موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی المجلد 36

اشارة

سرشناسه : حسینی شیرازی، محمد

عنوان و نام پدیدآور : الفقه : موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی/ المولف محمد الحسینی الشیرازی

مشخصات نشر : [قم]: موسسه الفکر الاسلامی، 1407ق. = - 1366.

شابک : 4000ریال(هرجلد)

یادداشت : افست از روی چاپ: لبنان، دارالعلوم

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : اخلاق اسلامی

موضوع : مستحب (فقه) -- احادیث

موضوع : مسلمانان -- آداب و رسوم -- احادیث

رده بندی کنگره : BP183/5/ح5ف76 1370

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 70-5515

ص:1

اشارة

ص:2

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

آیة الله العظمی

السید محمد الحسینی الشیرازی

دام ظله

کتاب الصوم

الجزء الثالث

دار العلوم

بیروت لبنان

ص:3

الطبعة الثانیة

1409 ه_ _ 1988م

مُنقّحة ومصحّحة مع تخریج المصادر

دار العلوم _ طباعة. نشر. توزیع.

العنوان: حارة حریک، بئر العبد، مقابل البنک اللبنانی الفرنسی

ص:4

کتاب الصوم

اشارة

کتاب الصوم

الجزء الثالث

ص:5

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:6

شرائط صحة الصوم: عدم المرض الشرعی

اشارة

السادس: عدم المرض أو الرمد الذی یضره الصوم، لإیجابه شدته أو طول برئه أو شدة ألمه

{السادس} من شرائط صحة الصوم: {عدم المرض أو الرمد الذی یضره الصوم، لإیجابه شدته أو طول برئه أو شدة ألمه}، الضرر الموجود أو المترقب علی نوعین:

الأول: ما کان الصوم یوجب شدته أو إیجاده، وکان بحیث لا یجوز إلقاء الإنسان نفسه فیه، کما لو کان مریضاً بحیث إذا صام أوجب الصیام أن یطول مرضه سنة وهو مرض لا یتحمل عادة، أو أنه إذا صام تمرض مرضاً شدیداً لا یتحمل عادة.

الثانی: ما کان الصوم لا یوجب ذلک، وإنما یوجب مرضاً خفیفاً، أو شدة المرض شدة فی الجملة.

وهذا القسم إما أن یکون المرض المخوف زیادته أو إیجاد الصوم له مرضاً طفیفاً لا یهم، کما لو أوجب الصوم الحمی الطفیفة، أو الثقل الیسیر فی المزاج، أو زیادة الحمی من العُشر إلی العُشرین بالدرجة مثلاً.

وإما أن یکون مرضاً غیر طفیف کمن یوجب الصوم بالنسبة إلیه حمی أسبوع حمی متوسطة، لا شدیدة ولا طفیفة، أو من إذا صام اشتدت حماه من الدرجة إلی درجة ونصف مثلاً.

ولهذه الأقسام الثلاثة من المرض المخوف زیادته أو وجوده بسبب الصوم أحکام ثلاثة.

الأول: وجوب الإفطار حتی أنه إذا صام کان صومه باطلاً ووجب القضاء.

ص:7

الثانی: وجوب الصیام.

الثالث: التخییر بین الإفطار والصیام.

أما وجوب الصیام فی القسم الثانی وهو المرض الطفیف جدّاً، فلإطلاق أدلة الصیام ولا مقید لها بالنسبة إلی المقام، بل السیرة المستمرة فإن الصوم یغلب أن یضر الإنسان بمثل هذا الضرر، ومع ذلک علیه الأدلة:

أما الکتاب، فقوله تعالی: ﴿فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَریضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ﴾((1)).

وأما السنة، فروایات مستفیضة.

وأما الإجماع، فقد صرح به المستند وغیره، کما جزم بعدم الخلاف فیه الجواهر وغیره.

وأما العقل، فلاستقلاله بقبح إلقاء النفس فی التهلکة، بل یشمله أدلة لا ضرر ولا حرج وما أشبه.

أما السنة، فمنها خبر الزهری((2))، ومرسل ابن أبی عمیر((3))، وخبر أبی العلاء((4)) المذکورات فی باب سقوط الصوم عن المسافر،

ص:8


1- سورة البقرة: الآیة 184
2- الوسائل: ج7 ص123 الباب 4 من أبواب من یصح منه الصوم ح2
3- الوسائل: ج7 ص124 الباب 4 من أبواب من یصح منه الصوم ح4
4- الوسائل: ج7 ص124 الباب 4 من أبواب من یصح منه الصوم ح5

وخبر ابن الصیقل((1))، وصحیح ابن مهزیار((2)) الواردین فی سقوط الصوم المعین عن المریض فی مسألة النذر.

وصحیح محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حدیث فی قول الله عز وجل: ﴿فمن لم یستطع فإطعام ستین مسکیناً﴾ قال: «مرض أو عطاش»((3)).

وصحیح حریز، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «الصائم إذا خاف علی عینیه من الرمد أفطر»((4)).

وروایة الزهری، عن السجاد (علیه السلام): «فإن صام فی السفر أو فی حال المرض فعلیه القضاء»((5))، الحدیث.

والرضوی: «لا یجوز للمریض والمسافر الصیام فإن صاما کانا

ص:9


1- الوسائل: ج7 ص139 الباب 10 من أبواب من یصح منه الصوم ح2
2- الوسائل: ج7 ص139 الباب 10 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
3- الوسائل: ج7 ص150 الباب 15 من أبواب من یصح منه الصوم ح3
4- الوسائل: ج7 ص155 الباب 19 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
5- الوسائل: ج7 ص160 الباب 22 من أبواب من یصح منه الصوم ح1

عاصیین وعلیهما القضاء»((1)).

قال وروی: «إن من صام فی مرضه أو فی سفره أو أتم الصلاة فعلیه القضاء»((2)).

وفی موضع آخر منه: «فإن صام فی السفر أو فی حال المرض فعلیه فی ذلک القضاء»((3)).

إلی غیرها من الروایات التی تقدم بعضها، والمذکورة غالبها فی کتاب الوسائل والمستدرک.

وأما القسم الثالث: فیدل علیه بالإضافة إلی أن رفع الصوم امتنان وهو یلائم التخییر لا الإیجاب فیما لا یضره ضرراً بالغاً، ولذا ذکروا مثله من التخییر فی باب من أضره الوضوء أو الغسل ضرراً غیر بالغ، روایات مستفیضة فی بعضها شاهد الجمع بین الطائفة المتقدمة الآمرة بالإفطار جزماً، وغیرها مما دل علی جواز الإفطار، کروایة محمد بن مسلم، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): ما حد المرض إذا نقه فی الصیام فقال: «ذاک إلیه هو أعلم بنفسه إذا قوی فلیصم»((4)).

وموثق عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی الرجل یجد فی

ص:10


1- فقه الرضا: ص25 سطر 1
2- فقه الرضا: ص17 سطر 3
3- فقه الرضا: ص23 سطر 33
4- الوسائل: ج7 ص156 الباب 20 من أبواب من یصح منه الصوم ح2

رأسه وجعاً من صداع شدید هل یجوز له الإفطار؟ قال: «إذا صدع صداعاً شدیداً وإذا حم حمی شدیدة وإذا رمدت عیناه رمداً شدیداً فقد حلّ له الإفطار»((1)). فإن ظاهر الحلّ عدم الوجوب لا عدم الجواز، وإن کان الظاهر أنه فی مقابل الحرمة الشامل للجواز والوجوب.

وصحیح ابن جعفر، عن أخیه موسی (علیه السلام) فی حدیث، قال: «کل شیء من المرض أضر به الصوم فهو یسعه ترک الصوم»((2)).

وخبر سماعة، قال: سألته (علیه السلام) ما حد المرض الذی یجب علی صاحبه فیه الإفطار، کما یجب علیه فی السفر﴿مَنْ کانَ مَریضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ﴾((3))؟ قال: «هو مؤتمن علیه مفوض إلیه، فإن وجد ضعفاً فلیفطر، وإن وجد قوة فلیصم، کان المرض ما کان»((4)).

ص:11


1- الوسائل: ج7 ص157 الباب 20 من أبواب من یصح منه الصوم ح6
2- الوسائل: ج7 ص158 الباب 20 من أبواب من یصح منه الصوم ح9
3- سورة البقرة: الآیة 185
4- الوسائل: ج7 ص156 الباب 20 من أبواب من یصح منه الصوم ح4

وخبر أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) حیث سأله عن حد المرض الذی یجب علی صاحبه فیه الإفطار، کما یجب علیه فی السفر فی قوله تعالی:﴿مَنْ کانَ مَریضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ﴾، قال: «هو مؤتمن علیه مفوض إلیه، فإن وجد ضعفاً فلیفطر، وإن وجد قوة فلیصم، کان المرض ما کان»((1)).

وقریب منه روایة الدعائم((2)) عن الصادق (علیه السلام).

والرضوی: «ویصوم العلیل إذا وجد من نفسه خفة، وعلم أنه قادر علی الصوم وهو أبصر بنفسه»((3)).

إلی غیرها من الروایات((4)) التی منها ما ذکر أن جواز الإفطار حدّه عدم التمکن من التسحر، المراد منه عدم التسحر من جهة المرض، کروایة الأزری، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سأله أبی وأنا أسمع من حد المرض الذی یترک الإنسان فیه الصوم؟ قال: «إذا لم یستطع أن یتسحّر»((5))، إلی غیرها.

ص:12


1- مستدرک الوسائل: ج1 ص568 الباب 14 من أبواب من یصح منه الصوم ح2
2- الدعائم: ج1 ص278 باب ذکر الفطر للعلل العارضة
3- فقه الرضا: ص25 باب من أبواب الصیام سطر 2
4- الوسائل: ج7 ص156 الباب 20 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
5- الوسائل: ج7 ص156 الباب 20 من أبواب من یصح منه الصوم ح1

أو نحو ذلک، سواء حصل الیقین بذلک أو الظن، بل أو الاحتمال الموجب للخوف

والظاهر أن الأحکام الثلاثة وجوباً وحرمةً وجوازاً مما لا ینبغی الإشکال فیها، کما یظهر من الحدائق والجواهر والمستند ومنتهی المقاصد وغیرهم، فإذا أوجب الصوم شدة المرض وإن لم یشتد ألمه، أو طول برئه، أو شدة ألمه وإن لم یستلزم شدته وطوله {أو نحو ذلک} کتعدیه إلی مکان آخر، مثل قسم من الأمراض الجلدیة التی تکثر عند الصیام، سقط عنه وجوب الصیام إلی الحرمة أو الجواز کما عرفت.

{سواء حصل الیقین بذلک أو الظن، بل أو الاحتمال الموجب للخوف} عقلاً، وإن کان وهماً کما لو علم بأن واحداً من ثلاثة أشخاص یصومون یبتلون بشدة المرض، فإن الإحتمال هنا وهم، لأنه واحد فی مقابل الاثنین، بل الواحد من العشرة أیضاً کذلک، ولذا لو شرب الإناء المشتبه بین عشرة من السمّ کان ممن قتل نفسه عمداً إذا صادف السم، وهذا هو المشهور وخصوصا بین المتأخرین.

ویدل علیه صحیحة حریز، الذی جعل المناط الخوف، بل وصحیح ابن أذینة، قال: کتبت إلی أبی عبد الله (علیه السلام) أسأله ما حد المرض الذی یفطر صاحبه، والمرض الذی یدع صاحبه الصلاة من قیام؟ فقال: «بل الإنسان علی نفسه بصیرة» وقال: «ذلک إلیه هو أعلم بنفسه»((1))، والمراد یدع الصلاة من قیام، کما صرح به موثقة

ص:13


1- الوسائل: ج7 ص157 الباب 20 من أبواب من یصح منه الصوم ح5

زرارة، فإن الظاهر عرفاً کون الإنسان بصیراً بما یضره وینفعه، ومما یضر الإنسان عرفاً الإقدام فی مورد احتمال الضرر.

ألا تری أنه لو سافر بعد أن علم باللصوص فی الطریق فأصابه النهب، لم یعذر أن یقول ما کنت أعلم أنهم ینهبوننی، فیقال له: ألا کنت تحتمل ذلک.

وخبر الدعائم، عن الصادق (علیه السلام) وفیه: «وحد المرض الذی یجب علی صاحبه فیه عدة من أیام أخر» إلی أن قال: «أن یکون العلیل لا یستطیع أن یصوم، أو یکون إن استطاع الصوم زاد فی علته وخاف علی نفسه»((1)).

بل ظاهر الأحادیث الدالة علی تفویض الأمر إلیه، مضافاً إلی ما قالوا: من أنه لو کان المیزان العلم لزم وقوع الإنسان فی الضرر کثیراً، إذ فی الأکثر لا یکون إلا الإحتمال أو الظن، وذلک خلاف الامتنان الرافع للضرر، ولیس المراد بهذا الدلیل القول: بأن الضرر موضوع لاحتمال الضرر حتی یقال: إن الألفاظ موضوعات للمعانی النفس الأمریة لا الخیالة وما أشبه، بل المراد أن المستفاد عرفاً بقرینة الحکم والموضوع، أن الضرر الرافع للتکلیف أعم من نفسه أو خوفه.

ولو لم یقل شخص بکفایة الخوف لزم علیه

ص:14


1- مستدرک الوسائل: ج1 ص568 الباب 14 من أبواب من یصح منه الصوم ح3

بل لو خاف الصحیح من حدوث المرض لم یصح منه.

أن لا یقول بکفایة الظن أیضاً، إذ الظن علی هذا لا یغنی من الحق شیئاً.

نعم یلزم أن یکون الاحتمال بحد الخوف العقلائی، فلا ینفع مجرد الاحتمال غیر العقلائی الموجود فی أکثر الأمور المستقبلة.

ومما تقدم یظهر: أن ما عن شرح اللمعة من التصریح بعدم الاکتفاء بالاحتمال، بثبوت التکلیف وعدم العلم بالمسقط لیس فی محله، اللهم إلا إذا أراد الاحتمال غیر العقلائی غیر الواصل إلی حد الخوف.

ثم الظاهر أنه لا یعلق الحکم علی خوفه بنفسه فقط، بل یکفی خوف أهل الخبرة، لأن أدلة حجیة قولهم موجبة للقیام مقام خوف الإنسان بنفسه، کما ورد من تعلیق الحکم علی بصر نفسه وأنه مؤتمن وما أشبه، من باب إحالة الأمر علی الموضوع الأولی، لا من باب انحصار الحکم فی هذا الموضوع.

ویکفی فی جواز الإفطار الخوف من ضرر مّا، وإن قارن ذلک القطع بأن الصوم یوجب شفاء مرض آخر، کالذی له رمد ورطوبة مزاج مما یخاف علی نفسه من الصوم، وإن علم بأنه موجب لبرئه من الرطوبة، لضعف الأدلة المتقدمة.

{بل لو خاف الصحیح من حدوث المرض لم یصح منه} بلا إشکال، بل هو المشهور، خلافاً لتردد المنتهی، لما تقدم من خبری حریز والدعائم، مضافاً إلی المناط القطعی وأدلة «لا ضرر» الشاملة للمقام،

ص:15

وکذا إذا خاف من الضرر فی نفسه أو غیره أو عرضه أو عرض غیره أو فی مال یجب حفظه، وکان وجوبه أهم فی نظر الشارع من وجوب الصوم

بل ربما یقال إن ظاهر الأدلة کون المانع حدوث مرتبة من المرض، سواء کانت قبلها مرتبة أخری أم لا.

{وکذا} لا یصح الصوم {إذا خاف من الضرر} غیر المرض {فی نفسه أو غیره} من یهمه أمره أم لا، بشرط أن یکون محترماً {أو عرضه أو عرض غیره أو فی مال یجب حفظه، وکان وجوبه أهم فی نظر الشارع من وجوب الصوم} علی المشهور فی الجملة.

ویدل علیه قوله تعالی: ﴿ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ﴾((1))، و﴿یُریدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ ولا یُریدُ بِکُمُ الْعُسْرَ﴾((2)).

وقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «لا ضرر ولا ضرار»((3)).

وصحیحة حریز: «کلما أضر به الصوم فالإفطار له واجب».

بل والمناط بالنسبة إلی المرض المدلول علیه بالنص والفتوی، فلو کان بحیث إذا صام أضرر الجائر بنفسه أو عرضه أو ماله، أو نفس غیره أو عرضه أو ماله ضرراً بالغاً، لم یجز له الصوم.

وهنا مسائل:

ص:16


1- سورة الحج: الآیة 78
2- سورة البقرة: الآیة 185
3- الوسائل: ج7 ص333 الباب 7 من أبواب إحیاء الموات ح2

الأولی: ما لو أضر به، کما إذا هدده بالقتل إذا صام، ولا إشکال فی جواز الإفطار، لکن الظاهر أنه لیس کالمرض فی أن وجوده فی بعض النهار کاف فی الاستمرار فی الإفطار، فلو ارتفع الضرر وجب الإمساک وإن کان أکل وشرب عشر مرات، أو أتی بسائر المفطرات، لأن الضرورات تقدر بقدرها، ولا دلیل فی ما عدا المرض والحیض والسفر وما أشبه علی انبطال الصوم بمجرد وجود الضرر، حتی یرفع الید بسببه عن دلیل وجوب الإمساک. وقوله (علیه السلام): «من أن أفطر یوماً من شهر رمضان»((1)) لا دلالة فیه علی استمرار الإفطار إن جاز الإفطار خوفاً.

الثانیة: العرض أعم من عرض شخصه، کما إذا هددت المرأة بالزنا معها والغلام باللواط مثلاً، أو عرض من یرتبط به کولده وزوجته، أو عرض إنسان محترم وإن لم یکن بینهما قرابة أو صداقة، وذلک لأنه ضرر مرفوع شرعاً، وکذا من العرض الأمر الذی یهم الإنسان حفظه، کما إذا سبب الصوم هتک الجائر له بالسباب ونحوه مما لا یجوز أو لا یجب تحمله شرعاً، وکان أهم بنظر الشارع لا مجرد سب أو نحوه.

الثالثة: المال إذا کان لنفسه وأوجب الصوم ذهابه، وکان الضرر المتوجه إلیه فی ماله إذا صام ضرراً بالغاً، کمن یذهب جمیع ماله مما

ص:17


1- الوسائل: ج7 ص12 باب 5 من أبواب وجوب الصوم ونیته ح1

وکذا إذا زاحمه واجب آخر أهم منه

یسبب له الفقر والمذلة، فلا إشکال فی رفع حکم الصوم به، وأما إذا لم یکن الضرر بالغاً لم یجز الإفطار، لأهمیة الصوم فی نظر الشارع، ومنه یعرف مال غیره، فإذا صام أذهب الجائر مال مسلم محترم یوجب ذهاب ماله فقره وذلته بما لا یرضاه الشارع، فإنه یجوز الإفطار حینئذ.

الرابعة: هل یجوز فی صورة الضرر الإفطار، أم یجب التخلص بالسفر ونحوه إذا تمکن، حتی یکون داخلاً فی موضوع جواز الإفطار، الظاهر الثانی لعدم صدق الضرر إذا تمکن الفرار بالسفر، فهو مثل أن تضطر المرأة إلی مباشرة الأجنبی فی العلاج، وتمکنت من المتعة بما لا یخل بشرفها، فإن أدلة الاضطرار غیر صادقة فی مثل المقام.

الخامسة: یلزم أن یکون الضرر فیما ذکر من المقامات المتقدمة ضرراً بالغاً، وإلاّ فمجرد الأضرار الیسیرة لا توجب الإفطار بل لا تجوزه، کما أنه علم مما تقدم فی مسألة المرض أن الضرر قد یوجب الإفطار وقد یجوزه، وقد لا یجوز الإفطار معه إذا کان یسیراً جداً.

{وکذا} لا یصح الصوم {إذا زاحمه} واجب {آخر أهم منه} کما إذا توقف إنقاذ الغریق علی الإفطار، إما بالارتماس فی الماء، وإما بأن یأکل شیئاً حتی یقوی علی إنقاذه، ومنه إذا توقف کسر جیش أعداء المسلمین علی الإفطار للتقوی من مقابلتهم.

وهنا مسائل بعضها تنفع فی المقام الأول أیضا.

الأولی: قد یوجب عدم الإفطار عدم التمکن، وقد یوجب

ص:18

الضرر، وقد یوجب الحرج، کما إذا لم یتمکن من إنقاذ الغریق بدون الإفطار، أو تمکن مع الضرر کالمرض، أو تمکن مع الحرج والصعوبة الشدیدة، وفی جمیع هذه الصور یجوز الإفطار، بل یجب علی ما علم من التفصیل فی المبحث السابق.

الثانیة: إذا توقف قوته أو قوت عائلته أو قوت حیوانه المحترم الواجب حفظه علی الإفطار، بل أو قوت مسلم یجب حفظه، کما إذا لم یتمکن من العمل إلاّ بالإفطار، وکان بحیث لا یقدر علی القناعة ولا یتمکن من الدین، ولا من استعطاء بیت المال ونحوه، جاز له الإفطار للتقوی علی العمل الواجب مقدمة لحفظ نفسه أو نفس محترمة.

الثالثة: لا یجوز الإفطار لقوت العائلة أو قوت نفسه إذا تمکن من القناعة التی لا توجب الضرر البالغ، فما یجری فی بعض الألسنة من جواز إفطار العامل لیتمکن من العمل، کالخباز الذی یضطر إلی شرب الماء لمقاسات حرّ التنور وما أشبه، فی الغالب لیس فی محله، لعدم الاضطرار، إلا إذا تحقق ما تقدم فی المسألة الثانیة، وهو قلیل جداً.

الرابعة: یقدر الإفطار فی صورة المزاحمة بالواجب الأهم بقدره، فإذا تحقق الواجب الأهم بالأکل مرة لا یجوز له الأکل مرتین وهکذا، لأن الضرورات تقدر بقدرها، کما تقدم.

الخامسة: إذا علم أهمیة الواجب المزاحم للصوم أو أهمیة الصوم

ص:19

علی ذلک الواجب فلا إشکال، وإن لم یعلم الأهمیة _ کما تقدم فی مسألة دخول الذباب فی الحلق حال الصلاة، إذا فرضنا أنه لم یعلم أن أیهما أهم، ازدراد الذباب وإبطال الصوم، أو إخراجه الموجب للتکلم المبطل للصلاة مثلاً _ کان مقتضی القاعدة التخییر.

السادسة: المراد بالواجب الأهم أعم من ترک الحرام وفعل الواجب، فلو علم أنه إذا صام وقع فی حرام کان ترک ذلک الحرام فی نظر الشارع أهم من فعل الصیام کان اللازم الإفطار.

السابعة: لا إشکال فیما إذا علم أو قام الطریق علی المزاحمة، أما إذا ظن أو احتمل فهل یقع التزاحم الموجب للإفطار، أم تجری أصالة شغل الذمة بالصیام؟ احتمالان، والظاهر الأول، إذا کان احتمالاً عقلائیاً، فلو احتمل احتمالاً عقلائیاً أنه إذا لم یفطر لم یقو علی دفع الکفار المهاجمین واللصوص الذین یریدون عرضه کفی ذلک فی وجوب الإفطار، لما تقدم فی مسألة احتمال المرض بالصوم.

ومنه یعلم أن ما فی المستمسک من الفرق بین المزاحمة بالضرر والمزاحمة بواجب آخر غیر الضرر، بکفایة الاحتمال فی الأول دون الثانی، غیر معلوم الوجه.

الثامنة: فی صورة التزاحم بین الصوم والواجب الأهم إذا صام صح الصوم، لما قرر فی الأصول من أن التزاحم لا یوجب انتفاء الملاک فی المهم، الذی هو المعیار فی صحة العبادة، أما فی صورة الضرر

ص:20

لو صام بطل صومه لعدم مشروعیة الصوم، أما الاستدلال لذلک بما فی المستند بالنهی عن الضد المفسد للعبادة فی ضمن سائر استدلالاته، فهو کما حقق فی الأصول من عدم إیجاب الضد بطلان ضده.

کما أن روایة عقبة: عن رجل صام رمضان وهو مریض، قال: «یتم صومه ولا یعید»((1))، محمول علی غیر المرض البالغ، لما فی نفس الروایات من الدلالة علی حرمة مثل هذا الصوم، کقول السجاد (علیه السلام): «فإن صام فی السفر أو فی حال المرض فعلیه القضاء»((2)) الحدیث.

ومما تقدم یعرف الفرق بین مسائل المرض والضرر، ومسائل التزاحم.

التاسعة: الظاهر أنه لیس من باب الحرج والضرر ما إذا کان صیامه موجباً للفصل من الوظیفة الجائزة أو مثار استهزاء زملائه، کما یعتاده الجاهلون فی هذه الأزمنة، بل یجب علی المؤمن أن یکون صلب الإیمان لا تأخذه فی الله لومة لائم.

ص:21


1- الوسائل: ج7 ص160 الباب 22 من أبواب من یصح منه الصوم ح2
2- الوسائل: ج7 ص160 الباب 22 من أبواب من یصح منه الصوم ح1

ولا یکفی الضعف، وإن کان مفرطا ما دام یتحمل عادة، نعم لو کان مما لا یتحمل عادة جاز الإفطار

العاشرة: إذا لم یتمکن من صیام رمضان کله، وإنما تمکن من صیام عشرة أیام مثلاً، فالظاهر لزوم تقدیمه مهما أمکن، إذ لا وجه للإفطار تحفظاً علی القدرة لما بعد ذلک.

نعم إذا دار أمره بین صیام عشرة متوالیة أو خمسة عشر متقطعة، جاء احتمال أن یکون الثانی أهم من الأول، فیجوز تقدیم الأهم، وإن کان علی مناقشة أیضا، إذ الإفطار فی یوم قادر علی صیامه للتحفظ علی القدرة لصیام یومین لم یسلم جوازه.

وهنا فروع أخر أضربنا عنها صفحاً خوف التطویل.

{ولا یکفی} فی جواز الإفطار {الضعف، وإن کان مفرطاً ما دام یتحمل عادة} بلا إشکال ولا خلاف، ویدل علیه إطلاق أدلة الصوم من دون دلیل الاستثناء، بل الغالب إیجاب الصوم للضعف المفرط خصوصاً فی مثل الصیف والأیام الطویلة.

{نعم لو کان} الضعف {مما لا یتحمل عادة جاز الإفطار} لدلیل الحرج وحدیث سماعة حیث سأله (علیه السلام) عن حد المرض الذی یجب فیه الإفطار؟ قال (علیه السلام): «فإن وجد ضعفاً فلیفطر، وإن وجد قوة فلیصمه، کان المرض ما کان»((1))، ومفهوم قول

ص:22


1- الوسائل: ج7 ص156 الباب 22 من أبواب من یصح منه الصوم ح4

ولو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففی الصحة إشکال، فلا یترک الاحتیاط بالقضاء، وإذا حکم الطبیب بأن الصوم مضر وعلم المکلف من نفسه عدم الضرر یصح صومه، وإذا حکم بعدم ضرره وعلم المکلف أو ظن کونه مضراً وجب علیه ترکه ولا یصح منه.

الصادق (علیه السلام) فی حدیث ابن مسلم، حیث سأله: ما حد المریض إذا نقه فی الصیام؟ فقال (علیه السلام): «ذلک إلیه، هو أعلم بنفسه، إذا قوی فلیصم»((1)).

{ولو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف} وأن الصوم کان ضاراً {بعد الفراغ من الصوم، ففی الصحة إشکال} وسیأتی وجهه {فلا یترک الاحتیاط بالقضاء، وإذا حکم الطبیب بأن الصوم مضر وعلم المکلف من نفسه عدم الضرر یصح صومه} لأن قول الطبیب طریقی لا موضوعی {وإذا حکم بعدم ضرره وعلم المکلف أو ظن} أو خاف {کونه مضراً وجب علیه ترکه ولا یصح منه} لإناطة الأمر إلی الإنسان نفسه، کما ورد فی قوله تعالی:﴿بَلِ الْإِنْسانُ عَلَی نَفْسِهِ بَصیرَةٌ﴾((2)) وغیره، وتفصیل الکلام فی فروع:

ص:23


1- الوسائل: ج7 ص156 الباب 20 من أبواب من یصح منه الصوم ح3
2- سورة القیامة: الآیة 14

الأول: إنه لو قطع الإنسان أن الصوم یضره فصام ثم تبین عدم الضرر، وقد تمشی منه قصد القربة فالظاهر الصحة، لأن الحکم دائر مدار الواقع، ومثله ما لو ظن أو خاف أو شک.

ولو لم یصم بعد القطع بأنه یضره ثم تبین عدم الضرر کان علیه القضاء فقط، لأنه عمل بمقتضی قطعه الذی کان متعبداً به.

ولو قطع أن الصوم لا یضره فصام ثم تبین الضرر الذی لا یجوز تحمله، ففی کفایة صومه وعدم الکفایة احتمالان.

من أن الحکم دائر مدار الواقع، وحیث إن الصوم کان ضاراً لم یکن مکلفاً به، فهو کمن قطع أنه مستطیع فحج، ثم تبین عدم الاستطاعة، فإنه لا یکفیه عن حجة الإسلام، بل یلزم علیه الحج ثانیاً إن استطاع، وعلی هذا فیجب علی هذا الشخص القضاء، لأن صیامه باطل.

ومن أن الظاهر من قوله تعالی: ﴿بل الإنسان علی نفسه بصیرة﴾ دوران الحکم مدار ما بصره، فالعلم وشبهه موضوعی لا طریقی، بالإضافة إلی أن رفع التکلیف من المریض امتنانی، والحکم بالبطلان هنا خلاف الامتنان.

ولکن لا یخفی ما فی الوجهین المذکورین، فإن الظاهر مما أخذ فیه العلم کون العلم طریقیاً لا موضوعیاً، ولا منافاة بین الامتنان برفع التکلیف وبین لزوم الرفع کما فی ما لو علم بالضرر وصام وکان الضرر واقعاً فإنه یبطل صومه نصاً وقاعدة.

ولو قطع أن الصوم لا یضره فلم یصم تجریاً، ثم تبین وجود الضرر واقعاً، کان متجریاً.

ص:24

أما بالنسبة إلی القضاء فإنه یدور مدار الصحة الواقعیة طول السنة، فإن صح فی جزء من السنة وجب القضاء وإلا فلا.

الثانی: لو کان الضرر متأخراً عن الصباح حتی أنه إذا أفطر قبل الضرر بساعة مثلاً لم یتوجه الضرر، فهل یجوز الإفطار قبل ذلک، أم یلزم التأخیر حین الضرر، مثلاً من ابتلی بالصداع الشمسی مما یأخذه قبل الظهر بساعة کل یوم بحیث إن أفطر قبل الظهر بساعتین لم یأخذه الصداع، هل یجوز له أن لا یصوم أم یجب علیه الصیام حتی إذا زفت الساعتان قبل الظهر أفطر، کالذی یعلم بأنه یسافر، أو المرأة التی تعلم بأنها تحیض قبل الظهر، فإنه لا یجوز لهما أن یفطرا قبل الوقت المعین؟

احتمالان: من أنه مریض بالحمل الشائع عرفاً، فیصدق علیه أدلة المرض بخلاف المثالین، فإنه لا یصدق دلیل السفر والحیض قبل حصولهما، ومن أنه لا یتضرر قبل ذلک الوقت بالصیام، والأقوی الأول.

نعم لو کان بحیث لا یصدق علیه العنوان قبل وقته، کما لو أخبرت الأنباء أن موجة شدیدة من الحر لا تطاق تأتی عند الظهر مما یعلم بأنها توجب المرض لمن لا یفطر لم یجز الإفطار قبل ذلک، وإن علم بلزوم الإفطار ظهراً وکان ما علمه مطابقاً للواقع.

الثالث: لو علم بالضرر موضوعاً لکنه جهل حکماً، بأن لم یکن یعلم أن الضرر موجب للإفطار، فهل یبطل صومه أم لا؟ احتمالان:

ص:25

من أن الحکم دائر مدار الواقع، فصومه باطل وإن ظنه صحیحاً، ومن المناط المستفاد من قوله (علیه السلام) فی مسألة الصیام فی السفر أن بلغه نهی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، لکن الأظهر البطلان للقاعدة الأولیة، خرج منه ما خرج مما نص علیه فیبقی الباقی تحت القاعدة، والمناط لیس بقطعی.

ومما ذکرنا یعلم عدم الفرق بین القاصر فی جهله والمقصر، کما یعلم حال ناسی الضرر موضوعاً أو حکماً.

الرابع: لو أوقع الضرر بنفسه لیفطر، فعل حراماً إن کان مثل ذلک الإضرار محرماً، لکنه دخل فی موضوع المتضرر فیلزم علیه الإفطار، کما لو ضرب إبرة الحمی الشدیدة توعک فإنه وإن قلنا بعدم جواز ذلک إلا فی مثل الأضرار الیسیرة، إذ نقول بجواز ذلک، إذ لا دلیل علی حرمة مطلق الإضرار بالنفس ما لم یکن بالغاً، لکنه حیث انتقل إلی موضوع المرض الموجب للإفطار کان حکمه الإفطار.

ولا یقاس هذا بالباغی والعادی الذی یقال ببقاء التحریم لهما، إذ ذلک استثناء من القاعدة الأولیة، فإن کل مکلف أدخل نفسه فی موضوع آخر _ سواء کان طولیاً کموضوع الإضرار، أو عرضیاً کموضوع السفر بالنسبة إلی الإفطار والتقصیر _ یشمله دلیل ذلک الموضوع الجدید.

ومنه یعلم حال ما لو قطعت الحائض الحیض قبل الفجر، أو صنعت الطاهرة فی النهار أو قبل الفجر ما یوجب حیضها أو نفاسها حیث وجب علیها الصیام فی الأول، وحرم علیها الصیام فی الثانی.

ص:26

الخامس: لو کان ضرر أو حرج ثم ارتفع، فإن کان قبل الزوال ولم یفطر شیئاً فالظاهر عدم لزوم النیة، وتتمیم الصوم، وسیأتی تفصیل الکلام فیه.

إن کان قبل الزوال وقد أفطر فهل یبقی علی إفطاره أو یمسک علی القول باللزوم فی الفرع السابق، أو یفصل بین مثل المرض فلا یمسک وبین مثل الإکراه فیمسک؟ احتمالات: ولعل الأقرب الأخیر، إذ المرض لما رفع حکم الصوم وأفطر لم یعلم بشمول دلیل الإمساک له بعد ذلک، بخلاف مثل الإکراه، فإن الإکراه أباح الأکل ولم یبح الإفطار بعد ذلک، ولذا لو أکره زوجته علی الجماع لم یجز لها بعد ذلک الإفطار، بل لو رضیت فی الأثناء کان علیها الکفارة کما ذکروا، ولعل الإفطار تقیة من هذا القبیل.

وإن کان بعد الزوال لم یجب علیه الإمساک، أفطر أم لم یفطر، لما تقدم من عدم انعقاد الصوم بالنیة بعد الزوال، ولو طرأ الضرر أو الحرج جاز الإفطار ولو بعد الزوال کما لا یخفی.

السادس: حیث إن الصوم إمساک واحد، کما یستفاد من النص والفتوی، فإذا اضطر إلی المفطر جاز له سائر المفطرات، ولا تجری هنا قاعدة المیسور.

نعم لو أکره علی نوع خاص لم یجز له التعدی إلی سائر الأنواع، بل إلی سائر أشخاص ذلک النوع، بل یلزم تقدیر الاضطرار بقدره، فلو أعطاه الجابر شربة ماء وتمکن من شرب نصفه لم یجز له شرب الجمیع.

ص:27

السابع: کلما صدق علیه «ما غلب الله» کان مصداقاً لجواز الإفطار، أما القضاء فقد یجب کالمریض، وقد لا یجب کالمغمی علیه.

ص:28

مسألة ١ صوم النائم

(مسألة 1): یصح الصوم من النائم ولو فی تمام النهار إذا سبقت منه النیة فی اللیل

{مسألة 1: یصح الصوم من النائم ولو فی تمام النهار، إذا سبقت منه النیة فی اللیل} بل قبل اللیل بناءً علی کفایة مثل ذلک، کما سبق الکلام حوله فی مسألة النیة.

وکیف کان فللمسألة صور أربع: لأنه إما أن یسبق منه النیة، أم لا، والثانی إما أن ینوی قبل الظهر أو بعده، أو استمر النوم إلی ما بعد المغرب.

والمشهور بینهم أنه یکفی الصوم فی الصورة الأولی والثانیة، ولا یکفی فی الأخیرتین، مع الفرق أنه یجب علیه الإمساک فی الثالثة والقضاء، دون الرابعة، إذ لا موقع لوجوب الإمساک.

ویدل علی کفایة النیة قبل الفجر وإن استمر النوم إلی اللیل، مضافاً إلی الشهرة المحققة والإجماع المدعی إلا عن محتمل کلام ابن إدریس حیث إنه قال: "إن النائم غیر مکلف بالصوم ولیس صومه شرعیاً "((1)) انتهی.

عمومات أدلة الصوم بعد انطباقها علی ما نحن فیه، وعدم دلیل علی ضرر النوم بالصوم بعد اجتماع الشرائط التی منها النیة فیه.

أما حدیث: «رفع القلم عن النائم حتی یستیقظ» فغیر ضار بعد الضرورة والإجماع والسیرة القطعیة والأخبار علی جواز النوم فی الصوم بل استحبابه، ففی الکافی بسنده عن الحسن بن صدقة، قال: قال

ص:29


1- المسالک: ج1 ص74 باب الصوم سطر 41 والسرائر ص82 سطر 12

أبو الحسن (علیه السلام): «قیلوا فإن الله یطعم الصائم ویسقیه فی منامه»((1)).

ومرسلة المقنعة: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «نوم الصائم عبادة ونفسه تسبیح»((2)).

وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): «الصائم فی عبادة وإن کان نائماً علی فراشه ما لم یغتب مسلماً»((3)).

ونحوهما مرسلا الصدوق((4)) والشیخ((5)).

ومنه: یعلم أن قیاس النائم بالمغمی علیه لیس فی محله، وحیث کان المقتضی وهو الصوم بالنیة موجوداً والمانع مفقوداً کان مقتضی القاعدة القول بالصحة مطلقاً، ولو استمر النوم إلی اللیل، مضافاً إلی ضرورة صحة الصوم إذا نوی ونام قبل الفجر وامتد إلی ما بعد الفجر، ولا فرق بینه وبین الامتداد إلی اللیل، لأنه لو ضر النوم الممتد یضر بالجملة، لکن التالی باطل قطعاً، فالمقدم مثله.

ص:30


1- الکافی: ج4 ص65 باب ما جاء فی فضل الصوم ح14
2- المقنعة: ص49 باب ثواب الصیام سطر 2
3- المقنعة: ص49 باب ثواب الصیام سطر 10
4- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص44 الباب 22 باب فضل الصیام ح2
5- التهذیب: ج4 ص190 الباب 46 باب ثواب الصیام ح2

وأما إذا لم تسبق منه النیة فإن استمر نومه إلی الزوال بطل صومه ووجب علیه القضاء

ومما تقدم ظهر أنه لو کان مراد قائل البطلان فیما إذا سبق النیة لم یکن فی محله، وإن کان ربما استدل له بحدیث رفع القلم، وبالتساوی مع المغمی علیه، وبأن النائم لا نیة له، والصوم مشروط بالنیة خرج منه ما خرج من النوم فی أثناء النهار، أو قبل الفجر إذا لم یمتد، ویبقی الباقی تحت الأصل، وبأنه لا یعقل تکلیف النائم وإذا لم یکن تکلیف لم تکن صحة، ویدل علی کفایة النیة قبل الزوال إذا لم تسبق منه النیة، وعدم الکفایة بعد الزوال مما تقدم فی المسألة الثانیة عشرة.

ویدل علی عدم کفایة ما إذا لم تسبق منه النیة واستمر النوم إلی ما بعد المغرب احتیاج الصوم إلی النیة ولم ینو.

أما النوم فی بعض النهار فقد عرفت عدم ضرره بالصوم نصاً وإجماعاً.

ولا فرق فی عدم ضرر النوم بین النوم الاختیاری والاضطراری، کما لو شرب أو استعمل ما یوجب النوم ولو فی کل النهار، بل ولو أیاماً متعددة بعد أن سبق منه النیة قبل ذلک، حتی أنه لو فرض النوم تمام الشهر کفاه النیة السابقة أول الشهر.

ومما ذکر تعرف وجه قوله: {وأما إذا لم تسبق منه النیة فإن استمر نومه إلی الزوال بطل صومه ووجب علیه القضاء} وقد سبق وجه لزوم الإمساک بقیة النهار فی الواجب المعین، کما سبق احتمال کفایة

ص:31

إذا کان واجباً وإن استیقظ قبله نوی وصح، کما أنه لو کان مندوبا واستیقظ قبل الغروب یصح إذا نوی.

النیة بعد الزوال لبعض الأدلة المتقدمة فی المسألة المذکورة {إذا کان واجباً} بخلاف ما إذا کان مستحباً، فإنه لا إشکال فی امتداد وقت النیة إلی قبل الغروب، کما سبق علیه النص والفتوی فی المسألة المذکورة.

{وإن استیقظ قبله} أی قبل الزوال {نوی وصح} الصوم {کما أنه لو کان} الصوم {مندوباً واستیقظ قبل الغروب یصح إذا نوی}.

ثم إذا اجتمع الأمران النوم والنسیان، أو الجهل وما أشبه کان الحکم أیضا کذلک، فإذا قام قبل الزوال ونسی ثم تذکر بعد الزوال لم ینفع إلا فی المندوب، ولو تذکر قبل الزوال ونوی کفی، إلی غیرها من الفروع.

ثم لو نام عالماً عامداً بلا نیة فلا إشکال فی المندوب إذا نوی قبل المغرب، أما فی الواجب المعین لو استیقظ قبل الزوال ونوی فهل یکفی، لأنه من مصادیق النیة قبل الزوال، أو لا لأنه فی حکم ناوی الإفطار، احتمالان، وقد تقدم فی المسألة الثانیة عشرة ما ینفع المقام.

ص:32

مسألة ٢ صوم الصبی الممیز

(مسألة 2): یصح الصوم وسائر العبادات من الصبی الممیز علی الأقوی

{مسألة 2: یصح الصوم وسائر العبادات من الصبی الممیز علی الأقوی} کما تصح بعض العبادات عن غیر الممیز کالحج بدلیل خاص.

أما صحة الصوم وسائر العبادات بمعنی تأتیها منه أعم من الشرعیة والتمرینیة، فلا خلاف فیه ولا إشکال، بل دعوی الإجماع علیه مستفیضة، ویدل علیه مضافاً إلی الإطلاقات، خصوص الروایات الواردة فی أبواب الطهارة والصلاة والصوم والحج وغیرها، ووجود المناط القطعی فیما لم یرد فیه نص.

أما حدیث رفع القلم((1)) فاللازم تقییده برفع قلم الوجوب بالنسبة إلی العبادات، بقرینة الروایات المذکورة، ونقول: إن الرفع لما کان امتناناً وهو إنما یتحقق بالنسبة إلی الوجوب لا أصل الشرعیة، إذ رفع أصل الشرعیة خلاف الامتنان، لم یکن الحدیث دالاً إلاّ علی رفع الوجوب فقط.

ثم إن المراد من الممیز هو الذی یمیز بین الأشیاء تمییزاً ابتدائیاً، کالحسن والقبح، والرجل والمرأة، والطیب والخبیث، وما أشبه ذلک، وإنما قیدوه بهذا القید مع أنه لیس منه فی الروایات عین ولا أثر، لإخراج غیر الممیز الذی لا یصح توجه الخطاب حتی الاستحبابی والتمرینی إلیه.

ولو شک فی التمیز کان اللازم الرجوع إلی الأصول العملیة التی هی المرجع فی جمیع مقامات الشک، والظاهر أن المرجع

ص:33


1- الخصال: باب التسعة حدیث رفع عن أمتی

من شرعیة عباداته ویستحب تمرینه علیها

هنا العدم، لأنه شک فی دخول الفرد فی موضوع الإطلاقات والأدلة، وکذا فی المجنون إذا لم یکن جنونه طارئاً، وإلا کان اللازم الاستصحاب إذا تم موضوعه.

ثم إن الصحة إنما هی علی المختار {من شرعیة عباداته} بمعنی أنها کعبادات الکبار لأنها مجرد صورة شرعت لغایة التدریب والاعتبار، وقد حققنا المبحث فی موضع آخر من الشرح.

{ویستحب تمرینه علیها} أی علی العبادات عامة وعلی الصوم خاصة، بلا إشکال ولا خلاف، بل نقل الإجماع _ کدعواه علیه _ متواتر.

والتمرین کما عن المسالک: تفعیل من المرانة، وهی الصلابة والعادة، یقال: "مرن بالفتح علی الشیء یمرن مروناً ومرانةً: إذا تعوده واستمر علیه، یقال: مرنت یده علی العمل إذا صلبت، والمراد هنا حمل الولی الصبی والصبیة علی الصوم لیعتاده ویصلب علیه فلا یجد فیه مشقة بعد البلوغ، وکذا القول فی الصلاة وغیرها من العبادات" ((1)) انتهی.

وقد اختلف الفقهاء فی مبدأ زمان التمرین إلی أقوال:

الأول: ما اختاره المفید والإسکافی من أن المبدأ ما إذا قدروا علی صیام ثلاثة أیام.

الثانی: ما عن المعتبر من أنه إذا بلغ ست سنین وأطاق الصیام.

ص:34


1- المسالک: ح1 ص76 من أبواب الصوم سطر 11

الثالث: إنه یمرن لسبع سنین، اختاره المبسوط والنافع والمختلف واللمعة.

الرابع: ما اختاره النهایة وابنا بابویه من أنه لتسع سنین.

الخامس: إنه یمرن قبل السبع ویشدد علیه لسبع، اختاره الشرائع والقواعد والتحریر.

السادس: إنه یمرن إذا میز الصوم والصلاة ویشدد علیه لسبع إذا أطاقه، کما اختاره الجواهر وتبعه المصنف وغیر واحد.

والظاهر: إن المعیار التمیز والطاقة، والتحدیدات المذکورة بالسنوات إما للتشدید وإما لتعیین الموضوع وأنه فی أی وقت یطیق، والاختلاف فی الروایات من جهة اختلاف الأطفال فی الجملة، ولا یخفی أنه رخص الشارع للصبی الصیام المبتور بکونه بعض الیوم، ولیس المراد جواز الإفطار، فإن ذلک مقتضی کونه مستحباً، بل المراد أن الشارع قبل أن یکون صومهم فی بعض الیوم حال أنه لم یقبل مثل هذا الصوم عن المکلف فیما إذا کان مریضاً أو نحوه.

وکیف کان، یدل علی أصل المشروعیة وعلی الخصوصیات والأقوال المذکورة الروایات المستفیضة، کموثق سماعة، قال: سألته عن الصبی متی یصوم؟ قال: «إذا قوی علی الصیام»((1)).

ص:35


1- الوسائل: ج7 ص167 باب 29 من أبواب من یصح منه الصوم ح2

وخبر إسحاق بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: «إذا أطاق الصبی الصّوم وجب علیه الصیام»((1))، والمراد الثبوت أو التأکد جمعاً بین أخبار الاحتلام وهذه الأخبار، بالإضافة إلی الضرورة والإجماع علی عدم الوجوب قبل البلوغ((2)).

وخبر محمد بن مسلم، عن الباقر (علیه السلام): أنه سئل عن الصبی متی یصوم؟ قال: «إذا أطاقه»((3)).

ویدل علی قول المفید ما رواه السکونی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أیام متتابعة فقد وجب علیه صوم شهر رمضان»((4)).

وعلی قول المعتبر: صحیح زرارة وعبید، عن أبی عبد الله (علیه السلام): أنه سئل عن الصلاة علی الصبی متی یصلّی علیه؟ قال: «إذا عقل الصلاة». قلت: متی تجب الصلاة علیه؟ فقال: «إذا کان ابن ست سنین، والصّیام إذا أطاقه»((5))، بناءً علی التلازم بین الصلاة

ص:36


1- الوسائل: ج7 ص169 باب 29 من أبواب من یصح منه الصوم ح8
2- الوسائل: ج7 ص169 باب 29 من أبواب من یصح منه الصوم ح8
3- الوسائل: ج7 ص169 باب 29 من أبواب من یصح منه الصوم ح9
4- الوسائل: ج7 ص168 باب 29 من أبواب من یصح منه الصوم ح8
5- المعتبر: ص219 فی صلاة الجنازة السطر 10، وذیله فی ص310 فی کتاب الصوم السطر 13

والصیام، لکن لا یخفی ما فی ذلک.

وقریب من هذا الصحیح فی تعلیق الصلاة علی العقل والصیام علی الطاقة خبرا الجعفریات ودعائم الإسلام، عن علی (علیه السلام). کما أنه صرح بالست للصلاة والطاقة للصیام((1)) خبر إسحاق، عن الصادق (علیه السلام) وغیره.

وعلی قول المبسوط: صدر صحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إنا نأمر صبیاننا بالصیام إذا کانوا بنی سبع سنین بما أطاقوا من صیام الیوم، فإن کان إلی نصف النهار أو أکثر من ذلک أو أقل فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا، حتی یتعودوا الصیام ویطیقوه، فمروا صبیانکم إذا کانوا أبناء تسع سنین بما أطاقوا من صیام، فإذا غلبهم العطش أفطروا»((2)).

أقول: الغرث بالغین والراء والثاء الجوع.

وعن العلامة روایة الصحیحة بلفظ «السبع» فی الذیل کالصدر.

وخبر الدعائم، عن الصادق (علیه السلام): «إنا نأمر صبیاننا بالصلاة والصیام ما أطاقوا إذا کانوا أبناء سبع سنین»((3)).

ص:37


1- انظر الدعائم: ج1 ص194 سطر 2 نقله بالمعنی
2- الاستبصار: ج2 باب 28 من أبواب متی یجب علی الصبی الصیام ح3
3- الدعائم: ج1 ص194

وعلی قول النهایة: ذیل الصحیحة علی غیر روایة العلامة، ومرسل الصدوق، قال: قال الصادق (علیه السلام): «الصبی یؤخذ بالصیام إذا بلغ تسع سنین علی قدر ما یطیقه، فإن أطاق إلی الظهر أو بعده صام إلی ذلک الوقت، فإذا غلب علیه الجوع والعطش أفطر»((1)).

والرضوی: «واعلم أن الغلام یؤخذ بالصیام إذا بلغ تسع سنین علی قدر ما یطیقه، فإن أطاق إلی الظهر أو بعده صام إلی ذلک الوقت، فإذا غلب علیه الجوع والعطش أفطر، وإذا صام ثلاثة أیام، ولا یأخذه بصیام الشهر کله»((2)).

وعلی قول الشرائع((3)): الجمع بین الأخبار بحمل أخبار السبع علی وقت التشدید، وما دل علی الأخذ به قبل السبع کأخبار الست أو ما أطاق علی الأخذ به دون تشدید علیه.

وعلی قول الجواهر((4)): الجمع بین ما دل علی العقل فی الأخذ بالصلاة، فإنه عبارة أخری عن التمیز، وبین ما دل علی السبع مع

ص:38


1- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص76 باب 24 من أبواب الحد الذی یؤخذ فیه الصبیان بالصوم ح1
2- فقه الرضا: ص25 سطر 26
3- شرائع الإسلام: ص145
4- الجواهر: ج16 ص348

بل التشدید علیه لسبع من غیر فرق بین الذکر والأنثی فی ذلک کله.

الطاقة علی التشدید، ومما تقدم یظهر وجه قوله: {بل التشدید علیها لسبع}.

ثم إن الحکم المذکور عام {من غیر فرق بین الذکر والأنثی فی ذلک کله} کما هو المشهور، خلافاً لمناقشة المدارک فی مبدأ التمرین فی الصبیة، ولاحتمال الفرق بین الصبی والصبیة فی أصل التمرین، لأن الموضوع فی الروایات الصبی لا الصبیة، کما نوقش بمثل ذلک فی باب الحج بالنسبة إلی الصبیة، لکن المناقشة الثانیة فی غیر محلها، کما ذکرناه تفصیلاً فی کتاب الحج، والمناقشة الأولی أیضاً غیر تامة، خصوصاً إذا قلنا بمقالة الجواهر من کون المبدأ العقل.

ثم إنه قد روی عن السجاد (علیه السلام) حدیث طویل، قال (علیه السلام) فیه: «وأما صوم التأدیب فأن یؤخذ الصبی إذا راهق الصوم تأدیباً ولیس بفرض»((1)).

وعن الصادق (علیه السلام) فی الصحیح، قال معاویة: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) فی کم یؤخذ الصبی بالصّیام؟ قال: «ما بینه وبین خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة، فإن هو صام قبل فدعه ولقد صام ابنی فلان قبل ذلک فترکته»((2)).

ولا منافاة بین هذین

ص:39


1- الوسائل: ج7 ص168 باب 29 من أبواب من یصح منه الصوم ح4
2- الوسائل: ج7 ص167 باب 29 من أبواب من یصح منه الصوم ح1

الحدیثین والأحادیث السابقة، إذ مقتضی الجمع بینهما وبین السابقة کون التشدید الأکید فی هذین الوقتین.

ثم إنه قد ظهر من الأحادیث السابقة أن صوم الصبی إنما هو بقدر طاقته، فلا بأس أن یفطر قبل اللیل، فإن بالنیة والإمساک جزءً من الزمان یحصل التمرین المقصود.

ثم الظاهر جواز أن ینوی الصبی الواجب للتمرین، والمستحب باعتبار نفس عبادته، خلافاً لمن أوجب الأول لعدم حصول التمرین إلا به، ولمن أوجب الثانی لعدم وجوب الصوم فی حقه.

ص:40

مسألة ٣ شرائط صحة الصوم المندوب

(مسألة 3): یشترط فی صحة الصوم المندوب مضافاً إلی ما ذکر، أن لا یکون علیه صوم واجب من قضاء

{مسألة 3: یشترط فی صحة الصوم المندوب مضافاً إلی ما ذکر} من الشرائط العامة لمطلق الصیام {أن لا یکون علیه صوم واجب من قضاء} رمضان کما هو المشهور شهرة عظیمة، خلافاً للمحکی عن السید فی المسائل الوسیعة والعلامة فی القواعد وغیرهما فأجازوا ذلک، ولعل مستندهم الأصل وإطلاقات أدلة الصوم، وکلاهما لا یعارضان أدلة المشهور التی هی طائفة من الروایات:

کصحیح الحلبی: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل علیه من شهر رمضان طائفة أیتطوع؟ فقال (علیه السلام): «لا، حتی یقضی ما علیه من شهر رمضان»((1)).

وصحیحة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام): سألته عن رکعتی الفجر؟ قال (علیه السلام): «قبل الفجر» إلی أن قال: «أترید أن تقایس لو کان علیک من شهر رمضان أکنت تتطوع إذا دخل علیک وقت الفریضة فابدأ بالفریضة»((2)).

وخبر الکنانی((3))، وهو قریب من صحیحة الحلبی، والإشکال

ص:41


1- الوسائل: ج7 ص253 باب 28 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5
2- الوسائل: ج7 ص252 باب 28 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
3- الوسائل: ج7 ص253 باب 28 من أبواب أحکام شهر رمضان ح6

أو نذر أو کفارة أو نحوهما

فیها بأنها لا تقاوم الإطلاقات، لأن صحیحة زرارة شبهت ذلک بالصلاة قبل الفجر وهی غیر لازمة، مضافاً إلی اشتمالها علی القیاس الذی لا نقول به، وهی تصلح أن تکون قرینة الکراهة فی خبر الحلبی والکنانی.

وفیه ما لا یخفی، إذ القیاس إنما کان تعلیماً، کما ورد مثله فی بعض الروایات الأخر، حیث کان زرارة وغیره مبتلی بالبحث مع العامة، وعدم لزوم الحکم فی المقیس لا یسقط دلالة المقیس علیه. ومنه یظهر عدم صلاحیة خبر زرارة لقرینیة کراهة النهی فی خبر الحلبی والکنانی.

{أو نذر أو کفارة أو نحوهما} علی المشهور، خلافاً للمحکی عن الکلینی والمدارک وبعض آخر، حیث خصصوا عدم الجواز بقضاء رمضان، للأصل فی ما عداه، والإطلاقات، واختصاص أدلة النفی بالقضاء، کما عرفت فی صحیحتی الحلبی وزرارة وروایة الکنانی، لکن فی الفقیه وردت الأخبار والآثار عن الأئمة (علیهم السلام): «أنه لا یجوز أن یتطوع الرجل بالصیام وعلیه شیء من الفرض»((1))، وممن روی ذلک الحلبی وأبو الصباح الکنانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام).

وفی المستمسک، عن الوسائل، عن المقنع، "اعلم أنه لا یجوز أن

ص:42


1- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص87 باب 44 من أبواب رجل یتطوع بالصیام وعلیه شیء من الفرض ح1- 2

مع التمکن من أدائه.

وأما مع عدم التمکن منه کما إذا کان مسافراً وقلنا بجواز الصوم المندوب فی السفر أو کان فی المدینة وأراد صیام ثلاثة أیام

یتطوع الرجل وعلیه شیء من الفرض، کذلک وجدته فی کل الأحادیث"((1)) انتهی.

وفی المستند نقل نحوه عن المعتبر، وهذا القدر کاف فی الاستناد والحکم بالتحریم، والإشکال فی ذلک بالإرسال تارة، وباحتمال أن یکون الفقیه قصد روایتی الحلبی والکنانی السابقتین، وکان ذلک اجتهاداً منه فی فهم الإطلاق من خصوص ما فی النص من القضاء، مردود بأن الإرسال لا یضر بعد کونه فی الفقیه الذی ضمن الحجیة لما فی کتابه((2))، خصوصاً بعد کلام المقنع والمعتبر، والاحتمال لا ینفع فی مقابل النص.

وکیف کان، فالأقوی ما ذکره المشهور، وإنما لا یصح المندوب ممن علیه واجب {مع التمکن من أدائه} کما عن الدروس والمدارک وغیرهما، وذلک لأنه المنصرف من النص الذی یفهم منه أن العلة عدم مزاحمة النفل للفرض.

{وأما مع عدم التمکن منه، کما إذا کان مسافراً وقلنا بجواز الصوم المندوب فی السفر، أو کان فی المدینة وأراد صیام ثلاثة أیام

ص:43


1- المستمسک: ج8 ص272
2- انظر من لا یحضره الفقیه: ج1 (المقدمة)

للحاجة فالأقوی صحته.

وکذا إذا نسی الواجب وأتی بالمندوب فإن الأقوی صحته

للحاجة فالأقوی صحته} لکن ربما یقال: إنه لا مجال لذلک بعد الإطلاق، وکون الحکمة ما تقدم من عدم المزاحمة علی فرض الفهم من النص لا تمنع إطلاق الحکم، ألا تری أنه لا یجوز الإتیان بصوم غیر رمضان فی شهر رمضان وإن لم یجب علی المکلف لمرض أو سفر أو شیخوخة أو نحوها، مما یسبب عدم وجوب صیام رمضان، وکذا بالنسبة إلی من علیه صوم الکفارة شهرین متتابعین، ولیس له وقت الإتیان به، کما إذا دخل شهر شعبان، فإن الظاهر عدم صحة الندب وإن لم یکن له وقت للواجب.

{وکذا إذا نسی الواجب وأتی بالمندوب فإن الأقوی صحته} کما فی الجواهر واختاره غیره، وذلک لأن الإطلاق محکم، ولا مزاحم هنا، لأن النسیان یوجب عدم التکلیف الفعلی للمزاحم الذی هو الواجب، فیکون حال ما نحن فیه حال الصلاة فی الدار الغصبیة نسیاناً، عند القائل بامتناع اجتماع الأمر والنهی.

ولکن فیه: إن الظاهر من الأدلة الشرط فیکون حاله حال الصلاة بلا وضوء، لا التزاحم، فإن مثل ذلک إنما یقال فی ورود دلیلین تصادما فی بعض الصغریات، لا فی ما إذا صرح الدلیل بالاشتراط.

اللهم إلا أن یفهم العلة قطعاً، وذلک مشکل کما لا یخفی، ولذا

ص:44

إذا تذکر بعد الفراغ، وأما إذا تذکر فی الأثناء قطع ویجوز تجدید النیة حینئذ للواجب مع بقاء محلها، کما إذا کان قبل الزوال، ولو نذر التطوع علی الإطلاق صح وإن کان علیه واجب، فیجوز أن یأتی بالمنذور قبله بعد ما صار واجباً

أطلق المشهور عدم الصحة، ولو قلنا بذلک فی النسیان لزم أن نقول مثله فی الجهل العذری وما أشبه، {إذا تذکر بعد الفراغ وأما إذا تذکر فی الأثناء قطع} الصوم، ومقتضی ما ذکره سابقاً من الصحة فیما إذا لم یتمکن من الواجب القول بالصحة هنا مطلقاً، لأنه إن کان وقت النیة للواجب باقیاً نوی الواجب وصح کما قال: {ویجوز تجدید النیة حینئذ للواجب مع بقاء محلها، کما إذا کان قبل الزوال} وإن لم یکن وقت النیة باقیاً صح المندوب، لأن حاله حال ما لو لم یتمکن من الواجب من الأول کالسفر وما أشبه مما تقدم.

{ولو نذر التطوع علی الإطلاق} بنحو یشمل الإتیان قبل الواجب وبعده {صح وإن کان علیه واجب} إذ اشتغال الذمة بالواجب إنما یمنع الإتیان بالمندوب ولا یمنع عن صحة نذره، وحینئذ {فیجوز أن یأتی بالمنذور قبله} أی قبل الواجب {بعد ما صار} المندوب بالنذر {واجباً} وذلک لأن ما دل علیه الأدلة أن المندوب المطلق لا یصح أن یؤتی به قبل الفرض، ومن المعلوم أن النذر یخرج المندوب عن کونه مندوباً، فإن قوله (علیه السلام): «إنه لا یجوز أن

ص:45

وکذا لو نذر أیاما معینة یمکن إتیان الواجب قبلها، وأما لو نذر أیاماً معینة لا یمکن إتیان الواجب قبلها

یتطوع الرجل بالصیام وعلیه شیء من الفرض»((1))، یدخل المنذور فی لفظ «الفرض» فلا یشمله «یتطوع» فیکون المراد بالتطوع المستحب فعلاً، وعلیه إذا صار المندوب أصلاً واجباً فعلاً کان تقدیمه علی فرض أصلی من باب تقدیم فرض علی فرض، لا من باب تقدیم التطوع علی الفرض.

نعم علی قول من یری اختصاص الحکم بقضاء رمضان، استضعافاً لما ذکرناه من النص، یری المعیار الندب أصلاً، وإن کان واجباً فعلاً بنذر ونحوه، إلا أن یقال: إن المنصرف من تلک النصوص أیضاً الندب فعلاً فیجوز تقدیم المنذور علی القضاء، لأنه خارج عن کونه تطوعاً فعلاً، وإن کان کذلک بالأصل.

{وکذا} یجوز تقدیم النفل بالأصل، الواجب بالنذر، فیما {لو نذر أیاماً معینة} کعشرة أیام الأوسط فی الشهر {یمکن إتیان الواجب قبلها} بأن کان علیه من القضاء عشرة أیام، ونذر قبل الشهر بیوم، فإنه یجوز له بعد أن نذر أن یأتی بالمنذور قبل الفرض القضائی.

{وأما لو نذر أیاماً معینة لا یمکن إتیان الواجب قبلها} کما لو نذر

ص:46


1- الوسائل: ج7 ص252 باب 28 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2

ففی صحته إشکال من أنه بعد النذر یصیر واجباً، ومن أن التطوع قبل الفریضة غیر جائز فلا یصح نذره، ولا یبعد أن یقال إنه لا یجوز بوصف التطوع وبالنذر یخرج عن الوصف، ویکفی فی رجحان متعلق النذر رجحانه ولو بالنذر، وبعبارة أخری المانع هو وصف الندب وبالنذر یرتفع المانع.

الصوم من أول شعبان، وعدا أول شعبان، وعلیه صوم خمسة أیام قضاء الرمضان السابق {ففی صحته} أی النذر {إشکال من أنه بعد النذر یصیر واجباً} فإذا جاء بالمنذور لم یکن من الإتیان بالتطوع قبل الفرض، ولذا یصح نذره {ومن أن التطوع قبل الفریضة غیر جائز فلا یصح نذره} لأنه نذر لشیء غیر جائز {ولا یبعد أن یقال: إنه} أی الصوم المندوب بالأصل {لا یجوز} إتیانه قبل القضاء {بوصف التطوع وبالنذر یخرج عن الوصف} المذکور.

والحاصل إن الشارع لم یرد أن یزاحم نفل فعلی بفرض فعلی، فإذا دخل النفل الأصلی فی عنوان الفرض لم یکن من مزاحمة النفل بالفرض، فحاله حال نذر الإحرام قبل المیقات، فما فی المستمسک من عدم المعقولیة مخدوش.

وإلی هذا أشار المصنف بقوله: {ویکفی فی رجحان متعلق النذر رجحانه ولو بالنذر، وبعبارة أخری المانع هو وصف الندب، وبالنذر یرتفع المانع} والفرق بین ما نحن فیه وبین الإحرام قبل المیقات بالدلیل هناک دون ما نحن فیه، مردود بأن الدلیل هنا أیضاً موجود، إذ

ص:47

لا یشترط فی الدلیل التصریح بالصغری، بل یکفی العموم والإطلاق، فحال ما نحن فیه حال الإحرام قبل المیقات، وحال نذر الصوم فی السفر وما أشبه ذلک مما یکون قبل النذر غیر جائز، وبالنذر یکون جائزاً بل واجباً.

وربما یقال: إن ذات الصوم راجح، والنذر یتعلق بالذات لا بالصوم المتطوع به حتی یقال: إن الصوم المتطوع به غیر راجح، فکیف یتعلق به النذر مع اشتراط الرجحان فی متعلقه، وهذا وإن کان له وجه إلا أننا فی غنی عنه لما تقدم.

ثم إنه علی القول ببطلان النذر، الظاهر أنه لو تعلق بالجائز وغیر الجائز، کما لو نذر صوم عشرة أیام من أول شهر رجب ولم یبق من جمادی الثانیة إلاّ خمسة أیام، وعلیه قضاء ستة أیام مثلاً، کان مقتضی القاعدة البطلان بالنسبة إلی یوم واحد، لا بالنسبة إلی کل النذر، فإن النذر انحلالی، اللّهم إلا إذا نوی التقیید، بحیث یکون النذر لشیء واحد حقیقة لا لعشرة أشیاء انحلالاً.

کما أن الظاهر أنه لو خرج الفرض عن کونه فرضاً لوحظ حالته الفعلیة، فیجوز تقدیم التطوع الأصلی علی الفرض بالأصل.

وهل یکون الحکم بعدم جواز التطوع شاملاً للفرض مخیراً کالکفارة، أو غیر شامل له، أو یبنی علی تمکنه من العتق أو الإطعام، فإن تمکن من أحدهما جاز تقدیم النفل، وإلا لم یجز، أو

ص:48

یبنی علی قصده فإن قصد الصیام لم یجز، وإن قصد الإطعام أو العتق جاز، احتمالات.

ولو کان الواجب مردداً بالعلم الإجمالی بین یوم مضی ویوم یأتی فهل یجوز التطوع فی الوسط، الظاهر العدم، للزوم الإتیان بالمعلوم إجمالاً، بحیث یصح انطباق الواقع علی کلا الطرفین. وکذا بالنسبة إلی الخصوصیات المتوقفة علی الواقع، والتطوع لا یصح الإتیان به قبل الفرض واقعاً.

ص:49

مسألة ٤ صوم التطوع

(مسألة 4): الظاهر جواز التطوع بالصوم إذا کان ما علیه من الصوم الواجب استیجاریاً وإن کان الأحوط تقدیم الواجب.

{مسألة 4: الظاهر جواز التطوع بالصوم إذا کان ما علیه من الصوم الواجب استیجاریاً} لأن المنصرف من «الفرض» فی النص فرض نفسه لا مطلق الفرض، وربما یعلل بأن الواجب بالاستئجار لیس علی المتطوع بل علی المنوب عنه والنائب یؤدّی ما هو فرض علی غیره {وإن کان الأحوط تقدیم الواجب} لأنه فرض فیشمله الدلیل، والانصراف غیر معلوم.

نعم إذا لم یکن أجیراً وإنما أراد التبرع بالقضاء عن الغیر، فإنه لا ینبغی الإشکال فی جواز الإتیان بتطوع نفسه أو تطوع صاحب القضاء قبل الإتیان بالقضاء عن ذلک الغیر.

ومن صور التطوع الذی لا یجوز تقدیمه علی الفرض ما لو أراد القضاء عن الغیر تطوعاً وهو مدیون لنفسه بقضاء أو شبهه، لصدق أنه تطوع لمن علیه فرض؛ إذ الوجوب علی الغیر لا یدخله فی ضمن «الفرض».

وفی ما لو استأجر عن الغیر وعلیه دین لنفسه یأتی الکلام السابق فیما لو نذر وعلیه دین.

اللّهم إلا أن یقال بالفرق بین الفرض المتوجه لنفسه بالعرض کالنذر، والذی علی غیره ابتداؤه وإن توجه إلیه بالاستئجار، لانصراف «الفرض» فی النص عن الثانی دون الأول.

وأشکل منه ما لو استؤجر لإتیان نوافل الغیر، أو للإتیان بالصوم نافلة للغیر، کما لو استؤجر

ص:50

لإتیان قضاء صیام رجب عن المیت، لو قلنا بجواز قضاء نوافل المیت، أو استؤجر للإتیان بصیام رجب للمیت، إن قلنا بصحة مثل هذا الاستیجار.

وفی المقام فروع أخر أضربنا عنها خوف التطویل.

ص:51

ص:52

فصل فی شرائط وجوب الصوم

اشارة

فصل

فی شرائط وجوب الصوم

وهی أمور:

الأول والثانی: البلوغ والعقل

{فصل}

{فی شرائط وجوب الصوم}

من المعلوم أن بین شرائط وجوب الصوم وبین شرائط صحة الصوم عموماً من وجه، لإمکان الصحة دون الوجوب کما فی صوم الصبی، وإمکان الوجوب دون الصحة کما فی صوم الکافر، وإمکان الجمع بینهما کما فی صوم المسلم البالغ، کما یمکن عدم الصحة وعدم الوجوب کما فی صوم المریض الذی یضره الصوم ضرراً بالغاً.

{وهی أمور}:

{الأول والثانی: البلوغ والعقل} بلا خلاف ولا إشکال، بل دعوی الإجماع علیه مستفیضة، ویدل علیه العقل فی الجملة فیمن لا تمییز له، کما یدل علیه ما دلّ علی «رفع القلم عن الصبی حتی یحتلم،

ص:53

والمجنون حتی یستفیق»((1))، وبهذه الروایة وغیرها کالإجماع یصرف ظاهر ما دل علی وجوب الصوم قبل البلوغ الشرعی علی الصبی، عن معنی الإلزام إلی تأکد الاستحباب.

والبلوغ کما حقق فی محله عبارة عن الدخول فی السادسة عشرة، أو إنزال المنی، أو إنبات الشعر الخشن فی الولد، وفی البنت بالدخول فی العاشرة.

والظاهرة أنه لا فرق بین تحصیل الإنبات والإمناء بعلاج، کأن یحلق الشعر أو یهیج الشهوة، حتی یخشن شعره وینزل منیه بالجماع ونحوه، أم لا، وذلک لأن الحکم إذا کان دائراً مدار موضوع خاص، بحیث تمکن المکلف من تحصیله، کان اللازم القول بوجود الحکم عند وجود موضوعه.

کما أن الظاهر کون الاعتبار بفعلیة الخشونة والخروج، فلو منع خروج الشعر وکان بحیث یعلم أنه لو خرج کان خشناً، أو منع نفسه عن الإمناء بالدواء ونحوه لم یجب علیه الحکم.

اللّهم إلا أن یقال بمقالة صاحب الجواهر من الکفایة فی مثل هذه بالقوة، لقوله سبحانه:﴿بَلَغُوا النِّکاحَ﴾((2))، وقوله:﴿وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْکُمُ﴾((3)) فإنه یصدق البلوغ حین ذاک، وإن لم یخرج بالفعل أو لم یخشن بالفعل، من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

وحیث تقدم أن

ص:54


1- الخصال: باب التسعة حدیث رفع عن أمتی تسع
2- سورة النساء: الآیة 6
3- سورة النور: الآیة 59

الصبی یمرن، فهل یمرن المجنون الذی له تمیز أم لا؟ احتمالان: ظاهر الأصحاب وصریح بعضهم العدم، ویحتمل التمرین، خصوصاً فی الصبی المجنون المرجو زوال عذره إن فهمنا المناط، وإلا فالأصل العدم.

ولو شک فی البلوغ لزم الفحص، بناءً علی أصلنا من وجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة إلا ما خرج، فإن لم یصل الفحص إلی البلوغ بأن بقی الشک کان الاستصحاب هو المحکم.

أما الاحتیاط فإنه وإن کان حسناً إلا أنه غیر لازم، والتمسک بالدلیل، کقول الباقر (علیه السلام) فی روایة حمران، قال: قلت له: متی یجب علی الغلام أن یؤخذ بالحدود التامة ویقام علیه ویؤخذ بها؟ فقال: «إذا خرج عنه الیتم وأدرک»، قلت: فلذلک حد یعرف به؟ قال (علیه السلام): «إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلک»((1)).

وحسنة برید الکناسی: «إن الغلام إذا زوّجه أبوه ولم یدرک، کان له الخیار إذا أدرک وبلغ خمس عشرة سنة أو یُشعر فی وجهه أو أنبت فی عانته»((2))، من باب التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة الذی ثبت فی الأصول عدم تمامیته.

ولو علم أحد الصبیین بالبلوغ لوجود المنی فی

ص:55


1- الوسائل: ج1 ص30 باب 4 من أبواب مقدمة العبادات ح2
2- الوسائل: ج4 ص209 باب 6 من أبواب عقد النکاح وأولیاء العقد ح9

فلا یجب علی الصبی والمجنون إلا أن یکملا قبل طلوع الفجر دون ما إذا کملا

ثوبهما المشترک، لم یکلف بالأحکام، لما ثبت فی محله من عدم تکلیف أحد الشخصین لعدم تأثیر العلم الإجمالی فی مثل المقام للشک فی الخطاب إلیه.

ولو علم بالاحتلام لکنه لم یعلم بالسبق واللحوق، ولم یمکن الفحص کان المحکم استصحاب عدم التقدم.

ولو شک فی کون الشعر خشناً والخارج منیاً، ولم یمکن الفحص کان استصحاب عدم البلوغ محکماً، وإنما یحکم بکون الشعر الخشن علامة علی البلوغ فیما إذا لم یکن خشناً من الصغر، کما قد یتفق بعلاج أو طبیعة وإلا سقط عن العلامیة، کما أنه لو فرض خروج المنی فی غیر أوانه کالخامسة مثلاً لم یکن ذلک علامة، وتفصیل الکلام فی هذه المسائل فی باب الحجر إن شاء الله تعالی.

{فلا یجب علی الصبی والمجنون إلا أن یکملا قبل طلوع الفجر} ولا منافاة بین عدم الوجوب علی الصبی وضربه، لأنه لا تلازم بین العقاب وبین الوجوب، فإن معنی الوجوب الإرادة القطعیة بمعنی لا یرید المولی خلافه، والعقاب یمکن أن یکون أثراً خارجیاً، ولذا أجاز البعض کون عقاب الآخرة علی ترک غیر الواجب أو فعل غیر المحرم، کما وردت طائفة من الأخبار فی کتاب عقاب الأعمال للصدوق علی ما لیس بواجب أو لیس بمحرم، وهذا کما لو قال المولی إنی لا أنهاک عن الذهاب من هذا الطریق لکنک إذا ذهبت أکلک السبع أو أقطع

ص:56

بعده، فإنه لا یجب علیهما وإن لم یأتیا بالمفطر.

راتبک مثلاً.

وکیف کان، فلا إشکال فی کون الضرب الموجه إلی الصبی المأمور به الولی استحبابی لا وجوبی، فلا یجب علی الولی بحیث یکون ترکه حراماً، والظاهر من الإطلاقات کون المکلف بأمر الصبی عرفاً هو الضارب فلا اختصاص لذلک بالولی الشرعی، کما أن الأقرب عدم جواز الضرب الخارج عن الحدّ، بل الضرب بدائی.

أما حد الصبی فیما إذا سرق بقطع أنامله أو حکها بالحائط وما أشبه فذلک واجب، وفی جواز إجراء الولی أو خاص بالحاکم الشرعی، احتمالان.

وقد عرفت أنه لا منافاة بین عدم الحرمة التکلیفیة وبین العقاب فلا یقال إنه إذا کان قلم التکلیف موضوعاً عن غیر البالغ کیف یعاقب علی فعله غیر الحرام.

ثم إنه إذا کملا _ الصبی والمجنون _ قبل طلوع الفجر فلا إشکال ولا خلاف فی وجوب الصوم علیهما، بل الظاهر الإجماع، لإطلاق دلیل الوجوب الشامل لهما، وکونهما قبل الفجر خارجین عن التکلیف لا یلازم البقاء، بل هذه المسألة من الواضحات.

ومن المعلوم أن الکمال ممکن بالسن فیما إذا علّم وقت الولادة، وبالاحتلام، أما الإنبات فذلک مشکل إذ تخشن الشعر لا یحسّ فی مدة قلیلة وإن کان له واقعی آنی، وإلا جرت فیه الشبهة الآنامّائیة {دون ما إذا کملا بعده} أی بعد الفجر {فإنه لا یجب علیهما} صوم ذلک الیوم {وإن لم یأتیا بالمفطر} لوضوح أنه لم یکن واجباً علیهما فی حال

ص:57

بل وإن نوی الصبی الصوم ندباً، لکن الأحوط مع عدم إتیان المفطر الإتمام والقضاء إذا کان الصوم واجباً معیناً.

عدم الإکتمال، والصوم وحدة واحدة، ولم یدل الدلیل علی الوجوب بعد عدم الوجوب، وقیاسهما بالمسافر إذا حضر لیس بأولی من قیاسهما علی الحائض إذا طهرت، بل مقتضی قاعدة الاشتراط عدم الوجوب مطلقاً إلاّ ما خرج کالمسافر ونحوه.

{بل وإن نوی الصبی الصوم ندباً} ثم بلغ قبل الزوال، لأن عدم الوجوب فی جزء من النهار یکفی لعدم الوجوب مطلقاً، وکذلک کل واجب وقع بعضه ندباً فی حال عدم الشرط، کما لو أحرم غیر المستطیع ثم استطاع وهکذا، إلا ما خرج بالدلیل ولیس المقام منه.

{لکن الأحوط} استحباباً {مع عدم إتیان المفطر الإتمام والقضاء} للصبی {إذا کان الصوم واجباً معیناً} کشهر رمضان، وفاقاً للوسیلة مطلقاً سواء نوی الصوم أم لا، والخلاف والمعتبر والمدارک حیث قالوا بالوجوب إذا نوی الصوم ندباً.

واستدل لذلک بأن الصیام قبل البلوغ کان مشروعاً غیر لازم، وبعد البلوغ صار لازماً لإطلاق أدلة اللزوم، وفیه: ما لا یخفی فإنه بعد أن تحقق اشتراط البلوغ وأن الصوم وحدة واحدة بدلیل قوله: «حتی یتبین» .. «وأتموا» وکان جزء من النهار فاقداً لشرط کان مقتضی القاعدة عدم اللزوم، ومنه یعلم الخدشة فی القضاء بطریق أولی إذا کان الصیام واجباً فقد کفی ما أتی به، وإذا لم یکن واجباً لم

ص:58

ولا فرق فی الجنون بین الإطباقی والأدواری إذا کان یحصل فی النهار ولو فی جزء منه.

وأما لو کان دور جنونه فی اللیل بحیث یفیق قبل الفجر فیجب علیه.

یکن وجه للقضاء، إذ لا دلیل علیه.

ومثله ما لو بلغ فی أثناء الصلاة التی لیس لها من الوقت إلا بمقدار أدائها، ولو کان الصبی فی قطر طلع الفجر علیه وهو غیر بالغ، ثم بلغ وسافر إلی قطر لم یطلع الفجر بعدُ، کان اللازم الصیام، للزوم اتباع کل أحد لقطره فی الشروق والغروب، ولذا لو نوی البالغ الصیام فی قطره عند طلوع الفجر، ثم سافر إلی قطر لم یطلع بعدُ الفجر جاز له الأکل، فإنها علیه مشرقه ومغربه، أی المشرق والمغرب الذی هو فیه، لا وطنه ومحل إقامته، کما لا یخفی.

{ولا فرق فی الجنون بین الإطباقی والأدواری إذا کان یحصل فی النهار ولو فی جزء منه} لإطلاق أدلة اشتراط العقل فی صحة الصوم مما تقدم فی شرائط الوجوب.

{وأما لو کان دور جنونه فی اللیل} کلاًّ أو بعضاً {بحیث یفیق قبل الفجر} ولو فی آن ما {فیجب علیه} الصوم ویصح منه.

ثم الظاهر عدم وجوب القضاء علی المجنون، لأن «ما غلب الله علیه فهو أولی بالعذر»، ولأنه لا دلیل علی الوجوب فالأصل العدم،

ص:59

الثالث: عدم الإغماء فلا یجب معه الصوم ولو حصل فی جزء من النهار. نعم لو کان نوی الصوم قبل الإغماء فالأحوط إتمامه.

الرابع: عدم المرض الذی یتضرر معه الصائم

ویظهر من التذکرة الإجماع علیه، حیث لم یدّع الخلاف إلا من بعض أهل الخلاف، واحتمال الوجوب لما دلّ علی إرادة الله سبحانه الصیام شهراً فی کل سنة، فإذا لم یتمکن من الإتیان به فی شهر رمضان أتی به فی غیره غیر تام، إذ القضاء فرع التکلیف بالأداء، وإن کان بدلیل جدید، فإذا لم یکن تکلیف بالأداء لعدم قابلیة الشخص، لا لوجود مانع خارجی کالحیض، لم یکن قضاء، مثل الصغیر بل والمغمی علیه، وتفصیل الکلام فی محله إن شاء الله تعالی.

{الثالث} من شرائط وجوب الصوم: {عدم الإغماء، فلا یجب معه الصوم ولو حصل فی جزء من النهار} لما تقدم فی الفصل السابق.

{نعم لو کان نوی الصوم قبل الإغماء فالأحوط} استحباباً {إتمامه} کما أنه إذا حصلت الإفاقة قبل الظهر فالأحوط النیة والإتمام إذا لم یأت بمفطر قبل ذلک، وقد تقدم فی المبحث السابق تفصیل الکلام حول ذلک فراجع.

{الرابع} من شرائط وجوب الصوم: {عدم المرض الذی یتعذر منه الصائم} فعلاً أو مستقبلاً، وقد تقدم الکلام حول أقسام المرض،

ص:60

ولو برء بعد الزوال ولم یفطر لم یجب علیه النیة والإتمام.

وأما لو برء قبله ولم یتناول مفطراً، فالأحوط أن ینوی ویصوم، وإن کان الأقوی عدم وجوبه.

وأنه یجب الصوم فی بعض الأقسام، ویحرم فی بعضها، ویجوز فی بعضها.

{ولو برء بعد الزوال ولم یفطر لم یجب علیه النیة والإتمام} فکیف إذا کان قد أفطر، وقد تقدم الکلام فی ذلک، ومنه یظهر ضعف ما عن المفید (رحمه الله) من وجوب الإمساک.

نعم المشهور الاستحباب للفتوی، تسامحاً فی أدلة السنن ولروایة الزهری.

{وأما لو برء قبله ولم یتناول مفطراً، فالأحوط أن ینوی ویصوم} وقد ذهب إلی ذلک المشهور، بل عن المدارک والذخیرة دعوی الإجماع علیه، واستدلوا لذلک ببقاء وقت النیة، وبالإجماع المذکور، وبالمناط المستفاد من أدلة الجاهل والمسافر، وبالإطلاقات.

{وإن کان الأقوی عدم وجوبه} وفاقاً لغیر واحد، کابن زهرة وحمزة حیث أطلقا القول بالاستحباب، والمستند وغیرهم، لما سبق فی بعض المباحث السابقة من أن الصوم وحدة واحدة فإذا لم یتمکن من الإتیان به فی بعض النهار، ولم یکن هناک دلیل خاص لم یجب الإتیان به فی بقیة النهار.

والإجماع مناقش فیه صغری وکبری، لأنه محتمل الاستناد، بل مظنونه، وبقاء وقت النیة أول الکلام، والمناط غیر مقطوع به، ولو شک فالاستصحاب یقتضی العدم.

أما الإطلاقات فلیست شاملة

ص:61

الخامس: الخلو من الحیض والنفاس، فلا یجب معهما، وإن کان حصولهما فی جزء من النهار.

السادس: الحضر، فلا یجب علی المسافر الذی یجب علیه قصر الصلاة، بخلاف من کان وظیفته التمام کالمقیم عشراً، أو المتردد ثلاثین یوماً، والمکاری ونحوه، والعاصی بسفره، فإنه یجب علیه التمام، إذ المدار فی تقصیر الصوم علی تقصیر الصلاة، فکل سفر یوجب قصر الصلاة یوجب قصر الصوم

للمقام بعد کون الموضوع فیها الصوم الذی هو عبارة عن الإمساک بشرائطه من أول الفجر إلی المغرب.

{الخامس} من شرائط وجوب الصوم: {الخلو من الحیض والنفاس فلا یجب} الصوم {معهما} حقیقة بأن کان الدم موجوداً، أو حکماً بأن کانت المرأة محکومة بأحدهما وإن کانت نقیة فعلاً کالانتقاء المتخلل بین العشرة {وإن کان حصولهما فی جزء من النهار} ابتداءً أو انتهاءً، وقد تقدم تفصیل الکلام حول ذلک فراجع.

{السادس: الحضر، فلا یجب الصوم علی المسافر الذی یجب علیه قصر الصلاة، بخلاف من کان وظیفته التمام} وإن کان مسافراً عرفاً {کالمقیم عشراً، أو المتردد ثلاثین یوماً}، أی فی الیوم الواحد والثلاثین، {والمکاری ونحوه} کالسائق والملاح، {والعاصی بسفره، فإنه یجب علیه التمام} فی الصلاة والصیام {إذ المدار فی تقصیر الصوم علی تقصیر الصلاة، فکل سفر یوجب قصر الصلاة یوجب قصر الصوم

ص:62

وبالعکس.

وبالعکس} فکلما قصّر الصوم قصّر الصلاة، إلا إذا کان هناک مانع عن أحدهما دون الآخر، کالجاهل بحکم القصر فی السفر فی الصلاة، فإنه یقصر الصوم ولا یقصر الصلاة.

والظاهر أنه لو علم بأحد الحکمین تبعه الآخر، ولا یجوز التفکیک ولو تقلیداً، کمن خرج عن محل الترخیص فی أثناء العشرة، وکان هناک فقیهان یفتی أحدهما بأن ذلک یوجب نقض حکم السفر، ویفتی الآخر بأنه یبقی علی التمام، فإنه لا یجوز للمقلد أن یقلد أحدهما فی الصلاة فیتم والآخر فی الصیام فیفطر، أو العکس، لأنه یعلم ببطلان أحد الحکمین بعد العلم بالتلازم بین التقصیر والإفطار.

وکذلک فی الأمور التدریجیة، فإن قال أحدهما بأن محل الترخص خفاء الجدران والأذان معاً، وقال الآخر: یکفی خفاء أحدهما، فإنه لا یصح له أن یقلد هذا مرة فیقصر ویقلد ذاک أخری فیتم، أو یقلد أحدهما فی الذهاب والآخر فی الرجوع مثلاً، لما حقق فی الأصول من تنجیز العلم الإجمالی کالعلم التفصیلی.

ومن هذا القبیل ما لو استصحب عدم الخروج عن محل الترخص ذاهباً فأتم الصلاة، ثم استصحب عدم الوصول إلی محل الترخیص جائیاً فی نفس المکان الأول فقصر، إلی غیرها من الأمثلة.

ثم إنه ربما ینتفی التلازم بین القصر والإفطار لأمور خارجة، کالذی وصل بعد الظهر إلی وطنه فإنه یتم الصلاة مع أنه یفطر، أو خرج بعد الظهر فإنه

ص:63

یقصر الصلاة مع أنه یصوم، وقد سبق الکلام حول دلیل هذه المسألة فی الفصل السابق فراجع.

ص:64

مسألة ١ دخول المسافر بلده قبل الزوال وبعده

(مسألة 1): إذا کان حاضراً فخرج إلی السفر، فإن کان قبل الزوال وجب علیه الإفطار، وإن کان بعده وجب علیه البقاء علی صومه.

وإذا کان مسافراً وحضر بلده أو بلداً یعزم علی الإقامة فیه عشرة أیام، فإن کان قبل الزوال ولم یتناول المفطر وجب علیه الصوم، وإن کان بعده أو تناول فلا

{مسألة 1: إذا کان حاضراً فخرج إلی السفر، فإن کان قبل الزوال وجب علیه الإفطار} ولو بالنیة بأن لم ینو الصیام {وإن کان بعده وجب علیه البقاء علی صومه} قد تقدم الکلام فی ذلک مفصلاً فراجع.

{وإذا کان مسافراً وحضر بلده أو بلداً یعزم علی الإقامة فیه عشرة أیام} فله أربع صور، یجب الإفطار فی ثلاث، ویجب الصیام فی واحدة {فإن کان} وروده {قبل الزوال ولم یتناول المفطر وجب علیه الصوم، وإن کان بعده أو تناول} المفطر کان قبل الزوال أو بعده {فلا} صوم بلا إشکال ولا خلاف کما فی المستند وغیره، بل عن الحلی دعوی الإجماع علی الشق الثانی، وإن کان ربما ینقل عن الشیخ من إطلاق وجوب الصوم إذا لم یفعل الناقض، فإنه محمول علی ما قبل الزوال، أو مدفوع بما یأتی، کما أن ما عن ابن زهرة من إطلاق استحباب الإمساک محمول علی ما إذا أکل أو ورد بعد الظهر.

وکیف کان، فیدل علی لزوم الصیام إن قدم قبل الزوال ولم یفطر

ص:65

موثق أبی بصیر، قال: سألته عن الرجل یقدم من سفر فی شهر رمضان، فقال (علیه السلام): «إن قدم قبل زوال الشمس فعلیه صیام ذلک الیوم ویعتد به»((1)).

وموثق سماعة، فی حدیث أنه (علیه السلام) قال: «إن قدم بعد زوال الشمس أفطر ولا یأکل ظاهراً، وإن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعلیه صیام ذلک الیوم إن شاء»((2)). والمراد المشیئة بعدم الأکل قبل الورود.

وروایة البزنطی، سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن رجل قدم من سفر فی شهر رمضان ولم یطعم شیئاً قبل الزوال؟ قال (علیه السلام): «یصوم»((3)).

وصحیح یونس: «قال فی المسافر یدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم یکن أکل فعلیه أن یتم صومه ولا قضاء علیه، یعنی إذا کان جنابته من احتلام»((4))، وهذا التفسیر إما من الإمام أو الراوی أو الکلینی، وبهذه الأخبار المتعضدة بفهم المشهور، وعدم خلافهم

ص:66


1- الوسائل: ج7 ص136 الباب 6 من أبواب من یصح منه الصوم ح6
2- الوسائل: ج7 ص136 الباب 6 من أبواب من یصح منه الصوم ح7
3- الوسائل: ج7 ص135 الباب 6 من أبواب من یصح منه الصوم ح4
4- الوسائل: ج7 ص135 الباب 6 من أبواب من یصح منه الصوم ح5

یقید إطلاق ما یأتی من الروایات الدالة علی خیار الشخص بین الصیام وعدمه:

کصحیح محمد بن مسلم، سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یقدم من سفر فی شهر رمضان فیدخل أهله حین یصبح أو ارتفاع النهار؟ قال (علیه السلام): «إذا طلع الفجر وهو خارج ولم یدخل أهله فهو بالخیار إن شاء صام وإن شاء أفطر»((1))، فإن الظاهر منه أنه بالخیار حال کونه خارجاً بأن یأکل فلا یصوم أو یبقی حتی یصوم.

وکذلک صحیحه الآخر، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «فإذا دخل أرضاً قبل طلوع الفجر وهو یرید الإقامة بها فعلیه صوم ذلک الیوم، وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صیام علیه وإن شاء صام»((2)).

وصحیحة رفاعة بن موسی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یقبل فی شهر رمضان من سفر حتی یری أنه سیدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار؟ قال: «إن طلع الفجر وهو خارج ولم یدخل فهو بالخیار إن شاء صام وإن شاء أفطر»((3)

ص:67


1- الوسائل: ج7 ص135 الباب 6 من أبواب من یصح منه الصوم ح3
2- الوسائل: ج7 ص134 الباب 6 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
3- الوسائل: ج7 ص135 الباب 6 من أبواب من یصح منه الصوم ح2

ومفهومه أنه إذا کان دخوله قبل الفجر کان علیه الصوم.

بل ربما یؤید ذلک موثقة سماعة المتقدمة، وروایة الدعائم وإن کانت زادت التبیت لکنه لا تأمل به، فقد روی عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: «إذا دخل المسافر أرضاً ینوی بها المقام فی شهر رمضان قبل طلوع الفجر فعلیه صیام ذلک الیوم»، ثم أضاف فی موضع آخر: «وإن قدم من سفره فوصل إلی أهله قبل الزوال ولم یکن أفطر ذلک الیوم وبیّت صیامه ونواه اعتدّ به ولم یقضه، وإن لم ینوه أو دخل بعد الزوال قضاه»((1)).

اللهم إلا أن یقال أن المراد نیة الصوم فی الجملة، لا أن للتبییت خصوصیة.

وکیف کان، فقد استفید من هذه الروایات _ ولو بقرینة فهم المشهور _ وجوب الصیام إن ورد قبل الفجر، واختیاره بین الأکل وعدمه فی حال السفر، ولزوم الصیام إن ورد قبل أن یأکل.

وأما وجوب الإفطار إن ورد بعد زوال الشمس، سواء أکل أو لم یأکل، فیدل علیه موثقة بن مسلم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یقدم من سفر بعد العصر فی شهر رمضان فیصیب امرأته حین طهرت من الحیض أیواقعها؟ قال (علیه

ص:68


1- الدعائم: ج1 ص277 فی ذکر الصوم فی السفر وذیله فی الصفحة ذاتها

وإن استحب له الإمساک بقیة النهار

السلام): «لا بأس به»((1)).

وموثقة سماعة المتقدمة، وروایة الدعائم.

{وإن استحب له الإمساک بقیة النهار} مطلقاً، سواء کان وروده قبل الظهر بعد أن أکل، أو بعد الظهر بلا إشکال ولا خلاف، ویدل علیه جملة من النصوص کموثقة سماعة المتقدمة، إن کان ظاهراً بمعنی تأدباً، لا فی مقابل خفیة.

وموثقته الأخری، قال: سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أکل؟ قال: «لا ینبغی له أن یأکل یومه ذلک شیئاً، ولا یواقع فی شهر رمضان إن کان له أهل»((2)).

وخبر یونس، فی المسافر الذی یدخل أهله فی شهر رمضان وقد أکل قبل دخوله؟ قال: «یکف عن الأکل بقیة یومه، وعلیه القضاء»((3)).

وروایة الزهری، عن السجاد (علیه السلام)، قال (علیه السلام): «وکذلک المسافر إذا أکل أول النهار ثم قدم أهله، أمر بالإمساک بقیة یومه ولیس بفرض»((4)).

ص:69


1- الوسائل: ج7 ص148 الباب 13 من أبواب من یصح منه الصوم ح10
2- الوسائل: ج7 ص136 الباب 7 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
3- الوسائل: ج7 ص136 الباب 7 من أبواب من یصح منه الصوم ح2
4- الوسائل: ج7 ص136 الباب 7 من أبواب من یصح منه الصوم ح3

والرضوی: «فإذا قدمت من السفر وعلیک بقیة یوم فأمسک من الطعام والشراب إلی اللیل»((1)).

وخبر الجعفریات، بسند الأئمة (علیهم السلام)، عن علی (علیه السلام): «فی مسافر یقدم بلده وقد کان مفطراً أول النهار فیدخل عند الظهر؟ قال: یکف عن الطعام أحب إلیّ»((2)).

ثم الظاهر من المناط المستفاد من النص والفتاوی عدم الفرق فی الأحکام المذکورة بین المفطرات کلها، وإن لم یصرح إلا ببعضها فی النصوص المتقدمة، کما أن الظاهر منهما عدم الفرق بین أقسام الصیام رمضان والکفارة والقضاء وغیرها.

نعم لا یبعد وجوب عدم الإفطار فی ما إذا کان الصوم واجباً معیناً کالنذر المعین وما أشبه فیما إذا ورد قبل الزوال، لأن التخییر الطبعی لا یعارض الواجب المعین.

ولو شک فی وقت القدوم وعلم ساعة الزوال استصحب السفر، ولو شک فی ساعة الزوال وعلم وقت القدوم صام، ولو جهلهما إما سبقاً ولحوقاً مع العلم بأن أحدهما السابق، أو جهلاً بالسبق واللحوق أجری القاعدة المشهورة فی مجهولی التاریخ، هذا کله إذا لم یمکن الفحص کما ذکرناه غیر مرة فی هذا الکتاب بالنسبة إلی الشبهات الموضوعیة کالشبهات الحکمیة.

ص:70


1- فقه الرضا: ص35 السطر 3
2- الجعفریات: ص61 فی باب صیام المسافر

والظاهر أن المناط کون الشروع فی السفر قبل الزوال أو بعده، لا الخروج عن حد الترخص، وکذا فی الرجوع المناط دخول البلد، لکن لا یترک الاحتیاط بالجمع إذا کان الشروع قبل الزوال والخروج عن حد الترخص بعده.

وکذا فی العود إذا کان الوصول إلی حد الترخص قبل الزوال والدخول فی المنزل بعده.

{والظاهر} عند المصنف وبعض آخر {أن المناط} فی جواز الإفطار وعدمه {کون الشروع فی السفر قبل الزوال أو بعده} فیفطر فی الأول دون الثانی {لا الخروج عن حد الترخص، وکذا فی الرجوع} إلی البلد {المناط دخول البلد} لا الوصول إلی حد الترخص {لکن لا یترک الاحتیاط بالجمع إذا کان الشروع} فی السفر {قبل الزوال والخروج عن حد الترخص بعده} بأن یصوم ویقضی.

{وکذا فی العود} یحتاط بالجمع {إذا کان الوصول إلی حد الترخص قبل الزوال والدخول فی المنزل بعده}.

واستدل لذلک فی المستمسک "بأن الظاهر من أدلة حد الترخص کونها مقیدة لإطلاق أدلة أحکام المسافر لا حاکمة علیها بجعل ما دون الحد من البلد کی یکون حدّ الترخص حداً للسفر ابتداءً وغایةً، بل الحد حدّ للترخص لا للسفر"، انتهی((1)).

ص:71


1- المستمسک: ج8 ص381

أقول: الظاهر من أدلة حدّ الترخص کون ما قبل حدّ الترخص من توابع البلد، فالحد المذکور کما أنه حد للترخیص کذلک حد للسفر، ولذا قال فی المستند: "المراد بقدوم المسافر وخروجه المبنی علیها الحکمان المذکوران ما مرّ فی بحث الصلاة من المتجاوز عن حدّ الترخص خارجاً أو داخلاً، لما مرّ من التلازم بین القصر والإفطار"((1)) انتهی. والتفصیل فی باب الصلاة.

أما کون الإفطار بعد الخروج عن محل الترخص، فلا ینبغی الإشکال، لقوله (علیه السلام): «وإذا قصرت أفطرت»((2))، فإن الظاهر کون القصر الفعلی مقارن مع الإفطار، فلا یجوز الإفطار قبل القصر.

وربما یؤیده المروی عن الصادق أبی عبد الله (علیه السلام): «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) خرج من المدینة إلی مکة فی شهر رمضان ومعه الناس وفیهم المشاة، فلما انتهی إلی کراع الغمیم دعا بقدح من ماء فیما بین الظهر والعصر فشربه وأفطر»((3))، الحدیث. فإن تأخیره (صلی الله علیه وآله وسلم) الإفطار إلی کراع الغمیم کالنص فی عدم جواز ذلک فی نفس المدینة أو قبل حد ترخصها.

ص:72


1- المستند: ج2 ص125 السطر 23
2- الوسائل: ج5 ص532 الباب 17 من أبواب صلاة المسافر ح8، وفی ج7 ص130 باب 4 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
3- الوسائل: ج7 ص125 الباب 4 من أبواب من یصح منه الصوم ح7

مسألة ٢ مستثنیات التلازم بین الصلاة والصوم

(مسألة 2): قد عرفت التلازم بین إتمام الصلاة والصوم وقصرها والإفطار، لکن یستثنی من ذلک موارد:

أحدها: الأماکن الأربعة، فإن المسافر یتخیر فیها بین القصر والتمام فی الصلاة، وفی الصوم یتعین الإفطار.

الثانی: ما مر من الخارج إلی السفر بعد الزوال فإنه یتعین علیه البقاء علی الصوم مع أنه یقصر فی الصلاة.

الثالث: ما مر من الراجع من سفره فإنه إن رجع بعد الزوال یجب علیه الإتمام مع أنه یتعین علیه الإفطار.

{مسألة 2: قد عرفت التلازم بین إتمام الصلاة والصوم وقصرها والإفطار، لکن یستثنی من ذلک} التلازم {موارد}.

{أحدها: الأماکن الأربعة} مکة والمدینة ومسجد الکوفة وحائر الحسین (علیه السلام) {فإن المسافر یتخیر فیها بین القصر والتمام فی الصلاة، وفی الصوم یتعین الإفطار} کما تقدم الکلام حول ذلک مفصلاً فی کتاب الصلاة.

{الثانی: ما مر من الخارج إلی السفر بعد الزوال، فإنه یتعین علیه البقاء علی الصوم مع أنه یقصر فی الصلاة} للجمع بین دلیل البقاء علی الصیام وأدلة القصر فی الصلاة، وأدلة التلازم لو لم تکن منصرفة عن هذه الصورة لزم تقییدها بما دل علی البقاء علی الصیام.

{الثالث: ما مرّ من الراجع من سفره، فإنه إن رجع بعد الزوال یجب علیه الإتمام، مع أنه یتعین علیه الإفطار}.

ص:73

الرابع: ما إذا رجع قبل الزوال وقد أفطر، فإنه یتعین علیه التمام مع تعین الإفطار علیه.

الخامس: فی الأسفار التی یجوز أو یجب علیه الصیام استثناءً، صوماً مندوباً، أو واجباً لکونه ثلاثة فی الحج أو ما أشبه مما تقدم، فإنه یصوم مع أنه یتعین علیه القصر.

ص:74

مسألة ٣ عدم جواز الإفطار إلا إلی حد الترخص

(مسألة 3): إذا خرج إلی السفر فی شهر رمضان، لا یجوز له الإفطار إلا بعد الوصول إلی حد الترخص، وقد مر سابقا وجوب الکفارة علیه إن أفطر قبله.

{مسألة 3: إذا خرج إلی السفر فی شهر رمضان، لا یجوز له الإفطار إلا بعد الوصول إلی حدّ الترخص، وقد مر سابقاً} فی المسألة الحادیة عشرة من فصل الکفارة {وجوب الکفارة علیه إن أفطر قبله} فراجع.

ص:75

مسألة ٤ السفر اختیا ا ر فی شهر رمضان

(مسألة 4): یجوز السفر اختیاراً فی شهر رمضان، بل ولو کان للفرار من الصوم کما مر

{مسألة 4: یجوز السفر اختیاراً فی شهر رمضان، بل ولو کان للفرار من الصوم کما مر} علی المشهور شهرة عظیمة، بل لم ینقل الخلاف إلا من الحلبی الذی قال بعدم جواز السفر فی شهر رمضان، ومن الإسکافی والعمانی حیث قالا بعدم جواز الإفطار فی سفر التلذذ والتنزه وأوجبا القضاء أیضاً.

ویدل علی المشهور جملة من الأخبار، کصحیح محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، عن الرجل یعرض له السفر فی شهر رمضان وهو مقیم وقد مضی منه أیام؟ فقال: «لا بأس بأن یسافر ویفطر ولا یصوم»((1)).

وصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یدخل شهر رمضان وهو مقیم لا یرید براحاً ثم یبدو له بعد ما یدخل شهر رمضان أن یسافر، فسکت فسألته غیر مرة، فقال (علیه السلام): «یقیم أفضل، إلاّ أن تکون له حاجة لا بد له من الخروج فیها أو یتخوف علی ماله»((2)).

وحسن حماد، قال: رجل من أصحابی قد جاءنی خبره من الأعوض وذلک فی شهر رمضان أتلقاه وأفطر؟ قال (علیه السلام): «نعم». قلت: أتلقاه وأفطر أو أقیم وأصوم؟ قال: «تلقاه وأفطر»((3)).

ص:76


1- الوسائل: ج7 ص129 الباب 3 من أبواب من یصح منه الصوم ح2
2- الوسائل: ج7 ص128 الباب 3 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
3- الکافی: ج4 ص129 باب من لا یجب له الإفطار... ح6

وخبر المقنع، قال: سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یخرج یشیع أخاه مسیرة یومین أو ثلاثة؟ فقال: «إن کان فی شهر رمضان فلیفطر»، قلت: أیهما أفضل یصوم أو یشیعه؟ قال: «یشیعه، إن اللّه قد وضع الصوم عنه إذا شیعه»((1)).

وخبر الدعائم، عن جعفر بن محمد (علیه السلام): «إنه کره لمن أهلّ شهر رمضان وهو حاضر أن یسافر فیه، إلاّ لما لا بدّ منه، ولا بأس أن یرجع إلی بیته من کان مسافراً فیه»((2)).

وبهذه الأخبار تحمل الأخبار المانعة علی الکراهة، کخبر أبی بصیر، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان، فقال: «لا إلا فیما أخبرک به، خروج إلی مکة أو غزو فی سبیل الله، أو مال تخاف هلاکه، أو أخ تخاف هلاکه، وأنه لیس أخاً من الأب والأم»((3)).

وفی روایة الکلینی: «أو أخ ترید وداعه»((4)).

وخبر الخصال، عن علی (علیه السلام) فی حدیث الأربعمائة،

ص:77


1- المقنع، الجوامع الفقهیة: ص17 فی کتاب الصوم السطر 10
2- الدعائم: ج1 ص276 فی ذکر الصوم فی السفر السطر 19
3- الوسائل: ج7 ص129 الباب 3 من أبواب من یصح منه الصوم ح3
4- الکافی: ج4 ص126 باب کراهیة السفر فی شهر رمضان ح1

قال (علیه السلام): «لیس للعبد أن یخرج فی سفر إذا حضر شهر رمضان، لقول الله عز وجل:﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ﴾((1))» ((2)).

أقول: لا یخفی عدم دلالة الآیة علی التحریم، لأن الظاهر کونها فی مقام التقسیم، وأن الحاضر حکمه الصیام، والمسافر حکمه الإفطار، مثل تقسیمها للصحیح مفهوماً والمریض منطوقاً.

وخبر علی بن أسباط، عن رجل، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا دخل شهر رمضان فللّه فیه شرط، قال الله تعالی:﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ﴾، فلیس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن یخرج إلاّ فی حج أو فی عمرة، أو مال یخاف تلفه، أو أخ یخاف هلاکه، ولیس له أن یخرج فی إتلاف مال أخیه، فإذا مضت لیلة ثلاث وعشرین فلیخرج حیث شاء»((3)).

وخبر أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: جعلت فداک، یدخل علیّ شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرنی نیة زیارة قبر أبی عبد الله (علیه السلام) فأزوره وأفطر ذاهباً وجائیاً، أو

ص:78


1- سورة البقرة: الآیة 185
2- الخصال: فی حدیث الأربعمائة ص614 السطر 6
3- الوسائل: ج7 ص129 الباب 3 من أبواب من یصح منه الصوم ح6

أقیم حتی أفطر، وأزوره بعد ما أفطر بیوم أو یومین، فقال له (علیه السلام): «أقم حتی تفطر»، فقلت له جعلت فداک فهو أفضل؟ قال: «نعم أما تقرأ فی کتاب الله:﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ﴾»((1)).

أقول: لکن هذه الروایة علی رأی المشهور أدل بقرینة ذیلها.

وخبر حسین بن مختار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «لا تخرج فی رمضان إلاّ للحج أو العمرة أو مال تخاف علیه الفوت أو لزرع یحین حصاده»((2)).

والرضوی: کان أبو عبد الله (علیه السلام) یقول: «إذا صام الرجل ثلاثاً وعشرین من شهر رمضان جاز له أن یذهب ویجیء فی أسفاره»((3)).

والعیاشی فی تفسیره، عن المصباح بن سبابة قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إن ابن أبی یعفور أمرنی أن أسألک عن مسائل، فقال: «وما هی». قال: یقول لک: إذا دخل شهر رمضان وأنا فی منزلی أ لی أن أسافر؟ قال (علیه السلام): «إن الله یقول: ﴿من

ص:79


1- الوسائل: ج7 ص130 الباب 3 من أبواب من یصح منه الصوم ح7
2- الوسائل: ج7 ص130 الباب 3 من أبواب من یصح منه الصوم ح8
3- المستدرک: ج1 ص567 الباب 3 من أبواب من یصح منه الصوم ح3

شهد منکم الشهر فلیصمه﴾ فمن دخل علیه شهر رمضان وهو فی أهله فلیس له أن یسافر إلاّ لحج أو عمرة أو فی طلب مال یخاف تلفه»((1)).

ثم الظاهر من هذه الأخبار أن السفر لحاجة دینیة أو دنیویة یرجح علی الصیام، وبدون ذلک یرجح الصیام علیه.

نعم ظاهر خبر أبی بصیر المتقدم فی زیارة الحسین (علیه السلام) ینافی ذلک، ولکن لا یبعد أن یکون للسائل خصوصیة أوجبت ذلک، لوضوح أفضلیة زیارة الحسین (علیه السلام) من العمرة المستحبة التی رجح فی الأخبار الخروج لها.

اللهم إلاّ أن یقال: إن الاستشهاد فی الخبر بالآیة الکریمة ینافی ذلک.

أو یقال: إن الحاجة لو کانت فوتیة کاستقبال الأخ ووداعه کان الأفضل السفر، وإن لم تکن فوتیة کالزیارة، فالأفضل الإقامة، ومن البعید جداً أن یکون مطلق الأسفار الراجحة أفضل إلاّ زیارة الحسین (علیه السلام).

وکیف کان، فأفضلیة الإقامة إنما هی إلی ما قبل الثالث والعشرین، أما بعده فلا، لخبری ابن أسباط والرضوی، وإن کان لا

ص:80


1- تفسیر العیاشی: ج1 ص80 ح186

وأما غیره من الواجب المعین فالأقوی عدم جوازه إلا مع الضرورة

یبعد کون الکراهة بعد ذلک أخف، لارتفاع أصل الکراهة، لما تقرر فی الأصول من عدم التقیید فی باب المستحبات والمکروهات، هذا کله فی شهر رمضان.

{وأما غیره من الواجب} غیر المعین، فالظاهر عدم قول من أحد بالکراهة، لعدم الدلیل، فالأصل جوازه بلا کراهة.

وأما الواجب {المعین فالأقوی عدم جوازه} لأن الحضر من شرائط الواجب، فیجب تحصیله {إلاّ مع الضرورة}.

أقول: فی المسألة احتمالات وأقوال:

الأول: جواز السفر مطلقاً، وعدم وجوب الإقامة إذا کان مسافراً، وهذا هو الذی أفتی به الجواهر والشیخ المرتضی والمجدد الشیرازی والمستمسک والجمال الکلبایکانی وغیرهم، من غیر فرق بین قضاء رمضان مضیق أو نذر معین أو کفارة أو غیرها.

الثانی: عدم الجواز مطلقاً، کما یظهر من جماعة منهم، کالحدائق والمستند وغیرهما فی مسألة جواز السفر فی صورة ضیق قضاء رمضان.

قال فی الحدائق: "فلو تمکن من القضاء وأخل به ثم عرض له سفر لا یتمکن معه من القضاء فی ذلک الوقت المعین فإن کان سفراً مباحاً أو مستحباً فلا إشکال فی وجوب تقدیم قضاء الصیام علیه"((1)

ص:81


1- الحدائق: ج13 ص306

انتهی. وأقره المستند علیه.

الثالث: التفصیل بین النذر فلا یلزم، وبین سائر الواجبات المعینة فیلزم الإقامة وعدم السفر، ولا یبعد قرب هذا القول.

استدل للقول الأول، بأمور:

الأول: الأصل.

الثانی: عدم الفرق بین رمضان وغیره فی جواز السفر، مع کون کل واحد منهما واجباً معیناً، فإذا جاز السفر فی شهر رمضان جاز فی غیره من سائر الصوم المعین.

وإن شئت قلت: إنه یفهم من جواز السفر فی شهر رمضان کون غیره أیضا کذلک.

الثالث: جملة من النصوص الواردة فی النذر بعد وحدة المناط.

واستدل للقول الثانی بما تقدم بأن الحضر من شرائط الواجب فیجب تحصیله، بعد رد الأصل بأنه لا مجال له بعد الدلیل، ورد عدم الفرق بأن رمضان خرج بالدلیل فالتعدی عنه یحتاج إلی القطع بالمناط ولا قطع، وروایات النذر بین ضعیفة الدلالة أو السند.

أما القول الثالث: فقد استدل لعدم جواز السفر فی غیر النذر، بما تقدم من أن الحضر شرط الواجب فیجب تحصیله، وبجوازه فی النذر بالنصوص، وضعف السند غیر ضار بعد وروده فی الکافی

ص:82

والتهذیب، کخبر ابن جندب، قال: سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عباد بن میمون وأنا حاضر، عن رجل جعل علی نفسه نذر صوم وأراد الخروج فی الحج، فقال عبد الله بن جندب: سمعت من زرارة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه سأله عن رجل جعل علی نفسه نذر صوم یصوم فمضی فیه فحضرته نیة فی زیارة أبی عبد الله (علیه السلام)، قال (علیه السلام): «یخرج ولا یصوم فی الطریق فإذا رجع قضی ذلک»((1)).

وروایة ابن مهزیار، قال: کتب بندار مولی إدریس: یا سیدی، نذرت أن أصوم کل یوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما یلزمنی من الکفارة، فکتب (علیه السلام) وقرأته: «لا تترکه إلاّ من علة، ولیس علیک صومه فی سفر ولا مرض»((2))، الحدیث.

فإن إطلاق الإمام (علیه السلام) جواز السفر دال علی عدم الضرورة فیه.

وخبر الصیقل، قال: کتبت إلیه: یا سیدی رجل نذر أن یصوم یوماً من الجمعة((3)) دائماً ما بقی فوافق ذلک الیوم یوم عید فطر أو

ص:83


1- الوسائل: ج7 ص140 الباب 10 من أبواب من یصح منه الصوم ح5
2- الوسائل: ج7 ص139 الباب 10 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
3- وفی نسخه: کل جمع

کما أنه لو کان مسافراً وجب علیه الإقامة لإتیانه مع الإمکان.

أضحی أو یوم جمعة أو أیام تشریق أو سفر أو مرض، هل علیه صوم ذلک الیوم قضاؤه أو کیف یصنع یا سیدی؟ فکتب (علیه السلام) إلیه: «قد وضع الله عنک الصیام فی هذه الأیام کلها، ویصوم یوماً بدل یوم إن شاء الله تعالی»((1)).

إلی غیرها من النصوص المذکورة فی الوسائل فی باب عدم جواز صوم النذر فی السفر.

وعلی هذا جاز السفر ولو اختیاراً، اللّهم إلاّ إذا کان النذر بالبقاء والصیام {کما أنه لو کان مسافراً وجب علیه الإقامة لإتیانه مع الإمکان} تحصیلاً لمقدمة الواجب.

ومما تقدم یظهر أیضاً عدم اطراد هذا الحکم فی النذر أیضاً.

ص:84


1- الوسائل: ج7 ص129 الباب 10 من أبواب من یصح منه الصوم ح2

مسألة ٥ کراهة السفر فی شهر رمضان

مسألة 5: الظاهر کراهة السفر فی شهر رمضان قبل أن یمضی ثلاثة وعشرون یوماً، إلا فی حج أو عمرة أو مال یخاف تلفه أو أخ یخاف هلاکه.

{مسألة 5: الظاهر کراهة السفر} الموجب للإفطار {فی شهر رمضان قبل أن یمضی ثلاثة وعشرون یوماً} لما تقدم فی المسألة المتقدمة {إلاّ فی حج أو عمرة أو مال یخاف تلفه أو أخ یخاف هلاکه} أو ما أشبه ذلک من الأمور الراجحة، دنیاً أو دیناً، علی التفصیل المتقدم.

ص:85

مسألة ٦ آداب المفطر الشرعی فی شهر رمضان

مسألة 6: یکره للمسافر فی شهر رمضان، بل کل من یجوز له الإفطار، التملی من الطعام والشراب، وکذا یکره له الجماع فی النهار

{مسألة 6: یکره للمسافر فی شهر رمضان، بل کل من یجوز له الإفطار، التملی من الطعام والشراب} علی المشهور.

{وکذا یکره له الجماع فی النهار}، ویدل علیه جملة من الروایات، أما ما دل علی کراهة التملی فهی صحیحة عبد الله بن سنان، عن الصادق أبی عبد الله (علیه السلام) وفی آخرها: «وإنی إذا سافرت فی شهر رمضان ما آکل إلاّ القوت وما أشرب کل الری»((1)).

وأما ما دل علی جواز الجماع، فجملة من النصوص التی منها خبر عمر بن یزید، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یسافر فی شهر رمضان أله أن یصیب من النساء؟ قال (علیه السلام): «نعم»((2)).

وخبر محمد بن سهل، عن أبیه، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن رجل أتی أهله فی شهر رمضان وهو مسافر؟ قال: «لا بأس»((3)).

ص:86


1- الوسائل: ج7 ص147 الباب 13 من أبواب من یصح منه الصوم ح5
2- الوسائل: ج7 ص146 الباب 13 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
3- الوسائل: ج7 ص146 الباب 13 من أبواب من یصح منه الصوم ح2

وخبر عبد الملک بن عتبة الهاشمی، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) یعنی موسی، عن الرجل یجامع أهله فی السفر وهو فی شهر رمضان؟ قال: «لا بأس به»((1)).

وخبر أبی العباس، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یسافر ومعه جاریة فی شهر رمضان هل یقع علیها؟ قال: «نعم»((2)).

وخبر داود بن الحصین، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یسافر فی شهر رمضان ومعه جاریة أیقع علیها؟ قال: «نعم»((3)).

وخبر علی بن الحکم، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الرجل یجامع أهله فی السفر فی شهر رمضان؟ فقال (علیه السلام): «لا بأس به»((4)).

ص:87


1- الوسائل: ج7 ص147 الباب 13 من أبواب من یصح منه الصوم ح3
2- الوسائل: ج7 ص147 الباب 13 من أبواب من یصح منه الصوم ح4
3- الوسائل: ج7 ص148 الباب 13 من أبواب من یصح منه الصوم ح7
4- الوسائل: ج7 ص148 الباب 13 من أبواب من یصح منه الصوم ح9

بل الأحوط ترکه وإن کان الأقوی جوازه.

وخبر محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یقدم من سفر بعد العصر فی شهر رمضان فیصیب امرأته حین طهرت من الحیض أیواقعها؟ قال: «لا بأس به»((1)).

وخبر الجعفریات، عن علی (علیه السلام) قال: «وإن هی اغتسلت من حیضتها وجاء زوجها من سفر فلیکف عن مجامعتها فهو أحب إلیّ إذا جاء فی شهر رمضان»((2)).

{بل الأحوط ترکه، وإن کان الأقوی جوازه} والاحتیاط بالترک وفاقاً للشیخ حیث أفتی بعدم الجواز مستدلاً بصحیحة ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یسافر فی شهر رمضان ومعه جاریة له أفله أن یصیب منهار بالنهار؟ فقال: «سبحان الله أما یعرف هذا حرمة شهر رمضان، إن له فی اللیل سبحاً طویلاً». قلت: ألیس له أن یأکل ویشرب ویقصر، قال: «إن الله تبارک وتعالی قد رخص للمسافر فی الإفطار والتقصیر رحمة وتخفیفاً لموضع التعب والنصب ووعث السفر، ولم یرخص له فی مجامعة النساء فی السفر بالنهار فی شهر رمضان، وأوجب علیه قضاء الصیام ولم یوجب علیه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره» ثم قال (علیه السلام): «والسنة لا تقاس»((3)).

ص:88


1- الوسائل: ج7 ص148 الباب 13 من أبواب من یصح منه الصوم ح10
2- الجعفریات : ص61 فی باب المرأة الحائض تطهر السطر 4
3- الوسائل: ج7 ص147 الباب 13 ح5

وخبره الآخر قال: سألته عن الرجل یأتی جاریته فی شهر رمضان بالنهار فی السفر؟ فقال: «ما عرف هذا حق شهر رمضان، إن له فی اللیل سبحاً طویلاً»((1)).

وخبر محمد بن مسلم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا سافر الرجل فی شهر رمضان فلا یقرب النساء بالنهار فی شهر رمضان فإن ذلک محرم علیه»((2)).

والمروی عن المقنع، قال: «إذا أفطر المسافر فلا بأس أن یأتی أهله أو جاریته إن شاء»((3)).

وقد روی فیه نهی، لکن اللازم حمل هذه الروایات علی الکراهة بقرینة الروایات السابقة، ولفظ المحرم یستعمل فی المکروه، بل قال فی المستند: إنه لو قطع النظر عن ذلک لوجب طرحها لشذوذها، وحیث إنه فهم من هذه الأخبار احترام الشهر تعدی الفقهاء من مورد الروایات الذی هو المسافر إلی کل من یجوز له الإفطار لکبر أو مرض أو غیر ذلک، بل وحتی الطفل قبل البلوغ فیما کانت له زوجة مثلاً، أما کراهة التملی بالنسبة إلیه محل إشکال.

ص:89


1- الوسائل: ج7 ص147 الباب 13 من أبواب من یصح منه الصوم ح6
2- الوسائل: ج7 ص148 الباب 13 من أبواب من یصح منه الصوم ح8
3- المقنع فی الجوامع الفقیهة: ص17 السطر 9 فی الصوم

أما التعدی عن الأکل والشراب والجماع إلی غیرها من المفطرات محل نظر، اللّهم إلاّ أن یفهم من الروایات حرمة للشهر تنافی حتی سائر المفطرات وهو بعید.

والظاهر عدم الفرق فی الجماع بین الفاعل والمفعول.

وهل یکره لغیر الصائم المکروهات؟ الظاهر العدم، توقفاً فی غیر مورد النص علی الأصل، فإن الکراهة قول بلا دلیل، وفهم الاحترام إلی هذا الحدّ خارج عن العرف الملقی إلیه الکلام.

بقی شیء، وهو أنه هل یجوز الإجهار بالإفطار فی شهر رمضان لمن کان له عذر، أم لا؟ احتمالان، والظاهر عدم الجواز إن کان موجباً للتجری وهتکاً لحرمة الله سبحانه، وعدم الجواز حینئذ بالعنوان الثانوی، وعلی الحاکم أن یسأل المفطر عن وجه إفطاره، لفعل علی (علیه السلام) بالنسبة إلی أولئک الذین أفطروا فی شهر رمضان، هذا بالإضافة إلی ما علم من الشرع من التعرض لفاعل المنکر ظاهراً، إلا إذا أتی بالمخرج، فإن من یشرب الخمر یتعرض له، واحتمال الحمل علی الصحة فی فاعل ما ظاهره المنکر خلاف الطریقة الشرعیة، فإن من جامع أجنبیة یجب ردعه، إلا إذا علم بأنه لشبهة أو اضطرار مثلاً، وکذا من یرید بیع الوقف أو یترک الصلاة أو ما أشبه.

وعلی هذا، فاللازم التعرض لمن یفطر فی شهر رمضان، سواء کان بالأکل والشرب أو الارتماس ونحوه، إلا أن یأتی بالمخرج، ولا یبعد قبول قوله إذا لم یعلم الخلاف.

ومما تقدم یعلم أنه لا یجوز فتح

ص:90

المقاهی والمطاعم وما أشبه فی شهر رمضان، ولو کان للمسافرین حقیقةً فیما إذا کان هتکاً لحرمة شهر رمضان، أو کان موجباً لتجری الناس علی المعصیة.

ثم إنه هل یجوز أن یکسر الناهی عن المنکر ظروف الطعام أو یسبب ضرراً آخر، بدنیاً أو مالیاً، بالنسبة إلی من هتک الحرمة، الظاهر الجواز بما یراه الحاکم الشرعی، أو المسلم العارف صلاحاً، لأنه من النهی عن المنکر، وقد ذکروا فی باب النهی أنه جائز ولو کان بالضرب والجرح، اللّهم إلا القتل أو الجراح الکثیرة وما أشبه من تلف العضو وشبهه.

أما تلف المال فربما یقال بعدم الجواز والضمان، لقاعدة (علی الید)، وفیه: إن أدلة النهی عن المنکر شاملة له، علی ما یستفاد من إطلاقها عرفاً، وإذا جاز شرعاً فلا ضمان، للتلازم العرفی بین الأمرین، إلا فیما خرج، کأکل مال الناس عند المخصمة.

وربما یؤید الجواز، بل یدل علیه أمر النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) بقلع نخلة سمرة، مع أنه کان موجباً لنقص قیمتها((1))، وکون الحکم فی ذلک من باب الولایة المطلقة خلاف الظاهر من أدلة التأسی.

ویؤیده أیضاً ما دل علی إراقة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قدر من کان

ص:91


1- الکافی: ج5 ص292 باب الضرار ح2

یطبخ لحم الحمار، کما هو مذکور فی کتاب الأطعمة((1))، بل والأولویة، فإنه إذا لم یضمن الناهی الجراح لم یضمن المال بطریق أولی، فتأمل.

ص:92


1- الکافی: ج6 ص243 باب جامع فی الدواب ح1

فصل فی موارد الإفطار

الأول والثانی: الشیخ والشیخة

فصل

وردت الرخصة فی إفطار شهر رمضان لأشخاص، بل قد یجب.

الأول والثانی: الشیخ والشیخة إذا تعذر علیهما الصوم أو کان حرجاً ومشقة فیجوز لهما الإفطار

{فصل}

{وردت الرخصة فی إفطار شهر رمضان لأشخاص} فیجوز لهم الصیام والإفطار {بل قد یجب} الإفطار علیهم.

{الأول والثانی: الشیخ والشیخة} وهما الرجل الکبیر السن والمرأة کذلک {إذا تعذر علیهما الصوم} بأن لم یقدرا أصلاً، ومعنی الرخصة هنا أنه لا یجب علیهما الصوم، ولو کان فی ذلک تلفهما، إذ السقوط امتنان حتی علی من تعذر، فإن للشارع أن یأمر بالصیام ولو بلغ التلف {أو کان حرجاً ومشقةً فیجوز لهما الإفطار} جوازاً فی مقابل وجوب الصیام فیشمل حرمة الصیام أیضاً.

أما موضوع الشیخ والشیخة، فالظاهر اشتراط کبر السنّ والضعف فی هذا الموضوع، فوجود أحدهما دون الآخر غیر کاف فی

ص:93

صدق الشیخ والشیخة هنا، ولیس السن وحده معیاراً، کما فی اللغة. فإن اللغة تخصص اسمها بسن خاص کتخصیصها لفظ الطفل والیافع والکهل وما أشبه بأسنان خاصة.

وذلک لما تقرر فی محله من أنه إذا دار الأمر بین اللغة أو العرف العام قدم الثانی علی الأول، لأنه لسان القوم الذی ما أرسل رسول إلا بلسانه، ولو شک فی أن العرف العام سابقاً فی زمان صدور الروایات کان کالآن کانت أصالة عدم النقل محکمة.

وعلی هذا فالشاب ونحوه إذا ضعف عن الصوم لم یدخل فی هذا الحکم وإن جاز له الإفطار إذا بلغ ضعفه حدّ التعذر أو التعسر، والشیخ إذا قوی علی الصیام لم یجز له الإفطار، هذا بالإضافة إلی فهم المناسبة بین الحکم والموضوع وظهور بعض الأخبار الآتیة فی ذلک.

وأما حکمها فلا إشکال فی جواز الإفطار أو وجوبه علیهما، بل دعاوی الإجماع علیه متواترة، بل لا یبعد أن یکون من الضروریات.

ویدل علیه من الکتاب، قوله سبحانه: ﴿لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾((1))، وقوله تعالی: ﴿ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ﴾((2))، بل وآیة: ﴿وَعَلَی الَّذینَ یُطیقُونَهُ﴾((3)) بناءً تفسیره فی الروایات بالشیخ ونحوه.

ص:94


1- سورة البقرة: الآیة 286
2- سورة الحج: الآیة 78
3- سورة البقرة: الآیة 184

ومن السنة أخبار متواترة، کصحیحة محمد فی قول الله تعالی:﴿وَعَلَی الَّذینَ یُطیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْکینٍ﴾ قال: «الشیخ الکبیر والذی یأخذه العطاش»((1)).

وموثقة ابن بکیر، فی قوله الله تعالی: ﴿وعلی الذین یطیقونه﴾ قال: «الذین کانوا یطیقون الصیام وأصابهم کبر أو عطاش أو شبه ذلک، فعلیهم لکل یوم مدّ»((2)).

والمروی عن تفسیر العیاشی، فی قول الله عز وجل ﴿وعلی الذین یطیقونه) إلی آخره، قال: «هو الشیخ الکبیر الذی لا یستطیع، والمریض»((3)).

وفیه أیضا فی قوله تعالی: ﴿وعلی الذین یطیقونه﴾ قال: «المرأة تخاف علی ولدها والشیخ الکبیر»((4)).

ولا یخفی أن المراد بالآیة ﴿الذین کانوا یطیقونه﴾ إما حذف

ص:95


1- الوسائل: ج7 ص150 الباب 15 من أبواب من یصح منه الصوم ح3
2- الوسائل: ج7 ص151 الباب 15 من أبواب من یصح منه الصوم ح6
3- تفسیر العیاشی: ج1 ص78 ح177
4- تفسیر العیاشی: ج1 ص79 ح180

لفظة "لا" أی الذین لا یطیقونه، أو المراد أن الصوم منتهی طاقتهم، فإن التکالیف وضعت دون الطاقة، وبالشاهد من بعض الأخبار من التفسیر تارة هکذا وتارة هکذا، فإن المراد بها نتیجة المعنی، کما هو کثیر فی المحاورة، فلا یستشکل بأنه کیف یمکن إرادة معنیین متنافیین من الآیة.

وصحیحة محمد: «الشیخ الکبیر والذی به العطاش لا حرج علیهما أن یفطرا فی شهر رمضان، ویتصدق کل واحد منهما فی کل یوم بمدّ من طعام ولا قضاء علیهما، فإن لم یقدرا فلا شیء علیهما»((1)).

وصحیحته الأخری مثلها، إلا أنه قال: «بمدین من طعام».

وصحیحة ابن سنان، عن رجل کبیر ضعف عن صوم شهر رمضان؟ قال: «یتصدق عن کل یوم بما یجزی من طعام مسکین»((2)).

وصحیحة الهاشمی، عن الشیخ الکبیر والعجوز الکبیر التی تضعف عن الصوم فی شهر رمضان؟ قال: «تصدق کل یوم بمدّ من حنطة»((3)).

ص:96


1- الوسائل: ج7 ص149 الباب 15 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
2- الوسائل: ج7 ص151 الباب 15 من أبواب من یصح منه الصوم ح5
3- الوسائل: ج7 ص150 الباب 15 من أبواب من یصح منه الصوم ح4

والرضوی: قال: «وإذا لم یتهیأ للشیخ أو الشاب المعلول أو المرأة الحامل أن یصوم من العطش أو الجوع وخافت أن تضر بولدها فعلیهم جمیعاً الإفطار، وتصدق عن کل واحد لکل یوم بمدّ من طعام ولیس علیه القضاء»((1)).

وروایة الکرخی: «رجل شیخ لا یستطیع القیام إلی الخلاء» إلی أن قال: قلت فالصیام؟ قال (علیه السلام): «إذا کان فی ذلک الحد فقد وضع الله عنه، فإن کانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل کل یوم أحب إلی، وإن لم یکن له یسار ذلک فلا شیء علیه»((2)).

والدعائم، عن علی (علیه السلام) قال: «لما أنزل الله عز وجل فریضة شهر رمضان وأنزل﴿وَعَلَی الَّذینَ یُطیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْکینٍ﴾، أتی إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) شیخ کبیر یتوکأ بین رجلین، فقال: یا رسول الله هذا شهر مفروض ولا أطیق الصیام؟ فقال: اذهب فکل وأطعم عن کل یوم نصف صاع، وإن قدرت أن تصوم الیوم والیومین وما قدرت فصم»((3)).

إلی غیر ذلک من الروایات.

ص:97


1- فقه الرضا: ص25 باب من یصح منه الصوم سطر 28
2- الوسائل: ج7 ص151 الباب 15 من أبواب من یصح منه الصوم ح10
3- الدعائم: ج1 ص278 باب ذکر الفطر للعلل العارضة

لکن یجب علیهما فی صورة المشقة بل فی صورة التعذر أیضاً التکفیر بدل کل یوم بمد من طعام

کما یدل علی الحکم الروایات العامة الرافعة للضرر والحرج وما أشبه.

ثم إنهم اختلفوا فی أصل وجوب الفدیة وفی مقدارها وفی وجوب القضاء إذا أطاقا.

أما الأول: فقد قال المصنف (رحمه الله): {لکن یجب علیهما فی صورة المشقة، بل فی صورة التعذر أیضاً التکفیر بدل کل یوم بمد من طعام}، وأصل وجوب الفدیة فی الجملة هو المشهور، بل فی المستند الإجماع علیه.

لکن ذکر المامقانی وغیره خلاف أبی الصلاح حکایة عن المختلف، وأنه قال بالاستحباب مطلقاً.

ثم القائلون بالوجوب اختلفوا فی أنه هل تجب الفدیة مطلقاً، ولو کان الصیام متعذراً، أم لا تجب إلا فی صورة التعسر، ذهب إلی الأول الصدوقان والقدیمان، والنهایة والمبسوط والاقتصاد والقاضی والجامع والشرائع والنافع والإرشاد والقواعد والمنتهی والتلخیص والتبصرة والدروس واللمعة والمهذب وغیرها.

وإلی الثانی: المفید والسید والدیلمی والحلی والحلبی وابن زهرة والمختلف والروضة والمسالک والمحقق الثانی وغیرهم.

بل عن المنتهی والتذکرة أنه مذهب الأکثر، وعن

ص:98

الانتصار الإجماع علیه، وعن الغنیة نفی الخلاف فیه.

فتحصل فی المقام أقوال ثلاثة:

أما أبو الصلاح، فیستدل لعدم الوجوب بالأصل، وأن التکلیف بالصیام لا یکون إلا للقادر الذی یتیسر له، فکیف تجب الفدیة التی هی بدل الصیام علی من لا یجب علیه الصیام، وبهذه القرینة تحمل أخبار الفدیة علی الاستحباب، وربما یؤیده روایة الکرخی.

لکن فی الجمیع ما لا یخفی بعد الآیة والنصوص الصریحة الصحیحة، وإنما الکلام فی قولی المشهور.

فالقائل بالوجوب مطلقاً استدل بصحیحة عبد الملک، وصحیحة الحلی، وصحیحة محمد بن مسلم الأولی والثانیة، وروایتی أبی بصیر، إلی غیرها من المطلقات الشاملة لصورتی التعذر والتعسر.

والقائل بعدم الوجوب فی صورة التعذر استدل بالإجماع المدعی فی کلامی السید المرتضی وابن زهرة، علی التفصیل بین التعذر والتعسر، وبالأصل، وبمفهوم الآیة الکریمة، لأن الظاهر منها أن الذین یطیقون الصوم هم الذین یجب علیهم إطعام مسکین، فمن لم یطقه فلا شیء علیه، وبروایة الکرخی بعد منع الإطلاقات لانصرافها إلی صورة التعسر.

لکن الإنصاف أن الإجماع مخدوش کبریً وصغریً، والأصل لا مجال له بعد الدلیل، ومفهوم الآیة یتم إذا لم یکن خبر مفسر لها

ص:99

والأحوط مدان

ب_ «کانوا یطیقون» وإلا فهی مجملة، وروایة الکرخی ضعیفة، وجبرها بما ذکر _ کما فی المستند _ غیر معلوم، ولا وجه لمنع الإطلاقات، بل بعض الروایات صریحة لصورة التعذر، فقول المصنف إن لم یکن أقوی فلا ریب أنه أحوط.

ثم إن بعض الفقهاء أفتوا بمضمون روایة أبی بصیر استحباباً، ولا بأس بذلک، قال: عن أبی عبد الله (علیه السلام) قلت له: الشیخ الکبیر لا یقدر أن یصوم؟ فقال: «یصوم عنه بعض ولده»، قلت: فإن لم یکن له ولد، قال: «فأدنی قرابته». قلت: فإن لم یکن له قرابة، قال: «یتصدق بمدّ فی کل یوم، فإن لم یکن عنده شیء فلا شیء علیه»((1)).

کما أن الظاهر أنه لو کان عاجزاً عن الفدیة فهی ساقطة عنه، لروایة أبی بصیر والکرخی وغیرهما مما تقدم، ولا یبعد أن یکون المیزان للعجز نفس السنة لا إلی آخر العمر، لأنه المنصرف من الإطلاق، وإلا کان اللازم الاستفصال فی أنه هل یصیر قادراً إلی آخر العمر أم لا.

{والأحوط} بل الأفضل {مدان} بل فی المستند وغیره عدم الخلاف فی أن الفدیة مد فقط، وإنما یستحب المدان لروایة محمد بن مسلم المتقدمة، وکأنّ المصنف إنما احتاط للخروج عن خلاف الشیخ

ص:100


1- الوسائل: ج7 ص152 الباب 15 من أبواب من یصح منه الصوم ح11

والأفضل کونها من حنطة

الذی حمل المدین علی تفاوت مراتب القدرة، لکن لا یخفی ما فی کلام الشیخ، إذ لا شاهد لهذا الجمع، مضافاً إلی أنه علی تقدیر الصحة فلا وجه لإطلاق المصنف بالاحتیاط.

اللهم إلا أن یقال: إن روایة المدین تقید مفهوم روایة المدّ، کما أن روایة کون الکذب مفطراً مثلا تقید مفهوم ما دل علی أن المفطر ثلاثة أشیاء فقط.

ولکن لا یخفی ما فیه، فالظاهر أنه لا وجه للاحتیاط حتی الاستحبابی منه، بل اللازم القول بالأفضلیة، وروایة نصف صاع لا عامل لها، ولا بأس بحملها علی مراتب الاستحباب.

{والأفضل کونها من حنطة} کما هو المشهور، لحمل خبر الهاشمی المتضمن للحنطة علی الأفضل، بعد قوة الإطلاقات، واحتمال جریان قاعدة المطلق والمقید غیر تام، إذ القاعدة إنما تجری فی صورة التنافی بین الخیرین بالإثبات والنفی أو الإجماع أو شبهه من القرائن الخارجیة، ولا شیء منها فی المقام، لأن الدلیلین مثبتان فاحتمال وجوب الحنطة لا وجه له، بل ربما یقال: بعدم الأفضلیة، لاحتمال کونه من باب المصداق لا أن له خصوصیة.

والظاهر أن الدقیق والطحین والعجین والخبز له هذا الحکم، لإطلاق الطعام علی الکل.

أما المال ففیه إشکال من جهة عدم صدق الطعام، ومن احتمال تساوی الباب لباب الزکاة بعد فهم وحدة المناط.

أما المدوراة المتداولة فی هذه الأزمنة فالظاهر الکراهة، لما ورد فی روایات

ص:101

والأقوی وجوب القضاء علیهما لو تمکنا بعد ذلک.

الزکاة من کراهة أخذ ما أعطی للفقیر. اللّهم إلا أن یقال بأن البابین لا ربط لأحدهما بالآخر.

{والأقوی} عند المصنف {وجوب القضاء علیهما لو تمکنا بعد ذلک} کما حکی عن المشهور، للإطلاقات المتقدمة، ولما دل علی أن الله سبحانه أراد فی السنة صیام شهر، فإن تمکن فی رمضان فهو وإلا ففی غیره.

خلافاً لوالد الصدوق وبعض آخر من المتقدمین، وهو ظاهر المحکی عن النافع والمدارک وغیر واحد من المتأخرین، وهو الذی اختاره المستند وغیره، وهذا القول هو الأقرب، لصحیحة محمد بن مسلم، والرضوی، وروایة داود بن فرقد: «إن کان من مرض فإذا برئ فلیقضه، وإن کان من کبر أو عطش فبدل کل یوم مدّ»((1))، ولا یخفی إباء هذه الروایات عن التأویل الموجب لتحکیم أدلة القضاء علیها.

ثم الظاهر الاستحباب أو الوجوب إنما هو فیما إذا تمکن فی نفس السنة لا بعد ذلک، لانصراف الإطلاقات إلیه، بالإضافة إلی ما علم من الخارج من تحدید الصوم بالسنة.

ولا یخفی أن الشیخ والشیخة إنما أبیح لهما الإفطار فی صورة التعسر، لا أنه یجب علیهما، اللهم إلا إذا کان ضاراً ضرراً بالغاً، کما تقدم فی المرض، وظاهر الأدلة المتقدمة هو الرخصة لا العزیمة، ولذا ورد فی روایة الدعائم

ص:102


1- الوسائل: ج7 ص316 الباب 10 من أبواب الصوم المندوب ح1

الثالث: من به داء العطش فإنه یفطر، سواء کان

«وإن قدرت أن تصوم الیوم والیومین» إلی آخره.

ثم إنه لو اجتمع الشیخوخة والمرض کان الحکم لأضعفهما حکماً، مثلاً لو کان اللازم علی المریض القضاء مع البرء دون الشیخ إذا قوی، کان الحکم للشیخوخة، لشمول إطلاق الشیخ له، ودلیل الأضعف یمنع دلیل الأقوی.

الثالث: من به داء العطش

{الثالث} ممن وردت الرخصة له لإفطار شهر رمضان: {من به داء العطش} ویسمی ذو العطاش {فإنه یفطر} بلا إشکال ولا خلاف، بل دعوی الإجماع علیه مستفیضة، ویدل علیه جملة من النصوص، کصحیحتی محمد بن مسلم المتقدمتین فی الشیخ.

وعن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی قول الله عز وجل: ﴿وعلی الذین یطیقونه فدیة طعام مساکین﴾ قال: «الشیخ الکبیر والذی یأخذه العطاش»((1)).

وعن ابن بکیر، عن بعض أصحابنا، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی قول الله عز وجل: ﴿وعلی الذین یطیقونه فدیة طعام مساکین﴾، قال (علیه السلام): «الذین کانوا یطیقونه الصوم وأصابهم کبر أو عطاش أو شبه ذلک فعلیهم لکل یوم مدّ»((2)).

ص:103


1- الوسائل: ج7 ص150 الباب 15 من أبواب من یصح الصوم ح3
2- الوسائل: ج7 ص151 الباب 15 من أبواب من یصح الصوم ح6

بحیث لا یقدر علی الصبر أو کان فیه مشقة ویجب علیه التصدق بمد

وعن الدعائم، عن علی (علیه السلام) قال: «أتی إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) صاحب عطش فقال: یا رسول الله هذا شهر مفروض ولا أصبر عن الماء ساعة إلا تخوفت الهلاک، قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «انطلق فافطر وإذا أطقت فصم»((1)).

وعن العیاشی فی تفسیره، عن الباقر (علیه السلام) فی الآیة المتقدمة، قال (علیه السلام): «الشیخ الکبیر والذی یأخذه العطاشQ((2)).

وعن السیاری، عن أبی الحسن (علیه السلام) فی الآیة المتقدمة، قال: «الشیخ الفانی والمعطوش والصبی الذی لا یقوی علی السحور، ویطعم مسکیناً مکان کل یوم»((3)).

{سواء کان بحیث لا یقدر علی الصبر} علی الصیام {أو کان فیه مشقة} کما صرح به غیر واحد، وذلک لإطلاق الأدلة المتقدمة، بالإضافة إلی الأدلة العامة کدلیل الحرج والضرر وما أشبه، {ویجب علیه التصدق بمدّ} کما هو المشهور.

ص:104


1- الدعائم: ج11 ص279 من باب ذکر الفطر للعل العارضة سطر 8
2- تفسیر العیاشی: ج1 ص78 ح176
3- مستدرک الوسائل: ج1 ص568 الباب 11 من أبواب من یصح الصوم ح5

والأحوط مدان من غیر فرق بین ما إذا کان مرجو الزوال أم لا

ویدل علیه الروایات المتقدمة، {والأحوط مدان} کما عن الشیخ بصحیحة ابن مسلم الثانیة، لکن اللازم حمله علی الاستحباب للروایات الأخر، والقول بلزوم تقیید سائر الروایات بهذه الصحیحة، لأن المفهوم من تلک عدم وجوب الزائد علی التحدید المذکور، وهذا المفهوم یقید بما دل علی وجوب المدّ الثانی، کما یقید مفهوم «إنما یفطر الصائم ثلاث» بما دلّ علی مفطریة الحقنة مثلاً، مدفوع بأن دلالة الروایات علی کفایة المدّ أقوی من دلالة الصحیحة علی وجوب المدین، فالقول بالاستحباب أقرب من کونه احتیاطاً، مضافاً إلی احتمال کون الروایتین واحدة، فالشک فی الزیادة علی المدّ مجری أصالة العدم.

هذا، ثم إنه یدل علی لزوم الفدیة بمد أیضاً ما دل علی استمرار المرض إلی الرمضان الثانی فیما دام العطاش إلیه {من غیر فرق} فی وجوب الفدیة {بین ما إذا کان مرجو الزوال أم لا} لإطلاق النص والفتوی، خلافاً للعلامة فی جملة من کتبه وجامع المقاصد حیث فصلا بین مرجو الزوال بعدم الفدیة وبین غیره بالفدیة.

استدلوا للأول: بالأصل، وکونه من أقسام المریض الذی لا کفارة علیه، والإطلاقات المتقدمة حجة علیهم، ومثله احتمال أنه إذا برئ وصام بین رمضانین فلا کفارة علیه، لأنه لا یکون أسوأ حالاً

ص:105

والأحوط بل الأقوی وجوب القضاء علیه إذا تمکن بعد ذلک

من المریض، بل المستفاد من النص والفتوی جعل حکم تخفیفی علیه امتناناً عما یناب عدم الکفارة علیه، وفیه: منعه بالإطلاق.

{والأحوط بل الأقوی وجوب القضاء علیه إذا تمکن بعد ذلک} بین الرمضانین، قال فی المستمسک: کما هو المشهور ظاهراً ((1))، وقال فی المستند بلا خلاف، کما عن ظاهر المختلف وصریح الحلّی((2))، انتهی.

وکذلک ظاهر الریاض عدم الخلاف فیه، خلافاً لمناقشة المدارک، قال فی المستند ومال بعض متأخری المتأخرین إلی السقوط، وقواه المستمسک، بل نسب هذا المقامانی إلی الشیخ وسلار فی الجملة، فراجع.

وکیف کان، فقد استدل المشهور بأن العطاش مرض إذا برئ أوجب القضاء، للأدلة الدالة علی ذلک التی منها قوله سبحانه:﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ﴾((3)).

وحجة القول الثانی فی صحیحتی ابن مسلم، وأجاب عنها الریاض والمستند وغیرهما بوجود العموم من وجه بین الدلیلین، إذ أدلة المشهور بالنسبة إلی انقطاع المرض واستمراره خاص، وبالإضافة إلی المرض عام، والصحیح بالنسبة إلی حصول

ص:106


1- المستمسک: ج8 ص390
2- المستند: ج2 ص127 سطر 33
3- سورة البقرة: الآیة 185

کما أن الأحوط أن یقتصر علی مقدار الضرورة.

المرض خاص، وبالنسبة إلی الانقطاع والاستمرار عام، فیقع التعارض، والترجیح لأدلة المشهور لموافقة الکتاب والشهرة القطعیة.

توضیحه: إن ما دل علی لزوم القضاء إذا برئ مرضه بین رمضانین، خاص من جهة البرء بین رمضانین، عام من جهة شموله العطاش وغیره، والصحیح خاص من جهة کونه فی ذی العطاش فقط، عام من جهة البرء بین رمضانین أو استمرار المرض، ففی صورة العطاش الذی برئ بین رمضانین یقع التعارض.

والجواب: عدم تسلیم أن دلیل المشهور خاص من جهة البرء بین رمضانین، إذ دلیلهم عام وإنما أفید الخصوصیة من دلیل آخر، فهنا دلیل عام شامل لذی العطاش وغیره، ولمن برئ بین رمضانین وغیره، والصحیح خاص بصورة العطاش، فاللازم تقدیم الثانی علی الأول، لتحقق العموم المطلق بینهما.

فالأقرب عدم وجوب القضاء، ویؤیده وجود الفدیة الظاهر منها کونها بدلاً عن الصوم کبدلیة القضاء عنه، بل ما تقدم من أنه لو وجب القضاء والفدیة لزم أن یکون ذو العطاش أسوأ حالاً من المریض، مع أن ظاهر الأدلة کون الحکم امتناناً علیه.

{کما أن الأحوط یقتصر} فی شربه الماء {علی مقدار الضرورة} کما نسب إلی القیل، ولم أجده إلا من عنوان الوسائل للباب، وإلا فالمشهور بل لم نجد مخالفاً علی جواز الشرب، لإطلاق الأدلة

ص:107

المتقدمة، ولما تحقق فی محله من أن الصوم لا یتبعض.

أما مستند القیل فهی روایة عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی الرجل یصیبه العطش حتی یخاف علی نفسه؟ قال (علیه السلام): «یشرب بقدر ما یمسک به رمقه ولا یشرب حتی یروی»((1)).

وروایة المفضل، عن الصادق (علیه السلام): إن لنا فتیاناً وبنات لا یقدرون علی الصیام من شدة ما یصیبهم من العطش؟ قال (علیه السلام): «فلیشربوا بمقدار ما تروی نفوسهم وما یحذرون»((2)).

بناءً علی فهم عدم الخصوصیة من هذه الروایات بین ذی العطاش، وبین من یصیبه العطش الشدید، وإلا فالظاهر أن الحکم فیهما علی غیر ذی العطاش، ولو لا إعراض المشهور عنهما والخلل فی السند فی الجملة لزم القول بهما فی موردهما، لأن الإطلاق لا یقاوم المقید، وکون الصوم لا یتبعض استنباط من الاستقراء الناقص، فتأمل.

اللهم إلا أن یقال: بتنافی هذه الروایة لأدلة ذی العطاش تنافیاً عرفیاً، مما یوجب حملها علی الاستحباب.

ص:108


1- الوسائل: ج7 ص152 الباب 16 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
2- الوسائل: ج7 ص153 الباب 16 من أبواب من یصح منه الصوم ح2

الرابع: الحامل المقرب التی یضرها الصوم أو یضر حملها فتفطر

ثم الظاهر أن الحکم خاص بالماء، أما الطعام وما أشبه فلا قائل باستحباب الاقتصار علی مقدار الضرورة فی صورة الاضطرار إلی المفطر فی الجملة.

وقد تقدم الکلام فی ذلک فی فصل إنما یفطر إذا وقع عن عمد.

الرابع: الحامل المقرب

{الرابع} ممن وردت الرخصة فی إفطاره: {الحامل المقرب التی یضرها الصوم أو یضر حملها} بلا خلاف ولا إشکال، بل إجماعاً کما فی المستند والجواهر وغیرهما، لدلیل نفی الحرج والضرر، {فتفطر} لصحیحة محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) یقول: «الحامل المقرب والمرضعة القلیلة اللبن لا حرج علیهما أن تفطرا فی شهر رمضان، لأنهما لا تطیقان الصوم، وعلیهما أن تتصدق کل واحدة منهما فی کل یوم تفطر فیه بمدّ من طعام، وعلیهما قضاء کل یوم أفطرتا فیه تقضیانه بعد»((1)).

وخبر الدعائم، عن علی (علیه السلام) فی حدیث قال: «وأتت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأتته امرأة، فقالت: یا رسول الله إنی امرأة حبلی وهذا شهر رمضان مفروض وأنا أخاف علی ما فی بطنی إن صمت، فقال لها: انطلقی فأفطری وإن أطقت فصومی».

ص:109


1- الوسائل: ج7 ص153 الباب 17 من أبواب من یصح منه الصوم ح1

وأتته امرأة ترضع فقالت یا رسول الله: هذا شهر مفروض وإن صمته خفت أن ینقطع لبنی فیهلک ولدی؟ فقال لها (صلی الله علیه وآله وسلم): «انطلقی فأفطری وإذا أطقت فصومی»((1)).

والرضوی: «وإذا لم یتهیأ للشیخ أو الشاب المعلول أو المرأة الحامل أن یصوم من العطش والجوع، أو خافت أن تضر لولدها، فعلیهم جمیعاً الإفطار، ویتصدق عن کل واحد لکل یوم بمدّ من طعام ولیس علیه القضاء»((2)).

وعن رفاعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی قوله تعالی: ﴿وعلی الذین یطیقونه فدیة طعام مساکین﴾ قال: «المرأة تخاف علی ولدها، والشیخ الکبیر»((3)).

وکیف کان، فلا إشکال فی أصل الحکم، ویقع الکلام فی أمور:

الأول: المراد بالمقرب علی الظاهر من یسمی فی العرف بذلک، ویتحقق فیمن دخلت فی التاسعة من أشهر الحمل، لکن الظاهر المستفاد من مناسبة الحکم والموضوع، بل الإستفادات والدلالة فی

ص:110


1- الدعائم: ج1 ص279 باب فی ذکر الفطر للعلل العارضة سطر 3
2- فقه الرضا: ص25 سطر 28
3- الوسائل: ج7 ص151 الباب 15 من أبواب من یصح منه الصوم ح8

الروایات، وصریح جملة من الفتاوی أن المعیار شیئان: الحمل والضرر، فالحامل المقرب التی لا یضرها الصوم یجب علیها الصیام، والحامل غیر المقرب التی یضرها الصیام تفطر، وإنما قید بالقرب لغلبة الضرر فی مثلها.

الثانی: یکفی الخوف فی الإفطار، فلا یلزم العلم بالضرر، کما صرح به فی بعض النصوص، وکما تقدم وجهه فی المرض، ثم إن خافت وأفطرت ثم تبین عدم الضرر کان علیها القضاء فقط، ولو لم تفطر وبعد ذلک تبین الضرر فإن کان مما یحرم فیه الصوم کان اللازم القضاء، وإلاّ صح صومها.

الثالث: الظاهر أن المراد بالخوف علی نفسها أو علی الولد أن یکون بحیث تمرض أو یمرض الولد أو یضعف أو تنزف الدم أو ما أشبه مما صح أن یقال: إنها خائفة من الضرر، والضرر عرفی فلیس له میزان خاص وقدر مخصوص.

الرابع: لا إشکال فی أنها إذا خافت أفطرت، أما إذا لم تخف بأن قطعت بعدم الضرر، لکن الطبیب الحاذق أو أقرباءها خافوا علیها، فهل تفطر أم لا، الظاهر عدم الإفطار فی صورة قطعها بعدم الضرر، أما فی صورة عدم خوفها فقط فلا یبعد الإفطار، لأن الحکم دائر مدار الواقع المنکشف بخوفها أو خوف أهل الخبرة.

الخامس: الحرج فی حکم الضرر فی تجویز الإفطار لإطلاق النص

ص:111

والفتوی وتصریح غیر واحد بذلک.

السادس: لا فرق فی الضرر بین ضرر نفسها أو ضرر ولدها.

السابع: الظاهر أن الضرر لو کان ضرراً بالغاً لم یجز الصیام، ولو صامت بطل صومها، ولو کان ضرراً غیر بالغ جاز الإفطار کما جاز الصیام، ویدل علیه _ قبل کون الحکم امتنانیاً المقتضی للجواز کما تقدم فی المرض _ ما صرح فیه بجواز الصیام والإفطار فی الأدلة المتقدمة.

الثامن: الظاهر أن الحکم فی الحمل حکم اختیاری لا اضطراری، فیجوز للمرأة إحبال نفسها بما تعلم أنه یضرها الصوم، فلا یجب علیها المنع عن الحبل إبقاءً للقدرة علی الصیام، وذلک لإطلاق الأدلة، وعدم فهم أن الموضوع من قبیل الاضطرار الذی لا یجوز للمکلف إلقاء نفسه فیه، فالموضوع من قبیل السفر لا من قبیل المرض.

التاسع: هل یجوز التحصن ضد الضرر لو تمکنت من ذلک بشرب المقوی وتزریق الإبرة وما أشبه أم لا؟ احتمالان، من أن الحکم حکم ضرری ومع التمکن من التحصن لا یتحقق الموضوع، فهو من قبیل أن لا یتسحر حتی لا یقدر علی الصیام، ومن صدق الموضوع، لکن الظاهر الأول.

ص:112

وتتصدق

العاشر: الظاهر أن الضرر لو کان من جهة ضم بعض الضمائم إلی الحمل کالعمل فی البیت وما أشبه مما تعتاده النساء، کان اللازم ترک ذلک العمل تحفظاً علی القدرة، إلا إذا کانت مضطرة إلی العمل اضطراراً شرعیاً مما یسقط التکلیف.

{وتتصدق} بلا إشکال ولا خلاف، فیما إذا کان الخوف علی الولد للنص والفتوی، ولو کان الخوف علی نفسها فهو علی قسمین، خوف من جهة الحمل وخوف من جهة أخری غیر مربوط بالحمل إطلاقاً.

أما الثانی: فلا إشکال فی عدم الفدیة، لأن الظاهر من النص والفتوی کون الخوف من جهة الحمل لا من جهة أجنبیة کالخوف من الرمد مثلاً.

وأما الأول: ففیه خلاف، فالظاهر من جماعة من الفقهاء وجوب الفدیة أیضاً، لکن ذهب آخرون إلی عدم وجوب الفدیة، بل حکاه الفاضل الأصبهانی عن ظاهر الأکثر، بل عن المسالک نسبته إلی المشهور، بل عن ظاهر الدروس: إن عدم الفدیة من المسلمات.

وکیف کان، فقد استدل لوجوب الفدیة بإطلاق الصحیح المتقدم.

واستدل للقول الآخر بالأصل، وبأن الشارع إنما أراد زیادة الامتنان علی الحامل، فکیف یمکن أن یکون حکمها أصعب، لأن

ص:113

من مالها بالمُد أو المُدین

الخائف غیر الحامل لا فدیة علیه، فکیف تجب الفدیة علی الحامل الخائف، وبالروایات المذکورة المصرحة بالخوف من الولد، قالوا والصحیح لا إطلاق له للإنصراف إلی صورة الخوف علی الولد.

أقول: وهذا القول هو الأظهر، فإن دلیل الامتنان صالح لصرف الإطلاق فی الصحیحة، خصوصاً بعد فهم المشهور، بل لا یبعد قرینیة روایة السرائر الآتیة فی المرضعة لعدم الفدیة هنا أیضا.

{من مالها} کما هو المشهور.

أما إذا لم تکن واجبة النفقة علی أحد فبلا إشکال، وأما إذا کانت واجبة النفقة فالظاهر الأمر بالتصدق، ولأصالة عدم الوجوب علی الغیر، ولما یستفاد من المرأة المطاوعة لزوجها فی الجماع فی شهر رمضان، حیث صرح النص والفتوی بأن علیها الکفارة.

وربما احتمل وجوب الکفارة علی من وجب نفقتها علیه، خصوصاً الزوج، لأنه مما یعد من النفقة عرفاً، فیشمله دلیل وجوب النفقة، فلا مجال للأصل، ولا ربط للمقام بمسألة الکفارة، مضافاً إلی أنه قیاس مع الفارق، لأن الرضا من نفسها هناک، والحمل من الزوج هنا فی من کانت ذات زوج، والروایة إنما هی فی مقام بیان الصدقة لا فی مقام بیان أنها علیها أو علی غیرها، فتأمل.

{بالمدّ أو المدّین} علی ما تقدم من الکلام فی باب الشیخ الکبیر. والظاهر أن مراد المصنف الاستحباب لمدین، ولکن لا یخفی أنه لا

ص:114

وتقضی بعد ذلک.

شاهد علیه هنا وإن قلنا به هناک.

{وتقضی بعد ذلک} کما هو المشهور، بل عن الخلاف دعوی الإجماع علیه، خلافاً لعلی بن بابویه وسلار فقالا بعدم القضاء.

أما المشهور، فقد استدلوا بالصحیح المتقدم، وأما ما یمکن أن یکون دلیلاً للعدم، فالأصل، وأن المد عوض فکیف یلزم القضاء أیضاً، وأنه إذا لم یجب الأصل کیف یجب القضاء.

وصحیح محمد بن جعفر، قلت: لأبی الحسن (علیه السلام): إن امرأتی جعلت علی نفسها صوم شهرین فرضعت ولدها وأدرکها الحبل فلم تقو علی الصوم، قال: «فلتتصدق مکان کل یوم بمد علی مسکین»((1)).

وبعض الروایات المتقدمة الساکتة عن القضاء، وصریح الرضوی.

وفی الجمیع ما لا یخفی.

إذ الأصل مرفوع بالدلیل، وکون المدّ عوض اجتهاداً فی مقابل النص، ولا تلازم بین عدم وجوب الأصل وعدم وجوب الفرع کالحیض والسفر وما أشبه، والصحیح بالإِضافة إلی أنه ساکت فلا یعارض ما صرح فیه بالقضاء، غیر ما نحن فیه، ومن الممکن اختلاف حکم النذر ورمضان فی هذه الخصوصیة، کبعض الخصوصیات الأخر، وسکوت بعض الروایات غیر ضائر کما عرفت، والرضوی

ص:115


1- الوسائل: ج7 ص154 باب 17 من أبواب ما یصح منه الصوم ح2

بعد تسلیم عدم إجماله لا یکافئ الصحیح المعمول به قدیماً وحدیثاً.

بقی فی المقام فروع:

الأول: إنه لا فرق بین الخوف بجوع أو عطش أو غیرهما، کما نص علیه الجواهر ومنتهی المقاصد وغیرهما، وذلک لإطلاق النص والفتوی، فالقول باختصاص الفدیة بصورة کون الخوف بجوع أو عطش أو نحوهما لا لغیر ذلک کمرض الولد أو إشرافه علی المرض المحوج إلی شرب دواء ونحوه، فإنه لا فدیة للأصل، فی غیر محله.

الثانی: إذا کان الخوف یرتفع بمفطر آخر غیر الأکل والشرب، کالارتماس فی الماء والحقنة، فالظاهر أنه من المفطر الذی یخیر المکلف بینهما، فاحتمال أن ذلک من الاضطرار الباقی معه التکلیف بالصیام فی غیر محله.

الثالث: قال فی محکی المسالک: "متی جاز الإفطار وجب لأنه دافع للضرر"((1)) انتهی، وفیه: إنک قد عرفت أنه من الممکن الجواز دون الوجوب، کما صرح به غیر واحد من العلماء.

الرابع: المراد بالطعام کما صرح به المسالک وغیره هو الواجب فی الکفارة، ومصرفه مصرفها، ولا یجب التعدد لأصالة العدم، وتجوز المداورة علی کراهة کما تقدم.

ص:116


1- المسالک: ج1 ص82 سطر 4

الخامس: المرضعة القلیلة اللبن

الخامس: المرضعة القلیلة اللبن إذا أضر بها الصوم أو أضر بالولد

{الخامس} ممن وردت الرخصة فی إفطاره: {المرضعة القلیلة اللبن} فإنها تفطر وتقضی وتکفر {إذا أضر بها الصوم أو أضر بالولد} وفی إفطارها لا إشکال ولا خلاف، بل دعاوی الإجماع علیه مستفیضة.

ویدل علیه جملة من النصوص المتقدمة کصحیح ابن مسلم، وخبر الدعائم ورفاعة، ومکاتبة ابن مهزیار المرویة عن مستطرفات السرائر، قال: کتبت إلیه، یعنی علی بن محمد (علیه السلام) أسأله عن امرأة ترضع ولدها وغیر ولدها فی شهر رمضان، فیشتد علیها الصوم وهی ترضع حتی یغشی علیها ولا تقدر علی الصیام، أترضع وتفطر وتقضی صیامها إذا أمکنها أو تدع الرضاع وتصوم، فإن کانت ممن لا یمکنها اتخاذ من ترضع ولدها فکیف تصنع؟ فکتب (علیه السلام): «إن کانت ممن یکمنها اتخاذ ضئر استرضعت ولدها وأتمت صیامها، وإن کان ذلک لا یمکنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صیامها حتی أمکنها»((1)).

بل وتقریر الإمام (علیه السلام) فی خبر الجعفریات، حیث روی عن الباقر (علیه السلام) أنه کانت له أم ولد فأصابها عطاش، فسئل عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال: مروها تفطر وتطعم کل یوم مسکیناً((2))، بناءً علی أن المراد بالعطاش

ص:117


1- السرائر: ص479 سطر 15
2- الجعفریات: ص62

ولا فرق بین أن یکون الولد لها أو متبرعة برضاعه أو مستأجرة

العطش من أثر الرضاع لا صیرورتها ذات عطاش.

والکلام هنا فی جهة القضاء والکفارة وبعض الفروع الأخر المتقدمة کالکلام فی الحامل.

والمراد بقلة اللبن القلة الفعلیة أو الشأنیة، بأن کانت إذا صامت قل لبنها وإن لم تکن الآن قلیلة اللبن، کما أن الظاهر کون الحکم أعم من قلة اللبن، ففساد اللبن الموجب لمرض الطفل أو مرضها أیضاً کذلک، لإطلاق بعض النصوص والفتاوی، وعدم شمول بعض النصوص غیر ضائر کما لا یخفی.

{ولا فرق بین أن یکون الولد لها أو متبرعة برضاعه أو مستأجرة} أو شبه المستأجرة کالمصالحة ونحوها، وذلک لإطلاق النص، وفتوی الأکثر کما فی المستند، واحتمال انصراف النص إلی خصوص الأم، فالمحکم أصالة عدم جواز الإفطار لغیرها، وأن التبرع مستحب فلا یقاوم وجوب الصوم، والاستیجار إنما یجوز إذا کانت مضطرة إلی الأجرة ونحوها دون ما عدا ذلک، فی غیر محله.

إذ الانصراف لو کان فهو بدوی، وإن کان ربما یؤیده إضافة الولد فی الدعائم وخبر رفاعة وغیرهما إلی الأم، ولا منافاة بین الاستحباب وبین رفع الحضر عن الإفطار، کما ذکروا فی باب الولایة عن الجائر، فإن دلیل الاستحباب فی صورة قضاء حاجة الآخر قد یرفع الحکم بالتحریم، والسر أن الاستحباب إنما لا یقاوم الوجوب والتحریم فیما إذا لم یکن دلیل الاستحباب أخص، وإلا کان الحکم

ص:118

ویجب علیها التصدق بالمد أو المدین أیضاً من مالها والقضاء بعد ذلک.

والأحوط بل الأقوی الاقتصار علی صورة عدم وجود من یقوم مقامها فی الرضاع تبرعاً أو بأجرة من أبیه أو منها أو من متبرع.

بالوجوب أو التحریم مرفوعاً به، ومنه یعلم الجواب من الاستیجار فإنه إذ شمله النص، کصحیح ابن مسلم وغیره یکون أخص من دلیل وجوب الصوم.

ومما ذکرنا یعرف وجه عدم الفرق بین کون الولد عن حلال أو حرام أو شبهة، کما هو کذلک بالنسبة إلی الحامل، ولا کذلک لو در اللبن من الذکر، کما فرضوا فی باب الرضاع، للأصل.

نعم لو در من البکر لا یبعد أن یکون الحکم کذلک لبدائیة الانصراف علی تقدیر احتماله.

{ویجب علیها التصدق بالمد والمدین من مالها والقضاء بعد ذلک} لما تقدم فی الحامل المقرب.

{والأحوط بل الأقوی الاقتصار علی صورة عدم وجود من یقوم مقامها فی الرضاع تبرعاً أو بأجرة من أبیه أو منها أو من متبرع} کما اختاره غیر واحد، وذلک لصریح المکاتبة المقتضی لتقیید إطلاق الصحیح وغیره.

بل ربما یقال: بأن الصحیحة لا تدل علی صورة الإمکان،

ص:119

للتعلیل فیها، لقوله: «لأنهما لا یطیقان»، ولا منافاة بین ذلک وبین تصریحهم بعدم الفرق بین المتبرعة والأم، إذ المراد المرضعة مجاناً وإن وجب علیها ذلک للانحصار.

وربما یقال بعدم الفرق بین صورة قیام الغیر والعدم، وذلک لإطلاق الأخبار الصحیحة وغیرها، والمکاتبة لا تصلح للتقیید، لضعف سندها، والتعلیل بعدم الطاقة فی الصحیحة یراد به أنها لا تطیق الصیام والإرضاع، لا أنها مضطرة إلی الإرضاع، بل لا یبعد حمل المکاتبة علی الاستحباب علی تقدیر صحة سندها لقوة الإطلاق فی الصحیح وغیره.

وعلیه فما عن جملة من الأواخر من الإشکال فی الحکم المذکور أو الفتوی بعدم الفرق بین وجود غیر الأم وعدمها لا یخلو من وجه، فمنتهی الأمر الاحتیاط بذلک، أما القوة فممنوعة جداً.

وکیف کان، فلا فرق بین الاسترضاع أو إعطاء الطعام أو لبن الحیوان أو اللبن المجفف أو سائر ما یمکن تبدیل الإرضاع به، لوحدة الدلیل سلباً أو إیجاباً.

وحیث عرفت کون المناط القدرة علی الاسترضاع والعدم، فلا فرق بین أخذ الأم الأجرة أم لا، وحین أخذها الأجرة سواء أخذت أزید من غیرها أم لا، فما عن الدروس والمسالک من بعض التفاصیل محل إشکال، ولذا قال فی الحدائق: "إن هذه التفاصیل خلاف ظاهر الخبر المذکور، لأنه (علیه السلام) أناط ذلک بالمکنة، فمتی أمکنها اتخاذ الظئر بأجرة أو بغیر أجرة، زادت

ص:120

الأجرة علی أجرة المثل أم لا، وجب علیها اتخاذ الظئر ووجب علیها الصیام"((1))، انتهی.

والله العالم بأحکامه.

ص:121


1- الحدائق: ج13 ص431

ص:122

فصل فی طرق ثبوت هلال

الأول: رؤیة المکلف نفسه

فصل

فی طرق ثبوت هلال رمضان وشوال للصوم والإفطار، وهی أمور:

الأول: رؤیة المکلف نفسه.

{فصل}

{فی طرق ثبوت هلال رمضان وشوال، للصوم والإفطار} بل وسائر الأشهر لما یترتب علیها من الأحکام {وهی أمور}:

{الأول: رؤیة المکلف نفسه} بلا خلاف ولا إشکال، وإن لم یره غیره، بل دعاوی الإجماع علیه کالنصوص متواترة، ویشمله قوله تعالی:﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ﴾((1))، فمن رآه فقد شهد الشهر.

فعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: إنه سئل عن الأهلة فقال: «هی أهلة الشهور، فإذا رأیت الهلال فصم وإذا رأیته فأفطر»((2)).

ص:123


1- سورة البقرة: الآیة 185
2- الوسائل: ج7 ص182 باب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1

وعن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «إذا رأیتم الهلال فصوموا، وإذا رأیتموه فأفطروا، ولیس بالرأی ولا بالتظنی ولکن بالرؤیة»((1)).

وعن أبی العباس، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «الصوم للرؤیة والفطر للرؤیة»((2)) الحدیث.

وعن محمد بن الفضل، عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام) فی حدیث قال: «صوموا للرؤیة وأفطروا للرؤیة»((3)).

وعن سماعة، قال: «صیام شهر رمضان بالرؤیة ولیس بالظن»((4)).

وعن منصور بن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «صم لرؤیة الهلال، وأفطر لرؤیته، وإن شهد عندک شاهدان مرضیان بأنهما رأیاه فاقضه»((5)).

وعن محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «إذا رأیتم الهلال فأفطروا»((6))، إلی غیرها

ص:124


1- الوسائل: ج7 ص182 باب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2
2- الوسائل: ج7 ص183 باب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4
3- الوسائل: ج7 ص183 باب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5
4- الوسائل: ج7 ص183 باب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح6
5- الوسائل: ج7 ص183 باب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح8
6- الوسائل: ج7 ص184 باب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح10

الثانی: التواتر.

من الروایات الکثیرة.

ولا یخفی أن المعیار فی الرؤیة، الرؤیة بالعین المجردة العادیة فی الآفاق المعتدلة ونحوها، فالرؤیة بالآلة قبل خروجه عن تحت الشعاع، والرؤیة بالعین الخارفة کذلک، والرؤیة فی الآفاق الرحویة وما أشبه لا اعتبار بها، لأن مصب النص والفتوی ما ذکرناه، والاعتبار فی بلد غیر متعارف إما أقرب بلد متعارف أو أفق مکة والمدینة، وإذا کان الأفق عالیاً کبلد فوق الجبل فرؤیته لا تکون حجیة للأفق النازل، لأن العالی یری تحت الأفق کما لا یخفی.

ومنه یعلم أنه لو رآه فی الطائرة تحت الأفق لم یکن ذلک حجة لمن فی الأفق، وکذلک فی باب الصلاة، فالصبح یظهر لمن فوق الأفق قبل ما یظهر للأفق، وهکذا.

الثانی: التواتر

{الثانی: التواتر} فإنه یوجب العلم، والعلم حجة بنفسه سواء حصل بالتواتر أو غیره، وإنما ذکروه لأنه طریق غالبی فی الهلال، والتواتر هو إخبار جماعة کثیرة یؤمن تواطؤهم علی الکذب، ولم یقیده المصنف بالمفید للعلم، لأنه یفیده دائماً، إلا إذ کان ذهن المکلف مشوباً بما یمنع عن العلم، کما أن رؤیة الهلال تفید العلم إلا إذا کانت العین مدخولة، وفی مثله لا تفید الرؤیة، وعلی هذا فلو قام التواتر وشک المکلف فی أنه هل هو واقعی أو تواطئی لا یمکن الاعتماد علیه.

ص:125

ویدل علی حجیة التواتر المفید للعلم أنه علم، أما التواتر الذی لم یفد العلم فإن قلنا بأن الشیاع غیر المفید للعلم واجب الاتباع وجب اتباع التواتر بطریق أولی، لأنه أقوی من الشیاع، وإن لم نقل بذلک فإن دخل التواتر فی الشهادة أو فی کونه سبیل المؤمنین، حیث قال تعالی:﴿وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبیلِ الْمُؤْمِنینَ﴾((1)) لزم الاتباع أیضاً، وإلا لم یکن دلیل علی لزوم اتباعه، بل ولا علی جوازه، وإن کان ربما یقال بوجوب الاتباع لقوله (علیه السلام): «حتی یستبین»، فإنه نوع من الاستبانة، ولقوله (علیه السلام): «إذا شهد عندک المؤمنون فصدقهم»((2))، بل وقوله تعالی:﴿وَیُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنینَ﴾((3)).

ولخبر عبد الرحمان، عن هلال رمضان یغم علینا فی تسع وعشرین من شعبان؟ فقال: «لا تصم ذلک الیوم إلا أن یقضی أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه»((4))، ونحوه غیره مما سیأتی بعضه، ولا یستبعد حجیة التواتر وإن لم یورث العلم لبعض ما ذکر.

نعم ذلک فیما إذا لم یکن مستند التواتر معلوماً، بأن کان أدعی

ص:126


1- سورة النساء : الآیة 115
2- الوسائل: ج13 ص230 باب 6 من أحکام الودیعة ح6
3- سورة التوبة: الآیة 61
4- الوسائل: ج7 ص212 الباب 12 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2 و3

الثالث: الشیاع المفید للعلم

الرؤیة نفر لم یعتمد علیهم وبسببهم انتشر الخبر، بل المراد التواتر الذی یقول کل أحد إنه رآه.

أما إذا لم یحصل له العلم من التواتر لسبب الوسوسة، فالظاهر أنه لا ینبغی الإشکال فی الحجیة وعدم اعتبار العلم بالنسبة إلی الوسواسی.

الثالث: الشیاع

{الثالث: الشیاع المفید للعلم} قد ذکرنا فی کتاب التقلید ما یدل علی حجیة الشیاع مطلقاً، لأنه طریق عقلائی وإن لم یفد العلم.

وقد اختار العلامة فی التذکرة والمسالک وغیرهما، کما حکاه المدارک وغیره، حجیة الشیاع إن أفاد الظن فی باب الهلال، وهذا هو الأقرب، کما اختاره من المعاصرین الشهیدی والقمی وغیرهما، بل الظاهر حجیته فی نفسه.

ومرادهم الظن الغالب لا الظن الشخصی، کما ذکروا مثله فی خبر الواحد ونحوه، فتأمل.

ویدل علیه هنا ما فی التهذیب والاستبصار، عن عبد الرحمان بن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن هلال شهر رمضان یغم علینا فی تسع وعشرین من شعبان؟ قال: «لا تصم إلا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه»((1)).

ص:127


1- الاستبصار: ج2 ص64 باب 33 فی أن شهر رمضان لا ینقص عن ثلاثین ح8

وعن إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن هلال رمضان یغمّ علینا فی تسع وعشرین من شعبان؟ فقال: «لا تصمه إلا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه»((1)).

وعن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه سئل عن الیوم الذی یقضی من شهر رمضان، فقال: «إلا أن یقضی أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه»((2)).

وعن الأزدی، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أکون فی الجبل فی القریة فیها خمسمائة من الناس، فقال: «إذا کان کذلک فصم لصیامهم وأفطر لفطرهم»((3)).

وعن العبدی، قال: سمعمت أبا جعفر محمد بن علی (علیه السلام) یقول: «صم حین یصوم الناس وأفطر حین یفطر الناس، فإن الله عز وجل جعل الأهلة مواقیت»((4)).

وعن سماعة، أنه سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن الیوم فی شهر رمضان یختلف فیه؟ قال: «إذا اجتمع أهل مصر علی صیامه

ص:128


1- الوسائل: ج7 ص201 باب 8 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3
2- الوسائل: ج7 ص212 باب 12 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
3- الوسائل: ج7 ص212 باب 12 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4
4- الوسائل: ج7 ص212 باب 12 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5

وفی حکمه کل ما یفید العلم ولو بمعاونة القرائن، فمن حصل له العلم بأحد الوجوه المذکورة وجب علیه العمل به، وإن لم یوافقه أحد، بل وإن شهد وردّ الحاکم شهادته.

للرؤیة فاقضه إذا کان أهل مصر خمسمائة إنسان»((1))، إلی غیرها من الروایات.

ویؤیّده ما رواه العیص، أنه سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن الهلال إذا رآه القوم جمیعاً فاتفقوا أنه للیلتین أیجوز ذلک، قال (علیه السلام): «نعم»((2)).

وقد عنون الوسائل والمستدرک الباب بثبوت رؤیة الهلال بالشیاع، مما یدل علی عدم اشتراطهما إفادة العلم.

{وفی حکمه کل ما یفید العلم} فإن العلم حجة بنفسه، کما قرر فی محله وإن کان علم القطّاع {ولو} أفاد العلم {بمعاونة القرائن} کالفلکی الماهر الذی له حساب دقیق، أو کان للإنسان علم علی الهلال کما نقله الشیخ عن الطوسی (رحمه الله) فی قصة کلب الطّحان وما أشبه، {فمن حصل له العلم بأحد الوجوه المذکورة} رؤیةً أو تواتراً أو شیاعاً {وجب علیه العمل به، وإن لم یوافقه أحد، بل وإن} رآه هو و{شهد وردّ الحاکم شهادته} إذ رد الحاکم للشهادة لا یوجب سقوط العلم الذی هو المناط فی العمل.

فعن علی بن جعفر،

ص:129


1- الوسائل: ج7 ص213 باب 12 من أبواب أحکام شهر رمضان ح7
2- الوسائل: ج7 ص212 باب 12 من أبواب أحکام شهر رمضان ح6

الرابع: مضی ثلاثین یوماً من هلال شعبان، أو ثلاثین یوماً من هلال رمضان، فإنه یجب الصوم معه فی الأول والإفطار فی الثانی.

أنه سأل أخاه موسی بن جعفر (علیه السلام) عن الرجل یری الهلال فی شهر رمضان وحده لا یبصره غیره أله أن یصوم؟ قال: «إذا لم یشک فلیفطر، وإلا فلیصم مع الناس»((1))، هکذاه رواه الصدوق ومراده هلال شوال.

ورواه الشیخ عنه (علیه السلام) إلا أنه قال: «إذا لم یشک فیه فلیصم، وإلا فلیصم مع الناس»((2))، ومراده هلال رمضان، والظاهر تعدد الروایتین، ومثله روایة الحمیری فی قرب الإسناد((3)).

الرابع: مضی ثلاثین یوما من شعبان

{الرابع: مضی ثلاثین یوماً من هلال شعبان، أو ثلاثین یوماً من هلال رمضان، فإنه یجب الصوم معه فی الأول والإفطار فی الثانی} بلا إشکال ولا خلاف، بل الإجماع والضرورة علیه.

ویدل علیه متواتر الروایات، ففی صحیحة محمد بن مسلم: «وإذا کانت علة فأتم شعبان ثلاثین».

وفی موثق عمار، عن الصادق (علیه السلام): «فإن خفی

ص:130


1- الوسائل: ج7 ص188 باب 4 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
2- التهذیب: ج4 ص317 باب 72 فی الزیادات ح963
3- قرب الإسناد: ص103

علیکم فأتموا الشهر الأول ثلاثین»((1)).

وفی موثق محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام): «فإذا صمت تسعة وعشرین یوماً ثم تغیمت السماء فأتم العدة ثلاثین»((2)).

وفی موثق عبید بن زرارة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فإن تغمیت السماء یوماً فأتموا العدة»((3)).

وفی صحیح محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام)، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «وإن غم علیکم فعدوا ثلاثین لیلة ثم أفطروا»((4)).

وفی روایة الواسطی، عن علی (علیه السلام)، عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «وإذا خفی الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثین یوماً، وصوموا الواحد وثلاثین»((5)).

وفی الدعائم، عن علی (علیه السلام)، أنه قال: «لا تفطروا لتمام ثلاثین یوماً من رؤیة الهلال، أو بشهادة شاهدین أنهما رأیاه»((6)).

ص:131


1- الوسائل: ج7 ص192 باب5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح12
2- الوسائل: ج7 ص189 باب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
3- الوسائل: ج7 ص191 باب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح10
4- الوسائل: ج7 ص191 باب 5من أبواب أحکام شهر رمضان ح11
5- الوسائل: ج7 ص192 باب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح16
6- الدعائم: ج1 ص280 فی ذکر الفطر من الصوم سطر 16

وعن المرتضی أنه روی عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «صوموا لرؤیته، وأفطروا لرؤیته، فإن غم علیکم فعدوا ثلاثین»((1)).

وقال فی موضع آخر: «إن الناس کانوا یصومون بصیام رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ویفطرون بإفطاره، فلما أراد مفارقتهم فی بعض الغزوات، قالوا : یا رسول الله کنا نصوم بصیامک ونفطر بافطارک وها أنت ذاهب لوجهک فما نصنع ؟ قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «صوموا لرؤیته وأفطروا لرؤیته، فإن غمّ علیکم فعدّوا ثلاثین»((2)).

إلی غیرها من الروایات.

ومن هذا کله یعلم أن روایة هارون بن خارجة لا بد من حملها، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «عدّ شعبان تسعة وعشرین یوماً، فإن کانت متغیمة فأصبح صائماً، وإن کانت مصحیة وتبصرته ولم تر شیئاً فأصبح مفطراً»((3))، فإن المراد الصیام بقصد آخر شعبان، بقرینة الروایات الواردة فی صوم یوم الشک.

ثم لا یختص احتساب ثلاثین من شعبان برؤیة الهلال فی أوله،

ص:132


1- الوسائل: ج1 ص571 باب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح12
2- مستدرک: ج1 ص571 باب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح12
3- الوسائل: ج7 ص216 باب 16 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4

الخامس: البینة الشرعیة وهی خبر عدلین

بل اللازم ذلک وإن کان أوله ثبت بالثلاثین من رجب، وهکذا، وکذلک بالنسبة إلی شهر رمضان فیما إذا غمت شهور متعددة، والحکم لیس خاصاً بالغیم، بل هو کذلک فیما إذا کانت فی السماء علة أخری، أو کان الإنسان فی موضع لا یتمکن من الاستعلام، لأجل کون الأفق رحویاً أو ما أشبه، أو أنه أعمی أو ما أشبه، أو أنه فی حبس أو نحوه، وإذا عدّ شعبان ثلاثین ثم تبین أنه کان تسعة وعشرین قضی یوماً ولا کفارة، وإذا عدّ رمضان ثلاثین ثم تبین أنه کان تسعة وعشرین وکان قد صام یوم العید قضاءً أو نحوه لم ینفع.

الخامس: البینة الشرعیة

اشارة

{الخامس: البینة الشرعیة وهی خبر عدلین} علی المشهور، وربما حکی عدم القبول مطلقاً، لکن لم یعرف قائله، وفی المسألة أقوال أخر:

الأول: ما ذهب إلیه سلار، من کفایة العدل الواحد فی أول الشهر، أما آخره فلا بد فیه من شهادة عدلین.

الثانی: ما ذهب إلیه الشیخ فی النهایة وابن البراج، من أنه إن کان فی السماء علة ولم یره جمیع أهل البلد فاللازم أن یراه خمسون من أهل البلد، أو اثنان عدلان من خارج البلد، وإن لم تکن هناک علة فالواجب خمسون من خارج البلد.

الثالث: ما ذکره الشیخ فی المبسوط، من أنه إن کانت علة

ص:133

فالشاهدان من البلد أو خارجه، وإن لم تکن علة فالخمسون من البلد أو خارجه.

الرابع: عن أبی الصلاح، من أنه فی العلة اثنان، وفی الصحو خمسون، ولم یذکر البلد وخارجه.

الخامس: ما عن المقنعة من اعتبار الخمسین من أهل البلد، أما إذا کان بالمصر علة أو کان الشاهد من خارج البلد کفی شهادة عدلین.

ویدل علی ما ذکره المشهور إطلاقات حجیة البینة، بالإضافة إلی متواتر الأخبار الخاصة، کصحیحة منصور بن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «صم لرؤیة الهلال، وأفطر لرؤیته، فإن شهد عندکم شاهدان مرضیان بأنهما رأیاه فاقضه»((1)).

وصحیحة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، أنه سئل عن الیوم الذی یقضی فیه من شهر رمضان؟ فقال: «لا تقضه إلا أن یثبت شاهدان عدلان من جمیع أهل الصلاح متی کان رأس الشهر»((2)).

وصحیحة الحلبی، عن الصادق (علیه السلام) قال: قال علی (علیه السلام): «لا تقبل شهادة النساء فی رؤیة الهلال، إلاّ شهادة

ص:134


1- الوسائل: ج7 ص208 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4
2- الوسائل: ج7 ص208 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5

رجلین عدلین»((1)).

وصحیحته الأخری عنه (علیه السلام) أیضاً: «إن علیاً (علیه السلام) کان یقول: لا أجیز فی رؤیة الهلال إلا شهادة رجلین عدلین»((2)).

وحسن شعیب بن یعقوب، عن الصادق (علیه السلام)، عن علی (علیه السلام) أنه قال: «لا أجیز فی الطلاق ولا فی الهلال إلا رجلین»((3)).

وصحیحة الشحام، عن الصادق (علیه السلام) أنه سئل عن الأهلة؟ فقال: «هی أهلة الشهور، فإذا رأیت الهلال فصم، وإذا رأیته فأفطر» قلت: أرأیت إن کان الشهر تسعة وعشرین یوماً أقضی ذلک الیوم؟ فقال: «لا، إلا أن یشهد لک بینة عدول فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلک فاقض ذلک الیوم»((4)).

وحیث إنه لیس المراد بالبینة الثلاثة وما أشبه لا بد من حمله علی الاثنین، فإن الجمع یطلق علی الاثنین کثیراً.

ص:135


1- الوسائل: ج7 ص208 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح7
2- الوسائل: ج7 ص208 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح8
3- الوسائل: ج7 ص209 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح9
4- الوسائل: ج7 ص190 باب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4

وصحیحة حماد، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «لا یجوز شهادة النساء فی الهلال، ولا یجوز إلا شهادة رجلین عدلین»((1)).

وخبر ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سمعته یقول: «لا تصم إلا للرؤیة، أو یشهد شاهدا عدل»((2)).

وخبر أحمد بن محمد بن عیسی، قال: «قضی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بشهادة الواحد والیمین فی الدین، وأما الهلال فلا إلا بشاهدی عدل»((3)).

وخبر الدعائم المتقدم، وخبر عمر بن الربیع، عن الصادق (علیه السلام) فی حدیث، قال: قلت: أرأیت إن کان الشهر تسعة وعشرین یوماً أقضی ذلک الیوم؟ «قال: لا، إلا أن یشهد عدول أنهم رأوه، فإن شهدوا فاقض ذلک الیوم»((4)).

ص:136


1- الوسائل: ج7 ص207 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3
2- الوسائل: ج7 ص211 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح16
3- الوسائل: ج7 ص211 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح17
4- المستدرک: ج1 ص572 باب 4 من أبواب أحکام شهر رمضان ح7

وخبر أبی الصباح، عن الصادق (علیه السلام) مثله، وفیه: «إلا أن یشهد لک بینة عدول، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلک فاقض ذلک الیوم»((1)).

وخبر منصور بن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «صم لرؤیة الهلال وأفطر لرؤیته، وإن شهد عندک شاهدان مرضیان بأنهما رأیاه فاقضه»((2))، إلی غیرها.

وأما ما رواه العیاشی، عن الصادق (علیه السلام) فی حدیث، قلت: أرأیت إن کان الشهر تسعة وعشرین أیقضی ذلک الیوم؟ قال: «لا، إلا أن تشهد ثلاثة عدول فإنهم إن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلک فإنه یقضی ذلک الیوم»((3))، فلا بد من حمله علی إرادة الاحتیاط، حتی إذا لم یکن أحد الشاهدین عدلاً سدّ الثالث مسدّه، وإلا فقد قام الإجماع من الجمیع علی عدم اشتراط الثلاثة، ولعله اجتهاد من الراوی، بأن قال الإمام (علیه السلام) «عدول» فزاد لفظ الثلاثة، لما فهم من کلامه (علیه السلام) فی أقل الجمع.

وأما قول سلاّر الذی اکتفی بالواحد فی أول الشهر فکأنه

ص:137


1- الوسائل: ج7 ص191 باب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح9
2- الوسائل: ج7 ص183 باب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح8
3- تفسیر العیاشی: ج1 ص85 ح208

للاحتیاط، ولفحوی قبول الواحد فی الأحکام، ففی مثل الشهر بطریق أولی، ولبعض الروایات، کروایة محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «إذا رأیتم الهلال فأفطروا، أو شهد علیه عدل من المسلمین»((1)).

وروایة داود بن الحصین، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: «لا تجوز شهادة النساء فی الفطر إلا شهادة رجلین عدلین، ولا بأس فی الصوم بشهادة النساء ولو امرأة واحدة»((2)).

وروایة یونس بن یعقوب، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال له غلام وهو معتب: إنی قد رأیت الهلال، قال: «فاذهب فأعلمهم»((3)).

وفی الکل ما لا یخفی، فإن الاحتیاط لیس دلیلاً شرعیاً، مضافاً إلی أنه معارض بما دلّ علی عدم جواز صوم یوم الشک إلا بنیة شعبان، والفحوی غیر مسلمة بل مسلم العدم، إذ لا إشکال فی احتیاج الموضوعات إلی المتعدد، کما لا إشکال فی عدم احتیاج الأحکام إلی ذلک، ولعل السرّ أن

ص:138


1- الوسائل: ج7 ص191 باب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح11
2- الوسائل: ج7 ص211 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح15
3- الوسائل: ج7 ص192 باب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5

الأحکام یصعب فیها التعدد، فلما اشترط فیه ذلک لزم طرح أغلب الأحکام، ولیس کذلک الموضوع.

ویرد علی روایة محمد بن قیس:

أولاً: بأنه فی الفطر، لا فی أول الشهر، فهو خلاف مطلوب المستدل.

وثانیاً: بأن نسخها مختلفة، إذ نقلها بعض هکذا: «أو شهد علیه عدول» ونقلها بعض هکذا: «أو شهد علیه بینة عدل».

وعلی روایة داود بأنها ضعیفة شاذة، مضافاً إلی أنها قالت: «لا بأس» ومعنی ذلک الصوم بقول مطلق بقرینة روایات صوم یوم الشک بینة شعبان، ولیس معناه وجوب الصوم وأنه بنیة رمضان.

وعلی روایة یونس بأنها ضعیفة، مضافاً إلی أنها لا دلالة فیها، إذ «الإعلام» لیس معناه وجوب الصیام، بل کما نقول الآن لمن یدعی أنه رأی الهلال: اذهب وأعلم الفقیه، حتی تکون شهادته فی ضمن الشهادات.

وأما الأقوال الأخر، فلهم بعض الوجوه الاعتباریة بالإضافة إلی جملة من الروایات.

کخبر إبراهیم بن عثمان الخزاز، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قلت له: کم یجزی فی رؤیة الهلال؟ فقال (علیه السلام): «إن شهر

ص:139

رمضان فریضة من فرائض الله تعالی فلا تؤدوا بالتظنی، ولیس رؤیة الهلال أن یقوم عدة فیقول واحد قد رأیته ویقول الآخرون لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه ألف، ولا یجزی فی رؤیة الهلال إذا لم یکن فی السماء علة أقل من شهادة خمسین، وإذا کانت فی السماء علة قبلت شهادة رجلین یدخلان ویخرجان من مصر»((1)).

وخبر الخثعمی، قال أبو عبد الله (علیه السلام): «لا تجوز الشهادة فی رؤیة الهلال دون خمسین رجلاً عدد القسامة، وإنما تجوز شهادة رجلین إذا کانا من خارج المصر وکان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأیاه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤیة، وأفطروا للرؤیة»((2)).

وخبر محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «إذا رأیتم الهلال فصوموا، وإذا رأیتموه فأفطروا، ولیس بالرأی ولا بالتظنی ولکن بالرؤیة»، قال: «والرؤیة لیس أن یقوم عشرة فینظروا فیقول واحد هو ذا هو وینظر تسعة فلا یرونه، إذا رآه واحد رآه عشرة آلاف، وإذا کانت علة فأتم شعبان ثلاثین» وزاد حماد فیه: «ولیس أن یقول رجل هو ذا هو» لا أعلم إلا قال: «ولا خمسون»((3)).

ص:140


1- الوسائل: ج7 ص209 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح10
2- الوسائل: ج7 ص210 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح13
3- الوسائل: ج7 ص209 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح11

وخبر أبی العباس، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «الصوم للرؤیة، والفطر للرؤیة، ولیس الرؤیة أن یراه واحد ولا اثنان ولا خمسون»((1)).

وخبر عبد الله بن بکیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «صم للرؤیة، وأفطر للرؤیة، ولیس رؤیة الهلال أن یجیء الرجل والرجلان فیقولان رأینا، إنما الرؤیة أن یقول القائل رأیت فیقول القوم صدق»((2)).

وعن الهدایة، عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: «لا تقبل فی رؤیة الهلال إلا شهادة خمسین رجلاً عدد القسامة إذا کان فی المصر، أو شهادة عدلین إذا کانا خارج المصر، ولا تقبل شهادة النساء فی الطلاق ولا فی رؤیة الهلال»((3)).

أقول: وهذه الأخبار یرد علیها:

أولاً: إنها مناف لعمل المسلمین کافة، کما عن المعتبر.

ثانیاً: عدم صحة السند فی جملة منها، کما عن المنتهی.

وثالثاً: بأنها واردة فی معرض الشک والتهمة، کما عن المختلف.

ص:141


1- الوسائل: ج7 ص210 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح12
2- الوسائل: ج7 ص210 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح14
3- الهدایة: ص55 باب 1 من أبواب الصوم سطر 6

سواء شهدا عند الحاکم وقبل شهادتهما، أو لم یشهدا عنده، أو شهدا وردّ شهادتهما، فکل من شهد عنده عدلان یجوز، بل یجب علیه ترتیب الأثر من الصوم أو الإفطار

ورابعاً: إنها وردت تعریضاً لما فی ید العامة من الاجتزاء بشهادة رجلین فی الصحو مع القطع بکذبهما باعتبار عدم العلة فی الرائی والمرئی وکثرة المطلعین، کما نبه علی ذلک فی الجواهر.

وخامساً: بتضاربها فإن فی بعضها قبول الخمسین وفی بعضها عدم قبول الخمسین.

وسادساً: بأنها معارضة بالأخبار المتقدمة التی لکثرتها لا تقبل التقیید، وإن کان بینهما عموم مطلق، وهی أشهر، ولذا تقدم علی هذه.

ومن ذلک یعرف میل المستند والمستمسک إلی هذه الأخبار فی الجملة منظور فیه، وإن کان بعض ما ذکرناه من الإشکالات الستة وغیر ما ذکرناه مما یجده المتتبع فی الجواهر ومنتهی المقاصد وغیرهما، غیر تام، إلا أن فی المجموع کفایة، والله العالم.

{سواء شهدا عند الحاکم وقبل شهادتهما، أو لم یشهدا عنده، أو شهدا وردّ شهادتهما، فکل من شهد عنده عدلان یجوز، بل یجب علیه ترتیب الأثر من الصوم أو الإفطار} کما ذکره العلامة والمدارک وغیرهما، وذلک لإطلاق أدلة حجیتهما عامة، وفی المقام خاصة، ولا دلیل علی اشتراط الحاکم فی المقام، ولا علی اشتراط قبول الحاکم إن شهدا عنده.

ص:142

ثم الظاهر أنه لا یلزم أن یشهد الشاهدان عنده، بل إذا علم برؤیة الشاهدین العادلین کفی، لوضوح أن الشهادة طریقیة لا موضوعیة، مثلاً إذا استهل جماعة فرأی أن عدلین منهم أفطرا غداً، وعلم أن السبب رؤیتهما لا غیر ذلک من مرض أو سفر، وکذلک الحکم فی باب الشیاع والتواتر.

نعم یشترط عدم تدافع الشهود بأن یخطّئ اثنان الشاهدین علی نحو العلم بالعدم، لا علی نفی العلم.

ثم إنه کما تقبل الشهادة علی الهلال تقبل الشهادة علی تواتر أو شیاع حصل.

أما ما غلب من قبول الناس بشهادة واحد کقبول أهل البیت بإخبار کافلهم علی أنه ثبت بالشهادة أو نحوها، وقبول أهل الأریاف ممن یرسلونه إلی العالم، فیرجع ویخبرهم بأنه ثبت لدیه أو نحوه ذلک، فلیس ذلک إلا من باب الاطمئنان الذی هو علم عادی لا من باب الشهادة.

ثم إنه یجب فی ردّ الحکم أن لا یکون ذلک سبباً فی الطعن علی الشاهد أو الشهادة عند من یرید الاعتماد علیهما، وإلا لم یجز له القبول، کما أنه لو انعکس بأن قبل الحاکم الشهادة ولکن کانت الشهادة أو الشاهد مطعوناً عند غیره، لم یجز لذلک الغیر الاعتماد علی هکذا شهادة، مثلاً إذا عرف زید عدم عدالة الشاهد لم یجز له الاعتماد علیه وإن اعتمد علیه الحاکم، کما أنه إذا علم زید عدالتهما جاز له الاعتماد علیهما وإن ردّ الحاکم شهادتهما لعدم ثبوت

ص:143

ولا فرق بین أن تکون البینة من البلد أو من خارجه، وبین وجود العلة فی السماء وعدمها.

نعم یشترط توافقهما فی الأوصاف

عدالتهما عنده، {ولا فرق بین أن تکون البینة من البلد أو من خارجه} لإطلاق أدلة الشهادة، وقد تقدم ضعف الأدلة المخصصة.

نعم یشترط أن تکون من خارج متحد الأفق، أما من خارج مختلف الأفق فإنها لا تنفع فی ثبوت الهلال لهذا الأفق {وبین وجود العلة فی السماء وعدمها} لإطلاق الأدلة، وقد عرفت ضعف المخصص.

{نعم یشترط توافقهما فی الأوصاف} کما صرح به غیر واحد من المتأخرین، لأن اللازم حکایتهما عن وجود خارجی واحد، فلو اختلفا فی الأوصاف لم یرد الشاهدان علی شیء واحد، بل حکی کل واحد منهما عن وجود غیر الوجود الذی أخبره الشاهد الآخر، فیکون الهلال الخارجی لم یرد علیه شاهدان، کما لو أخبر أحدهما بأنه رآه فی طرف یمین النجمة، وأخبر الآخر أنه رآه فی طرف یسار النجمة، أو قال أحدهما إنه رآه وحدبته إلی السماء، وقال الآخر إن حدبته إلی الشمال.

لکن لا یخفی أنه لو لم تکن الأوصاف متعارضة، أو کانت متعارضة ولکن أخبرا عن الأوصاف بنحو تعدد المطلوب لم یضر ذلک بشهادتهما.

ص:144

فلو اختلفا فیها لا اعتبار بها.

فمثال الأول ما إذا قال أحدهما رأیته فوق الأفق بذراع، أو قال أحدهما رأیته فوق الأفق بباع، أو قال أحدهما رأیته قبل المغرب بربع ساعة، وقال الآخر رأیته قبل المغرب بخمس دقائق وما أشبه ذلک، فإنه لا یضر هذا الاختلاف، لعدم التعارض، إذ من الممکن أن یراه أحدهما فی غیر الوقت الذی رآه الآخر.

ومثال الثانی ما إذا قال أحدهما رأیته وحدبته إلی السماء، وقال الآخر رأیته وحدبته إلی الشمال، ولکن لم یقید الرؤیة بذلک، بل أخبرا عن الذات وعن الوصف بنحو تعدد المطلوب، حتی إذا تبین للشاهد الخطأ فی الشهادة بالوصف بقی مصراً علی الشهادة بذات الموصوف، فإنه لا یضر هذا الاختلاف، لأنه یسقط إحدی شهادتیه وتبقی الشهادة علی الذات، فیرد الشاهدان علی شیء خارجی واحد.

کما إذا رأیا إنساناً قطعاً، وقطع أحدهما بأنه زید، وقطع الآخر بأنه عمرو، فشهد کل منهما علی أصل الإنسان وعلی کونه فلاناً، فإنه إذا سقطت شهادته علی الفلانیة لم تسقط شهادته علی أصل رؤیته للإنسان، ولذا یثبت الجامع وتسقط الخصوصیة، فقول المصنف وغیره: {فلو اختلفا فیها لا اعتبار بها} لیس علی إطلاقه، کما نبه علی ذلک منتهی المقاصد والمستمسک.

ثم إن أصر الشاهد علی نحو وحدة المطلوب، ولکن علمنا أن

ص:145

نعم لو أطلقا أو وصف أحدهما وأطلق الآخر کفی

ذلک من باب اختلاف المدارک لا من باب الاختلاف فی المشهود به، لا یضر حتی نحو وحدة المطلوب، مثلاً إنا نری أن زیداً وعمرواً یریان حیواناً فیقول أحدهما إنه ذکر، ویقول الآخر إنه أثنی، ویصر کل واحد منهما علی رأیه، أو یقول أحدهما إن الهلال کان کبیراً، ویقول الآخر إنه کان صغیراً، فإن مثل ذلک لا یضر بشهادتهما، لأنه ناشیء عن اختلاف المدارک لا اختلاف الواقع، فهو من قبیل تعدد المطلوب.

وإن زعم الشاهدان أنه من باب وحدة المطلوب وأصرّا علیه، کما لو قال أحدهما إنه إن لم یره کبیراً فلم یره، وقال الآخر إنه إن لم یره صغیراً فلم یره، فاللازم علی من قامت عنده الشهادة ملاحظة ذلک.

ثم إنه یحق للشاهد أن لا یخبر بالوصف، ولا یحق للحاکم أن یجبره علی الأوصاف، بل طلب الأوصاف منه والدقة فیه من باب تقنعة الشاهد، بل لم یرد فی روایات الشاهد علی کثرتها التی رأیت جملة منها طلب النبی (صلی الله علیه وآله) أو الأئمة (علیهم السلام) الأوصاف، بل ولا إشارة فی شیء من الروایات علی ذلک، فالأفضل الترک إلا فی مقام التهمة ونحوها.

{نعم لو أطلقا} رؤیة الهلال بدون الوصف {أو وصف أحدهما وأطلق الآخر کفی} لأنه لا تکاذب بینهما فلا محذور، وکذا إذا وصفا لکن وصفین غیر متکاذبین إما من باب العموم والخصوص أو من باب التخالف، کما إذا قال أحدهما رأیته وحدبته لیست طرف السماء،

ص:146

ولا یعتبر اتحادهما فی زمان الرؤیة مع توافقهما علی الرؤیة فی اللیل

وقال الآخر حدبته نحو الشمال، أو قال أحدهما رأیته مرتفعاً، وقال الآخر رأیته وحدبته نحو الشمال، وذلک لعدم التکاذب أیضاً.

{ولا یعتبر اتحادهما فی زمان الرؤیة مع توافقهما علی الرؤیة فی اللیل} بأن قال أحدهما رأیته بعد المغرب بساعة، وقال الآخر رأیته بعد المغرب بنصف ساعة کما تقدم، ویحتمل أن یکون مراده أن أحدهما ذکر أنه رآه لیلة الجمعة، وذکر الآخر أنه رآه لیلة السبت، فإنه لا یتحقق الشاهدان علی شیء واحد، فإذا شککنا فی السبت أنه من رمضان أم لا، لم یثبت بهما ذلک، وقد أیده المستمسک.

لکن یمکن أن یقال: إن من یقول بأنه رآه لیلة الجمعة یقول إن یوم السبت من رمضان، کما أن من یقول إنه رآه لیلة السبت یقول بذلک أیضاً، فهما متفقان علی ذلک، کما إذا شهدا بأن الدار لزید لکن قال أحدهما إنه یعلم أنها کانت له یوم الجمعة، وقال الآخر إنه یعلم أنها له یوم السبت، فإنه عرفا من قیام الشاهدین علی أن الدار لزید، ومن ذلک یعلم أنه لو شهد أحدهما برؤیة شعبان الاثنین، وشهد الآخر برؤیة رمضان الأربعاء، قبلت شهادتهما، لاتفاقهما فی المعین، کما اختاره الجواهر، وإن خالفه المستند لمغایرة ما شهد به أحدهما لما شهد به الآخر، واحتمل کلاً من الأمرین فی المدارک.

وقد تقرر فی الأصول أن لوازم الحجة أیضاً حجة بخلاف لوازم

ص:147

ولا یثبت بشهادة النساء

الأصول، لو علمنا بأن لزید إما الدار أو البستان، وقام الشاهد علی أنه لیس له الدار، ثبت أن له البستان، وکذلک فی کل شهادة علی عام وخاص فإنه یثبت العام لاتفاقهما فیه، ولو من باب دلالة الالتزام، {ولا یثبت} الهلال {بشهادة النساء} بعنوان شهادتهن وإن ثبت بشیاعهن أو تواترهن مجردات أو منضمات کما صرحوا به.

ثم إن عدم الثبوت بشهادتهن إجماعی، کما ادعی الإجماع علی ذلک غیر واحد من الفقهاء، لمتواتر النصوص التی تقدمت جملة منها.

کصحیحة الحلبی: «لا أجیز فی الهلال إلا شهادة رجلین عدلین»((1)).

وصحیحته الأخری، «لا تقبل شهادة النساء فی رؤیة الهلال»((2)).

وصحیحة حمّاد: «لا یجوز شهادة النساء فی الهلال»((3)).

وصحیحة محمد: «لا تجوز شهادة النساء فی الهلال»((4)).

وخبر ابن سنان، عن الرضا (علیه السلام): «علة ترک شهادة النساء فی الطلاق والهلال لضعفهن عن الرؤیة»((5)).

ص:148


1- الوسائل: ج7 ص207 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
2- الوسائل: ج7 ص208 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح6
3- الوسائل: ج7 ص207 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3
4- الوسائل: ج7 ص207 باب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2
5- الوسائل: ج18 ص269 باب 24 من أبواب الشهادات ح50

وصحیح عبد الله بن سنان: «لا تجوز شهادة النساء فی رؤیة الهلال»((1)).

وصحیح العلاء: «لا تجوز شهادة النساء فی الهلال»((2)).

إلی غیرها من الأخبار الکثیرة المذکورة فی الوسائل والمستدرک، فراجع.

وأما خبر داود بن الحسین الذی تقدم فی مسألة کفایة العدل الواحد فی أول الشهر، کما ذهب إلیه سلار من قبول شهادة المرأة الواحدة فی أول الشهر، فقد عرفت الجواب عنه.

ومما تقدم یعرف أن ما عن الشیخ فی المبسوط من القول بثبوت الأهلة بشهادة رجل وامرأتین لم یعلم وجهه، اللهم إلا أن یکون منضمة، إذ ظاهر الأدلة المتقدمة عدم قبول شهادتها وحدها، فلا ینافی قبول شهادتها منضمة، وحیث قام الدلیل علی کون المرأتین تقومان مقام رجل واحد فلا بد من القول به هنا.

وفیه: إن ظاهر الأدلة السابقة عدم قبول شهادتهن مطلقاً، لا عدم القبول فی الجملة، بل ذلک شبه صریح جملة من الروایات.

عدم ثبوت الهلال بشهادة النساء

ثم الظاهر أن وجه عدم قبول شهادة النساء فی الطلاق التشدید فی شروط الطلاق، فإنه کلما زید القید زاد التشدید مما یوجب تقلیله

ص:149


1- الوسائل: ج18 ص260 باب 24 من أبواب الشهادات ح10
2- الوسائل: ج18 ص262 باب 24 من أبواب الشهادات ح18

ولا بعدل واحد ولو مع ضم الیمین.

کما عرف من بناء الشارع فی الطلاق، ووجه عدم قبول شهادتهن فی الهلال، أن الهلال أمر عام والشارع لم یرد أن یدخل المرأة فی الأمور العامة، لأن کونها عاطفیة یقتتضی تخصیص دائرتها بما یلائم طبیعتها، ولعل قوله (علیه السلام) فی الخبر السابق «لضعفهن عن الرؤیة»، یراد به المعنی الأعم من الرؤیة، لا الرؤیة البصریة فقط.

نعم ربما قبل الشارع شهادة حتی المرأة الواحدة لوجود المصلحة فی ذلک.

ثم الظاهر أن الخنثی المشکل لا تقبل شهادته، لتخصیص النص قبول الشهادة بالرجال، اللّهم إلا أن یقال: إنه فی مقابل النساء لا مطلقاً، فالأصل قبول شهادته، وهذا لیس بالبعید، وإن کان الاحتیاط فی الترک.

ثم إن عدم قبول الشهادة بالنسبة إلی المرأة لا ینافی کونها مؤیدة وموجبة للعلم أو الاطمئنان، فلیس ذلک أخذاً بشهادتها، بل اتباعاً للاطمئنان والعلم.

عدم ثبوت الهلال بعدل واحد مع ضم الیمین

{ولا بعدل واحد ولو مع ضم الیمین} لمتواتر الروایات التی اشترطت رجلین عادلین أو ما أشبه، ولذا قام الإجماع _ إلا من سلار فی أول رمضان _ علی عدم کفایة الواحد، وقد تقدم استدلال سلار والجواب عنه فی أول اعتبار البینة فراجع.

ثم إنه لو شهد العدلان علی التواتر أو الشیاع لا علی الرؤیة تقبل شهادتهما، کما فی المستند ومنتهی المقاصد وغیرهما، لأنه شهادة علی ما یفید العلم، ولصحیحة هشام، عن الصادق (علیه السلام) أنه

ص:150

قال فیمن صام تسعة وعشرین، قال: «إن کانت له بینة عادلة علی أهل مصر أنهم صاموا الثلاثین علی رؤیته قضی یوماً»((1)).

ولو تبین اشتباه الشاهد فی الرؤیة أو فی غیرها، فإن کانت الشهادة فی أول رمضان وصام حق له أن یفطر ولو بعد الظهر، وإن لم یصم لم یلزمه قضاء وکفارة، وإن کانت الشهادة فی أول شوال وصام وتمشی منه قصد القربة صح صومه ولا قضاء، وإن لم یتمش منه قضاه ولا کفارة، وإن لم یصم فإن تبین الاشتباه فی النهار أمسک وقضاه ولا کفارة، وإن تبین بعد ذلک قضاه ولا کفارة.

ثم إنه لو تعارض الشاهدان تساقطا، وکان المرجع الأصل، سواء کان التعارض دفعةً أو تدریجاً.

فالأول: کما إذا شهد اثنان بأنهما رأیاه، وشهد آخران بأنهما اشتبها فی الرؤیة، أما إذا قال الآخران بأنهما بأنفسهما لم یریاه فهذا لیس من تعارض الشهادة. وکما إذا شهد اثنان بالتواتر فی البلد الفلانی وشهد آخران بعدم التواتر هناک.

والثانی: کما إذا شهد اثنان بأنهما رأیاه مثلاً فصام من قام عنده الشاهد، ثم بعد الظهر أو قبله جاءه شاهدان آخران شهدا باشتباه مدعی الرؤیة، فإنه بعد التساقط یرجع إلی حکم الأصل فی المسألة من الصیام أو الإمساک أو الإفطار، کما تقدم فی المسألة تبین اشتباه الشاهد،

ص:151


1- کما فی المستند: ج2 ص129 فی کتاب الصوم سطر 35

ومثل تبین اشتباه الشاهد بإقراره بنفسه أو معارضته بشاهد آخر أو ما أشبه ذلک، تبین اشتباه الرائی بأن رآه، ثم علم بعد ذلک، أو شک فی صحة رؤیته.

ومثل ذلک ما لو تبین عدم عدالة الشاهدین، أو انعکس بأن شهدا فلم یأبه بهما لزعمه أنهما لیسا عادلین ثم تبین لدیه عدالتهما، أما لو شهدا وهما عادلان ثم سقطا عن العدالة فالشهادة نافذة، کما أنه لو انعکس بأن شهدا وهم غیر عادلین ثم صارا عادلین فإن بقیا علی الشهادة لزم ترتیب الأثر وإن لم یبقیا علی الشهادة فلا اعتبار بشهادتهما السابقة فی حالة عدم عدالتهما.

ثم إن الظاهر قبول الشهادة علی الشهادة فی باب الهلال، فإذا رآه اثنان فشهد علی کل شاهد شاهدان تقبل شهادة الفرع، لإطلاقات أدلة الشهادة، واختاره غیر واحد، خلافاً للمحکی عن العلامة فإنه قال: لا یثبت بالشهادة علی الشهادة عند علمائنا، لأصالة البراءة واختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدمیین.

وفیه ما لا یخفی، فالإجماع مخدوش صغری وکبری، وأصل البراءة لا مجال له بعد الإطلاقات، کخبر طلحة بن زید، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن علی (علیه السلام): «إنه کان لا یجیز شهادة رجل علی رجل إلا شهادة رجلین علی رجل»((1)).

ص:152


1- الوسائل: ج18 ص298 باب 44 من أبواب الشهادات ح2

وروی الصدوق أنه قال الصادق (علیه السلام): «إذا شهد رجل علی شهادة رجل فإن شهادته تقبل وهی نصف شهادة، وإن شهد رجلان عدلان علی شهادة رجل فقد ثبت شهادة رجل واحد»((1)).

إلی غیر ذلک. مضافاً إلی إطلاقات حجیة البینة.

وعلیه فاللازم إما أن یشهد أربعة کل اثنین علی شاهد، وإما أن یشهد اثنان کلاهما علی کل واحد من الشاهدین، بأن یشهد زید وعمرو علی شهادة محمد تارة، وعلی شهادة علی تارة أخری.

والظاهر: أنه لا تقبل شهادة النساء علی الشهادة فی هذا الباب، لأن المستفاد من الأدلة عدم إعطاء الشارع الحق للنساء فی باب شهادة الهلال.

ثم إن الظاهر أنه تقبل الشهادة علی الفطر أو العید أو رمضان، ولا یحتاج إلی الشهادة علی الرؤیة، وذلک لإطلاق أدلة الحجیة، وفاقاً للجواهر ومنتهی المقاصد، وخلافاً للمدارک والمستند، ومستندهما الأصل، واحتمال استناد الشاهد إلی ما لا یراه السامع سبباً.

لکن المدارک استثنی صورة علم السامع بموافقه الشاهد له فی المستند، واعترضه المستند بأن الموافقة فی القول لا ینفی الاشتباه فی المستند.

وفی دلیلهما ما لا یخفی.

أما الأصل، فلا یقاوم إطلاقات الحجیة، وأما الاحتمال فیما

ص:153


1- الوسائل: ج18 ص298 باب 44 من أبواب الشهادات ح5

السادس: حکم الحاکم

ناقشه فی الجواهر من أن مقتضی شهادته کونه کذلک واقعاً وهو لا اختلاف فیه وإلا لزم الاستفصال فی کل شهادة بالملک والغصب والنجاسة والمحرمیة والزوجیة وغیرها، إذ لعل الشاهد یری تحقق الملک بما لا یری السامع تحققه به وهکذا، وهذا مما لا یقول به أحد، مضافاً إلی أنه خلاف أدلة حجیة الشهادة، وقد جرت السیرة علی قبول شهادة العلماء بالفسق والعدالة من دون استفصال السبب.

وکیف کان، فالقول بالقبول أقرب، نعم لو علمنا أنه یشهد فیما لا یراه السامع حجة لم یلزمه القبول، فحاله حال ما إذا علم المقلد أن مرجعه یفتی بما هو مستند إلی ما لیس بحجة، فإنه لا ینفذ فی حقه فتواه.

وفی مقام الشهادة فروع أخر نکتفی بهذا القدر، والله العالم.

السادس: حکم الحاکم

اشارة

{السادس: حکم الحاکم} وهذا هو الذی حکاه فی الحدائق عن ظاهر الأصحاب، خلافاً لبعض أفاضل متأخری المتأخرین، ومال هو إلیه، واختاره المستند، ففی المسألة قولان:

الأول: عدم حجیة حکم الحاکم، واستدل له بالأصل، وبحصر الأخبار الصیام والإفطار بالرؤیة، أو الشهود، أو مضی ثلاثین یوماً من الشهر السابق، وبالأخبار الناهیة عن الإقدام فی أمر الهلال بالشک، أو اتباع الظن، ومن المعلوم أن حکم الحاکم لا یحصل منه أکثر من الظن، إذ لا کلام فیما إذا حصل منه العلم.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ الأصل أصیل حیث دلیل، والأخبار لیست حاصرة، وعلی

ص:154

فرضها فالأدلة الدالة علی حکم الحاکم حاکمة علی تلک الأخبار، وإذ تحقق حجیة قول الحاکم لم یکن ذلک من الشک واتباع الظن.

الثانی: وهذا هو المشهور، بل قد عرفت أنه ظاهر الأصحاب، بل فی منتهی المقاصد أنه قام الإجماع والسیرة علیه، اتباع حکم الحاکم بالهلال إذا استند إلی البینة أو الشیاع.

فقد استدل له بأمرین:

الأول: عمومات حجیة حکم الحاکم، کالتوقیع الذی رواه إسحاق بن یعقوب، «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا فإنهم حجتی علیکم وأنا حجة الله»((1))، فإن الجمع المحلی باللام یفید العموم، واحتمال وجود القرینة الصارفة مدفوع بأصالة عدم القرینة، ومن المعلوم أن الهلال من أظهر الحوادث الواقعة کما یشهد بذلک العرف فیما إذا قال المولی لعبده: ارجع فی الحوادث إلی ابنی، فإنه لا یشک فی لزوم الرجوع إلیه فی مثل أمر الهلال والعید وما أشبه لدی الاشتباه.

وکقوله (علیه السلام) فی مقبولة عمر بن حنظلة: «فإنی قد جعلته علیکم حاکماً»((2)).

ص:155


1- الوسائل: ج18 ص101 الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح9
2- الوسائل: ج18 ص99 الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح2

وکقوله (علیه السلام) فی خبر أبی خدیجة: «فإنی قد جعلته علیکم قاضیاً»((1))، فإنه لا شک فی أن أمر الهلال ونحوه مربوط بالحاکم والقاضی من قدیم الزمان، تبعاً لکونه کان مربوطاً برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأمیر المؤمنین (علیه السلام)، کما تقدم بعض الروایات الدالة علی ذلک، وکذلک کان شأن الخلفاء.

کما یدل علیه قصة الصادق (علیه السلام) مع أبی العباس وسائر المذکورات فی التواریخ، فمعنی جعل الإمام فلاناً قاضیاً أو حاکماً ارتباط الشؤون العامة به، ومن الشؤون العامة أمر الهلال، وکقوله (علیه السلام): «مجاری الأمور بید العلماء بالله»((2))، فإن أمر الهلال من أظهر مصادیق ذلک.

إلی غیر ذلک مما ذکرناه من أدلة ولایة الفقیه فی کتاب التقلید من هذا الشرح.

الثانی: ما ورد فی باب الهلال بصورة خاصة، کصحیحة محمد بن قیس: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأیا الهلال منذ ثلاثین یوماً، أمر الإمام بإفطار ذلک الیوم إذا کانا شهدا قبل زوال الشمس، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلک الیوم، وأخر الصلاة إلی الغد فصلّی»((3))، والقول بأن المراد بالإمام إمام الأصل فقط خلاف

ص:156


1- الوسائل: ج18 ص100 الباب 11 من صفات أبواب القاضی ح6
2- تحف العقول: ص172
3- الوسائل: ج7 ص199 الباب 6 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1

المستفاد من الروایات الواردة حول الإمام فی باب الحج وباب الصیام وغیرها، بل المراد بذلک إمام العدل، ولو شک فالأصل الإطلاق کما قرر فی محله.

ومثله قول الصادق (علیه السلام) فی خبر رفاعة: «ذاک إلی الإمام إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا»((1))، فإن قوله «ذاک إلی الإمام» ظاهر أنه من تکالیف الإمام، ولیس هذا تقیة، إذ الکبری الکلیة لا داعی إلی حملها علی التقیة، بل قوله: «إن صمت» من باب التقیة، لأن التقیة یقتصر فیها علی مقدار الضرورة، ولا ضرورة فی حمل الکبری علی التقیة، کما قرره الوالد فی الدرس.

ویدل علی ذلک أو یؤیده خبر الأعرابی((2)) الذی شهد عند النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) برؤیة الهلال، فأمر النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) منادیاً ینادی: «من لم یأکل فلیصم، ومن أکل فلیمسک»، کما مرّ فی مسألة تأخیر النیة إلی ما قبل الزوال للمعذور.

وخبر حماد، عن علی (علیه السلام): «إنه صام بالکوفة ثمانیة وعشرین یوماً شهر رمضان، فرأوا الهلال فأمر منادیاً ینادی: اقضوا

ص:157


1- الوسائل: ج7 ص95 الباب 57 من أبواب ما یمسک عنه الصائم وقت الإمساک ح5
2- الجواهر: ج16 ص197

یوماً، فإن الشهر تسعة وعشرون یوماً»((1))، فإنهما یدلان علی أن النبی والوصی کانا مصدر أمر الصیام والإفطار، والمراد ب_ «صام» فی الخبر الثانی أن الإمام لم یحکم فی أول الشهر حسب الواقع، ولعله کان لمصلحة تعلیم الناس بعد ذلک أن مثل هذا الأمر لا یوجب الإثارة علی من بعده أزمة الحکم.

ومثلهما فی الدلالة ما تقدم من مجیء الناس إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حین أراد السفر وطلبهم منه (صلی الله علیه وآله وسلم) عن ماذا یعملون لأنهم وقت کان الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) کانوا یتبعونه.

وکیف کان، فالشبهة فی ذلک کالشبهة فی المسلّمات، بل لو لا حجیة حکم الحاکم لزم الهرج والمرج، کما صرح به المستمسک، ومن المعلوم أن الشارع لم یترک المسلمین سدی فی مثل هذا الأمر المهم.

ثم الظاهر أنه لا فرق فی جواز حکم الحاکم بین أن یکون مستنده البینة والشیاع أو علم نفسه، کما عن المشهور، خلافاً للمستند، فذهب إلی عدم کفایة علم الحاکم، وتردد فیه فی محکی المدارک، فذکر أن فیه وجهین.

ویدل علیه إطلاقات حکم الحاکم، وقوله تعالی:﴿وَإِذا حَکَمْتُمْ بَیْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْکُمُوا بِالْعَدْلِ﴾((2)) فإنه حکم بالناس، وأی

ص:158


1- الوسائل: ج7 ص214 الباب 14من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
2- سورة النساء: الآیة 58

شیء أهم من حکم الهلال، فالآیة لا تخص بفصل المنازعات، ولا شک فی أن حکمه المستند إلی علمه حکم بالعدل، وأنه لا شک فی أن للإمام ذلک، فکذا الفقیه، لأنه نائبه إلا فیما خرج بالدلیل، ولیس هذا مما خرج، کما فصلنا ذلک فی باب التقلید.

وروایة الحسین بن خالد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سمعته یقول: «الواجب علی الإمام إذا نظر إلی رجل یزنی أو یشرب الخمر أن یقیم علیه الحد ولا یحتاج إلی بینة مع نظره»((1)) الحدیث.

إلی غیر ذلک.

أما ما استدل به لعدم جواز الحکم، من قوله (علیه السلام): «لا أجیز فی الهلال إلا شهادة رجلین عدلین»((2))، فالحصر فیه إضافی، کما ذکره الجواهر، لا أنه یراد به عدم الحجیة بالنسبة إلی نظر نفسه.

ثم إن الظاهر أنه یجب علی الفقیه التصدی إذا لم یکن الأمر فی الهلال واضحاً، لأنه من الأمور الحسبیة التی کلف بها الفقیه، ولأنه باب من أبواب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، ودفع الهرج والمرج

ص:159


1- الوسائل: ج18 ص344 الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود وأحکامها العامة ح3
2- الوسائل: ج7 ص207 الباب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1

وما أشبه، کما أن الظاهر وجوب مراجعة الناس إلیه، لأنهم أمروا بالرجوع إلیهم فی الحوادث الواقعة التی هذا من أهمها، سواء فی أول الشهر أو آخره، اللهم إلا لمن یعلم بالهلال أو عدمه.

وهکذا الظاهر لزوم أداء الشهادة عنده علی نحو الکفایة لمن رآه، لأن النصیحة واجبة بالنسبة إلی والی المسلمین، وبالنسبة إلی المسلمین، وهذا من أهم أقسام النصیحة.

ثم الظاهر أن لا خصوصیة لقوله «حکمت» ونحوها من مادة الحکم، بل ما یقوله هو حکم، وإن قال: ثبت، أو قال: الیوم من رمضان أو من شوال، أو ما أشبه ذلک، لأنه لا دلیل علی مادة الحکم بل ما یقوله حکم، ولذا إذا قال: الدار للمدعی، یقال إنه حکم بذلک، فالفرق بین أن یقول الفقیه: حکمت، وأن یقول: ثبت عندی أو ما أشبه، لم نتبین وجهه.

ولو اختلف فقیهان، فإن کان أحدهما یحکم والآخر یسکت فلا إشکال فی لزوم اتباع الحاکم، وإن کان الآخر یضاد الأول، فالظاهر التخییر بین أخذ أیهما؛ کما هو نظرنا فی الطریقین، وقد بینا ذلک فی کتاب التقلید فی المجتهدین المتخالفین، والظاهر أن وکلاء الفقیه وإن لم یکونوا فقهاء حکمهم حکم الفقیه فیما ذکرناه، لما ذکرناه فی کتاب التقلید أیضاً فراجع.

ولو حکم الفقیه ثم رجع عن حکمه فحاله حال ما إذا رجع

ص:160

الذی لم یعلم خطاؤه ولا خطاء مستنده

الشهود، أو إذا تبدل علم الإنسان إلی الشک، وقد تقدم الکلام فیه فراجع.

ثم إن المصنف قید حکم الحاکم ب_ {الذی لم یعلم خطأه ولا خطأ مستنده}، رؤیة الإنسان الخطأ فی الحکم علی أربعة أقسام:

الأول: أن یری عدم تمامیة الحاکم لمؤهلات الحکم، أی إنه لیس بحاکم شرعاً، لأنه لا یتصف بصفات الحاکم، ولا شبهة فی أنه لا یکون حکمه نافذاً، کما إذا لم یکن الحاکم مجتهداً أو وکیلاً عنه، أو لم یکن عادلاً أو ما أشبه ذلک.

الثانی: أن یری أنه مقصر فی الاجتهاد فی المسألة أو فی مقدمات الحکم مع أنه اجتهد فی المسألة اجتهاداً کاملاً، کما إذا علم الإنسان بأن الحاکم لم یجتهد فی مسألة الشیاع بالمقدار الواجب الاجتهاد فیه، أو علم أنه اجتهد بالمقدار الکامل لکن لم یطبق اجتهاده علی الخارج، بل اکتفی بالسماع من ثلاثة أنفار مثلاً وسماه شیاعاً، بینما رأی الحاکم نفسه أنه لا یحصل الشیاع إلا بما فوق العشرة، ولا ینبغی الشبهة أیضا فی عدم نفوذ الحکم، لأن ما یقوله لیس حکمهم علیهم السلام.

الثالث: أن یری أنه قاصر فی المسألة أو فی الموضوع، وهذا کالصورة السابقة، إلا أنها عن تقصیر وهذا عن قصور.

ص:161

الرابع: أن یکون مجتهداً صحیح الاجتهاد، فلا تقصیر ولا قصور، وإنما اجتهاده خلاف ما یری الإنسان، وهذا علی صورتین.

الأولی: أن یکون اجتهاده خلاف ما یری الإنسان رؤیة اجتهادیة، سواء کان رؤیة اجتهادیة فی الموضوع، کما لو کان اجتهاد الإنسان بأن زیداً الشاهد فاسق، واجتهاد الفقیه أنه عادل، أو فی الحکم، کما لو کان اجتهاد الإنسان بأن الشیاع الذی لا یفید العلم لیس بحجة، واجتهاد الفقیه أنه حجة.

والظاهر أنه یجب فی کلا فرعی هذه الصورة اتباع الحاکم، وإلا لم یحسم النزاع، إذ الطرفان یرون أن الحق معهما، بینما جعل الحاکم لحسم النزاع.

أما فی الأقسام الثلاثة السابقة فلیس ذلک الذی حکم حاکماً شرعیاً واجب الاتباع، فلا یقال: ما الفرق بین هذا القسم الرابع حیث أوجبتم اتباعه، وبین الأقسام الثلاثة الذین قلتم بأنه لا یتبع.

الثانیة: أن یکون اجتهاده خلاف ما یری الإنسان رؤیة قطعیة، سواء فی الموضوع کما إذا علم الإنسان أن زیداً الشاهد فاسق، بینما رأی الحاکم أنه عادل، أو فی الحکم کما إذا علم الإنسان أن هذا الیوم من شوال، لأنه رأی الهلال بنفسه، وحکم الحاکم بأنه من رمضان، والظاهر أنه فی هذه الصورة بکلا فرعیها عدم لزوم الاتباع، لأن ظاهر الأدلة أن الحکم طریقی ولیس موضوعیاً، کسائر الحجج والأمارات، فإذا علم الإنسان بالواقع المخالف لحکم الحاکم لزم

ص:162

کما إذا استند إلی الشیاع الظنی، ولا یثبت بقول المنجمین

اتباع الواقع لا اتباع الحکم، وعلیه فلو علم الإنسان أن شاهدی الطلاق فاسقان لم یجز أن ینکح المطلقة، وإن حکم الحاکم بأنها خلیة لأنه رأی عدالتهما، کما أنه إذا علم الإنسان بأن الیوم من شهر رمضان، لأنه علم اشتباه العادلین فی رؤیتهما الهلال، بأن علم بأنهما رأیا هلالاً خشبیاً فوق مرتفع فزعما أنه هلال شوال، وحکم الحاکم تبعاً لشهادتهما بأنه عید، فإنه لا یجوز للإنسان الإفطار.

وما دلّ علی أنه ذهبت الأیمان بالحقوق، یراد به ذهاباً ظاهریاً لا واقعیاً، ولذا قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «فإنما قطعت له قطعة من النار»((1)). ولا یشک أحد بأن الوارث الذی علم بأن مورثه حلف کاذباً وأخذ مال الناس لا یکون ذلک المال للوارث بحیث یتصرف فیه ویخمّسه ویستطیع لأجله، بل اللازم أن یرده علی المأخوذ منه ظلماً، والکلام فی هذا الباب طویل موکول إلی باب القضاء.

ومما ذکرنا یعلم الإشکال فی قول المصنف:

{کما إذا استند إلی الشیاع الظنی} ولذا استشکل علیه فی المستمسک وإن سکت علیه غالب المعلقین.

{ولا یثبت} الهلال {بقول المنجمین} وأصحاب الأرصاد، کالذی یثبتونه فی التقویم أن أول الشهر الفلانی هو الیوم الکذائی، وهذا هو المشهور بین العلماء، بل

ص:163


1- الوسائل: ج18 ص169 باب 2 من أبواب کیفیة الحکم وأحکام الدعوی ح1

کاد أن یکون إجماعاً، بل لم یعرف الخلاف إلا ما حکاه الشیخ فی محکی الخلاف عن شاذ منا من العمل بالجدول.

وربما استدل له بقوله سبحانه:﴿وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ یَهْتَدُونَ﴾((1))، وبأنه کما تعلم القبلة وأوقات الصلاة بالسماء کذلک أوقات الشهر، وبأنه طریق عقلائی.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ الآیة تدل علی الاهتداء بالنجم لا العمل بقول المنجمین، فإن أول الشهر لا یظهر من النجم، بل من القواعد الحسابیة، ومعرفة القبلة بها إنما هی للأدلة الخاصة، وقیاس ما نحن فیه علی ذلک لا دلیل علیه، وأوقات الصلاة إنما تثبت بالقطع والأدلة الشرعیة، ولا نسلّم أنه طریق عقلائی، ولو سلم فذلک ممنوع منه فی الشریعة بالنسبة إلی المقام، للردع عنه کما ردع عن القیاس ونحوه.

أما دلیل المشهور، فهی الروایات الکثیرة الحاصرة لثبوت الهلال بالرؤیة أو شهادة الشاهدین أو نحوهما، وما دل علی أن الشهر لا یکون بالتظنی، ومن المعلوم أن قول المنجم بل علمه بنفسه لا یورث إلا الظن.

نعم إذا فرضنا أن منجّماً حصل له العلم من حسابه کان حجة

ص:164


1- سورة النحل: الآیة 16

بالنسبة إلیه، لأنه علم لا لأنه حساب، ویؤید ذلک التضارب الشائع بین أقوال المنجمین، فهذا یقول: إن أول الشهر الثلاثاء، وذلک یقول: إنه الأربعاء، وهکذا.

وربما استدل فی الوسائل تبعاً لمحکی التذکرة بما ورد عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «من صدّق کاهناً أو منجماً فهو کافر بما أنزل علی محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)»((1)).

وفیه: إن المراد بالتنجیم من یعتقد بآثار النجوم، ویخبر بها من أنها تؤثر فی موت فلان وحیاة فلان وما أشبه، لا تصدیق ما حسبه المنجّم من أول الشهر والکسوف والخسوف والقمر فی العقرب وما أشبه، کما أوضحه شیخنا المرتضی (رحمه الله) فی المکاسب، وغیره فی غیره.

کما أنه استدل فی الوسائل وغیره لذلک بمکاتبة أبی عمرو، أنه کتب إلیه (علیه السلام): أخبرنی یا مولای أنه ربما أشکل علینا هلال شهر رمضان ولا نراه، ونری السماء لیست فیها علة، ویفطر الناس ونفطر معهم، ویقول قوم من الحسّاب قبلنا إنه یری فی تلک اللیلة بعینها بمصر وأفریقیة والأندلس، هل یجوز یا مولای ما قاله الحساب فی هذا الباب حتی یختلف العرض((2)) علی أهل الأمصار، فیکون صومهم

ص:165


1- الوسائل: ج7 ص215 باب 15 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2
2- الفرض ظ ، منه دام ظله

ولا بغیبوبة الشفق فی اللیلة الأخری

خلاف صومنا وفطرهم خلاف فطرنا؟ فوقّع (علیه السلام): «لا تصومن الشک، أفطر لرؤیته وصم لرؤیته»((1)).

لکن الاستدلال بذلک مبنی علی کون المراد به أنه لا یحصل من قول الحسّاب سوی الشک فلا تصومن، کما ذکره فی منتهی المقاصد، وردّ بذلک ما فسره به المستند من أن معناه أنه لا یحصل من الرؤیة فی مصر وأخریه إلا الشک بالنسبة إلی بلدکم فلا تصومن لأجله.

أقول: الظاهر أن الحسّاب کانوا یقولون إنه یظهر فی مصر، ولا یظهر فی هذا الأفق، ویشک أهل هذا الأفق فی صحة قول المنجمین بالنسبة إلی هذا الأفق، وجواب الإمام له قطعتان:

الأولی: إنه لا یجب الصوم بالشک.

والثانیة: إن الصوم للرؤیة.

وإطلاقه یقتضی أنه لو شک وإن أخبر المنجم لم یجب الصوم، کما یقتضی أنه لا تجب متابعة بلد آخر مخالف فی الأفق لهذا البلد، وإن علم بظهور الهلال فی ذلک البلد، ویکون هذا الحدیث دلیلاً علی عدم وحدة الآفاق فی الحکم.

عدم ثبوت الهلال بغیبوبة الشفق

{ولا بغیبوبة الشفق فی اللیلة الأخری} أی غیبوبة الهلال بعد الشفق، حیث جعله بعضهم دلیلاً علی أنه للیلة سابقة، وعدم کون ذلک علامة هو المشهور، کما فی الحدائق والمستند

ص:166


1- الوسائل: ج7 ص215 باب 15 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1

وغیرهما، خلافاً للصدوق فی المقنع، فإنه قال: "وأعلم أن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو للیلة وإن غاب بعد الشفق فهو للیلتین، وإن رؤی فیه ظل الرأس _ أی رأس الأشیاء فی نور القمر _ فهو لثلاث لیال"((1)) انتهی.

وعن الشیخ حمل هذا بما إذا کان فی السماء علة، جمعاً بین الأخبار.

وکیف کان، فقد استدل للصدوق ببعض الأخبار، مثل ما رواه إسماعیل بن الحرّ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو للیلة، وإذا غاب بعد الشفق فهو للیلتین»((2)).

وصحیحة محمد بن مرازم، عن أبیه، عن الصادق (علیه السلام) قال: «إذا تطوق الهلال فهو للیلتین، وإذا رأیت ظل رأسک فیه فهو لثلاث»((3)).

والخبر الأول ضعیف، والثانی معرض عنه ومعارض بدلیل المشهور، وهو موثق أبی علی بن راشد، قال: کتب إلی أبی الحسن

ص:167


1- المقنع: ص16 باب رؤیة الهلال فی شهر رمضان سطر 7
2- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص78 الباب 35 باب الصوم للرؤیة والفطر للرؤیة ح10
3- الوسائل: ج7 ص203 باب 9 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2

ولا برؤیته یوم الثلاثین قبل الزوال فلا یحکم بکون ذلک الیوم أول الشهر

العسکری (علیه السلام) کتاباً وأرّخه یوم الثلاثاء للیلة بقیت من شعبان، وذلک فی سنة اثنتین وثلاثین ومائتین وکان یوم الأربعاء یوم الشک فصام أهل بغداد یوم الخمیس وأخبرونی أنهم رأوا الهلال لیلة الخمیس ولم یغب إلا بعد الشفق بزمان طویل، قال: فاعتقدت أن الصوم یوم الخمیس وأن الشهر کان عندنا ببغداد یوم الأربعاء، قال: فکتب (علیه السلام) إلی: «زادک الله تعالی توفیقاً فقد صمت بصیامنا» قال: ثم لقیته بعد ذلک فسألته عما کتبت به إلی، فقال لی: «أو لم أکتب إلیک إنما صمت الخمیس ولا تصم للرؤیة»((1))، فإنه یدل علی عدم الاعتبار بذلک مع فرض الغیاب بعد الشفق بزمان طویل.

أما جمع الشیخ بین الطائفتین، بالحمل علی ما إذا کان فی السماء علة، وما إذا لم یکن، فهو جمع عار عن الشاهد، ولعل الشیخ أراد بیان إمکان ذلک دفعاً للتناقض بین الأخبار.

ولا برؤیته یوم الثلاثین

{ولا برؤیته یوم الثلاثین قبل الزوال، فلا یحکم بکون ذلک الیوم أول الشهر} فعن المدارک إنه قول معظم الأصحاب، وعن المنتهی نسبته إلی أکثر علمائنا إلا من شذ، وفی الحدائق إنه المشهور، وفی الجواهر إنه المشهور شهرة عظیمة یمکن تحصیل الإجماع معها، وعن الغنیة دعوی الإجماع علیه صریحاً، خلافاً لقولین آخرین.

ص:168


1- الوسائل: ج7 ص203 باب 9 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1

الأول: إنه إن رؤی الهلال قبل الزوال فهو للّیلة الماضیة، وإن رؤی بعد الزوال فهو للیلة المستقبلة، وهذا هو المحکی عن السید المرتضی فی الانتصار، والصدوق فی المقنع، وأصحاب الکفایة والذخیرة والوافی والمفاتیح، واختاره المستند.

الثانی: التفصیل بین هلال رمضان فیصوم عند رؤیته قبل الزوال، وبین هلال شوال فلا یفطر عند رؤیته قبل الزوال، حکی عن المختلف.

استدل للمشهور بالأصل، لاستصحاب الشهر السابق فیما إذا رؤی قبل الزوال، وبقوله تعالی:﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ﴾((1))، ومن المعلوم أنه ربما لم یشهد الشهر أول الأذان، لأن القمر لم یخرج بعدُ من تحت الشعاع، فالصوم لیس بواجب صباحاً، فوجوبه عند الخروج من تحت الشعاع قبل الظهر یلزم منه وجوب الصوم بدون الشهر.

وبقوله تعالی:﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیْلِ﴾((2)) فإنه إذا ظهر القمر قبل الزوال فی آخر یوم من الشهر فوجب الإفطار لم یجب إتمام الصوم إلی اللیل، وبالإجماع المتقدم حکایته عن الغنیة، وبجملة من الروایات:

ص:169


1- سورة البقرة: الآیة 185
2- سورة البقرة: الآیة 187

کصحیحة محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «إذا رأیتم الهلال فأفطروا، أو شهد علیه عدل، وأشهدوا علیهم عدولاً من المسلمین، وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصیام إلی اللیل، وإن غمّ علیکم فعدوا ثلاثین یوماً ثم أفطروا»((1))، بتقریب أن المراد بوسط النهار وقت ارتفاع النهار قبل الظهر إلی الظهر.

وروایة محمد بن عیسی، قال: کتبت إلیه (علیه السلام): جعلت فداک ربما غمّ علینا هلال شهر رمضان فنری من الغد الهلال قبل الزوال، وربما رأیناه بعد الزوال، فتری أن نفطر قبل الزوال رأیناه أم لا، وکیف تأمر فی ذلک؟ فکتب (علیه السلام): «تتم إلی اللیل فإنه إن کان تاماً رؤی قبل الزوال»((2)).

بتقریب أن المراد هلال شوال، حیث قال: «نفطر» ولم یقل: نصوم، وقال (علیه السلام): «تتم» حیث ظاهره أنه یتم الصوم، وسند الروایة مجبور بالشهرة، کما أن دلالتها لا غبار علیها، وجهالة المکتوب إلیه لا تضر بعد أن أودعها المحدثون والعلماء فی کتبهم بعنوان أنه الإمام (علیه السلام) کما لا یخفی.

وروایة جرّاح المداینی، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام):

ص:170


1- الوسائل: ج7 ص201 باب 8 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
2- الوسائل: ج7 ص201 باب 8 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4

«من رأی هلال شوال بنهار فی رمضان فلیتم صیامه»((1)). فإن إطلاقه یشمل قبل الزوال.

ومرسل الفقیه، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «إذا رأیتم الهلال أو رآه ذوا عدل منکم نهاراً فلا تفطروا حتی تغرب الشمس، کان ذلک فی أول النهار أو فی آخره»، وقال: «لا تفطروا إلا لتمام ثلاثین من رؤیة الهلال أو بشهادة شاهدین عدلین»((2)).

ومرسل المقنع، قال: «روی إذا رأیت الهلال من وسط النهار أو آخره فأتم الصیام إلی اللیل»((3)).

واستدل المشهور أیضاً بالأخبار الدالة علی أنه «الصوم للرؤیة والإفطار للرؤیة» لانصرافها إلی صوم یوم الغد وإفطار یوم الغد من الرؤیة، ولذا لم یحتمل أحد بالصوم والإفطار فی العصر عند الرؤیة.

استدل من قال بالتفصیل بین قبل الظهر وبعده، بجملة من الروایات:

کصحیح حماد بن عثمان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال:

ص:171


1- الوسائل: ج7 ص201 باب 8 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2
2- الفقیه: ج2 ص76 الباب 35 من أبواب الصوم للرؤیة والفطر للرؤیة ح4، نقله بالمعنی یراجع
3- المقنع: ص16 باب رؤیة الهلال سطر 9

«إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للیلة الماضیة، وإذا رأوه بعد الزوال فهو للیلة المستقبلة»((1)).

وموثقة عبید بن زرارة، وعبد الله بن بکیر، قالا: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «إذا رؤی الهلال قبل الزوال فذلک الیوم من شوّال، وإذا رؤی بعد الزوال فذلک من شهر رمضان»((2)).

والمرسل، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حدیث قال: «وإذا رؤی هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلک الیوم من شوال، وإذا رؤی بعد الزوال فذلک الیوم من شهر رمضان»((3)).

وموثقة إسحاق، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث فی هلال رمضان: «وإذا رأیته من وسط النهار فأتم صومه إلی اللیل»((4))، بناءً علی أن المراد من وسط النهار وبعد الظهر.

وروایة الصدوق فی المقنع، عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: «إذا رأی الهلال قبل الزوال فذلک الیوم من شوال، وإذا رأی الهلال

ص:172


1- الوسائل: ج7 ص202 باب 8 من أبواب أحکام شهر رمضان ح6
2- الوسائل: ج7 ص202 الباب 8 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5
3- الفقیه: ج2 ص110 الباب 57 من أبواب من صح عندهم الرؤیة للصوم ح2
4- الوسائل: ج7 ص201 الباب 8 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3

بعد الزوال فذلک الیوم من شهر رمضان»((1)).

وقد أکثر المشهور فی الطعن فی هذه الروایات بضعف السند فی بعضها، وبضعف الدلالة فی بعض آخر، وبموافقتها لجملة من العامة، وبمعارضتها للکتاب والسنة، التی تقدم جملة منها فی قول المشهور، وبإعراض المشهور عنها، حتی أن من القدماء لم یفت بها إلا السید فی کتاب واحد من کتبه، والصدوق لم یعلم فتواه بذلک، لأنه رجع عن التزامه فی أول الفقیه((2))، وبتقدیم روایات المشهور علیها فی الجمع الدلالی، إلی غیرها مما یجدها المتتبع فی الحدائق والجواهر والمستند ومنتهی المقاصد وغیرها.

لکن الإنصاف أنه لو لا الشهرة العظیمة القدمائیة، حتی أنه لم یعلم الخلاف إلا من السید فی کتاب واحد من کتبه فقط، مما یعرف منه إعراض القدماء عن هذه الروایات، فیشمله قوله (علیه السلام): «خذ بما اشتهر بین أصحابک»((3))، و«أن المجمع علیه لا ریب فیه» بناءً علی شموله لشهرة الفتوائیة، لکان قول المفصل مقدماً حسب الصناعة، ولا یطعن فی الشهرة بما عن المصابیح من أن الأمر فیها هین

ص:173


1- المقنع: ص16 باب رؤیة الهلال سطر 9
2- الفقیه: ج1 ص7 (المقدمة)
3- جامع الأحادیث: ج1 ص255 باب ما یعالج به تعارض الروایات ح428

ولا بغیر ذلک مما یفید الظن ولو کان قویاً

بعد مخالفة کثیر من أجلاء المتقدمین، وموافقة أکثر المتأخرین لهم، وتردد آخرین فی المسألة، إذ لم نعرف من المتقدمین إلا المرتضی، ولا من المتأخرین إلا جماعة من المحدثین والمستند، ولا من المترددین إلا العلامة فی کتاب واحد، إن عدّ کلامه تردداً.

ومع ذلک کله فالاحتیاط لا ینبغی ترکه، وقد ذکر المستمسک أن المسألة لا تخلو عن إشکال، وإن سکت علی المتن المعلقون الآخرون الذین رأیت تعلیقاتهم، والله العالم.

ولا بالطرق غیر الشرعیة

{ولا بغیر ذلک مما یفید الظن ولو کان قویاً}:

1: کالتطوق بأن یظهر النور فی أطراف جرمه مستدیراً، فإنه لا یعلم بذلک کون الهلال للیلتین، الذی یحکی عن الصدوق، حیث إنه ذکر روایته فی الفقیه، ولکن قال فی المدارک: إن عدم اعتبار التطوق مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفاً، وقد تقدم أن الصدوق لم یلتزم بالعمد بما فی الفقیه((1)).

2: وکعدّ خمسة أیام من أول الهلال فی السنة الماضیة، فإنه هو المشهور، بل فی الحدائق استظهر عدم الخلاف فیه.

3: وکجعل شعبان ناقصاً أبداً، ورمضان تاماً أبداً، وقد نسب المعتبر فی محکی کلامه هذا القول إلی الحشوی، وکلامه یشعر بالإجماع

ص:174


1- المدارک: ص338 کتاب الصوم سطر 1

علی عدمه عندنا، نعم عند المفید فی بعض کتبه والصدوق العمل بذلک.

4: وکملاحظة الکبیسة فی بعض السنوات.

5: وکعدّ تسعة وخمسین یوماً من أول رجب.

وإن ورد بذلک روایات، لکنها کلها معرض عنها، بل لم یعلم القول بها من أحد، وبعضها محمولة علی التقیة أو محامل آخر، وفی الوسائل حمل بعضها علی الاستحباب.

فمن الأول: صحیح مرازم المتقدم فی مسألة الغیبوبة بعد الشفق.

ومن الثانی: روایة عمران الزعفرانی، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إن السماء تطبق علینا بالعراق الیومین والثلاثة فأی یوم نصوم؟ قال: «أفطر الیوم الذی صمت من السنة الماضیة، فعدّ خمسة أیام وصم یوم الخامس»((1)).

وروایة الخدری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «صم فی العام المستقبل الیوم الخامس من یوم صمت فیه عام أول»((2)).

ص:175


1- الوسائل: ج7 ص205 الباب 10 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3
2- الوسائل: ج7 ص204 الباب 10 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1

ومرسل الصدوق، قال (علیه السلام): «إذا صمت شهر رمضان فی العام الماضی فی یوم معلوم فعد فی العام المستقبل من ذلک الیوم خمسة أیام وصم الیوم الخامس»((1)).

إلی غیرها من الأخبار الضعیفة السند أو الدلالة، أو المحمولة علی الاستحباب، لإعراض المشهور عنها.

ومن الثالث: ما رواه حذیفة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «شهر رمضان ثلاثون یوماً لا ینقص أبداً»((2)).

وروایة معاذ، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «شهر رمضان ثلاثون یوماً لا ینقص والله أبداً»((3)).

وروایة حذیفة الثانیة، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «لا والله، لا والله، لا والله ما نقص شهر رمضان ولا ینقص أبداً من ثلاثین یوماً وثلاثین لیلة»((4)).

ص:176


1- الوسائل: ج7 ص306 الباب 10 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4
2- الوسائل: ج7 ص195 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح26
3- الوسائل: ج7 ص195 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح27
4- الوسائل: ج7 ص195 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح29

وروایة معاویة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی قوله تعالی: ﴿وَلِتُکْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾((1)) قال: «الصوم ثلاثون یوماً»((2)).

وروایة یعقوب بن شعیب، عن أبیه، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إن الناس یقولون: إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) صام تسعة وعشرین یوماً أکثر مما صام ثلاثین یوماً، فقال (علیه الصلاة والسلام): «کذبوا، ما صام رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) إلاّ تاماً، وذلک قول الله تعالی:﴿وَلِتُکْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ فشهر رمضان ثلاثون یوماً، وشوال تسعة وعشرون یوماً، وذو القعدة ثلاثون یوماً لا ینقص أبداً، لأن الله تعالی قال:﴿وَوَاعَدْنا مُوسَی ثَلاثینَ لَیْلَةً﴾((3))، وذو الحجة تسعة وعشرون یوماً، ثم الشهور علی مثل ذلک شهر تام وشهر ناقص، وشعبان لا یتم أبداً»((4)).

وروایة معاذ بن کثیر، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إن الناس یقولون إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) صام

ص:177


1- سورة البقرة: الآیة 185
2- الوسائل: ج7 ص196الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح31
3- سورة الأعراف: الآیة 142
4- الوسائل: ج7 ص196 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح32

تسعة وعشرین أکثر مما صام ثلاثین، فقال: «کذبوا، ما صام رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) منذ بعثه الله تعالی إلی أن قبضه أقل من ثلاثین یوماً، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض من ثلاثین یوماً ولیلة»((1)).

إلی غیرها من الروایات التی هی بهذه المضامین.

لکن یرد علیه، بالإضافة إلی أنه خلاف الوجدان، حیث لا شک فی کون بعض السنوات یکون شعبان فیه تاماً ورمضان ناقصاً، إن هذه الروایات خلاف طوائف من الأخبار.

الأولی: ما دلّ علی أن شهر رمضان یکون تاماً، وناقصاً أخری، کسائر الشهور.

الثانیة: ما دلّ علی أن شعبان تام إذا لم یر الهلال.

الثالثة: ما دلّ علی أن شهر رمضان یکون ناقصاً، کخبر محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «شهر رمضان یصیبه ما یصیب الشهور من النقصان، فإذا صمت تسعة وعشرین یوماً ثم تغیمت السماء فأتم العدة ثلاثین»((2)).

ص:178


1- الوسائل: ج7 ص194 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح24
2- الوسائل: ج7 ص189 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1

وخبر إسحاق، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: «إن الشهر هکذا وهکذا وهکذا یلصق کفیه ویبسطهما، ثم قال: وهکذا وهکذا وهکذا ثم یقبض إصبعاً واحدة فی آخر بسطة بیدیه وهی الإبهام، فقلت: شهر رمضان تام أبداً أم شهر من الشهور؟ فقال: هو شهر من الشهور، ثم قال: إن علیاً (علیه السلام) صام عندکم تسعة وعشرین یوماً فأتوه فقالوا: یا أمیر المؤمنین قد رأینا الهلال؟ فقال: أفطروا»((1)).

وخبر حماد، عن أبی عبد الله (علیه السلام) إنه قال فی شهر رمضان: «هو شهر من الشهور یصیبه ما یصیب الشهور من النقصان»((2)).

وخبر الواسطی، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قال علی (علیه السلام): «صمنا مع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) تسعة وعشرین یوماً ولم یقضه»((3)).

ومثل هذه الأخبار أخبار الشحام، ومحمد، وسماعة، وابن الفضیل، ومعاویة، والحلبی، وعبید، وابن قیس، وإسحاق، وهشام، وغیرها وغیرها من الأخبار التی هی فوق

ص:179


1- الوسائل: ج7 ص189 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2
2- الوسائل: ج7 ص190 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3
3- الوسائل: ج7 ص193 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح16

التواتر والموجودة فی الوسائل والمستدرک، فراجع.

والظاهر أن الأخبار الدالة محمولة علی التقیة من أصحاب العدد، فإنهم کانوا متنفذین فی قصور الخلفاء کما لا یخفی علی من راجع التاریخ.

ویؤیّد التقیّة فی تلک الأخبار أن کثیراً منها مشتملة علی الحلف بالله، بل الحلف مکرراً، ومن المعلوم أن الحکم لا یحتاج إلی الحلف، فکأنها کانت لأجل تبرئة النفس عن شبهة التوریة والتقیة کما لا یخفی، بل ویؤیده النسبة إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فإن النسبة تبعّد احتمال التوریة والتقیة، وممّا یؤیّد ذلک أن أحد هؤلاء الرواة الذین رووا أحادیث التمام لم یسألوا أنه کیف یکون ذلک مع الشاهد فی الخارج من أنه یری أحیاناً رمضان ناقصاً، ولو لم یکن المجال مجال التقیة لکان من الطبیعی أن یسأل عن الإمام عن وجه التخالف بین قوله وبین الخارج.

ثم إنه لو کان أخبار التمام فی رمضان والنقص فی شعبان صحیحاً، لزم بطلان جمیع أخبار ثبوت الهلال بالبینة، وغیرها وغیرها، وهی فوق مائة خبر مما کلها باطلة أو فی غنی عنها أو تحت هذه الأخبار، وقد ألّف السید المرتضی رسالة ردّ علی أصحاب العدد ذکر فیها روایات نافعة جداً فراجعها، ونقل شطراً منها المستدرک، وهناک بعض المحامل الأخر ذکرها الوسائل وغیره فراجعها.

ومن الرابع: ما رواه السیاری، قال: کتب محمد بن الفرج إلی

ص:180

العسکری (علیه السلام) یسأله عما روی من الحساب فی الصوم عن آبائک (علیهم السلام) فی عدّ خمسة أیام بین أول السنة الماضیة والسنة الثانیة الذی یأتی، فکتب: «صحیح، ولکن عدّ فی کل أربع سنین خمساً، وفی السنة الخامسة ستاً فیما بین الأولی والحادث، وما سوی ذلک فإنما هو خمسة خمسة»، قال السیاری: وهذه من جهة الکبیسة، قال: وقد حسبه أصحابنا فوجدوه صحیحاً، قال: وکتب إلیه محمد بن الفرج فی سنة ثمان وثلاثین ومائتین: هذا الحساب لا یتهیأ لکل إنسان أن یعمل علیه إنما هذا لمن یعرف السنین، ومن یعلم متی کانت سنة الکبیسة، ثم یصح له هلال شهر رمضان أول لیلة، فإذا صح الهلال للیلته وعرف السنین صح ذلک إن شاء الله ((1)).

أقول: وهذا دلیل أیضاً لما ذکرناه من أن الأمر کان تقیةً من أصحاب العدد.

ومن الخامس: ما رواه الصدوق، عن الصادق (علیه السلام) قال: «إذا صح هلال رجب فعدّ تسعة وخمسین یوماً، وصم یوم الستین»((2)).

ومثله مرفوعة أبی خالد، وغیرها، ولا یخفی أن ذلک

ص:181


1- الوسائل: ج7 ص205 الباب 10 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2
2- الفقیه: ج2 ص78 الباب 35 باب الصوم للرؤیة والفطر للرؤیة ح11

إلا للأسیر والمحبوس.

أیضا یوافق أخبار العدد، وإن حمله فی الوسائل علی الاستحباب، والله الهادی إلی صوب الصواب.

{إلا للأسیر والمحبوس} وشبههما کما سیأتی.

ص:182

مسألة ١ اعتبار الشهادة بالرؤیة لا بالعلم

(مسألة 1): لا یثبت بشهادة العدلین إذا لم یشهدا بالرؤیة، بل شهدا شهادة علمیة.

{مسألة 1: لا یثبت} الهلال {بشهادة عدلین إذا لم یشهدا بالرؤیة، بل شهدا شهادة علمیة} بأن قالا علمنا بالهلال بدون الرؤیة، علماً من الحساب أو من طریق خارق کالجفر ونحوهما، أو من القرائن کعدم رؤیة الهلال ثلاثة أیام فی آخر الشهر، إذ المحاق لا یکون أکثر من ثلاثة، أو ما أشبه ذلک، لأن العلم إنما ینفع الإنسان نفسه، ولا ینفع غیره الذی لم یعلم، والشهادة فی باب الهلال لا بد وأن تکون عن الرؤیة، کما فی النصوص المتقدمة.

نعم لو کانت الشهادة العلمیة مستندة إلی رؤیة الهلال السابق قبل واحد وثلاثین یوماً کفت، لأنها شهادة مستندة إلی الرؤیة أیضاً، وکذلک إذا کانت شهادة الشهور مستندة إلی ما هو حجة، کالشهادة التابعة لحکم الحاکم، بأن شهدا بأن الحاکم حکم، أو الشهادة علی الشیاع أو التواتر، أو الشهادة علی العدد والجدول وما أشبه، بالنسبة إلی من یری حجیة تلک الأمور.

لکنک قد علمت سابقاً أنهما لو شهدا شهادة مطلقة بأن قالا: الیوم شهر رمضان أو شوال کفت، وإن لم نعلم أنها مستندة إلی الرؤیة أو حکم الحاکم أو غیرهما، لشمول مطلقات الشهادة لمثلها((1)).

ص:183


1- الوسائل: ج7 ص206 الباب 10 من أبواب أحکام شهر رمضان ح7

ثم إنه لو شهد أحدهما بالرؤیة والآخر بحکم الحاکم، ففی القبول احتمالان:

القبول، لأنهما یشهدان علی شیء واحد وهو شهر رمضان، منتهی الأمر أحدهما یشهد علی الطریق، والآخر یشهد علی ذی الطریق، کما إذا شهد أحدهما علی الرضاع المحرّم، والآخر علی خمس عشرة رضعة، أو شهد أحدهما علی أن الدار لزید، والآخر علی أنه اشتراها أو ورثها. ومثله ما لو شهد أحدهما علی أنه من رمضان والآخر علی الرؤیة.

وعدم القبول، لأن شهادتهما لا ترد علی موضوع واحد، کما تقدم عن بعض فی أنه لو شهد أحدهما علی هلال هذا الشهر والآخر علی هلال الشهر السابق قبل واحد وثلاثین یوماً.

لکن قد عرفت أن القبول أقرب.

ولو شهدا بالهلال ثم خرجا أو أحدهما عن الأهلیة بأن فسق، لم تسقط الشهادة، لأن الاعتبار بحال الشهادة.

نعم لو شک أحدهما بعد الیقین سقطت، لأن الشک یزیل الرؤیة عن مکانها، فیکون من قبیل قاعدة الیقین التی یکون الشک فیها مزیلاً للیقین من موضعه، وظاهر أدلة الشهادة بقاء الشاهد علی شهادته.

ولو شهدا بالهلال فی حال عدم الأهلیة ثم تأهلّاً وبقیا علی شهادتهما کفت، لأنهما شهادة فعلاً، وهی حجیة.

ولو شهد ثلاثة ثم تبین عدم الأهلیة فی أحدهم لم یضر، لوجود العدد الکافی، ولو تبیّن عدم الأهلیة فی اثنین ضرّ کما لا یخفی.

ص:184

ومنه یعلم أنه لو شهد أحدهما شهادة عملیة، والآخر شهادة رؤییة لم تنفع.

وهل یحق للشاهد أن یشهد بلا ذکر المستند والحال أنها مستندة إلی ما لیس بحجة عند الحاکم، وهو حجة عند الشاهد؟

یحتمل الجواز کما ذکروا فی باب المدیون الذی وفی دینه وادعی علیه الدائن، فإنه یحق له أن یقول: لا دین علی، تخلصاً من الاعتراف بالدین الذی یلزمه إن اعترف به ثم ادعی أنه أدّاه.

ویحتمل العدم، لأنه من قبیل التزویر.

وهذا الکلام یأتی فی کل باب یکون رأی الشاهد والمشهود له _ حاکماً کان أو غیره _ متخالفین، کما إذا کان الشاهد یری کفایة الرضاع بعشرة أو کفایة المعاطاة أو العقد الفارسی بینما الحاکم لا یری ذلک، فهل یحق لهما الشهادة علی الحرمة أو الملکیة أو الزوجیة، أو لا، ولا یبعد الجواز، لأنه شهادة بما یعلم فینطبق علیه قوله (علیه السلام): «علی مثل هذا فاشهد»، وقوله تعالی:﴿وَلا یَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا﴾((1))، إلی غیرها من إطلاقات أدلة الشهادة، مع وضوح أنه کثیراً ما یختلف الشاهد والحاکم فی النظر، وموضوع الکلام باب الشهادة، فتأمّل.

ص:185


1- سورة البقرة: الآیة 282

مسألة ٢ موارد ترک الصوم قصوراً ووجوب القضاء بدلاً

(مسألة 2): إذا لم یثبت الهلال وترک الصوم، ثم شهد عدلان برؤیته یجب قضاء ذلک الیوم. وکذا إذا قامت البینة علی هلال شوال لیلة التاسع والعشرین من هلال رمضان أو رآه فی تلک اللیلة بنفسه.

{مسألة 2: إذا لم یثبت الهلال وترک الصوم، ثم شهد عدلان برؤیته، یجب قضاء ذلک الیوم} بلا خلاف ولا إشکال، وذلک لأن البینة حجة مطلقاً، سواء قامت فی وقت التکلیف أو بعده، فإذا قامت البینة بعد موت زید أنه کان مدیوناً لعمرو، وجب علی الورثة أداء الدین، ولو قامت أنه کان مکلفاً بالکفارة أو الحج أو القضاء أو ما أشبه وجب علیهم القضاء عنه، وهکذا، هذا بالإضافة إلی الأدلة الخاصة فی المقام مما یأتی.

{وکذا إذا قامت البینة علی هلال شوال لیلة التاسع والعشرین من هلال رمضان، أو رآه فی تلک اللیلة بنفسه} أو قامت سائر الأدلة المثبتة للهلال، فإنه یقضی یوماً.

ویدل علی الحکمین ما رواه منصور بن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «صم لرؤیة الهلال وافطر لرؤیته، فإن شهد عندکم شاهدان مرضیان بأنهما رأیاه فاقضه»((1)).

ص:186


1- الوسائل: ج7 ص208 الباب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4

وما رواه ابن سنان، عن رجل: «صام علی (علیه السلام) بالکوفة ثمانیة وعشرین یوماً شهر رمضان، فرأوا الهلال، فأمر منادیاً ینادی: اقضوا یوماً فإن الشهر تسعة وعشرون یوماً»((1)).

ولا یخفی أن الأئمة (علیهم السلام) کانوا یفعلون کما قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إنما أقضی بینکم بالبینات والأیمان»((2))، ولذا فکأنه (علیه السلام) لم یرد خلاف ذلک، وإن ینافی ذلک أنه (علیه السلام) صام کل الشهر، ولعلّ ذلک لأجل ترسیخ قواعد الرؤیة حتی لا یأت الحکام بعده ویعملون حسب أهوائهم یقولون علمنا بذلک، فیکون عمله (علیه السلام) تبریراً لشهواتهم إذا کان الإمام (علیه السلام) عمل حسب عمله.

وفی خبر الشحام، عن الصادق (علیه السلام)، قلت: أرأیت إن کان الشهر تسعة وعشرین یوماً أقضی ذلک الیوم؟ فقال: «لا، إلا أن یشهد لک بینة عدول، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلک فاقض ذلک الیوم»((3)).

ص:187


1- الوسائل: ج7 ص214 الباب 14 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
2- الوسائل: ج18 ص169 الباب 2 من أبواب کیفیة الحکم وأحکام الدعوی ح1
3- الوسائل: ج7 ص190 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4

ومثله خبر ابن مسکان والحلبی، عن الصادق (علیه السلام).

وخبر هشام بن الحکم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال فیمن صام تسعة وعشرین، قال: «إن کانت له بینة عادلة علی أهل مصر أنهم صاموا ثلاثین علی رؤیته قضی یوماً»((1)).

وفی خبر ابن سنان، عن الصادق (علیه السلام)، قلت: إن کان الشهر تسعة وعشرین یوماً أقضی ذلک الیوم؟ قال: «لا، إلا أن تشهد لک بینة عدول، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلک فاقض ذلک الیوم»((2)).

إلی غیرها من الروایات الکثیرة المذکورة فی الوسائل والمستدرک فی باب جواز کون شهر رمضان تسعة وعشرین یوماً، وغیره من سائر الأبواب.

ثم إنه إذا تضاربت الرؤیة وسائر الأمارات کالشهود والحکم وغیرها قدمت الرؤیة، لأن المستفاد من الأدلة أنها الأصل، والباقی طرق إلیها، مضافاً إلی تأیید ذلک بما تقدم من روایات أنه لو رآه ولم یره غیره.

ص:188


1- الوسائل: ج7 ص192 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح13
2- الوسائل: ج7 ص193 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح19

أما إذا تضاربت سائر الأمارات، کما إذا شهد الشاهدان بأنهما رأیاه، وحکم الحاکم بعدم الرؤیة، فالظاهر التساقط والرجوع إلی استصحاب الشهر، فلا یصوم فی أوله، ویبقی علی صومه فی آخر الشهر، لأنه لم یثبت شرعاً تقدم بعض الأمارات علی بعض، ولا ینبغی ترک الاحتیاط بالسفر ونحوه، هذا بالنسبة إلی غیر ما ذکرناه فی حکم الحاکم وأنه نافذ فی بعض الصور، فراجع.

ص:189

مسألة ٣ دائرة نفوذ حکم الحاکم

(مسألة 3): لا یختص اعتبار حکم الحاکم بمقلدیه، بل هو نافذ بالنسبة إلی الحاکم الآخر أیضا إذا لم یثبت عنده خلافة.

{مسألة 3: لا یختص اعتبار حکم الحاکم بمقلدیه، بل هو نافذ بالنسبة إلی} الکل، لإطلاق أدلة النفوذ، واحتمال أنه لیس بنافذ بالنسبة إلی غیر المقلدین، لأنه لیس بحجة علیهم، فکما لا یجب علیهم أخذ الأحکام منه کذلک لا یجب علیهم اتباعه فی الهلال، مردود بأن إطلاقات أدلة النفوذ أنه مجعول "حاکماً" و"قاضیاً" علی الناس یقتضی إطلاق نفوذ حکمه.

وأما مسألة التقلید، فقد خرجت بما ذکروه من الأدلة، أو لأن أدلة التقلید لا تشمل غیر المقلدین، والحاصل أنه من باب التخصیص أو من باب التخصّص، ومع ذلک فقد تقدم منا فی کتاب التقلید أنه لا دلیل یصرف إطلاقات التقلید عن موادها، فللمقلد أن یرجع إلی مقلّد آخر.

وکذلک ینفذ الحکم بالنسبة إلی {الحاکم الآخر أیضاً} فالواجب علیه اتباعه، ولا یجوز له رده، لإطلاقات الأدلة، واستدل بعضهم بخصوص مقبولة بن حنظلة، حیث إنها ظاهرة فی کون المتخاصمین مجتهدین، بقرینة ذیله، ومع ذلک أمرهما الإمام باتباع المجتهد {إذا لم یثبت عنده خلافه} اجتهاداً أو علماً، وإلا لم یجب علیه اتباعه، وقد تقدم الکلام فی ذلک فراجع.

ومما تقدم یظهر أن القولین الآخرین فی المسألة،

ص:190

أحدهما: عدم وجوب اتباع علی الحاکم الآخر، لعدم إطلاق الأدلة.

والثانی: وجوب الاتباع حتی فی صورة ثبوت الخلاف عند الحاکم الآخر، لإطلاق أدلة نفوذ الحکم.

لا یخلوان عن إشکال.

نعم إذا کان هناک مجتهدون متعددون حکم أحدهما علی خلاف الآخر، کان الحاکم الشاک یجب علیه الاستصحاب، کما ذکرناه بالنسبة إلی سائر الناس، وإن کان یحتمل جواز الأخذ بأیهما شاء.

وکذلک فی کل مورد تعارض فیه الطریقان، کما ذکرناه فی کتاب التقلید، وهذا هو رأی جماعة فی الطریقین المتعارضین، منهم المصنف فی کتاب القضاء.

ص:191

مسألة ٤ ثبوت الهلال فی بلد دون بلد

(مسألة 4): إذا ثبت رؤیته فی بلد آخر، ولم یثبت فی بلده، فإن کانا متقاربین کفی

{مسألة 4: إذا ثبت رؤیته فی بلد آخر ولم یثبت فی بلده، فإن کانا متقاربین} بحیث تلازم الرؤیة فی أحدهما الرؤیة فی الآخر، أو کان أحدهما شرقی الآخر بحیث إن الرؤیة فی الشرقی تلازم الرؤیة فی الغربی دون العکس {کفی} بلا إشکال ولا خلاف، لأن حال البلدین حینئذ حال المحلتین فی بلد واحد، للقطع بأنه یری فی کل تلک البلاد دفعة واحدة.

وربما استدل له بصحیح هشام بن الحکم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال فیمن صام تسعة وعشرین، قال: «إن کانت له بینة عادلة علی أهل مصر أنهم صاموا ثلاثین علی رؤیته قضی یوماً»((1)).

وروایة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن هلال رمضان یغمّ علینا فی تسع وعشرین من شعبان؟ فقال: «لا تصمه، إلاّ أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه»((2)).

وروایة الخثعمی، عن الصادق (علیه السلام): «وإنما تجوز شهادة رجلین إذا کانا من خارج المصر، وکان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأیاه

ص:192


1- الوسائل: ج7 ص192 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح13
2- الوسائل: ج7 ص201 الباب 8 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3

وأخبرا عن قوم صاموا للرؤیة وأفطروا للرؤیة»((1)).

وفی روایة أبی بصیر، عن الصادق (علیه السلام): «لا تصم ذلک الیوم الذی یقضی، إلا أن یقضی أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه»((2)).

وخبر عبد الرحمان بن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن هلال رمضان یغم علینا فی تسع وعشرین من شعبان؟ فقال: «لا تصم إلاّ أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه»((3)).

وفی خبر آخر، بالإسناد عنه (علیه السلام)، أنه سأله (علیه السلام) عن ذلک فقال: «لا تصم ذلک الیوم إلاّ أن یقضی أهل الأمصار، فإن فعلوا فصمه»((4)).

وخبر سماعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، أنه سأله عن الیوم

ص:193


1- الوسائل: ج7 ص210 الباب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح13
2- الوسائل: ج7 ص211 الباب 12 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
3- الوسائل: ج7 ص212 الباب 12 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2
4- الوسائل: ج7 ص212 الباب 12 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3

فی شهر رمضان یختلف فیه؟ قال: «إذا اجتمع أهل مصر علی صیامه للرؤیة فاقضه، إذا کان أهل مصر خمسمائة إنسان»((1))، إلی غیر ذلک.

ولهذه الأدلة العامة والخاصة والسیرة المستمرة وغیرها لا خلاف ظاهراً ولا إشکال فی وحدة حکم البلاد المتقاربة، کما فی منتهی المقاصد، وکذلک فی الجواهر، وادعی فی المستند الإجماع علی ذلک.

أما ما فی الحدائق من وصف الحکم بالشهرة، فکأنه لأجل أنه لم یتتبع کلمات الفقهاء، لا لأنه وجد المخالف، وإلاّ لصرّح بذلک.

ثم إن المعلوم أن میزان تقارب البلاد وتباعدها لیس الحدود السیاسیة المصطنعة، ولا اتحاد اللغة والعرق ونحوها، بل التقارب العرفی کالنجف والحلة وبغداد، أو کقُم وطهران وهکذا، وإن اختلف الطلوع والغروب فی الجملة کعشر دقائق وما أشبه.

کما أنه لا ینبغی الإشکال فی أن قیاس المساواة لا مجال له هنا، کأن یقال قریب القریب قریب، إذ کل بلدین بینهما بعد معتد به یکون أحدهما بالنسبة إلی الآخر قریب القریب، مثلاً خراسان بالنسبة إلی سبزوار قریب، وهو بالنسبة إلی طهران، وطهران بالنسبة إلی قم، وهکذا حتی ینتهی إلی النجف الأشرف، مع أنه لا إشکال فی عدّهما بلدین متباعدین.

ص:194


1- الوسائل: ج7 ص213 الباب 12 من أبواب أحکام شهر رمضان ح7

وإلا فلا

فإذا ثبت الهلال فی بلد کالمدینة ولم یثبت فی بلد ککربلاء، کان اللازم اتباع کل قریب لذلک البلد الذی رؤی فیه، فبغداد یتبع کربلاء، ومکة تتبع المدینة، وهکذا یؤخذ فی الاتباع کل قریب حتی یحصل الشک، کالکویت مثلاً هل أنه من توابع کربلاء أو من توابع المدینة، فإذا علمنا بأحد الأمرین فهو، وإلا کان اللازم استصحاب الشهر السابق.

ومن هنا یعلم أنه یمکن اختلاف البلدین القریبین فی الهلال وعدمه، فیما إذا کان أحدهما تابعاً لبلد رؤی فیه، والآخر تابعاً لبلد لم یر فیه.

فمثلاً بغداد یتبع کربلاء، أما سامراء فلا یتبع، لأنه تابع للموصل البعید، وإن کان بین بغداد وسامراء قرب، وعلی هذا فمن الممکن أن تختلف آفاق إیران فی الصیام والإفطار، فإذا کان بین بلدین منه فصل ساعة فی الشروق والغروب لم یتبع الشرقی منه الغربی إذا رؤی الهلال فیه وکان ضعیفاً بحیث یقطع بأنه لم یکن ظاهراً قبل ساعة مثلاً.

{وإلاّ} یکون البلدان متقاربین {فلا} تکفی الرؤیة فی أحدهما فی صیام وإفطار البلد الآخر، ذهب إلیه غیر واحد منهم، تبعاً للشیخ والعلامة وغیرهما، کما هو المشهور بین المتأخرین، خلافاً لجماعة منهم صاحب المستند وبعض المعلقین فقالوا: بعدم الفرق بین البلاد القریبة والبعیدة فی أنه إذا ثبت فی أحدهما ثبت فی الجمیع.

ص:195

وأما صاحب الحدائق فهو یری وحدة البلاد لرأیه بتسطح الأرض، فلا یمکن عدّه مخالفاً فی المسألة.

استدل للمشهور: بالکتاب والسنة والعقل والسیرة.

أما الکتاب، فقوله تعالی:﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ﴾((1))، فإن الأفق الذی لم یظهر فیه القمر لم یُشهد فیه الشهر فلا صوم فیه.

وأما السنة، فالروایات الکثیرة الدالة علی أن الصوم للرؤیة والفطر للرؤیة، فإن الأفق الذی لم یر فلا صوم ولا فطر، فهو مثل أن یقول: صلّ للدلوک، أو صلّ الغفیلة فی المغرب، فإنه خاص فی الأفق الذی دلک أو صار مغرباً ولو بمعونة الانصراف، بالإضافة إلی إطلاق قوله (علیه السلام): «إنما علیک مشرقک ومغربک، ولیس علی الناس أن یبحثوا»((2)).

فإن الظاهر أن کل إنسان مکلف بالتکالیف الشرعیة المنوطة بالمشرق والمغرب بمشرقه ومغربه، لا بمشرق أناس آخرین ومغربهم، سواء فی أوقات الصلوات، أو انتهاء السحور فی الفجر، أو جواز

ص:196


1- سورة البقرة: الآیة 185
2- الوسائل: ج7 ص213 الباب 12 من أبواب أحکام شهر رمضان ح8

الإفطار فی المغرب، أو الکون فی العرفات والمشعر، أو انتهاء العدة، وأوقات المتعة، أو صلاة العید، أو حلول الآجال والدیون، أو غیر ذلک، ومن ذلک الصیام والعید.

وأما العقد فلوضوح أن التکلیف المعلق بشیء لا بد وأن یتبع ذلک الشیء، فالتکلیف المعلق بشهر رمضان أو بشهر شوال لا بد وأن یتبع هذین الشهرین، والمفروض أنه إذا لم یر الهلال فی هذا الأفق لم یسمّ عرفاً بهذا الشهر، والرؤیة فی أفق آخر لا تکفی، إلا إذا کان هناک دلیل، والدلیل مفقود حسب الفرض.

وأما السیرة، فإنه لا إشکال فی أن أهالی کل أفق إنما کانوا یصومون حسب أفقهم ویفطرون کذلک، منذ زمان الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم)، مع أنه لا شک فی اختلاف الآفاق فی الرؤیة منذ الزمان الأول.

ویدل علی ذلک روایة کریب: «إن أم الفضل بنت الحرث بعثته إلی معاویة بالشام، قال: قدمت الشام فقضیت بها حاجتی واستهلّ علیّ رمضان، فرأینا الهلال لیلة الجمعة، ثم قدمت المدینة فی آخر الشهر، فسألنی عبد الله بن العباس وذکر الهلال فقال: متی رأیتم الهلال، فقلت: لیلة الجمعة، فقال: أنت رأیته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاویة، فقال: لکنا رأیناه لیلة السبت فلا نزال نصوم حتی نکمل العدة أو نراه، فقلت: أو لا تکتفی برؤیة معاویة وصیامه. قال: لا، هکذا أمرنا رسول الله (صلی الله علیه

ص:197

وآله).

واحتج للقول بوحدة الآفاق، مع الغض عن تسطیح الأرض الذی لا ینبغی التکلم حوله، بأنه إذا رؤی الهلال فی بلد فقد دخل شهر رمضان، وإذا دخل شهر رمضان کان حکم الکل صیامه.

وفیه: إن أرید بالصغری دخل شهر رمضان لکل الآفاق فهو أول الکلام، وإن أرید دخل شهر رمضان بالنسبة إلی آفاقهم لم تتم الکبری.

وبما تقدم من الروایات الدالة علی أنه إن شهد أهل بلد آخر فاقضه.

وفیه: إنه یحمل علی البلد المتعارف بحکم الانصراف القطعی، إذ الشائع فی الأزمنة السابقة أن البلاد المتقاربة کانوا یتزاورون، وکان من القلیل تزاور البلاد المتباعدة، فهذه مثل روایات حجیة شهود الخارج إذا تغیم البلد حیث إن المنصرف الخارج القریب.

وبقوله (علیه السلام): «وجعلت رؤیتها لجمیع الناس مرئی واحداً»، فیدل علی أن رؤیة البلاد القریبة کرؤیة البلاد البعیدة.

وفیه: إنه لا ربط له بالمقام أصلاً، إذ هذا الاستدلال فی قبال من یقول بأن الرؤیة تکون فی لیلتین، ولیس هذا معنی الروایة بلا إشکال، فالمعنی أن أهالی البلاد المختلفة یرون الأنجم والشمس والقمر بکیفیة واحدة، لا أنهم یرونها فی وقت واحد، لبداهة أنه لیس کذلک، فالکوکب والشمس والقمر تطلع فی أماکن قبل طلوعها فی

ص:198

أماکن أخر، وکذلک بالنسبة إلی الغروب.

وبأنه یلزم بناءً علی اختلاف الحکم أن یکون أول لیلة رمضان ولیلة القدر ولیلة العید وما أشبه مختلفة، مع أن ظاهر الأدلة أنها متحدة، فهل الملائکة تنزل علی ولی الله فی لیلتین وهکذا.

وفیه: أولاً: النقض بظهر یوم الجمعة وعند طلوع الفجر وعند الغروب مما ورد فیها أعمال خاصة مع وضوح اختلاف البلاد فیها، فالذی تقولون هنا قولوا به فی باب الشهر والعید ونحوهما.

وثانیاً: إنه أی مانع من تعدد الآثار حسب تعدد الآفاق، فلیلة القدر والتقدیر فی کل مکان حسب أفقه، ولا مانع من نزول الملائکة علی ولی الله فی کل لیلة للأفق الخاص به، أو أن الملائکة تنزل حسب أفق ولی الله.

وثالثاً: إنه لسنا نحن فقط یرد علیه الإشکال، بل أنتم أیضاً، فإن قلنا بوحدة الآفاق فی الهلال فماذا تقولون بالنسبة إلی الأماکن التی فیها نهار حین لیلة القدر، فهل تنزل الملائکة نهاراً أو لیلاً سابقاً أو لیلاً لاحقاً، کل ذلک خلاف ظواهر الأدلة حسب رأیکم، مضافاً إلی أن قوله تعالی:﴿حَتَّی مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾((1)) ماذا یقصد من الفجر، فجر کربلاء أو فجر خراسان أو فجر مکان الإمام أو کل حسب فجره،

ص:199


1- سورة القدر: الآیة 5

إلا إذا علم توافق أفقهما وإن کانا متباعدین

فکما تقولون فیه قولوا بالنسبة إلی لیلة القدر.

ثم إن صاحب المستند أطال فی الاستدلال علی مذهبه بما لا یخلو من إشکالات فراجع.

کما أن الذی یظهر أن علماء العامة أیضا مختلفون، فمنهم من یقول بمقالة المشهور، ومنهم من یقول بمقالة غیر المشهور.

{إلا إذا علم توافق أفقهما وإن کانا متباعدین} لوضوح وحدة الرؤیة حینئذ کالبلاد المتقاربة، کما یقال بالنسبة إلی أصفهان وکربلاء، ویعلم ذلک من خطوط الطول والعرض.

ومنه یعلم أن البلاد المتقاربة إنما یکون لها حکم واحد إذا لم یختلف أفقهما اختلافاً یوجب تعدد الرؤیة.

ثم لا یخفی أن الآفاق الشرقیة حجة علی الآفاق الغربیة، لأنه إذا رؤی الهلال فی الشرق لا بد وأن یری فی الغرب، بخلاف العکس فإن الآفاق الغربیة لیست حجة علی الآفاق الشرقیة، لإمکان أن یری فی الأفق الغرب حیث إن السیر والابتعاد عن الشمس صار أکثر، دون الشرقی لأن الابتعاد کان أقل، فإذا رؤی فی خراسان رؤی فی کربلاء، أما إذا رؤی فی کربلاء فلا دلالة علی أنه رؤی فی خراسان.

ثم إنه لو رأی الهلال فی کربلاء وسافر إلی خراسان والحال أنه لم یر هناک لا یلزم علیه الصیام، وإن وصل قبل الظهر وقصد الإقامة، لأنه انتقل إلی أفق لیس فیه رمضان، بل وکذلک لو خرج بعد الظهر من کربلاء

ص:200

ووصل هناک قبل الغروب، لأنه لیس بشهر رمضان، فلا یشمله أدلة وجوب الصیام أصلاً، من غیر فرق بین قبل الظهر وبعده.

ولو لم یر الهلال فی خراسان فلم یصم وجاء إلی کربلاء، فالظاهر أنه یجب علیه الإمساک إن لم یفطر قبل ذلک، وکذلک إن لم یفطر ووصل قبل الظهر ونوی الإقامة یلزم علیه الصیام وکفاه، لأنه عمل حسب أفق بلده الذی هو فیه الآن.

ولو أفطر فی أول شوال فی کربلاء وسافر إلی خراسان حیث الشهر بعد باق فاللازم علیه قضاء هذا الیوم، لأنه أفطر فی بلد فی أفقه شهر رمضان، ولو کان فی خراسان حیث الشهر وسافر إلی کربلاء حیث العید أفطر لأنه جاء إلی أفق العید.

ثم إنه لو أوجب السفر أن یکون شهر رمضان ثمانیة وعشرین یوماً، فالظاهر وجوب قضاء یوم علیه، لما دلّ من الأدلة المتواترة من أن شهر رمضان لا ینقص عن تسعة وعشرین، ولو أوجب السفر أن یکون شهر رمضان واحداً وثلاثین فالظاهر أنه یلزم علیه الصیام فی الیوم الواحد والثلاثین، تبعاً للأفق الذی هو فیه الآن، إذ لا وجه لأن یفطر یوماً هو من شهر رمضان فی هذا الأفق.

نعم لا یبعد أن یکون من أول الشهر الذی صامه أولاً زائداً عند الواقع، إذ لا یزید شهر رمضان عن الثلاثین حسب تواتر الروایات.

والفرق بین الفرعین یحتاج إلی التأمل، وقد ذکر بعض هذه المسائل العلامة وتبعه غیره فراجع کلماتهم، والله العالم بحقائق الأحکام.

ص:201

مسألة ٥ الاعتماد علی التلغراف

(مسألة 5): لا یجوز الاعتماد علی البرید البرقی المسمی بالتلغراف فی الإخبار عن الرؤیة، إلاّ إذا حصل منه العلم، بأن کان البلدان متقاربین وتحقق حکم الحاکم أو شهادة العدلین برؤیته هناک.

{مسألة 5: لا یجوز الاعتماد علی البرید البرقی المسمی بالتلغراف فی الأخبار عن الرؤیة} من جهتین، من جهة أن الغالب کون المحرک للآلة غیر ثقة ولا عدل، ومن جهة أن الغالب ابتعاد البلاد المرسلة والمستقبلة.

{إلا إذا حصل منه العلم} وحصول العلم یکون بارتفاع المحذورین، فارتفاع المحذور الثانی {بأن کان البلدان متقاربین} أحدهما حجة بالنسبة إلی الآخر {و} ارتفاع المحذور الأول بأن {تحقق حکم الحاکم أو شهادة العدلین} أو سائر المثبتات للهلال {برؤیته هنا}، ومن المعلوم أن قوله: (العلم) المراد منه الأعم من العلم الوجدانی والعلم التنزیلی، وذلک کما إذا شهدت الشهود بتقارب البلدین، وکذلک إذا کان المحرک للآلة عدلاً أو ثقة، فإنه حینئذ یکون من الشهادة علی الشهادة، فإذا توفر العدد وسائر الشرائط کفی.

وبما ذکرناه ظهر عدم الحزازة فی العبارة کما ذکرها المستمسک.

نعم یرد الإشکال علی التلغراف من جهة أنه شهادة علی الشهادة فیما إذا کان الشاهد غیر المحرک للآلة، وقد أشکل العلامة فی الشهادة علی الشهادة فی باب الهلال، ونسب ذلک إلی علمائنا، مستدلاً بأصل

ص:202

البراءة، واختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الأدمیین.

وفی الکل ما لا یخفی، فإنه لا إجماع قطعاً فی المسألة، والأصل أصیل حیث لا دلیل، والاختصاص ممنوع لإطلاق الأدلة العامة، کقوله تعالی:﴿وَلا یَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا﴾((1))، والروایات الواردة فی البینة، کقوله (علیه السلام): «أو تقوم به البینة»((2))، وخصوص الأدلة الخاصة، کمرسلة النهایة: «إذا شهد رجل علی شهادة رجل فإن شهادته تقبل وهی نصف شهادة، وإن شهد رجلان عدلان علی شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجل واحد»((3)).

وخبر طلحة بن زید، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «إنه کان لا یجیز شهادة رجل علی رجل إلا شهادة رجلین علی رجل»((4)). إلی غیر ذلک.

ولذا حکی فی محکی المدارک القول بالثبوت، ثم قال: "وبه جزم الشارح من غیر نقل خلاف"((5)).

ثم إن الشهادة علی الشهادة فیها تفصیل مذکور فی کتاب

ص:203


1- سورة البقرة: الآیة 282
2- الوسائل: ج12 ص60 الباب 4 من أبواب ما یکتسب به ح4
3- النهایة للطوسی: ص328 فی باب کیفیة الشهادة ..
4- الوسائل: ج18 ص298 الباب 44 من أبواب الشهادات ح2
5- المدارک: ص370 السطر 3

الشهادات حیث إنها تقبل فی بعض الموارد، بلا خلاف، ولا تقبل فی بعض الموارد _ کحقوق الله مثل الزنا واللواط _ بلا خلاف، واختلف فی بعض الموارد، کما إذا کان الحق مشترکاً بین الله وبین الآدمی کحد السرقة ونحوها.

ویظهر من حواشی منتهی المقاصد تفرد العلامة فی التذکرة بالفتوی التی نقلناها عنه من عدم القبول فی باب الهلال.

وکیف کان، فحال التلفون والتلکس والرادیو والتلفزیون، وسائر الآلات الناقلة حال التلغراف، لاشتراک الجمیع فی العلة التی ذکرناها.

ثم لا یخفی أنه لو کان الخبر بالآلة محفوفاً بالقرائن الموجبة للعلم العادی بالرؤیة ونحوها فی بلد الإخبار کفی، ولم یحتج إلی التعدد والعدالة، کما أنه إذا رأینا الشیاع فی التلفزیون، أو سماع الحاکم حین حکمه، وعلمنا أنه هو کفی، ولم یحتج إلی واسطة أخری، والله العالم.

ص:204

مسألة ٦ یوم الشک

(مسألة 6): فی یوم الشک فی أنه من رمضان أو شوال یجب أن یصوم، وفی یوم الشک فی أنه من شعبان أو رمضان یجوز الإفطار، ویجوز

{مسألة 6: {فی یوم الشک فی أنه من رمضان أو شوال یجب أن یصوم} لما تقدم من استصحاب الشهر، والإجماع، مضافاً إلی طائفة کبیرة من الروایات الدالة علی أن کلاً من الصیام والإفطار للرؤیة، وخصوص جملة من الروایات، کخبر إسحاق بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «فی کتاب علی (علیه السلام): صم لرؤیته وأفطر لرؤیته، وإیاک والشک والظن، فإن خفی علیکم فأتموا الشهر الأول ثلاثین»((1)).

وخبر علی بن محمد القاسانی، قال: کتبت إلیه وأنا بالمدینة أسأله عن الیوم الذی یشک فیه من رمضان هل یصام أم لا؟ فکتب (علیه السلام): «الیقین لا یدخل فیه الشک، صم للرؤیة وأفطر للرؤیة»((2))، إلی غیر ذلک من الروایات.

{وفی الشک فی أنه من شعبان أو رمضان یجوز الإفطار، ویجوز

ص:205


1- الوسائل: ج7 ص184 الباب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح11
2- الوسائل: ج7 ص184 الباب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح13

أن یصوم لکن لا بقصد أنه من رمضان، کما مر سابقاً تفصیل الکلام فیه.

أن یصوم لکن لا بقصد أنه من رمضان، کما مر سابقاً تفصیل الکلام فیه}.

یدل علی جواز الإفطار مع قطع النظر عن الاستصحاب والإجماع، جملة من الروایات الدالة علی أن «الصوم للرؤیة»، وخصوص أخبار خاصة: کخبر الخزاز، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: «إن شهر رمضان فریضة من فرائض الله فلا تؤدّوا بالتظنّی»((1)).

وخبر الواسطی، عن أبی جعفر (علیه السلام)، عن علی (علیه السلام) فی حدیث: «ألا وهذا الشهر المفروض رمضان فصوموا لرؤیته وأفطروا لرؤیته، فإذا خفی الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثین یوماً وصوموا الواحد وثلاثین»((2)). إلی غیر ذلک.

ویدل علی جواز الصیام لا بقصد رمضان، مع الغض عن مطلقات أدلة الصیام، والإجماع، جملة من الروایات.

کخبر هارون بن خارجة، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «عد شعبان تسعة وعشرین یوماً، فإذا کانت متغیّمة فأصبح صائماً، وإن

ص:206


1- الوسائل: ج7 ص185 الباب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح16
2- الوسائل: ج7 ص185 الباب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح17

ولو تبین فی الصورة الأولی کونه من شوال وجب الإفطار، سواء کان قبل الزوال أو بعده.

کانت مصحیة وتبصرت فلم تر شیئاً فأصبح مفطراً»((1)). وهذا محمول علی الاستحباب بلا إشکال ولا خلاف.

ولخبر محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حدیث قال: «وإذا کانت علة فأتم شعبان ثلاثین»((2)).

کما لا یجوز أن یصومه بقصد رمضان للنص والإجماع، وخصوص خبر محمد بن الفضیل، قال: سألت أبا الحسن الرضا (علیه السلام) عن الیوم الذی یشک فیه ولا یدری أهو من شهر رمضان أو من شعبان، فقال: «... ولا یعجبنی أن یتقدمه أحد بصیام یوم»((3))، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی بحث النیة بالنسبة إلی یوم الشک، فراجع.

{ولو تبین فی الصورة الأولی کونه من شوال وجب الإفطار} ولو بفسخ النیة {سواء کان قبل الزوال أو بعده} لأنه لیس بیوم صوم، ولو أفطر فی حال الشک ثم تبین أنه کان من شوال لم یجب علیه قضاء

ص:207


1- الوسائل: ج7 ص184 الباب 3 من أبواب أحکام شهر رمضان ح14
2- الوسائل: ج7 ص190 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5
3- الوسائل: ج7 ص190 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح7

ولو تبین فی الصورة الثانیة کونه من رمضان وجب الإمساک، وکان صحیحاً إذا لم یفطر ونوی قبل الزوال، ویجب قضاؤه إذا کان بعد الزوال.

ولا کفارة کما تقدم، نعم کان تجریاً.

{ولو تبین فی الصورة الثانیة کونه من رمضان وجب الإمساک، وکان} صوماً {صحیحاً إذا لم یفطر} قبل ذلک {ونوی قبل الزوال، ویجب قضاؤه إذا} أفطر قبل ذلک أو {کان} التبین {بعد الزوال}، وقد تقدم کل ذلک فراجع.

وإذا نوی الصوم من رمضان فی یوم الشک، ثم تبین أنه کان من رمضان لم یستبعد الکفایة، لقوله (علیه السلام): «وقع الصوم علی الیوم بعینه»((1)).

ص:208


1- الوسائل: ج7 ص269

مسألة ٧ لو غمّت الشهور ولم یر الهلال فیها بعضا أو کلا

(مسألة 7): لو غمت الشهور ولم یر الهلال فی جملة منها أو فی تمامها، حسب کل شهر ثلاثین ما لم یعلم النقصان عادة.

{مسألة 7: {لو غمت الشهور ولم یر الهلال فی جملة منها أو فی تمامها} وجب الفحص إن أمکن بالمراجعة إلی البلاد المتحدة أفقاً، لما سبق من وجوب الفحص، وإن لم یمکن الفحص {حسب کل شهر ثلاثین} یوماً {ما لم یعلم النقصان عادة}، لا یخفی أن النص والقطع متطابقان علی أن شهور السنة لیست کلها ثلاثین، أما القطع فواضح، والشک فی ذلک کالشک فی أن أیام السنة متساویة شروقاً وغروباً أم لیست متساویة، فإنه لا یشک إنسان عادی فی اختلاف الأشهر تماماً ونقصاً، کما لا یشک فی اختلاف الأیام طولاً وقصراً، فاستصحاب الثلاثین لکل شهر فی تمام السنة مثل استصحاب بقاء النهار ست عشرة ساعة أو بقاء اللیل ست عشرة ساعة فی کل أیام السنة، وکلاهما مخالف للقطع.

وأما الروایات، فهی ما دلّت علی أن شهر رمضان شهر من الشهور، یکون تاماً تارة وناقصاً أخری، مما یدل علی أن الشهور کذلک، وهی کثیرة قد ذکرنا جملة منها فی السابق، وما دلت علی أن ستة أیام نقّصتا من ثلاثمائة وستین یوماً.

کخبر یعقوب بن شعیب، عن أبیه، عن الصادق أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث: «إن الله تعالی خلق السنة ثلاثمائة

ص:209

وستین یوماً، وخلق السماوات والأرض فی ستة أیام، فحجزها من ثلاثمائة وستین یوماً، فالسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون یوماً»((1)).

وخبر إسماعیل، عن بعض أصحابه، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إن الله تبارک وتعالی خلق الدنیا فی ستة أیام، ثم اختزلها عن أیام السنة، والسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون یوماً»((2)).

وخبر السیاری المتقدم، إلی غیرها.

واشتمال هذه الروایات علی ما لا یقولون به من تمام شهر رمضان لا ینافی ما ذکرناه، لما هو معلوم من تقطیع الحدیث فی العمل، إذا عرفت ذلک نقول: إنه إن غمت بعض الشهور فلا إشکال فی لزوم الاستصحاب نصاً وإجماعاً، کخبر عبید بن زرارة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «شهر رمضان یصیبه ما یصیب الشهور من الزیادة والنقصان، فإن تغیمت السماء یوماً فأتموا العدّة»((3)).

ص:210


1- الوسائل: ج7 ص197 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح33
2- الوسائل: ج7 ص197 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح34
3- الوسائل: ج7 ص191 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح10

وخبر محمد بن قیس، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «إذا رأیتم الهلال فأفطروا، أو شهد علیه عدل من المسلمین» إلی أن قال: «وإن غم علیکم فعدّوا ثلاثین لیلة ثم أفطروا»((1)).

وخبر إسحاق بن عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: «إن خفی علیکم فأتموا الشهر الأول ثلاثین»((2)). إلی غیرها.

وإن غمت تمام الشهور أو أکثرها مما یکون بعضها ناقصاً حسب العادة، ففیه أقوال ثلاثة:

الأول: عدّ کل شهر منها ثلاثین، ونسب هذا القول المسالک إلی الأکثر، ومستنده أصالة عدم النقصان، ثم اعترضه بأن ذلک خلاف الواقع فی جمیع الأزمان.

الثانی: أن ینقص منها لقضاء العادة بالنقیصة، وهذا منسوب إلی القلیل، وفی محکی المدارک أنه مجهول القائل مع جهالة قدر النقص، وأشکل علیه بعدم الدلیل علیه، فإن قضاء العادة لیس دلیل شرعیاً.

الثالث: أن یعمل بروایة الخمسة، لأنه مقتضی العادة، ولروایة

ص:211


1- الوسائل: ج7 ص191 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح11
2- الوسائل: ج7 ص192 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح12

عمران الزعفرانی، أنه سأل الصادق (علیه السلام): إن السماء تطبق علینا بالعراق الیومین والثلاثة فأی یوم نصوم؟ قال: «انظروا الیوم الذی صمت» إلی أن قال «وصم الیوم الخامس»((1)).

وقریب منها روایة أخری له.

أقول: أما القول الأول، ففیه ما عرفت فی أول المسألة من أنه مخالف للنص والقطع، فلا مجال للاستصحاب والحال هذه، فإنه داخل فی ذیل روایة الاستصحاب: «بل انقضه بیقین آخر».

وأما القول الثالث، فهو خارج عن موضوع المسألة، وهو غمة تمام الشهور أو ما أشبه، لأنه فی موضوع أن یغم الیومان والثلاثة، ولا إشکال فی مثله باتباع الاستصحاب نصاً وفتویً کما عرفت من الروایات السابقة الدالة علی جعل الشهر السابق ثلاثین، هذا مع الغض عن ضعف الروایة والإشکال فیها بأنها لا تلائمه سنة الکبیسة التی هی أحد عشر فی کل ثلاثین سنة مما جمعته بالحروف الأبجد فی شعر هو:

بهزیج یویح کد من بعدکا         طوطک، ذی حجة فیها طکا((2))

فلم یبق إلا الاحتیاط أو القرعة أو القول الثانی، وإلا ولأن لا

ص:212


1- الوسائل: ج7 ص205 الباب 5 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3
2- طح: أی الثلاثونک (منه دام ظله)

قائل بهما إطلاقاً حسب تتبعی فیبقی القول الثانی، وجهالة القائل لا تضر بعد کونه علی وفق القاعدة، کما أنه لا جهالة فی قدره، لأنه بین الخمسة والستة والسبعة من السنة الماضیة، والاستصحاب فی ذلک هیّن.

بل ربما یقال: إن الظن یقوم مقام العلم، کما قرروا فی الأصول من أنه إذا لم یمکن الامتثال القطعی فالامتثال الظنی قائم عقلاً مقامه، وأخبار أن الشهر لا یؤدّی بالتظنی ونحوه لا یشمل موضوعنا، لأنها منصرفة إلی غیر صورة الغیم ونحوه.

والإشکال علی هذا القول بأنه لا دلیل علیه، لأن قضاء العادة لیس دلیلاً شرعیاً، فیه: إن من استدل بقضاء العادة أراد القطع بذلک، فإنا نقطع بأن أشهر السنة لیست کلها تامة بل بعضها ناقص، فهذا فی مقابل الاستصحاب الذی لا بد فیه من الشک المنقوض هنا بالیقین.

وهذا القول هو الذی یظهر من المصنف وأغلب المعلقین الذین وجدتهم ساکتین علیه، وقد أطال المستمسک الکلام فی الاستصحاب، وحیث إن موضعه الأصول ترکنا ذکره ومواضع النظر علیه نقضاً وردّاً.

وعلی هذا فالعلم العادی أنه لیس هلال هذا الشهر نفس یوم السنة الماضیة، ولا إلی أربعة أیام، یبقی احتمال أنه الخامس أو السادس أو السابع، مع العلم أنه لیس الثامن فأکثر حسب العلم العادی أیضا، فالأصل یقتضی أن یؤخذ الیوم السابع، وفی شهر رمضان یستصحب

ص:213

إلی یوم الثلاثین، فیؤخذ شوال الواحد والثلاثین، فإن ظهر بعد ذلک خلاف المأخوذ عمل بما سبق من القضاء ونحوه.

هذا والأحوط أن یحتاط فی أول الشهر بالصوم، وفی آخر الشهر بالسفر.

ص:214

مسألة ٨ ثبوت الهلال بالنسبة إلی الأسیر والمحبوس

(مسألة 8): الأسیر والمحبوس إذا لم یتمکنا من تحصیل العلم بالشهر عملا بالظن

{مسألة 8: الأسیر والمحبوس إذا لم یتمکنا من تحصیل العلم بالشهر} بأن اشتبه علیهما نفس الأشهر، والمسألة السابقة کانت فیما إذا اشتبه علیها أول الشهر، وفی الأسیر والمحبوس إذا اشتبه علیهما أول الشهر یکون حکمهما کما تقدم فی المسألة السابقة، {عملا بالظن} من غیر خلاف بینهم کما فی الجواهر والمستند، وعن المنتهی والتذکرة الإجماع علیه.

ویدل علیه صحیح عبد الرحمان بن أبی عبد الله، عن أبی عبد الله (علیه السلام): رجل أسرته الروم ولم یصح له شهر رمضان ولم یدر أیّ شهر هو؟ قال: «یصوم شهراً یتوخی ویحسب، فإن کان الشهر الذی صامه قبل شهر رمضان لم یجزه، وإن کان بعد شهر رمضان أجزأه»((1)).

ونحوه مرسل المقنعة.

وأشکل علی الروایة منتهی المقاصد بأن سندها مشتمل علی عبیس وهو مجهول، لکنها معتضدة بالإجماع المنقول، وردّه فی الحاشیة: بأنه لیس کذلک، بل قال العلامة فی الخلاصة: بأنه ثقة جلیل، ووثقه فی تمیز المشترکات ووجیزة المجلسی.

هذا ثم إن الحاق المحبوس بالأسیر کأن لفهم العرف المناط المشترک بینهما کما فی المستمسک، فالقول بالإلحاق هو المتعین، ومثلهما کل من لا یتمکن من تحصیل العلم بالشهر کالذی فقد بصره ولسانه وأذنه فلا یتمکن من الاستطلاع، ومن کان فی بریة أو جزیرة

ص:215


1- الوسائل: ج7 ص200 الباب 7 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1

ومع عدمه تخیرا

منقطعاً عن الناس، إلی غیر ذلک.

{ومع عدمه} أی عدم الظن بأن تساوی عنده الاحتمال {تخیرا} بلا خلاف فیه بینهم کما فی الجواهر، وعن المدارک نسبته إلی قطع الأصحاب، لکن فی المستند أنه لا دلیل علیه.

أقول: ربما استدل له بالتوخی، وأشکل علیه فی المستمسک بأن الظاهر من التوخی العمل بما هو أقرب إلی الواقع، فیختص بالظن، وفیه: إن المفهوم عرفاً أنه یتوخی فإن وجد الأقرب فهو، وإلا عمل ما أراد، ألا تری أنه إذا قال المولی: تحری المنزل الأحسن للسکنی، أو الطعام الأحسن للاشتراء، فإنه یفهم عرفاً أنه إذا وجد الأحسن اشتراه، وإن لم یجد الأحسن اختار أحد أطراف الاحتمال، وکأنه لهذا سکت أغلب المعلقین الذین وجدت تعلیقاتهم علی المتن.

هذا مضافاً إلی أنه یمکن أن یستدل للتخییر بأن الأدلة دلت علی تعدد المطلوب فی شهر رمضان، وأنه یجب صیام شهر وأن یکون فی هذا الشهر الخاص، فإذا لم یمکن الشهر الخاص بالتعذر بقی وجوب أصل الشهر.

والإشکال علیه بأن التعیین قید فی الجواب فالعجز عنه عجز مسقط له، مع أن العجز إنما هو عن العلم بالتعیین لا نفسه، فاللازم الاحتیاط بالتکرار إلی أن یحصل العلم بأداء الواجب فی وقته.

یرد علیه بأن مقتضی کونه من قبیل تعدد المطلوب عدم سقوط أصل المطلوب بسقوط قیده، أما الاحتیاط، فیرد علیه ما ذکروا من

ص:216

فی کل سنة بین الشهور فیعینان شهراً له

عدم الاحتیاط فی الزمانیات، بل یستصحب حتی یعلم بأنه إما شهر رمضان أو بعده فینوی القربة المنطبقة علی کل من الأداء والقضاء، والإنصاف أنه لو لم یفهم من التوخی التخییر _ کما ذکره المشهور _ لکان اللازم ما ذکرناه لاستصحاب عدم الشهر وعدم الوجوب إلی أن یتیقن الوجوب.

ثم إن التخییر یکون {فی کل سنة بین الشهور فیعیّنان شهراً له} إن قدر علی الشهر الهلالی فهو، وحینئذ لا یجوز أن یجعل أول شهر الصوم وسط الشهر، لأنه یعلم بخروج بعضه عن رمضان قطعاً، إما فی أوله أو فی آخره.

ولا یجوز له تفریق الشهر فی أیام کان یأخذ فی کل شهر ثلاثة أیام بحجة أن الموافقة القطعیة فی جزء خیر من المخالفة الاحتمالیة فی الکل، لأنه مخالف للنص والفتوی، بالإضافة إلی أنه لا دلیل علی تلک الکلیة، نعم ذکره الفقهاء فی بعض الموارد کالحقوق المالیة إذا دار أمرها بین زید وعمرو، فإنهم قالوا بتقسیم المال بینهما لأنه مقتضی العدل والإنصاف، ولا یجب الاحتیاط لأنه مشمول لقاعدة «لا ضرر» کما ذکرناه مفصلاً فی کتاب الخمس.

ثم إنه إن لم یقدر علی الشهر الهلالی کما هو الحال الآن، لأن الأشهر المتعارفة هی الأشهر الغربیة، فالظاهر أنه یجوز له أن یأخذ شهراً من تلک الأشهر، بلا إشکال فی صورة احتمال الموافقة، وإن قطع بعدم الموافقة أخذ ثلاثین یوماً محتملاً.

والظاهر وجوب أخذ ثلاثین لا تسع وعشرین، لاستصحاب الشهر

ص:217

ویجب مراعاة المطابقة بین الشهرین فی سنتین بأن یکون بینهما أحد عشر شهراً

کمن غمت علیه الشهور.

وما فی المسالک من أنه لو ظهر تقدم البعض اختص بعدم الإجزاء، ولو ظهر متأخراً أجزأ، إنما هو فی مفروض اشتباه الشهر بغیره، فلا یدل علی أنه یجوز أن یأخذ من وسط الشهر اختیاراً، لأن ظاهر قوله: (لو ظهر) أنه کان یحتمل التطابق، فظهر خلافه.

ولو کان فی السجن جماعة، فهل یجب علیهم اختیار شهر واحد، لأن شهر رمضان لا یتعدد، أو یجوز لکل واحد أن یختار ما یرید ظناً أو احتمالاً، الظاهر الثانی فی صورة تخالف الظن، لأن کل واحد قد تحرّی، ولا دلیل علی لزوم الوحدة، أما فی صورة الاحتمال فالاحتیاط فی التوحید وإن کان لا دلیل علی ذلک، بل یعمل کل حسب ما یرید، فتأمل.

ثم إنه إن لم یمیّز المسجون اللیل من النهار توخی بالنسبة إلی الطلوع والغروب، فإن ظن عمل به، لأنه طریق الامتثال العرفی فی صورة تعذر العلم، وإن لم یظن فالظاهر أنه یأخذ بالاحتمال بعد تعذر الاحتیاط الذی هو عسر وحرج، بل لم یعلم من الشارع إرادة الاحتیاط فی أمثال هذه الأماکن، وکأنه لذا لم یحتط العلویون الذین کانوا مسجونین، حیث قسموا الأوقات إلی خمسة، وکانوا یصلون فی کل وقت صلاة بدون أن یحتاطوا بالتکرار، والله العالم.

{وتجب مراعاة المطابقة بین الشهرین فی سنتین} أو الأکثر {بأن یکون بینهما أحد عشر شهراً} لأنه من مقتصیات التوخی الذی هو

ص:218

القصد إلی الأولی، مضافاً إلی وضوح أنه إذا لم یصم فی الرمضان الثانی فی نفس الشهر علم بأن أحدهما لم یقع فی رمضان.

وقد ذکر بعض الفقهاء أنه لا یجوز للإنسان أن یعمل عملاً یعلم حین العمل الثانی أو بعده بأنه أتی بمخالفة المولی، فلو شرب إناءً ثم علم أنه أو الإناء الذی أمامه الآن خمر لم یجز له شربه، لأنه بذلک یعلم أنه شرب الخمر، ویعد عرفاً غیر مبال بأمر المولی، ولأنه تجرّ، فمن یحرم التجری یقول بحرمة ذلک، وکذا فیما علم أنه یأتی بمحرم طیلة هذا الشهر، لأن أحد الدور التی یذهب إلیها غصب فإنه یجب علیه اجتناب کل ذلک، وفی المقام کلام طویل مذکور فی الأصول فی باب العلم الإجمالی فراجع.

نعم یبقی الکلام فی أنه هل تجب المطابقة حتی فی ما إذا تبدل ظنه، مثلاً کان ظنه فی الأول أن الشهر فی الصیف، ثم ظن بأنه فی الشتاء، أو إذا تبدل احتماله إلی الظن، کما کان یشک فی أنه فی أی فصل فصام فی الصیف ثم ظن بأنه فی الشتاء، الظاهر لزوم اتباع الظن لأنه المتوخی المأمور به فی النص والفتوی، ولا دلیل علی وجوب المراعاة حتی فی هذه الصورة.

نعم إذا تبدل الظن إلی الاحتمال لم یستبعد وجوب المطابقة.

ولو أنه بعد الصیام تبین أنه صام ناقصاً وکان الشهر کاملاً، بأن صام فی شهر قمری ظن أنه شهر رمضان وکان ناقصاً، ثم تبین أن الشهر کان

ص:219

ولو بان بعد ذلک أن ما ظنه أو اختاره لم یکن رمضان، فإن تبین سبقه کفاه لأنه حینئذ یکون ما أتی به قضاءً.

غیره وکان کاملاً، وجب علیه قضاء ذلک الیوم، لأدلة القضاء.

ثم إنه لو ظن أن شهر رمضان فی الصیف مثلاً لم یجز له أن یصوم فی غیره، أما بالنسبة إلی أشهر الصیف فهو مختار إذا لم یترجح بعض الأشهر علی بعض، وهل المرجحات الخارجیة غیر الظن تقوم مقام الظن فی لزوم الاتباع، الظاهر نعم، لأنه داخل فی التّوخی المأمور به فی النص والفتوی، کما إذا کان السجناء الآخرون یصومون فی هذا الشهر مدعین أنه هو شهر رمضان مثلاً.

وإذا تعارض الظن والمرجحات الخارجیة تخیّر بینهما، لأن کلاً منهما مصداق للشیء الأخری، وربما یحتمل تقدم الظن، أو تقدم الأولی بینهما بنظر العرف.

ولو تبدل ظنه بعد الصیام لم یجب الصوم مرة ثانیة، لأنه عمل بتکلیفه، فالإعادة تحتاج إلی دلیل مفقود، کما أنه إذا ظن بعد الصیام الذی صامه من باب أحد الاحتمالات فیما لم یکن له ظن.

نعم لو ظن وخالف ظنه وصام الموهوم، لم یکف لأنه لم یتوخ، ولو صام الموهوم ثم صار نفس ذلک مظنوناً فهل یقضی أم لا؟ احتمالان.

{ولو بان بعد ذلک} الذی ظن بشیء أو اختار شیئاً {أن ما ظنه أو اختاره لم یکن رمضان، فإن تبین سبقه کفاه} بلا إشکال {لأنه حینئذ یکون ما أتی به قضاءً} ومن المعلوم أن النص والفتوی یشمله، فلا وجه لأن یقال: إنه قصد الأداء فکیف ینقلب قضاءً، أو

ص:220

وإن تبین لحوقه وقد مضی قضاه، وإن لم یمض أتی به.

ویجوز له فی صورة عدم حصول الظن أن لا یصوم حتی یتیقن أنه کان سابقاً فیأتی به قضاءً

یقال: إنه یلزم من الأول أن یقصد ما فی الذمة من أداء أو قضاء، هذا مضافاً إلی ما ذکره المستمسک((1)) من أن نیة الأداء فی المقام من أجل الاشتباه فی التطبیق لا علی نحو التقیید.

{وإن تبین لحوقه وقد مضی} الشهر {قضاه} للنص والفتوی {وإن لم یمض أتی به} لإطلاقات أدلة وجوب الصوم لمن شهد الشهر.

نعم لو تعددت الأشهر صار الشهر الذی ظنه اللاحق قضاءً للشهر السابق، مثلاً صام سنتین فی رجب واقعاً، فإن صوم رجب الثانی یکون قضاءً عن الرمضان الأول.

وإن تبین أن الشهر الذی صامه شوال أو ذی الحجة مما صادف العید، وعلم بأن شهر رمضان کان کاملاً وجب علیه قضاء یوم لبطلان صوم العید، وإن تبین أن شهر رمضان کان ناقصاً لم یجب شیء إلا إذا کان الشهر الذی صامه ناقصاً، لأنه صام حینئذ ثمانیة وعشرین یوماً، وإن لم یتبین أنه کان کاملاً أو ناقصاً، فهل یجب قضاء یوم لاستصحاب رمضان أو لا یجب لإطلاق النص، هنا احتمالان، والاحتیاط فی الأول.

{ویجوز له فی صورة عدم حصول الظن أن لا یصوم حتی یتیقن أنه کان سابقاً فیأتی به قضاءً} لأصالة عدم وجوب الإتیان بعد أن لم

ص:221


1- المستمسک: ج8 ص416 مسألة 2

والأحوط إجراء أحکام شهر رمضان علی ما ظنه

یعلم أنه شهر رمضان، بعد أن لم یفهم من النص وجوب الإتیان عند الظن، بل هو طریق التخلص، لکن فیه: إنه خلاف ظاهر النص والإجماع، وإن سکت علی المتن بعض المعلقین، ولذا استشکل علیه المستمسک وغیره.

نعم لا إشکال فی جواز أن یؤخر حتی یعلم أنه إما رمضان أو قضاؤه، کأن یصوم فی آخر السنة، أما أن یؤخر عن السنة فلا، ولعلّ مراد المصنف ما ذکرناه وإن لم تف العبارة به.

ولو ظن شهراً فصام بعضه ثم ذهب ظنه واحتمل کل الأطراف، فالظاهر وجوب الإتمام، لأن شهر رمضان متصل بعضه ببعض، أما إذا تحول ظنه إلی وقت آخر، فهل یبقی علی صیامه إلی آخر الشهر أو یجب أن یصوم شهراً مستأنفاً ولا یحسب ما صامه، أو یکفی أن یصوم ما بقی فی مورد ظنه الثانی، احتمالات.

{والأحوط إجراء أحکام شهر رمضان علی ما ظنه} لا ما احتمله، إذ لا دلیل أنه بالشروع فی الاحتمال ینطبق الواقع علیه، فله أن یرفع الید عنه إلی غیره، فلا تجری علی المحتمل أحکام شهر رمضان، أما ما ظنه ففیه ثلاثة احتمالات:

الأول: إجراء أحکام شهر رمضان علیه، کما صرح به غیر واحد من الأصحاب، فیثبت له جمیع أحکام ولوازم وملزومات شهر رمضان

ص:222

من الکفارة والمتابعة والفطرة وصلاة العید وحرمة صومه ما دام الاشتباه باقیاً، وإن بان الخلاف عمل بمقتضاه.

{من الکفارة} لو أفطر {والمتابعة} للأیام، إذ شهر رمضان بعضه مع بعض {والفطرة، وصلاة العید} بعد انتهائه {وحرمة صومه} أی أول یوم بعد الشهر، لأنه یوم عید رمضان، لکن کل ذلک {ما دام الاشتباه باقیاً} أو ظهر تطابق ما صامه مع شهر رمضان {وإن بان الخلاف عمل بمقتضاه} لأن الظن أخذ طریقاً، فإذا انکشف الواقع لم یکن للظن أثر، ویؤیده قول الإمام (علیه السلام): «إنه لو انکشف الخلاف وکان ما صامه قبلاً وجب القضاء».

الثانی: إنه لیس له أی أثر من شهر رمضان، إذ ما دلّ علیه النص أنه یصوم ثلاثین یوماً فقط، أما سائر الأحکام فلا دلالة فی النص علیها، فالأصل عدمها.

نعم تجب علیه إعطاء الفطرة لأنها واجبة أیضاً، کما یجب علیه التتابع لأنه من مقتضیات ظاهر النص.

الثالث: التفصیل بین ما کان من مقتضیات شهر رمضان، وما کان من لوازمه، فاللوازم لا تثبت کصلاة العید والفطرة، أما ما کان من المقتضیات تثبت کحرمة الإفطار، وما کان من خواص شهر رمضان، کما إذا سبق الماء إلی الحلق فی المضمضة والإصباح جنباً وما أشبه.

لکن الأظهر هو القول الثانی، إذ لا یفهم من النص إلا لزوم أن

ص:223

یصوم شهراً، أما ما عدا ذلک فالأصل عدمه، ولذا قال فی الجواهر رداً علی القول الأول: "ولکن قد یشکل ذلک بأنه لیس فی النص الذی هو العمدة فی المقام ما یقتضی ذلک من إطلاق منزلة ونحوها ومجرد وجوب الصوم للظن أعم من ذلک"((1)).

ثم الظاهر أنه لا ینوی عند نیة الصوم کونه شهر رمضان، بل الصوم الذی أراده الله منه بعنوان الشهر، لأنه لا دلیل علی قصد رمضان.

ص:224


1- الجواهر: ج16 ص383

مسألة ٩ إذا اشتبه شهر رمضان بین شهرین

(مسألة 9): إذا اشتبه شهر رمضان بین شهرین أو ثلاثة أشهر مثلا، فالأحوط صوم الجمیع، وإن کان لا یبعد إجراء حکم الأسیر والمحبوس.

وأما إن اشتبه الشهر المنذور صومه بین شهرین أو ثلاثة فالظاهر وجوب الاحتیاط ما لم یستلزم الحرج ومعه یعمل بالظن

{مسألة 9: إذا اشتبه شهر رمضان بین شهرین أو ثلاثة أشهر مثلاً، فالأحوط صوم الجمیع} من باب قاعدة الاحتیاط فی الشبهة المحصورة {وإن کان لا یبعد إجراء حکم الأسیر والمحبوس} علیه من باب المناط، فإنه کما تعدی الفقهاء من الأسیر إلی المحبوس بالمناط کذلک یتعدی من اشتباه رمضان فی کل الشهور باشتباهه فی شهرین وثلاثة، وهذا هو الأقرب.

{وأما إن اشتبه الشهر المنذور صومه بین شهرین أو ثلاثة فالظاهر وجوب الاحتیاط} لأنه مقتضی القواعد، ولم یعلم المناط فی النص إلی هذا الحدّ، فالتعدی من مورد نص الأسیر إلی مطلق الجاهل بالزمان الواجب صومه ولو بالنذر غیر ظاهر، فیکون حاله حال ما إذا اشتبه الیوم الذی نذر صومه هل هو یوم الجمعة أو السبت حیث یجب صیامهما معاً، إذ أی فرق بین الیوم الواحد وبین الشهر فی هذه الجهة {ما لم یستلزم الحرج} الرافع للتکلیف من صیام ثلاثة أشهر بدل صوم شهر واحد {ومعه یعمل بالظن} لأن الظن هو طریق الامتثال

ص:225

ومع عدمه یتخیر.

فیما تعذر الامتثال الیقینی.

نعم إنما یرفع الحرج الاحتیاط فیما إذا کان الزائد علی الواجب حرجاً، أما لو کان بعضه حرجاً فالحرج یرفع بمقداره، مثلاً إذا کان صوم ثلاثة أشهر حرجاً لکن لم یکن صوم شهرین حرجاً لزم الاحتیاط بصوم شهرین.

{ومع عدمه} بأن لم یظن بشیء {یتخیر} لوجوب الموافقة الاحتمالیة فی صورة تعذر الموافقة الظنیة، لأنها طریق الإطاعة عند تعذر الظن.

ص:226

مسألة ١٠ الصوم فی الآفاق الرحویة

(مسألة 10): إذا فرض کون المکلف فی المکان الذی نهاره ستة أشهر ولیله ستة أشهر، أو نهاره ثلاثة ولیلة ستة أو نحو ذلک، فلا یبعد کون المدار فی صومه وصلاته علی البلدان المتعارفة المتوسطة مخیراً بین أفراد المتوسط

{مسألة 10: إذا فرض کون المکلف فی المکان الذی نهاره ستة أشهر ولیله ستة أشهر، أو نهاره ثلاثة ولیله ستة أو نحو ذلک} کما هو الواقع فی الآفاق الرحویة والآفاق الحمالیة فی الجملة، فجعل بعض الحواشی أمثال ذلک من الممتنعات العادیة لم یعلم وجهه، {فلا یبعد کون المدار فی صومه وصلاته علی البلدان المتعارفة المتوسطة، مخیراً بین أفراد المتوسط}.

أما بالنسبة إلی أصل الفرائض الخمس وصیام شهر فلما دل علی إرادة الشارع للصلاة الخَمس، ولشهر من الصیام فی السنة، والتقیید بالأوقات الخاصة إنما هو علی نحو تعدد المطلوب، فإذا سقط القید لم یسقط ذات المقید، کما أن ذلک کذلک بالنسبة إلی العادة الشهریة للنساء والعدة والبلوغ وآجال الدیون _ إذا کانت لها آجال _ ثم ذهبوا إلی ذلک المکان، وکذلک بالنسبة إلی الخمس والزکاة، إلی غیرها من الأحکام الموقوتة التی لا یشک من أن الوقت بنحو تعدد المطلوب.

وأما بالنسبة إلی کون المناط الآفاق المتوسطة، فلأنه الأکثر ملائمة لقوله تعالی:﴿وَکَذلِکَ جَعَلْناکُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾((1))، وقوله (علیه

ص:227


1- سورة البقرة: الآیة 143

وأما احتمال سقوط تکلیفهما عنه فبعید کاحتمال سقوط الصوم وکون الواجب صلاة یوم واحد ولیلة واحدة

السلام): «خیر الأمور أوسطها»((1)). ویستأنس له بقوله سبحانه:﴿أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلیکُمْ﴾((2)) ونحوه، لأنه الأقرب إلی الظن، وقد عرفت أن الامتثال الظنی هو المتعین فیما إذا تعذر الامتثال الاحتمالی.

وبذلک ظهر ما فی المستمسک من قوله: "لا یظهر لهذا وجه، کیف والصلوات الیومیة لها مواقیت معینة مفقودة فی الفرض المذکور فکیف تجب فی غیر مواقیتها"((3)) انتهی.

کما یظهر ما فی احتمال وجوب اتباع آخر الآفاق القریبة إلی تلک الآفاق، أو آفاق مکة والمدینة باعتبار نزول الوحی، إذ الأولی لیست متوسطة، والثانیة لا دلیل علی تعینها.

{وأما احتمال سقوط تکلیفهما عنه فبعید} لأن الفهم العرفی عن الأدلة أنها علی نحو تعدد المطلوب، خصوصاً أدلة «المیسور» و«ما لا یدرک» و«فأتوا منه ما استطعتم» وأشباه ذلک، ولا شک أن العرف یری الممکن میسوراً عن المتعذر من الأوقات {کاحتمال سقوط الصوم} دون الصلاة، لأنه لا طلوع ولا غروب فلا موضوع للصوم.

{و} کذلک یبعد {کون الواجب صلاة یوم واحد ولیلة واحدة}

ص:228


1- الوسائل: ج8 ص346 الباب 6 من أبواب أحکام الدواب ح2
2- سورة المائدة: الآیة 89
3- المستمسک: ج8 ص417

ویحتمل کون المدار بلده الذی کان متوطنا فیه سابقا إن کان له بلد سابق.

لغرض أن الستة الأشهر یوم واحد، فله صلاة یوم ولیلة، ففجره وغروبه واضحان، ودلوکه فی الوسط، وقول المستمسک "إنه لا دلوک" ففیه: إن فی کل دور لها دلوک، منتهی الأمر لا دلوک فی وسط السماء بل فی جانب السماء، بل لها دلوکان کما لا یخفی.

{ویحتمل کون المدار بلده الذی کان متوطناً فیه سابقاً إن کان له بلد سابق} لاستصحاب التکالیف السابقة، ثم یشکل ذلک باستصحاب حکم الأمکنة التی یصل إلیها قبل وصوله إلی المحل المفروض، وإن لم یکن له بلد سابق فما ذکرناه، لکن الاستصحاب المذکور منقوض بما عرفت من الأدلة المقتضیة لکون حکمه تابعاً لمحلّه، والله العالم.

ص:229

ص:230

فصل فی أحکام القضاء

شروط وجوب القضاء: البلوغ

فصل

فی أحکام القضاء

یجب قضاء الصوم ممن فاته بشروط، وهی: البلوغ، والعقل، والإسلام،

{فصل فی أحکام القضاء}

{یجب قضاء الصوم علی من فاته} المراد بالفوت الترک ولو بدون المقتضی حتی یشمل المقام، وإلا فلا یسمی فوتاً، لانصرافه إلی ما کان فیه المقتضی، ولذا لا یسمی بالنسبة إلی قبل الولادة فوتاً، إلا بالمعنی الأعم الذی هو عدم الإدراک، کما یقول الإنسان فی هذا الزمان: لقد فاتتنی صحبة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، والنتیجة بین المعنیین تظهر من إطلاق «من فاتته فریضة» فإنه لا یشمل الصبی والمجنون ونحوهما إذا تأهلا بعد عدم التأهّل، وتفصیل الکلام مذکور فی قضاء الصلاة فراجع.

{بشروط وهی: البلوغ، والعقل، والإسلام} والإیمان، فإن

ص:231

فلا یجب علی البالغ ما فاته أیام صباه

المخالف إذا استبصر لا یجب علیه قضاء ما فاته أیام خلافه، إن کان فعل ذلک العمل علی طبق مذهبه، أو مذهب إسلامی صحیح، أو غیر صحیح، علی تفصیل فی ذلک مذکور فی موضعه، وإنما أدرجناه فی المقام لأن عمل غیر المؤمن لیس بصحیح، إذ الإیمان شرط فی قبول الأعمال، کما دلّ علیه العقل والنقل.

{فلا یجب علی البالغ ما فاته أیام صباه} إجماعاً کما ادعاه غیر واحد، بل ضرروة أیضاً کما فی المستمسک تبعاً لغیره.

خلافاً لما یحکی من ابن أبی عقیل، حیث إنه جعل القضاء له أفضل بل أحوط، وکأنه یخص ذلک بما کان مستحباً له فی حال الطفولة، کما إذا بلغ السبع ونحوه، وإلا فمن المستعبد جداً أن یرید حتی الأیام التی لا یستحب له ذلک، فإن کان أراد الإطلاق فلعله یرید الاستدلال ب_ «من فاتته» بناءً علی أن ذلک فوت بالمعنی الأعم للفوت، وإن أراد خصوص أیام الاستحباب فلعله أراد الاستدلال بإطلاق أدلة القضاء بتقریب أن الأصل إذا ثبت ثبت قضاؤه، بالإضافة إلی أن الصوم فیه فوائد أداءً وقضاءً، وتلک الفوائد موجودة فی الصبی أصلاً وقضاءً، ولذا لا یستعبد استحباب قضاء الصبی ما فاته بعد شهر رمضان، ففی الکبیر یجب، وفی الصغیر یستحب، وإذا قلنا بالاستحباب حال الصبا نقول به حال البلوغ، لکنه بعید عن مذاق المتشرعة.

ولذا لم أجد من قال باستحباب قضاء الصلاة والصوم والحج

ص:232

ونحوها بعد البلوغ، وإن کان المتعارف عندهم أمرهم الصبیان بقضاء الصلاة إذا قام بعد الشمس أو نحو ذلک، ولا تلازم بین الأمرین، فمن الممکن استحباب القضاء حال الصبا دون حال البلوغ، والمسألة محتاجة إلی تتبع وتأمّل، ولم أجد من الفقهاء من تعرض لها بالنسبة إلی فتاوی القضاء قبل البلوغ وبعده، وبالنسبة إلی استحباب قضاء الصلاة والصوم قبل البلوغ إن فاتهما فی وقته.

وکیف کان، فیدل علی عدم وجوب القضاء، بالإضافة إلی السیرة والإجماع والضرورة، حدیث «رفع القلم عن الصبی حتی یحتلم»((1))، وقد ذکرنا فی بعض مباحث الکتاب عموم الحدیث لکل شیء إلا ما خرج، فیشمل وجوب القضاء علیه أیضاً، فالصبی رفع عنه قلم التکلیف أداءً وقضاءً فی حال الصغر، أی لا یقال له: أدّ_، ولا یقال له: اقض، لا حالاً ولا بعد البلوغ، هذا بالإضافة إلی أنه لو أرید أن القلم یوضع علیه بعد البلوغ، یقال: إن ذلک یحتاج إلی دلیل مفقود، وقد عرفت أن «من فاتته» لا یشمله، لانصراف الفوت إلی ما کان فیه المقتضی.

ومن ذلک یعرف أن إشکال المستند علی هذا الدلیل، بأنه إنما یدل علی عدم القضاء فی حال الصغر، فلا ینافی ثبوته بعد ارتفاعه، منظور فیه.

کما أنه یدل علی عدم الوجوب أن صوم الصبی تأدیبی، والقضاء إنما هو علی الفرض.

ص:233


1- الوسائل: ج1 ص32 الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات ح11

نعم یجب قضاء الیوم الذی بلغ فیه قبل طلوع فجره، أو بلغ مقارنا لطلوعه إذا فاته صومه

أما الأول: فیدل علیه روایة الزهری، عن علی بن الحسین (علیه السلام) قال: «وأما صوم التأدیب فأن یؤخذ الصبی إذا راهق بالصوم تأدیباً ولیس بفرض»((1)).

وأما الثانی: فلقوله (علیه السلام): «من فاتته فریضة فلیقضها کما فاتته»((2))، بالإضافة إلی أن القضاء تابع للأداء، فإذا لم یکن أداء لم یکن قضاء إلا فیما خرج، کالحائض ونحوها، ولیس المقام مما خرج.

{نعم یجب قضاء الیوم الذی بلغ فیه قبل طلوع فجره} بلا خلاف ولا إشکال، لأنه وجب علیه الصوم، فتشمله الأدلة، ولا حاجة إلی ما ذکره المستمسک بقوله: "کما یستفاد من النصوص المتفرقة فی الموارد الکثیرة"، فإن الوجوب علیه من البدیهیات، کالوجوب علی کل بالغ تارک، وفی الحقیقة إن قوله: "نعم" استثناء منقطع بالنسبة إلی هذا الفرع.

{أو بلغ مقارناً لطلوعه إذا فاته صومه} لأنه جامع الشرائط من الطلوع إلی الغروب فیشمله الدلیل.

اللهم إلا أن یقال: إن ظاهر الأدلة لزوم الصیام علی من جمع

ص:234


1- الوسائل: ج7 ص168 الباب 29 من أبواب من یصح منه الصوم ح4
2- کما فی الجواهر: ج5 ص233، وفی الوسائل: ج5 ص359 الباب 6 ح1 بالمعنی

وأما لو بلغ بعد الطلوع فی أثناء النهار فلا یجب قضاؤه وإن کان أحوط.

الشرائط من أول الطلوع، ومع المقارنة لا جمع للشرائط من الطلوع، فإن ظاهر «إذا» فی قول الصادق (علیه السلام) فی خبر أبی بصیر: «علی الصبی إذا احتلم الصیام»((1))، لزوم کون الاحتلام قبل الوجوب إذ الوجوب مشروط وتبع للاحتلام فلا مقارنة بینها، ولذا أشکل جمع فی صورة تقارن الکریة والنجاسة، لقوله (علیه السلام): «الماء إذا بلغ قدر کر لم ینجسه شیء»((2))، لاستظهارهم من «إذا» أن شرط عدم النجاسة سبق الکریة، فلا یکون ذلک فیما إذا تقارنا، وقد فصلنا الکلام فی ذلک فی کتاب الطهارة فراجع.

ولو شک فی ذلک فالأصل عدم وجوب القضاء، کما أنه إذا شک فی وجوب الأداء کان الأصل عدم وجوب الأداء، فتأمّل.

{وأما لو بلغ بعد الطلوع فی أثناء النهار فلا یجب قضاؤه} کما لا یجب علیه أداؤه لما عرفت من الشرطیة الظاهرة فی کون المشروط بعد الشرط رتبة {وإن کان أحوط} لاحتمال وجوب الأداء إذا لم یتناول المفطر وبلغ قبل الظهر، فیکون حاله حال المسافر الذی جاء من

ص:235


1- الوسائل: ج7 ص169 الباب 29 من أبواب من یصح منه الصوم ح7
2- الوسائل: ج1 ص118 _ 117 الباب 9 من أبواب الماء المطلق ح1 _ 2 _ 5 _ 6

ولو شک فی کون البلوغ قبل الفجر أو بعده فمع الجهل بتاریخهما لم یجب القضاء، وکذا مع الجهل بتاریخ البلوغ.

السفر قبل الظهر ولم یتناول المفطر، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی فصل شرائط وجوب الصوم فراجع.

{ولو شک فی کون البلوغ قبل الفجر أو بعده، فمع الجهل بتاریخهما} بأن لم یعلم أن الفجر یکون فی الساعة الثالثة أو الرابعة ولم یعلم أن البلوغ صار فی الساعة الثالثة أو الرابعة، وکان بحیث لم یمکنه العلم بالفحص، لما تقدم من وجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة إلا ما خرج، {لم یجب} الأداء ولا {القضاء} لأصالة البراءة عن توجه التکلیف إلیه أداءً أو قضاءً، وهذا هو المشهور عندهم فی المقام، وفی سائر المقامات التی هی من هذا القبیل.

ولا مجال لاستصحاب عدم التکلیف، لأن الأثر للشک لا للمشکوک.

{وکذا مع الجهل بتاریخ البلوغ} والعلم بتاریخ الطلوع، بأن علم أنه فی الساعة الثالثة صار الفجر ولکن جهل بأنه بلغ قبل ذلک أو بعد ذلک، وذلک لاستصحاب الصبا إلی ما بعد الفجر، فلا یشمله أدلة وجوب القضاء، کما لا یشمله أدلة وجوب الصیام، ولا یراد بالاستصحاب إثبات کون البلوغ بعد الفجر لیکون الأصل مثبتاً.

ص:236

وأما مع الجهل بتاریخ الطلوع، بأن علم أنه بلغ قبل ساعة مثلاً ولم یعلم أنه کان قد طلع الفجر أم لا، فالأحوط القضاء، ولکن فی وجوبه إشکال.

{وأما مع الجهل بتاریخ الطلوع} والعلم بتاریخ البلوغ {بأن علم أنه بلغ قبل ساعة مثلاً، ولم یعلم أنه کان قد طلع الفجر أم لا، فالأحوط القضاء} لأصالة عدم طلوع الفجر إلی ما بعد البلوغ فیثبت کون الفجر طلع علیه وهو بالغ، وهذا هو موضوع وجوب الصوم فیجب قضاؤه {ولکن فی وجوبه إشکال} لأن الأصل مثبت، فإن کون الفجر حدث بعد البلوغ لازم لاستصحاب عدم البلوغ إلی ما بعد الفجر، وقد قرر فی الأصول أن لوازم الأصول وملزوماتها لیست حجة.

ولذا قوی السادة الحکیم والجمال وغیرهما عدم الوجوب، تبعاً لمنتهی المقاصد وغیره، خلافاً لجماعة فی صورة اختلاف التاریخین فی العلم والجهل، وللشهید الثانی فی صورة الجهل بتاریخی الحادثین، فقد نبّه فی بعض موارده علی ثبوت الاقتران علی ما حکی عنه، کما أن جملة من المعلقین کالسید البروجردی وغیره سکتوا علی المتن، ولعلّه خروجاً عن خلاف من أوجب.

ومما ذکر یعلم أنه لو شک فی تقدم البلوغ علی شهر رمضان وتأخره لا یجب القضاء، سواء کانا مجهولی التاریخ أو أحدهما معلوماً، ولو علم التاریخ أولاً ثم جهله فی مفروض المتن وما ذکرناه تبعاً

ص:237

وکذا لا یجب علی المجنون ما فات منه أیام جنونه، من غیر فرق بین ما کان من الله أو من فعله علی وجه

فالظاهر عدم وجوب القضاء أیضا، وإن احتمل أنه کان یعلم بتأخر تاریخ الفجر أو تاریخ شهر رمضان عن تاریخ البلوغ، لأنه یشمله العقاب بلا بیان، وإن احتمل فی قاضی الصلوات والصیام المردد بین الأقل والأکثر وجوب إبراء الذمة قطعاً، لأن جهله بعد تقصیره فی حفظ التاریخ لیس عذراً إن کان الأکثر واجباً فی الواقع، لکن الفقیه الهمدانی وغیره أجابوا عن هذا الإشکال فی کتاب الصلاة فراجع.

شروط وجوب القضاء: العقل

ومثل الکلام فی البلوغ الکلام فی سائر الشرائط، کالعقل والخلو عن السفر والمرض والحیض والنفاس وغیرها، فمع الجهل بتاریخهما أو تاریخ أحدهما لا یجب القضاء.

{وکذا لا یجب} القضاء {علی المجنون} بلا إشکال ولا خلاف اتفاقاً، کما فی الحدائق، وإجماعاً کما عن الروضة، وذلک لدلیل اشتراط العقل فی التکلیف، فإذا لم یکن أداءً لم یکن قضاءً، إلا إذا دلّ الدلیل علی وجوب القضاء بدون الأداء، وذلک مفقود فی المقام.

ویؤیده أو یدل علیه نصوص الإغماء الآتیة بطریق أولی ف_ {ما فات منه أیام جنونه} لا یجب قضاءه، سواء کان مجنوناً فی تمام الیوم أو فی بعض الیوم، وسواء کان جنوناً إطباقیاً أو أدواریاً {من غیر فرق بین ما کان من الله أو من فعله} أو من فعل إنسان آخر {علی وجه

ص:238

الحرمة أو علی وجه الجواز، وکذا لا یجب علی المغمی علیه، سواء نوی الصوم قبل الإغماء أم لا

الحرمة أو علی وجه الجواز} لإطلاق أدلة عدم القضاء التی ذکرناها، ولکن عن ابن الجنید: إنه إذا کان الجنون من فعل نفسه علی وجه الحرمة وجب القضاء، وکأنه لعدم شمول دلیل: «ما غلب الله علیه فهو أولی بالعذر» لمثله، لکن ذلک لا یضر بعد عدم شمول دلیل القضاء له، فالأصل ینفیه، وکذلک فی باب الصلاة وغیره.

ثم إنه ربما احتمل أن یکون مراد الإسکافی السکران لا المجنون، وسیأتی الکلام فیه.

ثم إنه حکی عن الشیخ أن المجنون مکلف بالقضاء إن لم تتقدم النیة علی جنونه، وإلا کان صومه صحیحاً ولا قضاء، وفیه: إن النص الدال علی اشتراط العقل فی التکالیف والإجماع علی خلاف ذلک.

وقید بعض الفقهاء بقولهم کمال العقل، وذلک لإخراج أمثال المعتوه ومن له جنون خفیف وغیرهما، فإن کل أولئک من أقسام المجنون.

{وکذا لا یجب علی المغمی علیه، سواء نوی الصوم قبل الإغماء أم لا} وهو المحکی عن النهایة والمبسوط وابن إدریس وعامة المتأخرین، کما فی منتهی المقاصد، وفی الحدائق والمستمسک إنه المشهور، وفی الجواهر إنه المشهور شهرة عظیمة، بل عن ظاهر فقه القرآن للراوندی الإجماع علیه، خلافاً للمحکی عن المفید والمرتضی والخلاف وسلار والقاضی وابن البراج، حیث فصلوا فی المسألة

ص:239

فقالوا: لا یقضی إن سبقت منه النیة، ویقضی إذ لم تسبق منه النیة.

أقول: ظاهرهم مَن إذا أغمی علیه فی النهار، أما من کان مغمی علیه طول الشهر فیبعد أن یریدوا ذلک، بأن یکون قصدهم سبق النیة قبل شهر رمضان، أو قبل وقت النیة وهو الفجر فیمن أغمی علیه من نصف اللیل مثلاً.

وکیف کان، فیدل علی المشهور أصل البراءة، وقاعدة «ما غلب الله علیه فهو أولی بالعذر»، فیما کان الإغماء بدون اختیاره.

وصحیحة أیوب بن نوح، قال: کتبت إلی أبی الحسن الثالث (علیه السلام) أسأله عن المغمی علیه یوماً أو أکثر هل یقضی ما فاته من الصلاة أو لا؟ فکتب: «لا یقضی الصوم، ولا یقضی الصلاة»((1)).

وصحیحة علی بن مهزیار، أنه سأله أی أبا الحسن الثالث (علیه السلام) عن المغمی علیه یوماً أو أکثر هل یقضی ما فاته من الصلاة أم لا؟ فکتب: «لا یقضی الصوم ولا یقضی الصلاة»((2)).

وفی بعض الروایات زاد (علیه السلام) قوله: «وکلما غلب الله

ص:240


1- الوسائل: ج5 ص352 الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح2
2- الوسائل: ج5 ص354 الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 18

علیه فالله أولی بالعذر»((1)).

وکذلک مکاتبة علی بن محمد بن سلیمان.

وفی مکاتبة القاسانی: «لا یقضی الصوم»((2)).

أما دلیل المفید وغیره ممن تقدم بالنسبة إلی صحة الصوم إذا سبق من المغمی علیه النیة، فکأنه لأنهم لا یرون الإغماء منافیاً للصوم، فهو کالنوم، فکما لا یضر النوم بالصیام کذلک لا یضر الإغماء.

وأما بالنسبة إلی من لم تسبق منه النیة فلأنه لم یصم فیجب علیه القضاء، کالمریض إذ هو نوع منه، وقد قال سبحانه:﴿فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَریضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ﴾((3)).

وصحیح حفص بن البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «المغمی علیه یقضی صلاته ثلاثة أیام»((4)).

وروایة منصور بن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه سأله عن المغمی علیه شهراً أو أربعین لیلة؟ فقال: «إن شئت

ص:241


1- الوسائل: ج5 ص352 الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح3
2- الوسائل: ج7 ص161 الباب 24 من أبواب من یصح منه الصوم ح2
3- سورة البقرة: الآیة 184
4- الوسائل: ج5 ص357 الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح7

أخبرتک بما آمر به نفسی وولدی أن تقضی کل ما فاتک»((1)).

وکذلک یدل علیه ما دلّ علی أن المغمی علیه یقضی ما فاته من الصلاة إذا أفاق، فإن روایات قضاء الصلاة تدل علی قضاء الصوم بالملازمة، إذ لا تکلیف بالقضاء إلا إذا کان تکلیف بالأداء، وإذا کان مکلفاً بأداء الصلاة کان مکلفاً بأداء الصوم، وروایة منصور دالة علی قضاء الصوم بالإطلاق.

وفیه: أما بالنسبة إلی من سبقت منه النیة فلما تقدم فی دلیل إبطال الإغماء للصوم، وأما بالنسبة إلی من لم تسبق منه، فإن روایات عدم القضاء أخص من الآیة الکریمة علی فرض أن یشمل المرض الإغماء، والتلازم بین الصوم والصلاة لا وجه له بعد هذه الروایات، وروایة منصور مرسلة لا حجیة فیها.

ثم إن موضوع الإغماء عرفی کسائر المواضیع العرفیة، وإن شک فی فرد أنه فی حالة إغماء أم لا، کما قد یکون الشک بالنسبة إلی الذی یهذی مع وجود بعض الوعی له بمقتضی القاعدة استصحاب الحالة السابقة.

ولو شک فی تقدم وتأخر الإغماء جری ما تقدم من مسألة مجهول التاریخ ومعلومه.

والظاهر أنه لا یحق للإنسان أن یغمی نفسه لأجل الإفطار، بأن یزرّق نفسه إبرة الإغماء قبل طلوع الفجر مثلاً،

ص:242


1- الوسائل: ج5 ص308 الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح13

وکذا لا یجب علی من أسلم عن کفر، إلا إذا أسلم قبل الفجر ولم یصم ذلک الیوم فإنه یجب علیه قضاؤه

لأنه من الموضوع الاضطراری الذی لا یجوز للإنسان أن یدخل نفسه فیه، ولیس من قبیل السفر الذی هو موضوع عرضی مع الحضر.

شروط وجوب القضاء: الإسلام

اشارة

{وکذا لا یجب} القضاء {علی من أسلم عن کفر، إلا إذا أسلم قبل الفجر ولم یصم ذلک الیوم، فإنه یجب علیه قضاؤه} أما الحکم فی المستثنی فهو واضح، لأنه إذا أسلم قبل الفجر کان من المسلمین فتشمله أدلة الصیام بلا مخصص.

وأما أنه لا یجب علی غیره، مع أنه یجب الصوم علیه لأن الکفار مکلفون بالفروع کما حقق فی محلّه، فللإجماع المستفیض نقله فی کلامهم، ولم یظهر خلاف من أحد، ودلیل الجب المتواتر سنداً والواضح دلالةً، وقد تعرضنا له فی بعض مباحث الکتاب، ولوضوح أن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لم یأمر الکفار الذین أسلموا بقضاء ما فاتهم من الصلاة والصیام، والسیرة المستمرة بین المسلمین فی عدم أمر الکفار إذا أسلموا بالقضاء، ولبعض الروایات.

کصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): أنه سأل عن رجل أسلم فی النصف من شهر رمضان ما علیه من صیامه؟ قال: «لیس علیه إلا ما أسلم فیه»((1)).

ورواه الصدوق مرسلاً إلا أنه

ص:243


1- الوسائل: ج7 ص239 الباب 22 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2

زاد فیه: «ولیس علیه أن یقضی ما مضی منه»((1)).

وصحیح العیص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قوم أسلموا فی شهر رمضان وقد مضی منه أیام، هل علیهم أن یصوموا ما مضی منه أو یومهم الذی أسلموا فیه؟ قال: «لیس علیهم قضاء ولا یومهم الذی أسلموا فیه إلا أن یکونوا أسلموا قبل طلوع الفجر»((2)).

وما رواه مسعدة بن صدقة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام): «أن علیاً (علیه السلام) کان یقول فی رجل أسلم فی نصف شهر رمضان، إنه لیس علیه إلا ما یستقبل»((3)).

وما رواه الجعفریات، بسنده إلی الصادق (علیه السلام)، عن أبیه (علیه السلام): «إن رجلاً أسلم فی النصف من رمضان، فقال له (علیه السلام): صم ما أدرکت ولا قضاء علیک»((4)).

وأما رواه الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن

ص:244


1- المقنع: ص17 سطر 29
2- الوسائل: ج7 ص238 الباب 22 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
3- الوسائل: ج7 ص239 الباب 22 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4
4- الجعفریات: ص62 باب الکافر یسلم

ولو أسلم فی أثناء النهار لم یجب علیه صومه وإن لم یأت بالمفطر، ولا علیه قضاؤه، من غیر فرق بین ما لو أسلم قبل الزوال أو بعده

رجل أسلم بعد ما دخل شهر رمضان أیام؟ فقال: «لیقض ما فاته»((1))، فقد ذکر فی الوسائل أنه حمله الشیخ علی کون الفوات بعد الإسلام.

أقول: هذا لیس بالبعید، إذ الکافر إذا أسلم ولم یعلم أحکام الإسلام لا بد وأن تفوته الصلاة والصیام وسائر الأحکام کما رأینا ذلک فیمن أسلم فی زماننا، ثم قال الوسائل: "ویمکن حمله علی المرتد إذا أسلم أو علی الاستحباب".

کما ذکر المستدرک فی هذا الباب بعض الأحادیث الواردة فی باب «أن الإسلام یجب ما قبله» فراجع.

{ولو أسلم فی أثناء النهار لم یجب علیه صومه وإن لم یأت بالمفطر، ولا علیه قضاؤه، من غیر فرق بین ما لو أسلم قبل الزوال أو بعده، وهذا هو المشهور بین الفقهاء، بل لم یعلم الخلاف إلا من بعض، کالشیخ فی المبسوط، والمحقق فی المعتبر علی المحکی عنهما،

ص:245


1- الوسائل: ج7 ص239 الباب 22 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5

وإن کان الأحوط القضاء إذا کان قبل الزوال.

ویدل علی المشهور ما تقدم، وخصوص صحیحة العیص الناصة فی أنه لا یجب علیهم قضاء الیوم الذی أسلموا فیه.

وأستدل لمن قال بوجوب صومه، بإطلاق الأمر بالصوم، خرج منه الکافر إلی ما بعد الظهر، وأنه کالمریض والمسافر إذا برئ وحضر قبل الظهر ولم یتناولا شیئاً، وببقاء وقت النیة، وبصحیحه الحلبی المتقدمة.

وفی الکل ما لا یخفی.

إذ صحیحة العیص مقدمة علی الجمیع حتی علی صحیح الحلبی، فلا بد وأن یحمل علی الاستحباب، بل ربما یقال إن معنی «ما أسلم فیه» فی صحیح الحلبی النصف الثانی من رمضان، لا أن المراد به الیوم الذی أسلم فیه، کذا ذکره المستمسک ولیس ببعید، منتهی الأمر الاحتمال المسقط عن الظهور، وذلک یکفی فی عدم الاستدلال به.

ثم إن ما ذکرناه من تحکیم صحیحه العیص فی المقام فلا مجال للأدلة الثلاثة السابقة، إنما هو مع الغض عن عدم تمامیة تلک الأدلة فی نفسها، کما نبه علیه شراح الشرائع فراجع.

{وإن کان الأحوط القضاء إذا کان قبل الزوال} ولم یتناول شیئاً، تبعاً للاحتیاط فی وجوب الأداء علیه، وذلک لما عرفت فی دلیل الشیخ والمحقق.

ثم إنه قد ذکرنا فی کتاب الحج کیفیة الجمع بین وجوب الصوم علی الکافر، وبین عدم صحة أدائه ولا قضائه قبل الإسلام، وعدم

ص:246

وجوب أدائه ولا قضائه بعد الإسلام.

ولو شک فی تقدیم الإسلام والفجر فکما تقدم فی البلوغ.

ثم إن المراد بالکافر ما ذکروه فی کتاب الطهارة، باستثناء فرق المسلمین المحکوم بکفرهم، کالخوارج والنواصب ومن أشبه، بل هؤلاء داخلون فی المسلمین هنا، فیشملهم دلیل استبصار المخالف فیما إذا استبصروا، وذلک للنص کما سیأتی فی المسألة الرابعة.

ص:247

مسألة ١ یجب علی المرتد قضاء ما فاته أیام ردته

(مسألة 1): یجب علی المرتد قضاء ما فاته أیام ردته.

{مسألة 1: یجب علی المرتد قضاء ما فاته أیام ردته} بلا خلاف ولا إشکال کما فی المستند والجواهر وعن الذخیرة وغیرها، وعن المدارک إنه قطعی، واستدل له فی المستند بالعمومات والإطلاقات، ویدل علیه الکتاب والسنة والإجماع.

أما الکتاب: فقوله تعالی:﴿کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ﴾((1))، بمعونة ما دلّ علی تشریع شهر صیام فی السنة وأن کونه فی شهر رمضان من باب تعدد المطلوب، وقوله تعالی:﴿وَلِتُکْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾((2)) فإن عمومه شامل لما نحن فیه.

ومن السنة: قوله (علیه السلام): «من فاتته» ولا یضر إرساله بعد اعتماد الفقهاء علیه فی مختلف مسائل القضاء، وعمومات «من أفطر متعمداً فعلیه القضاء» ولا وجه للتأمل فی عمومه للمرتد حتی القاصر کما فی المستمسک، إذ کون الارتداد مسقطاً للتکلیف یحتاج إلی الدلیل.

بل یدل علیه ما دلّ علی أن الکفار مکلفون بالفروع.

وربما استدل له أیضاً بالاستقراء فی روایات القضاء الواردة فی المریض والحائض والنفساء وناسی الجنابة وغیرهم من

ص:248


1- سورة البقرة: الآیة 183
2- سورة البقرة: الآیة 185

المعذورین، لکن فیه: إنه إن قطعنا بذلک علی الکلیة فهو، وإلاّ کان استقراء ناقصاً ویکون من باب القیاس.

وکیف کان، فلا حاجة إلی ذلک، بل المسألة فی نفسها من الواضحات، سواء صام المرتد أو لم یصم، إذ صومه حال ارتداده لیس مقبولاً، لما دلّ علی اشتراط الأعمال بالإسلام والإیمان، کقوله تعالی:﴿وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلامِ دیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ﴾((1))، وکأحادیث بناء الإسلام علی الخمس التی منها الولایة((2))، وأن إنساناً لو صام وصلی بدون الولایة لم یقبل منه((3)).

نعم ربما یحتمل ورود أدلة «جب الإسلام»((4))، وأدلة سقوط القضاء عن الکافر للمرتد، لکن المنصرف من الدلیلین الکافر الأصلی لا المرتد، وإن کان ربما یستشکل فی الانصراف بأنه لا وجه له، ویؤیده قوله سبحانه:﴿إِنَّ الَّذینَ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا﴾((5)) خصوصاً والکفر بعد الإیمان شائع فی الذین یدخلون فی الإسلام جدیداً، وفی الذین تشملهم الفتن فینجرفون مع الأهواء ثم تدارکهم

ص:249


1- سورة آل عمران: الآیة 85
2- الخصال: ص277 باب الخمسة ح21
3- انظر المستدرک: ج1 ص19 الباب 27 من مقدمة العبادات ح5
4- العوالی: ج2 ص54 ح145
5- سورة النساء: الآیة 137

سواء کان عن ملة أو فطرة.

رحمة من الله سبحانه فیرجعون {سواء کان عن ملة أو فطرة} لإطلاق الأدلة کما عرفت، لکن أشکل فی المرتد الفطری فی محکی المدارک قال: "وقد یحصل التوقف فی وجوب القضاء علی المرتد عن فطرة إن قلنا بعدم قبول توبته باطناً لامتناع ذلک منه فیستحیل التکلیف به، بل یتوجه علی ذلک سقوط التکالیف کلها عنه وهو مشکل جداً "((1)).

ویظهر من الجواهر((2)) الإشکال علیه بأن ذلک حیث کان بسوء اختیاره لم یمتنع التکلیف بالنسبة إلیه، لأن الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار.

لکن فیه: إن التکلیف بالمحال محال، وإن کان بسوء اختیار المکلف، فهل یصح أن یکلف من أسقط نفسه من شاهق، فی وسط الطریق بعدم قتل نفسه.

نعم لا إشکال فی صحة العقاب، کما نبه علی ذلک جامع المقاصد وغیره، وقد ذکرنا فی کتاب الطهارة عدم صحة المبنی، وأن توبته تقبل ظاهراً وباطناً ، وإنما ما ذکر من القتل ونحوه حدود شرعیة تجری علیه، کما تجری الحدود علی الزانی وغیره.

ص:250


1- المدارک: ص375 السطر 4
2- الجواهر: ج17 ص15 فی وجوب قضاء الصوم
مسألة ٢ علی السکران قضاء ما فاته

(مسألة 2): یجب القضاء علی من فاته لسکر، من غیر فرق بین ما کان للتداوی أو علی وجه الحرام.

{مسألة 2: یجب القضاء علی من فاته لسکر، من غیر فرق بین ما کان} اختیاریاً أو بدون الاختیار، وکذلک لا فرق بین ما کان {للتداوی أو علی وجه الحرام} شرباً، أو شماً، أو تزریقاً، أو غیرها، کل ذلک لعموم أدلة القضاء، وقد تقدم منافاة السکر للصوم.

أما شارب المرقد الذی سبق منه النیة فلا قضاء علیه لصحة صومه.

ولو شک فی أنه سکر أم لا، استصحب العدم، ولو کان سکراناً فشک فی الإفاقة استصحب السکر، ولو علم بالسکر والصوم وشک فی تقدم أیهما، کان الأصل البراءة من القضاء.

وبقایا السکر الذی یسمی بالخمار الذی هو حالة ضعف وقلة إدراک مع صحة المشاعر، لیس محکوماً بحکم السکر، لأنه لیس بسکر، والأدلة التی تقدمت فی منافاة السکر للصوم لا تأتی هنا.

ثم إن الفرق فی الاختیاری والاضطراری یظهر فی الکفارة، إذ لا کفارة مع الاضطرار، کما تقدم فی مبحث الکفارة.

ثم إنه لا فرق بین السکر المستمر فی کل النهار، والسکر فی بعضه، لعموم أدلة السکر، ولو صادف السکر لما لا قضاء له کالجنون أو الصغر أو المرض المستمر إلی العام الثانی، لم یکن علیه قضاء، إذ المسقط مقدم علی الموجب کما لا یخفی.

ص:251

مسألة ٣ علی الحائض والنفساء

(مسألة 3): یجب علی الحائض والنفساء قضاء ما فاتهما حال الحیض والنفاس

{مسألة 3: یجب علی الحائض والنفساء قضاء ما فاتهما حال الحیض والنفاس} بلا إشکال ولا خلاف، بل دعوی الإجماع علی ذلک مستفیض، بل هو من ضروریات الفقه، ویدل علیه بالإضافة إلی عموم التعلیل فی قوله تعالی: ﴿ولتکملوا العدة﴾، وإلی عموم «من فاتته فریضة فلیقضها کما فاتته»، وإلی عمومات «من أفطر فعلیه القضاء»، مستفیض الروایات:

کخبر محمد بن مسلم، عن الباقر (علیه السلام)، عن المرأة تری الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال، إلی أن قال: «ولتقض ذلک الیوم»((1)).

وخبر أبی بصیر، عن الصادق أبی عبد الله (علیه السلام)، عن امرأة رأت الطهر أول النهار، إلی أن قال: «وتقضی»((2)).

وخبر عمار بن موسی، عن الصادق أبی عبد الله (علیه السلام)، فی المرأة یطلع الفجر وهی حایض فی شهر رمضان، إلی أن قال: «ولا تعتد به»((3)).

ص:252


1- الوسائل: ج7 ص165 الباب 28 من أبواب من یصح منه الصوم ح3
2- الوسائل: ج7 ص166 الباب 28 من أبواب من یصح منه الصوم ح5
3- الوسائل: ج2 ص601 الباب 50 من أبواب الحیض ح2

وأما المستحاضة فیجب علیها الأداء، وإذا فات منها فالقضاء.

وخبر سماعة، عن الصادق أبی عبد الله (علیه السلام): «عن المستحاضة تصوم شهر رمضان إلاّ الأیام التی کانت تحیض فیهن ثم تقضیها من بعده»((1)).

وخبر عبد الرحمان، سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلک الیوم أم تفطر؟ قال: «تفطر وتقضی ذلک الیوم»((2)).

إلی غیرها من الروایات التی یجدها الطالب فی الوسائل والمستدرک.

{وأما المستحاضة فیجب علیها الأداء} بلا إشکال ولا خلاف، لأنها فی حکم الطاهرة کما تقدم {وإذا فات منها فالقضاء} بلا إشکال ولا خلاف، ویدل علیه العمومات المتقدمة، وخصوص مکاتبة ابن مهزیار، الواردة فیمن استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان کلّه من غیر أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لکل صلاتین ... قال (علیه السلام): «تقضی صومها»((3)).

ص:253


1- الوسائل: ج7 ص164 الباب 27 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
2- الوسائل: ج7 ص164 الباب 26 من أبواب من یصح منه الصوم ح1
3- الوسائل: ج2 ص590 الباب 41 من أبواب الحیض ح7
مسألة ٤ یجب علی المستبصر قضاء ما فاته

(مسألة 4): المخالف إذا استبصر یجب علیه قضاء ما فاته، وأما ما أتی به علی وفق مذهبه فلا قضاء علیه.

{مسألة _ 4): {المخالف إذا استبصر یجب علیه قضاء ما فاته} لعموم الأدلة، ولا شک أن المخالف مکلف بالأداء، فإذا لم یصم کلّف بالقضاء، سواء کان عدم صومه لأنه لیس بواجب عنده، أو کان واجباً عنده ولم یصم عصیاناً، أو ما أشبه ذلک.

لکن ربما یقال: إن المستفاد من الأدلة الدالة علی عدم إعادة المخالف باستثناء الزکاة، أن ما عمله ولم یعمله وکان عدم عمله صحیحاً عنده مرفوع عنه، فإذا کان البلوغ عنده مثلاً بعد البلوغ عند الشیعة فلم یصلّ ولم یصم لأنه غیر بالغ فی رأیه ومذهبه لم تجب علیه القضاء، وهذا غیر بعید، وإن لم أر من تعرض له لا إثباتاً ولا نفیاً.

{وأما ما أتی به علی وفق مذهبه فلا قضاء علیه} للروایات الکثیرة التی منها:

صحیحة محمد بن مسلم، وبرید، والفضیل، وزرارة، عن الباقر والصادق (علیهما السلام) فی الرجل یکون فی بعض هذه الأهواء، کالحروریة والمرجئة والعثمانیة والقدریة، ثم یتوب ویعرف هذا الأمر ویحسن رأیه، أیعید کل صلاة صلاها أو صوم أو زکاة أو حج، أو لیس علیه إعادة شیء من ذلک، قال: «لیس علیه إعادة شیء من ذلک غیر الزکاة، ولا بد أن یؤدیها لأنه وضع الزکاة فی غیر موضعها،

ص:254

وإنما موضعها أهل الولایة»((1)).

وما رواه برید، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث، قال: «کل عمل عمله وهو فی حال نصبه وضلالته، ثم منّ الله علیه وعرّفه الولایة، فإنه یوجر علیه إلا الزکاة، لأنّه یضعها فی غیر مواضعها، لأنها لأهل الولایة، وأما الصلاة والحج والصیام فلیس علیه قضاء»((2)).

إلی غیرهما مما ذکرناه فی بعض أبواب الفقه فراجع.

کما ذکرنا أنه إذا عمل بها علی وفق المذهب الحق لم یکن علیه قضاء. إلی غیرها من الفروع.

ولا یبعد أن یکون الحکم کذلک بالنسبة إلی الفرق المنتحلین إلی التشیع ممن لا یقولون بکل الأئمة (علیهم السلام) للإطلاق أو المناط.

ص:255


1- الوسائل: ج6 ص148 الباب 3 من أبواب المستحقین للزکاة ح2
2- الوسائل: ج6 ص148 الباب 3 من أبواب المستحقین للزکاة ح1
مسألة ٥ یجب علی النائم والغافل قضاء ما فاته

(مسألة 5): یجب القضاء علی من فاته الصوم للنوم، بأن کان نائما قبل الفجر إلی الغروب من غیر سبق نیة. وکذا من فاته للغفلة کذلک.

{مسألة 5: یجب القضاء علی من فاته الصوم للنوم، بأن کان نائماً قبل الفجر إلی الغروب من غیر سبق نیة}، وذلک لإطلاقات أدلة القضاء، بعد أن لم یکن هذا صائماً، فإن الصوم بالنیة، والمفروض أنه لا نیة فهو لیس بصائم، ولکن لا کفارة علیه لعدم شمول أدلة الکفارة لمثله.

ویکفی فی سبق النیة نیة الشهر، إذا قلنا بکفایتها، فلو نوی الشهر ونام أیاماً بلیالیها کفاه ذلک، أما کون النوم إلی الغروب أو إلی الزوال کما أشار الیه المستمسک، فیبنی علی ما تقدم فی مبحث النیة من أن وقت النیة إلی الظهر أو إلی الغروب، وقد تکلمنا هناک حوله فراجع.

{وکذا من فاته للغفلة کذلک} لاتحاد الدلیل فی المقام مع الدلیل فی الفرع السابق، ولا فرق فی الغفلة بین کونها غفلة عن الشهر بأن لم یعلم أن الشهر قد صار، أو الغفلة عن النیة.

وکذا حال النسیان، وکذا إذا کان عن جهل، بأن ظن أن الصوم توصلی کالطهارة الخبثیة، فلم ینو أصلاً، ومثله ما لو لم ینو القربة.

ص:256

مسألة ٦ دوران القضاء بین الأقل والأکثر

(مسألة 6): إذا علم أنه فاته أیام من شهر رمضان ودار بین الأقل والأکثر، یجوز له الاکتفاء بالأقل، ولکن الأحوط قضاء الأکثر

{مسألة 6: إذا علم أنه فاته أیام من شهر رمضان ودار بین الأقل والأکثر، یجوز الاکتفاء بالأقل} لأصالة عدم وجوب الأکثر، وهذا هو المشهور بین المتعرضین للمسألة.

{ولکن الأحوط قضاء الأکثر} لاستصحاب بقاء الوجوب، ولما دلّ من أن الله سبحانه یرید شهراً من الصوم، فإذا لم یتحقق فی شهر رمضان أتی به بعده، ولإطلاقات أدلة القضاء.

وفی الکل ما لا یخفی، فإن الموقت إذا خرج وقته کان موضوعاً آخر، فلا یجری فیه الاستصحاب، أما ما ذکره المستمسک من أن حرمة صوم العید مانع عن الاستصحاب، ففیه: إن مثل ذلک لا یضر بالاستصحاب، إذ حاله حال ما إذا علم فی شوال أن علیه قضاء عشرة أیام، ثم شک بعد عید الأضحی أنه هل صام تلک الأیام أم لا، هذا بالنسبة إلی الاستصحاب.

وأما أن المطلوب هو شهر من الصیام وأن کونه فی شهر رمضان من باب تعدد المطلوب، فإنه وإن لم یکن بعیداً فی نفسه لکن استفادته من ظاهر النصوص مشکل، إذ النصوص التی یمکن أن یستدل بها لذلک هی هذه:

خبر هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سمعته یقول: «ما کلف الله العباد فوق ما یطیقون».

ص:257

إلی أن قال: «إنما کلفهم صیام شهر من السنة وهم یطیقون أکثر من ذلک»((1)).

وخبر فضل بن شاذان، عن الرضا (علیه السلام): «إنما جعل الصوم فی شهر رمضان خاصة دون سائر الشهور، لأن شهر رمضان هو الشهر الذی أنزل الله فیه القرآن»((2))، الحدیث.

وما رواه الصدوق، بسنده إلی الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی قصة الیهود الذین جاؤوا إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) وسألوه لأی شیء فرض الله عز وجل الصوم علی أمتک بالنهار ثلاثین یوماً؟ فقال النبی (صلی الله علیه وآله): «إن آدم (علیه السلام) لما أکل من الشجرة بقی فی بطنه ثلاثین یوماً، ففرض الله علی ذریته ثلاثین یوماً الجوع والعطش، والذی یأکلونه باللیل تفضل من الله عز وجل علیهم»((3)) الحدیث.

إلی غیرها مما یستأنس منها کون الفرض ثلاثین، وأنه فی شهر رمضان لأجل نزول القرآن وما أشبه، لکن ذلک لیس بمثابة الدلیل، بل یکفی فی مقام التأیید، فتأمّل.

ص:258


1- الوسائل: ج7 ص178 الباب 1 من أبواب أحکام شهر رمضان ح18
2- الوسائل: ج7 ص173 الباب 1 من أبواب أحکام شهر رمضان ح6
3- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص43 باب 21 فی علة فرض الصیام ح4

خصوصا إذا کان الفوت لمانع من مرض أو سفر أو نحو ذلک، وکان شکه فی زمان زواله، کأن یشک فی أنه حضر من سفره بعد أربعة أیام أو بعد خمسة أیام مثلا من شهر رمضان.

وأما إطلاقات أدلة القضاء، ففیه: إن ذلک یتوقف علی الفوت وهو مشکوک فیه.

ثم إنه ربما استدل بالإضافة إلی أصل البراءة عن الأکثر، بقاعدة الشک بعد خروج الوقت، وقاعدة الشک بعد الفراغ، وقاعدة حمل أمر المسلم علی الصحیح، قال (علیه السلام): «ضع أمر أخیک علی أحسنه»((1)). بناءً علی أنه لا فرق بین النفس والغیر لوحدة المناط، ولذا لا یعتنی الإنسان فیما إذا شک فی معاملاته هل کانت جامعة للشرائط عند الإجراء أم لا، والأمر فی الحدیث أعم من الفعل کما لا یخفی.

وکیف کان، ففی المجموع کفایة، وإن کان بعضها لا یخلو من مناقشة {خصوصاً إذا کان الفوت لمانع من مرض أو سفر أو نحو ذلک} کالحیض والنفاس {وکان شکه فی زمان زواله} هل کان زمان الزوال قبلاً أو بعداً {کأن یشک فی أنه حضر من سفره بعد أربعة أیام أو بعد خمسة أیام مثلاً من شهر رمضان} وذلک لاستصحاب عدم الصوم إلی الیوم الخامس، أو استصحاب بقاء السفر إلی الیوم الخامس، لیثبت بذلک القضاء، لکن فیه: إن الاستصحاب مثبت، کما أشار إلیه المستمسک.

ص:259


1- الوسائل: ج8 ص614 ح3

أما إذا کان الشک فی ذلک من جهة المبدأ، کما لو شک فی أنه هل سافر من أول الشهر إلی الخامس، أو أنه سافر من الیوم الثانی إلی الخامس، فلا مجال لهذا الاحتیاط أصلاً کما لا یخفی.

وربما یفصل بین ما إذا علم من قبل بعددها تفصیلاً ثم نسیها، ففیه یلزم الأکثر، وبین غیره فلا یلزم الأکثر، وذلک لما تقدم فی قضاء الصلوات المرددة بین الأقل والأکثر، من أنه إذا علم ونسی لزم علیه التکلیف، بخلاف ما إذا لم یعلم من الأول.

کما أنه ربما یقال بوجوب الإتیان بقدر الظن، لأن الامتثال الظنی یقوم مقام الامتثال القطعی فی أمثال هذه المقامات.

وفی کلا الاحتمالین ما لا یخفی، وإن ذکرهما بعض الفقهاء خصوصاً فی باب قضاء الصلاة، إذ البراءة محکمة.

ومما تقدم ظهر أن الاستدلال لوجوب الأکثر بأنه وجب علیه الأکثر ولم یعلم بأدائه فالواجب إفراغ الذمة، إذ أصل الصحة أو الفراغ وشبههما محکم علی ذلک کما فی أمثاله، وقد ذکرنا ما ینفع المقام فی کتاب الحج وغیره فراجع.

ص:260

مسألة ٧ الفور والتتابع فی القضاء

(مسألة 7): لا یجب الفور فی قضاء

{مسألة 7: لا یجب الفور فی القضاء} بلا إشکال ولا خلاف، إلا عن محتمل أبی الصلاح، بل یظهر عن بعض الإجماع علیه، وذلک لأصالة عدم الفور، ولقوله تعالی:﴿فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَریضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ﴾((1))، وذلک یصدق بالفور وبالتراخی.

ولصحیحة حفص بن البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «کن نساء النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) إذا کان علیهن صیام أخّرن ذلک إلی شعبان، کراهة أن یمنعن رسول الله (صلی الله علیه وآله)، فإذا کان شعبان صمن وصام معهن»((2)).

وصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا کان علی الرجل شیء من صوم شهر رمضان فلیقضه فی أی شهر شاء أیاماً متتابعة، فإن لم یستطع فلیقضه کیف شاء، ولیحص الأیام فإن فرّق فحسن، وإن تابع فحسن»((3)).

وصحیح ابن المغیرة، عن ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه

ص:261


1- سورة البقرة: الآیة 184
2- الوسائل: ج7 ص252 الباب 27 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4
3- الوسائل: ج7 ص249 الباب 26 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5

السلام) قال: «من أفطر شیئاً من شهر رمضان فی عذر فإن قضاه متتابعاً فهو أفضل، وإن قضاه متفرقاً فحسن»((1))، ومن المعلوم أن المتفرق یلازم عدم الفور.

وروایة عقبة بن خالد، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل مرض فی شهر رمضان فلما برئ أراد الحج کیف یصنع بقضاء الصوم؟ قال: «إذا رجع فلیصمه»((2)). فإنه إذا کان القضاء فوراً لم یجز له السفر، ولزم أن ینبأه علی ذلک، فعدم الاستفصال دلیل عدم الفور.

وفی روایة علی بن أبی حمزة، عن أبی إبراهیم (علیه السلام): «وإن کان قضاء رمضان فی شوال أو غیره فشرب بعد الفجر فلیفطر یومه ذلک ویقضی»((3)).

إلی غیرها من الروایات، مضافاً إلی إطلاقات أدلة القضاء، وما دل علی أنه إن لم یقض بین رمضانین کان علیه الفدیة.

وربما یستدل لأبی الصلاح، بأن الأمر بالقضاء یقتضی الفور، وفیه: إنه خلاف التحقیق، کما بین فی الأصول، وبدوران الأمر بین التعیین

ص:262


1- الوسائل: ج7 ص249 الباب 26 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4
2- الکافی: ج4 ص121 باب فی قضاء شهر رمضان ح6
3- الوسائل: ج7 ص83 الباب 45 من أبواب ما یمسک عنه الصائم ح3

ولا التتابع.

والتخییر والأصل التعیین، وفیه مضافاً إلی کون الأصل التخییر، إنه اجتهاد فی مقابل النص.

وبأنه خلاف المسارعة والاستباق المأمور بهما، وفیه: إن الأمر فیهما للندب، ولو کان الأمر للوجوب لکانت الأخبار التی ذکرناها مخصصة له.

نعم یجب الفور فی القضاء إذا ضاق الوقت، بأن علم أنه سوف یموت، کالمحکوم علیه بالشنق، أو کالذی یعلم أنه سوف یسافر بما لا یتمکن من الصیام إلی الرمضان الثانی، أو ما أشبه ذلک، وذلک للأدلة الدالة علی عدم جواز تأخیر القضاء من الرمضان الثانی، لکن هذا لا یسمی فوراً، بل هو ککل أمر موسع علم ضیقه بسبب من الأسباب.

{ولا التتابع} بلا خلاف ولا إشکال، بل إجماعاً عن الناصریات والخلاف والمختلف، خلافاً لما یحکی عن أبی الصلاح أیضاً من وجوب التتابع.

ویدل علی عدم وجوب التتابع صحیح الحلبی وصحیح ابن سنان المتقدمان فی الفور، وصحیح سلیمان بن جعفر، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الرجل یکون علیه أیام من شهر رمضان أیقضیها متفرقة؟ قال: «لا بأس بتفریق قضاء شهر رمضان، إنما الصیام الذی لا یفرق کفارة الظهار وکفارة الدم»((1)).

وموثق سماعة، سألته عمن یقضی شهر رمضان منقطعاً؟ قال

ص:263


1- الکافی: ج4 ص120 باب فی قضاء شهر رمضان ح1

نعم یستحب التتابع فیه وإن کان أکثر من ستة، لا التفریق فیه مطلقا، أو فی الزائد علی الستة.

(علیه السلام): «إذا حفظ أیامه فلا بأس»((1)).

وخبر الأعمش، عن الصادق (علیه السلام) قال: «والفائت من شهر رمضان إن قضی متفرقاً جاز، وإن قضی متتابعاً کان أفضل»((2)).

إلی غیر ذلک، مضافاً إلی إطلاق الأدلة وأصالة البراءة عن التتابع والسیرة المستمرة.

أما أبو الصلاح فقد استدل له ب_ «من فاتته فریضة»، فإن شهر رمضان متتابع ویجب فی قضائه التتابع، وفیه: إن التتابع لیس من الکیفیات التی اعتبرها الشارع فی شهر رمضان، فلا دلالة فی ذلک علی وجوب التتابع.

وبأن القضاء فوری وذلک یقتضی التتابع، وفیه: ما عرفت فی الفوریة.

وبأن القضاء کالأداء إلاّ فی الوقت، فکما کان الأداء متتابعاً یکون القضاء متتابعاً، وفیه: إنه هو الدلیل الأول له الذی عرفت جوابه، هذا مضافاً إلی أن المذکورات علی فرض تمامیتها لا تقاوم الروایات السابقة.

{نعم یستحب التتابع فیه، وإن کان أکثر من ستة} أیام، {لا التفریق فیه مطلقاً} ستة کانت أو أکثر {أو فی الزائد علی الستة} ففی

ص:264


1- الوسائل: ج7 ص248 الباب 26 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2
2- الوسائل: ج7 ص250 الباب 26 من أبواب أحکام شهر رمضان ح11

الستة لا یستحب التفریق، أما فی الزائد علی الستة فیستحب التفریق.

أقول: فی المسألة أقوال ثلاثة، کما أشار إلیه المصنف تبعاً للشرائع وغیره:

الأول: استحباب التتابع مطلقاً، وهذا هو المشهور، کما فی الحدائق والمستند والمستمسک وغیرها، بل فی الجواهر یمکن تحصیل الإجماع علیه، بل عن الناصریات والخلاف والمختلف دعوی الإجماع علیه.

ویدل علیه صحیح الحلبی وابن سنان وخبر الأعمش المتقدمات، وفی روایة غیاث: «إن کان لا یقدر علی سرده فرقه»((1)).

وروایة الصفّار أنه کتب إلی الأخیر (علیه السلام)، رجل مات وعلیه قضاء من شهر رمضان عشرة أیام؟ إلی أن قال: «یقضی عنه أکبر ولییه عشرة أیام ولاءً إن شاء الله تعالی»((2)). بعد وضوح أنه لا یفرق فی ذلک الأصیل والنائب، وهذا الأمر یجب أن یحمل علی الاستحباب للإجماع علی عدم وجوب الولاء، بالإضافة إلی ما تقدم من الروایات الدالة علی عدم الوجوب.

وخبر ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «کل صوم یفرّق إلا ثلاثة أیام کفارة الیمین»((3)).

ص:265


1- الوسائل: ج7 ص248 الباب 26 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
2- الوسائل: ج7 ص252 الباب 27 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3
3- الوسائل: ج7 ص248 الباب 26 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3

الثانی: استحباب التفریق مطلقاً، وهذا هو المنسوب إلی المفید فی المقنعة، لکن فی ذهاب المفید إلی ذلک نظر، لأن المنقول عنه عبارتین، أحدهما تدل علی أنه لا یقول بالاستحباب مطلقاً، لأنه بعد الحکم بالتخییر بین التتابع والتفریق قال: وقد روی عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: «إذا کان علیه یومان فصل بینهما بیوم، وکذلک إذا کان علیه خمسة أیام وما زاد، فإن کان علیه عشرة أیام أو أکثر من ذلک تابع بین الثمانیة أیام إن شاء ثم فرق الباقی»((1)). والوجه فی ذلک کله أنه إن تابع بین الصیام فی القضاء لم یکن فرق بین الشهر فی صومه وبین القضاء، فأوجبت السنة الفصل بین الأیام بإفطار لیقع الفرق بین الأمرین، کما وصفناه انتهی.

کذا نقله تعلیق منتهی المقاصد، وکیف کان فلا دلیل علی استحباب التفریق مطلقاً.

الثالث: استحباب التفریق علی الزائد من ستة، والتتابع فی ستة، نقله الشرائع والسرائر، واحتج له بموثق الساباطی، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل تکون علیه أیام من شهر رمضان کیف یقضیها؟ فقال: «إن کان علیه یومان فلیفطر بینهما یوماً، وإن کان علیه خمسة أیام فلیفطر بینهما أیاماً، ولیس له أن یصوم أکثر من ستة أیام متوالیة، وإن کان علیه ثمانیة أیام أو عشرة أفطر بینها یوماً»((2)).

ص:266


1- المقنعة: ص57 س17
2- الوسائل: ج7 ص249 الباب 26 من أبواب أحکام شهر رمضان ح6

ومن المعلوم أن هذا لا ینطبق علی القول المذکور.

ولا بأس بالقول باستحباب هذا أیضاً، فکل من التتابع ومن هذه الکیفیة مستحبة کسائر المستحبات المتزاحمة.

ثم الظاهر أنه لا فرق فی استحباب التتابع بین أن یکون القضاء عن أیام متوالیة أو غیر متوالیة، کما لو أفطر أول رمضان ووسطه وآخره، وذلک لإطلاق أدلة التتابع.

نعم إذا کان من رمضانین وأکثر، ففی استحباب التتابع إشکال، لانصراف الإطلاقات إلی رمضان واحد.

کما لا فرق فی استحباب التتابع بین کونه أصیلاً أو نائباً، وجوباً کالولی والأجیر، أو استحباباً کالمتبرع، لأن المستفاد من النص والفتوی أن هذا حکم القضاء بما هو قضاء.

والظاهر أنه إذا لم یقدر علی التتابع فی الکل، استحب التتابع فی المیسور منه، والله العالم.

ص:267

مسألة ٨ عدم وجوب تعیین الأیام فی القضاء

(مسألة 8): لا یجب تعیین الأیام، فلو کان علیه أیام فصام بعددها کفی

{مسألة 8: لا یجب تعیین الأیام، فلو کان علیه أیام فصام بعددها کفی}، لا ینبغی الإشکال فی ذلک، کما لم أجد مخالفاً فیما لدی من الکتب، وذلک لأن الواجب هو مهیة الصوم بما هی هی، أما خصوصیة الیوم الأول والیوم الثانی وما أشبه فله ثلاثة اعتبارات:

الأول: الاعتبار الذی تعلق به الوجوب، وهذا صرف المهیة، لأنه لا دلیل علی أکثر من ذلک، بل ظواهر ما دلّ علی أن الصوم وقع علی الیوم بعینه، ولذا لا یضره نیة الخلاف جهلاً، وما دلّ علی أن الله أراد صیام شهر لأجل کفارة عمل آدم (علیه السلام) بمعنی أن ابتداء ذلک کان من ذلک الیوم، کقوله سبحانه:﴿مِنْ أَجْلِ ذلِکَ کَتَبْنا﴾((1))، أی من حین قتل هابیل بید قابیل، أو بمعنی آخر کأن یکون أثر ذلک الأکل بقی فی الأجیال من باب الأثر الوضعی من قبیل تأثیر شرب الخمر فی فساد النسل، ومثله:﴿وَلْیَخْشَ الَّذینَ لَوْ تَرَکُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّیَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَیْهِمْ﴾((2))، حیث یراد الأثر الوضعی فلا ینافی قوله تعالی:﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری﴾((3))، وقوله:﴿کُلُّ امْرِئٍ

ص:268


1- سورة المائدة: الآیة 32
2- سورة النساء: الآیة 9
3- سورة فاطر: الآیة 18

وإن لم یعین الأول والثانی وهکذا، بل لا یجب الترتیب أیضاً.

بِما کَسَبَ رَهینٌ﴾((1))، و﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ﴾((2))، إلی آخر ما هو مذکور فی الکتب المتعرضة لهذه الشؤون.

أقول: ظواهر هذه الأدلة أن الصوم حقیقة واحدة، ولا خصوصیة للأیام، فهو مثل ما إذا قال المولی: أعط دیناراً لزید وآخر لعمرو وثالث لخالد، حیث إن الدنانیر لا تختلف فی الحقیقة والمهیة، وهکذا سائر التکالیف التی لا تظهر من الأدلة خصوصیة مصادیقها وأفرادها.

الثانی: الخصوصیات الخارجیة التی هی مبعث آثار بالنسبة إلی نفس شهر رمضان، مثل استحباب العمل الفلانی فی الیوم الأول، والعمل الفلانی فی الیوم الخامس عشر، وهکذا، وهذه الآثار خاصة بنفس الأیام لا بقضائها، إذ لا دلیل علی انسحاب هذه الآثار إلی القضاء.

الثالث: الخصوصیات الخارجیة التی علم من ظواهر الأدلة اعتبارها فی القضاء أیضاً، کما قالوا بالنسبة لقضاء الرمضان الأول والثانی، فإنه إذا کان علیه قضاءان، للسنة الماضیة والسنة التی قلبها، وضاق الوقت لزم أن یقدم السنة الماضیة، وذلک لدلالة الدلیل علی ذلک، فإذا صام بعدد الأیام التی علیه کفی {وإن لم یعین الأول والثانی وهکذا} بالنسبة إلی سائر أقسام الصوم أداءً وقضاءً کصوم الکفارة وغیرها، {بل لا یجب الترتیب أیضاً} فلو قصد الیوم الأول ثم

ص:269


1- سورة الطور: الآیة 21
2- سورة الإسراء: الآیة 7

فلو نوی الوسط أو الأخیر تعین ویترتب علیه أثره.

الیوم الثالث ثم الثانی کفی أیضاً، حکاه فی المستند عن جملة من الأصحاب، واختاره هو ثم نقل عن بعض استحباب الترتیب، قال: ولا أری له وجهاً إلا أن یثبت بفتوی الفقیه.

{فلو نوی الوسط أو الأخیر تعین ویترتب علیه أثره} فیما إذا کان له أثر، کما إذا کان علیه صوم سنتین، فصام السنة الثانیة أولاً، فإنه لا یجب علیه أن یصوم إذا تضیق الوقت لقرب شهر رمضان، وذلک بخلاف ما إذا نوی أولاً صوم السنة الأولی، فإنه إذا تضیق علیه الوقت وجب الصیام لأداء ما علیه من الصیام للسنة الثانیة.

وبما ذکرنا ظهر وجه قوله "بل لا یجب" و"یترتب أثره"، وبه یرتفع إشکال المستمسک علی المتن.

کما أن تقدم یظهر أنه لا وجه للتمسک بلزوم قصد الأیام أولاً فأولاً، بقوله (علیه السلام): «من فاتته فریضة»، بتقریب أن خصوصیة الأیام داخلة فی القضاء، إذ قد عرفت أنه لا خصوصیة للأیام.

ولو نوی قضاء الیوم الأول ثم الثانی ثم الثالث وهکذا، وبعد ذلک تبین أنه لم یکن علیه قضاء الیوم الثانی، فالظاهر الکفایة عن یوم آخر لما تقدم، اللهم إلاّ إذا نوی التقیید، کما أنه فی شهر رمضان إذا نوی التقیید بأن صام الیوم الثانی مقیداً بأنه صوم الیوم الثالث، فتأمّل.

ومثل الکلام فی أیام الشهر، الکلام فی ساعات الیوم، والرکعات

ص:270

المتشابهة فی الصلاة، والأشواط بالنسبة إلی الطواف والسعی، والأحجار بالنسبة إلی الرمی فی باب الحج، إلی غیر ذلک.

ص:271

مسألة ٩ جواز قضاء اللاحق قبل السابق

(مسألة 9): لو کان علیه قضاء من رمضانین فصاعداً، یجوز قضاء اللاحق قبل السابق، بل إذا تضیق اللاحق بأن صار قریبا من رمضان آخر کان الأحوط تقدیم اللاحق، ولو أطلق فی نیته انصرف إلی السابق

{مسألة 9: لو کان علیه القضاء من رمضانین فصاعداً، یجوز قضاء اللاحق قبل السابق} لما عرفت من عدم الدلیل علی الترتیب بین أیام شهر واحد، ولا بین شهرین، کما یجوز التبعیض بأن یصوم یوماً من الشهر الأول ویوماً من الشهر الثانی.

{بل إذا تضیق اللاحق بأن صار قریباً من رمضان آخر، کان الأحوط تقدیم اللاحق} لما یأتی من لزوم أن یأتی بالقضاء لهذا العام قبل مجیء شهر رمضان.

ولا یجوز تأخیره إلی ما بعد رمضان {ولو أطلق فی نیته انصرف إلی السابق} من الرمضانین، فلو صام شهراً ثم تضیق وقته لزم علیه صوم الشهر الثانی الذی هو قضاء رمضان هذه السنة، لأن صومه الأول منصرف إلی الرمضان للسنة الأولی، وکأنّ وجه ذلک أن النیة منصرفة، والمنصرف حجة.

أما الصغری، فلشهادة العرف بذلک، فإن الفائت أولاً یأتی أولاً لدی إطلاق النیة، ولذا إذا فاتت منه صلاة یومین فأتی برکعتین انصرف إلی صلاة الصبح من الیوم الأول، فتصح علی القول بلزوم الترتیب بین الصلوات، وحیث إن القاضی لم یأت بخلاف ذلک

ص:272

وکذا فی الأیام.

المنصرف وقع عمله علی ذلک المنصرف.

وأما الکبری، فلأن ما نواه هو الذی یقع فی الخارج، کما هو کذلک فی کل الأعمال الإنشائیة، ثم لا یخفی أن هذا الانصراف إنما هو فیما إذا کان هناک آثار، وإلا لم یکن، کما إذا استدان من زید دیناراً ثم دیناراً، فإذا أعطاه دیناراً، لم یکن وجه لانصرافه إلی کونه أداءً للقرض الأول.

ولذا یستشکل فی قوله: {وکذا فی الأیام}، لما تقدم من عدم الآثار فی الأیام.

ولو قیل: إن أثره أنه لو نواه ثانیاً بطل، مثل أن یصوم بنیة مطلقة فی الأول ثم ینوی فی الیوم الثانی أنه قضاء للیوم الأول.

قلنا: لا نسلم البطلان، بل هو من قبیل أن یعطی دیناراً لزید من باب قرضه، ثم یعطیه دیناراً ثانیاً من باب دفع قرضه الأول، فإنه لا شک فی أنه وفی قرضه الدینارین، فإن الصائم یوماً قد وفی من أیام صومه القابل الانطباق علی الأول وعلی غیره، فإذا نوی ثانیاً قضاء الصوم الأول، لم یقع بینهما تزاحم، بل صح وانطبق قضاؤه الأول علی غیر الیوم الأول.

ص:273

مسألة ١٠ لا ترتیب فی صوم القضاء

(مسألة 10): لا ترتیب بین صوم القضاء وغیره من أقسام الصوم الواجب کالکفارة والنذر ونحوهما، نعم لا یجوز التطوع بشیء لمن علیه صوم واجب کما مرّ.

{مسألة 10: لا ترتیب فی صوم القضاء وغیره من أقسام الصوم الواجب کالکفارة والنذر ونحوهما} فإذا کانا علیه صح له أن یقدم هذا علی ذاک أو العکس، بلا خلاف ظاهر کما فی المستمسک، إلاّ عن ابن أبی عقیل، فمنع عن صوم النذر أو الکفارة لمن علیه قضاء عن شهر رمضان، وکأنه لأجل التنظیر بالصوم المندوب، لاستفادة أهمیة من تلک الروایات لقضاء شهر رمضان، ویرده عدم وجود مناط قطعی، فالأصل محکم فی المقام.

{نعم لا یجوز التطوع بشیء لمن علیه صوم واجب کما مرّ} فی أواخر فصل شرائط صحة الصوم.

وکیف کان، فیجوز تقدیم القضاء علی تلک، کما یجوز تقدیم تلک علی القضاء، وکذا یجوز تقدیم النذر علی الکفارة وغیرها، والعکس، إلا إذا کان هناک وجه خارجی لأجل تقدیم بعضها علی بعض، کما إذا کان النذر مطلقاً والقضاء مضیقاً، أو العکس بأن کان النذر مقیداً والقضاء موسعاً، ولو کان کلاهما مضیقاً ففی تقدیم القضاء لأنه صاحب الوقت کتقدیم الیومیة علی الآیات فی ضیق وقتهما، أو تقدیم النذر لأنه یؤتی به أداءً، أما القضاء فهو لا یضره التقدیم والتأخیر، إذ هو علی کلا الحالین قضاء، وإن شئت قلت: إنه إن قدم النذر کان أتی بأحد الواجبین أداءً

ص:274

وبأحدهما قضاءً، أما إن قدم القضاء أتی بکلا الواجبین قضاءً.

أو التخییر، لأنهما واجبان متزاحمان، والأصل التخییر فی کل واجبین متزاحمین لم یعلم أهمیة أحدهما علی الآخر؟

احتمالات، وإن کان الأحوط تقدیم القضاء.

ص:275

مسألة ١١ موارد تخلف المأتی به عن المکلف

(مسألة 11): إذا اعتقد أن علیه قضاء فنواه، ثم تبین بعد الفراغ فراغ ذمته لم یقع لغیره. وأما لو ظهر له فی الأثناء فإن کان بعد الزوال لا یجوز العدول إلی غیره

{مسألة 11: إذا اعتقد أن علیه قضاءً فنواه، ثم تبین بعد الفراغ فراغ ذمته لم یقع لغیره} من سائر الصیام الذی علیه، وذلک لفقد النیة بالنسبة إلی غیره، والنیة معتبرة فی الصوم کما سبق فی بحث النیة.

نعم لو کانت نیته من باب الاشتباه فی التطبیق، کما إذا کان علیه صوم فظنه القضاء فأتی به بنیة ما علیه، لکن ظن أن ما علیه القضاء، صح لغیره، لتحقق النیة حینئذ، کما فی سائر موارد الاشتباه فی التطبیق کما نبه علیه فی المستمسک.

وکذا لو صام کفارةً أو نذراً ثم تبین الاشتباه، ومثله ما لو صام استیجاراً وقضاءً ثم تبین الاشتباه، لأن الکل من واد واحد، ویؤید صحة ما إذا کان من باب الاشتباه فی التطبیق ما دلّ من صحة شهر رمضان إذا صام یوم الشک لا بنیته.

{وأما لو ظهر له فی الأثناء، فإن کان} الظهور {بعد الزوال لا یجوز العدول إلی غیره} بل بطل الصوم إلا إذا کان العدول إلی المندوب، إذ قد عرفت سابقاً جواز النیة للمندوب إلی الغروب، أما من یری جواز النیة حتی فی الواجب کذلک، فیجوز العدول فی الواجب أیضاً.

ص:276

وإن کان قبله فالأقوی جواز تجدید النیة لغیره، وإن کان الأحوط عدمه.

ثم لا یخفی أن ذلک إنما هو فیما إذا کان علی وجه التقیید، أما إذا کان علی وجه الخطأ فی التطبیق جاز العدول الصوری إذ لیس عدولاً واقعیاً.

{وإن کان قبله فالأقوی جواز تجدید النیة لغیره} لما تقدم فی بحث النیة من امتداد وقت النیة فی الجهل والنسیان وما أشبه إلی الزوال، {وإن کان الأحوط عدمه} لاحتمال صحة إنشاء النیة إلی ما قبل الظهر، لا العدول، إذ قد تلون قطعة من النهار بلون صوم آخر ناقلاً به عن ذاک إلی صوم ثان، خلاف الأصل.

ولو نوی صوم الندب بظن أنه لا واجب علیه، ثم ظهر له أن علیه صوماً واجباً، عدل بالنیة إلی الواجب إلی ما قبل الظهر علی ما عرفت.

والظاهر أنه یجوز العدول عن مندوب إلی مندوب آخر، کصوم الاستعانة لأجل قضاء الحاجة، حیث قال سبحانه:﴿اسْتَعینُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾((1))، فقد فسّر الصبر بالصیام، إلی صوم الاعتکاف أو العکس.

ص:277


1- سورة البقرة: الآیة 153
مسألة ١٢ عدم وجوب القضاء عن المیت

(مسألة 12): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حیض أو نفاس ومات فیه لم یجب القضاء عنه

{مسألة 12: إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حیض أو نفاس ومات فیه لم یجب القضاء عنه} بلا خلاف ولا إشکال، بل عن المنتهی دعوی اتفاق العلماء کافة علیه، وفی الحدائق والمستند والجواهر دعوی الإجماع علیه، وفی تعلیقة منتهی المقاصد نقل دعوی الإجماع، وفی المستمسک دعوی القطع، وکیف کان فیدل علیه متواتر الروایات:

کصحیحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: سألته عن رجل أدرکه رمضان وهو مریض فتوفی قبیل أن یبرأ؟ قال: «لیس علیه شیء ولکن یقضی عن الذی یبرأ ثم یموت قبل أن یقضی»((1)).

وعن عبد الله بن بکیر، عن بعض أصحابنا، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی رجل یموت فی شهر رمضان؟ قال: «لیس علی ولیه أن یقضی عنه ما بقی من الشهر، وإن مرض فلم یصم رمضان ثم لم یزل مریضاً حتی مضی رمضان وهو مریض ثم مات فی مرضه ذلک فلیس علی ولیه أن یقضی عنه الصیام، فإن مرض فلم یصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلک ولم یقضه ثم مرض فمات فعلی ولیه أن

ص:278


1- الوسائل: ج7 ص240 الباب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2

یقضی عنه لأنه قد صح فلم یقض وجب علیه»((1)).

وعن أبی مریم الأنصاری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا صام الرجل شیئاً من شهر رمضان ثم لم یزل مریضاً حتی مات فلیس علیه شیء قضاء، وإن صح ثم مرض ثم مات وکان له مال تصدق عنه مکان کل یوم بمدّ، وإن لم یکن له مال صام عنه ولیه»((2)).

وعن منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المریض فی شهر رمضان فلا یصح حتی یموت؟ قال: «لا یقضی عنه». والحائص تموت فی شهر رمضان؟ قال: «لا یقضی عنها»((3)).

وعن سماعة بن مهران، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل دخل علیه شهر رمضان وهو مریض لا یقدر علی الصیام فمات فی شهر رمضان أو فی شهر شوال، قال: «لا صیام علیه ولا یقضی عنه». قلت: فامرأة نفساء دخل علیها شهر رمضان ولم تقدر

ص:279


1- الوسائل: ج7 ص243 الباب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح13
2- الوسائل: ج7 ص241 الباب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح7
3- الوسائل: ج7 ص242 الباب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح9

علی الصوم فماتت فی شهر رمضان أو فی شوال؟ فقال: «لا یقضی عنها»((1)).

وعن منصور بن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی الرجل یسافر فی شهر رمضان فیموت، قال: «یقضی عنه، وأن امرأة حاضت فی شهر رمضان فماتت لم یقض عنها، والمریض فی شهر رمضان لم یصح حتی مات لا یقضی عنه»((2)).

إلی غیرها من الروایات، وهذه الروایات فیها صحیحة السند وموثقة، ودلالتها لا غبار علیها، ولذا لا ینبغی الإشکال فی الحکم المذکور.

ثم إنه یعلم حکم المتنوع، کما إذا مرضت بعض الشهر وطمثت فی بعضه الآخر مما ذکرنا، وأنه لا قضاء علیها إن ماتت فی شهر رمضان مثلاً.

کما أنه یعلم مما تقدم أنه لو مرض شهر رمضان کله ثم شفی عشرة أیام بعد العید ثم مات، کان الواجب أن یقضی عنه عشرة أیام وهکذا.

والظاهر أنه لا فرق بین أن یمرض نفسه عمداً، أو مرض بدون اختیاره، کما لا فرق بین أن تستعمل المرأة ما یوجب تحیضها، أو حاضت حیضاً طبیعیاً، لأنه متی تحقق الموضوع تحقق

ص:280


1- الوسائل: ج7 ص242 الباب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح10
2- الوسائل: ج7 ص243 الباب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح15

ولکن یستحب النیابة عنه فی أدائه.

الحکم، والقول بالانصراف إلی الأسباب الطبیعیة لا وجه له.

{ولکن یستحب النیابة عنه فی أدائه} کما عن الشیخ وابن أدریس وابن حمزة والعلامة، وفی الشرائع، بل عن المنتهی: أنه أسنده إلی أصحابنا.

خلافاً للمحکی عن أکثر متأخری المتأخرین، واختاره المستند حیث لم یقولوا باستحبابه.

استدل القائلون بالاستحباب بأن الصوم طاعة کالصلاة والصدقة ونحوها، فیجوز الإتیان بها عن المیت، وحیث إنها عبادة یستحب الإتیان بها، کما یستحب الإتیان بالصلوات والصیام المعتادة مع أنه لا تکلیف علی الإنسان بها، کما استدلوا بإطلاقات أدلة القضاء الدالة علی الرجحان، لکن لا نقول بالوجوب لنفی الأدلة المتقدمة للوجوب، فیبقی أصل الرجحان علی حاله.

وربما استدل بصحیحة أبی بصیر الآتیة، حیث قال (علیه السلام): «فإن اشتهیت أن تصوم لنفسک فصم»، أی أن تصوم عنها لنفسک لا بداعی وصیتها.

ولکن القائلون بعدم الاستحباب ردّوا الأدلة المذکورة، بأن الاستحباب یحتاج إلی دلیل خاص أو عام، ولیس فی المقام، وأدلة القضاء ظاهرة فی الوجوب، فإذا نفی الوجوب لم یبق لها دلالة علی أصل الرجحان، والصحیحة علی عکس المطلوب أدل.

فقد روی أبو بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال:

ص:281

والأولی أن یکون بقصد إهداء الثواب.

سألته عن امرأة مرضت فی شهر رمضان وماتت فی شوال فأوصتنی أن أقضی عنها؟ قال: «هل برئت من مرضها»؟ قلت: لا ماتت فیه، قال: «لا یقضی عنها، فإن الله لم یجعله علیها»، قلت: فإنی أشتهی أن أقضی عنها وقد أوصتنی بذلک، قال: «فکیف تقضی شیئاً لم یجعله الله علیها، فإن اشتهیت أن تصوم لنفسک فصم»((1)).

فإن الظاهر منها أن الإتیان بالصوم عنها تشریع، مثل أن یأتی الإنسان بقضاء صوم محرم، أو بقضاء صوم العید عن إنسان، والأخبار المتقدمة کما عرفت ظاهرة فی نفی القضاء لا نفی الوجوب.

لکن الفتوی بعدم الاستحباب أیضاً مشکل، بعد ذهاب أعاظم الفقهاء إلیه مما یوجب احتمال أنهم عثروا علی دلیل لم نعثر علیه کان شاهداً للمراد من روایة أبی بصیر، ولعله رأوا أدلة، وللتسامح فی أدلة السنن بفتوی الفقیه، سکت أکثر المعلقین علی المتن، وإن قال المصنف (رحمه الله): {والأولی أن یکون بقصد إهداء الثواب} حتی لا یکون آتیاً باحتمال ما هو بدعة.

ولعل الأولی من ذلک أن یأتی بقصد ما فی ذمة المیت من الاستحباب لذلک، أو لأیام أخر، إذ لا إشکال فی صحة النیابة عن المیت بالنسبة إلی الصیام الذی صامه، لاحتمال وجود خلل فی صومه، ولذا یوصون بالقضاء عنهم، وإن صلوا

ص:282


1- الوسائل: ج7 ص242 الباب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح12

وصاموا هم بأنفسهم.

نعم ذلک إنما یکون فیمن وجب علیه صوم آخر، لا مثل المرأة التی حاضت فی أول رمضانها سبعة أیام مثلاً ثم ماتت، أو المریض الذی مرض فی أول رمضان ثم مات یوم العید.

ولکن یمکن وجه صحة أخری فی مثل ذلک، وهو أن یأتی بقصد القضاء عنه لشهر رمضان أو غیره، إن قلنا باستحباب قضاء صوم سائر الأیام باعتبار صومها فی نفسها، فإنه لا إشکال فی استحباب أن یصوم الإنسان شهر رجب وشعبان وغیر ذلک، فإذا لم یصم استحب له قضاؤه، للمناط فی استحباب قضاء النوافل، أو للمناط فی وجوب قضاء الصیام الواجبة أو لغیر ذلک، وعلیه یصح للنائب أن یقول أصوم عنه إن صح عن رمضان فهو، وإلا فعن رجب أو شعبان مثلاً، فتأمل.

ومنه یظهر أن الذی یوصون بالصیام عنهم مدة عمرهم لا بأس به، فإن المدة التی لم یکن مریضاً ولا حائضاً بحیث لا قضاء له، یکون النائب قد أدی الصیام لاحتمال الخلل فی صوم المنوب عنه، والمدة التی لا قضاء له یکون صوماً عن سائر الأیام المستحبة صومها.

وربما یؤیّد ما ذکره المشهور من استحباب قضاء الصیام، صحیح ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «من أفطر شیئاً من رمضان فی عذر ثم أدرک رمضان آخر وهو مریض فلیتصدق بمدّ لکل

ص:283

یوم فأما أنا فإنی صمت وتصدقت»((1)).

وروایة سماعة، قال: سألته عن رجل أدرکه رمضان وعلیه رمضان قبل ذلک لم یصمه، فقال: «یتصدق بدل کل یوم من الرمضان الذی کان علیه بمدّ من طعام، ولیصم هذا الذی أدرکه، فإذا أفطر فلیصم رمضان الذی کان علیه، فإنی کنت مریضاً فمر علیّ ثلاثة رمضانات لم أصح فیهن ثم أدرکت رمضاناً آخر فتصدقت بدل کل یوم مما مضی بمد من طعام، ثم عافانی الله تعالی وصمتهن»((2))، وبقرینة هاتین الروایتین یمکن حمل صحیحة أبی بصیر علی النهی علی الصیام عنها بعنوان أنه کان واجباً علیها.

ومن المعلوم أن ذلک تشریع، أما بعنوان الاستحباب کما یظهر من هاتین الروایتین فلا.

ثم إنه یعلم مما تقدم عدم استبعاد استحباب قضاء الأیام ذات الفضیلة، کأن یقضی صوم أیام البیض ونحوها.

أما استحباب قضاء صوم الأیام التی لم یرد فیها نص خاص، کقضاء صوم أول الربیع فی الیوم الثانی منه، ففیه إشکال إذ یتساوی صوم الیومین فلا معنی للقضاء، بل هو کقضاء الصلاة التی هی خیر موضوع قضاء الساعة الأولی من النهار فی الساعة الثانیة منه.

ص:284


1- الوسائل: ج7 ص245 الباب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4
2- الوسائل: ج7 ص245 الباب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5
مسألة ١٣ فوات الصوم بالعذر واستمراره إلی رمضان آخر

(مسألة 13): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر واستمر إلی رمضان آخر، فإن کان العذر هو المرض سقط قضاؤه علی الأصح، وکفر عن کل یوم بمدّ.

{مسألة 13: إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر واستمر إلی رمضان آخر، فإن کان العذر هو المرض سقط قضاؤه علی الأصح، وکفر عن کل یوم بمدّ} فی الحدائق أنه المشهور، وفی المستند أنه الأشهر، وفی الجواهر أنه الأشهر بل المشهور، وفی جامع المقاصد نسبته إلی أکثر الأصحاب نقلاً عن المدارک.

خلافاً لمن قال بوجوب الصیام علیه ولا کفارة، وهو المحکی عن الصدوقین، وابن أبی عقیل، وأبی الصلاح، وابن إدریس، وابن زهرة، والعلامة فی المنتهی، والتحریر.

وهناک قول ثالث یحکی عن ابن الجنید، وهو وجوب القضاء والکفارة معاً.

ویدل علی المشهور جملة من الروایات، بل ربما ادعی تواترها، کصحیحة زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام): فی الرجل یمرض فیدرکه شهر رمضان ویخرج عنه وهو مریض ولا یصح حتی یدرکه شهر رمضان آخر؟ قال: «یتصدق عن الأول ویصوم الثانی، فإن کان صح فیما بینهما ولم یصم حتی أدرکه شهر رمضان آخر صامهما جمیعاً ویتصدق عن الأول»((1)).

وصحیحة محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) وأبی

ص:285


1- الوسائل: ج7 ص245 الباب25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2

عبد الله (علیه السلام)، قال: سألتهما عن رجل مرض فلم یصم حتی أدرکه شهر رمضان آخر؟ فقالا: «إن کان برأ ثم توانی قبل أن یدرکه الرمضان الآخر صام الذی أدرکه، وتصدق عن کل یوم بمدّ من طعام علی مسکین وعلیه قضاؤه، وإن کان لم یزل مریضاً حتی أدرکه رمضان آخر صام الذی أدرکه وتصدق عن الأول لکل یوم مدّ علی مسکین ولیس علیه قضاؤه»((1)).

وما رواه أبو بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: «إذا مرض الرجل من رمضان إلی رمضان ثم صح فإنما علیه لکل یوم أفطره فدیة طعام وهو مدّ لکل مسکین»، قال: «وکذلک أیضاً فی کفارة الیمین وکفارة الظهار مُداً مداً، وإن صح فیما بین الرمضانین فإنما علیه أن یقضی الصیام، فإن تهاون به وقد صح فعلیه الصدقة والصیام جمیعاً لکل یوم مداً إذا فرغ من ذلک الرمضان»((2)).

وما رواه الفضل بن شاذان، عن الرضا (علیه السلام) فی حدیث، قال (علیه السلام): «إن قال: فلِمَ إذا مرض الرجل أو سافر فی شهر رمضان فلم یخرج من سفره أو لم یقو من مرضه حتی یدخل علیه شهر رمضان آخر وجب علیه الفداء للأول وسقط القضاء، وإذا أفاق بینهما أو أقام ولم یقضه وجب علیه القضاء والفداء؟، قیل: لأن ذلک

ص:286


1- الوسائل: ج7 ص244 الباب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
2- الوسائل: ج7 ص246 الباب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح6

الصوم إنما وجب علیه فی تلک السنة فی هذا الشهر، فأما الذی لم یفق فإنه لما مرّ علیه السنة کلها وقد غلب الله علیه فلم یجعل له السبیل إلی أدائها سقط عنه، کذلک ما غلب الله علیه مثل المغمی الذی یغمی علیه فی یوم ولیلة فلا یجب علیه قضاء الصلوات، کما قال الصادق (علیه السلام): کل ما غلب الله علی العبد فهو أعذر له» إلی أن قال: «فإذا أفاق فیما بینهما ولم یصمه وجب علیه الفداء لتضییعه والصوم لاستطاعته»((1)).

وما رواه علی بن جعفر، عن أخیه موسی (علیه السلام) قال: سألته عن رجل تتابع علیه رمضانان لم یصح فیهما ثم صح بعد ذلک کیف یصنع؟ قال: «یصوم الأخیر ویتصدق عن الأول بصدقة لکل یوم مدّ من طعام لکل مسکین»((2)).

وخبره الآخر، عنه (علیه السلام) قال: سألته عن رجل مرض فی شهر رمضان فلم یزل مریضاً حتی أدرکه شهر رمضان آخر فبرأ فیه کیف یصنع؟ قال: «یصوم الذی یبرأ فیه، ویتصدق عن الأول کل یوم بمدّ من طعام»((3)).

ص:287


1- الوسائل: ج7 ص246 الباب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح8
2- الوسائل: ج7 ص247 الباب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح9
3- الوسائل: ج7 ص247 الباب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح10

وما رواه أبو بصیر، قال: سألته (علیه السلام) عن رجل مرض من رمضان إلی رمضان قابل ولم یصح بینهما ولم یطق الصوم؟ قال: «یتصدق مکان کل یوم أفطر علی مسکین بمدّ من طعام، وإن لم یکن حنطة فمدّ من تمر، وهو قول الله:﴿فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْکینٍ﴾((1))، فإن استطاع أن یصوم الرمضان الذی استقبل وإلا فلیتربص إلی رمضان قابل فیقضیه، فإن لم یصح حتی رمضان قابل فلیتصدق کما تصدق مکان کل یوم أفطر مُداً مداً، فإن صح فیما بین الرمضانین فتوانی أن یقضیه حتی جاء الرمضان الآخر فإن علیه الصوم والصدقة جمیعاً، یقضی الصوم ویتصدق من أجل أنه ضیع ذلک الصیام»((2)).

إلی غیرها من الأخبار.

وبعد هذه الأخبار لا حاجة إلی الاستدلال لأجل سقوط القضاء: بالبراءة، وبعموم «ما غلب»، وبأن القضاء بأمر جدید ولم یعلم به هنا، وبأن العذر قد استوعب وقت الأداء والقضاء توجب أن یسقط عنه القضاء، وبأن أخبار القضاء منصرفة عن ذلک لقرائن داخلیة وخارجیة.

استدل للقول الثانی بقوله تعالی:﴿فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَریضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ﴾((3)) فإن إطلاقها شامل لما إذا لم یطب

ص:288


1- سورة البقرة: الآیة 184
2- الوسائل: ج7 ص247 الباب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح11
3- سورة البقرة: الآیة 184

إلا بعد الرمضان الثانی، وبأن العبادة دین لا یسقط بتأخیره، وبروایة سماعة التی نقلناها فی آخر المسألة السابقة.

وفی الکل ما لا یخفی، إذ الآیة مخصصة بتلک النصوص، وإذ دلّ الدلیل علی السقوط فلا مجال لأن یقال الدین لا یسقط بتأخیره، والروایة محمولة علی الاستحباب، مثل الروایة التی بها یستدل للقول الثالث الذی قال بالجمع بین القضاء والفدیة، وهی صحیحة ابن سنان التی رویناها فی آخر المسألة السابقة.

وکذا خبر الکنانی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل علیه من شهر رمضان طائفة، ثم أدرکه شهر رمضان قابل، قال (علیه السلام): «علیه أن یصوم وأن یطعم کل یوم مسکیناً، فإن کان مریضاً فیما بین ذلک حتی أدرکه شهر رمضان قابل، فلیس علیه إلا الصیام إن صح، وإن تتابع المرض علیه فلم یصح فعلیه أن یطعم لکل یوم مسکیناً»((1)).

وهذه الروایة لا بد من حملها علی أن قوله: «علیه أن یصوم وأن یطعم کل یوم مسکیناً» إجمال لکلا الحالین الآتین، وقوله: «فإن کان مریضاً» حکم ما إذا صح بین الرمضانین ولم یصم، لقوله علیه

ص:289


1- الوسائل: ج7 ص245 الباب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3

والأحوط مُدان

السلام): «إن صح»، وقوله: «وإن تتابع المرض» حکم ما إذا لم یصح بین رمضانین، وإلا فحملها علی ذلک لا بد من ردّ علمها إلی أهلها لأنها معارضة بما تقدم من الروایات الصحیحة سنداً والصریحة دلالة والمعمول بها قدیماً وحدیثاً.

{والأحوط مُدان} وقد اختلفوا فی ذلک، فقد ذهب الأکثر، بل فی الجواهر أنه المشهور شهرة عظیمة إلی أنّه مدّ، کما سمعت تواتر الروایات بذلک.

ولکن عن نهایة الشیخ، والجمل، والاقتصاد، وابن حمزة، والبراج: أنه مدّان.

وقال فی المبسوط: تصدق عن کل یوم بمدین من طعام وأقله مدّ، ومراده ما قاله فی النهایة من أنه إن لم یتمکن مدین فمدّ.

وکیف کان، فیدل علی المدین بعض نسخ موثق سماعة حیث ذکر «مُدّین» مکان «مدّ»، وما فی صحیح محمد: «الشیخ الکبیر والذی به العطاش لا حرج علیهما أن یفطرا فی شهر رمضان ویتصدق کل واحد منهما کل یوم بمد من طعام»((1))، بتقریب أنه لا فرق بین ذی العطاش وسائر أقسام المرض، فهو من باب المصداق، لکن فیهما نظر واضح.

إذ علی فرض تسلیم نسخة «المدین» تتعارض النسختان، فالأصل

ص:290


1- الوسائل: ج7 ص149 باب 15 من أبواب ما یصح منه الصوم ح1

ولا یجزی القضاء عن التکفیر

البراءة عن الزائد، والحکم فی ذی العطاش غیر ثابت فکیف بغیره، مع أنه لو تم فی ذی العطاش لم یتم فیما تواترت الروایات بأنه مدّ، خصوصاً وأنه مؤید بالآیة الکریمة، إذ طعام المسکین هو مدّ لا أکثر، وقد تقدم ما ینفع المقام فراجع.

{ولا یجزی القضاء عن التکفیر} بلا إشکال ولا خلاف إلا من محکی العلامة فی التحریر حیث حمل الفدیة علی الرخصة، وکأنه لقوله تعالی:﴿وَلِتُکْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾((1))، فإن الجمع بین الفدیة وبین الآیة یفید أنها بدل، ویؤیده الروایات الواردة فی القضاء إن أطاق ذو العطاش والحامل والمرضع ومن أشبه الصوم، إلی غیرها، لکن رفع الید عن الروایات المتقدمة الصریحة فی تعین الفدیة لمثل هذه التأییدات خلاف القاعدة.

ثم إنه لو لم یتمکن من التکفیر لم یرجع إلی القضاء، لعدم دلیل علیه، وفی کلام الشیخ إنه إن لم یتمکن من مدّ فلا شیء علیه، لکن الظاهر أن مراده إن لم یتمکن مطلقاً فإنه إن تمکن من بعض المد وجب علیه لقاعدة المیسور ونحوها، ولو دار أمره بین إعطاء مدّ لیوم فیما أفطر یومین مثلاً، أو مدّ لیومین أی کل یوم نصف مدّ، فالاحتیاط الأول. نعم لو کان له نصف مدّ فأعطاه عن یوم ثم حصل مدّ آخر

ص:291


1- سورة البقرة: الآیة 185

نعم الأحوط الجمع بینهما، وإن کان العذر غیر المرض کالسفر ونحوه فالأقوی وجوب القضاء وإن کان الأحوط الجمع بینه وبین المد.

احتمل إعطاؤه عن یوم ثان، وإن کان الاحتیاط إعطاؤه عما فی ذمته من بقایا الیوم الأول، أو فدیة الیوم الثانی، والله العالم.

{نعم الأحوط الجمع بینهما} وفاقاً لفتوی ابن إدریس، ولما تقدم من تصدق الإمام (علیه السلام) وقضائه معاً، وإنما کان احتیاطاً لاحتمال أن ذلک مقتضی الجمع بین الروایات الدالة علی المد والروایة الدالة علی الاثنین، خصوصاً بعد دعوی الشیخ الإجماع علی القضاء، وإلا فلا وجه لکونه احتیاطاً، إذ الأمر المستحب لا یکون سبباً للإحتیاط.

{وإن کان العذر} المفوّت لشهر رمضان {غیر المرض کالسفر ونحوه} واستمر إلی رمضان آخر، والمراد بنحوه ما إذا نام سنة أو أغمی علیه کذلک بدون المرض، کما إذا کان بالمخدّر والمرقد {فالأقوی وجوب القضاء} کما عن المختلف والشهید الثانی وسبطه وبعض آخر {وإن کان الأحوط الجمع بینه وبین المد} لموافقة من قال بالمدّ فقط، إلحاقاً للسفر ونحوه.

ولا بأس أن ننقل هنا قطعة من کلام المستند مع شرحه بین القوسین لتظهر الأقوال فی هذه المسألة کاملة، قال:

ما مر (من سقوط القضاء ووجوب الکفارة فقط):

1: إنما هو إذا فات الصوم بالمرض، وکان المانع بین الرمضانین أیضاً المرض، بأن استمر المرض، وهل الحکم کذلک (یسقط القضاء

ص:292

وتجب الکفارة فقط).

2: لو فات بالمرض ولم یتمکن من القضاء لعذر آخر، أی استمر العذر الآخر.

3: أو عکس الأمر (بأن فات بعذر آخر واستمر المرض إلی الرمضان الثانی).

4: أو فات بعذر آخر واستمر هذا العذر (کما إذا کان مسافراً طول السنة) أم لا، (لیس الحکم کذلک، بل الواجب القضاء)، حکی فی الدروس عن العمانی والخلاف الأول (أی أن الحکم کذلک بسقوط القضاء والکفارة فقط)، واختاره صاحب الحدائق من مشایخنا، وعن المعتبر والمنتهی التوقف (هل حکمه القضاء أو الکفارة فقط) ومن المتأخرین من حکم بالأول (سقوط القضاء وإنما الکفارة فقط) فی الصورة الثانیة خاصة (أی ما إذا فاته بالمرض ولم یتمکن من القضاء لعذر آخر) ولم یتعرض للباقیتین (أی فات لعذر آخر واستمر المرض، أو فات لعذر آخر واستمر ذلک العذر) ومنهم من استشکل فیها (أی فی الصورة الثانیة) أو تردد مع عدم التعرض للأخیرتین (أی الصورة الثالثة والصورة الرابعة) أو (لم یتعرض) الأخیرة، والأظهر هو الأول (سقوط القضاء، وإنما الکفارة فقط) فی جمیع الصور (الاربع)، انتهی کلام المستند.

ص:293

أقول: والأظهر ما اختاره المستند((1))، أما فی صورة کون العذر ابتداءً أو دواماً بدون الاختیار، فلدلیل «ما غلب الله علیه فهو أولی بالعذر» فی الجملة، بالإضافة إلی ما یأتی فی دلیل السقوط مع کون العذر غیر المرض ابتداءً أو دواماً.

وأما فی صورة کون العذر ابتداءً أو دواماً مع الاختیار، کما لو سافر اختیاراً ثم مرض، أو مرض ثم سافر اختیاراً، أو سافر اختیاراً وبقی فی سفره اختیاراً، فیدل علی سقوط القضاء صحیحة العیون والعلل المتقدمة، وفیها أنه قال: «فلم إذا مرض الرجل أو سافر فی شهر رمضان فلم یخرج من سفره أو لم یفق من مرضه حتی یدخل علیه شهر رمضان آخر وجب علیه الفداء للأول وسقط القضاء»((2)) الحدیث.

وصحیحة ابن سنان المتقدمة: «من أفطر شیئاً من رمضان فی عذر ثم أدرک رمضان آخر وهو مریض فلیتصدق بمد لکل یوم».

نعم ذهب صاحب الجواهر وبعض آخر إلی وجوب القضاء فی الصور الثلاث، استناداً إلی إطلاق الآیة:﴿فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَریضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ﴾((3))، وإلی جملة من الروایات الدالة علی

ص:294


1- المستند: ج2 ص137 سطر 13
2- عیون الأخبار: ج2 ص116
3- سورة البقرة: الآیة 184

وجوب القضاء فی غیر المرض ونحوه.

کروایة أبی حمزة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن امرأة مرضت فی شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل یقضی عنها؟ قال: «أما الطمث والمرض فلا، وأما السفر فنعم»((1)).

وقریب منه ما رواه منصور بن حازم، عن الصادق (علیه السلام).

وکذلک روایة محمد بن مسلم، عنه (علیه السلام).

وما رواه أبو بصیر، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل سافر فی شهر رمضان فأدرکه الموت قبل أن یقضیه؟ قال: «یقضیه أفضل أهل بیته»((2))، فإن إطلاقه یشمل المقام أیضاً.

وقد رمی صاحب الجواهر الصحیحتین بعد اعترافه بصحتهما بالمهجوریة، وتبعه فی المستمسک بعد أن ذکر حدیث ابن شاذان فقط قائلاً: "لکن الحدیث وإن جمع فی نفسه شرائط الحجیة ساقط عنها بالهجر إذ لم یعرف قائل به" ((3)).

أقول: أما الآیة فهی مطلقة تقید بما ذکر من الصحیحتین کما

ص:295


1- الوسائل: ج7 ص241 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4
2- الوسائل: ج7 ص242 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح11
3- المستمسک: ج8ص 434

تقید بالنسبة إلی المریض الذی دام مرضه إلی رمضان ثان.

وأما الأحادیث فالجمع بینها وبین الصحیحتین الحمل علی الاستحباب کما حملت غیرها، مثل خبر سماعة: «فإنی کنت مریضاً فمرّ علیّ ثلاثة رمضانات لم أصح فیهن ثم أدرکت رمضاناً آخر فتصدقت بدل کل یوم مما مضی مد من طعام ثم عافانی الله تعالی وصمتهن».

وما تقدم من قوله (علیه السلام) فی صحیح ابن سنان: «أما أنا فإنی صمت وتصدقت»، وغیرها.

وأما رمی الجواهر لهما بالهجر فقد عرفت عن المستند والحدائق عدم تمامیة ذلک، بل الحدیثان معمول بهما، کما یظهر ذلک لمن راجع الحدائق والمستند والمدارک ومنتهی المقاصد وغیرها.

وفی الأخیران: صورة غیر المرض ثم استمر المرض أفتی بسقوط القضاء فیها الشیخ، ورجحه المدارک، وقد عمل هو وولده فی تعلیقه علی الکتاب بذلک، ولم یذکر مخالفاً فی المسألة إلا العلامة فی بعض کتبه، وقد ذکروا أن المستند فی ذلک صحیحة ابن سنان هذا، خصوصاً وأن الصحیحة معلّلة بما لا یحتمل الشبهة، وعلیه فلم نعرف وجه قول المستمسک أن حدیث ابن شاذان لم یعرف قائل به.

وکیف کان، فالأقوی سقوط القضاء فی الصور الأربع، وإنما

ص:296

وکذا إن کان سبب الفوت هو المرض وکان العذر فی التأخیر غیره مستمرا من حین برئه إلی رمضان آخر أو العکس، فإنه یجب القضاء أیضا فی هاتین الصورتین علی الأقوی، والأحوط الجمع خصوصا فی الثانیة.

الواجب الکفارة مع استحباب القضاء.

ثم إنه قال فی المستند: "وهل السفر المسقط استمراره للقضاء ما کان واجباً أو ضروریاً، أو أعم منهما ومن غیرهما، ظاهر الروایتین الثانی، وهو الأظهر، وصرح بعض متأخری المتأخرین فی شرحه علی الدروس بالأول وهو الأحوط"((1)) انتهی.

ومقتضی القاعدة ما ذکره (رحمه الله) للإطلاق.

ومن ما تقدم تعرف مواضع النظر فی قول المصنف: {وکذا إن کان سبب الفوت هو المرض وکان العذر فی التأخیر غیره مستمراً من حین برأه إلی رمضان آخر، أو العکس، فإنه یجب القضاء أیضاً فی هاتین الصورتین علی الأقوی، والأحوط الجمع} بین القضاء والکفارة {خصوصاً فی الثانیة} لصحیحة ابن سنان المتقدمة، والله العالم.

ص:297


1- المستند: ج2 ص137 سطر 16
مسألة ١٤ الجمع بین الکفارة والقضاء

(مسألة 14): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر، بل کان متعمداً فی الترک ولم یأت بالقضاء إلی رمضان آخر، وجب علیه الجمع بین الکفارة والقضاء بعد الشهر، وکذا إن فاته لعذر ولم یستمر ذلک العذر بل ارتفع فی أثناء السنة ولم یأت به إلی رمضان آخر متعمداً وعازما علی الترک، أو متسامحاً واتفق العذر عند الضیق، فإنه یجب حینئذ أیضاً الجمع

{مسألة 14: إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر، بل کان متعمداً فی الترک} فعل حراماً ووجب علیه القضاء والکفارة، {و} إذا {لم یأت بالقضاء إلی رمضان آخر وجب علیه الجمع بین الکفارة والقضاء بعد الشهر} ویکون القضاء بعد الرمضان الثانی، {وکذا} تجب الکفارة والقضاء معاً {إن فاته لعذر ولم یستمر ذلک العذر بل ارتفع فی أثناء السنة} ولم یخلفه عذر آخر {ولم یأت به إلی رمضان آخر متعمداً أو عازماً علی الترک أو متسامحاً} متهاوناً {واتفق العذر عند الضیق فإنه یجب حینئذ أیضاً الجمع} بین القضاء والکفارة.

وقد اختلف الفقهاء فی مسألة ما لو أخر الصوم عن الرمضان الثانی إلی قولین:

الأول: التفصیل بین ما إذا کان عازماً علی الإتیان فلا کفارة، وبین ما إذا لم یکن عازماً علی الإتیان ففیه بالإضافة إلی القضاء الکفارة.

الثانی: إن فیه الکفارة مطلقاً بالإضافة إلی القضاء.

ص:298

والقول الأول هو المحکی عن الشیخین والمحقق وجماعة آخرین، بل هو المشهور کما عن الروضة، أو هو المشهور خصوصاً بین المتأخرین کما عن المسالک.

والقول الثانی حکی عن أبی الصلاح وابن بابویه وابن أبی عقیل والمعتبر والدروس والمسالک والروضة والمدارک والذخیرة والحدائق وغیرهم.

استدل للقول الأول بجملة من الأخبار: کصحیحة محمد بن مسلم، قال: سألتهما عن رجل مرض فلم یصم حتی أدرکه شهر رمضان آخر؟ فقالا: «إن کان برأ ثم توانی قبل أن یدرکه الرمضان الآخر صام الذی أدرکه وتصدق عن کل یوم بمدّ من طعام علی مسکین وعلیه قضاؤه، وإن کان لم یزل مریضاً حتی أدرکه شهر رمضان آخر صام الذی أدرکه وتصدق عن الأول لکل یوم مدّ علی مسکین ولیس علیه قضاؤه».

قال العلامة فی محکی المختلف: "وتعلیق الحکم بالصدقة علی التوانی یشعر بالعلیة" ((1)).

أقول: فالمعنی أنه مع التوانی علیه الصدقة وبدون التوانی لا صدقة علیه.

وروایة أبی الصباح الکنانی، قال: سألت أبا عبد الله

ص:299


1- مختلف الشیعة: ص241 سطر 2

(علیه السلام) عن رجل علیه من شهر رمضان طائفة ثم أدرکه شهر رمضان قابل؟ فقال: «علیه أن یصوم وأن یطعم کل یوم مسکیناً، فإن کان مریضاً فیما بین ذلک حتی أدرکه شهر رمضان قابل فلیس علیه إلا الصیام إن صح، وإن تتابع المرض علیه فلم یصح فعلیه أن یطعم لکل یوم مسکین»، بناءً علی أن الخبر اشتمل علی ثلاثة أحکام:

الأول: صح وتهاون فعلیه القضاء والکفارة.

والثانی: صح ولم یتهاون فعلیه القضاء فقط.

والثالث: لم یصح فعلیه الکفارة فقط.

وروایة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا مرض الرجل من رمضان إلی رمضان ثم صح فإنما علیه لکل یوم أفطر فدیة طعام وهو مدّ لکل مسکین»، قال: «وکذلک أیضا فی کفارة الیمین وکفارة الظهار مدّاً مدّاً، وإن صح فیما بین الرمضانین فإنما علیه أن یقضی الصیام فإن تهاون به وقد صح فعلیه الصدقة والصیام جمیعاً لکل یوم مدّاً إذا فرغ من ذلک الرمضان»((1)).

وروایة أخری لأبی بصیر، قال (علیه السلام): «فإن صح فیما بین الرمضانین فتوانی أن یقضیه حتی جاء الرمضان الآخر، فإن علیه

ص:300


1- الوسائل: ج7 ص246 باب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح6

الصوم والصدقة جمیعاً، یقضی الصوم ویتصدق من أجل أنه ضیع ذلک الصیام»((1)).

وروایة العلل والعیون وفیها: «فإن أفاق فیما بینهما ولم یصمه وجب علیه الفداء للتضیعه والصوم لاستطاعته»((2)).

وروایة وشا المرویة فی المستند: «وإن کان قد برأ فیما بینهما ولم یقض ما فاته وفی نیته القضاء یصوم الحاضر ویقضی الأول إن ترکه متهاوناً به ولزمه القضاء والکفارة عن الأول»((3)).

واستدل للقول الثانی بنفس هذه الروایات باستثناء روایة وشا، قالوا: الروایات مطلقة، وکلمات التوانی والتهاون والتضییع لا تدل علی المفهوم، وأنه بدونها لا کفارة، بل الظاهر منها مجرد ترک القضاء وعدم المبادرة إلیه فی زمان یمکن فیه، کما یشهد له مقابلته فی روایة ابن مسلم بقوله: «وإن کان لم یزل مریضاً» کما ذکره المستمسک تبعاً لما حکاه الحدائق عن العلامة، بل قال فی منتهی المقاصد: لنا أن نقول إنّ أظهر أفراد التوانی والتهاون هو أن یکون بانیاً علی الإتیان به

ص:301


1- الوسائل: ج7 ص248 باب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح11
2- الوسائل: ج7 ص246 باب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح8 السطر الأخیر
3- المستند: ج2 ص138 السطر 1

وإما إن کان عازماً علی القضاء بعد ارتفاع العذر فاتفق العذر عند الضیق فلا یبعد کفایة القضاء، لکن لا یترک الاحتیاط بالجمع أیضاً.

فیسوف ویتعلل من وقت إلی وقت، ومن زمان إلی زمان.

وأما روایة وشا، فلم أجدها فی الوسائل والحدائق وغیرهما، وقال فی تعلیقة منتهی المقاصد عند قول الماتن: ولا أثر لها فی کتب الأخبار المعتبرة ما لفظه: "قد تصفحت کتب الأخبار فلم أقف علی هذه الروایة وأوردها فی المستند علی دأبه من حذف المروی عنه".

ومما ذکرناه ظهر أن تفصیل المصنف بین غیر العازم فالقضاء والکفارة، وبین العازم بقوله: {وأما إن کان عازماً علی القضاء بعد ارتفاع العذر فاتفق العذر عند الضیق فلا یبعد کفایة القضاء} فقط {لکن لا یترک الاحتیاط بالجمع أیضا} لیس علی ما ینبغی، ولذا أشکل علیه جملة من المعلقین فأطلقوا وجوب القضاء والکفارة.

بقی شیئان:

الأول: إنه قد خالف ابن إدریس فی وجوب الکفارة مطلقاً، سواء کان عازماً علی القضاء أو لم یکن عازماً، استناداً إلی أصل البراءة، ورمی الأخبار الدالة علی الکفارة بأنها أخبار آحاد، وربما استدل له بما رواه الشیخ فی التهذیب والاستبصار عن سعد بن سعد، عن رجل، عن

ص:302

ولا فرق فیما ذکر بین کون

أبی الحسن (علیه السلام)، قال: سألته عن رجل یکون مریضاً شهر رمضان ثم یصح بعد ذلک فیؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلک أو أکثر ما علیه فی ذلک؟ قال: «أحب له تعجیل الصیام، فإن کان فلیس علیه شیء»((1)).

والخبر ضعیف، مضافاً إلی أنه معارض بما عرفت، وقد حمله الشیخ علی بعض المحامل جمعاً بین الأخبار، ومن الممکن أن یقال بأن إطلاق «لیس علیه شیء» مقید بما دلّ علی الکفارة فلا حاجة إلی الطرح أو الحمل.

الثانی: ما ذکره المصنف أولاً من أنه لو فاته شهر رمضان أو بعضه متعمداً فالحکم کذلک الذی فاته لعذر، سکت علیه أغلب المعلقین، خلافاً للسید البروجردی حیث علق علیه بقوله: الأقوی هنا عدم وجوب الفدیة، وکأن وجه ما ذکره المصنف المناط المستفاد من الروایات المتقدمة الواردة فیمن أفطر لعذر بل أن المفطر عمداً أولی بالکفارة، لکن القطع بالمناط مشکل، مع أنه ربما یکون العامد مرجئاً لعقاب الله تعالی، قال سبحانه:﴿وَمَنْ عادَ فَیَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾((2)). نعم لا شبهة فی أن الاحتیاط ذلک.

{ولا فرق فیما ذکر بین کون

ص:303


1- الاستبصار: ج2 ص112 باب 58 من أبواب فیمن أفطر فی شهر رمضان فلم یقضه حتی أدرکه رمضان آخر ح5
2- سورة المائدة: الآیة 95

العذر هو المرض أو غیره، فتحصل مما ذکر فی هذه المسألة وسابقتها أن تأخیر القضاء إلی رمضان آخر إما یوجب الکفارة فقط، وهی الصورة الأولی المذکورة فی المسألة السابقة، وإما یوجب القضاء فقط وهی بقیة الصور المذکورة فیها، وإما یوجب الجمع بینهما وهی الصور المذکورة فی هذه المسألة، نعم الأحوط الجمع فی الصور المذکورة فی السابقة أیضاً کما عرفت.

العذر هو المرض أو غیره} کما هو المشهور، لإطلاق العلة الواردة فی جملة من الروایات والمناط {فتحصل مما ذکر فی هذه المسألة وسابقتها أن تأخیر القضاء إلی رمضان آخر} علی رأی المصنف:

{إما یوجب الکفارة فقط} دون القضاء {وهی الصورة الأولی المذکورة فی المسألة السابقة} وهی ما إذا استمر العذر من رمضان إلی رمضان.

{وإما یوجب القضاء فقط، وهی بقیة الصورة المذکورة فیها} أی فی المسألة الأولی.

{وإما یوجب الجمع بینهما، وهی الصور المذکورة فی هذه المسألة، نعم الأحوط الجمع} بین القضاء والکفارة {فی الصور المذکورة فی السابقة أیضا کما عرفت} وقد عرفت مواضع التأمل فی کلتا المسألتین.

ص:304

مسألة ١٥ لو استمر المرض إلی ثلاث أو أربع سنین

(مسألة 15): إذا استمر المرض إلی ثلاث سنین یعنی الرمضان الثالث، وجبت کفارة للأولی وکفارة أخری للثانیة،

{مسألة 15: إذا استمر المرض} أو ما هو فی حکم المرض مما یکون استمراره بین الرمضانین موجباً لإسقاط القضاء وإثبات الکفارة {إلی ثلاث سنین، یعنی الرمضان الثالث، وجبت کفارة للأولی وکفارة أخری للثانیة} بلا إشکال ولا خلاف من عدم التداخل، فالواجب کفارتان لا کفارة واحدة، إذ التداخل خلاف الأصل لا یثبت إلا بدلیل خاص، وقوله (علیه السلام): «إذا کان لله علیک حقوق» إذا قلنا بإطلاقه لمثل المقام فالنص والإجماع مخصصان له، کما یخصصه النص والإجماع بالنسبة إلی الأیام المتعددة للسنة الواحدة، أما المداورة بأن یعطی للفقیر ثم یهبه الفقیر له مرات فلیس ذلک من التداخل کما لا یخفی.

ثم إنه ربما حکی عن الصدوقین أنه لو استمر المرض رمضانین وجب الفداء للأول والقضاء للثانی، لکن لا یبعد حمل کلامهما علی ما إذا صح بعد الرمضان الثانی، بل عن الحلی الجزم بذلک، وهذا غیر بعید، لأن المقنع نقل بعنوان الفتوی کلام الفقه الرضوی الذی نصه هذا: «وإذا مرض الرجل وفاته صوم رمضان کله، ولم یصم إلی أن یدخل علیه شهر رمضان من قابل، فعلیه أن یصوم هذا الذی دخل علیه ویتصدق عن الأول لکل یوم بمدّ من طعام، ولیس علیه القضاء

ص:305

ویجب علیه القضاء للثالثة إذا استمر إلی آخرها ثم برئ، وإذا استمر إلی أربع سنین وجبت للثالثة أیضاً، ویقضی للرابعة إذا استمر إلی آخرها أی الرمضان الرابع، وأما إذا أخر قضاء السنة الأولی إلی سنین عدیدة فلا تتکرر الکفارة بتکررها، بل تکفیه کفارة واحدة.

إلا أن یکون قد صح فیما بین شهرین رمضانین، فإذا کان کذلک ولم یصم فعلیه أن یتصدق عن الأول لکل یوم بمدّ من طعام ویصوم الثانی، فإذا صام الثانی قضی الأول بعده، فإن فاته شهرین رمضانین حتی دخل الشهر الثالث وهو مریض فعلیه أن یصوم الذی دخله ویتصدق عن الأول لکل یوم بمدّ من طعام ویقضی الثانی»((1))، فإن من دقق فی هذه العبارة رآها واضحة فی أن المراد القضاء للثانی فیما إذا صح بعد الرمضان الثانی.

{ویجب علیه القضاء للثالثة إذا استمر إلی آخرها ثم برأ، وإذا استمر إلی أربع سنین وجبت} الکفارة {للثالثة ویقضی للرابعة إذا استمر إلی آخرها أی الرمضان الرابع} وهکذا إلی السنة الخامسة وغیرها.

{وأما إذا أخّر قضاء السنة الأولی إلی سنین عدیدة، فلا تتکرر الکفارة بتکررها، بل تکفیه کفارة واحدة} بلا خلاف کما فی الجواهر ولا إشکال، إلا مما حکی عن المبسوط والتذکرة، فقد حکی الجواهر

ص:306


1- فقه الرضا: ص25 سطر 30

وتعلیقة منتهی المقاصد عنهما تعدد الکفارة، مع أن العلامة فی المنتهی وافق المشهور، وقد ذکروا أن التذکرة لم یأت لما أفتی به مستند.

ویدل علی کلام المشهور: أصالة البراءة عن الزائد بعد عدم الدلیل، ولعل الشیخ والعلامة استفاد المناط من أدلة وجوب القضاء بین الرمضانین وإلا فالکفارة بأن ذلک عام لکل عام، لکن لا مناط کما لا یخفی.

ثم الظاهر أنه لا یجب تعجیل الفدیة، لعدم الدلیل علی ذلک، نعم لا یجوز التأخیر إلی حدّ التهاون والاستخفاف، لما عرفت وجهه فی بعض المسائل السابقة.

وهل یجوز التعجیل، لا إشکال فی أنه لا یصح التعجیل قبل الإفطار، لأنه لم یتعلق به بعد، أما بعد الإفطار وقبل مجیء الرمضان الثانی، ففیه احتمالان:

عدم الصحة إلا علی نحو القرض والاحتساب، لأن ظاهر الأدلة أن الفدیة بدل عن الصیام إذا لم یقدر أن یأتی به بین الرمضانین، فالموضوع لم یتحقق بعد إلا بعد مجیء الرمضان الثانی، وبهذا کان یفتی الوالد (رحمه الله).

والصحة فیما إذا علم أنه لا یقدر، لأنه بدل عن صیام رمضان کما هو ظاهر الأدلة، فهی بدل طولی، وإذا علم أنه لا یقدر علی الصیام جاز إعطاؤها بعد الإفطار ولو فی نفس شهر رمضان، وهذا لیس ببعید.

ص:307

مسألة ١٦ جواز إعطاء أکثر من کفارة لفقیر واحد

(مسألة 16): یجوز إعطاء کفارة أیام عدیدة من رمضان واحد أو أزید لفقیر واحد، فلا یجب إعطاء کل فقیر مداً واحداً لیوم واحد.

{مسألة 16: یجوز إعطاء کفارة أیام عدیدة من رمضان واحد أو أزید لفقیر واحد} سواء کانت کفارة المرض أو السفر أو الشیخوخة أو غیرها، بلا إشکال ظاهر، {فلا یجب إعطاء کل فقیر مداً واحداً لیوم واحد} وذلک لإطلاق الأدلة.

واحتمال أنه یلزم التفریق، لروایة علی بن جعفر، عن أخیه (علیه السلام)، قال: سألته عن رجل تتابع علیه رمضانان لم یصح فیهما ثم یصح بعد ذلک کیف یصنع؟ قال: «یصوم الأخیر ویتصدق عن الأول بصدقة لکل یوم مدّ من طعام لکل مسکین»((1)).

منظور فیه، لعدم ظهوره فی ذلک، لاحتمال أن یکون المراد لأی مسکین.

وهل یصح إعطاء أقل مدّ للمسکین لیس ببعید، إذ لا یفهم من الروایات إلا أصل وجوب الإعطاء، خصوصاً بمعونة ما دلّ علی احتساب کل طفلین مکان واحد.

ص:308


1- الوسائل: ج7 ص247 باب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح9
مسألة ١٧ عدم وجوب کفارة العبد علی السید

(مسألة 17): لا تجب کفارة العبد علی سیده، من غیر فرق بین کفارة التأخیر وکفارة الإفطار، ففی الأولی إن کان له مال وأذن له السید أعطی من ماله، وإلا استغفر بدلا عنها.

{مسألة 17: لا تجب کفارة} الزوجة علی زوجها، ولا کفارة سائر واجبی النفقة علی منفقهم، لأصالة البراءة، وإن کان المنفق غنیاً ومن علیه الکفارة فقیراً، فیجوز لهم الأخذ من الخمس أو الزکاة وإعطاؤه کفارة لأنها من شؤونهم، فیجوز الإعطاء لهم لذلک.

وکذا لا تجب کفارة {العبد علی سیده} للأصل، ولیس ذلک من النفقة الواجبة علیه، قال فی المستمسک((1)): کما لعله ظاهر {من غیر فرق بین کفارة التأخیر وکفارة الإفطار} وسائر الکفارة، {ففی الأولی إن کان له مال} بأن قلنا بأن العبد یملک وکان له {وأذن له السید أعطی من ماله، وإلا استغفر بدلاً عنها} وإنما یحتاج إلی إذن السید لإطلاق أدلة الحجر، قال سبحانه:﴿لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ﴾((2)).

لکن ربما یقال، کما فی المستمسک: "إنها مختصة بغیر الواجب التعیینی، ولذا لیس له المنع عن الصلاة"((3)) انتهی.

وهو تام، فهل للسید أن یمنعه عن الوضوء والغسل، إذا انحصر ذلک بماله، فیرجع إلی التیمم، أو أن یمنعه عن الصلاة فی ملابسه فیصلی عاریاً، أو یمنعه عن الأکل فی السحور مما یضطر إلی

ص:309


1- المستمسک: ج8 ص439
2- سورة النحل: الآیة 75
3- المستمسک: ج8 ص439

وفی کفارة الإفطار یجب علیه اختیار صوم شهرین مع عدم المال والإذن من السید، وإن عجز فصوم ثمانیة عشر یوما، وإن عجز فالاستغفار.

الإفطار فی النهار، إلی غیر ذلک.

{وفی کفارة الإفطار یجب علیه اختیار صوم شهرین مع عدم المال والإذن من السید، وإن عجز} عن الشهرین {فصوم ثمانیة عشر یوماً، وإن عجز فالاستغفار}.

ثم إنه یحتمل أن یکون للسید المنع عن الصوم أیضاً، لأنه تصرف فی نفسه، وعلیه یرجع إلی الاستغفار رأساً، لکن قد عرفت ما فیه.

نعم یصح هذا الإشکال علی مذاق المصنف القائل بأن له حق المنع عن التصدق.

ص:310

مسألة ١٨ تأخیر القضاء إلی رمضان آخر مع التمکن

(مسألة 18): الأحوط عدم تأخیر القضاء إلی رمضان آخر مع التمکن عمداً، وإن کان لا دلیل علی حرمته.

{مسألة 18: الأحوط عدم تأخیر القضاء إلی رمضان آخر مع التمکن عمداً، وإن کان لا دلیل علی حرمته}، قد اختلفوا فی ذلک إلی القولین:

الأول: عدم جواز التأخیر، ذهب إلیه المشهور، بل أرسله بعضهم إرسال المسلّمات، وعن المحقق القمی فی الغنائم وتبعه المامقانی فی تعلیقته علی صیام منتهی المقاصد: عدم الخلاف فیه.

والثانی: الجواز، ذهب إلیه المستند، وتبعه منتهی المقاصد وجمع من أجلاء المعاصرین لصاحب التعلیقة، ویظهر من المصنف أیضاً حیث إنه قال: "لا دلیل علی حرمته"، فاحتیاطه لأجل الخروج عن خلاف المشهور، وسکت علی المتن غیر واحد من المعلقین کالسید البروجردی وغیره.

استدل للقائلین بعدم الوجوب، بقوله تعالی:﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ﴾((1))، فإطلاقه شامل للسنوات الآیتة، وإطلاقات روایات القضاء، وأصل البراءة عن التعجیل، وخصوص صحیح الفضل الدال علی جواز السفر طول السنة.

وروایة سعد بن سعد، عن رجل، عن أبی الحسن (علیه السلام)

ص:311


1- سورة البقرة: الآیة 184

قال: سألته عن رجل یکون مریضاً فی شهر رمضان ثم یصح بعد ذلک فیؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلک أو أکثر ما علیه فی ذلک؟ قال (علیه السلام): «أحب له تعجیل الصیام، فإن کان أخره فلیس علیه شیء»((1))، بتقریب أن نفی الشیء شامل للإثم والکفارة وغیرهما، وخرجت الکفارة بالدلیل وبقی الباقی تحت الإطلاق، مضافاً إلی أنه لو سقطت هذه الفقرة بالمعارضة لم تسقط سائر الفقرات کما قرر فی الأصول.

نعم الخبر مرسل وإن رواها الشیخ فی التهذیب والاستبصار.

واستدل القائلون بعدم جواز التأخیر، بجملة من الروایات المخصصة لتلک الأدلة، والرافعة للأصل، والمعارضة لخبر سعد، مثل الروایات المشتملة علی لفظ التهاون والتوانی والتضییع، وأورد علیه بأن کل ذلک أعم، یقال: تهاون وتوانی عن أداء الیومیة فی من أخرها إلی آخر الوقت، کما ورد أنه من أخر الصلاة إلی آخر الوقت تقول له الصلاة: «ضیعتنی ضیعک الله»، فهذه الألفاظ تقال للمؤخر سواء إلی آخر الوقت أو إلی ما بعد الوقت.

ومثل صحیح الفضل، عن الرضا (علیه السلام)، وفیه: «فأما الذی لم یفق فإنه لما مرّ علیه السنة کلها وقد غلب الله تعالی علیه فلم یجعل له السبیل إلی أدائها سقط عنه»((2)).

ص:312


1- الوسائل: ج7 ص246 باب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح7
2- الوسائل: ج7 ص246 باب 25 من أبواب أحکام شهر رمضان ح8

وأورد علیه بأنه بصدد أن القضاء لا یجب بالنسبة إلی من لا یقدر کل السنة، فلا یدل علی وجوب التقدیم إلی الرمضان الثانی.

والإنصاف أن بعض الروایات لا تخلو من إشعار، ولذا ذهب الأجلة من الفقهاء کالریاض والحدائق والجواهر وغیرهم من متقدمیهم ومتأخریهم إلی الوجوب، إلا أن الفتوی بذلک مشکل، والاحتیاط أقرب، والمستمسک وإن ذکر أولاً: إن دلیل عدم جواز التأخیر غیر ظاهر، إلا أنه مال أخیراً إلی عدم الجواز.

وبناءً علی عدم الجواز، لا یجوز التأخیر إلی وقت یعلم أنه لا یقدر، کما إذا علمت المرأة أنها تحیض، أو علم الإنسان أنه للحرّ أو للضعف أو للمرض ونحوه لا یقدر من القضاء، ویکون حاله حال من یعلم أنه لا یقدر من الصلاة آخر الوقت، فإنه یجب علیه التقدیم أول الوقت.

وإذا علم الإنسان أنه إما أن یقضی الصیام السابق، وإما أن یأتی بالصوم المستقبل، لأنه لا یقدر علی کلیهما، فهل یقدم القضاء لأنه وقته، أو یقدم شهر رمضان الآتی لأنه أهم، أو یخیر. کالإنسان الذی یعلم أنه لا یقدر إلا علی صوم نصف الشهر، أو إلا علی صلاة رکعتین عن قیام فی مثل الظهر؟

احتمالات، وإن کان الظاهر لزوم تقدیم القضاء، وذلک لأنه وقته، ولا دلیل علی أهمیة اللاحق حتی یجب علیه حفظ القدرة لذلک، ویترتب علی وجوب القضاء بین رمضانین عدم جواز السفر إذا ضاق الوقت فی سفر یفطر فیه.

ص:313

اللهم إلا أن یقال: إن عدم جواز السفر مما یلزم من وجوده عدمه، إذ السفر حینئذ یکون عصیاناً، وسفر المعصیة یصام فیه فتأمل.

کما یترتب علیه أیضاً عدم جواز الإفطار قبل الظهر، وإن جاز الإفطار قبل الظهر فیما إذا کان موسعاً.

إلی غیر ذلک من الفروع المترتبة علی الوجوب.

ص:314

مسألة ١٩ وجوب القضاء علی ولی المیت

(مسألة 19): یجب علی ولی المیت قضاء ما فاته من الصوم لعذر من مرض أو سفر أو نحوهما

{مسألة 19: یجب علی ولی المیت قضاء ما فاته من الصوم لعذر، من مرض أو سفر أو نحوهما}، الحکم فی الجملة معروف بین الأصحاب، بل فی الحدائق والمستند والجواهر ومنتهی المقاصد وصف ذلک بالشهرة، وعن الکفایة وفی المستمسک وصفه بالمعروفیة، بل عن بعض نفی الخلاف إلا من العمانی فیه، وعن الخلاف والسرائر والمنتهی الإجماع علیه.

ویدل علی المشهور متواتر الروایات، کصحیحة حفص بن البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام): سألته فی الرجل یموت وعلیه صلاة أو صیام؟ قال: «یقضی عنه أولی الناس بمیراثه»، قلت: فإن کان أولی الناس امرأته، قال: «لا، إلا الرجال»((1)).

وما رواه الصدوق، عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: «إذا مات الرجل وعلیه صوم شهر رمضان فلیقض عنه من شاء من أهله»((2)).

وفی روایة محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام): «ولکن

ص:315


1- الوسائل: ج7 ص241 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5
2- الوسائل: ج7 ص240 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1

یقضی عن الذی یبرأ ثم یموت قبل أن یقضی»((1)).

ومکاتبة الصفار، قال: کتبت إلی الأخیر (علیه السلام): رجل مات وعلیه قضاء من شهر رمضان عشرة أیام، وله ولیان هل یجوز لهما أن یقضیا عنه جمیعاً خمسة أیام أحد الولیین وخمسة أیام الآخر؟ فوقع (علیه السلام): «یقضی عنه أکبر ولییه عشرة أیام ولاءً إن شاء الله»((2)).

وما رواه حماد بن عثمان، عمن ذکره، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یموت وعلیه دین من شهر رمضان من یقضی عنه، قال: «أولی الناس به». قلت: وإن کان أولی الناس به امرأته قال: «لا، إلا الرجال»((3)).

وما رواه أبو بصیر، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل سافر فی شهر رمضان فأدرکه الموت قبل أن یقضیه؟ قال: «یقضیه أفضل أهل بیته»((4)).

ص:316


1- الوسائل: ج7 ص240 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح2
2- الوسائل: ج7 ص240 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3
3- الوسائل: ج7 ص241 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح6
4- الوسائل: ج7 ص242 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح11

وفی روایة ابن بکیر، عن بعض أصحابنا، عن الصادق (علیه السلام): «فإن مرض فلم یصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلک ولم یقضه ثم مرض فمات، فعلی ولیه أن یقضی عنه، لأنه قد صح فلم یقض ووجب علیه»((1)).

والرضوی، قال (علیه السلام): «إذا مات الرجل وعلیه صوم من شهر رمضان، فعلی ولیه أن یقضی عنه، وکذلک إذا فاته فی السفر، إلا أن یکون مات فی مرضه من قبل أن یصح فلا قضاء علیه، وإذا کان للمیت ولیان فعلی أکبرهما من الرجال أن یقضی عنه، فإن لم یکن له ولی من الرجال قضی عنه ولیه من النساء»((2)).

إلی غیرها من الروایات.

أما ابن أبی عقیل فأوجب التصدق عنه، ولم یوجب القضاء علی الولی، وادعی تواتر الأخبار به، وربما یستدل له: بأصل البراءة عن القضاء، وبقوله تعالی:﴿کُلُّ امْرِئٍ بِما کَسَبَ رَهینٌ﴾((3))، وقوله:﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری﴾((4)).

ص:317


1- الوسائل: ج7 ص243 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح13
2- فقه الرضا: ص25 سطر 35
3- سورة الطور: الآیة 21
4- سورة فاطر: الآیة 18

وبجملة من الروایات:

کصحیح ابن بزیغ، عن أبی جعفر الثانی (علیه السلام)، قلت له: رجل مات وعلیه صوم یصام عنه أو یتصدق، قال: «یتصدق فإنه أفضل»((1)).

وصحیحة أبی مریم الأنصاری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا صام الرجل شیئاً من شهر رمضان ثم لم یزل مریضاً حتی مات فلیس علیه قضاء، وإن صح ثم مرض ثم مات وکان له مال تصدق عنه مکان کل یوم بمد، وإن لم یکن له مال صام عنه ولیه»((2)).

وخبر دعائم الإسلام، عن علی (علیه السلام) قال: «من مرض فی شهر رمضان فلم یصح حتی مات فقد حیل بینه وبین القضاء، ومن مرض ثم صح فلم یقض ما مرض فیه حتی مات فیستحب لولیه أن یقضی عنه ما مرض علیه، ولا تقضی امرأة عن رجل»((3)).

والأصل مرفوع بالأدلة السابقة، والإتیان یراد بهما التکالیف المقررة علی الإنسان، سواء کان مبعث تلک التکالیف نفس الإنسان أو غیره، ولذا کثر فی الشریعة تحمل الإنسان تبعة غیره، مثل الأمر

ص:318


1- الجواهر: ج17 ص39
2- الوسائل: ج7 ص241 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح7
3- الدعائم: ج1 ص279 فی ذکر الفطر للعلل العارضة

بالمعروف والنهی عن المنکر والشهادة والدیة علی العاقلة وغیرها، إلی غیرها.

والروایات المذکورة علی حجیة سند الاثنتین الأولتین، وصراحة الدلالة، لا بد من ردّ علمها إلی أهلها، بعد إعراض المشهور عنها قدیماً وحدیثاً، وربما حملت علی التقیة، لکن الجمع الدلالی مقدم کما قرر فی محله، وربما قیل: باختلاف نسخ روایة أبی مریم، وفیه ما لا یخفی إذ لیس ذلک اختلافاً ضاراً، کما یعرفه من راجع النسخ المختلفة.

ثم إنه حکی عن الانتصار((1)) إیجاب الصدقة إن خلف مالاً، وإلا فعلی ولیه القضاء، للصحیحة المذکورة، وللإجماع الذی ادعاه، وأشکل علیه الحلّی بأنه لم یذهب إلی ما قاله السید غیره، وردّه المعتبر قائلاً: "ولیس ما قاله صواباً مع وجود الروایة الصریحة، وفتوی الفضلاء من الأصحاب، ودعوی علم الهدی الإجماع علی ما ذکره فلا أقل من أن یکون قوله ظاهراً بینهم"((2)) انتهی.

کما أنه حکی عن المبسوط والاقتصار والجمل: التخییر بین الصدقة والقضاء، جمعاً بین الطائفتین من الروایات.

والإنصاف أنه لو لا ذهاب المشهور من العلماء إلی ما أفتی به فی المتن، لکان اللازم

ص:319


1- الانتصار: ص70 سطر 23
2- المعتبر: ص315 فی القضاء علی المیت سطر 14

لا ما ترکه عمداً أو أتی به وکان باطلا من جهة التقصیر فی أخذ المسائل، وإن کان الأحوط قضاء جمیع ما علیه، وإن کان من جهة الترک

الجمع بین الروایات بالتخییر، وأفضلیة الصدقة لحجیة الروایتین، ویؤیدهما الدعائم سنداً، أو وضوح دلالتهما، وعدم المنافاة بینهما وبین روایات المشهور، بل الجمع الدلالی بینهما ظاهر، وإشکال المستند علی هذا الجمع غیر وارد، ولیس هناک إعراض عنهما بعد ما عرفت من العمل بهما من مثل هؤلاء الأعاظم، وردّ المتأخرین لهما بردود علمیة لا طرحهما بالإعراض.

وکیف کان فالأحوط قول المشهور.

{لا ما ترکه عمداً، أو أتی به وکان باطلاً من جهة التقصیر فی أخذ المسائل} کما حکی عن جماعة منهم المحقق فی المسائل البغدادیة، کما عن الشهید فی الذکری نسبته إلیه، وإلی شیخه عمید الدین، واختاره هو، واختاره المدارک فی المحکی عنه، وقوی فی محکی الریاض احتمال ظهور سیاق الأخبار فی ذلک، واختاره الحدائق، واستدلوا لذلک بأمرین:

الأول: انصراف الأخبار المطلقة إلی ما فاته لعذر.

والثانی: إن روایات وجوب القضاء منها ما صرح فیه بالسبب الموجب للترک من الأعذار التی هی الحیض أو المرض أو السفر، ومنها ما هو مطلق فیحمل المطلق علی المقید.

{وإن کان الأحوط قضاء جمیع ما علیه، وإن کان من جهة الترک

ص:320

عمداً، نعم یشترط فی وجوب قضاء ما فات بالمرض أن یکون قد تمکن فی حال حیاته من القضاء وأهمل، وإلا فلا یجب لسقوط القضاء حینئذ کما عرفت سابقا

عمداً}، والإطلاق هو المعروف بین الفقهاء کما فی منتهی المقاصد، وظاهر فتوی الأکثر کما فی المستند، وهما کالمستمسک وغیرهم اختاروا هذا القول، وذلک للإطلاق النصوص.

والانصراف إلی کون الترک لعذر ممنوع بعد شیوع المفطرین، خصوصاً فی أهل البادیة الذین لا یهتمون بالدین، وأکثر شیوعاً بطلان صوم من یصوم منهم لعدم تعلم المسائل، ولا وجه لحمل المطلق علی المقید هنا، لعدم تنافی ظاهریهما، والحمل إنما هو فی صورة التنافی.

هذا ولکن الأقرب هو الاحتیاط الوجوبی، إذ فی الإطلاق نظر، لقوة احتمال الانصراف خصوصاً إذا کان الترک علی وجه الطغیان والعصیان، کما ذکره السید البروجردی.

{نعم یشترط فی وجوب قضاء ما فات بالمرض} ونحوه {أن یکون قد تمکن فی حال حیاته من القضاء وأهمل، وإلا فلا یجب لسقوط القضاء حینئذ کما عرفت سابقاً} بلا خلاف کما فی الجواهر، ولا إشکال کما فی المستمسک، وذلک للنصوص التی تقدمت فی المسائل السابقة.

نعم قد اختلفوا فیما فات لأجل السفر، وقد عرفت أن الأقرب کون ذلک کالفوت فی حال الحیض، ثم إنه لا فرق فیما إذا أهمل بین أن یکون الإهمال عمداً أو نسیاناً أو غفلةً أو نحوهما.

ص:321

ولا فرق فی المیت بین الأب والأم علی الأقوی.

نعم لو أهمل لتبدل اجتهاده أو تقلیده، کما إذا کان یرتمس فی الصوم عمداً فی وقت کان یری الإرتماس مبطلاً، ثم تغیر اجتهاده أو تقلیده فرآه غیر مفطر، لم یجب علی ولیه القضاء، لأنه من قبیل اختلاف اجتهاد المیت والولی فی المفطرات، ومنه یظهر أنه مع اختلاف اجتهادهما أو تقلیدهما لا یجب علی الولی القضاء، وذلک لانصراف الأدلة عن مثل ذلک.

وأما لو نسی أن علیه القضاء، فالظاهر أنه یجب علی الولی، لإطلاق الأدلة، کما أنه لو لم یصم لنسیان الشهر أو الغفلة عنه وجب علیه القضاء.

{ولا فرق فی المیت بین الأب والأم علی الأقوی} کما نسب إلی الأکثر، وربما نسب إلی المعظم، وذهب آخرون إلی عدم وجوب القضاء واختاره المستند.

أما الأولون فقد استدلوا بأدلة اشتراک التکالیف، وبما دل علی أنه یقضی عن المرأة إذا طمثت أو مرضت، وبما دل علی أن الصوم دین، وبقوله (علیه السلام) فی خبر ابن بکیر: «لأنه قد صح فلم یقض ووجب علیه»((1)) فإنّ عموم العلة شامل له.

وبروایة ابن سنان، عن الصادق (علیه السلام) قال: «الصلاة

ص:322


1- الوسائل: ج7 ص243 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح13

وکذا لا فرق بین ما إذا ترک المیت ما یمکن التصدق به عنه وعدمه.

التی دخل وقتها قبل أن یموت المیّت یقضی عنه أولی الناس به»((1)).

بعد اتحاد الحکم فی بابی الصوم والصلاة، وإطلاق المیت للرجل والمرأة.

وأشکل القائلون بالعدم علی الکل.

أمّا أدلة الإشتراک، فبإنّها تدلّ علی اشتراک النساء للرجال فی الأحکام الموجّهة إلیهم، لا الاشتراک معهم فی الأحکام التی قید الموضوع فیها بالرجل، فإن روایات الباب کلها مقیدة بالرجل.

وأما ما دلّ علی أن المرأة یقضی عنها فی حالة الطمث والمرض، فبأن وجوب القضاء عنها لا یلازم وجوبه علی الولی.

وأما ما دلّ علی أن الصوم دین، فبأنه لا تلازم بین الدین وبین کونه علی الولی.

وأما العلة فی خبر ابن بکیر، فبأنه لا یعلم کونها عامة من هذه الجهة، إذ مصب العلة جهة أخری.

هذا لکن لا یبعد الفهم العرفی بالاستواء من الأدلة المذکورة، بل لا یبعد إطلاق الحکم بالنسبة إلی کل ولی، إذ لم یذکر فی النص خصوص الأب والأم، فالإطلاق محکّم، اللهم إلا أن یمنع ذلک بالانصراف، فتأمّل.

{وکذا لا فرق بین ما إذا ترک المیت ما یمکن التصدّق به عنه، وعدمه} کما هو المشهور، خصوصاً بین المتأخرین، وعن السرائر

ص:323


1- الوسائل: ج5 ص368 باب 12 من أبواب قضاء الصلاة ح18

وإن کان الأحوط فی الأول الصدقة عنه برضا الوارث مع القضاء، والمراد بالولی هو الولد الأکبر.

دعوی الإجماع علیه کما تقدم.

{وإن کان الأحوط فی الأول} فی ما إذا ترک ما یمکن التصدق به عنه {الصدقة عنه برضا الوارث مع القضاء} خروجاً عن خلاف السید الذی قد سبق أنه ادعی الإجماع علی الصدقة تبعاً للصحیحة، وذکر المعتبر مطابقته لفتوی الفضلاء من الأصحاب، وقد عرفت أن الإشکالات علی الروایة غیر واردة، فلا یبعد العمل علیها فی الجملة.

{والمراد بالولی هو الولد الأکبر} وقد اختلفوا فی ذلک علی أقوال:

الأول: ما ذکره المصنف، وقد نسب هذا القول إلی المعظم، وعلیه یخرج سائر الورثة.

الثانی: ما حکی عن المفید، من أنّ الولایة لا تختص بالأولاد، بل تشمل غیرهم من سائر الوراث، ومع فقد الذکور تکون الولایة للإناث، وعن الدروس أنه بعد نقل هذا الکلام عن المفید قال: إنه ظاهر القدماء.

الثالث: ما حکی عن ابن البراج، من أنه خصص الولایة بالأولاد، وجعل الذکور منهم مقدمین علی الإناث.

الرابع: إن الولایة للأولی بالمیراث من الذکور مطلقاً فی کل الطبقات، فلا تشمل الإناث أصلاً، وهو المحکی عن ابن الجنید،

ص:324

وابنی بابویه والمدارک، واختاره الحدائق والمستند وغیرهم.

وهذا القول هو الأقرب، وذلک لإطلاق أدلة قضاء الصوم علی الولی الشامل لکل الأولیاء، واستثناء النساء، ویدل علیه صحیحة حفص بن البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام): فی الرجل یموت، وعلیه صلاة أو صیام؟ قال: «یقضی عنه أولی الناس بمیراثه». قلت: فإن کان أولی الناس به امرأة؟ فقال: «لا، إلا الرجال»((1)).

ومرسلة حماد بن عثمان، عمن ذکره، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یموت وعلیه دین من شهر رمضان من یقضی علیه؟ قال: «أولی الناس به». قلت: فإن کان أولی الناس به امرأة، قال: «لا، إلا الرجال»((2)).

وفی صحیحة أبی مریم: «صام عنه ولیه»((3)).

بل وصحیحة أبی بصیر: «یقضیه أفضل أهل بیته»((4))، بعد وضوح أن المراد لیس الأفضلیة بالمعنی المتعارف.

ص:325


1- الوسائل: ج7 ص241 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5
2- الوسائل: ج7 ص241 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح6
3- الوسائل: ج7 ص241 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح7
4- الوسائل: ج7 ص242 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح11

وفی روایة ابن بکیر: «علی ولیه أن یقضی عنه»((1)).

وفی الفقه الرضوی: «فعلی ولیه أن یقضی عنه»((2)).

وفی الدعائم: «ویستحب أن یقضی عنه»((3)).

وقد تقدمت هذه الأحادیث ولذا لم نکررها.

أمّا الذین قالوا بقضاء الولد الذکر الأکبر، فقد قالوا بانصراف الولی فی الروایات السابقة إلیه، وفیه وضوح المنع عن الإنصراف، ولم یعلم سبب واضح لدعواهم الانصراف مع ظهور الإطلاق.

واستدلوا لذلک أیضاً بقوله تعالی:﴿فَهَبْ لی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا﴾((4))، وفیه: إنه لا دلالة فی الولی فی الآیة الکریمة، ولو فرض فیه الدلالة من القرائن الخارجیة، فذلک لا یوجب صرف الولی إلی هذا المعنی فی کل مکان.

کما أنه استدل لذلک بمکاتبة الصفار، إلی الأخیر (علیه السلام): رجل مات وعلیه قضاء من شهر رمضان عشرة أیّام وله ولیّان، هل

ص:326


1- الوسائل: ج7 ص243 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح13
2- فقه الرضا: ص25 سطر 35
3- الدعائم: ج1 ص279 فی ذکر الفطر للعلل العارضة
4- سورة مریم: الآیة 5

یجوز لهما أن یقضیا عنه جمیعاً، خمسة أیام أحد الولییّن وخمسة أیام الآخر؟ فوقع (علیه السلام): «یقضی عنه أکبر ولدیه عشرة أیام ولاءً إن شاء الله تعالی».

بناءً علی أن تکون النسخة: «ولدیه».

لکن الموجود فی الوسائل((1)) والکافی((2)) والفقیه((3)) والتهذیب((4)) والاستبصار((5)): «ولییه»، لا «ولدیه».

وفی تعلیقة منتهی المقاصد أن الموجود فی نسخة الوسائل المصححة جداً، والمقروة علی الفاضل المجلسی (رحمه الله): «ولییه» لا «ولدیه».

کما أنّه ربما أیدوا الوجوب علی الأکبر من الذکور بأنه فی مقابل الحبوة، وفیه: إنه لا دلیل علی ذلک، بل هذا ما ذکره بعض الفقهاء استنباطاً، فلا یکون منشأ للحکم الشرعی.

وأما الذین قالوا بقضاء النساء أیضاً، فقد استدلوا بالرضوی الذی نقلناه سابقاً، وفیه: «فإن لم یکن له ولی من الرجال قضی عنه ولیه من النساء»((6)).

وبإطلاق أدلة الولی فی جملة من الروایات، وفیه: أما

ص:327


1- الوسائل: ج7 ص240 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3
2- الکافی: ج4 ص124 باب الرجل یموت و... ح5
3- الفقیه: ج2 ص98 الباب 50 فی قضاء الصوم عن المیت ح3
4- التهذیب: ج4 ص247 الباب 60 فی من أسلم فی شهر رمضان ... ح6
5- الاستبصار: ج2 ص108 الباب 57 فی حکم من مات فی شهر رمضان ح4
6- فقه الرضا: ص25 السطر الأخیر

وإن کان طفلاً أو مجنوناً حین الموت بل وإن کان حملاً.

الرضوی فهو ضعیف، وأمّا الإطلاق فهو مقید بالروایات المعتبرة التی مرت مقیدة الولی بکونه رجلاً.

وأمّا الذین قالوا بتعمیم الحکم بالنساء من الأولاد إن لم یکن ذکور، فقد استدلّوا بإطلاق الولی، فإنه یشمل النساء، واستدلوا لعدم الوجوب علی غیر الأولاد بأن الأولاد أقرب إلی المیت، فهم المعنیون بالولی، دون من سواهم من الورثة، وفیه: إن الولی مقید بعدم کونه امرأة، کما أنه مطلق بالنسبة إلی سائر مراتب الأولیاء فی الإرث.

ثم لو کان للمیّت أب وولد، فهل الواجب قضاء الأب لأنه أکبر، أو قضاء الولد لأنه أکثر حصة من الأب، احتمالان، وإن کان لا یبعد الثانی لما ذکر، لأنه لو لم یکن أولی لم یکن أکثر حصة، والمراد الأکثریة الطبیعیة، وإلاّ فربما أخذ الأب أکثر کما إذا خلف أباً وعشرة أولاد، والکلام فی المقام طویل، محله غسل المیّت وقضاء صلاته.

{وإن کان طفلاً أو مجنوناً حین الموت، بل وإن کان حملاً} وفاقاً لصاحب الجواهر وبعض آخر، وخلافاً للمحکی عن الشهید، وحاشیة الإرشاد، والإیضاح، وکشف الغطاء، والمستند.

استدل للقول الأول: بإطلاق الأدلة، فإنه إذا أکمل صار ولیاً، وبأن له الحیاة علی قول المشهور.

واستدل للقول الثانی: بأنه لا یجب علیه حال الوفاة،

ص:328

فیستصحب عدم الوجوب بعد کماله.

وعن المسالک والروضة التردد فی المسألة، لکن لا یخفی أن الاسصتحاب لا وجه له بعد تبدل موضوعه، فالإطلاق أقرب.

نعم إذا لم یکمل کأن مات وهو طفل أو بقی مجنوناً ونحوه، کانت الولایة لغیره.

ص:329

مسألة ٢٠ وجوب القضاء علی الورثة لو لم یکن ولی

(مسألة 20): لو لم یکن للمیت ولد لم یجب القضاء علی أحد من الورثة، وإن کان الأحوط قضاء أکبر الذکور من الأقارب عنه.

{مسألة 20: لو لم یکن للمیت ولد لم یجب القضاء علی أحد من الورثة، وإن کان الأحوط قضاء أکبر الذکور من الأقارب عنه} لما عرفت فی المسألة السابقة.

ثم لا یبعد أن یقال باستحباب قضاء النساء إن لم یکن ذکور، للرضوی، فإنه صالح للحکم الاستحبابی للتسامح فی أدلة السنن، خصوصاً مع وجود فتوی الفقیه، وقد تقدم أن أصل الحکم لیس علی سبیل الوجوب التعیینی، بل یقوم التصدق مقامه.

ص:330

مسألة ٢١ لو تعدد الأولیاء

(مسألة 21): لو تعدد الولی اشترکا

{مسألة 21: لو تعدد الولی اشترکا} کما لو کان له ولدان فی سن واحد، وکذلک فی سائر الطبقات، والاشتراک إنّما هو لتساوی نسبة الولایة إلیهما.

ولو کان له ولدان أحدهما أکبر من الآخر فقد ادعی الإجماع علی تقدیم الأکبر منهما، کما یدلّ علیه أیضا مکاتبة الصفار، بل وقوله (علیه السلام): «أفضل أهل بیته»((1)).

أما ما فی مکاتبة الصفار من قوله (علیه السلام): «ولاءً»((2))، فحمله علی الاستحباب بقرینة خارجیة لا ینافی الوجوب بالنسبة أصل تحمل الولی الأکبر.

ثم إنه لو کان کسر فیما کان الولیان المتساویان، کما إذا کان علیه یوم من الصوم، فالظاهر وفاقاً للمستند والمستمسک وغیرهما الوجوب کفایة.

أمّا احتمال أن یکون کل نصف یوم علی أحدهما ویجب علیهما صوم یوم، نصف یوم من باب الواجب ونصفه الآخر من باب المقدمة، فمردود، إذ الظاهر أن هذا التکلیف علی هذه الطبیعة، وهذا یناسب الوجوب الکفائی عرفاً.

وعلیه فإذا عجز أحدهما عن الصوم أو لم یقم عنده طریق علی

ص:331


1- الوسائل: ج7 ص242 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح11
2- الوسائل: ج7 ص240 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3

وإن تحمل أحدهما کفی عن الآخر، کما أنه لو تبرع أجنبی سقط عن الولی.

اشتغال ذمة المیت بالصوم وجب علی الآخر القیام، ومنه یظهر وجه قوله (رحمه الله): {وإن تحمل أحدهما کفی عن الآخر} وإن لم یرض الآخر بذلک.

ولو صام کلاهما معاً فیما کان علیه یوم واحد، فالظاهر الکفایة، وأن الله تعالی یختار ما شاء منهما، کما إذا وقف کلاهما للصلاة علیه، فلا یقال ببطلان الاثنین ووجوب الصیام والصلاة من جدید.

{کما أنه لو تبرّع أجنبی سقط عن الولی} وفاقاً لغالب المعلقین، وعلله المستمسک((1)) بانتفاء الموضوع، انتهی.

مضافاً إلی أنه دین والدین یؤدّی بذلک، خلافاً للمستند حیث قال: "الحق عدم السقوط عن الولی بتبرّع الغیر ولا باستیجاره أو وصیة المیّت بالاستیجار للأصل، فإن قیل بفعل الغیر یبرأ ذمة المیّت ولا صوم علیه فلا معنی لقضاء الولی عنه، قلت: لا أری مانعاً من قضاء متعدد عن واحد" إلی آخره((2)).

وفیه: إنه مع براءة ذمة المیت لا صیام علیه، وموضوع النص والفتوی فیما إذا کان علیه صیام.

نعم فیما إذا استأجر ونحوه ولم یأت ذلک الطرف لم یسقط عن

ص:332


1- المستمسک: ج8 ص444
2- المستند: ج2 ص139 سطر 32

ذمة الولی، کما أنه إذا أوصی کان السقوط مراعی بالقیام خارجاً.

ثم إنه لا حق للولی أن یمنع غیره عن القیام، إذ لیس الشیء ملکاً له، وکذلک إذ أوصی المیّت لا حق للوصی فی المنع، واعتبار هذا حق فیشمله «لا یتوی حق امرئ مسلم»((1)) ممنوع صغری.

ثم إن المراد بالأجنبی غیر الولی ولو کان قریباً، وذلک یشمل الرجال والنساء.

ص:333


1- المستدرک: ج2 ص499 الباب 5 من الصلح ح3
مسألة ٢٢ للولی أن یستأجر غیره

(مسألة 22): یجوز للولی أن یستأجر من یصوم عن المیت، وأن یأتی به مباشرة

{مسألة 22: یجوز للولی أن یستأجر من یصوم عن المیت، وأن یأتی به مباشرة} کما هو المشهور، خلافاً لما یحکی عن صاحبی المفاتیح والکفایة من المناقشة والتردد فی الاستیجار، وقد تقدم عن صاحب المستند عدم صحة الاسیتجار.

قال فی المفاتیح: "المشهور صحة الاستیجار، وفیه تردد، لفقد نص فیه، وعدم حجیة القیاس حتی یقاس علی الحج، أو علی التبرع، وعدم ثبوت الإجماع بسیطاً ولا مرکبا" ((1))، انتهی.

واستدل غیره بالأصل، وبأن الأدلة دلت علی قضاء الولی، فکفایة قضاء غیره عنه تحتاج إلی دلیل وهو مفقود.

هذا ولکن الظاهر الصحة من باب صحة مطلق الاستیجار، وهذا من صغریاته، بالإضافة إلی أن المفهوم من کونه دَیناً کما فی بعض الروایات، بضمیمة قوله (صلی الله علیه وآله وسلم) لمن أراد الحج عن أبیه: «أرأیت لو کان علی أبیک دین»((2))، صحة إتیان الغیر له مطلقاً، سواء کان تبرعاً أو استیجاراً، ویؤیده فی المقام ما ذکره المستمسک((3)) من ظهور الدلیل فی أن المقصود تفریغ ذمة المیت، لا خصوص مباشرة الولی لذلک، انتهی.

ص:334


1- مفاتیح الشرائع: ج2 ص176 الباب 634
2- الوسائل: ج18 ص34 باب 6 من أبواب صفات القاضی ح38
3- المستمسک: ج8 ص444

وإذا استأجر ولم یأت به المؤجر أو أتی به باطلا لم یسقط عن الولی.

هذا بالإضافة إلی ظهور قول الصادق (علیه السلام) فی روایة الصدوق (رحمه الله): «إذا مات الرجل وعلیه صوم شهر رمضان فلیقض عنه من شاء من أهله»((1))، فی صحة التبرع، وإذا صح التبرع صحت الإجارة لوحدة الملاک فیهما.

وکیف کان، فلا ینبغی الشبهة فی ذلک، ومثل الإجارة المصالحة والجعالة ونحوهما، لأن الکل من واد واحد.

{وإذا استأجر ولم یأت به المؤجر أو أتی به باطلاً لم یسقط عن الولی} لأنه تکلیف الولی، وسقوطه عنه لیس بالإجارة بل بأن یؤتی به، فإذا لم یؤت به کان باقیاً فی ذمته، ولیس هذا من قبیل ما إذا أعطی للعالم العبادة لیعطیها فأعطاها ثقة ثم إنه لم یأت بها خیانةً أو عذراً، حیث إنه یسقط عن العالم الواسطة، إذ أنه کلّف بإیصالها إلی الثقة، وقد فعل فلا تکلیف له فوق ذلک، کما یحکی ذلک عن الماتن حیث قال له بعض من أخذ منه العبادة: إنی لم أفعلها فعلیکم أن تعطوها لغیری، فقال (رحمه الله): إن تکلیفی کان أن أوصلها إلی ثقة وقد فعلت، وإنما بقی علیک التکلیف، انتهی.

وکذلک إذا أعطی الوصی إلی الثقة، ثم ظهر أنه لم یفعلها، فإنه قد فعل ما هو تکلیفه إلا إذا کانت الوصیة بحیث تقصد الإتیان الخارجی لا مجرد الإعطاء.

ص:335


1- الفقیه: ج2 ص98 باب 50 من أبواب قضاء الصوم عن المیت ح2
مسألة ٢٣ شک الولی فی اشتغال ذمته

(مسألة 23): إذا شک الولی فی اشتغال ذمة المیت وعدمه، لم یجب علیه شیء، ولو علم به إجمالا وتردد بین الأقل والأکثر جاز له الاقتصار علی الأقل.

{مسألة 23: إذا شک الولی فی اشتغال ذمة الولی وعدمه} بأن لم یعلم هل کان حیاً إلی رمضان أو لا {لم یجب علیه شیء} لأصالة فراغ ذمته.

کما إذا لم یعلم هل وجب علیه خمس أو زکاة أو حج أو ما أشبه، وإذا علم بأنه کان حیاً لکن لم یعلم هل صام أو لم یصم، أو علم بأنه لم یصم لکن شک فی أنه هل قضاه أم لا؟

إذ الظاهر فی الأول حمل فعل المسلم علی الصحیح، وکذلک فیما إذا علم أنه کان علیه خمس لکنه لم یعلم هل أدّاه أم لا، فإن قوله (علیه السلام): «ضع أمر أخیک علی أحسنه»((1)) شامل لذلک، کما ذکرناه فی کتاب الحج وغیره مفصلاً.

وکذلک بالنسبة إلی الثانی، ولذا جرت السیرة بعدم القضاء عنهم، وإن علموا بأنهم لم یصوموا لسفر أو مرض ثم شکوا فی أنهم هل قضوا أو لا.

وربّما ادعی أنّ النصوص ظاهرة فی صورة العلم بأنه کان فی ذمة المیت، لکن هذه الدعوی تحتاج إلی التأمل، ومّما تقدّم یعرف أنه لا مجال لجریان أصالة عدم إتیان المیت.

(ولو علم إجمالاً) بأن علیه صیاماً {وتردد بین الأقل والأکثر جاز له الاقتصار علی الأقل} وذلک

ص:336


1- الوسائل: ج8 ص614 باب 161 من أبواب أحکام العشرة ح3

لأصالة عدم التکلیف الزائد علیه، أو علی الوارث من جهة المیت.

ولو علم أجمالاً أن علیه صوم شهرین مثلاً، إما للقتل أو کفارة رمضان، صام بنیة ما فی الذمة.

ولو علم إجمالاً بأن علیه صوماً أو صلاةً لزم الإتیان بهما.

ولو کان علی المیت کفارة شهر رمضان جاز للوارث العتق أو الصیام أو الإطعام، لأصالة بقاء التخییر من غیر فرق بین أن کان المیت شرع فی الصیام أو غیره أم لا، لأن الشروع لا یوجب تعیین المشروع فیه، کل هذا بناءً علی وجوب قضاء غیر شهر رمضان علی الولی.

والظاهر أنه تأتی هنا المسألة المشهورة فیمن شک بعد أن أهمل بالنسبة إلی قضاء نفسه، فقد ذهب بعض هناک أن احتمال التکلیف اللازم ملزم، وبعض إلی وجوب العمل بقدر الظن، وآخرون إلی جریان البراءة، لأن المسألتین من واد واحد.

ص:337

مسألة ٢٤ سقوط الوجوب بشرط الوصیة

(مسألة 24): إذا أوصی المیت باستئجار ما علیه من الصوم أو الصلاة سقط عن الولی بشرط أداء الأجیر صحیحاً وإلاّ وجب علیه.

{مسألة 24: إذا أوصی المیت باستیجار ما علیه من الصوم أو الصلاة سقط عن الولی} کما قیل، لأن المیت صرف الواجب من الولی إلی غیره، وله حق هذا الصرف لأنه تکلیفه، کما إذا جعل القیّم علی أولاده زیداً مثلاً، فإنه بذلک یصرف قیمومة الحاکم الشرعی إلی زید، هذا بالإضافة إلی أنه یشمله عموم وجوب الوصیّة، لکن الظاهر أن السقوط عن الولی مشروط {بشرط أداء الواجب صحیحاً} إذ لا دلیل علی أن الوصیّة تصرف تکلیف الولی، ولا یقاس ذلک بجعل القیّم علی الأولاد، إذ جعل القیم من حق المیت نصاً وإجماعاً، بخلاف المقام، وعمومات أدلة الوصیة غیر صالحة للصرف.

وعلیه فإذا علم الولی بأن الأجیر یأتی به صحیحاً، ولو من باب أصالة الصّحة کفی {وإلاّ وجب علیه} الإتیان ونحوه مما یوجب فراغ ذمّة المیت، والظاهر أنه یکفی اجتهاد الوصی وتقلیده فی العمل وإن کان مخالفاً لاجتهاد الولی أو تقلیده. نعم إذا علم الولی بالبطلان لم یکف عمل الوصی وإن کان عن اجتهاد أو تقلید.

ثم هل للولی إبطال الوصیة لأنها تصرف فی حقه، أم لا لعمومات نفوذ الوصیة، احتمالان وإن کان الثانی أقرب.

ص:338

مسألة ٢٥ ما یجب علی الولی قضاؤه

(مسألة 25): إنما یجب علی الولی قضاء ما علم اشتغال ذمة المیت به، أو شهدت به البینة، أو أقر به عند موته

{مسألة 25: إنما یجب علی الولی قضاء ما علم اشتغال ذمة المیت به، أو شهدت به البینة، أو أقرّ به عند موته} لا قبل الموت بمدة، إذ الإقرار عند الموت حجة، لأن "إقرار العقلاء علی أنفسهم جائز"، أما إقراره قبل موته بمدة یمکن أن یکون أتی به بینه وبین الموت، فلیس هذا أکثر من علم الولی بأنه کلّف بالقضاء مما قد عرفت أن حمل فعله علی الصحیح یوجب رفع التکلیف عن الوصی.

ومنه یعلم أن المراد شهادة البینة شهادة توجب بقاء الشغل إلی الموت، کأن تشهد قبل الموت بیوم بأنه مشغول بشهر من الصیام، أو تشهد بعد الموت بأنه مات مشغول الذّمة، أمّا إذا شهدت قبل الموت بمدة یمکن أن یکون قد أتی به بعد الشهادة، أو شهدت بعد الموت بأنه قبل سنین کان مشغول الذّمة، بحیث یمکن أن یکون قد أتی به فی حال حیاته، لا توجب الشهادة تکلیفاً علی الولی، لجریان أصالة الصحة کما عرفت.

ثم إنه یبقی الکلام فی إقراره، فهل هو إقرار فی حق نفسه حتی یشمله "إقرار العقلاء علی أنفسهم"، أو أنه إقرار فی حق غیره، إذ معنی هذا الإقرار خصوصاً إذ کان قبل الموت بقلیل أنه یجب علی الولی، احتمالان، ولا یبعد الثانی إذ لا أثر لهذا الإقرار إلاّ تکلیف الولی، فلیس ذلک مثل ما إذا أقر بأنه مدیون لفلان، لأن المال ماله الآن وإقراره ضرر علیه وإن صار بالمآل ضرراً علی الوارث، لکن الظاهر

ص:339

وأما لو علم أنه کان علیه القضاء وشک فی إتیانه حال حیاته أو بقاء شغل ذمته فالظاهر عدم الوجوب علیه باستصحاب بقائه.

أن سیرة المتشرعة علی قبول أمثال هذه الوصایا والأقاریر، ولعل ذلک من جهة أن الإقرار یثبت التکلیف علی المقر، وتکلیف الولی فرع تکلیف المقر، فتأمل. وإن کانت المسألة تحتاج إلی التتبع والتأمل.

{وأمّا لو علم أنه علیه القضاء وشک فی إتیانه حال حیاته، أو بقاء شغل ذمته، فالظاهر عدم الوجوب علیه}.

واحتمال الوجوب إنما هو {ب_} سبب {استصحاب بقائه}، لما تقدّم من أن أصل الصحة بالمعنی الذی ذکرناه مقدم علی الاستصحاب، ولذا لا یقولون بأن الواجب علی الولی تخمیس أموال المیّت وإن علم تعلق الخمس به فی حیاته وما أشبه ذلک.

ومنه یظهر أن توقف بعض المعلقین کالسید البروجردی أو احتیاطهم کالسید ابن العم أو قولهم بالوجوب کالسید الجمال، محل منع.

ثم إنه ربما استشکل علی کفایة البینة بما دلّ علی عدم قبولها فی الدین إلا إذا انضم إلیها الیمین معلّلاً باحتمال الوفاء، فإذا کان الأمر کذلک فی حق الناس الذی هو أهم، فاللازم عدم القبول فی حق الله الذی هو مهم، قال فی المستمسک: "لکنّه لا یخلو من تأمّل"((1)).

ص:340


1- المستمسک: ج8 ص445

نعم لو شک هو فی حال حیاته وأجری الاستصحاب أو قاعدة الشغل ولم یأت به حتی مات فالظاهر وجوبه علی الولی.

والظاهر أن وجهه إطلاقات أدلة البینة والدین خرج بدلیل، ولم یعلم المناط القطعی حتی یتعدی منه إلی دین الله تعالی، فقبول البینة هنا أقرب.

{نعم لو شک هو فی حال حیاته وأجری الاستصحاب أو قاعدة الشغل ولم یأت به حتی مات، فالظاهر وجوبه علی الولی}، لأن ذلک یوجب التکلیف علی المیت، وإذا کان المیت مکلفاً ولم یعلم الولی بعدم تکلیفه کان واجباً علیه للأدلة السابقة، ولذا سکت المعلقون: کالسادة ابن العم والبروجردی والجمال علی المتن.

أمّا إشکال المستمسک((1)) بأن الواجب علی الولی هو الصوم الواقعی الثابت علی المیت، والاستصحاب والقاعدة لا یثبتان ذلک، ففیه ما لا یخفی، إذ هما تنزیلان منزلة الواقع شرعاً، فقوله: إنه غیر ظاهر الأدلة منظور فیه، نعم ما ذکره من أنه "لو علم الولی خلاف ما علمه المیت لزم علی الولی العمل بما علمه" تام، فإذا علم المیت بأن علیه الصیام وعلم الوصی بأنه لم یکن علیه لمرض أو نحوه لم یکن علیه، کما أنه لو علم المیت بأنه لیس علیه وعلم الولی بأن علی المیت الصوم، وجب علی الولی الإتیان.

ص:341


1- المصدر نفسه
مسألة ٢٦ هل علی الولی قضاء رمضان أو کل صوم واجب

(مسألة 26): فی اختصاص ما وجب علی الولی بقضاء شهر رمضان، أو عمومه لکل صوم واجب قولان، مقتضی إطلاق بعض الأخبار الثانی وهو الأحوط.

{مسألة 26: فی اختصاص ما وجب علی الولی بقضاء شهر رمضان، أو عمومه لکل صوم واجب قولان} ذهب إلی الاختصاص العمانی وابنا بابویه، واختاره المستند، وذهب إلی العموم المفید والشیخ فی المبسوط، ونقله فی المنتهی عن الشیخ، ونسبه إلی ظاهر النصوص مشعراً بالمیل إلیه، وفی التذکرة اقتصر علی النسبة مؤذناً بالتوقف، هکذا نقل عنهم المستند، وکذا صرّح بالعموم الشرائع وغیره.

استدلّ للأول بالأصل، لأصالة عدم اشتغال ذمة الولی بقضاء غیر رمضان، وباختصاص غالب روایات الباب برمضان، فیحمل ما أطلق فیها علی ذلک حملاً للمطلق علی المقیّد.

وأمّا روایة وشا الآتیة فضعیفة، بالإضافة إلی أنها علی خلاف المطلوب أدل، کما سیأتی بیانه، ولکن {مقتضی إطلاق بعض الأخبار الثانی وهو الأحوط}، وهو صحیح الحفص بن البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام): فی الرجل یموت وعلیه صلاة أو صیام، قال (علیه السلام): «یقضی عنه أولی الناس بمیراثه»((1)).

ص:342


1- الوسائل: ج7 ص241 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح5

هذا بالإضافة إلی روایة وشا، عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام): «إذا مات رجل وعلیه صیام شهرین متتابعین من علّة، فعلیه أن یتصدّق عن الشهر الأول ویقضی الشهر الثانی»((1)).

وکذلک عموم العلة فی قوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «أرأیت لو کان علی أبیک دین» بعد ثبوت أن الصوم دَین بالنص والإجماع.

وقوله (علیه السلام) فی خبر أبی بصیر: «فإن الله لم یجعله علیها» إلی أن قال: «کیف تقضی عنها شیئاً لم یجعله الله علیها»((2)).

وتعلیل قضاء الولی فی مرسلة ابن بکیر: «لأنه _ أی المریض _ قد صحّ فلم یقض ووجب علیه»((3)).

وهذا القول هو الأقرب.

والأصل الذی استدلّ به القائل الأول مرفوع بالدلیل، واختصاص غالب روایات الباب لا یوجب حمل المطلق علیه لعدم التنافی.

والإشکال فی أدلة العموم بأنّ الصحیح اشتمل علی الجملة الخبریة التی لا تدلّ علی الوجوب، وبالانصراف إلی رمضان،

ص:343


1- الوسائل: ج7 ص244 باب 24 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1
2- الوسائل: ج7 ص242 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح12
3- الوسائل: ج7 ص243 باب 23 من أبواب أحکام شهر رمضان ح13

فیه: إن الجملة الخبریة أظهر فی الوجوب، کما ذکرناه فی شرح الکفایة. والانصراف ممنوع.

وبأن روایة وشا تدل علی خلاف المطلوب، إذ لم یوجب الإمام (علیه السلام) صیام شهرین، بالإضافة إلی أنها ضعیفة، ولم یتبین المراد من «الذی علیه».

فیه: إن الإیجاب فی الجملة کاف فی الدلالة علی المطلوب، فالتصدق کالاستثناء، والضعف مجبور بروایة الکلینی لها الذی قد التزام بإیداع ما هو حجة بینه وبین ربّه فی الکافی، مضافاً إلی أن کونها روایة إنما هو باعتبار سهل، والأمر فیه سهل کما ذکروا، والمراد من الضمیر فی «علیه» الولی کما هو المفهوم عرفاً، فلا أقل من أن تکون الروایة مؤیدة.

وبأنّ سائر الروایات لا دلالة فیها.

فیه: إنه لا وجه لنفی الدلالة، ولا أقل من الدلالة بعد اعتضاد بعضها ببعض.

ولکن فی شمول الأدلة حتی لمثل الصیام الذی وجب علیه بالاستیجار تأمّل، وإن کان مقتضی أنه دین الوجوب.

نعم حیث ذکرنا فی السابق عدم وجوب القضاء تعییناً علی الولی جاز التصدق فی الصیام، باستثناء مورد روایة وشا علی إشکال فی الاستثناء، لما عرفت من ضعف الروایة، وباستثناء صیام الاستیجار، إذ الواجب أداء ما علی المیت الذی استأجروه لأجل إفراغ ذمته، فتأمّل.

ص:344

مسألة ٢٧ الإفطار فی قضاء رمضان بعد الزوال عن نفسه

(مسألة 27): لا یجوز للصائم قضاء شهر رمضان إذا کان عن نفسه الإفطار بعد الزوال.

{مسألة 27: لا یجوز للصائم قضاء شهر رمضان إذا کان} القضاء {عن نفسه الإفطار بعد الزوال} قد مرّ الکلام فی ذلک بالنسبة إلی الحکم الوضعی أی الکفارة.

وأما الحکم التکلیفی فالحرمة بعد الزوال هو المشهور بینهم، بل عن المدارک((1)): إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفاً. وفی المستند((2)): علی الأصح الأشهر، بل عن الانتصار والخلاف والغنیة الإجماع علیه.

خلافاً للمحکی عن ظاهر التهذیبین فلم یحرّماه وإن أوجبا الکفارة، حیث حمل روایة عمار الآتیة علی أنه لیس علیه شیء من العقاب وإن وجب علیه القضاء والکفارة، بخلاف من أفطر فی رمضان فعلیه العقاب والقضاء والکفارة. لکن فی منتهی المقاصد وتبعه المستمسک أن المحامل التی یذکرها الشیخ للأخبار لیست مذاهب وفتاوی له حتی یعد مخالفاً.

أقول: ولذا قال فی الجواهر((3)): إنه یمکن تحصیل الإجماع علیه أو القطع به.

ص:345


1- المدارک: ص354 سطر 8
2- المستند: ج2 ص101
3- الجواهر: ج17 ص52

وکیف کان، فعدم الجواز بعد الظهر لا ینبغی الإشکال فیه، کما أن الجواز قبل الزوال أیضاً لا ینبغی الشبهة فیه فإنه هو المشهور، وفی المستند((1)) إنه الأظهر الأشهر، بل عن مدنیّات العلاّمة دعوی الإجماع علیه، خلافاً لمن قال بحرمة الإفطار قبل الزوال، وهم ابن أبی عقیل وأبو الصلاح وابن زهرة، وقد ادعی ابن زهرة علیه الإجماع.

ویدلّ علی المشهور فی کلا الحکمین الروایات المستفیضة، کصحیحة ابن سنان، عن الصادق (علیه السلام) قال: «صوم النافلة لک أن تفطر ما بینک وبین اللیل متی ما شئت، وصوم قضاء الفریضة لک أن تفطر إلی زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فلیس لک أن تفطر»((2)).

وعن جمیل بن درّاج، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «فی الذی یقضی شهر رمضان أنه بالخیار إلی زوال الشمس، فإن کان تطوّعاً فإنه إلی اللیل بالخیار»((3)).

وعن ابن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «من أصبح وهو یرید الصیام ثم بدا له أن یفطر فله أن یفطر ما بینه وبین

ص:346


1- المستند: ج2 ص103 سطر 27
2- الوسائل: ج7 ص10 باب 4 من أبواب وجوب الصوم ونیته ح9
3- الوسائل: ج7 ص9 الباب 4 من أبواب وجوب الصوم ح4

نصف النهار ثم یقضی ذلک الیوم»((1)).

وعن سماعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی قوله: «الصائم بالخیار إلی زوال الشمس»، قال: «إن ذلک فی الفریضة فأما النافلة فله أن یفطر أی وقت شاء إلی غروب الشمس»((2)).

وعن إسحاق بن عمّار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «الذی یقضی شهر رمضان هو بالخیار فی الإفطار ما بینه وبین أن تزول الشمس، وفی التطوع ما بینه وبین أن تغیب الشمس»((3)).

وروایة الجعفریات، بسند الأئمة (علیهم السلام)، عن علی (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «أفضل ما علی الرجل إذا تکلف له أخوه المسلم طعاماً فدعاه وهو صائم فأمره أن یفطر ما لم یکن صیامه ذلک الیوم فریضة أو قضاءً أو نذراً سماه وما لم یمل النهار»((4))، إلی غیر ذلک.

وبهذه الروایات تحمل الروایات الدّالة علی عدم الإفطار قبل زوال الشمس علی الاستحباب ونحوه،

ص:347


1- الوسائل: ج7 ص10 الباب 4 من أبواب وجوب الصوم ح7
2- الوسائل: ج7 ص10 الباب 4 من أبواب وجوب الصوم ح8
3- الوسائل: ج7 ص10 الباب 4 من أبواب وجوب الصوم ح10
4- الجعفریات: ص60

کموثقة زرارة، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل صام قضاءً من شهر رمضان فأتی النساء؟ قال: «علیه من الکفارة ما علی الذی أصاب فی شهر رمضان لأن ذلک الیوم عند الله من أیام رمضان»((1)).

وقریب منها مرسلة حفص.

وما رواه عبد الرحمان بن الحجاج، قال: سألت عن الرجل یقضی رمضان أله أن یفطر بعد ما یصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال: «إذا کان نوی ذلک من اللیل وکان من قضاء رمضان فلا یفطر ویتم صومه»((2)).

هذا مضافاً إلی أن الموثقة والمرسلة مطلقتان، فمقتضی القاعدة تقییدهما بما تقدم من الروایات.

کما أن ما استدل بما علی جواز الإفطار بعد الزوال محمول علی بعض المحامل، کموثقة عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فیمن علیه أیام من شهر رمضان، سئل فإن نوی الصوم ثم أفطر بعدما زالت الشمس؟ قال (علیه السلام): «قد أساء ولیس علیه شیء إلا قضاء ذلک الیوم الذی أراد أن یقضیه»((3)).

ص:348


1- الوسائل: ج7 ص254 الباب 29 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3
2- الوسائل: ج7 ص9 الباب 4 من أبواب وجوب الصوم ونیته ح6
3- الوسائل: ج7 ص254 الباب 29 من أبواب أحکام شهر رمضان ح4

بل تجب علیه الکفارة به، وهی کما مر إطعام عشرة مساکین لکل مسکین مُد، ومع العجز عنه صیام ثلاثة أیام.

وأما إذا کان عن غیره بإجارة أو تبرع فالأقوی

وروایة أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی المرأة تقضی شهر رمضان فیکرهها زوجها علی الإفطار، فقال: «لا ینبغی له أن یکرهها بعد الزوال»((1)).

لکن الظاهر عدم دلالة الروایتین، إذ «قد أساء» فی الأولی دلیل علی الحرمة، و«لا ینبغی» فی الثانیة أعم من الکراهة، بل قد یستعمل فی المحال، کقوله تعالی:﴿وَما یَنْبَغی لِلرَّحْمنِ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَداً﴾((2)).

أمّا احتمال أن یکون الأمر مکروهاً بالنسبة إلی الزوج وإن حرم بالنسبة إلی الزوجة لجواز اختلاف الأحکام، کما إذا عقدها بالفارسیة ویری الزوج الجواز وتری الزوجة عدم الجواز، فبعید غایة البعد، وإن کان هو الظاهر من منتهی المقاصد، ومال إلیه المستمسک.

{بل تجب علیه الکفارة به} خلافاً للعمانی، وقد تقدمت المسألة مفصلاً فراجع.

{وهی کما مرّ إطعام عشرة مساکین لکل مسکین مدّ، ومع العجز صیام ثلاثة أیام} وقد تقدم الکلام فی کل ذلک.

{وأمّا إذا کان} الصیام {من غیره بإجارة أو تبرع فالأقوی

ص:349


1- الوسائل: ج7 ص8 باب 4 من أبواب وجوب الصوم ونیته ح2
2- سورة مریم: الآیة 92

جوازه، وإن کان الأحوط الترک.

جوازه، وإن کان الأحوط الترک} قال فی المستند: "وهل یختص الحکم بالقاضی لنفسه أو یعم القاضی لغیره، ولایةً أو تبرعاً أو إجارة أیضاً، مقتضی إطلاق کثیر من الأخبار الثانی، وتبادر الأول عنها ممنوع، ولو سلّم ففی الجمیع لیس کذلک، وشیوعه المقتضی للإنصراف إلیه غیر محقق" ((1))، انتهی.

لکن فی منتهی المقاصد: قال: "الإنصاف أن لیس المتبادر إلا القضاء لنفسه، ولیس شیء من الولایة والتبرع والإجارة مما ینساق من اللفظ ویتبادر منه"، انتهی.

أمّا التعلیل الذی ذکره السید الحکیم، بقوله: "والفرق بین هذا الحکم وسائر الأحکام التی استقر بناؤهم علی تسریتها للفعل عن الغیر هو أن مرجعه إلی وجوب البقاء علی النیابة فلا یکون من آثار الفعل الوضعیة أو التکلیفیة، بل من آثار النیابة فیه، بخلاف سائر الأحکام، ومثله حرمة قطع الفریضة»((2))، انتهی.

أقول: إن تم ما ذکره اقتضی جواز قطع الحج النیابی، ولا یظن الالتزام به، والتبادر لو سلم لزم القول بذلک حتی فی الحج، وکذلک بالنسبة إلی الإعتکاف فی الیوم الثالث، والحاصل أنه إذا فهم من

ص:350


1- المستند: ج2 ص141 سطر 10
2- المستمسک: ج8 ص447

کما أن الأقوی الجواز فی سائر أقسام الصوم الواجب الموسع.

الدلیل وحدة الحکم بالنسبة إلی حقیقة، لزم القول بجریان ذلک الحکم فی کل مصادیقه، وکأنه لذا احتاط السید البروجردی احتیاطاً مطلقاً، وإن وافق جماعة کالسیدین ابن العم والجمال وغیرهما علی المتن، والمسألة محتاجة إلی التأمّل.

{کما أن الأقوی الجواز فی سائر أقسام الصوم الواجب الموسع} کما ربما ینسب إلی المشهور، خلافاً لأبی الصلاح، حیث أوجب المضی فی کل صوم واجب شرع فیه، معیناً کان أو غیره، ولعلی بن بابویه حیث جعل قضاء النذر مساویاً لقضاء رمضان فی الحرمة بعد الزوال والکفارة.

استدلّ للقول الأول: بأصالة الجواز بعد فقدان الدلیل علی الحرمة والکفارة، وبقوله (علیه السلام) فی روایة ابن الحجاج: «وکان من قضاء رمضان»، فإن المفهوم منه عدم هذا الحکم إذا لم یکن قضاء رمضان.

واستدل للقول الثانی: بقوله تعالی:﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُمْ﴾((1)).

وصحیحة ابن سنان المتقدمة، وفیها: «وصوم قضاء الفریضة»، وروایة سماعة المتقدمة: «إن ذلک فی الفریضة»، فإطلاقهما یشمل المقام.

لکن لا یخفی ما فی دلالة الآیة، وقد ادعی صاحب الجواهر

ص:351


1- سورة محمد: الآیة 33

وإن کان الأحوط الترک فیها أیضا.

وأما الإفطار قبل الزوال فلا مانع منه حتی فی قضاء شهر رمضان عن نفسه إلا مع التعین بالنذر أو الإجارة أو نحوهما، أو التضیق بمجیء رمضان آخر، إن قلنا بعدم جواز التأخیر إلیه کما هو المشهور.

انصراف الفریضة فی الروایتین إلی الواجب بالأصالة، فلا یشمل المنذور.

واستوجه کلامه منتهی المقاصد، وأشکل علیه فی تعلیقه بأنه لا وجه للانصراف، وقرّب الأنصراف المستمسک بتقریب أنه لا یبعد أن یکون المراد من صوم الفریضة ما کان فریضة بعنوان کونه صوماً لا بعنوان أمر آخر خارج عنه کالنذر والإجارة وأمر الوالد ونحوها.

وکیف کان، فالفتوی بالجواز محل تأمّل، {وإن کان الأحوط الترک فیها أیضاً} فلا یترک هذا الاحتیاط.

{وأما الإفطار قبل الزوال فلا مانع حتی فی قضاء شهر رمضان عن نفسه} لما سبق من النص والشهرة علی ذلک {إلا مع التعین بالنذر أو الإجارة أو نحوهما} کالعهد والیمین والصلح وغیرها، فإن الحرمة هی مقتضی نفوذ دلیل النذر والإجارة ونحوهما، {أو التضییق بمجیء رمضان آخر إن قلنا بعدم جواز التأخیر إلیه کما هو المشهور} وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ص:352

ثم الظاهر تبعاً للمستند ومنتهی المقاصد اختصاص الحکم بالقضاء الواجب، فلو قضی احتیاطاً ندباً لم یحرم علیه الإفطار بعد الزوال، لعدم شمول الأدلة له.

ومنه یعلم أنه لو استؤجر للقضاء الندبی، کما هو المتعارف فیمن یوصی بقضاء صلاته وصیامه، جاز له الإفطار بعد الظهر إذا کانت مدة الإجارة باقیة یمکنه أن یصوم یوماً آخر.

وإذا شک الأجیر فی أن القضاء وجوبی أو استحبابی، الظاهر جواز أن یفطر، للشک فی الحرمة فالأصل عدمها، وقد عرفت أن احتمال التکلیف المنّجز لیس بمنجز وإن ذهب إلیه جمع.

ثم إنه لو أفطر بعد الظهر فیما کان الإفطار حراماً، فهل یجب علیه الإمساک بعد ذلک أم لا، قولان:

الأول: وجوب الإمساک، کما عن الدروس والروضة، لاستصحاب وجوب الإمساک، ولقوله (علیه السلام) فی روایة زرارة: «لأن ذلک الیوم عند الله من أیام رمضان»((1)).

والثانی: عدم الوجوب، کما فی المستند والجواهر، تبعاً للمحکی عن ابن فهد، واختاره آخرون أیضا، لأصالة عدم وجوب الإمساک، والاستصحاب غیر تام، لأنه بعد الإفطار مغایر لما قبل الإفطار، فإنه قبل الإفطار کان صوماً وبعد الإفطار لیس بصوم، والروایة لا تدل علی المساواة لرمضان فی جمیع الأحکام.

ص:353


1- الوسائل: ج7 ص254 الباب 29 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3

ثم لو قلنا بوجوب الإمساک فالظاهر عدم تکرر الکفارة بتکرر الإفطار، خلافاً لما عن الروضة من التکرر، لتکرر السبب الموجب لتکرر المسبب، لکن فیه: إن السبب هو فعل المفطر ولیس الثانی مفطراً، ولذا اختار غیر واحد عدم التکرر.

ثم إنه لو اشتبه الأکبر من الأولاد، فهل الحکم القرعة، لأنها «لکل أمر مشکل»، أو التوزیع لأنه مقتضی العدل والإنصاف، أو البراءة کواجدی المنی؟

احتمالات، والأحوط الأول، وإن کان قوی منتهی المقاصد البراءة، لکنها مشکل.

وهل یختص الحکم بالوارث فعلاً، أو یعم الحکم حتی ما إذا لم یرث لعدم مال للمورث، أو المانع فی الوارث کالقتل ونحوه، احتمالان:

من أنه علق الحکم فی صحیحة حفص بالأَولی بالإرث، وهذا لیس أولی بالإرث لعدم الموضوع من جهة عدم الإرث، أو من جهة المانع فغیره أولی بالإرث فعلاً.

ومن أن المنصرف الأولی طبعاً لو خلی ونفسه، وهذا الاحتمال أقرب.

وإذا کان هناک مانع یرجی زواله کالکفر والعبودیة انتظر حتی یزول.

نعم الظاهر أن العبد یجب علیه القضاء وإن لم یرض مولاه، لأن حق الله مقدم، کسائر الواجبات العینیّة، ومما ذکرنا یعلم أنه لو استوی الولیان فی العمر لکن بلغ أحدهما کان مقتضی القاعدة التوزیع، وإن کان ذهب بعض إلی تقدیم البالغ لأنه أفضل أهل بیته، کما فی

ص:354

الروایة، ولو اختلفا فی السن لا البلوغ فالمقدم هو الأکبر، ولو اختلفا فی السن والبلوغ فإن کان الأکبر هو البالغ فلا إشکال، ولو کان الأصغر هو البالغ کان الحکم علی الأکبر وینتظر إلی حین بلوغه.

والخثنی المشکل إن ألحق بالرجال أو بالنساء فلا إشکال، وإن بقی علی الشک فالظاهر السقوط عنه، للنص علی أنه واجب علی الرجال.

وإن کان المیت عبداً یقضی عنه، سواء کان الوارث حراً أو عبداً، لإطلاق الأدلة، ولو کان المیت کافراً لا یقضی عنه لانصراف النص والفتوی إلی المسلم، کما أنه لا یکفی قضاء الکافر عن المسلم لأن شرط الصحة الإیمان کما حقق فی محلّه.

ولو کان الأب مخالفاً یقضی عنه أو لا، احتمالان، وکذلک إذا کان الولی مخالفاً والأب مستبصراً.

ثم الظاهر أنه لا فرق فی وجوب القضاء علی الولی بین أن تکون ذمة الولی مشغولة أو غیر مشغولة، وحتی إذا کانت مشغولة بما یمتد طول عمره، مثلاً عمره الباقی عشر سنوات وکانت ذمته مشغولة بمثله من صیام النذر والإجارة ونحوهما، کل ذلک لإطلاق النص، وعدم وجوب القضاء مباشرة فیعطی القضاء لمن ینوب عن المیت.

وإذا صام اثنان عن واحد فالظاهر أنه یجوز لأحدهما أن یفطر بعد الظهر، لأن الواجب لیس کلیهما بل أحدهما، وربما یحتمل عدم الجواز لأن المقبول منهما غیر معلوم، فلعله الذی أفطر یکون هو الواجب، من باب أن الله یختار أحبهما إلیه، ولکن فیه ما لا یخفی.

وإذا علم الوارث

ص:355

بأن أحد مورثیه مدیون، جاز أن یصوم بنیة ما فی الذمة عن أحدهما المدیون واقعاً.

ثم لا یخفی أن هذا الصوم إنما هو نیابة عن المیت، لا أنه واجب أصلی علی الوارث، فلا بد فیه من نیة النیابة، کما أنه لا یکفی أن یصوم قربة إلی الله تعالی ثم یهدی الثواب إلی المیت، لأنه خلاف ظاهر المستفاد من الأدلة من لزوم القضاء عن المیت.

وفی المقام مسائل آخر، وتفاصیل، علی الطالب أن یرجع إلی الکتب المفصلة، والله الموفق.

ص:356

فصل فی صوم الکفارة

کفارة قتل العمد

فصل

فی صوم الکفارة

وهو أقسام: منها ما یجب فیه الصوم مع غیره، وهی کفارة قتل العمد،

{فصل فی صوم الکفارة}

{وهو أقسام: منها ما یجب فیه الصوم مع غیره، وهی کفارة قتل العمد} بلا إشکال ولا خلاف، بل الإجماع بقسمیه علیه، کما فی الجواهر وغیره، ویشهد له جملة من النصوص:

کصحیح عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، سئل المؤمن یقتل المؤمن متعمداً، له توبة؟ فقال (علیه السلام): «إن کان قتله لإیمانه فلا توبة له، وإن کان قتله لغضبه أو لسبب من أمر الدنیا فإن توبته أن یقاد منه، وإن لم یکن علم به انطلق إلی أولیاء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم یقتلوه أعطاهم الدیة، وأعتق نسمة، وصام شهرین متتابعین، وأطعم ستین مسکیناً»((1)).

ص:357


1- الوسائل: ج19 ص19 الباب 9 باب من قتل مؤمناً ح1

وکفارة من أفطر علی محرم فی شهر رمضان، فإنه تجب فیه الخصال الثلاث.

ومنها: ما یجب فیه الصوم بعد العجز عن غیره، وهی کفار الظهار

ولا یخفی أن المراد من «لا توبة له» أشدیة الحکم من قبیل: «یا أشباه الرجال ولا رجال»((1))، بدلیل قوله تعالی:﴿إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ ما دُونَ ذلِکَ لِمَنْ یَشاءُ﴾((2))، کما أن المراد بأن توبته أن یُقاد منه، إن کمال توبته ذلک، وإلا فالتوبة عبارة عن الندم والرجوع إلی الله سبحانه معترفاً بالخطأ نادماً، وحیث إن محل المسألة کتاب الدیات نترکها لمحلّها.

ما یجب فیه الصوم بعد العجز

{وکفارة من أفطر علی محرم فی شهر رمضان، فإنه تجب فیه الخصال الثلاث} وقد تقدم الکلام فی ذلک.

{ومنها: ما یجب فیه الصوم بعد العجز عن غیره، وهی کفارة الظهار} بلا إشکال ولا خلاف، والنص والإجماع فیه متطابقان، والأصل فیه قوله تعالی:﴿وَالَّذینَ یُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ یَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْریرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَتَمَاسَّا ذلِکُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبیرٌ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ شَهْرَیْنِ مُتَتابِعَیْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ یَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّینَ مِسْکیناً ذلِکَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وَتِلْکَ

ص:358


1- نهج البلاغة
2- سورة النساء: الآیة 48

وکفارة قتل الخطأ.

حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْکافِرینَ عَذابٌ أَلیمٌ﴾((1)).

وفی الموثق: جاء رجل إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال: یا رسول الله، ظاهرت من امرأتی؟ فقال: «اذهب فأعتق رقبة». قال: لیس عندی، قال (صلی الله علیه وآله وسلم): «اذهب فصم شهرین متتابعین». قال: لا أقوی، فقال (صلی الله علیه وآله وسلم): «اذهب فأطعم ستین مسکیناً». فقال: لیس عندی ((2))، إلی غیرها، ومحل المسألة کتاب الظهار وکتاب الکفارات.

{وکفارة قتل الخطأ} علی المشهور، بل عن المبسوط نفی الخلاف فیه، وکذلک عن المسالک فی کتاب الدیات، للآیة فی الأولین حیث قال سبحانه: ﴿وَما کانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ یَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْریرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِیَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلی أَهْلِهِ﴾((3)) إلی قوله سبحانه: ﴿فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ شَهْرَیْنِ مُتَتابِعَیْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَکانَ اللَّهُ عَلیماً حَکیماً﴾((4)).

وبعض الروایات، کصحیح ابن سنان، عن الصادق (علیه السلام): «إذا قتل خطأً أدّی دیته إلی أولیائه ثم أعتق رقبة، فإن لم یجد صام شهرین متتابعین

ص:359


1- سورة المجادلة: الآیة 3 و4
2- الوسائل: ج15 ص548 الباب 1 من أبواب الکفارات ح1
3- سورة النساء: الآیة 92
4- سورة النساء: الآیة 92

فإن وجوب الصوم فیها بعد العجز عن العتق.

وکفارة الإفطار فی قضاء رمضان، فإن الصوم فیها بعد العجز عن الإطعام کما عرفت.

وکفارة الیمین وهی عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساکین، أو کسوتهم، وبعد العجز عنها فصیام ثلاثة أیام،

فإن لم یستطع أطعم ستین مسکیناً مداً مداً»((1)).

ولکن عن سلار وابن حمزة وظاهر المفید: إن الکفارة مخیرة، وعن النزهة کما فی الجواهر: إن القول المزبور مخالف لظاهر التنزیل والإجماع، وتفصیل المسألة فی کتاب الدیات.

{فإن وجوب الصوم فیها بعد العجز من العتق} کما عرفت.

{وکفارة الإفطار فی قضاء رمضان فإن الصوم فیها بعد العجز عن الإطعام} لعشرة مساکین {کما عرفت} تفصیله.

{وکفارة الیمین وهی عتق رقبة أو إطعام عشرة مساکین أو کسوتهم، وبعد العجز عنها فصیام ثلاثة أیام} کتاباً وسنةً وإجماعاً.

قال سبحانه: ﴿لا یُؤاخِذُکُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فی أَیْمانِکُمْ وَلکِنْ یُؤاخِذُکُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَیْمانَ فَکَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساکینَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلیکُمْ أَوْ کِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْریرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیَّامٍ ذلِکَ کَفَّارَةُ أَیْمانِکُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَیْمانَکُمْ کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ

ص:360


1- الوسائل: ج15 ص559 الباب 10 من أبواب الکفارات ح1

وکفارة صید النعامة، وکفارة صید البقر الوحشی، وکفارة صید الغزال، فإن الأول تجب فیه بدنة، ومع العجز عنها صیام ثمانیة عشر یوماً

لَکُمْ آیاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ﴾((1)).

قال فی الجواهر: "بلا خلاف أجده فیه"((2))، بل فی المسالک: الحکم فی هذه الکفارة محل وفاق بین المسلمین، من حیث إنها منصوصة فی القرآن.

{وکفارة صید النعامة وکفارة صید البقر الوحشی وکفارة صید الغزال، فإن الأول تجب فیه بدنة، ومع العجز عنها صام ثمانیة عشر یوماً}، عن الإمام الجواد (علیه السلام): «إن کان من الوحش فعلیه فی حمار وحش بدنة، وکذلک فی النعامة، فإن لم یقدر فإطعام ستین مسکیناً، فإن لم یقدر فلیصم ثمانیة عشر یوماً»((3)).

وقال أبو بصیر: سألته (علیه السلام) عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش ما علیه؟ قال: «بدنة». قلت: فإن لم یقدر علی بدنة؟ قال: «فلیطعم ستین مسکیناً». قلت: فإن لم یقدر علی أن یتصدق؟ قال:

ص:361


1- سورة المائدة: الآیة 89
2- الجواهر: ج17 ص54
3- الوسائل: ج9 ص188 الباب 3 من أبواب کفارات الصید ح2

والثانی یجب فیه ذبح بقرة، ومع العجز عنها صوم تسعة أیام، والثالث یجب فیه شاة، ومع العجز عنها صوم ثلاثة أیام،

فلیصم ثمانیة عشر یوما»((1)). وتفصیل الکلام فی هذه الکفارة وما یتلوها فی کتاب الحج.

{والثانی یجب فیه ذبح بقرة، ومع العجز عنها صوم تسعة أیام}، فی صحیح معاویة، عن الصادق (علیه السلام): «من کان علیه شیء من الصید فداؤه بقرة، فإن لم یجد فلیطعم ثلاثین مسکیناً، فإن لم یجد فلیصم تسعة أیام»((2)).

وفی صحیح حریز، عن الصادق (علیه السلام)، قال: «وفی البقرة بقرة»((3)).

{والثالث یجب فیه شاة، ومع العجز عنها صوم ثلاثة أیام}، ففی صحیح سلیمان بن خالد، قال (علیه السلام): «فی الظبی شاة»((4)).

وفی خبر أبی بصیر، عن الصادق (علیه السلام)، قلت: فإن أصاب ظبیاً؟ قال: «علیه شاة». قلت: فإن لم یقدر؟ قال: «فإطعام عشرة مساکین، فإن لم یقدر علی ما یتصدق به فعلیه صیام ثلاثة أیام»((5)).

ص:362


1- الوسائل: ج9 ص183 الباب 2 من أبواب کفارات الصید ح3
2- الوسائل: ج9 ص186 الباب 2 من أبواب کفارات الصید ح11
3- الوسائل: ج9 ص181 الباب 2 من أبواب کفارات الصید ح1
4- الوسائل: ج9 ص181 الباب 1 من أبواب کفارات الصید ح2
5- الوسائل: ج9 ص184 الباب 2من أبواب کفارات الصید ح3

وکفارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عمداً، وهی بدنة، وبعد العجز عنها صیام ثمانیة عشر یوماً.

وکفارة خدش المرأة وجهها فی المصاب حتی أدمته، ونتفها رأسها فیه، وکفارة شق الرجل ثوبه علی زوجته، أو ولده، فإنهما ککفارة الیمین.

{وکفارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عمداً وهی بدنة، وبعد العجز عنها صیام ثمانیة عشر یوماً} لصحیح ضریس، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغیب الشمس؟ قال: «علیه بدنة ینحرها یوم النحر، فإن لم یقدر صام ثمانیة عشر یوماً»((1)).

{وکفارة خدش المرأة وجهها فی المصاب حتی أدمته و} کفارة {نتفها رأسها فیه} أی فی المصاب {وکفارة شق الرجال ثوبه علی زوجته أو ولده فإنهما ککفارة الیمین} علی المشهور، لروایة خالد بن سدیر، عن الصادق (علیه السلام) قال: «وإذا شق زوج علی امرأته أو والد علی ولده فکفارته حنث یمین ولا صلاة لهما حتی یکفّر أو یتوبا من ذلک، فإذا خدشت المرأة وجهها أو جزّت شعرها أو نتفته ففی جز الشعر عتق رقبة أو صیام شهرین متتابعین أو إطعام ستین مسکیناً،

ص:363


1- الوسائل: ج10 ص30 الباب 23 من أبواب کفارات الوقوف بعرفة ح3

ومنها: ما یجب فیه الصوم مخیراً بینه وبین غیره، وهی کفارة الإفطار فی شهر رمضان، وکفارة الاعتکاف،

وفی خدش الوجه إذا أدمت وفی النتف کفارة حنث یمین»((1)).

ولکن ذهب بعض إلی الأستحباب، لضعف الروایة، والکلام فی المسألة طویل موکول إلی کتاب الکفارات، فراجع الجواهر وغیره.

ما یجب فیه الصوم مخیرا

{ومنها ما یجب فیه الصوم مخیراً بینه وبین غیره، وهی کفارة الإفطار فی شهر رمضان} وقد تقدم تفصیل الکلام فیه {وکفارة الاعتکاف} فإنها مخیرة بین الخصال الثلاث، فیما کان الاعتکاف واجباً، علی ما ذهب إلیه الأکثر، لروایة سماعة، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) عن معتکف واقع أهله؟ قال: «علیه ما علی الذی أفطر یوماً من شهر رمضان متعمداً، عتق رقبة أو صیام شهرین متتابعین أو إطعام ستین مسکیناً»((2)).

وقال ابن بابویه وتبعه بعض آخر: إن الکفارة مرتبة، لصحیح زرارة، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن المعتکف یجامع؟ قال: «إذا فعل ذلک فعلیه ما علی المظاهر»((3)).

وربما أسقطت هذه الروایة بالإعراض عنها، لکن فیه نظر، ومحل الکلام فیه کتابی الاعتکاف والکفارات.

ص:364


1- الوسائل: ج15 ص583 الباب 31 من أبواب الکفارات ح1
2- الوسائل: ج7 ص407 الباب 6 من أبواب الاعتکاف ح5
3- الوسائل: ج7 ص406 الباب 6 من أبواب الاعتکاف ح1

وکفارة النذر والعهد، وکفارة جز المرأة شعرها فی المصاب،

{وکفارة النذر} فإنها مخیرة بین الخصال علی المشهور، خلافاً لجماعة منهم صاحب المدارک والحدائق، فقالوا بأنها ککفارة الیمین فتکون من المرتبة.

ویدل علی المشهور: خبر عبدالملک، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عمن جعل الله علیه أن لا یرکب محرماً سمّاه فرکبه، قال (علیه السلام): قال: «لا»، ولا أعلمه إلا قال: «فلیعتق رقبة أو لیصم شهرین متتابعین أو لیطعم ستین مسکیناً»((1)).

أما ما دلّ علی أنها کفارة یمین فهو جملة من الروایات مذکورة فی کتابی النذر والکفارات.

{و} کفارة {العهد} فإنها مخیرة بین الخصال علی المشهور، لخبر أبی بصیر، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «من جعل علیه عهد الله میثاقه فی أمر لله طاعة فحنث، فعلیه عتق رقبة أو صیام شهرین متتابعین أو إطعام ستین مسکیناً»((2))، خلافاً لمن ذهب إلی أنها کفارة مرتبة، ولمن ذهب إلی أنها کفارة یمین، لبعض الروایات المذکورة فی کتاب الکفارات.

{وکفارة جز المرأة شعرها فی المصاب}، أی قص الشعر فی مقابل

ص:365


1- الوسائل: ج15 ص575 الباب 23 من أبواب الکفارات ح7
2- الوسائل: ج15 ص576 الباب 24 من أبواب الکفارات ح2

فإن کل هذه مخیرة بین الخصال الثلاث علی الأقوی.

وکفارة حلق الرأس فی الإحرام، وهی دم شاة أو صیام ثلاثة أیام أو التصدق علی ستة مساکین لکل واحد مدان.

ومنها: ما یجب فیه الصوم مرتباً علی غیره، مخیراً بینه وبین غیره، وهی کفارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه، فإنها بدنة أو بقرة، ومع العجز فشاة أو صیام ثلاثة أیام.

النتف، علی المشهور، خلافاً لمن قال: إن الکفارة کفارة الظهار، ویدل علی المشهور خبر خالد بن سدیر المتقدم.

{فإن کل هذه} الکفارات {مخیرة بین الخصال الثلاث علی الأقوی} عند المصنف والمشهور.

{وکفارة حلق الرأس فی الإحرام وهی دم شاة أو صیام ثلاثة أیام أو التصدق علی ستة مساکین لکل واحد مدّان} للنص بذلک فی القرآن الحکیم.

قال سبحانه: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَکُمْ حَتَّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَریضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ﴾((1))، وقد فسر فی بعض النصوص بما ذکر، نعم فی المسألة خلاف فراجع کتاب الحج.

ما یجب فیه الصوم مرتبا

اشارة

{ومنها: ما یجب فیه الصوم مرتباً علی غیره، مخیراً بینه وبین غیره، وهی کفارة الواطئ أمته المحرمة باذنه، فإنها بدنة أو بقرة، ومع العجز فشاة أو صیام ثلاثة أیام}.

ص:366


1- سورة البقرة: الآیة 196

ویدل علیه فی الجملة صحیحة إسحاق، قال: قلت لأبی الحسن (علیه السلام): أخبرنی عن رجل محلّ وقع علی أمة له محرمة؟ إلی أن قال (علیه السلام): «مؤسراً أو معسراً»، قلت: أجبنی فیها، قال: «هو أمرها بالإحرام أو لم یأمرها أو حرمت من قبل نفسها»، قلت: أجبنی فیهما، فقال: «إن کان مؤسراً أو کان عالماً أنه لا ینبغی له وکان هو الذی أمرها بالإحرام فعلیه بدنة وإن شاء بقرة وإن شاء شاة» إلی أن قال (علیه السلام): «وإن لم یکن أمرها بالإحرام فلا شیء علیه مؤسراً کان أو معسراً، وإن کان أمرها وهو معسر فعلیه دم شاة أو صیام»((1)). ومحل الکلام کتاب الحج.

وإنما ذکرت هذه المسائل هنا للإلماع إلی أن فیها الصیام فی الجملة، ولذا لم نشرحها شرحاً کاملاً، والله المستعان.

ص:367


1- الوسائل: ج9 ص363 الباب 8 من أبواب کفارات الاستمتاع ح2
مسألة ١ التتابع فی صوم شهرین

(مسألة 1): یجب التتابع فی صوم شهرین من کفارة الجمع أو کفارة التخییر

{مسألة 1: یجب التتابع فی صوم شهرین من کفارة الجمع أو کفارة التخییر} فی الجملة، کتاباً وسنة وإجماعاً، فعن الزهری، عن علی بن الحسین (علیه السلام) فی حدیث قال: «وأما الواجبة فصیام شهر رمضان وصیام شهرین متتابعین فی کفارة الظهار، لقول الله تعالی:﴿الَّذینَ یُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ یَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْریرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَتَمَاسَّا ذلِکُمْ تُوعَظُونَ بِهِ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبیرٌ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ شَهْرَیْنِ مُتَتابِعَیْنِ﴾((1))، وصیام شهرین متتابعین فیمن أفطر یوماً من شهر رمضان، وصیام شهرین متتابعین فی قتل الخطأ لمن لم یجد العتق واجب» إلی أن قال: «إلی قوله عز وجل:﴿فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ شَهْرَیْنِ مُتَتابِعَیْنِ﴾ وصوم ثلاثة أیام فی کفارة الیمین واجب، قال الله عز وجل:﴿فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیَّامٍ ذلِکَ کَفَّارَةُ أَیْمانِکُمْ إِذا حَلَفْتُمْ﴾((2))، هذا لمن لا یجد الإطعام کل ذلک متتابع ولیس بمتفرق»((3)) الحدیث.

وعن فضل بن شاذان، عن الرضا (علیه السلام) فی حدیث: «وإنما وجب علیه صوم شهرین متتابعین» إلی أن قال: «وإنما جعلت متتابعین لئلا یهون علیه الأداء فیستخف به»((4)).

ص:368


1- سورة المجادلة: الآیة 3 و4
2- سورة المائدة: الآیة 89
3- الوسائل: ج7 ص269 الباب1 من أبواب بقیة الصوم ح1 سطر 17
4- الوسائل: ج7 ص270 الباب 2 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح1

ویکفی فی حصول التتابع فیهما صوم الشهر الأول ویوم من الشهر الثانی،

وصحیحة منصور بن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال فی رجل صام فی ظهار شعبان ثم أدرکه شهر رمضان، قال (علیه السلام): «یصوم شهر رمضان ویستأنف الصوم، فإن هو صام فی الظهار فزاد فی النصف یوماً قضی بقیته»((1)).

وعن محمد بن مسلم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: إن ظاهر فی شعبان ولم یجد ما یعتق، قال: «ینتظر حتی یصوم رمضان ثم یصوم شهرین متتابعین»((2))، إلی غیرها من الروایات الکثیرة التی یأتی بعضها أیضا.

{ویکفی فی حصول التتابع فیهما صوم الشهر الأول ویوم من الشهر الثانی} والکلام هنا فی مقامین:

الأول: فی الحکم التکلیفی، وهو أنه هل یجوز الإفطار بعد شهر ویوم أو لا، والمشهور هنا، کما فی الحدائق وغیره الجواز، خلافاً لما عن الشیخین والسیدین والحلّی من الإثم بالإفطار العمدی.

الثانی: فی الحکم الوضعی، وهو أنه لو أفطر بعد شهر ویوم، هل یکفی ما صامه أو یلزم علیه الإعادة، ولا إشکال هنا فی الکفایة.

ص:369


1- الوسائل: ج7 ص275 الباب 4 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح1
2- الوسائل: ج7 ص275 الباب 4 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح2

قال فی المستند: "بالإجماع المحقق والمحکی فی الخلاف والانتصار والسرائر والغنیة والتذکرة والمنتهی والمختلف وشرح فخر المحققین"((1)).

ویدل علی کلا الأمرین، الجواز والکفایة، الروایات المتواترة:

کصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «صیام کفارة الیمین فی الظهار شهرین متتابعین، والتتابع أن یصوم شهراً ویصوم من الشهر الآخر أیاماً، أو شیئاً منه، فإن عرض له شیء یفطر فیه أفطر، ثم قضی ما بقی علیه، وإن صام شهراً ثم عرض له شیء فأفطر قبل أن یصوم من الآخر شیئاً فلم یتابع أعاد الصیام کله»((2)).

وقال: «صیام ثلاثة أیام فی کفارة الیمین متتابعات ولا یفصل بینهن»((3)).

وصحیحة منصور بن حازم السابقة.

وموثقة سماعة بن مهران قال: سألته عن الرجل یکون علیه صوم شهرین متتابعین أیفرّق بین الأیام، فقال (علیه السلام): «إذا صام أکثر من شهر فوصله ثم عرض

ص:370


1- المستند: ج2 ص149 سطر 8
2- الکافی: ج4 ص138 باب من وجب علیه صوم شهرین متتابعین ح2
3- الکافی: ج4 ص140 باب صوم کفارة الیمین ح2

وکذا یجب التتابع فی الثمانیة عشر بدل الشهرین،

له أمر فأفطر فلا بأس، فإن کان أقل من شهر أو شهر فعلیه أن یعید الصیام»((1)).

وفی صحیحة أبی أیوب، عن أبی عبد الله (علیه السلام): «ولا بأس إن صام شهراً ثم صام من الشهر الذی یلیه أیاماً ثم عرضت له علة أن یقطعه ثم یقضی بعد تمام الشهرین»((2)).

إلی غیرها من الروایات.

وقد رأیت کیف أن صحیحة الحلبی فسر التتابع بذلک، مما یدلّ علی کفایة ذلک، فاستدلال من قال بالتحریم بأن ظاهر الأدلة تتابع تمام الشهرین، فعدم التتابع کذلک یوجب الإثم وإن کفی، إذ لا منافاة بین الصّحة وضعاً والإثم تکلیفاً، کما فی البیع وقت النداء، محل نظر.

ثم إنه لا وجه للإثم أصلاً، إذ لا یعین الصیام فی الزمان الذی یأخذ فیه الصوم، فغایة الأمر أن یعید من رأس، کما إذا صام شهراً أو أقل، إلا إذ کان هناک دلیل قوی علی الإثم وهو مفقود.

{وکذا یجب التتابع فی الثمانیة عشر بدل الشهرین} علی المشهور، وذلک لأن الظاهر الاقتصار علی هذا القدر منهما، إرفاقاً

ص:371


1- الوسائل: ج7 ص272 الباب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح5
2- الوسائل: ج7 ص273 الباب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح8

بالمکلف فتکون حینئذ متتابعة، مضافاً إلی ما أرسله المفید فی المقنعة بعد تصریحه بالتتابع وغیره من مجیء الأمثال عن الأئمة (علیهم السلام) بذلک، کذا فی الجواهر((1)).

لکن ربما أشکل علی ذلک بأن الأصل عدم وجوب التتابع، وزاد فی محکی المدارک بأن اعتبار التتابع خلاف إطلاق الدلیل.

قال فی المستمسک((2)) تبعاً لمنتهی المقاصد: والاستظهار لا یخلو من إشکال، والمرسل غیر جامع لشرائط الحجیة.

أقول: بل الظاهر من الأدلة أن الثمانیة عشر لیس اقتصاراً علی هذا القدر، بل هو بدل عن الإطعام، فعن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن رجل کان علیه صیام شهرین متتابعین فلم یقدر علی الصیام ولم یقدر علی العتق ولم یقدر علی الصدقة، قال: فلیصم ثمانیة عشر یوماً عن کل عشرة مساکین ثلاثة أیام»((3))، ومن المعلوم أنه لا یجب التتابع فی الإطعام، فلا یجب التتابع فی بدله، هذا مضافاً إلی الأخبار الحاصرة کقول الصادق (علیه

ص:372


1- الجواهر: ج17 ص67
2- المستمسک: ج8 ص452
3- الوسائل: ج7 ص279 الباب 9 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح1

بل هو الأحوط فی صیام سائر الکفارات

السلام) فی صحیح ابن سنان: «کل صوم یفرق إلا ثلاثة أیام کفارة الیمین»((1)).

وکخبر الجعفری، عن أبی الحسن (علیه السلام): «إنما الصیام الذی لا یفرق صوم کفارة الظهار وکفارة الدم وکفارة الیمین»((2))، وإن کان ربما یناقش فی دلالتهما.

ثم إنه قال فی الجواهر: "بل الظاهر أنها هی المجزیة فی بدل البدنة لمن أفاض من عرفات، وإن کان ظاهر الدروس أو صریحها عدم وجوب التتابع فیه"((3)).

أقول: والأظهر ما ذکره الدروس، لما عرفت، فتأمّل.

{بل هو الأحوط فی صیام سائر الکفارات} قال فی الشرائع: "وکل صوم یلزم فیه التتابع إلا أربعة، صوم النذر المجرد عن التتابع، وما فی معناه من یمین أو عهد، وصوم القضاء، وصوم جزاء الصید، والسبعة فی بدل الهدی"((4))، انتهی.

وجه الاحتیاط فی سائر الکفارات

ص:373


1- الوسائل: ج7 ص248 الباب 26 من أبواب أحکام شهر رمضان ح3
2- الوسائل: ج7 ص250 الباب 26 من أبواب أحکام شهر رمضان ح8
3- الجواهر: ج17 ص68
4- شرائع الإسلام: ص150 مسألة 143

وإن کان فی وجوبه فیها تأمل وإشکال.

بعد ذهاب جمع إلی الفتوی بذلک، أمران:

الأول: العلة المذکورة فی وجوب الکفارة فی خبر فضل بن شاذان، عن الرضا (علیه السلام) حیث قال: «وإنما جعلت متتابعین لئلا یهون علیه الأداء فیستخف به»((1))، فإن هذه العلة عامة فی کل کفارة.

الثانی: ما ذکره بعض من انصراف الأدلة إلی الصوم المتتابع.

وفیها ما لا یخفی، إذ تلک حکمة ولیست علة، ولذا یجب التتابع فیما لم یعص صاحبه، إذ لا تلازم بین الکفارة وبین العصیان، والانصراف ممنوع، وإذا لم یکن دلیل علی الکلیة المذکورة فأصالة عدم وجوب التتابع وإطلاق الأدلة الشامل للمتتابع وغیر المتتابع هما المحکمان، بالإضافة إلی صحیح بن سنان، وخبر الجعفری المتقدمین، ولذا قال المصنف:

{وإن کان فی وجوبه فیها تأمل وإشکال}، بل عدم الوجوب هو الظاهر من المستمسک، ومنتهی المقاصد وتعلیقه وغیرهم، والله العالم.

ص:374


1- الوسائل: ج7 ص270 الباب 2 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح1
مسألة ٢ عدم وجوب التتابع فی النذر

(مسألة 2): إذا نذر صوم شهر أو أقل أو أزید لم یجب التتابع إلا مع الانصراف أو اشتراط التتابع فیه.

{مسألة 2: إذا نذر صوم شهر أو أقل أو أزید لم یجب التتابع إلا مع الانصراف} فی ذهن الناذر الموجب لانصباب النذر علی ذلک المنصرف {أو اشتراط التتابع فیه} لفظاً، وإنما لم یجب التتابع لإطلاق النذر الشامل للمتتابع وغیره، وهذا هو المشهور.

وفی مقابل المشهور: الحلبی والقاضی حیث قالا بوجوب التتابع مطلقاً.

وأبو الصلاح حیث قال فیمن نذر شهراً وأطلق إنه إن ابتدأ بالشهر لزمه إکماله.

وابن زهرة حیث قال فیمن نذر شهراً ولم یشترط الموالاة فأفطر مضطراً بنی، وإن کان مختاراً فی النصف الأول استأنف، وإن کان فی النصف الثانی أثم وجاز له البناء، وربما حکی عن المفید أیضاً.

وربما یستدل لهم بالانصراف إلی التتابع، والاحتیاط، وخبر فضیل بن یسار، عن الباقر أو الصادق (علیهما السلام)، فی رجل جعل علیه صوم شهر فصام منه خمسة عشر یوماً ثم عرض له أمر، فقال (علیه السلام): «إن کان صام خمسة عشر یوماً فله أن یقضی ما بقی، وإن کان أقل من خمسة عشر یوماً لم یجزه حتی یصوم شهراً تاماً»((1)).

وربما یستشهد للزوم التتابع بفهم الأصحاب التتابع فی أقل

ص:375


1- الوسائل: ج7 ص276 الباب 5 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح1

الحیض وأکثره، ومدة الاعتکاف، وعشرة الإقامة، والعدة، وتتابع الحد بالنسبة إلی الأسواط، إلی غیر ذلک.

وفی الکل ما لا یخفی، فالانصراف ممنوع، والاحتیاط لا یصار إلیه بعد الإطلاق، والخبر لم یعمل به بظاهره، مضافاً إلی أنه لا یستبعد أن یراد به: وإذا نذر صوم شهر هلالی، والفهم فی مکان لقرینة داخلیة أو خارجیة لا یتعدی عنه إلی سائر الأماکن التی لا توجد فیها تلک القرائن، ولذا لا یقولون بذلک لو نذر أن یقرأ کل القرآن، أو ینفق علی الفقراء ألف درهم، أو یحضر عشرة مجالس وعظ، أو ما أشبه ذلک، ولا یعلم هل هؤلاء القائلون یقولون بمثل ذلک فی ما إذا نذر صوم عشرین یوماً، أو صوم أربعة عشر یوماً مثلاً.

ثم إنه لو کان هناک انصراف لم یکف الناقص، فإذا نقص لزم التجدید، ولیس الإتیان بالناقص حراماً تکلیفاً، کما لا یخفی.

ولو شرط التتابع فإن کان من باب تعدد المطلوب، کما لو نذر ثلاثین ثم نذر کونه منضماً بعضه إلی بعض، فأتی بالثلاثین متفرقاً، حصل المطلوب الأول وفات متعلق النذر الثانی، ولذا وجبت علیه الکفارة، إذ لا متعلق للنذر الأول حتی یتدارکه.

وإن کان من باب وحدة المطلوب ثم أتی به متفرقاً، لم یکن ذلک بمتعلق النذر، ووجب علیه أن یأتی بمتعلق النذر.

ولو نذر صوم شهر فإن أراد الهلال کفی بالنسبة إلی الشهر الناقص، وإن أراد ثلاثین یوماً لم

ص:376

یکف إلا ثلاثین یوماً.

ثم إنه إن ضاق وقت النذر المطلق وجب فیه التتابع، کما إذا نذر أن یصوم شهراً فی هذه السنة فأشرفت السنة علی الانقضاء، لکن إذا لم یصم منه إلا أیاماً فقد وفی بالنذر بمقداره، وإنما وجب علیه القضاء بالنسبة إلی ما بقی، إذ التتابع لم یدخل فی حقیقة النذر.

والکلام فی فروع الباب طویل مربوط بکتاب النذر، ولذا نکتفی منه بهذا القدر، والله العالم.

ص:377

مسألة ٣ التتابع فی النذر المعین

(مسألة 3): إذا فاته النذر المعین أو المشروط فیه التتابع، فالأحوط فی قضائه التتابع أیضا.

{مسألة 3: إذا فاته النذر المعین أو المشروط فیه التتابع، فالأحوط فی قضائه التتابع أیضا} ذهب جمع إلی عدم وجوب التتابع، لعدم الدلیل علی التتابع، فالأصل عدمه، وعن الشهید فی الدروس وجوب التتابع.

واستدل له بأن القضاء هو الأداء وإنما یتغایران فی الوقت، فاللازم أن یفعل القضاء مثل الأداء، وبأن التتابع منذور أیضاً کأصل الصوم، فکما یجب قضاء الصوم یجب تحصیل التتابع فیه، وبقوله (علیه السلام): «من فاتته فریضة فلیقضها کما فاتته».

وعن العلامة فی القواعد التردد فی وجوب التتابع فی قضاء النذر المشروط فیه التتابع.

وربما یفصل بین النذر المعین فلا تتابع فی قضائه، وبین النذر المشروط فیه التتابع ففی قضائه التتابع.

لکن الأقرب عدم وجوب التتابع مطلقاً، وفاقاً لغیر واحد کمنتهی المقاصد والمستمسک والجمال وغیرهم، لإطلاق الأدلة، وأصالة البراءة.

وقولهم: إن القضاء هو الأداء لا وجه له، بل هو بأمر جدید، فبقدر الأمر الجدید یلزم الإتیان، والتتابع لیس من حقیقة الصوم؛ بل هو أمر خارجی وجب فی الأداء، ولم یعلم به فی القضاء.

ومنه یعلم أن التتابع منذور فی الأداء لا فی القضاء، والمتیقن من «فاتته» ذات الفریضة، لا الخصوصیات التی هی عرفاً خارجة عن

ص:378

الذات، ولذا لو نذر أن یصوم رجب وهو وقت حار وأیامه ست عشرة ساعة لم یجب ملاحظة هذه الخصوصیات فی القضاء، ولو شک فی وجوب التتابع فی القضاء کان الأصل العدم، ومع ذلک فالمسألة محتاجة إلی التأمل بالنسبة إلی المشروط فیه التتابع.

ثم هل إن النذر المعین متفرقاً، بأن نذر أن یصوم رجب یوماً دون یوم، والنذر المشروط فیه عدم التتابع بأن نذر أن یصوم ثلاثة أیام بفاصل شهر بین کل یوم ویوم، یشترط فیهما التفرق أم لا، مقتضی القاعدة أن الأقوال فی التتابع یأتی هنا.

ص:379

مسألة ٤ الشروع فی صوم یلزم فیه التتابع

(مسألة 4): من وجب علیه الصوم اللازم فیه التتابع لا یجوز أن یشرع فیه فی زمان یعلم أنه لا یسلم له بتخلل العید أو تخلل یوم یجب فیه صوم آخر من نذر أو إجارة أو شهر رمضان

{مسألة 4: من وجب علیه الصوم اللازم فیه التتابع لا یجوز} أی لا یکتفی به، فالمراد الجواز الوضعی لا الجواز التکلیفی {أن یشرع فیه فی زمان یعلم أنه لا یسلم له} التتابع {بتخلل العید} أولاً أو وسطاً أو آخراً {أو تخلل یوم یجب فیه صوم آخر من نذر أو إجارة أو شهر رمضان} أو تخلل ما لا یقدر علی صومه لمرض ونحوه، ثم إن الحکم بذلک هو مقتضی القاعدة، لأن الدلیل قام علی التتابع ولم یحصل.

نعم لو لم یقدر إلا علی ذلک، بأن نذر أن یصوم أول کل شهر مثلاً، أو علم أنه لا یعیش بعد شهر یتخلل فیه العید، أو أعطی نفسه أجیراً لیصوم عن المیت أول کل شهر، ثم طرأ علیه ما وجب علیه الصوم المتتابع، فإن الظاهر سقوط التتابع لقاعدة المیسور ونحوها، ولا یقال بأن الکفارة مقدمة علی النذر والإجارة وما أشبه، لأنه لا دلیل علی التقدم، فالمقدم زماناً مقدم حکماً.

نعم لو وجب علیه التتابع أولاً لم یصح له الإجارة والنذر الموجب لتفویت التتابع.

ثم الظاهر أنه لو لم یسلم له التتابع، لا فرق بین أن ینثلم التتابع فی أوله أو آخره أو وسطه بعدم المزیة فی أحدها،

ص:380

فمن وجب علیه شهران متتابعان لا یجوز له أن یبتدئ بشعبان، بل یجب أن یصوم قبله یوماً أو أزید من رجب. وکذا لا یجوز أن یقتصر علی شوال مع یوم من ذی القعدة، أو علی ذی الحجة مع یوم من المحرم، لنقصان الشهرین بالعیدین. نعم لو لم یعلم من حین الشروع عدم السلامة فاتفق فلا بأس علی الأصح

وهل أنه إذا دار الأمر بین الفاصل الأکثر أو الأقل یقدم الفاصل الأقل أو یختار بین الأمرین، کما إذا کان الفاصل فی شوال یوماً وفی ذی الحجة ثلاثة أیام، فیقدم ما فاصله أقل؟

احتمالان، وإن کان لا یبعد عدم الفرق.

{فمن وجب علیه شهران متتابعان لا یجوز له أن یبتدئ بشعبان، بل یجب أن یصوم قبله یوماً أو أزید من رجب} حتی یتحقق شهر ویوم.

{وکذا لا یجوز أن یقتصر علی شوال مع یوم من ذی القعدة} إذ شوال ناقص یوماً بجهة العید فی أوله {أو علی ذی الحجة مع یوم من المحرم} إذ ذو الحجة ناقص یوماً بجهة العید فی وسطه {لنقصان الشهرین بالعیدین} کما عرفت.

{نعم لو لم یعلم من حین الشروع عدم السلامة} بأن غفل وشرع فی الصیام أول شعبان {فاتفق} أی تحقق عدم السلامة {فلا بأس علی الأصح} فإذا ذهب المانع أتی ببقیة الصیام، کأنه لفهم

ص:381

وإن کان الأحوط عدم الإجزاء، ویستثنی مما ذکرنا من عدم الجواز مورد واحد وهو صوم ثلاثة أیام بدل هدی التمتع إذا شرع فیه یوم الترویة فإنه یصح وإن تخلل بینها العید، فیأتی بالثالث بعد العید بلا فصل أو بعد أیام التشریق بلا فصل لمن

المناط من الروایات الآتیة المعللة عدم وجوب الابتداء فی صورة مفاجأة العذر، وأنه کلما کان الإفطار عن تقصیر بطل ما کان آخذه، وکلما کان الإفطار بدون تقصیر لم یبطل، ومع عدم العلم بالسلامة لا تقصیر.

{وإن کان الأحوط عدم الإجزاء} إذ المناط غیر معلوم، فإن ظاهر تلک الروایات إن ما غلب الله علیه لا إعادة فیه، ومن المعلوم أن المنصرف منه المرض ونحوه، لا الجهل ونحوه، وهذا هو الأقرب، سواء علم بالعدم أو لم یعلم، مع التردد أو الغفلة.

فما فی المستمسک من قوله: "نعم یصدق مع الغفلة أو اعتقاد عدم اتفاق العید فاتفق خطأ الاعتقاد" ((1))، لا یخلو من إشکال.

ومثله فی الإشکال ما یظهر من تعلیقه السید الجمال.

{ویستثنی مما ذکرنا من عدم الجواز} فی قولنا أول المسألة: "لا یجوز أن یشرع فیه" {مورد واحد، وهو صوم ثلاثة أیام بدل هدی التمتع إذا شرع فیه یوم الترویة} وهو الثامن من ذی الحجة {فإنه یصح وإن تخلل بینها العید، فیأتی بالثالث بعد العید بلا فصل، أو بعد أیام التشریق بلا فصل لمن

ص:382


1- المستمسک: ج8 ص455

کان بمنی

کان بمنی} لأن أیام التشریق بمنی لا یجوز صیامها، أما الاستثناء المذکور فهو موضع وفاق، بل عن بعض دعوی الإجماع علیه، لاستفاضة النصوص بذلک، کقول الصادق (علیه السلام) فی خبر عبد الرحمان ابن الحجاج، فیمن صام یوم الترویة ویوم عرفة، قال (علیه السلام): «یجزیه أن یصوم یوماً آخر»((1)).

وخبر یحیی الأزرق أو موثقه، عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: سألته عن رجل قدم یوم الترویة متمتعاً ولیس له هدی فصام یوم الترویة ویوم عرفة، قال: «یصوم یوماً آخر بعد أیام التشریق»((2)) ومثلهما غیرهما.

وبهذه الروایات ترفع الید عن ظاهر مثل صحیح حماد، عن الصادق (علیه السلام)، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «یا علی صیام ثلاثة أیام فی الحج قبل یوم الترویة ویوم الترویة ویوم عرفة، فمن فاته ذلک فلیتسحر لیلة الحصبة _ یعنی لیلة النفر _ ویصبح صائماً ویومین بعده وسبعة إذا رجع»((3))، ومثله غیره.

وأما تردید المصنف بین قوله بعد العید أو بعد أیام التشریق، فلورود جملة من الروایات بکلا الأمرین.

أما الثانی: فقد تقدم.

وأما الأول: فکخبر إسحاق، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «من فاته

ص:383


1- الوسائل: ج10 ص167 باب 52 من أبواب الذبح ح1
2- الوسائل: ج10 ص167 باب 52 من أبواب الذبح ح2
3- الوسائل: ج10 ص169 باب 53 من أبواب الذبح ح3

وأما لو شرع فیه یوم عرفة أو صام یوم السابع والترویة وترکه فی عرفة لم یصح ووجب الاستیناف کسائر موارد وجوب التتابع.

صیام الثلاثة أیام التی فی الحج فلیصمها أیام التشریق فإن ذلک جائز له»((1))، ونحوه خبر القدّاح، وقد أفتی بذلک أبو علی، لکنه ضعیف.

وقد أعرض الأصحاب عن هاتین الروایتین لجملة من الروایات الدالة علی عدم جواز الصوم فی أیام التشریق:

کصحیح سلیمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) تمتع ولم یجد هدیاً، قال: «یصوم ثلاثة أیام»، قلت له: أفیها أیام التشریق؟ قال: «لا ولکن یقیم بمکة حتی یصومها»((2))، هذا إن کان قول المصنف "لمن کان بمنی" قیداً للأمرین، وإن کان قیداً للأمر الثانی ففیه: إنه لا یتصور کونه بعد یوم العید إذ الذی یجب علیه هذا الصوم إنما هو الذی یکون بمنی، اللهم إلاّ أن یتکلّف لذلک بمن لم یقدر علی الذهاب إلی منی بعد یوم النحر فتأمّل. والکلام فی المسألة طویل موضعه کتاب الحج.

{وأما لو شرع فیه یوم عرفة، أو صام یوم السابع والترویة وترکه فی عرفة، لم یصح ووجب الاستیناف کسائر موارد وجوب التتابع}

ص:384


1- الوسائل: ج10 ص165 باب 51 من أبواب الذبح ح5
2- الوسائل: ج10 ص164 باب 51 من أبواب الذبح ح2

وذلک لعدم الدلیل علی سقوط التتابع حینئذ، فیرجع إلی عموم ما دلّ علی وجوبه، وخالف فیه بعض کما فی الجواهر وغیره، وتفصیل الکلام فی کتاب الحج من الفقه.

ص:385

مسألة ٥ قطع الصوم التتابعی وغیره

(مسألة 5): کل صوم یشترط فیه التتابع إذا أفطر فی أثنائه لا لعذر، اختیارا یجب استینافه. وکذا إذا شرع فیه فی زمان یتخلل فیه صوم واجب آخر من

{مسألة 5: کل صوم یشترط فیه التتابع، إذا أفطر فی أثنائه لا لعذر اختیاراً، یجب استینافه} بلا إشکال ولا خلاف، فإن المستفاد من النص والفتوی أن التتابع مقوم، لا أنه من باب تعدد المطلوب، ففی صحیح الحلبی المتقدم: «فلم یتابع أعاد الصوم کله»((1))، ومثله غیره.

بل لو قلنا إنه من باب تعدد المطلوب، وأراد الشارع المطلوب الثانی، بأن لم یفوّت إتیان المطلوب الأول موضعه، لزم الإعادة تحصیلاً للمطلوب الثانی.

ومنه یظهر أنه لا مجال لتوهم کونه واجباً تعبدیاً لا شرطاً للواجب، کما لا یرتبط المقام بحصر مفسدات الصوم، فما ذکره فی المستمسک کأنه خارج عن المبحث أصلاً.

ثم إنه إذا وجب الاستیناف فهل ما أتی به صوم أم لا، احتمالان، من أنه جامع لشرائط الصوم فهو صوم مستحب، ومن أن ما قصد لم یقع وما وقع لم یقصد خصوصاً إذا قصد التقیید.

{وکذا إذا شرع فیه فی زمان یتخلل فیه صوم واجب آخر من

ص:386


1- الوسائل: ج7 ص273 الباب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح9

نذر ونحوه.

نذر ونحوه} إذا کان ذلک الصوم المتخلل بحیث ینافی التتابع، أو إذا کان بحیث لم یناف التتابع لکنه قصده فی الأثناء، مثلاً قد ینذر أنه یصوم یوم نصف الشهر مما یمنع عن صوم الکفارة، صام النذر أو الکفارة أم لا، لأنه حینئذ لم یصلح لصوم غیر النذر، وقد ینذر أن یصوم صوماً مطلقاً لکنه یصومه فی الأثناء، ومنه یظهر أنه لا فرق بین أن یکون الصوم المتخلل صوماً وجوباً أو ندباً، بل أو لا یصوم، فلا خصوصیة للصیام الواجب، بل ولا أصل الصوم کما لا یخفی.

نعم وربما یستشکل فیما إذا نذر أن یصوم یوم النصف من الشهر ثم خالف وصام فیه یوم الکفارة، فإن مقتضی القاعدة أن لا یضر بالتتابع، إذ النذر یوجب صیام النذر لا أنه یمنع من صیام غیره، وقد حققنا هذه المسألة فی بعض مباحث شرحنا علی المتن.

نعم المصداق الواضح لتخلل الصوم الواجب ما إذا کان المتخلل صوم رمضان، فإنه لا تصح الکفارة، سواء قصد صیام رمضان، أو قصد صیام الکفارة، أو لم یقصد صوماً أصلاً، إذ حتی إذا قصد الکفارة لم یصح، لما فی بعض الروایات من أن الصوم وقع علی الیوم بعینه، حتی أن المشهور بین الفقهاء الذین تعرضوا لهذه المسألة أنه لو لم یجب علیه صوم غیر رمضان وجاز له الصوم لتخییره بین أن یصوم وبین أن لا یصوم فإنه لا یصح صوم غیر رمضان فیه، کأن یصوم ندباً أو کفارة أو نذراً أو استیجاراً أو غیرها.

ص:387

وأما ما لم یشترط فیه التتابع وإن وجب فیه بنذر أو نحوه فلا یجب استینافه، وإن أثم بالإفطار، کما إذا نذر التتابع فی قضاء رمضان، فإنه لو خالف وأتی به متفرقاً صح وإن عصی من جهة خلف النذر.

{وأما ما لم یشترط فیه التتابع} کقضاء شهر رمضان أو النذر المطلق أو الاستیجار أو نحوها {وإن وجب فیه بنذر أو نحوه} کما لو نذر أن یأتی بقضاء رمضان متتابعاً أو عاهد أو حلف، {فلا یجب استینافه} إذا صامه متفرقاً {وإن أثم بالإفطار} لأنه خالف بالإفطار النذر ونحوه، {کما إذا نذر التتابع فی قضاء رمضان فإنه لو خالف وأتی به متفرقاً صح وإن عصی من جهة أنه خلف النذر} ومصداق للحنث، کما إذا نذر أن یصلی جماعة فإن صلاته فرادی مصداق للحنث.

وفیه: إنه لو کان مصداقاً للحنث بطل، وإذا بطل لم یکن صوماً، وإذا لم یکن صوماً لم یکن حنثاً، وما یلزم من وجوده عدمه باطل، فکونه حنث باطل، وقد ذکرنا تفصیل هذا الکلام فی بعض مباحث الفقه فراجع.

ثم إن الذی یجب علیه التتابع، إن لم یکن له وقت للتتابع، فإن کان التتابع من باب تعدد المطلوب صامه غیر متتابع، لدلیل المیسور، وإن کان التتابع من باب القید، کما إذا نذر الصوم المتتابع قیداً فی الصوم، فهل یجب الصوم إذا لم یقدر علی التتابع من باب المیسور، أو

ص:388

لا لأنه لیس بمنذور أصلاً، فیکون حاله حال ما إذا نذر الصلاة فصام، احتمالان، وإن کان الأقرب الثانی، فهو من قبیل النذر المتعذر متعلقه، وتفصیل الکلام فی مثل هذه المسألة فی کتاب النذر.

ص:389

مسألة ٦ قطع الصوم التتابعی لعذر

(مسألة 6): إذا أفطر فی أثناء ما یشترط فیه التتابع لعذر من الإعذار، کالمرض والحیض والنفاس والسفر الاضطراری دون الاختیاری، لم یجب استینافه، بل یبنی علی ما مضی.

{مسألة 6: إذا أفطر فی أثناء ما یشترط فیه التتابع} إفطاراً {لعذر من الأعذار، کالمرض والحیض والنفاس والسفر الاضطراری دون الاختیاری، لم یجب استینافه، بل یبنی علی ما مضی} بلا إشکال ولا خلاف فی الشهرین، بل قد استفاض نقل عدم الخلاف فیه، ونقل الإجماع علیه، کما عن الخلاف والانتصار والغنیة والسرائر والتذکرة والمنتهی والمسالک، وفی کتب المتأخرین والمعاصرین.

أما فی غیر الشهرین فعلی المشهور، خلافاً لبعض، کما سیأتی أقوالهم وأدلتهم.

ویدل علی الحکم فی الشهرین، صحیحة رفاعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، عن رجل صیام شهرین متتابعین فصام شهراً ومرض؟ قال: «الله حبسه»، قلت: امرأة کان علیها صیام شهرین متتابعین فصامت وأفطرت أیام حیضها؟ قال (علیه السلام): «تقضیها». قلت: فإنها قضتها ثم یئست من المحیض؟ قال (علیه السلام): «لا تعیدها أجزأها ذلک»((1))، وقوله (علیه السلام): «تقضیها» أی تأتی بالبقیة بقرینة قوله: «لا تعیدها».

ص:390


1- الوسائل: ج7 ص274 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح10

وصحیحة سلیمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل کان علیه صیام شهرین متتابعین فصام خمسة وعشرین یوماً ثم مرض فإذا برأ یبنی علی صومه أم یعید صومه کله؟ قال: «بل یبنی علی ما کان صام»، ثم قال (علیه السلام): «هذا مما غلب الله تعالی علیه ولیس علی ما غلب الله عز وجل علیه شیء»((1)).

وعن رفاعة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المرأة تنذر علیها صوم شهرین متتابعین؟ قال «تصوم وتستأنف أیامها التی قعدت حتی تتم الشهرین»، قلت: أرأیت إن هی یئست من المحیض أتقضیه، قال: «لا تقضی یجزیها الأول»((2)).

وصحیحة أشیم، کتب الحسین إلی الرضا (علیه السلام): جعلت فداک رجل نذر أن یصوم أیاماً معلومة فصام بعضها ثم اعتل فأفطر، أیبتدئ فی صومه أم یحتسب بما مضی، فکتب إلیه: «یحتسب بما مضی»((3)).

وعن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن امرأة تجعل لله علیها صوم شهرین متتابعین فتحیض، قال: «تصوم ما حاضت فهو یجزیها»((4)).

ص:391


1- الوسائل: ج7 ص274 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح12
2- الوسائل: ج7 ص271 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح1
3- الوسائل: ج7 ص271 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح2
4- الوسائل: ج7 ص273 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح7

وعنه أیضا، عن أبی جعفر (علیه السلام) مثل صحیحة رفاعة الأولی.

وعن رفاعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «المظاهر إذا صام شهراً ثم مرض اعتد بصیامه»((1)).

وعن الرضوی، قال: «فمتی وجب علی الإنسان صوم شهرین متتابعین فصام شهراً وصام من الشهر الثانی أیاماً ثم أفطر، فعلیه أن یبنی علیه فلا بأس، وإن صام شهراً أو أقل منه ولم یصم من الشهر الثانی شیئاً علیه أن یعید صومه، إلاّ أن یکون قد أفطر لمرض فله أن یبنی علی ما صام لأن الله حبسه»((2)).

إلی غیرها، ومن التعلیل فی جملة من هذه الروایات یستفاد عموم الحکم لکل صوم متتابع ولکل عذر لا یکون من قبل المکلف.

نعم هناک روایات تدل علی لزوم الإعادة، منها صحیح جمیل ومحمد بن حمران، عن الصادق (علیه السلام)، فی الرجل الحرّ یلزمه صوم شهرین متتابعین فی ظهار فیصوم شهراً ثم یمرض، قال (علیه السلام): «یستقبل فإن زاد علی الشهر الآخر یوماً أو یومین بنی علی ما بقی»((3)).

ص:392


1- الوسائل: ج7 ص274 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح13
2- فقه الرضا: ص26 سطر 8
3- الوسائل: ج7 ص272 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح3

وعن أبی بصیر, قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قطع صوم کفارة الیمین وکفارة الظهار وکفارة القتل، فقال: «إن کان علی رجل صیام شهرین متتابعین فأفطر أو مرض فی الشهر الأول فإنّ علیه أن یعید الصیام، وإن صام الشهر الأوّل وصام من الشهر الثانی شیئاً ثم عرض له ماله فیه عذر فإن علیه أن یقضی»((1)).

وعن أیوب، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث: «ولا بأس إن صام شهراً ثم صام من الشهر الذی یلیه أیاماً ثم عرضت علة أن یقطعه ثم یقضی بعد تمام الشهرین»((2)).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث: «وإن صام شهراً ثم عرض له شیء فأفطر قبل أن یصوم من الآخر شیئاً فلم یتابع أعاد الصوم کله»((3)).

وهذه الأخبار یلزم حملها علی الاستحباب، فإنه مقتضی الجمع الدلالی بینها وبین الأخبار المتقدمة الصریحة فی عدم وجوب الإعادة.

وعن الشیخ وغیره حملها أیضاً علی عدم منع المرض من الصوم، وإن کان فیه بعض المشقة، واستبعاد الحدائق حملها علی الاستحباب إنما

ص:393


1- الوسائل: ج7 ص272 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح6
2- الوسائل: ج7 ص273 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح8
3- الوسائل: ج7 ص273 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح9

هو علی أصله فی أمثال هذه الموارد، وهو قد حملها علی التقیة قال: "وإن لم یعلم القائل بذلک من العامة" ثم قال: "علی أن العلامة نقل عن الشافعی فی أحد قولیه الفرق بین الحیض والمرض فأوجب الإعادة بالمرض دون الحیض"((1)).

ثم إن فی مسألة عدم قطع العذر للتتابع أقوالاً:

الأول: إن العذر لا یقطع التتابع مطلقاً، فی الشهر، وفی الشهر المنذور، وفی الثمانیة عشر، وفی الثلاثة، وهذا هو المشهور، وفی بعضها إجماع، وقد عرفت شمول الأدلة لکل ذلک.

الثانی: وجوب الاستیناف مع الإخلال بالمتابعة فی کل ثلاثة یجب تتابعها، إلاّ ثلاثة الهدی لمن صام یومین وکان الثالث العید، فإنه یأتی بیوم ثالث بعد أیام التشریق.

وقد استدلوا لاستثناء کل ثلاثة، بقاعدة عدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه، وبقول الصادق (علیه السلام) فی صحیح ابن سنان: «کل صوم یفرق إلاّ ثلاثة أیام فی کفارة الیمین»((2)).

وبقول أبی الحسن (علیه السلام) فی صحیح الجعفری: «إنما الصیام الذی لا یفرق، کفارة الظهار وکفارة الدم وکفارة الیمین»((3)).

ص:394


1- الحدائق: ج13 ص342
2- الوسائل: ج7 ص280 باب 10 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح1
3- الوسائل: ج7 ص280 باب 10 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح3

وبقول الصادق (علیه السلام) فی صحیح الحلبی: «صیام ثلاثة أیام فی کفارة الیمین متتابعات ولا یفصل بینهن»((1)).

والجواب: أما عن القاعدة فبعموم قوله (علیه السلام): «لیس علی ما غلب الله عز وجل علیه شیء»((2)).

وأما عن الروایات فبأنها تدل علی أن الصوم فی نفسه متتابع، أما أنه إذا أفطر فی الأثناء لعذر، کان علیه الاستیناف أو أن له البناء فهی ساکتة، فما دل علی أن ما غلب الله لیس علیه التتابع محکم علی ذلک.

أما استثناء ثلاثة الهدی من حکمهم فذلک لأجل الأدلة الخاصة وقد تقدم بعضها.

ومما ذکرناه یظهر أن ما ذهب إلیه القواعد والدروس والمسالک من وجوب الاستیناف مع الإخلال بالمتابعة فی الثلاثة لیس علی ما ینبغی.

الثالث: وجوب الاستیناف مع الإخلال بالمتابعة فی جمیع أقسام ما فیه التتابع باستثناء الشهرین فقط، أما استثناء الشهرین فللأدلة السابقة.

ص:395


1- الوسائل: ج7 ص280 باب 10 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح4
2- الوسائل: ج7 ص274 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح12

وأما الإخلال فی غیرهما فلأنه إذا لم یتابع لم یأت بالمأمور به فالتکلیف باقٍ.

استدل بهذا فی المدارک، وفیه: مضافاً إلی عموم العلة فی ما غلب الله علیه، إن فی ثلاثة الهدی یوجد الدلیل الخاص کما عرفت.

الرابع: وجوب الاستیناف فی الشهر المنذور إذا أفطر لعذر، فیما لم یصل إلی النصف، ذهب إلیه الشیخ فی النهایة، واستدل لذلک بأنه بدون المتابعة خارج عن المنذور، فاللازم الإتیان به ثانیاً، وبروایة موسی بن بکیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی رجل جعل علیه صوم شهر فصام منه خمسة عشر یوماً ثم عرض له أمر، فقال: «إن کان صام خمسة عشر یوماً فله أن یقضی ما بقی، وإن کان أقل من خمسة عشر یوماً لم یجز حتی یصوم شهراً تاماً»((1)).

وفیه: إن العلة بما غلب الله شاملة لما نحن فیه، فلا مجال للقاعدة، والروایة ضعیفة ومحمولة علی عدم العذر، ومعرض عنها ومحمولة علی الاستحباب أو التقیة علی مبنی صاحب الحدائق، بقرینة صحیحة ابن أشیم المتقدمة.

وعلی هذا فالموافق للقواعد ما ذهب إلیه المشهور من أن المرض ونحوه لا یوجب فسخ التتابع.

ثم إن المصنف قید السفر الذی لا یخل بالتتابع بالسفر الاضطراری، أما السفر الاختیاری فیخل بالتتابع، وفی المسألة أقوال.

ص:396


1- الوسائل: ج7 ص276 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح1

الأوّل: إخلال السفر بالتتابع مطلقاً، لأنه لیس مما غلب الله علیه، فإن الإنسان إذ اضطر إلی السفر لإنقاذ ماله أو نجاة غریقه أو علاج مریضه لم یکن مما غلب الله علیه عرفاً، لأنه سافر باختیاره، وهذا هو المحکی عن الخلاف والوسیلة والمبسوط والجمل والاقتصاد، بل عن السرائر الإجماع علیه، اختاره المستند.

وفیه:

أولاً: إن من السفر ما لیس باختیاره ولا اختیار إنسان آخر، بل مما غلب الله علیه، کما إذا کان راسیاً فی السفینة فجرت بها الریح، ونحو ذلک.

وثانیاً: إنه إذا أمره الله سبحانه بالسفر کان مما غلب علیه، کما إذا أمره لإنقاذ مظلوم، أو علاج مریض، أو الفرار من ظالم، أو ما أشبه، فإن ذلک بمشیئة الله تعالی، ولذا قال (علیه السلام): «إن الله شاء أن یراک قتیلاً»، فإن أمره بأن یذهب لحفظ الإسلام وإن قتل، مشیة تشریعیة منه تعالی، کما یقول القائد للجنود: إنی أرید أن تقتلوا فی سبیل إنقاذ البلاد من الأعداء، فإن غلب الله یشمل التشریعی والتکوینی، ولذا یقال غلب الأمیر علی الجیش، فیما إذا أمرهم بالجهاد وهکذا.

وعلی هذا فلا ینبغی الإشکال فی صورتی السفر بدون الاختیار إذا کان بدون واسطة إنسان، والسفر اضطراراً شرعیاً حیث کان

ص:397

السفر واجباً والبقاء حراماً، أما فی صورتی السفر قهراً من ظالم بأن سفّره أسیراً، والسفر فیما أبیح له السفر، کما إذا نذر صوم شهر قبل رمضان ثم صام عشرة فی أول شعبان فأبیح له السفر شرعاً لعسر أو حرج یجوز تحملهما والصیام ویجوز ترک الصوم لأجلهما بالسفر، ففی صدق ما غلب الله علیهما إشکال، والمسألة تحتاج إلی مزید من التتبع والتأمّل.

الثانی: عدم إخلال السفر بالتتابع مطلقاً، حتی السفر الاختیاری، اختاره الجواهر((1)) باعتبار کونه محبوساً عن الصوم معه، بل هو حینئذ مما غلب الله علیه، باعتبار أن منع الصوم فیه منه تعالی، فیکون ما غلب کنایة عن کل ما ینافی الصوم إذا لم یکن من قبل المکلف، بمعنی أنه لا ینافی التتابع إلا التعمد للإفطار، فإنه بعد إذن الله فی السفر، إذا أوجب الاستیناف کان عسراً وحرجاً، ولذا جاز وقوع السفر فی شهر رمضان الذی یجب التتابع فیه، وبذلک یظهر أنه لا فرق بین السفر الضروری والاختیاری، ثم إن الجواهر نقل هذا القول عن النهایة.

وفیه: إن المستفاد مما غلب القاطع للصوم بدون اختیار الإنسان، کالمرض والحیض ونحوهما، أما مع الاختیار فهو خلاف ظاهر ما غلب، ولذا إذا کان

ص:398


1- الجواهر: ج17 ص76

ومن العذر ما إذا نسی النیة حتی فات

علیه دین مستعجل فسافر اخیتاراً لا یصح أن یقول: غلب الله علیّ، أما إذا مرض فلم یتمکن من الخروج لأداء دینه صح أن یقول: غلب الله علیّ.

والإذن فی السفر لا ینافی قطعه للتتابع، والتنظیر بالسفر فی شهر رمضان ولا وجه له بعد جواز ذلک بالأدلة، ولم یظهر معنی للعسر والحرج فی المقام، فإنه لو حکم بالاستیناف مع الاضطرار کان عسراً وحرجاً لا مع الاختیار، بل حتی مع العذر لا یصدق العسر والحرج.

الثالث من الأقوال: الفرق بین السفر الاختیاری فیخل بالتتابع، دون السفر الاضطراری الذی لا یخل بالتتابع، کما عن المعتبر والعلامة والدروس.

ووجهه: إن السفر الاخیتاری لیس مما غلب الله علیه، بخلاف السفر الاضطراری فإنه قد غلب الله علیه، وفیه: ما ذکره الحدائق حیث قال: "جعل السفر الضروری من قبیل ما غلب الله علیه محل نظر، فإن الظاهر من هذا اللفظ أن المراد به ما کان من فعل الله تعالی، بحیث إنه لیس للعبد فی إیقاعه صنع ولا مدخل بالکلیة، وأنه مما فعله الله تعالی به من غیر اختیار منه، والسفر وإن کان ضروریاً لیس کذلک، کما هو ظاهر"((1)) انتهی.

ویظهر من بعض الأقوال الأخر فی المسألة، لکن العمدة ما ذکرناه.

{ومن العذر ما إذا نسی النیة حتی فات

ص:399


1- الحدائق: ج13 ص342

وقتها بأن تذکر بعد الزوال، ومنه أیضاً ما إذا نسی فنوی صوماً آخر ولم یتذکر إلا بعد الزوال

وقتها بأن تذکر بعد الزوال، ومنه أیضاً ما إذا نسی فنوی صوماً آخر ولم یتذکر إلاّ بعد الزوال} أو لم یتذکر أصلاً حتی دخل اللیل، أو تذکر قبل الزوال، لکنه کان قد أکل وشرب، وقد ذهب إلی القول بعدم إبطال النسیان المدارک تبعاً للمسالک، واختاره الجواهر وجامع المقاصد والمستمسک وغیرهم.

واستدل لذلک بحدیث «رفع القلم»، وبحدیث «ما غلب»، وأشکل علیه فی الحدائق: بأن حدیث رفع القلم خاص بالعقاب، وبأن حدیث «ما غلب» لا یشمل المقام، لأن النسیان من الشیطان، بدلیل قوله تعالی:﴿فَأَنْساهُ الشَّیْطانُ ذِکْرَ رَبِّهِ﴾((1))، وقوله:﴿وَإِمَّا یُنْسِیَنَّکَ الشَّیْطانُ﴾((2))، وأید ذلک بوجوب القضاء علی ناسی النجاسة.

أقول: الظاهر أن النسیان کما ذکره المشهور لا یبطل التتابع، لصدق «ما غلب الله علیه»، والإشکال فیه بأن النسیان من الشیطان، منقوض بکون المرض أیضاً من فعل الإنسان، لقوله تعالی:﴿وَما أَصابَکَ مِنْ سَیِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِکَ﴾((3))، ومردود بما دلّ علی أن النسیان من فعل الله سبحانه، ففی حدیث ذکره منتهی المقاصد، عن الحسن (علیه

ص:400


1- سورة یوسف: الآیة 42
2- سورة الأنعام: الآیة 68
3- سورة النساء: الآیة 79

ومنه أیضاً ما إذا نذر قبل

السلام) وقد سئل عن الرجل ینسی الشیء ثم یذکره، قال: «ما من أحد إلاّ علی رأس فؤاده حقة مفتوحة الرأس فإذا أراد أن ینسیها طبق علیها وإذا أراد أن یذکرها فتحها»((1)).

ولا تنافی بین الأمرین، فإن الآیتین المذکورتین لا تدلان علی أن کل نسیان من الشیطان، ومثلهما قوله تعالی:﴿وَما أَنْسانیهُ إِلاَّ الشَّیْطانُ﴾((2))، وقوله تعالی:﴿فَنَسِیَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾((3))، ومن الممکن أن یکون بعض النسیان من الشیطان، وبعض النسیان من الله، هذا مضافاً إلی أن نسبة النسیان إلی الشیطان إنما هو باعتبار أن کل ما لیس فیه اعتدال واستقامة جنبة شیطانیة، وإلا فقد ورد فی الحدیث «إن الله خلق العقل والجهل وزودهما بجنود، ومن جنوده الجهل النسیان»((4)).

نعم قد یشکل الأمر فیما إذا کان النسیان غیر عذری، کما لو أهمل عمداً مع علمه بأنه ینسی حتی نسی، فإن صدق حبسه الله وغلب علیه علی ذلک مشکل، کما قالوا مثل ذلک فی الغاصب غیر المبالی والله العالم.

{ومنه} أی العذر الذی لا یبطل التتابع {أیضاً ما إذا نذر قبل

ص:401


1- منتهی المقاصد
2- سورة الکهف: الآیة 63
3- سورة طه: الآیة 115
4- مرآة العقول: ج1 ص66 _ 70 فی کتاب العقل والجهل

تعلق الکفارة صوم کل خمیس، فإن تخلله فی أثناء التتابع لا یضر به، ولا یجب علیه الانتقال إلی غیر الصوم من الخصال فی صوم الشهرین لأجل هذا التعذر، نعم لو کان قد نذر صوم الدهر قبل تعلق الکفارة اتجه الانتقال إلی سائر الخصال.

تعلق الکفارة صوم کل خمیس} أو صوم کل أول شهر مثلاً {فإن تخلله فی أثناء التتابع لا یضر به} کما ذکره الجواهر وغیره، وذلک لصدق الحبس، وغلب الله، فإن الله سبحانه حیث أوجب ذلک فقد حبسه وغلب علیه، {ولا یجب علیه الانتقال إلی غیر الصوم من الخصال فی صوم الشهرین لأجل هذا التعذر} بتوهم أنه معذور فی التتابع فاللازم خصلة أخری، إذ فیه: إن الشارع رفع التتابع هنا بدلیل ما غلب، ففی المقام تخییر بین العتق والصوم غیر المتتابع فیه، لکن ربما یقال: إن اللازم من ذلک أرداف الاضطرار بالاختیار، والحال أن الأضطرار فی طول الاختیار، ومن المعلوم أن الصوم غیر المتتابع فیه اضطراری، ولعل هذا أقرب.

{نعم لو کان نذر صوم الدهر قبل تعلق الکفارة اتجه الانتقال إلی سائر الخصال} کما ذکره الجواهر والمستمسک، وذلک لعدم التمکن من الصوم أصلاً، ومثله ما لو نذر صوم ثلاثین سنة مثلاً مما یوجب أن یکون التأخیر استهانة واستخفافاً، لما تقدم من عدم جواز الاستهانة والاستخفاف بالواجبات.

ص:402

مسألة ٧ المیزان فی أنواع التتابع

(مسألة 7): کل من وجب علیه شهران متتابعان من کفارة معینة أو مخیرة، إذا صام شهراً ویوما متتابعاً یجوز له التفریق فی البقیة، ولو اختیارا لا لعذر

{مسألة 7: کل من وجب علیه شهران متتابعان} سواء کان وجوباً عینیاً، أو تخییریاً، وذلک لإطلاق النصوص الآتیة.

نعم ربما یستشکل بما إذا کان الوجوب للنذر، لأن المنصرف من الأدلة خصوص الوجوب لقتل أو ظهار أو کفارة رمضان، أما النذر فلیس مشمولاً لتلک النصوص، والأصل فیه وجوب الوفاء بالنذر کما نذر، والمناط غیر معلوم، ومنه یعلم الحکم فیما إذا نذر أربعة أشهر مثلاً فإنه لا دلیل علی کفایة الصوم الزائد عن النصف متتابعاً وجواز تفریق البقیة، وکأنه لهذا قال المصنف: {من کفارة معینة أو مخیرة}.

لکن یرد علیه ما یأتی، من غیر فرق بین أن یکون الآتی بها عن نفسه، أو عن غیره علی سبیل الوجوب، کالنائب باستیجار الولی، أو علی سبیل الاستحباب کالمتبرع عن الغیر، وذلک لإطلاق النص والفتوی ودلیل «من فاتته فریضة».

{إذا صام شهراً ویوماً متتابعاً} وإن کان التتابع التنزیلی الذی هو عبارة عن المتفرق لعذر، لما عرفت من أن الإفطار لعذر لا یقطع التتابع، {یجوز له التفریق فی البقیة ولو اختیاراً لا لعذر} والمراد بالجواز أنه لا یضر بالتتابع المفروض، لا الجواز التکلیفی، وإلا فإنه یجوز الإفطار ولو فی الأثناء، فإن ذلک یوجب عدم کون ما وقع کفارة، کما تقدم الکلام فی ذلک.

ص:403

وجواز التفریق کذلک بلا إشکال، بل دعوی الإجماع علیه متواترة فی کلامهم، کالخلاف والانتصار والغنیة والسرائر والتذکرة والمنتهی والمسالک والجواهر وغیرها، ویشهد له قبل الإجماع النصوص المتواترة:

فعن منصور بن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث، قال (علیه السلام): «فی رجل صام فی ظهار فزاد فی النصف یوماً قضی بقیته»((1)).

وعن سماعة بن مهران، قال: سألته عن الرجل یکون علیه صوم شهرین متتابعین أیفرق بین الأیام، فقال: «إذا صام أکثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس، فإن کان أقل من شهر أو شهراً فعلیه أن یعید الصیام»((2))، والمراد بعروض أمر أعم من العذر کما لا یخفی.

وعن أیوب، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی رجل کان علیه صوم شهرین متتابعین فی ظهار فصام ذا القعدة ودخل علیه ذو الحجة کیف یصنع، قال: «یصوم ذا الحجة کله إلاّ أیام التشریق فی منی ثم یقضیها فی أول یوم من المحرّم حتی یتم ثلاثة أیام فیکون قد صام شهرین متتابعین»((3))، الحدیث.

ص:404


1- الوسائل: ج7 ص275 باب 4 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح1
2- الوسائل: ج7 ص272 باب 3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح5
3- الوسائل: ج7 ص273 باب3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح8

فإنه إذا کان الواجب صیام الشهرین کاملاً لم یکف فیما إذا ابتدأ فی وقت یتخلّله عید.

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قطع کفارة الظهار وکفارة القتل، قال (علیه السلام): «إن کان علی رجل صیام شهرین متتابعین، والتتابع أن یصوم شهراً ویصوم من الآخر شیئاً أو أیاماً منه»((1)).

ومثله ما عن ابن أبی عمیر، وعن منصور بن حازم، عن الصادق (علیه السلام) فی حدیث: «فإن هو صام فی الظهار فزاد فی النصف یوماً قضی بقیته»((2)).

والرضوی: قال: «ومتی وجب علی الإنسان صوم شهرین متتابعین فصام شهراً وصام من الشهر الثانی أیاماً ثم أفطر فعلیه أن یبنی علیه ولا بأس، وإن صام شهراً أو أقل منه ولم یصم من الشهر الثانی شیئاً علیه أن یعید صومه، إلاّ أن یکون قد أفطر لمرض، فله أن یبنی علی ما صام، لأن الله حبسه»((3)).

وربما یقال بتعدی الحکم المذکور إلی النذر أیضاً، للمناط، ولقوله (علیه السلام) فی خبر الحلبی المتقدم: «والتتابع أن یصوم شهراً» إلی آخره.

ص:405


1- الوسائل: ج7 ص273 باب3 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح9
2- الوسائل: ج7 ص275 باب 4 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح1
3- فقه الرضا: ص26 سطر 8

وخبر محمد بن مسلم المروی فی المستدرک، عن الحناط، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل جعل علیه صوم شهرین متتابعین فصام شهراً ثم مرض هل یعیده، قال: «نعم أمر الله حبسه»((1)). أی نعم یتم صومه کما هو الظاهر.

بتقریب أنه یظهر من وحدة الحکم فی العذر وحدة الحکم فی غیر العذر أیضا فتأمّل.

ثم إنه حکی منتهی المقاصد وغیره فی المسألة قولین آخرین.

الأول: إن الحکم مختص بصورة عدم التمکن، حتی أنه لو أخل بالمتابعة بعد شهر ویوم عمداً لزمه الاستیناف، وهذا هو المحکی عن محتمل کلام الشیخ فی النهایة، ویؤیّده بعض الروایات المتقدمة المعلقة للإفطار بعد الواحد والثلاثین علی العذر.

الثانی: إنه لو أخل بالمتابعة بعد الواحد والثلاثین أثم ولم یلزمه الاستیناف، وحکی هذا القول عن المفید والسیدین، والشیخ فی التبیان، وکفارات النهایة، وظهار المبسوط، وابن أدریس، وعن السیدین دعوی الإجماع علیه، وعن ابن إدریس بأن معنی التتابع هو أن یصوم شهرین.

لکن فی الکل ما لا یخفی.

إذ الإجماع مردود بما عرفت من استفاضة الإجماع علی خلافه، والتتابع فسّره الصادق (علیه السلام) بالصوم أکثر من شهر،

ص:406


1- المستدرک: ج  ص588 ب2 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح3

وکذا لو کان من نذر أو عهد لم یشترط فیه تتابع الأیام جمیعها ولم یکن المنساق منه ذلک.

والظواهر التی تدل علی کون الإفطار لعذر، یرفع الید عنها بما کان أظهر فی جواز الإفطار بلا عذر.

نعم الظاهر استحباب التتابع مطلقاً، أو کراهة عدم التتابع بعد الواحد والثلاثین.

ثم إنه لو أفطر بعد الظهر من الواحد والثلاثین عصیاناً لم یکف، إذ ظاهر ما دلّ علی الکفایة أنه أتم الواحد والثلاثین، لا أنه صام إلی ما بعد الظهر.

ولو کان قد صام من أول الشهر کفی إلی آخر الشهر الناقص ویوم. أما إذا صام بعد أول الشهر فالظاهر لزوم واحد وثلاثین یوماً، وإن کان ربما احتمل هنا أیضاً الکفایة إذا کان الشهر ناقصاً، ولا یفید فی الکفایة ما لو ظن بأنه صام واحداً وثلاثین والحال أنه لم یصم کذلک، کما لا یضر ما إذا ظن أنه لم یصم کذلک وقد کان صام کذلک، إذ المناط هو الحکم الواقعی.

ثم إنه إذا کان علیه کفارة الجمع جاز تقدیم أی من الخصال، وإذا کانت علیه کفارة أیام جاز تقدیم کفارة المتأخر، کل ذلک لعدم الدلیل علی وجوب تقدیم أیة کفارة منها.

{وکذا} یکفی صوم واحد وثلاثین {لو کان} وجوب الشهرین {من نذر أو عهد لم یشترط فیه تتابع الأیام جمیعها ولم یکن المنساق منه ذلک} التتابع، للمسألة صور ثلاث:

ص:407

وألحق المشهور بالشهرین الشهر المنذور فیه التتابع، فقالوا إذا تابع فی خمسة عشر یوماً منه یجوز

الأولی: أن یعین التتابع فی الکل، أو ینصرف النذر إلی ذلک.

الثانی: أن یکون النذر مطلقاً، بلا قید أو انصراف إلی التتابع.

الثالث: أن یقصد التتابع الشرعی أو یقید النذر بذلک.

ولا ینبغی الإشکال فی الصورة الثالثة، وأن حالها حال التتابع فی الکفارة، لأن الشارع قصد بالتتابع ذلک، وقد فرض أن النذر قید أو انصرف إلیه.

کما لا ینبغی الإشکال فی الصورة الثانیة، وأنه لا یلزم حتی تتابع واحد وثلاثین، لأنه لیس منذوراً ولا فرضه الشارع.

وإنما الإشکال فی الصورة الأولی، فقد ذهب بعض إلی أنه کالکفارة، لأن الشارع الأقدس قد کشف عن کون المراد واقعاً بهذا الخطاب ذلک، وإن زعم صاحبه خلافه، قال فی المستمسک((1)) تبعاً لغیره: ولکنه کما تری إذ الأدلة المتقدمة تقصر عن التعرض للنذر ونحوه.

أقول: وهو کذلک، وقد تقدم ما یفید المقام فراجع.

ولو شک فی أنه هل نذر التتابع الشرعی أو اللغوی، فالظاهر جریان البراءة بالنسبة إلی الأکثر من الواحد والثلاثین، لأنه قید زائد یشک فیه، فالأصل عدمه، کما أنه إذا شک فی أصل التتابع کان الأصل عدمه.

{وألحق المشهور بالشهرین} فی کفایة صوم النصف عن التتابع {الشهر المنذور فیه التتابع، فقالوا إذا تابع فی خمسة عشر یوماً منه یجوز

ص:408


1- المستمسک: ج8 ص461

له التفریق فی البقیة اختیاراً، وهو مشکل فلا یترک الاحتیاط فیه بالاستیناف مع تخلل الإفطار عمداً وإن بقی منه یوم.

له التفریق فی البقیة اختیاراً} لصحیح موسی بن بکیر، عن الفضیل، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، فی رجل جعل علیه صوم شهر فصام منه خمسة عشر یوماً ثم عرض له أمر، فقال: «إن کان صام خمسة عشر یوماً فله أن یقضی ما بقی، وإن کان أقل من خمسة عشر یوماً لم یجزه حتی یصوم شهراً تاماً»((1)).

ونحوه روایته عن الفضیل، عن أبی جعفر (علیه السلام).

فإن الظاهر منهما ما إذا قصد التتابع، وإلا کان تعبداً من الشارع، وهو بعید جداً وخلاف إطلاقات أدلة النذر {وهو مشکل} لضعف سند الروایتین {فلا یترک الاحتیاط فیه بالاستیناف مع تخلل الإفطار عمداً وإن بقی منه یوم}.

لکن الضعف مجبور بالعمل فلا وجه لإشکال المدارک وتوقفه فی المسألة، کما لا وجه لما عن وسیلة ابن حمزة من الکفایة فیما إذا جاوز النصف ولو بیوم، وکأنه للمناط المستفاد من الشهرین، لکن فیه ما لا یخفی، بعد تصریح الروایة بصیام خمسة عشر یوماً، وکذلک لا وجه لما عن ابن زهرة من تفصیل فی المسألة لم یقم علیه دلیل.

ثم إن بعض الفقهاء قال: بأن ظاهر الروایة حیث قال: «عرض

ص:409


1- الوسائل: ج7 ص276 باب 5 من أبواب بقیة الصوم الواجب ح1

کما لا إشکال فی عدم جواز التفریق اختیاراً مع تجاوز النصف فی سائر أقسام الصوم المتتابع.

له أمر» أن یکون الإفطار لعذر، لکنک قد عرفت أن «عرض له أمر» أعم من العذر، فإنه إذا تغیر رأیه لقصد سفر أو إرادة الصیام فی الشتاء أو ما أشبه، یقال له عرض له أمر، مع أنه لیس بعذر شرعی، ولا یطلق علی مثله «حبسه الله» ونحوه.

ثم هل یتعدی من مورد الروایة إلی نذر صوم أقل من شهر، أو أکثر من شهر، فیصوم نصفه متتابعاً، احتمالان، من المناط، ومن أن الحکم علی خلاف القاعدة فاللازم الاقتصار فیه علی مورد النص.

{کما لا إشکال فی عدم جواز التفریق اختیاراً مع تجاوز النصف فی سائر أقسام الصوم المتتابع} لعدم الدلیل علی الجواز، بعد لزوم الوفاء بالنذر القاضی بالتتابع فی الکل، ومثله إذا نذر التتابع فی الصدقة أو الصلاة أو نحوها، اللهم إلا أن یقال بالمناط وعدم فهم الخصوصیة فی الصوم، أو فی الصوم وفی غیره، لکنه مشکل.

ص:410

مسألة ٨ عدم بطلان الصوم من حیث هو

(مسألة 8): إذا بطل التتابع فی الأثناء لا یکشف عن بطلان الأیام السابقة فهی صحیحة وإن لم تکن امتثالا للأمر الوجوبی ولا الندبی، لکونها محبوبة فی حد نفسها من حیث إنها صوم.

{مسألة 8: إذا بطل التتابع فی الأثناء لا یکشف عن بطلان الأیام السابقة}، وجه احتمال کشفه عن البطلان: إن صوم الکفارة لم یقع لعدم التتابع، وغیره من الصوم الواجب أو المندوب لم یقع لعدم القصد، فما قصد لم یقع وما وقع یقصد.

{فهی صحیحة وإن لم تکن امتثالاً للأمر الوجوبی} الآتی من قبل الکفارة {ولا الندبی} الآتی من قبل صوم أیام البیض، وثلاثة أیام فی أول الشهر ووسطه وآخره، وما أشبه ذلک، وذلک لأن الامتثال متوقف علی النیة المفقودة فی المقام، وإنما قلنا بصحة الصوم {لکونها محبوبة فی حدّ نفسها من حیث إنها صوم} فإن المستفاد من الأدلة أن الصوم فی نفسه محبوب، وإن لم یقصد الإنسان عنواناً خاصاً، وذلک لإطلاقات الأدلة، کالحدیث المروی عن الباقر (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الصوم جُنة من النار»((1)).

وعن الصادق (علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام)، إن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال لأصحابه: «ألا أخبرکم بشیء إن

ص:411


1- الوسائل: ج7 ص289 باب 1 من أبواب الصوم المندوب ح1

أنتم فعلتموه تباعد الشیطان عنکم کما یتباعد المشرق من المغرب»، قالوا: بلی. قال: «الصوم یسود وجهه» إلی أن قال: «ولکل شیء زکاة، وزکاة الأبدان الصیام»((1)).

وعن الصادق (علیه السلام)، عن آبائه (علیهم السلام)، أن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «إن الله عز وجل وکّل ملائکته بالدعاء للصائمین». وقال: «أخبرنی جبرئیل عن ربه أنه قال: ما أمرت ملائکتی بالدعاء لأحد من خلقی إلا استجبت لهم فیه»((2)).

وعن الصادق (علیه السلام) فی حدیث: «أوحی الله عز وجل إلی موسی (علیه السلام): یا موسی لخلوف فم الصائم أطیب عندی من ریح المسک»((3)).

وعنه (علیه السلام) أنه قال: «للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه»((4)).

وعنه (علیه السلام) فی حدیث: «ألا أخبرک بأبواب الخیر، إن الصوم جُنة من النار»((5)).

ص:412


1- الوسائل: ج7 ص289 باب 1 من أبواب الصوم المندوب ح2
2- الوسائل: ج7 ص289 باب 1 من أبواب الصوم المندوب ح3
3- الوسائل: ج7 ص290 باب 1 من أبواب الصوم المندوب ح5
4- الوسائل: ج7 ص290 باب 1 من أبواب الصوم المندوب ح6
5- الوسائل: ج7 ص290 باب 1 من أبواب الصوم المندوب ح8

وکذلک الحال فی الصلاة إذا بطلت فی الأثناء، فإن الأذکار والقراءة صحیحة فی حد نفسها من حیث محبوبیتها لذاتها.

وعنه (علیه السلام) قال: قال أبی: «إن الرجل لیصوم یوماً تطوعاً یرید ما عند الله فیدخله الله به الجنة»((1)).

وعنه (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الصائم فی عبادة وإن کان علی فراشه ما لم یغتب مسلماً»((2)).

وعن الباقر (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): قال الله عز وجل: «الصوم لی وأنا أجزی به»((3)).

وعن علی (علیه السلام)، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «من صام یوماً تطوعاً أدخله الله عز وجل الجنة»((4)).

إلی غیرها من الروایات الکثیرة الدالة علی محبوبیة الصوم فی نفسه.

والإشکال بأن ما قصد لم یقع، إنما یصح إذا کان علی وجه التقیید، لکن الغالب أنه علی وجه الخطأ فی التطبیق، فإن الصوم فی نفسه عبادة، وقد صار لسبب أمر الکفارة واجباً، فإذا بطل أمر الکفارة بقی کونه عبادة فی نفسه.

{وکذلک الحال فی الصلاة إذا بطلت فی الأثناء، فإن الأذکار والقراءة صحیحة فی حدّ نفسها من حیث محبوبیتها

ص:413


1- الوسائل: ج7 ص291 باب 1 من أبواب الصوم المندوب ح11
2- الوسائل: ج7 ص291 باب 1 من أبواب الصوم المندوب ح12
3- الوسائل: ج7 ص292 باب 1 من أبواب الصوم المندوب ح15
4- الوسائل: ج7 ص292 باب 1 من أبواب الصوم المندوب ح18

لذاتها}.

وکذلک إذا بطلت الزکاة، وقد صرف الفقیر المال فإنها صدقة محبوبة فی حد نفسها، وقد مر الکلام فی باب الطهارة فراجع، والله العالم.

ص:414

المحتویات

المحتویات

شرائط صحة الصوم: عدم المرض الشرعی............................................... 7

مسألة 1 _ صوم النائم......................................................................... 29

مسألة 2 _ صوم الصبی الممیز............................................................... 34

مسألة 3 _ شرائط صحة الصوم المندوب................................................... 41

مسألة 4 _ صوم التطوع...................................................................... 50

فصل

فی شرائط وجوب الصوم

53 _ 92

مسألة 1 _ دخول المسافر بلده قبل الزوال وبعده........................................... 65

مسألة 2 _ مستثنیات التلازم بین الصلاة والصوم.......................................... 73

مسألة 3 _ عدم جواز الإفطار إلا إلی حد الترخص......................................... 75

مسألة 4 _ السفر اختیارا فی شهر رمضان.................................................. 76

مسألة 5 _ کراهة السفر فی شهر رمضان................................................... 85

مسألة 6 _ آداب المفطر الشرعی فی شهر رمضان........................................ 86

ص:415

فصل

فی موارد الإفطار

93 _ 123

الأول والثانی: الشیخ والشیخة............................................................... 93

الثالث: من به داء العطش..................................................................... 103

الرابع: الحامل المقرب........................................................................ 109

الخامس: المرضعة القلیلة اللبن............................................................... 117

فصل

فی طرق ثبوت الهلال

123 _ 232

الأول: رؤیة المکلف نفسه.................................................................... 123

الثانی: التواتر.................................................................................. 125

الثالث: الشیاع.................................................................................. 127

الرابع: مضی ثلاثین یوما من شعبان........................................................ 130

الخامس: البینة الشرعیة....................................................................... 133

عدم ثبوت الهلال بشهادة النساء.............................................................. 150

عدم ثبوت الهلال بعدل واحد مع ضم الیمین............................................... 152

السادس: حکم الحاکم........................................................................... 156

عدم ثبوت الهلال بغیبوبة الشفق............................................................. 168

ولا برؤیته یوم الثلاثین....................................................................... 174

ولا بالطرق غیر الشرعیة.................................................................... 176

ص:416

مسألة 1 _ اعتبار الشهادة بالرؤیة لا بالعلم.................................................. 185

مسألة 2 _ موارد ترک الصوم قصوراً ووجوب القضاء بدلاً.............................. 188

مسألة 3 _ دائرة نفوذ حکم الحاکم............................................................. 192

مسألة 4 _ ثبوت الهلال فی بلد دون بلد..................................................... 194

مسألة 5 _ الاعتماد علی التلغراف............................................................ 204

مسألة 6 _ یوم الشک........................................................................... 207

مسألة 7 _ لو غمّت الشهور ولم یر الهلال فیها بعضا أو کلا............................. 211

مسألة 8 _ ثبوت الهلال بالنسبة إلی الأسیر والمحبوس.................................... 217

مسألة 9 _ إذا اشتبه شهر رمضان بین شهرین............................................. 227

مسألة 10 _ الصوم فی الآفاق الرحویة...................................................... 229

فصل

فی أحکام القضاء

233 _ 358

شروط وجوب القضاء: البلوغ............................................................... 234

شروط وجوب القضاء: العقل................................................................ 240

شروط وجوب القضاء: الإسلام.............................................................. 245

مسألة 1 _ یجب علی المرتد قضاء ما فاته أیام ردته....................................... 250

مسألة 2 _ علی السکران قضاء ما فاته....................................................... 253

مسألة 3 _ علی الحائض والنفساء............................................................ 254

مسألة 4 _ یجب علی المستبصر قضاء ما فاته............................................. 256

مسألة 5 _ یجب علی النائم والغافل قضاء ما فاته.......................................... 258

مسألة 6 _ دوران القضاء بین الأقل والأکثر................................................ 259

ص:417

مسألة 7 _ الفور والتتابع فی القضاء......................................................... 263

مسألة 8 _ عدم وجوب تعیین الأیام فی القضاء............................................. 270

مسألة 9 _ جواز قضاء اللاحق قبل السابق.................................................. 274

مسألة 10 _ لا ترتیب فی صوم القضاء..................................................... 276

مسألة 11 _ موارد تخلف المأتی به عن المکلف............................................ 278

مسألة 12 _ عدم وجوب القضاء عن المیت................................................. 280

مسألة 13 _ فوات الصوم بالعذر واستمراره إلی رمضان آخر........................... 287

مسألة 14 _ الجمع بین الکفارة والقضاء..................................................... 300

مسألة 15 _ لو استمر المرض إلی ثلاث أو أربع سنین................................... 307

مسألة 16 _ جواز إعطاء أکثر من کفارة لفقیر واحد....................................... 310

مسألة 17 _ عدم وجوب کفارة العبد علی السید............................................ 311

مسألة 18 _ تأخیر القضاء إلی رمضان آخر مع التمکن................................... 313

مسألة 19 _ وجوب القضاء علی ولی المیت............................................... 317

مسألة 20 _ وجوب القضاء علی الورثة لو لم یکن ولی................................... 332

مسألة 21 _ لو تعدد الأولیاء.................................................................. 333

مسألة 22 _ للولی أن یستأجر غیره.......................................................... 336

مسألة 23 _ شک الولی فی اشتغال ذمته..................................................... 338

مسألة 24 _ سقوط الوجوب بشرط الوصیة................................................ 340

مسألة 25 _ ما یجب علی الولی قضاؤه..................................................... 341

مسألة 26 _ هل علی الولی قضاء رمضان أو کل صوم واجب.......................... 344

مسألة 27 _ الإفطار فی قضاء رمضان بعد الزوال عن نفسه............................. 347

ص:418

فصل

فی صوم الکفارة

359 _ 414

کفارة قتل العمد................................................................................. 359

ما یجب فیه الصوم بعد العجز................................................................ 360

ما یجب فیه الصوم مخیرا.................................................................... 366

ما یجب فیه الصوم مرتبا..................................................................... 368

مسألة 1 _ التتابع فی صوم شهرین.......................................................... 370

مسألة 2 _ عدم وجوب التتابع فی النذر...................................................... 377

مسألة 3 _ التتابع فی النذر المعین............................................................ 380

مسألة 4 _ الشروع فی صوم یلزم فیه التتابع............................................... 382

مسألة 5 _ قطع الصوم التتابعی وغیره...................................................... 388

مسألة 6 _ قطع الصوم التتابعی لعذر........................................................ 392

مسألة 7 _ المیزان فی أنواع التتابع.......................................................... 405

مسألة 8 _ عدم بطلان الصوم من حیث هو................................................. 413

المحتویات...................................................................................... 417

ص:419

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.