

علی أموالهم.

علی أموالهم}((1)).

أقول: مقتضی ما ذکرناه سابقاً من أن الزرع ناتج کل من الأرض والعمل فالزرع لهما، سواء کان البذر من هذا أو من ذاک أو من کلیهما أو من ثالث، وعلیه لا حق للمالک فی جبر الزارع علی الإزالة لحق الزارع، کما لا حق للزارع فی الإزالة بالنسبة إلی حق المالک، فإذا استثنی حق المالک یبقی حق الزارع، فإن تراضیا علی شیء فهو، وإلا فإن لم یتضرر الزارع بالإزالة کان للمالک حق جبره لقاعدة التسلط، وإن تضرر فإن کان قدر ضرره معارضاً بضرر المالک من بقائه تساقط الضرران، وکان للمالک الحق فی الجبر بالإزالة لقاعدة السلطة التی لا معارض لها.

وإن لم یکن للمالک ضرر فی البقاء وکان للزارع ضرر فی القلع، فهل تقدم قاعدة السلطة، أو قاعدة لا ضرر، أو یجمع بین الأمرین لقاعدة العدل فی المالیات، فإما أن یقلع مع تحمل المالک نصف الأرش، وأما أن یبقی مع تحمل الزارع نصف الأجرة، الظاهر الثالث، لأنه لا وجه لتقدیم أی القاعدتین بعد عدم الدلیل علی أن إحداهما أهم، کما لا وجه لأن تبقی الأرض بلا نفع فی المدة الجدیدة، وکذلک لا وجه لأن یتحمل الزارع کل خسارة القلع، فلم یبق إلا قاعدة العدل، کما ذکرناها فی کتاب الخمس وغیره، فتأمل.

ص:327


1- البحار: ج2 ص273

ولا فرق بین أن یکون ذلک بتفریط الزارع أو من قبل الله کتأخیر المیاه أو تغیر الهواء، وقیل: بتخییره بین القلع مع الأرش والبقاء مع الأجرة

{ولا فرق بین أن یکون ذلک} التأخیر {بتفریط الزارع} عمداً أو بدون عمد کما إذا لم یقدر لمرض ونحوه.

{أو من قبل الله کتأخیر} جریان {المیاه} ونزول الأمطار {أو تغییر الهواء}، أو من قبل ثالث، کما إذا حال الظالم بین الأرض والزرع، وقد یکون وجه التأخیر المالک بنفسه کأن حال بین الزارع والزرع.

ولا یخفی أن ما ذکرناه من قاعدة الضرر فی الزارع أو المالک، إنما هو إذا لم یکن أحدهما سبباً للضرر، وإلا فلا یتدارک إضرار الإنسان بنفسه بقاعدة لا ضرر.

{وقیل} والقائل العلامة فی القواعد: {بتخییره بین القلع من الأرش والبقاء مع الأجرة} قال: (ولو ذکر مدة یظن الإدراک فیها فلم یحصل، فالأقرب أن للمالک الإزالة مع الأرش أو التبقیة بالأجرة، سواء کان بسبب الزارع کالتفریط بالتأخیر، أو من قبل الله تعالی کتغییر الأهویة وتأخیر المیاه).

وعن جامع المقاصد أنه فصل فی أول کلامه فقال: (إن کان التأخیر بتفریط الزارع کان للمالک الإزالة لأنه عند الانتهاء کالغاصب، وإن کان بغیر تقصیر منه یجب الإبقاء إلی الإدراک).

وقد نقل مفتاح الکرامة هذا التفصیل عن المبسوط والتذکرة والتحریر وغیرها، واستدلوا لذلک بأنه فی الأول کالغاصب، وفی الثانی بأن ما خرج عن

ص:328

وفیه ما عرفت، خصوصاً إذا کان بتفریط الزارع مع أنه لا وجه لإلزامه العامل بالأجرة بلا رضاه، نعم لو شرط الزارع علی المالک إبقاءه إلی البلوغ بلا أجرة، أو معها إن مضت المدة قبله، لا یبعد صحته

المدة وإن لم یتناوله العقد، لکنه یستلزم ضرراً من تکلیف ما لا یطاق.

واحتملوا وجوب الصبر علی المالک مجاناً، وأن له القلع مجاناً.

أقول: قد عرفت مقتضی القاعدة فلا وجه معتد به لأی من القولین، ولذا قال المصنف: {وفیه ما عرفت} إذ لا إطلاق للتخییر {خصوصاً إذا کان بتفریط الزارع} ولذا فصل جماعة بین تفریط الزارع وعدمه، حیث أجازوا القلع للمالک بدون الأرش إذا کان الأول، بینما لا یجوز القلع کذلک إذا کان الثانی.

{مع أنه لا وجه لإلزامه} إلزام المالک {العامل بالأجرة بلا رضاه} فإنه خلاف دلیل السلطنة.

{نعم، لو شرط الزارع علی المالک إبقاءه إلی البلوغ بلا أجرة، أو معها إن مضت المدة قبله، لا یبعد صحته} لإطلاق أدلة الشرط، سواء کان الشرط مطلقاً، أو فی حالة خاصة کحالة کون التأخیر من الله أو من ثالث أو ما أشبه.

وقد أشار المصنف بذلک إلی الإشکال فی قول الشرائع حیث قال: (لو شرط فی العقد تأخیره إن بقی بعد المدة المشروطة بطل العقد علی القول باشتراطه تقدیر المدة)، وعلله فی المسالک بجهالة المدة، لأن المدة حینئذ تکون مجموع المذکور وما بعده إلی أن یدرک الزرع وهی مجهولة، وشرطها فی ضمن العقد من جملة العوض، فإذا تضمن جهالة بطل العقد.

ص:329

ووجوب الإبقاء علیه.

أقول: فیه إن مثل هذه الجهالة لا توجب غرراً ولا دلیل علی إبطال ما عدا الغرر.

{ووجوب الإبقاء علیه} بدون أجر، أو معه مسمیً أو مثلاً إذا لم یذکر المسمی.

ومنه یعلم أن إشکال السید البروجردی علی صحة العقد غیر ظاهر الوجه، کما أن استدلال بعض المعلقین للإشکال بأنه غرری غیر تام.

نعم ربما یکون غرراً إذا کانت المدة المحتملة مرددة بین زیادة ونقیصة یراها العرف غرراً، لکن مثله نادر جداً، فالأصل مع عدم الغرر وصورة الغرر استثناء.

ص:330

مسألة ٧ لو ترک الزرع بعد العقد

(مسألة 7): لو ترک الزارع الزرع بعد العقد وتسلیم الأرض إلیه حتی انقضت المدة، ففی ضمانه أجرة المثل للأرض کما أنه یستقر علیه المسمی فی الإجارة

(مسألة 7): {لو ترک الزارع الزرع بعد العقد وتسلیم الأرض إلیه حتی انقضت المدة} أو بقیت مدة قلیلة لا یمکن الزرع فیها مثلا، {ففی ضمانه أجرة المثل للأرض} کما أفتی به الشرائع والقواعد والتذکرة والتحریر والإرشاد والروض والمفاتیح ومجمع البرهان، بل هو المنسوب إلی ظاهر الأصحاب، کما حکی عن بعضهم.

{کما أنه یستقر علیه المسمی فی الإجارة} إذا استأجرها ولم یستعملها حتی انتهت المدة، أما فی الإجارة فواضح، وأما فی المزارعة فلما ذکره المسالک من أن منفعة الأرض صارت مستحقة له بحیث لا یتمکن المالک من استیفائها وقد فوتها فیلزم الأجرة.

أقول: ویؤیده «لا یتوی حق امرئ مسلم»((1))، فإن المنفعة حق للمالک فوتها الزارع بترکه، خصوصاً إذا قلنا بأن الحیلولة بین المالک وماله مما فوتت استرباحه منه یوجب الضمان، کما لم نستبعده فی بعض مباحث الفقه.

أما قول المستمسک فی الإشکال علی المسالک بأنه (لا یظهر وجه الملازمة بین تفویته ما یستحق، وبین ضمان الأجرة للمالک، وکان الأولی تعلیله بأن منفعة

ص:331


1- المستدرک: ج3 ص215 الباب 46 من أبواب نوادر الشهادات ح5

الأرض صارت مستحقة له بعوض لم یسلمه لتعذره فینتقل إلی أجرة المثل، وإن کان یشکل أیضاً بأن تعذر العوض موجب للبطلان فاستحقاق أجرة المثل یحتاج إلی دلیل، إلا أن یقال: یکفی فی الضمان عموم قاعدة «ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده» ولما کانت منفعة الأرض مضمونة فی المزارعة الصحیحة بالحصة فهی مضمونة فی المزارعة الفاسدة بالأجرة، کذا استدل، وفیه تأمل) انتهی.

یرد علیه أولاً: إن الملازمة مستفادة من دلیل «علی الید»، فإن الزارع أخذ الأرض وفوت المنفعة، وحیث إن المنفعة مثل أجرة المسمی ولم یعلم مقدارها رجع إلی أجرة المثل علی ما تقضیه قاعدة العدل، نعم یجب أن یقید ذلک بما إذا لم یعلم قدر الحصة، کما هو الغالب.

وثانیاً: بأن إشکاله علی الشهید وارد علی قوله: (فینتقل إلی أجرة المثل) حیث یسأل عن التلازم.

وثالثاً: بأن التعذر غیر التفویت، فالمقام مثل ما إذا استأجر خیاطاً لخیاطة ثوبه فی نهار الجمعة، ثم لم یسلمه الثوب، فإنه علیه إعطاءه الأجرة المسماة وإن لم یعلم قدرها، فالمثل لقاعدة العدل، فلیس المقام مما یوجب البطلان.

ورابعاً: إنه إذا سلم البطلان فإعطاؤه أجرة المثل أوضح، لأنه أذهب الفائدة فعلیه بدلها وهی أجرة المثل.

ثم إنه ربما یفرق بین أن تکون الأرض بید المالک فلا ضمان، أو بید العمال فالضمان، کما فی بعض الحواشی، ووجهه أن فی الأول کان المفوت للمنفعة المالک لا العامل، وفیه تأمل، حیث إن المالک لم یحل بین الزارع والأرض

ص:332

أو عدم ضمانه أصلاً، غایة الأمر کونه آثماً بترک تحصیل الحاصل، أو التفصیل بین ما إذا ترکه اختیاراً فیضمن، أو معذوراً فلا

کما لم یحل بین الوارد والمستأجر فالمفوت عرفاً هو الزارع والمستأجر.

نعم إذا لم یسلمه الأرض، وکان بحیث إذا سلمه إیاها لم یزرع، کان المفوت المالک.

أما احتمال بعض المعلقین أن الأجرة علی الزارع لأنه غاصب، فلم یظهر وجهه، إذ لا یعد مثله غاصباً، وإذ لا موضوع فلا حکم، بل هو کما إذا لم یسکن دار الإیجار، فإنه غیر مستنفع، لا أنه غاصب.

{أو عدم ضمانه أصلاً} للأصل {غایة الأمر کونه آثماً بترک تحصیل الحاصل} ویجب أن یقید ذلک أیضاً بما إذا لم یعلم بأنه لم یکن له حاصل أیضاً إذا کان یزرع، للقرائن الموجبة للعلم، کما یقید بذلک القول الأول، لکن الأصل لا یخفی ما فیه.

أما تعلیل بعض الفقهاء لذلک: بأنه بناءً علی عدم کون المزارعة إلا تعهداً والتزاماً من الطرفین بلا إیراث حق لأحدهما علی الآخر، وکون الأرض تحت ید العامل برضی المالک فواضح المنع، ولهذا قال الفقیه بنفسه: إنه لا یخفی ما فیه.

{أو التفصیل بین ما إذا ترکه اختیاراً فیضمن} لما ذکر فی أدلة القول الأول {أو معذوراً فلا} لرفع الاضطرار وما لا یطیقون وغیرهما من الأدلة العامة.

وفیه: إنها ترفع التکلیف لا الوضع فی مثل الضمانات.

ص:333

أو ضمانه ما یعادل الحصة المسماة من الثلث أو النصف أو غیرهما بحسب التخمین فی تلک السنة، أو ضمانه بمقدار تلک الحصة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث ومن قیمة عمل الزارع، أو الفرق بین ما إذا اطلع المالک علی ترکه للزرع فلم یفسخ المعاملة لتدارک استیفاء منفعة أرضه فلا یضمن، وبین صورة عدم اطلاعه إلی أن فات وقت الزرع فیضمن، وجوه و

ولذا کان فی قتل الخطأ ونحوه الدیة، ومثله ما لو استأجر الدار ولم یسکنها اضطراراً، أو الخیاطة ولم یعطه الثوب اضطراراً، إلی غیر ذلک.

{أو ضمانه ما یعادل الحصة المسماة من الثلث أو النصف أو غیرهما بحسب التخمین فی تلک السنة} کما سیأتی وجهه، ومقتضی هذا وقاعدة العدل أن الحصة لو ترددت کان النصف فی الزائد علی المتقین، کما إذا لم یعلم أنها ثلاثة أطنان أو خمسة حیث یعطیه أربعة.

{أو ضمانه بمقدار تلک الحصة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث} مثلاً {ومن قیمة عمل الزارع} کما سیأتی توضیحه، ووجهه عند استظهار أن هذا القول أوجه.

{أو الفرق بین ما إذا اطلع المالک علی ترکه للزرع فلم یفسخ المعاملة لتدارک استیفاء منفعة أرضه فلم یضمن} العامل، لأن المالک هو الذی أورد الضرر علی نفسه بترک الفسخ مع إمکانه الفسخ {وبین صورة عدم اطلاعه إلی أن فات وقت الزرع فیضمن} لأن المفوت حینئذ هو العامل>

{وجوه} ستة {و

ص:334

بعضها أقوال، فظاهر بل صریح جماعة: الأول

بعضها أقوال، فظاهر بل صریح جماعة} بل عرفت أنه المشهور: {الأول} قال السید الجمال: لما کان تسلیم الأرض إلی الزارع، وبقاؤه فی یده إلی انقضاء المدة هو مفروض هذه المسألة، فضمانها لما فات من منافعها تحت یده ولزوم أجرة المثل علیه بمکان من الوضوح.

أقول: یرد علیه أنه لو لم تکن للزراعة منفعة، أو کانت منفعتها أقل من الأجرة بالنسبة إلی حصة المالک، لم یکن وجه للأجرة، فربما لا یزرع الزارع لأنه یری عدم الفائدة أصلاً، فهل یمکن أن یقال بأجرة المثل علیه حینئذ.

ثم إذا کان الزرع یعطی للمالک حصة أقل من أجرة المثل، فقد أهدر المالک حقه بالنسبة إلی التفاوت بین الأجرة والحصة، فلماذا یعطیه الزارع بقدر الأجرة، اللهم إلا إذا کانت الحصة مقیدة بأن أهدر المالک حال الزرع لا حال عدمه.

ثم إنه یأتی الکلام فی العذر العام والخاص.

ومنه یعلم أن قول بعض المعلقین بأن الأوجه الأول إذا کانت الأرض تحت یده وترک الزارعة بتفریط منه، وإلا فلا ضمان، محل إشکال، فبالإضافة إلی أن قید کون الأرض تحت یده مستدرک لتصریح المصنف بتسلیم الأرض إلیه فی أول المسألة، أن ترک الأرض بتفریط یرد علیه:

أولاً: ما إذا کانت الحصة أقل.

وثانیاً: عدم الحاجة فی الضمان إلی التفریط، کما أن الخیاط إذا استعد ولم یسلمه مالک الثوب ولو بدون تفریط من المالک کان الضمان.

ص:335

بل قال بعضهم: یضمن النقص الحاصل بسبب ترک الزرع إذا حصل نقص، واستظهر بعضهم الثانی

{بل قال بعضهم} وهو الشهید الثانی فی المسالک: {یضمن النقص الحاصل بسبب ترک الزرع إذا حصل نقص} کما یتفق لتفریطه، وقد استقرب هذا جملة من المعلقین معللین له بأنه تفریط والأمین یضمن التفریط.

وفیه: إنه لا وجه لإطلاقه، إذ ذلک إنما یصح إذا کان الترک عمداً حتی یکون تفریطاً، أما إذا لم یکن کذلک فلا وجه لضمان الأمین بدون تعد أو تفریط، هذا مع أنه یلزم أن یقید بما إذا لم یحصل کمال من جهة أخری بترک الزرع بقدر النقص أو أکثر، کما إذا سبب ترک الزرع تسلط الماء علیه بحیث نقصت من جهة الزرع، لکن کملت من جهة قیمة الماء، حیث یباع بقدر النقص أو أکثر، ولعل کلام المسالک منصرف عنه.

أما إذا زادت الأرض بسب ترک الزرع، فالظاهر أنها لیست للزارع، حیث إن الزیادة لم تکن بفعله، فلیس المقام مثلما ما إذا زاد فی العین المغصوبة بفعل الغاصب.

{واستظهر بعضهم} وهو صاحب الجواهر {الثانی} بالإشکال فی الضمان من ترک الزرع لأن الزارع لم یتلف مال الغیر حتی یدخل فی عموم «علی الید» لأن عقد المزارعة جعله بحکم مال نفسه، لکن حیث وجب علیه الاستنماء وتسلیم الحصة فلم یفعل ترتب علیه الإثم لا الضمان، وقاعدة «لا ضرر» لا یستفاد منها الضمان، وإنما القاعدة ترفع اللزوم فیتسلط علی الفسخ، وفیه ما تقدم فی وجه القول الأول.

ص:336

وربما یستقرب الثالث، ویمکن القول بالرابع

{وربما یستقرب الثالث} کما فی المسالک، قال: (وهل یفرق فی ضمان أجرة المثل وضمان النقص بین ما إذا ترک العامل الانتفاع اختیاراً وغیره، ظاهرهم عدمه، ولا یبعد الفرق لعدم التقصیر فی الثانی، خصوصاً فی الأرش ومقتضی العقد لزوم الحصة خاصة ولم یحصل منه تقصیر یوجب منه الانتقال إلی ما لا یقتضیه العقد)، وفیه: إن التقصیر وعدمه یؤثر فی الإثم وعدمه لا فی الضمان، کما أشار إلیه المستمسک.

نعم قوله: (وکذا الضمان بالتفریط فی الأمانات لا یفرق فیه بین الأمرین) غیر ظاهر الوجه، إذ لو لم یقصر کان أمیناً فلم یحصل التفریط، فالجمع بین التفریط والقصور جمع بین متنافیین.

{ویمکن القول بالرابع} وهو الذی اختاره ابن العم، قال: وهو الأوجه مع ضمانه النقص الحاصل بسبب ترک الزرع إذا حصل نقص، ووجهه أن العامل هو الذی فوت علی المالک الحصة بترکه الزرع فیضمنها، وحیث لا یعلم بالضبط قدرها کان اللازم التخمین لأنه الطریق العرفی إلی تحصیل الحق کما کان یفعله الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) بالنسبة إلی حصته فی المزروعات.

أما بالنسبة إلی حقه فی النقص الحاصل فقد عرفت وجهه فی کلام المسالک، وفیه: إن الحصة کانت متوقفة علی الزرع فإذا لم یزرع لم تکن حصة وإنما أجرة أو ما أشبه کما تقدم، وإنما تکون الأجرة حق الأجیر فی باب الإجارة إذا لم یشغله المستأجر لأنها فی قبال وقته الذی جعله الأجیر تحت اختیار المستأجر، ولیس المقام کالإجارة.

ص:337

والأوجه الخامس

نعم إذا جعل المال أرضه تحت اختیار الزارع فی قبال کذا، کان له علیه ذلک، زرع أو لم یزرع، لکنه خارج عن محل البحث.

{والأوجه} عند المصنف: {الخامس} لأن المالک بسبب المزارعة ملک علی العامل نصف عمله، کما ملک نصف المنفعة التی تحصل من الأرض، فإن الناتج إنما اشترک فیه العمل والأرض، وحیث إن الزارع فوتهما بعدم زرعه، کما فوت علی نفسه أیضاً، وکذلک إذا قررا الثلث أو الربع لأحدهما والبقیة للآخر کان علیه إعطاؤه للمالک بمقدار ما فوت.

ولا وجه لأجرة المثل، لأن الفائت الحصة لا الأجرة، کما لا وجه لعدم الضمان بعد التفویت، والاختیار والعذر فی التفویت لا یفرق فیهما الضمانات، کما لا وجه للحصة المسماة إذ الحصة المسماة إنما کانت للمالک علی تقدیر المزارعة والمفروض أنه لم یزرع فیرجع الأمر إلی المقدار الفائت وهو نصف منفعة الأرض ونصف قیمة عمل العامل.

لکن یرد علیه: إن المالک أعطی أرضه فی قبال الحصة، لا فی قبال نصف المنفعة والعمل، فإذا لم یزرع الزارع کان کالخیاط الذی سلم نفسه إلی المستأجر لکنه لم یسلمه الثوب لیخیط، فإن الخیاط لا یستحق إلا قدر أجرة الخیاطة المقررة.

وما ذکرناه فی الإشکال علی استدلال المصنف أقرب من ما ذکره المستمسک: (إن الذی تضمنه عقد المزارعة هو ملک مالک الأرض نفس الحصة من الزرع

ص:338

فقط فی مقابل تمام منفعة الأرض، أو فی مقابل بذل الأرض. وأما عمل الزارع فلیس موضوعاً لعقد المزارعة، فلا یملک مالک الأرض إلا الحصة الخاصة من الحاصل، ولما تعذرت بطلت المزارعة، وقد فاتت منفعة الأرض بید العامل فیکون ضامناً لها) انتهی.

إذ العقلاء یرون الحاصل من هذه الأرض ومن هذا العمل، والناتج لهما بین المالک والعامل، ولا وجه لبطلان المزارعة، کما أن الإجارة لا تبطل بعدم استفادة المستأجر من دار المالک، أو من خیاطة الخیاط، وکذلک فی النکاح إذا لم یستفد الزوج من الزوجة مع بذلها نفسها لا ینهدم المهر أو النفقة.

أما ما جعله المستمسک أقرب بقوله: (إن المزارعة مأخوذة من الزرع فهی معاملة علی الأرض علی أن تزرع فیکون عوض بذل الأرض عمل الزارع. وأما الحصة من الحاصل فهی من قبیل الشرط فی المزارعة فیکون صاحب الأرض مالکاً علی العامل العمل، وهو الزرع فإذا لم یزرع فیکون ضامناً لقیمة العمل المملوک علیه).

ففیه: إن العرف یری أن بذل الأرض إنما هو فی قبال الحصة، وذلک هو ظاهر روایات بذل الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) خیبر((1))، فالحصة طرف لا شرط، وبذلک یکون المالک یملک علی العامل الحصة، فإذا لم یزرع لزم علیه إعطاؤه مثلها إذ توفرت أو قیمتها، کما فی سائر الضمانات إذا لم یتوفر المثل.

ص:339


1- الوسائل: ج13 ص201 الباب 9 من أبواب المزارعة ... ح1

لکون البذل فی قبال الحصة عرفاً وشرعاً، والتعذر لا یوجب البطلان.

ثم إنه کان علی المصنف أن یقبل ما تقدم من المسالک من ضمان العامل النقص إذا نقصت الأرض.

ومما تقدم یظهر أنه لو کانت الأرض تحت یدهما معاً، فإن تمکن العامل من عمله کاملاً لم یضر فی ضمانه الحصة إشراف المالک أیضاً، وإن لم یتمکن من عمله أصلاً لم ینفع أن یده فی الجملة علیها فی ضمانه، بل یکون کما إذا کان تحت استیلاء المالک کاملاً، وإن تمکن من عمله بقدر النصف أو أقل أو أکثر، حسب قوة وضعف استیلاء المالک، کان الضمان بقدره.

نعم للعامل حینئذ الفسخ، لأنه له خیار تبعض الصفقة، فإن دلیل هذا الخیار لیس خاصاً بالبیع، بل یأتی فی الإجارة والرهن والمضاربة والشرکة العقدیة والمساقاة وفی المقام وغیرها.

ومنه یعلم وجه النظر فی الشق الثانی من کلام السید البروجردی، حیث قال: (بل الأوجه الأول إن کانت الأرض فی تلک المدة تحت ید العامل واستیلائه، وأما مع کونها تحت استیلاء المالک أو هما فضمانه مطلقاً محل إشکال).

{وأضعفها السادس} فإن عدم الفسخ عند اطلاع المالک عدم عمل العامل لا یوجب سقوط حق المالک علی العامل، کما هو کذلک فی الإجارة وغیرها.

وبذلک یظهر أن ما ذکره فی المتحصل من التردید فی کون الأرض فی قبال العمل أو الحصة، وأن تعذر العمل یوجب بطلان المزارعة، غیر ظاهر

ص:340

وأضعفها السادس، ثم هذا کله إذا لم یکن الترک بسبب عذر عام، وإلا فیکشف عن بطلان المعاملة

علی ما تقدم مثاله {ثم هذا کله إذا لم یکن الترک بسبب عذر عام} کعدم نزول المطر فی الأراضی التی تزرع به، أو وجود مانع فی السماء أو الأرض لا یمکن تدارکه.

{وإلا فیکشف عن بطلان المعاملة} لما تقدم أن من شرائط المضاربة إمکان الانتفاع بالأرض.

ثم إذا لم یمکن الانتفاع بالأرض فی الزرع الذی صب علیه العقد، أو أخذ قیداً أو شرطاً، وأمکن غیره، أو لم یمکن الزرع إطلاقاً وأمکن الانتفاع بها فی شیء آخر، کجعلها مربطاً للدواب وما أشبه ذلک، فهل العامل ضامن لشیء أم لا، مقتضی القاعدة العدم مطلقاً، إذ ما کان العقد علیه لم یمکن، وما أمکن لا یکون العقد علیه.

لکن قال فی المستمسک: (یختص عدم الضمان بما إذا لم یمکن الانتفاع بالأرض من وجه آخر غیر الزراعة، أما إذا کان یمکن الانتفاع بها فی غیر الزراعة فاللازم البناء علی الضمان کما فی المقبوض بالإجارة الفاسدة، اللهم إلا أن یکون إقدام المالک علی إهمال تلک المنافع مانعاً عن ضمانها) انتهی.

أقول: إذا بطلت المزارعة کان علی العامل إرجاع الأرض، فإذا لم یرجعها بدون وجه شرعی لعدم الإرجاع کان غصباً، وقد فوت منافعها المتعارفة، فهو ضامن لها، أما إذا کان عدم الإرجاع لعذر شرعی مما کانت الأرض أمانة بیده فلیس علی الأمین الاسترباح فلا ضمان.

ص:341

ولو انعکس المطلب بأن امتنع المالک من تسلیم الأرض بعد العقد فللعامل الفسخ، ومع عدمه ففی ضمان المالک ما یعادل حصته من منفعة الأرض

نعم لو کانت الزراعة الخاصة علی وجه الشرط ورفع الشارط یده عن شرطه بقیت المزارعة بأحکامها المقررة.

{ولو انعکس المطلب، بأن امتنع المالک من تسلیم الأرض بعد العقد} ولم یمکن جبره، أو أمکن ولم یجبره العامل، إذ لیس یجب علی طرف العقد إجبار الطرف إلا إذا کان عنوان ثانوی، مثل إجبار الزوج زوجته الآبیة عن الإطاعة التی تنهج نهج الفساد من الإرجاع من جهة: ﴿قوا أنفسکم﴾ فیما لم یمکن المنع إلا بالإرجاع، إلی غیر ذلک.

{فللعامل الفسخ} لأن التسلیم کالشرط الضمنی کما فی الإجارة والرهن وغیرهما، فمع التخلف یکون الخیار، کما یکون الخیار للمالک إذا لم یعمل الزارع فی الأرض، لأن العمل شرط ضمنی فی عقد حقیقته إعطاء الأرض فی قبال الحصة.

{ومع عدمه ففی ضمان المالک ما یعادل حصته من منفعة الأرض} وهذا هو الذی جعله ابن العم أوجه، وإن جعل الثانی أظهر، وذلک لأن بالمزارعة انتقلت منفعة الأرض بقدر حصة الزارع إلیه فلما حال المالک بینها وبین الزارع کان غاصباً، یلزم علیه تدارکها، وقول المستمسک (بأنه لم یملک الزارع شیئاً من منفعة الأرض لعدم اقتضاء عقد المزارعة ذلک، وإنما یملک بذل الأرض

ص:342

أو ما یعادل حصته من الحاصل بحسب التخمین، أو التفصیل بین صورة العذر وعدمه

للزراعة) محل نظر، حیث إن بذل الأرض فی نظر العرف مقدمی لأجل الاستنفاع، فله حق فی الأرض.

{أو ما یعادل حصته من الحاصل بحسب التخمین} کما هو الأظهر عندنا، لما تقدم فی الفرع السابق، حیث إن المالک بحیلولته فوت علی العامل الحصة فیشمله: «لا یتوی حق امرئ مسلم» ونحوه، وکأنه لذا جعله ابن العم أظهر، وإشکال المتسمسک علیه (بأن ضمان الحصة من الحاصل موقوف علی ملکها، وملکها موقوف علی وجود الحاصل، والمفروض انتفائه) غیر ظاهر الوجه، إذ ضمان الحصة لیس موقوفاً علی ذلک، بل علی التفویت والتوی الحاصل فی المقام.

{أو التفصیل بین صورة العذر وعدمه} لما تقدم من الوجه فی فرع عدم عمل الزارع بعد تسلیم المالک له.

ثم هل المفصل حیث یقرب بالضمان یری ضمان حصته من منفعة الأرض، أو ما یعادل حصته من الحاصل حسب التخمین، لم یتعرض له المفصل، ولو قیل بالتفصیل کان مقتضی القاعدة الثانی لما عرفت من وجهه.

بل یمکن أن یقال: إنه لو حصل ضرر علی العامل من جراء عدم عمله المسبب عن منع المالک کان علی المالک تدارکه، کما ذکر فی الفرع السابق بالنسبة إلی نقص الأرض من عدم زراعة الزارع، وذلک لأن الضرر الذی تضرر به العامل کان بسبب المالک، فیشمله دلیل «لا ضرر».

ص:343

أو عدم الضمان حتی لو قلنا به فی الفرض الأول، بدعوی الفرق بینهما

{أو عدم الضمان حتی لو قلنا به فی الفرض الأول} کما قواه بعض المعلقین {بدعوی الفرق بینهما} لأن عمل العامل مملوک لمالک الأرض، فإذا لم یعمل الزارع فقد فوّت الملک علی صاحبه، فعلیه ضمانه، أما فی المقام فلیست منفعة الأرض مملوکة للزارع فلا یکون تفویتها علی الزارع موجباً للضمان.

ولذا قال الجواهر: (عدم الضمان فی مقامنا أولی، لعدم صیرورة منفعة الأرض ملکاً له بعقد المزارعة، حتی تکون ید المالک علیها عاریة یترتب علیها الضمان).

أقول: لا وجه لهذا التفصیل، حیث إن الزارع عقد علی أن یأخذ الأرض فی قبال إعطاء الحصة وعمل نفسه فی قبال حصته من الأرض، فعدم تسلیم المالک الأرض له مفوت لحصته، فلا یکون إلا کالأجیر الذی سلم نفسه ولم یستعمله المستأجر، کما تقدم من مثال الخیاط، وبذلک یکون المالک ضامناً لحصته التی فوتها علیه، ومنفعة الأرض وإن لم تصبح ملکاً للزارع إلا أن المعاوضة اقتضت أن تکون له الحصة.

ومنه یعلم أن قول المستمسک: (فالأقوی فی المقام أن یکون المالک ضامناً لعمل الزارع بأجرة المثل) محل نظر، إذ لا وجه لأجرة المثل، کما فی الخیاط الباذل نفسه، فهل له أجرة المثل، أو المسمی، وعلیه فهذا الفرع کالفرع السابق فی الضمان، ویأتی هنا الکلام المتقدم هناک فی أنه إذا لم یکن للأرض

ص:344

وجوه.

نفع أصلاً لم یکن المالک مفوتاً فلا ضمان.

{وجوه} قد عرفت أقربها، ولا وجه لتوقف المصنف هنا فی المسألة بعد اختیاره هناک، مع أن المسألتین من واد واحد.

ص:345

ص:346

المحتویات

المحتویات

ص:347

ص:348

کتاب المضاربة

5 _ 255

مسألة 33 _ شرط مال أو عمل خارجی فی المضاربة..................................... 7

مسألة 34 _ الربح للعامل بمجرد الظهور................................................... 21

مسألة 35 _ الربح وقایة لرأس المال......................................................... 33

مسألة 36 _ إذا طلب أحدهما تقسیم الربح................................................... 40

مسألة 37 _ لو باع العامل حصته بعد الظهور............................................. 50

مسألة 38 _ الخسارة تجبر بالربح............................................................ 52

مسألة 39 _ العامل أمین لا یضمن........................................................... 60

مسألة 40 _ لا یشتری المالک من العامل شیئا............................................... 68

مسألة 41 _ أخذ العامل بالشفعة.............................................................. 75

مسألة 42 _ عدم جواز وطی العامل للجاریة............................................... 77

مسألة 43 _ لو اشتری العامل زوج المالک.................................................. 78

مسألة 44 _ لو اشتری من ینعتق علی المالک............................................... 79

مسألة 45 _ لو اشتری أبا المالک............................................................. 82

ص:349

مسألة 46 _ فسخ المضاربة أو انفساخها..................................................... 85

الفسخ قبل العمل............................................................................... 87

الفسخ فی الأثناء................................................................................ 90

الفسخ بعد السفر................................................................................ 93

الفسخ قبل حصول الربح...................................................................... 95

الفسخ بعد الربح................................................................................ 100

لو کان فی المال دیون علی الناس........................................................... 104

إذا مات أحدهم قام وارثه مقامه............................................................... 106

لا یجب أزید من التخلیة....................................................................... 108

مسألة 47 _ لا یلزم أن یکون الربح حاملا من رأس المال................................. 112

مسألة 48 _ إذا کانت المضاربة فاسدة....................................................... 123

مسألة 49 _ إذا لم یکن للمدعی بینة.......................................................... 133

مسألة 50 _ لو تنازعا فی مقدار رأس المال................................................. 135

مسألة 51 _ لو ادعی المالک خیانة العامل................................................... 140

مسألة 52 _ لو ادعی العامل الخسارة........................................................ 143

مسألة 53 _ لو اختلفا فی مقدار حصة العامل............................................... 150

مسألة 54 _ لو أنکر المضاربة ثم أقر........................................................ 153

مسألة 55 _ لو اختلفا فی صحة المضاربة.................................................. 157

مسألة 56 _ لو ادعی أحدهما الفسخ.......................................................... 158

مسألة 57 _ لو ادعی العامل الرد............................................................. 159

مسألة 58 _ لو اشتراه العامل لنفسه.......................................................... 162

مسألة 59 _ لو اختلفا فی المضاربة والقرض............................................... 165

ص:350

مسألة 60 _ لو اختلفا فی القرض والمضاربة............................................... 170

مسألة 61 _ لو اختلفا فی الإبضاع والمضاربة............................................. 174

مسألة 62 _ لو اختلفا فی مقدار نصب العامل............................................... 179

مسائل

182 _ 255

لو کان عنده مال المضاربة فمات............................................................ 183

لو علق المضاربة علی أمر واقع............................................................ 204

لا یشترط فی العامل عدم الفلس.............................................................. 209

بطلان المضاربة بعروض الموت........................................................... 210

إذا ضارب المالک فی مرض الموت......................................................... 214

تبیین کون رأس المال لغیر المضارب...................................................... 216

اشتراط صحة عمل المضاربة............................................................... 221

إیقاع المضاربة بعنوان الجعالة............................................................... 223

الأب والجد یتجران بمال الصغیر............................................................ 225

الأب والجد یوصیان بالمضاربة............................................................. 227

لو تلف المال فی ید العامل.................................................................... 236

رأس المال مشترک والعامل واحد............................................................ 237

لو أخذ للمضاربة وترکها لسنة............................................................... 238

اشتراط العامل عدم جبران الربح للخسارة.................................................. 239

لو خالف العامل المالک........................................................................ 340

ص:351

وحدة المالک وتعدد العامل..................................................................... 242

إذن المالک لمعاملة النسیئة.................................................................... 246

کراهة المضاربة مع الذمی................................................................... 249

المضاربة علی نقد کلی....................................................................... 251

کتاب المزارعة

261 _ 345

استحباب المزارعة........................................................................ 262

شرائط المزارعة............................................................................... 272

الإیجاب والقبول............................................................................... 273

البلوغ والعقل والاختیار....................................................................... 281

کون النماء مشترکا............................................................................ 283

کون النماء مشاعا.............................................................................. 283

تعیین الحصة................................................................................... 284

تعیین المدة...................................................................................... 285

کون الأرض قابلة للمزارعة.................................................................. 290

تعیین المزروع................................................................................. 290

تعیین مقدار الأرض........................................................................... 291

تعیین کون البذر علی أی منهما.............................................................. 293

مسألة 1 _ إذا کان حق الاختصاص.......................................................... 296

مسألة 2 _ بعض أقسام المزارعة............................................................. 301

مسألة 3 _ المزارعة عقد لازم................................................................ 306

مسألة 4 _ استعارة أرض للزراعة........................................................... 314

ص:352

مسألة 5 _ اشتراط الذهب والفضة فی المزارعة........................................... 317

مسألة 6 _ التأخیر الحاصل.................................................................... 326

مسألة 7 _ لو ترک الزرع بعد العقد........................................................... 331

المحتویات...................................................................................... 347

ص:353

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.