موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی المجلد 11

اشارة

سرشناسه : حسینی شیرازی، محمد

عنوان و نام پدیدآور : الفقه : موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی/ المولف محمد الحسینی الشیرازی

مشخصات نشر : [قم]: موسسه الفکر الاسلامی، 1407ق. = - 1366.

شابک : 4000ریال(هرجلد)

یادداشت : افست از روی چاپ: لبنان، دارالعلوم

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : اخلاق اسلامی

موضوع : مستحب (فقه) -- احادیث

موضوع : مسلمانان -- آداب و رسوم -- احادیث

رده بندی کنگره : BP183/5/ح5ف76 1370

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 70-5515

ص:1

اشارة

ص:2

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

آیة الله العظمی

السید محمد الحسینی الشیرازی

دام ظله

کتاب الطهارة

الجزء العاشر

دار العلوم

بیروت _ لبنان

ص:3

الطبعة الثانیة

1407ه_ _ 1987م

مُنقّحة ومصحّحة مع تخریج المصادر

دار العلوم للتحقیق والطباعة والنشر والتوزیع

العنوان: حارة حریک _ بئر العبد _ مقابل البنک اللبنانی الفرنسی

ص. ب 6080 شوران

ص:4

کتاب الطهارة

اشارة

کتاب الطهارة

الجزء العاشر

ص:5

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیدنا محمد، وعلی آله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم إلی قیام یوم الدین.

ص:6

فصل فی الحیض

مسألة ١٧ لو رأت الدم قبل وبعد العادة

(مسألة _ 17): إذا رأت قبل العادة وفیها ولم یتجاوز المجموع عن العشرة، جعلت المجموع حیضاً.

(مسألة _ 17): {إذا رأت قبل العادة وفیها ولم یتجاوز المجموع عن العشرة، جعلت المجموع حیضاً} عند المنتهی: (الجمیع حیض إتفاقا)((1)). وعن کشف اللثام: (الجمیع عندنا حیض)((2)). وفی الجواهر: (بلا خلاف معتد به أجده)((3)). وفی مصباح الفقیه: (بلا خلاف فیه علی الظاهر)((4))، ویدل علیه النصوص المتقدمة فی المسألة الخامسة عشرة، وإن کان ربما یتأمل فی ذلک فیما إذا لم یکن بالصفات، وکان أکثر من ما یسمی فی العرف تعجیلاً، مثل أن تکون عادتها ثلاثة أیام أول کل شهر، فرأت تسعة أیام قبل الشهر ویوماً من أول الشهر، خصوصاً إذا رأت حیضها بالصفات فی وقته السابق، کما لو رأت سبعة أیام قبل الشهر أصفر بارد بصفات الاستحاضة، ثم رأت ثلاثة أیام أول الشهر _ کالعادة _ بصفات الحیض.

وجه التأمل: أن الأدلة المتقدمة فی المسألة الخامسة عشرة لا تشمل مثل هذه الصورة، بینما یشمله قوله علیه السلام: «وإن

ص:7


1- منتهی المطلب: ج1 ص106 س15
2- کشف اللثام: ج1 ص90 س29
3- الجواهر: ج3 ص298
4- مصباح الفقیه: المجلد الأول، الجزء 2 ص95 س25

وکذا إذا رأت فی العادة وبعدها ولم یتجاوز عن العشرة،

رأت الصفرة فی غیر أیامها: توضأت وصلّت»((1)). وعلیه لا ینبغی ترک الاحتیاط بالجمع بین تروک الحائض، وأعمال المستحاضة بالنسبة إلی غیر أیامها.

{وکذا إذا رأت فی العادة وبعدها ولم یتجاوز عن العشرة} أما ما کان فی زمن العادة فبلا خلاف ولا إشکال، وعلیه النص والإجماع، سواء کان بالصفات أم لا، وأما ما کان بعد العادة قبل العشرة فهو حیض، لأمور:

الأول: الإجماع المدعی فی محکی الخلاف والمعتبر والمنتهی والنهایة، علی حیضیة ما تراه بین الثلاثة والعشرة، إذا انقطع الدم علیها.

الثانی: قاعدة الإمکان.

الثالث: ما دل علی أن ما تراه قبل العشرة فهو من الحیضة الأولی.

الرابع: الاستصحاب.

لکن ربما یستشکل فی ذلک بما دل علی أن الصفرة بعد الحیض لیست من الحیض، وبما دل علی أن ما بعد أیام الاستظهار استحاضة، بناءً علی انتهاء مدة الاستظهار قبل العشرة.

ص:8


1- الوسائل: ج2 ص540 الباب4 من أبواب الحیض ح1

ویرد علی ما تقدم من الاستدلال: بأن الإجماع مخدوش لإشکال المدارک والمفاتیح والحدائق فی الحکم المذکور، وقاعدة الإمکان لا مجال لها مع النص، ولا إطلاق لما دل علی أن ما تراه قبل العشرة فهو من الحیضة الأولی، إذ الظاهر کونه وارداً لبیان إلحاق الدم المفروغ عن حیضیته بالحیض الأول، أو الثانی، کما أشکل علیه بذلک فی المستمسک، والاستصحاب لا مجال له مع النص.

هذا، ولکن یرد علی الإشکالات المذکورة: أن الإجماع سابق علی النقاش، وصاحب الحدائق یظهر من کلامه تأیید المشهور، وحیث إن النص المذکور غیر تام، فقاعدة الإمکان محکمة، وإشکال المستمسک غیر وارد، لما تقدم من ظهور الدلیل فی الإطلاق، والاستدلال بالاستصحاب یراد به أنه المرجع عند فقد الدلیل.

أما ما دل علی أن الصفرة بعد الحیض لیست من الحیض، فاللازم حمله علی ما تکون بعد العشرة، بقرینة موثقة ابن مسلم: عن أبی عبد الله علیه السلام: «أقل ما یکون الحیض ثلاثة، وإذا رأت الدم قبل عشرة أیام فهو من الحیضة الأولی، وإذا رأته بعد عشرة أیام فهو من حیضة أخری مستقبلة»((1))، والبناء علی انتهاء مدة الاستظهار قبل العشرة ضعیف، ولذا قال الحدائق: (یمکن).

ص:9


1- الوسائل: ج2 ص552 الباب10 من أبواب الحیض ح11

أو رأت قبلها وفیها وبعدها.

وإن تجاوز العشرة فی الصور المذکورة، فالحیض أیام العادة فقط والبقیة استحاضة.

الجمع: بتخصیص عموم الأخبار _ الدالة علی استحاضیة ما بعد العادة، والاستظهار بموثقة ابن مسلم وصحیحته، ونحوهما: ما عن الفقه الرضوی _ بأن یستثنی حکم ذات العادة عن مطلقات تلک الأخبار)((1))، ومنه: یعلم أنه لا فرق بین أن یکون الدم الذی تراه قبل انتهاء العشرة بصفات الحیض أم لا، لإطلاق أدلة المستثنی.

{أو رأت قبلها وفیها وبعدها} بلا إشکال ولا خلاف، بل ادعی علیه الإجماع، وذلک لما دل علی الفرعین السابقین.

{وإن تجاوز العشرة فی الصور المذکورة، فالحیض أیام العادة فقط والبقیة استحاضة} أما عدم کون الزائد حیضاً لما تحقق من أن أکثره عشرة، وأما کون الحیض أیام العادة فقط، فلما فی الجواهر: (من إطلاق الأدلة فی الرجوع إلی العادة)((2))، وفی مصباح الفقیه: (بلا إشکال فی شیء من هذه الفروع)((3)).

أقول: سیأتی الکلام فی ذلک فی فصل (حکم تجاوز الدم عن العشرة) إن شاء الله تعالی.

ص:10


1- الحدائق الناضرة: ج3 ص230 (نقل بالمضون)
2- الجواهر: ج3 ص298
3- مصباح الفقیه: المجلد الأول، الجزء2 ص95 س28

مسألة ١٨ لو رأت ثلاثة أیام متوالیات

(مسألة _ 18): إذا رأت ثلاثة أیام متوالیات وانقطع، ثم رأت ثلاثة أیام أو أزید

(مسألة _ 18): {إذا رأت ثلاثة أیام متوالیات وانقطع، ثم رأت ثلاثة أیام أو أزید} فأصول الأقسام ستة، لأن المجموع مع النقاء إما أن لا یزید عن العشرة، أو یزید، وعلی الثانی فبالنسبة إلی أیام العادة فإما أن یکون أحدهما فی أیام العادة، أو کلاهما فی أیام العادة، أو لا شیء منهما فی أیام العادة، وفی صورتی کون کلیهما أو أحدهما فی أیام العادة، فإما أن یصادف الدم أو الدمان بجمیعه أیام العادة أو ببعضه.

فالأول: کما إذا رأت ثلاثة أیام، ثم بعد ثلاثة أیام ثلاثة أیام أخر.

والثانی: کما إذا کانت عادتها أول الشهر، فرأت ثلاثة أیام فی وسط الشهر، ثم بعد عشرة أیام ثلاثة أیام أخر.

والثالث: کما إذا کانت عادتها أول الشهر، فرأت أحدهما فی العادة کاملاً، ورأت الآخر بعد عشرة أیام.

والرابع: هو الثالث، لکن رأت بعض أحدهما فی العادة، کما إذا رأت یوماً قبل الشهر ویومین أول الشهر حسب عادتها.

والخامس: کما إذا کانت عادتها أول الشهر عشرة أیام، فرأت یوماً قبل الشهر ویومین من العادة، ثم رأت یومین قبل انتهاء العشرة، ویوماً بعد انتهاء العشرة.

ص:11

فإن کان مجموع الدمین والنقاء المتخلل لا یزید عن عشرة کان الطرفان حیضاً.

أما الصورة السادسة: فهی غیر معقولة، وهی: أن یکون تمام کلیهما فی أیام العادة ومع ذلک یکون کلاهما خارجاً عن العشرة، ونحن نذکر الأقسام فی ضمن شرح المتن، فنقول:

{فإن کان مجموع الدمین والنقاء المتخلل لا یزید عن عشرة کان الطرفان حیضاً} إجماعاً ادعاه الجواهر، سواء کان الدمان أو أحدهما بصفات الحیض أم لا، وسواء کانت المرأة ذات عادة أم لا، خلافاً لما یحکی عن المدارک من التوقف فی هذه الکلیة، فیما إذا کان الدم الثانی أصفر، والدم الأول أحمر، ولما یحکی عن بعض آخر من الإشکال فیما إذا کان الدم الثانی بعد أیام العادة، کما إذا کانت عادتها أول الشهر فرأت ثلاثة أیام عادتها، ثم بعد یومین من النقاء رأت یومین من الدم.

والأقوی: هو الأول، وذلک لقول الباقر علیه السلام: «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحیضة الأولی، وإن کان بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة»((1))، فإن ظاهره: أن کل ما تری فی أثناء العشرة _ قبل مرور عشرة نقاء _ فهو حیض.

أستدل المدارک بما ورد: «من أن الصفرة بعد أیام الحیض لیست

ص:12


1- الکافی: ج3 ص77 باب: المرأة تری الدم قبل... ح1

حیضاً»: کخبر أبی حمزة: عن المرأة تری الصفرة؟ فقال علیه السلام: «ما کان قبل الحیض فهو من الحیض، وما کان بعد الحیض فلیس منه»((1))، وصحیحة ابن مسلم: «وإن رأت الصفرة فی غیر أیامها، توضأت وصلّت»((2)).

وفیه: أنه لا بد من تقیید هذا الإطلاق بالخبر المتقدم، فالمراد ب_ «بعد الحیض» وب_ «بعد أیام الحیض » بعد العشرة، کما أنه لا بد وأن یکون هذا هو المراد من مرسلة یونس: «کلما رأت المرأة فی أیام حیضها من صفرة أو حمرة فهو من الحیض، وکلما رأته بعد أیام حیضها فلیس من الحیض»((3)).

أما إشکال المستمسک((4)) فی دلالة الخبر المروی عن الباقر علیه السلام، حیث جعل العمدة فی المسألة قاعدة الإمکان، لأن الخبر إنما یدل علی کون الدم المفروغ حیضیته ملحقاً بالحیض الأول، إذا کان فی أثناء العشرة، ولا دلالة فیه بأن کلّما کان من الدم الثانی فی العشرة فهو حیض، فیرد علیه:

أولاً: إن ظاهره: إطلاق الحکم بالحیضیة، فإن إلحاقه بالحیض الأول دلیل علی حیضیته.

ص:13


1- الکافی: ج3 ص78 باب المرأة تری الصفرة قبل... ح4
2- الوسائل: ج2 ص540 الباب4 من أبواب الحیض ح1
3- الکافی: ج3 ص76 باب أدنی الحیض وأقصاه... ح5
4- المستمسک: ج3 ص245

وفی النقاء المتخلل: تحتاط بالجمع بین تروک الحائض وأعمال المستحاضة، وإن تجاوز المجموع عن العشرة، فإن کان أحدهما فی أیام العادة دون الآخر، جعلت ما فی العادة حیضاً.

وثانیاً: أنه لو لم یکن دلیل خاص فی المقام لم یکن وجه للتمسک بقاعدة الإمکان، إذ قاعدة الإمکان قاعدة کلیة، فلا تصلح لرفع الید عن الدلیل الخاص کخبر أبی حمزة.

وأما ما حکی عن بعض آخر، فقد استدل له: بمفهوم ما دل علی أن أیام العادة محکوم بالحیضیة، وعلیه فلا فرق فی الحکم بعدم حیضیته بین أن یکون بصفات الحیض أم لا، ففیه: إن إثبات الشیء لاینفی ما عداه، وقد عرفت وجود الدلیل علی أن ما قبل العشرة حیض أیضاً.

{وفی النقاء المتخلل تحتاط بالجمع بین تروک الحائض وأعمال المستحاضة} علی ما اختاره المصنف، لکنک قد عرفت فی المسألة السابقة أنه محکوم بالحیضیة، ثم إن مراد المصنف ب_ (أعمال المستحاضة) هو الإتیان بالعبادات لا جمیع أعمالها من الغسل والوضوء لکل صلاة ونحوهما، لوضوح أنها لیست مستحاضة فی حال النقاء.

{وإن تجاوز المجموع} من الدمین والنقاء المتخلل فی البین {عن العشرة، فإن کان أحدهما فی أیام العادة دون الآخر، جعلت ما فی العادة حیضاً} والآخر استحاضة.

ص:14

مثلاً: إذا رأت خمستین من الدم بینهما خمسة أیام نقاء، فالتی فی العادة منهما حیض سواء کان الدم الأول أو الدم الثانی، وسواء کان کلا الدمین أو أحدهما بصفات الحیض أم لا _ بأن کان کلاهما بدون صفة الحیض _ ، وفی صورة کون أحدهما بدون الصفة لا فرق بین أن یکون ما فی العادة بدون الصفة، أم الدم الآخر بدون الصفة، وهذا الذی ذکره فی المتن من الإطلاق هو الذی اختاره غیر واحد من الفقهاء، بل ادعی الإجماع علی ما إذا کان کلاهما بالصفة أو کلاهما بدون الصفة، أو ما فی العادة بالصفة وما فی غیر العادة بدون الصفة.

أما إذا کان ما فی العادة فاقداً للصفات، وما فی غیر العادة واجداً للصفات، فقد اختلفوا فیه علی أقوال:

الأول: جعل ما فی العادة حیضاً مطلقاً، کما ذهب إلیه المشهور.

الثانی: جعل ما له الصفات حیضاً مطلقاً، وهو المحکی عن الشیخ فی النهایة والمبسوط، بل عن الخلاف: (إجماع الفرقة علی أن اعتبار صفة الدم مقدم علی العادة)((1)).

الثالث: التخییر بین جعل ما فی العادة أو ما له التمییز حیضاً، وهو المحکی عن الوسیلة.

الرابع: التفصیل بأن العادة إن کانت حاصلة بالتمییز فاللازم

ص:15


1- الخلاف: ج1 ص42 المسألة17 من کتاب الحیض

الأخذ بذی الصفات، وإن کانت حاصلة بالأخذ والانقطاع _ کما لو کانت تری فی أول کل شهر _ فاللازم الأخذ بالعادة.

الخامس: الحکم بحیضیة الأول واستحاضیة الثانی مطلقاً _ ولو کان الثانی فی العادة وبالصفة _.

استدل للقول الأول، وهو المشهور: بعموم رجوع المستحاضة إلی عادتها، وبما ورد من أن الصفرة والکدرة فی أیام الحیض حیض، وبما فی مرسلة یونس: حیث قال علیه السلام: «ولو کانت تعرف أیامها ما احتاجت إلی معرفة لون الدم، لأن السنّة فی الحیض أن تکون الصفرة والکدرة فما فوقها من أیام الحیض إذا عرفت حیضاً کله إن کان الدم أسودا وغیر ذلک، فهذا یبین لک أن قلیل الدم وکثیره أیام الحیض حیض کله، إذا کانت الأیام معلومة، فإذا جهلت الأیام وعددها، احتاجت إلی النظر حینئذ إلی إقبال الدم وإدباره وتغیر لونه»((1))، فإن ظاهر هذه الأدلة: أن الصفة لا تکون منظورة مع وجود العادة.

وفی موثق إسحاق: عن الصادق علیه السلام، قالت: فإن الدم یستمر بها الشهر والشهرین والثلاثة، کیف تصنع بالصلاة؟ قال علیه السلام: «تجلس أیام حیضها ثم تغتسل لکل صلاتین»، قالت له إن أیام حیضها تختلف علیها، وکان یتقدم الحیض الیوم والیومین والثلاثة ویتأخر مثل ذلک، فما علمها به؟ قال

ص:16


1- الوسائل: ج2 ص538 الباب3 من أبواب الحیض ح4

علیه السلام: «دم الحیض لیس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد»((1)). فهذه الأخبار: تدل علی تقدیم العادة علی الصفات، فلا یبقی لأدلة الصفات عموم یعارض أدلة العادة.

ومنه: یعلم أنه لا وقع للإشکال فی صورة کون الدمین بالصفات، بأن مقتضی أدلة الصفات جعل الدم المقدم علی العادة الذی له الصفات حیضاً، وهما فی العادة استحاضة من جهة عدم فصل أقل الطهر، إذ بعد کون مرتبة الصفات بعد مرتبة العادة یقدم العادة مطلقاً، سواء کان کلاهما بصفة أو کلاهما بدون صفة، أو الأول بصفة دون الثانی، أو العکس، وسواء کانت العادة متقدمة أو متأخرة.

ثم إنه لو فرض تعارض الأدلة الدالة علی تقدیم الصفات والدالة علی تقدیم العادة، کان اللازم تقدیم الدالة علی العادة للشهرة العظیمة، بل فی الجواهر: أنه (المشهور نقلا وتحصیلا)((2))، وعلی هذا: فلو وجدت الدم ذا الصفات قبل العادة، فجرت علیه أحکام الحیض بظن أن حیضها قد تقدم، ثم رأت فی العادة، تبین عدم صحة ما أجرته من الأحکام، فتقضی

ص:17


1- الوسائل: ج2 ص537 الباب3 من أبواب الحیض ح3
2- الجواهر: ج3 ص295

الصلاة والصیام وصح طلاقها الواقع فی تلک الحال، إلی غیر ذلک.

استدل للقول الثانی: بإجماع الخلاف، وبأخبار الصفات، ویرد علی الأول: أن الإجماع موهون بمخالفة نفس الشیخ له، لأنه قال فی المبسوط والخلاف: (إنه لو قیل بتقدیم العادة مطلقاً لکان قویا)((1))، وعلی الثانی: بما عرفت من تقدیم أخبار العادة علی أخبار الصفات، للشواهد الداخلیة والخارجیة.

استدل للقول الثالث: بأنه مقتضی الجمع بین أخبار العادة وبین أخبار الصفات حیث لا ترجیح، وفیه: ما عرفت من وجود الترجیح لأخبار العادة.

استدل للقول الرابع: بأن العادة الحاصلة من التمیز لو قدمت علیه لزم زیادة الفرع علی الأصل، لأن أصل الاعتیاد حصل من الصفة فلا یبلغ مرتبة تقدم علیها لدی تعارضهما، وکأنه لذا توقف شارح الروضة وکاشف اللثام فی هذه الصورة، وأورد علیه فی الجواهر: «بأنه مجرد اعتبار لا یعول علیه بعد القول بثبوت العادة به شرعاً»، وکلام الجواهر فی محله، وإن أشکل علیه بعض الفقهاء: بأن القدر المتیقن من العادة الثابتة بالتمییز هو ما إذا لم یعارضها

ص:18


1- المبسوط: ج1 ص49 (نقل بالمضمون). الخلاف: ج1 ص42 المسألة 17 من کتاب الحیض (نقل بالمضمون)

وإن لم یکن واحد منهما فی العادة، فتجعل الحیض ما کان منهما واجداً للصفات،

تمییز، فإذا عارضها تمییز کان المرجع أدلة التمییز، وذلک لأنه اذا اعتادت بالتمییز صارت تلک الأیام أیامها الوارد فی النص. وقد عرفت سابقاً أن الشارع قدّم العادة علی التمیز، ولذا لو اعتادت بالتمیز ثم لم یکن فی شهر تمیز، کانت نفس الأیام أیامها مع أنه لیس تمیز فعلی.

استدل للقول الخامس: ببعض المطلقات، کخبر صفوان بن یحیی، عن الکاظم علیه السلام: إذا مکثت المرأة عشرة أیام تری الدم، ثم طهرت، فمکثت ثلاثة أیام طاهرة، ثم رأت الدم بعد ذلک، أتمسک عن الصلاة؟ قال علیه السلام: «لا، هذه مستحاضة»((1)). وفیه: إن الخبر مجمل، لاحتمال أن یکون السؤال عن التحیض ثانیاً بدون فصل أقل الطهر، لا فی مقام السؤال عن تعیین الحیض من الدمین.

وعلی هذا: فقول المشهور هو الأقوی.

{وإن لم یکن واحد منهما فی العادة، فتجعل الحیض ما کان منهما واجداً للصفات} سواء کان الدمان والنقاء بینهما قبل العادة، أو کانا بعد العادة، أو کان أحدهما قبل العادة وکان زمن العادة نقاءً، وکان الآخر بعد العادة.

ص:19


1- الکافی: ج3 ص90 باب جامع فی الحیض والمستحاضة ح6

ویدل علیه أخبار الرجوع إلی الصفة، فإنها تدل _ ولو بالمناط _ علی أن الواجد للصفات حیض، ولو کان متأخراً عن الفاقد، کصحیح إسحاق: «إن کان دماً عبیطاً فلا تصلّ ذینک الیومین، وإن کان صفرة فلتغتسل عند کل صلاتین»((1)). وصحیح ابن الحجاج: ثم رأت دماً أو صفرة؟ قال علیه السلام: «إن کانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ ولا تمسک عن الصلاة»((2)). إلی غیرهما، خلافاً لما عن النهایة والقواعد والجواهر ونجاة العباد: من جعلهم الأول حیضاً، والثانی استحاضة، وإن کان الأول فاقداً للصفات والثانی واجداً لها، بل جعله الجواهر: ظاهراً من إطلاق الأصحاب، بل إجماعهم المدعی علیه، وتبعه علی ذلک: مصباح الهدی، خلافاً للمستمسک الذی أید ما فی المتن فی الجملة.

ویستدل لهذا القول: بالإجماع المذکور، وبقاعدة الإمکان، وبصحیحة صفوان: «إذا مکثت المرأة عشرة أیام تری الدم، ثم طهرت، فمکثت ثلاثة أیام طاهرة، ثم رأت الدم بعد ذلک، أتمسک عن الصلاة؟ قال علیه السلام: لا، هذه مستحاضة»، کما أنه یرد علی دلیل القول الأول: بمنع إطلاق أخبار الصفات، لأن المتیقن منها صورة استمرار الدم

ص:20


1- الوسائل: ج2 ص578 الباب30 من أبواب الحیض ح6
2- الکافی: ج3 ص100 باب النفساء تطهر ثم ... ح2

وإن کانا متساویین فی الصفات فالأحوط جعل أولهما حیضاً، وإن کان الأقوی التخییر.

وفی الکل: ما لا یخفی، إذ لا إجماع فی المسألة قطعاً، لندرة تعرض الأصحاب لهذه المسألة، وذهاب غیر واحد إلی القول الأول، وقاعدة الإمکان لا مجال لها مع الدلیل الأخص منها، والصحیحة مجملة _ کما تقدم _ لاحتمال أن یکون السؤال فیه عن حیضیة الثانی فی ظرف التفرغ عن حیضیة الأول، لا فی مقام السؤال عن تعیین ما هو الحیض من الدمین.

وقد تقدم: أنه لا وجه لمنع إطلاق أخبار الصفات، ولذا اختار السادة: إبن العم والجمال والاصطهباناتی ما ذکره المتن.

{وإن کانا متساویین فی الصفات فالأحوط جعل أولهما حیضاً} لقاعدة الإمکان، ولخبر یونس: «عدت من أول ما رأت الدم الأول والثانی عشرة أیام ثم هی مستحاضة»((1))، ومرسل یونس: «إن علیها أول ما تری الدم، ویجوز کونه حیضاً أن تتحیض به»((2))، ولکون الأول مقتضی الجبلة، فاللازم تنزیل الأدلة علیه، {وإن کان الأقوی: التخییر} وذلک لتعارض قاعدة الإمکان فی کلا الدمین، والخبران إنما وردا فی مستمرة الدم فلا ربط لهما بالمقام، والجبلة لا حجیة شرعاً فیها.

ص:21


1- الکافی: ج3 ص76 باب أدنی الحیض و... ح5
2- کما فی مصباح الهدی: ج4 ص472

لکن الأقرب الأول، إذ لا نسلّم تعارض القاعدة فی الدمین، ولو علمت من الأول، فإنه لا مانع من جریان قاعدة الإمکان فی الأول، إلاّ وجود الدم الثانی، وحیث إنه لا وجود له الآن فلا مانع عن جریان القاعدة، وهذا بخلاف الدم الثانی، فإن الحکم بحیضیة الدم الأول بقاعدة الإمکان أو غیره، مانع عن کون الثانی حیضاً، فالمسألة من قبیل: ما لو قدر علی صوم الیوم الأول أو الثانی فإنه لا یحق له عدم صوم الأول، لحفظ القدرة علی الصوم الثانی، لاجتماع الشرائط فی الیوم الأول، فلا عذر لعدم صومه، بخلاف الیوم الثانی، فإنه بعد أن صام الیوم الأول لا تکون له قدرة فهو معذور، والخبران وإن وردا فی مستمرة الدم إلا أن الظاهر منهما ولو بالمناط عدم الخصوصیة، خصوصاً بعد قوله علیه السلام فی المرسلة: «ویجوز کونه حیضاً» حیث إنه ظاهر فی أن جواز کون الأول حیضاً علة لجعله حیضاً.

ومما ذکرنا: یعرف أنه لا فرق بین تساوی الدمین فی عدم الصفات فیهما، أو فی وجود الصفات فیهما، فالتفصیل بین الصورتین محل منع، ومثل الصورتین: ما کان فی أحدهما بعض الصفات، وفی الآخر صفة أخری، کما لو کان الدم الأول متصفاً بالسواد والثانی متصفاً بالدفع، لإطلاق ما عرفت من الأدلة، فتحصل أن المرجع فی الدمین المذکورین أولاً: العادة: وثانیاً: الصفات _ إن لم تکن عادة _ وثالثاً: جعل أولهما حیضاً _ إن لم تکن عادة ولا صفات فی البین _ والله سبحانه العالم.

ص:22

وإن کان بعض أحدهما فی العادة دون الآخر، جعلت ما بعضه فی العادة حیضاً.

{وإن کان بعض أحدهما فی العادة دون الآخر} کما إذا کانت تری فی کل شهر خمسة أیام أول الشهر، فرأت خمسة أیام قبل الشهر ونقت فی الیومین الأولین من الشهر، ثم رأت خمسة أیام، فإن الدم الثانی وقع فی العادة دون الأول، ومثله ما لو عکس: بأن وقع الدم الأول فی العادة دون الثانی، ولا فرق فی البعض الواقع فی العادة بین أن یکون ما وقع فی العادة بمقدار أقل الحیض کالثلاثة أم لا، کما إذا صادف یوم من أحد الدمین العادة، کما لا فرق بین أن یکون المصادف للعادة بالصفات أم لا، وکذلک الذی لم یصادف العادة {جعلت ما بعضه فی العادة حیضاً} وذلک: لأن العادة _ کما تقدم _ مقدمة علی الصفات، وعلی قاعدة الإمکان، إذ هی طریق إلی الحیض، لقوله علیه السلام: «فتلک أیامها»((1)). فالأیام الخارجة عن العادة المتصلة بها _ مقدمة کانت علی العادة أو مؤخرة عنها، زائدة علی الثلاثة أو من الثلاثة _ محکومة بالحیضیة أیضاً، أما فی المقدم: فلصدق التعجیل الذی کان مورد النص، وأما فی المؤخر: لأن الدم ما لم یجز العشرة یحسب من الحیض.

نعم لو کان المصادف للعادة مقداراً قلیلاً جداً کساعة، فالظاهر أنه ملحق بما إذا لم یکن أحد الدمین فی العادة، لعدم صدق أدلة العادة علیه، ومما تقدم: تعرف حکم ما إذا کان بعض أحد

ص:23


1- الوسائل: ج2 ص559 الباب14 من أبواب الحیض ح1

وإن کان بعض کل واحد منهما فی العادة، فإن کان ما فی الطرف الأول من العادة ثلاثة أیام أو أزید جعلت الطرفین من العادة حیضاً، وتحتاط فی النقاء المتخلل،

الدمین بالصفات دون الآخر ولم یصادف أی منهما العادة، فإنه یجعل ما له الصفات حیضاً، لما سبق من تقدیم ذی الصفات علی قاعدة الإمکان فی غیر ذی الصفات، أما إذا جرت قاعدة الإمکان فی أحدهما دون الآخر فواضح أنه هو الحیض، کما إذا کان أحدهما فی الصغر أو فی الیأس، وکان الآخر فی حال البلوغ مع عدم الیأس.

{وإن کان بعض کل واحد منهما فی العادة} فله صورتان:

الصورة الأولی: أن یکون ما فی الطرف الأول من العادة ثلاثة أو أزید، کما إذا رأت أربعة أیام من أول الشهر أولاً، ثم نقت أربعة أیام، ثم رأت أربعة أیام أخر، وقد کانت عادتها أن تری کل شهر عشرة أیام من ثانی الشهر، فإن المجموع لیس حیضاً، لأنها أزید من العشرة، وکان بعض الأول فی المثال المصادف للعادة ثلاثة، ولذا قال: {فإن کان ما فی الطرف الأول من العادة ثلاثة أیام أو أزید، جعلت الطرفین من العادة حیضاً} الأربعة الأیام الأولی، والیومین الأولین من الدم الثانی، وذلک لطریقیة العادة إلی کونه حیضاً.

{وتحتاط فی النقاء المتخلل} لما سبق من المصنف من الاحتیاط فی النقاء المتخلل بین طرفی العادة: بالجمع بین تروک

ص:24

وما قبل الطرف الأول وما بعد الطرف الثانی استحاضة.

الحائض، وأعمال الطاهرة، وإن کان الأقوی أنه محکوم بالحیضیة، کما سبق.

{وما قبل الطرف الأول} کالیوم الأول من أول الشهر، وإنما لم یجعله حیضاً لأن هذه المرأة ممن تجاوز حیضها عشرة، وحکم من تجاوز حیضها عن العشرة: هو جعل ما فی عادتها فقط حیضاً، من غیر فرق بین عدم جعل الزائد أن یکون الزائد فی أول الأول، أو فی أخیر الأخیر، مثلاً: إذا کانت تری فی کل شهر عشرة من ثانی الشهر، فرأت من أول الشهر إلی الحادی عشر، کان الیوم الأول إستحاضة، لحکومة أدلة العادة علی أدلة التعجیل، وکذلک إذا رأت _ فی المثال _ من ثانی الشهر إلی الثانی عشر، فالیوم الثانی عشر استحاضة، لأنه زائد علی العشرة فی غیر العادة، هذا کله وجه عدم جعل ما قبل الطرف الأول حیضاً.

أما وجه الاحتیاط فیه: فلاحتمال حکومة أدلة التعجیل علی أدلة العادة، فإذا کان الیوم الأول حیضاً بحکم التعجیل، وجب علیها تروک الحائض، فلمراعاة الجمع بین الاحتمالین تجمع بین تروک الحائض وأعمال المستحاضة، لکن الأقرب: أن الاحتیاط استحبابی.

{وما بعد الطرف الثانی} الزائد علی العشرة {استحاضة} لوضوح أن کل ما زاد علی العشرة استحاضة، لکن فیه: أن الأولی

ص:25

وإن کان ما فی العادة فی الطرف الأول أقل من ثلاثة: تحتاط فی جمیع أیام الدمین والنقاء، بالجمع بین الوظیفتین.

کان الاحتیاط فی الجملة، لأن المحتمل أن یکون حیضها من ثانی الشهر، فالدم المستمر إلی الحادی عشر کله حیض، وعلیه فالیوم الثالث من الدم الثانی یحتمل أن یکون حیضاً، وأن یکون طهراً، فالاحتیاط بالجمع أیضاً.

الصوة الثانیة: أن یکون ما فی الطرف الأول من العادة أقل من ثلاثة أیام، کما إذا رأت أربعة أیام من أول الشهر، ثم نقت أربعة، ثم رأت أربعة أیام أخر، وقد کانت عادتها أن تری کل شهر عشرة أیام من ثالث الشهر، فإن المصادف للعادة من الدم الأول هو یومان فقط، ولذا قال: {وإن کان ما فی العادة فی الطرف الأول أقل من ثلاثة، تحتاط فی جمیع أیام الدمین والنقاء، بالجمع بین الوظیفتین}.

أما الیومان الأولان قبل العادة: فیحتمل فیه الحیضیة المتعجلة، ویحتمل فیه کونه استحاضة، وکون الحیض من الیوم الثالث بضمیمة النقاء المحکوم بالحیضیة _ لما سبق من کلام صاحب الحدائق من عدم اعتبار اتصال الثلاثة بعضها ببعض _، ولذا یحتاط فی الیومین الأولین بالجمع بین تروک الحائض وأعمال المستحاضة.

وأما الیومان الثانیان الواقعان فی العادة: فیحتمل کونهما حیضاً بضمیمة النقاء، أو بضمیمة الیومین الأولین (لا حتمال تعجل الدم) ویحتمل کونهما استحاضة، لأن الیومین الأولین خارج العادة، فهما

ص:26

استحاضة، ویشترط التوالی فی الثلاثة برؤیة الدم، ولا توالی فی المقام، فالیومان الثانیان استحاضة أیضاً، ولذا یحتاط فیهما أیضاً.

وأما النقاء فی البین: فیحتمل أنه حیض، لأن ما قبله وما بعده حیض، ویحتمل عدم کونه حیضاً، لأن ما قبله لیس بحیض وإنما ما بعده فقط حیض، أو لأن ما قبله حیض، لکن ما بعده لیس بحیض، ولذا تحتاط فیه بالجمع.

ومما تقدم: ظهر وجه الاحتیاط فی جمیع أیام الدم الثانی، لکن الأقرب: جعل العشرة الأولی، بأقسامها الأربعة _: الیومین قبل العادة، والیومین المصادفین للعادة، والنقاء، والیومین بعد النقاء _ کلها حیضاً، لأدلة تعجیل الدم، وجعل الیومین الأخیرین استحاضة.

ص:27

مسألة ١٩ تعارض الوقت والعدد

(مسألة _ 19): إذا تعارض الوقت والعدد فی ذات العادة الوقتیة العددیة یقدم الوقت، کما إذا رأت فی أیام العادة أقل أو أکثر من عدد العادة، ودماً آخر فی غیر أیام العادة بعددها فتجعل ما فی أیام العادة حیضاً وإن کان متأخراً وربما یرجح الأسبق، ﻓ_

(مسألة _ 19): {إذا تعارض الوقت والعدد فی ذات العادة الوقتیة العددیة} کما إذا کانت عادتها فی أول کل شهر خمسة أیام، فرأت فی هذا الشهر أربعة أیام، ثم بعد ثمانیة أیام رأت خمسة أیام، فإن أخذت الوقت فاتها العدد، وإن أخذت العدد فاتها الوقت {یقدم الوقت} وذلک لأن أدلة العادة المنصرف منها الوقت تحکم بأن ما فیها _ ولو کان صفرة أو کدرة أو زیادة أو نقیصة _ هو الحیض، ولا تقاوم هذا الدلیل «قاعدة الإمکان» القاضیة: بأن کل ما أمکن أن یکون حیضاً فهو حیض، لأن القاعدة فی رتبة متأخرة عن العادة وعن التمییز، کما سبق.

ولا فرق فیما ذکرناه بین أن یکون ما فی الوقت بالصفات أم لا، ولا ما له العدد بالصفات أم لا {کما إذا رأت فی أیام العادة أقل أو أکثر من عدد العادة، ودماً آخر فی غیر أیام العادة بعددها، فتجعل ما فی أیام العادة حیضاً وإن کان متأخراً} کما إذا رأت العدد قبل الوقت {وربما یرجح الأسبق ﻓ} إن کانت العادة أسبق أخذت بها، وإن کان الوقت أسبق أخذت به، والمرجّح هو «الجواهر ونجاة العباد» وذلک لإطلاق صحیح

ص:28

الأولی فیما إذا کان الأسبق العدد فی غیر أیام العادة الاحتیاط فی الدمین بالجمع بین الوظیفتین.

صفوان، عن الکاظم علیه السلام: فیمن مکثت عشرة أیام تری الدم، ثم طهرت فمکثت ثلاثة أیام طاهرة، ثم رأت الدم بعد ذلک، أتمسک عن الصلاة؟ قال علیه السلام: «لا، هذه مستحاضة»((1))، فإنه بإطلاقه یشمل المقام، لکن فیه: ما تقدم من إجمال دلالته.

لکن {الأولی فیما إذا کان الأسبق العدد فی غیر أیام العادة، الاحتیاط فی الدمین: بالجمع بین الوظیفتین} ولو تعارضت عادتان، کما إذا کانت تری فی کل شهر مرتین، مرة فی أول الشهر إلی الثالث، ومرة فی رابع عشر الشهر إلی السادس عشر، فرأت فی هذه المرة الدم الثانی یوماً قبل الموعد، فلا ینبغی الإشکال فی أن الأول حیض، والثانی استحاضة.

کما إنه کذلک: إذا رأت الأول یوماً متأخراً، بأن رأت الأول من الیوم الثانی من الشهر.

نعم إذا رأت الدم الثانی أربعة أیام، سواء کانت الأربعة عادة شهریة لها، أو رأت هذه المرة أربعة أیام، فهل یحکم باستحاضیة الجمیع، أو باستحاضیة الیوم الأول من الأربعة، والثلاثة الأخر حیض؟ الظاهر الثانی، لصدق العادة علی الثلاثة، ولا وجه للحکم باستحاضیتها، وإن کان الدم فی کل الأیام الأربعة بصفة الحیض.

ص:29


1- الکافی: ج3 ص90 باب جامع فی الحائض والمستحاضة ح6

ولو تعارض وقتان، کما لو کانت تری فی کل شهر خمسة أیام، فرأت فی هذا الشهر خمسة وخمسة بینهما أقل الطهر، یأتی فیه الکلام السابق: من تعیین أولهما للحیضیة أو التخییر بینهما.

ص:30

مسألة ٢٠ لو کانت عادتها عددیة ورأت أزید من عادتها

(مسألة _ 20): ذات العادة العددیة إذا رأت أزید من العدد ولم یتجاوز العشرة، فالمجموع حیض، وکذا ذات الوقت إذا رأت أزید من الوقت.

(مسألة _ 20): {ذات العادة العددیة: إذا رأت أزید من العدد ولم یتجاوز العشرة} سواء بدون نقاء فی البین أو مع نقاء فیه {فالمجموع حیض} لقاعدة الإمکان، ولما تقدم من أن النقاء فی البین محکوم بحکم الحیض.

{وکذا ذات الوقت} والعدد، کما إذا کانت تری فی کل شهر أوله ثلاثة أیام، فرأت فی هذا الشهر أربعة أیام.

أو ذات الوقت، بدون العدد {إذا رأت أزید من الوقت} کما إذا کان یختلف العدد علیها بین یوم وخمسة أیام، فرأت فی هذه المرة ستة أیام زیادة مثلاً.

ص:31

(مسألة _ 21): إذا کانت عادتها فی کل شهر مرة، فرأت فی شهر مرتین مع فصل أقل الطهر وکانا بصفة الحیض، فکلاهما حیض، سواء کانت ذات عادة وقتاً أو عدداً أو لا وسواء کانا موافقین للعدد والوقت، أو یکون أحدهما مخالفاً.

مسألة ٢١ لو کانت عادتها فی کل شهر مرة فرأت

(مسألة _ 21): {إذا کانت عادتها فی کل شهر مرة، فرأت فی شهر مرتین مع فصل أقل الطهر وکانا بصفة الحیض، فکلاهما حیض} لقاعدة الإمکان، ولأخبار الصفات، ولروایة محمد بن مسلم: حیث قال علیه السلام: «وإن کان بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة»((1)). {سواء کانت ذات عادة وقتاً أو عدداً أو لا، وسواء کانا موافقین للعدد والوقت أو یکون أحدهما مخالفاً} کل ذلک لإطلاق الأدلة المذکورة.

وإذا لم یکن أحدهما أو کلاهما بالصفات، کان الحکم کذلک للقاعدة والروایة.

ص:32


1- الکافی: ج3 ص77 باب المرأة تری الدم ... ح1

مسألة ٢٢ لو کانت عادتها فی کل شهر مرة فرأت

فی شهر واختلفتا فی الوقت أو الصفات

(مسألة _ 22): إذا کانت عادتها فی کل شهر مرة، فرأت فی شهر مرتین مع فصل أقل الطهر، فإن کانت إحداهما فی العادة والأخری فی غیر وقت العادة ولم تکن الثانیة بصفة الحیض، تجعل ما فی الوقت _ وإن لم یکن بصفة الحیض _ حیضاً، وتحتاط فی الأخری.

وإن کانتا معا فی غیر الوقت فمع کونهما واجدتین، کلتاهما حیض، ومع کون إحداهما واجدة تجعلها حیضاً،

(مسألة _ 22): {إذا کانت عادتها فی کل شهر مرة فرأت فی شهر مرتین مع فصل أقل الطهر، فإن کانت إحداهما فی العادة والأخری فی غیر وقت العادة ولم تکن الثانیة بصفة الحیض، تجعل ما فی الوقت _ وإن لم یکن بصفة الحیض _ حیضاً} لما سبق من أن ذات العادة تجعل ما تراه فی العادة حیضاً مطلقاً، ولا فرق فی ذلک بین أن یکون من أول الوقت أو قبل الوقت بما یصدق معه التعجیل، لما دل علی حیضیة الدم المعجل _ کما سبق _ {وتحتاط فی الأخری} إلی أن یتم الثلاثة فتجعله حیضاً.

أما عدم الحکم بالحیضیة فی الأول، فلأخبار الصفات الدالة علی عدم الحکم بالحیضیة بمجرد رؤیة الفاقد، وأما الحکم بالحیضیة بعد الثلاثة فلقاعدة الإمکان، کما سبق الکلام حوله.

{وإن کانتا معاً فی غیر الوقت} کلاّ أو بعضاً {فمع کونهما واجدتین، کلتاهما حیض} لقاعدة الإمکان ولأخبار الصفات.

{ومع کون إحداهما واجدة، تجعلها حیضاً} للقاعدة وأخبار

ص:33

وتحتاط فی الأخری، ومع کونهما فاقدتین تجعل إحداهما حیضاً _ والأحوط کونها الأولی _ وتحتاط فی الأخری.

الصفات {وتحتاط فی الأخری} الفاقدة، أما فی أول الرؤیة فلعدم الدلیل علی التحیض بالرؤیة، وأما بعد الثلاثة فلأن دلیله منحصر فی قاعدة الإمکان، ویستشکل فیها، لکن الظاهر: التحیض بمجرد الرؤیة أیضاً لقاعدة الإمکان، وسیأتی عدم تمامیة الإشکال فیها.

{ومع کونهما فاقدتین} فقداً فی کل أیامه أو فی بعض أیامه، بحیث لم یکن بمقدار أقل الحیض واجداً للصفات {تجعل إحداهما حیضاً} للعلم الإجمالی بأن أحدهما حیض، وحیث لا تعیین یخیر.

لکن یرد علیه: إن قلنا بجریان قاعدة الإمکان _ کما هو الأقرب _ کان اللازم جعلها معا حیضاً، وإن لم نقل بجریان قاعدة الإمکان کان اللازم الاحتیاط فیهما بالجمع بین تروک الحائض وأعمال المستحاضة، إن علمت بأن أحدهما حیض، ولم نقل بجریان الأصل فی السابق منهما، وإن لم تعلم بأن أحدهما حیض، کان مجری لاستصحاب الطهارة ونحوه، وإن علمت بأن أحدهما حیض لکن قلنا بجریان الأصل فی السابق، لعدم المعارضة فی التدریجی، أجرت أصل الطهارة فی الأول، واحتاطت فی الثانی، فقوله: {والأحوط کونها الأولی وتحتاط فی الأخری} محل تأمل، وکان وجهه ما تقدم من عدم صلاحیة المتأخر للمنع عن التحیض بالمتقدم، وصلاحیة المتقدم للمنع عن التحیض بالمتأخر، عند الدوران بینهما.

ص:34

مسألة ٢٣ لو انقطع الدم قبل العشرة

(مسألة _ 23): إذا انقطع الدم قبل العشرة، فإن علمت بالنقاء وعدم وجود الدم فی الباطن اغتسلت وصلّت، ولا حاجة إلی الاستبراء، وإن احتملت بقاءه فی الباطن،

(مسألة _ 23): {إذا انقطع الدم قبل العشرة، فإن علمت بالنقاء وعدم وجود الدم فی الباطن اغتسلت وصلّت} أی کانت محکومة بأحکام الطاهرة، بلا إشکال ولا خلاف، بل ادعی الإجماع علیه، إذ لا وجه للحکم بالحیضیة مع انتفاء الدم ظاهراً وباطناً، ولا فرق فی ذلک بین المعتادة وغیرها، ولا فی المعتادة بین ما کان فی أیام عادتها أو فی غیرها، ومنه یظهر أنه لو انقطع الدم ظاهراً لکن علمت بالعود فی أثناء العشرة بما ینقطع علی العشرة، کانت محکومة بالحیضیة _ کما تقدم _.

ویدل علی عدم وجوب الاستبراء فی صورة العلم نصوص الاستبراء، حیث دلت علی أنها لأجل نقاء الباطن، فاذا علمت بذلک لم یکن للاستبراء موضوع، کما أن خبر یونس الوارد فی «من تری ثلاثة أیام أو أربعة ثم تری الطهر» کذلک وغیره من الأخبار، دلیل أو مؤید لذلک {و} علی کل ﻓ_ {لا حاجة إلی الاستبراء}.

نعم لو تبین بعد ذلک أن علمها کان جهلاً مرکباً قضی الصیام، ومثل العلم ما یقوم مقامه: کما إذا کانت عاجزة عن الاستبراء وأخبرها الثقة بذلک أو ما أشبه إخبار الثقة.

{وإن احتملت بقاءه فی الباطن} المراد من «الاحتمال» أعم

ص:35

وجب علیها الاستبراء واستعلام الحال

من الشک والظن والوهم، وذلک لإطلاق النصوص، وعدم الدلیل علی حجیة الظن بالانقطاع، کما لا دلیل علی حجیة الظن بالبقاء {وجب علیها الاستبراء واستعلام الحال} لوجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة علی ما هو الأقوی _ کما سبق _ وللإجماع المدعی عن غیر الانتصار حیث عبّر ب_ «ینبغی» الظاهر _ کما قیل _: فی الاستحباب، ولبعض الروایات:

مثل: صحیح ابن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام: «إذا أرادت الحائض أن تغتسل، فلتستدخل قطنة، فإن خرج فیها شیء من الدم فلا تغتسل، وإن لم تر شیئاً فلتغتسل، وأن رأت بعد ذلک صفرة فلتتوضأ ولتصلّ»((1)).

ومرسلة یونس، عن الصادق علیه السلام، قال: سأل عن إمرأة انقطع منها الدم فلا تدری طهرت أم لا؟ قال: «تقوم قائمة وتلزق بطنها بحائط وتستدخل قطنة بیضاء وترفع رجلها الیمنی، فإن خرج علی رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبیط لم تطهر، وإن لم یخرج فقد طهرت، تغتسل وتصلی»((2)).

وروایة شرحبیل الکندی: عن الصادق علیه السلام، قال: قلت: کیف تعرف الطامث طهرها؟ قال علیه السلام:

ص:36


1- الکافی: ج3 ص80 باب استبراء الحائض ح2
2- الوسائل: ج2 ص562 الباب17 من أبواب الحیض ح2

«تعتمد برجلها الیسری علی الحائط وتستدخل الکرسف بیدها الیمنی، فإن کان مثل رأس الذباب خرج علی الکرسف»((1)).

وموثقة سماعة، عن الصادق علیه السلام، قال: قلت له: المرأة تری الطهر وتری الصفرة أو الشیء فلا تدری أطهرت أم لا؟ قال علیه السلام: «فإذا کان کذلک، فلتقم فلتلصق بطنها إلی حائط، وترفع رجلها علی حائط کما رأیت الکلب یصنع إذا أراد أن یبول، ثم تستدخل الکرسف، فإذا کان ثمة من الدم مثل رأس الذباب خرج، فإن خرج دم فلم تطهر، وإن لم یخرج فقد طهرت»((2)).

والرضوی: «وإذا رأت الصفرة أو شیئاً من الدم، فعلیها أن تلصق بطنها بالحائط وترفع رجلها الیسری _ کما تری الکلب إذا بال _ وتدخل قطنة، فإن خرج فیها دم فهی حائض، وإن لم یخرج فلیست بحائض»((3)).

وفی مکان آخر منه: «وإذا رأت الحائض بعد الغسل من الحیض فعلیها أن تستبرئ، والاستبراء: أن تدخل قطنة فإن کان

ص:37


1- التهذیب: ج1 ص161 الباب7 فی حکم الحیض و... ح33
2- التهذیب: ج1 ص161 الباب7 فی حکم الحیض و... ح34
3- فقه الرضا: ص22 س7

هناک دم خرج ولو مثل رأس الذباب لم تغتسل، وإن لم یخرج اغتسلت»((1)).

وروایة الدعائم، قال علیه السلام: «وعلامة الطهر: أن تستدخل قطنة فلا یعلق بها شیء، فإذا کان ذلک فقد طهرت»((2)).

ولا ینافی هذه الروایات روایة أبی حمزة، عن أبی جعفر علیه السلام: أنه بلغه أن نساءً کانت إحداهنّ تدعو بالمصباح فی جوف اللیل تنظر إلی الطهر، فکان یعیب ذلک ویقول: «متی کانت النساء یصنعن هذا»((3)) لظهور کون النهی فی هذه الروایة عن الوسوسة.

وکیف کان، فقد اختلفوا فی کون «الاستبراء» واجباً تعبدیاً، أو شرطیاً، أو إرشادیاً؟ بعد ذهاب المشهور إلی أصل الوجوب، خلافاً لمن أشکل فی الروایات سنداً أو دلالة، بأنها فی بیان کیفیة الاستبراء، ولا دلالة فیها علی الوجوب بل حتی علی الاستحباب. لکن لا یخفی ما فیه: فإن بعض الروایات وإن کانت ضعیفة سنداً أو دلالةً لکونها فی بیان الکیفیة لا فی حکم الکیفیة، إلاّ أن فی بعضها الآخر، کالصحیح والموثقة والرضوی، دلالة کافیة.

ثم إن القائل بالوجوب التعبدی اعتمد ظاهر الأمر، والقائل بالوجوب الشرطی قال: بأن قرینة الوجوب الشرطی صارفة

ص:38


1- فقه الرضا: ص22 س5
2- دعائم الإسلام: ج1 ص128 فی ذکر الحیض
3- الکافی: ج3 ص80 باب استبراء الحائض ح4

بإدخال قطنة وإخراجها بعد الصبر هنیئة، فإن خرجت نقیة اغتسلت وصلت،

عن حمل الأمر علی ظاهره حیث إنها فی صدد بیان شرط الغسل، مثل اشتراط النافلة بالوضوء، والقائل بالإرشاد قال: إن الإمام علیه السلام أرشد إلی الاستبراء لئلا یظهر الدم فیلغو الاغتسال علی تقدیر عدم نقاء الباطن، فهو من قبیل الأمر بتطهیر مواضع الغسل، وهذا هو الظاهر لدی عرض الأدلة إلی العرف، فلو لم تفعل واغتسلت وکانت فی الواقع طاهرة عن الدم، صح الغسل ولم تفعل حراماً.

أما الإشکال فی ذلک: بأنه یلزم (التجرّی) علی تقدیر طهارة الباطن، و(الحرام) علی تقدیر بقاء الحیض، لحرمة العبادة فی حالة الدم، والغسل عبادة، ومع الحرمة تجریاً أو عصیاناً، کیف تنوی القربة، إذ لا قربة بالحرام؟ ففیه: مواضع للتأمل کما لا یخفی، وقد أطال المتأخرون کالشیخ المرتضی (رحمه الله) والفقیه الهمدانی (رحمه الله) وغیرهما، فی تحریر هذا المبحث، فعلی الراغب أن یرجع إلیهم.

ثم إن استعلام الحال إنما هو: {بإدخال قطنة وإخراجها بعد الصبر هنیئة، فإن خرجت نقییة، اغتسلت وصلّت} وهذا هو المشهور، ویقتضیه إطلاق الصحیح، لکن مقتضی سائر الأخبار کیفیة خاصة _ کما عرفت _، وکأنّ المشهور فهموا منها: صور الاستبراء بدون خصوصیة لها، ولعله هو المتبادر عرفاً خصوصاً بعد

ص:39

اشتمال بعضها علی رفع الیسری وبعضها علی رفع الیمنی، أو من جهة أن ظهور الصحیحة فی الإطلاق مع کونها فی مقام البیان، أقوی من ظهور غیرها فی اعتبار الکیفیة الخاصة.

ثم الظاهر أنه لا خصوصیة للقطن، کما لا خصوصیة لبیاضها، وإنما هما من جهة التعارف وظهور الدم علیها أسرع، وهل یکفی الجلوس فی ماء قلیل لیظهر آثار الصفرة فیه، إن کان فی الداخل دم؟ لا یبعد ذلک، خصوصاً بعد أن عرفت أن الاستبراء إرشاد لا خصوصیة له.

ثم إنه لم یذکر فی النصوص «الصبر» لکن الدلیل منصب علیه، لأنه المتعارف عند النساء، وإلیه ینصرف الدلیل.

وکیف کان فإذا لم تستبرئ حتی علمت بعدم الدم لتجاوز العشرة ونحوه، سقط بلا إشکال، سواء قلنا: بأنه واجب تعبدی أو شرطی، أو إرشاد، لفوات الحکم بفوات الموضوع، وإذا استبرأت وخرجت القطنة نقیة عملت بما یجب علی الطاهر من الصلاة والصیام والطواف وغیرها، بلا إشکال ولا خلاف، بل عن المدارک: (الإجماع علیه)، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیح ابن مسلم: «وإن لم تر شیئاً فلتغتسل»، وفی مرسل یونس: «وإن لم یخرج فقد طهرت تغتسل وتصلّی»، وکذلک غیرهما..

ثم: إن هذا الاستبراء إنما یفید إذا لم یکن هناک جرح ونحوه

ص:40

وإن خرجت ملطخة ولو بصفرة

کما هو منصرف النص والفتوی _ وإلاَّ لم ینفع.

کما أنه لو خرج شیء شکت فی أنه هل هو صفرة الدم وکدرته أو من رطوبات الفرج؟ کان المرجع الاستصحاب؛ وقد عرفت _ فی بعض المسائل السابقة _: أن المستصحب هو الدم، لا عدم زیادة الدم لتکون بحکم الطاهر.

ولو اختلف الزوج والزوجة فی أن الخارج دم أو رطوبة الفرج؟ جاز لکل أن یعمل بتکلیفه، فیجوز له طلاقها إذا قال: بأنه لیس بدم، بینما لا یجوز لها الزواج من جدید إذا اعتقدت أنه دم، وقد ذکرنا فی بعض مباحث هذا الکتاب: صورة اختلاف نفرین فی أمثال المقام.

ثم: إن کفایة الاستبراء فی الحکم بالطهارة إذا لم تجد شیئاً، إنما هو فیما إذا لم تعلم بالعود للدم قبل العشرة، وانقطاعه علی العشرة، وإلاّ فهی محکومة بالحیضیة، أما لو احتملت، فسیأتی حکمه فی المسألة الخامسة والعشرین إن شاء الله تعالی.

{وإن خرجت ملطخة ولو بصفرة} أو کدرة فهو حیض فی الجملة، أما إذا کان فی أیام العادة: _ فلما تقدم من النص والفتوی _ من أن الصفرة والکدرة فی أیام العادة حیض، وأما إذا لم یکن فی أیام العادة: فالدلیل علی کفایة الصفرة والکدرة قاعدة الإمکان والاستصحاب وبعض الروایات، مثل: صحیح سعید بن یسار،

ص:41

عن الصادق علیه السلام: عن المرأة تحیض ثم تطهر، وربما رأت بعد ذلک الشیء من الدم الرقیق بعد اغتسالها من طهرها؟ فقال علیه السلام: «تستظهر بعد أیامها بیومین أو ثلاثة ثم تصلی»((1))، ومثلها غیرها مما سیأتی فی أخبار الاستظهار..، ولا یعارض ذلک إلا صحیح ابن مسلم، حیث قال علیه السلام: «وإن رأت بعد ذلک صفرة فلتتوضأ ولتصل»((2))، ومرسل یونس، حیث قال علیه السلام: «فإن خرج علی رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبیط»((3))، الظاهر فی عدم اعتبار غیر الدم العبیط، والأخبار الدالة علی أن الصفرة بعد الحیض لیس بحیض.

وفی الکل ما لا یخفی: أما الصحیح فاللازم حمله علی ما بعد الاستظهار، أو بعد العشرة جمعاً بینه وبین صحیح سعید، ومثله فی الحمل ما دل علی أن الصفرة بعد الحیض لیس بحیض.

وأما المرسل: فاللازم حمل لفظة «العبیط» علی الغالب، وذلک لإطلاق الأخبار الأخر الذی هو أقوی من تقیید هذا الخبر، مثل: روایات((4)) شرحبیل وسماعة والرضوی.

ص:42


1- الوسائل: ج2 ص557 الباب13 من أبواب الحیض ح8
2- الکافی: ج3 ص80 باب استبراء الحائض ح2
3- الوسائل: ج2 ص562 الباب17 من أبواب الحیض ح2
4- تقدمت فی ص36 و37

صبرت حتی تنقی، أو تنقضی عشرة أیام، إن لم تکن ذات عادة، أو کانت عادتها عشرة، وإن کانت ذات عادة أقل من عشرة فکذلک مع علمها بعدم التجاوز عن العشرة،

أما ما ذکره المستمسک من تضعیف المرسلة، ففیه: إن عمل المشهور بها یکفی فی حجیتها، هذا مع الغض عن سائر مؤیداتها.

لکن سیأتی أقوائیة أدلة الاقتصار علی أدلة الاستظهار فی ذات العادة الأقل من العشرة إذا احتملت التجاوز، مما یوجب الحکم بکون الدم استحاضة، فیلزم أن تعمل أعمال الطاهر، وتفصیل الکلام فی ذلک أن الأقسام أربعة:

لأنها: إما ذات العادة أو لا، وذات العادة: إما عادتها عشرة أیام أو أقل، ومن کانت عادتها أقل: إما تعلم بعدم تجاوز دمها العشرة، أو لا تعلم بذلک، ففی الأقسام الثلاثة الأُوَل لا إشکال فی جعلها الصفرة ونحوها حیضاً، ولذا قال المصنف: {صبرت حتی تنقی أو تنقضی عشرة أیام إن لم تکن ذات عادة، أو کانت عادتها عشرة، وإن کانت ذات عادة أقل من عشرة فکذلک مع علمها بعدم التجاوز عن العشرة}.

أما القسم الأول: وهو ما إذا لم تکن ذات عادة، فلما تقدم من قاعدة الإمکان وبعض الأدلة الأُخر.

وأما القسم الثانی: وهو ما إذا کانت عادتها عشرة، فلوضوح أن

ص:43

وأما إذا احتملت التجاوز فعلیها الاستظهار بترک العبادة استحباباً،

کل دم فی حال العادة حیض، نصاً وإجماعاً.

وأما القسم الثالث: وهو ما إذا کانت ذات عادة أقل، لکن علمت بعدم التجاوز عن العشرة، فلقاعدة الإمکان والإجماع المدعی، وبعض الروایات السابقة، وإطلاق ما ورد فی المبتدئة بعد وضوح عدم الخصوصیة کموثق ابن بکیر: «المرأة إذا رأت الدم فی أول حیضها، فاستمر الدم، ترکت الصلاة عشرة أیام»((1))، ومضمر سماعة: «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت تری الدم، ما لم تجز العشرة»((2))، ومثلهما غیرهما.

وأما القسم الرابع: وهو ما أشار إلیه بقوله: {وأما إذا احتملت التجاوز: فعلیها الاستظهار بترک العبادة إستحباباً}، وقد اختلفوا فی ذلک علی أقوال:

الأول: استحباب الاستظهار، کما ذکره المصنف، ونسب إلی عامة المتأخرین _ کما فی المستند _((3)) بل عن اللوامع: نسبته إلی الأکثر.

الثانی: وجوب الاستظهار، ونسبة المستند إلی (ظاهر

ص:44


1- التهذیب: ج1 ص381 الباب19 فی الحیض والاستحاضة .... ح5
2- التهذیب: ج1 ص380 الباب19 فی الحیض والاستحاضة.... ح1
3- المستند: ج1 ص147 س20

الأکثر)((1))، وقد حکی عن الاستبصار والسرائر وظاهر النهایة والجمل ومصباح السید والوسیلة والشرائع والتحریر والمختلف والإرشاد، وغیرها.

الثالث: إباحة الاستظهار، کما عن المعتبر ومجمع الفائدة والذخیرة.

الرابع: التفصیل بین الدم الواجد للصفة فالاستظهار، وبین فاقد الصفة فعدمه، کما عن المدارک.

الخامس: التفصیل بین مستقیمة العادة فلا تستظهر، وبین غیرها ممن تتخلف عادتها أحیاناً فالاستظهار، کما عن الحدائق((2)).

السادس: التفصیل بین راجیة الانقطاع فالاستظهار، وبین غیرها فعدم الاستظهار، ذهب إلیه الشیخ المرتضی (رحمه الله).

السابع: التفصیل بین الدور الأول: فالاستظهار، وبین الدور الثانی: فعدم الاستظهار، کما عن الوحید (رحمه الله).

وهناک بعض أقوال أو إحتمالات أُخر...، والسبب فی هذه الأقوال: اختلاف الأخبار علی طائفتین: الطائفة الأولی: ما تدل علی الاستظهار والاحتیاط بترک العبادة، والطائفة الثانیة: ما تدل

ص:45


1- المستند: ج1 ص147 س19
2- الحدائق: ج3 ص221

علی المنع عن الاستظهار، بل تبنی علی أنه استحاضة وتعمل عملها.

أما الطائفة الأولی: فهو بین ما تدل علی مطلق الاستظهار بدون تعیین المدة، وما تدل علی کونه بیوم واحد، وما تدل علی أنه بیومین، وما تدل علی أنه بثلاثة أیام، وما تدل علی التخییر بین یوم أو یومین، وما تدل علی التخییر بین یومین أو ثلاثة أیام، وما تدل علی التخییر بین الیوم أو الیومین أو ثلاثة أیام، وما تدل علی الاستظهار إلی العشرة، وما تدل علی الاستظهار بقدر ثلثی أیامها، فالجمع بین هذه الطوائف من الأخبار أوجبت تلک الأقوال الزائدة علی السبعة، وإلیک جملة من أخبار الطائفة الأولی، مع الاقتصار علی ذکر روایة واحدة من کل فئة، من هذه الطائفة:

مثل: مرسلة ابن المغیرة، عن الصادق علیه السلام: «إذا کانت أیام المرأة عشرة أیام لم تستظهر، فإذا کانت أقل استظهرت»((1)).

وروایة داود، عن الصادق (علیه السلام) قال: سألته عن المرأة تحیض ثم یمضی وقت طهرها وهی تری الدم؟ قال: فقال: «تستظهر بیوم إن کان حیضها دون العشرة»((2)).

ص:46


1- الوسائل: ج2 ص551 الباب10 من أبواب الحیض ح5
2- الوسائل: ج2 ص556 الباب13 من أبواب الحیض ح4

وموثقة زرارة: النفساء متی تصلی؟ فقال (علیه السلام): «تقعد بقدر حیضها وتستظهر بیومین فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت» _ إلی أن قال: _ قلت: والحائض؟ قال (علیه السلام): «مثل ذلک سواء»((1)).

وموثقة سماعة: عن المرأة تری الدم قبل وقت حیضها؟ فقال: «إذا رأت الدم قبل وقت حیضها فلتدع الصلاة، فإنه ربما تعجل بها الوقت، فإن کان أکثر من أیامها التی کانت تحیض فیهن فلتربص ثلاثة أیام بعد ما تمضی أیامها»((2)) الحدیث.

وموثقة زرارة: عن الطامث تقعد بعدد أیامها، کیف تصنع؟ قال (علیه السلام): «تستظهر بیوم أو یومین»((3)).

وروایة حمران: عن حدّ النفساء؟ قال: «تقعد أیامها التی کانت تطمث فیهن أیام قرئها، فإن هی طهرت وإلا استظهرت بیومین أو ثلاثة»((4)).

وصحیحة البزنطی، عن الرضا (علیه السلام): عن الحائض

ص:47


1- الوسائل: ج2 ص605 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح5
2- الوسائل: ج2 ص556 الباب13 من أبواب الحیض ح1
3- الوسائل: ج2 ص558 الباب13 من أبواب الحیض ح13
4- الوسائل: ج2 ص614 الباب3 من أبواب النفاس ح11. منتقی الجمان: ج1 ص235

کم تستظهر؟ قال (علیه السلام): «تستظهر بیوم أو یومین أو ثلاثة»((1)).

ومرسلة عبد الله ابن المغیرة: فی المرأة تری الدم، فقال: «إن کان قرؤها دون العشرة، انتظرت العشرة، وإن کانت أیامها عشرة لم تستظهر»((2)).

وروایة أبی بصیر: «النفساء إذا ابتلیت بأیام کثیرة، مکثت مثل أیامها التی کانت تجلس قبل ذلک، واستظهرت بمثل ثلثی أیامها»((3)) الحدیث.. هذه جملة من أخبار الطائفة الأولی الدالة علی الاستظهار.

وأما بعض أخبار الطائفة الثانیة: الدالة علی عدم الاستظهار، فهی: ما رواه المبسوط عنهم (علیهم السلام): «إن الصفرة فی أیام الحیض حیض، وفی أیام الطهر طهر»((4)).

وما ورد فی جملة من الروایات((5)): «إن الصفرة بعد الحیض لیس من المحیض».

ص:48


1- الوسائل: ج2 ص557 الباب13 من أبواب الحیض ح9
2- الاستبصار: ج1 ص150 الباب90 الاستظهار للمستحاضة ح6
3- الوسائل: ج2 ص616 الباب3 من أبواب النفاس ح20
4- المبسوط: ج1 ص44 فی ذکر الحیض
5- انظر جامع أحادیث الشیعة: ج2 الباب6، والوسائل: ج2 الباب4

وموثقة إبن سنان: فی المرأة المستحاضة التی لا تطهر؟ قال: «تغتسل عند صلاة الظهر» _ إلی أن قال _: «لا بأس بأن یأتیها زوجها متی شاء، إلاّ أیام قرئها»((1)).

وروایة ابن أبی یعفور: «المستحاضة إذا مضت أیام أقرائها اغتسلت واحتشت»((2)).

وصحیحة زرارة، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «النفساء تکفّ عن الصلاة أیامها التی کانت تمکث فیها، ثم تغتسل وتعمل کما تعمل المستحاضة»((3)).

ومرسلة یونس القصیرة: «کلما رأت المرأة فی أیام حیضها من صفرة أو حمرة فهو من الحیض، وکلما رأته بعد أیام حیضها فلیس من الحیض»((4)). إلی غیرها من الروایات.

والأقرب من هذه الأقوال: هو ما اختاره المصنف، لشاهدین:

الأول: إن اختلاف أخبار الاستظهار فی نفسها یدل علی عدم الوجوب، فإنه لو کان شیئاً واجبا لم یکن الاختلاف، ألا تری أن المولی لو قال لعبده: «أعط زیداً یوم الجمعة دیناراً»، فهم

ص:49


1- التهذیب: ج1 ص401 الباب19 فی الحیض و... ح77
2- التهذیب: ج1 ص402 الباب19 فی الحیض و... ح81
3- الوسائل: ج2 ص611 الباب3 من أبواب النفاس ح1
4- التهذیب: ج1 ص157 الباب7 فی حکم الحیض و... ح24

الوجوب، فإذا قال مرة ثانیة: «دینارین»، ومرة ثالثة: «ثلاثة دنانیر»، ومرة رابعة: «دیناراً أو دینارین»، وهکذا. سقطت دلالة کلامه علی الوجوب؟، خصوصاً بالنسبة إلی الأخبار التی ورد فی نفسها التخییر بین الیوم والیومین، والیومین والثلاثة، وهکذا..، وإذا سقطت الدلالة علی الوجوب لا یبقی مجال لأن یقال: إن الأقل واجب، والأکثر لیس بواجب، حیث إنها تجتمع علی الأقل وتتناقض فی الأکثر، إذ یرد علی ذلک: أن کثرة الاختلاف لا تبقی دلالة علی الوجوب حتی بالنسبة إلی الأقل، کما ذکروا مثل ذلک فی باب منزوحات البئر.

الثانی: إن معارضتها بأخبار الاقتصار یوجب حملها علی الاستحباب، ولا یستشکل علی ذلک بأن حمل أخبار الاستظهار علی الاستحباب لیس بأولی من حمل أخبار الاغتسال بعد العادة علیه، وتحمل أخبار الاستظهار علی الترخیص فیه، إذ یرد علیه: إن أصالة وجوب العبادة تجعل أخبار الاقتصار هو مقتضی القاعدة، فإذا دل دلیل علی الترک لزم حمله علی الاستحباب، فهو من قبیل: تصرف العرف فی الأسد بقرینة یرمی؛ لا التصرف فی یرمی بقرینة الأسد، ولذا تحمل أخبار الإفطار لمن انتظره إنسان، علی الاستحباب، وتقدم علی أخبار «صلِّ أول الوقت» ولا یعکس، وذلک لقرینیة أصالة استحباب الصلاة فی أول الوقت علی أن الأخبار المضادة لها وردت علی سبیل الاستحباب.

ص:50

والحاصل: إن أخبار الاقتصار لا تصلح قرینة علی تقدیم استحباب الغسل، بخلاف أخبار الاستظهار، ویرجع الأمر إلی فهم العرف الذی یتصرف فی أحد الدلیلین لأجل الدلیل آخر لأقوائیة ظهور الدلیل الثانی، وبهذا سقط احتمال التخییر بین الأمرین لأنه فرع التکافؤ الذی عرفت عدمه فی المقام، کما سقط القول الثانی: وهو (وجوب الاستظهار) تمسکاً بظاهر أدلته، إذ الشاهدان اللذان تقدما یمنعان عن ظهور الأخبار فی الوجوب.

والقول الثالث: القائل بإباحة الاستظهار بأنها واردة مورد توهم الحظر، فلا دلالة لها إلاّ علی الإباحة، إذ کثرة الأوامر الاستظهاریة تمنع عن هذا الحمل، فإن العرف یری من کثرة الأوامر ندب المولی إلی الاستظهار.

أما القول الرابع: فلعله استند إلی الأخبار الدالة علی أن الصفرة بعد الحیض لیست من الحیض، وعلیه فإذا کانت صفرة فالاقتصار، وإذا کانت حمرة فالاستظهار، وفیه: أن بعض الأخبار المتقدمة أبیّة عن ذلک، مثل خبر سعید بن یسار((1))، بل تأباه عامة نصوص الاقتصار _ کما فی المستمسک _ لأن حمل جمیعها علی خصوص الصفرة بعید جداً، بل ظاهر المرسل: «کلما رأت المرأة فی أیام حیضها من صفرة أو حمرة فهو من الحیض، وکلما رأته بعد أیام حیضها

ص:51


1- الوسائل: ج2 ص557 الباب13 من أبواب الحیض ح8

فلیس من الحیض»، عدم الفرق بین الصفرة والحمرة فی الحکمین المذکورین.

وأما القول الخامس: فقد استدل له بموثقة البصری: عن المستحاضة، أیطأها زوجها وهل تطوف بالبیت؟ قال: «تقعد قرأها الذی کانت تحیض فیه، فإن کان قرؤها مستقیماً فلتأخذ به، وإن کان فیه خلاف فلتحتط بیوم أو یومین»((1))، فقد جعل الحدائق هذه الموثقة دلیل الجمع بین الطائفتین. وفیه: أن الموثقة مجملة، لاحتمال أن یراد ب_ «المستقیم» ذات العادة وبغیره غیر ذات العادة، بالإضافة إلی أن نفس الحدائق((2)) صرح: (بأن الموثقة خارجة عن محل البحث لظهورها فی الدامیة المستمرة الدم).

وأما القول السادس: فقد استدل له بما فی بعض أخبار الاستظهار من قوله (علیه السلام): «فإن رأت طهراً أو انقطع الدم اغتسلت، وإن لم ینقطع فهی مستحاضة»((3)).

وأن الاستظهار: طلب ظهور الحال فی کون الدم حیضاً أم

ص:52


1- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح8
2- انظر الحدائق: ج3 ص225
3- کما فی مصباح الهدی: ج4 ص508

لا؟ وبأن أخبار الاغتسال بعد العادة واردة فی مورد الدامیة بحیث یغلب علی ظنها بعدم حصول الطهر بالصبر یوما أو یومین. وفیه: إن هذا الجمع یأباه بعض الأخبار، کقوله (علیه السلام): «المستحاضة إذا مضت أیام أقرائها، اغتسلت و... صلّت»((1)).

وفی بعض الأخبار: «المستحاضة تکف عن الصلاة أیام أقرائها، وتحتاط بیوم أو اثنین»((2)).

واستدل للقول السابع: بأن بعض أخبار الاستظهار مورده الدور الأول، فیحمل مطلق أخبار الاقتصار علی غیر هذه الصورة، وفیه: إن مثل تلک الأخبار یوجد فی أخبار الاقتصار أیضاً، کذیل مرسل داود: «فإذا مضت أیام حیضها واستمر بها الطهر صلّت، فإذا رأت الدم فهی مستحاضة»((3))، ومثله صحیح زرارة((4))، کما أن مثل روایات الاقتصار الظاهرة فی المستحاضة الدامیة، بعض روایات الاستظهار: مثل روایة زرارة((5)) وابن مسلم((6)) وغیرهما.

وعلی هذا: فالقول المنسوب إلی المشهور، وقد اختاره المصنف

ص:53


1- الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح13
2- الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح12
3- الوسائل: ج2 ص544 الباب6 من أبواب الحیض ح1
4- الوسائل: ج2 ص611 الباب3 من أبواب النفاس ح1
5- الوسائل: ج2 ص558 الباب13 من أبواب الحیض ح14
6- الوسائل: ج2 ص558 الباب13 من أبواب الحیض ح15

بیوم أو یومین أو إلی العشرة مخیرة بینها، فإن انقطع الدم علی العشرة أو أقل فالمجموع حیض فی الجمیع، وإن تجاوز فسیجیء حکمه.

وکثیر من المعلقین علیه هو الأقرب، وعلیه: فالاستظهار یکون {بیوم أو یومین} أو ثلاثة {أو إلی العشرة مخیرة بینها} لورودها فی النصوص، ولا ترجیح لبعض علی بعض، کما لا وجه للقول باختصاص الاستظهار بیوم لذات التسعة وبیومین لذات الثمانیة وبثلاثة لذات السبعة، وهکذا. _ کما عن بعض _ لأنه خلاف إطلاق النص والفتوی، بدون شاهد {فإذا انقطع الدم علی العشرة أو أقل، فالمجموع حیض} بلا إشکال _ کما تقدم _، بل عن مفتاح الکرامة((1)): إن الأصحاب ذکروه قاطعین به {فی الجمیع} أی جمیع الصور {وإن تجاوز فسیجیء حکمه} فی فصل (حکم تجاوز الدم عن العشرة) إن شاء الله.

ثم إن المرأة: إن استظهرت بترک العبادة، أو لم تستظهر بفعل العبادة، ثم انقطع الدم علی العشرة تبین کون تلک الأیام حیضاً، فاللازم قضاء الصیام إن صامت، ولا یجب قضاء الصلاة إن لم تصلّ، بلا إشکال ولا خلاف، بل ادعی علیه الإجماع، ویدل علیه قاعدة الإمکان، وما دل علی أنها إذا رأت الدم قبل عشرة أیام فهو من الحیضیة الأولی، ومرسلة یونس التی تدل علی أن المرئی بعد العادة من الحیض _ إذا لم

ص:54


1- مفتاح الکرامة: ج1 ص345 السطران الأخیران

یتجاوز العشرة _، إلی غیرها.

ومنه: یظهر أن توقف المدارک، واستشکال الحدائق والمفاتیح، لأن المستفاد من أخبار الاستظهار، هو الحکم باستحاضة ما بعدها واقعاً مطلقاً، ولو انقطع علی العشرة لا وجه له، إذ ظاهر الأدلة أنها تعمل عمل المستحاضة، لا أنها واقعاً استحاضة، ولو انکشف الخلاف بالانقطاع علی العشرة، ولو ماتت المرأة قبل تجاوز العشرة، فلم یتبین: هل أن الدم کان یستمر إلی ما بعد العشرة أم لا؟ حکم علیه بالحیضیة، لانطباق الدم غیر المجاوز علیه، کما أنه لو أجریت علیها عملیة قلع الرحم _ مثلاً _ کان الحکم کذلک.

ص:55

مسألة ٢٤ لو تجاوز الدم عن العشرة

(مسألة _ 24): إذا تجاوز الدم عن مقدار العادة وعلمت أنه یتجاوز عن العشرة، تعمل عمل الاستحاضة فیما زاد، ولا حاجة إلی الاستظهار.

(مسألة _ 24): {إذا تجاوز الدم عن مقدار العادة وعلمت أنه یتجاوز عن العشرة تعمل عمل الاستحاضة فیما زاد، ولا حاجة إلی الاستظهار} لأن الظاهر من أخبار الاستظهار هو مشروعیته عند احتمال الانقطاع، کما یدل علیه لفظ الاستظهار والانتظار والاحتیاط الواردة فی الأخبار.

ومن الواضح: أنه لا مجال لها مع وضوح حالها بالعلم بتجاوز الدم العشرة.

ص:56

مسألة ٢٥ لو انقطع الدم بالمرة

(مسألة _ 25): إذا انقطع الدم بالمرة وجب الغسل والصلاة، وإن احتملت العود قبل العشرة، بل وإن ظنت، بل وإن کانت معتادة بذلک،

(مسألة _ 25): {إذا انقطع الدم بالمرة، وجب الغسل والصلاة} بلا إشکال ولا خلاف، بل علیه الإجماع فی المدارک وغیره، لکن عن محکی السرائر: (وجود القائل بالاستظهار هنا بل وجود خبر بذلک)، وإن ضعفه هو بأنه من أخبار الآحاد، وعن الشهیدین: (توهم القول به من عبارة المختلف)، لکن عن کشف اللثام: (منع دلالة عبارته علیه ونسبة القول إلیه إلی الوهم)، ویدل علی عدم الاستظهار ما تقدم فی أخبار الاستبراء من أنه: «إن لم تر شیئاً فلتغتسل»، وأنه: «إن لم یخرج منها شیء فقد طهرت».

{وإن احتملت العود قبل العشرة} لإطلاق تلک الأدلة {بل وإن ظنّت، بل وإن کانت معتادة بذلک} للإِطلاق المذکور، خلافاً للشهید: حیث حکم بثبوت الاستظهار وإن ظنت بالعود، وللمدارک والذخیرة والمفاتیح: من استظهار ثبوت الاستظهار مع اعتیاد العود، ومال إلیه فی الجواهر فیما إذا کان الاعتیاد موجباً للاطمئنان.

واستدل له: بالاستصحاب، وباطراد العادة، وباستلزام وجوب الغسل الحرج والضرر، وفی الکل ما لا یخفی، لتبدل الموضوع، واطراد العادة لا معنی له، والحرج والضرر ممنوعان، ولو فرض وجودهما فی مقام خاص فذلک یقتضی التیمم لا ترک العبادة.

ص:57

علی إشکال.

نعم لو علمت العود فالأحوط مراعاة الاحتیاط فی أیام النقاء، لما مر من أن فی النقاء المتخلل یجب الاحتیاط.

نعم لو وصل إلی العمل العادی، کان ذلک خارجاً عن مقتضی الأدلة، وقول المصنف: {علی إشکال} کأنه إشارة إلی أقوال هؤلاء.

{نعم لو علمت العود؛ فالأحوط مراعاة الاحتیاط فی أیام النقاء، لما مر} فی المسألة الثامنة عشرة {من أن فی النقاء المتخلل یجب الاحتیاط} ومر الکلام فیه، فراجع.

ص:58

مسألة ٢٦ لو ترکت الاستبراء

(مسألة _ 26): إذا ترکت الاستبراء وصلّت بطلت، وإن تبین بعد ذلک کونها طاهرة، إلا إذا حصلت منها نیة القربة.

(مسألة _ 26): {إذا ترکت الاستبراء وصلّت بطلت، وإن تبین بعد ذلک کونها طاهرة، إلاَّ إذا حصلت منها نیة القربة} وقد تقدم الکلام فی ذلک مستوفی فی المسألة الثالثة والعشرین.

کما: أنه إذا استبرأت ثم قطعت بعدم الدم اشتباهاً، فعملت أعمال الطاهر ثم تبین اشتباهها، وجب علیها قضاء الصیام، لأن الحکم دائر مدار الواقع لا مدار قطعها، کما هو واضح.

ص:59

مسألة ٢٧ عدم التمکن من الاستبراء

(مسألة _ 27): إذا لم یمکن الاستبراء لظلمة أو عمی فالأحوط الغُسل والصلاة إلی زمان حصول العلم بالنقاء،

(مسألة _ 27): {إذا لم یمکن الاستبراء لظلمة أو عمی} أو شبه ذلک {فالأحوط الغُسل والصلاة إلی زمان حصول العلم بالنقاء} وذلک لسقوط احتمالی، سقوط الاستبراء وصحة الغسل بدونه، والبقاء علی التحیض حتی تقطع بالنقاء فلا مناص من الاحتیاط، وذلک لأن المحتملات فی المسألة ثلاثة:

الأول: سقوط الاستبراء، وصحة الغسل بدونه، لأن المستفاد من أدلة الاستبراء وجوبه عند التمکن منه، فإذا لم یتمکن سقط، لأصالة عدم الوجوب، فیرجع إلی أصالة عدم الحیض زائداً عمَّا علم حدوثه، ومقتضاه: صحة الغسل، وفیه: أن أدلة الاستبراء مطلقة کسائر الأدلة، ثم المرجع أصالة الحیض لا أصالة عدمه، لما حقق فی محله من جریان الاستصحاب فی الأمور التدریجیة، مثل جریانه فی النهار واللیل وما أشبه، کما حقق فی الأصول.

الثانی: البقاء علی التحیّض حتی تقطع بالنقاء، فاللازم ترتیب آثار الحیض علی نفسها، وأشکل فیه: بأن جعل الشارع للاستبراء دلیل علی إلغائه للاستصحاب، وفیه: أن جعل الشارع إنما هو فی حال الامکان، فتأمل.

الثالث: الاحتیاط، لسقوط دلیل الاحتمالین السابقین فلا

ص:60

فتعید الغسل حینئذ، وعلیها قضاء ما صامت، والأولی تجدید الغسل فی کل وقت تحتمل النقاء.

یبقی إلاّ الاحتیاط، وربما احتمل فی المقام: التخییر، لدوران الأمر بین المحذورین بعد سقوط أدلة الاحتمالین الأولین، لکن الظاهر: هو تمامیة الاحتمال الثانی، {ﻓ_} إذا حصل العلم بسبق الانقطاع قضت الصیام التی ترکتها، وأما علی ما ذکره المصنف {تعید الغسل حینئذ} أی حین علمت بالانقطاع {وعلیها قضاء ما صامت} لأنه مقتضی الاحتیاط، إذ تعلم إجمالاً: إما بوجوب الصوم علیها أداءً أو قضاءً، {والأولی} بل الأحوط علی مبنی المصنف: {تجدید الغسل فی کل وقت تحتمل النقاء}.

ولا بأس أن نشیر هنا إلی «قاعدة الإمکان» المعولة فی هذا الباب إجمالاً، ومن أراد تفصیل الکلام فی ذلک فلیرجع إلی المفصلات، فنقول: الکلام فی هذه القاعدة فی أمور:

الأمر الأول: فی المراد من هذه القاعدة، ومعنی لفظ (الإمکان) المأخوذ فی موضوعها، فإن فیه وجوهاً وأقوالاً.

الأول: إن المراد ب_ (الإمکان): الاحتمال العقلی فی مقابل العلم بالحیض أو بعدم الحیض، فمعنی القاعدة: أن کلما احتمل أن یکون حیضاً فهو حیض، فی مقابل ما علم عقلاً أو شرعاً أنه حیض، أو علم عقلاً أو شرعاً أنه لیس بحیض، فالقاعدة موضوعة لحالة الشک، ویکون الشک فی الحیض موضوعاً لها، فتکون هذه القاعدة

ص:61

قاعدة ظاهریة من قبیل: «قاعدة الحل» و«قاعدة الطهارة»، وما أشبههما.

ولا فرق فی القاعدة: بین أن تکون الشبهة «موضوعیة»، کما إذا شکت فی أنها هل بلغت سنّ الیأس أم لا؟ إذ لیس المرجع _ فی مثل هذا الشک _ الشارع، أو أن تکون الشبهة «حکمیة»، کما إذا شکت فی أن الثلاثة غیر المتوالیة حیض أم لا، مما یجب فیه استطراق باب الشارع.

لا یقال: کیف یمکن أن الشک حکمیاً، مع أن الحیض شیء خارجی، مثل البول والدم؟ ولیس تنقیح مصادیقه موکولاً إلی الشرع.

لأنه یقال: الحیض وإن کان کذلک، لکن لا شک فی أن الشارع قیده بقیود عدمیة ووجودیة، إما کشفاً عن الواقع الذی کان مجهولاً للعرف، أو توسیعاً تضییقیاً فی الموضوع العرفی _ فیکون من قبیل الموضوعات المستنبطة _ وعلیه: فاللازم استطراق باب الشرع فی الشبهات الحکمیة.

الثانی: إن المراد ب_ (الامکان): الإمکان الشرعی، أی ما لا یمنع شرعاً أن یکون حیضاً، فتجری القاعدة فی کل ما کان جامعاً لما علم اعتباره شرعاً فی الحیض، وإن کان فاقداً لما احتمل اعتباره، مثلاً علم اعتبار البلوغ وعدم الیأس والثلاثة فی الحیض، ویحتمل اعتبار التوالی فی الثلاثة، فإذا کان الدم جامعاً لکل الشرائط المعلومة حکم بکونه حیضاً، وإن فاقداً لما یحتمل اعتباره _ کما لو کان الدم فی

ص:62

ثلاثة متفرقة _ فإن الدم فی الثلاثة المتفرقة مع اجتماعه للشرائط المعلومة، یمکن أن یکون حیضاً، بأن لم یعتبر الشارع التوالی، کما یمکن أن لا یکون حیضاً، بأن اعتبر الشارع التوالی، وفی مثل هذا الدم المحتمل، تجری قاعدة الإمکان. وعلی هذا المعنی أیضاً تشمل القاعدة الشبهةَ الموضوعیة والشبهةَ الحکمیة.

ثم: إن (الإمکان) بهذا المعنی أخص من (الإمکان) بالمعنی الأول، إذا الأول یصدق حتی علی ما إذا لم یعلم وجدان الدم للصفات المشروطة فیه شرطاً قطعیاً، مثل: ما إذا لم تعلم بالبلوغ أو شکت فی أول الدم حیث لا تعلم بالاستمرار ثلاثة أیام، مع وضوح اشتراط البلوغ والثلاثة فی حیضیة الدم، بخلاف الإمکان بالمعنی الثانی، فإنه لا یصدق إلا فیما إذا علم وجدان الدم للشرائط المعلومة، وذلک لقیام احتمال أن یکون حیضاً بواسطة احتمال بلوغها، واحتمال استمراره ثلاثة أیام _ بناءً علی الإمکان بالمعنی الأول _ بخلافه علی المعنی الثانی، إذ لم یحرز ما یعلم دخله فی حیضیته من البلوغ والاستمرار ثلاثة أیام.

الثالث: إن المراد بالإمکان: الإمکان الشرعی؛ لکن بمعنی أخص من المعنی الثانی، بأن یکون المراد بالامکان: ما کان جامعاً لکل ما علم أو احتمل اعتباره شرعاً فی حیضیته، وعلیه: فإذا شکت فی البلوغ أو الیأس أو فی اشتراط التوالی أو فی أول الرؤیة، لا یمکن أن تحکم بأنه دم الحیض، بل اللازم أن تعلم بوجود کل ما

ص:63

یشترط، وکل ما یحتمل مدخلیته فی الحیضیة حتی تحکم بأنه حیض، والإمکان بهذا المعنی لا تشمل الشبهة الحکمیة، لأنه لو شکت فی دخل شیء فی الحیض شرعاً، لا یکون الإمکان بهذا المعنی محرزاً، ویختص الإمکان _ علی هذا _ بالشبهة الموضوعیة.

الأمر الثانی: الأقوال فی المسألة، وهی أربعة:

الأول: اعتبار القاعدة علی نحو الکلیة فی جمیع موارد الشبهة الموضوعیة والحکمیة، کما عن المشهور.

الثانی: اعتبارها فی خصوص ما لم یعلم الامتناع الشرعی وإن احتمل الامتناع، فتشمل کثیراً من موارد الشبهة الحکمیة والموضوعیة، وهذا هو المنقول عن الشهید الثانی وغیره.

الثالث: اعتبارها فی خصوص ما إذا علم عدم الامتناع شرعاً، فلا تجری فیما احتمل المنع الشرعی عن حیضیته، فینحصر موردها بالشبهات الموضوعیة، ولا تجری فی الشبهات الحکمیة، وهذا هو مختار صاحب الجواهر والشیخ المرتضی وجماعة آخرین.

الرابع: عدم اعتبار القاعدة رأساً، وهذا هو المنقول عن الذکری وجامع المقاصد والمحقق الأردبیلی وبعض آخر.. لکنهم قد سبقهم ولحقهم الإجماع، فلا مجال للإصغاء إلیهم، وإنما المهم ذکر الأدلة لتظهر تمامیة أحد الأقوال الثلاثة الأُوَل.

الأمر الثالث: فی بیان الأدلة التی استدل بها للقاعدة، وهی أمور:

ص:64

الأول: الإجماعات المتکررة فی کلامهم، فإنه لو لم یکن مثل هذا الإجماع حجة، لم یکن إجماع حجةً أصلاً، فعن الخلاف أنه قال: (الصفرة والکدرة فی أیام الحیض حیض، وفی أیام الطهر طهر، سواء کانت أیام العادة أو الأیام التی یمکن أن تکون حائضاً فیها) ثم قال: (دلیلنا علی صحة ما ذهبنا إلیه: إجماع الفرقة)((1)).

وعن نهایة الأحکام: (کل دم یمکن أن یکون حیضاً وینقطع علی العشرة فإنه حیض، سواء اتفق لونه أو اختلف، ضعیف أو قوی، إجماعاً).

وعن المعتبر: (وما تراه المرأة بین الثلاثة إلی العشرة حیض، إذا انقطع، ولا عبرة بلونه ما لم یعلم أنه لقرح أو لعذرة، وهو إجماع، ولأنه زمان یمکن أن یکون حیضاً، فیجب أن یکون الدم فیه حیضاً)((2)).

ونحوه ما عن المنتهی، إلاّ أنه قال: (وهو مذهب علمائنا أجمع)((3)).

ص:65


1- الخلاف: ج1 ص40 المسألة8 من الحیض
2- المعتبر: ص54 س1
3- منتهی المطلب: ج1 ص98 س32

وعن حاشیة المدارک: (لیس التعویل علی مجرد بل علی الإجماع)((1)).

وعن الریاض: (بلا خلاف بین الأصحاب)((2))، إلی غیرها من الإجماعات المنقولة المتواترة.

الثانی: «الأصل»، والمراد منه:

إما الغلبة، فإن الغالب فی الدم الخارج من المرأة إنما هو الحیض، حتی أن ما عداه نادر، فإذا شک فی دم أنه حیض أم لا؟ أُلحق بالغالب.

وإما أصالة الصحة والسلامة، فإن الحیض هو مقتضی صحة الطبع وسلامته، بخلاف ما عداه فإنه من آفة.

وإما الاستصحاب: لأصالة عدم حدوث الآفة الموجبة لخروج سائر الدماء، وحیث إن الدم منحصر بین الآفة والحیض، فإذا لم تکن آفة کان حیضاً.

ولا یخفی ما فی الکل، إذ الغلبة: لیست دلیلاً شرعیاً، وأصالة الصحة: تثبت الآثار الشرعیة المترتبة علی الصحة، ولا تثبت لوازمها حتی یترتب علی تلک اللوازم آثار تلک اللوازم، والاستصحاب:

ص:66


1- المدارک: ص53 الهامش، آخر الصفحة
2- ریاض المسائل: ج1 ص37 س25

مثبت کما هو واضح.

الثالث: «السیرة»، فإن المتشرعة بنوا سیرتهم علی ذلک، وأُورد علیه: بعدم السیرة أولاً، وعدم حجیة مثلها، لا حتمال کونها مستقاة عن فتوی المشهور، ثانیاً.

والظاهر: وجود السیرة کما یشهد بذلک مراجعة النساء، ولو تمشی الإشکال فی منشأ السیرة هنا لتمشی فی کل سیرة.

الرابع: إن الشارع حکم علی الحیض بأحکام خاصة، والعرف یرون تحقق الموضوع برؤیة الدم، وهم حجة فی ذلک، لأن الموضوعات منوطة بالعرف، فإن علی الشارع الأحکام، وعلی العرف تعیین المصادیق لموضوعات تلک الأحکام، وأُورد علیه بإیرادات غیر تامة، أهمها: إنه لم یعلم بناء العرف علی الحیضیة عند الشک، وإنما المعلوم أنهم إنما یحکمون بالحیضیة لمکان علمهم بها.

وفیه: إن مراجعة النساء تدل علی صحة الدلیل المذکور، حیث إن بناءهم أن الدم حیض، إلاّ ما علم بأنه لیس بحیض.

الخامس: ما عن کاشف اللثام: (من أنه لو لم یعتبر الإمکان لا یمکن الحکم بحیضیة دم أصلاً، لعدم العلم الوجدانی عند الشک، ولا أمارة أخری علیه إلاّ الصفات، وهی لا تعتبر إلاّ عند اختلاط الحیض بالاستحاضة لا مطلقاً)((1))، وفیه: إن العلم به

ص:67


1- کشف اللثام: ج1 ص87 س9 (نقل بالمضمون)

کثیراً جداً، والعادة والصفات کافیة فی الحکم بالحیضیة، ولا یلزم _ من عدم الحکم بها فی سائر الموارد _ محذور.

والحاصل: إنه لو لم تکن القاعدة لم یلزم محذور، فلا یمکن الاستدلال لوجود القاعدة بحصول المحذور من عدمها.

السادس: الروایات الکثیرة الواردة فی مختلف أبواب الحیض التی یستفاد منها القاعدة المذکورة، مثل: ما دل علی الإرجاع إلی الصفات عند التردد بین الحیض والاستحاضة، فیدل علی أن مجرد الصفات کافیة فی الحکم بالحیضیة، و: ما دل علی الحیضیة عند الاشتباه بالعذرة عند فقد أمارة العذرة، و: ما دل علی الحیضیة عند الاشتباه بالقرحة عند فقد أمارة القرحة، فیدلان علی الحکم بالحیضیة عند فقد أمارة الخلاف ولا حاجة إلی أمارة الحیض، و: ما دل علی الاستظهار بترک العبادة بمجرد احتمال الحیض، و: ما دل فی تعلیل حیض الحامل بأنها ربما قذفت الدم، مما ظاهره أن مجرد احتمال کونه حیضاً یکفی فی الحکم بالحیضیة، و: ما دل علی أن الصائمة تفطر أیة ساعة رأت الدم، و: ما دل علی أن الدم إذا تقدم علی العادة فهو حیض، معللاً بأن العادة قد تتقدم، مما یدل علی أن احتمال کونه حیضاً کاف فی الحکم بالحیضیة، و: ما دل علی التحیض بمجرد رؤیة الدم، وما دل علی أن ما تراه المرأة قبل العشرة فهو من الحیضیة الأولی، وما تراه بعدها فهو من الحیضیة الثانیة، و: ما دل علی أن الصفرة والکدرة فی أیام الحیض حیض، بناء علی

ص:68

تفسیر (أیام الحیض) بأیام إمکانه _ کما عن الخلاف والمبسوط والسرائر والوسیلة _ لا أیام العادة، و: ما دل علی أنه کلّما رأت الدم ترکت الصلاة، وکلّما نظفت صلّت، مثل روایة ابن أبی عمیر: المرأة تری الدم ثلاثة أیام أو أربعة؟ قال: «تدع الصلاة»((1)) الحدیث، وروایة أبی بصیر: «إن رأت الدم لم تصلّ، وإن رأت الطهر صلت»((2)) الحدیث، و: مادل علی أن الدم بعد أیام النفاس الممتد ثلاثین یوماً حیض، معللة بأن أیام الطهر قد جازت مع أیام النفاس، إلی غیرها، مما تقدم جملة منها فی المباحث السابقة، وقد ذکر أکثرها الیشخ المرتضی (رحمه الله) فی الطهارة.

ولا یخفی: أن هذه الروایات وإن نوقش فی أکثرها، بل کلها، إلاّ أن الظاهر صحة الاستدلال بجملة وافیة منها، فإطالة البحث فی ما قیل فی الإشکال وما أجیب عن الإشکال من شأن المفصلات.

وبالجملة: فالمستفاد من مجموع الأدلة السابقة، صحة القاعدة المذکورة بالمعنی الأول لها وهو (الإمکان الاحتمالی)، وقد اعترف بذلک المستمسک حیث قال: (وبالجملة: العمدة فی دلیل القاعدة: النص والإجماع، والعمدة فی النص: التعلیلات، وهی أکثر معاقد الإجماعات ظاهرة فی الإمکان الاحتمالی)((3)) إلی آخره.. وإن

ص:69


1- الکافی: ج3 ص79 باب أول ما تحیض المرأة ح2
2- الوسائل: ج2 ص545 الباب6 من أبواب الحیض ح3
3- المستمسک: ج3 ص240

أشکل بعد ذلک فی الکلیة المذکورة بما هو أشبه بالمناقشة من الإشکال، ولذا قال فی الجواهر: (إن الجرأة علی خلاف ما علیه الأصحاب، سیّما بعد نقلهم الإجماع نقلاً مستفیضاً معتضداً بتتبع کثیر من کلمات الأصحاب، لا یخلو من إشکال وخصوصاً بعد ما سمعت من الإشارات المتقدمة فی الروایات)((1)) _ انتهی _، فقول بعض الشراح: (بعدم تمامیة الدلیل علی القاعدة إطلاقاً، واللازم مراعات الاحتیاط)، لا یخلو عن منع.

الأمر الرابع: فی الأمور المتعلقة بهذه القاعدة، وهی فروع:

الأول: لا إشکال فی تحیض المرأة فی أیام العادة بمجرد رؤیة الدم، کما لا إشکال فی تحیضها إذا رأت الدم قریباً من العادة، وکذلک لا إشکال فی تحیضها بمجرد الرؤیة إذا کان الدم بصفة الحیض وإن لم تکن عادة، کل ذلک للنص والإجماع، کما تقدم الکلام فیها مفصلاً، فلا یرتبط الحکم بحیضیة تلک الدماء بقاعدة الإمکان.

الثانی: لیس المراد بالإمکان فی المقام الإمکان المنطقی، من الإمکان العام، والإمکان الخاص، والإمکان الذاتی، والإمکان الوقوعی، وإن ربط بعض الفقهاء الإمکان هنا بالإمکان هناک.

ص:70


1- الجواهر: ج3 ص170

الثالث: قد تقدم أن القاعدة تشمل الشبهات الموضوعیة والشبهات الحکمیة، کما صرح بذلک غیر واحد من الفقهاء، خلافاً لمن خصصها بالشبهات الموضوعیة، وقد عرفت إطلاق الأدلة بحیث یشمل کل أقسام الشبهة.

الرابع: إذا کانت أمارة علی الحیض أو علی عدمه لا تجری القاعدة، لأنها کالأصل، لا محل له إلاّ فی مکان لا تکون فیه أمارة.

الخامس: إذا تعارضت القاعدة فی مصادیق لها، کان الحکم کتعارض الاستصحابین ونحوهما، وقد ذکر فی الأصول تفصیل الکلام حول ذلک.

السادس: یکفی فی إحراز (الإمکان) الأصل، کما إذا شکت فی الیأس فإن أصالة عدم الیأس کافیة فی إحراز الإمکان.

السابع: کل مورد لم نقل فیه بجریان قاعدة الإمکان فالمرجع سائر الأصول العملیة کالاستصحاب وأصالة الطهارة ونحوهما.

الثامن: لو شک فی مورد هل أنه من مصادیق قاعدة الإمکان أم لا؟ یمکن الرجوع إلی القاعدة فیه، لأن الرجوع إلی القاعدة إنما هو فیما علم بتحقق موضوعها، کما هو واضح.

ص:71

ص:72

فصل فی حکم تجاوز الدم عن العشرة

مسألة ١ لو رأت ثلاث أیام متوالیات أو أزید وانقطع

فصل

فی حکم تجاوز الدم عن العشرة

(مسألة _ 1): من تجاوز دمها عن العشرة _ سواء استمر إلی شهر أو أقل أو أزید _ إما أن تکون ذات عادة، أو مبتدئة، أو مضطربة، أو ناسیة. أما ذات العادة:

{فصل فی حکم تجاوز الدم عن العشرة}

وفیه مسائل:

(مسألة _ 1): {من تجاوز دمها عن العشرة _ سواء استمر إلی شهر أو أقل أو أزید _ إما أن تکون ذات عادة، أو مبتدئة، أو مضطربة، أو ناسیة. أما ذات العادة} فهی علی قسمین:

الأول: ما إذا لم یعارض عادتها تمییز.

والثانی: ما إذا عارضها تمییز، کما إذا رأت خمسة أیام العادة،

ص:73

فتجعل عادتها حیضاً _ وإن لم تکن بصفات الحیض _ والبقیة استحاضة

وبعد خمسة أیام رأت دماً بصفات الحیض، فإنه لا یمکن جعلهما معاً حیضاً ، لعدم فصل أقل الطهر بینهما.

أما الأول: {ﻓ_} لا إشکال ولا خلاف فی أنه {تجعل عادتها حیضاً ، وإن لم تکن بصفات الحیض، والبقیة استحاضة} وقد ادعی فی الجواهر الإجماع علی ذلک، کما ادعی الإجماع علیه فی محکی المعتبر والمنتهی وغیرهما، ویدل علی کون ما فی أیام العادة حیضاً إطلاقات أدلة الحیض، وخصوص ما دل علی أن الصفرة والکدرة فی أیام العادة حیض _ کما تقدم الکلام حول ذلک مفصلاً_، لکن استشکل فی مصباح الهدی فی إطلاق الحکم بذلک قائلاً: (إن اختصاص الحیض بخصوص العادة إذا کانت العادة فی کل شهر مرة واضح، ومع کونها فی کل شهر أکثر من مرة مع تخلل أقل الطهر بینها مبنی علی القول بإمکان تحققها کذلک، لکنه بعید)((1))، انتهی.

أقول: لکن إطلاق النص والفتوی یقتضی ذلک فلا وجه للإشکال المذکور، ثم إنه ادعی فی المستمسک (عدم الخلاف)((2)) الظاهر فی عدم الفرق بین استمرار الدم شهراً أو أقل أو أکثر، وهو

ص:74


1- مصباح الهدی: ج5 ص4
2- المستمسک: ج3 ص273

کذلک لإطلاق النص والفتوی، کما أنه لا فرق فی الحکم المذکور بین أن تکون ذات عادة وقتیة أو عددیة أو کلیهما، لإطلاق النص والفتوی أیضاً.

هذا کله فیما إذا لم یعارض العادة مع التمییز، أما إذا تعارضا بأن کان ما فی العادة بدون الصفات، وکان ما فی خارج العادة بالصفات، ولم یمکن الجمع بینهما، لعدم فصل أقل الطهر _ کما إذا رأت فی العادة دماً أصفر یخرج بفتور، ثم رأت بعد خمسة أیام دماً أحمر حاراً یخرج بلدغ مثلاً _ فهل تجعل ما فی العادة حیضاً، کما عن المشهور؟ أو تجعل ما له التمیز حیضاً، کما عن الخلاف والمبسوط؟، أو یخیر بینهما، کما عن الوسیلة؟ احتمالات: والأقرب الأول، لأن الظاهر من الأدلة أن العادة مقدمة علی التمیز، وإنما یصار إلی الأخذ بالتمیز إذا لم تکن عادة.

ففی موثق إسحاق _ الوارد فی اشتراط فقد العادة فی الرجوع إلی التمیز _: قال (علیه السلام) _ فی جواب سؤال المرأة _: «تجلس أیام حیضها، ثم تغتسل لکل صلاتین» فقالت له، قالت: إن أیام حیضها تختلف علیها؟ _ إلی أن قال (علیه السلام) _: «دم الحیض لیس به خفاء، هو دم حار تجد له حرقة»((1)) الحدیث، فإنه ظاهر فی أن نوبة الصفات بعد العادة.

ص:75


1- الکافی: ج3 ص91 باب معرفة دم الحیض من الاستحاضة ح3

وإن کانت بصفاته _ إذا لم تکن العادة حاصلة من التمیز بأن یکون من العادة المتعارفة وإلا فلا یبعد ترجیح الصفات علی العادة بجعل ما بالصفة حیضاً دون ما فی العادة الفاقدة.

ومثلها فی الدلالة مرسلة یونس، وفیها: «ولو کانت تعرف أیامها ما احتاجت إلی معرفة لون الدم لأن السنّة فی الحیض أن تکون الصفرة والکدرة فما فوقها فی أیام الحیض _ إذا عرفت _ حیضاً کله إن کان الدم أسوداً وغیر ذلک»((1)).

فهذا یبین لک أن قلیل الدم وکثیره فی أیام الحیض حیض کله، إذا کانت الأیام معلومة، فإذا جهلت الأیام وعددها احتاجت إلی إقبال الدم وإدباره وتغیر لونه من السواد.

وبهذا: ظهر ضعف تمسک الشیخ بإطلاق أخبار التمیز، فإن الروایتین تقیّدان تلک الأخبار، کما ظهر ضعف القول بالتخییر حیث قال: بکون النسبة بین الطائفتین عموماً من وجه، وحیث لا مرجح کان اللازم التخییر، وفیه: إن الروایتین أخص مطلقاً من روایات التمیز، ولذا قال المصنف: بتقدیم العادة مطلقاً _ وإن لم تکن بالصفات _ علی البقیة مطلقاً {وإن کانت بصفاته}.

هذا کله {إذا لم تکن العادة حاصلة من التمیز بأن یکون من العادة المتعارفة، وإلاّ فلا یبعد ترجیح الصفات علی العادة، بجعل ما بالصفة حیضاً دون ما فی العادة الفاقدة} کما إذا کانت مستمرة الدم

ص:76


1- الکافی: ج3 ص86 باب جامع فی الحائض والمستحاضة ح1

مثلاً، وکانت تری فی أول کل شهر خمسة بالصفات، ثم تفقد الصفات إلی الشهر الآتی، فإن عادتها قد حصلت بالتمیز، وحینئذ فإن صار الکل بلون واحد فاقداً للصفات أو واجداً لها قدمت العادة لإطلاق أدلتها، أما إذ رأت فی شهر أیام العادة فاقداً للصفات، وبعد سبعة أیام مثلاً دماً واجداً للصفات، ففی تقدیم العادة، أو تقدیم الوصف، أو التخییر، احتمالات: والأقرب هو ما ذکره المصنف، لأن ما دلّ علی تقدیم العادة علی التمیز ظاهره فیما إذا کانت عادة متعارفة، لا عادة حاصلة من التمیز.

وعلیه: فلا دلیل فی المقام علی تقدیم العادة، ویبقی إطلاق أدلة التمیز محکماً، وحیث لا إطلاق فی أدلة العادة من هذه الجهة، فلا یعارض دلیل العادة أدلة التمیز،

أما احتمال تقدیم العادة: فقد استدل له بأن التمیز محصل للعادة، وإذا حصلت العادة کان من صغریات أدلة تقدیم العادة علی التمیز، لروایتی یونس وإسحاق المتقدمتین.

کما أن القول بالتخییر، وجهه تکافی دلیلی التمیز والعادة من غیر مرجح، وفیهما: ما عرفت من أن دلیل العادة لا یشمل المقام، لانصرافه إلی العادة المتعارفة.

بقی شیء وهو: أن ما تقدم فی الفرع السابق من معارضة التمیز والعادة إنما کان فی غیر صورة إمکان الجمع بینهما، إما إذا

ص:77

أمکن الجمع بینهما: بأن کانا فی العشرة، مثلاً: کانت عادتها ثلاثة أیام، فرأت الثلاثة فی هذا الشهر فاقدة للصفات، ثم بعد ثلاثة أیام _ من الیوم السابع _ رأت دماً بالصفات لمدة ثلاثة أیام، أو کان بینهما أقل الطهر، کما إذا رأت الثلاثة فی أیام العادة بدون الصفة، ثم نظفت عشرة أیام، ثم رأت ثلاثة بالصفات، فهل أن الدم ذا الصفة حیض أم لا؟ قولان: الأول: إنهما معاً حیض.

أما فی الصورة الأولی: _ وهی ما کانا فی ضمن العشرة _ وقد ذهب إلی ذلک غیر واحد، بل فی الجواهر: (فی ظاهر التنقیح: نفی الخلاف فیه)((1))، وعن الریاض: (نقل الإجماع علیه)((2)) ، خلافاً لما ذکره الشیخ المرتضی: (من نفی القول به من أحد من الأصحاب، وأنهم بین مقدم للعادة، ومقدم للتمیز، ومخیر بینهما، کصورة عدم إمکان الجمع)((3))، وتبعه المستمسک قائلاً: (لم یثبت ما یجب لأجله الخروج عن ظاهر النصوص المتقدمة الدالة علی اعتبار العادة لا غیر)((4)).

أقول: بل الأقرب: ما ذکروه من کونهما معاً حیض، لقاعدة

ص:78


1- الجواهر: ج3 ص296
2- ریاض المسائل: ج1 ص38 س8
3- کتاب الطهارة، للأنصاری: ص206 س23 (نقل بالمضمون)
4- المستمسک: ج3 ص276

وأما المبتدئة، والمضطربة _ بمعنی من لم تستقر لها عادة _: فترجع إلی التمیز

الإمکان والإطلاقات وغیرها، ولا نسلّم أنه خارج عن ظاهر النصوص المتقدمة، إذ النصوص إنما هی بصدد نفی «کون الممیز حیضاً دون العادة» لا بصدد نفی «کون الممیز حیضاً»، فهو من قبیل أن یقول إنسان: «جاء زید لا عمرو» فتقول أنت: «بل جاء عمرو»، فإنه لا یدل علی نفی مجیء زید، بل ما ذکرناه هو مقتضی إطلاقات کلامهم فی باب قاعدة الإمکان، فنفی الشیخ کلام الریاض والجواهر بحاجة إلی التأمل.

وأما فی الصورة الثانیة: _ وهی ما کان بینهما أقل الطهر _ ففی الجواهر أنه نقل عن المنتهی (الاتفاق علی التحیض بهما معاً)، وفی المستند نسبه (إلی الأکثر)، خلافاً لما أفتی به المستمسک، ونقله عن ظاهر جماعة، وصریح آخرین من (کون العادة فقط حیضاً دون الدم الممیز)، والأقرب هو ما نقله المستند والجواهر لإطلاق الأدلة وقاعدة الإمکان کما تقدم، وقول المستمسک: (إنه خلاف ظاهر النصوص المتقدمة) _ أی موثق إسحاق ومرسلة یونس _ قد عرفت ما فیه.

{وأما المبتدئة} وهی التی ابتدأت فی رؤیة الدم _ إذ قُرء بصیغة اسم الفاعل _ أو ابتدأ بها الدم _ إذا قُرء بصیغة اسم المفعول _ {والمضطربة _ بمعنی: من لم تستقر لها عادة _ فترجع إلی التمیز:

ص:79

فتجعل ما کان بصفة الحیض حیضاً، وما کان بصفة الاستحاضة استحاضة،

فتجعل ما کان بصفة الحیض حیضاً، وما کان بصفة الاستحاضة استحاضة} کما هو المشهور، بل عن الخلاف والمعتبر والمنتهی: الإجماع علیه، خلافاً لما عن الغنیة من (أنهما ترجعان إلی أکثر الحیض وأقل الطهر)، ولما عن أبی الصلاح: من (إرجاع المبتدئة أولاً إلی عادة نسائها، ثم إلی التمیز، ثم إلی الروایات، وإرجاع المضطربة إلی عادة نسائها إلی أن تستقر لها عادة)، ولما عن الحدائق: من (میله إلی رجوع المبتدئة إلی عادة أهلها، ثم إلی الروایات)، والأقوی: ما ذکره المصنف تبعاً للمشهور، لإطلاقات أدلة التمیز:

مثل: صحیح معاویة، عن الصادق (علیه السلام): «إن دم الاستحاضة والحیض لیس یخرجان من مکان واحد، إن دم الاستحاضة بارد وإن دم الحیض حار»((1)).

وحسنة حفص بن البختری، وفیها: دخلت علی الصادق (علیه السلام) إمرأة، فسألته عن المرأة یستمر بها الدم فلا تدری أحیض هو أو غیره؟ فقال لها: «إن دم الحیض حار عبیط أسود له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا کان للدم حرارة ودفع وسواد، فلتدع الصلاة»((2)).

ص:80


1- الوسائل: ج2 ص537 الباب3 من أبواب الحیض ح1
2- الوسائل: ج2 ص537 الباب3 من أبواب الحیض ح2

وخبر إسحاق بن جریر، وفیه: قالت _ أی المرأة _: فإن الدم یستمر بها الشهر والشهرین والثلاثة کیف تصنع بالصلاة؟ قال (علیه السلام): «تجلس أیام حیضها، ثم تغتسل لکل صلاتین» قالت له: إن أیام حیضها تختلف علیها، وکان یتقدم الحیض الیوم والیومین والثلاثة ویتأخر مثل ذلک، فما علمها به؟ قال (علیه السلام): «دم الحیض لیس به خفاء، هو دم حار تجد له حرقة، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد»((1)).

استدل للغنیة: بقاعدة الإمکان، وفیه: ما تقدم من أن القاعدة إنما یؤخذ بها فی غیر مورد الدلیل، إذ حالها حال الأصل.

واستدل لأبی الصلاح: أما بالنسبة إلی المبتدئة: فلما یأتی فی دلیل الحدائق بضمیمة تقیید دلیل الرجوع إلی الروایات، بما إذا یکن تمیز لأدلة التمیز، وذلک لوضوح أن الروایات إنما وردت فیمن لا تمیز له. وأما بالنسبة إلی المضطربة: فلما رواه زرارة ومحمد بن مسلم عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «یجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدی بأقرائها، ثم تستظهر علی ذلک بیوم»((2)). وفیه: إن الجمع بین روایات التمیز، وبین روایات المبتدئة بما ذکره لا شاهد له، کما أن تخصیص روایة أبی جعفر (علیه السلام) بالمضطربة لا شاهد له، بالإضافة إلی ما سیأتی من الإشکال علی الحدائق.

ص:81


1- الوسائل: ج2 ص537 الباب3 من أبواب الحیض ح3
2- الوسائل: ج2 ص546 الباب8 من أبواب الحیض ح1

واستدل لما ذکره الحدائق بجملة من الروایات:

مثل: موثقة إبن بکیر: «إذا رأت الدم فی أول حیضها فاستمر بها الدم بعد ذلک، ترکت الصلاة عشرة أیام، ثم تصلی عشرین یوماً، فإن استمر بها الدم بعد ذلک، ترکت الصلاة ثلاثة أیام وصلّت سبعة وعشرین یوماً»((1))، فإن إطلاقه شامل لما نحن فیه.

ونحوه موثقته الأخری: «فی الجاریة أول ما تحیض یدفع علیها الدم فتکون مستحاضة، إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلی حتی یمضی أکثر ما یکون من الحیض، فإذا مضی ذلک وهو عشرة أیام فعلت ما تفعل المستحاضة، ثم صلّت فمکثت تصلی بقیة شهرها، ثم تترک الصلاة فی المرة الثانیة أقل ما تترک إمرأة الصلاة، وتجلس أقل ما یکون من الطمث وهو ثلاثة أیام، فإن دام علیها الحیض صلّت فی وقت الصلاة التی صلّت، وجعلت وقت طهرها أکثر ما یکون من الطهر، وترکها الصلاة أقل ما یکون من الحیض»((2)).

وموثقة سماعة: سألته عن جاریة حاضت أول حیضها، فدام دمها ثلاثة أشهر وهی لا تعرف أیام أقرائها؟ قال (علیه السلام):

ص:82


1- الاستبصار: ج1 ص137 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح1
2- الاستبصار: ج1 ص137 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح2

«أقراؤها مثل أقراء نسائها فإن کنّ نساؤها مختلفات، فأکثر جلوسها عشرة أیام، وأقله ثلاثة أیام»((1)).

وذیل مرسلة یونس الطویلة: قال (علیه السلام): «وأما السنّة الثالثة فهی التی لیس لها أیام متقدمة ولم تر الدم قط، ورأت أول ما أدرکت فاستمر بها، فإن سنة هذه غیر سنّة الأولی والثانیة، وذلک: أن امرأة یقال لها حمنة بنت جحش أتت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقالت: إنی استحضت حیضة شدیدة؟ فقال لها: احتشی کرسفاً، فقالت: إنه أشد من ذلک إنی أثجه ثجاً، فقال (صلی الله علیه وآله وسلم): تلجّمی وتحیّضی فی کل شهر فی علم الله ستة أیام أو سبعة أیام، ثم اغتسلی غسلاً وصومی ثلاثة وعشرین یوماً، أو أربعة وعشرین»((2)) الحدیث، فإنها صریحة فی حکم المبتدئة.

لکن: یرد علی ما ذکره الحدائق بأن اللازم حمل الجمیع علی ما إذا لم تکن المرأة واجدة للصفات وذلک لوجود القرائن الداخلیة والخارجیة.

فمن القرائن الداخلیة: قوله (علیه السلام) فی موثق سماعة:

ص:83


1- الاستبصار: ج1 ص138 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح3
2- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص490 الباب5 من أبواب الحیض و... ح1

«وهی لا تعرف أیام أقرائها» لغرض أن الکلام فیها فی المبتدئة، فلا یمکن أن یراد بها الناسیة، وحینئذ فاللازم أن یکون المراد عدم معرفة أیام حیضها بالصفات، فیکون ذلک حکم من لیس لدمها صفة الحیض.

ومنها: ما فی ذیل مرسلة یونس، حیث دل علی أن الکلام فیها فیمن لیس لها تمیز؟ قال (علیه السلام): «فإن اختلطت علیها أیامها وزادت ونقصت حتی لا تقف منها علی حد ولا من الدم علی لون، عملت بإقبال الدم وإدباره» _ مثل کثرته وقلّته _ «ولیس لها سنّة غیر هذا، لقول رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): إذا أقبلت الحیضة فدعی الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلی، ولقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): إن دم الحیض أسود یعرف کقوله أبی (علیه السلام): إذا رأیت الدم البحرانی» _ منسوب إلی البحر، لکثرته وسعته، أو إلی البحر بمعنی: عمق الرحم، کما عن القاموس((1)) _ «فإن لم یکن الأمر کذلک ولکن الدم أطبق علیها، فلم تزل الاستحاضة دارّة، وکان الدم علی لون واحد وحالة واحدة، فسنّتها السبع والثلاث والعشرون، لأن قصتها کقصة حمنة حین قالت: إنی أثجة ثجاً((2))، الحدیث، الثج: هو السیلان، فإن جعل الامام (علیه

ص:84


1- القاموس: ج1 ص381
2- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص492 الباب5 من أبواب الحیض و... ح1

بشرط: أن لا یکون أقل من ثلاثة ولا أزید من العشرة،

السلام) سنّتها: «الثلاث و العشرین والسبع فیما کان الدم بلون واحد»، دلیل علی ما ذکرناه.

ومن القرائن الخارجیة: الشهرة القطعیة، بل دعوی عدم الخلاف والإجماع _ کما عرفت _ فإنها علی فرض دلالتها لا بد من طرحها للأخذ بما اشتهر، کما قال الإمام (علیه السلام): «خذ بما اشتهر بین أصحابک» وعلی هذا فقول المشهور هو المتعین.

ثم: إن رجوع المبتدئة والمضطربة إلی التمیز، إنما هو بشرطین:

الشرط الأول: ما أشار إلیه بقوله: {بشرط أن لا یکون أقل من ثلاثة ولا أزید من العشرة} وهذا الشرط هو المشهور، بل عن جامع المقاصد (نفی الخلاف فیه)، وعن التذکرة وظاهر المعتبر (الإجماع علیه)، وهذا الشرط قد یراد به: أن الأقل من الثلاثة والأزید من العشرة لیس حیضاً ، وقد یراد به: أن الدم ذا التمیز لا یکون أقل من ثلاثة، ولا أزید من العشرة، فإذا کان أقل من ثلاثة لیس بحیض _ وإن أکمل من غیره بما یکمله ثلاثة _، وکذلک إذا کان أکثر من عشرة لیس بحیض _ وإن نقص عنه حتی صار عشرة _، وفی کلتا الإرادتین خلاف:

فالمخالف فی المعنی الأول هو صاحب الحدائق، حیث ذهب إلی جواز أن یکون الحیض فی المقام أقل من ثلاثة أو أزید من العشرة، وأستدل لذلک بإطلاق أخبار الصفات، فإذا کان الدم یومین

ص:85

بالصفة، کان حیضها یومین فقط، وإذا کان الدم بالصفة خمسة عشر یوماً، کان حیضها خمسة عشر یوماً، وحمل الأخبار الدالة علی أن أقل الحیض ثلاثة، وأکثرة عشرة علی غیر موضع التمیز.

والحاصل: أنه خصص أخبار التحدید بالثلاثة والعشرة بإطلاقات أخبار التمیز، وفیه: إن أخبار الصفات لا إطلاق لها، لأنها بصدد بیان أن تمیز الحیض عن الاستحاضة إنما یکون بالصفات، ولا تعرض لها بسائر الشرائط، فکما لا إطلاق لها من جهة اشتراط البلوغ وعدم الالیأس ونحوهما, کذلک لا إطلاق لها من جهة التحدید، فالمراد بالقلیل والکثیر فی المرسلة ما یکون قابلاً للحیضیة من جهة سائر الشرائط، وإلاّ فاللازم علی الحدائق أن یقول: بصحة حیض ساعة، وحیض سنة _ إن فرض حصول الصفة فی کل السنة _ کما أن المعنی الثانی أقوالاً ثلاثة:

الأول: إن مثل هذه المرأة فاقدة التمیز رأساً، فإذا رأت یومین بالصفة، أو أحد عشر یوماً بالصفة، لم یکن مشمولاً لروایات التمیز، بل اللازم علیها أن تأخذ بعادة نسائها، أو تعمل بالروایات وتجعل حیضها فی أی وقت شاءت من الشهر، وإن کان فی غیر وقت التمیز.

الثانی: إن مثلها واجدة للتمیز، فاللازم أن تضیف یوماً من فاقد التمیز علی الیومین الواجدین للتمیز، وتجعل الثلاثة حیضاً، وکذلک أن تجعل عشرة أیام من الواجدة حیضاً وتطرح الزائد وتجعله

ص:86

استحاضة، وإن کان ذلک الزائد أیضاً واجداً للصفة.

الثالث: التفصیل بین الأقل من الثلاثة فلا تجعله حیضاً، کالقول الأول، وبین الأکثر من الثلاثة فتجعل عشرة منها حیضاً، کالقول الثانی، ثم علی القول بأنها تجعل عشرة حیضاً والزائد استحاضة، هل تجعل الیوم الأول استحاضة، أو الیوم الحادی عشر، أو تخیز؟ وکذلک علی القول بتکمیل الیومین، هل تکملهما بیوم قبلهما، أو بیوم بعدهما، أو تخیز؟ احتمالات.

وکیف کان: الظاهر من الأقوال الثلاثة القول الثانی، خصوصاً فی الزائد علی العشرة، فإن مقتضی الجمع بین أدلة التحدید بالثلاثة والعشرة، وبین أدلة التمیز بإطلاقها _ الشامل للأقل والأکثر _ لزوم تکمیل الناقص وتنقیص الزائد، لا أنها مخیرة فی جعل الحیض أینما شاءت، فإن قوله (علیه السلام): «ولا من الدم علی لون» وقوله (علیه السلام): «إذا أقبلت الحیضة... وإذا أدبرت» وقوله (علیه السلام): «وکان الدم علی لون واحد، وحالة واحدة» کلها تدل علی اعتبار ما له لون، وحیث أنه أقل، أو أکثر من التحدید فاللازم تکمیله أو تنقیصه، هذا مع الغض عن المناط الذی یفهمه العرف من إطلاقات التمیز.

أما من جهة الاحتمالات المذکورة فی هذا القول، فالظاهر أنها مخیرة، إذ لا دلیل علی أحد الاحتمالین الآخرین، وبترجیح ما ذکرناه من القول یسقط القولان الآخران وإن استدل للقول الأول بأن

ص:87

وأن لا یعارضه دم آخر واجد للصفات،

هذه المرأة لیست ذات تمیز، حیث إن المنصرف من أدلة التمیز هو ما کان الدم الممیَّز _ بصیغة المفعول _ بقدر الحیض من طرفی النقیصة والزیادة، وفیه: منع الانصراف ولو کان فهو بدوی.

واستدل للقول الثالث: بأن الدم بقدر الحیض ذو تمیز فی الزائد، فیؤخذ بالتمیز، بخلاف الناقص، فإنه لیس بذی تمیز فی الناقص، فلا یؤخذ بالتمیز، وفیه: أن الناقص ذو تمیز فی الجملة، فیشمله النص ولو بالقرینة التی ذکرناها.

الشرط الثانی: لرجوع المبتدئة والمضطربة إلی التمیز ما ذکره بقوله: {وأن لا یعارضه دم آخر واجد للصفات} والمعارضة لها صورتان:

الأولی: أن لا یکون الدم الضعیف الواقع بین القویین أقل من العشرة، فلو کان کذلک صارت فاقدة التمیز، وإن أمکن أن یکون مجموع القویین والضعیف فی البین حیضاً واحداً، کما إذا رأت ثلاثة أیام دماً أسود، ثم ثلاثة أیام دماً أصفر، ثم ثلاثة أیام دماً أسود، وقد نسب إلی الأکثر: أنها حینئذ تکون فاقدة الصفات، وترجع إلی نساء أهلها، أو الروایات، واختاره نجاة العباد.

واستدلوا لذلک بأنه یلزم إما حیضیة المجموع، أو حیضیة الطرفین فقط، أو حیضیة أحد القویین فقط، وحیث إن الکل باطل، لا بد وأن تلحق هذه بمن لا تمیز لها.

ص:88

أما وجه بطلان الکل: فلأن حیضیة المجموع مناف مع أدلة التمیز الدالة علی کون الضعیف استحاضة، وحیضیة الطرفین فقط مع کون الضعیف استحاضة مناف مع ما دل علی اعتبار أن لا یکون الطهر أقل من عشرة، وحیضیة أحد الطرفین ترجیح بلا مرجّح.

لکن الظاهر عدم تمامیة هذا القول، لعدم تسلیم بطلان جعل المجموع حیضاً، فإن ما دل علی أن الضعیف إستحاضة إنما هو فی قبال کون القویّ حیضاً، لا فی مقام بیان أن کل ضعیف استحاضة فیشمله ما دل علی أن الحیض هو فیما إذا کان فی إقبال الدم, إذ ما لم ینته الدم القوی یکون من مصادیق إقبال الدم وإن تخلّله ضعف، کما أن تخلل شیء من الدم القوی بین دمین ضعیفین لا ینافی صدق إدبار الدم، ألا تری أن الإنسان الشاب یقال له: إنه فی إقبال الحیویة والقوّة، وإن تخلله بعض حالات المرض والضعف، والإنسان الهرم یقال له: إنه فی إدبار الحیویة والقوة وإن تخلله بعض حالات القوة والنشاط، وعلیه: فحال المقام حال النقاء المتخلل فی أثناء العشرة، وهذا القول هو المنسوب إلی المبسوط وغیره.

وبما ذکرناه یسقط القولان الآخران فی المسألة، وهما: کون القویین فقط حیضاً، کما عن الحدائق لأنه یجوز کون الطهر بین الحیض أقل من عشرة _ کما تقدم _، وکون أحد القویین فقط حیضاً، لأن الضعیف استحاضة بحکم دلیل التمیز، والقوی الآخر لا یکون حیضاً بحکم لزوم کون الطهر عشرة أو أکثر.

ص:89

کما إذا رأت خمسة أیام مثلا دماً أسود، وخمسة أیام أصفر، ثم خمسة أیام أسود.

وجه سقوط هذین القولین:

أما أولهما: فلما سبق من عدم تمامیة کلام صاحب الحدائق فی أقل الطهر.

وأما ثانیهما: فلما تقدم من أن النقاء المتخلل فی أثناء العشرة بحکم الحیض لقاعدة الإمکان وغیرها.

ثم إنه یظهر من المصنّف وجملة من المعلّقین أنهم اختاروا ما اخترناه، إذ مثّل للمعارضة بما لم یکن المجموع أقل من عشرة، هذا تمام الکلام فی الصورة الأولی من المعارضة.

أما الصورة الثانیة من المعارضة: وهی ما إذا لم یمکن أن یکون المجموع حیضاً لتجاوزها العشرة {کما إذا رأت خمسة أیام _ مثلاً _ دماً أسود، وخمسة أیام أصفر، ثم خمسة أیام أسود}، ففیه قولان:

القول الأول: إنها تکون حینئذ فاقدة للتمیز، فیلزم علیها الرجوع إلی أقاربها، والروایات، وذلک لعدم إمکان أن یکون کلا الدمین والنقاء فی البین حیضاً، ولا أن یکون الدمان فقط حیضاً، ولا أن یکون أحدهما فقط حیضاً، إذ الأول مناف لکون الحیض لا یکون أکثر من عشرة. والثانی مناف لما دل علی أن الطهر لا یکون أقل من عشرة. والثالث مستلزم للترجیح بلا مرجح، وهذا القول

ص:90

هو المنسوب إلی المشهور.

القول الثانی: إنها تکون حینئذ بحکم التمیز لوجود التمیز فعلاً، وإنما اللازم علاج مشکلة المنافاة، وفیه احتمالات:

الأول: أن یکون الدم الأول حیضاً للتمیز وقاعدة الإمکان، أما الدم الأسود الثانی فلا یمکن حیضاً لعدم فصل الطهر.

الثانی: أن تکون مخیرة بین جعل أیهما حیضاً، لعدم وجه لترجیح الأول، مع انحصار الأمر بینهما.

الثالث: أن یکون حیضها عشرة فیما کان بعض الدم الثانی فی العشرة، أما الأسود الزائد علی العشرة فلیس بحیض، وذلک لکون الأصفر حاله حال النقاء فی بین العشرة، والأسود الأول والثانی الذی فی العشرة له تمیز.

لکن الأقرب: هو القول الثانی باحتماله الأول، وذلک لوجود التمیز، فلا وجه لجعله کغیر ذات التمیز، وإنما یرجّح الاحتمال الأول لقاعدة الإمکان وعلمها بأنها تری أسود ثان لا یوجب التزاحم، إذ حین تری الدم الأول یکتمل فیها شرائط الإمکان، بخلاف فیما تری الدم الثانی، بل یصح علی کلا القولین وکل المحتملات جعلها الدم الأول حیضاً، لأنها إما بدون تمیز فلها أن تجعل هذا الدم حیضاً، أو مع تمیز _ بأقسام الاحتمالات _ فلها أن تجعل هذا الدم حیضاً، فتأمل.

ص:91

ومع فقد الشرطین، أو کون الدم لوناً واحداً: ترجع إلی أقاربها فی عدد الأیام،

{ومع فقد الشرطین} علی سبیل منع الخلوّ المجامع لفقد أحدهما أو کلیهما، بأن کان الأسود مثلاً أقل من ثلاثة، أو أزید من العشرة، أو کان معارضاً بدم أسود آخر {أو کون الدم لوناً واحداً} أما إذا کانت ألواناً فیها شدة وضعف فلها تمیز، إذ الشدید _ ولو لم یکن بصفة الحیض _ محکوم بالحیضیة، لإطلاق أدلة التمیز، کما إذا کان بعضه أصفر شدید الصفرة وبعضه أصفر قلیل الصفرة.

لکن ربما یتأمل فیما کان الدم ألواناً، لکن من دون شباهة بدم الحیض أصلاً، کما إذا کان بعضه أصفر فاتحاً وبعضه أکدر شدید الکدرة، وکذا إذا کان أحدهما ذا صفة کالحرقة مع الصفرة، والآخر ذا صفة أخری کالسواد مع البرودة، حیث لا تمیز فی المقام، ومما ذکرنا: ظهر أنه لا یلزم أن یکون الدم الممیَّز _ بالفتح _ جامعاً لأوصاف دم الحیض، إذ التمیز یصدق علیه إقبال الدم وإدباره، ونحوه، مما ذکر فی الروایات.

وکیف کان: فاللازم علی المرأة الفاقدة أن {ترجع إلی أقاربها فی عدد الأیام} والکلام فی هذه المسألة فی موضعین: الموضع الأول: فی المبتدئة، والموضع الثانی: فی المضطربة.

أما المبتدئة: فحکمها الرجوع إلی أقاربها علی المشهور، وعن التنقیح والسرائر: نفی الخلاف فیه، وعن التذکرة: نسبته إلی علمائنا، وعن مفتاح الکرامة: نقل الإجماع عن الخلاف فی رجوع

ص:92

المبتدئة إلی عادة نسائها بعد أن فقدت التمیز، نعم عن المعتبر: التردد فی الحکم، وعن الغنیة: عدم رجوعها إلی نسائها.

ویدل علی ما ذکره المشهور:

مضمر سماعة، المجمع علی العمل به، کما عن الخلاف، وفیه: سألته عن جاریة حاضت أول حیضها، فدام دمها ثلاثة أشهر، وهی لا تعرف أیام أقرائها؟ فقال (علیه السلام): «أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن کنّ نساؤها مختلفات فأکثر جلوسها عشرة أیام، وأقلة ثلاثة أیام»((1)).

بل وإطلاق خبر زرارة، ومحمد بن مسلم، عن الباقر (علیه السلام) وفیه: «یجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدی بأقرائها، ثم تستظهر علی ذلک بیوم»((2)).

والإشکال فی سند الخبرین بعد روایة الأعیان لهما وعملهم بهما لا وجه له، لکن ربما أشکل علی المضمرة بأمرین آخرین:

الأول: إنها معارضة بمرسلة یونس الطویلة الحاصرة لسنن الحائض فی ثلاث، ولم یذکر فیها الرجوع إلی النساء، وفیه: أنها

ص:93


1- الاستبصار: ج1 ص138 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح3
2- الاستبصار: ج1 ص138 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح4

مطلقة فاللازم تقییدها بالمضمرة کسائر المطلقات والمقیدات.

الثانی: عدم ذکر التمیز فی المضمرة، وفیه: إن اللازم تقیید المضمرة بالتمیز، بل ربما یقال: إن المضمرة وردت فی غیر ذات التمیز، لأن جعل المناط فی رجوعها إلی نسائها عدم عرفانها أیام حیضها وهو دال علی عدم التمیز، وإلاّ کانت تعرف أیام حیضها.

أما الموضع الثانی: وهو رجوع المضطربة إلی أقاربها، فقد حکاه فی الجواهر عن غیر واحد من الأصحاب، وعن الروضة: نسبته إلی الأشهر، وعن المسالک: أنه المشهور، لکن عن جماعة: عدم انسحاب الحکم إلی المضطربة، بل حکمها التمیز، ثم الروایات.

والأقوی: هو الأول، لخبر زرارة ومحمد بن مسلم المتقدم، وخبر أبی بصیر عن الصادق (علیه السلام): «النفساء... وإن کانت لا تعرف أیام نفاسها فابتلیت، جلست بمثل أیام أمها أو أختها أو خالتها، واستظهرت بثلثی ذلک»((1)).

واستدل أیضاً بمضمر سماعة المتقدم، بتقریب أن الملاک فی الحکم لما کان عدم عرفانها أیام أقرائها، وهو آت فی المضطربة کان حکمها حکم المبتدئة.

أما الذین قالوا بعدم جریان هذا الحکم فی المضطربة فاستشکلوا

ص:94


1- التهذیب: ج1 ص403 الباب19 فی الحیض والاستحاضة والنفاس ح85

فی هذا الروایات، ورجعوا إلی إطلاقات أدلة التمیز، قالوا: إذ یرد علی خبر زرارة: بأن المذکور فیه (بعض النساء) لا کلهن، فلا یطابق الخبر الفتوی. وعلی خبر أبی بصیر: بکونه فی مورد النفاس ووحدة حکمه مع حکم الحیض غیر معلوم. وعلی المضمرة: بأنه لا یعلم المناط.

لکن الإیرادات المذکورة غیر تامة، إذ الظاهر أن وجه الرجوع إلی بعض النساء لاستکشاف عادة الجمیع، کما هو کذلک فی باب الرجوع إلی بعض أهل الخبرة، وبعض أهل البلد، وما أشبه.

ولا إشکال فی اتحاد الحیض والنفاس فی الأحکام لأن النفاس هو دم حیض محتبس کما سیأتی.

والمناط المذکور فی المبتدئة هو الظاهر عند العرف لدی إلقاء الکلام علیه فلا ینبغی الشبهة فی اتحاد حکم المبتدئة والمضطربة.

ثم الظاهر أن رجوعهما إلی الأقارب، إنما هو فی کل من عدد الأیام، وفی الوقت، فلو کنّ یرین الدم أول الشهر ثلاثة أیام وجب علیها أن تجعل ثلاثة أیام أول الشهر حیضها، ولو اختلفن فی الوقت أو العدد واتفقن فیما عداه أخذت بالمتفق علیه بینهن، کما لو رأین ثلاثة أیام لکن بعضهن فی أول الشهر وبعضهن فی آخر الشهر، أما المختلف فیه بینهن فالظاهر أن لها الخیار بینهن، لا الأخذ فیما عدا

ص:95

بشرط اتفاقها،

ذلک، کأن تجعل حیضها فی وسط الشهر فی المثال.

ویدل علی ذلک الذی ذکرنا من لزوم الرجوع إلیهن فی کلا الوقت والعدد إطلاق الأدلة السابقة، فقول المصنف: «فی عدد الأیام» محل نظر، وإن کان ربما یوجه بظاهر مضمر سماعة: «فإن کنّ نساؤها مختلفات فأکثر جلوسها عشرة أیام، وأقله ثلاثة أیام» حیث یدل علی أن المرجع إلیهن إنما هو فی العدد، لکن فیه: أن إطلاق خبری أبی بصیر وزرارة لا وجه لرفع الید عنه بهذا الإشعار علی تقدیر تسلیم دلالة المضمرة.

ثم: إن الرجوع إلی الأقارب إنما هو {بشرط اتفاقها} کما نصّ علیه غیر واحد.

واستدل له بقول (علیه السلام): «فإن کنّ نساؤها مختلفات» مما یدل علی الرجوع إلیهن إنما هو إلی جمیعهن، ومعه لا یمکن التمسک بظاهر الخبرین الآخرین لورود «بعض نسائها» فیهما، لأن المضمرة أقوی دلالة وإن کان ربما احتمل کفایة الرجوع إلی بعضهن بحمل المضمرة علی الجنس فإن کلا من الجمیع والجنس قد یقوم مقام الآخر.

فمن الأول: قول الناصح للمریض: «راجع الأطباء» فإن مراده جنسهم، لا جمیعهم.

ومن الثانی: «أکرم العالم» فإن المراد جمیعهم فلا یکفی احترام

ص:96

أو کون النادر کالمعدوم.

أحدهم فی الإطاعة إذا لم یکرم الآخرین، لکن لا یخفی أن هذا الاحتمال لا یقاوم ظاهر الجمع بل نصه الوارد فی المضمرة.

ثم إن الرجوع إلی المتعدد إنما هو فیما إذا کان لها أقرباء متعددون، إما إذا لم یکن لها إلاّ إمراة واحدة فلا إشکال فی کفایة الرجوع إلیها {أو کون النادر کالمعدوم} لصدق رجوعها إلیهن، إذ العرف لا یری التحقیقیة العقلیة من أمثال هذه العبارات، بل العرفیة، کما إذا قال: اذهب وادع علماء البلد، أو: اجمع الصاغة، أو ما إشبه، بل الظاهر کفایة الرجوع إلی معظم من تقدر من الرجوع إلیهن.

قال فی مصباح الهدی: (وإنما حملنا المضمرة علی اتفاق المعظم جمعاً بینها وبین الخبرین الآخرین وادعاء ظهور ابتناء هذه الإمارات علی الظن النوعی)((1))، انتهی.

وهذا هو الظاهر من المستند حیث قال: (بل قیل: إن المراد من المضمرة أیضاً النساء الأحیاء المتمکن من استعلام حالهنّ أو الموجودات فی بلدها)((2))، انتهی.

فقول المستمسک: (الإلحاق بالمعدوم لا بد أن یکون بالعنایة فلا

ص:97


1- مصباح الهدی: ج5 ص19
2- المستند: ج1 ص144 س33

ولا یعتبر اتحاد البلد.

مجال للبناء علیه، فتأمل]((1)).

وعلی هذا: فلا اعتبار بالأموات ولا بالبعیدات التی لا یمکن الوصول إلیهن، بل ولا من فی البلد لکن لا یقدر الوصول إلیها، ولو کانت عدم قدرة عرفیة، لأن الکلام منزل علی ما یفهم العرف کما عرفت.

ثم لو کانت عادة أقربائها وقتاً وعدداً خاصین ثم تغیرت عادتها، أو ماتت وبلغت من عادتها غیر ذلک، فالظاهر الرجوع إلی العادة الجدیدة لتبدل الموضوع فلا مجال لاستصحاب الحکم السابق.

{ولا یعتبر اتحاد البلد} ولا تقارب السنّ ولا حیاة الأقارب ولا تعددهنّ، کما صرح بالثلاثة الأول المستند وذلک لإطلاق النص والفتوی، خلافاً لما عن الذکری حیث اعتبر التساوی فی السنّ وذلک لاختلاف الأمزجة باختلاف البلدان، وفیه: إنه اعتباری لا یقابل الإطلاق، مع أنه یلزم علیه التساوی فی السن وما أشبه، ولا یقول به.

ثم إن اختلفن الأقارب من وقت إلی وقت، کما إذا کانت عادتهن خمسة فی الصیف وثلاثة فی الشتاء أو خمسة فی السفر وثلاثة فی الحضر، أو ما أشبه ذلک، کما إذا کانت عادتهن خمسة عند طریان غضب علیهن وثلاثة فی الحالات الهادئة، فالظاهر لزوم اتباعهن لإطلاق النص کما عرفت.

ص:98


1- المستمسک: ج3 ص288

ومع عدم الأقارب

ثم هل المراد بنسائها: أقربائها فقط _ کما ذهب إلیه جمع _، أو الأعمّ من أقربائها واللائی فی سنّها _ کما ذهب إلیه آخرون _ أو أن مرتبة الأقران متأخرة عن مرتبة الأقرباء _ کما قال به جمع _؟ إحتمالات وأقوال کثیرة ربما أنهاها بعض إلی عشرة أقوال:

استدل الأول: بأنه الظاهر من «نسائها» فی المضمرة، خصوصاً بعد قوله (علیه السلام) فی خبر أبی بصیر: «أمها أو أختها أو خالتها».

واستدل الثانی: بأن «النساء» أعمّ، فیجوز لها الرجوع إلی الأقرباء أو الأقران تخییراً، وما فی الخبر لا یقید لأنه من قبیل مفهوم اللّقب.

واستدل الثالث: بأن الأقرباء أقرب إلی وحدة المزاج، وبعدهن یأتی دور الأقران، بل هو المفهوم عرفاً من «نسائها» لأن الإنسان یرجع إلی الأقرب إذا أرجع إلی کلی، وبعده یرجع إلی الأبعد.

لا یبعد القول الثانی، فإن العرف لا یشک فی صدق الرجوع إلی النساء إذا رجعت إلی زوجة أخیها أو أبیها أو ابن عمها أو حمیها أو ما أشبه، لکن الأحوط تأخیر الأقران عن الأقارب، لکن ربما یقال: بأن وضوح الاختلاف الدائم بین النساء یجعل ظاهر «نسائها» الأقرباء فقط، فتأمل.

{ومع عدم الأقارب} أی عدم من یمکن الرجوع إلیها، وإلاّ

ص:99

أو اختلافها: ترجع إلی الروایات مخیرة بین اختیار الثلاثة فی کل شهر أو ستة أو سبعة.

فعدمها مطلقاً ممتنع إذ لا أقل من الأم {أو اختلافها} اختلافاً بیناً، إذ قد عرفت أنه لا یضر خروج النادر، کما لا ینبغی الإشکال فی أن الاختلاف الیسیر لا یوجب صدق «مختلفات» _ فی المضمرة _ علیهن، کما إذا کن یرین خمسة، بزیادة أو نقیصة ساعة أو نصف یوم، أو کانت إحداهن تری من یوم أول الشهر إلی ثلاثة، والأخری تری من یومه الثانی إلی ثلاثة {ترجع إلی الروایات مخیّرة بین اختیار الثلاثة فی کل شهر أو ستة أو سبعة} أما أصل الرجوع إلی الروایات فلا إشکال فیه ولا خلاف، بل لا یبعد دعوی اتفاقهم علیه کما یظهر من کلماتهم، حیث أرسلوها إرسال المسلّمات، بل ادعی بعضهم الإجماع علیه صریحاً.

وأما خصوصیات الرجوع إلی الروایات، فقد اختلفوا فیها اختلافاً کبیراً حتی أن بعضهم أنهی الأقوال فیها إلی عشرین، وذلک تبعاً لکیفیة الجمع بین الروایات، فنقول: الروایات الواردة فی المقام، هی:

مرسلة یونس الطویلة((1))، الظاهرة فی التخییر بین الست والسبع لقوله (علیه السلام) حکایة عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): «تحیضی فی کل شهر فی علم الله ستة أیام أو سبعة ثم اغتسلی غسلاً

ص:100


1- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص490 الباب5 من أبواب الحیض و... ح1

وصومی ثلاثة وعشرین» ولا ینافی ذلک ما فی سائر فقراتها من ذکر السبع فقط، کقوله (علیه السلام): «أقصی وقتها سبع، وأقصی طهرها ثلاث وعشرون»، وقوله (علیه السلام): «فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون»، وقوله (علیه السلام): «فسنتها السبع والثلاث والعشرون». إذ الظاهر أنه اختصار للکلام السابق بذکر شق من شقتی التخییر، کما هو المتعارف فی کلمات البلغاء حیث یذکرون بعض الشیء إشارة إلی الشیء کله.

ومضمرة سماعة المتقدمة: حیث قال (علیه السلام): «فأکثر جلوسها عشرة أیام وأقله ثلاثة»((1)).

وخبر الخزاز: عن الکاظم (علیه السلام): فی المستحاضة کیف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة، وکم تدع الصلاة؟ فقال (علیه السلام): «أقل الحیض ثلاثة وأکثره عشرة وتجمع بین الصلاتین»((2)). وهذان الخبران ظاهرهما اختیار المرأة بین الثلاثة إلی العشرة، لأنهما فی مقام التکلیف الفعلی للمرأة، فهما من قبیل أن یسأل العبد کم أعطی الفقیر؟ فیقول المولی: أکثره عشرة وأقله ثلاثة. حیث یفهم من کلام المولی عرفاً تخییر العبد بین مراتب ما بین الثلاثة إلی العشرة.

ص:101


1- الاستبصار: ج1 ص138 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح3
2- الاستبصار: ج1 ص131 الباب78 أقل الحیض وأکثره ح5

وموثقتا ابن بکیر أولاهما: فی «المرأة إذا رأت الدم فی أول حیضها فاستمر بها الدم بعد ذلک، ترکت الصلاة عشرة أیام ثم تصلی عشرین یوماً، فإن استمر بها الدم بعد ذلک، ترکت الصلاة ثلاثة أیام وصلّت سبعة وعشرین یوماً»((1)).

وثانیتهما: «فی الجاریة أول ما تحیض یدفع علیها الدم، فتکون مستحاضة إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلی حتی یمضی أکثر ما یکون من الحیض، فإذا مضی ذلک وهو عشرة أیام، فعلت ما تفعل المستحاضة، ثم صلّت فمکثت تصلی بقیة شهرها، ثم تترک الصلاة فی المرة الثانیة أقل ما تترک امرأة الصلاة وتجلس أقل ما یکون من الطمث وهو ثلاثة أیام، فإن دام علیها الحیض صلّت فی وقت الصلاة التی صلّت، وجعلت وقت طهرها أکثر ما یکون من الطهر وترکها الصلاة أقل ما یکون من الحیض»((2)). وهذان ظاهران فی لزوم الأخذ بالثلاثة، إلاّ فی المرة الأولی.

وحیث إن الأخبار حجة سنداً _ لکون المرسلة والمضمرة مقبولتین عند الأصحاب ومعتمد علیهما، والموثقتین مما یوثق بسندهما فی نفسه بالإضافة إلی اعتماد الأصحاب علیهما _ فاللازم القول بالتخییر بین

ص:102


1- الاستبصار: ج1 ص137 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح1
2- الاستبصار: ج1 ص137 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح2

الثلاثة إلی العشرة، وذلک لرفع الید عن ظهور المرسلة والموثقتین بظهور المضمرة المؤیدة بخبر الخزاز، کما هو مقتضی الجمع بین کل مخیّر ومعیّن، کما إذا قال المولی مرة: أعط الفقیر ثلاثة، ومرة: أعط ستة أو سبعة، ومرة: أعطه ما بین الثلاثة والعشرة، فإنه لا یشک العرف فی أن تعیینه الثلاثة والستة والسبعة من باب المثال.

وبما ذکرناه: تعرف وجه النظر فی المتن، وفی ما نسب إلی المشهور من التخییر بین الستة والسبعة والثلاثة فی شهر والعشرة فی آخر، وفیما ذهب إلیه آخرون من سائر الأقوال، مما لا حاجة إلی تفصیل الکلام حولها، هذا کله حکم المبتدئة.

أما المضطربة التی لم تستقر لها عادة، فهل هی کذلک أم لا؟ إحتمالان: من اختصاص الأخبار بالمبتدئة، وخبر الخزاز لا حجیة فیه، ومن أن الظاهر من مرسلة یونس أن المناط فی الرجوع إلی العدد: فقد العادة والتمیز لا کونها مبتدئة، ولذا قال (علیه السلام): «فإن لم یکن الأمر کذلک» _ أی لم تکن المرأة ذات عادة ولا تمیز _ ولکن الدم أطبق علیها فلم تزل الاستحاضة دارة وکان الدم علی لون واحد وحالة واحدة فسنّتها «السبع والثلاث والعشرون»، لأن قصتها کقصة حمنة حین قالت: «إنی أثجه ثجاً» فقد جعل (علیه السلام) قصة المختلطة کقصة حمنة مع أنه (علیه السلام) مثّل للمبتدئة بقصة حمنة مما یکشف أن المناط فی الرجوع إلی الروایات هو فقد العادة والتمیز الموجود فی المضطربة، وهذا

ص:103

وأما الناسیة: فترجع إلی التمییز،

الاحتمال هو الأقرب.

ثم: لا یخفی أنه لا یلزم فی جریان أحکام الاضطراب دوام الاضطراب، بل یکفی کونها کذلک فی بعض السنة، کما إذا کانت فی أشهر الصیف مستمرة الدم دون أشهر الشتاء وذلک لوضوح ترتب الحکم علی موضوعه مهما وجد.

{وأما الناسیة} الوقت والعدد التی کانت لها ذلک ثم نسیت، ویعبّر عنها بالمتحیّرة لتحیرها فی أمر حیضها، والمحیّرة لأنها حیرت الفقیه فی أمر حیضها واستنباط حکمها _ کذا قیل _ {فترجع إلی التمیز} بلا إشکال ولا خلاف إلاّ عن أبی الصلاح وابن زهرة، بل فی المستند: أن نقل الإجماع علیه مکرر، أما أبو الصلاح: فذهب إلی رجوعها إلی النساء ثم إلی التمیز، وأما ابن زهرة: فذهب إلی أنها تحیض عشرة، ثم تطهر عشرة، ثم تحیض عشرة، وهکذا.

ویدل علی المشهور أخبار الصفات الشاملة لما نحن فیه، والمرسلة الطویلة _ وفیها _:

«وأما سنة التی قد کانت لها أیام متقدمة، ثم اختلط علیها من طول الدم فزادت ونقصت حتی اغفلت عددها وموضعها من الشهر» _ إلی أن قال (علیه السلام) _: «فإذا جهلت الأیام وعددها احتاجت إلی النظر حینئذ إلی إقبال الدم وإدباره وتغیر لونه» _ إلی أن قال (علیه السلام) _: «فهذه سنّة النبی (صلی الله علیه وآله)

ص:104

فی التی اختلط أیامها حتی لا تعرفها وإنما تعرفها بالدم»((1)).

وخبر حفص البختری قال: دَخَلَت علی أبی عبد الله (علیه السلام) إمرأة فسألته عن المرأة یستمر بها الدم فلا تدری أحیض هو أو غیره؟ فقال لها: «دم الحیض حار عبیط أسود له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا کان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة»((2)).

أما أبو الصلاح فکأنه استدل بما دل علی الرجوع إلی النساء، وفیه: أن دلیل التمیز مقدم علی ذلک الدلیل، لقوله (علیه السلام) فی الرجوع إلی النساء لمن لم تستقر لها عادة: «إن کانت لا تعرف»((3)) الظاهر فی أن ذلک خاص بمن «لا تعرف» ومع التمیز «تعرف».

وأما ابن زهرة فکأنه استدل بقاعدة الإمکان، وفیه: إن النص مقدم علی القاعدة کما تقدم بیانه.

ثم أن المحکی عن الصدوق والمفید عدم التعرض للتمیز رأساً، وذلک غیر ضار بعدم الخلاف الذی ذکرناه، وکیف کان فالمسألة لا إشکال فیها.

ص:105


1- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص489 الباب5 من أبواب الحیض و... ح1
2- الوسائل: ج2 ص537 الباب3 من أبواب الحیض ح2
3- التهذیب: ج1 ص403 الباب19 فی الحیض والاستحاضة والنفاس ح85

ومع عدمه إلی الروایات، ولا ترجع إلی أقاربها، والأحوط أن تختار السبع.

{ومع عدمه إلی الروایات} بلا إشکال ولا خلاف، والظاهر أنها کالمبتدئة فترجع إلی العدد المقرر فی المبتدئة لإطلاق المرسلة، والمناط المستفاد من المضمرة وإطلاق روایة الخزاز، وعلیه: فهی مخیرة بین الثلاثة والسبعة {ولا ترجع إلی أقاربها} بلا خلاف ظاهر، إلاّ عن أبی الصلاح _ کما تقدم _ وقد عرفت ضعفه.

نعم مقتضی روایتی زرارة ومحمد وأبی بصیر رجوعها إلی الأقارب بعد فقد التمیز، لکن قال فی المستمسک: (العمل بهما بعد ظهور الإجماع علی خلافهما غیر ممکن)((1)) انتهی، والاحتیاط فی تطبیق الروایات علی الأقارب.

أما ما ذکره المصنف من قوله: {والأحوط أن تختار السبع} فلأن المرسلة فی ذیلها ذکر السبع مکرراً مما یحتمل أن یکون التخییر فی صدرها بین الست والسبع اشتباهاً من الروای، ونصوص الثلاث غیر شاملة للناسیة لاختصاصها بالمبتدئة، لکن فیه: ما تقدم من دلالة المرسلة علی التخییر، ونصوص الثلاث شاملة للمقام، لما سبق من القرینة علی عدم خصوصیة المورد.

ولذا: ذهب المشهور کما عن شرح المفاتیح، والأکثر کما عن کشف اللثام، والمعروف کما فی مصباح الهدی، إلی: التخییر

ص:106


1- المستمسک: ج3 ص292

بین الست والسبع والثلاثة من شهر والعشرة من آخر، وقد تقدم أن الأقوی التخییر من الثلاثة إلی العشرة.

ثم: الظاهر أنه إذا تمکنت الناسیة من معرفة عادتها وجب علیها ذلک، لوجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة _ علی ما اخترناه _، ولبعض الوجوه الأخر عند من لا یری وجوب الفحص.

ص:107

مسألة ٢ المراد من الشهر فی المسألة السابقة

(مسألة _ 2): المراد من الشهر: ابتداء رؤیة الدم إلی ثلاثین یوماً، وإن کان فی أواسط الشهر الهلالی أو أواخره.

(مسألة _ 2): {المراد من الشهر} المذکور فی الروایات {ابتداء رؤیة الدم إلی ثلاثین یوماً} إن کان شهراً هلالیاً کاملاً، أو کان فی غیر أول الشهر، أما إذا کان فی أول الشهر الناقص فإلی تسعة وعشرین یوماً {وإن کان فی أواسط الشهر الهلالی أو أواخره} بلا إشکال ولا خلاف، بل ادعی علیه الإجماع، ویدل علیه قاعدة الإمکان، والمرسلة القصیرة لیونس، وفیها: «عدّت من أول ما رأت الدم الأول والثانی: عشرة أیام، ثم هی مستحاضة»((1))، وموثقتا إن بکیر ففی أولاهما: «المرأة إذا رأت الدم فی أول حیضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلک: ترکت الصلاة عشرة أیام»((2)). وفی ثانیتهما: «فی الجاریة أول ما تحیض یدفع علیها الدم فتکون مستحاضة: إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلی»((3)). الحدیث.

ثم إن المنصرف من النص وصریح الفتاوی: عدم الاعتبار بالأشهر الشمسیة، وقد تقدم بعض الکلام فی ذلک، أما الأشهر المجعولة فلا اعتبار بها قطعاً.

ص:108


1- الوسائل: ج2 ص555 الباب12 من أبواب الحیض ح2
2- الاستبصار: ج1 ص137 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح1
3- الاستبصار: ج1 ص137 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح2

مسألة ٣ اختیار العدد فی رؤیة الدم

(مسألة _ 3): الأحوط أن تختار العدد فی أول رؤیة الدم،

(مسألة _ 3): {الأحوط أن تختار العدد فی أول رؤیة الدم} بل هو الذی أفتی به التذکرة وکاشف اللثام وصاحب الجواهر، خلافاً للمحکی عن المحقق والعلامة فی بعض کتبه، والشهیدین والمحقق الثانی وغیرهم، من أنها تختار فی جعل حیضها أی وقت شاءت، بل فی الحدائق نسبته إلی الأصحاب.

استدل للأول: بالاحتیاط، وبأنه من الدوران بین التعیین والتخییر، وبمرسلة یونس القصیرة، وبموثقتی ابن بکیر، وبقاعدة الإمکان.

واستدل للثانی: بإطلاقات الأدلة بعد المناقشة فی أدلة القول الأول، إذ الاحتیاط لا یقاوم الدلیل، ومثله دوران الأمر، وقاعدة الإمکان لا مجال لها عند الإطلاق، ومرسلة یونس لا تدل علی ذلک لقوله (علیه السلام): «عدّت من أول ما رأت الدم الأول والثانی عشرة أیام، ثم هی مستحاضة»((1)) فإن باقی الأیام لم یعین الإمام (علیه السلام) تکلیفها فیه.

أما المرسلة الطویلة حیث قال (علیه السلام): «تحیضی فی کل شهر فی علم الله ستة أیام أو سبعة أیام ثم اغتسلی غسلاً، وصومی

ص:109


1- الوسائل: ج2 ص555 الباب12 من أبواب الحیض ح2

إلا إذا کان مرجح لغیر الأول.

ثلاثة وعشرین یوماً أو أربعة وعشرین»((1))، فلا دلالة فیها، لأنّ المراد بکل شهر الأیام، لا الشهر الهلالی، فإن الدم لا یلازم أول الشهر کما هو واضح، والموثقتان تدلان علی حکم الدور الأول لا مطلقاً.

وکیف کان: فالاحتیاط الذی ذکره المصنف هو الأوفق حسب النظر {إلاّ إذا کان مرجّح لغیر الأول} کما إذا تمکنت من الرجوع إلی أهلها بعد العشرة، أو کانت ذات تمیز ثم انقلبت إلی غیر تمیز، أو ما أشبه ذلک، فتأمل. ومثله ما إذا لم تعلم أول حیضها کما إذا کانت غیر مسلمة ثم أسلمت، أو غیر مبالیة، ولمّا أن صار بناؤها علی الأخذ بالعادة لم تعلم أول وقت رأت فیه الدم.

ص:110


1- الوسائل: ج2 ص547 الباب8 من أبواب الحیض ح3

مسألة ٤ وجوب الموافقة بین الشهور

(مسألة _ 4): تجب الموافقة بین الشهور، فلو اختارت فی الشهر الأول أوله، ففی الشهر الثانی أیضاً کذلک وهکذا.

(مسألة _ 4): {تجب الموافقة بین الشهور، فلو اختارت فی الشهر الأول أوّله ففی الشهر الثانی أیضاً کذلک، وهکذا}، وهذا هو الذی اختاره الجواهر وغیره، وذلک لظهور النصوص فی أنه کما یلزم علیها تعیین وقت الحیض کذلک یلزم علیها تعیین وقت الطهر بعد الحیض، کقوله (علیه السلام): «ثم تصلی عشرین یوماً»((1)).

وهکذا الموثقة الثانیة((2))، والمرسلة: «ثم اغتسلی غسلاً وصومی ثلاثة وعشرین یوماً أو أربعة وعشرین»((3)).

أما احتمال عدم الموافقة فلإطلاق النص، ولأنه حکم ظاهری فلا خصوصیة لوقت خاص، فکما أن لها التخییر فی العدد کذلک لها التخییر فی الوقت، ولا إشکال فی أن الأحوط هو التوافق.

ص:111


1- الاستبصار: ج1 ص137 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها الدم ح1
2- الاستبصار: ج1 ص137 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها الدم ح2
3- الوسائل: ج2 ص547 الباب8 من أبواب الحیض ح3

مسألة ٥ لو تبین الخلاف أو الزیادة أو النقیصة

(مسألة _ 5): إذا تبین بعد ذلک أن زمان الحیض غیر ما اختارته، وجب علیها قضاء ما فات منها من الصلوات، وکذا إذا تبینت الزیادة والنقیصة.

(مسألة _ 5): {إذا تبین بعد ذلک} الذی أخذته من عادة الأهل أو الروایات أو التمیز {أن زمان الحیض غیر ما اختارته} مستندة إلی إحدی الأمارات الثلاث {وجب علیها قضاء ما فات منها من الصلوات} وتبین صحة صومها لو صامته، وقضت إذا لم تصم، وذلک لأن الأمارات المذکورة لا تفید إلاّ حکماً ظاهریاً، والحکم الظاهری لا یقتضی الإجزاء، فیکون حالها حال ما إذا تبینت أنها کانت مخطئة فی التمیز أو فی وقت عادة الأهل، وإذ ظهر اشتباهها عن الأمارة أو عن الأسباب الخارجیة تشملها أدلة الفوات، هذا ولکن الظاهر عدم وجوب القضاء لأن ظاهر الأدلة أن الشارع جعل حیضها فی هذا الوقت فلیس التکلیف ظاهراً، بل هو من قبیل التکلیف الإضطراری الثانوی، فلیس المقام من قبیل اشتباهها بسبب الأمور الخارجیة، وهناک بعض التفصیلات ذکرها بعض الشراح، لکن الأقوی ما ذکرناه، والله العالم.

{وکذا إذا تبینت الزیادة والنقیصة} لعین ما ذکر فی حجة المصنّف وما ذکرناه دلیلاً علی ما اخترناه.

ص:112

مسألة ٦ فروع متعلقة بصاحبة العادة الوقتیة

(مسألة _ 6): صاحبة العادة الوقتیة: إذا تجاوز دمها العشرة فی العدد، حالها حال المبتدئة فی الرجوع إلی الأقارب، والرجوع إلی التخییر المذکور مع فقدهم أو اختلافهم،

(مسألة _ 6): {صاحبة العادة الوقتیة} فقط دون العددیة، سواء کانت مضطربة العدد: بأن کانت تری فی أول کل شهر، لکن ربما رأت خمسة أیام وربما أکثر وربما أقل، أو کانت ناسیة العدد: بأن کانت ذات عادة وقتیة وعددیة، ثم نسیت العدد وعلمت الوقت، فلا تعلم هل أن عددها کان خمسة أو أزید أو أقل، فإن مثل هاتین المرأتین لا بد وأن تتحیضا فی الوقت الخاص، فإذا لم یتجاوز دمهما العشرة فالکل حیض بلا إشکال، لما تقدم من أن ما تراه فی أثناء العشرة کله حیض، و{إذا تجاوز دمها العشرة} فما هو تکلیفها {فی العدد}؟ فیه أقوال:

الأول: ما اختاره المصنف تبعاً لجماعة من الفقهاء من أن {حالها حال المبتدئة فی الرجوع إلی الأقارب} إذا کان لها أقارب متفقات {والرجوع إلی التخییر المذکور} الوارد فی الروایات، من ستة وسبعة وثلاثة إلی عشرة _ کما سبق _ {مع فقدهم أو اختلافهم}، وسیأتی وجه قول المصنف: وإذا علمت کونه.... إلی آخره.

الثانی: ما عن المبسوط والمعتبر والبیان من تکمیل الیوم المتیقن بالثلاثة والاقتصار فی الحیض علیها والعمل فیما عداها بعمل المستحاضة.

ص:113

الثالث: ما عن بعض من الاحتیاط فی الزائد عن الثلاثة إلی العشرة، کما عن الجامع والشرائع والعلامة فی جملة من کتبه، قال المستمسک: (ذکروا ذلک فی ناسیة العدد)((1)) کما هی إحدی صور المسألة.

الرابع: ما اختاره الجواهر من التحیض إلی أقصی ما یحتمل من عادتها فی العدد ولو إلی العشرة.

استدل للأول: أما جعل حیضها فی الوقت فلأنه معلوم لدیها فیدخل فی قوله (علیه السلام): «ولو کانت تعرف أیامها ما احتاجت إلی معرفة لون الدم، لأن السنّة فی الحیض أن تکون الصفرة والکدرة فما فوقها فی أیام الحیض، إذا عرفت حیضاً »((2))، وأما رجوعها إلی الأقارب فی العدد فلأن حالها فی حال المضطربة والناسیة لاشتراکهما معهما فی عموم الأدلة وخصوصها، فإن قوله (علیه السلام) فی خبر زرارة: «یجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدی بأقرائها»((3))، وفی خبر أبی بصیر: «إن کانت لا تعرف أیام

ص:114


1- المستمسک: ج3 ص296
2- الوسائل: ج2 ص538 الباب3 من أبواب الحیض ح4
3- الاستبصار: ج1 ص138 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح4

نفاسها فابتلیت، جلست بمثل أیام أمها أو أختها أو خالتها»((1))، إلی غیرهما. یشمل ما نحن فیه، وأما رجوعها إلی الروایات إذا فقدن أو اختلفن فلشمول الروایات لهما أیضاً کقوله (علیه السلام) فی خبر الخزاز: «أقل الحیض ثلاثة وأکثره عشرة»((2))، وکذا سائر أخبار الروایات.

واستدل للقول الثانی: بأصالة عدم زیادة الحیض علی المتیقن، وإذا لم یکن حیض فهو استحاضة، لما ثبت من الدوران بینهما، فاللازم أن تعمل عمل المستحاضة.

واستدل للقول الثالث: بالعلم الإجمالی، فاللازم الجمع بین تروک الحائض وأعمال المستحاضة.

واستدل للقول الرابع: باستصحاب بقاء الحیض وقاعدة الإمکان.

وحیث قد عرفت وجه قول المصنف، تعرف الجواب عن هذه الأقوال، فإن الاستدلال بالأصول وبالعلم الإجمالی وبقاعدة الإمکان لا مجال لها مع النّص، بالإضافة إلی ما یرد علی بعض المذکورات فی نفسها مع قطع النظر عن الأدلة التی ذکرت للمصنف.

ص:115


1- التهذیب: ج1 ص403 الباب19 فی الحیض والاستحاضة والنفاس ح85
2- الاستبصار: ج1 ص131 الباب78 أقل الحیض وأکثره ح5

وإذا علمت کونه أزید من الثلاثة لیس لها أن تختارها، کما أنها لو علمت أنه أقل من السبعة لیس لها اختیارها.

وأما وجه قول المصنف: {وإذا علمت کونه أزید من الثلاثة لیس لها أن تختارها، کما أنها لو علمت أنه أقل من السبعة لیس لها اختیارها} إذ الروایات إنما هی فی موضوع الجهل بالعدد، فإذا علمت العدد إجمالاً لم تکن جاهلة حتی یکون حکمها الأخذ بالعدد المحدد، ولا فرق فی الروایات السبعة والأزید منها، لما عرفت سابقاً من أن الروایات هی بین الثلاثة والعشرة.

ثم إن الکلام فی هذه المسألة طویلة، ولها شقوق مختلفة، اکتفینا منها بهذا القدر، فمن رغب فی الاطلاع علی التفصیل، فعلیه بالمفصلات.

ص:116

مسألة ٧ فروع متعلقة بصاحبة العادة العددیة

(مسألة _ 7): صاحبة العادة العددیة: ترجع فی العدد إلی عادتها،

(مسألة _ 7): {صاحبة العادة العددیة} فی الناسیة، کما لو علمت أن عددها کان عشرة أیام لکنها نسیت هل أن وقتها کان فی أول الشهر أو وسطه أو آخره، وهذا بخلاف ما إذا تذکرت فی الجملة، کما لو علمت أن عددها کان ستة ونسیت هل أن وقتها کان فی أول عشرة من الشهر أو فی آخر العشرة الأولی حیث إنها تعلم، أو الخامس والسادس من عادتها علی کل تقدیر، فإن فی صورة التذکر تجعل الیومین حیضاً، وتأخذ الأربعة الأیام الأخر قبلهما أو بعدهما إذا کان هناک تمیز، وإلاّ تختار بین الأمرین، أو تحتاط بالجمع بین تروک الحائض وأعمال المستحاضة فی الثمانیة الأیام الأخر قبل العادة وبعدها للعلم الإجمالی، أو تعمل بقاعدة الإمکان فتأخذ أول العشرة، وهذا هو الأقرب، وقد تقدم مثله فی بعض المسائل السابقة.

وکیف کان، ففی مفروض المتن {ترجع فی العدد إلی عادتها} لإطلاق أدلة العادة الشاملة لمن عَرَفَت الوقت فقط، أو العدد فقط، أو کلیهما، کقوله (علیه السلام) فی المرسلة: «ألا تری أن أیامها لو کانت أقل من سبع وکانت خمساً أو أقل من ذلک ما قال لها: تحیضی سبعاً»((1))، وکذلک فقرات أخری فی المرسلة، وفی غیرها، تدل

ص:117


1- الوسائل: ج2 ص547 الباب8 من أبواب الحیض ح3

وأما فی الزمان فتأخذ بما فیه الصفة، ومع فقد التمییز تجعل العدد فی الأول علی الأحوط، وإن کان الأقوی التخییر،

علی ما ذکرناه.

{وأما فی الزمان: فتأخذ بما فیه الصفة} والتمیز، لإطلاق أدلة الصفة {ومع فقد التمیز تجعل العدد فی الأول علی الأحوط} _ کما ذهب إلیه بعض _ لقاعدة الإمکان ولبعض الروایات: کما فی مرسلة یونس القصیرة: «عدّت من أول ما رأت الدم الأول والثانی عشرة أیام ثم هی مستحاضة»((1))، وموثقة ابن بکیر: «فی الجاریة أول ما تحیض یدفع علیها الدم فتکون مستحاضة، أنها تنتظر بالصلاة فلا تصلی حتی یمضی أکثر ما یکون من الحیض، فإذا مضی ذلک وهو عشرة أیام فعلت ما تفعله المستحاضة، ثم صلّت فمکثت تصلی بقیة شهرها، ثم تترک الصلاة فی المرة الثانیة»((2))، وما ورد فی تحیض المبتدئة والمضطربة مع التمیز بمجرد الرؤیة _ کما تقدم _.

{وإن کان الأقوی التخییر} فی وضع العدد المعلوم فی أی زمان شاء، وهذا هو المنسوب إلی المشهور، وذلک لعدم دلالة دلیل علی محل الوضع، فتعیین بعض الأوقات ترجیح بلا مرجح، وفیه: أن ظاهر الأدلة ترجیح أول الوقت کما عرفت، وحکی عن المبسوط والمعتبر والإرشاد: وجوب الاحتیاط علیها للعلم الإجمالی، فإذا

ص:118


1- الوسائل: ج2 ص555 الباب12 من أبواب الحیض ح2
2- الاستبصار: ج1 ص137 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح2

وإن کان هناک تمیز، لکن لم یکن موافقاً للعدد: فتأخذه وتزید مع النقصان وتنقص مع الزیادة.

ضلت العشرة فی کل الشهر احتاطت بالجمع بین تروک الحائض وأعمال المستحاضة فی کل الشهر، وإن کان الضلال فی العشرین الأول من الشهر احتاطت فی العشرین وهکذا..، وفیه: إن الأدلة المتقدمة فی القول الأول لا تبقی مجالاً للاحتیاط، وربما یحکی عن بعض: اتباعها للظنّ فی الوقت إن کان ظن، وإلاّ فالاحتیاط أو التخییر للسیرة علی اتباع النساء ظنهن فی الحیض فی مورد الشک، وفیه: ما لا یخفی.

{وإن کان هناک تمیز} لکن کان مخالفاً فی وقتها المعلوم، مثلاً: علمت بأن وقتها خمسة أیام فی العشرة الأولی وکان التمیز فی العشرة الثانیة، قدمت العادة علی التمیز، إلاّ إذا کانت العادة حاصلة من التمیز فیقدم التمیز علیها، علی خلاف تقدمه فی بعض المسائل السابقة.

ولو کان هناک تمیز فی نفس وقت الضلال {لکن لم یکن موافقاً للعدد} کما إذا علمت بأن عددها ستة فی أثناء العشرة الأولی، وکان التمیز فی أربعة أیام من العشرة الأولی {فتأخذه وتزید مع النقصان} _ کما فی المثال _ فإنها تأخذ الأربعة وتزید الیومین الآخرین إلی الستة جمعاً بین دلیلی التمیز والعادة {وتنقص مع الزیادة} کما إذا کان التمییز فی أحد عشر یوماً _ فی المثال _ فإنها تأخذ الستة فقط جمعاً بین

ص:119

دلیلی التمیز والاقتصار فی العادة.

نعم إذا کان مجموع التمیز لا یزید علی العشرة لا تنقص، لما تقدم من الدلیل علی أن کل ما فی أثناء العشرة حیض.

ص:120

مسألة ٨ عدم الفرق فی الوصف بین الأسود والأحمر

(مسألة _ 8): لا فرق فی الوصف بین الأسود والأحمر، فلو رأت ثلاثة أیام أسود وثلاثة أحمر، ثم بصفة الاستحاضة: تتحیض بستة.

(مسألة _ 8): {لا فرق فی الوصف} الذی هو میزان التمیز {بین الأسود والأحمر} وکذلک النتن والأنتن، والغلیظ والأغلظ، وهکذا.. {فلو رأت ثلاثة أیام أسود وثلاثة أحمر ثم بصفة الاستحاضة، تتحیض بستة} وقد اختفلوا فی أنه هل المدار علی الأوصاف المنصوصة کالسواد والحمرة والغلظة والطراوة _ کما عن جماعة _، أو علی القوة والضعف مطلقاً؟ فکل دم قوی هو ذو تمیز بالنسبة إلی الدم الضعیف وإن کان کلاهما بصفة الحیض، کالسواد الأشدّ والأخفّ، أو کان کلاهما بصفة الاستحاضة، کالأصفر الشدید الصفرة والخفیف الصفرة.

استدل الأولون: بالصفات الواردة فی الروایات، وعلی هذا فالأسود والأحمر لا تمیز بینهما، وکذا الأصفر والأخف صفرة، لکن الأقوی: هو القول الثانی، لدلالة المرسلة علیه، حیث عبّر فیها بالإقبال والإدبار، ومن المعلوم أن الأشد صفرة إقبال والأخف إدبار، وکذا المنتن والأنتن وهکذا..، وکذا یدل علی هذا القول قوله (علیه السلام): «دم الحیض أسود یعرف»((1))، وقوله (علیه السلام): «دم الحیض لیس به خفاء»((2)) فإن الإیکال إلی العرف

ص:121


1- الوسائل: ج2 ص538 الباب3 من أبواب الحیض ح4
2- الوسائل: ج2 ص537 الباب3 من أبواب الحیض ح3

کاشف عن کون العبرة فی التمیز بمطلق الصفات لوضوح کون الامتیاز عندهم بالقوة والضعف.

وقد اختلفوا فیما ذکره المصنّف من اجتماع الأقوی والقوی والضعیف، بما لا یمکن أن یکون الکل حیضاً، بأن لم یکن فی أثناء العشرة _ مثلا _:

فبعضهم: ذهب إلی أن الأقوی فقط حیض، أما القوی فهو استحاضة، وهذا هو المحکی عن المعتبر والمنتهی. واستدل له: بأنه لو رأت السواد مع اجتماعه لشروط الحیض، ثم رأت حمرة واستمرت إلی ما بعد العشرة کانت استحاضة، فکذلک إذا لم تستمر إلی ما بعد العشرة، وفیه: أنه لا یصح القیاس وإن کان منقوضاً بما إذا استمر السواد فوق العشرة.

وبعضهم: ذهب إلی ما اختاره المصنف وهو المحکی عن نهایة العلامة وتذکرته لعموم ما یدل علی التحیض بما هو من صفات الحیض، والحمرة _ فی الفرض _ من صفاته.

وإنما نرجح الأقوی علی القوی فیما إذا یمکن الجمع بینهما، کما إذا تجاوز مجموعهما العشرة، وهذا هو الأقرب.

ومنه: یعرف أنه لا مجال للقول بالاحتیاط بالنسبة إلی الثلاثة الأحمر، بتقریب: أن الأحمر ضعیف بالنسبة إلی الأسود، قوی بالنسبة إلی الصفرة، فالإضافتان تتساقطان فیبقی الأحمر مجهول

ص:122

الصفة فاللازم الاحتیاط، وفیه: إن الحمرة من صفات الحیض فلا وجه لجعلها مجهولة الحال، ومنه: یعلم أنه لو کانت رأت ثلاثة أحمر وثلاثة أصفر وثلاثة أکدر کانت الثلاثة الأصفر استحاضة.

نعم لو کان الکل بدون صفة الحیض لزم ملاحظة صدق الإقبال والإدبار علی الدم المتوسط، ولو شک فی ذلک کان مقتضی قاعدة الإمکان والاستصحاب: الحکم بالحیضیة.

ص:123

مسألة ٩ لو تجاوز الدم العشرة مع اختلاف فی الصفات

(مسألة _ 9): لو رأت بصفة الحیض ثلاثة أیام، ثم ثلاثة أیام بصفة الاستحاضة، ثم بصفة الحیض خمسة أیام أو أزید: تجعل الحیض الثلاثة الأولی.

(مسألة _ 9): {لو رأت بصفة الحیض ثلاثة أیام، ثم ثلاثة أیام بصفة الاستحاضة، ثم بصفة الحیض خمسة أیام أو أزید} مما لا یمکن جعل الکل حیضاً لأنه أزید من العشرة، ففیه أقوال:

الأول: إنها {تجعل الحیض الثلاثة الأولی} فقط لوجود التمیز، أما الدم الثانی: فلیس حیضاً لأنه بصفة الاستحاضة، والدم الثالث: لا یمکن جعل کله حیضاً لأنه أزید من العشرة، ولا جعل بعضه لما دل من أن الدم إذا تجاوز العشرة أخذ بقدر العادة، والتمیز خلف للعادة.

الثانی: إنها مخیرة فی جعل أحد الأسودین حیضاً، لاشتمال کل واحد منهما علی الصفة ولا ترجیح لأحدهما فاللازم التخییر، إذ لا یمکن جعلهما معاً، لأنه خلاف ما دل علی أن أقل الطهر عشرة، وفیه: أنه لا وجه لعدم جعل الأول حیضاً إذ الترجیح بقاعدة الإمکان، کما مرّ تکراراً.

الثالث: إن المرأة حینئذ فاقدة التمیز، لعدم إمکان أخذها الأول أو الأخیر، لأنه ترجیح بلا مرجح، ولا کلیهما للزوم فصل أقل الطهر، ولا المجموع لأنه زیادة علی العشرة، وحینئذ فاللازم الرجوع إلی عادة نسائها، ومع العدم أو الاختلاف فالمرجع الروایات،

ص:124

وأما لو رأت بعد الستة الأولی ثلاثة أیام أو أربعة بصفة الحیض: تجعل الحیض الدمین الأول والأخیر، وتحتاط فی البین مما هو بصفة الاستحاضة، لأنه کالنقاء المتخلل بین الدمین.

وهذا القول منسوب إلی الأکثر، لکن فیه: ما تقدم من أن کون الحیض هو الأول لا محذور فیه، والترجیح وهو قاعدة الإمکان بلا مزاحم فی زمان الأول، موجود، لکن قد تقدم من المصنف اشتراط الرجوع إلی التمیز بأن لا یعارض الدم دم آخر، فتأمل.

{وأما لو رأت بعد الستة الأولی ثلاثة أیام أو أربعة بصفة الحیض} فالجمیع حیض لما تقدم من أن مجموع ما تری فی العشرة حیض، ولو کان بینهما نقاء کان النقاء أیضاً حیضاً، أما ما ذکره المصنف من قوله: {تجعل الحیض الدمین الأول والأخیر، وتحتاط فی البین مما هو بصفة الاستحاضة} فمبنی علی ما اختاره سابقاً من الاحتیاط فی النقاء ما بین العشرة، وقد عرفت هناک عدم لزوم الاحتیاط وأنه بحکم الحیض {لأنه کالنقاء المتخلل بین الدمین} ولیس محکوماً بحکم الاستحاضة وإن کان الدم بصفاته، لعدم إمکان أن یفصل أقل الطهر بین الدمین الذین کلاهما حیض.

ص:125

مسألة ١٠ لو تخلل بین المتصفین بصفة الحیض والاستحاضة

(مسألة _ 10): إذا تخلل بین المتصفین بصفة الحیض عشرة أیام بصفة الاستحاضة: جعلتهما حیضتین، إذا لم یکن کل واحد منهما أقل من ثلاثة.

(مسألة _ 10): {إذا تخلل بین المتصفین بصفة الحیض عشرة أیام بصفة الاستحاضة جعلتهما حیضتین، إذا لم یکن کل واحد منهما} أکثر من عشرة ولا {أقل من ثلاثة} إلی غیرهما من شرائط الحیض، بأن لم یکن أحدهما قبل البلوغ ولا بعد الیأس، لما تقدم من اشتراط الحیض بهذه الشرائط، فاحتمال أن یکون الأقل حیضاً لا وجه له.

ثم قد تقدم عدم لزوم وحدة الصفات فی الدمین، فلو کان أحدهما أسود والآخر أحمر کفی.

ص:126

مسألة ١١ لو کان ما بصفة الحیض ثلاثة متفرقة ضمن عشرة

(مسألة _ 11): إذا کان ما بصفة الحیض ثلاثة متفرقة فی ضمن عشرة: تحتاط فی جمیع العشرة.

(مسألة _ 11): {إذا کان ما بصفة الحیض ثلاثة متفرقة فی ضمن عشرة} فلا تمیز، لما سبق من اشتراط التوالی فی الثلاثة، لکن حیث إن المصنف أشکل فی اعتبار التوالی هناک، قال هنا: {تحتاط فی جمیع العشرة} وعلی ما ذکرناه فهی فاقدة التمیز واللازم رجوعها إلی عادة نسائها ثم الروایات.

ومثله: ما إذا رأت یومین ثم یومین ثم یومین حیث لم یکن ثلاثة متوالیة.

ص:127

مسألة ١٢ الواجب فی التمیز أن تکون الصفات مختلفة

(مسألة _ 12): لا بد فی التمیز أن یکون بعضها بصفة الاستحاضة وبعضها بصفة الحیض، فإذا کانت مختلفة فی صفات الحیض فلا تمیز بالشدة والضعف أو غیرهما، کما إذا کان فی أحدهما وصفان، وفی الآخر وصف واحد، بل مثل هذا فاقد التمیز ولا یعتبر اجتماع صفات الحیض، بل یکفی واحدة منها.

(مسألة _ 12): {لا بد فی التمیز أن یکون بعضها بصفة الاستحاضة وبعضها بصفة الحیض، فإذا کانت مختلفة فی صفات الحیض فلا تمیز بالشدة والضعف أو غیرهما} لما تقدم منه فی المسألة الثامنة {کما إذا کان فی أحدهما وصفان وفی الآخر وصف واحد} کما إذا کان أحدهما أسود عبیط والآخر أسود فقط {بل مثل هذا فاقد التمیز} علی رأی المصنّف.

لکن قد عرفت أن الأقوی أنه واجد التمیز، لصدق إقبال الدم وإدباره وغیره مما فی بعض الروایات التی ذکرناها هناک.

{ولا یعتبر اجتماع صفات الحیض} فی حصول التمیز {بل یکفی واحدة منها} فإذا کان أحد الدمین أسود والآخر أصفر کان بینهما تمیز، وذلک لأن الظاهر من الأدلة بشهادة اختلافها فی الصفات کفایة وجود صفة واحدة من الصفات فی التمیز، وعلیه: فیشترط خلوّ دم الاستحاضة من کل صفات الحیض، وإن لم یکن واجداً لصفات الاستحاضة.

ص:128

ثم إن هذا البحث إنما یأتی علی القول باعتبار الصفات المنصوصة، أما علی القول بحصول التمیز بالشدة والضعف، فیسقط هذا المبحث رأساً، ولو لم یکن لأحد الدمین ما یصدق علیه الإقبال والإدبار کانت بلا تمیز.

ص:129

مسألة ١٣ الحکم مع فقد الأقارب

(مسألة _ 13): ذکر بعض العلماء: الرجوع إلی الأقران مع فقد الأقارب، ثم الرجوع إلی التخییر بین الأعداد،

(مسألة _ 13): {ذکر بعض العلماء} بل نسب إلی الأکثر، بل المشهور، بل إلی ظاهر المتأخرین، وعن السرائر: الإجماع علیه {الرجوع إلی الأقران مع فقدان الأقارب، ثم الرجوع إلی التخییر بین الأعداد} واستدلوا له بوجوه:

الأول: الظنّ بالمساواة، لغلبة لحوق المرأة فی الطبع بأقرانها، بل ربما ادعی القطع بذلک.

الثانی: مرسلة یونس: حیث قال (علیه السلام): «إن المرأة أول ما تحیض ربما کانت کثیرة الدم فیکون حیضها عشرة أیام فلا تزال کلما کبرت نقصت حتی ترجع إلی ثلاثة»((1))، فإنها تدل علی توزیع الأیام علی الأعمار، فإذا کانت المرأة فی عمر خاص شابهت أقرانها فی أیام الحیض.

الثالث: قراءة «أقرائها» فی روایة زرارة ومحمد بن مسلم((2)) ب_ : «أقرانها» بالنون لا بالهمزة، فهو جمع قرن لا جمع قرء، وحکی ذلک

ص:130


1- الوسائل: ج2 ص551 الباب10 من أبواب الحیض ح4
2- الاستبصار: ج1 ص138 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح4

ولا دلیل علیه، فترجع إلی التخییر بعد فقد الأقارب.

عن شرح المفاتیح ومجمع الفائدة والبرهان((1)).

الرابع: شمول مضمرة سماعة: «أقراؤها مثل أقراء نسائها»((2)) للأقران، لصدق النساء علی الأقارب والأقران، ألا تری أنه یصح أن یقال: إنها اقتدت بنسائها، إذا اقتدت بزوجة أخیها وزوجة عمّها وزوجة خالها وما أشبه؟

{و} لکن المصنّف علی أنه {لا دلیل علیه، فترجع إلی التخییر بعد فقد الأقارب} وقد أهمل ذکرها جماعة: کالصدوق والسید والشیخ فی الخلاف والنهایة، وأنکرها آخرون: کالمعتبر والمنتهی والمقداد والمحقق الثانی والمدارک، وطعن فی ذکرها جماعة من المتأخرین: کصاحب الجواهر والشیخ المرتضی وغیرهم، إذ أشکلوا علی الأدلة المذکورة.

أما الأول: فبأنه لا قطع، ولا حجیة للظن.

وأما الثانی: فلأنه لا یدل علی تساوی النساء فی المقدار والوقت، بل من المعلوم عدم التساوی، فإن المرسلة بصدد بیان الاختلاف بین أدوار السنّ فی الجملة.

ص:131


1- مجمع الفائدة والبرهان: ج1 ص147
2- الاستبصار: ج1 ص138 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح3

وأما الثالث: بأن اللفظ فی النسخ المضبوطة بالهمزة مع ظهور التفریع فی ذلک، حیث قال (علیه السلام): «فتقتدی»، ولو کانت النسخة بالنون کان اللازم العطف بالواو.

وأما الرابع: فلأن «النساء» ظاهر فی الأقرباء، وإذا شمل مثل الأقران فهو مجازی لا یصار إلیه إلاّ بقرینة قطعیة.

هذا بالإضافة إلی أنه لو تمت هذه الأدلة لزم تساوی الأقران والأقرباء، مع أن المشهور قدموا الأقرباء علی الأقران، لکن الظاهر أن النساء أعمّ، والشاهد العرف، فإذا قیل: «أقبلت فاطمة (علیها السلام) فی لمّة من نسائها» فهم النساء الأعمّ من الأقرباء، وإنما قالوا بالتساوی فی السنّ _ مع أن النساء أعمّ _ لقرینیة «الأقران» علی ذلک، کما أنهم إنما قدّموا «الأقرباء» علی «الأقران» للشهرة وللاحتیاط، ولا شک أن ما ذکروه هو الأحوط الذی لا یترک، وإن کان أحوط منه: الجمع بینهما وبین الروایات مع الإمکان.

ثم إن الظاهر من «الأقران» قریب السنّ لا مطابق السنّ تحقیقاً، واللازم اتفاق أغلب الأقران کما ذکر فی الأقرباء، ولا فرق بین أقران البلد وغیر البلد، وإن ذکر الشهید لزوم اتحاد البلد، والمراد: الرجوع إلی الأقران فی العدد لا فی الوقت لوضوح اختلاف النساء فی الوقت.

وربما یقال: الظاهر الأقران الأحیاء لا الأعمّ منهنّ ومن الأموات، والله العالم.

ص:132

مسألة ١٤ المراد من الأقارب

(مسألة _ 14): المراد من الأقارب: أعم من الأبوینی والأبی أو الأمی فقط، ولا یلزم فی الرجوع إلیهم حیاتهم.

(مسألة _ 14): {المراد من الأقارب أعمّ من الأبوینی والأبی أو الأمّی فقط} کما عن المعتبر والمنتهی والمسالک، بل قیل: إنه مما لا خلاف فیه، وذلک لصدق «نسائها»((1)) الوارد فی الروایة، علی الجمیع.

وهل هو أعم من أولاد الحلال والزنا؟ لا یبعد ذلک، للصدق المذکور، وقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الولد للفراش»((2)) لا یدل علی سلب الأحکام الشرعیة إلاّ فی المقدار المحقق، ولذا یقولون بعدم جواز تزویجهم ومحرمیتهم وما أشبه من الأحکام. نعم ثبت سلب التوارث کما فصّلوه فی کتاب النکاح فراجع.

أما أولاد الشبهة ومن ولد فی حال الحیض والإحرام والصیام فلا شبهة فی صدق «نسائها» علیه.

{ولا یلزم _ فی الرجوع إلیهم _ حیاتهم} کما عن المسالک وغیره، للإطلاق، والظاهر لزوم عدم الشذوذ فیهم لعارض، مثل إجراء عملیة جراحیة أو نحوها، لانصراف المطلق إلی الأفراد المتعارفة.

ص:133


1- الاستبصار: ج1 ص138 الباب82 المرأة تری الدم أول مرة ویستمر بها ح3
2- الوسائل: ج17 ص566 الباب8 من أبواب میراث ولد الملاعنة وما أشبه ح1

مسألة ١٥ الموارد التی تتغیر بین جعل الحیض أول الشهر

(مسألة _ 15): فی الموارد التی تتخیر بین جعل الحیض أول الشهر أو غیره: إذا عارضها زوجها، وکان مختارها منافیاً لحقه، وجب علیها مراعاة حقه.

(مسألة _ 15): {فی الموارد التی تتخیر بین جعل الحیض أول الشهر أو غیره، إذا عارضها زوجها، وکان مختارها منافیاً لحقه، وجب علیها مراعاة حقه} لأن الأمر التخییری لا یعارض الأمر التعیینی، وذلک لأن الإطاعة واجبة عیناً، وجعل الحیض مخیر فیه، ومثله کل واجبین أحدهما تعیینی والآخر تخییری أو کفائی، ولذا أفتوا: بعدم جواز الجهاد الکفائی مع نهی الأبوین.

ثم: إن وجوب إطاعة الزوج إنما هو فیما کان منافیاً لحقه، أما إذا لم یناف لم تجب الطاعة، کما إذا کان الزوج فی السفر مثلاً ولا یرید التمتع وإنما ینهی إعمالاً للسلطة واعتباطاً، إذ لا دلیل علی وجوب الإطاعة حینئذ.

ومثل ذلک: إذا أرادت هی أخذ السبعة _ فی الروایات _ وأمرها الزوج بأخذ الستة مثلاً، لوحدة الدلیل فیهما.

ثم: لو اختارت عدداً أو وقتاً، وقلنا: إن التخییر استمراری، ونهی الزوج، کان له ذلک، فتغیر الوقت وتتنازل عن العدد إلی عدد أقل، أما إذا قلنا: إن التخییر بدوی فلا حق لها فی التغییر.

ولو أرادت هی الوقت الأقل وأراد الزوج الوقت الأکثر، فمع تصور کون الأقل منافیاً لحق الزوج وجبت الإطاعة أیضاً.

ص:134

وکذا فی الأمة مع السید، وإذا أرادت الاحتیاط الاستحبابی فمنعها زوجها أو سیدها یجب تقدیم حقهما، نعم لیس لهما منعها عن الاحتیاط الوجوبی.

{وکذا فی الأمة مع السیّد} لعموم الدلیل، بل هنا أولی، بل وإن لم یکن منافیاً لحقه، لوجوب الإطاعة المطلقة هنا، وکذا فی کل من قید نفسه بنذر أو نحوه، کما إذا نذرت أن تصوم أول کل شهر، وهل لها الاختیار فیما کان مزاحماً لعمل اختیاری کما فی الحج، أو لا بد من مراعاة الحج کالطواف ونحوه فلا اختیار لها؟ إحتمالان، وإن کان الظاهر أن لا خیار لها، إذ لا یحق لمن یخیر فی طاعة أن یصرف تخییره إلی ما یوجب الاضطرار فی طاعة أخری، فإنه نوع من تعارض الواجب التخییری مع الواجب التعیینی.

{وإذا أرادت الاحتیاط الاستحبابی فمنعها زوجها أو سیّدها یجب تقدیم حقهما} لعدم المزاحمة بین المستحب والواجب.

{نعم لیس لهما منعها عن الاحتیاط الوجوبی} إذ لا حق لهما مع حق الله سبحانه، سواء کان الحق معلوماً أو مردداً، فإنّ مخالفة الواجب المردّد هو فی حکم المعصیة.

ص:135

مسألة ١٦ التدارک بالقضاء أو الإعادة عند کشف الحالات

(مسألة _ 16): فی کل مورد تحیضت من أخذ عادة، أو تمیز، أو رجوع إلی الأقارب، أو إلی التخییر بین الأعداد المذکورة، فتبین بعد ذلک کونه خلاف الواقع، یلزم علیها التدارک بالقضاء أو الإعادة.

(مسألة _ 16): {فی کل مورد تحیضت: من أخذ عادة، أو تمیز، أو رجوع إلی الأقارب، أو إلی التخییر بین الأعداد المذکورة} فی الروایات {فتبین بعد ذلک کونه خلاف الواقع، یلزم علیها التدارک بالقضاء، أو الإعادة} فیما له قضاء أو إعادة.

وکذا فی کل مورد أخذت بالاحتیاط وکان للترک قضاء، مثل أن کانت ناذرة أن تقرأ العزائم مثلاً، ثم ترکتها احتیاطاً، وقد تقدّم الإشکال فی المسألة، فی المسألة الخامسة، والله العالم.

ص:136

فصل فی أحکام الحائض

اشارة

فصل

فی أحکام الحائض

وهی أمور:

أحدها: یحرم علیها العبادات المشروطة بالطهارة: کالصلاة والصوم والطواف والاعتکاف.

{فصل فی أحکام الحائض}

لا فرق فی الحائض بین أن یکون حیضها بالعلم أو بالأدلة المتقدمة من عادة أو نحوها.

{وهی أمور}:

{أحدها: یحرم علیها العبادات المشروطة بالطهارة: کالصلاة والصوم والطواف} الواجب، وإنما قیّدناه به لأنه المشروط بالطهارة، أما الطواف المستحب فلا یشترط به وإن حرم علیها دخول المسجد {والاعتکاف} لاشتماله علی الصوم، وإلاّ فذات

ص:137

الاعتکاف لا یشترط بالطهارة، وإن حرم علیها المکث فی المساجد ودخول المسجدین إذا أرادت الاعتکاف فیهما، ویدل علی حرمة العبادة _ المشروطة بالطهارة _ علیها الإجماع فی کلام غیر واحد، بل فی الجواهر: «دعوی الإجماع المحصّل والمنقول علیه»، وعن شرح المفاتیح: «إنه ضروری».

ثم إنه لا کلام فی أصل الحرمة، وإنما الکلام فی أن حرمة العبادة هی ذاتیة أو تشریعیة، ومعنی الحرمة الذاتیة: أن العبادة فی حالة الحیض کمثل قراءتها للعزائم. ومعنی التشریعیة: أنها بذاتها لیست محرمة وإنما أن یأتی بها الإنسان وینسبها إلی الشارع حرام، کمثل أن یأتی الإنسان برکعتی صلاة عادیة فی وقت الزلزلة ناسباً لها إلی الشارع، وقد اختلفوا فی ذلک فمن قائل: بأن الحرمة ذاتیة، وهم المشهور، ومن قائل بأنها تشریعیة، ونسب هذا القول إلی ظاهر عبارة المعتبر حیث قال: (لا تنعقد للحائض صلاة ولا صوم وعلیه الإجماع)((1))، لکن فی دلالة هذه العبارة علی ذلک نظر، ولذا تری التحریر جمع بین العبارتین فقال: [یحرم علی الحائض الصلاة والصوم ولا ینعقدان لو فعلتهما]((2))، فتأمل.

ثم: إنه یمکن أن یستدل للحرمة الذاتیة بجملة من الأخبار:

ص:138


1- المعتبر: ص58 س33
2- تحریر الأحکام: ج1 ص15 س5

کالمروی فی الکافی: عن الباقر (علیه السلام) قال: «إذا کانت المرأة طامثاً فلا تحلّ لها الصلاة»((1)).

وفی التهذیب: عن الصادق (علیه السلام) قال: «وأیّ امرأة کانت معتکفة ثم حرمت علیها الصلاة فخرجت من المسجد»((2))، الحدیث.

وما رواه فضل بن شاذان: عن الرضا (علیه السلام) فی تعلیل نهی الحائض عن الصلاة والصیام بقوله (علیه السلام): «لأنها فی حدِّ نجاسة، فأحبّ الله أن لا یُعبد إلاّ طاهراً»((3)).

وما ورد فی روایة خلف: «فی اشتباه الحیض بالعذرة» من قول الکاظم علیه السلام: «فلتتق الله، فإن کان من دم الحیض: فلتمسک عن الصلاة حتی تری الطهر، ولیمسک عنها بعلها، وإن کان من العذرة فلتتق الله ولتتوضأ ولتصلّ»((4)). فإن ظاهره: أنه کما یحرم ترک الصلاة فی حال الطهارة، کذلک الإتیان بها فی حال الحیض.

ص:139


1- الکافی: ج3 ص101 باب ما یجب علی الحائض فی أوقات الصلاة ح4
2- التهذیب: ج1 ص398 الباب19 فی الحیض والاستحاضة والنفاس ح63
3- الوسائل: ج2 ص586 الباب39 من أبواب الحیض ح2
4- الوسائل: ج2 ص535 الباب2 من أبواب الحیض ح1

وما فی مرسلة یونس الطویلة: من قوله (علیه السلام): «فلتدع الصلاة أیام أقرائها»((1)).

وصحیحة زرارة: «إذا کانت المرأة طامثاً لا تجوز لها الصلاة»((2)).

وروایة سلیمان بن خالد: «إذا دفقته» أی الدم «حرمت علیها الصلاة»((3)).

وکذلک تدل علی الحرمة الذاتیة الأخبار الکثیرة الواردة فی باب الاستظهار: کقوله (علیه السلام) فی صحیحة زرارة: «المستحاضة تکفّ عن الصلاة أیام أقرائها وتحتاط بیوم أو اثنین»((4)). ومثلها غیرها _ مما تقدم _، بتقریب أنه لو لم یکن فعل الصلاة حراماً ذاتیاً لما کان الترک احتیاطاً، بل کان مقتضی أن تأتی بالصلاة برجاء المطلوبیة، کما فی کل دوران بین الواجب والجائز.

بل یدل علی الحرمة الذاتیة: ما دل علی حرمة مطلق الصلاة بدون طهر، کروایة مسعدة بن صدقة: إنی أمرّ بقوم ناصبیة، وقد أقیمت لهم الصلاة وأنا علی غیر وضوء، فإن لم أدخل معهم فی الصلاة قالوا ما

ص:140


1- الوسائل: ج2 ص542 الباب5 من أبواب الحیض ح1
2- کما فی کتاب طهارة الشیخ الأنصاری: ص233 س26 فی الحیض
3- الوسائل: ج2 ص579 الباب30 من أبواب الحیض ح14
4- التهذیب: ج1 ص401 الباب19 فی الحیض والاستحاضة والنفاس ح76

شاؤوا أن یقولوا، أ فأصلّی معهم، ثم أتوضأ إذا انصرفت وأصلّی؟ فقال جعفر بن محمد (علیه السلام): «سبحان الله، أ فما یخاف من یصلّی من غیر وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً»((1)).

واستدل للحرمة الذاتیة بجملة أخری من الأدلة: کظاهر معاقد الإجماعات، فإنهم کما ذکروا حرمة قراءة العزائم، ذکروا حرمة الصلاة، وبأن موضوع الحرمة التشریعیة هو التشریع القلبی لا العمل الجوارحیّ، وظاهر النصوص: کون موضوع الحرمة هو الثانی لا الأول.

لا یقال: لا یخلو الأمر من أن یأتی بالعبادة بلا قصد التقرّب به فی إتیانه، أو یؤتی به مع قصده، فإذا أتی بها بلا قصد التقرّب لا تکون عبادة حتی تکون منهیاً عنها، وإذا أتی بها مع قصد التقرّب کانت محرمة بالحرمة التشریعیة، ومع الحرمة التشریعیة لا حرمة ذاتیة.

لأنه یقال:

أولاً: لا منافاة بین الأمرین، الحرمة الذاتیة والحرمة التشریعیة، لأن إحداهما متعلق بالعمل الخارجی، وآخر متعلق بالعمل القلبی، وذلک کما إذا شرب الخمر ناسباً شربها إلی الشرع فإنه تشریع وحرام ذاتاً.

وثانیا: إن النهی حیث تعلق بذات العمل التی شرع نوعها لأن

ص:141


1- الوسائل: ج1 ص257 الباب2 من أبواب الوضوء ح1

یتعبد به یکون المنهی عنه حراماً من قبل النهی المتعلق بذاته، فالحرمة إنما تنشأ من النهی به، الذی لولاه لم یکن التعبّد به تشریعاً محرماً.

هذا، وقد ردّ بعض الفقهاء ما ذکرناه من الأدلة بوجوه لا یخلو أغلبها عن الضعف، کما یظهر لمن راجع المفصلات، فالقول بالحرمة الذاتیة هو الأقرب.

ثم: إن ثمرة القولین تظهر فی أمرین:

الأول: إمکان الاحتیاط المطلق عند تردد الدم بین الحیض وغیره، لإمکان أن یأتی بالصلاة بداعی احتمال الأمر علی الحرمة التشریعیة دون الحرمة الذاتیة، إذ الاحتمال لا ینافی التشریع وإنما ینافی الحرام الذاتی، لدوران الفعل بین الوجوب والحرمة، فلا یکون کل من الفعل والترک موجباً للاحتیاط المطلق، بل موجباً للاحتیاط من وجه دون وجه.

الثانی: حرمة الإتیان بالصلاة بداعی أنها عبادة بالذات، بناءً علی الحرمة الذاتیة، وعدم حرمته بناءً علی الحرمة التشریعیة، لاختصاص التشریع بصورة قصد الأمر التشریعی وهو غیر حاصل فی الفرض.

وفی الإیراد علی الأمرین وتزییف الإیراد بحث طویل یطلبه من یشاء من المطوّلات.

ثم إن العبادة فی حالة الحیض _ بالإضافة إلی حرمتها _ لا تنعقد، فإذا صلّت أو اعتکفت أو صامت لم یحرم رفع الید فی الأثناء

ص:142

الثانی: یحرم علیها مسّ اسم الله وصفاته الخاصة، بل غیرها أیضاً إذا کان المراد بها هو الله،

عنه، إذ هی لم تنعقد حتی یکون حالها حال عبادة الطاهر فی حرمة الإبطال، ولا فرق فی العبادة بین الواجبة والمستحبة والأصالة والتحمل.

نعم لا بأس بصلاة المیت فی هذا الحال، للدلیل الخاص الدال علی أنها لیست بصلاة، وإنما هی دعاء ونحوه.

{الثانی} من المحرمات علی الحائض ما ذکره بقوله: {یحرم علیها مسّ اسم الله وصفاته الخاصة بل غیرها أیضاً إذا کان المراد بها هو الله}، واستدل علی ذلک بأمور:

الأول: دعوی الاتفاق.

الثانی: مساواتها للجُنب، کما ادعی علیها الإجماع، بضمیمة ما تقدم فی الجنب من الأدلة: کقوله (علیه السلام): «لا یمسّ الجنب درهماً ولا دیناراً علیه اسم الله»((1)) بعد وضوح أنه لا یراد لفظ «الله» بل کل اسم من اسمائه الشاملة للصفات مطلقاً.

الثالث: أن الحیض أعظم من الجنابة، لخبر سعید بن یسار، الوارد فی المرأة تری الدم وهی جنب؟ حیث قال (علیه السلام): «قد أتاها ما هو أعظم من ذلک»((2)).

ص:143


1- الوسائل: ج1 ص491 الباب18 من أبواب الجنابة ح1
2- الوسائل: ج2 ص565 الباب22 من أبواب الجنابة ح2

وکذا مس أسماء الأنبیاء والأئمة علیهم السلام علی الأحوط، وکذا مس کتابة القرآن علی التفصیل الذی مر فی الوضوء

الرابع: ما فی صحیح ابن فرقد المروی عن الصادق (علیه السلام) فی التعویذ حیث قال (علیه السلام): «تقرؤه وتکتبه ولا تصیبه یدها»((1))، وعن منصور بن حازم عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن التعویذ یعلّق علی الحائض؟ فقال: «نعم، إذا کان فی جلد أو فضة أو قصبة حدید»((2)).

الخامس: أنه یدل علی حرمة ذلک ما تقدم فی باب الوضوء من حرمة مسّ المحدث بالأصغر، لوضوح أن المرتکز فی أذهان المتشرعة أن الحدث الأکبر یشمل الأصغر وما زاد علیه، بل یدل علیه أن الأکبر ینقض الوضوء، ولا یخفی أن بعض هذه الأدلة محل تأمل، إلاّ أن فی الجمیع کفایة.

{وکذا مسّ أسماء الأنبیاء والأئمة علیهم السلام علی الأحوط} لما مرّ هنا، وفی باب الحدث الأصغر.

{وکذا مسّ کتابة القرآن علی التفصیل الذی مرّ فی الوضوء} بل فیه إجماع صریح متواتر نقله بالإضافة إلی قوله تعالی: ﴿لا یَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطهّرُون﴾((3)) وقوله (علیه السلام): «المصحف لا تمسّه

ص:144


1- الوسائل: ج2 ص585 الباب37 من أبواب الحیض ح1
2- الکافی: ج3 ص106 باب الحائض والنفساء تقرءان القرآن
3- سورة الواقعة: الآیة79

الثالث: قراءة آیات السجدة بل سورها علی الأحوط.

الرابع: اللبث فی المساجد.

علی غیر طهر»((1)).

{الثالث: قراءة آیات السجدة} إجماعاً متواتراً فی کلماتهم، لخبر محمد بن مسلم المروی عن الباقر (علیه السلام) قال: «الجنب والحائض یفتحان المصحف من وراء الثوب ویقرآن من القرآن ما شاءا إلاّ السجدة»((2))، وخبر عبد الرحمن عن الصادق (علیه السلام) عن الحائض هل تقرأ القرآن، وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال: «لا تقرأ ولا تسجد» کما فی نسخة الاستبصار((3)) بناءً علی أن المراد: النهی عن السجدة التابعة لقراءتها، فالمنهی عنه القراءة المستلزمة للسجدة، بقرینة ما سیأتی من وجوب سجدتها إذا سمعت آیة السجدة، هذا کله بالإضافة إلی الإجماع فی اشتراک الحائض مع الجنب فی هذه الجهة فیشملها ما تقدم هناک {بل سورها علی الأحوط} لما عرفت فی باب الجنابة من وجود قولین فی حرمة قراءة سائر آیات سور السجدة.

{الرابع: اللبث فی المساجد} بلا إشکال ولا خلاف، بل

ص:145


1- الاستبصار: ج1 ص113 الباب68 إن الجنب لا یمس المصحف ح3
2- الوسائل: ج1 ص494 الباب19 من أبواب الجنابة ح7
3- الاستبصار: ج1 ص320 الباب177 الحائص تسمع سجدة العزائم ح2

الخامس: وضع شیء فیها إذا استلزم الدخول.

دعور الاجماع علیه فی کلماتهم مکررة، ویدل علیه من الأخبار:

صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم: عن الباقر (علیه السلام) قلنا له: الحائض والجنب یدخلان المسجد أم لا؟ قال (علیه السلام): «الحائض والجنب لا یدخلان المسجد إلاّ مجتازین»((1))، وفی حسنة ابن مسلم فی حدیث الجنب والحائض: «ویدخلان المسجد مجتازین ولا یقعدان فیه ولا یقربان المسجدین الحرمین»((2)).

وما رواه الکافی عن الباقر (علیه السلام) قال: «إذا کان الرجل نائماً فی المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلی الله علیه وآله) فاحتلم فأصابه جنابة فلیتیمم، ولا یمرّ فی المسجد إلاّ متیمماً حتی یخرج منه ثم یغتسل، وکذلک الحائض إذا أصابها الحیض تفعل کذلک، ولا بأس أن یمرا فی سائر المساجد ولا یجلسان فیها»((3))، وقد تقدم الکلام فی خصوصیات المسألة فی باب الجنابة فراجع.

{الخامس: وضع شیء فیها إذا استلزم الدخول} أما إذا کان فی حال المرور أو المکث الاضطراری، فقد تقدم أن فیه قولین، کما تقدم دلیل المسألة فی باب الجنابة، فراجع.

ص:146


1- الوسائل: ج1 ص486 الباب15 من أبواب الجنابة ح10
2- الوسائل: ج1 ص488 الباب15 من أبواب الجنابة ح17
3- الکافی: ج3 ص73 باب النوادر ح14

السادس: الاجتیاز من المسجدین، والمشاهد المشرفة کسائر المساجد،

{السادس: الاجتیاز من المسجدین} بمکة والمدینة زادهما الله شرفاً، وقد ادعی علی ذلک الإجماع، یدل علی ذلک حسنة محمد بن مسلم: قال (علیه السلام) فی حدیث الجنب والحائض: «یدخلان المسجد مجتازین ولا یقعدان فیه ولا یقربان المسجدین الحرمین»((1)).

وصحیحة أبی حمزة: المرویة عن الباقر (علیه السلام): «إذا کان الرجل نائماً فی المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلی الله علیه وآله) فاحتلم فأصابته جنابة فلیتیمم ولا یمرّ فی المسجد إلاّ متیمماً حتی یخرج منه ثم یغتسل، وکذلک الحائض إذا أصابها الحیض تفعل کذلک، ولا بأس أن یمرّا فی سائر المساجد ولا یجلسان فیها»((2)).

{والمشاهد المشرفة} للأئمة الأطهار والصدیقة الطاهرة علیهم السلام {کسائر المساجد} لما تقدم فی باب الجنابة، وقد ذکرنا هناک أن بعض الفقهاء ذهبوا إلی أنها فی حکم المسجدین، ولا یرد علی ذلک ما ورد من بقاء نساء النبی (صلی الله علیه وآله) فی حال حیضهن فی بیت النبی (صلی الله علیه وآله) لما سبق من عدم قیاس حال موتهم علیهم السلام بحال حیاتهم، لوجود الضرورة فی

ص:147


1- تقدم فی ص146 تحت رقم2
2- تقدم فی ص146 تحت رقم3

دون الرواق منها، وإن کان الأحوط إلحاقه بها، هذا مع عدم لزوم الهتک وإلاّ حرم.

وإذا حاضت فی المسجدین تتیمم وتخرج إلاّ إذا کان زمان الخروج أقل من زمان التیمم أو مساویاً.

حال الحیاة کوجود المرحاض فی بیوتهم علیهم السلام، وجواز تقدم الإنسان علیهم فی الصلاة، إلی غیر ذلک.

فما ذکره مصباح الهدی من: (أنّ الأقوی عدم حرمة الدخول واللبث علیهن فی المشاهد المشرفة إلاّ أن یستلزم التلویث أو الهتک)((1)) ممنوع جدا.

{دون الرواق منها} کأنه لعدم صدق دخول بیوتهم علیهم السلام _ الذی هو موضع التحریم _ بدخول الرواق.

لکن فی عدم الصدق نظر {وإن کان الأحوط إلحاقه بها، هذا مع عدم لزوم الهتک، وإلاّ حرم} بل الهتک من أعظم المحرمات کما هو واضح، ولذا لم یختلف فی الحرمة أحد، وقد تقدم بعض الکلام فی باب الجنابة.

{وإذا حاضت فی المسجدین تتیمم وتخرج، إلاّ إذا کان زمان الخروج أقل من زمان التیمم أو مساویاً} علی التفصیل الذی مرّ فی باب الجنابة فراجع هناک، وقد مرّ هناک الکلام فی حکم الزیادات المستحدثة فی المسجدین.

ص:148


1- مصباح الهدی: ج5 ص58

مسألة ١ لو حاضت أثناء الصلاة

(مسألة _ 1): إذا حاضت فی أثناء الصلاة ولو قبل السلام بطلت، وإن شکت فی ذلک صحت، فإن تبین

(مسألة _ 1): {إذا حاضت فی أثناء الصلاة ولو قبل السلام بطلت} لتحقق القاطع المبطل للصلاة، ولما ورد((1)): من «أن الصلاة إفتتاحها التکبیر واختتامها التسلیم»، مما یدل علی أن السلام جزء، ویدل علی الحکم جملة من الروایات:

کروایة سماعة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة صلّت من الظهر رکعتین، ثم إنها طمثت وهی جالسة؟ فقال: «تقوم من مسجدها ولا تقضی تلک الرکعتین»((2)).

وما رواه الساباطی عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی المرأة تکون الصلاة فتظن أنها قد حاضت؟ قال: «تدخل یدها فتمسّ الموضع، فإن رأت شیئاً انصرفت، وإن لم تر شیئاً أتمّت صلاتها»((3)).

وغیرهما. وسیأتی تفصیل الکلام فی ذلک من باب قواطع الصلاة إن شاء الله تعالی.

{وإن شکت فی ذلک: صحت} لأصالة الطهارة {فإن تبین

ص:149


1- جامع أحادیث الشیعة: ج5 الباب7 من أبواب کیفیة الصلاة وآدابها
2- التهذیب: ج1 ص394 الباب19 فی الحیض والاستحاضة والنفاس ح43
3- التهذیب: ج1 ص394 الباب19 فی الحیض والاستحاضة والنفاس ح45

بعد ذلک ینکشف بطلانها، ولا یجب علیها الفحص، وکذا الکلام فی سائر مبطلات الصلاة.

بعد ذلک ینکشف بطلانها} لأن الطهارة شرط واقعی _ کما سیأتی _ فعدمها موجب للبطلان. نعم إذا دلّ دلیل ثانوی علی الکفایة _ کما ذکرناه فی بعض المسائل السابقة _ قیل به للدلیل الخاص {ولا} اعتبار بالظن فی المقام، للأصل.

والظاهر أنه {یجب علیها الفحص} لما قررناه من وجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة إلاّ ما خرج بالدلیل، ولیس المقام من المستثنی، بل یؤیده ما دل علی الفحص عن الحیض عند احتمال الطهارة، وما تقدم من روایة الساباطی.

{وکذا الکلام فی سائر مبطلات الصلاة} مما سیأتی الکلام حولها فی کتاب الصلاة إن شاء الله تعالی.

ص:150

مسألة ٢ جواز سجدة الشکر وسجدة التلاوة للحائض

(مسألة _ 2): یجوز للحائض سجدة الشکر، ویجب علیها سجدة التلاوة إذا استمعت بل أو سمعت آیتها،

(مسألة _ 2): {یجوز للحائض سجدة الشکر} بلا إشکال ولا خلاف، وفی المستمسک((1)): (بلا خلاف ظاهر) وذلک للأصل.

نعم حکی عن الشیخ ما ظاهره المنع، لأنه استدل علی حرمة سجود التلاوة علیها بعدم جواز السجود لغیر الطاهر اتفاقاً، وفیه: إنه لا اتفاق فی سجود التلاوة فکیف فی سجود الشکر؟ وربما یستدل للمنع فی المقام: بأن السجدة عبادة، فیشملها التعلیل الوارد عن الرضا (علیه السلام) فی حدیث فضل بن شاذان: من قوله (علیه السلام): «لأنها فی حدّ نجاسة فأحبّ الله أن لا یُعبد إلاّ طاهراً»((2))، وفیه: أن اللازم إرادة الصلاة من العبادة أو ما أشبهها کالصیام، وإلاّ فلا إشکال فی صحة عبادتها بالذکر وما أشبه، ومنه یعرف جواز سجدتها مطلقاً لا بقصد خصوص الشکر کما یصح رکوعها لله سبحانه.

{ویجب علیها سجدة التلاوة إذا استمعت بل أو سمعت آیتها} سواء کانت سجدة واجبة أو مندوبة، بل وکذا إن قرأتها غافلة أو عاصیة أو ما أشبه، وهذا هو المشهور، بل ادعی الاتفاق علیه، ولکن عن المقنعة والانتصار والتهذیب والوسیلة: الحرمة، بل عن

ص:151


1- المستمسک: ج3 ص314
2- الوسائل: ج2 ص586 الباب39 من أبواب الحیض ح2

الشیخ فی التهذیب: الإجماع علیه.

والأقوی هو الأول: لصحیح الحذاء: عن الباقر (علیه السلام) عن الطامث تسمع السجدة؟ فقال: «إن کانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها»((1))، وموثق أبی بصیر: عن الصادق (علیه السلام): «والحائض تسجد إذا سمعت السجدة»((2)).

وخبر آخر لأبی بصیر عنه (علیه السلام): «إذا قرئ شیء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد، وإن کنت علی غیر وضوء وإن کنت جنباً وإن کانت المرأة لا تصلی، وسائر القرآن أنت فیه بالخیار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد»((3)).

استدل للمنع: بصحیح البصری: عن الحائض تقرأ القرآن وتسجد سجدة؟ قال (علیه السلام): «تقرأ ولا تسجد»((4)).

وخبر الغیاث: المروی عن الصادق (علیه السلام) عن أبیه عن علی (علیهم السلام) قال: «لا تقضی الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة»((5)).

ص:152


1- الوسائل: ج2 ص584 الباب36 من أبواب الحیض ح1
2- الوسائل: ج2 ص584 الباب36 من أبواب الحیض ح3
3- الوسائل: ج2 ص584 الباب36 من أبواب الحیض ح2
4- التهذیب: ج2 ص292 الباب8 فی کیفیة الصلاة و... ح28
5- الوسائل: ج2 ص585 الباب36 من أبواب الحیض ح5

ویجوز لها اجتیاز غیر المسجدین

والظاهر: إن المقام من التعارض لعدم إمکان الجمع العرفی بینهما، وإن حاول بعض الفقهاء ذلک، کما لا یمکن إسقاط أخبار غیر المشهور بضعف السند أو عدم الدلالة، وإنما اللازم أحد أمرین: إما إسقاطها بإعراض المشهور عنها، وإما حملها علی التقیة لموافقتها لأبی حنیفة والشافعی وأحمد وأکثر الجمهور علی ما حکی، بل فی طهارة الشیخ الأکبر حکایته عن جمهورهم، ومما تقدم تعرف حال الإجماع الذی تقدم نقله عن الشیخ.

ثم المشهور هو وجوب السجدة علیها عند قراءة العزیمة أو استماعها، لظاهر الأوامر الخاصة هنا والأدلة العامة، خلافاً لما عن الاستبصار والجامع من القول باستحبابها للحائض، وذلک للجمع بین الأخبار الآمرة والأخبار الناهیة بحمل الآمرة علی الاستحباب والناهیة علی نفی الوجوب لوردها مورد توهّم الوجوب، وفیه: إن ذلک إنما یصح إذا تمت فی الخبرین شرائط الحجیة وقد عرفت ضعفهما بالإعراض وموافقتهما للتقیة، وحیث لا خصوصیة لسجدة الحائض یأتی فیها کل ما سیأتی فی مبحث سجود التلاوة من الفروع إن شاء الله تعالی.

{ویجوز لها اجتیاز غیر المسجدین} الأعظمین، بل علیه الإجماع فی المعتبر والمنتهی وغیرهما، ویدل علیه الأخبار المتقدمة فی حرمة اللبث فی المساجد، خلافاً للمحکی عن الفقیه والمقنع والجمل والعقود والوسیلة، ولعلّه لما تقدم فی عموم روایة فضل بن شاذان أو

ص:153

لکن یکره، وکذا یجوز لها اجتیاز المشاهد المشرفة.

ما یأتی من دلیل الکراهة، ولکن کلاهما لا یصلح دلیلاً للحرمة کما لا یخفی {لکن یکره} کما هو المشهور، بل ادعوا علیه الاتفاق. ویدلّ علیه:

التسامح بعد فتوی الفقهاء، وأنه أنسب إلی التعظیم.

ومرسل کشف اللثام: عن الباقر (علیه السلام): «إنا نأمر نساءنا الحُیّض أن یتوضأن عند وقت کل صلاة _ إلی قوله _ ولا یقربن مسجداً»((1)).

وخبر الدعائم: عن الباقر (علیه السلام) فی حدیث الحائض: «ولا یقربن مسجداً ولا یقرأن قرآناً»((2)) والظاهر أن هذا المقدار کاف فی الحکم بالکراهة.

وفی خبر الحلبی: عن الصادق (علیه السلام) قال: «کن نساء النبی (صلی الله علیه وآله) لا یقضین الصلاة إذا حضن ولکن یتحشین، حین یدخل وقت الصلاة ویتوضأن ثم یجلسن قریباً من المسجد فیذکرن الله عزوجل»((3)).

{وکذا یجوز لها اجتیاز المشاهد المشرفة} لأنها فی حکم سائر المساجد، کما تقدم.

ص:154


1- کشف اللثام: ج1 ص93 س27
2- دعائم الاسلام: ج1 ص128 فی ذکر الحیض
3- الفقیه: ج1 ص55 الباب20 غسل الحیض والنفاس ح15

نعم من یقول بإلحاقها بالمسجدین لا یجیز لها اجتیازها، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ص:155

مسألة ٣ أحکام الحائض: الوطیء فی القبل

(مسألة _ 3): لا یجوز لها دخول المساجد بغیر الاجتیاز، بل معه أیضا فی صورة استلزامه تلویثها.

السابع: وطؤها فی القُبُل.

(مسألة _ 3): (لا یجوز لها دخول المساجد بغیر الاجتیاز} لأن ما عدا الاجتیاز محرّم علیها لما تقدم {بل معه أیضاً فی صورة استلزامه تلویثها} لأن التلویث حرام، فإنه من تنجیس المسجد، فإذا حرم حرمت مقدمته فتأمل، أما صورة الهتک فلا إشکال فی الحرمة لما سبق، أما إذا احتمل التلویث فیحتمل الجواز للأصل، والعدم للأهمیة، أما إذا کان هتکاً، فالظاهر عدم الجواز لأن احتمال الهتک لعظمه غیر جائز، فتأمل.

{السابع: وطؤها فی القُبُل} فهو محرم لها وللواطی بلا إشکال ولا خلاف، بل دعوی الإجماع فی کلماتهم متواترة، بل الظاهر أنه من الضروریات، ویدل علیه الکتاب والسنة المتواترة والإجماع کما عرفت، بل والعقل فی الجملة حیث إنه یوجب المرض لها، بل وله، کما ثبت فی الطب.

أما الکتاب: فقوله تعالی: ﴿یسْئلُونک عنِ الْمحیضِ قُلْ هُو أذیً فاعْتزِلُوا النِّساء فِی الْمحیضِ و لا تقْربُوهُنّ﴾((1))، وذکر ﴿لا تقْربُوهُنّ﴾ إما للتأکید وإما للاحتیاط من باب: «فمن راعی حول

ص:156


1- سورة البقرة: الآیة222

الحمی، أوشک أن یقع فیه»، کقوله: ﴿وَلاَ تقْربُوا مَالَ الْیتیمِ﴾((1)) و: ﴿لا تقْربُوا الصّلاة وأنْتُمْ سُکارَی﴾((2)).

ففی روایة الجعفریات: عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) أنه قال: «من أتی حائضاً فقد کفر»((3)). والمراد الکفر العملی، فی مقابل الکفر الاعتقادی، مثل: «کفر بالله العظیم من هذه الأمّة عشرة...»((4))، و«تارک الصلاة کافر»((5))، وغیرهما.

وفی روایة ابن بکیر: عن الصادق (علیه السلام): «إذا حاضت المرأة فلیأتها زوجها حیث شاء ما اتقی موضع الدم»((6)).

وعن عبد الملک: قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام): ما یحلّ للرجل من المرأة وهی حائض؟ قال (علیه السلام): «کلّ شیء غیر الفرج»((7)).

وعن هشام بن سالم: عن الصادق (علیه السلام): عن الرجل یأتی المرأة فیما دون الفرج وهی حائض؟ قال (علیه

ص:157


1- سورة الأنعام: الآیة152
2- سورة النساء: الآیة43
3- الجعفریات: ص250
4- الوسائل: ج8 ص20 الباب7 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح3
5- الوسائل: ج3 ص29 الباب11 من أبواب أعداد الفرائض.. ح4
6- التهذیب: ج1ص154 الباب7 فی حکم الحیض و... ح8
7- ( [7] ) الوسائل: ج2 ص570 الباب25 من أبواب الحیض ح4

حتی بإدخال الحشفة من غیر

السلام): «لا بأس إذا اجتنب ذلک الموضع»((1)).

وعن عمر بن یزید: قال للصادق (علیه السلام): ما للرجل من الحائض؟ قال: «ما بین إلیتیها، ولا یوقب»((2)).

والرضوی قال (علیه السلام): «وإیاک أن تجامع امرأة حائضاً»((3)).

وعن الدعائم: روینا عن أهل البیت (صلوات الله علیهم): «أن المرأة إذا حاضت أو نفست حرمت علیها الصلاة والصوم وحرم علی زوجها وطؤها»((4)) الحدیث.

وفیه أیضاً: وروینا عنهم (علیهم السلام): «أن من أتی حائضاً فقد أتی ما لا یحل له، وفعل ما لا یجب أن یفعله، وعلیه أن یستغفر الله ویتوب إلیه من خطیئته»((5))، إلی غیرها من الروایات البالغة حدّ التواتر.

{حتی بإدخال الحشفة} لإطلاق الأدلة، فإنه یسمی وطیاً بلا إشکال _ وقد تقدم الکلام فی ذلک باب الجنابة _ ولو {من غیر

ص:158


1- الوسائل: ج2 ص71 الباب25 من أبواب الحیض ح6
2- التهذیب: ج1 ص155 الباب7 فی حکم الحیض و... ح15
3- فقه الرضا: ص31 س8 فی کفارة الجماع من الحیض
4- دعائم الإسلام: ج1 ص127 فی ذکر الحیض
5- نفس المصدر

إنزال،

إنزال} للإطلاق المذکور، کما أن الظاهر عدم حرمة الإنزال علی الفرج من دون الإدخال، إذ الظاهر من الأدلة حرمة الوطی، لکن ربما یحتمل حرمة الإنزال أیضاً، لما ورد فی جملة من الروایات: من أن الولد إذا تکوّن فی ذلک الحال یکون مشوّهاً جسماً أو عقلاً أو فاسد العقیدة، ومن الظاهر: أن الظاهر من ذلک الأعم من الإدخال.

فعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقول لعلی (علیه السلام): «لا یبغضکم إلاّ ثلاثة: ولد زنا، ومنافق، ومن حملت به أمه وهی حائض»((1)).

وعن أبی أیوب عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) أنه قال لعلی (علیه السلام): «لا یحبّک إلا مؤمن، ولا یبغضک إلاّ منافق، أو ولد الزنیة، أو من حملته أمّه وهی طامث»((2)).

وعن علی (علیه السلام): قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): «من لم یحب عترتی، فهو لإحدی ثلاث، إما منافق، وإما لزنیة، وإما امرء حملت به أمّه فی غیر طهر»((3)).

وعن الکافی والعلل: عن الصادق (علیه السلام) قال: «تری

ص:159


1- الوسائل: ج2 ص568 الباب24 من أبواب الحیض ح7
2- الوسائل: ج2 ص568 الباب24 من أبواب الحیض ح8
3- الوسائل: ج2 ص569 الباب24 من أبواب الحیض ح9

هؤلاء المشوهین خلقهم؟» قال: قلت: نعم، قال: «هؤلاء الذین آباؤهم یأتون نساءهم فی الطمث»((1)).

وعن الفقیه: عن النبی (صلی الله علیه وآله) قال: «من جامع امرأته وهی حائض، فخرج الولد مجذوماً أو أبرص فلا یلومنّ إلاّ نفسه»((2)).

ثم إن المراد بعدم الحبّ فی بعض الأخبار: «البغض»، وإلاّ فمن لم یعرف الإمام فلم یحبه لم یکن مشمولاً لهذه الروایات کما هو واضح، کما أن المراد غیر القاصر، وإلاّ فمن ضلّلته الدعایات من دون عناد لم یکن مشمولاً لها، لانصرافها عن مثله، واللازم أن یراد بهذه الروایات وجود المقتضی، لا کونه علّة تامة، وإلاّ لنا فی التکلیف _ کما حقق فی بحث ولد الزنا _.

وکیف کان: فلا یبعد القول بحرمة الإنزال علی الفرج، وذلک لیس لصدق الوطء، بل لأن تعریض الولد لآفة عقلیة أو جسمیة أو عقیدیة محرّم، فأنه من أظهر مصادیق الإضرار بالغیر.

ص:160


1- الکافی: ج5 ص539 باب ما یحل للرجل من امرأته وهی طامث ح5.علل الشرائع: ص82 باب75 علة المشوهین فی خلقهم ح1 وفیه: (المشوهین فی خلقهم)
2- الفقیه: ج1 ص53 الباب20 فی غسل الحیض والنفاس ح10

وربما یستشکل فی مطلق هذه الروایات، بأنه قد ثبت طبّاً عدم تکوّن الولد فی حال الحیض، لکن فیه: أنه لا منافاة بین الروایات وبین ما ثبت طبّاً، لاحتمال أن یتکوّن الولد أولاً، ولأنه لو طهر من الدر، ثم اختلط المنیّ بالدم الباقی فی المجری، کان له ذلک الأثر، فالشارع منع من مطلق الوطء حال الحیض، لئلا یصادف مثل هذه الحالة.

ثم إن الحرمة کما هی علی الرجل کذلک علی المرأة، کما هو المشهور، بل عن الغنیة الإجماع علیه، وذلک من ناحیة إسناد الحمل إلیها، الظاهر فی کونه محرماً علیها أیضاً، وأما إسناد الفعل إلی الرجل فی أغلب الروایات فلعله لأنه الطالب من المرأة غالباً، ویدل علی ذلک:

ما رواه محمد بن مسلم: عن الباقر (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یطلق امرأته متی تبین منه؟ قال (علیه السلام): «حتی یطلع الدم من الحیضة الثالثة تملک نفسها» قلت: فلها أن تتزوج فی تلک الحال؟ قال (علیه السلام): «نعم، ولکن لا تمکن من نفسها حتی تطهر من الدم»((1)).

وعلی هذا: فعلی کل واحد منهما حرام مستقل، ویترتب علیه عدم جواز تمکین أی منهما للآخر، إذا کان الآخر معذوراً، لجهل أو

ص:161


1- الوسائل: ج15 ص432 الباب16 من أبواب العدد ح1

بل بعضها علی الأحوط، ویحرم علیها أیضاً، ویجوز الاستمتاع _ بغیر الوطء من التقبیل والتفخیذ والضمّ،

غفلة أو نوم أو عقیدة بأنه لیس بحرام علیه، لاختلاف فی المذهب أو فی التقلید فی المسائل المختلف فیها.

{بل بعضها علی الأحوط} بل قال به بعض لصدق الإیقاب المنهی عنه، والأمر باتقاء موضع الدم ونحو ذلک الشامل لإدخال البعض، ومنه یعرف وجه حرمة إدخال بعض الذکر وإن کان مقطوع الحشفة أما إدخاله ملفوفاً فالحرمة لأجل صدق الوطء {و} قد عرفت أنه {یحرم علیها أیضاً} لا من باب المصادفة فی الإثم فقط حتی لا یحرم إذا کان علی الطرف جائزاً لجهل أو تقلید أو ما أشبه، بل من باب ظاهر الأدلة، ومنه یعرف: أنه لو کان الطرف غیر مکلف لعدم بلوغ أو جنون یحرم علی المرأة التمکین.

{ویجوز الاستمتاع بغیر الوطء من التقبیل والتفخیذ والضمّ} وغیرها، مباشرة أو غیر مباشرة، بأن کان من فوق اللباس، أما ما فوق السرّة ودون الرکبة فعلیه الإجماع المتواتر نقله فی کلماتهم، وأما بما بین السرة والرکبة فهو المشهور، بل عن التبیان ومجمع البیان: الإجماع علیه، خلافاً لما عن السید فی شرح الرسالة من تحریم الاستمتاع بما بین السرة والرکبة، وعن الأردبیلی: المیل إلیه، والمشهور هو الأقوی، ویدل علیه:

حسن عبد الملک: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) ما

ص:162

لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال: «کل شیء ماعدا القُبُل منها بعینه»((1)).

وفی روایته الأخری: «کل شیء غیر الفرج»((2)).

وفی موثق معاویة: عن الصادق (علیه السلام): «ما دون الفرج»((3)).

ومثله ما فی خبر ابن سنان: عن الصادق (علیه السلام)((4)).

وفی مرسل ابن بکیر: عن أبی عبد الله (علیه السلام): «حیث شاء ما اتقی موضع الدم»((5)).

وفی موثق هشام بن سالم: عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی الرجل یأتی المرأة فیما دون الفرج وهی حائض؟ قال (علیه السلام): «لا بأس اذا اجتنب ذلک الموضع»((6)).

وفی خبر عمربن حنظلة: عنه (علیه السلام): «ما بین الفخذین»((7)).

ص:163


1- الوسائل: ج2 ص570 الباب25 من أبواب الحیض ح1
2- الوسائل: ج2 ص570 الباب25 من أبواب الحیض ح4
3- الوسائل: ج2 ص570 الباب25 من أبواب الحیض ح2
4- الوسائل: ج2 ص570 الباب25 من أبواب الحیض ح3
5- الوسائل: ج2 ص570 الباب25 من أبواب الحیض ح5
6- الوسائل: ج2 ص571 الباب25 من أبواب الحیض ح6
7- ( [7] ) الوسائل: ج2 ص571 الباب25 من أبواب الحیض ح7

وفی حسن عمربن یزید: عنه (علیه السلام): «ما بین إلیتیها»((1)).

وفی روایة عیسی بن عبد الله: «فیستقیم للرجل أن یأتی امرأته وهی حائض فیما دون الفرج»((2)).

أما السید والأردبیلی فیستدل لهما بصحیح الحلبی: أنه سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن الحائض: وما یحل لزوجها منها؟ قال (علیه السلام): «تتزر بأزار إلی الرکبتین وتخرج سرّتها، ثم له ما فوق الإزار»((3)).

ونحوه خبر أبی بصیر عنه قال: سُئل عن الحائض ما یحل لزوجها منها؟ قال: «تتزر بأزار إلی الرکبتین وتخرج ساقیها وله ما فوق الإزار»((4)).

وخبر الدعائم: عن جعفر بن محمد (علیه السلام): أنه رخص فی مباشرة الحائض، وقال: «تتزر... »((5))، وذکر نحوه.

لکن هذه الأخبار لا بدّ من حملها علی الکراهة، جمعاً بین الأدلة، لأن أدلة المشهور نصّ، وهذه ظاهرة کما لا یخفی، ولذا قال:

ص:164


1- الوسائل: ج2 ص571 الباب25 من أبواب الحیض ح8
2- الوسائل: ج2 ص571 الباب25 من أبواب الحیض ح9
3- الوسائل: ج2 ص571 الباب26 من أبواب الحیض ح1
4- الوسائل: ج2 ص572 الباب26 من أبواب الحیض ح2
5- دعائم الإسلام: ج1 ص127

نعم یکره الاستمتاع بما بین السرة والرکبة منها بالمباشرة، وأما فوق اللباس فلا بأس.

وأما الوطء فی دُبُرها فجوازه محل إشکال،

{نعم یکره الاستمتاع بما بین السرة والرکبة منها بالمباشرة} بل الظاهر کراهة المباشرة لأغلب جسدها بدون الثیاب، لروایة حجاج الخشاب قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الحائض والنفساء ما یحل لزوجها منها؟ فقال: «تلبس درعاً ثم تضطجع معه»((1)).

وعن عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل ما یحل له من الطامث؟ قال: «لا شیء حتی تطهر»((2))، لکن الظاهر: أن المراد بهذه الروایة: لا شیء له من الوطء فی الفرج، کما حمله الشیخ علیه، بقرینة سائر الروایات.

{وأما فوق اللباس فلا بأس} کما یظهر من روایات الکراهة.

{وأما الوطء فی دبرها فجوازه محل إشکال} عند المجوّزین لذلک فی الطاهرة، أما المحرّم فلا کلام له هنا فی التحریم، إلاّ احتمال أشدیة الحرمة، وکیف کان فقد اختلفوا فی ذلک: فالمشهور «الجواز» للتنصیص علی تحلیل ماعدا القُبل، وأما ما دل علی

ص:165


1- الوسائل: ج2 ص572 الباب26 من أبواب الحیض ح3
2- الوسائل: ج2 ص569 الباب24 من أبواب الحیض ح12

وإذا خرج دمها من غیر الفرج فوجوب الاجتناب عنه غیر معلوم، بل الأقوی عدمه إذا کان من غیر الدبر، نعم: لا یجوز الوطء فی فرجها الخالی عن الدم حینئذ.

النهی عن الفرج _ لو قیل بإطلاقه _ وقوله (علیه السلام): «لا یوقب»((1)) لو لم یقل بانصرافه _، لا بدّ وأن یقید بتلک الأدلة، لکون الروایات الناهیة أعم مطلقاً، هذا بالإضافة إلی إشعار أو ظهور الأخبار _ المعللة بتشویه الولد وما أشبه _ فی أن المحرّم هو موضع الدم.

{وإذا خرج دمها من غیر الفرج} کثقبة فی السرة مثلاً {فوجوب الاجتناب عنه} أی عن ذلک المخرج الجدید {غیر معلوم} لعدم إطلاق للأدلة بحیث یشمل هذا المخرج {بل الأقوی عدمه} لما تقدم من النصوص الدالة علی حلیّة ما عدا القبل {إذا کان من غیر الدبر} التی تسمی بالسلقلیة.

أما إذا کان من الدبر فالظاهر الحرمة لشمول الأدلة له، والانصراف بدوی وإن کان ربما یقال بعدم الحرمة لعدم وجود الحکمة المحرمة، وعدم إطلاق یقتضی ذلک، لکن لا شبهة فی أن الأحوط الترک.

{نعم: لا یجوز الوطء فی فرجها الخالی عن الدم حینئذ} لإطلاق الأدلة کما فی المستمسک، لکن فیه: أن الإطلاق منصرف

ص:166


1- الوسائل: ج2 ص571 الباب25 من أبواب الحیض ح8

بالقرائن الداخلیة والخارجیة، نعم الأحوط الترک.

وکیف کان، فالمحتملات أربعة: عدم الجواز فیهما للعلم الإجمالی، والجواز فیهما للأصل بعدم شمول الدلیل، وعدم الجواز فی الفرج فقط للإطلاق، وأصالة جواز غیره، وعدم الجواز فی موضع الدم للإطلاق وأصالة جواز الفرج، وأقرب الاحتمالات هو الاحتمال الثانی، وإن کان الاحتیاط سبیل النجاة.

ص:167

مسألة ٤ الاعتماد علی قولها حیضا أو طهرا فی حرمة الوطی

(مسألة _ 4): إذا أخبرت بأنها حائض یسمع منها،

(مسألة _ 4): {إذا أخبرت بأنها حائض یسمع منها} بلا إشکال ادعاه غیر واحد، بل فی الحدائق: «وبلا خلاف»، واستدل له بأمور:

الأول: إنها ذات الید، وقول ذات الید حجة.

الثانی: قوله تعالی: ﴿وَلاَ یحِلُّ لهُنّ أنْ یکْتُمْن ما خلق اللّهُ فیأرْحامِهِنّ﴾((1)).

الثالث: إنها لو کلّفت بإقامة البینة کانت متعسرة أو متعذرة، وحیث لا عسر ولا حرج فی الإسلام فاللازم قبول قولها.

الرابع: إنه ما لا یعرف إلاّ من قبلها، فترتیب الشارع أحکام الغیر علیه لا بد وأن یدل بالملازمة العرفیة علی قبول قولها.

الخامس: جملة من الروایات کصحیحة زرارة: «العدّة والحیض إلی النساء»((2))، وحسنة زرارة المرویة فی الکافی: «العدّة والحیض للنساء إذا ادّعت صدقت»((3)).

السادس: السیرة المستمرّة بین المسلمین بقبول أقوالهن.

وقد أشکل فی الکل، بأنه لا دلیل علی حجیة قول ذی الید

ص:168


1- سورة البقرة: الآیة228
2- الاستبصار: ج1 ص148 الباب89 فی الحیض والعدة... ح1
3- الکافی: ج6 ص101 باب أن النساء یصدقن... ح1

مطلقاً، وبانصراف الآیة إلی الحمل، ثم لا تلازم بین وجوب إظهارهن وبین وجوب قبول قولهن، کما ذکر مثل ذلک فی قوله تعالی:﴿فسْئلُوا أهْل الذِّکْرِ﴾((1))، وقوله سبحانه:﴿وَلِیُنْذِرُوا قوْمهُمْ﴾((2))، وبأن العسر والحرج یقدران بقدرهما، فلا یصلحان دلیلا للکلیة المذکورة، وبأنه لا دلیل علی الکلیة المذکورة، حتی أن کل کل ما لا یعرف إلاّ من قبل إنسان یکون قول ذلک الإنسان حجة فیه، وبأن الروایات لا تدل علی الکلیة حتی فی موضع الشک، وبأن السیرة غیر معلومة.

هذا ولکن الإشکال فی کل تلک الأدلة لا وجه له، لتمامیة جملة منها، وإن کان بعضها محل مناقشة کما هو واضح، ثم إن مقتضی الإطلاقات المذکورة، أنّ قولها یقبل سواء کانت متّهمة أم لا، وسواء کان ما تقول بعیداً، کما إذا دعت أنها تری الحیض فی شهر واحد ثلاث مرات أم لا، وسواء کانت تعرف المسائل أم لا، ولکن عن التذکرة وجامع المقاصد والروض: اختصاص الحکم بصورة عدم الاتهام، للانصراف ولخبر السکونی المروی عن علی (علیه السلام): فی امرأة ادعت أنها حاضت فی شهر واحد ثلاث حیض، قال: «کلّفوا نسوة من بطانتها إن حیضها کان فیما مضی علی ما ادعت، فإن شهدت

ص:169


1- سورة النحل: الآیة43
2- سورة التوبة: الآیة122

کما لو أخبرت بأنها طاهر.

صدقت وإلاّ فهی کاذبة»((1)).

وقریب منها: مرسل الفقیه((2))، وفیه: ضعف سند الخبرین، بالإضافة إلی أنهما یثبتان عدم القبول مع بُعد الدعوی لا مع الاتهام، وبین الأمرین عموم من وجه، فلا یکون الخبران دلیلاً علی الدعوی المذکورة.

وفی مصباح الهدی: ((3)) أن المشهور أعرضوا عنهما. فحال المقام حال السوق والید مما هما حجة، وإن کان ما دلا علیه بعیداً أو مورد الاتهام، أو کان ذو الید غیر عارف بالمسائل، أو ما أشبه ذلک، بل یدل علی حجیة قولها: أصالة الصحة فی عمل المسلم _ فی کثیر من موارده _ فقد قال (علیه السلام): «ضع أمر أخیک علی أحسنه»((4)).

و {ک_} الذی تقدم: {ما لو أخبرت بأنها طاهر} تقبل أیضاً، ویستدل له بالسیرة وبإطلاق الأخبار، لأن المنساق منها قبول قولها فی الحیض وعدمه، فما عن بعض من التوقف فیه مع الاتهام مع سبق الحیض غیر تام، وإن کان مورداً للاستصحاب، إذ الاستصحاب محکوم مع القاعدة _ کما قرر فی محله _.

ص:170


1- التهذیب: ج1 ص398 الباب19 فی الحیض و..
2- الفقیه: ج1 ص55 فی غسل الحیض والنفاس ح16
3- مصباح الهدی: ج5 ص68 س19
4- الوسائل: ج8 ص614 الباب161 من أبواب أحکام العشرة ح3

مسألة ٥ الفرق فی حرمة وطیء الحائض بین الزوجة والمتعة

(مسألة _ 5): لا فرق فی حرمة وطء الحائض بین الزوجة الدائمة والمتعة، والحرة والأمة والأجنبیة والمملوکة،

(مسألة _ 5): {لا فرق فی حرمة وطء الحائض بین الزوجة الدائمة والمتعة والحرة والأمة} والمحللّة {والأجنبیة والمملوکة} والأجنبیة مع العلم بها، کما لو زنی بها أم لا کوطء الشبهة، بلا إشکال ولا خلاف فی کل ذلک، بل ظاهر کلماتهم الإجماع علیه، ویدل علیه إطلاق قوله تعالی:﴿فاعْتزِلُوا النِّساء فِی الْمحیضِ وَلا تقْربُوهُنّ حتّی یطْهُرْن﴾((1)) وإطلاق جملة من الأخبار والعلل المذکور فی جملة منها، وکذا ذکرت الأمة فی بعضها بالخصوص، ولا ینافی ما ذکرناه ذکر لفظ الزوج والزوجة فی بعض الأخبار لأنه من باب المثال والغلبة کما هو واضح.

وفی الزنا یکون الحکم مغلّظاً کما هو کذلک فی کل حرامین اجتمعا. وکذلک لا فرق بین أن تکون الزوجة کافرة کالکتابیة أو مسلمة، وإن کان ذلک جائزاً عند الکتابیة، إذ الحرمة لکلا الطرفین فلا تسقط الحلّیة لأحدهما الحرمة الثابتة علی الآخر، کما إذا کانت بنت أخ الإنسان مجوسیاً مثلاً فإن حلیة زواجها عندها لا توجب الحلیة للرجل، فإنه خارج عن أدلة «ألزموهم بما التزموا به»، ومثله لو کان الزوج سنیّاً والزوجة شیعیة أو العکس ولم یعتقد أحدهما فی مذهبه بحرمة هذا النوع من الحیض، وکذلک إذا اختلف تقلیدهما.

ص:171


1- سورة البقرة: الآیة222

کما لا فرق بین أن یکون الحیض قطعیاً وجدانیّاً، أو کان بالرجوع إلی التمیز أو نحوه، بل یحرم أیضاً فی زمان الاستظهار إذا تحیضت،

{کما لا فرق بین أن یکون الحیض قطعیاً وجدانیاً، أو کان بالرجوع إلی التمیز أو نحوه} من عادة النساء والروایات وقاعدة الإمکان، لأن الأحکام مرتبة علی الموضوعات، وقد وسّع الشارع الموضوع _ أو کشف عنه _ علی نحو الحکومة، فإذا رأت المبتدئة وحکمت بکونه حیضاً، أو قررت أن یکون حیضها فی أول الشهر فی حالة الرجوع إلی الروایات، حرم علی الزوج وطؤها، یبقی الکلام فی أنها لو اشتبهت فی العدد مثلاً، کما إذا قررت ستة أیام ثم ظنّت السابع السادس، فهل تحرم علی الزوج من جهة أنه عدد روایة أو لا تحرم لأن المدار تقریرها. احتمالان: والظاهر الثانی، لأن الأمر منوط بها، وقد قررت الستة، والاشتباه لا یوجب ترتب الحکم.

{بل یحرم أیضاً فی زمان الاستظهار إذا تحیّضت} أما إذا قلنا بوجوب الاستظهار فلا کلام فی ذلک، إذ هو محکوم بلزوم الاجتناب وترتیب سائر آثار الحیض، وأما بناءً علی استحباب الاستظهار _ کما تقدم فی کلام المصنف _ ففی وجوب التحرز أو استحبابه احتمالان بل قولان:

الأول: الوجوب، للزوم ترتیب أحکام الحائض علیها إن اختارت التحیض، فکما لا تصلی کذلک لا توطأ، وأید ذلک بقوله (علیه السلام): «فإن کان قرؤها مستقیماً فلتأخذ به، وإن کان فیه

ص:172

خلاف فلتحتط بیوم أو یومین»((1))، وقوله (علیه السلام) فی موثقة مالک: عن النفساء یغشاها زوجها وهی فی نفاسها من الدم؟ قال (علیه السلام): «نعم إذا مضی لها منذ یوم وضعت بقدر أیام عدة حیضها، ثم تستظهر بیوم فلا بأس بعد أن یغشاها زوجها یأمرها فتغتسل ثم یغشاها إن أحبّ»((2)).

الثانی: عدم الوجوب، لأن الفرع لا یزید علی الأصل، وللملازمة العرفیة بین جواز شیء وجواز الملازم له، والروایات لا تدل علی التحریم، بل تدلان علی استحباب ذلک للجمع الذی تقدم فی مسألة الاستظهار، ویؤید ما ذکرناه صحیحة زرارة: «المستحاضة تکفّ عن الصلاة أیام أقرائها، وتحتاط بیوم أو اثنین، ثم تغتسل کل یوم ولیلة ثلاث مرات _ إلی أن قال علیه السلام: _ فإذا حلت لها الصلاة حلّ لزوجها أن یغشاها»((3))، ومن المعلوم حلیة الصلاة فی أیام الاستظهار، فإن ذلک معنی استحباب الإستظهار، ولذا فمن القریب جداً جواز التفکیک بین الأعمال، بأن تترک الصلاة وتصوم وما أشبه ذلک، وإن کان هذا

ص:173


1- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح8
2- التهذیب: ج1 ص176 الباب 7 فی حکم الحیض و... ح77
3- التهذیب: ج1 ص401 الباب19 فی الحیض والاستحاضة و... ح76

وإذا حاضت فی حال المقاربة یجب المبادرة بالإخراج.

الثامن: وجوب الکفارة بوطئها،

خلاف الاحتیاط.

{وإذا حاضت فی حال المقاربة یجب المبادرة بالإخراج} کما نصّ علیه غیر واحد لإطلاق الأدلة، ووجود المناط، والحکمة المذکورة فی الروایات، بل مقتضی القاعدة أنه إذا علم بالتحیض فی الأثناء لم تجز المقاربة.

{الثامن: وجوب الکفارة بوطئها} کما عن غیر واحد، ونسبه جماعة إلی أکثر القدماء، وعن التذکرة نسبته إلی علمائنا، وعن الانتصار والغنیة والخلاف والفوائد: الإجماع علیه، خلافاً لآخرین فجعلوا الکفارة مستحبة. وقال فی السرائر: (لأصحابنا فیه قولان)((1)). والمحکی عن النهایة ونکاح المبسوط وجملة من کتب المحقق والعلامة والشهیدین والمحقق الثانی والنراقی الأول وغیرهم: الاستحباب، ونسبه المنتهی إلی أکثر أهل العلم، وجعله الشیخ المرتضی: الأقوی جمعاً بین الأدلة، واختاره الوسائل وغیره.. وهذا هو الأقرب، لورود طائفتین من الروایات مما لا بد من حمل ما ظاهره الوجوب علی الاستحباب، فمن الطائفة الأولی:

روایة داود بن فرقد: عن أبی عبد الله (علیه السلام): فی کفارة الطمث أنه یتصدق إذا کان فی أوله بدینار، وفی أوسطه نصف،

ص:174


1- السرائر: ص28 س5 فی الحیض

دینار وفی آخره ربع دینار، قلت: فإن لم یکن عنده ما یکفّر؟ قال: «فلیتصدق علی مسکین واحد، وإلاّ استغفر الله ولا یعود، فإن الاستغفار توبة وکفارة لکل من لم یجد السبیل إلی شیء من الکفارة»((1)).

وصحیح ابن مسلم: سألته عمن أتی امرأته وهی طامث؟ قال: «یتصدق بدینار ویستغفر الله تعالی»((2)).

وفی خبره الآخر: عن الرجل یأتی المرأة وهی حائض؟ قال (علیه السلام): «یجب علیه فی استقبال الحیض دینار، وفی استدباره نصف دینار»((3)).

ومرسل القمی فی تفسیره عن الصادق (علیه السلام): «من أتی إمرأته فی الفرج فی أول أیام حیضها، فعلیه أن یتصدّق بدینار، وعلیه ربع حدّ الزانی خمس وعشرون جلدة، وإن أتاها فی آخر أیام حیضها فعلیه أن یتصدق بنصف دینار ویضرب اثنتی عشرة جلدة ونصفاً»((4)).

ص:175


1- الاستبصار: ج1 ص134 الباب80 ما یجب علی من وطأ امرأة حائضاَ من الکفارة ح5
2- التهذیب: ج1 ص163 الباب7 فی حکم الحیض والاستحاضة ح39
3- الوسائل: ج18 ص586 الباب13 من أبواب بقیة الحدود ح1
4- تفسیر القمی: ج1 ص73، فی تفسیر الآیة 222 من سورة البقرة

وموثق أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السلام): «من أتی حائضاً فعلیه نصف دینار»((1)).

وصحیح عبد الله الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام): فی الرجل یقع علی امرأته وهی حائض؟ قال علیه السلام: «یتصدق علی مسکین بقدر شبعه»((2)).

ومرسل المقنع: روی: «إن جامعها فی أول الحیض فعلیه أن یتصدق بدینار، فإن کان فی وسطه فنصف دینار، وإن کان فی آخره فربع دینار، وإن جامعت أمتک وهی حائض تصدقت بثلاثة أمداد من طعام»((3)).

وعن الرضوی: مثله بتقدیم وتأخیر((4)).

وعن موضع آخر منه: «ومتی جامعتها وهی حائض فعلیک أن تتصدق بدینار»((5)).

ص:176


1- الاستبصار: ج1 ص133 الباب80 ما یجب علی من وطأ امرأة حائضاَ... ح2
2- الاستبصار: ج1 ص133 الباب80 ما یجب علی من وطأ امرأة حائضاَ... ح3
3- المقنع (فی الجوامع الفقهیة) ص5 س23
4- فقه الرضا: ص31 س9
5- نفس المصدر

ومن الطائفة الثانیة:

صحیح العیص: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل واقع امرأته وهی طامث؟ قال (علیه السلام): «لا یلتمس فعل ذلک فقد نهی الله أن یقربها»، قلت: فإن فعل أعلیه کفارة؟ قال (علیه السلام): «لا أعلم فیه شیئاً، یستغفر الله»((1)).

وموثق زرارة، عن أحدهما (علیهما السلام): عن الحائض یأتیها زوجها؟ قال: «لیس علیه شیء، یستغفر الله ولا یعود»((2)).

وموثق لیث، سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن وقوع الرجل علی امرأته وهی طامث خطأ، قال: «لیس علیه شیء وقد عصی ربّه»((3)). فإن المراد من الخطأ «الخطیئة» بقرینة «عصی».

وخبر الدعائم، روینا عنهم (علیهم السلام): «إن من أتی حائضاً فقد أتی ما لا یحلّ له، وفعل ما لا یجب أن یفعله، وعلیه أن یستغفر الله ویتوب إلیه من خطیئته، وإن تصدّق بصدقة مع ذلک فهو حسن»((4)).

ص:177


1- الوسائل: ج2 ص576 الباب29 من أبواب الحیض ح1
2- الوسائل: ج2 ص576 الباب29 من أبواب الحیض ح2
3- الوسائل: ج2 ص576 الباب29 من أبواب الحیض ح3
4- دعائم الإسلام: ج1 ص127 فی ذکر الحیض

وهذه الروایات صریحة فی عدم الکفارة، مما یوجب حمل تلک علی الاستحباب خصوصاً مع قرینة اضطرابها فی قدر الکفارة، حتی أن راویاً واحداً روی مرّة شیئاً ومرّة شیئاً آخر، فمثلاً الحلبی: روی مرّة «التصدق علی مسکین بقدر شبعه» کما تقدم، ومرة روی: «إن کان واقعها فی استقبال الدم، فلیستغفر الله، ولیتصدّق علی سبعة نفر من المؤمنین بقدر قوت کل رجل منهم لیومه، ولا یعد، وإن کان واقعها فی إدبار الدم فی آخر أیامها قبل الغسل فلا شیء علیه»((1)).

وأشکل علی القول بالاستحباب، بإعراض القدماء، وموافقة العامّة لفتوی مالک وأبی حنیفة، وفیه: أنک قد عرفت فتوی النهایة والمبسوط والفاضلین والشهیدین وغیرهم بذلک، کما أنه ربما قیل بالعکس، حیث إن خبر عبد الملک: «فإن الناس یقولون» ظاهر فی کون الکفارة کانت معروفة بین العامة، مضافاً إلی أن نفرین من العامة لا یحققان موضوع التقیة، هذا مع الغضّ فی أن الجمع الدلالی مقدم، کما قرر فی محله. ولذا اختار المستمسک: الاستحباب.

وحیث نقول بالاستحباب فالظاهر التخییر بین ما ذکر فی

ص:178


1- الکافی: ج7 ص462 باب النوادر ح13

وهی: دینار فی أول الحیض، ونصفه فی وسطه، وربعه فی آخره، إذا کانت زوجة، من غیر فرق بین الحرة والأمة والدائمة والمنقطعة،

الروایات من أقسام الکفارة {وهی دینار فی أول الحیض، ونصفه فی وسطه، وربعه فی آخره} نسب هذا إلی الشهرة، بل عن الانتصار والخلاف والغنیة والمعتبر والمنتهی: الإجماع علیه، واستدلوا لذلک: بروایة داود بن فرقد، ومرسل المقنع، والرضوی. وقد حملوا سائر الروایات علی هذا التفصیل، لکن الظاهر أن القول بالتخییر حتی علی الوجوب أقرب إلی النظر العرفی.

ثم إنه لا فرق فی الأول والوسط والأخیر بین رؤیة الدم وعدمها، کما فی النقاء فی البین، لأنه محکوم بالحیضیة، کما أن الظاهر أنه لا فرق بین أیام العادة وغیرها من الأیام المحکومة بالحیضیة ولو کانت أیاماً اختیاریة کالروایات.

نعم أیام الاستظهار إن قلنا بأنها واجبة الاحتیاط ألحقت بالحیض، وإلاّ لم یکن لها هذا الحکم، کما تقدم.

والمراد بالدینار: ثلاثة أرباع مثقال الذهب بمثاقیل الصاغة، التی هی أربع وعشرون حمّصة متوسطة.

ثم إن الکفارة المذکورة إنما هی {إذا کانت زوجة} لأنها هی المتیقنة من انصراف النصّ والفتوی {من غیر فرق بین الحرّة والأمة، والدائمة والمنقطعة} لإطلاق النص والفتوی، کما لا فرق

ص:179

وإذا کانت مملوکة للواطئ فکفارته ثلاثة أمداد من طعام

بین المسلمة والکافرة لأن التکلیف متوجه إلی الرجل ولا مدخلیة فی ذلک لاعتقاد المرأة بحرمة الوطء فی الحیض أو عدمها، کما أنه لو کان مقلّداً لمن یوجب وجب علیه، وإن کانت المرأة مقلّدة لمن لا یوجب، ولا یجب علیه فی صورة العکس بأن قلّدت هی من یوجب وهو یقلّد من لا یوجب.

{وإذا کانت مملوکة للواطئ فکفارته ثلاثة أمداد من طعام} کما عن جماعة، بل عن السرائر: نفی الخلاف فیه، وعن الإنتصار الإجماع علیه، واستدلوا لذلک بمرسلة الفقیه: «من جامع أمته وهی حائض، تصدّق بثلاثة أمداد من طعام»((1))، والرضوی: «وإن جامعت أمتک وهی حائض، تصدّقت بثلاثة أمداد من طعام»((2))، بعد انجبارهما بالعمل، لکن حیث کان المستند ضعیفاً والجبر غیر معلوم اختار فی المعتبر والمنتهی وجامع المقاصد (الاستحباب)، وهذا هو الأقرب لما تقدم من عدم وجوب أصل الکفارة، وعلی هذا فهو مخیر بین ذلک وبین ما فی حسن عبد الملک بن عمرو: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل أتی جاریته وهی طامث؟ قال: «یستغفر الله ربّه»، قال عبد الملک: فإن الناس یقولون: علیه نصف دینار أو دینار؟ فقال (علیه السلام): «فلیتصدق علی عشرة مساکین»((3)).

ص:180


1- الفقیه: ج1 ص53 باب غسل الحیض والنفاس ح9
2- فقه الرضا: ص31 س9
3- الوسائل: ج2 ص574 الباب28 من أبواب الحیض ح2

یتصدق بها علی ثلاثة مساکین، لکل مسکین مد،

بل ربما یقال: بأن التفکیک بین الزوجة والجاریة مشکل، لإطلاق الأدلة، مثل خبر ابن مسلم((1)) «فی الرجل أتی المرأة وهی حائض»، وخبر أبی بصیر: «من أتی حائضا»((2)) وخبر داود: ((3)) «فی کفارة الطمث» لکن ذلک محل نظر، والأمر سهل بعد کون الحکم فی الکل هو «الاستحباب»، فتأمل.

{یتصدق بها علی ثلاثة مساکین لکل مسکین مدّ} قالوا: وذلک للإجماع المدعی، وللانصراف من المرسلة والرضوی، وفیهما: ما لا یخفی، إذ الإجماع محقق العدم، والانصراف ممنوع، فیصح إعطاؤها لمسکین واحد أو أزید من ثلاثة للإطلاق، هذا علی الوجوب، أما علی الاستحباب فالأمر أسهل، کما أنه لو عمل بخبر عبد الملک لم یلزم إعطاء کل مسکین مداً، بل جاز أقل من ذلک.

نعم یدعی انصرافه إلی مقدار الشبع ولو بمناسبة الاستیناسات الخارجیة فی أمثال المقام، وکأنه لذلک قال فی المستمسک: (الظاهر من حسن عبد الملک کون الصدقة بعشرة أمداد)((4)).

ص:181


1- الوسائل: ج18 ص586 الباب13 من أبواب بقیة الحدود ح1
2- الاستبصار: ج1 ص133 الباب80 ما یجب علی من وطأ امرأة حائضاً... ح2
3- الاستبصار: ج1 ص134 الباب80 ما یجب علی من وطأ امرأة حائضاً... ح5
4- المستمسک: ج3 ص327

من غیر فرق بین کونها قنّة أو مدبّرة أو مکاتبة أو أم ولد.

نعم: فی المبعضة والمشترکة والمزوجة والمحللة إذا وطأها مالکها إشکال،

{من غیر فرق بین کونها: قنّة أو مدبّرة أو مکاتبة أو أمّ ولد} لإطلاق النصّ والفتوی.

{نعم: فی المبعضّة}: التی أدّت بعض مال الکتاب {والمشترکة والمزوّجة والمحلّلة إذا وطأها مالکها} الذی تحرم علیه {إشکال} واحتمالات:

الأول: عدم الکفارة أصلاً، لأن دلیلی الزوجة والأمة منصرفان عن المحرّمة من الأمة.

الثانی: کفارة الزوجة، لأن دلیل الأمة منصرف إلی الحلال، فیشمله الإطلاقات، مثل أخبار ابن مسلم وداود وأبی بصیر المتقدمات.

الثالث: کفارة الأمة، لأنهنّ داخلات فی الأمة، ولا یسلم الانصراف، منتهی الأمر حرمتهن علی الواطئ حرمة إضافیة.

الرابع: التفصیل بین المبعضة والمشترکة بإلحاقهما بالزوجة، وبین المزوجة والمحللة بإلحاقهما بالأمة، أما إلحاق الأولتین بالزوجة فلإطلاق أخبار ابن مسلم وداود وأبی بصیر، وأما إلحاق الأخیرتین بالأمة لأنهما أمة له وإن حرم علیه وطؤهما، والأقرب من الاحتمالات: الرابع.

ص:182

ولا یبعد إلحاقها بالزوجة فی لزوم الدینار أو نصفه أو ربعه، والأحوط الجمع بین الدینار والأمداد، ولا کفارة علی المرأة وإن کانت مطاوعة.

ویشترط فی وجوبها العلم والعمد والبلوغ والعقل، فلا کفارة علی الصبی ولا المجنون

{و} لکن {لا یبعد} عند المصنف {إلحاقها} جمیعا {بالزوجة فی لزوم الدینار أو نصفه أو ربعه و} مع ذلک ﻓ_ {الأحوط الجمع بین الدینار والأمداد} للعلم الإجمالی، وحیث إن الظاهر کفایة إعطاء قیمة المدّ، فإذا أعطی الدینار ونصفه وربعه بقصد ما فی الذمة من القیمة والأصل کفی، فیما إذا لم تکن قیمة المد أکثر {ولا کفارة علی المرأة وإن کانت مطاوعة} للأصل، ولا خلاف فیه، بل عن المنتهی والروض: الإجماع علیه، ومنه یعرف عدم الکفارة علیها، وإن کانت هی الفاعلة باضطرار الزوج أو ما أشبه.

{ویشترط فی وجوبها: العلم والعمد والبلوغ والعقل} ولا إشکال ولا خلاف فی الثبوت علی من اجتمعت علیه الشرائط {فلا کفارة علی الصبی ولا المجنون} لحدیث «رفع القلم عنهما»((1))، ولا فرق فیه بین الأحکام الوضعیة والتکلیفیة _ کما ذکرناه فی هذا الشرح _، أما إذا ثبت کفارة علی الصبی فی باب الحج ونحوه، فهو

ص:183


1- الوسائل: ج1 ص32 الباب4 من أبواب مقدمات العبادات ح11

ولا الناسی ولا الجاهل بکونها فی الحیض، بل إذا کان جاهلا بالحکم أیضاً وهو الحرمة، وإن کان أحوط.

من جهة دلیل خاص، ومنه: یعلم أن لا کفارة علی المضطر والمکره والنائم والسکران ونحوهم ممن لم یتوفر فیهم شرط التکلیف.

{ولا الناسی ولا الجاهل بکونها فی الحیض} لعدم التکلیف، لکن یحتمل تقیید الجاهل بما إذا کان عذراً، وذلک فیما إذا لم یلزم علیه الفحص لوجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة _ کما مر غیر مرة _ وکذا إذا ارتکب مع العلم الإجمالی بأن علم أن إحدی زوجتیه حائض، ومع ذلک قاربها فبانت حائضاً.

{بل إذا کان جاهلاً بالحکم أیضاً وهو الحرمة} لأن الکفارة عقوبة علی الفعل، ومع الجهل لا عقوبة علیه، ولإطلاق دلیل الرفع {وإن کان أحوط} لأن الجاهل کالعامد کما فی سائر الأحکام، وربما یفصل بین القاصر فلا کفارة، وبین المقصر ففیه الکفارة، لصحة عقوبة المقصر، وهذا غیر بعید لظهور الأدلة فی أن الکفارة حکم العاصی، بقرینة جعل الحدّ وإیجاب الاستغفار علیه، هذا وفی روایة إسحاق فی الباب الثالث والأربعین من أبواب الطواف ما یستفاد منه عدم وجوب الکفارة علی الزوج، إذا لم یعلم بحیضها، مما یؤید عدم الکفارة مع الجهل بالحکم أیضاً، ومما ذکرنا ظهر أنه لو لم یتعمد الإدخال بل دخل من دون إرادة کما إذا أراد التفخیذ فدخل لم تکن علیه کفارة.

ص:184

نعم: مع الجهل بوجوب الکفارة بعد العلم بالحرمة لا إشکال فی الثبوت.

{نعم مع الجهل بوجوب الکفارة بعد العلم بالحرمة لا إشکال فی الثبوت} لإطلاق الأدلة، وعدم العلم بالکفارة لیس بعذر، وکذلک إذا علم بالکفارة لکن لم یعلم قدرها، ثم إن المصنف لم یذکر حکم الحد بالسیاط المذکورة فی الروایات لأن مکانه کتاب الحدود.

ص:185

مسألة ٦ المراد بأول الحیض ووسطه وآخره

(مسألة _ 6): المراد بأول الحیض ثلثه الأول، وبوسطه ثلثه الثانی، وبآخره الثلث الأخیر، فإن کان أیام حیضها ستة فکل ثلث یومان، وإذا کانت سبعة فکل ثلث یومان وثلث یوم وهکذا.

(مسألة _ 6): {المراد بأول الحیض: ثلثه الأول، وبوسطه: ثلثه الثانی، وبآخره: الثلث الأخیر} کما هو المتبادر من النص والفتوی {فإن کان أیام حیضها ستة فکل ثلث یومان، وإذا کانت سبعة فکل ثلث یومان وثلث یوم، وهکذا} وقد صرّح بذلک غیر واحد، خلافاً لسلاّر فی محکی المراسم من تحدیده الوسط بما بین الخمسة إلی السبعة، فقد یخلو الحیض عن الآخر: کما إذا انقطع علی السبعة، وقد یخلو عن الوسط أیضاً: کما إذا انقطع علی الخمسة، وعن الراوندی: اعتبار الأطراف الثلاثة بالنسبة إلی العشرة، فکل ثلاثة أیام وثلث یوم، هو ثلث الحیض، ولا دلیل لهما فهما ضعیفان.

ص:186

مسألة ٧ شروط وجوب الکفارة

(مسألة _ 7): وجوب الکفارة فی الوطء فی دبر الحائض غیر معلوم، لکنه أحوط.

(مسألة _ 7): {وجوب الکفارة فی الوطء فی دبر الحائض غیر معلوم لکنه أحوط} فإن ظاهر النصوص حرمة الوطء فی قُبل الحائض، کما تقدم، فلیس المحرّم فی باب الحیض إلاّ الوطء فی قبلها، والکفارة إنما وضعت لعمله الحرام، فلا کفارة فی الوطء فی دبرها، سواء قیل بحرمته فی نفسه أو بحلیته.

ص:187

مسألة ٨ فروع وجوب الکفارة

(مسألة _ 8): إذا زنی بحائض أو وطئها شبهة، فالأحوط التکفیر، بل لا یخلو عن قوة.

(مسألة _ 8): {إذا زنی بحائض أو وطئها شبهة، ﻓ_} هل تجب الکفارة أم لا؟ قولان:

أما وجوب الکفارة: فلإطلاق جملة من الأدلة، کأخبار أبی بصیر((1)) وابن مسلم((2)) وداود((3))، وللأولویة عن وطء الزوجة.

وأما عدم الوجوب: فللنص فی بعض الأدلة بالزوجة، والإطلاق منصرف، والأولویة غیر معلومة، فلعله من قبیل:﴿وَمَنْ عَادَ فینْتقِمُ اللّهُ مِنْه﴾((4)).

والمصنّف علی أن {الأحوط التکفیر، بل لا یخلو عن قوة} وهذا هو الذی اختاره غیر واحد من الشراح والمعلّقین.

لکن الظاهر: أن القوة محل منع، وإنما هو احتیاط، وإذا شک فالأصل العدم.

ص:188


1- الاستبصار: ج1 ص133 الباب80 ما یجب علی من وطأ امرأة حائضاَ... ح2
2- الاستبصار: ج1 ص133 الباب80 ما یجب علی من وطأ امرأة حائضاَ... ح1
3- الاستبصار: ج1 ص134 الباب80 ما یجب علی من وطأ امرأة حائضاَ... ح5
4- سورة المائدة: الآیة 95

مسألة ٩ الوطء فی الفرج الخالی من الدم

(مسألة _ 9): إذا خرج حیضها من غیر الفرج فوطئها فی الفرج الخالی من الدم، فالظاهر وجوب الکفارة بخلاف وطئها فی محل الخروج.

(مسألة _ 9): {إذا خرج حیضها من غیر الفرج فوطئها فی الفرج الخالی من الدم} فإن قلنا بالحلیة فلا کفارة، لما تقدم من أن ظاهر الأدلة إن الکفارة فی المقام ملازمة مع المعصیة، وأما إن قلنا بالحرمة {فالظاهر وجوب الکفارة} لإطلاق الأدلة.

{بخلاف وطئها فی محل الخروج} وإن قلنا بحرمته لانصراف أدلة الکفارة عنه، اللّهمّ إلاّ إذا کان الخروج من الدبر أو ثقبة قریبة من الفرج حیث یمکن دلالة الدلیل علیه، ولو شک فی الکفارة فالأصل عدمها.

ص:189

مسألة ١٠ عدم الفرق بوجوب الکفارة کون المرأة حیة أو میتة

(مسألة _ 10): لا فرق فی وجوب الکفارة بین کون المرأة حیة أو میتة.

(مسألة _ 10): {لا فرق فی وجوب الکفارة بین کون المرأة حیة أو میتة} لبقاء الموضوع عرفاً، کما لا فرق فی الحرمة بین الحیاة والممات، والقول بانصراف الحرمة والکفارة إلی حال الحیاة محل نظر، وإن کان ربما یقرب ذلک بأن الحکمة من الحرمة: هی الأذی وتشویه الولد وما أشبه، مما ذکر فی الروایات، وبانتفائها ینتفی الحکم، بل ربما یقال بأن الحکم فی المیت أغلظ.

وکیف کان: فالظاهر ما اختاره المصنف.

ص:190

مسألة ١١ الکافی فی ثبوت الکفارة

(مسألة _ 11): إدخال بعض الحشفة کاف فی ثبوت الکفارة علی الأحوط.

(مسألة _ 11): {إدخال بعض الحشفة کاف فی ثبوت الکفارة} لصدق الأدلة المتقدمة علیه.

لکن الظاهر: أن ثبوت الکفارة إنما هو {علی الأحوط} للإشکال فی صدق الوطء ونحوه علیه، وقد سبق ما یوضح المقام فی باب الجنابة بالإدخال فراجع.

ص:191

مسألة ١٢ لو وطأها علی أنها أمته فبانت أنها زوجته

(مسألة _ 12): إذا وطأها بتخیل أنها أمته فبانت زوجته، علیه کفارة دینار، وبالعکس کفارة أمداد.

کما أنه إذا اعتقد کونها فی أول الحیض فبان الوسط أو الآخر أو العکس، فالمناط الواقع.

(مسألة _ 12): {إذا وطأها بتخیل أنها أمته فبانت زوجته} کان {علیه کفارة دینار وبالعکس} بأن وطأها بتخیل زوجته فبانت أمته {کفارة أمداد} لأنه حینما تحقق الموضوع تحقق الحکم، والقطع ونحوه لا مدخلیة لها فی ترتب الأحکام، وقد صرح بذلک کشف الغطاء والجواهر، واستقر المصنف علی ذلک والشراح والمعلقون.

ومنه یعرف: أنه لو عمل بالبینة ونحوها فی ذلک فبان الخلاف، کان الحکم علی الواقع {کما أنه إذا اعتقد کونها فی أول الحیض فبان الوسط أو الآخر أو العکس فالمناط الواقع} لا ما توهّم.

ولو أعطی حسب وهمه أکثر، ثم بان أن علیه أقل، کان له أن یسترجع الزائد إذا کان موجوداً، وإلاّ فلا لأنه قد غر الآخذ فلا یطالبه بشیء.

ص:192

مسألة ١٣ لو وطاها متخیلا أنها فی الحیض فبان الخلاف

(مسألة _ 13): إذا وطأها بتخیل أنها فی الحیض، فبان الخلاف لا شیء علیه.

(مسألة _ 13): {إذا وطأها بتخیل أنها فی الحیض فبان الخلاف لا شیء علیه} من الأحکام کالکفارة والتعزیر المقرر ونحوهما.. لانتفاء الحکم بانتفاء الموضوع.

نعم هو تجری، وقد حققنا فی الأصول أنه لا عقاب علیه ولیس بحرام، ومثله ما لو وطأها بتخیل أنها طاهرة فبانت حائض.

ص:193

مسألة ١٤ عدم سقوط الکفارة بالعجز عنها

(مسألة _ 14): لا تسقط الکفارة بالعجز عنها، فمتی تیسرت وجبت،

(مسألة _ 14): {لا تسقط الکفارة بالعجز عنها} کلاً، فإن قدر علی بعضها وجب، لقاعدة المیسور، وهو المحکی عن التحریر والمنتهی واختاره غیرهما، وقیل بالسقوط لأن الواجب الکل، فإذا لم یتمکن من الکل فلا دلیل علی البعض لأصالة العدم.

وفیه: ما لا یخفی، إذا إنما یصح هذا الاستدلال فیما کان الواجب ارتباطیاً کالحج والاعتکاف والرکعات فی الصلاة الواحدة، فلا دلیل علی جریانه فی غیر الارتباطیة.

نعم لو عجز عنها مطلقاً فلا إشکال فی السقوط عنه حال العجز، سواء امتد العجز إلی الأخیر أو إلی مدة، وإنما الکلام فی موردین:

الأول: فی أنه لو کان قادراً حال الوطء ولم یؤد ثم طرأ العجز، فهل بقی الواجب فی ذمته بحیث یلزمه الأداء، ولو بأن یوصی بالأداء من ترکته، فیما اذا کانت حال الحیاة من مستثنیات الدّین؟، أم کان حاله حال العجز حین الوطء بعد أنه لا ینبغی الإشکال فی وجوب أدائه بنفسه إذا تمکن؟، إحتمالان: مقتضی القاعدة عدم السقوط للاستصحاب، واحتمال شمول نصوص السقوط الآتیة له ممنوع، إذ ظاهرها: العاجز من الأول لا العجز الطارئ.

الثانی: فی أنه لو کان عاجزاً من أول الأمر {ﻓ_} هل أنه {متی تیسّرت وجبت} کما اختاره الماتن وبعض آخر؟ أو أنّ صدق العجز

ص:194

والأحوط الاستغفار مع العجز بدلا عنها ما دام العجز.

حال الوطء وما یقاربه یوجب السقوط، وإن تیسرت بعد ذلک، کما لیس بالبعید؟، أحتمالان بل قولان:

یدل علی الأول: إطلاقات أدلة وجوب الکفارة ولا دلیل علی أن العجز المؤقت یسقطها وإن تمکن بعد ذلک.

ویدل علی الثانی: ذیل روایة داود بن فرقد: فإن لم یکن عنده ما یکفر؟ قال (علیه السلام): «فلیتصدق علی مسکین واحد، وإلاّ استغفر الله ولا یعود»((1))، فإن الاستغفار توبة وکفارة لکل من لم یجد السبیل إلی شیء من الکفارة، لکن أورد علیه بضعف السند، اللّهمّ إلاّ أن یقال إن روایته فی التهذیب والاستبصار تکفی فی الاعتماد حیث لا یعارضه شیء، ولا شک أن الإعطاء هو الأحوط.

{والأحوط الاستغفار مع العجز بدلاً عنها} وأما مطلق الاستغفار فلا شبهة فیه، لأنه لکل ذنب، ﻓ_ {ما دام العجز} یکفی الاستغفار، فإذا قدر کفّر، ثم الظاهر أنه یکفی الاستغفار مرة، فلا یحتاج إلی التکرار، لصدق المهیّة بحصول فرد واحد منها.

ص:195


1- الاستبصار: ج1 ص134 الباب80 ما یجب علی من وطأ امرأة حائضاَ... ح5

مسألة ١٥ لو اتفق حیضها حال المقاربة

(مسألة _ 15): إذا اتفق حیضها حال المقاربة وتعمد فی عدم الإخراج وجبت الکفارة.

(مسألة _ 15): {إذا اتفق حیضها حال المقاربة، وتعمّد فی عدم الإخراج} فی الحال، وإن أخرج بعد ذلک بحیث کان الوطء ممتدا مع القدرة {وجبت الکفارة} لإطلاق دلیل الکفارة.

واحتمال أنها خاصة بالمبتدئ لا وجه له، إلاّ الانصراف البدوی، وهو لیس بحجة.

ص:196

مسألة ١٦ لو أخبرت بالحیض أو عدمه یسمع قولها

(مسألة _ 16): إذا أخبرت بالحیض أو عدمه یسمع قولها، فإذا وطأها بعد إخبارها بالحیض وجبت الکفارة، إلا إذا علم کذبها، بل لا یبعد سماع قولها فی کونه أوله أو وسطه أو آخره.

(مسألة _ 16): {إذا أخبرت بالحیض أو عدمه یسمع قولها} کما تقدم فی المسألة الرابعة {ﻓ_} إذا وطأها بعد إخبارها بالطهر، ثم تبین أنها حائض لم یکن علیه شیء.

و{إذا وطأها بعد إخبارها بالحیض وجبت الکفارة} لأن ذلک مقتضی حجیة قولها، {إلاّ إذا علم کذبها} حیث لا یقاوم العلم شیء.

{بل لا یبعد سماع قولها فی کونه أوله أو وسطه أو آخره} لأن المتفاهم عرفاً من کونها مسموع القول فی الحیض، کونها مسموع القول فی خصوصیاته، التی منها کونه أوله أو وسطه أو آخره، مضافاً إلی حجیة قول ذی الید الشاملة للمقام نصاً أو فحوی، ومثل سماع قولها فی الحیض وخصوصیاته سماع قولها فی النفاس والاستحاضة.

ص:197

مسألة ١٧ جواز إعطاء قیمة الدینار

(مسألة _ 17): یجوز إعطاء قیمة الدینار،

(مسألة _ 17): {یجوز إعطاء قیمة الدینار} وهو ثلاثة أرباع المثقال الصیرفی من الذهب الخالص، وفی المسألة أقوال ثلاثة:

الأول: ما اختاره المصنّف تبعاً للمقنعة والنهایة والمراسم والمهذّب والغنیة والجامع وغیرهم، لأنه المفهوم من النصّ فی النقود، فإذا قیل: فلان یطلب مائة دینار لم یرد العین، وکذلک إذا قال: بعتک الدار بمائة وما أشبه ذلک. وربما یؤید ذلک: «یسوقه مساق النصف والربع» المراد بهما القیمة.

نعم لا یصح إعطاء غیر النقود، کالأرز والحنطة عوض الدینار، لأنه خلاف المتفاهم عرفاً، وهذا القول هو الأقرب.

الثانی: لزوم إخراج عین الدینار، کما عن کتب العلامة والشهیدین والمحقق الثانی وغیرهم، لظهور لفظ الدینار فی ذلک مع عدم صدق اسم الدینار علی قیمته، فلا بد من الاقتصار علی مورد النص، وأید ذلک بسائر الکفارات الظاهرة فی خصوصیة ما فی النص.

وفیه: ما ذکرناه من ظهور النقود فی الطریقیة لا الخصوصیة، إلاّ إذا کان هناک دلیل من الخارج، وفرق بین النقود والأعیان فالحنطة لیست ظاهرة فی القیمة بینما الدینار ظاهر فی ذلک، فلا وجه للتأیید المذکور.

الثالث: جواز إعطاء غیر المضروب من الذهب وإن لم یکن دیناراً اسماً، ولا یجوز إعطاء القیمة _ کما عن المنتهی _ لأنه لا

ص:198

والمناط قیمة وقت الأداء.

فرق بین المضروب وغیره، لتناول الاسم لهما، وفیه: ما تقدم من أن الطریقیة تقتضی کفایة کل قیمة.

ثم إنه لا ینبغی الإشکال فی کفایة القیمة فی صورة تعذر العین علی القوم بلزومها، لقاعدة المیسور، ولأنه المرکوز فی أذهان العرف، فقول المستمسک: (إنه لو تعذر الدینار فلا کلام فی الاجتزاء بالقیمة، والعمدة فیه الاجماع المذکور، ولولاه أشکل الحکم)((1)) إلی آخره، محل منع.

{والمناط قیمة وقت الأداء} کما اختاره الشیخ المرتضی وغیره، وهذا هو الأقوی، خلافاً للجواهر: حیث اختار (قیمة زمان حدود الحکم من الشرع)، ولبعض آخر حیث اختار قیمة وقت الوطء.

أما القول الأول: فیدل علیه: أن المالیة الملحوظة فی الدینار الواجب أداؤه ممتدة إلی حین الامتثال، فکما أنه أعطی نفس الدینار کفی، کذلک إذا أعطی قیمته، ومثله الحال فی الدیون وغیرهما.

واستدل للثانی: بأن الدینار ملحوظ مرآة للقیمة المحددة وقت التشریع، وفیه: إن هذا اللحاظ خلاف المتفاهم عرفاً فی کل النقود فی کلمات العرف، فالمصیر إلیه یحتاج إلی دلیل خاص یقاوم الفهم العرفی.

ص:199


1- المستمسک: ج3 ص333

واستدل للثالث: بأن وقت التعلق هو وقت الوطء فتغیره عن وقت الوطء خلاف الأصل، وفیه: إن الذمة اشتغلت بالدینار الذی هو مرآة لمالیته لا لمالیة الدینار المحددة بوقت خاص.

ص:200

مسألة ١٨ إعطاء الکفارة للمساکین

(مسألة _ 18): الأحوط إعطاء کفارة الأمداد لثلاثة مساکین، وأما کفارة الدینار فیجوز إعطاؤها لمسکین واحد،

(مسألة _ 18): {الأحوط إعطاء کفارة الأمداد لثلاثة مساکین} قالوا: لأن کونه ثلاثة أمداد ظاهرة فی کونها لثلاثة مساکین ولو بقرینة سائر الکفارات، وما ذکر فی بعض روایات الباب من إطعام عشرة مساکین، وقد تقدم الإشکال فی ذلک فی مسألة وطء الأمة.

{وأما کفارة الدینار فیجوز إعطاؤها لمسکین واحد} وفی الجواهر (بلا خلاف أجده)((1))، کما یجوز إعطاؤها لعدة مساکین، کل ذلک لإطلاق الدلیل.

والظاهر عدم الفرق بین کون المسکین هاشمیاً أم لا، للإطلاق، بل قول الصادق (علیه السلام): «إنما تلک الصدقة الواجبة»((2)) _ فی مسألة منع الهاشمی عن الصدقات _ دلیل علی المقام، کما ذکرناه فی بعض مباحث الفقه.

نعم: لا إشکال فی اشتراط کون الآخذ فقیراً لأنه المنصرف من کونها کفارة، بل ظاهرهم التسالم علی ذلک.

ص:201


1- الجواهر: ج3 ص236
2- جامع أحادیث الشیعة: ج8 ص221 الباب22 من أبواب من یستحق الزکاة ومن لا یستحق... ح20

والأحوط صرفها علی ستة أو سبعة مساکین.

{والأحوط: صرفها علی ستة أو سبعة مساکین} الاحتیاط فی الصرف علی سبعة مساکین، وجهه: الجمع بین دلیل الدینار وحسن الحلبی((1))، أما علی ستة فلم یظهر وجهه، اللّهم إلاّ أن فهم کون السبعة من باب المثال، ولذا انتقده جملة من الشراح والمعلّقین حتی قال السید البروجردی: (لم یظهر له وجه)((2)).

ولا یخفی: أن مثل هذا لا یسمی إحتیاطاً، لأن الخبر إن کان حجة فالأمر تخییری، وإلا لم یکن وجه للعدول عن الدینار وإلیه، ثم: الظاهر أنه إن قلنا بهذا الاحتیاط صح إعطاؤه لعائلة مکونة من سبعة وإن کان فیهم أطفال للمناط فی بعض الکفارات الأخر.

ص:202


1- الکافی: ج7 ص462 باب النوادر ح13
2- تعلیقة السید البروجردی: ص26 فی مسألة 18

مسألة ١٩ تکرر التکفیر مع تکرر الوطء

(مسألة _ 19): إذا وطأها فی الثلث الأول والثانی والثالث فعلیه الدینار ونصفه وربعه، وإذا کرر الوطء فی کل ثلث، فإن کان بعد التکفیر وجب التکرار، وإلاّ فکذلک أیضاً علی الأحوط.

(مسألة _ 19): {إذا وطأها فی الثلث الأول والثانی والثالث فعلیه الدینار ونصفه وربعه} لتعدد الحکم بتعدد الموضوع، ولا مجال لاحتمال انطباق قوله (علیه السلام): «إذا اجتمعت لله علیک حقوق»((1)) علی المقام، لما قرر فی محله من أصالة عدم التداخل، وإن أفتی المستند بأصالة التداخل إلا فیما خرج بالدلیل.

{وإذا کرر الوطء فی کل ثلث} فإن کان بالإدخال والإخراج لدفعة واحدة لعدم صدق التکرار عرفاً، وإن کان بالدفعات {فإن کان بعد التکفیر وجب التکرار} بلا خلاف کما ادعاه جماعة، وإن کان المحکی عن شرح المفاتیح: وجود الخلاف فیه، ثم: إن وجه التکرار هو ما ذکروه من: أن المرة الثانیة إن أوجبت الکفارة فهو المطلوب، وإن لم توجب الکفارة کان خلاف إطلاق أدلة الکفارة علی الوطئ وتقیید الأدلة بمن لم یسبق منه التکفیر بلا دلیل {وإلاّ} یمکن بعد التکفیر {فکذلک أیضاً} تتعدد الکفارة لإطلاق الأدلة، لکن التکرار هنا {علی الأحوط} لاحتمال عدم التکرر بتقریب أن

ص:203


1- التهذیب: ج1 ص107 الباب5 الأغسال ح11

الکفارة وضعت لمهیّة الوطئ الصادقة علی الواحد والمتعدد، کما إذا قال: إذا شربت الماء فالعن قتلة الحسین (علیه السلام)، أو إذا أجنبت فاغتسل، حیث إنه یکفی لعن واحد وغسل واحد لشربات وجنابات، لکن فیه: أن ذلک خلاف ظاهر الشرطیة الدالة علی أن کل فرد موجب تام، وقد تقدم أن الأصل عدم التداخل، فالقول بعدم التداخل فی المقام هو الأقرب.

ص:204

مسألة ٢٠ عدم وجوب إلحاق النفساء بالحائض

(مسألة _ 20): ألحق بعضهم النفساء بالحائض فی وجوب الکفارة، ولا دلیل علیه.

نعم: لا إشکال فی حرمة وطئها.

(مسألة _ 20): {ألحق بعضهم النفساء بالحائض فی وجوب الکفارة} وهو الظاهر {و} إن قال المصنف: {لا دلیل علیه} بل الکفارة هی المعروف بین الأصحاب، کما فی مصباح الهدی، بل فی الطهارة نسبته إلی ظاهر الأصحاب، وعن التذکرة: عدم الخلاف فیه.

{نعم: لا إشکال فی حرمة وطئها} بلا خلاف فیه _ کما عن المعتبر والمنتهی والتذکرة _ ویدل علی الحرمة: أن النفاس هو الحیض.

مثل ما فی المروی عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: «سأل سلمان علیاً (علیه السلام) عن رزق الولد فی بطن أمّه؟ فقال: إن الله تبارک وتعالی حبس علیها الحیضة فجعلها رزقه فی بطن أمه»((1)). بضمیمة وضوح أن ما یخرج بعد الولادة هو ذلک الدم المحتبس.

وخبر مالک بن أعین: قال: سألت الباقر (علیه السلام) عن

ص:205


1- الفقیه: ج1 ص51 الباب20 فی غسل الحیض ح6

التاسع: بطلان طلاقها

النفساء یغشاها زوجها وهی فی نفاسها من الدم؟ قال (علیه السلام): «نعم: إذا مضی لها منذ یوم وضعت بقدر أیام عدة حیضها، ثم تستظهر بیوم/ فلا بأس بعدُ أن یغشاها زوجها یأمرها بالغسل فتغسل ثم یغشاها إن أحبّ»((1)).

وخبر الخشاب، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الحائض والنفساء، ما یحلّ لزوجها منها؟ قال: «تلبس درعاً ثم تضطجع معه»((2)). مما یدل علی وحدتهما فی الحکم.

وصحیح زرارة: _ فی الحائض _ «تصنع مثل النفساء سواء»((3)) حیث إن العرف یفهم منه تساویها، فلا یستشکل علیه بأنه یدل علی إلحاق الحائض بالنفساء لا العکس، وسیأتی بقیة الکلام فی ذلک فی النفاس إن شاء الله تعالی، ومنه عرف وجه وجوب الکفارة، والله العالم.

{التاسع}: من أحکام الحائض {بطلان طلاقها} إجماعاً مستفیضاً نقله فی کلماتهم، ویدل علیه متواتر الروایات:

مثل: روایة الکافی عن الباقر (علیه السلام) أنه قال: «إنما الطلاق أن یقول لها... بعد ما تطهر من محیضها قبل أن یجامعها،

ص:206


1- الاستبصار: ج1 ص152 الباب91 أکثر أیام النفاس ح7
2- الوسائل: ج2 ص572 الباب26 من أبواب الحیض ح3
3- الوسائل: ج2 ص605 الباب1 من أبواب الحیض ح5

وظهارها

أنت طالق»((1)).

وفی الکافی عنه (علیه السلام) أیضاً: «لا طلاق إلاّ علی السنّة، ولا طلاق علی السنّة إلاّ علی طهر من غیر جماع»((2)).

والمروی فی التهذیب قال: سألته عن الطلاق؟ فقال: «علی طهر، وکان علی (علیه السلام) یقول: لا یکون طلاق إلاّ بالشهود»((3)). إلی غیرها من الأخبار المذکورة فی کتاب الطلاق.

{وظهارها} وهو: أن یقول الرجل لزوجته بحضور شاهدین عادلین: «أنت علیّ کظهر أمّی» _ وتفصیله فی کتاب الظّهار _ أما بطلان ظهار الحائض فعلیه الإجماع أیضاً، ویدل علیه غیر واحد من الروایات:

مثل صحیح زرارة: عن الباقر (علیه السلام) وقد سأله عن کیفیة الظهار؟ فقال: «یقول الرجل لامرأته وهی طاهر فی غیر جماع: أنتِ علیّ حرام مثل ظهر أمّی»((4)).

وخبر حمران عنه (علیه السلام): «لا یکون ظهار إلاّ علی طهر

ص:207


1- الکافی: ج6 ص69 باب ما یجب أن یقول من أراد أن یطلق ح1
2- الکافی: ج6 ص62 باب أن الطلاق لا یقع إلا لمن أراد الطلاق ح3
3- التهذیب: ج8 ص50 الباب3 أحکام الطلاق ح78
4- التهذیب: ج8 ص9 الباب2 فی حکم الظهار ح1

إذا کانت مدخولة ولو دبراً

بغیر جماع بشهادة شاهدین مسلمین»((1)).

وفی المرسل عن الصادق (علیه السلام): «لا یکون الظهار إلاّ علی مثل موضع الطلاق»((2)).

ثم إنما یشترط الطهر فی صحة الطلاق بأمور ثلاثة وهی: أن تکون مدخولاً بها، وأن یکون زوجها حاضراً، وأن لا تکون حاملاً، فإذا فقدت أحد هذه الشروط صحّ طلاق الحائض، فالمرأة غیر المدخول بها یصح طلاقها فی حال الحیض، وکذلک المرأة التی زوجها غائب یصح طلاقها إذا کانت فی حال الحیض واقعاً ولم یکن الزوج یعلم أنها فی حال الحیض، وهکذا المرأة الحامل یصح طلاقها فی حال الحیض.

ﻓ_ {إذا کانت مدخولة ولو دبراً} لم یصح طلاقها، یخلاف ما إذا لم تکن مدخولاً بها، فیصح طلاقها بلا إشکال ولا خلاف، بل علیه دعوی الإجماع منهم، ویدل علیه غیر واحد من الروایات:

مثل: المروی عن الکافی، قال: «لا بأس بطلاق خمس علی کل حال: الغائب عنها زوجها، والتی لم تحض، والتی لم یدخل بها زوجها، والحبلی، والتی قد یئست من المحیض»((3)).

ص:208


1- الکافی: ج6 ص152 باب الظهار ح1 ذیل الحدیث
2- الوسائل: ج15 ص509 الباب2 من کتاب الظهار ح3 ملحق الحدیث، عن الصدوق
3- الکافی: ج6 ص79 باب النساء اللاتی یطلقن علی کل حال ح2

وکان زوجها حاضراً،

وعن الباقر علیه السلام قال: «خمس یطلقن علی کل حال: الحامل المتبین حملها، والتی لم یدخل بها زوجها، والغائب عنها زوجها، والتی لم تحض، والتی قد جلست عن المحیض»((1)).

وفی التهذیب عنهما (علیهما السلام): «خمس یطلقهّن أزواجهّن متی شاءوا: الحامل المستبین حملها، والجاریة التی لم تحض، والمرأة التی قد قعدت من المحیض، والغائب عنها زوجها، والتی لم یدخل بها»((2)).

ثم: إن الدخول فی الدبر کالدخول فی القبل، للإطلاق، ولخبر حفص: عن الرجل یأتی أهله من خلفها؟ قال: «هو أحد المأتیین، فیه الغسل»((3))، إلی غیر ذلک مما ذکر فی کتاب الطلاق، ویکفی فی الدخول إدخال مقدار الحشفة _ کما تقدم فی باب الجنابة _، أما فی باب الحیض الذی ذکرنا حرمة بعض الحشفة فلدلیل خاص کما عرفت.

{وکان زوجها حاضراً} فإنه لا یصح طلاقها حینئذ، بخلاف

ص:209


1- الوسائل: ج15 ص305 الباب25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح1، ورواه الصدوق ب_: «والتی قد یئست من الحیض» الفقیه: ج3 ص334 الباب164 ح2
2- التهذیب: ج8 ص70 الباب3 فی أحکام الطلاق ح149
3- الوسائل: ج1 ص481 الباب12 من أبواب الجنابة ح1

أو فی حکم الحاضر

ما إذا کان الزوج غائباً حیث یصح طلاقها، وإن کانت فی الواقع فی حال الحیض، ویدل علیه: الأخبار المتقدمة فی غیر المدخول بها التی عدّ فیها الغائب عنها زوجها من الخمس التی یُطلقن علی کل حال.

{أو فی حکم الحاضر} بحیث یتمکن من استعلام حالها وإن کان غائباً، فإن تمکن من الاستعلام کان بحکم الحاضر، کما أن الحاضر إن لم یتمکن من الاستعلام کان بحکم الغائب، إذاً فالمناط إمکان الاستعلام، فإن أمکن غائباً کان أو حاضراً لم یصح طلاقها فی حال الحیض، وإن لم یتمکن من استعلام حالها غائباً کان أو حاضراً صح طلاقها، ویدل علیه:

صحیحة عبد الرحمان بن الحجاج: عن أبی الحسن (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة سراً من أهلها، وهی فی منزل أهلها، وقد أراد أن یطلقها ولیس یصل إلیها فیعلم طمثها إذا طمثت ولا یعلم بطهرها إذا طهرت؟ فقال (علیه السلام): «هذا مثل الغائب عن أهله، یطلّق بالأهلّة والشهور»((1)).

ثم یعتبر فی طلاق الغائب، ومن کالغائب: مضیّ مدة یعلم بمقتضی عادتها: انتقالها من الطهر الذی وطئها فیه إلی طهر آخر، وإن احتمل تغیر عادتها وأنها مع تغیر عادتها باقیة فی طهر المواقعة أو

ص:210


1- الوسائل: ج15 ص310 الباب28 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح1

ولم تکن حاملاً، فلو لم تکن مدخولاً بها أو کان زوجها غائباً أو فی حکم الغائب بأن لم یکن متمکناً من استعلام حالها أو کانت حاملا یصح

أنها حائض حال الطلاق، وتفصیل ذلک فی کتاب الطلاق.

ثم إن کان غائباً وتمکن من الاستعلام، أو کان حاضراً کذلک ولم یرد الاستعلام، کوقوع الطلاق فی الیوم الأول والحادی عشر، فإنه یعلم بوقوع أحدهما فی حالة الطهر.

والمراد بالإمکان: العرفی لا الدقّی العقلی لأنه مبنی الشرعیات، کما تقدم فی بعض المباحث السابقة.

{ولم تکن حاملاً} فإنه لا یصح طلاقها فی حال الحیض، بخلاف ما إذا کانت حاملاً، حیث یصح طلاقها فی حال الحیض إجماعاً، ویدل علیه: الأخبار المتقدمة من: أن خمساً یطلقن علی کل حال وعدّ منهم الحامل.

وعلی هذا: {فلو لم تکن مدخولاً بها، أو کان زوجها غائباً، أو فی حکم الغائب: بأن لم یکن متمکناً من استعلام حالها، أو کانت حاملاً} وقیّد فی النصّ بالاستبانة احترازاً من البناء علی احتمال الحمل بانقطاع الحیض أو ما أشبه، کما أنه یکون کثیراً ما کذلک، فتظن المرأة أنها حامل والحال أنها لیست بحامل {یصح

ص:211

طلاقها، والمراد بکونه فی حکم الحاضر: أن یکون مع غیبته متمکناً من استعلام حالها.

طلاقها، و} قد عرفت أن {المراد بکونه فی حکم الحاضر: أن یکون مع غیبته متمکناً من استعلام حالها}.

ثم إن الشروط الثلاثة فی الظهار حالها حال الشروط الثلاثة فی الطلاق بکل خصوصیاتها، إجماعاً فی کلماتهم، لما تقدم عن الصادق (علیه السلام): «لا یکون الظهار إلاّ علی مثل موضع الطلاق» بالإضافة إلی أنه نوع من الطلاق فیشمله دلیل الطلاق.

ص:212

مسألة ٢١ عدم جواز طلاق الحائض ولو کان الزوج غائبا

(مسألة _ 21): إذا کان الزوج غائباً ووکل حاضراً متمکناً من استعلام حالها، لا یجوز له طلاقها فی حال الحیض.

(مسألة _ 21): {إذا کان الزوج غائباً ووکّل حاضراً متمکناً من استعلام حالها، لا یجوز له طلاقها فی حال الحیض} الوکیل: إما وکیل مفوّض فی الطلاق، کالوکیل المفوض فی التجارة مثلاً، قال له: أنت وکیلی فی طلاق أیة زوجة ونکاح أیة فتاة لی تری ذلک مناسباً، وإما وکیل فی إجراء صیغة الطلاق فقط، کما إذا جاء إلی عالم وقال: إجر طلاق زوجتی فلانة. ففی الوکیل المفوّض لا یخلو الأمر من أربعة:

لأنه: إما أن یتمکنا من استعلام حال الزوجة، ولا إشکال فی لزوم الاستعلام، وأنه لو طلق وصادف الحیض بطل الطلاق.

وإما أن لا یتمکنان من استعلام حالها، ولا إشکال فی صحة الطلاق.

وإما أن یتمکن الزوج فقط من الاستعلام.

وإما أن یتمکن الوکیل فقط. ولا یبعد دوران الأمر فی هاتین الصورتین مدار الوکیل کما ذکروا مثل ذلک فی باب التجارة، وأن المدار فی الغبن والخیار ونحوهما هو الوکیل، لکن الاحتیاط فی المقام لا ینبغی ترکه.

وإما الوکیل فی إجراء الصیغة، فالمدار علی أی حال للموکل إذ

ص:213

لا شأن للوکیل إلاّ اللفظ، وکذا فی باب نکاح المرأة، فإذا کان النکاح باطلاً بنظر الوکیل المفوّض لم یصح نکاحها، أو الوکیل فی اللفظ فلا شأن له، وإنما المهم نظر الموکّل، وهکذا فی سائر الأبواب، فإذا أعطاه مالاً وقال: إعطه خُمساً، لم یصح له أن یعطیه لمن یعلم عدم استحقاقه.

إما إذا کان وکیلاً فی مجرد الإیصال، کما إذا قال له: إعطه لفلان، صح له إعطاؤه _ وإن علم عدم استحقاقه _ لأنه لیس بمکلّف فی المقام.

والحاصل: أن التکلیف إذا کان متوجهاً إلی الوکیل لم یصح، أما إذا کان متوجهاً إلی الموکل فلا شأن للوکیل فی الأمر، والله العالم.

ص:214

مسألة ٢٢ لو طلقها باعتقاده أنها طاهرة

(مسألة _ 22): لو طلقها باعتقاد أنها طاهرة فبانت حائضا بطل، وبالعکس صح.

(مسألة _ 22): {لو طلقها باعتقاد أنها طاهرة فبانت حائضاً بطل، وبالعکس صح} لأن الأمر دائر مدار الواقع لا مدار الاعتقاد، إذ لا مدخلیة للعلم والجهل فی الأحکام کما قرر فی الأصول، إلاّ فیما إذا جعل الشارع ذلک جزءً للموضوع، ولیس المقام منه، لعدم الدلیل علیه.

ص:215

مسألة ٢٣ الفرق فی بطلان طلاق الحائض بین التمیز أو التخییر

(مسألة _ 23): لا فرق فی بطلان طلاق الحائض بین أن یکون حیضها وجدانیا أو بالرجوع إلی التمیز أو التخییر بین الأعداد المذکورة سابقاً، ولو طلقها فی صورة تخییرها قبل اختیارها فاختارت التحیض بطل، ولو اختارت عدمه صح،

(مسألة _ 23): {لا فرق فی بطلان طلاق الحائض بین أن یکون حیضاً وجدانیاً أو} تعبّدیاً، لأن الشارع جعلها حائضاً فی حال تعبدها بالحیض، فیشملها الدلیل الدال علی عدم صحة الطلاق فی حالة الحیض، ولا فرق فی التعبدیة إن کانت مأمورة {بالرجوع} إلی الاستصحاب، أو {إلی التمیز، أو التخییر بین الأعداد المذکورة سابقاً} ومثله ما لو کانت محکومة بالحیضیة فی النقاء المتخلل.

{ولو طلقها فی صورة تخییرها قبل اختیارها فاختارت التحیض} فی أثناء الطلاق {بطل} لأنها محکومة شرعاً بالتحیض، وقد وقع الطلاق فی الحیض. {ولو اختارت عدمه صحّ} لعدم کون الطلاق فی حال الحیض الواقعی ولا التعبدی، هذا کله لو اختارت أحدهما فی حال الطلاق.

أما لو اختارت أحدهما بعد الطلاق فیما کان لها الاختیار فی هذا الحال بالنسبة إلی الحالة السابقة فلا إشکال فی الصحة فیما إذا اختارت عدم التحیض، أما إذا اختارت التحیض فهل یبطل لأن الاختیار بیدها؟، أو یصح لأن الطلاق حصل فی وقت لم یکن حیض واقعاً ولا تعبداً؟، وتأثیر اللاحق فی السابق خلاف الظاهر من الأدلة، احتمالان، وإن کان لا یبعد التأثیر، لأنه من باب الکشف، فتأمل.

ص:216

ولو ماتت قبل الاختیار بطل أیضاً.

{ولو ماتت قبل الاختیار} أو جنّت مثلاً {بطل أیضاً} لعدم إحراز شرط الصحة لا واقعاً لأنها لا تعلم بوقت حیضها، ولا تعبداً لانحصار طریقه بالاختیار المفروض إنتفاؤه فی المقام، ومقتضی العلم الإجمالی _ المردد بین کونها حائضاً فی حال الطلاق أو غیره _ عدم الاعتبار بهذا الطلاق، والمسألة تحتاج إلی التأمل.

نعم لا إشکال فی أنه لو طلقها فی الیوم الأول والیوم الحادی عشر، ولم تختر حتی ماتت لم یضر ذلک، لوضوح وقوع الطلاق الصحیح فی أحد الیومین کما تقدم شبهه.

ص:217

مسألة ٢٤ بطلان الطلاق والظهار مختصة بحال الحیض

(مسألة _ 24): بطلان الطلاق والظهار وحرمة الوطی ووجوب الکفارة مختصة بحال الحیض، فلو طهرت ولم تغتسل لا تترتب هذه الأحکام، فیصح طلاقها وظهارها، ویجوز وطؤها، ولا کفارة فیه، وأما الأحکام الأخر المذکورة فهی ثابتة ما لم تغتسل.

(مسألة _ 24): {بطلان الطلاق والظّهار، وحرمة الوطئ، ووجوب الکفارة، مختصة بحال الحیض} خارجاً أو تعبداً {فلو طهرت ولم تغتسل لا تترتب هذه الأحکام} وذلک لظهور أدلة حرمة الطلاق والظهار بحالة وجود الدم، أو محکومیتها بأنها حائضة کالنقاء فی البین، فلا بطلان فی غیر هاتین الصورتین.

وأما حرمة الوطئ: فسیجیء الکلام فیه، وأن فیه خلافاً.

وأما وجوب الکفارة: فلأن ظاهر الأدلة اختصاصها بما إذا کانت حائضاً أو محکومة بالحیضیة، فإذا نظفت لم تکن کفارة، وإن قیل بحرمة الوطء قبل الاغتسال.

{فیصح طلاقها وظهارها ویجوز وطؤها ولا کفارة فیه، وأما الأحکام الأخری المذکورة} وهی: حرمة العبادات المشروطة بالطهارة کالصلاة والصیام، وحرمة مسّ اسم الله وتوابعه، وحرمة قراءة العزائم، واللبث فی المساجد، ووضع شیء فیها، والاجتیاز من المسجدین {فهی ثابتة ما لم تغتسل} کما عن المشهور، بل عن ظاهر الروض والمسالک الإجماع علیه.

ص:218

العاشر: وجوب الغسل بعد انقطاع الحیض للأعمال الواجبة المشروطة بالطهارة کالصلاة والطواف والصوم، واستحبابه للأعمال التی یستحب لها الطهارة، وشرطیته للأعمال الغیر الواجبة

وتفصیل الکلام فی ذلک: أن الصلاة مشروطة بالطهارة فلا تصح ممن لم تغتسل، وکذلک الطواف الواجب، وفی الصوم خلاف _ یأتی فی کتاب الصوم _، وحرمة المسّ ظاهرة لأنه مشروط بالطهارة المفقودة فی المقام، وأما الثلاثة الأخر ففی الاشتراط احتمالان: من أن الجمع بین الحائض والجنب فی الروایات یقتضی اتحادهما فی الحکم، فکما لا تصح الأمور المذکورة قبل غسل الجنب کذلک لا تصح قبل غسل الحائض ولو کان بعد انقطاع الدم، ومن أنه لا وجه للتنظیر المذکور، إذ الجنابة لا تمتد زماناً معتداً به بخلاف الحیض، وظاهر الدلیل حرمة الأمور المذکورة علی الحائض، التی ظاهرها المتلبسة بالدم أو المحکومة شرعاً بذلک _ کما فی النقاء فی البین _، فالأصل فی التی نظفت الجواز، وهذا أقرب إلی النظر، وإن کان الاحتیاط فی اتباع المشهور، ومما ذکرنا یظهر أن التفصیل بین القول بالحرمة الذاتیة والقول بالحرمة التشریعیة محل نظر.

{العاشر: وجوب الغسل بعد انقطاع الحیض للأعمال الواجبة المشروطة بالطهارة کالصلاة والطواف والصوم} علی نحو ما تقدم فی غسل الجنابة {واستحبابه للأعمال التی یستحب لها الطهارة} کقراءة القرآن والزیارة {وشرطیته للأعمال الغیر الواجبة

ص:219

التی یشترط فیها الطهارة.

التی یشترط فیها الطهارة} مثل مسّ کتابة القرآن ونحوه.

ثم إن الانقطاع یعلم بالوجدان أو بالحکم الشرعی کما فی ذات العادة إذا تجاوز دمها العشرة ونحوها.

ص:220

مسألة ٢٥ الأحکام الثابتة فی حالة الحیض وکیفیة غسله

(مسألة _ 25): غسل الحیض کغسل الجنابة مستحب نفسی، وکیفیته: مثل غسل الجنابة فی الترتیب والارتماس وغیرهما مما مر.

(مسألة _ 25): {غسل الحیض کغسل الجنابة مستحب نفسی} کما تقدم فی غسل الجنابة. ولأنه تطهیر، والله یحب المتطهّرین، أما استحبابه للکون علی الطهارة فواضح بلا إشکال، وربما احتمل وجوب الغسل نفسیاً، لکن لا دلیل علیه بل المعروف خلافه، بل فی الجواهر: دعوی عدم الوجوب النفسی محصلاً ومنقولاً علیه.

{وکیفیته: مثل غسل الجنابة فی الترتیب والارتماس وغیرهما _ مما مرّ _} بلا إشکال ولا خلاف، بل عن المدارک: هذا مذهب العلماء کافة، وعن بعض: دعوی الإجماع صریحاً علیه، ویدل علیه: أن الحقیقة واحدة فی الألفاظ التی تطلق فی أماکن متعددة، إلاّ إذا دل الدلیل علی خلاف ذلک، کما ذکروا مثله فی باب الصلاة والصوم والحج وغیرها، فإذا أطلق الشارع الصلاة وعرفنا أن لها حقیقة خاصة مشروطة بالطهارة والستر والقبلة وما أشبه، نقول باشتراط هذه الشرائط فی کل صلاة، هذا: بالإضافة إلی السیرة والروایات خاصة کموثق الحلبی: عن الصادق (علیه السلام) _ فی تساوی غسل الجنابة وغسل الحیض _ قال (علیه السلام): «غسل الجنابة والحیض واحد»((1)).

ص:221


1- التهذیب: ج1 ص162 الباب7 حکم الحیض و... ح35

والفرق: أن غسل الجنابة لا یحتاج إلی الوضوء، بخلافه، فإنه یجب معه الوضوء

ونحوه المرسل المحکی عن الفقیه((1)) والمقنع((2)) والمجالس((3))، وتمسک المستمسک((4)) لذلک بخبر أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السلام): أن الحائض هل علیها غسل مثل غسل الجنابة؟ قال (علیه السلام): «نعم»((5))، محل نظر، لأن ظاهر الخبر المثلیة فی الوجوب لا فی الکیفیة، ویدل علی وحدة الکیفیة أیضاً ما تقدم فی بحث تداخل الأغسال، فإنه لولا وحدة الکیفیة لم یکن تداخل، کما یدل علی ذلک أیضاً عدم بیان کیفیته، ولو کان له کیفیة خاصة لزم البیان، ومما تقدم تعرف أن کل ما ذکر من خصوصیات غسل الجنابة آت هنا أیضاً.

{والفرق: أن غسل الجنابة لا یحتاج إلی الوضوء} للنص والفتوی کما تقدم {بخلافه، فإنه یجب معه الوضوء} أما احتیاجه إلی الوضوء فهو المحکی عن الأکثر، کما عن المعتبر والذکری، وفی المستمسک: (هو المشهور شهرة عظیمة)((6))، وعن أمالی

ص:222


1- الفقیه: ج1 ص44 الباب18 فی الاغسال ح2
2- الجوامع الفقهیة (کتاب المقنع): ص4 س34
3- أمالی الصدوق: ص515
4- المستمسک: ج3 ص342
5- الوسائل: ج2 ص567 الباب23 من أبواب الحیض ح6
6- المستمسک: ج3 ص343

الصدوق: فی عدّ ما هو من دین الإمامیة _: (وکل غسل فیه وضوء فی أوله)((1))، وفی المستند: (قیل: کاد أن یکون إجماعاً)((2))، خلافاً للمحکی عن السید والإسکافی والأردبیلی والخونساری والمدارک والذخیرة والمفاتیح والحدائق، وجملة من المتأخرین، بل عن البحار نسبته إلی أکثرهم.

استدل للقول الأول: بإطلاق الآیة، خرج منه غسل الجنابة، فبقی الباقی من کل غسل واجب أو مسنون، وبعموم ما دل علی وجوب الوضوء لکل حدث، بضمیمة أصالة عدم کفایة الغسل عنه.

وبصحیح ابن أبی عمیر، عن رجل، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «کل غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة»((3))، وإرساله غیر ضار بعد کونه مرسلة ابن أبی عمیر، وبعد عمل المشهور به.

وصحیحه الآخر، عن حماد بن عثمان أو غیره، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فی کل غسل وضوء إلاّ الجنابة»((4)). وعن المختلف((5)) والذکری((6)) روایته عن حماد بعینه.

ص:223


1- أمالی الصدوق: ص515
2- المستند: ج1 ص132 السطر ما قبل الأخیر
3- الوسائل: ج1 ص516 الباب35 من أبواب الجنابة ح1
4- الوسائل: ج1 ص516 الباب35 من أبواب الجنابة ح2
5- المختلف: ص33 س29
6- الذکری: ص26 س35

وصحیحة علی بن یقطین: عن أبی الحسن الأول (علیه السلام): «إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل»((1)).

والرضوی: «والوضوء فی کل غسل ما خلا غسل الجنابة» _ إلی أن قال: _ «وإذا اغتسلت لغیر جنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل، ولا یجیزیک الغسل عن الوضوء، فإن اغتسلت ونسیت الوضوء فتوضأ وأعد الصلاة»((2)).

والمروی فی الغوالی: عن النبی (صلی الله علیه وآله): «کل الأغسال لا بدّ فیها من الوضوء إلاّ الجنابة»((3)).

استدل للقول الثانی: بجملة من الروایات.

مثل: صحیح ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام): «الغسل یجزی عن الوضوء، وأیّ وضوء أطهر من الغسل»((4)).

وموثق عمار: سُئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو یوم جمعة أو یوم عید، هل علیه الوضوء قبل ذلک أو بعده؟ فقال (علیه السلام): «لا لیس علیه قبل ولا بعد، قد أجزأه الغسل، والمرأة مثل ذلک إذا اغتسلت من حیض أو

ص:224


1- الوسائل: ج1 ص517 الباب35 من أبواب الجنابة ح3
2- فقه الرضا: ص3 السطر الأخیر إلی ص4 س2
3- عوالی اللئالی: ج2 ص203 ح110
4- الوسائل: ج1 ص513 الباب33 من أبواب الجنابة ح1

غیر ذلک فلیس علیها الوضوء لا قبل ولا بعد، قد أجزأها الغسل»((1)).

ومکاتبة الهمدانی إلی أبی الحسن الثالث (علیه السلام): «لا وضوء للصلاة فی غسل یوم الجمعة ولا غیره»((2)).

وروایة حماد عن رجل، عن أبی عبد الله (علیه السلام): فی الرجل یغتسل للجمعة أو غیر ذلک، أ یجزیه من الوضوء؟ فقال أبو عبد الله (علیه السلام): «وأیّ وضوء أطهر من الغسل»((3)).

ومرسلة الکافی: وروی: «أی وضوء أطهر من الغسل»((4)).

وما رواه التهذیب والاستبصار، عن محمد بن أحمد بن یحیی مرسلاً: «بأن الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة»((5)).

وما رواه عبد الله بن سلیمان قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «الوضوء بعد الغسل بدعة»((6)).

ص:225


1- الوسائل: ج1 ص514 الباب33 من أبواب الجنابة ح3
2- الوسائل: ج1 ص513 الباب33 من أبواب الجنابة ح2
3- الوسائل: ج1 ص514 الباب33 من أبواب الجنابة ح4
4- الکافی: ج3 ص45 باب صفة الغسل.. ذیل حدیث13
5- الاستبصار: ج1 ص126 الباب75 فی سقوط فرض الوضوء ح5. التهذیب: ج1 ص140 الباب 6 فی حکم الجنابة و... ح85
6- الکافی: ج3 ص45 باب صفة الغسل والوضوء بعده و... ح12

ومثله روایة سلیمان بن خالد: عن الباقر (علیه السلام)((1)).

وروایة المعتبر، عن الصادق (علیه السلام)((2)).

وفی روایة ابن حکیم: إن الناس یقولون: یتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحک (علیه السلام) وقال: «وأی وضوء أنقی من الغسل وأبلغ»((3)).

هذا، بالإضافة إلی الروایات المستفیضة من الصحاح وغیرها الواردة فی غسل الحائض والمستحاضة والنفساء الآمرة فیها بالغسل ثم الصلاة، من غیر تعرض للوضوء مع کونها فی مقام الحاجة والبیان مما یکشف منه عدم وجوب الوضوء، والجمع بین الطائفتین هو بحمل الأخبار الآمرة بالوضوء علی الاستحباب.

نعم ینافی ذلک أمران:

الأول: ذهاب المشهور إلی خلاف ذلک، وفیه: أن المشهور لیس بحد یکون خلافه معرضاً عنه.

الثانی: عدم إمکان الجمع بین الاستحباب وبین ما ورد من أنه بدعة.

ص:226


1- التهذیب: ج1 ص140 الباب6 فی حکم الجنابة و... ح87
2- المعتبر: ص52 س6
3- الوسائل: ج1 ص515 الباب34 من أبواب الجنابة ح4

قبله أو بعده أو بینه

لکن حیث إن الروایات أقوی لا بد من حمل (روایات البدعة) علی غسل الجنابة أو حملها علی أن المراد بها: الإتیان بالوضوء بقصد اللزوم، لکن مع ذلک فالاحتیاط لا ینبغی ترکه.

وربما یؤید الأخبار النافیة للوضوء کونها مخالفة للعامة کما فی المستند، وإن کان ربما یستشکل علی ذلک بأن الترجیح بالمخالفة محله ما إذا لم یمکن الجمع الدلالی.

{قبله أو بعده أو بینه} کما عن المشهور بالنسبة إلی «قبله وبعده»، وعن السرائر: نفی الخلاف فی عدم وجوب التقدیم، وظاهر المصنّف: عدم الاستحباب أیضاً، خلافاً لمن أوجب تقدیم الوضوء علی الغسل _ کما عن الصدوقین والشیخین الحلبیین والمفید وغیرهم _، ولمن قال باستحباب التقدیم _ کما عن النهایة والمقنعة والوسیلة والجامع والمعتبر والشرائع _ بل ادعی علیه الشهرة.

والأقرب: ما اختاره المصنف، لعدم الدلیل علی وجوب أو استحباب التقدیم، وما استدل به لذلک غیر صالح للاعتماد، فإنهم استدلوا بصحیحة علی، ومرسلة ابن أبی عمیر، ومرسلة الفقیه، وصحیحة سلیمان، والرضوی، وفیه: أما الصحیحة: فلم تشتمل علی ما یفید التقدیم إلاّ التقدیم الذکریّ والمشهور بینهم أنه لا یفید، وأما المرسلة: فقرب احتمال اتحاد المرسلتین مع عدم اشتمال الثانی علی التقدیم یمنع من العمل بظاهر المرسلة الأولی، وأما صحیحة

ص:227

سلیمان: فقد عرفت محملها، والرضوی: لیس بحجة سنداً مع احتمال أن یراد به أصل وجوب الوضوء بقرینة ذیلة، فتأمل.

أما القائل بالاستحباب: فقد حمل الروایات المذکورة علیه بعد المناقشة فی دلالتها علی الوجوب، وبعد نفی خلاف السرائر فی عدم وجوب تقدیم الوضوء.

ثم إنه لا إشکال عندهم فی عدم اشتراط صحة الغسل بتقدیم الوضوء _ وإن قیل بوجوب تقدیمه _، بل عن الریاض عن بعض مشایخه نفی الخلاف فی عدم الشرطیة، ویدل علیه الإطلاقات بعد عدم دلیل علی الشرطیة، ویؤیده الرضوی.

وأما بالنسبة إلی الوضوء بین الغسل: فالظاهر أنه لا مانع منه، بل فی المستمسک (عن غیر واحد: التنصیص علیه)((1)).

أقول: ویدل علیه الإطلاقات، أما کون الوسط أولی من القبل والبعد، لما دل علی أن الوضوء بعد الغسل وقبله بدعة، ففیه: أن الظاهر من تلک الروایات _ ولو بمعونة الفهم العرفی وجمع بعضها إلی بعض _ أن الغسل لا وضوء معه إلاّ أن خصوصیة القبلیة والبعدیة مانعة.

ثم إن الظاهر جواز توسیط الغسل أیضاً، إذا لم یناف موالات الوضوء، ولم یوجب ماءً خارجاً. عند من یشرط کون المسح ببلل الکفّ، وذلک بأن یغسل یده الیسری ترتیباً بعد الغسل أو یغسل

ص:228


1- المستمسک: ج3 ص347

إذا کان ترتیباً، والأفضل فی جمیع الأغسال جعل الوضوء قبلها.

وجهه ثم یغتسل، ثم یغسل یدیه ولو إرتماسا {إذا کان ترتیباً} إذ لا یتصور توسیط الوضوء فی الغسل الإرتماسی إلاّ إذا جوّزنا الارتماس البطیء.

{والأفصل فی جمیع الأغسال جعل الوضوء قبلها} لما تقدم من أدلة الموجبین وخروجاً من خلاف من أوجب ذلک، والله العالم.

ص:229

مسألة ٢٦ عدم شرطیة الوضوء فی صحة الغسل

(مسألة _ 26): إذا اغتسلت جاز لها کل ما حرم علیها بسبب الحیض وإن لم تتوضأ، فالوضوء لیس شرطا فی صحة الغسل، بل یجب لما یشترط به کالصلاة ونحوها.

(مسألة _ 26): {إذا اغتسلت جاز لها کل ما حرم علیها بسبب الحیض وإن لم تتوضأ} فیکون حالها بعد الغسل کحالها اذا کانت محدثة بالأصغر بدون أن تحیض {فالوضوء لیس شرطاً فی صحة الغسل} حتی تکون إذا لم تتوضأ یبقی علیها حدث الحیض {بل یجب لما یشترط به کالصلاة ونحوها} وذلک لأن ظاهر الأدلة أن کلاّ من الحدث الأکبر والأصغر یأتی بمرتبة من النجاسة النفسیة، لا تزول تلک المرتبة إلاّ بالغسل للأکبر والوضوء للأصغر _ اللّهمّ فیما استثنی مثل غسل الجنابة حیث یزیل الأکبر والأصغر معاً _ فالحدث الحیضی یرفعه غسل الحیض، والحدث البولی یرفعه الوضوء، فتوقف ارتفاع حدث البول علی الغسل، أو ارتفاع حدث الحیض علی الوضوء، خلاف ظاهر الأدلة _ إذا لم نقل بکفایة الغسل عن الوضوء. وعلی هذا فما عن الذکری من استبعاد کل من الطهارتین تستقل برفع أحد الحدثین محل منع، ولذا أشکل علیه فی جامع المقاصد بقوله: (لا ریب فی ضعف القول بالتشریک)((1))، ومثله فی الضعف: ما عن المدارک من مدخلیة الوضوء فی تحقق غایات الغسل، ولضعف هذا الإشکال جعله الجواهر کأن لم یکن فقال: «بلا إشکال فی ذلک _ أی أن الاغتسال یجوز لکل ما حرم بالحدث الأکبر _

ص:230


1- جامع المقاصد: ص44 س20

بحسب الظاهر»((1))، أن ظاهر الأدلة یعطی عدم الإشکال مثل قوله سبحانه: ﴿لا ریْب فیهِ﴾((2))، فقول المستمسک: (إن نفی الجواهر للإشکال فی ذلک مناف لما حکاه عن المدارک والذکری)((3)) محل نظر.

ص:231


1- الجواهر: ج3 ص249
2- سورة البقرة: الآیة 2
3- المستمسک: ج3 ص348

مسألة ٢٧ فی الغسل والتیمم

(مسألة _ 27): إذا تعذر الغسل تتیمم بدلا عنه،

(مسألة _ 27): {إذا تعذر الغسل تتیمم بدلاً عنه} بلا إشکال ولا خلاف، لإطلاقات أدلة بدلیة التیمم عن کل من الغسل والوضوء، وإذا تیممت بدلاً عن الغسل فقد لا تقدر علی الوضوء أیضاً، فإنما تتیمم أیضاً بدلاً عن الوضوء بلا إشکال ولا خلاف _ عند من لا یقول بکفایة الغسل عن الوضوء _، وقد تقدر علی الوضوء وحینئذ فهل تتوضأ؟ کما هو المشهور، بل فی الجواهر: (لا أجد فیه خلافاً ولا تردداً مما عدا الأستاذ فی کشف الغطاء فلم یجوز الوضوء، بل یمکن دعوی تحصیل الإجماع علیه بملاحظة کلامهم فی باب التیمم)((1)) انتهی، أو تتیمم تیمماً ثانیاً بدلاً عن الوضوء _ مع قدرتها علی الوضوء _؟، کما عن کشف الغطاء، قولان:

والأول: هو الصحیح، لأنه لا وجه للعدول إلی التیمم عن الوضوء، والحال أنها تقدر علی الماء، فإن التراب إنما شرّع حیث لا یمکن الماء.

واستدل للثانی: بأن التیمم بدل الغسل لا یرفع الحدث بل هو مبیح، وإذا لم یرتفع الأکبر لا یمکن رفع الأصغر بالوضوء، لعدم معهودیة ارتفاع الأصغر وبقاء الأکبر.

وفیه: أولاً: کون التیمم مبیحاً لا رفعاً ممنوع. وثانیاً: عدم المعهودیة لا یوجب تقیید إطلاق الأمر بالوضوء، وعلی هذا فإن تمکنت منهما اغتسلت وتوضأت، وإن لم

ص:232


1- الجواهر: ج3 ص250

وإن تعذر الوضوء أیضاً تتیمم، وإن کان الماء بقدر أحدهما تقدم الغسل.

تتمکن منهما تیممت تیممین، وإن تمکنت من الغسل فقط اغتسلت وتیممت بدلاً عن الوضوء، وإن تمکنت من الوضوء فقط تیممت بدلاً عن الغسل وتوضأت، ومنه یعرف وجه قوله: {وإن تعذر الوضوء أیضاً تتیمم} تیمماً ثانیاً، ثم إنها مختارة فی تقدیم أیهما ماءً أو تراباً _ کما تقدم وجهه من المسألة السابقة _.

{وإن کان الماء بقدر أحدهما تقدم الغسل} لأن المرکوز فی أذهان المتشرعة المستند إلی ما استفاد من النصوص من أهمیة الغسل کون الغسل أهم، فإذا دار الأمر بین الأهم والمهم لزم تقدیم الأول، أما وجه استفادة الأهمیة من النصوص: فهو أن الغسل رافع للأکبر، وأنه یکفی عن الوضوء ولو فی الجملة، وأن الأکبر یحرّم ما لا یحرّمه الأصغر، ثم لو شک فی الأمر ودار بین التعیین والتخییر، کان الأول متعیناً أو أولی، ولو خالف وقدم الوضوء احتاطت بتیمم ثان بدلاً عن الوضوء.

ص:233

مسألة ٢٨ شروط وطیها بعد النقاء

(مسألة _ 28): جواز وطئها لا یتوقف علی الغسل،

(مسألة _ 28): {جواز وطئها لا یتوقف علی الغسل} (وفاقاً للمعظم)((1)) کما فی المستند، بل المهشور، بل عن الانتصار والسرائر والخلاف والغنیة وظاهر التبیان والمجمع والروض وأحکام الرواندی وشرح المفاتیح: (الإجماع علیه)، خلافاً لما عن بعض (من المنع مطلقاً)، وعن الصدوق فی الفقیه من (التحریم فیما إذا لم یکن الزوج شبقاً).

والأقوی المشهور: لإطلاق الکتاب والسنة، خرج منهما حالة الدم فیبقی الباقی تحت الإطلاق.

ولموثق إبن بکیر: عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا انقطع الدم ولم تغتسل فلیأتها زوجها إن شاء»((2)).

وموثق علی بن یقطین: عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: سألته عن الحائض تری الطهر، أیقع بها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال (علیه السلام): «لا بأس، وبعد الغسل أحبّ إلیّ»((3)).

وروایة عبد الله بن المغیرة، عن الکاظم (علیه السلام): فی المرأة اذا طهرت من الحیض ولم تمس الماء: «فلا یقع علیها زوجها حتی

ص:234


1- المستند: ج1 ص156 س18
2- الاستبصار: ج1 ص135 الباب81 الرجل هل یجوز له... ح2
3- الاستبصار: ج1 ص136 الباب81 الرجل هل یجوز له... ح6

تغتسل وإن فعل فلا بأس به»، وقال (علیه السلام): «تمس الماء أحبّ إلیّ»((1)).

والرضوی: «وإن أردت أن تجامعها _ یعنی الحائض _ قبل الطهر، فأمرها أن تغسل فرجها ثم تجامع»((2)).

وما رواه علی بن یقطین: عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا انقطع الدم ولم تغتسل فلیأتها زوجها إن شاء»((3)).

وفی روایة زرارة: «فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها أن یغشاها»((4)). إلی غیرها.

استدل للمنع مطلقاً: بموثق سعید بن یسار: عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: المرأة تحرم علیها الصلاة ثم تطهر فتتوضأ من غیر أن تغتسل، أفلزوجها أن یأتیها قبل أن تغتسل؟ قال (علیه السلام): «لا حتی تغتسل»((5)).

وموثق أبی بصیر، عن الصادق (علیه السلام) قال: سألته عن امرأة کانت طامثاً فرأت الطهر، أیقع علیها زوجها قبل أن تغتسل؟

ص:235


1- الوسائل: ج2 ص573 الباب27 من أبواب الحیض ح4
2- فقه الرضا: ص31 س8
3- التهذیب: ج1 ص166 الباب7 فی حکم الحیض و... ح48
4- التهذیب: ج1 ص401 الباب19 من الحیض و... ح76
5- الاستبصار: ج1 ص136 الباب81 الرجل هل یجوز له... ح4

قال: «لا، حتی تغتسل»، قال: وسألته عن امرأة حاضت فی السفر ثم طهرت فلم تجد ماءً یوماً أو اثنین أ یحل لزوجها أن یجامعها قبل أن تغتسل؟ قال: «لا یصلح حتی تغتسل»((1)).

وما رواه عبد الرحمان: عن الصادق (علیه السلام) قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة حاضت ثم طهرت فی سفر فلم تجد الماء یومین أو ثلاثة هل لزوجها أن یقع علیها؟ قال: «لا یصلح لزوجها أن یقع علیها حتی تغتسل»((2))، إلی غیرها من الروایات مما لا بد من حملها علی الکراهة بقرینة الروایات السابقة، بل لعله هو ظاهر لا یصلح.

استدل المفصّل: بجملة من الروایات:

مثل: صحیح ابن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام): فی المرأة ینقطع عنها الدم _ دم الحیض _ فی آخر أیامها؟ قال: «إذا أصاب زوجها شبق فلیأمرها فلتغسل فرجها، ثم یمسها إن شاء قبل أن تغتسل»((3)).

وموثق إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهیم (علیه

ص:236


1- الاستبصار: ج1 ص136 الباب81 الرجل هل یجوز له ..
2- التهذیب: ج1 ص399 الباب19 فی الحیض والاستحاضة والنفاس ح67
3- الوسائل: ج2 ص572 الباب27 من أبواب الحیض ح1

لکن یکره قبله،

السلام)، عن رجل یکون معه أهله فی السفر فلا یجد الماء، یأتی أهله؟ فقال: «ما أحب أن یفعل ذلک إلاّ أن یکون شبقاً أو یخاف علی نفسه»((1)).

لکن لا بد من حملهما فی غیر صورة الشبق علی شدة الکراهة، بقرینة ما فی الروایات الأولی من قوله (علیه السلام): «إن شاء»، وقوله (علیه السلام): «ما أحبّ»، وما أشبه فی هذه الروایات، وأما الآیة المبارکة فهی دلیل علی الجواز، لقوله سبحانه: ﴿یطْهُرْن﴾((2)) الظاهر فی إنتهاء الحیض، أما قراءة التشدید فلا یمکن الاعتماد علیها، لما حققناه فی محله من أن القرآن لم یُغیر أصلاً، فالقراءات اجتهادات، وإن صح حدیث حول الزیادة والنقیصة _ وقلیل هو جداً _ فلا بد من حمله علی التأویل وما أشبه.

{لکن یکره قبله} لما عرفت من النص، وإذا لم تتمکن من الغسل تیممت بدله، لأن التیمم یقوم مقامه، ولو کان تیممها لأجل کون الوقت لیلاً، ولا تقدر علی الغُسل إلاّ صباحاً، عند فتح أبواب الحمامات، وهل الکراهة باقیة إذا لم تغتسل، ولو طالت المدة کالتی لا تبالی بالأحکام، أم هی خاصة بکون الوطء قرب الطهر؟ احتمالان: من الإطلاق ومن انصراف النصّ، ومثله فی الاحتمالین ما إذا کانت المرأة کافرة لا تعتقد بالغسل، ولا فرق فی الوطء المکروه

ص:237


1- الوسائل: ج2 ص573 الباب27 من أبواب الحیض ح2
2- سورة البقرة: الآیة222

ولا یجب غسل فرجها أیضا قبل الوطی وإن کان أحوط

بین کونه مع الإنزال أو بدونه للإطلاق، لکن الظاهر اختصاص الکراهة بوطء الفرج لا الدبر للانصراف.

{ولا یجب غسل فرجها أیضاً قبل الوطء وإن کان أحوط} فقد اختلفوا فی ذلک، نسب کشف اللثام إلی ظاهر الأکثر اشتراط الحلیة بغسل الفرج، ولکن المحکی عن المعتبر والمنتهی والتحریر والذکری والبیان وغیرهم: (عدم الاشتراط) بل نسبه فی الروض إلی أکثر المجوّزین، وربما یقال: بحلیة الوطء بغسل الفرج وبالوضوء معاً، والمحکی عن مجمع البیان والتبیان وأحکام الراوندی: (توقف الحلیة علی أحدهما تخییراً)، بل عن الأول نسبته إلی المذهب، فالأقوال فی المسألة أربعة:

استدل للأول: بصحیحة ابن مسلم المتقدمة، وفیها: «فیأمرها فلتغسل فرجها».

وروایة أبی عبیدة قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المرأة الحائض تری الطهر وهی فی السفر ولیس معها من الماء ما یکفیها لغسلها وقد حضرت الصلاة؟ قال: «إذا کان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتیمم وتصلی»، قلت: فیأتیها زوجها فی تلک الحال؟ قال (علیه السلام): «نعم إذا غسلت فرجها وتیممت فلا بأس»((1)).

ص:238


1- الکافی: ج3 ص82 باب غسل الحائض... ح3

واستدل للثانی: بإطلاقات الوطء من دون ذکر غسل الفرج، وبالأصل، وبإشعار مرسل ابن المغیرة، وموثق إسحاق: (بعدم الوجوب)، ففی الأول: «إذا طهرت ولم تمس الماء» _ إلی قوله _: «فإن فعل فلا بأس به»، وقال (علیه السلام): «تمسّ الماء أحبّ إلیّ»، وفی الثانی: یکون فرض الکلام فیما لا یجد الماء، فنفی الوجدان علی نحو الإطلاق یشمل نفیه لغسل الفرج أیضاً.

والقول الأول: هو الأقرب، لعدم تمامیة ما ذکر فی القول الثانی، إذ لا مجال للإطلاق، والأصل مع روایتی ابن مسلم وأبی عبیدة، والمرسل والموثق ظاهرهما عدم الغُسل _ بالضم _.

أما القول الثالث: فلم یعثر له علی دلیل، کما اعترف بذلک فی الجواهر وغیره، لکن الظاهر القول باستحباب الوضوء، فإن الفتوی بضمیمة التسامح یثبت الاستحباب.

وأما القول الرابع: فحاله حال القول الثالث، ولعلهم ظفروا بما لم نظفر به، والله عالم.

ثم هل وجوب غسل الفرج أو استحبابه یتحقق بإزالة الدم ولو بسائل آخر أو اللازم الماء؟ ظاهرهم الثانی، وإن کان ربما یحتمل الأول، من جهة ظهور الأدلة فی کون العبرة بزوال أثر الدم الحاصل بسائل آخر، ومنه: یعرف احتمالی کفایة الغسل بالماء النجس أو عدم کفایته، والأحوط کونه بالماء الطاهر.

ص:239

بل الأحوط ترک الوطی قبل الغسل.

نعم: لا إشکال فی عدم اشتراط کونه مباحاً أو فی ظرف غیر ذهب أو ما أشبه، والظاهر کون الکراهة أو الحرمة لکلیهما لا للرجل فقط، فمن قال بالحرمة یقول بوجوب اجتناب المرأة أیضاً لا من باب التعاون، بل حاله مثل حال الوطء فی حال الحیض.

ثم هل تبقی الکراهة أو الحرمة فی الوطء الثانی والثالث، أو هی خاصة بالوطء الأول؟ فالظاهر من الإطلاق ومن الانصراف: القول الأول، وأما القول الثانی: وإن کان غیر بعید لکن الاحتیاط فی الأول.

والمراد بغسل الفرج غسل کله ظاهراً وباطناً لا ظاهره فقط، فلا یأتی هنا کون الغسل فی باب النجاسات إنما هو بالنسبة إلی الظاهر، ومن الواضح أن لیس المراد بغسلها القصد والمباشرة فلو غسل من دونهما کفی {بل الأحوط ترک الوطء قبل الغسل} مطلقاً لما تقدم من بعض الأدلة وذهاب جملة من الفقهاء إلی ذلک.

ص:240

مسألة ٢٩ فی حکم ماء غسل الزوجة والأمة

(مسألة _ 29): ماء غسل الزوجة والأمة علی الزوج والسید علی الأقوی.

(مسألة _ 29): {ماء غسل الزوجة والأمة علی الزوج والسیّد علی الأقوی} لأنه من النفقة الواجبة عرفاً فیشمله دلیلها.

وهناک أقوال أخر فی المسألة وهی: عدم کونه علیها مطلقاً، وعدم کونه علی الزوج مع کونه علی السیّد، وعدم کونه علی الزوج فی غیر الجنابة مع کونه علیه فیها، والفرق بین الجنابة الحاصلة من الزوج والسیّد فعلیهما دون غیره، جنابة کان أو غیرها مطلقاً، والأقوی ما اختاره المصنّف، وقد تقدم الکلام فیه فی باب الجنابة.

ثم إنه لا یحق للزوج أن یقول فی (باب الروایات): إن جعلت حیضک کذا عدداً أو فی وقت کذا لا أنفق علی غسلک، إذ کون الاختیار بیدها یمنع عن اختیار الزوج، نعم إذا کانت المرأة متعة لم یجب علی الزوج نفقة غسلها، إذ لا نفقة علی الزوج مطلقاً، وکذا إذا کانت الأمة محللّة.

ص:241

مسألة ٣٠ حکم التیمم بدل الغسل

(مسألة _ 30): إذا تیممت بدل الغسل ثم أحدثت بالأصغر لا یبطل تیممها بل هو باق إلی أن تتمکن من الغسل.

الحادی عشر: وجوب قضاء ما فات فی حال الحیض من صوم شهر رمضان

(مسألة _ 30): {إذا تیممت بدل الغسل ثم أحدثت بالأصغر لا یبطل تیممها بل هو باق إلی أن تتمکن من الغسل} وذلک لأن کون التیمم بدلاً یقتضی کونه محکوماً بأحکام المبدل منه، فکما لا یبطل الغسل بالحدث الأصغر، کذلک لا یبطل التیمم، وسیأتی الکلام فی ذلک فی مبحث التیمم إن شاء الله تعالی.

نعم التیمم بدل الوضوء یبطل بالحیض، کما یبطل الوضوء کذلک، لما تحقق فی محله من نقض الجنابة ونحوها للوضوء، والله العالم .

{الحادی عشر: وجوب قضاء ما فات فی حال الحیض من صوم شهر رمضان} بلا إشکال ولا خلاف، بل الإجماع فی کلماتهم مستفیض نقله، بل عن المعتبر: (إنه مذهب فقهاء الإسلام)، وعن المنتهی: (إنه من ضروریات الدین)، ویدل علیه متواتر النصوص الخاصة _ بالإضافة إلی النصوص العامة _:

مثل: صحیح زرارة: عن الباقر (علیه السلام): «لیس

ص:242

علیها أن تقضی الصلاة وعلیها أن تقضی صوم شهر رمضان»((1)).

وخبر أبی بصیر: عن الصادق (علیه السلام) قال: سألته ما بال الحائض تقضی الصوم ولا تقضی الصلاة؟ قال: «لأنّ الصوم إنما هو فی السنّة شهر، والصلاة فی کل یوم ولیلة، فأوجب الله علیها قضاء الصوم ولم یوجب علیها قضاء الصلاة»((2)).

وخبر حسن بن راشد، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) الحائض تقضی الصلاة؟ قال (علیه السلام): «لا»، قلت: تقضی الصوم؟ قال: «نعم»، قلت: من أین جاء هذا؟ قال (علیه السلام): «إن أول من قاس إبلیس»((3)).

ومن النصوص العامة: خبر ابن شاذان المروی عن العلل: عن الرضا (علیه السلام): «فإن قیل: فلم صارت _ أی الحائض _ تقضی الصیام ولا تقضی الصلاة؟ قیل: لعلل شتی فمنها: إن الصیام لا یمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها وإصلاح بیتها والقیام بأمورها والاشتعال بمرمة معیشتها، والصلاة تمنعها عن ذلک کله، لأن الصلاة تکون فی الیوم واللیلة مراراً فلا تقوی علی ذلک

ص:243


1- الوسائل: ج2 ص589 الباب41 من أبواب الحیض ح2
2- الوسائل: ج2 ص591 الباب41 من أبواب الحیض ح12
3- الوسائل: ج2 ص589 الباب41 من أبواب الحیض ح3

والصوم لیس کذلک. ومنها: أن الصلاة فیها عناء وتعب واشتغال الأرکان، ولیس فی الصوم شیء من ذلک إنما هو ترک الطعام والشراب، ولیس فیه اشتغال الأرکان. ومنها: أنه لیس من وقت یجیء إلاّ ویجب علیها فیه صلاة جدیدة فی یومها ولیلتها ولیس الصوم کذلک، لأنه لیس کلما حدث علیها یوم وجب علیها الصوم، وکلما حدث وقت الصلاة وجبت علیها الصلاة»((1))، إلی غیرها من الأخبار.

ولا یخفی: أن العلل المذکورة فی هذه الروایات کلها تامة، فإن صلاح بدن الإنسان بالصیام شهراً کل سنة، فإذا لم تقدر علیه فی شهر خاص _ شرّع لوحدة التکلیف علی کل المکلفین، لما فیه من وحدة الشکل وتشجیع بعضهم ببعض إلی غیر ذلک _ یلزم أن یأتی به فی شهر آخر، بخلاف الصلاة فإنها شرعت لأجل الاتصال بالله سبحانه وتطهیر النفس، وهو حاصل کل یوم، ولذا لا حاجة إلی قضاء ما فات، کما أنه لا شک فی أن الصلاة تشغل الأرکان، وفیها عناء الحرکة، ولیس الصوم کذلک، ولا یحتاج الأمر فی العلة إلاّ کونها أکثریاً، إذ لیست علل التکالیف شرعیها وعرفیها إلاّ حسب الطبع البشریّ، لا حسب الأمور الدقّیة العقلیة والحسابات الریاضیة.

ص:244


1- علل الشرائع: ص271 الباب182 من الجزء الأول ح9

وغیره من الصیام الواجب.

وأما نهی الإمام (علیه السلام) لحسن بن راشد من ذکر العلة، فلأنه لم یکن بعض العقول قابلا لفهم العلل کما هو واضح.

{وغیره من الصیام الواجب} أما إذا کان غیر موقت: کقضاء شهر رمضان والإجارة المطلقة والنذر المطلق، فلا إشکال فی لزوم الإتیان به فی غیر أیام الحیض، ولا یسمی قضاءً، إذ التکلیف عام فعدم القدرة علیه فی أیام خاصة لا یوجب سقوطه.

وأما إذا کان مؤقتاً، فهو علی أقسام:

الأول: الموقت العام: کما إذا نذرت صوم کل خمیس، والظاهر عدم وجوب قضائه، لعدم القدرة، إلاّ إذا کان علی نحو تعدد المطلوب، بأن قصد أصل الصوم وکونه فی یوم الخمیس، فإذا تعذرت الخصوصیة بقی أصل الصوم، ثم إنه لا إشکال فی وجوب صوم سائر الخمیسات إلاّ إذا کان النذر علی نحو وحدة المطلوب، بأن نذرت کل خمیس مرتبطاً بالآخر بحیث إنه إذا لم یتمکن من أحدها لم یکن المنذور أصلاً.

الثانی: الموقت الخاص بالأصل: کصوم الکفارة لمن نام عن صلاة العشاء _ علی القول بوجوبه _ وفی وجوب قضائه خلاف، من تصریح بعض النصوص بأن الذی یقضی هو صوم شهر رمضان وسائر الأخبار منصرفة إلیه، ومن أن الانصراف بدوی فإطلاق دلیل قضاء ما فات کما فات یشمله، وهذا هو الأقرب.

ص:245

وأما الصلوات الیومیة فلیس علیها قضاؤها، بخلاف غیر الیومیة مثل الطواف والنذر المعین وصلاة الآیات، فإنه یجب قضاؤها

الثالث: الموقت بالعارض: کما إذا نذرت صوم یوم من شهر شعبان ثم أخرته حتی حاضت وفات الوقت، والظاهر وجوب قضائه، لأنها قدرت فلم تفعل، فیشمله دلیل ما فات.

{وأما الصلوات الیومیة فلیس علیها قضاؤها} بلا إشکال ولا خلاف، بل علیه متواتر الإجماعات والنصوص التی تقدم بعضها {بخلاف غیر الیومیة مثل الطواف والنذر المعین وصلاة الآیات فإنه یجب قضاؤها}، ففی ذلک تفصیل:

أما صلاة الطواف: فإن تمکنت من أدائها فی وقتها، کما فی ذی الحجة فی طواف الحج، وفی الوقت المرتبط بالطواف فی العمرة الواجبة بالأصالة مثلاً _ لأن العمرة تجب علی المستطیع لها کما یجب الحج، کما قرر فی کتاب الحج _ فهذا لا یسمی قضاءً، بل أداء واجب، وإن لم تتمکن من أدائها فی وقتها، فالظاهر وجوب القضاء، لإطلاق أدلة «ما فاتتک»، ولأن العمرة والحج الواجبین یجب تکمیلهما، وذلک لا یحصل إلاّ بقضائها، ولإطلاق الأدلة فیمن لم تصلّ فی الحج، ومنه یظهر أن إطلاق المستمسک: (إن صلاة الطواف لیست من الموقت) محل نظر.

وأما النذر المعین: فحاله حال ما تقدم فی نذر الصوم، فإطلاق

ص:246

علی الأحوط بل الأقوی.

المصنّف وجوب قضائه محل منع، کما أن قول المستمسک: (فالبناء علی عدم القضاء فیه متعین)((1)) محل إشکال.

وأما الصلاة الآیات، فالظاهر أنها علی قسمین: قسم مطلق کالزلزلة والمخوفات کما ذکروا، وهذا یجب قضاؤها، بل لا تسمی قضاءً، وقسم موقت کالکسوفین، وفیه خلاف: من إطلاق أدلة القضاء لمن فاتته فریضة، ومن إطلاق أدلة عدم قضاء الصلاة کما تقدم بعضها، إلاّ أن یقال: بانصرافها إلی الصلاة الیومیة، وهذا لیس ببعید، اللهم إلاّ أن یقال: إنها لم تکن مکلفة حال الآیة فلا فوت.

وعلی هذا، فما ذکره المصنّف من وجوب القضاء الثلاثة {علی الأحوط بل الأقوی} لا یخفی ما فیه، فإن بعضها واجب القضاء، وبعضها لا یجب قضاؤه، وبعضها الاحتیاط یقتضی قضاءه _ علی ما عرفت _ والله العالم.

ص:247


1- المستمسک: ج3 ص356

مسألة ٣١ فی الصلاة وسعة الوقت وضیقه

(مسألة _ 31): إذا حاضت بعد دخول الوقت، فإن کان مضی منه مقدار أداء أقل الواجب من صلاتها بحسب حالها من السرعة والبطء والصحة والمرض والسفر والحضر، وتحصیل الشرائط بحسب تکلیفها الفعلی من الوضوء أو الغسل أو التیمم وغیرها من سائر الشرائط الغیر الحاصلة ولم تصل وجب علیها قضاء تلک الصلاة،

(مسألة _ 31): {إذا حاضت بعد دخول الوقت، فإن کان مضی منه مقدار أداء أقل الواجب من صلاتها بحسب حالها من السرعة والبطء} الذی لا تقدر علی خلافه، وإلاّ فالبطء الذی اعتادته لیس بمعیار، بل المعیار أقل الواجب الممکن {والصحة والمرض} إذا کان المریض أبطأ صلاةً بحیث لا یقدر علی خلافه، أو کان المریض أسرع صلاة حیث تکون صلاته بالإشارة للرکوع والسجود مثلاً، {والسفر والحضر} حیث تقصر فی السفر بالنسبة إلی الظهرین والعشاء.

{وتحصیل الشرائط بحسب تکلیفها الفعلی من الوضوء أو الغسل أو التیمم وغیرها من سائر الشرائط الغیر الحاصلة} کالستر والقبلة، أما لو کانت قد حصلها قبل الوقت، فمقدار وقت صلاتها أقلّ {ولم تصلّ وجب علیها قضاء تلک الصلاة} إجماعاً، مستفیض دعواه فی کلامهم، وذلک لإطلاق أدلة القضاء بعد حصول شرائط التکلیف فی الوقت، بالإضافة إلی:

ص:248

موثقة یونس: عن الصادق (علیه السلام) فی امرأة دخل علیها وقت الصلاة وهی طاهر فأخرت الصلاة حتی حاضت؟ قال: «تقضی إذا طهرت»((1)).

وحسن ابن الحجاج: عنه (علیه السلام) فی امرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر، هل علیها قضاء تلک الصلاة؟ قال: «نعم»((2)).

ولا یعارضها موثق الفضل بن یونس: عن أبی الحسن الأول (علیه السلام): «وإذا رأت المرأة الدم بعد ما یمضی من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسک عن الصلاة، فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر، لأن وقت الظهر دخل علیها وهی طاهر وخرج عنها وقت الظهر وهی طاهر، فضیعت صلاة الظهر فوجب علیها قضاؤها»((3)).

وقریب منه روایة أبی عبیدة: عن أبی عبد الله (علیه السلام)((4)).

لأن المراد بالظهر: الظهرین، کما قد یطلق کذلک، أو المراد

ص:249


1- الوسائل: ج2 ص597 الباب48 من أبواب الحیض ح4
2- الوسائل: ج2 ص597 الباب48 من أبواب الحیض ح5
3- الوسائل: ج2 ص596 الباب48 من أبواب الحیض ح1
4- الوسائل: ج2 ص597 الباب48 من أبواب الحیض ح2

کما أنها لو علمت بمفاجأة الحیض وجب علیها المبادرة إلی الصلاة، وفی مواطن التخییر یکفی سعة مقدار القصر.

ذکر (الظهر) من باب المثال، أو أنه تقیّة فی عدم ذکر العصر، وإلاّ لم یکن بدّ من طرحهما لإعراض الفقهاء کافّة عنهما.

ثم عدم صلاتها لا یفرق فیه بین عمدها مع العلم بمفاجأة الحیض لها، أو مع الجهل، لإطلاق الأدلة {کما أنها لو علمت بمفاجأة الحیض وجب علیها المبادرة إلی الصلاة} لتوجه التکلیف إلیها، ولا یجوز لها ترکها لحرمة ترک التکلیف بلا عذر، وهل یجب علیها تحصیل الشرائط قبل الوقت إذا علمت بالمفاجأة مع ضیق الوقت عن تحصیل الشرائط، والصلاة فی الفترة بین أول الوقت وبین التحیض.

أما بعدم إمکانها تحصیل الشرائط أصلاً بحیث لا تتمکن من الصلاة، أو عدم إمکانها تحصیل الشرائط الاختیاریة بحیث تضطر إلی الاضطراریة، احتمالان: من حکم العقل بحرمة تفویت الواجب فی وقته بتقویت مقدماته الحاصلة قبل الوقت، ومن أنّ دخول الوقت موجب للصلاة والطهور کما دل علیه النص: «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة»((1))، فلا تکلیف قبل الوقت، وهذا هو الأقرب، فإن تمکنت بعد الوقت من الصلاة والطهور ماءً أو تراباً وجبت علیها، وإلاّ فإن قلنا بوجوبها علی فاقد الطهورین _ کما لم نستبعده _ وجبت، وإلاّ سقطت ولم یجب قضاؤها.

{وفی مواطن التخییر} الأربعة {یکفی سعة مقدار القصر}

ص:250


1- الوسائل: ج1 ص261 الباب4 من أبواب الوضوء ح1

ولو أدرکت من الوقت أقل مما ذکرنا لا یجب علیها القضاء،

کما عن التذکرة والنهایة والذکری وجامع المقاصد، وذلک لأن المکلف به فی هذا الحال هو القصر فالواجب أن تصلیه فإذا ترکتها وجب علیها قضاؤها، ولو شرعت فی التمام ففاجأها الحیض أبطلتها وقضت، لأن المفاجأة تکشف عن کون تکلیفها هو القصر، ثم: إن الواجب هو أقل الواجب مثل: قراءة التسبیحات مرة _ وإن قلنا بوجوبها ثلاثاً حال الاختیار _ وعدم قراءة السورة وما أشبه ذلک، وذلک لوضوح أن مع الضیق لا تکلیف إلاّ بهذا المقدار.

{ولو أدرکت من الوقت أقل مما ذکرنا} من تحصیل الطهارة وسائر الشرائط {لا یجب علیها القضاء}. وفی المسألة أقوال:

الأول: عدم وجوب القضاء، ونسب هذا القول إلی المشهور.

الثانی: وجوب القضاء إذا وسع الوقت لتمام الصلاة التی تعلق بها تکلیفها الفعلی مع تحصیل الطهارة ولو لم یسع تحصیل ما عدا الطهارة من شروط الصلاة، کما عن الشرائع والقواعد وغیرهما، وعن کاشف اللثام نسبته إلی الأکثر.

الثالث: الوجوب إذا کفی الوقت للطهارة الترابیة، ولو لم یسع للطهارة المائیة وسائر الشرائط، وهو المحکی عن شرح الروضة للفاضل الهندی.

الرابع: إناطة وجوب القضاء بإدراک زمان یسع فیه فعل أکثر الصلاة، کما عن جمل السیّد وأبی علی.

ص:251

الخامس: إناطة وجوب القضاء بإدراک رکعة اضطراریة، وهذا لم یوجد قائل به وإنما احتمل احتمالاً.

السادس: الاکتفاء فی وجوب القضاء بمجرد وقوع الحیض بعد الوقت ولو لم یسع للصلاة ولا لتحصیل الطهارة لها، فضلاً عن سائر الشرائط، کما عن نهایة الأحکام.

والظاهر کفایة إدراک مقدار الصلاة الاضطراریة إن لم نقل بشمول دلیل إدراک الرکعة لأول الوقت، وإلاّ کفی إدراک رکعة واحدة اضطراریة، أما الثانی: فلدلیل: «من أدرک»((1)) إن قلنا بشموله لأول الوقت بالمنع عن الانصراف إلی آخر الوقت لأنه بدوی أو للمناط، وأما الأول: فلأن أدلة الاضطرار تدل علی الوجوب فإذا وجبت الصلاة وفاتت شملها دلیل القضاء.

أما مستند الأقوال:

فقد استدل للقول الأول: بالأصل، وعدم الدلیل علی وجوبه، وعموم ما دل علی سقوط القضاء عن الحائض، إلاّ فیما ثبت فیه القضاء بالإجماع وهو ما أدرک تمام الوقت بکل الشرائط، وفیه: أما الأصل فلا مجال له مع الدلیل، والدلیل موجود علی الأداء وهو إطلاق الأدلة، وأدلة سقوط القضاء لا مجال لها بعد وجود الدلیل.

وللقول الثانی: بموثقة یونس: فی امرأة دخل علیها وقت الصلاة

ص:252


1- الوسائل: ج3 ص158 الباب30 من أبواب المواقیت ح4

وهی طاهر فأخرت الصلاة حتی حاضت، قال: «تقضی إذا طهرت»((1)). بتقریب: أن المراد من قوله: «طاهر» الطهارة من الحدث الأصغر، فیکفی فی وجوب القضاء إمکان الطهارة، وإن لم یکن سائر الشرائط، وفیه: إن الظاهر من «طاهر» مقابل الحیض، فظاهر «أخرت» التأخیر مع التمکن من فعل الصلاة التامة اختیاریة کانت أو اضطراریة، فإن الدلیل ولو کان ساکتاً من جهة الاختیاریة والاضطراریة، لکن لا بد وأن یراد به ذلک بقرینة سائر الأدلة.

وللقول الثالث: بالموثقة، مع ضمیمة: إن الطهارة الترابیة مثل الطهارة المائیة یصار إلیها عند الاضطرار، فالدلیل المذکور یشمله.

وللقول الرابع: بخبر أبی الورد: المروی عن الباقر (علیه السلام) عن المرأة التی تکون فی صلاة الظهر وقد صلّت رکعتین ثم تری الدم؟ قال (علیه السلام): «تقوم من مسجدها ولا تقضی الرکعتین، وإن کانت رأت الدم وهی فی صلاة المغرب وقد صلّت رکعتین، فلتقم من مسجدها فإذا تطهرت فلتقض الرکعة التی فاتتها من المغرب»((2)) وفیه: إن الخبر ضعیف السند معرض عنه، وفیه تفصیل لا یمکن القول به، فلا یمکن الاستناد إلیه لهذا القول.

ص:253


1- الوسائل: ج2 ص597 الباب48 من أبواب الحیض ح4
2- الوسائل: ج2 ص597 الباب48 من أبواب الحیض ح3

وإن کان الأحوط القضاء إذا أدرکت الصلاة مع الطهارة، وإن لم تدرک سائر الشرائط، بل ولو أدرکت أکثر الصلاة، بل الأحوط قضاء الصلاة إذا حاضت بعد الوقت مطلقا وإن لم تدرک شیئا من الصلاة.

وللقول الخامس: بما ذکرناه فی المختار.

وللقول السادس: بدعوی صدق الفوت بمجرد دخول الوقت، وفیه: ما لا یخفی.

{وإن کان الأحوط القضاء إذا أدرکت الصلاة مع الطهارة وإن لم تدرک سائر الشرائط} خروجاً من خلاف من أوجب {بل ولو أدرکت أکثر الصلاة} لفتوی السیّد وغیره {بل الأحوط قضاء الصلاة إذا حاضت بعد الوقت مطلقاً} ولو لحظة {وإن لم تدرک شیئاً من الصلاة}.

ثم إنها لو شکت فی أنها هل أدرکت من الوقت المقدار الواجب قضاؤها لأجله أم لا؟ فالأصل عدم القضاء، لأنه یتوقف علی صدق الفوت وهو مشکوک فیه، فتأمل.

ص:254

مسألة ٣٢ فیما یوجب القضاء من الصلاة

(مسألة _ 32): إذا طهرت من الحیض قبل خروج الوقت، فإن أدرکت من الوقت رکعة مع إحراز الشرائط وجب علیها الأداء،

(مسألة _ 32): {إذا طهرت من الحیض قبل خروج الوقت، فإن أدرکت من الوقت رکعة مع إحراز الشرائط} الاختیاریة {وجب علیها الأداء} علی المشهور، بل ربما ادعی نفی الخلاف أو الإجماع علیه، لما یأتی فی باب مواقیت الصلاة من حدیث «من أدرک»((1))، لکن المحکی عن المبسوط والمهذب والإصباح: استحباب فصل الظهرین بإدراک خمس رکعات قبل الغروب، والعشائین بإدراک أربع رکعات قبل الفجر، وعن الصدوق: أنه إن بقی من النهار مقدار ما یصلی ست رکعات بدأ بالظهر.

ولعل الوجه: إن الأمر لا یمکن أن یتعلق بشیء مؤقت وقته أقل منه، فاللازم حمل من أدراک علی الاستحباب، أما وجه قول الصدوق فلم یعلم، أما المشهور فقد استدلوا بجملة من الأخبار:

مثل خبر منصور، عن الصادق (علیه السلام): «إذا طهرت الحائض قبل العصر، صلّت الظهر والعصر، فإن طهرت فی آخر وقت العصر صلّت العصر»((2)).

ص:255


1- الوسائل: ج3 ص158 الباب30 من أبواب المواقیت ح4
2- الوسائل: ج2 ص599 الباب49 من أبواب الحیض ح6

وإن ترکت وجب قضاؤها

ونحوه أخبار: أبی الصباح((1))، وابن سنان((2))، وداود((3)).

بضمیمة خبر الأصبغ عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «من أدرک من الغداة رکعة قبل طلوع الشمس فقد أدرک الغداة تامة»((4)).

والمروی عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) المقبول عند الأصحاب: «من أدرک رکعة من الصلاة فقد أدرک الصلاة»((5)) وغیرهما، وعلی هذا: فإذا أدرکت رکعة تامة وجب علیها الأداء، وقد عرفت فی المسألة السابقة: أن مقتضی القاعدة أن إدراک رکعة اضطراریة أیضاً حکمها کذلک.

{وإن ترکت وجب قضاؤها} لصدق الفوت، وعمومات أدلة القضاء، وخصوص:

صحیح عبید بن زرارة: عن الصادق (علیه السلام): «أیّما امرأة رأت الطهر وهی قادرة علی أن تغتسل فی وقت صلاة، ففرطت فیها حتی یدخل وقت صلاة أخری، کان علیها قضاء تلک الصلاة التی فرطت فیها، وإن رأت الطهر فی وقت صلاة فقامت فی تهیئة ذلک فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة أخری، فلیس علیها

ص:256


1- الوسائل: ج2 ص599 الباب49 من أبواب الحیض ح7
2- الوسائل: ج2 ص600 الباب49 من أبواب الحیض ح10
3- الوسائل: ج2 ص600 الباب49 من أبواب الحیض ح11
4- الوسائل: ج3 ص158 الباب30 من أبواب المواقیت ح2
5- الوسائل: ج3 ص158 الباب30 من أبواب المواقیت ح4

قضاء، وتصلی الصلاة التی دخل وقتها».

وموثق عبیدالله الحبی: عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی المرأة تقوم فی وقت الصلاة لا تقضی ظهرها حتی تفوتها الصلاة ویخرج الوقت أتقضی الصلاة التی فاتتها؟ قال (علیه السلام): «إن کانت توانت قضتها، وإن کانت دائبة فی غسلها فلا تقضی»((1)).

وخبر أبی عبیدة: عن الصادق (علیه السلام): «إذا رأت المرأة الطهر وقد دخل علیها وقت الصلاة، ثم أخرت الغسل حتی یدخل وقت صلاة أخری، کان علیها قضاء تلک الصلاة التی فرطت فیها»((2)).

وخبر محمد بن مسلم: عن أحدهما (علیهما السلام) قال: قلت: المرأة تری الطهر عند الظهر فتشتغل فی شأنها حتی یدخل وقت العصر؟ قال: «تصلی العصر وحدها، فإن ضیعت فعلیها صلاتان»((3)).

ثم إنه لا إشکال فی الحکم المذکور إذا أدرکت رکعة مع الطهارة وسائر الشرائط، وإنما الکلام فی موردین:

ص:257


1- الوسائل: ج2 ص598 الباب49 من أبواب الحیض ح1
2- الوسائل: ج2 ص599 الباب49 من أبواب الحیض ح4
3- التهذیب: ج1 ص389 الباب19 فی الحیض و... ح23

الأول: إدراک رکعة مع الطهارة بدون سائر الشرائط، فهل یجب الأداء، وإذا لم یؤد وجب القضاء أم لا؟ قولان: المحکی عن الشرائع والنافع والقواعد والریاض: الأول، والمحکی عن جامع المقاصد والروضة والدروس وغیرهم: الثانی.

والأقوی: هو الأول، لما سبق من أن عمومات أدلة الصلاة تقتضی الإتیان والشروط خاصة بحالة القدرة، لما یظهر من الأدلة من سقوط أی شرط منها عند عدم القدرة.

والحاصل: إن الرکعة کجمیع الصلاة بحکم «من أدرک»، وجمیع الصلاة یؤتی بها من دون الشروط لدی الاضطرار، فإن الصلاة لا تترک بحال، فالرکعة یلزم أن یؤتی بها فی حال الاضطرار.

أما ما استدل به للقول الثانی: من انتفاء المشروط عند انتفاء شرطه، فیرد علیه: أن ظاهر الأدلة کون الاشتراط إنما هو فی حال السعة والتمکن، أما فی حال الضیق وعدم التمکن فلا اشتراط.

الثانی: إدراک رکعة بالطهارة الترابیة من دون سائر الشرائط، وقد اختلفوا فی ذلک:

فالمشهور _ کما قیل، بل فی الجواهر((1)): إنه مجمع علیه بحسب

ص:258


1- الجواهر: ج3 ص215

الظاهر _ عدم وجوب الأداء، وإذا ترک لم یجب القضاء، فالضیق لا یؤثر فی انقلاب التکلیف من المائیة إلی الترابیة، نعم إذا کان هناک عارض آخر یمنع عن استعمال الماء کالمرض ونحوه، کان حاله حال واجد الماء فی الوجوب، مع فقد سائر الشرائط، کما ذکر فی المورد الأول.

والقول الآخر: إنه یجب علیه الإتیان أداءً، وإن ترک فالقضاء.

استدل للقول الأول: ببعض الأخبار المتقدمة الدالة علی وجوب الإتیان بالأداء عند التمکن من الاغتسال، ووجوب القضاء عند التفریط والتوانی، وبأصالة عدم التکلیف.

واستدل للقول الثانی: بإطلاق: «لا تترک الصلاة بحال» وبما تقدم: من أن ظاهر أدلة البدلیة الاضطراریة البدلیة مطلقاً حتی فی صورة تعذر الترابیة، والروایات وإن ذکرت لفظ الغسل، لکن حالها حال سائر ألفاظ الوضوء والغسل فی سائر الروایات، حیث إن دلیل بدلیة التراب حاکم علیها، کما أن أدلة الشرائط محکومة بما دل علی کفایة الصلاة بدونها لدی الاضطرار، وعلیه: فلا مجال للأصل، وهذا القول قریب جداً، ولذا فاللازم الاحتیاط أداءً وقضاءً إن لم یأت به، یظهر أن ما ذکرناه فی الموردین لیس خاصاً بالحائض، بل کل من فقد الشرط، کما إذا بلغ الصبی أو أفاق المجنون أو

ص:259

وإلا فلا، وإن کان الأحوط القضاء إذا أدرکت رکعة مع الطهارة، وإن لم تدرک سائر الشرائط، بل الأحوط القضاء إذا طهرت قبل خروج الوقت مطلقاً،

صحی المغمی علیه أو غیرهم.

ومما تقدم: تعرف موارد النظر فی قول المصنف: {وإلاّ فلا، وإن کان الأحوط القضاء إذا أدرکت رکعة مع الطهارة وإن لم تدرک سائر الشرائط، بل الأحوط القضاء إذا طهرت قبل خروج الوقت مطلقاً} ولو أقل من رکعة، لخبر منصور بن حازم: عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر، فإن طهرت فی آخر وقت العصر صلت العصر»((1)).

وخبر الکنانی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل أن تغیب الشمس صلت الظهر والعصر»((2)).

وظاهر المعتبر: الفتوی بذلک، لکن علی الخلاف والمختلف وجامع المقاصد وکشف اللثام: ما هو ظاهر فی الإجماع علی العدم، وهذا هو الأقرب إذ لا إطلاق فی النصوص، بل ظاهر «من أدرک» تقید إطلاقها بمفهوم من أدرک، لو قلنا بالإطلاق فی النصوص المذکورة، نعم لا إشکال فی أنه ینبغی الاحتیاط ولو للخروج عن

ص:260


1- التهذیب: ج1 ص390 الباب9 فی الحیض و... ح25
2- التهذیب: ج1 ص390 الباب9 فی الحیض و... ح26

وإذا أدرکت رکعة مع التیمم لا یکفی فی الوجوب، إلا إذا کان وظیفتها التیمم مع قطع النظر عن ضیق الوقت، وإن کان الأحوط الإتیان مع التیمم، وتمامیة الرکعة بتمامیة الذکر من السجدة الثانیة لا برفع الرأس منها.

خلاف المعتبر أو احتمال إطلاق النص أو لأن الصلاة لا تترک بحال أو غیر ذلک.

{وإذا أدرکت رکعة مع التیمم لا یکفی فی الوجوب} لما تقدم وقد تقدمت المناقشة فیه {إلاّ إذا کان وظیفتها التیمم مع قطع النظر عن ضیق الوقت} لأن التیمم حینئذ بدل بلا إشکال فیکون حاله حال المائیة {وإن کان الأحوط الإتیان مع التیمم} بل لا یخلو من قرب.

ثم: مما ذکرنا یظهر حال ما إذا کان له من وسط الوقت بالمقادیر المذکورة، أی مقدار رکعة مع الطهارة المائیة وسائر الشرائط، أو بدون سائر الشرائط، أو مع الطهارة الترابیة بالشرائط، أو بدون سائر الشرائط، کما إذا نظفت من الحیض فی وسط الوقت وبالمقادیر المذکورة کانت بلا عذر، ثم أغمی علیها أو جنّت، فإن الدلیل فی المقام واحد.

{وتمامیة الرکعة بتمامیة الذکر} الواجب {من السجدة الثانیة لا برفع الرأس منها} أما عدم کفایة ما قبل ذلک، فلظهور الرکعة عند المتشرعة فی ذلک، فالکلام الملقی إلیهم لا بد وأن یراد منه ذلک،

ص:261

حیث إن الکلام إنما بلسان العرف لقوله تعالی: ﴿وَما أرْسلْنا مِنْ رسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قوْمِهِ﴾((1))، وقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إنا أمرنا معاشر الأنبیاء أن نکلّم الناس بقدر عقولهم»((2)) وغیرهما، بل هو ظاهر بعض النصوص.

وأما عدم لزوم رفع الرأس: فلأنه خارج عن مفهوم الرکعة، کما أنه خارج عن مفهوم الرکوع ومفهوم السجود، فالرفع إنما هو لأجل الإتیان ببقیة الصلاة، ولذا لا یشترط فی سجدة التلاوة، وفی کلا المقامین خلاف یأتی فی بحث خلل الصلاة إن شاء الله تعالی.

ص:262


1- سورة إبراهیم: الآیة 4
2- أمالی الطوسی: ص493 المجلس السابع عشر

مسألة ٣٣ إذا کان جمیع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت

(مسألة _ 33): إذا کانت جمیع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت، یکفی فی وجوب المبادرة ووجوب القضاء مضی مقدار أداء الصلاة قبل حدوث الحیض، فاعتبار مضی مقدار تحصیل الشرائط إنما هو علی تقدیر عدم حصولها.

(مسألة _ 33): {إذا کانت جمیع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت، یکفی فی وجوب المبادرة ووجوب القضاء} إذا لم تبادر وحاضت {مضی مقدار أداء الصلاة قبل حدوث الحیض} لتوجه الأمر إلیها بالصلاة بمجرد دخول الوقت.

ولا انتظار للشرائط {فاعتبار مضی مقدار تحصیل الشرائط إنما هو علی تقدیر عدم حصولها} کما أنه إذا کانت فاقدة الشرائط ولا تقدر علی تحصیلها من دون النظر إلی مفاجآت الحیض لم تشترط الشرائط أصلاً بل الاعتبار بمقدار أداء الصلاة.

ص:263

مسألة ٣٤ لو ظنت ضیق الوقت عن إدارک الرکعة

(مسألة _ 34): إذا ظنت ضیق الوقت عن إدراک الرکعة فترکت، ثم بان السعة، وجب علیها القضاء.

(مسألة _ 34): {إذا ظنت ضیق الوقت عن إدارک الرکعة فترکت} فی آخر الوقت {ثم بان السعة وجب علیها القضاء} لأن التکلیف هو علی الموضوع الواقعی لا علی الموضوع المظنون.

ومنه یعرف: أنه لو ظنّت السعة فدخلت فی الصلاة فبان الضیق لم یجب علیها الإتمام، وکذا لو ظنّت السعة لکنها لم تصلّ لم یجب القضاء إذا بان الضیق.

ومثل الظن فی عدم التأثیر علی الواقع ما لو قطعت أو قامت أمارة، ثم بان الخلاف، فالحکم مرتب علی الواقع.

ص:264

مسألة ٣٥ وجوب المبادرة مع الشک فی سعة الوقت وعدمه

(مسألة _ 35): إذا شکت فی سعة الوقت وعدمها، وجبت المبادرة.

(مسألة _ 35): {إذا شکت فی سعة الوقت وعدمها وجبت المبادرة} قد یکون الشک فی مقدار الوقت الباقی إلی الحیض فی أول الوقت، أو فی مقدار الوقت الباقی إلی الغروب مثلاً، وفی هذا یجری استصحاب بقاء الوقت، وقد یکون الشک فی مقدار الصلاة مع علمها بقدر الوقت، وفی هذا تأتی بالصلاة من جهة أن الشک فی القدرة محکوم بأصالة القدرة، وهی أصل عقلائی، وإذا تحققت القدرة بالأصل شملها دلیل التکلیف، ولذا: إذا شک الإنسان فی أنه هل له قدرة علی إتمام الصلاة أو الصوم أو الحج أو ما أشبه؟ وجب علیه الإتیان، بل وإن ظن عدم القدرة علی التکمیل.

وربما یورد علی کلا الفرعین:

أما الأول: فلأنه لا مجال للاستصحاب بالنسبة إلی ما بعد الحالة التی هو علیها، فإن الاستصحاب إنما یجری بالنسبة إلی جرّ الحالة السابقة إلی الحالة الحاضرة، لا بالنسبة لجرّ الحالة الحاضرة إلی الحالة المستقبلة.

وأما الثانی: فلأن أصالة القدرة إنما یجریها العقلاء فی صورة عدم علمهم بما یوجب الشک فی التکلیف، أما مع علمهم بذلک، کما فی ما نحن فیه _ إذ تشک فی مقدار الصلاة _ فلا قطع بأنه موضع الأصل العقلائی، هذا ولکن الظاهر إطلاق بناء العقلاء، وعلیه فالواجب

ص:265

المبادرة حتی فی الفرع الأول لبناء العقلاء، لا للاستصحاب، وکأنه لذا قرر کافة المعلّقین الذین وجدت تعلیقاتهم علی المتن، وإن أشکل فی إطلاقه المستمسک ومصباح الهدایة.

ص:266

مسألة ٣٦ لو علمت أول الوقت بمفاجأة الحیض

(مسألة _ 36): إذا علمت أول الوقت بمفاجأة الحیض، وجبت المبادرة، بل وإن شکت علی الأحوط، وإن لم تبادر وجب علیها القضاء إلا إذا تبین عدم السعة.

(مسألة _ 36): {إذا علمت أول الوقت بمفاجأة الحیض، وجبت المبادرة} کما تقدم الکلام فی ذلک فی المسألة الثانیة والثلاثین.

{بل وإن شکت علی الأحوط} لبناء العقلاء علی الإطاعة فیما لو شکوا عدم القدرة فی صورة عدم المبادرة، ومعه لا مجال لأصالة عدم الحیض.

کما أنه: لا حاجة إلی استصحاب بقاء الطهر، أو استصحاب عدم مفاجأة الحیض، أو استصحاب بقاء التکلیف، حتی یرد علی ذلک بعدم تمامیة الاستصحابات المذکورة، فوجوب المبادرة حالة الشک العقلائی قوی.

{وإن لم تبادر} وفاجأها الحیض {وجب علیها القضاء} لتفویتها الفریضة الذی هو موضوع القضاء {إلاّ إذا تبین عدم السعة} إذ یتبین بذلک أنها لم تکن مکلفة، علی التفصیل الذی تقدم فی مقدار السعة.

ص:267

مسألة ٣٧ لو طهرت ولها وقت لإحدی الصلاتین

(مسألة _ 37): إذا طهرت ولها وقت لإحدی الصلاتین صلت الثانیة، وإذا کان بقدر خمس رکعات صلتهما.

(مسألة _ 37): {إذا طهرت ولها وقت لإحدی الصلاتین} أو أقل منها {صلّت الثانیة} لأن الوقت لها، ویدل علیه: المروی عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «من أدرک رکعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرک العصر»((1)).

والمروی عن الصادق (علیه السلام) فی خبر منصور بن حازم: «إذا طهرت الحائض قبل العصر، صلّت الظهر والعصر، فإن طهرت فی آخر وقت العصر صلّت العصر»((2)).

ولو علمت بمفاجأة الحیض فی أول الوقت: صلّت الأولی لأن الوقت لها، ولو طهرت فی الوقت المشترک وعلمت أنها تخرج عن التکلیف بعد مقدار صلاة واحدة بالموت أو الاغماء، صلّت الأولی، لأن الأولی قبل الثانیة، وإن کان الوقت مشترکاً بینهما.

{وإذا کان بقدر خمس رکعات} فی الظهرین أو فی العشائین، أو ثلاث رکعات فی الظهرین، وأربع رکعات فی العشائین فی السفر {صلّتهما} إجماعاً فی الجمع _ کما ادعاه الجواهر _، وذلک لما دل: علی «أن من أدرک رکعة من الوقت فقد أدرک الوقت» فلها وقت

ص:268


1- الخلاف: ج1 ص49 المسألة13
2- الوسائل: ج2 ص599 الباب49 من أبواب الحیض ح6

لهما، ومنه: یظهر الإشکال فی ما عن المبسوط: (من استحباب قضائهما إذا طهرت قبل مغیب الشمس بمقدار ما تصلّی خمس رکعات)، وعن الفقیه: (وجوبهما إذا أدرک ستاً) وسیأتی تفصیل الکلام فی المسألة فی کتاب الصلاة إن شاء الله تعالی.

ص:269

مسألة ٣٨ فی ضیق وقت الصلاة مع التخییر

(مسألة _ 38): فی العشائین إذا أدرکت أربع رکعات صلت العشاء فقط، إلا إذا کانت مسافرة ولو فی مواطن التخییر فلیس لها أن تختار التمام وتترک المغرب.

(مسألة _ 38): {فی العشائین إذا أدرکت أربع رکعات} إلی نصف اللیل أو الفجر _ علی ما یأتی فی کتاب الصلاة من منتهی وقت المغربین _ {صلّت العشاء فقط} لأن آخر الوقت مختص بالثانیة، کما أن أول الوقت مختص بالأولی، فإذا علمت بمفاجأة الحیض وجب تقدیم الأولی ولو کان لها مقدار ست رکعات فی المغربین أو سبع رکعات فی الظهرین {إلاّ إذا کانت مسافرة} فاللازم الإتیان بهما فتدرک ثلاث رکع المغرب فی الوقت ورکعة من العشاء فی الوقت.

{ولو} کانت {فی مواطن التخییر} الأربعة {فلیس لها أن تختار التمام وتترک المغرب} لأنها قادرة الآن من الصلاتین، فلیس لها أن تختار ما یوجب عجزها عن أحدهما، وعلیه: فلو اختارت التمام وصلّت العشاء بطلت لفوت شرط الترتیب.

ومنه یعرف: أنها لو أدرکت من آخر وقت الظهرین مقدار أربع رکعات، لیس لها اختیار التمام والإتیان بالعصر فقط، وکذلک بالنسبة إلی أول الوقت إذا کانت تعلم بأنها تحیض بعد أربع رکعات.

أما لو کانت مرددة بین قصد الإقامة وعدمه، فالظاهر أن لها قصد الإقامة، وذلک لا یوجب تقویتاً لأن القصد محقق للموضوع، ومثله: لو وصل الإنسان إلی بلد ولم یبق من الوقت إلاّ لمقدار أربع رکعات یحق له أن یقصد، ویأتی بالعصر فقط، أو لا یقصد ویأتی بهما.

ص:270

مسألة ٣٩ لو اعتقدت سعة الوقت فتبین عدمها

(مسألة _ 39): إذا اعتقدت السعة للصلاتین فتبین عدمها وأن وظیفتها إتیان الثانیة وجب علیها قضاؤها، وإذا قدمت الثانیة باعتقاد الضیق فبانت السعة، صحت ووجب علیها إتیان الأولی بعدها،

(مسألة _ 39): {إذا اعتقدت السعة للصلاتین فتبین عدمها وأن وظیفتها إتیان الثانیة وجب علیها قضاؤها} لأنها فوّتت الثانیة صاحبة الوقت، اللّهم إلاّ إذا جاءت بالأولی بقصد ما فی الذمة، وإن اعتقدت أنها الأولی بأن کان من الخطأ فی التطبیق لا من التقیید، فإنها تصح ثانیةً.

ثم إنه إذا کان التبین فی أثناء الصلاة فی صورة التقیید تبین بطلانها ووجب إتیانها بالثانیة، ولو لم یکن بقی من الوقت بمقدار رکعة، إذ لا اعتبار بمقدار الرکعة فی المقام، کما هو واضح.

{وإذا قدمت الثانیة باعتقاد الضیق فبانت السعة، صحت} الثانیة والأولی إذا کان علی نحو الخطأ فی التطبیق، وصحت الثانیة إذا کان علی وجه التقیید {ووجب علیها إتیان الأولی بعدها} أما صحة الثانیة فلأنها وقعت فی الوقت المشترک ولم یفت إلاّ الترتیب وذلک غیر ضار لأنه شرط ذکری _ کما یأتی فی کتاب الصلاة إن شاء الله تعالی _، ولا یضر وقوع الأولی فی وقت المختص بالثانیة لأن الاختصاص إنما هو فیما إذا لم یکن آتیاً بالثانیة.

ص:271

وإن کان التبین بعد خروج الوقت وجب قضاؤها.

{وإن کان التبین بعد خروج الوقت وجب قضاؤها} لتحقق موضوع الفوت الموجب للقضاء.

ثم إنه لو شرع فی الثانیة بظن عدم کفایة الوقت، ثم تبین له بعد الدخول الکفایة عدل إلی الأولی إن کان موضع العدول باقیاً کالظهرین، لا ما إذا فات موضع العدول کالعشائین إذا دخل فی الرکوع الرابع.

ص:272

مسألة ٤٠ فی ضیق وقت الصلاة واشتباه القبلة

(مسألة _ 40): إذا طهرت ولها من الوقت مقدار أداء صلاة واحدة والمفروض أن القبلة مشبهة، تأتی بها مخیرة بین الجهات، وإذا کان مقدار صلاتین تأتی بهما کذلک.

(مسألة _ 40): {إذا طهرت ولها من الوقت مقدار أداء صلاة واحدة والمفروض أن القبلة مشبهة} وقلنا فی القبلة المشبهة: الإتیان بأربع صلوات {تأتی بها مخیرة بین الجهات} لأن القبلة حینئذ ساقطة بالتعذر، کسقوط سائر المقدمات واقعیة کانت أو علمیة لدی التعذر، مثلاً: إذا لم تتمکن من القبلة أصلاً لکونها مقیدة فی مکان علی خلاف القبلة، وعلی هذا فاحتمال وجوب قضاء بقیة الجهات لا وجه له لغرض سقوط التکلیف بالقبلة، وکذا فی الإنسان المتحیر فی الصحراء إذا لم یکن له وقت لأزید من صلاة.

ومنه: یعرف الحال بالنسبة إلی من لیس له وقت لأزید من صلاتین، لکن الظاهر وجوب الإتیان بهما فی جهتین متقابلتین من جهة أن بین المشرق والمغرب قبلة، وکذا بالنسبة إلی سائر المقدمات غیر القبلة کالستر المشتبة بالنجس وغیره.

{وإذا کان مقدار صلاتین تأتی بهما کذلک} فإنها تأتی بالظهرین معاً لا أنها بالعصر مرتین، لما ذکرنا من سقوط الشرط.

نعم إذا کان لها مقدار ثلاث صلوات تخیرت بین أن تأتی بظهرین وعصر، أو بظهر وعصرین، لعدم المرجح، وإن کان ربما یحتمل وجوب تکرار الأولی، کما ذکروا فیمن یقدر علی القیام فی إحدی

ص:273

الصلاتین، حیث إن الواجب القیام فی الأولی لا الثانیة، وسیأتی تفصیل الکلام فی هذه المسألة فی کتاب الصلاة إن شاء الله تعالی.

ص:274

مسألة ٤١ فی قراءة القرآن والتسبیح والتهلیل

(مسألة _ 41): یستحب للحائض أن تتنظف وتبدل القطنة والخرقة،

(مسألة _ 41): {یستحب للحائض أن تتنظف} لإطلاقات أدلة التنظیف، ولما ورد من علة النهی عن صلاتها من أنها علی حد نجاسة، مما یدل علی أن قلة النجاسة مطلوبة عند الإقبال إلی الله سبحانه (وتبدل القطنة والخرقة} والثوب إذا صار نجساً، لما رواه الحلبی فی الصحیح: عن أبی عبد الله (علیه السلام): «کن نساء النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لا یقضین الصلاة إذا حضن، ولکن یتحشین حین یدخل وقت الصلاة ویتوضأن ثم یجلسن قریباً من المسجد فیذکرن الله عز وجل»((1)).

وما رواه الدعائم: عن الباقر (علیه السلام): «إنّا نأمر نساءنا الحیّض أن یتوضأن عند وقت کل صلاة فیسبغن الوضوء، ویحتشین [بخرق] ثم یستقبلن القبلة من غیر أن یفرضن صلاة فیسبّجن ویکبّرن ویهلّلن، ولا یقربن مسجداً ولا یقرأن قرآناً»((2)) الحدیث، بناءً علی استفادة ما ذکره المصنف من التحشی، کما هو المفهوم عرفاً، ولیس به بأس.

ثم: الظاهر کفایة تطهیر القطنة والخرقة بلا حاجة إلی التبدیل.

ص:275


1- الفقیه: ج1 ص55 الباب20 فی غسل الحائض والنفاس ح15
2- دعائم الإسلام: ج1 ص128 فی ذکر الحیض

وتتوضأ فی أوقات الصلوات الیومیة بل کل صلاة موقتة، وتقعد فی مصلاها مستقبلة مشغولة بالتسبیح والتهلیل والتحمید والصلاة علی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) وقراءة القرآن.

{وتتوضأ} وضوء الصلاة {فی أوقات الصلوات الیومیة بل کل صلاة مؤقتة} لإطلاق الدلیل، والانصراف لو کان بدوی، ولذا یستحب لها ذلک عند صلاة الآیات والنافلة وما أشبه {وتقعد فی مصلاّها} لم أجد بذلک نصاً، وکأنه لفتوی الفقیه، فقد ذکره الشیخ فی معقد إجماع الخلاف، وتبعه غیره {مستقبلة، مشغولة بالتسبیح والتهلیل والتحمید والصلاة علی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) وقراءة القرآن} لورود کل ذلک فی النّص ما عدا الصلاة علی محمد وآله، لکنها داخلة فی مطلق الذکر، وذکرها جملة من الفقهاء، فیشملها دلیل التسامح. ویدل علی الأحکام المذکورة جملة من النصوص:

مثل روایة زرارة: عن أحد الباقرین (علیهما السلام): «إذا کانت المرأة طامثاً فلا تحلّ لها الصلاة، وعلیها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت کل صلاة، ثم تقعد فی موضع طاهر، فتذکر الله عزوجل وتسبحه وتهلله وتحمده کمقدار صلاتها، ثم تفرغ لحاجتها»((1)).

ص:276


1- الوسائل: ج2 ص587 الباب40 من أبواب الحیض ح2

وإن کانت مکروهة فی غیر هذا الوقت،

وما رواه محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الحائض تطهر یوم الجمعة وتذکر الله؟ قال: «أما الطهر فلا، ولکنها تتوضأ فی وقت الصلاة ثم تستقبل القبلة وتذکر الله»((1)).

وما رواه زید الشحام، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: «ینبغی للحائض أن تتوضأ عند وقت کل صلاة، ثم تستقبل القبلة، فتذکر الله عز وجل مقدار ما کانت تصلی»((2)).

وفی روایة الراوندی فی لب اللباب وفی الخبر: «إذا استغفرت الحائض وقت الصلاة سبعین مرة کتب الله لها ألف رکعة، وغفر لها سبعین ذنباً، ورفع لها سبعین درجة، وأعطاها سبعین نوراً، وکتب لها بکل عرق فی جسدها حجة وعمرة»((3)). إلی غیرها من الروایات.

أما قراءة القرآن فهی مستحبة لها فی هذا الوقت {وإن کانت مکروهة فی غیر هذا الوقت} وذلک لذکره فی هذه الروایات التی هی أخص من إطلاق روایات الکراهة:

فقد روی معاویة بن عمار: عن أبی عبد الله (علیه السلام)

ص:277


1- الکافی: ج3 ص100 باب ما یجب علی الحائض فی أوقات الصلاة ح1
2- التهذیب: ج1 ص159 الباب7 فی حکم الحیض و... ح28
3- مستدرک الوسائل: ج1 ص75 الباب29 من أبواب الحیض ح4

والأولی: اختیار التسبیحات الأربع، وإن لم تتمکن من الوضوء تتیمم بدلاً عنه،

قال: «تتوضّأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأکل، وإذا کان وقت الصلاة توضأت واستقبلت القبلة وهلّلت وکبّرت وتلت القرآن وذکرت الله عز وجل»((1)).

وحیث قوة هذه الروایة لا بد من تأویل روایة الدعائم: عن الباقر (علیه السلام) الناهیة عن قراءة القرآن _ کما تقدم _ بأن یقال: إن النهی عن قراءته فی سائر حالات الحیض.

{والأولی: اختیار التسبیحات الأربع} لاشتمالها علی المذکورات فی الروایات مع مراعاة الترتیب الوارد فی الأدلة العامة، ثم الظاهر أن الأدعیة أیضاً حالها حال المذکورات، للمناط ولأنه نوع من الذکر.

{وإن لم تتمکن من الوضوء تتیمم بدلاً عنه} لعموم ما دل علی البدلیة، ولذا أفتی به غیر واحد، خلافاً لآخرین حیث لم یقولوا بالتیمم، وإنما نفوه، قالوا: لأن التیمم طهارة اضطراریة ولا اضطرار هنا، وفیه: عموم أدلة البدلیة کافیة.

ثم الظاهر أنها لو کانت جنباً واغتسلت عن الجنابة _ وقلنا بمشروعیة ذلک _، لم یحتج إلی الوضوء لکفایة غسل الجنابة عن

ص:278


1- الکافی: ج3 ص101 باب ما یجب علی الحائض فی أوقات الصلاة ح2

والأولی: عدم الفصل بین الوضوء أو التیمم وبین الاشتغال بالمذکورات، ولا یبعد بدلیة القیام وإن کانت تتمکن من الجلوس، والظاهر انتقاض هذا الوضوء بالنواقض المعهودة.

الوضوء، بل هو کذلک بالنسبة إلی کل غسل إذا قلنا بکفایته عن الوضوء.

{والأولی: عدم الفصل بین الوضوء أو التیمم} أو الغسل {وبین الاشتغال بالمذکورات} لأن تکون أخف نجاسة، وقد سبق أن أخفیة النجاسة مطلوبة، وإنما عبر بلفظ: الأولی، لأن الاطلاقات تقتضی عدم الفرق، کما هو واضح {ولا یبعد بدلیة القیام وإن کانت تتمکن من الجلوس} بل وسائر الحالات کالتمدد واختلاف الأحوال قیاماً وقعوداً ورکوعاً وسجوداً، لإطلاق صحیح معاویة وغیره، والجلوس فی بعض الروایات لا یوجب التقیید _ لبنائهم علی التقیید فی باب المستحباب _، بل هو من باب المستحب فی المستحب، وعلی هذا: فالقیام ونحوه لیس بدلاً، بل هو مستحب برأسه.

{والظاهر انتقاض هذا الوضوء بالنواقض المعهودة} فإذا توضأت ثم أحدثت لا یکفی فی إتیان المستحب الکامل، وإن کان نفس الأذکار مستحبة، وذلک لإطلاق أدلة النواقض.

ومنه یعرف: أن استشکال التذکرة لاحتمال إنصراف أدلة النقض إلی خصوص الرافع، محل نظر.

وهل یکفی الوضوء لو کانت متوضئة ثم حاضت؟ احتمالان: من ظهور النص والفتوی فی

ص:279

إحداث الوضوء، ومن أن حدث الحیض لمّا کان غیر مناف مع الوضوء استمراراً لم یکن منافیاً له إبتداءً، وهذا غیر بعید، ولو طهرت بعد الوضوء واغتسلت فهل یکفی هذا الوضوء للصلاة ونحوها _ بناءً علی عدم کفایة الغسل _ الظاهر لا، لإطلاق ما دل علی الاحتیاج إلی الوضوء بعد الغسل أو قبله.

نعم لا إشکال فی کفایة الوضوء إذا توضأت بعد النقاء من الدم، لما تقدم من جواز الوضوء قبل الغسل وبینه وبعده.

ص:280

مسألة ٤٢ کره الخضاب بالحناء للحائض

(مسألة _ 42): یکره للحائض الخضاب بالحناء أو غیرها،

(مسألة _ 42): {یکره للحائض الخضاب} فی أی مکان من جسمها وشعرها {بالحنّاء أو غیرها} علی المشهور، بل عن المعتبر والمنتهی: إنه مذهب علمائنا، وتبعهم فی ذلک الجواهر، وذلک لجملة من الأخبار:

مثل خبر أبی جمیلة: عن الکاظم (علیه السلام): «لا تختضب الحائض»((1)).

وموثق أبی بصیر: عن الصادق (علیه السلام) هل تختضب الحائض؟ قال (علیه السلام): «لا، یخاف علیها الشیطان عند ذلک»((2)).

وخبر أبی بکر الحضرمی: عن الصادق (علیه السلام) هل تختضب الحائض؟ قال علیه السلام: «لا، لأنه یخاف علیها الشیطان»((3)). وهذه الأخبار وإن کان ظاهرها التحریم، لکنها محمولة علی الکراهة بقرینة التعلیل، وللجمع بینها وبین الأخبار المجوزة: مثل خبر سهل بن الیسع: عن الکاظم (علیه السلام) _ وفیه _ قلت: المرأة تختضب وهی حائض؟ قال: «لا

ص:281


1- الوسائل: ج2 ص593 الباب42 من أبواب الحیض ح8
2- الوسائل: ج2 ص593 الباب42 من أبواب الحیض ح4
3- الوسائل: ج2 ص593 الباب42 من أبواب الحیض ح3

بأس به»((1)).

وخبر علی بن أبی حمزة: عنه (علیه السلام) تختضب المرأة وهی طامث؟ فقال (علیه السلام): «نعم»((2)).

وخبر أبی المعزا: عنه (علیه السلام) قلت: المرأة تختضب وهی حائض؟ قال: «لیس به بأس»((3)).

وموثق سماعة: عنه (علیه السلام) عن الجنب والحائض أیختضبان؟ قال (علیه السلام): «لا بأس»((4)).

ثم إن المحکی عن المراسم: اختصاص الکراهة بالحناء.

وعن المقنعة: اختصاص ذلک بالید والرجل دون الشعر، وکلاهما خلاف إطلاق الأدلة.

ولو کانت مختضبة، فهل یستحب إزالة الخضاب إذا حاضت؟ لا یبعد ذلک، لفهم العرف عدم الخصوصیة فی الإحداث، کما أن الکراهة فی حال الحیض، لا ما إذا نظفت وإن لم تطهر، والظاهر:

ص:282


1- الوسائل: ج2 ص592 الباب42 من أبواب الحیض ح1
2- الوسائل: ج2 ص592 الباب42 من أبواب الحیض ح2
3- الاستبصار: ج1 ص116 الباب70 من الجنب یدهن ویختضب وکذلک الحائض ح5
4- الاستبصار: ج1 ص116 الباب70 من الجنب یدهن ویختضب وکذلک الحائض ح4

وقراءة القرآن ولو أقل من سبع آیات،

أن المراد بالخضاب هو: ما یثبت لونه لا ما یزال بالماء ونحوه کالحبر، کما أنه لا فرق فی ألوان الخضاب لإطلاق الأدلة.

{و} یکره لها {قراءة القرآن ولو أقل من سبع آیات} بخلاف الجنب الذی أفتوا فیه بکراهة ما زاد علی السبع، وإن کان هناک قول آخر بکراهة مطلق القراءة، وقد ادعی علی أصل جواز القراءة وکراهته الإجماع، ویدل علیهما نصوص کثیرة، فمن النصوص المانعة:

ما رواه السکونی: عن الصادق (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) عن علی (علیه السلام) قال: «سبعة لا یقرؤون القرآن: الراکع، والساجد، وفی الکنیف، وفی الحمام، والجنب، والنفساء، والحائض»((1)).

وما روی عن الباقر (علیه السلام): «إنّا نأمر نساءنا الحیّض _ إلی أن قال: _ ولا یقربن مسجداً ولا یقرأن قرآناً»((2)).

وما روی عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): «لا یقرأ الجنب ولا الحائض شیئاً من القرآن»((3)).

ومن النصوص المجوّزة:

ص:283


1- الخصال: ج2 ص357 باب السبعة ح42
2- دعائم الإسلام: ج1 ص128 فی ذکر الحیض
3- عوالی اللئالی: ج1 ص131 ح12

ما رواه العلل: عن الباقر (علیه السلام) فی الحائض والجنب هل یقرأن من القرآن شیئاً؟ قال (علیه السلام): «نعم ما شاء إلاّ السجدة، ویذکران الله علی کل حال»((1)).

وما رواه التهذیب: عن الباقر (علیه السلام) قال: «لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن»((2)).

وما رواه عن الصادق (علیه السلام) قال: «الحائض تقرأ ما شاءت من القرآن»((3))، إلی غیرها من الروایات.

وبما تقدم من النص والفتوی یضعف ما عن سلاّر من القول: بحرمة القراءة، وما عن ابن البراج من القول: بتقیید الکراهة بقراءة ما زاد علی السبع، وما عن بعض: من تقییدها بالزائد علی السبعین. وما عن آخر من عدم الکراهة مطلقاً.

ثم الظاهر أن المراد بالکراهة: الحزازة _ کما ذکرها الآخوند رحمه الله فی الکفایة _ لا أقلیة الثواب إذ هو المنصرف من النهی، کما أن الظاهر کون الکراهة حال الدم ونحوه، لا بعده قبل الغسل، لانصراف الحائض إلیه، فما ذکره بعض من الإطلاق لا وجه

ص:284


1- علل الشرائع: ص288 الباب210 من الجزء الاول ح1
2- التهذیب: ج1 ص128 الباب6 حکم الجنابة وصفة الطهارة منها ح38
3- التهذیب: ج1 ص128 الباب6 حکم الجنابة وصفة الطهارة منها ح40

وحمله ولمس هامشه وما بین سطوره إن لم تمس الخط، وإلا حرم.

له. ثم: إنک قد عرفت استثناء حالة الجلوس فی مصلاّها.

{و} یکره لها {حمله ولمس هامشه وما بین سطوره إن لم تمسّ الخط، وإلاّ حرم} أما الحرمة مع مس الخط فقد تقدم وجهه.

وأما الکراهة فی المذکورات: فهی المفتی به قدیماً وحدیثاً، ویدل علیه:

ما روی عن الکاظم (علیه السلام) قال: «المصحف لا تمسه علی غیر طهر، ولا جنباً، ولا تمس خیطه ولا تعلقه، إن الله تعالی یقول: ﴿لا یمسُّهُ إِلاّ الْمُطهّرُون﴾((1))»((2)).

بضمیمة حسنة منصور بن حازم: عن الصادق (علیه السلام) قال: سألته عن التعویذ یعلق علی الحائض؟ فقال (علیه السلام): «نعم، إذا کان فی جلد أو فضة أو قصبة حدید»((3)).

بناءً علی إطلاق التعویذ بحیث یشمل تعلیق القرآن، ولذا سمیت سورتان فی القرآن المعوذتین.

وعن المرتضی (رحمه الله): الحکم بحرمة حمله علیها لظاهر النهی السابق. وفیه: نظر واضح.

ص:285


1- سورة الواقعة: الآیة 79
2- التهذیب: ج1 ص127 الباب6 حکم الجنابة وصفة الطهارة منها ح35
3- الکافی: ج3 ص106 باب الحائض والنفساء تقرءان القرآن ح4

وأما کراهة لمس ما بین السطور ونحوه: فلأن النهی عن مسّه یشمل کل ذلک، وقد تقدم فی بحث الجنابة ما ینفع المقام.

ثم الظاهر إن الکراهة خاصة بوقت الحیض، لا ما ذا طهرت ولم تغتسل، لما تقدم فی مسألة قراءتها القرآن، ولو کانت طاهرة ومست ثم حاضت رفعت یدها، لعدم خصوصیة فی الابتداء، کما هو کذلک بالنسبة إلی لمس الخط.

ثم إنه یکره لها اتخاذ الحجة والقصة، ولم یذکرها المصنف، وذلک لما رواه الفقیه عن الصادق عن أبیه عن آبائه (علیهم السلام) عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «لا یحل لامرأة حاضت أن تتخذ قصة ولا جمة»((1)).

ومثله ما عن دعائم الإسلام: عنه (صلی الله علیه وآله وسلم)((2)).

وعن السرائر، عن السکونی: عن الصادق (علیه السلام) مثله((3)).

ص:286


1- الفقیه: ج3 ص298 الباب144 النوادر ح1
2- دعائم الإسلام: ج2 ص167 ح600 فی ذکر الطیب. إلاّ أن فیه: «لیس لامرأة...»
3- السرائر: ص485 س25 باب المستطرفات. إلاّ أن فیه: «إذا هی حاضت»

لکن لا یکره لها الترجیل، لما رواه الفقیه: «کان بعض نساء النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) ترجّل شعرها وتغسل رأسها وهی حائض»((1))، وهذا حجة من باب تقریره (صلی الله علیه وآله وسلم) لها ولو بقرینة خارجیة.

ص:287


1- الفقیه: ج1 ص55 الباب20 غسل الحیض والنفاس ح18

مسألة ٤٣ أحکام الحائض فی استحباب الأغسال المندوبة

(مسألة _ 43): یستحب لها الأغسال المندوبة کغسل الجمعة والإحرام والتوبة ونحوها،

(مسألة _ 43): {یستحب لها الأغسال المندوبة کغسل الجمعة والإحرام والتوبة ونحوها} کما هو المشهور، خلافاً للمحکی عن الخلاف والمبسوط. أما المشهور: فقد استدلوا لذلک بجملة من الروایات المطلقة، بعد عدم الدلیل علی أن الحیض مانع عن تلک الأغسال لیکون مقیداً للإطلاقات، وبخصوص ما ورد فی غسل الإحرام بعد وحدة المناط.

مثل صحیح العیص: قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) أتحرم المرأة وهی طامث؟ قال (علیه السلام): «نعم تغتسل وتلبی»((1)).

وخبر حماد، عن ابن عمار: قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الحائض تحرم وهی حائض؟ قال (علیه السلام): «نعم، تغتسل وتحتشی وتصنع کما یصنع المحرم ولا تصلی»((2)).

وخبر الشحام، قال: سُئل (علیه السلام) عن امرأة حاضت وهی ترید الإحرام فتطمث؟ قال: «تغتسل وتحتشی بکرسف»((3))، ومثلها غیرها.

ص:288


1- التهذیب: ج5 ص389 الباب26 الزیادات فی فقه الحج ح6
2- التهذیب: ج5 ص388 الباب26 الزیادات فی فقه الحج ح4
3- التهذیب: ج5 ص388 الباب26 الزیادات فی فقه الحج ح3

الأغسال الواجبة فذکروا عدم صحتها منها

أما من قال بالعدم، فقد استدل له: بأصالة عدم الصحة، وبأن حدث الحیض نجاسة والغسل طهارة فیتنافیان، ولخبر ابن مسلم: عن الحائض تطهر یوم الجمعة وتذکر الله؟ فقال: «أما الطهر فلا، ولکنها تتوضأ فی وقت الصلاة»((1)). بضمیمة المناط فی سائر الأغسال.

وفیه: أما الأصل فلا یقاوم الدلیل، وأما الحیض ینافی الغسل فهو مصادرة، وأما الروایة ففی دلالتها علی نفی غسل الجمعة نظر، لأن الظاهر منها أنها لا تکون طاهرة کالمرأة غیر الحائض لا أنها لا تغتسل غسل الجمعة.

{و} أما {الأغسال الواجبة ﻓ_} لا إشکال فی عدم صحة غسل الحیض لها، لأن محل تشریعه بعد النقاء فلا مشروعیة له فی حال الحیض، وهذا مما لا خلاف فیه کما یظهر من کلماتهم، بل فی الجواهر: الإجماع علیه.

أما سائر الأغسال فقد {ذکروا عدم صحتها منها} بل عن المعتبر والمنتهی: الإجماع علیه، لکن ذهب آخرون إلی الصحة، وهذا هو الأقرب.

واستدل للقول الأول: بأن الطهارة وحدث الحیض ضدان یمتنع اجتماعهما فلا یعقل حصولها معه، وبجملة من الروایات:

ص:289


1- الکافی: ج3 ص100 باب ما یجب علی الحائض فی أوقات الصلاة ح1

مثل صحیح الکاهلی: عن الصادق (علیه السلام) عن المرأة یجامعها زوجها فتحیض وهی فی المغتسل، تغتسل أو لا تغتسل؟ قال (علیه السلام): قد جاءها ما یفسد الصلاة، فلا تغتسل»((1)).

وموثق أبی بصیر: عنه (علیه السلام) عن رجل أصاب من امرأته ثم حاضت قبل أن تغتسل؟ قال: «تجعله غسلاً واحداً»((2)).

وخبر سعید بن یسار: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): المرأة تری الدم وهی جنب، أتغتسل عن الجنابة أو غسل الجنابة والحیض واحد؟ فقال: «قد أتاها ما هو أعظم من ذلک»((3)).

واستدل للقول الثانی: بعمومات أدلة الأغسال، وبخصوص ما ورد فی الجنابة:

مثل خبر سماعة: عن الصادق (علیه السلام) والکاظم (علیه السلام) قالا فی الرجل یجامع المرأة فتحیض قبل أن تغتسل من الجنابة؟ قال (علیه السلام): «غسل الجنابة علیها واجب»((4)).

وموثق عمار: عن الصادق (علیه السلام) أنه سأل عن المرأة

ص:290


1- الکافی: ج3 ص83 باب المرأة تری الدم وهی جنب ح1
2- التهذیب: ج1 ص395 الباب19 الحیض و... ح49
3- الوسائل: ج2 ص565 الباب22 من أبواب الحیض ح2
4- الوسائل: ج1 ص527 الباب43 من أبواب الجنابة ح8

یواقعها زوجها ثم تحیض قبل أن تغتسل؟ قال (علیه السلام): «إن شاءت أن تغتسل فعلت، وإن لم تفعل فلیس علیها شیء، فإذا طهرت اغتسلت غسلاً واحداً للحیض والجنابة»((1)).

نعم فی دلالة خبر سماعة ضعف، وإنما یشمل المقام بالإطلاق.

أما ما استدل به للقول الأول، فیرد علی الوجه الاعتباری: أنه إن أرید التضاد بین حدث الحیض وغسله فهو غیر ما نحن فیه، وإن أرید التضاد بین حدث الحیض وسائر الأغسال الواجبة فهو یحتاج إلی الدلیل، کما یرد علی الأخبار: أنها لا تدل علی مرادهم، بل ظاهرها الإرشاد بعدم ترتب الفائدة علی غسلها لعدم ترتب أثر علی الغسل، ولذا قال (علیه السلام): «قد جاءها ما یفسد الصلاة» وقال: «قد أتاها ما هو أعظم من ذلک»، وعلی هذا فلو حاضت فی وسط غسل الجنابة أو نظفت فی وسط غسل الجنابة صح الغسل.

وربما یستدل لعدم صحة غسل الجنابة فی حالة الحیض بوجه اعتباری آخر هو: أن غسل الجنابة یکفی عن الوضوء، وهذا الغسل لا یکفی عن الوضوء، وفیه: أن غسل الجنابة فیه اقتضاء ذلک إذا لم یمنع عنه مانع، والمانع فی المقام موجود وهو الحیض.

ص:291


1- الوسائل: ج2 ص566 الباب22 من أبواب الحیض ح4

وعدم ارتفاع الحدث مع الحیض، وکذا الوضوءات المندوبة، وبعضهم قال: بصحة غسل الجنابة دون غیره، والأقوی صحة الجمیع وارتفاع حدثها وإن کان حدث الحیض باقیا، بل صحة الوضوءات المندوبة لا لرفع الحدث.

{و} ذکروا {عدم ارتفاع الحدث مع الحیض} لأن الحدث نوع واحد وله أسباب متعددة، کما لا یرتفع أثر الغائط مع النوم مثلاً فی الأحداث الصغیرة، فکذلک الأحداث الکبیرة.

{وکذا الوضوءات المندوبة} قالوا بعدم صحتها مع حدث الحیض إذ الوضوء رافع للحدث الأصغر، وما دام الحدث الأکبر موجوداً لا مجال لرفع الحدث الأصغر {وبعضهم قال: بصحة غسل الجنابة دون غیره} لموثق الساباطی المتقدم، وبعضهم قال: بعدم صحة غسل الجنابة وصحة ما عداه، لبعض الروایات المتقدمة، {والأقوی صحة الجمیع} من الإطلاقات وخصوص بعض الروایات، وعلیه فیصح کل غسل ووضوء وتیمم واجب أو مندوب باستثناء غسل الحیض والتیمم بدله {وارتفاع حدثها _ وإن کان حدث الحیض باقیاً _، بل صحة الوضوءات المندوبة لا لرفع الحدث} کالوضوء لأنه نور، لا لرفع الحدث، والوضوء التجدیدی وغیرها کل ذلک لإطلاق الأدلة، وعلی هذا إذا اغتسلت للجنابة ارتفع أثر الجنابة وبقی أثر الحیض، مثلاً: إذا قلنا بکراهة أکل الجنب دون أکل الحائض، وبکراهة جماع الجنب حتی فی دبر المرأة، فإذا اغتسلت ارتفع کراهة أکلها وجاز جماعها من خلف _ إن قیل

ص:292

بجوازه _ بدون کراهة، إلی غیرهما من الآثار، والله سبحانه هو العالم.

ص:293

ص:294

فصل فی الاستحاضة

اشارة

فصل

فی الاستحاضة

دم الاستحاضة من الأحداث الموجبة للوضوء والغسل إذا خرج إلی خارج

{فصل فی الاستحاضة}

الاستحاضة وهی: باب استفعال من حاض، کأن المرأة تطلب استعلام حالها: هل أنها حائض أم لا؟ ولها إطلاقان: إطلاق علی المرأة، فیقال: (مرأة استحاضة) وهو من قبیل (زید عدل)، وإطلاق علی الدم فیقال: (دم استحاضة) وکلاهما مجاز أو منقول.

ویخرج هذا الدم من عرق فی أدنی الرحم یسمی بالعاذل، سمی بذلک لأن خروج هذا الدم من المرأة سبب لعذل زوجها _ أی ملامته _ لها، لأنها تکون غیر صالحة لکمال اللذة.

و{دم الاستحاضة من الأحداث الموجبة للوضوء} بجمیع أقسامه علی قول المشهور الذین یقولون: بأن غسل الاستحاضة لا یکفی عن الوضوء {والغسل} فی المتوسطة والکثیرة {إذا خرج إلی خارج

ص:295

الفرج، ولو بمقدار رأس إبرة ویستمر حدثها ما دام فی الباطن باقیا، بل الأحوط إجراء أحکامها إن خرج من العرق المسمی بالعاذل إلی فضاء الفرج، وإن لم یخرج إلی خارجه، وهو فی الأغلب أصفر بارد رقیق، یخرج بغیر قوة ولدغ وحرقة، بعکس الحیض،

الفرج ولو بمقدار رأس إبرة} أما إذا خرج فلا إشکال فی صدق المستحاضة وترتب أحکامها علیها، وأما إذا لم یخرج ففی ترتب الأحکام لإطلاق بعض الأدلة، ولأنه خرج من العرق العاذل، أو عدم ترتب الأحکام، لأن لخروج الدم مدخلیة فی الحکم کخروج المنی والبول والغائط، خلاف، وقد تقدم الکلام فی مثل ذلک فی باب الحیض، والأقرب هو الأول، لأن المعیار فی الروایات من تلطّخ ظاهر الکرسف ونحوه هو ذلک، بدون الخروج، وفرق بین مثل: (بال وتغوط) ومثل: (استحاضت) فإن الأول لا یصدق بدون الخروج بخلاف الثانی.

{ویستمر حدثها ما دام فی الباطن باقیاً} للصدق ولظاهر الأدلة المذکورة {بل الأحوط} الأقرب {إجراء أحکامها إن خرج من العرق المسمّی بالعاذل إلی فضاء الفرج وإن لم یخرج إلی خارجه} لما عرفت، ولذا ذکر بعض المعلّقین أنه لا یخلو من قوة {وهو فی الأغلب أصفر بارد رقیق، یخرج بغیر قوة ولدغ وحرقة، بعکس الحیض} کما دل علی ذلک النصّ والفتوی، وإن کان فی بعض الصفات المذکورة خلاف، ولم یذکر بعضها بعض الفقهاء.

ص:296

وقد یکون بصفة الحیض، ولیس لقلیله

وکیف کان: فیدل علی هذه الأوصاف جملة من الروایات:

مثل صحیح حفص: «ودم الاستحاضة أصفر بارد»((1)).

وصحیح علی: «فإذا رقّ وکانت صفرة اغتسلت وصلّت»((2)).

والرضوی: «وتفسیر المستحاضة: أن دمها یکون رقیقاً تعلوه صفرة»((3)).

وما ورد من مقابلة دم الاستحاضة لدم الحیض، مع وصف دم الحیض بالقوة واللدغ والحرقة:

مثل خبر حفص: عن الصادق (علیه السلام) إمرأة سألته عن المرأة یستمر بها الدم فلا تدری حیض هو أو غیره؟ قال: فقال (علیه السلام) لها: «إن دم الحیض حار عبیط أسود له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد رقیق»((4)) الحدیث، ومثله غیره مما قد تقدم فی مبحث الحیض.

{وقد یکون بصفة الحیض} إذا لم یکن محدوداً بحدود الحیض، کما أن الحیص قد یکون بصفة الاستحاضة، وقد تقدم ذلک فی مبحث الحیض، وهذا مما لا إشکال فیه ولا خلاف {ولیس لقلیله

ص:297


1- الوسائل: ج2 ص537 الباب3 من أبواب الحیض ح2
2- الوسائل: ج2 ص615 الباب3 من أبواب النفاس ح16
3- فقه الرضا: ص21 س31
4- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص478 الباب3 من أبواب الحیض ح1. الوسائل: ج2 ص537 الباب3 من أبواب الحیض ح2

ولا لکثیره حد، وکل دم لیس من القرح أو الجرح ولم یحکم بحیضیته فهو محکوم بالاستحاضة،

ولا لکثیره حد} بلا إشکال ولا خلاف، فیمکن أن یکون لحظة، کما یمکن أن یکون سنوات، ودل علی ذلک النصّ أیضاً، کما أنه یری قبل البلوغ وبعد الیأس نصاً وفتوی، ولا یشترط فصل أقل الطهر بین استحاضتین بلا إشکال ولا خلاف، وقد تقدم ما یدل علی کل ذلک فی باب الحیض فراجع.

{وکل دم لیس من القرح أو الجرح ولم یحکم بحیضیته} ولا بکونه نفاساً _ ولعله اکتفی بذکر الحیض عنه، لأن النفاس أیضاً حیض کما عرفت _ کما أن العذرة أیضاً من الجرح.

وکیف کان، فإذا لم یکن الدم أحد الأربعة {فهو محکوم بالاستحاضة} وهذا أحد الأقوال فی المسألة، وهذا هو المحکی عن الشرائع والقواعد، وجملة من کتب العلامة، والبیان وجامع المقاصد والمدارک والکفایة وکشف اللثام، بل عن شرح المفاتیح: نسبته إلی الفقهاء، وذکره نجاة العباد، وغیره.

القول الثانی: ما اختاره الجواهر: من الحکم بالاستحاضة مع عدم العلم بکونه من سائر الدماء مطلقاً، ولو مع العلم بوجود القرح أو الجرح فی الباطن إذا لم یعلم کون الدم منهما.

الثالث: ما عن المدارک: من التفصیل بین ما کان الدم بصفة الاستحاضة فهو استحاضة، وما لم یکن بصفة الاستحاضة فلیس

ص:298

باستحاضة _ ولو علم بانتقاء الدماء الأربعة، أی الحیض والنفاس والجرح والقرح، إلاّ إذا علم أن ما لیس بصفة الاستحاضة استحاضة.

الرابع: التفصیل بین احتمال الجرح أو القرح فلیس استحاضة، وبین سائر الاحتمالات فهو استحاضة.

وهناک تفاصیل أخر لا داعی لنقلها، أما ما اختاره المصنف فقد استدل له بأمور:

الأول: بناء العقلاء علی الحمل علی الاستحاضة فی الدم الخارج من الباطن إذا علم بعدم کونه من الدماء الأربعة: «الحیض والنفاس والجرح والقرح»، وکأنه لأنّ دم الاستحاضة أیضاً طبیعی بعد طبیعیة دم الحیض، ومع هذا البناء لا مجال لأصالة السلامة عن دم الاستحاضة لأن بناء العقلاء مقدم علی الأصل.

الثانی: انحصار الدم فی الأمور الخمسة، فإذا لم یکن من الأربعة کان من الاستحاضة.

الثالث: جملة من الروایات:

مثل صحیح أبن مسلم: عن أبی جعفر (علیه السلام): «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة، فإن خرج فیها شیء من الدم فلا تغتسل، وإن لم تر شیئاً فلتغتسل، وإن رأت

ص:299

بعد ذلک صفرة فلتتوضأ ولتصلّ»((1)).

ومرسل یونس: عن أبی عبد الله (علیه السلام): «فإذا رأت المرأة الدم فی أیام حیضها ترکت الصلاة، فإن استمر بها الدم ثلاثة أیام فهی حائض، وإن انقطع الدم بعد ما رأته یوماً أو یومین اغتسلت وصلّت _ ثم قال: _ فعلیها أن تعید الصلاة تلک الیومین التی ترکتها لأنها لم تکن حائضاً»((2)).

وصحیح الحسین بن نعیم: «إذا رأت الحامل الدم _ إلی أن قال: _ إن ذلک لیس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ وتحتشی بکرسف وتصلی»((3)).

وروایة إسحاق بن عمار: فی الحبلی تری الدم الیوم والیومین، قال: «وإن کان صفرة فلتغتسل عند کل صلاتین»((4)).

وصحیح صفوان: عن أبی الحسن (علیه السلام) فیمن رأت الدم عشرة أیام ثم رأت الطهر ثم رأت الدم بعد ذلک، أتمسک عن الصلاة؟ قال (علیه السلام): «لا، هذه مستحاضة، تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة وتجمع بین صلاتین بغسل»((5)).

ص:300


1- الکافی: ج3 ص80 باب استبراء الحائض ح2
2- الکافی: ج3 ص76 باب أدنی الحیض و... ح5
3- الوسائل: ج2 ص577 الباب30 من أبواب الحیض ح3
4- الوسائل: ج2 ص578 الباب30 من أبواب الحیض ح6
5- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح3

بل لو شک فیه ولم یعلم بالأمارات کونه من غیرها یحکم علیه بها علی الأحوط.

وخبر یونس: عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی المرأة تری الدم ثلاثة أیام أو أربعة؟ قال (علیه السلام): «تصنع ما بینها وبین شهر، فإن انقطع الدم عنها، وإلاّ فهی بمنزلة المستحاضة»((1)).

وخبر أبی بصیر: عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی المرأة تری الدم خمسة أیام والطهر خمسة أیام وتری الدم أربعة أیام وتری الطهر ستة أیام؟ فقال (علیه السلام): «فإذا تمت ثلاثون یوماً فرأت دماً صبیباً اغتسلت واستثفرت واحتشت بالکرسف فی وقت کل صلاة، فإذا رأت صفرة توضأت»((2)). إلی غیرها من الروایات الظاهرة فی أن الشارع حکم علی ما لیس بحیض بأنه استحاضة.

لکن لا بد من إضافة أن لن یکون قرحة وجرحاً، لأن الشارع حکم فی مورد الاشتباه بین الحیض والعذرة أو القرحة بالفحص، مما یشعر علی أن الحکم بالاستحاضة إنما هو فی صورة عدم احتمال أی منهما أیضاً، بالإضافة إلی عدم احتمال کونه حیضاً ونفاساً.

{بل لو شک فیه ولم یعلم بالأمارات کونه من غیرها یحکم علیه بها علی الأحوط} لإطلاق الروایات السابقة ولبعض الروایات الأخر الدالة علی أن الحکم هو کونه استحاضة ما لم یتبین الخلاف، مثل ما

ص:301


1- الکافی: ج3 ص79 باب أول ما تحیض المرأة ح2
2- الوسائل: ج2 ص545 الباب6 من أبواب الحیض ح3

فی مرسلة یونس الطویلة من قول الصادق (علیه السلام) وقد سُئل عن المستحاضة: «إنما ذلک عرق عابر أو رکضة من الشیطان»((1)).

وفی روایة: «فإنما ذلک من فتق فی الرحم»((2)).

وعلی هذا: فإذا خرج منها دم فهو علی ثلاثة أقسام:

الأول: أن تعلم بأنه حیض أو استحاضة أو جرح أو قرح، ولا إشکال فی ترتیب آثار المعلوم علیه.

الثانی: أن لا تعلم، لکن هناک أمارة أحدها، کأن یکون فی أیام العادة، أو أن یکون فیه علامة القرحة أو العذرة، ولا شک أیضاً فی ترتیب أحکام الأمارة علی ذلک الدم.

الثالث: أن تشک، فلا علم ولا أمارة، ومثل هذا محکوم بکونه استحاضة، من غیر فرق بین أن تکون هناک قرحة أو جرح أو لا، ولا بین أن تحتمل أنه من داخل الرحم أو خارجه، ولا أن یکون الدم بصفات الاستحاضة أم لا، وما فی بعض الروایات من ذکر الصفرة لا یراد بها إلاّ الغلبة لا أنها قید للموضوع، وذلک لإطلاق الأدلة الذی هو أقوی من ظهور القید فی کونه قیداً، ولا فرق بین کون الدم فی سنّ الیأس أو قبله.

ص:302


1- الوسائل: ج2 ص542 الباب5 من أبواب الحیض ح1
2- الوسائل: ج2 ص580 الباب30 من أبواب الحیض ح17

نعم فیما یجری من الصغیرة قبل البلوغ إشکال، لانصراف النصوص عنه.

ومما ذکرناه: یعلم أن تفصیل المدارک، محل منع، کما أن تفصیل الآخر أیضاً خلاف إطلاق النصوص.

أما روایة یونس: فیمن رأت یوماً أو یومین وانقطع، حیث قال (علیه السلام): «لم یکن من الحیض، إنما کان من علة إما قرحة فی جوفها وإما من الجوف»((1))، فلا یراد به الشک فی کونه استحاضة حتی یعارض ما تقدم، بل المراد به نفی کونه حیضاً، وأن الواقع أنه قد یکون من قرحة أو استحاضة، لا أنه فی مقام بیان حکم حال الشک لینافی الأخبار السابقة.

ص:303


1- الوسائل: ج2 ص555 الباب12 من أبواب الحیض ح2

مسألة ١ أقسام الاستحاضة

(مسألة _ 1): الاستحاضة ثلاثة أقسام: قلیلة ومتوسطة وکثیرة.

فالأولی: أن تتلوث القطنة بالدم من غیر غمس فیها، وحکمها: وجوب الوضوء لکل صلاة، فریضة کانت أو نافلة، وتبدیل القطنة أو تطهیرها.

(مسألة _ 1): {الاستحاضة ثلاثة أقسام: قلیلة ومتوسطة وکثیرة، فالأولی: أن تتلوت القطنة بالدم من غیر غمس فیها} کما صرح بذلک غیر واحد، بل اختلاف عبائرهم کله یشیر إلی هذا المعنی کما أفاده غیر واحد، ولذا حکی عن جامع المقاصد وشارح الجعفریة: (الغمس والثقب والظهور واحد قطعا)، ثم الظاهر أنه لا یشترط کون الداخل قطنة، بل کل شیء یأتی منه ما یأتی من القطنة بأن لا یکون صلباً یؤثر فیه الدم حتی لا یظهر أن الدم من أی قسم، أما اشتراط أن یکون القطن مندوفاً _ کما قاله بعض الفقهاء _ فلیس له دلیل ظاهر، اللّهم إلاّ أن یرید فی مقابل القطن المکبوس الذی حاله حال الأشیاء الصلبة.

{وحکمها} أمران، الأول: {وجوب الوضوء لکل صلاة فریضة کانت أو نافلة و} الثانی: {تبدیل القطنة أو تطهیرها}.

فالحکم الأول: هو المشهور بینهم، بل عن الناصریات والخلاف وظاهر الغنیة والتذکرة: الإجماع علیه، خلافاً للمحکی

ص:304

عن ابن الجنید: أن علیها فی الیوم واللیل غسلاً واحداً، فهی بحکم المتوسطة، کما أن المتوسطة بحکم الکثیرة، وللمحکی عن ابن أبی عقیل: فلم یوجب علیها الوضوء، فالدم القلیل عنده لیس بحدث.

استدل للمشهور: بصحیح زرارة، عن الباقر (علیه السلام) فی المستحاضة؟ قال (علیه السلام): «تصلی کل صلاة بوضوء ما لم ینفد الدم»((1)).

وصحیح ابن عمار: عن الصادق (علیه السلام): «وإن کان الدم لا یثقب الکرسف، توضأت ودخلت المسجد وصلت کل صلاة بوضوء»((2)).

والرضوی: «فإن لم یثقب الدم القطن، صلّت صلاتها کل صلاة بوضوء»((3)).

أما ما دل علی وجوب الاغتسال مرة: کصحیح زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام): «وإن لم یجز الدم الکرسف صلّت بغسل واحد»((4)).

ص:305


1- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح9
2- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح1
3- فقه الرضا: ص22 س1
4- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص549 الباب28 من أبواب الحیض والاستحاضة والنفاس ح3. یلاحظ ذیل الحدیث الرابع من الجامع بأن الصحیح هو روایة الحدیث عن أبی جعفر علیه السلام لا عن أبی عبد الله علیه السلام

أو ثلاث مرات: کصحیح ابن سنان: «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلی الظهر والعصر، ثم تغتسل عند المغرب فتصلی المغرب والعشاء، ثم تغتسل عند الصبح فتصلی الفجر»((1)).

فلا بد من حملهما علی القسمین الآخرین من المستحاضة بقرینة سائر الروایات، ویؤید ما ذکرناه إطلاق جملة من الروایات:

کصحیحة یونس: «وإن رأت صفرة فلتتوضأ ثم لتصل»((2)).

وصحیحة الصحاف: «فإن کان الدم فیما بینهما وبین المغرب لا یسیل من خلف الکرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت کل صلاة _ وفیها أیضاً: _ وإن طرحت الکرسف ولم یسل الدم فلتتوضأ ولتصلّ ولا غسل علیها»((3)).

استدل لابن الجنید: بإطلاق صحیحة زرارة حیث إنها تقتضی نفی الفرق بین القلیلة والمتوسطة، ومضمرة سماعة: «المستحاضة إذا ثقب الدم الکرسف اغتسلت لکل صلاتین وللفجر غسلاً، وإن

ص:306


1- الوسائل: ج2 ص605 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح4
2- الاستبصار: ج1 ص151 الباب91 فی أکثر أیام النفاس ح4
3- الکافی: ج3 ص95 باب الحبلی تری الدم ح1

لم یجز الدم الکرسف، فعلیها الغسل کل یوم مرة والوضوء لکل صلاة، وإن أراد زوجها أن یأتیها فحین تغتسل، هذا إذا کان دماً عبیطاً وإن کان صفرة فعلیها الوضوء»((1)).

ویرد علی صحیحة: بلزوم تقیید إطلاقها، بما دل علی الفرق بین المتوسطة والقلیلة. وعلی المضمرة: بأن صریحها تثلیت الأقسام.

أما الفرق بین الدم العبیط وغیره، فالظاهر التلازم الغالبی بین العبیط وبین الکثرة والمتوسط، وکذلک بین الصفرة وبین القلة.

واستدل لابن أبی عقیل: من عدم وجوب الوضوء فی القلیلة بأصالة بقاء الوضوء إذا کانت متوضئة ثم رأت الدم، وبجملة من الأخبار: مثل: صحیحة ابن سنان: عن الصادق (علیه السلام): «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر، وتصلی الظهر والعصر، ثم تغتسل عند المغرب فتصلی المغرب والعشاء، ثم تغتسل عند الصبح فتصلی الفجر» بتقریب: أن عدم الحاجة فی الکثیرة إلی الوضوء یدل علی عدم الحاجة إلیه فی القلیلة بطریق أولی.

ومثلها فی الدلالة: صحیحة زرارة، وخبر الجعفی((2))، وخبر

ص:307


1- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص543 الباب26 من أبواب الحیض والاستحاضة والنفاس ح4
2- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح10

عبد الرحمن((1)).

وفی الکل: ما لا یخفی، أما الأصل فهو مرفوع بالأدلة السابقة. وأما الروایات فأولاً: إنها تقید بما دل علی الاحتیاج إلی الوضوء. وثانیاً: إنها إن دلت علی عدم الوضوء فإنما ذلک لغنی الغسل عنه _ علی قول من یکفی بالغسل عن الوضوء _ فلا دلالة فیها علی عدم احتیاج القلیلة إلی الوضوء.

ثم هل أن النوافل أیضاً تحتاج إلی الوضوء، أو أن الوضوء للفریضة کاف عن الوضوء للنافة؟ قولان: ذهب إلی الأول: غیر واحد، بل عن المنتهی: نسبته إلی الأشهر عندنا، وذهب إلی الثانی: المبسوط قال: (وإذا توضأت المستحاضة للفرض، جاز أن تصلی معه ما شاءت من النوافل)((2)) وتبعه المهذب.

استدل للقول الأول: بصحیحی زرارة وابن عمار، والرضوی.

وللقول الثانی: بصحیح الصحاف حیث قال: «فتتوضأ ولتصلّ عند وقت کل صلاة».

وخبر یونس: «وإن رأت صفرة فلتتوضأ».

لکن یرد علی الأول: احتمال انصراف الصحیحتین،

ص:308


1- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح8
2- المبسوط: ج1 ص68

والرضوی إلی الفرائض.

وعلی الثانی: إن إطلاقها یقید بالصحیحتین، وعلی هذا: فالنص مجمل والمرجع الأصل، ولذا کان الأحوط ما نسب إلی الأشهر، وإن کان لا یبعد عدم الاحتیاج إلی أکثر من خمس وضوءات، فحال الوضوء حال الغسل، فکما أنها إذا اغتسلت أغسالها کانت بحکم الطاهرة، کذلک إذا توضأت وضوئاتها فیصح الإتیان بکل ما یشترط بالطهارة وإن لم تکن مضطرة إلیه.

وأما دعوی: أن الاستحاضة حدث مطلقاً، ففیه: إنه لا یفهم من الدلیل، بل الظاهر منه: أن حال الغسل والوضوء واحد، فکما لا یحتاج کل خروج إلی غسل کذلک لا یحتاج کل خروج إلی وضوء، خصوصاً والمتعارف عند المتدینین الإتیان بالنوافل، ولم ینبه فی الروایات علی احتیاجها إلی الوضوء، وعلی هذا: فعدم الحاجة إلی أکثر من خمس وضوءات هو الأقرب، هذا تمام الکلام بالنسبة إلی الحکم الأول وهو: وجوب الوضوء لکل صلاة.

وأما الحکم الثانی: وهو تغییر القطنة بتبدیلها أو تطهیرها عند کل صلاة، فقد اختلفوا فیه علی قولین:

الأول: وجوب ذلک وهو المشهور، وعن المنتهی:

(لا خلاف عندنا فی وجوب الإبدال)((1))، وعن ظاهر

ص:309


1- منتهی المطلب: ج1 ص120 س4

الناصریات والغنیة والتذکرة وجامع المقاصد: إنه إجماع.

الثانی: عدم الوجوب، وهو الذی أفتی به المستند، ونقله عن بعض مشایخه المتأخرین، وعن کشف اللثام أنه قال: (لم یذکره الصدوقان ولا القاضی ولا ظفرت بخبر یدل علیه)((1)).

استدل للقول الأول بأمور:

الأول: الإجماع المدعی.

الثانی: الأخبار الآمرة بالإبدال:

مثل خبر صفوان: «هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة وتجمع بین صلاتین بغسل»((2)).

وخبر عبد الرحمن: «ولتستدخل کرسفاً فإن ظهر علی الکرسف فلتغتسل ثم تضغ کرسفاً آخر ثم تصلی»((3)).

الثالث: إن اللازم إخراج القطنة لمعرفة حال الاستحاضة، فإدخالها بعینها یوجب تلویث ظاهر الفرج الواجب غسله.

وفی الکل ما لا یخفی:

إذا الإجماع ممنوع، کبری وصغری، بل فی مصباح الهدی:

ص:310


1- کشف اللثام: ج1 ص99 س32
2- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح3
3- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من ابواب الاستحاضة ح8

(قد شاع القول بعدم وجوب التغییر بین المتأخرین)((1))، وقد عرفت: عدم ذکر جمع من أعیان المتقدمین له.

وأما الأخبار: فلاحتمال أن یراد إدخال القطنة لتنظیف المحل لتأمن من السیلان، بالإضافة إلی عدم الدلیل علی وحدة القلیلة مع الکثیرة والمتوسطة، علی أنه لا دلالة علی وجوب ذلک عند کل صلاة.

وأما دلیلهم الثالث، ففیه ما لا یخفی: إذ لا تلازم بین الإدخال وتلویث ظاهر الفرج، بالإضافة إلی عدم الدلیل علی لزوم الإخراج عند کل صلاة، وعلیه: فعدم الوجوب أقرب، ویؤیده:

خبر الجعفی: «وإن هی لم تر طهراً اغتسلت واحتشت ولا تزال تصلی بذلک الغسل حتی یظهر الدم علی الکرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الکرسف»((2))، فإنه (علیه السلام) علّق إعادة الکرسف علی ظهور الدم علیه الدال علی عدم وجوبها عند عدم الظهور.

وخبر الحلبی: عن الصادق (علیه السلام): قال: قال أبو جعفر (علیه السلام): سُئل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) عن المرأة تستحاض؟ فأمرها أن تمکث أیام حیضها لا تصلی فیها ثم تغتسل وتستدخل قطنة وتستثفر بثوب ثم تصلی حتی یخرج

ص:311


1- مصباح الهدی: ج5 ص150 بالمضمون
2- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح10

والثانیة: أن یغمس الدم فی

الدم من وراء الثوب»((1)).

وصحیح الصحاف المتقدم، وفیه: «فإن کان الدم فیما بینهما وبین المغرب لا یسیل من خلف الکرسف فلتتوضأ ولتصلّ عند وقت کل صلاة ما لم تطرح الکرسف».

نعم، الاحتیاط فی التغییر کما ذکره المشهور.

بقی الکلام فی ظاهر الفرج والخرقة مع التلوث: فهل یجب غسلهما أو تغییر الخرقة؟ قال به جماعة، وکأنه لبنائهم علی عدم العفو عن الدماء الثلاثة، وإلاّ لزم التفصیل: بین ما دون الدرهم فلا یجب، والأکثر منه فیجب فی ظاهر الفرج، وفی الخرقة إن کانت مما تتم فیها الصلاة، وهذا هو ظاهر آخرین وهو الأقرب، سیأتی الکلام فی عدم تمامیة استثنائهم الدماء الثلاثة عن العفو.

ثم المراد بظاهر الفرج ظاهره عرفاً، کما قال به بعض، لا ما یظهر عند جلوسها علی القدمین، کما عن الشهید وبعض آخر، لوضوح أن الباطن إذا ظهر فی حالة لا یسمی ظاهراً کما فی الفم والعین.

{والثانیة} وهی الاستحاضة المتوسطة {أن یغمس الدم فی

ص:312


1- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح2

القطنة ولا یسیل إلی خارجها من الخرقة، ویکفی الغمس فی بعض أطرافها، وحکمها: _ مضافاً إلی ما ذکر _

القطنة ولا یسیل إلی خارجها من الخرقة، ویکفی الغمس فی بعض أطرافها} ولو لم یشمل الجمیع بأن یبقی بعض أطرافها غیر مغموس بالدم، وإنما نقول بکفایة ذلک لإطلاق النصوص، فإنها لم تذکر وجوب الغمس فی جمیعها {وحکمها: مضافاً إلی ما ذکر} فی القسم الأول، غسل واحد.

أما انسحاب أحکام القلیلة إلی المقام ففیه بحثان:

الأول: وجوب الوضوء لکل صلاة فهو المشهور، وفی الجواهر: (لعله لا خلاف فیه بالنسبة إلی غیر الغداة)((1)) التی تغتسل عندها.

والثانی: فی وجوب تغییر القطنة.

أما وجوب الوضوء لصلاة الصبح، فقد اختلفوا فیه: بین قائل بالوجوب، کما عن المشهور، وبین قائل بعدم الوجوب، کما عن جماعة، استدل القائلون بالوجوب بإطلاق الروایات:

مثل موثقة سماعة: «فإن لم یجز الدم الکرسف فعلیها الغسل کل یوم مرة والوضوء لکل صلاة»((2)) ومثلها موثقته الأخری((3)

ص:313


1- الجواهر: ج3 ص320
2- التهذیب: ج1 ص104 الباب5 فی الأغسال المفترضات والمسنونات ح2
3- الکافی: ج3 ص40 باب أنواع الغسل ح2

ومرسلة یونس الطویلة: «فلتدع الصلاة أیام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لکل صلاة، قیل: وإن سال؟ قال: وإن سال مثل المثعب»((1)).

والرضوی: «فإن لم یثقب الدم القطن صلّت صلاتها کل صلاة بوضوء»((2)).

واستدل القائلون بعدم الوجوب: تارة: بکفایة کل غسل عن الوضوء کما تقدم، وتارة: بإطلاقات روایات المقام وعدم تعرضها للوضوء مع أنها فی مقام البیان، وخصوص الرضوی حیث إنه بعد ذکر ما تقدم قال: «وإن ثقب الدم الکرسف ولم یسل صلّت صلاة اللیل والغداة بغسل واحد، وسائر الصلوات بوضوء»، وهذا القول هو الأقرب بعد ما عرفت فیما تقدم من ظهور الأدلة فی کفایة کل غسل عن الوضوء، وإن کان الاحتیاط سبیل النجاة، وأما وجوب الوضوء لسائر الصلوات: فلما عرفت من النصوص الدالة علی ذلک واحتمال أنه من باب ﴿إِذا قُمْتُمْ إِلی الصّلاةِ﴾((3)) حیث إن المراد رفع الحدث، فلا دلالة فیه علی أن حالة الاستحاضة توجب ذلک خلاف الظاهر من الأدلة، هذا کله بالنسبة إلی الوضوء.

ص:314


1- الکافی: ج3 ص85 باب جامع فی الحیض والمستحاضة ح1
2- فقه الرضا: ص22 س1
3- سورة المائدة: الآیة 6

غسل قبل صلاة الغداة.

وأما بالنسبة إلی تغییر القطنة: فالمشهور هنا ذلک، بل قیل: بعدم مخالف صریح، بل عن الفخر فی شرح الإرشاد: إجماع المسلمین علیه. واستدل لذلک بالأدلة المتقدمة فی القلیلة، والإشکال فیها هو الإشکال هناک، فمن لم یرد مخالفة المشهور قال به هنا، ومن عمل بمقتضی الصناعة قال بعدم الوجوب، لکنی لم أجد قائلاً بالعدم فی المقام.

{غسل قبل صلاة الغداة} بلا خلاف بل إجماعاً کما ادعاه جماعة.

نعم ذهب العمانی والإسکافی والمعتبر والمنتهی والأردبیلی والمدارک: إلی أن هذا القسم کالقسم الثالث یحتاج إلی ثلاثة أغسال.

استدل المشهور: بمضمرة زرارة: «فإن جاز الدم الکرسف تعصبت واغتسلت ثم صلّت الغداة بغسل، والظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وإن لم یجز الدم الکرسف صلت بغسل واحد»((1)). فإن ظاهره أن الغسل للاستحاضة.

وبموثقة سماعة: «المستحاضة إذا ثقب الدم الکرسف اغتسلت لکل صلاتین وللفجر غسلاً، وإن لم یجز الدم الکرسف فعلیها الغسل کل یوم مرة والوضوء لکل صلاة _ إلی أن قال _ هذا إذا

ص:315


1- الوسائل: ج2 ص605 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح5

کان دماً عبیطاً، وإن کان صفرة فعلیها الوضوء»((1)). فإنها قد اشتملت _ بظاهرها _ علی الأقسام الثلاثة للاستحاضة مع أحکامها.

وخبر عبد الرحمان: عن الصادق (علیه السلام): «فإن کان قرؤها مستقیماً فلتأخذ به، وإن کان فیه خلاف فلتحتط بیوم أو یومین ولتغتسل ولتستدخل کرسفاً، فإن ظهر علی الکرسف فلتغتسل، ثم تضع کرسفا آخر ثم تصلی، فإذا کان دماً سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلی الصلاة، ثم تصلی صلاتین بغسل واحد»((2))، فإن الظاهر من قوله: «فإذا کان دما سائلا» أنه حکم للکبیرة، فیکون ما قبله حکماً للمتوسطة.

وصحیح الصحاف: «فإن کان الدم فیما بینهما _ أی بین الظهر والعصر _ وبین المغرب لا یسیل من خلف الکرسف فلتتوضأ ولتصلّ عند وقت کل صلاة، ما لم تطرح الکرسف، فإن طرحت الکرسف عنها فسال الدم وجب علیها الغسل، وإن طرحت الکرسف، ولم یسل الدم فلتتوضأ ولتصل ولا غسل علیها، قال (علیه السلام): وإن کان الدم إذا أمسکت الکرسف یسیل من خلف الکرسف صبیباً لا یرقأ _ أی لا یسکن _ فإن علیها أن تغتسل فی کل یوم ولیلة ثلاثة

ص:316


1- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص543 الباب26 من أبواب الحیض والاستحاضة والنفاس ح4
2- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح8

مرات وتحتشی وتصلی»((1)). فإنها تدل علی الأقسام الثلاثة وأحکامها کما هو واضح.

وموثقة زرارة: «ثم هی مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلی کل صلاة بوضوء ما لم ینفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت»((2)). فإن ظهور الدم علی الکرسف نفوذ، وظاهره وجوب غسل واجد علیها.

وموثقة سماعة: عن الصادق (علیه السلام): «وغسل الاستحاضة واجب إذا احتشت بالکرسف فجاز الدم الکرسف فعلیها الغسل لکل صلاتین وللفجر غسل، فإن لم یجز الدم الکرسف فعلیها الغسل کل یوم مرة والوضوء لکل صلاة».

والرضوی: «فإن لم یثقب الدم القطن صلّت صلاتها کل صلاة بوضوء، وإن ثقب الدم الکرسف ولم یسل صلّت صلاة اللیل والغداة بغسل واحد، وسائر الصلوات بوضوء، وإن ثقب الدم الکرسف وسال صلّت صلاة اللیل والغداة بغسل والطهر والعصر بغسل... وتصلی المغرب والعشاء الآخرة بغسل».

واستدل للقول الآخر بجملة من الروایات: کالإطلاقات الدالة علی الأغسال الثلاثة: کمضمرة سماعة «إذا ثقب الدم

ص:317


1- الکافی: ج3 ص95 باب الحبلی تری الدم ح1
2- التهذیب: ج1 ص169 الباب7 حکم الحیض و... ح55

الکرسف اغتسلت لکل صلاتین وللفجر غسلاً»((1))، فإن الثقب أعم من النفوذ فقط ومن الظهور من جانب آخر.

وصحیحة معاویة: «فإذا جازت أیامها ورأت الدم یثقب الکرسف اغتسلت للظهر والعصر، تؤخر هذه وتعجل هذه، وللمغرب والعشاء غسلاً تؤخر هذه وتعجل هذه، وتغتسل للصبح _ إلی أن قال _: وإن کان الدم لا یثقب الکرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت کل صلاة بوضوء»((2)). لکن اللازم تقیید هذه الروایات بما فی روایات المشهور إن لم نقل بانصرافها إلی الکثیرة _ کما ربما قیل بذلک _ فالذهاب إلی قول المشهور هو المتعین.

ثم إن المشهور: أنه إذا حدثت المتوسطة قبل صلاة الصبح وجب علیها الغسل قبلها، وإن حدثت بعدها وجب علیها الغسل قبل الظهرین أو المغربین إذا حدثت قبلهما وقبل المغربین، واستدلوا لذلک بالإجماع المدعی، بل فی طهارة الشیخ: (إنه بالضرورة)، وبالرضوی المتقدم: «صلّت اللیل والغداة بغسل واحد»، وبأن الوجوب غیریّ لا نفسیّ، وأنه شرط للصلاة الظاهر فی کونه علی نحو الشرط المتقدم.

ص:318


1- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص543 الباب26 من أبواب الحیض و... ح4
2- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح1

والثالثة: أن یسیل الدم من القطنة إلی الخرقة، ویجب فیها: _ مضافاً إلی ما ذکر _

وفی الکل ما لا یخفی: إذ الإجماع غیر تام، حیث إن المحکی عن الشیخ فی کتبه والقاضی والصدوقین فی الرسالة والهدایة والحلبیین والناصریات: عدم ذکرهم أن الغسل لصلاة الغداة، مضافاً إلی أنه لو تم فمحتمل الاستناد، والرضوی مع ضعف سنده لا یلتزمون به، إذ لا یقولون بلزوم کون الغسل قبل صلاة اللیل، والوجوب الغیری لا یلازم کونه قبل الغداة فلعل غسلاً واحداً فی الیوم یکفی فی جعلها بحکم الطاهرة، وهذا هو الأقرب بالنظر إلی الصناعة، خصوصاً وکل الأخبار الآمرة بذلک علی اختلاف تعابیرها وألسنتها خلت عن ذلک مع أنها فی مقام البیان.

نعم لا شک فی أن الاحتیاط فی اتباع المشهور، وقد تقدم الکلام فی احتیاج الصلاة إلی الوضوء بالإضافة إلی الغسل وإن ظاهر الدلیل ینفیه.

{والثالثة} من أقسام المستحاضة: {أن یسیل الدم من القطنة إلی الخرقة، ویجب فیها: مضافاً إلی ما ذکر} من الوضوء لکل صلاة وتبدیل القطنة والغُسل لصلاة الغداة، غسلان آخران: أحدهما للظهرین والآخر للمغربین.

أما تبدیل القطنة: فالکلام فیه ما تقدم، کما أن تبدیل الخرقة أیضاً محل إشکال تقدم ذکره، بل الظاهر من عدم تعرض الأخبار

ص:319

هنا إلی تبدیل الخرقة _ مع کونها فی مقام البیان _ عدم لزوم ذلک، إلاّ إذا کان الدم أکثر من الدرهم وکانت الخرقة کبیرة مما تصح فیها الصلاة.

وأما الوضوء لکل صلاة، فقد اختلفوا فی ذلک إلی ثلاثة أقوال:

الأول: عدم الاحتیاج إلیه مطلقاً، کما عن الناصریات والصدوقین والشیخ والحلبیین وابن حمزة وسلاّر، وعن اللوامع: نسبته إلی ظاهر الأکثر، واختاره المستند وغیره.

الثانی: الاحتیاج إلیه لکل صلاة، کما عن الحلی والشرائع والنافع، ونسب إلی أکثر المتأخرین، واختاره محکی شرح المفاتیح والریاض والشیخ فی الطهارة.

الثالث: التفصیل بالوجوب مع کل غسل من الأغسال الثلاثة دون غیرها کالعصر والعشاء، کما عن المفید وجمل السید والمعتبر والبشری والنراقی الأول.

والأول: هو الأقرب، للأصل، ولخلو النصوص عنه مع أنها فی مقام البیان، ولما تقدم من کفایة کل غسل عن الوضوء.

استدل للقول الثانی: بإطلاق الآیة، وبأولویة وجوبه هنا عن وجوبه فی القلیلة والمتوسطة، وبمرسل یونس الطویل _ فیمن تعرف أیامها فی الحیض _ قال: «فلتدع الصلاة أیام أقرائها، ثم تغتسل وتتوضأ لکل صلاة، قیل: وإن سال؟ قال: وإن سال مثل

ص:320

المثعب»((1)) أی: مسیل الماء.

ویرد علی الأول: عدم الإطلاق لظاهر المقابلة بذیل الآیة الدالة علی حکم الجنب، بل فی التفاسیر أنه فی حکم قیام الشخص عن النوم فقط فلا یشمل کل حدث، بل إثبات أن الاستحاضة الکبیرة من الأحداث الموجبة للوضوء أول الکلام.

وعلی الثانی: بأنه لا أولویة بعد الأغسال الثلاثة دونهما.

وعلی الثالث: بأن ظاهر المرسلة غسل الحیض لا غسل الاستحاضة، وقوله: «وإن سال کالمثعب» یراد به دم الحیض، إذ لو أرید دم الاستحاضة لم یکن وجه للاقتصار علی الوضوء، منتهی الأمر إجمال المرسلة فلا تدل علی مراد المستدل.

واستدل للقول الثالث: أما فی ما احتاج إلی الغسل فلما دل علی وجوب الوضوء فی کل ما یجب فیه الغسل إلاّ الجنابة، وأما فیما لم یحتج إلی الغسل کالعصر والعشاء فبعدم الدلیل علی وجوبه فیهما، بالإضافة إلی صحیحة معاویة: عن الصادق (علیه السلام): «وإن کان الدم لا یثقب الکرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت کل صلاة بوضوء»، ومثلها: صحیحة الصحاف والرضوی بتقریب دلالة هذه الروایات، بتعلیق الأمر بالوضوء لکل صلاة علی عدم ثقب الدم

ص:321


1- الکافی: ج3 ص85 باب جامع فی الحائض والمستحاضة ح1

وإلی تبدیل الخرقة أو تطهیرها غسل آخر للظهرین تجمع بینهما، وغسل للعشائین تجمع بینهما،

الکرسف، وبما تقدم فی دلیل القول الأول یظهر الجواب عن هذا القول.

{و} مما تقدم من الدلیل علی العفو عن الدم الأقل من الدرهم، والأکثر فیما لا یتم فیه الصلاة، مضافاً {إلی} سکوت الأدلة عن {تبدیل الخرقة أو تطهیرها} فی هذا الباب تعرف وجه النظر فی وجوب ذلک وإن کان احتیاطاً.

وکیف کان، فیضاف هنا {غسل آخر للظهرین تجمع بینهما، وغسل للعشائین تجمع بینهما} بلا إشکال ولا خلاف، وقد تواتر فی کلماتهم نفی الخلاف أو دعوی الإجماع علی ذلک، وذلک لتواتر النصوص علی ذلک، کما تقدم بعضها والتی منها: صحیحة ابن عمار: عن الصادق (علیه السلام): «فإذا جازت أیامها، ورأت الدم یثقب الکرسف اغتسلت للظهر والعصر، تؤخر هذه وتعجل هذه، وللمغرب والعشاء غسلاً، تؤخر هذه وتعجل هذه، وتغتسل للصبح».

أما الجمع بین الصلاتین فلجملة من الروایات: کالصحیحة، وصحیحة ابن مسلم عن الباقر (علیه السلام): «فلتجمع بین کل صلاتین بغسل»((1)).

وخبر صفوان: عن الکاظم (علیه السلام: «وتجمع بین

ص:322


1- الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح14

صلاتین بغسل»((1)).

وخبر زرارة: «وتجمع بین الظهر والعصر بغسل، وتجمع بین المغرب والعشاء بغسل»((2)).

ثم الظاهر _ کما یأتی فی المسألة الثامنة _ لزوم تعقیب الغسل بالصلاة، فلا یصح أن تأتی بالغسل صباحاً لأجل الظهرین مثلاً.

نعم لا تجب المبادرة الدقیة، بل یجوز إتیان النافلة قبل الصلاة بعد الغسل وهکذا. ولکن الکلام الآن فی أنه هل الجمع بین الصلاتین رخصة فیجوز أن یأتی بالعصر بغسل ویفرقه عن الظهر، أم عزیمة، ذهب إلی کلٍ جماعة من العلماء، والظاهر أنه رخصة لفهم العرف من النصوص أن الجمع لأجل إتیان الصلاة بلا دم، أو مع دم أخف، وذلک یحصل بإتیان غسل ثان، وقد یستفاد ذلک من قوله (علیه السلام) فی روایة یونس: «فإن رأت الدم دماً صبیباً فلتغتسل فی وقت کل صلاة»((3)). أما من جعل الأمر عزیمة فمستنده ظاهر فی لفظ «یجمع» وفیه ما عرفت.

ثم إن صریح النص والفتوی _ کما عرفت _ عدم کفایة غسل واحد لأزید من صلاتین، لکن لو صلّی المغرب بغسل وأخّر العشاء

ص:323


1- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح3
2- الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح12
3- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح11

والأولی: کونه فی آخر وقت فضیلة الأولی حتی یکون کل من الصلاتین فی وقت الفضیلة، ویجوز تفریق الصلوات والإتیان بخمسة أغسال،

إلی قرب الفجر هل یصح إتیانهما بغسل واحد، الظاهر ذلک للمناط وما فی بعض الروایات من تقدیم الغسل علی صلاة اللیل، وکذلک إن صلّی العصر والمغرب بغسل فیما لو جمع بینهما.

{والأولی کونه} أی الغسل {فی آخر وقت فضیلة الأولی حتی یکون کل من الصلاتین فی وقت الفضیلة} فتدرک الفضیلتین، مضافاً إلی الأمر به فی صحیح معاویة: «تؤخر هذه وتعجل هذه» وصحیح البصری: «فلتؤخر الصلاة إلی الصلاة ثم تصلی صلاتین بغسل واحد»((1)).

أما روایة إسماعیل: «فلتؤخر الظهر إلی آخر وقتها، ثم تغتسل ثم تصلی الظهر والعصر، فإن کان المغرب فلتؤخرها إلی آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلی المغرب والعشاء»((2))، فالظاهر: أن المراد آخر وقت الفضیلة، لا آخر وقت الأداء، ولو بقرینة سائر الروایات، فاحتمال وجوب التأخیر لاحتمال انقلاب الکثیرة إلی المتوسطة أو الانقطاع لا وجه له.

{ویجوز تفریق الصلوات والإتیان بخمسة أغسال} کما عرفت،

ص:324


1- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح8
2- الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح15

ولا یجوز الجمع بین أزید من صلاتین بغسل واحد.

نعم یکفی للنوافل أغسال الفرائض،

ویدل علیه بالخصوص ما رواه الکافی: عن الصادق (علیه السلام) فی حدیث: «تغتسل المرأة الدمیة بین کل صلاتین»((1))، {ولا یجوز الجمع بین أزید من صلاتین بغسل واحد} للنص والإجماع.

نعم إذا لم تقدر إلاّ علی غسل واحد، فالأظهر تقدیم الصبح للقدرة، ولا دلیل علی جواز تأخیره وحفظ القدرة للظهرین، ولا شک فی أن الأفضل فیما إذا قدرت علی الغسل فی الظهرین أن تؤخرهما إلی قبل الغروب لتصلی أربعة صلاة به، وإن کان یجب التیمم للمغربین، لکن الظاهر أن ذلک لیس بواجب فیجوز لها أن تأتی بالغسل فی أول الظهر.

{نعم یکفی للنوافل} المتقدمة کالصبح والظهرین، والمتأخرة کالمغربین {أغسال الفرائض} بلا خلاف کما عن المدارک، وإجماعاً کما عن الغنیة والمعتبر والمنتهی والتذکرة وشرح الجعفریة وکشف الالتباس وغیرهم، ویدل علیه _ بالإضافة إلی ظهور النصوص فی أنها إذا عملت أعمالها کانت بحکم الطاهرة من کل شیء، وإلی أن اعتیاد الإتیان بالنوافل مع عدم تعرض النصوص لها فی المقام دلیل علی کفایة الأغسال لها _ روایة إسماعیل بن عبد الخالق: عن أبی عبد الله (علیه السلام): «فإذا کان صلاة

ص:325


1- الکافی: ج3 ص89 باب جامع فی الحیض والاستحاضة ح3

لکن یجب لکل رکعتین منها وضوء.

الفجر، وفلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلی رکعتین قبل الغداة ثم تصلی الغداة»، والرضوی المتقدم((1)): الدال علی تقدیم الغسل علی صلاة اللیل.

{لکن یجب لکل رکعتین منها وضوء} بناءً علی عدم وجوب الوضوء مع الغسل لا کلام فیه، أما بناءً علی الوجوب فهل یجب لکل رکعتین وضوء _ کما ذهب إلیه جمع _، لإطلاق: «صلت کل صلاة بوضوء» ونحوه غیره، أم لا؟ لانصراف الدلیل _ لو تم _ إلی الفرائض؟ الظاهر الثانی، ویدل علیه عدم ذکر ذلک فی بیان النوافل مع اعتیاد الاتیان بها، وغفلة العامة عن لزوم إتیان کل رکعتین بوضوء، وسیأتی بقیة الکلام فی ذلک فی المسألة الخامسة إن شاء الله تعالی

ص:326


1- فقه الرضا: ص22 س1

مسألة ٢ أحکام المستحاضة فی ظهور الدم والأغسال

(مسألة _ 2): إذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الفجر لا یجب الغسل لها، وهل یجب الغسل للظهرین أم لا؟ الأقوی وجوبه،

(مسألة _ 2): {إذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الفجر لا یجب الغسل لها} بلا إشکال، بل فی الجواهر: (قطعاً) وذلک لأنها لم تکن حین الصلاة مشمولة لأدلة الغسل، ومنه یعرف حال ما إذا حدثت الکثرة بعد القلة بعد صلاة الصبح کما هو ظاهر {وهل یجب الغسل للظهرین أم لا؟} قولان:

الأول: العدم، بل قال فی الجواهر: (ظاهر کلام الأصحاب العدم _ کما صرح به جامع المقاصد فی مبحث الغایات، والشهید فی الروضة هنا _، بل لعل المتأمل فی کلماتهم یمکنه تحصیل الإجماع علی ذلک، لتخصیصهم الغسل بکونه للغداة)((1))، انتهی.

الثانی: {الأقوی وجوبه} کما جزم به الریاض وتبعه غیره.

استدل الأول: بالأصل، وبالإجماع المحصل، وبما دل علی أن الغسل قبل الغداة مما ظاهره عدم الغسل فی وقت آخر، وبالرضوی: «وإن ثقب الدم الکرسف ولم یسل، صلّت صلاة اللیل والغداة بغسل واحد وسائر الصلوات بوضوء»((2)). فإن ظاهره عدم وجوب الغسل لسائر الصلوات.

ص:327


1- الجواهر: ج3 ص338
2- فقه الرضا: ص22 س1

واستدل للثانی: بإطلاقات الأدلة، ففی روایة سماعة: «فإن لم یجز الدم الکرسف فعلیها الغسل لکل یوم مرة والوضوء لکل صلاة»((1)).

وفی روایة زرارة: «وإن لم یجز الدم الکرسف صلّت بغسل واحد»((2)).

وفی موثقة زرارة: «فإذا نفذ» _ أی الدم _ «اغتسلت وصلت»((3)).

وفی روایة الجعفی: «فإذا ظهر» _ أی الدم علی الکرسف _ «أعادت الغسل»((4)).

وفی روایة البصری _ «فإن ظهر الدم علی الکرسف فلتغتسل ثم تضع کرسفاً آخر ثم تصلی»((5))، ویؤیده عدم الإشکال فی أنه إذا حصلت الکثیرة قبل الظهرین أو المغربین وجب الغسل لهما، ولا یقال بالعدم استناداً إلی أن الأدلة دلت علی ثلاثة أغسال.

ص:328


1- الوسائل: ج2 ص606 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح6
2- الوسائل: ج2 ص605 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح5
3- التهذیب: ج1 ص169 الباب7 فی حکم الحیض والاستحاضة والنفاس ح55
4- التهذیب: ج1 ص171 الباب7 فی حکم الحیض والاستحاضة والنفاس ح60
5- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح8

وإذا حدثت بعدهما فللعشائین، فالمتوسطة توجب غسلاً واحداً، فإن کانت قبل صلاة الفجر وجب لها، وإن حدثت بعدها فللظهرین، وإن حدثت بعدهما فللعشائین، کما أنه لو حدثت قبل صلاة الفجر ولم تغتسل لها عصیاناً أو نسیاناً وجب للظهرین،

ویرد علی القول الأول: بأن الأصل لا مجال له، والإجماع إلی أبعد الحد من الوهن، وما دل علی أن الغسل قبل الغداة لا یدل علی العدم فیما إذا کانت الرؤیة قبل الظهرین أو المغربین، والرضوی بیان للمورد الخاص فلا تعرّض له لما نحن فیه نفیاً أو إثباتاً، بل ربما یقال: إن مناطه یعطی وجوب الغسل فما اختاره المصنف هو المتعین.

{و} علی هذا ﻓ_ {إذا حدثت بعدهما فللعشائین} وإذا حدثت بعد إحداهما فللصلاة الثانیة، وإذا حدثت فی أثناء الصلاة أبطلتها وأعادتها بالغسل للمناط {فالمتوسطة توجب غسلاً واحداً فإن کانت قبل صلاة الفجر وجب لها، وإن حدثت بعدها فللظهرین، وإن حدثت بعدهما فللعشائین}.

ولو شکت بعد الصلاة: هل أن حدوثه کان قبلها أو فی أثنائها أو بعدها؟ لم تحتج إلی إعادة الصلاة، لقاعدة الفراغ.

{کما أنه لو حدثت قبل صلاة الفجر ولم تغتسل لها عصیاناً أو نسیاناً} أو جهلاً {وجب للظهرین} لما تقدم من أن ظاهر الدلیل

ص:329

وإن انقطعت قبل وقتهما بل قبل الفجر أیضاً،

أمران:

الأول: الغسل.

والثانی: کونه فی محل خاص، فإذا فات الثانی بقی الأول، هذا بالإضافة إلی الاستصحاب، فاحتمال العدم لأن المؤقت یفوت بفوات وقته ممنوع.

{وإن انقطعت قبل وقتهما، بل قبل الفجر أیضاً} وقد اختلفوا فی ذلک، فالمشهور أن وجود الدم وقتاً ما سبب فی الغسل والوضوء وإن انقطع فی وقت الصلاة، بل عن شرح الروضة: نسبته إلی ظاهر النصوص والفتاوی.

وقال آخرون: بأن الاعتبار بوقت الصلاة، فإن کان الدم فی وقت الصلاة کان موجباً للغسل إن کان کثیراً أو متوسطاً، والوضوء إن کان قلیلاً، وإن لم یکن فی وقت الصلاة لم یجب شیء.

والأقرب الأول لأن الظاهر من الأدلة: إن الدم حدث کسائر الأحداث کالجنابة والبول مما لا یتوقف تأثیره علی وجوده وقت الصلاة، بل حدوثه آناًمّا موجب لترتب الأحکام الخاصة علیه، فإن إطلاقات الأخبار ووحدة السیاق فی الأحداث دلیلان علی ذلک الذی ذکرناه، ولذا اختار هذا القول الجواهر والشیخ فی الطهارة ووسائر محققی المتأخرین.

أما القول الآخر، فقد استدل له: بأن وقت الصلاة هو وقت

ص:330

وإذا حدثت الکثرة بعد صلاة الفجر یجب فی ذلک الیوم غسلان، وإن

الخطاب بالطهارة فلا أثر لما قبله، وبصحیح الصحاف: حیث قال (علیه السلام): «فلتغتسل ثم لتحتشی وتستثفر وتصلی الظهر والعصر، ثم لتنظر فإن کان الدم فیما بینهما وبین المغرب لا یسیل... فلتتوضأ ولتصلّ ولا غسل علیها _ قال: _ وإن کان الدم إذا أمسکت الکرسف یسیل من خلف الکرسف صبیباً لا یرقی، فإن علیها أن تغتسل»((1)).

ویرد علی الأول: أن الخطاب بالطهارة یتعلق فی الوقت إذا أحدث قبل ذلک کما فی البول والمنی، لا أنّ الخطاب یتعلق إذا أحدث فی الوقت. وعلی الصحیحة: أنها علی قول المشهور أدل، إذ ظاهرها دوران الحکم مدار السیلان وعدمه فی الجملة لا فی کل الوقت.

{وإذا حدثت الکثرة بعد صلاة الفجر یجب فی ذلک الیوم غسلان} إذا بقیت إلی الصلاتین، وذلک لأن المفهوم من الأدلة أن الاعتبار بالحالة قبل الصلاة لا الحالة من أول الفجر، وإنما شرطنا استدامته لأنه إذا انقطع قبل الصلاتین لم یجب الغسل للمغربین، إذ الدم المتقدم قد غسل له ولا دم بعد ذلک حتی یوجب الغسل {وإن

ص:331


1- جامع أحادیث الشیعة: ج2 ص504 الباب10 من أبواب الحیض والاستحاضة والنفاس ح14

حدثت بعد الظهرین یجب غسل واحد للعشائین.

حدثت بعد الظهرین یجب غسل واحد للعشائین} بل ظاهرهم عدم الخلاف فی المسألتین.

ص:332

مسألة ٣ فی غسل المستحاضة الکثیرة الدم والمتوسطة

(مسألة _ 3): إذا حدثت الکثیرة أو المتوسطة قبل الفجر یجب أن یکون غسلهما لصلاة الفجر بعده فلا یجوز قبله،

(مسألة _ 3): {إذا حدثت الکثیرة أو المتوسطة قبل الفجر، یجب أن یکون غسلهما لصلاة الفجر بعده فلا یجوز قبله} للمسألة ثلاث صور:

الأولی: أن یحصل النقاء قبل الفجر، بعد أن رأت الدم المتوسط أو الکثیر، ولا إشکال فی جواز تقدیم الغسل قبل الفجر، إذ لا مانع من ذلک، فإنه لیس بعد الغسل حدث حتی یتوهم ضرر الحدث المتوسط بین الغسل والصلاة، ومثله: ما إذا تبدل المتوسط أو الکثرة بالقلة قبل الفجر، فإنه یجوز إتیان الغسل قبل الفجر، والوضوء بعد الفجر أو ما أشبه لما ذکرناه، ویدل علی الفرعین إطلاق الأخبار بدون مقید لها.

الثانیة: أن یستمر الدم الکثیر أو المتوسط إلی الفجر، والظاهر أنه لا ینبغی الإشکال فی جواز تقدیم الغسل علی الفجر، بحیث یأتی بالصلاة بعده مباشرة حیث یکون فراغها عن الغسل مقارناً للفجر المجوز للصلاة، والحال فی المسألتین هو الحال فی مسألة صلاة الظهرین والمغربین لوحدة الدلیل فی الکل، وکأن المصنف أراد المثال بذکر صلاة الفجر، وإلاّ فلا خصوصیة لها، کما هو واضح.

الثالثة: أن تغتسل قبل الفجر بمدة طویلة أو قبل الفجر بما لا

ص:333

فاصل بین الغسل والفجر، ولکنها تؤخر الصلاة إلی مدة بعد الغسل.

وفی جواز ذلک خلاف، استدل القائل بعدم الجواز بأمور:

الأول: عدم الدلیل علی مشروعیة الغسل قبل الوقت، فالأصل عدمها.

الثانی: أنه طهارة اضطراریة، وحیث لا حاجة إلیها قبل الوقت فلا اضطرار.

الثالث: روایة إسماعیل بن عبد الخالق: «فإذا کان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر، ثم تصلی رکعتین قبل الغداة، ثم تصلی الغداة»((1)). ومثلها فی الدلالة روایة إبن سنان: عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلی الظهر والعصر، ثم تغتسل عند المغرب فتصلی المغرب والعشاء، ثم تغتسل عند الصبح فتصلی الفجر»((2)) الحدیث، ومثلها روایته الأخری((3)).

ص:334


1- الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح15
2- التهذیب: ج1 ص171 الباب7 حکم الحیض والاستحاضة... ح59
3- التهذیب: ج1 ص401 الباب19 الحیض والاستحاضة والنفاس ح77

إلا إذا أرادت صلاة اللیل فیجوز لها أن تغتسل قبلها.

وفی الرضوی: «اغتسلت فی کل یوم مع الفجر»((1)).

وفی روایة أبی بصیر: «اغتسلت واستثفرت واحتشت بالکرسف فی وقت کل صلاة»((2)).

واستدل للقول الثانی: بجملة من الإطلاقات، وبأن الظاهر من الأدلة أن تکلیفها إتیان غسل أو ثلاثة أغسال لتفعل ما یشترط بالطهارة فلا خصوصیة للوقت. وبالرضوی: «وإن ثقب الدم الکرسف وسال صلّت صلاة اللیل والغداة بغسل»((3))، بضمیمة عدم الخصوصیة.

هذا، ولکن القول الأول أقرب، إذ الإطلاقات مقیدة بالروایات المتقدمة، والظهور ممنوع، والرضوی یدل علی استثناء خصوص صلاة اللیل وما أشبه کنوافل الظهرین لا مطلقاً.

وعلی هذا فالممنوع الفصل بین الغسل والصلاة، سواء أتمت الغسل قبل الوقت بمدة طویلة، أو بعد الوقت ولکن أخرت الصلاة.

{إلاّ إذا أرادت صلاة اللیل فیجوز لها أن تغتسل قبلها} وتصلی بها الفجر إذا لم تطوّل بذلک قبل الفجر، وذلک هو المحکی عن الصدوقین والسید والشیخین. بل عن الذخیرة: (لا أعلم فیه

ص:335


1- فقه الرضا: ص21 س24
2- الوسائل: ج2 ص545 الباب6 من أبواب الحیض ح3
3- فقه الرضا: ص22 س2

خلافاً) وعن الخلاف: (الإجماع علیه)، ویدل علیه _ بالإضافة إلی الإجماع _ الرضوی المتقدم، وأنّ تعارف إتیان الناس بصلاة اللیل _ وعدم التنبیه لاحتیاجها إلی غسل رابع أو غسل ثان فی المتوسطة _ دلیل علی المعلوم، ومنه یظهر أنها لو جاءت بها بعد العشاء أول اللیل جاز وکفاها غسل المغربین أو غسل الفجر فی المتوسطة.

ثم الظاهر عدم جواز تقدیم الغسل بمقدار صلاة اللیل اقتراحاً أو لغایة أخری، إذ النص والفتوی إنما دلاّ علی التقدیم لصلاة اللیل فقط، اللّهم إلاّ أن یقال: إن المستفاد منهما جواز التقدیم بهذا المقدار مطلقاً وصلاة اللیل من باب المثال، ولذا فإن کانت عادتها أن تصلی القضاء مکان صلاة اللیل جاز التقدیم، فتأمل.

ولو أتت بالغسل لصلاة اللیل، ثم لم تصلّها لعذر أو بلا عذر، فالأحوط إعادة الغسل لعدم حصول شرط الصحة، کما أنها لو اغتسلت للفجر أو غیرها، ثم لم تتمکن من الصلاة إلاّ بعد ساعة أو نحوها لم یکف ذلک الغسل، وکذا فی الوضوء، لکن الظاهر صحة الإتیان بسائر الأعمال بهذا الغسل أو الوضوء، لأن الفصل هو الموجب لعدم صحة الصلاة المتأخرة لا أن الغسل والوضوء یبطلان إذا لم تأت بالغایة المقصودة لدی الغسل.

ثم إن قلنا بکفایة نیة غسل عن سائر الأغسال، کفی نیة غسل الجمعة وما أشبه عن غسل الاستحاضة، وإلاّ فاللازم نیة الجمیع أو نیة الاستحاضة.

ص:336

مسألة ٤ أحکام المستحاضة: وجوب اختبار حالها للصلاة

(مسألة _ 4): یجب علی المستحاضة اختبار حالها، وأنها من أی قسم من الأقسام الثلاثة بإدخال قطنة والصبر قلیلا ثم إخراجها وملاحظتها، لتعمل بمقتضی وظیفتها،

(مسألة _ 4): {یجب علی المستحاضة} الجاهلة بحال نفسها {اختبار حالها وأنها من أی قسم من الأقسام الثلاثة: بإدخال قطنة والصبر قلیلاً ثم إخراجها وملاحظتها لتعمل بمقتضی وظیفتها} وهذا هو المحکی عن غیر واحد من الفقهاء.

واستدل له: بلزوم الفحص فی الشبهات الموضوعیة _ کما هو المختار _ ، وبأنها لو لم تختبر وقعت فی مخالفة الواقع کثیراً کما فی باب الخمس والزکاة والاستطاعة، وبالعلم الإجمالی بین وجوب الوضوء أو الغسل _ بناءً علی کفایة الغسل عن الوضوء _ وبین وجوبهما معاً، أو وجوب الوضوء.

وفیه نظر: لانحلال العلم، وبالأخبار الواردة فی المقام:

مثل صحیح ابن مسلم: عن الباقر (علیه السلام) فی الحائض إذا رأت دماً بعد أیامها التی کانت تری الدم فیها: «فلتقعد عن الصلاة یوماً أو یومین، ثم تمسک قطنة فإن صبغ القطنة دم لا ینقطع فلتجمع بین کل صلاتین بغسل، ویصیب منها زوجها إن أحبّ وحلّت لها الصلاة»((1)).

ص:337


1- الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح14

وإذا صلت من غیر اختبار بطلت إلا مع مطابقة الواقع وحصول قصد القربة، کما فی حال الغفلة.

وخبر البصری: «ولتستدخل کرسفاً، فإذا ظهر علی الکرسف فلتغتسل، ثم تضع کرسفاً آخر»((1)).

وخبر ابن أبی یعفور: عن الصادق (علیه السلام): «المستحاضة اذا مضت أیام أقرائها اغتسلت واحتشت کرسفها، وتنظر فإن ظهر علی الکرسف زادت کرسفها وتوضأت وصلّت»، إلی غیرها من الروایات الظاهرة فی لزوم الاستظهار لزوماً إرشادیاً، لا واجباً مولویاً نفسیاً، ولا واجباً مولویاً طریقیاً، وإنما قلنا بظهور الأوامر فی الإرشادیة لأن أوامر الفحص سواء فی الشبهات الحکمیة أو الشبهات الموضوعیة، یفهم منها عرفاً أنها لأجل تحصیل الواقع، وعدم عذریة الجهل لو خالف ولم یفحص((2)).

ولذا قال المصنف: {وإذا صلّت من غیر اختبار بطلت} فیما لو خالفت الواقع {إلاّ مع مطابقة الواقع وحصول قصد القربة کما فی حال الغفلة} ومنه یظهر: أن احتمال البطلان مطلقاً، لکون الاختبار شرطاً فی الصحة، خلاف الظاهر، کما أن احتمال الإثم لکون الاختبار مولویاً نفسیاً أیضاً خلاف الظاهر. نعم إنه تجری،

ص:338


1- التهذیب: ج5 ص400 الباب26 الزیادات فی فقه الحج ح36
2- الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح13

وإذا لم تتمکن من الاختبار یجب علیها الأخذ بالقدر المتیقن،

لکن حقق فی الأصول عدم حرمة التجرّی.

وأما إذا صلّت بدون الاختبار مع الغسل فلا إشکال، ولو صلت بالوضوء فقط فالظاهر لزوم القضاء والإعادة إذا لم تظهر الحال أو ظهرت أنها کانت متوسطة أو کثیرة، أما مع الظهور فواضح، وأما مع عدم الظهور فلأصالة الاشتغال، إلاّ إذا کان من موارد قاعدة الفراغ.

ثم إن طریقة الاختبار: هی ما ذکره المصنّف، والمراد بالصبر قلیلاً: مقداراً یظهر الدم لو کان، وذلک مختلف فی النساء لأن بعضهن یأتی دمها تدریجیاً بطیئاً، وبعضهن تدریجیاً سریعاً، بل ومختلف فی حالات امرأة واحدة، کما هو ظاهر.

{وإذا لم تتمکن الاختبار} فلا إشکال فی سقوط الاختبار للتعذر، وکذا إذا تعسر بمقدار یرفعه الحرج، کما لا إشکال فی لزوم الإتیان بالصلاة لأنها لا تترک بحال ف_ {یجب علیها الأخذ بالقدر المتیقن} لأصالة البراءة عن الزائد، وربما یقال: یجب الاحتیاط تحصیلاً للیقین بالفراغ، وهو أحوط.

والمراد بالمتیقن: الأعمّ من الغسل _ إذا قلنا بکفایته عن الوضوء _. والوضوء _ إذا قلنا بعدم کفایته _ ، لأنه اذا اغتسلت عملت بما یلزم من الوضوء أو الغسل، لفرض أن الغسل قائم

ص:339

إلا أن یکون لها حالة سابقة من القلة أو التوسط فتأخذ بها، ولا یکفی الاختبار قبل

مقام الوضوء، وإذا توضأت _ فی صورة عدم کفایة الغسل عن الوضوء _: فقد أتت بالمتیقن، لأنها تعلم بوجوب الوضوء علی کل حال وتشک فی وجوب الغسل فالأصل عدمه.

ثم لو ظهر الخلاف فی صورة تعذر الفحص، کان اللازم ترتیب آثار الواقع من القضاء والإعادة، لأن التعذر لا یسقط أثر الواقع {إلاّ أن یکون لها حالة سابقة من القلة أو التوسط} أو الکثرة {فتأخذ بها} للاستصحاب، وجعله فی مصباح الهدی: بلا إشکال، وسکت علیة السادة: إبن العم والبروجردی والجمال وغیرهم، وأشکل علیه المستمسک بقوله: (إطلاق دلیل وجوب الاختبار موجب لسقوط الاستصحاب عن الحجیة، وانصرافه إلی صورة القدرة علیه ممنوع، کما هو الحال فی نظائره)((1)) انتهی.

وفیه: إن الاختبار _ کما عرفت _ إرشادی إلی الواقع، فإذا لم یکن هذا الطریق إلی الواقع أخذ بطریق آخر وهو الاستصحاب، کما إذا لم تکن أمارة علی الواقع أخذ بالأصل، وکذا فی نظائره کما إذا لم یتمکن من استعلام حاله هل أنه استطاع أم لا، أم زاد عنده المال حتی یجب علیه الخمس أم لا؟ وهکذا.. {ولا یکفی الاختبار قبل

ص:340


1- المستمسک: ج3 ص402

الوقت إلا إذا علمت بعدم تغیر حالها إلی ما بعد الوقت.

الوقت إلا إذا علمت بعدم تغیر حالها إلی ما بعد الوقت} أما المستثنی منه: فلانصراف دلیله إلی ما بعد الوقت، حیث إنه لأجل استعلام الحال حتی ترتب علیه ما هو تکلیفها، وأما المستثنی: لأن مع العلم بعدم التغیر لا وجه لتأخیر الاختبار.

ومنه یعلم أن لیس المراد الوقت وخارجه، بل المراد المتصل بالصلاة سواء داخل الوقت أو خارجه فیحق لها الاختبار قبل الوقت المتصل بالوقت إذا صلّت بعد الغسل والاختبار مباشرة، کما لا ینفع الاختبار داخل الوقت إذا أخرت الصلاة عن الاختبار بمدة.

ص:341

مسألة ٥ فی الاختبار والوضوء وتبدیل القطنة لکل صلاة

(مسألة _ 5): یجب علی المستحاضة تجدید الوضوء لکل صلاة ولو نافلة، وکذا تبدیل القطنة أو تطهیرها، وکذا الخرقة إذا تلوثت، وغسل ظاهر الفرج، إذا أصابه الدم.

لکن لا یجب تجدید هذه الأعمال للأجزاء المنسیة، ولا لسجود السهو إذا أتی به متصلاً بالصلاة،

(مسألة _ 5): {یجب علی المستحاضة تجدید الوضوء لکل صلاة} قد تقدم سابقاً أن الظاهر عدم لزوم الوضوء مع الغسل، سواء فی المتوسطة لصلاة الفجر أو فی الکثیرة لکل الصلوات {ولو نافلة} کما قد تقدم عدم الدلیل علی هذه الکلیة {وکذا} قد تقدم الکلام حول {تبدیل القطنة أو تطهیرها وکذا الخرقة إذا تلوثت وغسل ظاهر الفرج إذا أصابه الدم} فلا حاجة إلی تکرار الکلام.

{لکن لا یجب تجدید هذه الأعمال للأجزاء المنسیّة} بلا إشکال لأنها أجزاء نفس الصلاة أخرت مکانها {ولا لسجود السهو إذا أتی به متصلاً بالصلاة} لأنه من توابع الصلاة، فما یدل علی کفایة الغسل أو الوضوء للصلاة، یدل علی کفایته لتوابعهما بالملازمة العرفیة، بل لا یبعد عدم لزومها للسجود إذا أتی به منفصلاً عن الصلاة، إذ الوارد فی الدلیل أنهما مدغمتان والإدغام یحصل بدون ذلک.

ومنه یعلم أن إشکال مصباح الهدی فی صورة الاتصال _ فکیف بصورة الانفصال _ لا وجه له، ولذا أید المستمسک المصنف، وسکت علیه السادة: إبن العم والبروجردی والجمال وغیرهم.

ص:342

بل ولا لرکعات الاحتیاط للشکوک، بل یکفیها أعمالها لأصل الصلاة.

نعم لو أرادت إعادتها احتیاطا أو جماعة وجب تجدیدها.

{بل ولا لرکعات الاحتیاط للشکوک} لأنها إن کانت من الصلاة کان ما فعلته لها کافیاً لرکعات الاحتیاط، وإن لم تکن من الصلاة لم یضر عدم طهارتها _ بناءً علی اشتراط الطهارة فی کل صلاة _ فالصلاة تامة علی کل حال، هذا بالإضافة إلی أنها من توابع الصلاة عرفاً، فدلیل (الأعمال لکل صلاة) یشملها بالملازمة العرفیة، مضافاً إلی انصراف قوله (علیه السلام): «صلّت کل صلاة بوضوء»((1)) عن مثلها، وقد عرفت سابقاً عدم العموم لهذا اللفظ حتی یشمل کل صلاة.

وأما إذا قلنا: بأن الغسل یکفی للصلاة ونوافلها _ کما استظهرناه _ فالأمر أوضح، ومما ذکرنا یظهر أن إشکال بعض الشراح والمعلّقین علی المتن محل منع، {بل یکفیها أعمالها لأصل الصلاة} هذا.

{نعم لو أرادت إعادتها احتیاطاً أو جماعة وجب تجدیدها} لإطلاق دلیل: «صلت کل صلاة بوضوء»، وإن کان محل تأمل،

ص:343


1- الوسائل: ج2 ص605 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح1

لما قاله المستمسک: (یمکن منع التجدید، بناء علی عدم لزوم معاقبة الصلاة لأعمالها)((1)) إنتهی، أو بناءً علی غیر ذلک مما ذکرناه.

ص:344


1- المستمسک: ج3 ص403

مسألة ٦ فروع فی تجدید الوضوء للصلاة

(مسألة _ 6): إنما یجب تجدید الوضوء والأعمال المذکورة إذا استمر الدم، فلو فرض انقطاع الدم قبل صلاة الظهر یجب الأعمال المذکورة لها فقط، ولا تجب للعصر ولا للمغرب والعشاء،

(مسألة _ 6): {إنما یجب تجدید الوضوء والأعمال المذکورة إذا استمر الدم، فلو فرض انقطاع الدم قبل صلاة الظهر یجب الأعمال المذکورة لها فقط، ولا تجب للعصر ولا للمغرب والعشاء} لأن الظاهر من الأدلة أن الغسل والوضوء وما أشبه إنما هی لرفع أثر الاستحاضة، فإذا لم یکن لم تکن استحاضة، فلا وجه للإتیان بما یرفعها.

ومنه یظهر أن ما ذکره الجواهر بقوله: (لو لا مخافة خرق ما عساه یظهر من الإجماع وتشعر به بعض الأخبار لأمکن القول بإیجابه الأغسال الثلاثة وإن لم یستمر لحظة بعد الغسل للإطلاق المتقدم، فیکون حینئذ هذا الدم حدثاً یوجب أغسالاً ثلاثة وإن لم یستمر)((1))، وهناک قول آخر: وهو اعتبار الکثرة والتوسط والقلة فی وقت الصلاة، فإن کانت کثیرة قبل الظهر ثم صارت قلیلة وقت الظهر لم یجب إلاّ الوضوء.

وقد نسب الشیخ المرتضی القول الأول إلی الإفراط، والثانی إلی التفریط، فما ذکره المصنف هو الأقوی بل هو المشهور.

ص:345


1- الجواهر: ج3 ص330

وإن انقطع بعد الظهر وجبت للعصر فقط، وهکذا، بل إذا بقی وضوؤها للظهر إلی المغرب لا یجب تجدیده أیضا مع فرض انقطاع الدم قبل الوضوء للظهر.

{وإن انقطع بعد الظهر وجبت للعصر فقط وهکذا، بل إذا بقی وضوؤها للظهر} بل الصبح {إلی المغرب لا یجب تجدیده أیضاً مع فرض انقطاع الدم قبل الوضوء للظهر} أو للصبح، ولو تغیرت حالتها من قلة إلی توسط إلی کثرة أو بالعکس کان الاعتبار بالأشد، لأنه بمجیء الأشد وجبت أحکامه ولا دلیل علی تغیرها بتغیر الحالة.

ص:346

مسألة ٧ فی تقدیم الغسل أو الوضوء

(مسألة _ 7): فی کل مورد یجب علیها الغسل والوضوء، یجوز لها تقدیم کل منهما، لکن الأولی تقدیم الوضوء.

(مسألة _ 7): {فی کل مورد یجب علیها الغسل والوضوء، یجوز لها تقدیم کل منهما} لإطلاق النص والفتوی، فاحتمال أن مع حدث الاستحاضة لا مجال للوضوء حیث إن الحدث الأکبر مانع عن صحة رافع الحدث الأصغر، لا وجه له.

{لکن الأولی تقدیم الوضوء} لدلالة بعض الأدلة علی ذلک، کما تقدم فی المسألة الخامسة والعشرین، واحتمال لزوم تقدیم الوضوء لئلا یفصل بین الغسل والصلاة أیضاً لا وجه له، بعد ما عرفت من الإطلاق، ویجوز توسیط الغسل بین الوضوء والعکس کل ذلک للإطلاق.

ثم حیث عرفت سابقاً لزوم تعقب الصلاة للغسل لم یصح أن یفوت الموالاة فی الغسل وإن جاز ذلک بالنسبة إلی الغسل فی نفسه.

ص:347

مسألة ٨ المبادرة إلی الصلاة بعد الوضوء والغسل

(مسألة _ 8): قد عرفت أنه یجب بعد الوضوء والغسل المبادرة إلی الصلاة،

(مسألة _ 8): {قد عرفت} من فحوی کلام المصنف: {أنه یجب بعد الوضوء والغسل المبادرة إلی الصلاة} کما هو المشهور، بل فی الجواهر (لم أعرف مخالفاً فیه)((1))، وفی الطهارة الشیخ: أنه (قد یظهر نفی الخلاف)((2)) منهم فیه، ولکن المحکی عن کشف اللثام والمصابیح: (جواز الفصل بینهما)، وعن المحقق القمی: (المیل إلیه) لکن جعل المبادرة أحوط.

والأقوی ما اختاره المصنف، وذلک لدلالة نصوص الجمع بین الصلاتین علیه، إذ کون ذلک تعبداً عرفیاً بعید غایة البعد، وکذلک ما دل علی کون الغسل بعد الفجر، إذ لولاه لم یکن له وجه _ عند المتفاهم عرفاً _، وکذلک الروایات المشتملة علی لفظ (عند) مثل قوله (علیه السلام): «فلتغتسل عند کل صلاتین»((3)) إذ الظاهر منه: أی عند حضور وقت الصلاة، کقوله (علیه السلام) فی ذیل خبر إبن سنان: «ثم تغتسل عند المغرب فتصلی المغرب والعشاء، ثم تغتسل عند الصبح فتصلی الفجر»((4)).

ص:348


1- الجواهر: ج3 ص342 عن الغسل، وص346 عن الوضوء
2- کتاب الطهارة، للأنصاری: ص255 س11
3- الوسائل: ج2 ص578 الباب30 من أبواب الحیض ح6
4- الوسائل: ج2 ص605 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح4

کما ربما استدل لهذا القول بقاعدة الاشتغال، لکنها لا مجال لها بعد وجود الدلیل، بل لا یبعد عدم وصول النوبة إلیها مع البراءة.

أما القول الآخر، فقد استدل له بجملة من الروایات:

مثل خبر إسماعیل بن عبد الخالق: «فلتؤخر الظهر إلی آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلّی الظهر والعصر، فإن کان المغرب فلتؤخرها إلی آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلی المغرب والعشاء، فإذا کان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلی رکعتین»((1)).

وخبر ابن بکیر: «فإذا مضی ذلک وهو عشرة أیام، فعلت ما تفعله المستحاضة ثم صلت»((2))، فإن «ثم» تدل علی جواز الفصل بعد وضوح عدم لزوم الفصل.

هذا مضافاً إلی إطلاق الأخبار الواردة فی مقام البیان:

مثل موثقة یونس بن یعقوب: عن الصادق (علیه السلام): إمرأة رأت الدم فی حیضها حتی جاوز وقتها؟ قال (علیه السلام): «تنظر عدتها التی کانت تجلس، ثم تستظهر بعشرة أیام» _ أی إلی عشرة أیام _ «فإن رأت الدم دماً صبیباً فلتغتسل فی وقت کل صلاة»((3)).

ص:349


1- الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح15
2- الوسائل: ج2 ص549 الباب8 من أبواب الحیض ح5
3- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح11

وخبر الحلبی: «تغتسل المرأة الدمیة بین کل صلاتین»((1)).

وخبر الصحاف: «فإنّ علیها أن تغتسل فی کل یوم ولیلة ثلاث مرات وتحتشی وتصلی وتغتسل للفجر، وتغتسل للظهر والعصر، وتغتسل للمغرب والعشاء»((2)).

وخبر إسماعیل: «فلتغتسل بعد طلوع الفجر، ثم تصلی رکعتین قبل الغداة، ثم تصلی الغداة».

وخبر ابن بکیر: «فإذا مضت عشرة أیام، فعلت ما تفعله المستحاضة ثم صلّت».

وفی الکل: ما لا یخفی، إذ الإطلاقات محمولة علی ما یظهر من روایات المشهور من لزوم الاتصال، وما فیه کلمة (ثم) لا بدّ وأن یحمل علی الترتیب المرتبی أو الترتیب الکلامی لا الترتیب الزمانی، وإلاّ لم یمکن ثم وجه، إذ لا یستحب التأخیر والفصل، فضلاً عن اللزوم الظاهر من (ثم) إذا کان لترتیب الزمان.

وبما ذکرناه تبین وجوب اتصال الوضوء بالصلاة أیضاً، لوحدة المناط، بل یستفاد ذلک من لزوم تجدیده لکل صلاة، کما استدل به الشیخ (رحمه الله) إذ الظاهر منه أن الفصل الطویل ضار، فالقول: بجواز الفصل فی الوضوء لاستصحاب الأثر، ولإطلاق

ص:350


1- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح2
2- الوسائل: ج2 ص606 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح7

لکن لا ینافی ذلک إتیان الأذان والإقامة والأدعیة المأثورة، وکذا: یجوز لها إتیان المستحبات فی الصلاة، ولا یجب الاقتصار علی الواجبات،

الأدلة، وما أشبه _ لیس فی محله.

{لکن لا ینافی ذلک} الذی ذکرنا من المبادرة {إتیان الأذان والإقامة والأدعیة المأثورة، وکذا یجوز لها إتیان المستحباب فی الصلاة، ولا یجب الاقتصار علی الواجبات} کل ذلک لإطلاق الأدلة وخصوص ما دل علی تقدیم الغسل علی صلاة اللیل وصلاة نافلة الصبح.

وما ذکرناه سابقاً: من عدم التنبیه علی ترک النافلة مع اعتیاد إتیان الناس بنوافل الظهر والعصر قبلهما، ولذا قال فی الدروس: (یجوز لها ... انتظار الجماعة)((1)) وقال غیره: بجواز الذهاب إلی المسجد والاجتهاد بالقبلة ولبس الساتر وما أشبه ذلک، لکن الظاهر أنه لا یصح الإتیان بما یزید عن ذلک وإن اعتادته، کما لو کانت عادتها قراءة جزء من القرآن قبل الصلاة، أو إطالة صلاة اللیل ساعة لإتیانها بکل مستحباتها.

ومما تقدم: یظهر حکم الفصل بین غسل ظاهر الفرج وتغییر الخرقة والقطنة، وأن حاله حال الفصل بین الوضوء والغسل وبین الصلاة، وحال سائر الصلوات کصلاة الطواف والآیات حال الیومیة

ص:351


1- الدروس: ص7 س10

فإذا توضأت واغتسلت أول الوقت وأخرت الصلاة لا تصح صلاتها إلا إذا علمت بعدم خروج الدم، وعدم کونه فی فضاء الفرج أیضا من حین الوضوء إلی ذلک الوقت، بمعنی انقطاعه ولو کان انقطاع فترة.

لوحدة المناط.

ثم الظاهر عدم لزوم القطنة والخرقة إذا علمت بعدم جریان الدم أو علمت بأنه لا یفرق التغییر وعدم التغییر فی مقدار التلویث، وإذا علمت بأن التغییر یوجب زیادة التلویث لم تغیر.

وکیف کان، {فإذا توضأت واغتسلت أول الوقت وأخرت الصلاة لا تصح صلاتها} بل اللازم أن تغتسل غسلاً آخر، لأن الصلاة کانت بدون الطهارة {إلا إذا علمت بعدم خروج الدم} بعد الغسل والوضوء {وعدم کونه فی فضاء الفرج أیضاً من حین الوضوء إلی ذلک الوقت} الذی صلّت، لوضوح أن الاتصال هو لأجل عدم الدم أو عدم زیادة الدم وذلک حاصل، إذ المستفاد من النص أنه لیس الاتصال أمراً تعبدیاً.

ومنه یظهر: أنه یجوز التأخیر إذا علمت بعدم الفرق فی قدر التلوث بین الاتصال والانفصال، فالمراد بالعدم هو: {بمعنی انقطاعه ولو کان انقطاع فترة} قال فی المستمسک: (هذا لدفع احتمال کون الانقطاع لفترة بمنزلة رؤیة الدم، کما یظهر من الذکری حیث قال: فإن کان انقطاع فترة فلا أثر له لأنه بعوده کالموجود

ص:352

دائماً)((1)) انتهی.

والحاصل: أنه یجوز الانفصال إذا کان انقطاع الدم، من غیر فرق بین کون الانقطاع لبرء أو لفترة، وهذا هو المشهور بینهم، کما فی الجواهر والطهارة وغیرهما، وکأنّ الذکری نظر ذلک بالحیض، حیث عرفت أن النقاء المتخلل فی أثناء العشرة بحکم الدم، لکن التنظیر فی غیر محله، إذ لا دلیل علی استواء المقامین.

ص:353


1- المستمسک: ج3 ص406

مسألة ٩ طریقة استشفار المستحاضة ووضع القطنة

(مسألة _ 9): یجب علیها بعد الوضوء والغسل التحفظ من خروج الدم بحشو الفرج بقطنة أو غیرها وشدها بخرقة،

(مسألة _ 9): {یجب علیها بعد الوضوء والغسل: التحفظ من خروج الدم} بلا إشکال ولا خلاف فی أصل التحفظ، وفی الجواهر: (لم أجد فیه خلافاً)((1))، وعن الکفایة: (إنه الظاهر من الأصحاب)، وعن الحدائق: (صرح الأصحاب بذلک)، وعن بعض: (دعوی الإجماع علیه).

والتحفظ هو: {بحشو الفرج بقطنة أو غیرها، وشدها بخرقة} ویدل علی ذلک جملة من الروایات:

مثل صحیحة معاویة: عن الصادق علیه السلام: «تحتشی وتستثفر»((2)).

وصحیحة الحلبی: «ثم تغتسل وتستدخل قطنة وتستذفر بثوب ثم تصلی»((3)).

وموثقة زرارة: «فلتغتسل وتستوثق من نفسها»((4)).

ص:354


1- الجواهر: ج3 ص348
2- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح1
3- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح2
4- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح9

فإن احتبس الدم وإلا فبالاستثفار أی: شد وسطها بتکة مثلا وتأخذ خرقة أخری مشقوقة الرأسین تجعل إحداهما قدامها والأخری

ومرسلة یونس: «فأمرها أن تغتسل وتستثفر بثوب»، وفی موضع آخر منها: «إن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) قال لحمنة: احتشی کرسفاً، فقالت: إنه أشد من ذلک إنی أثجه ثجاً، فقال: تلجّمی»((1)).

وموثقة فضیل: عن أحدهما (علیهما السلام): «وتحتشی لصلاة الغداة»((2)).

وصحیحة صفوان: «وتستدخل قطنة بعد قطنة»((3)).

إلی غیرها من الروایات الظاهرة فی لزوم التحفظ بأیة کیفیة کانت، مثلاً: لا حاجة إلی الاستثفار إذا کانت مریضة جالسة أو نائمة بحیث لا حاجة إلی الخرقة ونحوها، أو إذا أمکنت من لصق الخرقة بلزقة أو نحوها، نعم ذکر بعض الفقهاء: کون الأولی إتباع الکیفیة الواردة فی الفحص وبحشو الفرج.

{فإن احتبس الدم وإلاّ فبالاستثفار، إی: شدّ وسطها بتکّة مثلاً وتأخذ خرقة أخری مشقوقة الرأسین تجعل إحداهما قدامها والأخری

ص:355


1- الکافی: ج3 ص83 باب جامع فی الحائض والمستحاضة ح1
2- الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح12
3- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح3

خلفها، وتشدهما بالتکة أو غیر ذلک مما یحبس الدم.

خلفها وتشدهما بالتکة أو غیر ذلک مما یحبس الدم} والفرق بینهما: أن الأولی تشدّ الخرقة بالقطنة وتشدها فی وسطها، وهذا لا یکفی إذا کان الدم کثیراً، إذ لا تحفظ القطنة فی جمیع باطن الفرج، بخلاف ما إذا وضعت القطنة فی الفرج من غیر شدها، وإنما جعلت خرقة علیها مشدودة فی وسطها.

ثم لا یخفی أن قول المصنف: "مشقوقة الرأسین" إنما هو اتباع لما ذکره الشهید فی الذکری وتبعه الأصحاب، وإلاّ لیس لذلک خصوصیة، أما ما ذکره المصنف من کون ذلک بعد الوضوء أو الغسل فهو المشهور المتبع عند النساء الملائمة لکون الغسل لا یجمع مع الاستثفار، وهذا هو ظاهر الروایات المتقدمة، لکن ذکر بعضهم: کون الاستثفار قبل الوضوء والغسل.

واستدل لذلک: بأن مقتضی العفو عن الدم الذی لا بد منه هو فعل الاستظهار من ابتداء الشروع فی الغسل أو الوضوء، للتحفظ عن خروج الدم فی حالهما بقدر الإمکان، کما یجب التحفظ عن خروج الدم فی ما بعدهما إلی الفراغ من الصلاة، وقال کاشف الغطاء((1)): (ذلک بالنسبة إلی الوضوء لا الغسل). وقال الجواهر: (ذلک بالنسبة إلی صلاة الغداة دون غیرها)، لکن ذلک خلاف ظاهر النصوص والفتاوی والمعتاد بالنسبة إلی الغسل.

ص:356


1- کما عن مصباح الهدی: ج5 ص189

فلو قصّرت وخرج الدم أعادت الصلاة، بل الأحوط إعادة الغسل أیضاً،

نعم بالنسبة إلی الوضوء یمکن الأمران، بل ربما یقال: إن ظاهر النص کذلک، ففی روایة الدعائم: «احتشت بخرق أو قطن وتوضّأت لکل صلاة»((1))، وفی روایة ابن أبی یعفور: «زادت کرسفها وتوضأت وصلّت»((2))، هذا ولکن لا یفهم الترتیب عرفاً من مثل هذه النصوص، فإن "الواو" للجمع المطلق، وإنما یفهم تأخر الصلاة مع وجود الواو لقرینة خارجیة.

وعلی هذا: فالظاهر جواز الأمرین بالنسبة إلی کل من الغسل والوضوء وإن کان الأحوط التقدیم علی الوضوء.

{فلو قصرت وخرج الدم أعادت الصلاة} وذلک لانتفاء المشروط عند انتفاء شرطه، ولأنه لم یثبت العفو عن الدم الخارج بالاختیار {بل الأحوط إعادة الغسل أیضاً} بل الوضوء، وذلک للفصل بین الصلاة وبین الوضوء والغسل بالصلاة التی لم تکن جامعة للشرط، وهذا هو الذی جزم به الذکری ونهایة الأحکام فی المحکی عنهما، وهذا هو الأحوط، بل جعله بعض الشراح أقوی، لکن فی الجواهر: إن (فی استفادة ذلک من الأدلة نظر)((3))، وأضاف فی المستمسک: إنه (موجب للرجوع إلی استصحاب عدم

ص:357


1- دعائم الاسلام: ج1 ص128 ذکر الحیض
2- الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح13
3- الجواهر: ج3 ص349

والأحوط کون ذلک بعد الغسل والمحافظة علیه بقدر الإمکان تمام النهار إذا کانت صائمة.

الانتقاض)((1))، وفیه: إن شرطیة المعاقبة تقتضی الانتفاض فلا مجال للاستصحاب.

{والأحوط کون ذلک بعد الغسل} قد عرفت: أن مقتضی الاحتیاط کون الاستظهار قبل الوضوء والغسل، وکأن وجه احتیاط المصنف بالعکس فی الغسل ظاهر النصوص، وفی الوضوء کلمات الأصحاب حیث تقدم أن ظاهرهم کونه بعد الوضوء، فتأمل.

{والمحافظة علیه بقدر الإمکان تمام النهار إذا کانت صائمة} قال فی محکی الذکری: ولو کانت صائمة فالظاهر وجوبه _ أی الاستظهار _ جمیع النهار، لأن توقف الصوم علی الغسل یشعر بتأثره بالدم، وبه قطع الفاضل رحمه الله، وفیه: أن الظاهر من الأدلة: أن صحة صوم المستحاضة تتوقف علی الاغسال، ولا یستفاد منها أکثر من ذلک، کما سیأتی فی المسألة الثانیة عشرة.

ص:358


1- المستمسک: ج3 ص407

مسألة ١٠ أحکام المستحاضة: فی تقدیم وتأخیر الغسل

(مسألة _ 10): إذا قدمت غسل الفجر علیه لصلاة اللیل، فالأحوط تأخیرها إلی قریب الفجر فتصلی بلا فاصلة.

(مسألة _ 10): {إذا قدمت غسل الفجر علیه لصلاة اللیل فالأحوط تأخیرها} وتأخیر الغسل {إلی قریب الفجر} بحیث إنها إذا فرغت من صلاة اللیل الواقعة بعد الغسل مباشرة {فتصلی} صلاة الصبح {بلا فاصلة} وذلک لأن المتیقن فی الخارج من أدلة المعاقبة هو ذلک، خلافاً لما تقدم من الشهید الثانی فی الروض((1)): (من احتمال جواز التقدیم بمقدار أزید من صلاة اللیل لإطلاق الإذن فی التقدیم).

لکن فیه: أنه لا إطلاق فیه من هذه الجهة، فاللازم الاقتصار علی القدر المتیقن خصوصاً وأن الغالب فی صلاة اللیل الإتیان بها قرب الفجر.

لکن الظاهر: أن لا دقة فی ذلک، بل هو علی حسب المتعارف من عدم التقید بالدقة فی الوقت خصوصاً فی أیام ورود الروایات، حیث لم یکن لهم ساعات آلیة بل کانوا یحددونها بصیاح الدیکة أو النجوم أو ما أشبه ذلک.

ص:359


1- انظر روض الجنان: ص85 س12

مسألة ١١ أحکام المستحاضة: لو اغتسلت قبل الفجر لغایة أخری

(مسألة _ 11): إذا اغتسلت قبل الفجر لغایة أخری، ثم دخل الوقت من غیر فصل یجوز لها الاکتفاء به للصلاة.

(مسألة _ 11): {إذا اغتسلت قبل الفجر لغایة أخری، ثم دخل الوقت من غیر فصل، یجوز لها الاکتفاء به للصلاة} أما جواز الإتیان بالغسل والوضوء لغایة أخری غیر الفریضة الیومیة فسیأتی الکلام فیه فی المسألة الثامنة عشرة إن شاء الله تعالی.

أما إذا قلنا بالصحة واغتسل لغایة أخری قبل الفجر أو قبل الظهرین والمغربین ثم دخل الوقت، فإن کان مع فصل طویل فقد سبق الإشکال فیه، وأما إن دخل الوقت من غیر فصل فالظاهر الکفایة لما عرفت سابقاً من أنه لا بأس بإتیان الوظائف قبل الوقت مع عدم الانفصال بینها وبین الصلاة.

ومنه یعرف: أن الحکم کذلک فی کل مورد لم تنفصل الوظائف عن الیومیة، سواء کانت قبل الوقت أو بعد الوقت، بخلاف ما اذا انفصلت فإن الوظائف تبطل سواء کانت قبل الوقت أو بعد الوقت، أما قصد غایة الیومیة أو سائر الغایات فلیس بمهم، إذ الإطلاق دلیل علی الکفایة مع الاتصال.

نعم لو قیل باشتراط قصد غایة الیومیة لم تصح الوظائف من الغسل والوضوء إذا جیء بها بقصد غایة أخری، لکن هذا الاحتمال فی غایة الضعف.

ص:360

مسألة ١٢ أحکام المستحاضة: فی الصلاة والصیام والأغسال

(مسألة _ 12): یشترط فی صحة صوم المستحاضة _ علی الأحوط _ إتیانها للأغسال النهاریة، فلو ترکتها فکما تبطل صلاتها یبطل صومها أیضاً علی الأحوط،

(مسألة _ 12): {یشترط فی صحة صوم المستحاضة _ علی الأحوط _ إیتانها للاغسال النهاریة، فلو ترکتها فکما تبطل صلاتها یبطل صومها أیضاً علی الأحوط} أما الاشتراط فقد ذکر الحدائق: (أنه لا خلاف بین الأصحاب)((1)) فیه، وعن المدارک والذخیرة وشرح المفاتیح: (أنه مذهب الأصحاب)، وعن جامع المقاصد والروض وحواشی التحریر ومنهج السداد والطالبیة: (الإجماع علیه)، قال الروض: (ویظهر من المبسوط التوقف فیه حیث أسنده إلی روایة الأصحاب)((2))، ولکن فی الجواهر الجواب عنه: بأن من لا حظ طریقة الشیخ وطریقة مشارکیه فی العمل بأخبار الآحاد حیث یستندون إلی روایات الأصحاب مع عدم التعرض لطعن أو قدح أنه فی غایة الاعتماد عندهم.

هذا، ولکن المستند نسب التوقف إلی المبسوط والمعتبر، وقال: (وهو ظاهر جمع من المتأخرین کالمدارک والبحار وشرح القواعد للهندی وشرح الإرشاد للأردبیلی والحدائق)((3))، انتهی.

والعمدة فی المسألة صحیح ابن مهزیار: کتبت إلیه: إمرأة

ص:361


1- الحدائق: ج3 ص295
2- روض الجنان: ص86 السطر الأخیر
3- المستند: ج1 ص162 س33

طهرت من حیضها أو من دم نفاسها فی أول یوم من شهر رمضان، ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان کله من غیر أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لکل صلاتین فهل یجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فکتب (علیه السلام): «تقضی صومها ولا تقضی صلاتها، لأن رسول الله (صلی الله علیه وآله) کان یأمر فاطمة (علیها السلام) والمؤمنات من نسائه بذلک» _ کذا فی روایة الکافی والتهذیب والفقیه _((1)). وفی روایة العلل: «وکان یأمر المؤمنات من نسائه بذلک»((2)).

وقد أورد علی الروایة: بأنها مکاتبة مضمرة فلا حجیة فیها، وبأنها اشتملت علی ذکر فاطمة (علیها السلام) مع وضوح أنها لم تر حمرة قط _ کما فی صحاح النصوص _، وبأنها مشتملة علی عدم قضاء الصلاة مع أنه مخالف للنص والإجماع.

لکن کونها مکاتبة مضمرة: لا تضر بعد روایة ابن مهزیار لها وتلقی الأصحاب بقبولها، ولم یعلم أن المراد بفاطمة: سیدة نساء العالمین، بل لعلها فاطمة بنت أبی حبیش، حیث ورد عن الباقر (علیه

ص:362


1- الکافی: ج4 ص136 باب صوم الحائض والمستحاضة ح6.  التهذیب: ج4 ص310 باب الزیادات ح5. والفقیه: ج2 ص94 الباب48 صوم الحائض والمستحاضة ح2
2- علل الشرائع: ص293 الباب224 من الجزء الأول ح1

السلام): «أنها استحیضت سبع سنین»((1))، ویظهر من مرسلة یونس((2)): أنها کانت تسأل کثیراً عن أحکامها، بالإضافة إلی احتمال أن الرسول (صلی الله علیه وآله) کان یأمر فاطمة (علیها السلام) لتأمر النساء، کما فی وصایاه (صلی الله علیه وآله) لعلی (علیه السلام) حیث کان المراد بها سائر الناس، ویدل علی ذلک صحیح زرارة قال: سألت الباقر (علیه السلام) عن قضاء الحائض الصلاة، ثم تقتضی الصوم؟ قال: «لیس علیها أن تقضی الصلاة، وعلیها أن تقضی صوم شهر رمضان، ثم أقبل علی وقال: إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) کان یأمر بذلک فاطمة (علیها السلام) وکانت تأمر بذلک المؤمنات»((3)).

وأما اشتمال الخبر علی ما یخالف النص والإجماع، فالجواب عنه: أنه یلزم التقطیع فیه کما هو دأبهم، هذا ومع ذلک کله فالحکم مورد شبهة إذ الاحتمال محتمل الاستناد، والخبر محتمل أن یکون المراد به أول یوم شهر رمضان الذی کانت فیه حائضاً، بقرینة عدم قضاء الصلاة وبقرینة صحیح زرارة، کما احتمله المنتهی وغیره.

وفی المستند: (احتمال أن یکون لفظ "تقضی صومها" من باب

ص:363


1- الوسائل: ج2 ص538 الباب3 من أبواب الحیض ح4
2- نفس المصدر
3- الکافی: ج3 ص104 باب الحائض تقضی الصوم ... ح3

التفعل، ویکون المعنی: أن صومها صحیح دون الصلاة، ثم قال: وهو فی محله جداً والاحتیاط لا یترک مهما أمکن)((1))، ولذا کان احتیاط المصنف فی محله، ولأجله سکت علیه جملة من المعلّقین: کالسیدین إبن العم والاصطهباناتی، وعنون السید البروجردی الباب فی جامعه بما یظهر منه التوقف.

وقال فی مصباح الهدی: (فلا محیص عن الحکم به کما حکموا، وإن کان تتمیمه بالدلیل لا یخلو عن الإشکال)((2)).

ثم: إنهم اختلفوا فی الأغسال التی هی شرط لصحة الصوم إلی أقوال:

الأول: إنها هی الأغسال النهاریة خاصة أی الفجر والظهرین. کما عن المنتقی والتذکرة والبیان، وقواه الجواهر، وتبعهم المصنف.

الثانی: إنها هی الأغسال النهاریة بإضافة غسل العشائین للّیلة الماضیة، إلا إذا قدمت غسل الفجر علی الفجر فلا یشترط غسل اللیلة الماضیة. کما عن الذکری والروض واختاره الشیخ المرتضی.

ص:364


1- المستند: ج1 ص162 السطر الأخیر
2- مصباح الهدی: ج5 ص196

الثالث: إنها هی الأغسال النهاریة مع غسل اللیلة اللاحقة، ونسب هذا القول إلی المشهور.

الرابع: إنها هی الأغسال النهاریة الواقعة فی ذاک الیوم وغسل اللیلة السابقة واللاحقة. کما عن بعض.

الخامس: خصوص غسل الفجر من ذاک الیوم فقط. کما احتمله النهایة وکشف اللثام.

السادس: إنها هی الأغسال بقول مطلق، الظاهرة فی العموم کما فی المستند، ونسبه إلی الشیخ وابن إدریس وسعید والفاضل فی القواعد والتحریر والإرشاد والنهایة.

والأقوی: هو القول الثالث، لأن الظاهر من النص أن أغسال الیوم شرط فی الصوم وهو وإن لم یصرح بغسل الفجر إلاّ أن العرف یستفید من النص أن حاله حال غسل الصلاتین، وحیث إن إطلاق الروایة یشمل غسل اللیلة الآتیة لا مجال لاستبعاد أن یکون غسل اللیل مؤثراً فی صوم النهار السابق، فالصوم الذی له ثلاث غسلات صحیح، کما أن الصلاة ذات الرکعات الکذائیة صحیح، ولا یستشکل بالشرط المتأخر ولا حاجة إلی جواب عنه بما هو مشهور فی محله من أن مرجعه إلی الشرط المتقدم أو المقارن.

وبذلک یظهر: أنه لا وجه للقول الأول: بإسقاط غسل اللیلة الآتیة بحجة أن رافع الحدث لم یکن فی النهار، فإی ارتباط بینه وبین

ص:365

صوم النهار؟

ولا للقول الثانی: باشتراط غسل اللیلة الماضیة بحجة أنها لو لم تغتسل کانت محدثة فدخلت فی الصیام مع الحدث مع أنه یوجب بطلان الصوم إلاّ إذا اغتسلت للصبح قبل الفجر حیث إنها لم تکن محدثة حینئذ، إذ ظاهر الدلیل اشتراط أغسال الیوم لا الیوم السابق، فما المانع فی أن یکون حدث اللیلة الماضیة حاله حال حدث الفجر إذا اغتسلت بعد الفجر فی أنه لا یضر بالصوم.

ولا للقول الرابع: لم عرفت فی رد القول الثانی، بالنسبة إلی غسل اللیلة الماضیة.

ولا للقول الخامس: بحجة أن الشرط دخول الإنسان فی الصوم بدون حدث، أما الحدث فی أثناء النهار فهو کائن سواء اغتسلت أم لا، إذ فیه: وجه استحسانی لا یقابل الدلیل.

ولا للقول السادس: إن أرید منه کل الاغسال لکل الأیام بحجة أنه ظاهر إطلاق الدلیل، إذ فیه: أن ظاهر الدلیل هو القول الثالث _ کما عرفت _ فلا وجه لهذا الاطلاق.

ثم إنه مما ذکرنا یظهر الإشکال فیما ذکره بعض المحققین من الفرق بین الکثیرة فیشترط صومها بالأغسال، والمتوسطة فلا یشترط صومها بغسل الفجر، قال: (ولا مجال لتنقیح المناط لإمکان أن لا تکون الاستحاضة ما لم تکن کثیرة مخلة بالصوم أصلاً، کما هو الحال

ص:366

وأما غسل العشائین فلا یکون شرطا فی الصوم، وإن کان الأحوط مراعاته أیضاً، وأما الوضوءات فلا دخل لها بالصوم.

فی القلیلة بلا إشکال)، وفیه: أنه خلاف ظاهر الصحیح المستفاد منه عرفاً من مدخلیة الأغسال فی صحة صومها، وحیث إنه کان الظاهر عند العرف فلا مجال لما ذکره من (الإمکان) لأن الاحتمال إنما یبطل الاستدلال فی الأمور العقلیة لا الظواهر العرفیة.

ومما ذکرنا تعرف الإشکال فی قول المصنف: {وأما غسل العشائین فلا یکون شرطاً فی الصوم وإن کان الأحوط} بل الأقوی {مراعاته أیضاً} نعم بالنسبة إلی اللیلة الماضیة لا دلیل علی اشتراطه بالنسبة إلی الیوم الآتی.

ثم الظاهر أنه لا یشترط فی صحة الصوم الإتیان بصلاة الأغسال بعدها، بل لو لم تصلّ أصلاً صح صومها، إذ الدلیل إنما دل علی اشتراط الصوم بالغسل لا اشتراطه بالصلاة. ثم الظاهر لزوم إتیان الغسل فی وقته فلو اغتسلت بعد الشمس عوض غسل الفجر لم یصح.

نعم لو اغتسلت قبل طلوع الشمس بمقدار أداء الصلاة صح، إذ لا دلیل علی لزوم إتیان الغسل مع أوائل الفجر {وأما الوضوءات فلا دخل لها بالصوم} کما هو المشهور حسب ما یظهر من کلماتهم، وذلک لخلو النص والفتوی عنها، فالأصل عدم اشتراط الصوم بها.

ص:367

نعم ربما یوهم بعض العبائر، ولعل وجهه أن ما دل علی أن کل غسل معه وضوء یظهر منه دخل الوضوء فی أثر الغسل، لکن هذا خلاف ظاهر الدلیل، فلا اعتناء به، ومنه یظهر حال الاستظهار ونحوه إذا لم یدل دلیل علی اشتراط الغسل بها، وقد تقدم أنه لا دلیل علی لزوم التحفظ عن الدم فی نهار الصیام، أما کون هذا الحکم جار فی غیر شهر رمضان فسیأتی فی کتاب الصوم تفصیل الکلام حوله إن شاء الله تعالی.

ص:368

مسألة ١٣ أحکام المستحاضة: فی رجاء انقطاع الدم وأداء الصلاة

(مسألة _ 13): إذا علمت المستحاضة انقطاع دمها بعد ذلک إلی آخر الوقت _ انقطاع برء أو انقطاع فترة تسع الصلاة _، وجب علیها تأخیرها إلی ذلک الوقت،

(مسألة _ 13): {إذا علمت المستحاضة انقطاع دمها بعد ذلک} الوقت الذی ترید الصلاة فیه {إلی آخر الوقت، انقطاع برء أو انقطاع فترة تسع الصلاة} أو لا تسع الصلاة، فالأقسام أربعة: البرء مع وقت لکل الصلاة أو مع وقت لبعض الصلاة، والفترة لکل الصلاة أو بعض الصلاة، ففی المسألة أقوال واحتمالات:

الأول: ما ذکره المصنف من قوله {وجب علیها تأخیرها إلی ذلک الوقت} وظاهره فی البرء الواسع والفترة الواسعة.

الثانی: الفرق بین البرء بوجوب التأخیر والفترة فلا یجب التأخیر، سواء فیهما بین الواسع وغیر الواسع.

الثالث: وجوب التأخیر مطلقاً.

الرابع: عدم وجوب التأخیر مطلقاً.

ولا یخفی أن التأخیر من باب المثال، وإلاّ فالمراد وقت عدم الدم برءً _ ولو کان فی أول الوقت _ بأن علمت المرأة أنها تستحاض بعد أول الوقت، أو عدم الدم فترة بأن علمت أنها أول الوقت لها فترة ثم تستحاض برجوع الدم، وکیف کان فالمسألة خالیة عن النص وإنما الکلام فیما علی القواعد.

استدل للأول: بعموم حدثیة دم الاستحاضة واختصاص العفو

ص:369

عنه _ الثابت بالدلیل _ بالمستمر منه کما یشهد بذلک التعبیر فی الأخبار بالدم المستمر فیکون مورد الانقطاع للبرء أو لفترة خارجاً عن مصب الأخبار، والأصل فی ذوی الأعذار عدم جواز البداء، لأنه حکم اضطراری والأحکام الاضطراریة إنما هی إذا کان الإنسان مضطراً، فإذا لم یکن مضطراً فی تمام الوقت لم یصدق الاضطرار.

واستدل للثانی: بأن الفترة حالها حال الاستحاضة کما فی باب الحیض فی النقاء المتخلل فی أثناء العشرة _ کما تقدم نقله عن الشهید _ فهی کالمستمرة الاستحاضة، بخلاف فترة البرء فإنها مشمولة لما تقدم فی دلیل القول الأول، أما عدم الفرق بین الواسعة وغیر الواسعة فلأن الضرورات تقدر بقدرها.

واستدل للثالث: بما ذکر فی دلیل الثانی بإضافة أن حالة الفترة حالة البرء، إذ لا دلیل أن حالة الفترة فی المقام حالة النقاء فی أثناء العشرة فهی طاهرة فی هذه الفترة.

أما دلیل الرابع: _ وهو الأقرب _ إطلاقات الأدلة مع وضوح أنها کثیراً ما کانت تطهر بعد أول الوقت ولم یحکم الإمام (علیه السلام) بوجوب إعادة الصلاة، ولو کان الحکم اضطراریاً لم یکن فیه فرق بین العلم والجهل، فعدم التنبیه علی ذلک فی کل الروایات مع وضوح کثرة البرء فی الوقت دلیل علی عدم خصوصیة الفترة سواء کانت فترة برء أو فترة انقطاع.

ص:370

فلو بادرت إلی الصلاة بطلت، إلا إذا حصل منها قصد القربة وانکشف عدم الانقطاع، بل یجب التأخیر مع رجاء الانقطاع

بل ربما یقال: إنه لا دلیل لنا علی عموم حدثیة دم الاستحاضة حتی فی الدم الخارج بعد الإتیان بوظائف المستحاضة قبل انتهاء الصلاة، إذ النصوص الواردة فی حدثیته لا تدل علیها بالعموم لکی تشمل الدم الخارج بعد الغسل والوضوء، وإلی هذا أشار المحقق فی المعتبر حیث قال: (إن خروج دمها بعد الطهارة معفّو عنه فلم یکن مؤثراً فی نقض الطهارة)((1)) انتهی.

ثم إنه إن لم نقل بهذا القول لزم بالتأخیر للفترة مطلقاً لأنه مقتضی القاعدة، فقول الجواهر: (إذا کان الانقطاع للفترة، فهی إن لم تکن تسع الطهارة والصلاة فلا یلتفت إلیه قطعاً)((2))، کقول الشیخ المرتضی: (لا إشکال فی عدم اعتبار الفترة)((3))، کقول المستمسک _ استفادة من کلامهما _: (فکأنه إجماع)((4))، کلها محل منع.

وکیف کان: {ﻓ_} علی رأی المصنف {لو بادرت إلی الصلاة} قبل الفترة {بطلت} سواء کان کلها فی الدم أو بعضها فی الفترة {إلاّ إذا حصل منها قصد القربة وانکشف عدم الانقطاع} حیث

ص:371


1- کما فی کتاب الطهارة، للأنصاری: ص254 س24
2- الجواهر: ج3 ص334
3- کتاب الطهارة، للأنصاری: ص254 السطر الأخیر
4- المستمسک: ج3 ص414

بأحد الوجهین، حتی لو کان حصول الرجاء فی أثناء الصلاة، لکن الأحوط إتمامها ثم الصبر إلی الانقطاع.

تطابق صلاتها الواقع {بل یجب التأخیر مع رجاء الانقطاع بأحد الوجهین} لما سیأتی فی بحث التیمم من لزوم التأخیر لذوی الأعذار مع رجاء رفع العذر {حتی لو کان حصول الرجاء فی أثناء الصلاة} إذ البطلان بالعلم وبالرجاء إنما هو لبطلان الغسل، ولا فرق فیه بین قبل الصلاة وبین أثنائها ولا مجال للاستصحاب لأن الصحة السابقة لا توجب صحة الأعمال اللاحقة.

هذا ولکن اللازم عند القائل بهذا القول أن یقول بدوران الأمر مدار الواقع والقربة، فإن حصلت القربة ولم تکن فترة فی الواقع صحت الصلاة سواء علمت بالفترة أو علمت بعدمها أو رجت، وإن لم تحصل القربة بطلت کما هو واضح، وإن لم تکن فترة صحت وإن قطعت بالفترة أو رجتها {لکن الأحوط إتمامها ثم الصبر إلی الانقطاع} فتأتی بصلاة ثانیة، ووجه الاحتیاط هو احتمال عدم البطلان فیشمله دلیل حرمة قطع الفریضة.

ص:372

مسألة ١٤ أحکام المستحاضة: صور بطلان الطهارة وإعادة الصلاة والوضوء

(مسألة _ 14): إذا انقطع دمها، فإما أن یکون انقطاع برء أو فترة تعلم عوده، أو تشک فی کونه لبرء أو فترة، وعلی التقادیر: إما أن یکون قبل الشروع فی الأعمال أو بعده

(مسألة _ 14): {إذا انقطع دمها} فالانقطاع قد یکون قبل العمل، وقد یکون فی أثناء العمل، وقد یکون بعد العمل فالصور ثلاثة، وعلی کل حال فهو قد یکون انقطاع فترة وقد یکون انقطاع برء، فالصور ستة، وإن کانت هناک صور أخری فرعیة کما یتضح من خلال البحث:

فالصورة الأولی: أن یکون الانقطاع عن برء قبل العمل، وحکمها أنها إن کانت قلیلة أن تتوضأ للصلاة، إذ ظاهر الأدلة: أن القلیلة تبطل الوضوء ولا حاجة إلی الغسل إذ لا دلیل علی الغسل فالأصل عدمه، وإن کانت متوسطة أو کثیرة أن تغتسل غسل البرء، إذ ظاهر الأدلة: أن المتوسطة والکثیرة حدثان کبیران کالجنابة فیجب لهما الغسل، وسیأتی بعض الکلام فی هذه الصورة فی المسألة السادسة عشرة. ومما ذکرنا یظهر أنه لا وجه لما عن الشیخ والعلامة وغیرهما من إطلاق القول بأنّ الانقطاع للبرء موجب للوضوء فقط کما سیأتی وجهه مع نقده.

وکیف کان {ﻓ_} الانقطاع {إما أن یکون انقطاع برء أو فترة تعلم عوده، أو تشک فی کونه لبرء أو فترة، وعلی التقادیر} الثلاثة: {إما أن یکون قبل الشروع فی الأعمال أو بعده} فی أثناء

ص:373

أو بعد الصلاة.

فإن کان انقطاع برء وقبل الأعمال یجب علیها الوضوء فقط أو مع الغسل والإتیان بالصلاة، وإن کان بعد الشروع استأنفت،

الطهارة أو الصلاة أو بینهما {أو بعد الصلاة، فإن کان انقطاع برء وقبل الأعمال یجب علیها الوضوء فقط} فی القلیلة {أو مع الغسل} فی المتوسطة والکثیرة {والإتیان بالصلاة} کما تقدم، وسیأتی بعض الکلام فیه.

{و} الصورة الثانیة هی: ما {إن کان بعد الشروع استأنفت} مطلقاً، سواء کان فی أثناء الطهارة أو بعد الطهارة، أو فی أثناء الصلاة کما نسب إلی المشهور فی الأولین وإلی السرائر والدروس وجامع المقاصد فی الثالث، خلافاً للمعتبر والجامع فی الثانی حیث إن ظاهرهما صحة الطهارة وعدم الاحتیاج إلی الإعادة، وللمبسوط والبیان فی الثالث حیث قالا بصحة الصلاة، والظاهر الصحة فی الجمیع، لإطلاق الأدلة خصوصاً وکثیراً ما یکون الانقطاع فی هذه الأحوال الثلاثة فعدم التنبیه علی ذلک دلیل علی العدم، ولاستصحاب الصحة بمعنی بقاء الأثر ولاقتضاء الامتثال السقوط.

أما من قال بالاستئناف فی الجمیع أو فی البعض، فقد استدل بما دل علی عموم حدثیة هذا الدم وقال بأنه لا إطلاق فی دلیل العفو لغیر المستمر، وحیث کان هناک دلیل علی عموم حدثیة هذا الدم فلا مجال

ص:374

وإن کان بعد الصلاة أعادت إلا إذا تبین کون الانقطاع قبل الشروع فی الوضوء والغسل.

لاستصحاب الصحة.

وفی الکل ما لا یخفی إذ لم نجد دلیلاً علی عموم حدثیة هذا الدم، وإنما الأدلة دلت علی وجوب إتیانها بهذه الأعمال، وحیث أتت بها فقد جاءت بالمکلف به الموجب للسقوط، ولا وجه لمنع الإطلاق خصوصاً مع القرینة التی ذکرناها من عدم ندرة الانقطاع فی الأثناء، والاستصحاب إنما یرجع إلیه لدی عدم وجود الدلیل الاجتهادی فالمراد من الاستدلال به أنه لو وصلت المرتبة إلیه کان هو المرجع.

{و} الصورة الثالثة هی: {إن کان بعد الصلاة أعادت} لأن الانقطاع کشف عن فساد الطهارة الأول وبفسادها تبطل الصلاة، کما ذهب إلی ذلک جماعة. والأقرب هو الصحة، کما ذهب إلیه آخرون، لأن الإطلاق والاستصحاب یقتضیان الکفایة، کما عرفت فی الصورة السابقة.

أما قوله: {إلاّ إذا تبین کون الانقطاع قبل الشروع فی الوضوء والغسل} فهو استثناء منقطع، ویدل علی الصحة فی هذه الصورة وضوح أن الطهارة والصلاة وقعتا فی حال الطهارة فلا وجه لتوهم لزوم الإعادة.

ص:375

وإن کان انقطاع فترة واسعة فکذلک علی الأحوط، وإن کانت شاکة فی سعتها أو فی کون الانقطاع لبرء أم فترة لا یجب علیها الاستئناف أو الإعادة

ومما تقدم تعرف وجه قوله: {وإن کان انقطاع فترة واسعة فکذلک علی الأحوط} فالأقرب عندی عدم وجوب الإعادة مطلقاً فی الصور الثلاثة، وإنما احتاط المصنف هنا بالإعادة دون صورة انقطاع البرء، لاحتمال أن تکون الفترة بحکم الاستحاضة _ کما عن الشهیدین _ وإن کان قد تقدم أنه لا وجه له.

وأما إذا لم تسع الفترة للطهارة والصلاة ووسعت لإحداهما، أو لبعض إحداهما، فعلی ما ذکرناه لا تجب الإعادة، وأما علی ما ذکروه فاللازم أن یحکموا بالإعادة لأن الضرورات تقدر بقدرها، وإن کان ظاهرم عدم الإعادة.

{وإن کانت شاکة فی سعتها} مع العلم بأنها فترة انقطاع {أو فی کون الانقطاع لبرء أم فترة لا یجب علیها الاستئناف أو الإعادة} أما علی ما ذکرناه فهو واضح، وأما علی ما ذکروه: فقد ذکر المصنف تبعاً للجواهر والشیخ المرتضی عدم الاستثناف والإعادة وذلک لإطلاق الأخبار وللزوم الحرج.

وأشکل علی الدلیلین:

أما الاطلاق فبأنه لا إطلاق للأخبار علی ما اعترفوا به فی الصور السابقة، بالإضافة إلی کون الإطلاق فی مقام الحکم الواقعی، ومقام

ص:376

إلا إذا تبین بعد ذلک سعتها أو کونه لبرء.

الشک فی سعة الفترة، مقام الحکم الظاهری والدلیل المثبت للحکم الواقعی لا یتکفل لبیان الحکم الظاهری المتأخر منه رتبة، وأما الحرج فبأنه لا یثبت الحکم، وإنما یسقطه، بالإضافة إلی أنه شخصی فلا یکون دلیلاً علی حکم کلی.

وأما وجه قول المصنف: {إلاّ إذا تبین بعد ذلک سعتها أو کونه لبرء} فیجب الاستئناف والإعادة، فهو واضح علی مبناهم، وأما علی ما ذکرناه فلا تجب الإعادة والاستئناف، کما عرفت. والله العالم.

ص:377

مسألة ١٥ تحول الاستحاضة من حالة إلی أخری

(مسألة _ 15): إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنی إلی الأعلی کما إذا انقلبت القلیلة متوسطة أو کثیرة أو المتوسطة کثیرة.

فإن کان قبل الشروع فی الأعمال: فلا إشکال، فتعمل عمل الأعلی، وکذا إن کان بعد الصلاة فلا یجب إعادتها.

وإما إن کان بعد الشروع قبل تمامها: فعلیها الاستئناف

(مسألة _ 15): {إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنی إلی الأعلی کما إذا انقلبت القلیلة متوسطة أو کثیرة أو المتوسطة کثیرة} فهو علی ثلاثة أقسام لأنه: إما قبل الشروع فی العمل أو فی أثنائه _ طهارة أو صلاة أو بینهما _ أو بعد تمام الأعمال.

{فإن کان قبل الشروع فی الأعمال فلا إشکال} فی الحکم {فتعمل عمل الأعلی} لإطلاق أدلة عمل الأعلی الحاکم علی إطلاق أدلة عمل الأدنی، ومن الواضح: أنه لیس لهما عملان عمل الأدنی وعمل الأعلی، فإذا قلنا: بأن الواجب علی الکثیرة الغسل فقط لم یجب الغسل والوضوء معاً، لاندکاک الأدنی فی الأعلی {وکذا إن کان بعد الصلاة فلا یجب إعادتها} بلا إشکال لأن الحدث إنما یؤثر فیما بعده لا فیما قبله، ومثل الصلاة الصوم فی الحکمین المذکورین.

{وأما إن کان بعد الشروع قبل تمامها، فعلیها الاستئناف

ص:378

والعمل علی الأعلی، حتی إذا کان الانتقال من المتوسطة إلی الکثیرة فیما کانت المتوسطة محتاجة إلی الغسل وأتت به أیضا فیکون أعمالها حینئذ مثل أعمال الکثیرة، لکن مع ذلک یجب الاستئناف،

والعمل علی الأعلی} قال فی المستمسک: (لقدح الحادث فیها بمقتضی إطلاق دلیله فلا بد من إعمال مقتضاه)((1)) انتهی، وفیه: إن إطلاق الدلیل مع کثرة الانتقال وعدم التنبیه یکفی فی الحکم بالکفایة، منتهی الأمر: أن دلیل أدنی یقول بالکفایة، ودلیل الأعلی یقول بعدم الکفایة، ومع التعارض فالمرجع استصحاب بقاء الأثر، من غیر فرق: بین أن یکون الانتقال فی أثناء الوضوء أو الغسل أو الصلاة أو بین الطهارة والصلاة.

هذا ولکن الاحتیاط فیما ذکره المصنف.

نعم لا ینبغی الإشکال أنه إذا کان قلیلاً فصار متوسطاً قبل الظهر فی یوم الصوم فانه لا یجب غسل المتوسط فی حاله، بل تؤخره إلی الظهرین {حتی إذا کان الانتقال من المتوسطة إلی الکثیرة فیما کانت المتوسطة محتاجة إلی الغسل} کما إذا کانت قبل الصلاة {وأتت به أیضاً، فیکون أعمالها حینئذ مثل أعمال الکثیرة، لکن مع ذلک یجب الاستئناف} وذلک لأن الغسل الذی أتت به بعد المتوسطة إنما کان رافعاً لأثر التوسط، فالکثیرة التی رأتها فی أثناء الطهارة أو

ص:379


1- المستمسک: ج3 ص417

وإن ضاق الوقت عن الغسل والوضوء أو أحدهما تتیمم بدله، وإن ضاق عن التیمم أیضا استمرت علی عملها، لکن علیها القضاء علی الأحوط.

الصلاة أو بینهما بحاجة إلی رفع أثرها بغسل آخر.

هذا ولکن یرد علیه: أن إطلاق دلیل المتوسطة حاکم علی الکفایة، ولا یعلم شمول دلیل الکثرة لمثل هذه الصورة خصوصاً مع ملاحظة القرینة التی ذکرناها من کثیرة الانتقال من حال إلی حال مع عدم تنبیه الأدلة علی ذلک.

نعم الأحوط ما ذکره المصنّف: {وإن ضاق الوقت} بعد التبدل من حال إلی حال {عن الغسل والوضوء أو أحدهما: تتیمم بدله} لإطلاق أدلة بدلیة التیمم {وإن ضاق عن التیمم أیضاً: استمرت علی عملها} لأن عموم أدلة الأعلی لمثل هذه الصورة مشکوک فیه، وإن قلنا بالعموم فی الجملة.

وعلیه: فالمرجع عموم أدلة الأدنی، فما فی المستمسک: من (أن الظاهر إجراء حکم فاقد الطهورین علیها، ومختار المتن والنجاة سقوط الأداء عنه ووجوب القضاء علیه)((1)) انتهی، لا یخلو من إشکال، بل لو قلنا: بأنها داخلة فی فاقد الطهورین، فالظاهر وجوب الأداء أیضاً، لأن الصلاة لا تترک بحال {لکن علیها القضاء علی الأحوط} لاحتمال أنها داخلة فی فاقد الطهورین، وحکم فاقد

ص:380


1- المستمسک: ج3 ص418

وإن انتقلت من الأعلی إلی الأدنی: استمرت علی عملها لصلاة واحدة، ثم تعمل عمل الأدنی، فلو تبدلت الکثیرة متوسطة قبل الزوال أو بعده قبل صلاة الظهر تعمل للظهر عمل الکثیرة: فتتوضأ وتغتسل وتصلی، لکن للعصر والعشائین یکفی الوضوء،

الطهورین القضاء.

{وإن انتقلت من الأعلی إلی الأدنی: استمرت علی عملها لصلاة واحدة} فإذا تبدلت الکثرة إلی القلة مثلاً قبل الظهر اغتسلت وصلّت الظهر بذلک الغسل {ثم تعمل عمل الأدنی} أی الوضوء لصلاة العصر، لإطلاق أدلة الأعلی بالنسبة إلی الظهر، وإطلاق أدلة الأدنی بالنسبة إلی العصر، لکن هذا إذا کان للعمل خاصاً، کما إذا قلنا: بأن الصلاة مع الغسل لا تحتاج إلی الوضوء وبدونه تحتاج إلی الوضوء.

أما إذا قلنا بأنها تحتاج إلی الوضوء مطلقاً لم یظهر أثر للتبدل {فلو تبدلت الکثیرة متوسطة قبل الزوال أو بعده} لما عرفت سابقاً من عدم لزوم استمرار الحالة إلی وقت الصلاة {قبل صلاة الظهر تعمل للظهر عمل الکثیرة} لإطلاق أدلة الکثیرة {فتتوضأ وتغتسل وتصلی} الظهر {لکن للعصر والعشائین یکفی الوضوء} لإطلاق أدلة المتوسطة.

لکن ربما یقال: إن مقتضی ما سبق فی بعض المسائل أن

ص:381

وإن أخرت العصر عن الظهر أو العشاء عن المغرب.

نعم لو لم تغتسل للظهر عصیانا أو نسیانا یجب علیها للعصر إذا لم یبق إلا وقتها، وإلا فیجب إعادة الظهر بعد الغسل، وإن لم تغتسل لها فللمغرب، وإن لم تغتسل لها فللعشاء،

التوسط قبل أی صلاة یوجب الغسل، فإذا صارت متوسطة قبل العصر وجب الغسل لها، والغسل للکثیرة للظهر لا یکفی عنه، وفیه: إن من التطوع أنه لا یکون حکم التوسط أکثر من حکم الکثیرة فإنه إذا بقی الدم کثیراً إلی صلاة العصر لم یحتج إلی أکثر من الوضوء، فإذا تبدل إلی الأضعف لم یحتج إلی أکثر من الوضوء بطریق أولی، وکیف کان فیکفی الوضوء {وإن أخّرت العصر عن الظهر أو العشاء عن المغرب} إذ ضرر عدم الجمع فی الکثیرة إنما کان بالاحتیاج إلی غسل ثان، وهذا لا یجری فی المقام، فلا فرق فی کفایة الوضوء للعصر والعشاء بین الجمع وبین التفریق.

{نعم لو لم تغتسل للظهر عصیاناً أو نسیاناً} أو لعذر آخر {یجب علیها} الغسل {للعصر} لاشتراط الغسل للصلاة، فإذا لم تفعله للصلاة الأولی وجب علیها الغسل للصلاة الثانیة {إذا لم یبق إلاّ وقتها} إذ لا وقت للظهر حینئذ وإنما یجب علیها قضاء الظهر بعد ذلک {وإلاّ} بأن کان لها وقت لکلتیهما {فیجب إعادة الظهر بعد الغسل} لبطلان الظهر من جهة عدم الغسل، فاللازم إعادتها بعد الغسل {وإن لم تغتسل لها فللمغرب، وإن لم تغتسل لها فللعشاء}،

ص:382

إذا ضاق الوقت وبقی مقدار إتیان العشاء.

وإن لم تغتسل لها فللصبح {إذا ضاق الوقت وبقی مقدار إتیان العشاء} وإلاّ وجب إعادة المغرب أیضاً بغیر ما ذکرناه فی الظهرین.

ولو شکت فی حصول التبدل وجب الفحص، ولو کان الشک فی الأثناء ولم تتمکن من الفحص، أو کان قبل العمل جری الاستصحاب، وإن کان الشک بعد الفراغ جرت قاعدة الفراغ، کما هو واضح.

ص:383

مسألة ١٦ وجوب الغسل للانقطاع علی المتوسطة والکثیرة

(مسألة _ 16): یجب علی المستحاضة المتوسطة والکثیرة إذا انقطع عنها بالمرة الغسل للانقطاع،

(مسألة _ 16): {یجب علی المستحاضة المتوسطة والکثیرة إذا انقطع عنها بالمرة: الغسل للانقطاع} لإطلاق أدلة إیجابهما الغسل، إن کانت بعد الصلاة ذات دم فاللازم وجوب الغسل علیها، وقد سبق أنه لا یشترط امتداد الغسل إلی الوقت فی وجوب الغسل.

لکن عن الشیخ والعلامة فی جملة من کتبهما، إطلاق القول: بأن الانقطاع إنما یوجب الوضوء فقط.

ویستدل لهما: بأن ظاهر الأدلة أن المرأة وقت الصلاة إذا کانت ذات دم وجب علیها الغسل، فإذا انتفی الموضوع انتفی الحکم، ولازم هذا القول أنها إذا لم تکن ذات دم حال الصلاة لم یجب الغسل، سواء انقطع دمها قبل دخول الوقت أو بعد دخول الوقت ولم تصلّ بعد، ویرد علیهما:

أولاً: بالنقض بالوضوء، فإن المناط فی الغسل إذا کان هو وجود الدم حال الصلاة کان اللازم أن یکون ذلک هو مناط الوضوء لوحدة لسان الدلیل بالنسبة إلی کل من الغسل والوضوء، اللّهمّ إلاّ أن یقال بإرادتها أن حالها حال سائر الناس الذین إذا قاموا إلی الصلاة توضؤوا لا أنهما یریدان الحکم بالوضوء لأجل الاستحاضة.

وثانیا: بأن تخصیص أدلة الغسل بوجود الدم حال الصلاة لا وجه له بعد إطلاقها، وإلاّ لزم عدم وجوب الغسل علی من لا تری أوقات الصلاة وتری الدم فی سائر الأوقات، وهذا مما یستبعد أن

ص:384

إلا إذا فرض عدم خروج الدم منها من حین الشروع فی غسلها السابق للصلاة السابقة.

یلتزما به.

وهناک احتمال ثالث فی المسألة: وهو عدم احتیاج الانقطاع إلی الغسل ولا إلی الوضوء، وقد احتمله فی المعتبر وقوّاه فی الجواهر قائلاً:

(لولا ظهور اتفاق الأصحاب علی عدمه)((1))، ثم استدل له: بمنع حدثیة دم الاستحاضة علی وجه یشمل المنقطع منه بعد فعل الطهارة، وإطلاق دلیل العفو، مثل قوله: «إذا فعلت المستحاضة ما کان علیها کانت بحکم الطاهر».. إلی آخر استدلالاته، کما أنه ربما یستدل لذلک بعدم تنبیه الإمام (علیه السلام) علی الغسل والوضوء بعد الانقطاع ولو کان واجباً علیها لزم التنبیه، وهذا الاحتمال قویّ جداً کما ذکراه، إلاّ أن العمل به مشکل، خصوصاً بعد ما یظهر منهم من شبهة الاتفاق، فالاحتیاط یقتضی ما ذکره المصنف تبعاً للمشهور.

{إلاّ إذا فرض عدم خروج الدم منها من حین الشروع فی غسلها السابق للصلاة السابقة} حیث إن الغسل رفع آثار الدم، وکذلک الوضوء فی القلیلة فلا وجه لغسل آخر أو وضوء آخر، أما إذا کان الدم یخرج إلی وسط الغسل والوضوء مثلاً وجب الغسل والوضوء بناءً علی عموم أدلة الاستحاضة لهما.

ص:385


1- الجواهر: ج3 ص334

مسألة ١٧ وجوب تجدید الوضوء علی المستحاضة القلیلة

(مسألة _ 17): المستحاضة القلیلة: کما یجب علیها تجدید الوضوء لکل صلاة ما دامت مستمرة، کذلک یجب علیها تجدیده لکل مشروط بالطهارة.

(مسألة _ 17): {المستحاضة القلیلة: کما یجب علیها تجدید الوضوء لکل صلاة ما دامت مستمرة، کذلک یجب علیها تجدیده لکل مشروط بالطهارة} کما ارتضاه جمع، خلافاً لآخرین حیث اکتفوا بأعمالها للصلوات عن إتیانها بالغسل أو الوضوء لسائر ما یشترط بالطهارة، وهذا هو المحکی عن العلامة الطباطبائی فی مصابیحه، وأیده الجواهر، وحکی الشیخ المرتضی عن بعض مشایخه: (کفایة الأغسال والوضوءات الواجبة لجمیع الصلوات بعدها)، وقال فی المستند: (الأقوی أنه یجوز للمستحاضة مطلقاً قراءة العزائم ومسّ المصاحف واللّبث فی مطلق المساجد مع الجواز فی المسجدین، ولا یتوقف شیء منها علی شیء من الأعمال، للأصل الخالی عن الصارف جداً)((1)) انتهی. ولقد أغرب فی المستمسک حین قال: بأن (تقتضی _ أی القواعد _ عدم مشروعیتها أصلاً إذا لم تکن مضیقة)((2)).

وکیف کان، فالذی یظهر من کلماتهم: أن الأقوال فی المسألة أربعة أو أکثر:

القول الأول: عدم الجواز مطلقاً إلاّ فی المضیق.

ص:386


1- المستند: ج1 ص161 س7
2- المستمسک: ج3 ص421

القول الثانی: الجواز مطلقاً حتی بدون أعمالها لصلواتها.

القول الثالث: الجواز بشرط إتیانها بأعمالها للصلوات.

القول الرابع: الجواز بشرط الوضوء للغایات بالإضافة إلی أعمالها لصلواتها.

أما القول الأول: فقد استدل له: بأن طهارة المستحاضة اضطراریة والطهارة الاضطراریة لا تصحح إلاّ المقدار المضطر إلیه فلا یصح لها الإتیان بغیر الأمور الاضطراریة، فحالها حال المتیمم حیث لا یصح له الإتیان بصلاة القضاء ونحوها، لأن الضرورات تقدر بقدرها.

وأما القول الثانی: فدلیله الأصل بعد عدم وجود دلیل علی المنع.

والقول الثالث: دلیله أن المستفاد من النص والفتوی أن الاستحاضة حدث، وأن الرافع لهذا الحدث هو الأعمال المقررة لها، فاذا أتت بأعمالها صارت بحکم الطاهر وصح لها جمیع الأعمال، وإن لم تأت بالأعمال کانت بحکم المحدث.

أما القول الرابع: فقد استدل له بأن الاستحاضة حدث، وأعمالها إنما تنفع بالنسبة إلی الیومیة، أما بالنسبة إلی غیرها فاللازم أن تتوضأ _ بالإضافة إلی أعمالها لصلواتها _ لیجوز لها الإتیان بسائر ما یشترط فیه الطهارة من طواف وصلاة آیات وغیرها، والظاهر هو جواز إتیانها بکل الأعمال بالوضوءات التی تأتیها للصلوات الواجبة وذلک

ص:387

لعدم دلیل علی الأزید من اشتراط الأعمال بتلک الوضوءات، أما اشتراطها بتلک الوضوءات فلأن الظاهر من إیجاب الوضوءات حدثیة الدم فی الجملة، فلا یصح الإتیان بالأعمال المشروطة بالطهارة، إلاّ إذا رفعت الحدثیة وهی لا ترتفع إلاّ بالوضوءات، وأما عدم اشتراط وضوء أکثر فلعدم الدلیل، إلاّ أمور:

الأول: توهم وجود الإجماع، وفیه: أنه کیف یمکن القول والحال أن المسألة مختلف فیها ولم یذکرها کثیرون، بالإضافة إلی أنه محتمل الإسناد المسقط له عن الحجیة.

الثانی: قوله (علیه السلام): «وصلّت کل صلاة بوضوء»((1))، ویتعدی عنه إلی سائر ما یشترط بالطهارة بالمناط، وفیه: أن الظاهر من هذه الجملة الصلوات الیومیة _ کما یظهر من قرائن الکلام _، وقد تقدم بعض الکلام فی ذلک فی المسألة الأولی.

الثالث: صحیحة ابن عمار: عن الصادق (علیه السلام) قال: «المستحاضة تنظر أیامها فلا تصلی فیها ولا یقربها بعلها، فإذا جازت أیامها ورأت الدم یثقب الکرسف اغتسلت للظهر والعصر _ إلی أن قال _: وتضم فخذیها فی المسجد وسائر جسدها خارج، ولا یأتیها بعلها أیام قرئها، وإن کان الدم لا یثقب الکرسف توضأت ودخلت المسجد وصلّت کل صلاة بوضوء، وهذه یأتیها بعلها إلاّ فی

ص:388


1- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح1

کالطواف الواجب ومس کتابة القرآن إن وجب، ولیس لها الاکتفاء بوضوء واحد للجمیع علی الأحوط، وإن کان ذلک الوضوء للصلاة فیجب علیها تکراره بتکرارها، حتی فی المس یجب علیها ذلک

أیام حیضها»((1))، فإن اشتراط دخول المسجد بالوضوء دلیل علی اشتراطه فی سائر ما یشترط فیه الطهارة بطریق أولی.

وفیه: إن الظاهر منه أن الوضوء لأجل الصلاة، فإن دخول المسجد إنما هو لأجل الصلاة فی الغالب، أما قوله بعد ذلک: «وصلت کل صلاة بوضوء» فلعدم توهم کفایة وضوء واحد، هذا ومع ذلک کله فما ذکرناه من اشتراط الأعمال المشروطة بالطهارة بوضوءات الصلوات إنما هو احتیاط، وإلاّ فما ذکر له من الدلیل لا یخلو عن کونه إشعاراً وتأییداً لا دلیلاً یمکن الاستناد إلیه فی الفتوی.

وکیف کان، فالاحتیاط فی تجدیده کل مشروط بالطهارة {کالطواف الواجب ومسّ کتابة القرآن إن وجب} فإن المسّ مشروط بالطهارة {ولیس لها الاکتفاء بوضوء واحد للجمیع علی الأحوط}.

{وإن کان ذلک الوضوء للصلاة} مما کان وظیفة لها {فیجب علیها تکراره بتکرارها} لإشعار «الوضوء لکل صلاة» علی أن الوضوء أثره إلی آخر عمل واحد، فالعمل الثانی المشروط بالطهارة یحتاج إلی وضوء جدید {حتی فی المسّ یجب علیها ذلک} إذا أراد

ص:389


1- الوسائل: ج2 ص604 الباب10 من أبواب الاستحاضة ح1

لکل مس علی الأحوط.

نعم: لا یجب علیها الوضوء لدخول المساجد والمکث فیها، بل ولو ترکت الوضوء للصلاة أیضاً.

التکرار وجب وضوءات متعددة {لکل مس} وضوء {علی الأحوط} وإنما احتاط: لاحتمال أن یکون المس المتعدد المتقارب یکفی فیه وضوء واحد لأن التقارب ملحق له بالواحد، وفی قبال هذا الاحتمال ما یظهر من کشف الغطاء حیث احتمل وجوب تکرار الوضوء مع استمرار المس، ولعله لأجل أنه کالمس المتعدد، کما ذکروا فی باب تعدد التطهیر: إن إجراء الماء مدة یقوم مقام المتعدد.

{نعم: لا یجب علیها الوضوء لدخول المساجد والمکث فیها} ففی الجواهر: (إنه بلا خلاف یعرف) وذلک للأصل، وإن القلیلة منتهی الأمر فیها أنها حدث أصغر، ومثله لا یمنع عن دخول المسجد، لکن فی المستند: (إن بعضهم منع اللبث فی مطلق المساجد مع الجواز فی المسجدین قبل جمیع الأعمال)، واستدل بصحیحة ابن عمار المتقدمة.

أقول: وقد عرفت ما فی دلالة الصحیحة، فالأقوی ما ذکره المصنف: {بل ولو ترکت الوضوء للصلاة أیضاً} لأنها حینئذ بحکم المحدث بالأصغر، وذلک لا یمنع عن دخولها والمکث فیها کما عرفت، ومما تقدم ظهر أنه لیس فی قراءتها العزائم بأس وإن لم تتوضأ

ص:390

حتی للصلاة، لما ذکر من الدلیل فی دخولها المسجدین والمکث فی سائر المسجد.

ص:391

مسألة ١٨ فروع تتعلق بالمستحاضة الکثیرة والمتوسطة

(مسألة _ 18): المستحاضة الکثیرة والمتوسطة إذا عملت بما علیها جاز لها جمیع ما یشترط فیه الطهارة، حتی دخول المساجد والمکث فیها وقراءة العزائم ومس کتابة القرآن.

(مسألة _ 18): {المستحاضة الکثیرة والمتوسطة إذا عملت بما علیها جاز لها جمیع ما یشترط فیه الطهارة حتی دخول المساجد والمکث فیها وقراءة العزائم ومس کتابة القرآن} کما هو المشهور، بل ادعی علیه الإجماع ویدل علیه الصحیحة المتقدمة عن ابن عمار حیث قال (علیه السلام): «وتضم فخذیها فی المسجد وسائر جسدها خارج»((1)).

وقوله (علیه السلام) فی خبر عبد الرحمن بن أبی عبد الله: «فإذا کان دماً سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلی الصلاة، ثم تصلی صلاتین بغسل واحد، وکل شیء استحلت به الصلاة، فلیأتها زوجها ولتطف بالبیت»((2)) مع وضوح أن الطواف یلازم دخول المسجد الحرام.

وإطلاق روایة الجعفریات: عن علی (علیه السلام) قال: «المستحاضة تصوم وتصلی وتقضی المناسک وتدخل المساجد ویأتیها

ص:392


1- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح1
2- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح8

ویجوز وطؤها.

وإذا أخلت بشیء من الأعمال حتی تغییر القطنة بطلت صلاتها،

زوجها»((1))، إلی غیرها.

والمراد: "بضم الفخذین": حفظ نفسها حتی لا یسیل منها الدم، کما أن المراد "بسائر جسدها خارج"، إن سائر الجسد خارج عن احتمال التلویث، لا أنه خارج عن المسجد، لوضوح أنه لا یمکن کذلک إلاّ ببعض الصور الشاذة التی لا تراد منها قطعاً.

{ویجوز وطؤها} إجماعاً ولإطلاق بعض الروایات وتصریح بعضها الآخر، ومنه یعلم أن المراد بالشرط فی روایة إسماعیل: عن الصادق (علیه السلام) فی الاستحاضة الکبیرة والمتوسطة، فقلت: یواقعها الرجل؟ قال: «إذا طال ذلک بها فلتغتسل ولتتوضأ ثم یواقعها إن أراد»((2)) استحباب التنزه، لقذارة الجماع فی حال سیلان الدم مما یرغب الإنسان عنه إلاّ لدی طول زمان العزوب.

{وإذا أخلّت بشیء من الأعمال حتی تغییر القطنة بطلت صلاتها} وقد سبق الکلام فی ذلک، والطواف مثل الصلاة فی الصحة والبطلان وما أشبه لأن الطواف بالبیت صلاة کما ذکر فی کتاب الحج.

ص:393


1- الجعفریات: ص 75 باب السنة فی البدنة، من کتاب المناسک
2- قرب الإسناد: ص60

وأما المذکورات سوی المس فتتوقف علی الغسل فقط، فلو أخلت بالأغسال الصلاتیة لا یجوز لها الدخول والمکث والوطء وقراءة العزائم علی الأحوط.

{وأما المذکورات} من دخول المسجدین والمکث فی سائر المساجد وقراءة العزائم والوطء {سوی المسّ} لکتابة القرآن {فتتوقف علی الغسل فقط، فلو أخلت بالأغسال الصلاتیة لا یجوز لها الدخول والمکث والوطء وقراءة العزائم علی الأحوط} وقد اختلفوا فی ذلک، ونتکلم فی المقام حول أمرین:

الأول: المکث والدخول وقراءة العزائم والمس.

الثانی: الوطء.

فنقول: أما الأمر الأول ففیه أقوال خمسة:

الأول: الجواز مطلقاً بدون الغسل وأی شیء آخر، وهذا هو الذی اختاره المستند کما تقدمت عبارته فی المسألة السابقة، واستدل لذلک بالأصل بعد تضعیف أدلة المخالف.

الثانی: المنع عن قراءة العزائم لمن علیه غسل، دون الأمور الأخر، فتجوز لها وإن لم تغتسل.

الثالث: المنع عن مسّ المصحف قبل الغسل، دون الأمور الأخر، فتجوز لها وإن لم تغتسل.

الرابع: المنع عن دخول المسجدین واللبث فی سائر المساجد قبل الغسل، دون الأمور الأخر، فیجوز لها وإن لم تغتسل.

ص:394

الخامس: المنع مطلقاً قبل الغسل، وقد عرفت استدلال المجوّز مطلقاً.

أما المانع عن قراءة العزائم فقد استدل له: بأن وجوب الغسل دلیل علی أنه محدث بالحدث الأکبر، والمحدث کذلک لا یجوز له قراءة العزائم، وبنفس هذا استدل المانع عن مسّ المصحف.

ویرد علیهما: أولاً: نقض کل بالآخر، فلماذا کل منهما منع عن أحد الأمرین لا عن کلیهما مع أن المحدث یحرم علیه کلیهما، وثانیاً: أن الغسل لا یلازم المنع المذکور، کما فی من علیه غسل المس، فإنه یصح له قراءة العزائم ومس کتابة القرآن.

أما القول الرابع: فقد استدل له: بصحیحة ابن عمار المتقدمة حیث إنه (علیه السلام) بعد أمرها بأن تغتسل للظهر والعصر قال: «وتضم فخذیها فی المسجد وسائر جسدها خارج»، مما یشعر بأن دخولها المسجد قبل الغسل محظور، وفیه: إنه لیس أکثر من إشعار، بل الإشعار أیضاً لأنه فی صدد أنه إذا دخلت المسجد ضم فخذیها حتی لا یسیل منها دم فی المسجد، کما عرفت.

أما المانع مطلقاً، فقد استدل: تارة بالإجماع، وتارة بأن الظاهر من الأدلة أنها کالجنب والحائض فیحرم علیها ما یحرم علیهما، وتارة بصحیحة بن عمار المتقدمة، والتعدی عن موردها _ أی حرمة دخولها المسجد _ إلی سائر المحرمات بالمناط.

ص:395

وفی الکل ما لا یخفی: إذ الإجماع قطعی العدم، فإن القائلین بالمنع قلیلون جداً، بل عن الأعیان: کالنهایة والقواعد والمراسم والوسیلة والروض ومجمع البرهان والمدارک والذخیرة وشرح المفاتیح وغیرهم: الجواز، واختاره جملة من الشرّاح والمحشّین. بل المصنّف احتاط فی ذلک، مما یظهر منه عدم ظفره بدلیل أو إجماع قطعی علی ذلک، ولا نسلّم ظهور الأدلة فی أنها کالجنب والحائض.

وصحیحة ابن عمار قد تقدم عدم دلالتها فکیف بالمناط فیها، ثم إن استثناء المصنف (المسّ) لما تقدم فی المسألة السابقة.

وکیف کان: فالأقرب هو الجواز مطلقاً، باستثناء المسّ، فالاحتیاط لا یترک فیه.

وأما الأمر الثانی: وهو وطؤ المستحاضة، ففیه أقوال:

الأول: الجواز مطلقاً، کما عن المهذب والمعتبر والتحریر والتذکرة والدروس والبیان والکرکی والمدارک والکفایة، وجمع آخر من المتأخرین کالمستند وغیره.

الثانی: المنع إلاّ بعد جمیع الأعمال الواجبة علی المستحاضة بأقسامها الثلاثة حتی الوضوء فی القلیلة، کما عن المقنعة والاقتصاد والجمل والعقود والکافی والإصباح والإسکافی والمصباح والحلی والمنتهی ناسباً إلی ظاهر عبارات الأصحاب.

الثالث: توقف الوطء علی الغسل خاصة، فلا منع فی المتوسطة

ص:396

والکثیرة بعد الغسل، ویجوز فی القلیلة مطلقاً، کما عن الرسالة والهدایة.

الرابع: توقف الوطء علی الغسل فی موقع الغسل، وعلی الوضوء فی موقع الوضوء، وقد حکی هذا عن بعض ناسباً له إلی ظاهر الأصحاب.

الخامس: توقفه علی الغسل والوضوء کل فی موقعه مع تجدید الوضوء للوطء، کما عن المبسوط.

استدل للأول: بالأصل وبعموم قوله تعالی: ﴿فإِذا تطهّرْن فأْتُوهُنّ﴾((1)) وقوله: ﴿و لا تقْربُوهُنّ حتّی یطْهُرْن﴾((2)).

وبصحیحة ابن سنان: «لا بأس أن یأتیها بعلها إذا شاء إلاّ أیام حیضها»((3)).

وصحیحة صفوان: «ویأتیها زوجها إن أراد»((4)).

والرضوی: «فإذا دام دم المستحاضة ومضی علیها مثل أیام حیضها أتاها زوجها متی ما شاء بعد الغسل أو قبله»((5)).

ص:397


1- سورة البقرة: الآیة 222
2- سورة البقرة: الآیة 222
3- الکافی: ج3 ص90 باب جامع فی الحائض والمستحاضة ح5
4- الکافی: ج3 ص90 باب جامع فی الحائض والمستحاضة ح6
5- فقه الرضا: ص21 س34

والدعائم: «وحلّت لزوجها»((1))، وفی موضع آخر منه: «ویأتیها زوجها»((2)).

والجعفریات: «ویأتیها زوجها»((3))، إلی غیر ذلک.

استدل: القائل بالمنع مطلقاً ب_:

موثق سماعة: «وإن أراد زوجها أن یأتیها، فحین تغتسل»((4)).

وخبر قرب الإسناد: قلت: یواقعها الرجل؟ قال (علیه السلام): «إذا طال ذلک بها فلتغتسل ولتتوضأ، ثم یواقعها إن أراد»((5)).

وخبر عبد الرحمان: عن الصادق (علیه السلام): «وکل شیء استحلت به الصلاة فلیأتها زوجها ولتطف بالبیت»((6)).

وموثق الفضیل وزرارة: عن أحدهما (علیهما السلام): «فإذا حلّت لها الصلاة، حلّ لزوجها أن یغشاها»((7)).

ص:398


1- دعائم الإسلام: ج1 ص127 و128 فی ذکر الحیض
2- دعائم الإسلام: ج1 ص127 و128 فی ذکر الحیض
3- الجعفریات: ص75 باب السنة فی البدنة من کتاب المناسک
4- الوسائل: ج2 ص606 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح6
5- (10) قرب الإسناد: ص60
6- الوسائل: ج2 ص607 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح8
7- ( [7] ) الوسائل: ج2 ص608 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح12

ولا یجب لها الغسل مستقلا بعد الأغسال الصلاتیة،

ویرد علی الموثق: إجماله _ بعد أنّه مضمرة لم یذکر فیه الإمام (علیه السلام) _ وذلک لاحتمال أن یراد بذلک حکم الحائض بقرینة قوله: «هذا إن کان دماً عبیطاً» ومن المعلوم أن العبیط من صفات الحیض فقوله (علیه السلام) هذا إشارة إلی «إن أراد زوجها أن یأتیها»، نعم هذه القرینة تعارض قرینة صدر الروایة وذیلها الذین هما فی صدد حکم المستحاضة، ولذا یقع الإجمال فی الروایة.

وعلی خبر قرب الإسناد: بأن تعلیق الجواز فیه علی الطول یشهد بأن المراد تعلیق جواز خاص لا مطلق الجواز مقابل الحرمة فلا ربط له بالمقام.

وعلی خبر عبد الرحمان: بأن الظاهر منه الحلیة فی مقابل حالة الحیض بقرینة السؤال فی صدره عن أصل جواز الوطء والطواف لا عن شرطهما، فیکون إطلاقها دالاً علی الجواز.

ومنه: یظهر الجواب عن موثق الفضیل وزرارة.

هذا ولکن الاحتیاط _ کما ذکره المصنف _ أولی.

وأما سائر الأقوال: فقد استدل لها بوجوه ظاهرة الضعف، وقد أطال الفقهاء الکلام فی هذه المسألة استدلالاً وردّاً فمن شاء الاطلاع علیها فلیرجع إلی المفصلات.

{ولا یجب لها الغسل مستقلاً بعد الأغسال الصلاتیة} لعدم

ص:399

وإن کان أحوط.

نعم: إذا أرادت شیئا من ذلک قبل الوقت وجب علیها الغسل مستقلاً علی الأحوط، وأما المس: فیتوقف علی الوضوء والغسل، ویکفیه الغسل للصلاة.

الدلیل علی لزوم غسل آخر للوطء بل ادعی علی ذلک الإجماع {وإن کان أحوط} لخبر قرب الإسناد المتقدم الظاهر فی غسل خاص لأجل الوطء، لکنک قد عرفت حمله علی الاستحباب، ولأن الأغسال إنما کانت تکفی للصلوات فإذا أرادت غایة أخری متوقفة علی الطهارة احتاجت إلی رفع الحدث المتوقف علی الغسل.

وفیه: إن إطلاق الأدلة قاض بکفایة الأغسال الصلاتیة.

{نعم إذا أرادت شیئاً من ذلک قبل الوقت وجب علیها الغسل مستقلاً} فإن الاستحاضة حدث یرفعها الغسل، وحیث إن تلک الغایات بحاجة إلی الطهارة، والمستحاضة محدثة، فاللازم الغسل حتی یصح لها الإتیان بتلک الغایات، لکن هذا الغسل {علی الأحوط} لإطلاق أدلة إتیان المستحاضة بسائر الغایات کالطواف ودخول المسجد، فلا وجه لتخصیص الجواز بالوقت.

{وأما المسّ فیتوقف علی الوضوء والغسل} لأنها بدون الغسل محدثة بالأکبر وبدون الوضوء محدثة بالأصغر، ولا یجوز للمحدث

ص:400

نعم إذا أرادت التکرار یجب تکرار الوضوء والغسل علی الأحوط، بل الأحوط ترک المس لها مطلقاً.

مسّ کتابة القرآن، قال تعالی: ﴿لا یمسُّهُ إِلاّ الْمُطهّرُون﴾((1))، وقد تقدم الکلام فی ذلک وأن الأحوط ذلک {ویکفیه الغسل للصلاة} فی المسّ لأن غسل الصلاة رافع للحدث الأکبر.

{نعم إذا أرادت التکرار یجب تکرار الوضوء} لما تقدم من أن کل غایة یحتاج إلی وضوء مستقل، لأنه المفهوم من قوله (علیه السلام): «کل صلاة بوضوء»((2)) لوحدة المناط {و} تکرار {الغسل} لأن الغسل للصلاة إنما ینفع للصلاة، أما الدم الذی یأتی بعد الصلاة أو فی أثنائها فهو حدث الأکبر لا یصح معه المس، فاللازم تکرار الغسل لتکرار المس، لکن الحکم فی کل من الوضوء والغسل {علی الأحوط} لما سبق من أن ظاهر الأدلة أن أعمال المستحاضة تجعلها بحکم الطاهر، فما لم تحدث حدثاً أکبر کالجنابة أو أصغر کالبول کانت بحکم الطاهر، فلا فرق فی عدم الاحتیاج إلی إعادة الوضوء والغسل بین المس الأول وبین سائر المس.

{بل الأحوط ترک المسّ لها مطلقاً} حتی بغسل الصلاة ووضوئها، لأن الغسل والوضوء طهارة اضطراریة، والضرورات تقدر بقدرها، فما اضطرت إلیه أتت به بالغسل والوضوء، أما ما لم تضطر إلی شیء کالمس فلا تأتی به أصلاً، أما أن الغسل والوضوء

ص:401


1- سورة الواقعة: الآیة 79
2- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح1

طهارة اضطراریة، فلأن الدم الذی هو حدث باق، وإنما أجاز الشارع الصلاة ونحوها للاضطرار، لکنک قد عرفت الإشکال فی هذا الکلام، وأن الظاهر من النص والفتوی أنها إذا عملت أعمالها کانت بحکم الطاهر فی کل شیء، ولذا جازت لها النافلة والطواف مع عدم اضطرارها إلیهما.

ص:402

مسألة ١٩ جواز قضاء الفوائت للمستحاضة مع الوضوء والغسل

(مسألة _ 19): یجوز للمستحاضة قضاء الفوائت مع الوضوء والغسل وسائر الأعمال لکل صلاة، ویحتمل جواز اکتفائها بالغسل للصلوات الأدائیة، لکنه مشکل، والأحوط

(مسألة _ 19): {یجوز للمستحاضة قضاء الفوائت مع الوضوء والغسل وسائر الأعمال لکل صلاة} لأن هذه الأعمال ترفع آثار الحدث نصاً وإجماعاً {ویحتمل جواز اکتفائها بالغسل} والوضوء {للصلوات الأدائیه}.

أما عدم الاحتیاج إلی الغسل: فلما دل من النص والإجماع علی أنها بحکم الطاهر، ولذا قال فی الروض: (أما غسلها فللوقت: تصلی به ما شاءت من الفرض والنفل أداءً وقضاءً)((1)).

وأما عدم الاحتیاج إلی الوضوء: فلما تقدم من أن المنصرف من قولهم (علیهم السلام): «کل صلاة بوضوء»((2)) الصلوات الیومیة.

نعم حیث یری المصنف وجوب الوضوء لکل نافلة وفریضة لم یذکر الوضوء فیما ذکره من الاحتمال {لکنه مشکل} لما ذکرناه فی مسألة تکرار الغسل والوضوء لتکرار المس، وحیث قد عرفت الإشکال فیما ذکره هناک فلیس فی المسألة هنا إشکال. {والأحوط

ص:403


1- روض الجنان: ص88 س6
2- الوسائل: ج2 ص604 الباب1 من أبواب الاستحاضة ح1

ترک القضاء إلی النقاء.

ترک القضاء إلی النقاء} لما سبق فی قوله: (الأحوط ترک المسّ لها مطلقاً)((1)).

ص:404


1- تقدم فی الصفحة 401 آخر المسألة 18

مسألة ٢٠ وجوب صلاة الآیات علی المستحاضة

(مسألة _ 20): المستحاضة تجب علیها صلاة الآیات، وتفعل لها کما تفعل للیومیة، ولا تجمع بینهما بغسل وإن اتفقت فی وقتها.

(مسألة _ 20): {المستحاضة تجب علیها صلاة الآیات} لعموم أدلة وجوبها {وتفعل لها کما تفعل للیومیة} من (الوضوء) لأن "لکل صلاة وضوء"، و(الغسل) لأنها أحدثت بالدم فی أثناء صلاتها أو بعدها، والحدث الأکبر یحتاج إلی الغسل: و(سائر الأعمال) لوحدة المناط، وقد أوضح المصنّف ذلک بقوله: {ولا تجمع بینهما بغسل وإن اتفقت فی وقتها}.

لکن فیه: ما تقدم من ظهور النص والفتوی فی أنها إذا عملت أعمالها الیومیة کانت بحکم الطاهر، خصوصاً إذا کانت فی الوقت، للإجماع _ الذی ادعاه البرهان القاطع والشیخ المرتضی وغیرهما _ علی عدم الاحتیاج إلی التجدید فی الوقت، بل قد عرفت عدم الاحتیاج إلی الوضوء أیضاً وإن کان أحوط، ومما تقدم تعرف وجوب إتیانها بالطوافات الواجبة للعمرة والحج.

نعم إذا لم تکن عملت المستحاضة بأعمال الصلاة وجب علیها الأعمال للآیات والطواف حیث إنها محدثة.

ص:405

مسألة ٢١ الحدث بالأصغر أثناء الغسل

(مسألة _ 21): إذا أحدثت بالأصغر فی أثناء الغسل لا یضر بغسلها علی الأقوی، لکن یجب علیها الوضوء بعده وإن توضأت قبله.

(مسألة _ 21): {إذا أحدثت بالأصغر فی أثناء الغسل لا یضر بغسلها علی الأقوی} لما تقدم فی مبحث غسل الجنابة: أن الحدث الأصغر لا یضر بالغسل مطلقاً، لعدم الدلیل علی الضرر.

{لکن یجب علیها الوضوء بعده وإن توضأت قبله} لأن الحدث أبطل أثر الوضوء، کما یبطل أثر کفایة الغسل عن الوضوء فی غسل الجنابة، وفی المقام إن قلنا بکفایة الغسل عن الوضوء هنا.

ص:406

مسألة ٢٢ المستحاضة إذا مست میتا أو أجنبت أثناء الغسل

(مسألة _ 22): إذا أجنبت فی أثناء الغسل أو مست میتاً استأنفت غسلا واحداً لهما، ویجوز لها إتمام غسلها واستئنافه لأحد الحدثین إذا لم یناف المبادرة إلی الصلاة بعد غسل الاستحاضة، وإذا حدثت الکبری فی أثناء غسل المتوسطة استأنفت

(مسألة _ 22): {إذا أجنبت فی أثناء الغسل أو مسّت میتاً، استأنفت غسلاً واحداً لهما} لما سبق فی مبحث تداخل الأغسال من صحة إتیان غسل واحد لحدثین، لکن الاحتیاط فی المقام أن لا تقصد التقیید بأن تنوی البدء فی غسل الاستحاضة والجنابة لاحتمال صحة الاستحاضة بالنسبة إلی ما فعلته، فالتقیید یبطل الغسل، بل هذا هو الأقوی، لأنه لا دلیل علی بطلان ما فعلته بالحدث الحاصل فی الأثناء.

{و} لذا قال {یجوز لها إتمام غسلها واستئنافه لأحد الحدثین} بل للجنابة إذ لا معنی لاستئنافه للاستحاضة.

ولو أستأنفته للاستحاضة بقیت الجنابة، اللّهمّ إلاّ عند من یری کفایة أی غسل عن أی غسل آخر، کما لم نستبعده فی مبحث الجنابة. {إذا لم یناف المبادرة إلی الصلاة بعد غسل الاستحاضة} لما سبق من لزوم المبادرة، لکن من الواضح أن المقدار المتعارف من الغسل لا ینافی المبادرة المستفادة من النص والفتوی.

{وإذا حدثت الکبری فی أثناء غسل المتوسطة استأنفت

ص:407

للکبری.

للکبری} لأن الصغری اندکت فی الکبری، فدلیل الکبری قاض بوجوب الغسل لها، سواء کانت فی أثناء غسل الوسطی أو بعد غسل الوسطی.

وأما إذا حدثت الوسطی فی أثناء غسل الکبری فالظاهر أنها لا تضر بالغسل لأن غسل الکبری یکفی عن الوسطی، سواء کانت سابقة علی الغسل أو متوسطة فیه أو لاحقة علیه، وقد تقدم التأمل فی ذلک فراجع.

ص:408

مسألة ٢٣ تعدد الأغسال بتعدد رؤیة الدم والانقطاع خلال النهار

(مسألة _ 23): قد یجب علی صاحبه الکثیرة بل المتوسطة أیضا خمسة أغسال: کما إذا رأت أحد الدمین قبل صلاة الفجر، ثم انقطع، ثم رأته قبل صلاة الظهر، ثم انقطع، ثم رأته عند العصر، ثم انقطع، وهکذا بالنسبة إلی المغرب والعشاء، ویقوم التیمم مقامه إذا لم تتمکن منه، ففی الفرض المزبور علیها خمس تیممات،

(مسألة _ 23): {قد یجب علی صاحبة الکثیرة بل المتوسطة أیضاً خمسة أغسال کما إذا رأت أحد الدمین قبل صلاة الفجر ثم انقطع} قبل الغسل والصلاة، أو بعد الغسل والصلاة أو فی الاثناء _ بأقسامه الثلاثة _، ولا وجه لتخصیص المستمسک والمصباح ذلک بما قبل الغسل والصلاة، لأنه إذا انقطع الدم ثم جاء کانت استحاضة جدیدة لها حکمها، بالإضافة إلی ما تقدم من لزوم غسل الانقطاع.

{ثم رأته قبل صلاة الظهر ثم انقطع، ثم رأته عند العصر ثم انقطع، وهکذا بالنسبة إلی المغرب والعشاء} کما یمکن تصور أغسال خمسة إذا فصلت فی الکبیرة بین الصلوات.

{ویقوم التیمم مقامه} لإطلاق دلیل بدلیة التیمم {إذا لم تتمکن منه، ففی الفرض المزبور علیها خمسة تیممات} وإن تمکنت من بعض الأغسال دون بعض، وزعت بین الغسل والتیمم حسب القدرة.

ص:409

وإن لم تتمکن من الوضوء أیضا فعشرة.

کما أن فی غیر هذه إذا کانت وظیفتها التیمم: ففی القلیلة خمس تیممات، وفی المتوسطة ستة، وفی الکثیرة ثمانیة إذا جمعت بین الصلاتین، وإلا فعشرة.

{وإن لم تتمکن من الوضوء أیضاً فعشرة} تیممات: خمسة بدل الأغسال وخمسة بدل الوضوءات. هذا إن لم نقل بکفایة الأغسال عن الوضوءات. کما لم نستبعده فیما سبق.

{کما أن فی غیر هذه} المرأة التی ذکرناها {إذا کانت وظیفتها التیمم ففی القلیلة خمسة تیممات} کل تیمم بدل عن الوضوء {وفی المتوسطة ستة} واحد بدل الغسل وخمسة بدل الوضوءات، إن لم نقل بکفایة غسلها عن الوضوء {وفی الکثیرة ثمانیة} ثلاثة بدل الأغسال وخمسة بدل الوضوءات {إذا جمعت بین الصلاتین} حیث تحتاج إلی ثلاثة أغسال {وإلاّ فعشرة} لکل صلاة تیممان أحدهما بدل الغسل والآخر بدل الوضوء، إن لم نقل بکفایة الغسل عن الوضوء.

ومما تقدم: تعرف حکم ما إذا کانت قبل الفجر متوسطة أو کبیرة ثم انقطع، ثم رأت قبل الظهر متوسطة أو کبیرة ثم انقطع، ثم رأت قبل العصر متوسطة أو کبیرة، وهکذا فی العشائین.

وقد تقدم بعض الکلام حول ذلک عند نقل فتوی الشهیدین فراجع.

بقی شیء: وهو أنه ربما یشکل الحکم باستحاضیة الصغیرة قبل البلوغ، لانصراف الأدلة عنه، فلا یجب علیها غسل

ص:410

الانقطاع، إذا بلغت، وإن قلنا بوجوب الغسل إذا تقدم سببه قبل البلوغ، وهذا الکلام لا بأس به وإن کان ظاهرهم أن دم الصغیرة استحاضة إذا لم یکن جرحاً ونحوه، والله سبحانه العالم.

ص:411

المحتویات

المحتویات

مسألة 17 _ لو رأت الدم قبل وبعد العادة..................... 7

مسألة 18 _ لو رأت ثلاثة أیام متوالیات...................... 11

مسألة 19 _ تعارض الوقت والعدد........................... 28

مسألة 20 _ لو کانت عادتها عددیة ورأت أزید من عادتها....... 31

مسألة 21 _ لو کانت عادتها فی کل شهر مرة فرأت............ 32

مسألة 22 _ لو کانت عادتها فی کل شهر مرة فرأت

      فی شهر واختلفتا فی الوقت أو الصفات................. 33

مسألة 23 _ لو انقطع الدم قبل العشرة....................... 35

مسألة 24 _ لو تجاوز الدم عن العشرة........................ 56

مسألة 25 _ لو انقطع الدم بالمرة............................. 57

مسألة 26 _ لو ترکت الاستبراء.............................. 59

مسألة 27 _ عدم التمکن من الاستبراء....................... 60

فصل

فی حکم تجاوز الدم عن العشرة

73 _ 136

مسألة 1 _ لو رأت ثلاث أیام متوالیات أو أزید وانقطع.......... 73

مسألة 2 _ المراد من الشهر فی المسألة السابقة................. 108

مسألة 3 _ اختیار العدد فی رؤیة الدم......................... 109

ص:412

مسألة 4 _ وجوب الموافقة بین الشهور........................ 111

مسألة 5 _ لو تبین الخلاف أو الزیادة أو النقیصة............... 112

مسألة 6 _ فروع متعلقة بصاحبة العادة الوقتیة.................. 113

مسألة 7 _ فروع متعلقة بصاحبة العادة العددیة................ 117

مسألة 8 _ عدم الفرق فی الوصف بین الأسود والأحمر.......... 121

مسألة 9 _ لو تجاوز الدم العشرة مع اختلاف فی الصفات....... 124

مسألة 10 _ لو تخلل بین المتصفین بصفة الحیض والاستحاضة... 126

مسألة 11 _ لو کان ما بصفة الحیض ثلاثة متفرقة ضمن عشرة... 127

مسألة 12 _ الواجب فی التمیز أن تکون الصفات مختلفة........ 128

مسألة 13 _ الحکم مع فقد الأقارب......................... 130

مسألة 14 _ المراد من الأقارب.............................. 133

مسألة 15 _ الموارد التی تتغیر بین جعل الحیض أول الشهر....... 135

مسألة 16 _ التدارک بالقضاء أو الإعادة عند کشف الحالات.... 136

فصل

فی أحکام الحائض

137 _ 293

مسألة 1 _ لو حاضت أثناء الصلاة.......................... 149

مسألة 2 _ جواز سجدة الشکر وسجدة التلاوة للحائض........ 151

مسألة 3 _ أحکام الحائض: الوطیء فی القبل.................. 156

مسألة 4 _ الاعتماد علی قولها حیضا أو طهرا فی حرمة الوطی... 168

مسألة 5 _ الفرق فی حرمة وطیء الحائض بین الزوجة والمتعة..... 171

مسألة 6 _ المراد بأول الحیض ووسطه وآخره................... 186

مسألة 7 _ شروط وجوب الکفارة............................ 187

مسألة 8 _ فروع وجوب الکفارة............................. 188

ص:413

مسألة 9 _ الوطء فی الفرج الخالی من الدم.................... 189

مسألة 10 _ عدم الفرق بوجوب الکفارة کون المرأة حیة أو میتة... 190

مسألة 11 _ الکافی فی ثبوت الکفارة......................... 191

مسألة 12 _ لو وطأها علی أنها أمته فبانت أنها زوجته.......... 192

مسألة 13 _ لو وطاها متخیلا أنها فی الحیض فبان الخلاف...... 193

مسألة 14 _ عدم سقوط الکفارة بالعجز عنها................. 194

مسألة 15 _ لو اتفق حیضها حال المقاربة..................... 196

مسألة 16 _ لو أخبرت بالحیض أو عدمه یسمع قولها........... 197

مسألة 17 _ جواز إعطاء قیمة الدینار........................ 198

مسألة 18 _ إعطاء الکفارة للمساکین........................ 201

مسألة 19 _ تکرر التکفیر مع تکرر الوطء.................... 203

مسألة 20 _ عدم وجوب إلحاق النفساء بالحائض.............. 205

مسألة 21 _ عدم جواز طلاق الحائض ولو کان الزوج غائبا...... 213

مسألة 22 _ لو طلقها باعتقاده أنها طاهرة.................... 215

مسألة 23 _ الفرق فی بطلان طلاق الحائض بین التمیز أو التخییر216

مسألة 24 _ بطلان الطلاق والظهار مختصة بحال الحیض........ 218

مسألة 25 _ الأحکام الثابتة فی حالة الحیض وکیفیة غسله....... 221

مسألة 26 _ عدم شرطیة الوضوء فی صحة الغسل.............. 230

مسألة 27 _ فی الغسل والتیمم.............................. 232

مسألة 28 _ شروط وطیها بعد النقاء......................... 234

مسألة 29 _ فی حکم ماء غسل الزوجة والأمة................. 241

مسألة 30 _ حکم التیمم بدل الغسل........................ 242

مسألة 31 _ فی الصلاة وسعة الوقت وضیقه................... 248

مسألة 32 _ فیما یوجب القضاء من الصلاة................... 255

ص:414

مسألة 33 _ إذا کان جمیع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت.... 263

مسألة 34 _ لو ظنت ضیق الوقت عن إدارک الرکعة............ 264

مسألة 35 _ وجوب المبادرة مع الشک فی سعة الوقت وعدمه.... 265

مسألة 36 _ لو علمت أول الوقت بمفاجأة الحیض............. 267

مسألة 37 _ لو طهرت ولها وقت لإحدی الصلاتین............. 268

مسألة 38 _ فی ضیق وقت الصلاة مع التخییر................. 270

مسألة 39 _ لو اعتقدت سعة الوقت فتبین عدمها.............. 271

مسألة 40 _ فی ضیق وقت الصلاة واشتباه القبلة............... 273

مسألة 41 _ فی قراءة القرآن والتسبیح والتهلیل................. 275

مسألة 42 _ کره الخضاب بالحناء للحائض.................... 281

مسألة 43 _ أحکام الحائض فی استحباب الأغسال المندوبة..... 288

فصل

فی الاستحاضة

295 _ 411

مسألة 1 _ أقسام الاستحاضة............................... 304

مسألة 2 _ أحکام المستحاضة فی ظهور الدم والأغسال......... 327

مسألة 3 _ فی غسل المستحاضة الکثیرة الدم والمتوسطة.......... 333

مسألة 4 _ أحکام المستحاضة: وجوب اختبار حالها للصلاة..... 337

مسألة 5 _ فی الاختبار والوضوء وتبدیل القطنة لکل صلاة....... 342

مسألة 6 _ فروع فی تجدید الوضوء للصلاة..................... 345

مسألة 7 _ فی تقدیم الغسل أو الوضوء........................ 347

مسألة 8 _ المبادرة إلی الصلاة بعد الوضوء والغسل.............. 349

مسألة 9 _ طریقة استشفار المستحاضة ووضع القطنة........... 354

مسألة 10 _ أحکام المستحاضة: فی تقدیم وتأخیر الغسل....... 359

ص:415

مسألة 11 _ أحکام المستحاضة: لو اغتسلت قبل الفجر لغایة أخری360

مسألة 12 _ أحکام المستحاضة: فی الصلاة والصیام والأغسال... 361

مسألة 13 _ أحکام المستحاضة: فی رجاء انقطاع الدم وأداء الصلاة369

مسألة 14 _ أحکام المستحاضة: صور بطلان الطهارة وإعادة الصلاة والوضوء        373

مسألة 15 _ تحول الاستحاضة من حالة إلی أخری............. 378

مسألة 16 _ وجوب الغسل للانقطاع علی المتوسطة والکثیرة..... 384

مسألة 17 _ وجوب تجدید الوضوء علی المستحاضة القلیلة...... 386

مسألة 18 _ فروع تتعلق بالمستحاضة الکثیرة والمتوسطة.......... 392

مسألة 19 _ جواز قضاء الفوائت للمستحاضة مع الوضوء والغسل 403

مسألة 20 _ وجوب صلاة الآیات علی المستحاضة............. 405

مسألة 21 _ الحدث بالأصغر أثناء الغسل..................... 406

مسألة 22 _ المستحاضة إذا مسّت میتا أو أجنبت أثناء الغسل... 407

مسألة 23 _ تعدد الأغسال بتعدد رؤیة الدم والانقطاع خلال النهار  409

ص:416

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.