موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی المجلد 12

اشارة

سرشناسه : حسینی شیرازی، محمد

عنوان و نام پدیدآور : الفقه : موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی/ المولف محمد الحسینی الشیرازی

مشخصات نشر : [قم]: موسسه الفکر الاسلامی، 1407ق. = - 1366.

شابک : 4000ریال(هرجلد)

یادداشت : افست از روی چاپ: لبنان، دارالعلوم

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : اخلاق اسلامی

موضوع : مستحب (فقه) -- احادیث

موضوع : مسلمانان -- آداب و رسوم -- احادیث

رده بندی کنگره : BP183/5/ح5ف76 1370

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 70-5515

ص:1

اشارة

ص:2

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

آیة الله العظمی

السید محمد الحسینی الشیرازی

دام ظله

کتاب الطهارة

الجزء الحادی عشر

دار العلوم

بیروت _ لبنان

ص:3

الطبعة الثانیة

1408ه_ _ 1987م

مُنقّحة ومصحّحة مع تخریج المصادر

دار العلوم للتحقیق والطباعة والنشر والتوزیع

العنوان: حارة حریک _ بئر العبد _ مقابل البنک اللبنانی الفرنسی

ص. ب 6080 شوران  تلفون: 821274 بیروت _ لبنان

ص:4

کتاب الطهارة

اشارة

کتاب الطهارة

الجزء الحادی عشر

ص:5

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:6

فصل فی النفاس

اشارة

فصل

فی النفاس

وهو: دم یخرج مع ظهور أول جزء من الولد أو بعده،

{فصل: فی النِّفاس}

النِّفاس _ بالکسر _: ولادة المرأة إذا وضعت فهی نفساء، وقد نفست المرأة کفرحت، والولد منفوس، وتجمع النفساء علی نفساوات، وهو: إما من النفس بمعنی الدم، وذلک لمقارنة الولادة مع سیلان الدم، أو من التنفس لتنفس الرحم بالدم، أو من النفس بمعنی الولد، والمراد به فی کتب الفقة: الدم الذی تقذفه الرحم بسبب الولادة فی أیام مخصوصة {وهو: دم یخرج مع ظهور أول جزء من الولد أو بعده} فالدم الخارج قبل خروج شیء من الولد لیس بنفاس، بلا إشکال ولا خلاف، بل فی المستند: بالإجماع المحقق والمنقول مستفیضاً، ویدل علی ذلک جملة من النصوص:

مثل: خبر زریق عن الصادق (علیه السلام) فی الحامل تری الدم؟ قال: «تصلی حتی یخرج رأس الصبی، فإذا خرج رأسه لم تجب علیها الصلاة، وکل ما ترکته من الصلاة فی تلک الحال لوجع

ص:7

أو لما هی فیه من الشدة والجهد قضته إذا خرجت من نفاسها» قال: قلت: جعلت فداک ما الفرق بین دم الحامل ودم المخاض؟ قال (علیه السلام): «إن الحامل قذفت بدم الحیض وهذه قذفت بدم المخاض إلی أن یخرج بعض الولد فعند ذلک یصیر دم النفاس، فیجب أن تدع فی النفاس والحیض، فأما ما لم یکن حیضاً أو نفاساً فإنما ذلک من فتق فی الرحم»((1)).

وخبر السکونی، المروی عن الصادق (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) قال: «قال النبی (صلی الله علیه و آله): ما کان الله لیجعل حیضاً مع حبل _ یعنی: إذا رأت المرأة الدم وهی حامل لا تدع الصلاة إلاّ أن تری علی رأس الولد إذا ضربها الطلق ورأت الدم ترکت الصلاة _»((2)) بناءً علی أن التفسیر من الإمام (علیه السلام) کما هو الظاهر.

هذا، لکن المحکی عن ظاهر مصباح السید وجمل الشیخ والغنیة والوسیلة: إن الدم المصاحب للولد لیس بنفاس، لأنهم فسروه بما تراه المرأة عقیب الولادة، الظاهر فی کونه بعد خروج تمام الولد، لکن العلاّمة فی المختلف حمل کلامهم علی الغائب، وکاشف اللثام حمل کلامهم علی معنی بعد ابتداء الولادة وظهور شیء من الولد، فلا یخالفون المشهور.

ص:8


1- الوسائل: ج2 ص580 الباب30 من أبواب الحیض ح17
2- الوسائل: ج2 ص618 الباب4 من أبواب النفاس ح2

قبل انقضاء عشرة أیام من حین الولادة، سواء کان تامّ الخلقة أو لا کالسقط، وإن لم

ثم: إنه استدل لهم _ بناءً علی کون مرادهم ظاهر کلامهم _ بأصالة الطهر عند الشک فی النفاس، وبموثقة عمار، المرویة عن الصادق (علیه السلام) فی المرأة یصیبها الطلق أیاماً أو یوماً أو یومین فتری الصفرة أو دماً؟ قال (علیه السلام): تصلی ما لم تلد، فإن غلبها الوجع ففاتتها صلاة لم تقدر أن تصلیها من الوجع فعلیها قضاء تلک الصلاة بعد ما تطهر»((1)).

وقریب منه خبره الآخر، وفیه: «تصلَّی ما لم تلد»((2))، قالوا: فإن المتبادر حصول تمام الولادة، فما لم تحصل تمام الولدة، تکون طاهرة، تجب علیها الصلاة.

وفیه ما لا یخفی: إذ الأصل ساقط بالدلیل، والخبران لا بد وأن یراد بهما ظهور شیء من الولد بقرینة ما تقدم، فإن الأولی نص، وهذه ظاهرة، والظاهر یحمل علی النص.

هذا کله فیما ظهر الدم معه، أما إذا ظهر بعده فلا خلاف من أحد فی کونه نفاساً، لکن بشرط أن یکون {قبل انقضاء عشرة أیام من حین الولادة} وإلاّ لم یکن نفاساً لما سیأتی من أن أکثر النفاس عشرة أیام {سواء کان تام الخلقة أو لا، کالقسط ، و إن لم

ص:9


1- الوسائل: ج2 ص618 الباب4 من أبواب النفاس ح1
2- الوسائل: ج2 ص618 الباب4 من أبواب النفاس ح3

تلج فیه الروح، بل ولو کان مضغة أو علقه بشرط العلم بکونها مبدء نشوء الإنسان، ولو شهدت أربع قوابل بکونها مبدء نشوء الإنسان کفی.

تلج فیه الروح} بلا إشکال ولا خلاف کما یظهر من کلماتهم، وذلک لصدق الولادة فیها بلا إشکال کما فی الجواهر وطهارة الشیخ، ومنه یعلم: أن المشوه أیضاً له نفس هذا الحکم وإن لم یصدق إنساناً، کما یحکی أن بعض النساء تلد بصورة أخری.

{بل ولو کان مضغة أو علقة} کما هو المشهور، بل عن التذکره وشرح الجعفریة الإجماع علیه، ولکن عن الکرکی: التوقف فی إلحاق العلقة، وعن الأردبیلی: الجزم بعدم إلحاق المضغة والعلقة، وذلک للأصل بعد الشک فی صدق الولد وما أشبه الوارد فی الروایات، لکن الظاهر الصدق ولو بقرینة کون الحیض یصرف إلی الجنین فإذا سقط انصب الحیض إلی خارج الرحم، لأنه یبقی بلا مصرف، لکن ذلک {بشرط العلم بکونها مبدأ نشوء الإنسان} لیتحقق موضوع الحکم.

أما لو شک فی ذلک ولم ینته الفحص إلی نتیجة فالمرجع الأصل، إلاّ إذا أمکن أن یکون حیضاً فیحکم به لقاعدة الإمکان {ولو شهدت أربع قوابل بکونها مبدأ نشوء الإنسان کفی} بلا إشکال لإدراج المسئلة فی باب الشهادة، بضمیمة «أن شهادة النساء علی النصف من شهادة الرجال».

ص:10

ولو شکَّ فی الولادة أو فی کون الساقط مبدء نشوء الإنسان لم یحکم بالنفاس، ولا یلزم الفحص أیضاً.

أما فی شهادة المرأتین أو إمرأة واحدة ففیها کلام مذکور فی کتاب الشهادات.

نعم لا إشکال فی أنه لو قالت الوالدة: إنها فی النفاس، یسمع کلامها، لما تقدم فی مبحث الحیض من قبول قول النساء فی أمثال هذه الأمور.

{ولو شک فی الولادة أو فی کون الساقط مبدأ نشوء الإنسان لم یحکم بالنفاس} لأصالة عدم کونه نفاساً، وإذا لم یکن نفاساً فإن أمکن أن یکون حیضاً کان حیضاً، وإلاّ کان استحاضة، لما سبق من أن کل دم لیس بحیض ولا من جروح ولا قروح فهو استحاضة، وإن لم یکن استحاضة أیضاً، لزم الرجوع إلی سائر الأصول بحسب الحالة السابقة من الطهر والحیض، ولو علم بالولادة وشک فی أن الدم نفاس أم لا، فالأصل کونه نفاساً لإطلاق الأدلة المتقدمة، بل لبناء العرف علی ذلک الموجب لإدراجه فی أحکام النفاس شرعاً بعد تحقق موضوعه.

{ولا یلزم الفحص أیضاً} بناءً علی لزوم الفحص فی الشبهات الموضوعیة، قال فی المستمسک: (والوجه فی عدم وجوبه إطلاق أدلة الأصول المتقدمة، من قاعدة الإمکان فی الحیض أو الاستحاضة، أو استصحاب الطهر أو غیره) ((1)) انتهی.

ص:11


1- المستمسک: ج3 ص433

وأما الدم الخارج قبل ظهور أول جزء من الولد فلیس بنفاس.

نعم لو کان فیه شرائط الحیض کأن یکون مستمراً من ثلاثة أیام فهو حیض، وإن لم یفصل بینه وبین دم النفاس أقلّ الطهر علی الأقوی،

لکنک قد عرفت مکرراً أنه لا أصل لعدم وجوب الفحص، بل الأصل لزوم الفحص مطلقاً إلاّ ما خرج بالدلیل، والأصول المذکورة حالها حال الأصول فی الشبهات الحکیمة حیث لا تجری إلاّ بعد الفحص، ولو سلّم هذا الأصل کان اللازم القول بخروج المقام عنه، لما عرفت فی باب الحیض من لزوم الفحص وهذه المسألة من صغریات ما تقدم فی باب الحیض لاحتمال کونه نفاساً _ و هو حیض محتبس _.

{و أما الدم الخارج قبل ظهور أول جزء من الولد فلیس بنفاس} کما عرفت.

{نعم لو کان فیه شرائط الحیض کأن یکون مستمراً من ثلاثة أیام فهو حیض} لقاعدة الإمکان {و إن لم یفصل بینه وبین دم النفاس أقل الطهر علی الأقوی} کما عن التذکرة، والمنتهی، وجامع المقاصد، والمدارک، والذخیرة، وغیرهم، خلافاً لما یحکی عن المشهور من أنه لیس بحیض، بل هو استحاضة لشرطهم فصل أقل الطهر بین النفاس والحیض، کما هو شرط بین النفاسین.

وحیث قد عرفت دلیل المصنف من قاعدة الإمکان، فاعلم أنه

ص:12

استدل المشهور لما ادعوه بأمور:

الأول: إطلاق ما دل علی أن أقل الطهر عشرة أیام، بضمیمة ما دل علی أن النفاس حیض محتبس وأن النفساء کالحائض.

الثانی: إطلاق خبر زریق حیث قال (علیه السلام): «تصلِّی حتی یخرج رأس الصبی»((1)).

وموثق عمار: «تصلِّی ما لم تلد»((2)).

الثالث: تنظیر الدم المتقدم علی الولادة بالدم المتأخر عن النفاس، فکما لا إشکال فی اشتراط فصل أقل الطهر بین النفاس والحیض المتأخر، کذا لا ینبغی الإشکال فی لزوم فصل أقل الطهر بین الحیض السابق والنفاس اللاحق، ویدل علی اشتراط الفصل فی الحیض المتأخر: صحیحة ابن المغیرة فی امرأة نفست فترکت الصلاة ثلاثین یوماً ثم طهرت ثم رأت الدم بعد ذلک؟ قال (علیه السلام): «تدع الصلاة، لأن أیامها أیام الطهر قد جازت مع أیام النفاس»((3))، فإن المفهوم منه أنه لو لم تجز أیام الطهر لم تکن محکومة بالحیضیة، ومثل الصحیحة الأخبار الدالة علی أن ما بعد أیام النفاس استحاضة _ کما یأتی _ فإنها تدل علی لزوم الفصل، وإلاَّ لحکم

ص:13


1- الوسائل: ج2 ص580 الباب30 من أبواب الحیض ح17
2- الوسائل: ج2 ص618 الباب4 من أبواب النفاس ح3
3- الوسائل: ج2 ص619 الباب5 من أبواب النفاس ح1

خصوصاً إذا کان فی عادة الحیض، أو متصلاً بالنفاس، ولم یزد مجموعهما من عشرة أیام، کأن تری قبل الولادة ثلاثة أیام، وبعدها سبعة مثلاً،

بحیضیته لقاعدة الإمکان.

وأورد علی کل هذه الأمور:

أما الأول: فلانصراف أخبار الفصل إلی ما بین حیضین، ولذا لا یشترط الفصل بین نفاسین بلا إشکال، هذا مضافاً إلی إمکان أن یکون الطهر المتوسط بین الحیض والنفاس حیضاً کالنقاء فی أثناء العشرة.

وأما الثانی: فلأنه لا نسلم الاطلاق فیهما، إذ الغالب أن تری المرأة فی أیام المخاض دماً قلیلاً لا یبلغ ثلاثة أیام، وقوله فی الموثقة: «یصیبها الطلق أیاماً أو یوماً أو یومین فتری الصفرة أو دماً»((1))، معناه: أن الوجع أیام، لا أن الدم أیام، بل تری فی الأیام الدم فی الجملة، کما هو الظاهر عرفاً.

وأما الثالث: فهو لیس بأزید من استحسان أو قیاس {خصوصاً إذا کان فی عادة الحیض} لأن أدلة حیضیة ذات العادة بمجرد رؤیة الدم تشملها {أو متصلاً بالنفاس ولم یزد مجموعهما من عشرة أیام کأن تری قبل الولادة ثلاثة أیام وبعدها سبعة مثلاً} لأن أدلة کون ما فی

ص:14


1- الوسائل: ج2 ص618 الباب4 من أبواب النفاس ح1

لکن الأحوط مع عدم الفصل بأقلّ الطهر مراعاة الاحتیاط، خصوصاً فی غیر الصورتین من کونه فی العادة أو متصلاً بدم النفاس.

العشرة حیضاً _ بضمیمة أن النفاس حیض _ شاملة لما نحن فیه، هذا و{لکن الأحوط} الذی لا یترک _ کما جعله السادة البروجردی والجمال والاصطهباناتی کذلک _ {مع عدم الفصل بأقل الطهر مراعات الاحتیاط، خصوصاً فی غیر الصورتین من کونه فی العادة أو متصلاً بدم النفاس} وذلک لأن بعض الأجوبة المذکورة عن أدلة المشهور محل نظر، فإن إطلاق الدلیل الثانی لا یرد علیه ما ذکرناه، وقول المستمسک: (إنهما _ أی روایتی عمار وزریق _ مختصان بدم المخاض ولا تعرض فیهما لما نحن فیه)((1))_ انتهی _ غیر واضح المراد، کیف وکلا الطرفین لا یفرق بین دم المخاض وغیره، ولذا قال الشیخ المرتضی (رحمه الله): إن (العمدة _ فی المسألة هی _ الروایتان)((2)).

ص:15


1- المستمسک: ج3 ص435
2- کتاب الطهارة، للأنصاری: ص264 س26

مسألة ١ أقل وأکثر النفاس

(مسألة _ 1): لیس لأقل النفاس حدّ، بل یمکن أن یکون مقدار لحظة بین العشرة،

(مسألة _ 1): {لیس لأقل النفاس حدّ} بلا إشکال ولا خلاف بل إجماعاً، کما عن الخلاف والغنیة والمعتبر والمنتهی والتذکرة والذکری وکشف الالتباس والروض، وظاهر المدارک وشرح المفاتیح وغیرهم، وذلک لإطلاق أدلته بدون مقید لکونه کذا مقداراً.

{بل یمکن أن یکون مقدار لحظة} سواء جاء مستقلاً أو علی عضو من أعضاء الولد، وإن کان غیر متصل بالولادة، بل {بین العشرة} وکأنه لما دل علی أن ما تراه المرأة فی أثناء العشرة حیض بضمیمة أن النفاس حیض محتبس.

لکن یرد علیه: أن ظاهر ذلک الدلیل أن ما تراه فی أثناء العشرة مسبوقاً بدم لا مطلقاً، وربما یستدل له بخبر لیث المرادی، عن الصادق (علیه السلام) قال: سألته عن النفساء کم حدّ نفاسها حتی یجب علیها الصلاة؟ وکیف تصنع؟ قال: «لیس لها حدّ»((1))، فإنه یشمل لحظة فی أثناء العشرة، وبصحیح ابن یقطین: فی النفساء کم یجب علیها ترک الصلاة؟ قال: «تدع الصلاة ما دامت تری الدم العبیط إلی ثلاثین یوماً، فإذا رقَّ وکانت صفرة اغتسلت»((2)) لکنهما منصرفان عن محل الکلام، ولذا فإذا لم یکن الدم متصلاً بالولادة أو شبه المتصل مما یسمی نفاساً عرفاً، فالأ حوط

ص:16


1- الوسائل: ج2 ص611 الباب2 من أبواب النفاس ح1
2- الوسائل: ج2 ص615 الباب3 من أبواب النفاس ح16

ولو لم تر دماً فلیس لها نفاس أصلاً، وکذا لو رأته بعد العشرة من الولادة، وأکثره عشرة أیام،

بل الأقرب إجراء حکم الاستحاضة علیه.

{ولو لم تر دماً فلیس لها نفاس أصلاً} بلا إشکال ولا خلاف، بل دعوی الإجماع علیه مستفیضة، وذلک لانتفاء الحکم بانتفاء موضوعه، وإن أطلق أحیاناً أن المرأة فی حالة النفاس، فهو مجازی کما هو واضح. {وکذا لو رأته بعد العشرة من الولادة} وذلک بناءً علی ما سیأتی من أکثر النفاس عشرة، بضمیمة ظهور الأدلة فی کون أول النفاس من حین الولادة، وکان علی المصنف أن یقید ذلک بما إذ لم تر الدم قبل الولادة، وإلاّ فالزائد علی العشرة من مجموع ما قبل الولادة وما بعدها استحاضة، کما أن من یقول بأن الحیض یمکن أن یری قبل الولادة لا بد له وأن یقیده بما إذا لم یکن الدم قبل الولادة عشرة أیام، وإلاّ لم یکن حیضاً، إذ ما بعد الولادة نفاس قطعاً، وحیث لا یمکن الجمع بینهما لا بد وأن لا یکون ما قبل الولادة حیضاً.

{و} أما أکثر النفاس، ففیه أقوال:

القول الأول: هو الذی ذهب إلیه المصنِّف بقوله: {وأکثره عشرة أیام} کما نسب إلی المعروف، وعن المسبوط والکرکی والهندی نسبته إلی الأکثر.

القول الثانی: إن أکثره ثمانیة عشر، کما عن الفقیه والسید والاسکافی والدیلمی والمختلف.

ص:17

القول الثالث: إن أکثره أحد وعشرون، کما عن العمانی.

القول الرابع: إنه أحد عشر یوماً، کما عن المفید.

القول الخامس: إن ذات العادة نفاسها بقدر عادتها، والمبتدئة ثمانیة عشر یوماً، کما عن العلامة فی المختلف.

القول السادس: إن المبتدئة عند تجاوز دمها عن العشرة ترجع إلی التمیز ثم النساء، ثم العشرة، والمضطربة ترجع إلی التمیز، ثم العشرة، کما عن البیان.

أما القول الأول: وهم القائلون بأن أکثره عشرة انقسموا إلی قولین: من یقول: بأنه لا یزید علی العشرة بمعنی أنها قد تکون أقل، ولکن لا تکون أکثر _ کما فی الحیض _ ومن یقول: بأنها دائماً عشرة أیام بحیث لا یزید ولا ینقص عنها _ وإن رأت عشرة فما زاد _ ، وهذا نسب إلی القدماء، وقد ینسب إلی المشهور بین الأصحاب لکنه خلاف ظاهرهم، بل المشهور عندهم هو أنه کالحیض، کما عن والد الصدوق والمقنع والمقنعة والشیخ والقاضی والحلی والحلبی والمحقق والجعفی وابن طاووس، وأکثر کتب العلامة والشهید وغیر هم.

استدل من قال بالعشرة الحقیقة، وهو قول خلاف المشهور:

بمرسل المقنعة: «إن أقصی مدة النفاس، مدة الحیض وهو

ص:18

عشرة أیام»((1)).

وبالرضوی: «النفساء تدع الصلاة أکثره مثل أیام حیضها وهی عشرة أیام»((2)).

لکن المرسلة لا دلالة فیها، بل ظاهرها العشرة الإمکانیة، والرضوی مطلقاً لا بد من تقییده بما دل علی إمکان کون الحیض أقل من عشرة من روایات المشهور، مع الغض عن ضعف سنده فی نفسه.

أما المشهور: فقد استدلوا لعدم زیادة النفاس عن العشرة، بأمرین:

الأول: الأصل.

والثانی: الأخبار.

أما الأصل: فهو أصالة الاشتغال، لأن الذمة مشغولة بالعبادات، فاللازم فی سقوطها علی المتیقن من أیام النفاس، استدل بهذا التهذیب وتبعه غیره.

أما أصالة عدم کون الدم نفاساً، أو أصالة عدم ترتیب أحکام النفاس علی الدم الموجود بعد العشرة.

فیرد علی أولهما: معارضته بأصالة عدم کونه استحاضة.

ص:19


1- المقنعة: ص7 س27
2- فقه الرضا: ص21 س26

وعلی ثانیهما: معارضته بأصالة عدم ترتب أحکام الاستحاضة.

وقد أطال بعض الفقهاء الکلام فی الأصل، لکنه مستغنی عنه بوجود الأدلة الاجتهادیة وهی الأخبار:

مثل: ما دل علی أن النفاس حیض محتبس((1)).

ومرسل المفید، عن الصادق (علیه السلام): «لا یکون نفاس لزمان أکثر من زمان حیض»((2)).

والمرسل المردد بین أن یکون مرسلة المفید فی المقنعة((3))، أو الشیخ فی التهذیب((4))_ کما ذهب إلی کل واحد من الاحتمالین جماعة _ قال: «وقد جاءت أخباریة معتمدة بأن أقصی مدة النفاس مدة الحیض، وهو عشرة».

وخبر یونس بن یعقوب، عن الصادق (علیه السلام): «النفساء تجلس أیام حیضها التی کانت تحیض، ثم تستظهر وتغتسل وتصلی»((5)) بناءً علی أن أیام الاستظهار هنا بقدر أیام الاستظهار فی

ص:20


1- الوسائل: ج2 ص579 الباب30 من أبواب الحیض ح13
2- کما عن اللثام: ج1 ص103 س35
3- المقنعة: ص7 س27
4- التهذیب: ج1 ص174 الباب7 حکم الحیض والاستحاضة والنفاس، ذیل حدیث70
5- الوسائل: ج2 ص613 الباب3 من أبواب النفاس ح8

الحیض، بقرینة صدر الروایة.

وخبره الآخر، عنه (علیه السلام): عن إمرأة ولدت فرأت الدم أکثر مما کانت تری؟ قال (علیه السلام): «فلتقعد أیام قرئها التی کانت تجلس، ثم تستظهر بعشرة أیام، فإن رأت دماً صبیباً فلتغتسل عند وقت کل صلاة»((1))_ بناءً أن الباء بمعنی إلی، ویکون مبدأ العشرة من أول رؤیة الدم، ویؤید ذلک:

موثق یونس، عن الصادق (علیه السلام) قلت له: إمرأة رأت الدم فی حیضها حتی جاوز وقتها؟ قال (علیه السلام): «تنظر عدتها التی کانت تجلس، ثم تستظهر بعشرة أیام»((2)).

ویوضحهما مرسل ابن المغیرة، عن رجل، عن الصادق (علیه السلام): فی المرأة التی تری الدم؟ قال: «إن کان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة وإن کانت أیامها عشرة لم تستظهر»((3)).

بل ربما یقال: بأن إطلاق المرسلة یشمل النفاس أیضاً، ومنه یظهر وجه دلالة روایة التهذیب عن الصادق (علیه السلام): «أنها» _ أی النفساء _ «تقعد أیام قرئها التی کانت تجلس، ثم تستظهر بعشرة أیام»((4)).

ص:21


1- الوسائل: ج2 ص612 الباب3 من أبواب النفاس ح3
2- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح11
3- الوسائل: ج2 ص558 الباب13 من أبواب الحیض ح11
4- التهذیب: ج1 ص175 الباب7 فی حکم الحیض و... ح74

ومرسلة الآخر عن ابن سنان: «إن أیام النفساء مثل أیام الحیض»((1)).

وفی المستند: عن السرائر عن المفید: أنه روی مرسلاً: «لا یکون دم نفاس زمانه أکثر من زمان الحیض»((2)).

وما دل علی أن النفاس بمنزلة الحیض: کالذی رواه زرارة عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: النفساء متی تصلی؟ قال: «تقعد بقدر حیضها وتستظهر بیومین، فإن انقطع الدم وإلاّ اغتسلت واحتشت واستشفرت وصلَّت» _ إلی أن قال _ قلت: والحائض؟ قال: «مثل ذلک سواء، فإن انقطع عنها الدم، وإلاّ فهی مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء ثم تصلی، ولا تدع الصلاة علی حال، فإن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: الصلاة عماد دینکم»((3)).

أما القول الثانی: فقد استدل له باستصحاب بقاء النفاس، لما حقق فی الأصول من جریانه فی الأمور التدریجیة کماء النهر والشهر

ص:22


1- التهذیب: ج1 ص178 الباب7 من حکم الحیض و... ذیل الحدیث82
2- المستند: ج1 ص164 س18
3- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص549 الباب28 من أبواب الحیض والاستحاضة والنفاس ح3

والنهار واللیل وغیرها، وفیه: إن الموضع من الرجوع إلی العام لا إلی استصحاب المخصص، لأن کل یوم له تکلیف جدید، کما قال (علیه السلام): «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة»((1))، فالمقدار المعلوم من المخصص یؤخذ به، وفی الزائد یرجع إلی العام.

والعمدة هی الأخبار التی استدل بها لهذا القول، وهی طائفتان:

الأولی: ما دل علی أن النفاس یمتد إلی ثمانیة عشر یوماً، کصحیحة محمد بن مسلم: عن الصادق (علیه السلام) قال: «قلت: کم تقعد النفساء حتی تصلی؟ قال ثمان عشرة _ [و]((2))سبع عشرة ثم تغتسل»((3)) ولا وجه لحمل "الواو" علی التخییر، بل الظاهر أنه للتنویع، أی یکون هکذا تارة وهکذا أخری.

والمروی فی العلل: عن الصادق (علیه السلام) لأی علة أعطیت النفساء ثمانیة عشر یوماً ولم تعط أقل منها ولا أکثر؟ قال (علیه السلام): «لأن الحیض أقله ثلاثة أیام وأوسطه خمسة أیام وأکثره

ص:23


1- الوسائل: ج1 ص261 الباب4 من أبواب الوضوء ح1
2- کما فی الذکری: ص33 س10
3- الوسائل: ج2 ص614 الباب3 من أبواب النفاس ح12

عشرة أیام، فأعطیت أقل الحیض وأوسطه وأکثره»((1)).

والمروی فی العیون: عن الرضا (علیه السلام) فیما کتبه للمأمون قال: «والنفساء لا تقعد عن الصلاة أکثر من ثمانیة عشر یوماً، فإن طهرت قبل ذلک صلَّت، وإن لم تطهر حتی تجاوز ثمانیة عشر یوماً اغتسلت وصلَّت»((2)).

وفی الرضوی والمقنع: «روی: أنها تقعد ثمانیة عشر یوماً»((3)).

الثانیة: الروایات الحاکیة لنفاس أسماء بنت عمیس، وهی کثیرة،

مثل: صحیح ابن مسلم، عن الباقر (علیه السلام) فی النفساء کم تقعد؟ قال: «إن أسماء بنت عمیس نفست، أمرها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أن تغتسل لثمان عشرة، ولا بأس أن تستظهر بیوم أو یومین»((4)).

ص:24


1- علل الشرائع: ص291 الباب217 من الجزء الأول ح1
2- عیون أخبار الرضا: ج2 ص124 الباب35 ح1
3- فقه الرضا: ص21 س27، فیه: «روی ثمانیة عشر یوماً». المقنع: ص5 س21
4- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص553 الباب28 من أبواب الحیض والاستحاضة والنفاس ح16

وخبر زرارة، عن الباقر (علیه السلام): «إن أسماء بنت عمیس نفست بمحمد بن أبی بکر، فأمرها رسول الله (صلی الله علیه وآله) حین أرادت الإحرام من ذی الحلیفة أن تحتشی بالکرسف والخرق، وتهلّ بالحج، فلما قدموا ونسکوا المناسک فأتت لها ثمانی عشرة یوماً فأمرها رسول الله (صلی الله علیه وآله) أن تطوف بالبیت وتصلی ولم ینقطع عنها الدم ففعلت ذلک»((1)).

ومثلها أخبار أخر: کخبر زرارة ومحمد بن مسلم وفضیل((2)).

لکن الظاهر لزوم حمل هذه الروایات علی التقیة، لما ذکره جمع من الفقهاء من أن القول بذلک مشهور بین العامة، ولذا نفاه الإمام (علیه السلام) فی أخبار أخر:

مثل: المروی فی الکافی عن الصادق(علیه السلام): سألت امرأة عنه فقالت: إنی کنت أقعد من نفاسی عشرین یوماً حتی أفتونی بثمانیة عشر یوماً؟ فقال الصادق (علیه السلام): «ولم أفتوک بثمانیة عشر یوماً؟» فقال رجل: للحدیث الذی روی عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال لأسماء بنت عمیس حین نفست بمحمد بن أبی بکر، فقال (علیه السلام): «إن أسماء سألت رسول الله

ص:25


1- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص552 الباب28 من أبواب الحیض والاستحاضة والنفاس ح14
2- التهذیب: ج1 ص179 الباب7 فی حکم الحیض و... ح86

(صلی الله علیه وآله) وقد أتی بها ثمانیة عشر یوماً ولو سألته قبل ذلک لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعله المستحاضة»((1)).

ومثله: خبر حمران بن أعین، عن الباقر (علیه السلام) وفیه: قالت امرأة محمد بن مسلم _ وکانت ولوداً _: إقرأ أبا جعفر (علیه السلام) السلام، وقل له: إنی کنت أقعد فی نفاسی أربعین یوماً وإن أصحابنا ضیَّقوا علیَّ فجعلوها ثمانیة عشر یوماً؟ فقال أبو جعفر (علیه السلام): «من أفتاها بثمانیة عشر یوماً؟» قال: قلت: الروایة التی رووها فی أسماء بنت عمیس أنها نفست بمحمد بن أبی بکر بذی الحلیفة، فقالت: یا رسول الله کیف أصنع؟ فقال لها: «اغتسلی واحتشی وأهلِّّی بالحجّ»، فاغتسلت واحتشت ودخلت مکة ولم تطف ولم تسعَ حتی تقضی الحج، فرجعت إلی مکة فأتت رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقالت: یا رسول الله، أحرمت ولم أطف ولم أسع، فقال لها رسول الله (صلی الله علیه وآله): «وکم لک الیوم؟»، فقالت: ثمانیة عشر یوماً، فقال (صلی الله علیه وآله): «أما الآن فاخرجی الساعة فاغتسلی واحتشی وطوفی واسعی»، فاغتسلت وطافت وسعت وأحلّت، فقال أبو جعفر (علیه السلام): «إنها لو سألت رسول الله (صلی الله علیه وآله) قبل ذلک وأخبرته، لأمرها بما أمرها به»، قلت: فما حدّ النفساء؟ قال: «تقعد أیامها التی کانت تطمث فیهنَّ أیام قرئها، فإن هی طهرت، وإلاَّ استظهرت

ص:26


1- الکافی: ج3 ص98 باب النفساء ح3

بیومین أو ثلاثة أیام، ثم اغتسلت واحتشت، فإن کان انقطع الدم فقد طهرت، وإن لم ینقطع الدم فهی بمنزلة المستحاضة تغتسل لکل صلاتین وتصلِّی»((1)).

فإن هذین الخبرین یشهدان علی أن قصة أسماء لم تکن تقریراً من الرسول (صلی الله علیه وآله) لثمانیة عشر، نعم لا بد من تدخیل التقیة أیضاً:

أولاً: لروایة العلل والعیون.

وثانیاً: لخبر ابن مسلم الظاهرة فی تقریر الإمام لثمانیة عشر، خصوصاً لقوله (علیه السلام) «ولا بأس تستظهر بیوم أو یومین».

أما القول الثالث: للعمانی، ویحکی عن المفید فی بعض کتبه أیضاً من (أن أکثره أحد وعشرون یوماً)، فقد استدل له بما عن المعتبر من وجود روایة البزنطی عن جمیل عن زرارة ومحمد بن مسلم: عن الباقر (علیه السلام)((2)) بذلک، ثم قال المعتبر: (وأما ما ذکره ابن أبی عقیل فإنه متروک والروایة به نادرة)((3)).

ص:27


1- الوسائل: ج2 ص614 الباب3 من أبواب النفاس ح11
2- المعتبر: ص67 س32
3- المعتبر: ص68 س9

أقول: ویکفی فی «رد علمها إلی أهلها» أنها تعارض الروایات الکثیرة المشتهرة بل الإجماع المرکب، _ إلاّ من نادر _ ذهبوا إلی خلاف القولین الأولین.

وأما القول الرابع: الذی یری أن أکثر النفاس أحد عشر یوماً، فلم أجد علیه دلیلاً، ولعله جمع بین ما دل علی أن النفاس کالحیض، وما دل علی الاستظهار بیوم، لکنه لا یمکن أن یذهب إلیه مثل المفید، لأنه خلاف موازین الجمع، اللَّهم إلاّ إذا وجد روایة بذلک لم تصل إلینا.

وأما القول الخامس: المفصل بین ذات العادة فکأیام أقرائها وغیرها فثمانیة عشر یوماً، فقد استدل بحمل أخبار المشهور علی ذات العادة وخصص بها أخبار الثمانیة عشر فتکون هی فی غیر ذات العادة، وفیه: ما تقدم من لزوم حمل أخبار المشهور علی التقیة وما أشبه، فلا حجیة فیها حتی یؤخذ بها ولو فی بعض الموارد.

وأما القول السادس: فقد استدل له بخبر أبی بصیر الذی فیه: «وإن کانت لا تعرف أیام نفاسها فابتلیت جلست بمثل أیام أمها أو أختها أو خالتها»((1))، بضمیمة وحدة الحیض والنفاس فی الأحکام، فیکون حکم النفساء مثل الحائض فی الرجوع إلی التمیز فی غیر ذات العادة وإلی عادة الأهل فی المبتدئة، وسیأتی الکلام فی

ص:28


1- الوسائل: ج2 ص616 الباب3 من أبواب النفاس ح20

ذلک فی المسألة الثالثة إن شاء الله (تعالی).

ثم: إنه وردت فی باب النفاس روایات أخر لم یعمل بها أحد، ولعلها وردت تقیة _ کما قالوا _:

مثل: صحیح محمد بن مسلم، عن الصادق (علیه السلام) قال: «تقعد النفساء _ إذا لم ینقطع عنها الدم _ ثلاثین أو أربعین یوماً إلی الخمسین»((1)).

وخبر إبن یقطین عن الکاظم (علیه السلام) قال: «تدع الصلاة ما دامت تری الدم العبیط إلی ثلاثین یوماً»((2)).

وخبر الخثعمی، عن الصادق (علیه السلام) قال: «بین الأربعین إلی الخمسین»((3))

وخبر حفص بن غیاث، عنه (علیه السلام) عن أبیه (علیه السلام) عن علی (علیه السلام) قال: «النفساء تقعد أربعین یوماً، فإن طهرت وإلاّ اغتسلت وصلَّت، ویأتیها زوجها، وکانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلِّی»((4)).

وخبر ابن سنان، عن الصادق (علیه السلام): «تقعد

ص:29


1- الوسائل: ج2 ص614 الباب3 من أبواب النفاس ح13
2- الوسائل: ج2 ص615 الباب3 من أبواب النفاس ح16
3- الوسائل: ج2 ص615 الباب3 من أبواب النفاس ح18
4- الوسائل: ج2 ص615 الباب3 من أبواب النفاس ح17

النفساء تسع عشرة لیلة، فإن رأت دماً صنعت کما تصنع المستحاضة»((1)).

وخبر الخصال: عن الصادق (علیه السلام): «النفساء لا تقعد أکثر من عشرین یوماً إلاّ أن تطهر قبل ذلک، وإن لم تطهر بعد العشرین، اغتسلت واحتشت وعملت عمل المستحاضة»((2)).

والرضوی: «والنفساء تدع الصلاة أکثره مثل أیام حیضها وهی عشرة أیام ویستظهر بثلاثة أیام ثم تغتسل، فإذا رأت الدم عملت کما تعمل المستحاضة، وقد روی ثمانیة عشرة یوماً. وروی ثلاثة وعشرین یوماً، وبأیّ هذه الأحادیث أخذه من جهة التسلیم جاز»((3))

والمقنع: وروی عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «إن نساءکم لیس کالنساء الأُوَل، إن نساءکم أکثر لحماً وأکثر دماً فلتقعد حتی تطهر»((4)).

وخبر محمد بن یحیی الخثعمی قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن النفساء، فقال: «کما کانت تکون مع ما مضی من

ص:30


1- الوسائل: ج2 ص615 الباب3 من أبواب النفاس ح14
2- الخصال: ص609 باب المائه فما فوق ح9
3- فقه الرضا: ص21 س26
4- الجوامع الفقهیة: (کتاب المقنع) ص5 س22

أولادها وما جربت»، قلت: فلم تلد فیما مضی، قال: «بین الأربعین إلی الخمسین»((1))، إلی غیرها..

ولا یخفی: أن هذا التضارب فی أخبار الباب، أسبابه: جهل بعض الرواة وعدم نقلهم الحدیث کما ورد، أو تقیة الإمام (علیه السلام)، أو الراوی، أو أن الإمام قاله لموضوع خاص فظن عمومه.

ثم إنه لولا الشهرة القطعیة لأمکن الجمع بین جملة من الروایات لما فیها من الشواهد، لکن الشهرة قدیماً وحدیثاً تمنع من اتباع طریقة أخری، وکلام المشهور فی هذا الباب أمور:

الأول: أن النفاس لا یزید عن العشرة، وقد عرفت قیام الدلیل علی ذلک.

الثانی: أنه مع عدم تجاوز الدم عن العشرة، فالجمیع نفاس، سواء کانت ذات عادة أم لا. وفی ذات العادة سواء زاد الدم علی العادة أو ساواها أو نقص عنها، ویدل علیه کون النفاس کالحیض بما تقدم فی أدلة المشهور منضماً إلی ما سبق فی باب الحیض من أن الحکم کذلک فی باب الحیض.

الثالث: عدم الاعتبار بالتمیز، فکل ما تراه بعد الولادة نفاس ولو کان بصفة الاستحاضة، ویدل علیه إطلاقات الأدلة.

ص:31


1- الوسائل: ج2 ص615 الباب3 من أبواب النفاس ح18

وإن کان الأولی مراعاة الاحتیاط بعدها أو بعد العادة إلی ثمانیة عشر یوما من الولادة،

الرابع: رجوع ذات العادة إلی عادتها عند تجاوز الدم عن العشرة، ویدل علیه کون النفاس کالحیض أو أنه حیض کما تقدم فی دلیل المشهور، منضماً إلی ما تقدم فی باب الحیض من أن حکم الحیض هو ذلک.

الخامس: رجوع غیر ذات العادة إلی العشرة _ إذا تجاوز الدم العشرة _ لا إلی الصفات ولا إلی عادة نسائها، وذلک لما یأتی فی المسألة الثالثة إن شاء الله تعالی.

{وإن کان الأولی مراعاة الاحتیاط بعدها أو بعد العادة إلی ثمانیة عشر یوماً من الولادة} وذلک لما تقدم من الروایات الدالة علی هذا العدد خصوصاً بعد إمکان الجمع بین روایات المشهور وهذه الروایات بالجواز، کما یجوز ترک العبادة فی أیام الاستظهار، والحمل علی التقیة إنما یصار إلیه إذا لم یمکن الجمع العرفی، وقد عرفت وجود روایات تدل علی ذلک فی غیر قصة أسماء، خصوصاً وإن قصة أسماء لو کان الواجب علیها العبادة للزم تنبیه النبی (صلی الله علیه وآله) لوجوب قضاء الصلوات التی فاتتها ما بعد العشرة، لکن هذا الاحتیاط ضعیف إذ لا یمکن الجمع العرفی خصوصاً بعد إنکار الإمام (علیه السلام)، وعدم تنبیه النبی (صلی الله علیه وآله) لعله لعدم تشریع القضاء آنذاک، أو لأن أول الإسلام فإذا لم یبلغ الإنسان حکم لم یجب علیه، فلم یکن علیها أداء فلا قضاء علیها، وإن کان قد شرع الأداء وقاله النبی

ص:32

واللیلة الأخیرة خارجة، وأما اللیلة الأولی إن ولدت فی اللیل فهی جزء من النفاس وإن لم تکن محسوبة من العشرة، ولو اتفقت الولادة فی وسط النهار یلفق من الیوم الحادی عشر،

(صلی الله علیه وآله) لبعض أصحابه، أو لغیر ذلک من المحامل التی احتمالها یسقط دلالة الحدیث فی هذه الجهة، والله سبحانه العالم.

{واللیلة الأخیرة خارجة} لأن المنصرف من «ثلاثة أیام أو عشرة أو ما أشبه»: النهارات بلیالیها المتوسطة فقط، کما تقدم فی باب الحیض.

{وأما اللیلة الأولی إن ولدت فی اللیل فهی جزء من النفاس} لصدق الدم بعد الولادة علیه، ثم إنها محسوبة عن الیوم، لأن حالها حال اللیالی المتوسط فی شمول الأیام لها، ولا تصادم فی دخول اللیلة الأولی _ إذا وقع الحادث المحدد بالأیام _ فی الأیام وعدم دخول اللیلة الآخیرة، لأنه مقتضی الفهم العرفی، فإن قال: بقینا ثلاثة أیام فی بلد کذا.. أراد الأیام بلیالیها المتوسطة واللیلة الأولی _ إن کان وصل فی تلک اللیلة _، وکذا إن قال: یجب علیک أن تبقی فی المستشفی ثلاثة أیام _ إذا کان دخوله فی اللیل _، إلی غیر ذلک من الأمثلة.. فقوله: {وإن لم تکن محسوبة من العشرة} محل منع.

{ولو اتفقت الولادة فی وسط النهار} أی بعد أن مضی بعضه {یلفق من الیوم الحادی عشر} لیکمل عشرة أیام، وهو واضح لأن

ص:33

لا من لیلته، وابتداء الحساب بعد تمامیة الولادة وإن طالت، لا من حین الشروع، وإن کان إجراء الأحکام من حین الشروع

تحقق عشرة أیام یتوقف علی ذلک، بل فی المستند فی باب الحیض (نفی الخلاف فیه)، وقد جری علیه بناء الفقهاء فی إقامة العشرة ومدة الاستبراء والعدة ومدة الخیار وغیرها.. {لا من لیلته} لما تقدم من أن (الیوم) ظاهر فی النهار وإن تبعه اللیالی المتوسطة ونحوها..

{وابتداء الحساب بعد تمامیة الولادة وإن طالت، لا من حین الشروع، وإن کان إجراء الأحکام} للولادة أی أحکام النفاس {من حین الشروع} أما أن إجراء الأحکام من حین الشروع: فبلا إشکال ولا خلاف، وذلک لصدق النفاس ولبعض الروایات المتقدمة الدالة علی أنها لو رأت الدم مع رأس الولد کان نفاساً.

وأما أن ابتداء الحساب بعد تمامیة الولادة: فذلک مما أفتی به نجاة العباد تبعاً لمحکی شارح البغیة لکنه قال: (بأنه لم یصرح به أحد ممن تقدمه فیما وجد من کلماتهم)((1))، فلخبر مالک بن أعین، عن الباقر (علیه السلام): إذا مضی لها منذ یوم وضعت بقدر أیام عدة حیضها، ثم تستظهر بیوم بلا بأس بعد أن یغشاها زوجها»((2))

حیث جعل الإمام (علیه السلام) المدار من یوم وضعت لا من یوم

ص:34


1- کما عن المستمسک: ج3 ص446
2- الوسائل: ج2 ص612 الباب3 من أبواب النفاس ح4

إذا رأت الدم إلی تمام العشرة من حین تمام الولادة.

شرعت فی الوضع، اللّهم إلاّ أن یقال: إن الشروع فی الوضع وضع، ولا یتوقف صدقه علی الوضع الکامل، ولذا یصح أن یقال: وضعت الحرب أوزارها، إذا شرعت فی الوضع وانتهت الحرب، أو یقال: إن الخبر محمول علی الغالب من عدم تطاول زمان الوضع.

وکیف کان: فنتیجة الجمع بین الأمر _ کون: ابتداء الحساب بعد تمامیة الولادة، وکون إجراء الأحکام من حین الشروع _ أنه: لو جاء الولد متقطعاً فی عشرة أیام کان نفاسها عشرین یوماً، أو: لو طال زمان الولادة نصف یوم مثلاً کان نفاسها عشرة أیام ونصف یوم، وزیادة النفاس هنا علی العشرة فی المقام لا یضر، إذ ما ذکروه من (أن أکثر النفاس عشرة) یراد به فی المتعارف، ولو أرادوا مطلقاً لم یکن علی إطلاقهم دلیل، بل الدلیل کان علی خلافهم، وهو ما عرفت من الجمع بین دلیلی: «إن دم رأس الولد نفاس، وإن الاحتساب من یوم وضعت»، لکن ربما یقال: إن حال الولد المتطاول زمانه، مثل حال المتقطع، فی کون کلیهما بمنزلة نفاسین کما فی التوائم، وهذا هو الأظهر عندی، لأنه لا شک فی أن الکل نفاس، وظاهر الأدلة والفتاوی: أن ابتداء الحساب من حین الشروع، ولا قوة فی خبر مالک لصرف الأدلة عن ظاهرها.

ف_ {إذا رأت الدم إلی تمام العشرة من حین تمام الولادة} یضاف علیه فی النفاسیة ما تقدم ذلک من حین الشروع إلی حین تمام

ص:35

الولادة، ثم إنه لا إشکال فی کون الدم المصاحب من ابتداء الخروج إلی انتهاء الخروج نفاساً، له أحکام النفاس، کما هو واضح، والله سبحانه العالم.

ص:36

مسألة ٢ أحکام النفساء لو انقطع دمها علی العشرة

(مسألة _ 2): إذا انقطع دمها علی العشرة أو قبلها فکل ما رأته نفاس، سواء رأت تمام العشرة، أو البعض الأول، أو البعض الأخیر،

(مسألة _ 2): {إذا انقطع دمها علی العشرة أو قبلها فکل ما رأته نفاس} بلا إشکال ولا خلاف، بل الإجماع علیه، ویدل علیه النص السابق {سواء رأت تمام العشرة أو البعض الأول} بلا إشکال فیهما لصدق الأدلة {أو البعض الأخیر} کیوم العاشر، کما ذکره جماعة بل عن المدارک: إنه (مقطوع به فی کلام الأصحاب)((1))، لکن المدارک بنفسه وتبعه الریاض استشکلا فی ذلک، من جهة الشک فی صدق دم الولادة علیه لأجل فصله عنها، وإشکالهما فی مورده.

أما ما ورد به الإشکال من جهة صدق النفاس عرفاً، والنقض بذات العادة حین تری العاشر من أیام ولادتها: فإنه لا شک فی کونه نفاساً، فکذا غیر ذات العادة لوحدة المناط، والإجماع علی أنه نفاس، کما نقله المدارک عن قطع الأصحاب.

فقی الکل: ما لا یخفی، لعدم الصدق عرفاً، والنقض لیس فی مورده لعدم مسلّمیة أنه فی ذات العادة کذلک، ولا إجماع فی المسألة، إذ هو مذکور فی کلام بعض الفقهاء فقط، وعلیه: فأصالة

ص:37


1- مدارک الاحکام: ص75 س22

أو الوسط، أو الطرفین، أو یوماً ویوماً لا، وفی الطهر المتخلل بین الدم تحتاط بالجمع بین أعمال النفساء والطاهر،

عدم النفاس محکمة، ویظهر من المستمسک تأییده حیث قال _ بعد نقل إشکال المدارک _: (و هو فی محله لولا ظهور الإجماع علی جریان قاعدة الإمکان فیه)((1))، إلی آخره.

{أو الوسط} إذا صدق علیه النفاس عرفاً _ کما عرفت _ {أو الطرفین} إذا صدق علی الطرف الثانی النفاس عرفاً، أو الأطراف کذلک، کما إذا رأت الیوم الأول والثالث والعاشر مثلاً، ومنه: یظهر أن الجزم بذلک بالنسبة إلی الطرف الثانی _ لقول جامع المقاصد: (لا بحث فیه) أو نفی بعض (لخلاف عنه)، أو دعوی الأردبیلی (الاجماع علیه) _ محل تأمل، بل منع، بل لو ثبت الإجماع کان محل الاحتیاط لاحتمال استناده، لما یظهر من بعضهم من إسناده إلی صدق النفاس، ومن بعض آخر من تمسکهم بقاعدة الإمکان {أو یوماً، ویوماً لا} لصدق النفاس عرفاً، ولأنه أولی من الطرفین عند من لا یشک فی نفاسیتها.

{وفی الطهر المتخلل بین الدم} فی أثناء العشرة {تحتاط بالجمع بین أعمال النفساء والطاهر} ووجه الاحتیاط ما تقدم من المصنف من الإشکال فی ذلک فی باب الحیض، لکن تقدم هناک أن الأقوی هو ما ذهب إلیه المشهور من کونه حیضاً، خلافاً لصاحب الحدائق

ص:38


1- المستمسک: ج3 ص447

ولا فرق فی ذلک بین ذات العادة العشرة أو أقل، وغیر ذات العادة،

حیث ذهب إلی أنه طهر، وذلک لما سبق هناک من الدلیل بالإضافة إلی أن المسألة لا خلاف فیه کما فی الجواهر، بل ادعی علیه الإجماع، وإن توقف فیه صاحب الذخیرة لعدم ثبوت الإجماع علی الکلیة وفقد النص الدال علیه.

ثم إنه لا ینبغی لمثل المصنف الاحتیاط فیما إذا کان الطهر قلیلاً جداً، کما إذا کان ساعة فی أثناء الیوم، لأنه لا أشکال فی تخلل مثله کثیراً فی کل ذات دم حیضاً أو نفاساً أو استحاضة.

نعم لا ینبغی الإشکال فی أنها لو رأت الدم یوماً مثلاً ثم طهرت، وبعد خمسة أیام مثلاً ولدت ولداً ثانیاً _ فی التوأم _ ورأت الدم یوماً آخر، کان النقاء فی البین طهراً، وذلک لعدم شمول الأدلة له، بل حاله حال الطهر الکامل بین الحیضین، اللهم إلاّ إذا کان قلیلاً جداً کما لو نظفت ساعة ثم ولدت الثانی ورأت الثانی، فالظاهر صدق النفساء علیها، لعدم ضرر النقاء القلیل فی الصدق عرفاً، بل قد عرفت أن مثل نقاء الیوم لا یضر بالصدق.

{ولا فرق فی ذلک بین ذات العادة العشرة أو أقل وغیر ذات العادة} وذلک بلا خلاف ظاهر، إلاّ من الذکری والریاض حیث استشکلا فی الحکم بنفاسیة الدم الذی یری فی أثناء العشرة بعد العادة فیما کانت العادة نقاءً، مثلاً: کانت عادتها خمسة ولم تر فیها

ص:39

وإن لم تر دماً فی العشرة فلا نفاس لها،

دماً أصلاً، ثم رأت فی الیوم السادس مثلاً یوماً واحداً أو أکثر إلی العشرة أو إلی أن تجاوز العشرة، وجه الإشکال: إن الشارع حکم بأن ما فی العادة نفاساً دون الزائد علیه، بالإضافة إلی الشک فی صدق دم الولادة لما تراه بعد العادة.

وفی کلا الوجهین ما لا یخفی، إذ الشارع إنما أرجع إلی العادة فیما إذا تجاوز العشرة لا مطلقاً، فما تراه فی العشرة بدون التجاوز مشمول لما دل علی أن ما تراه فی العشرة فهو نفاس، کالدلیل الدال علی التساوی بین الحیض والنفاس وأن النفاس حیض محتبس.

وأما الشک فی الصدق فهو وإن کان فی الجملة صحیحاً، لأنه یشک فی الصدق فی مثل ما إذا رأی العاشر فقط _ کما تقدم الإشکال فی کونه نفاساً _ لکن لیس ذلک مطلقاً مشکوکاً فیه، مثلاً: إذا کانت عادتها ثلاثة أیام _ ثم لم تر نفاساً فی هذه الأیام وإنما رأت الرابع، فالظاهر الصدق.

وکیف کان: فلا یفرق فی هذا أیضاً ذات العادة وغیرها إذا لم یکن صدق لم یشمله دلیل ذات العادة.

{وإن لم تر دماً فی العشرة فلا نفاس لها} بلا إشکال ولا خلاف، بل فی طهارة الشیخ: (الإجماع علی أن مبدأ العشرة من حین الولادة)((1)) وفی الجواهر: (کما نص علیه غیر واحد من

ص:40


1- کتاب الطهارة للأنصاری: ص274 س19

الأصحاب)((1)) ویدل علی ذلک:

خبر مالک بن أعین، حیث قال الباقر (علیه السلام): «إذا مضی لها منذ یوم وضعت بقدر أیام عدة حیضها»((2)). فإن ظاهره إن ابتداء الاحتساب من یوم الوضع، لا من یوم رؤیة الدم.

ومثله: ما رواه الفضلاء من قول رسول الّله (صلی الله علیه وآله) لأسماء: «منذ کم ولدت؟»((3)) الظاهر فی أن العبرة بیوم الولادة، فلو رأت بعد العاشر أو رأت من الخامس إلی الخامسة عشرة فالزائد عن العشرة لیس نفاساً، لکن الشیخ فی الطهارة نفی البعد عن کون الخبرین منصرفین إلی صورة رؤیة الدم من حین الولادة، فاعتبار العشرة من حین الولادة إنما هو إذا رأت الدم حینها، فإذا لم تر الدم حینها، وإنما رأت متأخراً کان ابتداء العشرة من حین رؤیة الدم، وفیه: إن الانصراف لو کان فهو لأجل الغلبة، والغلبة لا تکون ناشئة للانصراف المقید للإطلاق، فالإطلاق محکم، ومنه: یظهر أن إشکال الجواهر فی ذلک أیضاً محل منع.

وعلی هذا: فإذا رأت الدم بعد العاشرة ولم تر قبله، فالمحکم قاعدة الإمکان _ إن وجدت فهو، وإلاّ فالدم استحاضة _ أما إذا

ص:41


1- الجواهر: ج3 ص396
2- الوسائل: ج2 ص612 الباب3 من أبواب النفاس ح4
3- الوسائل: ج2 ص616 الباب3 من أبواب النفاس ح19

وإن رأت فی العشرة وتجاوزها فإن کانت ذات عادة فی الحیض أخذت بعادتها، سواء کانت عشرة أو أقل، وعملت بعدها عمل المستحاضة،

رأت النفاس فی العشرة وبعدها، فإن کان فصل عشرة بین الدمین ولو المتصلین _ کما: إذا رأت شهر _، فالقاعدة محکمة أیضاً فی الدم الذی تراه بعد العشرة المحکومة بالاستحاضة، وإن لم یکن فصل العشرة فالدم الثانی _ متصلاً کان أو منفصلاً _ محکوم بکونه استحاضة.

{وإن رأت فی} تمام {العشرة وتجاوزها، فإن کانت ذات عادة فی الحیض أخذت بعادتها، سواء کانت عشرة أو أقل} علی المشهور {وعملت بعدها عمل الاستحاضة} خلافاً للمحقق فی الشرائع والنافع: (بکون العشرة کلها نفاساً، وإنما الاستحاضة بعد العاشر حتی فی ذات العادة التی عادتها أقل من عشرة). قال فی الجواهر: (لم أعرف أحداً صرح بذلک ممن تقدمه أو تأخر عنه)((1)).

استدل المشهور: بإطلاق الأخبار الآمرة بالرجوع إلی العادة فی ذات العادة، فإنها تشمل کل تجاوز عن العادة سواء انقطع قبل العشرة أو بعدها، خرج منها صورة الانقطاع قبل العشرة، حیث دل الدلیل علی أن الکل نفاس فیبقی الباقی وهو صورة انقطاع الدم بعد

ص:42


1- الجواهر: ج3 ص388

العشرة، بالإضافة إلی مساوات الحائض مع النفساء مع وضوح رجوع الحائض إلی العادة إذا تجاوز دمها العشرة، ویؤیده الأخبار الآمرة بالاستظهار، فإنه لولا ظهور حالها فی عدم انقطاع دمها علی العشرة بکون أیام عادتها قدر نفاسها لم یکن معنی لإطلاق الاستظهار، فإنه طلب الظهور فیما یشک فی أنه هل هو أو غیره.

استدل المحقق: بأن أکثر النفاس عشرة، وکأنه بضمیمة قاعدة الإمکان، وإلاّ فکون أکثر شیء کذا، لا یوجب الحکم بالأکثریة مطلقاً.

وراویة یونس، عن الصادق (علیه السلام): «ثم تستظهر بعشرة أیام، فإن رأت دماً صبیباً فلتغتسل عند وقت کل صلاة، وإن رأت صفرة فلتتوضأ»((1))، فإن الاستظهار إلی العشرة معناه ترتیب آثار النفاس، مضافاً إلی دعوی الشیخ فی الخلاف الإجماع علی أن العشرة نفاس، وإلی استصحاب النفاس.

وفی الکل: ما لا یخفی، إذ کون أکثر النفاس عشرة، لا یقتضی أن کل نفاس کذلک، ولا تجری قاعدة الإمکان، للروایات الدالة علی أنه إذا تجاوز دمها العشرة ترجع إلی العادة، وخبر یونس دلیل خلاف المحقق إذ التعبیر بلفظ الاستظهار شهادة علی أنها لو

ص:43


1- الاستبصار: ج1 ص151 الباب91، أکثر أیام النفاس  ح4

وإن کان الأحوط الجمع إلی الثمانیة عشر کما مر، وإن لم تکن ذات عادة کالمبتدئة والمضطربة فنفاسها عشرة أیام،

تجاوز دمها العشرة لم یکن جمیع العشرة نفاساً، فإن تقسیم العشرة إلی النفاس وإلی أیام الاستظهار دلیل ظاهر علی عدم کون کل العشرة مطلقاً نفاساً، وإجماع الشیخ بصدد کون العشرة یمکن أن تکون نفاساً لا أنها نفاس مطلقاً، والاستصحاب لا مجال له بعد وجود الدلیل الاجتهادی.

{وإن کان الأحوط الجمع إلی الثمانیة عشر کما مر} ومر الإشکال فیه.

{وإن لم تکن ذات عادة کالمبتدئة والمضطربة، ف_} هناک أقوال:

القول الأول: أن {نفاسها عشرة أیام} مطلقاً کما هو المشهور.

القول الثانی: التفصیل بین المبتدئة، فترجع إلی التمیز ثم إلی عادة أهلها، ثم العشرة، بخلاف غیر المبتدئة، فکالمشهور، کما عن البیان.

القول الثالث: الرجوع إلی الروایات من الستة والسبعة مطلقاً، کما عن المنتهی.

القول الرابع: التفصیل بین المبتدئة برجوعها إلی عادة أهلها، وبین المضطربة فالرجوع إلی العشرة، کما احتمله الجواهر.

ص:44

استدل للقول الأول: بالاستصحاب، وقاعدة الإمکان المتسالم علیها فی المقام، ولصدق النفاس عرفاً فیتبعه حکمه، وهو الأقوی، کما علیه المشهور.

استدل للقول الثانی: بمساواة النفاس مع الحیض فی الأحکام، فیأتی فی المبتدئة هنا ما ذکر لها من الأحکام فی باب الحیض، وبأن ما یدل علی رجوعها إلی الأقراء شامل لکل ذلک.

ویرد علی الأول: إن المبتدئة تحتاج إلی التمیز لعدم علمها بأول حیضها بخلاف ما إذا نفست فلا تحتاج إلی التمیز لعلمها بأول نفاسها وأنه عقیب الولادة سواء کان ذا تمیز أم لا، وکذا بالنسبة إلی عادة الأهل، وعلی الثانی: بأنه من البعید حمل الأقراء علی المعنی الأعم من الصفات وعادة النساء.

استدل للقول الثالث _ وهو الذی ذکره المنتهی _ بنفس الاستدلال المذکور عن البیان _ أی القول الثانی _ لکن: فیه ما فیه.

استدل للقول الرابع _ وهو الذی احتمله الجواهر _: بخبر أبی بصیر، عن الصادق (علیه السلام): «وإن کانت لا تعرف أیام نفاسها فابتلیت، جلست بمثل أیام أمها أو أختها أو خالتها واستظهرت بثلثی ذلک، ثم صنعت کما تصنع المستحاضة»((1)).

لکن الخبر لا یمکن العمل به، لما قاله المعتبر: من أن (الروایة

ص:45


1- الوسائل: ج2 ص616 الباب3 من أبواب النفاس ح20

وتعمل بعدها عمل المستحاضة مع استحباب الاحتیاط المذکور.

ضعیفة والسند شاذة]((1))، بالإضافة إلی ما ذکره المستمسک حیث قال: [مع أن ظاهرها الرجوع إلی عادتها فی النفاس]((2))، وقد حکی الاتفاق جماعة، منهم جامع المقاصد: علی أن العادة فی النفاس لیست مرجعاً للنفساء.

أقول: لکن المسألة بعدُ بحاجة إلی التأمل.

{و} کیف کان: {تعمل بعدها عمل المستحاضة مع استحباب الاحتیاط المذکور} کما تقدم وجهه.

ص:46


1- المعتبر: ص69 س3
2- المستمسک: ج3 ص451

مسألة ٣ النفساء صاحبة العادة تری الدم بعد العادة

(مسألة _ 3): صاحبة العادة إذا لم تر فی العادة أصلاً ورأت بعدها وتجاوز العشرة لا نفاس لها علی الأقوی.

(مسألة _ 3): {صاحبة العادة إذا لم تر فی العادة} دماً {أصلاً، ورأت بعدها وتجاوز العشرة، لا نفاس لها علی الأقوی} قد تقدم: أنها لو رأت دماً إلی العاشر ولم تر یوماً فهو نفاس، وتقدم الإشکال منا فی بعض صوره، ولا فرق فی ما تقدم بین أقسام النساء من ذات العادة والمبتدئة والمضطربة والناسیة.

أما لو لم تر فی العادة أصلاً، بل رأته بعدها وتجاوز العشرة، فهل یحکم بما تراه فی العشرة بکونه نفاساً، وما بعد العشرة بکونه استحاضة، أو أن لا نفاس لهذه المرأة أصلاً، قولان:

الأول: ما اختاره الأکثر _ حسب ما نسب إلی ظاهر کلماتهم _ من (أن ما تراه فی العشرة نفاس)، وذلک لقاعدة الإمکان المتسالم علیها، وللصدق عرفاً فی الجملة کما إذا کانت عادتها ثلاثة أیام فلم ترها بعد الولادة، وإنما رأت من الیوم الرابع، وهذا ما اختاره المستمسک وغیره، وهو الأقوی.

الثانی: ما اختاره المدارک وجامع المقاصد _ کما حکی عنهما _، وتبعهما المصنف، من (أنها لا نفاس لها)، واستدل لذلک بإطلاق ما دل علی أن الدم المتجاوز عن العادة إذا لم ینقطع عن العشرة لم یک حیضاً، وإذا لم یکن حیضاً فلیس بنفاس لوحدة أحکامهما، وفیه: إن ظاهر تلک الإطلاقات من رأت الدم فی العادة واستمر حتی

ص:47

وإن کان الأحوط الجمع إلی العشرة، بل إلی الثمانیة عشر مع الاستمرار إلیها، وإن رأت بعض العادة ولم تر البعض من الطرف الأول وتجاوز العشرة

تجاوز العشرة فلا تشمل من لم تر فی العادة أصلاً کما استظهره غیر واحد، وکأنه لذا احتاط بقوله:

{وإن کان الإحوط الجمع إلی العشرة} کما اختاره مصباح الهدی والسادة: البروجردی والجمال والأصطهباناتی، والمراد به: الجمع بین تروک النفساء وأفعال الطاهر.

نعم عن نجاة العباد: جعل الاحتیاط فی الحکم بنفاسیة ما بعد العادة إلی العشرة، ولعل وجهه ما یستفاد من أخبار الاستظهار {بل إلی الثمانیة عشر مع الاستمرار إلیها} لما سبق من احتیاط المصنف إلی الثمانیة عشر مطلقاً.

{وإن رأت ببعض العادة ولم تر البعض} فإن رأت الأول فقط أو مع الوسط، أو الوسط فقط، فلا إشکال فی أنه نفاس، وإن رأت الآخر ولم تر البعض {من الطرف الأول} وانقطع علی العشرة، فالکل نفاس _ کما تقدم _، وإن أشکلنا فی بعض الصور سابقاً، کما إذا رأت العاشر فقط حیث یشک فی صدق النفاس علیه.

{و} أما إن {تجاوز العشرة} فلا إشکال أن ما فی العادة نفاس، کما لا إشکال بأن ما بعد العشرة لیس بنفاس، وإنما الکلام فی الزائد علی العادة الواقع فی العشرة فقد اختلفوا فی ذلک:

ص:48

أتمتها بما بعدها إلی العشرة دون ما بعدها، فلو کان عادتها سبعة ولم تر إلی الیوم الثامن فلا نفاس لها،

والمصنف تبعاً للجواهر قال: {أتمتها بما بعدها إلی العشرة، دون ما بعدها} خلافاً لما حکی عن الروضة وجامع المقاصد والحدائق والریاض حیث جعلوا العادة فقط نفاساً دون ما بعدها إلی العشرة.

استدل الجواهر: بقاعدة الإمکان والاستصحاب ومساواة الحائض مع النفساء مع کون الحکم فی الحائض کذلک، وأن المأمور به فی النفاس هو الأخذ بالعدد لا الوقت، إذ الوقت غیر ملحوظ فی النفاس، وهذا القول هو الأقرب.

أما الآخرون فقد استدلوا: بأن الإطلاق دل علی أنه لو تجاوز العشرة رجعت ذات العادة إلی عادتها فلا نفاس بعد العادة، هذا: ویؤیده أن حال الزائد علی العادة حال ما بعد العشرة، فکما أن ما بعد العشرة لیس نفاساً کذلک الزائد علی العادة، وفیه: الشک فی شمول الإطلاق لمثل المقام، ولا شک فی صدق النفاس فی بعض صوره، کالتی رأت من الرابع مثلاً، فاللازم الرجوع إلی عموم أدلة النفاس لا إلی الإطلاق المذکور، وما ذکر له من التأیید لیس إلاَّ تکراراً للإطلاق أو شبه استحسان، ولذا اختاره السید ابن العم والجمال والاصطهباناتی وغیرهم حیث سکتوا علی المتن.

{فلو کان عادتها سبعة، ولم تر إلی الیوم الثامن فلا نفاس لها} لأنه دم بعد العادة وقد تجاوز العشرة، فلا یحکم علیه بأنه نفاس.

ص:49

وإن لم تر الیوم الأول جعلت الثامن أیضاً نفاساً، وإن لم تر الیوم الثانی أیضاً فنفاسها إلی التاسع، وإن لم تر إلی الرابع أو الخامس أو السادس فنفاسها إلی العشرة، ولا تأخذ التتمة من الحادی عشر فصاعداً، لکنَّ الأحوط الجمع فیما بعد العادة إلی العشرة، بل إلی الثمانیة عشر مع الاستمرار إلیها.

لکن قد عرفت أنا لا نقول بنفاسیته لعدم الصدق، لا لما ذکره المصنف وإنما قلنا: (لا لما ذکره) لأن الظاهر مما دل علی أن ما بعد العادة لیس حیضاً إذا تجاوز عن العشرة، أنه لو رأته من العادة وتجاوز العشرة، کما تقدم.

{وإن لم تر الیوم الأول} وإنما ابتدء دمها من الیوم الثانی {جعلت الثامن أیضاً نفاساً} لما سبق فی باب الحیض من إمکان تأخر الحیض وتقدمه _ وإن أشکلوا فی التأخر _ وللصدق وقاعدة الإمکان والاستصحاب {وإن لم تر الیوم الثانی أیضاً فنفاسها إلی التاسع} وکذلک إذا رأت أول ما رأت فی الیوم الرابع {وإن لم تر إلی الرابع أو الخامس أو السادس فنفاسها إلی العشرة} لقاعدة الإمکان، والصدق، والاستصحاب.

{ولا تأخذ التتمة من الحادی عشر فصاعداً} لما سبق من أن الدم بعد العشرة لیس نفاساً نصّاً وإجماعاً {لکنَّ الأحوط الجمع فیما بعد العادة إلی العشرة} بین ترک النفاس وأعمال الطاهرة {بل إلی الثمانیة عشر مع الاستمرار إلیها} وقد تقدم وجه کلا الاحتیاطین

ص:50

_ فراجع _ ثم إن المستمسک ومصباح الهدی أشکلا علی المصنف بأنه لا وجه لقول المصنف: (لا نفاس لها) فیمن رأت الثامن فقط، والإشکال فی محله بناءً عل مبنی المصنف لا علی ما ذکرنا من المبنی _ والله العالم _.

ص:51

مسألة ٤ أقل الطهر بین الحیض المتقدم والنفاس

(مسألة _ 4): اعتبر مشهور العلماء: فصل أقلِّ الطهر بین الحیض المتقدم والنفاس، وکذا بین النفاس والحیض المتأخر، فلا یحکم بحیضیة الدم السابق علی الولادة، وإن کان بصفة الحیض أو فی أیام العادة إذا لم یفصل بینه وبین النفاس عشرة أیام، وکذا فی الدم المتأخر، والأقوی عدم اعتباره فی الحیض المتقدم کما مرَّ.

نعم لا یبعد ذلک فی الحیض المتأخر،

(مسألة _ 4): {اعتبر مشهورالعلماء: فصل أقل الطهر بین الحیض المتقدم والنفاس} المتأخر {وکذا بین النفاس والحیض المتأخر} کما اعتبروا الفصل بین الحیضین ولم یعتبروا الفصل بین النفاسین.

{فلا یحکم بحیضیة الدم السابق علی الولادة وإن کان بصفة الحیض أو فی أیام العادة إذا لم یفصل بینه وبین النفاس} المتأخر {عشرة أیام} لوضوح أن دم بعد الولادة نفاس نصاً وإجماعاً، فاللازم إسقاط حیضیة الدم المتقدم {وکذا فی الدم المتأخر} وإن کان بصفة الحیض أو فی أیام العادة، لما تقدم من الدلیل فی عکسه {والأقوی عدم اعتباره فی الحیض المتقدم کما مرّ} ومر الکلام فیه.

{نعم لا یبعد ذلک فی الحیض المتأخر} بل ظاهرهم الإجماع علیه، وفی صحیح ابن المغیرة: فیمن نفست فترکت الصلاة ثلاثین یوماً ثم طهرت ثم رأت الدم بعد ذلک؟ قال (علیه

 

ص:52

لکن الأحوط مراعاة الاحتیاط.

السلام): «تدع الصلاة لأن أیامها أیام الطهر قد جازت مع أیام النفاس»((1)).

{لکنَّ الأحوط} استحباباً، فتأمل {مراعاة الاحتیاط} والله العالم.

ص:53


1- الوسائل: ج2 ص619 الباب5 من أبواب النفاس ح1

مسألة ٥ لو خرج بعض الطفل

(مسألة _ 5): إذا خرج بعض الطفل وطالت المدة إلی أن خرج تمامه، فالنفاس من حین خروج ذلک البعض إذا کان معه دم، وإن کان مبدأ العشرة من حین التمام کما مر، بل وکذا لو خرج قطعة قطعة

(مسألة _ 5): {إذا خرج بعض الطفل وطالت المدة إلی أن خرج تمامه، فالنفاس من حین خروج ذلک البعض إذا کان معه دم} لصدق النفاس عرفاً وشمول الفتاوی له، بالإضافة إلی بعض الروایات الدالة علی أنه مع خروج رأس الولد یکون النفاس _ وقد تقدم الکلام فی هذه المسألة _ {وإن کان مبدأ العشرة من حین التمام} لأنه بمنزلة ولادات متعددة {کما مرّ} الکلام فیه {بل وکذا إذا خرج قطعة قطعة}.

فإن النفاس یبدأ من حین خروج القطعة الأولی وینتهی بتمام العشرة بعد خروج القطعة الأخیرة، فإنه بمنزلة التوأمین عرفاً، کما عن النهایة والدروس واحتمله الذکری أیضاً، فاحتمال الجواهر: توقف النفاس علی خروج المجموع قال: (وإن اکتفینا ببروز الجزء مع الاتصال للفرق بینه وبین الانفصال)((1)) انتهی، محل منع، إذ لا نسلّم اختلاف الصدق حتی یقال: إنه لو کانت الأجزاء متصلة صدقت الولادة بخروج أول جزء من الولد. أما لو کانت الأجزاء منفصلة لا تصدق الولادة فلا نفاس.

ص:54


1- الجواهر: ج3 ص393

وإن طال إلی شهر أو أزید فمجموع الشهر نفاس إذا استمر الدم_ وإن تخلل نقاء فإن کان عشرة فطهر، وإن کان أقل

ومنه: یظهر ما فی دعوی المستمسک من قوله: (نعم لا تبعد دعوی کون مبدأ العشرة سقوط معظم الأجزاء التی تصدق معها الولادة، وإن بقی بعض الأجزاء، کما لو وضعت الحمل وبقی منه بعض أصابعه أو نحوه)((1)) انتهی، کما یظهر ما فی دعوی مصباح الهدی حیث قال: (أقواها التفصیل فی الخروج بین ما إذا کان خروج کل قطعة بنظر العرف بمنزلة ولادة مستأنفة، وما لا یکون کذلک بالإلحاق بالتوأمین فی الأول، والحکم بکون المجموع نفاساً واحداً فی الأخیر)((2)) انتهی.

فإنه بعد صدق النفاس وشمول النص والفتوی، لا وجه لمثل هذه التفصیلات {وإن طال إلی شهر أو أزید فمجموع الشهر نفاس إذا استمر الدم وإن تخلل نقاء} بین الدماء {فإن کان عشرة فطهر} للزوم استمرار الدم فی الحکم بکونه حیضاً أو نفاساً، ومن المعلوم أن العشرة تقطع استمرار الدم {وإن کان أقلّ} حکم بکونه نفاساً لما تقدم فی النقاء المتخلل فی أثناء عشرة الحیض، إلاّ علی من یذهب إلی قول من یری أن الطهر یمکن أن یکون أقل من عشرة، کالحدائق،

ص:55


1- المستمسک: ج3 ص454
2- مصباح الهدی: ج5 ص270

تحتاط بالجمع بین أحکام الطاهر والنفساء.

فهو طهر، وحیث وجود هذا الاحتمال، فالأولی أن {تحتاط بالجمع بین أحکام الطاهر و} تروک {النفساء} وإن کان الاحتیاط غیر لازم.

ص:56

مسألة ٦ لو ولدت أکثر من اثنین

(مسألة _ 6): إذا ولدت اثنین أو أزید، فلکل واحد منهما نفاس مستقل، فإن فصل بینهما عشرة أیام واستمر الدم فنفاسها عشرون یوماً لکل واحد عشرة أیام،

(مسألة _ 6): {إذا ولدت اثنین أو أزید} فإذا کانت الولادة دفعة، سواء کانت دفعة واحدة ککونهما فی کیس، أو دفعة عرفیة کما لو ولد الثانی بعد الأول بلا فصل، فلا إشکال فی أنهما کالولادة الواحدة فی حکم النفاس، لصدق النفاس، وشمول الأدلة.

وإذا کانت الولادة تدریجیة {فلکل واحد منهما نفاس مستقل} وهذا علی أقسام: لأنه إما أن یفصل بینهما بعشرة أو أقل أو أکثر {فإن} کان الفصل بینهما بأکثر من عشرة فلا إشکال فی عدم اتصال الدمین، إذ النفاس لا یکون أکثر من عشرة، وحینئذ یکون لکل ولد نفاس مستقل.

وإن {فصل بینهما عشرة أیام واستمر الدم، فنفاسها عشرون یوماً، لکل واحد عشرة أیام} وثلاثون یوماً إذا کانت الأولاد ثلاثة، وهکذا. وهذا هو المشهور، بل ادعی علیه عدم الخلاف، بل الإجماع، وذلک لصدق الأدلة.

نعم عن المعتبر: التردد فی نفاسیة الأول _ فیما إذا کانت الولادة مرتین _ لبقاء الحمل، ولا نفاس مع الحمل.

وفیه: إنه لا نفاس مع الحمل الذی لم تکن ولادة معه، أما إذا

ص:57

وإن کان الفصل أقل من عشرة مع استمرار الدم یتداخلان فی بعض المدة،

کانت الولادة، فإطلاقات الولادة شاملة له _ إن کان هناک حمل _، بل هو أولی من الحکم بالنفاس بظهور رأس الولد الذی عرفت وجود النص فیه.

ثم إنه لا یهمّ أن یکون العشرون نفاساً واحداً ونفاسین، وربما یقال: بأنه نفاس واحد، لأنه إذا کان نفاسین لزم عدم فصل أقل الطهر بین النفاسین، وربما یقال: بأنه نفاسان، لأنه إذا کان نفاساً واحداً لزم کون النفاس أکثر من عشرة، وهو خلاف کون النفاس الواحد لا یکون أکثر من عشرة.

وإنما قلنا لا یهم: لأنه بعد الصدق الموجب للأحکام یکون خروج عن أحد الدلیلین بلا إشکال، ولا تترتب علی أحدهما فائدة خاصة حتی یفحص عن ذلک الواحد، نعم الظاهر لدی العرف أنه نفاس واحد، للاتصال الموجب لصدق الوحدة.

{وإن کان الفصل أقل من عشرة مع استمرار الدم، یتداخلان فی بعض المدة} کما إذا ولدت فی أول الشهر فرأت إلی الخامس، ثم ولدت الثانی فی السادس واستمر الدم إلی الخامس عشر فإن الخمسة الأولی مختصة بالأولی، والخمسة الثانیة مشترکة بینهما، والخمسة الثالثة مختصة بالثانی، وذلک لوضوح اختصاص الأولی والثالثة لعدم کون الأولی للثانی لأنها قبله، وعدم کون الثالثة للأولی لأنها بعد

ص:58

وإن فصل بینهما نقاء عشرة أیام کان طهراً، بل وکذا لو کان أقل من عشرة علی الأقوی، من عدم اعتبار العشرة بین النفاسین،

عشرته، أما الثانیة فحیث إنها مشترکة بینهما فهی لهما لعدم ترجیح أحدهما علی الآخر، قالوا: ویترتب علی اشتراک الثانیة أنها لو لم تر دماً یومین مثلاً بعد الولادة الثانیة، یحکم بأن النقاء نفاس لتخلله فی أثناء نفاس واحد، بخلاف ما إذا قلنا: إن الثانیة خاصة بالولادة الثانیة، فإن النقاء لا یکون حینئذ نفاساً عند من یری عدم البأس فی کون الطهر بین النفاسین أقل من عشرة.

نعم المحکی عن الروض والذخیرة وحاشیة الروضة وغیرها: إنقطاع النفاس الأول بولادة الثانی، وکان ذلک لنسبة العرف هذا الدم بعد الثانیة إلیها لا إلیهما، لکنَّ الإطلاق یمنع هذا الکلام، فإن الأدلة دلت علی إمکان استمرار الدم عشرة أیام، ولا مانع عن الإطلاق فی المقام.

{وإن فصل بینهما نقاء عشرة أیام کان طهراً} بلا إشکال، إذ لا احتمال لأن یکون نفاساً، بل أدلة الطهر یشمله، کما أن أدلة النفاس یشمل الدمین الکائنین بعد الولادتین، إذا کان کل منهما فی أثناء عشرة الولادة، علی ما ذکره المصنف من إمکان النفاس ولو رأت فی الیوم العاشر فقط، {بل کذا لو کان أقل من عشرة علی الأقوی، من عدم اعتبار العشرة بین النفاسین} لکن بشرط أن لا یکون النقاء محکوماً بالنفاسیة، کما إذا کان بین النفاس الأول، کما هو واضح،

ص:59

وإن کان الأحوط مراعاة الاحتیاط فی النقاء الأقل، کما فی قطعات الولد الواحد.

وذلک کما إذا ولدت أول الشهر، ثم رأت الدم إلی الخامس، ثم ولدت الثانی فی العاشر، فإن هذه الخمسة النقیة طهر، لإطلاق أدلة الطهر، ولا وجه لکونه نفاساً، لعدم شمول أدلته له.

وما دل علی أن الطهر فی الحیض لا یکون أقل من عشرة لا یأتی فی المقام، لأن الدلیل علی التساوی بین الحیض والنفاس فی الأحکام أما النص أو الإجماع وکلاهما فی المقام مفقود، أما النص: فللشّک فی شموله لمثل المقام، وأما الإجماع: فلا إجماع هنا، بل ادعی الشیخ المرتضی (رحمه الله) وغیره الإجماع علی عدم اعتبار العشرة بین النفاسین.

ومن هذا: تعرف وجه عدم نفاسیة الأقل من العشرة إذا کان فی أثناء ولادة واحدة، کما إذا خرج بعض الولد ورأت خمسة أیام بیاضاً، ثم خرج بعضة الآخر، وذلک لوحدة الدلیل فی المسألتین. {وإن کان الأحوط مراعاة الاحتیاط فی النقاء الأقل} من العشرة {کما فی قطعات الولد الواحد} والله العالم.

ص:60

مسألة ٧ استمرار الدم إلی شهر أو أزید

(مسألة _ 7): إذا استمر الدم إلی شهر أو أزید فبعد مضی أیام العادة فی ذات العادة والعشرة فی غیرها محکوم بالاستحاضة، وإن کان فی أیام العادة، إلاّ مع فصل أقل الطهر عشرة أیام بین دم النفاس وذلک الدم،

(مسألة _ 7): {إذا استمر الدم إلی شهر أو أزید، فبعد مضی أیام العادة فی ذات العادة} العددیة {والعشرة فی غیرها} مبتدئة أو مضطربة أو ناسیة {محکوم بالاستحاضة} لأنه لا یمکن أن یکون حیضاً، لما تقدم من فصل أقل الطهر بین النفاس والحیض المتأخر، وحیث لم یکن دم قروح أو جروح فأصالة الاستحاضة محکمة _ کما تقدم بیان هذا الأصل _ إذا لم یکن الدم أحد الثلاثة الأُخر {وإن کان} الدم بعد أیام العادة، أو بعد العشرة {فی أیام العادة} الوقتیة، کما إذا کانت عادتها فی کل شهر من العاشر فولدت فی أول الشهر فرأت الدم عشرة أیام واستمر فإنها تجعل مقدار العادة _ کخمسة أیام مثلاً _ أو تجعل کل العشرة _ فیما لم تکن لها عادة _ نفاساً، وحیث لم یکن فصل أقل الطهر بین النفاس، وبین الدم بعد العشرة المصادف للعادة، لا یمکن أن تجعل الدم المصادف للعادة حیضاً {إلاّ مع فصل أقل الطهر عشرة أیام بین دم النفاس وذلک الدم} ومع فصل أقل الطهر ففی ذلک الدم بعد العشرة _ أقل الطهر _ احتمالات:

الأول: إنه استحاضة مطلقاً إلی أن ینقطع.

الثانی: إنه إذا صادف العادة فحیض، وإن لم یصادف العادة

ص:61

وحینئذ فإن کان فی العادة یحکم علیه بالحیضیة، وإن لم یکن فیها

رجعت إلی التمیز، ومع فقد التمیز الرجوع إلی الأهل، ومع فقدها الرجوع إلی الروایات کما فی مستمرة الدم فی الحیض.

الثالث: إنها تصبر إلی شهر، ثم تعمل عمل المستحاضة، إما مطلقاً کما احتمله الجواهر، أو فی خصوص غیر ذات العادة من المبتدئة والمضطربة کما ذکره الشهید الثانی (رحمه الله).

استدل للقول الأول: بإطلاق ما ورد فی النفساء من أنها تعمل بعد العادة عمل المستحاضة.

واستدل للثانی: بإطلاقات أدلة العادة والتمیز والأهل والروایات.

واستدل للثالث: بما دل علی أن الحیض فی کل شهر مرة _ کما یظهر من بعض الروایات _ من أن الله حدّ للنساء فی کل شهر مرة، إما مطلقاً أو بعد حمله علی غیر ذات العادة من المبتدئة والمضطربة.

والأقوی: هو القول الثانی، وذلک لأن إطلاقات عمل المستحاضة إنما هی فی مقابل عمل النفاس لا أنها فی مقابل نفی الحیض، ولو مع التصادف مع العادة أو ما أشبه.

وکون الحیض فی شهر مرة غالبی، بالإضافة إلی أنه إنما هو فی مقابل لزوم الزیادة علی الشهر لا بمعنی لزوم عدم تعدده فی الشهر، ولذا بنی کلهم علی أنه یمکن تعدده فی الشهر بالعادة أو الصفات {وحینئذ فإن کان فی العادة، یحکم علیه بالحیضیة وإن لم یکن فیها

ص:62

فترجع إلی التمییز، بناءً علی ما عرفت من اعتبار أقل الطهر بین النفاس والحیض المتأخر، وعدم الحکم بالحیض مع عدمه وإن صادف أیام العادة، لکن قد عرفت: أن مراعاة الاحتیاط فی هذه الصورة أولی.

فترجع إلی التمیز} وقد تقدم الکلام فی باب الحیض فی معارضة العادة مع التمیز، بأن لم یکن بینهما أقل الطهر، وأنه تقدم العادة، فإذا رأت بعد عشرة الطهر دماً ذا تمیز، لکن تری بعد خمسة أیام منه دماً فی العادة، لم یکن ذو تمیزها حیضاً، بل ما یصادف العادة.

وهذا الذی اخترناه {بناءً علی ما عرفت من اعتبار أقل الطهر بین النفاس والحیض المتأخر} لإطلاق الأدلة الواردة فی باب الحیض بعد اتحاد الحیض والنفاس فی الأحکام {وعدم الحکم بالحیض مع عدمه} أی عدم فصل أقل الطهر {وإن صادف أیام العادة} لأن النفاس المتقدم یمنع کونه حیضاً مطلقاً.

{لکن قد عرفت أن مراعاة الاحتیاط} بالجمع بین تروک الحائض وأعمال الطاهرة {فی هذه الصورة أولی} لعدم تساوی أحکام الحیض والنفاس من هذه الجملة، فالدم المتقدم "نفاس" لأدلة الولادة، والمتأخر "حیض" لأدلة العادة، لکن هذا الاحتیاط لا دلیل علیه.

ص:63

مسألة ٨ ادخال القطنة بعد انقطاع الدم

(مسألة _ 8): یجب علی النفساء إذا انقطع دمها فی الظاهر الاستظهار: بإدخال قطنة والصبر قلیلا وإخراجها وملاحظتها، علی نحو ما مر فی الحیض.

(مسألة _ 8): {یجب علی النفساء إذا انقطع دمها فی الظاهر الاستظهار} وذلک لوجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة إلاّ ما خرج بالدلیل _ کما مرّ غیر مرة _ بالإضافة إلی موثقة سماعة، عن الصادق (علیه السلام): فی المرأة تری الطهر وتری الصفرة أو الشیء فلا تدری أطهرت أم لا؟ قال (علیه السلام): «فإذا کان کذلک، فلتقم فلتلصق بطنها إلی حائط»((1))، الحدیث.

ومرسلة یونس: عنه (علیه السلام): فی المرأة انقطع عنها الدم فلا تدری أطهرت أم لا؟ قال (علیه السلام): «تقوم قائماً وتلزق بطنها بحائط، وتستدخل قطنة بیضاء»((2)) وانصرافها إلی الحیض غیر ضار بعد المناط، بل وحدة الحیض والنفاس فی الأحکام.

ثم (الاستظهار) هو: {بإدخال قطنة والصبر قلیلاً وإخراجها وملاحظتها علی نحو ما مر فی الحیض} وحال ما إذا لم تتمکن من الاستظهار حالها فی الحیض، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ص:64


1- الوسائل: ج2 ص562 الباب17 من أبواب الحیض ح4
2- الوسائل: ج2 ص562 الباب17 من أبواب الحیض ح2

مسألة ٩ استمرار الدم إلی ما بعد العادة

(مسألة _ 9): إذا استمر الدم إلی ما بعد العادة فی الحیض، یستحب لها الاستظهار بترک العبادة یوماً أو یومین، أو إلی العشرة _ علی نحو ما مر فی الحیض _.

(مسألة _ 9): {إذا استمر الدم إلی ما بعد العادة فی الحیض، یستحب لها الاستظهار بترک العبادة یوماً أو یومین} أو ثلاثة {أو} أکثر {إلی العشرة علی نحو ما مر فی الحیض} لدلالة بعض الروایات علیه هنا، ولمساواتها مع الحائض.

وقد تقدمت الأخبار الدالة علی الاستظهار فی باب الحیض، وإنما قلنا بالاستحباب لأنه مقتضی الجمع بین الأخبار _ کما تقدم فی باب الحیض _، فقول بعض الشراح بوجوبه لا یخلو عن إشکال ومنع.

ص:65

مسألة ١٠ الواجب والمحرم والمکروه والمستحب علی النفساء

(مسألة _ 10): النفساء کالحائض:

(مسألة _ 10): {النفساء کالحائض} لا نعلم فیه خلافاً بین أهل العلم کما عن المنتهی والتذکرة، ولا خلاف فیه کما عن السرائر، وإنه مذهب أهل العلم لا نعرف فیه خلافاً کما عن المعتبر، وإنه قول الأصحاب کما عن المسالک والمدارک والکفایة، وإجماعاً کما عن الغنیة وشرح المفاتیح واللوامع.

وفی المستمسک: (الظاهر أنه إجماع عند الکل، إذا لم نقف علی من تعرض لرده أو التوقف فیه)((1)).

وفی مصباح الهدی: (ادعی الإجماع علی هذه المساواة فی غیر واحد من کتبهم، ولم یحک فیها خلاف عن أحد أصلاً)((2)).

وفی المستند: (قالوا: النفساء کالحائض فی کل حکم واجب ومندوب ومحرم ومکروه ومباح، بلا خلاف فیه بین أهل العلم _ إلی أن قال: _ والظاهر: کونه إجماعیاً فهو الحجة فیه)((3)).

أقول: ویدل علی ذلک: صحیحة زرارة: فی النفساء متی تصلی؟ قال: «تقعد بقدر حیضها وتستظهر بیومین، فإن انقطع الدم وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت» _ إلی أن قال: _ قلت: والحائض؟ قال: «مثل ذلک سواء، فإن انقطع عنها الدم

ص:66


1- المستمسک: ج3 ص461
2- مصباح الهدی: ج5 ص277
3- المستند: ج1 ص166 س11

فی وجوب الغسل

وإلاّ فهی مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء»((1))، والعرف یستفید من هذه الجملة الاستواء فی کل الأحکام، فلا وقع للإشکال فی دلالتها کما فی جملة من الکتب.

نعم الظاهر: أن استفادتهم منها بالمناط، ومثله کاف فی الحکم بالتساوی، کما یدل عل الاستواء أیضاً ما اشتهر بینهم من: «أن النفاس حیض محتبس»، وذلک لروایة سلیمان((2))، ودلالتها واضحة، فإذا کان قبل الولد حیضاً محتبساً فبعد خروجه یکون حیضاً له أحکامه، ومنه یظهر: أن ما ذکره المسالک من عدم صحة إطلاق ما ذکروه لمخالفة النفاس للحیض أمور کثیرة، وذکر منها ستة، ثم قال: وغیر ذلک، لیس علی ما ینبغی.

نعم لا إشکال فی أنه استثنی عن هذه الکلیة بعض الموارد بالدلیل، ککون أقله لحظة وغیرها. لکنَّ الاستثناء لدلیل غیر خرم الکلیة حیت یحتاج کل مورد مورد إلی الدلیل.

وکیف کان، فقد ذکر المصنف موارد الکلیة المذکورة فقال: {فی وجوب الغسل} لجملة من الأخبار: کخبر یونس((3))

ص:67


1- الوسائل: ج2 ص605 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح5
2- الوسائل: ج2 ص579 الباب30 من أبواب الحیض ح14
3- الوسائل: ج2 ص10 الباب1 من أبواب النفاس ح1

بعد الانقطاع أو بعد العادة أو العشرة فی غیر ذات العادة، ووجوب قضاء الصوم دون الصلاة.

وعدم جواز وطئها

وسماعة((1)) وزرارة((2)) وغیرهم، أما خبر معاویة بن عمار المروی عن الصادق (علیه السلام): «لیس علی النفساء غسل فی السفر»((3)). فالظاهر کونه محمولاً علی العذر _ کما قاله الشیخ فی التهذیب((4)) _ واضح أن هذا الغسل یکون {بعد الانقطاع أو بعد العادة أو} بعد {العشرة فی غیر ذات العادة} کما تقدم وجه کونه نفاساً فی هذه المدة.

{ووجوب قضاء الصوم دون الصلاة} ویدل علیه: خبر عبد الرحمان بن الحجاج((5))، ومکاتبة علی بن مهزیار((6))، وخبر الدعائم((7)).

{وعدم جواز وطئها} لخبر مالک بن أعین((8)) وابن بکیر((9))

ص:68


1- الوسائل: ج2 ص610 الباب1 من أبواب النفاس ح2
2- الوسائل: ج2 ص611 الباب3 من أبواب النفاس ح2
3- التهذیب: ج1 ص107 الباب5 فی الأغسال المفترضات والمسنونات ح12
4- المصدر السابق، ذیل الحدیث
5- الوسائل: ج2 ص619 الباب6 من أبواب النفاس ح1
6- الوسائل: ج2 ص590 الباب41 من أبواب الحیض ح7
7- دعائم الإسلام: ج1 ص127 فی ذکر الحیض
8- الوسائل: ج2 ص612 الباب3 من أبواب النفاس ح4
9- الوسائل: ج2 ص620 الباب7 من أبواب النفاس ح2

وطلاقها، ومسِّ کتابة القرآن، واسم الله، وقراءة آیات السجدة، ودخول المساجد، والمکث فیها.

وابن یسار((1)) {و} عدم صحة {طلاقها} لخبر بکیر ومحمد وبرید وفضیل وإسماعیل ومعمر، وغیرهم((2)).

{ومسّ کتابة القرآن واسم الله} لقوله تعالی: ﴿لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾((3)) وقد تقدم البحث عن ذلک فی الجنب والحائض مما یدل علی العموم للنفساء أیضاً.

{وقراءة آیات السجدة} لما ورد فی باب الحیض بضمیمة مساواة النفساء لها.

{ودخول المساجد والمکث فیها} لما ورد فی باب الحیض، بضمیمة مساواة النفساء لها.

وقد یستأنس ببعض أخبار (نفاس أسماء) حیث إن ظاهرها: المنع عن طوافها حالة النفاس، وخبر عبد الرحمان بن أعین: «لا تطیب نفسی أن أدخل المسجد»((4)).

ص:69


1- الوسائل: ج2 ص620 الباب7 من أبواب النفاس ح3
2- الوسائل: ج15 ص277 الباب8 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح5
3- سورة الواقعة: الآیة 79
4- الوسائل: ج2 ص613 الباب3 من أبواب النفاس ح9

وکذا فی کراهة الوطی بعد الانقطاع وقبل الغسل، وکذا فی کراهة الخضاب، وقراءة القرآن ونحو ذلک.

{وکذا فی کراهة الوطء بعد الانقطاع وقبل الغسل} للجمع بین خبر ابن بکیر((1)) المجوِّز لذلک، وخبر ابن یسار((2)) الناهی عنه، بالإضافة إلی أدلة المساواة للحائض.

{وکذا فی کراهة الخضاب} لدلیل المساواة للحائض، لکن الظاهر أنه أقل کراهة من الحائض، لقول الصادق (علیه السلام) فیما روی عنه: «لا تختضب وأنت جنب، ولا تجنب وأنت مختضب، ولا الطامث فإن الشیطان یحضرها عند ذلک، ولا بأس به للنفساء»((3)).

{وقراءة القرآن} لدلیل المساواة، ولظاهر صحیح الحلبی قال: سألت الصادق (علیه السلام): أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل یتغوط القرآن؟ قال (علیه السلام): «یقرؤون ما شاؤوا»((4)). ومثله: خبر الشحام: «الحائض تقرأ القرآن، والنفساء والجنب أیضاً»((5)).

{ونحو ذلک} ککراهة ملامستها دون إزار لدلیل المساواة

ص:70


1- الوسائل: ج2 ص620 الباب7 من أبواب النفاس ح2
2- الوسائل: ج2 ص620 الباب 7 من أبواب النفاس ح3
3- الوسائل: ج1 ص498 الباب22 من أبواب الجنابة ح11
4- الوسائل: ج1 ص494 الباب19 من أبواب الجنابة ح6
5- الوسائل: ج1 ص493 الباب19 من أبواب الجنابة ح1

وکذا فی استحباب الوضوء فی أوقات الصلوات، والجلوس فی المصلَّی، والاشتغال بذکر الله بقدر الصلاة.

وألحقها بعضهم بالحائض فی وجوب الکفّارة إذا وطأها وهو أحوط، لکن الأقوی عدمه.

{وکذا فی استحباب الوضوء فی أوقات الصلوات، والجلوس فی المصلی، والاشتغال بذکر الله بقدر الصلاة} لدلیل المساواة، وعلة خبر الدعائم((1)) حیث قال فی الحائض: «وإنما یؤمرن بذکر الله عزوجل کما وصفنا، ترغیباً فی الفضل واستحباباً له» إلی غیرها من الأحکام التی تقدمت فی باب الحائض.

{وألحقها بعضهم بالحائض فی وجوب الکفارة إذا وطأها} بل عن التذکرة: لا نعلم فیه خلافاً، وعن بعض: نسبته إلی ظاهر الأصحاب، ویدل علیه دلیل المساواة.

وحیث قد عرفت الإشکال فی أصل وجوبها فی الحائض، قال المصنف: {وهو أحوط}، أما قوله: {لکنّ الأقوی عدمه} فمبنی علی عدم وجوبها أصلاً _ ولکنّ المصنف یقول بالوجوب فی الحیض _ أو علی عدم مساواة النفساء للحائض _ ولکنّ الظاهر من المصنف "القول بالمساواة".

ص:71


1- دعائم الاسلام: ج1 ص128 فی ذکر الحیض

مسألة ١١ غسل النفساء کغسل الجنابة

مسألة _ 11 _: کیفیة غسلها کغسل الجنابة، إلاّ أنه لا یغنی عن الوضوء، بل یجب قبله أو بعده کسائر الأغسال.

(مسألة _ 11): {کیفیة غسلها کغسل الجنابة} بلا إشکال ولا خلاف بل إجماعاً، وقد مرّ تساوی الأغسال کلها فی باب غسل الجنابة.

{إلاَّ أنه لا یغنی عن الوضوء} علی المشهور {بل یجب قبله أو بعده کسائر الأغسال} وقد مرّ الکلام فی ذلک أیضاً مفصلاً فراجع((1)).

ص:72


1- إلی هنا انتهی الجزء السادس من کتاب الطهارة حسب تجزأة المؤلف دام ظله (الطبعة الأولی)

فصل فی غسل مس المیت

اشارة

فصل

فی غُسل مسّ المیت

یجب بمسّ میت الإنسان

{فصل فی غُسل مسّ المیّت}

وهذا الغُسل {یجب بمسّ المیت الإنسان} کما هو المشهور شهرة عظیمة، بل عن الخلاف وظاهر الغنیة الإجماع علیه، خلافاً للمحکی عن السید فی شرح الرسالة، والمصباح من القول باستحبابه، والحق هو المشهور، لدلالة متواتر النصوص علیه.

منها: صحیح ابن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: قلت: الرجل یغمض المیت، أ علیه غُسل؟ قال: «إذا مسّه بحرارته فلا، ولکن إذا مسّه بعد ما یبرد فلیغتسل» قلت: فالذی یغسله

ص:73

یغتسل؟ قال: «نعم»((1)).

وصحیح معاویة بن عمّار، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): الذی یغسّل المیت أ علیه غُسل؟ قال: «نعم»، قلت: فإذا مسّه وهو سخن؟ قال: «لا غسل علیه، فإذا بَرد فعلیه الغسل» قلت: والبهائم والطیر إذا مسّها علیه غسل؟ قال: «لا، لیس هذا کالإنسان»((2)).

وحسنة حُریز، عن الصادق (علیه السلام) قال: «من غسل میتاً فلیغتسل، وإن مسّه ما دام حارّاً فلا غسل علیه، وإذا بَرد ثم مسّه فلیغتسل» قلت: فمن أدخله القبر؟ قال: «لا غسل علیه إنما یمسّ الثّیاب»((3)). وکان هذا علة بعد علة، أو یدل علی استحباب الغسل أو فرضه فی میت لم یغسل.

وخبر عبد الله بن سنان، عن الصادق (علیه السلام) قال: «یغتسل الذی غسّل المیت، وإن قبَّل المیت إنسان بعد موته وهو حار فلیس علیه غسل، ولکن إذا مسّه وقبّله وقد بَرد فعلیه الغسل، ولا بأس أن یمسّه بعد الغسل ویقبّله»((4)) إلی غیرها من الأخبار الکثیرة

ص:74


1- الوسائل: ج2 ص927 الباب1 من أبواب غسل المسّ ح1
2- الوسائل: ج2 ص928 الباب1 من أبواب غسل المسّ ح4
3- الوسائل: ج2 ص929 الباب1 من أبواب غسل المسّ ح14
4- التهذیب: ج1 ص108 الباب5 فی أبواب الأغسال المفترضة ح16

المنقولة فی الوسائل، والمستدرک، وجامع أحادیث الشیعة.

واستُدل للسید بجملة من الروایات، کالتی تدلّ علی أنّ غُسل المیت مسنون.

منها: خبر عمر بن خالد، عن علی (علیه السلام) قال: «الغسل من سبعة: من الجنابة وهو واجب، ومن غسل المیت، وإن تطهرت أجزأک»((1)).

وخبر سعد بن أبی خلف، قال: سمعت الصّادق (علیه السّلام) یقول: «الغسل فی أربعة عشر موطناً، واحد فریضة والباقی سُنة»((2)).

وکالّتی ذکرت فی عداد المسنونات.

منها: صحیحة الحلبی: «اغتسل یوم الأضحی والفطر والجمعة وإذا غسلت میتاً»((3)).

وکالّتی دلّت علی عدم وجوبه:

مثل: مکاتبة الحسن بن عبید قال: کتبت إلی الصّادق (علیه السلام): هل اغتسل أمیر المؤمنین (علیه السلام) حین غسّل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلّم) عند موته؟ فأجابه: «النبی (صلی الله علیه وآله وسلّم) طاهر مُطهّر ولکن فعل أمیر المؤمنین (علیه السّلام)

ص:75


1- الوسائل: ج2 ص928 الباب1 من أبواب غسل المسّ ح8
2- الوسائل: ج1 ص464 الباب1 من أبواب غسل الجنابة ح11
3- الوسائل: ج2 ص933 الباب4 من أبواب غسل المسّ ح2

وجرت به السنّة»((1)).

ومکاتبة الحمیری کتب إلیه (علیه السّلام): روی لنا عن العالم أنه سُئل عن إمام قوم یصلّی بهم بعض صلاتهم، وحدثت علیه حادثة، کیف یعمل من خلفه؟ فقال: «یؤخّر، ویتقدم بعضهم ویتمّ صلاتهم، ویغتسل مَن مسّه»، فأجابه (أرواحنا له الفداء): «لیس علی من مسّه إلاّ غَسل الید»((2)).

ویرد علی هذه الروایات:

أوّلاً: الإعراض الموجب لإسقاطه عن الحجّیة.

ثانیاً: إن خبر عمر ضعیف السند، موافق للعامة، کما ذکره الشیخ وصاحب الحدائق، وخبر سعد یراد بالسنة ما لم یذکر فی القرآن، لأن السنة قد تطلق فی مقابل ما فی الکتاب، وقد تطلق فی مقابل ما فرض الله ابتداءً کما فی روایات کون الرکعتین الأوّلیین فریضة والباقی سنّة، وقد تطلق ویراد بها الندب، والصحیحة لا دلالة فیها، إذ السیاق لا یقاوم الأدلّة الدالة علی الوجوب، والمکاتبة خاصة بالمعصوم الذی أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهیراً، ولذا قالت فاطمة (علیها السلام): «فإنی طاهرة مطهّرة»((3)). و"التوقیع"

ص:76


1- الوسائل: ج2 ص928 الباب1 من أبواب غسل المس ح7
2- الوسائل: ج2 ص932 الباب3 من أبواب غسل المس ح4
3- مستدرک الوسائل: ج1 ص104 الباب30 من أبواب نوادر ما یتعلق بأبواب الغسل ح14

یراد به قبل البرد، بقرینة توقیعه الآخر، قال: وکتبت إلیه: وروی عن العالم أن مَن مسّ میتاً بحرارته غسل یده، ومَن مسّه وقد برد فعلیه الغسل. وهذا المیت فی هذا الحال لا یکون إلاّ بحرارته، فالعمل فی ذلک علی ما هو، ولعلّه ینحیه بثیابه ولا یمسُه، فکیف یجب علیه الغسل؟ فأجاب (روحی له الفداء): «إذا مسّه فی هذه الحال لم یکن علیه إلاّ غَسل یده»((1)).

ثم إن الغُسل إنّما یجب بمسّ میت الإنسان، دون سواه من المیتات بلا إشکال ولا خلاف، بل عن کشف اللّثام: الإجماع علیه.

ویدّل علیه: صحیحة معاویة المتقدمة((2)).

وصحیح الحلبی، عن الصادق (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یمسّ المیتة، أینبغی أن یغتسل منها؟ فقال (علیه السلام): «لا إنّما ذلک من الإنسان وحده»((3)).

وصحیح محمّد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) فی رجل مس میتة، أعلیه الغسل؟ قال: «لا، إنما ذلک من الإنسان»((4)).

ص:77


1- الوسائل: ج2 ص932 الباب3 من أبواب غسل المس ح5
2- الوسائل: ج2 ص928 الباب6 من أبواب غسل المس ح4
3- الوسائل: ج2 ص935 الباب6 من أبواب غسل المس ح2
4- الوسائل: ج2 ص935 الباب6 من أبواب غسل المس ح1

بعد برده وقبل غسله، دون میت غیر الإنسان، أو هو قبل برده

والرضوی: «وإن مسست میتة، فاغسل یدیک، ولیس علیک غسل، إنما یجب علیک ذلک فی الإنسان وحده»((1)).

وما رواه فضل بن شاذان، عن الرضا (علیه السلام) فی حدیث العلل: فإن قیل: فلم لم یجب الغسل علی من مس شیئاً من الأموات من غیر الإنسان، کالطیر، والبهائم، والسباع، وغیر ذلک، قیل: لأن هذه الأشیاء کلها ملبّسة ریشاً، وصوفاً، وشعراً، ووبراً، وهذا کله زکی ولا یموت، وإنّما یماس منه الشیء الذی هو زکی من الحّی والمیت»((2)).

أقول: وقد ذکرنا فی بعض المسائل من هذا الکتاب: إن العلل عبارة عن أسباب غالبیة سببت إطراد الحکم، لتنسیق القانون العام، فلا یضر ما یستثنی من الأفراد التی لا علل لها، ومع ذلک یجری فیها الحکم، کما هو الشأن فی قوانین العقلاء أیضاً.

وروایة عبد الرحمان، عن بعض أصحابه، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته هل یجوز أن یمس الثعلب والأرنب، أو شیئاً من السباع، حیاً أو میتاً؟ قال: «لا یضره، ولکن یغسل یده»((3)).

ومما تقدم تعرف أن الموجب للغسل هو مس میت الإنسان {بعده برده وقبل غسله، دون میت غیر الإنسان، أو هو قبل برده} کما

ص:78


1- فقه الرضا: ص18 س35
2- العلل: ج1 ص268 س15
3- التهذیب: ج1 ص262 الباب12 فی تطهیر الثیاب وغیرها ح50

أو بعد غسله،

سیأتی أنه إذا لم یصدق المسّ، لم یجب الغسل أیضاً.

ثم: لا یخفی أن المراد البرد الفعلی لا الشأنی، یعنی أن هذا المیت لو کان فی خارج هذا المکان الحار _ کخزانة الحمّام الحار _ لبرد، فإذا مات فی الحمام وبقی ساعات ولم یبرد، لم یجب الغسل بمسّه إذا کانت حرارة الماء، لا حرارة الروح، أما إذا کان بارداً قبل موته، فالظاهر أنه بمجرد الموت یجب الغُسل بمسه، لأنه لیس فیه حرارة الروح الذی هو المیزان فی عدم وجوب غُسل المس. {أو بعد غسله} بلا إشکال ولا خلاف، بل فی الجواهر دعوی الإجماع المحصّل والمنقول علیه، ویدل علیه خبر ابن سنان المتقدم: «ولا بأس أن یمسّه بعد الغسل ویقبّله»((1)).

وصیح ابن مسلم، عن الباقر (علیه السلام): «مس المیت عند موته وبعد غسله والقبلة لیس بها بأس»((2)).

وما رواه الصفار قال: کتبت إلیه: رجل أصاب یده وبدنه ثوب المیت الذی یلی جلده، قبل أن یغسل، هل یجب غسل یدیه أو بدنه؟ فوقّع: «إذا أصاب بدنک جسد المیت قبل أن یغسّل، فقد یجب علیک الغسل»((3)).

ص:79


1- التهذیب: ج1 ص108 الباب5 فی الأغسال المفترضة ح16
2- الوسائل: ج2 ص931 الباب3 من أبواب غسل المس ح1
3- الوسائل: ج2 ص933 الباب4 من أبواب غسل المس ح1

والمناط برد تمام جسده، فلا یوجب برد بعضه، ولو کان هو الممسوس،

ولا یعارض هذه الروایات، ما دلّ علی الغسل وإن غُسِّل المیت، کموثق عمّار، عن الصادق (علیه السلام) وفیه: «وکل من مسّ میتاً فعلیه الغسل، وإن کان المیت قد غُسّل»((1)).

ویؤده ما دلّ علی تعلیل عدم وجوب الغسل علی من أدخل المیت فی قبره، بأنه: «إنّما یمسُ الثیاب» المشعر بوجوبه علیه إذا مس الجسد ولو غُسّل المیت، کما فی حسنة حریز المتقدمة((2))، ومثلها جملة من الروایات الأخر، وذلک لأن غایة الأمر حملها علی الاستحباب جمعاً، کما صنعه الشیخ، ولا بأس به من باب التسامح، بل لو فرض معارضة بین الطائفتین لزم ردّ علم الثانیة إلی أهلها، لما ورد عنهم (علیهم السلام) من الأخذ بالمشهور، وترک الشاذ النادر الذی یشمل الندرة الروائیة والعملیة، ولو بالمناط.

{والمناط برد تمام جسده} فی وجوب غسل الماس {فلا یوجب برد بعضه، ولو کان هو الممسوس} قالوا: لأن ذلک هو المنصرف من "البرد" علی إطلاقه، فإن نسبة الفعل إلی الشیء باعتبار بعضه _ ولو کان البعض الأکبر _ مجاز، بل ربما یقال: إنه هو ظاهر النص والفتوی، ولو شک من جهة الشبهة الحکمیة، فالمرجع البراءة، هذا ولکن الاحتیاط فی برد الجسم کله دون بعض الأعضاء الداخلیة

ص:80


1- الاستبصار: ج1 ص100 الباب60 فی غسل المیت ح8
2- الوسائل: ج2 ص929 الباب1 من أبواب غسل المس ح14

والمعتبر فی الغسل تمام الأغسال الثلاثة، فلو بقی من الغسل الثالث شیء، لا یسقط الغسل بمسّه، وإن کان الممسوس العضو المغسول منه.

کالقلب ونحوه _ الغسل بمس الجسم للصدق عرفاً، وان لم أر من ذکره.

ثم إنه بناءً علی ما ذکرناه لا یجب الغسل بمسّ المقدار من الجسم إذا کان بعض الجسم لا یبرد، لأن المعیار ببرد المیت، لا برد الممسوس، وإن کان ربما احتمل ذلک، لأن المناط هو البرد، وهو حاصل فی الممسوس، لکن فیه: إنه لم یعرف کون ذلک هو المناط. وأما ما ثبت فی الطب من تسلّط الجراثیم السریعة الانتشار علی جسم المیت إذا برد، فإذا لامسه جسم حار تعلقت به، فذلک لا یوجب ترتیب الآثار الشرعیة کما هو واضح.

{والمعتبر فی الغسل: تمام الاغسال الثلاثة، فلو بقی من الغسل الثالث} بل الغُسلین الأولین {شیء لا یسقط الغُسل بمسّه، وإن کان الممسوس العضو المغسول منه} کما عن المسالک، والمدارک، والذخیرة، خلافاً لما عن القواعد، والتذکرة، والتحریر، والنهایة، والبیان، والدروس: (من عدم وجوب الغسل إذا اکتمل غسل العضو الممسوس)، وعن الروضة، وجامع المقاصد: (التوقف والتردد).

وکیف کان: فقد استدل للأول بصدق المسّ قبل الغسل، إذ الظاهر من الغسل التمام لا بعضه. واستدل للقول الثانی: بأن

ص:81

ویکفی فی سقوط الغسل إذا کانت الأغسال الثلاثة کلّها بالماء القراح لفقد السدر والکافور،

وجوب غسل المس تابع لنجاسة الممسوس، بناءً علی تغلیب إزالة الخبث فی وجه وجوب غسل المیت، ولذا قال الشهید فی الذکری: (علی القول بالنجاسة العینیة کما هو ظاهر الأصحاب فلا إشکال فی عدم الوجوب)((1)).

أقول: الکلام فی الغُسل بالضم، ومن المعلوم أنه هو المعتبر فی عدم غُسل الماس، وظاهره کما عرفت غسل الکل، فما ذکره المصنف هو الأقرب.

ثم حیث لا فرق فی وجوب الغسل بالمس، بین مسّ الأجزاء الباطنة أو الظاهرة، فلا یتوهم التفصیل، بحجة أن الباطن لم ینجس، فإذا غسل ظاهر ذلک الباطن، کداخل الفم فیما إذا غسل الرأس، لم یوجب مسّه الغسل، وربما یفصل بین التنجس، وبین وجوب الغسل، بأنه إن مسّ ما تم غسله لم ینجس الماس لکن یجب غَسله، وفیه: إن ظاهر الأدلة التلازم بین الطهارة وبین سقوط غُسل الماس، وکلاهما متوقفان علی تمام أغسال المیت.

{ویکفی فی سقوط الغسل إذا کانت الأغسال الثلاثة کلّها بالماء القراح، لفقد السدر والکافور} لأن الظاهر من أدلة البدلیة، أنه یقوم

ص:82


1- الذکری: ص79 فی أحکام المیت س22

بل الأقوی کفایة التیمم

البدل مقام المبدل منه فی جمیع الأحکام، والقول بانصراف الدلیل إلی الغسل المبدل فیه، أنه بدوی، لکن عن جامع المقاصد، والشهید الثانی فی الروض، وجوب الغسل بمسّه بعده، وکأنه للانصراف المذکور، ولأن «الضرورات تقدر بقدرها». وفیه ما عرفت.

ثم الحکم کذلک إذا کان کل أغساله بالماء الخلیط بالسدر والکافور، لتعذر ما عداه.

وأما الاکتفاء بغسل المخالف فیما لا یشترط الغسل بالکیفیة التی نشترطه، ففیه احتمالان: من قاعدة «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»((1)). ومن أن هذا تکلیف للماس، فحاله حال ما إذا کان یری المخالف طهارة جسمه الملوث بنجس عندنا، حیث إن مسّه یوجب النجاسة، والثانی أقرب.

نعم لا إشکال فی أنه إذا غسلوا میتهم علی أسلوبهم، لا یجب علینا إعادة الغسل، لقاعدة الإلزام.

{بل الأقوی کفایة التیمّم} کما عن کاشف الغطاء، وتبعه آخرون، خلافاً للقواعد، والمدارک، وجامع المقاصد، وکشف اللثام، فأوجبوا الغسل. وقال فی الجواهر: (لا أجد فیه خلافاً مما عدا شیخنا فی کشف الغطاء)((2))، والأقرب ما اختاره المصنف.

ص:83


1- العوالی: ج3 ص514 فی المیراث ح76
2- الجواهر: ج5 ص336 س7

استدل للقول الأول: بعموم ما دلّ علی أن التراب بدل الماء، کقوله (علیه السلام): «إن التیمم أحد الطهورین»((1))، أو «إن الله جعل التراب طهوراً»((2)). أو «إنه جُعلت لی الأرض مسجداً وترابها طهوراً»((3)). وربما یستدل أیضاً بما روی عن علی (علیه السلام): إنَّ قوماً أتوا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلّم) فقالوا: یا رسول الله مات صاحب لنا وهو مجدور فإن غسلناه انسلخ؟ فقال: «یمّموه»((4)). بتقریب أنّ ظاهر الأمر الکفایة.

استدل للقول الآخر: بإطلاقات ما دلّ علی وجوب الغسل بمس المیت قبل أن یغسّل، وباستصحاب عدم سقوط الغسل، حیث إنه لو مسه قبل التیمم وجب الغسل، وباستصحاب بقاء نجاسة المیت بناءً علی دوران وجوب الغسل مدار النجاسة، وفی الکل ما لا یخفی، إذ بعد قیام الدلیل علی أن التیمم یقوم مقام الغسل، لا وجه للتمسک بالإطلاق، کما أنه لا مجال للاستصحاب، مع قطع النظر عن أنه تعلیقی، فإن المستصحب هو سببیة المس لوجوب الغسل إذا کان قبل التیمم، وعلی هذا فحال التیمم حال الجبیرة، فکما أنه لو جبّر المیت فی غسله کفی فی عدم إیجاب مسّه الغسل، کذلک المقام، لأن کلاً من

ص:84


1- الوسائل: ج2 ص995 الباب23 من أبواب التیمم ح5
2- الوسائل: ج1 ص99 الباب1 من أبواب الماء المطلق ح1
3- العوالی: ج2 ص208 ح130
4- الوسائل: ج2 ص702 الباب16 من أبواب غسل المیت ح3

أو کون الغاسل هو الکافر بأمر المسلم لفقد المماثل،

الجبیرة والتیمم، قائم مقام الغسل الاختیاری.

لا یقال: إنّ التیمم یقوم مقام الماء، وهنا شیء زائد وهو الخلیط، ولا دلیل علی أن التراب یقوم مقام الخلیط، فلا یمکن سحب أحکام الغسل إلی التیمّم فی المقام، وإن امکن ذلک فی سائر المقامات.

قلت: ظاهر روایة عمرو المتقدمة قیام التیمم مقام الماء والخلیط معاً، بالإضافة إلی أن الخلیط مأخوذ تبعاً فالماء هو الأصل، ولذا تقدم کفایة: ثلاث میاه قراح فیمن تعذر لدیه الخلیط.

ثم إنه لو لم یمکن غسل المیت، ولا تیممه، لفقد الماء والتراب، أو تعذرهما، فلا إشکال فی أنّ مسّه یوجب الغسل، إذ لا شیء فی المقام یقوم مقام الماء، وإنّما یسقط الماء، فلا دلیل علی عدم إیجاب المس الغسل، بل یشمله الإطلاق، ولا یشترط العلم بالغسل الصحیح، بل الأصول والأمارات کافیة فی إجراء الأحکام، مثل أصالة الصحة فی عمل المسلم، ولو مس میتاً بعد أن دفن فی بلاد المسلمین، وشک فی أنه هل غُسّل أم لا؟ أو هل کان مسلماً أم لا؟ أو هل کان غسله _ علی تقدیر أنه غُسل _ صحیحاً أم لا؟ لم یجب الغسل للمس.

{أو کون الغاسل هو الکافر بأمر المسلم لفقد المماثل} لما تقدم

ص:85

فی الغُسل الفاقد للخلیط، والتیمم الذی یقوم مقام الغسل، لأن الشارع جعل هذا الغُسل الفاقد لبعض الشرائط، بدلاً عن الغُسل الکامل، فیشمله دلیل عدم الغسل بمس المیت بعد غسله، وهذا هو الذی اختاره غیر واحد من الفقهاء، خلافاً للمحکی عن القواعد، والدروس، والبیان، وجامع المقاصد، حیث لم یسقطوا غسل المس بمس مثل هذا المیت، وکأنّ وجهه أن هذا الغسل أمر تعبدی أوجبه الشارع، ولیس بغسل حقیقةً، وغیر ذلک مما تقدم فی التیمم.

وفیه: ما عرفت فإنه غسل فی هذا الحال قام مقام الغسل الحقیقی.

والغریب أنّ بعض الفقهاء مال إلی قیام التیمم مقام الغسل فی إسقاطه غسل المس، ولم یقل بقیام غسل الکافر مقام الغسل الکامل، قال لعموم بدلیة التیمم، ولیس فی المقام مثل هذا العموم، وفیه: ما لا یخفی.

 ومما تقدم یعرف حکم ما إذا غسّل غیر المماثل من وراء الثوب، وأنه قائم مقام الغسل الکامل، وکذا کل شرط فُقد مما اکتفی الشارع بغسله مع فقدان ذلک الشرط، کما إذا غسله فی إناء مغصوب جهلاً بالموضوع.

نعم: لو لم یکتف الشارع بذلک الغسل، کما إذا غسله بالنجس، لم یسقط غسله، فلا یسقط الغسل بمسّه، لأنه لیس بغسل ولا قائم مقامه، کما هو واضح.

ص:86

لکن الأحوط عدم الاکتفاء بهما، ولا فرق فی المیت بین المسلم والکافر

{لکن الأحوط عدم الاکتفاء بهما} فی صورة التیمّم، أو کون الغاسل کافراً، وقد عرفت وجهه، ومما تقدم ظهر الوجه فی الکفایة إذا کان بدل بعض الأغسال التیمم، أو غسّله الکافر بعض أغساله.

أما إذا کان الغسل ناقصاً لفقد الماء أو العذر، کما إذا غُسل رأسه وطرفه الأیمن فقط، فالظاهر أنه مثل ما إذا لم یغسله أصلاً اضطراراً، حیث یجب الغسل بمسّه.

{ولا فرق فی المیت} الموجب مسّه الغُسل {بین المسلم والکافر} کما عن القواعد، والمنتهی، والتذکرة، والدروس، والبیان، وجامع المقاصد، وغیرهم، بل هذا هو المعروف کما فی مصباح الهدی، وذلک لإطلاق الأدلة، واحتمل غیر واحد عدم وجوب الغسل بمسّ الکافر، لأن ما ورد من أن غسل المس قبل تطهیر المیت بالغسل، قرینة علی أن الغسل إنما یجب إذا کان المیت قابلاً للتطهیر بالغسل، ولأنه لا یزید علی مسّ البهمیة، قال تعالی: ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾((1)) وقال: ﴿کَمَثَلِ الْحِمارِ﴾((2)) وفی بعض الروایات: «إن هم

ص:87


1- سورة الفرقان: الآیة 44
2- سورة الجمعة: الآیة 5

والکبیر والصغیر حتی السقط إذا تمَّ له أربعة أشهر، بل الأحوط الغسل بمسه ولو قبل تمام أربعة أشهر أیضاً، وإن کان الأقوی عدمه.

إلاّ جُدد»((1))، فإذا کان المسلم المنحرف کذلک، فالکافر بطریق أولی. وفیه: ما لا یخفی لإطلاق النص والفتوی، ولا قرینة فی "قبل التطهیر" بل هو لبیان أن التطهیر رافع للحکم، والآیة والراویة لا ربط لهما بالمقام.

{والکبیر والصغیر} للإطلاق نصاً وفتویً {حتّی القسط إذا تمّ له أربعة أشهر} وولجه الروح، إذ الأدلة تشمله، واحتمال الانصراف إن کان، فهو بدوی {بل الأحوط الغسل بمسّه ولو قبل تمام أربعة أشهر أیضاً} بأن لم تلجه الروح، وذلک للإطلاق، وعدم ما یدل علی اشتراط أن یکون ذا روح قبلاً {وإن کان الأقوی عدمه} وذلک لأن النص والفتوی، ظاهران فی کونه میتاً بعد أن کان له روح، بل لا یسمی میتاً إن لم یکن روح قبلاً إلا مجازاً، ویؤیده ما رواه فضل بن شاذان، عن الرضا (علیه السلام): «إنما أمر من یغسل المیت بالغسل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح المیت، لأن المیت إذا خرج منه الروح بقی منه أکثر آفته»((2))، ونحوه خبر ابن سنان، وفیه ما لا

ص:88


1- الوسائل: ج2 ص929 الباب1 من أبواب غسل المس ح11
2- الوسائل: ج2 ص929 الباب1 من أبواب غسل المس ح12

یخفی لأن الاطلاق یشمله، والعلة حکمة کما لا یخفی، بل لو کان نصاً علی بعد خروج الروح تعدی عنه للمناط المفهوم من الروایة، فالقول بوجوب الغسل بمسّه إن لم یکن أقوی فلا ریب فی أنه احتیاط لا یترک، ولذا أشکل علی الماتن بعض الشراح والمعلقین.

نعم الظاهر أن مس النطفة بعد استقرارها والمضغة والعلقة، لا یوجب الغسل لعدم الصدق، وإذا کان مس الجنین بعد ولوج الروح أو قبله یوجب الغسل، فإذا أسقطت المرأة الجنین بعد أن مات فی رحمها، وبعد أن برد، ولمس ظاهر جسمها، وجب علیها غسل المسّ، أما إذا لم یلمس ظاهر الفرج ونحوه لم یجب الغسل، لانصراف الأدلة عن مثل مس باطن الرحم والفرج، وإن کان الاحتیاط لا ینبغی ترکه.

ص:89

مسألة ١ المساس والممسوس

(مسألة _ 1): فی الماسّ والممسوس لا فرق بین أن یکون مما تحلّه الحیاة أو لا، کالعظم والظفر،

(مسألة _ 1): {فی الماسّ والممسوس لا فرق بین أن یکون ممّا تحله الحیاة أو لا، کالعظم والظفر} وذلک لصدق المس الموضوع للغسل، لکن فی الروض اعتبار المس مما تحله الحیاة لا ما لا تحله الحیاة، وعلیه فإذا مس سنّ المیت بیده، أو مس یده بظفره، أو مس سنه بظفره، لم یجب الغسل، وعن بعض الفقهاء التردد مطلقاً أو فی بعض الصور.

واستدل لذلک بما رواه الفضل عن الرضا (علیه السلام) فإن قیل: «فلِمَ لم یجب الغسل علی من مس شیئاً من الأموات من غیر الإنسان کالطیر والبهائم والسباع وغیر ذلک، قیل: لأن هذه الأشیاء کلها ملبسة ریشاً وصوفاً وشعراً ووبراً، وهذا کله زکی ولا یموت، وإنّما یماس منه الشیء الذی هو زکی من الحیّ والمیت»((1))، وبأن هذه الأشیاء لا تنجس، لأنها لا تحلها الحیاة، بضمیمة الملازمة بین وجوب غسل المس، وبین نجاسة المموس کما عن الذکری، وبالانصراف، وفی الکل نظر، إذ الروایة تبین الحکمة، لا العلة، فلا إطراد فیها، وإلاّ لزم الغسل بمس جسم الحیوان، ولزم عدم الغسل لظفر المیت وشعره ونحوهما، وعدم نجاسة هذه الأشیاء إنما هو فی الحیوان، لا فی الإنسان، کما هو واضح، بالإضافة إلی منع الملازمة، والانصراف ممنوع ولو سلّم فهو بدوی.

ص:90


1- العلل: ج1 ص268 س15

وکذا لا فرق فیهما بین الباطن والظاهر.

نعم المسّ بالشعر لا یوجبه وکذا مسّ الشعر.

نعم اللازم تقیید ذلک بصدق المس، فإذا أصاب بعض شعر المیت المسترسل علی جسم الحیّ فلا غسل، لعدم صدق المس عرفاً، وکلما شک فی الصدق، کان الأصل عدم الحکم.

ثم إنه لا فرق بین المیت الماس، أو الممسوس، أو الملاقی، لإطلاق الأدلة والمناط.

{وکذا لا فرق فیهما بین الباطن والظاهر} للإطلاق، فمس ظاهر الحیّ بباطن المیت، أو العکس، أو ظاهرهما، أو باطنهما، کل ذلک یوجب الغسل، اللهم إلاّ إذا کان هناک انصراف، کما تقدّم فی مس الجنین المیت بباطن المرأة، ومع ذلک فالاحتیاط لها أن تغتسل، ولو اغتسلت غسل النفاس کفی، لما حققناه فی بحث الأغسال من کفایة غسل عن آخر، ولو لم ینوه حال الغسل.

{نعم المسّ بالشعر لا یوجبه، وکذا مسّ الشعر} وذلک لعدم صدق المس عرفاً، لکنک قد عرفت أن ذلک لیس علی إطلاقه، فإنه یصدق أحیاناً، کما إذا مس بیده رأس المیت المشعر، أو مس برأسه المشعر جسد المیت، أو رأسه المشعر، ولذا قال المستمسک: (لا یبعد الصدق فیما لو کان المس بأصول الشعر عند جزّه)((1)).

ص:91


1- المستمسک: ج3 ص472

مسألة ٢ مس القطعة المبانة

(مسألة _ 2): مسّ القطعة المبانة من المیّت أو الحیّ إذا اشتملت علی العظم یوجب الغسل

(مسألة _ 2): {مسّ القطعة المبانة من المیت أو الحّی إذا اشتملت علی العظم یوجب الغسل}، فی الجواهر: أنه المشهور بین الأصحاب قدیماً وحدیثاً، وفی مصباح الهدی: إنه المشهور شهرة عظیمة، وعن الخلاف وغیره: دعوی الإجماع علیه، وذلک لما رواه المشایخ الثلاثة من مرسل أیوب ابن نوح، عن الصادق (علیه السلام) قال: «إذا قطع من الرجل قطعة فهی میتة، فإذا مسّه إنسان فکل ما کان فیه عظم، فقد وجب علی من یمسّه الغسل، فإن لم یکن فیه عظم، فلا غسل علیه»((1)).

والرضوی: «فإن مسست شیئاً من جسده أکله السبع فعلیک الغسل إن کان فیما مسست عظم، وإن لم یکن فیه عظم فلا غسل علیک فی مسّه»((2)).

والظاهر من الخبرین لکل من الحیّ والمیت بالمناط، ولذا لم یفرقوا بین أن یکون من المیت، أو من حی، هذا مضافاً إلی مطلقات أدلة مس المیت الشامل لما نحن فیه بالمناط، إذ العرف لا یشک فی وحدة الأمرین، ولذا قال الشهید فی محکی الذکری: (إن هذه القطعة ... بعض من جملة یجب الغسل بمسها وخصوصاً فی المیت،

ص:92


1- الوسائل: ج2 ص931 الباب2 من أبواب غسل المس ح1
2- فقه الرضا: ص18 س34

فکل دلیل دلّ علی وجوب الغسل بمس المیت، فهو دالّ علیها، ولأن الغسل یجب بمسّها متصلة، فما الذی أخرجه عن الوجوب بانفصالها، ولأنه یلزم عدم الغسل لو مس جمیع المیت ممزقاً)((1))، انتهی.

وحیث إن الشهید تکلم حسب الفهم العرفی المستفید حکم القطعة من الکل بالمناط، لا یرد علیه بعض الإیرادات المذکورة فی المفصلات.

نعم عن المعتبر: التوقف فی المسألة، سواء کانت القطعة مبانة من الحی أو المیت، قال: (إن الروایة مقطوعة، والعمل بها قلیل، ودعوی الشیخ فی الخلاف الإجماع لم یثبت، فالأصل عدم الوجوب)((2))، وعن المدارک متابعته، وفیه: (إن ضعف الروایة مجبورة بالشهرة، کما فی جامع المقاصد وغیره، بالإضافة إلی أن روایة المشایخ الثلاثة موجبة للوثوق کما ذکرناه مکرراً.

هذا کله فی القطعة القلیلة مثل الید والرجل ونحوهما.

أما ما یمس المیت کالبدن المقطوع الرأس، والیدین، فلا ینبغی التأمل فی ثبوت الحکم کما ذکره المستمسک، وذلک لصدق الإطلاقات علیه، ثم الظاهر أنه لا یجری حکم المس فیما إذا بقی الجزء حیاً متصلاً أو منفصلاً، کما إذا قطعت ید إنسان، وجعلت جزءً من إنسان آخر، سواء قبل وصلها، أو بعد وصلها، وذلک لعدم الموت وإن

ص:93


1- الذکری: ص78 فی أحکام المیت، السطر ما قبل الأخیر
2- المعتبر: ص96 س33

دون المجرد عنه، وأما مس العظم المجرد ففی إیجابه للغسل إشکال

کانت منفصلة.

نعم إذا فرض أنها ماتت، ثم احتیت بالوصل بإنسان آخر وجب الغسل بمسها حالة الموت.

{دون المجرّد عنه} بلا خلاف کما فی مصباح الهدی لدلالة المرسلة والرضوی علیه، ثم الظاهر أن الغضروف لیس عظماً، فلا یجری علیه حکم العظم، ولو شک فی قطعة أنها ذات عظم أم لا؟ لزم الفحص _ لما ذکرناه من وجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة _ وإن لم یمکن الفحص، أو لم ینته إلی نتیجة، فالأصل عدم وجوب غسل المسّ.

{وأمّا مس العظم المجرّد ففی إیجابه للغسل إشکال} وخلاف. وفی المسألة أربعة أقوال:

الأول: وجوب الغسل مطلقاً، کما عن الذکری، والدروس، والموجز، وفوائد الشرایع.

الثانی: عدم الوجوب مطلقاً، کما عن التذکرة، والمنتهی، ونهایة الأحکام، والتحریر.

الثالث: التفصیل بین مرور السنة علیه فلا یجب، وعدم مرور السنة فیجب، کما عن الفقیه، والمقنع، والإسکافی، بل الأخیر فصَّل هذا حتی فی القطعة المبانة.

ص:94

الرابع: التفصیل بین السن والظفر _ من أقسام العظم المجرد _ ونحوهما من حیّ أو میت، وبین غیرهما، بعدم الوجوب فی الأول، والوجوب فی الأخیر.

والظاهر هو الوجوب مطلقاً، إلاّ السن والظفر من الحیّ فقط.

استدل للأول: بدوران الحکم مداره وجوداً وعدماً، مما یفهم منه أن الغسل إنما هو لأجله، وبصدق المس فی جملة من أقسامه کما إذا کان عظم بعض أجزاء المیت ظاهراً، فإنه یصدق بمسه مس المیت.

وللثانی: بالأصل وعدم الدلیل علیه، وفیه: أن الأصل مرفوع بالدلیل.

وللثالث: بخبر إسماعیل الجعفی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): سألته عن مس عظم المیت؟ قال: «إذا جاز سنة فلیس به بأس»((1))، لکن الخبر ضعیف سنداً، ومعرض عنه قدیماً وحدیثاً، وإن کان ربما یوافقه الاعتبار، وفی الجواهر استقرار المذهب علی خلافه.

وللرابع: بالسیرة علی عدم الغسل بمس السن والظفر المبان عن الحیّ، ففی المبان عن المیت مثله، لوحدة المناط، وفیه: عدم المناط.

وأما ما فی الجواهر، من أنه ینبغی القطع بعدم الوجوب فی مثل السن والظفر ونحوهما، سواء کانا من حیّ أو میت، للسیرة

ص:95


1- الوسائل: ج2 ص931 الباب2 من أبواب غسل المس ح2

والأحوط الغسل بمسّه، خصوصاً إذا لم یمض علیه سنة، کما أنّ الأحوط فی السن المنفصل من المیّت أیضاً الغسل، بخلاف المنفصل من الحیّ إذا لم یکن معه لحم معتّد به.

نعم اللحم الجزئی لا اعتناء به.

القطعیة، فلا یخفی ما فی دعواه السیرة بالنسبة إلی المیت، ولذا أشکل علیه المستمسک، ومما تقدم تعرف وجه ما اخترناه، وإن قال المصنف: {والأحوط الغسل بمسّه خصوصاً إذا لم یمض علیه سنة، کما أنّ الأحوط فی السنّ المنفصل من المیت أیضاً الغسل}، ثم إنه لو انفصل السن والظفر عن الحیّ ثم مات لم یجب الغسل بمسهما کما هو واضح، {بخلاف المنفصل من الحیّ إذا لم یکن معه لحم معتدّ به} إذ لو کان معه لحم معتد به، صدق علیه: قطعة فیها عظم، فیکون مشمولاً للدلیل السابق بالنسبة إلی القطعة.

{نعم اللّحم الجزئی لا اعتناء به} لعدم الصدق کما عرفت، کما عن کشف الغطاء، وتبعه المصنف، والمستمسک، ومصباح الهدی، وجملة من المعلقین الذین ظفرت بکلامهم.

ص:96

مسألة ٣ الشک فی المس والممسوس

(مسألة _ 3): إذا شک فی تحقّق المسّ وعدمه، أو شک فی أن الممسوس کان إنساناً أو غیره، أو کان میّتاً أو حیّاً، أو کان قبل برده أو بعده، أو فی أنّه کان شهیداً أم غیره

(مسألة _ 3): {إذا شک فی تحقّق المسّ وعدمه} لا یجب علیه الغسل، لأصالة عدم المس، اللهم إلاّ إذا کان هناک استصحاب المس، فهو المحکم {أو شک فی أنّ الممسوس کان إنساناً أو غیره} لا یجب علیه الغسل، لاستصحاب الطهارة، لأن المس موجب للحدث فإذا شک فیه فالأصل عدمه، أو لأصالة البراءة من وجوب الغسل {أو کان میتاً أو حیاً} لا یجب علیه الغسل، لأنه مع الجهل بتاریخ المس والموت کلیهما، أو الجهل بتاریخ المس، کان المرجع استصحاب الطهارة، أو أصالة البراءة عن وجوب الغسل، وإن علم تاریخ المس وجهل تاریخ الموت، کان المرجع استصحاب الحیاة إلی زمان المس فلا یجب الغسل أیضاً {أو کان قبل برده أو بعده} لا یجب علیه الغسل، لأنه مع الجهل بتاریخ المس والبرودة، أو تاریخ المس، یستصحب الطهارة، أو یجری أصل البراءة، ومع العلم بتاریخ البرودة والجهل بتاریخ المس، یستصحب بقاء الحرارة إلی زمان المس، ومع العلم بتاریخ المس والجهل بتاریخ البرودة، یکون المرجع هو استصحاب بقاء الحرارة إلی زمان المس.

{أو فی أنّه کان شهیداً أم غیره} لا یجب علیه الغسل، لأن الأصل فی الشهید عدم وجوب الغسل بمسّه، ففی المقام أمران:

الأول: فی أن الشهید لا یجب غسله.

ص:97

الثانی: فی أن المشکوک کونه شهیداً لا یجب الغسل بمسه.

أما الأمر الأول: فالمعروف بین الأصحاب عدم وجوب غسل الشهید، وذلک لأن ظاهر الأدلة أن الغسل بالمس إنما یجب لنجاسة المیت، بضمیمة ما دلّ علی أن الشهید لا یتنجس، ففی خبر الفضل المروی عن الامام الرضا (علیه السلام): أنه «إنما أمر من یغسل المیت بالغسل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح المیت، لأن المیت إذا خرج منه الروح بقی منه أکثر آفته»((1)).

وخبر محمد بن سنان، عنه (علیه السلام) قال: «وعلة اغتسال من غسل المیت أو مسّه الطهارة لما أصابه من نضح المیت، لأن المیت إذا خرج منه الورح بقی أکثر آفاته»((2)).

وأمّا ما دلّ علی أنّ الشهید لا یتنجس، فهی الروایات الدالة علی حشر الشهید مع دمه، وریحه کریح المسک، وما أشبه مما یستفاد منه عرفاً أن حاله أحسن من حال سائر الأموات الذین یموتون، ولو کان الشهید نجساً کسائر الأموات، لزم أن یکون أسوأ منهم، لأن سائر الأموات یطهرون ویدفنون، بینما الشهید یبقی نجساً ولا یطهر إلاّ بالاستحالة، لعدم تشریع الغسل له.

ص:98


1- الوسائل: ج2 ص929 الباب1 من أبواب غسل المس ح11
2- الوسائل: ج2 ص929 الباب1 من أبواب غسل المس ح12

وفی خبر محمد بن سنان، عن الرضا (علیه السلام) قال: «وعلة غسل المیت أنه یغسل لأنه یطهر وینّظف من أدناس أمراضه وما أصابه من صنوف علله، لأنه یلقی الملائکة ویباشر أهل الآخرة فیستحب إذا ورد علی الله عز وجل ولقی أهل الطهارة ویماسّونه ویماسّهم أن یکون طاهراً نظیفاً متوجّها به إلی لله عزوجل»((1)) الحدیث.

وفی خبر القزوینی، عن الباقر (علیه السلام) فی علة غسل المیت قال: «ولتلاقیه الملائکة وهو طاهر»((2)).

أما ما ذکره بعض الفقهاء من التأیید بخلو الأخبار الحاکیة لحروب النبی (صلی الله علیه وآله) وأوصیائه، من أمر من یدفن الشهداء بالغسل، مع حصول المس منهم غالباً، ففیه: إنها خالیة أیضاً عن الأمر بغسل من باشر قتلی الکفار، مع لمسهم لهم، کما فی خبر مجیء علی (علیه السلام) برأس عمرو إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلّم)، فتأمّل.

الأمر الثانی: فی أن المشکوک کونه شهیداً لا یجب الغسل بمسه، وقد اختلفوا فی ذلک، فالمصنف علی أنه لا یجب الغسل بمسه، وکأنه لأصالة عدم الحدث للإنسان، بعد کونه مشکوک حصول الحدث،

ص:99


1- الوسائل: ج2 ص679 الباب1 من أبواب غسل المیت ح3
2- الوسائل: ج2 ص686 الباب3 من أبواب غسل المیت ح6

وللیسرة علی معاملة من وجد میتاً فی المعرکة، یحکم علیه بأحکام الشهید، مع وجود احتمال أنه مات خوفاً لا شهادة، وسیأتی من المصنف أنّ مشکوک الشهادة لا یجب تغسیله، وکأنه للأصل المذکور، إذ لا یعلم أنه وجب علی الحیّ التغسیل، أم لا؟ فالأصل عدمه، وهذا هو الذی أقره علیه السادة: البروجردی، وابن العم، والجمال، والاصطهباناتی، وغیرهم، خلافاً لبعض الشراح کمصباح الهدی، حیث ذهب إلی وجوب الغسل بمسّه، لأصالة عدم الشهادة الحاکمة علی أصالة عدم الحدث، لأن (الشهادة أمر حادث عند الموت، ناشئ عن کون الموت عن سبب مخصوص موجب لرفع أثر الموت، الحاصل بزهوق الروح من الحدث والنجاسة، وحیث إنها أمر حادث مسبوق بالعدم، یکون الأصل عند الشک فی حدوثها هو العدم، فیحرز به حال المشکوک، من عدم کونه شهیداً، فیثبت له حکم عموم نجاسة کل میت وحدثه]((1)).

وفیه: إن کل واحد من الموت _ حتف الأنف أو بالشهادة _ أمر حادث له أحکام خاصة کالدفن بالثیاب، أو بالکفن، فالأصل معارض، ولدی التساقط یرجع إلی أصالة عدم حدوث التکلیف بمسّه.

ثم إنّ کشف اللثام ذکر فی محکی کلامه: (أمّا المعصوم فلا

ص:100


1- مصباح الهدی: ج5 ص301 فقرة2

امتراء فی طهارته ولذا قیل بسقوط الغسل عمن مسّه)((1))، وأشکل فیه المتمسک (للعمومات وخبر الحسین: کتبت إلی الصادق (علیه السلام) هل اغتسل أمیر المؤمنین (علیه السلام) حین غسل رسول الله (صلی الله علیه وآله) عند موته؟ فأجابه: «کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) طاهراً مطهراً ولکن فعل أمیر المؤمنین (علیه السلام) وجرت به السنة»)((2)).

وبمضمونه أیضاً خبر الصیقل((3)). ثم أورد علی العمومات بما ذکر فی الشهید من طهارته، وعلی الخبر بأنه لا یدل علی وجوب الغسل، لأن السنة أعم من الوجوب.

أقول: لا إشکال فی طهارة المعصوم ولکن لا ینافی ذلک جریان السنة بالغسل بمسّه، کما أنه یغسل عن الجنابة مع أنه طاهر بعد جنابته بدلیل سدّ الأبواب، ویتوضأ بعد النوم مع أن الرسول (صلی الله علیه وآله) «کانت تنام عینه ولا ینام قلبه»((4)). إلی غیر ذلک، فهم یعاملون مع أنفسهم معاملة سائر الناس إلا فی اختصاصات الرسول

ص:101


1- کشف اللثام: ج1 ص141 س8
2- المستمسک: ج3 ص477
3- جامع أحادیث الشیعة: ج3 ص1 الباب1 من أبواب غسل مس المیت ح1. وفی الوسائل: ج2 ص928 الباب1 من أبواب غسل المس ح7
4- کما فی المناقب: ج1 ص143

أو کان الممسوس بدنه أو لباسه، أو کان شعره أو بدنه، لا یجب الغسل فی شیء من هذه الصور.

نعم إذا علم المس وشک فی أنه کان بعد الغسل أو قبله وجب الغسل،

(صلی الله علیه وآله)، وکذا الناس یعاملون معهم معاملة سائر الناس بالنسبة إلی الأحکام الشرعیة العامة، وموضع هذه المسألة الکتب الأصولیة، مع وضوح أنّ لا فائدة عملیة لها الآن، وإنما ذکرناه تبعاً والله سبحانه العالم.

{أو کان الممسوس بدنه أو لباسه أو کان شعره} بالمقدار الذی لا یجب الغسل بمسّه {أو بدنه} فإنه {لا یجب الغسل فی شیء من هذه الصور} لاستصحاب الطهارة، أو أصالة البراءة عن وجوب الغسل، ثم الظاهر وجوب الفحص فی کل الموارد المذکورة، لما ذکرناه غیر مرة من وجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة، فإن لم یصل إلی نتیجة جرت الأصول المذکورة ولم یغتسل.

{نعم إذا علم المسّ} وأنه کان بحیث إذا کان قبل غسله أوجب غسل المسّ {وشک فی أنه کان بعد الغسل أو قبله وجب الغسل} فیما إذا شک فی أصل غسل المیت، وذلک لأصالة عدم تغسیله إذا لم تکن هناک أمارة أو أصل کأصالة الصحة فی فعل المسلم تقتضی غسله، لأنها إن کانت لا تدع مجالاً لأصالة عدم الغسل.

أما إذا علم بتحقق الغسل والمس کلیهما، وشک فی المتقدّم

ص:102

وعلی هذا یشکل مس العظام المجرّدة المعلوم کونها من الإنسان فی المقابر أو غیرها، نعم لو کانت المقبرة للمسلمین یمکن الحمل علی أنها مغسلة.

والمتأخر بأن لم یعلم أن الغسل کان سابقاً حتی لا یجب الغسل، أو أن المس کان سابقاً حتی یجب الغسل، فإن علم تاریخ المس دون الغسل جرت أصالة عدم الغسل، فیجب الغسل علی الماس.

أما لو علم تاریخ الغسل، أو جهل کلا التاریخین، فلا یجب الغسل علی الماس، لجریان أصالة عدم المس إلی حین الغسل فی الأول، واستصحاب طهارة الماس فی الثانی.

{وعلی هذا} الذی ذکرناه من جریان أصالة عدم الغسل {یشکل مس العظام المجرّدة المعلوم کونها من الإنسان فی المقابر أو غیرها} إلا إذا کانت هناک أمارة علی غسلها، ولذا قال: {نعم لو کانت المقبرة للمسلمین} أو کانت فی بیت مسلم أو ما أشبه مما ظاهره أنه مسلم {یمکن الحمل علی أنها مغسّله}، وصور المسألة أربعة:

الأولی: أن یوجد فی مقبرة المسلمین ونحوها، ولا إشکال فی عدم وجوب الغسل بمسّه، لجریان أصل الصحة فی فعل المسلم، لأن المسلم لا یترک میته بلا غسل.

الثانیة: أن یوجد فی المقبرة المشترکة بین المسلمین والکفار، وعن الدروس أن الأشبه سقوط الغسل، وکأنه لاستحصاب طهارة

ص:103

الماس، لکن الظاهر وجوب الغسل لأصالة عدم الغسل لهذا المیت، ولا أمارة أو أصل وارداً علی هذه الأصالة.

الثالثة: أن یوجد فی المقبرة الخاصة بالکفار، واحتمل وجود مسلم فیها، والظاهر وجوب الغسل بمسّه لأصالة عدم غسله، واحتمال کونه من مسلم لا یرفع الأصل المذکور.

الرابعة: أن یوجد فی مقبرة مجهولة، أو مکان مجهول، لا یعلم کونه لمسلم أو کافر، والظاهر وجوب الغسل أیضاً لأصالة عدم غسل المیت. ومما تقدم یعلم حال الکافر إذا علم بغسله، لظهور أن غسله لا یطهرّه، وإن کان الغاسل مسلماً، ومنه الفِرَق المحکوم بکفرهم، وحال ما وجد فی فلاة لم یعلم أنه مات حتف أنفه وغسّل، أو صار أکیل السبع، أو غیر ذلک، لأنه لا دلیل علی أن أرض المسلمین، بل أرض غیرهم أمارة علی الغسل، وحال الجثث التی یؤتی بها إلی کلیات الطب لأجل التشریح، إذا علم بعدم مبالاة المشرفین علیها، لأن عصیانهم فی تناول الجثة یمنع من إجراء أصالة الصحة فی أفعالهم، فالواجب علی الطلاب الماسین لها الغسل.

اللهم إلا إذا کان لحماً مجرداً، أو شبه لحم، کالعین والأذن، حیث عرفت أن الغضروف _ ومنه الأذن _ لا یجب الغسل بمسّه.

ص:104

مسألة ٤ وجود قطعتین لم یعلم أن أحدهما من میت الإنسان

(مسألة _ 4): إذا کان هناک قطعتان یعلم إجمالا أنّ أحدهما من میت الإنسان فإن مسهّما معاً وجب علیه الغسل، وإن مسّ أحدهما ففی وجوبه إشکال، والأحوط الغسل.

(مسألة _ 4): {إذا کان هناک قطعتان یعلم إجمالاً أنّ أحدهما من میت الإنسان} بحیث یجب الغسل بمس أحدهما {فإن مسّهما معاً، وجب علیه الغسل} للعلم الإجمالی، وإن کان المسّ فی زمانین، لأنه بعد الثانی یعلم بأنه یجب علیه الغسل إما لهذا أو لذاک.

{وإن مسّ أحدهما ففی وجوبه إشکال} لاستصحاب طهارة الماس، وأصالة عدم تحقق مس الإنسان، فالمقام من قبیل ملاقی بعض أطراف الشبهة المحصورة {والأحوط الغسل} للعلم الإجمالی، لکن الظاهر أن هذا العلم لا یؤثر إلاّ إذا مسّ کلتیهما، کما قوی عدم الوجوب المستمسک، ومصباح الهدی، والسیدین البروجردی والأصطهباناتی. ثم إنه لو حدث منه مس للمیت وغسل، ولا یعلم بتقدم أیهما، یأتی فیه الکلام فی مجهولی التاریخ.

ص:105

مسألة ٥ عدم الفرق بین المس الاختیاری أو الاضطراری

(مسألة _ 5): لا فرق بین کون المسّ اختیاریاً أو اضطراریاً فی الیقظة أو فی النوم، کان الماسّ صغیراً أو مجنوناً أو کبیراً عاقلاً، فیجب علی الصغیر الغسل بعد البلوغ، والأقوی صحته قبله أیضاً إذا کان ممیّزاً،

(مسألة _ 5): {لا فرق بین کون المسّ اختیارایاً أو اضطراریاً فی الیقظة أو فی النوم، کان الماسّ صغیراً أو مجنوناً أو کبیراً عاقلاً} وذلک لأن سببیة المس للغسل حکم وضعی، والأحکام الوضعیة لا تختص بالمکلف، وإن کان وجوب الغسل مختص بحال الاختیار، فهو من قبیل النجاسة والنکاح والملک وغیرها، هذا ولکن ذکرنا فی هذا الکتاب أن الظاهر من قوله (علیه السلام): «رفع القلم عن الصبی والمجنون والنائم»((1)) أن لا قلم علیهم أصلاً، فهم کحالهم قبل الشرع، ولا دلیل علی التخصص بالأحکام التکلیفیة.

نعم فیما خرج بالدلیل الخاص نقول به، ولیس المقام من ذلک، ولکن فی المسألة تأملاً.

{فیجب علی الصغیر الغسل بعد البلوغ}، وعلی المجنون بعد الإفاقة، وعلی النائم بعد الیقظة، إذ لا تکلیف علیهم فی حال الصغر والجنون والنوم.

{والأقوی صحّته قبله أیضاً إذا کان ممیزاً} لما تقدم فی بعض

ص:106


1- الوسائل: ج1 ص32 الباب4 من أبواب مقدمة العبادات ح11

وعلی المجنون بعد الإفاقة.

المباحث السابقة من صحة عبادات الصبی {وعلی المجنون بعد الإفاقة} وهل یصح غسل الولی لهما فی حال الجنون، وغیر التمیز؟ احتمالان: من أصالة عدم رفع حدثه بتغسیل الغیر مع أصالة اشتراط المباشرة فی التکالیف، ومن أن الظاهر من جعل الولی أنه یقوم بکل أعمالهما، ولذا یصح إحجاجه، وهذا الاحتمال هو الأقرب.

ص:107

مسألة ٦ وجوب الغسل بمس القطعة المبانة

(مسألة _ 6): فی وجوب الغسل بمس القطعة المبانة من الحی، لا فرق بین أن یکون الماس نفسه أو غیره.

(مسألة _ 6): {فی وجوب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الحیّ، لا فرق بین أن یکون الماسّ نفسه أو غیره} لإطلاق الأدلة، خصوصاً بملاحظة قوله (علیه السلام): «فهی میتة» واحتمال انصراف النص إلی مس قطعة إنسان آخر، بدوی لا یعبأ به، ثم: الظاهر أنه لو مس إنسان میتاً مغسّلاً، بقطعة مبانة من نفسه، أو غیره لم یجب غسل ثان علی المیت، للأصل، وانصراف الأدلة إلی الحیّ، فلا یقال: إنه حکم وضعی لا فرق فیه بین الأموات والأحیاء، کما إذا تنچس بدن المیت، ولذا تقدم فی بحث الجنابة أنه لو أجنب المیت لم یجب أن یغسلّ غسلاً ثانیاً، وکذا إن جری منها دم الحیض، أو النفاس، أو الاستحاضة، بل لعل ذلک من البدیهیات.

ص:108

مسألة ٧ مس القطعة المبانة من الحی قبل البرد

(مسألة _ 7): ذکر بعضهم أن فی إیجاب مس القطعة المبانة من الحی للغسل، لا فرق بین أن یکون قبل بردها أو بعده، وهو أحوط.

(مسألة _ 7): {ذکر بعضهم} قال فی الجواهر: (لکن قد یقوی فی النظر العدم)((1)) {إن فی إیجاب مسّ القطعة المبانة من الحیّ للغسل، لا فرق بین أن یکون قبل بردها أو بعده} ولعله لإطلاق النص، بخلاف ما إذا کانت القطعة مبانة من المیت، إذ دلیل الفرق بین البارد والحار فی المیت ینسحب إلی أجزائه أیضاً {وهو أحوط}، وإن کان الأقوی خلافه، لعدم الإطلاق، فإن قوله (علیه السلام): «فهی میتة» ظاهر فی أنها محکومة بحکم المیتة، فإذا کانت حارة لم توجب الغسل، وإذا کانت باردة أوجبت، ولو شک فالمرجع أصالة طهارة الماس، أو أصالة البراءة من وجوب الغسل، ثم لا فرق فی إیجاب المس للغسل بین مس القطعة للإنسان، أو العکس.

ص:109


1- الجواهر: ج5 ص342 فی وجوب الغسل إن مسّ س5

مسألة ٨ موردان مشکوکان لصدق المس

(مسألة _ 8): فی وجوب الغسل إذا خرج من المرأة طفل میّت بمجرّد مماسته لفرجها إشکال، وکذا فی العکس، بأن تولد الطفل من المرأة المیتة،

(مسألة _ 8): {فی وجوب الغسل إذا خرج من المرأة طفل میت بمجرد مماسته لفرجها} أی باطن الفرج {إشکال} من عموم أدلة الغسل بمس المیت، وقد حصل، وقد تقدم أنه لا فرق فی المس بین الظاهر والباطن للماس، أو للممسوس، ومن انصراف النص عن مثله، فالأصل العدم، والأقرب الثانی، أما مماسته للرحم، فالظاهر أنه لا إشکال فی عدم إیجابه الغسل، وقد قال کل من المستمسک((1))، ومصباح الهدی((2)): إنه لا إشکال فی ذلک.

وکذلک لا إشکال فی إیجاب مماسته ظاهر الفرج أو سائر بدنها به الغسل علیها((3))، وهکذا لا إشکال فی وجوب الغسل علی القابلة وغیرها، کل ذلک للإطلاق الذی إن قیل بالانصراف فیه فلا إشکال فی أنه بدوی، ومن ذلک تعرف حکم تقطیع الولد وإخراجه قطعة قطعة، فإن أیها لو بردت وماست ظاهر الأم وجب الغسل علیها إن کانت ذات عظم، لما تقدم فی القطعة المبانة.

{وکذا فی العکس، بأن تولّد الطفل من المرأة المیتة} ففیه: احتمالان من الاطلاق، ومن الانصراف، ویأتی هنا الکلام فی مماسته لها فی الباطن، لا ظاهر الفرج، لکن وجوب الغسل علیه، مبنی علی

ص:110


1- المستمسک: ج3 ص480
2- مصباح الهدی: ج5 ص306
3- الوسائل: ج2 ص931 الباب2 من أبواب غسل المس ح1

فالأحوط غسلها فی الأول، وغسله بعد البلوغ فی الثانی.

ما سبق من وجوبه علی الطفل بعد البلوغ، وإلاّ لم یجب، کما استقربناه.

وکیف کان {فالأحوط غسلها فی الأول، وغسله بعد البلوغ فی الثانی} أو غسله فی حال التمیّز کما تقدّم.

ثمّ إنّه لا إشکال فی عدم وجوب غسل ثانٍ للمس _ فیما أوجبنا غسل المس علی الأم، أو الطفل _ بعد الموت، بل یکفی غسل الأموات لهما، ویغنی ذلک عن کل غسل آخر من جنابة ونفاس ومس وغیرها، کما حقق فی مسألة من مات جنباً، ثم إنه یأتی مسألة مجهولی التاریخ فیما إذا علم بموت الولد أو الأم، لکن جهلا أو جهل أحدهما من حیث التقدم والتأخّر.

ص:111

مسألة ٩ مس فضلات المیتة

(مسألة _ 9): مس فضلات المیّت، من الوسخ، والعرق، والدم، ونحوها لا یوجب الغسل وإن کان أحوط.

(مسألة _ 9): {مسّ فضلات المیت، من الوسخ، والعرق، والدم، ونحوها لا یوجب الغسل} لا ینبغی الإشکال فی ذلک، لأن الموجب للغسل مس المیت، وهذه الأمور لیست بمیتا {وإن کان أحوط} کأنه لأجل أن العرف یفهم من مس المیت المناط، لکن الظاهر أنه لا وجه لمثل هذا الاحتیاط.

نعم إذا کانت الأوساخ کطبقة علی جسم المیت، وصدق اسم المس، لا ینبغی الإشکال فی وجوب الغسل، اللّهم إلاّ إذا کانت تعدّ حائلة مما یسلب صدق المس، ومثله ما لو حنّط المیت بما حال بین المس وبین جسمه وإن صدق عند العرف الجاهل بهذه الطبقة أنه مس المیت، إذ حاله حال ما إذا مس المیت من وراء الثوب، وکذلک إذا وضع المیت فی الثلاجة حتی اکتسی طبقة من الثلج.

ص:112

مسألة ١٠ وجوب الغسل للجماع مع المیتة

(مسألة _ 10): الجماع مع المیتة بعد البرد یوجب الغسل ویتداخل مع الجنابة.

(مسألة _ 10): {الجماع مع المیتة} ومع المیت ولو کانت زوجة أو زوجاً حرام، لأن الأدلة المجوزة لنکاح الزوجین منصرفة عنه، ولذا جاز له أن یتروج فور موتها زوجة خامسة.

أمّا مسألة المحرمیة فقد ثبت بالنص والإجماع، ثم لو عصی وجامع، فإن کان قبل البرد، أوجب غسل الجنابة، لإطلاق الأدلة، وقد تقدم الکلام حول ذلک فی باب الجنابة، وإن کان {بعد البرد یوجب الغسل} للجنابة والمس {ویتداخل مع الجنابة} لما تقدم فی مبحث تداخل الأغسال، ویدل علیه فی المقام روایة شهاب: «فإن غسّل میتاً، ثمّ توضأ، ثمّ أتی أهله، یجزیه غسل واحد لهما»((1))، ولو باشره أو باشرته برطوبة، وجب غسل الموضع أیضاً لنجاسة المیت، کما تقدّم فی مبحث النجاسات، إلاّ إذا کان الجماع بعد غسل المیت، فإنه لا یوجب غسل المس، ولا نجاسة الموضع.

ص:113


1- جامع أحادیث الشیعة: ج3 ص7 الباب1 من أبواب غسل المیت ح27

مسألة ١١ مس المقتول

(مسألة _ 11): مسّ المقتول بقصاص أو حدّ إذا اغتسل قبل القتل غسل المیّت لا یوجب الغسل.

(مسألة _ 11): {مسّ المقتول بقصاص أو حدّ إذا اغتسل قبل القتل غُسل المیت لا یوجب الغُسل} کما ذکره غیر واحد من الفقهاء، وذلک لأن الشارع حکم علیه بأنه مغسَّل، فلا یحتاج إلی غسل ثان، وحیث کان مغسلاً، فمسّه لا یوجب غسلاً.

أما أنّ الشارع حکم علیه بأن یغسل، فلما ورد من خبر مسمع عن الصادق (علیه السلام) قال: «المرجوم والمرجومة یغسلان ویحنطان ویلبسان الکفن قبل ذلک، ثم یرجمان ویصلّی علیهما، والمقتص منه بمنزلة ذلک»((1))، فإن المفهوم منه عرفاً، أن هذا الغسل هو غسل المیت قدّمه الشارع لمصلحة، ومنه یعلم أن إشکال الحدائق: باستحالة سبق التطهیر علی وقوع النجاسة لا وجه له، لأن الحکم بالنجاسة شرعی، فمن الممکن أن لا یحکم بها فی هذه الصورة، أو أن الغسل السابق مانع عن التنجس، أما کفایة غسله عن غسل المس، فلأنه داخل فی المطلقات الدالة علی أن المیت بعد الغسل، مسّه لا یوجب الغسل، وقد نزّل الشارع غسله قبل الموت بغسله بعد الموت، فما عن السرائر والحدائق من الإشکال فی ذلک، وعن المنتهی التوقف فیه، محل نظر، وإن کان ربما یوجه کلامهم بانصراف الأدلة عنه، لکن فیه: إن الانصراف لو سلّم فهو بدوی لا یعبأ به.

ص:114


1- الوسائل: ج2 ص703 الباب17 من أبواب غسل المیت ح1

ثم لو لم یغتسل المقتول بالقصاص ونحوه، فالظاهر وجوب غسله بعد القتل، وحینئذ یکون حاله حال سائر الأموات فی أن مسّه بعد البرد وقبل الغسل یوجب غسل المس، ولو تیمم، أو اغتسل بعض الاغسال، لفقد الماء، أو الخلیط، أو ما أشبه، کان الحکم کما تقدم فی أنّ مسّه لا یوجب الغسل، والظاهر أن هذا الحکم خاص بمن یقتل بحکم شرعی صحیح.

أما الذی تقتله الحکومات الجائرة، ولو کان بصورة الرجم أو القصاص، لا یحکم بهذا الغسل، فغسله السابق لا ینفع، بل حاله حال الذی یغتسل ثم یقتل ظلماً أو یموت، کما أن الظاهر أن حدث المقتول بین غسله وقتله لا یضر بغسله، فلا یحتاج إلی تکرار الغسل، ویکون مسّه بعد الغسل کافیاً وإن کان بعد أن أحدث لإطلاق الدلیل.

ثم الظاهر أن من یحرق للحد، حاله کذلک، لإطلاق الدلیل المتقدم.

أما لو مسّ الإنسان المحروق قبل أن یغسل أو ییمم، فالواجب غسل المس، إلا إذا مس الفحم، الذی لا یصدق علیه مس المیت، فإن ذهاب الموضوع یوجب ذهاب الحکم.

ثم إذا کان فی مذهبه یصح قتله، کما تفعله السعودیة الآن، فهل غسله غیر الصحیح واقعاً قبل قتله، وقتله غیر المشروع لأنه یجری بید غیر شرعیة کافیة عن غسل المس، احتمالان: من إطلاق

ص:115

الأدلة بضمیة «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»((1))، ومن أن هذا حکم وضعی مرتبط بالماس، ولیس إلزاماً لغیرهم.

لکن ربما یقال إنه من قبیل زواج المطلقة ثلاثاً لهم، ولذا یلزم أن یقال بصحة غسلهم بعد الموت إذا مسّه المؤمن، وإن کان غسله باطلاً فی مذهب المؤمن.

ص:116


1- العوالی: ج3 ص514 باب المواریث ح76

مسألة ١٢ مس سرة الطفل بعد قطعها

(مسألة _ 12): مسّ سرّة الطفل بعد قطعها لا یوجب الغسل.

(مسألة _ 12): {مسّ سرّة الطفل بعد قطعها لا یوجب الغسل} لعدم العظم، وقد سبق أن مس القطعة المبانة إنما یوجب الغسل إذا کان مع العظم، ومنه یعرف أن مسّ قرین الولد الذی یجیء معه لا یوجب الغسل لأنه لیس مع العظم.

نعم إذا مات الطفل، فمسّ سرّته، أو قرینه المتّصل به، یوجب الغسل، ولو مس السقط الذی لا یسمی إنساناً، لکونه مشوهاً، فالظاهر أنه یوجب الغسل، لأنه إنسان وإن کان مشّوهاً، وربما یحتمل عدم الوجوب إذا صدق علیه اسم آخر، کما ربما صار هذا الشیء فی زماننا فولدت امرأة جنیناً کان یشبه جنین الفرس تماماً، لکن الظاهر أنه یجب الغسل بمسّه، کالعکس بأن ولد الحیوان شیئاً شبیهاً بالإنسان فإنه لا یوجب الغسل، اللّهم إلاّ إذا ربی حیوان فی رحم إنسان، أو إنسان فی رحم حیوان، فإنه لا یجب الغسل فی الأوّل، ویجب الغسل فی الثانی.

ص:117

مسألة ١٣ مس العضو المیت المتصل بالحی

(مسألة _ 13): إذا یبس عضو من أعضاء الحیّ وخرج منه الروح بالمرّة، مسّه ما دام متصلاً ببدنه لا یوجب الغسل، وکذا إذا قطع عضو منه واتصل ببدنه بجلدة مثلاً، نعم بعد

(مسألة _ 13): {إذا یبس عضو من أعضاء الحیّ وخرج منه الروح بالمرّة، مسّه ما دام متّصلاً ببدنه لا یوجب الغسل} قالوا لأنه لا یصدق علیه المیت ما دام متّصلاً، بل حاله حال العظم الذی لا روح فیه، وإن کان فی بدن الحیّ، قال فی مصباح الهدی: (بل التحقیق أنّ الحیاة من صفات النفس فانقطاع تعلق الرّوح عن بعض أجزاء البدن وانحصار تعلّقه بباقیه لا یوجب صدق الموت علی ذلک الجزء إلا مجازاً)((1))، انتهی.

وفیه: إنه لا نسلم عدم صدق المیت مع فرض الیبس وخروج الروح، وتعلّق الرّوح بالنفس دقة فلسفیة، وإلا فالعضو یموت ویحیی، کما أنّ سائر البدن له حیاة وموت، وعلی هذا فالأقرب وجوب الغسل بمسّه لغیر صاحب العضو.

وأما صاحب العضو فلا یبعد أن لا یصدق المسّ علیه لکونه متّصلاً ببدنه.

{وکذا إذا قطع عضو منه واتّصل ببدنه بجلدة مثلاً، نعم بعد

ص:118


1- مصباح الهدی: ج5 ص39 الفقرة1

الانفصال إذا مسّه وجب الغسل بشرط أن یکون مشتملاً علی العظم.

الانفصال إذا مسّه وجب الغسل بشرط أن یکون مشتملاً علی العظم} أو کان عظماً مجرداً _ کما تقدم _ أما إذا کان لحماً مجرداً، فلا یجب الغسل بمسه.

ص:119

مسألة ١٤ مس المیت ینقض الوضوء

(مسألة _ 14): مس المیت ینقض الوضوء فیجب الوضوء مع غسله.

(مسألة _ 14): {مسّ المیت ینقض الوضوء فیجب الوضوء مع غسله} لأن الموجب للحدث الأکبر _ أی ما یوجب الغسل _ موجب للحدث الأصغر، أی ما یوجب الوضوء، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی باب غسل الجنابة، وأنه لا دلیل علی ذلک إلاّ ما دلّ عل أنّ کلّ غسل معه وضوء، وقد عرفت الإشکال فی هذه الکلیة، وسیأتی فی المسألة الخامسة عشرة ما ینفع المقام.

ص:120

مسألة ١٥ کیفیة غسل المس

(مسألة _ 15): کیفیة غسل المسّ مثل غسل الجنابة.

(مسألة _ 15): {کیفیة غسل المسّ مثل غسل الجنابة} بلا إشکال ولا خلاف، بل هو من المسلّمات فی کل الأغسال، ویدلّ علی ذلک بالإضافة إلی قاعدة الإلحاق الّتی ذکرناها غیر مرّة، صحیح ابن مسلم، عن أبی عبدالله (علیه السلام): «من غسل میتاً أو کفّنه اغتسل غسل الجنابة»((1)).

ومثلها فی الدلالة: الرضوی الآتی((2))، ولا یضر بذلک قوله (علیه السلام): «أو کفّنه» لما تقدّم من عدم استبعاد استحباب الغسل لمسّ المیت ولو بعد تغسیله، هذا إن کان لفظ «أو» کما وجدته فی بعض الکتب الفقهیة.

أما إذا کانت «الواو» کما فی جامع أحادیث الشیعة، فذکر "الکفن" من جهة التعقّب الخارجی، وإن لم یکن له مدخلیة فی الاغتسال.

نعم ربّما یستفاد من بعض الروایات استحباب تأخیر الغسل إلی ما بعد الکفن، فعن علی (علیه السلام) فی حدیث الأربعمائة: «قال

ص:121


1- الوسائل: ج2 ص936 الباب7 من أبواب غسل المس ح1
2- فقه الرضا: ص19 س6

إلا أنه یفتقر إلی الوضوء أیضاً.

من غسل منکم میّتاً فلیغتسل بعد ما یلبسه أکفانه»((1)).

وفی حدیث آخر، رواه تحف العقول عنه (علیه السلام): «من غسّل مؤمناً فلیغتسل بعد ما یلبسه أکفانه ولا یمسّه بعد ذلک فیجب علیه الغسل»((2))، والمراد بالوجوب الثبوت الذی لا ینافی الاستحباب، مثل: زیارة الحسین (علیه السلام) واجبة.

ومثله: ما فی روایة عمار: «یغتسل الذی غسّل المیت وکل من مسّ میتاً، فعلیه الغسل وإن کان المیت قد غُسّل»((3)).

{إلاّ أنّه یفتقر إلی الوضوء أیضاً} للقاعدة العامة: من أن کل غسل معه وضوء إلاّ الجنابة، ویزید هنا الرضوی (علیه السلام): «إذا اغتسلت من غسل المیت فتوضأ، ثم اغتسل کغسلک من الجنابة، وإن نسیت الغسل فذکرته بعد ما صلیت فاغتسل وأعد صلاتک»((4)).

لکن إذا قلنا بکفایة کل غُسل عن الوضوء، فاللازم حمل هذه الروایة علی الاستحباب، ویؤیده ما رواه الحلبی فیما لو مات الإمام، حیث قال (علیه السلام): «ویطرحون المیت خلفهم ویغتسل من مسه»((5))، حیث إن ظاهره أن المس لا ینقض الوضوء، ولا ینافی مع الصلاة فیتم الماس صلاته، ثم یغتسل.

ص:122


1- الخصال: ص618
2- تحف العقول: ص77
3- الوسائل: ج2 ص932 الباب3 من أبواب غسل المس ح3
4- المستدرک: ج1 ص151 الباب7 من أبواب غسل المس ح1
5- الوسائل: ج2 ص929 الباب1 من أبواب غسل المس ح9

مسألة ١٦ موارد وجوب غسل المس وشرائطه

(مسألة _ 16): یجب هذا الغسل لکلّ واجب مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر، ویشترط فیما یشترط فیه الطهارة.

(مسألة _ 16): {یجب هذا الغسل لکلّ واجب مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر} کالصلاة الواجبة، والطواف الواجب {ویشترط فیما یشترط فیه الطهارة} کالنوافل، ومس کتابة القرآن کما نسب إلی المشهور، واستدلوا لذلک بأمرین:

الأول: إن المنساق إلی الذهن من الأخبار الآمرة بالغسل عند المسّ، هو کون المسّ کالجنابة وغیرها من الأحداث.

الثانی: بعض الروایات، کخبر الفضل، عن الرضا (علیه السلام): «إنما أمر من یغسل المیت بالغسل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح المیت»((1))، والرضوی المتقدم فی المسألة الخامسة عشرة، خلافاً للمدارک حیث قال: (وأما غسل المسّ فلم أقف علی ما یقتضی اشتراطه فی شیء من العبادات، ولا مانع من أن یکون واجباً لنفسه)((2))، وللمستند: ففصل بین الصلاة وغیرها، بالاشتراط فی الأول للرضوی المنجبر بالشهرة، وعدم الاشتراط فی غیرها من العبادات، لعدم الدلیل علی ذلک.

ص:123


1- الوسائل: ج2 ص929 الباب1 من أبواب غسل المس ح11
2- المدارک: ص3 س17

أقول: والأقرب حسب الصناعة ما ذکره المدارک، لأنه یرد علی دلیل المشهور:

الأول: عدم تسلیم الانسیاق إلی حدّ الظّهور، ولذا لم یستدل به غیر واحد منهم، ولو کان الانسیاق إلی حدّ الظهور، لاستدلوا بذلک.

الثانی: أما روایة الفضل، فظاهرها أن الغسل لأجل الخبث لا الحدث، ولا ینافی ذلک وجوب النیة لدلیل آخر.

وأمّا الرضوی، فهو ضعیف السند، والمشهور لم یستندوا إلیه حتی یقال بالجبر، فالأصل عدم الاشتراط، مضافاً إلی ما تقدّم من روایة الحلبی.

نعم لا إشکال فی أن الاشتراط أحوط، کما أنّ کون المسّ ناقضاً للوضوء یقتضیه الاحتیاط، ومن الواضح أنها مسألتان، فمسألة کون المسّ ناقضاً للوضوء غیر مسألة اشتراط غسل المسّ فیما یشترط بالطهارة.

ص:124

مسألة ١٧ ما یجوز للمساس قبل المس

(مسألة _ 17): یجوز للماسّ قبل الغسل دخول المساجد والمشاهد والمکث فیها وقراءة العزائم ووطؤها إن کان امرأة، فحال المسّ حال الحدث الأصغر إلاّ فی إیجاب الغسل للصلاة ونحوها.

(مسألة _ 17): {یجوز للماسّ قبل الغسل دخول المساجد والمشاهد والمکث فیها وقراءة العزائم ووطؤها إن کان امرأة} فلیس کالجنابة مانعاً عن المذکورات، ولا کالحیض والنفاس مانعاً عن الوطی، وذلک کما عن الروض، والموجز، وغایة المرام، وجامع المقاصد، وغیرها، وذلک لعدم الدلیل علی اشتراط هذه الأمور بهذا الغسل، فالأصل عدم الاشتراط، خلافاً لما عن الشرائع، والقواعد، بل عن بعضهم نسبته إلی الشهرة من أن حال الماس حال الجنب فی کل الأمور، وکأنه لوحدة سیاق الأحداث، والأغسال فی النصوص والفتاوی، وفیه ما لا یخفی، لأن وحدة الأحداث فی الأحکام لا دلیل علیه، وکون کلّها أحداثاً لا توجب وحدة الأحکام، فما ذکره المصنف تبعاً للمشهور هو الأقرب.

وعلی هذا {فحال المس حال الحدث الأصغر إلاّ فی إیجاب الغُسل للصلاة ونحوها} وقد تقدم الإشکال فی ذلک فی المسألة السّادسة عشرة أیضاً، والله العالم.

ص:125

مسألة ١٨ الحدث الأصغر والأکبر فی أثناء الغسل

(مسألة _ 18): الحدث الأصغر والأکبر فی أثناء هذا الغسل لا یضّر بصحّته، نعم لو مسّ فی أثنائه میّتاً وجب استینافه.

(مسألة _ 18): {الحدث الأصغر والأکبر فی أثناء هذا الغسل لا یضر بصحّته} وذلک لما سبق من عدم الدلیل عل بطلان الغسل بالحدثین، فالأصل عدم بطلانه.

نعم ترتفع الطهارة الصغری بالحدث الأصغر، والکبری بالحدث الأکبر، کحالهما إذا وقع الحدثان بعد الغسل، وذلک لإطلاق أدلة رافعیة ذینک الحدثین لتینک الطهارتین.

{نعم لو مسّ فی أثنائه میتاً وجب استینافه} لوضوح أن المسّ یرفع الطّهارة الکائنة عند اللامس، وإلیه أشار المستمسک بقوله: (کل مرفوع ناقض لرافعه لو وقع فی أثنائه)((1)).

نعم ربما احتمل أنه لو وقع الحیض فی أثناء غسل المس رفع أثره، لقوله (علیه السلام): «قد أتاها ما هو أعظم من ذلک»((2)). بل قال بذلک جمع کما حکی عنهم، إلاّ أن فی دلالة الروایة نظر، لأنه لا تدل علی رفع آثار الطهارة الحاصلة من بعض الغسل، کما لا تدلّ علی رفع الطهارة الکائنة فی حالة اللامس.

ص:126


1- المستمسک: ج3 ص484
2- الوسائل: ج2 ص565 الباب22 من أبواب الحیض ح2

مسألة ١٩ عدم وجوب تکرار الغسل بتکرار المس

(مسألة _ 19): تکرار المسّ لا یوجب تکرّر الغسل، ولو کان المیّت متعدداً کسائر الأحداث.

(مسألة _ 19): {تکرار المسّ لا یوجب تکرّر الغسل، ولو کان المیت متعدداً کسائر الأحداث} فإن الظاهر من أدلة الأحداث أنها لا تتکرر، ولذا یکتفی لجمیعها بوضوء واحد، أو غسل واحد، وهذا وإن کان خلاف الأصل من عدم التداخل، إلا أنّه دلّ علیه النص، والاجماع _ کما تقدّم فی مبحث تداخل الوضوءات، وتداخل الأغسال _ خلافاً لما تقدّم عن صاحب المستند، حیث یری أن الأصل هو التداخل.

ثم إنه لو نوی الغسل عن أحد المسّین دون الآخر، فإن کان علی نحو التقیید، بطل غسله رأساً، لأنّ الشارع لم یشرع هکذا غسل، فحاله حال ما إذا نوی الوضوء عن حدث خاص دون الآخر، وإن لم یکن علی نحو التقیید صح الغسل، وارتفع أثر کل مس حدث منه.

ص:127

مسألة ٢٠ وجوه لوجوب غسل المس

(مسألة _ 20): لا فرق فی إیجاب المسّ للغسل بین أن یکون مع الرطوبة أو لا، نعم فی إیجابه للنجاسة یشترط أن یکون مع الرطوبة علی الأقوی، وإن کان الأحوط الاجتناب إذا مسّ مع الیبوسة، خصوصاً فی میت الإنسان، ولا فرق فی النجاسة مع الرطوبة بین أن یکون بعد البرد أو قبله،

(مسألة _ 20): {لا فرق فی إیجاب المسّ للغسل بین أن یکون مع الرطوبة أو لا} لإطلاق أدلة إیجاب المسّ الغسل، وکأنه إجماع منهم لذلک، إذ لم ینقل الخلاف من أحد، ومنه یظهر أن قوله (علیه السلام): «کل شیء یابس زکی»((1)) یرتبط بباب الخبث، لا الحدث، ولذا یجنب المدخل وإن لم یکن مع رطوبة.

{نعم فی إیجابه للنجاسة یشترط أن یکون مع الرطوبة علی الأقوی} لما تقدم فی مبحث النجاسات، من اشتراط الرطوبة فی النجاسة، وإن کان هناک قول آخر بالنجاسة ولو بدون الرطوبة.

{وإن کان الأحوط الاجتناب إذا مسّ مع الیبوسة، خصوصاً فی میت الإنسان} لظاهر بعض الأدلة المحمولة علی الاستحباب جمعاً.

{ولا فرق فی النجاسة مع الرطوبة بین أن یکون بعد البرد أو قبله} لإطلاق أدلة نجاسة المیت الشامل لما قبل البرد، ولا تلازم بین النجاسة وبین إیجاب الغسل، بل دلّ الدلیل علی عدم إیجاب الغسل

ص:128


1- الوسائل: ج1 ص248 الباب31 من أبواب أحکام الخلوة ح5

وظهر من هذا أنّ مسّ المیت قد یوجب الغُسل والغَسل، کما إذا کان بعد البرد وقبل الغُسل مع الرطوبة، وقد لا یوجب شیئاً کما إذا کان بعد الغُسل أو قبل البرد بلا رطوبة، وقد یوجب الغُسل دون الغَسل کما إذا کان بعد البرد وقبل الغُسل بلا رطوبة، وقد یکون بالعکس کما إذا کان قبل البرد مع الرطوبة.

عند الحرارة {وظهر من هذا أنّ مسّ المیت} علی أربعة أقسام: {قد یوجب الغُسل والغَسل، کما إذا کان بعد البرد وقبل الغُسل} وکان المسّ {مع الرطوبة} فی الماسّ أو الممسوس {وقد لا یوجب شیئاً، کما إذا کان بعد الغُسل، ولو برطوبة {أو قبل البرد} بلا غُسل و{بلا رطوبة} فإنه یستحب التطهیر، لا أنه یجب کما عرفت {وقد یوجب الغُسل} بالضم {دون الغَسل} بالفتح {کما إذا کان بعد البرد وقبل الغُسل بلا رطوبة} مسریة {وقد یکون بالعکس} یوجب الغَسل بالفتح دون الغُسل بالضم {کما إذا کان قبل البرد مع الرطوبة}.

والکل واضح حسب الأدلة السابقة التی ذکرت فی باب نجاسة المیتة، وفی هذا الباب، والله سبحانه العالم بحائق الأحکام، والحمد لله ربّ العالمین والصلاة والسلام علی محمّد وآله الطاهرین.

ص:129

ص:130

فصل فی أحکام الأموات

اشارة

فصل

فی أحکام الأموات

اعلم أن أهمّ الأمور وأوجب الواجبات التّوبة من المعاصی

{فصل فی أحکام الأموات} من قبل موتهم إلی حین إقبارهم.

{اعلم أنّ أهمّ الأمور} العقلیة {وأوجب الواجبات} الشرعیة {التوبة من المعاصی} ویدلّ علی وجوبها الأدلّة الأربعة:

أما الکتاب: قوله تعالی: ﴿وَ تُوبُوا إِلَی اللَّهِ جَمیعاً أَیُّهَا

ص:131

الْمُؤْمِنُونَ﴾((1))، وقوله تعالی: ﴿یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَی اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾((2))، وقوله تعالی: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ﴾((3))، إلی غیرها من الآیات، وتخصیص المؤمنین بالذکر فی بعضها مع أن التوبة واجبة علی الجمیع، إنما هو لأجل أنهم المنتفعون بالآیات، والعموم فی بعضها الآخر لإفادة کون الحکم عاماً حتی لا یتوهّم التخصیص فی الآیات الخاصّة بذکر المؤمنین، کما أن الاستغفار والتوبة إذا ذکرا معاً أرید بالاستغفار: طلب الغفران الذی هو عبارة عن ستر الذنب أی محوه، لأن "غفر" بمعنی ستر، وأرید بالتوبة: الرجوع إلی الله سبحانه، فالمراد اطلبوا محو ذنوبکم وارجعوا إلی الله بطاعاته، تشبیها للرجوع المعنوی بالطاعة إلی الرجوع المادی بالأبدان، من باب تشبیه المعقول بالمحسوس، وإذا ذکر أحدهما دون الآخر أرید به إمّا معناه الخاص، وإما کلا الأمرین، کما قیل فی الظرف والجار والمجرور، والمسکین والفقیر.

وأما السنة: متواتر الروایات: کالمروی عن الإمام الرضا (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال: «اعترفوا بنعم الله ربّکم وتوبوا إلی الله من جمیع ذنوبکم، فإن الله

ص:132


1- سورة النور: الآیة 31
2- سورة التحریم: الآیة 8
3- سورة هود: الآیة 3

یحبّ الشاکرین من عباده»((1)) إلی غیرها من الروایات.

وأمّا الإجماع: فقد ادّعاه العلامة، والسّبزواری، والمجلسی، والنرافی، وغیرهم، وهو کذلک لأنه لم یوجد مخالف فی المسألة، بل هو ظاهر إرسالهم لها إرسال المسلّمات.

وأما العقل: فلأنها دفع للضرر المحتمل، ودفع الضرر المحتمل واجب بحکم العقل إذا کان فی الأشیاء الجلیلة، فکیف بمثل العقاب الذی احتمال الدفع فیه واجب، فکیف بالدفع القطعی، لا یقال: إذا کانت التوبة بحکم العقل واجبة، فلماذا نری کثیراً من العقلاء لا یتوبون، لأنّه یقال: لغلبة الشّهوة، فإنّ العقل یحُجب بالشهوة، ولذا کثیر من العقلاء یفعلون القبیح، مع أن العقل یحکم بترک القبیح.

ثم هل التوبة واجب عقلی، وأوامر الشرع إرشاد إلیه، أم أنها واجب عقلی وشرعی معاً، قال: جمع بالأول، وأنّه من قبیل أوامر الطاعة والنهی عن المعصیة، ومثل هذه الأوامر یستحیل إعمال المولویة فیها، وإلا لزم التسلسل، ولزم أن یکون لکلّ طاعةٍ ثوابان: ثواب العمل، وثواب الطاعة، ولکل معصیة عقابان: عقاب العمل، وعقاب العصیان، والظاهر عندی أنّها واجبة عقلاً وشرعاً، وکذلک فی أوامر الطاعة، مثل قوله تعالی: ﴿وَأَطیعُوا اللَّهَ وَأَطیعُوا الرَّسُولَ﴾((2))، وقوله:

ص:133


1- الوسائل: ج11 ص360 الباب86 من أبواب جهاد النفس ح16
2- سورة المائدة: الآیة 92

﴿وَما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾((1))، وذلک لظاهر الأمر والنهی، ولا یرد المحذوران المتقدمان، إذ یرد علی أوّلهما: عدم لزوم التسلسل، لأنّه ینقطع بانقطاع الاعتبار، ولیس من قبیل التسلسل فی الموجودات الذی لا انقطاع له إذا قیل بعدم خالقٍ واجب الوجود.

وعل ثانیهما: أیّ مانع من تعدد الثواب والعقاب، بعد اقتضاء ظاهر الأمر والنهی ذلک، بل قد ورد بعض الروایات الدالة علی التعدّد.

إن قلت: نسلّم عدم لزوم المحذورین، فما هو الداعی إلی الأمر والنهی، فإن کان الأمر بالعمل محرکاً کفی، وإن لم یکن محرکاً لم یحرک الأمر بالطاعة.

قلت: من الممکن عدم کون الأمر بالعمل محرکاً بنفسه، وإنما الأمر بالطاعة بعده محرکاً، کما نشاهد فی الخارج کثیراً ما لا یکون الأمر محرکاً، وإنما یحرک الأمر الثانی.

ثمّ إن قول المصنّف إن التوبة أوجب الواجبات، کأنّه أراد الواجبات التی هی أنزل من التوبة مثلاً عن الکفر بالإسلام، أوجب من إقامة الصلاة، وإلاّ فلم یدل دلیل علی أنها أوجب کل الواجبات، ولو جاء المصنف بلفظ "من" کان أحسن، وحیث عرفت وجوب التوبة

ص:134


1- سورة الحشر: الآیة 7

عن المعاصی، فهل وجوبها عن المعاصی الکبیرة فقط، أو تجب التوبة عن المعاصی الصغیرة أیضاً _ بعد مسلّمیة وجود الصغائر، قال تعالی: ﴿إِلاَّ اللَّمَمَ﴾((1)) _ خلاف بین العلماء، والظاهر عدم وجوب التوبة عن الصغائر فیمن فرض أنه لم یرتکب کبیرة قط، لقوله سبحانه: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ﴾((2))، و لآیة ƒاللمم‚، نعم الشأن فی أمرین:

الأول: ندرة وجود من یجتنب الکبائر، إلاّ أمثال المعصومین (علیهم السلام) والذین هم تالی تلوهم، أمثال علی الأکبر (علیه السلام) الّذی قال بعض العلماء بوجود العصمة الصغری فیهم، ومثلهم یستبعد صدور الصغائر منهم، وعلیه ففی من ارتکب کبیرة یجب علیه التوبة عن صغائره، إذ لا تکفیر له دونها.

الثانی: إن الصغیرة مانعة عن قرب الله الممکن، والعقل یحتمّ علی الإنسان التقرب إلیه سبحانه بأکثر قدر ممکن، ولا إشکال فی أن غفران الله سبحانه للصغیرة بدون توبة العبد، لا یصل إلی قربه سبحانه بعد توبة العبد، لکن هذا الأمر الثانی لا یفید الوجوب العقلی الذی هو عبارة عن دفع الضرر المحتمل، إلا أن یقال: إذ الألم النفسی بعدم القرب الممکن ضرر یجب عقلاً دفعه، ثم: إن من

ص:135


1- سورة النجم: الآیة 32
2- سورة النساء: الآیة 31

یحتمل أن یؤول ترک فوریة التوبة إلی ابتلائه فی الدّنیا بضرر لا یجوز تحمله عقلاً، أو إلی الموت الموجب لعقابه فی الآخرة، یجب علیه عقلاً أن یتوب فوراً، أما من یعلم عدم الأمرین _ وإن کان هو فرض نادر جداً _ فلا تجب علیه التوبة فوراً وجوباً عقلاً.

نعم تجب الفوریة شرعاً، لإطلاق الأدلة الظاهرة فی الفوریة، وعلیه فلا یجوز تأخیر التوبة شرعاً علی أی حال، ولا یجوز تأخیر عقلاً فی أغلب الأحوال.

بقی شیء: وهو أنه ظهر من قوله تعالی: ﴿جَمیعاً﴾((1)) إن التوبة واجبة علی الجمیع، فهل المراد به جمیع العصاة من المؤمنین، أو جمیع المؤمنین حتی غیر العصاة منهم، أو تشمل الآیة حتی المعصومین (علیهم السلام)؟ احتمالات. وتوضیح ذلک، أن التوبة علی أربعة أقسام:

الأول: عن المعاصی.

الثانی: عن المکروهات.

الثالث: عن المباحات.

الرابع: عن لوازم الجسم وإن کانت واجبة شرعاً، وإنما تحتاج إلی التوبة لما فیه من نوع حزازة، والتوبة تدارک لهذه الحزازة، ولذا ورد أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) کان یخجل من کاتبیه الملکین إذا ذهب إلی التخلی»((2))، وهذا واضح عندنا أیضاً، فإن الإنسان إذا اضطر

ص:136


1- سورة النور: الآیة 31
2- الفقیه: ج1 ص17 الباب2 فی ارتیاد المکان للحدث... ح4

وحقیقتها الندم، وهو من الأمور القلبیة،

إلی مدّ رجله أمام إنسان عظیم لوجود مرض فی رجله یخجل ویعتذر عن ذلک، وإن کان مدّ رجله واجباً عقلاً وشرعاً _ فرضاً _ ولعلّه بهذا المعنی ورد استغفار رسول الله (صلی الله علیه وآله) «کل یوم سبعین مرة أو مائة مرة»((1))، فإنه تدارک لما ینافی مقام جلال الله سبحانه، وان کان ذلک المنافی واجباً شرعاً، ولا ینافی الوجوب کونه منافیاً لمقام جلاله سبحانه، فالوجوب الشرعی لکونه من مصلحة الجسم والاجتماع، والمنافاة لمقامه تعالی لکونه سبحانه ذا مقام رفیع، ینبغی أن یکون الإنسان محوراً فیه دائماً، فإذا لم یمکن، تدارک ذلک بالاستغفار والتوبة.

أما اعترافات الأئمة (علیهم السلام) بالذنوب فی أدعیتهم، فالمراد بها هی هذا النوع من الذنوب، فشبه الأئمة (علیهم السلام) تلک المنافیات بالذنوب الخارجیة من باب تشبیه المعقول بالمحسوس لضیق دائرة الألفاظ، کما شبه الله سبحانه ذاته وصفاته بالمحسوسات، لضیق دائرة الألفاظ عن استیعاب تلک المعانی الرفیعة، أو لتفهیم العوام الذین لا یفهمون إلاّ المادیات.

{وحقیقتها الندم، وهو من الأمور القلبیة} وذلک لقوله (علیه السلام): «کفی بالندم توبة»((2))، وهذا حاکم علی ما یدل علی کون

ص:137


1- الکافی: ج2 ص438 باب الاستغفار من الذنب ح4
2- الوسائل: ج11 ص349 الباب83 من أبواب جهاد النفس ح6

ولا یکفی مجرّد قوله: "أستغفر الله" بل لا حاجة إلیه مع الندم القلبی وإن کان أحوط، ویعتبر فیها العزم علی ترک العود إلیها

الاستغفار توبة، کقول رسول الله (صلی الله علیه وآله): «لا کبیر مع الاستغفار»((1)). وقوله (صلی الله علیه وآله): «دواء الذنوب الاستغفار»((2))، وقوله (صلی الله علیه وآله): «ما أصرّ من استغفر»((3)).

{ولا یکفی مجرّد قوله: استغفر الله} بلا ندم، لأنه لقلقة لسان، ولفظ خال عن المعنی المقصود، فهو لیس بتوبة، فلا یشمله دلیلها {بل لا حاجة إلیه مع الندم القلبی} لحصول التوبة بدون اللفظ {وإن کان أحوط} للأمر به فی الآیات والروایات، واحتمال مدخلیة اللفظ بالإضافة إلی ندم القلب، وعدم المنافاة بین أن تکون التوبة ندماً لکن بشرط اللفظ، لأن الشارع اهتم بالألفاظ کما اهتم بالمعانی، ولذا لا یکفی عقد القلب بمعانی الصلاة، والتلبیة، والقرآن، والدعاء، وعلی هذا فالأقرب وجوب الاستغفار اللفظی بالإضافة إلی الندم القلبی.

{ویعتبر فیها العزم علی ترک العود إلیها} إذ لا یسمی توبة بدون ذلک، فإن التوبة عبارة عن الندم، ولا یکون الندم إذا کان عازماً علی

ص:138


1- الوسائل: ج11 ص266 الباب47 من أبواب جهاد النفس ح11
2- الوسائل: ج11 ص354 الباب85 من أبواب جهاد النفس ح11
3- المستدرک: ج2 ص346 الباب85 من أبواب جهاد النفس وما یناسبه ح10

العود، أو کان مردداً فی العود وعدمه.

نعم یمکن تصور التوبة إذا کان غافلاً عن العود أصلاً، بدون عزم علی عدم العود، وربما یقال:

أولاً: بعدم اعتبار العزم علی عدم العود، لأن تاب بمعنی رجع، والرجوع لا ینافی عدم العزم علی عدم العود، کما فی الرجوع المادی فإنه لا ینافی عزمه علی النکوص.

ثانیاً: لما رواه الصدوق فی المرسل: «إن التوبة النصوح، هو أن یتوب الرجل من ذنب وینوی أن لا یعود إلیه أبداً»((1)). حیث إن ظاهره أن هذا قسم من التوبة الرفیعة، فمفهومه حصول التوبة بدون کونها نصوحاً بهذا المعنی.

ثالثاً: لبعض الروایات الأخر، کروایة أبی بصیر، قلت: لأبی عبد الله (علیه السلام): ﴿یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَی اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾((2)) قال: «هو الذنب الذی لا یعود فیه أبداً»، قلت: وأینا لم یعد؟ فقال: «یا أبا محمد إن الله یحب من عباده المفتن التواب»((3)).

ونحوها روایة أبی الصباح الکنانی عن أبی عبد الله (علیه السلام)((4)).

ص:139


1- معانی الأخبار: ص174 فی باب معنی التوبة النصوح ح3
2- سورة التحریم: الآیة 8
3- الکافی: ج2 ص432 فی باب التوبة ح4
4- الکافی: ج2 ص432 فی باب التوبة ح3

والمرتبة الکاملة منها ما ذکره أمیر المؤمنین (علیه السلام).

وفی أدعیة الإمام السجاد (علیه السلام): «فکم أتوب وکم أعود»((1)).

لکن لا یخفی ما فی کل هذه الوجوه، إذ یرد علی الأول: إن کون "تاب" بمعنی رجع لا ینافی عدم تحقّق التوبة إلاّ بالعزم علی عدم العود، لما عرفت من أن التوبة عبارة عن الندم الذی لا یتحقق _ فی غیر الغافل _ إلاّ بالعزم علی عدم العود.

وعلی الثانی: إنه تحریض علی عدم العود بهذه العبارة، لا أنه یدل علی عدم اشتراط "العزم علی العدم" فی التوبة، أی لا تکن توبتک تنکسر بالعود، فلا ربط له بما ذکرناه.

وعلی الثالث: إن الروایة فی صدد بیان الخارج، لا أن التوبة لا تحتاج إلی الندم، ثم المحبة تتعلق بالتواب لا بالمفتن کما هو واضح، والدعاء انزعاج عن العود المتکرر، ولا یرتبط بالاحتیاج إلی العزم وعدم الاحتیاج.

{والمرتبة الکاملة منها ما ذکره أمیر المؤمین (علیه السلام) فیما رواه نهج البلاغة من مولانا أمیر المؤمنین (علیه السلام) أن قائلاً قال بحضرته «استغفر الله» فقال: «ثکلتک أمک أتدری ما الاستغفار؟

الاستغفار درجة العلیین، وهو اسم واقع علی ستة معان: أولها: الندم علی ما مضی، والثانی: العزم علی ترک العود إلیه أبداً،

ص:140


1- مفاتیح الجنان: ص764 من أعمال مسجد السهلة

والثالث: أن تؤدی إلی المخلوقین حقوقهم حتی تلقی الله أملس لیس علیک تبعة، والرابع: أن تعمد إلی کل فریضة علیک ضیعتها فتؤدی حقها، والخامس: أن تعتمد إلی اللحم الذی نبت علی السحت فتذیبه بالأحزان حتی تلصق الجلد بالعظم وینشأ بینهما لحم جدید، والسادس: أن تذیق الجسم ألم الطاعة، کما أذقته حلاوة المعصیة، فعند ذلک تقول: استغفر الله»((1)).

وهذا الحدیث هو بیان للتوبة کما هو بیان للاستغفار، فإن أحدهما قد یطلق علی الآخر بالقرینة کما تقدم، ومنه یستفاد اشتراط العزم علی عدم العود فی التوبة، کما ذکرنا.

ثم الظاهر أن سقوط العقاب بالتوبة، تفضل منه سبحانه، إذ لا دلیل من العقل علی الوجوب علیه سبحانه حتی یکون إذا عاقب ظلماً، ولذا قال المحقق الطوسی فی التجرید فی وجوب سقوط العقاب بالتوبة إشکال.

نعم حیث وعد تعالی بالسقوط، ویکون خلف الوعد قبیحاً، یکون واجباً وجوباً تبعیاً لا أصلیاً، والقول بالوجوب العقلی، لأن التوبة تمحی ما علی النفس من أثر الذنب فلا موضوع للعقاب، ضعیف، للنقض أولاً: بالتوبة من حق الناس، فإذا صفع إنسان

ص:141


1- نهج البلاغة: باب من حکم أمیر المؤمنین (علیه السلام) حکمة 417

شخصاً ثم تاب وندم، وعزم علی ترک الصفع فی المستقبل، فهل ذلک کاف فی وجوب سقوط حق المصفوع؟، وللحل ثانیاً: بأن محو الأثر بالتوبة أول الکلام، ولذا قال (علیه السلام): «التائب من الذنب کمن لا ذنب له»((1))، فهو شبیه به لا أنه هو هو، والظاهر أنه لا یجب علی التائب عدّ الذنوب الّتی یذکرها تفصیلاً، لعدم الدلیل علی ذلک من عقل أو نقل، بل إطلاقات أدلة التوبة تشمل کلا الأمرین، ولذا استشکل المحقق الطوسی فی التجرید، فی وجوب التفصیل مع التذکر، وقال العلامة فی شرحه: لامکان الاجتزاء بالندم عن کل قبیح وقع منه وان لم یذکره مفصلاً.

نعم لا إشکال فی استحباب ذلک، ولعلّه لأجل کونه أکثر خضوعاً وأقوی ندماً، ففی الخصال فی حدیث الأربعمائة: «أقرّوا عند الملتزم بما حفظتم من ذنوبکم وما لم تحفظوا، فقولوا: وما حفظته علینا حفظتک ونسیناه فاغفره لنا»((2))، ولا یجب تکرار التوبة عند تذکر المعصیة کل مرة، لعدم الدلیل علیه من عقل أو نقل وإن کان ذلک أفضل، لأنه أکثر خضوعاً، وقد ورد بذلک بعض النصوص، وإنما قلنا لم یجب التکرار لشمول الإطلاق للتوبة الأولی، والأصل عدم وجوب غیرها.

ص:142


1- الوسائل: ج11 ص360 الباب86 من أبواب جهاد النفس ح14
2- الخصال: ص617 السطر الأخیر

أما مسألة تبعیض التوبة کما لو ارتکب مرة زنا فتاب وندم، لکنه یعتاد الاغتیاب، فقد قال بعض: بعدم صحة مثل هذه التوبة، لأن القبح إن کان سبب التوبة لزم عمومها، وإن لم یکن القبح سبباً فلا توبة عما تاب منه، لکن الظاهر إمکان التبعیض، لإمکان أن تکون شدة القبح سبباً، أو أن یکون ضعف الشهوة فی الذی یتوب منه هو السبب، ولا دلیل علی التلازم، وهل یحرم الاستغفار لمرتکب المعصیة المستمر فیها؟ احتمل ذلک، حیث إنه کان کالمستهزئ، لکن الظاهر عدم الحرمة، بل هو تدرّج إلی الانقلاع حقیقة، کما قیل فی الصلاة التی لا تنهی عن الفحشاء والمنکر، بأنها ربما تنتهی إلیها.

ثم إن المصنف جعل التوبة فی عداد أحکام الأموات، لأنها أکثر أهمیة فی هذا الحال عقلاً، حیث إن بعد الموت تنقطع التوبة، ویلحق الإنسان بسببه أکبر الأضرار، وشرعاً حیث علّم رسول الله (صلی الله علیه وآله) ذلک الشاب الذی کان فی السوق أن یقول: «یا من یقبل الیسیر ویعفو عن الکثیر اقبل منّی الیسیر واعف عنی الکثیر»((1)). وللتوبة مباحث کثیرة نکتفی منها بهذا القدر، وفقنا الله سبحانه للتوبة وحسن الأوبة والرجوع من الحوبة، بمحمد وآله الطاهرین.

ص:143


1- الوسائل: ج2 ص668 الباب39 من أبواب الاحتضار ح3

مسألة ١ ما یجب عند ظهور أمارات الموت

(مسألة _ 1): یجب عند ظهور أمارات الموت أداء حقوق الناس الواجبة، وردّ الودائع والأمانات التی عنده مع الإمکان، والوصیة بها مع عدمه، مع الاستحکام علی وجه لا یعتریها الخلل بعد موته.

(مسألة _ 1): {یجب عند ظهور أمارات الموت، أداء حقوق النّاس الواجبة، وردّ الودائع والأمانات التی عنده مع الإمکان، والوصیة بها مع عدمه} لا خلاف ولا إشکال فی وجوب أداء الحقوق التی منها رد الودائع والأمانات، مع وصول وقت الحق ومطالبة صاحبه، ظهرت أمارات الموت أم لا؟ کما لا خلاف ولا إشکال فی أنه إذا لم یتمکن من ذلک بالمباشرة، وجب علیه بالتسبیب، من توکیل، أو وصیة، أو نحوهما، لأنه نوع من الأداء {مع الاستحکام علی وجه لا یعتریها الخلل بعد موته} أو فی حال حیاته إذا لم تظهر أمارات الموت، لوضوح أنه لا یصح إعطاء الأمانة بید غیر مستحکمة، فإنه خلاف أداء الأمانة، وقد أمر الله سبحانه أداء الأمانة، کما لا ینبغی الإشکال فی آکدیة ذلک عند ظهور أمارات الموت، لأن ترک الواجب عنده أکثر تعرضاً للعقاب لفوات إمکان التدارک بخلاف ترکه فی سائر الأوقات لإمکان التدارک، وإنما الکلام فی أنه هل یجب الرد تعییناً، أو یخیر بینه وبین غیره، وإذا قیل بالتخییر، فهل التخییر بین الرد والوصیة، أو بین الرد والإشهاد، أو بین الثلاثة؟ احتمالات: قال بالأول المصنف، وبالثانی القواعد، وبالثالث الشرائع، والظاهر هو الرابع، لأن الأدلة إنما دلت علی

ص:144

وجوب ردّ الأمانة والودیعة وأداء الحقوق، کقوله سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلیأَهْلِها﴾((1))، وقال (علیه السلام): «لئلاّ یتوی حق امرء مسلم»((2)). إلی غیرهما من الأدلة، وذلک یتحقق بکل من الثلاثة مع الاطمئنان بکون الوصیة والإشهاد یکفیان فی الوصول والأداء، فیکون حالهما حال الإیصال بسبب الوکیل، فکما لا شبهة فی أنه نوع من الأداء والرد، کذلک هما أیضاً نوعان آخران منهما، منتهی الأمر أن الوصیة أداء بسبب الوصی، والإشهاد أداء بسبب الوارث ونحوه، والوکالة أداء بسبب الوکیل.

لا یقال: إن الوصیة مظنة عدم التفیذ، والإشهاد مظنة عدم الوصول، ففیهما تعریض لحقوق الناس إلی الخطر، بخلاف الأداء.

لأنه یقال: الکلام فیهما هو الکلام فی الوکالة، فکما لا یضر التعریض _ غیر العقلائی _ فی الوکالة کذلک لا یضر فیهما، أما إذا کانت الوصیة والإشهاد معرضاً عند العقلاء للخطر فذلک غیر جائز، کما لا یجوز ذلک فی الوکالة أیضاً.

إن قلت: إن المودع أودع المال عند هذا فلا یحق له أن یودعه عند الوصی أو الوارث، کما أن صاحب المال إنما استأمن هذا لا غیره، فلا یجوز له تسلیم الأمانة إلیهما؟

ص:145


1- سورة النساء: الآیة 58
2- العوالی: ج1 ص315 ح36

قلت: هذا خارج عن محل الکلام، ومثله الوکالة فی الإیصال إذا لم یستأمن المالک غیره، وإنما الکلام فیما کان المالک لا یهمه إلاّ وصول المال إلیه، سواء أودعه عنده أو ائتمنه علیه، وکأنه لذا قال فی الشرائع: (وإذا ظهر للمودع أمارة الموت، وجب الإشهاد بها)((1)). وقال فی الجواهر فی شرحه: (کما صرح به غیر واحد، بل لا أجد فیه خلافاً بینهم)((2))، وقال فی القواعد: (وتجب الوصیة علی کل من علیه حق)((3)). وقال فی مفتاح الکرامة فی شرحه: (إجماعاً)((4))، کما فی وصایا الغنیة، والسرائر، والمفاتیح. ورجح بعض الشراح والمعلقین عدم تعیین الأداء، علی ما ذکره الماتن.

ص:146


1- شرائع السلام: ص402 س1 ط مؤسسة الوفاء
2- الجواهر: ج27 ص118 باب حفظ الودیعة
3- قواعد الأحکام: ص17 س1
4- مفتاح الکرامة: ج1 ص408 س1

مسألة ٢ موارد الوصیة وموارد الإعلام

(مسألة _ 2): إذا کان علیه الواجبات التی لا تقبل النیابة حال الحیاة کالصلاة والصوم والحجّ ونحوها، وجب الوصیّة بها إذا کان له مال، بل مطلقاً إذا احتمل وجود متبرّع

(مسألة _ 2): {إذا کان علیه الواجبات التی لا تقبل النیابة حال الحیاة کالصّلاة والصوم والحج} بل وإن قبلها کما فی بعض أقسام الثلاثة مثل صلاة قضاء الأبوین، وصوم الکفارة، والحج للعاجز جسداً، {ونحوها وجب الوصیة بها} إن لم یستنب عنها فی حال حیاته اختیاراً أو عذراً، {إذا کان له مال} لأنه نوع من الأداء الواجب، فهو واجب تخییری إن أمکنه فی حال الحیاة وجازت النیابة، وتعیینی إن لم یمکنه فی حال الحیاة، أو لم تجز النیابة فی حال حیاته.

وإن شئت قلت: إن المأمور به نصاً أو ملاکاً هو إفراغ الذمة، فکلما کان سبباً للإفراغ واجب تعییناً، إن لم یکن له عدل، وتخییراً إن کان له عدل.

{بل مطلقاً إذا احتمل وجود متبرع} أو کان له ولی یجب علیه الأداء، کالوالد الأکبر، فإنه یجب إعلامه، فإن فی ذلک ملاک الإفراغ الواحب، وأصالة عدم وجود المتبرع، وعدم قیام الوالد، لا تقاوم دلیل الإفراغ الموجب للوصیة، والإعلام حتی مع الاحتمال، فإن العقل حاکم لوجوب الإفراغ قطعاً _ إن أمکن القطع به _ وإلا فاحتمالاً، لما حقق فی الأصول من أن احتمال الامتثال یقوم مقام القطع به عند تعذره.

ص:147

وفیما علی الولیّ کالصلاة والصوم التی فاتته لعذر، یجب إعلامه أو الوصیّة باستئجارها أیضاً.

وممّا تقدم یظهر وجه قوله: {وفیما علی الولّی کالصلاة والصوم التی فاتته لعذر، یجب إعلامه، أو الوصیة باستیجارها أیضاً} بل یصح استیجار إنسان الآن لأدائه بعد موته، أو مخیراً بین أن یؤدیه حال حیاته، أو بعد موته، إذا جاز النیابة فی حال حیاته.

ص:148

مسألة ٣ تملیک المال لغیر الوارث وإعلام الوارث عن المال

(مسألة _ 3): یجوز له تملیک ماله بتمامه لغیر الوارث،

(مسألة _ 3): {یجوز له تمیلک ماله بتمامه لغیر الوارث} بصلح أو هبة أو غیرهما، وذلک للقاعدة الإسلامیة القطعیة: «إن الناس مسلطون علی أموالهم»((1))، ولعمومات أدلة العقود والإیقاعات، مثل: ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ﴾((2))، و﴿تِجارَةً عَنْ تَراضٍ﴾((3))، و«المؤمنون عند شروطهم»((4))، و«الصلح جائز بین المسلمین»((5))، هذا بالإضافة إلی الأخبار الخاصة، کخبر أبی بصیر عن الصادق (علیه السلام): فی الرجل له الولد أیسعه أن یجعل ماله لقرابته؟ فقال: «هو ماله یصنع به ما یشاء إلی أن یأتیه الموت، إن لصاحب المال أن یعمل بماله ما شاء ما دام حیاً، إن شاء وهبه، وإن شاء تصدّق به، وإن شاء ترکه، إلی أن یأتیه الموت، فإن أوصی به فلیس له إلاّ الثلث، إلاّ أن الفضل فی أن لا یضیع من یعوله ولا یضر بورثته»((6)).

وموثق عمار، عن الصادق (علیه السلام) قال: «صاحب المال أحق بماله ما دام فیه شیء من الروح یضعه حیث شاء»((7)).

ص:149


1- البحار: ج2 ص272 ح7
2- سورة البقرة: الآیة 275
3- سورة النساء: الآیة 29
4- العوالی: ج1 ص293 ح173
5- الوسائل: ج13 ص164 الباب3 من أبواب أحکام الصلح ح2
6- الکافی: ج7 ص8 باب صاحب المال أحق بماله ما دام حیاً ح10
7- الکافی: ج7 ص7 باب صاحب المال أحق بماله ما دام حیاً ح1

لکن لا یجوز له تفویت شیء منه علی الوارث بالإقرار کذباً، لأن المال بعد موته یکون للوارث، فإذا أقرّ به لغیره کذباً فوّت علیه ماله

نعم یکره ذلک إذا کان ضاراً بورثته، کما دلّ علیه خبر أبی بصیر.

وفی مرسل الکافی: أن النبی (صلی الله علیه وآله) قال لرجل من الأنصار أعتق ممالیک له، لم یکن له غیرهم، فعابه النبی (صلی الله علیه وآله) وقال: «ترک صبیة صغاراً یتکففون الناس»((1)). ومحل هذه المسألة منجزات المریض.

{لکن لا یجوز له تفویت شیء منه علی الوارث بالإقرار کذباً} لأنه أولاً: کذب محرم. وثانیاً: {لأن المال بعد موته یکون للوارث، فإذا أقرّ به لغیره کذباً فوت علیه ماله} وقد ورد أنه «لئلا یتوی حق امرء مسلم»((2)). بالإضافة إلی ضرورة عدم جواز تفویت حقوق الناس. وثالثاً: لأنه إیقاع الغیر "المقر له" فی الحرام وإن لم یکن یعلم، فهو من قبیل إسقاء الغیر الخمر، وعدم العقد علی الرجل والمرأة، ثم إظهار أنه عقد لهما مما یوقعهما فی وطء غیر صحیح شرعاً، إلی غیر ذلک.

ثم لو علم الوارث کذب مورثه فی إقراره جاز له عدم إعطاء

ص:150


1- الکافی: ج7 ص9 باب صاحب المال أحق بماله ما دام حیاً ذیل الحدیث 10
2- العوالی: ج1 ص315 ح36

نعم إذا کان له مال مدفون فی مکان لا یعلمه الوارث، یحتمل عدم وجوب إعلامه، لکنّه أیضاً مشکل، وکذا إذا کان له دین علی شخص، والأحوط الإعلام،

المال للمقر له، وإن علم المقر له کذب المورث لم یجز له أخذ المال، وان شکا فی صحة الاقرار کان اللازم الأخذ بظاهره حملاً لفعل المسلم علی الصحیح، وإن کان فی مورد التهمة، وتفصیل الکلام فی ذلک فی باب الوصیة وکتاب الإقرار.

{نعم إذا کان له مال مدفون فی مکان لا یعلمه الوارث} أو کان له فی المصرف رصید مجهول الرقم لا یصل إلی وارثه إذا لم یعلم، وکذا إذا کان له عند أحد مال {یحتمل عدم وجوب إعلامه} لأصالة عدم الوجوب {لکنه أیضاً مشکل} لکونه من مصادیق ما نهی عنه (علیه السلام) بقوله: "لئلا یتوی حق امرء مسلم" وقد تواه المورث بإخفائه وعدم إعلامه، فیکون من قبیل کتمان الشهادة، وکأنه لذا صرح جامع المقاصد فی محکی کلامه (بوجوب الوصیة علی من له حق یخاف ضیاعه)((1)).

{وکذا إذا کان له دَین علی شخص، والأحوط} بل الأقرب {الإعلام} وهل یصح الإعراض عنه، کما إذا طرح متاعه فی الشارع استغناءً عنه فیما لم یکن إسرافاً، لأنه یکون مصرف إنسان آخر حتی

ص:151


1- جامع المقاصد: ص48 السطر9

وإذا عدّ عدم الإعلام تفویتاً فواجب یقیناً.

یخرج عن مالیته، أو هبته لمدیون وإبرائه حتی یخرج عن کونه ملکاً له، فلا یرثه الوارث، ویکون فی ترکه الإعلام مفوتاً لحقه، الظاهر ذلک لعمومات الأدلة {وإذا عدّ عدم الإعلام تفویتاً فواجب یقیناً} لأنه لا یجوز تفویت مال الناس، لکن الکلام فی أنه هل للمسألة صورتان: تفویت، وغیر تفویت، أم لها صورة واحدة هی التفویت فقط؟ الظاهر الثانی، فلا وجه للتفصیل المذکور.

ص:152

مسألة ٤ نصب القیم

(مسألة _ 4): لا یجب علیه نصب قیّم علی أطفاله إلاّ إذا عدّ عدمه تضییعاً لهم أو لمالهم، وعلی تقدیر النصب یجب أن یکون أمیناً،

(مسألة _ 4): {لا یجب علیه نصب قیم علی أطفاله} الصغار {إلاّ إذا عدّ عدمه تضییعاً لهم أو لمالهم} أما عدم الوجوب فی المستثنی منه، فللأصل بعد عدم وجود دلیل علیه، وأما الوجوب فی المستثنی، فلأنه مأمور بحفظهم وحفظ أموالهم، وإطلاقه شامل لما بعد موته، فمع القدرة علیه یحرم علیه ترکهم، وقد ورد فی الحدیث: «ملعون ملعون من یضیع من یعول»((1)). بل ربما یدل علیه قوله تعالی: ﴿وَلْیَخْشَ الَّذینَ لَوْ تَرَکُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّیَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَیْهِمْ فَلْیَتَّقُوا اللَّهَ وَلْیَقُولُوا قَوْلاً سَدیداً﴾((2))، فإنها تدل علی أنّ من له ذریة، یجب علیه التقوی فی أولاد الغیر حتی لا یصیب وباله ذریته، وبالملازمة العرفیة تدل علی حفظ الذریة مطلقاً، ثم الظاهر أن الحکم کذلک فی کل من الأب والجد ولأم _ لأن لها ولایة بعد الأب والجد _ بل کل من یتولی شأن الأطفال بإذن شرعی، والظاهر أن حال المجنون حال الطفل، وحال العاجز المحتاج إلی القیم حالهما، لإطلاق الأدلة لفظاً أو ملاکاً.

{وعلی تقدیر النصب یجب أن یکون أمیناً} لأن نصب غیر الأمین

ص:153


1- الوسائل: ج12 ص43 الباب23 من أبواب مقدمات التجارة ح7
2- سورة النساء: الآیة 9

وکذا إذا عین علی أداء حقوقه الواجبة شخصاً یجب أن یکون أمیناً.

نعم لو أوصی بثلثه فی وجوه الخیرات غیر الواجبة لا یبعد

نوع من التضییع المحرم، والمراد بالأمانة الوثوق بصحة تصرفاته، وعدم الإفراط والتفریط، والظاهر عدم اشتراط العدالة، إذ لا دلیل علیها، فالقول بالاشتراط کما عن جمع، لا دلیل علیه، والقول بالتلازم بین عدم العدالة والتضییع ممنوع، وتفصیل الکلام فی کتاب الوصیة فی مسألة اشتراط عدالة الوصی.

{وکذا إذا عین علی أداء حقوقه الواجبة شخصاً یجب أن یکون أمیناً} لأن نصب غیر الأمین تضییع، وتضییع الحق حرام، ثم المراد بالأمانة، الأمانة فی الحفظ والأداء، وإن لم یکن أمیناً بذاته، کما إذا کان تحت إشراف لا یتمکن التخطی عنه، إذ المقصود هو عدم الضیاع ووصول الحق، وهما حاصلان فی مفروض الکلام.

أما الاستدلال لاشتراط العدالة، أو الأمانة الشخصیة، بقوله (علیه السلام): «إذا کان القیم به مثلک أو مثل عبد الحمید فلا بأس»((1)) ففیه: أن الظاهر أنه طریقی لا موضوعی، وتفصیل الکلام فی ذلک موکول إلی ما کتبناه علی مکاسب الشیخ (رحمه الله).

{نعم لو أوصی بثلثه فی وجوه الخیرات غیر الواجبة، لا یبعد

ص:154


1- الجواهر: ج28 ص431 س13. والوسائل: ج12 ص270 الباب16 من أبواب عقد البیع وشروطه ح2

عدم وجوب کون الوصی علیها أمیناً، لکنه أیضاً لا یخلو عن إشکال، خصوصاً إذا کانت راجعة إلی الفقراء.

عدم وجوب کون الوصی علیها أمیناً} وذلک لأن الثلث یبقی علی مالیته للمیت، فکما له أن یتصرف فیه بأی وجه، کذلک له أن یجعل الولایة علیه لأی شخص {لکنّه أیضاً لا یخلو عن إشکال} لاحتمال عدم صلاحیة الخائن للولایة علی أی أمر من الأمور، قال تعالی: ﴿وَلا تَکُنْ لِلْخائِنینَ خَصیماً﴾((1)) ولأنه إعانة علی الإثم، لأن تصرف الخائن فی المال بغیر الوجه المأمور به من قبل صاحبه حرام، فالإعانة علیه إعانة علی الحرام.

{خصوصاً إذا کانت راجعة إلی الفقراء} وهذا تفصیل فی المسألة بین أن تکون الوصیة مما توجب حق الغیر أو الجهة، کالوصیة للإیصال إلی الفقراء وتعمیر المسجد، فلا یجوز وصیة الخائن، لأن الوصیة توجب الحق للفقراء والجهة، فیکون الإیصاء إلی الخائن تولیة للخائن علی حق الغیر، وذلک تضییع لا یجوز، وبین أن لا تکون کذلک، کالوصیة بإنارة قبره، أو قراءة القرآن علیه، أو الحج والصلاة والصیام عنه، فیجوز وصیة الخائن، لأنه لیس بتضییع حق، فحاله حال ما إذا أعطاه شیئاً لیحج عنه مستحباً مثلاً فلم یحج، وفی المسألة تفصیل آخر هو أن الوصیة لو کانت من باب النیابة تصح وصیة الخائن، لأن مقتضی "سلطنة الناس علی أموالهم"

ص:155


1- سورة النساء: الآیة 105

عدم اعتبار شیء من العدالة والأمانة، فکما یجوز له أن یوکل الخائن ماله، کذلک یجوز له أن یسلّمه بیده لیعمل شیئاً، وإن علم أنه یأکله ولا یعمل ما یأمره، ولو کانت من باب الولایة لم تصح وصیة الخائن، لأن الولایة منصب، ولا یلیق إعطاء المنصب إلی الخائن، لأن العرف لا یرد من إعطائها للخائن، والإمضاء الشرعی یتعلق بما یعملون به حسب ارتکازهم، وبالإمضاء یصیر نصبهم نصب الشارع، والظاهر لدیّ تفصیل آخر، وهو الجواز مطلقاً، إلا فیما إذا استلزم الوصیة محرماً خارجیاً، فتکون محرمة من باب الإعانة علی الإثم، کما إذا جعله وصیاً علی جواریه وهو یعلم أنه یعرضهن للزنا، أو علی دکاکینه وهو یعلم إیجاره لها فی الخمر، إلی غیر ذلک.

أما الجواز فی المستثنی منه، فلعدم الدلیل علی المنع بعد عموم دلیل السلطنة، والأدلة التی ذکرت لذلک مخدوشة.

أما أدلة المانع مطلقاً، ففیها ما لا یخفی، إذ من أین أن الخائن لا یصلح للولایة التی هی من هذا القبیل، والآیة لا دلالة فیها، وحیث إن المالک هو الذی سلّط الخائن فقد أهدر ماله، فلا إثم علی الخائن، فلا یکون تمکینه معاونة علی الإثم، بل هو من قبیل أن یطرح متاعه فی الشارع العام، حیث لا حرمة لمن یمشی علیه أو یتلفه بعد إعراضه عنه.

وأما التفصیل بعدم الجواز فی الحق والجهة، ففیه: إن حال الوصیة حال ما إذا أعطاه شیئاً وقال أعطه لذلک الفقیر، فهل یمکن القول

ص:156

بحرمة ذلک إذا علم بأنه خائن، ولا دلیل علی أن الوصیة تختلف عن ذلک، فإن دلیل السلطنة محکّم.

وأما التفصیل بین النیابة والولایة، ففیه أولاً: لا نسلّم الفرق بینهما، کما فصلنا الکلام حول ذلک فی کتاب التقلید من هذا الشرح.

وثانیاً: بعد تسلیم أن الولایة منصب، لا نسلّم أن ما یجعله العرف من الولایة علی أمواله یشترط الشارع أن یکون الولی فیها أمیناً، هذا تمام الکلام فی جواز المستثنی منه.

وأما عدم جواز المستثنی، فلأنه إعانة علی الحرام، ولأنه تضییع فی مسألة الجواری، وقد تقدم قوله (علیه السلام): «ملعون معلون من یضیع من یعول». والکلام فی المسألة طویل موضعه کتاب آخر، والله العالم بحقائق الأحکام.

ص:157

ص:158

فصل فی آداب المریض

فصل

فی آداب المریض وما یستحب علیه، وهی أمور:

الأول: الصبر والشکر لله تعالی.

{فصل}

{فی آداب المریض وما یستحب علیه، وهی أمور:} ذکر المصنف خمس عشرة منها:

{الأول: الصبر والشکر لله تعالی} ویدلّ علی کلا الأمرین روایات متواترة _ بعد شمول إطلاق قوله تعالی: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرینَ﴾((1)) وقوله تعالی: ﴿وَمَنْ شَکَرَ فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ﴾((2)) له _ کالمروی عن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «یکتب أنین المریض

ص:159


1- سورة البقرة: الآیة 155
2- سورة النمل: الآیة 40

الثانی: عدم الشکایة من مرضه إلی غیر المؤمن، وحدّ الشکایة أن یقول: ابتلیت بما لم یبتل به أحد، أو أصابنی ما لم یصب أحداً، وأما إذا قال: سهرت البارحة، أو کنت محموماً فلا بأس به.

حسنات ما صبر، فإن جزع کتب هلوعاً، لا أجر له»((1)).

والمروی عن الصادق (علیه السلام): «من اشتکی لیلة فقبلها بقبولها، وأدّی إلی الله شکرها، کانت کعبادة ستین سنة»، قال: الراوی ما قبولها؟ قال: «یصبر علیها ولا یخبر بما کان فیها، فإذا أصبح حمد الله علی ما کان»((2)).

{الثانی: عدم الشکایة من مرضه إلی غیر المؤمن، وحدّ الشکایة أن یقول: ابتلیت بما لم یبتل به أحد، أو أصابنی ما لم یصب أحداً، وأمّا إذا قال: سهرت البارحة أو کنت محموماً، فلا بأس به} والظاهر أن أصل الشکایة مکروه، وإلی غیر المؤمن أشدّ کراهة، ومثل هذه الأقوال المذکورة فی المتن أشد کراهة، إن أرید بها المعانی المجازیة والمبالغیة، وإن أرید بها المعانی الحقیقیة، فبدون الاعتقاد بذلک کذب محرم، کما أن الظاهر اختلاف مراتب الکراهة فی الشکایة قبل مضی لیلة، أو یوم ولیلة، أو ثلاثة أیام، ولا منافاة بین الروایات المختلفة فی أبواب الاستحباب والکراهة، لاختلاف المراتب والمزایا، فعن

ص:160


1- المستدرک: ج1 ص79 الباب1 من أبواب الاحتضار ح4
2- الوسائل: ج2 ص627 الباب3 من أبواب الاحتضار ح2

النبی (صلی الله علیه وآله): «أربع من کنوز الجنّة: کتمان الفاقة، وکتمان الصدقة، وکتمان المصیبة، وکتمان الوجع»((1)).

وعن یونس، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «أیما مؤمن شکا حاجة أو ضرّه إلی کافر، أو إلی من یخالفه علی دینه، فإنما شکی الله عز وجل إلی عدو من أعداء الله، وأیما رجل مؤمن شکا حاجة وضره إلی مؤمن مثله، کانت شکواه إلی الله عز وجل»((2)).

وفی صحیح جمیل عن الصادق (علیه السلام) قال: سألته عن حد الشکایة للمریض؟ فقال: «إن الرجل یقول: حممت الیوم وسهرت البارحة، وقد صدق ولیس هذا شکایة، وإنما الشکوی أن یقول: لقد ابتلیت بما لم یبتل به أحد، ویقول: لقد أصابنی ما لم یصب أحداً»((3)).

وعن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «من کتم وجعاً أصابه ثلاثة أیام من الناس، وشکر إلی الله عز وجل، کان حقاً علی الله أن یعافیه منه»((4)).

وفی روایة عن النبی (صلی الله علیه وآله): «حمی لیلة»((5)).

ص:161


1- المستدرک: ج1 ص81 الباب3 من أبواب الاحتضار ح3
2- الوسائل: ج2 ص631 الباب6 من أبواب الاحتضار ح1
3- الوسائل: ج2 ص630 الباب5 من أبواب الاحتضار ح1
4- الوسائل: ج2 ص628 الباب3 من أبواب الاحتضار ح9
5- الوسائل: ج2 ص625 الباب1 من أبواب الاحتضار ح22

الثالث: أن یخفی مرضه إلی ثلاثة أیام.

الرابع: أن یجدد التوبة.

الخامس: أن یوصی بالخیرات للفقراء من أرحامه وغیرهم.

وفی روایة أخری عنه (صلی الله علیه وآله): «یوماً ولیلة»((1))، إلی غیرها من الروایات المذکورة فی کتب الحدیث.

ثم الظاهر أن لحن الشکایة یختلف حسب الکیفیات التی یقولها الشاکی، ولعلها تختلف فی مراتب الکراهة.

{الثالث: أن یخفی مرضه إلی ثلاثة أیام}.

{الرابع: أن یجدّد التوبة} لإطلاقات أدلة التوبة، واستحباب استغفار کل «یوم سبعین مرة»((2))، أو «مائة مرة»((3))، وحیث إن حال المرض حال احتمال انتقال الإنسان إلی دار الآخرة، ومن المحتمل أن لم تکن قبلت توبته السابقة، فهی راجحة عقلاً، وحیث إنها فی مراتب العلل للأحکام، وکلما حکم به العقل فی هذه المرتبة حکم به الشرع، فهی راجحة شرعاً، ولعل المصنف وجد دلیلاً خاصاً علی الاستحباب لم نظفر به.

{الخامس: أن یوصی بالخیرات للفقراء من أرحامه وغیرهم}.

ص:162


1- الوسائل: ج2 ص628 الباب3 من أبواب الاحتضار ح8
2- الکافی: ج2 ص504 باب الاستغفار ح5
3- الکافی: ج2 ص439 باب الاستغفار ح10

السادس: أن یعلم المؤمنین بمرضه بعد ثلاثة أیام.

أی لغیر الفقراء من أرحامه، أو لغیر أرحامه، فقد قال تعالی: ﴿کُتِبَ عَلَیْکُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَکَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَالْأَقْرَبینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُتَّقینَ﴾((1)) والمراد "بالخیر" المال، وبحضور الموت ظهور علاماته، و"بالمعروف" الشیء الذی یعرفه العقل والشرع، فلا یکون فیه إفراط وتفریط، وقد ورد عن جعفر بن محمد عن أبیه (علیهما السلام) أنه قال: «من لم یوص عند موته لذوی قرابته ممن لا یرثه فقد ختم عمله بمعصیة»((2)). والمراد "عصیان" أوامر الندب، فإنه عصیان أیضاً، مثل قوله تعالی: ﴿وَعَصیآدَمُ رَبَّهُ﴾((3)) ومثل قولک: أمره الطبیب فعصاه، وذلک لوضوح عدم وجوب الوصیة للأقرباء، هذا وأما الوصیة لمطلق الفقراء والخیرات فیدل علیها عمومات الوصیة، وعمومات عمل الخیر.

{السادس: أن یعلم المؤمنین بمرضه} مطلقاً و{بعد ثلاثة أیام} آکد، حتی لا ینافی ما تقدم من استحباب کتمان المرض "ثلاثة أیام"، فعن الصادق (علیه السلام): «ینبغی للمریض منکم أن یؤذن إخوانه بمرضه، فیعودونه، فیؤجر فیهم ویؤجرون فیه» فقیل له: نعم فهم یؤجرون فیه بممشاهم إلیه، فکیف یؤجر هو فیهم؟ فقال: «باکتسابه لهم الحسنات فیؤجر فیهم فیکتب له بذلک عشر حسنات

ص:163


1- سورة البقرة: الآیة 180
2- الوسائل: ج13 ص471 الباب83 من أحکام الوصایا ح3
3- سورة طه: الآیة 121

السابع: الإذن لهم فی عیادته.

الثامن: عدم التعجیل فی شرب الدواء ومراجعة الطبیب إلا مع الیأس من البرء بدونها.

ویرفع له عشر درجات، ویمحی بها عنه عشر سیئات»((1)).

{السابع: الإذن لهم فی عیادته} فإذا جاءه عائد لا یمنعه عن الدخول إلیه، وهذا غیر الإعلام کما هو واضح، فعن الکاظم (علیه السلام): «إذا مرض أحدکم فلیأذن للناس یدخلون علیه، فإنه لیس من أحد إلاّ وله دعوة مستجابة»((2)).

{الثامن: عدم التعجیل فی شرب الدواء، ومراجعة الطبیب، إلاّ مع الیأس من البرء بدونها} أو طول المرض أو شدته أو ما أشبه ذلک، فعن الصادق (علیه السلام): «من ظهرت صحته علی سقمه، فیعالج نفسه بشیء فمات فإنا إلی الله منه بریء»((3)).

وعن الکاظم (علیه السلام): «لیس من دواء إلاّ ویهیج داءً، ولیس شیء أنفع فی البدن من إمساک الید، إلاّ عما یحتاج إلیه»((4)).

وعنه (علیه السلام): «تجنب الدواء ما احتمل بدنک الداء فإذا

ص:164


1- الوسائل: ج2 ص632 الباب8 من أبواب الاحتضار ح1
2- الوسائل: ج2 ص633 الباب9 من أبواب الاحتضار ح1
3- الوسائل: ج2 ص629 الباب4 من أبواب الاحتضار ح3
4- الوسائل: ج2 ص629 الباب4 من أبواب الاحتضار ح1

لم یحتمل الداء فالدواء»((1)).

ومن المعلوم أن الیأس من البرء، وطول المرض، وشدته، من مصادیق عدم احتمال الداء، هذا بالإضافة إلی قوله (علیه السلام): «فإن لجسدک علیک حقاً».

وعن علی (علیه السلام): «إنما العلوم أربع ... والطب لحفظ الأبدان...»((2)).

وقال (علیه السلام): «لا یتداوی المسلم حیت یغلب مرضه علی صحته»((3)).

وعن الصادق (علیه السلام): «إن نبیاً من الأنبیاء مرض، فقال لا أتداوی حتی یکون الذی أمرضنی هو الذی یشفینی، فأوحی الله إلیه: لا أشفیک حتی تتداوی، فإن الشفاء منی»((4)).

وقد راجع الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی ضربته

ص:165


1- الوسائل: ج2 ص630 الباب4 من أبواب الاحتضار ح5
2- انظر البحار: ج1 ص218 ح42
3- المستدرک: ج1 ص82 الباب4 من أبواب الاحتضار ح1
4- الوسائل: ج2 ص630 الباب4 من أبواب الاحتضار ح7

التاسع: أن یجتنب ما یحتمل الضرر.

العاشر: أن یتصدق هو وأقرباؤه بشیء، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «داووا مرضاکم بالصدقة».

والعسکری علیه السلام لعضده الطبیب((1)).

أما ما ورد من أن أبا ذر (رضوان الله علیه) قال: «الطبیب أمرضنی»((2)) فهو قال ذلک حین علم أنه یموت ولا ینفع الطبیب.

{التاسع: أن یجتنب ما یحتمل الضرر} فإن المریض غالباً یأخذ بقول کل إنسان فی الدواء والغذاء، ما یحتمل الضرر فی ذلک، ولذا لزم التنبیه علیه هنا، فإن دفع الضرر المحتمل إذا کان قلیلاً مستحب، بالمناط فی وجوب دفع الضرر الکثیر المحتمل، لأنه من إلقاء النفس إلی التهلکة.

{العاشر: أن یتصدّق هو وأقرباؤه} بل أی إنسان لأجله {بشیء، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «داووا مرضاکم بالصدقة»((3))، فعن الباقر (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) عن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «الصدقة تدفع البلاء المبرم فداووا مرضاکم بالصدقة»((4)).

ص:166


1- البحار: ج42 ص234 الباب127 کیفیة شهادته ووصیته (علیه السلام)
2- البحار: ج22 ص430 بیان کیفیة إسلام أبی ذر
3- الوسائل: ج2 ص648 الباب22 من أبواب الاحتضار ح1
4- الوسائل: ج2 ص648 الباب22 من أبواب الاحتضار ح2

الحادی عشر: أن یقر عند حضور المؤمنین بالتوحید، والنبوة، والإمامة، والمعاد، وسائر العقائد الحقة.

وعن الکاظم (علیه السلام): أن رجلاً شکی إلیه أننی فی عشرة نفر من العیال کلهم مریض؟ فقال له موسی (علیه السلام): «دواهم بالصدقة، فلیس شیء أسرع إجابة من الصدقة، ولا أجدی منفعة للمریض من الصدقة»((1)).

وعن الباقر (علیه السلام) عن النبی (صلی الله علیه وآله): «الصدقة تدفع میتة السوء عن صاحبها»((2)).

فإن هذه الأحادیث تدل علی استحباب الصدقة للمریض، سواء أعطاها بنفسه، أو أعطاها غیره من قریب أو صدیق أو سائر الناس.

{الحادی عشر: أن یقرّ عند حضور المؤمنین، بالتوحید والنبوة والإمامة والمعاد} والعدل {وسائر العقائد الحقة} فعن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه قال: _ فی کیفیة الوصیة _ إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس إلیه قال: «اللهم فاطر السماوات والأرض _ إلی أن قال: _ وإنی أعهد إلیک فی دار الدنیا أنی رضیت بک رباً، وبالإسلام دیناً، وبمحمد نبیاً، وبعلی ولیاً، وبالقرآن کتاباً، وأن أهل بیت نبیک

ص:167


1- الوسائل: ج2 ص648 الباب22 من أبواب الاحتضار ح4
2- الوسائل: ج2 ص648 الباب22 من أبواب الاحتضار ح3

الثانی عشر: أن ینصب قیّما أمیناً علی صغاره، ویجعل علیه ناظراً.

(علیه وعلیهم السلام) ائمتی»((1))، وإلی آخره.

وفی ذیله قال النبی (صلی الله علیه وآله) لعلی (علیه السلام): «تعلّمها أنت، وعلّمها أهل بیتک، وشیعتک، فقد علّمنیها جبرائیل»((2))، والظاهر أن الدعاء المذکور أفضل، وإنما المقصود الاعتراف بهذه الأمور، کما أن ما ذکر فی الدعاء المذکور من باب المثال، وإلاّ فالمناط آت فی کل اعتقاد حق، کما أن الاعتراف أمام الناس أفضل، وإلا فالاعتراف إنما هو أمام الله سبحانه، ومنه یعلم استحباب کتابة الاعترافات الحقة علی الکفن، وفی ورقة الوصیة، وفی الشریط وغیر ذلک، للمناط فی الکل، وقد اعترف السید عبد العظیم (علیه السلام) أمام الإمام (علیه السلام).

{الثانی عشر: أن ینصب قیماً أمیناً علی صغاره، ویجعل علیه ناظراً} ففی وصیة فاطمة (علیها السلام) جعلت علیاً (علیه السلام) قیماً علی أولادها (علیهم السلام) حیث قالت: «واجعل لأولادی یوماً ولیلة»((3))، وکذلک وصّی الإمام الحسن (علیه السلام) بأولاده، ووصّی

ص:168


1- مصباح المتهجد: ص14 فی ذکر غسل الأموات. والوسائل: ج13 ص353 الباب3 من أبواب الاحتضار ح1
2- مصباح المتهجد: ص14 فی ذکر غسل الأموات. والوسائل: ج13 ص353 الباب3 من أبواب الاحتضار ح1
3- البحار: ج43 ص178 س19

الثالث عشر: أن یوصی بثلث ماله إن کان موسراً.

الحسین (علیه السلام) زینب بالأولاد.

والناظر مشمول لقوله (علیه السلام): «رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه»((1)). وقد تقدم الکلام فی ذلک.

{الثالث عشر: أن یوصی بثلث ماله إن کان موسرا} أو کان لا یضر ذلک ورثته، لغناهم أو ما أشبه ذلک.

فعن أبی حمزة، عن بعض الأئمة (علیهم السلام) قال: «إن الله تبارک وتعالی یقول: بن آدم تطولت علیک بثلاثة _ إلی أن قال _ وجعلت لک نظرة عند موتک فی ثلثک فلم تقدّم خیراً»((2)).

وعن الصادق (علیه السلام) عن علی (علیه السلام) قال: «من أوصی فلم یجف ولم یضار کان کمن تصدق به فی حیاته»((3)).

ثم الأفضل أن یجعل بعض ثلثه صدقه جاریة. لما روی من انقطاع عمل الإنسان بعد موته إلا من ثلاث: «علم ینتفع به أو صدقه تجری له، أو ولد صالح یدعو له»((4)).

ص:169


1- الأمثال النبویة: ج2 ص103 س17
2- الوسائل: ج2 ص657 الباب30 من أبواب الاحتضار ح1
3- الوسائل: ج2 ص658 الباب 30 من أبواب الاحتضار ح2
4- روضة الواعظین: ج1 ص11 س 14

الرابع عشر: أن یهیأ کفنه، ومن أهمّ الأمور إحکام أمر وصیّته، وتوضیحه، وإعلام الوصیّ، والناظر بها.

الخامس عشر: حسن الظّن بالله عند موته، بل قیل بوجوبه فی جمیع الأحوال، ویستفاد من بعض الأخبار وجوبه حال النزع.

ثم إن الثلث إذا أضر بالورثة کان مکروها، وإن أوصی بأکثر، أو أعطی أکثر، کان أشد کراهة، بل باطلاً فی الوصیة إن لم یرض الورثة فیما لو کانوا کباراً، وتفصیل ذلک فی کتاب الوصیة.

{الرابع عشر: أن یهیأ کفنه} لما روی من إحضار الأئمة (علیه السلام) أکفانهم قبل موتهم((1)) بل وحنوطهم((2)).

وعن محمد بن سنان، عن الصادق (علیه السلام): «من کان کفنه معه فی بیته لم یکتب من الغافلین، وکان مأجوراً کلما نظر إلیه»((3)).

{و} قد تقدم أن {من أهمّ الأمور، إحکام أمر وصیته وتوضیحه وإعلام الوصی والناظر بها} فلا حاجة إلی الإعادة.

{الخامس عشر: حسن الظن بالله عند موته، بل قیل بوجوبه فی جمیع الأحوال، ویستفاد من بعض الأخبار وجوبه حال النزع} قال

ص:170


1- الإرشاد: ص302 فی سبب وفاته علیه السلام
2- کشف الغمة: ج2 ص125 فی وفاة الزهراء علیها السلام
3- الوسائل: ج2 ص756 الباب27 من أبواب التلقین ح2

تعالی: ﴿وَذلِکُمْ ظَنُّکُمُ الَّذی ظَنَنْتُمْ بِرَبِّکُمْ أَرْداکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرینَ﴾((1))، ویستفاد من بعض الأخبار وجوبه حال النزع، فعن الباقر (علیه السلام) قال: «وجدنا فی کتاب علی (علیه السلام): أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال علی منبره: والذی لا إله إلاّ هو، لا یعذب الله مؤمناً بعد التوبة والاستغفار، إلاّ بسوء ظنّه بالله، وتقصیره من رجائه له، وسوء خلقه، واغتیابه للمؤمنین»((2)).

وعن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «لا یموتن أحدکم حتی یحسن ظنّه بالله عز وجلّ، فإن حسن الظن بالله ثمن الجنّة»((3)). ولا یخفی أن الصفات النفسیة التی منها حسن الظن، یمکن للإنسان اکتساب حسنها، واجتناب قبیحها بطول التفکیر، فلا یقال إنها لیست اختیاریة فکیف یؤمر بها، أو ینهی عنها، وقد ذکروا تفصیل ذلک فی علم الأخلاق، والله المستعان.

ص:171


1- سورة فصلت: الآیة 23
2- الکافی: ج2 ص71 باب حسن الظن بالله عزوجلّ ح2
3- الوسائل: ج2 ص659 الباب31 من أبواب الاحتضار ح2

ص:172

فصل فی عیادة المریض

فصل

عیادة المریض من المستحبّات المؤکدة

{فصل}

{عیادة المریض من المستحبّات المؤکدة} وفی الجواهر إنه المجمع علیه بیننا، بل لعله من ضروریات الدین، وقد ورد فی فضلها أخبار کثیرة، فعن النبی (صلی الله علیه وآله): «ومن عاد مریضاً فله بکل خطوة خطاها حتی یرجع إلی منزله سبعون ألف ألف حسنة، ویمحی عنه سبعون ألف ألف سیئة، ویرفع له سبعون ألف ألف درجة، ووکلّ به سبعون ألف ألف ملک یعودونه فی قبره ویستغفرون له إلی یوم القیامة»((1)).

ولا یستغرب من أمثال هذه الأحادیث، فإن رحمة الله لا نهایة لها، واحتیاج الإنسان فی الآخرة نسبته إلی احتیاجه فی الدنیا نسبة

ص:173


1- الوسائل: ج2 ص635 الباب10 من أبواب الاحتضار ح9

وفی بعض الأخبار أن عیادته عیادة الله تعالی، فإنه حاضر عند المریض المؤمن،

احتیاج الإنسان فی الدنیا إلی احتیاجه فی رحم الأم.

أمّا غفران کذا من الذنوب، فإما أن یراد به اقتضاء العمل ذلک، کقوة ماکنة تحتمل سبعین ملیون من الشمعات الکهربائیة، وإن لم یحتج الإنسان منها إلا إلی سبعین شمعة فقط، أو أن یراد به مثل ما رواه أبو حمزة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «حمی لیلة تعدل عبادة سنة وحمی لیلتین تعدل عبادة سنتین وحمّی ثلاث لیال تعدل عبادة سبعین سنة» قال: قلت: فإن لم یبلغ سبعین سنة؟ قال: «فلأبیه ولأمه». قال: قلت: فإن لم یبلغا؟ قال: «فلقرابته». قال: قلت: فإن لم یبلغ قرابته، قال: «فجیرانه»((1)).

{وفی بعض الأخبار أنّ عیادته عیادة الله تعالی، فإنّه حاضر عند المریض المؤمن} فعن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «یعیر الله عز وجل عبداً من عباده یوم القیامة، فیقول عبدی ما منعک إذا مرضت أن تعودنی؟ فیقول: سبحانک سبحانک، أنت رب العباد، لا تمرض، ولا تألم، فیقول مرض أخوک المؤمن فلم تعده، وعزتی وجلالی ولو عدته لوجدتنی عنده، ثم لتکفلت بحوائجک فقضیتها لک، وذلک من کرامة عبدی المؤمن وأنا الرحمان الرحیم»((2)).

ص:174


1- الوسائل: ج2 ص623 الباب1 من أبواب الاحتضار ح10
2- الوسائل: ج2 ص635 الباب10 من أبواب الاحتضار ح10

ولا تتأکد فی وجع العین والضرس والدمل، وکذا من اشتدّ مرضه أو طال،

وهذا الحدیث یدل علی کراهة ترک العیادة، فهی من المستحبات التی یستحب فعلها، ویکره ترکها.

{ولا تتأکد فی وجع العین والضرس والدمل} لما رواه علی بن أسباط، عن الصادق (علیه السلام) قال: «لا عیادة فی وجع العین»((1))، ویدل علی نفی التأکید لا نفی الأصل، وما رواه السکونی عن الصادق (علیه السلام) قال: «إن أمیر المؤمنین (علیه السلام) اشتکی عینه فعاده النبی (صلی الله علیه وآله) فإذا هو یصیح فقال: له النبی (صلی الله علیه وآله) أجزعاً أم وجعاً، فقال: یا رسول الله ما وجعت وجعاً قط أشد منه»((2)).

وفی روایة أخری عنهم (علیهم السلام): «ثلاثة لا یعاد: صاحب الدمل، والضرس، والرمد»((3)).

أقول: لعل وجه عدم استحباب، أو عدم تأکد استحباب زیارة هؤلاء، إنَّ صاحب الرمد لا یتمکن من النظر، وصاحب الضرس لا یتمکن من التکلم، وصاحب الدمل لا مرض له، أو لعل الثلاثة تضرهم رائحة العطر، وکثیراً ما یکون العائد معطراً.

{وکذا من اشتدّ مرضه أو طال} أما إذا طال المرض فلما رواه

ص:175


1- الوسائل: ج2 ص638 الباب13 من أبواب الاحتضار ح1
2- الوسائل: ج2 ص638 الباب13 من أبواب الاحتضار ح2
3- المستدرک: ج1 ص84 الباب9 من أبواب الاحتضار ح1

ولا فرق بین أن تکون فی اللیل أو فی النّهار، بل یستحب فی الصباح والمساء

علی بن أسباط عن الصادق (علیه السلام) قال: «فإذا طالت العلة ترک المریض وعیاله»((1)).

وأما مع اشتداد المرض فلم أجد به دلیلاً کما اعترف به بعض الشراح، ولعلّه یکفی فیه فتوی الفقیه، وکأن وجه عدم العیادة، أن المریض مع طول علته أو اشتداده، یکره هو وأهله زیارة الناس له، وإنما حمل النهی هنا وفی الفرع السابق علی عدم التأکد للإطلاقات بعد بنائهم أن باب المستحب والمکروه لا یدخله الإطلاق والتقیید، وإنما یحملان علی المراتب.

{ولا فرق بین أن تکون} العیادة {فی اللیل أو فی النهار} لإطلاق الأدلة، کما لا فرق بین الأیام والشهور والساعات، فما اشتهر عند بعض الناس من الکراهة فی اللیل أو یوم الأربعاء أو ما أشبه لم أجد به دلیلاً.

{بل یستحب فی الصباح والمساء} فعن الصادق (علیه السلام): «أیما مؤمن عاد مریضاً حین یصبح، شیّعه سبعون ألف ملک، فإذا قعد غمرته الرحمة واستغفروا له حتی یمسی، وإن عاده مساءً، کان له

ص:176


1- الوسائل: ج2 ص638 الباب13 من أبواب الاحتضار ح1

ولا یشترط فیها الجلوس، بل ولا السؤال عن حاله،

مثل ذلک حتی یصبح»((1)).

{ولا یشترط فیها الجلوس، بل ولا السؤال عن حاله} لصدق العیادة بدونهما، وإن کان فی بعض الروایات دلالة علی الجلوس والسؤال، ولا شک أن الأفضل هو مراعاة مقتضی الحال.

ثم الظاهر أنه لا تستحب العیادة إن أضر المریض، بل تکره أو تحرم، حسب مراتب الضرر، کما أن الظاهر أن استحباب العیادة عامة للرجال والنساء والأطفال، إلاّ فی موارد الریبة، کعیادة الرجل الأجنبی للمرأة الشابة أو ما أشبه، کما إذا استلزم عیادته لها، أو عیادتها له، الخلوة بالأجنبیة، ولا یشترط فهم المریض عیادة الزائر، فإن إطلاقات العیادة تشمل حتی عیادة المغمی علیه، وهل یستحب عیادة المجنون؟، احتمالان. أما عیادة الکافر والمخالف، فإن أوجبت تحبباً تقتضیه التقیة استحبت، ولذا ورد: «عودوا مرضاهم»((2)). وإلاّ فلا، لانصراف الأدلة إلی المؤمن، بل تصریح بعضها به، ولا فرق فی استحباب العیادة بین کون العائد بنفسه مریضاً أم لا؟ ومن کسرت رجله أو نحوها داخل فی المریض فتستحب عیادته، کما أن المرأة فی حالة النفاس تعد مریضة، بخلافها فی حال الحیض والاستحاضة، إلاّ إذا أوجبت الاستحاضة المرض.

ص:177


1- الوسائل: ج2 ص636 الباب11 من أبواب الاحتضار ح1
2- الوسائل: ج8 ص399 الباب1 من أبواب أحکام العشرة ح6

ولها آداب:

أحدها: أن یجلس عنده، ولکن لا یطیل الجلوس إلاّ إذا کان المریض طالباً.

أما الأعمی، والمقعد، والأبرص، فالظاهر انصراف الأدلة عن مثلهم، إلا فی أول إصابتهم، ثم الظاهر أنه لا یستحب عیادة من ینزعج بالزیارة لظهور الدلیل _ ولو بقرینة الانصراف _ فی أن العیادة شرعت لأنس المریض أو کالأنس، لا لازعاجه، والمراد بکالأنس ما ذکرنا من استحباب عیادة المغمی علیه.

{ولها آداب: أحدها: أن یجلس عنده، ولکن لا یطیل الجلوس إلاّ إذا کان المریض طالباً} لما رواه الکافی عن الباقر (علیه السلام): «أیما مؤمن عاد مؤمناً خاض فی الرحمة خوضاً، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا انصرف وکلّ الله به سبعین ألف ملک یستغفرون له ویسترحمون علیه ویقولون: طبت وطابت لک الجنة، إلی تلک الساعة من غد، وکان له _ یا أبا حمزة _ خریف فی الجنة». قلت: وما الخریف جعلت فداک؟ قال: «زاویة فی الجنة یسیر الراکب فیها أربعین عاماً»((1)).

وقد ورد فی أن مقدار العیادة «قدر فواق أو حلب ناقة» «وإن من أعظم العواد أجراً عند الله تعالی لمن إذا عاد أخاه خفف الجلوس إلاّ أن یکون المریض یحب ذلک ویریده ویسأله ذلک»((2)) «وإن تمام

ص:178


1- الکافی: ج3 ص120 باب ثواب المریض ح3
2- الوسائل: ج2 ص642 الباب 15 من أبواب الاحتضار ح1 و2

الثانی: أن یضع العائد إحدی یدیه علی الأخری أو علی جبهته حال الجلوس عند المریض.

العیادة للمریض أن تضع یدک علی ذراعه وتعجل القیام من عنده، فإن عیادة النوکی أشد علی المریض من وجعه»((1)).

أقول: "فواق" کغراب، ما بین فتح الید وقبضها علی الضرع، أو مقدار زمان ما بین الحلبتین، و"النوکی" أی الحمقی، لأن "النوک" بضم النون وفتحها الحمق.

{الثانی: أن یضع العائد إحدی یدیه علی الأخری أو علی جبهته حال الجلوس عند المریض} لخبر مسعدة، عن الصادق (علیه السلام) وقال: «من تمام العیادة للمریض، أن یضع العائد إحدی یدیه علی الأخری، أو علی جبهته»((2)).

أقول: الظاهر إنه نوع من إظهار التأسّف علی مرضه، وهل المستحب من أول الجلوس إلی آخره، أو فی الجملة الظاهر الثانی، خصوصاً بالنسبة إلی الوضع علی الجبهة، والله العالم.

ص:179


1- الوسائل: ج2 ص642 الباب 15 من أبواب الاحتضار ح3
2- الوسائل: ج2 ص642 الباب 15 من أبواب الاحتضار ح2

الثالث: أن یضع یده علی ذراع المریض عند الدعاء له أو مطلقا.

{الثالث: أن یضع یده علی ذراع المریض عند الدعاء له أو مطلقا} فعن الصادق (علیه السلام) قال: «تمام العیادة أن تضع یدک عی المریض إذا دخلت علیه»((1)).

وفی خبر آخر عنه قال: «تمام العیادة للمریض أن تضع یدک علی ذراعه، وتعجیل القیام من عنده».

أقول: الظاهر إن ذلک نوع من إظهار المحبّة والوداد، وأما عند الدعاء له، فکأنه نوع من إیصال الدعاء إلیه ولو تشبیهاً للمعقول بالمحسوس، وقد ثبت فی علم النفس الحدیث أن وضع الید علی إنسان آخر یوجب سریان الحب، کما کان أولاد یعقوب، إذا وضع بعضهم یده علی بعض آخر سکن غضبهم، وکذلک ثبت فی علم النفس الحدیث، أن وضع الید عند قراءة دعاء أو ذکر یوجب تأثیر إرادة الداعی فی المریض.

ثم إنه لا خصوصیة لحالة الدعاء، لإطلاق الروایة، نعم ذکره بعض الفقهاء، ثم إن الخصوصیة لذراعه إنما هی لما تقدم فی الأول من الآداب، وإن کان یأتی السنة بمطلق یده لإطلاق الروایة هنا.

ص:180


1- الوسائل: ج2 ص642 الباب16 من أبواب الاحتضار ح1

الرابع: أن یدعو له بالشفاء.

والأولی أن یقول: «اللهم اشفه بشفائک، وداوه بدوائک، وعافه من بلائک».

{الرابع: أن یدعو له بالشفاء} لما تقدم فی السابع من آداب المریض، من قول الکاظم (علیه السلام): «إذا مرض أحدکم فلیأذن للناس یدخلون علیه، فإنه لیس من أحد إلا وله دعوة مستجابة»((1)). فإن المفهوم منه استحباب دعاء العائد له.

{والأولی أن یقول: «اللّهم اشفه بشفائک، ودواه بدوائک، وعافه من بلائک»} وظاهر قول المصنف أنه "أولی" أنه لیس بذلک نص، وصرح بعدم عثوره علی نص خاص علیه مصباح الهدی، لکن الوسائل رواه عن القطب الراوندی((2)) عن الصادق (علیه السلام) عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) فراجع.

عن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه ما دعی عبد بهذه الکلمات لمریض إلا شفاه الله تعالی، ما لم یقض أنه یموت منه، وهن «أسأل الله العظیم» إلی آخر الدعاء کما رواه الکفعمی فی مصباحه، وهناک أدعیة أخری مثل: «بسم الله النور...» وغیره ((3)).

ص:181


1- الکافی: ج2 ص117 باب المریض یؤذن به الناس ح2
2- المستدرک: ج1 ص95 الباب39 من أبواب الاحتضار ح22
3- المستدرک: ج1 ص85 الباب10 من أبواب الاحتضار ح21

الخامس: أن یستصحب هدیّة له، من فاکهة أو نحوها، ممّا یفرّحه ویریحه.

السادس: أن یقرأ علیه فاتحة الکتاب سبعین، أو أربعین مرّة، أو سبع مرّات، أو مرّة واحدة، فعن أبی عبد الله (علیه السلام): «لو

{الخامس: أن یستصحب هدیة له، من فاکهة أو نحوها، ممّا یفرّحه ویریحه} فقد روی فی الکافی، عن بعض موالی الصادق (علیه السلام) قال: مرض بعض موالیه، فخرجنا إلیه نعوده، ونحن عدة من موالی جعفر (علیه السلام) فاستقبلنا جعفر (علیه السلام) فی بعض الطریق فقال لنا: «أین تریدون»؟ فقلنا: نرید فلاناً نعوده، فقال لنا: «قفوا» فوقفنا، فقال: «مع أحدکم تفاحة أو سفرجلة أو أترجة أو لعقة _ بالضم قدر الملعقة _ من طیب، أو قطعة من عود بخور»؟ فقلنا: ما معنا شیء من هذا، فقال: «أما تعلمون بأن المریض یستریح إلی کل ما أدخل به علیه»((1)).

أقول: ویستفاد من هذا الحدیث استحباب کل شیء جائز یستریح المریض إلیه، ولو کان ورداً، أو مالاً، أو غیرهما.

{السادس: أن یقرأ علیه فاتحة الکتاب سبعین، أو أربعین مرّة، أو سبع مرّات، أو مرّة واحدة، فعن أبی عبد الله (علیه السلام): «لو

ص:182


1- الکافی: ج3 ص118 باب عیادة المریض ح3

قرأت الحمد علی میّت سبعین مرّة ثم ردّت فیه الروح ما کان عجباً»، وفی الحدیث: «ما قرئ الحمد علی وجع سبعین مرّة، إلاّ سکن بإذن الله، وإن شئتم فجربوا ولا تشکّوا»، وقال الصادق (علیه السلام): «من نالته علة فلیقرأ فی جیبه الحمد سبع مرّات» وینبغی أن ینفض لباسه بعد قراءة الحمد علیه.

قرأت الحمد علی میت سبعین مرّة، ثم ردّت فیه الرّوح ما کان ذلک عجباً»((1))، وفی الحدیث} أیضاً {«ما قرأت الحمد علی وجع سبعین مرّة، إلاّ سکن بإذن الله، وإن شئتم فجرّبوا ولا تشکوا»((2)). وقال الصادق (علیه السلام): «من نالته علّة فلیقرأ فی جیبه الحمد سبع مرات»((3))، وینبغی أن ینفض لباسه بعد قراءة الحمد علیه} وقد ورد أنّ الحمد «هی شفاء من کل داء، إلا السام _ والسام الموت»((4)).

وهناک روایات کثیرة أخر، وینقل أن الشیخ البهائی قرأ الحمد علی حیوان میت سبعین مرة، فردت إلیه الروح، وکان ذلک حین تحداه کافر بکذب الروایة القائلة بأن الحمد سبعین مرة یعید الروح إلی المیت، «کما أن من المستحب قراءة قل هو الله أحد، ثلاث مرات علی

ص:183


1- الوسائل: ج4 ص873 الباب37 من أبواب قراءة القرآن ح1
2- الوسائل: ج4 ص874 الباب37 من أبواب قراءة القرآن ح6
3- الوسائل: ج4 ص874 الباب37 من أبواب قراءة القرآن ح7
4- الوسائل: ج4 ص874 الباب37 من أبواب قراأة القرآن ح8

السابع: أن لا یأکل عنده ما یضرّه ویشتهیه.

الثامن: أن لا یفعل عنده ما یغیظه أو یضیق خلقه.

التاسع: أن یلتمس منه الدعاء فإنه ممن یستجاب دعاؤه، فعن الصادق (صلوات الله علیه): «ثلاثة یستجاب دعاؤهم: الحاج والغازی والمریض».

المریض»((1)) کما رواه الصدوق فی کتابه ثواب الأعمال، والروایات فی هذه الأمور کثیرة، محلّها کتب الحدیث والأدعیة.

{السّابع: أن لا یأکل عنده ما یضرّه ویشتهیه} لما یأتی من استحباب ترک إغاظة المریض وإضجاره، بل ومفهوم ما تقدم من استحباب إدخال ما یستریح المریض إلیه.

{الثامن: أن لا یفعل عنده ما یغیظه أو یضیق خلقه} لما روی عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: «ثلاثة دعوتهم مستجابة، الحاج والغازی والمریض، فلا تغیظوه ولا تضجروه»((2)). کأن الترتیب، بین "فلا" وبین سابقه، باعتبار أنه إذا ضجر ودعا علیکم، کانت دعوته مستجابة علیکم.

{التاسع: أن یلتمس منه الدعاء، فإنّه ممن یستجاب دعاؤه، فعن الصادق (صلوات الله علیه): «ثلاثة یستجباب دعاؤهم: الحاج والغازی والمریض»}، وعنه (عیه السلام) قال: «إذا دخل أحدکم علی أخیه

ص:184


1- انظر ثواب الأعمال: ص157
2- الوسائل: ج2 ص637 الباب 12 من أبواب الاحتضار ح2

عائداً له فلیسأله یدعو له، فإن دعاءه مثل دعاء الملائکة»((1))، ولعل وجه التشبیه، طهارة المریض بالمرض من ذنوبه، ولذا یستجاب دعاؤه کما یستجاب دعاء الملائکة.

ثم لا یخفی أنّ الآداب المذکورة فی الأخبار فی هذین البابین اللذین ذکرهما المصنف (رحمه الله) کثیرة، یجدها الطالب فی الوسائل، والمستدرک، وجامع أحادیث الشیعة، والله الموفّق المستعان.

ص:185


1- الوسائل: ج2 ص637 الباب 12 من أبواب الاحتضار ح1

ص:186

فصل فیما یتعلق بالمحتضر

فصل

فیما یتعلّق بالمحتضر ممّا هو وظیفة الغیر

وهی أمور:

الأول: توجیهه إلی القبلة، بوضعه علی وجه لو جلس کان وجهه إلی القبلة،

{فصل}

{فیما یتعلق بالمحتضر مما هو وظیفة الغیر}، المحتضر اصطلاحاً: هو من حضره حال الاحتضار، وهو وقت نزع الروح من البدن، سمی بالاحتضار لحضور الروح، أو الملائکة لقبض روحه، أو لحضور أهله وذویه عنده.

{وهی أمور، الأول: توجیهه إلی القبلة، بوضعه علی وجه لو جلس کان وجهه إلی القبلة} وکون الکیفیة هی هذا مما صرح به النص والفتوی، بل عن المعتبر نسبته إلی علمائنا أجمع، بل عن الخلاف والتذکرة، وظاهر کشف اللثام: إجماعاً.

ص:187

ووجوبه لا یخلو عن قوة،

ووجوبه لا یخلو عن قوّة} کما نسب إلی الأکثر والأشهر، بل عن الروضة والکفایة والمدارک: کونه المشهور، خلافاً لما عن المفید، والمرتضی، والمبسوط، والخلاف، والنهایة، والمعتبر، والتذکرة، والأردبیلی، والمدارک، والکفایة، وغیرهم من القول بالاستحباب.

ویستدل للأول: بالسیرة، وبجملة من الأخبار، کالذی رواه الفقیه عن الصادق (علیه السلام) عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: «دخل رسول الله (صلی الله علیه وآله) علی رجل من ولد عبد المطلب وهو فی السوق _ أی النزع _ وقد وجه لغیر القبلة؟ فقال: وجههوه إلی القبلة فإنّکم إذا فعلتم ذلک أقبلت علیه الملائکة، وأقبل الله عزّ وجل علیه بوجهه، فلم یزل کذلک حتی یقبض»((1)).

وحسنة سلیمان بن خالد، عن الصادق (علیه السلام) قال: «إذا مات لأحدکم میت فسجوه تجاه القبلة»((2)).

وموثقة معاویة بن عمار، سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المیت؟ فقال: «استقبل بباطن قدمیه القبلة»((3)).

وما رواه الدعائم عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: «من

ص:188


1- الفقیه: ج1 ص79 باب غسل المیت ح7
2- الوسائل: ج2 ص661 الباب 35 من أبواب الاحتضار ح2
3- الوسائل: ج2 ص662 الباب 35 من أبواب الاحتضار ح4

الفطرة أن یستقبل بالعلیل القبلة إذا احتضر»((1)).

وأورد علی السیرة، بأنها لا تدل علی الوجوب، وفیه: إن المرکوز عندهم الوجوب، بحیث یعیر من یموت بغیر هذه الصورة، فالسیرة علی الوجوب. وعلی الروایات، بضعف السند فی الجملة، والدلالة حیث ظاهر روایة الفقیه اختصاص الحکم بمن حضره النبی (صلی الله علیه وآله) لا کل میت، وأن ظاهرها الاستحباب للعلة المذکورة، ولفظ "المیت" فی سائر الروایات ظاهر فی أن الحکم لما بعد الموت، لا لما قبله، ویردّ علی ذلک بأن روایة الفقیه مجبورة بالعمل، هذا مع أن الذی اخترناه أنه یصح العمل بکل روایات الکافی والفقیه، لضمان صاحبهما، إلاّ ما إذا ثبت الخلاف، والمورد لا یکون مخصصاً کما هو واضح، ووجود التعلیل لا یمنع الظاهر، کما أن کثیراً من الآیات وروایات الأحکام الواجبة والمحرمة معللة.

أما الحسنة والموثقة فهما حجّتان سنداً، لکن فی دلالتهما ضعف، لاحتمال أن یکون حکم ما بعد الموت، کاحتمال أن یکون ذلک حکم ما قبل الموت، وحیث یقطع بعدم الوجوب لما بعد الموت، لا یکون العلم الإجمالی منجزاً، وخصوصاً الحسنة لا یبعد ظهورها فی الاستحباب لما فی ذیله، حیث قال (علیه السلام): «وکذلک إذا غسّل یحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة، فیکون مستقبل باطن

ص:189


1- الدعائم: ج1 ص219 س6

بل لا یبعد وجوبه علی المحتضر نفسه أیضاً،

[مستقبلاً بباطن] قدمیه، ووجهه، إلی القبلة»((1)).

وکیف کان فما قواه المصنف هو الأوفق بالقواعد، ومنه یظهر الإشکال فی جعل المستمسک التوجیه احتیاطاً لا ینبغی ترکه، وجعله مصباح الهدی الاحتیاط اللازم فی عدم ترکه، ولذا سکت السادة ابن العم، والبروجردی، والجمال، والحجة، والاصطهباناتی، وغیرهم علی المتن، وهناک روایات أخر بمضمون روایتی الحسنة والموثقة، کما أن مرسلة الفقیه رویت عن العلل وثواب الأعمال مسنداً، ثم إن ظاهرهم کون کیفیة الاستقبال ما ذکرناه، ویدل علیه روایتی عمار وذریح((2))، لکن ربما یحتمل کفایة حتی الجلوس الموجّه إلی القبلة کحالة الصلاة، ویدل عیه قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) الدال علی أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) «قبض بین نحره وصدره»((3)) مما ظاهره أنه کان متّکئاً علی علی جالساً، ووجهه المبارک إلی القبلة، ولا ینافی ذلک إلاّ لفظ "سجّوه" الوارد فی روایة سلیمان، لکن قد تقدم ضعف الدلالة فیها، مع أنه لا ینافی ما ذکرناه، حیث یجوز کونه فرداً آخر من الاستقبال، فتأمل.

{بل لا یبعد وجوبه علی المحتضر نفسه أیضاً} کما فی الجواهر،

ص:190


1- الوسائل: ج2 ص661 الباب 35 من أبواب الاحتضار ح2
2- الجواهر: ج4 ص12
3- البحار: ج22 ص542 باب وفاته وغسله ح54

وإن لم یمکن بالکیفیّة المذکورة فبالممکن منها، وإلاّ فبتوجیهه جالساً، أو مضطجعاً علی الأیمن، أو

وطهارة الشیخ، وغیرهما، واستدلوا بأن الظاهر من الأخبار وجوب وجود التوجه فی الخارج إلا عن مباشر فإذا قدر علی ذلک کان هو المکلّف، وإنّما وجه التکلیف إلی غیره، لعدم قدرته غالباً، ولکن ربما یستشکل فی ذلک بأن ظاهر ألفاظ الروایات توجیه التکلیف إلی غیره، فکونه المکلف یحتاج إلی دلیل مفقود، فحاله حال ما إذا تمکن الإنسان من تهیئة أسباب غسله وکفنه ودفنه فی حال حیاته، بحیث یفعل کل ذلک معه بالآلة، بدون معاونة أحد، فهل یکفی ذلک عن مباشرة مکلف لهذه الأمور بعد الموت؟.

نعم لو فعل المحتضر التوجیه لنفسه، سقط عن غیره، لانتفاء الموضوع، وفیه: الفرق، فإن التوجیه لیس عبادیاً، بخلاف بعض أعمال المیت، وقد عرفت أن المناط موجود فی المحتضر نفسه، فالقول بالوجوب علی نفسه غیر بعید.

{وإن لم یمکن بالکیفیة المذکورة فبالممکن منها} کالنائم مستقبلاً لکن رجله مرفوعة، أو رأسه مرفوع، أو شبه نصف جالس، لدلیل «المیسور»((1))، {وإلا فبتوجیهه جالساً، أو مضطجعاً إلی الأیمن، أو

ص:191


1- الجواهر: ج2 ص106

علی الأیسر مع تعذّر الجلوس، ولا فرق بین الرجل والامرأة والصغیر والکبیر

علی الأیسر مع تعذّر الجلوس} لدلیل المیسور، ولا شک أن الاضطجاع علی الأیمن والأیسر، والجلوس متوجهاً میسور من الاستقبال فی حال النوم، کما أن العکس کذلک فی حال الصلاة، فإن المیسور عرفی، بل یمکن أن یقال: إن المناط موجود فی الکل، لکن مع تعذر الأصل، لا فی عرضه، إذ المناط قد یکون فی عرض الأصل، وقد یکون مقدماً علیه، کما فی الفرع السابق حیث فهم بالمناط تقدم توجیه المحتضر نفسه علی توجیه غیره إیاه، وقد یکون فی طوله متأخراً عنه کما فی المقام، وربما یفرق بین الجلوس فإنه میسور التوجه، دون النائم باضطجاع، قال فی الجواهر: (ولعل الأقوی سقوط ما عدا الاستقبال جالساً)((1)).

أقول: لا قوة فیه، اللّهم إلاّ أن یتمسک بما ذکرنا سابقاً من کیفیة موت الرسول (صلی الله علیه وآله) بضمیمة عدم کون غیره میسوراً، وفیهما معاً نظر، إذ قد عرفت أن الاستقبال جالساً لا یبعد أن یکون فی عرض الاستقبال نائماً، وعدم کون الاضطجاع میسوراً خلاف الظاهر، فما ذکره المصنف لا یخلو عن قرب.

{ولا فرق بین الرجل والامرأة والصغیر والکبیر} لإطلاق الأدلة

ص:192


1- الجواهر: ج4 ص13

بشرط أن یکون مسلماً،

بالنسبة إلی المحتضر، لا بالنسبة إلی المکلف بتوجیه المحتضر، إذ لا تکلیف علی الصغیر، وربما یستشکل فی إطلاق الحکم بالنسبة إلی الصغیر المحتضر، حیث إنه لیس بمکلف، ویجاب عنه بأنه تکلیف الکبار لا تکلیف الطفل، فحاله حال غسله وسائر تجهیزاته بعد الموت، والظاهر عدم الفرق أیضاً بین العاقل والمجنون، والمکلف وغیر المکلف، کالمغمی علیه، ولا بین الشهید وغیره، لکن لم یرد فی حروب الرسول (صلی الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) وخصوصاً الإمام الحسین(علیه السلام) فعلهم أو أمرهم بتوجیههم الشهداء إلی القبلة، ولعله لوجود العلة المذکورة فی روایة الفقیه فی الشهید، من دون حاجة إلی توجیهه القبلة، ولذا فلا یلزم بالنسبة إلی الشهید، ولا إشکال فی أن الاحتیاط فی التوجیه {بشرط أن یکون مسلماً} لقوله (علیه السلام) فی حسنة سلیمان: «إذا مات لأحدکم»((1))، وللتعلیل فی روایة الفقیه، حیث إن الکافر بعید عن رحمة الله سبحانه، وقد أرسله غیر واحد إرسال المسلّمات، بل الظاهر تسالم الأصحاب علیه، فحاله حال سائر أعمال المیت، حیث لا تجب إلا بالنسبة إلی المسلم، بل یدل علی ذلک قاعدة «الإلزام»((2)) أیضاً.

ص:193


1- الوسائل: ج2 ص661 الباب35 من أبواب الاحتضار ح2.  والفقیه: ج1 ص123 الباب27 فی النوادر ح33
2- الوسائل: ج17 ص598 الباب3 من أبواب میراث المجوس ح2

ثم إنک قد عرفت أن الملحق بالمسلم، کالطفل والمجنون، أیضاً له هذا الحکم، للإطلاق، ولا فرق فی ذلک بین الفاسق والمؤمن، وإن کان مجاهراً بالمعصیة للإطلاق.

أما إذا اختلف اجتهاد المیت والحی، أو تقلیدهما، فالظاهر أن الحکم تابع للحّی، لأنه تکلیفه، فإذا رأی الحی استحباب التوجیه، أو أن القبلة جانب المشرق مثلاً بعرض کذا، ورأی المیت أن الاستقبال واجب أو أنها بعرض آخر، اتبع الحیّ رأیه، لا رأی المحتضر، وهل یعم الحکم المخالف، أو یختص بأهل الإیمان؟ الظاهر الثانی لقاعدة "الإلزام"، الحاکمة علی الإطلاق لو قیل بالإطلاق، ولا یرد علی ذلک کون هذا التکلیف متعلقاً بالحی الحاضر، فالمناط رأیه لا رأی المحتضر، إذ قاعدة "الالزام" تسری إلی الحی الحاضر، کما یجوز أن یتزوج زوجة المخالف التی طلقها طلاقاً باطلاً عندنا، فإنه إذا صح عنده شیء رتبنا نحن الأثر علیه، وإن کان الأثر غیر صحیح فی نفسه عندنا.

نعم لا إشکال فی المخالف المحکوم بالکفر، وأنه لا یجب استقباله حتی عند المطلق، لما ذکرناه فی الکافر، کما أن المخالف الذی یری وجوب التوجیه لا یأتی فیه قاعدة الإلزام، وإنما یبقی الکلام فی أن الأدلة هل هی مطلقة تشمله أم لا؟.

أما الکافر فلو فرض أنه یری التوجیه، فلا إشکال فی عدم وجوبه، لما سیأتی فی عدم تغسیلهم وسائر أعمال المیت بالنسبة

ص:194

ویجب أن یکون ذلک بإذن ولیّه

إلیهم، وقد قال الإمام الحسین (علیه السلام) لمعاویة((1)) أنه إذا وصل الدور إلیهم (علیهم السلام) لا یجرون مراسم الإسلام علی موتاهم، والسبب واضح لأنهم بحکم الکفار.

ثم إنه فی العکس، وهو کون المحتضر مسلماً، والحیّ کافراً أو مخالفاً، فالظاهر الوجوب علیهما، لقاعدة عموم التکلیف، لکن إذا لم یفعلا لم یغرّرا، إذ قاعدة إقرارهم علی دینهم ومذهبهم تقتضی ذلک.

أما المنافق المحتضر، فهو بحکم الکافر قطعاً، فی عدم وجوب توجیهه، قال تعالی: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلیأَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً﴾((2)) وغیره مما سیأتی فی مباحث أعمال الأموات.

{ویجب أن یکون ذلک بإذن ولیه} لآیة ﴿وَأُولُوا الْأَرْحامِ﴾((3))، وقوله (علیه السلام): «الزوج أحق بامرأته»((4))، ولأن التوجیه تصرّف فی المحتضر، فلا یجوز إلا بإذنه أو باذن ولیه.

ص:195


1- الاحتجاج: ص297 ط الأعلمی
2- سورة التوبة: الآیة 84
3- سورة الأنفال: الآیة 75
4- الوسائل: ج2 ص802 الباب24 من أبواب صلاة الجنازة ح3

مع الإمکان وإلا فالأحوط الاستیذان من الحاکم الشرعی، والأحوط مراعاة الاستقبال بالکیفیّة المذکورة فی جمیع الحالات إلی ما بعد الفراغ من الغسل،

{مع الإمکان وإلاّ فالأحوط الاستئذان من الحاکم الشرعی} لأنه ولی الممتنع إن امتنع الولی، ولأنه ولی من لا ولی له إذ لم یکن له ولی، ولأنه ولی الغائب ومن أشبهه، والظاهر عدم الحاجة إلی الإذن مطلقاً، لا طلاق الأدلة، والآیة لا إطلاق لها بحیث یشمل المقام، وکذا الروایة، والتوجیه لیس تصرفاً عرفاً، ومنه یعرف أنه لا یصل الدور إلی الحاکم، لکن لا إشکال فی کون الاستئذان أحوط، ولو أذن هو قبل احتضاره، أو فی ذلک الحال مع إدراکه، فلا إشکال فی عدم جواز مخالفته بأن یوجهه غیره، ولا یبقی مجال للولی، لأن الإنسان أولی بنفسه من غیره، کما یستفاد من قوله تعالی: ﴿النَّبِیُّ أَوْلیبِالْمُؤْمِنینَ﴾((1)) وللقاعدة المشهورة: "الناس مسلطون علی أنفسهم وأموالهم"((2)).

{والأحوط مراعاة الاستقبال بالکیفیة المذکورة فی جمیع الحالات إلی ما بعد الفراغ من الغسل} کما عن العلامة الطباطبائی، مستظهراً ذلک من خبر سلیمان بن خالد المتقدم حیث قال (علیه السلام): «وکذلک إذا غسل یحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فیکون باطن

ص:196


1- سورة الأحزاب: الآیة 6
2- العوالی: ج1 ص222 ح99

قدمیه القبلة». بعد أن قال (علیه السلام): «إذا مات لأحدکم میت فسّجوه تجاه القبلة»((1)). وفیه: أن الظاهر _ إن قلنا بدلالة الحدیث _ أن الواجب من التوجیه فی وقتین: الأول عند الموت، والثانی عند الغسل، فالحدیث علی خلاف المصابیح أدلّ، وعلیه فالأقوی اختصاص الوجوب بحال الموت، لا فی حال الاحتضار، ولا ما بعد الموت.

أما الأول: فواضح إذ لا دلیل علیه، فمن طال احتضاره لا یجب توجیهه إلاّ إذا أشرف علی الموت إشرافاً قریباً.

وأما الثانی: فللأصل، بعد اختصاص الدلیل بحال الموت، فیقسط بأول آن منه، کما هو صریح المرسلة وظاهر الموثق، وهذا هو الذی اختاره الشهید فی الذکری وغیره، وفی المسألة قولان آخران:

الأول: وجوب إبقائه إلی القبلة ما لم ینقل، واستدل لذلک بالاستصحاب، أی استصحاب حکم الموت إلی مدة بقائه فی مکانه ولم ینقل منه إلی مکان آخر، وفیه: أنه لا مجال للاستصحاب بعد ظهور النص فی کون ذلک من أحکام الموت.

الثانی: وجوب إبقائه إلی زمان ما بعد الموت، ویستدل لذلک بالانصراف إلی هذا، فکما یلزم التوجیه قبل الموت بزمان ما کذلک

ص:197


1- الوسائل: ج1 ص661 الباب35 من أبواب الاحتضار ح2

وبعده فالأولی وضعه بنحو ما یوضع حین الصلاة علیه إلی حال الدفن بجعل رأسه إلی المغرب ورجله إلی المشرق.

بالنسبة إلی ما بعد الموت، وفیه: أن ظاهر النص اختصاص الحکم بحال الموت، فلا یجب قبله ولا بعده، وإنما الواجب قبله من باب المقدمة العلمیة، فإذا تحقق الموت فلا دلیل ولا مقدمیة.

ثم هل یستحب إبقاؤه علی حال الاستقبال إلی ما بعد الفراغ، أم لا؟ من عدم الدلیل، ولا تسامح فی المقام لوضوح الاستناد فی فتوی الفقیه، ومن أنه یمکن الاستئناس لذلک من خبر سلیمان، ومن إطلاقات کون «خیر المجالس قبلتها»، لکن ذلک لا یصل إلی الدلیل الموجب للقول بالاستحباب.

ثم إنه لا إشکال فی عدم الدلیل علی استحباب الاستقبال فی حال التشییع ونحوه، وکأن مراد الطباطبائی والمصنف غیر مثل هذا الحال، أما حال الغسل فهل یجب الاستقبال أم لا؟ احتمالان: من ظاهر حسنة سلیمان، ومن اشتمالها علی ما لیس بواجب من قوله (علیه السلام): «یحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة» مما یظهر منه الاستحباب حالة الغسل {وبعده فالأولی وضعه بنحو ما یوضع حین الصلاة علیه إلی حال الدفن بجعل رأسه إلی المغرب ورجله إلی المشرق} فی أمثال بلادنا، لخبر یعقوب بن یقطین، عن الرضا (علیه السلام): «فإذا طهر وضع کما یوضع فی قبره»((1))، وإنما قلنا "فی أمثال

ص:198


1- الوسائل: ج2 ص688 الباب5 من أبواب غسل المیت ح2

الثانی: یستحب تلقینه الشهادتین، والإقرار بالأئمة الاثنی عشر (علیهم السلام)،

بلادنا"، لأن المعیار اتجاه القبلة ویختلف ذلک حسب وضع البلد بالنسبة إلی الکعبة.

{الثانی: یستحب تلقینه الشهادتین، والإقرار بالائمة الاثنی عشر علیهم السلام} بلا لإشکال ولا خلاف، والمراد بالتلقین: التفهیم، بحیث یتکلم هو أیضاً، أو یقدر أن یتکلم إذا شاء، فلا یشمل ما إذا کان المیت مغمی علیه، اللهم إلاّ أن یقال: إن الإنسان یشعر فی ذلک الحال بروحه، وإن لم یشعر بجسمه فلا بأس بتلقینه وإن کان لا یشعر ظاهراً، ویدل علی ذلک خبر الحلبی عن الصادق (علیه السلام) قال: «إذا حضرت المیت قبل أن یموت فلقنه شهادة أن لا اله إلاّ الله وحده لا شریک له، وأن محمداً عبده ورسوله»((1)).

وفی الفقیه، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «لقنوا موتاکم لا إله إلاّ الله، فإن من کان آخر کلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»((2)).

وعن البختری، عن الصادق (علیه السلام): «إنکم تلقنون موتاکم عند الموت لا إله إلاّ الله ونحن نلقّن موتانا محمد رسول الله

ص:199


1- الوسائل: ج2 ص663 الباب36 من أبواب الاحتضار ح1
2- الفقیه: ج1 ص78 الباب23 فی غسل المیت ح3

وسائر الاعتقادات الحقّة علی وجه یفهم،

(صلی الله علیه وآله)»((1)). والظاهر: أن مراده (علیه السلام) التأکید فی قول هذه الکلمة أیضاً، وعدم الاقتناع بالتوحید فقط.

وفی خبر أبی بصیر، عن الباقر (علیه السلام) فی قضیة عکرمة عند موته، وکان من الخوارج، وفیه قال (علیه السلام): «فقال إنی لو أدرکت عکرمة قبل أن تقع النفس موقعها لعلّمته کلمات ینتفع بها، ولکنی أدرکته وقد وقعت النفس موقعها» قلت: جعلت فداک وما ذاک؟ قال: «هو والله ما أنتم علیه فلقّنوا موتاکم عند الموت شهادة أن لا إله إلاّ الله والولایة»((2)).

وفی روایة الکافی، قال (علیه السلام): «لقّنه کلمات الفرج والشهادتین وتسمی له الإقرار بالأئمة (علیهم السلام) واحداً بعد واحد، حتی ینقطع عنه الکلام»((3)). وهذا الخبر یدل علی استحباب التکرار أیضاً.

{وسائر الاعتقادات الحقّة} وکأنه لما تقدم فی روایة عکرمة من قوله: هو «والله ما أنتم علیه» فإنه شمل کل الاعتقادات الحقة، والانصراف لو کان فهو بدوی، بالإضافة إلی المناط {علی وجه یفهم} لما تقدم من أنه ظاهر لفظ التلقین.

ص:200


1- الوسائل: ج2 ص663 الباب36 من أبواب الاحتضار ح2
2- المستدرک: ج1 ص91 الباب27 من أبواب تلقین المحتضر ح1
3- الکافی: ج3 ص124 باب تلقین المیت ح6

بل یستحبّ تکرارها إلی أن یموت، ویناسب قراءة العدیلة.

الثالث: تلقینه کلمات الفرج،

{بل یستحبّ تکرارها إلی أن یموت} لخبر الکافی المتقدّم، ولخبر أبی خدیجة، عن الصادق (علیه السلام) قال: «ما من أحد یحضره الموت إلاّ وکلّ به إبلیس من شیاطینه من یأمره بالکفر ویشککه فی دینه حتی یخرج نفسه» إلی أن قال: «فإذا حضرتم موتاکم فلقنوهم شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله (صلی الله علیه وآله) حتی یموتوا»((1)).

{ویناسب قراءة العدیلة} کأنه لم یقل بأنه یستحب لعدم ظفره له بدلیل، وکذلک اعترف الحاج نوری، وصاحب المفاتیح، وقال فی مصباح الهدی: (وأما دعاء العدیلة فهی بهذه العبارة غیر مأثورة، بل هی من تألیف بعض العلماء)((2))، والظاهر أن کل هؤلاء اعتمدوا علی المرحوم النوری (رحمه الله)، لکنّی قد وجدت الدعاء مرویاً عن الإمام الصادق (علیه السلام) فی کتاب (أربعة أیام) للسید الداماد (قدس سره) وذکرته فی کتابی (الدعاء والزیارة) فراجع.

{الثالث: تلقینه کلمات الفرج} لخبر زرارة عن الباقر (علیه السلام) قال: «إذا أدرکت الرجل عند النزع فلقّنه کلمات الفرج: «لا

ص:201


1- الوسائل: ج2 ص663 الباب36 من أبواب الاحتضار ح3
2- مصباح الهدی: ج5 ص359

إله إلا الله الحلیم الکریم، لا إله إلاّ الله العلی العظیم، سبحان الله رب السماوات السبع، ورب الأرضین السبع، وما فیهن وما بینهن، ورب العرش العظیم، والحمد الله رب العالمین»((1)).

وخبر الحلبی، عن الصادق (علیه السلام): «أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) دخل علی رجل من بنی هاشم وهو یقضی، فقال له رسول الله (صلی الله علیه وآله) قل: «لا إله إلاّ الله العلی العظیم، لا إله إلا الله الحلیم الکریم، سبحان الله رب السماوات السبع، ورب الأرضین السبع، وما بینهن وما تحتهن وربّ العرش العظیم، والحمد الله رب العالمین»، فقالها، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): الحمد لله الذی استنقذه من النار»((2)). وفی جملة من الروایات، زیادة أو نقصان، والظاهر التخییر بین الکل، ولعلها سمیت بکلمات الفرج، لأن الله یفرج بها عن المکروب فی الدنیا والآخرة، أما الآخرة فلما تقدم من روایة رسول الله (صلی الله علیه وآله). وأما فی الدنیا فلما روی من أن الإمام (علیه السلام) «علَّمها لمن حکم بجلده فعفی عنه أمیر المدینة بمجرد أن قرأها».

ص:202


1- الوسائل: ج2 ص666 الباب38 من أبواب الاحتضار ح1
2- الوسائل: ج2 ص666 الباب38 من أبواب الاحتضار ح2

وأیضاً هذا الدعاء: «اللهم اغفر لی الکثیر من معاصیک، واقبل منّی الیسیر من طاعتک» وأیضاً: «یا من یقبل الیسیر، ویعفو عن الکثیر، اقبل منّی

{وأیضاً هذا الدعاء: «اللهّم اغفر لی الکثیر من معاصیک، واقبل منی الیسیر من طاعتک»} فعن سالم عن الصادق (علیه السلام) قال: «حضر رجلاً الموت فقیل: یا رسول الله إن فلاناً قد حضره الموت، فنهض رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ومعه أناس من أصحابه حتی أتاه وهو مغمی علیه، قال: فقال: یا ملک الموت کف عن هذا الرجل حتی أسأله، فأفاق الرجل فقال النبی (صلی الله علیه وآله): ما رأیت؟ قال: رأیت بیاضاً کثیراً وسواداً کثیراً، قال: فأیهما کان أقرب إلیک منک؟ فقال: السواد. فقال النبی (صلی الله علیه وآله): قل: "اللهّم اغفر لی الکثیر من معاصیک، واقبل منی الیسیر من طاعتک". فقاله، ثم اغمی علیه، فقال: یا ملک الموت، خفف عنه حتی أسأله، فأفاق الرجل. فقال: ما رأیت؟ قال: رأیت بیاضاً کثیراً، وسواداً کثیراً. قال: فأیهما کان أقرب إلیک، فقال: البیاض، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): غفر الله لصاحبکم». قال: فقال أبو عبد الله (علیه السلام): «إذا حضرتم میتاً فقولوا له هذا الکلام لیقوله»((1)).

{وأیضاً: «یا من یقبل الیسیر، ویعفو عن الکثیر، اقبل منّی

ص:203


1- الکافی: ج3 ص124 باب تلقین المیت ح10

الیسیر، واعف عنی الکثیر، إنّک أنت العفوّ الغفور».

الیسیر، واعف عنّی الکثیر، إنّک أنت العفوّ الغفور»} ففی مرسل الفقیه، عن الصادق (علیه السلام) قال: «اعتقل لسان رجل من أهل المدینة علی عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی مرضه الذی مات فیه، فدخل علیه رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقال قل: «لا إله إلا الله»، فلم یقدر علیه، فأعاد علیه رسول الله (صلی الله علیه وآله) فلم یقدر علیه، وعند رأس الرجل امرأة، فقال لها: هل لهذا الرجل أم؟ فقالت: نعم یا رسول الله أنا أمه. فقال لها: أفراضیة أنت عنه أم لا؟ فقالت: لا، بل ساخطة. فقال لها رسول الله (صلی الله علیه وآله): فإنی أحب أن ترضی عنه»، فقالت: قد رضیت عنه لرضاک یا رسول الله، فقال له: قل: «لا إله إلا الله»، فقال: «لا لاله إلا الله»، فقال له قل: «یا من یقبل الیسیر ویعفو عن الکثیر، اقبل منی الیسیر واعف عن الکثیر، إنک أنت العفو الغفور»، فقالها، فقال له: ماذا تری؟ فقال: أری أسودین قد دخلا علّی، قال: أعدها، فأعادها، فقال: ماذا تری؟ فقال: قد تباعدا عنی، ودخل أبیضان، وخرج الأسودان، فما أراهما، ودنا الأبیضان منی الآن، یأخذان بنفسی، فمات من ساعته»((1)).

أقول: لعل الأسودین کانا ملکی العذاب، والأبیضین کانا ملکی الرحمة، ویظهر من هذا الحدیث استحباب التکرار وعلاج الأمر، کما

ص:204


1- الفقیه: ج1 ص78 الباب23 فی غسل المیت ح5

یدل علیه أیضاً ما رواه جابر، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «کان غلام من الیهود یأتی النبی (صلی الله علیه وآله) کثیراً حتی استخفه، وربما أرسله فی حاجة، وربما کتب له الکتاب إلی قوم، فافتقده أیاماً، فسأل عنه، فقال له قائل: ترکته فی آخر یوم من أیام الدنیا، فأتاه النبی (صلی الله علیه وآله) فی ناس من أصحابه وکان (صلی الله علیه وآله) برکة، لا یکاد یکلم أحداً فی حاجة إلا أجابه، فقال: یا فلان، ففتح عینیه، وقال: لبیک یا أبا القاسم، قال: اشهد أن لا إله إلاّ الله وأنی رسول الله، فنظر الغلام إلی أبیه فلم یقل له شیئاً، ثم ناداه رسول الله (صلی الله علیه وآله) الثانیة، وقال له مثل قوله الأول، فالتفت الغلام إلی أبیه فلم یقل له شیئاً، ثم ناداه رسول الله (صلی الله علیه وآله) الثالثة فالتفت الغلام إلی أبیه، فقال أبوه: إن شئت فقل، وإن شئت فلا، فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّک محمد رسول الله، ومات مکانه، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله) لأبیه أخرج عنّا، ثم قال لأصحابه: اغسلوه وکفّنوه وأتونی به أصلی علیه، ثم خرج وهو یقول: الحمد لله الذی أنجی بی الیوم نسمة من النار»((1)).

ومنه یظهر استحباب زیارة الکافر إذا کان فیه رجاء الخیر، بل لا یبعد الاستحباب إذا کانت مصلحة فی ذلک، فعن الجعفریات

ص:205


1- أمالی الصدوق: ص324 ح10

وأیضاً: «اللهم ارحمنی فإنّک رحیم» .

«عن علی (علیه السلام): أن النبی (صلی الله علیه وآله) عاد یهودیاً فی مرضه»((1)).

وعلیه: فیجوز بل یستحب زیارة المخالف، وأولی منه المؤمن الفاسق، وإن کان فی جملة من الروایات النهی عن عیادة شارب الخمر، فعن الصادق (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): شارب الخمر إن مرض فلا تعودوه، وإن مات فلا تحضروه، وإن شهد فلا تزکوه، وإن خطب فلا تزّوجوه، وإن سألکم أمانة فلا تأمنوه»((2)).

والظاهر کراهته، إلاّ إذا کانت هناک مصلحة، وإن کان المصنف لم یستثنه _ کما تقدم _ ویظهر من السید البروجردی فی (جامع الأحادیث) التردد فیه، حیث عنون الباب (بتأکد استحباب عیادة المریض المسلم ... وحکم عیادة شارب الخمر)((3)).

{وأیضاً: «اللهّم ارحمنی فإنک رحیم»}((4))، فعن الراوندی فی

ص:206


1- الجعفریات: ص159 س 8
2- الوسائل: ج17 ص248 الباب11 من أبواب الأشربة المحرمة ح4
3- جامع أحادیث الشیعة: ج3 ص103 الباب6 من أبواب عیادة المریض
4- البحار: ج78 ص241 الباب5 فی آداب الاحتضار ح26

الرابع: نقله إلی مصلاه إذا عسر علیه النزع، بشرط أن لا یوجب أذاه.

دعواته أن زین العابدین لم یزل یردد ذلک حتی توفی (صلوات الله علیه).

{الرابع: نقله إلی مصلاّه إذا عسر علیه النزع، بشرط أن لا یوجب أذاه}، ففی خبر حریز المروی فی الکافی: «إذا اشتدت علیه النزع فضعه فی مصلاه الذی کان یصلی فیه أو علیه»((1)).

ومنه: یظهر المراد من صحیح ابن سنان، عن الصادق (علیه السلام) قال: «إذا عسر علی المیت موته ونزعه، قرّب إلی مصلاه الذی کان یصلی فیه»((2)).

فإن المراد بالقرب منه: حمله إلیه، مثل ﴿لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتیمِ﴾((3)) ونحوه.

وفی خبر لیث المرادی المروی عنه (علیه السلام) قال: «إن أبا سعید الخدری قد رزقه الله هذا الرأی، وأنه اشتد نزعه، فقال احملونی إلی مصلای، فحملوه، فلم یلبث أن هلک»((4)).

ص:207


1- الکافی: ج3 ص126 باب إذا عسر علی المیت ... ح3
2- الوسائل: ج2 ص669 الباب40 من أبواب الاحتضار ح1
3- سورة الأنعام: الآیة 152
4- الوسائل: ج2 ص669 الباب 40 من أبواب الاحتضار ح4

أقول: "هلک" أی مات، قال تعالی فی یوسف (علیه السلام): ﴿حَتَّی إِذا هَلَکَ﴾((1))، وقال تعالی: ﴿کُلُّ شَیْA��ءٍ هالِکٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾((2)).

ثم إنه یستفاد من الخبر الأول، أن النقل إلی المکان "المصلی"، والوضع علی الحصیر الذی کان یصلی علیه أو غیر الحصیر، کلاهما مما یوجب التخفیف، ولا وجه لحمل "أو" علی التردید من الراوی، ثم الظاهر کون الاستحباب مطلقاً حتی لمن لم یعسر علیه النزع، کما ذکره علی الإطلاق غیر واحد من الفقهاء، واستدل له الشیخ المرتضی (رحمه الله) بما رواه حریز، قال: کنا عند أبی عبد الله (علیه السلام) فقال له رجل: إن أخی منذ ثلاثة أیام فی النزع وقد اشتد علیه الأمر فادع له، فقال (علیه السلام): «اللّهم سهّل علی سکرات الموت». ثم أمره وقال: «حولوا فراشه إلی مصلاه الذی کان یصلی فیه، فإنه یخفف علیه إن کان فی أجله تأخیر، وإن کانت منیته قد حضرت فإنه یسهل علیه إن شاء الله تعالی»((3)).

فإن: الظاهر من التعلیل استحباب النقل مطلقاً، ولا بأس بذلک رجاءً وإن أشکل علیه فی الحدائق قائلاً: (إن الأخبار لا تدل

ص:208


1- سورة غافر: الآیة 34
2- سورة القصص: الآیة 88
3- الوسائل: ج2 ص670 الباب40 من أبواب الاحتضار ح6

الخامس: قراءة سورة یس والصافات لتعجیل راحته،

علی الإطلاق)((1))، وأیده بعض من تأخر عنه بما دلّ علی أن الأولی إبقاء المحتضر علی حاله، وعدم التعرض له بمسّه قبل خروج روحه، فضلاً عن نقله عن مکانه.

أقول: لا منافاة لإمکان النقل بدون أیة صعوبة له إطلاقاً، جمعاً بین الدلیلین، وکأنه لذا اشترط المصنف بأن لا یوجب النقل أذاه، ففی خبر زرارة: ثقل ابن لجعفر (علیه السلام) وأبو جعفر (علیه السلام) جالس فی ناحیة، فکان إذا دنی منه إنسان قال: «لا تمسه، فإنه إنما یزداد ضعفاً، وأضعف ما یکون فی هذه الحال، ومن مسه علی هذه الحال أعان علیه، فلما قضی الغلام أمر به فغمض عیناه وشد لحیاه»((2)).

وفی خبر یرویه البحار: «إن فاطمة الزهراء (علیها السلام) جاءت إلی مکانها الذی کانت تصلی فیه ونامت هناک وفارقت روحها الدنیا»((3)).

{الخامس: قراءة سورة یس، والصّافات، لتعجیل راحته} لما عن النبی (صلی الله علیه وآله): «أیما مسلم قرئ عنده إذا نزل به

ص:209


1- الحدائق: ج3 ص368 باب آداب الاحتضار
2- الوسائل: ج2 ص672 الباب44 من أبواب الاحتضار ح1
3- البحار: ج78 ص246 الباب5 فی آداب الاحتضار ح31

ملک الموت سورة یس، نزل بکل حرف منها، عشرة أملاک یقومون بین یدیه صفوفاً یصلّون علیه، ویستغفرون له، ویشهدون غسله، ویتبعون جنازته، ویصلون علیه، ویشهدون دفنه»((1)).

وفی روایة أخری عنه (صلی الله علیه وآله): «أیما مریض قرأها وهو فی سکرات الموت، أو قرئت عنده جاءه رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة فسقاه إیاه، وهو علی فراشه فیشرب فیموت ریان، ویبعث ریان، ولا یحتاج إلی حوض من حیاض الأنبیاء»((2)).

وورد بالنسبة إلی الصافات: عن سلیمان، عن الکاظم (علیه السلام) قال لابنه القاسم: قم یا بنی فاقرأ عند رأس أخیک ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾((3)) حتی تستتمها، فقرأ فلما بلغ ﴿أَهُم أشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا﴾((4)) قضی الفتی، فلمّا سجّی وخرجوا، أقبل علیه یعقوب بن جعفر، فقال له: کنا نعهد المیت إذا نزل به الموت یقرء عنده یس والقرآن الحکیم فصرت تأمرنا بالصافات؟ فقال: «یا بنی لم تقرأ عند مکروب من موت قط إلاّ عجل الله راحته»((5)).

ص:210


1- کما فی کشف اللثام: ج1 ص107 س1، وفی مجمع البیان: ج5 من الجزء23 ص3. وتفسیر البرهان: ج4 ص3 ح4
2- المستدرک: ج1 ص304 الباب41 من أبواب قراءة القرآن
3- سورة الصافات: الآیة 1
4- سورة الصافات: الآیة 11
5- الوسائل: ج2 ص670 الباب41 من أبواب الاحتضار ح1

وکذا آیة الکرسی إلی ﴿هُمْ فِیها خالِدُونَ﴾، وآیة السخرة وهی ﴿إِنَّ رَبَّکُمُ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ﴾ إلی آخر الآیة، وثلاث آیات من آخر سورة البقرة: ﴿لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وما فِی الْأَرْضِ﴾ إلی آخر السورة، ویقرأ سورة الأحزاب،

وعن فضة أن فاطمة (علیها السلام) قالت لعلی (علیه السلام) عند وفاتها: فإذا أنت قرأت یس فاعلم أنی قد قضیت نحبی»((1)).

والظاهر: استحباب قراءة المیت لهما فی یس نصاً، وفی الصافات مناطاً، کما أن الظاهر استحباب قراءة بعضهما، ولعل الأفضل إتمامهما ولو بعد الموت.

{وکذا آیة الکرسی، إلی ﴿هُمْ فیها خالِدُونَ﴾((2))، وآیة السخرة وهی: ﴿إِنَّ رَبَّکُمُ اللَّهُ الَّذی خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾((3)). إلی آخر الآیة، وثلاث آیات من آخر سورة البقرة: ﴿لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ﴾((4))، إلی آخر السورة، ویقرأ سورة الأحزاب} ویدل علی الجمیع ما عن دعوات الراوندی: روی أنه یقرأ

ص:211


1- المستدرک: ج1 ص93 الباب31 من أبواب الاحتضار ح3
2- سورة البقرة: الآیة 257
3- سورة الأعراف: الآیة 54
4- سورة البقرة: الآیة 284

بل مطلق قراءة القرآن.

عند المریض والمیت، آیة الکرسی، ویقول: «اللهم أخرجه إلی رضی منک ورضوان، اللهم اغفر له ذنبه جل ثناء وجهک»((1)). ثم ذکر الراوندی بقیة الأشیاء المذکورة فی المتن.

وفی کشف اللثام، وفیه: «إنه یقرأ عند النازع آیة الکرسی، وآیتان بعدها، ثم آیة السخرة: (إن ربکم الله الذی خلق السماوات والأرض) ثم ثلاث آیات من آخر البقرة: (لله ما فی السماوات وما فی الأرض) إلی آخرها، ثم تقرأ سورة الأحزاب»((2)).

وعن الدعائم، عن الصادق (علیه السلام): «یستحب لمن حضر المنازع أن یقرأ عنده آیة الکرسی وآیتین بعدها، ویقول: إن ربکم الله الذی خلق السماوات والأرض فی ستة أیام. إلی آخر الآیة. ثم ثلاث آیات من آخر البقرة، ثم یقول: اللهم أخرجها منه إلی رضاً منک ورضوان، اللهم لقّه البشری، اللهم اغفر له ذنبه وارحمه»((3)).

{بل مطلق قراءة القرآن} للرضوی: «إذا حضر أحدهم الوفاة فأحضروا عنده بالقرآن، وذکر الله والصلاة علی رسول الله (صلی الله

ص:212


1- البحار: ج78 ص241 الباب5 فی آداب الاحتضار وأحکامه ح26
2- کشف اللثام: ج1 ص106 المقصد التاسع فی غسل الأموات س39
3- ) دعائم الإسلام: ج1 ص219

علیه وآله)»((1)).

وعن مصباح الکفعمی: (وینبغی إذا حضره الموت أن یقرأ عنده القرآن»((2))، وکفی بذلک دلیلاً، بعد فتوی أعاظم الفقهاء بذلک.

ثم إنّ الروایات الواردة فی أبواب المستحبّات، إنما حملت علی الاستحباب مع ظهور الأمر فی الوجوب، إمّا لضعف السّند، أو بقرینة فهم المشهور، أو قرائن داخلیة.

ص:213


1- فقه الرضا: ص20 باب غسل المیت والصلاة علیه س2
2- مصباح الکفعمی: ص8 س8

ص:214

فصل فی المستحبات بعد الموت

فصل

فی المستحبّات بعد الموت، وهی أمور:

الأول: تغمیض عینیه وتطبیق فمه.

الثانی: شدّ فکّیه.

{فصل}

{فی المستحبّات بعد الموت، وهی أمور}:

{الأول: تغمیض عینیه وتطبیق فمه} ولو بدون الشدّ.

{الثانی: شدّ فکیه}. ویدلّ علیهما، بعد ذکر الفقهاء لهما روایة أبی کهمش: «حضرت عند موت إسماعیل، وأبو عبد الله جالس عنده، فلمّا حضره الموت شد لحییه وغمضه وغطی علیه الملحفة»((1)).

ص:215


1- الوسائل: ج2 ص672 الباب44 من أبواب الاحتضار ح3

الثالث: مدّ یدیه إلی جنبیه.

الرابع: مدّ رجلیه.

الخامس: تغطیته بثوب.

وفی الإرشاد: قول الحسن (علیه السلام) لأخیه الحسین (علیه السلام): «فإذا قضیت فغمّضنی وغسّلنی»((1)).

وفی موثقة زرارة المتقدمة: «فلما قضی الغلام أمر به فغمض عیناه وشد لحیاه»((2)).

وهل هذا الاستحباب خاص بما بعد الموت، کما هو ظاهر عباراتهم، أو یستحبّ مطلقاً ولو قبل الموت، ربّما یقال به، لإطلاق خبر أبی کهمش، ولا بأس به.

{الثالث: مدّ یدیه إلی جنبیه} إن لم تکونا کذلک.

{الرابع: مدّ رجلیه} کذلک، وکلاهما للتسامح فی أدلة السنن بعد فتوی الأصحاب، بل فی الجواهر بلا خلاف أجده، بل نسبه جماعة إلی الأصحاب مشعرین بدعوی الإجماع علیه.

{الخامس: تغطیته بثوب} بلا إشکال، ولا خلاف، بل

ص:216


1- الإرشاد: ص192 فصل فی أخبار وفاة الإمام الحسن (علیه السلام) س20
2- الوسائل: ج2 ص672 الباب44 من أبواب الاحتضار ح1

السادس: الإسراج فی المکان الذی مات فیه إن مات فی اللّیل.

ظاهرهم الإجماع علیه، لخبر أبی کهمش: «وغطی علیه الملحفة»((1))، وسلیمان: «إذا مات لأحدکم میت، فسجوه تجاه القبلة»((2))، والجعفری: «فلما سجّی وخرجوا»((3))، ولما ورد فی تسجیة النبی (صلی الله علیه وآله) والظاهر تغطیة جمیع بدنه وإن کان فیه لباس، لا وجهه ویده فقط، ثم إن لم یمکن الثوب فبأی شیء، کما سجی رسول الله (صلی الله علیه وآله) رجل حمزة بالحشیش.

{السّادس: الإسراج فی المکان الذی مات فیه إن مات فی اللیل} والأصل فیه: خبر سهل المروی فی الکافی: إنه لما قبض أبو جعفر (علیه السلام) أمر أبو عبد الله (علیه السلام) بالسراج فی البیت الذی کان یسکنه حتی قبض أبو عبد الله (علیه السلام) ثم أمر أبو الحسن (علیه السلام) بمثل ذلک فی بیت أبی عبد الله (علیه السلام) حتی أخرج إلی العراق، ثم لا أدری ما کان»((4))، وظاهر هذا الخبر استحباب الإسراج فی بیت المیت، سواء مات فیه أو

ص:217


1- الوسائل: ج2 ص672 الباب44 من أبواب الاحتضار ح3
2- الوسائل: ج2 ص661 الباب35 من أبواب الاحتضار ح2
3- الکافی: ج3 ص126 باب إذا عسر علی المیت الموت ح5
4- الکافی: ج3 ص251 باب النوادر ح5

السابع: إعلام المؤمنین لیحضروا جنازته.

غیره، مات لیلاً أو نهاراً، کان بیتاً أو کان کوخاً أو غیرهما، والظاهر العمل بالخبر، فالتقیید بمات فی اللیل، کما فی عبائر غیر واحد من الأصحاب غیر محتاج إلیه، وهل یستحب الإسراج علی قبره؟ احتمالان: من الاستئناس له بهذه الروایة، ومن أنه لا دلیل علیه.

{السّابع: إعلام المؤمنین لیحضروا جنازته} لصحیح ابن سنان، عن الصادق (علیه السلام) قال: «ینبغی لأولیاء المیت منکم أن یؤذنوا إخوان المیت بموته، فیشهدون جنازته، ویصلون علیه، ویستغفرون له، فیکتب لهم الأجر، ویکتب للمیت الاستغفار، ویکتسب هو الأجر فیهم، وفیما اکتسب له من الاستغفار»((1))، والمراد بالأیذان أو الإعلام، بأی وجه اتفق من نداء وإخبار ونشر فی الصحف والإذاعة، وغیر ذلک، کما أن المراد بالإخوان مطلقاً: المؤمنین، وهل یشمل الطفل المیت، وإیذان الطفل؟ احتمالان: کما أنه فی المیت المرأة هل یستحب إعلام نسائها لحضور دار المیتة وغسلها؟ احتمالان:

نعم: لا اشکال فی إعلام الرجال لموت المرأة.

وکیف کان، فما عن الجعفی من کراهة النعی إن أراد به الإیذان، ففیه: إن الصحیح حجة علیه، وإن أراد ذکر محامد المیت المکذوبة، فلا بأس به، لکنه حرام لا مکروه، اللهم: إلا إذا أراد

ص:218


1- الوسائل: ج2 ص762 الباب1 من أبواب صلاة الجنازة ح1

الثامن: التعجیل فی دفنه فلا ینتظرون اللیل إن مات فی النهار، ولا النهار إن مات فی اللیل،

بالکراهة معناها اللغوی، ثم إن هناک روایات أخر تدل علی استحباب الإیذان، مثل صحیح ذریح عن الجنازة یؤذن بها النّاس؟ قال: «نعم»((1)).

وروایة القاسم: «إن الجنازة یؤذن بها النّاس»((2)).

{الثامن: التعجیل فی دفنه فلا ینتظرون اللّیل إن مات فی النهار، ولا النهار ان مات فی اللّیل} بلا إشکال ولا خلاف، وفی الجواهر إجماعاً محصلاً ومنقولاً مستفیضاً، وذلک لجملة من الروایات، کخبر جابر عن الباقر (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «یا معشر الناس لا ألقین [ألفین] رجلاً مات له میت لیلاً فانتظر به الصبح، ولا رجلاً مات له میت نهاراً فانتظر به اللیل، لا تنتظروا بموتاکم طلوع الشمس، ولا غروبها، عجلّوا بهم إلی مضاجعهم، یرحمکم الله»((3)). قال الناس: وأنت یا رسول الله یرحمک الله.

وخبر العیص، عن الصّادق (علیه السلام) عنه قال: «إذا مات

ص:219


1- الوسائل: ج2 ص762 الباب1 من أبواب صلاة الجنازة ح3
2- الوسائل: ج2 ص763 الباب1 من أبواب صلاة الجنازة ح4
3- الوسائل: ج2 ص675 الباب47 من أبواب صلاة الاحتضار ح1

المیت، فخذ فی جهازه وعجّله»((1)).

وعن الصّدوق، عن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «کرامة المیت تعجیله»((2)).

وخبر السکونی، عن الصادق (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «إذا مات المیت أوّل النّهار، فلا یقیل إلاّ فی قبره»((3))، أی لیکن وقت القیلولة فی قبره.

وفی خبر جابر، عن الباقر (علیه السلام): إذا حضرت الصّلاة علی الجنازة فی وقت مکتوبة، فبأیهما ابدأ؟ فقال: «عجل المیت إلی قبره إلاّ أن تخاف أن یفوت وقت الفریضة»((4)).

وظاهر هذه الأخبار استحباب التعجیل مطلقاً، لا عدم التأخیر من النهار إلی اللیل، أو العکس فقط، اللهم: إلاّ إذا کان هناک وجه للتأخیر، کما لو کان فیه تنفیذ الوصیة، أو ما أشبه ذلک، کما أخروا دفن جنازة رسول الله (صلی الله علیه وآله) وجنازة الزّهراء وجنازة علی (علیه السلام)، ولعل کراهة التأخیر خاصة بغیر المعصوم، حیث

ص:220


1- الوسائل: ج2 ص676 الباب47 من أبواب الاحتضار ح6
2- الفقیه: ج1 ص85 الباب23 فی غسل المیت ح43
3- الوسائل: ج2 ص676 الباب47 من أبواب الاحتضار ح5
4- الوسائل: ج2 ص675 الباب47 من أبواب الاحتضار ح4

إلاّ إذا شکّ فی موته فینتظر حتّی الیقین،

أن من أسباب التعجیل عدم تعفن المیت، والمعصوم منزه عن ذلک.

{إلاّ إذا شک فی موته فینتظر حتی الیقین} وجوباً لاستصحاب الحیاة، فلا یجوز الدّفن، ولجملة من الأخبار:

ففی الکافی، عن علی بن حمزة قال: أصاب الناس بمکة سنة من السنین صواعق کثیرة، مات من ذلک خلق کثیر، فدخلت علی أبی إبراهیم (علیه السلام) فقال مبتدئاً من غیر أن أسأله: «ینبغی للغریق، والمصعوق أن یتربص به ثلاثاً لا یدفن، إلا أن یجیء منه ریح تدل علی موته». فقلت: جعلت فداک کأنّک تخبرنی أنه قد دفن ناس کثیر أحیاء؟ فقال: «نعم یا علی، قد دفن ناس کثیر أحیاء، ما ماتوا إلا فی قبورهم»((1)).

وخبر إسحاق بن عمّار، قال: سألت الصّادق (علیه السلام) عن الغریق أیغسل؟ قال: «نعم ویستبرأ». قلت وکیف یستبرأ؟ قال: «یترک ثلاثة أیام قبل أن یدفن، إلاّ أن یتغیر قبل، فیغسل ویدفن، وکذلک أیضاً صاحب الصاعقة، فإنّه ربما ظنوا أنه مات ولم یمت»((2))، إلی غیرها من الأخبار.

ثم: إن "الثلاثة أیام" المذکورة فی النص، إنما هو من باب

ص:221


1- الکافی: ج3 ص210 باب الغریق والمصعوق ح6
2- الوسائل: ج2 ص677 الباب48 من أبواب الاحتضار ح3

وإن کانت حاملاً مع حیاة ولدها فإلی أن یشقّ جنبها الأیسر لإخراجه ثم خیاطته.

حصول الیقین غالباً بذلک، وإلا فلا تحدید للأمر فی طرف القلة، ولا فی طرف الکثرة، اللهم: إلاّ إذا تعفّن، فإنّه شرعاً وطباً علامة یقینیة، کما أنه لا خصوصیة لمن ذکر فی النص، بل کل مشتبه به.

أما العلامات التی ذکرها الأطباء للموت، فهی غالبیة لا دائمیة، فاللازم فی موت الفجأة الذی کثر فی هذه الأیام، الدقة الکاملة، حتی لا یدفن حیّاً، وفی جملة من بلاد العالم جمعیات خیریة لفحص الأموات قبل دفنهم، فقد ثبت بالإحصاء أن اثنین فی الملئة ممن یقبرون هم أحیاء وماتوا فی قبورهم، وقد حدث فی زماننا أن عادت الحیاة الظاهرة إلی میت حکم الأطباء بموته، بعد أن وضع فی البراد؛ وإلی میت آخر فی المغتسل، وإلی میت ثالث حال إنزاله القبر، وکلهم عاشوا بعد ذلک سنوات، ثم لو وجد المیت قد عادت إلیه الحیاة بعد أن دفن ثم مات، کما وجد فی زماننا فی بعض السرادیب، فاللازم إعادة الغسل، وسائر المراسم إن أمکن، وذلک للعمومات والإطلاقات، ثم الظاهر أن لا عبرة بیقین الولی وحده إذا لم یتیقن العرف العقلاء بالموت، أما العکس، فلا یحق للولی أن یدفن إذا لم یتیقن بالموت، لأنه عنده من الإعانة علی قتل محتمل.

{وإن کانت حاملاً مع حیاة ولدها فإلی أن یشق جنبها الأیسر لإخراجه ثم خیاطته} کما یأتی تفصیله فی المسألة الخامسة عشرة من

ص:222

مسائل الدفن، إن شاء الله تعالی، کما أنه لو کان جنیناً میتاً، فإلی أن یخرج من بطن أمه، وهل یستحب تأخیر الدفن لجمع قطعه المقطعة معاً، أم یعجل دفن أیة قطعة موجودة؟ احتمالان: من إطلاق النص فی التعجیل، ومن الانصراف.

ص:223

ص:224

فصل فی المکروهات

فصل

فی المکروهات

وهی أمور:

الأوّل: أن یمسّ فی حال النزع فإنه یوجب أذاه.

{فصل}

{فی المکروهات وهی أمور} ثمانیة:

{الأول: أن یمسّ فی حال النزع فإنه یوجب أذاه} فی الجملة ومثله مکروه.

نعم لو کان المس بحیث یوجب أذی کثیراً حرم، لموثقة زرارة عن الباقر (علیه السلام) وفیها: «لا تمسه فإنه إنّما یزداد ضعفاً،

ص:225

الثانی: تثقیل بطنه بحدید أو غیره.

وأضعف ما یکون فی هذه الحال، ومن مسّه علی هذه الحال أعان علیه»((1)).

والرضوی: «وإذا اشتدت علیه نزع روحه فحوّله إلی المصلی الذی کان یصلی فیه أو علیه، وإیاک أن تمسّه، وإن وجدته یحرّک یدیه أو رجلیه أو رأسه، فلا تمنعه من ذلک کما یفعل جهّال النّاس»((2)).

ثم إنه یدل علی عدم التحریم مجیء الحسنین (علیهما السلام) إلی صدر رسول الله (صلی الله علیه وآله) حال احتضاره، وکذلک ضم الإمام الحسین (علیه السلام) لابن الإمام الحسن (علیه السلام) حال کونه فی المقتل.

{الثانی: تثقیل بطنه بحدید أو غیره} کما هو المشهور، بل عن الخلاف الإجماع علیه، خلافاً لابن الجنید، حیث استحب وضع شی ء علی بطنه، لیمنع انتفاخه.

وعن الروض، وجامع المقاصد: إجماع الأصحاب علی خلافه، والظاهر منهم کراهة التثقیل، سواء فی حال الاحتضار، أو بعد الموت، ویدل علی الحکم بالإضافة إلی الإجماع، أنه نوع من الإذی فی

 

ص:226


1- الوسائل: ج2 ص671 الباب42 من أبواب الاحتضار ح2
2- الوسائل: ج2 ص671 الباب42 من أبواب الاحتضار ح1

الثالث: إبقاؤه وحده، فإنّ الشیطان یعبث فی جوفه.

حال الاحتضار، فیشمله الدلیل السابق فی الأول، وبعد الموت نوع من الإهانة، فیشمله قوله (علیه السلام): «حرمة المسلم میتاً کحرمته وهو حی سواء»((1)).

هذا بالإضافة إلی التسامح الذی لا یعارضه تسامح فتوی ابن الجنید، لعدم شمول دلیل التسامح لمثل هذه الفتوی المخالفة مع الإجماع.

{الثّالث: إبقاؤه وحده، فإن الشیطان یعبث فی جوفه} لخبر أبی خدیجة عن الصادق (علیه السلام) قال: «لا تدعن میتک وحده، فإن الشیطان یعبث فی جوفه»((2)).

وفی خبر آخر، عنه (علیه السلام) قال: «لیس من میت یموت ویترک وحده، إلاّ لعب الشیطان فی جوفه»((3)).

أقول: لا فرق فی ذلک بین ترکه وحده لیلاً أو نهاراً، ومن غیر المستغرب ذلک المذکور فی النص، فقد ثبت فی علم الأرواح الحدیث أن الأرواح الشریرة تعبث بالأموات، والعبث بهم یکره، من جهة إخافة الناس المجاورین للمیت، ومن جهة أنه إهانة

ص:227


1- الوسائل: ج2 ص672 الباب44 من أبواب الاحتضار ح1
2- فقه الرضا: ص17 فی غسل المیت وتکفینه س9
3- الوسائل: ج2 ص875 الباب51 من أبواب الدفن ح1

الرابع: حضور الجنب والحائض عنده، حالة الاحتضار.

للمیت، ولعله یسبب أذی الموجودین فی ذاک البیت، کما قال تعالی: ﴿إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا﴾((1)).

{الرّابع: حضور الجنب والحائض عنده، حالة الاحتضار} کما هو المشهور، بل عن المعتبر أن الکراهة قول أهل العلم، فعن یونس بن یعقوب، عن الصادق (علیه السلام) قال: «لا تحضر الحائض المیت، ولا الجنب عند التلقین، ولا بأس أن یلیا غسله»((2)).

وخبر علی بن أبی حمزة قال: قلت لأبی الحسن (علیه السلام): امرأة تقعد عند رأس المریض وهی حائض، فی حدّ الموت فقال: «لا بأس أن تمرَّضه، فإذا خافوا علیه وقرب ذلک فلتنح عنه وعن قربه، فإن الملائکة تتأذی بذلک»((3)).

وعن الجعفریات، عن علی (علیه السلام) قال: «إذا احتضر المیت فما کان من امرأة حائض أو جنب فلیقم، لموضع الملائکة»((4)). إلی غیرها من الروایات، والظاهر أن المراد بالحائض،

ص:228


1- سورة الأعراف: الآیة 201
2- الوسائل: ج2 ص671 الباب43 من أبواب الاحتضار ح2
3- الوسائل: ج2 ص671 الباب43 من أبواب الاحتضار ح1
4- الجعفریات: ص204 س 8

الخامس: التکلم الزائد عنده.

السادس: البکاء عنده.

السابع: أن یحضره عملة الموتی.

من هی محکومة بالحیضیة، لا ما إذا طهرت ولم تغتسل بعد، وإن کان ینبغی اجتنابها أیضاً، کما أن فی لحوق المستحاضة بدون الأعمال بهما وجه، والظاهر أنه إذا تیمم الجنب، فیمن لا یجد الماء، ارتفعت الکراهة، والنفساء ملحقة بالحائض، لإطلاقات أدلة الإلحاق المتقدمة، وهل یشرع التیمم للحضور إذا لم یتمکن من الماء الآن، وإن لم یکن تکلیفه التیمم للصلاة؟ احتمالان: والظاهر کراهة الإجناب حال الاحتضار أیضاً، للمناط ولأنه بعد الدخول ونحوه جنب فیشمله الدلیل.

أما بعد أن مات، فهل یکره حضورهما؟ الظاهر لا، لقوله (علیه لاسلام): «ولا بأس أن یلیا غسله».

{الخامس: التکلّم الزائد عنده} ولعلّه لمناط الکراهة فی التکلم فی المقابر، والقید ب_ "زائداً"، لاستثناء التکلّم الضّروری.

{السادس: البکاء عنده} ولعله لأنه إیذاء للمحتضر، فیشمله ما دلّ علی کراهة ما یضق خلقه، کما تقدم فی الأمر الثامن من فصل عیادة المریض.

{السابع: أن یحضره عملة الموتی} لما ذکر فی السّادس.

ص:229

الثامن: أن یخلّی عنده النساء وحدهن خوفاً من صراخهن عنده.

{الثامن: أن یخلی عنده النساء وحدهن خوفاً من صراخهن عنده} الموجب لأذاه، وقد ذکر هذه الأمور کاشف الغطاء، ولعلّه وجد لها أدلة خاصة، وإلا فإطلاق الکراهة الشرعیة بهذه العناوین مما لم نجده، کما اعترف به غیر واحد، والله سبحانه العالم.

ص:230

فصل لا یحرم کراهة الموت

فصل

لا یحرم کراهة الموت

{فصل}

{لا یحرم کراهة الموت}

بلا إشکال ولا خلاف، بل لو کان حراماً لم یکرهه المؤمنون، کما ورد فی الدعاء: «اللهم إن الصادق الأمین (علیه السلام) قال: إنک قلت: ما ترددت فی شیء أنا فاعله کتردی فی قبض روح عبدی المؤمن، یکره الموت، وأکره مساءته»((1))، إلی آخره.

أقول: المراد من تردده سبحانه غایة التردد، کما قالوا: فی الله سبحانه «خذ الغایات واترک المبادئ» کما یقال: مثله فی غضبه ورضاه وضحکه، وغیر ذلک، فالمراد بالتردد ملاحظة الترجیحات

ص:231


1- المستدرک: ج1 ص344 الباب22 مما یستحب أن یدعی به ح11

من بقائه وقبضه، کما یلاحظها الإنسان المتردد، وقد ورد فی الحدیث: «إن إبراهیم (علیه السلام) لما أتاه ملک الموت لقبض روحه کره ذلک»((1))، وکذلک لما أتی آدم (علیه السلام)((2))، کذلک موسی (علیه السلام)((3))، وقد روی عن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه قال: «من أحبّ لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن کره لقاء الله، کره الله لقاءه». قیل یا رسول الله: إنا لنکره الموت؟ فقال (صلی الله علیه وآله): لیس ذاک ولکن المؤمن إذا حضره الموت، بشر برضوان الله وکرامته، فلیس شیء أحب إلیه مما أمامه، فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه».

ثم إن کراهة الأنبیاء للموت، إمّا بمعنی استیحاشهم عنه، لأنه طریق لم یسلکوه، کما هو مقتضی طبیعة البشر، حتی إنه إذا لم یستوحشوا کان خلاف الطبیعة، ومن المعلوم لزوم أن یکون الأنبیاء کسائر البشر فی جمیع أمورهم، إلاّ العصمة وما أشبه: ﴿قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحیإِلَیَّ﴾((4)). ولذا قال الإمام الحسن علیه السلام: «إنه یبکی لهول المطلع».

ص:232


1- البحار: ج12 ص79 الباب4 فی أحوال النبی إبراهیم (علیه السلام) ح8
2- البحار: ج11 ص258 الباب 8 فی عمر آدم ووفاته ح1
3- البحار: ج13 ص365 الباب12 فی وفاة موسی وهارون (علیهما السلام) ح8
4- سورة الکهف: الآیة 110

نعم یستحبّ عند ظهور أماراته أن یحبّ لقاء الله تعالی، ویکره تمنّی الموت ولو کان فی شدّة وبلیّة، بل ینبغی أن یقول: «اللهم أحینی ما کانت الحیاة خیراً لی، وتوفنی إذا کانت الوفاة خیراً لی»

وإمّا لأجل رعبهم من الحضور فی محضر الله تعالی، مهما کانوا طائعین، فإن الحضور فی محضر الکبراء یوجب الرعب والخوف.

{نعم یستحبّ عند ظهور أماراته أن یحبّ لقاء الله تعالی} کما تقدم فی الحدیث المروی عن النبی (صلی الله علیه وآله)، ولأنه داخل فی عموم ما دلّ علی استحباب أن یحب الإنسان ما أحبه الله تعالی، قال تعالی: ﴿مَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾((1))، وقال سبحانه: ﴿إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّکُمْ أَوْلِیاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾((2)) فإن التمنی فرع الحب.

{ویکره تمنّی الموت ولو کان فی شدّة وبلیة، بل ینبغی أن یقول: «اللهم أحینی ما کانت الحیاة خیراً لی، وتوفنی إذا کانت الوفاء خیراً لی»} فعن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه دخل علی رجل یعوده وهو

ص:233


1- سورة العنکبوت: الآیة 5
2- سورة الجمعة: الآیة 6

ویکره طول الأمل، وأن یحسب الموت بعیداً عنه،

شاک _ أی مریض _ یتمنی الموت، فقال: رسول الله (صلی الله علیه وآله): «لا تتمن الموت، فإنک إن تک محسناً تزداد إحساناً، وإن تک مسیئاً فتؤخر تستعتب، فلا تتمنوا الموت»((1))، وعنه (صلی الله علیه وآله) أنه قال: «لا یتمنی أحدکم الموت لضرّ نزل به، ولیقل: اللّهم أحینی ما کانت الحیاة خیراً لی، وتوفّنی إذا کانت الوفاة خیراً لی»((2)).

أما تمنی علی وفاطمة وموسی بن جعفر والرضا (علیهم الصلاة والسلام) الموت، فهو: إمّا کان لأجل الدعایة ضد السلطة والمنحرفین، وإما لأجل الأهم والمهم، أو لأجل أنهم کانوا قد أدّوا دورهم فکانوا یتطلبون لقاء الله سبحانه، وتمنی مریم الصدیقة (علیها السلام) الموت، للأهم والمهم، حیث إن عدم فضیحة امرأة طاهرة أهم من الحیاة الملوثة بأنظار الناس.

{ویکره طول الأمل، وأن یحسب الموت بعیداً عنه} فإن ذلک یوجب الانهماک فی المعاصی وعدم الاعتناء بالآثام، إذ یری الوقت باق فیتوب فی المستقبل، کما قال ابن سعد: (أتوب إلی الرحمان من سنتین)((3))، فعن الصادق (علیه السلام) أنه قال أمیر المؤمنین (علیه

ص:234


1- الوسائل: ج2 ص659 الباب32 من أبواب احتضار المیت ح1
2- الوسائل: ج2 ص659 الباب32 من أبواب احتضار المیت ح2
3- مقتل الحسین، لابن مخنف: ص79 البیت السادس الشطر الثانی

ویستحبّ ذکر الموت کثیراً،

السلام): «ما أنزل الموت حق منزلته من عدّ غداً من أجله»((1)).

وعنه (علیه السلام): «إنّ أخوف ما یخاف علیکم خصلتان، اتباع الهوی وطول الأمل»((2)). إلی غیرها من الروایات الکثیرة.

{ویستحب ذکر الموت کثیراً} فعنه (صلی الله علیه وآله): «إن أکیس الأکیسین، من أکثر ذکر هادم اللّذات»((3)).

وقال أبو عبیدة الحذاء لأبی جعفر (علیه السلام): حدثنی بما أنتفع به، قال: «یا أبا عبیدة أکثر ذکر الموت، فإنه لم یکثر إنسان ذکر الموت إلا زهد فی الدنیا»((4)).

ومن المعلوم أن الزهد فی الدنیا رأس الفضائل، کما ورد «حب الدنیا رأس کل خطیئة»((5))، فإن المحب للدنیا یعمل کل إثم ومنکر للوصول إلیها، بخلاف الزاهد فیها، فإنه بعید عن الشرور والآثام.

ص:235


1- الوسائل: ج2 ص651 الباب24 من أبواب الاحتضار ح1
2- الوسائل: ج 2 ص651 الباب24 من أبواب الاحتضار ح6
3- المستدرک: ج1 ص87 الباب17 من أبواب الاحتضار ح2
4- الوسائل: ج2 ص548 الباب23 من أبواب الاحتضار ح1
5- الوسائل: ج11 ص39 الباب61 من أبواب جهاد النفس ح4

ویجوز الفرار من الوباء والطاعون، وما فی بعض الأخبار من أنّ الفرار من الطاعون کالفرار من الجهاد مختص بمن کان فی ثغر من الثغور لحفظه،

{ویجوز الفرار من الوباء والطاعون} وسائر الأمراض الضارة، بل یجب، لأن البقاء من الإضرار المنفی فی الإسلام، ومن إلقاء النفس فی التهلکة المحرّم.

{وما فی بعض الأخبار من أن الفرار من الطاعون کالفرار من الجهاد}((1)) فذلک {مختص بمن کان فی ثغر من الثغور لحفظه} فإن بقاءه وموته هناک أقل أهمیة من فراره الموجب لاستیلاء الکفار علی بلاد الإسلام، فعن الحلبی قال: سألت الصادق (علیه السلام) عن الوباء یکون فی ناحیة المصر فیتحول الرجل إلی ناحیة أخری، أو یکون فی مصر فیخرج منه إلی غیره؟ فقال: «لا بأس، إنما نهی رسول الله (صلی الله علیه وآله) عن ذلک لمکان ربیئة، کانت بحیال العدو فوقع فیهم الوباء، فهربوا منه، فقال: رسول الله (صلی الله علیه وآله): الفار منه کالفار من الزحف کراهیة أن یخلو مراکزهم».

وقال أبان: سأل بعض أصحابنا أبا الحسن (علیه السلام) عن الطاعون یقع فی بلدة وأنا فیها، أتحول عنها؟ قال: «نعم». قال: ففی القریة وأنا فیها، أتحوّل عنها؟ قال: «نعم». قلت: ففی الدار

ص:236


1- الوسائل: ج2 ص645 الباب 20 من أبواب الاحتضار ح1

نعم لو کان فی المسجد، ووقع الطاعون فی أهله، یکره الفرار منه.

وأنا فیها أتحول عنها؟ قال: «نعم»، قلت: فإنا نتحدث أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال: «الفرار من الطاعون، کالفرار من الزحف» قال: «إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) إنما قال هذا فی قوم، کانوا یکونون فی الثغور، فی نحور العدو، فیقع الطاعون فیخلون أماکنهم یفرون منها، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ذلک فیهم»((1)).

لکن لا یخفی أنّ ما قلناه من وجوب الهرب فیما إذا لم یمکن العلاج، وإلاّ کان مخیراً بینهما، کما أن حرمة الهرب فیما إذا کان فی الثغر إنما هو فیما إذا تمکن من المقاومة، وإلا فإن مات أصدقاؤه، أو أنه إذا بقی مات مما لا فائدة فی بقائه إطلاقاً، بل الفائدة فی فراره لیقاوم العدو من جهة أخری، فالفرار لا بأس به، بل قد یجب فإنه من قبیل المتحیز إلی فئة، ومما تقدم ظهر أن المسألة عامة لکل محظور، ویلزم ملاحظة الأهم والمهم، وإن لم یکن فالتخییر.

{نعم لو کان فی المسجد، ووقع الطاعون فی أهله، یکره الفرار منه} إن علم بسلامته، أو تضرره ضرراً یسیراً لا یحرم تحمله، وإلاّ وجب الفرار _ کما هو مقتضی القاعدة _ وعلیه: فإطلاق بعض

ص:237


1- الوسائل: ج2 ص645 الباب20 من أبواب الاحتضار ح3

الروایات لا بد وأن تحمل علی غیر صورة الضرر المحرم تحمله، ففی مرسل الصدوق: «إنه إذا وقع الطاعون فی أهل مسجد، فلیس لهم أن یفروا منه إلی غیره»((1)).

وفی روایة علی بن جعفر، عن أخیه موسی (علیه السلام) قال: سألته عن الوباء یقع فی الأرض، هل یصلح للرجل أن یهرب منه؟ قال: «یهرب منه ما لم یقع فی مسجده الذی یصلی فیه، فإذا وقع فی أهل مسجده الذی یصلی فیه فلا یصلح له الهرب منه»((2))، وکأنه لخصوصیة المسجد، فإن الفرار ینبغی أن یکون إلی بیت الله، لا من بیت الله، ولا یخفی أنه لو کان بقاؤه فی المسجد موجباً لتلوث المسجد بالبراز، حیث إن الوباء یوجب ذلک، وجب الخروج منه لحرمة تلویث المسجد.

ص:238


1- معانی الأخبار: ص254 باب الفرار من الطاعون ح1
2- الوسائل: ج2 ص646 الباب20 من أبواب الفرار من الطاعون ح5

فصل فی الأعمال الواجبة کتجهیز المیت

اشارة

فصل

الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهیز المیت من التغسیل والتکفین والصلاة والدفن من الواجبات الکفائیة

{فصل}

{الأعمال الواجبة المتعلّقة بتجهیز المیت من} التوجیه إلی القبلة الذی هو قبل الموت و{التغسیل والتکفین} والتحنیط {والصلاة والدفن} کلها {من الواجبات الکفائیة} بلا إشکال ولا خلاف. وعن الغنیة ((1))، والمنتهی((2)): دعوی عدم الخلاف فیه. وعن المعتبر((3)): أنه مذهب أهل العلم. وعن التذکرة((4))، وغیره: الإجماع علیه. وعن مجمع

ص:239


1- الغنیة: ص501 س12، من الجوامع الفقهیة
2- المنتهی: ج1 ص427 س36
3- المعتبر: ص71 س3
4- التذکرة: ج1 ص38 س4

البرهان((1)): لا نزاع فیه بین المسلمین.

نعم أشکل صاحب الحدائق فی ذلک، فإنه قال: (إن الذی یظهر لی من الأخبار، أن توجه الخطاب بجمیع هذه الأحکام ونحوها من التلقین ونحوه من المستحبات أیضاً، إنما هو إلی الولی کأخبار الغسل، وأخبار الصلاة، والدفن، والتلقین، ونحوها)((2)) إلخ، وفی المستند نقل هذا الإشکال أیضاً عن بعض مشایخه.

أقول: یدل علی ما تقدم بالإضافة إلی الإجماع _ کما عرفت _ العمومات، والإطلاقات، من غیر ما یصلح أن یکون مقیداً، مثل قوله (علیه السلام): «عجلوا بموتاکم»((3)).

وقوله (علیه السلام): «إن غسل المیت واجب»((4)).

وقوله (علیه السلام): «صلّ علی من مات من أهل القبلة»((5)).

إلی غیر ذلک مما تقدم ویأتی فی مختلف مباحث الأموات، أمّا من قال بعدم الکفائیة، وإنما الواجب علی الولی فقط، فقد ناقش فی العمومات بأنها فی صدد أصل الحکم، فلا إطلاق لها، کما أنه لو سلّم الإطلاق، فهو مقید بما دلّ أن المکلّف هو الولی کقوله (علیه

ص:240


1- مجمع البرهان: ج1 ص171 س11 ط قم
2- الحدائق: ج3 ص359 س9
3- الوسائل: ج2 ص675 الباب47 من أبواب الاحتضار ح1
4- الوسائل: ج2 ص678 الباب1 من أبواب غسل المیت ح1
5- الوسائل: ج2 ص814 الباب37 من أبواب صلاة الجنازة ح2

السلام): «یغسل المیت أولی الناس به»((1))، وقوله: «یصلی علی الجنازة أولی الناس بها، أو یأمر من یحب»((2)). إلی غیر ذلک، هذا مضافاً إلی أنه لا یعقل الجمع بین کون الوجوب علی کل أحد کفایة، وبین ثبوت الولایة لبعض خاص، إذ معنی الولایة أنه لا یحق العمل لغیر الولی، فکیف أنه لا یحق لإنسان العمل مع أنه واجب علیه، لکن هذه الإشکالات غیر تامة، إذ یرد علی الأول: أن العمومات والإطلاقات فی المقام کسائر العمومات والإطلاقات فی سائر أبواب الفقه، حیث إن مقتضی القاعدة الأخذ بها، إلا إذا قامت قرینة قطعیة علی عدم إرادة العموم، وإلا فلو تمشت هذه المناقشة لم یمکن التمسک بأی إطلاق أو عموم، مثل: ﴿أَقیمُوا الصَّلاةَ﴾((3))، ﴿وَتِجارَةً عَنْ تَراضٍ﴾((4))،﴿وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی﴾((5)) مع وضوح تمسک کل الفقهاء بهذه الإطلاقات والعمومات، حتی أنه لو شک فی الإطلاق کانت أصالة الإطلاق محکمة.

وعلی الثانی: أنه إنما یجمع بین المطلق والمقید، إذا کان بینهما منافاة، مثل: أکرم العالم، ولا تکرم الفاسق من العلماء. حیث: إنه لو قلنا بالإطلاق لزم إسقاط "لا تکرم الفاسق".

ص:241


1- الوسائل: ج2 ص718 الباب26 من أبواب غسل المیت ح1
2- الوسائل: ج2 ص801 الباب23 من أبواب صلاة الجنازة ح1
3- سورة النساء: الآیة 77
4- سورة النساء: الآیة 29
5- سورة النور: الآیة 32

أما إذا لم تکن منافاة بین المطلق والمقید، فلا وجه لحمل المطلق علی المقید، وفی المقام لا منافاة بین إطلاق أدلة التکلیف، وبین ما دلّ علی کونه حقاً للولی، إذ الإطلاق یدل علی عموم التکلیف، والمقید یدل علی أنه حق للولی، والحق الخاص لا ینافی التکلیف العام، مثلاً: إنقاذ الطفل الغریق تکلیف عام، مع أنه لو أراد الولی إنقاذه لم یحق لغیره المبادرة، لأن التصرف فی الطفل حق للولی.

وعلی الثالث: بأنه یمکن الجمع بین الأمرین، بأن یکون الفعل فی الکل ذا مصلحة متشابهة، وإنما قدّم الشارع الولی لمصلحة خارجیة، فلیس المقام مثل وجوب إکرام العالم، وحرمة إکرام الفاسق، حیث إنه لا مصلحة فی العام بالنسبة إلی مورد التقیید أصلاً.

والحاصل: أن التکلیف المتوجه إلی العام علی ثلاثة أقسام:

الأول: أن لا یکون هناک مقید أصلاً.

الثانی: أن یکون هناک مقید، بحیث لا یبقی العام علی عمومه أصلاً، فلا مصلحة فی فرد العام الذی لیس له قید، کما إذا حرّم إکرام الفاسق من العلماء، فإن المصلحة خاصة بالعادل فقط.

الثالث: أن یکون هناک مقید، بحیث تکون المصلحة فی کل أفراد العام علی حد سواء، وإنما یقدم فرد من العام _ وهو الداخل تحت القید _ علی فرد آخر لیس داخلاً تحت القید، وهذا القسم "برزخ" بین القسمین الأولین، وما نحن فیه من هذا القبیل، وإنما لم

ص:242

نجعل المقام من قبیل العام والخاص، _ کالثانی _ لأنه الظاهر من الأدلة أن ولایة الولی إنما هی حکم إرفاقی، ولیست موجبة لسلب المصلحة عن غیر الولی، ویؤیده ما رواه السکونی، عن جعفر، عن أبیه، عن آبائه (علیهم السلام) قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة علیها إن قدّمه ولی المیت، وإلاّ فهو غاصب»((1)).

فإن ظاهر کونه غاصباً، أنه حق، لا أنه تکلیف، وعلی هذا فلا دلالة فی أدلة الولایة علی اختصاص التکلیف بالولی، حتی تکون منافیة للأدلة الدالة علی عموم التکلیف لکل مکلف، فیجمع بین الأمرین بالتقیید، کما صنعه الحدائق وغیره، وعلی هذا فالکل یشترکون فی الوجوب، ویختلف الولی عن غیره، إذ الولی له المباشرة مطلقاً.

أما غیر الولی، فلا یباشر إلا مع امتناع الولی، أو عدم قدرته، بأن لا یکون حاضراً أو شبه ذلک.

إن قلت: فلماذا لا یقال: إن تجهیز المیت واجب عینی فی صورة وجود الولی وقیامه بالتجهیز، وکفائی فی صورة عدم وجوده، أو عدم قیامه؟

قلت: قد یکون الشیء لا مصلحة فیه فی حال دون حال، کالصلاة بتیمم، لا مصلحة فیها فی حال وجود الماء، وقد یکون

ص:243


1- الوسائل: ج2 ص801 الباب23 من أبواب صلاة الجنازة ح4

فهی واجبة علی جمیع المکلّفین، وتسقط بفعل البعض، فلو ترکوا أجمع أثموا أجمع،

الشیء فیه مصلحة فی کل الأحوال، وإنما مصلحة أخری توجب تأخیر مصلحة العام، لأن المصلحة الأخری أهم، کما إذا غرق اثنان، نبی ومؤمن، فإن مصلحة إنقاذ الغریق موجودة فیهما، وإنما تقدم مصلحة إنقاذ النبی لأجل وجود مصلحة خارجیة، فلا یقال: إنه لا مصلحة فی إنقاذ المؤمن فی حال غرق النبی، بل یقال: إن فیه مصلحة، وإنما مصلحة إنقاذ النبی لأنه أهم تقدم علی مصلحة إنقاذ المؤمن، والکلام فی المقام طویل نکتفی منه بهذا القدر.

{فهی واجبة علی جمیع المکلّفین} وهل معنی هذا الوجوب علی غیر الممثال بالنسبة إلی ما یشترط فیه المماثلة، فیکون معنی الوجوب القیام بنفسه أو وکیله، أو أنّ معناه الوجوب فی المماثل فقط، احتمالان: من إطلاق الأدلة، وحیث لا یلائم ذلک المباشرة فی بعض المکلفین، یقال: بالوجوب الأعم من المباشری والتسبیبی، جمعاً بین الأدلة، ومن الانصراف، ولعل الأول أقرب.

{وتسقط بفعل البعض، فلو ترکوا أجمع أثموا أجمع} ثم إنه لا یشترط أن یقوم بکل الأعمال، ولا بأس بعمل إنسان واحد، فیصح أن یوجهه إلی القبلة أحدهم، ویغسله آخر، وهکذا.

وکذا یصح أن یغسله بالسدر أحدهم، وبالکافور آخر، کما یصح أن یغسل رأسه بالسدر أحدهم، وجانبه الأیمن بالسدر الثانی،

ص:244

ولو کان ممّا یقبل صدوره عن جماعة، کالصلاة، إذا قام به جماعة فی زمان واحد، اتصف فعل کلّ منهم بالوجوب،

وهکذا لإطلاق الأدلة، فإن الظاهر منها أن مراد الشارع هو وجود الأفعال فی الخارج، بدون اشتراطه أن یکون ذلک عن مباشر معین، فکلما تحقّق ذلک سقط التکلیف.

{ولو کان ممّا یقبل صدوره عن جماعة، کالصلاة إذا قام به جماعة فی زمان واحد، اتصف فعل کل منهم بالوجوب} وذلک لأن الواجب علی قسمین:

الأول: ما لا یقبل الاشتراک والتکرر.

الثانی: ما یقبل الاشتراک والتکرر.

فالأول مثل دفن المیت، فإنه لا یقبل التکرر، ومثل إجراء الإیجاب فی العقد، فإنه لا یقبل الاشتراک کما لا یقبل التکرر.

والثانی: مثل غسل المیت، حیث یقبل الاشتراک، ومثل الأمر بالمعروف، حیث یقبل التکرر بأن یأمره هذا وهذا، فما یقبل الاشتراک ویقبل الانفراد، إن قام به جماعة، کان فعل کل واحد منهم متصفاً بالوجوب، ففی المقام إن صلَّی اثنان علیه جماعة، أو کل بانفراده، لکن فی عرض الآخر، اتصف فعل کل منهما بالوجوب، لأنه لا یعقل عدم وجوب الصلاة حینئذ، ولا أن یکون فعل أحدهما واجباً دون الآخر، لأنه ترجیح بلا مرجح.

ص:245

نعم یجب علی غیر الولی الاستیذان منه، ولا ینافی وجوبه وجوبها علی الکلّ، لأن الاستیذان منه شرط صحّة الفعل، لا شرط وجوبه،

نعم الظاهر أن جزاء الجمیع واحد، لأن لکل واحد جزءً مستقلا، لکن ذلک لا یرتبط بالمسألة الفقهیة، ومثله: ما لو صام ولدان توأمان یوماً واحداً، کان قضاءً لأبیهما، أو استأجر اثنین لحج الإسلام الواجب علی المیت، أو ذهب کلاهما تبرعاً عنه، إلی غیر ذلک من الأمثلة، ومنه یظهر حال ما إذا فعلا مستحباً واحداً، أو حراماً واحداً، کما إذا اشترکا فی قتل إنسان مثلاً. والله العالم.

{نعم یجب علی غیر الولی الاستئذان منه} إذا أراد المباشرة لأعماله، فلو لم یستأذن وأجری التجهیز، فبالنسبة إلی التوصل من الأعمال، کالتوجیه والدفن یصح، وإن کان آثماً، وبالنسبة إلی العبادی منه، کالغسل والصلاة، إن صح منه کالغافل والقاصر کفی، وإلا بطل، ولا ینفع إذن الولی فی صورة البطلان، لأن الفعل لا ینقلب صحیحاً بعد أن صار باطلاً.

{و} قد تقدم أنه {لا ینافی وجوبه} أی وجوب الاستئذان {وجوبها علی الکلّ، لأن الاستئذان منه شرط صحّة الفعل، لا شرط وجوبه} وکثیراً ما یختلف شرط الصحة عن شرط الوجوب، کما أن الإسلام شرط صحّة العبادة من الکافر، لا شرط وجوبها، فإن العبادة واجبة علیه وإن لم تصح منه إلا بشرط الإسلام.

ص:246

وإذا امتنع الولیّ من المباشرة والإذن یسقط اعتبار إذنه، نعم لو أمکن للحاکم الشرعی إجباره له أن یجبره علی أحد الأمرین،

{وإذا امتنع الولی من المباشرة والإذن یسقط اعتبار إذنه} لأنه مقتضی الوجوب علی الکل، کما تقدم، بل ربما ادُعی عدم الخلاف فی ذلک، ولعله یستفاد ذلک من أخبار: "العراة الذین وجدوا میتاً قد قذفه البحر"((1))، وما ورد فی "تغسیل الذمی المسلم، والذمیة المسلمة، إذا لم یوجد مماثل، ولا ذو رحم"((2))، وما ورد فی "تغسیل بعض المیت"((3)) وغیر ذلک، فإن مورد هذه الروایات وإن کان ما إذا لم یوجد الولی، لکن المناط مطرد فیما إذا کان الولی وامتنع، ومنه یعرف ما إذا لم یصلح الولی للإذن، کما إذا کان صغیراً أو مجنوناً، أو ترتب محذوراً علی إخباره بموت مورثه، کما إذا کان مریضاً وخشی من تلفه إن إخبر، إلی غیر ذلک.

{نعم} فی صورة الامتناع {لو أمکن للحاکم الشرعی إجباره، له أن یجبره علی أحد الأمرین} من المباشرة والإذن، وکأنّ ذلک لأنه حق له، فإذا لم یمارس حقه، لزم إجباره کسائر الحقوق التی هی

ص:247


1- الوسائل: ج2 ص813 الباب36 من أبواب صلاة الجنازة ح1
2- الوسائل: ج2 ص704 الباب19 من أبواب غسل المیت ح1
3- التهذیب: ج1 ص342 الباب13فی تلقین المحتضرین ح170

وإن لم یمکن، یستأذن من الحاکم، والأحوط الاستیذان من المرتبة المتأخّرة أیضاً.

بین اثنین، بحیث إذا لم یباشرها الولی ضاعت، کما إذا لم یباشر زوجته فإن الحاکم یجبره، لکن الظاهر عدم الإجبار، وإنما یسقط حقه إذا امتنع، أو لم یمکن الاستئذان منه، ولذا قال فی الجواهر((1)): الأقوی العدم للأصل، مع ما یستفاد من فحوی الأدلة، فإن الأدلة قد تضمنت إرفاق الولی، فإذا لم یستعد لقبول الإرفاق، لم یکن له، وجاء دور العمومات والمطلقات.

وعلی هذا: فلا وجه لما أفتی به بقوله: {وإن لم یمکن یستأذن من الحاکم} إذ لا حق للغیر بعد الامتناع، حتی یصل الدور إلی الاستئذان من ولی الممتنع الذی هو الحاکم الشرعی، وبعده عدول المؤمنین، إن لم یکن المباشر بنفسه حاکماً، ولا عدلاً.

{والأحوط الاستئذان من المرتبة المتأخرة} بالإضافة إلی الاستئذان من الحاکم {أیضاً} وذلک لاحتمال أن تکون الولایة لجمیع الطبقات، لکن مع ترتیب اللاحق علی السابق، لآیة ﴿وَأُولُوا الْأَرْحامِ﴾((2))، فإذا لم یمکن استئذان السابقة، وجب استئذان اللاحقة، فیضم إلی الحاکم الذی هو بمنزلة المرتبة السابقة، لکن ربما یقال: إن الولایة لو کانت لکل الطبقات لم یکن معنی للاستئذان من

ص:248


1- الجواهر: ج4 ص45
2- سورة الأنفال: الآیة 75

الحاکم الشرعی، وإن لم تکن إلا للطبقة السابقة، لم یکن معنی للاستئذان من الطبقة اللاحقة، فالجمع بینهما لا وجه له حتی علی سبیل الاحتیاط.

وکیف کان، فقدعرفت أن الأقوی سقوط الاستئذان رأساً إن امتنع من له الولایة، ثم إنه یأتی الکلام فیما إذا امتنع بعض الطبقة دون بعض، فهل یکفی بإذن من یأذن، أو لا بد من ضم الحاکم، أو الطبقة المتأخّرة، مکان الممتنع.

ص:249

مسألة ١ الإذن أعم من الصریح

(مسألة _ 1): الإذن أعمّ من الصریح والفحوی وشاهد الحال القطعی.

(مسألة _ 1): {الإذن أعمّ من الصریح والفحوی وشاهد الحال القطعی} لأن الجمیع أقسام الإذن، وإن کان یختلف بعضها عن بعض فی التسمیة، فإن کل کاشف عن الرضا کاف فی الحکم، ولا یتوهم لزوم الإذن الفعلی، لقوله (علیه السلام): «یغسل المیت أولی الناس به، أو من یأمره الولی»((1)). حیث فیه لفظ الأمر، لوضوح أن الأمر هو الطریق العادی علی الأغلب، وإلا فلا شک فی أنه لا یتوقف علی الأمر، بل یکفی الإظهار، ولو بالاستفهام، مثل أن یقول: هل تحب غسله، ولا یخفی أنه لو أمر الولی لا یصبح الکفائی عینیاً، لعدم وجوب إطاعة ولی المیت، بل یبقی علی کفائیته إن کان هناک إنسان آخر یقوم بالمهمة، وإلا کان عینیاً بدون أمر الولی، إن انحصر القادر علی التجهیز فیه، وهل یمکن الجمع بین العینیة وبین حق الولی، أو أنه إذا وصل إلی العینیة سقط الحق والإذن، الظاهر الإمکان، لأن العینی الموسع له مجال تشریع الإذن.

نعم فی المضیق لا یمکن الجمع إذ "افعل الآن" الذی هو مقتضی الوجوب العینی، لا یجتمع مع "لا تفعل إلاّ بعد الإذن" الذی هو مقتضی الحق، اللازم القول بسقوط الإذن فی المضیق.

ص:250


1- الوسائل: ج2 ص718 الباب26 من أبواب غسل المیت ح2

مسألة ٢ سقوط وجوب المبادرة وسقوط أصل الوجوب

(مسألة _ 2): إذا علم بمباشرة بعض المکلّفین، یسقط وجوب المبادرة، ولا یسقط أصل الوجوب إلاّ بعد إتیان الفعل منه، أو من غیره، فمع الشروع فی الفعل أیضاً لا یسقط الوجوب،

(مسألة _ 2): {إذا علم بمباشرة بعض المکلّفین، یسقط وجوب المبادرة، ولا یسقط أصل الوجوب إلاّ بعد إتیان الفعل منه، أو من غیره}. الوقت إمّا موسع أو مضیق، فإن کان موسعاً لم تجب المبادرة، وإن کان مضیقاً لا معنی للمبادرة، فالأولی أن یقال: إن تکلیف عمرو بالغسل کفایة فی الوقت الموسع باق إذا شرع غیره فی الغسل ما دام لم یتمه زید، لأن الإتمام هو المسقط لتکلیف عمرو، وتکلیف عمرو بالغسل عیناً موجود حقیقة، إن لم یتم زید الغسل وإن زعم سقوطه بشروع زید، کما أن تکلیف عمرو بالغسل عیناً غیر موجود، إن کان یتم زید الغسل، وإن کان زعم عمرو عدم سقوطه، بزعمه عدم إتمام زید للغسل.

والحاصل: إنه فی کل من الموسع والمضیق، تکلیف عمرو کفایة أو عیناً، منوط بواقع إتیان زید وعدم إتیانه {فمع الشروع فی الفعل أیضاً لا یسقط الوجوب} وإن کان یتمه فی متن الواقع، سواء فی المضیق أو الموسع، وذلک لأن المسقط لتکلیف الآخرین هو الإتمام، لا الشروع، لوجود الملاک قبل الإتمام، لا یقال: لا نسلم وجود الملاک بعد أن فعل البعض، لذلک البعض، کما إذا کبر تکبیرة، فإنه لا ملاک لهذه التکبیرة، لأنه یقال: الملاک باق ما دام لم

ص:251

فلو شرع بعض المکلفین بالصلاة، یجوز لغیره الشروع فیها بنیّة الوجوب، نعم إذا أتمّ الأول یسقط الوجوب عن الثانی فیتمها بنیة الاستحباب.

یتم، لارتباط التکلیف بعضه ببعض.

إن قلت: إذا کان الملاک باقیاً، بحیث یحق للثانی الشروع، حق للأول تکرار التکبیر مثلاً.

قلت: ملاک الکل لیس موجوداً بالنسبة إلی الشخص الأول الذی أتی بالجزء، وإنما هو موجود بالنسبة إلی الثانی الذی لم یأت بشیء من الصلاة، ووجهه أن الآتی بالجزء إذا أتی به ثانیاً، صارت صلاته مرکبة من ست تکبیرات، بخلاف الذی لم یأت بعد بالتکبیرة الأولی، فإنه إذا أتی بها وأتمها صارت صلاته خمس تکبیرات، هذا فیما إذا کان ارتباطیاً کالصلاة، أما إذا لم یکن ارتباطیاً کالغسل، فإذا أتی بالسدر أحدهم، سقط مطلق السدر من الآتی، ومن غیر الآتی، فإذا أراد الثانی أن یأتی بالغسل، فاللازم علیه أن یأتی بالکافور، وإلاّ کان إتیانه بالسدر لغواً، وکذلک بانسبة إلی أجزاء السدر، کالرأس مثلاً، إذ لا موقع لغسله ثانیاً.

{فلو شرع بعض المکلّفین بالصلاة، یجوز لغیره الشروع فیها، بنیة الوجوب}لأن ملاک الوجوب باق.

{نعم إذا أتمّ الأول یسقط الوجوب عن الثانی} لسقوط التکلیف بالامتثال، {فیتمها بنیة الاستحباب} لاستحباب الصلوات المتعددة،

ص:252

ولا مانع من أن یکون شیء واحد واجباً ومستحباً، سواء تقدم الوجوب کالمثال، أو الاستحباب کما إذا صام قبل البلوغ ثم بلغ أثناء النهار، لأن معنی الاستحباب جواز الترک، ومعنی الوجوب عدم جوازه، فلا مانع من أن یکون شیء واحد، جائز الترک فی حال دون حال، ومثله ما إذا أتی نفران بقضاء الصلاة عن المیت، أو أتیا عنه بحجة الإسلام. نعم لا یحق للثانی الترک بعد أن أکمل الأول، لوجوب إتمام الحج إذا شرع فیه، کما حقق فی کتاب الحج.

ص:253

مسألة ٣ عدم کفایة الظن بمباشرة الغیر

(مسألة _ 3): الظن بمباشرة الغیر، لا یسقط وجوب المبادرة، فضلاً عن الشک.

(مسألة _ 3): {الظّن بمباشرة الغیر، لا یسقط وجوب المبادرة، فضلاً عن الشک} کما هو المشهور فیهما، وذلک لأن ظن لا یغنی من الحق شیئاً، والشک بطریق أولی، فأدلة الوجوب محکمة، إلا مع الاطمئنان الذی هو علم عادی، لکن عن العلامة کفایة الظن، واستدل لذلک بامتناع تحصیل العلم بفعل الغیر فی المستقبل، وفیه: العلم القطعی وإن لم یمکن تحصیله، لکن الاطمئنان الذی یکفی فی مقام الامتثال ممکن التحصیل، ومنه یظهر کفایة الاطمئنان فیما إذا رأی الغیر شارعاً فی التجهیز، لکنه لا یعلم هل أنه یتمه أم لا؟.

ص:254

مسألة ٤ أنواع صدور الفعل عن الغیر

(مسألة _ 4): إذا علم صدور الفعل عن غیره سقط عنه التکلیف ما لم یعلم بطلانه وإن شکّ فی الصحّة، بل وإن ظن البطلان فیحمل فعله علی الصحّة،

(مسألة _ 4): {إذا علم صدور الفعل عن غیره سقط عنه التکلیف، ما لم یعلم بطلانه} أما السقوط، فلأنه مقتضی الامتثال بعد کون الوجوب کفائیاً یمتثل بإتیان إنسان واحد.

وأما عدم السقوط مع علمه ببطلانه، فلأن الباطل لیس امتثالاً، أما إذا اختلفا اجتهاداً أو تقلیداً، فالظاهر الکفایة، وإن رأی هذا بطلان عمل الفاعل الذی صدر عن اجتهاده، أو تقلیده الصحیح، کما إذا اکتفی المصلی بخمس تکبیرات فقط، ورأی هذا عدم صحة الصلاة إلا بالأدعیة، وإنما نقول بالکفایة لأن الأدلة إنما تدل علی وجوب التجهیز عن حجة شرعیة وقد حصل.

نعم الظاهر أن الولی لا یتمکن أن یکتفی بمثل هذا، لأنه مکلف بالقیام بشأن المیت، فمع عدم حصوله عنده لا یصح له الاکتفاء، کما إذا کان الحج عن حیّ، ورأی اجتهاداً أو تقلیداً بطلان حج النائب، فإنه یری عدم سقوط التکلیف عنه، فاللازم علیه استنابة إنسان آخر، ومحل تفصیل الکلام فی المسألة مکان آخر.

{وإن شک فی الصّحة بل وإن ظن البطلان} ظناً غیر حجة {فیحمل فعله علی الصحة} لقاعدة أصالة الصحة فی فعل الغیر، قال

ص:255

سواء کان ذلک الغیر عادلاً، أو فاسقاً.

(علیه السلام): «ضع أمر أخیک علی أحسنه»((1)).

{سواء کان ذلک الغیر عادلاً، أو فاسقاً} لما حقق فی مبحث أصالة الصحة من إطلاقه الشامل لکل مسلم، ولکل الصفات النفسیة من شک وظن ووهم.

نعم لو علم البطلان، لا مجال لأصالة الصحة، نعم إذا کان الظن بالبطلان ظناً حجة، کالذی قام علیه البینة، لزم الإعادة، وذلک لأنه منزل منزلة العلم حینئذ، والظاهر أنه لا یلزم التحقیق فیما إذا لم یعلم هل أنه یجری علیه التجهیز أم لا؟ إذا کان بید مسلم وإن کان المسلم غیر مبال، لأن "أمر الأخ" فی الحدیث السابق شامل له، وإن لم یکن فعلاً فی الخارج، وقد حققنا الکلام فی ذلک فی بعض مباحث الکتاب.

ص:256


1- الوسائل: ج2 ص614 الباب161 من أبواب أحکام العشرة ح3

مسألة ٥ ما یشترط بقصد القربة وما لا یشترط

(مسألة _ 5): کلّ ما لم یکن من تجهیز المیّت مشروطاً بقصد القربة، کالتوجیه إلی القبلة والتکفین والدفن یکفی صدوره من کلّ من کان، من البالغ العاقل أو الصّبی أو المجنون، وکلّ ما یشترط فیه قصد القربة، کالتغسیل والصلاة، یجب صدوره من البالغ العاقل،

(مسألة _ 5): {کلّ مالم یکن من تجهیز المیت مشروطاً بقصد القربة، کالتوجیه إلی القبلة، والتکفین، والدفن} والتحنیط، وتهیئة الوسائل والأسباب.

{یکفی صدوره من کل من کان: من البالغ العاقل، أو الصّبی، أو المجنون} المسلم، أو الکافر، بل ولو صدر عن حیوان، أو الریح کا إذا وارته الریح، موارة إلی القبلة، وذلک لوضوح أن الأعمال التوصلیة، المقصود منها وجودها فی الخارج، فإذا حصل فلا تکلیف.

{وکلّ ما یشترط فیه قصد القربة، کالتغسیل والصلاة، یجب صدوره من البالغ العاقل} المأذون المؤمن الملتفت، لأنه إذا لم یکن بالغاً، شمله دلیل "رفع القلم" الذی ذکرناه فی بعض مباحث الکتاب، إن حاله حال قبل تشریع الإسلام، ولذا ذکرنا أنه لیس علیه خمس ولا زکاة ولا غیر ذلک، إلاّ ما خرج بالدلیل، وإن لم یکن عاقلاً کان حاله حال غیر البالغ فی شمول "رفع القلم" له، وإن لم یکن مأذوناً فقد عرفت عدم صحة عمله، والظاهر أنه لا مجال فی المقام للفضولیة، لعدم الدلیل علی جریانها فی العبادات،

ص:257

فلا یکفی صلاة الصبیّ علیه إن قلنا بعدم صحّة صلاته، بل وإن قلنا بصحّتها کما هو الأقوی

فالأصل العدم، وإن لم یکن مؤمناً لم یصح عمله، لاشتراط صحة الأعمال بالإیمان، کما ورد بذلک متواتر الروایات، وإن لم یکن ملتفتاً، کالنائم والسکران والمغمی علیه، لم تتمش منه القربة المعتبرة فی العمل، وهل یصح من المکره، أم لا؟ احتمالان: من حدیث «رفع الإکراه»((1))، ومن أن رفع الإکراه لا یدل علی بطلان العمل، فإذا تم فیه الأرکان شمله دلیل الصحة، وهذا هو الأقرب.

وکیف کان {فلا یکفی صلاة الصّبی علیه} إن کان غیر ممیز، لأنه لیس بصلاة حقیقة، فحاله حال الببغاء، بل أسوأ منه، کما أنه لا یکفی صلاة المسجلة، وإن قرئت فیها بقصد میت خاص، لعدم توفرها الشرط حین الأداء، وإن کانت مع قصد القربة حین التسجیل _ کما هو واضح _ وإن کان الصبی ممیزاً لا تکفی صلاته أیضاً {إن قلنا بعدم صحّة صلاته} لوضوح أنه لا تکتفی بالصلاة الباطلة.

{بل وإن قلنا بصحتها کما هو الأقوی} من عموم أدلة الصلاة لمثل هذه الصلاة، فإنها من مستثنیات "رفع القلم" بالنص والإجماع، ولذا یضرب لسبع أو تسع((2))، وغیر ذلک من الروایات المتواترة الواردة

ص:258


1- الخصال: ج2 ص417 باب التسعة ح9
2- الکافی: ج3 ص409 فی صلاة الصبیان ومتی یؤذن بها ح1

علی الأحوط، نعم إذا علمنا بوقوعها منه صحیحة جامعة لجمیع الشرائط لا یبعد کفایتها

فی صلاة الصبی {علی الأحوط} وإنما نقول بعدم کفایة صلاة الصبی علی المیت، وإن قلنا بصحة صلاته، لأن الشغل الیقینی بوجوب الصلاة علی المکلفین یحتاج إلی البراءة الیقینیة، ولأن صلاة الصبی مستحبة، ولا دلیل علی کفایة المستحب عن الواجب، وبهذین الأمرین علل الجواهر عدم کفایة صلاته، وقال کشف الغطاء: (وتصح من الممیز وإن لم یکن مکلفاً علی الأقوی، ولکن لا یسقط بفعله التکلیف الظاهری عن المکلفین)((1)). وأشکل علی الشغل، بإطلاق الأدلة الذی لا وجه للقول بعدم شموله للممیز، وإذا کانت صلاته کسائر الصلوات، فلا وجه للقول بعدم کفایة المستحب عن الواجب، بعد وحدة الصلاتین حقیقة، والمنع عن الترک، وعدم المنع، لا مدخلیة لهما فی الماهیة، فهو کما إذا تبرع إنسان بقضاء الصلاة الواجبة التی علی المیت، حیث إنها تسقط الواجب، وإن کانت بنفسها مستحبة، هذا وللمصنف إشکال ثالث فی کفایة صلاته، وهو أنه لا یعلم أن الصبی أتی بها صحیحة، للشک فی قصد القربة وما أشبه، ولا دلیل لحمل فعله عل الصحیح، لأن المتقین من أدلته هو البالغ، ولذا قال:

{نعم إذا علمنا بوقوعها منه صحیحة جامعة لجمیع الشرائط} هذا تأکید لقوله: "صحیحة" {لا یبعد کفایتها} لما عرفت من عدم

ص:259


1- کشف الغطاء: ص151 باب فی صلاة المیت س27

لکن مع ذلک لا یترک الاحتیاط.

تمامیة الإشکالین السابقین، وقد ارتفع الإشکال الثالث بالعلم بالصحة {لکن مع ذلک لا یترک الاحتیاط}، والله العالم.

ثم إن ما ذکره المصنف، من عدم إجراء أصالة الصحة فی فعل الصبی، خلاف الظاهر، لإطلاق أدلته، وللسیرة، فإن الصبیان یغسلون ویشترون _ علی القول بکراهة معاملتهم، کما لا نستعبده _ ویأتون بالهدایا، وغیر ذلک، والمتدینین یرتبون الأثر، ولو لم تجر الصحة فی أعمالهم، أشکل کثیر من هذه الموارد کما هو واضح.

ثم إنه لو أجری علیه المراسیم مَن لا یُعلَم أنه مسلم أو کافر، مؤمن أو غیره، بالغ عاقل أم لا؟ فالأصل عدم ترتیب الأثر، لأن إجراء أصل الصحة فرع جمعه للشرائط کما حقق فی محله.

ص:260

فصل فی مراتب الأولیاء

مسألة ١ الزوج أولی بزوجها

فصل

فی مراتب الأولیاء

(مسألة _ 1): الزوج أولی بزوجته من جمیع أقاربها

{فصل}

{فی مراتب الأولیاء} الذین هم أولی بالمیت من سائر الناس.

(مسألة _ 1): {الزوج أولی بزوجته من جمیع أقاربها} إذا کان الزوج مسلماً، أما إذا کان کافراً والزوجة مسلمة، کما فیما إذا أسلمت ولم یفرق الشرع بینهما بعد _ کما ذکروا فی کتاب النکاح تفصیله _ فالظاهر عدم ولایته، لأنه ﴿وَلَنْ یَجْعَلَ اللَّهُ لِلْکافِرینَ عَلَی الْمُؤْمِنینَ سَبیلاً﴾((1)).

ص:261


1- سورة النساء: الآیة 141

وأما: إذا کان الزوج مخالفاً، والزوجة مؤمنة، فهل هو أولی أم لا؟ احتمالان، من إطلاق الأدلة نصاً، وفتویً، ومن أنه کیف یکون أولی ولا یقدر علی المباشرة، لاشتراط الإیمان فی الغسل والصلاة، لکن الظاهر الأول لعدم المنافاة بین عدم إمکانه المباشرة مع کون الولایة بیده مما یکون أثره اعتبار إذنه، فحاله حال ما إذا أوصی إلی کافر، فإنه لا یصح منه أداء صلاته وصومه وحجه مباشرة، مع أنه ولی فی إعطائها لأی مسلم لیأتی بها عن المیت.

ثم إن کون الزوج هو الأولی، لا اشکال فیه ولا خلاف، بل فی المستند((1)) وغیره: بالإجماع المحقق، والمحکی مستفیضاً ویدل علیه جملة من الروایات:

کخبر أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام): سألته عن المرأة تموت من أحق أن یصلّی علیها؟ قال: «الزوج». قلت: الزوج أحق من الأب والأخ والولد؟ قال: «نعم»((2)).

وقریب منه خبره الآخر عنه (علیه السلام) وزاد قوله: «ویغسلها»((3)).

ص:262


1- المستند: ج1 ص172 السطر الأول والثانی
2- الوسائل: ج2 ص802 الباب24 من أبواب صلاة الجنازة ح1
3- الوسائل: ج2 ص802 الباب24 من أبواب صلاة الجنازة ح2

وموثقة إسحاق بن عمار عن الصادق (علیه السلام) قال: «الزوج أحق بامرأته حتی یضعها فی قبرها»((1)).

نعم یعارض هذه الروایات فی خصوص الأخ: صحیحة حفص عن الصادق (علیه السلام): فی المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها، أیهما یصلی علیها؟ فقال: «أخوها أحق بالصلاة علیها»((2)).

وخبر عبد الرحمان: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الصلاة علی المرأة، الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال: «الأخ»((3)).

لکن موافقة هاتین الروایتین لأبی حنیفة وأحمد فی إحدی الروایتین کما عن المنتهی، وللتقیة کما عن الشیخ، وإعراض الأصحاب عنهما قدیماً وحدیثاً، یوجب حملهما علی التقیة، أو إرجاعهما إلی أهلها (صلوات الله علیهم). ومنه یعلم أنه لا وجه للتمسک بآیة﴿وَأُولُوا الْأَرْحامِ﴾((4)) أو بعض الإطلاقات.

ثم إن الولایة المذکورة، لا تسقط بنشوز الزوجة، أو نشوز الزوج، لعدم التلازم، فإطلاق الأولویة باق حتی مع النشوز، وقد

ص:263


1- الوسائل: ج2 ص802 الباب24 من أبواب صلاة الجنازة ح3
2- الوسائل: ج2 ص802 الباب24 من أبواب صلاة الجنازة ح4
3- الوسائل: ج2 ص802 الباب24 من أبواب صلاة الجنازة ح5
4- سورة الأنفال: الآیة 75

اختلفوا فی أن الأولایة وجوبیة، فاللازم استئذان الولی، زوجاً أو غیره، کما عن المشهور، أو استحبابیة، بمعنی أن الأولی استئذانه، فإذا غسله غاسل مثلاً بدون إذن الولی، عمل خلاف الأولی، کما عن الغنیة فی الصلاة، وعن المنتهی، والمدارک، وکشف اللثام، والذخیرة، ومجمع البرهان.

والأقوی هو المشهور _ وجوبیة _ لظاهر الأدلة المتقدمة.

واستدل للاستحبابیة: بالأصل، وضعف دلیل الوجوب سنداً ودلالةً، وقیام السیرة علی عدم تعطیل الفعل، للاستئذان من الولی، وعسر التوقف علیه، وعدم استئذان الرسول، والإمام، والحسن، والحسین (علیهم السلام) فی حروبهم عن أولیاء الشهداء، فی إجراء مراسیم الصلاة والدفن علیهم، وفی الجمیع ما لا یخفی، فإن الأصل لا مجال له مع الدلیل، وقد عرفت أن دلیل الوجوب سنده معتبر، حیث إنه ثقة، ودلالته واضحة، مع الغض عن استناد المشهور الموجب لجبر السند لو کان ضعیفاً، والسیرة بالعکس، فإنهم یستأذنون لإجراء المراسیم، وعدم الاستئذان من الغاسل والحفار، إنما هو لأجل أن الأولیاء هم یأتون بالمیت إلیهما، فهو إذن وزیادة، وعمل الرسول (صلی الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) لا دلالة فیه علی أحد الطرفین، وأنهم کانوا یستأذنون، أم لا؟، إذ لم یتعرضوا فی التواریخ لهذه الجهة نفیاً أو إثباتاً، ولعل مجیء الشهداء معهم (علیهم السلام) هو قسم من إذنهم لهم (علیهم السلام) فکأن ذلک

ص:264

کالوصیة إلیهم، وسیأتی أن الوصیة تسقط الإذن، مضافاً إلی أنهم (علیهم السلام) أولیاء فوق ولایة الأقرباء ومن إلیهم، قال تعالی: ﴿النَّبِیُّ أَوْلیبِالْمُؤْمِنینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾((1))، أو أن هناک إذناً بالفحوی، أو غیر ذلک.

ثم الظاهر من النص والفتوی، أن الولایة حق للولی، ولیس بحکم، ولیس حقاً للمیت، فإن قوله تعالی:﴿وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلیبِبَعْضٍ﴾((2))، وقوله (علیه السلام): «یغسل المیت أولی الناس به، أو من یأمره الولی بذلک»((3))، وقوله (علیه السلام): «إذا حضر الإمام الجنازة، فهو أحق الناس بالصلاة علیها»((4)).

وفی خبر آخر: «إن قدّمه ولی المیت وإلاّ فهو غاصب»((5))، وقوله (علیه السلام): «الزوج أحق بامرأته»((6)). کلها ظاهرة فیما ذکرناه، فهو حق له آثار الحق، من إمکان الإسقاط والمصالحة وما أشبه، ومن سائر ما ذکر فی باب الحق، ولیس حقاً للمیت، علی ما احتمله

ص:265


1- سورة الأحزاب: الآیة 6
2- سورة الأحزاب: الآیة 6
3- الوسائل: ج2 ص718 الباب26 من أبواب غسل المیت ح2
4- الوسائل: ج2 ص801 الباب23 من أبواب صلاة الجنازة ح3
5- الوسائل: ج2 ص801 الباب23 من أبواب صلاة الجنازة ح4
6- الوسائل: ج2 ص802 الباب24 من أبواب صلاة الجنازة ح3

حرة کانت أو أمة

الشهید فی الذکری _ بناءً علی أنه مراده _ بأن یکون للمیت حق علی ولیه، کحق الأب علی الولد، وکحق واجب النفقة علی من وجبت نفقته علیه، والنتیجة تظهر فیما إذا قال المورث: أسقطت حقی علیک، فإنه إن کان حقاً للولی لم یسقط، وإن کان حقاً للمیت سقط، کما أنه لیس بحکم من قبیل سائر الأحکام الشرعیة، حتی لم یسقط بالإسقاط، ولم یقبل المصالحة، وحتی یتم ما قاله النراقی من أنه: إذا جهّز المیت غیر الولی بدون إذنه یصح التجهیز، وإن کان المتولی للتجهیز عاصیاً، وعلیه إذا قام به غیر الولی بطل، لأن فعله تصرف فی حق الولی وهو حرام، فیصیر باطلاً، لأنه عبادة، والعبادة تبطل بالنهی عنها، کما حقق فی محله.

ثم لو کان الزوج قریباً، بحیث لو لم یکن زوجاً کان له الحق لقرابته، یکون تولیه من باب الزوجیة، لا من باب القرابة، وإن لم یکن أثر عملی لذلک {حرّة کانت أو أمة} کما هو المشهور، بل أرسله بعضهم إرسال المسلّمات، وذلک لإطلاق النصوص، المؤید بأن الزوج هو النافذ فی الأمة دون المولی، إذا اختلفا فیما له الحق فیها، کما أن الزوج هو النافذ فیما اختلف هو والأب فیما للزوج حق فیها. ومنه یظهر أن اشکال المستمسک فی الأمة بدعوی انصراف النص إلی الحرة، قال: (مع أن تقیید النصوص المذکورة أولی من تقیید قاعدة السلطنة علی الأملاک)((1)) غیر تام، إذ لا وجه

ص:266


1- المستمسک: ج4 ص50

دائمة أو منقطعة، وإن کان الأحوط فی المنقطعة

للانصراف، مع کثرة وشیوع زواج الإماء فی زمان صدور الروایات، والدلیلان بینهما عموم من وجه، لکن دلیل ولایة الزوج مقدم بالحکومة، کما یقدم دلیل ولایة الزوج علی ولایة الأب بالحکومة، وذلک لأن حق الزوج وارد علی حق الأب والمالک، فهما قد أسقطا حقهما بالزواج).

نعم إذا شرط بقاء حقهما کان لهما ذلک، لأنه حق _ کما عرفت _ فهو قابل لإسقاط الزوج له.

{دائمة أو منقطعة} لإطلاق الأدلة نصاً وفتویً، فالقول بالانصراف عن المنقطعة لا وجه له، وإن کان ربما یؤید بأن الانقطاع لیس حقیقته إلا الإجارة، قال تعالی: ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾((1)) وقال (علیه السلام): «فإنّهنّ مستأجرات»((2)) ولا حق للمستأجر فی تجهیز الأجیر. قال فی الجواهر: (علی إشکال فی المنقطع، خصوصاً إذا انقضی الأجل بعد موتها، لبینونتها حینئذ منه، بل لا یبعد ذلک بمجرّد موتها، وإن لم ینقض الأجل، لکونها کالعین المستأجرة إذا فاتت)((3)).

وکأنه لذا قال المصنف: {وإن کان الأحوط فی المنقطعة

ص:267


1- سورة النساء: الآیة 24
2- الوسائل: ج14 ص446 الباب4 من أبواب المتعة ح2
3- الجواهر: ج4 ص48

الاستیذان من المرتبة اللاحقة أیضاً، ثم بعد الزوج، المالک أولی بعبده أو أمته، من کلّ أحد

الاستئذان من المرتبة اللاحقة} علی الزوج {أیضاً} لکن الظاهر ما ذکرناه من کونه أولی بها، وما ذکر وجهاً للإشکال غیر تام.

إذ یرد علی الأول: أن کل زواج ولو دائم له صفة الإجارة، لبقاء العین واستیفاء المنفعة، ولذا قال سبحانه: ﴿إِنَّا أَحْلَلْنا لَکَ أَزْواجَکَ اللاَّتیآتَیْتَ أُجُورَهُنَّ﴾((1))، وقد ثبت فی کتاب النکاح اتحاد حقیقة الانقطاع والدوام، منتهی الأمر أن أحدهما ینقطع بقاطع من طلاق وشبهه، والآخر ینقطع بقاطع کالهبة للمدة، أو انقطاع تلقائی بانقضاء المدة.

وأما انقضاء الأجل بعد موتها، ففیه: أن ذلک غیر ضار بعد إطلاق الأدلة الواردة فی أن الزوج أولی بزوجته، مضافاً إلی نقض ذلک بما إذا ماتت الدائمة لأنها تخرج عن الزوجیة، ولذا یجوز له التزویج بالخامسة فوراً، ولا تلازم بین أحکام الحیاة وأحکام الممات، فکما لا یحق له الخامسة فی حال الحیاة، ویحق له فی حال موتها، کذلک لا یحق له النظر إلی المنقطعة المنقضیة مدتها فی حال الحیاة، بخلاف ما إذا انقضت مدتها بعد الموت.

{ثم بعد الزوج، المالک أولی بعبده أو أمته من کل أحد} ذکر

ص:268


1- سورة الأحزاب: الآیة 50

وإذا کان متعدداً اشترکوا فی الولایة.

ثم بعد المالک طبقات الأرحام بترتیب الإرث، فالطبقة الأولی

"العبد" من باب المقارنة مع "الأمة"، وإلاّ فالعبد أول مراتب أولیائه المالک، إلاّ أن یرید بقوله: "ثم" الترتیب الکلامی، أی أن الزوج أولی، ثم نقول: المالک أولی، ثم إن الحکم لا إشکال فیه ولا خلاف _ کما یظهر من إرسالهم الکلام فی ذلک إرسال المسلّمات _ وذلک لأنه مقتضی سلطنة المالک علیه، وهذه السلطنة مقدمة علی آیة ƒوأولوا الأرحام‚ ونحوها، لحکومتها علی الآیة، ولذا یقدم أمر المالک فی حال الحیاة علی أمر الأب والأم، وتکون للمالک الولایة علی المملوک الصغیر دون أبیه وجده، ولذا کان المحکی عن البرهان القاطع: "إن ولایة المالک قطعیة".

{وإذا کان متعدداً اشترکوا فی الولایة} لوحدة دلیل الملک بالنسبة إلی جمیعهم، لکن الظاهر أنه إذا اختلفوا فی الحصة اختلف مقدار ولایتهم، وتظهر الثمرة فی مقدار الإنفاق إن احتاج التجهیز إلی النفقة، فمع التساوی تکون النفقة علی الجمیع متساویة، ومع الاختلاف کل بقدر حصته، ولا فرق فی ولایة المالک بین أن یکون العبد قناً، أو أم ولده، أو مرهوناً، أو غیر ذلک، لإطلاق النص والفتوی، ولو کان بعضه حرّاً اشترک الولی مع المالک.

{ثم بعد المالک طبقات الأرحام بترتیب الإرث، فالطبقة الأولی

ص:269

وهم الأبوان والأولاد مقدمون علی الثانیة وهم الإخوة والأجداد، والثانیة مقدّمون علی الثالثة وهم الأعمام والأخوال

وهم الأبوان والأولاد مقدّمون علی الثانیة وهم الأخوة والأجداد، والثانیة مقدّمون علی الثالثة وهم الأعمام والأخوال} بلا خلاف ولا إشکال فی الجملة، وعن جامع المقاصد: الظاهر أن الحکم مجمع علیه، وعن الخلاف والجامع: الإجماع علیه صریحاً، وکذلک ادعی علیه جماعة آخرون الإجماع، بمختلف الالفاظ، وقد استدل لذلک بالأدلة الأربعة:

فمن الکتاب: قوله تعالی: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلیبِبَعْضٍ فیکِتابِ اللَّهِ﴾((1)).

ومن السنة: ما تقدم من خبر السکونی، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة، فهو أحق بالصلاة علیها إن قدمه ولی المیت، وإلاّ فهو غاصب»((2)). فیدل علی کون سائر تجهیزاته بید الولی، للمناط القطعی، وعدم القول بالفصل.

وخبر غیاث بن إبراهیم، عن جعفر عن أبیه عن علی (علیهم السلام) قال: «یغسل المیت أولی الناس به»((3)).

وفی مرسل الفقیه بزیادة: «أو من یأمره الولی بذلک»((4)).

ص:270


1- سورة الأحزاب: الآیة 6
2- الوسائل: ج2 ص801 الباب23 من أبواب صلاة الجنازة ح4
3- الوسائل: ج2 ص718 الباب26 من أبواب غسل المیت ح2
4- الفقیه: ج1 ص86 الباب23 فی غسل المیت ح49

ومرسل ابن أبی عمیر: «یصلی علی الجنازة أولی الناس بها، أو یأمر من یحب»((1)).

والرضوی: «ویغسله أولی الناس به أو من یأمره الولی بذلک»((2)).

وفی روایة ابن سنان: «وإن لم تکن امرأته معه، غسلته أولاهن به، وتلف علی یدیها خرقة»((3)).

وفی روایة عمار: «فی الصبیة لا تصاب امرأة تغسلها» قال: «یغسلها رجل أولی الناس بها»((4)).

وفی روایة أبی بصیر قلت: الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ قال: «نعم، ویغسلها»((5))، مما یظهر منه ولایتهم أیضاً فی مرتبة متأخرة.

ومن الإجماع: ما تقدم.

ومن العقل: إن الاقرب أولی، وبالسیرة، فإنه ما لا یشک فیه

ص:271


1- الوسائل: ج2 ص801 الباب23 من أبواب صلاة الجنازة ح1
2- فقه الرضا: ص17 س12
3- الوسائل: ج2 ص706 الباب20 من أبواب غسل المیت ح6
4- الوسائل: ج2 ص708 الباب20 من أبواب غسل المیت ح11
5- الوسائل: ج2 ص802 الباب24 من أبواب صلاة الجنازة ح2

أحد لاستمرار سیرة المتشرعة علی قیام الأولیاء بأموره مباشرة أو إذناً.

ثم إنهم اختلفوا فی المراد من الولی إلی ستة أقوال واحتمالات:

الأول: إن الولی هو الوارث الفعلی، کالطبقة الأولی، ثم الثانیة، وهکذا، وهذا هو الذی ذهب إلیه الأکثر، بل المشهور.

الثانی: إنه هو الأشد علاقة بالمیت، کما عن محتمل المدارک.

الثالث: إنه هو الأولی عرفاً، بأن یکون أقرب إلیه عرفاً.

الرابع: إنه مطلق الأرحام، لا خصوص طبقات الإرث، ذکره الجواهر قائلاً: (إنه لم یجد أحداً صرح به)((1)).

الخامس: إنه هوالمحرم من الوارث، لا مطلق الوارث، ومع تعدده فالترجیح لأشدهم علاقة به، نقل ذلک عن بعض علماء البحرین.

السادس: إنه هو الأکثر نصیباً من الإرث، احتمله المدارک مع تصریحه بأن الأصحاب لم یعتبروه. والأقوی هو القول الأول، لأمور:

الأول: الآیة المبارکة، فإنه لولا الأولویة لم یرث، أما زیادة الإرث ونقصه فلا یدل علی الأولویة، ولذا قد یرث الأب الأکثر إذا کان الأولاد متعددین، وقد یکون العکس، کما إذا کان الابن واحداً، وهکذا.

ص:272


1- الجواهر: ج؟؟؟ ص43

ولا یرد علی الاستدلال المذکور ما ذکره المستمسک: بأن ظاهر الآیة، (أولیة الأقارب من الأجانب، لقوله تعالی: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلیبِبَعْضٍ فیکِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنینَ وَ الْمُهاجِرینَ﴾((1)))((2)) إذ فیه: أن الآیة تدل علی أمرین: أن الأرحام أولی من الأجانب، وأن الأرحام بعضهم أولی من بعض آخر، ولذا ورد الاستشهاد بها فی بعض النصوص علی حجب الأقرب للقریب الأبعد.

أما احتمال أن الآیة خاصة بالإرث فلا تعم سائر الأمور، ففیه: أن الظاهر منها الإطلاق، والمورد لا یخصص.

لا یقال: إنه بناء علی الإطلاق یلزم تخصیص الأکثر، لعدم وجوب تقدیم الأرحام علی غیرهم، فکیف تقدیم الأقرب منهم علی الأبعد فی الزواج والمعاملات وغیرها.

لأنه یقال: لا إشکال فی الأولویة مطلقاً، واجباً أو مستحباً، إلا ماخرج بالدلیل، فالأولویة موجودة فی المستحب، وإنما فهم الاستحباب من دلیل خارج، کنص أو إجماع أو ما أشبههما.

الثانی: بعض من الروایات، کموثقة زرارة، عن الصادق (علیه السلام) قال: سمعته یقول: «﴿وَلِکُلٍّ جَعَلْنا مَوالِیَ مِمَّا تَرَکَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾((3)) قال: إنما عنی بذلک أولوا الأرحام من المواریث ولم یعن

ص:273


1- سورة الأحزاب: الآیة 6
2- المستمسک: ج4 ص54 س 6
3- سورة النساء: الآیة 33

أولیاء النعمة، فأولاهم بالمیت أقربهم إلیه، من الرحم التی یجره إلیها»((1))، بضمیمة ما ادعاه الحدائق، من عدم الخلاف فی (أن أولی الناس به أولاهم بمیراثه)((2)).

بل عن بعض دعوی الإجماع صریحاً علیه، بل ربما یجعل هذا الإجماع دلیلاً مستقلاً، ومنه یعرف وجه الدلالة، فی صحیح الکناسی، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «ابنک أولی بک من ابن ابنک، وابن ابنک أولی بک من أخیک»، وقال: «وأخوک لأبیک وأمک أولی بک من أخیک لأبیک، وأخوک لأبیک أولی بک من أخیک لأمک»، قال: «وابن أخیک لأبیک وأمک أولی بک من ابن أخیک لأبیک»، قال: «وابن أخیک من أبیک أولی بک من عمک»((3))، إلی آخر الحدیث.

نعم هذا الحدیث، یدل علی تقدم بعض من فی مرتبة واحدة علی بعض آخر فی تلک المرتبة، فإنه یدل علی تقدم المتقرب بالأب وحده، علی التقریب بالأم وحدها، فلا یوافق الکلیة المذکورة، لکن لا بد وأن یراد بالأولویة هنا العرفیة، لا الشرعیة الإرثیة ونحوها جمعاً بین الأدلة، فلا یکون هذا الحدیث مصادماً للکلیة المذکورة.

ص:274


1- الوسائل: ج17 ص414 الباب1 من أبواب موجبات الإرث ح1
2- الحدائق: ج3 ص377
3- الوسائل: ج17 ص414 الباب1 من أبواب موجبات الإرث ح2

ثم بعد الأرحام: المولی المعتق، ثمّ ضامن الجریرة، ثم الحاکم الشرعی، ثم عدول المؤمنین.

وعلی هذا فلا ینبغی المناقشة فی الکلیة المذکورة، وبما ذکرنا یظهر الإشکال فی الأقوال والاحتمالات الأخر، إذ لا دلیل لها من نص أو إجماع، فلا یمکن المصیر إلیها.

{ثم بعد الأرحام: المولی المعتق، ثم ضامن الجریرة} لما تقدم من کلیة "أولاهم بمیراثه أولاهم بأحکامه" ((1)).

{ثم الحاکم الشرعی} لأنه ولی من لا ولی له، ویقوم مقامه وکیله، کما هو واضح.

{ثم عدول المؤمنین} لإجازتهم (علیهم السلام) لهم التصرف فی ما لا ولی، ولا حاکم، کقوله (علیه السلام): «إذا کان القیم به ومثل عبد الحمید فلا بأس»((2)).

لکن قد ذکرنا فی شرحنا علی المکاسب: أن الظاهر من الأدلة کفایة الثقة، ثم الظاهر أن الرحم إذا لم یکن وارثاً لقتل أو رقّ أو ما أشبه، لم یکن له ولایة تجهیز رحمه، لعدم الکلیة المذکورة بالنسبة إلیه، فإذا منع من الإرث منع من غیره، بالإضافة إلی أن الکافر لا

ص:275


1- قواعد الأحکام: ج1 ص17 السطر11
2- الوسائل: ج12 ص270 الباب16 من أبواب عقد البیع وشروطه ح2

ولایة له علی المسلم، فإن الله سبحانه لم یجعل للکافرین سبیلاً، وولد الزنا مقطوع النسب شرعاً، فإنه «للعاهر الحجر»((1)).

لکن ربما یقال: فی مثل القاتل، تشمله آیة: ƒوأولوا الأرحام‚، فإن الخارج منها بالدلیل الخاص الأرث، فیبقی الباقی مشمولاً للآیة، أو یقال: إن الکلیة تدل علی الشأنیة الموجودة فی القاتل دون الفعلیة، ولذا أولاهم بأحکامه قریبه وإن لم یکن للمیت إرث حتی یرثه، وفیه: أن المستفاد عرفاً من النص والإجماع: التلازم بین الأرث والولایة، ولا ینقض ذلک بمن لا ملک له، لأن الکلام فیمن یرث لو کان له مال بمعنی وجود المقتضی الکامل للإرث، وإن لم یرث الآن لعدم ملک، أو لأن الغاصب استولی علی المال أو ما أشبه ذلک.

ثم إنه ربما توهم أن الولایة المجعولة لمن ذکر من المراتب، معناها أن الفعل من الغیر لا یصح مع نهیه، لا أن معناها توقف صحة الفعل إلی إذنه، واستدل لذلک بأن الولایة حق، جعل إرفاقاً له، فله ذلک لو أراد الفعل ولم ینه عنه، أما إذا لم ینه فالفعل من غیره صحیح، وفیه: ما تقدم من ظهور النص والفتوی، فی کون الولایة حقاً، ومن المعلوم: أن الحق لا یکون إلاّ بالسماح والإجازة، ومنه تبین منع ما فی مصباح الهدی، من قوة هذا التوهم.

ص:276


1- العوالی: ج2 ص275 ح41

ثم إنه إذا أراد الولی عدم إجراء المراسیم، فهل یسقط حقه، أو یکره علی ذلک، احتمالان: من أنه ولی فلا بد من إجازته بالاختیار، وإلا بالإکراه، ومن أن الدلیل لا یشمل مثل هذه الصورة، فتنتقل الولایة إلی المرتبة المتأخرة، ویحتمل سقوط الولایة رأساً، لأن من له الولایة سقطت ولایته بالامتناع، ومن سواه لا دلیل علی ولایته فی عرض الولی السابق، کما إذا امتنع عن أخذ الإرث، فإنه لا ینتقل إلی المرتبة اللاحقة، لکن الظاهر الثانی لآیة ƒوأولوا الأرحام‚، ولا یقاس بالأرث، لأن الإرث ملک، فإذا أعرض عن ملکه صار من المباحات التی لکل أحد أن یأخذها، کما ذکروا فی مبحث الإعراض.

أما لو أسقط الولی حقه، فالظاهر عدم الانتقال إلی من بعده، لأنه حق قابل للإسقاط _ کما تقدم _ فیتساوی الکل فیه، ویأتی دور الأدلة الدالة علی أنه کفائی، ولو أذن الولی لجمع جاز لکل منهم المباشرة، ولو أذن لفرد لکن اشتبه بین نفرین، کان لأحدهما تخییراً، دون غیرهما، فیما إذ لم یمکن استیضاحه بأنه إذن لأیهما، والأحوط أن یأخذ أحدهما الإذن من الآخر.

ص:277

مسألة ٢ الموارد التی توجب التقدم فی کل طبقة

(مسألة _ 2): فی کل طبقة، الذکور مقدمون علی الإناث،

(مسألة _ 2): {فی کل طبقة، الذکور مقدّمون علی الإناث} کما صرح به غیر واحد، وعن المنتهی أنه لا خلاف فیه، واستدلوا لذلک: بأن الرجل أسدّ رأیاً، وبعدم تعارف استئذان المرأة، وأنه کما لا تصلح أن تکون المرأة قاضیاً لا تصلح أن تکون الولایة علی المیت بیدها، ولتقدیم الابن علی الأم فی خبر الکناسی، وفی الکل ما لا یخفی، لأن کونه أسّد رأیاً، لا یصلح مستنداً للحکم الشرعی بعد إطلاق أدلة الولایة، وعدم تعارف استئذان المرأة ممنوع، صغری وکبری، ولا ربط للمقام بمبحث القضاء، ولم یوجد فی خبر النکاسی ما ذکر، قال فی المستمسک: (لم أجده فی ما یحضرنی من نسخ الوسائل، والحدائق، والجواهر، ومرآة العقول، وغیرها، ولذا حکی عن بعض القول بمشارکتها للذکور)((1))، وسکت علیه مما ظاهره أنه رأیه أیضاً.

ولذا أشکل جملة آخرین من المعلقین علی المتن، وهذا هو الأقرب، فالکل مشارکون رجالاً کانوا أم نساءً، کان المیت رجلاً أو امرأة، خلافاً لمن زعم أن الحق فیما إذا کان المیت امرأة للنساء، دون الرجال، وکأنه لانصراف دلیل الولایة عمن لیس مباشرة الفعل بنفسه، ویرده: إطلاق النص والفتوی، ولا انصراف، ولو سلّم فهو بدوی، کما لا یخفی.

ص:278


1- المستمسک: ج4 ص56

والبالغون علی غیرهم، ومن متّ إلی المیّت، بالأب والأم، أولی ممن متّ بأحدهما،

{والبالغون علی غیرهم} قالوا: لأن غیر البالغ، لا ولایة له علی نفسه، فکیف تکون له الولایة علی غیره، وفیه: أن ظاهر الأدلة أنه حق، فإذا لم یقدر هو قام ولیه مقامه، کما إذا لم یقدر الغائب، وما أشبه، ولذا قال مصباح الهدی: (فالأقوی وجوب الرجوع إلی ولیه بناءً علی وجوب الاستئذان من الجمیع، أو ما إذا لم یکن فی طبقتهم من البالغین)((1)).

وکذا أشکل علی المتن غیر واحد من المعلقین، فتکون الولایة هنا، کما إذا کان الطفل ولیاً علی وقف أو ما أشبه، حیث یزاول الولایة نیابة عنه ولی الطفل.

{ومن متّ إلی المیت بالأب والأم، أولی ممن متّ بأحدهما} قالوا: لأنه أولی عرفاً، ولاستفادته من خبر الکناسی، ولأنه ربما لا یکون وارثاً کالأبی مع الأبوینی، وربما یکون وارثاً عن طرف النساء اللاتی لا ولایة لهن، کأخوة الأبوین مع الأخوة من طرف الأم، حیث إنهم یرثون بقرابة الأم، فإذا کانت هی لا ولایة لها، فما یتفرع عنها لا ولایة له بطریق أولی، وقال الجواهر: (لعدم ظهور الخلاف)((2)).

ص:279


1- مصباح الهدی: ج5 ص400
2- الجواهر: ج4 ص31 أولی الناس بالمیت أولاهم بمیراثه

ومن انتسب إلیه بالأب أولی ممّن انتسب إلیه بالأم،

ویرد علی الکل: أما الأولویة العرفیة، فقد تقدم أنها لیست مناطاً، وإنما المناط الأولویة الشرعیة، وخبر الکناسی حیث إنه معارض بآیة ƒوأولوا الأرحام‚ فی المقام، فلا بد من جعله مخصوصاً بالأولویة العرفیة فی مثل هذه الفقرات، فإنه قال أیضاً: «وأخوک لأبیک أولی بک من أخیک لأمک»((1))، مع وضوع أنهما یتوارثان معاً، أو یُردّ علمه إلی أهله (علیهم السلام)، أو یقال بزیادة الإرث، أو ما أشبه ذلک، وحیث وقع فیه الإجمال فلا بد من الرجوع إلی القاعدة الکلیة، أی قولهم "أولی بمیراثه" وإلی الآیة المبارکة وغیرهما، وظاهر المستمسک ذلک، حیث إنه أشکل علی خبر الکناسی، ثم لم یرده، بل هو الظاهر من بعض المحشین الآخرین.

{ومن انتسب إلیه بالأب أولی ممّن انتسب إلیه بالأم} لخبر الکناسی، إذ فیه: «وأخوک لأبیک أولی بک من أخیک لأمک»((2))، ولأنه أکثر نصیباً، ولأنه المنتسب إلی الأم فرع من لا ولایة له، وفی الکل ما لا یخفی، إذ خبر الکناسی قد عرفت ضعف دلالته، وأکثریة النصیب لا تدل علی الأقربیة، وقد سبق الحق للنساء مع الرجال، فالقول بالمشارکة أقرب.

ص:280


1- الوسائل: ج17 ص451 الباب1 من أبواب موجبات الإرث ح2
2- المصدر السابق

وفی الطبقة الأولی، الأب مقدم علی الأم والأولاد، وهم مقدّمون علی أولادهم،

{وفی الطبقة الأولی الأب مقدم علی الأم} لخبر الکناسی، ولتقدیم الرجل علی المرأة، قیل: ولأنه أقرب إلی إجابة الدعاء لأنه أشفق وأرق، وفی الکل ما لا یخفی، إذ خبر الکناسی لا دلالة فیه صراحة علی ذلک، والاستدلال به بتقریب أنه دل "علی تقدیم أخوة الأب علی أخوة الأم" ولازمه تقدیم الأب علی الأم، قد عرفت ما فیه من إجمال الدلالة، فلا یصح التمسک به فی مورده، فکیف بما یستفاد منه فی غیره، مع الإشکال فی الاستفادة حتی لو قیل به فی مورده، وقد سبق عدم تمامیة تقدم الرجل علی المرأة مطلقاً، وکونه أرق خلاف الواقع، مع أنه لو تم لا یکون دلیلاً، ولذا تأمل فی المسألة المستمسک، واستشکل فیه مصباح الهدی، واحتاط فیها آخرون، والأقرب حسب الصناعة هو التساوی.

{والأولاد} قالوا: للانصراف، ولادعاء التذکرة والمدارک: الإجماع علیه، وفیه: أن الانصراف غیر تام، والإجماع محل نظر، کبری وصغری، ولذا استشکل فیه من تقدم من الشراح والمحشین، فالأقرب التساوی.

{وهم مقدّمون علی أولادهم} وذلک بلا إشکال ولا خلاف، لأنهم أولی بمیراثه، ولأنهم أقرب إلی المیت من أولادهم، فتشملهم "الکلیة"، و"الآیة"، ولخبر الکناسی الذی لا إجمال له ولا مزاحم.

ص:281

وفی الطبقة الثانیة، الجد مقدم علی الإخوة، وهم مقدمون علی أولادهم، وفی الطبقة الثالثة، العمّ مقدّم علی الخال، وهما علی أولادهما.

{وفی الطبقة الثانیة، الجد مقدم علی الأخوة} کما عن الشیخ والحلّی، قیل: لأنه أقرب عرفاً، ولأنه ولی إجباری دونهم، وللانصراف، وفی الکل ما لا یخفی، فعموم الآیة والکلیة محکمة، ولذا ذکر غیر واحد تساویهما، وهو الأقرب.

{وهم مقدمون علی أولادهم} لما سبق فی تقدیم الأولاد علی أولادهم، ویدل علیه النص والإجماع من دون مزاحم.

{وفی الطبقة الثالثة، العمّ مقدّم علی الخال} لما سبق من خبر الکناسی، وأن جانب الأب أولی بالرعایة من جانب الأم، وقد عرفت ما فیه، ولذا کان القول بذلک مقصوراً بالشیخ والحلّی، فإن الظاهر التساوی فی الولایة، ویدل علیه النص والکلیة.

{وهما علی أولادهما} لما سبق من تقدیم کل وارث علی غیره، ولا خلاف فی هذا ولا إشکال، وقد تحقق: أن الوارث مطلقاً له الولایة، کبیراً کان أو صغیراً، عاقلاً أو مجنوناً، رجلاً أو امرأة، منتسباً إلی الأبوین أو إلی أحدهما، وأن من لا یرث لا ولایة له، وإن کان ولد ولد فی عرض الولد، وولد الأخ والأخت، وولد العم والخال، فی عرض آبائهم، والله سبحانه العالم.

ص:282

مسألة ٣ ولایة الإناث فی حال عدم وجوب الذکور

(مسألة _ 3): إذا لم یکن فی طبقة ذکور، فالولایة للإناث، وکذا إذا لم یکونوا بالغین، أو کانوا غائبین،

(مسألة _ 3): {إذا لم یکن فی طبقة ذکور، فالولایة للإناث} لأنهن أولی بالمیراث، ولآیة ƒوأولوا الأرحام‚، وغیرهما مما تقدم، ولصحیح زرارة: المرأة تؤم النساء، قال: «لا، إلا علی المیت، إذا لم یکن أحد أولی منها»((1)).

ثم إن النهی عن إمامتها محمول علی الکراهة، أو بعض المحامل الأخر، لما دل من الأدلة علی صحة إمامتها ((2))، کما ذکر فی کتاب الصلاة، کما أن المراد استقلالها بالإمامة، وإلا جاز لها أن تؤم بإجازة الولی.

ثم الظاهر أن الاحتیاج إلی إجازة الولی لها أو لغیرها، إنما هو فی الصلاة الواجبة علیها، وفی صلاة الإمام، أما صلوات أخر، أو صلاة المأموم، فلا حاجة فیها إلی الجازة، لانصراف الأدلة عن مثل ذلک.

{وکذا إذا لم یکونوا بالغین} فالولایة للإناث {أو کانوا غائبین} أو کانوا مجانین وما أشبه، کالسکران الذی لا یفیق حتی یخشی علی المیت، والمغمی علیه وما أشبه، وذلک لأن دلیل الولایة منصرف عن مثلهم، فیرجع إلی الإناث، للقاعدة وآیة

ص:283


1- الوسائل: ج2 ص803 الباب 25 من أبواب صلاة الجنازة ح1
2- أی للنساء

لکنّ الأحوط الاستیذان من الحاکم أیضاً فی صورة کون الذکور غیر بالغین أو غائبین.

ƒأولوا الأرحام‚، لکن فیه: ما تقدم من أن عدم إمکان المباشرة یوجب الرجوع إلی ولی القاصرین، من القیم والوصی والحاکم الشرعی، فلا وجه للرجوع إلی الإناث، علی ما اختاره من عدم ولایة الإناث، وإلا فقد عرفت أن الأقرب لدینا مشارکتهم للذکور فی الولایة.

نعم مع القصور یرجع فی حقه إلی الولی، مع مشارکته النساء فی الولایة.

والحاصل: أن کون الولایة متقومة بالولی نفسه، حتی إذا لم یتمکن من مزاولته لم تکن ولایة، خلاف ظاهر کونها حقاً، بل حال الولایة هنا حال سائر الحقوق.

وکأن لذا قال المصنف: {لکنّ الأحوط الاستئذان من الحاکم أیضاً فی صورة کون الذکور غیر بالغین، أو غائبین} أو قاصرین، بأسباب أخر، ثم إن مقتضی القاعدة أن یحتاط بالإذن من ولی القاصر، لا الحاکم الشرعی مطلقاً.

ص:284

مسألة ٤ أولویة الأم

(مسألة _ 4): إذا کان للمیت أمّ، وأولاد ذکور، فالأم أولی، لکن الأحوط الاستیذان من الأولاد أیضاً.

(مسألة _ 4): {إذا کان اللمیت أم، وأولاد ذکور، فالأم أولی} کأنه لما تقدم من بعض الوجوه الاعتباریة الدالة علی أن الأب مقدم علی الأولاد، لکن عرفت سابقاً ما فیه، بالإضافة إلی أنه مخالف لما تقدم منه من تقدیم الذکور علی الإناث.

{لکن الأحوط الاستئذان من الأولاد أیضاً} بل یلزم ذلک بناءً علی ما قربناه من تساوی الذکور والإناث فی کل المراتب، وربما یقال بتقدیم الابن علی الأم بالاحتیاط فی العکس، لما دلّ علی تقدیم الذکور مطلقاً _ کما سبق _ ولما استدل به المستند فی بحث الصلاة علی المیت عن المنتهی، بصحیح الکناسی، الدال علی تقدیم الابن علی الأم، بضمیمة عدم الفصل، فهذا یدل علی أن نسخة المنتهی کان فیها ذلک، لکنک قد عرفت أن النسخ المعتمدة من کتب الأخبار وکتب الفقهاء خالیة عن ذلک، وکیف کان فالأقوی ما ذکرناه.

ص:285

مسألة ٥ انحصار الطبقة فی الصبی والمجنون

(مسألة _ 5): إذا لم یکن فی بعض المراتب إلاّ الصّبی، أو المجنون، أو الغائب، فالأحوط الجمع بین إذن الحاکم والمرتبة المتأخّرة، لکن انتقال الولایة إلی المرتبة المتأخرة، لا یخلو عن قوّة، وإذا کان للصّبی ولیّ، فالأحوط الاستیذان منه أیضاً.

(مسألة _ 5): {إذا لم یکن فی بعض المراتب إلاّ الصبی، أو المجنون، أو الغائب، ف_} قد عرفت لزوم الاستئذان من ولیه، وربما یقال: بالانتقال إلی المرتبة المتأخرة، لأن قصورهم یوجب سقوطهم، فاللازم الرجوع إلی المرتبة المتأخرة، لآیة: ƒوأولوا الأرحام‚، وربما یحتمل سقوط الاستئذان أصلاً، لأن من له الولایة ساقط، وغیره لا دلیل علیه، بل کلیة «أولاهم بمیراثه»((1)) یقتضی عدم استئذان المرتبة المتأخرة، لأنهم لیسوا بأولی بمیراثه، لکن المصنف علی أن {الأحوط الجمع بین إذن الحاکم والمرتبة المتأخرة} أما إذن الحاکم فلأنه ولی من لا ولی له، وأما إذن المرتبة المتأخرة فلآیة: ƒوأولوا الأرحام‚.

{لکن انتقال الولایة إلی المرتبة المتأخرة، لا یخلو عن قوّة} لآیة ƒوأولوا الأرحام‚، {وإذا کان للصّبی ولّی، فالأحوط الاستئذان منه أیضاً} لاحتمال قیامه مقام الصبی، هذا ولا یخفی، أن إطلاق

ص:286


1- الحدائق: ج3 ص377، وفی الجواهر: ج4 ص41

الاستئذان من الحاکم، لا وجه له، لأن دور الحاکم بعد ولی القاصر، فإذا کان للقاصر ولی، لم یصل الدور إلی الحاکم، فإنه إن کان للوارث حق، قام ولیه مقامه، وإن یکن له حق، فإما أن یسقط الحق بالکلیة فلا حاجة إلی الإذن، وإما أن ینتقل إلی المرتبة المتأخرة، وعلی أی حال، لا یصل الدور إلی الحاکم.

ص:287

مسألة ٦ تعدد أهل المرتبة الواحدة فی الولایة

(مسألة _ 6): إذا کان أهل مرتبة واحدة متعددین، یشترکون فی الولایة، فلا بد من إذن الجمیع، ویحتمل تقدم الأسن.

(مسألة _ 6): {إذا کان أهل مرتبة واحدة متعدّدین یشترکون فی الولایة، فلا بد من إذن الجمیع} وذلک لإطلاق الأدلة الدالة علی الولایة، من الآیة والقاعدة الکلیة وغیرهما.

والظاهر أنه کما لا یصح للأجنبی القیام بالأعمال بإذن بعضهم فقط، کذلک لا یصح لبعضهم الاستبداد، إلاّ باجازة الباقین، لأن ظاهر الأدلة أن حقّاً واحداً لهم جمیعاً، فهو موزع علیهم، لا أن الحق لأیهم سبق، فما ذکره بعض الفقهاء من أن لکل واحد منهم الاستبداد، لا وجه له، ومما ذکرناه یظهر أنه لو أراد أحدهم شیئاً، وأراد الآخر شیئاً آخر، فإن لم یستلزم ذلک تأخیر الواجب مما یستلزم هتک المیت ونحوه، لا یحق لأحدهم تنفیذ رأیه، ولا للأجنبی المبادرة.

أما إذا استلزم الهتک ونحوه، فاللازم تدخل الحاکم، بإجبارهم علی توحید الهدف، ولو لم یتمکن الحاکم، فمن استبد نفذ رأیه، ولا یصل الدور إلی الأجنبی، خلافاً لمن قال بذلک، إذ أحد الورثة له بعض الحق، بخلاف الأجنبی الذی لا حق له إطلاقاً.

{ویحتمل تقدم الأسن} احتمالاً ضعیفاً، لأنه لا دلیل له،

ص:288

فعمومات الأدلة المقتضیة لاشتراک الأسن مع غیره هی المحکّمة. أما الأسن فقد قال به الحدائق، مستدلاً بصحیح صفار: کتبت إلی أبی محمد الحسن بن علی (علیه السلام): رجل مات، وعلیه قضاء من شهر رمضان عشرة أیام، وله ولیان، هل یجوز لهما أن یقضیا عنه جمیعاً، خمسة أیام أحد الولیین، وخمسة أیام الآخر؟ فوقّع (علیه السلام): «یقضی عنه أکبر ولییه عشرة أیام ولاءً إن شاء الله»((1))، وکأنه تعدی إلی المقام بالمناط، وفیه: إنه لا وجه له بعد اختصاص الروایة بمورد آخر، فإطلاقات أدلة الولایة هنا محکّمة، والله العالم.

ص:289


1- الحدائق: ج13 ص324

مسألة ٧ الوصیة إلی غیر الولی فی التجهیز

(مسألة _ 7): إذا أوصی المیت فی تجهیزه إلی غیر الولی، ذکر بعضهم عدم نفوذها إلا بإجازة الولیّ

(مسألة _ 7): {إذا أوصی المیت فی تجهیزه إلی غیر الولی، ذکر بعضهم عدم نفوذها إلا بإجازة الولی} بل عن المسالک أنه المشهور، وعن المختلف((1)) أنه قال: لم یعتبر علمائنا ما ذکر ابن الجنید من تقدیم الوصی، ومما ظاهره الإجماع، وصدقه الجواهر((2)) حیث قال: إنی لم أجد من وافقه علیه.

نعم عن المحقق الثانی احتماله، وعن المدارک نفی البأس عنه، واستدل له بعموم دلیل الولایة، فکما لا یحق للمیت أن یوصی بإعطاء ما للوارث من المال لغیره، لا یحق له أن یوصی بکون حق الوارث لغیره، ومن ذلک یظهر أنه لا تعارض بین دلیل الولایة ودلیل الوصیة، إذ الوصیة لا تنفذ إلاّ فی حق المیت، والمفروض أن الولایة حق الوارث، لا حق المیت، فهو داخل فی قوله تعالی: ﴿فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَیْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ﴾((3))، ثم إنه حیث کان هذا حقاً للوارث لا حکماً، جاز بإجازة الوارث، فهو من قبیل أن یوصی بأکثر من الثلث، حیث تنفذ الوصیة بإجازة الوارث.

ص:290


1- المختلف: ص120 س 22
2- الجواهر: ج4 ص43
3- سورة البقرة: الآیة 182

لکنّ الأقوی صحتها ووجوب العمل بها، والأحوط إذنهما معاً،

{لکن الأقوی صحّتها ووجوب العمل بها} کما عن ابن الجنید، ومیل المحقق الثانی، وفتوی المدارک، وتبعهم علی ذلک غیر واحد من الفقهاء، وذلک لعموم دلیل تسلیط الناس علی أنفسهم، فإن عمومه شامل لحال الحیاة وحال الممات، وعموم أدلة الوصیة، ولا یعارضها دلیل الولایة، لأن الظاهر منه أولویة الأقرب من القریب والأجنبی، لا أولویة الأقرب من نفس المیت، فأدلة التسلیط وأدلة الوصایة محکمة، ویدل علی ذلک أیضاً وصیة النبی (صلی الله علیه وآله) إلی علی (علیه السلام)، مع أن الزهراء (علیها السلام) هی الأقرب، ووصیة الإمام الحسن إلی الحسین (علیه السلام) مع أن أولاده کانوا أقرب، وما قالته: فاطمة (علیها السلام) لعلی (علیه السلام) حیث قالت: إن لم تقبل وصیتی أوصی إلی غیرک»، مع أن الزوج أولی، ووصیة الأئمة الطاهرین (علیهم السلام) إلی أحد أولادهم، مع أن سائر الأولاد کان لهم الحق فی الولایة، ویؤید ذلک سیرة المتشرعة، فإنهم یوصون إلی غیر أولیائهم غالباً، أو إلی بعض أولیائهم، ویتلقاها المتشرعة نافذة من دون الاحتیاج إلی إجازة الولی.

فقول المصنف: {والأحوط إذنهما معاً} فی غایة الضعف.

نعم لعله لا بأس به، من جهة عدم مخالفة ما نقل عن المشهور، وإن کان فی الشهرة أیضاً تأمل.

نعم لو أراد المیت بوصیته تشریع الحکم، بنقل الولایة الشرعیة إلی الوصی بطلت، وإن أجاز الولی، لأن الموصی لیس بیده

ص:291

ولا یجب قبول الوصیة علی ذلک الغیر وإن کان أحوط.

التشریع، کما أنه لو أراد تشریک غیر الوارث مع الوارث فی الإرث، بعنوان کونه وارثاً بطل، کما هو واضح، وقد قال بعض الفقهاء((1)): (الناس مسلطون علی أموالهم، لا علی أحکامهم) وفصلنا ذلک فی شرحنا علی المکاسب((2)).

{ولا یجب قبول الوصیة علی ذلک الغیر} لأصل البراءة، وفصّل فی المستمسک بین الوصیة بالمباشرة فلا یجب القبول، وبین الوصیة بالولایة بأن جعل الموصی ولیاً عنه فی التجهیز، فإذا ردها حال الحیاة ردت، وإلاّ وجب التنفیذ، والظاهر التفصیل بین الرد حال الحیاة فترد، وبین عدم الرد حال الحیاة فتنفذ مطلقاً، وذلک لإطلاق الأدلة الواردة فی الوصیة المفصلة لهذا التفصیل، کما ذکر فی کتاب الوصیة، بناءً علی اتباع هذا التفصیل فی باب الوصیة.

وکذا قال المصنف: {وإن کان أحوط} بل هو الأقوی کما عرفت.

ص:292


1- هو الشیخ الأنصاری (رحمه الله) فی المکاسب: ص89
2- انظر: إیصال الطالب إلی المکاسب، طبعة الأعلمی طهران

مسألة ٨ رجوع الولی عن إذنه أثناء العمل

(مسألة _ 8): إذا رجع الولی عن إذنه فی أثناء العمل، لا یجوز للمأذون الإتمام، وکذا إذا تبدّل الولی، بأن صار غیر البالغ بالغاً، أو الغائب حاضراً، أو جُنّ الولی، أو مات، فانتقلت الولایة إلی غیره.

(مسألة _ 8): {إذا رجع الولی عن إذنه فی أثناء العمل، لا یجوز للمأذون الإتمام} لأن ذلک مقتضی سلطة الولی، ولا دلیل علی أنه لیس له الرجوع، إذ لا یجب إتمام أی عمل من أعمال المیت حتی الصلاة، إذ یجوز إبطالها فی الأثناء، فلیس من قبیل الصلاة الیومیة، والحج، وصوم القضاء بعد العصر عن المیت، حیث إنه إذا استأجره لم یکن له الرجوع، إذ لا یحق للأجیر إبطال العمل، ولا الانتقال من قضاء المیت إلی غیره.

نعم لا إشکال فی صحة القدر المأتی به، فیجوز لمن بعد المأذون الإتمام، إلا فی الصلاة، إذ لا دلیل لصحة تعدد الآتی بأجزاء الصلاة بأن یکبر کل واحد تکبیرة مثلاً.

{وکذا إذ تبدّل الولی، بأن صار غیر البالغ بالغاً، أو الغائب حاضراً، أو جُنّ الولی، أو مات، فانتقلت الولایة إلی غیره} فإن المأذون لا یحق له الإتمام إلا بإجازة الولی الجدید، إذ الولی السابق لا حق له فی إعطاء الإذن إلی ما بعد زمان ولایته.

نعم لو کان الولی حاضراً وأجاز ثم غاب، بقی الاذن، إذ الغیبة لا تخرجه عن أهلیته.

ص:293

مسألة ٩ حضور الغائب أو بلوغ الصبی

(مسألة _ 9): إذا حضر الغائب، أو بلغ الصبی، أو أفاق المجنون، بعد تمام العمل، من الغسل أو الصلاة _ مثلاً _ لیس له الإلزام بالإعادة.

(مسألة _ 9): {إذا حضر الغائب، أو بلغ الصبی، أو أفاق المجنون، بعد تمام العمل، من الغسل أو الصلاة مثلاً، لیس له الإلزام بالإعادة} لوقوع العمل صحیحاً، فلا مجال لامتثال ثان، بعد الامتثال الأول.

نعم الظاهر أن له تبدیل الحنوط، أو الکفن، أو القبر، قبل أن یتم الدفن، إذ لا یلزم ما أوتی به، فعموم ولایته تقتضی جواز التبدیل، کما یحق له أن ینیب إنساناً آخر، أو یقوم هو بالصلاة علیه ثانیاً، وذلک لمشروعیة الصلاة مکرراً، مما لم یصل علیه، أو صلّ، ویعید علی جماعة أخری إماماً کما سیأتی فی باب الصلاة.

ص:294

مسألة ١٠ جواز الاکتفاء بالادعاء للولایة

(مسألة _ 10): إذا ادعی شخص کونه ولیاً، أو مأذوناً من قبله، أو وصیّاً، فالظاهر جواز الاکتفاء بقوله، ما لم یعارضه غیره، وإلا احتاج إلی البیّنة، ومع عدمها لا بد من الاحتیاط.

(مسألة _ 10): {إذا ادعی شخص کونه ولیاً، أو مأذوناً من قبله، أو وصیاً، فالظاهر جواز الاکتفاء بقوله} لأصالة الصحة فی قوله وعمله، وقیام السیرة علی القبول، وکل ذلک مقدم علی أصل العدم، ومنه یظهر أنه لو قام بتجهیز بعض الناس، لا یجب التحقیق حول کونه ممن یصح تجهیزه، أم لا؟

{ما لم یعارضه غیره} لسقوط أصالة الصحة بالتعارض، ولا سیرة مع المعارضة، فیدخل فی أبواب المنازعات، ولذا قال: {وإلاّ احتاج إلی البینة} والحلف إن لم تکن بینة {ومع عدمها} بل عدمهما {لا بد من الاحتیاط} بأخذ موافقتهما من الحاکم ولو کرها ذلک، ولو لم یمکن فهل یکرر المراسیم، للعلم الإجمالی، ولو تعارضا فیما لم یکن التعدد کالدفن، کان المحکم التخییر، أو لا یکرر، بل یخیر حفظاً لاحترام المیت، فإن تغسیله مرتین مثلاً إهانة له، احتمالان: الظاهر التکرار، إلا فی ما نافی حق المیت، أو لم یمکن التکرار ففیهما یخیر بین أحدهما، هذا کله إذا لم یکن هناک أصل موضوعی، وإلا کان هو المحکم.

ص:295

مسألة ١١ الغاسل المکره، والمصلی المکره

(مسألة _ 11): إذا أکره الولی أو غیره شخصاً علی التغسیل أو الصلاة علی المیت، فالظاهر صحة العمل إذا حصل منه قصد القربة،

(مسألة _ 11): {إذا أکره الولی أو غیره، شخصاً علی التغسیل، أو الصلاة علی المیت} مما هو عبادة.

{فالظاهر صحة العمل، إذا حصل منه قصد القربة} لأن العمل تام، فهو امتثال للأمر، ولا دلیل علی أن الإکراه یوجب البطلان.

ثم إنه لا إشکال فی حصول قصد القربة موضوعاً، إما لأنه کان یرید أن یعمل بدون الإکراه، أو لأنه قصد العمل بعد الإکراه، بدون أن یؤثر الإکراه علی إرادته، أو لأن الإکراه من قبیل الداعی إلی الداعی، کالمال الذی هو داعی فی إجارة العبادات، ولذا یصح إکراه الناس علی العبادة إذا ترکوها، وإن لم نقل بذلک _ أی بالداعی علی الداعی _ بأن قلنا: إن العبادة مکرهة باطلة، لزم بطلان صلاة من أکره، وکذا خمسه، وحجه، وسائر عباداته، وهو خلاف الضرورة، ولذا ورد إکراه علی (علیه السلام) إنساناً علی الطمأنینة بالصلاة، برمی نعله إلیه، لما کان یخفف فی صلاته، وورد " أن الأطفال یضربون لأجل اتیانهم بالصلاة" ((1))، وورد «جبر الناس علی

ص:296


1- کما فی المستدرک: ج1 ص171 الباب 3 من أبواب وجوب الصلاة ح2 و4

لأنه أیضاً مکلف کالمکره.

الصیام، بالتعرض لهم إذا أفطروا»((1)) إلی غیر ذلک مما یجده المتتبع.

نعم إذا فرض أن الإکراه أوجب الإتیان بالصورة بدون قصد القربة فلا إشکال فی عدم الکفایة، لفقد الشرط المقتضی لفقد المشروط، فالقول: بأن الجمع بین الإکراه وبین قصد القربة مشکل، کما صدر عن بعض الشراح، لا وجه له.

ومما تقدم ظهر أنه لا وجه لقوله: {لأنه أیضاً مکلف کالمکره} لأن کونه مکلفاً، أو غیر ملکف، لا یؤثر فی الصحة، وإنما المؤثر فی الصحة صحة العمل منه، بأن یکون ما یأتی امتثالاً، ولذا تصح عبادة قضاء المیت عن المکرّه _ بالفتح _ إذ تمشت القربة منه.

ص:297


1- کما فی المستدرک: ج1 ص570 الباب 2 من أبواب أحکام شهر رمضان ح1

مسألة ١٢ ترتیب الأولیاء

(مسألة _ 12): حاصل ترتیب الأولیاء، أنّ الزوج مقدّم علی غیره، ثمّ المالک، ثم الأب، ثمّ الأم، ثمّ الذکور من الأولاد البالغین، ثمّ الإناث البالغات، ثم أولاد الأولاد، ثم الجد ثم الجدة، ثم الأخ، ثم الأخت، ثم أولادهما، ثم الأعمام، ثمّ الأخوال، ثم أولادهما، ثمّ المولی المعتق، ثمّ ضامن الجریرة، ثم الحاکم، ثم عدول المؤمنین.

(مسألة _ 12): {حاصل ترتیب الأولیاء} إن کل من یرث هو ولی، فإن کان وحده یرث، فهو ولی، وإن کان یرث مع غیره، فالکل أولیاء، إلاّ فی الزوج، فهو ولی وحده، وإلاّ الزوجة، ففی ولایتها نظر لعدم شمول الآیة، والکلیة وإن شملتها إلا أن الظاهر عدم القول بذلک من أحد.

أما ما ذکره المصنف بقوله: {إنّ الزوج مقدم علی غیره، ثمّ المالک، ثم الأب، ثم الأم، ثم الذکور من الأولاد البالغین، ثم الإناث البالغات، ثم أولاد الأولاد، ثم الجد، ثم الجدّة، ثم الأخ، ثم الأخت، ثم أولادهما، ثم الأعمام، ثم الأخوال، ثم أولادهما، ثم المولی المعتق، ثم ضامن الجریرة، ثم الحاکم، ثم عدول المؤمنین} فقد عرفت الإشکال فیه سابقاً.

نعم: عدول المؤمنین یتولون، وإن لم یرثوا، فالخارج عن عموم کلیة «الوارث ولی» ثلاثة: الزوج فی وقت وجوده، والزوجة، وعدول المؤمنین، والله سبحانه العالم.

ص:298

فصل فی تغسیل المیت

فصل

فی تغسیل المیت

یجب کفایة تغسیل کل مسلم، سواء کان اثنی عشریاً أو غیره،

{فصل}

{فی تغسیل المیت، یجب کفایة} کما تقدم وجه کونه کفائیاً {تغسیل کل مسلم، سواء کان اثنی عشریاً} بلا خلاف، ولا إشکال، بل اجماعاً مستفیضاً، بل ضرورة {أو غیره} بأن کان غیر اثنی عشریاً، مع اعترافه بإمامة بعض الأئمة، أو کان مخالفاً، بل أو منافقاً لا یعتقد بما یقوله باللسان.

أما من لا یعترف باللسان، وإن کان قلبه مطمئناً بالإیمان، فلا إشکال فی أنه کافر، قال سبحانه: ﴿وَ جَحَدُوا بِها وَاسْتَیْقَنَتْها

ص:299

أَنْفُسُهُمْ﴾((1)) وقال تعالی: ﴿یَعْرِفُونَهُ کَما یَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ﴾((2)).

ثم إن وجوب غسل کلّ مسلم غیر إمامی هو المشهور بین الفقهاء، بل عن النهایة والتذکرة الإجماع علیه، لکن المحکی عن المفید، والمراسم، والمهذب، والمعتبر، والمدارک: عدم الوجوب، والأقوی هو الأول، واستدل له بأمور:

الأول: استصحاب جریان حکم المسلم الثابت حال الحیاة علیه.

الثانی: إن أحکام الإسلام جاریة علی کل من أظهر الشهادتین بالضرورة، ومن جملة أحکام الإسلام أحکام الأموات.

أما أن أحکام الأموات من جملة أحکام الإسلام، فبالضرورة والنصوص والإجماعات.

وأما أن أحکام الإسلام تجری علی کل مظهر للشهادتین، فلما ورد عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) من أنه أمر بمقاتلة الناس حتی یظهروا الشهادتین((3))، فإذا أظهروهما حقنوا دماءهم وأموالهم، ومن

ص:300


1- سورة النمل: الآیة 14
2- سورة البقرة: الآیة 146
3- البحار: ج65 ص242 ح2

المعلوم: أن الحقن کان بالإسلام، مع بداهة أن النبی (صلی الله علیه وآله) کان یجری أحکام الإسلام من نکاح وإرث وغیرهما، بمجرد إظهار الرجل الشهادتین.

الثالث: جملة من الروایات، مثل ما رواه الشیخ عن الصادق (علیه السلام) عن أبیه (علیه السلام) قال: «صلّ علی من مات من أهل القبلة، وحسابه علی الله»((1)).

بضمیمة عدم الفصل، بین الصلاة وبین سائر التجهیزات.

وبما رواه الشیخ، عن أبی خالد، قال (علیه السلام): «اغسل کل الموتی، الغریق وأکیل السبع وکل شیء، إلاّ ما قُتل ما بین الصفین، فإن کان به رمق غسل، وإلاّ فلا»((2)).

وبموثق سماعة، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «غسل المیت واجب»((3)).

وبما رواه العوالی، عن فخر المحققین قال: قال النبی (صلی الله

ص:301


1- أمالی الصدوق: ص180 المجلس 39 ح2
2- التهذیب: ج1 ص330 الباب 13 فی تلقین المحتضرین ح135
3- التهذیب: ج1 ص104 الباب 5 فی الأغسال المفترضات .... ح2

علیه وآله): «فرض علی أمتی غسل موتاها، والصلاة علیها، ودفنها»((1)).

والرضوی: «واعلم یرحمک الله أن تجهیز المیت فرض واجب علی الحیّ»((2)). إلی غیرها من الروایات.

وأشکل علی الکل، أما الاستصحاب، فبأنه لا یقین فی السابق، للشک فی أن غیر الشیعی محکوم بجمیع أحکام المسلمین.

وأما الکلیة فهی مشکوکة.

وأما الروایات، فالأولی منها: واردة فی مقام توهم الحظر، فلا دلالة فیها علی الوجوب.

والثانیة: لا دلالة فیها علی العموم من حیث الاعتقاد، بل من حیث أفراد الموت.

والثلاثة الأخر: واردة فی مقام أصل المشروعیة، فلا دلالة فیها علی العموم.

هذا، ولکن الانصاف أن الإشکالات المذکورة غیر واردة، بل هی من قبیل الاستحسانات، والمناقشات التمحلیة، ولا أوضح من سیرة الرسول (صلی الله علیه وآله) حیث کان یقوم بتجهیز کل من

ص:302


1- العوالی: ج2 ص222 ح29
2- فقه الرضا: ص20 س 1

مات من أصحابه، أو یقرر ذلک، مع أن فیهم المخالف والمنافق غیرهما.

أما: ما استدل به للقول الآخر، فهو أمور:

الأول: الأصل، وفیه: إنه لا یقاوم الدلیل.

الثانی: إن من لا یقبل ما قاله الرسول (صلی الله علیه وآله) فاولئک هم الکافرون، کما قال تعالی: ﴿وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الْکافِرُونَ﴾((1)) وفیه: إن الرسول (صلی الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) عاملوا أولئک معاملة المسلمین.

الثالث: أن الغسل ونحوه لأجل طهارة المیت وکرامته، وهما لا یلیقان إلا بالمؤمن، لما ورد عن أبی جعفر (علیه السلام): «أیما مؤمن غسل مؤمناً _ إلی قوله _ إلا غفر الله له ذنوب سنة إلا الکبائر»((2)).

وقوله (علیه السلام): «من کفن مؤمناً، کان کمن ضمن کسوته إلی یوم القیامة»((3)).

وقوله الرضا (علیه السلام) فی علة الغسل: «لأنه یلقی الملائکة _ إلی قوله: _ فیستحب .. أن یکون طاهراً نظیفاً»((4)).

ص:303


1- سورة المائدة: الآیة 44
2- الوسائل: ج2 ص690 الباب 7 من أبواب غسل المیت ح1
3- الوسائل: ج2 ص754 الباب 26 من أبواب التلقین ح1
4- الوسائل: ج2 ص679 الباب 1 من أبواب غسل المیت ح3

وقوله (علیه السلام): «ولتلاقیه الملائکة وهو طاهر»((1)).

وفیه: إن المراد بالمؤمن من أظهر الشهادتین، فإن للمؤمن إطلاقَ عام، وإطلاقَ خاص، وإطلاقَ خاص الخاص، مثل قوله تعالی: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذینَ إِذا ذُکِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾((2)).

بالإضافة إلی أنه لو أرید به المؤمن الأخص، کان ذلک من باب مفهوم اللقب، کما أن ما ذکر فی الروایات حِکَم، وإلاّ لزم أن لا یغسل الزانی واللاطی وشارب الخمر، ممن عقائده صحیحة، وهذا واضح العدم.

الرابع: قوله تعالی: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلیأَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً﴾((3))، وفیه: إنها فی المنافق البین النفاق، فلا یشمل غیره، مضافاً إلی أنه من قبیل التهدید، لا أنه سیق مساق التکلیف، فهو من قبیل قوله تعالی:﴿جاهِدِ الْکُفَّارَ وَالْمُنافِقینَ﴾((4)) فإن رسول الله (صلی الله علیه وآله) لم یجاهد المنافقین بمثل ما جاهد الکفار، ویدل علی أنه سیق مساق التهدید، تشریع الصلاة علی المنافق کما سیأتی، وأن رسول الله (صلی الله علیه وآله) صلی علی المنافقین، فالمراد بالآیة، أنهم لا

ص:304


1- العلل: ج1 ص300 الباب 238 ح2
2- سورة الأنفال: الآیة 2
3- سورة التوبة: الآیة 84
4- سورة التوبة: الآیة 73، وسورة التحریم: الآیة 9

لکن یجب أن یکون بطریق مذهب الاثنی عشری،

یستحقون الصلاة، والقیام علی القبر.

الخامس: ما رواه الاحتجاج، عن صالح بن کیسان، قال: لما قَتَل معاویةُ، حجرَ بن عدی وأصحابه، حج ذلک العام، فلقی الحسین بن علی (علیه السلام) فقال: یا أبا عبد الله، هل بلغک ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشیاعه وشیعة أبیک؟ فقال (علیه السلام): «وما صنعت بهم»، قال: قتلناهم وکفناهم وصلینا علیهم، فضحک الحسین (علیه السلام) ثم قال: «خصمک القوم یا معاویة، لکننا لو قتلنا شیعتک ما کفناهم ولا صلینا علیهم ولا قبّرناهم»((1)).

وفیه: إن ذلک فی الکفار من الفرق المنتحلة للإسلام، کأصحاب معاویة، لا کل مسلم لیس له عقائد صحیحة.

وعلی کل حال: فإنه لا ینبغی الإشکال فی إجراء أحکام الأموات علی أمواتهم، حتی إن الأردبیلی علی تحقیقه قال: (والظاهر أنه لا نزاع فیه لأحد من المسلمین کما یفهم من المنتهی)((2))، انتهی.

{لکن یجب أن یکون} الغسل {بطریق مذهب الاثنی عشری} کما فی الحدائق، والمستند، والجواهر، وغیرها، خلافاً لجامع المقاصد، حیث قال: (وظاهرهم أنه لا یجوز تغسیله غسل أهل

ص:305


1- الاحتجاج: ج2 ص296 ط. الأعلمی
2- مجمع البرهان: ج1 ص172 س 11 ط. قم

الولایة، ولا نعرف لأحد تصریحاً بخلافه]((1)).

استدل الأولون بعمومات وإطلاقات الغسل، وبأن ذلک هو التکلیف الواقعی، فاللازم اتباعه، لأن تغییر التکلیف عن الواقعی إلی غیره، یحتاج إلی الدلیل وهو مفقود فی المقام، وبأن الغسل بغیر هذا النحو باطل، فوجوده وعدمه سواء، وبأن التغسیل خطاب للمغسّل، لا للمیت، وتکلیف المغسل هو الواقع.

واستدل للقول الثانی: بقاعدة "ألزموهم" الحاکمة علی کل الأدلة الأولیة، والإلزام کما یشمل الأحیاء یشمل الأموات، ولذا یصح أن یصرف ماله الموصی به، فی المصرف الذی عینه، وإن کان الوصی لا یری صحة ذلک.

أقول: وقد أورد علی کل من الاستدلالات المذکورة، لکن الظاهر عدم تمامیة کل الإیرادات، وعلی هذا فمقتضی القاعدة صحة الطریقتین، فلنا أن نغسله بطریقتنا، أو بطریقتهم.

أما طریقتنا، فلما تقدم فی أدلة القول الأول، وأما بطریقتهم فلقاعدة "الإلزام"، حیث إن قاعدة الإلزام لا تدل علی لزوم ترتیب آثار أعمال أنفسهم، بل منتهاها إفادة السماح بذلک، ولذا اخترنا فی باب القضاء جواز أن یحکم القاضی الإسلامی بین الکفار، علی

ص:306


1- جامع المقاصد: ص50 غسل الأموات س25

ولا یجوز تغسیل الکافر

حسب مذهبهم، أو حسب دین الإسلام، قال علی (علیه السلام): «لقضیت بین أهل التوراة بتوراتهم، وبین أهل الإنجیل بإنجیلهم، وبین أهل القرآن بقرآنهم»((1)). إلی غیر ذلک من الأدلة التی ذکرناها هناک.

نعم لو کانت تقیة ملزمة، یلزم العمل علی طبق مذهبهم، وذلک لأمر ثانوی، وکذلک یقال بالنسبة إلی سائر المراسیم، إلا الصلاة التی وردت لها کیفیة خاصة بالنسبة إلی المنافق، کما سیأتی إن شاء الله تعالی.

{ولا یجوز تغسیل الکافر} الأصلی، والملحق به، بلا إشکال ولا خلاف، بل عن جمع من الفقهاء کالشیخ والعلامة وغیرهما ؟؟؟.

ویدل علیه الأدلة الأربعة:

أما الکتاب: فقوله تعالی: ­(ولا تصل علی أحد منهم مات أبداً) فإنه یدل بالفحوی علی المقام.

وأما السنة: فروایة الإمام الحسین (علیه السلام) المتقدمة التی قالها لمعاویة.

وموثقة عمار، عن الصادق (علیه السلام): أنه سئل عن النصرانی یکون فی السفر وهو مع المسلمین فیموت؟ قال (علیه

ص:307


1- انظر البحار: ج35 ص387 الباب 19 ح5

وتکفینه، ودفنه، بجمیع أقسامه من الکتابی والمشرک والحربی والغالی والناصبی والخارجی والمرتد الفطری والملّی، إذا مات

السلام): «لا یغسله مسلم، ولا کرامة، ولا یدفنه، ولا یقوم علی قبره، وإن کان أباه»((1)).

وعن شرح الرسالة للسید، قال: (روی عن أبی عبد الله (علیه السلام) النهی عن تغسیل المسلم قرابته الذمیّ والمشرک، وأن یکفنه ویصلی علیه ویلوذ به)((2)).

{و} کذا {تکفینه ودفنه} ویؤید ذلک أن الرسول وعلیاً والحسن والحسین (علیهم السلام) الذین حاربوا الکفار ومن بحکمهم، لم یغسلوا قتلی الطرف الثانی، ولم یجروا علیهم سائر المراسیم.

نعم هذا یدل علی عدم الوجوب، لا علی عدم الجواز، کما أن روایة الحسین (علیه السلام) تدل علی ذلک أیضاً.

{بجمیع أقسامه، من الکتابیّ والمشرک} والملحد {والحربیّ} فی مقابل الذمی {والغالی} کالذی یقول بألوهیة أمیر المؤمنین (علیه السلام) {والناصبی والخارجی والمرتدّ الفطری والملّی، إذا مات

ص:308


1- الوسائل: ج2 ص703 الباب 18 من أبواب غسل المیت ح1
2- کما فی المعتبر: ص89 فی أحکام الأموات س24

بلا توبة

بلا توبة} وذلک لأن هذه الفِرَق محکومون بالکفر، وقد عرفت أن المحکوم بکفره لا غسل ولا تجهیز له، وقد تقدم فی مبحث الکفر ما له نفع فی المقام.

أمّا المرتد، فإذا تاب ومات، فإنه تجری علیه مراسیم الإسلام، لما تقدم فی مبحث مطهریة الإسلام، من قبول إسلام المرتد ظاهراً وباطناً، وهنا مسائل:

الأولی: الظاهر أنه إذا غسّل المخالف ونحوه، علی الطریقة الصحیحة، سواء عندهم أو عندنا، رتب علیه آثار الغسل، فلا یجب الغسل بمسّه، وکذا إذا غسلوه هم علی طریقتهم، وذلک لأنه غسل مأمور به أصلاً أو تقیة، أو لأنه محکوم بإلزامه بما التزاموا به، وعلی أی حال، فالشارع أمضاه واقعاً، أو أمضاه لنا من باب القاعدة، فحاله کما إذا طلق زوجته ثلاثاً، حیث یجوز لنا نکاحها، أو حجت من دون طواف النساء، حیث یجوز لنا مقاربتها إذا کانت زوجة، أو مقاربة الرجل الحاج إذا کانت امرأة شیعیة زوجة لسنی، إلی غیرها من الأحکام، ولذا کان المحکی عن جامع المقاصد، بترتیب آثار الغسل لو غسل علی طریقتهم، وعلیه: فإذا غسلوا میتهم سقط عنا غسله، وإن کان غسله باطلاً بالنظر إلی الواقع.

الثانیة: إذا کان ولی المیت الشیعی سنیاً، کانت له الولایة، لإطلاقات الأدلة، فإذا غسله علی طریقتهم، بطل غسله، ووجب

ص:309

علی الشیعة غسله، لأنه محکوم بأنه لم یغسل، إذ الإطلاقات محکمة، ولا قاعدة فی المقام تقتضی صحة غسله، وإن لم یمکن غسله ترتب علی مسّه وجوب غسل المس، ولو صلی علیه بطریقتهم، وجبت الصلاة حتی علی قبره إذا لم یمکن الصلاة الصحیحة علیه.

الثالثة: الظاهر جواز دفن الکافر بطم التراب علیه کیف کان، کما لا یجوز دفنه علی الطریقة الشرعیة، إذ لا یجوز شرعاً، کما تقدم فی بعض الأحادیث النهی عنه، وربما وجب الطم إذا خیف من ضرر بقائه بلا دفن.

أما إحراق جثته، فإن جاز فی دینه کالهندوس، فالظاهر جوازه من باب قاعدة الإلزام، وإن لم یجز فی دینه کسائر الکفار، لم یجز من باب ما ورد من أنه «لا یحرق بالنار إلاّ رب النار». ولو لم یثبت حجیة ذلک، فالاحتیاط فی الترک.

الرابعة: لو اقتضت التقیة والمداراة تجهیز سائر الفرق المحکوم بکفرهم کالخوارج والنواصب، جاز من باب التقیة، فإن العمومات والإطلاقات تشمله، وهی حاکمة علی ما تقدم من عدم الجواز، ولو اقتضت التقیة ترک الشیعی بیدهم لیغسلوه بطریقتهم ولم یمکن تجدید غسله، فلا إشکال فی سقوطه غسله.

أما هل یقوم ذلک مقام الغسل الصحیح، حتی لا یکون مسّه

ص:310

وأطفال المسلمین بحکمهم

موجباً لغسل المس، أم لا؟ احتمالان: من إطلاق أدلة التقیة، ولو بالتلازم العرفی، ومن أنه لم یغسل واقعاً، والأول أقرب، والثانی احوط.

ولو دفنوا هم موتاهم علی طریقتهم، لم یجب تعدیله علی کیفیة مذهبنا، أما لو دفنوا الشیعی وأمکن تعدیله ولو بالنبش وجب، لإطلاقات الأدلة، ودلیل حرمة النبش لا یشمل المقام، کما سیأتی فی باب الدفن إن شاء الله تعالی.

الخامسة: لو لم یعلم أن المیت سنی أو شیعی، بعد أن علم بأنه مسلم، فالظاهر وجوب تجهیزه علی طبق مذهبنا، وذلک لأن الاشتغال الیقینی یحتاج إلی براءة یقینیة، فإنه کان سنیاً أو شیعیاً صحت هذه الکیفیة، أما إذا کان شیعیاً لم تصح کیفیتهم بالنسبة إلیه، وهنا فروع أخر نضرب عنها خوف التطویل.

{وأطفال المسلمین بحکمهم} بلا إشکال، ولا خلاف، بل المسألة إجماعیة، بل ضروریة، ویدل علیه إطلاقات الأدلة، وما سیأتی من تغسیل الصبی والصبیة، وعمل رسول الله (صلی الله علیه وآله) حیث غسّل إبراهیم ولده، إلی غیر ذلک، کما أنه لا إشکال ولا خلاف، فی وجوب إجراء المراسیم علی العصاة، ولو کا العاصی من أکبر المجرمین ما دام لم یحکم بکفره، وذلک لإطلاق الأدلة، وخصوص ما رواه التهذیب عن العلاء قال: سئل أبو عبد الله (علیه السلام) وأنا حاضر عن رجل قُتل فقطع رأسه فی معصیة الله، أیغسل، أم یفعل به ما یفعل بالشهید؟ فقال: «إذا قتل فی معصیة الله، یغسل

ص:311

وأطفال الکفار بحکمهم

أولاً منه الدم، ثم یصب علیه الماء صبّاً، ولا یدلک جسده»((1)) إلی آخر الحدیث.

وما فی فقه الرضا: «وإن کان قتیل فی معصیة الله، غسّل کما یغسل المیت، وضمّ رأسه إلی عنقه، ویغسل مع البدن کما وصفناه»((2))، الحدیث.

ومنه: یعرف أنه لا وجه لاحتمال عدم إجراء المراسیم، لأنها کرامة للمیت، والعصاة الذین هم محلّ إهانة الله سبحانه، لا یستحقون الکرامة، إذ قد تقدم فی باب المخالف أن ما ذکر فی الروایات، من باب الحکمة لا العلة، فإطلاقات الأدلّة محکمة.

{وأطفال الکفّار بحکمهم} بلا إشکال ولا خلاف، کما یظهر من إرسالهم المسألة إرسال المسلّمات، وفی الجواهر: (إنه لا إشکال)((3))، ویدل علیه قاعدة الإلزام، وما دلّ علی أنهم بحکم آبائهم فی الاسترقاق وغیره، فإنه لو لم یکن لهم حکم آبائهم لم یسترقوا، والسیرة القطعیة، فإنه لم یسمع من مسلم قط، أن یتصدی لتجهیز طفل من أطفال الکفّار، وبذلک یظهر أنه لا یناقش فی المسألة من جهة الحدیث الوارد «کل مولود یولد علی الفطرة» فإنه: لا یدل

ص:312


1- التهذیب: ج1 ص448 الباب 23 فی تلقین المحتضرین ح94
2- فقه الرضا: ص19 س 2
3- الجواهر: ج4 ص85

وولد الزّنا من المسلم بحکمه

علی إجراء أحکام المسلم علیه، کما أنه لا یقال: إن الطفل لیس بکافر، خصوصاً إذا کان غیر ممیز، فلماذا یجری علیه أحکام الکفار، وذلک لحکومة ما ذکرناه من الأدلة علی هذه الأدلة، ولذا یجری علی أطفال الکفار کل أحکام الکافر، من النجاسة، وعدم جواز نکاحها لمسلم إذا لم تکن کتابیة، وعدم إنکاح المسلمة له بإجازة ولیه، إلی غیر ذلک، وهذه الأحکام من الضروریات کما لا یخفی.

{وولد الزّنا من المسلم بحکمه} بلا إشکال، بل حکی الجواهر عن الخلاف الإجماع علیه، وذلک لأنه مسلم، وإن لم یکن ملحقاً بالزانی فی الإرث ونحوه، ولذا له سائر أحکام المسلمین من الطهارة _ علی المشهور _ وجواز نکاحه بالمسلمة، وإنکاحها بالمسلم، ودخوله المسجد، وغیر ذلک، فإنه ولد الزانی، ولذا قالوا: بعدم جواز نکاح محارمه له، أو لها، وکذلک بالنسبة إلی سائر أحکام باب النکاح، وکذلک أحکام الحدود والدیات وغیرها، کلها تجری علیه طبق المسلمین.

أما قوله (صلی الله علیه وآله): «للعاهر الحجر»((1)). فإنه یدل علی إجراء أحکام ولد الحلال، فیما إذا کان هناک زوج وزانٍ قابل لولادته منهما، أما إذا لم یقبل ولادته من الزوج، فهو للزانی،

ص:313


1- العوالی: ج2 ص275 ح41

ومن الکافر بحکمه،

أو من الزانی، فهو للزوج قطعاً، فلا ربط للحدیث بالمقام، وکذلک أفتوا بحلیة نظر الزّانی إلی بنته من الزناء، وهو إلی أمه الزانیة، إلی غیر ذلک.

{ومن الکافر بحکمه} لا ینبغی الإشکال فی ذلک، لأنه ولد الکافر شرعاً وعرفاً، وإنما قلنا شرعاً لما ذکروه فی باب نکاح ولد الزنا من أبیه، والزانی من بنته المخلوقة من الزنا.

وقد عرفت أن "کل مولود" لا یرتبط بباب الأحکام، وإلا لم یجز استرقاقه وإجراء سائر أحکام الکفار علیه، کما أن عدم کونه مذنباً لا یلازم إجراء الإحکام علیه.

نعم فی الآخرة یوفی عمله إلیه، إن خیراً فخیر، وإن شراً فشر، قال فی المستمسک: (ولم یستعبد فی الجواهر تغسیله، لعدم الحکم بکفره، فیدخل تحت عموم وجوب التغسیل المتقدم، ولا سیما مع ما دلّ علی أن کل مولود یولد علی الفطرة)((1))، وفیه: إن العموم قد عرفت إشکاله، وحدیث الفطرة أعرض الأصحاب عن العمل بمقتضاه، کما اعتراف به فی لقطة الجواهر وغیرها، انتهی.

أقول: العموم مسلّم، لکن فی المقام حاکم علیه، وحدیث الفطرة لا یرتبط بالأحکام، فکلام الجواهر وإن کان محل منع،

ص:314


1- المستمسک: ج4 ص69

والمجنون إن وصف الإسلام بعد بلوغه مسلم، وإن وصف الکفر کافر، وإن اتصل جنونه بصغره، فحکمه حکم الطفل فی لحوقه بأبیه، أو أمه،

لکن إشکالی المستمسک علیه محل نظر.

{والمجنون} سواء کان مجنون مسلم، أو مجنون کافر {إن وصف الإسلام بعد بلوغه} عاقلاً، ثم جن {مسلم} لاستصحاب الإسلام {وإن وصف الکفر} عاقلاً، ثم جن {کافر} لاستصحاب الکفر، وقد ادعی عدم الخلاف بل الاجماع علی الحکمین، بل ما دلّ علی أن الکافر حکمه کذا، یشمل الکافر الأصلی والکافر المرتد، سواء بقی علی عقله أم جن، کما أن ما دل علی أن المسلم حکمه کذا، یشمل المسلم عن آبائه والمسلم الجدید، سواء بقی علی عقله أم جن، وحدیث "رفع القلم" لا یدل علی عدم إجراء أحکام الکفار والمسلمین علی مجنونهما، لأنه خارج عن الکلیة، بالاجماع والضرورة والسیرة، ولذا لا یشک مسلم فی أن مجنون المسلم کسائر المسلمین، ومجنون الکفار کسائر الکفار، فی أحکام الإرث والنکاح والطلاق والطهارة والنجاسة وغیرها.

{وإن تصل جنونه بصغره، فحکمه حکم الطفل فی لحوقه بأبیه، أو أمه} بلا إشکال، لبعض ما تقدم، کما أنه لا ینبغی الإشکال فی أنه إذا أسلم غیر البالغ من أولاد الکفار، ثم جن، فهو محکوم بأحکام المسلمین، لأن النبی (صلی الله علیه وآله) کان یقبل

ص:315

إسلام الصبیان.

أما إذا کفر غیر البالغ من أولاد المسلمین، فهل یحکم بکفره، حتی إذا جن کان حکمه حکم الکفار، أو لا یحکم بکفره، لدلیل "رفع القلم"، و"عمد الصبی خطأ"، ولا مخرج له عن عموم الرفع، احتمالان، والاستصحاب یقتضی إبقاء أحکام الإسلام علیه، والاحتیاط فیما أمکن مثل عدم تزویجه بمسلمة، وعدم إجراء حکم الطاهر علیه، سبیله واضح، هذا إذا کفر وهو ممیز، أما غیر الممیز، فلا إشکال فی أنه لا اعتبار بکفره وإسلامه، ولو ارتد أبواه وتبعهما ممیزاً، فهل هو کذلک، أم یحکم هنا بأحکام الکفّار علیه؟ احتمالان، ولو شک فالاستصحاب محکم.

ثم إن مجنون المسلمین إذا کفر، لم یعبأ بکفره، لأنه مرفوع عنه القلم، هذا إذا کان ممیزاً، أما إذا کان غیر ممیز، فالحکم أوضح، ومجنون الکفار إذا أسلم، فإن کان بدون تمیز، فلا إشکال فی عدم قبول إسلامه، أما إذا کان ممیزاً، فهل یقبل إسلامه؟ لأن «الإسلام یعلو ولا یعلی علیه»((1))، ولقوله تعالی: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقیإِلَیْکُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾((2)) أو لا یقبل؟ لأن العقل میزان التکالیف، ومن لا عقل له لا یصدق علیه أنه أسلم حتی یشمله الحدیث والآیة، لا یبعد الثانی، بل هو مقتضی

ص:316


1- الوسائل: ج17 ص376 الباب 1 من أبواب موانع الإرث ح11
2- سورة النساء: الآیة 94

والطفل الأسیر تابع لآسره، إن لم یکن معه أبوه أو أمّه، بل أو جده أو جدته، ولقیط دار الإسلام بحکم المسلم، وکذا لقیط دار الکفر إن کان فیها مسلم یحتمل تولّده منه،

الاستصحاب، والله العالم.

{والطفل الأسیر تابع لآسره} کما عن غیر واحد، کالاسکافی والشیخ والقاضی والشهید وغیرهم، واستدل لذلک: بالسیرة المستمرة وغیرها، کما تقدم فی باب النجاسات والطهارات {إن لم یکن معه أبوه أو أمه، بل أو جده أو جدته} وإلا کان تابعاً لهم، ومثل الطفل المجنون کما تقدم هناک.

{ولیقط دار الإسلام بحکم المسلم} أما موضوع دار الإسلام فهو عبارة عن المکان الذی ینفّذ فیه حکم الإسلام، فلا یکون فیها کافر إلا معاهداً، کما عن الدروس، لکن الظاهر أن دار الإسلام أعم منه، فإنه إذا کان البلد للمسلمین وإن کان المسلط علیهم الکافر کان دار الاسلام، وکذا إن کان المسلط هو المسلم الفاسق الذی لا ینفذ حکم الإسلام.

وأمّا الحکم، فلما دلّ علی "الإسلام یعلو ولا یعلی علیه"، وحدیث الفطرة، والإجماع، والمناط فی سوق المسلمین، وحیث تقدم الحدیث عن ذلک فی باب الطهارة، فلا نطیل الکلام بذلک هنا.

{وکذا لقیط دار الکفار إن کان فیها مسلم یحتمل تولّده منه} کما سبق الکلام فی ذلک، وقد ذکرنا هناک حکم اللقیط فی المکان

ص:317

ولا فرق فی وجوب تغسیل المسلم، بین الصغیر والکبیر، حتّی السقط إذا تمّ له أربعة أشهر،

المختلط، ومنه یعرف حکم ما إذا وجد میت فی أحد الأماکن من دار الإسلام، أو دار الکفر، أو المختلط، ومثله ما إذا وجد اللقیط أو المیت فی سفینة أو نحوها، جاءت من الدار المختلطة، أو مرت علی مختلف البدان الإسلامیة وغیرها، ولم یعلم أن اللقیط والمیت من أیها.

{ولا فرق فی وجوب تغسیل المسلم، بین الصغیر والکبیر} لإطلاق الأدلة، بل والاجماع والضرورة {حتّی السقط إذا تمّ له أربعة أشهر} کما هو المشهور، بل عن المعتبر نسبته إلی علمائنا، وعن الخلاف الإجماع علیه، وعن جامع المقاصد والروض نسبته إلی الأصحاب، وفی کشف اللثام نسب الخلاف فیه إلی العامة، ویدل علیه خبر زرارة، عن الصادق (علیه السلام) قال: «السقط إذا تم له أربعة أشهر، غسّل»((1)).

ومرفوعة أحمد بن محمد: «إذا أتم السقط أربعة أشهر غسّل» وقال: «إذا تم له ستة أشهر فهو تام وذلک أن الحسین بن علی ولد وهو ابن ستة أشهر»((2)).

ص:318


1- الوسائل: ج2 ص696 الباب 12 من أبواب غسل المیت ح4
2- الوسائل: ج2 ص695 الباب 12 من أبواب غسل المیت ح2

والرضوی: «إذا أسقطت المرأة وکان القسط تاماً، غسّل وحنّط وکفّن ودفن، وان لم یکن تاماً فلا یغسل، ویدفن بدمه، وحد إتمامه إذا أتی علیه أربعة أشهر»((1)).

وبضمیمة الرضوی یکون المراد بما ذکر فیه "الاستواء" ذلک، کموثقه سماعة، عن الصادق (علیه السلام) قال: سألته عن السقط إذا استوت خلقته یجب علیه الغسل واللّحد والکفن؟ قال: «نعم، کل ذلک یجب علیه إذا استوی»((2))، ورواه فی الکافی عن أبی الحسن الأول (علیه السلام) إلا أنه لم یذکر: «إذا استوی»((3)).

أما ما دلّ علی أن التمام فی ستة أشهر، فالمراد منه: أنه إذا وُلد یبقی، مقابل الذی إذا ولد لم یبق، ویدل علی ذلک الجمع بین الکلامین فی المرفوعة.

وخبر زرارة، عن الصادق (علیه السلام) قال: «إذا سقط لستة أشهر فهو تام، وذلک أن الحسین بن علی وُلد وهو ابن ستة أشهر»((4)).

بل والموثق عن الحسن بن جهم، سمعت أبا الحسن الرضا

ص:319


1- فقه الرضا: ص19 س 9
2- التهذیب: ج1 ص329 الباب 13 فی تلقین المحتضرین ح130
3- الکافی: ج3 ص208 فی غسل الأطفال والصبیان ح5
4- الوسائل: ج2 ص695 الباب 12 من أبواب غسل المیت ح3

(علیه السلام) یقول: قال أبو جعفر (علیه السلام): «إن النطفة تکون فی الرحم أربعین یوماً ثم تصیر علقة أربعین یوماً، ثم تصیر مضغة أربعین یوماً، فإذا کمل أربعة أشهر بعث الله ملکین خلاّقین فیقولان یا رب ما تخلق ذکراً أو انثی فیؤمران»((1)).

أقول: لا ینافی هذا الحدیث معلومیة کون الجنین ذکراً أو أنثی قبل ذلک _ کما یذکرون _ إذ: استئذان الملائکة، لا ینافی لأجل عمله، لا لأجل أنه مجهول المستقبل قبل ذلک، کما أنه لا منافاة بین ما ورد من استئثار الله سبحانه بعلم الأجنة فی تفسیر قوله تعالی: ﴿وَیَعْلَمُ ما فِی الْأَرْحامِ﴾((2)) وبین اکتشاف العلم ذلک قبل الولادة، إذ الآیة عامة من جمیع الجهات، قبیح أو جمیل، طویل أو قصیر، سمین أو ضعیف، وصفاته الجسدیة والنفسیة، وما یکون له فی المستقبل، بینا الاکتشاف خاص بالذکورة ونحوها، ثم إن موثق ابن جهم لا ینافی ما تقدم من کون الکمال فی "أربعة أشهر"، حیث إن ظاهر الموثق أن الکمال بعد أربعة أشهر، إما من باب مراتب الکمال، وإما من باب المجاز، وإما من باب اختلاف الأجنة.

وکیف کان، فحکم الغسل علی أربعة أشهر، للنص المعاضد بالفتوی والشهرة، ولذا فالحکم دائر مدار أربعة أشهر، وإن لم یکمل، أو کان مشوّها، ومنه: یظهر أنه لو کمل قبل أربعة أشهر، لا

ص:320


1- الکافی: ج6 ص13 باب بدء خلق الإنسان وتقلبه فی باطن أمه ح3
2- سورة لقمان: الآیة 34

ویجب تکفینه ودفنه علی المتعارف

یجب الغسل، ولذا فهم الأصحاب کون المیزان هو الأربعة، لأن الغالب فی المحاورات کون العدد میزاناً، وسائر ما یذکر شبه الحکمة، اللهم إلا إذ کانت القرینة دالة علی کون ما ذکر من العلة میزاناً، وأن العدد من جهة الغلبة، فلا یقال: إن فی صورة تعارض العدد مع الکمال یتساقطان، والمرجع الأصول کالبراءة أو الاستصحاب.

{ویجب} تحنیطه، کما عن جماعة، لإطلاقات الأدلة، والرضوی المتقدم، ولفهم ذلک من النصوص بالتبعیة، إذ الظاهر منها إجراء مراسیم المیت علیه، ولما رواه علی بن عبد الله فی أبواب صلاة الآیات فی قصة موت إبراهیم ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله) من قوله: «فقام علی (علیه السلام) فغسّل إبراهیم وحنّطه»((1)).

وکذا یجب {تکفینه ودفنه علی المتعارف} للإطلاقات، وموثق سماعة المتقدم والرضوی، وهذا هو المشهور، خلافاً لما عن الشرائع والتحریر، من تعبیرهما باللف فی خرقة، الظاهر فی عدم اعتبار أزید من أزید، لکن ربما یحتمل أن مرادهما الکفن، ولو أرادا ظاهر اللفظ، فما یمکن أن یستدل به لهما هو الأصل، بعد حمل الکفن فی الموثق والرضوی علی معناه اللغوی، ولا یخفی ما فی ذلک: فما هو المشهور هو المتعین، ومن الإطلاقات وبعض الأدلة الخاصة یظهر وجوب دفنه أیضاً علی المتعارف.

ص:321


1- الکافی: ج3 ص208 فی غسل الأطفال والصبیان ح7

لکن لا یجب الصلاة علیه بل لا یستحب أیضاً، وإذا کان للسقط، أقل من أربعة أشهر، لا یجب غسله

{لکن لا یجب الصلاة علیه، بل لا یستحب أیضاً} وسیأتی تفصیل الکلام فی ذلک، فی باب الصلاة علیه، إن شاء الله تعالی.

{وإذا کان للسقط، أقلا من أربعة أشهر، لا یجب غسله} بلا إشکال ولا خلاف، بل عن الخلاف، والغنیة، والمعتبر، والتذکرة: الإجماع علیه، ویدل علیه مفهوم الأخبار المتقدمة.

وخبر محمد بن الفضیل، کتبت إلی أبی جعفر (علیه السلام) أسأله عن السقط کیف یصنع به؟ فکتب إلیّ: «السقط یدفن بدمه فی موضعه»((1))، بناء علی حمله علی ما دون أربعة أشهر، جمعاً بینه وبین الأدلة المتقدمة.

والرضوی المتقدم: «وإن لم یکن تاماً، فلا یغسل، ویدفن بدمه، وحدّ إتمامه إذا أتی علیه أربعة أشهر».

أما ما استدل به المتعتبر، من أن الغسل إنما یجب للموت، والموت هنا مفقود، فقد أشکل علیه الشیخ المرتضی بأن ما ذکره مبنی علی ما یظهر من النبوی المحکی: «إنه إذا بقی أربعة أشهر ینفخ فیه الروح»((2)) إلا أن المحکی عن الأطباء ولوج الروح قبل

ص:322


1- الوسائل: ج2 ص696 الباب 12 من أبواب غسل المیت ح5
2- کتاب الطهارة: ص317 فی أحکام دفن المیت س 29

بل یلفّ فی خرقة ویدفن.

ذلک، حتی حکی عنهم إمکانه لتمام شهرین، انتهی.

أقول: النص والإجماع کافیان فی المقام، فلا حاجة إلی هذه التعلیلات.

{بل یلفّ فی خرقة} بلا خلاف، کما عن مجمع البرهان، وعن الحدائق نسبته إلی الأصحاب، وعن المعتبر والتذکرة الإجماع علیه، والظاهر کفایة مثل ذلک، وإلاّ فالأدلة خالیة عنه، والأصل یقتضی العدم.

{ویدفن} بلا إشکال ولا خلاف، للإطلاقات والإجماع المتقدم، ومکاتبة ابن الفضیل((1))، والرضوی((2)).

ولا إشکال فی عدم لزوم حنوطه، وعدم استحباب الجریدة، لعدم الدلیل.

کما أن الظاهر دفنه بدمه لیس بلازم، یجوز غَسله بالفتح ثم دفنه للأصل، والمکاتبة ظاهرها الجواز، بقرینة قوله: «فی موضعه». وإذا شک فی أنه هل تم له أربعة أشهر حتی یجب علیه المراسیم، أم لا؟ فالظاهر العدم للاستصحاب، أو البراءة، والظاهر أن مسائل الولایة علی المیت، وعدم اعتبار المماثلة، آتیة هنا، أیضاً للإطلاقات، والانصراف لو کان فهو بدوی.

ص:323


1- الوسائل: ج2 ص696 الباب 12 من أبواب غسل المیت ح5
2- فقه الرضا: ص19 س10

ص:324

فصل فیما یجب فی الغسل

فصل

یجب فی الغسل نیة القربة علی نحو ما مرّ فی الوضوء

{فصل}

{یجب فی الغسل نیة القربة، علی نحو ما مرّ فی الوضوء} واستدل له بالکتاب، والسنة، والإجماع، والاحتیاط، والسیرة.

أمّا الکتاب: فقوله تعالی:﴿وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصینَ لَهُ الدِّینَ﴾((1)).

وأما السنة: فقوله (صلی الله علیه وآله): «إنما الأعمال بالنیات»((2)). وقوله (صلی الله علیه وآله) «لکل امرء ما نوی»((3)).

ص:325


1- سورة البینة: الآیة 5
2- الوسائل: ج1 ص34 الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات ح10
3- الوسائل: ج1 ص34 الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات ح10. وفی العوالی : ج 1 ص81 ح3

وقوله (صلی الله علیه وآله): «لا عمل إلا بنیة»((1)). بضمیمة قوله (صلی الله علیه وآله): «فمن کانت هجرته»((2)). مما یدل علی أن المراد نیة القربة، لا مجرد النیة، مقابل التوصلیة، بالإضافة إلی ما دلّ علی أن غسل المیت کغسل الجنابة.

وأما الإجماع: فعن الشیخ فی الخلاف إجماع الفرقة علی وجوبه.

وأما الاحتیاط: فلأن الاشتغال الیقینی یحتاج إلی البراءة الیقینیة، وهی لا تحصل إلا بالقربة.

وأما السیرة: فلا شک فیها لأحد، حیث إنه من أولیات ما فی أذهان المسلمین الجاری علیه عملهم فی کل الأدوار والأمصار، لکن المحکی عن مصریات السید، ومنتهی العلامة، وبعض آخر: عدم النیة، وعن المحقق فی المعتبر التردد فیه، وذلک للأصل، وسکوت الروایات عنه، بعد الإشکال فیما استدل به للوجوب، إذ الآیة والروایات لا دلالة فیها، کما تقدم الإشکال فی دلالتها، وتشبیهه بغسل الجنابة إنما هو فی الکیفیة الخارجیة، لا فی النیة الخارجة عن حقیقة الفعل، مع أن المعتبر فی غسل الجنابة إنما هی نیة المغتسل، وهی هنا ممتنعة، ونیة المغسّل تحتاج إلی الدلیل.

ص:326


1- الوسائل: ج1 ص34 الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات ح9
2- العوالی: ج1 ص81 ح3

والإجماع مخدوش، صغری وکبری، والاحتیاط لو کان فهو استحبابی، لحکومة البراءة علیه، والسیرة مستندة إلی فتاوی الفقهاء، فلا دلالة فیها.

هذا، ولا یخفی صحة الاستدلال بما عدا الاحتیاط، إذ قد سبق دلالة الآیة والروایات، وأن المناقشات فیها لاوجه لها، والإجماع لا یضر مخالفة نفرین أو ثلاثة، فتأمل، والسیرة لو نوقش فیها هنا، لم تبق سیرة أصلاً.

نعم هی مؤیدة، ولا تکون دلیلاً، هذا مضافاً إلی صحة الاستدلال بما دلّ علی التشبیه، لهذا الغسل بغسل الجنابة، بل وما دلّ علی أنه هو غسل الجنابة، إذ ظاهرهما أنه لم یشرّع لإزالة الخبث، بل لإزالة الحدث، ومن المعلوم أن زوال الحدث یحتاج إلی النیة، فقد تقدم فی أخبار متعددة، بأن علة الغسل أن المیت جنب فشرع علیه الغسل، لتلاقیه الملائکة وهو طاهر، ولو کان المقصود إزالة الخبث فقط کفی التنظیف بأی وجه اتفق.

أما إشکال أن النیة فی الجنابة علی المغتسل، لا علی المغسّل، ففیه: إن النیة علی فاعل الغسل، وهنا فاعل الغسل هو المغسّل، فحاله حال ما إذا وضأ الولی الطفل لأجل الطواف، حیث إنه ینوی لا أن النیة ساقطة.

وکیف کان، فالمعین هو لزوم النیة، ویؤید وجوب النیة وحدة ماهیة الغسل، فکما تجب النیة فی سائر الأغسال کذلک تجب بهذا الغسل، وأنه لا إشکال فی لزوم النیة لمن اغتسل قبل موته لأجل

ص:327

والأقوی، کفایة نیّة واحدة للأغسال الثلاثة

قصاص أو حد، مع أنه هو غسل المیت یقدم علی الموت.

{والأقوی کفایة نیة واحدة للأغسال الثلاثة} کما ذهب إلیه غیر واحد، لأن الکل عمل واحد، فهی کأجزاء الوضوء، وأجزاء الغسل الواحد، ویدل علی أنه عمل واحد إطلاق لفظ الواحد علیه، ولا دلیل علی تعدده، فلا یقال: إن إطلاق اللفظ الواحد لا یدل علی الوحدة، وإلا فقد أطلق الحج علی جملة أعمال، کل واحد منها یحتاج إلی النیة، وأطلقت "الیومیة" علی خمس صلوات، تحتاج کل واحدة منها إلی نیة، وربما یقال: بأنه أعمال ثلاثة، فیحتاج کل واحد من الثلاثة إلی نیة مستقلة، وذلک لعموم اعتبار نیة مستقلة فی کل عمل، ولا إشکال فی أنها بنظر العرف أعمال ثلاثة، ولذا لا یسقط بعضها بتعذر الآخر، وهناک قول ثالث: بالتخییر بین نیة واحدة أو ثلاث نیات، واستدل لذلک: بأن فی هذه الأغسال أمارتین، أمارة الوحدة، ککونها بمجموعها مطهرة ونحو ذلک، وأمارة التعدد ککون کل واحد منها إذا تعذر لا یسقط الآخر، فالعمل بالأمارتین یقتضی التخییر بین نیة واحدة ونوایا متعددة.

هذا، ولکن لا یخفی أن الأقوی هو ما ذکره المصنف، لما تقدم من الدلیل الوارد علی دلیلی القولین الآخرین، قال فی المستمسک: (فهذا الخلاف مبنی علی کون النیة الإخطار، وقد عرفت فی مبحث نیة الوضوء أنها الداعی، فیجب أن یقع کل جزء من أجزاء الأغسال الثلاثة بعنوان العبادة والطاعة لأمر الشارع الأقدس، ولا فرق

ص:328

وإن کان الأحوط تجدیدها عند کلّ غسل، ولو اشترک اثنان یجب علی کل منهما النیّة،

بین الأول والآخر، ولا أول جزء وآخره)((1)).

وکأنه لبعض أدلة القول الثانی، قال المصنف: {وإن کان الأحوط تجدیدها، عند کلّ غسل} خروجاً، من خلاف من أوجب.

ثم إنه من الواضح إجراء جمیع أخکام العبادات فی هذه الأغسال، من إباحة الماء، والمکان، والمصب، وعدم کون الآنیة ذهباً وفضة، وعدم صحة صدورها عن المجنون، والصبی غیر الممیز، وآلة بدون قصد من یدیرها، وعدم صحة الغسل لو نسی المغسّل النیة، ولزوم الإعادة علی ما یحصل معه الترتیب لو قدم المؤخر نسیاناً أو عصیاناً، إلی غیر ذلک.

أما لو غسل الفاعل المختار المیت، بآلة کهربائیة أو نحوها، مع النیة واجتماع سائر الشرائط، صح استناد الفعل إلیه، کما أنه یصح ذلک فی ذبح الحیوان وغیره.

{ولو اشتراک اثنان} أو أکثر {یجب علی کل منهما النیة} لأنهما مغسلان، فیلزم علی کل منهما النیة.

ص:329


1- المستمسک: ج4 ص75

ولو کان أحدهما مُعیناً، والآخر مغسّلاً، وجب علی المغسل النیة، وإن کان الأحوط نیّة المعین أیضاً، ولا یلزم اتحاد المغسّل، فیجوز توزیع الثلاثة علی ثلاثة، بل یجوز فی الغسل الواحد التوزیع، مع مراعاة الترتیب،

{ولو کان أحدهما مُعیناً، والآخر مغسّلاً، وجب علی المغسّل} فقط {النیة} لأنه فاعل الغسل، أما الآخر فلیس بمغسل حتی تجب علیه النیة، ومثله لو ذبح أحدهما وأعانه الآخر، وجبت البسملة علی الذابح، لا المعین {وإن کان الأحوط} استحباباً {نیة المعین أیضاً} لأنه مشارک فی الجملة، ولو صب الماء أحدهما، وقلّب الآخر، فإن کان المقلّب شریکاً فی التغسیل، وجبت نیته أیضاً، وإلاّ بأن کان مقلباً فقط، کفت نیة الصاب. ولو کان الصب من "دوش" ونحوه، بأن کان المقلّب هو الغاسل عرفاً، وجبت نیة المقلب.

والحاصل: إن الاعتبار بالاستناد، فإن استند إلی الصاب وجبت علیه، وإن استند إلی المقلب وجبت علیه، وإن استند إلیهما فهی واجبة علیهما.

{ولا یلزم اتحاد المغسّل} لعدم الدلیل علیه، فإطلاق الأدلة یشمل الجماعة أیضاً {فیجوز توزیع الثلاثة علی ثلاثة} أشخاص، بل أکثر.

{بل یجوز فی الغسل الواحد التوزیع، مع مراعاة الترتیب}

ص:330

ویجب حینئذ النیّة علی کلّ منهم.

بأن یغسل الرأس أولاً، ثم الأیمن، وهکذا، لأدلة الترتیب المتقدمة فی مبحث غسل الجنابة بعد ما عرفت من وحدة حقیقة الأغسال {ویجب حینئذ النیة عل کلّ منهم} لأنه مغسل، فیشمله الدلیل، ولا یصح ابتناء فعل مکلف علی نیة مکلف آخر.

ثم إنه لو قلنا بصحة الغسل الارتماسی فی المقام، فلو أخذه اثنان ورمساه، وجبت النیة علی کلیهما، ولو غسل إنسان واحد أمواتاً متعددین، نوی لکل واحد منهم، أو لمجموعهم، وکذا لو غسل إنسانان میتین، کل واحد منهما بعض میت، نویا لکل بعض یغسلونه.

ص:331

ص:332

فصل فصل فی المماثلة بین الغاسل والمیت

اشارة

فصل

یجب المماثلة بین الغاسل والمیت، فی الذکوریة والأنوثیة، فلا یجوز تغسیل الرجل للمرأة ولا العکس،

{فصل}

{یجب المماثلة بین الغاسل والمیت، فی الذکوریة والأنوثیة، فلا یجوز تغسیل الرجل للمرأة ولا العکس} فهو حرام وباطل، وهذا فی الجملة _ فی قبال ما سیأتی من الاستثناء _ لا خلاف فیه ولا إشکال، ونفی الخلاف عنه الذکری والروض والحدائق، وعن المعتبر إجماع أهل العلم علیه، وکذا ادعی الإجماع علی ذلک الشیخ، والتذکرة، والشهید، ویدل علیه الأخبار الکثیرة.

کصحیح الحلبی، عن الصادق (علیه السلام) أنه سأله عن المرأة تموت فی السفر، ولیس معها ذو محرم، ولا نساء؟ قال: «تدفن کما هی بثیابها». وعن الرجل یموت ولیس معه إلاّ النساء، لیس معهن

ص:333

رجال؟ قال: «یدفن کما هو بثیابه»((1)).

وخبر زید الشحام، قال: سألت الصادق (علیه السلام) عن امرأة ماتت وهی فی موضع لیس معهم امرأة غیرها؟ قال: «إن لم یکن فیهم لها زوج، ولا ذو رحم دفنوها بثیابها، ولا یغسلونها، وإن کان معهم زوجها، أو ذو رحم لها، فلیغسلها من غیر أن ینظر إلی عورتها، وسألته عن رجل مات فی السفر مع نساء لیس معهن رجل؟ فقال: «إن لم یکن له فیهن امرأة فلیدفن فی ثیابه ولا یغسل، وإن کان له فیهن امرأة، فلیغسل فی قمیص، من غیر أن تنظر إلی عورته»((2)).

وصحیح أبی الصباح الکنانی، عن الصادق (علیه السلام) قال فی الرجل یموت فی السفر، فی أرض لیس معه إلاّ النساء؟ قال: «یدفن ولا یغسل، والمرأة تکون مع الرجال بتلک المنزلة، تُدفن ولا تغسل، إلا أن یکون زوجها معها، فإن کان زوجها معها غسّلها من فوق الدرع»((3)).

وخبر داود بن سرحان، عن الصادق (علیه السلام) فی رجل یموت فی السفر، أو فی الأرض لیس معه فیها إلاّ النساء؟ قال:

ص:334


1- الوسائل: ج2 ص708 الباب 21 من أبواب غسل المیت ح1
2- الوسائل: ج2 ص707 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح7
3- الوسائل: ج2 ص716 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح12

«یدفن، ولا یغسل. وقال: فی المرأة تکون مع الرجال بتلک المنزلة، إلاّ أن یکون معها زوجها، فلیغسلها من فوق الدرع، ویسکب علیها الماء سکباً، ولتغسله امرأته إذا مات، والمرأة لیست مثل الرجل، والمرأة أسوء منظراً حین تموت»((1)).

وصحیح ابن أبی یعفور، عن الصادق (علیه السلام) عن الرجل یموت فی السفر مع النساء، لیس معهن رجل، کیف یصنعن به؟ قال: «یلففنه لفاً فی ثیابه ویدفنه ولا یغسلنه»((2)).

وصحیح: عبد الرحمان بن أبی عبد الله قال: سألته عن امرأة ماتت مع الرجال؟ قال: «تلف وتدفن ولا تغسل»((3)).

ومرسل الفقیه: وسأله الحلبی عن المرأة تموت فی السفر، ولیس معها ذو محرم ولا نساء؟ قال: «تدفن، کما هی بثیابها». والرجل یموت ولیس معه إلاّ النساء ولیس معهن رجال؟ قال: «یدفنه کما هو بثیابه»((4)).

والرضوی: «وإن کانت المیت امرأة»((5)) وذکر نحوه. إلی غیرها.

ص:335


1- الوسائل: ج2 ص715 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح7
2- الوسائل: ج2 ص708 الباب 21 من أبواب غسل المیت ح2
3- الوسائل: ج2 ص709 الباب 21 من أبواب غسل المیت ح3
4- الفقیه: ج1 ص94 فی غسل المیت ح28
5- فقه الرضا: ص18 س30

خلافاً لما عن المفید فی المقنعة، والشیخ فی التهذیب، وأبی الصلاح فی الکافی، وابن زهرة فی الغنیة، فأوجبوا تغسیل الرجل للمرأة الأجنبیة من وراء الثیاب، مع اشتراط عدم المماسة فی التهذیب((1))، واشتراط تغمیض العین فی الکافی((2)) والغنیة، واستدلوا لذلک بجملة من الأخبار.

کروایة جابر، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی رجل مات ومعه نسوة لیس معهن رجل، قال: «یصببن علیه الماء من خلف الثوب، ویلففنه فی أکفانه، من تحت الصدر ویصلین علیه صفاً ویدخلنه قبره» والمرأة تموت مع الرجال لیس معهم امرأة؟ قال: «یصبون الماء من خلف الثوب، ویلفونها فی أکفانها، ویصلون ویدفنون»((3)).

وکخبر أبی حمزة عن الباقر (علیه السلام) قال: «لا یغسل الرجل المرأة، إلاّ أن لا توجد امرأة»((4)).

وخبر عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «المرأة إذا ماتت مع الرجال، فلم یجدوا امرأة تغسلها، غسلها بعض الرجال من وراء الثوب، ویستحب أن یلف

ص:336


1- التهذیب: ج1 ص342 الباب 13 فی تلقین المحتضرین ح168
2- الکافی: ج3 ص160 باب غسل مس المیت ح2
3- الوسائل: ج2 ص711 الباب 22 من أبواب غسل المیت ح5
4- الوسائل: ج2 ص711 الباب 22 من أبواب غسل المیت ح7

علی یدیه [یده] خرقة»((1)).

وخبر أبی سعید، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «إذا مات المرأة مع قوم، لیس لها فیهم محرم، یصبون علیها الماء صباً. ورجل مات مع نسوة لیس فیهن له محرم؟ _ إلی أن قال: _ «صببن الماء علیه صباً»((2)).

هذا، بالاضافة إلی دلیل المیسور، وأنه لا یحرم إلاّ النظر والمس، فلا وجه لترک الغسل الذی لا یستلزمهما، لشمول العمومات له، لکن الظاهر وجوب حمل هذه الأخبار علی الاستحباب _ کما عن "الاستبصار"، وزیادات التهذیب، لصراحة الروایات المتقدمة علی جواز الدفن بغیر غسل.

إن قلت: کیف تحمل هذه الروایات علی الاستحباب، والحال أن فی تلک الروایات ما یدلّ علی النهی عن الغسل؟.

قلت: أولاً یحمل النهی علی الغسل الکامل.

وثانیاً: یحمل النهی علی ما یقابل توهم الوجوب.

ثم إنه وردت روایات أخر، بکیفیات أخر، لا بد من حمل جمیعها علی الجواز، لعدم المانع عن ذلک، فلا وجوب، بل لا بأس

ص:337


1- الوسائل: ج2 ص711 الباب 22 من أبواب غسل المیت ح9
2- الوسائل: ج2 ص712 الباب 22 من أبواب غسل المیت ح10

بحملها علی الاستحباب فی عرض استحباب الغسل من وراء الثوب، وهی طوائف، منها: ما تدل علی غسل موضع الوضوء من المرأة، کخبر أبی بصیر، عن الصادق (علیه السلام) عن امرأة ماتت فی سفر، ولیس معها نساء، ولا ذو محرم؟ فقال: «یغسل منها موضع الوضوء، ویصلّی علیها وتدفن»((1)).

ومنها: ما یدل علی غسل کفیها، کخبر جابر عن الصادق (علیه السلام) قال: سئل عن المرأة تموت، ولیس معها محرم، قال: «یغسل کفیها»((2)).

وخبر داود بن فرقد قال: مضی صاحب لنا یسأل الصادق (علیه السلام) عن المرأة تموت مع رجال، لیس فیهم ذو محرم، هل یغسلونها وعلیها ثیابها؟ فقال: إذاً یدخل ذلک علیهم ولکن یغسلون کفیها»((3)).

ومنها: ما یدل علی وجوب التیمم بها، کخبر زید بن علی عن آبائه عن علی (علیهم السلام) قال: أتی رسول الله (صلی الله علیه وآله) نفر فقالوا: إن امرأة توفیت معنا ولیس معها ذو محرم، فقال: «کیف صنعتم بها؟» فقالوا: صببنا علیها الماء صباً. فقال: «أما

ص:338


1- الوسائل: ج2 ص711 الباب 22 من أبواب غسل المیت ح6
2- الوسائل: ج2 ص711 الباب 22 من أبواب غسل المیت ح8
3- الوسائل: ج2 ص711 الباب 22 من أبواب غسل المیت ح2

وجدتم امرأة من أهل الکتاب تغسلها؟» فقالوا: لا، فقال: «أفلا یمّموها»((1)).

ومنها: ما یدل علی وجوب غسل مواضع التیمم، کخبر مفضل عن الصادق (علیه السلام) قال له: جعلت فداک، ما تقول فی المرأة تکون فی السفر مع الرجال لیس فیهم لها ذو رحم ولا معهم امرأة، فتموت المرأة ما یصنع بها؟ قال: «یغسل منها ما أوجب الله علیها التیمم ولا تمس، ولا یکشف شیء من محاسنها التی أمر الله تعالی بسترها». فقلت: فکیف یصنع بها؟ قال: یغسل بطن کفیها، ثم یغس وجهها((2)) ثم یغسل ظهر کفیها»((3)).

ومنها: ما عن زید بن علی (علیه السلام) عن آبائه عن علی (علیهم السلام) قال: «إذا مات الرجل فی السفر مع النساء، لیس فیهن امرأة ولا ذو محرم من نسائه؟ قال: «یؤزرنه إلی رکبتیه ویصببن علیه الماء صباً، ولا ینظرن إلی عورته، ولا یلمسنه بأیدیهن»((4)).

ومنها: غیر ذلک.

ثم اللازم فی صورة العمل بهذه الأخبار،

ص:339


1- الوسائل: ج2 ص710 الباب 22 من أبواب غسل المیت ح4
2- الاستبصار: ج1 ص200 الباب 118 فی الرجل یموت فی السفر ح1
3- الوسائل: ج2 ص709 الباب 22 من أبواب غسل المیت ح1
4- الوسائل: ج2 ص710 الباب 22 من أبواب غسل المیت ح3

استحباباً، عدم ارتکاب محرّم، من النظر أو اللمس کما هو واضح، کما أن الظاهر أنه لو أرید العمل بأخبار الغسل من وراء الثیاب، فالمستحب الأغسال الثلاثة، لا الغسل بالماء القراح فقط، لانصراف الأدلة إلی الغسل المتعارف.

أما سائر الروایات، فظاهرها الغسل بالماء القراح فقط.

بقی شیء، وهو أنه لا اشکال فی لزوم غسل المس إذا دفن بلا غسل، أما إذا غسل من وراء الثیاب، أو بالکیفیات الأخر، فهل مسّه یوجب الغسل، أم لا؟ احتمالان: من جعل الشارع تلک الکیفیات نازلة منزلة الغسل فلا غسل لمسه، ومن ضعف الأدلة المذکورة، فالواجب الغسل، وهذا أحوط، خصوصاً بالنسبة إلی سائر أقسام غسل الکف والوجه ونحوه غیر الغسل من وراء الثیاب.

نعم لا ینبغی الإشکال فی أنه إذا غسّل غسلاً کاملاً من وراء الثوب، حتی کان کغسله بدون الثوب، یکفی ذلک عن غسل المس، بل یجوز غسل المیت من وراء الثوب غسلاً کاملاً اختیاراً، إذ لا دلیل علی المنع عن ذلک، فیشمله إطلاق الأدلة.

ثم هل المماثلة واجب تعبدی، أو لأنه فی غیر المماثل یوجب النظر واللمس المحرم، فإذا هیئت آلة لتغسیل الأموات بدون ارتباط الغاسل بالمیت، إلاّ بضغطه علی الزر الکهربائی، ونیته الغسل، جاز غیر المماثل حتی فی حال الاختیار، المنصرف من النص والفتوی الثانی، خصوصاً بعد تکرر لفظ "المحرم" فی الروایات والفتاوی،

ص:340

ولو کان من فوق اللباس ولم یلزم لمس أو نظر، إلا فی موارد:

أحدها: الطفل الذی لا یزید سنّه عن ثلاث سنین، فیجوز لکلّ منهما تغسیل مخالفه

وتجویز غسل الزوجین والمحارم وما أشبه، ومقتضی الاقتصار علی ظاهر لفظ المماثلة الأول، والأقرب إلی الصناعة الثانی، وإلی الاحتیاط الأول، والله سبحانه العالم.

ثم إنک قد عرفت اشتراط المماثلة فی حال الاختیار، فلا یجوز خلافها {ولو کان من فوق اللباس، ولم یلزم لمس أو نظر} وذلک لإطلاق الأدلة {إلاّ فی موارد، أحدها: الطفل الذی لا یزید سنّه عن ثلاث سنین} الطفل بالنسبة إلی المرأة، والطفلة بالنسبة إلی الرجل.

{فیجوز لکلّ منهما تغسیل مخالفه} أما تغسیل الرجل للصبیة، فهو المشهور، بل عن التذکرة ونهایة الأحکام والروض الإجماع علیه.

نعم قال فی المعتبر: (عندی فی ذلک توقف... فالأولی المنع... والأصل حرمة النظر)((1)).

استدل القائلون بجواز ذلک بأمور:

ص:341


1- المعتبر: ص88 س10

الأول: إطلاقات أدلة الغسل.

الثانی: استصحاب جواز النظر واللمس قبل الموت، بضمیمة أن لزوم المماثلة إنما هو لأجل حرمة النظر واللمس، فإذا انتفت لم تجب المماثلة.

الثالث: المناط فی جواز العکس، أی تغسیل المرأة الصبی، فإنهما من واد واحد.

الرابع: الإجماع المدعی.

الخامس: ما روی عن جامع محمد بن الحسن، فی الجاریة تموت مع الرجال فی السفر؟ قال: «إذا کانت ابنة أکثر من خمس سنین، أو ست، دفنت ولم تغسل، وإن کانت بنت أقل من خمس سنین، غسلت»((1)).

قال فی الفقیه بعد روایة ذلک عن جامع شیخه: [وذکر عن الحلبی حدیثاً فی معناه، عن الصادق (علیه السلام)]((2))، وعن الذکری قال: [وأسند الصدوق فی کتاب المدینة، ما فی الجامع إلی الحلبی عن الصادق (علیه السلام)]((3)).

ص:342


1- الوسائل: ج2 ص713 الباب23 من أبواب غسل المیت ح4
2- الفقیه: ج1 ص94 الباب24 من أبواب غسل المیت ح30
3- الذکری: ص39 س20

السادس: الأصل، بعد انصراف أدلة المماثلة إلی الرجال والنساء.

وفی الکل نظر:

أما الإطلاقات: فلأنها مقیدة بأدلة المماثلة، ولا نسلم انصرافها إلی الکبار، وإلا لزم القول بعدم لزوم المماثلة قبل البلوغ مطلقاً.

وأما الاستصحاب: فلا نسلم جواز النظر واللمس قبل ثلاث سنوات، إلاّ فی ما تعارف کالرأس وبعض الرقبة وبعض الید والرجل.

والمناط: غیر معلوم، بل لعله معلوم العدم، إذ نظر الرجل إلی البنت یعد خلاف الآداب، بخلاف العکس.

والإجماع: محتمل الاستناد، والروایة لا یعمل المشهور بها، فکیف یستدل بها المشهور.

ولا مکان للأصل بعد وجود الدلیل، خصوصاً بعد ورود بعض الروایات المانعة کما سیأتی، ولذا فاللازم اتباع المحقق فی توقفه فی المسألة، فتأمل.

هذا کله فی تغسیل الرجل للصبیة.

وأما تغسیل المرأة للصبی، فهو المشهور شهرة عظیمة، بل حکی الإجماع علیه من جماعة من الأعیان، کما عن المعتبر، والمنتهی، والتذکرة، ونهایة الأحکام، واللوامع، وغیرها.

وفی الجواهر أن الإجماع علیه محصل، ویدل علیه بالإضافة إلی جملة من الأدلة السابقة فی أول المسألة، خصوص موثق عمار، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، أنه سُئل عن الصبی تغسله امرأة؟ قال: «إنما:

ص:343

یغسل الصبیان النساء»، وعن الصبیة تموت ولا تصاب امرأة تغسلها؟ قال: «یغسلها رجل أولی الناس بها»((1)).

وخبر أبی النمیر، مولی الحرث بن المغیرة، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): حدثنی عن الصبی إلی کم تغسله النساء؟ فقال (علیه السلام): «إلی ثلاث سنین»((2)).

وهذا الخبر مروی فی الکافی((3))، والفقیه((4))، والتهذیب((5))، ولذا فهی حجة، بالإضافة إلی عمل الأصحاب بها، وبها یقید إطلاق موثقة عمار، والظاهر من المصنف تبیعة المشهور فی جواز الغسل إلی نهایة الثلاث، فالغایة محکومة بحکم ما قبلها، لکن عن ظاهر الشرائع وکتب العلامة التحدید بما دون الثلاث، والأقرب الأول، لأنه الظاهر من قوله (علیه السلام): "إلی ثلاث سنین" ویؤیده إطلاق الموثقة، وکأن الشرائع نظر إلی أن "إلی" ظاهرها خروج الغایة من المغیی مثل قوله تعالی: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا

ص:344


1- الوسائل: ج2 ص712 الباب 23 من أبواب غسل المیت ح2
2- الوسائل: ج2 ص712 الباب 23 من أبواب غسل المیت ح1
3- الکافی: ج3 ص160 باب حد الصبی الذی یجوز... ح1
4- الفقیه: ج1 ص94 الباب 24 فی المس ح29
5- التهذیب: ج1 ص341 الباب 13 فی تلقین المحتضرین ح166

ولو مع التجرّد، ومع وجود المماثل،

الصِّیامَ إِلَی اللَّیْلِ﴾((1)).

لکن فیه: إن الظهور فی الآیة مستفاد من الخارج، ولو شک کان مقتضی الاستصحاب الدخول.

{ولو مع التجرّد} کما هو المشهور، بل عن التذکرة، والنهایة، والروضة: الإجماع علیه، وذلک لإطلاق الأدلة السابقة، وعن جامع المقاصد والروض: التصریح بعدم وجوب ستر العورة أیضاً، ونسبه فی الأول إلی اطلاق النص والفتوی، لکن لو قلنا بجواز غسل الصبیة، لا بد من القول بجوازه من وراء الثوب، خصوصاً إذا کانت رشیدة الجسم، فإن الصبیة مثار الشهوة، بلا إشکال، خصوصاً إذا کانت مکشوفة محاسن البدن والعورة.

نعم لا بأس بالقول بجواز التجرد فی صغیرة العمر، مثل ثلاثة أشهر ونحوها، والذی یدل علی ما ذکرناه فی ثلاث سنین مراجعة العرف المتدین، فإنّهم یأبون النظر إلی جسم الصبیة المجردة، بل یعد ذلک من المنکرات لدیهم.

{ومع وجود المماثل} کما عن المشهور. وعن النهایة والتذکرة الإجماع علیه، واستدل له بإطلاق موثق عمار، وخبر أبی النمیر، وبالأصل، والإطلاقات.

ص:345


1- سورة البقرة: الآیة 187

وإن کان الأحوط الاقتصار علی صورة فقد المماثل.

{وإن کان الأحوط الاقتصار علی صورة فقد المماثل} کما عن السرائر، والوسیلة، والنافع وغیرهم الفتوی بذلک، وتخصیصهم جواز الغسل بحال الضرورة، واستدل لذلک بالموثق، وبالاحتیاط. والظاهر لزوم القول بذلک فی الصبیة _ إن قلنا بجوازه فی الجملة _.

أما فی الصبی، فالإطلاق المؤید بالشهرة، بل الإجماع محکم، ثم الظاهر أن المعیار فی الثلاث بحال الموت، لا حال الغسل، فلو مات قبل الثلاث جاز غسله ولو بعد الثلاث، کما أن الظاهر عدم لزوم ستر عورة الصبی، لإطلاق الأدلة، ولو شک فی بلوغه فالأصل الموضوعی یقتضی العدم.

ثم إنه لو قلنا بصحة غسل الممیز، فهل الحکم أیضاً کذلک، أو مطلقاً بالنسبة إلی الأکثر من الثلاث؟ احتمالان: من أن الممیز "مرفوع عنه القلم" فلا یحرم علیه النظر وإن کان المیت أکبر من ثلاث، ومن تخصیص غیر المماثل بالثلاث أعم من الکبیر والصغیر، لکن ربما یقال: بانصراف الموثقة والخبر إلی الکبار، فتأمل.

ثم إنه لا فرق فی جواز الغسل _ حیث قلنا بجوازه _ بین أن یحرم علی الغاسل نکاح المغسول، مع عدم المحرمیة _ کما فی ما کانت الصبیة زوجة للغیر، أو أخت الزوجة، أم لا؟ وذلک لإطلاق الأدلة.

ص:346

الثانی: الزوج والزوجة، فیجوز لکلّ منهما تغسیل الآخر، ولو مع وجود المماثل

{الثانی} من الموارد استثناء المماثلة {الزوج والزوجة، فیجوز لکلّ منهما تغسیل الآخر} بلا إشکال، ولا خلاف فی الجملة، وقد ادعی فی المنتهی وغیره عدم الخلاف فی ذلک، بل ظاهر الخلاف الإجماع علیه، ویدل علی ذلک نصوص کثیرة، والتی منها فی غسل الزوج لزوجته، خبر إسحاق: «الزوج أحق بامرأته حتی یضعها فی قبرها»((1))، ولا یعارضها ما فی ذیل صحیحة زرارة عن الصادق (علیه السلام): فی الرجل یموت ولیس معه إلا النساء؟ قال: «تغسله امرأته لأنها منه فی عدة؛ وإذا ماتت لم یغسلها، لأنه لیس منها فی عدة»((2)). لأنها معارضة مع ما هی أصح منها، الموجب لحملها علی التقیة، فإن هذا الفرق محکی عن الحنفیة، وعن أحد قولی سائر الأربعة.

{ولو مع وجود المماثل} فلا یختص الجواز بحال الضرورة وفقد المماثل، واطلاق الجواز هو مذهب المشهور، بل عن ظاهر الخلاف والمنتهی الإجماع علیه، خلافاً للشیخ فی التهذیب والاستبصار، وابن زهرة، والحلبی. وظاهر الوسیلة اختصاص

ص:347


1- ) الوسائل: ج2 ص715 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح9
2- الوسائل: ج2 ص716 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح13

الجواز بحال فقد المماثل، وعن الشهید فی الذکری أنه استظهر من کلام الأصحاب أن الزوج والزوجة کالمحارم، بضمیمة أن الفاضل الهندی فی کشف اللثام استظهر من الأکثر اختصاص الجواز فی المحارم بفقد المماثل.

وکیف کان، فالأقوی ما ذهب إلیه المشهور، لتواتر الروایات بذلک، کصحیح عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل أیصلح له أن ینظر إلی امرأته حین تموت، أو یغسلها إن لم یکن عندها من یغسلها؟ وعن المرأة هل تنظر إلی مثل ذلک من زوجها حین یموت؟ فقال: «لا بأس بذلک، إنما یفعل ذلک أهل المرأة کراهیة أن ینظر زوجها إلی شیء یکرهونه منها»((1)).

ولا یخفی أن التقیید فی السؤال بفقد المماثل، لا یقدح فی الاستدلال به، للإطلاق، لظهور التعلیل فی عموم الحکم، لأن ما یفعله أهل المرأة إنما هو لملاحظة عرفیة، فیدل علی عدم المانع شرعاً.

وصحیح محمد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل یغسل امرأته؟ قال: «نعم، إنما یمنعها أهلها تعصباً»((2)).

ص:348


1- الوسائل: ج2 ص713 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح1
2- الوسائل: ج2 ص714 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح4

وصحیح الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سئل عن الرجل یغسل امرأته؟ قال (علیه السلام): «نعم، من وراء الثوب، لا ینظر إلی شعرها ولا إلی شیء منها، والمرأة تغسل زوجها، لأنه إذا مات کانت فی عدة منه، وإذا ماتت هی فقد انقضت عدتها»((1)).

والرضوی: «ولا بأس أن ینظر الرجل إلی امرأته بعد الموت، وتنظر المرأة إلی زوجها، ویغسل کل واحد صاحبهما، إذا ماتا»((2)).

إلی غیرها من الروایات التی تدل علی جواز إدخاله یده تحت قمیصها وغسلها، مع وضوح التلازم بین جواز المس وجواز النظر، کروایة سماعة قال: سألته عن المرأة إذا ماتت؟ قال: «یدخل زوجها یده تحت قمیصها إلی المرافق، فیغسلها»((3)).

وروایة الدعائم، عن الصادق (علیه السلام): أنه سئل عن المرأة هل یغسلها زوجها؟ قال: «لا بأس بذلک، ولیغسلها من فوق ثوب»((4)).

ص:349


1- الوسائل: ج2 ص716 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح11
2- فقه الرضا: ص18 س2
3- الوسائل: ج2 ص714 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح5
4- الدعائم: ج1 ص229

وفیه: عنه (علیه السلام) أنه قال: «والمرأة تغسل زوجها إذا مات، ولا تتعمّد النظر إلی الفرج»((1)).

ومن الروایات التی تدل علی أن علیاً (علیه السلام) «غسّل فاطمة»((2)) وهی روایات متواترة.

وفی روایة أبی بصیر، فی باب صلاة الجنازة قلت: الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ قال: «نعم ویغسّلها»((3)).

بل ویدل علی ذلک أیضاً: الأخبار الکثیرة الواردة فی جواز تغسیل کل منهما الآخر من وارء الثوب، کما سیأتی.

أما القول الثانی: الذی جوّز الغسل فی حال فقد المماثل فقط، فقد استدل ببعض الروایات:

کخبر أبی حمزة، عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: «لا یغسل الرجل المرأة، إلا أن لا توجد امرأة»((4)) فإن اطلاقه یشمل الزوجة وغیر الزوجة.

وخبر أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: یغسل

ص:350


1- الدعائم: ج1 ص229
2- الوسائل: ج2 ص714 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح6
3- الوسائل: ج2 ص802 الباب 24 من أبواب صلاة الجنازة ح2
4- الوسائل: ج2 ص711 الباب 22 من أبواب غسل المیت ح7

الزوج امرأته فی السفر، والمرأة زوجها فی السفر، إذا لم یکن معهم رجل»((1)).

وخبر الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): فی المرأة إذا ماتت ولیس معها امرأة تغسلها؟ قال: «یدخل زوجها یده تحت قمیصها فیغسلها إلی المرافق»((2)).

وکذلک إطلاقات ما دلّ علی لزوم المماثلة، وما دل علی أن غسل علی (علیه السلام) لفاطمة (علیها السلام) اضطرار، کالمروی عن أبی عبد الله (علیه السلام)، سئل عن فاطمة (علیها السلام) من غسّلها؟ فقال: «غسلها أمیر المؤمنین لأنها کانت صدیقة، لم یکن لیغسلها إلاّ صدّیق»((3)).

وما رواه البحار، عن أبی بصیر، عن الصادق (علیه السلام): أن فاطمة قالت لأمیر المؤمنین (علیه السلام) فی وصیتها له: «إنی أحللتک أن ترانی بعد موتی، فکن من النسوة فیمن یغسلنی»((4)).

وما رواه الشهید (رحمه الله) قال: لما غسل علی (علیه السلام)

ص:351


1- الوسائل: ج2 ص716 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح14
2- الوسائل: ج2 ص715 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح8
3- الوسائل: ج2 ص717 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح15
4- البحار: ج78 ص310 ح30

فاطمة (علیها السلام) قال له ابن عباس: أغسلت فاطمة؟ قال: «أما سمعت قول النبی (صلی الله علیه وآله): هی زوجتک فی الدنیا والآخرة»((1)). قال الشهید [فهذا التعلیل یدل علی انقطاع العصمة بالموت، فلا یجوز للزوج التغسیل]((2)).

وما رواه مفضل بن عمر، قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): جعلت فداک، من غسّل فاطمة (علیها السلام)؟ قال: «ذاک أمیر المؤمنین» قال: فکأنما استضقت (استفظعت) ذلک من قوله، فقال لی: «کأنک ضقت مما أخبرتک به»، فقلت: قد کان ذلک جعلت فداک؟ فقال: لا تضیقن، فإنها صدّیقة لم یکن یغسلها إلا صدّیق، أما علمت أن مریم لم یکن یغسلها إلاّ عیسی»((3)).

إلی غیرها من الروایات.

وفیه: أما الروایات الأول الدالة علی عدم جواز الغسل إلاّ فی حال الاضطرار، فلا بد من حملها علی بعض مراتب الکراهة الشرعیة، لملاحظة حال أهلها، أو علی الکراهة العرفیة، وذلک بقرینة ما تقدم من الروایات الصریحة علی جواز غسلها حتی فی حال الاختیار، کصحیحی ابن سنان وابن مسلم

ص:352


1- المستدرک: ج1 ص101 الباب 21 من أبواب غسل المیت ح10
2- المستدرک: ج1 ص101 الباب 21 من أبواب غسل المیت ح10
3- الوسائل: ج2 ص714 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح6

وغیرهما، هذا مع الغض عن الإشکالات الأخر الواردة علی هذه الروایات.

وأما روایات تغسیل أمیر المؤمنین (علیه السلام) فهی کما عرفت، مشتملة علی ثلاث علل:

الأولی: إنها کانت زوجته فی الدنیا والآخرة.

الثانیة: إنها کانت صدیقة.

الثالثة: إنها هی وصت بذلک، وکلها تصلح للدلالة علی المنع.

أما الأولی، فلأن الزوجة إذا انقطعت زوجیتها بالموت، فلا فرق بین أن تعود العلقة فی الآخرة أم لا؟ ولا إشکال فی أن الحکم لم یکن من اختصاصات فاطمة (علیها السلام)، فإن الثابت شرعاً کون النبی (صلی الله علیه وآله) له اختصاصات، لا سائر المعصومین (علیهم السلام).

وأما الثانیة: فلأن کونها صدیقة لا یوجب غسل علی (علیه السلام) لإمکان غسل الحسنین (علیهما السلام) وهما فی الصغر والکبر إمامان وصدیقان، کما قال: رسول الله (صلی الله علیه وآله): «هما إمامان»((1)) وتعاونهما النسوة.

وأما الثالثة: فإن فاطمة (علیها السلام) لا توصی بغیر الجائز، وإن الوصیة لا

ص:353


1- البحار: ج43 ص291 باب فضائلهما ومناقبها ح54

ومع التجرد،

تحلل غیر الجائز، وأن علیا (علیه السلام) لم یکن یعمل بغیر الجائز بسبب الوصیة، وعلیه فالظاهر إن هذه التعلیلات کانت حسب إفهام السائلین الذین کانوا یستنکرون ذلک، لمکان قول بعض العامة، فالإمام (علیه السلام) کان یجیبهم حسب أفهامهم من وصیة، وزوجة فی الآخرة، وأنها کانت صدّیقة، وعلی هذا فلا مقام لروایات المشهور جواز تغسیل الزوجین أحدهما الآخر.

نعم لا إشکال أن فی ذلک حزازة شرعیة توجب الکراهة إلا مع الاضطرار، أو عرفیة لاحظها الشرع، فلا کراهة شرعیة وإنما الأفضل الترک، لمراعاة حال أهل المرأة، لئلا یستبشع الناس العمل، والله سبحانه العالم.

ثم الظاهر أنه عند من یشترط فقد المماثل، یراد بذلک فقده للغسل، لا فقد وجوده، فإن کان المماثل لکنه لا یغسل، لعذر أو عصیاناً، کان ذلک من مصادیق فقد المماثل، کما ذکروا مثل ذلک فی قوله تعالی: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً﴾((1)).

{ومع التجرّد} کما عن السید، والإسکافی، والخلاف، والتهذیب، والجعفی، والجامع، والعلامة فی النهایة، وصاحب المدارک، والکف؟؟؟، والنراقی الأول، وغیرهم، بل هو الأشهر، کما

ص:354


1- سورة النساء: الآیة 43، وسورة المائدة: الآیة 6

عن الریاض، خلافاً لما عن ظاهر نهایة الشیخ، ومبسوطه، والکرکی، والحلبی، واستجوده المنتهی، بل نسب إلی أکثر المتأخّرین، فأوجبوا أن یکون الغسل من وراء الثوب، واختاره المستند، وقواه فی البرهان، وهناک قول محکی عن الاستبصار بالتفصیل بین الزوج والزوجة، بجواز التجرید فیه دونها، والأقرب ما اختاره المصنف، وذلک للاستصحاب، ولأخبار غسل علی (علیه السلام) فاطمة (علیها السلام) فإن رأسها ورقبتها ووجهها کانت بادیة، إذ الثوب لا یشملها، وللتلازم بین جواز اللمس وبین النظر، مع وضوح جواز اللمس، بل فی أخبار غسل فاطمة (علیها السلام) ما ظاهره أنه (علیه السلام) کان یلمسها فی حال الغسل، ولإطلاق صحیح ابن مسلم: الرجل یغسل امرأته؟ قال: «نعم إنما یمنعها أهلها تعصباً»((1)).

وصحیحه الآخر: عن امرأة توفیت، أیصلح لزوجها أن ینظر إلی وجهها ورأسها؟ قال: «نعم»((2))، فإن المناط موجود فی سائر الجسد.

وصحیح منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یخرج فی السفر ومعه امرأته أیغسلها؟ قال:

ص:355


1- الوسائل: ج2 ص714 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح4
2- الوسائل: ج2 ص715 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح10

«نعم، وأمه واخته ونحو هذا یلقی علی عورتها خرقة»((1)).

وصحیح الکنانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): فی الرجل یموت فی السفر فی أرض لیس معه إلا النساء؟ قال: «یدفن ولا یغسل، والمرأة تکون مع الرجال بتلک المنزلة، تدفن ولا تغسل، إلا أن یکون زوجها معها، فإن کان زوجها معها غسّلها من فوق الدرع، ویکسب الماء علیها سکباً، ولا ینظر إلی عورتها، وتغسله امرأته إذا مات، والمرأة إذا ماتت لیست بمنزلة الرجل، والمرأة أسوأ منظراً إذا ماتت»((2)).

وفی وصیة فاطمة (علیها السلام) لعلی (علیه السلام): «ولا تکشف عنی، فإنی طاهرة مطهرة»((3)).

فإن التعلیل: یدل علی جواز الکشف، وإلاّ لم یحتج إلی الوصیة.

وخبر ابن سرحان، عن الصادق (علیه السلام) وخبر الحلبی عنه (علیه السلام) مثل صحیح الکنانی المذکور.

وصحیح ابن سنان، عن الصادق (علیه السلام)، عن الرجل أیصلح له أن ینظر إلی امرأته حین تموت، أو یغسلها إن لم یکن

ص:356


1- الوسائل: ج2 ص705 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح1
2- الوسائل: ج2 ص716 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح12
3- المستدرک: ج1 ص104 الباب 30 نوادر الغسل ح14

عندها من یغسلها؟ وعن المرأة هل تنظر إلی مثل ذلک من زوجها حین یموت؟ فقال: «لا بأس بذلک إنما یفعل ذلک أهل المرأة، کراهیة أن ینظر زوجها إلی شیء یکرهونه منها»((1))، إلی غیرها من الروایات، وکلها کما عرفت ظاهرة أو صریحة فی الجواز.

أما القول الثانی: فقد استدل للمنع بانقطاع الزوجیة، ولذا یجوز له أن یتزوج الخامسة، ولقوله (علیه السلام): «إن فاطمة زوجة لعلی فی الدنیا والآخرة». مما ظاهره أن غیرها لیست کذلک.

وبصحیح الحلبی، عن الصادق (علیه السلام) عن الرجل یغسل امرأته؟ قال: «نعم من وراء الثوب، لا ینظر إلی شعرها، ولا إلی شیء منها، والمرأة تغسل زوجها، لأنه إذا مات کانت فی عدة منه، وإذا ماتت هی فقد انقضت عدتها»((2)).

وصحیح ابن مسلم: عن الرجل یغسل امرأته؟ قال: «نعم من وراء الثوب»((3)).

وصحیح الکنانی المتقدم: «فإن کان زوجها معها، غسّلها من فوق الدرع»((4)).

ص:357


1- الوسائل: ج2 ص713 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح1
2- الوسائل: ج2 ص716 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح11
3- الوسائل: ج2 ص714 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح2
4- الوسائل: ج2 ص716 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح12

وصحیح الحلبی الآخر: «فی المرأة إذا ماتت یدخل زوجها یده تحت قمیصها فیغسلها»((1)).

وإطلاق خبر سماعة، عن الصادق (علیه السلام) عن رجل مات، ولیس عنده إلا نساء؟ قال: «تغسله امرأة ذات محرم منه، وتصب النساء علیه الماء، ولا تخلع ثوبه»((2)).

وخبر عبد الرحمان عنه (علیه السلام) عن الرجل یموت ولیس عنده من یغسله إلاّ النساء؟ هل تغسله النساء؟ فقال: «تغسله امرأته أو ذات محرمه، وتصب علیه النساء الماء صباً من فوق الثیاب»((3)) إلی غیرها.

وفیه: إن الجمع بین هذه الروایات والروایات السابقة یقتضی حملها علی الاستحباب، أو حمل نزع الثوب علی الکراهة، هذا مع الغض عن ضعف السند فی بعضها، وعدم الدلالة فی بعض کخبری سماعة وعبد الرحمان، لاحتمال أن یکون علة عدم النزع کون النساء الصابات غیر محارم.

ص:358


1- الوسائل: ج2 ص714 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح3
2- الوسائل: ج2 ص707 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح9
3- الوسائل: ج2 ص706 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح4

أما المفصّل: فقد استدل بصحیح الکنانی، وخبر داود بن سرحان المتقدمین. وبخبر زرارة: فی الرجل یموت ولیس معه إلا النساء؟ قال: «تغسله امرأته، لأنها منه فی عدة، وإذا ماتت لم یغسلها، لأنه لیس منها فی عدة»((1)) حمل المنع علی غسلها مجردة، کما حمله علی ذلک الشیخ فی الاستبصار، وفی هذا التفصیل ما تقدم من لزوم حمل هذه الروایات علی ما لا ینافی الجواز، التی عرفت صراحة الطائفة الأولی فیه.

أمّا حمل الاستبصار فعریّ عن الشاهد، ولعلّ المنع من باب التقیة ونحوها، وعلی هذا فالأقوی هو القول بالجواز مطلقاً، کما اختاره الماتن تبعاً لمن عرفت.

ثم الظاهر أنَّ من یقول بوجوب کون الغسل من وراء الثوب، یرید الثیاب العاریة الباقیة علی البدن، لأنه المنصرف من الروایات والفتاوی، بل هو صریح لفظ الدرع والقمیص الوارد فی بعض الأخبار، وعن المحقق الثانی أنه استظهر وجوب ستر تمام البدن، واستشهد له بقوله (علیه السلام): "لا ینظر إلی شعرها، ولا إلی شیء منها".

وفیه: إنه خلاف المنصرف والمصرّح، کما عرفت، والروایة

ص:359


1- الوسائل: ج2 ص716 الباب 24 من أبواب غسل المیت ح13

وإن کان الأحوط،

ظاهرة فی أن شعرها مکشوف، ولکن لا ینظر الرجل إلیه.

ثم الظاهر أنه لو غسل المیت من وراء الثوب، ینجس ثوبه بنجاسة بدنه بالموت، وبالنجاسات العرضیة التی ترافقه، لکنه یطهر الثوب تبعاً، وإن قیل بلزوم العصر والتعدد، ولم یحصل عصر ولا تعدد، وذلک لأنه لو تنجس ولم یطهر لزم البیان، فعدم تنجّسه لیس له دلیل، کما أن احتمال تنجسه وبقاءه نجساً بدون أن تسری نجاسته إلی البدن أیضاً خلاف ظاهر الأدلة، وهذا الذی اخترناه هو المحکی عن الذکری، وجامع المقاصد، والروضة، والحدائق، وغیرهم، ویأتی هذا الکلام فی الخرقة الموضوعة علی عورته أیضاً، ثم إن کان المیت عاریاً، لزم ستره وغسله، عند من یقول بوجوب کونه من وراء الثیاب.

أما جواز المس فالظاهر أنه لا مانع منه، حتی عند القائل بوجوب کونه من وراء الثیاب، لتصریح النصوص بذلک، ولو غسلها بدون الثوب عند من یری وجوب ذلک، فهل الغسل باطل، أو أنه فعل حراماً، الظاهر الثانی، لانصراف الأدلة إلی کون الثیاب من جهة محظور فی النظر، لا لأجل احتیاج الغسل إلی ذلک، وهذا لا ینافی القول ببطلان غسل غیر المحارم، لأنه لا أمر بغسل هناک.

ومما تقدم تعرف وجه الاحتیاط فی قوله: {وإن کان الأحوط،

ص:360

الاقتصار علی صورة فقد المماثل، وکونه من وراء الثیاب، ویجوز لکلّ منهما النظر إلی عورة الآخر وإن کان یکره،

الاقتصار علی صورة فقد المماثل، وکونه من وراء الثیاب} وهل الظلمة والعمی یکفی عن الثیاب، الظاهر ذلک، لوضوح أن الثیاب لأجل عدم النظر، بل یمکن أن یتعدی إلی ما لو وثق الغاسل بعدم النظر لتغمیضه عینه، ولذا فالظاهر عدم کفایة الثیاب إذا کانت شفافة تحکی ما تحتها، أوکان الغاسل لابساً نظارة نافذة بحیث یری حتی من تحت الثیاب الصنیعة، کما توجد الآن.

{ویجوز لکلّ منهما، النظر إلی عورة الآخر} کما ذهب إلیه البرهان وغیره.

{وإن کان یکره} بل منعه العلامة فی محکی المنتهی، وتبعه مصباح الفقیه، وإن تأمل فیه أخیراً، والأقوی الأول، لاستصحاب العلقة، ولا ینافی ذلک عدم جواز وطیها، لأنه خارج بالدلیل، کما لا ینافیه جواز نکاح الخامسة، إذ لا تلازم بین أحکام حال الحیاة وحال الممات، ولذا جاز غسلها والنظر إلیها ولمسها کما تقدم، ولبعض الروایات کصحاح ابن سنان والکنانی والحلبی وخبر ابن سرحان.

نعم ظاهر الأخبار الثلاثة المنع عن نظر الزوج إلی عورة زوجته، لکن التعلیل یوجب الحمل علی الکراهة.

ص:361

أما القائل بالمنع، فقد استدل بانقطاع العلقة، وبعدم الجواز بالنسبة إلی نظر الزوج لعورة زوجته بالأخبار الثلاثة، للکنانی والحلبی وابن سرحان، وبالنسبة إلی نظر الزوجة لعورة زوجها بخبر زید الشحام، کما أن قوله (علیه السلام) فی صحیح منصور بن حازم: «یلقی علی عورتها خرقة»((1))، یشمل الزوجة أیضاً، لکن یرد علی الجمیع، أما انقطاع العلقة، فبما عرفت من صحة استصحاب النظر حال الحیاة.

وأما الأخبار، فالمجوزة حجة علی المانعة، الموجب لحمل المانعة علی الکراهة، وصحیح "منصور" یقرب أن یراد به بالنسبة إلی تغسیل الأم والأخت، ولذا ذهب الشراح، کالمستمسک ومصباح الهدی، والمعلقون، کابن العم والبروجردی والأصطهباناتی وغیرهم، إلی ما اختاره الماتن من الجواز مع الکراهة.

ثم إن المراد بالعورة هنا، هو ما ذکر فی وجوب الستر، کما تقدم فی مبحث التخلی، وإذا ألقی خرقة طهرت بالتبع کما سبق، وهل یجوز النظر بشهوة إلی العورة، أو غیر العورة؟ احتمالان: من انقطاع علقة الزوجیة بهذا النحو وإن بقیت علقة جواز النظر، ومن الاستصحاب.

ص:362


1- الوسائل: ج2 ص705 الباب20 من أبواب غسل المیت ح1

ولا فرق فی الزوجة، بین الحرة والأمة، والدائمة والمنقطعة، بل والمطلقة الرجعیة،

{ولا فرق فی الزوجة، بین الحرّة والأمة} بل جعله فی المستند مقتضی الاطلاقات، نصاً وفتوی، وفی مصباح الهدی لتسالم الأصحاب علیه، من غیر نقل خلاف فیه، وربما یستشکل فی الأمة بأنها إذا مات زوجها، صارت فی سلطة مولاها، فلا یحق لها، غسل من خرجت هی عن سلطته أی الزوج.

وفیه: إن إطلاق الأدلة کاف فی الحکم، هذا بالاضافة إلی الجواز بالنسبة إلی المولاة، مع أنها تکون مملوکة للورثة بعد موت السید کما سیأتی، بل الحکم هنا أقوی، إذ المملوکة غیر المدخول بها من مولاها، یحق للوارث وطیها بعد موت مولاها فوراً، فهی کالأجنبیة عنه، بخلاف المقام فإنها فی عدة زوجها، ومنه یعرف حکم المحلّلة إذا کانت مدخولة، أما إذا لم تکن مدخولة ففیه إشکال، والمنع أقرب.

{والدائمة والمنقطعة} لإطلاق الأدلة، وإن أشکل فیه فی الجواهر وفی مصباح الهدی، کما تقدم کلامهما فی الولایة، وقد عرفت الإشکال فی کلامهما.

{بل والمطلقة الرجعیة} بل ظاهرهم التسالم علیه، إلا العلامة فی المنتهی فقد تنظر فیه، والأقوی ما علیه المشهور، لإطلاق الأدلة فی کونها بمنزلة الزوجة. بل فی الجواهر أنه لا خلاف فیه

ص:363

وإن کان الأحوط ترک تغسیل المطلقة، مع وجود المماثل، خصوصاً إذا کان بعد انقضاء العدّة، وخصوصاً إذا تزوّجت بغیره، إن فرض بقاء المیّت بلا تغسیل إلی ذلک الوقت،

یوجد، ولعل العلامة احتمل انصراف دلیل التنزیل عن الغسل، لکن لا وجه له بعد حکومة دلیل التنزیل عل کل ما للزوجة من أحکام، وعلی هذا فیجوز لکل منهما غسل الآخر، ولو شک فی أن الطلاق کان بائناً أو رجعیاً، فإن کان الشک فی الثلاث والأقل، فالأصل یقتضی الأقل، ولو شک فی أنه طلاق بائن أو رجعی فالاحتیاط فی عدم الغسل {وإن کان الأحوط ترک تغسیل المطلّقة، مع وجود المماثل} لاحتمال الإنصراف المتقدم {خصوصاً إذا کان بعد انقضاء العدّة} لأنها أجنبیة حینئذ، لکن فیه: إن المعیار عدم انقضاء العدة عند الموت، والمفروض أنه لم تنقض، وقد عرفت مثله فی المتعة إذا انتقضت مدتها بعد الموت، ولو قیل بالانصراف ففیه: إنه بدائی، کما فی الجواهر وطهارة الشیخ المرتضی (رحمه الله)، وعن کشف اللثام أنه أشکل فیما إذا انقضت العدة بما تقدم فی صحیح زرارة المعلل جواز غسلها له بأنها فی عدته، وفیه: ما سبق من أن التعلیل لا یمکن العمل به، لضرورة جواز غسله لها مع أنها لیست فی عدة منه، فاللازم تأویل التعلیل المذکور، {وخصوصاً إذا تزوّجت بغیره} هذا {إن فرض بقاء المیت بلا تغسیل، إلی ذلک الوقت} کما یمکن ذلک فی عصرنا،

ص:364

وأما المطلقة، بائناً فلا إشکال فی عدم الجواز فیها.

الثالث: المحارم، بنسب أو رضاع،

بسبب الآلات الحدیثة، أو إذا فرض أنه دفن بلا غسل، ثم خرج عصیاناً أو مشروعاً، ولم تتغیر الجثة أو صارت عظاماً، لوجوب غسل العظام لمیت لم یغسل، وقد أطال بعض الفقهاء فی تصویر الموارد المشروعة للنبش، وفرض الفروض البعیدة لانقضاء العدّة قبل مضی مدة طویلة، کما إذا کانت حاملاً، فوضعت بعد موته فوراً وتزوجت، حیث إن ابن أبی عقیل یقول: بانقضاء عدة الوفاة بمجرد الوضع، إلی غیر ذلک مما هو مستغنی عنه.

نعم ربما یستشکل ذلک، بانصراف الأدلة لبعد الفرض، وفیه: ما ذکره الشیخ الأکبر من أنه لو بنی علی عدم شمول الإطلاقات لکل فرد بعید الفرض، لم تبق قاعدة کلیة، لأن أکثرها مستفادة من الإطلاقات دون العمومات اللفظیة اللغویة، انتهی.

{وأما المطلّقة بائناً، فلا إشکال فی عدم الجواز فیها} بل أرسله المستند إرسال المسلّمات، وفی الجواهر أنه واضح، وعلله فی طهارة شیخنا المرتضی (رحمه الله) بکونها أجنبیة قطعاً، أما علقة العدة، فلا تجعل منها زوجة التی هی معیار الجواز، ولو اشتبهت البائنة بالرجعیة، لم یجز له أن یغسل أحدهما، للعلم الإجمالی کما هو کذلک إذا اشتبهت وکان الزوج هو المیت، اللهم إلا إذا کان هناک أصل موضوعی، کما فی واجدی المنی.

{الثالث} من مستثنیات المماثلة: {المحارم، بنسب أو رضاع} أو

ص:365

مصاهرة، قال فی المستند: (بلا خلاف ظاهر، بل نفی الخلاف عنه متواتر، وفی التذکرة نسبه إلی علمائنا، وفی اللوامع الإجماع علیه)((1)). وادعی الجواهر الإجماع علیه، وفی المستمسک: (إجماعاً صریحاً وظاهراً حکاه جماعة)((2))، ویدلّ علی ذلک متواتر الروایات.

کصحیح منصور: فی الرجل یخرج فی السفر، ومعه امرأته یغسله؟ قال: "نعم وأمه وأخته".

وصحیح الحلبی: عن الرجل یموت ولیس عنده من یغسله إلا النساء، قال: «تغسله امرأة أو ذات قرابته»((3)).

ومثلها موثق عبد الرحمان، وموثق سماعة، وخبر الشحام، وغیرها ممّا مرّ.

ومثلها خبر عمرو بن خالد، عن زید بن علی، عن آبائه عن علی (علیهم السلام): «إذا مات الرجل فی السفر _ إلی أن قال: _ وإذا کان معه نساء ذوات محرم، یؤزرنه ویصببن علیه الماء صباً، ویمسسن جسده، ولا یمسسن فرجه»((4))، فأصل الحکم وإطلاقه لکل المحارم لا تنبغی الشبهة فیه.

ص:366


1- المستند: ج1 ص172 س30
2- المستمسک: ج4 ص87
3- الوسائل: ج2 ص705 الباب20 من أبواب غسل المیت ح3
4- الوسائل: ج2 ص707 الباب20 من أبواب غسل المیت ح8

لکن الأحوط، بل الأقوی اعتبار فقد المماثل وکونه من وراء الثیاب.

وإنما الخلاف فی موردین، وهما ما أشار بقوله: {لکن الأحوط، بل الأقوی اعتبار فقد المماثل، وکونه من وراء الثیاب}، أما فقد المماثل، فقد اختلفوا فیه، فمنهم من شرط فقد المماثل، بل نسبه فی کشف اللثام إلی ظاهر الأکثر، وعن غیره نسبته إلی المشهور، وفی المستند أن دعوی الشهرة علیه متکررة فی کلام الأصحاب، خلافاً للشیخ فی المبسوط، والحلی، والعلامة فی جملة من کتبه، وکشف اللثام، والمدارک، والذخیرة، والنراقی الأول، والثانی، وغیرهم، فقالوا: بعدم لزوم کونه من وراء الثوب.

استدل للأول: بجملة من الروایات، کصحیح ابن سنان عن الصادق (علیه السلام): «إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته، وان لم تکن امرأته معه غسلته أولاهن به، وتلف علی یدیها خرقة»((1)). وجه الدلالة أنه لا بد أن یراد "بأولاهن" المحارم، إذ لا یجوز غسل غیر المحارم _ کما تقدم _ وعلیه: فمرتبة المحارم متأخرة عن الزوجة، فلا بد وأن تکون مرتبتهن متأخرة عن المماثل، لما تقدم من مساواة المماثل مع الزوجة فی الرتبة، وإن قبل بتأخر الزوجة عن المماثل، فالأمر أوضح.

ص:367


1- الوسائل: ج2 ص706 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح6

وخبر أبی حمزة، عن الباقر (علیه السلام): «لا یغسل الرجل المرأة، إلا أن لا توجد امرأة»((1)).

وأضاف الجواهر علی ذلک بمعروفیة الحکم فی أذهان السائلین حیث إنهم یفرضون عدم المماثل، فی أسئلتهم عن حکم تغسیل المحارم، ولم یظهر فی الأجوبة عنهم ما یردعهم عن ذلک، فیظهر منهم (علیهم السلام) تقریرهم علی ما هم علیه، من عدم جواز تغسیل غیر المماثل من المحارم مع وجود المماثل.

واستدل للثانی: بإطلاق بعض الروایات، کصحیح منصور: عن الرجل یخرج فی السفر ومعه امرأته یغسلها؟ قال: «نعم وأمه وأخته»((2)). فإن إطلاقه شامل لصورة وجود المماثل، وبمقارنة الزوجة مع المحارم، وقد عرفت أن الزوجین یغسل أحدهما الآخر فی حال الاختیار، کخبر الشحام: «وإن کان معهم زوجها، أو ذو رحم لها، فلیغسلها من غیر أن ینظر إلی عورتها»((3)).

وصحیح الحلبی: «تغسله امرأته، أو ذات قرابة إن کانت له ویصب النساء علیه الماء صباً»((4)).

وخبر عبد الرحمن عن أبی عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یموت ولیس عنده من یغسله إلا النساء، هل تغسله النساء؟ فقال: «تغسله

ص:368


1- الوسائل: ج2 ص707 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح10
2- الوسائل: ج2 ص705 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح1
3- الوسائل: ج2 ص707 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح7
4- الوسائل: ج2 ص705 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح3

امرأته، أو ذات محرمه»((1))، الحدیث.

وما رواه التهذیب والاستبصار، فی الموثق عن إسحاق، عن جعفر، عن أبیه (علیهما السلام): «إن علی بن الحسین (علیه السلام) أوصی أن تغسله أم ولد له إذا مات، فغسلته»((2)).

والرضوی، قال: «ونروی أن علی بن الحسین (علیه السلام) لما أن مات، قال أبو جعفر: لقد کنت أکره أن أنظر إلی عورتک فی حیاتک، فما أنا بالذی أنظر إلیها بعد موتک، فأدخل یده وغسل جسده ثم دعا أم ولد له، فأدخلت یدها وغسلت عورته، وکذلک فعلت أنا بأبی»((3)).

وفی الدعائم، عن الصادق (علیه السلام) نحوه، إلا أنه قال: «فأدخلت یدها معه فغسلته، وکذلک فعلت أنا به (علیه السلام)»((4)).

والظاهر: أن المراد من "عورته" القبل، فی قبال غسل الدبر، وکأنه لأجل أن القبل یخرج منه ماء لزج عند الموت فیحتاج إلی تنظیف أکثر، ولا ینافی الحدیثان مع ضرورة أن الإمام لا

ص:369


1- الوسائل: ج2 ص706 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح4
2- التهذیب: ج1 ص444 الباب 23 فی تلقین المحتضرین ح72. والاستبصار: ج 1 ص200 الباب 117 من أبواب غسل المرأة للرجل ح16
3- فقه الرضا: ص21 س9
4- الدعائم: ج1 ص229

یغسله إلا الإمام، إذ فعل المولاة لم یکن غسلاً.

وکیف کان، فهذه الروایات تدل علی جواز مباشرة المحرم حتی فی صورة وجود المماثل، والعرف یفهم منها کون المناط فی الغسل وفی التنظیف واحد، فلا یقال: إنها لا تدل علی الغسل، وإنما علی التنظیف، وبهذه الطائفة من الروایات تسقط دلالة الطائفة الأولی علی المنع، إذ هذه الطائفة تدل علی مساواة الزوجة لغیرها من المحارم، فصحیح ابن سنان الدال علی الترتیب بین الزوجة وغیرها یحمل علی الأولویة، وهی واضحة، إذ الزوجة لها النظر إلی العورة ولمسها، بخلاف سائر المحارم، وحیث قد سبق أن الزوجین یحق لهما غسل الآخر مع وجود المماثل، تدل هذه الطائفة الثانیة علی جواز غسل المحارم مع وجود المماثل، ومنه یظهر سقوط دلالة الصحیحة علی اشتراط الترتیب بین الزوجة والمحارم، وبین المماثل الذی هو ظاهر قوله: "مع النساء"، وعلیه: فالأولی المماثل، ثم الزوجة أو الزوج، ثم سائر المحارم.

وأما خبر أبی حمزة فهی مجملة، لأنه إن اراد بقوله: "لا یغسل الرجل المرأة" مطلقاً، فهی مخصصة بما دل علی جواز غسل الرجل زوجته وذات قرابته حتی مع وجود المماثل، أما زوجته فلما تقدم، وأما ذات قرابته فللتلازم المستفاد من روایات غسل المولاة للامام السجاد والامام الباقر (علیهما السلام)، وإن أراد النساء الأجانب،

ص:370

فاللازم أن یحمل المستثنی علی إرادة صب الماء، وإن أراد الزوجة أو المحارم فلا بد وأن یحمل علی الاستحباب، ولعل الأظهر من الاحتمالات الثالث، لانصراف اللفظ إلی غیر الأجانب ولو بقرینة الارتکاز العرفی، وأشکل علیه فی المستند بالمعارضة مع المجوزة بالعموم من وجه، وعلی أی حال، فلا یمکن الاستناد إلی الروایتین فی ما ذهب إلیه الماتن من المنع، ومن ذلک یظهر ما فی تأیید الجواهر، مضافاً إلی أن معروفیة الحکم فی أذهان السائلین إنما هی لتعارض غسل المماثل _ کما هو الحال الآن _ لا للمنع، کما أراده الجواهر.

ثم لو شک فی الجواز، فالاستصحاب یقتضی ذلک، بل هو المرکوز فی أذهان المتشرعة، إذ هم یرون أن حال حیاة الزوجین والمحارم کحال مماتهم، من حیث النظر والتنظیف وما أشبه، فالقول بالجواز حتی مع وجود المماثل أقوی، والرضاع وإن لم یکن فی الحدیث إلا أن تنزیله منزلة النسب، کاف فی التعمیم.

وأما الأمر الثانی المختلف فیه، وهو کون الغسل من وراء الثوب، فهو المحکی عن المشهور، بل عن مفتاح الکرامة لم أجد فیه مخالفاً، إلا ما یظهر من الغنیة. خلافاً للآخرین، فأجازوا کونه بدون الثیاب، وهو المحکی عن الغنیة، والکافی، والذکری، والحلبی، والإصباح، والمدارک، والنراقی الأول. وفی المستند نسبته إلی أکثر الثالثة، وفی المستمسک حکایة اختیاره عن جماعة من متأخری

ص:371

المتأخرین ثم قال: (ولا بأس به لو لا مخالفة المشهور، فتأمل)((1)).

ومن الغریب بعد ذهاب من عرفت من المتقدمین علی الشیخ البهائی إلی الجواز، دعوی حبل المتین فی محکی کلامه الاتفاق علی لزوم کونه من وارء الثیاب.

وکیف کان، فقد استدل القائل بالمنع، بالأخبار المصرحة بکون الغسل من وراء لثیاب، کموثقة عمار، وموثقة سماعة، وخبر عبد الرحمان، الموجبة لحمل المطلقات علیها، کما هی مقتضی قاعدة الجمع بین المطلق والمقید، ویؤیده ما علله المحقق فی محکی المعتبر: (أن المرأة عورة، فیحرم النظر إلیها وإنما جاز مع الضرورة من وراء الثیاب، جمعاً بین التطهیر والستر)((2)) انتهی.

لکن اللازم حمل هذه الطائفة المقیدة علی الاستحباب _ کما ذهب إلیه القول الثانی _ وذلک لصراحة بعض الروایات فی ذلک، مثل خبر زید بن علی (علیه السلام): «إذ کان معه نساء ذوات محرم یؤزرنه ویصببن علیه الماء صباً، ویمسسن جسده، ولا یمسسن فرجه»((3))، وللاقتصار علی ذکر ستر العورة فی مقام بیان الحکم، کما فی صحیحة

ص:372


1- المستمسک: ج4 ص88
2- المعتبر: ص87 س33
3- الوسائل: ج2 ص707 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح8

الرابع: المولی والأمة، فیجوز للمولی تغسیل أمته

منصور، وخبر الشحام، وفیه: «وإن کان معهم زوجها، أو ذو رحم لها، فلیغسلها، من غیر أن ینظر إلی عورتها»((1)) ولظهور بعضها فی استواء الحکم بین الزوجة والمحارم، کموثقتی البصری وسماعة، مما یوجب حمل المقیدة علی الاستحباب، فهذا القول أیضاً هو الأقرب، کما اختاره بعض الشراح والمعقلین.

ثم المراد بالثیاب ما تقدم فی الزوجة، لکن لم أجد هنا من قال: بلزوم ستر وجه الرجل المحرم ورأسه، وبما ذکرناه ظهر وجه التأمل فی کلام المحقق.

{الرابع: المولی والأمة، فیجوز للمولی تغسیل أمته} وللأمة تغسیل مولاها.

أما الأول: فهو المشهور، بل مقطوع به فی کلام الأصحاب، کما عن حاشیة الجمال، بل الظاهر أنه لا خلاف فیه، کما عن مجمع البرهان، ویدل علیه ما تقدم من الإطلاقات، ومن إطلاق أدلة غسل المحارم لمحارمهم، وأنها فی حکم الزوجة، والاستصحاب، والمناط المستفاد من عکس المسألة، أی تغسیل الأمة مولاها.

وأما الثانی: فقد اختلفوا فیه إلی أقوال:

الأول: الجواز مطلقاً، کما عن القواعد والبیان ومجمع

ص:373


1- الوسائل: ج2 ص707 الباب 20 من أبواب غسل المیت ح7

البرهان وغیرهم.

الثانی: المنع مطلقاً، کما عن المدارک والحدائق.

الثالث: التفصیل بین أم الولد فیجوز، وبین غیرها فلا یجوز، کما عن المعتبر، وجامع المقاصد، والروض، والأقوی الأول، لإطلاقات الأمر بالغسل وعموماته من دون مخصص ومقید فی المقام.

ولموثق إسحاق بن عمار((1))، عن الصادق (علیه السلام) عن أبیه فی قصة علی بن الحسین (علیه السلام) کما تقدم فی مسألة اعتبار فقد المماثل فی غسل المحارم، وللأدلة الثلاثة التی ذکرناها فی تغسیل المولی أمته.

استدل القائل بالمنع مطلقاً، بزوال المحرمیة بینها وبین مولاها فی أم الولد لحریتها بالموت، وفی غیرها لانتقالها إلی الوارث بعد إسقاط "الموثق" بما دلّ أن الإمام لا یغسّله إلا الإمام.

وفیه: أما الأول، فبالنقض: بموت الأمة، فإنها أیضاً تخرج عن ملک مولاها بالموت، مع أن القائل یقول بجواز غسل المولی لها، وبالحل: ببقاء العلقة عرفاً وشرعاً.

أما عرفاً: فواضح، وأما شرعاً: فلما فی مثله من موت الزوجة، فإنه وإن حق له تزویج أختها، وبنتها إذ لم تکن الأم مدخولاً بها، والخامسة، وابنة أختها وأخیها بدون إجازتها، مما یفهم منه بقاء العلقة مطلقاً، وتضعیف الخبر لا وجه له، لا سنداً، ولا دلالة، کما عرفت، ومنه یظهر وجه قول المفصل، فإنه أجاز فی أم

ص:374


1- الوسائل: ج2 ص717 الباب 25 من أبواب غسل المیت ح1

إذا لم تکن مزوجة، ولا فی عدة الغیر، ولا مبعضة ولا مکاتبة، وأمّا تغسیل الأمة مولاها، ففیه إشکال، وإن جوّزه بعضهم بشرط إذن الورثة، فالأحوط ترکه، بل الأحوط الترک فی تغسیل المولی أمته أیضاً.

الولد، لخبر إسحاق، ومنع فی غیرها، لما فی وجه القول الثانی. لکن جواز غسل أحدهما الآخر إنما هو {إذ لم تکن مزوّجة ولا وفی عدّة الغیر} ولا محللة للغیر {ولا مبعضّة} بحریة بعضها، ولا مشترکة {ولا مکاتبة} وذلک لأن المستفاد من النص والفتوی، أن الأمة بمنزلة الزوجة، فإذا سقطت هذه المنزلة سقط حکمها الذی هو حکم الزوجة، من جواز غسل أحدهما الآخر، فإن المزوجة وما فی حکمها لیست کالزوجة، والمبعضة، والمشترکة، والمکاتبة، لا تحل للمولی، اللهم إلا أن یقال: إنما یصح ذلک إذا لم یحل للمولی النظر إلیها والعکس کالمحارم.

أما إذا حل فاللازم أن یکون حالهما حال سائر المحارم، فی جواز الغسل بدون النظر ولمس العورة، وهذا هو ما تقتضیه الصناعة، وإن لم أر من تعرض له.

ومما تقدم یظهر وجه ما ذکره المصنف بقوله: {وأمّا تغسیل الأمة مولاها، ففیه إشکال، وإن جوّزه بعضهم بشرط إذن الورثة} لانتقالها إلیهم فیحرم عملها بدون إذنهم.

{فالأحوط ترکه، بل الأحوط الترک فی تغسیل المولی أمته أیضاً} وقد عرفت وجه الإشکال فی بعض ما ذکره، والله سبحانه العالم.

ص:375

مسألة ١ الخنثی المشکل من حیث المماثلة

(مسألة _ 1): الخنثی المشکل، إذا لم یکن عمرها أزید من ثلاث سنین، فلا إشکال فیها، وإلاّ فإن کان لها محرم أو أمة، بناء علی جواز تغسیل الأمة مولاها، فکذلک،

(مسألة _ 1): {الخنثی المشکل إذا لم یکن عمرها أزید من ثلاث سنین فلا إشکال فیها} عند المشهور، حیث یجوز لکل من الجنسین غسله، لأنه إن کان موافقاً فهو، وإن کان مخالفاً کان مندرجاً فی جواز عدم المماثلة بالنسبة إلی من کان عمره أقل من ثلاث سنوات أو ثلاث سنوات، لکنک قد عرفت سابقاً الإشکال فی ذلک، بالنسبة إلی تغسیل الرجل لطفلة عمرها ثلاث أو ما أشبه.

{وإلاّ} بأن کان عمرها أکثر من ثلاث {فإن کان لها محرم أو أمة بناء علی جواز تغسیل الأمة مولاها، فکذلک} لا إشکال.

أما بالنسبة إلی المولی والأمة فظاهر، وأما بالنسبة إلی المحارم، فإن قلنا بجوازه فی حال الاختیار، فلا إشکال فیه.

وأما إن قلنا بعدم جوازه إلا فی حال الاضطرار، فقد اختلفوا فیه علی قولین:

الأول: الجواز، کما هو المشهور بینهم، لأنه موضع ضرورة.

والثانی: عدم الجواز، لعدم تناول ما دلّ علی الضرورة المسوغة لغیر المماثل، ذلک لظهورها، بل صراحتها فی معلوم الرجولیة والأنوثیة، هکذا ذکره الجواهر، وحاصله: أن مورد الروایات ما إذا لم یوجد المماثل، لا ما إذا وجد ولم یعلم أنه ذکر أو أنثی،

ص:376

وإلاّ فالأحوط تغسیل کلّ من الرجل والمرأة إیّاها من وراء الثیاب

فیکون حال الخنثی حال ما إذا مات إنسان ولم یعلم أنه ذکر أو أنثی لقطع أسافل أعضائه، فإنه لا یلحق بفقد المماثل، لوجود المماثل له علی أی تقدیر، لکن ربما یردّ ما فی الجواهر بأن المستفاد من النص والفتوی أن الشارع إنما أجاز المحارم حذراً من دفن المیت بلا غسل، أو غسل غیر المماثل، فکل مورد تحقق هذا جاز غسل المحارم، ففی الخنثی الأمر یدور بین دفنه بلا غسل، أو غسل المحارم له، أو غسل من یشک فی جواز نظره ولمسه، ومن المعلوم أن الثانی أولی شرعاً وعقلاً، هذا کله إن خصصنا المحارم بصورة الاضطرار، وأما إذا قلنا بجواز غسلهم اختیاراً، کما استقربناه، فلا إشکال أصلاً.

{وإلاّ} تحقق الصور الثلاثة، من الصغر، والأمة، والمحرم {فالأحوط، تغسیل کلّ من الرجل والمرأة إیاها من وراء الثیاب} وذلک للعلم الإجمالی بوجوب تغسیل أحدهما، فاللازم تغسیل کلیها، ولا محذور فی ذلک، إذ لا یلمس ولا ینظر حتی یکون الغسل حراماً، بل منتهی الأمر بطلان غسل غیر المماثل.

لا یقال: الواجب هو الغسل علی الرجال أو النساء، فکل واحد منهما یشک فی وجوب الغسل علیه، فیکون کواجدی المنی فی عدم لزوم الغسل علی أیهما، لإجراء الأصل.

لأنه یقال: إن مقتضی وجوب الغسل کفایةً علی عامة المکلفین، هو عدم اختصاص التکلیف بمن

ص:377

وإن کان لا یبعد الرجوع إلی القرعة.

یباشر بنفسه، فالمماثلة شرط الوجود، لا شرط الوجوب، فالواجب علی کل مکلف هو السعی فی إیجاد الغسل من المماثل، ولو بالسعی وإعانة بعضهم لبعض، کذا فی مصباح الهدی، وهو کلام متین، وعلیه ففی المقام یجب علی الرجال والنساء السعی فی غسل الخنثی، وذلک لا یتحقق إلاّ بتکرار الغسل، وفی المسألة ثلاثة أقوال أخر:

الأول: سقوط غسلها حینئذ، فتدفن بلا غسل، کما عن التذکرة، واستدل لذلک بأن الغسل واجب علی المماثل، وحیث لا یعلم المماثل کان الأصل سقوط غسلها علی کل فریق، فیکون حال الرجال والنساء حال واجدی المنی، وقد عرفت وجه النظر فی هذا القول، بالفرق بین المقام وبین واجدی المنی.

الثانی: یغسلها إما الرجال وإما النساء من فوق الثیاب، بلا لمس ونظر، کما عن المنتهی، واستدل له بأن شرطیة المماثلة إنما هو للاحتیاط فی عدم النظر واللمس، فإذا لم یمکن إنجاز هذا الشرط للجهل بنوع المیت، دار الأمر بین غسله ولو من غیر المماثل من وراء الثوب، وبین دفنه بلا غسل، ولا شک فی أن غسله من وراء الثوب میسور غسل المماثل له، فیشمله دلیل المیسور.

الثالث: ما ذکره المصنف بقوله: {وإن کان لا یبعد الرجوع إلی القرعة}، قال فی المستمسک: (وکأنه متابعة للشیخ فی الخلاف من الرجوع إلی القرعة فی الخنثی، مع فقد الأمارات الدالة علی الأنوثة

ص:378

والذکورة، محتجاً بالإجماع والأخبار)((1))، وفیه: عدم ثبوت هذا الإجماع، ولا هذه الأخبار، وقد ورد غیر ذلک مما تضمن أنه یعطی میراث الرجال والنساء، وعلیه عوّل فی النهایة، والإیجاز، والمبسوط، وسبقه إلی ذلک المفید والصدوق، وتبعهم جماعة من أعاظم المتأخرین عنهم، انتهی.

أقول: فیه أنه لا شک فی ورود الأخبار بأن القرعة لکل أمر مشکل، ولا شک فی قیام الإجماع علی العمل بالقرعة فی الجملة، وإنما ینبغی الإشکال فی أنه هل المقام من صغریات العمل بالقرعة، حیث إن بناءهم علی أنها تحتاج إلی العمل، أو لیس من ذلک، وحیث إنه لا یعلم ذلک فالاحتیاط فی الجمع بین الأمرین، بغسل أحدهما بالقرعة، لتمامیة وجه اختیار العلامة فی المنتهی، وإن کان لا یبعد کفایة غسل أحدهما بدون القرعة، هذا وربما یؤید کفایة غسل أحدهما لها، ما روی عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی أنه أرسل شخصاً لعد أضلاع خنثی، مع أنه کان من المحتمل کون العادّ مخالفاً للخنثی، وجه التأیید أن الضرورة تبیح مثل هذه الأمور.

ص:379


1- المستمسک: ج4 ص91

مسألة ٢ غسل المشتبه بین الذکر والأنثی

(مسألة _ 2): إذا کان میت أو عضو من میت مشتبها بین الذکر والأنثی، فیغسله کل من الرجل والمرأة من وراء الثیاب.

(مسألة _ 2): {إذا کان میت، أو عضو من میت، مشتبهاً بین الذکر والأنثی فیغسّله کل من الرجل والمرأة من وراء الثیاب} الکلام فی هذه المسألة هو الکلام فی المسألة السابقة، وکأن المصنف اختار هناک هذا الوجه، ولذا جزم به هنا، أو أن هنا المسألة تحتلف عن المسألة هناک، باعتبار إجراء بعض الأصول فی المقام مما لا تجری هناک، وربما فرق بین القطعة وبین المیت المشتبه، والأقوی کون المقامات الثلاثة من واد واحد، ولذا یأتی هنا الکلام الذی ذکرناه هناک، والله العالم.

ص:380

مسألة ٣ انحصار المماثل فی الکتابی أو المخالف

(مسألة _ 3): إذا انحصر المماثل فی الکافر أو الکافرة من أهل الکتاب، أمر المسلم المرأة الکتابیة، أو المسلمة الرجل الکتابی أن یغتسل أولاً، ویغسل المیّت بعده،

(مسألة _ 3): {إذا انحصر المماثل فی الکافر أو الکافرة من أهل الکتاب، أمر المسلم المرأةَ الکتابیة} المماثلة للمرأة المیتة {أو المسلمة الرجلَ الکتابی} المماثل للرجل المیت {أن یغتسل أولاً} غسلاً شرعیاً {ویغسّل المیت بعده} إن أمکن ذلک، وإن لم یمکن بأن لم یطع الکتابی والکتابیة، إما الاغتسال أو غسل المیت، کان کما لو لم یوجد المماثل، وهل للمسلم جبر الکتابی بذلک مجاناً، أو مع الأجرة، أو لیس له جبره مطلقاً، احتمالات: من ظهور النص فی لزوم ذلک، فهو من قبیل الأمر بالأمر، ومن أن إعطاء الأجرة جمع بین الحقین، إذ لا وجه لتفویت حقه، ولا دلیل علی أنه یجب علیه ذلک مجاناً، ومن أن الأصل عدم الجبر، "لأن الناس مسلطون علی أنفسهم"، والروایات فی المقام دلت علی إمکان حصول الغسل بهذه الکیفیة، لا أن الواجب علی الکتابی ذلک، حتی یصح الجبر بثمن أو غیر ثمن، والأقرب من الاحتمالات هو الثالث.

وکیف کان، فالمشهور تغسیل الکتابی للمسلم إذا لم یوجد المماثل، بل عن الذکری: لا أعلم مخالفاً من الأصحاب سوی المحقق فی المعتبر. وعن التذکرة: نسبته إلی علمائنا، خلافاً للمحققین فی المعتبر وشرح القواعد، ونسب إلی ابن سعید أیضاً، بل فی المستند أنه ظاهر من لم یذکر الحکم، کالعمانی والجعفی،

ص:381

والقاضی، والحلبی، وابن زهرة، وتوقف فی الذکری، والأقوی هو الأول، وذلک لجملة من الأخبار، لموثقة عمار عن الصادق (علیه السلام) وفیها: «فإن مات رجل مسلم ولیس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوی قرابته، ومعه رجال نصاری، ونساء مسلمات لیس بینه وبینهن قرابة؟ قال: یغتسل النصاری ثم یغسلونه فقد اضطر»((1)).

وعن المرأة المسلمة تموت ولیس معها امرأة مسلمة، ولا رجل مسلم من ذوی قرابتها، ومعها نصرانیة ورجال مسلمون؟ قال: «تغتسل النصرانیة ثم تغسلها»((2)).

وخبر زید بن علی، عن آبائه (علیهم السلام) عن علی (علیه السلام) قال: «أتی رسول الله (صلی الله علیه وآله) نفر، فقالوا: إن امرأة توفیت معنا، ولیس معها ذو محرم؟ قال: «کیف صنعتم»؟ فقالوا: صببنا علیها الماء صباً. فقال: «أما وجدتم امرأة من أهل الکتاب تغسلها»؟ قالوا: لا. قال: «أفلا یمموها»((3)).

وعن فقه الرضا (علیه السلام): «وإن مات میت بین رجال نصاری ونسوة مسلمات، غسله الرجال النصاری بعد ما

ص:382


1- الوسائل: ج2 ص704 الباب 19 من أبواب غسل المیت ح1
2- الوسائل: ج2 ص704 الباب 19 من أبواب غسل المیت، ذیل الحدیث 1
3- الوسائل: ج2 ص705 الباب 19 من أبواب غسل المیت ح2. وفی التهذیب: ج 1 ص443 الباب 23 فی تلقین المحتضرین ح78

یغتسلون، وإن کانت المیت امرأة مسلمة بین رجال مسلمین ونسوة نصرانیة، اغتسلت نصرانیة وغسّلتها»((1)).

وهذه الروایات حجة سنداً، صریحة دلالة، معمول بها عند المشهور، فاللازم العمل بها، ومنه یظهر أن الإشکالات الوردة علی هذا الحکم، من قبل من نفی غسلهم وقال بدفنه بلا غسل، أو توقف فی الحکم، غیر تامة.

أما الإشکالات فهی أمور:

الأول: عدم صحة السند، لأن رجال الموثقة فطیحة، ورجال الخبر واقفیة، والرضوی لا حجیة فیه، وفیه: إنه لا شک عند أحد فی العمل بالموثقات، وخبر عمار من هذا القبیل، مع أن استناد المشهور کاف فی الحجیة وإن کان الخبر ضعیفاً فی نفسه.

الثانی: إن الکافر لا یأتی منه قصد القربة، مع أن الغسل یحتاج إلی قصد القربة، وفیه: عدم تسلیم کلیة أن الکافر لا یأتی منه القربة، وکیف وأن أهل الکتاب یعتقدون بالله سبحانه.

الثالث: أن الکافر لا یصلح للتقرب وإن تمکن من قصد القربة، وکما لا یصلح العمل مع عدم نیة القربة، کذلک لا یصلح مع نیة القربة ممن لا یصلح التقرب، إذ المقصود من قصد التقرب

ص:383


1- فقه الرضا: ص18 س29

التقرب خارجاً، فإذا لم یحصل ذلک لم یصح العمل.

وفیه: إن الکافر یمکنه القرب، إذ لا شک أن الأعمال الصالحة من الکافر یوجب أن یکون له نوع محبوبیة لله سبحانه، ولذا ورد بعدم احتراق أنوشیروان، وحاتم، وراح الیهودی، وأبی لهب فی کل مدة یوماً من جهة إعتاقه لبشارة ولادة النبی (صلی الله علیه وآله).

ثم إنه إذا ورد ما هو حجة فی الحکم، کان اللازم تخصیص ما دلّ علی لزوم کون الفاعل قابلاً للقرب، ولذا قال المستمسک: (إن اعتبار صلاحیة الفاعل للتقرب، لیس مستفاداً من الأدلة العقلیة التی لا تقبل التخصیص، بل هو مستفاد من الأدلة اللفظیة واللبیة وهی تقبل ذلک)((1)) انتهی. فتأمل.

الرابع: إن الکافر نجس، فینجس الماء، وبالماء النجس لا یصح الغسل. وفیه:

أولاً: إن مسألة نجاسة أهل الکتاب مختلف فیها.

وثانیاً: لا یلزم المباشرة، لإمکان أن یصب الکافر الماء بدون المس بیده.

وثالثاً: إن مسألة تنجس الماء القلیل بالملاقاة محل اختلاف.

ورابعاً: إمکان أن یکون الغسل لأجل تخفیف النجاسة، فإن

ص:384


1- المستمسک: ج4 ص93

النجاسة ذات مراتب، وقد عفی الشارع عن هذه النجاسة فی سبیل غسل المیت، کما عفی عن ماء الاستنجاء.

الخامس: إن الکفار مکلفون بالفروع، فهو مکلف بالإسلام وغسله غسلاً صحیحاً، فکیف یصح منه هذا الغسل الناقص، وفیه: إنه علی سبیل الترتب.

السادس: إن اغتسال الکافر إن أرید به الغَسل  _ بالفتح _ فلا ینفع فی تطهیر الکافر، وإن أرید به الغُسل  _ بالضم _ فلا یتحقق. وفیه: إن ظاهر الدلیل الغُسل بالضم، لا الفتح، والمراد به إما غسل الجنابة، أو غسل التوبة، أو غسل جدید ثبت بهذا الدلیل، کما ثبت سائر الأغسال بالأدلة الخارجیة، والظاهر أنه یکفی أن ینوی الغسل الذی یراد منه لذلک، وعلی هذا فاللازم اتباع النص فی أمره بأن یغتسل ثم یغسل المیت.

ثم الظاهر أن المراد بالکتابی، الأعم من الیهودی والنصرانی والمجوسی، لما ثبت من أن المجوس یسن بهم سنة أهل الکتاب، ولا یلحق بهم سائر الکفار، لعدم النص وأصالة العدم، وهل یقدم النصرانی علی الیهودی، لأنه أقرب إلی الإیمان حیث یؤمن برسول لم یؤمن به الیهودی، أم لا؟ لإطلاق النص والفتوی، والکفر کله ملة واحدة، الظاهر الثانی.

وهل یجب علیه تکرار الغسل إذا أراد أن یغسل أکثر من میت، أو یکفی غسل واحد، الظاهر الثانی، لأن المستفاد عرفاً من النص، إذ الاغتسال

ص:385

والآمر ینوی النیة، وإن أمکن أن

لأجل نوع من الطهارة النفسیة، فلا سببیة لکل تغسیل للمیت لأغسال متعددة، ولو غسله بدون الاغتسال لم یکف، لأن ظاهر الدلیل اشتراط الغسل باغتساله.

وهل یقدم تغسیل غیر الممیز والمجنون علی الکتابی، لأنهما کالآلة، ولا مباشرة لغیر المماثل، أولا؟ احتمالان، وقد سبق منا احتمال أن تکون المماثلة لأجل المباشرة، فإذا لم یباشر غیر المماثل کفی.

وهل یشترط فی الکافر، أن یکون ذمیاً أو معاهداً، أو یصح التغسیل ولو من الحربی؟ احتمالان: من انصراف النص إلی المسألة، ومن أنه بدوی، فالإطلاق محکم، ولو غسل الکافر بدون أمر المسلم فالظاهر الکفایة، لأنّ المستفاد من الدلیل وقوع هذا العمل فی الخارج، لکن من یشترط نیة المسلم، یری عدم الکفایة، وهذا ظاهر المتن، والمحکی عن الوسیلة، وغیرها.

قال المصنف: {والآمر ینوی النیة} قالوا: لأنّ النیة لا تتأتی من الکافر، والغسل لا یکون إلاّ بنیة، فاللازم أن یکون الناوی هو الآمر، والکافر یکون کالآلة، لکن ظاهر النص کون الغاسل هو الکافر، فعدم اشتراط نیة الآمر أقرب.

ثم إنه لا إشکال فی لزوم إجازة الولی لو کان، لإطلاق الأدلة السابقة، ولو لم یجز ودار الأمر بین غسل الکافر له، ودفنه بلا غسل، سقطت إجازته، کما سبق.

نعم لا ینبغی ترک الاحتیاط بنیة المسلم أیضاً {وإن أمکن أن

ص:386

لا یمسّ الماء وبدن المیّت تعیّن، کما أنه لو أمکن التغسیل فی الکر أو الجاری تعین،

لا یمسّ} الکافر {الماء وبدن المیت تعین} وذلک لظهور کون تغسیله اضطراریاً، والضرورات تقدّر بقدرها، فاللازم المحافظة علی طهارة الماء وبدن المیت، ولا اطلاق فی النص ینفی ذلک.

وهل یجب علی المسلم والمحتضر إجراء عقد النکاح، قبل الموت _ إن أمکن _ تفادیاً عن الدفن بلا غسل أو غسل الکافر له، أم لا؟ احتمالان: من أنه من مقدمات الواجب فتجب، ومن أنه قبل الموت لا وجوب، فالأصل عدمه، ومنه یعلم وجه احتمالی: لزوم تهیئة سائرالمقدمات قبل الموت، لمن یعلم أنه لا تتوفر تلک بعد الموت، وعدم لزوم ذلک، والظاهر عدم اللزوم، لما عرفت.

{کما أنّه لو أمکن التغسیل فی الکرّ أو الجاری} أو ما أشبه من المیاه العاصمة {تعین} تفادیاً عن تنجس الماء وتنجس بدن المیت، ولو فی غسل واحد کالقراح مثلاً، ولکن لا یخفی أنه لو دار الأمر بین القلیل بدون مباشرة الکافر، وبین الماء العاصم تخیر، والظاهر أنه لو غسل کذلک طهر بدنه، فلا یجب مسّه الغُسل.

نعم هل یجب لمسه الغَسل _ بالفتح _ لأنه تنجس بمماسة الکافر، أو لا؟ احتمالان: من إطلاقات أدلة التنجس بملاقاة النجاسة، ومن احتمال أنه نجس معفو عنه، کما قیل فی ماء

ص:387

ولو وجد المماثل بعد ذلک أعاد، وإذا انحصر فی المخالف

الاستنجاء، والظاهر الأول، لعدم دلیل علی العفو.

{ولو وجد المماثل بعد ذلک أعاد} مع الإمکان، کما عن التذکرة، والذکری، وجامع المقاصد، وغیرهم، وذلک لأن غسل الکافر إنما هو من باب الضرورة، فبإمکان تغسیل غیره، ینکشف عدم الضرورة، خلافاً لما عن ظاهر المنتهی من الکفایة، واستشکل فی الحکم فی القواعد، وجه الکفایة: إن الإتیان بالمأمور به علی وجهه یقتضی الإجزاء.

وفیه: إن کونه مأموراً به، أول الکلام، لظهور الأدلة فی صورة تعذر المسلم، وقد کان فی الواقع غیر متعذر، حیث انکشف بإمکان المماثل بعد ذلک أنه لم یکن متعذراً، فما ذکره المصنف أقرب.

ثم إنه لو وجد المماثل، لکنه لا یغسّل عصیاناً أو عذراً، فالظاهر کفایة غسل الکافر، إذ المستفاد من الأدلة عدم توفر غسل المسلم، کما ذکروا فی قوله تعالی ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً﴾((1)).

{وإذا انحصر} المماثل {فی المخالف} فهل یلحق بالکافر، للأولویة القطعیة، أو لا؟ لقصور الدلیل عن شموله، فالأصل

ص:388


1- سورة النساء: الآیة 43. سورة المائدة: الآیة 6

فکذلک،

عدمه، احتمالان: المصنف قال: {فکذلک}، وفی الجواهر((1)): لم یستعبد عدم الإلحاق، ثم أمر بالتأمل.

ثم الظاهر أن حال المنافق حال الکافر أیضاً، للمناط، بل الأولویة، لا یقال: إنهم أسوء من الکفار، لقوله تعالی:﴿هُمُ الْعَدُوُّ﴾((2))، و﴿إِنَّ الْمُنافِقینَ فِی الدَّرْکِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾((3))، لأنه یقال: لا شک فی أنهم إن لم یکونوا أحسن فهم متساوون مع الکفار، ولذا کان النبی (صلی الله علیه وآله) یقبل إسلامهم، ولا یدعهم فی صفوف الکفار، والإتیان فی صدد التهویل أو المبالغة، وما اشتهر بین الناس من أنه لا المبالغة فی القرآن وکلام المعصوم، یراد به المبالغة الکاذبة، لا المبالغة التی هی من فنون البلاغة، علی ما ذکروه فی علم البلاغة.

ثم هل الکافر مقدم، أو الفرق المحکوم بکفرهم من المسلمین، لا یبعد الثانی، وإن کان ربما یقال بالتساوی، لکفر کلیهما، أو تقدیم الأول، لوجود الدلیل فیه، ولا علم بالمناط، لکن ما ذکرناه أقرب، لأن «الإسلام یعلو ولا یعلی علیه»((4))، ویظهر من قبول النبی (صلی الله علیه وآله) إسلام المنافقین أنه أولی من الکفر، کما ذکرنا.

ص:389


1- الجواهر: ج4 ص61
2- سورة المنافقون: الآیة 4
3- سورة النساء: الآیة 145
4- کلمة الرسول: ص400

لکن لا یحتاج إلی اغتساله قبل التغسیل، وهو مقدم علی الکتابیّ علی تقدیر وجوده.

{لکن} إذا غسله المخالف {لا یحتاج إلی اغتساله قبل التغسیل} لظهور الدلیل فی کونه من جهة الکفر، فلا یجری إلی المسلم، واحتمل وجوبه أیضاً، لإمکان أن یکون لرفع الحدث والخبث المحتمل حصوله فی المخالف أیضاً، لعدم اجتنابهم عن بعض النجاسات، بل یحتمل کونهم أیضاً جنباً، أو حائضاً، أو ما أشبه، لعدم التزامهم بما یلتزم به الشیعی من الأغسال، والأقرب الأول، وإن کان الأحوط الثانی.

{وهو مقدّم علی الکتابی، علی تقدیر وجوده} کما عرفت، ولو اغتسل الکتابی لنفسه، قبل أن یغسل المیت فهل یکفی، أو یجب علیه الغسل لأجل التغسیل، احتمالان: والاحتیاط فی غسله لأجل ذلک.

ص:390

مسألة ٤ عدم وجود المماثل

(مسألة _ 4): إذا لم یکن مماثل حتی الکتابیّ والکتابیة سقط الغسل، لکن الأحوط تغسیل غیر المماثل من غیر لمس ونظر من وراء الثیاب، ثم تنشیف بدنه قبل التکفین، لاحتمال بقاء نجاسته.

(مسألة _ 4): {إذا لم یکن مماثل حتی الکتابی والکتابیة سقط الغسل} لما تقدم فی أول الفصل من دفنه بلا غسل، وإن جاز غیر ذلک مما سبق الکلام فیه، {لکن الأحوط} استحباباً {تغسیل غیر المماثل من غیر لمس ونظر} أما التغسیل فلجملة من الروایات الدالة علی ذلک _ مما تقدم _ المحمولة علی الاستحباب جمعاً، وأما کونه من غیر لمس ونظر فلحرمتهما مطلقاً، والمقام من صغریات ذلک، واحتمال جوازهما بالنسبة إلی مواضع التیمم وما أشبه، کما فی بعض الروایات، محل نظر، للإعراض الموجب للسقوط، لا لأنها معارضة بأدلة المنع مطلقاً، إذ لو کان السبب المعارضة کان ما دلّ علی الجواز فی المقام مقدماً، لأنه أخص مطلقاً، {من وراء الثیاب} کما فی الأحادیث المتقدمة، ویحتمل أن یقوم العمی والظلمة وشبههما مقام الثیاب، کما سبق الکلام فی ذلک.

{ثم تنشیف بدنه قبل التکفین، لاحتمال بقاء نجاسته} حتی لا یتنجس الکفن الواجب طهارته، لکن الظاهر أن ذلک غیر واجب، لإطلاق الأدلة _ علی تقدیر العمل بها _ ولو وجب للزم البیان.

نعم هو احتیاط مستحب، ولو استلزم نزع ثیابه علی النظر

ص:391

واللمس المحرمین، فهل یقدم النزع لمکان الإسراف، أو عدمه لمکان حرمة النظر واللمس؟ احتمالان: ولا یبعد کون حرمة النظر واللمس أهم، وعلیه فیجعل علیه الکفن فوق الثیاب، إذ لا دلیل علی کفایة الثیاب عن الکفن، أما الحنوط فإن أمکن بدون لمس ونظر وجب، وإلاّ صب کیفما کان مع تحری الموضع حسب الإمکان.

ص:392

مسألة ٥ شروط المغسل

(مسألة _ 5): یشترط فی المغسّل أن یکون مسلماً بالغاً عاقلاً اثنی عشریاً، فلا یجزی تغسیل الصّبی وإن کان ممیزاً، وقلنا بصحة عباداته علی الأحوط، وإن کان لا یبعد کفایته مع العلم بإتیانه علی الوجه الصحیح،

(مسألة _ 5): {یشترط فی المغسّل أن یکون مسلماً} لما سبق من اشتراطه، وأنه لا یصح غسل الکافر، إلاّ إذا کان کتابیاً مع فقد المماثل {بالغاً} أما غیر الممیز فلا یصح منه قطعاً، وأما الممیز فقد سبق الکلام فیه فی المسألة الخامسة من فصل الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهیز المیت.

{عاقلاً} لأن المجنون الذی لا یأتی منه القصد لا یأتی منه الغسل، ولو أتی منه القصد لم یکن مجنوناً فی حال إتیان القصد منه، ومنه یعلم عدم الصحة من السکران والمغمی علیه والنائم ومن شابههم.

{اثنی عشریاً} لاشتراط صحة العبادة بالإیمان، کما عقد الوسائل، والمستدرک، وجامع أحادیث الشیعة، والبحار، وغیرها، أبواباً خاصة بذلک.

{فلا یجزی تغسیل الصبی، وإن کان ممیزاً وقلنا بصحّة عباداته علی الأحوط، وإن کان لا یبعد کفایته مع العلم بإتیانه علی الوجه الصحیح} وقد مرّ تفصیل الکلام فی ذلک فی المسألة الخامسة.

ص:393

ولا تغسیل الکافر إلاّ إذا کان کتابیّاً فی الصورة المتقدمة، ویشترط أن یکون عارفاً بمسائل الغسل، کما أنه یشترط المماثلة إلا فی الصور المتقدمة.

{ولا تغسیل} المجنون ولا {الکافر إلاّ إذا کان کتابیاً فی الصورة المتقدمة} ولم یذکر المجنون لعدم الاستثناء، فکأن ذکره کالتکرار.

{ویشترط أن یکون عارفاً بمسائل الغسل} إلا إذا صدر منه الغسل جامعاً للشرائط التی منها قصد القربة، بأن کان بإرشاد مرشد فی وقت الغسل، أو اتفق جمعه للشرائط، فهذا الشرط لیس شرطاً واقعیاً، ولو علمنا بأنه لا یعرف المسائل واحتملنا صدور الغسل منه صحیحاً، فهل یجزی، حملاً لفعل المسلم علی الصحیح، أم لا؟ احتمالان: والاحتیاط فی عدم الکفایة.

{کما أنه یشترط المماثلة} بین المیت والغاسل {إلاّ فی الصور المتقدمة} من الزوجین، والمحارم، والمولی والأمة، ومن عمره لیس أکثر من ثلاث، والله سبحانه العالم المستعان.

ص:394

فصل فی الحکم الشهید

حکم الشهید

فصل

قدعرفت سابقاً وجوب تغسیل کل مسلم، لکن یستثنی من ذلک طائفتان، احداهما: الشهید المقتول فی المعرکة

{فصل}

{قد عرفت سابقاً وجوب تغسیل کل مسلم، لکن یستثنی من ذلک طائفتان} فإن التغسیل غیر مشروع لهما، لا أنه لا یجب فحسب، فتغسیلهما بدعة.

{إحداهما: الشهید} بلا خلاف ولا إشکال، بل قام علیه الإجماع والضرورة، ویسمی شهیداً إما لشهود الملائکة وحضورهم عنده، أو لأن الله سبحانه والملائکة یشهدون له بالجنة، أو لأن له شهادة مقبولة عند الله سبحانه، أو لأنه یشهد ملکوت الله سبحانه، أو لغیر ذلک.

{المقتول فی المعرکة} ولو کانت معرکة صغیرة، بأن قابل مبعوث النبی (صلی الله علیه وآله) المنفرد مع الکفار فقُتل، لإطلاق الأدلة

ص:395

عند الجهاد مع الإمام (علیه السلام) أو نائبه الخاص،

الآتیة {عند الجهاد} لا إذا قتل بسبب آخر، کما إذا سقطت من السماء حجارة أو برد فقتله، وإن کان ذلک فی المعرکة {مع} النبی و{الامام (علیه السلام) أو نائبه الخاص} أو العام، أی نائبه للجهاد فقط، أو لکل الشؤون، کان جهاداً ابتدائیاً أو دفاعیاً، أو مع البغاة، بلا خلاف ولا إشکال فی کل ذلک، بل علیه الإجماع المسلّم والمدعی مستفیضاً، ویدل علیه متواتر النصوص:

کحسنة زرارة، وابن جابر، کیف رأیت الشهید یدفن بدمائه؟ قال (علیه السلام): «نعم فی ثیابه بدمائه، ولا یحنط ولا یُغسل، ویُدفن»((1)).

وصحیحة أبی مریم _ عن بعض الطرق _: «الشهید إذا کان به رمق، غسل وکفن وحنط وصلی علیه، وإن لم یکن به رمق دُفن فی أثوابه»((2)).

وحسنته: «الذی یُقتل فی سبیل الله، یدفن فی ثیابه ولا یُغسّل، إلا أن یدرکه المسلمون وبه رمق ثم یموت بعد فإنه یغسل ویکفن ویحنط»((3)).

ص:396


1- الوسائل: ج2 ص700 الباب 14 من أبواب غسل المیت ح8
2- الوسائل: ج2 ص698 الباب 14 من أبواب غسل المیت ح1
3- الوسائل: ج2 ص700 الباب 14 من أبواب غسل المیت ح9

وروایة أبی خالد: «اغسل کل الموتی: الغریق وأکیل السبع وکل شیء، إلاّ ما قُتل بین الصفین، فإن کان به رمق غُسّل، وإلا فلا»((1)).

والرضوی: «وإن کان المیت قتیل المعرکة فی طاعة الله لم یُغسّل، ودفن فی ثیابه التی قتل فیها بدمائه، ولا ینزع منه من ثیابه شیء»  إلی أن قال: «ولم یغسل، إلا أن یکون به رمق ثم یموت بعد ذلک، فإذا مات بعد ذلک غُسّل کما یغسل المیت وکفّن کما یکفّن المیت، ولا یترک علیه شیء من ثیابه»((2)).

وروایة الداعائم، عن الصادق (علیه السلام) قال فی الشهید: «إذا قتل فی مکانه دفن فی ثیابه ولم یُغسّل، فإن کان به رمق ونقل عن مکانه فمات غُسّل وکُفّن ودُفن»((3)).

وروایة مجمع البیان، عن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه قال فی شهداء أحُد: «زملوهم بدمائهم وثیابهم»((4)).

وروایة أبی البختری، عن الصادق (علیه السلام): «أن علیاً (علیه السلام) لم یغسل عمار بن یاسر، ولا عنبسة، یوم صفین،

ص:397


1- الوسائل: ج2 ص698 الباب 14 من أبواب غسل المیت ح3
2- فقه الرضا: ص18 السطر الأخیر
3- الدعائم: ج1 ص229 باب ذکر غسل الموتی
4- کما فی البحار: ج79 ص7 ح6

ودفنهما فی ثیابهما، وصلّی علیهما»((1)).

وروایة عیسی الواردة فی أبواب صلاة المیت: فصارت فی المسلمین سنة «أن لا یغسل شهیدهم»((2))، إلی غیرها من الروایات الکثیرة، ولا یخفی أن تخصیص بعض العبارات بالمقتول بین یدی المعصوم، کالمقنعة، والمراسم، والشرائع، والقواعد، فالظاهر: أن مرادهم الأعم منه ومن نائبه، فإنه لا یشک أحد فی أن قتلی مؤته الذین کانوا قتلوا بدون حضور النبی والإمام، کان لهم نفس أحکام الشهداء، کما أن من خصص بالامام ونائبه الخاص، کالمبسوط، والنهایة، والمهذب، والوسیلة، والسرائر، والجامع، والمنتهی، وغیرهم، أراد بالخاص مقابل الفقیه فی زمان الغیبة، لا مقابل النائب للجهاد، حتی یکون النائب العام عن الإمام الحاضر، کولاة الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی الأمصار المفوض إلیهم أمر الجهاد وإدارة البلاد، لم یکن حکم المقتول معه ذلک الحکم، وذلک لوضوح إطلاق الأدلة الشامل لکل الأقسام الثلاثة، المقتول بین یدی الامام، ونائبه للجهاد فقط، ونائبه لکل الشؤون، ویظهر ذلک من إرسال سائر الفقهاء ذلک إرسال المسلّمات، فهذا کله لا إشکال فیه.

ص:398


1- قرب الإسناد: ص65
2- المستدرک: ج1 ص113 الباب 5 من أبواب صلاة المیت ح7

ویلحق به کلّ من قتل فی حفظ بیضة الإسلام فی حال الغیبة

وإنما الخلاف والإشکال فیما ذکره بقوله: {ویلحق به کل من قُتل فی حفظ بیضة الإسلام فی حال الغیبة} مع النائب العام، کالفقیه العادل، أو لا، کما إذا داهم الکفار بلاد المسلمین ولم یکن فقیه عادل، بأن وجب علیهم الدفاع، فقتلوا فی المعرکة، المشهور عندهم هو السقوط، وهو الذی اختاره الغنیة، والإرشاد، والکافی، والمعتبر، والدروس، وجامع المقاصد، والذکری، والمدارک، والکرکی، والنراقی الأول، وغیرهم، خلافاً لما عن المقنعة، والمبسوط، والنهایة، حیث اشترطوا فی سقوط غسل الشهید أن یقتل بین یدی إمام عادل فی نصرته، أو من نصبه، قال فی المعتبر: (اشتراط ما ذکره الشیخان زیادة لم یعلم من النص)((1))، وکیف کان فیدل علی هذا الإطلاق، إطلاق ما تقدم من الروایات، إذ لا شک فی صدق الشهید علی کل أولئک، بل ورد فی الروایات أن «من قتل دون ماله فهو شهید»((2)) خرج منه من لم یقتل فی المعرکة وبقی الباقی، ولذا قال الذکری((3)): الشهید هو کل من یقتل فی سبیل الله، ولو لم یکن مع الإمام أو نائبه.

نعم منع کشف اللثام ذلک، لکن منعه ممنوع، أما من قال

ص:399


1- المعتبر: ص84 س14
2- الوسائل: ج11 ص93 الباب 46 من أبواب جهاد العدو ح13
3- الذکری: ص41 س 15

من غیر فرق بین الحرّ والعبد، والمقتول بالحدید أو غیره، عمداً أو خطأ، رجلاً کان أو امرأة، أو صبیاً أو مجنوناً، إذا کان الجهاد واجباً علیهم،

بعدم السقوط فقد استدل بإطلاقات وعمومات غسل کل میت، وأن القدر المتیقن من الخارج منه الشهید بین یدی الإمام ونائبه، وفیه ما عرفت من اطلاق الأدلة.

{من غیر فرق بین الحرّ والعبد، والمقتول بالحدید أو غیره،  عمداً أو خطأ، رجلاً کان أو امرأة، أو صبیاً، أو مجنوناً} والمراد بالخطأ أن العدو أراد قتل غیره فقتله، کل ذلک لإطلاق الأدلة، وقد ادعی فی المعتبر الاتفاق بالنسبة إلی الصبی، حیث نسب الخلاف فیه إلی أبی حنیفة، ثم رده بالإطلاق، وعن کشف اللثام الاتفاق فی الصغیر والمجنون، وقد استشهد له بما ورد من قتل بعض الصبیان فی بدر وأحد وکربلاء، ولم ینقل عن أحد تغسیلهم، وقال الشیخ المرتضی (رحمه الله): وقضیة رضیع مولانا سید الشهداء (علیه السلام) معروفة، ولم ینقل تیممه، روحی له الفداء.

أقول: کما لم ینقل أن الامام السجاد (علیه السلام) غسله أو غسل غیره من الأطفال الذین قتلوا مع الإمام، ولو کان لبان.

ومنه یعرف أن قول المصنف: {إذا کان الجهاد واجباً علیهم} محل منع، إذ لا شک فی صدق الشهید علیهما، فتخصیصه بمن وجب الجهاد علیهم بلا مخصص، وربما یستدل لذلک بما دل علی کون القتال فی سبیل الله، والصبی غیر الممیز والمجنون کذلک لا

ص:400

یعرفان معنی السبیل حتی یجاهدا. وفیه: إن الظاهر أن المراد بسبیل الله من یقتل فی معرکة یکون القتال فیه لإعلاء کلمة الله، وهذا یشملهما، بل یشمل ما إذا بیت العدو المسلمین وهم نائمون فقتلهم، إذا کان ذلک فی حالة الحرب، لا ما إذا کانوا فی بیوتهم فبیتهم العدو مثلاً، ومن الاستشهاد فی المعرکة أن یقتلوا فی بیوتهم، إذا کان حرب الشوارع، أو قصف الطائرات، أو إلقاء السم فی المیاه، أونشر مکروبات الوباء، لإطلاق الأدلة، کما أنه لا یبعد أن یکون من ذلک إذا مات فی المعرکة خوفاً، لصدق أنه استشهد فی سبیل الله. وکذا إن قتله مسلم اشتباهاً، أو عمداً کما إذا تترس الکفار بالمسلمین، بل الظاهر أن منه، وإن لم یقصد القتال، کما إذا أرسله النبی أو الإمام أو نائبهما برسالة إلی رئیس الکفار مثلاً _ فی میدان الحرب _ فقتلوه صبراً أو رمیاً.

وکذا إذا أرسلوه لأجل أن یأتی بالماء، أو جعلوه حافظاً علی الخیام، أو ما أشبه ذلک، کل ذلک للصدق المذکور، ومن القتل فی سبیل الله إذا کان فدائیاً بأمرهم، فإن میدان الفدائیة کل مکان أمر بإنجاز العملیات فیه.

نعم لا شک أنه إذا کانوا فی حال حرب، فقتل شخص إنساناً فی بیته أو ما أشبه لم یکن ذلک مسقطاً للأحکام، ولذا غُسّلَ علی (علیه السلام) وکُفّن وحُنّط وإن کان بینه وبین الخوارج حرب، فلیس کل من قتل فی سبیل الله سبحانه ما لم تصدق الحرب الفعلیة

ص:401

فلا یجب تغسیلهم،

ساقطاً عنه الأحکام، وإن سمی شهیداً ببعض الاعتبارات، کما أنه من الواضح أنه لا یعتبر أن یکون الشهید بین الصفین حقیقة، فإنه کنایة عن حالة الحرب، ولذا إذا قتل الشهید فی وسط معسکر الأعداء کان له ذلک الحکم، کما قُتل العباس (علیه السلام) وعلی الأکبر (علیه السلام) کذلک.

وکیف کان {فلا یجب تغسیلهم} وإن کان یجب علیهم الغسل لجنابة أو حیض قبل الاستشهاد، وذلک لإطلاق الأدلة، وخصوص روایات حنظلة، ففی روایة الفقیه قال: استشهد حنظلة بن أبی عامر الراهب بأحُد فلم یأمر النبی (صلی الله علیه وآله) بغسله، وقال: «رأیت الملائکة بین السماء والأرض تغسل حنظلة بماء المزن فی صحاف من فضة، وکان یسمی غسیل الملائکة»((1)).

وفی روایة أعلام الوری للطبرسی أنه قال النبی (صلی الله علیه وآله): «من ذلک الرجل الذی تغسله الملائکة فی صفح الجبل» فسألوا امرأته فقالت: إنه خرج وهو جنب، وهو حنظلة ابن أبی عامر الغسیل((2))، بل الظاهر أن یحرم تغسیلهم، لأنه لم یشرّع، فهو بدعة.

ص:402


1- الفقیه: ج1 ص97 باب فی غسل المیت ح46
2- جامع أحادیث الشیعة: ج3 ص169 باب غسل المیت فی أحکام الشهید ح11

بل یدفنون کذلک بثیابهم

{بل یدفنون کذلک بثیابهم} لجملة من الروایات المتقدمة، مع نقل الإجماعات المتواترة فی کلماتهم، ویدل علیه مضافاً إلی ما تقدم صحیح أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الذی یقتل فی سبیل الله، أیغسل ویکفن ویحنط؟ قال (علیه السلام): «یدفن کما هو فی ثیابه، إلا أن یکون به رمق، فإن کان به رمق ثم مات فإنه یغسل ویکفن ویحنط ویصلّی علیه، لأن رسول الله (صلی الله علیه وآله) صلّی علی حمزة وکفنه وحنطه، لأنه کان قد جرد»((1)).

ومصححه الآخر قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «الذی یقتل فی سبیل الله یدفن فی ثیابه ولا یغسل، إلا أن یدرکه المسلمون وبه رمق ثم یموت بعد فإنه یغسل ویکفن»((2)).

ثم ظاهر النصوص والفتاوی: إبقاء الثیاب علی الشهید، خلافاً للمحکی عن المفید والإسکافی، فأوجبا نزع السراویل عنه، لکنه قیده المفید بما إذا لم یصبها الدم. وفیه: إن الأدلة مطلقة، ولذا قال الشیخ المرتضی (رحمه الله) إن الروایات حجة علیها، ومنه یظهر أنه لا یشترط صدق الثیاب علی الشیء وحده، بل

ص:403


1- الوسائل: ج2 ص700 الباب 14 من أبواب غسل المیت ح7
2- الوسائل: ج2 ص700 الباب 14 من أبواب غسل المیت ح9

إلا إذا کانوا عراة، فیکفنون ویدفنون،

یکفی الصدق وإن کان بالغلبة، کالتکة والحزام، ومثلهما العمامة، وسائر ما یسمی ثیاباً حقیقة، أو بمعونة الملابسة.

{إلاّ إذا کانوا عراة} من قبل الحرب، أو جردوا بعدها {فیکفنون ویدفنون} بلا إشکال، ولا خلاف لما تقدم فی صحیح أبان، من أن الرسول (صلی الله علیه وآله) کفن حمزة، ولا یعارضه صحیح زرارة وإسماعیل بن جابر عن الباقر (علیه السلام) قال: قلت له: کیف رأیت الشهید یدفن بدمائه؟ قال: «نعم فی ثیابه بدمائه، ولا یحنط ولا یغسل، ویدفن کما هو، ثم قال: دفن رسول الله (صلی الله علیه وآله) عمه حمزة فی ثیابه بدمائه التی أصیب فیها ورداه النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) بردائه، فقصر عن رجلیه، فدعا له باذخر فطرحه علیه»((1)).

وفی صحیح أبان، أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) کفن حمزة فی ثیابه ولم یغسله، وذلک لأحد أمرین: إما لأن المراد أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) کفنه فی نفس ثیابه التی جرّد منها، بأن کان قد جرّد وترک ثیابه، وإنما کان التجرید نکایة به، فکفنه رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی نفس الثیاب.

وإما لأن المراد أن الکفار کانوا قد جردوا حمزة من بعض ثیابه، فاحتاج إلی تتمیم کفنه، ولذا کفنه رسول الله بردائه وتمّمه بالأذخر، وهل یصح جعل الأذخر بدل الکفن؟ احتمالان: إذ من

ص:404


1- الوسائل: ج2 ص700 الباب 14 من أبواب غسل المیت ح8

المحتمل أن الأذخر کان لأجل أن لا تظهر رجله، لا لأنه جزء الکفن، أو لأجل أن ذلک کان لأجل الاضطرار.

إن قلت: إذا کان الکفن علی العاری واجباً، فلماذا لم یکفن الإمام الحسین (علیه السلام) مع أنه جرد عن ملابسه؟

قلت: لعل الإمام السجاد (علیه السلام) کفنه.

ثم إنه إنما یجب الکفن إذا جرد، ولو بعض جسم الشهید، کما إذا نزع ثوبه دون سراویله، أو بالعکس، وهل واجب الکفن حینئذ هو کسائر الأموات، أو یکفی أی شیء کان؟ ظاهر التکفین الأول، لکن مقتضی الجمع بین الروایتین فی حمزة، کفایة کفنه فی ثیابه المنزوعة، وإتمامه بما یستر بقیة جسده، ولعل هذا وهو کفنه فی ثیابه لازم للمناط فی دفنه بثیابه.

ثم إنه تقع بین روایتی حنوط حمزة وعدم حنوط الشهید معارضة، إذ صحیح أبان علی روایة الفقیه((1))، مشتمل علی أنه (صلی الله علیه وآله) «حنطه»، وصحیح إسماعیل وزرارة یقول: «ولا یحنّط» لکن من المحتمل زیادة "حنّطه" فی روایة الفقیه، لأن الروایة بعینها مذکورة فی الکافی((2)) والتهذیب بدون "حنّطه"((3)).

کما أن من المحتمل أن خصص رسول الله (صلی الله علیه وآله) حمزة بالحنوط، کما خصصه بسبعین تکبیرة، ودلالة صحیح زرارة علی النفی بالعموم،

ص:405


1- الفقیه: ج1 ص197 الباب 24 فی المس ح45
2- الکافی: ج3 ص210 باب القتلی ح1
3- التهذیب: ج1 ص331 الباب 13 من أبواب تلقین المحتضرین ح138

ویشترط فیه أن یکون خروج روحه قبل إخراجه من المعرکة،

أو یقال: إنه یخیّر بین حنوط الشهید وعدم حنوطه، والله العالم بحقیقة الأحکام.

ثم الظاهر وجوب إبقاء ثیاب الشهید علیه مهما کان ثمیناً وکثیراً، فهو مقدم علی حق الورثة، للأدلة الخاصة، کما أنه مقدم علی أدلة الإسراف، فهو خارج موضوعاً أو حکماً، لأمر أهم.

{ویشترط فیه أن یکون خروج روحه قبل إخراجه من المعرکة} سواء أدرکه المسلمون حیاً أو لا؟ وقد ادعی الإجماع علی ذلک، خلافاً للمحکی عن المقنعة والذکری والروض وجماعة آخرین، فقالوا: بأنه إذا أدرکه المسلمون حیاً وجب تغسیله، والأقوی الأول، لأمور:

الأول: الإجماع المستفیض فی کلامه، فقد ادعی فی المعتبر، والذکری، وجامع المقاصد، الإجماع علی ذلک.

الثانی: إطلاق الشهید، والقتیل فی سبیل الله، وما قتل بین الصفین علیه.

الثالث: ما روی عن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه قال یوم أحُد: «من ینظر إلی ما فعل سعد بن الربیع؟» فقال رجل: أنا أنظر لک یا رسول الله (صلی الله علیه وآله) فنظر فوجده جریحاً وبه رمق، فقال له: إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) أمرنی أن أنظر فی الأحیاء أنت أم فی الأموات؟ فقال: أنا فی الأموات، فأبلغ رسول

ص:406

الله (صلی الله علیه وآله) عنی السلام. قال: ثم لم أبرح إلی أن مات»((1))، ولم یأمر النبی (صلی الله علیه وآله) بتغسیل أحد منهم، وإلا لنقل إلینا، کما لم ینقل أنه أمر بتغسیل غیره، مع وضوح أن جملة منهم کانوا یُدرکون وهم أحیاء.

الرابع: ما روی عن إدراک عمار یوم صفین حیاً((2))، وطلبه الضیاح من اللبن((3))، مع ما ورد أن علیاً (علیه السلام) لم یغسل عمار کما تقدم.

الخامس: ما روی من أن الإمام الحسین (علیه السلام) أدرک القاسم والعباس (علیهما السلام) وبهما رمق، ولم ییممهما، ولم یأمر الإمام السجاد (علیه السلام) بغسلهما((4))، إذ لو کان لبان، وکذلک بالنسبة إلی إدراکه جملة أخر من أصحابه، کمسلم بن عوسجة وغیره، بل لقد أدرکت زینب (علیها السلام) الإمام وبه رمق، ولم یرد أنه غسله الإمام السجاد (علیه السلام) فالحکم لا ینبغی الإشکال فیه.

استدل للقول الثانی: بأخبار أبان وأبی خالد وأبی مریم وغیرهم، حیث إنه ورد فی جمیعها أنه إذا کان به رمق غسل،

ص:407


1- کما فی الجواهر: ج4 ص19
2- قرب الإسناد: ص65 باب فی أحوال عمار
3- رجال الکشی: ص34 قال: « آخر زادک من الدنیا ضیاح من اللبن »
4- کما ورد فی البحار: ج45 الباب 37

أو بعد إخراجه مع بقاء الحرب، وخروج روحه بعد الإخراج بلا

وکفن وحنط، وإن لم یکن به رمق کفن فی أثوابه، وفیه: إن اللازم حمل هذه الأخبار علی أن المراد أدراکه بعد انتهاء الحرب بتوابعها، کما هو المتعارف فی تفقد القتلی بعد انتهاء الحرب، وإذا نقلوا عن المعرکة وهم أحیاء، وإنما نحمل هذه الروایات علی هذا المحمل جمعاً بینها وبین الطائفة الأولی، ویؤید هذا الحمل ظاهر خبر أبی خالد حیث جعل "أن یکون به رمق" مقابلاً "للقتل بین الصفین" المراد منه القتل بین العراک.

ثم إنه لو قطّع الشهید، فالقطعة التی بقیت فی المعرکة لم یجب غسلها وکفنها وحنوطها، وأما الذی أخرج من المعرکة ومات هناک، فالواجب إجراء الأحکام علیه.

أما الأول: فللمناط، إذ لا فرق بین القطعة والکل بنظر العرف الملقی إلیهم هذا الکلام.

أما الثانی: فلأنه مات خارج المعرکة، وهل خیام العسکر تعد من المعرکة أم لا؟ الظاهر الأول، لشمول الأدلة له.

نعم لو أخرج إلی بلد آخر، أو مکان آخر، ولو کان للمستشفی مثلاً، ولو کان خاصاً بالعسکر، فاللازم عدم إجراء حکم الشهید علیه، ولو شک فی مکان فالظاهر لزوم الرجوع إلی العام، کما هو الشأن فی کل مورد شک فی شمول المخصص له {أو بعد إخراجه مع بقاء الحرب، وخروج روحه بعد الإخراج بلا

ص:408

فصل، وأمّا إذا خرجت روحه بعد انقضاء الحرب، فیجب تغسیله وتکفینه.

فصل، وأمّا إذا خرجت روحه بعد انقضاء الحرب، فیجب تغسیله وتکفینه} أما بالنسبة إلی قوله: «أو بعد إخراجه» إلی آخره، فلأن الأدلة العامة تشمله، لأنه یسمی قتیلاً وشهیداً وما أشبه، وأشکل علیه فی المستمسک بأنه (خلاف ما ادعی من الإجماع علی اعتبار الموت فی المعرکة، کما عن الخلاف والتذکرة، وغیرهما، وأیضاً هو خلاف ظاهر النص المتضمن أنه إذا أدرکه المسلمون وبه رمق غسل، لأنه إذا أخرج فقد أدرک وبه رمق "إلی أن قال": فحینئذ لا مجال لرفع الید عن عموم وجوب تغسیل المیت)((1)) انتهی.

وردّه مصباح الهدی بأن المصرح به فی الخلاف، أنه إذا خرج من المعرکة ثم مات بعد ساعة أو ساعتین، قبل انتهاء الحرب فحکمه حکم الشهید، إلی أن قال الخلاف: (دلیلنا الأخبار العامة فیمن قتل بین الصفین، وهی متناولة له، إلی أن قال: بل فی محکی المنتهی أنه نقل ما صرح به فی الخلاف من أنه إذا خرج عن المعرکة ثم مات فحکمه حکم الشهید، ثم استحسنه _ إلی أن قال: _ ثم أجاب المصباح عن روایات "وبه رمق" بأن المراد من إدراکهم وبه رمق، هو إدراکهم مع استقرار حیاته، لا مطلق الحیاة،

ص:409


1- المستمسک: ج4 ص102

ولو لم تکن مستقرة، بل کان القتیل فی حال النزع)((1)) انتهی کلام المصباح.

أقول: أما إشکاله الأول فهو وارد علی المستمسک، وأما إشکاله الثانی فلیس بوارد، لأن ظاهر "به رمق" بقایا الحیاة لا الحیاة المستقرة.

والحاصل أن هناک تدافعاً بین ما دلّ أنه إذا أدرکوه وبه رمق غسل، وبین ما دلّ علی أن الشهید والقتیل فی سبیل الله لا یغسل، لکن العموم مخصص بما دلّ علی "به رمق".

نعم ربما یؤید العموم تعارف إخراج الجریح إلی المعسکر ثم یموت هناک، ولم ینقل أنهم کانوا یغسلون مثل هؤلاء الشهداء، لکن هذا المؤید لا یکفی إذ المعسکر یعدّ من ساحة الحرب، والمسألة مشکلة، فقد وافق السادة المحشّون، کابن العم والبروجردی والجمال والاصطهباناتی وغیرهم، المتن، بینما مقتضی الصناعة ما ذکره السید الحکیم((2)) إلا أن یستبعد الفرق بین أن یموت فی المعسکر فی حال قیام الحرب بعد ساعة مثلاً، أو ینقل بالطائرة _ مثلاً _ إلی بلد آخر ویموت هناک بعد ساعة، والله العالم.

ص:410


1- مصباح الهدی: ج6 ص9 س7
2- المستمسک: ج4 ص102

وأما بالنسبة إلی قوله: "وأما إذا خرجت روحه" فکأنه لعدم شمول أدلة السقوط له، بإضافة ما عن محکی الخلاف من الإجماع علی وجوب تغسیل من مات بعد انتهاء الحرب، وإن لم یدرکه المسلمون حیاً، لکن أشکل علیه بأنه لم یکن من دأب النبی (صلی الله علیه وآله) وأمیر المؤمنین (علیه السلام) تغسیل مَن تنقضی الحرب وبه رمق ثم یموت فی المعرکة وإن أدرکه المسلمون وبه رمق.

أقول: وهذا هو الأقرب، لشمول أدلة القتیل والشهید وما أشبه لمثل هذا، وعلیه: فکل من مات فی الحرب، أدرکه المسلمون أم لا، فهو محکوم بحکم الشهید، وکل من أدرکه المسلمون بعد الحرب بوقت قصیر وبه رمق ثم مات أیضاً، یلحقه حکم الشهید، وذلک لأن الإطلاق أقوی بالنسبة إلیه من قوله (علیه السلام): "وبه رمق"، فاللازم تخصیصه بمن کان به رمق ومات بعد مدة کیوم أو ما أشبه، مما لا یعد من قتلی المعرکة، ویؤیده ما رواه فی التهذیب والاستبصار، یسنده إلی زید بن علی، عن آبائه، عن علی (علیهم السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «إذا مات الشهید من یومه أو من الغد فواروه فی ثیابه، وإن بقی أیاماً حتی تتغیر جراحته غسّل»((1))، ومع ذلک فالمسألة بحاجة

ص:411


1- التهذیب: ج1 ص332 الباب 13 فی تلقین المحتضرین 142. والاستبصار: ج 1 ص215 الباب 125 فی المیت یموت ... ح6

إلی التتبع والتأمل، والله العالم.

ثم هل یشمل الشهید، المنافق والمخالف أم لا؟ من إطلاق الأدلة، ومن أن المنصرف المؤمن، لکن الظاهر الأول، فإنه من الواضح أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) لم یکن یجری المراسیم علی کل الشهداء الذی کانوا یستشهدون معه _ مع أن کثیراً منهم کانوا من الذین لم یدخل الإیمان قلوبهم، وکذلک أمیر المؤمنین (علیه السلام)، فإن من الواضح أن النبی والامام کان حولهم کل لون.

أما المخالف، فهو داخل فی الإطلاقات، وهل سقوط الأحکام عام بالنسبة إلی من لا ینوی الجهاد فی سبیل الله، أم خاص بمن نوی ذلک؟ احتمالان: من انصراف الأدلة بالنسبة إلی من نوی الجهاد فی سبیل الله فلا یشمل من ینوی المال أو الشهرة أو امرأة أو ما أشبه، ولذا روی أنه (صلی الله علیه وآله) لم یصل علی شهید الحمار ونحوه، ومن وضوح أن الذین کانوا فی رکاب رسول الله (صلی الله علیه وآله) وعلی (علیه السلام) والحسن (علیه السلام) لم یکونوا کلهم مخلصین صحیحی النیة، وقد جاء بعضهم طمعاً أو کرهاً، فلم یکن یقصد القربة بجهاده، وهذا هو الأقرب.

نعم قد تقدم أنه لا إشکال من جریان الأحکام للذین لم یبعثهم علی الجهاد الرسول والإمام، ونائبهما والفقیه، والمدافع عن بلاد الإسلام حیث وجب الدفاع ولم یمکن إجازة النبی والإمام ونائبهما والفقیه، ومنه یظهر حال الذین یدافعون عن

ص:412

حکم من وجب قتله برجم أو قصاص

الثانیة: من وجب قتله، برجم أو قصاص، فإنّ الإمام (علیه

أراض إسلامیة، کفلسطین وارتریا، لکن تحت لواء غیر إسلامی، فإنه إن قصد إنقاذ بلاد الإسلام، ودافع لأجل کلمة الله، کان حکمه حکم الشهید مع إجازة الفقیه، أو بدون إجازته إذا لم یمکن تحصیل الإجازة، وإن قصد غیر ذلک لم یکن شهیداً إسلامیاً، وهل حکم الشهید سارٍ بالنسبة إلی الذی یفدی بنفسه فی عملیة انتحاریة، کما اعتید من تحزم المقاتل بحزام ناسف ثم یفجره فیموت هو، ویقتل ناساً من الأعداء، أو ینسف مؤسسة لهم؟ الظاهر ذلک، لأنه نوع من الجهاد والقتل فی سبیل الله سبحانه، وحیث أن مقصده أهم، یجوز أن یقتل نفسه، ولو قتل المسلمون المسلمین، لأن الکافر تترسوا بهم، کان فی حکم الشهید، لأنه قتل فی سبیل الله، واستشهد لإعلاء کلمة الله، ولا فرق بین أن یُقتل المسلم حرباً أو صبراً، کما إذا أخذوه فی المعرکة وضربوا عنقه، للإطلاقات، ولو قتل خطأً بید مسلم، کما إذا رمی المسلم فی المعرکة کافراً فأخطأه وأصاب مسلماً، فهل المقتول له مراسیم الشهداء أم لا؟ احتمالان، من الإطلاقات، ومن الانصراف، والأول أقرب، ثم إنه لو قتل تحت لواء الخلاف، فالظاهر سقوط المراسیم، لدلیل "ألزموهم"، وإن لم یکن شهیداً فی مذهبنا، ولا إشکال فی أن مراسیم الشهید إنما هو للمسلم، فالکافر الناصر للمسلمین فی الحرب إذا قتل، لم یکن له مراسیم الشهداء، بل حاله حال سائر الکفار.

{الثانیة: من وجب قتله، برجم أو قصاص، فإنّ الإمام (علیه

ص:413

السلام) أو نائبه الخاص أو العام یأمره أن یغتسل

السلام) أو نائبه الخاص أو العام} ولو الفقیه المجری للحدّ {یأمره أن یغتسل} ویکون ذلک الغسل کافیاً عن غسله بعد الموت، بلا إشکال ولا خلاف، بل إجماعاً، إدعاه غیر واحد، کالشیخ فی الخلاف، والشهید فی الذکری وغیرهما، ویدل علیه جملة من الروایات، کالمروی فی الکافی((1)): عن مسمع بن کردین، عن الصادق (علیه السلام) قال: «المرجوم والمرجومة یغسلان _ بالتشدید من باب التفعیل _ ویحنطان، ویلبسان قبل ذلک، ثم یرجمان، ویصلی علیهما، والمقتص منه بمنزلة ذلک یغسل ویحنط ویلبس الکفن»، ورواه فی التهذیب((2)) عن الکافی، لکن فیه «یغتسلان» من باب الافتعال.

ونحوه مرسل الفقیه، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) وفیه: «یغسّلان»((3)).

وفی فقه الرضا (علیه السلام): «وإن کان المیت مرجوماً، بدأ بغسله وتحنیطه وتکفینه، ثم رجم بعد ذلک، وکذلک القاتل إذا أرید قتله قوداً»((4)).

ص:414


1- الکافی: ج3 ص214 باب الصلاة علی المصلوب... ح1
2- التهذیب: ج1 ص334 الباب 13 فی تلقین المحتضرین ح146
3- الفقیه: ج1 ص96 الباب 24 فی المس ح41
4- فقه الرضا: ص19 س10

وفی روایة أحمد، فی باب الإقرار بالزنا، فمات الرجل _ أی الذی رجمه الإمام (علیه السلام) _ فأخرجه أمیر المؤمنین (علیه السلام) فأمر فحفر له، وصلی علیه ودفنه، فقیل: یا أمیر المؤمنین ألا تغسله؟ فقال (علیه السلام): «قد اغتسل بما هو طاهر إلی یوم القیامة»((1)).

ونحوها روایة محمد بن قیس، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام)، ولا یعارض ذلک خبر أبی مریم: «فادفعوها _ أی المرجومة _ إلی أولیائها ومروهم أن یصنعوا بها کما یصنعون بموتاهم»((2))، إذ إطلاقه مقید بما سبق، فالمراد ب_: «کما یصنعون» الصلاة والدفن، هذا کله مما لا إشکال فیه، وإنما الکلام فی أمور:

الأول: هل هذا الحکم جار بالنسة إلی المقتول حسب الأمر الشرعی، بأن کان الأمر بالرجم والقصاص ممن له ذلک، من إمام ونائبه، أو یشمل ما یفعله حکام الجور؟ احتمالان: من إطلاق الأدلة، ومن انصرافها إلی المحکوم بالحق، والثانی أقرب، إذ لا حق لأهل الباطل فی إجراء الأحکام، ولعله یستفاد من قوله: "فإن الإمام أو نائبه" مما ظاهره أن الحکم یکون تحت إشراف الإمام أو نائبه.

ص:415


1- جامع أحادیث الشیعة: ج3 ص173 الباب 7 من أبواب حکم المرجوم ح2
2- جامع أحادیث الشیعة: ج3 ص173 الباب 7 من أبواب حکم المرجوم ح2

نعم لا ینبغی الإشکال فی أن الفقیه العادل له ذلک، کما ذکرناه فی کتاب التقلید وغیره.

الثانی: هل یعم الحکم کل من قتل بحد أو قصاص، کما اختاره جماعة، أو خاص بالمرجوم والمقتص منه، کما ذهب إلیه آخرون؟ قولان، مستند الأول المناط، واستفادة المثال مما ذکر فی الروایات، خصوصاً بعد قرینة قوله (علیه السلام): "قد اغتسل بما هو طاهر إلی یوم القیامة" فإنه کنایة عن مطهریة الحد له، ومستند الثانی الأدلة العامة الواردة فی تجهیز المیت، خرج منه المرجوم والمقتص منه، فیبقی الباقی، مع عدم القطع بالمناط، لکن لا یبعد الأول، لفهم العرف عدم الخصوصیة، وأن المثالین فی الروایات من باب المثال، لا من باب الخصوصیة، ویؤید العموم ما رواه الفقیه عن السکونی عن الصادق (علیه السلام) قال: «إن أمیر المؤمنین صلب رجلاً بالحیرة ثلاثة أیام، ثم أنزلة یوم الرابع فصلی علیه ودفنه»((1)).

ومثله: ما عن الجعفریات((2)) والدعائم، فإنه((3)) لم یذکر إلا الصلاة علیه وإلا الغسل، ولا یعارضه ما عن الفقیه عن الصادق (علیه السلام): «المصلوب ینزل من الخشبة بعد ثلاثة أیام،

ص:416


1- الفقیه: ج4 ص48 الباب 12 فی حد السرقة ح28
2- الجعفریات: ص209 باب السنة فی المصلوب
3- الدعائم: ج2 ص477 ح1713

ویُغسّل ویُدفن»((1))، لأن ظاهره من لم یغسّل قبل الصلب، وعلیه فالذی یحرق لأنه لاط، والذی یموت تحت السوط لأنه شرب أو زنی، والذی یقتل لمعصیته فی المرة الرابعة، والذی یسری إلیه الجرح، کما لو اقتص منه بقطع یده فمات من أثر ذلک، إلی غیرهم کالذی یحارب الله ورسوله ویسعی فی الأرض فساداً، کلهم یؤمرون بذلک قبل أن یقتلوا، إذا علم موتهم فی القصاص ونحوه.

أما المرتد: فإن بقی علی ارتداده وقتل، فلا إشکال فی أنه لا یؤمر بذلک، لأنه کافر والکافر لا مراسیم له، وإن تاب فالظاهر أنه من ما نحن فیه، فیأتی فیه الخلاف المتقدم، وقد عرفت أن مقتضی المناط التعمیم.

الثالث: إذا لم یفعل المقتول المراسیم عصیاناً أو جهلاً أو ما أشبه، فالظاهر إجراء المراسیم علیه بعد موته، لأن الخارج من إطلاقات الأدلة صورة ما إذا عمل فیبقی الباقی تحت الإطلاقات، واحتمال السقوط مطلقاً لأن الواجب هو الإتیان قبل ذلک، فإذا لم یفعل لا دلیل علی وجوبه بعد الموت، ممنوع، لظهور الأدلة فی کونه بدلاً، فإذا لم یأت بالبدل لزم علیه أن یأتی بالمبدل منه.

الرابع: یستفاد من جملة من التواریخ، تعارف اغتسال وتحنیط وتکفین من کان یخاف القتل علی ید الخلفاء، کما فی قصة علی بن یقطین، وحسن الکرکدان، وغیرهما، ولا دلیل علی ذلک من

ص:417


1- الفقیه: ج1 ص96 الباب 24 فی المس ح41

النصوص حسب تبتعی، ولعلهم إنما کانوا یفعلون ذلک لأن یکون لهم کفن ونظافة وحنوط بعد الموت فیما علموا أن الخلفاء لا یفعلون لهم ذلک، ولعل دلیل «المیسور»((1)) یشمل بعض ذلک. فإن من علم أنه لا یغسل فالمیسور من نظافته بعد الموت _ کما فی روایات العلل وغیره _ «أن یغتسل قبل ذلک»((2))، کما أن من لم یمکن غسله یحنط قبل الدفن، وهذا نوع من التحنیط قبل الدفن، وکذلک الکفن، وعلیه فذلک أحوط، لدلیل المیسور، وإن لم أجد من تعرض له، وتعارف ذلک فی ذلک الزمان مع أن بعضهم من خلّص الشیعة، یدل علی أن له أصلاً، وعلیه لا فرق بین أن یکون ذلک فیما کان القتل بالحق فی نفسه وإن کانت مباشرة القاتل بالباطل لکونه جائراً، کما فی ما إذا قتل الجائر من قتل قصاصاً، أو کان القتل أیضاً بالباطل لعدم مشروعیة القتل، کما فی من خالف قانوناً وضعیاً، والله سبحانه العالم.

الخامس: قال المنصف: (فإن الإمام أو نائبه الخاص أو العام، یأمره أن یغتسل) فهل هذا الأمر خاص بهم، أو یجوز لکل أحد حتی أنه إذا فعل ذلک لعلمه بالمسألة بدون أمرهم کفی، احتمالان: ذهب جماعة کجامع المقاصد والروض إلی الأول، لظهور کون تولی الحد لهم، کما أن الأمر منهم أیضاً، ویؤید ذلک

ص:418


1- الجواهر: ج2 ص106
2- الوسائل: ج2 ص703 الباب 17 من أبواب غسل المیت ح1

غسل المیت مرة بماء السدر، ومرة بماء الکافور، ومرّة بماء القراح،

نسخة "یغسلان" من باب التفعیل، وذهب آخرون إلی الثانی، لعدم التلازم بین الأمرین، ولا دلالة فی کون "یغسلان" من باب التفعیل أو الافتعال فی ذلک، وهذا هو الأقرب.

أما احتمال أن أن یکون الأمر من المماثل، لأن الأمر قائم مقام التغسیل بعد الموت _ کما عن بعض _ ففی غایة السقوط.

السادس: الظاهر من النص کون الغسل والکفن والحنوط قبل القتل واجباً عینیاً، لا تخییریاً بین ذلک وبین إجراء المراسیم بعد الموت، وهذا هو الذی اختاره الأکثر، بل أرسله غیر واحد إرسال المسلّمات، فما عن بعض المتأخرین من التخییر بین الأمرین، وقد احتمله الشهید (رحمه الله) فی الذکری حیث قال: (ویمکن تخییر المکلف لقیام الغسل بعده بطریق الأولی مقامه)((1)) وتبعه کاشف اللثام، ممنوع، ثم هل هذا الغسل الذی یأتی به هو {غسل المیت مرة بماء السدر، ومرة بماء الکافور، ومرة بماء القراح} کما عن النهایة، والإیضاح، والذکری، وجامع المقاصد، وغیرها، أو غسل آخر یأتی به بالقراح فقط، قولان: ذهب إلی الأول من عرفت مستدلاً بظهور الأدلة، خصوصاً بقرینة "الکفن والحنوط" وأنه یکفی عن الغسل بعده، وذهب إلی الثانی المقنعة، وقد استدل له بإطلاق الدلیل الظاهر فی کفایة "غسل واحد"، بل احتمل فی مصباح

ص:419


1- الذکری: ص42 س 30

ثم یکفن کتکفین المیّت، إلاّ أنه یلبس وصلتین منه وهما المئزر والثوب قبل القتل، واللّفافة بعده،

الفقیه، أنه "غسل التوبة" وأید ذلک بما فی جامع المقاصد من أنه غسل الحیّ، والأمر لا یقتضی التکرار، والأقوی الأول، للظهور الذی ذکرناه، وکونه غسل التوبة خلاف الظاهر، کما أن الأمر لا یقتضی التکرار، ولا یرتبط بالمقام.

ثم لو غسل بالسدر فقط، لعدم توفر غیره، فالظاهر لزوم الاتیان بالغسلین الآخرین بعد الموت، ولو لم یتیسر إلا القراح، فهل یغتسل ویسقط القراح بعده، أو لا یسقط بعده، لعدم حصول الترتیب، أو لا یغتسل، احتمالات: والأحوط الثانی، فإنه یغتسل لدلیل المیسور، ویجب الکل بعد الموت، لعدم حصول البدل، ولو لم یتمکن من الغسل قبل الموت تیمم بدل الغسل، لإطلاقات أدلة بدلیة التیمم، ولو تیسر الماء بعده غسّلوه أیضاً.

{ثمّ یکفن کتکفین المیت} تکفیناً کاملاً، لأنه ظاهر النص والفتوی.

نعم لا إشکال فی أنه ینزع المقدار المنافی للحدّ والقصاص عنه، فإذا أجریا علیه أرجعوا باقی الکفن إلی مکانه.

أما ما ذکره المصنف: {إلاّ أنه یلبس وصلتین منه، وهما المئزر والثوب قبل القتل، واللفافة بعده} فلم یظهر له دلیل، ولذا کان ظاهر الجواهر، وتبعه المستمسک، ومصباح الهدی، وبعض المعلقین،

ص:420

ویحنط قبل القتل کحنوط المیت ثم یقتل، فیصلّی علیه ویدفن بلا تغسیل،

فی التکفین الکامل، وترک موضع القصاص.

ثم لا یخفی أن لبسه الکفن لا ینافی لبسه ملابسه العادیة، لعدم الدلیل علی نزعها، کما أنه لو تعدینا إلی کل أنواع الحد، کان اللازم لبسه عند الحرق فی اللاطی أیضاً وإن احترق الکفن، وتوهم أنه إسراف لیس بأکثر من توهم کونه إسرافاً فی کل میت، حیث لا یستفید منه میت ولا حیّ، والظاهر خروجه موضوعاً، إذ أنه نوع احترام یرفع عنه کونه إسرافاً، ولو لم یلبس الکفن عصیاناً أو عذراً، فالظاهر أنه یکفن بعد الموت، لإطلاقات الأدلة.

{ویحنط قبل القتل کحنوط المیت} کما هوالظاهر من النص والفتوی.

{ثم یقتل فیصلّی علیه ویدفن بلا تغسیل} والصلاة بعد القتل بلا إشکال ولا خلاف، وإن کان ذکر الجواهر (أن النص فی المقتص قد یشعر بخلافه)((1)) أی بأن الصلاة قبل القتل.

أقول: کأنه استشعر ذلک من عطف الصلاة علی القول "بالواو"، حیث قال (علیه السلام): «ثم یقاد ویصلی علیه»((2))

ص:421


1- الجواهر: ج4 ص100
2- الوسائل: ج2 ص703 الباب 17 من أبواب غسل المیت ح1

ولا یلزم غسل الدم من کفنه،

الدال علی الجمع المطلق، لکن لا یخفی ما فی هذا لاستشعار، فإن ظاهر الواو الترتیب، کما ذکروا فی آیة الوضوء، ویؤید ذلک قوله (علیه السلام): «والمقتص منه بمنزلة ذلک»((1)) الظاهر فی کون صلاته بعد القتل.

ثم هل الحکم کفایة الغسل وإن تأخر القصاص عن الغسل یوماً أو أکثر، أو یؤخر، بأن یغسّل مرة ثانیة، أو یلزم تغسیله بعد الموت، الظاهر أنه مع التأخیر یجب غسله ثانیاً، لظهور النص والفتوی فی تعاقب الأمرین عرفاً، وعلیه فإن طال الزمان ولم یغتسل ثانیاً، کان اللازم غسله بعد الموت، لأنه مثل من لم یغتسل، کما تقدم الحکم فیمن لم یغتسل، والله العالم.

ثم الظاهر أنه لا تشرع الصلاة علی الحیّ، وإن علم أنه لا یصلّی علیه بعد موته، للأصل، وهل یشرع غسل وحنوط وکفن من یعلم أنه لا تجری له المراسیم بعد موته، کما إذا علم بأنه یموت فی بلد الکفر وعدم وجود مسلم، أم لا؟ احتمالان: من المناط فی من یقتل، وأنه میسور الأعمال بعد الموت، ومن أصالة العدم.

{ولا یلزم غسل الدم من کفنه} للأصل، وتعارف التلوث فی الرجم والقصاص، ولم یشر إلی ذلک فی نص أو فتوی، مما یدل

ص:422


1- الوسائل: ج2 ص703 الباب 17 من أبواب غسل المیت ح1

ولو أحدث قبل القتل لا یلزم إعادة الغسل،

علی العدم، ولذا قال فی الجواهر: (لم أجد أحداً من الأصحاب تعرض لغسل ما یخرج منه من الدم علی الکفن)((1))، ویحتمل الوجوب، لما دلّ علی وجوب تطهیر الکفن إذا تنجس قبل الدفن، کما سیأتی فی مسائل الکفن، والظاهر الأول، لکونه أخص من المطلقات المذکورة، ومثل الدم فی عدم وجوب غسله النجاسة الخارجة منه، کما هو الغالب، للتلازم الغالبی مع عدم التنبیه، وربما یقال بالوجوب مطلقاً بدلیل تبدیل الإمام الحسین (علیه السلام) کفن الإمام الحسن (علیه السلام) بعد أن شبک جسمه الشریف بالسهام، لکن فیه أن ذلک لم یعلم کونه علی سبیل الوجوب، وإلاّ فالإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) لم یبدل کفن فاطمة (علیها السلام) مع أنه لطخ بالدم _ کما ورد _ وإن کان ربما یقال إن عدم تبدیل الإمام (علیه السلام) کان لأجل عدم الفائدة إذا کان النزیف مستمراً، أو لأجل أن دماءهم (علیهم السلام) طاهرة بدلیل آیة التطهیر((2)) وغیره.

{ولو أحدث قبل القتل، لا یلزم إعادة الغسل} کما ذکره غیر واحد، والحدث أعم من الأصغر والأکبر، کما إذا أجنب أو حاضت أو بال، وذلک لإطلاق الأدلة مع کثرة الحدث، خصوصاً الأصغر عند الخوف الزائد، وهذا هو الذی استظهره الجواهر،

ص:423


1- الجواهر: ج4 ص100
2- سورة الأحزاب: الآیة 33

وبعض الشراح والمحشین، ومنه یعلم عدم لزوم الإعادة لو أحدث بالأکبر أو الأصغر فی أثناء الغسل، کما یعلم أنه لا فرق بین وجوب الغسل بین أن یکون فی حال الحدث کما إذا کانت حائض، أم لا؟

هذا ولکن المحکی عن الذکری احتمال مساواته مع غسل الجنابة فی حکمه عند حدوث الحدث الأصغر فی أثنائه، مستدلاً له بما دلّ علی تشبیهه به، بضمیمة أن الغسل المقدم هوغسل المیت. وفیه: إن التشبیه لا یستلزم عموم المنزلة.

ثم إنه لو کان قبل الغسل محدثاً بالأکبر، کالجنابة أو الحیض بعد انقطاع الدم، فهل یلزم الغسل عنه، أم لا؟ الظاهر الثانی، لما تقدم من أن الغسل لیس بواجب نفسی، ولا دلیل علی مقدمیته للموت کذلک.

نعم یقع الکلام فی أنه لو أراد الصلاة، فهل یتداخل غسله للموت مع تلک الأغسال، أم یجب علیه غسلان؟ قولان، من أصالة التداخل فی باب الأغسال، بضمیمة ما نزّل فیه غسل المیت منزلة غسل الجنابة، مع وضوح أن هذا هو غسل المیت قدّم علی الموت، ففی خبر زرارة عن الباقر (علیه السلام) فی المیت یموت جنباً «یغسل غسلاً واحداً، یجزئ ذلک للجنابة ولغسل المیت،

ص:424

لأنهما حرمتان اجتمعا فی حرمة واحدة»((1)).

وخبر أبی بصیر، عن أحدهما (علیهما السلام) فی الجنب إذا مات، قال: «لیس علیه إلا غسلة واحدة»((2)).

وخبر حسین، عن الکاظم (علیه السلام)، عن المیت یموت وهو جنب؟ قال (علیه السلام): «غسل واحد»((3)).

وکیف کان، فإذا کان بعد الموت یکفی عنهما، وأما قبل الموت إن لم یکن أولی بالکفایة فلا شک فی أنه مساو له فیها، ومن أن أدلة التداخل إنما دلت علی تداخل أغسال الأحیاء.

أما غسل المیت، فمن المحتمل أنه یسقط عنه غسل الجنابة ونحوها، فلیس هناک تداخل بین غسل المیت وبین سائر الأغسال بعد الموت، فلا یتعدی إلی حال الحیاة، وذلک لأن النبی (صلی الله علیه وآله) «لم یغسل حنظلة وقد کان جنباً»((4))، أما تغسیل الملائکة له فهو أمر تشریفی لا شرعی، کما هو واضح.

ص:425


1- الوسائل: ج2 ص721 الباب 31 من أبواب غسل المیت ح1
2- الوسائل: ج2 ص721 الباب 31 من أبواب غسل المیت ح4
3- الوسائل: ج2 ص721 الباب 31 من أبواب غسل المیت ح4
4- جامع أحادیث الشیعة: ج3 ص169 فی أحکام الشهید ح11

ویلزم أن یکون موته بذلک السبب

ولخبر عمار، عن الصادق (علیه السلام): أنه سئل عن المرأة إذا ماتت فی نفاسها کیف تغسل؟ قال: «مثل غسل الطاهر، وکذلک الحائض وکذلک الجنب، إنما یغسل غسلاً واحداً فقط»((1)).

حیث إن ظاهره سقوط سائر الأغسال، وهذا هو الذی تقتضیه القاعدة، إذ الحی کان مکلّفاً ولا تکلیف علی المیت، وکون تغسیله عن الجنابة ونحوها تکلیف الأحیاء لا دلیل علیه، فالأصل عدمه، وقد اختلف أنظار الفقهاء، فالمحکی عن جامع المقاصد والروض، وتبعهما الجواهر والشیخ الأکبر، عدم الکفایة، خلافاً للمحکی عن الذکری حیث تنظر فی ذلک، والظاهر أن مقتضی الصناعة الکفایة، "لأنه غسل المیت، وغسل المیت یکفی"، لقوله (علیه السلام): «إذا اجتمعت علیک حقوق الله أجزأها عنک غسل واحد»((2)) وإن کان الاحتیاط عدم الکفایة، والکلام فی المقام طویل نکتفی منه بهذا القدر.

{ویلزم أن یکون موته بذلک السبب} وبید نفس الحاکم الشرعی، وفوراً عرفیاً، فلو مات حتف أنفه خوفاً مثلاً، أو قتله قاتل عمداً، لعداوة معه، أو خطأً بأن أراد قتل حیوان فقتل، أو قتل نفسه بنفسه بأن انتحر، أو ما أشبه ذلک، وجب إجراء المراسیم علیه.

ص:426


1- الوسائل: ج2 ص721 الباب 31 من أبواب غسل المیت ح2
2- الوسائل: ج1 ص525 الباب 43 من أبواب الجنابة ح1

فلو مات أو قتل بسبب آخر یلزم تغسیله، ونیّة الغسل

وکذا إذا قتله غیر الحاکم الشرعی ولو لنفس السبب، کما إذا قتله الحاکم الجائر، وهکذا إذ لم یکن الموت فوراً، کما إذا رجموه وهرب من الحفیرة ومات بعد أیام متأثراً بالجراح، ففی کل ذلک یجب إجراء المراسیم علیه، للأدلة العامة بعد عدم شمول أدلة المقام له، وقد ادعی غیر واحد مسلّمیة عدم الکفایة.

{فلو مات أول قتل بسبب آخر} کما إذا أرادوا رجمه لزنا، ثم قتلوه لقصاص، فهل {یلزم تغسیله} کما عن الذکری والروض وجامع المقاصد والحدائق وغیرهم، أو لا یلزم، کما فی الجواهر وتبعه غیره، احتمالان، من انصراف النص لکون القتل بنفس السبب، ومن أنه لا وجه للانصراف، وإن کان فهو بدوی، إذ الغسل شرع لأجل أن یقتل، وهذا موجود فی المقام، وهذا هو الأظهر، ومنه یعلم أنه لو قتل بفرد آخر من نفس ذلک السبب، کما إذا أرید قتله لقتله زیداً، فقتلوه لقتله عمرواً، أو اشتراک الولیان فی قتله، وأخذ کل واحد منهما نصف الدیة، یکفی غسله السابق فلا یحتاج إلی غسل بعد موته.

ثم إنه لو قطعت یده قصاصاً قبل أن یغتسل، ثم اغتسل وقتل، فالظاهر وجوب غسل یده، لإطلاقات الأدلة، أما إذا قطعت یده قصاصاً بعد أن اغتسل لأن یقتل، فهل یکفی غسله للقتل عن غسل یده، أم لا؟ احتمالان: والأقرب الکفایة.

{ونیة الغسل} من نفسه، لأنه عمله وهو المکلف به، کما

ص:427

من الآمر، ولو نوی هو أیضاً صحّ، کما أنّه لو اغتسل من غیر أمر الإمام (علیه السلام) أو ونائبه کفی، وإن کان الأحوط إعادته.

اختاره غیر واحد من الشراح والمعلقین، خلافاً للمصنف حیث قال: {من الآمر، ولو نوی هو أیضاً صحّ} وکأنه لأجل أنه بدل عن غسله بعد الموت، وفیه: ذلک الغسل من الغیر، وفیه: أن غسل المیت لیس عمل المیت، وهذا الغسل هو عمل هذا الحیّ، وبینهما بون شاسع، فإن الأمر لیس مغسّلاً، فجریان نیة المغسل إلی الأمر أشبه بالقیاس.

{کما أنّه لو اغتسل من غیر أمر الإمام (علیه السلام) أو نائبه، کفی} لما تقدم من أن المقصود هو وقوع هذه الأشیاء فی الخارج، ولا خصوصیة للأمر، بل هو من باب الإرشاد، کما هو المتفاهم عرفاً.

{وإن کان الأحوط إعادته} لاحتمال شرطیة الأمر فی صحة الغسل، أو للخروج عن مخالفة من قال بالشرطیة، کما مال إلیها فی الجواهر، لکنه احتیاط لا تقتضیه الصناعة، ثم إنه لولم یقبل أن یغتسل وجب إجباره وصح الغسل وإن صدر عن إجبار، ککل عبادة یجبر صاحبها.

نعم إذا علمنا أنه لم ینو أصلاً، أشکل الکفایة، بل أشکل الإجبار، لعدم الفائدة، فاللازم غسله بعد الموت، ویحتمل أن یغسل بسبب غیره، فیکون حاله حال ما إذا فقد الوعاء قبل أن یغتسل،

ص:428

وقلنا بجواز قتله، فإنه یغسّله إنسان آخر، لأنه میسور غسله بنفسه.

ثم الظاهر أنه إذا لم یتمکن من الغسل، لکون الماء غیر موجود، وجب علیه التیمم، لدلیل البدلیة، أما إذا کان الماء ضاراً، فهل یؤمر بالغسل، لأنه یقتل بعد دقائق فلا یضره الضرر، أو لا، احتمالان، وربما یقال: إنه لیس بضرر فی مثل هذا الحال، فهو خارج موضوعاً.

ثم إنه لا إشکال فی أنه التجهیز قبل الموت حکم المؤمن، ولا یجری فی الکافر الذی یراد قتله لحدّ أو قصاص، أما هل یجب ذلک علی المخالف الذی لا یعتقد بهذا الحکم؟ احتمالان، من إطلاق الأدلة، ومن قاعدة «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»((1))، والثانی هو الأقرب، لأن القاعدة واردة علی الأدلة الأولیة، ولو أمر بالتجهیز ثم قتل، وبعد ذلک تبین أنه لم یکن یستحق القتل، وجب تجدید التجهیز، لأن ظاهر النص والفتوی أنه حکم من استحق علیه القتل، لا من خیل بأنه قاتل أو مستحق للقتل کما هو واضح، ولو قتل إنساناً بعد غسله قبل أن یقتل، فهل یکفی غسله الأول، أو یلزم تجدیده؟ احتمالان: من أن الظاهر لزوم کون التجهیز بعد الجریمة، ومن إطلاق الأدلة، وربما یفصّل بین ما إذا أرید قتله بهذا القتل الجدید فاللازم الاعادة لأنه لم یغتسل لأجله، وبین ما إذا أرید قتله بالسبب السابق فیکفی التجهیز السابق، وفی المقام فروع أخر، لکنا نکتفی بهذا القدر.

ص:429


1- الوسائل: ج17 ص598 الباب 3 فی باب من اعتقد شیئاً لزمه حکمه ح2

مسألة ١ کفن الشهید

(مسألة _ 1): سقوط الغسل عن الشهید، والمقتول بالرجم أو القصاص من باب العزیمة، لا الرخصة.

(مسألة _ 1): {سقوط الغسل عن الشهید، والمقتول بالرجم أو القصاص} أو ما أشبه {من باب العزیمة، لا الرخصة} أما فی الشهید فلأنه ظاهر النص والفتوی، واحتمال حمل النصوص علی نفی الوجوب، بدعوی کونها واردة فی مقام توهم الوجوب خلاف الظاهر، وعلیه فإذا غسل الشهید فعل حراماً، کما أنه إذا کفن وجب نزع الکفن، وإذا کان قد جرد من ثیابه أعیدت ثیابه إلیه، وإذا حنط فهل یجب مسح الحنوط أم لا؟ احتمالان: من النهی فی الأخبار، ومن أنه لا دلیل فی أنه یجب المسح، والأقرب الأول، ولو لبس الشهید الکفن وحنط ثم استشهد، لم ینزع کفنه، لأنه من ثیابه، ولم یمسح حنوطه، لعدم الدلیل علیه، بل ظاهر فعل الإمام الحسین (علیه السلام) حیث ألبس القاسم ثیابه بهیئة الکفن أنه یبقی علیه.

وأما فی المرجوم والمقتص منه ونحوهما، فالظاهر من النص والفتوی أیضاً هو ذلک، أی کون تجهیزه یکفی عما بعد الموت عزیمة، وقد سبق الکلام فی ذلک، ثم إنه لو شک فی أنه هل جهّز قبل الموت، أم لا؟ ففی وجوب تجهیزه احتمالان: من إطلاق أدلة التجهیز ولم یعلم بخروج هذا عنه، لأن من علم أنه جهّز نفسه خارج، وما عداه داخل فی عمومات وإطلاقات تجهیز کل مسلم، ومن حمل فعل المسلم علی الصحیح، وهذا هو الأقرب، وقد عرفت

ص:430

وأما الکفن، فإن کان الشهید عاریاً وجب تکفینه، وإن کان علیه ثیابه فلا یبعد جواز تکفینه فوق ثیاب الشهادة،

فی بعض مباحث الکتاب أن لفظ "الأمر" الوارد فی قوله (علیه السلام): «ضع أمر أخیک علی أحسنه»((1)) شامل لمثل ما نحن فیه.

{وأمّا الکفن فإن کان الشهید عاریاً وجب تکفینه} لإطلاقات أدلة التکفین، خرج منها ما إذا کان علی الشهید ثیابه، أما العاری فتشمله الأدلة، وقد تقدم أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) کفن حمزة، کما سبق أن الظاهر وجوب تکفین الشهید بثیاب شهادته إن کانت، وقد جمعنا بذلک بین روایتین فی باب حمزة (علیه السلام)، ثم إن ظاهر الأدلة عدم الاحتیاج إلی اللفافة ونحوها، إذا لم یکن مع الشهید، لأن ظاهر کونه بثیابه أنه یدفن کما کان فی حال الحیاة {وإن کان علیه ثیابه فلا یبعد جواز تکفینه فوق ثیاب الشهادة} لأن النهی عن تکفین الشهید منصرف إلی النهی عن التکفین علی النحو المتعارف من نزع ثیابه ولفه فی الکفن کسائر الأموات، وربما یقال بالمنع لأنه إسراف فلا یجوز، والأحوط الترک، وهل یجوز نزع ثیابه قبل الموت، بعد أن علم بأنه یموت بعد ساعة مثلاً، الظاهر ذلک بإجازته لعدم الدلیل علی المنع، وقد نزع الإمام الحسین (علیه السلام) بعض ملابسه قبل شهادته.

ص:431


1- الوسائل: ج8 ص614 الباب 161 من أبواب أحکام العشرة ح3

ولا یجوز نزع ثیابه وتکفینه، ویستثنی من عدم جواز نزع ما علیه، أشیاء یجوز نزعها، کالخفّ والنعل والحزام إذا کان من الجلد

{ولا یجوز نزع ثیابه وتکفینه} للإجماع المحقق والمستفیض فی کلماتهم، وللأدلة، ولو فعل ذلک وجب إعادة الثیاب إن أمکن، والظاهر أنه یجوز غسل نجاسة غیر الدم عنه، لعدم الدلیل علی المنع، وإن لم یجب لأصالة العدم، وغلبة النجاسة بالبول والغائط، ولو أوصی بأن تنزع ثیابه فالوصیة غیر نافذة، لأنه لا یجوز شرعاً.

{ویستثنی من عدم جواز نزع ما علیه أشیاء یجوز نزعها، کالخّف والنعل والحزام إذا کان من الجلد} واستدل لذلک بأمور:

الأول: عدم صدق الثیاب.

الثانی: الإجماع الذی ادعاه الشیخ فی الخلاف، الاجماع علی نزع الجلود والفرو.

الثالث: إن دفنه معه تضییع للمال.

الرابع: بعض الروایات، روایة زید بن علی قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): «ینزع عن الشهید الفرو، والخف، والقلنسوة، والعمامة، والمنطقة، والسراویل، إلا أن یکون أصابه دم، فإن أصابه دم ترک، ولا یترک علیه شیء معقود إلاّ حلّ»((1)).

الخامس: الأصل.

وأشکل علی الکل:

أما الأول: فبأنها یصدق علیها اسم الثیاب، لأن الثیاب تصدق علی القمیص والسراول وتوابعهما، ولذا إذا قال جئنی

ص:432


1- الکافی: ج3 ص211 باب فی القتلی ح4

بثیابی، أو دخل بثیاب السفر، أو ما أشبه ذلک، صدق علی الکل.

وأما الثانی: فبأنه محتمل الاستناد.

وأما الثالث: فبأنه عرفاً لیس تضییعاً واسرافاً.

وأما الرابع: فبأنها روایة زیدیة، فلیست حجة.

وأما الخامس: فبأنه لا مجال له بعد وجود الدلیل.

أقول: الظاهر حجیة الروایة، فقد رواه الکافی((1))، والتهذیب((2))، والفقیه((3))، والخصال((4))، والدعائم((5))، ووجودها فی الکافی أو الفقیه کافٍ فی صحة الاستناد، لما ذکرناه مکراراً من أن التزام صاحبهما کاف فی الحجیة، بالإضافة إلی أنها مجبورة بعمل الأصحاب.

وفی الرضوی: «ودفن فی ثیابه التی قتل فیها بدمائه، ولا ینزع منه، من ثیابه شیء معقود، مثل الخف، وتحل تکته، ومثل المنطقة والعروة، وإن أصاب شیء من دمه لم ینزع عنه شیء، إلا أنه یحل المعقود»((6)).

ثم إن المصنف وغیره، قیدوا الثلاثة بکونها من الجلد، لأنها

ص:433


1- الکافی: ج3 ص211 باب فی القتلی ح4
2- التهذیب: ج1 ص332 الباب 13 فی تلقین المحتضرین ح140
3- ) الفقیه: ج1 ص97 الباب 23 فی غسل المیت ح47
4- الخصال: ج1 ص333 باب فی السنة ح33
5- دعائم الإسلام: ج1 ص229 باب فی ذکر غسل الموتی
6- فقه الرضا: ص18 السطر الأخیر

وأسلحة الحرب، واستثنی بعضهم الفرو، ولا یخلو عن إشکال، خصوصا إذا أصابه دم، واستثنی بعضهم مطلق الجلود، وبعضهم استثنی الخاتم،

إذا کانت منسوجة، کانت مشمولة لاسم الثیاب التی لا یجوز نزعها.

{وأسلحة الحرب} لعدم صدق الثیاب {واستثنی بعضهم الفرو} بل نسب إلی المشهور، وفی الجواهر الإجماع بقسمیه علیه، إذا لم یصبه دم، وهو غیر بعید للروایة المتقدمة.

وأما إذا أصابه الدم، فیشمله ما دلّ علی دفنه بثیابه، فإنه یشمل المقام، ثم الظاهر إن المراد لم ینزع جوازه لا وجوبه، لأن الأمر بالنزع فی مقام توهم الخطر، فیجوز ترکها علیه، ویجوز نزعها.

وعلی ما ذکرناه فقوله: {ولا یخلو عن إشکال} وإن کان ربما یوجه بصدق الثیاب علیه {خصوصاً إذا أصابه دم} لاحتمال شمول "یدفن بثیابه" له، وإن کان ربما یقال بأن المراد عدم جواز غسل الدماء، لا أنه یجب دفن دمائه ولو کانت علی ما لا یدفن معه کالسلاح ونحوها، ثم من قبیل ما یجوز نزعه أسنانه الاصطناعیة وخاتمه وما أشبه، کما أن الظاهر وجوب أخذ ماله النقدی، کالدراهم والذهب ونحوهما کالساعة وغیرها، لأن إبقاءها إسراف قطعاً، وعدم شمول الأدلة المانعة لها.

{واستثنی بعضهم مطلق الجلود} قالوا لعدم صدق الثیاب، وفیه نظر واضح، لأنه ربما یکون الثوب من الجلد {وبعضهم استثنی الخاتم} کما هو المشهور، لعدم صدق الثوب، وفیه أنه من توابع

ص:434

وعن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «ینزع من الشهید الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والحزام والسراویل»، والمشهور لم یعملوا بتمام الخبر، والمسألة محلّ إشکال، والأحوط عدم نزع ما یصدق علیه الثوب، من المذکورات.

الثیاب فیصدق علیه، اللهم إلا إذا کان ثمیناً بحیث کان إسرافاً.

{وعن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «ینزع من الشهید: الفرو، والخف، والقلنسوة، والعمامة، والحزام، والسراویل»}، {و} لکن {المشهور لم یعلموا بتمام الخبر} لکن الظاهر وجوب العمل بتمامه، إلاّ فی السراویل، حیث إن الخبر حجة ولو بمعونة الجبر، أما السراویل فحیث أعرض المشهور عن العمل به، ففی نزعه إشکال بعد شمول الثیاب له، خصوصاً إذا کان نزعه موجباً لتجرد أسفل جسمه مما یوجب تکفینه.

{والمسألة} عند المصنف {محلّ إشکال، والأحوط عدم نزع ما یصدق علیه الثوب من المذکورات} والحاصل أن الأقرب جواز نزع کل ما فی الخبر، سواء أصابه الدم أم لا، إلاّ السراویل، أما غیر ما فی الخبر، فلا یجوز نزع کل ما یصدق علیه الثیاب، ویجوز نزع ما لیس بثیاب، بل یجب إذا کان موجباً لذلک کالاسراف ونحوه، والله سبحانه العالم.

ص:435

المحتویات

المحتویات

فصل

فی النفاس

7 _ 72

مسألة 1 _ أقل وأکثر النفاس................................ 16

مسألة 2 _ أحکام النفساء لو انقطع دمها علی العشرة.......... 37

مسألة 3 _ النفساء صاحبة العادة تری الدم بعد العادة.......... 47

مسألة 4 _ أقل الطهر بین الحیض المتقدم والنفاس.............. 52

مسألة 5 _ لو خرج بعض الطفل............................. 54

مسألة 6 _ لو ولدت أکثر من اثنین.......................... 57

مسألة 7 _ استمرار الدم إلی شهر أو أزید..................... 61

مسألة 8 _ ادخال القطنة بعد انقطاع الدم.................... 64

مسألة 9 _ استمرار الدم إلی ما بعد العادة.................... 65

مسألة 10 _ الواجب والمحرم والمکروه والمستحب علی النفساء.... 66

مسألة 11 _ غسل النفساء کغسل الجنابة..................... 72

فصل

فی غسل مس المیت

73 _ 130

مسألة 1 _ المساس والممسوس............................... 90

مسألة 2 _ مس القطعة المبانة............................... 92

ص:436

مسألة 3 _ الشک فی المس والممسوس......................... 97

مسألة 4 _ وجود قطعتین لم یعلم أن أحدهما من میت الإنسان.... 105

مسألة 5 _ عدم الفرق بین المس الاختیاری أو الاضطراری....... 106

مسألة 6 _ وجوب الغسل بمس القطعة المبانة.................. 108

مسألة 7 _ مس القطعة المبانة من الحی قبل البرد............... 109

مسألة 8 _ موردان مشکوکان لصدق المس.................... 110

مسألة 9 _ مس فضلات المیتة............................... 112

مسألة 10 _ وجوب الغسل للجماع مع المیتة.................. 113

مسألة 11 _ مس المقتول................................... 114

مسألة 12 _ مس سرة الطفل بعد قطعها..................... 117

مسألة 13 _ مس العضو المیت المتصل بالحی.................. 118

مسألة 14 _ مس المیت ینقض الوضوء........................ 120

مسألة 15 _ کیفیة غسل المس............................... 121

مسألة 16 _ موارد وجوب غسل المس وشرائطه................ 123

مسألة 17 _ ما یجوز للمساس قبل المس...................... 125

مسألة 18 _ الحدث الأصغر والأکبر فی أثناء الغسل............ 126

مسألة 19 _ عدم وجوب تکرار الغسل بتکرار المس............ 127

مسألة 20 _ وجوه لوجوب غسل المس ....................... 128

فصل

فی أحکام الأموات

131 _ 158

مسألة 1 _ ما یجب عند ظهور أمارات الموت.................. 144

ص:437

مسألة 2 _ موارد الوصیة وموارد الإعلام....................... 147

مسألة 3 _ تملیک المال لغیر الوارث وإعلام الوارث عن المال...... 149

مسألة 4 _ نصب القیم..................................... 153

فصل

فی آداب المریض

159 _ 172

فصل

فی عیادة المریض

173 _ 186

فصل

فیما یتعلق بالمحتضر

187 _ 214

فصل

فی المستحبات بعد الموت

215 _ 224

فصل

فی المکروهات

225 _ 230

فصل

لا یحرم کراهة الموت

231 _ 238

ص:438

فصل

فی الأعمال الواجبة کتجهیز المیت

239 _ 260

مسألة 1 _ الإذن أعم من الصریح............................ 250

مسألة 2 _ سقوط وجوب المبادرة وسقوط أصل الوجوب......... 251

مسألة 3 _ عدم کفایة الظن بمباشرة الغیر...................... 254

مسألة 4 _ أنواع صدور الفعل عن الغیر....................... 255

مسألة 5 _ ما یشترط بقصد القربة وما لا یشترط............... 257

فصل

فی مراتب الأولیاء

261 _ 298

مسألة 1 _ الزوج أولی بزوجها............................... 261

مسألة 2 _ الموارد التی توجب التقدم فی کل طبقة............... 278

مسألة 3 _ ولایة الإناث فی حال عدم وجوب الذکور........... 283

مسألة 4 _ أولویة الأم...................................... 285

مسألة 5 _ انحصار الطبقة فی الصبی والمجنون................... 286

مسألة 6 _ تعدد أهل المرتبة الواحدة فی الولایة................. 288

مسألة 7 _ الوصیة إلی غیر الولی فی التجهیز................... 290

مسألة 8 _ رجوع الولی عن إذنه أثناء العمل................... 293

مسألة 9 _ حضور الغائب أو بلوغ الصبی..................... 294

مسألة 10 _ جواز الاکتفاء بالادعاء للولایة................... 295

ص:439

مسألة 11 _ الغاسل المکره، والمصلی المکره................... 296

مسألة 12 _ ترتیب الأولیاء................................. 298

فصل

فی تغسیل المیت

299 _ 324

فصل

فیما یجب فی الغسل

325 _ 332

فصل فی المماثلة بین الغاسل والمیت

333 _ 394

مسألة 1 _ الخنثی المشکل من حیث المماثلة................... 376

مسألة 2 _ غسل المشتبه بین الذکر والأنثی.................... 380

مسألة 3 _ انحصار المماثل فی الکتابی أو المخالف.............. 381

مسألة 4 _ عدم وجود المماثل............................... 391

مسألة 5 _ شروط المغسل................................... 393

فصل

395

حکم الشهید............................................. 395

حکم من وجب قتله برجم أو قصاص........................ 413

مسألة 1 _ کفن الشهید.................................... 430

ص:440

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.