الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب المجلد 7

اشارة

سرشناسه:امینی، عبدالحسین، 1281 - 1349.

عنوان و نام پدیدآور:الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب: کتاب دینی ،علمی، فنی،.../ عبدالحسین احمد الامینی النجفی؛ تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه.

مشخصات نشر:قم: مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه، 1416ق.-= 1995م.-= 1374-

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1375).

یادداشت:ج. 3، 6 و 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1376).

یادداشت:ج. 13 (چاپ اول: 1422ق. = 2002م. = 1380).

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع:غدیر خم

شناسه افزوده:موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (ع). مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

رده بندی کنگره:BP223/54/الف8غ4 1374

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 75-8389

ص: 1

اشارة

ص: 2

الغدیر فی الکتاب و السنه و الادب

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

**شعراء الغدیر فی القرن التاسع**

ص: 7

بسم الله الرحمن الرحیم

سُبحانکَ أنتَ وَلِیُّنا مِنْ دونِهِمْ ، وَاجعَلْ لَنا مِنْ لَدُنکَ وَلِیّا واجعَلْ لنَا مِنْ لَدُنکَ نَصیراً ، یا أیّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَکُمُ الحَقُّ مِن رَبِّکم فَمَنِ اهتَدی فَإنَّما یَهتَدی لِنَفسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فإنَّما یَضِلُّ عَلیها وَمَا أنا عَلیکُمْ بِوَکِیلْ ، وَمَا عَلینا إلاَّ البَلاغ ، قَد جاءکُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَکِتابٌ مبِینٌ ، لِیَهلکَ مَنْ هَلکَ عَنْ بَیِّنةٍ ویَحیَی مَن حَیَّ عنْ بیِّنةٍ ، وَیُحَذِّرکُمُ اللهُ نفْسَهُ وَأنْ تَقولوا عَلی اللهِ ما لا تَعْلَمُون ، هذا کِتابٌ أنزَلْناهُ مُبَارَکٌ فاتَّبعوُهُ وَاتَّقُوا لَعلّکُمْ تُرحَمُون ، وَلقدْ جِئناکُم بِالحَقِّ وَلکِنَّ أکثَرکُمْ لِلحَقِّ کارِهُون ، یَعرفونَ نِعمةَ اللهِ ثُمَّ یُنکِرونَها ، تُحاجّونَ فِیما لیسَ لَکم به عِلمٌ ، إن تَتَّبِعونَ إلاّ الظَنَّ وَإنْ أنتُمْ إلاَّ تَخرُصُون ، لا تَتَّبِعوا أهواءَ قومٍ قَدْ ضَلّوا مِنْ قَبلُ وأضَلُّوا کَثیراً ، أطِیعُوا اللهَ وأطِیعُوا الرَّسُول وأُولی الأمْرِ منکُمْ ، الَّذینَ یُنفِقُونَ أمْوالَهُم باللَّیْلِ وَالنَّهارِ سِرّا وَعَلانیَةً ، وَیُطعِمُونَ الطَّعامَ علی حُبِّهِ مِسکیناً وَیَتِیماً وأسِیراً ، الَّذِینَ آمنُوا وَعَملوُا الصّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خیرُ البریَّة.

الأمینی

ص: 8

شعراء الغدیر فی القرن التاسع

اشارة

1 - ابن العرندس الحلّی

2 - ابن داغر الحلّی

3 - الحافظ البرسی الحلّی

ص: 9

ص: 10

- 72 -

ابن العرندس الحلّی

أضحی یمیسُ کغصنِ بانٍ فی حُلی

قمرٌ إذا ما مرَّ فی قلبی حلا

سلبَ العقولَ بناظرٍ فی فترةٍ

فیها حرامُ السحرِ بان محلّلا

وانحلَّ شدُّ عزائمی لمَّا غدا

عن خصرِهِ بندُ القباءِ محلّلا

وزها بها کافورُ سالفِ خدِّه

لمّا بریحانِ العذارِ تسلسلا

وتسلسلتْ عبثاً سلاسلُ صدغِه

فلذاک بتُّ مقیّداً ومسلسلا

قمرٌ قویمُ قوامِهِ کقناتِهِ

ولحاظُه فی القتلِ تحکی المنصلا

وجناتُه جوریَّةٌ وعیونُه

حوریّةٌ تسبی الغزالَ الأکحلا

أهوی فواترَها المراضَ إذا رنتْ

وأحبُّ جفنیها المراضَ الغُزَّلا

جارت وما صفحت علی عشّاقه

فتکاً وعاملُ قدِّه ما أعدلا

ملکت محاسنُهُ ملوکاً طالما

أضحی لها الملکُ العزیزُ مذلّلا

کِسری بعینیه الصحاحِ وخدُّه

النعمانُ بالخال النجاشی خوّلا

کتب العلیُّ علی صحائفِ خدِّهِ

نونی قسیِّ الحاجبین ومَثّلا

فرمی بها فی عینِ غنجِ عیونِهِ

سهمَ السهامِ أصابَ منِّی المقتلا

فاعجب لعینِ عبیرِ عنبرِ خالِهِ

فی جیمِ جمرةِ خدِّه لن تشعلا

وسَلا الفؤادَ بحرِّ نیرانِ الجوی

منِّی فذاب وعن هواهُ ما سلا

فمتی بشیرُ الوصلِ یأتی منجحاً

وأبیتُ مسروراً سعیداً مُقبلا

ص: 11

ولقد بری منّی السقامَ وبتُّ فی

لججِ الغرامِ معالجاً کربَ البلا

وجرت سحائبُ عبرتی فی وجنتی

کدمِ الحسینِ علی أراضی کربلا

الصائمِ القوّامِ والمتصدّق الطعّامِ

أفرس من علی فرسٍ علا

رجلٌ بصیوانِ الغمامةِ جدُّهُ

المختارُ فی حرِّ الهجیر تظلّلا

وأبوه حیدرةُ الذی بعلومِهِ

وبفضلهِ شُرِحَ الکتابُ تفصّلا

والأُمُّ فاطمةُ المطهَّرةُ التی

بالمجدِ تاجُ فخارِها قد کُلّلا

نسبٌ کمنبلجِ الصباحِ یزینه

حسبٌ شبیه الشمس زاهی المجتلی

السیّدُ السندُ السعیدُ الساجدُ

السبطُ الشهیدُ المستضامُ المبتلی

قمرٌ بکت عینُ السماءِ لأجلِهِ

أسفاً وقلبُ الدهرِ باتَ مقلقلا

تالله لا أنساه فرداً ظامیاً

والماءُ ینهلُ منه ذیبانُ الفلا

والسیّدُ العبّاسُ قد سلبَ العدی

عنه اللباسَ وصیّروه مجدّلا

والطفلُ شمسُ حیاتِه قد أصبحتْ

بالخسفِ فی طَفَلٍ وجلّ مؤثّلا (1)

وبنو أُمیّةَ فی جسومِ صحابِهِ

قد حطّموا السمرَ اللدان الذبَّلا

شربوا بکاساتِ القنا خمرَ الفنا

مُزِجَ البلاءُ به فأمسوا فی البلا

وتقاطعتْ أرحامُهمْ وجسومُهمْ

کرماً وأوصلتِ الرؤوسَ الأرجلا

وتوارثوا من بعد سلبِ نفوسِهم

دارَ المقامةِ فی القیامةِ موئلا

والسبطُ شاکٍ ما له من ناصرٍ

شاکٍ إلی ربِّ السمواتِ العلی

ظامٍ إلی ماءِ الفراتِ فإن یَرُم

نهلاً یری البیضَ الصوارمَ منهلا

والقومُ محدقةٌ علیه بجحفلٍ

کالبحرِ آخرُه یحاکی الأوَّلا

متلاطمٌ سغبتْ (2) به أسیافُهمْ

فغدا لهم لحمُ الفوارسِ مأکلا

ومن العجائبِ أنّه یشکو الظما

وأبوه یسقی فی المعادِ السلسلاف)

ص: 12


1- الطفل من طفلت الشمس : دنت للغروب. المؤثل : الدائم. (المؤلف)
2- السغوب والسغب : الجوع. (المؤلف)

حامت علیه للحمامِ کواسرٌ

ظمئت فأشربتِ الحمام دمَ الطلا (1)

أمستْ به سمرُ الرماحِ وزرقُها

حمراً وشهبُ الخیلِ دُهْماً جفَّلا (2)

هاتیک بالدمِ قد صُبغنَ وهذه

صُبغتْ بنقعٍ صبغةً لن تنصُلا

عقدتْ سنابکُ صافناتِ خیولِهِ

من فوقِ هاماتِ الفوارسِ قسطلا (3)

ودجتْ عجاجتُه ومدَّ سواده

حتی أعادَ الصبحَ لیلاً ألیلا

وکأنَّما لمعُ الصوارم تحتَهُ

برقٌ تألّقَ فی غمامٍ فانجلی

جیشٌ ملا فوه الفلا وأتی فلا

أمست سنابکُ خیلِه تفلی الفلا

أبناءُ من جحدَ الوصیَّ وکذَّب

الهادی النبیَّ وکان حقّا مرسلا

بذلوا النفوسَ وبدَّلوا من جهلِهمْ

ما لیس فی الإسلام کان مبدَّلا

فمحلّلٌ قد صیّروه محرَّماً

ومحرَّمٌ قد غادروه محلّلا

وتعمّدوا قتل الوصیِّ وحرّفوا

ما کان أحمدُ فی الکتابِ له تلا

وأتوا إلی قتلِ الحسینِ وأجّجوا

ناراً لهیبُ ضرامِها لن یُصطلی

فسطا علیهمْ بالنزالِ بعزمةٍ

تذرُ الحسامَ المشرفیَّ مفلّلا

من فوقِ طرفٍ أعوجیّ سابحٍ

کالبرقِ یسبقُ فی سُراه الشمألا (4)

فرسٌ حوافرُهُ بغیرِ جماجمِ ال

فرسانِ فی یومِ الوغی لن تنعلا

أضحی بمبیضِّ الصباحِ مجلّلا

وغدا بمسودِّ الظلام مسربلاف)

ص: 13


1- الکواسر جمع الکاسرة مؤنّث الکاسر : العقاب. الطلا : ولد الظبی ساعة یولد ، الصغیر من کلّ شیء. (المؤلف)
2- الشهب والشهباء : بیاض یتخلّله سواد. الدهمة : السواد. الجفل من جفل الشعر : شعث وثار. (المؤلف)
3- السنبک : طرف الحافر ، والجمع السنابک. الصافنات جمع الصافن من الخیل القائم علی ثلاث قوائم مطرفاً حافر الرابعة. القسطل : المنیة ، الغبار الساطع فی الحرب. (المؤلف)
4- الطرف من الخیل : الکریم الطرفین. السابح من سبح فی الماء : عام وانبسط فیه ، ویستعار لمرّ النجوم وجری الفرس. الشمأل : ریح الشمال. (المؤلف)

وبکفِّهِ سیفٌ جُرازٌ باترٌ

عضبٌ یضمّ الغمدُ منه جدولا (1)

فقرَ الجماجمَ والطلا بغراره (2)

من کلِّ کفّارٍ وأبری المفصلا

فکأنّه وجوادَه وحسامَه (3)

یا صاحبیَّ لمن أراد تأمّلا

شمسٌ علی الفلَکِ المدارِ بکفِّهِ

قمرٌ منازلُهُ الجماجمُ والطلا

والخیلُ محدقةٌ بجیمِ جمالِه

وقلوبهُمْ فی الغلی تحکی المرجلا (4)

والسبطُ یخترقُ المواکبَ حاملاً

بعزیمةٍ تُردی الخمیسَ الجحفلا

فبسینِ سمرِ الخطّ یطعنُ أنجلاً

وبباءِ بیضِ الهندِ یضربُ أهدلا (5)

فتخالُ طاءَ الطعنِ أنّی أعجمتْ

نقطاً وضاد الضربِ کیف تشکّلا

حتی إذا ما السبطُ آن مماتُهُ

وعلیه سلطانُ الحِمامِ توکّلا

داروا به النفرُ الطغاةُ بنو الزنا

ة العاهراتِ وطبّقوا رحبَ الفلا

ورماه بعضُ المارقین بعیطلٍ

سهماً فخرَّ علی الصعید مجدّلا

وأتی بغیُّ بنی ضبابٍ صائلاً

بالقسّ تغمیض القطامی الأجدلا (6)

وجثا علی صدرِ الحسین وقلبُهُ

حقداً وعدواناً علیه قد امتلا

فبری بسیفِ البغی رأساً طالما

لثمَ النبیُّ ثنیّتیه وقبّلا

واسودّ قرصُ الشمسِ ساعةَ قتلِهِ

أسفاً وشهبُ الفلک أمست أُفَّلا

ونعاهُ جبریلٌ ومیکالٌ وإس

رافیلُ والعرشُ المجیدُ تزلزلار.

ص: 14


1- الجراز بضم المعجمة : السیف القطّاع. الباتر : السیف القاطع والجمع بواتر. العضب : السیف القاطع. (المؤلف)
2- الفقر : الحز. الطلا بضم المهملة وکسرها : قشرة الدم. الغرار : حدّ السیف. (المؤلف)
3- سبقه إلی مثل هذه البداعة شیخنا علاء الدین الشفهینی بما هو أوسع وأبلغ. راجع : 6 / 362. (المؤلف)
4- المرجل : القدر. (المؤلف)
5- الأنجل من نجل الرجل نجلا : وسعت عینه وحسنت. الأهدل : المسترخی المشفر أو الشفة. (المؤلف)
6- القسّ : السیف. القطامی الأجدل : الصقر.

والطیرُ فی الأغصانِ ناحَ مغرّداً

والوحشُ فی القیعانِ ناحَ وأعولا

وأتی الجوادُ ولا جوادٌ فوقَهُ

متوجّعاً متفجِّعاً متوجّلا

عالی الصهیل بمقلةٍ إنسانُها

باکٍ یسحّ الدمعَ نقطاً مهملا

فسمعن نسوانُ الحسینِ صهیلَهُ

فبرزن من خَلَلِ المضاربِ ثکّلا

ینثون من جَون العیون مدامعاً

حمراً علی بیض السوالف هُطّلا (1)

حتی إذا قُتِلَ الحسینُ وأصبحتْ

من بعدِهِ غرُّ المدارسِ عُطّلا

ومنازلُ التنزیلِ حلَّ بها العزا

ومِن الجلیسِ أنیسُ مربعِها خلا

بغتِ البغاةُ جهالةً سبیَ النسا

وبغت وحقَّ لمن بغی أن یجهلا

نصبوا بمرفوع القناة کریمةً (2)

جهراً وجرّوا للمعاصی أذیُلا

وسروا بنسوته السراةُ بلا ملا

حسری یلاحظهنّ ألحاظُ الملا

وغدوا بزینِ العابدین الساجدِ

الحبرِ الأمینِ مقیّداً ومغلّلا

وسکینةٌ أمستْ وساکنُ قلبِها

متحرّکٌ فیه الأسی لن یرحلا

وبدالِ دمعِ العینِ منها غرّقتْ

صاد الصعیدِ وأنبتت کاف الکلا

ودیارُهنَّ الآنساتُ بلاقعٌ

أقوتْ (3) وکنّ بها الأحبّة نزّلا

والصبر عنِّی ظاعنٌ مترحّلٌ

لمّا شددن علی المطیّ الأرحلا

ومدامعی فوق الخدودِ نوازلٌ

لمّا زممن جمالهنَّ البزَّلا (4)

تسری بهنّ إلی الشآمِ عصابةٌ

أمویّةٌ تبغی العطاءَ الأجزلا

تُرضی یزید لکی یزید لها العطا

جهلاً ویتحفها السؤال معجّلاف)

ص: 15


1- ینثون من نثا نثواً : فرق ونشر. الجون : الأبیض. الأسود ، السوالف : جمع السالفة صفحة العنق ، وسالفة الفرس : ما تقدم من عنقه. هطل المطر : نزل متتابعاً متفرّقاً عظیم القطر فهو هاطل والجمع هطّل. (المؤلف)
2- الکریمة : کلّ جارحة شریفة. (المؤلف)
3- أقوت الدار : خلت من ساکنیها. (المؤلف)
4- زمم الجمال : خطمها. بزل البعیر : انشق نابه : فهو بازل والجمع بوازل وبزل. (المؤلف)

فلألعننَّ بنی أُمیّةَ ما حدا

الحادی وما سرتِ الرکائبُ قُفَّلا

ولألعننَّ زیادَها ویزیدَها

ویزیدُها ربّی عذاباً منزلا

تبّا لهم فعلوا بآل محمدٍ

ما لیس تفعله الجبابرة الألی

ولأبکینَّ علی الحسینِ بمدمعٍ

قانٍ أبلُّ به الصعیدَ الممحلا

یا طفُّ طافَ علی ثراکَ من الحیا

هامٍ تسیر به السحائب جفّلا (1)

ذو هیدبٍ متراکبٍ مُتلاحمٍ (2)

عالی البروق یسحُّ دمعاً مُسبلا

یشفیک إذ یسقیک منه بوابلٍ

عذبٍ له أرَجٌ یحاکی المندلا (3)

ثمّ السلامُ من السلامِ علی الذی

نُصبت له فی خمّ رایاتُ الولا

تالی کتابِ اللهِ أکرمِ من تلا

وأجلِّ من للمصطفی الهادی تلا

زوجِ البتولِ أخِ الرسولِ مطلّقِ

الدنیا وقالیها بنیرانِ القلا

رجلٌ تسربل بالعفافِ وحبّذا

رجلٌ بأثوابِ العفافِ تسربلا

تلقاه یوم السلم غیثاً مُسبلاً

وتراه یومَ الحربِ لیثاً مشبلا

ذو الراحة الیمنی التی حسناتُها

مدّت علی کیوان باعاً أطولا (4)

والمعجزاتُ الباهراتُ النیرا

تُ المشرقاتُ المعذراتُ لمن غلا

منها رجوعُ الشمسِ بعد غروبها (5)

نبأ تصیرُ له البصائر ذُهّلا

ولسیرِه فوق البساطِ فضیلةٌ (6)

أوصافها تُعیی الفصیحَ المقولاف)

ص: 16


1- الحیا : المطر. هام : فاعل من همی یهمی همیاً ، أی سال لا یثنیه شیء. جفل : أی أسرع. والجفیل : الکثیر. (المؤلف)
2- الهیدب من السحاب : المتدلی الذی یدنو من الأرض. المتلاحم : المتلاصق والمتلائم. (المؤلف)
3- الوابل : المطر الشدید. الأرج : الرائحة الطیّبة. المندل بفتح المیم : العود الطیّب الرائحة. (المؤلف)
4- کیوان : زحل تحیط به منطقة نیّرة یضرب به المثل فی العلو والبعد. الباع : قدر مدّ الیدین. (المؤلف)
5- مرّ حدیث ردّ الشمس فی الجزء الثالث : ص 126 - 141. (المؤلف)
6- أخرجها الثعلبی [ فی الکشف والبیان : الورقة 310 سورة الکهف ] ، والفقیه المغازلی [ فی مناقب ، علی بن أبی طالب : ص 232 ح 280 ] ، والقزوینی عن ابن عباس وأنس بن مالک ، وستأتی بلفظها فی محلها إن شاء الله تعالی. (المؤلف)

وخطابُ أهلِ الکهفِ منقبةٌ غلتْ

وعلتْ فجاوزتِ السماکَ الأعزلا

وصعودُ غاربِ أحمدٍ فضلٌ له

دونَ القرابةِ والصحابةِ أفضلا

هذا الذی حاز العلومَ بأسرِها

ما کان منها مجملاً ومفصّلا

هذا الذی بصَلاتِه وصِلاتِه

للدینِ والدنیا أتمّ وأکملا

هذا الذی بحسامِه وقناتِه

فی خیبرٍ صعبُ الفتوحِ تسهّلا

وأبادَ مرحبَ فی النزالِ بضربةٍ

ألقتْ علی الکفّارِ عبئاً مُثقلا

وکتائبُ الأحزابِ صیّرَ عَمرَها

بدمائِه فوقَ الرمالِ مُرمّلا

وتبوکُ نازلَ شوسَها فأبادَهمْ

ضرباً بصارمِ عزمةٍ لن یُفللا

وبه توسّل آدمُ لمّا عصی

حتی اجتباهُ ربُّنا وتقبّلا

وبه دعا نوحٌ فسارت فلکُه

والأرضُ بالطوفانِ مفعمةٌ ملا

وبه الخلیلُ دعا فأضحتْ نارُه

برداً وقد أذکت حریقاً مُشعلا

وبه دعا موسی تلقّفتِ العصا

حیّاتِ سحرٍ کُنَّ قِدماً أحبُلا

وبه دعا عیسی المسیحُ فأنطقَ

المیتَ الدفینَ به وقام من البلا

وبخمّ واخاه النبیُّ محمدٌ

حقّا وذلک فی الکتابِ تنزّلا

عذلَ النواصبُ فی هواه وعنّفوا

فعصیتُهمْ وأطعتُ فیه من غلا

ومدحتُه رغماً علی آنافِهمْ

مدحاً به ربِّی صدا قلبی جلا

وترابُ نعلِ أبی ترابٍ کلّما

مسَّ القذا عینی یکون لها جلا

فعلیه أضعافُ التحیّةِ ما سری

سارٍ وما سحَّ السحابُ وأهملا

سمعاً أمیرَ المؤمنین قصائداً

تزدادُ ما مرَّ الزمان تجمّلا

عربیَّةً نشأت بحلّةِ بابلٍ

فغدت تُخجّلُ بالفصاحة جرولا (1)

سادت فشادت للعرندسِ صالحٍ

مجداً علی هامِ النجومِ مؤثّلال.

ص: 17


1- جرول من خطباء العرب وفصحائها المشهورین ، یضرب المثل به فی الخطابة فیقال : أخطب من جرول.

وسمت قلوبُ حواسدی وسمت علی

(نمّ العذارِ بعارضیه وسلسلا) (1)

وعلت بمدحِکَ یا علیُّ ووازنت

(لم أبک ربعاً للأحبّة قد خلا) (2)

ما یتبع الشعر

ذکر شاعرنا ابن العرندس فی قصیدته هذه جملة من مناقب مولانا أمیر المؤمنین وقد مرّ تفصیل بعضها ، وستوافیک کلمتنا الضافیة فی بعضها الآخر ، ونقتصر فی المقام علی ما أشار إلیه بقوله :

وصعودُ غاربِ أحمدٍ فضلٌ له

دون القرابة والصحابةِ أفضلا

عن علیّ رضی الله عنه قال : «انطلق بی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الأصنام فقال : اجلس. فجلست إلی جنب الکعبة ثمّ صعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی منکبی ثمّ قال : انهض بی إلی الصنم. فنهضت به فلمّا رأی ضعفی تحته قال : اجلس فجلست وأنزلته عنّی وجلس لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ قال لی : یا علیُّ اصعد علی منکبی. فصعدت علی منکبیه ثمّ نهض بی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلمّا نهض بی خیّل لی أنّی لو شئت نلت أُفق السماء ، وصعدت علی الکعبة وتنحّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فألقیت صنمهم الأکبرصنم قریش وکان من نحاس موتداً بأوتاد من حدید إلی الأرض ، فقال لی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : عالجه فعالجته فما زلت أعالجه ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول إیه إیه إیه. فلم أزل أعالجه حتی استمکنت منه. فقال : دقّه فدققته وکسرته ونزلت».

وفی لفظ : «قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اقذف به. فقذفت به فتکسّر کما تنکسر القواریر ثمّ نزلت. وفی لفظ : ونزوت من فوق الکعبة». ف)

ص: 18


1- مطلع قصیدة للشیخ علاء الدین الحلّی المذکورة فی الجزء السادس : ص 383. (المؤلف)
2- هی قصیدة جمال الدین الخلعی المترجم فی الجزء السادس : ص 12 - 19 والقصیدة فی الإمام السبط الشهید تقدّر ب (75) بیتاً کما مرّ فی 6 / 18. (المؤلف)

وعن جابر بن عبد الله قال : دخلنا مع النبیَّ صلی الله علیه وآله وسلم مکّة وفی البیت وحوله ثلاثمائة وستّون صنماً ، فأمر بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأُلقیت کلّها لوجوهها ، وکان علی البیت صنم طویل یقال له : هبل. فنظر النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی علیّ وقال له : «یا علیُّ ترکب علیَّ أو أرکب علیک لأُلقی هبل عن ظهر الکعبة؟ قلت : یا رسول الله بل ترکبنی ، فلمّا جلس علی ظهری لم استطع حمله لثقل الرسالة قلت : یا رسول الله بل أرکبک. فضحک ونزل وطأطأ لی ظهره واستویت علیه فوالذی فلق الحبّة وبرأ النسمة لو أردت أن أمسک السماء لأمسکتها بیدی ، فألقیت هبل عن ظهر الکعبة فأنزل الله تعالی : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً) (1).

وعن ابن عبّاس قال : قال النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : «قم بنا إلی الصنم فی أعلی الکعبة لنکسره» فقاما جمیعاً ، فلمّا أتیاه قال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «قم علی عاتقی حتی أرفعک علیه» فأعطاه علیٌّ ثوبه فوضعه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی عاتقه ثمّ رفعه حتی وضعه علی البیت فأخذ علیٌّ الصنم وهو من نحاس ، فرمی به من فوق الکعبة فنادی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «انزل» فوثب من أعلی الکعبة کأنّما کان له جناحان.

هذه الأثارة أخرجتها أُمّة من الحفّاظ وأئمّة الحدیث والتاریخ ، وأخذها منهم رجال التألیف فی القرون المتأخّرة وذکروها فی کتبهم مرسلین إیّاها إرسال المسلّم من دون أیّ غمز فی سندها.

وإلیک جملة منهم :

1 - أسباط بن محمد القرشی : المتوفّی (200) روی عنه أحمد فی المسند (2).

2 - الحافظ أبو بکر الصنعانی : المتوفّی (211) حکاه عنه السیوطی (3). 7.

ص: 19


1- الإسراء : 81.
2- مسند أحمد : 1 / 136 ح 645.
3- جامع الأحادیث : 16 / 272 ح 7927.

3 - الحافظ ابن أبی شیبة (1) : المتوفّی (235) حکاه عنه الزرقانی (2) والسیوطی.

4 - إمام الحنابلة أحمد : المتوفّی (241) فی مسنده (3) (1 / 84) بإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات.

5 - أبو علیّ أحمد المازنی : المتوفّی (263) روی عنه النسائی (4).

6 - الحافظ أبو بکر البزّار : المتوفّی (292) ، کما فی الینابیع (5).

7 - الحافظ ابن شعیب النسائی : المتوفّی (303) ، فی الخصائص (ص 31) (6).

8 - الحافظ أبو یعلی الموصلی : المتوفّی (307) ، فی مسنده (7).

9 - الحافظ أبو جعفر الطبری : المتوفّی (310) ، کما فی جمع الجوامع (8).

10 - الحافظ أبو القاسم الطبرانی : المتوفّی (360) ، کما فی تاریخ الخمیس (9).

11 - الحافظ الحاکم النیسابوری : المتوفّی (405) ، فی المستدرک (2 / 367) وصححه (10).

12 - الحافظ أبو بکر الشیرازی : المتوفّی (407 ، 410) ، فی نزول القرآن من طریق جابر. 7.

ص: 20


1- المصنّف : 8 / 534 ح 9.
2- شرح المواهب : 2 / 336.
3- مسند أحمد : 1 / 136 ح 645.
4- السنن الکبری : 5 / 142 ح 8507.
5- ینابیع المودّة : 1 / 138 باب 48.
6- خصائص أمیر المؤمنین : ص 134 ح 122.
7- مسند أبی یعلی : 1 / 251 ح 292.
8- جامع الأحادیث : 16 / 272 ح 7927.
9- تاریخ الخمیس : 2 / 86 - 87.
10- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 398 ح 3387.

13 - الحافظ أبو محمد أحمد بن محمد العاصمی فی زین الفتی شرح سورة هل أتی.

14 - الحافظ أبو نعیم الأصبهانی : المتوفّی (340) ، روی عنه الخطیب إملاءً.

15 - الحافظ أبو بکر البیهقی : المتوفّی (458) ، روی من طریقه الخوارزمی (1).

16 - الحافظ الخطیب البغدادی : المتوفّی (463) ، فی تاریخه (13 / 302).

17 - الفقیه أبو الحسن ابن المغازلی : المتوفّی (483) ، فی مناقبه من طریق أبی هریرة (2).

18 - الحافظ أبو عبد الله الفراوی : المتوفّی (350) ، کما فی کفایة الکنجی (3).

19 - أخطب خطباء خوارزم : المتوفّی (568) ، فی المناقب (4) (ص 73) من طریق الحافظین : البیهقی والحاکم.

20 - الحافظ أبو الفرج ابن الجوزی : المتوفّی (597) ، فی صفة الصفوة (5) (1 / 119).

21 - الحافظ رضی الدین أبو الخیر الحاکمی فی أربعینه فی فضائل علیّ علیه السلام (6).

22 - الحافظ أبو عبد الله ابن النجّار : المتوفّی (643) ، کما فی الکفایة (7).

23 - أبو سالم بن طلحة الشافعی : المتوفّی (652) ، فی مطالب السؤول (ص 12).

24 - أبو المظفر یوسف سبط ابن الجوزی : المتوفّی (654) ، فی التذکرة (8). 7.

ص: 21


1- المناقب : ص 123 ح 139.
2- مناقب علیّ بن أبی طالب : ص 202.
3- کفایة الطالب : ص 257 باب 62.
4- المناقب : ص 123 - 124 ح 139.
5- صفة الصفوة : 1 / 310 رقم 5.
6- الأربعین فی فضائل علی علیه السلام : ص 127 باب 40 ح 63.
7- کفایة الطالب : ص 257 باب 62.
8- تذکرة الخواص : ص 27.

25 - الحافظ أبو عبد الله الکنجی : المتوفّی (658) ، فی الکفایة (ص 128) (1). وقال : رواه الحاکم والبیهقی ، وهو حدیث حسن ثابت عند أهل النقل.

26 - الحافظ الصالحانی ، کما فی تاریخ الخمیس.

27 - الحافظ محبّ الدین الطبری : المتوفّی (694) ، فی الریاض النضرة (2) (2 / 200) نقلاً عن أحمد وابن الجوزی والحاکمی.

28 - جمال الدین أبو عبد الله ابن النقیب المتوفّی (698) ، فی تفسیره والعبر.

29 - شیخ الإسلام الحمّوئی : المتوفّی (722) ، فی فرائد السمطین (3).

30 - الحافظ شمس الدین الذهبی : المتوفّی (748) ، فی تلخیص المستدرک (4)

وقال : إسناده نظیفٌ والمتن منکرٌ.

قال الأمینی : لم یک یعرف أیّ حافظ هذه النکارة فی تلکم القرون الخالیة إلی أن جاد الدهر بالذهبی ، وکوی الحدیث بعینه ، فکوّه نار حقده ، غیر أنّ تلک النکارة الموهومة دفنت معه ولم یتّبع أثره فیها أیّ محدّث بعده.

31 - الحافظ الزرندی : المتوفّی بضع و (750) فی نظم درر السمطین (5).

32 - الحافظ جلال الدین السیوطی : المتوفّی (911) ، فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (6) (6 / 407) عن ابن أبی شیبة ، وعبد الرزّاق ، وأحمد ، وابن جریر ، والخطیب 6.

ص: 22


1- کفایة الطالب : ص 257 - 258 باب 62.
2- الریاض النضرة : 3 / 150.
3- فرائد السمطین : 1 / 249 ح 193.
4- تلخیص المستدرک : 2 / 398 ح 3387.
5- نظم درر السمطین : ص 125.
6- کنز العمّال : 13 / 171 ح 36516.

والحاکم وقال : صحّحه. وذکره فی الخصائص الکبری (1) (1 / 264).

33 - الحافظ أبو العبّاس القسطلانی : المتوفّی (923) ، فی المواهب اللدنیّة (2) (1 / 204) نقلاً عن ابن النقیب.

34 - القاضی الدیاربکری المالکی : المتوفّی (966 ، 982) ، فی تاریخ الخمیس (3) (2 / 95) نقلاً عن الطبرانی والزرندی والصالحانی وابن النقیب المقدسی والمحبّ الطبری وصاحب شواهد النبوّة فقال : ثمّ إنّ علیّا أراد أن ینزل فألقی نفسه من صوب المیزاب تأدّباً وشفقةً علی النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم ولمّا وقع علی الأرض تبسّم فسأله النبیُّ صلی الله علیه وآله وسلم عن تبسّمه ، قال : «لأنِّی ألقیت نفسی من هذا المکان الرفیع وما أصابنی ألم». قال : «کیف یصیبک ألم وقد رفعک محمد وأنزلک جبریل؟» وقال الشاعر :

قیل لی قل فی علیٍّ مِدحَاً

ذکرُه یخمدُ ناراً موصده

قلت لا أُقدم فی مدحِ امرئ

ضلّ ذو اللبِّ إلی أن عبده

والنبیُّ المصطفی قال لنا

لیلةَ المعراجِ لمّا صعده

وضعَ اللهُ بظهری یدَهُ

فأحسَّ القلبُ أن قد برده

وعلیٌّ واضعٌ أقدامَهُ

فی محلٍّ وضعَ اللهُ یده

35 - نور الدین الحلبی الشافعی : المتوفّی (1044) ، فی السیرة الحلبیّة (3 / 97) (4).

36 - أبو عبد الله الزرقانی المالکی : المتوفّی (1122) ، فی شرح المواهب (2 / 336) عن ابن أبی شیبة والحاکم فقال : قد أجاد القائل :

یا ربِّ بالقدمِ التی أوطأتَها

من قابِ قوسینِ المحلَّ الأعظما6.

ص: 23


1- الخصائص الکبری : 1 / 438.
2- المواهب اللدنیّة : 1 / 586.
3- تاریخ الخمیس : 2 / 86.
4- السیرة الحلبیة : 3 / 86.

وبحرمةِ القدمِ التی جُعِلتْ لها

کتفُ المؤیّد بالرسالةِ سلّما

ثبِّت علی متنِ الصراطِ تکرّماً

قدمی وکن لی منقذاً ومسلّما

واجعلهما ذخری فمن کانا له

ذخراً فلیس یخاف قطّ جهنّما

37 - السیّد أحمد زینی دحلان المکی : المتوفّی (1232) ، فی السیرة النبویّة (1) هامش الحلبیّة (2 / 293) فقال : وقد أجاد القائل :

یا ربّ بالقدم التی أوطأتها

إلی آخر الأبیات المذکورة.

38 - شهاب الدین الآلوسی : المتوفّی (1270) ، فی شرح العینیّة (ص 75) وقد مرّت کلمته فی (6 / 22).

39 - خواجه کلان القندوزیّ : المتوفّی (1293) ، فی ینابیع المودّة (2) (ص 193) عن البزّار وأبی یعلی الموصلی.

40 - الشیخ أبو بکر بن محمد الحنفی : المتوفّی (1270) ، فی قرّة العیون المبصرة (1 / 185).

41 - السیّد محمود القراغولی الحنفی ، فی جوهرة الکلام (ص 55 ، 59).

الشاعر

الشیخ صالح بن عبد الوهاب بن العرندس الحلّی الشهیر بابن العرندس ، أحد أعلام الشیعة ومن مؤلِّفی علمائها فی الفقه والأصول ، وله مدائح ومراثٍ لأئمة 8.

ص: 24


1- السیرة النبویّة : 2 / 102.
2- ینابیع المودّة : 1 / 138 باب 48.

أهل البیت علیهم السلام تنمُّ عن تفانیه فی ولائهم ومناوأته لأعدائهم ، ذکر شطراً منها شیخنا الطریحی فی المنتخب (1) ، وجملة منها مبثوثة فی المجامیع والموسوعات ، وعقد له العلاّمة السماوی فی الطلیعة ترجمة أطراه فیها بالعلم والفضل والتقی والنسک والمشارکة فی العلوم. وأشفع ذلک الخطیب الفاضل الیعقوبی فی البابلیات (2) ، وأثنی علیه ثناءً جمیلاً ، وذکر فی الطلیعة أنّه توفّی حدود (840) بالحلّة الفیحاء ودفن فیها وله قبر یزار ویتبرّک به.

کان ابن العرندس یحاول فی شعره کثیراً الجناس علی نمط الشیخ علاء الدین الشفهینی المترجم فی الجزء السادس (ص 356) وتعلوه القوّة والمتانة ، ویعرب عن تضلّعه من العربیّة واللغة ، ولولا تهالکه علی ما تجده فی شعره من الجناس الکثیر لکان ما ینظمه أبلغ وأبرع ممّا هو الآن.

ومن شعر شیخنا الصالح رائیة اشتهر بین الأصحاب أنَّها لم تقرأ فی مجلس إلاّ وحضره الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالی فرجه ، توجد برمّتها فی منتخب شیخنا الطریحی (3) (2 / 75) وهی :

طوایا نظامی فی الزمان لها نشر (4)

یعطِّرها من طیب ذکراکمُ نشرُ

قصائدُ ما خابت لهنَّ مقاصد

بواطنُها حمدٌ ظواهرُها شکرُ

مطالعُها تحکی النجومَ طوالعاً

فأخلاقها زُهرٌ وأنوارُها زَهرُ

عرائس تجلی حین تُجلی قلوبَنا

أکالیلُها درٌّ وتیجانُها تبرُ

حسانٌ لها حسّانُ بالفضلِ شاهدٌ

علی وجهها تبرٌ یُزان بها التِّبرُر.

ص: 25


1- المنتخب : 2 / 254.
2- البابلیات : 1 / 144 رقم 47.
3- المنتخب : 2 / 352.
4- فی المصدر : نثر.

أُنظِّمها نظم اللآلی وأسهر اللیال

ی لیحیی لی بها وبکم ذکرُ

فیا ساکنی أرضِ الطفوفِ علیکمُ

سلامُ مُحبٍّ ما له عنکمُ صبرُ

نشرتُ دواوینَ الثنا بعد طیِّها

وفی کلِّ طرسٍ من مدیحی لکمْ سطرُ

فطابق شعری فیکمُ دمع ناظری

فمبیضُّ ذا نظمٌ ومحمرُّ ذا نثرُ

فلا تتهمونی بالسلوِّ فإنّما

مواعیدُ سلوانی وحقّکمُ الحشرُ

فذلّی بکم عزٌّ وفقری بکم غنیً

وعسری بکم یسرٌ وکسری بکم جبرُ

ترقُّ بروقُ السحبِ لی من دیارِکمْ

فینهلُّ من دمعی لبارقِها القطرُ

فعینای کالخنساءِ (1) تجری دموعُها

وقلبی شدیدٌ فی محبَّتکم صخرُ

وقفت علی الدار التی کنتمُ بها

فمغناکمُ من بَعد معناکمُ فقرُ

وقد درست منها الدروس وطالما

بها درّس العلمُ الإلهیّ والذکرُ

وسالت علیها من دموعی سحائبٌ

إلی أن تروّی البانُ بالدمعِ والسدرُ

فَراقَ فِراقُ الروحِ لی بَعد بُعدِکمْ

ودارَ برسمِ الدارِ فی خاطری الفکرُ

وقد أقلعت عنها السحابُ ولم یَجُد

ولا درَّ من بعد الحسین لها دَرُّ

إمامُ الهدی سبطُ النبوّةِ والد الأئمّ

ة ربّ النهی مولیً له الأمرُ

إمامٌ أبوه المرتضی علم الهدی

وصیُّ رسولِ اللهِ والصنوُ والصهرُ

إمامٌ بکته الإنسُ والجنُّ والسما

ووحش الفلا والطیرُ والبرُّ والبحرُ

له القبّةُ البیضاءُ بالطفِّ لم تزل (2)

تطوفُ بها طوعاً ملائکةٌ غرُّ

وفیه رسولُ اللهِ قال وقولُه

صحیحٌ صریحُ لیس فی ذلکمْ نکرُ

حُبی بثلاثٍ ما أحاطَ بمثلِها

ولیٌّ فمن زیدٌ هناک ومن عمروف)

ص: 26


1- هی الخنساء بنت عمرو بن الحارث شاعرة صحابیّة شهیرة ، لها شعر کثیر فی رثاء أخیها لأبیها صخر وقد قتله بنو أسد. (المؤلف)
2- تلک القبّة المقدّسة کانت بیضاء فی تلکم القرون ، وأمّا الیوم فقد تغشّتها صفائح النضار ، فهی صفراء لونها تسرّ الناظرین کما أنّ باطنها صرح ممرّد من قواریر. (المؤلف)

له تربةٌ فیها الشفاءُ وقبّةٌ

یجابُ بها الداعی إذا مسّه الضرُّ

وذُریّةٌ دریَّةٌ منه تسعةٌ

أئمّةُ حقِّ لا ثمانٍ ولا عشرُ

أیُقتَلُ ظمآناً حسینٌ بکربلا

وفی کلّ عضوٍ من أناملِهِ بحرُ

ووالدُه الساقی علی الحوضِ فی غدٍ

وفاطمةٌ ماءُ الفراتِ لها مهرُ

فوا لهفَ نفسی للحسینِ وما جنی

علیه غداة الطفِّ فی حربِهِ الشمرُ

رماهُ بجیشٍ کالظلامِ قسیُّه الأ

هلّةُ والخرصانُ أنجمُه الزهرُ (1)

لرایاتِهمْ نصبٌ وأسیافُهم جزمٌ

وللنقعِ رفعٌ والرماحُ لها جرُّ

تجمّع فیها من طغاةِ أُمیّةٍ

عصابةُ غدرٍ لا یقوم لها عذرُ

وأرسلها الطاغی یزیدُ لیملکَ ال

عراقَ وما أغنته شامٌ ولا مصرُ

وشدَّ لهم أزراً سلیلُ زیادِها

فحلَّ به من شدِّ أزرِهمُ الوزرُ

وأمّرَ فیهم نجلَ سعدٍ لنحسِهِ

فما طال فی الریِّ اللعینِ له عُمرُ

فلمّا التقی الجمعانِ فی أرضِ کربلا

تباعد فعلُ الخیرِ واقترب الشرُّ

فحاطوا به فی عشرِ شهرِ محرّمٍ

وبیضُ المواضی فی الأکفِّ لها شَمرُ

فقام الفتی لمّا تشاجرتِ القنا

وصال وقد أودی بمهجته الحَرُّ

وجال بطرفٍ فی المجالِ کأنَّه

دجی اللّیلِ فی لألاءِ غرَّتِهِ الفجرُ

له أربعٌ للریحِ فیهنَّ أربعٌ

لقد زانه کرٌّ وما شانه الفرُّ

ففرّقَ جمَع القومِ حتی کأنَّهم

طیوُر بُغاثٍ (2) شتَّ شملَهمُ

الصقرُ

فأذکرَهمْ لیلَ الهریرِ فأجمعَ الکلا

بُ علی اللیثِ الهزبرِ وقد هرّوا (3)ف)

ص: 27


1- الخرصان والمخارص : الأسنّة.
2- البغاث بتثلیث الباء : طائر أبغث أصغر من الرخم بطیء الطیران والجمع بغثان. (المؤلف)
3- لیلة الهریر من لیالی صفین ؛ قتل فیها ما یقرب من سبعین ألف قتیل ، ولمولانا أمیر المؤمنین ولأصحابه فی تلک اللیلة مواقف شجاعة تذکر مع الأبد. الهریر - کأمیر - : هریر الکلب صوته دون نباحه من قلّة صبره علی البرد. (المؤلف)

هناک فدتْهُ الصالحون بأنفسٍ

یُضاعَفُ فی یومِ الحسابِ لها الأجرُ

وحادوا عن الکفّارِ طوعاً لنصرِهِ

وجاد له بالنفسِ من سَعدِه الحُرُّ (1)

ومدّوا إلیه ذُبّلاً سمهریّةً (2)

لطولِ حیاةِ السبطِ فی مدِّها جزرُ

فغادره فی مارق (3) الحرب مارقٌ

بسهمٍ لنحرِ السبط من وقعه نحرُ

فمالَ عن الطرفِ الجواد أخو الندی

الجوادُ قتیلاً حوله یصهلُ المهرُ (4)

سِنانُ سنانٍ خارقٌ منه فی الحشا

وصارمُ شمرٍ فی الوریدِ له شَمرُ (5)

تجرّ علیه العاصفاتُ ذیولَها

ومن نسجِ أیدی الصافناتِ له طمرُ (6)

فرجّت له السبعُ الطباقُ وزلزلتْ

رواسی جبالِ الأرضِ والتطمَ البحرُ

فیا لکَ مقتولاً بکته السما دماً

فمغبرُّ وجه الأرض بالدمِ محمرُّ

ملابسُه فی الحربِ حمرٌ من الدما

وهنَّ غداةَ الحشرِ من سندسٍ خضرُ

ولهفی لزینِ العابدینَ وقد سری

أسیراً علیلاً لا یفکُّ له أسرُ

وآلُ رسولِ اللهِ تسبی نساؤهم

ومن حولهنَّ السترُ یهتَکُ والخدرُ

سبایا بأکوارِ المطایا حواسراً

یلاحظُهنَّ العبدُ فی الناسِ والحرُّ

ورملةُ (7) فی ظلّ القصورِ مصونةٌ

یُناطُ علی أقراطِها الدرُّ والتِّبرُف)

ص: 28


1- الحرّ بن یزید الریاحی التمیمی الیربوعی ؛ کان سلام الله علیه شریف قومه جاهلیة وإسلاماً کما قاله ابن الأثیر. (المؤلف)
2- الذبّل - بضم المعجمة ثمّ الموحّدة المفتوحة - جمع الذابل : الرقیق. السمهری : الرمح الصلب. (المؤلف)
3- فی المنتخب : فی مأزق الحرب. (المؤلف)
4- الطرف - کما مرّ - من الخیل : الکریم الطرفین : الأب والأم. المهر : ولد الفرس. (المؤلف)
5- الشمر - بفتح المعجمة - من شمر تشمیراً : مرّ مسرعاً. وأشمره بالسیف : أدرجه. (المؤلف)
6- العاصفات : الأریاح الشدیدة. الصافنات - راجع ص 5 [13] - الطمر : الثوب البالی. (المؤلف)
7- رملة بنت معاویة بن أبی سفیان ، شبّب بها عبد الرحمن بن حسان بأبیات أولها : رملُ هل تذکرین یومَ غزالِ إذ قطعنا مسیرَنا بالتمنّی ولهذا التشبیب قصّة توجد فی معاجم التراجم. (المؤلف)

فویلُ یزیدٍ من عذابِ جهنّم

إذا أقبلتْ فی الحشرِ فاطمةُ الطُهرُ

ملابسُها ثوبٌ من السمِّ أسودٌ

وآخرُ قانٍ من دمِ السبطِ محمرُّ

تنادی وأبصارُ الأنامِ شواخصٌ

وفی کلِّ قلبِ من مهابتها ذُعرُ (1)

وتشکو إلی الله العلیِّ وصوتُها

علیٌّ ومولانا علیٌّ لها ظهرُ

فلا ینطقُ الطاغی یزیدُ بما جنی

وأنّی له عذرٌ ومن شأنه الغدرُ

فیؤخذُ منه بالقصاصِ فیحرم النع

یم ویُخلی فی الجحیم له قصرُ

ویشدو له الشادی فیطربُه الغنا

ویسکبُ فی الکاسِ النضارِ له خمرُ

فذاک الغنا فی البعثِ تصحیفُه العَنا

وتصحیفُ ذاک الخمرِ فی قلبِه الجمرُ

أیُقرع جهلاً ثغرُ سبطِ محمدٍ

وصاحبُ ذاک الثغرِ یُحمی به الثغرُ

فلیس لأخذِ الثارِ إلاّ خلیفةٌ

یکونُ لکسرِ الدینِ من عدلِهِ جبرُ

تحفُّ به الأملاکُ من کلِّ جانبٍ

ویقدمُه الإقبال والعزُّ والنصرُ

عوامله فی الدارعین شوارعٌ

وحاجبه عیسی وناظره الخضرُ

تظلّله حقّا عمامة جدِّه

إذا ما ملوکُ الصیدِ ظلّلها الجبرُ

محیطٌ علی علمِ النبوّةِ صدرُه

فطوبی لعلمٍ ضمّه ذلک الصدرُ

هو ابنُ الإمامِ العسکریِّ محمدُ الت

قیُّ النقیُّ الطاهرُ العلَمُ الحَبرُ

سلیلُ علی الهادی ونجلُ محمدِ ال

جواد ومن فی أرضِ طوسٍ له قبرُ

علیّ الرضا وهو ابن موسی الذی قضی

ففاح علی بغدادَ من نشرِهِ عطرُ

وصادقُ وعدٍ إنّه نجلُ صادقٍ

إمامٌ به فی العلمِ یفتخرُ الفخرُ

وبهجة مولانا الإمام محمد

إمام لعلمِ الأنبیاء له بَقرُ

سلالةُ زینِ العابدین الذی بکی

فمن دمعِهِ یُبس الأعاشیبِ مُخضرُّ

سلیل حسینِ الفاطمی وحیدر ال

وصیِّ فمن طُهرٍ نمی ذلک الطهرُف)

ص: 29


1- الشواخص من شخص البصر ، أی : فتح علیه عینیه فلم یطرف. الذعر : الفزع والخوف. (المؤلف)

له الحسنُ المسموم عمٌّ فحبّذا الإ

مامُ الذی عمَّ الوری جودهُ الغمرُ

سمیُّ رسولِ الله وارثُ علمِهِ

إمامٌ علی آبائه نزلَ الذِکرُ

هم النورُ نورُ اللهِ جلَّ جلالُه

همُ التینُ والزیتونُ والشفعُ والوترُ

مهابطُ وحیِ اللهِ خزّانُ علمِهِ

میامینُ فی أبیاتِهم نزلَ الذِکرُ

وأسماؤهم مکتوبةٌ فوقَ عرشِهِ

ومکنونةٌ مِن قبلِ أن یُخلَقَ الذرُّ

ولولاهمُ لم یخلقِ اللهُ آدماً

ولا کان زیدٌ فی الأنامِ ولا عمرو

ولا سُطِحتْ أرضٌ ولا رُفعت سما

ولا طلعت شمسٌ ولا أشرقَ البدرُ

ونوحٌ به فی الفلک لمّا دعا نجا

وغیض به طوفانُه وقضی الأمرُ

ولولاهمُ نارُ الخلیلِ لما غدتْ

سلاماً وبرداً وانطفی ذلک الجمرُ

ولولاهمُ یعقوبُ ما زالَ حزنُهُ

ولا کان عن أیّوبَ ینکشفُ الضرُّ

ولانَ لداودَ الحدیدُ بسرِّهمْ

فقدَّر فی سردٍ یحیر به الفکرُ

ولمّا سلیمانُ البساطُ به سری

أُسیلت له عینٌ یفیض له القطرُ

وسخّرتِ الریحُ الرخاءُ بأمرِه

فغدوتُها شهرٌ وروحتُها شهرُ

وهم سرُّ موسی والعصا عندما عصی

أوامرَه فرعونُ والتقف السحرُ

ولولاهمُ ما کان عیسی بنُ مریمٍ

لعازر من طیِّ اللحودِ له نشرُ

سری سرّهمْ فی الکائناتِ وفضلُهمْ

وکلُّ نبیٍّ فیه من سرِّهم سرُّ

علا بهمُ قدری وفخری بهم غلا

ولولاهمُ ما کان فی الناسِ لی ذکرُ

مصابکمُ یا آلَ طه مصیبةٌ

ورزءٌ علی الإسلامِ أحدثَه الکفرُ

سأندبُکمْ یا عدّتی عند شدّتی

وأبکیکمُ حزناً إذا أقبل العَشرُ

وأبکیکمُ ما دمتُ حیّا فإن أمت

ستبکیکُم بعدی المراثی والشعرُ

عرائسُ فکرِ الصالحِ بنِ عرندسٍ

قبولکمُ یا آل طه لها مهرُ

وکیف یحیطُ الواصفون بمدحِکمْ

وفی مدحِ آیاتِ الکتابِ لکم ذکرُ

ومولدُکمْ بطحاءُ مکةَ والصفا

وزمزمُ والبیتُ المحرَّمُ والحجرُ

ص: 30

جعلتکُمُ یومَ المعادِ وسیلتی

فطوبی لمن أمسی وأنتمْ له ذخرُ

سیُبلی الجدیدانِ الجدیدَ وحبُّکمْ

جدیدٌ بقلبی لیس یُخلِقُه الدهرُ

علیکم سلامُ اللهِ ما لاح بارقٌ

وحلّت عقودُ المزنِ وانتشر القطرُ

وله من قصیدة یرثی بها الحسین علیه السلام :

باتَ العذولُ علی الحبیبِ مسهّدا

فأقام عذری فی الغرامِ ومهّدا

ورأی العذار بسالفیه مُسلسلاً

فأقامَ فی سجنِ الغرامِ مقیّدا

هذا الذی أمسی عذولی عاذری

فیه وراقدُ مقلتیه تسّهدا

ریمٌ (1) رمی قلبی بسهمِ لحاظِهِ

عن قوسِ حاجبِه أصابَ المقصدا

قمرٌ هلالُ الشمسِ فوق جبینِه

عالٍ تغارُ الشمسُ منه إذا بدا

وقوامُهُ کالغصنِ رنّحه الصبا

فیه حمامُ الحیِّ بات مغرِّدا

فإذا أرادَ الفتکَ کان قوامُهُ

لدناً وجرَّدتِ اللحاظُ مُهنّدا

تلقاه منعطفاً قضیباً أمْیَداً

وتراه ملتفتاً غزالاً أغیدا (2)

فی طاء طرّته وجیم جبینه

ضدّانِ شأنُهما الضلالُة والهدی

لیلٌ وصبحٌ أسودٌ فی أبیضٍ

هذا أضلَّ العاشقین وذا هدی

لا تحسبوا داودَ قدّرَ سردَهُ

فی سین سالفِهِ فبات مُسرَّدا

لکنَّما یاقوتُ خاءِ خدودِهِ

نمَ (3) العذارُ به فصار زبرجدا

یا قاتلَ العشّاقِ یا من طرفُهُ

الرشّاقُ یرشُقنا سهاماً من ردی (4)ف)

ص: 31


1- الریم : الظبی الخالص البیاض. (المؤلف)
2- منعطفاً : منثنیاً. القضیب : السیف القطّاع ، القوس عملت من قضیب أو غصن غیر مشقوق. الأمید من ماد یمید میداً : تحرّک واضطرب. الأغید من غید یغید غیداً : مالت عنقه لانت أعطافه فهو أغید وهی غیداء. (المؤلف)
3- نمَّ نماً : زین [ ونمَّ : ظهر ]. (المؤلف)
4- الرشق : الرمی. الردی : الهلاک. (المؤلف)

قسماً بثاءِ الثغرِ منک لأنَّه

ثغرٌ به جیمُ الجمان تنضّدا (1)

وبراءِ ریقٍ کالمدامِ مزاجُه

شهدٌ به تروی القلوبُ من الصدی

إنِّی لقد أصبحت عبدَک فی الهوی

وغدوتُ فی شرح المحبّةِ سیّدا

فاعدل بعبدِک لا تجُرْ واسمحْ ولا

تبخلْ بقربٍ من وفاکَ الأبعدا

وابدِ الوفا ودَعِ الجفا وذَرِ العفا

فلقد غدوتُ أخا غرامٍ مُکْمدا

وفجعت قلبی بالتفرُّقِ مثلما

فجعت أُمیّةُ بالحسینِ محمدا

سبط النبیِّ المصطفی الهادی الذی

أهدی الأنامَ من الضلالِ وأرشدا

وهو ابن مولانا علیِّ المرتضی

بحرِ الندی مُروی الصدا مُردی العدا

أسمی الوری نسباً وأشرفُهم أباً

وأجلُّهم حسباً وأکرمُ محتدا

بحرٌ طما لیثٌ حمی غیثٌ همی

صبحٌ أضا نجمٌ هدی بدرٌ بدا

السیّد السندُ الحسینُ أعمُّ أه

لِ الخافقینِ ندیً وأسمحُهم یدا

لم أنسه فی کربلا متلظّیا

فی الکرب لا یلقی لماءٍ موردا

والمقنب الأمویُّ حول خبائه

النبویِّ قد ملأ الفدافدَ فُدفدا (2)

عُصَبٌ عصت غصّت بخیلهمُ الفضا

غصبت حقوقَ بنی الوصیِّ وأحمدا

حمّت کتائبه وثارَ عجاجه

فحکی الخضمَّ المدلهمَّ المزبدا

للنصب فیه زماجرٌ مرفوعةٌ

جزمت بها الأسماء من حرف الندا

صامت صوافنُه وبیضُ صفاحِه

صلّت فصیّرتِ الجماجمَ سجّدا

نسج الغبارُ علی الأُسود مدارعاً

فیه فجسّدت النجیعَ وعسجدا

والخیلُ عابسةُ الوجوهِ کأنَّها

العقیانُ تخترقُ العجاجَ الأربدا

حتی إذا لمعتْ بروقُ صفاحِها

وغدا الجبانُ من الرواعدِ مُرعداف)

ص: 32


1- الثغر : مقدم الأسنان. الجمان : اللؤلؤ. (المؤلف)
2- المقنب : الجماعة من الخیل تجتمع للغارة. الفدافد - بفتح الفاء - : الفلاة. فدفد بضم الفاء الجافی الکلام المرتفع الصوت. (المؤلف)

صال الحسینُ علی الطغاةِ بعزمِهِ

لا یختشی من شربِ کاساتِ الردی

وغدا بلامِ اللدن یطعن أنجلاً

وبغینِ غربِ العضبِ یضرب أهودا (1)

فأعاد بالضربِ الحسامَ مفلَّلا

وثنی السنانَ من الطعانِ مقصّدا (2)

فکأنَّما فتکاتُهُ فی جیشِهمْ

فتکاتُ حیدر یوم أُحدٍ فی العدی

جیشٌ یریدُ رضا یزیدَ عصابةٌ

غصبتْ فأغضبتِ العلیَّ وأحمدا

جحدوا العلیَّ مع النبیِّ وخالفوا

الهادی الوصیَّ ولم یخافوا الموعدا

وغواهمُ شیطانُهمْ فأضلّهمْ

عمداً فلم یجدوا ولیّا مُرشدا

ومن العجائبِ أنَّ عذب فراتِها

تسری مسلسلةً ولن تتقیّدا

طامٍ وقلبُ السبطِ ظامٍ نحوه

وأبوه یسقی الناسَ سَلسلَه غدا

وکأنَّه والطرف والبتّار والخر

صان فی ظُللِ العجاج وقد بدا (3)

شمسٌ علی فلکٍ وطوع یمینه

قمرٌ یقابل فی الظلام الفرقدا (4)

والسیّدُ العباسُ قد سلبَ العدا

عنه اللباسَ وصیّروه مجرّدا

وابنُ الحسینِ السبطِ ظمآنُ الحشا

والماءُ تنهلهُ الذئاب مُبرّدا

کالبدرِ مقطوعُ الوریدِ له دمٌ

أمسی علی تربِ الصعید مُبدّدا

والسادةُ الشهداء صرعی فی الفلا

کلٌّ لأحقافِ (5) الرمال توسّداف)

ص: 33


1- الأنجل : الواسع الطویل العریض ، یقال : طعنه طعنة نجلاء ، أی واسعة. الأهود من الهوادة : اللین والرفق. (المؤلف)
2- المقصدة من القصدة بالکسر : القطعة مما یکسر. یقال : رمح قصد وقصید وأقصاد : أی متکسّر.(المؤلف)
3- الطرف - راجع ص 5 [13] - البتّار : السیف القاطع. الخرصان ، جمع الخرص : الرمح القصیر السنان. (المؤلف)
4- هذه البداعة مأخوذة من علاء الدین الشفهینی کما مرّت فی 6 / 362 ومرّت لابن العرندس أیضاً فی هذا الجزء : ص 5 [15]. (المؤلف)
5- الأحقاف جمع الحقف : ما اعوجّ من الرمح واستطال. (المؤلف)

فأولئک القومُ الذین علی هدیً

من ربِّهم فمن اقتدی بهمُ اهتدی

والسبطُ حرّانُ الحشا لمصابِهمْ

حیرانُ لا یلقی نصیراً مُسعدا

حتی إذا اقتربت أباعید الردی

وحیاتُه منها القریبُ تبعّدا

دارت علیه علوجُ آل أُمیّةٍ

من کلّ ذی نقص یزید تمرّدا

فرموه عن صُفر القسیِّ بأسهمٍ (1)

من غیر ما جُرم جناهُ ولا اعتدا

فهوی الجوادُ عن الجوادِ فرجّت

السبع الشداد وکان یوماً أنکدا

واحتزَّ منه الشمرُ رأساً طالما

أمسی له حجرُ النبوّةِ مرقدا

فبکته أملاکُ السمواتِ العلی

والدهرُ بات علیه مشقوقَ الردا

وارتدَّ کفُّ الجود مکفوفاً وطر

فُ العلمِ مطروفاً (2) علیه أرمدا

والوحشُ صاحَ لما عراه من الأسی

والطیرُ ناحَ علی عزاه وعدّدا (3)

وسروا بزینِ العابدینَ الساجدِ

الباکی الحزینِ مُقیّداً ومُصفّدا

وسکینةٌ سکنَ الأسی فی قلبِها

فغدا بضامرها (4) مُقیماً مُقعدا

وأسال قتلُ الطفِّ مدمعَ زینبٍ

فجری ووسطَ الخدِّ منها خدّدا

ورأیت ساجعةً تنوحُ بأیکةٍ (5)

سجعتْ فأخرستِ الفصیحَ المنشدا

بیضاءُ کالصبحِ المضیءِ أکفُّها

حمرٌ تطوّقت الظلامَ الأسودا

ناشدتها یا وِرقُ ما هذا البکا

ردِّی الجوابَ فجعتِ قلبی المکمدا

والطوقُ فوقَ بیاضِ عنقکِ أسودٌ

وأکفُّکِ حمرٌ تحاکی العسجدا

لمّا رأت ولهی وتسآلی لها

ولهیبَ قلبی نارُه لن تخمداف)

ص: 34


1- الصفر : الدائرة. القسی جمع القوس : آلة معروفه ترمی بها السهام. (المؤلف)
2- المطروفة من العین : التی أصابها شیء فدمعت. (المؤلف)
3- عدّد المیت : عدّ مناقبه ووصفها. (المؤلف)
4- ضمر فهو ضامر : هزل ودقّ وقلّ لحمه. (المؤلف)
5- الأیکة : الشجر الکثیر الملتفّ. (المؤلف)

رفعت بمنصوبِ الغصونِ لها یداً

جزمت به نوح النوائح سرمدا

قُتِلَ الحسینُ بکربلا یا لیته

لاقی النجاةَ بها وکنتُ له الفدا

فإذا تطوّق ذاک دمعی أحمرٌ

قانٍ مسحتُ به یدیّ تورّدا

ولبستُ فوق بیاضِ عنقی من أسیً

طوقاً بسینِ سوادِ قلبی أسودا

فالآن ها ذی قصّتی یا سائلی

ونجیعُ دمعی سائلٌ لن یجمدا

فاندب معی بتقرّحٍ وتحرّقٍ

وابکی وکن لی فی بکائی مُسعدا

فلألعننَّ بنی أُمیّةَ ما حدا

حادٍ وما غار الحجیجُ وأنجدا (1)

ولألعننَّ یزیدَها وزیادَها

ویزیدُها ربِّی عذاباً سرمدا

ولأبکینَّ علیک یا ابن محمدٍ

حتی أُوسَّدَ فی التراب مُلحّدا

ولأحلینَّ علی عُلاک مدائحاً

من درِّ ألفاظی حساناً خُرَّدا

عُرُباً فصاحاً فی الفصاحةِ جاوزت

قُسّا (2) وبات لها لبید (3) مُبلّدا

قلّدتُها بقلائدٍ من جودِکمْ

أضحی بها جیدُ الزمان مُقلَّدا

یرجو بها نجلُ العرندسِ صالحٌ

فی الخلدِ مع حورِ الجنانِ تخلّدا

وسقی الطفوف الهامرات من الحیا

سُحباً تسحُّ عیونها دمع الندی (4)

ثمّ السلام علیک یا ابن المرتضی

ما ناح طیرٌ فی الغصون وغرّدا

وله قصیدة تناهز (56) بیتاً یرثی بها الإمام السبط الشهید صلوات الله علیه ، توجد فی المنتخب لشیخنا الطریحی (5) (2 / 19) طبع بمبی مطلعها :

نوحوا أیا شیعةَ المولی أبی حسنِ

علی الحسین غریبِ الدارِ والوطنِ4.

ص: 35


1- غار الرجل : سار. أنجد الرجل : أتی نجداً ، قرب من أهله. (المؤلف)
2- قسّ بن ساعدة الایادی خطیب العرب قاطبة والمضروب به المثل فی البلاغة. (المؤلف)
3- لبید بن ربیعة العامری توفّی فی أوّل خلافة معاویة وهو ابن مائة وسبع وخمسین سنة. (المؤلف)
4- الهامرات من همر الماء : انصبَّ. والهمّار من السحاب : السیّال. الحیا : المطر. سحّ الماء : صبّه صبّا متتابعاً غزیراً. الندی : المطر. (المؤلف)
5- المنتخب : 2 / 254.

ص: 36

- 73 -

ابن داغر الحلّی

حیّا الإلهُ کتیبةً مرتادُها

یطوی له سهلُ الفلا ووهادُها

قصدت أمیرَ المؤمنین بقبّةٍ

یُبنی علی هامِ السماک عمادُها

وفدت علی خیرِ الأنامِ بحضرةٍ

عند الإلهِ مکرّمٌ وُفّادُها

فیها الفتی وابن الفتی وأخو الفتی

أهلُ الفتوّةِ ربُّها مقتادُها

فله الفخارُ قدیمُه وحدیثُه

والفاضلاتُ طریفُها وتلادُها (1)

مولی البریّةِ بعد فقد نبیِّها

وإمامُها وهمامُها وجوادُها

وإذا القرومُ تصادمت فی معرکٍ

والخیلُ قد نسج القتامَ طرادُها

وتری القبائلَ عند مختلفِ القنا

منه یحذِّر جمعَها آحادُها

والشوسُ تعثرُ فی المجالِ وتحتَها

جردٌ تجذُّ إلی القتالِ جیادُها (2)

فکأنَّ منتشرَ الرعالِ لدی الوغی

زجلٌ تنشّر فی البلادِ جرادُها

ورماحُهمْ قد شظِّیتْ عیدانُها (3)

وسیوفُهم قد کسِّرت أغمادُهاف)

ص: 37


1- الطریف : المکتسب حدیثاً. التلاد والتلید : ما کان من قدیم. (المؤلف)
2- الشوس جمع أشوس : الشدید الجری فی القتال. تعثّر : یقال : عثر الرجل عثوراً إذا هجم علی أمر لم یهجم علیه غیره. المجال : محل الجولان أی المیدان. جرد جمع الأجرد : السباق من الخیل. یجذ من جذَّ فی سیره : أسرع. الجیاد جمع الجواد : السریع من الفرس. (المؤلف)
3- شظی تشظیة : فرق. تشظی العود : تطایر شظایا. عیدان وأعود وأعواد جمع العود : الخشب. (المؤلف)

والشهب تُغمَدُ فی الرؤوس نصولُها

والسمرُ تصعد فی النفوسِ صعادُها (1)

فتری هناک أخا النبیِّ محمدٍ

وعلیه من جهدِ البلاءِ جلادُها

متردِّیاً عند اللقا بحسامِهِ

متصدِّیاً لکماتِها یصطادُها

عضَدَ النبیَّ الهاشمیَّ بسیفِهِ

حتی تقطّعَ فی الوغی أعضادُها

واخاهُ دونهمُ وسدَّ دُوینَه

أبوابَهمْ فتّاحُها سدّادُها

وحباه فی یومِ الغدیرِ ولایةً

عام الوداع وکلُّهم أشهادُها

فغدا به یومَ الغدیر مفضّلاً

برکاتُه ما تنتهی أعدادُها

قبلت وصیّة أحمد وبصدرها

تخفی لآل محمدٍ أحقادُها

حتی إذا مات النبیُّ فأظهرت

أضغانها فی ظلمِها أجنادُها

منعوا خلافةَ ربِّها وولیِّها

ببصائرٍ عمیت وضلَّ رشادُها

واعصوصبوا فی منعِ فاطمَ حقَّها

فقضتْ وقد شاب الحیاةَ نکادُها (2)

وتوفّیت غصصاً وبعد وفاتِها

قُتلَ الحسینُ وذُبِّحت أولادُها

وغدا یُسَبُّ علی المنابرِ بعلُها

فی أمّةٍ ضلّت وطالَ فسادُها

ولقد وقفتُ علی مقالةِ حاذقٍ

فی السالفین فراقَ لی إنشادُها

(أعلی المنابرِ تعلنون بسبِّهِ

وبسیفِهِ نُصبتْ لکم أعوادُها) (3)

یا آلَ بیتِ محمدٍ یا سادةً

ساد البریّةَ فضلُها وسدادُها

أنتم مصابیحُ الظلامِ وأنتمُ

خیرُ الأنامِ وأنتمُ أمجادُها

فضلاؤها علماؤها حلماؤها

حکماؤها عبّادُها زهّادُهاف)

ص: 38


1- الشهب جمع الشهاب : السنان ، سمّی به لما فیه من بریق. نصولٍ جمع النصل : حدیدة الرمح والسهم. السمر : الرمح. صعاد جمع الصعدة : القناة المستویة. (المؤلف)
2- اعصوصبوا : اجتمعوا وصاروا عصائب. شاب : خلط وغش. النکاد : الکدر. (المؤلف)
3- هذا البیت من قصیدة لأبی محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجی الحلبی رحمه الله المتوفّی 466. (المؤلف)

أمّا العبادُ فأنتمُ ساداتُها

أمّا الحروبُ فأنتمُ آسادُها

تلک المساعی للبریّة أوضحتْ

نهجَ الهدی ومشت به عبّادُها

وإلیکمُ من شارداتِ (مغامسٍ)

بکراً یقرُّ بفضلِها حسّادُها

کملت بوزنِ کمالِکمْ وتزیّنتْ

بمحاسنٍ من حسنِکمْ تزدادُها

نادیتها صوتاً فمذ أسمعتها

لبّتْ ولم یصلدْ علیَّ زنادُها

نفقتْ لدیّ لأنّها فی مدحِکمْ

فلذاک لا یخشی علیَّ کسادُها

رحمَ الإلهُ مُمِدَّها أقلامَهُ

ورجاؤه أن لا یخیب مدادُها

فتشفّعوا لکبائرٍ أسلفتها

قلقتْ لها نفسی وقلّ رقادُها

جرماً لو انَّ الراسیاتِ حملنَه

دکّتْ وذاب صخورُها وصلادُها

هیهات تُمنعُ عن شفاعةِ جدِّکمْ

نفسٌ وحبُّ أبی ترابٍ زادُها

صلّی الإلهُ علیکمُ ما أرعدتْ

سحبٌ وأسبلَ ممطراً أرعادُها

وله قوله من قصیدة تناهز الاثنین والتسعین بیتاً :

کیف السلامةُ والخطوبُ تنوبُ

ومصائبُ الدنیا الغَرورُ تصوبُ

إنَّ البقاءَ علی اختلافِ طبائعٍ

ورجاء أن ینجو الفتی لعصیبُ

العیشُ أهونُه وما هو کائنٌ

حتمٌ وما هو واصلٌ فقریبُ

والدهر أطوارٌ ولیس لأهلِهِ

إن فکّروا فی حالتیه نصیبُ

لیس اللبیب من استغرّ بعیشِهِ

إنَّ المفکّرَ فی الأمورِ لبیبُ

یا غافلاً والموتُ لیس بغافلٍ

عِش ما تشاءُ فإنّکَ المطلوبُ

أبدیتَ لهوکَ إذ زمانُک مقبلٌ

زاهٍ وإذ غصنُ الشبابِ رطیبُ

فمن النصیرُ علی الخطوبِ إذا أتت

وَعلا علی شرخِ الشباب مشیبُ

علل الفتی من علمِه مکفوفةٌ

حتی الممات وعمرُه مکتوبُ

وتراه یکدحُ فی المعاشِ ورزقُه

فی الکائناتِ مقدّرٌ محسوبُ

ص: 39

إنَّ اللیالی لا تزال مجدَّةً

فی الخلقِ أحداثٌ لها وخطوبُ

من سرَّ فیها ساءه من صرفِها

ریبٌ له طولُ الزمانِ مریبُ

عصفت بخیرِ الخلقِ آلِ محمدٍ

نکباءُ إعصارٌ لها وهبوبُ (1)

أمّا النبیُّ فخانه من قومِهِ

فی أقربیه مجانبٌ وصحیبُ

من بعد ما ردُّوا علیه وصاتَه

حتی کأنَّ مقالَه مکذوبُ

ونسوا رعایة حقِّه فی حیدرٍ

فی خمّ وهو وزیرُه المصحوبُ

فأقام فیهم برهةً حتی قضی

فی الغیظِ وهو بغیظِهمْ مغضوبُ

ومنها قوله فی رثاء الإمام السبط علیه السلام :

بأبی الإمامَ المستضامَ بکربلا

یدعو ولیس لما یقولُ مجیبُ

بأبی الوحیدَ وما له مِن راحمٍ

یشکو الظما والماءُ منه قریبُ

بأبی الحبیبَ إلی النبیِّ محمدٍ

ومحمدٌ عند الإله حبیبُ

یا کربلاءُ أفیک یُقتلُ جهرةً

سبطُ المطهّرِ إنّ ذا لعجیبُ

ما أنتِ إلاّ کربةٌ وبلیّةٌ

کلُّ الأنامِ بهولِها مکروبُ

لهفی علیه وقد هوی متعفِّراً

وبه أُوامٌ فادحٌ ولغوبُ (2)

لهفی علیه بالطفوفِ مجدّلاً

تسفی علیهِ شمألٌ وجنوبُ

لهفی علیه والخیولُ ترضُّهُ

فلهنَّ رکضٌ حوله وخبیبُ (3)

لهفی له والرأسُ منه ممیّزٌ

والشیبُ من دمه الشریفِ خضیبُ

لهفی علیه ودرعُه مسلوبةٌ

لهفی علیه ورحلُهُ منهوبُف)

ص: 40


1- الإعصار : ریح ترتفع بالتراب. الهبوب من الریاح : المثیرة للغبرة. (المؤلف)
2- الأوام : العطش. الفادح : الصعب المثقل. اللغوب : المتعب المعیی. (المؤلف)
3- الخبیب من خبّ الفرس فی عدوه : راوح بین یدیه ورجلیه ؛ أی قام علی إحداهما مرّة وعلی الأخری مرّة. (المؤلف)

لهفی علی حُرَمِ الحسینِ حواسراً

شعثاً وقد رِیعتْ لهنَّ قلوبُ

حتی إذا قطع الکریم بسیفِهِ

لم یثنه خوفٌ ولا ترعیبُ

للهِ کم لطمتْ خدودٌ عندَهُ

جزعاً وکم شُقّت علیه جیوبُ

ما أنس إن أنسَ الزکیّةَ زینباً

تبکی له وقناعُها مسلوبُ

تدعو وتندبُ والمصابُ تکظُّها

بین الطفوفِ ودمعُها مسکوبُ (1)

أَأُخیَّ بعدکَ لا حییتُ بغبطةٍ

واغتالنی حتفٌ إلیَّ قریبُ

أَأُخیَّ بعدَکَ من یدافعُ جاهلاً

عنِّی ویسمع دعوتی ویجیبُ

حزنی تذوب له الجبالُ وعنده

یسلو وینسی یوسفاً یعقوبُ

الشاعر

الشیخ مغامس بن داغر الحلّی ، طفح بذکر المغامس فی حبِّ آل الله صلّی الله علیهم غیر واحد من المعاجم المتأخّرة کالحصون المنیعة للعلاّمة الشیخ علی آل کاشف الغطاء ، والطلیعة للعلاّمة السماوی ، والبابلیّات للخطیب الیعقوبی (2) ، وذکر شطراً من شعره شیخنا فخر الدین الطریحی فی المنتخب (3) ، والأدیب الأصبهانی فی التحفة الناصریّة ، وتضمّن غیر واحد من المجامیع قریضه المتدفِّق بمدح أهل بیت الوحی أئمّة الهدی ورثائهم صلوات الله علیهم حتی جمع منها الشیخ السماوی دیواناً باسم المترجم یربو علی ألف وثلاثمائة وخمسین بیتاً ولعلّ التالف منها أکثر وأکثر.

فهو من شعراء أهل البیت المکثرین المتفانین فی حبّهم وولائهم غیر أنَّ الدهر أنسی ذکره الخالد ، ولعلّ هذا الانقطاع عن غیرهم علیهم السلام هو الذی قطع اطّراد ذکره فی جملة من الموسوعات أو المعاجم لمن لا یألف إلی ودِّهم کما فعلوا ذلک بالنسبة إلی 3.

ص: 41


1- تکظّها من کظّ الأمر کظّا : غمّ وبهظ. الطفوف جمع الطف : ما أشرف من الأرض. (المؤلف)
2- البابلیّات : 1 / 132 رقم 44.
3- المنتخب : 2 / 284 و 292 و 300 و 323.

کثیرین من أمثال المترجم فترکوا ذکره أو أثبتوه بصورة مصغّرة ، وعندهم مکبّرات لذکریات أُناس هم دون أولئک فی الفضیلة والأدب ، وکم للتاریخ من جنایات فی الخفض والرفع والجرّ والنصب لا تستقصی!

کان الشیخ مغامس من إحدی القبائل العربیّة فی ضواحی الحلّة الفیحاء فهبطها للدراسة ، ولم یبارحها حتی قضی بها نحبه شاعراً خطیباً فی أواسط القرن التاسع ، ویعرب شعره عن أنَّه کان له شوط فی مضمار الخطابة کما کان یرکض فی کلِّ حلبة من حلبات القریض ، قال :

فتارةً أنظمُ الأشعارَ ممتدحاً

وتارةً أنثرُ الأقوالَ فی الخطبِ

وکان أبوه داغر شاعراً موالیاً وهو الذی علّمه قرض الشعر ومرّنه علی ولاء العترة الطاهرة کما یأتی فی قوله :

أعملتُ فی مدحِکمْ فکری فعلّمنی

نظمَ المدیحِ وأوصانی بذاک أبی

فحیّی الله الوالد والولد. وإلیک فهرست قصائده التی وقفنا علیها فی مجامیع الأدب :

عدد

القصائد

المطلع

عدد

الأبیات

محبُّ اللیالی فی مساعیه متعبُ

یساق إلیه حتفُه وهو یدأبُ

(93) (1) تذکّرَ ما أحصی الکتابُ فتابا

وحاذرَ من مسِّ العذابِ عقابا (92) (3)

أصبحتَ للتقوی بجهلِکَ تدّعی

دعواک باطلةٌ إذا لم تقلعِ (81) (4)

هل حین عمّمه المشیبُ وقنّعا

أتراه یصنعُ فی الهدایةِ مصنعا (90) (5)

أتطلب دنیاً بعد شیب قذالِ (2)

وتذکر أیّاماً مضت ولیالی (92)

توجد جملة من هذه القصیدة فی المنتخب (2) (2 / 45) طبع بمبی. 0.

ص: 42


1- المنتخب : 2 / 300.
2- القذال بفتح القاف : ما بین الأذنین من مؤخر الرأس. (المؤلف)

فصلتْ صروفُ الحادثاتِ مفاصلی

وأصاب سهمُ النائباتِ مقاتلی

قطع الزمان عری قوای وکلّ ما

قطعَ الزمانُ فما له من واصلِ (77)

هذه القصیدة ذکرها شیخنا الطریحی فی المنتخب (1) (2 / 36)

لغیرِکِ یا دنیا ثنیتُ عنانی

وذاک لأمر عن غناکِ عنانی (99)

توجد هذه القصیدة برمّتها فی المنتخب (2) (2 / 58).

لبنی الهادی مناحی

فی غدوّی ورواحی

صاحِ ما قلبی بصاحِ

ما لحزنی من براحِ (105) (9)

هجر الغمضَ وسادی

وکوی الحزنُ فؤادی

فحیاتی فی نکادی

لقتیلِ ابن زیادِ (62) (10)

لیتنی کنت فداءً للحسینْ

وهو بالطفِّ قطیعُ الودجینْ

ینظرُ الشمرَ بعینٍ وبعینْ

ینظر النسوةَ بین العسکرینْ

(106) (11) بکیت وما لریعان الشبابِ

ولا لدروسِ منزلةٍ خرابِ

ولا لفوات عیش مستطابِ

ولا لفراق زینب والربابِ (80) (12)

صحبتکِ لا أنِّی بودِّک مغرمُ

فبینی فغیری فی هواکِ المتیَّمُ

(88) (13) رحل الشبابُ وإنّه لکریمُ

وفراغُه عند النفوسِ عظیمُ (81) (14)

أزال الشباب الغضَّ عنک مزیلُ

فهل أنت للبیض الحسان خلیلُ (75)

(15) یمدح بها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم قوله :

عرّج علی المصطفی یا سائق النجبِ

عرِّج علی خیرِ مبعوثٍ وخیرِ نبی

عرّج علی السیّد المبعوثِ من مُضرٍ

عرِّج علی الصادقِ المنعوتِ فی الکتبِ

عرّج علی رحمةِ الباری ونعمتِهِ

عرِّج علی الأبطحیِّ الطاهرِ النسبِ3.

ص: 43


1- المنتخب : 2 / 284.
2- المنتخب : 2 / 323.

رآه آدمُ نوراً بین أربعةٍ

لألاؤها فوق ساقِ العرشِ من کثبِ

فقال یا ربّ من هذا فقیل له

قولَ المحبِّ وما فی القولِ من ریبِ

هم أولیائی وهم ذرّیةٌ لکما

فقرَّ عیناً ونفساً فیهمُ وطبِ

أما وحقِّهمُ لو لا مکانُهمُ

منِّی لما دارتِ الأفلاکُ بالقطبِ

کلاّ ولا کان من شمسٍ ولا قمرٍ

ولا شهابٍ ولا أُفقٍ ولا حجبِ

ولا سماءٍ ولا أرضٍ ولا شجرٍ

للناس یهمی علیه واکفُ السحبِ (1)

ولا جنانٍ ولا نارٍ مؤجَّجةٍ

جعلت أعداءهم فیها من الحطبِ

وقال للملإ الأعلی ألا أحدٌ

یُنبی بأسمائِهمْ صدقاً بلا کذبِ

فلم یجیبوا فأنبا آدمٌ بهمُ

لها بعلمٍ من الجبّارِ مُکتسبِ

فقال للملإ الأعلی اسجدوا کملاً

لآدمٍ وأطیعوا واتّقوا غضبی

وصیّر اللهُ ذاک النورَ ملتمعاً

فی الوجهِ منه بوعدٍ منه مرتقبِ

وخاف نوحٌ فناجی ربَّه فنجا

بهم علی دُسُر الألواحِ والخشبِ

وفی الجحیمِ دعا اللهَ الخلیلُ بهمْ

فأُخمدتْ بعد ذاک الحرّ واللهبِ

وقد دعا اللهَ موسی إذ هوی صَعِقاً

بحقِّهمْ فنجا من شدّة الکربِ

فظَلَّ منتقلاً واللهُ حافظُه

علی تنقّلِهِ من حادثِ النُوبِ

حتی تقسّم فی عبدِ الإلهِ معاً

وفی أبی طالبٍ عن عبد مُطّلبِ

فأودعَ اللهُ ذاک القسمَ آمنةً

یوماً إلی أجلٍ بالحملِ مقتربِ

حتی إذا وضعتْه انهدَّ من فزعٍ

رکنُ الضلالِ ونادی الشرکُ بالحربِ

وانشقَّ إیوانُ کسری وانطفت حذراً

نیرانُهمْ وأقرَّ الکفرُ بالغلبِ

تساقطت أنجمُ الأملاکِ مؤذنةً

بالرجمِ فاحترقَ الأصنامُ باللهبِ

حتی إذا حاز سنَّ الأربعین دعا

ربِّی به فی لسانِ الوحی بالکتبِ

فقال لبّیک من داعٍ وأرسلَهُ

إلی البریّةِ من عُجمٍ ومن عربِف)

ص: 44


1- همی الماء یهمی همیاً : سال لا یثنیه شیء. الواکف : المطر المنهلّ. (المؤلف)

فأظهر المعجزاتِ الواضحاتِ لهم

بالبیِّنات ولم یحذرْ ولم یهبِ

أراهمُ الآیةَ الکبری فوا عجباً

ما بالهم خالفوا من أعجب العجبِ

رامت بنو عمِّهِ تبییتَهُ سحراً

فعاذ منهم رسولُ اللهِ بالهربِ

وبات یفدیه خیرُ الخلقِ حیدرةٌ (1)

علی الفراشِ وفی یُمناه ذو شطبِ (2)

فأدبروا إذ رأوا غیرَ الذی طلبوا

وأوغلوا لرسولِ اللهِ فی الطلبِ

فرابهمْ عنکبٌ فی الغارِ إذ جعلتْ

تسدی وتلحم فی أبرادِها القُشبِ

حتی إذا ردّهم عنه الإلهُ مضی

ذاک النجیبُ علی المهریّة النُّجبِ

فحلَّ دارَ رجالٍ بایعوه علی

أعدائه فدماء القوم فی صَببِ

فی کلِّ یومٍ لمولی الخلق واقعةٌ

منه علی عابدی الأوثان والصلبِ

یمشی إلی حربِهمْ واللهُ ناصرُهُ

مشیَ العفرناة فی غابِ القنا السلبِ (3)

فی فتیةٍ کالأسودِ المحذراتِ لها

براثنٌ (4) من رماح الخطِّ والقضبِ

عافوا المعاقلَ للبیضِ الحسانِ فما

معاقلُ القومِ غیرُ البیض والیلبِ (5)

فالحقُّ فی فرحٍ والدینُ فی مَرَحٍ

والشرکُ فی ترحٍ والکفرُ فی نصبِ

حتی استراح نبیُّ الله قاضیةً

بهم وراحتُهمْ فی ذلک التعبِ

یا من به أنبیاءُ اللهِ قد خُتِموا

فلیس من بعدِهِ فی العالمین نبی

إن کنتَ فی درجاتِ الوحیِ خاتمَهم

فأنت أوّلُهم فی أوّلِ الرُتبِ

قد بشّرت بک رسلُ اللهِ فی أُممٍ

خلتْ فما کنتَ فیما بینهم بغبی (6)ف)

ص: 45


1- مرّ حدیث لیلة المبیت فی الجزء الثانی : ص 47. (المؤلف)
2- الشطب جمع الشطبة بضم الأول وکسره : الخط فی متن السیف. (المؤلف)
3- یقال : أسد عفرنی ولبوة عفرناة : أی قویة.
4- البرثن من السباع والطیر بمنزلة الإصبع من الانسان. والجمع : براثن. (المؤلف)
5- المعقل : الملجأ. البیض جمع بیضاء : السیف. الیلب : الترس أو الدروع الیمانیة من الجلود ، خالص الحدید. (المؤلف)
6- المستور ، المجهول. (المؤلف)

شهدتُ أنَّک أحسنتَ البلاغَ فما

تکون فی باطلٍ یوماً بمنجذبِ

حتی دعاک إلهی فاستجبتَ له

حبّا ومن یدْعُهُ المحبوبُ یستجبِ

وقد نصبتَ لهم فی دینِهمْ خلفاً

وکان بعدَکَ فیهم خیرَ منتصبِ

لکنّهم خالفوهُ وابتغوا بدلاً

تخیّروه ولیس النبعُ کالغربِ (1)

ویقول فیها :

یا راکبَ الهوجلِ المحبوکِ تحملهُ (2)

إلی زیارةِ خیرِ العجمِ والعربِ

إذا قضیتَ فروضَ الحجِّ مکتملاً

ونلتَ إدراکَ ما فی النفسِ من إربِ

وزرتَ قبرَ رسولِ اللهِ سیَّدِنا

وسیّدِ الخلقِ من ناءٍ ومقتربِ

قِف موقفی ثمّ سلّم لی علیه معاً

حتی کأنِّیَ ذاک الیومَ لم أغِبِ

واثنِ السلامَ إلی أهلِ البقیعِ فلی

بها أحبّةُ صبٍّ دائمِ الوصبِ

وبثّهم صبوتی طولَ الزمانِ لهم

وقل بدمعٍ علی الخدّین منسکبِ

یا قدوةَ الخلقِ فی علمٍ وفی عملٍ

وأطهرَ الخلقِ فی أصلٍ وفی نسبِ

وصلتُ حبلَ رجائی فی حبائلِکمْ

کما تعلّق فی أسبابِکمْ سببی

دنوتُ فی الدینِ منکم والودادِ فلو

لا دان لم یدنُ من أحسابِکم حسبی

مدیحُکمْ مکسبی والدینُ مکتسبی

ما عشتُ والظنُّ فی معروفِکمْ نشبی

فإن عدَتنی اللیالی عن زیارتِکمْ

فإنَّ قلبیَ عنکم غیرُ منقلبِ

قد سیط لحمی وعظمی فی محبّتِکمْ

وحبُّکم قد جری فی المخِّ والعَصبِ

هجری وبغضی لمن عاداکمُ ولکمْ

صدقی وحبّی وفی مدحی لکم طربی

فتارةً أنظمُ الأشعارَ ممتدحاً

وتارةً أنثرُ الأقوالَ فی الخطبِ

حتی جعلتُ مقال الضدِّ من شبهٍ

إذ صغتُ فیکم قریضَ القولِ من ذهبِف)

ص: 46


1- النبع : خروج الماء من العین. الغرب : الماء المقطّر من الدلو بین الحوض والبئر. (المؤلف)
2- الهوجل : الناقة التی بها هوج من سرعتها. المحبوک : مشدود الوسط. (المؤلف)

أعملتُ فی مدحِکمْ فکری فعلّمنی

نظمَ المدیحِ وأوصانی بذاک أبی

فهل أنالُ مفازاً فی شفاعتِکمْ

ممّا أحتقبتُ له فی سائرِ الحقبِ

فیا مغامس احبس فی مدائحِهمْ

تلک القوافی وأجرَ اللهِ فاحتسبِ

ص: 47

ص: 48

- 74 -

الحافظ البرسی الحلّی

هو الشمسُ أم نورُ الضریح یلوحُ

هو المسکُ أم طیبُ الوصیِّ یفوحُ

وبحرُ ندی أم روضةٌ حوتِ الهدی

وآدمُ أم سرُّ المهیمنِ نوحُ

وداودُ هذا أم سلیمانُ بعدَه

وهارونُ أم موسی العصا ومسیحُ

وأحمدُ هذا المصطفی أم وصیُّه

علیٌّ نماه هاشمٌ وذبیحُ

محیطُ سماءِ المجدِ بدرُ دجنّةٍ

وفلکُ جمالٍ للأنام ویوحُ (1)

حبیبُ حبیبِ اللهِ بل سرُّ سرِّه

وجثمانُ أمرٍ للخلائقِ روحُ

له النصُّ فی یومِ الغدیرِ ومدحُه

من اللهِ فی الذکرِ المبینِ صریحُ

إمامٌ إذا ما المرءُ جاءَ بحبِّه

فمیزانُه یومَ المعادِ رجیحُ

له شیعةٌ مثلُ النجومِ زواهرٌ

لها بین کلِّ العالمینَ وضوحُ

إذا قاولتَ فالحقُّ فیما تقولهُ

به النورُ بادٍ واللسانُ فصیحُ

وإن جاولتَ أو جادلتَ عن مرامِها

تولّی العدوُّ الجَلْدُ وهو طریحُ

علیک سلامُ اللهِ یا رایةَ الهدی

سلامُ سلیمٍ یغتدی ویروحُ

وتأتی له قصیدة منها قوله :

مولیً له بغدیرِ خمِّ بیعةٌ

خضعتْ لها الأعناق وهی طوائحُف)

ص: 49


1- یوح : الشمس. (المؤلف)

الشاعر

الحافظ الشیخ رضی الدین رجب بن محمد بن رجب البرسی الحلّی ، من عرفاء علماء الإمامیّة وفقهائها المشارکین فی العلوم ، علی فضله الواضح فی فنِّ الحدیث ، وتقدّمه فی الأدب وقرض الشعر وإجادته ، وتضلّعه من علم الحروف وأسرارها واستخراج فوائدها ، وبذلک کلّه تجد کتبه طافحة بالتحقیق ودقّة النظر ، وله فی العرفان والحروف مسالک خاصّة ، کما أنَّ له فی ولاء أئمّة الدین علیهم السلام آراء ونظریّات لا یرتضیها لفیف من الناس ، ولذلک رموه بالغلوِّ والارتفاع ، غیر أنّ الحقّ أنّ جمیع ما یثبته المترجم لهم علیهم السلام من الشؤون هی دون مرتبة الغلوِّ وغیر درجة النبوّة ، وقد جاء عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام قوله : «إیّاکم والغلوّ فینا ، قولوا : إنّا عبید مربوبون ، وقولوا فی فضلنا ما شئتم» (1) ، وقال الإمام الصادق علیه السلام : «اجعل لنا ربّا نئوب إلیه وقولوا فینا ما شئتم». وقال علیه السلام : «اجعلونا مخلوقین وقولوا فینا ما شئتم فلن تبلغوا» (2).

وأنّی لنا البلاغ مدیة ما منحهم المولی سبحانه من فضائل ومآثر؟ وأنّی لنا الوقوف علی غایة ما شرّفهم الله به من ملکات فاضلة ، ونفسیّات نفیسة ؛ وروحیّات قدسیّة ، وخلائق کریمة ، ومکارم ومحامد ؛ فمن ذا الذی یبلغ معرفة الإمام؟ أو یمکنه اختیاره؟ هیهات هیهات ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العیون ، وتصاغرت العظماء ، وتحیّرت الحکماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألبّاء ، وکلّت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعییت البلغاء عن وصف شأن من شأنه ، وفضیلة من فضائله ، وأقرّت بالعجز والتقصیر ؛ وکیف یوصف ف)

ص: 50


1- الخصال لشیخنا الصدوق [ ص 614 ]. (المؤلف)
2- بصائر الدرجات للصفّار [ ص 236 ، 507 ]. (المؤلف)

بکلّه؟ أو ینعت بکنهه؟ أو یفهم شیء من أمره؟ أو یوجد من یقوم مقامه ویغنی غناه؟ لا. کیف؟ وأنّی؟ فهو بحیث النجم من ید المتناولین ووصف الواصفین ، فأین الاختیار من هذا؟ وأین العقول عن هذا؟ وأین یوجد مثل هذا؟ (1).

ولذلک تجد کثیراً من علمائنا المحقّقین فی المعرفة بالأسرار یثبتون لأئمة الهدی صلوات الله علیهم کلّ هاتیک الشؤون وغیرها ممّا لا یتحمّله غیرهم ، وکان فی علماء قم من یرمی بالغلوّ کلّ من روی شیئاً من تلکم الأسرار ، حتی قال قائلهم : إنَّ أوّل مراتب الغلوّ نفی السهو عن النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی أن جاء بعدهم المحقِّقون وعرفوا الحقیقة فلم یقیموا لکثیر من تلکم التضعیفات وزناً ، وهذه بلیّة مُنی بها کثیرون من أهل الحقائق والعرفان ومنهم المترجم ، ولم تزل الفئتان علی طرفی نقیض ، وقد تقوم الحرب بینهما علی أشدِّها ، والصلح خیر.

وفذلکة المقام أنَّ النفوس تتفاوت حسب جبلاّتها واستعداداتها فی تلقّی الحقائق الراهنة ، فمنها ما تبهظه المعضلات والأسرار ، ومنها ما ینبسط لها فیبسط إلیها ذراعاً ویمدُّ لها باعاً ، وبطبع الحال إنّ الفئة الأولی لا یسعها الرضوخ لما یعلمون ، کما أنّ الآخرین لا تبیح لهم المعرفة أن یذروا ما حقّقوه فی مدحرة البطلان ، فهنالک تثور المنافرة ، وتحتدم الضغائن ، ونحن نقدِّر للفریقین مسعاهم لما نعلم من نوایاهم الحسنة وسلوکهم جَدَد السبیل فی طلب الحقِّ ونقول :

علی المرء أن یسعی بمقدار جهده

ولیس علیه أن یکون موفّقا

ألا إنَّ الناس لمعادن کمعادن الذهب والفضّة (2) وقد تواتر عن أئمّة أهل البیت علیهم السلام : «إنَّ أمرنا ، أو حدیثنا صعب مستصعب لا یتحمّله إلاّ نبیٌّ مرسل أو ملک ف)

ص: 51


1- من قولنا : فمن ذا الذی یبلغ. إلی هنا مأخوذ من حدیث رواه شیخنا الکلینی ثقة الإسلام فی أصول الکافی : ص 99 [ 1 / 201 ] عن الإمام الرضا صلوات الله علیه. (المؤلف)
2- حدیث ثابت عند الفریقین. (المؤلف)

مقرّب ، أو مؤمنٌ امتحن الله قلبه بالإیمان» (1). إذن فلا نتحرّی وقیعة فی علماء الدین ولا نمسُّ کرامة العارفین ، ولا ننقم من أحد عدم بلوغه إلی مرتبة من هو أرقی منه ، إذ لا یکلّف الله نفساً إلاّ وسعها. وقال مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : «لو جلست أحدِّثکم ما سمعت من فم أبی القاسم صلی الله علیه وآله وسلم لخرجتم من عندی وأنتم تقولون : إنَّ علیّا من أکذب الکاذبین» (2).

وقال إمامنا السیّد السجاد علیه السلام : «لو علم أبو ذرّ ما فی قلب سلمان لقتله ، ولقد آخی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بینهما فما ظنّکم بسائر الخلق» (3) (وَکُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنی وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِینَ عَلَی الْقاعِدِینَ أَجْراً عَظِیماً) (4).

وإلی هذا یشیر سیّدنا الإمام السجّاد زین العابدین علیه السلام بقوله :

إنِّی لأکتمُ من علمی جواهرَهُ

کی لا یری الحقَّ ذو جهلٍ فیفتتنا

وقد تقدّم فی هذا أبو حسنٍ

إلی الحسینِ وأوصی قبله الحسنا

فرُبَّ جوهر علمٍ لو أبوح به

لقیل لی أنت ممّن یعبد الوثنا

ولاستحلَّ رجال مسلمون دمی

یرون أقبح ما یأتونه حسنا (5)

ولسیّدنا الأمین فی أعیان الشیعة (6) (31 / 193 - 205) فی ترجمة الرجل کلمات لا تخرج عن حدود ما ذکرناه ، وممّا نقم علیه به اعتماده علی علم الحروف والأعداد8.

ص: 52


1- بصائر الدرجات للصفّار : ص 6 [ ص 20 ] ، أصول الکافی : ص 216 [ 1 / 401 ]. (المؤلف)
2- منح المنّة للشعرانی : ص 14. (المؤلف)
3- بصائر الدرجات للصفّار : ص 7 [ ص 25 ] آخر الباب الحادی عشر من الجزء الأوّل. أصول الکافی لثقة الإسلام الکلینی : ص 216 [ 1 / 401 ]. (المؤلف)
4- النساء : 95.
5- تفسیر الآلوسی : 6 / 190. (المؤلف)
6- أعیان الشیعة : 6 / 465 - 468.

الذی لا تتمّ به برهنة ولا تقوم به حجّة ، ونحن وإن صافقناه علی ذلک ، إلاّ أنّ للمترجم له ومن حذا حذوه من العلماء کابن شهرآشوب ومن بعده عذراً فی سرد هاتیک المسائل ؛ فإنَّها أشبه شیء بالجدل تجاه من ارتکن إلی أمثالها فی أبواب أخری من علماء الحروف من العامّة کقول العبیدی المالکی فی عمدة التحقیق (1) (ص 155) : قال بعض علماء الحروف : یؤخذ دوام ناموس آل الصدِّیق وقیام عزّته إلی انتهاء الدنیا من سرِّ قوله تعالی : فی (ذُرِّیَّتِی). فإنَّ عدّتها بالجمل الکبیر ألف وأربعمائة وعشرة وهی مظنّة تمام الدنیا کما ذکره بعضهم فلا یزالون ظاهرین بالعزّة والسیادة مدّة الدنیا ، وقد استنبط تلک المدّة عمدة أهل التحقیق مصطفی لطف الله الرزنامجی بالدیوان المصری من قوله تعالی : (لا یَلْبَثُونَ خِلافَکَ إِلاَّ قَلِیلاً) (2) قال ما لفظه : إذا أسقطنا مکرّرات الحروف کان الباقی (ل ا ی ب ث و ن خ ف ک ق) أحد عشر حرفاً عددهم بالجمل الکبیر ألف وثلاثمائة وتسعة وتسعین زدنا علیه عدد الحروف وهو أحد عشر صار المجموع وهو ألف وأربعمائة وعشرة وهو مطابق لقوله تعالی : ذریّتی. وسمعت ختام الأعلام شیخنا الشیخ یوسف الفیشی رحمه الله یقول : قال محمد البکری الکبیر : یجلس عقبنا مع عیسی بن مریم علی سجّادة واحدة وهذا یقوّی تصحیح ذلک الاستنباط. انتهی.

ونحن لا ندری ما ذا یعنی سیّدنا الأمین بقوله : وفی طبعه شذوذ وفی مؤلّفاته خبط وخلط وشیء من المغالاة لا موجب له ولا داعی إلیه وفیه شیء من الضرر إن أمکن أن یکون له محل صحیح. لیت السیّد یوعز إلی شیء من شذوذ طبع شاعرنا الفحل حتی لا یبقی قوله دعوی مجرّدة. وبعد اعترافه بإمکان محمل صحیح لما أتی به المترجم له فأیّ داعٍ إلی حمله علی الخبط والخلط ، ونسیان حدیث : ضع أمر أخیک 6.

ص: 53


1- عمدة التحقیق : ص 262.
2- الإسراء : 76.

علی أحسنه؟ وأیّ ضرر فیه علی ذلک التقدیر؟ علی أنّا سبرنا غیر واحد من مؤلّفات البرسی فلم نجد فیه شاهداً علی ما یقول ، وستوافیک نبذ ممتعة من شعره الرائق فی مدائح أهل البیت علیهم السلام ومراثیهم ولیس فیها إلاّ إشادة إلی فضائلهم المسلّمة بین الفریقین أو ثناء جمیل علیهم هو دون مقامهم الأسمی ، فأین یقع الارتفاع الذی رماه به بعضهم؟ وأین المغالاة التی رآها السیّد؟ والبرسی لا یحذو فی کتبه إلاّ حذو شعره المقبول ، فأین مقیل الخبط والضرر والغلو التی حسبها سیّد الأعیان؟

وأمّا ما نقم به علیه من اختراع الصلوات والزیارة بقوله : واختراع صلاة علیهم وزیارة لهم لا حاجة إلیه بعد ما ورد ما یغنی عنه ولو سلّم أنَّه فی غایة الفصاحة کما یقول صاحب الریاض ، فإنّه لا مانع منه إلاّ ما یوهم المخترع أنَّها مأثورة ، وأیّ وازع من إبداء کلِّ أحد تحیّته بما یجریه الله تعالی علی لسانه وهو لا یقصد وروداً ولا یرید تشریعاً؟ وقد فعله فطاحل العلماء من الفریقین ممّن هو قبل المترجم وبعده ، ولا تسمع أُذن الدنیا الغمز علیهم بذلک من أیِّ أحد من أعلام الأمّة. وأمّا قول سیّدنا : وإنَّ مؤلّفاته لیس فیها کثیر نفع وفی بعضها ضرر ولله فی خلقه شئون سامحه الله وإیّانا. فإنَّه من شطفة القلم صدر عن المشطف (1) ، سامحه الله وإیّانا.

تآلیفه القیّمة :

1 - مشارق أنوار الیقین فی حقائق أسرار أمیر المؤمنین.

2 - مشارق الأمان ولباب حقائق الإیمان ألّفه سنة (813).

3 - رسالة فی الصلوات علی النبیّ وآله المعصومین.

4 - رسالة فی زیارة أمیر المؤمنین طویلة ، قال شیخنا صاحب الریاض (2) : فی 5.

ص: 54


1- المشطف کمنبر : من یعرض بالکلام علی غیر القصد. (المؤلف)
2- ریاض العلماء : 2 / 305.

نهایة الحسن والجزالة واللطافة والفصاحة [ وهی ] (1) معروفة.

5 - رسالة اللمعة من أسرار الأسماء والصفات والحروف والآیات والدعوات ، فیها فوائد ولا تخلو من غرابة کما قاله شیخنا صاحب الریاض (2).

6 - الدرّ الثمین ، فی خمسمائة آیة نزلت فی مولانا أمیر المؤمنین باتّفاق أکثر المفسّرین من أهل الدین ، ینقل عنه المولی محمد تقی الزنجانی فی کتابه : طریق النجاة.

7 - أسرار النبیّ وفاطمة والأئمّة علیهم السلام.

8 - لوامع أنوار التمجید وجوامع أسرار التوحید ، فی أصول العقائد.

9 - تفسیر سورة الإخلاص.

10 - رسالة مختصرة فی التوحید والصلوات علی النبیِّ وآله.

11 - کتاب فی مولد النبیّ وعلیّ وفاطمة وفضائلهم.

12 - کتاب فی فضائل أمیر المؤمنین غیر المشارق.

13 - کتاب الألفین فی وصف سادة الکونین.

شعره الرائق :

للحافظ البرسی شعر رائق وجلّه بل کلّه فی مدائح النبیّ الأقدس وأهل بیته الطاهر صلوات الله علیهم ویتخلّص فی شعره ب : (الحافظ). ومن شعره یمدح به النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم قوله :

أضاءَ بک الأُفُقُ المشرقُ

ودان لمنطقِکَ المنطقُ

وکنتَ ولا آدمٌ کائناً

لأنَّک من کونه أسبقُ5.

ص: 55


1- الزیادة من المصدر.
2- ریاض العلماء : 2 / 305.

أشار بهذا البیت إلی ما جاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «کنت أوّل الناس فی الخلق وآخرهم فی البعث».

أخرجه (1) ابن سعد فی الطبقات ، والطبری فی تفسیره (21 / 79) ، وأبو نعیم فی الدلائل (1 / 6) ، وذکره ابن کثیر فی تاریخه (2 / 307) ، والغزالی فی المضنون الصغیر هامش الإنسان الکامل (2 / 97) والسیوطی فی الخصائص الکبری (1 / 3) ، والزرقانی فی شرح المواهب (3 / 164).

وفی حدیث الإسراء : إنَّک عبدی ورسولی وجعلتک أوّل النبیّین خلقاً وآخرهم بعثاً (2). وجاء عنه صلی الله علیه وآله وسلم : «أوّل ما خلق الله نوری» (3). وتواتر عنه صلی الله علیه وآله وسلم من طرق صحیحة : «کنت نبیّا وآدم بین الماء والطین. أو : بین الروح والجسد. أو : بین خلق آدم ونفخ الروح فیه».

ولولاک لم تخلق الکائنات

ولا بان غربٌ ولا مشرقُ

أشار به إلی ما أخرجه (4) الحاکم فی المستدرک (2 / 615) والبیهقی ، والطبرانی ، والسبکی ، والقسطلانی ، والعزامی ، والبلقینی ، والزرقانی وغیرهم من طریق ابن عبّاس قال : أوحی الله إلی عیسی علیه السلام : یا عیسی آمن بمحمد وأمر من أدرکه من أمّتک أن یؤمنوا به ، فلو لا محمد ما خلقت آدم ، ولولا محمد ما خلقت الجنّة ولا النار.

ومن طریق عمر بن الخطّاب قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لمّا اقترف آدم 4.

ص: 56


1- الطبقات الکبری : 1 / 149 ، جامع البیان : مج 11 / ج 21 / 125 ، دلائل النبوّة : 1 / 44 ح 3 ، البدایة والنهایة : 2 / 376 ، الخصائص الکبری : 1 / 7.
2- مجمع الزوائد : 1 / 71. (المؤلف)
3- السیرة الحلبیة : 1 / 159 [ 1 / 147 ]. (المؤلف)
4- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 671 ح 4227 و 4228 ، شفاء السقام : ص 162 ، شرح المواهب للزرقانی : 1 / 44.

الخطیئة قال : یا رب أسألک بحقِّ محمد لمّا غفرت لی. فقال الله : یا آدم وکیف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال : یا رب لأنَّک لمّا خلقتنی بیدک ونفخت فیَّ من روحک رفعت رأسی فرأیت علی قوائم العرش مکتوباً لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، فعلمت أنّک لم تضف إلی اسمک إلاّ أحبَّ الخلق إلیک. فقال الله : صدقت یا آدم إنَّه لأحبُّ الخلق إلیَّ ادعنی بحقّه قد غفرت لک. ولولا محمد ما خلقتک».

فمیمُکَ مفتاحُ کلِّ الوجودِ

ومیمک بالمنتهی یغلقُ

تجلّیتَ یا خاتمَ المرسلین

بشأوٍ من الفضلِ لا یُلحَقُ

فأنت لنا أوّلٌ آخرٌ

وباطنُ ظاهرِکَ الأسبقُ

فی هذه الأبیات إشارة إلی أسمائه الشریفة : الفاتح ، الخاتم ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن. راجع شرح المواهب للزرقانی (3 / 163 ، 164).

تعالیتَ عن صفةِ المادحین

وإن أطنبوا فیک أو أغمقوا

فمعناکَ حول الوری دارةٌ

علی غیبِ أسرارِها تحدقُ

وروحُکَ من ملکوتِ السماءِ

تنزّلُ بالأمرِ ما یُخلقُ

ونشرُکَ یسری علی الکائنات

فکلٌّ علی قدرِه یعبقُ

إلیک قلوبُ جمیعِ الأنامِ

تحنُّ وأعناقُها تعنقُ

وفیضُ أیادیک فی العالمین

بأنهارِ أسرارِها یدفَقُ

وآثارُ آیاتِکَ البیِّناتِ

علی جبهاتِ الوری تشرقُ

فموسی الکلیمُ وتوراتُهُ

یدلاّن عنک إذا استنطقوا

وعیسی وإنجیلُه بشّرا

بأنَّک أحمدُ من یُخلقُ

فیا رحمةَ اللهِ فی العالمینَ

ومن کان لولاه لم یُخلَقوا

لأنَّک وجهُ الجلالِ المنیر

ووجهُ الجمالِ الذی یشرقُ

وأنت الأمینُ وأنت الأمانُ

وأنت ترتِّق ما یُفتَقُ

ص: 57

أتی رجبٌ لک فی عاتقٍ

ثقیلِ الذنوبِ فهل تعتقُ؟

وله یمدح الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام قوله :

العقلُ نورٌ وأنت معناهُ

والکونُ سرٌّ وأنت مبداهُ

والخلقُ فی جمعِهمْ إذا جمعوا

الکلّ عبدٌ وأنت مولاهُ

أنت الولیُّ الذی مناقبه

ما لعلاها فی الخلقِ أشباهُ

یا آیةَ اللهِ فی العبادِ ویا

سرَّ الذی لا إله إلاّ هو

تناقض العالمون فیک وقد

حاروا عن المهتدی وقد تاهوا

فقال قومُ بأنَّه بشرٌ

وقال قومٌ بأنَّه اللهُ

یا صاحبَ الحشرِ والمعاد ومن

مولاه حکمَ العبادِ ولاّهُ

یا قاسم النار والجنان غداً

أنت ملاذُ الراجی ومنجاهُ

کیف یخافُ البرسیُّ حرَّ لظیً

وأنت عند الحسابِ غوثاهُ (1)

لا یختشی النارَ عبدُ حیدرةٍ

إذ لیس فی النارِ من تولاّهُ

وله فی مدح مولانا أمیر المؤمنین صلوات الله علیه قوله :

أَیّها اللائمُ دعنی

واستمع من وصف حالی

کلّما ازددتُ مدیحاً

فیه قالوا لا تغالِ

وإذا أبصرتُ فی الحقِ

یقیناً لا أُبالی

آیةُ اللهِ التی فی

وصفها القول حلا لی

کم إلی کم أیّها العا

ذل أکثرت جدالی

یا عذولی فی غرامی

خلّنی عنک وحالی

رُح إلی من هو ناجٍ (2)

واطّرحنی وضلالیی.

ص: 58


1- فی أعیان الشیعة : 6 / 467 : منجاه.
2- فی روضات الجنّات : 3 / 340 : رُح إذا ما کنت تأبی.

إنَّ حبِّی لوصیِّ ال

مصطفی عینُ الکمالِ (1)

هو زادی فی معادی

ومعاذی فی مآلی

وبه إکمالُ دینی

وبه ختمُ مقالی

ومن شعره یمدح أمیر المؤمنین سلام الله علیه قوله :

بأسمائِک الحسنی أُروِّحُ خاطری

إذا هبَّ من قدسِ الجلالِ نسیمُها

لئن سقمتْ نفسی فأنت طبیبُها

وإن شقیت یوماً فمنک نعیمُها

رضیت بأن ألقی القیامَة خائفاً

دماء نفوسٍ حاربتک جسومُها

أبا حسنٍ لو کان حبُّکَ مُدخلی

جحیماً لکان الفوزَ عندی جحیمُها

وکیف یخافُ النارَ من کان موقناً

بأنَّک مولاهُ وأنت قسیمُها

فوا عجباً من أمّةٍ کیف ترتجی

من اللهِ غفراناً وأنت خصیمُها

ووا عجباً إذ أخّرتک وقدّمت

سواکَ بلا جرمٍ وأنت زعیمُها

وقال فی مدح مولانا أبی السبطین سلام الله علیه :

تعالی علیٌّ فی الجلال فرائدٌ

یعودُ وفی کفّیهِ منه فرائدُ

وواردُ فضلٍ منه یصدر عزلها

تضیقُ بها منه اللها والأواردُ

تبارک موصولاً وبورک واصلاً

له صلةٌ فی کلِّ نفسٍ وعائدُ

روی فضلَه الحسّادُ من عظمِ شأنِه

وأعظمُ فضلٍ جاء یرویه حاسدُ

محبّوه أخفوا فضلَه خیفةَ الهدی

وأخفاه بغضاً حاسدٌ ومعاندُ

فشاعَ له ما بین ذین مناقبٌ

تجلُّ بأن تُحصی إذا عدَّ قاصدُ

إمامٌ له فی جبهةِ المجدِ أنجمٌ

علت فعلت إن یدنُ منهنَّ راصدُ (2)

لها الفرق من فرع السماک منابرٌ

وفی عنق الجوزاء منها قلائدُد.

ص: 59


1- وفی نسخة بدل : إنّ حبّی لعلیّ المرتضی عین الکمال. (المؤلف)
2- فی أعیان الشیعة والبابلیات ورد هذا الشطر هکذا : تعالت فلا یدنو إلیهن راصد.

مناقب إذ جلَّت جلت کلَّ کربةٍ

وطابت فطابت من شذاها المشاهدُ

إمامٌ یحارُ الفکرُ فیه فعابدٌ

له ومقرٌّ بالولاء وجاهدُ

إمامٌ مبینٌ کلَّ أُکرومةٍ حوی

بمدحتهِ التنزیلُ والذکرُ شاهدُ

علیه سلام الله ما ذکر اسمَهُ

محبٌّ وفی البرسیِّ ذلک خالدُ

وله فی سیّد العترة أمیر المؤمنین علیه وعلیهم السلام :

أبدیتَ یا رجب الغریبْ

فقیل یا رجب المرجَّبْ

أبدیت للسرِّ المصو

ن المضمر الخافی المغیَّبْ

وکشفتَ أستاراً وأس

- راراً عن الأشرارِ تُحجبْ

حلَّ الوری فإذا الظوا

هر فضّةٌ والبطنُ أسربْ

إلاّ قلیلاً من رجا

ل أصلهم زاکٍ مهذَّبْ

وکتبتَ ما بالنور منهُ

علی خدود الحور یکتبْ

فلذاک أضحی الناس قل

باً من قوی الجهل المرکّبْ

رجلٌ یحبُّ ومبغضٌ

قالٍ وحزب الله أغلبْ

وطویلُ أنفٍ إن رآ

نیَ مُقبلاً ولّی وقطّبْ

فی أُمِّه شکٌّ بلا

شکّ ولو صدقت لأنجبْ

یزورُّ إن سمع الحدی

إلی أمیر النحل یُنسبْ

وتراه إن کرّرت ذک

- ر فضائل الکرّار یغضبْ

وله رائیّة غرّاء رنّانة یمدح بها أمیر المؤمنین علیه السلام خمّسها ابن السبعی (1) نذکرها معه :

أعیت صفاتُکَ أهلَ الرأیِ والنظرِ

وأوردتْهم حیاضَ العجزِ والخطرِف)

ص: 60


1- العلاّمة الحجّة الشیخ فخر الدین أحمد بن محمد الأحسائی نزیل الهند والمتوفّی بها من تلمذة ابن المتوّج وقرناء ابن فهد الحلّی المتوفّی 841. (المؤلف)

أنت الذی دقَّ معناه لمعتبرِ

یا آیةَ اللهِ بل یا فتنةَ البشرِ

وحجّةَ اللهِ بل یا منتهی القَدَرِ

عن کشفِ معناه ذو الفکر الدقیقِ وَهنْ

وفیک ربُّ العلی أهلَ العقولِ فتنْ

أنَّی بحدِّکَ یا نورَ الإله فطنْ

یا من إلیه إشارات العقولِ ومنْ

فیه الألبّاءُ تحت العجزِ والخطرِ

ففی حدوثِکَ قومٌ فی هواک غووا

إن أبصروا منک أمراً معجزاً فغَلوا

حیّرتَ أذهانَهمْ یا ذا العلی فعَلوا

هیّمتَ أفکارَ ذی الأفکارِ حین رأوا

آیاتِ شأنِکَ فی الأیّامِ والعصرِ

أوضحتَ للناسِ أحکاماً محرَّفةً

کما أتیت أحادیثاً مصحّفةً

أنت المقدّمُ أسلافاً وسالفةً

یا أوّلاً آخراً نوراً ومعرفةً

یا ظاهراً باطناً فی العینِ والأثرِ

یا مطعمَ القرصِ للعافی الأسیرِ وما

ذاقَ الطعامَ وأمسی صائماً کرما

ومُرجع القرصِ إذ بحرُ الظلام طما

لک العبارةُ بالنطقِ البلیغِ کما

لک الإشارةُ فی الآیات والسورِ

أنوارُ فضلِک لا تطفی لهنَّ عدا

ممّا یکتّمه أهلُ الضلال بدا

تخالفت فیک أفکارُ الوری أبدا

کم خاض فیک أناس وانتهی فغدا

معناک محتجباً عن کلِّ مقتدرِ

لولاک ما اتّسقت للطُهرِ ملَّتُهُ

کلاّ ولا اتّضحت للناسِ شرعتُهُ

ولا انتفت عن أسیرِ الشکِّ شبهتُهُ

أنت الدلیلُ لمن حارتْ بصیرتُهُ

فی طیِّ مشتبکاتِ القولِ واعبرِ

أدرکت مرتبةً ما الوهمُ یدرکُها

وخضتَ من غمراتِ الحرب مهلکَها

مولای یا مالکَ الدینا وتارکَها

أنت السفینةُ مَن صِدقاً تمسّکَها

نجا ومن حادَ عنها خاض فی الشررِ

ص: 61

من نورِ فضلِکَ ذو الأفکارِ مقتبسُ

ومن معالمِ ربِّ العلمِ مختلسُ

لو لا بیانُکَ أمرُ الکلِّ ملتبسُ

فلیس قبلکَ للأفکارِ ملتمسُ

ولیس بعدک تحقیقٌ لمعتبرِ

جاءت بتأمیرِکَ الآیاتُ والصحفُ

فالبعضُ قد آمنوا والبعضُ قد وقفوا

لولاک ما اتّفقوا یوماً ولا اختلفوا

تفرّق الناس إلاّ فیک وائتلفوا

فالبعضُ فی جنّةٍ والبعضُ فی سقرِ

خیرُ الخلیقةِ قومٌ نهجَکَ اتَّبعتْ

وشرُّها من علی تنقیصِک اجتمعتْ

وفرقةٌ أوّلت جهلاً لما سمعتْ

فالناسُ فیک ثلاثٌ فرقةٌ رفعتْ

وفرقةٌ وقعت بالجهلِ والقذرِ

یا ویحَها فرقةً ما کان یمنعُها

لو أنَّها اتَّبعت ما کان ینفعُها

یا فرقةً غیُّها بالشوم موقِعُها

وفرقةٌ وقعتْ لا النورُ یرفعُها

ولا بصائرُها فیها بذی غورِ

بعظمِ شأنِک کلُّ الصحفِ تعترفُ

ومن علومِک ربُّ العلمِ یقترفُ

لولاک ما اصطلحوا یوماً وما اختلفوا

تصالحَ الناسُ إلاّ فیک واختلفوا

إلاّ علیک وهذا موضعُ الخطرِ

جاءت بتعظیمِکَ الآیاتُ والسورُ

فالبعضُ قد آمنوا والبعضُ قد کفروا

والبعض قد وقفوا جهلاً وما اختبروا

وکم أشاروا وکم أبدوا وکم ستروا

والحقّ یظهر من بادٍ ومستترِ

أقسمتُ بالله باری خلقِنا قسما

لولاک ما سمَکَ الله العلیُّ سما

یا من له اسمٌ بأعلی العرشِ قد رُسِما

أسماءک الغرُّ مثل النیّرات کما

صفاتک السبع کالأفلاک ذی الأکرِ

أنت العلیمُ إذا ربُّ العلومِ جهلْ

إذ کلُّ علمٍ فشا فی الناس عنک نقلْ

وأنت نجمُ الهدی تهدی لکلِّ مضلْ

وولدک الغرُّ کالأبراج فی فلک الْ

معنی وأنتَ مثالُ الشمسِ والقمرِ

ص: 62

أئمّةٌ سورُ القرآن قد نطقتْ

بفضلِهمْ وبهم طرقُ الهدی اتَّسقتْ

طوبی لنفسٍ بهم لا غیرهم وثقتْ

قومٌ هم الآلُ آلُ اللهِ من علقتْ

بهم یداه نجا من زلّة الخطرِ

علیهمُ محکمُ القرآنِ قد نزلا

مفصّلاً من معانی فضلهمْ جملا

هم الهداةُ فلا تبغی لهم بدلا

شطر الأمانة معراج النجاة إلی

أوجِ العلومِ وکم فی الشطرِ من غیرِ

بلطف سرِّک موسی فجّرَ الحجرا

وأنت صاحبُه إذ صاحبَ الخضرا

وفیک نوحٌ نجا والفُلْکُ فیه جری

یا سرَّ کلِّ نبیٍّ جاءَ مشتهرا

وسرَّ کلِّ نبیٍّ غیرِ مشتهرِ

یلومنی فیک ذو جهلٍ أخو سفهِ

ولا یضرُّ محقّا قولُ ذی شُبَهِ

ومن تنزَّه عن ندٍّ وعن شَبهِ

أُجلُّ وصفَکَ عن قدرٍ لمشتبهِ

وأنت فی العینِ مثلُ العینِ فی الصورِ

ولهُ قوله یمدح به أمیر المؤمنین علیه السلام :

یا منبعَ الأسرارِ یا

سرَّ المهیمن فی الممالکْ

یا قطبَ دائرةِ الوجو

د وعین منبعِهِ کذلکْ

والعینَ والسرَّ الذی

منه تلقّنتِ الملائکْ

ما لاح صبحٌ فی الدجی (1)

إلاّ وأسفرَ عن جمالکْ

یا ابن الأطایبِ والطوا

هرِ والفواطم والعواتِکْ

أنت الأمانُ من الردی

أنت النجاةُ من المهالکْ

أنت الصراطُ المستقی

م قسیمُ جنّاتِ الأرائکْ

والنارُ مفزعُها إلی

ک وأنت مالکُ أمرِ مالکْف)

ص: 63


1- ما لاح صبحٌ للهدی. کذا فی بعض النسخ. (المؤلف)

یا من تجلّی بالجمالِ

فشقَّ بردةَ کلِّ حالکْ

صلّی علیکَ اللهُ من

هادٍ إلی خیرِ المسالکْ

والحافظ البرسیّ لا

یخشی وأنت له هنالکْ

وله أبیات فی أهل البیت خمّسها الشاعر المفلق الشیخ أحمد بن الحسن النحوی نذکرها مع تخمیسها :

ولائی لآلِ المصطفی وبنیهمُ

وعترتهم أزکی الوری وذَویهمُ

بهم سمةٌ من جدِّهم وأبیهمُ

همُ القومُ أنوارُ النبوّةِ فیهمُ

تلوحُ وآثارُ الإمامةِ تُلمَحُ

نجومُ سماءِ المجدِ أقمارُ تمِّهِ

معالمُ دینِ اللهِ أطوادُ حلمهِ

منازلُ ذکرِ اللهِ حکّامُ حکمهِ

مهابطُ وحیِ اللهِ خزّانُ علمهِ

وعندهمُ سرُّ المهیمن مودعُ

مدیحُهمُ فی محکمِ الذکرِ محکمُ

وعندَهمُ ما قد تلقّاه آدمُ

فدَع حکمَ باقی الناسِ فهو تحکّمُ

إذا جلسوا للحکم فالکلُّ أبکمُ

وإن نطقوا فالدهرُ أُذنٌ ومسمعُ

بحبِّهمُ طاعاتُنا تُتَقبّلُ

وفی فضلِهمْ جاءَ الکتابُ المنزَّلُ

یعمُّ شذاهمُ کلَّ أرضٍ ویشملُ

وإن ذکروا فالکون نَدٌّ ومندلُ (1)

لهم أرجٌ من طیبهم یتضوعُ

دعا بهمُ موسی ففُرِّجَ کربُهُ

وکلّمه من جانب الطور ربُّهُ

إذا حاولوا أمراً تسهّلَ صعبُهُ

وإن برزوا فالدهرُ یخفقُ قلبُهُ

لسطوتِهمْ والأُسدُ فی الغابِ تفزعُ

فلولاهمُ ما سار فلکٌ ولا جری

ولا ذرأَ اللهُ الأنامَ ولا براف)

ص: 64


1- الندّ بفتح المعجمة وکسرها : عود یُتبخّر به. المندل : العود الطیّب الرائحة. (المؤلف)

کرامٌ متی مازرتهم عجّلوا القِری

وإن ذُکر المعروفُ والجودُ فی الوری

فبحرُ نداهم زاخرٌ یتدفَّعُ

أبوهم أخو المختار طه ونفسُهُ

وهم فرعُ دوحٍ فی الجلالةِ غرسُهُ

وأُمّهمُ الزهراءُ فاطمُ عرسُهُ

أبوهم سماءُ المجدِ والأُمُّ شمسُهُ

نجومٌ لها برجُ الجلالةِ مطلعُ

لهم نسبٌ أضحی بأحمدَ مُعرِقا

رقا منه للعلیاءِ أبعدَ مرتقی

وزادهمُ من رونقِ القدسِ رونقا

فیا نسباً کالشمسِ أبیضَ مشرقا

ویا شرفاً من هامةِ النجمِ أرفعُ

کرامٌ نماهم طاهرٌ متطهِّرُ

وبُثَّ بهم من أحمد الطهرِ عنصرُ

وأُمُّهمُ الزهراءُ والأبُ حیدرُ

فمن مثلُهم فی الناس إن عُدّ مفخرُ

أعد نظراً یا صاح إن کنت تسمعُ

علیٌّ أمیرُ المؤمنین أمیرُهمْ

وشُبّرُهمْ أصلُ التُقی وشبیرُهمْ

بَهالیلُ صوّامون فاحَ عبیرُهمْ

میامینُ قوّامون عزَّ نظیرُهمْ

هداةٌ ولاةٌ للرسالةِ منبعُ

مناجیبُ ظلُّ اللهِ فی الأرضِ ظلُّهمْ

وهم معدنٌ للعلم والفضلِ کلُّهمْ

وفضلهمُ أحیا البرایا وبذلهمْ

فلا فضلَ إلاّ حین یُذکر فضلُهمْ

ولا علم إلاّ علمُهم حین یرفعُ

إلیهم یفرُّ الخاطئون بذنبهمْ

وهم شفعاءُ المذنبین لربِّهمْ

فلا طاعةٌ ترضی لغیرِ محبّهمْ

ولا عملٌ ینجی غداً غیرُ حبِّهم

إذا قام یومُ البعثِ للخلقِ مجمعُ

حلفتُ بمن قد أمّ مکّةَ وافدا

لقد خابَ من قد کان للآلِ جاحدا

ولو أنّه قد قطّع العمرَ ساجدا

ولو أنَّ عبداً جاء للهِ عابدا

بغیرِ ولا أهلِ العبا لیس ینفعُ

ص: 65

بنی أحمدٍ مالی سواکم أری غدا

إذا جئتُ فی قیدِ الذنوبِ مقیَّدا

أُنادیکمُ یا خیرَ من سمعَ الندا

أیا عترةَ المختارِ یا رایةَ الهدی

إلیکم غداً فی موقفی أتطلّعُ

فو الله لا أخشی من النارِ فی غدِ

وأنتم وُلاةُ الأمرِ یا آلَ أحمدِ

وها أنا قد أدعوکمُ رافعاً یدی

خذوا بیدی یا آلَ بیتِ محمدِ

فمن غیرُکم یوم القیامة یشفعُ

وهذه القصیدة خمّسها الشیخ هادی المتوفّی (1235) ، ابن الشیخ أحمد النحوی المخمِّس المذکور أوّل تخمیسه :

بنو أحمدٍ قد فاز من یرتضیهمُ

أئمّةُ حقٍّ للنجا یرتضیهمُ

وطوبی لمن فی هدیه یقتضیهمُ

همُ القومُ أنوارُ النبوّةِ فیهمُ

تلوح وآثارُ الإمامة تلمعُ

وله فی العترة الطاهرة صلوات الله علیهم قوله :

فرضی ونفلی وحدیثی أنتمُ

وکلُّ کلّی منکمُ وعنکمُ

وأنتمُ عندَ الصلاةِ قبلتی

إذا وقفتُ نحوکم أُیمّمُ

خیالُکم نصبٌ لعینی أبداً

وحبُّکم فی خاطری مخیِّمُ

یا سادتی وقادتی أعتابکم

بجفنِ عینی لثراها ألثمُ

وقفاً علی حدیثِکم ومدحِکم

جعلتُ عمری فاقبلوه وارحموا

مُنّوا علی الحافظ من فضلِکمْ

واستنقذوه فی غدٍ وأنعموا

وله فی أهل البیت الطاهر سلام الله علیهم قوله :

یا آل طه أنتمُ أملی

وعلیکمُ فی البعث متّکلی

إن ضاق بی ذنبٌ فحبُّکمُ

یوم الحساب هناک یوسع لی

ص: 66

بولائکم وبطیبِ مَدحِکمُ

أرجو الرضا والعفوَ عن زللی

رجبُ المحدّثُ عبد عبدِکمُ

والحافظ البرسیّ لم یزلِ

لا یختشی فی الحشرِ حرَّ لظی

إذ سیِّداه محمدٌ وعلی

سیثقلان وزان صالحه

ویُبیِّضان صحیفة العملِ

لم ینشعبْ فیکون منطلقاً

من ضلّةٍ للشعبِ ذی الظللِ

وله مسمِّطاً فیهم صلوات الله علیهم قوله :

سرُّکمُ لا تنالُه الفِکَرُ

وأمرُکُم فی الوری خطرُ

مستصعبٌ فکُّ رمزِه خطرُ

ووصفُکم لا یطیقُه البشرُ

ومدحُکم شرُفت به السورُ

وجودُکم للوجودِ علّتُه

ونورُکم للظُهورِ آیتُه

وأنتمُ للوجودِ قبلتُه

وحبُّکم للمحبِّ کعبتُه

یسعی بها طائفاً ویعتمرُ

لولاکمُ ما استدارت الأکرُ

ولا استنارت شمسٌ ولا قمرُ

ولا تدلّی غصنٌ ولا ثمرُ

ولا تندّی ورقٌ ولا خضرُ

ولا سری بارقٌ ولا مطرُ

عندکمُ فی الإیابِ مجمعُنا

وأنتمُ فی الحسابِ مفزعُنا

وقولُکم فی الصراطِ مرجعُنا

وحبُّکم فی النشورِ ینفعُنا

به ذنوبُ المحبِّ تُغتفرُ

یا سادةً قد زکت معارفهمْ

وطاب أصلاً وساد عارفُهمْ

وخاف فی بعثِه مخالفهمْ

إن یختبرْ للوری صیارفُهمْ

فأصلُهم بالولاءِ یُختبرُ

أنتم رجائی وحبُّکم أملی

علیه یوم المعاد متَّکلی

ص: 67

فکیف یخشی حرَّ السعیر ولی

وشافعاه محمدٌ وعلی

أو یعتریه من شرِّها شررٌ

عبدُکمُ الحافظُ الفقیرُ علی

أعتابِ أبوابِکمْ یروم فلا

تخیّبوه یا سادتی أملا

وأقسموه یوم المعاد إلی

ظلٍّ ظلیلٍ نسیمُه عَطرُ

صلّی علیکم ربُّ السماء کما

أصفاکمُ واصطفاکمُ کرما

وزاد عبداً والاکمُ نعما

ما غرّد الطیر فی الغصونِ وما

ناح حمامٌ وأورق الشجرُ

وله فی العترة الطاهرة وسیّدهم صلوات الله علیه وعلیهم قوله :

إذا رمتَ یومَ البعثِ تنجو من اللظی

وَیُقبلُ منک الدینُ والفرضُ والسننْ

فوالِ علیّا والأئمّةَ بعدَه

نجومَ الهدی تنجو من الضیقِ والمحنْ

فهم عترةٌ قد فوّضَ اللهُ أمرَه

إلیهم لما قد خصّهم منه بالمننْ

أئمّةُ حقٍّ أوجبَ اللهُ حقَّهمْ

وطاعتُهم فرضٌ بها الخلقُ تمتحنْ

نصحتُکَ أن ترتاب فیهم فتنثنی

إلی غیرهم من غیرهم فی الأنام منْ

فحبُّ علیٍّ عدّةٌ لولیِّه

یلاقیه عند الموتِ والقبر والکفنْ

کذلک یومَ البعثِ لم ینجُ قادمٌ

من النارِ إلاّ من تولّی أبا الحسنْ

وله فی رثاء الإمام السبط الشهید صلوات الله علیه قوله :

یمیناً بنا حادی السری إن بدت نجدُ

یمیناً فللعانی العلیل بها نجدُ

وعُج فعسی من لاعجِ الشوقِ یشتفی

غریمُ غرامٍ حشوُ أحشائِه وقدُ

وسر بی لسربٍ فیه سربُ جآذر

لسربیَ من جهد العهاد بهم عهدُ

ومُر بی بلیلٍ فی بَلیلِ عراصها

لأروی بریّا تربةٍ تربُها نَدُّ

وقف بی أُنادی وادیَ الأیکِ علّنی

هناک أری ذاک المساعدَ یا سعدُ

ص: 68

فبالربع لی من عهد جَیرون جیرةٌ

یُجیرون إن جارَ الزمانُ إذا استعدوا

همُ الأهلُ إلاّ أنَّهم لی أهلّةٌ

سوی أنَّهم قصدی وأنّی لهم عبدُ

عزیزون رُبعُ العمر فی ربعِ عزِّهمْ

تقضّی ولا روعٌ عرانی ولا جهدُ

وربعیَ مُخضرٌّ وعیشیَ مُخضِلُ

ووجهیَ مُبیضٌّ وفودی مُسودُّ

وشملیَ مَشمولٌ وبُردُ شبیبتی

قشیبٌ وبردُ العیش ما شانه نکدُ

معالمُ کالأعلامِ معلمةُ الربی

فأنهارُها تجری وأطیارها تشدو

طوت حادثات الدهر منشور حسنها

کما رسمت فی رسمها شمألٌ تغدو

وأضحت تجرُّ الحادثاتُ ذیولَها

علیه ولا دَعدٌ هناک ولا هِندُ

ولا غروَ إن جارت ومارت صروفها

وغارت وأغرت واعتدت واغتدت تشدو

فقد غدرتْ قِدماً بآل محمدٍ

وطاف علیهم بالطفوفِ لها جندُ

وجاشت بجیشٍ جاش طامٍ عرمرمٍ

خمیسٍ لهامٍ حامَ یحمومه أسدُ (1)

وعمّت بأشرارٍ عن الرشدِ قد عَموا

وهل یسمع الصمُّ الدعاءَ إذا صدّوا

فیا أمّةً قد أدبرتْ حین أقبلتْ

فرافقَها نحسٌ وفارقَها سعدُ

أبت إذ أتت تنأی وتنهی عن النهی

وولّت وألوتْ حین مال بها الجدُّ

سرت وسرت بغیاً وسرّت بِغیِّها

بغیّا دعاها إذ عداها به الرشدُ

عصابة عصبٍ (2) أوسعت إذ سعت إلی

خطاء خطاها والشقاءُ بها یحدو

أثاروا وثاروا ثارَ بدرٍ وبادروا

لحربِ بُدورٍ من سناها لهم رشدُ

بغت فبغت عمداً قتالَ عمیدِها

صدورُ طغاةِ فی الصدورِ لها حقدُف)

ص: 69


1- طام من طمی یطمی الفرس : أی أسرع. ویقال : البحر الطامی : أی الغزیر. العرمرم : الجیش الکثیر. الخمیس : الجیش ذو الخمس فرق : المقدمة ، القلب ، المیمنة ، المیسرة ، الساقة. اللهام : الجیش العظیم. حام : أی دار به. الیحموم : اسم فرس الإمام السبط الحسین علیه السلام ، وفرس هشام ابن عبد الملک ، وفرس حسّان الطائی ، وفرس النعمان بن المنذر. (المؤلف)
2- العصابة : الجماعة من الرجال أو الخیل. العصب : الطی واللی ، والقبض علی الشیء. (المؤلف)

وساروا یسنّون العنادَ وقد نسوا ال

معادَ فهم من قومِ عادٍ إذا عُدّوا

فیا قلبُ قلب الدینِ فی یوم أقبلوا

إلی قتلِ مأمولٍ هو العَلَمُ الفردُ

فرکنَ الهدی هدّوا وقدَّ العلی قدّوا

وأزرَ الهوی شدّوا ونهجَ التقی سدّوا

کأنِّی بمولای الحسینِ ورهطِهِ

حیاری ولا عونٌ هناک ولا عضدُ

بکربِ البلا فی کربلاء وقد رُمی

بعادٍ وشطّت دارُهمْ وسطتْ جندُ

وقد حدقتْ عینُ الردی حین أحدقت (1)

عتاةُ عداةٍ لیس یُحصی لهم عدُّ

وقد أصبحوا حِلاّ لهم حین أصبحوا

حُلولاً ولا حَلٌّ لدیهم ولا عقدُ

فنادی ونادی الموتُ بالخطب خاطب

وطیر الفنا یشدو وحادی الردی یحدو

یسائلهم هل تعرفونی مسائلاً

وسائل دمع العین سالَ به الخدُّ

فقالوا نعم أنت الحسین بن فاطمٍ

وجدّک خیر المرسلین إذا عُدّوا

وأنت سلیل المجد کهلاً ویافعاً

إلیک إذا عُدّ العلی ینتهی المجدُ

فقال لهم إذ تعلمون فما الذی

دعاکم إلی قتلی فما عن دمی بُدُّ

فقالوا إذا رمتَ النجاة من الردی

فبایع یزیداً إنَّ ذاک هو القصدُ

وإلاّ فهذا الموت عبّ عبابه (2)

فخض ظامیاً فیه تروحُ ولا تغدو

فقال ألا بُعداً بما جئتمُ به

ومن دونه بیضٌ وخطِّیةٌ مَلدُ (3)

فضربٌ لهشمِ الهامِ تتری بنظمِه

فمن عقدِه حَلٌّ وفی حلِّه عقدُ

فهل سیّدٌ قد شیّدَ الفخرُ بیتَهُ

حذارَ الردی یشقی لعبدٍ له عبدُ

وما عذرُ لیثٍ یرهبُ الموتُ بأسَهُ

یذلُّ ویضحی السید یرهبه الأُسدُ

إذا سام منّا الدهرُ یوماً مذلّةً

فهیهات یأبی ربُّنا وله الحمدُ

وتأبی نفوسٌ طاهراتٌ وسادةٌ

مواضیهمُ هامُ الکماةِ لها غمدُف)

ص: 70


1- حدق : فتح عینیه وطرف بهما. أحدقت : أحاطت. (المؤلف)
2- عبّ عبابه : کثر موجه وارتفع. (المؤلف)
3- الملد - بالفتح - : الناعم اللیّن. (المؤلف)

لها الدمُ وردٌ والنفوسُ قنائصٌ

لها القَدم قِدمٌ والنفوس لها جندُ (1)

لیوثُ وغیً ظِلُّ الرماح مقیلُها

مغاویرُ طعمُ الموتِ عندهمُ شهدُ (2)

حماةٌ عن الأشبالِ یومَ کریهةٍ

بدور دجیً سادوا الکهولَ وهم مُردُ

إذا افتخروا فی الناس عزَّ نظیرُهم

ملوکٌ علی أعتابِهم یسجدُ المجدُ

أیادی عطاهم لا تُطاوَلُ فی الندی

وأیدی علاهم لا یطاقُ لها ردُّ

مَطاعیمُ للعافی مَطاعینُ فی الوغی

مُطاعینَ (3) إن قالوا لهم حججٌ

لُدُّ (4)

مفاتیح للداعی مصابیح للهدی

معالیمُ للساری بها یهتدی النجدُ (5)

نزیلهمُ حرمٌ مُنازلهم لقیً

مَنازلهمْ أمنٌ بهم یُبلَغُ القصدُ

فضائلُهمْ جلّتْ فواضلُهمْ جلتْ

مدائحُهمْ شهدٌ منائحهمْ نَدُّ (6)

مَرابعُهم تسقی مُرابعُهم تُلقی

مُطالعُهم یُکفی مَطالعهم سعدُ

کرامٌ إذا عافٍ عفی منه معهدٌ

وصَوّحَ من خضرائِه السَّبط والجَعدُ (7)

وآملُهم راجٍ وأمَّ لهم رجاً

وحلَّ بنادیهم أحلّ له الرفدُ

زکوا فی الوری أُمّا وجدّا ووالداً

وطابوا فطاب الأُمُّ والأب والجدُّ

بأسمائِهم یُستجلب البرُّ والرضا

بذکرِهمُ یُستدفعُ الضرُّ والجهدُف)

ص: 71


1- الورد : الماء الذی یورد. قنائص : الصیود. القدم بفتح القاف : الشرف القدیم. القدم بکسر القاف : الزمان القدیم. (المؤلف)
2- الوغی : الحرب. المقیل : موضع النوم والراحة. مغاویر جمع المغوار : کثیر الغارة. (المؤلف)
3- کذا فی أعیان الشیعة أیضاً ، فإن کان جمعاً سالماً ل (مُطاع) فهو منصوب بالیاء ، ولا أری وجهاً لنصبه ، وإن کان جمعاً ل (مطعان) فهو مرفوع بالضمة معطوف علی (مطاعین) قبله.
4- لُدّ بضم اللام جمع الألد : الخصم الشدید الخصومة. (المؤلف)
5- النجد : الدلیل الماهر. (المؤلف)
6- الند - بفتح النون وکسرها - عود یُتبخّر به. (المؤلف)
7- العافی : الوارد ، الضیف ، کلّ طالب فضل أو رزق. عفی : درس وبلی. صوّح : جفف یبس. السبط : ضدّ الجعد. الجعد : القبض خلاف المسترسل. (المؤلف)

ومال إلی فتیانهِ ورجالِه

یقول لقد طاب الممات ألا اشتدّوا

فسارَ لأخذِ الثارِ کلُّ شمردلٍ

إذا هاج قدحٌ للهیاج له زندُ (1)

وکلُّ کمیٍّ أریحیٍّ غشمشمٍ (2)

تجمّعَ فیه الفضلُ وانعدمَ الضدُّ

إذا ما غدا یوم الندا أسر العدی

ولمّا بدا یوم الندی أُطلق الوعدُ

لیوثُ نزالٍ بل غیوثٌ نوازلٌ

سراةٌ کأُسدِ الغابِ لا بل هم الأُسدُ

إذا طُلبوا راموا وإن طَلبوا رموا

وإن ضُربوا صَدّوا وإن ضَربوا قدّوا (3)

فوارس أُسد الغیل منها فرائسٌ

وفتیان صدقٍ شأنها الطعن والطردُ

وجوهُهُمُ بیضٌ وخضرٌ ربُوعهمْ

وبیضُهمُ (4) حمرٌ إذا النقعُ

مُسودُّ

إذا ما دُعوا یوماً لدفعِ مُلمّةٍ

غدا الموتُ طوعاً والقضاءُ هو العبدُ

بها کلُّ ندبٍ یسبق الطرفَ طِرفُه

جوادٌ علی ظهرِ الجوادِ له أفدُ (5)

کأنّهمُ نبتُ الربی فی سروجِهمْ

لشدّة حزمٍ لا بحُزمٍ لها شُدّوا (6)

لباسُهمُ نسجُ الحدیدِ إذا بدوا

جبالاً وأقیالاً تقلُّهمُ الجردُ (7)

إذا لبسوا فوقَ الدروعِ قلوبَهمْ

وصالوا فَحرُّ الکرِّ عندهمُ بَردُف)

ص: 72


1- الشمردل بالمهملة والشمرذل بالمعجمة : الفتیّ السریع من الإبل وغیره. هاج : ثار وتحرک. القدح : الفولاذة التی تقدح بها النار. الهیاج : الحرب. زند النار : قدحها وأخرجها من الزند. (المؤلف)
2- الکمیّ : الشجاع أو لابس السلاح. الغشمشم : المغشّم وهو الشجاع الذی یرکب رأسه فلا یثنیه شیء عمّا یرید. (المؤلف)
3- فی أعیان الشیعة : وإن ضربوا جدّوا.
4- البیض : السیوف.
5- الندب : السریع إلی الفضائل ، الظریف النجیب. الطرف بکسر المهملة مرّ [ الکریم الطرفین ، الأب والأم ] : ص 16. الأفد : العجلة والسرعة. (المؤلف)
6- الربی جمع الربوة : ما ارتفع من الأرض. الحزم بفتح المهملة : ضبط الأمر. الحزم بضم الأوّل والثانی جمع الحزام بالکسر : ما یشدّ به وسط الدابّة. (المؤلف)
7- أقیال جمع القیل : الرئیس. تقلّهم من قلّ الشیء قلاّ : أی حمله. وقلّه عن الأرض : رفعه. الجرد ؛ جمع الأجرد : السبّاق من الخیل. (المؤلف)

یخوضون تیّارَ الحِمام ظوامیاً

وبحرُ المنایا بالمنایا لها مدُّ

یرون المنایا نیلُها غایةُ المنی

إذا استشهدوا مُرُّ الردی عندهم شَهدُ

إذا فُلّلتْ أسیافُهمْ فی کریهةٍ

غدا فی رءوسِ الدارعین لها حَدُّ

فمن أبیضٍ یلقی الأعادی بأبیضٍ

ومن أسمرٍ فی کفّه أسمرٌ صلدُ

یذبّون عن سبط النبی محمدٍ

وقد ثارَ عالی النقعِ واصطخب الوقدُ

یُخال بَریقُ البیضِ برقاً سجالُه ال

دماءُ وأصواتُ الکماةِ لها رعدُ

إلی أن تدانی العمرُ واقترب الردی

وشأنُ اللیالی لا یدومُ لها عهدُ

أعدّوا نفوساً للفناء وما اعتدوا

فطوبی لهم نالوا البقاءَ بما عَدّوا

أحلّوا جسوماً للمواضی وأحرموا

فحلّوا جنانَ الخلدِ فیها لهم خلدُ

أمامَ الإمامِ السبطِ جادوا بأنفسٍ

بها دونه جادوا وفی نصرِهِ جدّوا

شروا عندما باعوا نفوساً نفائساً

ففی هجرِها وصلٌ وفی وصلِها نقدُ

قضوا إذ قضوا حقَّ الحسینِ وفارقوا

وما فرّقوا بل وافقوا السعدَ یا سعدُ

فلمّا رأی المولی الحسینُ رجالَه

وفتیانَه صرعی وشادی الردی یشدو

غدا طالباً للموتِ کاللیثِ مغضباً

یُحامی عن الأشبالِ یشتدُّ إن شدّوا

وإن جمعوا سبعین ألفاً لقتلِه

فیحملُ فیهم وهو بینهمُ فردُ

إذا کرَّ فرّوا من جریحٍ وواقعٍ

ذبیحٍ ومهزومٍ به طوّح الهدُّ (1)

ینادی ألا یا عصبةً عصت الهدی

وخانت فلم یُرعَ الذمامُ ولا العهدُ

فبعداً لکم یا شیعةَ الغدرِ إنَّکمْ

کفرتم فلا قلبٌ یلین ولا وُدُّ

ولایتنا فرضٌ علی کلِّ مسلمٍ

وعصیانُنا کفرٌ وطاعتنا رشدُ

فهل خائفٌ یرجو النجاةَ بنصرنا

ویخشی إذا اشتدّت سعیرٌ لها وَقدُ

ویرنو لنحوِ الماء یشتاقُ وردَه

إذا ما مضی یبغی الورودَ له رَدُّ

فیحملُ فیهم حملةً علویّةً

بها للعوالی فی أعالی العدی قصدُف)

ص: 73


1- طوّح به : حمله علی رکوب المهالک وقذفه. الهدّ : الکسر ، الصوت الغلیظ. (المؤلف)

کفعلِ أبیه حیدرٍ یومَ خیبرٍ

کذلک فی بدرٍ ومن بعدِها أُحدُ

إذا ما هوی فی لبّةِ اللیثِ عضبُه

فمن نحرِه بحرٌ ومن جزرِه مَدُّ

وعادَ إلی أطفالهِ وعیاله

وغربُ المنایا لا یُفلُّ لها حَدُّ (1)

یقول علیکنَّ السلام مودِّعاً

فها قد تناهی العمر واقترب الوعدُ

ألا فاسمعی یا أُخت إن مسّنی الردی

فلا تلطمی وجهاً ولا یُخمش الخدُّ

وإن برحت فیک الخطوبُ بمصرعی

وجلَّ لدیک الحزنُ والثکلُ والفقدُ

فأرضی بما یرضی إلهکِ واصبری

فما ضاع أجرُ الصابرین ولا الوعدُ

وأوصیکِ بالسجّاد خیراً فإنَّه

إمامُ الهدی بعدی له الأمرُ والعهدُ

فضجَّ عیالُ المصطفی وتعلّقوا

به واستغاثَ الأهلُ بالندبِ والولدُ

فقالَ وکربُ الموتِ یعلو کأنَّه

رکامٌ ومن عظمِ الظما انقطع الجهدُ (2)

ألا قد دنا الترحالُ فاللهُ حسبُکمْ

وخیرُ حسیبٍ للوری الصمَدُ الفردُ

وعاد إلی حربِ الطغاةِ مجاهداً

وللبیضِ والخرصانِ فی قَدِّه قَدُّ

إلی أن غدا مُلقیً علی الترب عاریاً

یُصافح منه إذ ثوی للثری خدُّ

وشمّر شِمرُ الذیلَ فی حزّ رأسه

ألا قُطعتْ منه الأناملُ والزندُ

فوا حزنَ قلبی للکریمِ علا علی

سِنانِ سنانٍ والخیولُ لها وَخدُ (3)

تزلزلت السبعُ الطباقُ لفقدِهِ

وکادت لهُ شمُّ الشماریخِ تنهدُّ (4)ف)

ص: 74


1- الغرب یوصف به السیف أی قاطع حدید. المنایا جمع المنیة : الموت. الفلّ : الثلمة فی حدّ السیف. الحدّ من السیف : مقطعه. (المؤلف)
2- الرکام : المتراکم بعضه فوق بعض. الجهد : الطاقة. (المؤلف)
3- الوخد من وخد البعیر : أی أسرع وصار یرمی بقوائمه کالنعام. وهذا البیت فی نسخة : فوا لهفَ نفسی للمحیا علا علی سنانِ سنانٍ والخیولُ به تعدو (المؤلف)
4- الشمراخ : رأس الجبل. تنهدّ : تقع وتنهدم. الأوصاب جمع الوصب : المرض والوجع الدائم ونحول الجسم. (المؤلف)

وأرجف عرشُ اللهِ من ذاک خیفةً

وضجّت له الأملاکُ وانفجرَ الصلدُ

وناحت علیه الطیرُ والوحشُ وحشةً

وللجنِّ إذ جنَّ الظلامُ به وَجدُ

وشمسُ الضحی أمستْ علیه علیلةً

علاها اصفرارٌ إذ تروحُ وإذ تغدو

فیا لک مقتولاً بکته السما دماً

وثُلّ سریرُ العزِّ وانهدمَ المجدُ

شهیداً غریباً نازحَ الدارِ ظامیاً

ذبیحاً ومن قانی الوریدِ له وردُ

بروحی قتیلاً غسله من دمائِهِ

سلیباً ومن سافی الریاح له بُردُ

ترضُّ خیولُ الشرکِ بالحقدِ صدرَه

وترضخ منه الجسم فی رکضها جردُ (1)

ومذ راحَ لمّا راحَ للأهلِ مهرُه

خلیّا یخدُّ الأرضَ بالوجهِ إذ یعدو

برزن حیاری نادباتٍ بذلّةٍ

وقلبٍ غدا من فارطِ الحزن ینقدُّ

فحاسرةٌ بالردنِ تستر وجهَها

وبرقعُها وَقدٌ ومدمعُها رفدُ

ومن ذاهلٍ لم تدرِ أین مُعزُّها

تضیقُ علیها الأرضُ والطرقُ تنسدُّ

وزینب حسری تندبُ الندبَ عندها

من الحزنِ أوصابٌ یضیق بها العدُّ

تنادی أخی یا واحدی وذخیرتی

وعونی وغوثی والمؤمّلُ والقصدُ

ربیعَ الیتامی یا حسینُ وکافلُ ال

أیامی رمانا بعد بُعدکم البعدُ

أخی بعد ذاک الصونِ والخدرِ والخبا

یُعالجنا علجٌ ویسلبُنا وَغدُ

بناتک یا ابن الطهر طه حواسرٌ

ورحلُکَ منهوبٌ تقاسمه الجندُ

لقد خابتِ الآمالُ وانقطع الرجا

بموتک مات العلمُ والدینُ والزهدُ

وأضحت ثغورُ الکفرِ تبسمُ فرحةً

وعینُ العلی ینخدُّ من سحِّها الخدُّ (2)

وصوّح نبتُ الفضلِ بعد اخضرارِه

وأصبح بدرُ التمِّ قد ضمّه اللحدُ

تُجاذبنا أیدی العدا فضلةَ الرِّدا

کأن لم یکن خیر الأنام لنا جَدُّ

فأین حصونی والأُسود الأُلی بهمْ

یُصالُ علی ریبِ الزمان إذا یعدوف)

ص: 75


1- الرضّ : الدقّ والجرش. الرضخ : الکسر. الجرد ، راجع : ص 24. (المؤلف)
2- ینخدّ : ینشقّ. السحُّ : الصبّ المتتابع الغزیر. (المؤلف)

إذا غربت یا ابن النبیِّ بدورُکمْ

فلا طلعتْ شمسٌ ولا حلّها سعدُ

ولا سحبت سحبٌ ذیولاً علی الربی

ولا ضحکَ النوّارُ وانبعق الرعدُ (1)

وساروا بآلِ المصطفی وعیالِهِ

حیاری ولم یُخش الوعیدُ ولا الوعدُ

وتطوی المطایا الأرض سیراً إذا سرت

تجوبُ بعید البیدِ فیها لها وَخدُ

تأمُّ یزیداً نجل هندٍ إمامَها

ألا لُعنت هندٌ وما نجلت هندُ

فیا لکَ من رزءٍ عظیمٍ مصابُه

یُشقُّ الحشا منه ویُلتدمُ الخدُّ

أیُقتل ظمآناً حسینٌ بکربلا

ومن نحرِه البیضُ الصقالُ لها وردُ

وتضحی کریماتُ الحسینِ حواسراً

یلاحظُها فی سیرِها الحرُّ والعبدُ

فلیس لأخذ الثارِ إلاّ خلیفةٌ

هو الخلفُ المأمولُ والعَلمُ الفردُ

هو القائم المهدیُّ والسیّد الذی

إذا سار أملاکُ السماءِ له جُندُ

یُشیِّد رکنَ الدین عند ظهورِهِ

علوّا ورکنُ الشرکِ والکفرِ ینهدُّ

وغصنُ الهدی یضحی وریقاً ونبته

أنیقاً وداعی الحقِّ لیس له ضدُّ

لعلَّ العیونَ الرمدَ تحظی بنظرةٍ

إلیه فتجلی عندها الأعینُ الرمدُ

إلیک انتهی سرُّ النبیّین کلِّهمْ

وأنت ختامُ الأوصیاءِ إذا عُدّوا

بنی الوحی یا أُمَّ الکتابِ ومن لهم

مناقبُ لا تحصی وإن کثر العدُّ

إلیکم عروساً زفّها الحزنُ ثاکلاً

تنوحُ إذا الصبُّ الحزینُ بها یشدو

لها عبرةٌ فی عشرِ عاشورَ أرسلت

إذا أنشدتْ حادی الدموع بها تحدو

رجا (رجبٌ) رَحب المقام بها غداً

إذا ما أتی والحشرُ ضاقَ به الحشدُ

بذلت اجتهادی فی مدیحِکمُ وما

قدارُ مدیحی بعد أن مَدح الحمدُ

ولی فیکمُ نظمٌ ونثرٌ غَناؤه

فقیرٌ وهذا جهد من لا له جهدُ

مصابی وصوبُ الدمع فیکم مجدّد

وصبری وسلوانی به أخلق الجهدُف)

ص: 76


1- سحبت ، من السحب : الجرّ علی وجه الأرض. النوار : الزهر أو الأبیض منه. انبعق : انبعج المطر. (المؤلف)

تذکّرنی یا ابن النبیِّ غداً إذا

غدا کلُّ مولیً یستجیر به العبدُ

فأنتم نصیبُ المادحین وإنَّنی

مدحتُ وفیکم فی غدٍ یُنجَزُ الوعدُ

إذا أصبح الراجی نزیلَ ربوعِکمْ

فقد نجحتْ منه المطالبُ والقصدُ

فإن مالَ عنکم یا بنی الفضلِ راغبٌ

یظلُّ ویضحی عند من لا له عندُ

فیا عدّتی فی شدّتی یوم بعثتی

بکم غلّتی من عِلّتی حرُّها بردُ

عُبَیدکُمُ (البرسیُّ) مولی فخارِکم

کفاه فخاراً أنَّه لکمُ عبدُ

علیکم سلامُ الله ما سکبَ الحیا

دموعاً علی روضٍ وفاح لها نَدُّ

وله فی رثاء الإمام السبط الشهید صلوات الله علیه قوله :

دمعٌ یبدّده مقیمٌ نازحُ

ودمٌ یبدِّده مقیمٌ نازحُ

والعین إن أمست بدمعٍ فجّرتْ

فجرت ینابیعٌ هناک موانحُ

أظهرت مکنونَ الشجون فکلّما

شجّ الأمون سجا الحَرون الجامحُ (1)

وعلیَّ قد جعل الأسی تجدیده

وقفاً یُضاف إلی الرحیبِ الفاسحُ

وشهود ذلِّی مع غریم صبابتی

کتبوا غرامی والسقام الشارحُ

أوهی اصطباری مطلقٌ ومقیّدٌ

غربٌ وقلبٌ بالکآبة بائحُ (2)

فالجفنُ منسجمٌ غریقٌ سائحٌ

والقلبُ مضطرم حریقٌ قادحُ

والخدُّ خدّده طلیقٌ فاترٌ

والوجدُ جدّده مُجدٌّ مازحُ

أصبحتُ تخفضنی الهمومُ بنصبِها

والجسمُ مُعتلٌّ مثالٌ لائحُ

حلّتْ له حلل النحولِ فبردُهُ

بُرد الذبولِ تحلُّ فیه صفائحُ

وخطیبُ وجدی فوق منبرِ وحشتی

لفراقِهمْ لهو البلیغُ الفاصحُف)

ص: 77


1- الشج من شجّ المفازة : قطعها. الأمون من الناقة : وثیقة الخلق ، القویّة. سجا یسجو سجواً : مدّحنینه. الحرون من الدابّة : الذی لا ینقاد ، وإذا استدبر جریه وقف. الجامح : المتغلّب علی راکبه والذاهب به وهو لا ینثنی. (المؤلف)
2- بائح من باح یبوح بوحاً بسرّه : أظهره کأباحه. (المؤلف)

ومحرّمٌ حزنی وشوّال العنا

والعید عندی لاعجٌ ونوائحُ

ومدید صبری فی بسیط تفکّری

هزجٌ ودمعی وافرٌ ومُسارحُ (1)

ساروا فمعناهم ومغناهم عفا

والیومَ فیه نوائحٌ وصوائحُ

درس الجدیدُ جدیدَها فتنکّرت

ورنا بها للخطبِ طرفٌ طامحُ (2)

نسج البلی منه محقّق حسنِه

ففناؤه ماحی الرسوم الماسحُ

فطفقتُ أندبه رهینَ صبابةٍ

عدم الرفیقُ وغاب عنه الناصحُ

وأقول والزفراتُ تذکی جذوةً

بین الضلوعِ لها لهیبٌ لافحُ

لاغروَ إن غدر الزمانُ بأهلِهِ

وجفا وحان وخانَ طرفٌ لامحُ

فلقد غوی فی ظلمِ آلِ محمدٍ

وعوی علیهم منه کلبٌ نابحُ

وسطا علی البازی غرابٌ أسحمٌ

وشبا علی الأشبالِ زنجٌ ضابحُ (3)

وتطاول الکلبُ العقورُ فصاول ال

لیثَ الهصورَ وذاک أمرٌ فادحُ (4)

وتواثبت عرجُ الضباع وروّعت (5)

والسید أضحی للأسود یکافحُ

آلُ النبیِّ بنو الوصیِّ ومنبعُ

الشرفِ العلیِّ وللعلومِ مفاتحُ

خزّانُ علمِ اللهِ مهبطُ وحیهِ

وبحارُ علمٍ والأنامُ ضحاضحُ (6)

التائبونَ العابدونَ الحامدو

نَ الذاکرونَ وجنحُ لیلٍ جانحُف)

ص: 78


1- إشارة إلی أنواع الشعر. (المؤلف)
2- رنا إلیه وله : أدام النظر إلیه بسکون الطرف. الطامح من طبع البصر : ارتفع ونظر شدیداً. (المؤلف)
3- البازی من طیور الصید وله أنواع کثیرة. الأسحم : الأسود. شبا : علا. الزنج : قوم من السودان. الضابح : المتغیّر اللون کلون الضبح أی الرماد. (المؤلف)
4- صاوله : واثبه. الهصور من الأسد : الذی یهصر فریسته أی یکسرها کسراً. الفادح : الصعب المثقل. (المؤلف)
5- تواثبت من وثب وثباً : نهض وقام. عُرج جمع الأعرج : المصاب فی رجله الماشی مشیة غیر متساویة. الضباع : جمع الضبع. (المؤلف)
6- الضحضاح : الماء الیسیر أو القریب القعر. (المؤلف)

الصائمون القائمونَ المطعمو

نَ المؤثرونَ لهم یدٌ ومَنائحُ

عند الجدی سحبٌ وفی وقت الهدی

سمتٌ وفی یوم النزال جَحاجحُ (1)

هم قبلةٌ للساجدینَ وکعبةٌ

للطائفینَ ومَشعرٌ وبَطائحُ

طرقُ الهدی سُفنُ النجاة محبُّهمْ

میزانُه یومَ القیامةِ راجحُ

ما تبلغُ الشعراءُ منهم فی الثنا

واللهُ فی السبع المثانی مادحُ

نسبٌ کمنبلجِ الصباحِ ومنتمیً

زاکٍ له یعنو السماک الرامحُ (2)

الجدُّ خیرُ المرسلین محمدُ ال

هادی الأمینُ أخو الختامِ الفاتحُ

هو خاتمٌ بل فاتحٌ بل حاکمٌ

بل شاهدٌ بل شافعٌ بل صافحُ

هو أوّل الأنوارِ بل هو صفوة ال

جبّارِ والنشرُ الأریج الفائحُ

هو سیّدُ الکونین بل

هو أشرف الثقلین حقّا والنذیر الناصحُ

لولاک ما خُلقَ الزمانُ ولا بدت

للعالمین مساجدٌ ومصابحُ

والأُمُّ فاطمةُ البتولُ وبضعةُ ال

هادی الرسولِ لها المهیمنُ مانحُ

حوریةٌ إنسیّةٌ لجلالِها

وجمالِها الوحیُ المنزّلُ شارحُ

والوالد الطهر الوصیُّ المرتضی

عَلمُ الهدایةِ والمنارُ الواضحُ

مولیً له النبأُ العظیمُ وحبُّه

النهجُ القویمُ به المتاجرُ رابحُ

مولیً له بغدیرِ خمٍّ بیعةٌ

خضعتْ لها الأعناقُ وهی طوامحُ

القسوَرُ البتّاکُ والفتّاکُ والس

فّاکُ فی یومِ العراکِ الذابحُ

أسدُ الإلهِ وسیفُهُ وولیُّه

وشقیقُ أحمَد والوصیُّ الناصحُ

وبعضدِهِ وبعضبِه وبعزمهِ

حقّا علی الکفّارِ ناحَ النائحُف)

ص: 79


1- الجدی : العطیّة. السمت : المحجّة والطریق. الجحاجح جمع الجحجح : السیّد المسارع إلی المکارم ، المبادر. (المؤلف)
2- یعنو : یذلّ ویخضع. السماک الرامح : نجم معروف یسمّی بذلک لأنّه یقدمه کوکب یقولون : هو رمحه. (المؤلف)

یا ناصرَ الإسلامِ یا بابَ الهدی

یا کاسرَ الأصنامِ فهی طوامحُ (1)

یا لیتَ عینَکَ والحسینُ بکربلا

بین الطغاةِ عن الحریمِ یکافحُ

والعادیاتُ صواهلٌ وجوائلٌ

بالشوسِ فی بحر النجیع سوابحُ (2)

والبیضُ والسمرُ اللدان بوارقٌ

وطوارقٌ ولوامعٌ ولوائحُ (3)

یلقی الردی بحرُ الندی بین العدا

حتی غَدا مُلقیً ولیس مُنافحُ

أفدیه محزوزَ الوریدِ مرمّلاً

ملقیً علیه التربُ سافٍ سافحُ (4)

والماءُ طامٍ وهو ظامٍ بالعرا

فردٌ غریبٌ مستضامٌ نازحُ

والطاهراتُ حواسرٌ وثواکلٌ

بین العدا ونوادبٌ ونوائحُ

فی الطفّ یَسحبنَ الذُیولَ بذلّةٍ

والدهرُ سهمَ الغدرِ رامٍ رامحُ (5)

یسترنَ بالأردانِ نورَ محاسنٍ

صوناً وللأعداءِ طَرفٌ طامحُ

لهفی لزینبَ وهی تندبُ نَدبَها

فی نَدبِها والدمعُ سارٍ سارحُ (6)

تدعو أخی یا واحدی ومؤمّلی

من لی إذا ما ناب دهرٌ کالحٌ (7)

من للیتامی راحمٌ من للأیامی

کافلٌ من للجفاة مناصحُ

حزنی لفاطمَ تلطمُ الخدّین من

عظمِ المصابِ لها جویً وتبارحُ (8)ف)

ص: 80


1- مرّ حدیث کسره علیه السلام الأصنام فی صفحة : 9 - 13 من هذا الجزء. (المؤلف)
2- الشوس جمع الأشوس. راجع : ص 24. النجیع الدم المائل إلی السواد. سوابح جمع سابح : السریع غیر المضطرب فی جریه. (المؤلف)
3- البیض جمع الأبیض : السیف. السمر : الرماح. اللدان جمع لدن بفتح اللام : اللیّن. (المؤلف)
4- ساف من سفی یسفی سفیا : التراب تذرّی وتبدّد. سافح : المصبوب الذی لا یحبسه شیء. (المؤلف)
5- یسحبن من سحب سحباً : جرّ علی وجه الأرض. الرامح : الطاعن بالرمح. (المؤلف)
6- السارح : الجاری جریا سهلاً. (المؤلف)
7- ناب : نزل. الکالح من کلح وجهه : عبس وتکشّر فهو کالح. (المؤلف)
8- الجوی : شدّة الوجد من حزن أو عشق ، داء فی الصدر. التبارح من البرح : الأذی والعذاب الشدید والمشقّة. (المؤلف)

أجفانُها مقروحةٌ ودموعُها

مسفوحةٌ والصبرُ منها جامحُ

تهوی لتقبیلِ القتیلِ تضمُّه

بفتیلِ مِعجرِها الدماءُ نَواضحُ (1)

تحنو علی النحر الخضیب وتلثمُ

الثغر التریب لها فؤادٌ قادحُ

أسفی علی حرَمِ النبوّةِ جئن مط

روحاً هنالک بالعتاب تطارحُ (2)

یندبن بدراً غاب فی فلَکِ الثری

وهزبرَ غابٍ غیّبتهُ ضرائحُ

هذی أخی تدعو وهذی یا أبی

تشکو ولیس لها ولیٌّ ناصحُ

والطهرُ مشغولٌ بکربِ الموتِ من

ردِّ الجوابِ وللمنیّةِ شابحُ (3)

ولفاطم الصغری نحیبٌ مقرحٌ

یذکی الجوانحَ للجوارحِ جارحُ

عِلجٌ یعالجُها لسلبِ حلیِّها

فتظلُّ فی جهدِ العفافِ تطارحُ (4)

بالردنِ تسترُ وجهَها وتمانع ال

ملعون عن نهبِ الرِّدا وتکافحُ

تستصرخُ المولی الإمامَ وجدَّها

وفؤادُها بعد المسرّةِ نازحُ

یا جدُّ قد بلغَ العدی ما أمّلوا

فینا وقد شمتَ العدوُّ الکاشحُ

یا جدُّ غابَ ولیُّنا وحمیُّنا

وکفیلُنا ونصیرُنا والناصحُ

ضیّعتمونا والوصایا ضُیِّعت

فینا وسهمُ الحورِ سارٍ سارحُ

یا فاطمَ الزهراءَ قومی وانظری

وجهَ الحسینِ له الصعیدُ مصافحُ

أکفانه نسجُ الغبار وغُسلُه

بدمِ الوریدِ ولم تنحْهُ نوائحُ

وشبوله نهبُ السیوفِ تزورُها

بین الطفوفِ فراعلٌ وجوارحُ (5)ف)

ص: 81


1- المِعجر والعجار : ثوب تلفّه المرأة علی استدارة رأسها.
2- تطارح : تجاوب. (المؤلف)
3- الشابح من شبح شبحاً الجلد : مدّه بین أوتاد ، [ شبح ] الرجل : مدّه کالمصلوب. (المؤلف)
4- تطارح : تباعد. (المؤلف)
5- فراعل جمع الفرعل : ولد الضبع. الجوارح جمع الجارحة : ذات الصید من السباع والطیر والکلاب. (المؤلف)

وعلی السنانِ سنانٌ رافعٌ رأسَهُ

ولجسمِه خیلُ العداةِ روامحُ (1)

والوحشُ یندبُ وحشةً لفراقِهِ

والجنُّ إن جنَّ الظلامُ نوائحُ

والأرضُ ترجفُ والسماءُ لأجلِه

تبکی معاً والطیرُ غادٍ رائحُ

والدهر من عظم الشجی شقّ الردا

أسفاً علیه وفاضَ جفنٌ دالحُ (2)

یا للرجالِ لظلمِ آلِ محمدٍ

ولأجل ثارهمُ وأین الکادحُ (3)

یضحی الحسینُ بکربلاءَ مرمّلاً

عریانَ تکسوه الترابُ صحاصحُ (4)

وعیالُه فیها حیاری حسّرٌ

للذلِّ فی أشخاصِهنَّ ملامحُ (5)

یُسری بهم أسری إلی شرِّ الوری

من فوق أقتابِ الجمالِ مضایحُ (6)

ویُقاد زین العابدین مغلّلاً

بالقیدِ لم یُشفِقْ علیه مسامحُ

ما یکشف الغمّاء إلاّ نفحةٌ

یُحیی بها الموتی نسیمٌ نافحُ

نبویّةٌ علویّةٌ مهدیّةٌ

یشفی بریّاها العلیلُ البارحُ

یضحی منادیها ینادی یا لثا

راتِ الحسینِ وذاک یومٌ فارحُ

والجنُّ والأملاکُ حول لوائِه

والرعبُ یقدمُ والحتوفُ تُناوحُ (7)

و... و... فی جذعیهما

خفضاً ونصب الصلب رفع فاتحُ

و... و... والإثم وال

عدوان فی ذلِّ الهوانِ شوائحُ

لعنوا بما اقترفوا وکلُّ جریمةٍ

شبّت لها منهم زنادٌ قادحُف)

ص: 82


1- روامح من رمحته الدابّة : رفسته. (المؤلف)
2- الدالح : الکثیر الماء. (المؤلف)
3- الکادح : الذی جهد نفسه فی العمل. (المؤلف)
4- صحاصح جمع الصحصح : الأرض الجرداء المستویة ذات حصی صغار. (المؤلف)
5- الملاح : ما بدا من محاسن الوجه ومساویه. (المؤلف)
6- المضایح : المقالی والمخاصم. (المؤلف)
7- تناوح : تقابل. (المؤلف)

یا ابن النبیِّ صبابتی لا تنقضی

کمداً وحزنی فی الجوانح جانحُ (1)

أبکیکمُ بمدامعٍ تتری إذا

بخلَ السحابُ لها انصبابٌ سافحُ

فاستجلِ من مولاک عبد ولاک من

لولاک ما جادت علیه قرائحُ

برسیّةً کملتْ عقودُ نظامِها

حلّیةً ولها البدیعُ وشائحُ (2)

مدّتْ إلیک یداً وأنت منیلُها

یا ابن النبیِّ وعن خطاها صافحُ

یرجو بها (رجبُ) القبولَ إذا أتی

وهو الذی بک واثقٌ لک مادحُ

أنت المعاذُ لدی المعادِ وأنت لی

إن ضاق بی رَحبُ البلادِ الفاسحُ

صلّی علیک اللهُ ما سکبَ الحیا

دمعاً وما هبَّ النسیمُ الفائحُ

وله فی رثاء الإمام السبط صلوات الله علیه قوله :

ما هاجنی ذکرُ ذاتِ البانِ والعلمِ

ولا السلامُ علی سلمی بذی سلمِ

ولا صبوتُ لصبٍّ صابَ مدمعُه

من الصبابةِ صبَّ الوابلِ الرزمِ (3)

ولا علی طللٍ یوماً أطلتُ بهِ

مخاطباً لأُهیل الحیِّ والخیمِ

ولا تمسّکتُ بالحادی وقلت له

إن جئتَ سلعاً فسل عن جیرةِ العلمِ (4)

لکن تذکّرتُ مولای الحسینَ وقد

أضحی بکربِ البلا فی کربلاءَ ظمی

ففاضَ صبری وفاض الدمعُ وابت

عد الرّقاد واقترب السهاد بالسقمِ

وهامَ إذ هَمتِ العبراتُ من عدمٍ (5)

قلبی ولم أستطعْ مع ذاک منعَ دمیف)

ص: 83


1- الجوانح : الضلوع تحت الترائب ممّا یلی الصدر. الجانح من جنحت السفینة : لزقت بالأرض فلم تمض. (المؤلف)
2- وشائح جمع وشاح : شبه قلادة یرصّع بالجوهر تشدّه المرأة بین عاتقها وکشحیها. (المؤلف)
3- صبوت من صبا یصبو : حنّ. الصبّ : العاشق. الصبابة : الشوق ورقة الهوی. الوابل : المطر الشدید. الرزم : الذی لا ینقطع رعده. (المؤلف)
4- مطلع بدیعیة صفیّ الدین الحلّی. راجع : 6 / 44. (المؤلف)
5- همت من همی یهمی همیاً : سال لا یثنیه شیء. (المؤلف)

لم أنسَهُ وجیوشُ الکفرِ جائشةٌ

والجیشُ فی أملٍ والدینُ فی ألمِ

تطوفُ بالطفِّ فرسانُ الضلالِ به

والحقُّ یسمعُ والأسماعُ فی صممِ

وللمنایا بفرسانِ المنی عجلٌ

والموتُ یسعی علی ساقٍ بلا قدمِ

مسائلاً ودموعُ العینِ سائلةٌ

وهو العلیمُ بعلمِ اللوحِ والقلمِ

ما اسم هذا الثری یا قومُ فابتدروا

بقولِهم یوصلونَ الکلمَ بالکلمِ

بکربلا هذه تُدعی فقال أجل

آجالُنا بین تلک الهضبِ والأکمِ

حطّوا الرحالَ فحال الموتُ حلَّ بنا

دون البقاءِ وغیر الله لم یدمِ

یا للرجالِ لخطبٍ حلَّ مخترم ال

آجالِ معتدیاً فی الأشهرِ الحرمِ

فها هنا تصبحُ الأکبادُ من ظمأ

حرّی وأجسادُها تروی بفیض دمِ

وهاهنا تصبحُ الأقمارُ آفلةً

والشمسُ فی طَفَلٍ والبدرُ فی ظُلَمِ

وهاهنا تملکُ الساداتِ أعبدُها

ظلماً ومخدومُها فی قبضةِ الخدمِ

وهاهنا تصبحُ الأجسادُ ثاویةً

علی الثری مَطعماً للبوم والرخمِ (1)

وهاهنا بعد بُعد الدار مدفنُنا

وموعدُ الخصمِ عند الواحدِ الحکمِ

وصاح بالصحبِ هذا الموتُ فابتدروا

أُسداً فرائسُها الآسادُ فی الأجَمِ

من کل أبیضَ وضّاحِ الجبینِ فتیً

یغشی صلی الحربِ لا یخشی من الضرمِ

من کلِّ منتدبٍ لله محتسبٍ

فی اللهِ مُنتجبٍ باللهِ مُعتصمِ

وکلِّ مصطلِمِ الأبطالِ مصطلمِ ال

آجال مُلتمسِ الآمالِ مُستلمِ

وراح ثَمّ جوادُ السبطِ یندبُه

عالی الصهیلِ خلیّا طالبَ الخیمِ

فمذ رأته النساءُ الطاهراتُ بدا

یکادمُ (2) الأرضَ فی خدٍّ له وفمِ

برزن نادبةً حسری وثاکلةً

عبری ومعلولةً بالمدمعِ السجمِف)

ص: 84


1- البوم : طائر یسکن الخراب. الرخم : طائر من الجوارح الکبیرة الجثة الوحشیة الطباع. (المؤلف)
2- یکادم : یعضّ. (المؤلف)

فجئن والسبطُ ملقیً بالنصالِ أبت

من کفّ مُستلمٍ أو ثغرِ ملتثمِ

والشمرُ ینحرُ منه النحرَ من حنقٍ

والأرضُ ترجفُ خوفاً من فعالهمِ

فتستر الوجهَ فی کمٍّ عقیلتُه

وتنحنی فوقَ قلبٍ والهٍ کلمِ (1)

تدعو أخاها الغریبَ المستضامَ أخی

یا لیت طرفَ المنایا عن علاک عمی

من اتّکلتَ علیه فی النساء ومن

أوصیت فینا ومن یحنو علی الحرمِ

هذی سکینةُ قد عزّتْ سکینتُها

وهذه فاطمٌ تبکی بفیض دمِ

تهوی لتقبیلِهِ والدمعُ منهمرٌ

والسبطُ عنها بکربِ الموتِ فی غممِ (2)

فیمنع الدمُ والنصلُ الکسیرُ به

عنها فتنصلُّ لم تبرح ولم ترمِ

تضمُّه نحوها شوقاً وتلثمُه

ویخضبُ النحرُ منه صدرَها بدمِ

تقول من عظمِ شکواها ولوعتِها

وحزنُها غیرمنقضٍ ومنفصمِ

أخی لقد کنتَ نوراً یستضاءُ به

فما لنور الهدی والدین فی ظلمِ

أخی لقد کنتَ غوثاً للأراملِ یا

غوثَ الیتامی وبحرَ الجودِ والکرمِ

یا کافلی هل تری الأیتامَ بعدَکَ فی

أسر المذلّةِ والأوصابِ (3) والألمِ

یا واحدی یا ابن أُمِّی یا حسینُ لقد

نال العدی ما تمنّوا من طلابهم

وبرّدوا غلل الأحقادِ من ضغنٍ

وأظهروا ما تخفّی فی صدورهم

أین الشفیقُ وقد بان الشقیقُ وقد

جار الرفیقُ ولجُّ الدهر فی الأزمِ (4)

مات الکفیلُ وغابَ اللیثُ فابتدرتْ

عُرْجُ الضباعِ علی الأشبال فی نهمِ

وتستغیثُ رسولَ اللهِ صارخةً

یا جدُّ أین الوصایا فی ذوی الرحمِف)

ص: 85


1- الکلم ، من کلمه کلماً : جرحه. (المؤلف)
2- غُمَم بضمّ المعجمة جمع الغمّة : الحیرة واللبس. (المؤلف)
3- الأوصاب جمع الوصب راجع : ص 55. (المؤلف)
4- الأزم : من أزم الدهر القوم : استأصلهم. وأزم بصاحبه : لزم. وأزم الحبل : أحکم فعله. والأزم جمع الأزمة : الشدّة. (المؤلف)

یا جدُّ لو نظرتْ عیناک من حزنٍ

للعترةِ الغرِّ بعد الصونِ والحشمِ

مشرّدین عن الأوطانِ قد قهروا

ثکلی أساری حیاری ضُرِّجوا بدمِ

یُسری بهنَّ سبایا بعد عزِّهمُ

فوق المطایا کَسَبی الرومِ والخدمِ

هذا بقیّةُ آلِ الله سیّدُ أه

ل الأرضِ زینُ عبادِ اللهِ کلِّهم

نجلُ الحسینِ الفتی الباقی ووارثُه

والسیّدُ العابدُ السجّادُ فی الظلمِ

یُساق فی الأسر نحو الشام مهتضماً

بین الأعادی فمن باکٍ ومبتسمِ

أین النبیُّ وثغرُ السبطِ یقرعُه

یزیدُ بغضاً لخیرِ الخلق کلّهم

أینکتُ الرجسُ ثغراً کان قبّلَهُ

من حبِّه الطهرُ خیرُ العربِ والعجمِ

ویدّعی بعدها الإسلامَ من سفهٍ

وکان أکفرَ من عادٍ ومن ارمِ

یا ویلَهُ حین تأتی الطُهرُ فاطمةٌ

فی الحشرِ صارخةً فی موقفِ الأممِ

تأتی فیُطرقُ أهلُ الجمعِ أجمعُهمْ

منها حیاءً ووجهُ الأرض فی قتمِ (1)

وتشتکی عن یمینِ العرشِ صارخةً

وتستغیثُ إلی الجبّارِ ذی النقمِ

هناک یظهرُ حکمُ اللهِ فی ملاً

عصَوا وخانوا فیا سحقاً لفعلهم

وفی یدیها قمیصٌ للحسینِ غدا

مضمّخاً بدمٍ قرناً إلی قَدمِ

أیا بنی الوحیِ والذکرِ الحکیمِ ومن

ولاهمُ أملی والبرءُ من ألمی

حزنی لکم أبداً لا ینقضی کمداً

حتی المماتِ وردِّ الروحِ فی رممِ

حتی تعود إلیکم دولةٌ وُعدِتْ

مهدّیةً تملأُ الأقطارَ بالنعمِ

فلیس للدین من حامٍ ومُنتصرٍ

إلاّ الإمامُ الفتی الکشّافُ للظلمِ

القائمُ الخلفُ المهدیُّ سیّدُنا

الطاهرُ العلمُ ابنُ الطاهرِ العلمِ

بدرُ الغیاهبِ تیّارُ المواهبِ مَن

- صورُ الکتائبِ حامی الحلِّ والحرَمِ (2)ف)

ص: 86


1- الأقتم : الذی یعلوه سواد لیس بالشدید ، وقیل : هو الذی فیه حمرة وغبرة.
2- الغیاهب جمع الغیهب : الظلمة ، الشدید السواد من اللیل. التیّار : موج البحر الهائج. الکتائب جمع الکتیبة : القطعة من الجیش أو الجماعة من الخیل. (المؤلف)

یا ابن الإمامِ الزکیّ العسکریّ فتی ال

هادی التقیّ علیِّ الطاهرِ الشیمِ

یا ابن الجوادِ ویا نجل الرضاءِ ویا

سلیلَ کاظم غیظٍ مَنبعِ الکرمِ

خلیفةَ

الصادقِ المولی الذی ظهرت

علومُه فأنارتْ غیهبَ الظلَمِ

خلیفةَ الباقرِ المولی خلیفةَ زی

ن العابدین علیٍّ طیِّب الخیمِ

نجلَ الحسینِ شهیدِ الطفِّ سیّدِنا

وحبّذا مفخرٌ یعلو علی الأممِ

نجلَ الحسینِ سلیلَ الطُهرِ فاطمةٍ

وابن الوصیّ علیٍّ کاسِر الصنمِ (1)

یا بنَ النبیِّ ویا ابن الطُهرِ حیدرةٍ

یا ابن البتولِ ویا ابن الحلِّ والحرمِ

أنت الفخارُ ومعناه وصورتُه

ونقطةُ الحکمِ لا بل خطّةُ الحکمِ

أیّامُکَ البیضُ خضرٌ فهی خاتمةُ

الدنیا وختمُ سعودِ الدینِ والأممِ

متی نراک فلا ظلمٌ ولا ظُلَمُ

والدینُ فی رغَدٍ والکفرُ فی رغمِ

أقبل فسبلُ الهدی والدینِ قد طمستْ

ومسَّها نصَبٌ والحقُّ فی عدمِ

یا آلَ طه ومن حبّی لهم شرفٌ

أعدُّه فی الوری من أعظمِ النعمِ

إلیکمُ مِدحةً جاءت منظّمةً

میمونةً صغتُها من جوهرِ الکلمِ

بسیطةً إن شذَتْ أو أُنشدَتْ عطرتْ

بمدحِکمْ کبساطِ الزهرِ منخرمِ

بکراً عروساً ثکولاً زفّها حزنٌ

علی المنابرِ غیرَ الدمعِ لم تسمِ

یرجو بها (رجبٌ) رحبَ المقامِ غداً

بعد العناءِ غناءً غیرَ منهدمِ

یا سادةَ الحقِّ ما لی غیرَکم أملٌ

وحبُّکم عدّتی والمدحُ معتصمی

ما قدرُ مدحیَ والرحمنُ مادحُکمْ

فی هل أتی قد أتی مع نون والقلمِ

حاشاکم تحرموا الراجی مکارمَکمْ

ویرجعُ الجارُ عنکم غیرَ محترمِ

أو یختشی الزلّةَ (البرسیُّ) وهو یری

ولاکمُ فوق ذی القربی وذی الرحمِ

إلیکمُ تحفُ التسلیمِ واصلةٌ

ومنکمُ وبکم أنجو من النقمِ

صلّی الإلهُ علیکم ما بدا نسمٌ (2)

وما أتت نسماتُ الصبحِ فی الحرمِف)

ص: 87


1- راجع من هذا الجزء : ص 9 - 13. (المؤلف)
2- نسم جمع النسمة : الإنسان أو کلّ دابة فیها روح. (المؤلف)

وله قوله :

أما والذی لِدَمی حلّلا

وخصَّ أُهیل الولا بالبلا

لئن أُسقَ فیه کؤوسَ الحمامِ

لما قال قلبی لساقیه لا

فموتی حیاتی وفی حبِّهِ

یلذُّ افتضاحیَ بین الملا

فمن یسلُ عنه فإنَّ الفؤا

دَ تسلّی وما قطُّ آناً سلا

مضت سنّةُ اللهِ فی خلقِهِ

بأنَّ المحبَّ هو المبتلی

وله قوله :

لقد أظهرتَ یا حاف

ظُ سرّا کان مخفیّا

وأبرزتَ من الأنوا

رِ نوراً کان مطویّا

به قد صرت عند الله

والساداتِ علویّا

ومقبولاً ومسعوداً

ومحسوداً ومرضیّا

فطبْ نفساً وعِشْ فرداً

وکن طیراً سماویّا

غریباً یألف الخلو

ةَ لا یقربُ إنسیّا

غدا فی الناس بالخلو

ةِ والوحدة منسیّا

وإن أصبحت مرفوضاً

بسهمِ البغض مرمیّا

فلم یبغضک إلاّ من

أبوه الزنجُ بصریّا (1)

عمانیّا مرادیّا

مجوسیّا یهودیّا

لهذا قد غدا یبغ

- ض ذاک الطینَ کوفیّا

وفی المولدِ والمحت

- د برسیّا وحلّیا

وله فی الغزل قوله :

لقد شاع عنّی حبُّ لیلی وإنَّنی

کلفتُ بها عشقاً وهمتُ بها وجداا.

ص: 88


1- کذا.

وأصبحت أُدعی سیّداً بین قومِها

کما أنَّنی أصبحتُ فیهم لها عبدا

ألاقی الوری فی حبِّها فی تنکّرٍ

فذا مانحٌ صدّا وذا صاعرٌ خدّا

وذا عابسٌ وجهاً یطوِّل أنفَهُ

علیَّ کأنّی قد قتلتُ له ولدا

ولا ذنبَ لی فی هجرِهم لی وهجرهم

سوی أنَّنی أصبحتُ فی حبِّها فردا

ولو عرفوا ما قد عرفتُ ویمّموا

حماها کما یمّمتُه أعذروا حدّا

وظنّوا وبعضُ الظنِّ إثمٌ وشنّعوا

بأنّ امتداحی جاوزَ الحدَّ والعدّا

فو اللهِ ما وصفی لها جاز حدَّهُ

ولکنّها فی الحسنِ قد جازت الحدّا

هذه جملة ما وقفنا علیه من شعر شیخِنا الحافظ البرسی وهی (540) بیتاً ، ولا یوجد فیها کما تری شیء ممّا یرمی به من الارتفاع والغلوّ ، فالأمر کما قال هو :

وظنّوا وبعض الظنِّ إثمٌ وشنّعوا

بأنَّ امتداحی جاوز الحدّ والعدّا

فو الله ما وصفی لها جاز حدّه

ولکنَّها فی الحسن قد جازت الحدّا

توجد ترجمته (1) فی أمل الآمل ، وریاض العلماء ، وریاض الجنّة فی الروضة الرابعة ، وروضات الجنات ، وتتمیم الأمل للسیّد ابن أبی شبانة ، والکنی والألقاب ، وأعیان الشیعة ، والطلیعة ، والبابلیات.

ولم نقف علی تاریخ ولادة شاعرنا الحافظ ووفاته ، غیر أنَّه أرّخ بعض تآلیفه بقوله : إنَّ بین ولادة المهدی علیه السلام وبین تألیف هذا الکتاب خمسمائة وثمانیة عشر سنة. فیوافق (773) ، أخذاً بروایة (255) فی ولادة الإمام المنصور صلوات الله علیه ، ومرَّ فی تاریخ بعض کتبه أنّه أرخه ب (813) ، ولعلّه توفّی حدود هذا التاریخ والله العالم. 1.

ص: 89


1- أمل الآمل : 2 / 117 رقم 329 ، ریاض العلماء : 2 / 304 ، روضات الجنّات : 3 / 337 رقم 302 ، الکنی والألقاب : 2 / 166 ، أعیان الشیعة : 6 / 465 - 468 ، البابلیات : 1 / 118 رقم 41.

ص: 90

المغالاة فی الفضائل

لمّا وقع غیر واحد من شعراء الغدیر نظراء المترجم - البرسی - فی شبک النقد والاعتراض ، ورُموا بالغلوِّ ؛ وجاء غیر واحد من المؤلّفین (1) فشنَّ علیهم الغارات بالقذف والسباب المقذع فیهمّنا إیقاف الباحث علی هذا المهمِّ حتی لا یستهویه اللغب والصخب ، ولا یصیخ إلی النعرات الطائفیة الممقوتة ، وقول الزور ، فنقول :

الغلوّ علی ما صرّح به أئمّة اللغة (2) کالجوهری والفیّومی والراغب وغیرهم هو تجاوز الحدِّ ، ومنه غلا السعر یغلو غلاء ، وغلا الرجل غلوّا ، وغلا بالجاریة لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لِداتها ، قال الحرث بن خالد المخزومی :

خمصانةٌ قلقٌ موشّحُها

رَودُ الشبابِ غلا بها عظمُ

ومنه قوله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تغالوا فی النساء فإنَّما هنَّ سقیا الله» (3) وقول عمر : لا تغالوا فی مهور النساء (4). والغلوُّ ممقوت لا محالة أینما کان وحیثما کان فی أیِ ف)

ص: 91


1- کابن تیمیّة ، وابن کثیر ، والقصیمی ، وموسی جار الله. ومن لفّ لفّهم. (المؤلف)
2- صحاح اللغة : 6 / 2448 ، المصباح المنیر : 2 / 452 ، المفردات : ص 364.
3- البیان والتبیین : 2 / 21 [ 2 / 19 - 20 ]. (المؤلف)
4- راجع الجزء السادس من الکتاب : ص 96. (المؤلف)

أمر کان ، ولا سیّما فی الدین وعلیه ینزّل قوله تعالی فی موضعین (1) من الذکر الحکیم : (یا أَهْلَ الْکِتابِ لا تَغْلُوا فِی دِینِکُمْ) ویعنی فی ذلک کما ذکره المفسّرون (2) غلوّ الیهود فی عیسی حتی قذفوا مریم ، وغلوّ النصاری فیه حتی جعلوه ربّا ؛ فالإفراط والتقصیر کلّه سیّئة. والحسنة بین السیِّئتین کما قاله مطرف بن عبد الله ، وقال الشاعر :

وأوفِ ولا تستوفِ حقَّکَ کلَّهُ

وصافحْ فلم یستوفِ قطُّ کریمُ

ولا تغلُ فی شیءٍ من الأمرِ واقتصد

کلا طرفی قصدِ الأُمور ذمیمُ

وقال آخر :

علیکَ بأوساطِ الأُمور فإنَّها

نجاةٌ ولا ترکب ذلولاً ولا صعبا

وقال مولانا أمیر المؤمنین : «إنَّ دین الله بین المقصّر والغالی فعلیکم بالنمرقة الوسطی فبها یلحق المقصّر ، ویرجع إلیها الغالی» (3) غیر أنّ من الواجب تعیین الحدِّ الذی لا یجوز فی الدین أن یتجاوزه الإنسان لاستلزام الغلوِّ والکذب تارة ، والإغراء بالجهل أخری ، وبخس الحقوق الواجبة آونة ، لا ما دأبت علیه أمّة من الرمی بالغلوِّ کلّ قائل ما لا یروقها ، وتحدوها العصبیّة العمیاء إلی التجهّم أمام القول بما لا یلائم ذوقها ، ومن هذا الباب أکثر ما تُرمی به الشیعة الإمامیّة من الغلوِّ لاعتقادهم أو روایتهم فضائل لأئمّة أهل البیت علیهم السلام ، وقد طفحت بها الصحاح والمسانید ، وتدفّقت بنقلها الکتب والمؤلّفات ، حیث لم یُقِم من نَبزَهم به لأئمّة الهدی وزناً تقیمه الحقیقة ویقتضیه مقامهم الأسمی ، ذلک المقام الشامخ المستنبط من الکتاب والسنّة والاعتبار الصحیح والقضایا الخارجیة الصادقة المتسالم علیها بین الأمّة ، لو لا أنّ هناک من یتعامی أو یتصامم عن رؤیة هذه وسماع هاتیک ، أو تقصر منّته العلمیة عن تحلیل ف)

ص: 92


1- النساء : 171 والمائدة : 77.
2- تفسیر القرطبی : 6 / 21 [ 6 / 16 و 163 ]. (المؤلف)
3- ربیع الأبرار للزمخشری [ 2 / 63 ]. (المؤلف)

الفلسفة الصحیحة ، أو یقصر باعه عن الإحاطة بالکائنات التاریخیّة ، من الذین استأسرهم الهوی وتدهور بهم الجهل إلی هوّة التیه والضلال ، فعدّوا من الغلوِّ الفاحش القول بعلم الغیب فیهم ، أو إخبارهم عمّا فی الضمیر ، أو تکلّم الموتی معهم ، أو علمهم بمنطق الطیر والحیوانات ، أو إحیاء الله الموتی بدعائهم ، أو استجابة دعواتهم فی برء الأکمه والأبرص ، وبلّ کلّ ذی عاهة ، أو القول بالرجعة لهم ، أو ظهور کرامة لهم تخرق العادة ، أو الشخوص إلی زیارة قبورهم والتوسّل بهم ، والتبرّک بتربتهم ، والدعاء والصلاة عند مراقدهم ، أو التلهّف والتأسّف علی ما انتابهم من المصائب ، إلی کثیر من أمثال هذه من مبادئ تراها الشیعة فی العترة الهادیة من فضائلهم المدعومة بالبرهنة الصحیحة والحجج القویّة ممّا أنکرته أبناء حزم وجوزیّ وتیمیّة وقیّم وکثیر ومن حذا حذوهم ولفّ لفّهم.

ولعلّ لهم العذر فی ذلک بأنَّ الذی یرتئونه فی الخلیفة لا یزید علی أنَّه رجل یقطع السارق ویقتصُّ من القاتل ، ویحفظ الثغور ، ویدحر الهرج فی الأوساط ، ویجمع الفیء ویقسم ، إلی أمثال هذه ممّا هو شأن الملوک والأمراء فی الأمم والأجیال ، وتُعرب عنه خطب أبی بکر وعمر لمّا استخلفا (1) ، واستخلاف عثمان ومعاویة وابنه الطاغی ، وهلمّ جرّا ، وحدیث عبد الله بن عمر وحمید بن عبد الرحمن کما یأتی بیانه.

وهم لا یوجبون فی الخلیفة قوّةً فی النفس منبعثةً عن نزاهة وقداسة وعصمة یتصرّف بها صاحبها فی الکائنات کیفما اقتضته المصلحة ، ویبصر المغیَّب بعین بصیرته ، أو بنور بصره الذی لا یقلُّ عن أشعّة (رنتجن) التی یبصر صاحبها الأمعاء من وراء الجلد الغلیظ وتُری ما فی قبضة الماسک بیده من ظهر الید ، وبلغت بها القوّة حتی أخذت بها الصورة الشمسیّة من وراء سیاج الصندوق الحدیدی.

والذی یخبت فی القوی النفسیّة إلی مثل التنویم المغناطیسی الصناعی ، أو ف)

ص: 93


1- راجع الجزء السادس من الکتاب : ص 191 وهذا الجزء فیما یأتی. (المؤلف)

استحضار الأرواح واستخدامها للجواب عن کلِّ مسألة یریدها الإنسان ممّا فی وراء عالم الشهود بقوّة نفسه ، کیف یسعه إنکار ردّ الأرواح إلی الأجسام بإذن ربِّها لدعاء ولیٍّ ، أو مقدرة صدِّیق موهوبة له من بارئ کیانه؟ ولیس علی الله بعزیز (هُوَ الَّذِی یُحْیِی وَیُمِیتُ فَإِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ) (1).

وکذلک من یشهد : أنَّ الطائرات الجوّیة تطوی مئات من الفراسخ فی آونة قصیرة ، وکان یستدعی ذلک إشغال أشهر من الزمن یوم کانوا یطوونها علی الظهور ، أنّی یُسیغ له حِجاه أن ینکر طیّ الأرض لمن یحمل بین جنبیه قویً مفاضةً من المبدأ الحقِّ سبحانه : (وَتَرَی الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِیَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (2).

ومثله : الذی یبصر المذیاع وهو ینقل الأصوات من أبعد المسافات فیسمعها کأنَّه یتلو القرآن الکریم ، أو یُلقی خطابته ، أو یسرد أخباره ، أو یغنّی بأهازیجه إلی جنبه ، فهو لا یسعه إنکار ما یشابه ذلک فی إمام حقّ مؤیَّد من عند الله (إِنَّ اللهَ یُسْمِعُ مَنْ یَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُورِ) (3).

ونظیره : المتکلّم الذی تُمثَّل له بالقوی الممثِّلة صورةُ من یخاطبه ویتکلّم معه فی الهاتف من صقعٍ شاسعٍ کأنّه یراه وینظر إلیه من کَثَب (وَکَذلِکَ نُرِی إِبْراهِیمَ مَلَکُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (4).

وأمثال هذه فی المکتشفات الحدیثة من آثار الکهرباء وغیره کثیرة ذلّلت فیهم المعضلات التی کانت تقصر عنها العقول السذّج قبل هذا الیوم ، ولعلّ فی المستقبل الکشّاف یکون ما هو أعظم وأعظم من هذه کلّها ، فإنَّ العلم لم یقف علی حدّ ، 5.

ص: 94


1- غافر : 68.
2- النمل : 88.
3- فاطر : 22.
4- الأنعام : 75.

ولا دلّت البرهنة علی وصول الکشف إلی غایته المحدودة ، فمن الجائز أن یتدرّج إلی الأمام کما تدرّج فی هذه القرون الأخیرة جلّت قدرة بارئها.

أنا لا أُحاول جعل تلکم المعاجز وکرامات الأولیاء من قبیل ما ذکرته من مجاری الناموس الطبیعیِّ ، ولو أنَّها لا یعدوها الإعجاز حتی لو کانت علی تلک المجاری ، لأنَّها حدثت یوم لم تکن هذه الآثار مکتشفة ، ولا عرفها أحدٌ من الناس ، حتی إنَّه لو فاهَ بها أحدٌ لما کانوا یحفلون به إلاّ بالهزء والسخریّة معتقدین بأنّه یلهج بالمحال ، فصدورها من إنسان هذا ظرفه وتلک أحوال أمّته ، ولم یعهد أنّه دخل کلِّیة أو تخرّج علی ید أستاذ لا یعدوه أن تکون معجزة ، لکنّا نعتقد أنَّ أولئک الأئمّة - بما أنَّهم مقیّضون لإصلاح الأمّة ولا یکون إلاّ بخضوعها لهم. وأقوی الحجج لاستلانة جماحها لذلک الخضوع هو صدور المعجزات والخوارق - لهم صلة بالمبدأ الأقدس یسدّدهم بها من فوق عالم الطبیعة ، وهو لازم اللطف الواجب علی الله سبحانه من تقریب البعید إلی ما ذکرناه من الاکتشافات الحدیثة لتقریب الأذهان وشحذها ، وإیقاف المنصف علی الحقائق. وقد فصّلنا القول فی بعض الموضوع فی الجزء الخامس (ص 52 ، 65).

فهلمَّ معی إلی أُناس یشنِّعون علی الشیعة بإثبات تلکم النسب ، ویقذفونهم بالغلوِّ والکفر والشرک وهم یثبتونها لغیر واحد من أولیائهم ، وذکروا أضعاف ما عند الشیعة من تلکم الفضائل المرمیّة بالغلوِّ فی تراجم العادیِّین من رجالهم ، ونشروها فی الملأ واتّخذوها تاریخاً صحیحاً من دون أیِّ غمز وإنکار فی السند ، ومن غیر مناقشة ونظرةٍ صحیحة فی المتون ، کلّ ذلک حبّا وکرامة لأولئک الرجال ، وحبُّ الشیء یعمی ویصمّ ، وهذه السیرة مطّردة فیهم منذ القرن الأول حتی الیوم ، ولا یسع لأیِّ باحثٍ رمیُ أولئک المؤلِّفین الحفّاظ بالضلال والشرک والغلوِّ وخروجهم عمّا أجمعت علیه الأمّة الإسلامیّة کما

ص: 95

هم رموا الشیعة بذلک ، علی أنّ الباحث یجد فیما لفّقته ید الدعایة والنشر ، ونسجته أکفُّ المخرقة والغلوِّ فی الفضائل ، عجائب وغرائب أو قل : سفاسف وسفسطات ، تبعد عن نطاق العقل السلیم ، فضلاً عن أن تکون مشروعة أو غیر مشروعة. وإلیک البیان :

ص: 96

الغلوّ فی أبی بکر

اشارة

لیس من العسیر الشدید عرفان حدود أیِّ فرد شئت من الصحابة ، إذ التاریخ - مع ما فیه من الخبط والخلط ، مع ما نسجت علیه أیدی المعرّة الأثیمة ، مع ما طمس صحیحه بالفتن المظلمة فی أدوارها وقرونها الخالیة ، مع ما لعبت به الأهواء المضلّة بالتحریف والاختلاق ، مع ما دسَّ فیه عباقرة الإفک والافتعال ، مع ما سوِّدت صفحاته بآراء تافهة ، ونظریّات سخیفة ، ومبادئ فاسدة ، ونعرات طائفیّة ، ومخاریق قومیّة ، وجنایات شعوبیّة - فیه رمز من الحقیقة ، لا یختلط للناقد البصیر زُبده بخاثره ، وصحیحه بسقیمه ، ویسع له أن یستخرج المحض بالمخض ، یتّخذ منه دروس الحقائق ، ویعرف به حدود الرجال ، ومقاییس السلف ، ومقادیر الأمم الغابرة.

ومن اللازم المحتوم علینا النظرة فی تراجم الشخصیّات البارزة من رجال الإسلام سلفاً وخلفاً بعین الإکبار دون عین رمصة ، ولا سیّما من عُرف منهم بالخلافة الراشدة بین الملأ الدینیِّ ولو بالانتخاب الدستوری الذی لیس له أیّ قیمة وکرامة فی سوق الاعتبار ومیزان العدل : (وَرَبُّکَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَیَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ) (1) (وَما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (2) 6.

ص: 97


1- القصص : 68.
2- الأحزاب : 36.

(لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (وَکَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَکُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) (1). (2) (وَهُوَ وَلِیُّهُمْ بِما کانُوا یَعْمَلُونَ) (3)

فصاحب النبیّ الأعظم فی الغار ، والمهاجر الوحید معه فی الرعیل الأوّل من المهاجرین السابقین یهمّنا إکباره وإعظامه ، ویُعَدُّ من الجنایات الفاحشة بخس حقّه ، والتقصیر فی تحدید نفسیّاته ، والخروج عن قضاء العدل فیها ، والنزول علی حکم العاطفة.

ونحن لا نحوم حول موضوع الخلافة وأنّها کیف تمّت؟ کیف صارت؟ کیف قامت؟ کیف دامت؟ وأنّ الآراء فیها هل کانت حرّة؟ ووصایا المشرِّع الأعظم هل کانت متّبعة؟ أو کانت للأهواء والشهوات یوم ذاک حکومة جبّارة هی تبطش وتقبض ، وهی ترفع وتخفض ، وهی ترتق وتفتق ، وهی تنقض وتبرم ، وهی تحلُّ وتعقد.

لا یهمّنا البحث عن هذه کلّها بعد ما سمعت أُذن الدنیا حدیث السقیفة مجتمع الثویلة ، وقُرِّطت بنبإ تلک الصاخّة الکبری ، والتحارش العظیم بین المهاجرین والأنصار ، (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ* لَیْسَ لِوَقْعَتِها کاذِبَةٌ* خافِضَةٌ رافِعَةٌ) (4).

ما عسانی أن أقول؟ والتاریخ بین یدی الباحث یدرسه بأنّ کلّ رجل من سواد الناس یوم ذاک کان یری الفوز والسلامة لنفسه فی عدم التحزّب بأحد من تلکم الأحزاب المتکثّرة ، وترک الاقتحام فی تلک الثورات النائرة ، وکانت الخواطر تهدِّده بالقتل مهما أبدی الشقاق ، أو التحیّز إلی فئة دون فئة ، بعد ما رأت عیناه فِرند الصارم 3.

ص: 98


1- القمر : 3.
2- الروم : 4.
3- الأنعام : 127.
4- الواقعة : 1 - 3.

المسلول ، وسمعت أُذناه نداء محزّ (1) یتوعّد بالقتل کلَّ قائل بموت رسول الله ، ویقول : لا أسمع رجلاً یقول : مات رسول الله إلاّ ضربته بسیفی. أو یقول : من قال : إنَّه مات علوت رأسه بسیفی ، وإنّما ارتفع إلی السماء (2).

یصیح من قالَ نفسُ المصطفی قُبِضت

عَلَوتُ هامته بالسیف أبریها (3)

بعد ما تشازرت الأمّة وتلاکمت وتکالمت وقام الشیخان یعرض کلٌّ منهما البیعة لصاحبه قبل أخذ الرأی من أیّ أحد ، کأنَّ الأمر دبّر بلیل ، فیقول هذا لصاحبه : ابسط یدک فلأبایعک. ویقول آخر : بل أنت. وکلٌّ منهما یرید أن یفتح ید صاحبه ویبایعه ، ومعهما أبو عبیدة الجرّاح حفّار القبور بالمدینة (4) یدعو الناس إلیهما (5) ، والوصیُّ الأقدس والعترة الهادیة وبنو هاشم ألهاهم النبیّ الأعظم وهو مسجّیً بین یدیهم وقد أغلق دونه الباب أهله (6) ، وخلّی أصحابه صلی الله علیه وآله وسلم بینه وبین أهله فوَلوا (7) إجنانه (8) ومکث ثلاثة أیّام لا یُدفن (9) أو من یوم الاثنین إلی یوم ف)

ص: 99


1- المحزّ : الرجل الغلیظ الکلام. (المؤلف)
2- تاریخ الطبری : 3 / 198 [ 3 / 201 حوادث سنة 11 ه ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 128 [ 2 / 40 خطبة 26 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 242 [ 5 / 263 حوادث سنة 11 ه ] تاریخ أبی الفداء : 1 / 156 ، المواهب اللدنیّة للقسطلانی [ 4 / 544 - 546 ] ، روضة المناظر لابن شحنة [ 1 / 188 حوادث سنة 11 ] ، هامش الکامل : 7 / 164 ، شرح المواهب للزرقانی : 8 / 280 ، السیرة النبویّة لزینی دحلان ، هامش الحلبیّة : 3 / 371 - 374 [ 2 / 306 ] ، ذکری حافظ للدمیاطی : ص 36 نقلاً عن الغزالی [ فی إحیاء علوم الدین : 4 / 433 ]. (المؤلف)
3- من أبیات القصیدة العمریّة لحافظ إبراهیم [ دیوان حافظ إبراهیم : 1 / 81 ] شاعر النیل. (المؤلف)
4- راجع الجزء الخامس من هذا الکتاب : ص 367 ، 368. (المؤلف)
5- تاریخ الطبری : 3 / 199 [ 3 / 203 حوادث سنة 11 ه ]. (المؤلف)
6- سیرة ابن هشام : 4 / 336 [ 4 / 307 ] ، الریاض النضرة : 1 / 163 [ 1 / 203 ]. (المؤلف)
7- ولوا إجنانه : تولّوا دفنه.
8- طبقات ابن سعد : ص 821 ، طبع لیدن ج 2 من القسم الثانی : ص 76 [ 2 / 301 ]. (المؤلف)
9- تاریخ ابن کثیر : 5 / 271 [ 5 / 292 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 152. (المؤلف)

الأربعاء أو لیلته (1) فدفنه أهله ولم یله إلاّ أقاربه (2) دفنوه فی اللیل أوفی آخره (3) ، ولم یعلم به القوم إلاّ بعد سماع صریف المساحی وهم فی بیوتهم من جوف اللیل (4) ولم یشهد الشیخان دفنه صلی الله علیه وآله وسلم (5).

بعد ما رأی الرجل عمر بن الخطّاب محتجراً یهرول بین یدی أبی بکر وقد نبر حتی أزبد شدقاه (6).

بعد ما قرعت سمعه عقیرة صحابیّ بدریّ عظیم - الحباب بن المنذر - وقد انتضی سیفه علی أبی بکر ویقول : والله لا یردُّ علیَّ أحدٌ ما أقول إلاّ حطمت أنفه بالسیف ، أنا جُذیلها المحکّک (7) وعُذیقها المرجّب ، أنا أبو شبل فی عرینة الأسد یُعزی إلی به

ص: 100


1- طبقات ابن سعد طبع لیدن : 2 / 58 ، 79 [ 2 / 273 ، 305 ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 343 ، 344 [ 4 / 314 ] ، مسند أحمد : 6 / 274 [ 7 / 390 ح 25817 ] ، سنن ابن ماجة : 1 / 499 [ 1 / 521 ، ح 1628 ] ، سیرة ابن سیّد الناس : 2 / 340 [ 2 / 434 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 152 وقال : الأصح دفنه لیلة الأربعاء ، تاریخ ابن کثیر 5 / 271 [ 5 / 291 حوادث سنة 11 ه ] وقال : هو المشهور عن الجمهور. وقال : والصحیح أنه دفن لیلة الأربعاء ، السیرة الحلبیّة : 3 / 394 [ 3 / 365 ] ، شرح المواهب للزرقانی : 8 / 284 ، سیرة زینی دحلان هامش الحلبیّة : 3 / 380 [ 2 / 308 ]. (المؤلف)
2- طبقات ابن سعد : ص 824 طبع ، لیدن ج 2 من القسم الثانی : ص 78 [ 2 / 304 ]. (المؤلف)
3- سنن ابن ماجة : 1 / 499 [ 1 / 521 ح 1628 ] ، مسند أحمد : 6 / 274 [ 7 / 390 ح 25817 ]. (المؤلف)
4- الطبقات لابن سعد : ص 824 ، طبع لیدن ج 2 من القسم الثانی : ص 78 [ 2 / 304 ] ، مسند أحمد : 6 / 274 [ 7 / 390 ح 25817 ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 344 [ 4 / 314 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 270 [ 5 / 291 حوادث سنة 11 ه ]. (المؤلف)
5- أخرجه ابن أبی شیبة [ فی المصنّف : 14 / 568 ح 18892 ] کما فی کنز العمّال : 3 / 140 [ 5 / 652 ح 14139 ]. (المؤلف)
6- طبقات ابن سعد : ص 787 ، طبع لیدن ، ج 2 من القسم الثانی : ص 53 [ 2 / 267 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 133 [ 2 / 56 خطبة 26 ]. (المؤلف)
7- الجذل بالکسر والفتح : أصل الشجرة والعود الذی ینصب للإبل الجرباء لتحتکّ به فتستشفی به

الأسد ، فیقال علیه : إذن یقتلک الله. فیقول : بل إیاک یقتل. أو : بل أراک تقتل (1) ، فأخذ ووُطِئ فی بطنه ، ودُسَّ فی فیه التراب (2).

بعد ما شاهد ثالثاً یخالف البیعة لأبی بکر وینادی : أما والله أرمیکم بکلِّ سهم فی کنانتی من نبل ، وأخضب منکم سنانی ورمحی ، وأضربکم بسیفی ما ملکته یدی ، وأُقاتلکم مع من معی من أهلی وعشیرتی (3).

بعد ما رأی رابعاً یتذمّر علی البیعة ویشبُّ نار الحرب بقوله : إنّی لأری عجاجة لا یطفئها إلاّ دم (4).ف)

ص: 101


1- صحیح البخاری : 10 / 45 [ 6 / 2506 ح 6442 ] ، مسند أحمد : 1 / 56 [ 1 / 90 ح 393 ] ، البیان والتبیین : 3 / 181 [ 3 / 198 ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 339 [ 4 / 310 ] ، العقد الفرید : 2 / 248 [ 4 / 86 ] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 9 [ 1 / 15 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 209 ، 210 [ 3 / 220 ، 223 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابن الأثیر : 2 / 136 ، 137 [ 2 / 12 و 13 حوادث سنة 11 ه ] ، الریاض النضرة : 1 / 162 و 164 [ 1 / 202 و 204 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 246 [ 5 / 267 حوادث سنة 11 ه ] ، 7 / 142 [ 7 / 160 حوادث سنة 23 ه ] ، صفة الصفوة : 1 / 97 [ 1 / 256 رقم 2 ] ، تیسیر الوصول : 2 / 45 [ 2 / 54 رقم 4 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 128 [ 2 / 38 خطبة 26 ] ، 2 / 4 [ 6 / 9 خطبة 66 ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 387 [ 3 / 358 ] ، أبو بکر الصدّیق للأستاذ محمد رضا المصری : ص 25. (المؤلف)
2- شرح ابن أبی الحدید : 2 / 16 [ 6 / 40 خطبة 66 ]. (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 11 [ 1 / 17 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 210 [ 3 / 222 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابن الأثیر : 2 / 137 [ 2 / 14 حوادث سنة 11 ه ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 128 [ 2 / 39 خطبة 26 ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 387 [ 3 / 359 ]. (المؤلف)
4- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا صفحة : 253. (المؤلف)

بعد ما نظر إلی مثل سعد بن عبادة أمیر الخزرج وقد وقع فی ورطة الهون یُنزی علیه ، ویُنادی علیه بغضب : اقتلوا سعداً قتله الله إنّه منافق. أو : صاحب فتنة. وقد قام الرجل علی رأسه ویقول : لقد هممت أن أطأک حتی تندر (1) عضوک. أو تندر عیونک (2).

بعد ما شاهد قیس بن سعد قد أخذ بلحیة عمر قائلاً : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفی فیک واضحة. أو : لو خفضت منه شعرة ما رجعت وفیک جارحة (3).

بعد ما عاین الزبیر وقد اخترط سیفه ویقول : لا أغمده حتی یبایع علیّ. فیقول عمر : علیکم بالکلب ، فیؤخذ سیفه من یده ویُضرب به الحجر ویُکسر (4).

بعد ما بصر مقداداً ذلک الرجل العظیم وهو یدافع فی صدره ، أو نظر إلی الحباب ابن المنذر وهو یحطَّم أنفه ، وتُضرب یده. أو إلی اللائذین بدار النبوّة ، مأمن الأمّة ، وبیت شرفها ، بیت فاطمة وعلیٍّ - سلام الله علیهما - وقد لحقهم الإرهاب والترعید (5) ، وبعث إلیهم أبو بکر عمر بن الخطّاب وقال له : إن أبوا فقاتلهم. فأقبل ف)

ص: 102


1- ندر الشیء : سقط.
2- مسند أحمد : 1 / 56 ، [ 1 / 90 ح 393 ] ، العقد الفرید 2 / 249 [ 4 / 86 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 210 ، [ 3 / 222 حوادث سنة 11 ه ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 339 [ 4 / 310 ] ، الریاض النضرة : 1 / 162 ، 164 [ 1 / 202 ، 205 ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 387 [ 3 / 359 ]. (المؤلف)
3- تاریخ الطبری : 3 / 210 [ 3 / 222 حوادث سنة 11 ه ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 387 [ 3 / 359 ]. (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 11 [ 1 / 18 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 199 [ 3 / 203 حوادث سنة 11 ه ] ، الریاض النضرة : 1 / 167 [ 1 / 207 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 58 ، 132 [ 1 / 174 خطبة 3 و 2 / 56 خطبة 26 ] ، 2 / 5 ، 19 [ 6 / 11 و 47 خطبة 66 ]. (المؤلف)
5- تاریخ الطبری : 3 / 210 [ 3 / 223 حوادث سنة 11 ه ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 58 [ 1 / 174 خطبة 3 ]. (المؤلف)

عمر بقبس من نار علی أن یضرم علیهم الدار ، فلقیته فاطمة فقالت : «یا ابن الخطّاب أجئت لتحرق دارنا؟» قال : نعم ، أو تدخلوا فیما دخل فیه الأمّة (1).

بعد ما رأی هجوم رجال الحزب السیاسی دار أهل الوحی وکشف بیت فاطمة (2) ، وقد علت عقیرة قائدهم بعد ما دعا بالحطب : والله لتحرقنَّ علیکم أو لتخرجنَّ إلی البیعة. أو لأحرقنّها علی من فیها. فیقال للرجل : إنَّ فیها فاطمة. فیقول : وإن (3)!

بعد قول ابن شحنة : إنَّ عمر جاء إلی بیت علیٍّ لیحرقه علی من فیه فلقیته فاطمة فقال : ادخلوا فیما دخلت فیه الأمّة. تاریخ ابن شحنة (4) هامش الکامل (7 / 164).

بعد ما سمع أنّةً وحنّةً من حزینة کئیبة - بضعة المصطفی - وقد خرجت عن خدرها وهی تبکی وتنادی بأعلی صوتها : «یا أبت یا رسول الله ما ذا لقینا بعدک من ابن الخطّاب وابن أبی قحافة؟» (5).ف)

ص: 103


1- العقد الفرید : 2 / 250 [ 4 / 87 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 156 ، أعلام النساء : 3 / 1207 [ 4 / 114 ]. (المؤلف)
2- الأموال لأبی عبید : ص 131 [ ص 174 ح 353 ] ، الإمامة والسیاسة لابن قتیبة : 1 / 18 [ 1 / 19 ] ، تاریخ الطبری : 4 / 52 [ 3 / 222 حوادث سنة 11 ه ] ، مروج الذهب : 1 / 414 [ 2 / 137 ] ، العقد الفرید : 2 / 254 [ 4 / 93 ] ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 105 [ 2 / 317 ]. (المؤلف)
3- تاریخ الطبری : 3 / 198 [ 3 / 202 حوادث سنة 11 ه ] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 13 [ 1 / 19 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 134 و 2 / 19 [ 2 / 56 خطبة 26 و 6 / 48 خطبة 66 ] ، أعلام النساء : 3 / 1205 [ 4 / 114 ]. (المؤلف)
4- روضة المناظر : 1 / 189 حوادث سنة 11 ه.
5- الإمامة والسیاسة : 1 / 13 [ 1 / 20 ] ، أعلام النساء : 3 / 1206 [ 4 / 115 ] ، الإمام علی لعبد الفتّاح عبد المقصود : 1 / 225 [ مج 1 / ج 1 / 191 ]. (المؤلف)

بعد ما رآها وهی تصرخ وتولول ومعها نسوة من الهاشمیّات تنادی : «یا أبا بکر ما أسرع ما أغرتم علی أهل بیت رسول الله ، والله لا أکلّم عمر حتی ألقی الله». شرح ابن أبی الحدید (1) (1 / 134 ، 2 / 19).

بعد ما شاهد هیکل القداسة والعظمة - أمیر المؤمنین - یُقاد إلی البیعة کما یقاد الجمل المخشوش (2) ، ویُدفع ویُساق سوقاً عنیفاً واجتمع الناس ینظرون ، ویُقال له : بایع.

فیقول : «إن أنا لم أفعل فمه؟» فیقال : إذن والله الذی لا إله إلاّ هو نضرب عنقک فیقول : «إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله» (3).

بعد ما رأی صنو المصطفی علیّا لاذ بقبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یصیح ویبکی ویقول : «یا ابن أُمّ إنَّ القوم استضعفونی وکادوا یقتلوننی» (4).

بعد نداء أبی عبیدة الجرّاح لعلیّ علیه السلام یوم سیق إلی البیعة : یا ابن عمّ إنَّک حدیث السنِّ وهؤلاء مشیخة قومک لیس لک مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور ، ولا أری أبا بکر إلاّ أقوی علی هذا الأمر منک وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلّم لأبی بکر هذا الأمر ؛ فإنَّک إن تعش ویطل بک بقاء فأنت لهذا الأمر خلیقٌ وبه حقیقٌ فی فضلک ودینک وعلمک وفهمک وسابقتک ونسبک وصهرک (5).

بعد رفع الأنصار عقیرتهم فی ذلک الیوم العصبصب بقولهم : لا نبایع إلاّ علیّا. ف)

ص: 104


1- شرح نهج البلاغة : 2 / 57 خطبة 26 و 6 / 49 خطبة 66.
2- العقد الفرید : 2 / 285 [ 4 / 137 ] ، صبح الأعشی : 1 / 228 [ 1 / 273 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 407 [ 15 / 74 کتاب 9 ]. (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 13 [ 1 / 20 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 8 و 19 [ 6 / 49 خطبة 66 ] ، أعلام النساء : 3 / 1206 [ 4 / 115 ]. (المؤلف)
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 14 [ 1 / 20 ]. (المؤلف)
5- الإمامة والسیاسة : 1 / 13 [ 1 / 18 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 5 [ 6 / 12 خطبة 66 ]. (المؤلف)

وبعد صیاح بدریِّهم : منّا أمیرٌ ومنکم أمیرٌ ، وقول عمر له : إذا کان ذلک فمت إن استطعت (1).

بعد قول أبی بکر للأنصار : نحن الأُمراء وأنتم الوزراء ، وهذا الأمر بیننا وبینکم نصفان کشقِّ الأبلمة - یعنی الخوصة (2).

مدّت لها الأوسُ کفّا کی تناولها

فمدّت الخزرجُ الأیدی تباریها

وظنَّ کلُّ فریق أنّ صاحبَهم

أولی بها وأتی الشحناء آتیها (3)

بعد قول أمّ مسطح بن أثاثة واقفةً عند قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهی تنادی : یا رسول الله :

قد کان بعدک أنباءٌ وهنبثةٌ (4)

لو کنتَ شاهدَها لم تکثر الخطبُف)

ص: 105


1- صحیح البخاری فی مناقب أبی بکر وفی باب رجم الحبلی : 10 / 45 [ 3 / 1341 ح 3467 و 6 / 2506 ح 6442 ] ، طبقات ابن سعد : 2 / 55 [ 2 / 269 ] ، 3 / 129 [ 3 / 182 ] ، البیان والتبیین للجاحظ : 3 / 181 [ 3 / 198 ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 339 [ 4 / 310 ] ، التمهید للباقلاّنی : ص 197 ، تاریخ الطبری : 3 / 206 ، 209 [ 3 / 203 ، 206 حوادث سنة 11 ه ] ، مستدرک الحاکم : 3 / 67 [ 3 / 70 ح 4423 ] ، الریاض النضرة : 1 / 162 ، 163 ، 164 [ 2 / 201 - 205 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 146 [ 5 / 267 حوادث سنة 11 ه ] ، تیسیر الوصول : 2 / 41 ، 45 [ 2 / 50 ، 54 ح 3 و 4 ]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری - فی مناقب أبی بکر - [ 3 / 1341 ح 3467 ] ، البیان والتبیین : 1 / 181 [ 3 / 199 ] ، عیون الأخبار لابن قتیبة : 2 / 234 [ مج 1 / ج 5 / 233 - 234 ] ، طبقات ابن سعد : 2 / 55 و 3 / 129 [ 2 / 269 و 3 / 182 ] ، العقد الفرید : 2 / 158 [ 4 / 86 ] ، تیسیر الوصول : 2 / 452 [ 2 / 50 ح 3 ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 386 [ 3 / 357 ] ، نهایة ابن الأثیر : 1 / 13 [ 1 / 17 ] وفیه : کقدّ الأبلمة ، تاج العروس : 8 / 205. (المؤلف)
3- من أبیات القصیدة العمریة لحافظ إبراهیم شاعر النیل [ أنظر دیوان حافظ إبراهیم : 1 / 81 ]. (المؤلف)
4- الهنبثة : الأمر الشدید والاختلاط فی القول. (المؤلف)

إنّا فقدناک فقدَ الأرضِ وابلَها

واختلَّ قومک فاشهدهمْ ولا تغب (1)

هذه کلّها کانت تهدّد السواد ، وتروّع عامّة الناس وما کان لأحد فی إصلاح القوم مطمع ، ولا لأیّ من الأمّة بعد ما شاهد الحال یوم ذاک حسبان حرمة ولا کرامة لنفسه یقوم بها تجاه ذلک التیّار المتدفّق.

وکانت هناک أمّة تراها سکری - وما هی بسکری - من حراجة الموقف تسارّها هواجسها بالتربّص إلی حین ، حتی تضع الغائلة أوزارها ، ویتّضح مآل أمر دبّر بلیل ، ویتبیّن الرشد من الغیِّ ، وهواجس تجعل جماعة کالنزیعة (2) تجهش وتحنُّ وتقرع سنّ الأسف ، وکم حنون لا یجدیه حنینه.

وما عسانی أن أقول فی تلک الخلافة بعد ما رآها أبو بکر وعمر بن الخطّاب فلتة کفلتة الجاهلیّة وقی الله شرّها (3)؟

بعد ما حکم عمر بقتل من عاد إلی مثل تلک البیعة (4).

بعد قوله یوم السقیفة : من بایع أمیراً عن غیر مشورة المسلمین فلا بیعة له ولا بیعة للذی بایعه تغرّة أن یقتلا (5).56

ص: 106


1- طبقات ابن سعد : ص 853 [ 2 / 332 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 17 [ 6 / 43 خطبة 66 ] ، 1 / 132 [ 2 / 50 خطبة 26 ] ، وقد یعزی البیتان مع أبیات أخری إلی الصدّیقة فاطمة سلام الله علیها. (المؤلف)
2- یقال : نزعت الناقة إلی وطنها فهی نزیعة : أی حنّت واشتاقت.
3- التمهید للباقلاّنی : ص 196 ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 19 [ 6 / 47 خطبة 66 ] ، الغدیر لنا : 5 / 370. (المؤلف)
4- التمهید للباقلاّنی : ص 196 ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 123 ، 124 [ 2 / 26 خطبة 26 ] ، الصواعق لابن حجر : ص 21 [ ص 36 ]. (المؤلف)
5- صحیح البخاری : 10 / 44 [ 6 / 2507 ح 6442 ] باب رجم الحبلی من الزنا ، مسند أحمد : 1 / 56

بعد قوله لابن عباس : لقد کان علیّ فیکم أولی بهذا الأمر منّی ومن أبی بکر (1).

بعد قوله : إنّا والله ما فعلناه عن عداوة ولکن استصغرناه ، وحسبنا أن لا یجتمع علیه العرب وقریش لما قد وترها.

بعد قول ابن عبّاس له فی جوابه : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یبعثه فینطح کبشها فلم یستصغره ، أفتستصغره أنت وصاحبک (2)؟

بعد قول عمر لابن عبّاس : یا ابن عبّاس ما أظنُّ صاحبک إلاّ مظلوماً. وقول ابن عبّاس له : والله ما استصغره الله حین أمره أن یأخذ سورة براءة من أبی بکر. شرح ابن أبی الحدید (3) (2 / 18).

بعد قول أبی السبطین أمیر المؤمنین : «أنا عبد الله وأخو رسول الله ، أنا أحقُّ بهذا الأمر منکم ، لا أُبایعکم وأنتم أولی بالبیعة لی» ، فیقول عمر : لستَ متروکاً حتی تبایع ، فیقول علیّ : «احلب یا عمر حلباً لک شطره» (4).

بعد قوله علیه السلام : «الله الله یا معشر المهاجرین ألاّ تخرجوا سلطان محمد فی العرب من داره ، وقعر بیته إلی دورکم ، وتدفعوا أهله عن مقامه فی الناس وحقّه ، فو الله یا معشر المهاجرین فنحن أحقُّ الناس به لأنّا أهل البیت ونحن أحقُّ بهذا الأمر ف)

ص: 107


1- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 132 [ 2 / 57 خطبة 26 ] ، 2 / 20 [ 6 / 50 خطبة 66 ] ، الغدیر کتابنا هذا : 1 / 389. (المؤلف)
2- راجع الجزء الأوّل من کتابنا هذا : ص 389 ، کنز العمّال : 6 / 391 [ 13 / 109 ح 36357 ]. (المؤلف)
3- شرح نهج البلاغة : 6 / 45 خطبة 66.
4- الإمامة والسیاسة : 1 / 12 [ 1 / 18 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 5 [ 6 / 11 خطبة 66 ]. (المؤلف)

منکم ، ما کان فینا القارئ لکتاب الله ، العالم بسنن الله ، المضطلع بأمر الرعیّة ، الدافع عنهم الأمور السیّئة ، القاسم بینهم بالسویّة ، والله إنَّه لفینا ، فلا تتّبعوا الهوی فتضلّوا عن سبیل الله فتزدادوا من الحقِّ بعدا» (1).

بعد قوله علیه السلام : «لمّا مضی - المصطفی - لسبیله تنازع المسلمون الأمر بعده ، فو الله ما کان یُلقی فی روعی ، ولا یخطر علی بالی أنَّ العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد عن أهل بیته ، ولا أنَّهم مُنحّوه عنّی من بعده ، فما راعنی إلاّ انثیال الناس علی أبی بکر ، وإجفالهم إلیه لیبایعوه ، فأمسکت یدی ، ورأیت أنِّی أحقُّ بمقام محمد فی الناس ممّن تولّی الأمر من بعده» (2).

بعد ما خرج علیّ کرّم الله وجهه یحمل فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی دابّة لیلاً فی مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فکانوا یقولون : یا بنت رسول الله قد مضت بیعتنا لهذا الرجل ، ولو أنَّ زوجک وابن عمّک سبق إلینا قبل أبی بکر ما عدلنا به ، فیقول علیّ کرّم الله وجهه : «أفکنت أدع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بیته لم أدفنه ، وأخرج أُنازع سلطانه؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما کان ینبغی له ولقد صنعوا ما الله حسیبهم وطالبهم» (3).

بعد قوله علیه السلام : «أما والله لقد تقمّصها ابن أبی قحافة ، وإنَّه لیعلم أنَّ محلّی منها محلُّ القطب من الرحی ، ینحدر عنّی السیل ، ولا یرقی إلیَّ الطیر ، فسدلت دونها ثوباً ، وطویت عنها کشحاً ، وطفقت أرتئی بین أن أصول بیدٍ جذّاء ، أو أصبر علی طخیة عمیاء ، یهرم فیها الکبیر ، ویشیب فیها الصغیر ، ویکدح فیها مؤمن حتی یلقی ربَّه ، ف)

ص: 108


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 12 [ 1 / 19 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 5 [ 6 / 12 خطبة 66 ]. (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 120 [ 1 / 133 ]. (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 12 [ 1 / 19 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 131 ، 2 / 5 [ 2 / 47 خطبة 26 و 6 / 13 خطبة 66 ]. (المؤلف)

فرأیت أنَّ الصبر علی هاتا أحجی ، فصبرت وفی العین قذی ، وفی الحلق شجی ، أری تراثی نهباً ، حتی مضی الأوّل لسبیله فأدلی بها إلی ابن الخطّاب بعده.

ثمّ تمثّل بقول الأعشی :

شتّان ما یومی علی کورها

ویوم حیّان أخی جابر

فیا عجباً یستقیلها فی حیاته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعیها ، فصیّرها فی حوزة خشناء یغلظ کلمها ، ویخشن مسُّها ، ویکثر العثار فیها والاعتذار منها ، فصاحبها کراکب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمُنی الناس - لعمر الله - بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ، فصبرت علی طول المدّة ، وشدّة المحنة حتی إذا مضی لسبیله جعلها فی جماعة زعم أنّی أحدهم فیا لله وللشوری ، متی اعترض الریب فیَّ مع الأوّل منهم حتی صرت أُقرن إلی هذه النظائر ، لکنِّی أسففت إذا سفّوا ، وطرت إذا طاروا ، فصغا رجلٌ منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره مع هنٍ وهنٍ ، إلی أن قام ثالث القوم نافجاً حضنیه بین نثیله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبیه یخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع ، إلی أن انتکث فتله ، وأجهز علیه عمله ، وکبت به بطنته». الحدیث.

کلمتنا حول هذه الخطبة :

هذه الخطبة تسمّی بالشقشقیّة ، وقد کثر الکلام حولها فأثبتها مَهرَة الفنِّ من الفریقین ورأوها من خطب مولانا أمیر المؤمنین الثابتة التی لا مغمز فیها ، فلا یُسمع إذن قول الجاهل بأنَّها من کلام الشریف الرضی ، وقد رواها غیر واحد فی القرون الأولی قبل أن تنعقد للرضی نطفته ، کما جاءت بإسناد معاصریه والمتأخِّرین عنه من غیر طریقه ، وإلیک أمّة من أولئک :

ص: 109

1 - الحافظ یحیی بن عبد الحمید الحِمّانی : المتوفّی (228) ، کما فی طریق الجلودی فی العلل (1) والمعانی (2).

2 - أبو جعفر دعبل الخزاعی : المتوفّی (246) ، رواها بإسناده عن ابن عبّاس کما فی أمالی شیخ الطائفة (3) (ص 237) ، ورواها عنه أخوه أبو الحسن علیّ.

3 - أبو جعفر أحمد بن محمد البرقی : المتوفّی (274 ، 280) ، کما فی علل الشرائع (4).

4 - أبو علی الجبّائی شیخ المعتزلة : المتوفّی (303) ، کما فی الفرقة الناجیة للشیخ إبراهیم القطیفی ، والبحار للعلاّمة المجلسی (5) (8 / 161).

5 - وجدت بخطّ قدیم علیه کتابة الوزیر أبی الحسن علیّ بن الفرات : المتوفّی (312) ، کما فی شرح ابن میثم (6).

6 - أبو القاسم البلخی أحد مشایخ المعتزلة : المتوفّی (317) ، کما فی شرح ابن أبی الحدید (7) (1 / 69).

7 - أبو أحمد عبد العزیز الجلودی البصری : المتوفّی (332) ، کما فی معانی الأخبار (8). 0.

ص: 110


1- علل الشرائع : 1 / 184 ح 13.
2- معانی الأخبار : ص 360.
3- أمالی الطوسی : ص 372 - 374 ح 803.
4- علل الشرائع : 1 / 181 ح 12.
5- بحار الأنوار : 8 / 155 - الطبعة الحجریة.
6- شرح نهج البلاغة لابن میثم : 1 / 252 - 253 خطبة 3.
7- شرح نهج البلاغة : 1 / 205 خطبة 3.
8- معانی الأخبار : ص 360.

8 - أبو جعفر بن قبة تلمیذ أبی القاسم البلخی المذکور ، رواها فی کتابه الإنصاف کما فی شرح ابن أبی الحدید (1) (1 / 69) ، وشرح ابن میثم (2).

9 - الحافظ سلیمان بن أحمد الطبرانی : المتوفّی (360) ، کما فی طریق القطب الراوندی فی شرح النهج (3).

10 - أبو جعفر بن بابویه القمی : المتوفّی (381) ، فی کتابیه : علل الشرائع (4) ومعانی الأخبار (5).

11 - أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسکری : المتوفّی (382) ، حکی عنه شیخنا الصدوق شرح الخطبة فی معانی الأخبار (6) والعلل (7).

لفت نظر :

عدّه السیّد العلاّمة الشهرستانی فی ما هو نهج البلاغة (ص 22) ممّن روی الشقشقیّة فأرّخ وفاته بسنة (395) ، وذکره فی (ص 23) فقال : من أبناء القرن الثالث. لا یتمُّ هذا ولا یصحّ ذاک ، وقد خفی علیه أنَّ الحسن بن عبد الله العسکری راوی الشقشقیة هو أبو أحمد صاحب کتاب الزواجر وقد توفّی سنة (382) وولد (293) ، وحسبه أبا هلال الحسن بن عبد الله العسکری صاحب کتاب الأوائل تلمیذ أبی أحمد العسکری ، والتاریخ الذی ذکره تاریخ فراغه من کتابه الأوائل لا تاریخ وفاته. توجد 2.

ص: 111


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 206 خطبة 3.
2- شرح نهج البلاغة لابن میثم : 1 / 252 خطبة 3.
3- منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة : 1 / 132.
4- علل الشرائع : 1 / 181 ح 12.
5- معانی الأخبار : ص 360.
6- معانی الأخبار : ص 362.
7- علل الشرائع : 1 / 182 ح 12.

ترجمة کلا الحسنین العسکریین فی معجم الأدباء (8 / 233 - 268) ، وبغیة الوعاة (1) : (ص 221).

12 - أبو عبد الله المفید : المتوفّی (412) ، أستاذ الشریف الرضی رواها فی کتابه الإرشاد (2) (ص 135).

13 - القاضی عبد الجبّار المعتزلی : المتوفّی (415) ، ذکر فی کتابه المغنی (3) تأویل بعض جمل الخطبة ومنع دلالتها علی الطعن فی خلافة من تقدّم علی أمیر المؤمنین من دون أیّ إیعاز إلی الغمز فی إسنادها.

14 - الحافظ أبو بکر بن مردویه : المتوفّی (416) ، کما فی طریق الراوندی فی شرح النهج (4).

15 - الوزیر أبو سعید الآبی : المتوفّی (422) ، فی کتابه نثر الدرر ونزهة الأدب (5).

16 - الشریف المرتضی أخو الشریف الرضی الأکبر : توفّی سنة (436) ، ذکر جملة منها فی الشافی (6) (ص 203) فقال : مشهور. وذکر صدرها فی (ص 204) فقال : معروف.

17 - شیخ الطائفة الطوسی : المتوفّی (460) ، رواها فی أمالیه (7) (ص 327) عن 3.

ص: 112


1- بغیة الوعاة : 1 / 506 رقم 1045 ، 1046.
2- الإرشاد : ص 152.
3- المغنی : ص 295.
4- منهاج البراعة : 1 / 132.
5- نثر الدرر ونزهة الأدب : ص 99.
6- الشافی فی الإمامة : 3 / 224 ، 228.
7- أمالی الطوسی : ص 372 - 374 ح 803.

السیّد أبی الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفّار المترجم فی مستدرک العلاّمة النوری (3 / 509) من طریق الخزاعیّین ، وفی تلخیص الشافی (1).

18 - أبو الفضل المیدانی : المتوفّی (518) ، فی مجمع الأمثال (2) (ص 383) قال : ولأمیر المؤمنین علیّ رضی الله عنه خطبة تعرف بالشقشقیّة ، لأنّ ابن عبّاس قال له حین قطع کلامه : یا أمیر المؤمنین لو اطّردت مقالتک من حیث أفضیت. فقال : هیهات یا ابن عبّاس تلک شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت.

19 - أبو محمد عبد الله بن أحمد البغدادی الشهیر بابن الخشاب : المتوفّی (567) ، قرأها علیه أبو الخیر مصدّق الواسطی النحوی ، وسیوافیک بُعید هذا کلامه فیها.

20 - أبو الحسن قطب الدین الراوندی : المتوفّی (573) ، رواها فی شرح نهج البلاغة (3) من طریق الحافظین : ابن مردویه والطبرانی وقال : أقول : وجدتها فی موضعین تاریخهما قبل مولد الرضی بمدّة ، أحدهما : أنَّها مضمنة کتاب الإنصاف لأبی جعفر بن قبة تلمیذ أبی القاسم الکعبی أحد شیوخ المعتزلة وکانت وفاته قبل مولد الرضی. الثانی : وجدتها بنسخة علیها خطّ الوزیر أبی الحسن علیّ بن محمد بن الفرات وکان وزیر المقتدر بالله ، وذلک قبل مولد الرضی بنیف وستّین سنة ، والذی یغلب علی ظنّی أنَّ تلک النسخة کانت کتبت قبل وجود ابن الفرات بمدة.

21 - أبو منصور الطبرسی أحد مشایخ ابن شهرآشوب : المتوفّی (588) فی کتابه الاحتجاج (4) (ص 95) فقال : روی جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عبّاس. 5.

ص: 113


1- تلخیص الشافی : 3 / 53.
2- مجمع الأمثال : 2 / 170 رقم 1987.
3- منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة : 1 / 118 ، 135.
4- الاحتجاج : 1 / 451 ح 105.

22 - أبو الخیر مصدّق بن شبیب الصلحی النحوی : المتوفّی (605) ، قرأها علی أبی محمد بن الخشّاب وقال : لمّا قرأت هذه الخطبة علی شیخی أبی محمد بن الخشّاب ووصلت إلی قول ابن عبّاس : ما أسفت علی شیء قطُّ کأسفی علی هذا الکلام. قال : لو کنت حاضراً لقلت لابن عبّاس : وهل ترک ابن عمّک فی نفسه شیئاً لم یقله فی هذه الخطبة؟ فإنّه ما ترک لا الأوّلین ولا الآخرین. قال مصدّق : وکانت فیه دعابة ، فقلت له : یا سیّدی فلعلّها منحولةٌ إلیه. فقال : لا والله إنّی أعرف أنَّها من کلامه کما أعرف أنّک مصدّق. قال فقلت : إنَّ الناس ینسبونها إلی الشریف الرضی. فقال : لا والله ، ومن أین للرضی هذا الکلام وهذا الأُسلوب ، فقد رأینا کلامه فی نظمه ونثره لا یقرب من هذا الکلام ولا ینتظم فی سلکه ، ثمّ قال : والله لقد وقفت علی هذه الخطبة فی کتب صُنّفت قبل أن یخلق الرضی بمائتی سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن یُخلق النقیب أبو أحمد والد الرضی. راجع شرح ابن میثم (1). وشرح ابن أبی الحدید (2) (1 / 69).

23 - مجد الدین أبو السعادات ابن الأثیر الجزری المتوفّی (606) ، أوعز إلیها فی کلمة شقشق فی النهایة (3) (2 / 249) فقال : ومنه حدیث علیّ فی خطبة له : تلک شقشقة هدرت ثم قرّت.

24 - أبو المظفّر سبط ابن الجوزی : المتوفّی (654) فی تذکرته (4) (ص 73) من طریق شیخه أبی القاسم النفیس الأنباری بإسناده عن ابن عبّاس فقال : تُعرف بالشقشقیّة ، ذکر بعضها صاحب نهج البلاغة وأخلَّ بالبعض وقد أتیت بها مستوفاة. ثمّ ذکرها مع اختلاف ألفاظها. 4.

ص: 114


1- شرح نهج البلاغة لابن میثم : 1 / 252 خطبة 3.
2- شرح نهج البلاغة : 1 / 205 خطبة 3.
3- النهایة فی غریب الحدیث : 2 / 490.
4- تذکرة الخواص : ص 124.

25 - عزّ الدین ابن أبی الحدید المعتزلی : المتوفّی (655) قال فی شرح النهج (1) (1 / 69) : قلت : وقد وجدت أنا کثیراً من هذه الخطبة فی تصانیف شیخنا أبی القاسم البلخی إمام البغدادیّین من المعتزلة وکان فی دولة المقتدر قبل أن یخلق الرضی بمدّة طویلة. ووجدت أیضاً کثیراً منها فی کتاب أبی جعفر بن قبة أحد متکلّمی الإمامیّة وهو الکتاب المشهور بکتاب الإنصاف ، وکان أبو جعفر هذا من تلامذة الشیخ أبی القاسم البلخی رحمه الله تعالی ومات فی ذلک العصر قبل أن یکون الرضی رحمه الله تعالی موجوداً.

26 - کمال الدین بن میثم البحرانی : المتوفّی (679) ، حکاها عن نسخة قدیمة علیها خطُّ الوزیر علیّ بن الفرات : المتوفّی (312) ، وعن کتاب الإنصاف لابن قبة ، وذکر کلمة ابن الخشّاب المذکورة وقراءة أبی الخیر إیّاها علیه.

27 - أبو الفضل جمال الدین بن منظور الإفریقی المصری : المتوفّی (711) قال فی مادّة : شقشق من کتابه لسان العرب (2) (12 / 53) : وفی حدیث علیّ رضوان الله علیه فی خطبة له : تلک شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت.

28 - مجد الدین الفیروزآبادی : المتوفّی (816 ، 817) أوعز إلیها فی القاموس (3) (3 / 251) قال : والخطبة الشقشقیة العلویّة لقوله لابن عبّاس لمّا قال له : لو اطّردت مقالتک من حیث أفضیت ، یا ابن عبّاس هیهات تلک شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت.

ثمّ ما عسانی أن أقول بعد ما یعربد شاعر النیل (4) الیوم ، ویؤجّج النیران الخامدة ویُجدّد تلکم الجنایات المنسیّة - لاها الله لا تُنسی مع الأبد - ویعدّها ثناء علی ف)

ص: 115


1- شرح نهج البلاغة : 1 / 205 - 206 خطبة 3.
2- لسان العرب : 7 / 168.
3- القاموس المحیط : ص 1160.
4- محمد حافظ إبراهیم : المتوفّی سنة : 1933 م 1351 ه. (المؤلف)

السلف ، ویرفع عقیرته بعد مضی قرون علی تلکم المعرّات ، ویتبهّج ویتبجّح بقوله فی القصیدة العمریّة تحت عنوان : عمر وعلیّ :

وقولةٍ لعلیٍّ قالها عُمرُ

أکرم بسامعها أعظِم بملقیها

حرّقتُ دارَکَ لا أُبقی علیک بها

إن لم تبایعْ وبنتُ المصطفی فیها

ما کان غیرُ أبی حفصٍ یفوهُ بها

أمامَ فارسِ عدنانٍ وحامیها

ما ذا أقول بعد ما تحتفل الأمّة المصریّة فی حفلة جامعة فی أوائل سنة (1918) بإنشاد هذه القصیدة العمریّة التی تتضمّن ما ذکر من الأبیات؟ وتنشرها الجرائد فی أرجاء العالم ، ویأتی رجال مصر نظراء أحمد أمین ، وأحمد الزین ، وإبراهیم الأبیاری (1) ، وعلی الجارم ، وعلی أمین (2) ، وخلیل مطران (3) ، ومصطفی الدمیاطی بک (4) وغیرهم (5) ویعتنون بنشر دیوانٍ هذا شعره ، وبتقدیر شاعر هذا شعوره ، ویخدشون العواطف فی هذه الأزمة ، فی هذا الیوم العصبصب ، ویعکِّرون بهذه النعرات الطائفیّة صفو السلام والوئام فی جامعة الإسلام ، ویشتّتون بها شمل المسلمین ، ویحسبون أنّهم یحسنون صنعاً.

وتراهم یجدّدون طبع دیوان الشاعر وقصیدته العمریّة خاصّة مرّة بعد أخری ، ویعلِّق علیها شارحها الدمیاطی قوله فی البیت الثانی : المراد أنَّ علیّا لا یعصمه من ف)

ص: 116


1- ضبط وصحّح وشرح هؤلاء الثلاثة الدیوان طبعة سنة 1937 م بدار الکتب فی جزءین والأبیات المذکورة توجد فیها : 1 / 82. (المؤلف)
2- هما ومعهما ثالث التزموا تصحیح الدیوان فی طبعة أخری. (المؤلف)
3- له مقدّمة لدیوان حافظ فی طبعة مکتبة الهلال سنة 1935 م 1353 ه والأبیات فیها : ص 184 ، غیر أنَّ الشطر الثانی من البیت الثانی محرّف ب : إن لم تبالغ وبنت المصطفی فیها. (المؤلف)
4- شارح القصیدة العمریة طبع بمطبعة السعادة فی مصر فی 90 صفحة. توجد الأبیات فیه مشروحة : ص 38. (المؤلف)
5- فی عدّة طبعات أخری. (المؤلف)

عمر سکنی بنت المصطفی فی هذه الدار.

وقال فی (ص 39) من الشرح : وفی روایة لابن جریر الطبری قال : حدّثنا جریر ، عن مغیرة ، عن زیاد بن کلیب قال : أتی عمر بن الخطّاب منزل علیّ وبه طلحة والزبیر ورجال من المهاجرین فقال : والله لأحرقنَّ علیکم أو لتخرجنَّ إلی البیعة ، فخرج علیه الزبیر مصلتاً بالسیف فسقط السیف من یده فوثبوا علیه فأخذوه. فإن کان زیاد هذا هو الحنظلی أبو معشر الکوفی فهو موثّق. والظاهر أنَّ حافظاً رحمه الله عوّل علی هذه الروایة. انتهی.

وتراهم بالغوا فی الثناء علی الشاعر وقصیدته هذه کأنَّه جاء للأمّة بعلم جمّ ، أو رأی صالح جدید ، أو أتی لعمر بفضیلة رابیة تسرُّ بها الأمّة ونبیُّها المقدّس ، فبشری بل بشریان للنبیّ الأعظم بأنَّ بضعته الصدِّیقة لم تکن لها أیّ حرمة وکرامة عند من یلهج بهذا القول ، ولم یکن سکناها فی دار طهّر الله أهلها یعصمهم منه ومن حرق الدار علیهم. فزهٍ زهٍ بانتخاب هذا شأنه ، وبخٍ بخٍ ببیعة تمّت بذلک الإرهاب ، وقضت بتلک الوصمات.

لا تهمّنا هذه کلّها وإنَّما یهمّنا الساعة - بعد أن درسنا تاریخ حیاة الخلیفة الأوّل فوجدناه لدة غیره من الناس العادیِّین فی نفسیّاته قبل إسلامه وبعده ، وإنَّما سنّمه عرش الخلافة الانتخاب فحسب - البحث فی موضوعین ، ألا وهما : فضائله المأثورة وملکاته النفسیّة.

- 1 -

فضائله المأثورة

هل صحّ عن النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم فیه حدیث فضیلة؟ وهل صحیح ما رووه فیه من الثناء الکثیر الحافل؟ نحن هاهنا نقف موقف المستشفّ للحقیقة ، ولا ننبس

ص: 117

فی القضاء ببنتِ شفة ، غیر ما ننقله عن أئمة فنّ الحدیث الممیّزین بین صحیحه وسقیمه. ثمّ نردفه بالاعتبار الذی یساعده.

قال الفیروزآبادی فی خاتمة کتابه سفر السعادة (1) المطبوع : خاتمة الکتاب فی الإشارة إلی أبواب روی فیها أحادیث ولیس منها شیء صحیح ، ولم یثبت منها عند جهابذة علماء الحدیث شیءٌ. ثمّ عدَّ أبواباً إلی أن قال (2) :

باب فضائل أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه. أشهر المشهورات من الموضوعات أنَّ الله یتجلّی للناس عامّة ولأبی بکر خاصّة. وحدیث : ما صبَّ الله فی صدری شیئاً إلاّ وصبّه فی صدر أبی بکر. وحدیث : کان صلی الله علیه وآله وسلم إذا اشتاق الجنّة قبّل شیبة أبی بکر. وحدیث : أنا وأبو بکر کفرسی رهان. وحدیث : إنَّ الله لمّا اختار الأرواح اختار روح أبی بکر. وأمثال هذا من المفتریات المعلوم بطلانها ببدیهة العقل. انتهی.

وعدَّ العجلونی فی کتابه کشف الخفاء (ص 2 / 419 - 424) مائة باب من أبواب الفقه وغیره فقال : لم یصحّ فیه حدیث. أو : لیس فیه حدیث صحیح. وما یقاربهما وقال فی (ص 419) : باب فضائل أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه أشهر المشهورات من الموضوعات کحدیث : إن الله یتجلّی للناس عامّة ولأبی بکر خاصّة. إلی آخر عبارة الفیروزآبادی المذکورة.

وذکر السیوطی فی اللآلئ المصنوعة (1 / 286 - 302) ثلاثین حدیثاً من أشهر فضائل أبی بکر ممّا أتخذه المؤلِّفون فی القرون الأخیرة من المتسالم علیه ، وأرسلوه إرسال المسلّم بلا أیِّ سند أو أیِّ مبالاة وزیّفها وحکم فیها بالوضع وذکر رأی الحفّاظ فیها.1.

ص: 118


1- سفر السعادة : 2 / 207.
2- سفر السعادة : 2 / 211.

کان السیوطی یهملج وراء القوم فبهظه أن لا یستصحّ حتی حدیثاً واحداً من تلکم الثلاثین فقال فی (ص 296) فیما عزا إلیه صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : عُرج بی إلی السماء فما مررت بسماء إلاّ وجدت فیها مکتوباً : محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق من خلفی بعد ما حکم علیه بالوضع لمکان عبد الله بن إبراهیم الغفاری (1) الوضّاع. ومکان شیخه عبد الرحمن بن زید المتّفق علی ضعفه بنصّ منه علیهما بذلک ما لفظه :

قلت : الذی أستخیر الله فیه الحکم علی هذا الحدیث بالحسن لا بالوضع ولا بالضعف لکثرة شواهده. ثمّ ذکر شواهد عن طرق لا یصحُّ شیء منها ، وفی کلِّ واحد منها وضّاع أو کذّاب ، أو من اتّفق علی ضعفه ، أو مجهول لا یُعرف یروی عن مجهول مثله ، وقد عزب عنه أنَّ الاستخارة لا تقلّب الشر خیراً ، ولا یعید السقیم صحیحاً ولا المنکر معروفاً.

وراحت إلی العطار تبغی شبابها

فهل یُصلح العطار ما أفسد الدهرُ

والله سبحانه لا یجازف فی إسداء الخیر ، والشواهد المکذوبة لا تقوّی الضعف مع نصِّ الحفّاظ علی کلّ واحد منها بالوضع أو الضعف ، وإلیک بیان طرق تلک الشواهد.

1 - طریق الخطیب البغدادی ، مرَّ فی الجزء الخامس (ص 303 ، 325) الطبعة الثانیة.

2 - طریق البزّار فی مسنده وفیه عبد الله بن إبراهیم الغفاری الوضّاع ، وشیخه عبد الرحمن بن زید المتّفق علی ضعفه کما فی تهذیب التهذیب (2) (6 / 178) ، واللآلئ المصنوعة (1 / 296). 1.

ص: 119


1- راجع الجزء الخامس من هذا الکتاب : ص 303. (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 6 / 161.

3 - طریق ابن شاهین فی السنّة وهو طریق الخطیب البغدادی وحدیثه ، وقد حکم الذهبی (1) وابن حجر (2) ببطلانه کما مرَّ فی الجزء الخامس.

4 - طریق الدارقطنی فی الأفراد ، قال السیوطی فی اللآلئ (1 / 297) بعد ذکره : قال الدارقطنی : تفرّد به محمد بن فضیل عن ابن جریج لا أعلم أحداً حدّث به غیر هذین. وأورده المؤلّف فی الواهیات من طریق السری وقال : لا یصحّ. قال ابن حبّان (3) : لا یحلُّ الاحتجاج بالسری بن عاصم.

قال الأمینی : السری بن عاصم راوی الحدیث أحد الکذّابین مرّت ترجمته فی الجزء الخامس (ص 231) ، وللدارقطنی (4) طریق آخر وفیه عمر بن إسماعیل بن مجالد أحد الکذّابین (5) وبهذا الطریق ذکره السیوطی فی اللآلئ (1 / 309) فقال : لا یصحُّ ، آفته عمر کذّاب.

5 - طریق الدیلمی فی مسند الفردوس ، فیه بعد رجال مجاهیل عبد المنعم بن بشیر أبو الخیر الکذّاب الوضّاع الذی له مائتا حدیث کذب (6) ، وعبد الرحمن بن زید ابن أسلم المجمع علی ضعفه کما مرَّ.

6 - طریق الختلی فی دیباجه عن نصر بن حریش (7) عن أبی سهل مسلم الخراسانی عن عبد الله بن إسماعیل عن الحسن البصری قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ف)

ص: 120


1- میزان الاعتدال : 3 / 609 رقم 7809.
2- تهذیب التهذیب : 5 / 121.
3- کتاب المجروحین : 1 / 356.
4- الضعفاء والمتروکون : ص 293 رقم 371.
5- راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا : ص 246. (المؤلف)
6- راجع الجزء الخامس من الکتاب : ص 241. (المؤلف)
7- فی اللآلئ [ 1 / 298 ] : جریش ، والصحیح ما ذکرناه. (المؤلف)

مکتوب علی ساق العرش : لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، محمد رسول الله ، ووزیراه أبو بکر الصدّیق وعمر الفاروق.

قال الدارقطنی کما فی تاریخ بغداد (13 / 286) : هذا إسناد ضعیف لا یثبت ، أبو سهل ونصر بن حریش ضعیفان. وقال العقیلی (1) کما فی لسان المیزان (2) (3 / 26) : عبد الله بن إسماعیل منکر الحدیث لا یُتابع علی شیء من حدیثه. والحدیث مع هذا مرسل والحسن البصری لا یروی عن رسول الله ولم یدرکه وللخطیب طریق بهذا اللفظ لیست فیه کلمة : ساق ، ووزیراه. وفی إسناده أحمد بن رجاء بن عبیدة ، قال الخطیب فی تاریخه (4 / 158) : مجهول.

7 - طریق ابن عساکر فیه عبد العزیز الکتانی ، لیّنه الذهبی (3) کما فی لسان المیزان (4) (4 / 33) ، وفیه الحارث بن زیاد المحاربی ، قال الذهبی (5) وغیره : ضعیف مجهول کما فی اللسان (6) (2 / 149) ، وفیه من لا یُعرف ولا توجد له ترجمة فی المعاجم.

ولابن عساکر (7) طریق آخر بالإسناد عن محمد بن عبد بن عامر المعروف بوضع الحدیث (8) عن عصام بن یوسف ضعّفه ابن سعد ، وخطّأه ابن حبّان (9) ، وقال 1.

ص: 121


1- الضعفاء الکبیر : 2 / 234 رقم 784.
2- لسان المیزان : 3 / 325 رقم 4493.
3- میزان الاعتدال : 2 / 630 رقم 5111.
4- لسان المیزان : 4 / 40 رقم 5194.
5- میزان الاعتدال : 1 / 433 رقم 1618.
6- لسان المیزان : 2 / 190 رقم 2185.
7- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 204 رقم 3397.
8- راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا : ص 259 الطبعة الثانیة. (المؤلف)
9- الثقات : 8 / 521.

ابن عدی (1) : روی أحادیث لا یُتابع علیها. کما فی لسان المیزان (2) (4 / 168).

ویرشدک إلی صحّة قول الفیروزآبادی والعجلونی ما أوضحناه فی الجزء الخامس (ص 297 - 332) من تفنید مائة منقبة مکذوبة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مختلقة لأبی بکر ولزبائنه بحکم الأئمّة والحفّاظ. وکذا ما زیّفناه من خمس وأربعین روایة موضوعة فی الخلافة فی صفحة (333 - 356) کلُّ ذلک بقضاء من رجالات الفنِّ نظراء : ابن عدیّ ، الطبرانی ، ابن حبّان ، النسائی ، الحاکم ، الدارقطنی ، العقیلی ، ابن المدینی ، أبو عمر ، الجوزقانی ، المحبّ الطبری ، الخطیب البغدادی ، ابن الجوزی ، أبو زرعة ، ابن عساکر ، الفیروزآبادی ، إسحاق الحنظلی ، ابن کثیر ، ابن القیِّم ، الذهبی ، ابن تیمیّة ، ابن أبی الحدید ، ابن حجر الهیثمی ، ابن حجر العسقلانی ، الحافظ المقدسی ، السیوطی ، الصغانی ، الملاّ علی القاری ، العجلونی ، ابن درویش الحوت ، وغیرهم.

ویشهد لبطلان تلکم الروایات الجمّة فی فضائل الخلیفة الأوّل خلوُّ الصحاح الستة والسنن والمسانید القدیمة منها ، فلو کان مؤلّفوها یجدون علی شیء منها مسحة من الصحّة بل لو کانوا واقفین علیها ولو علی واحدة منها لما أجمعوا علی ترکها فیرویها متحرّو الزوایا ، ونبّاشة الدفائن ، فیبرزونها إلی الملأ من تحت غبار الهجر ، أو وراء نسج عناکب النسیان ، فیرشدنا ذلک إلی أنَّ موالید هذه الروایات متأخر تاریخها عن عهد أرباب الصحاح وحسبها ذلک مهانة وضعة. کما أنَّ ما فی الصحاح من النزر الیسیر ولائد متأخِّرة عن عهد النبیِّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم.

علی أنَّ الخلیفة نفسه لو کان علی ثقة من صدور شیء من تلکم الأحادیث ولو یسیراً منها من قائلها صلی الله علیه وآله وسلم لما کان یری مثل أبی عبیدة الجرّاح حفّار القبور أولی 9.

ص: 122


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 371 رقم 1534.
2- لسان المیزان : 4 / 194 رقم 5619.

منه بالخلافة ، ولما قدّمه علی نفسه ، ولما ترک الاحتجاج بها یوم کانت حاجته إلیه مسیسة ، ویوم کان الحوار فی أمر الخلافة قائماً علی قدمٍ وساق ، وطفق کلُّ ذی فضل یُدلی بحججه ، وقد احتدم الجدال حتی کاد أن یکون جلاداً ، واستحرَّ الحجاج حتی عاد لجاجاً ، لکن الرجل لم یکن عنده حجّة ولا لزبانیته إلاّ أنَّه صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وثانی اثنین إذ هما فی الغار ، وأنَّه أکبر القوم سنّا - وکان أبوه أکبر منه لا محالة - وقد اختارته الجماعة وانعقدت له البیعة بعد هوس وهیاج رکوناً إلی أمثال هذه ممّا لا تثبت بها حجّة ، ولا یخضع لها ذو مسکة ، ولا یصلح بها شأن الأمّة ، ولا یجمع بها شمل ، ولا یتمُّ بها الأمر.

نعم ؛ روی عن أبی بکر أنَّه ذکر فی الحجاج له أشیاء حذفتها الرواة ولم یذکروا منها إلاّ أنَّه أوّل من أسلم. أو : أوّل من صلّی. عن أبی سعید الخدری قال : قال أبو بکر : ألست أحقّ الناس بها؟ ألست أوّل من أسلم؟ ألست صاحب کذا؟ ألست صاحب کذا؟ (1)

وعن أبی نضرة (2) قال : لمّا أبطأ الناس عن أبی بکر قال : من أحقّ بهذا الأمر منِّی؟ ألست أوّل من صلّی؟ ألست؟ ألست؟ ألست؟ فذکر خصالاً فعلها مع النبیِّ صلی الله علیه وآله وسلم (3). ف)

ص: 123


1- أخرجه الترمذی [ فی السنن : 5 / 571 رقم 3667 ] ، والبزّار ، وابن حبّان [ فی الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 15 / 279 ح 6863 ] ، وأبو نعیم فی المعرفة [ معرفة الصحابة : 1 / 159 ] ، وابن مندة فی غرائب شعبة ، وسعید بن منصور ، وأبو داود کما فی کنز العمّال : 3 / 125 [ 5 / 585 ح 14041 ] ، وذکره ابن الأثیر فی أُسد الغابة : 3 / 209 [ 3 / 314 رقم 3064 ] ، وابن کثیر فی تأریخه : 3 / 27 [ 3 / 37 ]. (المؤلف)
2- فی کنز العمّال : أبی بصرة.
3- أخرجه ابن سعد فی الطبقات الکبری طبع لیدن : 3 / 129 [ 3 / 182 ] ، وخیثمة الطرابلسی فی فضائل الصحابة کما فی کنز العمّال : 3 / 126 [ 5 / 590 ح 14051 ]. (المؤلف)

ونحن لا نعرف شیئاً ممّا حذفوه من فضائله المزعومة أو اختلقوا نسبته إلیه إذ من الممکن - بل المحقّق - أنَّه لم یقل شیئاً ، وإنما اصطنعوا له هذه الصورة لإیهام أنَّه کانت له یوم ذاک فضائل مسلّمة ، لکن نعطف النظرة علی المذکور من تلک المناقب وهو کون الخلیفة أوّل من أسلم. أو : أوّل من صلّی ، ولم یکن کذلک. والقول به یخالف رأی النبیّ الأعظم ونصوص الصحابة ، وقد فصّلنا القول فیه فی الجزء الثالث (ص 219 - 243) وذکرنا مائة نصّ عن النبیّ الأقدس وأمیر المؤمنین صلوات الله علیهما وآلهما ، وعن الصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان علی أنَّ أوّل من أسلم وأوّل من صلی من ذکر هو مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام. وأوضحنا هنالک أنَّ أبا بکر لیس أوّل من أسلم. أو : صلّی. بل فی صحیحة الطبری (1) : أنَّه أسلم بعد أکثر من خمسین رجلاً ، فراجع.

ولو کانت الصحابة الأوّلون یعرفون شیئاً من تلکم الموضوعات الجمّة لمَا ترکوا الاحتجاج به یوم ذاک فی إخضاع الناس بدلاً عن إشفاع الدعوة بالإرهاب والترعید ، ولما اقتصر عمر بن الخطّاب یوم السقیفة بقوله : من له مثل هذه الثلاث : ثانی اثنین إذ هما فی الغار ، إذ یقول لصاحبه لا تحزن ، إنَّ الله معنا.

وبقوله : إنَّ أولی الناس بأمر نبیّ الله ثانی اثنین إذ هما فی الغار ، وأبو بکر السبّاق المسنُّ.

وبقوله یوم بیعة العامّة : إنَّ أبا بکر صاحب رسول الله ، وثانی اثنین إذ هما فی الغار (2). ف)

ص: 124


1- تاریخ الأمم والملوک : 2 / 316.
2- سیرة ابن هشام : 4 / 340 [ 4 / 311 ] ، الریاض النضرة : 1 / 162 ، 166 [ 2 / 203 ، 206 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 247 ، 248 [ 5 / 267 ، 268 حوادث سنة 11 ه ] ، شرح ابن أبی الحدید : 2 / 16 [ 6 / 38 خطبة 66 ] ، السیرة الحلبیة 3 / 388 [ 3 / 359 ]. (المؤلف)

ولما قال سلمان للصحابة : أصبتم ذا السنّ منکم ولکنکم أخطأتم أهل بیت نبیّکم (1)

ولما اکتفی عثمان بن عفّان فی الدعوة إلی أبی بکر بقوله : إنَّ أبا بکر الصدّیق أحقّ الناس بها ، إنّه لصدّیق وثانی اثنین وصاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (2).

ولما فاه المغیرة بن شعبة بمقاله لأبی بکر وعمر : تلقوا العبّاس فتجعلوا له فی هذا الأمر نصیباً ، فیکون له ولعقبه ، فتقطعوا به من ناحیة علیّ ویکون لکم حجّة عند الناس علی علیّ إذا مال معکم العبّاس.

ولما دخل أبو بکر وعمر وأبو عبیدة والمغیرة علی العبّاس لیلاً ، ولما قال أبو بکر له : لقد جئناک ونحن نرید أن نجعل لک فی هذا الأمر نصیباً یکون لک ویکون لمن بعدک من عقبک إذ کنت عمّ رسول الله (3).

ولما تمّ الأمر له ببیعة اثنین فحسب : عمر وأبی عبیدة. أو : ببیعة أربعة : هما مع أسید وبشر. أو بخمسة : هم مع سالم مولی أبی حذیفة کما یأتی تفصیله.

ولما تخلّف عن بیعته رءوس المهاجرین والأنصار : علیّ وابناه السبطان ، والعبّاس وبنوه فی بنی هاشم ، وسعد بن عبادة وولده وأسرته ، والحباب بن المنذر وتابعوه ، والزبیر ، وطلحة ، وسلمان ، وعمّار ، وأبو ذرّ ، والمقداد ، وخالد بن سعید ، وسعد بن أبی وقّاص ، وعتبة بن أبی لهب ، والبراء بن عازب ، وأُبیّ بن کعب ، ف)

ص: 125


1- شرح ابن أبی الحدید : 1 / 131 ، 2 / 17 [ 2 / 49 خطبة 26 ، 6 / 43 خطبة 66 ]. (المؤلف)
2- أخرجه الأطرابلسی فی فضائل الصحابة کما فی کنز العمّال : 3 / 140 [ 5 / 653 رقم 14142 ]. (المؤلف)
3- الإمامة والسیاسة : 1 / 15 [ 1 / 21 ] ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 103 ، 104 [ 2 / 124 - 125 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 132 [ 2 / 52 خطبة 26 ]. (المؤلف)

وأبو سفیان بن حرب وغیرهم (1).

ولما کان مجال لقول محمد بن إسحاق : کان عامّة المهاجرین وجلّ الأنصار لا یشکّون أنَّ علیّا صاحب الأمر بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. شرح ابن أبی الحدید (2) (2 / 8).

ولما قال عتبة بن أبی لهب یوم ذاک بملإ من مدّعی الفضائل :

ما کنت أحسبُ أنّ الأمرَ منصرفٌ

عن هاشمٍ ثمّ منها عن أبی حسنِ

عن أوّلِ الناسِ إیماناً وسابقةً

وأعلمِ الناسِ بالقرآن والسننِ

وآخر الناس عهداً بالنبیّ ومن

جبریلُ عونٌ له فی الغسل والکفنِ

من فیه ما فیهمُ لا یمترون به

ولیس فی القوم ما فیه من الحسنِ

ما ذا الذی ردّکم عنه فنعلمه

ها إنَّ بیعتکم من أوّل الفتنِ (3)

ولما قال قصیّ یوم ذاک :

بنی هاشم لا تُطمعوا الناسَ فیکمُ

ولا سیّما تیم بن مرّة أو عدی

فما الأمرُ إلاّ فیکمُ وإلیکمُ

ولیس لها إلاّ أبو حسنٍ علی

أبا حسنٍ فاشدد بها کفَّ حازمٍ

فإنَّک بالأمر الذی یُرتجی ملی

وإنَّ امرأً یرمی قصیٌّ وراءه

عزیز الحمی والناس من غالبٍ قصی (4)ف)

ص: 126


1- تاریخ الیعقوبی : 2 / 103 [ 2 / 124 ] ، الریاض النضرة : 1 / 167 [ 2 / 207 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 156 ، روضة المناظر لابن شحنة [ 1 / 189 حوادث سنة 11 ه ] هامش الکامل : 7 / 164 ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 134 [ 2 / 56 خطبة 26 ]. (المؤلف)
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 21 خطبة 66.
3- تاریخ الیعقوبی : 2 / 103 [ 2 / 124 ] ، رسائل الجاحظ : ص 22 ، أُسد الغابة : 4 / 40 [ 4 / 124 رقم 3783 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 164 ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 259 [ 13 / 232 خطبة 238 ] ، الغدیر : 3 / 232 ، تعزی هذه الأبیات إلی عدة شعراء ، راجع المصادر المذکورة. (المؤلف)
4- تاریخ الیعقوبی : 2 / 105 [ 2 / 126 ]. (المؤلف)

- 2 -

ملکاته ونفسیّاته

یهمّنا النظر إلی ملکات الخلیفة وما انحنت علیه أضالعه من علوم أو نفسیّات حتی نعلم أنَّها هل تجعل له صلة بفضیلة؟ أو تقرّب مبوّأه من التأهّل لهاتیک المرویّات؟ أو تعیِّن له حدّا یکون التفریط به إجحافاً به ، وبخساً بحقِّه ، وتحطیماً لمقامه؟ أو یعرف الغلوُّ بالإفراط فیه؟

أمّا هو قبل الإسلام فلا نفیض عنه قولاً لأنَّ الإسلام یجبُّ ما قبله ، فلا التفات إذن إلی ما جاء به عکرمة من قوله : کان أبو بکر رضی الله عنه یقامر أُبیّ بن خلف وغیره من المشرکین وذلک قبل أن یحرّم القمار. ذکره الإمام الشعرانی فی کتابه کشف الغمّة (2 / 154).

وقال الإمام أبو بکر الجصّاص الرازی الحنفی المتوفّی (370) فی أحکام القرآن (1) (1 / 388) : لا خلاف بین أهل العلم فی تحریم القمار وأنَّ المخاطرة من القمار ، قال ابن عبّاس : إنَّ المخاطرة قمار ، وإنَّ أهل الجاهلیّة کانوا یخاطرون علی المال والزوجة وقد کان ذلک مباحاً إلی أن ورد تحریمه ، وقد خاطر أبو بکر الصدّیق المشرکین حین نزلت : الم غلبت الروم.

کما لا یلتفت إلی ما ذکره أبو بکر الإسکافی فی الردّ علی الرسالة العثمانیّة للجاحظ (2) من أنَّ أبا بکر کان قبل إسلامه مذکوراً ورئیساً معروفاً ، یجتمع إلیه کثیر من أهل مکة فینشدون الأشعار ، ویتذاکرون الأخبار ، ویشربون الخمر ، وقد سمع ف)

ص: 127


1- أحکام القرآن : 1 / 329.
2- رسائل الجاحظ : ص 34 [ ص 143 - الرسائل السیاسیة ] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 264 [ 13 / 249 خطبة 238 ]. (المؤلف)

دلائل النبوّة وحجج الرسالة ، وسافر إلی البلدان ، ووصلت إلیه الأخبار.

وأخرج الفاکهی فی کتاب مکّة بإسناده عن أبی القموص ، قال : شرب أبو بکر الخمر فی الجاهلیّة (1) فأنشأ یقول :

تحیّی أُمَّ بکرٍ بالسلامِ

وهل لی بعد قومک من سلامِ

الأبیات

فبلغ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقام یجرُّ إزاره حتی دخل ، فتلقّاه عمر وکان مع أبی بکر ، فلمّا نظر إلی وجهه محمرّا قال : نعوذ بالله من غضب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، والله لا یلج لنا رأساً أبداً ، فکان أوّل من حرّمها علی نفسه.

وذکره الحکیم الترمذی فی نوادر الأصول (2) (ص 66) فقال : هو ممّا تنکره القلوب ، فکأنَّ الحکیم وجد الحدیث دائراً سائراً فی الألسن غیر أنَّه رأی القلوب تنکره.

وذکره ابن حجر فی الإصابة (4 / 22) فقال : واعتمد نفطویه علی هذه الروایة فقال : شرب أبو بکر الخمر قبل أن تُحرَّمَ ورثی قتلی بدر من المشرکین.

وحدیث أبی القموص هذا أخرجه الطبری فی تفسیره (3) (2 / 203) ، وفی طبعة (211) عن ابن بشار (4) ، عن عبد الوهّاب (5) ، عن عوف (6) ، عن أبی القموص زید ف)

ص: 128


1- هذه الکلمة دخیلة فی الروایة ، وذیل الروایة یکذّبها أیضاً ، وسنوقفک علی التاریخ الصحیح. (المؤلف)
2- نوادر الأصول : 1 / 157 الأصل 44.
3- جامع البیان : مج 2 / ج 2 / 362.
4- الحافظ أبو بکر محمد بن بشّار العبدی البصری ، من رجال الصحاح الستّة. (المؤلف)
5- ابن عبد المجید البصری ، من رجال الصحاح الستّة. (المؤلف)
6- ابن أبی جمیلة العبدی البصری ، من رجال الصحاح الستّة. (المؤلف)

ابن علیّ (1) قال : أنزل الله عزّ وجلّ فی الخمر ثلاث مرّات ، فأوّل ما أنزل قال الله : (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ کَبِیرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَکْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) (2) قال : فشربها من المسلمین من شاء الله منهم علی ذلک حتی شرب رجلان فدخلا فی الصلاة فجعلا یهجران کلاماً لا یدری عوف ما هو ، فأنزل الله عزّ وجلّ فیها : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری حَتَّی تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) (3) فشربها من شربها منهم وجعلوا یتّقونها عند الصلاة حتی شربها فیما زعم أبو القموص رجلٌ فجعل ینوح علی قتلی بدر :

تحیّی بالسلامة أمّ عمرو

وهل لک بعد رهطک من سلامِ

ذرینی أصطبح بکراً فإنِّی

رأیت الموتَ نقَّب عن هشامِ

وودَّ بنو المغیرةِ لو فدوهُ

بألفٍ من رجالٍ أو سوامِ

کأنّی بالطویِّ طویِّ بدرٍ

من الشیزی یکلّل بالسنامِ

کأنّی بالطویِّ طویِّ بدرٍ

من الفتیان والحللِ الکرامِ

قال : فبلغ ذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فجاء فزعاً یجرُّ رداءه من الفزع حتی انتهی إلیه ، فلمّا عاینه الرجل فرفع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شیئاً کان بیده لیضربه قال : أعوذ بالله من غضب الله ورسوله ، والله لا أطعمها أبداً فأنزل الله تحریمها : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ). إلی قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (4). فقال عمر بن الخطّاب رضی الله عنه : انتهینا. انتهینا (5).ف)

ص: 129


1- ثقة کما فی تهذیب التهذیب : 3 / 420 [ 3 / 363 ]. (المؤلف)
2- البقرة : 219.
3- النساء : 43.
4- المائدة : 90 و 91.
5- لا یخفی علی القارئ أنّ الطبری حرّف اسم أبی بکر وجعل مکانه : رجل. وحرّف کلمة : أمّ بکر ، فی الشعر وبدّلها بأم عمرو ، صوناً للکرامة. (المؤلف)

وأخرج البزّار عن أنس بن مالک قال : کنت ساقی القوم تیناً وزبیباً خلطناهما جمیعاً ، وکان فی القوم رجلٌ یقال له : أبو بکر ، فلمّا شرب قال :

أحیّی أُمّ بکر بالسلامِ

وهل لک بعد قومک من سلامِ

یحدّثُنا الرسولُ بأنَّ سحتاً

وکیف حیاة أصلٍ أو هشامِ (1)

فبینا نحن کذلک والقوم یشربون إذ دخل علینا رجلٌ من المسلمین فقال : ما تصنعون؟ إنَّ الله تبارک وتعالی قد نزّل تحریم الخمر. الحدیث.

وقال ابن حجر فی فتح الباری (2) (10 / 30) ، والعینی فی عمدة القاری (3) (20 / 84) : من المستغربات ما أورده ابن مردویه فی تفسیره من طریق عیسی بن طهمان (4) عن أنس : أنّ أبا بکر وعمر کانا فیهم. وهو منکر مع نظافة سنده ، وما أظنّه إلاّ غلطاً.

وقد أخرج أبو نعیم فی الحلیة (5) فی ترجمة شعبة من حدیث عائشة قالت : حرّم أبو بکر الخمر علی نفسه فلم یشربها فی جاهلیّة ولا إسلام.

ویحتمل - إن کان محفوظاً - أن یکون أبو بکر وعمر زارا أبا طلحة فی ذلک الیوم ولم یشربا معهم (6). ثمّ وجدت عند البزّار من وجه آخر عن أنس قال : کنت ف)

ص: 130


1- مجمع الزوائد : 5 / 51. (المؤلف)
2- فتح الباری : 10 / 37.
3- عمدة القاری : 21 / 168.
4- وثقه أحمد [ فی العلل ومعرفة الرجال : 3 / 456 رقم 5942 ] ، وابن معین [ فی التاریخ : 3 / 333 رقم 1602 ] ، وأبو حاتم [ فی الجرح والتعدیل : 6 / 280 رقم 1552 ] ، ویعقوب بن سفیان [ فی المعرفة والتاریخ : 3 / 232 ] ، وأبو داود ، والحاکم ، والدارقطنی ، تهذیب التهذیب 8 / 216 [ 8 / 193 ]. (المؤلف)
5- حلیة الأولیاء : 7 / 160.
6- هنا ینتهی کلام العینی والبقیة کلمة ابن حجر فحسب. (المؤلف)

ساقی القوم وکان فی القوم رجلٌ یقال له أبو بکر ، فلمّا شرب قال :

تحیّی بالسلامة أمّ بکر

فدخل علینا رجل من المسلمین فقال : قد نزل تحریم الخمر. الحدیث. وأبو بکر هذا یقال له ابن شغوب ؛ فظنَّ بعضهم أنَّه أبو بکر الصدّیق ولیس کذلک ، ولکنّ قرینة ذکر عمر تدلُّ علی عدم الغلط فی وصف الصدّیق فحصّلنا تسمیة عشرة. انتهی.

قال الأمینی : تری ابن حجر یتلعثم فی ذکر الحدیث ، فلا یدعه حبّه للخلیفة أن یقبله ، ولا تخلّیه صحّته أن یصفح عنه ، فجاء یستغرب أوّلاً ثمّ یستنکره مع الحکم بنظافة سنده ، ویظنّه غلطاً تارةً ویراه محفوظاً أخری ، وبالأخیر یأخذه صدق النبأ وصحّته فیتخلّص منه بالحکم بأنّ المذکور فیه هو أبو بکر الصدّیق بقرینة عمر ، فیعدُّهما من الأحد عشر الذین کانوا یشربون الخمر فی دار أبی طلحة.

وابن حجر یعلم بأنّ ما أخرجه أبو نعیم فی الحلیة من حدیث عائشة لا یقاوم هذا النبأ الثابت المرویّ بالطرق الصحیحة عن رجال الصحاح ، ذکر أبو نعیم حدیثه فی الحلیة (7 / 160) من طریق عبّاد بن زیاد الساجی عن ابن عدی عن شعبة عن محمد ابن عبد الرحمن أبی الرجال عن أُمّه عمرة عن عائشة. وقال : غریب من حدیث شعبة لم نکتبه إلاّ من حدیث عباد بن أبی عدی. انتهی. وفیه :

عباد بن زیاد الساجی ، یتهم بالقدر. قال موسی بن هارون : ترکت حدیثه ، وقال ابن عدی (1) : هو من أهل الکوفة الغالین فی التشیّع له أحادیث مناکیر فی الفضائل. تهذیب التهذیب (2) (5 / 294). 2.

ص: 131


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 348 رقم 1182.
2- تهذیب التهذیب : 5 / 82.

وفیه : شعبة عن محمد بن عبد الرحمن أبی الرجال. قال الخطیب : هذا وهمٌ شعبة لم یرو عن أبی الرجال شیئاً ، وکذلک من قال فیه عن شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أُمّه عمرة. تهذیب التهذیب (1) (9 / 295).

وقال ابن حجر والعینی : وقع عند عبد الرزّاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغیرهما عن أنس : أنَّ القوم کانوا أحد عشر رجلاً (2).

نادی الخمر هذا کان عام الفتح سنة ثمان من الهجرة بالمدینة المشرّفة فی دار أبی طلحة زید بن سهل ، وکانت السقایة لأنس کما فی صحیح البخاری (3) کتاب التفسیر فی سورة المائدة فی آیة الخمر ، وفی صحیح مسلم فی کتاب الأشربة باب تحریم الخمر (4) ، وقال السیوطی فی الدرّ المنثور (5) (2 / 321) : أخرجه عبد بن حمید ، وأبو یعلی (6) ، وابن المنذر ، وأبو الشیخ ، وابن مردویه عن أنس.

وأخرجه أحمد فی المسند (7) (3 / 181 ، 227) ، والطبری فی تفسیره (8) (7 / 24) ، والبیهقی فی السنن الکبری (8 / 286 ، 290) وابن کثیر فی تفسیره (2 / 93 ، 94).

وکان عدّة الحضور فی ذلک النادی کما مرّت عن معمر وقتادة أحد عشر رجلاً ، ذکر منهم ابن حجر فی فتح الباری (10 / 30) عشرة أنفس ، وقال کما مرّ 7.

ص: 132


1- تهذیب التهذیب : 9 / 263.
2- فتح الباری : 10 / 30 [ 10 / 37 ] ، عمدة القاری : 10 / 84 [ 21 / 168 ]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 4 / 1688 ح 4341.
4- صحیح مسلم : 4 / 229 - 231 ح 3 - 7.
5- الدرّ المنثور : 3 / 172.
6- مسند أبی یعلی : 6 / 101 ح 3362.
7- مسند أحمد : 4 / 25 ح 12458 و 102 ح 12963.
8- جامع البیان : مج 5 / ج 7 / 37.

(ص 98) : فحصّلنا تسمیة عشرة ، وهم :

1 - أبو بکر بن أبی قحافة ، وکان یوم ذاک ابن ثمان وخمسین سنة.

2 - عمر بن الخطّاب ، وکان یوم ذاک ابن خمس وأربعین سنة.

3 - أبو عبیدة الجرّاح ، وکان ابن ثمان وأربعین سنة.

4 - أبو طلحة زید بن سهل صاحب النادی ، وکان له أربع وأربعون سنة ، قال ابن الجوزی فی الصفوة (1) (1 / 191 : توفی سنة أربع وثلاثین وهو ابن سبعین سنة.

5 - سهیل بن بیضاء ، توفّی بعد القضیّة وهو کبیر السنّ.

6 - أُبیّ بن کعب.

7 - أبو دجانة سماک بن خرشة.

8 - أبو أیوب الأنصاری.

9 - أبو بکر بن شغوب (2).

10 - أنس بن مالک ساقی القوم ، کان یوم ذاک ابن ثمانیة عشر عاماً علی الأصحّ ، وفی صحیحة مسلم فی الأشربة فی باب تحریم الخمر ، والبیهقی فی السنن (8 / 290) عن أنس أنَّه قال : إنّی لقائم أسقیهم وأنا أصغرهم.

وقد عزب عن ابن حجر حادی عشر القوم وهو : معاذ بن جبل ، کما ورد فی حدیث قتادة عن أنس. أخرجه ابن جریر فی تفسیره (3) (7 / 24) ، والهیثمی فی مجمع 7.

ص: 133


1- صفة الصفوة : 1 / 480 رقم 44.
2- فی الإصابة : 4 / 22 رقم 143 : أبو بکر بن شعوب اللیثی ، اسمه شداد وقیل : الأسود ، وقیل : شداد بن الأسود ، وأما شعوب فهی أمه. وأبوه من بنی لیث بن بکر بن کنانه ، أسلم ابن شعوب بعد أُحد.
3- جامع البیان : مج 5 / ج 7 / 37.

الزوائد (5 / 52) ، والعینی فی عمدة القاری (1) (8 / 589) ، والسیوطی فی الدرّ المنثور (2) (2 / 321) نقلاً عن ابن جریر وأبی الشیخ وابن مردویه ، والنووی فی شرح مسلم (3) هامش إرشاد القسطلانی (8 / 232).

وکان معاذ یوم ذاک ابن ثلاث وعشرین سنة إذ توفّی سنة (18) وله (33) عاماً کما ذکره ابن الجوزی فی صفة الصفوة (4).

وهؤلاء المذکورون من الذین کانوا یشربون الخمر بعد نزول الآیتین فیها بتأویل فیهما کما مرّ فی الجزء السادس (ص 251) ، إلی أن نزل آیة المائدة : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ) إلی قوله تعالی (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) وکان ذلک فی عام الفتح ، فلمّا رأوا غضب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلموا من الآیة الثالثة التحذیر والوعید انتهوا وقال عمر : انتهینا ، انتهینا.

قال الآلوسی فی تفسیره (2 / 115) : شربها کبار الصحابة بعد نزولها - یعنی آیة الخمر فی البقرة - وقالوا : إنّما نشرب ما ینفعنا ولم یمتنعوا حتی نزلت آیة المائدة. انتهی.

وأخرج ابن أبی حاتم من حدیث أنس أنّه قال : کنّا نشرب الخمر فأُنزلت : (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ) (5) الآیة. فقلنا : نشرب منها ما ینفعنا. فأُنزلت فی المائدة : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ) ، الآیة. فقالوا : اللهمّ قد انتهینا (6). ف)

ص: 134


1- عمدة القاری : 21 / 168.
2- الدرّ المنثور : 3 / 172.
3- شرح صحیح مسلم : 13 / 150.
4- صفة الصفوة : 1 / 502 رقم 51.
5- البقرة : 219.
6- الدرّ المنثور : 1 / 252 [ 1 / 606 ] ، تفسیر الشوکانی : 1 / 197 [ 1 / 222 ]. (المؤلف)

وأخرج عبد بن حمید عن عطاء أنّه قال : أوّل ما نزل فی تحریم الخمر (یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ) الآیة ، فقال بعض الناس : نشربها لمنافعها التی فیها. وقال آخرون : لا خیر فی شیء فیه إثم ، ثمّ نزل : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری) (1) الآیة ، فقال بعض الناس : نشربها ونجلس فی بیوتنا. وقال آخرون : لا خیر فی شیء یحول بیننا وبین الصلاة مع المسلمین. فنزلت (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ) الآیة. فانتهوا (2).

ولتعدّد آیات الخمر واختلاف السلف فیها وتأویل جمع منهم آیتی البقرة والنساء من تلکم الآیات وقع الخلاف فی تاریخ حرمتها علی أقوال :

1 - الأخذ بما أخرجه الطبرانی (3) من طریق معاذ بن جبل ؛ من أنّ أوّل ما نهی عنه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حین بعث : شرب الخمر وملاحاة الرجال (4) فتحریم الخمر کان فی أولیات الهجرة إن لم تکن فی أولیات البعثة ، ویساعده ما صحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم من أنّ أعظم الکبائر شرب الخمر (5) ویبرمه النظر فی آیات الخمر ؛ فالآیة الأولی منها من سورة البقرة ، وهی أوّل سورة نزلت بالمدینة (6) ، والآیة الثانیة فی سورة النساء وقد نزلت فی أوائل الهجرة (7).

ولعلّ هذا رأی کلّ من رأی حرمة الخمر بآیة البقرة ، قالت عائشة : لمّا نزلت ف)

ص: 135


1- النساء : 43.
2- تفسیر الآلوسی : 7 / 17. (المؤلف)
3- المعجم الکبیر : 20 / 83 ح 157.
4- أوائل السیوطی : ص 90. (المؤلف)
5- الغدیر : 6 / 257. (المؤلف)
6- تفسیر القرطبی : 1 / 132 [ 1 / 107 ] ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 35 ، تفسیر الخازن : 1 / 19. (المؤلف)
7- راجع ما یأتی فی الجزء الثامن صفحة : 11 من الطبعة الأولی. (المؤلف)

سورة البقرة نزل فیها تحریم الخمر ، فنهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک (1) ، وقد نزلت سورة البقرة بعد زواج عائشة کما مرَّ فی الجزء السادس (ص 197).

واختار الجصّاص (2) حرمة الخمر بآیة البقرة کما أسلفنا کلامه فی الجزء السادس صفحة (254) ، وقال القرطبی فی تفسیره (3) (3 / 60) : قال قوم من أهل النظر : حرّمت الخمر بهذه الآیة یعنی التی فی سورة البقرة ، وقال الرازی فی تفسیره (4) (2 / 229) : إنَّ هذه الآیة - یعنی آیة البقرة - دالّة علی تحریم شرب الخمر. وذکر فی (ص 231) فی وجه دلالتها علیه وجوهاً.

2 - رأی البلاذری أنّه کان سنة أربع من الهجرة کما فی الإمتاع للمقریزی (ص 193) ، وذکر ابن إسحاق : أنّه کان فی وقعة بنی النضیر سنة أربع علی الراجح (5) ، وقال ابن هشام فی سیرته (6) (2 / 192) : نزل ببنی النضیر وذلک فی شهر ربیع الأوّل - سنة أربع - فحاصرهم فیها ستّ لیال ، ونزل تحریم الخمر. وذکره ابن سیّد الناس فی عیون الأثر (7) (2 / 48).

ویؤیّد هذا الرأی ما أخرجه ابن مردویه عن جابر أنّه قال : حرّمت الخمر بعد أُحد (8) ، وقد وقعت غزوة أُحد فی سنة ثلاث فبعدها تکون سنة أربع تقریباً.

3 - جزم الدمیاطی علی أنّ تحریم الخمرکان فی سنة الحدیبیّة سنة ستّ کما فی ف)

ص: 136


1- تاریخ الخطیب : 8 / 358 ، الدرّ المنثور : 1 / 252 [ 1 / 606 ]. (المؤلف)
2- أحکام القرآن : 1 / 322.
3- الجامع لأحکام القرآن : 3 / 41.
4- التفسیر الکبیر : 6 / 41 و 44.
5- فتح الباری : 10 / 24 [ 10 / 31 ] ، عمدة القاری : 10 / 82 [ 21 / 166 ]. (المؤلف)
6- السیرة النبویّة : 3 / 200.
7- عیون الأثر : 2 / 24.
8- تفسیر الشوکانی : 2 / 71 [ 2 / 75 ]. (المؤلف)

فتح الباری (10 / 24) وعمدة القاری (1) (10 / 82).

4 - حرمتها فی سنة الفتح عام ثمانیة من الهجرة یوم الندوة المذکورة المنعقدة فی دار أبی طلحة بآیة المائدة التی فیها الإرهاب والتحذیر ، وبها کفَّ عمر ومن کان معه فی تلک الندوة عن الشرب وقال : انتهینا ، انتهینا.

وهذا القول غیر مدعوم بحجّة ، ولیس إلاّ لتصحیح شرب أولئک الرجال من الصحابة وجعله قبل التحریم ، فتری مثل ابن حجر لا یحکم به حکماً باتّا بل یستظهره من حدیث أحمد (2) ، قال فی فتح الباری (3) (8 / 274) : الذی یظهر أنّ تحریمها کان عام الفتح سنة ثمان لما روی أحمد من طریق عبد الرحمن بن وعلة ، قال : سألت ابن عباس عن بیع الخمر فقال : کان لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صدیق من ثقیف أو من دوس فلقیه بمکة عام الفتح براویة خمر یهدیها إلیه ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا أبا فلان أما علمت أنَّ الله حرّمها؟ فأقبل الرجل علی غلامه فقال : اذهب فبعها ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا أبا فلان بما ذا أمرته؟ قال : أمرته أن یبیعها ، قال : إنّ الذی حرّم شربها حرّم بیعها. فأمر بها فأُفرغت فی البطحاء.

وقصاری ما فی هذا الحدیث أنّ تحریم الخمر بلغ الرجل فی عام الفتح لا أنَّها حُرّمت فیه ، لأنّ الرجل کان فی منتأیً عن مستوی تبلیغ الأحکام ، متخبّطاً بین أعراب البوادی ، غیر عارف حتی بأصول المراودة والتحابب ، ویشهد لذلک إهداؤه الخمر لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فإنَّها علی فرض عدم حرمتها لیست ممّا یُهدی إلی مثله صلی الله علیه وآله وسلم ، لکن الرجل کان من دهماء الناس ، وجری علی ما هو المطّرد بین الرعرعة والساقة. 9.

ص: 137


1- فتح الباری : 10 / 31 ، عمدة القاری : 21 / 166.
2- مسند أحمد : 1 / 381 ح 2042.
3- فتح الباری : 8 / 279.

الخلیفة فی الإسلام :

وأمّا هو - أبو بکر - فی الإسلام فلم نعهد له نبوغاً فی علم ، أو تقدّماً فی جهاد ، أو تبرّزاً فی الأخلاق ، أو تهالکاً فی العبادة ، أو ثباتاً علی مبدأ.

أمّا نبوغه فی علم التفسیر فلم یؤثر عنه فی هذا العلم شیء یُحفل به ، فدونک کتب التفسیر والحدیث فلا تکاد تجد فیها عنه ما یُروی غُلّة صادٍ ، أو یُنجع طلبة طالب.

نعم ؛ یروی عنه أنَّه شارک صاحبه - عمر بن الخطّاب - فی عدم المعرفة لمعنی الأبّ (1) الذی عرفه کلّ عربیّ صمیم حتی أعراب البادیة ، ولیس من البدع أن یعرفه حتی الساقة من الناس ؛ فإنّه لا یعدوه أن یکون لدة بقیّة الکلمات العربیّة التی لا تزال العرب تلهج بها فی کلّ حلّ ومرتحل ، ولا هو الدخیل (2) حتی یُعذر فیه الجاهل به ، ولا من شواذّ الکلم التی قلّما تتعاطاه الجامعة العربیّة حتی یشذّ عرفانه عن بعضهم.

وإن تعجب فعجب اعتذار من جنح إلیه (3) بأنّه کان یلتزم الحائطة فی تفسیر القرآن ، ولذلک تورّع عن الإفاضة فی معنی الأبّ ، لکن عرف من عرف أنّ الحائطة إنّما تجب فی بیان مغازی القرآن الکریم وتعیین إرادته ، وتبیین مجمله ، وتأویل ف)

ص: 138


1- فی قوله تعالی فی سورة عبس : (فَأَنْبَتْنا فِیها حَبًّا* وَعِنَباً وَقَضْباً* وَزَیْتُوناً وَنَخْلاً* وَحَدائِقَ غُلْباً* وَفاکِهَةً وَأَبًّا) (المؤلف)
2- أما ما زعمه ابن حجر فی فتح الباری [ 13 / 271 ] من أنّ الکلمة من الدخیل ولذلک لم یعرفها الخلیفتان ؛ فقد مرّ الجواب عنه فی الجزء السادس : ص 100. (المؤلف)
3- نظراء القرطبی [ فی الجامع لأحکام القرآن : 1 / 27 و 19 / 145 ] ، والسیوطی [ فی الدرّ المنثور : 8 / 421 ]. (المؤلف)

متشابهه ، وما یجری مجری ذلک ممّا یحظر فی الدین التسرّع إلیه من دون تثبّت وتوقیف ، وأمّا معانی ألفاظه العربیّة للعریق فی لغة الضاد ، فأیّ حائطة تضرب علی یده عن أن یفهمها وهو یعرفها بطبعه وجبلّته؟

وهب أنّ الرجل لم یُحِط خُبراً بلغة قومه فهلاّ تروّی فی الذکر الحکیم فی ذیل الآیة الکریمة من قوله سبحانه : (مَتاعاً لَکُمْ وَلِأَنْعامِکُمْ) بیاناً للفاکهة والأبّ؟ لیعلم أنّه سبحانه وتعالی امتنّ علی الناس بالفاکهة لیأکلوها ، وبالأبّ لترعاه أنعامهم ، فتلک فاکهة ، وهذا العشب.

أخرج أبو القاسم البغوی عن ابن أبی ملیکة قال : سُئل أبو بکر عن آیةٍ فقال : أیّ أرض تسعنی - أو أیّ سماء تظلّنی - إذا قلت فی کتاب الله ما لم یرد الله؟

وأخرج أبو عبیدة عن إبراهیم التیمی قال : سُئل أبو بکر عن قوله تعالی : (وَفاکِهَةً وَأَبًّا) فقال : أیّ سماء تظلّنی - أو أیّ أرض تقلّنی - إن قلت فی کتاب الله ما لا أعلم؟

وفی لفظ القرطبی : أیّ سماء تظلّنی؟ وأی أرض تقلّنی؟ وأین أذهب؟ وکیف أصنع؟ إذا قلت فی حرف من کتاب الله بغیر ما أراد تبارک وتعالی.

ذکره (1) القرطبی فی تفسیره (1 / 29) ، ابن تیمیّة فی مقدمة أصول التفسیر (ص 30) ، الزمخشری فی الکشّاف (3 / 253) ، ابن کثیر فی تفسیره (1 / 5) وصحّحه فی (ص 6) ، ابن القیّم فی أعلام الموقّعین (ص 29) وصحّحه ، الخازن فی تفسیره (4 / 374) ، 1.

ص: 139


1- الجامع لأحکام القرآن : 1 / 27 و 19 / 145 ، مقدمة فی أصول التفسیر : ص 47 ، الکشّاف : 4 / 704 ، أعلام الموقّعین : 1 / 54 ، تفسیر الخازن : 4 / 354 ، تفسیر أبی السعود : 9 / 112 ، الدرّ المنثور : 8 / 421 ، فتح الباری : 13 / 271.

أبو السعود فی تفسیره هامش الرازی (ص 389) ، السیوطی فی الدرّ المنثور (6 / 317) نقلاً عن أبی عبید فی فضائله وعبد بن حمید ، ابن حجر فی فتح الباری (13 / 230) ، وأوعز إلیه ابن جزی الکلبی فی تفسیره (4 / 180).

الکلالة :

وتجد الخلیفة علی شاکلة صنوه فی عدم العلم بالکلالة النازلة فی آیة الصیف آخر سورة النساء : (یَسْتَفْتُونَکَ قُلِ اللهُ یُفْتِیکُمْ فِی الْکَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَکَ لَیْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَکَ) الآیة.

أخرج أئمّة الحدیث بإسناد صحیح رجاله ثقات عن الشعبی قال : سُئل أبو بکر رضی الله عنه عن الکلالة؟ فقال : إنِّی سأقول فیها برأیی فإن یک صواباً فمن الله وإن یک خطأ فمنّی ومن الشیطان ، والله ورسوله بریئان منه ، أراه ما خلا الولد والوالد ، فلمّا استخلف عمر رضی الله عنه قال : إنّی لأستحیی الله أن أردّ شیئاً قاله أبو بکر.

أخرجه (1) سعید بن منصور ، عبد الرزّاق ، ابن أبی شیبة ، الدارمی فی سننه (2 / 365) ، وابن جریر الطبری فی تفسیره (6 / 30) ، ابن المنذر ، البیهقی فی السنن الکبری (6 / 223) ، وحکی عنهم السیوطی فی الجامع الکبیر کما فی ترتیبه (6 / 20) ، وذکره ابن کثیر فی تفسیره (1 / 460) ، والخازن فی تفسیره (1 / 367) ، وابن القیِّم فی أعلام الموقّعین (ص 29).

قال الأمینی : هذا رأیه الثانی وکان أوّلاً یری أنّ الکلالة من لا ولد له خاصّة ، وکان یشارکه فی رأیه هذا عمر بن الخطّاب ثمّ رجعا عنه إلی ما سمعت (2) ثمّ اختلفا ف)

ص: 140


1- المصنّف لعبد الرزاق : 10 / 304 ح 19191 ، المصنّف لابن أبی شیبة : 11 / 415 ح 11646 ، جامع البیان : مج 3 / ج 4 / 284 ، کنز العمّال : 11 / 79 ح 30691 ، تفسیر الخازن : 1 / 333 ، أعلام الموقّعین : 1 / 82.
2- تفسیر القرطبی : 5 / 77 [ 5 / 51 ]. (المؤلف)

فیها ، قال ابن عبّاس کنت آخر الناس عهداً بعمر بن الخطّاب قال : اختلفت أنا وأبو بکر فی الکلالة والقول ما قلت (1) ، وفی صحیحة البیهقی والحاکم والذهبی وابن کثیر (2) عن ابن عبّاس قال : کنت آخر الناس عهداً بعمر فسمعته یقول : القول ما قلت. قلت : وما قلت؟ قال : قلت : الکلالة ما لا ولد له.

هذا القول کان من عمر لمّا طعن بعد قوله لمّا استخلف : إنّی لاستحیی أن أُخالف فیه أبا بکر کما مرّ. وبعد قوله : أتی علیّ زمان لا أدری ما الکلالة ، وإذا الکلالة من لا أب له ولا ولد (3) ، وبعد هذه کلّها قال ما قال وهو علی ما یقول بصیر.

أنا لا أدری أین ولّت تلک الحائطة التی التزمها الخلیفة الأوّل فی معنی الأبّ لتلک الحدّة والشدّة؟ وأیّ سماء أظلّته؟ وأیّ أرض أقلّته؟ وأین ذهب؟ وکیف صنع لمّا قال فی دین الله برأی لا یعرف غیّه من رشده ، ولا یعلمه أمن الله أم منه ومن الشیطان؟ وکیف خفیت علیه آیة الصیف؟ وقد رأی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فیها الکفایة فی عرفان الکلالة کما مرّ (6 / 127) ، وکیف عزب عنه قوله تعالی (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (4) ولِم لم یسأل ولم یتعلّم ولم یعبأ بأهل الذکر وهو یعرفه لا محالة؟ فکأنّ الأحکام لیست بتوقیفیّة ، وکأنَّها منوطة بالحظّ والنصیب ولکلّ إنسان ما رأی ، ولو صدقت هذه الأحلام فیسع کلّ امرئ أن یُفتی برأیه فیما یُسأل عنه من الکتاب والسنّة ویقول : إن کان صواباً فمن الله ، وإن کان خطأ فمنّی ومن الشیطان.

نعم هذا الإفتاء بالرأی یفتقر إلی جرأة علی الله وعلی رسوله ، وتلک لا تتأتّی 3.

ص: 141


1- تفسیر ابن کثیر : 1 / 595. (المؤلف)
2- المستدرک للحاکم : 2 / 304 وصحّحه [ 2 / 332 ح 3187 ، وکذا فی تلخیصه ] ، تلخیص المستدرک للذهبی وأقرّ تصحیح الحاکم ، السنن الکبری للبیهقی : 6 / 225 ، تفسیر ابن کثیر : 1 / 595 وذکر تصحیح الحاکم وأقرّه. (المؤلف)
3- السنن الکبری : 6 / 224. (المؤلف)
4- النحل : 43.

لأیّ أحد فتخصّ لا محالة بجماعة دون أخری ، وکأنّ هذا هو معنی الاجتهاد عند القوم لا استنباط الأحکام من أدلّتها التفصیلیّة من الکتاب والسنّة. ومن هنا یرون نظراء عبد الرحمن بن ملجم قاتل مولانا أمیر المؤمنین (1).

وأبی الغادیة قاتل الصحابیِّ العظیم عمّار بن یاسر سلام الله علیه (2).

ومعاویة بن أبی سفیان قاتل آلاف من الأبریاء والأزکیاء (3).

وعمرو بن النابغة ، العاصی ابن العاصی (4).

وخالد بن الولید ، قاتل مالک ظلماً والزانی بامرأته (5).

وطلحة والزبیر (6) ، الخارجین علی الإمام الحقّ الثابت إمامته بالنصّ والاختیار. ویزید الخمور والفجور صاحب الطامّات والصحائف السوداء (7).

مجتهدین فی دین الله متأوّلین فی تلکم الآراء الشاذّة عن حکم الإسلام وشرعة الحقّ ، مأجورین فی تلک المظالم العادیة. وقال ابن حجر فی الإصابة (4 / 151) : والظنّ بالصحابة فی تلک الحروب أنّهم کانوا فیها متأوّلین وللمجتهد المخطئ أجر ، وإذا ثبت هذا فی حقّ آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطریق الأَولی. انتهی.

مرحباً مرحباً بهذا الدین ، وبخٍ بخٍ ما أکثر المجتهدین من أمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم حتی ف)

ص: 142


1- راجع الجزء الأوّل من کتابنا هذا : ص 323. (المؤلف)
2- راجع الجزء الأوّل من الکتاب : ص 328. (المؤلف)
3- الفِصَل لابن حزم : 4 / 89 ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 279 [ 7 / 310 حوادث سنة 37 ه ].(المؤلف)
4- تاریخ ابن کثیر : 7 / 283 [ 7 / 314 حوادث سنة 37 ه ]. (المؤلف)
5- تاریخ ابن کثیر : 6 / 223 [ 6 / 355 حوادث سنة 11 ه ] ، روضة المناظر لابن شحنة - هامش الکامل - : 7 / 167 [ 1 / 190 - 192 حوادث سنة 11 ه ] وسیأتی تفصیله. (المؤلف)
6- التمهید للباقلاّنی : ص 232. (المؤلف)
7- تاریخ ابن کثیر : 8 / 223 [ 8 / 245 حوادث سنة 63 ه ]. (المؤلف)

أصبحت غوغاء الشام ، وطغام الأمّة ، وحثالة الأعراب ، وأجلاف الأحزاب ، وأبناء الطلقاء مجتهدین متأوّلین.

وزهٍ زهٍ بأولئک المتحلّین بأبراد الاجتهاد جراثیم الفساد ، قتلة الصفوة الأبرار ، الهاجمین علی ناموس الإسلام ، وقدس صاحب الرسالة ، الخارجین عن طوع الکتاب والسنّة ، الفئة الباغیة الطاغیة ، المدرّبین بالشرّ والفساد وبغض العترة الطاهرة تحت رایة الطلیق ابن الطلیق ، اللعین ابن اللعین بلسان النبیّ الأعظم (1) ، صدق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی قوله : «آفة الدین ثلاثة : فقیه فاجر ، وإمام جائر ، ومجتهد جاهل» (2).

وحسب الإسلام عاراً وشناراً أولئک الأعلام أصحاب هذه الآراء المضلّة والأقلام المسمومة التی تنزّه ساحة المجرمین عن دنس الفجور والنفاق ، وتجعل المحسن والمسیء والمبطل والمحق ، والطیّب والخبیث ، عکمَی (3) بعیر ، وتضلّ الأمّة عن رشدها بأمثال هذه الکلم التافهة ، والدعاوی الفارغة ، والآراء الساقطة ، وتصغّر فی عین المجتمع الدینی تلکم الجنایات العظیمة علی الله وعلی رسوله وکتابه وسنّته وخلیفته وعترته وموالیهم. (کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً) (4). (فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ* وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ) (5).

وأوّل من فتح باب التأویل والاجتهاد ، وقدّس ساحة المجرمین بذینک ، وحابی رجال الجرائم والمعرّات بهما هو الخلیفة الأوّل ، فقد نزّه بهذا العذر المفتعل ذیل خالد ابن الولید عن دنس آثامه الخطیرة ، ودرأ عنه الحدّ بذلک کما سنوقفک علی تفصیله إن شاء الله تعالی. 8.

ص: 143


1- راجع الجزء الثالث من الکتاب : ص 251 ، 252. (المؤلف)
2- کنز العمّال : 5 / 212 [ 10 / 183 ح 28954 ]. (المؤلف)
3- العکمان : عدلان یشدّان علی جانبی الهودج بثوب.
4- الکهف : 5.
5- الزلزلة : 7 و 8.

هذا أنموذج من تقدّم الخلیفة فی علم التفسیر علی قلّة ما روی عنه فی ذلک. قال الحافظ جلال الدین السیوطی فی الإتقان (1) (2 / 328) :

اشتهر بالتفسیر من الصحابة عشرة : الخلفاء الأربعة ، وابن مسعود ، وابن عبّاس ، وأُبیّ بن کعب ، وزید بن ثابت ، وأبو موسی الأشعری ، وعبد الله بن الزبیر. أمّا الخلفاء فأکثر من روی عنه منهم علیّ بن أبی طالب ، والروایة عن الثلاثة نزرة جدّا ، وکان السبب فی ذلک تقدّم وفاتهم ، کما أنّ ذلک هو السبب فی قلّة روایة أبی بکر رضی الله عنه للحدیث ، ولا أحفظ عن أبی بکر رضی الله عنه فی التفسیر إلاّ آثاراً قلیلة جدّا لا تکاد تجاوز العشرة.

وأمّا علیّ فروی عنه الکثیر ، وقد روی معمر ، عن وهب بن عبد الله ، عن أبی الطفیل قال : شهدت علیّا یخطب وهو یقول : «سلونی فو الله لا تسألون عن شیء إلاّ أخبرتکم ، وسلونی عن کتاب الله ، فو الله ما من آیة إلاّ وأنا أعلم أبلیل نزلت أم بنهار ، أم فی سهل أم فی جبل».

وأخرج أبو نعیم فی الحلیة (2) عن ابن مسعود قال : إنّ القرآن أُنزل علی سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وإنّ علیّ بن أبی طالب عنده منه الظاهر والباطن.

وأخرج (3) أیضاً من طریق أبی بکر بن عیّاش ، عن نصیر بن سلیمان الأحمسی ، عن أبیه ، عن علیّ قال : «والله ما نزلت آیة إلاّ وقد علمت فیم أُنزلت وأین أُنزلت ، إنّ ربّی وهب لی قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً».

قال الأمینی : ما هذا التهافت فی کلام السیوطی هذا؟ ألا مسائل الرجل عن أنّ 8.

ص: 144


1- الإتقان فی علوم القرآن : 4 / 204.
2- حلیة الأولیاء : 1 / 65.
3- حلیة الأولیاء : 1 / 67 - 68.

الذی لم یجد له هو نفسه وهو ذلک المتتبّع الضلیع عشرة أحادیث فی علم التفسیر ، کیف عدّه ممّن اشتهر بالتفسیر من الصحابة؟ نعم راقه ألاّ یفرّق بینه وبین مولانا أمیر المؤمنین وقد روی فیه ما روی ذاهلاً عن قوله تعالی : (هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (1).

تقدّم الخلیفة فی السنّة :

أمّا تقدّمه فی السنّة فکلّ ما أثبته عنه إمام الحنابلة أحمد فی المسند (2) (1 / 2 - 14) ثمانون حدیثاً ، ویربو المتکرّر منها علی العشرین ، فلم یصف منها إلاّ ما یقرب الستّین حدیثاً ، وقد التقط ما فی مسنده من أکثر من سبعمائة وخمسین ألف حدیث ، وکان یحفظ ألف ألف حدیث (3).

وجمع ابن کثیر بعد جهود جبّارة أحادیثه فی اثنین وسبعین حدیثاً وسمّی مجموعه : مسند الصدّیق (4).

واستدرک ما جمعه ابن کثیر جلال الدین السیوطی بعد تصعید وتصویب ومع تضلّع وإحاطة بالحدیث ، فأنهی أحادیثه إلی مائة وأربعة ، وذکرها برمّتها فی تاریخ الخلفاء (5) (ص 59 - 64).

وقد یروی أنّ له مائة واثنین وأربعین حدیثاً اتّفق الشیخان علی ستّة أحادیث 8.

ص: 145


1- الزمر : 9.
2- مسند أحمد : 1 / 5 - 25 ح 1 - 82.
3- طبقات الحفّاظ للذهبی : 2 / 17 [ 2 / 431 رقم 438 ] ، ترجمة أحمد فی آخر الجزء الأوّل من مسنده. (المؤلف)
4- تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 62 [ ص 86 ]. (المؤلف)
5- تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 81 - 88.

منها. وانفرد البخاری بأحد عشر ، ومسلم بواحد (1).

وفی وسع الباحث المناقشة فی غیر واحد من تلک الأحادیث سنداً أو متناً ، فإنّ من جملتها ما لیس بحدیث وإنّما هو قول قاله کقوله للحسن السبط سلام الله علیه : بأبی شبیه بالنبیّ لیس شبیهاً بعلیّ.

وقوله : شاور رسول الله فی أمر الحرب.

وقوله : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أهدی جملاً لأبی جهل.

ومنها ما هو محکوم علیه بالوضع ، أو یخالف الکتاب والسنّة ، ویکذّبه العقل والمنطق والطبیعة مثل قوله :

1 - لو لم أُبعث فیکم لبُعث عمر.

2 - وقوله : ما طلعت الشمس علی رجل خیر من عمر.

3 - وقوله : إنّ المیت یُنضح علیه الحمیم ببکاء الحیّ.

4 - وقوله : إنّما حرّ جهنّم علی أمّتی مثل الحمّام.

أمّا الأوّل فله عدّة طرق لا یصحّ شیء منها. الطریق الأوّل لابن عدی (2) وفی إسناده

1 - زکریّا بن یحیی الوکّار. أحد الکذّابین الکبار ، مرّت ترجمته فی سلسلة الکذّابین فی الجزء الخامس (ص 230).

2 - بشر بن بکر. قال الأزدی : منکر الحدیث ولا یعرف. لسان المیزان (3) (2 / 20). 1.

ص: 146


1- شرح ریاض الصالحین للصدّیقی : 2 / 23. (المؤلف)
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 216 رقم 713.
3- لسان المیزان : 2 / 26 رقم 1591.

3 - أبو بکر بن عبد الله بن أبی مریم الغسّانی. قال أحمد (1) : ضعیف ، کان عیسی بن یونس لا یرضاه ، وعن أبی داود عن أحمد : إنّه لیس بشیء. وقال أبو حاتم (2) : سألت ابن معین عنه فضعّفه. وقال أبو زرعة : ضعیف منکر الحدیث. وقال أبو حاتم : ضعیف الحدیث طرقه لصوص فأخذوا متاعه فاختلط (3). وقال الجوزقانی : لیس بالقوی. وقال النسائی (4) : ضعیف. وقال ابن سعد (5) : کان کثیر الحدیث ضعیفاً. وقال الدارقطنی : متروک (6).

الطریق الثانی لابن عدی أیضاً ، وفی إسناده :

1 - مصعب بن سعید ، أبو خیثمة المصّیصی. قال ابن عدی (7) : یحدّث عن الثقات بالمناکیر ویصحّف. وقال : والضعف علی روایاته بیّن. وقال ابن حبّان (8) : کان مدلّساً ، وقال صالح جزرة : شیخ ضریر لا یدری ما یقول. وذکر الذهبی له أحادیث فقال : ما هذه إلاّ مناکیر وبلایا (9).

2 - عبد الله بن واقد. قال ابن عدی والجوزقانی والنسائی (10) : متروک الحدیث. 4.

ص: 147


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 39 رقم 1484.
2- الجرح والتعدیل : 2 / 405 رقم 1590.
3- قال الأمینی : لو لم یکن لاختلاط الرجل آیة غیر حدیثه هذا لکفی وحسبه. (المؤلف)
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 262 رقم 699.
5- الطبقات الکبری : 7 / 467.
6- تهذیب التهذیب : 12 / 29 [ 12 / 33 ]. (المؤلف)
7- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 364 رقم 1846.
8- الثقات : 9 / 175.
9- میزان الاعتدال : 3 / 173 [ 4 / 119 رقم 8561 ] ، لسان المیزان : 6 / 44 [ 6 / 51 رقم 8404 ]. (المؤلف)
10- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 150 رقم 354.

وقال غیرهما : لیس بشیء. وقال الأزدی : عنده مناکیر. وقال أحمد (1) : أظنّه کان یدلّس. وقال أبو زرعة : ضعیف الحدیث لا یحدّث عنه. وقال البخاری (2) : ترکوه ، منکر الحدیث. وقال ابن حبّان (3) : وقع المناکیر فی حدیثه فلا یجوز الاحتجاج بخبره. وقال صالح جزرة ضعیف مهین. وقال أبو أحمد الحاکم : حدیثه لیس بالقائم (4).

3 - مشرح بن عاهان (5). قال ابن عدی (6) وابن حبّان (7) : لا یحتجّ به. وقال غیرهما : یروی عن عقبة مناکیر لا یتابع علیهما. وقال آخرون : الصواب ترک ما انفرد به (8).

أورده بهذین الطریقین ابن الجوزی فی الموضوعات (9) فقال : هذان حدیثان لا یصحّان عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أمّا الأوّل : فإنّ زکریّا بن یحیی کان من الکذّابین. قال ابن عدی (10) : کان یضع الحدیث. وأمّا الثانی : فقال أحمد ویحیی (11) : عبد الله بن واقد لیس بشیء. وقال النسائی : متروک. وقال ابن حبّان : انقلبت علی مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به. انتهی (12). 0.

ص: 148


1- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 55 رقم 1533.
2- التاریخ الکبیر : 5 / 219 رقم 713.
3- کتاب المجروحین : 2 / 29.
4- تهذیب التهذیب : 6 / 66 [ 6 / 60 ] ، میزان الاعتدال : 2 / 84 [ 2 / 517 رقم 4672 ] ، لسان المیزان : 3 / 374 [ 3 / 458 رقم 4857 ] ، اللآلئ المصنوعة : 1 / 302. (المؤلف)
5- کذا فی الخلاصة : 3 / 80 رقم 7404 وفی المصادر الأخری : هاعان.
6- الکامل فی ضعفاء الرجال 6 / 469 رقم 1953.
7- کتاب المجروحین : 3 / 28.
8- اللآلئ المصنوعة : 1 / 302 ، میزان الاعتدال : 3 / 172 [ 4 / 117 رقم 8549 ]. (المؤلف)
9- الموضوعات : 1 / 320.
10- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 215 رقم 713.
11- التاریخ : 2 / 336 رقم 3301.
12- مرّت الإشارة إلیه فی الجزء الخامس : ص 500.

الطریق الثالث : لأبی العبّاس الزوزنی فی کتاب شجرة العقل بلفظ : لو لم أُبعث لبعثت یا عمر ، وفی إسناده :

1 - عبد الله بن واقد. وقد مرّ فی الطریق الثانی.

2 - راشد بن سعد الحمصی ، ذکر الحاکم أنّ الدارقطنی ضعّفه ، وکذا ضعّفه ابن حزم ، وذکر البخاری (1) أنّه شهد صفّین مع معاویة (2) ، فالرجل من الفئة الباغیة بنصّ من النبیّ الأعظم ، وذکره الصغانی فقال : موضوع. کما فی کشف الخفاء (2 / 163).

الطریق الرابع للدیلمی (3) : عن أبی هریرة بلفظ : لو لم أُبعث فیکم لبعث عمر. أیّد الله عمر بملکین یوفّقانه ویسدّدانه ، فإذا أخطأ صرفاه حتی یکون صواباً.

فی إسناده : إسحاق بن نجیح الملطی أبو صالح الأزدی. قال أحمد (4) : من أکذب الناس. وقال ابن معین (5) : کذّاب عدوّ الله رجل سوء خبیث. کان ببغداد قوم یضعون الحدیث منهم إسحاق الملطی. وقال ابن أبی مریم عنه : من المعروفین بالکذب ووضع الحدیث. وقال علیّ بن المدینی : لیس بشیء وضعّفه ، روی عجائب. وقال عمر بن علی : کذّاب کان یضع الحدیث. وقال الجوزقانی : غیر ثقة ولا من أوعیة الأمانة ، وقال : کذّاب وضّاع لا یجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحدیثه ویجب بیان أمره. وقال الجهضمی والبخاری (6) : منکر الحدیث. وقال النسائی (7) : کذّاب متروک الحدیث. 0.

ص: 149


1- التاریخ الکبیر : 3 / 292 رقم 994.
2- تهذیب التهذیب : 3 / 226 [ 3 / 195 ]. (المؤلف)
3- الفردوس بمأثور الخطاب : 3 / 372 ح 5127.
4- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 30 رقم 1454.
5- معرفة الرجال : 1 / 51 رقم 7.
6- التاریخ الکبیر : 1 / 404 رقم 1293.
7- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 53 رقم 50.

وقال ابن عدی (1) : أحادیثه موضوعات وضعها هو وعامّة ما أتی عن ابن جریج بکلّ منکر ووضعه علیه ، وهو بیّن الأمر فی الضعفاء ، وهو ممّن یضع الحدیث. وقال ابن حبّان (2) : دجّال من الدجاجلة یضع الحدیث صراحاً. وقال البرقی : نسب إلی الکذب. وقال أبو سعید النقّاش : مشهور بوضع الحدیث. وقال ابن طاهر : دجّال کذّاب. وقال ابن الجوزی : أجمعوا علی أنّه کان یضع الحدیث (3).

قال الدیلمی بعد ذکر الحدیث بالطریق المذکور : وتابعه راشد بن سعد عن المقدام بن معدی کرب عن أبی بکر الصدّیق والله أعلم.

قال الأمینی : عرفت فی الطریق الثالث ضعف راشد ، وأنَّ الصغانی حکم علی حدیثه هذا بالوضع ، وأقرّه العجلونی وزیّفه فی کشف الخفاء (2 / 154 ، 163). وذکره السیوطی فی اللآلئ المصنوعة فی الأحادیث الموضوعة (1 / 302) غیر أنّه عدّه بهذا الطریق الوعر فی تاریخ الخلفاء (4) من أحادیث أبی بکر ، ولا تخفی علیه تراجم هؤلاء الرجال أمثال إسحاق الملطی. نعم ، راقه أن یکثّر عدد أحادیث الخلیفة ولو بمثل هذا ، وقد حذف الأسانید منها حتی لا یقف القارئ علی ما فیها من الوضع والاختلاق والله من ورائه حسیب.

أمّا الحدیث الثانی :

فأخرجه الحاکم فی المستدرک (5) (3 / 90) بإسناده عن عبد الله بن داود الواسطی التمّار عن عبد الرحمن ابن أخی محمد بن المنکدر ، عن محمد بن المنکدر ، عن جابر رضی الله عنه ه.

ص: 150


1- الکامل فی ضعفاء الرجال : 1 / 332 رقم 155.
2- کتاب المجروحین : 1 / 134.
3- مرّت المصادر فی الجزء الخامس : ص 218. (المؤلف)
4- تاریخ الخلفاء : ص 87.
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 96 ح 4508 ، وکذا فی تلخیصه.

قال : قال عمر بن الخطّاب ذات یوم لأبی بکر الصدّیق : یا خیر الناس بعد رسول الله ، فقال أبو بکر : أما إنّک إن قلت ذلک سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : ما طلعت الشمس علی رجل خیر من عمر.

عقّبه الذهبی فی تلخیص المستدرک فقال : قلت : عبد الله ضعّفوه ، وعبد الرحمن متکلَّم فیه ، والحدیث شبه موضوع. وقال فی میزان الاعتدال (1) (2 / 123) : رواه عبد الله بن داود التمّار وهو هالک ، عن عبد الرحمن ابن أخی محمد [ بن ] المنکدر لا یکاد یُعرف ، ولا یتابع علی حدیثه ، وقال الترمذی (2) : لیس إسناده بذلک.

قال الأمینی : أمّا عبد الله بن داود التمّار فقال البخاری (3) : فیه نظر. وقال أبو حاتم (4) لیس بقویّ ، فی حدیثه مناکیر. وقال الحاکم أبو أحمد : لیس بالمتین عندهم ، وقال النسائی (5) : ضعیف. وقال ابن حبّان (6) : منکر الحدیث جدّا یروی المناکیر عن المشاهیر ، لا یجوز الاحتجاج بروایته. وقال الدارقطنی : ضعیف (7).

وأمّا عبد الرحمن فقال یحیی بن معین : ما أعرف عبد الرحمن. فقرأه إبراهیم بن الجنید الحدیث ، فقال یحیی : ما أعرف عبد الرحمن. وأنکر الحدیث ولم یعرفه (8).

جاء العلاّمة الحریفیش فی القرن الثامن وأتی فی کتابه الروض الفائق (ص 388) ف)

ص: 151


1- میزان الاعتدال : 2 / 602 رقم 5023.
2- سنن الترمذی : 5 / 577 ح 3684.
3- التاریخ الکبیر : 3 / 82 رقم 226.
4- الجرح والتعدیل : 5 / 48 رقم 222.
5- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 151 رقم 355.
6- کتاب المجروحین : 2 / 34.
7- تهذیب التهذیب : 5 / 200 [ 5 / 176 ]. (المؤلف)
8- لسان المیزان : 3 / 448 [ 3 / 544 رقم 5106 وفیه : قاله إبراهیم بن الجنید بدلاً من : فقرأه إبراهیم ابن الجنید ]. (المؤلف)

بحدیث مختلق فی فضیلة مولانا أمیر المؤمنین وأبی بکر وجعل هذه الروایة فی فضل أبی بکر عن لسان علیّ علیه السلام ، قال : روی أبو هریرة : أنّ أبا بکر الصدّیق وعلیّ بن أبی طالب قدما یوماً إلی حجرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : علیّ لأبی بکر : تقدّم فکن أوّل قارع یقرع الباب وألحّ علیه ، فقال أبو بکر : تقدّم أنت یا علیّ ، فقال علیّ : ما کنت بالذی یتقدّم علی رجل سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول فی حقّه : ما طلعت الشمس ولا غربت من بعدی علی رجل أفضل من أبی بکر الصدّیق. فقال أبو بکر : ما کنت بالذی یتقدّم علی رجل قال فی حقّه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أعطیت خیر النساء لخیر الرجال. إلی آخره. وفیه مناقب ستّ لأبی بکر ، علی لسان علیّ وکذلک لعلیّ علی لسان أبی بکر لم یذکر السیوطی شیئاً منها فی عدّ أحادیث أبی بکر مع اهتمامه بإکثار عددها وذلک لبداهة الکذب فیه ، ورکّة لفظه ، ووضوح الاختلاق فی معانیه وألفاظه ، وظهور التهافت بین جمله کما تری. نعم لکلّ من الوضّاعین فی وضع الحدیث ذوق ، ولکلّ واحد منهم طریقة وسلیقة ، ولیس أمرهم سُلکی (1).

أمّا الحدیث الثالث :

فمن المنکر الواضح وهو لِدة ما سبق عن عمر فی الجزء السادس صفحة (162) من قوله : إنّ المیّت یعذّب ببکاء الحیِّ. وقد أنکرته علیه عائشة ، وهو مخالف للکتاب المجید حیث یقول : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری) (2) ، وأمثالها ، وقد فصّلنا القول فیه تفصیلاً فی الجزء السابق فراجع (ص 159 - 167).

ومخالف للعدل ؛ فإنّ تعذیب أیّ أحد لما اجترحه غیره من سیّئة - بعد تسلیم کون البکاء علیه سیّئة - یرفضه ناموس العدل الإلهی ، وتلفظه العقول السلیمة ، ویتوجّه إلی قائله اللوم من کلّ ذی مسکة ، تعالی الله عمّا یقولون علوّا کبیراً. 4.

ص: 152


1- یقال : أمرهم سُلْکی أی علی طریقة واحدة.
2- الأنعام : 164.

أمّا الحدیث الرابع - إنما حرّ جهنم علی أمّتی مثل الحمّام :

فإنّه أشبه شیء بمخاریق المعتوهین ، أو من یرید تحطیماً من عظمة أمر المولی سبحانه ، أو إغراءً لبسطاء الأمّة علی اقتحام الجرائر ، بحسبان أنّ حرّ الجحیم الشدید الذی أوقده المنتقم الجبّار للعصاة عامّة لا یصیب هذه الأمّة ، وإنّما هو للأمم السابقة ومن لم یعتنق الإسلام من الموجودین ، وأنت إذا تأمّلت فی : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِی تَطَّلِعُ عَلَی الْأَفْئِدَةِ) (1) ، (الَّتِی وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) (2) ، (یَوْمَ یُحْمی عَلَیْها فِی نارِ جَهَنَّمَ فَتُکْوی بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ) (3) ، (وَإِذَا الْجَحِیمُ سُعِّرَتْ) (4) ، (وَبُرِّزَتِ الْجَحِیمُ لِمَنْ یَری) (5) ، (تَرْمِی بِشَرَرٍ کَالْقَصْرِ کَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) (6) ، (کَلاَّ إِنَّها لَظی * نَزَّاعَةً لِلشَّوی) (7) ، (یَوْمَ یُسْحَبُونَ فِی النَّارِ عَلی وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) (8) ، (وَما أَدْراکَ ما سَقَرُ* لا تُبْقِی وَلا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَیْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (9) ، قالوا (ما سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ* وَلَمْ نَکُ نُطْعِمُ الْمِسْکِینَ* وَکُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِینَ) (10) ، (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِیمِ* کَالْمُهْلِ یَغْلِی فِی الْبُطُونِ* کَغَلْیِ الْحَمِیمِ) (11). 6.

ص: 153


1- الهمزة : 6 ، 7.
2- البقرة : 24.
3- التوبة : 35.
4- التکویر : 12.
5- النازعات : 36.
6- المرسلات : 32 - 33.
7- المعارج : 15 - 16.
8- القمر : 48.
9- المدثّر : 27 - 30.
10- المدثّر : 42 - 45.
11- الدخان : 43 - 46.

أو تأمّلت فیما هدّد به المولی سبحانه المتثاقلین عن النفر للجهاد فی الحرِّ بقوله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ کانُوا یَفْقَهُونَ) (1) ومن یأکل أموال الیتامی بقوله : (إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَسَیَصْلَوْنَ سَعِیراً) (2) إلی کثیر من أمثال هذه لا ترتاب فی أنّ الأمم کلّها بالنسبة إلیها شرع سواء ، بل إنّ توجیه تلکم الخطابات إلی الأمّة المرحومة المعنیّة بالتهذیب وإیقافها عن المعصیة بالتهدید أولی من توجیهها إلی الأمم البائدة التی جری علیها ما جری من عاقبة طاعة ، أو مغبّة عصیان ، فذهبوا رهائن أعمالهم ، وبه یتمّ اللطف ، وتحسن التربیة ، وهو الذی کان یُبکی الصالح ، ویُفجع المتّقین ، ویدرّ عبرات الأولیاء ، ویجعل سیّدهم أمیر المؤمنین یتململ فی جنح اللیل البهیم تململ السلیم قابضاً علی لحیته ، یبکی بکاء الحزین وهو یقول :

«یا ربّنا! یا ربّنا! - یتضرّع إلیه - ثمّ یقول للدنیا : إلیّ تغرّرت؟ إلیّ تشوّقت؟ هیهات هیهات ، غرّی غیری قد بتتُّکِ ثلاثاً ، فعمرکِ قصیر ، ومجلسکِ حقیر ، وخطرکِ یسیر ، آهٍ آهٍ من قلّة الزاد ، وبُعد السفر ، ووحشة الطریق» (3).

ثمّ أی مشابهة بین ذلک اللهب المصطلم وبین الحمّام الذی لا یکون الحرّ فیه إلاّ صحیّا ، تُزاح به الأوساخ ، وتعرق به الأبدان ، وترفع به الأتعاب ، وترتاح به الأجسام؟ وهل یهدّد بمثله عصاة البشر الذی خُلق ظلوماً جهولاً جموحاً ، البشر الذی هذا عقله ورشده وحدیثه؟ ف)

ص: 154


1- التوبة : 81.
2- النساء : 10.
3- حلیة الأولیاء : 1 / 85 ، الاستیعاب : 2 / 462 [ القسم الثالث / 1108 رقم 1855 ] ، الریاض النضرة : 2 / 212 [ 3 / 164 ] ، زهر الآداب للقیروانی : 1 / 38 [ 1 / 78 ] ، تذکرة السبط : ص 270 [ ص 119 ] ، مطالب السؤول : ص 33 ، إتحاف الشبراوی : ص 7 [ ص 25 ]. (المؤلف)

غایة جهد الباحث :

هذه غایة جهد الباحث عن علم الخلیفة بالسنّة وهذه سعة اطّلاعه علیها ، فنحن إذا قسنا مجموع ما ورد عن الخلیفة من الصحیح والموضوع فی التفسیر والأحکام والفوائد من المائة وأربعة أحادیث أو المائة واثنین وأربعین حدیثاً إلی ما جاء عن النبیّ الأقدس من السنّة الشریفة لتجدها کقطرة من بحر لجِّی ، لا تقام بها قائمة للإسلام ، ولا تدعم بها أیّ دعامة للدین ، ولا تُروی بها غلّة صادٍ ، ولا تنحلّ بها عقدة أیّة مشکلة. هذا أبو هریرة ، وأنس بن مالک ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن العبّاس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن مسعود ، وو ویروون آلافاً من السنّة النبویّة ، فقد أخرج تقیّ بن مخلد فی مسنده من حدیث أبی هریرة فحسب خمسة آلاف وثلاثمائة حدیث وکسراً (1) ، وأبو هریرة لم یصحب النبیّ إلاّ ثلاث سنین.

وهذا أحمد بن الفرات کتب ألف الف وخمسمائة ألف حدیث ، وانتخب منها ثلاثمائة ألف فی التفسیر والأحکام والفوائد. خلاصة التهذیب (2) (ص 9).

وهذا حرملة بن یحیی أبو حفص المصری صاحب الشافعی یروی عن طریق ابن وهب فحسب مائة ألف حدیث. خلاصة التهذیب (3) (ص 63).

وهذا أبو بکر الباغندی یجیب عن ثلاثمائة ألف مسألة فی حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. تاریخ بغداد (3 / 210). 4.

ص: 155


1- الإصابة : 4 / 205 [ رقم 1190 ]. (المؤلف)
2- خلاصة الخزرجی : 1 / 27 رقم 104.
3- خلاصة الخزرجی : 1 / 203 رقم 1284.

وهذا الحافظ روح بن عبادة القیسی له أکثر من مائة ألف حدیث. میزان الاعتدال (1) (1 / 342).

وهذا الحافظ مسلم صاحب الصحیح عنده ثلاثمائة ألف حدیث مسموعة. طبقات الحفّاظ (2) (2 / 151).

وهذا الحافظ أبو محمد عبدان الأهوازی یحفظ مائة ألف حدیث. تاریخ ابن عساکر (3) (7 / 288).

وهذا الحافظ أبو بکر بن الأنباری یحفظ ثلاثمائة ألف بیت شاهد فی القرآن ، وکان یحفظ مائة وعشرین تفسیراًبأسانیدها. شذرات الذهب (4) (2 / 316).

وهذا الحافظ أبو زرعة حفظ مائة ألف حدیث کما یحفظ الإنسان قل هو الله أحد ، ویقال : سبعمائة ألف حدیث. تاریخ ابن کثیر (5) (11 / 37) ، تهذیب التهذیب (6) (7 / 33).

وهذا الحافظ ابن عقدة یجیب فی ثلاثمائة ألف حدیث من حدیث أهل البیت علیهم السلام وبنی هاشم حدّث بها عنه الدارقطنی. تذکرة الحفّاظ (7) (3 / 56).

وهذا الحافظ أبو العبّاس أحمد بن منصور الشیرازی کتب عن الطبرانی 0.

ص: 156


1- میزان الاعتدال : 2 / 59 رقم 2802.
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 589 رقم 613.
3- تاریخ مدینة دمشق : 27 / 54 رقم 3168 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 12 / 26.
4- شذرات الذهب : 4 / 152 حوادث سنة 328 ه.
5- البدایة والنهایة : 11 / 44 حوادث سنة 264 ه.
6- تهذیب التهذیب : 7 / 30.
7- تذکرة الحفّاظ : 3 / 840 رقم 820.

ثلاثمائة ألف حدیث. تذکرة الحفّاظ (1) (3 / 122).

وهذا الحافظ أبو داود السجستانی کتب عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم خمسمائة ألف حدیث. تذکرة الحفّاظ (2) (2 / 154).

وهذا عبد الله ابن إمام الحنابلة أحمد سمع من أبیه مائة ألف وبضعة أحادیث. طبقات الحفّاظ (3) (2 / 214).

وهذا ثعلب البغدادی سمع من القواریری مائة ألف حدیث. طبقات الحفّاظ (4) (2 / 214).

وهذا أبو داود الطیالسی یملی من حفظه مائة ألف حدیث. شذرات الذهب (5) (2 / 12).

وهذا أبو بکر الجعابی یحفظ أربعمائة ألف حدیث بأسانیدها ومتونها ویذاکر ستمائة ألف حدیث ، ویحفظ من المراسیل والمقاطیع والخطابات قریباً من ذلک. تاریخ ابن کثیر (6) (11 / 261).

وهذا إمام الحنابلة أحمد عنده أکثر من سبعمائة وخمسین ألفاً. راجع آخر الجزء الأوّل من مسنده (7). ت.

ص: 157


1- تذکرة الحفّاظ : 3 / 916 رقم 875.
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 593 رقم 615.
3- تذکرة الحفّاظ : 2 / 665 رقم 685 ، وفیه : وبضعة عشر ألفاً.
4- تذکرة الحفّاظ : 2 / 666 رقم 686.
5- شذرات الذهب : 3 / 25 حوادث سنة 204 ، وفیه : ... من حفظه ثلاثین ألف حدیث.
6- البدایة والنهایة : 11 / 296 حوادث سنة 355 ه.
7- طبعة دار صادر - بیروت.

وهذا الحافظ أبو عبد الله الختّلی یحدّث من حفظه بخمسین ألف حدیث. تاریخ ابن کثیر (1) (11 / 217).

وهذا یحیی بن یمان العجلی یحفظ عن سفیان أربعة آلاف حدیث فی التفسیر فقط. تاریخ بغداد (14 / 122).

وهذا الحافظ ابن أبی عاصم یملی من ظهر قلبه خمسین ألف حدیث بعد ما ذهبت کتبه. تذکرة الحفّاظ (2) (2 / 194).

وهذا الحافظ أبو قلابة عبد الملک حدّث من حفظه ستّین ألف حدیث. طبقات الحفّاظ (3) (2 / 143).

وهذا أبو العبّاس السرّاج کتب لمالک سبعین ألف مسألة. تاریخ بغداد (1 / 251)

وهذا الحافظ ابن راهویه یملی سبعین ألف حدیث من حفظه. تاریخ ابن عساکر (4) (2 / 413).

وهذا الحافظ إسحاق الحنظلی یحفظ سبعین ألف حدیث. تاریخ الخطیب (6 / 352).

وهذا إسحاق بن بهلول التنوخی یحدّث من حفظه خمسین ألف حدیث. تاریخ الخطیب (6 / 368).

وهذا محمد بن عیسی الطبّاع کان یحفظ نحواً من أربعین ألف حدیث. تاریخ بغداد (2 / 396). 3.

ص: 158


1- البدایة والنهایة : 11 / 245 حوادث سنة 335 ه.
2- تذکرة الحفّاظ : 2 / 641 رقم 663.
3- تذکرة الحفّاظ : 2 / 580 رقم 604.
4- تاریخ مدینة دمشق : 8 / 137 رقم 617 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 4 / 273.

وهذا الحافظ ابن شاهین یکتب من حفظه بعد ما ذهبت کتبه عشرین أو ثلاثین ألف حدیث. تاریخ بغداد (11 / 268).

وهذا الحافظ یزید بن هارون یحفظ أربعة وعشرین ألف حدیث بأسنادها. شذرات الذهب (1) (2 / 16).

فهلمّ معی نر أنّ إسلاماً هذه سعة نطاق علمه ، وکثرة طقوسه وسننه ، وغزارة فنونه وعلومه ، ونبیّا هذا حدیثه وسنّته ، وهذه ودائعه المصلحة لأمّته ، وهذا شأن الأعلام أُمناء ودائع العلم والدین ، وهذه سیرة حفظة السنّة الشریفة ، کیف یجب أن یتحلّی خلیفة ذلک النبیّ الأقدس بأبراد علوم الکتاب والسنّة؟ وکیف یحقّ أن یکون حاملاً لأعباء علوم مستخلفه ومعالمه ، وارثاً مآثره وآثاره؟ أفهل یُقتصر منه علی مائة وأربعة أحادیث؟ أو تقبل الأمّة المسکینة أو تُجدیها هذه الکمیّة الیسیرة من ذلک الحوش الحائش؟ أو یسدّ ذلک الفراغ ، ویمثّل تلک العلوم الإسلامیّة الجمّة من هذا شأنه وشعاره ، وهذه سیرته وسنّته ، وهذا علمه وحدیثه؟ أو یُتلقّی بالقبول عذر المدافع عن الخلیفة بأنّ قلّة حدیثه لقصر مدّة خلافته؟

أیّ صلة بین قصر العمر بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقلّة الروایة؟ فإنّ رواة الأحادیث علی العهد النبویّ ما کان حجر علیها ، ولم یکن عقال فی ألسن أولئک الصحابة الأوّلین ، ولا علی الأفواه أوکیة عن بثّ العلم من الکتاب والسنّة طیلة حیاة النبیّ الأقدس.

ولم یکن المکثرون من الروایة قصروا أحادیثهم علی ما بعد أیّامه صلی الله علیه وآله وسلم ، فقلّة حدیث الرجل إن هی إلاّ لقلّة تلقّیه ، وقصر حفظه ، إنّما الإناء ینضح بما فیه ، والأوعیة إذا طفحت فاضت. .

ص: 159


1- شذرات الذهب : 3 / 33 حوادث سنة 206 ه.

ثمّ أنّی یسوغ للخلیفة أن تُثقله أعباء الخلافة ، وتعییه معضلات المسائل ویتترّس بمثل قوله : أیّ سماء تظلّنی. إلخ؟ أو قوله : سأقول فیها برأیی.

أو یخطب بعد أیّام قلائل من خلافته وقد أحرجته المواقف ، ویتطلّب الفوز منها بقوله : لوددت أنّ هذا کفانیه غیری ، ولئن أخذتمونی بسنّة نبیّکم صلی الله علیه وآله وسلم لا أُطیقها ، إن کان لمعصوماً من الشیطان ، وإن کان لینزل علیه الوحی من السماء (1).

أو بقوله : أما والله ما أنا بخیرکم ، ولقد کنت لمقامی هذا کارهاً ، ولوددت أنّ فیکم من یکفینی ، أفتظنّون أنّی أعمل فیکم بسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ إذن لا أقوم بها. إنّ رسول الله کان یُعصم بالوحی ، وکان معه ملک ، وإنّ لی شیطاناً یعترینی ، فإذا غضبت فاجتنبونی أن لا أؤثر فی أشعارکم وأبشارکم ، ألا فراعونی فإن استقمت فأعینونی وإن زغت فقوِّمونی.

وفی لفظ ابن سعد : ألا وإنّما أنا بشر ولست بخیر من أحد منکم فراعونی ، فإذا رأیتمونی استقمت فاتّبعونی وإن رأیتمونی زغت فقوّمونی ، واعلموا أنّ لی شیطاناً یعترینی ، فإذا رأیتمونی غضبت فاجتنبونی لا أؤثّر فی أشعارکم وأبشارکم (2). ف)

ص: 160


1- مسند أحمد : 1 / 14 [ 1 / 24 ح 81 ] ، الریاض النضرة : 1 / 177 [ 2 / 219 ] ، کنز العمّال : 3 / 126 [ 5 / 588 ح 14046 ]. (المؤلف)
2- طبقات ابن سعد : 3 / 151 [ 3 / 212 ] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 16 [ 1 / 22 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 210 [ 3 / 224 حوادث سنة 11 ه ] ، صفة الصفوة : 1 / 99 [ 1 / 261 رقم 2 ] ، شرح نهج البلاغة : 3 / 8 و 4 / 167 [ 6 / 20 خطبة 66 و 17 / 156 کتاب 62 ] ، کنز العمّال : 3 / 126 [ 5 / 589 ح 14050 ]. (المؤلف)

أو بقوله : إنّی ولّیت علیکم ولست بخیرکم ، فإن رأیتمونی علی الحقّ فأعینونی وإن رأیتمونی علی الباطل فسدّدونی (1).

وفی لفظ ابن الجوزی فی صفة الصفوة (2) (1 / 98) : قد وُلّیت أمرکم ولست بخیرکم ، فإن أحسنت فأعینونی ، وإن زغت فقوّمونی.

وهل الخلیفة حریّ بأن ترعاه أمّته ورعیّته فتعینه وتسدّده وتقوّمه عند الخطأ والزیغ؟ وکیف لا یؤاخذ الخلیفة بالسنّة وهو وارث علم النبیّ وحامل سنّته؟ وقد أکمل الله دینه وأوحی إلی نبیّه ما تحتاج إلیه أمّته ، وبلّغ صلی الله علیه وآله وسلم کلّ ما جاء حتی حقّ له أن ینهی عن الرأی والقیاس فی دین الله ، أو یقول : «ما ترکت شیئاً ممّا أمرکم الله به إلاّ وقد أمرتکم به ، ولا ترکت شیئاً ممّا نهاکم عنه إلاّ وقد نهیتکم عنه» (3).

وقد فتح الخلیفة لقصر باعه فی علوم الکتاب والسنّة باب القول بالرأی بمصراعیه بعد ما سدّه النبیّ الأعظم علی أمّته ، ولم تکن عند الخلیفة مندوحة سواه ، قال ابن سعد فی الطبقات (4) ، وأبو عمر فی کتاب العلم (5) (2 / 51) ، وابن القیّم فی أعلام 8.

ص: 161


1- طبقات ابن سعد : 3 / 139 [ 3 / 183 ] ، المجتنی لابن درید : ص 27 [ ص 15 ] ، عیون الأخبار لابن قتیبة : 2 / 234 [ مج 1 / ج 5 / 234 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 203 [ 3 / 210 حوادث سنة 11 ه ] ، سیرة ابن هشام : 4 / 340 [ 4 / 311 ] ، تهذیب الکامل : 1 / 6 ، العقد الفرید : 2 / 158 [ 3 / 238 ] ، إعجاز القرآن : ص 115 [ للباقلاّنی : ص 209 ] ، الریاض النضرة : 1 / 167 ، 177 [ 2 / 207 ، 218 - 219 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 247 [ 5 / 269 حوادث سنة 11 ه ] وصحّحه ، شرح ابن أبی الحدید : 1 / 134 [ 2 / 56 خطبة 26 ] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 47 ، 48 [ ص 66 و 67 ] ، السیرة الحلبیّة : 3 / 388 [ 3 ص 359 ]. (المؤلف)
2- صفة الصفوة : 1 / 260 رقم 2.
3- کتاب العلم لأبی عمر [ ص 428 ح 2067 ] ، وفی مختصره : ص 222 [ ص 384 ح 249 ]. (المؤلف)
4- الطبقات الکبری : 3 / 178.
5- جامع بیان العلم : ص 270 ح 1398.

الموقّعین (1) (ص 19) : إنّ أبا بکر نزلت به قضیّة فلم یجد فی کتاب الله منها أصلاً ، ولا فی السنّة أثراً ، فاجتهد رأیه ثمّ قال : هذا رأیی فإن یکن صواباً فمن الله ، وإن یکن خطأً فمنّی وأستغفر الله. وذکره السیوطی فی تاریخ الخلفاء عن ابن سعد (2) (ص 71).

وقال میمون بن مهران : کان أبو بکر إذا ورد علیه الخصم فإن وجد فی الکتاب أو علم من رسول الله ما یقضی بینهم قضی به ، فإن أعیاه خرج فسأل المسلمین وقال : أتانی کذا وکذا فهل علمتم أنّ رسول الله قضی فی ذلک بقضاء؟ فربما اجتمع إلیه النفر کلّهم یذکر من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیه قضاءً ، فیقول أبو بکر : الحمد لله الذی جعل فینا من یحفظ علی نبیّنا ، فإن أعیاه أن یجد فیه سنّة من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جمع رءوس الناس وخیارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأیهم علی أمر قضی به (3).

هکذا کان شأن الخلیفة فی القضاء ، وهذا مبلغ علمه ، وهذه سیرته فی العمل بالرأی المجرّد وقد قال عمر بن الخطّاب : أصبح أهل الرأی أعداء السنن أعیتهم الأحادیث أن یعوها ، وتفلّتت منهم أن یرووها ، فاشتقّوا الرأی ، أیّها الناس إنّ الرأی إنما کان من رسول الله مصیباً ؛ لأنّ الله کان یریه ، وإنّما هو منّا الظنّ والتکلّف (4).

ثمّ ما المسوّغ لمن سدّ فراغ النبیّ وأشغل منصّته أن یسأل الناس عن السنّة الشریفة ، ویأخذها ممّن هو خلیفة علیه؟ ولما ذا خالف سیرته هذه لمّا سُئل عن الأبّ ف)

ص: 162


1- أعلام الموقّعین : 1 / 54.
2- تاریخ الخلفاء : : ص 98.
3- سنن الدارمی : 1 / 58 ، وأخرجه البغوی کما فی الصواعق : ص 10 [ ص 18 ]. (المؤلف)
4- کتاب العلم لأبی عمر : 2 / 134 [ ص 351 ح 1700 و 363 ح 1759 ] ، وفی مختصره : ص 185 [ ص 321 ح 231 ] ، أعلام الموقّعین : ص 19 [ 1 / 54 ]. (المؤلف)

والکلالة وترک سؤال الصحابة واستشارتهم فأفتی برأیه ما أفتی ، وقال بحریّته ما قال.

وفیما اتّفق لأبی بکر من القضایا غیر ما مرّ مع قلّته غنیة وکفایة فی عرفان مبلغ علمه ، وإلیک منها :

- 1 -

رأی الخلیفة فی الجدّة

عن قبیصة بن ذؤیب قال : جاءت الجدّة إلی أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه تسأله عن میراثها ، فقال لها أبو بکر : مالک فی کتاب الله شیء ، وما علمت لک فی سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شیئاً فارجعی حتی أسأل الناس. فقال المغیرة بن شعبة : حضرت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعطاها السدس. فقال أبو بکر : هل معک غیرک؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاری فقال مثل ما قال المغیرة. فأنفذه لها أبو بکر رضی الله عنه. الحدیث (1).

فانظر إلی ما عزب عنه علم الخلیفة فی مسألة تکثر بها البلوی ویطّرد الحکم فیها ، حتی اضطرّته الحاجة إلی الرکون إلی روایة مثل المغیرة أزنی ثقیف وأکذب الأمّة (2) ، وکان من تغییره للسنّة ولعبه بها أنّه صلّی صلاة العید یوم عرفة مخافة أن یعزل سنة أربعین (3) ، وکان ینال من أمیر المؤمنین علیه السلام کلّما رقی صهوة المنبر (4). ف)

ص: 163


1- موطّأ مالک : 1 / 335 [ 2 / 513 ح 4 ] ، سنن الدارمی : 2 / 359 ، سنن أبی داود : 2 / 17 [ 3 / 121 ح 2894 ] ، سنن ابن ماجة : 3 / 163 [ 2 / 909 ح 2724 ] ، مسند أحمد : 4 / 224 [ 5 / 265 ح 17519 ] ، سنن البیهقی : 6 / 234 ، بدایة المجتهد : 2 / 347 ، مصابیح السنّة : 2 / 22 [ 2 / 391 ح 2273 ]. (المؤلف)
2- راجع الجزء السادس من کتابنا هذا : ص 141. (المؤلف)
3- الأغانی : 14 / 142 [ 16 / 96 ]. (المؤلف)
4- مرّ فی الجزء السادس : ص 143 ، 144. (المؤلف)

- 2 -

رأی الخلیفة فی الجدّتین

عن القاسم بن محمد أنّه قال : أتت الجدّتان إلی أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه فأراد أن یجعل السدس للتی من قبل الأُمّ ، فقال له رجلٌ من الأنصار : أما إنّک تترک التی لو ماتت وهو حیّ کان إیّاها یرث ، فجعل أبو بکر السدس بینهما.

لفظ آخر :

إنّ جدّتین أتتا أبا بکر الصدّیق رضی الله عنه أُمّ الأُمّ وأُمّ الأب ، فأعطی المیراث أُمّ الأُمّ دون أُمّ الأب ، فقال له عبد الرحمن بن سهیل - سهل - أخو بنی حارثة : یا خلیفة رسول الله لقد أعطیت التی لو أنّها ماتت لم یرثها. فجعله أبو بکر بینهما یعنی ، السدس.

راجع (1) موطّأ مالک (1 / 335) ، سنن البیهقی (6 / 235) ، بدایة المجتهد (2 / 344) ، الاستیعاب (2 / 400) ، الإصابة (2 / 402) وقال : رجاله ثقات ، کنز العمّال (6 / 6) نقلاً عن مالک ، وسعید بن منصور ، وعبد الرزّاق ، والدارقطنی ، والبیهقی.

قال الأمینی : أوَلا تعجب من جهل الرجل بحکم إرث الجدّتین ، وسرعة انقلابه عمّا ارتآه أوّلاً بنقد رجل من الأنصار أو أخی بنی حارثة؟ وکان ذلک النقد یستدعی حرمان الجدّة من قبل الأمّ لکنّه شرکهما فی المیراث واتّخذته الفقهاء مصدراً لحکمهم ، وأصل الحکم مأخوذ من روایة المغیرة المخصوصة بالجدّة الواحدة فانظر واعتبر. 3.

ص: 164


1- موطّأ مالک : 2 / 513 ح 5 ، بدایة المجتهد : 2 / 348 ، الاستیعاب : 2 / 836 رقم 1424 ، کنز العمّال : 11 / 22 ح 30466 ، سنن سعید بن منصور : 1 / 55 ح 81 ، 82 ، المصنّف لعبد الرزاق : 10 / 275 رقم 19084 ، سنن الدارقطنی : 4 / 90 - 91 ح 72 و 73.

وأمّا رأی الرجل الأنصاری فی الجدّة الذی زحزح الخلیفة عن حکمه فلم یکن أخذاً بالکتاب والسنّة بل کان مخالفاً لهما وفقاً لقول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتُنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعدِ

فخصّ القوم به قول الله تعالی : (یُوصِیکُمُ اللهُ فِی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ) (1) لعقب الأبناء دون من عقبته البنات ، وذهبوا إلی عدم شمول أحکام الأولاد فی الفروض وغیرها علی ولید بنت الرجل محتجّین بقول الشاعر.

قال ابن کثیر فی تفسیره (2 / 155) : قالوا : إذا أعطی الرجل بنیه أو وقف علیهم فإنّه یختص بذلک بنوه لصلبه وبنو بنیه واحتجّوا بقول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتُنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعدِ

وقال البغدادی فی خزانة الأدب (2) (1 / 300) : هذا البیت لا یُعرف قائله مع شهرته فی کتب النحاة وغیرهم. قال العینی : هذا البیت استشهد به النحاة علی جواز تقدیم الخبر ، والفرضیّون علی دخول أبناء الأبناء فی المیراث ، وأنّ الانتساب إلی الآباء ، والفقهاء کذلک فی الوصیّة ، وأهل المعانی والبیان فی التشبیه ، ولم أرَ أحداً منهم عزاه إلی قائله.

وقال : رأیت فی شرح الکرمانی فی شواهد شرح الکافیة للخبیصی (3) أنّه قال : هذا البیت قائله أبو فراس همام الفرزدق بن غالب (4) ثمّ ترجمه والله أعلم بحقیقة الحال. انتهی.ف)

ص: 165


1- النساء : 11.
2- خزانة الأدب : 1 / 445.
3- شمس الدین أبو بکر الخبیصی أسمی شرحه بالمرشح. (المؤلف)
4- نسبه صاحب جامع الشواهد إلی عمر فی صفحة : 91 [ 1 / 317 ] فقال : هو من أبیات لعمر بن الخطّاب. وهذا أقرب إلی ما یشاهد فیه من الإلمام بالسیاسة. (المؤلف)

سبحانک اللهمّ ما أجرأهم علی هذا الرأی - السیاسی - فی دین الله لإخراج آل الله عن بنوّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم! ما قیمة قول الشاعر تجاه قول الله تعالی (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَکُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَکُمْ) (1) فهو نصّ صریح علی أنّ الحسنین السبطین ابنی النبیّ الأقدس.

وقد سمّی الله سبحانه أسباط نوح ذریّة له ، ولیست الذریّة إلاّ ولد الرجل کما فی القاموس (2) (2 / 34) فقال سبحانه : (وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَسُلَیْمانَ) - إلی قوله - : (وَیَحْیی وَعِیسی) (3) فعدّ عیسی من ذریّة نوح وهو ابن بنته مریم.

قال الرازی فی تفسیره (4) ، (2 / 488) : هذه الآیة - یعنی آیة قل تعالوا - دالّة علی أن الحسن والحسین علیهما السلام کانا ابنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وعد أن یدعو أبناءه ، فدعا الحسن والحسین ، فوجب أن یکونا ابنیه ، وممّا یؤکّد هذه قوله تعالی فی سورة الأنعام : (وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَسُلَیْمانَ) إلی قوله : (وَزَکَرِیَّا وَیَحْیی وَعِیسی) ، ومعلوم أنّ عیسی علیه السلام إنّما انتسب إلی إبراهیم علیه السلام بالأمّ لا الأب ، فثبت أنّ ابن البنت قد یُسمّی ابناً والله أعلم.

وقال القرطبی فی تفسیره (5) (4 / 104) : فیها - یعنی آیة تعالوا - دلیل علی أنّ أبناء البنات یسمّون أبناءً. وقال (6) (7 / 31) : عُدّ عیسی من ذریّة إبراهیم وإنّما هو ابن البنت ، فأولاد فاطمة ذریّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وبهذا تمسّک من رأی أنّ ولد البنات یدخلون فی اسم الولد. قال أبو حنیفة والشافعی : من وقف وقفاً علی ولده وولد ولده3.

ص: 166


1- آل عمران : 61.
2- القاموس المحیط : ص 507.
3- الأنعام : 84 و 85.
4- التفسیر الکبیر : 8 / 81.
5- الجامع لأحکام القرآن : 4 / 67.
6- الجامع لأحکام القرآن : 7 / 22 - 23.

أنّه یدخل فیه ولد ولده ، وولد بناته ما تناسلوا. وکذلک إذا أوصی لقرابته یدخل فیه ولد البنت ، والقرابة عند أبی حنیفة کلّ ذی رحم مَحْرَم. إلی أن قال :

وقال مالک : لا یدخل فی ذلک ولد البنات ، وقد تقدّم نحو هذا عن الشافعی (1) (4 / 104) ، والحجّة لهما قوله سبحانه : (یُوصِیکُمُ اللهُ فِی أَوْلادِکُمْ) فلم یعقل المسلمون (2) من ظاهر الآیة إلاّ ولد الصلب وولد الابن خاصّة. إلی أن قال : وقال ابن القصّار : وحجّة من أدخل البنات فی الأقارب قوله علیه السلام للحسن بن علیّ : «إنّ ابنی هذا سیّد». ولا نعلم أحداً یمتنع أن یقول فی ولد البنات لأنّهم ولد لأبی أُمّهم. والمعنی یقتضی ذلک ؛ لأنّ الولد مشتقّ من التولّد وهم متولّدون عن أبی أمّهم لا محالة ، والتولّد من جهة الأمّ کالتولّد من جهة الأب ، وقد دلّ القرآن علی ذلک ، قال الله تعالی : (وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَسُلَیْمانَ) إلی قوله : (مِنَ الصَّالِحِینَ) فجعل عیسی من ذریّته وهو ابن بنته. انتهی.

وأخرج ابن أبی حاتم ؛ بإسناده عن أبی حرب بن الأسود قال : أرسل الحجّاج إلی یحیی بن یعمر فقال : بلغنی أنّک تزعم أنّ الحسن والحسین من ذریّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. تجده فی کتاب الله؟ وقد قرأته من أوّله إلی آخره فلم أجده. قال : ألیس تقرأ سورة الأنعام : (وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَسُلَیْمانَ) حتی بلغ : (وَیَحْیی وَعِیسی)؟ قال بلی. قال : ألیس عیسی من ذرّیة إبراهیم ولیس له أب؟ قال : صدقت.

فلهذا إذا أوصی الرجل لذریّته أو وقف علی ذریّته أو وهبهم دخل أولاد البنات فیهم. إلخ. تفسیر ابن کثیر (2 / 155).

فبعد کون ذریّة الرجل ولده علی الإطلاق ودخل فیهم أولاد البنات لا ینبغی ف)

ص: 167


1- أنظر الجامع لأحکام القرآن : 4 / 67.
2- هذه فریة علی المسلمین وحاشاهم أن یعقلوا من الآیة خلاف ظاهرها من دون أی دلیل صارف. (المؤلف)

التفکیک فی الأحکام عندئذٍ بین الذریّة والأولاد ، ولا یسع لأیّ أحد أن یری أبناء البنات أبناء الرجال الأباعد خارجین عن ولد الرجل علی الحقیقة ، ویصحّ له مع ذلک عدُّهم من ذریّته ، ولیست إلاّ ولد الرجل.

ویشهد علی لغة القرآن المجید ، وأنّ ولد البنت ابن أبیها علی الحقیقة ، قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :

1 - «أخبرنی جبریل : أنّ ابنی هذا - یعنی الحسین - یُقتل. وفی لفظ : إنّ أمّتی ستقتل ابنی هذا» (1).

طبقات ابن سعد ، مستدرک الحاکم (3 / 177) ، أعلام النبوّة للماوردی (ص 83) ، ذخائر العقبی (ص 148) ، الصواعق (ص 115).

2 - وقوله : «ابنی هذا یُقتل بأرض من العراق».

دلائل النبوّة لأبی نعیم (2) (3 / 202) ، ذخائر العقبی (ص 146).

3 - وقوله للحسن السبط : «ابنی هذا سیّد».

المستدرک (3 / 175) ، أعلام الماوردی (3) (ص 83) ، تفسیر ابن کثیر (2 / 155).

4 - وقوله لعلی : «أنت أخی وأبو ولدی».

ذخائر العقبی (ص 66).

5 - وقوله : «إنّ جبریل أخبرنی أنّ الله قتل بدم یحیی بن زکریّا سبعین ألفاً وهو قاتل بدم ولدک الحسین سبعین ألفاً».

ذخائر العقبی (ص 150). 7.

ص: 168


1- ترجمة الإمام الحسین من طبقات ابن سعد غیر المطبوع : ص 44 ح 268 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 194 ح 4818 ، أعلام النبوّة : ص 137 ، الصواعق المحرقة : ص 192.
2- دلائل النبوّة : 2 / 710 ح 493.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 191 ح 4809 ، أعلام النبوّة ص 137.

6 - وقوله : «المهدی من ولدی وجهه کالکوکب الدرّی».

ذخائر العقبی (ص 136).

7 - «هذان ابنای من أحبّهما فقد أحبّنی» (1) الحسن والحسین.

المستدرک (3 / 166) ، تاریخ ابن عساکر (4 / 204) ، کنز العمّال (6 / 221).

8 - وقوله لفاطمة الصدّیقة : «ادعی لی ابنیَّ».

تاریخ ابن عساکر (2) (4 / 316).

9 - وقوله لأنس : «ادع لی ابنی».

تاریخ ابن کثیر (3) (8 / 205).

10 - وقوله : «ادعوا ابنی» ، فأتی الحسن بن علیّ.

ذخائر العقبی (ص 122).

11 - وقوله : «اللهم إنّ هذا ابنی - الحسن - وأنا أحبّه فأحبّه وأحبّ من یحبّه»

تاریخ ابن عساکر (4) (4 / 203).

12 - وقوله لعلیّ : «أیّ شیء سمّیت ابنی؟ قال : ما کنت لأسبقک بذلک ، فقال : وما أنا السابق ربّی فهبط جبریل فقال : یا محمد إنّ ربّک یقرئک السلام ویقول لک : علیّ منک بمنزلة هارون من موسی لکن لا نبیّ بعدک ، فسمّ ابنک هذا باسم ولد هارون».

ذخائر العقبی (ص 120). 0.

ص: 169


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 181 ح 4776 ، تاریخ مدینة دمشق : 13 / 199 رقم 1383 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 12 ، کنز العمّال : 12 / 120 ح 34286.
2- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 153 رقم 1566 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 120.
3- البدایة والنهایة : 8 / 223 حوادث سنة 61 ه.
4- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 197 رقم 1383 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 10.

13 - وقوله : «أرونی ابنی ما سمّیتموه» (1). قاله لمّا ولد الحسن ، وفی ولادة الحسین ، وکذلک فی ولادة محسن بن علیّ.

المستدرک (3 / 180) ، کنز العمّال (7 / 107 ، 108) عن الدارقطنی ، وأحمد ، وابن أبی شیبة ، وابن جریر ، وابن حبّان ، والدولابی ، والبیهقی ، والحاکم والخطیب.

14 - وقوله : «اطلبوا ابنیَّ» لمّا ضلّ الحسن والحسین.

کنز العمّال (2) (7 / 108).

15 - وقوله : «إنّ ابنیَّ هذین ریحانتای من الدنیا» (3) ، یعنی الحسنین.

الصواعق (ص 114) ، کنز العمّال (6 / 220 ، 7 / 109).

16 - وقوله : «ابنی ارتحلنی» (4).

أخرجه أحمد. والبغوی. والطبرانی. والحاکم. والبیهقی. وسعید بن منصور. وابن عساکر فی تاریخه (4 / 317) ، وابن کثیر فی تاریخه (8 / 36) ، وراجع کنز العمّال (6 / 222 و 7 / 109). 3.

ص: 170


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 180 ح 4773 ، کنز العمّال : 13 / 660 و 664 ح 37676 و 37692 ، مسند أحمد : 1 / 190 ح 956 ، الإحسان فی تقریب صحیح ابن حبّان : 15 / 409 ح 6958 ، الذریّة الطاهرة : ص 99 ح 91 ، سنن البیهقی : 6 / 166.
2- کنز العمّال : 13 / 662 ح 37685.
3- الصواعق المحرقة : ص 191 ، کنز العمّال : 12 / 113 ح 34252 و 13 / 667 ح 37699.
4- مسند أحمد : 7 / 622 ح 27100 ، المعجم الکبیر : 7 / 270 ح 7107 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 726 ح 6631 ، تاریخ مدینة دمشق : 14 / 160 رقم 1566 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 15 و 121 ، البدایة والنهایة : 8 / 40 حوادث سنة 49 ه ، کنز العمّال : 12 / 124 ح 34308 و 13 / 668 ح 37703.

17 - وقوله : «هاتوا ابنیَّ أعوّذهما بما عوّذ به إبراهیم ابنیه».

تاریخ ابن عساکر (1) (4 / 209).

18 - وقوله لأنس : «ویحک یا أنس دع ابنی وثمرة فؤادی - یعنی الحسن».

کنز العمّال (2) (6 / 222).

19 - وقوله : «ابنای هذان : الحسن والحسین سیّدا شباب أهل الجنّة».

الصواعق لابن حجر (3) (ص 114).

20 - وقوله فی علیّ : «هذا أخی وابن عمّی وصهری وأبو ولدی».

کنز العمّال (4) (6 / 154).

21 - وقوله : «سمّیت ابنیَّ هذین باسم ابنی هارون شبّر وشبیر» (5).

الصواعق (ص 115) ، کنز العمّال (6 / 222).

22 - وقوله : «لو لم یبقَ من الدنیا إلاّ یوم واحد لطوّل الله ذلک الیوم حتی یبعث رجلاً من ولدی اسمه کاسمی».

فقال سلمان : من أیّ ولدک یا رسول الله؟ قال : «من ولدی هذا ، وضرب بیده علی الحسین».

ذخائر العقبی (ص 136). 5.

ص: 171


1- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 224 رقم 1383 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 18.
2- کنز العمّال : 12 / 125 ح 34310.
3- الصواعق المحرقة : ص 191.
4- کنز العمّال : 11 / 609 ح 32947.
5- الصواعق المحرقة : ص 192 ، کنز العمّال : 12 / 118 ح 34275.

23 - وقول الحسن السبط سلام الله علیه فی خطبة له : «أنا الحسن بن علی ، وأنا ابن النبیّ ، وأنا ابن البشیر ، وأنا ابن النذیر ، وأنا ابن الداعی إلی الله بإذنه والسراج المنیر» (1).

المستدرک (3 / 172) ، ذخائر العقبی (ص 138 ، 140) ، شرح ابن أبی الحدید (4 / 11) ، مجمع الزوائد (9 / 146) ، إتحاف الشبراوی (ص 5).

24 - وقوله لأبی بکر وهو فی منبر جدّه الأقدس : «إنزل عن مجلس أبی». فقال أبو بکر : صدقت إنّه مجلس أبیک. وفی لفظ : «إنزل عن منبر أبی». فقال أبو بکر : منبر أبیک لا منبر أبی (2).

الریاض النضرة (1 / 139) ، شرح ابن أبی الحدید (2 / 17) ، الصواعق (ص 108) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 54) ، کنز العمّال (3 / 132).

25 - وقوله فی وصیّته : «ادفنونی عند أبی» - یعنی المصطفی.

إتحاف الشبراوی (3) (ص 11).

26 - وقول الحسین السبط علیه السلام لعمر : «إنزل عن منبر أبی». فقال عمر : منبر أبیک لا منبر أبی ، من أمرک بهذا؟

تاریخ ابن عساکر (4) (4 / 321). 7.

ص: 172


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 188 - 189 ح 4802 ، شرح نهج البلاغة 16 / 30 کتاب 31 ، الإتحاف بحب الأشراف : ص 18.
2- الریاض النضرة : 1 / 175 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 42 خطبة 66 ، الصواعق المحرقة : ص 177 ، تاریخ الخلفاء : ص 75 ، کنز العمّال : 5 / 616 ح 14084 و 14085.
3- الإتحاف بحب الأشراف : ص 38.
4- تاریخ مدینة دمشق : 14 / 175 رقم 1566 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 127.

27 - وقول ابن عبّاس : هذان - الحسن والحسین - ابنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

تاریخ ابن عساکر (1) (4 / 212 ، 322).

28 - وقول زهیر بن القین مخاطباً الحسین علیه السلام : قد سمعنا یا ابن رسول الله مقالتک. جمهرة خطب العرب (2) (2 / 40).

29 - وقول الإمام السبط الحسن الزکیّ کما فی الإتحاف للشبراوی (3) (ص 49):

خیرةُ اللهِ من الخلقِ أبی

بعد جدّی وأنا ابن الخیرتین

فضّةٌ قد صُیغت من ذهب

فأنا الفضّة ابن الذهبین

30 - وقوله کما فی الإتحاف (4) (ص 57):

أنا ابن الذی قد تعلمون مکانَه

ولیس علی الحقّ المبینِ طحاءُ

ألیس رسولُ اللهِ جدّی ووالدی

أنا البدرُ إن حلّ النجومَ خفاءُ

31 - وقول الفرزدق فی مدح الإمام السجّاد علیّ بن الحسین علیهما السلام :

هذا ابنُ خیرِ عبادِ اللهِ کلِّهمُ

هذا التقیُّ النقیُّ الطاهرُ العلَمُ

32 - وقول ابن بشر فی زید بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیهما السلام یمدحه :

إذا نزل ابنُ المصطفی بطنَ تلعةٍ

نفی جدبَها واخضرّ بالنبتِ عودُها

وزیدٌ ربیعُ الناس فی کلّ شتوةٍ

إذا أخلفتْ أبراقُها ورعودُها3.

ص: 173


1- تاریخ مدینة دمشق : 13 / 239 رقم 1383 و 14 / 179 رقم 1566 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 22 و 128.
2- جمهرة خطب العرب : 2 / 48 رقم 33.
3- الإتحاف بحب الأشراف : ص 136.
4- الإتحاف بحب الأشراف : ص 193.

33 - وقول أبی عاصم بن حمزة الأسلمی یمدح الحسن بن زید بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیهم السلام ، کما فی زهر الآداب للحصری القیروانی (1) (1 / 80):

ستأتی مدحتی الحسنَ بنَ زیدٍ

وتشهدُ لی بصفّینَ القبورُ

قبورٌ لم تزلْ مُذ غابَ عنها

أبو حسنٍ تعادیها الدهورُ

قبورٌ لو بأحمدَ أو علیٍ

یلوذُ مجیرُها حُمِی المجیرُ

هما أبواک من وضعا فضعه

وأنت برفعِ من رفعا جدیرُ

34 - وقول إبراهیم بن علیّ بن هرمة لمّا نصحه الحسن بن زید المذکور کما فی زهر الآداب (2) (1 / 81):

نهانی ابنُ الرسولِ عن المدامِ

وأدّبنی بآدابِ الکرامِ

35 - وقول أبی تمام الطائی (3) :

فعلتمْ بأبناءِ النبیِّ ورهطِهِ

أفاعیلَ أدناها الخیانةُ والغدرُ

36 - وقول دعبل الخزاعی :

فکیف ومن أنّی بطالبِ زلفةٍ

إلی اللهِ بعد الصومِ والصلواتِ

سوی حبّ أبناءِ النبیِّ ورهطِه

وبغضِ بنی الزرقاءِ والعبلاتِ

37 - وقوله :

ألم یحزنْکَ أنَّ بنی زیادٍ

أصابوا بالترات بنی النبیِ (4)ر.

ص: 174


1- زهر الآداب : 1 / 127.
2- زهر الآداب : 1 / 129.
3- راجع فیما یلی من الأبیات تراجم شعرائها فی أجزاء کتابنا هذا. (المؤلف)
4- الترات : جمع ترة وهی الثأر.

38 - وقول الحِمّانی :

قومٌ لماءِ المعالی فی وجوههمُ

عند التکرّم تصویبٌ وتصعیدُ

یدعون أحمد إن عُدّ الفخارُ أباً

والعودُ یُنسَبُ فی أفنائه العودُ

39 - وقول التنوخی :

من ابن رسولِ اللهِ وابنِ وصیِّهِ

إلی مدخلٍ فی عقبةِ الدینِ ناصبِ

40 - وقول الزاهی :

بنو المصطفی تفنون بالسیف عنوةً

ویسلمنی طیفُ الهجوعِ فأهجعُ

41 - وقول الناشئ :

بنی أحمدٍ قلبی بکم یتقطّعُ

بمثل مصابی فیکمُ لیس یُسمعُ

42 - وقول الصاحب بن عبّاد :

ما لعلیّ العلی أشباهُ

لا والذی لا إله إلاّ هو

مبناه مبنی النبیّ تعرفُه

وابناهُ عند التفاخر ابناهُ

43 - وقوله :

أیُجَزُّ رأسُ ابنِ النبیّ وفی الوری

حیٌّ أمام رکابِه لم یقتلِ

44 - وقوله :

محمد ووصیّه وابنیهما

وبعابدٍ وبباقرین وکاظمِ

45 - وقوله :

بمحمد ووصیِّه وابنیهما

الطاهرین وسیّد العبّادِ

ص: 175

46 - وقول الصوری (1) :

فلهذا أبناء أحمد أبنا

ء علیٍّ طرائدُ الآفاقِ

47 - وقول مهیار الدیلمی (2) :

بأیّ حکمٍ بنوهُ یتبعونکمُ

وفخرکم أنَّکم صحبٌ له تَبعُ

48 - وقوله (3) :

فیومُ السقیفةِ یا ابن النبیّ

طرَّق یومک فی کربلا

49 - وقول ابن جابر :

جعلوا لأبناءِ الرسولِ علامةً

إنَّ العلامةَ شأنُ من لم یشهرِ

50 - وقال الشبراوی (4) :

یا ابن الرسول بأمّک الزهرا البتولِ

وجدّک المأمول عند الناسِ

وغدوت فی الأشراف یا ابن المصطفی

کالعقل أو کالروح أو کالراسِ

فما المبرّر عندئذٍ للخلیفة فی صفحه عمّا فی کتاب الله وسنّة نبیّه وتلقّیه بالقبول قول الأنصاریّ الشاذّ عن الکتاب والسنّة؟

وما عذر فقیه أو حافظ اتّخذ رأی الأنصاری دیناً محتجّا بقول شاعرٍ لم یُعرف بعدُ ، وبین یدیه القرآن والحدیث والأدب؟ 7.

ص: 176


1- دیوان الصوری : 1 / 309.
2- دیوان مهیار الدیلمی : 2 / 183.
3- دیوان مهیار الدیلمی : 3 / 50.
4- الإتحاف بحب الأشراف : ص 107.

- 3 -

رأی الخلیفة فی قطع السارق

عن صفیّة بنت أبی عبید : أنَّ رجلاً سرق علی عهد أبی بکر رضی الله عنه مقطوعة یده ورجله فأراد أبو بکر رضی الله عنه أن یقطع رجله ویدع یده یستطیب بها ویتطهّر بها ، وینتفع بها ، فقال عمر : لا والذی نفسی بیده لتقطعنّ یده الأخری. فأمر به أبو بکر رضی الله عنه فقطعت یده. وعن القاسم بن محمد : أنّ أبا بکر رضی الله عنه أراد أن یقطع رجلاً بعد الید والرجل ، فقال عمر رضی الله عنه : السنّة الید (1).

إنّ من موارد الحیرة أنّ الخلیفة لا یعلم حدّ السارق الذی هو من أهمّ ما تجب علیه معرفته لحفظ الأمن العامّ ، وتهدئة الحالة ، وقطع جرثومة الفساد ، ومن المحیّر أیضاً تسرّعه إلی الحکم قبل ما عزی إلیه فیما مرّ (ص 119) من الرجوع إلی الکتاب والسنّة ثم الاستعلام من الصحابة ثمّ المشورة.

ثمّ إنّ الذی سدّده فی هذه القضیّة لِمَ نسی الحکم إبّان خلافته فأراد عین ما أراده صاحبه؟ راجع الجزء السادس (ص 136).

- 4 -

رأی الخلیفة فی الجدّ

عن ابن عبّاس وعثمان وأبی سعید وابن الزبیر قالوا : إنّ أبا بکر جعل الجدّ أباً (2) ، یعنون أنّه کان یحجب الأخوة بالجدّ ولم یشرک بینهما کما أنّ الأب یحجب الأخوة والأخوات. ف)

ص: 177


1- سنن البیهقی : 8 / 273 - 274. (المؤلف)
2- صحیح البخاری باب میراث الجدّ [ 6 / 2477 ] ، سنن الدارمی : 2 / 352 ، أحکام القرآن للجصّاص : 1 / 94 [ 1 / 82 ] ، سنن البیهقی : 6 / 246 ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 65 [ ص 90 ]. (المؤلف)

قال الأمینی : لم یکن رأی الخلیفة هذا متّخذاً من الکتاب والسنّة ، ولم یکن یعمل به أحد من الصحابة طیلة حیاته ، وما اتّفق لجدّ یرث فی أیّامه حتی یؤیّد رأیه ویقال : إنّ أحداً من الصحابة لم یخالف أبا بکر فی حیاته فی رأیه هذا کما قاله البخاری والقرطبی (1). وأوّل جدّ کان فی الإسلام وأراد أن یأخذ المال کلّه مال ابن ابنه دون أخوته هو عمر بن الخطّاب ، فأتاه علیّ وزید فقالا : لیس لک ذلک إنّما کنت کأحد الأخوین ، وقد فصّلنا القول فیه فی الجزء السادس (ص 115 - 118). فأوّل رجل خالف الخلیفة فی الجدّ هو خلیفته بعده ، وقد اتّفق علیّ وعمر وعثمان وعبد الله بن عمر وزید بن ثابت وابن مسعود علی خلاف الخلیفة علی توریث الأخوة مع الجدّ (2) وهو قول مالک والأوزاعی وأبی یوسف ومحمد والشافعی وابن أبی لیلی (3).

وافتعل القوم للخلیفة عذراً بأنّه کان یری الجدّ أباً لمکان قوله تعالی : (مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْراهِیمَ) (4) وقوله : (یا بَنِی آدَمَ) بتقریر إطلاق الأب علی الجدّ علی الحقیقة. ولا یخفی علی أیّ أحد أنّ صحّة هذا الإطلاق لا توجب اتّحاد الأب والجدّ فی جمیع الأحکام ، ألا تری أنّ صحّة إطلاق الأمّ علی الجدّة علی الحقیقة وقولهم فی تعریف الجدّة : إنّها الأمّ العلیا (5) لا تستدعی الاشتراک فی النصیب فیرون مع هذه للجدّة السدس بالاتّفاق. وفریضة الأمّ هی الثلث بالکتاب والسنّة.

علی أنّ الصحابة الأوّلین لم یکن عندهم أیّ إیعاز إلی هذا العذر المنحوت ، ولو ف)

ص: 178


1- راجع صحیح البخاری باب میراث الجدّ [ 6 / 2478 ] ، وتفسیر القرطبی : 5 / 68 [ 5 / 46 ]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری باب میراث الجدّ [ 6 / 2478 ] ، سنن الدارمی : 2 / 354 ، بدایة المجتهد : 2 / 340 [ 2 / 343 ]. (المؤلف)
3- أحکام القرآن للجصّاص : 1 / 94 [ 1 / 82 ] ، تفسیر القرطبی : 5 / 68 [ 5 / 46 ]. (المؤلف)
4- الحج : 78.
5- تفسیر القرطبی : 5 / 68 [ 5 / 46 ]. (المؤلف)

کان لرأی الخلیفة قیمة وکرامة لأباحه أحد منهم ، وفاهَ به عندما خالف علیّ وزید عمر بن الخطّاب ونهیاه عن إعمال هذا الرأی.

بل فیما رواه الدارمی عن الحسن من أنّ الجدّ قد مضت سنّته ، وأنّ أبا بکر جعل الجدّ أباً ، ولکن الناس تخیّروا (1). إیعاز إلی أنّ السنّة فی الجدّ ماضیة ثابتة وقد خالفها الخلیفة ، وتخیّر الناس فخالفوه وعملوا بالسنّة الشریفة.

- 5 -

رأی الخلیفة فی تولیة المفضول

قال الحلبی فی السیرة النبویّة (2) (3 / 386) : إنّ أبا بکر رضی الله عنه کان یری جواز تولیة المفضول علی من هو أفضل منه ، وهو الحقّ عند أهل السنّة لأنّه قد یکون أقدر من الأفضل علی القیام بمصالح الدین ، وأعرف بتدبیر الأمر ، وما فیه انتظام حال الرعیّة.

أجاب الحلبی بهذا عن تقدیم أبی بکر عمر بن الخطّاب وأبا عبیدة الجرّاح علی نفسه فی الخلافة وقوله : بایعوا أیّ الرجلین إن شئتم.

وقال الباقلانیّ فی التمهید (ص 195) عند الجواب عن قول أبی بکر : ولیتکم ولست بخیرکم : یمکن أن یکون قد اعتقد أنّ فی الأمّة أفضل منه إلاّ أنّ الکلمة علیه أجمع والأمّة بنظره أصلح ، لکی یدلّهم علی جواز إمامة المفضول عند عارض یمنع من نصب الفاضل ، ولهذا قال للأنصار وغیرهم : قد رضیت لکم أحد هذین الرجلین فبایعوا أحدهما : عمر بن الخطّاب وأبا عبیدة الجرّاح ، وهو یعلم أنّ أبا عبیدة دونه ودون عثمان وعلیّ فی الفضل ، غیر أنّه قد رأی أنّ الکلمة تجتمع علیه ، وتنحسم الفتنة بنظره. وهذا أیضاً ممّا لا جواب لهم عنه. 8.

ص: 179


1- سنن الدارمی : 2 / 353. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیّة : 3 / 358.

قال الأمینی : الذی نرتئیه فی الخلافة أنَّها إمرة إلهیّة کالنبوّة ، وإن کان الرسول خُصّ بالتشریع والوحی الإلهی ، وشأن الخلیفة التبلیغ والبیان ، وتفصیل المجمل ، وتفسیر المعضل ، وتطبیق الکلمات بمصادیقها ، والقتال دون التأویل (1) کما یُقاتل النبیّ دون التنزیل ، وإظهار ما لم یتسنّ للنبیّ الإشادة به إمّا لتأخّر ظرفه ، أو لعدم تهیّؤ النفوس له ، أو لغیر ذلک من العلل ، فکلّ منهما داخل فی اللطف الإلهیّ الواجب علیه بمعنی تقریب العباد إلی الطاعة وتبعیدهم عن المعصیة ، ولذلک خلقهم واستعبدهم وعلّمهم ما لم یعلموا ، فلم یدع البشر کالبهائم لیأکلوا ویتمتّعوا ویُلهیهم الأمل. ولکن خلقهم لیعرفوه ، ولیمکّنهم من الحصول علی مرضاته ، وسهّل لهم الطریق إلی ذلک ببعث الرسل ، وإنزال الکتب ، وتواصل الوحی فی الفینة بعد الفینة.

وبما أنّ أیّ نبیّ لم یُنط عمره بمنصرم الدنیا ، ولا قُدّر له البقاء مع الأبد ، وللشرائع ظروف مدیدة ، کما أنّ للشریعة الخاتمة أمد لا منتهی له ، فإذا مات الرسول ولشریعته إحدی المدّتین وفی کلّ منهما نفوس لم تکمل بعد ، وأحکام لم تُبلّغ وإن کانت مشرّعة ، وأخری لم تأت ظروفها ، وموالید قدّر تأخیر تکوینها ، لیس من المعقول بعد أن تترک الأمّة سُدی والحالة هذه ، والناس کلّهم فی شمول ذلک اللطف الواجب علیه سبحانه شرع سواء ، فیجب علیه جلّت عظمته أن یقیّض لهم من یکمل الشریعة ببیانه ، ویزیح شبه الملحدین ببرهانه ، ویجلو ظلم الجهل بعرفانه ، ویدرأ عن الدین عادیة أعدائه بسیفه وسنانه ، ویقیم الأمت والعوج بیده ولسانه.

ومهما کان للمولی جلّت مننه عنایة بعبیده ، وقد ألزم نفسه بإسداء البرّ إلیهم ، ف)

ص: 180


1- وبهذا عرّف النبی صلی الله علیه وآله وسلم مولانا أمیر المؤمنین بقوله : «إنّ فیکم من یقاتل علی تأویل القرآن کما قاتلت علی تنزیله». قال أبو بکر : أنا هو یا رسول الله؟! قال : «لا». قال عمر : أنا هو یا رسول الله؟! قال «لا ، ولکن خاصف النعل» ، وکان أعطی علیّا نعله یخصفها. أخرجه جمع من الحفّاظ وصحّحه الحاکم والذهبی [ فی المستدرک علی الصحیحین : 3 / 132 ح 4621 ، وکذا فی تلخیصه ] ، والهیثمی [ فی مجمع الزوائد : 9 / 133 ] کما یأتی تفصیله. (المؤلف)

وأن لا یولیهم إلاّ الخیر والسعادة ، فعلیه أن یختار لهم من ینوء بذلک العبء الثقیل ویمثّل مخلّفه الرسول فی الوظائف کلّها ، فینصّ علیه بلسان ذلک النبیّ المبعوث ، ولا یجوز أن یخلی سربهم ، ویترکهم سُدی ، ألا تری أنّ عبد الله بن عمر قال لأبیه : إنّ الناس یتحدّثون أنّک غیر مستخلف ، ولو کان لک راعی إبل أو راعی غنم ثمّ جاء وترک رعیّته رأیت أن قد فرّط - لرأیت أن قد ضیّع - ورعیّة الناس أشدّ من رعیة الإبل والغنم ، ما ذا تقول لله إذ لقیته ولم تستخلف علی عباده (1)؟

وقالت عائشة لابن عمر : یا بنیّ أبلغ عمر سلامی وقل له : لا تدع أمّة محمد بلا راعٍ ، استخلف علیهم ولا تدعهم بعدک هملاً ، فإنّی أخشی علیهم الفتنة (2) ، فترک الناس مهملین فیه خشیة الفتنة علیهم.

وقال عبد الله بن عمر لأبیه : لو استخلفت. قال : من؟ قال : تجتهد فإنّک لست لهم بربّ تجتهد (3) ، أرأیت لو أنّک بعثت إلی قیّم أرضک ألم تکن تحبّ أن یستخلف مکانه حتی یرجع إلی الأرض؟ قال : بلی. قال : أرأیت لو بعثت إلی راعی غنمک ألم تکن تحبّ أن یستخلف رجلاً حتی یرجع (4)؟

وهذا معاویة بن أبی سفیان یتمسّک بهذا الحکم العقلیّ المسلّم فی استخلاف یزید ویقول : إنّی أرهب أن أدع أمّة محمد بعدی کالضأن لا راعی لها (5). ف)

ص: 181


1- سنن البیهقی : 8 / 149 عن صحیح مسلم [ 4 / 102 ح 12 کتاب الإمارة ] ، سیرة عمر لابن الجوزی : ص 190 [ ص 195 ] ، الریاض النضرة : 2 / 74 [ 2 / 353 ] ، حلیة الأولیاء : 1 / 44 ، فتح الباری : 13 / 175 [ 13 / 206 ] عن مسلم. (المؤلف)
2- الإمامة والسیاسة : 1 / 22 [ 1 / 28 ]. (المؤلف)
3- کذا فی المصدر.
4- طبقات ابن سعد : 3 / 249 [ 3 / 343 ]. (المؤلف)
5- تاریخ الطبری : 6 / 170 [ 5 / 304 حوادث سنة 56 ه ] ، الإمامة والسیاسة : 1 / 151 [ 1 / 159 ]. (المؤلف)

لیت شعری هذا الدلیل العقلیّ المتسالم علیه لِمَ أهملته الأمّة فی استخلاف النبیّ الأعظم واتّهمته بالصفح عنه؟ أنا لا أدری.

ولا یجوز أیضاً توکیل الأمر إلی أفراد الأمّة ، أو إلی أهل الحلّ والعقد منهم لأنّ ممّا أوجبه العقل السلیم أن یکون الإمام مکتنفاً بشرائط بعضها من النفسیّات الخفیّة والملکات التی لا یعلمها إلاّ العالم بالسرائر (1) کالعصمة والقداسة الروحیّة ، والنزاهة النفسیّة لتبعده عن الأهواء والشهوات ، والعلم الذی لا یضلّ معه فی شیء من الأحکام إلی کثیر من الأوصاف التی تقوم بها النفس ، ولا یظهر فی الخارج منها إلاّ جزئیّات من المستصعب الحکم باستقرائها علی ثبوت کلیّاتها : (وَرَبُّکَ یَعْلَمُ ما تُکِنُّ صُدُورُهُمْ وَما یُعْلِنُونَ) (2) و (اللهُ أَعْلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (3).

فالأمّة المنکفئ علمها عن الغیوب لا یمکنها تشخیص من تحلّی بتلک الصفات ، فالغالب علی خیرتها الخطأ ، فإذا کان نبیّ کموسی علی نبیّنا وآله وعلیه السلام تکون ولیدة اختیاره من الآلاف المؤلّفة سبعین رجلاً ، وأنّهم لمّا بلغوا المیقات قالوا : أرنا الله جهرة فما ظنّک بأفراد عادیّین واختیارهم؟ وأناس مادیّین وانتخابهم؟ وما عساهم أن ینتخبوا غیر أمثالهم ممّن هو وإیّاهم سواسیة کأسنان المشط فی الحاجة إلی المسدّد؟ ولیس من المأمون أن یقع انتخابهم علی عائث ، أو یکون التیاثهم (4) بمشاغب ، أو یکون انثیالهم وراء من یسرّ علی الأمّة حسواً فی ارتغاء (5) أو یقع ف)

ص: 182


1- وقد أشبعنا القول فی البرهنة علی لزوم هذه الملکات الفاضلة فی الإمامة فی غیر هذا المورد. (المؤلف)
2- القصص : 69.
3- الأنعام : 124.
4- الالتیاث : الاختلاط والالتفاف.
5- مثل یضرب لمن یظهر أمراً ویرید غیره. تاج العروس : 10 / 153 [ ومجمع الأمثال : 3 / 525 رقم 4680 ]. (المؤلف)

اختیارهم علی جاهل یرتبک فی الأحکام فیرتکب العظام ، ویأتی بالجرائم ، ویقترف المآثم وهو لا یعلم ، أو یعلم ولا یکترث لأن یقول زوراً ، ویحکم غروراً ، فیفسدوا من حیث أرادوا أن یصلحوا ، ویقعوا فی الهلکة وهم لا یشعرون ، کما وقعت أمثال ذلک فی البیعة لمعاویة ویزید وخلفاء الأمویّین.

فعلی البارئ الذی یکره کلّ ذلک فی خلقه أن لا یجعل لأحد من خلقه الخیرة فیها وقد خلقه ظلوماً جهولاً (1) (أَلا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ) (2) ، (وَرَبُّکَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَیَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ) (3) فی الأمر (وَما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَنْ یَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِیناً) (4).

وقد أخبر به النبیّ الأعظم من أوّل یومه یوم عرض نفسه علی القبائل فبلغ بنی عامر بن صعصعة ودعاهم إلی الله ، فقال له قائلهم : أرأیت إن نحن تابعناک علی أمرک ثمّ أظهرک الله علی من خالفک ، أیکون لنا الأمر من بعدک؟ قال : «إنّ الأمر إلی الله یضعه حیث یشاء» (5).

أنّی تسوغ أن تکون للخلق خیرة فی الأمر مع شیوع الغایات والأغراض والدعاوی والمیول والشهوات فی الناس حول الانتخاب ، مع اختلاف الأنظار وتضارب الآراء والمعتقدات فی تحلیل نفسیّات الرجال والشخصیّات البارزة ، مع کثرة ف)

ص: 183


1- راجع الأحزاب : 72. (المؤلف)
2- الملک : 14.
3- القصص : 67.
4- الأحزاب : 36.
5- سیرة ابن هشام : 2 / 32 [ 2 / 66 ] ، الروض الأُنف : 1 / 264 [ 4 / 38 - 39 ] ، بهجة المحافل لعماد الدین العامری : 1 / 138 ، السیرة الحلبیّة : 2 / 3 ، سیرة زینی دحلان : 1 / 302 [ 1 / 147 ] هامش الحلبیّة ، حیاة محمد لهیکل : ص 152 [ ص 201 - 202 ]. (المؤلف)

الأحزاب والفرق والأقوام والطوائف المتشاکسة ، مع شقاق القومیّة والطائفیة والشعوبیّة الذائع الشائع فی المسکین ابن آدم من أوّل یومه.

وقد اقترن الانتخاب من بدء بدئه بالتحارش والتلاکم والتکالم والتشازر والتصاخب والتخاصم حتی قدّت برود یمانیّة (1) ووقع البرح براحاً (2) وکم بالانتخاب هُتکت حرمات وأهینت مقدّسات ، وأضیعت حقائق ، ودُحض الحقّ الثابت ، ودُحس الصالح العالم ، واختلّ الوئام ، وأقلق السلام ، وسفحت دماء زکیّة ، وتشلشلت أشلاء الإسلام الصحیح ، فجاء یطمع فی الأمر من لا خلاق له من سوقی بردیّ ، أو مبرطش ألهاه الصفق بالأسواق ، أو بزّاز یحمل بنی أبیه علی رقاب الناس ، أو حفّار قبور لا یعرف عرضه من طوله ، أو طلیق غاشم ، أو خمّار سکّیر ، أو مستهتر مشاغب ، من الذین اتّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله نحلاً ، وکتاب الله دغلاً ، ودین الله حولاً.

ومقتضی هذا البیان الضافی أن یکون الخلیفة أفضل الخلیقة أجمع فی أمّته ، لأنّه لو کان فی وقته من یماثله فی الفضیلة أو من ینیف علیه استلزم تعیینه الترجیح بلا مرجّح أو التطفیف فی کفّة الرجحان.

علی أنّ الإمام لو قصر فی شیء من تلک الصفات لأمکن حصول حاجته إلی المورد الذی نبا عنه علمه ، أو تضاءلت عنه بصیرته ، أو ضعفت عنه منّته ، فعندئذٍ الطامّة الکبری من الفتیا المجرّدة ، والرأی لا عن دلیل ، أو الأخذ عمّن یسدّده ، وفی الأوّل العیث والفشل ، وفی الثانی سقوط المکانة ، وقد أخذ فی الإمام مثل النبی أن یکون بحیث یُطاع (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِیُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) (3) وقرنت طاعة الإمام بطاعة الله ورسوله فی قوله تعالی : (أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) (4) 9.

ص: 184


1- مثل یضرب فی شدة الخصومة ، أی تخاصموا حتی تشاقّوا الثیاب الغالیة. (المؤلف)
2- البرح : الشدة والأذی والشرّ ، والبراح : الصراح البیّن. (المؤلف)
3- النساء : 64.
4- النساء : 59.

وذلک لیمکنه إقامة الحدود الإلهیّة ، ودحض الأباطیل ، وربما تسرّبت الشبهة عن جهله إلی نفس الدعوة وحقیقة الدین إن کان عمیده الداعی إلیه یقصر عن الدفاع عنه وإزاحة الشکوک المتوجّهة إلیه.

فکلّ هذا یستدعی کماله فی الصفات الکمالیّة کلّها فیفضل علی الأمّة جمعاء ، (قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (1) (قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمی وَالْبَصِیرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) (2) (أَفَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلاَّ أَنْ یُهْدی فَما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ) (3).

الخلافة عند القوم :

نعم ؛ الخلافة التی تقول بها الجماعة لا تستدعی کلّ ما ذکرنا ، فإنَّهم یحسبون الخلیفة أیّ مستحوذٍ علی الأمّة یقطع السارق ، ویقتصّ القاتل ، ویکلأ الثغور ، ویحفظ الأمن العام إلی ما یشبه هذه ، ولا یخلع بفسق ، ولا ینتقد بفاحشة مبیّنة ، ولا یعاب بجهل ، ولا یُؤاخذ بعثرة ، ولا یُشترط فیه أیّ من الملکات الکریمة ، وله العتبی فی کلّ ذلک ، ولیس علیه من عتب.

کلمة الباقلانیّ :

قال الباقلانیّ فی التمهید (ص 181) باب الکلام فی صفة الإمام الذی یلزم العقد له : فإن قال قائل : فخبِّرونا ما صفة الإمام المعقود له عندکم؟ قیل لهم : یجب أن یکون علی أوصاف : منها أن یکون قرشیّا من الصمیم ، ومنها : أن یکون من العلم بمنزلة من یصلح أن یکون قاضیاً من قضاة المسلمین ، ومنها : أن یکون ذا بصیرة بأمر 5.

ص: 185


1- الزمر : 9.
2- الرعد : 16.
3- یونس : 35.

الحرب ، وتدبیر الجیوش والسرایا ، وسدّ الثغور ، وحمایة البیضة ، وحفظ الأمّة ، والانتقام من ظالمها ، والأخذ لمظلومها ، وما یتعلّق به من مصالحها.

ومنها : أن یکون ممّن لا تلحقه رقّة ولا هوادة فی إقامة الحدود ولا جزع لضرب الرقاب والأبشار.

ومنها : أن یکون من أمثلهم فی العلم وسائر هذه الأبواب التی یمکن التفاضل فیها ، إلاّ أن یمنع عارض من إقامة الأفضل فیسوغ نصب المفضول ، ولیس من صفاته أن یکون معصوماً ، ولا عالماً بالغیب ، ولا أفرس الأمّة وأشجعهم ، ولا أن یکون من بنی هاشم فقط دون غیرهم من قبائل قریش.

وقال فی صفحة (185) : فإن قالوا : فهل تحتاج الأمّة إلی علم الإمام وبیان شیء خُصّ به دونهم ، وکشف ما ذهب علمه عنهم؟ قیل لهم : لا ؛ لأنّه هو وهم فی علم الشریعة وحکمها سیّان. فإن قالوا : فلما ذا یقام الإمام؟ قیل لهم : لأجل ما ذکرناه من قبل من تدبیر الجیوش ، وسدّ الثغور ، وردع الظالم ، والأخذ للمظلوم ، وإقامة الحدود ، وقسم الفیء بین المسلمین والدفع بهم فی حجّهم وغزوهم ، فهذا الذی یلیه ویُقام لأجله ، فإن غلط فی شیء منه ، أو عدل به عن موضعه کانت الأمّة من ورائه لتقویمه والأخذ له بواجبه.

وقال فی (ص 186) : قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحدیث : لا ینخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال ، وضرب الأبشار ، وتناول النفوس المحرّمة ، وتضییع الحقوق ، وتعطیل الحدود ، ولا یجب الخروج علیه ، بل یجب وعظه وتخویفه وترک طاعته فی شیء ممّا یدعو إلیه من معاصی الله ، واحتجّوا فی ذلک بأخبار کثیرة متظافرة عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعن الصحابة فی وجوب طاعة الأئمّة وإن جاروا واستأثروا بالأموال ، وأنّه قال علیه السلام : اسمعوا وأطیعوا ولو لعبد أجدع ، ولو لعبد حبشیّ ، وصلّوا وراء کلّ برّ وفاجر. وروی أنّه قال : أطعهم وإن أکلوا مالک ، وضربوا

ص: 186

ظهرک ، وأطیعوهم ما أقاموا الصلاة. فی أخبار کثیرة وردت فی هذا الباب ، وقد ذکرنا ما فی هذا الباب فی کتاب إکفار المتأوّلین ، وذکرنا ما روی فی معارضتها وقلنا فی تأویلها بما یغنی الناظر فیه إن شاء الله.

وقال فی (ص 186) : ولیس ممّا یوجب خلع الإمام حدوث فضل فی غیره ویصیر به أفضل منه ، وإن کان لو حصل مفضولاً عند ابتداء العقد لوجب العدول عنه إلی الفاضل ، لأنّ تزاید الفضل فی غیره لیس بحدث منه فی الدین ، ولا فی نفسه یوجب خلعه ، ومثل هذا ما حکیناه عن أصحابنا أنّ حدوث الفسق فی الإمام بعد العقد له لا یوجب خلعه ، وإن کان ما لو حدث فیه عند ابتداء العقد لبطل العقد له ووجب العدول.

قال الأمینی : وممّا أوعز إلیه الباقلانیّ من الأخبار الکثیرة الدالّة علی وجوب طاعة الأئمّة وإن جاروا واستأثروا بالأموال ، ولا ینعزل الإمام بالفسق ما یلی :

1 - عن حذیفة بن الیمان قال : قلت : یا رسول الله إنّا کنّا بشرٍّ ، فجاء الله بخیر فنحن فیه ، فهل من وراء هذا الخیر شرّ؟ قال : نعم. قلت : وهل وراء هذا الشرّ خیر؟ قال : نعم. قلت : فهل وراء ذلک الخیر شرّ؟ قال : نعم. قلت : کیف یکون؟ قال : یکون بعدی أئمّة لا یهتدون بهدای ولا یستنّون بسنّتی ، وسیقوم فیهم رجال قلوبهم قلوب الشیاطین فی جثمان إنس. قلت : کیف أصنع یا رسول الله إن أدرکت ذلک؟ قال : تسمع وتطیع للأمیر وإن ضرب ظهرک وأخذ مالک فاسمع وأطع!

صحیح مسلم (1) (2 / 119) ، سنن البیهقی (8 / 157).

2 - عن عوف بن مالک الأشجعی قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : خیار أئمّتکم الذین تحبّونهم ویحبّونکم ، وتصلّون علیهم ویصلّون علیکم ، وشرار أئمّتکم ة.

ص: 187


1- صحیح مسلم : 4 / 124 ح 52 کتاب الإمارة.

الذین تبغضونهم ویبغضونکم ، وتلعنونهم ویلعنونکم ، قال : قلنا : یا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلک؟ قال : لا ، ما أقاموا فیکم الصلاة ، ألا ومن ولی علیه وال فرآه یأتی شیئاً من معصیة الله فلیکره ما یأتی من معصیة الله ولا ینزعنّ یداً من طاعة.

صحیح مسلم (1) (2 / 122) ، سنن البیهقی (8 / 159).

3 - سأل سلمة بن یزید الجعفی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله إن قامت علینا أمراء یسألوننا حقّهم ویمنعوننا حقّنا فما تأمرنا؟ قال : فأعرض عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم سأله فقال : اسمعوا وأطیعوا فإنّما علیهم ما حمّلوا وعلیکم ما حمّلتم. صحیح مسلم (2 / 119) (2) ، سنن البیهقی : (8 / 158).

4 - عن المقدام : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : أطیعوا أمراءکم ما کان ، فإن أمروکم بما حدّثتکم به فإنّهم یؤجرون علیه وتؤجرون بطاعتکم ، وإن أمروکم بشیء ممّا لم آمرکم به فهو علیهم وأنتم منه برآء ، ذلک بأنّکم إذا لقیتم الله قلتم : ربّنا لا ظلم. فیقول : لا ظلم. فتقولون : ربّنا أرسلت إلینا رسلاً فأطعناهم بإذنک. واستخلفت علینا خلفاء (3) فأطعناهم بإذنک. وأمّرت علینا أُمراء فأطعناهم. قال : فیقول : صدقتم هو علیهم وأنتم منه برآء. سنن البیهقی (8 / 159).

5 - عن سوید بن غفلة ، قال : قال لی عمر بن الخطّاب رضی الله عنه : یا أبا أمیّة لعلّک أن تخلف بعدی ، فأطع الإمام وإن کان عبداً حبشیّا ، إن ضربک فاصبر ، وإن أمرک بأمر فاصبر ، وإن حرمک فاصبر ، وإن ظلمک فاصبر ، وإن أمرک بأمر ینقص دینک فقل : سمع وطاعة ، دمی دون دینی (4).ف)

ص: 188


1- صحیح مسلم : 4 / 129 ح 66 کتاب الإمارة.
2- صحیح مسلم : 4 / 122 ح 49. وأنظر أیضاً أُسد الغابة : 5 / 494 رقم 5554.
3- هذا افتراء علی الله ، إنّ الله قطّ لم یستخلف ولم یُؤَمّر علی الأمّة أولئک الخلفاء والأمراء وإنما هم خیرة أمّتهم ، والشکر والعتب علیها مهما صلحوا أو جاروا. (المؤلف)
4- سنن البیهقی : 8 / 159. (المؤلف)

وأخذاً بهذه الأحادیث قال الجمهور بعدم عزل الإمام بالفسق ، قال النووی فی شرح مسلم (1) هامش إرشاد الساری (8 / 36) فی ذیل هذه الأحادیث المذکورة عن صحیح مسلم : ومعنی الحدیث : لا تنازعوا ولاة الأمور فی ولایتهم ، ولا تعترضوا علیهم إلاّ أن تروا منهم منکراً محقّقاً تعلمونه من قواعد الإسلام ، فإذا رأیتم ذلک فأنکروه علیهم ، وقولوا بالحقّ حیث ما کنتم ، وأمّا الخروج علیهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمین وإن کانوا فسقةً ظالمین ، وقد تظاهرت الأحادیث بمعنی ما ذکرته ، وأجمع أهل السنّة أنّه لا ینعزل السلطان بالفسق - إلی أن قال - : فلو طرأ علی الخلیفة فسق قال بعضهم : یجب خلعه إلاّ أن تترتّب علیه فتنة وحرب ، وقال جماهیر أهل السنّة من الفقهاء والمحدّثین والمتکلّمین : لا ینعزل بالفسق والظلم وتعطیل الحقوق ، ولا یخلع ، ولا یجوز الخروج علیه بذلک ، بل یجب وعظه وتخویفه.

قال الأمینی : فما عذر عائشة وطلحة والزبیر ومن تبعهم من الناکثین والمارقین فی الخروج علی مولانا أمیر المؤمنین؟ هبه صلوات الله علیه آوی قتلة عثمان ، وعطّل الحدود معاذ الله فأین العمل بهذه الأحادیث التی أخذتها الأمّة المسکینة سنّة ثابتة مشروعة؟ أنا لا أدری.

کلمة التفتازانی :

وقال التفتازانی فی شرح المقاصد (2) (2 / 271) : ولا یشترط أن یکون الإمام هاشمیّا ولا معصوماً ولا أفضل من یولّی علیهم.

وقال فی (ص 272) : إذا مات الإمام وتصدّی للإمامة من یستجمع شرائطها من غیر بیعة واستخلاف وقهر الناس بشوکته انعقدت الخلافة له ، وکذا إذا کان فاسقاً أو جاهلاً علی الأظهر إلاّ أنّه یُعصی فیما فعل ، ویجب طاعة الإمام ما لم یخالف حکم 3.

ص: 189


1- شرح صحیح مسلم : 12 / 229.
2- شرح المقاصد : 5 / 233.

الشرع ، سواء کان عادلاً أو جائراً.

کلمة القاضی الإیجی (1) :

قال فی المواقف (2) : الجمهور علی أنّ أهل الإمامة مجتهد فی الأصول والفروع لیقوم بأمور الدین ، ذو رأی لیقوم بأمور الملک ، شجاع لیقوی علی الذبّ عن الحوزة ، وقیل : لا یشترط هذه الصفات لأنّها لا توجد فیکون اشتراطها عبثاً أو تکلیفاً بما لا یطاق ، ومستلزماً للمفاسد التی یمکن دفعها بنصب فاقدها.

نعم ؛ یجب أن یکون عدلاً لئلاّ یجور ، عاقلاً لیصلح للتصرفات ، بالغاً لقصور عقل الصبیّ ، ذکراً إذ النساء ناقصات عقل ودین ، حرّا لئلاّ یشغله خدمة السیّد ، ولئلاّ یُحتقر فیعصی ، فهذه الصفات مشروطة بالإجماع.

وهاهنا صفات فی اشتراطها خلاف :

الأولی : أن یکون قرشیّا.

الثانیة : أن یکون هاشمیّا ، شرطه الشیعة.

الثالثة : أن یکون عالماً بجمیع مسائل الدین ، وقد شرطه الإمامیّة.

الرابعة : ظهور المعجزة علی یده إذ به یعلم صدقه فی دعوی الإمامة ، والعصمة وبه قال الغلاة. ویبطل الثلاثة أنّا ندلّ علی خلافة أبی بکر ولا یجب له شیء ممّا ذکر (3).

الخامسة : أن یکون معصوماً شرطها الإمامیّة والإسماعیلیّة ، ویبطله أنّ أبا بکر لا تجب عصمته اتّفاقاً (4). ف)

ص: 190


1- إمام الشافعیة القاضی عبد الرحمن الإیجی ، المتوفّی 756. (المؤلف)
2- المواقف : ص 398.
3- دلیل یضحک الثکلی ؛ لأنّه لا یعدوه أن یکون مصادرة بالمطلوب ، وأخذ المدّعی دلیلاً. (المؤلف)
4- اقرأ واضحک أو اعطفه علی ما قبله. (المؤلف)

کلمة أبی الثناء (1) :

قال فی مطالع الأنظار (ص 470) : صفات الأئمّة هی تسع :

الأولی : أن یکون الإمام مجتهداً فی أصول الدین وفروعه.

الثانیة : أن یکون ذا رأی وتدبیر ، یدیر الوقائع ، أمر الحرب والسلم وسائر الأمور السیاسیّة.

الثالثة : أن یکون شجاعاً قویّ القلب لا یجبن عن القیام بالحرب ، ولا یضعف قلبه عن إقامة الحدّ ولا یتهوّر بإلقاء النفوس فی التهلکة. وجمع تساهلوا فی الصفات الثلاث وقالوا : إذا لم یکن الإمام متّصفاً بالصفات الثلاث ینیب من کان موصوفاً بها.

الرابعة : أن یکون الإمام عدلاً ؛ لأنّه متصرّف فی رقاب الناس وأموالهم وأبضاعهم ، فلو لم یکن عدلاً لا یؤمن تعدّیه.

الخامسة : العقل.

السادسة : البلوغ.

السابعة : الذکورة.

الثامنة : الحریّة.

التاسعة : أن یکون قرشیّا.

ولا یشترط فیه العصمة خلافاً للإسماعیلیّة والاثنی عشریّة. دلیلنا إمامة أبی بکر (2) والأمّة اجتمعت علی کونه غیر واجب العصمة ، لا أقول إنّه غیر معصوم! ف)

ص: 191


1- شمس الدین بن محمود الأصبهانی المتوفّی 749. (المؤلف)
2- ما أتقنها من برهنة ویا للعجب! (المؤلف)

ما تنعقد به الإمامة :

قال القاضی عضد الإیجی فی المواقف (1) : المقصد الثالث فیما تثبت به الإمامة : أنّها تثبت بالنص من الرسول ، ومن الإمام السابق بالإجماع ، وتثبت ببیعة أهل الحلّ والعقد خلافاً للشیعة ؛ دلیلنا ثبوت إمامة أبی بکر رضی الله عنه بالبیعة (2).

وقال : إذا ثبت حصول الإمامة بالاختیار والبیعة ، فاعلم أنّ ذلک لا یفتقر إلی الإجماع (3) إذ لم یقم علیه دلیل من العقل أو السمع ، بل الواحد والاثنان من أهل الحلّ والعقد کافٍ لعلمنا أنّ الصحابة مع صلابتهم فی الدین اکتفوا بذلک کعقد عمر لأبی بکر ، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان ، ولم یشترطوا اجتماع من فی المدینة فضلاً عن إجماع الأمّة. هذا ولم ینکر علیهم أحد ، وعلیه انطوت الأعصار إلی وقتنا هذا.

وقال بعض الأصحاب : یجب کون ذلک بمشهد بیّنة عادلة کفّا للخصام فی ادّعاء من یزعم عقد الإمامة له سرّا قبل من عقد له جهراً ، وهذا من المسائل الاجتهادیّة.

ثمّ إذا اتّفق التعدد تفحص عن المتقدّم فأُمضی ، ولو أصرّ الآخر فهو من البغاة ، ولا یجوز العقد لإمامین فی صقع متضایق الأقطار ، أمّا فی متّسعها بحیث لا یسع الواحد تدبیره فهو محل الاجتهاد. انتهی ما فی المواقف. وقد أقرّه شرّاحه وهم : السیّد الشریف الجرجانی ، والمولی حسن چلبی ، والشیخ مسعود الشیروانی. راجع شرح المواقف (4) (3 / 265 - 267). 2.

ص: 192


1- المواقف : ص 399.
2- أُنظر إلی هذا النول الذی تشابهوا فی النسج علیه. (المؤلف)
3- قال السید الشریف الجرجانی : یعنی من جمیع أهل الحلّ والعقد. (المؤلف)
4- شرح المواقف : 8 / 352.

کلمة الماوردی :

وقال الماوردی فی الأحکام السلطانیّة (1) (ص 4) : اختلفت العلماء فی عدد من تنعقد به الإمامة منهم علی مذاهب شتّی ، فقالت طائفة : لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل العقد والحلّ من کلّ بلد لیکون الرضاء به عامّا ، والتسلیم لإمامته إجماعاً ، وهذا مذهب مدفوع ببیعة أبی بکر رضی الله عنه علی الخلافة باختیار من حضرها ولم ینتظر ببیعته قدوم غائب عنها.

وقالت طائفة أخری : أقلّ من تنعقد به منهم الإمامة خمسة یجتمعون علی عقدها أو یعقدها أحدهم برضی الأربعة استدلالاً بأمرین :

أحدهما : أنّ بیعة أبی بکر رضی الله عنه انعقدت بخمسة اجتمعوا علیها ثمّ تابعهم الناس فیها ، وهم : عمر بن الخطّاب ، وأبو عبیدة بن الجرّاح ، وأُسید بن حضیر ، وبشیر بن سعد ، وسالم مولی أبی حذیفة.

الثانی : أنّ عمر رضی الله عنه جعل الشوری فی ستّة لیعقد لأحدهم برضی الخمسة وهذا قول أکثر الفقهاء والمتکلّمین من أهل البصرة.

وقال آخرون من علماء الکوفة : تنعقد بثلاثة یتولاّها أحدهم برضی الاثنین لیکونوا حاکماً وشاهدین کما یصحّ عقد النکاح بولیّ وشاهدین.

وقالت طائفة أُخری : تنعقد بواحد ؛ لأنّ العبّاس قال لعلیّ : امدد یدک أُبایعک فیقول الناس : عمّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بایع ابن عمّه فلا یختلف علیک اثنان ، ولأنّه حُکم وحکم الواحد نافذ. 7.

ص: 193


1- الأحکام السلطانیّة : 2 / 6 ، 7.

کلمة الجوینی :

قال إمام الحرمین الجوینی المتوفّی (478) فی الإرشاد (1) (ص 424) : باب فی الاختیار وصفته وذکر ما تنعقد الإمامة به :

اعلموا أنّه لا یشترط فی عقد الإمامة الإجماع ، بل تنعقد الإمامة وإن لم تجمع الأُمّة علی عقدها ، والدلیل علیه أنّ الإمامة لمّا عقدت لأبی بکر ابتدر لإمضاء أحکام المسلمین ، ولم یتأنّ لانتشار الأخبار إلی من نأی من الصحابة فی الأقطار ، ولم ینکر علیه منکر ، ولم یحمله علی التریّث حامل ، فإذا لم یشترط الإجماع فی عقد الإمامة ، لم یثبت عدد معدود ، ولا حدّ محدود ، فالوجه الحکم بأنّ الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحلّ والعقد.

ثمّ قال بعض أصحابنا : لا بدّ من جریان العقد بمشهد من الشهود ، فإنّه لو لم یشترط ذلک لم نأمن أن یدّعی مدّع عقداً سراً متقدّماً علی الحق المظهر المعلن ، ولیست الإمامة أحطّ رتبة من النکاح ، وقد شرط فیه الإعلان ، ولا یبلغ القطع ، إذ لیس یشهد له عقل ، ولا یدلّ علیه قاطع سمعیّ ، وسبیله سبیل سائر المجتهدات. انتهی.

وقال الإمام ابن العربی المالکی فی شرح صحیح الترمذی (13 / 229) : لا یلزم فی عقد البیعة للإمام أن تکون من جمیع الأنام ، بل یکفی لعقد ذلک اثنان أو واحد علی الخلاف المعلوم فیه.

کلمة القرطبی :

وقال القرطبی فی تفسیره (2) (1 / 230) : فإن عقدها واحد من أهل الحلّ والعقد86

ص: 194


1- کتاب الإرشاد : ص 357
2- الجامع لأحکام القرآن : 1 / 186

فذلک ثابت ویلزم الغیر فعله ، خلافاً لبعض الناس حیث قال : لا تنعقد إلاّ بجماعة من أهل الحلّ والعقد ، ودلیلنا أنّ عمر رضی الله عنه عقد البیعة لأبی بکر ولم ینکر أحد من الصحابة ذلک (1) ، ولأنّه عقد فوجب ألاّ یفتقر إلی عدد یعقدونه کسائر العقود ، قال الإمام أبو المعالی : من انعقدت له الإمامة بعقد واحد فقد لزمت ، ولا یجوز خلعه من غیر حدث وتغیّر أمر ، قال : وهذا مجمع علیه.

قال الأمینی : فما المبرّر عندئذٍ لتخلّف عبد الله بن عمر ، وأسامة بن زید ، وسعد ابن أبی وقاص ، وأبی موسی الأشعری ، وأبی مسعود الأنصاری ، وحسّان ابن ثابت ، والمغیرة بن شعبة ، ومحمد بن مسلمة وبعض آخر من ولاة عثمان علی الصدقات وغیرها عن بیعة مولانا أمیر المؤمنین بعد إجماع الأمّة علیها؟ وما عذر تأخّرهم عن طاعته فی حروبه ، وقد عُرفوا بین الصحابة وسمّوا المعتزلة لاعتزالهم بیعة علیّ (2)؟

رأی الخلیفة الثانی فی الخلافة وأقواله فیها :

عن عبد الرحمن بن أبزی قال : قال عمر : هذا الأمر فی أهل بدر ما بقی منهم أحد ، ثمّ فی أهل أحد ما بقی منهم أحد ، وفی کذا وکذا ، ولیس فیها لطلیق ولا لولد طلیق ولا لمسلمة الفتح شیء. طبقات ابن سعد (3) (3 / 248). وفی کلمة له ذکرها ابن2.

ص: 195


1- کأنّ بنی هاشم کلّهم ، والأنصار بأجمعهم إلاّ رجلین ، والزبیر وعمّار وسلمان ومقداداً وأبا ذر وآخرین کثیرین من المهاجرین والمتخلّفین عن بیعه أبی بکر المنکرین إیّاها کما فصّل فی محلّه لم یکونوا من الصحابة عند القرطبی ، وإلاّ فلا یجوز للمفسّر أن یکذب وهو یعلم أنّ التاریخ الصحیح سیکشف الستر عن دَجَله. (المؤلف)
2- المستدرک للحاکم : 3 / 115 [ 3 / 124 ح 4596 ] ، تاریخ الطبری : 5 / 155 [ 4 / 431 حوادث سنة 35 ه ] ، الکامل لابن الأثیر : 3 / 80 [ 2 / 303 حوادث سنة 35 ه ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 115 ، 171. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 3 / 342.

حجر فی الإصابة (2 / 305) : إنّ هذا الأمر لا یصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء.

وقال : لو أدرکنی أحد رجلین فجعلت هذا الأمر إلیه لوثقت به : سالم مولی أبی حذیفة ، وأبی عبیدة الجرّاح. ولو کان سالم حیّا ما جعلتها شوری (1).

وقال لمّا طُعن : إن ولّوها الأجلح سلک بهم الطریق الأجلح المستقیم ، یعنی علیّا. فقال له ابن عمر : ما یمنعک أن تقدّم علیّا؟ قال : أکره أن أحملها حیّا ومیّتاً.

الأنساب للبلاذری (5 / 16) ، الاستیعاب لأبی عمر (2) (2 / 419).

وقال : لو ولّیتها عثمان لحمل آل أبی معیطٍ علی رقاب الناس ، والله لو فعلت لفعل ، ولو فعل لأوشکوا أن یسیروا إلیه حتی یجزّوا رأسه. فقالوا : علیّ؟ قال : رجل قُعدد (3) ، قالوا : طلحة؟ قال : ذاک رجل فیه بأو (4) ، قالوا : الزبیر؟ قال : لیس هناک ، قالوا : سعد؟ قال : صاحب فرس وقوس ، فقالوا : عبد الرحمن بن عوف؟ قال : ذاک فیه إمساک شدید ، ولا یصلح لهذا الأمر إلاّ معط فی غیر سرف ، وممسک فی غیر تقتیر.

أخرجه القاضی أبو یوسف الأنصاری المتوفّی (182) فی کتابه الآثار (5) نقلاً 0.

ص: 196


1- طبقات ابن سعد : 3 / 248 [ 3 / 343 ] ، التمهید للباقلاّنی : ص 204 ، الاستیعاب لأبی عمر : 2 / 561 [ القسم الثانی / 568 رقم 881 ] ، طرح التثریب : 1 / 49 ، أُسد الغابة : 2 / 246 [ 2 / 308 رقم 1892 ]. (المؤلف)
2- الاستیعاب : القسم الثالث / 1154 رقم 1878.
3- القعدد : الجبان الخامل. کأنّ الخلیفة نسی سوابق مولانا أمیر المؤمنین فی المغازی والحروب وعزمه الماضی وبسالته المشهودة إلی غیرها من صفاته الکمالیة ، وتغافل عن أنّ الذی أقعده عن مناجزته بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو خوف الردّة من الناس بوقوع الفتنة لا حذار بارقة عمر وراعدته وشجاعته التی هو سلام الله علیه جدّ علیم بکمّها وکیفها ، نعم ؛ الجوّ الخالی یبعث الإنسان علی أن یقول هکذا. (المؤلف)
4- البأو : الکبر والتعظیم فیه. (المؤلف)
5- الآثار : ص 217 ح 960.

عن شیخه إمام الحنفیّة أبی حنیفة.

هذه الکلمات وما یتلوها سلسلة بلاء تشذّ عن الحقّ والمنطق غیر أنّا نمرّ بها کراماً.

وعن ابن عبّاس قال : قال عمر : لا أدری ما أصنع بأمّة محمد؟ وذلک قبل أن یُطعن ، فقلت : ولِمَ تهتمّ وأنت تجد من تستخلفه علیهم؟ قال : أصاحبکم؟ یعنی علیّا ، قلت : نعم ، هو أهل لها فی قرابته برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وصهره وسابقته وبلائه. فقال عمر : إنّ فیه بطالة وفکاهة. قلت : فأین أنت عن طلحة؟ قال : أین الزهو والنخوة؟ قلت : عبد الرحمن بن عوف؟ قال : هو رجل صالح علی ضعف. قلت : فسعد؟ قال : ذاک صاحب مقنب وقتال ، لا یقوم بقریة لو حمّل أمرها. قلت : فالزبیر؟ قال : لقیس مؤمن الرضی کافر الغضب شحیح. إنّ هذا الأمر لا یصلح إلاّ لقویّ فی غیر عنف ، رفیق فی غیر ضعف ، جواد فی غیر سرف. قلت : فأین عن عثمان؟ قال : لو ولیها لحمل بنی أبی معیط علی رقاب الناس ، ولو فعلها لقتلوه.

ذکره البلاذری فی الأنساب (5 / 16) ، وفی لفظ آخر له (ص 17) : قیل : طلحة؟ قال : أنفه فی السماء واسته فی الماء.

نظرة فی الخلافة التی جاء بها القوم :

قال الأمینی : هذا ما جاء به القوم من الخلافة الإسلامیّة والإمامة العامّة ، فهی عندهم لیست إلاّ رئاسة عامّة لتدبیر الجیوش ، وسدّ الثغور ، وردع الظالم ، والأخذ للمظلوم ، وإقامة الحدود ، وقسم الفیء بین المسلمین ، والدفع بهم فی حجّهم وغزوهم ، ولا یشترط فیها نبوغ فی العلم زائداً علی علم الرعیّة ، بل هو والأمّة فی علم الشریعة سیّان ، ویکفی له من العلم ما یکون عند القضاة ، وهؤلاء القضاة بین یدیک وأنت جدّ علیم بعلمهم ویسعک إمعان النظر فیه من کثب ، ولا ینخلع الإمام بفسقه وظلمه

ص: 197

وجوره وفجوره ، ویجب علی الأمّة طاعته علی کلّ حال برّا کان أو فاجراً ، ولا یسوغ لأحد مخالفته ولا القیام علیه والتنازع فی أمره.

فعلی هذا الأساس کان یزحزح خلفاء الانتخاب الدستوری فی القضاء والإفتاء عن حکم الکتاب والسنّة ولم یکن هناک أیّ وازع ، ولم یکن یوجد قطّ أحد یأمر بالمعروف وینهی عن المنکر ؛ خوفاً ممّا افتعلته ید السیاسة ؛ وجعلت به علی الأفواه أوکیة (1).

من حدیث عرفجة مرفوعاً : ستکون هنات وهنات ؛ فمن أراد أن یفرّق أمر هذه الأمّة وهی جمیع فاضربوه بالسیف کائناً من کان (2).

وروایة عبد الله مرفوعاً : ستکون بعدی أثرة وأمور تنکرونها. قالوا : یا رسول الله کیف تأمر من أدرک منّا ذلک؟ قال : تؤدّون الحقّ الذی علیکم ، وتسألون الله الذی لکم. صحیح مسلم (3) (2 / 118)

وعلی هذا الأساس تمکّن معاویة بن أبی سفیان من أن یجلس بالکوفة للبیعة ویبایعه الناس علی البراءة من علیّ بن أبی طالب. البیان والتبیین (4) (2 / 85).

وعلی هذا الأساس أقرّ عبد الله بن عمر بیعة یزید الخمور ، قال نافع : لمّا خلع أهل المدینة یزید بن معاویة جمع ابن عمر حشمه وموالیه. وفی روایة سلیمان : حشمه وولده وقال : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : «ینصب لکلّ غادر لواء یوم القیامة». زاد الزهرانی : قال : وإنّا قد بایعنا هذا الرجل علی بیعة الله ورسوله ، وإنّی لا أعلم غدراً أعظم من أن تبایع رجلاً علی بیعة الله ورسوله ثمّ تنصب له القتال ، وإنّی لا أعلم أحداً منکم خلع ولا بایع فی هذا الأمر إلاّ کانت الفیصل فیما بینی وبینه. 2.

ص: 198


1- جمع وکاء ، وهو ما یشدّ به الکیس وغیره.
2- صحیح مسلم : 2 / 121 [ 4 / 127 ح 59 ] ، سنن أبی داود : 2 / 283 [ 4 / 242 ح 4762 ]. (المؤلف)
3- صحیح مسلم : 4 / 120 ح 45 کتاب الإمارة.
4- البیان والتبیین : 2 / 72.

وفی لفظ : إنّ عبد الله بن عمر جمع أهل بیته حین انتزی أهل المدینة مع عبد الله ابن الزبیر ، وخلعوا یزید بن معاویة ، فقال : إنّا بایعنا هذا الرجل علی بیعة الله ورسوله ، وإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : إنّ الغادر ینصب له لواء یوم القیامة فیقال : هذه غدرة فلان ، وإنّ من أعظم الغدر بعد الإشراک بالله أن یبایع رجل رجلاً علی بیع الله ورسوله ، ثمّ ینکث بیعته ، ولا یخلعن أحد منکم یزید ، ولا یشرفن أحد منکم فی هذا الأمر فیکون صیلماً بینی وبینه (1).

وعلی هذا الأساس جاء عن حمید بن عبد الرحمن أنّه قال : دخلت علی یُسَیر الأنصاری الصحابیّ حین استخلف یزید بن معاویة فقال : إنّهم یقولون : إنّ یزید لیس بخیر أمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أقول ذلک ، ولکن لَأن یجمع الله أمر أمّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم أحبّ إلیّ من أن یفترق ، قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم : لا یأتیک فی الجماعة إلاّ خیر (2).

وعلی هذا الأساس تکلّمت عائشة فیما رواه الأسود بن یزید قال : قلت لعائشة : ألا تعجبین من رجل من الطلقاء ینازع أصحاب محمد فی الخلافة؟ قالت : وما تعجب من ذلک؟ هو سلطان الله یؤتیه البرّ والفاجر ، وقد ملک فرعون أهل مصر أربعمائة سنة (3).

وعلی هذا الأساس یوجّه قول مروان بن الحکم ، قال : ما کان أحد أدفع عن عثمان من علیّ ، فقیل له : ما لکم تسبّونه علی المنابر؟ قال : إنّه لا یستقیم لنا الأمر إلاّ بذلک (4) ف)

ص: 199


1- صحیح البخاری : 1 / 166 [ 6 / 2603 ح 6694 ] ، سنن البیهقی : 8 / 159 ، 160 ، مسند أحمد : 2 / 96 [ 2 / 228 ح 5676 ]. (المؤلف)
2- الاستیعاب : 2 / 635 [ القسم الرابع / 1584 رقم 2812 ] ، أُسد الغابة : 5 / 126 [ 5 / 520 رقم 5633 ]. (المؤلف)
3- أخرجه ابن أبی حاتم کما فی الدرّ المنثور : 6 / 19 [ 7 / 383 ]. (المؤلف)
4- الصواعق المحرقة : ص 33 [ ص 55 ]. (المؤلف)

وعلی هذا الأساس صحّ قتل معاویة عبد الرحمن بن خالد لمّا أراد البیعة لیزید ، أنّه خطب أهل الشام وقال لهم : یا أهل الشام إنّه قد کبرت سنّی ، وقرب أجلی ، وقد أردت أن أعقد لرجل یکون نظاماً لکم ، إنّما أنا رجل منکم فروا رأیکم ؛ فأصقعوا واجتمعوا وقالوا : رضینا عبد الرحمن بن خالد (1) فشقّ ذلک علی معاویة وأسرّها فی نفسه ، ثمّ إنّ عبد الرحمن مرض فأمر معاویة طبیباً عنده یهودیّا وکان عنده مکیناً أن یأتیه فیسقیه سقیة یقتله بها ، فأتاه فسقاه فانخرق بطنه فمات ، ثمّ دخل أخوه المهاجر ابن خالد دمشق مستخفیاً هو وغلام له فرصدا ذلک الیهودی فخرج لیلاً من عند معاویة فهجم علیه ومعه قوم هربوا عنه ، فقتله المهاجر.

ذکره أبو عمر فی الاستیعاب (2) (2 / 408) فقال : وقصّته هذه مشهورة عند أهل السیر والعلم بالآثار والأخبار اختصرناها. ذکرها عمر بن شبّه فی أخبار المدینة ، وذکرها غیره ، وذکرها ابن الأثیر فی أُسد الغابة (3) (3 / 289).

وعلی هذا الأساس یتمّ اعتذار شمر بن ذی الجوشن قاتل الإمام السبط فی ما رواه أبو إسحاق ، قال : کان شمر بن ذی الجوشن یصلّی معنا ثمّ یقول : اللهم إنّک شریف تحبّ الشرف ، وإنّک تعلم أنّی شریف فاغفر لی. قلت : کیف یغفر الله لک وقد أعنت علی قتل ابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : ویحک فکیف نصنع؟ إنّ أُمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم کنّا شرّا من هذه الحمر الشقاة (4) (5). ة.

ص: 200


1- صحابی من فرسان قریش له هدی حسن وفضل وکرم إلاّ أنّه کان منحرفاً عن علیّ وبنی هاشم. أُسد الغابة : 3 / 289 [ 3 / 440 رقم 3287 ]. (المؤلف)
2- الاستیعاب : القسم الثانی / 829 رقم 1402.
3- أُسد الغابة : 3 / 440 رقم 3287.
4- تاریخ ابن عساکر : 6 / 338 [ 23 / 189 رقم 2762 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 10 / 332 ] ، میزان الاعتدال للذهبی : 1 / 449 [ 2 / 280 رقم 3742 ]. (المؤلف)
5- فی المصادر الثلاثة المتقدمة : السقاة.

وفی لفظ : اللهم اغفر لی فإنّی کریم لم تلدنی اللئام. فقلت له : إنّک لسیّئ الرأی والفکر تسارع إلی قتل ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتدعو بهذا الدعاء؟ فقال : إلیک عنّی ، فلو کنّا کما تقول أنت وأصحابک لکنّا شرّا من الحمر فی الشعاب.

وعلی هذا الأساس جری ما جری علی أبی بکر الطائی وأصحابه. قال سلیمان ابن ربوة : اجتمعت أنا وعشرة من المشایخ فی جامع دمشق فیهم أبو بکر بن أحمد بن سعید الطائی فقرأنا فضائل علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه ، فوثب علینا قریب من مائة یضربوننا ویسحبوننا إلی الوالی ، فقال لهم أبو بکر الطائی : یا سادة اسمعوا لنا إنّما قرأنا الیوم فضائل علیّ وغداً نقرأ فضائل أمیر المؤمنین معاویة رضی الله عنه ، وقد حضرتنی أبیات فإن رأیتم أن تسمعوها ، فقالوا له : هات ، فأنشأ بدیهاً :

حبُّ علیّ کلّهُ ضربُ

یرجف من خیفته القلبُ

ومذهبی حبُّ إمامِ الهدی

یزیدَ والدینُ هو النَّصبُ

من غیرَ هذا قال فهو امرؤ

لیس له عقلٌ ولا لبُ

والناسُ مَن یغدُ لأهوائِهمْ

یسلم وإلاّ فالقضا نهبُ

قال : فخلّوا عنّا. تمام المتون للصفدی (1) (ص 188).

وعلی هذا الأساس هتکت حرمات آل الله ، وأُضیعت مقدّسات العترة الهادیة ، وسُفکت دماء الأبریاء الأزکیاء من شیعة أهل البیت الطاهر ، وشاع وذاع لعن سیّد العترة نفس النبیّ الأقدس ، والمطهّر بلسان الله علی صهوات المنابر ، واتّخذه خلفاء بنی أُمیّة سنّة متّبعة فی أرجاء العالم الإسلامی ، حتی وبّخ معاویة سعد بن أبی وقاص لسکوته عن سبّ أبی السبطین مولانا أمیر المؤمنین (2) حتی تمکّن عبد الله بن ف)

ص: 201


1- تمام المتون : ص 251.
2- راجع الجزء الثالث : ص 200. (المؤلف)

الولید بن عثمان بن عفّان من أن قام إلی هشام بن عبد الملک عشیّة عرفة وهو علی المنبر فقال : یا أمیر المؤمنین إنّ هذا یوم کانت الخلفاء تستحبّ فیه لعن أبی تراب (1).

وقال سعید بن عبد الله لهشام بن عبد الملک : یا أمیر المؤمنین إنّ أهل بیتک فی مثل هذه المواطن الصالحة لم یزالوا یلعنون أبا تراب ، فالعنه أنت أیضاً (2).

وعلی هذا الأساس من معنی الخلافة لا عسف ولا حزازة فی رأی الخلیفة الأوّل ومن حذا حذوه من صحّة اختیار المفضول علی الفاضل ، وتقدیم المتأخّر علی المتقدّم بأعذار مفتعلة ، وأوهام مختلقة ، ومرجّحات واهیة ، وسیاسة وقتیّة ، إذ الأمر الذی لا یشترط فی صاحبه شیء من القداسة الروحیّة ، والملکات الفاضلة ، والخلائق الکریمة ، والنفسیّات الشریفة ، ومعالم ومعارف ، ومدارج ومراتب ، ولا یؤاخذ هو بما فعل ، ولا یخلع بتعطیل الأحکام ، وترک إقامة الحدود ، ولا ینابذ ما دام یقیم فی أمّته الصلاة ، کما سمعت تفصیل ذلک کلّه ، لا وازع عندئذٍ من أن یکون أمثال أبی عبیدة الجرّاح حفّار القبور حاملاً لهذا العبء الثقیل ، متحلّیاً بأبراد الخلافة ولا مانع من تقدیم الخلیفة الأوّل إیّاه أو صاحبه علی نفسه فی بدء الأمر ، ولا حاجز من اختیار أیّ مستأهل لتنفیذ ما ذکر (ص 138) ممّا یُقام له الإمام ولو بمعونة سماسرته وجلاوزته ومن یهمّه أمره ، بل من له الشدّة والفظاظة والعنف والتهوّر إلی أمثالها ربّما یکون أولی من غیره مهما اقتضته السیاسة الوقتیّة.

واتّبع الأکثرون الخلیفة فی تقدیم المفضول علی الفاضل ، قال القاضی فی المواقف (3) : جوّز الأکثرون إمامة المفضول مع وجود الفاضل ، إذ لعلّه أصلح للإمامة من الفاضل ، إذ المعتبر فی ولایة کلّ أمر معرفة مصالحه ومفاسده ، وقوّة القیام 3.

ص: 202


1- رسائل الجاحظ : ص 92 [ ص 435 الرسائل السیاسیة ] ، أنساب البلاذری : 5 / 116. (المؤلف)
2- تاریخ ابن کثیر : 9 / 432 [ 9 / 262 حوادث سنة 606 ه ]. (المؤلف)
3- المواقف فی علم الکلام : ص 413.

بلوازمه ، وربّ مفضول فی علمه وعمله هو بالزعامة أعرف ، وبشرائطها أقوم ، وفصّل قوم فقالوا : نصب الأفضل إن أثار فتنة لم یجب وإلاّ وجب. وقال الشریف الجرجانی : کما إذا فرض أنّ العسکروالرعایة لاینقادون للفاضل بل للمفضول شرح المواقف (1)(3 / 279).

قال الأمینی : إنّا لا نرید بالأفضل إلاّ الجامع لجمیع صفات الکمال التی یمکن اجتماعها فی البشر لا الأفضلیّة فی صفة دون أُخری ، فیکون حینئذٍ الأفقه مثلاً هو الأبصر بشؤون السیاسة ، والأعرف بمصالح الأمور ومفاسدها ، والأثبت فی إدارة الصالح العامّ ، والأبسل فی مواقف الحروب ، والأقضی فی المحاکمات ، والأخشن فی ذات الله ، والأرأف بضعفاء الأمّة ، والأسمح علی محاویج الملأ الدینی ، إلی أمثالها من الشرائط والأوصاف ، إذن فلا تصویر لما حسبوه من أنّ المفضول قد یکون أقدر وأعرف وأقوم.

وعلی المولی سبحانه أن لا یخلی الوقت عن إنسان هو کما قلناه ، بعد أن أثبتنا أنّ تقییضه من اللطف الواجب علیه سبحانه ، وهو عدیل القرآن الکریم ، ولا یفترقا حتی یردا علی النبیّ الحوض.

وأمّا من لا ینقاد له من الجیش وغیره فهو کمن لا ینقاد لصاحب الرسالة ، لا یزحزح بذلک صاحب الأمر عمّا قیّضه الله له من الولایة الکبری ، بل یجب علی بقیّة الأمّة إخضاعهم کما أخضعوا أهل الردّة أو من حسبوه منهم ، وأن یفوّقوا إلیه سهم الجنّ کما فوّقوه إلی سعد بن عبادة أمیر الخزرج.

ولم تکن للخلیفة مندوحة عن رأیه فی تقدیم المفضول ، وما کان إلاّ تصحیحاً لخلافة نفسه ، ولتقدّمه علی من قدّسه المولی سبحانه فی کتابه العزیز ، ورآه نفس النبیّ 3.

ص: 203


1- شرح المواقف : 8 / 373.

الأقدس وقرن طاعته بطاعته ، وولایته بولایته ، وأکمل به الدین ، وأتمّ به النعمة ، وأمر نبیّه بالبلاغ وضمن له العصمة من الناس ، وهتف هاتف الوحی بولایته وأولویّته بالمؤمنین من أنفسهم فی محتشد رهیب بین مائة ألف أو یزیدون قائلاً : «یا أیّها الناس إنّ الله مولای ، وأنا مولی المؤمنین ، وأنا أولی بهم من أنفسهم من کنت مولاه فعلیّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه».

ولم تکن تخفی لأیّ أحد فضائل أبی السبطین وملکاته وروحیّاته ، وطیب عنصره ، وطهارة محتده ، وقداسة مولده ، وعظمة شأنه ، وبُعد شأوه فی حزمه وعزمه وسبقه فی الإسلام ، وتفانیه فی ذات الله ، وأفضلیته فی العلم والفضائل کلّها.

نعم ؛ علی رأی الخلیفة فی تقدیم المفضول علی الفاضل وقع الانتخاب من أوّل یومه ، فبویع أبو بکر بعقد رجلین لیس إلاّ : عمر بن الخطّاب وأبی عبیدة الحفّار ابن الجرّاح ، وکان الأمر أمر نهار قضی لیلاً ، مدبّراً بین أولئک الرجال مؤسّسی الانتخاب الدستوری ، وما اتّبعهما یوم ذاک إلاّ أُسید بن حضیر ، وبشر بن سعد ، ثمّ دَرْدَب الناس لمّا عضّه الثقاف (1) واتّسع الخرق علی الراقع ، وما أُدرکت القویمة حتی أکلتها الهویمة (2) ، وأصبح المصلح الهضیم یقول : دع الرجل واختیاره (3) ، وإنّ فی الشرّ خیاراً ، ولا یجتنی من الشوک العنب.

بویع أبو بکر ودبّ قمله (4) ، وقسمت الوظائف الدینیّة من أوّل یومه بین ثلاث : له الإمامة ، وقال عمر : وإلیّ القضاء. وقال أبو عبیدة : وإلیّ الفیء. وقال عمر : فلقد ف)

ص: 204


1- مثلٌ یضرب لمن یمتنع مما یراد منه ثم یذلّ وینقاد [ مجمع الأمثال : 1 / 464 رقم 1383 ]. (المؤلف)
2- أصل المثل : أدرک القویمة لا تأکلها الهویمة. والمراد : إدراک الرجل الجاهل حتی لا یقع فی هلکة [ المستقصی فی أمثال العرب : 1 / 116 رقم 453 ]. (المؤلف)
3- مثل یضرب لمن لا یقبل الوعظ. (المؤلف)
4- مثل یضرب للإنسان إذا سمن وحسن حاله [ مجمع الأمثال : 1 / 470 رقم 1403 ]. (المؤلف)

کان یأتی علیّ الشهر ما یختصم إلیّ فیه اثنان (1) ، ولم یکن هناک من یزعم أو یفوه بأفضلیّة أبی بکر وعمر من مولانا أمیر المؤمنین ، هذا أبو بکر ینادی علی صهوات المنابر : ولّیت ولست بخیرکم ، ولی شیطان یعترینی. ویطلب من أمّته العون له علی نفسه وإقامة أمته وعوجه (2).

وهذا عمر بن الخطّاب ونصوصه بین یدیک. علی أنّ الأمر کان لعلیّ غیر أنّهم زحزحوه عنه لحداثة سنّه والدماء التی علیه (3) ، أو لِما قاله لمّا عزم علی الاستخلاف : لله أبوک لو لا دعابة فیک ، کما فی الغیث المنسجم للصفدی (4) (1 / 168) ، وکان یدعو الله ربّه أن لا یبقیه لمعضلة لیس فیها أبو الحسن ، ویری أنّ علیّا لولاه لضلّ هو (5) ، ولولاه لهلک هو ، ولولاه لافتضح هو ، وعقمت النساء أن یلدن مثل علیّ. إلی کثیر ممّا مرّ عنه فی الجزء السادس فی نوادر الأثر ، ولم یکن قط یختلج فی هواجس ضمیره ولن یختلج - وأنّی یختلج؟ - أنّه کان یماثل مولانا علیّا فی إحدی فضائله ، أو یدانیه فی شیء منها ، أو یبعد عنه بقلیل.

وبعد ما عرفت معنی الخلافة عند القوم ، ووقفت علی رأی سلفهم فیها وفی مقدّمهم الخلیفة الأوّل ، هلمّ معی إلی التهافت بین تلکم الکلمات وبین مزاعم أخری جنح إلیها لفیف آخر : (وَلَوْ کانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً) (6).

قال أحمد بن محمد الوتری البغدادی فی روضة الناظرین (ص 2) : اعلم أنّ جماهیر أهل السنّة والجماعة یعتقدون أنّ أفضل الناس بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أبو بکر ثمّ 2.

ص: 205


1- طبقات ابن سعد : 3 / 130 [ 3 / 184 ]. (المؤلف)
2- راجع ما مرّ فی هذا الجزء : ص 118. (المؤلف)
3- راجع ما مرّ فی الجزء الأوّل : ص 389 ، وفی هذا الجزء : ص 80. (المؤلف)
4- الغیث المنسجم : 1 / 276.
5- التمهید للباقلاّنی : ص 199. (المؤلف)
6- النساء : 82.

عمر ثمّ عثمان ثمّ علیّ رضی الله تعالی عنهم ، وأنّ المتقدّم فی الخلافة هو المقدّم فی الفضیلة لاستحالة تقدیم المفضول علی الفاضل لأنّهم کانوا یراعون الأفضل فالأفضل ، والدلیل علیه أنّ أبا بکر رضی الله عنه لما نصّ علی عمر رضی الله عنه قام إلیه طلحة رضی الله عنه فقال له : ما تقول لربّک وقد ولّیت علینا فظاً غلیظاً؟ قال أبو بکر رضی الله عنه : فرکت لی عینیک ، ودلکت لی عقبیک ، وجئتنی تکفّنی عن رأیی ، وتصدّنی عن دینی أقول له إذا سألنی : خلّفت علیهم خیر أهلک. فدلّ علی أنّهم کانوا یُراعون الأفضل فالأفضل. انتهی.

وأنت تری أنّ هذه المزعمة فیها دجل لإغراء البسطاء من الأمّة المسکینة وهی تصادم رأی الجمهور ونظریّات علماء الکلام منهم ، وعمل الصحابة ونصوصهم ، وقبل کلّ شیء رأی الخلیفة أبی بکر ، وکأنّ ما حسبه من الاستحالة قد خفی علی الخلیفة وعلی من آزره علی أمره ، واعتنق إمامته فی القرون والأجیال من بعده.

وکأنّ أفضلیّة الرجل الفظّ الغلیظ کانت تخفی علی الصحابة ، ولم یکن یعلمها أحد فأعرب عنها أبو بکر ، وکأنّ التاریخ ونوادر الأثر لم تکن بین یدی الوتری حتی یعرف مقادیر الرجال ، ولا یغلو فیهم ، ولا یتحکّم ولا یجازف فی القول ولا یسرف فی الکلام ویعلم بأنّ عمر لو کان خیر الأمّة وتلک سیرته ونوادر أثره فعلی الإسلام السلام.

نعم ؛ إنّما هی أهواء وشهوات أخذ کلّ بطرف منها ، وفتاوی مجرّدة هملج وراءها کلّ حسب میوله ، ونحن نضع عقلک السلیم مقیاساً بین هذین الإمامین : من نصفه نحن ، ومن یقول به هؤلاء. فراجعه إلی أیّهما یجنح ، وأیّا منهما یتّخذه وسیلة بینه وبین ربّه سبحانه ، وأیّهما یحقّ له أن یستحوذ علی رقاب المسلمین ونفوسهم ونوامیسهم وأحکامهم فی دنیاهم وأخراهم؟ إن لم تکن فی میزان نصفته عین. فویل للمطفّفین.

ص: 206

- 6 -

رأی الخلیفة فی القَدَر

أخرج اللالکائی فی السنّة عن عبد الله بن عمر قال : جاء رجل إلی أبی بکر فقال : أرأیت الزنا بقدر؟ قال : نعم. قال : فإنّ الله قدّره علیّ ثمّ یعذّبنی؟ قال : نعم ، یا ابن اللخناء ، أما والله لو کان عندی إنسان أمرت أن یجأ (1) أنفک (2).

قال الأمینی : أتری الخلیفة عرف معنی القدر الصحیح؟ بمعنی ثبوت الأمر الجاری فی العلم الأزلی الالهی ، مع إعطاء القدرة علی الفعل والترک ، مع تعریف الخیر والشرّ وتبیان عاقبة الأوّل ومغبّة الأخیر.

(إِنَّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمَّا شاکِراً وَإِمَّا کَفُوراً) (3) (وَهَدَیْناهُ النَّجْدَیْنِ) (4) (وَمَنْ شَکَرَ فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌّ کَرِیمٌ) (5) (وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ) (6).

کلّ ذلک مع تکافؤ العقل والشهوة فی الإنسان ، مع خلق عوامل النجاح تجاه النفس الأمّارة بالسوء ، فمن عاملٍ بالطاعة بحسن اختیاره ، ومن مقترفٍ للمعصیة بسوء الخیرة.

(فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ) (7) (فَمَنِ اهْتَدی 2.

ص: 207


1- وجأ عنقه : ضربه ، ووجأه : رضّه ودقّه. (المؤلف)
2- تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 65 [ ص 89 ]. (المؤلف)
3- الإنسان : 3.
4- البلد : 10.
5- النمل : 40.
6- لقمان : 12.
7- فاطر : 32.

فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها) (1) (فَمَنِ اهْتَدی فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها) (2) (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَیْها ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ) (3) (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِیَ فَعَلَیْها) (4) (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلی نَفْسِی وَإِنِ اهْتَدَیْتُ فَبِما یُوحِی إِلَیَّ رَبِّی) (5) (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) (6) (إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدی) (7) (رَبِّی أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدی وَمَنْ هُوَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ) (8).

فالقدَر لا یستلزم جبراً وعلم المولی سبحانه بمقادیر ما یختاره العباد من النجدین ویأتون به من العمل من خیر أو شرّ لا ینافی التکلیف. کما لا أثر له فی اختیار المکلّفین ، ولا یقبح معه العقاب علی المعصیة ، ولا یسقط معه الثواب علی الطاعة.

(فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ* وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ) (9) (وَنَضَعُ الْمَوازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً وَإِنْ کانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَیْنا بِها وَکَفی بِنا حاسِبِینَ) (10) (الْیَوْمَ تُجْزی کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْیَوْمَ) (11) (فَکَیْفَ 7.

ص: 208


1- الإسراء : 15.
2- الزمر : 41.
3- الجاثیة : 15.
4- الأنعام : 104.
5- سبأ : 50.
6- الإسراء : 7.
7- النجم : 30.
8- القصص : 85.
9- الزلزلة : 7 و 8.
10- الأنبیاء : 47.
11- غافر : 17.

إِذا جَمَعْناهُمْ لِیَوْمٍ لا رَیْبَ فِیهِ وَوُفِّیَتْ کُلُّ نَفْسٍ ما کَسَبَتْ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ) (1).

فهل الخلیفة عرف هذا المعنی من القدَر ، فأجاب بما أجاب؟ لکن السائل لم یفهم ما أراده فانتقده بما انتقد؟ غیر أنّه لو کان یرید ذلک لَما جابَه المنتقد بالسباب المقذع والتمنِّی بأن یکون عنده من یجأ أنفه قبل بیان المراد فیفیء الرجل إلی الحقّ.

أو أنّ الخلیفة لم یکن یعرف من القدَر إلاّ ما ارتفعت به عقیرة جماهیر من أشیاعه من القول بخلق الأعمال؟ فیتّجه إذن ما قاله المنتقد سبّه الخلیفة أو لم یسبّه.

والذی یؤثر عن ابنته عائشة هو الجنوح إلی المعنی الثانی یوم اعتذرت عن نهضتها علی مولانا أمیر المؤمنین ، وتبرّجها عن خدرها المضروب لها تبرّج الجاهلیّة الأولی بعد أن لیمت علی ذلک ، بأنّها کانت قدَراً مقدوراً وللقدَر أسباب. أخرجه الخطیب البغدادی بإسناده فی تاریخه (1 / 160).

وإن کان یوقفنا موقف السادر ما یؤثر عنها فیما أخرجه الخطیب أیضاً فی تاریخه (9 / 185) عن عروة قال : ما ذکرت عائشة مسیرها فی وقعة الجمل قطّ إلاّ بکت حتی تبلّ خمارها وتقول : یا لیتنی کنت نسیاً منسیّا (2). قال سفیان الثوری : النسی المنسی الحیضة الملقاة.

کأنّها کانت تری مسیرها حوباً کبیراً جدیراً أن تبکی علیه مدی الدهر ، وتبلّ بدمعها خمارها ، وتتمنّی ما تمنّت ، وهذا ینافی ذلک الاعتذار البارد المأخوذ أصله عن ف)

ص: 209


1- آل عمران : 25.
2- وذکره ابن الأثیر فی النهایة : 4 / 151 [ 5 / 51 ] ، وابن منظور فی لسان العرب : 20 / 196 [ 14 / 133 ] ، والزبیدی فی تاج العروس : 10 / 367. (المؤلف)

رأی أبیها الخلیفة الذی لم یجد مساغاً فی دفع ما یتّجه علیه إلا السباب.

- 7 -

ترک الخلیفة الضحیّة مخافة أن تُستنَ

قد مرّ فی الجزء السادس (ص 167) من الصحیح الوارد فی أنّ أبا بکر وعمر کانا لا یضحّیان کراهة أن یقتدی بهما ، فیظنّ فیها الوجوب. وقد استوفینا حقّ القول هناک فراجع.

- 8 -

ردّة بنی سلیم

عن هشام بن عروة ، عن أبیه ، قال : کان فی بنی سلیم ردّة ، فبعث إلیهم أبو بکر خالد بن الولید ، فجمع رجالاً منهم فی الحظائر ثمّ أحرقها علیهم بالنار ، فبلغ ذلک عمر فأتی أبا بکر فقال : تدع رجلاً یعذّب بعذاب الله عزّ وجلّ. فقال أبو بکر : والله لا أشیم سیفاً سلّه الله علی عدوّه حتی یکون هو الذی یشیمه ، ثمّ أمره فمضی من وجهه ذلک إلی مسیلمة. الریاض النضرة (1) (1 / 100)

لیس فی هذا الجواب مخرج عن اعتراض عمر فقد جاء فی الکتاب العزیز قوله تعالی : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیا وَلَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ) (2).

وصحّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم النهی عن الإحراق وقوله : «لا یُعذّب بالنار إلاّ ربّ النار». 3.

ص: 210


1- الریاض النضرة : 1 / 129.
2- المائدة : 33.

وقوله : «إنّ النار لا یعذّب بها إلاّ الله» ، وقوله : «لا یعذّب بالنار إلاّ ربّها» (1) ، وقوله : «من بدّل دینه فاقتلوه» (2) ، وقوله : «لا یحلّ دم امرئ مسلم یشهد أن لا اله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله إلاّ بإحدی ثلاث : زناً بعد إحصان فإنّه یرجم ، ورجل یخرج محارباً لله ورسوله فإنّه یُقتل أو یُصلب أو یُنفی من الأرض ، أو یقتل نفساً فیُقتل بها».

سنن أبی داود (2 / 219) ، مصابیح السنّة (2 / 59) ، مشکاة المصابیح (ص 300) (3).

وأمّا فعل أمیر المؤمنین علیه السلام بعبد الله بن سبأ وأصحابه فلم یکن إحراقاً ولکن حفر لهم حفائر ، وخرق بعضها إلی بعض ، ثمّ دخّن علیهم حتی ماتوا کما قال عمّار الدهنی ، فقال عمرو بن دینار : قال الشاعر :

لترمِ بی المنایا حیث شاءت

إذا لم ترمِ بی فی الحفرتینِ

إذا ما أجَّجوا حطباً وناراً

هناک الموت نقداً غیر دینِ (4)

وأمّا قول أبی بکر : لا أشیم سیفاً. الخ. فهو تحکّم تجاه النصّ النبویّ ، وما کان السیف أنطق من القول ، ومتی شهر الله سبحانه هذا السیف صاحب الدواهی الکبری ف)

ص: 211


1- صحیح البخاری : 4 / 325 [ 3 / 1098 ح 2853 ] کتاب الجهاد باب : لا یعذّب بعذاب الله ، مسند أحمد : 3 / 494 [ 4 / 550 ح 15604 ] ، 2 / 307 [ 2 / 592 ح 8007 ] ، سنن أبی داود : 2 / 219 [ 3 / 54 - 55 ح 2673 ، 2675 ] ، صحیح الترمذی [ 4 / 117 ح 1571 ] ، سنن البیهقی : 9 / 71 ، 72 ، مصابیح السنّة : 2 / 57 ، 58 [ 2 / 528 ح 2658 و 530 ح 2667 ] ، تیسیر الوصول : 1 / 236 [ 1 / 279 ح 16 ]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 10 / 83 [ 6 / 2537 ح 6524 ] کتاب استتابة المرتدّین ، سنن أبی داود : 2 / 219 [ 4 / 126 ح 4351 ] ، مصابیح السنّة : 2 / 57 [ 2 / 528 ح 2658 ]. (المؤلف)
3- سنن أبی داود : 4 / 126 ح 4353 ، مصابیح السنّة : 2 / 531 ح 2669 ، مشکاة المصابیح : 2 / 304 ح 3544.
4- سنن البیهقی : 9 / 71. (المؤلف)

والطامّات فی یومه هذا؟ ویومه الآخر المخزی فی بنی حنیفة ومع مالک بن نویرة وأهله؟ ویومه قبلهما مع بنی جذیمة الذی تبرّأ فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من عمله؟ إلی غیرها من المخاریق والمخازی التی تغمد بها هذا السیف.

- 9 -

حرق الخلیفة الفجاءة

قدم علی أبی بکر رجل من بنی سلیم یقال له الفجاءة ، وهو إیاس بن عبد الله ابن عبد یالیل بن عمیرة بن خفاف فقال لأبی بکر : إنّی مسلم وقد أردت جهاد من ارتدّ من الکفّار فاحملنی وأعنّی ، فحمله أبو بکر علی ظهر وأعطاه سلاحاً ، فخرج یستعرض الناس المسلم والمرتدّ یأخذ أموالهم ویصیب من امتنع منهم ومعه رجل من بنی الشرید یقال له نجبة بن أبی المیثاء. فلمّا بلغ أبا بکر خبره کتب إلی طریفة بن حاجز : إنّ عدوّ الله الفجاءة أتانی یزعم أنّه مسلم ویسألنی أن أقوّیه علی من ارتدّ عن الإسلام فحملته وسلّحته ثمّ انتهی إلیّ من یقین الخبر أنّ عدوّ الله قد استعرض الناس المسلم والمرتدّ یأخذ أموالهم ویقتل من خالفه منهم ، فسر إلیه بمن معک من المسلمین حتی تقتله أو تأخذه فتأتینی به فسار إلیه طریفة ، فلمّا التقی الناس کانت بینهم الرمیّا بالنبل فقتل نجبة بن أبی المیثاء بسهم رُمی به ، فلمّا رأی الفجاءة من المسلمین الجدّ قال لطریفة : والله ما أنت بأولی بالأمر منّی أنت أمیر لأبی بکر وأنا أمیره ، فقال له طریفة : إن کنت صادقاً فضع السلاح وانطلق إلی أبی بکر فخرج معه ، فلمّا قدما علیه أمر أبو بکر طریفة بن حاجز فقال : اخرج به إلی هذا البقیع فحرّقه فیه بالنار. فخرج به طریفة إلی المصلّی فأوقد له ناراً فقذفه فیها.

وفی لفظ الطبری : فأوقد له ناراً فی مصلّی المدینة علی حطب کثیر ثمّ رمی فیها مقموطاً.

ص: 212

وفی لفظ ابن کثیر : فجمعت یداه إلی قفاه وألقی فی النار فحرّقه وهو مقموط (1).

قال الأمینی : القول فی هذا کالذی سبقه من عدم جواز الإحراق بالنار والتعذیب بها ، علی أنّ الفجاءة کان متظاهراً بالإسلام وتلقّاه الخلیفة بالقبول یوم أعطاه ظهراً وسلّحه ، وإن کان فاسقاً بالجوارح علی ما انتهی إلی الخلیفة من یقین الخبر ، ولم یکن سیف الله مشهوراً هاهنا حتی یتورّع عن إغماده ، ولا یُدّعی مثله لطریفة حتی یکون معذّراً فی مخالفة النصّ الشریف ، ولعلّ لذلک کلّه ندم أبو بکر نفسه یوم مات عن فعله ذلک کما فی الصحیح الآتی إن شاء الله تعالی. فإلی الملتقی.

والعجب کلّ العجب من دفاع القاضی عضد [ الدین ] الإیجی عن الخلیفة بقوله فی المواقف (2) : إنّ أبا بکر مجتهد ، إذ ما من مسألة فی الغالب إلاّ وله فیها قول مشهور عند أهل العلم ، وإحراق الفجاءة لاجتهاده وعدم قبول توبته ، لأنّه زندیق ، ولا تقبل توبة الزندیق فی الأصحّ.

وجاء بعده القوشجی مدافعاً عن الخلیفة بقوله فی شرح التجرید (ص 482) : إحراقه فجاءة بالنار من غلطة فی اجتهاده ، فکم مثله للمجتهدین!

إقرأ واضحک أو ابک ، زه زه بالاجتهاد تجاه نصّ الکتاب والسنّة ، ومرحباً بمجتهد یخالف دین الله. 3.

ص: 213


1- تاریخ الطبری : 3 / 234 [ 3 / 264 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابن کثیر : 6 / 319 [ 6 / 351 حوادث سنة 11 ه ] ، الکامل لابن الأثیر : 2 / 146 [ 2 / 27 حوادث سنة 11 ه ] ، الإصابة : 2 / 223 [ رقم 4244 ]. (المؤلف)
2- المواقف : ص 403.

- 10 -

رأی الخلیفة فی قصّة مالک

سار خالد بن الولید یرید البطاح حتی قدمها فلم یجد بها أحداً ، وکان مالک بن نویرة قد فرّقهم ونهاهم عن الاجتماع وقال : یا بنی یربوع إنّا دُعینا إلی هذا الأمر فأبطأنا عنه فلم نفلح ، وقد نظرت فیه فرأیت الأمر یتأتّی لهم بغیر سیاسة ، وإذا الأمر لا یسوسه الناس ، فإیّاکم ومناوأة قوم صنع لهم ، فتفرّقوا وادخلوا فی هذا الأمر ، فتفرّقوا علی ذلک ، ولمّا قدم خالد البطاح بثّ السرایا وأمرهم بداعیة الإسلام وأن یأتوه بکلّ من لم یُجب ، وإن امتنع أن یقتلوه ، وکان قد أوصاهم أبو بکر أن یؤذّنوا ویقیموا إذا نزلوا منزلاً فإن أذّن القوم وأقاموا فکفّوا عنهم ، وإن لم یفعلوا فلا شیء إلاّ الغارة ثمّ تقتلوا کلّ قتلة ، الحرق فما سواه ، وإن أجابوکم إلی داعیة الإسلام فسائلوهم فإن أقرّوا بالزکاة فاقبلوا منهم وإن أبوها فلا شیء إلاّ الغارة ، ولا کلمة ، فجاءته الخیل بمالک بن نویرة فی نفر معه من بنی ثعلبة بن یربوع ومن عاصم وعبید وعرین وجعفر فاختلف السریّة فیهم ، وکان فیهم أبو قتادة فکان فیمن شهد أنّهم قد أذّنوا وأقاموا وصلّوا ، فلمّا اختلفوا فیهم أمر بهم فحبسوا فی لیلة باردة لا یقوم لها شیء وجعلت تزداد برداً ، فأمر خالد منادیاً فنادی : ادفئوا أسراکم. وکانت فی لغة کنانة القتل ، فظنّ القوم أنّه أراد القتل ولم یرد إلاّ الدفء فقتلوهم ، فقتل ضرار بن الأزور مالکاً وسمع خالد الواعیة فخرج وقد فرغوا منهم فقال : إذا أراد الله أمراً أصابه. وتزوّج خالد أمّ تمیم امرأة مالک ، فقال أبو قتادة : هذا عملک ، فزبره خالد فغضب ومضی.

وفی تاریخ أبی الفداء : کان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاری حاضرین ، فکلّما خالداً فی أمره ، فکره کلامهما. فقال مالک : یا خالد ابعثنا إلی أبی بکر فیکون هو الذی یحکم فینا. فقال خالد : لا أقالنی الله إن أقلتک وتقدّم إلی ضرار بن الأزور بضرب عنقه.

ص: 214

فقال عمر لأبی بکر : إنّ سیف خالد فیه رهق وأکثر علیه فی ذلک ، فقال : یا عمر تأوّلَ فأخطأ فارفع لسانک عن خالد فإنّی لا أشیم سیفاً (1) سلّه الله علی الکافرین.

وفی لفظ الطبری (2) وغیره : أنّ أبا بکر کان من عهده إلی جیوشه أن إذا غشیتم داراً من دور الناس فسمعتم فیها أذاناً للصلاة فأمسکوا عن أهلها حتی تسألوهم ما الذی نقموا ، وإن لم تسمعوا أذاناً فشنّوا الغارة فاقتلوا وحرّقوا. وکان ممّن شهد لمالک بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعیّ ، وقد کان عاهد الله أن لا یشهد مع خالد بن الولید حرباً أبداً بعدها ، وکان یحدّث أنّهم لمّا غشوا القوم راعوهم تحت اللیل فأخذ القوم السلاح ، قال : فقلنا : إنّا المسلمون. فقالوا : ونحن المسلمون ، قلنا : فما بال السلاح معکم؟ قالوا لنا : فما بال السلاح معکم؟ قلنا : فإن کنتم کما تقولون فضعوا السلاح. قال : فوضعوها ثمّ صلّینا وصلّوا ، وکان خالد یعتذر فی قتله أنّه قال وهو یراجعه : ما إخال صاحبکم إلاّ وقد کان یقول کذا وکذا. قال : أو ما تعدّه لک صاحباً. ثمّ قدّمه فضرب عنقه وعنق أصحابه.

فلمّا بلغ قتلهم عمر بن الخطّاب تکلّم فیه عند أبی بکر فأکثر وقال : عدوّ الله عدا علی امرئ مسلم فقتله ثمّ نزا علی امرأته ، وأقبل خالد بن الولید قافلاً حتی دخل المسجد وعلیه قباء له علیه صدأ الحدید ، معتجراً بعمامة له قد غرز فی عمامته أسهماً ، فلمّا أن دخل المسجد قام إلیه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطّها ثمّ قال : أرئاء؟ قتلت امرأً مسلماً ثمّ نزوت علی امرأته ، والله لأرجمنّک بأحجارک. ولا یکلّمه خالد ابن الولیدو لا یظنّ إلاّ أنّ رأی أبی بکر علی مثل رأی عمر فیه حتی دخل علی أبی بکر ، فلمّا أن دخل علیه أخبره الخبر واعتذر إلیه فعذره أبو بکر وتجاوز عنه ما کان .

ص: 215


1- شام السیف یشیمه إذا أغمده.
2- تاریخ الأمم والملوک : 3 / 279 حوادث سنة 11 ه.

فی حربه تلک. قال : فخرج خالد حین رضی عنه أبو بکر ، وعمر جالس فی المسجد فقال خالد : هلمّ إلیّ یا ابن أمّ شملة. قال فعرف عمر أنّ أبا بکر قد رضی عنه ، فلم یکلّمه ودخل بیته.

وقال سوید : کان مالک بن نویرة من أکثر الناس شَعراً ، وإنّ أهل العسکر أثفّوا برءوسهم القدور ، فما منهم رأس إلاّ وصلت النار إلی بشرته ما خلا مالکاً فإنّ القِدر نضجت وما نضج رأسه من کثرة شعره ، وقی الشعر البشَر حرّها أن یبلغ منه ذلک.

وقال ابن شهاب : إنّ مالک بن نویرة کان کثیر شعر الرأس ، فلمّا قتل أمر خالد برأسه فنصب إثفیة (1) لقِدر فنضج ما فیها قبل أن یخلص النار إلی شئون رأسه.

وقال عروة : قدم أخو مالک متمّم بن نویرة ینشد أبا بکر دمه ویطلب إلیه فی سبیهم فکتب له بردّ السبی ، وألحّ علیه عمر فی خالد أن یعزله ، وقال : إنّ فی سیفه رهقاً. فقال : لا یا عمر لم أکن لأُشیم سیفاً سلّه الله علی الکافرین.

وروی ثابت فی الدلائل : إنّ خالداً رأی امرأة مالک وکانت فائقة فی الجمال ، فقال مالک بعد ذلک لامرأته : قتلتنی. یعنی : سأُقتل من أجلک (2).

وقال الزمخشری وابن الأثیر وأبو الفداء والزبیدی : إنّ مالک بن نویرة رضی الله عنه قال لامرأته یوم قتله خالد بن الولید : أقْتَلْتِنی. أی عرّضتنی بحسنِ وجهکِ للقتل لوجوب الدفع عنکِ ، والمحاماة علیک ، وکانت جمیلة حسناء تزوّجها خالد بعد قتله ، فأنکرف)

ص: 216


1- الإثفیة : حجارة توضع علیها القدور أثناء الطبخ.
2- تاریخ الطبری : 3 / 241 [ 3 / 277 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابن الأثیر : 3 / 149 [ 2 / 32 حوادث سنة 11 ه ] ، أُسد الغابة : 4 / 295 [ 5 / 53 رقم 4648 ] ، تاریخ ابن عساکر : 5 / 105 ، 112 [ 16 / 256 ، 274 رقم 1922 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 8 / 17 - 18 ] ، خزانة الأدب : 1 / 237 [ 2 / 26 ] ، تاریخ ابن کثیر : 6 / 321 [ 6 / 354 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ الخمیس : 2 / 233 [ 2 / 209 ] ، الإصابة : 1 / 414 [ رقم 2201 ] و 3 / 357 [ رقم 7696 ]. (المؤلف)

ذلک عبد الله بن عمر. وقیل فیه :

أفی الحق أنّا لم تجفّ دماؤنا

وهذا عروساً بالیمامة خالدُ (1)

وفی تاریخ ابن شحنة هامش الکامل (2) (7 / 165) : أمر خالد ضراراً بضرب عنق مالک ، فالتفت مالک إلی زوجته وقال لخالد : هذه التی قتلتنی. وکانت فی غایة الجمال ، فقال خالد : بل قتلک رجوعک عن الإسلام. فقال مالک : أنا مسلم. فقال خالد : یا ضرار اضرب عنقه فضرب عنقه ، وفی ذلک یقول أبو نمیر السعدی :

ألا قل لحیّ أُوطِئوا بالسنابکِ

تطاولَ هذا اللیلُ من بعد مالکِ

قضی خالدٌ بغیاً علیه بعرسِهِ

وکان له فیها هویً قبل ذلکِ

فأمضی هواهُ خالدٌ غیرَ عاطفٍ

عنانَ الهوی عنها ولا متمالکِ

وأصبح ذا أهلٍ وأصبحَ مالکٌ

إلی غیر أهلٍ هالکاً فی الهوالکِ

فلمّا بلغ ذلک أبا بکر وعمر قال عمر لأبی بکر : إنّ خالداً قد زنی فاجلده. قال أبو بکر : لا ، لأنّه تأوّل فأخطأ ، قال : فإنّه قتل مسلماً فاقتله. قال : لا ، إنّه تأوّل فأخطأ. ثمّ قال : یا عمر ما کنت لأغمد سیفاً سلّه الله علیهم ، ورثی مالکاً أخوه متمّم بقصائد عدیدة. وهذا التفصیل ذکره أبو الفداء أیضاً فی تاریخه (1 / 158).

وفی تاریخ الخمیس (3) (2 / 233) : اشتدّ فی ذلک عمر وقال لأبی بکر : ارجم خالداً فإنّه قد استحلّ ذلک. فقال أبو بکر : والله لا أفعل ، إن کان خالد تأوّل أمراً فأخطأ ، وفی شرح المواقف (4) : فأشار عمر علی أبی بکر بقتل خالد قصاصاً ، فقال 8.

ص: 217


1- الفائق : 2 / 154 [ 3 / 157 ] ، النهایة : 3 / 257 [ 4 / 15 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 158 ، تاج العروس : 8 / 75. (المؤلف)
2- روضة المناظر : 1 / 191 - 192 حوادث سنة 11 ه.
3- تاریخ الخمیس : 2 / 209.
4- شرح المواقف : 8 / 358.

أبو بکر : لا أغمد سیفاً شهره الله علی الکفار. وقال عمر لخالد : لئن ولیتُ الأمر لأقیدنّک به.

وفی تاریخ ابن عساکر (5 / 112) : قال عمر : إنّی ما عتبت علی خالد إلاّ فی تقدّمه وما کان یصنع فی المال. وکان خالد إذا صار إلیه شیء قسّمه فی أهل الغنی ولم یرفع إلی أبی بکر حسابه ، وکان فیه تقدّم علی أبی بکر یفعل الأشیاء التی لا یراها أبو بکر ، وأقدم علی قتل مالک بن نویرة ونکح امرأته ، وصالح أهل الیمامة ونکح ابنة مجاعة بن مرارة ، فکره ذلک أبو بکر ، وعرض الدیة علی متمّم بن نویرة وأمر خالداً بطلاق امرأة مالک ولم یر أن یعزله ، وکان عمر ینکر هذا وشبهه علی خالد.

نظرة فی القضیة :

قال الأمینی : یحقّ علی الباحث أن یمعن النظرة فی القضیّة من ناحیتین :

الأولی : ما ارتکبه خالد بن الولید من الطامّات والجرائم الکبیرة التی تُنزّه عنها ساحة کلّ معتنق للإسلام ، وتضادّ نداء القرآن الکریم والسنّة الشریفة ، ویتبرّأ منها وممّن اقترفها من آمن بالله ورسوله والیوم الآخر (أَیَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ یُتْرَکَ سُدیً) (1) (أَیَحْسَبُ أَنْ لَنْ یَقْدِرَ عَلَیْهِ أَحَدٌ) (2) (أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ أَنْ یَسْبِقُونا ساءَ ما یَحْکُمُونَ) (3).

بأیّ کتاب أم بأیّة سنّة ساغ للرجل سفک تلکم الدماء الزکیّة من الذین آمنوا بالله ورسوله واتّبعوا سبیل الحقّ وصدّقوا بالحسنی ، وأذّنوا وأقاموا وصلّوا وقد علت عقیرتهم بأنّا مسلمون ، فما بال السلاح معکم؟ (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ یَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا4.

ص: 218


1- القیامة : 36.
2- البلد : 5.
3- العنکبوت : 4.

وَیُحِبُّونَ أَنْ یُحْمَدُوا بِما لَمْ یَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (1).

ما عذر الرجل فی قتل مثل مالک الذی عاشر النبیّ الأعظم ، وأحسن صحبته ، واستعمله صلی الله علیه وآله وسلم علی صدقات قومه ، وقد عُدّ من أشراف الجاهلیّة والإسلام ، ومن أرداف الملوک (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعاً) (2) ، (وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها) (3).

وما ذا أحلّ للرجل شنّ الغارة علی أهل أولئک المقتولین وذویهم الأبریاء وإیذائهم وسبیهم بغیر ما اکتسبوا إثماً ، أو اقترفوا سیّئة ، أو ظهر منهم فساد فی الملأ الدینیّ؟ (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً) (4).

ما هذه القسوة والعنف والفظاظة والتزحزح عن طقوس الإسلام ، وتعذیب رءوس أمّة مسلمة ، وجعلها إثفیةً للقدر وإحراقها بالنار؟ (فَوَیْلٌ لِلْقاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ) (5) (فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ یَوْمٍ أَلِیمٍ) (6).

ما خالد وما خطره بعد ما اتّخذ إلهه هواه ، وسوّلته له نفسه ، وأضلّته شهوته ، وأسکره شبقه؟ فهتک حرمات الله ، وشوّه سمعة الإسلام المقدّس ، ونزا علی زوجة مالک قتیل غیّه فی لیلته (7) (إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِیلاً) (8) ، ولم یکن قتل 2.

ص: 219


1- آل عمران : 188.
2- المائدة : 32.
3- النساء : 93.
4- الأحزاب : 58.
5- الزمر : 21.
6- الزخرف : 65.
7- الصواعق : ص 21 [ ص 36 ] ، تاریخ الخمیس : 2 / 333 [ 2 / 209 ]. (المؤلف)
8- النساء : 22.

الرجل إلاّ لذلک السفاح ، وکان أمراً مشهوداً وسرّا غیر مستسرّ ، وکان یعلمه نفس مالک ویخبر زوجته بذلک قبل وقوع الواقعة بقوله إیّاها : أقْتَلْتِنی. فقُتل الرجل مظلوماً غیرةً ومحاماةً علی ناموسه. وفی المتواتر : «من قتل دون أهله فهو شهید» (1). وفی الصحیحة : «من قتل دون مظلمته فهو شهید» (2).

والعذر المفتعل من منع مالک الزکاة لا یُبرّئ خالداً من تلکم الجنایات ، أیصدّق جحد الرجل فرض الزکاة ومکابرته علیها وهو مؤمن بالله وکتابه ورسوله ومصدّق بما جاء به نبیّه الأقدس ، یقیم الصلاة ویأتی بالفرائض بأذانها وإقامتها ، وینادی بأعلی صوته : نحن المسلمون ، وقد استعمله النبیّ الأعظم علی الصدقات ردحاً من الزمن؟ لاها الله.

أیوجب الردّة مجرّد امتناع الرجل المسلم الموحّد المؤمن بالله وکتابه عن أداء الزکاة لهذا الإنسان بخصوصه وهو غیر منکر أصل الفریضة؟ أو یُحکم علیه بالقتل عندئذٍ؟ وقد صحّ عن المشرّع الأعظم قوله : «لا یحلّ دم رجل یشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّی رسول الله ، إلاّ بإحدی ثلاثة : النفس بالنفس ، والثیّب الزانی ، والتارک لدینه المفارق للجماعة» (3).ف)

ص: 220


1- مسند أحمد : 1 / 191 [ 1 / 311 ح 1655 ] ، نصّ علی تواتره المناوی فی الفیض القدیر : 6 / 195 [ ح 8917 ]. (المؤلف)
2- أخرجه النسائی [ فی السنن الکبری : 2 / 311 ح 3559 ] ، والضیاء المقدسی کما فی الجامع الصغیر [ 2 / 631 ح 8918 ] وصحّحه السیوطی ، راجع الفیض القدیر : 6 / 195 [ ح 8918 ]. (المؤلف)
3- صحیح البخاری : 10 / 63 [ 6 / 2521 ] کتاب الدیات ، باب : قول الله تعالی (إنّ النَّفْسَ بالنَّفْسِ) ، صحیح مسلم : 2 / 37 [ 3 / 506 ح 25 کتاب القسامة والمحاربین ] ، الدیات لابن أبی عاصم الضحاک : ص 10 ، سنن أبی داود : 2 / 219 [ 4 / 126 ح 4352 ] ، سنن ابن ماجة : 2 / 110 [ 2 / 847 ح 2534 ] ، مصابیح السنّة : 2 / 50 [ 2 / 502 ح 2584 ] ، مشکاة المصابیح : ص 291 [ 2 / 285 ح 3446 ]. (المؤلف)

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «لا یحلّ دم امرئ مسلم إلاّ باحدی ثلاث : رجل کفر بعد إسلامه ، أو زنی بعد إحصانه ، أو قتل نفساً بغیر نفس» (1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتی یقولوا : لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها منعوا منّی دماءهم وأموالهم ، وحسابهم علی الله» (2).

وعهد أبو بکر نفسه لسلمان بقوله : من صلّی الصلوات الخمس فإنّه یصبح فی ذمّة الله ویمسی فی ذمّة الله تعالی ، فلا تقتلنّ أحداً من أهل ذمّة الله فتخفر الله فی ذمّته فیکبّک الله فی النار علی وجهک (3).

أیسلب امتناع الرجل المسلم عن أداء الزکاة حرمة الإسلام عن أهله وماله وذویه ویجعلهم أعدال أولئک الکفرة الفجرة الذین حقّ علی النبیّ الطاهر شنّ الغارة علیهم؟ ویحکم علیهم بالسبی والقتل الذریع وغارة ما یملکون ،والنزو علی تلکم الحرائر المأسورات؟

وأمّا ما مرّ من الاعتذار بأنّ خالداً قال : ادفئوا أسراکم وأراد الدفء وکانت فی لغة کنانة : القتل. فقتلوهم فخرج خالد وقد فرغوا منهم. فلا یفوه به إلاّ معتوه استأسر هواه عقله ، وسفه فی مقاله ، لما ذا قتل ضرار مالکاً بتلک الکلمة وهو لم یکن من کنانة ولا من أهل لغتها؟ بل هو أسدیّ من بنی ثعلبة ، ولم یکن أمیره یتکلّم قبل ذلک الیوم بلغة کنانة. ف)

ص: 221


1- الدیات لابن أبی عاصم الضحاک : ص 9 ، سنن ابن ماجة : 2 / 110 [ 2 / 847 ح 2533 ] ، سنن البیهقی : 8 / 19. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 1 / 30 [ 1 / 81 ح 35 کتاب الإیمان ] ، الدیات لابن أبی عاصم الضحاک : ص 17 ، 18 ، سنن ابن ماجة : 2 / 457 [ 2 / 1295 ح 3927 ، 3928 ] ، خصائص النسائی : ص 7 [ ص 43 ح 19 ] ، سنن البیهقی : 8 / 19 ، 196. (المؤلف)
3- أخرجه أحمد فی الزهد [ ص 165 ح 570 وفیه : من صلّی صلاة الصبح ... ] ، کما فی تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 70 [ 95 - 96 ]. (المؤلف)

وإن صحّت المزعمة فلما ذا غضب أبو قتادة الأنصاری علی خالد وخالفه وترکه یوم ذاک وهو ینظر إلیه من کثب ، والحاضر یری ما لا یراه الغائب؟

ولما ذا اعتذر خالد بأنّ مالکاً قال : ما إخال صاحبکم إلاّ قال کذا وکذا؟ وهذا اعتراف منه بأنّه قتله غیر أنّه نحت علی الرجل مقالاً ، وهو من التعریض الذی لا یجوّز القتل - بعد تسلیم صدوره منه - عند الأمّة الإسلامیّة جمعاء ، والحدود تُدرأ بالشبهات.

ولما ذا رآه عمر عدوّا لله ، وقذفه بالقتل والزنا؟ وإن لم یفتل ذلک ذؤابة (1) أبی بکر.

ولما ذا هتکه عمر فی ملأ من الصحابة بقوله إیّاه : قتلت امرأً مسلماً ثمّ نزوت علی امرأته ، والله لأرجمنّک بأحجارک؟

ولما ذا رأی عمر رَهَقاً فی سیف خالد وهو لم یقتل مالکاً وصحبه وإنّما قتلتهم لغة کنانة؟

ولما ذا سکت خالد عن جوابه؟ وما أخرسه إلاّ عمله ، (بَلِ الْإِنْسانُ عَلی نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ* وَلَوْ أَلْقی مَعاذِیرَهُ) (2).

ولما ذا صدّق أبو بکر عمر بن الخطّاب فی مقاله ووقیعته علی خالد وما أنکر علیه غیر أنّه رآه متأوّلاً تارةً ، ونَحَت له فضیلةً أخری؟

ولما ذا أمر خالد بالرؤوس فنصبت إثفیةً للقدور ، وزاد وصمة علی لغة کنانة؟ 5.

ص: 222


1- مثل یضرب یقال : فتل ذؤابة فلان. أی أزاله عن رأیه [ فی مجمع الأمثال : 2 / 436 رقم 2730 والمُستقصی فی أمثال العرب : 2 / 179 رقم 607 : فتل فی ذروته. أی خادعه حتی أزاله عن رأیه. یضرب فی الخداع والمماکرة ]. (المؤلف)
2- القیامة : 14 و 15.

ولما ذا نزا علی امرأة مالک ، وسبی أهله ، وفرّق جمعه ، وشتّت شمله ، وأباد قومه ، ونهب ماله؟ أکلّ هذه معرّة لغة کنانة؟

ولما ذا ذکر المؤرّخون أنّ مالکاً قُتل دون أهله محاماةً علیها؟

ولما ذا أثبت المترجمون ذلک القتل الذریع علی خالد دون لغة کنانة ، وقالوا فی ترجمة ضرار وعبد (1) بن الأزور : إنّه هو الذی أمره خالد بقتل مالک بن نویرة (2). وقالوا فی ترجمة مالک : إنّه قتله خالد. أو : قتله ضرار صبراً بأمر خالد (3). هذه أسئلة توقف المعتذر موقف السَّدِر (4) ، ولم یحر جواباً.

ما شأن أبناء السلف وقد غرّرت بهم سکرة الشبق ، وغالتهم داعیة الهوی ، وجاؤوا لا یرقبون فی مؤمن إلاّ ولا ذمّة وأولئک هم المعتدون؟ فتری هذا یقتل مثل مالک ویأتی بالطامّات رغبةً فی نکاح أمّ تمیم.

وهذا یقتل سیّد العترة أمیر المؤمنین شهوةً فی زواج قطام.

وآخر (5) شنّ الغارة علی حیّ من بنی أسد ، فأخذ امرأة جمیلة فوطأها بهبة من أصحابه ، ثمّ ذکر ذلک لخالد فقال : قد طیّبتها لک - کأنّ تلکم الجنود کانت مجنّدة لوطء النساء وفضّ ناموس الحرائر - فکتب إلی عمر ، فأجاب برضخه بالحجارة (6). ف)

ص: 223


1- الإصابة : 2 / 432 رقم 5270.
2- الاستیعاب : 1 / 338 [ القسم الثانی / 747 رقم 1254 ] ، أُسد الغابة : 3 / 39 [ 3 / 52 رقم 2560 ] ، خزانة الأدب للبغدادی : 2 / 9 [ 3 / 326 ] ، الإصابة : 2 / 209 [ رقم 4172 ].(المؤلف)
3- الإصابة : 3 / 357 [ رقم 7696 ] ، مرآة الجنان : 1 / 62 [ سنة 11 ه ]. (المؤلف)
4- السَّدِر : المتحیّر.
5- هو ضرار بن الأزور زمیل خالد بن الولید وشاکلته فی النزو علی الحرائر. (المؤلف)
6- تاریخ ابن عساکر : 7 / 31 [ 24 / 388 - 389 رقم 2931. وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 154 ] ، خزانة الأدب : 2 / 8 [ 3 / 326 ] ، الإصابة : 2 / 209 [ رقم 4172 ]. (المؤلف)

وهذا یزید بن معاویة یدسّ إلی زوجة ریحانة رسول الله الحسن السبط الزکیّ السمّ النقیع لتقتله ویتزّوجها (1) ، أو فعله معاویة لغایة له کما یأتی.

ووراء هؤلاء المعتدین قوم ینزّهون ساحتهم بأعذار مفتعلة کالتأویل والاجتهاد - ولیتهما لم یکونا - وتخطئة لغة کنانة ، والله یعلم ما تکنّ صدورهم وما یعلنون ، (وَإِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ) (2).

الناحیة الثانیة :

الثانیة من الناحیتین التی یهمّنا أن نولّی شطرها وجه البحث ؛ تسلیط الخلیفة أوّلاً أمثال خالد وضرار بن الأزور شارب الخمور وصاحب الفجور (3) علی الأنفس والدماء ، علی الأعراض ونوامیس الإسلام ، وعهده إلی جیوشه فی حرق أهل الردّة وقد عرفت النهی عنه فی السنّة الشریفة (ص 155). وصفحه ثانیاً عن تلکم الطامّات والجنایات الفاحشة کأن لم تکن شیئاً مذکوراً ، فما سمعت أُذن الدنیا منه حولها رکزاً ، وما حُکیت عنه فی الإنکار علیها ذأمة ، وما رأی أحد منه حولاً.

لِم لَم یؤاخذ الخلیفة خالداً بقتل مالک وصحبه المسلمین الأبریاء ، وقد ثبت عنده کما یلوح ذلک عن دفاعه عنه ومحاماته علیه؟

لِمَ لم یقتصّ منه قصاص القاتل؟ ولم یُقم علیه جلدة الزانی؟ ولم یضربه حدّ المفتری؟ ولم یعزّره تعزیر المعتدی علی ما ملکته أیدی أولئک المسلمین؟

لِمَ لم یرَ عزل خالد وقد کره ما فعله ، وعرض الدیة علی متمّم بن نویرة أخی ف)

ص: 224


1- تاریخ ابن عساکر : 4 / 226 [ 13 / 284 رقم 1383 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 7 / 39 ]. (المؤلف)
2- المائدة : 42.
3- تاریخ ابن عساکر : 7 / 30 [ 24 / 389 - 390 رقم 2931 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 154 ] ، خزانة الأدب : 2 / 8 [ 3 / 326 ] ، الإصابة : 2 / 209 [ رقم 4172 ]. (المؤلف)

مالک؟ وأمر خالداً بطلاق امرأة مالک کما فی الإصابة (1 / 415).

دع هذه کلّها ولا أقلّ من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، وتوبیخ الرجل وعتابه علی تلکم الجرائم ، وأقلّ الإنکار کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام : «أن تلقی أهل المعاصی بوجوه مکفهرّة».

ما للخلیفة یتلعثم ویتلعذم فی الدفاع عن خالد وجنایاته؟ فیری تارة أنّه تأوّل وأخطأ ، ویعتذر أُخری بأنّه سیف من سیوف الله ، وینهی عمر بن الخطّاب عن الوقیعة فیه ، ویأمره بالکفّ عنه وصرف اللسان عن مغایظته ، ویغضب علی أبی قتادة لإنکاره علی خالد کما فی شرح ابن أبی الحدید (1) (4 / 187).

ونحن نقتصر فی البحث عن هذا الجانب علی توجیه القارئ إلیه ، ولم نذهب به قصاه ، ولم نبتغ فیه مداه ، إذ لم نر حداً تخفی علیه حزازة أیّ من العذرین ، هلاّ یعلم متشرّع فی الإسلام أنّ تلکم الطامّات والجرائم الخطیرة لا یتطرّق إلیها التأوّل والاجتهاد؟ ولا یسوغ لکلّ فاعل تارک أن یتترّس بأمثالهما فی معرّاته ، ویتدرّع بها فی أحناته ، ولا تُدرأ بها الحدود ، ولا تطلّ بها الدماء ، ولا تحلّ بها حرمات الحرائر ؛ ولا یرفض بها حکم الله فی الأنفس والأعراض والأموال ، ولم یُصخ الحاکم لمدّعیها کما ادّعی قدامة بن مظعون فی شربه الخمر بأنّه تأوّل واجتهد فأقام عمر علیه الحدّ وجلده ولم یقبل منه العذر. کما فی سنن البیهقی (8 / 316) وغیره.

وأخرج ابن أبی شیبة (2) وابن المنذر عن محارب بن دثار : أنّ ناساً من أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم شربوا الخمر بالشام وقالوا : شربنا لقول الله (لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ 8.

ص: 225


1- شرح نهج البلاغة : 17 / 213 کتاب 62.
2- المصنّف فی الأحادیث والآثار : 9 / 546 ح 8458.

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا) (1) الآیة. فأقام عمر علیهم الحدّ (2).

وجلد أبو عبیدة أبا جندل العاصی بن سهیل وقد شرب الخمر متأوّلاً لقوله تعالی : (لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا) الآیة. کما فی الروض الأُنف للسهیلی (3) (2 / 231).

وهل یرتاب أحد فی أنّ سیفاً سلّه المولی سبحانه لا یکون فیه قطّ رهق ولا شغب ، ولا تسفک به دماء محرّمة ، ولا تُهتک به حرمات الله ، ولا یُرهف لنیل الشهوات ، ولا یُنضی للشبق ، ولا یُفتک به ناموس الإسلام ، ولا یحمله إلاّ ید أناس طیّبین ، ورجال نزیهین عن الخنابة (4) والعیث والفساد؟

فما خالد وما خطره حتی یهبه الخلیفة تلک الفضیلة الرابیة ویراه سیفاً سلّه الله علی أعدائه ، وهو عدوّ الله بنصّ من الخلیفة الثانی کما مرّ (ص 159). ألیست هذه کلّها تحکّماً وسرفاً فی الکلام ، وزوراً فی القول ، واتّخاذ الفضائل فی دین الله مهزأةً ومجهلةً؟

کیف یسعنا أن نعدّ خالداً سیفاً من سیوف الله سلّه علی أعدائه؟ وقد ورد فی ترجمته وهی بین أیدینا : أنّه کان جبّاراً فاتکاً ، لا یراقب الدین فیما یحمله علیه الغضب وهوی نفسه ، ولقد وقع منه فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مع بنی جذیمة بالغمیصاء (5) أعظم ممّا وقع منه فی حق مالک بن نویرة ، وعفا عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد أن غضب علیه مدّة وأعرض عنه ، وذلک العفو هو الذی أطمعه حتی فعل ببنی یربوع ما فعل بالبطاح (6). ف)

ص: 226


1- المائدة : 93.
2- الدرّ المنثور : 2 / 321 [ 3 / 174 ]. (المؤلف)
3- الروض الأُنف : 6 / 489.
4- الخنابة : الأثر القبیح.
5- الغمیصاء : موضع فی بادیة العرب قرب مکة کان یسکنه بنو جذیمة بن عامر.
6- شرح ابن أبی الحدید : 4 / 187 [ 17 / 214 کتاب 32 ]. (المؤلف)

إن کان عفو النبیّ الأعظم عن الرجل بعد ما غضب علیه وأخذه بذنبه ، وأعرض عنه ردحاً من الزمن أطمعه حتی فعل ما فعل ، فانظر ما ذا یصنع صفح الخلیفة عنه من دون أیّ غضب علیه وإعراض عنه ، وما الذی یؤثّر دفاعه عنه من الجرأة والجسارة ، فی نفس الرجل ونفوس مشاکلیه من أناس العیث والفساد ، وشعب الشغب والفتن؟

أنّی لنا أن نری خالداً سیفاً سلّه الله علی أعدائه وفی صفحة التاریخ کتاب أبی بکر إلیه وفیه قوله : لعمری یا ابن أمّ خالد إنّک لفارغ تنکح النساء وبفناء بیتک دم ألف ومائتی رجل من المسلمین لم یجفف بعدُ (1)؟ کتبه إلیه لمّا قال خالد لمجاعة : زوّجنی ابنتک فقال له مجاعة : مهلاً إنّک قاطع ظهری وظهرک معی عند صاحبک. قال : أیّها الرجل زوّجنی. فزوّجه ، فبلغ ذلک أبا بکر. فکتب إلیه الکتاب ، فلمّا نظر خالد فی الکتاب جعل یقول : هذا عمل الأعیسرة - یعنی عمر بن الخطّاب.

ولیست هذه بأوّل قارورة کسرت فی الإسلام بید خالد ، وقد صدرت منه لدة هذه الفحشاء المنکرة علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتبرّأ صلی الله علیه وآله وسلم من صنیعه. قال ابن إسحاق : بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیما حول مکة السرایا تدعو إلی الله ، ولم یأمرهم بقتال ، وکان ممّن بعث خالد بن الولید ، وأمره أن یسیر بأسفل تهامة داعیاً ، ولم یبعثه مقاتلاً ، ومعه قبائل من العرب فوطأوا بنی جذیمة بن عامر ، فلمّا رآه القوم أخذوا السلاح ، فقال خالد : ضعوا السلاح فإنّ الناس قد أسلموا.

قال : حدّثنی بعض أصحابنا من أهل العلم من بنی جذیمة قال : لمّا أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منّا یقال له جحدم (2) : ویلکم یا بنی جذیمة إنّه خالد ، والله ف)

ص: 227


1- تاریخ الطبری : 3 / 254 [ 3 / 300 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ الخمیس : 3 / 343 [ 2 / 218 ]. (المؤلف)
2- فی الإصابة : جحدم فی : 1 / 227 [ رقم 1104 ] ، وجذیم بن الحارث فی : 1 / 318 [ رقم 1650 ]. والصحیح هو الأول. (المؤلف)

ما بعد وضع السلاح إلاّ الإسار ، وما بعد الإسار إلاّ ضرب الأعناق ، والله لا أضع سلاحی أبداً ، قال : فأخذه رجال من قومه فقالوا : یا جحدم أترید أن تسفک دماءنا إنّ الناس قد أسلموا ، ووضعوا السلاح ، ووضعت الحرب ، وأمن الناس ، فلم یزالوا به حتی نزعوا سلاحه ، ووضع القوم السلاح لقول خالد ، فلمّا وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلک فکتّفوا ، ثم عرضهم علی السیف ، فقتل من قتل منهم ، فلما انتهی الخبر إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رفع یدیه إلی السماء ثمّ قال : «اللهمّ إنِّی أبرأ إلیک ممّا صنع خالد ابن الولید». قال أبو عمر فی الاستیعاب (1) (1 / 153) : هذا من صحیح الأثر.

قال ابن هشام (2) : حدّث بعض أهل العلم عن إبراهیم بن جعفر المحمودی قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «رأیت کأنّی لقمتُ لقمة من حَیسْ (3) فالتذذت طعمها ، فاعترض فی حلقی منها شیء حین ابتلعتها ، فأدخل علیّ یده فنزعه» فقال أبو بکر الصدّیق رضی الله عنه : یا رسول الله ، هذه سریّة من سرایاک تبعثها فیأتیک منها بعض ما تحبّ ، ویکون فی بعضها اعتراض ، فتبعث علیّا فیسهّله.

قال ابن إسحاق : ثمّ دعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیّ بن أبی طالب رضوان الله علیه فقال : «یا علیّ اخرج إلی هؤلاء القوم ، فانظر فی أمرهم ، واجعل أمر الجاهلیّة تحت قدمیک». فخرج علیّ حتی جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فودی لهم الدماء وما أُصیب لهم من الأموال حتی إنّه لیدی لهم میلغة (4) الکلب ، حتی إذا لم یبق شیء من دمٍ ولا مال إلاّ وداه ، بقیت معه بقیة من المال. فقال لهم علیّ رضوان الله علیه حین فرغ منهم : هل بقی لکم بقیّة من دم أو مال لم یودَ لکم؟ قالوا : لا. قال : ف)

ص: 228


1- الاستیعاب : القسم الثانی / 428 رقم 603.
2- السیرة النبویّة : 4 / 72.
3- الحیس : بفتح فسکون أن یخلط السمن والتمر والأقط فیؤکل. والأقط : ما یعقد من اللبن ویجفف. (المؤلف)
4- المیلغة : خشبة تحفر لیلغ فیها الکلب. (المؤلف)

فإنّی أعطیکم هذه البقیة من هذا المال احتیاطاً لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ممّا لا یعلم ولا تعلمون ، ففعل ، ثمّ رجع إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأخبره الخبر ، فقال : «أصبت وأحسنت» قال : ثمّ قام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فاستقبل القبلة قائماً شاهراً یدیه حتی إنّه لیری ما تحت منکبیه یقول : «اللهمّ إنّی أبرأ إلیک ممّا صنع خالد بن الولید» ثلاث مرّات.

وقد کان بین خالد وبین عبد الرحمن بن عوف کلام فی ذلک ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : عملت بأمر الجاهلیة فی الإسلام (1). وفی الإصابة : أنکر علیه عبد الله بن عمر وسالم مولی أبی حذیفة. وقد تُعدّ هذه الفضیحة أیضاً من جنایات لغة کنانة کما فی الإصابة (2 / 81).

فهذا الرهق والسرف فی سیف خالد علی عهد أبی بکر من بقایا تلک النزعات الجاهلیّة ، وهذه سیرته من أوّل یومه ، فأنّی لنا أن نعدّه سیفاً من سیوف الله وقد تبرّأ منه نبیّ الإسلام الأعظم غیر مرّة ، مستقبل القبلة شاهراً یدیه وأبو بکر ینظر إلیه من کثب؟

- 11 -

ثلاثة وثلاثة وثلاثة

عن عبد الرحمن بن عوف قال : إنّه دخل علی أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه فی مرضه الذی توفّی فیه فأصابه مهتّماً ، فقال له عبد الرحمن : أصبحت والحمد لله بارئاً ، فقال أبو بکر رضی الله عنه : أتراه؟ قال : نعم. قال : إنّی ولّیت أمرکم خیرکم فی نفسی ، فکلّکم ورم أنفه من ذلک ، یرید أن یکون الأمر له دونه ، ورأیتم الدنیا قد أقبلت ولمّا تقبل ، وهی مقبلة ف)

ص: 229


1- سیرة ابن هشام : 4 / 53 - 57 [ 4 / 70 - 73 ] ، طبقات ابن سعد طبع مصر رقم التسلسل : ص 659 [ 2 / 147 - 148 ] ، صحیح البخاری شطراً منه فی کتاب المغازی باب بعث خالد إلی بنی جذیمة [ 4 / 1577 ح 4084 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 145 أُسد الغابة : 3 / 102 [ 2 / 110 رقم 1399 ] ، الإصابة : 1 / 318 [ رقم 1650 ] و 2 / 81 [ رقم 3488 ]. (المؤلف)

حتی تتّخذوا ستور الحریر ، ونضائد الدیباج ، وتألموا الاضطجاع علی الصوف الأذری کما یألم أحدکم أن ینام علی حسک ، والله لأن یقدم أحدکم فتضرب عنقه فی غیر حدّ خیر له من أن یخوض فی غمرة الدنیا ، وأنتم أوّل ضالّ بالناس غداً فتصدّونهم عن الطریق یمیناً وشمالاً ، یا هادی الطریق إنّما هو الفجر أو البجر. فقلت له : خفّض علیک رحمک الله ، فإنّ هذا یهیضک فی أمرک ، إنّما الناس فی أمرک بین رجلین : إمّا رجل رأی ما رأیت فهو معک. وإمّا رجل خالفک فهو مشیر علیک وصاحبک کما تحبّ ، ولا نعلمک أردت إلاّ خیراً ، ولم تزل صالحاً مصلحاً ، وإنّک لا تأسی علی شیءٍ من الدنیا.

قال أبو بکر رضی الله عنه : أجل إنّی لا آسی علی شیء من الدنیا إلاّ علی ثلاث فعلتهنّ وددت أنّی ترکتهنّ. وثلاث ترکتهنّ وددت أنّی فعلتهنّ. وثلاث وددت أنّی سألت عنهنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

فأمّا الثلاث اللاتی وددت أنّی ترکتهنّ : فوددت أنّی لم أکشف بیت فاطمة عن شیء وإن کانوا قد غلقوه علی الحرب. ووددت أنّی لم أکن حرقت الفجاءة السلمی وأنّی کنت قتلته سریحاً ، أو خلّیته نجیحاً. ووددت أنّی یوم سقیفة بنی ساعدة کنت قذفت الأمر فی عنق أحد الرجلین - یرید عمر وأبا عبیدة - فکان أحدهما أمیراً وکنت وزیراً.

وأما اللاتی ترکتهنّ فوددت أنّی یوم أتیت بالأشعث بن قیس أسیراً کنت ضربت عنقه ، فإنّه تخیّل إلیّ أنّه لا یری شرّا إلاّ أعان علیه. ووددت أنّی حین سیّرت خالد بن الولید إلی أهل الردّة کنت أقمت بذی القصّة فإن ظفر المسلمون ظفروا ، وإن هُزموا کنت بصدد لقاء أو مدد. ووددت أنّی إذ وجّهت خالد بن الولید إلی الشام کنت وجّهت عمر بن الخطّاب إلی العراق ، فکنت قد بسطت یدی کلتیهما فی سبیل الله. ومدّ یدیه.

ووددت أنّی کنت سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمن هذا الأمر؟ فلا ینازعه أحد ،

ص: 230

ووددت أنّی کنت سألته هل للأنصار فی هذا الأمر نصیب؟ ووددت أنّی کنت سألته عن میراث ابنة الأخ والعمّة فإنّ فی نفسی منهما شیئاً.

أخرجه (1) أبو عبید فی الأموال (ص 131) ، والطبری فی تاریخه (4 / 52) ، وابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة (1 / 18) ، والمسعودی فی مروج الذهب (1 / 414) وابن عبد ربّه فی العقد الفرید (2 / 254).

والإسناد صحیح رجاله کلّهم ثقات أربعة منهم من رجال الصحاح الستّة.

قال الأمینی : إنّ فی هذا الحدیث أموراً تسعة ، ثلاثة منها فات الخلیفة فقهها یوم عمل بها ، وقد بسطنا القول فی إحراق الفجاءة منها. وأمّا تمنّی قذف الأمر فی عنق أحد الرجلین فإنّه ینمّ عن أنّ الخلیفة انکشف له فی أُخریات أیّامه أنّ ما ناء به من الأمر لم یکن علی القانون الشرعیّ فی الخلافة والوصیّة ؛ لأنّ المخلّف والموصی یجب أن یکون هو المعیِّن لمن ینهض بأمره من بعده ، وهو الذی تنبّه له الخلیفة الثانی بعد ردحٍ من الزمن فقال : کانت بیعة أبی بکر فلتة کفلتة الجاهلیّة وقی الله شرّها فمن عاد إلی مثلها فاقتلوه (2).

ولا أدری أنّ ما تنبّها له هل هو قصور فی المختار - بالفتح - أو فیه - بالکسر - أو فیهما معاً؟ أو فی کون الاختیار موجباً لتعیین الخلیفة؟ وأیّا ما أراد فلنا فیه المخرج. وهؤلاء زمر الأنبیاء والرسل لم یعدُهم التنصیص بالخلیفة من بعدهم ولم تنتخب أُممهم خلفاء لهم.

وهل هنالک ذو حجیً یزعم أنّ وصایة الفقید المبیحة للتصرّف فیما ترکه من ف)

ص: 231


1- الأموال : ص 174 ح 353 ، تاریخ الطبری : 3 / 429 حوادث سنة 13 ه ، الإمامة والسیاسة : 1 / 24 ، مروج الذهب : 2 / 317 ، العقد الفرید : 4 / 93.
2- راجع الجزء الخامس : ص 370 ، وهذا الجزء : ص 79. (المؤلف)

بعده موکولة إلی أناس أجانب لا یعرفون ما یرتئیه فی شئونه ، بعداء عن مغازیه وما یروقه فی ماله وأهله ، والفقید عاقل رشید یعرف الصالح من غیره ، ویعلم بنوایا من یلتاث (1) به ، ومن یحدوه الجشع ، وترقل (2) به النهمة ، ویستفزّه الطمع ، أفتراه والحالة هذه یترک الوصیّة فیدع ما ترکه أکلة للآکل ومطمعاً للناهب؟ لا.

لا یفعل ذلک وهو یرید خیراً بآله وصلاحاً فی ماله ، وعلی ذلک جرت سنّة المسلمین منذ عهد الصحابة إلی یومنا الحاضر ، وأقرّته الشریعة الإسلامیّة ، وشرّعت للوصایا أحکاماً ، وجاء فی الصحیحین (3) عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «ما حقّ امرئٍ مسلم له شیء یوصی فیه یبیت لیلتین إلاّ ووصیّته مکتوبة عنده». کذا فی لفظ البخاری ، وفی لفظ مسلم (4) : «یبیت ثلاث لیال» ، قال ابن عمر : ما مرّت علیّ لیلة منذ سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال ذلک إلاّ وعندی وصیّتی. قال النووی فی ریاض الصالحین (5) (156) : متّفق علیه.

وصّی الإلهُ وأوصتْ رسلُه فلذا

کان التأسّی بهم من أفضلِ العملِ

لو لا الوصیّةُ کان الخلقُ فی عمهٍ

وبالوصیّةِ دام الملکُ فی الدولِ

فاعمل علیها ولا تهمل طریقتَها

إنّ الوصیّةَ حکمُ اللهِ فی الأزلِ

ذکرت قوماً بما أوصی الإلهُ به

ولیس إحداثُ أمرٍ فی الوصیّةِ لی (6)ف)

ص: 232


1- یلتاث : یحوط.
2- الإرقال : الإسراع.
3- صحیح البخاری : 4 / 2 [ 3 / 1005 ح 2587 ] کتاب الوصیة ، وصحیح مسلم : 2 / 10 [ 3 / 446 ح 4 کتاب الوصیة ]. (المؤلف)
4- صحیح مسلم : 3 / 446 ح 4 کتاب الوصیة.
5- ریاض الصالحین : ص 243 ح 575.
6- الجزء الأخیر من الفتوحات المکیّة لابن عربی : ص 575 [ 4 / 444 ]. (المؤلف)

فإذا کانت الوصیة ثابتة فی حطام زائل ، فما بالها تنفی فی خلافة راشدة ، وشریعة خالدة ، متکفّلة بصلاح النفوس والنوامیس والأموال والأحکام والأخلاق والصالح العام والسلام والوئام؟ ومن المسلّم قصور الفهم البشریّ العادی عن غایات تلکم الشؤون فلا منتدح والحالة هذه عن أن یعیّن الرسول الأمین عن ربّه خلیفته من بعده لیقتصّ أثره فی أمّته.

وقد مرّ فی صفحة (132) رأی عائشة وعبد الله بن عمر ومعاویة وحدیث الناس بأنّ راعی إبل أو غنم أو قیّم أرض لأیّ أحد لا یسعهم ترک رعیتهم هملاً ، ورعیة الناس أشدّ من رعیة الإبل والغنم فالأمّة لما ذا صفحت یوم السقیفة عن هذا الحکم المتسالم علیه بینها؟ ولما ذا نبأت عنه الأسماع ، وخرست الألسُن؟ وذهلت الأحلام عنه یوم ذاک ، ثمّ حدّث به الناس ونبّأته الأمّة؟ ولما ذا ترک النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أمّته سدیً هملاً ، وفتح بذلک أبواب الفتن المضلّة المدلهمّة ، واستحقر أمّته ورأی رعیتها أهون من رعیة الإبل والغنم؟ حاشا النبیّ الأعظم عن هذه الأوهام ، فإنّه صلی الله علیه وآله وسلم وصّی واستخلف ونصّ علی خلیفته وبلّغ أُمّته غیر أنّه عهد إلی وصیّه من بعده : إنّ الأمّة ستغدر به بعده کما ورد فی الصحیح (1). وقال له أیضاً : «أما إنّک ستلقی بعدی جهداً» ، قال علیّ : «فی سلامة من دینی» ، قال : «فی سلامة من دینک» (2). وقال لعلی : «ضغائن فی صدور أقوام لا یبدونها إلاّ من بعدی» (3). وقال له : «یا علیّ إنّک ستبتلی ف)

ص: 233


1- مستدرک الحاکم : 3 / 140 ، 142 [ 3 / 150 ح 4676 ، و 153 ح 4686 ] ، وصحّحهُ هو والذهبی فی تلخیصه ، تاریخ الخطیب : 11 / 216 [ رقم 5928 ] ، تاریخ ابن کثیر : 6 / 219 [ 6 / 244 ] ، کنز العمّال : 6 / 157 [ 11 / 617 ح 32997 ]. (المؤلف)
2- مستدرک الحاکم : 3 / 140 [ 3 / 151 ح 4677 ] وصحّحهُ هو وأقرّه الذهبی. (المؤلف)
3- أخرجه ابن عساکر [ فی ترجمة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام - الطبعة المحققه : رقم 834 - 837 ] ، والمحبّ الطبری فی الریاض : 2 / 210 [ 3 / 162 ] نقلاً عن أحمد فی المناقب ، والحافظ الکنجی فی الکفایة : ص 142 [ ص 273 باب 66 ] ، والخوارزمی فی المقتل : 1 / 36. (المؤلف)

بعدی فلا تقاتلنّ». کنوز الدقائق للمناوی (ص 188).

ثمّ إنّ الخلیفة النادم لما ذا تمنّی التسلّل عن الأمر یوم السقیفة؟ وقذفه فی عنق أحد الرجلین : أبی عبیدة أو عمر؟ أکان ندمه عن حقّ وقع؟ فالحقّ لا ندم فیه. وإن کان عن باطل سبق؟ فهو یهدم أساس الخلافة الراشدة.

ثمّ الذی ودّه من قذفه إلی عنق أحد الرجلین فإنّا لا نعرف وجهاً لتخصیصهما بالقذف وفی الصحابة أعاظم وذوو فضائل لا یبلغ الرجلان شأو أیّ منهم ، وهذان - بالنظر إلی ما عرفناه من أحوال الصحابة - إن لم نقل إنّهما من ساقتهم ، فإنّا نقول بکلّ صراحة إنّهما لم یکونا من الأعالی منهم وفیهم من فیهم ، وقبل جمیعهم سیّدنا أمیر المؤمنین علیه السلام صاحب السوابق والمناقب والصهر والقرابة والغَناء والعناء ، وصاحب یوم الغدیر ، والأیام المشهودة ، والمواقف المشهورة ، نفس النبیّ الأعظم بنصّ من الکتاب العزیز (1) المطهّر من کلّ رجس بآیة التطهیر (2).

فهلاّ ودّ أن یقذفه إلیه؟ فیسیر بالأمّة سیراً سجحاً ، ویحملهم علی المحجّة البیضاء ، ویأخذ بهم الطریق المستقیم ، ویجدونه هادیاً مهدیّا ، یدخلهم الجنّة. کما أخبر بهذه کلّها النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وقد مرّ شطر منها فی الجزء الأوّل صفحة (12 ، 13).

وأمّا کشف بیت فاطمة سلام الله علیها فإنّه لا یروقنا هاهنا خدش العواطف بتلکم النوائب ، غیر أنّه سبق منّا بعض القول فی الجزء الثالث (ص 102 - 104) وفی هذا الجزء (ص 77 ، 86).

وفذلکة ذلک النبأ العظیم أنّ الصدّیقة سلام الله علیها قضت وهی واجدة علی 3.

ص: 234


1- بآیة المباهلة فی سورة آل عمران : 61. (المؤلف)
2- فی سورة الأحزاب : 33.

من ارتکبه ، وکانت صلوات الله علیها تدعو علیه بعد کلّ صلاة صلّتها (1).

وإن تعجب فعجب أنّ القوم ارتکب ما ارتکب من تلکم الفظائع وارتبک فیها وملء الأسماع هتاف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بقوله : «من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم یعرفها فهی بضعة منّی ، وهی قلبی وروحی التی بین جنبیّ ، فمن آذاها فقد آذانی».

وبقوله : «فاطمة بضعة منّی یریبنی ما رابها ، ویؤذینی ما آذاها».

وبقوله : «فاطمة بضعة منّی فمن أغضبها فقد أغضبنی».

وبقوله : «فاطمة بضعة منّی یقبضنی ما یقبضها ، ویبسطنی ما یبسطها» (2).

وبقوله : «فاطمة بضعة منی یسرّنی ما یسرّها» (3).

وبقوله : «یا فاطمة إنّ الله یغضب لغضبکِ ، ویرضی لرضاکِ» (4).

وبهذا الهتاف تعلم أنّ ندم الخلیفة کان فی محلّه ، غیر أنّه نَدم ولات حین مندم ، ندم وقد قضی الأمر ووقع ما وقع ، ندم والصدّیقة الطاهرة مقبورة وملء إهابها موجدة.

الثلاثة الوسطی :

وأمّا الثلاثة من هاتیک الأمور التسعة التی ندم علیها الخلیفة علی ترکها فإنّها تعرب عن أنّه ارتکب ما ارتکب فیها لا عن تروٍّ أو بصیرة فی الأمر ، أو استناد إلی ف)

ص: 235


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 14 [ 1 / 20 ] ، رسائل الجاحظ : ص 301 [ ص 467 - الرسائل السیاسیة ] ، أعلام النساء 3 / 1215 [ 4 / 124 ]. (المؤلف)
2- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا : ص 21 ، وسنوقفک علی تفصیلها فی هذا الجزء إن شاء الله. (المؤلف)
3- الأغانی : 8 / 156 [ 9 / 301 ]. (المؤلف)
4- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا : ص 180 ، وسنفصّل فیه القول إن شاء الله. (المؤلف)

حکم شرعیّ ، حتی کشف له الخطأ فیها جمعاء ، وقد وقعت فیها عظائم ، وأعقبتها طامّات ، وخلیفة المسلمین یجب أن لا یرتکب ما یستتبعها ، ولا یفعل ما یوجب الندم فی مغبّته ، وقصّة الأشعث بن قیس تعرب عن أنّ ندم الخلیفة کان فی محلّه ، فإنّ الرجل بعد ما ارتدّ وأتی بمعرّات وقاتل المسلمین وأُخذ وأُتی به أسیراً إلی الخلیفة فقال : ما ذا ترانی أصنع بک؟ فإنک قد فعلت ما علمت. قال : تمنّ علیّ فتفکّنی من الحدید ، وتزوّجنی أختک ، فإنّی قد راجعت وأسلمت. فقال أبو بکر : قد فعلت فزوّجه أمّ فروة ابنة أبی قحافة ، فاخترط سیفه ودخل سوق الإبل فجعل لا یری جملاً ولا ناقة إلاّ عرقبه ، فصاح الناس : کفر الأشعث. فلمّا فرغ طرح سیفه وقال : إنّی والله ما کفرت ولکن زوّجنی هذا الرجل أخته ولو کنّا فی بلادنا کانت ولیمة غیر هذه ، یا أهل المدینة کلوا ، ویا أصحاب الإبل تعالوا خذوا شرواها ، فکان ذلک الیوم قد شبّه بیوم الأضحی ، وفی ذلک یقول وبرة بن قیس الخزرجی :

لقد أولم الکندیُّ یوم ملاکه

ولیمةَ حمّالٍ لثقل الجرائمِ

لقد سلّ سیفاً کان مُذ کان مغمداً

لدی الحرب منها فی الطلا والجماجمِ

فأغمده فی کلّ بکرٍ وسابحٍ

وعیرٍ وبغلٍ فی الحشا والقوائمِ

فقل للفتی الکندیّ یوم لقائِهِ

ذهبت بأسنی مجد أولاد آدمِ

وقال الأصبغ بن حرملة اللیثی متسخّطاً لهذه المصاهرة :

أتیت بکندیّ قد ارتدّ وانتهی

إلی غایة من نکث میثاقه کفرا

فکان ثوابُ النکثِ إحیاءَ نفسِهِ

وکان ثوابُ الکفر تزویجَه البکرا

ولو أنّه یأبی علیک نکاحَها

وتزویجَها منه لأمهرته مهرا

ولو أنّه رام الزیادةَ مثلَها

لأنکحته عشراً وأتبعته عشرا

فقل لأبی بکر لقد شنتَ بعدَها

قریشاً وأخملتَ النباهة والذکرا

أما کان فی تیمِ بنِ مرّةَ واحدٌ

تُزوّجه لو لا أردت به الفخرا

ص: 236

ولو کنت لمّا أن أتاک قتلته

لأحرزتها ذکراً وقدّمتها ذخراً

فأضحی یری ما قد فعلتَ فریضةً

علیک فلا حمداً حویتَ ولا أجرا (1)

الثلاثة الأخر :

أمّا الثلاثة الأُخر التی تمنّی الخلیفة أن یکون استعلمها من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإنّها تنبئنا بقصوره فی علم الدین ، وأنّه کان نابیاً فی فقهه ، لا یعرف أحکام المواریث التی یکثر ابتلاء خلیفة المسلمین بها طبعاً ، وأنّه کان شاکّا فی أصل الخلافة هل هی بالنصّ أو الاختیار؟ وعلی الثانی هل تخصّ المهاجرین فحسب؟ أو أنّه یشارکهم فیها الأنصار؟ وعلی أیّ فهو فی تسنّمه عرش الخلافة غیر متیقّن بالرشد من أمره ، ولا نُحکّم هاهنا غیر ضمیرک الحرّ ، ولیس فی الحقّ مغضبة.

ثمّ إنّی لا أعرف لهذا التمنّی محصّلاً ، لأنّه لو کان سأله صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک لما کان یجیبه إلاّ بمثل قوله : «من کنت مولاه فعلیّ مولاه». راجع الغدیر الجزء الأول.

وقوله : «إنّی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی» (2).

وقوله : «إنّی تارک فیکم خلیفتین کتاب الله وأهل بیتی» (3).

وقوله : «علیّ منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنّه لا نبیّ بعدی». الغدیر (3 / 199).

وقوله لعلّی : «أما ترضی أن تکون منّی بمنزلة هارون من موسی إلاّ أنّک لست لف

ص: 237


1- تاریخ الطبری : 3 / 276 [ 3 / 339 حوادث سنة 11 ه ] ، ثمار القلوب للثعالبی : ص 69 [ ص 88 رقم 129 ] ، الاستیعاب : 1 / 51 [ القسم الأول / 133 - 134 رقم 135 ] ، الکامل لابن الأثیر : 2 / 160 [ 2 / 49 حوادث سنة 11 ه ] ، مجمع الأمثال للمیدانی : 2 / 341 [ 3 / 454 رقم 4442 ] ، الإصابة : 1 / 51 [ رقم 205 ] و 3 / 630 [ رقم 9106 ]. (المؤلف)
2- مرّ الإیعاز إلی حدیث الثقلین غیر مرّة ، وسنفصّل القول فیه إن شاء الله. (المؤلف)
3- (مرّ الإیعاز إلی حدیث الثقلین غیر مرّة ، وسنفصّل القول فیه إن شاء الله. (المؤلف

بنبیّ ، إنّه لا ینبغی أن أذهب إلاّ وأنت خلیفتی». الغدیر (3 / 196).

وقوله : «أوحی إلیّ فی علیّ ثلاث : أنّه سیّد المسلمین ، وإمام المتّقین ، وقائد الغرّ المحجّلین». مستدرک الحاکم (1) (3 / 138).

وقوله : «إنّ الله اطّلع علی أهل الأرض فاختار منهم أباکِ فبعثه نبیّا ، ثمّ اطّلع الثانیة فاختار بعلکِ فأوحی إلیّ فأنکحته واتّخذته وصیّاً». الغدیر (2 / 318 و 3 / 23).

وقوله : «علیّ الصدّیق الأکبر وفاروق هذه الأمّة ، یفرق بین الحقّ والباطل ، ویعسوب المؤمنین ، وهو بابی الذی أوتی منه ، وهو خلیفتی من بعدی». الغدیر (2 / 313).

وقوله : «علیٌّ رایة الهدی ، وإمام أولیائی ، ونور من أطاعنی ، والکلمة التی ألزمتها المتّقین ، من أحبّه أحبّنی ومن أبغضه أبغضنی». الغدیر (3 / 118).

وقوله : «علیّ أخی ووصیّی ووارثی وخلیفتی من بعدی». الغدیر (2 / 279 - 281).

وقوله : «علیٌّ سیّد مبجّل ، مؤمل المسلمین ، وأمیر المؤمنین ، وموضع سرّی وعلمی ، وبابی الذی یؤوی إلیه وهو الوصیّ علی أهل بیتی ، وعلی الأخیار من أمّتی ، وهو أخی فی الدنیا والآخرة». الغدیر (3 / 116).

وقوله : «علیّ أخی ووزیری وخیر من أترک بعدی». الغدیر (2 / 313)

وقوله : «علیّ مع الحقّ والحقّ مع علی لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض». الغدیر (3 / 177). ف)

ص: 238


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 148 ح 4668. (المؤلف)

وقوله : «علیّ مع الحقّ والحقّ معه وعلی لسانه ، والحقّ یدور حیثما دار علیّ». الغدیر (3 / 178).

وقوله : «علیّ مع القرآن والقرآن معه لا یفترقان حتی یردا علیّ الحوض». الغدیر (3 / 180).

وقوله : «علیّ منّی وأنا منه ، وهو ولیّ کلّ مؤمن بعدی». الغدیر (3 / 22 ، 215)

وقوله : «علیّ مولی کلّ مؤمن بعدی ومؤمنة». الغدیر (1 / 15 ، 51).

وقوله : «علیّ أنزله الله منّی بمنزلتی منه». الغدیر (1 / 22).

وقوله : «علیّ ولیّی فی کلّ مؤمن بعدی». مسند أحمد (1) (1 / 231).

وقوله : «علیّ منی بمنزلتی من ربّی». السیرة الحلبیّة (2) (3 / 391).

وقوله : «علیّ ولیّ المؤمنین من بعدی». تاریخ الخطیب (4 / 339).

وقوله : «من کان الله ورسوله ولیّه فعلیّ ولیّه». الغدیر (1 / 38).

وقوله : «لا یُبلّغ عنّی إلاّ أنا أو رجل منّی». الغدیر (6 / 338 - 350).

وقوله : «ما من نبیّ إلاّ وله نظیر فی أمّته وعلیّ نظیری». الغدیر (3 / 23).

وقوله : «أنا وعلیّ حجّة علی أُمّتی یوم القیامة». تاریخ الخطیب (2 / 88).

وقوله : «من أطاع علیّا فقد أطاعنی ، ومن عصی علیّا فقد عصانی». مستدرک الحاکم (3) (3 / 121 ، 128).

کیف تمنّی الخلیفة ما تمنّی مع هذه النصوص؟ أو کان فی الآذان وقر یوم 1.

ص: 239


1- مسند أحمد : 1 / 545 ح 3052.
2- السیرة الحلبیّة : 3 / 362.
3- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 131 ح 4617 و 139 ح 4641.

هتف صلی الله علیه وآله وسلم بهاتیک الکلم الجامعة المعربة عن الخلافة بکلّ ما یمکن من التعبیر؟ أم أنّ فی القوم من تصامم عنها لأمر دُبّر بلیل؟

أوَلم یکفِ الخلیفة أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لمّا عرض نفسه علی القبائل وکان معه علیّ أمیر المؤمنین ومعهما أبو بکر وبلغ بنی عامر بن صعصعة ودعاهم إلی الله فقال له قائلهم : أرأیت إن نحن تابعناک علی أمرک ثمّ أظهرک الله علی من خالفک ، أیکون لنا الأمر من بعدک؟ قال : «إنّ الأمر إلی الله یضعه حیث یشاء» (1)؟

أفکان یزعم الخلیفة أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم الذی أناط الأمر بعده إلی المولی سبحانه ومشیئته کان لو سأله عن ذلک أجابه بالتردید بین اختیار الأمّة ولو لم تکتمل فیه شرائط الإجماع والانتخاب الصحیح کما فی البیعة الأولی ، وبین وصیّة الخلیفة واستخلافه کما وقع فی أمر الثانی ، وبین الشوری مع إرهاب المخالف بالقتل کما کان فی منتهی الثلاثة؟

لکنّه لو کان یحسب ذلک لما ودّ أن لو کان سأله صلی الله علیه وآله وسلم وکان یعلم أیضاً أنّ التردیدفی الجواب علی فرضه إغراء للأمّة بالفوضی ، وفی ذلک مسرح لکل مدّع محقّ أو مبطل ، ولاحتجّ به کلّ ناعب وناعق حتی تنتهی النوبة إلی الطلقاء وأبناء الطلقاء أمثال معاویة ویزید وهلمّ جرّا.

تحفّظ علی کرامة :

حذف أبو عبید من الحدیث ذکر الأمر الأوّل من الثلاثة الأُوَل وهو : کشف بیت فاطمة ، وجعل مکانه قوله : فوددت أنّی لم أکن فعلت کذا وکذا - لخلّة ذکرها - فقال : لا أرید أذکرها. وما حرّف ما حرّف إلاّ تحفّظاً علی کرامة الخلیفة ، والأسف علی أنّ غیره ما شارکه فیما فعل ، فظهرت خیانته علی ودائع التاریخ. ف)

ص: 240


1- مرّت مصادره فی هذا الجزء : ص 134. (المؤلف)

- 12 -

سؤال یهودیّ أبا بکر

عن أنس بن مالک قال : أقبل یهودیّ بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأشار القوم إلی أبی بکر فوقف علیه فقال : أرید أن أسألک عن أشیاء لا یعلمها إلاّ نبیّ أو وصیّ نبیّ ، قال أبو بکر : سل عمّا بدا لک.

قال الیهودی : أخبرنی عمّا لیس لله ، وعمّا لیس عند الله ، وعمّا لا یعلمه الله. فقال أبو بکر : هذه مسائل الزنادقة یا یهودیّ ، وهمّ أبو بکر والمسلمون بالیهودیّ ، فقال ابن عبّاس رضی الله عنه : ما أنصفتم الرجل. فقال أبو بکر : أما سمعت ما تکلّم به؟ فقال ابن عبّاس : إن کان عندکم جوابه وإلاّ فاذهبوا به إلی علیّ رضی الله عنه یجیبه ، فإنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول لعلیّ بن أبی طالب : «اللهمّ اهدِ قلبه ، وثبّت لسانه».

قال : فقام أبو بکر ومن حضره حتی أتوا علیّ بن أبی طالب فاستأذنوا علیه فقال أبو بکر : یا أبا الحسن إنّ هذا الیهودی سألنی مسائل الزنادقة. فقال علیّ : ما تقول یا یهودی؟ قال : أسألک عن أشیاء لا یعلمها إلاّ نبیّ أو وصیّ نبیّ. فقال له : قل ، فردّ الیهودی المسائل. فقال علیّ رضی الله عنه : أمّا ما لا یعلمه الله فذلک قولکم یا معشر الیهود : إنّ العُزَیر ابن الله ، والله لا یعلم أنّ له ولداً. وأمّا قولک : أخبرنی بما لیس عند الله. فلیس عنده ظلم للعباد ، وأما قولک : أخبرنی بما لیس لله فلیس له شریک. فقال الیهودیّ : أشهد أن لا اله إلا الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، وأنّک وصیّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقال أبو بکر والمسلمون لعلیّ علیه السلام : یا مفرّج الکرب. المجتنی لابن درید (1) (ص 35).

قال الأمینی : إقرأ واحکم. 2.

ص: 241


1- المجتنی : ص 22.

- 13 -

وفد النصاری وأسئلتهم

أخرج الحافظ العاصمی عن سلمان الفارسی رضی الله عنه ، قال : لمّا قبض النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم اجتمعت النصاری إلی قیصر ملک الروم فقالوا له : أیّها الملک إنّا وجدنا فی الإنجیل رسولاً یخرج من بعد عیسی اسمه أحمد وقد رمقنا خروجه وجاءنا نعته فأشر علینا فإنّا قد رضیناک لدیننا ودنیانا.

قال : فجمع قیصر من نصاری بلاده مائة رجل وأخذ علیهم المواثیق أن لا یغدروا ولا یخفوا علیه من أمورهم شیئاً وقال : انطلقوا إلی هذا الوصیّ الذی من بعد نبیّهم فسلوه عمّا سئل عنه الأنبیاء علیهم السلام ، وعمّا أتاهم به من قبل ، والدلائل التی عرفت بها الأنبیاء. فإن أخبرکم فآمنوا به وبوصیّه واکتبوا بذلک إلیّ ، وإن لم یخبرکم فاعلموا أنّه رجل مطاعٌ فی قومه ، یأخذ الکلام بمعانیه ، ویردّه علی موالیه ، وتعرّفوا خروج هذا النبیّ.

قال : فسار القوم حتی دخلوا بیت المقدس ، واجتمعت الیهود إلی رأس جالوت فقالوا له مثل مقالة النصاری بقیصر ، فجمع رأس جالوت من الیهود مائة رجل.

قال سلمان : فاغتنمت صحبة القوم فسرنا حتی دخلنا المدینة وذلک یوم عروبة (1) وأبو بکر رضی الله عنه قاعد فی المسجد یفتی الناس ، فدخلت علیه فأخبرته بالذی قدم له النصاری والیهود فأذن لهم بالدخول علیه ، فدخل علیه رأس جالوت فقال : ف)

ص: 242


1- یعنی یوم الجمعة : وکان یسمی قدیماً بیوم عروبة ، ویوم العروبة. والأفصح ترک الألف واللام. (المؤلف)

یا أبا بکر إنّا قوم من النصاری والیهود جئناکم لنسألکم عن فضل دینکم فإن کان دینکم أفضل من دیننا قبلناه ، وإلاّ فدیننا أفضل الأدیان.

قال أبو بکر : سل عمّا تشاء أجبک إن شاء الله. قال : ما أنا وأنت عند الله؟ قال أبو بکر : أمّا أنا فقد کنت عند الله مؤمناً وکذلک عند نفسی إلی الساعة ولا أدری ما یکون من بعد. فقال الیهودی : فصف لی صفة مکانک فی الجنّة ، وصفة مکانی فی النار ، لأرغب فی مکانک وأزهد عن مکانی.

فقال : فأقبل أبو بکر ینظر إلی معاذ مرّة وإلی ابن مسعود مرّة ، وأقبل رأس جالوت یقول لأصحابه بلغة أمّته : ما کان هذا نبیّا.

قال سلمان : فنظر إلیّ القوم ، قلت لهم : أیّها القوم ابعثوا إلی رجل لو ثنیتم الوسادة لقضی لأهل التوراة بتوراتهم ، ولأهل الإنجیل بإنجیلهم ، ولأهل الزبور بزبورهم ، ولأهل القرآن بقرآنهم ، ویعرف ظاهر الآیة من باطنها ، وباطنها من ظاهرها.

قال معاذ : فقمت فدعوت علیّ بن أبی طالب وأخبرته بالذی قدمت له الیهود والنصاری ، فأقبل حتی جلس فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال ابن مسعود : وکان علینا ثوب ذلّ ، فلمّا جاء علیّ بن أبی طالب کشفه الله عنّا. قال علیّ : «سلنی عمّا تشاء أخبرک إن شاء الله». قال الیهودی : ما أنا وأنت عند الله؟

قال : «أمّا أنا فقد کنت عند الله وعند نفسی مؤمناً إلی الساعة فلا أدری ما یکون بعد. وأمّا أنت فقد کنت عند الله وعند نفسی إلی الساعة کافراً ولا أدری ما یکون بعد»

قال رأس جالوت : فصف لی صفة مکانک فی الجنّة وصفة مکانی فی النار

ص: 243

فأرغب فی مکانک وأزهد عن مکانی.

قال علیّ : «یا یهودی لم أر ثواب الجنّة ولا عذاب النار فأعرف ذلک ، ولکن کذلک أعدّ الله للمؤمنین الجنّة وللکافرین النار ، فإن شککت فی شیء من ذلک فقد خالفت النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولست فی شیء من الإسلام.

قال : صدقت رحمک الله ؛ فإنّ الأنبیاء یوقنون علی ما جاءوا به فإن صدقوا آمنوا ، وإن خولفوا کفروا. قال : فأخبرنی ؛ أعرفت الله بمحمد أم محمداً بالله؟

فقال علیّ : «یا یهودی ما عرفت الله بمحمد ولکن عرفت محمداً بالله ؛ لأنّ محمداً محدود مخلوق وعبد من عباد الله اصطفاه الله واختاره لخلقه وألهم الله نبیّه کما ألهم الملائکة الطاعة ، وعرّفهم نفسه بلا کیف ولا شبه».

قال : صدقت. قال : فأخبرنی : الربّ فی الدنیا أم فی الآخرة؟

فقال علیّ : «إنّ (فی) وعاء ، فمتی ما کان بفی کان محدوداً ، ولکنه یعلم ما فی الدنیا والآخرة ، وعرشه فی هواء الآخرة وهو محیط بالدنیا ، والآخرة بمنزلة القندیل فی وسطه إن خلیت یکسر ، وإن أخرجته لم یستقم ، مکانه هناک ، فکذلک الدنیا وسط الآخرة».

قال : صدقت. قال : فأخبرنی : الربّ یحمل أو یحمل؟

قال علیّ بن أبی طالب : «یَحمل».

قال رأس جالوت : فکیف وإنّا نجد فی التوراة مکتوباً ویحمل عرش ربّک فوقهم یومئذٍ ثمانیة؟

قال علیّ : «یا یهودیّ : إن الملائکة تحمل العرش ، والثری یحمل الهواء ، والثری

ص: 244

موضوع علی القدرة وذلک قوله تعالی : (لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَما فِی الْأَرْضِ وَما بَیْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّری)» (1).

قال الیهودیّ : صدقت رحمک الله. الحدیث. زین الفتی فی شرح سورة هل أتی للحافظ العاصمی.

هلمّ معی إلی الغلو :

هذه جملة ممّا وقفنا علیه من فتاوی أبی بکر وآرائه وهی علی قلّتها تدلّک علی مکانته من علم الکتاب ، وعرفان السنّة ، وفقه الشریعة ، وأحکام الدین ، أوَلیس من المغالاة إذن أن یقال : عَلِم کلّ ذی حظّ من العلم أنّ الذی کان عند أبی بکر من العلم أضعاف ما کان عند علیّ منه (2)؟

ألیس من المغالاة أن یقال : إنّ المعروف أنّ الناس قد جمعوا الأقضیة والفتاوی المنقولة عن أبی بکر وعمر وعثمان وعلیّ فوجدوا أصوبها وأدلّها علی علم صاحبها أمور أبی بکر ثمّ عمر ، ولهذا کان ما یوجد من الأمور التی وجد نصّ یخالفها عن عمر أقلّ ممّا وجد عن علیّ ، وأمّا أبو بکر فلا یکاد یوجد نصّ یخالفه؟

ألیس من المغالاة أن یقال : لم یکن أبو بکر وعمر ولا غیرهما من أکابر الصحابة یخصّان علیّا بسؤال ، والمعروف : أنّ علیّا أخذ العلم عن أبی بکر (3)؟

ألیس من المغالاة أن یقال : إنّ أبا بکر من أکابر المجتهدین بل هو أعلم الصحابة علی الإطلاق ، قاله ابن حجر فی الصواعق (4) (ص 19). 3.

ص: 245


1- طه : 6.
2- قاله ابن حزم فی الفصل : 4 / 136. راجع ما مرّ فی الجزء الثالث : ص 95. (المؤلف)
3- منهاج السنّة لابن تیمیة : 3 / 128. راجع ما أسلفناه فی : 6 / 329. (المؤلف)
4- الصواعق المحرقة : ص 33.

ألیس من المغالاة أن یقال : إنّ أبا بکر أعلم الصحابة وأذکاهم ، وکان مع ذلک أعلمهم بالسنّة کما رجع إلیه الصحابة فی غیر موضع ، یبرز علیهم بنقل سنن عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یحفظها هو ویستحضرها عند الحاجة إلیها لیست عندهم؟ وکیف لا یکون کذلک وقد واظب علی صحبة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم من أوّل البعثة إلی الوفاة (1)؟

ألیس من المغالاة ما عزوه إلی النبیّ الأقدس من قیله صلی الله علیه وآله وسلم : ما صبّ الله فی صدری شیئاً إلاّ صببته فی صدر أبی بکر (2)؟

ألیس من المغالاة ما رووه عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : رأیت کأنّی أعطیت عسّا مملوّا لبناً. فشربت منه حتی امتلأت ، فرأیتها تجری فی عروقی بین الجلد واللحم ، ففضلت منها فضلة فأعطیتها أبا بکر ، قالوا : یا رسول الله هذا علم أعطاکه الله ، حتی إذا امتلأت فضلت فضلة فأعطیتها أبا بکر ، قال صلی الله علیه وآله وسلم : قد أصبتم؟ الریاض النضرة (3) (1 / 101).

ألیس من المغالاة ما جاء به ابن سعد (4) عن ابن عمر من أنّه سُئل عمّن کان یفتی فی زمن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : أبو بکر وعمر ولا أعلم غیرهما؟

راجع (5) : أُسد الغابة (3 / 216) ، الصواعق (ص 10 ، 20) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 35).

قال الأمینی : لیتنی أدری وقومی ما بال القوم فی نحت هذه الدعاوی الفارغة ، واختلاق هذه الأکاذیب المکردسة ، وزعق (6) بسطاء الأمّة إلی المزالق والطامّات ، ا.

ص: 246


1- تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 29 [ ص 39 ]. (المؤلف)
2- راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا : ص 316 ، وهذا الجزء : ص 87. (المؤلف)
3- الریاض النضرة : 1 / 130.
4- الطبقات الکبری : 2 / 334 - 335.
5- أسد الغابة : 3 / 324 رقم 3064 ، الصواعق المحرقة : ص 18 - 34 ، تاریخ الخلفاء : ص 48.
6- الزّعق : السّوْق : زعق بإبله ؛ أی : طردها مسرعاً وصاح فی آثارها.

وردعهم عن مهیع الحقّ ، وجدد الصدق فی عرفان الرجال ، ومقادیر السلف؟

ألیست هذه الآراء تضادّ نداء المشرّع الأقدس وقوله لفاطمة : «أما ترضین أنّی زوّجتکِ أوّل المسلمین إسلاماً وأعلمهم علماً»؟

وقوله لها : «زوّجتکِ خیر أمّتی أعلمهم علماً»؟

وقوله : «إنّ علیّا لأوّل أصحابی إسلاماً وأکثرهم علماً»؟

وقوله : «أعلم أمّتی من بعدی علیّ»؟

وقوله : «أنا مدینة العلم وعلیّ بابها»؟

وقوله : «علیّ وعاء علمی»؟

وقوله : «علیّ باب علمی»؟

وقوله : «علیّ خازن علمی»؟

وقوله : «علیّ عیبة علمی»؟

وقوله : «أنا دار الحکمة وعلیّ بابها»؟

وقوله : «أنا دار العلم وعلیّ بابها»؟

وقوله : «أنا میزان العلم وعلیّ کفّتاه»؟

وقوله : «أنا میزان الحکمة وعلیّ لسانه»؟

وقوله : «أقضی أمّتی علیّ»؟

وقوله : «أقضاکم علیّ» (1)

؟ إلی أمثال هذه من الکثیر الطیّب.

ألیست تلکم الآراء المجرّدة تخالف ما أسلفناه فی الجزء الثالث (ص 95 - 101) وفی نوادر الأثر فی الجزء السادس من أقوال الصحابة الأوّلین والتابعین بإحسان فی علم علیّ نظراء عائشة ، وعمر ، ومعاویة ، وابن عبّاس ، وابن مسعود ، وعدیّ بن حاتم ، وسعید بن المسیب ، وهشام بن عتبة ، وعطاء ، وعبد الله بن حجل؟ ف)

ص: 247


1- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا : ص 95 ، والجزء السادس : ص 61 - 81. (المؤلف)

أنّی یسوغ القول بأعلمیة أیّ أحد من الأمّة غیر علیّ أمیر المؤمنین بعد ما مرّ فی الجزء الثالث (ص 100) من إجماع أهل العلم علی أنّ علیّا علیه السلام هو وارث علم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم دونهم. وما أسلفناه هناک من الصحیح الوارد عن مولانا أمیر المؤمنین من قوله : «والله إنّی لأخوه وولیّه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّی؟».

ثمّ أیّ نُجفةٍ من العلم کانت آیةَ فضلةِ عسٍّ شربها الخلیفة من ید النبیّ الأعظم إن صحّت الأحلام؟ أقوله فی الأبّ؟ أم رأیه فی الکلالة والجدّ والجدّتین والخلافة وغیرها؟ أبمثل هذه کان هو وصاحبه یفتیان فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟

وأیّ صدرٍ هذا لم یک ینضح بشیء من العلم - والإناء ینضح بما فیه - بعد ما صبّ فیه رسول الله کلّ ما صبّ الله فی صدره صلی الله علیه وآله وسلم؟

وأنت جدّ علیم بأنّ الأخذ بمجامع تلکم الصحاح المأثورة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأقوال الصحابة والتابعین فی علم أمیر المؤمنین علیه السلام والجمع بینها وبین تلکم الآراء فی علم أبی بکر یستلزم القول بأعلمیّته من رسول الله أیضاً بعد کونه وعلیّ صلی الله علیهما وآلهما صنوین فی الفضائل ، بعد کون علیّ ردیف أخیه الأقدس ونفسه فی مآثره ، بعد کونه وارث علمه وبابه وعیبته ووعاءه وخازنه ، ولا أحسب کلّ القوم ولا جلّهم یقول بذلک.

نعم ؛ من لم یتحاشَ عن الغلوّ فی أبی حنیفة والقول بأعلمیّته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی القضاء کما مرّ فی الجزء الخامس (ص 279) لا یکترث للقول بذلک فی أبی بکر الأفضل من أبی حنیفة.

هذا هو الغلوّ الممقوت الذی تصکّ به المسامع لا ما تقول به الشیعة یا أتباع أبناء حزم وتیمیّة وکثیر وجوزیّة!

ص: 248

مظاهر علم الخلیفة :

وأوّل مظهر من مظاهر علم الخلیفة عند الباقلانیّ من المتقدّمین کما فی تمهیده (ص 191) ، وعند السیّد أحمد زینی دحلان من المتأخّرین کما فی سیرته هامش الحلبیّة (1) (3 / 376) هو إعلامه الناس بموت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحجاجه عمر بن الخطّاب بقول العزیز الحکیم (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ) (2).

ما أذهل الرجلین عن أنّ الأمر لم یعضل علی أیّ امرئٍ من الصحابة ، وحاشاهم عن أن یکون هذا مبلغ علمهم ، وقد کان حملة القرآن الکریم بأسرهم علی علم من موته صلی الله علیه وآله وسلم أخذاً بما أجری الله بین البشر من الطبیعة المطّردة و (قَضی أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّی) (3) (وَما کانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ کِتاباً مُؤَجَّلاً) (4) ، (وَلِکُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا یَسْتَقْدِمُونَ) (5) ، وتمسّکاً بالقرآن العظیم ، ونصوصه صلی الله علیه وآله وسلم الکثیرة علیه فی مواقف لا تحصی ، أحفلها حجّة الوداع ومن هنا سُمّیت تلک الحجّة بحجّة الوداع.

ولم یکن إنکار عمر موته صلی الله علیه وآله وسلم لجهله بذلک ، وقد قرأ عمرو بن زائدة علیه وعلی الصحابة فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الآیة المذکورة قبل تلاوة أبی بکر إیّاها وأشفعها بقوله تعالی (إِنَّکَ مَیِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَیِّتُونَ) (6) فضرب الرجل عنها وعن قارئها صفحاً ، وعمرو بن زائدة صحابیّ عظیم استخلفه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی المدینة ثلاث ف)

ص: 249


1- السیرة النبویّة : 2 / 306.
2- آل عمران : 144.
3- الأنعام : 2.
4- آل عمران : 145.
5- یونس : 49.
6- راجع تاریخ ابن کثیر : 5 / 243 [ 5 / 262 - 263 حوادث سنة 11 ه ] ، شرح المواهب للزرقانی : 8 / 281 والآیة : 30 من سورة الزمر. (المؤلف)

عشرة مرّة فی غزواته کما فی الإصابة (2 / 523).

وإنّما کان إنکاره ذلک وإرهابه الناس لسیاسة مدبّرة ، وذلک صرف فکرة الشعب عن الفحص عن الخلیفة إلی أن یحضر أبو بکر وکان غائباً بالسُّنْح (1) خارج المدینة (2) ، وکان الأمر دُبّر بلیل.

ألا تری أنّ غیر واحد من أعلام القوم قد اعتذروا ، عن إنکار عمر موته صلی الله علیه وآله وسلم بغیر الجهل ، فمنهم من قال : إنّ ذلک کان لتشوّش البال ، واضطراب الحال ، والذهول عن جلیّات الأحوال (3) ومنهم من اعتذر بقوله : خبل عمر فی وفاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فجعل یقول : إنّه والله ما مات ولکنّه ذهب إلی ربّه (4).

المظهر الثانی : وجاء ابن حجر (5) من علم الخلیفة بمظاهر أخری واحتجّ بها علی کونه أعلم الصحابة علی الإطلاق. منها : ما أخرجه البخاری فی صحیحه (6) فی صلح الحدیبیّة عن عمر بن الخطّاب رضی الله عنه قال : فأتیت نبیّ الله صلی الله علیه وآله وسلم. فقلت : یا نبیّ الله ألست نبیّ الله حقّا؟ قال : «بلی». قلت : ألسنا علی الحقّ وعدوّنا علی الباطل؟ قال : «بلی». قلت : فلِمَ نعطی الدنیّة فی دیننا إذاً؟ قال : «إنّی رسول الله ، ولست أعصیه ، وهو ناصری». قلت : أوَلیس کنت تحدّثنا أنّا سنأتی البیت ونطوف به؟ قال : «بلی ، أفأخبرتک أنّک تأتیه العام؟» قال : قلت : لا. قال : «فإنّک آتیه ومطَّوِّف به». قال : 1.

ص: 250


1- السُّنْح : إحدی محالّ المدینة کان بها منزل أبی بکر. معجم البلدان : 3 / 256.
2- تاریخ الطبری : 3 / 197 [ 3 / 200 حوادث سنة 11 ه ] ، طبقات ابن سعد رقم التسلسل طبع مصر : 786 [ 2 / 265 ] ، تفسیر القرطبی : 4 / 223 [ 4 / 143 ] ، عیون الأثر : 2 / 339 [ 2 / 433 ]. (المؤلف)
3- شرح المقاصد للتفتازانی : 2 / 294 [ 5 / 282 ]. (المؤلف)
4- عیون الأثر لابن سیّد الناس : 2 / 339 [ 2 / 433 ]. (المؤلف)
5- الصواعق المحرقة : ص 33.
6- صحیح البخاری : 3 / 978 ح 2581.

فأتیت أبا بکر رضی الله عنه فقلت : یا أبا بکر : ألیس هذا نبیّ الله حقّا؟ قال : بلی. قلت : ألسنا علی الحقّ وعدوّنا علی الباطل؟ قال : بلی. قلت : فلِمَ نعطی الدنیّة فی دیننا إذاً؟ فقال : أیّها الرجل إنّه لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولن یعصی ربّه وهو ناصره ، فاستمسک بغرزه ، فو الله إنّه علی الحقّ. فقلت : ألیس کان یحدّثنا أنّا سنأتی البیت ونطَّوَّف به؟ قال : بلی ، أفأخبرک أنّک تأتیه العام؟ قلت : لا. قال : فإنّک آتیه ومطّوِّف به.

قال الأمینی : هل فی هذه الروایة غیر أنّ أبا بکر کان مؤمناً بنبوّة رسول الله ، وبطبع الحال أنّ کلّ من اعتنق هذا المبدأ یری أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لا یعصی ربّه وهو ناصره ، وأنّ کلّ میعاد جاء به لا بدّ وأن یقع فی الأجل المضروب له إن کان موقّتاً وإلاّ فهو یقع لا محالة فی ظرفه الخاصّ به ، فلا یخالجه شکّ إذا لم یعجّل.

هذه غایة ما یوصف به أبو بکر بهذا الحدیث ، وهو معنی یشترک فیه جمیع المسلمین ، ولیس من خاصّته ، فأیّ دلالة فیه علی کون أبی بکر أعلم الصحابة علی الإطلاق؟ ولو کان عمر یسأل أیّ صحابیّ بسؤاله هذا لما سمع إلاّ لِدة ما أجاب به أبو بکر ومثل ما أجاب به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وکذلک المسلمون کلّهم إلی منصرم الدنیا ، فإنّک لا تجد عند أحدهم ضمیراً غیر هذا ، وإذا فاتحته بالکلام عن مثله فلا تسمع جواباً غیره ، فهل فاتح عمر به غیر أبی بکر أحداً من الصحابة وسمع جواباً غیر ما أجاب به حتی یُستدلّ به علی أعلمیّته علی الإطلاق أو علی التقیید؟

وهل کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی صدد بیان غامض من علومه لمّا أجاب عمر ، حتی یکون إذا وافقه أبو بکر فی الجواب یصبح به أعلم الصحابة علی الإطلاق؟

وابن حجر یعلم ذلک کلّه ، ولذلک تعمّد إسقاط لفظ الروایة ، وقال فی الصواعق (1) (ص 19) : هو - أبو بکر - من أکابر المجتهدین بل هو أعلم الصحابة علی 3.

ص: 251


1- الصواعق المحرقة : ص 33.

الإطلاق للأدلّة الواضحة علی ذلک ، منها : ما أخرجه البخاری وغیره أنّ عمر فی صلح الحدیبیّة سأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک الصلح وقال : علام نعطی الدنیّة فی دیننا. فأجابه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ ذهب إلی أبی بکر فسأله عمّا سأل عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من غیر أن یعلم بجواب النبی صلی الله علیه وآله وسلم فأجابه بمثل ذلک الجواب سواء بسواء.

یوهم ابن حجر أنّ هناک معضلة کشفها أبو بکر ، أو عویصة من العلوم حلّها ممّا یُعدّ الخوض فیه من الأدلّة الواضحة علی أعلمیّة صاحبه من الصحابة علی الإطلاق ، فلیفعل ابن حجر ما شاء ، فإنّ نظّارة التنقیب رقیبة علیه ، والله من ورائه حسیب.

المظهر الثالث : ومن الأدلّة الواضحة عند ابن حجر علی أنّ الخلیفة أعلم الصحابة علی الإطلاق ما روی فی الصواعق (ص 19) عن عائشة مرسلاً أنّها قالت : لمّا توفّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛ اشرأبّ النفاق - أی رفع رأسه - وارتدّت العرب ، وانحازت الأنصار ، فلو نزل بالجبال الراسیات ما نزل بأبی لهاضها - أی فتّتها - فما اختلفوا فی لفظة إلاّ طار أبی بعبئها وفصلها ، قالوا : أین ندفن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فما وجدنا عند أحد فی ذلک علماً ، فقال أبو بکر : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : ما من نبیّ یقبض إلاّ دفن تحت مضجعه الذی مات فیه. واختلفوا فی میراثه ، فما وجدنا عند أحد فی ذلک علماً ، فقال أبو بکر : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : إنّا معشر الأنبیاء لا نُورَث ما ترکنا صدقة.

ثمّ قال (1) : قال بعضهم : وهذا أوّل اختلاف وقع بین الصحابة فقال بعضهم : ندفنه بمکّة مولده ومنشئه ، وبعضهم بمسجده ، وبعضهم بالبقیع ، وبعضهم ببیت المقدس مدفن الأنبیاء ، حتی أخبرهم أبو بکر بما عنده من العلم ، قال ابن زنجویه : وهذه سنّة تفرّد بها الصدّیق من بین المهاجرین والأنصار ورجعوا إلیه فیها. 4.

ص: 252


1- الصواعق المحرقة : ص 34.

قال الأمینی : غایة ما فی هذه المرسلة عن عائشة أنّ أبا بکر روی حدیثین عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شذّت روایتهما عن الحضور فی ذینک الموقفین ، فإن یکن بهما أبو بکر أعلم الصحابة علی الإطلاق حتی من لم یحضرهما ولو بنحو من التهجّم والرجم بالغیب ، فکیف بمن روی آلافاً مؤلّفة من الأحادیث شذّت عن أبی بکر روایتها جمعاء أو روایة أکثرها؟ ومع ذلک لا یُعدّ أحد منهم أعلم الصحابة أو أعلم من أبی بکر علی الأقلّ.

ألیس هو صاحب نادرة الأبّ والکلالة والجدّ والجدّتین إلی نوادر أخری؟ ألیس هو الآخذ بالسنّة الشریفة من نظراء المغیرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة وعبد الرحمن بن سهیل إلی أناس آخرین عادیّین؟

کأنّ ابن حجر یقیس الناس إلی نفسه ویحسبهم ولائدَ حَجَر لا یعقلون شیئاً وهم یسمعون ، ألا یقول الرجل ما الذی فهمه الصحابة من هتاف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم هتف بقوله :

1 - «ما بین قبری ومنبری روضة من ریاض الجنّة».

2 - وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما بین بیتی ومنبری روضة من ریاض الجنّة».

3 - وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما بین حجرتی إلی منبری روضة من ریاض الجنّة».

4 - وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما بین المنبر وبیت عائشة روضة من ریاض الجنّة».

5 - وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «من سرّه أن یصلّی فی روضة من ریاض الجنّة فلیصلّ بین قبری ومنبری».

وهذه الأحادیث أخرجها باللفظ الأول (1) : البخاری (2) ، وأحمد ، وعبد الرزّاق ، ف)

ص: 253


1- مسند أحمد : 3 / 472 ح 11216 ، شعب الإیمان : 3 / 491 ح 4163 ، مسند البزّار : 4 / 44 ح 1206 ، المعجم الکبیر : 12 / 227 ح 13156 والمعجم الأوسط : 1 / 360 ح 614 و 412 ح 737 ، حلیة الأولیاء : 9 / 324 رقم 461.
2- حکاه الأنصاری عن نسخة من صحیحه فی تحفة الباری المطبوع فی ذیل إرشاد الساری : 4 / 412. (المؤلف)

وسعید بن منصور ، والبیهقی فی شعب الإیمان ، والخطیب ، والبزّار ، والطبرانی ، والدارقطنی ، وأبو نعیم ، وسمویه ، وابن عساکر من طریق جابر ، وسعد بن أبی وقّاص ، وعبد الله بن عمر ، وأبو سعید الخدری.

راجع (1) تاریخ الخطیب (11 / 228 ، 290) ، إرشاد الساری للقسطلانی (4 / 413) وصحّح إسناد البزّار وقال : عند البزّار بسند رجاله ثقات ، کنز العمّال (6 / 254) ، شرح النووی لمسلم هامش الإرشاد (6 / 103) ، تحفة الباری فی ذیل الإرشاد (4 / 412) ، وحکاه السمهودی فی وفاء الوفا (1 / 303) عن الصحیحین ، وصحّحه من طریق البزّار.

وأخرجها (2) باللفظ الثانی : البخاری ، ومسلم ، والترمذی ، وأحمد ، والدارقطنی ، وأبو یعلی ، والبزّار ، والنسائی ، وعبد الرزّاق ، والطبرانی ، وابن النجّار ، من طریق جابر وعبد الله بن عمر ، وعبد الله المازنی ، وأبی بکر.

راجع (3) : صحیح البخاری کتاب الصلاة : باب فضل ما بین القبر والمنبر ، وکتاب الحجّ ، وصحیح مسلم کتاب الحج ، باب : فضل ما بین قبره صلی الله علیه وآله وسلم ومنبره ، تیسیر الوصول (3 / 323) ، تمییز الطیّب (ص 139) ، فقال : متّفق علیه ، کنوز الدقائق 8.

ص: 254


1- إرشاد الساری : 4 / 491 - 492 ح 1888 ، کنز العمّال : 12 / 260 ح 34947 و 261 ح 34956 ، شرح صحیح مسلم : 9 / 161 ، وفاء الوفا : 2 / 427 - 428.
2- سنن الترمذی : 5 / 675 ح 3915 ، 3916 ، مسند أحمد : 2 / 469 - 470 ح 7182 و 3 / 71 ح 8668 ، مسند أبی یعلی : 1 / 109 ح 118 ، مسند البزّار : 4 / 44 ح 1206 ، السنن الکبری للنسائی : 1 / 257 ح 774 ، المصنّف لعبد الرزّاق : 3 / 182 ح 5243 ، المعجم الکبیر : 23 / 255 ح 526 ، المعجم الأوسط : 1 / 101 ح 98 ، المعجم الصغیر : 2 / 122.
3- صحیح البخاری : 1 / 399 ح 1137 و 1138 و 2 / 667 ح 1789 ، صحیح مسلم : 3 / 179 ح 500 - 502 کتاب الحج ، تیسیر الوصول : 3 / 375 ح 13 ، تمییز الطیّب من الخبیث : ص 161 ح 1188 ، کنوز الدقائق : 2 / 82 ، کنز العمّال : 12 / 259 ح 34944 و 260 ح 34945 و 261 ح 34955 ، الجامع الصغیر : 2 / 489 ح 7860 ، وفاء الوفا : 2 / 426 ، 428.

(ص 129) ، کنز العمّال (6 / 254) ، الجامع الصغیر وصحّحه وقال : حدیث متواتر کما فی الفیض القدیر (5 / 433) ، تحفة الباری فی ذیل الإرشاد (4 / 412) ، وفاء الوفا (1 / 302 ، 303) وصحّحه بإسناد أحمد والبزّار.

وأخرجه (1) باللفظ الثالث : أحمد ، والشاشی ، وسعید بن منصور ، والخطیب من طریق جابر وعبد الله المازنی کما فی تاریخ الخطیب (3 / 360) ، وکنز العمّال (6 / 254) ، وشرح النووی لمسلم هامش الإرشاد (6 / 103).

واللفظ الرابع (2) : تجده فی الأوسط للطبرانی من طریق أبی سعید الخدری کما فی إرشاد الساری (4 / 413) ، ووفاء الوفا (1 / 303).

والخامس منها أخرجه (3) : الدیلمی من طریق عبید الله بن لبید کما فی کنز العمّال (6 / 254).

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (4) (3 / 193) : قلت : کیف اختلفوا فی موضع دفنه وقد قال لهم : «فضعونی علی سریری فی بیتی هذا علی شفیر قبری»؟ وهذا تصریح بأنّه دفن فی البیت الذی جمعهم فیه وهو بیت عائشة.

وهذا الحدیث أخرجه (5) : ابن سعد ، وابن منیع ، والحاکم ، والبیهقی ، والطبرانی فی الأوسط من طریق ابن مسعود کما فی الخصائص الکبری للحافظ السیوطی (2 / 276). 4.

ص: 255


1- مسند أحمد : 3 / 352 ح 10525 ، کنز العمّال : 12 / 260 ح 34948 ، شرح صحیح مسلم : 9 / 161.
2- إرشاد الساری : 4 / 492 ح 1888 ، وفاء الوفا : 2 / 427.
3- الفردوس بمأثور الخطاب : 3 / 538 ح 5676 ، کنز العمّال : 12 / 260 ح 34950.
4- شرح نهج البلاغة : 13 / 39 خطبة 230.
5- الطبقات الکبری : 2 / 257 ، المستدرک علی الصحیحین : 3 / 62 ح 3499 ، دلائل النبوّة : 7 / 232 ، الخصائص الکبری : 2 / 484.

أیری ابن حجر أنّ الصحابة بعد تلکم الأحادیث کانوا غیر عارفین تلک الروضة المقدّسة التی أنبأهم بها نبیّهم الأقدس ، وأمرهم بالصلاة علیها؟ أو یراهم أنّهم عرفوا القبر والمنبر وما بینهما من الروضة ، ووقفوا علی حدودها من کَثَب أخذاً منه صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ اختلفوا فی المدفن الشریف ، فباح به أبو بکر فأصبح بذلک أعلمهم علی الإطلاق؟

علی أنّه لو صحّت روایة الدفن لوجب أن یبوح بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لمن أوصاه بغسله ودفنه (1) ، لمن ولی غسله وکفنه وإجنانه (2) ، لمن یعلم أنّه یباشر دفنه ویلی إجنانه (3) فی منتصف اللیل من دون حضور غیر أهله کما مرّ فی (ص 75) ، لا الذی یغیب عن ذلک المشهد ، وغلبت علی أجفانه عند ذاک سنة الکری ، وتعیین المدفن من أهمّ ما یوصی به عند کلّ أحد فضلاً عن سیّد البشر ، وهذا الاعتبار یعاضد ما أخرجه أبو یعلی (4) من حدیث عائشة أیضاً ، وإن یعارض حدیثها عن أبیها. قالت : اختلفوا فی دفنه صلی الله علیه وآله وسلم. فقال علیّ : «إنّ أحبّ البقاع إلی الله مکان قبض فیه نبیّه». الخصائص الکبری (5) (ص 2 / 278).

ولعلّ تجاه هذا الحدیث اختُلقت روایة الدفن.

ولو کان عند دفن جثمان القداسة حوار کما یصفه ابن حجر لتناقلته الألسن وتداولته السیر والمدوّنات نقلاً عن الصحابة الحضور یوم ذاک الواقفین علی الجلبة ، والمستمعین للّغط ، ولما اختصّت بوصفه صفحات الصواعق أو ما یشاکله من کتب المتأخرین ، ولا تفرّدت بروایة شیء منها عائشة ، وکیف تفرّدت بها! وهی التی 6.

ص: 256


1- طبقات ابن سعد رقم التسلسل : 798 ، 801 [ 2 / 278 و 280 - 281 ] ، الخصائص الکبری : 2 / 276 ، 277 [ 2 / 482 ، 483 ]. (المؤلف)
2- طبقات ابن سعد : ص 798 [ 2 / 278 ]. (المؤلف)
3- یقال : أجنّه أی ستره والمراد دفنه صلی الله علیه وآله وسلم.
4- مسند أبی یعلی : 8 / 279 ح 4865.
5- الخصائص الکبری : 2 / 486.

تقول : ما علمنا بدفن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی سمعنا صوت المساحی من جوف اللیل (1).

ثمّ إنّ أوّل مفنّد لهذه السنّة المزعوم اطّرادها هو مدفن أوّل الأنبیاء آدم علیه السلام ، فإنّه توفّی بمکة ودفن عند الجبل الذی أهبط منه فی الهند ، وقیل بجبل أبی قبیس بمکّة (2).

وقد اشتری إبراهیم الخلیل علی نبیّنا وآله وعلیه السلام مغارة فی حبرون (3) من عفرون بن صخر ، فدفن فیها سارة ثمّ دُفِن فیها هو وابنه إسحاق.

وتوفّی یعقوب علیه السلام فی مصر ، واستأذن یوسف سلام الله علیه ملک مصر فی الخروج مع أبیه لیدفنه عند أهله ، فأذن له ، وخرج معه أکابر مصر ، فدفنه فی المغارة بحبرون (4).

المظهر الرابع : أمّا روایة الإرث ؛ فسرعان ما ناقض ابن حجر (5) فیها نفسه ؛ فتراه یحسب هاهنا فی (ص 19) : أنّها مختصّة بأبی بکر ، وهی من الأدلّة الواضحة علی أعلمیّته ، وهو یعتقد فی صفحة (21) : أنّه رواها علیّ والعبّاس وعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبیر وسعد وأمّهات المؤمنین وقال : کلّهم کانوا یعلمون أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال ذلک ، وأنّ أبا بکر إنّما انفرد باستحضاره أوّلاً ثمّ استحضره الباقون. 9.

ص: 257


1- راجع ما مرّ فی : ص 75. (المؤلف)
2- تاریخ الطبری : 1 / 80 ، 81 [ 1 / 161 و 162 ] ، العرائس للثعلبی : ص 29 [ ص 48 ] ، الکامل لابن الأثیر : 1 / 22 [ 1 / 61 ] ، تاریخ ابن کثیر : 1 / 98 [ 1 / 110 ]. (المؤلف)
3- فی تاریخ الطبری : جیرون ، والصحیح : حبرون [ وفی الطبعة التی فی أیدینا 1 / 312 : حبرون ]. (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 1 / 161 ، 169 [ 1 / 312 و 330 ] ، معجم البلدان : 3 / 208 [ 2 / 212 ] ، تاریخ ابن کثیر : 1 / 174 ، 197 ، 220 [ 1 / 202 و 226 و 253 ]. (المؤلف)
5- الصواعق : ص 34 و 39.

ما هذا التهافت بین کلامی الرجل؟ وما أذهله أخیراً عمّا جاء به أوّلاً؟ وهل الأعلمیّة مترشّحة من محض الاستحضار أوّلاً؟ أو السبق إلی الهتاف به؟ وکلّ منهما کما تری لا یفید مزیّة إلاّ فی الحفظ دون العلم.

ثمّ لو کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال ذلک لوجب أن یفشیه إلی آله وذویه الذین یدّعون الوراثة منه لیقطع معاذیرهم فی ذلک بالتمسک بعمومات الإرث من آی القرآن الکریم والسنّة الشریفة ، فلا یکون هناک صخب وحوار تتعقّبهما محن وإحن ، ولا تموت بضعته الطاهرة وهی واجدة علی أصحاب أبیها (1) ، ویکون ذلک کلّه مثاراً للبغضاء والعداء فی الأجیال المتعاقبة بین أشیاع کلّ من الفریقین ، وقد بُعث هو صلی الله علیه وآله وسلم لکسح تلکم المعرّات وعقد الإخاء بین الأمم والأفراد.

ألم یکن صلی الله علیه وآله وسلم علی بصیرة ممّا یحدث بعده من الفتن الناشئة من عدم إیقاف أهله وذویه علی هذا الحکم المختصّ به صلی الله علیه وآله وسلم المخصّص لشرعة الإرث؟ حاشاه. وعنده علم المنایا والبلایا والقضایا والفتن والملاحم.

وهل تری أنّ دعوی الصدّیق الأکبر أمیر المؤمنین وحلیلته الصدّیقة الکبری صلوات الله علیهما وآلهما علی أبی بکر ما استولت علیه یده ممّا ترکه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من ماله کانت بعد علم وتصدیق منهما بتلک السنّة المزعومة صفحاً منهما عنها لاقتناء حطام الدنیا؟ أو کانت عن جهل منهما بما جاء به أبو بکر؟ نحن نقدّس ساحتهما - أخذاً بالکتاب والسنّة - عن علم بسنّة ثابتة والصفح عنها ، وعن جهل یربکهما فی المیزان.

ولما ذا یصدّق أبو بکر فی دعواه الشاذّة عن الکتاب والسنّة ، فیما لا یُعلم إلاّ من قِبَل ورثته صلی الله علیه وآله وسلم ووصیّه الذی هتف صلی الله علیه وآله وسلم به وبوصایته من بدء دعوته فی الأندیةف)

ص: 258


1- سیوافیک فی هذا الجزء تفصیل ذلک. (المؤلف)

والمجتمعات (1) ، ولم تکن أُذنٌ واعیة لدعوی الصدّیقة وزوجها الطاهر بکون فدک نِحلة لها من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهی لا تُعلم إلاّ من قبلهما؟

قال مالک بن جعونة عن أبیه أنّه قال : قالت فاطمة لأبی بکر : «إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جعل لی فدک فأعطنی إیّاها» ، وشهد لها علیّ بن أبی طالب ، فسألها شاهداًآخر فشهدت لها أُمّ أیمن : فقال : قد علمت یا بنت رسول الله أنّه لا تجوز إلاّ شهادة رجلین أو رجل وامرأتین ، فانصرفت.

وفی روایة خالد بن طهمان ؛ أنّ فاطمة قالت لأبی بکر رضی الله عنه : «أعطنی فدک فقد جعلها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لی» ، فسألها البیّنة ، فجاءت بأمّ أیمن ورباح مولی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فشهدا لها بذلک ، فقال : إنّ هذا الأمر لا تجوز فیه إلاّ شهادة رجل وامرأتین (2).

ثمّ مِمّ کان غضب الصدّیقة الطاهرة سلام الله علیها؟ وهی التی جاء فیها عن أبیها الأقدس : «إنّ الله یرضی لرضاها ویغضب لغضبها» (3) أمن حکم صدع به والدها؟ (وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحی) (4) وحاشاها. أم لأنّ ذلک الحکم الباتّ رواه عنه صدّیق أمین یرید بثّ حکم الشریعة وتنفیذه وهی غیر مصدّقة له؟ نحاشی ساحة البضعة الطاهرة بنصّ آیة التطهیر عن هذه الخزایة ، فلم یبق إلاَّ شقّ ثالث وهو أنّها کانت تتّهم الراوی ، أو تعتقد خللاً فی الروایة ، وتراه حکماً خلاف الکتاب والسنّة ، وهذا الذی دعاها إلی أن لاثت خمارها علی رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت فی لمّة من حفدتها (5) ونساء قومها تطأ ذیولها ، ما تخرمم.

ص: 259


1- راجع الجزء الثانی : ص 278. (المؤلف)
2- فتوح البلدان للبلاذری : ص 38 [ ص 44 ]. (المؤلف)
3- راجع : 3 / 20 وسیأتیک فی هذا الجزء. (المؤلف)
4- النجم : 3 و 4.
5- الحَفَدَة : الأعوان والخدم.

مشیتها مشیة رسول الله ، حتی دخلت علی أبی بکر وهو فی حشد من المهاجرین والأنصار وغیرهم ، فنیطت دونها ملاءة ، ثم أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبکاء ، وارتجّ المجلس ، ثمّ أمهلت هنیهة حتی إذا سکن نشیج القوم ، وهدأت فورتهم ، افتتحت کلامها بالحمد لله عزّ وجلّ والثناء علیه والصلاة علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. ثمّ قالت ما قالت وفیما قالت : «أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ، (أَفَحُکْمَ الْجاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُکْماً لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ) (1)؟ یا ابن أبی قحافة أترث أباک ولا أرِث أبی؟ لقد جئت شیئاً فریّا ، فدونکها مخطومة مرحولة تلقاک یوم حشرک ، فنعم الحَکَم الله ، والزعیم محمد ، والوعد القیامة ، وعند الساعة یخسر المبطلون». ثمّ انکفأت إلی قبر أبیها صلی الله علیه وآله وسلم فقالت :

قد کان بعدک أنباءٌ وهنبثةٌ

لو کنت شاهدها لم تکثرِ الخطبُ

إنّا فقدناک فقدَ الأرضِ وابلَها

واختلّ قومکَ فاشهدهم ولا تغب

فلیت بعدک کان الموتُ صادفَنا

لمّا قضیت وحالت دونک الکثبُ (2)

وهذا الذی ترکها غضبی علی من خالفها وتدعو علیه بعد کلّ صلاة حتی لفظت نفسها الأخیر صلّی الله علیها کما سیوافیک تفصیله.

وهل هذا الحکم مطّرد بین الأنبیاء جمیعاً؟ أو أنّه من خاصّة نبیّنا صلی الله علیه وآله وسلم؟ والأوّل ینقضه الکتاب العزیز بقوله تعالی (وَوَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ) (3).

وقوله سبحانه عن زکریّا : (فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا* یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ) (4). 6.

ص: 260


1- المائدة : 50.
2- بلاغات النساء لابن طیفور : ص 12 [ ص 23 ] ، شرح ابن أبی الحدید : 4 / 93 [ 16 / 251 خطبة 45 ] ، أعلام النساء : 8 / 120 [ 4 / 122 ]. (المؤلف)
3- النمل : 16.
4- مریم : 5 و 6.

ومن المعلوم أنّ حقیقة المیراث انتقال ملک الموروث إلی ورثته بعد موته بحکم المولی سبحانه ، فحمل الآیة الکریمة علی العلم والنبوّة کما فعله القوم خلاف الظاهر لأنّ النبوّة والعلم لا یورثان ، والنبوّة تابعة للمصلحة العامّة ، مقدّرة لأهلها من أوّل یومها عند بارئها ، والله أعلم حیث یجعل رسالته ، ولا مدخل للنسب فیها کما لا أثر للدعاء والمسألة فی اختیار الله تعالی أحداً من عباده نبیّا ، والعلم موقوف علی من یتعرّض له ویتعلّمه.

علی أنّ زکریّا سلام الله علیه - إنّما سأل ولیّا من ولده یحجب موالیه - کما هو صریح الآیة - من بنی عمّه وعصبته من المیراث ، وذلک لا یلیق إلاّ بالمال ، ولا معنی لحجب الموالی عن النبوّة والعلم.

ثمّ إنّ اشتراطه علیه السلام فی ولیّه الوارث کونه رضیّا بقوله : (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا) لا یلیق بالنبوّة ، إذ العصمة والقداسة فی النفسیّات والملکات لا تفارق الأنبیاء ، فلا محصّل عندئذٍ لمسألته ذلک. نعم ، یتمّ هذا فی المال ومن یرثه فإنّ وارثه قد یکون رضیّا وقد لا یکون.

وأمّا کون الحکم من خاصّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فالقول به یستلزم تخصیص عموم آی الإرث مثل قوله تعالی : (یُوصِیکُمُ اللهُ فِی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ) (1).

وقوله سبحانه : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللهِ) (2).

وقوله العزیز : (إِنْ تَرَکَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَالْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ) (3). 0.

ص: 261


1- النساء : 11.
2- الأنفال : 75.
3- البقرة : 180.

ولا یسوغ تخصیص الکتاب إلاّ بدلیل ثابت مقطوع علیه ، لا بالخبر الواحد الذی لم یصحّ الأخذ بعموم ظاهره لمخالفته ما ثبت من سیرة الأنبیاء الماضین صلوات الله علی نبیّنا وآله وعلیهم.

لا بالخبر الواحد الذی لم یخبت إلیه صدّیقة الأمّة وصدّیقها الذی ورث علم نبیّها الأقدس ، وعدّه المولی سبحانه فی الکتاب نفساً لنبیّه صلی الله علیهما وآلهما.

لا بالخبر الواحد الذی لم یُنبّأ عنه قطّ خبیر من الأمّة وفی مقدّمها العترة الطاهرة وقد اختصّ الحکم بهم وهم الذین زُحزحوا به عن حکم الکتاب والسنّة الشریفة ، وحرموا من وراثة أبیهم الطاهر ، وکان حقّا علیه صلی الله علیه وآله وسلم أن یخبرهم بذلک ، ولا یؤخّر بیانه عن وقت حاجتهم ، ولا یکتمه فی نفسه عن کلّ أهله وذویه وصاحبته وأمّته إلی آخر نَفَس لفظه.

لا بالخبر الواحد الذی جرّ علی الأمّة کلّ هذه المحن والإحن ، وفتح علیها باب العداء المحتدم بمصراعیه ، وأجّج فیها نیران البغضاء والشحناء فی قرونها الخالیة ، وشقّ عصا المسلمین من أوّل یومهم ، وأقلق من بینهم السلام والوئام وتوحید الکلمة. جزی الله محدّثه عن الأمّة خیراً.

ثمّ إن کان أبو بکر علی ثقة من حدیثه فِلمَ ناقضه بکتاب کتبه لفاطمة الصدّیقة سلام الله علیها ، بفدک؟ غیر أنّ عمر بن الخطّاب دخل علیه فقال : ما هذا؟ فقال : کتاب کتبته لفاطمة بمیراثها من أبیها. فقال : ممّا ذا تنفق علی المسلمین ، وقد حاربتک العرب کما تری؟ ثمّ أخذ عمر الکتاب فشقّه. ذکره سبط ابن الجوزی کما فی السیرة الحلبیة (1) (3 / 391). 2.

ص: 262


1- السیرة الحلبیّة : 3 / 362.

وإن کان صحّ الخبر وکان الخلیفة مصدّقاً فیما جاء به فما تلکم الآراء المتضاربة بعد الخلیفة؟ وإلیک شطراً منها :

1 - لمّا ولی عمر بن الخطّاب الخلافة ردّ فدکاً إلی ورثة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فکان علیّ بن أبی طالب والعباس بن عبد المطّلب یتنازعان فیها. فکان علیّ یقول : «إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جعلها فی حیاته لفاطمة». وکان العبّاس یأبی ذلک ویقول : هی ملک رسول الله وأنا وارثه. فکانا یتخاصمان إلی عمر ، فیأبی أن یحکم بینهما ویقول : أنتما أعرف بشأنکما أمّا أنا فقد سلّمتها إلیکما.

راجع (1) صحیح البخاری کتاب الجهاد والسیر باب فرض الخمس (5 / 3 - 10) ، صحیح مسلم کتاب الجهاد والسیر باب حکم الفیء ، الأموال لأبی عبید (ص 11) ذکر حدیث البخاری وبتره ، سنن البیهقی (6 / 299) ، معجم البلدان (6 / 343) ، تفسیر ابن کثیر (4 / 335) ، تاریخ ابن کثیر (5 / 288) ، تاج العروس (7 / 166).

لفت نظر :

نحن لانناقش فیما نجده من المخازی فی أحادیث الباب کأصل التنازع المزعوم بین علیّ والعبّاس ، وما جاء فی لفظ مسلم فی صحیحه من قول العبّاس لعمر : یا أمیر المؤمنین اقض بینی وبین هذا الکاذب الآثم الغادر الخائن.

أهکذا کان العبّاس یقذف سیّد العترة الطاهر المطهّر بهذا السباب المقذع وبین یدیه آیة التطهیر وغیرها ممّا نزل فی علیّ أمیر المؤمنین فی آی الکتاب العزیز؟ فما .

ص: 263


1- صحیح البخاری : 3 / 1128 ح 2927 ، صحیح مسلم : 4 / 27 - 29 ح 49 و 50 کتاب الجهاد السیر ، الأموال : ص 18 ح 26 ، معجم البلدان : 4 / 238 ، البدایة والنهایة : 5 / 308 حوادث سنة 11 ه.

العبّاس وما خطره عندئذ؟ وبما ذا یُحکم علیه أخذاً بقول النبیّ الطاهر : «من سبّ علیّا فقد سبّنی ، ومن سبّنی فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله کبّه الله علی منخریه فی النار» (1)؟

لاها الله ؛ نحن نحاشی العبّاس عن هذه النسب المخزیة ، ونری القوم راقهم سبّ مولانا أمیر المؤمنین فنحتوا هذه الأحادیث وجعلوها للنیل منه قنطرة ومعذرة والله یعلم ما تکنّ صدورهم وما یعلنون. وإلی الله المشتکی.

2 - أقطع مروان بن الحکم فدکاً فی أیّام عثمان بن عفان کما فی سنن البیهقی (6 / 301) وما کان إلاّ بأمر من الخلیفة.

3 - لمّا ولی معاویة بن أبی سفیان الأمر أقطع مروان بن الحکم ثلث فدک ، وأقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها ، وأقطع یزید بن معاویة ثلثها ، وذلک بعد موت الحسن بن علیّ ، فلم یزالوا یتداولونها حتی خلصت لمروان بن الحکم أیّام خلافته فوهبها لعبد العزیز ابنه فوهبها عبد العزیز لابنه عمر بن عبد العزیز.

4 - ولمّا ولی عمر بن عبد العزیز الخلافة خطب فقال : إنّ فدک کانت ممّا أفاء الله علی رسوله ولم یوجف المسلمون علیه بخیل ولا رکاب فسألته إیّاها فاطمة فقال : ما کان لک أن تسألینی وما کان لی أن أعطیک فکان یضع ما یأتیه منها فی أبناء السبیل ، ثمّ ولی أبو بکر وعمر وعثمان وعلیّ فوضعوا ذلک بحیث وضعه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ ولی معاویة فأقطعها مروان بن الحکم فوهبها مروان لأبی ولعبد الملک فصارت لی وللولید وسلیمان ، فلمّا ولی الولید سألته حصّته منها فوهبها لی ، وسألت سلیمان حصّته منها فوهبها لی فاستجمعتها ، وما کان لی من مال أحبّ إلیّ منها ، فاشهدوا أنّی قد رددتها إلی ما کانت علیه.

5 - فکانت فدک بید أولاد فاطمة مدّة ولایة عمر بن عبد العزیز ، فلمّا ولی یزید ف)

ص: 264


1- مرّ الإیعاز إلیه فی الجزء الثانی : ص 299 ، وسیوافیک تفصیل مصادره إن شاء الله. (المؤلف)

ابن عبد الملک قبضها منهم فصارت فی أیدی بنی مروان کما کانت یتداولونها حتی انتقلت الخلافة عنهم.

6 - ولمّا ولی أبو العباس السفّاح ردّها علی عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علی أمیر المؤمنین.

7 - ثمّ لمّا ولی أبو جعفر المنصور قبضها من بنی حسن.

8 - ثمّ ردّها المهدی بن المنصور علی ولدِ فاطمة سلام الله علیها.

9 - ثمّ قبضها موسی بن المهدی وأخوه من أیدی بنی فاطمة فلم تزل فی أیدیهم حتی ولی المأمون.

10 - ردّها المأمون علی الفاطمیّین سنة (210) وکتب بذلک إلی قُثم بن جعفر عامله علی المدینة :

أمّا بعد : فإنّ أمیر المؤمنین بمکانه من دین الله وخلافة رسوله صلی الله علیه وآله وسلم والقرابة به ، أولی من استنّ بسنّته ، ونفّذ أمره ، وسلّم لمن منحه منحةً ، وتصدّق علیه بصدقة منحته وصدقته وبالله توفیق أمیر المؤمنین وعصمته ، وإلیه - فی العمل بما یقرّبه إلیه - رغبته ، وقد کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعطی فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فدک ، وتصدّق بها علیها ، وکان ذلک أمراً ظاهراً معروفاً لا اختلاف فیه بین آل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولم تزل تدّعی منه ما هو أولی به من صُدّق علیه ، فرأی أمیر المؤمنین أن یردّها إلی ورثتها ، ویسلّمها إلیهم تقرّباً إلی الله تعالی بإقامة حقّه وعدله ، وإلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بتنفیذ أمره وصدقته ، فأمر بإثبات ذلک فی دواوینه ، والکتاب إلی عمّاله ، فلئن کان ینادی فی کلّ موسم بعد أن قبض الله نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم أن یذکر کلّ من کانت له صدقة أو هبة أوعدة ذلک ، فیُقبل قوله ، وتنفّذ عدته ، إنّ فاطمة لأولی بأن یصدّق قولها فیما جعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لها.

ص: 265

وقد کتب أمیر المؤمنین إلی المبارک الطبری مولی أمیر المؤمنین یأمره بردّ فدک علی ورثة فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بحدودها وجمیع حقوقها المنسوبة إلیها ، وما فیها من الرقیق والغلاّت وغیر ذلک ، وتسلیمها إلی محمد بن یحیی بن الحسین بن زید ابن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ، لتولیة أمیر المؤمنین إیّاهما القیام بها لأهلها.

فاعلم ذلک من رأی أمیر المؤمنین ، وما ألهمه الله من طاعته ، ووفّقه له من التقرّب إلیه وإلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأعلمه من قِبَلک ، وعامل محمد بن یحیی ومحمد ابن عبد الله بما کنت تعامل به المبارک الطبری ، وأعنهما علی ما فیه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاّتها إن شاء الله ، والسلام.

وکتب یوم الأربعاء للیلتین خلتا من ذی القعدة سنة (210 ه).

11 - ولمّا استخلف المتوکّل علی الله أمر بردّها إلی ما کانت علیه قبل المأمون.

راجع (1) : فتوح البلدان للبلاذری (ص 39 - 41) ، تاریخ الیعقوبی (3 / 48) ، العقد الفرید (2 / 323) ، معجم البلدان (6 / 344) ، تاریخ ابن کثیر (9 / 200) وله هناک تحریف دعته إلیه شنشنة أعرفها من أخزم ، شرح ابن أبی الحدید (4 / 103) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 154) ، جمهرة رسائل العرب (3 / 510) ، أعلام النساء (3 / 1211).

کلّ هذه تضادّ ما جاء به الخلیفة من خبره الشاذّ عن الکتاب والسنّة ، فأنّی لابن حجر ومن لفّ لفّه أن یعدّه من الأدلّة الواضحة علی علمه وهذا شأنه (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ حَدِیثاً) (2). 8.

ص: 266


1- فتوح البلدان : ص 46 - 47 ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 305 ، العقد الفرید : 4 / 51 ، معجم البلدان : 4 / 240 ، البدایة والنهایة : 9 / 224 - 225 حوادث سنة 101 ه ، شرح نهج البلاغة : 16 / 278 کتاب 45 ، تاریخ الخلفاء : ص 215 ، أعلام النساء : 4 / 120 - 122.
2- النساء : 78.

التمسّک بالأفائک :

والعجب العجاب قول ابن حجر فی الصواعق (1) (ص 20) : لا یقال بل علیّ أعلم من أبی بکر للخبر الآتی فی فضائله : «أنا مدینة العلم وعلیّ بابها». لأنّا نقول : سیأتی أنّ ذلک الحدیث مطعون فیه ، وعلی تسلیم صحّته أو حسنه فأبو بکر محرابها. وروایة فمن أراد العلم فلیأتِ الباب لا تقتضی الأعلمیّة ، فقد یکون غیر الأعلم یقصد لما عنده من زیادة الإیضاح والبیان والتفرّغ للناس بخلاف الأعلم. علی أنّ تلک الروایة معارضة بخبر الفردوس : أنا مدینة العلم ، وأبو بکر أساسها ، وعمر حیطانها ، وعثمان سقفها ، وعلیّ بابها. فهذه صریحة فی أنّ أبا بکر أعلمهم ، وحینئذٍ فالأمر بقصد الباب إنّما هو لنحو ما قلناه لا لزیادة شرفه علی ما قبله لما هو معلوم ضرورة أنّ کلاّ من الأساس والحیطان والسقف أعلی من الباب. انتهی.

قال الأمینی : إنّ الطعن فی حدیث «أنا مدینة العلم» لم یصدر إلاّ من ابن الجوزی ومن یشاکله من رماة القول علی عواهنه ، وقد عرفت فی الجزء السادس (ص 61 - 81) نصوص العلماء علی صحّة الحدیث ، واعتبار قوم حسنه ، وتقریر آخرین ما صدر ممّن تقدّمهم إلی ذینک الوجهین وتزییف ما ارتآه ابن الجوزی.

وأمّا ما ذکره من روایة الفردوس فلا یختلف اثنان فی ضعفها وضعف ما یقاربها فی اللفظ ممّا تدرّج نحته فی الأزمنة المتأخرة تجاه ما یثبته هتاف النبیّ الأعظم من فضیلة العلم الرابیة لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، وابن حجر نفسه من أولئک الذین زیّفوه وحکموا علیه بالضعف کما فی کتابه الفتاوی الحدیثیّة (2) (ص 197) فقال : حدیث ضعیف ، ومعاویة حلقتها فهو ضعیف أیضاً. فأذهله لجاجه فی حجاجه عن 9.

ص: 267


1- الصواعق المحرقة : ص 34.
2- الفتاوی الحدیثیّة : ص 269.

حکمه ذاک ، ورأی ما حکم علیه بالضعف نصّا فی أعلمیّة أبی بکر.

وقال العجلونی فی کشف الخفاء (1 / 204) : روی الدیلمی فی الفردوس (1) بلا إسناد عن ابن مسعود رفعه : أنا مدینة العلم ، وأبو بکر أساسها ، وعمر حیطانها ، وعثمان سقفها ، وعلیّ بابها. وروی أیضاً عن أنس مرفوعاً : أنا مدینة العلم ، وعلیّ بابها ، ومعاویة حلقتها. قال فی المقاصد (2) : وبالجملة فکلّها ضعیفة وألفاظ أکثرها رکیکة.

وقال السیّد محمد درویش الحوت فی أسنی المطالب (3) (ص 73) : أنا مدینة العلم ، وأبو بکر أساسها ، وعمر حیطانها. وذلک لا ینبغی ذکره فی کتب العلم لا سیّما مثل ابن حجر الهیتمی ذکر ذلک فی الصواعق (4) والزواجر وهو غیر جیّد من مثله. انتهی.

فلم یبق إذن مجال للمناقشة بالتعبیر بالباب لمولانا صلوات الله علیه وبالأساس والحیطان والسقف والحلقة لغیره ، حسب المسکین ناحِتُ هذه المهزأة مدینة خارجیّة یرمق إلیها ، ویتجوّل بین جدرانها ، ویتفیّأ تحت سقفها ، ویدقّ بابها بالحلقة ، وقد عزب عنه أنّه صلی الله علیه وآله وسلم یرید أنّ السبب الوحید للاستفادة من علوم النبوّة هو خلیفته مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، کما أنّ المدخل الوحید للمدینة بابها ، فهو معنیً کنائی جیء به لإفادة ما ذکرناه ، والأساس لا فضیلة له غیر أنّه یقوم علیه سیاج المدینة المشاد للوقایة عن الغارات والسرقات ، وأمّا معنویّات المدینة فلا صلة لها بشیء من ذلک ، والاستفادة بالسقف علی فرض تصویره فی المدن لیس إلاّ الاستظلال 4.

ص: 268


1- الفردوس بمأثور الخطاب : 1 / 43 ح 105 و 44 ح 108.
2- المقاصد الحسنة : ص 124 ح 189.
3- أسنی المطالب : ص 137 ح 391.
4- الصواعق المحرقة : ص 34.

ودفع عائدة الحرّ والقرّ ولذلک لا یسقف إلاّ المحالّ التی یتصوّر فیها ذلک کالبیوت والحمّامات والحوانیت والربط وأمثالها. فقاصد المدینة للاستفادة ممّا فیها من علم أو ثروة أو أیّ من أقسام النفع معنویّة ومادیّة لا یتوصّل بها إلاّ بالدخول من الباب ، فهو أهمّ ممّا جاء به ابن حجر من الأساس والجدار والسقف. وأمّا الحلقة فیُحتاج إلیه لفتح الباب وسدّه والدقّ إذا کان مرتجاً غیر أنّ باب علم النبوّة غیر موصود ، ولا یزال مفتوحاً علی البشر بمصراعیه أبد الدهر.

ثمّ إنّ من الواضح أنّ المراد من التعبیر بالباب لیس الولوج والخروج فحسب وإنّما هو الاستفادة والأخذ ، ولا یتمّ هذا إلاّ أن یکون عنده کلّ علم النبوّة الذی أراد صلی الله علیه وآله وسلم سوق الأمّة إلیه ، وحصر الطریق إلی ذلک بمن عبّر عنه بالباب تأکیداً للحصر ثمّ زاد فی التأکید بقوله : فمن أراد المدینة فلیأتِ الباب.

فعلیّ أمیر المؤمنین هو الباب المبتلی به الناس ، ومن عنده کلّ علم النبوّة وکلّ ما یحتاج إلیه البشر من فقه أو عظة أو خلق أو حکم أو حِکم أو سیاسة أو حزم أو عزم ، فهو أعلم الناس لا محالة ، وأمّا زیادة الإیضاح والبیان والتفرّغ للناس ، فلا یجوز أن تنفکّ عمّن سیق إلیه البشر لغایة التفهّم ، وإزاحة الجهل ، لا لمحض البیان وجودة السرد ، لأنّ وضوح البیان بمجرّده غیر واف بالغرض ، لارتباک صاحبه عند الجهل بما یقدّم إلیه من المعضلات ، کارتباک الأعلم عند التفهیم إذا أعوزه البیان عن الإفهام ، فمن الواجب أن یجتمعا فی إنسان واحد هو مرجع الأمّة جمعاء ، وهو قضیّة اللطف الواجب علیه سبحانه ، فذلک الإنسان هو عِدل الکتاب العزیز وهما الثقلان خلیفتا النبیّ الأقدس لا یتفرّقان حتی یردا علیه الحوض ، (فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ) (1). 9.

ص: 269


1- الکهف : 29.

- 3 -

شجاعة الخلیفة

لم یؤثر عن الخلیفة قبل الإسلام مشهد یدلّ علی فروسیّته ، کما أنّه لم نجد له فی مغازی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مع کثرتها وشهوده فیها موقفاً یشهد له بالبسالة ، أو وقفة تخلّد له الذکر فی التاریخ ، أو خطوة قصیرة فی میادین تلک الحروب الدامیة تُعرب عن شیء من هذا الجانب الهامّ غیر ما کان فی واقعة خیبر من فراره عن مناضلة مرحب الیهودی کصاحبه عمر بن الخطّاب.

قال علیّ وابن عبّاس : بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا بکر إلی خیبر فرجع منهزماً ومن معه ، فلمّا کان من الغد بعث عمر فرجع منهزماً یُجبِّن أصحابَه ویُجبِّنه أصحابُه.

أخرجه الطبرانی والبزّار کما فی مجمع الزوائد (9 / 124) ورجال إسناد البزّار رجال الصحیح غیر محمد بن عبد الرحمن ومحلّه الصدق (1) ، وذکر انهزام الرجلین یوم خیبر القاضی عضد [ الدین ] الإیجی فی المواقف (2) وأقرّه شرّاحه کما فی شرحه (3) (3 / 276) ، وذکره القاضی البیضاوی فی طوالع الأنوار کما فی المطالع (ص 48).

ویُعرب عن فرارهما یوم ذاک قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد ما فرّا : «لأعطینّ الرایة غداً رجلاً یحبّ الله ورسوله ، ویحبّه الله ورسوله ، یفتح الله علی یدیه لیس بفرّار». وفی لفظ : «کرّار غیر فرّار». وفی لفظ : «والذی کرّم وجه محمد لأعطینّها رجلاً لا یفرّ» ، وفی لفظ : «لأدفعنّ إلی رجل لن یرجع حتی یفتح الله له». وفی لفظ :9.

ص: 270


1- الجرح والتعدیل : 7 / 323 رقم 1739.
2- المواقف : ص 410.
3- شرح المواقف للجرجانی : 8 / 269.

«لا یولّی الدبر» (1).

وقال ابن أبی الحدید المعتزلی فیما یعزی إلیه من القصیدة العلویّة :

وما أنس لا أنس اللذَین تقدّما

وفرَّهما والفرُّ قد علما حوبُ (2)

وللرایة العظمی وقد ذهبا بها

ملابسُ ذلٍّ فوقها وجلابیبُ

یشلُّهما من آلِ موسی شمردلُ

طویلُ نجادِ السیفِ أجیدُ یعبوبُ (3)

یمجُّ منوناً سیفُه وسِنانُه

ویلهبُ ناراً غمدُه والأنابیبُ

أحضرُهما أم حضرُ أخرجَ خاضبٍ

وذانِ هما أم ناعمُ الخدّ مخضوبُ (4)

عذرتکما إنّ الحِمامَ لمبغَضٌ

وإنّ بقاءَ النفسِ للنفسِ محبوبُ

لیُکره طعمَ الموتِ والموتُ طالبٌ

فکیفَ یلذُّ الموتُ والموتُ مطلوبُف)

ص: 271


1- صحیح البخاری : 6 / 191 [ 3 / 1357 ح 3498 و 3499 ] ، صحیح مسلم : 2 / 324 [ 4 / 87 ح 132 کتاب الجهاد والسیر ] ، طبقات ابن سعد : ص 618 ، 630 رقم التسلسل طبع مصر [ 2 / 110 - 111 ] ، مسند أحمد : 1 / 184 ، 185 ، 353 ، 358 [ 1 / 302 ح 1611 و 3 / 391 ح 10738 و 6 / 455 ح 22314 ، و 492 ح 22522 ] ، خصائص النسائی : ص 4 - 8 [ ص 42 ح 17 ] ، سیرة ابن هشام : 3 / 386 [ 3 / 349 ] ، مستدرک الحاکم : 3 / 109 [ 3 / 117 ح 4575 ] ، حلیة الأولیاء : 1 / 62 ، أسد الغابة : 4 / 21 [ 4 / 98 رقم 3783 ] ، الإمتاع للمقریزی : ص 314 ، تاریخ ابن کثیر : 4 / 185 - 187 [ 4 / 211 - 214 حوادث سنة 7 ه ] ، تیسیر الوصول : 3 / 227 [ 3 / 315 ح 5 ] ، الریاض النضرة : 2 / 184 - 188 [ 3 / 130 - 134 ]. وهناک مصادر کثیرة تأتی فی محلها إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- الحوب : الإثم. (المؤلف)
3- شمردل ؛ مرّ فی : ص 52 ، یرید من طول النجاد طول القامة. الأجید : الطویل الجید ، هو العنق. الیعبوب : الفرس الکثیر الجری. أطلق علی مرحب هذه اللفظة لشدّته وسرعة حرکته. (المؤلف)
4- الحضر : العَدْو. الأخرج : ذکر النعام الذی فیه بیاض وسواد. الخاضب : الذی أکل الربیع فاحمرّ طنبوباه أو اصفر. ناعم الخد مخضوب : کنایة عن المرأة. یعنی : هما رجلان أم امرأتان فی ضعفهما ورقّة قلوبهما؟ (المؤلف)

وممّا ینبئنا عن هذا الجانب حدیث کعّ الخلیفة عن ذی الثدیة لمّا أمره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقتله وهو فی صلاته غیر شاک السلاح ، فرأی مخالفة الأمر النبویّ أهون من قتل الرجل ، فآب إلیه صلی الله علیه وآله وسلم معتذراً بما سیوافیک تفصیله إن شاء الله.

نعم ؛ یراه ابن حزم فی کتاب المفاضلة بین الصحابة (1) ومن لفّ لفّه أشجع الصحابة علی الإطلاق ونحتوا له حدیثاً علی أمیر المؤمنین أنّه قال : أخبرونی من أشجع الناس؟ فقالوا : أنت ، قال : أما إنّی ما بارزت أحداً إلاّ انتصفت منه ولکن أخبرونی بأشجع الناس؟ قالوا : لا نعلم ، فمن؟ قال : أبو بکر ، إنّه لمّا کان یوم بدر فجعلنا لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عریشاً فقلنا : من یکون مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لئلاّ یهوی إلیه أحد من المشرکین؟ فو الله ما دنا منّا أحد إلاّ أبا بکر شاهراً بالسیف علی رأس رسول الله لا یهوی إلیه أحد إلاّ هوی إلیه ، فهو أشجع الناس. الحدیث (2).

لیت القوم لم یحذفوا سند هذه الأثارة المفتعلة وکانوا یروونها بالإسناد حتی نعرّف الملأ العلمی بالذی اختلقها ، وحسبنا أنّ الحافظ الهیثمی ذکرها بلا إسناد فی مجمع الزوائد (9 / 46) وضعّفه وقال : فیه من لم أعرفه.

وتکذّبها صحیحة ابن إسحاق قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم بدر فی العریش وسعد بن معاذ قائم علی باب العریش الذی فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم متوشّح السیف فی نفر من الأنصار یحرسون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یخافون علیه کرّة العدوّ (3).

ثمّ إنّ حراسة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لم تکن تنحصر بیوم بدر ولا بأبی بکر بل فی کلّ موقف من مواقفه صلی الله علیه وآله وسلم کان یتعهّد أحد من الصحابة بحراسته ، فکانت الحراسة لسعد ف)

ص: 272


1- الفصل : 4 / 143.
2- الریاض النضرة : 1 / 92 [ 1 / 120 ] ، تاریخ الخلفاء للسیوطی : ص 25 [ ص 34 ]. (المؤلف)
3- عیون الأثر لابن سیّد الناس : 1 / 258 [ 1 / 326 ]. (المؤلف)

ابن معاذ لیلة بدر وفی یومه لأبی بکر علی ما ذکره الحلبی فی السیرة (1) (3 / 353) ، ولمحمد بن مسلمة یوم أُحد ، وللزبیر بن العوّام یوم الخندق ، وللمغیرة بن شعبة یوم الحدیبیّة ، ولأبی أیوب الأنصاری لیلة بنی بصفیّة ببعض طرق خیبر ، ولبلال وسعد ابن أبی وقّاص وذکوان بن عبد قیس بوادی القری ، ولابن أبی مرثد الغنوی لیلة وقعة حنین (2).

وکانت هذه السیرة فی الحراسة مستمرّة إلی أن نزل قوله تعالی فی حجّة الوداع (وَاللهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ) (3) فترک الحرس (4) فأبو بکر ردیف أولئک الحرسة بعد تسلیم ما جاء فی حراسته.

ولو صدق النبأ وکانت یوم بدر لأبی بکر تلک الأهمیّة الکبری لکان هو أولی وأحقّ بنزول القرآن فیه یوم ذاک دون علیّ وحمزة وعبیدة لمّا نزل فیهم ذلک الیوم : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ) (5) (6). ف)

ص: 273


1- السیرة الحلبیة : 3 / 327.
2- عیون الأثر : 2 / 316 [ 2 / 402 ] ، المواهب اللدنیّة : 1 / 283 [ 2 / 122 ] ، السیرة الحلبیة : 3 / 354 [ 3 / 327 ] ، شرح المواهب للزرقانی : 3 / 304. (المؤلف)
3- المائدة : 67.
4- مستدرک الحاکم : 2 / 313 [ 2 / 342 ح 3221 ] ، تفسیر القرطبی : 6 / 244 [ 6 / 158 ] ، تفسیر ابن جزّی الکلبی : 1 / 183 ، تفسیر ابن کثیر : 2 / 78 ، الخصائص الکبری : 1 / 126 [ 1 / 210 ] عن الترمذی [ فی سننه : 5 / 234 ح 3046 ] والحاکم [ فی المستدرک : 2 / 342 ] والبیهقی [ فی دلائل النبوّة : 2 / 184 ] وأبی نعیم. (المؤلف)
5- الحج : 19.
6- صحیح البخاری : 6 / 98 کتاب التفسیر [ 4 / 1769 ح 4467 ] ، صحیح مسلم : 2 / 550 [ 5 / 528 ح 34 کتاب التفسیر ] ، طبقات ابن سعد : ص 518 [ 2 / 17 ] ، مستدرک الحاکم : 2 / 386 [ 2 / 418 ح 3454 ، وکذا فی تلخیصه ] وصحّحه هو والذهبی ، تفسیر القرطبی : 12 / 25 ، 26 [ 12 / 18 و 19 ] ، تفسیر ابن کثیر : 3 / 212 ، تفسیر ابن جزّی : 3 / 38 ، تفسیر الخازن : 3 / 298 [ 3 / 284 ]. (المؤلف)

ولو صحّت المزعمة لما خُصّ علیّ وحمزة وعبیدة بقوله تعالی (مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُو اللهَ عَلَیهِ) (1) (2).

ولما نزل فی علیّ أمیر المؤمنین قوله تعالی : (هُوَ الَّذِی أَیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِینَ) (3) ، ولما ورد فیها ما ورد عن النبیّ الأعظم ممّا أسلفناه فی الجزء الثانی (ص 46 - 51).

ولما خصّ بمولانا علیّ قوله تعالی : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (4) ، کما ذکره القرطبی فی تفسیره (5) (3 / 21) وفصّلنا القول فیه فی الجزء الثانی (ص 47 - 49).

وکان حقّا علی رضوان منادی الله یوم بدر بقوله :

لا سیف إلاّ ذو الفقا

ر ولا فتی إلاّ علی (6)

أن ینوّه باسم أبی بکر وبسیفه المشهور علی رأس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ هل تنحصر مغازی النبیّ الأعظم وحروبه الدامیة ببدر؟ وهل العریش کان فی بدر فحسب دون سائر الغزوات؟ وهل سیّد العریش النبیّ الأعظم کان یلازم عریشه ولم یحضر قطّ فی میادین القتال؟ أو کان ینزل بالمعارک ویستخلف صاحبه علی العریش؟

ما أعوز النبیّ الأعظم یوم خیبر مجاهداً کرّاراً غیر فرّار لا یولّی الدبر ، وکان ف)

ص: 274


1- الأحزاب : 23.
2- راجع ما مرّ فی الجزء الثانی : ص 51. (المؤلف)
3- الأنفال : 62.
4- البقرة : 207.
5- الجامع لاحکام القرآن : 3 / 16.
6- راجع ما أسلفناه فی الجزء الثانی صفحة : 59 - 61. (المؤلف)

معه الخلیفة الأشجع؟ أکان فرّاراً غیر کرّار؟ ومن المعنیّ فی قول المؤرّخین من أنّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم دفع لواءه لرجل من المهاجرین فرجع ولم یصنع شیئاً ، فدفعه إلی آخر من المهاجرین فرجع ولم یصنع شیئاً؟ أهذا الرجل وصاحبه نکرتان لا یُعرفان؟ لاها الله.

وأین کان الأشجع یوم خرجت کتائب الیهود یقدمهم یاسر ، فکشف الأنصار حتی انتهی إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی موقفه ، فاشتدّ ذلک علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأمسی مهموماً (1)؟

ولما ذا بعث صلی الله علیه وآله وسلم یوم ذاک - وکان الأشجع معه - سلمة بن الأکوع إلی علیّ وکان قد تخلّف بالمدینة لرمد عینیه ، وکان لا یبصر موضع قدمه ، فذهب إلیه سلمة وأخذ بیده یقوده (2)؟ وملء المسامع قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لأُعطینّ الرایة إلی رجل کرّار غیر فرّار».

أکان الأشجع فی العریش یوم خیبر لمّا قاتل المصطفی بنفسه یومه ذلک أشدّ القتال وعلیه درعان وبیضة ومغفر ، وهو علی فرس یقال له : الظرب (3) وفی یده قناة وترس؟ کما فی السیرة الحلبیّة (4) (3 / 39).

أکان الأشجع فی العریش یوم أحد یوم بلاء وتمحیص؟ حتی خلص العدوّ إلی 4.

ص: 275


1- الإمتاع للمقریزی : ص 314 ، السیرة الحلبیة : 3 / 39 [ 3 / 34 ]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 2 / 102 [ 4 / 87 ح 132 کتاب الجهاد والسیر ] ، سنن البیهقی : 9 / 131 ، الریاض النضرة : 2 / 186 [ 3 / 132 ] ، السیرة الحلبیّة : 3 / 41 [ 3 / 35 ] ، شرح المواهب للزرقانی : 2 / 223. (المؤلف)
3- من أشهر خیله صلی الله علیه وآله وسلم وأعرفها ، سمّی بذلک لکبره أو لسمنه أو لقوّته وصلابته تشبیهاً له بالجبل. قالوا : أهداه له صلی الله علیه وآله وسلم فروة بن عمرو الجذامی. أو : ربیعة بن أبی البراء. أو : جنادة بن المعلّی. (المؤلف)
4- السیرة الحلبیّة : 3 / 34.

رسول الله فدُثّ (1) بالحجارة حتی وقع لشقّه فأُصیبت رباعیته ، وشجّ فی وجهه ، وکلمت شفته ، فجعل الدم یسیل علی وجهه ، وجعل یمسح الدم ویقول : «کیف یفلح قوم خضبوا وجه نبیّهم وهو یدعوهم إلی ربّهم» (2).

أکان الأشجع فی العریش یوم قال فیه علیّ : «لما تخلّی الناس عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم أُحد نظرت فی القتلی فلم أرَ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقلت : والله ما کان لیفرّ وما أراه فی القتلی ، ولکن الله غضب علینا بما صنعنا ، فرفع نبیّه ، فما فیّ خیر من أن أُقاتل حتی أُقتل ، فکسرت جفن سیفی ثمّ حملت علی القوم فأفرجوا لی فإذا برسول الله بینهم». وقد أصابت علیّا یوم ذاک ست عشرة ضربة ، کلّ ضربة تلزمه الأرض فما کان یرفعه إلاّ جبریل؟ أُسد الغابة (3) (4 / 20).

أکان الأشجع فی العریش یوم وقع رسول الله فی حفرة من الحفر التی عمل أبو عامر لیقع فیها المسلمون وهم لا یعلمون ، فأخذ علیّ بن أبی طالب بیده صلی الله علیه وآله وسلم واحتضنه ورفعه طلحة حتی استوی قائماً (4)؟

أکان الأشجع فی العریش یوم رأی رسول الله فی میدان النزال وهو لابس درعین : درعه ذات الفضول ودرعه فضة ، أو یوم حنین وله درعان : درعه ذات الفضول والسعدیّة؟ شرح المواهب للزرقانی (2 / 24).

أکان الأشجع فی العریش یوم ضُرب وجه النبیّ بالسیف سبعین ضربة وقاه الله ف)

ص: 276


1- الدثّ : الرمی.
2- سیرة ابن هشام : 3 / 27 [ 3 / 84 ] ، طبقات ابن سعد رقم التسلسل : 549 [ 2 / 44 - 45 ] ، تاریخ ابن کثیر : 4 / 23 ، 29 [ 4 / 26 ، 33 حوادث سنة 3 ه ] ، إمتاع المقریزی : ص 135 ، شرح المواهب للزرقانی : 2 / 37. (المؤلف)
3- أُسد الغابة : 4 / 98 رقم 3783.
4- سیرة ابن هشام : 3 / 27 [ 3 / 85 ] ، الإمتاع للمقریزی : ص 135 ، تاریخ ابن کثیر : 4 / 24 [ 4 / 27 حوادث سنة 3 ه ] ، عیون الأثر : 2 / 12 [ 1 / 418 ]. (المؤلف)

شرّها کلها؟ المواهب اللدنیّة (1) (1 / 124)

أکان الأشجع فی العریش یوم بایع رسول الله علی الموت ثمانیة ، هم : علیّ ، والزبیر ، وطلحة ، وأبو دجانة ، والحارث بن الصمّة ، وحباب بن المنذر ، وعاصم بن ثابت ، وسهل بن حنیف ، ورسول الله یدعوهم فی أخراهم؟ الإمتاع للمقریزی (ص 132).

أکان الأشجع فی العریش یوم کان علیّ یذبّ عن رسول الله من ناحیة ، وأبو دجانة مالک بن خرشة من ناحیة ، وسعد بن أبی وقّاص یذبّ طائفة ، والحباب بن المنذر یحوش المشرکین کما تُحاش الغنم؟ الإمتاع للمقریزی (ص 143)

أکان الأشجع فی العریش یوم حمی الوطیس ، وجلس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تحت رایة الأنصار ، وأرسل إلی علیّ أن قدّم [ الرایة ] فقدّم علیّ وهو یقول : أنا أبو القصم (2)؟

أکان الأشجع فی العریش یوم انتهی رسول الله إلی أهله ناول سیفه ابنته فاطمة فقال : «اغسلی عن هذا دمه یا بنیّة فو الله صدقنی الیوم»؟ یوم ملأ علیّ درقته ماء من المهراس فجاء به إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیشرب منه ، وغسل عن وجهه الدم وصبّ علی رأسه ، وأخذت فاطمة - سلام الله علیها - قطعة حصیر فأحرقته فألصقته علیه فاستمسک الدم (3)؟

أکان الأشجع فی العریش لمّا ملأ الفضاء نداء جبرئیل :

لا سیف إلاّ ذو الفقا

ر ولا فتی إلاّ علیف)

ص: 277


1- المواهب اللدنیّة : 1 / 402.
2- سیرة ابن هشام : 3 / 19 [ 3 / 77 - 78 وما بین المعقوفین منه ] ، شرح المواهب للزرقانی : 2 / 31. (المؤلف)
3- طبقات ابن سعد : 3 / 90 رقم التسلسل : 252 [ 2 / 48 ] ، سیرة ابن هشام : 3 / 34 ، 51 [ 3 / 90 و 106 ] ، الإمتاع : ص 138 ، تاریخ ابن کثیر : 4 / 35 [ 4 / 33 حوادث سنة 3 ه ] ، عیون الأثر : 2 / 15 [ 1 / 431 ] ، المواهب اللدنیّة : 1 / 125 [ 1 / 405 ] ، شرح الزرقانی : 2 / 56. (المؤلف)

أکان الأشجع فی العریش یوم نظم حسّان بن ثابت :

جبریل نادی معلناً

والنقع لیس بمنجلی

والمسلمون أحدقوا

حول النبیّ المرسلِ

لا سیف إلاّ ذو الفقا

ر ولا فتی إلاّ علی (1)

أکان الأشجع فی العریش یوم حمراء الأسد ، وقد خرج صلی الله علیه وآله وسلم وهو مجروح فی وجهه ، مشجوج فی جبهته ، ورباعیّته قد شظیت ، وشفته السفلی قد کلمت فی باطنها ، وهو متوهّن منکبه الأیمن من ضربة ابن قمیئة ، ورکبتاه مجحوشتان؟

طبقات ابن سعد ، رقم التسلسل (2) (553).

أکان الأشجع فی العریش یوم حنین؟ لمّا حمی الوطیس وفرّ الناس عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولم یبق معه إلاّ أربعة : ثلاثة من بنی هاشم ورجل من غیرهم : علیّ بن أبی طالب والعبّاس وهما بین یدیه ، وأبو سفیان بن الحارث آخذ بالعنان ، وابن مسعود من جانبه الأیسر ، ولا یقبل أحد من المشرکین جهته صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ قتل؟ السیرة الحلبیّة (3) (3 / 123).

أکان الأشجع فی العریش یوم الأحزاب؟ وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ینقل مع صحبه من تراب الخندق وقد واری التراب بیاض بطنه ویقول :

لا همّ لو لا أنت ما اهتدینا

ولا تصدّقنا ولا صلّینا

فأنزلن سکینةً علینا

وثبّت الأقدام إن لاقینا

إنّ الأُلی لقد بغوا علینا

إذا أرادوا فتنةً أبینا9.

ص: 278


1- راجع ما مرّ فی الجزء الثانی : ص 59 - 61. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری : 2 / 49.
3- السیرة الحلبیّة : 3 / 109.

طبقات ابن سعد رقم التسلسل (1) (575) ، تاریخ ابن کثیر (2) (4 / 96).

أکان الأشجع فی العریش یوم قال صلی الله علیه وآله وسلم : «لضربة علیّ خیر من عبادة الثقلین» ، وفی لفظ : «قتل علیّ لعمرو أفضل من عبادة الثقلین» وفی لفظ : «لمبارزة علیّ لعمرو بن ودّ أفضل من أعمال أُمّتی إلی یوم القیامة» (3)؟

نعم ؛ للرجل موقف یوم أُحد لمّا طلع یومئذ عبد الرحمن بن أبی بکر - وکان من المشرکین - فقال : من یبارز وارتجز یقول :

لم یبق إلاّ شکّة ویعبوب

وصارم یقتل ضلاّل الشیب

فنهض إلیه أبو بکر رضی الله عنه وهو یقول : أنا ذلک الأشیب ثمّ ارتجز فقال :

لم یبق إلاّ حسبی ودینی

وصارم تقضی به یمینی

فقال له عبد الرحمن : لو لا أنّک أبی لم أنصرف. الإمتاع (ص 144).

حجاج بالعریش :

قال المحاملی : کنت عند أبی الحسن بن عبدون وهو یکتب لبدر ، وعنده جمع فیهم أبو بکر الداودی وأحمد بن خالد المادرائی ، فذکر قصّة مناظرته مع الداودی فی التفضیل. إلی أن قال : فقال الداودی : والله ما نقدر نذکر مقامات علیّ مع هذه العامّة. قلت : أنا والله أعرفها : مقامه ببدر ، وأُحد ، والخندق ، ویوم حنین ، ویوم خیبر. قال : ف)

ص: 279


1- الطبقات الکبری : 2 / 71.
2- البدایة والنهایة : 4 / 110 حوادث سنة 5 ه.
3- مستدرک الحاکم : 3 / 32 [ 3 / 34 ح 4327 ] ، المواقف للقاضی الإیجی : 3 / 276 [ ص 412 ] ، کنز العمّال : 6 / 158 [ 11 / 623 ح 33035 ] ، السیرة الحلبیّة : 2 / 349 [ 2 / 320 ] وهناک کلمة ردّ علی ابن تیمیة فی ردّه علی هذا الحدیث ، هدایة المرتاب فی فضائل الأصحاب : ص 148. (المؤلف)

فإن عرفتها ینفعنی أن تقدّمه علی أبی بکر وعمر؟ قلت : قد عرفتها ومنه قدّمت أبا بکر وعمر علیه. قال : من أین؟ قلت : أبو بکر کان مع النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی العریش یوم بدر مقامه مقام الرئیس والرئیس ینهزم به الجیش ، وعلیّ مقامه مقام مبارز ، والمبارز لا ینهزم به الجیش.

ذکره الخطیب فی تاریخه (8 / 21) ، وابن الجوزی فی المنتظم (1) (6 / 327) ، وأحسب أنّ مبتدع هذه الباکورة ، ومؤسّس فکرة العریش والاستدلال بها فی التفضیل هو الجاحظ ، قال فی خلاصة کتاب العثمانیّة (ص 10) : والحجّة العظمی للقائلین بتفضیل علیّ علیه السلام قتله الأقران ، وخوضه الحروب ، ولیس له فی ذلک کبیر فضیلة ، لأنّ کثرة القتل والمشی بالسیف إلی الأقران لو کان من أشد المحن وأعظم الفضائل وکان دلیلاً علی الرئاسة والتقدّم ، لوجب أن یکون للزبیر وأبی دجانة ومحمد ابن مسلمة وابن عفراء والبراء بن مالک من الفضل ما لیس لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم! لأنّه لم یقتل إلاّ رجلاً واحداً ولم یحضر الحرب یوم بدر ولا خالط الصفوف ، وإنّما کان معتزلاً عنهم فی العریش ومعه أبو بکر.

وأنت تری الرجل الشجاع قد یقتل الأقران ، ویجندل الأبطال ، وفوقه من العسکر من لا یقتل ولا یبارز وهو الرئیس ، أو ذو الرأی والمستشار فی الحرب ، لأنّ للرؤساء من الاکتراث والاهتمام وشغل البال والعنایة والتفقّد ما لیس لغیرهم ، ولأنّ الرئیس هو المخصوص بالمطالبة وعلیه مدار الأمور ، وبه یستبصر المقاتل ویستنصر ، وباسمه ینهزم العدوّ ، ولو لم یکن له إلاّ أنّ الجیش لو ثبت وفرّ هو لم یغن ثبوت وکانت الدولة له ، ولهذا لا یضاف النصر والهزیمة إلاّ إلیه. ففضل أبی بکر بمقامه فی العریش مع رسول الله یوم بدر أعظم من جهاد علیّ ذلک الیوم وقتله أبطال قریش. انتهی. 8.

ص: 280


1- المنتظم : 14 / 21 - 22 رقم 2448.

قال الأمینی : نحن لا ننبس فی الجواب عن هذه الأساطیر المشمرجة (1) ببنت شفة ، وإنّما نقتصر فیه بما أجاب به عنها أبو جعفر الإسکافی المعتزلی البغدادی المتوفّی (240) ، قال فی الردّ علیها (2) :

لقد أعطی أبو عثمان مقولاً وحرم معقولاً ، إن کان یقول هذا علی اعتقاد وجدّ ، ولم یذهب به مذهب اللعب واللهو ، أو علی طریق التفاصح والتشادق وإظهار القوّة والسلاطة وذلاقة اللسان وحدّة الخاطر والقوّة علی جدال الخصوم. ألم یعلم أبو عثمان أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان أشجع البشر وأنّه خاض الحروب وثبت فی المواقف التی طاشت فیها الألباب ، وبلغت القلوب الحناجر؟ فمنها یوم أحد ووقوفه بعد أن فرّ المسلمون بأجمعهم ولم یبق معه إلاّ أربعة : علیّ ، والزبیر ، وطلحة ، وأبو دجانة ، فقاتل ورمی بالنبل حتی فنیت نبله وانکسرت سِیة (3) قوسه ، وانقطع وتره ، فأمر عکاشة ابن محصن أن یوترها ، فقال : یا رسول الله لا یبلغ الوتر ، فقال : أوتر ما بلغ. قال عکاشة : فوالذی بعثه بالحقّ لقد أوترت حتی بلغ وطویت منه شبراً علی سِیة القوس ، ثمّ أخذها فما زال یرمیهم حتی نظرت إلی قوسه قد تحطّمت ، وبارز أُبیّ بن خلف ، فقال له أصحابه : إن شئت عطف علیه بعضنا فأبی ، وتناول الحربة من الحارث بن الصمّة ثم انتفض بأصحابه کما ینتفض البعیر ، قالوا : فتطایرنا عنه تطایر الشعاریر (4) فطعنه بالحربة فجعل یخور کما یخور الثور ، ولو لم یدلّ علی ثباته حین انهزم أصحابه وترکوه إلاّ قوله تعالی : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلی أَحَدٍ وَالرَّسُولُ یَدْعُوکُمْ فِی أُخْراکُمْ) (5) فکونه صلی الله علیه وآله وسلم فی أُخراهم وهم یصعدون ولا یلوُون هاربین ؛ 3.

ص: 281


1- المشمرجة : المنسوجة.
2- رسائل الجاحظ : ص 54 [ ص 155 - 156 الرسائل السیاسیة ] ، شرح ابن أبی الحدید : 3 / 275 [ 13 / 277 - 278 خطبة 238 ]. (المؤلف)
3- سیة القوس : ما اعوجّ من طرفیها.
4- الشعاریر : ما یجتمع علی دبرة البعیر من الذبّان ، فإذا هیجت تطایرت عنها. النهایة 2 / 480.
5- آل عمران : 153.

دلیل علی أنّه ثبت ولم یفرّ. وثبت یوم حنین فی تسعة من أهله ورهطه الأدنین ، وقد فرّ المسلمون کلّهم والنفر التسعة محدقون به ، العبّاس آخذ بحَکَمَةِ (1) بغلته ، وعلیّ بین یدیه مصلت سیفه ، والباقون حول بغلته یمنةً ویسرةً ، وقد انهزم المهاجرون والأنصار ، وکلّما فرّوا أقدم هو صلی الله علیه وآله وسلم وصمّم مستقدماً یلقی السیوف والنبال بنحره وصدره ، ثمّ أخذ کفّا من البطحاء وحصب المشرکین وقال : «شاهت الوجوه» ، والخبر المشهور عن علیّ وهو أشجع البشر : «کنّا إذا اشتدّ البأس وحمی الوطیس اتّقینا برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولذنا به». فکیف یقول الجاحظ : إنّه ما خاض الحروب ولا خالط الصفوف؟ وأیّ فریة أعظم من فریة من نسب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الإحجام واعتزال الحرب؟ ثمّ أیّ مناسبة بین أبی بکر ورسول الله فی هذا المعنی لیقیسه وینسبه إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صاحب الجیش والدعوة ورئیس الإسلام والملّة ، والملحوظ بین أصحابه وأعدائه بالسیادة ، وإلیه الإیماء والإشارة ، وهو الذی أحنق قریشاً والعرب ، ووری أکبادهم بالبراءة من آلهتهم ، وعیب دینهم وتضلیل أسلافهم ، ثمّ وترهم فیما بعد بقتل رؤسائهم وأکابرهم ، وحقّ لمثله إذا تنحّی عن الحرب واعتزلها أن یتنحّی ویعتزل ، لأنّ ذلک شأن الملوک والرؤساء إذ کان الجیش منوطاً بهم وببقائهم ، فمتی هلک الملک هلک الجیش ، ومتی سلم الملک أمکن أن یبقی علیه ملکه ، وإن عطب جیشه فإنّه یستجدّ جیشاً آخر ، ولذلک نهی الحکماء أن یباشر الملک الحرب بنفسه ، وخطّئوا الإسکندر لمّا بارز فوسر ملک الهند ونسبوه إلی مجانبة الحکمة ومفارقة الصواب والحزم ، فلیقل لنا الجاحظ : أیّ مدخل لأبی بکر فی هذا المعنی؟ ومن الذی کان یعرفه من أعداء الإسلام لیقصده بالقتل؟ وهل هو إلاّ واحد من عرض المهاجرین حکمه حکم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفّان وغیرهما؟ بل کان عثمان أکثر منه صیتاً ، وأشرف منه مرکباً ، والعیون إلیه أطمح ، والعدوّ علیه أحنق وأکلب. ولو قُتل أبو بکر فی بعض تلک المعارک هل کان یؤثّر قتله فی الإسلام ضعفاً؟ أو یحدث فیه وهناً؟ أو یخاف علی الملّة لو قُتل أبو بکر فی بعض تلک الحروب أن تندرس وتُعفّی آثارها وتنطمس منارها؟ لیقول الجاحظ : إنّ أبا بکر کان حکمه حکم ا.

ص: 282


1- الحَکَمَة : حدیدة فی اللجام تکون علی أنف الدابة وحنکها تمنعها من مخالفة راکبها.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی مجانبة الحروب واعتزالها. نعوذ بالله من الخذلان. وقد علم العقلاء کلّهم ممّن له بالسیر معرفة وبالآثار والأخبار ممارسة حال حروب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کیف کانت ، وحاله علیه الصلاة والسلام فیها کیف کان ، ووقوفه حیث وقف وحربه حیث حارب ، وجلوسه فی العریش یوم جلس ، وأنّ وقوفه صلی الله علیه وآله وسلم وقوف رئاسةٍ وتدبیر ، ووقوف ظهر وسند ، یتعرّف أُمور أصحابه ویحرس صغیرهم وکبیرهم بوقوفه من ورائهم وتخلّفه عن التقدّم فی أوائلهم ، لأنّهم متی علموا أنّه فی أُخراهم اطمأنّت قلوبهم ولم تتعلّق بأمره نفوسهم ، فیشتغلوا بالاهتمام به عن عدوّهم ، ولا یکون لهم فئة یلجئون إلیها وظهر یرجعون إلیه ، ویعلمون أنّه متی کان خلفهم تفقّد أُمورهم وعلم مواقفهم وآوی کلّ إنسان مکانه فی الحمایة والنکایة وعند المنازلة فی الکرّ والحملة ، فکان وقوفه حیث وقف أصلح لأمرهم ، وأحمی وأحرس لبیضتهم ، ولأنّه المطلوب من بینهم ، إذ هو مدبّر أُمورهم ووالی جماعتهم ، ألا ترون أنّ موقف صاحب اللواء موقف شریف؟ وأنّ صلاح الحرب فی وقوفه ، وأنّ فضیلته فی ترک التقدّم فی أکثر حالاته ، فللرئیس حالات :

الأولی : حالة یتخلّف ویقف آخراً لیکون سنداً وقوّة وردأً وعُدّة ، ولیتولّی تدبیر الحرب ویعرف مواضع الخلل.

والحالة الثانیة : یتقدّم فیها فی وسط الصفّ لیقوی الضعیف ویُشجّع الناکس.

وحالة ثالثة : وهی إذا اصطدم الفیلقان ، وتکافح السیفان ، اعتمد ما یقتضیه الحال من الوقوف حیث یستصلح ، أو من مباشرة الحرب بنفسه فإنّها آخر المنازل ، وفیها تظهر شجاعة الشجاع النجد وفسالة (1) الجبان المموّه.

فأین مقام الرئاسة العظمی لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وأین منزلة أبی بکر لیسوّی بین المنزلتین ، ویناسب بین الحالتین؟ ه.

ص: 283


1- الفسل : الذی لا مروءة ولا جَلَد له.

ولو کان أبو بکر شریکاً لرسول الله فی الرسالة وممنوحاً من الله بفضیلة النبوّة ، وکانت قریش والعرب تطلبه کما تطلب محمداً صلی الله علیه وآله وسلم لکان للجاحظ أن یقول ذلک ، فأمّا وحاله حاله ، وهو أضعف المسلمین جناناً ، وأقلّهم عند العرب ترةً (1) ، لم یَرمِ قَطّ بسهمٍ ، ولا سلّ سیفاً ، ولا أراق دماً ، وهو أحد الأتباع ، غیر مشهور ولا معروف ، ولا طالب ولا مطلوب ، فکیف یجوز أن یجعل مقامه ومنزلته مقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومنزلته؟ ولقد خرج ابنه عبد الرحمن مع المشرکین یوم أُحد فرآه أبو بکر ، فقام مغیظاً علیه ، فسلّ من السیف مقدار إصبع یروم البروز إلیه فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا أبا بکر شِم سیفک وأمتعنا بنفسک». ولم یقل له : «وامتعنا بنفسک» ، إلاّ لعلمه بأنّه لیس أهلاً للحرب وملاقاة الرجال وأنّه لو بارز لقُتل.

وکیف یقول الجاحظ : لا فضیلة لمباشرة الحروب ولقاء الأقران وقتل أبطال الشرک؟ وهل قامت عمد الإسلام إلاّ علی ذلک؟ وهل ثبت الدین واستقرّ إلاّ بذلک؟ أتراه لم یسمع قول الله تعالی (إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفًّا کَأَنَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصُوصٌ) (2)؟ والمحبَّة من الله تعالی هی إرادة الثواب ، فکلّ من کان أشد ثبوتاً فی هذا الصفّ وأعظم قتالاً ، کان أحبّ إلی الله ، ومعنی الأفضل هو الأکثر ثواباً ، فعلیّ علیه السلام إذ هو أحبّ المسلمین إلی الله لأنّه أثبتهم قدماً فی الصفّ المرصوص ، لم یفرّ قطّ بإجماع الأمّة ، ولا بارزه قرن إلاّ قتله ، أوَتراه لم یسمع قول الله تعالی : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِینَ عَلَی الْقاعِدِینَ أَجْراً عَظِیماً) (3)؟ وقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ فَیَقْتُلُونَ وَیُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا فِی التَّوْراةِ وَالْإِنْجِیلِ وَالْقُرْآنِ) (4)؟ 1.

ص: 284


1- الترة : الثأر.
2- الصف : 4.
3- النساء : 95.
4- التوبة : 111.

ثمّ قال سبحانه مؤکّداً لهذا البیع والشراء : (وَمَنْ أَوْفی بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بایَعْتُمْ بِهِ وَذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ) (1) ، وقال الله تعالی : (ذلِکَ بِأَنَّهُمْ لا یُصِیبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِی سَبِیلِ اللهِ وَلا یَطَؤُنَ مَوْطِئاً یَغِیظُ الْکُفَّارَ وَلا یَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَیْلاً إِلاَّ کُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) (2) ، فمواقف الناس فی الجهاد علی أحوال ، وبعضهم فی ذلک أفضل من بعض ، فمن دلف إلی الأقران واستقبل السیوف والأسنّة ، کان أثقل علی أکتاف الأعداء لشدّة نکایته فیهم ، ممّن وقف فی المعرکة وأعان ولم یقدم ، وکذلک من وقف فی المعرکة ، وأعان ولم یقدم ؛ إلاّ أنّه بحیث تناله السهام والنبل أعظم عناءً ، وأفضل ممّن وقف حیث لا یناله ذلک ، ولو کان الضعیف والجبان یستحقّان الرئاسة بقلّة بسط الکفّ وترک الحرب ، وأنّ ذلک یشاکل فعل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، لکان أوفر الناس حظّا فی الرئاسة وأشدّهم لها استحقاقاً حسّان بن ثابت. وإن بطل فضل علیّ فی الجهاد ؛ لأنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان أقلّهم قتالاً - کما زعم الجاحظ - لیبطلنّ علی هذا القیاس فضل أبی بکر فی الإنفاق ، لأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان أقلّهم مالاً ، وأنت إذا تأمّلت أمر العرب وقریش ، ونظرت السیر ، وقرأت الأخبار ، عرفت أنها تطلب محمداً صلی الله علیه وآله وسلم وتقصد قصده ، وتروم قتله ، فإن أعجزها وفاتها طلبت علیّا وأرادت قتله ، لأنّه کان أشبههم بالرسول حالاً ، وأقربهم منه قرباً ، وأشدّهم عنه دفعاً ، وأنّهم متی قصدوا علیّا فقتلوه أضعفوا أمر محمد صلی الله علیه وآله وسلم وکسروا شوکته ، إذ کان أعلی من ینصره فی البأس والقوّة والشجاعة والنجدة والإقدام والبسالة. ألا تری إلی قول عتبة بن ربیعة یوم بدر وقد خرج هو وأخوه شیبة وابنه الولید بن عتبة فأخرج إلیهم الرسول نفراً من الأنصار ، فاستنسبوهم فانتسبوا لهم ، فقالوا : ارجعوا إلی قومکم ، ثمّ نادوا : یا محمد أخرج إلینا أکفاءنا من قومنا ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لأهله الأدنین : «قوموا یا بنی هاشم فانصروا حقّکم الذی آتاکم الله علی 0.

ص: 285


1- التوبة : 111.
2- التوبة : 120.

باطل هؤلاء ، قم یا علیّ قم یا حمزة قم یا عبیدة» ألا تری ما جعلت هند بنت عتبة لمن قتله یوم أُحد لأنّه اشترک هو وحمزة فی قتل أبیها یوم بدر؟ ألم تسمع قول هند ترثی أهلها

ما کان لِی عن عُتبةٍ من صبر

أبی وعمّی وشقیق صدری (1)

أخی الذی کان کضوءِ البدرِ

بهم کَسرتَ یا علیُّ ظهری

وذلک لأنّه قتل أخاها الولید بن عتبة ، وشرک فی قتل أبیها عتبة ، وأمّا عمّها شیبة فإنّ حمزة تفرّد بقتله.

وقال جبیر بن مطعم لوحشی مولاه یوم أُحد : إن قتلت محمداً فأنت حرّ ، وإن قتلت علیّا فأنت حرّ ، وإن قتلت حمزة فأنت حرّ. فقال : أمّا محمد فسیمنعه أصحابه ، وأمّا علیّ فرجل حذِر کثیر الالتفات فی الحرب ، ولکنّی سأقتل حمزة. فقعد له وزرقه بالحربة فقتله.

ولِما قلنا من مقاربة حال علیّ فی هذا الباب لحال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومناسبتها إیّاه ما وجدناه فی السیر والأخبار ، من إشفاق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحذره علیه ، ودعائه له بالحفظ والسلامة ، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم الخندق ، وقد برز علیّ إلی عمرو ، ورفع یدیه إلی السماء بمحضر من أصحابه : «اللهمّ إنّک أخذت منّی حمزة یوم أُحد ، وعبیدة یوم بدر ، فاحفظ الیوم عَلیَّ علیّا ، ربّ لا تذرنی فرداً وأنت خیر الوارثین». ولذلک ضنّ به عن مبارزة عمرو حین دعا عمرو الناس إلی نفسه مراراً ، فی کلّها یُحجمون ویقدم علیّ ، فیسأل الإذن له فی البراز حتی قال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّه عمرو!» فقال : «وأنا علیّ». فأدناه وقبّله وعمّمه بعمامته وخرج معه خطوات کالمودّع له ، القلق لحاله ، المنتظر لما یکون منه. ثمّ لم یزل صلی الله علیه وآله وسلم رافعاً یدیه إلی السماء ِ.

ص: 286


1- فی شرح النهج : 13 / 283 ورد الشطر الأول هکذا : ما کان عن عتبة لی من صبرِ.

مستقبلاً لها بوجهه والمسلمون صموت حوله کأنّما علی رءوسهم الطبر ، حتی ثارت الغبرة ، وسمعوا التکبیر من تحتها فعلموا أنّ علیّا قتل عمراً. فکبّر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وکبّر المسلمون تکبیرة سمعها مَنْ وراء الخندق من عساکر المشرکین. ولذلک قال حذیفة بن الیمان : لو قُسمت فضیلة علیّ بقتل عمرو یوم الخندق بین المسلمین بأجمعهم لوسعتهم. وقال ابن عبّاس فی قوله تعالی : (وَکَفَی اللهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ) (1) ؛ قال : بعلیّ بن أبی طالب. انتهی.

الغریق یتشبّث بکلّ حشیش :

أعیت القوم شجاعة الخلیفة ، وأضلّتهم عن المذاهب ، وجعلتهم فی الرُّونة (2) ، وأرکبتهم علی الزحلوقة تسفّ بهم تارةً وتُعلّیهم أُخری ، فلم یجدوا مهیعاً یوصلهم إلی ما یرومون من إثباتها له مهما وجدوا غضون التاریخ خالیةً عن کلّ عین وأثر یسعهم الرکون إلیه فی الحجاج لها ، فتشبّثوا بالتفلسف فیها ، فهذا یبنی فلسفة العریش ، والآخر ینسج نسج العناکیب ویعدّ ثباته فی موت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعدم تضعضعه فی تلک الهائلة دلیلاً علی کمال شجاعته. قال القرطبی فی تفسیره (3) (4 / 222) فی سورة آل عمران : 144 عند قوله تعالی : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللهَ شَیْئاً) : هذه الآیة أدلّ دلیل علی شجاعة الصدّیق وجرأته ، فإنّ الشجاعة والجرأة حدّهما ثبوت القلب عند حلول المصائب ، ولا مصیبة أعظم من موت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فظهرت عنده شجاعته وعلمه. وقال الناس : لم یمت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، منهم عمر ، وخرس عثمان ، واستخفی علیّ ، واضطرب الأمر فکشفه الصدّیق بهذه الآیة حین 3.

ص: 287


1- الأحزاب : 25.
2- الرُّونة : الشدة.
3- الجامع لأحکام القرآن : 4 / 143.

قدومه من مسکنه بالسُّنح (1).

وهذا الاستدلال أقرّه الحلبی فی سیرته (2) (3 / 35) وقال : لمّا توفّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم طاشت العقول ؛ فمنهم من خبَل ، ومنهم من أقعد ولم یطق القیام ، ومنهم من أخرس فلم یطق الکلام ، ومنهم من أضنی ، وکان عمر رضی الله عنه ممّن خبل ، وکان عثمان رضی الله عنه ممّن أخرس ، فکان لا یستطیع أن یتکلّم ، وکان علیّ رضی الله عنه ممّن أقعد فلم یستطع أن یتحرّک ، وأضنی عبد الله بن أنیس فمات کمداً ، وکان أثبتهم أبو بکر الصدّیق رضی الله عنه. إلی أن قال : قال القرطبی : وهذا أدلّ دلیل علی کمال شجاعة الصدّیق. إلی آخره.

قال الأمینی : یوهم القرطبی أنّ فی کتاب الله العزیز ما یدلّ علی شجاعة الخلیفة وعلمه ، ولیس فیما جاء به أکثر من أنّه استدلّ بالآیة الشریفة یوم ذاک علی موت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأیّ صلة لها بشجاعة الرجل؟! وأیّ قسم فیها من أنحاء الدلالة الثلاثة فضلاً عن أن تکون أدلّ دلیل؟ فإن یکن هناک شیء من الدلالة - وأین وأنّی - فهو فی ثبات جأشه وتمسّکه بالآیة الکریمة لا فی الآیة نفسها.

ثمّ کیف خفی علی الرجل وعلی من تبعه الفرق بین ملکتی الشجاعة والقسوة؟ وأنّ هذا النسج الذی أوهن من بیت العنکبوت إنّما نسجته ید السیاسة لدفع مشکلات هناک ، فخبّلوا عمر بن الخطّاب - وحاشاه الخبل - تصحیحاً لإنکاره موت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنّه کان من ذلک لقلق کما مرّ فی (ص 184) ، وأقعدوا علیّا لإیهام العذر فی تخلّفه عن البیعة ، وأخرسوا عثمان لأنّه لم ینبس فی ذلک الموقف ببنت شفة.

علی أنّ ما جاء به القرطبی من میزان الشجاعة یستلزم کون الخلیفة أشجع من 4.

ص: 288


1- بضمّ أوّله وسکون النون وقد تضم : موضع خارج المدینة بینها وبین منزل النبیّ میل [ فی معجم البلدان : 3 / 265 أنها إحدی محالّ المدینة ]. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیة : 3 / 354.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أیضاً ، إذ لم یُرو عن أبی بکر فی رزیّة النبیّ الأعظم أکثر من أنّه کشف عن وجه النبیّ وقبّله وهو یبکی وقال : طبت حیّا ومیتاً (1) وقد فعل صلی الله علیه وآله وسلم أکثر وأکثر من هذا فی موت عثمان بن مظعون ؛ فإنّه صلی الله علیه وآله وسلم انکبّ علیه ثلاث مرّات مرّةً بعد أُخری وقبّله باکیاً علیه وعیناه تذرفان والدموع تسیل علی وجنتیه وله شهیق (2) ، وشتّان بین عثمان بن مظعون وبین سیّد البشر روح الخلیقة وعلّة العوالم کلّها ، وشتّان بین المصیبتین.

کما یستدعی مقیاس الرجل کون عمر بن الخطّاب أشجع من النبیّ الأقدس لحزنه العظیم فی موت زینب وبکائه علیها ، وعمر کان یوم ذاک یضرب النسوة الباکیات علیها بالسوط ، کما مرّ فی الجزء السادس (ص 159) ، فضلاً عن عدم تأثّره بتلک الرزیّة.

وعلی هذا المیزان یغدو عثمان بن عفّان أشجع من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لوجده (3) صلی الله علیه وآله وسلم لموت إحدی بنتیه : رقیة أو أمّ کلثوم زوجة عثمان ، وبکائه علیها ، وعثمان غیر متأثر به ولا بانقطاع صهره من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، غیر مشغول بذلک عن مقارفة بعض نسائه فی لیلة وفاتها کما فی صحیحة أنس (4). ف)

ص: 289


1- صحیح البخاری : 6 / 281 [ 4 / 1618 ح 4187 ] کتاب المغازی ، سیرة ابن هشام : 4 / 334 [ 4 / 306 ] ، طبقات ابن سعد ، طبع مصر ، رقم التسلسل : 785 [ 2 / 268 ] ، تاریخ الطبری : 3 / 198 [ 3 / 201 حوادث سنة 11 ه ]. (المؤلف)
2- سنن البیهقی : 3 / 407 ، حلیة الأولیاء : 1 / 105 ، الاستیعاب : 2 / 495 [ القسم الثالث / 1055 رقم 1779 ] ، أُسد الغابة 3 / 387 [ 3 / 600 رقم 3588 ] ، الإصابة : 2 / 464 [ رقم 5453 ]. (المؤلف)
3- أی : لحزنه.
4- مستدرک الحاکم : 4 / 47 [ 4 / 51 ح 6852 ] ، الاستیعاب : 2 / 748 [ القسم الرابع / 1841 رقم 3343 ] وصحّحه ، الإصابة : 4 / 304 [ رقم 430 ] و 489 [ رقم 1470 ] ، الغدیر : 3 / 24. (المؤلف)

وقبل هذه کلّها ما ذکره أعلام القوم فی موت أبی بکر من طریق ابن عمر من قوله : کان سبب موت أبی بکر موت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛ ما زال جسمه یجری حتی مات. وقوله : کان سببَ موته کمد لحقه علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما زال یذیبه حتی مات. وفی لفظ القرمانی : ما زال جسمه ینقص حتی مات.

راجع (1) مستدرک الحاکم (3 / 63) ، أُسد الغابة (3 / 224) ، صفة الصفوة (1 / 100) ، الریاض النضرة (1 / 180) ، تاریخ الخمیس (2 / 263) ، حیاة الحیوان للدمیری (1 / 49) ، الصواعق (ص 53) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 55) ، أخبار الدول للقرمانی هامش الکامل (1 / 198) ، نزهة المجالس للصفوری (2 / 197) ، مصباح الظلام للجردانی (2 / 25).

کأنّ هذا الحدیث عزب عن القرطبی والحلبی ، فأخذاً بهذا مشفوعاً بکلامهما المذکور فی شجاعة أبی بکر یکون هو شاکلة عبد الله بن أنیس فی موته کمداً علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولم ینبّئ قطّ خبیر بموت أحدٍ من الصحابة غیرهما بموته صلی الله علیه وآله وسلم ، وهذا دلیل علی ضعف قلبهما عند حلول المصائب ، فهما أجبن الصحابة علی الإطلاق إذا وزنا بمیزان القرطبی وفیه عین.

ووراء هذه المغالاة فی شجاعة الخلیفة وعدّه أشجع الصحابة ما عزاه القوم إلی ابن مسعود من أنّه قال : أوّل من أظهر الإسلام بسیفه محمد صلی الله علیه وآله وسلم وأبو بکر والزبیر ابن العوام (2). وما یُعزی إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أنّه قال : لو لا أبو بکر الصدّیق لذهب الإسلام (3)ف)

ص: 290


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 66 ح 4410 ، أُسد الغابة : 3 / 335 رقم 3064 ، صفة الصفوة : 1 / 263 رقم 2 ، الریاض النضرة : 1 / 222 ، حیاة الحیوان : 1 / 71 ، الصواعق المحرقة : ص 88 ، تاریخ الخلفاء : ص 76 ، أخبار الدول : 1 / 281 ، مصباح الظلام : 2 / 62 ح 362.
2- نزهة المجالس للصفوری : 2 / 182. (المؤلف)
3- نور الأبصار للشبلنجی : ص 54 [ ص 113 ]. (المؤلف)

قال الأمینی : لقد کانت علی الأبصار غشاوة عن رؤیة هذا السیف الذی کان بید الخلیفة ، فلم یُؤثر أنّه تقلّده یوماً ، أو سلّه فی کریهة ، أوهابه إنسان فی معمعة ، حتی یقرن برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی کان منذ بعث سیفاً لله تعالی مجرّداً.

إنّ الرسولَ لنورٌ یُستضاءُ به

مُهنّدٌ من سیوفِ اللهِ مسلولُ (1)

أو یقرن بمثل الزبیر الذی عرفته وسیفه الحرب الزبون فشکرته ، وقد سجّل التاریخ مواقفه المشهودة ، وسجّل للخلیفة یوم خیبر وأمثاله.

وأنا لا أدری بأیّ خصلة فی الخلیفة نیط بقاء الإسلام ، أبشجاعته هذه؟ أم بعلمه الذی عرفت کمیّته؟ أم بما ذا؟ فظُنّ خیراً ولا تسأل عن الخبر.

- 4 -

ثبات الخلیفة علی المبدأ

عن أبی سعید الخدری : أنّ أبا بکر جاء إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله إنّی مررت بوادی کذا وکذا ، فاذا رجل متخشّع حسن الهیئة یصلّی ، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذهب إلیه فاقتله» ، قال : فذهب الیه أبو بکر ، فلمّا رآه علی تلک الحالة کره أن یقتله فجاء إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم لعمر : «اذهب إلیه فاقتله» : قال فذهب عمر فرآه علی تلک الحال التی رآه أبو بکر فکره أن یقتله فرجع ، فقال : یا رسول الله إنّی رأیته متخشّعاً فکرهت أن أقتله ، قال : «یا علیّ اذهب فاقتله». فذهب علی فلم یره فرجع ، فقال : «یا رسول الله إنّی لم أره». فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ هذا وأصحابه یقرؤون القرآن لا یجاوز تراقیهم یمرقون من الدین کما یمرق السهم من الرمیة ثمّ لا یعودون فیه حتی یعود السهم فی فُوقه فاقتلوهم هم شرّ البریّة» (2). ف)

ص: 291


1- البیت من قصیدة لکعب بن زهیر المشهورة ب : بانت سعاد. (المؤلف)
2- مسند أحمد : 3 / 15 [ 3 / 390 ح 10734 ] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 298 [ 7 / 330 حوادث سنة 37 ه ]. (المؤلف)

وعن أنس بن مالک قال : کان فی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رجل یعجبنا تعبّده واجتهاده ، وقد ذکرنا ذلک لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم باسمه فلم یعرفه ، فوصفناه بصفته فلم یعرفه ، فبینا نحن نذکره إذ طلع الرجل قلنا : هو هذا. قال : «إنّکم لتخبرونی عن رجل إنّ فی وجهه لسفعة من الشیطان» فأقبل حتی وقف علیهم ولم یسلّم. فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم «أنشدک الله هل قلت حین وقفت علی المجلس : ما فی القوم أحد أفضل منّی أو خیر منّی؟» قال : اللهمّ نعم. ثمّ دخل یصلّی فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «من یقتل الرجل؟» فقال أبو بکر : أنا ، فدخل علیه فوجده قائماً یصلّی ، فقال : سبحان الله أقتل رجلاً یصلّی؟ وقد نهی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن قتل المصلّین ، فخرج. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «ما فعلت؟» قال : کرهت أن أقتله وهو یصلّی وأنت قد نهیت عن قتل المصلّین. قال : «من یقتل الرجل؟» قال عمر : أنا. فدخل فوجده واضعاً جبهته. فقال عمر : أبو بکر أفضل منّی ، فخرج فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم «مَه؟» قال : وجدته واضعاً وجهه لله فکرهت أن أقتله. فقال : «من یقتل الرجل؟» فقال علیّ : أنا. فقال : «أنت إن أدرکته». فدخل علیه فوجده قد خرج. فرجع إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال له : «مَه؟» قال : وجدته قد خرج. قال : «لو قُتل ما اختلف من أمّتی رجلان کان أوّلهم وآخرهم» (1).

صاحب القصّة هو ذو الثُّدیّة رأس الفتنة یوم النهروان قتله أمیر المؤمنین الإمام علیّ یوم ذاک کما فی صحیح مسلم (2) وسنن أبی داود (3) ، قال الثعالبی فی ثمار القلوب (4) 7.

ص: 292


1- حلیة الأولیاء : 317 ، 3 / 227 [ رقم 245 ] ، مسند البزّار من طریق الأعمش ، وأبو یعلی فی مسنده [ 1 / 90 ح 90 ] کما فی تاریخ ابن کثیر : 7 / 298 [ 7 / 330 حوادث سنة 37 ه ] ، الإصابة : 1 / 484 [ رقم 2446 ]. (المؤلف)
2- صحیح مسلم : 2 / 443 ح 156 کتاب الزکاة.
3- سنن أبی داود : 4 / 244 - 245 ح 4768 - 4769.
4- ثمار القلوب : ص 290 رقم 437.

(ص 232): ذو الثُدیّة شیخ الخوارج وکبیرهم الذی علّمهم الضلال ، وکان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أمر بقتله وهو فی الصلاة ، فکعّ عنه أبو بکر وعمر ، فلمّا قصده علیّ رضی الله عنه لم یره ، فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «أما إنّک لو قتلته لکان أوّل فتنة وآخرها» ، ولمّا کان یوم النهروان وُجد بین القتلی ، فقال علیّ رضی الله عنه : ائتونی بیده المخدجة ، فأُتی بها فأمر بنصبها.

قال الأمینی : هلمّ معی نسائل الرجلین ممّن أخذا أنّ الصلاة تحقن دم صاحبها؟ هل أخذاها عن شریعةٍ غابَ الصادع بها ، فارتبکا بین قولیه؟ ألیست هی الشریعة المحمدیّة وصاحبها هو الذی أمر بقتل الرجل؟ وهو ینظر إلیه من کَثب ، ویعلم أنّه یصلّی ، وقد أخبرته الصحابة وفیهم الرجلان بخضوعه وخشوعه فی صلاته ، وإعجابهم بتعبّده واجتهاده ، وفی المخبرین أبو بکر نفسه ، غیر أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عرف بواسع علمه النبویّ أنّ کلّ ذلک عن دهاء وتصنّع یرید به إغراء الدهماء للحصول علی أُمنیّته الفاسدة التی لم یتمکّن منها إلاّ علی عهد الخوارج فأراد صلی الله علیه وآله وسلم قمع تلک الجرثومة الخبیثة بقتله ، ولقد أراد صلی الله علیه وآله وسلم تعریف الناس بالرجل وإیقافهم علی ما انطوت علیه أضالعه فاستحفاه عمّا دار فی خَلَده حین وقف علی القوم وفیهم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأراد أن یعلموا أنّه یجد نفسه خیراً أو أفضل منهم ومنه صلی الله علیه وآله وسلم.

أیّ کافر هذا یجب قتله لا سیّما بعد قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ فی وجهه لسفعة من الشیطان»؟ وأیّ شقیّ هذا یقف علی المنتدی وقد ضمّ صدره نبیّ العظمة ولم یسلّم؟ وأیّ صفیق یُعرب عن سوء ما هجس فی ضمیره بکلّ صراحة ، غیر محتشم عن موقفه ، ولا مکترث لمقاله؟.

نعم ؛ لذلک کلّه أمر صلی الله علیه وآله وسلم بقتله وهو لا ینطق عن الهوی إن هو إلاّ وحی یوحی ، لکنّ الشیخین رأفا به حین وجداه یصلّی تثبّتاً علی المبدأ ، وتحفّظاً علی کرامة الصلاة ومن أتی بها ، وزاد عمر : إنّ أبا بکر خیر منّی ولم یقتله. أو لم یکن النبیّ الآمر بقتله خیراً منهما؟ أو لم یکن هو مشرّع الصلاة والآتی بحرمتها؟ أو لم یکن مصدّقاً

ص: 293

لدی الصدّیق وصاحبه فی قوله حول الرجل وإعرابه عن نوایاه؟

کان خیراً للشیخین أن یترکا هذا التعلّل الواضح فساده ویتعلّلا بما فی لفظ أبی نعیم فی الحلیة من أنّهما هابا أن یقتلاه ، وبما أسلفناه عن ثمار القلوب للثعالبی من أنّهما کعّا عن الرجل. أی جبنا وضعفا وتهیّبا الرجل ، وإن کان مصلّیاً غیر شاک السلاح ، فلعلّه یکون معذّراً لهما عن ترک الامتثال ، فلا یکلّف الله نفساً إلاّ وسعها ، لکنّهما یوم عرفا نفسهما کذلک والإنسان علی نفسه بصیرة ولو ألقی معاذیره لما ذا أقدما علی قتل الرجل ، ففوّتا علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم طلبته وعلی الأمّة السلام والأمن ولو بعد لأی من عمر الدهر عند ثورات الخوارج؟ وأبو بکر هذا هو الذی یحسبه ابن حزم والمحبّ الطبری والقرطبی والسیوطی أشجع الناس کما مرّ (ص 201) وقد یهابه ظلّ الرجال فی مصلاّهم!

وللرجل - ذی الثُدیّة - سابقة سوء عند الشیخین من یوم قسم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غنیمة هوازن ، قال ذو الثدیّة للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : لم أرک عدلت! أو : لم تعدل هذه قسمة ما أُرید بها وجه الله! فغضب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقال : «ویحک إذا لم یکن العدل ، عندی فعند من یکون؟» فقال عمر : یا رسول الله ألا أقتله؟ قال : «لا ، سیخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم یخرجون من الدین کما یخرج السهم من الرمیّة لا یجاوز إیمانهم تراقیهم». تاریخ أبی الفداء (1 / 148) ، الإمتاع للمقریزی (ص 425).

- 5 -

تهالک الخلیفة فی العبادة

لم یؤثر عن الخلیفة دأب علی العبادة علی العهد النبویّ أو بعده غیر أشیاء لا تُنجع من أثبتها له إلاّ بعد تمحّل متطاول ، أو تفلسف فی القول لو أجْدَت الفلسفة علی لا شیء.

ص: 294

روی المحبّ الطبری فی الریاض النضرة (1) (1 / 133) : أنّ عمر بن الخطّاب أتی إلی زوجة أبی بکر بعد موته ، فسألها عن أعمال أبی بکر فی بیته ما کانت ، فأخبرته بقیامه فی اللیل وأعمال کان یعملها ، ثمّ قالت : إلاّ إنّه کان فی کلّ لیلة جمعة یتوضّأ ویصلّی [ العشاء ] (2) ثمّ یجلس مستقبل القبلة رأسه علی رکبتیه ، فإذا کان وقت السحر رفع رأسه وتنفّس الصعداء ، فیشمّ فی البیت روائح کبدٍ مشویٍ. فبکی عمر وقال : أنّی لابن الخطّاب بکبدٍ مشویّ.

وفی مرآة الجنان (1 / 68) : جاء أنّ أبا بکر کان إذا تنفّس یشمّ منه رائحة الکبد المشویّة.

وفی عمدة التحقیق للعبیدی المالکی (3) (ص 135) : لمّا مات أبو بکر الصدّیق رضی الله عنه واستخلف عمر رضی الله عنه کان یتبع آثار الصدّیق رضی الله عنه ، ویتشبّه بفعله ، فکان یتردّد کلّ قلیل إلی عائشة وأسماء رضی الله تعالی عنهما ویقول لهما : ما کان یفعل الصدّیق إذا خلا بیته ، لیلاً؟ فیقال له : ما رأینا له کثیر صلاة باللیل ولا قیام ، إنّما کان إذا جنّه اللیل یقوم عند السحر ویقعد القرفصاء ، ویضع رأسه علی رکبتیه ثمّ یرفعها إلی السماء ویتنفّس الصعداء ویقول : أخ ، فیطلع الدخان من فیه ، فیبکی عمر ویقول : کلّ شیء یقدر علیه عمر إلا الدخان. فقال :

وأصل ذلک أن شدّة خوفه من الله تعالی أوجبت احتراق قلبه ، فکان جلیسه یشمّ منه رائحة الکبد المشوی ، وسببه أنّ الصدّیق لم یتحمل أسرار النبوّة الملقاة إلیه ، وفی الحدیث : «أنا أعلمکم بالله وأخوفکم منه» ، فالمعرفة التامّة تکشف عن جلال المعروف وجماله ، وکلاهما أمر عظیم جدّا ، تتقطّع دونه الغایات ، ولولا أنّ الله تعالی 0.

ص: 295


1- الریاض النضرة : 1 / 168.
2- ما بین المعقوفین زیادة من المصدر.
3- عمدة التحقیق : ص 230.

ثبّت من أراد ثباته وقوّاه علی ذلک ، ما استطاع أحد الوقوف ذرّة علی کلیهما جلالاً وجمالاً ، والغایة فی الطرفین قد نالها الصدّیق رضی الله عنه ، فقد ورد : ما صُبّ فی صدری شیء إلاّ صببته فی صدر أبی بکر. ولو صبّه جبریل علیه السلام فی صدر أبی بکر ما أطاقه ، لعدم مجراه من المماثل ، لکن لما صبّ فی صدر النبی صلی الله علیه وآله وسلم وهو من جنس البشریّة ، فجری فی قناة مماثلة للصدّیق ، فبواسطتها أطاق حمله ، ومع ذلک احترق قلبه.

وروی الترمذی الحکیم فی نوادر الأصول (1) (ص 31 و 261) ، عن بکر بن عبد الله المزنی قال : لم یفضل أبو بکر رضی الله عنه الناس بکثرة صوم ولا صلاة ، إنّما فضلهم بشیء کان فی قلبه. وذکر أبو محمد الأزدی فی شرح مختصر صحیح البخاری (2 / 41 ، 105 و 3 / 98 و 4 / 63) ، والشعرانی فی الیواقیت والجواهر (2) (2 / 221) ، والیافعی فی مرآة الجنان (1 / 68) ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 183) : أنّ فی الحدیث : ما فضلکم أبو بکر بکثرة صوم ولا صلاة ولکن بشیء وقر فی صدره.

قال الأمینی : لو صحّ حدیث الکبد المشوی لوجب اطّراده فی الأنبیاء والرسل ویقدمهم سیّد المرسلین محمد صلی الله علیه وآله وسلم لأنّهم أخوف من الله من أبی بکر وخاتم النبیّین أخوفهم ، ولوجب أن تکون الرائحة فیهم أشدّ وأنشر ، فإنّ الخوف فرع الهیبة المسبّبة عن إحاطة العلم بما هناک من عظمة وقهر وجبروت ومنعة ، وینبئنا عن ذلک قوله تعالی : (إِنَّما یَخْشَی اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (3) قال ابن عبّاس : یرید إنّما یخافنی من خلفی من علم جبروتی وعزّتی وسلطانی. وقیل : عظّموه وقدّروا قدره ، واخشوه حقّ خشیته ، ومن ازداد به علماً ازداد به خشیة. تفسیر الخازن (4) (3 / 525). 9.

ص: 296


1- نوادر الأصول : 1 / 88 الأصل : 21 و 2 / 98 الأصل : 220.
2- الیواقیت والجواهر : 2 / 73.
3- فاطر : 28.
4- تفسیر الخازن : 3 / 499.

وفی الحدیث : «أعلمکم بالله أشدّکم له خشیة». تفسیر ابن جزی (3 / 158).

وفی خطبة له صلی الله علیه وآله وسلم : «فو الله إنّی لأعلمهم بالله وأشدّهم له خشیة» (1).

وفی خطبة أخری له صلی الله علیه وآله وسلم : «لو تعلمون ما أعلم لضحکتم قلیلاً ولبکیتم کثیراً» (2).

وقال مولانا أمیر المؤمنین : «أعلمکم أخوفکم». غرر الحکم للآمدی (3) (ص 62).

وقال مقاتل : أشدّ الناس خشیة لله أعلمهم. تفسیر الخازن (3 / 525).

وقال الشعبی ومجاهد : إنّما العالم من خشی الله (4).

وقال الربیع بن أنس : من لم یخش الله تعالی فلیس بعالم (5).

ومن هنا قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی أعلمکم بالله وأخشاکم لله» (6) ولذلک تجد أنّ أزلف الناس إلی السلطان یتهیّبه أکثر ممّن دونه فی الزلفة. فتری الوزیر یکبره ویخافه أبلغ ممّن هو أدنی منه ، والأمر علی هذه النسبة فی رجال الوظائف ، حتی تنتهی إلی أبسطها کالشرطی مثلاً ، ثمّ إلی سائر أفراد الرعیة.

وهلمّ معی إلی الأولیاء والمقرّبین والمتهالکین فی الخشیة من الله والمتفانین فی ف)

ص: 297


1- صحیح مسلم [ 4 / 508 ح 127 ] کتاب المناقب - باب علمه بالله وشدّة خشیته ، تفسیر الخازن : 3 / 525 [ 3 / 499 ]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری [ 5 / 2379 ح 6120 ، 6121 ] کتاب الرقاق. باب لو تعلمون ما أعلم ، مسند أحمد : 6 / 164 [ 7 / 236 ح 24784 ] ، تیسیر الوصول : 2 / 26 [ 2 / 33 ] ، تفسیر الخازن : 3 / 525 [ 3 / 499 ]. (المؤلف)
3- غرر الحکم ودرر الکلم : ص 63 ح 785.
4- تفسیر القرطبی : 14 / 343 [ 14 / 219 ] ، تفسیر الخازن : 3 / 525 [ 3 / 449 ]. (المؤلف)
5- تفسیر القرطبی : 14 / 343 [ 14 / 219 ] ، تفسیر الخازن : 3 / 525 [ 3 / 449 ]. (المؤلف)
6- تفسیر البیضاوی : 2 / 302 [ 2 / 272 ] ، اللمع لأبی نصر : ص 96 [ ص 134 ]. (المؤلف)

العبادة وفی مقدّمهم سیّدهم مولانا أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام الذی کان فی حلک الظلام یتململ تململ السلیم ، ویبکی بکاء الحزین ، ویتأوّه ویتفوّه بما ینمّ عن غایة الخوف والخشیة ، وهو قسیم الجنة والنار بنصّ من الرسول الأمین کما مرّ فی الجزء الثالث (ص 299) ، وکان یُغشی علیه عدّة غشوات فی کلّ لیلة ، ولم یشم أحد منه ولا منهم رائحة الکبد المشوی.

ولو اطّرد ما یزعمونه لوجب تکیّف الفضاء من لدن آدم إلی عهد الخلیفة بتلک الرائحة المنتشرة من تلکم الأکباد المشویّة ، ولاسودّ وجه الدنیا بذلک الدخان المتصاعد من الأکباد المحترقة.

أیحسب راوی هذه المهزأة أنّ علی کبد المختشی ناراً موقدة یعلوها ضرم ، ویتولّد منها دخان؟ فلِمَ لم تُحرق ما فی الحشا کلّه ویکون إنضاجها مقصوراً علی الکبد فحسب؟ وهل للکبد حال المعذّبین الذی کلّما نضجت جلودهم بدّلوا جلوداً أخری؟ وإلاّ فالعادة قاضیة بفناء الکبد بذلک الحریق المتواصل.

وإن تعجب فعجب بقاء الإنسان بعد فناء کبده ، ولعلّک إذا أحفیت الراوی السؤال عن هذه لأجابک بأنّها کلّها معاجز تخصّ بالخلیفة.

وأحسب أنّ صاحب المزاعم من المتطفّلین علی موائد العربیّة ؛ فإنّ العربیّ الصمیم جدّ علیم بکثیر الکنایة والاستعارة فی لغة الضاد ، فإذا قالوا : إنّ نار الخوف أحرقت فلاناً لا یریدون لهباً متّقداً یصعد منه الدخان أو تشمّ منه رائحة شیّ الأکباد ، وإنّما یعنون لهفةً شدیدة ، وحرقةً معنویّة تشبّه بالنیران.

وأمّا ما سرده العبیدی من فلسفة ذلک الحریق فی کبد الخلیفة فإنّها من الدعاوی الفارغة وفیها الغلوّ الفاحش ، وإن شئت قلت : إنّما هی أوهام لم تقم لها حجّة ، ولیس من السهل أن یدعمها ببرهنة یمسکها عن التزحزح ، فهی کالریشة فی

ص: 298

مهبّ الریح تجاه حجاج المجادل ، وو جاه سیرة الخلیفة نفسه ، وما عزاه إلی الروایة من حدیث خرافة : ما صبّ الله فی صدری شیئاً إلاّ وصببته فی صدر أبی بکر. فهو علی تنصیص العلماء علی وضعها کما مرّ فی (5 / 316) لا یلزم به الخصم ، ولا یثبت به المدّعی ، وفیه من سرف القول ما لا یخفی علی العارف بالرجال وتاریخهم.

- 6 -

تبرّز الخلیفة فی الأخلاق

لم نقف من أخلاقیّات الخلیفة علی شیء یرفع الإنسان من هذه الناحیة عدا ما فی صحیح البخاری فی کتاب التفسیر من طریق ابن أبی ملیکة عن عبد الله بن الزبیر قال : قدم رکب من بنی تمیم علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال أبو بکر : أمّر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : أمّر الأقرع بن حابس (1). فقال أبو بکر : ما أردت إلاّ خلافی ، فقال عمر : ما أردت خلافک ، فتماریا حتی ارتفعت أصواتهما ، فنزل فی ذلک : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) (2).

وأخرج البخاری من طریق ابن أبی ملیکة أیضاً ، قال : کاد الخیّران أن یهلکا أبو بکر وعمر ، رفعا أصواتهما عند النبی صلی الله علیه وآله وسلم حین قدم علیه رکب بنی تمیم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخی بنی مجاشع ، وأشار الآخر برجل آخر. قال نافع : لا أحفظ اسمه. فقال أبو بکر لعمر : ما أردت إلاّ خلافی ، قال : ما أردت خلافک ، فارتفعت أصواتهما فی ذلک ، فأنزل الله : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ 1.

ص: 299


1- الأقرع بن حابس هو ذلک الأعرابی الذی رآه النبی صلی الله علیه وآله وسلم وهو یبول فی المسجد ، وقد أخرج حدیثه البخاری فی صحیحه [ 4 / 1834 ح 4566 ] ، راجع إرشاد الساری : 1 / 284 [ 1 / 520 ] (المؤلف)
2- الحجرات : 1.

أَعْمالُکُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (1) (2).

قال الأمینی : ألا تعجب من الرجلین أنّهما طیلة مصاحبتهما هذا النبی المعظّم صلی الله علیه وآله وسلم لم یحدُهما التأثّر بأخلاقه الکریمة إلی الحصول علی أدب محاضرة العظماء والمثول بین أیدیهم لا سیّما هذا العظیم ، العظیم خلقه بنصّ الذکر الحکیم ، وما عرفا أنّ الکلام بین یدیه لا بدّ أن یکون تخافتاً وهمساً إکباراً لمقامه وإعظاماً لمرتبته. وأن لا یتقدّم أحد إلیه بالکلام إلاّ أن یکون جواباً عن سؤال ، أو ما ینمّ عن امتثال أمر ، أو إخباراً عن مهمّة ، أو سؤالاً عن حکم لکنّهما تقدّما بالکلام الخارج عن ذلک کلّه ، وتماریا واحتدم الحوار بینهما ، وارتفعت أصواتهما فی ذلک ، وکاد الخیّران أن یهلکا حتی جعلا أعمالهما فی مظنّة الإحباط ، فنزلت الآیة الکریمة.

وما أخرجه ابن عساکر (3) عن المقدام أنّه قال : استبّ عقیل بن أبی طالب وأبو بکر وکان أبو بکر سبّاباً. وکأنّ ابن حجر استشعر من هذه الکلمة ما لا یروقه فقال : سبّاباً أو نسّاباً ، لکن الرجل أنصف فی التردید وقد جاء بعده السیوطی فحذف کلمة : سبّاباً وجعلها نسّاباً بلا تردید (4) ، والمنقّب یعلم أنّ لفظة (نسّاباً) لا صلة لها بقوله استبّا بل المناسب کونه سبّاباً ، وکأن الراوی یرید بذلک أنّه فاق عقیلاً بالسبّ لأنّه کان مَلَکة له ، وإن کان یسع المحوّر أن یقول بإرادة کونه نسّاباً أنّه کان عارفاً بحلقات الأنساب ومواقع الغمز فیها ، فکان إذا استبّ یطعن مستابّه فی عرضه ونسبه ، لکنّه لا یجدی المتمحّل نفعاً فإنّه من أشنع مصادیق السبّ ، وفیه القذف وإشاعة الفحشاء. ف)

ص: 300


1- صحیح البخاری : 7 / 225 [ 4 / 1833 ح 4564 ] ، الاستیعاب فی ترجمة القعقاع : 2 / 535 [ القسم الثالث / 1284 رقم 2122 ] ، تفسیر القرطبی : 16 / 300 [ 16 / 198 ] ، ابن کثیر : 4 / 206 ، تفسیر الخازن : 4 / 172 [ 4 / 164 ] ، الاصابة : 1 / 58 [ رقم 231 ] ، 3 / 240 [ رقم 7128 ]. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 110 رقم 3398.
3- تاریخ مدینة دمشق : 9 / 582.
4- الصواعق : ص 43 [ ص 72 ] ، تاریخ الخلفاء : ص 37 [ ص 50 ]. (المؤلف)

ویظهر من لفظ الحدیث کما فی الخصائص الکبری (1) (2 / 86) ؛ أنّ السباب بین أبی بکر وعقیل کان بمحضر من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وکان ذلک فی أخریات أیّامه صلی الله علیه وآله وسلم.

ومن شواهد کونه سبّاباً - وسباب المسلم فسوق (2) - ما مرّ فی صفحة (153) من قوله للسائل عن القدر : یا ابن اللخناء. وقوله لعمر : ثکلتک أمّک وعدمتک یا ابن الخطّاب ، لمّا بلّغه طلب الأنصار أن یولّی علیهم رجلاً أقدم سنّا من أسامة ، فأخذ بلحیته فقال : استعمله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتأمرنی أن أنزعه (3).

علی أنّه وهم فی قوله هذا من ناحیتین :

إحداهما : أنّ الذی یجب أن لا یعزل من منصوبی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو الخلیفة فحسب لا یتسرّب إلیه الرأی والمقاییس ، کما لا یتطرّقان إلی الأحکام والسنن المشرّعة ، لأنّه صلی الله علیه وآله وسلم نصبه یوم نصب بأمر من المولی سبحانه رئیساً عالمیّا مدی أمد حیاته ، کما أنّه شرّعها أحکاماً عالمیّة مدی أمد الدهر. بخلاف أُمراء الجنود والولاة والعمّال فإنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان یولّیهم الأمر لمصالح وقتیّة بعد الفراغ من تأهّلهم للإمارة والولایة والعمل ، وإذا انقضی ظرف المصلحة أو تبدّلت بأخری أو سلب التأهّل من أحدهم کان یزحزحه من عمل إلی عمل ، أو یسقطه عن الوظیفة نهائیّا ، أو إلی أمد تعود بعده إلیه جدارته ، وکذلک شأن الخلیفة من بعده فإنّه قائم مقامه صلی الله علیه وآله وسلم وله ف)

ص: 301


1- الخصائص الکبری : 2 / 145.
2- مسند أحمد : 1 / 411 [ 1 / 679 ح 3893 ] ، سنن ابن ماجة : 2 / 461 [ 2 / 1299 - 1300 ح 3939 - 3941 ] ، تاریخ الخطیب : 5 / 144 [ رقم 2577 ] ، وصحّحه السیوطی فی الجامع الصغیر [ 2 / 40 - 41 ح 4633 ، 4634 ] ، وقال النووی فی ریاض الصالحین : ص 323 [ ص 518 ح 1562 ] متّفق علیه. (المؤلف)
3- التمهید للباقلانی : ص 193 ، تاریخ الطبری : 3 / 212 [ 3 / 226 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابن عساکر : 1 / 117 [ 2 / 50 ] ، وفی مختصر تاریخ دمشق [ 1 / 171 ] ، الکامل لابن الاثیر : 2 / 139 [ 2 / 17 حوادث سنة 11 ه ] ، تاریخ ابی الفداء : 1 / 156 ، الروض الأُنف : 2 / 375 [ 7 / 583 ]. (المؤلف)

النصب والنزع ، والخفض والرفع ، ولذلک أمّر أبو بکر نفسه خالد بن سعید علی مشارق الشام فی الردّة ، وکان قد استعمله النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی ما بین زمع وزبید إلی حدّ نجران أو علی صدقات مذحج ومات صلی الله علیه وآله وسلم وهو علی عمله.

واستعمل أبو بکر نفسه أیضاً یعلی بن أُمیّة علی حلوان ، ثمّ عمل لعمر علی بعض الیمن ، ثمّ استعمله عثمان علی صنعاء ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد استعمله علی الجند وتوفّی وهو علی عمله.

واستعمل أبو بکر عکرمة علی عمان ثمّ عزله واستعمل علیها حذیفة بن محصن وکان قد استعمل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عمرو بن العاص علی عمان فمات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو أمیرها ، واستعمل عکرمة علی صدقات هوازن عام وفاته.

واستعمل عمر عثمان بن أبی العاص علی عمان والبحرین سنة (15) ، وکان قد استعمله النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی الطائف وأقرّه أبو بکر بعد وفاته صلی الله علیه وآله وسلم.

واستعمل عمر عبد الله بن قیس أبا موسی الأشعری علی البصرة ، ثمّ عزله عثمان وأقرّه علی الکوفة ، ثمّ عزله علیّ علیه السلام عنها ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولاّه مخالیف الیمن.

وقال أبو الفدا فی تاریخه (1 / 166) : أقرّ عثمان ولاة عمر سنةً ؛ لأنّه کان أوصی بذلک ثمّ عزل المغیرة بن شعبة عن الکوفة ، وولاّها سعد بن أبی وقاص ثمّ عزله ، وولّی الکوفة الولید بن عقبة وکان أخا عثمان من أُمّه.

راجع (1) : تاریخ الطبری ، والکامل لابن الأثیر ، والاستیعاب ، وأُسد الغابة ، وتاریخ أبی الفداء ، وتاریخ ابن کثیر ، والإصابة ، وغیرها من کتب التاریخ ومعاجم التراجم. 4.

ص: 302


1- تاریخ الأمم والملوک : 4 / 244 حوادث سنة 24 ه ، الکامل فی التاریخ : 2 / 229 حوادث سنة 24 ه ، الاستیعاب : القسم الثانی / 640 رقم 963 ، أُسد الغابة : 5 / 452 رقم 5468 ، البدایة والنهایة : 7 / 168 حوادث سنة 24 ه ، الإصابة : 2 / 34 رقم 3194.

وکم وکم لهؤلاء الولاة المذکورین من نظیر ، فلیس أُسامة ببدع من هؤلاء ، وإنّما هو کأحدهم ، له مالهم وعلیه ما علیهم.

فاقتصار الخلیفة فی الحِجاج بنصب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أسامة فی غیر محلّه ، إلاّ أن یقیّده بأنّ ما ارتآه صلی الله علیه وآله وسلم من المصلحة یوم ذلک باقیة بعد من غیر حاجة إلی أیّ من القول والفعل اللذین ارتکبهما.

الناحیة الثانیة : أنّ طلبة الأنصار هذه متّخذه عن عمل الخلیفة نفسه وصاحبیه ، حیث قدّماه یوم السقیفة بکبر سنّه وشیبته کما مرّ فی صفحة (91 ، 92) فلا غضاضة علی الأنصار إذن أن یتحرّوا للإمارة علیهم من هو أقدم سنّا من أُسامة تأسّیا بالخلافة.

وإذا کان تولیة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم أُسامة للقیادة مانعة عن نزعه فما بال منصوبه صلی الله علیه وآله وسلم للخلافة یوم غدیر خمّ بمشهد من مائة ألف أو یزیدون ، وفی مواقف أُخری متکثّرة یعزل عن الأمر؟ ولا منکر یصاخ إلیه ، ولا وازع یسمع منه ، هب أنّ قیساً أخذ بلحیة عمر یوم ذاک کما أخذ بها أبو بکر یوم أُسامة ، واحتجّ آخرون لأمیر المؤمنین علیه السلام واحتدم الحوار ، لکن : لا رأی لمن لا یطاع.

نعم ، أخرج ابن حبّان (1) فی خلق الخلیفة من طریق إسماعیل بن محمد الکذّاب الوضّاع مرفوعاً عن جبرئیل أنّه قال : أبو بکر لفی السماء أشهر منه فی الأرض ، فإنّ الملائکة لتسمّیه حلیم قریش. انتهی. وقد أسلفناه فی الجزء الخامس (ص 344) وبینّا هناک بأنه کذب موضوع.

ولو کان الخلیفة حلیم قریش أو کان یرث النبیّ الأعظم شیئاً فی خلقه العظیم ؛ لما توفّیت بضعته الطاهرة سلام الله علیها وهی واجدة علیة من جرّاء ما تلقّت منه من 1.

ص: 303


1- کتاب المجروحین : 1 / 131.

غلظةٍ وعنف فی کشفِ بیتها الذی تمنّی ترکه عند وفاتهِ ولم یکن یأمر بقتال من فیه (1) ، الی هناتٍ وهنات.

أخرج البخاری فی باب فرض الخمس (2) (5 / 5) ، عن عائشة : أنّ فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سألت أبا بکر الصدّیق رضی الله عنه بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یقسم لها میراثها ، ما ترک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ممّا أفاء الله علیه ، فقال لها أبو بکر : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : لا نُورَث ، ما ترکنا صدقة. فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فهجرت أبا بکر ، فلم تزل مهاجرتهُ حتی توفّیت.

وأخرج فی الغزوات باب غزوة خیبر (3) (6 / 196) ، عن عائشة قالت : إنّ فاطمة ... إلی أن قالت : فأبی أبو بکر أن یدفع إلی فاطمة منها شیئاً ، فوجدت فاطمة علی أبی بکر فی ذلک ، فهجرته فلم تکلّمه حتی توفّیت ، وعاشت بعد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ستّة أشهر ، فلمّا توفّیت دفنها زوجها علیّ لیلاً ، ولم یؤذِن بها أبا بکر ، وصلّی علیها.

ویوجد الحدیث (4) فی صحیح مسلم (2 / 72) ، مسند أحمد (1 / 6 ، 9) ، تاریخ الطبری (3 / 202) ، مشکل الآثار للطحاوی (1 / 48) ، سنن البیهقی (6 / 300 ، 301) ، کفایة الطالب (ص 226) ، تاریخ ابن کثیر (5 / 285). وقال فی (6 / 333) : لم تزل فاطمة تبغضه مدّة حیاتها ، وذکره بلفظ الصحیحین الدیاربکری فی تاریخ الخمیس (2 / 193).

ولأیّ الأُمورِ تُدفنُ لیلاً

بَضعةُ المصطفی ویُعفی ثراها.

ص: 304


1- راجع صفحة : 77 و 174. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 3 / 1126 ح 2926.
3- صحیح البخاری : 4 / 1549 ح 3998.
4- صحیح مسلم : 4 / 29 ح 52 ، مسند أحمد : 1 / 13 ح 26 ، وص 18 ح 56 ، تاریخ الأمم والملوک : 3 / 208 حوادث سنة 11 ه ، کفایة الطالب : ص 370 ، البدایة والنهایة : 5 / 306 حوادث سنة 11 ه و 6 / 366 حوادث سنة 11 ه.

بلغت من موجدتها أنّها أوصت بأن تُدفَن لیلاً ، وأن لا یدخل علیها أحد ، ولا یصلّی علیها أبو بکر ، فدفنت لیلاً ولم یشعر بها أبو بکر ، وصلّی علیها علیّ وهو الذی غسّلها مع أسماء بنت عمیس (1).

وقال الواقدی کما فی السیرة الحلبیّة (2) (3 / 390) : ثبت عندنا أنّ علیّا - کرّم الله وجهه دفنها لیلاً وصلّی علیها ومعه العبّاس والفضل ، ولم یُعلموا بها أحداً.

وقال ابن حجر فی الإصابة (4 / 379) ، والزرقانی فی شرح المواهب (3 / 207) : روی الواقدی من طریق الشعبی قال : صلّی أبو بکر علی فاطمة. وهذا فیه ضعف وانقطاع ، وقد روی بعض المتروکین عن مالک عن جعفر بن محمد عن أبیه نحوه ووهّاه الدارقطنی وابن عدی (3) ، وقد روی البخاری عن عائشة : أنّها لمّا توفّیت دفنها زوجها علیّ لیلاً ، ولم یؤذن بها أبا بکر ، وصلّی علیها.

قال الأمینی : حدیث مالک عن جعفر بن محمد أسلفناه فی الجزء الخامس صحیفة (350) ولفظه : توفّیت فاطمة لیلاً ، فجاء أبو بکر وعمر وجماعة کثیرة ، فقال أبو بکر لعلیّ : تقدّم فصلِّ. قال : لا والله لا تقدّمت وأنت خلیفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فتقدّم أبو بکر فصلّی أربعاً. وقد بیّنا هنالک أنّه من موضوعات عبد الله بن محمد القدامی المصّیصی کما عدّه الذهبی فی المیزان (4) (2 / 7) من مصائبه. 4.

ص: 305


1- طبقات ابن سعد : 8 / 29 - 30 ، رسائل الجاحظ : ص 300 [ ص 467 الرسائل السیاسیة ] ، حلیة الأولیاء : 2 / 43 ، مستدرک الحاکم : 3 / 163 [ 3 / 178 - 179 ح 4764 و 4769 ] ، طرح التثریب : 1 / 150 ، أُسد الغابة : 5 / 254 [ 7 / 226 رقم 7175 ] ، الاستیعاب : 2 / 751 [ القسم الرابع / 1897 - 1898 رقم 4057 ] ، مقتل الخوارزمی : 1 / 83 ، إرشاد الساری للقسطلانی : 6 / 362 [ 8 / 279 ] ، الإصابة : 4 / 378 ، 380 [ رقم 830 ] ، تاریخ الخمیس : 1 / 313 [ 1 / 277 - 278 ]. (المؤلف)
2- السیرة الحلبیّة : 3 / 361.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 258 رقم 1092.
4- میزان الاعتدال : 2 / 488 رقم 4544.

ومن جرّاء تلک الموجدة منعت عن أن تدخلها یوم ذاک عائشة کریمة أبی بکر فضلاً عن أبیها ، فجاءت تدخل فمنعتها أسماء فقالت : لا تدخلی. فشکت إلی أبی بکر وقالت : هذه الخثعمیّة تحول بیننا وبین بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فوقف أبو بکر علی الباب وقال : یا أسماء ما حملک علی أن منعت أزواج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یدخلن علی بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد صنعتِ لها هودج العروس؟ قالت : هی أمرتنی أن لا یدخل علیها أحد ، وأمرتنی أن أصنع لها ذلک.

راجع (1) : الاستیعاب (2 / 772) ، ذخائر العقبی (ص 53) ، أُسد الغابة (5 / 524) ، تاریخ الخمیس (1 / 313) ، کنز العمّال (7 / 114) ، شرح صحیح مسلم للسنوسی (6 / 281) ، شرح الآبی لمسلم (6 / 282) ، أعلام النساء (3 / 1221)

اعتذار الخلیفة إلی الصدّیقة :

هذه المذکورات کلّها وبعض سواها تکذّب ما اختلقته رماة القول علی عواهنه من روایة الشعبی أنّه قال : جاء أبو بکر إلی فاطمة وقد اشتدّ مرضها فاستأذن علیها فقال لها علیّ : هذا أبو بکر علی الباب یستأذن فإن شئت أن تأذنی له؟ قالت : أوَذاک أحبّ إلیک؟ قال : نعم. فدخل فاعتذر إلیها وکلّمها فرضیت عنه.

وعن الأوزاعی قال : بلغنی أنّ فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غضبت علی أبی بکر فخرج أبو بکر حتی قال علی بابها فی یوم حارّ ، ثمّ قال : لا أبرح مکانی حتی ترضی عنّی بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فدخل علیها علیّ فأقسم علیها لترضی ، فرضیت (2).ف)

ص: 306


1- الاستیعاب : القسم الرابع / 1897 - 1898 رقم 4057 ، أُسد الغابة : 7 / 226 رقم 7175 ، تاریخ الخمیس : 1 / 277 ، کنز العمّال : 13 / 686 ح 37756 ، أعلام النساء : 4 / 131.
2- الریاض النضرة : 2 / 120 [ 1 / 152 ] ، تاریخ ابن کثیر : 5 / 289 [ 5 / 310 حوادث سنة 11 ه ]. (المؤلف)

ما قیمة هذه الروایة تجاه تلکم الصحاح؟ ولا یوجد لها أثر فی أیّ أصل من أصول الحدیث ومسانید الحفّاظ ، وقد بلغت إلی الأوزاعی المتوفّی (157) وأرسل بها الشعبی المتوفّی (104 ، 107 ، 109 ، 110) ولا یعرف من بلّغها ، ومن أتی بها ، ومن أوحاها إلی الرجلین.

نعم ؛ تساعد نصوص الصحاح ما أتی به ابن قتیبة والجاحظ ؛ قال الأوّل : إنّ عمر قال لأبی بکر : انطلق بنا إلی فاطمة ، فإنّا قد أغضبناها ، فانطلقا جمیعاً فاستأذنا علی فاطمة فلم تأذن لهما فأتیا علیّا فکلّماه ، فأدخلهما علیها ، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلی الحائط ، فسلّما علیها ، فلم تردّ علیهما السلام ، فتکلّم أبو بکر فقال : یا حبیبة رسول الله والله إنّ قرابة رسول الله أحبّ إلیّ من قرابتی ، وإنّکِ لأحبّ إلیّ من عائشة ابنتی ، ولوددت یوم مات أبوکِ أنّی متّ ولا أبقی بعده ، أفتُرانی أعرفکِ وأعرف فضلکِ وشرفکِ وامنعکِ حقّکِ ومیراثکِ من رسول الله؟ إلاّ أنّی سمعت أباک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : لا نُورَث ، ما ترکنا فهو صدقة. فقالت : «أرأیتکما إن حدّثتکما حدیثاً عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تعرفانه وتفعلان به؟» فقالا : نعم : فقالت : «نشدتکما الله ألم تسمعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : رضا فاطمة من رضای ، وسخط فاطمة من سخطی ، فمن أحبّ فاطمة ابنتی فقد أحبّنی ، ومن أرضی فاطمة فقد أرضانی ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطنی؟» قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قالت : «فإنّی أُشهدُ الله وملائکته أنّکما أسخطتمانی وما أرضیتمانی ، ولئن لقیت النبیّ لأشکونّکما إلیه». فقال أبو بکر : أنا عائذ بالله تعالی من سخطه وسخطک یا فاطمة. ثمّ انتحب أبو بکر یبکی حتی کادت نفسه أن تزهق ، وهی تقول : «والله لأدعونّ علیک فی کلّ صلاة أُصلّیها» ، ثمّ خرج باکیاً فاجتمع الناس إلیه ، فقال لهم : یبیت کلّ رجل [ منکم ] (1) معانقاً حلیلته مسروراً بأهله وترکتمونی وما أنا ر.

ص: 307


1- ما بین المعقوفین أثبتاه من المصدر.

فیه ، لا حاجة لی فی بیعتکم ، أقیلونی بیعتی (1).

وقال الجاحظ فی رسائله (2) (ص 300): وقد زعم أناس أنّ الدلیل علی صدق خبرهما - یعنی أبا بکر وعمر - فی منع المیراث وبراءة ساحتهما ترک أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم النکیر علیهما .. قد یقال لهم : لئن کان ترک النکیر دلیلاً علی صدقهما ، إنّ ترک النکیر علی المتظلّمین والمحتجّین علیهما والمطالبین لهما دلیل علی صدق دعواهم ، أو استحسان مقالتهم ، ولا سیّما وقد طالت المناجاة وکثرت المراجعة والملاحاة ، وظهرت الشکیّة ، واشتدّت الموجدة ، وقد بلغ ذلک من فاطمة أنّها أوصت أن لا یصلّی علیها أبو بکر. ولقد کانت قالت له حین أتته مطالبة بحقّها ومحتجّة لرهطها : «من یرثک یا أبا بکر إذا متّ؟» قال : أهلی وولدی. قالت : «فما بالنا لا نرث النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم؟» (3) فلمّا منعها میراثها ، وبخسها حقّها واعتلّ علیها ، وجلح أمرها ، وعاینت التهضّم ، وأیست فی التورّع ، ووجدت نشوة الضعف وقلّة الناصر ، قالت : «والله لأدعونّ الله علیک». قال : والله لأدعونّ الله لک. قالت : «والله لا کلّمتک أبداً» قال : والله لا أهجرکِ أبداً. فإن یکن ترک النکیر علی أبی بکر دلیلاً علی صواب منعها ، فإنّ فی ترک النکیر علی فاطمة دلیلاً علی صواب طلبها؟ وأدنی ما کان یجب علیهم فی ذلک تعریفها ما جهلت ، وتذکیرها ما نسیت ، وصرفها عن الخطأ ، ورفع قدرها عن البذاء ، وأن تقول هجراً ، وتجوّر عادلاً ، أو تقطع واصلاً ، فإذا لم تجدهم أنکروا علی الخصمین جمیعاً فقد تکافأت الأُمور واستوت الأسباب ، والرجوع إلی أصل حکم الله فی المواریث أولی بنا وبکم ، وأوجب علینا وعلیکم.

فإن قالوا : کیف تظنّ به ظلمها والتعدّی علیها ، وکلّما ازدادت علیه غلظة ازداد ف)

ص: 308


1- الإمامة والسیاسة : 1 / 14 [ 1 / 20 ] ، أعلام النساء : 3 / 214 [ 4 / 123 - 124 ].(المؤلف)
2- رسائل الجاحظ [ ص 467 / الرسائل السیاسیة ].
3- هذا الحدیث أخرجه أحمد فی المسند : 1 / 10 [ 1 / 19 ح 61 ] ، والبلاذری فی فتوح البلدان : ص 38 [ ص 44 ] ، وابن کثیر فی تاریخه : 5 / 289 [ 5 / 309 حوادث سنة 11 ه ]. (المؤلف)

لها لیناً ورقّةً؟ حیث تقول له : «والله لا أکلّمک أبداً» فیقول : والله لا أهجرکِ أبداً. ثمّ تقول : «والله لأدعونّ الله علیک». فیقول : والله لأدعُوَنّ الله لکِ. ثمّ یتحمّل منها هذا الکلام الغلیظ والقول الشدید فی دار الخلافة وبحضرة قریش والصحابة مع حاجة الخلافة إلی البهاء والتنزیه وما یجب لها من الرفعة والهیبة ، ثمّ لم یمنعه ذلک عن أن قال معتذراً متقرّباً کلام المعظّم لحقّها ، المکبّر لمقامها ، الصائن لوجهها ، المتحنّن علیها : ما أحد أعزّ علیّ منک فقراً ، ولا أحبّ إلیّ منکِ غنی ، ولکن سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : إنّا معاشر الأنبیاء لا نُورَث ما ترکناه فهو صدقة.

قیل لهم : لیس ذلک بدلیل علی البراءة من الظلم والسلامة من الجور ، وقد یبلغ من مکر الظالم ودهاء الماکر إذا کان أرباً وللخصومة معتاداً أن یظهر کلام المظلوم ، وذلّة المنتصف ، وحدب الوامق ، ومقت المحقّ. وکیف جعلتم ترک النکیر حجّة قاطعة ودلالةً واضحة؟ وقد زعمتم أنّ عمر قال علی منبره : متعتان کانتا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : متعة النساء ومتعة الحجّ ، أنا أنهی عنهما وأُعاقب علیهما (1) ، فما وجدتم أحداً أنکر قوله ، ولا استشنع مخرج نهیه ، ولا خطّأه فی معناه ، ولا تعجّب منه ولا استفهمه.

وکیف تقضون بترک النکیر؟ وقد شهد عمر یوم السقیفة وبعد ذلک أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : «الأئمّة من قریش» (2) ثمّ قال فی شکایته : لو کان سالم حیّا ما تخالجنی فیه الشکّ (3) ، حین أظهر الشکّ فی استحقاق کلّ واحد من الستّة الذین ف)

ص: 309


1- راجع الجزء السادس من کتابنا هذا : ص 211. (المؤلف)
2- أخرجه غیر واحد من الحفّاظ وصحّحه ابن حزم فی الفصل : 4 / 89 فقال : هذه روایة جاءت مجیء التواتر ، ورواها أنس بن مالک وعبد الله بن عمر ومعاویة ، وروی جابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وعبادة بن الصامت معناها ، ومما یدلّ علی صحة ذلک إذعان الأنصار له یوم السقیفة. (المؤلف)
3- أخرجه ابن سعد [ فی الطبقات الکبری : 3 / 343 ] ، والباقلاّنی [ فی التمهید : ص 204 ] ، وأبو عمر [ فی الاستیعاب : القسم الثانی / 568 رقم 881 ] ، والحافظ العراقی [ فی طرح التثریب : 1 / 49 ] کما مرّ : ص 144. (المؤلف)

جعلهم شوری وسالم عبد لامرأة من الأنصار وهی أعتقته وحازت میراثه ، ثمّ لم ینکر ذلک من قوله منکر ، ولا قابل إنسان بیّن قوله ولا تعجّب منه ، وإنّما یکون ترک النکیر علی من لا رغبة ولا رهبة عنده دلیلاً علی صدق قوله وصواب عمله ، فأمّا ترک النکیر علی من یملک الضعة والرفعة والأمر والنهی والقتل والاستحیاء والحبس والإطلاق فلیس بحجّة تشفی ولا دلالة تضیء. انتهت کلمة الجاحظ.

نظرة فی کلمة قارصة :

لا یسعنا أن نفوه فی الدفاع عن الخلیفة بما قال ابن کثیر فی تاریخه (1) (5 / 249) من أنّ فاطمة حصل لها - وهی امرأة من البشر لیست بواجبة العصمة - عتب وتغضّب ، ولم تکلّم الصدّیق حتی ماتت. وقال فی (ص 289) : وهی امرأة من بنات آدم تأسف کما یأسفون ، ولیست بواجبة العصمة ، مع وجود نصّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومخالفة أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه.

أنّی لنا السرف والمجازفة فی القول بمثل هذا تجاه آیة التطهیر فی کتاب الله العزیز النازلة فیها وفی أبیها وبعلها وبنیها؟

أنّی لنا بذلک وبین یدینا هتاف النبیّ الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم : «فاطمة بضعة منّی فمن أغضبها أغضبنی».

وفی لفظة : «فاطمة بضعة منّی یؤذینی ما آذاها ، ویغضبنی ما أغضبها».

وفی لفظة : «فاطمة بضعة منّی یقبضنی ما یقبضها ، ویبسطنی ما یبسطها».

وفی لفظة : «فاطمة بضعة منّی یؤذینی ما آذاها ، وینصبنی ما أنصبها» فی تاج العروس (2) : أی یتعبنی ما أتعبها. 5.

ص: 310


1- البدایة والنهایة : 5 / 270 ، 310 حوادث سنة 11 ه.
2- تاج العروس : 1 / 485.

وفی لفظة : «فاطمة بضعة منّی یریبنی ما رابها ، ویؤذینی ما آذاها».

وفی لفظة : «فاطمة بضعة منّی یسعفنی ما یسعفها» ، فی تاج العروس (1) : أی ینالنی ما ینالها ، ویلمّ بی ما یلمّ بها.

وفی لفظة : «فاطمة شجنة منّی یبسطنی ما یبسطها ، ویقبضنی ما یقبضها».

وفی لفظة : «فاطمة مضغة منّی فمن آذاها فقد آذانی».

وفی لفظة : «فاطمة مضغة منّی یقبضنی ما قبضها ، ویبسطنی ما بسطها».

وفی لفظة : «فاطمة مضغة منّی یسرّنی ما یسرّها».

أخرجها علی اختلاف ألفاظها أئمّة الصحاح الستّة ، وعدّة أخری من رجال الحدیث فی السنن والمسانید والمعاجم ، وإلیک جملة ممّن رواها :

1 - ابن أبی ملیکة : المتوفّی (117) ، کما فی روایة البخاری ومسلم وابن ماجة وأبی داود وأحمد والحاکم (2).

2 - عمرو بن دینار المکی : المتوفّی (125 ، 126) کما فی صحیحی البخاری ومسلم (3).

3 - اللیث بن سعد المصری : المتوفّی (175) ، کما فی إسناد ابن ماجة وابن داود وأحمد (4). 47

ص: 311


1- تاج العروس : 6 / 139.
2- صحیح البخاری : 3 / 1374 ح 3556 ، صحیح مسلم : 5 / 53 - 54 ح 93 ، 94 کتاب فضائل الصحابة ، سنن ابن ماجة : 1 / 643 - 644 ح 1998 ، سنن أبی داود : 2 / 226 ح 2071. ، مسند أحمد : 5 / 430 ح 18447 ، مستدرک الحاکم : 3 / 173 ح 4751.
3- صحیح البخاری : 3 / 1374 ح 3556 ، صحیح مسلم : 5 / 54 ح 94 کتاب فضائل الصحابة.
4- سنن ابن ماجة : 1 / 643 ح 1998 ، سنن أبی داود : 2 / 226 ح 2071 ، مسند أحمد : 5 / 430 ح 18447

4 - أبو محمد بن عیینة الکوفی : المتوفّی (198) ، کما فی الصحیحین (1).

5 - أبو النضر هاشم البغدادی : المتوفّی (205 ، 207) وأبی کما فی مسند أحمد (2).

6 - أحمد بن یونس الیربوعی : المتوفّی (227) ، کما فی صحیح مسلم وسنن أبی داود (3).

7 - الحافظ أبو الولید الطیالسی : المتوفّی (227) ، کما فی صحیح البخاری (4).

8 - أبو المعمر الهذلی : المتوفّی (236) کما فی صحیح مسلم (5).

9 - قتیبة بن سعید الثقفی : المتوفّی (240) ، روی عنه مسلم وأبو داود (6).

10 - عیسی بن حمّاد المصری : المتوفّی (248 ، 249) ، روی عنه ابن ماجة (7)

11 - إمام الحنابلة أحمد : المتوفّی (241) فی مسنده (8) (4 / 323 ، 328).

12 - الحافظ البخاری أبو عبد الله : المتوفّی (256) ، فی صحیحه فی المناقب (9) (5 / 274).

13 - الحافظ مسلم القشیری : المتوفّی (261) ، فی صحیحه فی الفضائل (10) (2 / 261). ة.

ص: 312


1- صحیح مسلم : 5 / 54 ح 94 کتاب فضائل الصحابة ، صحیح البخاری : 3 / 1374 ح 3556.
2- مسند أحمد : 5 / 430 ح 18447.
3- صحیح مسلم : 5 / 53 ح 93 کتاب فضائل الصحابة ، وسنن أبی داود : 2 / 226 ح 2071.
4- صحیح البخاری : 3 / 1374 ح 3556.
5- صحیح مسلم : 5 / 54 ح 94 کتاب فضائل الصحابة.
6- صحیح مسلم : 5 / 53 ح 93 کتاب فضائل الصحابة ، سنن أبی داود : 2 / 226 ح 2071.
7- سنن ابن ماجة : 1 / 643 ح 1998.
8- مسند أحمد : 5 / 423 ح 18428 ، وص 430 ح 18447.
9- صحیح البخاری : 3 / 1374 ح 3556.
10- صحیح مسلم : 5 / 53 ح 93 ، 94 کتاب فضائل الصحابة.

14 - الحافظ أبو عبد الله بن ماجة : المتوفّی (272) ، فی سننه (1) (1 / 216).

15 - الحافظ أبو داود السجستانی : المتوفّی (275) ، فی سننه (2) (1 / 324).

16 - الحافظ أبو عیسی الترمذی : المتوفّی (275) ، فی جامعه (3) (2 / 319).

17 - الحکیم أبو عبد الله الترمذی ، المحدّث : المتوفّی (285) ، فی نوادر الأصول (4) (308).

18 - الحافظ أبو عبد الرحمن النسائی : المتوفّی (303) ، فی خصائصه (5) (ص 35).

19 - أبو الفرج الأصبهانی : المتوفّی (356) ، فی الأغانی (6) (8 / 156).

20 - الحاکم أبو عبد الله النیسابوری : المتوفّی (405) ، فی المستدرک (7) (3 / 154 ، 158 ، 159).

21 - الحافظ أبو نعیم الأصبهانی : المتوفّی (430) ، فی حلیة الأولیاء (2 / 40)

22 - الحافظ أبو بکر البیهقی : المتوفّی (458) ، فی السنن الکبری (7 / 307)

23 - أبو زکریّا الخطیب التبریزی : المتوفّی (502) ، فی مشکاة المصابیح (8) (ص 560). 9.

ص: 313


1- سنن ابن ماجة : 1 / 643 ح 1998.
2- سنن أبی داود : 2 / 226 ح 2071.
3- سنن الترمذی : 5 / 655 ح 3867 و 656 ح 3869.
4- نوادر الأصول : 2 / 187 الأصل 241.
5- السنن الکبری : 5 / 147 ح 8518 - 8522 کتاب الخصائص.
6- الأغانی : 9 / 301.
7- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 168 ح 4734 ، ص 172 ح 4747 ، ص 173 ح 4749 - 1751.
8- مشکاة المصابیح : 3 / 369 ح 6139.

24 - الحافظ أبو القاسم البغوی : المتوفّی (510 ، 516) ، فی مصابیح السنّة (1) (2 / 278).

25 - القاضی أبو الفضل عیاض : المتوفّی (544) ، فی الشفا (2) (2 / 19).

26 - أخطب الخطباء الخوارزمی : المتوفّی (568) ، فی مقتله (1 / 53).

27 - الحافظ أبو القاسم ابن عساکر : المتوفّی (57) ، فی تاریخه (3) (1 / 298)

28 - أبو القاسم السهیلی : المتوفّی (581) ، فی الروض الأُنف (4) (2 / 196)

وقال : إنّ أبا لبابة رفاعة بن عبد المنذر ربط نفسه فی توبته ، وإنّ فاطمة أرادت حلّه حین نزلت توبته فقال : قد أقسمت ألا یحلّنی إلاّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّ فاطمة مضغة منّی».

فصلّی الله علیه وعلی فاطمة ، فهذا حدیث یدلّ علی أنّ من سبّها فقد کفر ، ومن صلّی علیها فقد صلّی علی أبیها صلی الله علیه وآله وسلم.

29 - ابن أبی الحدید المعتزلی : المتوفّی (586) ، فی شرح النهج (5) (2 / 458)

30 - أبو الفرج بن الجوزی المتوفّی (597) ، فی صفة الصفوة (6) (2 / 5).

31 - الحافظ أبو الحسن بن الأثیر الجزری : المتوفّی (630) ، فی أُسد الغابة (7) (5 / 521).

32 - أبو سالم بن طلحة الشافعی : المتوفّی (652) ، فی مطالب السؤول (ص 6 - 7). 5.

ص: 314


1- مصابیح السنّة : 4 / 185 ح 4799.
2- الشفا بتعریف حقوق المصطفی : 2 / 60 ، 560 ، 652.
3- تاریخ مدینة دمشق : 1 / 156 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 2 / 269.
4- الروض الأنف : 2 / 430.
5- شرح نهج البلاغة : 9 / 193 خطبة 156.
6- صفة الصفوة : 2 / 13 رقم 7175.
7- اسد الغابة : 7 / 222 رقم 7175.

33 - سبط ابن الجوزی الحنفی : المتوفّی (654) ، فی التذکرة (1) (ص 175).

34 - الحافظ الکنجی الشافعی : المتوفّی (658) ، فی الکفایة (2) (ص 220).

35 - الحافظ محبّ الدین الطبری : المتوفّی (694) ، فی ذخائر العقبی (ص 37)

36 - الحافظ أبی محمد الأزدی الأندلسی : المتوفّی (699) ، فی شرح مختصر صحیح البخاری (3 / 91).

37 - الحافظ الذهبی الشافعی : المتوفّی (747) ، فی تلخیص المستدرک (3).

38 - القاضی الإیجی: المتوفّی (756) ،فی المواقف کما فی شرحه (4)(3 / 268).

39 - جمال الدین محمد الزرندی الحنفی : المتوفّی فی (بضع و 750) ، فی درر السمطین (5).

40 - أبو السعادات الیافعی : المتوفّی (768) ، فی مرآة الجنان (1 / 61).

41 - الحافظ زین الدین العراقی : المتوفّی (806) ، فی طرح التثریب (1 / 150).

42 - الحافظ نور الدین الهیثمی : المتوفّی (807) ، فی مجمع الزوائد (9 / 203)

43 - الحافظ ابن حجر العسقلانی : المتوفّی (852) ، فی تهذیب التهذیب (6) (12 / 441).

44 - الحافظ جلال الدین السیوطی : المتوفّی (911) ، فی الجامع الصغیر والکبیر (7). 5.

ص: 315


1- تذکرة الخواص : ص 310.
2- کفایة الطالب : ص 365.
3- تلخیص المستدرک : 3 / 172 ح 4747.
4- المواقف : ص 402 وشرح المواقف للجرجانی : 8 / 355.
5- نظم درر السمطین : ص 176.
6- تهذیب التهذیب : 12 / 469.
7- جامع الأحادیث : 5 / 258 ح 14724 و 14725.

45 - الحافظ أبو العبّاس القسطلانی : المتوفّی (923) ، فی المواهب اللدنیّة (1) (1 / 257).

46 - القاضی الدیار بکری المالکی : المتوفّی (966 ، 982) ، فی الخمیس (2) (1 / 464).

47 - ابن حجر الهیتمی : المتوفّی (974) ، فی الصواعق (3) (ص 112 ، 114)

48 - صفیّ الدین الخزرجی : المتوفّی (000) ، فی الخلاصة (4) (ص 435).

49 - زین الدین المناوی : المتوفّی (1031 ، 1035) ، فی کنوز الدقائق (5) (ص 96).

وقال فی شرح الجامع الصغیر (4 / 421) : استدلّ به السهیلی علی أنّ من سبّها کفر ، لأنّه یغضبه ، وأنّها أفضل من الشیخین ، قال الشریف السمهودی : ومعلوم أنّ أولادها بضعة منها فیکونون بواسطتها بضعة منه ، ومن ثمّ لمّا رأت أمّ الفضل فی النوم أنّ بضعة منه وضعت فی حجرها أوّلها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأن تلد فاطمة غلاماً فیوضع فی حجرها ، فولدت الحسن فوضع فی حجرها ، فکلّ من یشاهد الآن من ذرّیتها بضعة من تلک البضعة ، وإن تعدّدت الوسائط ، ومن تأمّل ذلک انبعث من قلبه داعی الإجلال لهم وتجنّب بغضهم علی أیّ حال کانوا علیه.

قال ابن حجر : وفیه تحریم أذی من یتأذّی المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم بتأذّیه ، فکلّ من وقع منه فی حقّ فاطمة شیء فتأذّت به ، فالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یتأذّی به بشهادة هذا الخبر ، 4.

ص: 316


1- المواهب اللدنیّة : 2 / 65.
2- تاریخ الخمیس : 1 / 412.
3- الصواعق المحرقة : ص 188 ، 190.
4- خلاصة الخزرجی : 3 / 389 رقم 122.
5- کنوز الدقائق : 2 / 24.

ولا شیء أعظم من إدخال الأذی علیها من قِبَل ولدها ، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطی ذلک بالعقوبة فی الدنیا ، ولعذاب الآخرة أشدّ.

50 - الشیخ أحمد المغربی المالکی : المتوفّی (1041) فی فتح المتعال (1) (ص 385). قال فی قصیدة کبیرة یمدح بها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :

فما کسبطَی رسولِ اللهِ من أحدٍ

ولا یضاهیهما فی الفخرِ مفتخرُ

وهل کفاطمةَ الزهراءِ أُمِّهما

بنتِ النبیِّ المصطفی بشرُ

فإنّها بَضعةٌ منه وما أحدٌ

کبَضعةِ المصطفی إن حُقّقَ النظرُ

51 - الشیخ أحمد با کثیر المکی الشافعی : المتوفّی (1047) فی وسیلة المآل (2).

52 - أبو عبد الله الزرقانی المالکی : المتوفّی (1122) فی شرح المواهب (3 / 205) فقال : استدلّ به السهیلی علی أنّ من سبّها کفر ، وتوجیهه أنّها تغضب ممّن سبّها وقد سوّی بین غضبها وغضبه ومن أغضبه کفر.

53 - الزبیدی الحنفی : المتوفّی (1205) ، فی تاج العروس (5 / 227 و 6 / 139).

54 - القندوزیّ الحنفی : المتوفی (1293) ، فی ینابیع المودّة (3) (ص 171).

55 - الحمزاوی المالکی : المتوفّی (1303) ، فی النور الساری هامش البخاری (5 / 274).

56 - الشیخ مصطفی الدمشقی (4) فی مرقاة الوصول (ص 109).

57 - السیّد حمید الدین الآلوسی : المتوفّی (1324) ، فی نثر اللآلئ (ص 181) .

ص: 317


1- فتح المتعال : ص 383.
2- وسیلة المال : ص 85.
3- ینابیع المودّة : 1 / 169 باب 55.
4- هو الشیخ مصطفی بن إسماعیل الإمام ، توفّی بعد 1294 ه.

58 - السیّد محمود القراغولی البغدادی الحنفی ، فی جوهرة الکلام (ص 105).

59 - عمر رضا کحالة ، فی أعلام النساء (1) (3 / 1216).

ثمّ أنّی لنا القول بمقال ابن کثیر وملء الأسماع قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «فاطمة قلبی وروحی التی بین جنبیّ فمن آذاها فقد آذانی» (2). وقوله : «إنّ الله یغضب لغضب فاطمة ویرضی لرضاها». أو : «إنّ الله یغضب لغضبک ویرضی لرضاک» قاله لفاطمة؟

راجع (3) : معجم الطبرانی ، مستدرک الحاکم (3 / 154) وصحّحه ، مسند ابن النجّار ، مقتل الخوارزمی (1 / 52) ، تذکرة السبط (ص 175) ، کفایة الطالب للکنجی (ص 219) ، ذخائر العقبی للمحبّ الطبری (ص 39) ، میزان الاعتدال (2 / 72) ، مجمع الزوائد (9 / 203) ، تهذیب التهذیب (12 / 443) ، کنز العمّال (7 / 111) ، أخبار الدول هامش الکامل (1 / 185) ، کنوز الدقائق للمناوی (ص 30) ، شرح المواهب للزرقانی (3 / 205) ، الإسعاف (ص 171) ، ینابیع المودّة (ص 173 ، 174) ، الشرف المؤبّد (ص 59).

هذه مطلقات تشمل جمیع موجبات الرضا والغضب من الصدّیقة - سلام الله علیها - حتی المباحات شأن أبیها الأقدس کما فهمه القسطلانی والحمزاوی فی شرح البخاری ، وذلک یکشف عن أنّها - صلوات الله علیها - لا ترضی إلاّ لما فیه مرضاة 5.

ص: 318


1- أعلام النساء : 4 / 112.
2- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا : ص 20. (المؤلف)
3- المعجم الکبیر : 1 / 108 ح 182 ، المستدرک علی الصحیحین 3 / 167 ح 4730 ، ذیل تاریخ بغداد : 17 / 203 رقم 427 ، تذکرة الخواص : ص 310 ، کفایة الطالب : ص 364 ، میزان الاعتدال : 1 / 535 رقم 2002 ، تهذیب التهذیب : 12 / 469 ، کنز العمّال : 13 / 674 ح 37725 ، أخبار الدول : 1 / 257 ، کنوز الدقائق : 1 / 57 ، ینابیع المودّة : 1 / 169 باب 55 ، الشرف المؤبّد : ص 125.

المولی سبحانه ، ولا تغضب إلاّ علی ما یغضبه ، حتی إنّها لو رضیت أو غضبت علی أمر مباح فإنّ هناک جهة شرعیّة تدخله فی الراجحات ، أو یجعله من المکروهات ، فلن تجد منها فی أیّ من الرضا والغضب وجهة نفسیّة أو صیغة شهویّة ، وذلک معنی العصمة التی نفاها المتحذلق - ابن کثیر - بعد أن تصامم أو تعامی عن دلالة آیة التطهیر النازلة فیها وفی أبیها وبعلها وبنیها : (إِنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) (1) 3.

ص: 319


1- الأحزاب : 33.

بِسمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحیم

أحادیث الغلوّ أو قصص الخرافة

اشارة

هذه أبحاث مجملة تمثّل لنا نفسیّات الخلیفة ، وملکاته الفاضلة ، نقتصر بها فی هذه العجالة وإن لم تزحفنا (1) ولم یتأتّ بها القصوی ، غیر أنّ فیها بلغة فی إیقاف الباحث علی حدّ الخلیفة ، ومقیاساً یُعرف به القالی له من الغالی فیه ، والمقتصد فیه من القاسط علیه ، ویمتاز به سرف القول فی امتداحه عن جزاف الامتداح علیه ، فیهمُّنا عندئذ ذکر نزرٍ یسیر ممّا سرده القوم من فضائله التی فیها من الغلوّ الفاحش ما لا یخفی علی أیّ أحد ، ثمّ نشفعه بما جاء فی غیره حتی یُعرف أهل الغلوّ فی الفضائل.

- 1 -

الشمس علی العجلة

ذکر الشیخ إبراهیم العبیدی المالکی فی کتابه عمدة التحقیق فی بشائر آل الصدّیق (2) نقلاً عن کتاب العقائق ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 184) نقلاً عن عیون المجالس ، قالوا :

روی أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال یوماً لعائشة : إنّ الله تعالی لمّا خلق الشمس خلقها من لؤلؤة بیضاء بقدر الدنیا مائة وأربعین مرّة وجعلها علی عجلة ، وخلق ف)

ص: 320


1- کذا.
2- ص 184 [ ص 309 ] هامش روض الریاحین للیافعی المطبوع بمصر سنة : 1315. (المؤلف)

للعجلة ثمانمائة (1) وستّین عروة ، وجعل فی کلّ عروة سلسلة من الیاقوت الأحمر ، وأمر ستّین ألفاً من الملائکة المقرّبین أن یجرّوها بتلک السلاسل مع قوّتهم التی اختصّهم الله بها ، والشمس مثل الفلک علی تلک العجلة وهی تدور فی القبّة الخضراء ، وتجلو جمالها علی أهل الغبراء ، وفی کلّ یوم تقف علی خطّ الاستواء فوق الکعبة لأنّها مرکز الأرض وتقول : یا ملائکة ربّی إنّی لأستحی من الله عزّ وجلّ إذا وصلت إلی محاذاة الکعبة التی هی قبلة المؤمنین أن أجوز علیها ، والملائکة تجرّ الشمس لتعبر علی الکعبة بکلّ قوّتها فلا تقبل منهم وتعجز الملائکة عنها ، فالله تعالی یوحی إلی الملائکة وحی إلهام فینادون : أیّتها الشمس بحرمة الرجل الذی اسمه منقوش علی وجهک المنیر إلاّ رجعت إلی ما کنت فیه من السیر ، فإذا سمعت ذلک تحرّکت بقدرة المالک.

فقالت عائشة : یا رسول الله من هو الرجل الذی اسمه منقوش علیها؟ قدیم أنّه یخلق الهواء ، ویخلق علی الهواء هذه السماء ، ویخلق بحراً من الماء ، ویخلق علیه عجلة کما یشاء ، ویجعل العجلة مرکباً للشمس المشرقة علی الدنیا ، وأنّ الشمس تتمرّد علی الملائکة إذا وصلت إلی الاستواء ، وأنّ الله تعالی قدّر أن یخلق فی آخر الزمان نبیّا مفضّلاً علی الأنبیاء وهو بعلک یا عائشة علی رغم الأعداء ، ونقش علی وجه الشمس اسم وزیره أعنی أبا بکر صدّیق المصطفی ، فإذا أقسمت الملائکة علیها به زالت الشمس ، وعادت إلی سیرها بقدرة المولی ، وکذلک إذا مرّ العاصی من أُمّتی علی نار جهنّم وأرادت النار علی المؤمن أن تهجم ، فلحرمة محبة الله فی قلبه ونقش اسمه علی لسانه ترجع النار إلی ورائها هاربة ، ولغیره طالبة.

قال الأمینی : إنّ ممّا یغمرنی فی الحیرة أنّ هذه العجلة ، لِمَ لم یکشف عنها علماء الهیئة قدیماً وحدیثاً ، مع توفّر أدوات الکشف ومحصّلاته لأهل الهیئة الجدیدة خاصّة؟ ة.

ص: 321


1- فی روض الریاحین : ثلاثمائة.

وأنّهم لما ذا استقرّت آراؤهم بعد تقدّم العلم واستفحال أمره وکثرة اکتشافاته علی دوران الأرض علی الشمس.

وتُعلمنا الروایة عن أنّ البخار لم یکن مستخدماً عند إنشاء تلک العجلة فیمدّها الله سبحانه به حتی لا یشعر بإرادة مرید ، ولا حیاء من یستحی ، فیمضی بالعجلة ویوصلها فی أسرع وقت إلی حیث شِیءَ لها قدما ، ولکنّ العجب أنّ الله سبحانه لم یستبدل الملائکة بالبخار بعد اکتشافه فیطلق سراح أولئک الآلاف المؤلّفة المقیّدة بسلاسل بلاء العجلة ، ویعتقهم من مکابدة تمرّد الشمس فی کلّ یوم!

وهناک مسألة لا أدری من المجیب عنها وهی : أنّ إرادة الله سبحانه الفائقة علی کلّ قوّة جامحة وهی تمسک السماء بغیر عمد ترونها ، وتسیّر الجبال تحسبها جامدة وهی تمرّ مرّ السحاب ، صنع الله الذی أتقن کلّ شیء ، لِمَ لم تقم مقام أولئک المسخّرین لجرّ الشمس حتی لا یوقفها تمرّد ، ولا تحتاج إلی عری وسلاسل ، أو الإقسام بمن کتب اسمه علیها؟ وما الذی أحوج المولی سبحانه فی تسییر الشمس إلی هذه الأدوات من العجلة والعری والسلاسل ، وخلق أولئک الجمّ الغفیر من الملائکة واستخدامهم بالجرّ الثقیل ، وهو الذی إذا أراد شیئاً أن یکون یقول له کن فیکون؟

ثمّ إنّ الشمس هلاّ کانت تعلم أنّ إرادة الله سبحانه ماضیة علیها بجریها إلی الغایة المقصودة؟ فما هذا التوقّف والتمرّد؟ والله تعالی أعلم بعظمة الکعبة وشرفها منها وقد جعلها فی خطّة سیرها. أنّی للشمس أن تجهل بها ، وهی هی الشاعرة بخطّ الاستواء ، ومحاذاة الکعبة ووصولها إلی تلک النقطة المقدّسة ، وهی العارفة بمقامات الصدّیق ، وأنّ اسمه منقوش علیها ، وأنّ من واجبها أن تنقاد ولا تجمح علی من أقسم به علیها.

ومن عویصات لا تنحلّ : تجدید الشمس تمرّدها کلّ یوم (وَالشَّمْسُ تَجْرِی لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ) (1) (لَا الشَّمْسُ یَنْبَغِی لَها أَنْ تُدْرِکَ الْقَمَرَ وَلَا 8.

ص: 322


1- یس : 38.

اللَّیْلُ سابِقُ النَّهارِ وَکُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ) (1).

وأعوص من ذلک إنشاد الملائکة إیّاها فی کلّ نهار تلک الأُنشودة الضخمة ووحی الله إلیهم بها طیلة عمر الدنیا.

هکذا تشوّه رواة السوء سمعة السنّة الشریفة ، وهی مقدّسة عن هذه الأوهام الخرافیّة ، وأنّ هذه کلّها من جرّاء الغلوّ الممقوت فی الفضائل ، ولو کان مختلق هذه المرسلة المقطوعة عن الإسناد یعلم ما ذکرناه من الفضائح المترتبة علی افتعالها لما اقتحم هذا الاقتحام المزری.

- 2 -

التوسّل بلحیة أبی بکر

ذکر الیافعی فی روض الریاحین (2) عن أبی بکر الصدّیق رضی الله عنه أنّه قال : بینما نحن جلوس بالمسجد وإذا نحن برجل أعمی قد دخل علینا وسلّم فرددنا علیه السلام وأجلسناهُ بین یدی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : من یقضینی حاجة فی حبّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقال أبو بکر رضی الله عنه : ما حاجتک یا شیخ؟ فقال : إنّ لی أهلاً ولم یکن عندی ما نقتات به ، وأرید من یدفع لنا شیئاً نقتات به فی حبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قال : فنهض أبو بکر الصدّیق رضی الله عنه وقال : نعم أنا أعطیک ما یقوم بک فی حبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. ثمّ قال : هل من حاجة أخری؟ فقال : نعم إنّ لی ابنة ارید من یتزوّج بها فی حیاتی حبّا فی محمد صلی الله علیه وآله وسلم. فقال أبو بکر : أنا أتزوّج بها فی حیاتک حبّا فی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، هل من ف)

ص: 323


1- یس : 40.
2- طبع بمصر فی المطبعة السعیدیة هامش العرائس للثعلبی ، توجد الروایة فی : ص 443. ینقل عنه القسطلانی فی المواهب [ 2 / 28 ] ، وقال الزرقانی فی شرح المواهب : 3 / 157 : مؤلّف حسن ، وطبع للیافعی کتاب آخر مستقل فی مصر سنة 1315 باسم روض الریاحین أیضاً ، وهو تألیفه الآخر غیر المطبوع فی حاشیة العرائس. (المؤلف)

حاجة أخری؟ فقال : نعم ارید أن أضع یدی فی شیبة أبی بکر الصدّیق رضی الله تعالی عنه حبّا فی محمد صلی الله علیه وآله وسلم. فنهض أبو بکر رضی الله عنه ووضع لحیته فی ید الأعمی وقال : امسک لحیتی فی حبّ محمد صلی الله علیه وآله وسلم. قال : فقبض الأعمی بلحیة أبی بکر الصدّیق صلی الله علیه وآله وسلم وقال : یا ربّ أسألک بحرمة شیبة أبی بکر إلاَّ رددت علیّ بصری. قال : فردّ الله علیه بصره لوقته ، فنزل جبریل علیه السلام علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقال : یا محمد السلام یقرئک السلام ، ویخصّک بالتحیّة والإکرام ، ویقول لک : وعزّته وجلاله لو أقسم علیّ کل أعمی بحرمة شیبة أبی بکر الصدّیق لرددت علیه بصره ، وما ترکت علی وجه الأرض أعمی ، وهذا کلّه ببرکتک وعلوّ قدرک وشأنک عند ربّک.

قال الأمینی : إنّها لا تعمی الأبصار ولکن تعمی القلوب التی فی الصدور. حقّا إنّ هذا الضریر قد عمی قلبه قبل بصره ، فلم یعقل أنّ القسَم بشیبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أولی من شیبة أبی بکر ، فهی مقدّمة قداسةً وشرفاً وزلفةً عند الله سبحانه ، وهو صلی الله علیه وآله وسلم أکبر من أبی بکر سنّا وأکثر شیبة ، فما أعمی الرجل عنها إن کان یرید مقسماً به یبرّ الله سبحانه به قسمه؟ أو أنّه کان له فی شیبة أبی بکر غایة لم نعرفها؟ ثمّ أین عن هذه الشیبة عمیان أهل السنّة؟ وما أغفلهم عن الوحی المنزل فیها؟ فیقسمون علی الله بها فیکشف عن أبصارهم ، وما بال الحفّاظ وأئمّة الحدیث أرجأوا نشر هذه الروایة إلی القرن الثامن عهد الیافعی؟ هل بخلوا علی عمیان الأمّة بمثل هذا النجاح الباهر وفی الوحی المزعوم قوله سبحانه : وعزّتی وجلالی لو أقسم علیّ کل أعمی. إلی آخره؟ أو أنّهم وجدوا مولد هذا الحدیث بعد عصورهم فلم یشیدوا بذکره؟ أو رأوا فیه غلوّا فاحشاً بتقدیم لحیة أبی بکر علی شیبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فطووا عن روایته کشحاً؟ أو عقلوا فیه مهزأة بالله ووحیه وأمینه ونبیّه فضربوا عنه صفحاً؟

وللقوم حول شیبة أبی بکر روایات منها ما أسلفناه فی الجزء الخامس (ص 317) من أنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان إذا اشتاق إلی الجنّة قبّل شیبة أبی بکر. ومرّ هنالک أنّها

ص: 324

من أشهر المشهورات من الموضوعات ، ومن المفتریات المعلوم بطلانها ببدیهة العقل کما قاله الفیروزآبادی والعجلونی (1).

ومنها ذکره العجلونی فی کشف الخفاء (1 / 233) من أنّ لإبراهیم الخلیل وأبی بکر الصدّیق شیبة فی الجنّة.

ثمّ قال فی المقاصد (2) نقلاً عن شیخه ابن حجر : لم یصحّ أنّ للخلیل فی الجنّة لحیة ولا للصدّیق ، ولا أعرف ذلک فی شیء من کتب الحدیث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة. ثمّ قال : وعلی تقدیر ثبوت وروده فیظهر لی أنّ الحکمة فی ذلک : أمّا فی حقّ الخلیل فلکونه مُنزّلاً منزلة الوالد للمسلمین ، لأنّه الذی سمّاهم بالمسلمین وأُمروا باتّباع ملّته ، وأمّا فی حقّ الصدّیق فلأنّه کالوالد الثانی للمسلمین ، إذ هو الفاتح لهم باب الدخول إلی الإسلام.

قال الأمینی : إنّ الذی سمّی الأمّة المرحومة بالمسلمین هو الله سبحانه کما فی قوله تعالی : (وَجاهِدُوا فِی اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباکُمْ وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْراهِیمَ هُوَ سَمَّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ وَفِی هذا) (3).

وإن أمکنت التسمیة من إبراهیم من قبل فإنّها غیر ممکنة منه فی هذا وهو القرآن الکریم ، وإنّما وقع ذکر ملّة إبراهیم فی البین امتناناً منه سبحانه علی الأمّة بجعل الإسلام شریعة سهلة لا حرج فیها ترغیباً فی الدخول فیه. فالقول بأنّ إبراهیم سمّاهم مسلمین لا یتمّ مع قوله تعالی : (وَفِی هذا) یعنی فی القرآن. قال القرطبی (4) : هذا 8.

ص: 325


1- کشف الخفاء : 2 / 419 الخاتمة.
2- المقاصد الحسنة : ص 144 ح 228.
3- الحج : 78.
4- الجامع لأحکام القرآن : 12 / 68.

القول مخالف لقول عظماء الأمّة. وقال الطبری (1) : هذا لا وجه له لأنّه من المعلوم أنّ إبراهیم لم یسمّ هذه الأمّة فی القرآن مسلمین.

وقال ابن عبّاس : الله سمّاکم المسلمین من قبل فی الکتب المتقدّمة وفی الذّکر. وکذا قال مجاهد وعطاء والضحّاک والسدی ومقاتل وقتادة وابن مبارک.

وتدلّ علی تعیّن هذا القول قراءة أُبیّ بن کعب : (الله سمّاکم المسلمین) کما فی تفسیر البیضاوی ، (2 / 112) ، وکشّاف الزمخشری (2 / 286) ، وتفسیر الرازی (6 / 210) وتفسیر ابن جزّی الکلبی (3 / 47).

واستقرَبه الرازی فی تفسیره فقال : لأنّه تعالی قال : (لِیَکُونَ الرَّسُولُ شَهِیداً عَلَیْکُمْ وَتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النَّاسِ) (2) فبیّن أنّه سمّاهم بذلک لهذا الغرض وهذا لا یلیق إلاّ بالله.

واستصوبه ابن کثیر فی تفسیره (3 / 236) وقال : لأنّه تعالی قال : (هُوَ اجْتَباکُمْ وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ) ثمّ حثّهم وأغراهم علی ما جاء به الرسول صلوات الله علیه بأنّه ملّة أبیهم الخلیل ، ثمّ ذکر منّته تعالی علی هذه الأمّة بما نوّه به من ذکرها والثناء علیها فی سالف الدهر وقدیم الزمان فی کتب الأنبیاء یُتلی علی الأحبار والرهبان فقال : (هُوَ سَمَّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ). أی من قبل هذا القرآن. (وَفِی هذا).

وبهذا تعرف قیمة ما حسبه المتفلسف من أنّ تنزیل إبراهیم منزلة الأب للمسلمین لمحض التسمیة فإنّه ممّا لا یُقام له وزن وإلاّ لوجب اتّخاذ من سمّی أحداً باسمٍ أباً تنزیلیّا ، ومن المعلوم بطلانه ، وإنّما سمّاه الله أباً للمسلمین لأنّه علیه السلام أب الرسول الأمین ، وأنّ قریشاً من ذریّته ، وهو صلی الله علیه وآله وسلم أبو الأمّة ، وأمّته فی حکم أولاده ، 8.

ص: 326


1- جامع البیان : مج 10 / ج 17 / ص 208.
2- الحج : 78.

وأزواجه أمّهاتهم کما ورد عنه صلی الله علیه وآله وسلم من قوله : «إنّما أنا لکم کالوالد ، أو : مثل الوالد» (1).

أنا لا أدری ما هی الخاصّة فی الأب التنزیلیّ لأمّة خاصّة أن تکون له لحیة فی الجنّة دون الأب الحقیقیّ للأمم جمعاء ، وهو أبو البشر آدم علیه السلام ، ولا لحیة له؟ مع ما ورد عن کعب الأحبار أنّه قال : لیس أحد فی الجنة له لحیة إلاّ آدم ، له لحیة سوداء إلی سرّته. ذکره ابن کثیر فی تاریخه (2) (1 / 97).

وإن کانت الحکمة فی لحیة إبراهیم الخلیل وأبی بکر ما زعمه العجلونی من الأُبوّة فما الحکمة فی لحیة موسی بن عمران؟ وقد جاء فی الحدیث : لیس أحد یدخل الجنّة إلاّ جرد مرد إلاّ موسی بن عمران فإنّ لحیته إلی سرّته. السیرة الحلبیّة (3) (1 / 425).

ثمّ إنّ للأُمّة المسلمة أباً تنزیلیّا روحیّا هو أحقّ بالأبوّة من الخلیل علیه السلام وهو نبیّها الأقدس محمد صلی الله علیه وآله وسلم کما مرّ حدیثه ، وبها حیاتها الحقیقیّة ، وهو الذی یدعوهم لما یحییهم ، ومنه کیانها المستقرّ ، وعزّها الخالد ، فهو أولی باللحیة من أبیه الخلیل وصاحبه أبی بکر.

والعجب کلّ العجب فی عدّ أبی بکر أباً ثانیاً للأمّة لأنّه فتح لها باب الدخول إلی الإسلام ، وأنّ الذی فتح باب الإسلام بمصراعیه لدخول الأُمم فیه ، ورأیت الناس یدخلون فی دین الله أفواجاً ، هو رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بدعوته الکریمة ، وبراهینه الصادقة ، ومعاجزه المعلومة ، ونوامیسه المقدّسة ، وخلائقه الرضیّة ، ومغازیه الدامیة فهو أولی بأن تکون له لحیة فی الجنّة. 7.

ص: 327


1- تفسیر الخازن : 3 / 314 [ 3 / 299 ] ، تفسیر النسفی هامش الخازن : 3 / 314 [ 3 / 112 ]. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 1 / 108.
3- السیرة الحلبیة : 1 / 397.

علی أنّ الأمّة قطّ لم تعرف باباً فتحه الخلیفة لها إلی الإسلام ، ولم یدر أیّ أحد أنّه متی فتحه؟ وأین فتحه؟ ولما ذا فتحه؟ وأیّ باب هو؟

نعم ؛ لا تخفی علی الأُمّة جمعاء أنّه غلّق باباً علیها وحرمها من خیر أهله وعلمه ورشده وهداه ، ألا وهو باب مدینة علم النبیّ مولانا أمیر المؤمنین بالنصّ المتواتر ، وهو الباب الذی منه یؤتی إلی الله ، وإلیه یتوجّه الأولیاء.

فلو لا انتزاع الأمر منه لانتشرت علومه ، وزهرت معالمه ، وتبلّغت حکمه ، وعُمِل بأحکامه ، فأکل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، منهم أُمّة مقتصدة وکثیر منهم ساء ما یعملون ، لکنّه علیه السلام مُنع عن حقّه فجهلت العباد ، وأجدبت البلاد ، وصوّحت المرابع ، وظهر الفساد فی البرّ والبحر بما کسبت أیدی الناس ، وإلی الله المشتکی.

وإن أراد القائل من فتح الباب بدأة الفتوح فی أیام الخلیفة ، فالخلیفة الثانی علی ذلک أجدر باللحیة منه ، لأنّ عمدة الفتوح وقعت فی أیّامه.

نعم ؛ إن یکن هناک من یحقّ أن یعدّ للأُمّة أباً ثانیاً تنزیلاً بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فهو مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام الذی به کان تمام الدعوة والنجاح فی المغازی ، وهو نفس النبیّ القدسیّة وخلیفته المنصوص علیه ، ولذلک جاء من طریق أنس بن مالک عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله : «حقّ علیّ علی هذه الأمّة کحقّ الوالد علی الولد» ، ومن طریق عمّار وأبی أیّوب الأنصاری قوله : «حقّ علیّ علی کلّ مسلم حقّ الوالد علی ولده» (1).ف)

ص: 328


1- الریاض النضرة : 2 / 172 [ 3 / 117 ] نقلاً عن الحاکمی ، کنوز الدقائق : ص 64 [ 1 / 119 ] نقلاً عن الدیلمی [ الفردوس بمأثور الخطاب : 2 / 132 ح 2674 ] ، مناقب الخوارزمی : ص 244 ، 254 [ 309 - 310 ح 306 ، ص 321 ح 327 ] ، فرائد السمطین لشیخ الاسلام الحمّوئی [ 1 / 296 - 297 ح 234 و 235 ] ، نزهة المجالس : 2 / 212. (المؤلف)

- 3 -

شهادة أبی بکر وجبرئیل

ذکر النسفی : أنّ رجلاً مات بالمدینة ، فأراد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یصلّی علیه فنزل جبریل وقال : یا محمد لا تُصلّ علیه. فامتنع فجاء أبو بکر فقال : یا نبیّ الله صلّ علیه فما علمتُ منه إلاّ خیراً. فنزل جبریل وقال : یا محمد صلّ علیه ، فإنّ شهادة أبی بکر مقدّمة علی شهادتی. مصباح الظلام للجردانی) (1) (2 / 25 ، نزهة المجالس (2 / 184).

قال الأمینی : هلمّ معی نناقش راوی هذه السفسطة الحساب بعد أن لم نقف لها علی إسناد نناقش رجاله ، ونسائله عن أنّ ما أدّاه جبریل من الشهادة أکان من عند نفسه ، ولم یکن لأمین الله علی وحیه أن یأتی رسوله بشیء من قِبَل نفسه فحابی أبا بکر بتقدیم شهادته؟ أم کان وحیاً من المولی سبحانه - وهو المطّرد فی کلّ هبوط له إلی الرسول الأمین - فأبطل ذلک الوحی المبین مجازفةً لمحض أنّ أبا بکر شهد بضدّ ما جاء به؟ وأیّا ما کان فإنّ إخباره کان لا محالة عن عدم تأهّل الرجل فی الواقع للصلاة علیه فی صورة نهی مفید للتحریم ، ومؤدّاه أنّ الله سبحانه یبغض أن تُرفع إلیه صلاة علی مثله من نبیّه المحبوب ، فهل یکون قول أبی بکر بتأهّله المستنبط من ظاهر الحال الذی یخطئ ویصیب ، ولا شکّ أنّه مخطئ فی هذا المورد بالخصوص لنزول الوحی بخلافه ، فهل یکون قول هذا شأنه مبطلاً للوحی المبین؟ تبصّر واحکم.

- 4 -

خاتم النبیّ وسجلّه

روی أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم دفع خاتمه الی أبی بکر وقال : اکتب علیه : لا إله إلاّ الله ، فدفعه أبو بکر إلی النقّاش وقال : اکتب علیه : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله. فکتب 2.

ص: 329


1- مصباح الظلام : 2 / 61 ح 362.

علیه. فلمّا جاء به أبو بکر إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وجد علیه لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق. فقال : ما هذه الزیادة یا أبا بکر؟ فقال : ما رضیت أن أُفرّق اسمک عن اسم الله ، وأمّا الباقی فما قلته ، فنزل جبریل وقال : إنّ الله سبحانه وتعالی یقول : إنّی کتبت اسم أبی بکر لأنّه ما رضی أن یفرّق اسمک عن اسمی ، فأنا ما رضیت أن أُفرّق اسمه عن اسمک. نزهة المجالس للصفوری (2 / 185) نقلاً عن تفسیر الرازی ، مصباح الظلام للجردانی (1) (ص 25).

قال الأمینی : المتسالم علیه بین المحدّثین أنّ نقش خاتم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان : محمد رسول الله بلا أیّ زیادة ، ففی الصحاح عن أنس أنّه صلی الله علیه وآله وسلم صنع خاتماً من ورِق (2) ونقش فیه : محمد رسول الله. وقال : فلا ینقش أحد علی نقشه.

صحیح البخاری (8 / 309) ، صحیح مسلم (2 / 214 ، 215) ، صحیح الترمذی (1 / 324) ، سنن ابن ماجة (2 / 384 ، 385) ، سنن النسائی (8 / 173) (3).

وفی روایة البخاری والترمذی عن أنس قال : کان نقش الخاتم ثلاثة أسطر : محمد سطر ، ورسول سطر. والله ، سطر. صحیح البخاری (4) (8 / 309) ، صحیح الترمذی (5) (1 / 325).

وروی ابن سعد فی طبقاته (6) من مرسل ابن سیرین ؛ أنّ نقشه کان : باسم الله4.

ص: 330


1- مصباح الظلام : 2 / 61 ح 362.
2- الورِق : الفضّة.
3- صحیح البخاری : 5 / 2205 ح 5539 ، صحیح مسلم : 4 / 319 ح 55 کتاب اللباس والزینة ، سنن الترمذی : 4 / 201 ح 1745 ، سنن ابن ماجة : 2 / 1201 ح 3639 ، سنن الکبری : 5 / 450 ح 9509 - 9513.
4- صحیح البخاری : 5 / 2205 ح 5540.
5- سنن الترمذی : 4 / 202 ح 1748.
6- الطبقات الکبری : 1 / 474.

محمد رسول الله. وقال ابن حجر : ولم یتابع علی هذه الزیادة. ذکره عنه الزرقانی فی شرح المواهب (5 / 39).

وأخرج أبو الشیخ فی الأخلاق النبویّة من روایة عرعرة بن البرند ، عن أنس قال : کان مکتوباً علی فصّ خاتم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله.

قال : ابن حجر فی فتح الباری (1) 10 / 210 : عرعرة ضعّفه ابن المدینی وزیادته هذه شاذة. وقال الزرقانی فی شرح المواهب 5 / 39 : کان نقش الخاتم النبوی کما فی الصحیحین وغیرهما : محمد رسول الله. فلا عبرة بهذه الروایة کروایة أنه کان فیه کلمتا الشهادة معاً ، وروایة ابن سعد (2) عن أبی العالیة أنّ نقشه : صدق الله. ثمّ ألحق الخلفاء : محمد رسول الله.

فما قیمة ما جاء به من النقش صوّاغ القرون المتأخّرة ، وصاغته ید الإفک والغلوّ بعد لأیٍ من وفاة النبیّ الأعظم وانقطاع الوحی عنه ، ولا یوجد فی تآلیف الأوّلین منه عین ولا أثر؟ وأنت تری السلف حاکمین فی حدیث زیادة کلمة الإخلاص والبسملة بالشذوذ وأنّه لا عبرة به ولا یُتابع علیه ، ولا یبحث أیّ متضلع فی الفنّ عن هذه الزیادة المختلقة التی لا صلة لها بالموضوع ، ولیست هی إلاّ استهزاءً بالله ونبیّه ووحیه وأمین وحیه.

ثمّ قد صحّ عند القوم أنّ ذلک الخاتم المنقوش الخاصّ بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم - وکان یتختّم به ویختم صلی الله علیه وآله وسلم ولم یکن له خاتم غیره ولم یحتمل التعدّد قطّ أحد فی رفع اختلاف أحادیث النقش - کان عند أبی بکر فی یمینه بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وبعده فی ید عمر ، وبعده عند عثمان فی یمینه وسقط سنة ثلاثین من یده أو : من ید غیره فی بئر 6.

ص: 331


1- فتح الباری : 10 / 329.
2- الطبقات الکبری : 1 / 476.

أریس (1) واتّخذ له خاتماً آخر (2) ، وفی روایة ابن سعد (3) عن الأنصاری کما فی فتح الباری (4) (10 / 270) وسنن النسائی (5) (8 / 179) : أنّه کان فی ید عثمان ستّ سنین من عمله. فلو کانت تلکم الأسطورة صحیحة وکان اسم الخلیفة منقوشاً فی خاتم کان یلبسه النبیّ الأقدس طیلة حیاته وتنظر إلیه الصحابة من کثب وتری بریقه فی خنصره کما فی صحیح البخاری (6) (8 / 308 ، 309) ، کان حقّا علی الخلیفة والخاتم بیده أن یحتجّ بها یوم تسنّم عرش الخلافة ، وکان هناک حوار وصخب ، لکنّه لم یحتج لأنّ ذلک الخاتم ما کان مصوغاً بعد ولا منقوشاً ، ولم یُعطَ من المغیّب أنّه یُستنحت له ذلک بعد قرون متطاولة. وکان حقّا علی الصحابة الملتاثین به أن یحتجّوا بذلک النقش المصنوع فی عالم الملکوت ، فإنّ الاحتجاج به أولی من الاحتجاج بکبر السنّ وأمثاله ، لکنّهم ترکوا الحجاج لأنّ هذا المولود لم یکن یولد بعد ، وإنّما ولدته أمّ الغلوّ فی الفضائل فی آخر الدهر.

ولا یتأتّی لأحد عرفان سرّ ما جاء به جبریل الخیالی من القران بین اسم النبیّ الأعظم وبین اسم أبی بکر فی ذلک النقش المصوغ فی عالم الغیب ، أکان أبو بکر نفس النبیّ الأعظم بنصّ القرآن الکریم؟ أم کان قرینه فی العصمة والقداسة فی الذکر 7.

ص: 332


1- هی علی میلین من المدینة : وهی من أقل الآبار ماءً [ معجم البلدان : 1 / 298 ]. (المؤلف)
2- صحیح البخاری : 8 / 306 [ 5 / 2202 ح 5528 ، ص 2204 ح 5535 ، ص 2206 ح 5540 ] ، صحیح مسلم : 2 / 214 [ 4 / 319 ح 5554 کتاب اللباس والزینة ] ، سنن النسائی : 8 / 179 [ 5 / 457 ح 9550 ] ، تاریخ الطبری : 5 / 65 [ 4 / 282 حوادث سنة 30 ه ] ، تاریخ ابن کثیر : 8 / 155 [ 7 / 174 و 175 حوادث سنة 30 ه ] ، تاریخ الخمیس : 2 / 223 ، 269 [ 2 / 191 - 192 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 168. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 1 / 476.
4- فتح الباری : 10 / 329.
5- السنن الکبری : 5 / 457 ح 9550.
6- صحیح البخاری : 5 / 2204 ح 5534 ، ص 2205 ح 5536 ، 5537.

الحکیم؟ أم نزلت فیه آیة التبلیغ مع ذلک الإرهاب؟ أم أکمل الله به الدین ، وأتمّ به النعمة کما بدأ بالنبیّ الطاهر؟ أم کان ردیف النبیّ الأقدس فی الإسلام والدعوة إلی الله من أوّل یومه ، أم کان وصیّه وخلیفته المنصوص علیه من بدء الدعوة؟ أم قُرنت طاعته بطاعته ومعصیته بمعصیته کما فی صحاح جاءت عنه صلی الله علیه وآله وسلم؟ أم کان نظیره فی أُمّته بنصّ منه صلی الله علیه وآله وسلم؟ أم؟ أم؟ إلی مائة أم. لما ذا ذلک القران؟ أنا لا أدری ، ومختلق الروایة أیضاً لا یدری.

- 5 -

عرض جنّة أبی بکر

قال الصفوری فی نزهة المجالس (2 / 183) : رأیت فی الحدیث : أنّ الملائکة اجتمعت تحت شجرة طوبی فقال ملک : وددت أنّ الله تعالی أعطانی قوّة ألف ملک ، وکسانی ریش ألف طیر ، فأطیر حول الجنّة حتی أبلغ طرفها ، فأعطاه الله ذلک ، فطار ألف سنة حتی ذهبت قوّته وتساقط ریشه ، ثمّ أعطاه الله تعالی قوّةً وأجنحة ، فطار ألف سنة ثانیة حتی ذهبت قوّته وتساقط ریشه ، ثمّ أعطاه الله تعالی قوّة وأجنحة ، فطار ألف سنة ثالثة حتی ذهبت قوّته وتساقط ریشه ، فوقع علی باب قصر باکیاً ، فأشرفت علیه حوراء فقالت : أیّها الملک مالی أراک باکیاً ولیست هذه بدار بکاء وحزن ، وإنّما هی دار فرح وسرور؟ فقال : لأنّی عارضت الله فی قدرته ، ثمّ أعلمها بحدیثه. فقالت له : لقد خاطرت بنفسک ، أتدری کم طرت فی هذه الثلاثة آلاف سنة؟ قال : لا. قالت : وعزّة ربّی ما طرت أکثر من جزء واحد من عشرة آلاف جزء ممّا أعدّه الله تعالی لأبی بکر الصدّیق رضی الله عنه. وذکره الجردانی فی مصباح الظلام (1) (2 / 25).

قال الأمینی : فمجموع ما أعدّه الله تعالی لأبی بکر فی الجنّة هو مسیر ثلاثین 2.

ص: 333


1- مصباح الظلام : 2 / 61 ح 362.

ألف ألف سنة لطائر یطیر بقوّة ألف ملک وریش ألف طیر! جلّت قدرة الباری.

أنا أکِل حساب هذه الروایة إلی الشباب النابه العصری المتخرّج من المدارس العالیة فی أرجاء العالم. کما أری النظرة فی رجال سندها من وظائف رجال الغیب إذ من المستحیل أن یقف علیه متتبّع ، ویعرفه حافظ ضلیع ، أو محدّث بعید الظن أو رجالیّ واسع الخطوة من رجال عالم الشهود.

- 6 -

الله یستحیی من أبی بکر

عن أنس بن مالک قال : جاءت امرأة من الأنصار فقالت : یا رسول الله رأیت فی المنام کأنّ النخلة التی فی داری وقعت ، وزوجی فی السفر. فقال : یجب علیک الصبر فلن تجتمعی به أبداً. فخرجت المرأة باکیةً فرأت أبا بکر ، فأخبرته بمنامها ولم تذکر له قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال : اذهبی فإنّک تجتمعین به فی هذه اللیلة. فدخلت إلی منزلها وهی متفکّرة فی قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقول أبی بکر. فلمّا کان اللیل وإذا بزوجها قد أتی ، فذهبت إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأخبرته بزوجها ، فنظر إلیها طویلاً فجاء جبریل وقال : یا محمد الذی قلته هو الحقّ ، ولکن لمّا قال الصدّیق : إنّکِ تجتمعین به فی هذه اللیلة استحیا الله منه أن یجری علی لسانه الکذب ، لأنّه صدّیق فأحیاه کرامةً له. نزهة المجالس (2 / 184).

قال الأمینی : لیتنا کنّا نقف علی رجال هذا الخیال النبهاء الذین أرادوا کسح معرّة الکذب عن ساحة الصدّیق فجرّوها إلی الساحة النبویّة ، فکأنّ الله لم یبالِ بأن یجری الکذب علی لسان نبیّه الصادق المصدّق ، حیث إنّه لم یخبر عن موت الرجل وإنّما أخبر امرأته بأنّها لن تجتمع به أبداً بکلمة لن المفیدة لتأبید النفی المؤکّد بقوله أبداً فظهر خلافه ، لکنّه استحی من أبی بکر بعد أن رجم بالغیب إفکاً ظاهراً ، فأراد أن

ص: 334

یرحض عنه ذلک بإحیاء الرجل وعدم إماتته کرامة له ، وهل یرحضه ذلک بعد أن وقع الکذب؟ أنا لا أدری.

وهل کانت کرامة أبی بکر علی الله أعظم من کرامة رسول الله علیه؟ حیث لم یرضَ بظهور الکذب علیه ورضیه علی مصطفاه ، ولم یکن فی انتشاره عنه کسر للإسلام لکن انتشاره عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فتّ فی عضد الدین.

ثمّ اعجب من تعلیل الروایة بأنّ أبا بکر کان صدّیقاً. أو لم یکن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سیّد الصدّیقین أجمع؟ وهب أنّ وحی هذه المزعمة خفّف عن ساحة النبوّة شیئاً یمکن أن یفوه به من اختلقها بأنّ الأمر کان کما أخبر به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لکن أحیا الله الرجل للغایة التی ذکرها فلا کذب صلی الله علیه وآله وسلم ، لکن یدفعه ما قدّمناه من أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یخبر عن موت الرجل وإنّما أخبر عن أنّها لن تجتمع به أبداً وقد وقع خلاف ما أنبأ به. نعم ؛ لعلّ ما مرّ من رأی الخلیفة من جواز تقدیم المفضول علی الفاضل ، أو الغلوّ فی الفضائل ، یرخّصان بکلّ ما ذکر.

- 7 -

کرامة دفن أبی بکر

أخرج ابن عساکر فی تاریخه (1) قال : روی أن أبا بکر رضی الله عنه لمّا حضرته الوفاة قال لمن حضره : إذا أنا متّ وفرغتم من جهازی فاحملونی حتی تقفوا بباب البیت الذی فیه قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقفوا بالباب وقولوا : السلام علیک یا رسول الله هذا أبو بکر یستأذن ، فإن أذن لکم بأن فتح الباب وکان الباب مغلقاً بقفل فأدخلونی وادفنونی ، وإن لم یفتح الباب فأخرجونی إلی البقیع وادفنونی به ، فلمّا وقفوا علی الباب وقالوا ما ذکر سقط القفل وانفتح الباب وإذا بهاتف یهتف من القبر : أدخلوا الحبیب إلی الحبیب ، فإنّ الحبیب إلی الحبیب مشتاق. 5.

ص: 335


1- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 436 رقم 3398 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 13 / 125.

وذکره (1) الرازی فی تفسیره (5 / 378) ، والحلبی فی السیرة النبویّة (3 / 394) ، والدیار بکری فی تاریخ الخمیس (2 / 264) ، والقرمانی فی أخبار الدول هامش الکامل (1 / 200) ، والصفوری فی نزهة المجالس (2 / 198).

قال الأمینی : أراد رواة هذه الروایة تصحیح عمل القوم فی دفن الخلیفة فی موطن القداسة حجرة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بعد أن أعیتهم المشکلة وعجزوا عن الجواب ، فإنّ الحجرة الشریفة إمّا أن تکون باقیة علی ملکه صلی الله علیه وآله وسلم کما هو الحقّ المبین. أو أنّها عادت صدقة یؤول أمرها إلی المسلمین أجمع؟ وعلی الأوّل کان یشترط فیه رضاء أولاد وارثته الوحیدة السبطین الإمامین وأخواتهما ولم یستأذن منهم أحد. وعلی الثانی کان یجب علی الخلیفة أو علی من تولّی الأمر بعده أن یستأذن الجامعة الإسلامیّة ولم یکن من أیّ منهما شیء من ذلک ، فبقی الدفن هنالک خارجاً عن ناموس الشریعة. وإن قیل : إنّه دفن بحقّ ابنته ، فأیّ حق لها بعد ما جاء به أبوها من قوله : إنّا معاشر الأنبیاء لا نُورَث ما ترکناه صدقة؟ علی أنّا أسلفنا فی الجزء السادس (ص 190) : أنّه لم یکن لأمّهات المؤمنین إلاّ السکنی فی حجرهنّ کالمعتدّة ولم یکن لهنّ ترتیب آثار الملک علی شیء منها. وقدّمنا هنالک أیضاً أنّ علی فرض المیراث وعلی تقدیر الإرث من العقار فإنّ لعائشة تسع الثمن من حجرتها لأنّه صلی الله علیه وآله وسلم توفّی عن تسع ، ومساحة المحلّ لا یسع تسع ثمنها جثمان إنسان مهما کبرت الحجرة ، علی أنّ حقّها کان مشاعاً ولیس لها التصرّف فیه بغیر إذن شریکاتها فی المیراث.

أراد القوم التفصّی عن هذه المشکلات فکوّنوا ما یستتبع مشکلةً بعد مشکلة وهی : أنّ الخلیفة هل قال ما قاله بعهد من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أو أنّه أحاط علماً بالمغیّب؟ أمّا الثانی فلا أحسب أحداً یدّعی له ذلک بعد ما أحطنا خُبراً بکلّ ما قیل فی فضائله ، 3.

ص: 336


1- التفسیر الکبیر : 21 / 87 ، السیرة الحلبیّة : 3 / 365 ، تاریخ الخمیس : 2 / 237 ، أخبار الدول : 1 / 283.

وبعد ما أوقفناک علی مبلغ علمه فی المشهودات ، فأین هو عن الغیوب؟

وأمّا الأوّل فلو کان ذلک لما کان لتردیده بین الدفن فی الحجرة إن فتح الباب وسقط القفل ، وبین الذهاب به إلی البقیع إن لم یکن ذلک [ أی معنی ] ، فإنّ ما أخبر به النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لا بدّ أن یکون ، فلا تردید فیه.

نعم ؛ من المحتمل أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یعهد ذلک لنفس أبی بکر وإنّما رواه عنه من لا یثق به الخلیفة ولذلک نوّه بما قال بالتردید ، أو أنّ الروایة لا صحّة لها ، ولذلک لم تنتشر فی الصحاح والمسانید إلی عهد الحافظ ابن عساکر ، وهی علی فرض صحّتها مکرمة عظمی وقعت بمشهد الصحابة ومزدحم المهاجرین والأنصار یوم شیّعوه إلی مقرّه الأخیر ، وکان یجب والحالة هذه أن یتواصل الهتاف بها ، وبذلک الهتاف المسموع من القبر الشریف منذ ذلک العهد إلی منصرم الدهر ، ولم یکن یوم ذاک فی الأبصار غشاوة ، ولا فی الآذان وقر ، ولا فی الألسنة بکم ، لکنه ویا للأسف لم ینبس أحد عنها ببنت شفة ، وما ذلک إلاّ لأنّ المکرمة لم تقع ، والقفل ما سقط ، والباب ما انفتح ، والهتاف لم یکن ، وأدخلوا الحبیب إلی الحبیب ، فإنّ الحبیب إلی الحبیب مشتاق مهزأة نشأت من الغلوّ فی الفضائل تنبیء عن روح التصوّف فی مختلق الروایة. نعم :

ما کلّ من زار الحمی سمع الندا

من أهله أهلاً بذاک الزائرِ

هذه الکرامة المنحوتة المنحولة ذکرها الرازی ومن بعده مرسلین إیّاها إرسال المسلّم ، محتجّین بها عداد فضائل أبی بکر ، غیر مکترثین لما فی إسنادها من العلل أو جاهلین بها ، وإنّما أخرجها ابن عساکر (1) من طریق أبی طاهر موسی بن محمد بن عطاء المقدسی عن عبد الجلیل المدنی عن حبّة العرنی فقال : هذا منکر ، وأبو الطاهر 5.

ص: 337


1- تاریخ مدینة دمشق : 5 / 756 - 757 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 13 / 125.

کذاب ، وعبد الجلیل مجهول. وفی لسان المیزان (1) (3 / 391) : خبر باطل.

وأبو الطاهر المقدسی ؛ کذّبه أبو زرعة وأبو حاتم (2). وقال النسائی لیس بثقة. وقال ابن حبّان (3) : لا تحلّ الروایة عنه کان یضع الحدیث. وقال ابن عدی (4) : کان یسرق الحدیث. وقال العقیلی (5) : یحدّث عن الثقات بالبواطیل والموضوعات ، منکر الحدیث وقال منصور بن إسماعیل : کان یضع الحدیث علی مالک. راجع المصادر المذکورة (5 / 267)

- 8 -

جبریل یسجد مهابة من أبی بکر

حدّث عالم الأُمّة الشیخ یوسف الفیشی المالکی قال : کان جبریل إذا قدم أبو بکر علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو یحادثه یقوم إجلالاً للصدّیق دون غیره ، فسأله النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلک؟ فقال جبریل : أبو بکر له علیّ مشیخة فی الأزل ، وما ذاک إلاّ أنّ الله تعالی لمّا أمر الملائکة بالسجود لآدم ، حدّثتنی نفسی بما طُرد به إبلیس فحین قال الله تعالی : اسجدوا ؛ رأیت قبّة عظیمة علیها مکتوب : أبو بکر ، أبو بکر مراراً وهو یقول : اسجد. فسجدت من هیبة أبی بکر ، فکان ما کان.

ذکره العبیدی المالکی فی عمدة التحقیق هامش روض الریاحین (6) (ص 111) فقال : وحدّثنی أیضاً شیخنا الأستاذ محمد زین العابدین البکری بما یقارب ما قاله الفیشی ، وسمعتها من غالب مشایخنا بالأزهر. 3.

ص: 338


1- لسان المیزان : 3 / 477 رقم 4918.
2- الجرح والتعدیل : 8 / 161 رقم 715.
3- کتاب المجروحین : 2 / 242.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 347 رقم 1829.
5- الضعفاء الکبیر : 4 / 169.
6- عمدة التحقیق : ص 193.

قال الأمینی : عجباً لهؤلاء القوم لم یسلم منهم حتی أمین الله علی وحیه - جبرائیل - المعصوم من الزلل من أوّل یومه فجعلوه فی عداد إبلیس اللعین الطرید لو لا أنّ أبا بکر تدارک أمره!

عجباً لهذا الملک المزعوم یأتمنه المولی سبحانه ثمّ یرتاب فی أمره ، ولا یُصلح ذلک الشنار القول بأنّه إنّما ائتمنه بعد زلّته تلک ، فإنّه سبحانه لا یأتمن من یمکن فی حدیث نفسه الکفر ، فلعلّ تلک الخاطرة دبّت فیه ولم یحصل من یسدّده فتعود هاجسته کفراً صریحاً.

عجباً لهذا الملک المقرّب تروعه هیبة أبی بکر ولا تأخذه هیبة الإله العظیم فیطیع أبا بکر وهو یهم أن یطیع الله فی أمره بالسجدة ، وأیّ سجدة هذه وما قیمتها من مثل جبرئیل وقد وقعت من هیبة أبی بکر لا بصفة القربان إلی المولی سبحانه والزلفی لدیه والامتثال لأمره؟ فکأن هیبة أبی بکر فی الملأ الأعلی أعظم وأفخم من هیبة بارئه جلّت عظمته!

ثمّ أین کانت قبّة أبی بکر من مستوی عالم الملکوت؟ ومن الأحری أن تضرب هنالک قبّة نبیّ العظمة حتی یسدّد فیها من شارف الزلّة لا قبّة إنسان من الممکن أن تکتنفه المآثم ، وتموت بضعة المصطفی وهی واجدة علیه.

ومن أین علم أبو بکر بهاجسة جبرئیل وحدیث نفسه؟ أو هل کان یعلم الغیب؟ أو أُوحی إلیه بواسطة غیر أمین الوحی؟ لک الحکم فی هذه کلّها أیّها القارئ الکریم.

ثمّ العجب من مشایخ الأزهر الذین أخبتوا إلی هذه الخزایة فأثبتوها فی الکتب ولهجوا بها فی الأندیة ، وخلف من بعدهم خلف ورثوا الکتاب یأخذون عرض هذا الأدنی فنشروها فی الملأ العلمی وشوّهوا بها صفحة التاریخ وسمعة الاسلام المقدّس ، نعم : أرادوا نحت فضیلة للخلیفة فأعماهم الغلوّ فی الفضائل فنحتوها رذیلةً لجبرئیل

ص: 339

الأمین ، کلّ ذلک لأنّهم افتعلوها من غیر بصیرة فی الدین ، أو رویّة شاعرة فی المبادئ الإسلامیّة.

وأحسب أنّ من اختلق هذه الروایة أراد إثباتها تجاه ما یروی لمولانا أمیر المؤمنین علیه السلام من تسدیده لجبرئیل یوم خاطبه الله سبحانه : من أنا ومن أنت؟ فتروّی قلیلاً وقد أخذته هیبة الجلیل سبحانه حتی أدرکته نورانیّة مولانا الإمام علیه السلام ، فعلّمه أن یقول : أنت الجلیل وأنا عبدک جبرئیل. وقد نظم ذلک الشاعر المبدع الشیخ صالح التمیمی من قصیدة له فی مدح مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام وخمّسها الشاعر المفلق عبد الباقی أفندی العمری کما فی دیوانه (ص 126) وفی دیوان صاحب الأصل (ص 4) قالا :

روضةٌ أنت للعقول ودوحُ

یُجتنی من طوباک رشدٌ ونصحُ

ومتی هبَّ من عبیرک نفحُ

شمل الروح من نسیمک روحُ

حین من ربّه أتاه النداءُ

طالما للأملاک کنتَ دلیلا

ولناموسهم هدیتَ سبیلا

یوم نادی ربّ السما جبرئیلا

قائلاً من أنا فروّی قلیلا

وهو لولاک فاته الاهتداء (1)

لک شکلٌ نتیجةٌ للقضایا

لک قلبٌ للعالمین مرایا

لک فعلٌ حوی رفیع المزایا

لک اسمٌ رآه خیر البرایا

مذ تدلّی وضمّه الإسراءُ

ولیست هذه کقصّة أبی بکر ؛ فلیس فیها أنّ جبریل نوی ما نواه إبلیس من المروق عن أمره سبحانه ، ولا فیها أنّ أمیر المؤمنین أنبأ عن مغیّب ، ولا أنّ هیبته غلبت هیبة الله العظیم ، ولا أنّ جبریل سجد من هیبته ، ولا أنّ له هنالک قبّة عظیمة ف)

ص: 340


1- یعنی الاهتداء إلی ذلک الجواب الحسن الجمیل. (المؤلف)

مکتوب علیها : علیّ علیّ ، ولا أنّه هتف مخاطباً لجبرئیل بقوله : اسجد. وروّعه بذلک ، لیست فیها هذه کلّها لأنّ الشیعة فی المنتأی عن الغلوّ فی الفضائل.

- 9 -

قصّة فیها کرامة لأبی بکر

أخبر أبو العبّاس بن عبد الواحد ، عن الشیخ الصالح عمر بن الزغبی (1) قال : کنت مجاوراً بالمدینة المشرّفة علی مشرّفها أفضل الصلاة والسلام فخرجت یوم عاشوراء الذی تجتمع فیه الإمامیة فی قبّة العباس وقد اجتمعوا فی القبّة. قال : فوقفت أنا علی باب القبّة وقلت : أرید فی محبّة أبی بکر شیئاً ، فخرج إلیّ شیخ منهم ، وقال : اجلس حتی نفرغ ونعطیک ، فجلست حتی فرغوا ، ثمّ خرج إلیّ ذلک الرجل وأخذ بیدی ومضی بی إلی داره وأدخلنی الدار وأغلق ورائی الباب ، وسلّط علیّ عبدین فکتّفانی وأوجعانی ضرباً ، ثمّ أمرهما بقطع لسانی فقطعاه ، ثمّ أمرهما فحلاّ کتافی ، وقال : اخرج إلی الذی طلبت فی محبّته لیردّ إلیک لسانک. قال : فخرجت من عنده إلی الحجرة الشریفة النبویّة وأنا أبکی من شدّة الوجع والألم ، فقلت فی نفسی : یا رسول الله قد تعلم ما أصابنی فی محبّة أبی بکر ، فإن کان صاحبک حقّا فأحبّ أن یرجع إلیّ لسانی. وبتّ فی الحجرة قلقاً من شدّة الألم فأخذتنی سنة من النوم فنمت فرأیت فی منامی أنّ لسانی قد عاد إلی حاله کما کان ، فاستیقظت فوجدته فی فیّ صحیحاً کما کان وأنا أتکلّم ، فقلت : الحمد لله الذی ردّ علیّ لسانی ، وازددت محبّة فی أبی بکر رضی الله عنه.

فلمّا کان العام الثانی فی یوم عاشوراء اجتمعوا علی عادتهم فخرجت إلی باب القبّة وقلت : أرید فی محبّة أبی بکر دیناراً ، فقام إلیّ شابّ من الحاضرین وقال لی : اجلس حتی نفرغ. فجلست ، فلمّا فرغوا خرج إلیّ ذلک الشابّ وأخذ بیدی ومضی بی إلی تلک الدار فأدخلنی فیها ووضع بین یدیّ طعاماً ، فلمّا فرغنا قام الشابّ وفتح ی.

ص: 341


1- فی المصدر : الزعنی.

علیّ باباً علی بیت فی الدار وجعل یبکی ، فقمت لأنظر ما سبب بکائه فرأیت فی البیت قرداً مربوطاً ، فسألته عن قضیّته فزاد بکاءً ، فسکّنته حتی سکن ، فقلت له : بالله أخبرنی عن حالک. فقال : إن حلفت لی أن لا تخبر أحداً من أهل المدینة أخبرتک ، فحلفت له ، فقال : اعلم أنّه أتانا فی عام أوّل رجل وطلب فی محبّة أبی بکر رضی الله عنه شیئاً فی قبّة العبّاس یوم عاشوراء ، فقام إلیه أبی وکان من أکابر الإمامیّة والشیعة ، فقال له : اجلس حتی نفرغ. فلمّا فرغوا أتی به إلی هذه الدار وسلّط علیه عبدین فضرباه ، وأمر بقطع لسانه فقطع ، وأخرجه فمضی لسبیله ولم نعرف له خبراً ، فلمّا کان اللیل ونمنا صرخ أبی صرخة عظیمة فاستیقظنا من شدّة صرخته فوجدناه قد مسخه الله قرداً ففزعنا منه وأدخلناه هذا البیت وربطناه ، وأظهرنا للناس موته ، وهو ذا نبکی علیه بکرة وعشیّا. فقلت له : إذا رأیت الذی قطع أبوک لسانه تعرفه؟ قال : لا والله : فقلت : أنا هو والله ، أنا الذی قطع أبوک لسانی ، وقصصت علیه القصّة فأکبّ علیّ یقبّل رأسی ویدی ، ثمّ أعطانی ثوباً ودیناراً ، وسألنی کیف ردّ الله علیّ لسانی؟ فأخبرته وانصرفت.

مصباح الظلام للجردانی (1) (ص 23) من الطبعة الرابعة المصریّة المطبوعة بمطبعة الرحمانیّة بمصر سنة (1347 ه) ، ونزهة المجالس للصفوری (2 / 195).

قال الأمینی : ما أحوج القوم إلی اختلاق هذه الأساطیر المشمرجة وهی لا یصدّقها أیّ قارٍ وبادٍ (2) مهما یُقرّها قصّاص فی أُذنیه ، ولا یصیر بها الأمر إلی قراره مهما حبکت نسقه ید الإفک ، وأبدعت فی نسجه مهرة الافتعال.

أنّی یصدّق ذو مسکة بأنّ رجلاً شهیراً یُعدّ من عِلْیة قوم ومن أکابر أُمّة یُمسَخُ ة.

ص: 342


1- مصباح الظلام : 2 / 57 ح 362.
2- قرا الأرض قرواً : تتبعها أرضاً أرضاً وسار فیها ینظر حالها وأمرها. البادی : الضارب فی البادیة.

ویُربط فی داره وهو بعدُ مجهول لا یعرف اسمه ، ولا ینبّئ عنه خبیر ، ویسع لخلفه إخفاء أمره بدعوی موته ، ولم یُسأل أهله عن تجهیزه وتشییعه ودفنه ومقبره وسبب موته ، وتتأتّی لولده الغشیة علیها عن أعین الناس وأسماعهم کأنّ فی آذانهم صمماً وفی أبصارهم عمی.

ولما ذا أخذ ابن الجانی - الذی لم یُخلق بعد لا هو ولا أبوه - ضیفه إلی والده وهو لا یعرف الرجل ولم یخش من الفضیحة ، ولما ذا أوقفه علی أمر أبیه وعواره وقد کان یستخفیه ویُظهر للناس موته؟

وأنّی یُصدَّق بأنّ رجلاً قُطع لسانه دون مبدئه وحبّه لخلیفته قد استخفی قصّته ، وما أشاع بها ، وما صاح وما باح بمظلمته ، وما أبان أمره عند قومه ، وما أفاض عن شأنه بکلمة ، ولا یمّم قاضیاً ولا حاکماً ولا الدوائر الحکومیّة الصالحة للنظر فی مظلمته من عدلیّة أو دائرة شرطة ، وعقیرته مرفوعة من شدّة الألم ، ولم یزل القوم یتربّص الدوائر علی الشیعة ، ویختلق علیهم طامّات کهذه.

وأنّی یُصدّق أنّه لمّا خرج من دار من جنی علیه وهو مقصوص اللسان وقد ملأ فمه دمه ، ولاذ بالحجرة الشریفة باکیاً قلقاً من شدّة الألم ، ما باه له أیّ أحد ، وما عرفت مع هذه کلّها من أمره قُذَعْمِلة (1) ، ولا تنبّه لأمره سدنة الحضرة الشریفة؟

وما بال الرجل لم یُمط الستر فی وقته عن جنایة عدوّ خلیفته ، ولم یُفش سرّه ، ولم یُعلن کرامة الصدّیق ، ولم یفضح عدوّه ، ولم یُعرب عن هذه المکرمة الغالیة ، ولم یقرّط الآذان بسماعها ، وینبس أمره ولم ینبشه ، کأنّ لسانه بعدُ مقطوع ، وأنّه لم یجده فی فیه صحیحاً؟ أو رضی بأن یفشفش (2) بعده أعلام قومه؟

وإن تعجب فعجب عود هذا الشحّاذ الجریء إلی سؤاله مرّة ثانیة فی سنته ف)

ص: 343


1- القُذَعْمِلة : الشیء الیسیر.
2- فشفش : أفرط فی الکذب ، وانتحل ما لغیره. (المؤلف)

القابلة بعد أن رأی ما رأی قبل أن أعوم (1) ، ووقوفه فی ذلک الموقف الخطر فی قبّة العبّاس یوم عاشوراء ، ومضیّه من دون أیّ تحاشٍ إلی تلک الدار التی وقعت فیها واقعته الخطرة الهائلة ، ودخوله فیها رابطاً جأشه ، وإلقاؤهُ نفسه إلی التهلکة ، ولم یکن یعرف شیئاً من قصّة الشیعیّ ومسخه ، ولا من حنوّ الشابّ وعطفه ، وقد قال الله تعالی (وَلا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ) (2).

ولعلّه کان فی هذه کلّها علی ثقة وطمأنینة من أنّه قطّ لا یبقی بلا لسان ، وأنّ لسانه مهما قُطع یُردّ إلیه کما کان من برکة الخلیفة ، وهو فی حسبانه هذا وقدومه إلی المهالک مجتهد وله أجره وإن أخطأ کاجتهاد سلفه.

وقد أنصف الشیخ الصالح المدنی فی اختلاق هذه القصّة علی شیعیّ کبیر لم یولد بعد ولم تسمّه أُمّه. وجاء غیره بأسطورة معتوه قموص الحنجرة (3) وافتجر (4) فی القول وأفجس (5) ألا وهو الشیخ علیا المالکی ، قال الشیخ إبراهیم العبیدی المالکی فی عمدة التحقیق (6) المطبوع بمصر فی هامش روض الریاحین (ص 133) : سمعت خالی العالم الشیخ علیا المالکی یقول : إنّ الرافضیّ إذا أشرف علی الموت یقلب الله صورة وجهه وجه خنزیر ، فلا یموت إلاّ إذا مسخ وجهه وجه خنزیر ، ویکون ذلک علامة علی أنّه مات علی الرفض ، فیستبشرون بذلک الروافض ، وإن لم یقلب وجهه عند الموت یحزنون ویقولون : إنّه مات سنّیاً. انتهی.

وتخرّق بعض الثقات فی تاریخ حلب شاهداً علی هذه المخرقة فقال : لمّا مات ابن 7.

ص: 344


1- أی قبل أن یمرّ علیه عام.
2- البقرة : 195.
3- یقال : فلان قموص الحنجرة ؛ أی کذّاب. (المؤلف)
4- افتجر فی الکلام : أی اختلقه وذکره من غیر أن یسمعه من أحد. (المؤلف)
5- أفجس : افتخر بالباطل. (المؤلف)
6- عمدة التحقیق : ص 227.

منیر (1) خرج جماعة من شبّان حلب یتفرّجون ، فقال بعضهم لبعض : قد سمعنا أنّه لا یموت أحد ممّن کان یسبّ أبا بکر وعمر إلاّ ویمسخه الله تعالی فی قبره خنزیراً ، ولا شکّ أنّ ابن منیر کان یسبّهما ، فأجمعوا رأیهم علی المضیّ إلی قبره ، فمضوا ونبشوه ، فوجدوا صورته خنزیراً ووجهه منحرفاً عن جهة القبلة إلی جهة الشمال ، فأخرجوه علی قبره لیشاهده الناس ، ثمّ بدا لهم أن یحرقوه فأحرقوه بالنار وأعادوه فی قبره وردّوا علیه التراب وانصرفوا.

وذکره العلاّمة الجردانی فی مصباح الظلام (2) المؤلّف سنّة (1301) والمطبوع بمصر سنة (1347) وقرّظه جمع من الأعلام ألا وهم کما فی آخر الکتاب : العالم العفیف السیّد محمود أنسی الشافعی الدمیاطی ، والعلاّمة الشیخ محمد جودة ، والعلاّمة الأوحد الشیخ محمد الحمامصی ، وحضرة الفاضل اللبیب الشیخ عطیة محمود قطاریة ، والعالم العامل الشیخ محمد القاضی ، وحضرة الشاعر اللبیب محمد أفندی نجل العلاّمة الشیخ محمد النشّار.

لیست هذه النفثات إلاّ کتیت (3) الإحن ، ونغران (4) الشحناء. وإن شئت قلت : إنّها سکرة الحبّ ، وسرَف المغالاة. قد أعمت الأهواء بصائر أولئک الرجال فجاؤوا بهذه المخاریق المخزیة ، والأفائک المزخرفة ، بیّتوها غیر مکترثین لمغبّة صنیعهم ، ولا متحاشین عن معرّة قیلهم ، وشتّان بینها وبین أدب الدین ، أدب العلم ، أدب التألیف ، أدب العفّة ، أدب الدعایة والنشر : (وَإِنَّهُمْ لَیَقُولُونَ مُنْکَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (5) 2.

ص: 345


1- أحد شعراء الغدیر ، مرّت ترجمته فی الجزء الرابع : ص 326 - 337 مات فی دمشق ثمّ نقل إلی حلب فدفن بها. (المؤلف)
2- مصباح الظلام : 2 / 57 ح 362.
3- الکتیت : صوت غلیان القدر والنبیذ ونحوهما. (المؤلف)
4- نغر الرجل علی فلان نغراً ونغراناً : غلا جوفه علیه غضباً. (المؤلف)
5- المجادلة : 2.

(وَلا یَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ یُبَیِّتُونَ ما لا یَرْضی مِنَ الْقَوْلِ) (1).

کأنّ هؤلاء یحدّثون عن أُمّة بائدة لم یُبقِ لها الملوان من یشاهده أحد من الأجیال الحاضرة ، أو لیست الشیعة هؤلاء الذین هم مبثوثون فی أرجاء العالم وأجواء الأمم ، یشاهدهم کلّ ذی بصر وبصیرة أحیاءً وأمواتاً؟ فمن ذا الذی شهد أحدهم أنّه انقلب عند موته خنزیراً غیر أولئک الشبّان الموهومین الذین شاهدوا ابن منیر فی قبره؟ وهل الشیخ علیا المالکی هو وجد أحداً من الشیعة کما وصفه؟ أو رُوی له ذاک الإفک فوثق به کما وثق العبیدی؟ وهل کان یمکنه أن یقف علی الموتی جمیعاً أو أکثرهم ولیس هو بمغسّل الموتی أو من حفّاری القبور ولا من نبّاشیها؟

علی أنّ التشیّع لیس من ولائد تلکم العصور وإنّما بدأ به منذ العهد النبویّ ، فهل کان السلف الشیعیّ من الصحابة والتابعین یموتون کذلک وکان فیهم من یعرف بالتشیّع کأبی ذر وسلمان وعمّار والمقداد وأبی الطفیل؟ فهل یسحب هذا الرجل ذیل مزعمته إلی ساحة أُولئک الأعاظم؟ قطعت جهیزة قول کلّ خطیب (2).

- 10 -

أبو بکر شیخ یُعرف والنبیّ شابّ لا یُعرف

عن أنس بن مالک قال : أقبل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی المدینة ، وأبو بکر شیخ یُعرف والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم شابّ لا یُعرف ؛ فیلقی الرجل أبا بکر (3) فیقول : یا أبا بکر من هذا الذی ف)

ص: 346


1- النساء : 108.
2- مثل یضرب لمن یقطع علی الناس ما هم فیه بحماقة یأتی بها [ مجمع الأمثال : 2 / 474 رقم 27830 ]. (المؤلف)
3- فی الانتقال من بنی عمرو. کذا قاله القسطلانی فی إرشاد الساری : 6 / 214 [ 8 / 440 رقم 3911 ] وبنو عمرو بن عوف هم من الأنصار النازلین بقباء کان قد نزل علیهم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فی هجرته إلی المدینة کما یأتی تفصیله. (المؤلف)

بین یدیک؟ فیقول : یهدینی السبیل ، فیحسب الحاسب أنّه یهدیه الطریق وإنّما یعنی سبیل الخیر.

وفی لفظ : إنّ أبا بکر کان ردیف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکان أعرف بذلک الطریق فیراه الرجل یعرفه فیقول : یا أبا بکر من هذا الغلام بین یدیک؟ وفی لفظ أحمد : کانوا یقولون : یا أبا بکر ما هذا الغلام بین یدیک؟ فیقول : هذا یهدینی السبیل. وفی لفظ : قالوا : یا أبا بکر من هذا الذی تعظّمه هذا الإعظام؟ قال : هذا یهدینی الطریق وهو أعرف به منّی.

وفی روایة : رکب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وراء أبی بکر ناقته. وفی التمهید لابن عبد البرّ : أنّه لمّا أُتی براحلة أبی بکر سأل أبو بکر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یرکب ویردفه ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : بل أنت ارکب وأردفک أنا فإنّ الرجل أحقّ بصدر دابّته ، فکان إذا قیل له : من هذا وراءک؟ قال : هذا یهدینی السبیل.

وفی لفظ : لمّا قدم صلی الله علیه وآله وسلم المدینة تلقّاه المسلمون ، فقام أبو بکر للناس ، وجلس النبیّ صامتاً ، وأبو بکر شیخ والنبیّ شابّ ، فطفق من جاء من الأنصار ممّن لم یر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یجیء (1) أبا بکر فیعرّفه بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حتی أصابت الشمس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأقبل أبو بکر حتی ظلّل علیه برادئه ، فعرفه الناس عند ذلک.

صحیح البخاری باب هجرة النبیّ (6 / 53) ، سیرة ابن هشام (2 / 109) ، طبقات ابن سعد (1 / 222) ، مسند أحمد (3 / 287) ، معارف ابن قتیبة (ص 75) ، الریاض النضرة (1 / 78 ، 79 ، 80) ، المواهب اللدنیّة (1 / 86) ، السیرة الحلبیة (2 / 46 ، 61) (2). 4.

ص: 347


1- کذا فی السیرة الحلبیة ، وفی غیرها من المصادر : یحیِّی.
2- صحیح البخاری : 3 / 1421 ح 3694 ، سیرة ابن هشام : 2 / 137 ، الطبقات الکبری : 1 / 235 ، مسند أحمد : 4 / 205 ح 13649 ، المعارف : ص 172 ، الریاض النضرة : 1 / 103 - 105 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 306 ، السیرة الحلبیّة : 2 / 41 - 42 ، 54.

قال الأمینی : ما أنزل الدهر نبیّ الإسلام حتی قیل : إنّه شابّ لا یُعرف. کأنّه غلام نکرة اتّخذه شیخ انتشر صوته کصیته بین الناس دلیلاً فی مسیره یرتدفه تارة ویمشّیه بین یدیه أخری ، ومهما سئل عنه یقول : هذا یهدینی الطریق وهو أعرف به منّی ، کأنّ نبی الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم لم یکن ذلک الذی کان یعرض نفسه علی القبائل فی کلّ موسم فعرفوه علی بَکرة أبیهم من آمن منهم ومن لم یؤمن ، خصوصاً الأنصار المدنیین منهم وفیهم رجال الأوس والخزرج ، وقد بایعوه عند العقبة الأولی مرة ، وبایعه منهم مرّة ثانیة عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان.

وکأنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یکن ذلک الذی أمر أصحابه بالهجرة إلی المدینة قبله ، وکان بتلک الهجرة غلّقت أبواب ، وخلت دور أُناس من السکنی وهاجر أهلها رجالاً ونساءً وکان فی مقدّم المهاجرین ما یناهز ستّین رجلاً ، فلم یبق فی مکة المعظّمة من أسلم معه صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ أمیر المؤمنین وأبو بکر وکأنّ المدینة لیست بدار بنی النجّار وهم خؤولة النبیّ الأقدس.

وکأنّه صلی الله علیه وآله وسلم لم یکن الذی اتّخذ المدینة قاعدة ملکه ، وعاصمة حکومته ، ومعسکر نهضته ، فبثّ فیها رجاله وخاصّته من أهلها ومن المهاجرین ، فکانوا یرقبون مقدمه الشریف فی کلّ حین حتی إذا وافوه مقبلاً علیهم استقبلوه بقضّهم وقضیضهم وفیهم أهل البیعتین ومن تقدّمه من المهاجرین وکلّهم یعرفونه کما یعرفون أبناءهم ، وأنّه صلی الله علیه وآله وسلم مکث فی قباء عند بنی عمرو بن عوف أیّاماً ولیالی حتی أسّس مسجده الشریف فیها ، فعرفه کلّ من فی قباء ممّن لم یکن یعرفه قبل من رجال الأوس والخزرج ، واتّصل به کلّ من قدمها من المدینة فعرفوه جمیعاً ، وقد صلّی الجمعة فی قباء وفی بطن الوادی وادی رانونا وائتمّ به من حضر من المسلمین عامّة.

وبقضاء من الطبیعة أنّ الناس عند التطلّع إلی رؤیته صلی الله علیه وآله وسلم کان یومی إلیه کلّ عارف ، ویسأل عنه کلّ جاهل ، ویتقدّم المبایعون إلی التعرّف به والتزلّف إلیه ، فلا

ص: 348

یبقی فی المجتمع جاهل به حتی یسأل أبا بکر عنه فی انتقاله من بنی عمرو بقوله : من هذا الغلام بین یدیک یا أبا بکر؟

فکأنّ القادم رجل عادی ما دوّخ صیته الأقطار ، ولم یره بشر من ذلک الجمع الحافل ، ولم یحتفل به ذلک الاحتفال ، ولا احتفی به تلک الحفاوة ، وما صعدت ذوات الخدور علی الأجاجیر (1) وما هزجت الصبیان والولائد بقولهنّ :

طلع البدر علینا

من ثنّیات الوداعِ

وجب الشکر علینا

ما دعا لله داع

أیُّها المبعوث فینا

جئت بالأمر المطاعِ

وکأنّه قدم فی صورة منکرة بلا أیّ تقدمة إلی بلد لا یعرفه فیه أحد حتی خصّ السؤال عنه بأبی بکر فحسب.

ثمّ ما هذه التعمیة فی جواب أبی بکر بقوله : إنّه یهدینی السبیل. یرید سبیل السعادة فیحسب الحاسب أنّه یهدیه الطریق؟ ألخوف کانت ولم یَرِد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ علی العدّة والعدد والمتعة والعزّة ، وقد بایعته الأنصار علی التفانی دونه؟ أو کان یخاف أبو بکر قریشاً وهو فی حصن الدین المنیع ودرعه الحصینة؟ أم کانت لغیر ذلک؟ فاسأل عنه خبیراً. والعجب کلّ العجب أنّ رجلاً هذه سیرته فی التقیّة عن الناس فی عاصمة الإسلام بین فرسان المهاجرین والأنصار کیف صحّ عنه ما جاء عن ابن مسعود وما روی عن مجاهد مرسلاً من قولهم : إنّ أوّل من أظهر الاسلام سبعة : رسول الله ، وأبو بکر إلی آخره (2). ف)

ص: 349


1- جمع الإجّار بکسر الأول وتشدید الجیم : السطح. (المؤلف)
2- تاریخ ابن کثیر : 3 / 58 [ 3 / 38 ] ، تاریخ ابن عساکر : 6 / 448 [ 24 / 221 رقم 2905 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 11 / 113 ]. (المؤلف)

علی أنّ الحالة کانت تقتضی أن یُسأل کلّ قادم إلی المدینة یوم ذاک عن شخص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأوان نزوله بها لا عن الغلام بین أیدی أبی بکر.

والعجب أنّ الجهل برسول الله فی مزعمة هذا الراوی کان مستمرّا بین مستقبلیه - وکلّهم نفوسهم نزّاعة إلی عرفانه والتبرّک برؤیته - حتی ظلّله أبو بکر بردائه فعرفه الناس عند ذلک.

ومتی کان أبو بکر شیخاً والنبیّ شابّا وهو صلی الله علیه وآله وسلم أکبر منه بسنتین وعدّة أشهر کما یأتی تفصیله إن شاء الله؟ وابن قتیبة أخذ هذا الحدیث بظاهره فقال فی المعارف (1) (ص 75):

هذا الحدیث یدلّ علی أنّ أبا بکر کان أسنّ من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمدّة طویلة ، والمعروف عند أهل الأخبار ما حکیناه. انتهی. وحکی قبل هذا أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو أکبر سنّا من أبی بکر.

نعم ؛ عرف شرّاح البخاری من المتأخّرین موضع الغمز ، فأوّلوا کون أبی بکر شیخاً بظهور الشیب فی لحیته ، وکون النبیّ شابّا بسواد کریمته ، والعارف بأسالیب الکلام یعلم أنّه تمحّل محض ، وأنّ المفهوم من تلک کما فهمه ابن قتیبة ؛ کون أبی بکر شیخاً ورسول الله شابّا لا غیر ذلک. وإلاّ فما معنی قولهم : ما هذا الغلام بین یدیک؟ أو : من هذا الغلام بین یدیک؟ ومن المعلوم أنّ الغلام لا یطلق علی من عمره خمسون سنة تقریباً مهما اسودّ عارضه.

وعلی صحّة هذا التأویل أین المؤوّلون من صحیحة ابن عبّاس ، قال : قال أبو بکر : یا رسول الله قد شبت. قال : «شیّبتنی هود والواقعة» الحدیث. وروی مثله الحفّاظ عن ابن مسعود ، وفی لفظ أبی جحیفة : قالوا : یا رسول الله نراک قد شبت. 2.

ص: 350


1- المعارف : ص 172.

قال : «شیّبتنی هود وأخواتها» (1).

فهذه الصحیحة تعرب عن أنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان قد بان فیه الشیب علی خلاف الطبیعة ، وأسرع فیه حتی أصبح مسؤولاً عنه وعمّا أثّره فیه صلی الله علیه وآله وسلم ، فأین منها ذلک التأویل البارد؟

وربما یُقال فی حلّ مشکلة - یُعرف ولا یُعرف - : إنّ أبا بکر کان تاجراً عرفه الناس فی المدینة عند اختلافه إلی الشام ، لکنّه علی فرض تسلیم کونه تاجراً ، وعلی تقدیر تسلیم سفره إلی الشام ودون إثباته خرط القتاد ، مقابل بأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أیضاً کان یحاول التجارة یستطرق المدینة إلی الشام ، فلو کانت التجارة بمجرّدها تستدعی معرفة الناس بالتاجر فهو فی النبیّ الأعظم أولی لأنّ شرفه المکتسب ، وشهرته بالأمانة ، وعظمته فی النفوس ، وتحلّیه بالفضائل ، وبروز عصمته وقداسته عند الناس من أوّل یومه ، وشرفه الطائل فی نسبه ؛ أجلب لتوجّه النفوس إلیه ، بخلاف التاجر الذی هو خلو من کلّ ذلک.

علی أنّ التاجر متی هبط مصراً فعارفوه رجال معدودون ممّن شارکوه فی الحرفة ، أو شارفوه فی المعاملة ، وهذا التعارف یخصّ بأُناس تُعدّ بالأنامل لا عامّة الناس کما حسبوه. وأنّی هذا من سفر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی المدینة وأبو بکر یوم ذاک یرضع من ثدی أُمّه ، خرجت به صلی الله علیه وآله وسلم [ أمّه ] لمّا بلغ ستّ سنین من عمره إلی أخواله بنی عدی بن النجّار بالمدینة تزور به أخواله ومعه أمّ أیمن ، فنزلت به فی دار النابغة ف)

ص: 351


1- أخرجه الحافظ الترمذی فی جامعه [ 5 / 375 ح 3297 ] ، والحکیم الترمذی فی نوادر الأصول [ 2 / 28 الأصل 186 ] ، وأبو یعلی [ فی المسند : 1 / 102 ح 107 ، 108 ، 2 / 184 ح 880 ] ، والطبرانی [ فی المعجم الکبیر : 6 / 148 ح 5804 ، 10 / 102 ح 10091 ] ، وابن أبی شیبة ، والحاکم فی المستدرک : 2 / 343 [ 2 / 374 ح 3314 ] وصحّحه هو وأقرّه الذهبی ، والقرطبی فی تفسیره : 7 / 1 [ 9 / 3 ] ، وأبو نصر فی اللمع : ص 280 [ ص 352 ] ، وابن کثیر فی تفسیره : 2 / 435 ، والخازن فی تفسیره : 2 / 335 [ 2 / 319 ]. (المؤلف)

رجل من بنی عدیّ بن النجار فأقامت به شهراً. وممّا وقع فی تلک السفرة :

قالت أُمّ أیمن : أتانی رجلان من الیهود یوماً نصف النهار بالمدینة فقالا : أخرجی لنا أحمد. فأخرجته ونظرا إلیه وقلّباه ملیّا ثمّ قال أحدهما لصاحبه : هذا نبیّ هذه الأُمّة ، وهذه دار هجرته ، وسیکون بهذه البلدة من القتل والسبی أمر عظیم. قالت أُمّ أیمن : وعیت ذلک کلّه من کلامهما (1). أبعد هذه کلّها ، وبعد تلکم الإرهاصات للنبوّة التی ملأت بین الخافقین ، وبعد ذلک الصیت الطائل الذی دوّخ الأقطار ، وبعد مضیّ خمسین سنة من عمره الشریف صلی الله علیه وآله وسلم رسول الله شابّ لا یُعرف وأبو بکر شیخ یُعرف ، یُسأل عنه : من هذا الغلام بین یدیک؟

ولإیضاح هذه الجمل من الحریّ أن نسرد کیفیّة هجرته صلی الله علیه وآله وسلم حتی تزید بصیرة القارئ علی موقع الإفک من هذه المجهلة المأثورة فی الصحاح والمسانید الصادرة عن الغلوّ فی الفضائل عمیاً وصمّا. فأقول :

الأنصار فی البیعتین :

کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعرض نفسه علی القبائل فی المواسم إذ کان یدعوهم إلی الله ویخبرهم أنّه نبیّ مرسل فعرض نفسه علی کندة ، وعلی بنی عبد الله بطن من کلب ، وعلی بنی حنیفة ، وعلی بنی عامر بن صعصعة ، وعلی قوم من بنی عبد الأشهل. فلمّا أراد الله عزّ وجلّ إظهار دینه ، وإعزاز نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم وإنجاز موعده له ، خرج صلی الله علیه وآله وسلم فی الموسم الذی لقی فیه النفر من الأنصار فعرض نفسه علی قبائل العرب کما کان یصنع فی کلّ موسم ، فبینما هو عند العقبة لقی رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خیراً وفیهم : أسعد بن زرارة أبو أُمامة النجاری ، وعوف بن الحرث بن عفراء ، ورافع بن مالک ، وقطبة بن عامر بن حدیدة ، وعقبة بن عامر بن نابی ، وجابر بن عبد الله. ف)

ص: 352


1- دلائل النبوّة لأبی نعیم : 1 / 50 [ 1 / 204 ح 99 ] ، صفة الصفوة لابن الجوزی : 1 / 20 [ 1 / 64 رقم 1 ] ، تاریخ ابن کثیر : 2 / 279 [ 2 / 340 ] ، بهجة المحافل : 1 / 44. (المؤلف)

فکلّمهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ودعاهم إلی الله ، وعرض علیهم الإسلام ، وتلا علیهم القرآن فأجابوه فیما دعا إلیهم ثمّ انصرفوا عنه صلی الله علیه وآله وسلم راجعین إلی بلادهم وقد آمنوا وصدّقوا.

فلمّا قدموا المدینة إلی قومهم ذکروا لهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ودعوهم إلی الإسلام حتی فشا فیهم ، فلم تبق دار من دور الأنصار إلاّ وفیها ذکر من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، حتی إذا کان العام المقبل وافی الموسم من الأنصار إثنا عشر رجلاً فلقوه بالعقبة الأولی فبایعوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی بیعة النساء وذلک قبل أن یفترض علیهم الحرب ، وهم : أبو أُمامة أسعد بن زرارة ، وعوف بن عفراء ، ومعاذ بن عفراء ، ورافع بن مالک ، وذکوان بن عبد قیس ، وعبادة بن الصامت ، ویزید بن ثعلبة ، والعبّاس بن عبادة ، وعقبة بن عامر ، وقطبة بن عامر ، وأبو الهیثم بن التیّهان ، وعویم بن ساعدة.

قال عبادة بن الصامت : بایعنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیلة العقبة الأولی : علی أن لا نشرک بالله شیئاً ، ولا نسرق ، ولا نزنی ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتی ببهتان نفتریه بین أیدینا وأرجلنا ، ولا نعصیه فی معروف.

فلمّا انصرف القوم عنه صلی الله علیه وآله وسلم بعث رسول الله معهم مصعب بن عمیر بن هاشم ابن عبد مناف (1) وأمره أن یقرئهم القرآن ، ویعلّمهم الإسلام ، ویفقّههم فی الدین ، ویقیم فیهم الجمعة والجماعة ، وکان مصعب یسمّی بالمدینة : المقرئ ، وکان منزله علی أسعد ابن زرارة أبی أُمامة النجاری. وکان یصلّی بهم الجمعة والجماعة فأقام عنده یدعوان الناس الی الإسلام حتی لم تبق دار من دور الأنصار إلاّ وفیها رجال ونساء مسلمون.

ثمّ إنّ مصعب بن عمیر رجع إلی مکّة ، وخرج من خرج من الأنصار من المسلمین إلی الموسم مع حجّاج قومهم من أهل الشرک حتی قدموا مکّة فواعدوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم العقبة من أوسط أیّام التشریق. قال کعب : فلمّا فرغنا من الحجّ وکانت اللیلة التی واعدنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرامب.

ص: 353


1- ابن عبد الدار بن قُصیّ بن کلاب.

أبو جابر سیّد من ساداتنا وشریف من أشرافنا أخذناه معنا ، ثمّ دعوناه إلی الإسلام فأسلم وشهد معنا العقبة ، وکان نقیباً ، فنمنا تلک اللیلة مع قومنا فی رحالنا ، حتی إذا مضی ثلث اللیل خرجنا من رحالنا لمیعاد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی اجتمعنا فی الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً ، ومعنا امرأتان من نسائنا : نسیبة بنت کعب أمّ عمارة ، وأسماء بنت عمرو أمّ منیع.

قال : فتکلّم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فتلا القرآن ودعا إلی الله ورغّب فی الإسلام ثمّ قال : «أبایعکم علی أن تمنعونی ممّا تمنعون منه نساءکم وأبناءکم». فأخذ البراء بن معرور بیده ثمّ قال : نعم والذی بعثک بالحقّ لنمنعنّک عمّا نمنع منه أُزُرَنا (1) فبایعنا یا رسول الله ، فنحن والله أهل الحروب ، وأهل الحلقة ، ورثناها کابراً عن کابر ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «أخرجوا إلیّ منکم اثنی عشر نقیباً لیکونوا علی قومهم بما فیهم». فأخرجوا منهم اثنی عشر نقیباً تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. وهم :

1 - أبو أمامة أسعد بن زرارة الخزرجی.

2 - سعد بن الربیع بن عمرو الخزرجی.

3 - عبد الله بن رواحة بن امرئ القیس الخزرجی.

4 - رافع بن مالک بن العجلان الخزرجی.

5 - البراء بن معرور بن صخر الخزرجی.

6 - عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجی.

7 - عبادة بن الصامت بن قیس الخزرجی.

8 - سعد بن عبادة بن دُلیم الخزرجی.

9 - المنذر بن عمرو بن خنیس الخزرجی.

10 - أسید بن حضیر بن سماک الأوسی. ف)

ص: 354


1- أزرنا : یعنی نساءنا ، والمرأة یُکنّی عنها بالإزار. (المؤلف)

11 - سعد بن خیثمة بن الحرث الأوسی.

12 - رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر الأوسی. وقد یعدّ بمکانه أبو الهیثم بن التّیهان.

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم للنقباء : «أنتم علی قومکم بما فیهم کفلاء ککفالة الحواریّین لعیسی بن مریم وأنا کفیل علی قومی - یعنی المسلمین -». قالوا : نعم.

قال العبّاس بن عبادة بن نضلة الأنصاری : یا معشر الخزرج هل تدرون علام تبایعون هذا الرجل؟ قالوا : نعم. قال : إنّکم تبایعونه علی حرب الأحمر والأسود من الناس ، فإن کنتم ترون أنّکم إذا نهکت أموالکم مصیبةً ، وأشرافکم قتلاً اسلمتموه فمن الآن ، فهو والله إن فعلتم خزی الدنیا والآخرة. وإن کنتم ترون أنکم وافون له بما دعوتموه إلیه علی نهکة الأموال وقتل الأشراف فهو والله خیر الدنیا والآخرة. قالوا : فإنّا نأخذه علی مصیبة الأموال وقتل الأشراف ، فما لنا بذلک یا رسول الله إن نحن وفینا؟ قال : «الجنّة». قالوا : ابسط یدک. فبسط یده فبایعوه.

فقال له العبّاس بن عبادة : والله الذی بعثک بالحقّ إن شئت لنمیلنّ علی أهل منی غداً بأسیافنا. قال : فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لم نُؤمر بذلک ولکن ارجعوا إلی رحالکم». فرجعوا إلی مضاجعهم. فلمّا قدموا المدینة أظهروا الإسلام بها وفی قومهم بقایا من شیوخ لهم علی دینهم من الشرک. وکان أهل بیعة العقبة الآخرة ثلاثة وسبعین رجلاً وامرأتین وهم :

أُسید بن حُضیر النقیب ، أبو الهیثم بن التیّهان النقیب ، سلمة بن سلامة الأسهلی ، ظهیر بن رافع الخزرجی ، أبو بردة بن نِیار بن عمرو ، نُهَیر بن الهیثم الحارثی ، سعد بن خیثمة النقیب ، رفاعة بن عبد المنذر النقیب ، عبد الله بن جبیر

ص: 355

ابن النعمان ، معن بن عدیّ بن الجد ، عویم بن ساعدة الأوسی ، أبو أیّوب خالد الأنصاری ، معاذ بن الحارث الأنصاری ، أسعد بن زرارة النقیب ، سهیل بن عتیک النجاری ، أوس بن ثابت الخزرجی ، أبو طلحة زید بن سهل ، قیس بن أبی صعصعة النجاری ، عمرو بن غزیة الخزرجی ، سعد بن الربیع النقیب ، خارجة بن زید الخزرجی ، عبد الله بن رواحة النقیب ، بشیر بن سعد الخزرجی ، خلاّد بن سوید الخزرجی ، عقبة بن عمرو الخزرجی ، زیاد بن لبید الخزرجی ، فروة بن عمرو الخزرجی ، خالد بن قیس الخزرجی ، رافع بن مالک النقیب ، ذکوان بن عبد قیس الخزرجی ، عبادة بن قیس الخزرجی ، الحارث بن قیس الخزرجی ، البراء بن معرور النقیب ، بشر بن البراء الخزرجی ، سنان بن صیفی الخزرجی ، الطفیل بن النعمان الخزرجی ، معقل بن المنذر الخزرجی ، یزید بن المنذر الخزرجی ، مسعود بن یزید الخزرجی ، الضحّاک بن حارثة الخزرجی ، یزید بن خزام الخزرجی ، جبار بن صخر الخزرجی ، الطفیل بن مالک الخزرجی ، کعب بن مالک الخزرجی ، سلیم بن عمرو الخزرجی ، قطبة بن عامر الخزرجی ، یزید بن عامر الخزرجی ، کعب بن عمرو الخزرجی ، صیفی بن سواد الخزرجی ، ثعلبة بن غنمة السلمی ، عمرو بن غنمة السلمی ، عبد الله بن أنیس السلمی ، خالد بن عمرو السلمی ، عبد الله بن عمر النقیب ، جابر بن عبد الله السلمی ، ثابت بن ثعلبة السلمی ، عمیر بن الحارث السلمی ، خدیج ابن سلامة بن الفرافر ، معاذ بن جبل الخزرجی ، أوس بن عباد الخزرجی ، عبادة بن الصامت النقیب ، غنم بن عوف الخزرجی ، العبّاس بن عبادة الخزرجی ، أبو عبد الرحمن بن یزید الخزرجی ، عمرو بن الحرث الخزرجی ، رفاعة بن عمرو الخزرجی ، عقبة بن وهب الجشمی ، سعد بن عبادة النقیب ، المنذر بن عمرو النقیب ، عوف بن الحارث الأنصاری ، معوذ بن الحارث الأنصاری ، عمارة بن حزم الأنصاری ، عبد الله بن زید مناة الخزرجی.

ص: 356

نبأ الهجرة :

فلمّا عتت قریش علی الله عزّ وجلّ ، وردّوا علیه ما أرادهم به من الکرامة ، وکذّبوا نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم ، وعذّبوا ونفوا من عبده ووحّده وصدّق نبیّه واعتصم بدینه أذن الله عزّ وجلّ لرسوله صلی الله علیه وآله وسلم فی القتال فنزل قوله تعالی (أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) (1) ثمّ الآیة أنزل الله تعالی : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلَّهِ) (2).

فلمّا أذن الله تعالی له صلی الله علیه وآله وسلم فی الحرب وتابعه هذا الحیّ من الأنصار علی الإسلام والنصرة له ولمن اتّبعه ، وأوی إلیهم من المسلمین ، أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أصحابه من المهاجرین من قومه ومن معه بمکّة من المسلمین بالخروج إلی المدینة والهجرة إلیها ، واللحوق بإخوانهم من الأنصار ، وقال : إنّ الله عزّ وجلّ قد جعل لکم إخواناً وداراً تأمنون بها. فخرجوا أرسالاً (3) وأقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمکة ینتظر أن یأذن له ربّه فی الخروج من مکّة والهجرة إلی المدینة ، فهاجر بنو جحش فغلّقت دورهم هجرة تخفق أبوابها یَبابا ، لیس فیها ساکن خلاء من أهلها. وکان بنو غنم بن دودان أهل إسلام قد أوعبوا إلی المدینة هجرةً نساءهم ورجالهم ، ثمّ تتابع المهاجرون وفیهم :

أبو سلمة بن عبد الأسد ، عامر بن ربیعة الکعبی ، عبد الله بن جحش ، عبد بن جحش أبو أحمد ، عکاشة بن محصن ، شجاع بن وهب ، عقبة بن وهب ، عربد بن حمیر ، منقذ بن نباتة ، سعید بن رُقیش ، محرز بن نضلة ، یزید بن رُقیش ، قیس بن ة.

ص: 357


1- الحج : 39.
2- الانفاق : 39.
3- أرسالاً : جماعة فی إثر جماعة.

جابر ، عمرو بن محصن ، مالک بن عمرو ، صفوان بن عمرو ، ثقف بن عمرو ، ربیعة بن أکثم ، الزبیر بن عبیدة ، تمام بن عبیدة ، سخبرة بن عبیدة ، محمد بن عبد الله بن جحش ، عمر بن الخطّاب ، عیاش بن أبی ربیعة ، زید بن الخطّاب ، عمرو بن سراقة ، عبد الله بن سراقه ، خنیس بن حذافة ، إیاس بن البکیر ، عاقل بن البکیر ، عامر بن البکیر ، خالد بن البکیر ، طلحة بن عبید الله ، حمزة بن عبد المطّلب ، صهیب بن سنان ، زید بن حارثة ، کنار بن حصین ، عبیدة بن الحارث ، الطفیل بن الحارث ، الحصین بن الحرث ، مسطح بن أثاثة ، سویبط بن سعد ، طلیب بن عمیر ، خبّاب مولی عتبة ، عبد الرحمن بن عوف ، الزبیر بن عوام ، أبو سبرة بن أبی رهم ، مصعب بن عمیر ، أبو حذیفة بن عتبة ، سالم مولی أبی حذیفة ، عتبة بن غزوان ، عثمان بن عفان ، أنسة مولی رسول الله ، أبو کبشة مولی رسول الله.

وأقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بمکة بعد أصحابه من المهاجرین ینتظر أن یؤذن له فی الهجرة. ولم یتخلّف معه بمکّة أحد من المهاجرین إلاّ من حُبس أو فُتن ، إلاّ علیّ بن أبی طالب وأبو بکر بن أبی قحافة حتی إذا کان الیوم الذی أذن الله فیه لرسوله صلی الله علیه وآله وسلم فی الهجرة والخروج من مکّة من بین ظهری قومه ، وما کان یعلم بخروجه صلی الله علیه وآله وسلم أحد حین خرج إلاّ علیّ بن أبی طالب وأبو بکر الصدّیق وآل أبی بکر ، أما علیّ فإنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخبره بخروجه وأمره أن یتخلّف بعده بمکّة ، حتی یؤدّی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الودائع التی کانت عنده للناس ، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیس بمکّة أحد عنده شیء یخشی علیه إلاّ وضعه عنده لما یعلم من صدقه وأمانته صلی الله علیه وآله وسلم.

فلمّا أجمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الخروج خرج ومعه أبو بکر ثمّ عمدا إلی غارٍ بثور - جبل بأسفل مکّة - فدخلاه فأقام فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثلاثاً ومعه صاحبه.

ثمّ خرج بهما دلیلهما عبد الله بن أرقط سلک بهما أسفل مکّة ثمّ مضی بهما علی

ص: 358

الساحل أسفل من عُسفان (1) ثمّ سلک بهما علی أسفل أمج (2) ثمّ استجاز بهما حتی عارض بهما الطریق بعد أن أجاز قُدَیداً (3) ثمّ أجاز بهما من مکانه ذلک فسلک بهما الخرّار (4) ثمّ سلک بهما ثنیّة (5) المرة ، ثمّ سلک بهما لقفاً (6) ، ثمّ استبطن بهما مدلجة مجاج (7) ثمّ سلک بهما مرجح مجاج ثمّ تبطّن بهما مرجح (8) من ذی العضوین - الغضوین - ثمّ بطن ذی کشر (9) ثمّ أخذ بهما علی الجداجد (10) ثمّ علی الأجرد (11) ثمّ سلک بهما ذا سلم من بطن أعدا مدلجة تعهن (12) ثمّ علی العبابید (13) ثمّ أجاز بهما الفاجة (14) ثمّ هبط بهما العرْج (15) ، فحمل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رجل من أسلم یقال له أوس بن حجر علی جمل له - یقال له : ابن الرداء - إلی المدینة ، وبعث معه غلاماً له ، یقال له مسعود بن هُنیدة ، ثمّ خرج بهما دلیلهما من العرج فسلک بهما ثنیّةف)

ص: 359


1- بضم الأوّل ثمّ السکون : محل من مکّة علی مرحلتین [ معجم البلدان : 4 / 121 ]. (المؤلف)
2- بفتح الهمزة والمیم : بلد من أعراض المدینة [ معجم البلدان : 249 ]. (المؤلف)
3- بضم الأوّل وفتح الدال : موضع فیه ماء بین مکّة والمدینة. بها منازل خزاعة. (المؤلف)
4- بفتح المعجمة وتشدید الراء : موضع قرب الجحفة. (المؤلف)
5- ثنیة المرة مخفف الراء. (المؤلف)
6- ویقال : لقف بالتحریک. وبفتح اللام وسکون الفاء. وبکسر اللام وسکون الفاء. (المؤلف)
7- بفتح المیم وکسره بجیمین وصحّحه بعض بفتح المیم ثمّ المعجمة وآخره مهملة. (المؤلف)
8- بفتح المیم وسکون الراء بعدها معجمة مکسورة وآخره مهملة. (المؤلف)
9- بفتح الکاف وسکون الشین وآخره مهملة. (المؤلف)
10- بالمعجمتین والمهملتین بینهما ألف. من الآبار القدیمة. (المؤلف)
11- اسم جبل هناک. (المؤلف)
12- تعهن بکسر أوّله وهائه وتسکین العین وآخره نون : اسم عین ماء سمّی به علی ثلاثة أمیال من السقیا بین مکّة والمدینة ، ویقال فی ضبطه غیر هذا. (المؤلف)
13- ویقال : العبابیب ، ویقال : العثیانة. (المؤلف)
14- ویقال : الفاحة بالمهملة. والقاحة : مدینة علی ثلاث مراحل من المدینة. (المؤلف)
15- بفتح العین وسکون الراء : عقبة بین مکّة والمدینة. (المؤلف)

العائر (1) عن یمین رکوبة (2) حتی هبط بهما بطن رئم (3) ثمّ قدم بهما قباء (4) علی بنی عمرو بن عوف حین اشتدّ الضحاء وکادت الشمس تعتدل.

ولمّا دنوا من قباء بعثوا رجلاً من أهل البادیة إلی أبی أمامة وأصحابه من الأنصار ، فثار المسلمون إلی السلاح واستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار فوافوه وهو مع أبی بکر فی ظلّ نخلة ، ثمّ قالوا لهما : ارکبا آمنین مطاعین. فعدل بهم ذات الیمین حتی نزل بقباء فی دار بنی عمرو بن عوف ، فأقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقباء فی بنی عمرو بن عوف یوم الإثنین ویوم الثلاثاء ویوم الأربعاء ویوم الخمیس وأسّس مسجده ، وقد یقال کما فی سنن أبی داود (5) (1 / 74) : إنّه أقام فی قباء أربع عشرة لیلة ، وحکی موسی ابن عقبة اثنتین وعشرین لیلة. وقال البخاری (6) : بضع عشرة لیلة ، وبقباء کانت منازل الأوس والخزرج.

ثمّ أخرجه الله من بین أظهرهم یوم الجمعة فأدرکت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الجمعة فی بنی سالم بن عوف فصلاّها فی المسجد الذی فی بطن الوادی وادی رانوناء ، فکانت أوّل جمعة صلاّها بالمدینة.

قال عبد الرحمن بن عویم : حدّثنی رجال من قومی من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم 4.

ص: 360


1- قال محمد یحیی الدین المصری فی حاشیة سیرة ابن هشام : 2 / 108 : لم یذکر یاقوت العائر لا بالعین المهملة ولا بالغین المعجمة. أقول : ذکره فی العین المهملة : 6 / 103 [ معجم البلدان : 4 / 73 ] وقال : جبل بالمدینة. وفی حدیث الهجرة : ثنیة العائر عن یمین رَکوبة. ویقال : ثنیة الغائر ، بالغین المعجمة. انتهی ملخّصاً. (المؤلف)
2- بفتح الراء : ثنیة صعبة عند العرج. (المؤلف)
3- بکسر الراء المهملة موضع علی أربعة برد من المدینة. وقیل : ثلاثة برد. (المؤلف)
4- بضم أوّله : قریة علی میلین من المدینة. (المؤلف)
5- سنن أبی داود : 1 / 123 ح 453.
6- صحیح البخاری : 3 / 1421 ح 3694.

قالوا : لمّا سمعنا بمخرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من مکّة وتوکّفنا (1) قُدومه کنّا نخرج إذا صلّینا الصبح إلی ظاهر حرّتنا ننتظر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فو الله ما نبرح حتی تغلبنا الشمس علی الظلال ، فإذا لم نجد ظلاّ دخلنا ، وذلک فی أیّام حارّة.

فلمّا قدم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المدینة وصلّی الجمعة أتاه عتبان بن مالک وعبّاس بن عبادة بن نضلة فی رجال من بنی سالم بن عوف ، فقالوا : یا رسول الله أقم عندنا فی العدد والعُدّة والمنعة. قال : «خلّوا سبیلها فإنّها مأمورة» - یعنی ناقته - فخلّوا سبیلها. فانطلقت ، حتی إذا وازنت دار بنی بیاضة ، تلقّاه زیاد بن لبید ، وفروة بن عمرو فی رجال من بنی بیاضة ، فقالوا : یا رسول الله هلمّ إلینا إلی العَدَد والعدّة والمنعة. قال : «خلّوا سبیلها فإنّها مأمورة» ، فخلّوا سبیلها. فانطلقت ، حتی إذا مرّت بدار بنی ساعدة ، اعترضه سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو فی رجال من بنی ساعدة ، فقالوا : یا رسول الله هلمّ إلینا إلی العَدَد والعُدّة والمنعة. قال : «خلّوا سبیلها فإنّها مأمورة» ، فخلّوا سبیلها. فانطلقت ، حتی إذا وازنت دار بنی الحرث بن الخزرج اعترضه سعد ابن الربیع ، وخارجة بن زید ، وعبد الله بن رواحة فی رجال من بنی الحرث بن الخزرج ، فقالوا : یا رسول الله هلمّ إلینا إلی العَدَد والعُدّة والمنعة. قال : «خلّوا سبیلها فإنّها مأمورة». فخلّوا سبیلها. فانطلقت ، حتی إذا مرّت بدار بنی عدیّ بن النجار اعترضها سلیط بن قیس ، وأبو سلیط أسیرة بن أبی خارجة فی رجال من بنی عدیّ فقالوا : یا رسول الله هلمّ إلی أخوالک إلی العَدَد والعُدّة والمنعة. قال : «خلّوا سبیلها ، فإنّها مأمورة». فخلّوا سبیلها. فانطلقت ، حتی إذا أتت دار بنی مالک بن النجار ، برکت علی باب مسجده صلی الله علیه وآله وسلم وهو یومئذ مربد (2) لغلامین یتیمین من بنی النجّار : سهل وسهیل ابنی عمرو ، فلمّا برکت ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیها لم ینزل وثبَتْ ، فسارت غیرف)

ص: 361


1- استشعرناه وانتظرناه. (المؤلف)
2- بکسر المیم وفتح الباء بینهما مهملة ساکنة أصله الموضع الذی یجفّف فیه التمر. (المؤلف)

بعید ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم واضع لها زمامها لا یثنیها به ، ثمّ التفتت إلی خلفها فرجعت إلی مبرکها أوّل مرّة ، فبرکت فیه ، ثمّ تحلحلت (1) ورزمت (2) ووضعت جرانها (3) فنزل عنها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فاحتمل أبو أیّوب خالد بن زید رحله فوضعه فی بیته ونزل علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسأل عن المربد لمن هو؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو یا رسول الله لسهل وسهیل ابنی عمرو وهما یتیمان لی ، وسأرضیهما منه فاتّخذه مسجداً.

راجع (4) سیرة ابن هشام (2 / 31 - 114) ، تاریخ الطبری (2 / 233 - 249) ، طبقات ابن سعد (1 / 201 - 224) ، عیون الأثر (1 / 152 - 159) ، الکامل لابن الأثیر (2 / 38 ، 44) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 138 - 205) ، تاریخ أبی الفدا (1 / 121 - 124) ، الإمتاع للمقریزی (ص 30 - 47) ، السیرة الحلبیّة (2 / 3 - 61).

- 11 -

أبو بکر أسنّ من النبیّ

عن یزید (5) بن الأصم : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال لأبی بکر : أنا أکبر أو أنت؟ قال : لا بل أنت أکبر منّی وأکرم وخیر منّی ، وأنا أسنّ منک. ف)

ص: 362


1- تحلحلت : تحرکت. وقد یقال : تلحلحت. أی لزمت مکانها. (المؤلف)
2- وعند ابن الأثیر : أرزمت. أی رغت ورجعت فی رغائها. (المؤلف)
3- الجران ، ککتاب : قال السهیلی : أی عنقها. وقال غیره : الجران. ما یصیب الأرض من صدرها وباطن حلقها. (المؤلف)
4- السیرة النبویّة : 2 / 63 - 141 ، تاریخ الأُمم والملوک : 2 / 352 - 383 ، الطبقات الکبری : 1 / 225 - 238 ، عیون الأثر : 1 / 253 - 259 ، الکامل فی التاریخ : 1 / 520 حوادث السنة الأولی للهجرة ، البدایة والنهایة : 3 / 240 - 248 ، تاریخ أبی الفداء : 126 - 127 ، السیرة الحلبیّة : 2 / 41 - 60 ، الروض الأُنف : 4 / 181 - 233.
5- فی الریاض [ 1 / 160 ] : زید. والصحیح : یزید. (المؤلف)

أخرجه ابن الضحّاک ، وذکره أبو عمر فی الاستیعاب (2 / 226) ، والمحبّ الطبری فی الریاض النضرة (1) (1 / 127) ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (2) (ص 72) نقلاً عن خلیفة بن خیّاط ، وأحمد بن حنبل ، وابن عساکر (3).

قال الأمینی : أو لا تعجب من أُکذوبة تُعدّ أُکرومة؟ متی تصحّ روایة یزید بن الأصم عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولم یُدرکه ، فإنّ الرجل توفّی سنة (101 ، 103 ، 104) وهو ابن ثلاث وسبعین سنة ، فولادته بعد وفاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بدهر.

ثمّ متی کان أبو بکر أسنّ من النبیّ وقد وُلد صلی الله علیه وآله وسلم فی عام الفیل ، ووُلد أبو بکر بعد عام الفیل بثلاث سنین. وقال سعید بن المسیب : استکمل أبو بکر بخلافته سنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فتوفّی وهو بسنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ابن ثلاث وستین سنة. راجع :

المعارف (4) لابن قتیبة (ص 75) وقال : اتّفقوا علی أنّ عمره ثلاث وستون سنة ، فکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أسنّ من أبی بکر بمقدار سنّی خلافته. صحیح الترمذی (5) (2 / 288) وفیه : أنّه صلی الله علیه وآله وسلم توفّی وهو ابن خمس وستین سنة ، سیرة ابن هشام (1 / 205) ، تاریخ الطبری (6) (2 / 125 و 4 / 47) ، الاستیعاب (7) (1 / 335) وقال : لا یختلفون أنّ سنّه انتهت إلی حین وفاته ثلاثاً وستّین سنة إلاّ ما لا یصحّ ، وأنّه استوفی بخلافته بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقال فی الجزء الثانی (ص 626) بعد ذکر حدیث یزید الأصم : هذا الخبر لا یعرف إلاّ بهذا الإسناد ، وأحسبه وهماً لأنّ3.

ص: 363


1- الریاض النضرة : 1 / 160.
2- تاریخ الخلفاء : ص 99.
3- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 25 رقم 3398.
4- المعارف : ص 172.
5- سنن الترمذی : 5 / 564 ح 3650 ، 3651.
6- تاریخ الأُمم والملوک : 2 / 155 ، 3 / 216 حوادث سنة 13 ه.
7- الاستیعاب : القسم الثالث / 977 رقم 1633.

جمهور أهل العلم بالأخبار والسیر والآثار یقولون : إنّ أبا بکر استوفی بمدّة خلافته سنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. توفّی وهو ابن ثلاث وستین سنة (1). الکامل (1 / 185 و 2 / 176) ، أُسد الغابة (3 / 223) ، مرآة الجنان (1 / 56 ، 69) ، مجمع الزوائد (9 / 60) ، عیون الأثر (1 / 43) ، الإصابة (2 / 341 ، 344) ، السیرة الحلبیّة (3 / 396).

نعم : هذه المساءلة وقعت بینه صلی الله علیه وآله وسلم وبین سعید بن یربوع المخزومی کما رواها البغوی وابن مندة (2) ، وابن یربوع توفّی سنة (54) وله (120) سنة. وقیل : وزیادة أربع. ولمّا کانت شیبة أبی بکر وکبر سنّه هی الحجّة الوحیدة علی مخالفیه یوم السقیفة فأیّدها المغالون فی فضائله بأمثال هذه المخاریق المفتعلة ، وتحریف التاریخ عن مواضعه والله یعلم إنَّهم لکاذبون.

- 12 -

إسلام أبی بکر قبل ولادة علیّ

عن شبابة عن فرات بن السائب قال : قلت لمیمون بن مهران : أبو بکر الصدّیق أوّل إیماناً بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أم علیّ بن أبی طالب؟ قال : والله لقد آمن أبو بکر بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم زمن بحیرا الراهب ، واختلف فیما بینه وبین خدیجة حتی أنکحها إیّاه ، وذلک کلّه قبل أن یولد علیّ بن أبی طالب.

وعن ربیعة بن کعب (3) قال : کان إسلام أبی بکر شبیهاً بالوحی من السماء وذلک أنّه کان تاجراً بالشام فرأی رؤیا فقصّها علی بحیرا الراهب ، فقال له : من أین أنت؟ فقال : من مکّة. فقال : من أیّها؟ قال : من قریش. قال : فأیّ شیء أنت؟ قال : ف)

ص: 364


1- الکامل فی التاریخ : 2 / 75 حوادث سنة 13 ه ، أُسد الغابة : 3 / 334 رقم 3064 ، عیون الأثر : 1 / 64 ، السیرة الحلبیّة : 3 / 367.
2- الإصابة : 2 / 51 [ رقم 3291 ]. (المؤلف)
3- فی الخصائص الکبری [ 1 / 50 ] : عن کعب. وهو الصحیح. (المؤلف)

تاجر. قال : إن صدّق الله رؤیاک فإنّه یُبعث نبیّ من قومک تکون وزیره فی حیاته وخلیفته من بعد وفاته. فأسرّ ذلک أبو بکر فی نفسه حتی بُعث النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فجاءهُ فقال : یا محمد ما الدلیل علی ما تدّعی؟ قال : الرؤیا التی رأیت بالشام ، فعانقه وقبّل بین عینیه وقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّک رسول الله.

وقال الإمام النووی : کان أبو بکر أسبق الناس إسلاماً ، أسلم وهو ابن عشرین سنة ، وقیل : خمس عشرة سنة.

راجع (1) الریاض النضرة (1 / 51 ، 54) ، أُسد الغابة (1 / 168) ، تاریخ ابن کثیر (9 / 319) ، الصواعق المحرقة (ص 45) ، تاریخ الخلفاء للسیوطی (ص 24) ، الخصائص الکبری (1 / 29) ، نزهة المجالس (2 / 182).

قال الأمینی : هلمّ معی ننظر إلی هذه المراسیل هل توجد فیها مسحة من الصدق؟ أمّا روایة ابن مهران سنداً :

1 - فشبابة بن سوار (2) أبو عمرو المدائنی : قال أحمد : ترکته لم أکتب عنه للإرجاء وکان داعیة ، وقال ابن خراش : کان أحمد لا یرضاه وهو صدوق فی الحدیث ، وقال الساجی وابن عبد الله وابن سعد (3) والعجلی (4) وابن عدی (5) : إنّه کان یقول بالإرجاء.

وقبل هذه کلّها یظهر ممّا رواه أبو علی المدائنی : أنّه کان یبغض أهل بیت 5.

ص: 365


1- الریاض النضرة : 1 / 74 ، أُسد الغابة : 3 / 310 رقم 3064 ، البدایة والنهایة : 9 / 348 حوادث سنة 13 ه ، الصواعق المحرقة : ص 76 ، تاریخ الخلفاء : ص 32 ، الخصائص الکبری : 1 / 50.
2- فی میزان الاعتدال : سواد [ 2 / 260 رقم 3653 ، وفی الطبعة التی بین أیدینا : سوار ]. (المؤلف)
3- الطبقات الکبری : 7 / 320.
4- تاریخ الثقات : ص 214 رقم 651.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 45 رقم 905.

النبیّ صلوات الله علیهم ، وضربه الله بالفالج لدعاء من دعا علیه بقوله : اللهمّ إن کان شبابة یبغض أهل نبیّک فاضربه الساعة بالفالج ، ففلج فی یومه ومات. میزان الاعتدال (1 / 440). تهذیب التهذیب (1) (4 / 302).

2 - فرات بن السائب الجزری : قال البخاری : منکر الحدیث. وقال یحیی بن معین (2) : لیس بشیء ، منکر الحدیث. وقال الدارقطنی (3) وغیره : متروک. وقال أحمد بن حنبل : قریب من محمد بن زیاد الطحان فی میمون یتّهم بما یتّهم به ذاک. ومحمد بن زیاد هو الیشکری أحد الکذّابین الوضّاعین کما مرّ فی (5 / 258) ، ففرات عند إمام الحنابلة کذّاب وضّاع. وقال أبو حاتم (4) : ضعیف الحدیث ، منکر الحدیث. وقال الساجی : ترکوه. وقال النسائی : متروک الحدیث. وقال أبو أحمد الحاکم : ذاهب الحدیث. وقال ابن عدی (5) : له أحادیث غیر محفوظة وعن میمون مناکیر. میزان الاعتدال (6) (2 / 325) ، لسان المیزان (7) (4 / 430).

3 - میمون بن مهران : حسبه ما مرّ فی روایة فرات عنه ، أضف إلی ذلک قول العجلی : إنّه کان یحمل علی علیّ. کما فی تهذیب ابن حجر (8) (10 / 391). هب أنّه وثَّقه من وثّقه ، فما قیمته وقیمة حدیثه بعد تحامله علی علیّ أمیر المؤمنین صلوات الله علیه.

ثمّ قد أتی میمون فی حدیثه بأمرین : إسلام أبی بکر زمن بحیرا ، واختلافه فی 9.

ص: 366


1- تهذیب التهذیب : 4 / 264.
2- التاریخ : 4 / 421 رقم 5080.
3- الضعفاء والمتروکون : ص 325 رقم 433.
4- الجرح والتعدیل : 7 / 80 رقم 455.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 22 رقم 1570.
6- میزان الاعتدال : 3 / 341 رقم 6689.
7- لسان المیزان : 4 / 503 رقم 6522.
8- تهذیب التهذیب : 10 / 349.

زواج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من خدیجة. أمّا اختلافه بینه صلی الله علیه وآله وسلم وبین خدیجة فلم ینبّئ عنه قطّ خبیر. ولیس من الجائز أن یکون الوسیط فی قران رجل عظیم کمحمد وامرأة من بیت مجد وسؤدد ورئاسة کخدیجة ، شابّ حدث ابن اثنتین وعشرین سنة وللزوج أعمام أشراف أعاظم کالعبّاس وحمزة وأبی طالب وهو بینهم وفی بیتهم ، وکان عمّه أبو طالب کما یأتی یحبّه حبّا شدیداً لا یحبّ أولاده مثله ، وکان لا ینام إلاّ إلی جنبه ، ویخرجه معه حین یخرج (1) وکان هو الذی کلّم خدیجة حتی وکّلت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بتجارتها ، کما فی الامتاع للمقریزی (ص 8).

والذی جاء فی السیر والتاریخ فی أمر هذا القِران أنّ خدیجة بعثت إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورغبت فی زواجه لقرابته وأمانته وحسن خلقه وصدق حدیثه ، وعرضت نفسها علیه صلی الله علیه وآله وسلم ، فذکر ذلک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأعمامه فخرج معه عمّه حمزة وفی لفظ ابن الأثیر : خرج معه حمزة وأبو طالب وغیرهما من عمومته. حتی دخل علی خویلد بن أسد ، أو علی عمرو بن أسد عمّ خدیجة فخطبها إلیه فتزوّجها علیه وآله الصلاة والسلام ، وخطب أبو طالب علیه السلام خطبة النکاح ، فقال :

الحمد لله الذی جعلنا من ذریّة إبراهیم ، وزرع إسماعیل ، وضئضئ (2) معد ، وعنصر مضر ، وجعلنا حضنة بیته ، وسوّاس حرمه ، وجعل لنا بیتاً محجوجاً ، وحرماً آمناً ، وجعلنا الحکّام علی الناس ، ثمّ إنّ ابن أخی هذا محمد بن عبد الله لا یوزن برجل إلاّ رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً ، فإن کان فی المال قلّ فإنّ المال ظلّ زائل ، وأمر حائل ، ومحمد من قد عرفتم قرابته ، وقد خطب خدیجة بنت خویلد ، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالی کذا ، وهو والله بعد هذا له نبأ عظیم ، وخطر جلیل. فزوّجها. ن.

ص: 367


1- یأتی تفصیل ذلک فی الکلام عن أبی طالب علیه السلام. (المؤلف)
2- الضئضئ : الأصل والمعدن.

راجع (1) طبقات ابن سعد (1 / 113) ، تاریخ الطبری (2 / 127) ، أعلام الماوردی (ص 114) ، الصفوة لابن الجوزی (1 / 25) ، الکامل لابن الأثیر (2 / 15) ، تاریخ ابن کثیر (2 / 294) ، تاریخ الخمیس (1 / 299) ، عیون الأثر (1 / 49) ، أُسد الغابة (5 / 435) ، الروض الأنف (1 / 122) ، تاریخ ابن خلدون (2 / 172) ، المواهب اللدنیّة (1 / 50) ، السیرة الحلبیّة (1 / 149 ، 150) ، شرح المواهب للزرقانی (1 / 200) ، سیرة زینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 114).

فأین مزعمة ابن مهران من هذا التاریخ الصحیح المتواتر؟

وأمّا إسلام أبی بکر قبل ولادة علیّ أمیر المؤمنین زمن بحیرا الراهب فإنّه مأخوذ ممّا أخرجه ابن مندة (2) من طریق عبد الغنی بن سعید الثقفی عن ابن عبّاس : أنّ أبا بکر الصدّیق صحب النبیّ وهو ابن ثمانی عشرة سنة والنبیّ ابن عشرین وهم یریدون الشام فی تجارة ، حتی إذا نزل منزلاً فیه سدرة قعد فی ظلّها ومضی أبو بکر إلی راهب یقال له : بحیرا یسأله عن شیء.

هذه الروایة ضعّفها غیر واحد من الحفّاظ. قال الذهبی فی میزان الاعتدال (3) (2 / 243) : عبد الغنی ضعّفه ابن یونس. وأقرّ ضعفه ابن حجر فی لسانه (4) (4 / 45) ، وقال فی الإصابة (1 / 177) : أحد الضعفاء المتروکین. 6.

ص: 368


1- الطبقات الکبری : 1 / 131 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 281 ، أعلام النبوة : ص 180 ، صفة الصفوة : 1 / 73 - 74 رقم 1 ، الکامل فی التاریخ : 1 / 471 ، البدایة والنهایة : 2 / 358 ، تاریخ الخمیس : 1 / 263 ، عیون الأثر : 1 / 71 ، أُسد الغابة : 7 / 80 رقم 6867 ، الروض الأُنف : 2 / 238 ، تاریخ ابن خلدون : 2 / 409 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 192 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 137 - 139 ، السیرة النبویّة : 1 / 55.
2- أبو عبد الله محمد بن إسحاق الأصبهانی الحافظ الرحّال : المتوفّی 355. (المؤلف)
3- میزان الاعتدال : 2 / 642 رقم 5051.
4- لسان المیزان : 4 / 53 رقم 5236.

وذکره السیوطی فی الخصائص الکبری (1) (1 / 86) فقال : سند ضعیف ، وضعّفه القسطلانی فی المواهب (2) (1 / 50) ، والحلبی فی السیرة النبویّة (3) (1 / 130)

وأفظع من هذا روایة أخرجها الحفّاظ من طریق أبی نوح قراد عن یونس بن أبی إسحاق عن أبیه عن أبی بکر بن أبی موسی الأشعری عن أبی موسی قال : خرج ، أبو طالب إلی الشام ومعه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی أشیاخ من قریش ، فلمّا أشرفوا علی الراهب - یعنی بحیرا - هبطوا فحلّوا رحالهم فخرج إلیهم الراهب ، وکانوا قبل ذلک یمرّون به فلا یخرج ولا یلتفت إلیهم ، قال : فنزل وهم یحلّون رحالهم ، فجعل یتخلّلهم حتی جاء فأخذ بید النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : هذا سیّد العالمین ، هذا رسول ربّ العالمین ، هذا یبعثه الله رحمةً للعالمین ، إلی أن قال :

فبایعوه وأقاموا معه عنده ، فقال الراهب : أنشدکم الله أیّکم ولیّه؟ قالوا : أبو طالب. فلم یزل یناشده حتی ردّه ، وبعث معه أبو بکر بلالاً ، وزوّده الراهب من الکعک والزیت.

أخرجه (4) الترمذی فی صحیحه (2 / 284) فقال : حسن غریب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه ، والحاکم فی المستدرک (2 / 616) ، وأبو نعیم فی الدلائل (1 / 53) ، والبیهقی فی الدلائل ، والطبری فی تاریخه (2 / 195) ، وابن عساکر فی تاریخه (1 / 267) ، وابن کثیر فی تاریخه (2 / 284) ، نقلاً عن الحافظ أبی بکر الخرائطی والحفّاظ المذکورین ، 7.

ص: 369


1- الخصائص الکبری : 1 / 145.
2- المواهب اللدنیّة : 1 / 189.
3- السیرة الحلبیّة : 1 / 121.
4- سنن الترمذی : 5 / 550 ح 3620 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 672 ح 4229 ، دلائل النبوّة : 1 / 217 ح 109 ، دلائل النبوّة للبیهقی : 2 / 24 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 278 ، تاریخ مدینة دمشق : 3 / 4 - 8 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 2 / 6 ، البدایة والنهایة : 2 / 347 ، عیون الأثر : 1 / 63 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 187.

وابن سیّد الناس فی عیون الأثر (1 / 42) ، والقسطلانی فی المواهب (1 / 49).

رجال الروایة :

1 - أبو نوح قراد عبد الرحمن بن غزوان : قال عبّاس الدوری : لیس فی الدنیا أحد یحدّث بهذا الحدیث غیر قراد أبی نوح ، وقد سمعه منه أحمد ویحیی لغرابته وانفراده. تاریخ ابن کثیر (1) (2 / 285).

وقال الذهبی فی المیزان (2) (2 / 113) : کان یحفظ ، قوله مناکیر ، وأنکر ما له حدیث عن یونس - وذکر شطراً من الحدیث - فقال : وممّا یدلّ علی أنّه باطل قوله : وبعث معه أبو بکر بلالاً ، وبلال لم یکن خُلق بعد ، وأبو بکر کان صبیّا.

وقال فی تلخیص المستدرک تعلیقاً علی تصحیحه : قلت : أظنّه موضوعاً فبعضه باطل. وقال ابن حجر فی التهذیب (3) (6 / 248) : ذکره ابن حبّان فی الثقات (4) وقال : کان یخطئ یتخالج فی القلب منه لروایته عن اللیث قصّة الممالیک. وقال أحمد : هذا - یعنی حدیث الممالیک - باطل ممّا وضع الناس. وقال الدارقطنی : قال أبو بکر : أخطأ فیه قراد.

2 - یونس بن أبی اسحاق : ضعّف أحمد (5) حدیثه عن أبیه ، وقال : حدیثه عن أبیه مضطرب. وقال أبو حاتم (6) : کان صدوقاً إلاّ أنّه لا یُحتجّ بحدیثه. وقال أبو أحمد الحاکم : ربّما وهم فی روایته. تهذیب التهذیب (7) (11 / 434). وقال أبو حاتم : صدوق1.

ص: 370


1- البدایة والنهایة : 2 / 348.
2- میزان الاعتدال : 2 / 581 رقم 4934.
3- تهذیب التهذیب : 6 / 224.
4- الثقات : 8 / 375.
5- العلل ومعرفة الرجال : 2 / 519 رقم 3424 وفیه : حدیثه حدیث مضطرب.
6- الجرح والتعدیل : 9 / 244 رقم 1024.
7- تهذیب التهذیب : 11 / 381.

لا یحتج به. وقال ابن خراش : فی حدیثه لین. وقال ابن حزم فی المحلّی : ضعّفه یحیی وأحمد جداً. وقال أحمد : حدیثه مضطرب. میزان الاعتدال (1) (3 / 339).

3 - أبو إسحاق السبیعی : قال ابن حبّان (2) : مدلّس ، وذکره الکرابیسی فی المدلّسین ، وقال معن : أفسد حدیث أهل الکوفة الأعمش وأبو إسحاق للتدلیس. تهذیب التهذیب (3) (8 / 66) (4).

4 - أبو بکر بن أبی موسی توفّی سنة (106) ، ضعّفه ابن سعد (5) ، وقال أحمد (6) : لم یسمع من أبیه. تهذیب التهذیب (7) (12 / 41).

5 - أبو موسی الأشعری المتوفّی سنة (42 ، 50 ، 51 ، 53) : وهو ابن (63) سنة بلا خلاف أجده ، وقد وقعت الواقعة بعد عام الفیل بتسع سنین أو اثنی عشر عاماً قبل ولادة أبی موسی الأشعری (17 ، 22 ، 23 ، 25) عاماً ، فإن کان أبو موسی هو الشاهد للقصّة قبل مولده فحبّذا ، وإن کان یرویها عمّن شاهدها فمن هو حتی ننظر فی حاله؟ هذا شأن الروایة سنداً.

أهذه کلّها تخفی علی مثل الترمذی ومن بعده من الحفّاظ فیحکمون فیها بالحسن؟ أو بالصحّة کما فعله ابن حجر والحلبی؟ أنا لا أدری. نعم ؛ الحبّ یُعمی أو یُصمّ. 2.

ص: 371


1- میزان الاعتدال : 4 / 482 رقم 9914.
2- الثقات : 5 / 177.
3- تهذیب التهذیب : 8 / 59.
4- میزان الاعتدال : 2 / 270 رقم 6393.
5- الطبقات الکبری : 6 / 269.
6- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 541 رقم 1280.
7- تهذیب التهذیب : 12 / 42.

وأمّا متن الروایة فهو یکفی فی تکذیبها ، إذ سفر أبی طالبعلیه السلام إلی الشام وأخذه معه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان وقد مضی من عمره صلی الله علیه وآله وسلم تسع سنین علی ما قاله أبو جعفر الطبری والسهیلی وغیرهما ، أو اثنا عشر عاماً علی ما قاله آخرون (1) وکان أبو بکر یوم ذاک ابن ستّ أو تسع سنین ، فأین کان هو؟ وما ذا کان یصنع بالشام؟ وأیّ اختیار کان له بین شیوخ قریش؟ ولم تکن تنعقد نطفة بلال یوم ذاک أخذاً بقول من قال : إنّه توفّی سنة (25) وله بضع وستون سنة (2) أو أنّه ولد فی تلکم السنین أخذاً بقول ابن الجوزی فی الصفوة (3) (1 / 174) من أنّه مات سنة عشرین وهو ابن بضع وستّین سنة. کأنّ أبا بکر وُلد وهو شیخ وبلال عتیقه ، وکان معه من أوّل یومه ، وکان من یوم ولد له الحلّ والعقد!

ثمّ أیّ بیعة کانت یوم ذاک؟ وما معنی قول أبی موسی الأشعری : فبایعوه وأقاموا معه عنده؟ وأیّ إیمان وإسلام علی زعم رواة هذه الأفیکة ، وکان قبل البعثة بإحدی وثلاثین سنة ، أو ثمانیة وعشرین عاماً ، أو اثنین وعشرین ، أو سبع عشرة سنة علی زعم النووی؟ ولم تکن للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یومئذٍ دعوة ، ولا کلّف أحداً بالإیمان به ، فلا یُقال لمن عرف شیئاً من إرهاصات النبوّة إنّه أسلم یوم عرف وإلاّ لکان بحیرا الراهب ونسطور وأمثالهما من الرهبان والکهنة أقدم إسلاماً من أبی بکر ، وکم هنالک أُناس عرفوا أمر الرسالة قبلها وبشّروا بها ثمّ بعد البعثة عاندوا وحسدوا ، فمنهم من مات مشرکاً ، ومنهم من أدرکته الهدایة بعد حین کما یأتی فی کعب الأحبار بُعید هذا. وکیف أثبت ذلک الیوم إیماناً لأبی بکر وصار بذلک أقدم الناس إسلاماً ولم یُثبت لأبی 4.

ص: 372


1- طبقات ابن سعد : 1 / 102 [ 1 / 121 ] ، تاریخ الطبری : 2 / 278 ، تاریخ ابن عساکر : 1 / 2 ، 269 [ 3 / 9 ] ، تاریخ ابن کثیر : 2 / 285 [ 2 / 348 ] ، الروض الأُنف : 1 / 118 [ 2 / 221 ] ، إمتاع المقریزی : ص 8 ، عیون الأثر : 1 / 43 [ 1 / 64 ] ، شرح المواهب للزرقانی : 1 / 196. (المؤلف)
2- تهذیب التهذیب : 1 / 503 [ 1 / 441 ]. (المؤلف)
3- صفة الصفوة : 1 / 440 رقم 24.

طالب لا ذاک ولا غیره؟ وأبو موسی لم یستثنِ أبا طالب من أولئک الذین بایعوا یوم ذاک نظراء أبی بکر وبلال الخیالی.

قال الحافظ الدمیاطی : فی هذا الحدیث وهمان : الأوّل : قوله : فبایعوه وأقاموا معه. والثانی : قوله : وبعث معه أبو بکر بلالاً ، ولم یکونا معه ، ولم یکن بلال أسلم ولا ملکه أبو بکر ، بل کان أبو بکر حینئذ لم یبلغ عشر سنین ، ولم یملک أبو بکر بلالاً إلاّ بعد ذلک بأکثر من ثلاثین سنة. وکذا ضعّفه الذهبی (1).

وقال الزرکشی فی الإجابة (ص 50) : هذا من الأوهام الظاهرة لأنّ بلالاً إنّما اشتراه أبو بکر بعد مبعث النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وبعد أن أسلم بلال وعذّبه قومه ، ولمّا خرج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام مع عمّه أبی طالب کان له من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وأیّام ، ولعلّ بلالاً لم یکن بعدُ ولد.

وقال ابن کثیر فی تاریخه (2) (2 / 285) : إنّ قوله : وبعث أبو بکر معه بلالاً إن کان عمره علیه الصلاة والسلام إذ ذاک اثنتی عشرة سنة فقد کان عمر أبی بکر إذ ذاک تسع سنین أو عشراً ، وعمر بلال أقلّ من ذلک ، فأین کان أبو بکر إذ ذاک؟ ثمّ أین کان بلال؟ کلاهما غریب ، اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ هذا کان ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کبیر ، إمّا بأن یکون سفره بعد هذا ، أو إن کان القول بأنّ عمره کان إذ ذاک اثنتی عشرة سنة غیر محفوظ ، (3) فإنّه إنّما ذکره مقیّداً بهذا الواقدی ، وحکی السهیلی عن بعضهم أنّه کان عمره علیه الصلاة والسلام إذ ذاک تسع سنین ، والله أعلم.

قال الأمینی : إنّ ابن کثیر غضّ البصر عمّا فی الروایة من خرافة البیعة کأن لم خ.

ص: 373


1- حیاة الحیوان للدمیری : 2 / 275 [ 2 / 246 ] ، تاریخ الخمیس : 1 / 292 [ 1 / 258 ] ، [ وضعّفه الذهبی فی تاریخ الإسلام : 55 - 57 ]. (المؤلف)
2- البدایة والنهایة : 2 / 348.
3- أی غیر مذکور فی کتب التاریخ.

یکن شیئاً مذکوراً. ثمّ أتی فی تصحیح بعث أبی بکر بلالاً بما لا یخفی علیه فساده ، إذ لم یزد سفر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام مع أبی طالب علیه السلام علی المرّة الواحدة ، وکون عمره صلی الله علیه وآله وسلم اثنی عشر عاماً محفوظ عند ابن سعد وابن جریر وابن عساکر وابن الجوزی ، ولم ینحصر بالواقدی کما حسبه. وقد سافر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام مرّة ثانیة سنة خمس وعشرین من عام الفیل مع میسرة غلام السیّدة خدیجة سلام الله علیها ، ولیس هناک أیّ ذکر عن بحیرا وإنّما فیه قضیّة نسطور الراهب (1).

وقال ابن سیّد الناس فی عیون الأثر (2) (1 / 43) مثل مقالة الدمیاطی المذکورة ، وکذلک الحلبی فی السیرة النبویّة (3) (1 / 129) ، والحدیث أخرجه ابن الجوزی فی صفة الصفوة (4) (1 / 21) من طریق داود بن الحصین ولیس فیه أثر من الوهمین ولا ذکر عن أبی بکر.

نظرة فی حدیث کعب :

وأمّا روایة کعب ؛ فإنّی لم أجدها فی أصل من أصول الحدیث ، ولم أرَ لها سنداً قطّ ، وفی ذکر کعب وهو کعب الأحبار من رجال سندها کفایة ، وحسبنا فی کعب ما أخرجه البخاری من حدیث الزهری عن حمید بن عبد الرحمن أنّه سمع معاویة یحدّث رهطاً من قریش بالمدینة وذکر کعب الأحبار ، فقال : إن کان لمن أصدق هؤلاء المحدّثین الذین یحدّثون عن أهل الکتاب وإن کنّا مع ذلک لنبلو علیه الکذب (5). ف)

ص: 374


1- تاریخ ابن عساکر : 1 / 267 ، 272 [ 3 / 3 ، 14 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 2 / 5 ، 9 ] ، دلائل النبوّة لأبی نعیم : 1 / 54 [ 1 / 219 ح 110 ] ، صفة الصفوة لابن الجوزی : 1 / 24 [ 1 / 71 رقم 1 ] ، تاریخ أبی الفداء : 1 / 114 ، الإجابة للزرکشی : ص 50 ، تاریخ الخمیس : 1 / 262. (المؤلف)
2- عیون الأثر : 1 / 64.
3- السیرة الحلبیة : 1 / 121.
4- صفة الصفوة : 1 / 67 رقم 1.
5- تهذیب التهذیب : 8 / 439 [ 8 / 394 ] ، الإصابة : 3 / 316 [ رقم 7496 ]. (المؤلف)

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (1 / 362) : روی جماعة من أهل السیر أنّ علیّا کان یقول فی کعب الأحبار : «إنّه الکذّاب» وکان کعب منحرفاً عن علیّ علیه السلام.

وأخرج ابن أبی خیثمة ، بإسناد حسّنه ابن حجر ، عن قتادة قال : بلغ حذیفة أنّ کعباً یقول : إنّ السماء تدور علی قطب کالرحی. فقال : کذب کعب ، إنّ الله یقول : (إِنَّ اللهَ یُمْسِکُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) (2).

علی أنّ کعباً لو کان یصدّق نفسه فیما أخبره من الإرهاصات والبشائر لما کان یبقی علی دین الیهود طیلة حیاة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وما کان یؤخّر إسلامه إلی عهد عمر بن الخطّاب ، ولما کان یتعلّل عندما سُئل عمّا منعه عن إسلامه فی العهد النبویّ بقوله : إنّ أبی کان کتب لی کتاباً من التوراة فقال : اعمل بهذا ، وختم علی سائر کتبه ، وأخذ علیّ بحقّ الوالد علی الولد أن لا أفضّ الختم عنها. فلمّا رأیت ظهور الإسلام قلت : لعلّ أبی غیّب عنّی علماً ، ففتحتها فإذا صفة محمد وأمّته ، فجئت الآن مسلماً (3). وکان له یوم توفّی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم اثنان وثمانون عاماً (4) ، وأثر الکذب لائح فی جلّ ما جاء به کعب ، وحسبه ما أخرجه ابن عساکر فی تاریخه (5) (5 / 260) من حدیث ذی قربات الذی حکم الحفّاظ بعدم صحّته ، وما جاء به السیوطی فی الخصائص الکبری (6) (1 / 31) من حدیث إخباره عمر وعثمان بأنّهما مذکوران بالخلافة فی التوراة ، وفیها أنّ 4.

ص: 375


1- شرح نهج البلاغة : 4 / 77 خطبة 56.
2- الإصابة : 3 / 316 [ رقم 7496 ]. (المؤلف)
3- الإصابة : 3 / 316 [ رقم 7496 ]. (المؤلف)
4- راجع الإصابة : [ 3 / 316 رقم 7496 ] ، أُسد الغابة : [ 4 / 487 رقم 4477 ] ، تهذیب التهذیب [ 8 / 393 ]. (المؤلف)
5- تاریخ مدینة دمشق : 17 / 365 رقم 2108 ، وفی مختصر تاریخ دمشق : 21 / 181.
6- الخصائص الکبری : 1 / 54.

عثمان یُقتل مظلوماً. ومع هذه کلّها لم یُعلم صدور هذه البشارة منه فی أیّام إسلامه ، ولعلّه کان قبله فلا یُقبل قوله ولا یصدّق فی حدیثه.

علی أنّ الأحلام إن صحّت وصدقت فلم لم یحدّث أبو بکر أحداً من الصحابة بما أخبره بحیرا من البشارة فی نفسه من أنّه یکون وزیراً وخلیفة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی یدور حدیثه فی دور النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی ألسنتهم ، وتخبت إلیه أفئدتهم ، وتزهر بمذاکرته أندیتهم؟ أو أنّه حدّث بها لکن الصحابة ضربوا عنها صفحاً فلم تُنْهَ إلی المحدّثین ، ولا انتهت إلی أحد من أرباب الصحاح والمسانید حتی انتهت النوبة إلی الغلاة فی الفضائل من المتأخّرین فأرسلوها إرسال المسلّم تجاه الحقائق الراهنة.

ولو کان أبو بکر أوّل من أسلم بتلکم التقاریب فأین کان هو إلی منتهی سبع سنین من البعثة التی یقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیها : «لقد صلّت الملائکة علیّ وعلی علیّ سبع سنین ، لأنّا کنّا نصلّی ولیس معنا أحد یصلّی غیرنا» (1)؟

فی أوّلیّة أمیر المؤمنین فی الإسلام أحادیث صحیحة عنه صلی الله علیه وآله وسلم وعن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام قدّمناها فی الجزء الثالث ، وأسلفنا هناک ما یربو علی ستّین حدیثاً من الصحابة والتابعین فی أنّ علیّا أوّل الناس إسلاماً وأوّل من صلّی وآمن من ذَکر. وقد مرّت هناک صحیحة الطبری أنّ أبا بکر أسلم بعد أکثر من خمسین رجلاً ، ولو کان أبو بکر أوّل من أسلم وقد آمن به صلی الله علیه وآله وسلم قبل ولادة علیّ علیه السلام فأین کان هو یوم قال العبّاس لعبد الله بن مسعود : ما علی وجه الأرض أحد یعبد الله بهذا الدین إلاّ هؤلاء الثلاثة : محمد وعلیّ وخدیجة؟ تاریخ ابن عساکر (2) (1 / 318).

فلا یحق آنئذ لأیّ مُغالٍ فی الفضائل أن یدع تلکم الصحاح عن النبیّ الأعظم ووصیّه الأقدس والصحابة الأوّلین والتابعین لهم بإحسان ، ویأخذ تجاهها بروایة 8.

ص: 376


1- راجع الجزء الثالث من کتابنا هذا : ص 220 - 224. (المؤلف)
2- تاریخ مدینة دمشق : 3 / 266 مختصر تاریخ دمشق : 2 / 68.

کعب ، وإن هو إلاّ کعب لیس إلاّ ، ولا یثبت الحقّ بالکعاب! (لَیْسَ بِأَمانِیِّکُمْ وَلا أَمانِیِّ أَهْلِ الْکِتابِ) (1) ، (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ یَفْتِنُوکَ) (2).

- 13 -

أبو بکر أسنّ أصحاب النبیّ

أخرج ابن سعد (3) والبزّار بسند حسن ، عن أنس قال : کان أسنّ أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبو بکر الصدّیق وسهیل بن عمرو بن بیضاء.

وأخرجه أبو عمر فی الاستیعاب (4) (1 / 576) ، وابن الأثیر فی أُسد الغابة (5) (2 / 370) وذکره الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 60) فقال : رواه البزّار وإسناده حسن ، ورواه ابن حجر فی الإصابة (2 / 85). وفیه : سهل ، بدل : سهیل ، وهو أخوه أو هو هو ، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء (6) (ص 73) نقلاً عن ابن سعد والبزّار.

قال الأمینی : کنّا نعتقد أنّ المغالاة یمکن أن تقع فی النفسیّات التی لا تدرک بالحواس الظاهرة کالعلم والتقوی وأمثالهما ، وأمّا الغلوّ فی المشهودات فلم یَدَع المنطق له مساغاً ، فسرعان ما یظهر فیه کذب الغالی ، ویفتضح به المائن حتی أوقفنا السیر علی أمثال هذه الأقاویل ، فرأینا الرجل یقول بملء فیه : إنّ أبا بکر أسنّ أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو یجد فی معاجم الصحابة کثیرین هم أسنّ منه بکثیر ، وإلیک أسماء أمّة منهم : 0.

ص: 377


1- النساء : 123.
2- المائدة : 49.
3- الطبقات الکبری : 3 / 202.
4- الاستیعاب : القسم الثانی / 668 رقم 1100.
5- أُسد الغابة : 2 / 478 رقم 2315.
6- تاریخ الخلفاء : ص 100.

1 - أماناة بن قیس بن شیبان الکندی : أسلم وقد عاش دهراً ، ویقال : إنّه عاش ثلاثمائة وعشرین سنة. کما فی الإصابة (1 / 63).

2 - أمد بن أبد الحضرمی : أدرک هشام بن عبد مناف وأُمیّة بن عبد شمس ویقال : إنّه کان فی عهد معاویة له ثلاثمائة سنة. الإصابة (1 / 63).

3 - أنس بن مدرک أبو سفیان الخثعمی : قتل مع علیّ ، کان سیّد خثعم فی الجاهلیّة عاش مائة وأربعاً وخمسین سنة. الإصابة (1 / 72).

4 - أوس بن حارثة الطائی والد خریم ، صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : عاش مائتی سنة ، وأکثر هذه المدّة من أیّام الجاهلیّة. الإصابة (1 / 82).

5 - ثور - ثوب - بن تلدة : أنشد له ابن الکلبی :

وإن امرأً قد عاش تسعین حجّة

إلی مائتین کلّما هو ذاهب

قال : ولا أدری ما عاش بعد ما أنشد هذا لمعاویة. وقد یقال : إنّه کان له یوم بدر عشرون ومائة عامٍ. الإصابة (1 / 206).

6 - الجعد بن قیس المرادی : أسلم ، وکان قد بلغ مائة سنة. الإصابة (1 / 235).

7 - حسّان بن ثابت الأنصاری : عاش فی الجاهلیّة ستّین وفی الإسلام ستّین عاماً. الإصابة (1 / 326).

8 - حکیم بن حزام الأسدی ابن أخی خدیجة زوج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : ولد قبل عام الفیل بثلاث وعشرین سنة ، وتوفّی وهو ابن عشرین ومائة سنة. الإصابة (1 / 349).

9 - حمزة بن عبد المطلّب عمّ النبیّ الأعظم : ولد قبله صلی الله علیه وآله وسلم بسنتین أو بأربع. الإصابة (1 / 353).

ص: 378

10 - حنیفة بن جبیر بن بکر التمیمی : أدرک أحفاده النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولهم صحبة وکانوا یوم ذاک ذا لحی ، کما فی الإصابة (1 / 359).

11 - حویطب بن عبد العزّی بن أبی قیس العامری ، المتوفّی سنة (54) : له مائة وعشرون عاماً. الإصابة (1 / 364).

12 - حیدة بن معاویة العامری ، مات وهو عمّ ألف رجل وأمرأة وأدرک عبد المطّلب بن هاشم جدّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکان بالغاً مبلغ الرجال. الإصابة (1 / 365).

13 - خنابة بن کعب العبسی : کان له علی عهد معاویة بن أبی سفیان مائة وأربعون سنة ، وله قوله فی الإصابة (1 / 463):

حویت من الغایات تسعین حِجّة

وخمسین حتی قیل أنت المقزّع

14 - خویلد بن مرّة الهذلی ، أبو خراش : أدرک الاسلام شیخاً کبیراً. الإصابة (1 / 465).

15 - ربیعة بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم ، أبو أروی الهاشمی. کان أسنّ من عمّه العبّاس الآتی ذکره. الإصابة (1 / 506).

16 - سعید بن یربوع القرشی المخزومی ، المتوفّی (54) : وله (120 ، 124) عاماً. الإصابة (2 / 52).

17 - سلمة السلمی : أقبل إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأسلم وهو شیخ کبیر.

18 - سلمان أبو عبد الله الفارسی ، مات سنة (32 ، 33 ، 36) : روی أبو الشیخ عن العباس بن یزید أنّه قال : أهل العلم یقولون : عاش سلمان ثلاثمائة وخمسین سنة ، فأمّا مائتان وخمسون فلا یشکّون فیها. الإصابة (2 / 62).

19 - أبو سفیان القرشی الأموی : کان أسنّ من أبی بکر باثنی عشر عاماً وعدّة أشهر. الإصابة (2 / 179).

ص: 379

20 - صرمة بن أنس أبو قیس الأوسی : أدرک الإسلام فأسلم وهو شیخ کبیر ، عاش نحواً من مائة وعشرین عاماً ، وهو القائل کما فی الإصابة (2 / 183):

بدا لیَ أنّی عشت تسعین حِجّةً

وعشراً وما بعدها لی ثمانیا

فلم ألفها لمّا مضت وعددتها

یحسّبها (1) فی الدهر إلاّ

لیالیا

21 - صرمة بن مالک الأنصاری : أدرک الإسلام فأسلم وهو شیخ کبیر. الإصابة (2 / 183).

22 - طارق بن المرقع الکنانی : کان فی حجّة الوداع شیخاً کبیراً. الإصابة (2 / 221).

23 - الطفیل بن زید الحارثی : هو الذی أخبر عمر بأمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الجاهلیّة ، وکان یوم ذاک قد أتت علیه مائة وستون سنة. الإصابة (2 / 224).

24 - عاصم بن عدیّ العجلانی : توفّی سنة خمس وأربعین ، وله مائة وعشرون سنة. الإصابة (2 / 246).

25 - العبّاس بن عبد المطّلب عمّ النبیّ الأعظم : ولد قبل رسول الله بسنتین أو ثلاث. الإصابة (2 / 271).

26 - عبد الله بن الحارث بن أُمیّة : أدرک الاسلام وهو شیخ کبیر. الإصابة (2 / 291).

27 - عدی بن حاتم الطائی : مات بعد الستّین وبلغ مائة وثمانین کما قاله أبو حاتم السجستانی ، أو مائة وعشرین کما فی قول خلیفة. الإصابة (2 / 468).

28 - عدی بن وداع الدوسی : من رجال الجاهلیّة ، أدرک الإسلام فأسلم ر.

ص: 380


1- کذا فی المصدر.

وغزا ، وتوفّی وله ثلاثمائة سنة. الإصابة (2 / 472).

29 - عمرو بن المُسبّح (1) الطائی : مات وله مائة وخمسون عاماً. قال ابن قتیبة : لست أدری أقبض قبل وفاة النبیّ أم بعده. الإصابة (3 / 16).

30 - فضالة بن زید العدوانی : سأله معاویة : کم أتت لک یا فضالة؟ قال : عشرون ومائة سنة. الإصابة (3 / 214).

31 - قباث بن أشیم : سأله عثمان بن عفان : أنت أکبر أم رسول الله؟ فقال : رسول الله أکبر منّی وأنا أسنّ منه. الإصابة (3 / 221).

32 - قردة بن نفاثة السلولی : أدرک الإسلام وهو شیخ کبیر ، وعاش مائة وخمسین سنة ، وله کما فی الإصابة (3 / 231) من أبیات :

بانَ الشبابُ فلم أحفلْ به بالا

وأقبلَ الشیبُ والإسلامُ إقبالا

33 - لبید بن ربیعة بن عامر الکلابی الجعفری : توفّی سنة (41) وهو ابن مائة وأربعین أو مائة وسبع وخمسین سنة أو مائة وستین سنة. الإصابة (3 / 326).

34 - اللجلاج الغطفانی : وفد إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو ابن سبعین وعاش مائة وعشرین سنة. الإصابة (3 / 328).

35 - المستوعز بن ربیعة بن کعب : کان من فرسان العرب فی الجاهلیّة ، عاش إلی أیّام معاویة وکان له 320 / 330 سنة. الإصابة (3 / 492).

36 - معاویة بن ثور البکائی : أسلم بید النبیّ وهو شیخ کبیر. الإصابة (1 / 156) وفی بعض المعاجم : کان ابن مائة سنة. ف)

ص: 381


1- بضم المیم وفتح المهملة وتشدید الموحّدة کما فی الإصابة : 3 / 16 ، وفی المعارف لابن قتیبة : ص 136 [ ص 314 ] : المسیح. (المؤلف)

37 - منقذ بن عمرو الأنصاری : کان قد أتی علیه مائة وثلاثون فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما فی أُسد الغابة (1).

38 - النابغة الجعدی : عاش فی الجاهلیّة مائتی سنة ، ومات وهو ابن 225 / 230 عاماً ، وهو القائل کما فی الإصابة (3 / 538):

ألا زعمت بنو أُسدٍ بأنّی

أبو ولدٍ کبیرُ السنِّ فانی

فمن یک سائلاً عنِّی فإنّی

من الفتیان أیّام الخنانِ (2)

أتت مائةٌ لعام ولدتُ فیه

وعشرٌ بعد ذاک وحِجّتانِ

وقد أبقت صروفُ الدهرِ منّی

کما أبقت من السیفِ الیمانی

وقال أبو حاتم : عاش مائتی سنة ، وهو القائل :

قالت أمامة کم عمرت زمانه

وذبحت من عنزٍ علی الأوثانِ

ولقد شهدتُ عکاظَ قبل محلّها

فیها وکنت أُعدُّ من الفتیانِ

والمنذرَ بنَ محرّقٍ فی ملکِهِ

وشهدتُ یوم هجائنِ النعمانِ

وعمرتُ حتی جاءَ أحمدُ بالهدی

وقوارعٌ تُتلی من القرآنِ

ولبستُ فی الإسلامِ ثوباً واسعاً

من سیبِ لا حرمٍ ولا منّانِ

39 - نوفل بن الحرث بن عبد المطّلب الهاشمی ابن عمّ النبیّ الطاهر : کان أسنّ من أسلم من بنی هاشم حتی من عمّیه حمزة والعبّاس المذکورین. الإصابة (3 / 577).

40 - نوفل بن معاویة بن عروة الدؤلی : کان ممّن عاش فی الجاهلیّة ستین وفی الإسلام ستین سنة. الإصابة (3 / 578).

وقبل هؤلاء کلّهم أبو قحافة والد الخلیفة ؛ فإنّه کان أکبر سنّا من الخلیفة ً.

ص: 382


1- أُسد الغابة : 5 / 273 رقم 5117.
2- الخُنان : داء یأخذ الإبل فی مناخرها وتموت منه ، وأرّخ به لأنّه جاء جارفاً.

لا محالة إن لم تُصغّره المعاجز من ابنه کما صغّرت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وجعلته غلاماً وشابّا لا یُعرف بین یدی أبی بکر وهو أکبر منه!

راجع فی تراجم هؤلاء المذکورین المعارف لابن قتیبة ، معجم الشعراء للمرزبانی ، الاستیعاب لأبی عمر ، أُسد الغابة لابن الأثیر ، تاریخ ابن کثیر ، الإصابة لابن حجر ، مرآة الجنان للیافعی ، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلی.

هؤلاء جملة ممّن وقفنا علی أسمائهم ممّن أربوا علی أبی بکر فی السنّ من الصحابة الأوّلین ، وهب أنّا غضضنا الطرف عن کلّ ذلک فهلاّ نسائل القوم عن وجه الفضیلة فی کبر السنّ؟ أو لیس فی الأمم والأجیال من طعنوا فی السنّ فبلغوا من العمر عتیّا ، وفیهم الحالی بالفضائل والعاطل عنها ، وإذا مُدح أحدهم فإنّما یُمدح بمآثره لا بطول عمره ، ومهما طال عمر الخلیفة فإن أکثره انقضی فی الجاهلیّة ، بُعث النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وللخلیفة ثمان وثلاثون سنة ، وقد مرّ فی الجزء الثالث (ص 220) أنّه صلی الله علیه وآله وسلم صلّی سبع سنین ولم یصلّ معه غیر علیّ أمیر المؤمنین. إذن فلأبی بکر عند إسلامه خمسة وأربعون عاماً وتوفّی وهو ابن ثلاثة وستّین ، فقد أشغل فی الإسلام ثمانی عشرة سنة ، وهذه المدّة الأخیرة هی التی یمکن أن تزدان بشیء من المناقب ، فهل ازدانت أو لا؟

وفی الغایة أحسب أنّه لیس للقوم غایة یعتدّ بها فی کبر السنّ والاهتمام بذلک غیر أنّهم جعلوا الحجر الأساس للخلافة الراشدة أشیاء منها : أنّ أبا بکر قُدّم علی أمیر المؤمنین لأنّه شیخ محنّک لا تِرَة لأحد عنده فیُبَغض ؛ وعلی هذا الأساس جعلوه تارة أکبر سنّا من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد عرفت حاله فی صفحة (270) وأُخری أنّه کان شیخاً یُعرف والنبیّ شابّا لا یُعرف ، وأوقفناک علی حقیقة الحال فی (ص 257). وآونة أنّه أسنّ الصحابة لیحسموا مادّة النقض بشیوخ فی الصحابة کلّهم أکبر من الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام وفیهم رؤساء وأعاظم ، وما عرفوا أنّ المستقبل الکشّاف سیوقف الباحثین علی أناس هم أکبر من الرجل سنّا ، وأوفر علماً ، وأبلغ حنکةً ، وأقدم شرفاً ، وأسبق إسلاماً.

ص: 383

- 14 -

أبو بکر فی کفّة المیزان

أخرج الخطیب فی تاریخه (14 / 78) من طریق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن الهذیل عن مطرح بن یزید عن عبید الله بن زحر عن علیّ بن زید (1) عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبی أمامة ؛ قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : دخلت الجنة فسمعت فیها خشفة بین یدیّ. فقلت : ما هذا؟ قال : بلال ، فمضیت فإذا أکثر أهل الجنّة فقراء المهاجرین وذراری المسلمین ، ولم أرَ فیها أحداً أقلّ من الأغنیاء والنساء. إلی أن قال : ثمّ خرجنا من أحد أبواب الجنّة الثانیة ، فلمّا کنت عند الباب أُتِیتُ بکفّة فوُضِعتُ فیها ووضعت أُمّتی فی کفّة فرجحت بها ، ثمّ أُتی بأبی بکر فوُضِع فی کفّة وجیء بجمیع أُمّتی فوضعوا فی کفّة فرجح أبو بکر ، ثمّ أتی بعمر فوُضِع فی کفّة وجیء بجمیع أُمّتی فوُضِعوا فرجح عمر ، ثمّ رُفع المیزان إلی السماء. وذکره الحکیم الترمذی فی نوادر الأصول (2) (ص 288).

رجال الروایة :

1 - مطرح بن یزید الکوفی : قال الدوری عن ابن معین (3) : لیس بشیء ، وقال أبو زرعة : ضعیف الحدیث ، وقال أبو حاتم (4) : لیس بالقویّ ضعیف الحدیث یروی أحادیث عن ابن زحر عن علیّ بن یزید ، فلا أدری البلاء منه أو من علیّ بن یزید ، 0.

ص: 384


1- کذا والصحیح : یزید. (المؤلف) [ أنظر : التاریخ الکبیر : 6 / 301 رقم 2470 ، وتهذیب الکمال : 21 / 178 رقم 4154. ])
2- نوادر الأصول : 2 / 153 الأصل 239.
3- التاریخ : 2 / 569 رقم 2209.
4- الجرح والتعدیل : 8 / 409 رقم 1870.

وقال الآجری عن أبی داود : زعموا أنّ البلیّة من قِبَل علیّ بن یزید ، وقال النسائی (1) : ضعیف لیس بشیء ، وقال ابن عدی (2) : یجانب روایته عن ابن زحر والضعف علی حدیثه بیّن. میزان الاعتدال (3) (3 / 174) ، تهذیب التهذیب (4) (10 / 171).

2 - عبید الله بن زحر الإفریقی : مُجمَع علی ضعفه کما فی المیزان (5). ضعّفه أحمد (6). وقال ابن معین (7) : لیس بشیء کلّ حدیثه عندی ضعیف. وقال ابن المدینی : منکر الحدیث. وقال الحاکم : لیّن الحدیث. وقال ابن عدی (8) : یقع فی أحادیثه مالا یتابع علیه. وقال أبو مسهر : صاحب کلّ معضلة. وقال الدارقطنی : ضعیف ، وقال ابن حبّان (9) : یروی الموضوعات عن الأثبات ، فإذا روی عن علیّ بن یزید أتی بالطامّات ، وإذا اجتمع فی إسناد خبر عبد الله بن زحر وعلیّ بن یزید والقاسم بن عبد الرحمن لم یکن متن ذلک الخبر إلاّ ما عملته أیدیهم (10).

قال الأمینی : هذه الروایة ممّا اجتمع فیه هؤلاء الثلاثة فهو ممّا عملته أیدیهم.

3 - علیّ بن یزید الألهانی : قال ابن معین : علیّ بن یزید ، عن القاسم ، عن أبی أمامة ضعاف کلّها. وقال یعقوب : واهی الحدیث کثیر المنکرات. وقال الجوزجانی : رأیت غیر واحد من الأئمّة ینکر أحادیثه التی یرویها عنه عبید الله بن زحر. وقال ف)

ص: 385


1- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 227 رقم 594.
2- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 449 رقم 1930.
3- میزان الاعتدال : 4 / 123 رقم 8580.
4- تهذیب التهذیب : 10 / 155.
5- میزان الاعتدال : 3 / 6 رقم 5359.
6- راجع الجرح والتعدیل : 5 / 315 رقم 1499.
7- التاریخ : 4 / 426 رقم 5107.
8- الکامل فی ضعفاء الرجال : 4 / 325 رقم 1157.
9- کتاب المجروحین : 2 / 62.
10- تهذیب التهذیب : 7 / 13 [ 7 / 12 ]. (المؤلف)

أبو زرعة : لیس بالقویّ. وقال أبو حاتم (1) : ضعیف الحدیث أحادیثه منکرة ، وقال البخاری (2) : منکر الحدیث ضعیف. وقال النسائی (3) : لیس بثقة متروک الحدیث. وقال الأزدی والدارقطنی (4) والبرقی : متروک. وقال أبو أحمد الحاکم : ذاهب الحدیث. وقال الساجی : اتّفق أهل العلم علی ضعفه. وقال أبو نعیم : منکر الحدیث. وقال ابن حجر : متّهم.

میزان الاعتدال (5) (2 / 240) : تهذیب التهذیب (6) (7 / 13 ، 369).

4 - القاسم بن عبد الرحمن الشامی : قال أحمد (7) : هذه المناکیر التی یرویها عنه جعفر وبشر ومطرح مناکیر ممّا یرویها الثقات أنّها من قِبَل القاسم. وقال الأثرم : حملها أحمد علی القاسم. وقال : ما أری هذا إلاّ من قِبَل القاسم. وقال الحرّانی : قال أحمد : ما أری البلاء إلاّ من القاسم. وقال الغلابی : منکر الحدیث. وقال ابن حبّان (8) : یروی عن الصحابة المعضلات. میزان الاعتدال (9) (2 / 34) ، تهذیب التهذیب (10) (8 / 323).

وهذا الحدیث ذکره الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 59) فقال : رواه أحمد والطبرانی (11) وفیهما : مطرح بن زیاد وعلیّ بن یزید الألهانی وکلاهما مجمع علی ضعفه. 4.

ص: 386


1- الجرح والتعدیل : 6 / 208 رقم 1142.
2- التاریخ الکبیر : مج 6 ج 3 / 301 رقم 2470.
3- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 180 رقم 455.
4- الضعفاء والمتروکون : ص 312 رقم 408.
5- میزان الاعتدال : 3 / 161 رقم 5966.
6- تهذیب التهذیب : 7 / 12 ، 346.
7- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 565 رقم 1353.
8- کتاب المجروحین : 2 / 211.
9- میزان الاعتدال : 3 / 373 رقم 6817.
10- تهذیب التهذیب : 8 / 289.
11- المعجم الکبیر : 8 / 214 ح 7864.

قال الأمینی : هذا شأن الروایة سنداً ورجاله کما تری ، واستدلّ الهیثمی علی ضعفه بما فی متنه. راجع مجمع الزوائد (9 / 59).

- 15 -

توسّل الشمس بأبی بکر

قال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : عُرض علیّ کلّ شیء لیلة المعراج ، حتی الشمس ، فإنّی سلّمت علیها وسألتها عن کسوفها ، فأنطقها الله تعالی وقالت : لقد جعلنی الله تعالی علی عجلة تجری حیث یرید ، فأنظر إلی نفسی بعین العجب فتزلّ بی العجلة فأقع فی البحر ، فأری شخصین أحدهما یقول : أحد أحد. والآخر یقول : صدق صدق. فأتوسّل بهما إلی الله تعالی فینقذنی من الکسوف ، فأقول : یا ربّ من هما؟ فیقول : الذی یقول : أحد أحد هو حبیبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم والذی یقول : صدق صدق هو أبو بکر الصدیق رضی الله عنه. نزهة المجالس (2 / 184).

أنا لا أحکّم فی هذه الروایة إلاّ علماء علم الفلک سواء فی ذلک القدماء منهم والمحدثون. وقد تکلّمنا فی صحیفة (238) عن العجلة التی حملت الشمس وبحثنا عنها بحثاً ضافیاً ، ولیت الهیئیّین درسوا هذه الروایة فأخذوا عنها علماً غزیراً ، وعرفوا أنّ الکسوف یکون بغمس الشمس فی البحر عقوبة علی نظرها إلی نفسها بعین العجب وإنّ انجلاءها یتمّ بالتوسّل ، ولعلّ المستقبل الکشّاف یأتی بمن یعلّم الأُمّة بسرّ خسوف القمر وتتأتّی به للمجالس نزهة بعد نزهة.

وهنا أسئلة جمّة :

1 - لیس الکسوف یخصّ بهذه الأمّة فحسب ، ولا بأیّام حیاة أبی بکر خاصّة ، فمن ذا الذی کان یقول : صدق صدق. قبل میلاد أبی بکر؟ ومن ذا الذی یقولها بعد وفاته؟ وبمن کانت الشمس تتوسّل قبل ذلک؟ وبمن تتوسّل بعده؟

ص: 387

2 - أین کان یقول أبو بکر : صدق صدق؟ أیقولها وهو فی محلّه بمرأی من الناس ومسمع فیُسمعها الشمس بالإعجاز؟ أو کان یحضر علی ذلک البحر الذی لم یحدّد بأیّ ساحل فیغیب عن الناس وتطوی له المسافة بخرق العادات؟ فَلِمَ لم یُحدّث عنه ذلک ولو مرّة واحدة؟ أو أنّه یذهب هو ویدع قالبه المثالی بین الناس فیحسبونه هو هو؟ أو أنّه یثبت فی مکانه فیرسل قالبه ذلک فتحسبه الشمس أنّه هو؟.

3 - هب أنّ الشمس تحمل حیاة روحیّة ، فهل تحمل معها نفساً أمّارة بالسوء بها تعجب بنفسها؟ أنا لا أدری. وعلی فرض ثبوت النفس الأمّارة ، فما بالها تدأب علی المعصیة وهی تری استمرار العقوبة مع کلّ عصیان؟ فهل هی تتوب بعد کلّ معصیة ثمّ تعود إلیها بنسیان العقاب أو غلبة الشهوة؟ ومن المعلوم أنّ الکسوف لم ینقطع لیلة المعراج فهو من الکائنات المتجدّدة إلی انقراض العالم ، فکأنّ الشمس حینئذٍ کانت تخبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بتصمیمها علی الاستمرار علی المعصیة منذ کلّ کسوف ، فمتی تتوب هذه العاصیة الشاعرة؟ أنا لا أدری. وفی ذمّة الصفوری صاحب الکتاب الخروج عن عهدة هذه الأسئلة. فهل یخرج؟ أنا لا أدری ، وهذا أیضاً من الغلوّ فی الفضائل والحبّ المعمی والمصمّ.

- 16 -

کلبة من الجنّ مأمورة

عن أنس بن مالک قال. کنّا جلوساً عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ أقبل إلیه رجل من أصحابه وساقاه تشخبان دماً ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : ما هذا؟ قال : یا رسول الله ، مررت بکلبة فلان المنافق فنهشتنی. فقال صلی الله علیه وآله وسلم : اجلس ، فجلس بین یدی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. فلمّا کان بعد ذلک بساعة إذ أقبل إلیه رجل آخر من أصحابه وساقاه تشخبان دماً مثل الأوّل ، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : ما هذا؟ فقال : یا رسول الله إنّی مررت بکلبة فلان المنافق فنهشتنی ، قال : فنهض النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : وقال لأصحابه : هلمّوا بنا إلی هذه الکلبة نقتلها ،

ص: 388

فقاموا کلّهم وحمل کلّ واحد منهم سیفه. فلمّا أتوها وأرادوا أن یضربوها بالسیوف وقعت الکلبة بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقالت بلسان طَلِق ذَلِق : لا تقتلنی یا رسول الله فأنی مؤمنة بالله ورسوله ، فقال : ما بالک نهشتِ هذین الرجلین؟ فقالت : یا رسول الله إنّی کلبة من الجنّ مأمورة أن أنهش من سبّ أبا بکر وعمر. فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : یا هذین أما سمعتما ما تقول الکلبة؟ قالا : نعم یا رسول الله إنّا تائبان إلی الله عزّ وجلّ. عمدة التحقیق للعبیدی المالکی (1) (ص 105).

قال الأمینی : ما أعظم شأن هذه الکلبة وأثبتها فی میدان البسالة حتی استدعی أمرها أن یتجهّز لحربها النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ویحمل علیها أصحابه شاهرین السیوف! فهل هی کلبة أو أسد ضارٍ؟ أو عفرنی (2) باسل؟ أو حَشِد (3) لُهام؟ وأحسب أنّ اللذین نهشتهما کانا من هیّابة الصحابة ، فإنّ شجعانهم ما کانوا یبالون بالضراغم فضلاً عن الکلاب.

وأین کانت هذه الکلبة عمّن کان ینال من أبی بکر غیر الرجلین فی ذلک العهد وبعد العهد النبویّ وهلمّ جرّا؟ فلم تُشهد لها نهشة ، ولا سُمع لها عواء ، فلیتهیّأ صاحب عمدة التحقیق لتحلیل هذه المسائل وذلک بعد الغضّ عن إسناده الموهوم.

ثمّ ما أخرس ألسنة أولئک الصحابة الحضور یوم أطلق الله لسان تلک الکلبة الطلقة الذلقة عن بثّ هذه الفضیلة الرابیة؟ ومثلها تتوفّر الدواعی لنقلها ، وما أذهل الحفّاظ وأئمة الحدیث وأرباب السیر عن روایتها؟ فلا یجدها الباحث فی المسانید والصحاح والفضائل ومعاجم السیر وأعلام النبوّة ودلائلها ، إلی أن بشّر بها العبیدی آل الصدّیق بعد لأی من عمر الدهر وقذف بهذه الأکذوبة أنس بن مالک. ة.

ص: 389


1- عمدة التحقیق : ص 182.
2- العفرنی : الأسد.
3- الحَشِد : الشجاع الذی لا یدع عند نفسه شیئاً من الجهد والنصرة.

أهکذا تکون المغالاة فی الفضائل؟ ... لعلّها تکون.

نعم ؛ لله کلاب مفترسة وأُسود ضاریة سلّطها الله علی أعدائه بدعاء نبیّه الأعظم أو أحد من أولاده الصادقین صلوات الله علیه وعلیهم ، منها : کلب سلّطه الله علی لهب بن أبی لهب بدعاء النبی الأقدس کما مرّ فی الجزء الأوّل (ص 261). ومنها ، کلب أخذ برأس عتبة بدعاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما مرّ فی (1 / 261).

قال الحلبی فی السیرة النبویّة (1) (1 / 310): ووقع مثل ذلک لجعفر الصادق ، قیل له : هذا فلان ینشد الناس هجاءکم - یعنی أهل البیت - بالکوفة ، فقال لذلک القائل : «هل علقت من قوله بشیء» قال : نعم. قال : فأنشد. فأنشد :

صلبنا لکم زیداً علی جذعِ نخلةٍ

ولم أرَ مهدیّا علی الجذع یصلبُ

وقستم بعثمان علیّا سفاهةً

وعثمانُ خیرٌ من علیّ وأطیبُ

فعند ذلک رفع جعفر یدیه وقال : «اللهمّ إن کان کاذباً فسلّط علیه کلباً من کلابک» ، فخرج ذلک الرجل فافترسه الأسد. وإنّما سمّی الأسد کلباً لأنّه یشبه الکلب فی أنّه إذا بال رفع رجله.

قال الأمینی : الشاعر المفترس هو الحکیم الأعور أحد الشعراء المنقطعین إلی بنی أُمیّة بدمشق ، وقصّته هذه من المتسالم علیه ، غیر أنّ فی معجم الادباء (2) کما مرّ فی الجزء الثانی (ص 197) من کتابنا هذا : أنّ الداعی علی الرجل هو عبد الله ابن جعفر وأحسبه تصحیف أبی عبد الله جعفر ، فعلی کلّ قد وقع من أهله فی محلّه. 9.

ص: 390


1- السیرة الحلبیّة : 1 / 291.
2- معجم الأدباء : 10 / 249.

- 17 -

هبة أبی بکر لمحبّیه

عن عکرمة عن ابن عبّاس قال : قال علیّ رضی الله عنه : کنت جالساً مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولیس معنا ثالث إلاّ الله عزّ وجلّ ، فقال : یا علیّ ترید أن أُعرّفک بسیّد کهول أهل الجنّة وأعظمهم عند الله قدراً ومنزلة یوم القیامة؟ فقلت : إی وعیشک یا رسول الله. قال : هذان المقبلان. قال علیّ. فالتفتّ فإذا أبو بکر وعمر ، ثمّ رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تبسّم ثمّ قطّب وجهه حتی ولجا المسجد ، فقال أبو بکر : یا رسول الله لمّا قربنا من دار أبی حنیفة (1) تبسّمت لنا ثمّ قطّبت وجهک ، فلِمَ ذلک یا رسول الله؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لمّا صرتما لجانب دار أبی حنیفة (2) عارضکما إبلیس ونظر فی وجوهکما ثمّ رفع یدیه إلی السماء أسمعه وأراه وأنتما لا تسمعانه ولا تریانه وهو یدعو ویقول : اللهمّ إنّی أسألک بحقّ هذین الرجلین أن لا تعذّبنی بعذاب باغضی هذین الرجلین. قال أبو بکر : ومن هو الذی یبغضنا یا رسول الله ، وقد آمنّا بک وآزرناک وأقررنا بما جئت به من عند ربّ العالمین؟ قال : نعم یا أبا بکر ، قوم یظهرون فی آخر الزمان یقال لهم الرافضة ، یرفضون الحقّ ویتأوّلون القرآن علی غیر صحّته ، وقد ذکرهم الله فی کتابه العزیز وهو قوله تعالی : (یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (3). فقال : یا رسول الله فما جزاء من یبغضنا عند الله؟ قال : یا أبا بکر حسبک أنّ إبلیس لعنه الله تعالی یستجیر بالله تعالی أن لا یعذّبه بعذاب باغضیکما. قال : یا رسول الله هذا جزاء من قد أبغض فما جزاء من قد أحبّ؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أن تهدیا له هدیّة من أعمالکما. فقال : أبو بکر رضی الله عنه : یا رسول الله أُشهدک وأشهد الله وملائکته 3.

ص: 391


1- کذا فی المصدر.
2- کذا فی المصدر.
3- النساء : 46 ، والمائدة : 13.

أنّی قد وهبت لهم ربع أجری - أی عملی - منذ آمنت بالله إلی أن نلقاه. فقال عمر رضی الله عنه : وأنا مثل ذلک یا رسول الله. قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : فضعا خطّکما بذلک. قال علیّ کرّم الله وجهه : فأخذ أبو بکر زجاجة وقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اکتب ، فکتب :

بسم الله الرحمن الرحیم. یقول عبد الله عتیق بن أبی قحافة : إنّی قد أشهدتُ الله ورسوله ومن حضر من المسلمین أنّی قد وهبت ربع عملی لمحبّیّ فی دار الدنیا منذ آمنت بالله إلی أن ألقاه ، وبذلک وضعت خطّی.

قال : وأخذ عمر وکتب مثل ذلک. فلمّا فرغ القلم من الکتابة هبط الأمین جبریل علیه السلام وقال : یا رسول الله الربّ یُقرئک السلام ویخصّک بالتحیّة والإکرام ، ویقول لک : هات ما کتبه صاحباک. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : هذا هو. فأخذه جبریل وعرج به إلی السماء ثمّ إنّه عاد إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أین ما أخذت یا جبریل منّی؟ قال : هو عند الله تعالی وقد شهد الله فیه ، وأشهد حملة العرش وأنا ومیکائیل وإسرافیل. وقال الله تعالی : هو عندی حتی یفی أبو بکر وعمر بما قالا یوم القیامة. عمدة التحقیق للعبیدی المالکی (1) (ص 105 - 107).

قال الأمینی : أنا لا أحاول إطناباً فی تفنید هذه الروایة الشبیهة بأساطیر القصّاصین أو الروایات الخیالیّة ، فإنّ کلّ فصل منها شاهد صدق علی عدم صحّتها.

أنا لا أخدش فی کهولة الشیخین بما مرّ فی الجزء الخامس (ص 313) من القول المعزوّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا علیّ أتحبّ هذین الشیخین؟ ولا بما مرّ فی هذا الجزء (ص 241) من أنّ أبا بکر له شیبة فی الجنّة ولیست لأحد لحیة هناک إلاّ هو وإبراهیم الخلیل ولا بما مرّ (ص 241) من أنّ رسول الله کان یقبّل شیبة أبی بکر. ولا بما مرّ فی 6.

ص: 392


1- عمدة التحقیق : ص 183 - 186.

صفحة (257) من أنّ أبا بکر کان یوم هجرة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی المدینة شیخاً والنبیّ شابّا. ولا بما مرّ فی (ص 270) من أنّ أبا بکر کان أکبر من النبیّ. ولا بما مرّ فی (ص 280) من أنّه کان أسنّ أصحاب النبیّ.

ولا أتکلّم فی عذاب باغضی أبی بکر وعمر ، وأنّه ما الذی أربی به علی عذاب من تکبّر وتجبّر تجاه المولی سبحانه وعانده وخالف أمره وهو من من المنظرین إلی یوم الوقت المعلوم یغوی عباد الله ویضلّهم عن سبیل الحقّ؟

ولا أُناقش فی أنّ إبلیس کیف کان یصحّ له أن یتعوّذ بالله من عذاب باغضیهما؟ أکان یحبّهما فلما ذا هو؟ أو کان یبغضهما کما یبغض کلّ مؤمن بالله؟ فالدعاء لما ذا؟ وما ذا ینتج له وهو یعلم عذاب مبغضیهما وهو یبغضهما ولا یزال یغری الناس ببغضهما؟

ولا أمدّ یراعی إلی الزجاجة المکتوبة فیها تلک الهبة الموهومة لئلاّ تنکسر فتحرم الأمّة المرحومة من تلک البضاعة الغالیة.

ولا أُسائل رواة هذه المهزأة عن تلکم الشهادات من الله إلی حملة عرشه إلی أمین وحیه إلی میکائیل وإسرافیل. لما ذا هی کلّها؟ وما الذی أحوج المولی سبحانه إلی ذلک الاهتمام البالغ فی استحکام ذلک الصکّ؟ وما الذی أهمّ ادّخاره عند الله حتی یفی أبو بکر وعمر بما قالا یوم القیامة؟

ولا أقول : لما ذا ترکت الأئمّة وحفّاظ الحدیث هذه الفضیلة العظیمة إلی قرن العبیدی المالکی - القرن الحادی عشر - وفیها بشارة کبیرة لمحبّ الشیخین وإرشاد للأُمّة إلی ما فیه نجاتهم ونجاحهم والمثوبة الجزیلة بجزاء ربُعَی أعمالهما؟ ولما ذا شحّ أُولئک الحفظة علی الأمّة وسمع العبیدی؟

ولکن هلمّ معی إلی مفاد الآیة الکریمة فهی فی موضعین من القرآن الکریم :

ص: 393

1 - (مِنَ الَّذِینَ هادُوا یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَیَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَیْنا) (1).

2 - (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِیثاقَ بَنِی إِسْرائِیلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَیْ عَشَرَ نَقِیباً وَقالَ اللهُ إِنِّی مَعَکُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَیْتُمُ الزَّکاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِی وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُکَفِّرَنَّ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ وَلَأُدْخِلَنَّکُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ مِنْکُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِیلِ* فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِیَةً یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُکِّرُوا بِهِ) (2).

ألا تعجب من تحریف الکلم بإسناد ما ناء به الیهود وبنو إسرائیل بنصّ القرآن الحکیم إلی قوم لم یأتوا بعدُ وسیضمنهم الزمان فی أخریاته؟ حاشا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یقول ذلک ، ولکنّها ورطات القالة ، وأهواء وشهوات ، حبّذت الوقیعة فی قوم مؤمنین اتّبعوا النبیّ الأمین ، وهُدوا إلی الصراط المستقیم ، (وَهُدُوا إِلَی الطَّیِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ، وَهُدُوا إِلی صِراطِ الْحَمِیدِ) (3) ، (وَمَنْ یَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِیَ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ) (4).

- 18 -

أبو بکر فی قاب قوسین

بلغنا أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لمّا کان قاب قوسین أو أدنی أخذته وحشة فسمع فی حضرة الله تعالی صوت أبی بکر رضی الله عنه فاطمأنّ قلبه واستأنس بصوت صاحبه.

ذکره العبیدی المالکی فی عمدة التحقیق (5) (ص 154) فقال : هذه کرامة للصدّیق انفرد بها رضی الله تعالی عنه. 0.

ص: 394


1- النساء : 46.
2- المائدة : 12 ، 13.
3- الحج : 24.
4- آل عمران : 100.
5- عمدة التحقیق : ص 260.

قال الأمینی : لما ذا تلک الوحشة؟ ولما ذا ذلک الأُنس؟ وهو صلی الله علیه وآله وسلم فی ساحة القدس الربوبیّ ، وکان لا یأنس إلاّ بالله ، وکانت نفسه القدسیّة فی کلّ آنائه منعطفة إلیها ، فهل هو یستوحش إذا حصل فیها؟ وهی أزلف مباءة إلی المولی سبحانه لا تقلّ غیره. حتی أنّ جبرئیل الأمین انکفأ (1) عنها فقال : إن تجاوزت احترقت بالنار. لمّا جذبه الله تعالی إلیها وحفّته قداسة إلهیة ترکته مستعدّا لتلقّی الفیض الأقدس ، وهل هناک وحشة لمثله صلی الله علیه وآله وسلم یسکّنها صوت أبی بکر؟! وهل کانت له صلی الله علیه وآله وسلم وهو فی مقام الفناء لفتة إلی غیره جلّت عظمته حتی یأنس بصوته؟ لاها الله ، وما کان قلب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یقلّ غیره سبحانه فهو مستأنس به ومطمئنّ بآلائه ، فلا مدخل فیه لأیّ أحد یطمئنّ به ، وما جعل الله لرجل من قلبین فی جوفه ، ولقد رآه بالأُفق المبین ، فأوحی إلی عبده ما أوحی ، ما کذب الفؤاد ما رأی ، أفتمارونه علی ما یری؟ ولقد رآه نزلةً أُخری عند سدرة المنتهی ، ما زاغ البصر وما طغی ، لقد رأی من آیات ربّه الکبری ، ولم تبرح نفسه الکریمة مطمئنّة ببارئها حتی خوطب بقوله سبحانه : (یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِی إِلی رَبِّکِ راضِیَةً مَرْضِیَّةً) (2)

هذا مبلغ الروایة من نفس الأمر لکن الغلوّ فی الفضائل آثر أن یعدّوها من فضائل الخلیفة وإن کانت مقطوعةً عن الإسناد.

- 19 -

الدین وسمعه وبصره

عن حذیفة بن الیمان ، قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : لقد هممت أن أبعث إلی الآفاق رجالاً یُعلّمون الناس السنن والفرائض کما بعث عیسی بن مریم الحواریّین. قیل له : فأین أنت عن أبی بکر وعمر؟ قال : إنّه لا غنی بی عنهما إنّهما من 8.

ص: 395


1- الکامل : 2 / 21 [ 1 / 482 ] ، السیرة الحلبیة : 1 / 431 [ 1 / 373 ]. (المؤلف)
2- الفجر : 27 ، 28.

الدین کالسمع والبصر. أخرجه الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 74) فقال : هذا حدیث تفرّد به حفص بن عمر العدنی عن مسعر. وقال الذهبی فی تلخیصه : هو واهٍ.

قال الأمینی : قال النسائی (2) : حفص بن عمر لیس بثقة. وقال ابن عدیّ (3) : عامّة حدیثه غیر محفوظ. وقال ابن حبّان (4) : کان ممّن یقلّب الأسانید لا یجوز الاحتجاج به إذا. انفرد وقال ابن معین (5) : رجل سوء ، لیس بثقة. وقال مالک بن عیسی : لیس بشیء ، وقال العقیلی (6) : یحدّث بالأباطیل ، وقال أحمد : کان مع حمّاد (7) فی تلک البلایا ، وقال أبو داود : منکر الحدیث ، وقال الدارقطنی (8) : ضعیف ، لیس بقویّ ، متروک (9).

هذا علی ما فرّق جمع بینه وبین حفص بن عمر بن دینار الأیلی. وأمّا إن کان هو هو فقال ابن عدی (10) : أحادیثه کلّها منکرة المتن والسند وهو إلی الضعف أقرب. وقال أبو حاتم (11) : کان شیخاً کذّاباً. وقال العقیلی (12) : یحدّث عن شعبة ومسعر ومالک 9.

ص: 396


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 78 ح 4448 وکذا فی تلخیصه.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 82 رقم 135.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 387 رقم 508.
4- کتاب المجروحین : 1 / 257.
5- التاریخ : 4 / 298 رقم 4969.
6- الضعفاء الکبیر : 1 / 273 رقم 338.
7- أحد الکذّابین والوضاعین. (المؤلف) [ هو حمّاد البربری ولاّه الرشید مکة والیمن ، وقال عنه أحمد فی العلل 2 / 350 رقم 2547 : کان رجل سوء ]
8- الضعفاء والمتروکون : ص 184 رقم 168.
9- میزان الاعتدال : 1 / 262 [ 1 / 560 رقم 2130 ] ، تهذیب التهذیب : 2 / 410 [ 2 / 353 ]. (المؤلف)
10- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 390 رقم 511.
11- الجرح والتعدیل : 3 / 183 رقم 789.
12- الضعفاء الکبیر : 1 / 275 رقم 339.

ابن مِغْول والأئمّة بالبواطیل ، وقال الساجی : کان یکذب ، وقال أبو أحمد الحاکم : ذاهب الحدیث (1).

هذا شأن سند الروایة ؛ ولیت شعری أیّ سنّة أو فریضة کان یعلّمها الرجلان علی فرض إرسالهما؟ وبما ذا کان یفتیان فی الکلالة وإرث الجدّ والجدّة والتیمّم وشکوک الصلاة إلی مسائل أُخری ، عرّفناک بعضها فی الجزء السادس وجملة منها فی هذا الجزء؟ وبما ذا کانا یجیبان لو سُئِلا عن آیات القرآن وهما یتقاعسان عن معرفة بعض ألفاظها اللغویّة فکیف بالغوامض والمعضلات؟

ثمّ بما ذا کان غناء الرجلین لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وبما ذا کانا من الدین کالسمع والبصر؟ أبصولاتهما فی الحروب؟ أم بأیادیهما فی الجدوب؟ أم ببصائرهما فی الأُمور؟ أم بعلمهما الناجع فی الکتاب والسنّة؟ أم بتوقّف الدعوة علیهما فی عاصمة الإسلام؟ أم بإناطة تنفیذ الأحکام بهما؟ إقرأ السیر ثمّ استحفِ الخبر.

وقد مرّ فی (5 / 325) عن المقدسی : أنّ أبا بکر وعمر من الإسلام بمنزلة السمع والبصر ، من موضوعات الولید بن الفضل الوضّاع.

وذکر أبو عمر فی الاستیعاب (2) (1 / 146) مرفوعاً لأبی بکر وعمر : هذان منّی بمنزلة السمع والبصر من الرأس ، وقال : إسناده ضعیف. أخبرنا أبو عبد الله یعیش بن سعید قال : حدّثنا أبو بکر بن محمد بن معاویة ، قال جعفر بن محمد الفریابی ، قال عبد السلام بن محمد الحرّانی ، قال ابن أبی فدیک ، عن المغیرة بن عبد الرحمن ، عن المطّلب بن عبد الله بن حنطب ، عن أبیه ، عن جدّه : انّ النبیّ ... لیس له غیر هذا الإسناد ، والمغیرة بن عبد الرحمن هذا هو الحزامی ضعیف ولیس بالمخزومی الفقیه9.

ص: 397


1- میزان الاعتدال : 1 / 263 [ 1 / 561 رقم 2132 ] ، لسان المیزان : 2 / 324 [ 2 / 394 رقم 2849 ]. (المؤلف)
2- الاستیعاب : القسم الأوّل / 400 رقم 559.

صاحب الرأی. إلی آخره. وقال (1) فی (1 / 348) : حدیث مضطرب الإسناد لا یثبت. وفی الإصابة (2 / 299) : حدیث هذان السمع والبصر ؛ فی أبی بکر وعمر قال أبو عمر : حدیث مضطرب لا یثبت.

أقول : فی الإسناد المذکور غیر واحد من المجاهیل والضعاف ولا ینحصر ضعفه بمکان المغیرة فحسب ، وقال فیه ابن معین (2) : إنّه لیس بشیء. وقال النسائی : لیس بالقویّ. تهذیب التهذیب (3) (10 / 266).

- 20 -

أبو بکر ومنزلته عند الله

عن ابن عبّاس قال : کان أبو بکر مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی الغار فعطش عطشاً شدیداً فشکا إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : اذهب إلی صدر الغار فاشرب. قال أبو بکر : فانطلقت إلی صدر الغار فشربت ماءً أحلی من العسل وأبیض من اللبن وأذکی رائحة من المسک ثمّ عدت إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : شربت؟ قلت : نعم. قال : ألا أُبشّرک یا أبا بکر؟ قلت : بلی یا رسول الله. قال : إنّ الله تبارک وتعالی أمر الملک الموکّل بأنهار الجنّة أن اخرق نهراً من جنّة الفردوس إلی صدر الغار لیشرب أبو بکر ، فقلت : یا رسول الله ولی عند الله هذه المنزلة؟ فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : نعم وأفضل ، والذی بعثنی بالحقّ نبیّا لا یدخل الجنّة مبغضک ولو کان له عمل سبعین نبیّا.

الریاض النضرة (4) (1 / 71) ، مرقاة الوصول (ص 114). 6.

ص: 398


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 892 رقم 1516.
2- التاریخ : 3 / 202 رقم 928.
3- تهذیب التهذیب : 10 / 238.
4- الریاض النضرة : 1 / 96.

قال الأمینی : کیف تصحّ هذه الروایة وقد ضرب عنها حفّاظ الحدیث وأئمّة التاریخ والسیر صفحا؟ مع ما فیها من نبأ عظیم وکرامة هامّة وهی بین أیدیهم وهم یهتمّون بجمع دلائل النبوّة ومعاجز الرسالة ، فلم تخرّج فی أصل ، ولم تذکر فی سیرة ، وإنّما ذکرها السیوطی فی الخصائص (1) (1 / 187) فقال : أخرجه ابن عساکر (2) بسند واهٍ.

ولما ذا خصّت روایتها بابن عبّاس وقد ولد فی شعب أبی طالب قبل الهجرة بقلیل فکان یوم الغار ابن سنة أو سنتین ولم یسندها إلی أحد ولم یکن فی الغار غیر النبی صلی الله علیه وآله وسلم وصاحبه؟ فأین روایتهما إیّاها؟ وأین أُولئک الصحابة عنها؟ أیحقّ لحکیم أو حافظ أن یرسل مثل هذه الواهیة إرسال المسلّم فی عدّ الفضائل؟

نعم ؛ للقوم فی محبّة أبی بکر وصاحبه روایات تشبّه بالقصص الخیالیّة نسجتها ید الغلوّ فی الفضائل ، وإلیک منها :

1 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : لمّا ولد أبو بکر فی تلک اللیلة اطّلع الله علی جنّة عدن فقال : وعزّتی وجلالی لا أدخلک إلاّ من أحبّ هذا المولود.

من موضوعات أحمد بن عصمة النیشابوری کما مرّ فی (5 / 300).

2 - عن أبی هریرة مرفوعاً : إنّ فی السماء الدنیا ثمانین ألف ملک یستغفرون الله لمن أحبّ أبا بکر وعمر ، وفی السماء الثانیة ثمانون ألف ملک یلعنون من أبغض أبا بکر وعمر.

من طامّات أبی سعید الحسن بن علیّ البصری کما أسلفناه فی (5 / 300).

3 - عن أنس : أنّ یهودیّا أتی أبا بکر فقال : والذی بعث موسی وکلّمه تکلیما إنّی 0.

ص: 399


1- الخصائص الکبری : 1 / 307.
2- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 150.

لأحبّک ، فلم یرفع أبو بکر رأسه تهاوناً بالیهودی ، فهبط جبرئیل علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقال : یا محمد إنّ العلیّ الأعلی یقرأ علیک السلام ویقول لک : قل للیهودیّ : إنّ الله قد أحاد عنک النار. الحدیث. إقرأ واحکم بعد قراءتک القرآن والتدبّر فی الآی النازلة فی عذاب الکفّار. من موضوعات أبی سعید البصری. راجع الجزء الخامس (ص 301).

4 - عن أنس مرفوعاً : إنّ لله تعالی فی کلّ لیلة جمعة مائة ألف عتیق من النار إلاّ رجلین فإنّهما یدخلان فی أُمّتی ولیسا منهم ، وإنّ الله لا یعتقهما فیمن عتق منهم مع أهل الکبائر فی طبقتهم ، مصفّدین مع عبدة الأوثان : مبغضی أبی بکر وعمر ، ولیس هم داخلین فی الإسلام ، وإنّما هم یهود هذه الأُمّة.

من وضع أبی شاکر مولی المتوکّل کما مرّ فی (5 / 303).

5 - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : إنّ الله أمرنی بحبّ أربعة : أبی بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّ. من بلایا السجزی کما مرّ فی (5 / 310).

6 - عن أبی هریرة مرفوعاً قال لعلیّ : أتحبّ هذین الشیخین؟ قال : نعم یا رسول الله ، قال : أحبّهما تدخل الجنّة. من صناعة الأشنانی کما مرّ فی (5 / 313).

7 - عن جابر مرفوعاً : لا یبغض أبا بکر وعمر مؤمن ولا یحبّهما منافق.

من موضوعات معلّی الطحان. راجع (5 / 323).

8 - عن أبی هریرة مرفوعاً : هذا جبریل یخبرنی عن الله : ما أحبّ أبا بکر وعمر إلاّ مؤمن تقیّ ، ولا أبغضهما إلاّ منافق شقیّ.

من موضوعات إبراهیم الأنصاری کما مرّ فی (5 / 354).

9 - عن أبی سعید مرفوعاً : من أبغض عمر فقد أبغضنی. راجع (5 / 329).

10 - عن علیّ مرفوعاً قد أخذ الله بکم المیثاق فی أُمّ الکتاب لا یحبّکم - یعنی

ص: 400

أبا بکر ، وعمر ، وعثمان ، وعلیّا - إلاّ مؤمن تقیّ ، ولا یبغضکم إلاّ منافق شقیّ.

من موضوعات إبراهیم الأنصاری کما مرّ فی (5 / 326).

11 - عن علیّ مرفوعاً فی أبی بکر : من أحبّنی فلیحبّه ، ومن أراد کرامتی فلیکرمه. مرّ فی الجزء الخامس (ص 355).

12 - عن أنس مرفوعاً : إنّ لعرش الرحمن ثلاثمائة وستّین قائمة ، کلّ قائمة کطباق الدنیا ستّین ألف مرّة ، بین کلّ قائمتین ستّون ألف صخرة ، کلّ صخرة مثل الدنیا ستّون ألف مرّة ، فی کلّ صخرة ستّون ألف عالم ، کلّ عالم مثل الثقلین ستّون ألف مرّة. قد ألهمهم الله تعالی الاستغفار لمن یحبّ أبا بکر وعمر ، ویلعنون مبغضهما إلی یوم القیامة (1).

کأنّ لعدد ستّین ألف خاصّة عند واضع هذه الخرافة فجعل سلسلة الأکوان الخیالیّة علی ذلک العدد ، لیست هذه کلّها إلاّ حلقة بلاء جاءت بها رماة القول علی عواهنه المغالون فی الفضائل تجاه الحقائق الراهنة ، غیر أنّا لا نخدش العواطف ببسط القول فی متونها ، ونکل القضاء فیها إلی ضمیر الباحث النابه الحرّ.

- 21 -

النبیّ مؤیّد بالشیخین

عن أبی أروی الدوسی ، قال : کنت جالساً عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فاطّلع أبو بکر وعمر فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : الحمد لله الذی أیّدنی بکما.

قال الأمینی : أخرجه الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 74) من طریق ابن أبی فدیک ، 7.

ص: 401


1- عمدة التحقیق للعبیدی المالکی : ص 183 [ ص 307 ] نقلاً عن کتاب العقائق. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 77 ح 4447.

وهو وإن وثّقه ابن معین (1) غیر أنّ ابن سعد (2) قال : لیس بحجّة.

عن : عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب : ضعّفه أحمد وابن معین (3) وأبو حاتم (4) ، وابن عدی (5) ، وقال الفروی : لیس بقویّ ، وقال الجوزجانی : یضعف حدیثه ، وقال البخاری (6) : منکر الحدیث ، وقال الترمذی : متروک لیس بثقة ، وقال ابن حبّان (7) : یخطی ویخالف ، وقال أیضا (8) : منکر الحدیث جدّا یروی عن الثقات ما لا یشبه حدیث الأثبات ، لا یجوز الاحتجاج به إلاّ فیما وافق الثقات ، وقال ابن الجارود : لیس حدیثه بحجّة. وتکلّم النسائی علی أحمد بن صالح حیث وثّقه.

عن سهیل بن أبی صالح : قال ابن معین (9) : حدیثه لیس بحجّة. وقال أبو حاتم (10) : حدیثه لا یُحتجّ به ، وقال ابن حبّان : یخطئ ، وقال ابن أبی خیثمة عن یحیی : لم یزل أهل الحدیث یتّقون حدیثه. وذکر العقیلی (11) عن یحیی أنّه قال : هو صویلح وفیه لین.

عن محمد بن إبراهیم بن الحارث المدنی : وثّقه غیر واحد ، غیر أنّ إمام الحنابلة 9.

ص: 402


1- التاریخ : 3 / 158 رقم 671.
2- الطبقات الکبری : 5 / 437.
3- التاریخ : 3 / 210 رقم 970.
4- الجرح والتعدیل : 6 / 347 رقم 1915.
5- الکامل فی ضعفاء الرجال : 5 / 228 رقم 1382.
6- التاریخ الکبیر : مج 6 / ص 492 رقم 3082.
7- الثقات : 7 / 259.
8- کتاب المجروحین : 2 / 127.
9- التاریخ : 3 / 230 رقم 1077.
10- الجرح والتعدیل : 4 / 247 رقم 1063.
11- الضعفاء الکبیر : 2 / 155 رقم 659.

أحمد (1) قال : فی حدیثه شیء یروی أحادیث مناکیر أو منکرة (2). والحدیث ذکره ابن حجر فی الإصابة (4 / 5) وضعّفه.

هذا مجمل القول فی رجال سند الروایة ، وأمّا متنه فکما تری آیة فی الغلوّ.

- 22 -

الأشباح الخمسة من ذریّة آدم

عن أنس بن مالک قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول : أخبرنی جبریل أنّ الله تعالی لمّا خلق آدم وأدخل الروح فی جسده أمرنی أن آخذ تفّاحةً من الجنّة فأعصرها فی حلقه فعصرتها فی فمه فخلقک الله من النقطة الأولی أنت یا محمد ، ومن الثانیة أبا بکر ، ومن الثالثة عمر ، ومن الرابعة عثمان ، ومن الخامسة علیّ. فقال آدم : من هؤلاء الذین کرّمتهم؟ فقال الله تعالی : هؤلاء خمسة أشباح من ذرّیتک ، وقال : هؤلاء أکرم عندی من جمیع خلقی. قال : فلمّا عصی آدم ربّه. قال : ربّ بحرمة أُولئک الأشباح الخمسة الذین فضّلتهم إلاّ تبت علیّ فتاب الله علیه.

ذکره الحافظ محبّ الدین الطبری فی الریاض النضرة (3) (1 / 30) ، وابن حجر فی الصواعق (4) (ص 50) نقلاً عن ریاض المحبّ الطبری وقال : عهدته علیه.

قال الأمینی : ما أبعد المسافة بین من یجوّز توسّل آدم أوّل الأنبیاء إلی الله تعالی بأُناس عادیّین فی سیاق توسّله بأفضل الرسل وسیّد الأوصیاء علیهما وآلهما السلام ، 3.

ص: 403


1- العلل ومعرفة الرجال : 1 / 566 رقم 1355.
2- راجع میزان الاعتدال : 2 / 4 ، 1 / 432 [ 3 / 445 رقم 7097 ، 2 / 243 رقم 3604 ] ، تهذیب التهذیب : 9 / 6 ، 61 / [ 9 / 6 ، 52 ] ، و 4 / 263 [ 4 / 231 ] و 5 / 51 [ 5 / 45 ] وبهذا الطریق أخرجه البزّار کما فی الصواعق : ص 47 [ ص 79 ]. (المؤلف)
3- الریاض النضرة : 1 / 44.
4- الصواعق المحرقة : ص 83.

وبین من ینکر التوسّل لأیّ أحد بأیّ أحد ، ولا یری لتوسّل آدم بالنبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم أیّ قیمة وکرامة ، فیعتقد الأوّل صحّة مثل هذه الروایة التی حکم السیوطی بأنّها کذب موضوع ، وارتضاه ابن حجر فی نقله عنه کما فی کشف الخفاء ، وإن عدّه فی صواعقه من الفضائل زعماً منه بأنّ الدهر لم یأتِ بعده بمن یناقشه فی الحساب ، وصافقهما علی التکذیب والوضع العجلونی ، فقال فی کشف الخفاء (1) (1 / 233) : قال ابن حجر الهیثمی نقلاً عن السیوطی : کذب موضوع.

ومتن الروایة أوضح شاهد علی ذلک ، غیر أنّ المغالاة فی الفضائل اختلقتها لمعارضة ما ورد فی قوله تعالی : (فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِماتٍ فَتابَ عَلَیْهِ) (2).

أخرج الدیلمی فی مسند الفردوس کما فی الدرّ المنثور (3) (1 / 60) بإسناده عن علیّ قال : «سألت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عن قول الله : (فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِماتٍ فَتابَ عَلَیْهِ)؟ فقال : إنّ الله أهبط آدم بالهند وحوّاء بجدّة - إلی أن قال - : حتی بعث الله إلیه جبریل ، وقال : یا آدم ألم أخلقک بیدی؟ ألم أنفخ فیک من روحی؟ ألم أُسجِد لک ملائکتی؟ ألم أزوّجک حوّاء أمتی؟ قال : بلی. قال : فما هذا البکاء. قال : وما یمنعنی من البکاء وقد أُخرجت من جوار الرحمن؟ قال : فعلیک بهؤلاء الکلمات ، فإنّ الله قابل توبتک وغافر ذنبک. قل : اللهمّ إنّی أسألک بحقّ محمد وآل محمد سبحانک لا إله إلاّ أنت ، عملت سوءاً ، وظلمت نفسی فاغفر لی إنّک أنت الغفور الرحیم. فهؤلاء الکلمات التی تلقّی آدم».

وأخرج ابن النجّار عن ابن عبّاس قال : سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن الکلمات التی تلقّاها آدم من ربّه فتاب علیه؟ قال : «سأل بحقّ محمد وعلیّ وفاطمة والحسن والحسین إلاّ تبت علیّ ، فتاب علیه». الدرّ المنثور (1 / 60). 7.

ص: 404


1- کشف الخفاء : 1 / 249 ح 762.
2- البقرة : 37.
3- الدرّ المنثور : 1 / 147.

وأخرجه الفقیه ابن المغازلی فی المناقب (1) کما فی ینابیع المودّة (2) (ص 239).

وروی أبو الفتح محمد بن علی النطنزی المولود (480) فی کتاب الخصائص : عن ابن عبّاس أنّه قال : لمّا خلق الله آدم ونفخ فیه من روحه عطس فقال : الحمد لله. فقال له ربّه : یرحمک ربّک. فلمّا أسجد له الملائکة فقال : یا ربّ خلقت خلقاً هو أحبّ إلیک منّی؟ قال : نعم ، ولولاهم ما خلقتک. قال : یا ربّ فأرِنیهم.

فأوحی الله إلی ملائکة الحجب : أن ارفعوا الحجب. فلمّا رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدّام العرش قال : یا ربّ من هؤلاء؟ قال : یا آدم هذا محمد نبیّی ، وهذا علیّ أمیر المؤمنین ابن عمّ نبیّی ووصیّه ، وهذه فاطمة بنت نبیّی ، وهذان الحسن والحسین ابنا علی وولدا نبیّی. ثمّ قال یا آدم هم ولدک ، ففرح بذلک. فلمّا اقترف الخطیئة قال : یا ربّ أسألک بمحمد وعلیّ وفاطمة والحسن والحسین لمّا غفرت لی ، فغفر الله له. فهذا الذی قال الله تعالی : (فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِماتٍ). إنّ الکلمات التی تلقّاها آدم من ربّه : اللهمّ بحقّ محمد وعلیّ وفاطمة والحسن والحسین إلاّ تبت علیّ. فتاب الله علیه.

وهذا الرجل یُروی له بسند صحیح توسّل عمر - أحد الاشباح المزعومة - بالعبّاس عمّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی الاستسقاء ، خرج یستسفی به وقد أجدب الناس فقال : اللهمّ إنّا نستشفع إلیک بعمّ نبیّک أن تذهب عنّا المحل ، وأن تسقینا الغیث. فقال العبّاس : اللهمّ إنّه لم ینزل بلاء من السماء إلاّ بذنب ، ولا یکشف إلاّ بتوبة ، وقد توجّه بی القوم إلیک لمکانی من نبیّک ، وهذه أیدینا إلیک بالذنوب ، ونواصینا بالتوبة ، وأنت الراعی لا تهمل الضالّة ، ولا تدع الکسیر بدار مضیعة ، فقد ضرع الصغیر ، ورقّ الکبیر ، وارتفعت الشکوی ، وأنت تعلم السرّ وأخفی ، اللهمّ فأغثهم بغیاثک قبل أن 3.

ص: 405


1- المناقب : ص 63 ح 89.
2- ینابیع المودّة : 2 / 63.

یقنطوا فیهلکوا ، فإنّه لا ییأس من رحمتک إلاّ القوم الکافرون.

فما تمّ کلامه حتی أرخت السماء مثل الحبال ، فنشأت السحاب ، وهطلت السماء ، فطفق الناس بالعبّاس یمسحون أرکانه ویقولون : هنیئاً لک ساقی الحرمین. فقال حسّان بن ثابت :

سأل الإمامُ وقد تتابعَ جدبُنا

فسُقی الغمامَ بغرّةِ العبّاسِ

عمِّ النبیِّ وصنوِ والدِهِ الذی

ورثَ النبیَّ بذاک دون الناسِ

أحیا الإلهُ به البلادَ فأصبحتْ

مخضرّةَ الأجنابِ بعد الیاسِ

وقال ابن عفیف النصری :

ما زال عبّاسُ بن شیبةَ غایةً

للناسِ عند تنکّر الأیّامِ

رجلٌ تفتّحتِ السماءُ لصوتِهِ

لمّا دعا بدعاوةِالإسلامِ

فتحت له أبوابَها لمّا دعا

فیها بجندٍ معلمینَ کرامِ

عمُّ النبیِّ فلا کمن هو عمُّهُ

ولدٌ ولا کالعمِّ فی الأقوامِ

عرفت قریشٌ یوم قام مقامَهُ

فبهِ له فضلٌ علی الأقوامِ (1)

وقال شاعر بنی هاشم :

رسولُ اللهِ والشهداءُ منّا

وعبّاسُ الذی بعجَ الغماما

وقال العبّاس بن عتبة بن أبی لهب :

بعمّی سقی اللهُ الحجازَ وأهلَهُ

عشیّةَ یستسقی بشیبتهِ عمرْ

توجّه بالعباسِ فی الجدبِ دائماً (2)

إلیه فما إن رام حتی أتی المطرًْ.

ص: 406


1- فی تاریخ مدینة دمشق ، وتهذیبه : ... فی الأعمام.
2- فی الطبعة المحققة من تاریخ دمشق : راغباً ، بدلاً من : دائماً.

ومنّا رسولُ اللهِ فینا تراثُه

فهل فوق هذا للمفاخرِ مفتخرْ (1)

فهلاّ هذا الرجل هو المتوسّل به فی حدیث الأشباح - المختلق - الواقع فی ردیف صاحب الرسالة وسید الوصیّین صلّی الله علیهما وآلهما ، وهو ومن معه أکرم خلق الله جمیعاً باعتراف ممّن خلقهم وفی خلقه سبحانه الأنبیاء وأولو العزم من الرسل والأوصیاء والملائکة والمقرّبون؟

فهلاّ هذا الرجل دعا الله بنفسه؟ وما محلّ توسّله بالعبّاس وهو أکرم عند الله منه ومن أبیه آدم وولده وهلمّ جرّا؟ أو أنّه وجد استثناء فی العبّاس فحسب ، فهو أکرم علی الله منه ومن کلّ من هو أکرم علی الله منه؟

أنا لا أدری ما ذا أقول ، ولک الفسحة والمجال لأن تقول الحقّ وما یحدوک إلیه ضمیرک الحرّ وتقول : کیف یکون المذکورون فی الحدیث - غیر محمد وصنوه - أکرم علی الله من جمیع خلقه وفیهم من ذکرناهم من الأنبیاء والرسل والأوصیاء والأولیاء والملائکة؟ وکیف یتوسّل أبو البشر النبیّ المعصوم بمثل أبی بکر وصاحبیه وهم هم؟ وسیرتهم بین یدیک ، وکیف یکونون ردیف النبیّ الأعظم وصنوه المعصوم بنصّ الکتاب العزیز ونفسه المطهّر الناطق به القرآن الکریم؟ وکیف یشارکونهما فی فضیلة الخلقة ، وکرامة التوسّل؟ ولا أحسب أنّ أحداً من شیعة القوم یصافق رواة هذه الأفیکة علی هذه المزاعم ، ولعلّهم یصافقونهم ویجعلونها علی عهدتهم کما فعل ف)

ص: 407


1- صحیح البخاری کتاب الصلاة باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء [ 1 / 342 ح 964 ] ، صحیح مسلم کتاب الصلاة ، الأغانی : 12 / 81 ، أعلام الماوردی : ص 78 [ ص 132 ] ، تاریخ ابن عساکر : 7 / 245 - 248 [ 26 / 355 - 361 ] ، مستدرک الحاکم : 3 / 334 [ 3 / 377 ح 5438 ] ، تاریخ ابن کثیر : 7 / 92 [ 7 / 104 حوادث سنة 18 ه ] ، مرآة الجنان : 1 / 72 ، طرح التثریب : 1 / 63 ، فتح الباری : 2 / 398 [ 2 / 497 ] وقال : یستفاد من القصّة استحباب الاستشفاع بأهل الخیر والصلاح وأهل بیت النبوّة ، عمدة القاری : 3 / 438 [ 7 / 32 ] ، شذرات الذهب : 1 / 29 [ 1 / 164 حوادث سنة 17 ه ]. (المؤلف)

ابن حجر إذ غلوّهم فی الفضائل غیر محدود.

وأمّا الرجل الثانی الذی أربکه التفریط وأسفّ به إلی هوّة الجهل فکالقصیمی الذی أنکر ما جاء فی الصحیح عن عمر بن الخطّاب رضی الله عنه قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «لمّا اقترف آدم الخطیئة قال : یا ربّ أسألک بحقّ محمد لمّا غفرت لی ، فقال الله : یا آدم وکیف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال : یا ربّ لأنّک لمّا خلقتنی بیدک ونفخت فیّ من روحک رفعت رأسی فرأیت علی قوائم العرش مکتوباً : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، فعلمت أنّک لم تضف إلی اسمک إلاّ أحبّ الخلق إلیک. فقال الله : صدقت یا آدم إنّه لأحبّ الخلق إلیّ ، ادعنی بحقّه قد غفرت لک ، ولولا محمد ما خلقتک».

أخرجه (1) : البیهقی فی دلائل النبوّة (2) ، والحاکم فی المستدرک (2 / 615) وصحّحه ، والطبرانی فی المعجم الصغیر ، وأبو نعیم فی الدلائل ، وابن عساکر کما فی الخصائص ، وأقرّ صحته السبکی فی شفاء السقام (ص 120) ، والقسطلانی فی المواهب (1 / 16) ، والسمهودی فی وفاء الوفا (2 / 419) ، والزرقانی فی شرح المواهب (1 / 62) ، والعزّامی فی فرقان القرآن (ص 117) ، وذکره السیوطی فی الخصائص الکبری عن عدّة من الحفّاظ (1 / 6).

فقال القصیمی فی الصراع (2 / 593) تبعاً أثر ابن تیمیّة فی الردّ علی هذه المأثرة النبویّة الصحیحة : والسؤال بحقّ النبیّ أو بحقّ غیره من الأنبیاء والصالحین لیس له من القیمة العملیّة الدینیّة ما یوجب أن یکون عملاً صالحاً مبروراً فضلاً عن أن یکون أداة غفران وعفو تامّ ، وما ذا فی قول القائل : أسألک یا الله بحقّ فلان أو فلانة من عمل صالح یؤهّل قائله لأن یکون من المغفور لهم؟ وإنّما یغفر للمستغفر. ف)

ص: 408


1- دلائل النبوّة : 5 / 489 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 672 ح 4228 ، المعجم الصغیر : 2 / 82 ، شفاء السقام : ص 161 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 82 ، وفاء الوفا : 4 / 1371 ، الخصائص الکبری : 1 / 12.
2- قال الذهبی فی الثناء علیه : علیک به فکلّه هدیً ونور. (المؤلف)

وقال : وأمّا الألفاظ المجرّدة فلا وزن لها عند الله ولا ینظر إلیها فضلاً عن أن تکون عملا تحطّ به الذنوب والخطایا الثقیلة ، فما فی قول القائل : أسألک بحقّ محمد لمّا غفرت لی من الشأن والقیمة؟ حتی یُقال له : وإذ سألتنی بحقّه فقد غفرت لک. وأجهل الناس وأرقّهم دیناً وتقوی وفضیلة وأشدّهم بعداً عن الله وعن رضاه یقولون ذلک ، ویلهجون به ، وهم علی رغمهم لا یجدر بهم الغفران ولا التجاوز والعفو والرضا بل وهم خلیقون بالانتقام والطرد والعذاب الألیم الموجع ، ولن تجدیهم هذه المقالة ولا هذا التوسل قلیلاً ولا کثیراً ، فنحن لا نشکّ فی أنّ آدم ما غفر له ذنبه إلاّ لتوبته ولرجوعه إلی ربّه ولإقلاعه عن ذنبه ، ولاعتذاره واستغفاره الصادرین عن جمیع نفسه وقلبه وعقله ، أمّا السؤال بالحقّ فلا قیمة ولا وزن له عند الله البتة. انتهی.

نحن لا نقابل هذا المغفّل المستهتر البذی إلاّ بالسلام ، حذا فی هذیانه هذا حذو شیخه ابن تیمیّة ، وقد ردّ علیه جمع من أئمّة الحدیث وحفّاظه بکلمات ضافیة نقتصر منها بکلام السبکی ، قال فی شفاء السقام (1) (ص 121) : قال ابن تیمیّة : أمّا ما ذکر فی قصّة آدم من توسّله فلیس له أصل ، ولا نقله أحد من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بإسناد یصلح للاعتماد علیه ولا الاعتبار ولا الاستشهاد. ثمّ ادّعی ابن تیمیّة أنّه کذب وأطال الکلام فی ذلک جدّا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرّص ، ولو بلغه أنّ الحاکم صحّحه لما قال ذلک ، أو لتعرّض للجواب عنه ، وکأنّی به إن بلغه بعد ذلک یطعن فی عبد الرحمن بن یزید راوی الحدیث ، ونحن نقول : قد اعتمدنا فی تصحیحه علی الحاکم ، وأیضاً عبد الرحمن بن یزید لا یبلغ فی الضعف إلی الحد الذی ادّعاه ، وکیف یحلّ لمسلم أن یتجاسر علی منع هذا الأمر العظیم الذی لا یردّه عقل ولا شرع؟ وقد ورد فیه هذا الحدیث ، وأمّا ما ورد من توسّل نوح وإبراهیم وغیرهما من الأنبیاء فذکره المفسّرون واکتفینا عنه بهذا الحدیث لجودته وتصحیح الحاکم له ، ولا فرق فی هذا المعنی بین أن 2.

ص: 409


1- شفاء السقام : ص 162.

یعبّر عنه بالتوسّل أو الإستعانة أو التشفّع أو التجوّه (1). والداعی بالدعاء المذکور ما فی معناه متوسّل بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لأنّه جعله وسیلة لإجابة الله دعاءه ، أو مستغیث به ، والمعنی أنّه استغاث الله به علی ما یقصده.

وقد أسلفنا الکلام حول الموضوع فی الجزء الخامس (ص 143 - 156) راجع.

- 23 -

أبو بکر خیر أهل السموات والأرض

عن أبی هریرة : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : أبو بکر وعمر خیر أهل السموات والأرض ، وخیر الأوّلین والآخرین ، إلاّ النبیّین والمرسلین.

ذکره ابن حجر فی الصواعق (2) (45) نقلاً عن الحاکم وابن عدی (3) ، وأخرجه الخطیب فی تاریخه (5 / 253) وسکت عمّا فی سنده من العلل - علی عادته الجاریة فی مناقب الشیخین - وفیه : جبرون بن واقد الإفریقی والراوی عنه محمد بن داود القنطری ، قال الذهبی فی المیزان (4) : جبرون متّهم فانّه روی بقلّة حیاء عن سفیان ، وروی عنه محمد بن داود القنطری ، عن أبی هریرة مرفوعاً : أبو بکر وعمر خیر الأوّلین. الحدیث تفرّد به وبالذی قبله وهما موضوعان. وزاد ابن حجر فی اللسان (5) (2 / 94) عن ابن عدی (6) أنّه قال : لا أعرف له غیر هذین الحدیثین ولا أعلم یرویهما عنه غیر محمد بن داود وهما منکران. ً.

ص: 410


1- التجوّه : التوسل بالجاه.
2- الصواعق المحرقة : ص 76.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 2 / 180 رقم 368.
4- میزان الاعتدال : 1 / 387 رقم 1435.
5- لسان المیزان : 2 / 121 رقم 1900.
6- تقدم تخریجه آنفاً.

وقال الذهبی (1) فی ترجمة محمد بن داود : عن جبرون الإفریقی بحدیثین باطلین ذکرهما ابن عدی فی ترجمة جبرون ، وقال : تفرّد بهما محمد.

وقال ابن حجر فی اللسان (2) (5 / 161) : أحسب الآفة فی الحدیث من جبرون ، وقد ساق المؤلّف الحدیثین فی ترجمته وصرّح بأنّهما موضوعان وأشار إلی أنّ المشتهر بهما جبرون.

قال الأمینی : ومن الحریّ لمثل هذین المبطلین أن یرویا باطلاً کمثل هذا الذی یرتئی مفتعله تفضیل الرجلین علی الملائکة المقرّبین المعصومین من أهل السموات وفیهم سیّدهم أمین الوحی جبرئیل ، وعلی من ثبتت زلفتهم وقربهم من أولیاء الله وأصفیائه وأوصیاء الأنبیاء ، أنا لا أدری بما ذا فضّلا علیهم : أبعلمهما المتدفّق وقد عرفت مبلغهما منه؟ أم بالعصمة عن الخطایا والذنوب وأنت لا تقول بها؟ أو أنّ ما حفظه التاریخ من سیرتهما لا یدع أن تقول بها ، لکن عصمة الملائکة ثابتة لا ریب فیها ، وعصمة الأوصیاء واجبة بالبرهنة الصحیحة ، وزلفی المقرّبین کلقمان والخضر وذی القرنین من القضایا التی قیاساتها معها ، أم ببأسهما المرهب فی ذات الله وعنائهما فی سبیل الدین وجهودهما الجبّارة؟

لا یخفی علی أحد حقّ القول فی ذلک کلّه ، ضع یدک هاهنا علی أیّ فضیلة فإنّک لا تجد فیهما منها ما یربی بهما علی کثیر من الصحابة والتابعین هلمّ جرّا فضلاً عن من ذکرناهم ، غیر أنّ الغلوّ فی الفضائل حدا صاحبه إلی أن یقول بذلک ، فدعه یقل ؛ فإنّ الحقائق الثابتة غیر قابلة للزوال والأصول الموضوعة یرکن إلیها علی کلّ حال. 9.

ص: 411


1- میزان الاعتدال : 3 / 540 رقم 7500.
2- لسان المیزان : 5 / 181 رقم 7329.

- 24 -

ثواب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر

عن علیّ بن أبی طالب قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول لأبی بکر : یا أبا بکر إنّ الله أعطانی ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلی أن بعثنی ، وإنّ الله أعطاک ثواب من آمن بی منذ بعثنی إلی أن تقوم الساعة.

أخرجه الخلعی والملاّ کما فی الریاض النضرة (1) (1 / 129) ، والخطیب البغدادی فی تاریخه (5 / 53) من طریق أحمد بن محمد بن عبید الله أبی الحسن التمّار المقرئ فقال : کان غیر ثقة روی أحادیث باطلة ، ذاکرت أبا القاسم الأزهری حال هذا الشیخ وقلت : أراه ضعیفاً لأنّ فی حدیثه مناکیر. فقال : نعم هو مثل أبی سعید العدوی.

قال الأمینی : أبو سعید العدوی هو الحسن بن علی العدوی البصری شیخ قلیل الحیاء کذّاب یضع الحدیث ، أسلفنا ترجمته فی سلسلة الکذّابین فی الجزء الخامس (ص 224) ، فقول الأزهری فی أبی الحسن التمّار إنّه مثل أبی سعید یومی إلی أنّه أیضاً کذّاب وضّاع.

وفی الإسناد أبو معاویة الضریر وقد اشتهر عنه الغلوّ غلوّ التشیّع ، وقال یعقوب بن شیبة : ثقة ربّما یدلّس. میزان الاعتدال (2) (3 / 382):

وفیه : أبو البختری عن علیّ. قال سلمة بن کهیل : ما کان من حدیث أبی البختری [ سماعاً ] (3) فهو حسن ، وما کان عن (4) فهو ضعیف. میزان الاعتدال (5) (3 / 344) 6.

ص: 412


1- الریاض النضرة : 1 / 162.
2- میزان الاعتدال : 4 / 575 رقم 10618.
3- من المصدر.
4- کذا فی المصدر أیضاً.
5- میزان الاعتدال : 4 / 494 رقم 9986.

هذا شأن سند الروایة ، وأمّا متنه فضمیرک الحرّ نعم الحَکَم فیه.

- 25 -

الحبّ والشکر الواجبان علی الأُمّة

عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : حبّ أبی بکر وشکره واجب علی أُمّتی.

أخرجه الخطیب البغدادی فی تاریخه (5 / 453) من طریق عمر بن إبراهیم الکردی وقال : تفرّد به عمر ، وهو ذاهب الحدیث. وذکره الذهبی فی میزان الاعتدال (1) (2 / 249) فقال : الحدیث منکر جدّا.

ورواه الخطیب فی تاریخه (5 / 73) من طریق عمر الکردی. أیضاً بلفظ : إنّ أمنّ الناس علیّ فی صحبته وذات یده أبو بکر الصدّیق ، فحبّه وشکره وحفظه واجب علی أُمّتی.

قال الأمینی : هذه الروایة من موضوعات عمر الکردی ، قال الدارقطنی : کذّاب خبیث ، وقال الخطیب (2) : غیر ثقة یروی مناکیر من الأثبات. راجع ما مرّ فی سلسلة الکذّابین فی الجزء الخامس (ص 246).

والعجب من الخطیب فی تاریخه أنّه ، مع قوله المذکور فی ترجمة الکردی ، تری عقدةً فی لسانه لمّا یذکر الروایة ، فیسکت عمّا فیها تارة ولم یتکلّم بذأمة تعرب عن وضعها ، ویقتصر أخری بقوله : تفرّد بروایته عمر وغیر عمر أوثق منه. کما قاله فی الموضع الثانی ، ولیست هذه کلّها إلاّ لإغفال القرّاء عن جلیّة الحال ، والتمویه علی الحقائق الراهنة ، فمن جرّائها یأتی الصفوری بعد حین ویذکر الروایة فی نزهة 5.

ص: 413


1- میزان الاعتدال : 3 / 179 رقم 6044.
2- تاریخ بغداد : 11 / 202 رقم 5905.

المجالس (1) (2 / 186) مرسلاً إیّاها إرسال المسلّم.

- 26 -

أبو بکر فی کفّة المیزان

أخرج الحکیم الترمذی کما فی مرقاة الوصول (ص 112) قال : حدّثنا رزق الله ابن موسی الباجی البصری ، قال : حدّثنا مؤمل بن إسماعیل - العدوی البصری - قال : حدّثنا حماد بن سلمة ، قال : حدّثنا سعید بن جمهان البصری عن سفینة مولی أمّ سلمة ، قال : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا صلّی الصبح أقبل علی أصحابه فقال : أیّکم رأی اللیلة رؤیا؟ قال : فصلّی ذات یوم الصبح ثمّ أقبل علی أصحابه فقال : أیّکم رأی اللیلة رؤیا؟ فقال رجل : أنا یا رسول الله ، رأیت کأنّ میزاناً أدلی من السماء فوضعت فی کفّة المیزان ووضع أبو بکر فی کفّة أخری فرجحت بأبی بکر فرفعت ، وتُرک أبو بکر فجیء بعمر فوضع فی الکفّة الأخری فوزن بأبی بکر فرجح أبو بکر بعمر ، ورفع أبو بکر وترک عمر مکانه ، فجیء بعثمان فوضع فی الکفّة الأخری فرجح عمر بعثمان ، ورفع عمر وتُرک عثمان مکانه ، فجیء بعلیّ فوضع فی الکفّة الأخری فرجح عثمان بعلیّ ورفع المیزان. فتغیّر وجه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ قال : خلافة نبوّة ثلاثین عاماً ثمّ تکون ملکاً.

رجال إسناده :

1 - رزق الله البصری المتوفّی (256 ، 260) : قال الأندلسی : روی أحادیث منکرة وهو صالح لا بأس به. تهذیب التهذیب (2) (3 / 273).

2 - مؤمّل العدوی البصری المتوفّی (206) : قال أبو حاتم (3) : صدوق شدید فی 9.

ص: 414


1- نزهة المجالس : 2 / 183.
2- تهذیب التهذیب : 3 / 235.
3- الجرح والتعدیل : 8 / 374 رقم 179.

السنّة کثیر الخطأ. وقال البخاری : منکر الحدیث. وقال یعقوب بن سفیان : شیخ جلیل سنّی سمعت سلیمان بن حرب یحسن الثناء - علیه - کان مشیختنا یوصون به إلاّ أن حدیثه لا یشبه حدیث أصحابه ، وقد یجب علی أهل العلم أنّ یقفوا عن حدیثه ، فإنّه یروی المناکیر عن ثقات شیوخه ، وهذا أشدّ فلو کانت هذه المناکیر عن الضعفاء لکنّا نجعل له عذراً ، وقال الساجی : صدوق کثیر الخطأ ، وله أوهام یطول ذکرها ، وقال ابن سعد (1) والدارقطنی : کثیر الخطأ. وقال المروزی : إذا انفرد بحدیث وجب أن یتوقّف ویتثبّت فیه ، لأنّه کان سیّئ الحفظ کثیر الغلط.

میزان الاعتدال (2) (2 / 221) ، تهذیب التهذیب (3) (10 / 381).

3 - سعید بن جمهان البصری المتوفّی (136). قال أبو حاتم (4) : یکتب حدیثه ولا یحتجّ به. وقال الساجی : لا یُتابَع علی حدیثه.

میزان الاعتدال (5) (1 / 377) ، تهذیب التهذیب (6) (4 / 14).

قال الأمینی : (وَیْلٌ لِلْمُطَفِّفِینَ* الَّذِینَ إِذَا اکْتالُوا عَلَی النَّاسِ یَسْتَوْفُونَ* وَإِذا کالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ یُخْسِرُونَ* أَلا یَظُنُّ أُولئِکَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِیَوْمٍ عَظِیمٍ* یَوْمَ یَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِینَ) (7).

هذه المیزان التی جاء بها البصریّون وأُدلیت من سماء البصرة فی منجمها عین ، 6.

ص: 415


1- الطبقات الکبری : 5 / 501.
2- میزان الاعتدال : 4 / 228 رقم 8949.
3- تهذیب التهذیب : 10 / 339.
4- الجرح والتعدیل : 4 / 10 رقم 30.
5- میزان الاعتدال : 2 / 131 رقم 3149.
6- تهذیب التهذیب : 4 / 13.
7- المطففین : 1 - 6.

وفی إحدی کفّتیها شول ، وفی لسانها عوج (قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) (1) (قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمی وَالْبَصِیرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) (2).

کیف یوزن فی میزان العدل والنصفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو هو مع ابن أبی قحافة الذی لیس إلاّ أبو بکر ، أیّ خلائق کریمة؟ أیّ نفسیّات طاهرة؟ أیّ ملکات فاضلة؟ أی حکم علمیّة أو عملیّة؟ أی عوارف ومعارف راقیة؟ أیّ بصیرة نافذة؟ أیّ علم؟ أیّ شجاعة؟ أیّ عصمة؟ أیّ قداسة؟ أیّ عظمة؟ أیّ عزم؟ أی حزم؟ أیّ أیّ؟ جعلت فی کفّة جعل فیها أبو بکر؟ هل هذه الموازنة یقبلها الوجدان والمنطق حتی یقال بالرجحان فی إحدی کفّتی المیزان؟ (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ حَدِیثاً) (3).

ثمّ کیف رجح أبو بکر بعمر وإنّهما کانا عکمی بعیر فی الفضائل کلّها أیّام حیاتهما ، غیر أنّ فتوحات عمر وأیادیه فی بسط الإسلام فی أرجاء العالم لا تُنسی ، ولم تزل تذکر فی صفحات التاریخ ، فله فضیلة الرجحان علی أبی بکر إن وزنا بمیزان غیر معیبة.

وکیف فُصِل بین النبیّ الأعظم وبین أمیر المؤمنین فی المیزان؟ وهو نفسه بنصّ القرآن الکریم ، وله العصمة بحکم الکتاب العزیز ، وهو وارث علمه ، وباب حکمته ، وهو عدل القرآن وخلیفة نبیّ الإسلام بقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّی مخلّف فیکم اثنین : کتاب الله وعترتی أهل بیتی» وأیّ فضیلة رابیة لعثمان جعلت فی کفّة المیزان ورجح بها علی علیّ ردیف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی فضائله؟ أنا لا أدری.

ثمّ إن کان التعبیر الذی عزوه إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حقّا فهو لا محالة بتقدیر من 8.

ص: 416


1- الزمر : 9.
2- الرعد : 16.
3- النساء : 78.

الله تعالی ومشیئة منه رعایة للنظام الأصلح ، فلما ذا تغیّر وجهه صلی الله علیه وآله وسلم ممّا قدّره المولی سبحانه وشاءه وأحبّه؟ ولم تکن له غایة إلاّ الحصول علی مرضاته والدعوة إلیها وإیقاف الأمّة علیها أوَلیس هذا ممّا ینافی عصمته ویضادّ مقامه الأسمی؟ لکن الغلوّ فی الفضائل قد یصحّح أمثال ذلک. فإنّا لله وإنّا إلیه راجعون.

- 27 -

ما أسلم أبو مهاجر إلاّ أبو أبی بکر

أخرج ابن مندة وابن عساکر (1) عن عائشة رضی الله عنها قالت : ما أسلم أبو أحد من المهاجرین إلاّ أبو أبی بکر. تاریخ الخلفاء للسیوطی (2) (ص 73).

وروی المحبّ الطبری فی ریاضه (3) (1 / 47) عن الواحدی مرسلاً بلا إسناد عن علیّ بن أبی طالب أنّه قال فی أبی بکر : أسلم أبواه جمیعاً ولم یجتمع لأحد من الصحابة المهاجرین أسلم أبواه غیره. وذکره القرطبی فی تفسیره (4) (16 / 194).

وأخذ غیر واحد من المتأخرین کالشبلنجی ونظرائه هذین الحدیثین فعدّوهما من فضائل أبی بکر المتسالم علیها.

قال الأمینی : نحن نقدّس ساحة علیّ وعائشة عن مثل هذا الکذب الفاحش الذی ینادی التاریخ بخلافه ، وتکذّبه سیرة الصحابة المهاجرین ، وإنّما الحبّ الدفین قد أعمی رواة هذه الأفیکة وأصمّهم عمّا فی غضون الکتب ، فأسرفوا فی القول وتغالوا فی الفضائل غیر مکترثین لمغبّة قیلهم ، أهذا مبلغهم من العلم؟ أم یقولون علی الله الکذِب وهم یعلمون؟ 9.

ص: 417


1- تاریخ مدینة دمشق : 30 / 24 رقم 3398.
2- تاریخ الخلفاء : ص 100.
3- الریاض النضرة : 1 / 68.
4- الجامع لأحکام القرآن : 16 / 129.

هاجر بنو مظعون من بنی جمح ، وبنو جحش بن رئاب حلفاء بنی أُمیّة ، وبنو البکیر من بنی سعد بن لیث حلفاء بنی عدی بن کعب بأهلیهم وأموالهم ، وغلقت دورهم بمکة هجرةً لیس فیها ساکن کما فی سیرة ابن هشام (1) (2 / 79 ، 117) أکانت نساء تلکم الأُسَرِ الکبیرة أرامل أو عقائم؟ أو کانت أبناؤها أیتاماً من الأبوین أیامی؟ أو کانت آباؤها رجالاً بلا أعقاب؟ قاتل الله الحبّ کیف یُعمی ویُصمّ.

وهلمّ معی نقرأ صحیفة من تراجم المهاجرین :

هذا عمّار بن یاسر ، مهاجر عظیم وأبواه فی الرعیل الأوّل من المعذّبین فی الإسلام. قال مسدّد کما فی تهذیب التهذیب (2) (7 / 408) : لم یکن فی المهاجرین من أبواه مسلمان غیر عمّار بن یاسر. فهذا ینفی إسلام والدَی أبی بکر ویکذّب ذلک المختلق.

وهذا عبد الله بن جعفر ، هاجر أبوه ومعه عبد الله وأخواه محمد وعون ومعهم أمّهم أسماء بنت عمیس.

وهذا عمرو بن أبان بن سعید الأموی ، من المهاجرین وأبوه شهد خیبراً مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأُمّه فاطمة بنت صفوان مسلمة.

وهذا خالد بن أبان الأموی أخو عمرو بن أبان المذکور.

وهذا إبراهیم بن الحارث بن خالد التمیمی ، هاجر مع أبیه وأمّه ریطة بنت الحارث بن جبلة.

وهذا الحاطب بن الحارث الجمحی ، من المهاجرین وهاجر معه أبوه وأُمّه فاطمة بنت المجلّل. 7.

ص: 418


1- السیرة النبویّة : 2 / 144 - 145.
2- تهذیب التهذیب : 7 / 357.

وهذا الحطّاب بن الحارث الجمحی ، هاجر مع أبیه وأُمّه وأخیه الحاطب ومعه امرأته فکیهة بنت یسار.

وهذا حکیم بن الحارث الطائفی ، هاجر مع امرأته وبنیه ومعه أبواه وهما مسلمان.

وهذا خزیمة بن جهم بن قیس العبدری ، هاجر مع أبیه وأخیه عمرو ومعهم أُمّهما أُمّ حرملة بنت عبد الأسود.

وهذا جابر بن سفیان بن معمر الجمحی ، هاجر هو وأبوه وأُمّه حسنة.

وهذا جنادة بن سفیان الجمحی ، هاجر ومعه أُمّه حسنة وأخوه جابر المذکور.

وهذا سلمة بن أبی سلمة بن عبد الأسد المخزومی ، هاجر أبوه وهاجرت بعده أُمّه أُمّ سلمة زوج النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مع ابنها سلمة.

وهذا جناب بن الحارثة بن صخر العذری ، هاجر إلی المدینة وأبوه قد أسلم.

وهذا الحارث بن قیس السهمی ، هاجر مع بنیه الحارث وبشر ومعمر ، فهم مهاجرون وأبوهم الحارث قد أسلم وهاجر.

وهذا السائب بن عثمان بن مظعون الجمحی ، من المهاجرین وأبوه مهاجر عظیم.

وهذا سلیط بن سلیط بن عمرو العامری ، قال عمر : دلّونی علی فتی مهاجر هو وأبوه. فدلّوه علیه.

وهذا عبد الرحمن بن صفوان بن قدامة ، هاجر هو وأبوه.

وهذا عبد الله بن صفوان بن قدامة ، هاجر هو وأبوه.

وهذا عامر بن غیلان بن سلمة الثقفی ، هاجر إلی رسول الله وأبوه قد أسلم.

ص: 419

وهذا عبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعی ، من المهاجرین ووالده صحابیّ عظیم.

وهذا عبد الله بن أبی بکر بن أبی قحافة ، مهاجر وهاجر أبوه وأسلم جدّه وجدّته أمّ الخیر علی زعم القوم ، وسیأتی الکلام فی إسلامهما.

وهذا عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، مهاجر وأبوه قد أسلم وهاجر.

وهذا محمد بن عبد الله بن جحش ، أحد المهاجرین ومعه أبوه وأُمّه.

وهذا عبد الله بن المطّلب بن أزهر ، أحد المهاجرین وأبوه مهاجر.

وهذا معمر بن عبد الله بن نضلة ، أحد المهاجرین ووالده مهاجر.

وهذا مهاجر بن قنفذ بن عمیر القرشی التیمی ، من المهاجرین السابقین إلی الإسلام وأبوه له صحبة.

وهذا موسی بن الحرث بن خالد القرشی التیمی ، مهاجر ابن مهاجر.

وهذا النعمان بن عدی بن نضلة ، مهاجر هو ووالده.

راجع (1) سیرة ابن هشام (ص 21) ، طبقات ابن سعد ، تاریخ الطبری ، الاستیعاب ، أُسد الغابة ، کامل ابن الأثیر ، تاریخ ابن کثیر ، عیون الأثر لابن سیّد الناس ، الإصابة ، تهذیب التهذیب ، السیرة الحلبیّة.

ولعلّ الباحث یقف فی غضون السیر وکتب التاریخ ومعاجم التراجم کثیراً من نظراء هؤلاء من المهاجرین الذین أسلم آباؤهم أو آباؤهم وأُمّهاتهم. فما جاء به المحبّ 7.

ص: 420


1- سیرة ابن هشام : 2 / 112 - 117 ، الطبقات الکبری : 4 / 34 ، 142 ، 203 ، 294 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 369 ، الاستیعاب : القسم الثالث / 950 رقم 1612 ، أُسد الغابة : 3 / 198 رقم 2862 ، الکامل فی التاریخ : 2 / 366 ، البدایة والنهایة : 3 / 209 ، عیون الأثر : 1 / 227.

الطبری والسیوطی ومن لفّ لفّهما من فضیلة إسلام والد أبی بکر أو والدیه دون سائر الصحابة وعزوه إلی مولانا أمیر المؤمنین لیس إلا مجهلة ومخرقة نشأت من الغلوّ الفاحش فی الفضائل.

إسلام والدی أبی بکر :

هلمّ معی نحاسب إسلام والدی أبی بکر أحقّا هما أسلما؟ فضلاً عن أن یخصّ بهما الإسلام من بین آباء المهاجرین وأُمّهاتهم ، أم لم ینبّأ به خبیر؟ بل هو نبأ کنبإ إسلام والدَی غیره من المهاجرین یناقش فیه وإنّما ولّده الغلوّ فی الفضائل. أمّا إسلام أبی قحافة فیقال : إنّه أسلم یوم الفتح وقد أتی به ابنه أبو بکر إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یؤثر إتیانه إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم طیلة حیاته غیر مرّة واحدة فی تلک السنة یوم ذاک. وها نحن نذکر جمیع ما ورد فی إتیانه ذاک ، ونجعل تلکم الروایات المرویّة فیه قسمین : الأوّل ما لم یذکر فیه إیعاز إلی إسلامه. والثانی ما یوعز فیه إلی إسلامه.

القسم الأوّل :

1 - أخرج الحاکم فی المستدرک (1) (3 / 245) عن أبی عبد الله محمد بن أحمد القاضی ابن القاضی ، قال : حدّثنی أبی ، حدّثنا محمد بن شجاع ، حدّثنا الحسین (2) بن زیاد عن أبی حنیفة ، عن یزید بن أبی خالد ، عن أنس رضی الله عنه قال : کأنّی أنظر إلی لحیة أبی قحافة کأنّه ضرام عرفج من شدّة حمرته ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لو أقررت الشیخ فی بیته لأتیناه تکرمةً لأبی بکر.

سکت الحاکم عمّا فی سند هذه الروایة ولم یصحّحه علی عادته فی الکتاب ، ف)

ص: 421


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 273 ح 5070.
2- الصحیح : الحسن بن زیاد. (المؤلف)

وتبعه فی ذلک الذهبی فی تلخیصه (1) ، کلّ ذلک تکرمةً لأبی بکر ، وإن بخسا الحقّ والحقیقة. فیه :

1 - محمد بن شجاع البغدادی أبو عبد الله بن الثلجی الفقیه : قال أحمد إمام الحنابلة : مبتدع صاحب هوی. وقال عبد الله بن أحمد : سمعت القواریری قبل أن یموت بعشرة أیّام وذکر ابن الثلجی فقال : هو کافر. فذکرت ذلک لإسماعیل القاضی فسکت ، فقلت : ما أکفره إلاّ بشیء سمعه منه. قال : نعم.

وقال زکریا الساجی : فأمّا ابن الثلجی فکان کذّاباً احتال فی إبطال حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وردّه نصرة لمذهبه ، وفی المنتظم (2) : نصرةً لأبی حنیفة ورأیه.

وقال ابن عدی (3) : کان یضع أحادیث فی التشبیه وینسبها إلی أصحاب الحدیث یبلیهم (4) بذلک.

وقال الأزدی : کذّاب لا تحلّ الروایة عنه لسوء مذهبه ، وزیغه عن الدین.

وقال الجوزجانی : قال موسی بن القاسم الأشیب : کان کذّاباً خبیثاً (5). وفیه :

2 - الحسن ابن اللؤلؤی الکوفی : قال یحیی بن معین : کذّاب.

وقال ابن المدینی : لا یکتب حدیثه.

وقال محمد بن عبد الله بن نمیر : یکذب علی ابن جریج. ف)

ص: 422


1- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 273 ح 5070.
2- المنتظم : 12 / 210 رقم 1724.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 291 رقم 1776.
4- کذا فی تهذیب التهذیب ، وفی الکامل فی الضعفاء : یثلبهم.
5- میزان الاعتدال : 3 / 71 [ 3 / 577 رقم 7664 ] ، المنتظم لابن الجوزی : 5 / 57 [ 12 / 209 رقم 1724 ] ، تهذیب التهذیب : 9 / 220 [ 9 / 195 ]. (المؤلف)

وقال أبو داود : کذّاب غیر ثقة.

وقال أبو حاتم (1) : لیس بثقة. وقال الدارقطنی (2) : ضعیف متروک.

وقال نضر بن شمیل لرجل کتب کُتب الحسن : لقد جلبت إلی بلدک شرّا.

وقال أبو ثور : ما رأیت أکذب من اللؤلؤی ، کان علی طرف لسانه : ابن جریح عن عطاء.

وقال أحمد بن سلیمان : رأیته یوماً فی الصلاة وغلام أمرد إلی جانبه فی الصفّ ، فلمّا سجد مدّ یده إلی خدّ الغلام فقرصه فلا أحدّث عنه.

وقال ابن أبی شیبة : کان أبو أُسامة یسمّیه الخبیث.

وقال یعقوب بن سفیان ، والعقیلی ، والساجی : کذّاب.

وقال النسائی (3) : لیس بثقة ولا مأمون (4). إقرأ واحکم. أتخفی هذه کلّها علی مثل الحاکم والذهبی؟ لاها الله.

2 - أخرج الحاکم فی المستدرک (5) (3 / 244) عن أبی العبّاس محمد بن یعقوب ، قال : حدّثنا محمد بن إسحاق الصغانی ، حدّثنا حسین بن محمد المروزی ، حدّثنا عبد الله بن عبد الملک الفهری ، حدّثنا القاسم بن محمد بن أبی بکر ، عن أبیه ، عن أبی بکر قال : جئت بأبی أبی قحافة إلی رسول الله ، فقال : هلاّ ترکت الشیخ 5.

ص: 423


1- الجرح والتعدیل : 3 / 15 رقم 491.
2- الضعفاء والمتروکون : ص 192 رقم 187.
3- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 89 رقم 158.
4- میزان الاعتدال : 1 / 228 [ 1 / 491 رقم 1849 ] ، لسان المیزان : 2 / 208 [ 2 / 260 رقم 2449 ]. (المؤلف)
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 272 ح 5065.

حتی آتیه. فقلت : بل هو أحقّ أن یأتیک. قال : إنّا لنحفظه لأیادی ابنه عندنا.

وذکره الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 50) فقال : رواه البزّار وفیه عبد الله ابن عبد الملک الفهری ولم أعرفه. وقال الذهبی فی تلخیص المستدرک (1) : عبد الله منکر الحدیث.

وقال الذهبی فی المیزان (2) (2 / 55) ، وابن حجر فی لسانه (3) (2 / 311) : قال ابن حبّان (4) : عبد الله لا یشبه حدیثه حدیث الثقات یروی العجائب. وقال العقیلی (5) : منکر الحدیث لا یتابع علیه ، وقال أبو زرعة : هو ضعیف یضرب علی حدیثه. وقال البرقانی : سألت أبا الحسن عنه قلت : ثقة؟ قال : لا ولا کرامة. انتهی ما فی المیزان ولسانه. وفی السند : القسام بن محمد عن أبیه عن أبی بکر ، توفّی القاسم بن محمد سنة (108 ، 109) وهو ابن (70 - 72) سنة کما فی صفة الصفوة لابن الجوزی (6) (2 / 50) وتوفّی والده محمد سنة (38) فتکون ولادة القاسم سنة وفاة أبیه محمد ، وإن أخذنا قول ابن سعد (7) من أنّ القاسم توفّی سنة (112) وهو ابن سبعین سنة فیکون القاسم عند وفاة والده ابن أربع سنین فأنّی له الروایة عن أبیه؟!!

وأمّا روایة محمد عن أبیه أبی بکر فلا یصحّ ؛ إذ محمد ولد عام حجّة الوداع سنة عشرة من الهجرة وتوفّی والده فی جمادی الآخرة عام ثلاثة عشر ، فأین یکون مقیل هذه الروایة من الصحّة؟ قال الذهبی فی تلخیص المستدرک فی تعقیب هذه 4.

ص: 424


1- تلخیص المستدرک : 3 / 272 ح 5065.
2- میزان الاعتدال : 3 / 457 رقم 4433.
3- لسان المیزان : 3 / 384 رقم 4653.
4- کتاب المجروحین : 2 / 17.
5- الضعفاء الکبیر : 2 / 275 رقم 839.
6- صفة الصفوة : 2 / 90 رقم 162.
7- الطبقات الکبری : 5 / 194.

الروایة : القاسم لم یدرک أباه ولا أبوه أبا بکر (1).

3 - أخرج الحاکم فی المستدرک (2) (3 / 244) عن القاضی أبو بکر محمد بن عمر ابن سالم بن الجعابی الحافظ الأوحد ، حدّثنا أبو شعیب عبد الله بن الحسن الحرّانی ، بإسناده عن أنس قال : جاء أبو بکر رضی الله عنه یوم فتح مکة بأبیه أبی قحافة إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لو أقررت الشیخ فی بیته لأتیناه.

لیت شعری ما الذی دعا الذهبی إلی تسلیم روایة الجعابی هذه وترک الغمز فیها وقد ترجمه فی میزانه (3) (3 / 113) وقذفه بقوله : إنّه فاسق رقیق الدین ، وقال الخطیب : کثیر الغرائب ، ومذهبه فی التشیّع معروف ، ونسب إلیه ابن الجوزی ما هو بریء منه ، وحکی عن الحاکم أنّه قال : قلت للدارقطنی : بلغنی أنّ ابن الجعابی تغیّر بعدنا. فقال : وأیّ تغیّر؟ فقلت : هذا فهمه فی الحدیث. قال : إی والله حدّث عن الخلیل بن أحمد صاحب العروض بعشرین حدیثاً بأسانید لیس له فیها أصل. إلی آخر ما أتی به القوم فی ترجمته. راجع : تاریخ الخطیب (3 / 26) ، المنتظم لابن الجوزی (4) (7 / 38) ، لسان المیزان (5) (5 / 322).

ثمّ کیف خفی علیه وعلی الحاکم أنّ الجعابی ولد سنة (285) وتوفّی (355) باتفاق المؤرّخین ، فأنّی تصحّ روایته عن أبی شعیب عبد الله بن الحسن المتوفّی (292)؟ کما أرّخه الذهبی فی میزان الاعتدال ، هذا أخذاً بما فی لفظ الذهبی فی تلخیصه من حذف حرف (ألا وَ) من السند وأمّا علی ما فی لفظ الحاکم من (ألا وَ) فیکون 8.

ص: 425


1- وقبلها : عبد الله بن عبد الملک منکر الحدیث.
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 272 ح 5064.
3- میزان الاعتدال : 3 / 670 رقم 8006.
4- المنتظم : 14 / 179 رقم 2652.
5- لسان المیزان : 5 / 363 رقم 7848.

الراوی عن أبی شعیب المتوفّی (292) هو نفس الحاکم المولود سنة (321) (1).

علی أنّ الذهبی قال فی المیزان (2) (2 / 30) : کان أبو شعیب غیر متّهم لکنه أخذ الدراهم علی الحدیث ؛ وحکی ابن حجر عن ابن حبّان (3) فی لسان المیزان (4) (3 / 271) أنّه قال : کان یخطئ ، ویهم.

4 - أخرج الحاکم فی المستدرک (5) (3 / 244) عن أبی العبّاس محمد بن یعقوب ، حدّثنا بحر بن نصر ، حدّثنا عبد الله بن وهب ، أخبرنی ابن جریج عن أبی الزبیر عن جابر أنّ عمر بن الخطّاب أخذ بید أبی قحافة فأتی به النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا وقف به علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : غیّروه (6) ولا تقرّبوه سوادا.

متن هذه الروایة یکذّبه کلّ ما ورد فی إتیان أبی قحافة إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فإنّ فی الجمیع أنّ الآتی به هو أبو بکر. ثمّ مرّ فی حدیث أنس أنّه نظر إلی لحیة أبی قحافة کأنّها ضرام عرفج من شدّة حمرتها ، فما معنی ما ورد فی هذا الروایة من قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : غیّروه ولا تقرّبوه سوادا؟ ف)

ص: 426


1- لم یذکر مترجمو ابن الجعابی أنّه حدّث عن أبی شعیب الحرّانی ، ولا الذین ترجموا لأبی شعیب أنّ ابن الجعابی روی عنه. وبما أنّ الطبقة لا تسمح بأن یروی القاضی ابن الجعابی عن أبی شعیب ، فالظاهر أنّ سند الروایة منقطع بمجهولیة أحد رجاله. أمّا لفظ (ألا وَ) فهو لیس زائداً ، بل هو جزء کلمة (الأوحد) التی وصف الحاکم بها القاضی ابن الجعابی بقوله : الحافظ الأوحد ، وحذفها الذهبی فی تلخیصه. لأنّ الحاکم یختصر کلمة (حدّثنا) ب (ثنا) ولا یکتبها کاملة إلاَّ فی أول السند. وعلی هذا السهو أسس المؤلف رحمه الله تعلیقته ، وکأنّه یری تجزئة کلمة (الأوحد) إلی جزءین. ولا یوجد هذا الالتباس فی الطبعة المعتمدة لدینا من المستدرک.
2- میزان الاعتدال : 2 / 406 رقم 4266 وفیه : مات سنة (295).
3- الثقات : 8 / 369.
4- لسان المیزان : 3 / 338 رقم 4527.
5- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 273 ح 5068.
6- قال الذهبی فی تلخیص المستدرک : غیّروه ، یعنی الشیب. (المؤلف)

وأمّا سندها ففیها عبد الله بن وهب ؛ قال ابن معین : ابن وهب لیس بذاک. وفی ابن جریج کان یستصغر. میزان الاعتدال (1) (2 / 86).

وفیها أبو الزبیر محمد بن مسلم الأسدی المکی ، ففی المیزان (2) (3 / 125) : یردّ ابن حزم من حدیث أبی الزبیر ما یقول : عن جابر ونحوه ، لأنّه عندهم ممّن یدلّس ، فإذا قال : سمعت وأخبرنا احتُجّ به.

قال الأمینی : هذا الحدیث ممّا قال فیه أبو الزبیر : عن جابر فهو یُردّ علی ما قاله ابن حزم.

وقال أبو زرعة وأبو حاتم : أبو الزبیر لا یحتجُّ به. وقال یونس بن عبد الأعلی : سمعت الشافعی واحتجّ علیه رجل بحدیث عن أبی الزبیر فغضب وقال : أبو الزبیر محتاج إلی دعامة. وعن ورقاء قال : قلت لشعبة : مالک ترکت حدیث أبی الزبیر؟ قال : رأیته یزن ویسترجح فی المیزان ، وقال شعبة : قدمت مکة فسمعت من أبی الزبیر ، فبینا أنا جالس عنده إذ جاءه رجل یوماً فسأله عن مسألة فردّ علیه ، فقلت له : یا أبا الزبیر تفتری علی رجل مسلم ، قال : إنّه أغضبنی. قلت : من یغضبک تفتری علیه؟! لا رویت عنک حدیثاً أبداً. وذکره ابن حجر فی تهذیب التهذیب (3) (9 / 440) وحکی تضعیف أیّوب وأحمد وغیرهما إیّاه.

وعن أبی الزبیر هذا أخرج الحاکم فی المستدرک (4) (3 / 245) عن جابر أنّه قال : أُتی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم یوم الفتح بأبی قحافة ورأسه ولحیته کالثغامة (5) فقال ه.

ص: 427


1- میزان الاعتدال : 2 / 522 رقم 4677.
2- میزان الاعتدال : 4 / 37 رقم 8169.
3- تهذیب التهذیب : 9 / 391.
4- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 273 ح 5069.
5- الثغامة : نبت أبیض الثمر والزهر ، یشبّه بیاض الشیب به.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اخضبوا لحیته.

5 - أخرج ابن حجر من طریق محمد بن زکریا العلائی (1) عن العبّاس بن بکّار ، عن أبی بکر الهذلی ، عن الکلبی ، عن أبی صالح ، عن ابن عبّاس قال : جاء أبو بکر بأبی قحافة وهو شیخ قد عمی ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ألا ترکت الشیخ حتی آتیه؟ قال : أردت أن یؤجره الله ، والذی بعثک بالحقّ لأنا کنت أشدّ فرحاً بإسلام أبی طالب منّی بإسلام أبی ، ألتمس بذلک قرّة عینک. الإصابة (4 / 116).

رجال الإسناد :

1 - محمد بن زکریّا الغلابی البصری : قال الذهبی : ضعیف. وقال ابن حبّان (2) : یعتبر بحدیثه إذا روی عن ثقة. وقال ابن مندة : تکلّم فیه. وقال الدارقطنی (3) : یضع الحدیث. وذکر الصولی بإسناده حدیثاً فقال : هذا کذب من الغلابی. میزان الاعتدال (4) (3 / 58).

2 - العباس بن بکّار البصری : قال الدارقطنی (5) : کذّاب. وقال العقیلی (6) : الغالب علی حدیثه الوهم والمناکیر. میزان الاعتدال (7) (2 / 18).

3 - أبو بکر الهذلی البصری : قال الدوری : لیس بشیء ، وقال أیضاً : لیس بثقة. وقال ابن معین (8) : لیس بشیء. وقال غندر : کان یکذب. وقال أبو زرعة : 1.

ص: 428


1- الصحیح : الغلابی. (المؤلف)
2- کتاب الثقات : 9 / 154.
3- الضعفاء والمتروکون : ص 350 رقم 483.
4- میزان الاعتدال : 3 / 550 رقم 7537.
5- الضعفاء والمتروکون : ص 321 رقم 423.
6- الضعفاء الکبیر : 3 / 363 رقم 1399.
7- میزان الاعتدال : 2 / 382 رقم 4160.
8- التاریخ : 4 / 88 رقم 3281.

ضعیف. وقال أبو حاتم (1) : لیّن الحدیث یکتب حدیثه ولا یحتجّ بحدیثه. وقال النسائی (2) : لیس بثقة ولا یُکتب حدیثه. وقال ابن الجنید : متروک الحدیث. وقال ابن المدینی : ضعیف لیس بشیء ، ضعیف جدّا ، ضعیف ضعیف. وقال الجوزجانی : یضعف حدیثه. وقال الدارقطنی (3) : منکر الحدیث متروک. وقال یعقوب بن سفیان : ضعیف لیس حدیثه بشیء. وقال المروزی : کان أبو عبد الله یضعّف أمره. وقال ابن عمّار : بصریّ ضعیف. وقال أبو إسحاق : لیس بحجّة. وقال أبو أحمد الحاکم : لیس بالقویّ عندهم. وقال ابن عدی (4) : عامّة ما یرویه لا یُتابع علیه.

وقال الذهبی (5) : ضعّفه أحمد وغیره. وقال غندر وابن معین (6) : لم یکن بثقة. وقال یزید بن زریع : عدلت عنه عمداً. وقال النسائی : لیس بثقة. وقال البخاری (7) : 7 / 318 لیس بالحافظ عندهم.

راجع : میزان الاعتدال (8) (3 / 345) ، تهذیب التهذیب (12 / 46) ، وقال ابن حجر فی الإصابة بعد ذکر الحدیث : إسناد واهٍ.

6 - قال ابن حجر فی الإصابة (4 / 117) : أخرج أبو قرة موسی بن طارق ، عن موسی بن عبیدة ، عن عبد الله بن دینار ، عن ابن عمر قال : جاء أبو بکر بأبی قحافة یقوده یوم فتح مکة فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ألا ترکت الشیخ حتی نأتیه؟ قال أبو بکر : أردت أن یؤجره الله ، والذی بعثک بالحقّ لأنا کنت أشدّ فرحاً بإسلام أبی 6.

ص: 429


1- الجرح والتعدیل : 4 / 313.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 116 رقم 245.
3- الضعفاء والمتروکون : ص 223 رقم 245.
4- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 325 رقم 778.
5- میزان الاعتدال : 4 / 497 رقم 10005.
6- التاریخ : 4 / 238 رقم 4141.
7- التاریخ الکبیر : 4 / 198 رقم 2478.
8- میزان الاعتدال : مرَّ تخریجه ، تهذیب التهذیب : 12 / 47 ، الإصابة : 4 / 116.

طالب لو کان أسلم (1) منّی بأبی.

هذا الحدیث کسابقه لا یدلّ علی إسلام أبی قحافة وهو نظیر قول عمر للعبّاس : أنا بإسلامک إذا أسلمت أفرح منّی بإسلام الخطّاب ، یعنی لو کان أسلم (2).

وأمّا رجال إسناده ففیه :

1 - موسی بن طارق. قال أبو حاتم (3) : یُکتب حدیثه ولا یُحتجّ به کما قاله الذهبی فی المیزان (4) (3 / 211).

2 - موسی بن عبیدة : قال الذهبی : قال أحمد (5) : لا یُکتب حدیثه ، وقال النسائی (6) وغیره (7) : ضعیف. وقال ابن عدی (8) : الضعف علی روایته بیّن. وقال ابن معین : لیس بشیء. وقال مرّة : لا یُحتجّ بحدیثه. وقال یحیی بن سعید : کنّا نتّقی حدیثه. وقال یعقوب بن شیبة : صدوق ضعیف الحدیث جدّا. میزان الاعتدال (9) (3 / 214).

3 - عبد الله بن دینار : قال العقیلی (10) : روی عنه موسی بن عبیدة ونظراؤه أحادیث مناکیر ، الحمل فیها علیهم. تهذیب التهذیب (11) (5 / 202). 0.

ص: 430


1- هذه الجملة أعنی : «لو کان أسلم» دخیل من المتأخرین نظراء ابن حجر ولا توجد فی الأصول القدیمة. راجع الریاض النضرة : 1 / 45 [ 1 / 66 ]. (المؤلف)
2- الإصابة : 4 / 117 [ رقم 685 ]. (المؤلف)
3- الجرح والتعدیل : 8 / 148 رقم 669.
4- میزان الاعتدال : 4 / 207 رقم 8882.
5- راجع الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 334 ، تهذیب الکمال : 29 / 104 - 109.
6- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 224 رقم 581.
7- التاریخ الکبیر : 7 / 291 رقم 1242.
8- الکامل فی ضعفاء الرجال : 6 / 337 رقم 1813.
9- میزان الاعتدال : 4 / 213 رقم 8895.
10- الضعفاء الکبیر : 2 / 249 رقم 802.
11- تهذیب التهذیب : 5 / 177 رقم 350.

القسم الثانی :

لا یوجد فی کتب الحدیث ومعاجم التراجم ما یدلّ علی إسلام أبی قحافة إلاّ ما أخرجه أحمد فی مسنده (1) (6 / 349) من طریق ابن إسحاق عن أسماء بنت أبی بکر قالت : لمّا وقف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بذی طوی قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده : أی بنیّة اظهری بی علی أبی قبیس. قالت : وقد کفّ بصره ، قالت : فأشرفت به علیه ، فقال : یا بنیّة ما ذا ترین؟ قالت : أری سواداً مجتمعاً. قال : تلک الخیل. قالت : وأری رجلاً یسعی بین ذلک السواد مقبلاً ومدبراً. قال : یا بنیّة ذاک الوازع یعنی الذی یأمر الخیل ویتقدّم الیها. ثمّ قالت : قد والله انتشر السواد. فقال : قد والله إذا دفعت الخیل فاسرعی بی إلی بیتی ، فانحطّت به وتلقّاه الخیل قبل أن یصل إلی بیته وفی عنق الجاریة طوق لها من ورِق فتلقّاها رجل فاقتلعه من عنقها. قالت : فلمّا دخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مکة ودخل المسجد أتاه أبو بکر بأبیه یقوده. فلمّا رآه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : هلاّ ترکت الشیخ فی بیته حتی أکون أنا آتیه فیه. قال أبو بکر : یا رسول الله هو أحقّ أن یمشی إلیک من أن تمشی أنت إلیه. قال : فأجلسه بین یدیه ثمّ مسح صدره ثمّ قال له : أسلم ، فأسلم ودخل به أبو بکر رضی الله عنه علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورأسه کأنّه ثغامة ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : غیّروا هذا من شعره. ثمّ قام أبو بکر فأخذ بید أُخته فقال : أنشد بالله وبالإسلام طوق أُختی فلم یجبه أحد ، فقال : یا أُخیّة : احتسبی طوقک.

وفی لفظ المحبّ الطبری فی الریاض (2) (1 / 45) : احتسبی طوقک ، فو الله إنّ الأمانة فی الناس الیوم قلیل.

قال الأمینی : هذه الروایة لا تصحّ لمکان محمد بن إسحاق بن یسار بن خیار 6.

ص: 431


1- مسند أحمد : 7 / 489 ح 26416.
2- الریاض النضرة : 1 / 65 - 66.

المدنی نزیل العراق ، ولیست هی إلاّ من موضوعاته. قال سلیمان التیمی : ابن إسحاق کذّاب. وقال هشام بن عروة : کذّاب.

وقال مالک : دجّال من الدجاجلة.

وقال یحیی القطّان : أشهد أنّ محمد بن إسحاق کذّاب.

وقال الجوزجانی : الناس یشتهون حدیثه ، وکان یرمی بغیر نوع من البدع.

وقال ابن نمیر : یحدّث عن المجهولین أحادیث باطلة.

وقال أیّوب بن إسحاق : سألت أحمد فقلت له : یا أبا عبد الله إذا انفرد ابن إسحاق بحدیث تقبله؟ قال : لا والله إنّی رأیته یحدّث عن جماعة بالحدیث الواحد ولا یفصل کلام ذا من کلام ذا.

وقال أبو داود : سمعت أحمد ذکر محمد بن إسحاق فقال : کان رجلاً یشتهی الحدیث فیأخذ کتب الحدیث فیضعها فی کتبه ، وکان یدلّس ، وکان لا یبالی عمّن یحکی عن الکلبی وغیره.

وقال عبد الله بن أحمد : ما رأیت أبی أتقن حدیثه قطّ ، وکان یتتبّعه بالعلوّ والنزول ، قیل له : یحتجّ به؟ قال : لم یکن یحتجّ فی السنن.

وقال ابن معین (1) : لیس بذاک ، ضعیف ، لیس بقویّ.

وقال النسائی (2) : لیس بقویّ.

وقال ابن المدینی : کذّبه سلیمان التمیمی ، ویحیی القطّان ، ووهیب بن خالد.

وقال الدارقطنی : لا یحتجّ به. وقال : اختلفت الأئمّة فیه ولیس بحجّة إنّما یعتبر به.

وقال هشام بن عروة : یحدّث ابن إسحاق عن امرأتی فاطمة بنت المنذر ، والله إن رآها قطّ. 8.

ص: 432


1- التاریخ : 3 / 247 رقم 1158.
2- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 211 رقم 538.

وقال وهیب : سألت مالکاً عنه ، فاتّهمه.

وقال أحمد : هو کثیر التدلیس جدّا (1).

وأخرج الحاکم فی المستدرک (2) (ج 3) : من طریق الحدیث الرابع المذکور عن عبد الله بن وهب ، عن عمر بن محمد ، عن زید بن أسلم رضی الله عنه : أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هنّأ أبا بکر بإسلام أبیه.

وفیه - مضافاً إلی ما أسلفناه فی الحدیث الرابع - أنّ زید بن أسلم توفّی سنة (136) وعُدّ ممّن لقی ابن عمر (3) ، فلا تصحّ روایته عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقد ولد بعده بکثیر.

علی أنّ ابن حجر قال فی تهذیب التهذیب (4) (3 / 397) : ذکر ابن عبد البرّ فی مقدّمة التمهید ما یدلّ علی أنّه کان یدلّس. وقال فی موضع آخر : لم یسمع من محمود ابن لبید وحکی عن ابن عیینة أنّه قال : کان زید رجلاً صالحاً وکان فی حفظه شیء. ونقل عن غیره قوله : لا أعلم به بأساً إلاّ أنّه یفسّر برأیه القرآن ویکثر منه ، وفی میزان الاعتدال (5) (1 / 361) : إنّه کان یفسّر القرآن برأیه.

هذا إسلام أبی قحافة وحدیثه ولیس إلاّ دعوی مجرّدة مدعومة بالواهیات ، ولا یثبت بها إسلام أیّ أحد ، ویظهر من نفس روایة أحمد أنّ إتیانهُ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - علی فرض تسلیمه - لم یکن إلاّ لاسترداد ما أخذه المسلمون من ابنته من الطوق ، ولو کان له إسلام ثابت وکان إتیانه للإسلام لکان یعید زیارته صلی الله علیه وآله وسلم 9.

ص: 433


1- راجع میزان الاعتدال : 3 / 21 - 24 [ 3 / 468 رقم 7197 ] ، تهذیب التهذیب : 9 / 38 - 46 [ 9 / 34 - 40 ]. (المؤلف)
2- المستدرک علی الصحیحین : 3 / 273 ح 5068.
3- تاریخ ابن کثیر : 10 / 61 [ 10 / 66 حوادث سنه 136 ه ] ، مرآة الجنان : 1 / 284. (المؤلف)
4- تهذیب التهذیب : 3 / 342.
5- میزان الاعتدال : 2 / 98 رقم 2989.

مرّة بعد أُخری ، وکان ینتهز الفرص أیّام إقامته تلک فی مکة ویستفید من نمیر علمه ، ویأخذ منه معالم دینه ، وکان حقّا علیه أن یزوره فی حجّة الوداع ، ولو کان له إسلام لکان یروی عنه صلی الله علیه وآله وسلم ولو حدیثاً واحداً ، أو کان یروی عن أصحابه ولو عن واحد منهم ، ولو کان قد أسلم لکان تُنقل عنه کلمة فی الإسلام ، أو قول فی الذبّ عنه ، أو حرف واحد فی الدعوة إلیه أو کان له فی التاریخ ذکر عن أیّام إسلامه ، ونبأ عن آثار إیمانه بالله وبرسوله ، ولا أقلّ من روایته هو لحدیث إسلامه.

ثمّ إن صحّ الخبر وقد أکرمه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله : هلاّ ترکت الشیخ فی بیته. إلی آخر. وکان ذلک - کما مرّ - تکرمةً لأبی بکر فما بال الصحابة تردّ شفاعة مثل هذا الرجل العظیم؟ الذی عظّمه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بتلک الکلمة القیّمة التی لم تُؤثر عنه صلی الله علیه وآله وسلم فی أحد من الصحابة حتی فی أعمامه صلی الله علیه وآله وسلم وفیهم العبّاس الذی یستسقی به الغمام ، وهم یسمعونها منه صلی الله علیه وآله وسلم ، ما بالهم یصفحون عن شفاعته فی والده بإعادة الطوق إلیه وهو شیخ کبیر حدیث العهد بالإسلام حریّ بأن یُکرَم؟ وما بال أبی بکر الذی أنفق جلّ ماله لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی زعم القوم یأخذ بید أُخته ویأتی بها إلی مجتمع الثویلة (1) وینشد الحضور بالله وبالإسلام ویسألهم ردّ طوقها إلیها؟ وما الطوق وما قیمته والصحابة لم تقبل فیه شفاعة شیخهم یوم ذاک وخلیفتهم فی الغد؟ وکیف یستعظم أبو بکر أمر الطوق ویأمر أُخته بالاحتساب ویری الأمانة قلیلة فی الصحابة یوم ذاک مع حضور نبیّهم فیهم؟ فما کان محلّهم من الأمانة بعد یومهم ذاک بثلاث سنین وقد ارتحل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من بین ظهرانیهم؟ وکیف صاروا بعد فقدهم نبیّهم عدولاً؟ أنا لا أدری!

إسلام أمّ أبی بکر :

لیس إسلام أمّ الخیر أُمّ أبی بکر إلاّ کإسلام أبیه أبی قحافة ، لا یُدعم بدلیل ولا تقوّمه البرهنة. ب.

ص: 434


1- الثویلة من الناس : الجماعة تجیء من کلّ وجه. یقال : انثال علیه الناس أی انصبّوا علیه من کلّ جانب.

أخرج الحافظ أبو الحسن خیثمة بن سلیمان الأطرابلسی قال : حدّثنا عبید الله ابن محمد بن عبد العزیز العمری قاضی المصیصة ، حدّثنا أبو بکر عبد الله بن عبید الله ابن إسحاق بن محمد بن عمران بن موسی بن طلحة بن عبید الله ، حدّثنی أبی عبید الله ، حدّثنی عبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهیم بن محمد بن طلحة ، قال : حدّثنی أبی محمد بن عمران عن القاسم بن محمد بن أبی بکر عن عائشة قالت : لمّا اجتمع أصحاب النبیّ وکانوا ثمانیة وثلاثین رجلاً ألحّ أبو بکر علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الظهور ، فقال : یا أبا بکر إنّا قلیل. فلم یزل أبو بکر یلحّ حتی ظهر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتفرّق المسلمون فی نواحی المسجد ، کلّ رجل فی عشیرته ، وقام أبو بکر فی الناس خطیباً ، ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جالس ، فکان أوّل خطیب دعا إلی الله وإلی رسوله ، وثار المشرکون علی أبی بکر وعلی المسلمین فضُرِبوا فی نواحی المسجد ضرباً شدیداً ، ووُطئ أبو بکر وضُرب ضرباً شدیداً ، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربیعة فجعل یضربه بنعلین مخصوفین ویحرّفهما لوجهه ، وأثّر ذلک حتی ما یُعرف أنفه من وجهه ، وجاءت بنو تیم تتعادی فأجلوا المشرکین عن أبی بکر ، وحملوا أبا بکر فی ثوب حتی أدخلوه بیته ولا یشکّون فی موته ، ورجع بنو تیم فدخلوا المسجد وقالوا : والله لئن مات أبو بکر لنقتلنّ عتبة. ورجعوا إلی أبی بکر فجعل أبو قحافة وبنو تیم یکلّمون أبا بکر حتی أجابهم فتکلّم آخر النهار : ما فعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فنالوه بألسنتهم وعذلوه ثمّ قاموا وقالوا لأُمّ الخیر بنت صخر : انظری أن تطعمیه شیئاً أو تسقیه إیّاه ، فلمّا خلت به وألحّت جعل یقول : ما فعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قالت : والله ما أعلم بصاحبک. قال : فاذهبی إلی أُمّ جمیل بنت الخطّاب فاسألیها عنه ، فخرجت حتی جاءت إلی أُمّ جمیل فقالت : إنّ أبا بکر یسألک عن محمد بن عبد الله. قالت : ما أعرف أبا بکر ولا محمد بن عبد الله ، وإن تحبّی أن أمضی معک إلی ابنک فعلت. قالت : نعم. فمضت معها حتی وجدت أبا بکر صریعاً دنفاً ، فدنت منه أُمّ جمیل وأعلنت بالصیاح ، وقالت : إنّ قوماً نالوا منک هذا لأهل فسق وإنّی لأرجو أن ینتقم الله لک. قال : ما فعل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قالت : هذه أُمّک تسمع.

ص: 435

قال : فلا عین علیک منها. قالت : سالم صالح. قال : فأنّی هو؟ قالت : فی دار الأرقم. قال : فإنّ لله علیّ آلیت لا أذوق طعاماً ولا شراباً أو آتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأمهلتاه حتی إذا هدأت الرِّجل وسکن الناس خرجتا به یتّکئ علیهما حتی دخلتا علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : فانکبّ علیه فقبّله وانکبّ علیه المسلمون ورقّ له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رقّةً شدیدة ، فقال أبو بکر : بأبی أنت وأمّی لیس بی إلاّ ما نال الفاسق من وجهی ، هذه أُمّی برّة بوالدیها ، وأنت مبارک ، فادعها إلی الله وأدع الله عزّ وجلّ لها عسی أن یستنقذها بک من النار. فدعاها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأسلمت (1).

قال الأمینی : تفرّد بهذا الحدیث عبید الله بن محمد العمری ، رماه النسائی بالکذب ، وحکاه عنه الذهبی وابن حجر (2) ، وقال الدارقطنی فی حدیث آخر تفرّد به العمری أیضاً : لیس بصحیح تفرّد به العمری وکان ضعیفاً.

وبقیّة رجال السند کلّهم تیمیّون ، فیهم عبد الله وعبید الله من أولاد طلحة بن عبید الله مجهولان لا یعرفان. وعبد الله ومحمد بن عمران من أولاد طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبی بکر ، أو : من أولاد طلحة بن عبید الله أیضاً وهما مجهولان کسابقیهما ، علی أنّ أبا بکر لا یعدّ من المعذّبین فی الإسلام ، ولو کان له هذا الموقف فی ذلک الیوم العصبصب وکانت علی النبأ مسحة من الصحّة لکان یُذکر فی صفحة کلّ تاریخ ، ولم یکن یهمله أیّ مؤرّخ ، أمن المعقول أن یحفظ التاریخ فی طیّاته تعذیب الموالی ولم یکن فی صفحته ذکر عن مثل هذا الموقف لمثل أبی بکر؟

ثمّ لو لم یکن الحفّاظ عدّوا هذه الروایة من موضوعات عبید الله العمری وکان عندهم ثقة برجالها ولو بالعلاج ولو بقیل قائل ، لما أعرضوا عنها فی تلکم القرون ف)

ص: 436


1- الریاض النضرة : 1 / 46 [ 1 / 66 ] ، تاریخ ابن کثیر : 3 / 30 [ 3 / 40 ]. (المؤلف)
2- میزان الاعتدال : 2 / 180 [ 3 / 15 رقم 5392 ] ، لسان المیزان : 4 / 112 [ 4 / 130 رقم 5435 ]. (المؤلف)

الخالیة کلّها ، وکان یتلّقاها حافظ عن حافظ وإمام عن إمام ولم تکن تخصّ روایتها بالمحبّ الطبری وابن کثیر المتخصّصین لذکر الموضوعات والأحادیث المفتعلة أو من یحذو حذوهما. وفی نفس الروایة ما یکذّبها من شتّی النواحی :

1 - إنّ عائشة ولدت فی السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة (1) ، والقضیّة علی تسلیم قبولها قد وقعت فی السادسة من البعثة ، فأین کانت عائشة یوم ذاک؟ أشاهدت موقف أبیها وهی علی ثدی أُمّها بنت سنة أو سنتین؟ لما ذا لم یُرو ذلک عن أبیها أو عن أُمّها أو عن أُمّ جمیل؟ لعلّ الروایة من ولائد القرون المتأخّرة عنهم ، ولدتها أمّ الفضائل بعد قضاء الدهر علی حیاة من خُلقت لأجله.

2 - إنّ فی لفظ الروایة : لمّا اجتمع أصحاب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکانوا ثمانیة وثلاثین رجلاً. فعلی هذا لم یکن أبو بکر یوم ذاک مسلماً أخذاً بقول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم «صلّت الملائکة علیّ وعلی علیّ سبع سنین لأنّا کنا نصلّی ولیس معنا أحد یصلّی غیرنا» (2). وما مرّت من الصحیحة عن أمیر المؤمنین علیه السلام : «لقد صلّیت مع رسول صلی الله علیه وآله وسلم قبل الناس بسبع سنین» (3). وما أسلفنا من صحیحة الطبری : أنّ أبا بکر أسلم بعد أکثر من خمسین رجلاً (4).

3 - فی الروایة : ألحّ أبو بکر علی رسول الله فی الظهور ، فقال : یا أبا بکر إنّا قلیل ، فلم یزل أبو بکر یلحّ حتی ظهر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. إلخ. یکذّبه ما فی السیر من أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أظهر الدعوة قبل ذلک الیوم بثلاث سنین.

وروی ابن سعد وابن هشام والطبری وغیرهم : أنّ الله عزّ وجلّ أمر نبیّه ف)

ص: 437


1- طرح التثریب : 1 / 147 ، الإصابة : 4 / 359 [ رقم 704 ]. (المؤلف)
2- راجع الجزء الثالث : ص 220. (المؤلف)
3- راجع الجزء الثالث : ص 221. (المؤلف)
4- تاریخ الطبری : 2 / 215 [ 2 / 316 ]. (المؤلف)

محمداً صلی الله علیه وآله وسلم بعد مبعثه بثلاث سنین أن یصدع بما جاءه منه ، وأن ینادی الناس بأمره ویدعو إلیه فقال له : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِینَ) (1) وکان قبل ذلک فی السنین الثلاث من مبعثه إلی أن أُمر بإظهار الدعوة إلی الله مستسرّا مخفیاً أمره صلی الله علیه وآله وسلم وأنزل علیه : (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ* وَاخْفِضْ جَناحَکَ لِمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ* فَإِنْ عَصَوْکَ فَقُلْ إِنِّی بَرِیءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (2) (3).

فإظهار النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم دعوته کان بأمر من المولی سبحانه من دون سبق أیّ إلحاح من أیّ أحد علیه من أبی بکر أو غیره سواء کان أسلم أبو بکر یوم ذاک أو لم یسلم.

علی أنّ أبا بکر عُدّ ممّن کان یدعو سرّا بعد ذلک الیوم بعد ظهور الدعوة من المسلمین ، فأین مقیل إلحاحه علی رسول الله فی الظهور من الصحّة یوم ذاک؟ قال ابن سعد فی طبقاته (4) (1 / 185) : کان أبو بکر یدعو ناحیة سرّا ، وکان سعد بن زید مثل ذلک ، وکان عثمان مثل ذلک ، وکان عمر یدعو علانیة وحمزة بن عبد المطلب. فإسرار أبی بکر فی الدعوة یوم إعلان عمر کان بعد ذلک الیوم ، إذ أسلم عمر بعد خروج المهاجرین إلی أرض الحبشة بعد أربعین رجلاً (5). وقد مرّ فی الروایة أنّ القضیّة وقعت والمسلمون ثمان وثلاثون نسمة. ف)

ص: 438


1- الحجر : 94.
2- الشعراء : 214 - 216.
3- تاریخ الطبری : 2 / 216 [ 2 / 318 ] ، طبقات ابن سعد : 1 / 183 [ 1 / 199 ] ، سیرة ابن هشام : 1 / 274 [ 1 / 280 ] ، الکامل : 2 / 23 [ 1 / 486 ] ، تفسیر القرطبی : 10 / 62 [ 10 / 41 ] ، عیون الأثر لابن سیّد الناس : 1 / 99 [ 1 / 131 ] ، تاریخ أبی الفدا : 1 / 116 ، تفسیر ابن کثیر : 2 / 559 ، تفسیر الخازن : 3 / 109 [ 3 / 371 ] ، تفسیر الشوکانی : 3 / 139 [ 3 / 144 ]. (المؤلف)
4- الطبقات الکبری : 1 / 200.
5- الاستیعاب - هامش الإصابة - : 2 / 459 [ الاستیعاب : القسم الثالث / 1145 رقم 1878 ] ، تاریخ ابن کثیر : 3 / 31 [ 3 / 42 ]. (المؤلف)

وذکر الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 259) حدیثین فی إسلام أمّ أبی بکر ؛ أحدهما عن ابن عبّاس قال : أسلمت أمّ أبی بکر وأُمّ عثمان وأُمّ طلحة وأُمّ الزبیر وأُمّ عبد الرحمن بن عوف وأُمّ عمّار. فقال :

فیه : خازم بن الحسین وهو ضعیف. وقال الذهبی فی المیزان (1) (1 / 315) : قال ابن معین (2) : خازم لیس بشیء. وقال أبو داود : روی مناکیر. وقال ابن عدی (3) : عامّة ما یرویه لا یُتابَع علیه.

والحدیث الثانی للهیثمی عن طریق الهیثم بن عدی قال : هلک أبو بکر فورثاه أبواه جمیعاً وکانا أسلما. ثمّ قال : إسناده منقطع.

قال الأمینی : کأنّ الحافظ الهیثمی یوهم بکلمته الأخیرة أنّ علّة الحدیث هی انقطاعه فحسب ، ولم یذکر بقیّة رجاله حتی تقف علیها نظّارة التنقیب ، غیر أنّ فی ذکر الهیثم بن عدی الکذّاب کفایة. قال البخاری : لیس بثقة کان یکذب. وقال أبو داود : کذّاب. وقال النسائی (4) وغیره : متروک الحدیث. وقالت جاریة الهیثم : کان مولای یقوم عامّة اللیل یصلّی فإذا أصبح جلس یکذب ، وقال النسائی أیضاً : منکر الحدیث. وذکر حدیثاً وعدّه من افتراء الهیثم علی هشام بن عروة. وقال أبو حاتم (5) : متروک الحدیث. وقال أبو زرعة : لیس بشیء. وقال العجلی (6) : کذّاب وقد رأیته. وقال الساجی : سکن مکة وکان یکذب. وقال إمام الحنابلة أحمد : کان صاحب أخبار وتدلیس. وقال الحاکم النقّاش : حدّث عن الثقات بأحادیث منکرة. وعدّ 7.

ص: 439


1- میزان الاعتدال : 1 / 626 رقم 2398.
2- التاریخ : 4 / 57 رقم 3130.
3- الکامل فی ضعفاء الرجال : 3 / 75 رقم 621.
4- کتاب الضعفاء والمتروکین : ص 241 رقم 637.
5- الجرح والتعدیل : 9 / 85 رقم 350.
6- تاریخ الثقات : ص 462 رقم 1757.

البیهقی والنقّاش والجوزجانی الحدیث من الموضوعات لکون الهیثم فیه. وقال أبو نعیم : یوجد فی حدیثه المناکیر (1).

فإسلام أُمّ أبی بکر کإسلام والده أبی قحافة قطّ لا یثبت. والذی ذکر إسلامهما من المؤرّخین کابن کثیر والدیاربکری والحلبی وغیرهم لا یعوّل علی قولهم بعد ما عرفت الحال فی مستند أقوالهم ، فلا قیمة للدعوی المجرّدة والتقوّل بلا دلیل.

ویُعرب عن جلیّة الحال بقاء أُمّ الخیر - أُمّ أبی بکر - فی حبالة أبی قحافة فی مکة ، وقد أسلمت هی علی قول من یقول بإسلامها فی السادسة من البعثة ، وأسلم أبو قحافة فی الثامنة من الهجرة سنة الفتح کما سمعت ، فتخلّل بین إسلامهما خمسة عشر عاماً ، فبأیّ کتاب أم بأیّة سنّة بقیت تلک المسلمة أُمّ مثل أبی بکر تلک السنین المتطاولة فی نکاح أبی قحافة الذی لم یسلم بعد؟ وما الذی جمع بینهما؟ والفراق بینهما کان أوّل شعار الإسلامیّة. فأین إسلامها؟ وبما ذا یثبت والحال هذه؟

- 28 -

أبو بکر وأبواه فی القرآن

لعبت أیدی الهوی بکتاب الله ، وحرّفت الکلم عن مواضعها ، وجاء من یؤلّف فی التفسیر وقد أعماه الحبّ وأصمّه ، یخبط خبط عشواء ، فتراه کحاطب لیل یروی فی کتابه أساطیر السلف الأوّلین من الوضّاعین مرسلاً إیّاها إرسال المسلّم من دون أیّ تحقیق وتثبّت وهم یحسبون أنّهم یحسنون صنعاً ، ومع ذلک یرون أنفسهم أئمّة وقادة فی علم القرآن العزیز. حتی یروون أنّ قوله تعالی فی الأحقاف (15) : (وَوَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ کُرْهاً وَوَضَعَتْهُ کُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّی إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِینَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَ ف)

ص: 440


1- میزان الاعتدال : 3 / 265 [ 4 / 324 رقم 9311 ] ، لسان المیزان : 6 / 209 [ 6 / 251 رقم 8977 ] ، الغدیر : 5 / 270. (المؤلف)

وعلی والِدَیَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِی فِی ذُرِّیَّتِی إِنِّی تُبْتُ إِلَیْکَ وَإِنِّی مِنَ الْمُسْلِمِینَ) نزلت فی أبی بکر.

ویروون عن علیّ أمیر المؤمنین وابن عبّاس أنّ الآیة نزلت فی أبی بکر الصدّیق ، وکان حمله وفصاله ثلاثین شهراً ، حملته أُمّه تسعة أشهر وأرضعته واحداً وعشرین شهراً ، أسلم أبواه جمیعاً ولم یجتمع لأحد من المهاجرین أن أسلم أبواه غیره ، فأوصاه الله بهما ولزم ذلک من بعده. فلمّا نُبّئ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو ابن أربعین سنة صدّق أبو بکر رضی الله عنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو ابن ثمانٍ وثلاثین سنة ، فلمّا بلغ أربعین سنة قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَعَلی والِدَیَ) ، واستجاب الله له فأسلم والداه وأولاده کلّهم.

الکشّاف (3 / 99) ، تفسیر القرطبی (16 / 193 ، 194) ، الریاض النضرة (1 / 47) ، مرقاة الوصول (ص 121) ، تفسیر الخازن (4 / 132) ، تفسیر النسفی هامش الخازن (4 / 132) ، تفسیر الشوکانی (5 / 18) (1).

ألا مسائل هؤلاء الأعلام المغفّلین عن أنّ کون مدّة الحمل والفصال ثلاثین شهراً هل یخصّ بأبی بکر فحسب حتی یُخصّ بالذکر؟ أم هو مطّرد فی خلق الله ، إمّا بکون مدّة الحمل ستة أشهر ومدّة الإرضاع حولین کاملین ، وإمّا بکون الحمل تسعة أشهر والإرضاع واحداً وعشرین شهراً؟ وإنّ الحریّ بالذکر هو الأوّل لشذوذه عن العادة المطّردة.

ثمّ إن کان هذا من خاصّة أبی بکر وحکایة لحمله وفصاله فکیف یصحّ لمولانا أمیر المؤمنین وابن عبّاس الاستدلال بالآیة مع ما فی سورة لقمان علی کون أقل الحمل 0.

ص: 441


1- الکشّاف : 4 / 303 ، الجامع لأحکام القرآن : 16 / 129 ، الریاض النضرة : 1 / 68 ، تفسیر الخازن : 4 / 125 ، تفسیر النسفی : 4 / 143 ، فتح القدیر : 5 / 20.

ستة أشهر؟ کما مرّ فی الجزء السادس (ص 93 - 95) ، فالآیة الکریمة لا تبیّن إلاّ ما هو السائر الدائر بین البشر بأحد الوجهین المذکورین وبهذا یتمّ الاستدلال. وفیه قال ابن کثیر فی تفسیره (4 / 157) : وهو استنباط قویّ صحیح ووافقه علیه عثمان وجماعة من الصحابة. وابن کثیر مع إکثاره بنقل الموضوعات لم یوعز إلی نزول الآیة فی أبی بکر لما یری فی نقله من الفضیحة علی نفسه.

ثمّ إنّ فی نصّ الآیة أنّ ذلک الانسان قال ما قاله وقد بلغ أشدّه وبلغ من عمره أربعین عاما. وأبو بکر لم یکن مسلماً یوم ذاک لا هو ولا أبوه ولا أُمّه ، أمّا هو فقد قدّمنا أنّه أسلم بعد سبع من البعثة بنصوص مرّت فی الجزء الثالث (ص 220 - 223).

وأمّا أبوه فقد أسلم - إن أسلم - یوم الفتح فی السنة الثامنة من الهجرة ، وکان لأبی بکر یومئذ ستّ وخمسون سنة أو أکثر.

وأمّا أُمّه فقد أسلمت - إن أسلمت - فی السنة السادسة من البعثة ، وأبو بکر یوم ذاک ابن أربع وأربعین سنة أو أکثر منها.

فبما ذا أنعم الله علیه وعلی والدیه یوم قال : ربّ أوزعنی أن أشکر نعمتک التی أنعمت علیّ وعلی والدیّ ، وکلّهم غیر مسلمین؟ والجملة دُعائیّة بالنسبة إلی إلهام الشکر علی ما أنعم الله به علیه وعلی والدیه فحسب ، وأمّا بالنسبة إلی کونهم من المنعم علیهم فخبریّة تقتضی سبق تلک النعمة علی ظرف الدعاء ، فالقول بأنّ الله سبحانه استجاب له فأسلم والداه وأولاده کلّهم ، مهزأة غیر مدعومة بشاهد.

علی أنّ أخبار إسلام والدیه - بعد تسلیمها والغضّ عمّا فیها - تدلّ علی أنّ إسلام أُمّه کان بدعاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لها بالإسلام ، وإسلام أبیه من برکة مسحه صلی الله علیه وآله وسلم یده علی صدره ، فأین دعاء أبی بکر؟.

وأمّا ما فی ذیل الروایة ممّا عزی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام من أنّه لم یجتمع لأحد

ص: 442

من المهاجرین أن أسلم أبواه غیر أبی بکر. فحاشا أمیر المؤمنین یقول مثل ذلک ، وقد عرّفناک (ص 310 - 312) زرافات من المهاجرین أسلموا هم وآباؤهم وأُمّهاتهم ویقدّمهم هو سلام الله علیه بالأوّلیّة والأولویّة.

آیة أخری فی أبی بکر وأبیه :

وردت فی قوله تعالی من سورة المجادلة (22) (لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ کانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِیرَتَهُمْ أُولئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الْإِیمانَ وَأَیَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَیُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها رَضِیَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِکَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

من طریق ابن جریج : أنَّ أبا قحافة سبّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم فصکّه أبو بکر ابنه صکّة فسقط منها علی وجهه ، ثمّ أتی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فذکر ذلک له ، فقال : أو فعلته لا تعد إلیه ، فقال : والذی بعثک بالحقّ نبیّا لو کان السیف منّی قریباً لقتلته. فنزلت قوله : لا تجد قوماً. الآیة.

تفسیر القرطبی (1) (17 / 307) ، تفسیر الزمخشری (2) (3 / 172) ، مرقاة الوصول حاشیة نوادر الأصول (ص 121) ، تفسیر الآلوسی (28 / 36).

قال الأمینی : أصفق رجال التفسیر علی أنّ سورة الأحقاف التی مرّت فیها الآیة الأولی مکیّة ، وعلی أنّ سورة المجادلة مدنیّة ، وعلی أنّ هذه الآیة نزلت بعد ردح من الزمن من نزول الأحقاف ، ویظهر من تفسیر القرطبی وابن کثیر (3) والرازی (4) أنّها 6.

ص: 443


1- الجامع لأحکام القرآن : 17 / 199.
2- الکشّاف : 4 / 497.
3- تفسیر ابن کثیر : 4 / 330.
4- التفسیر الکبیر : 29 / 276.

نزلت بعد بدر وأحد فیقع نزولها علی هذا فی السنة الرابعة من الهجرة تقریباً ، فما وجه الجمع بین الآیتین علی تقدیر تسلیم نزولهما فی أبی بکر؟ والأولی منهما کما مرّ نصّ علی أنّ أبا قحافة ممّن أنعم الله علیه یوم کان لأبی بکر أربعون سنة ، ولمّا بلغ أشدّه وبلغ أربعین سنة قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَعَلی والِدَیَ) ، وهذه الآیة کما تری نصّ فی أنّ أبا قحافة یوم نزولها - وکان یوم ذاک لأبی بکر ثلاث وخمسون سنة تقریباً - کان ممّن حادّ الله ورسوله.

والذی یهوّن الخطب أنّ متن هذه الروایة - کالروایة السابقة الواردة فی الآیة الأولی - یکذّب نفسها. إذ الآیة کما سمعت نزلت بالمدینة ، وظاهر الروایة وقوع القصّة بها ، ویوم ذاک کان أبو قحافة بمکّة ، فأین وأنّی اجتمع أبو بکر مع أبیه وصکّه؟

ثمّ هل یشترط وجوب قتل من سبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقرب السیف ممّن سمعه؟ أو شُرّع هذا الحکم بعد القضیّة؟ أو خُصّ أبو قحافة منه بالدلیل؟ سل من أعماه الغلوّ فی الفضائل وأصمّه : (إِنَّهُمْ لَیَقُولُونَ مُنْکَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (1) ، (وَیَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَیَقُولُونَ عَلَی اللهِ الْکَذِبَ وَهُمْ یَعْلَمُونَ) (2).

ایمان ابی طالب و سیرته

الغایة للقالة

أحسب أنّ القوم لم ینسجوا هذا الإفک علی نول الجهل بتراجم الرجال فحسب ، ولا أنّ لهم مأرباً فی آباء المهاجرین أسلموا أو لم یسلموا ، أو أنّ لهم غایة فی إسلام أبوی أبی بکر ، لکنّهم زمّروا لِما لم یزل لهم فیه مکاء وتصدیة من تکفیر سیّد الأباطح شیخ الأئمّة أبی طالب والد مولانا أمیر المؤمنین سلام الله علیهما ، وذلک بعد أن عجزوا عن الوقیعة فی الولد فوجّهوها إلی الوالد أو إلی الوالدین کما فعله الحافظ 8.

ص: 444


1- المجادلة : 2.
2- آل عمران : 78.

العاصمی فی زین الفتی. وکان من تهویلهم فی تخفیف تلکم الوطأة أن جرّوا ذلک إلی والدی النبیّ المعظّم صلی الله علیه وآله وسلم وعلیهما حتی قال العاصمی فی زین الفتی عند بیان وجه الشبه بین النبیّ والمرتضی صلی الله علیهما وآلهما : أمّا تشبیه الأبوین فی الحکم والتسمیة ، فإنّ النبیّ فی کثرة ما أنعم الله تعالی علیه ووفور إحسانه إلیه لم یرزقه إسلام أبویه ، وعلی هذا جمهور المسلمین (1) إلاّ شرذمة قلیلین لا یلتفت إلیهم ، فکذلک المرتضی فیما أکرمه الله به من الأخلاق والخصال وفنون النعم والأفعال لم یرزقه إسلام أبویه. انتهی.

فلم تفتأ لهم فی ذلک جلبة ولغط مکابرین فیهما المعلوم من سیرة شیخ الأبطح وکفالته لصاحب الرسالة ، ودرئه عنه کلّ سوء وعادیة ، وهتافه بدینه القویم ، وخضوعه لناموسه الإلهیّ فی قوله وفعله وشعره ونثره ، ودفاعه عنه بکلّ ما یملکه من حول وطول.

ولولا أبو طالبٍ وابنه

لما مَثُلَ الدینُ شخصاً وقاما

فذاک بمکة آوی وحامی

وهذا بیثرب جسَّ الحماما

تکفّل عبد منافٍ بأمرٍ

وأودی فکان علیٌّ تماما

فقل فی ثبیر مضی بعد ما

قضی ما قضاه وأبقی شماما (2)

فَلِلّه ذا فاتحاً للهدی

ولله ذا للمعالی ختاما

وما ضرّ مجدَ أبی طالبٍ

جهولٌ لغا أو بصیرٌ تعامی

کما لا یضرُّ إیاب (3) الصبا

حِ مَن ظنَّ ضوء النهار الظلاما (4)ف)

ص: 445


1- أفک الرجل علی جمهور المسلمین ، فانّ الإمامیة والزیدیة علی بکرة أبیهم ومن حذا حذوهم من محقّقی أهل السنّة ذهبوا إلی إسلام والدی النبیّ الأقدس ، ومن شذّ عنهم فلا یؤبه به ولا یلتفت إلیه. (المؤلف)
2- ثبیر وثَمام : اسما جبلین.
3- فی شرح النهج : إیاة ، ومعناه الضوء.
4- ذکرها ابن أبی الحدید لنفسه فی شرحه : 3 / 317 [ 14 / 84 کتاب 9 ]. (المؤلف)

وهناک طرق لا یمکن التوصّل إلی الإذعان بنفسیّات أیّ أحد إلاّ بها ، ألا وهی :

1 - استنباطها ممّا یلفظ به من قول.

2 - أو ممّا ینوء به من عمل.

3 - أو ممّا یروی عنه آله وذووه. فإنّ أهل البیت أدری بما فیه.

4 - أو ممّا أسنده إلیه من لاث به وبخع له.

- 1 -

أمّا أقوال أبی طالب سلام الله علیه : فإلیک عقوداً عسجدیّة من شعره الرائق مثبتة فی السیر والتواریخ وکتب الحدیث.

أخرج الحاکم فی المستدرک (1) (2 / 623) بإسناده عن ابن إسحاق قال : قال أبو طالب أبیاتاً للنجاشی یحضّه علی حسن جوارهم والدفع عنهم - یعنی عن المهاجرین إلی الحبشة من المسلمین :

لیعلمْ خیارُ الناسِ أنّ محمداً

وزیرٌ لموسی والمسیحِ ابنِ مریمِ

أتانا بهدیٍ مثل ما أَتیا بهِ

فکلٌّ بأمرِ اللهِ یهدی ویعصم (2)

وإنَّکمُ تتلونه فی کتابِکمْ

بصدقِ حدیثٍ لا حدیثِ المبرجِمِ

وإنَّک ما تأتیک منها عصابةٌ

بفضلِکَ إلاّ أُرجعوا بالتکرُّمِ

وقال سلام الله علیه من قصیدة :

فبلّغ عن الشحناء أفناء غالبٍ

لویّا وتیماً عند نصر الکرائمِ

لأنّا سیوفُ اللهِ والمجدُ کلُّه

إذا کان صوتُ القومِ وجی الغمائمِ

ألم تعلموا أنّ القطیعة مأثمٌ

وأمر بلاء قاتم غیر حازمِ

وأنّ سبیلَ الرشدِ یُعلَمُ فی غدٍ

وأنّ نعیمَ الدهرِ لیس بدائمِء.

ص: 446


1- المستدرک علی الصحیحین : 2 / 680 ح 4247.
2- فی البیت إقواء.

فلا تسفَهَنْ أحلامُکمْ فی محمدٍ

ولا تتبعوا أمر الغواةِ الأشائمِ

تمنّیتمُ أن تقتلوه وإنَّما

أمانیُّکم هذی کأحلام نائمِ

وإنَّکمُ واللهِ لا تقتلونه

ولمّا تروا قطف اللحی والغلاصمِ (1)

ولم تبصروا والأحیاءَ منکم ملاحماً

تحوم علیها الطیرُ بعد ملاحمِ

وتدعو بأرحامٍ أواصر بیننا

فقد قطّع الأرحامَ وقعُ الصوارمِ

زعمتم بأنّا مسلمون محمداً

ولمّا نقاذفْ دونه ونزاحمِ

من القومِ مفضالٌ أبیٌ علی العدی

تمکّن فی الفرعینِ من آل هاشمِ

أمینٌ حبیبٌ فی العباد مسوَّمٌ

بخاتم ربٍّ قاهرٍ فی الخواتمِ

یری الناسُ برهاناً علیه وهیبةً

وما جاهلٌ فی قومه مثلُ عالمِ

نبیٌّ أتاه الوحی من عند ربِّه

ومن قال لا یقرعْ بها سنّ نادمِ

تطیف به جرثومةٌ هاشمیّةٌ

تُذبِّب عنه کل عاتٍ وظالمِ

دیوان أبی طالب (ص 32) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 313) (2).

ومن شعره فی أمر الصحیفة التی سنوقفک علی قصّتها قوله :

ألا أبلغا عنّی علی ذاتِ بینِها

لویّا وخُصّا من لویّ بنی کعبِ

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً

رسولاً کموسی خُطَّ فی أوّل الکتبِ

وأَنَّ علیه فی العبادِ محبّةً

ولا حیفَ فیمن خصَّه اللهُ بالحبّ

وأَنَّ الذی رقّشتمُ فی کتابِکمْ

یکون لکم یوماً کراغیة السقبِ (3)ف)

ص: 447


1- فی روایة : والجماجم. الغلاصم جمع الغلصمة : اللحم بین الرأس والعنق. (المؤلف)
2- دیوان أبی طالب : 84 - 85 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 73 کتاب 9.
3- فی روایة ابن هشام : وإنّ الذی ألصقتمُ من کتابِکمْ لکم کائنٌ نحساً کراغیة السقب رقش : کتب وسطر. الراغیة من الرغاء : أصوات الإبل. السقب : ولد الناقة. (المؤلف)

أفیقوا أفیقوا قبل أن تحفر الزُّبی (1)

ویصبحَ من لم یجنِ ذنباً کذی ذنبِ

ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا

أواصرَنا بعد المودّةِ والقربِ

وتستجلبوا حَرباً عواناً (2) وربّما

أمرّ علی مَن ذاقه حَلَبُ الحربِ

فلسنا وبیتِ اللهِ نُسلمُ أحمداً

لعزّاء من عضِّ الزمان ولا کربِ (3)

ولَمّا تبِنْ منّا ومنکم سوالفٌ

وأیدٍ أترّت (4) بالمهنّدة الشهبِ

بمُعترکٍ ضنکٍ تری کِسَرَ القنا

به والضباعَ العرجَ تعکفُ کالشربِ (5)

کأنَّ مجالَ الخیلِ فی حجراتِهِ

ومعمعةَ الأبطالِ معرکةُ الحربِ

ألیس أبونا هاشمٌ شدَّ أزره

وأوصی بنیه بالطعانِ وبالضربِ

ولسنا نملُّ الحرب حتی تملّنا

ولا نشتکی ممّا ینوب من النکبِ

ولکنّنا أهلُ الحفائظِ والنُّهی

إذا طار أرواحُ الکماةِ من الرعبِ

سیرة ابن هشام (1 / 373) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 313) ، بلوغ الأرب (1 / 325) ، خزانة الأدب للبغدادی (1 / 261) ، الروض الأُنف (1 / 220) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 87) ، أسنی المطالب (ص 6 ، 13) ، طلبة الطالب (ص 10) (6).

ومن شعره قوله :

ألا ما لهمٍّ آخرَ اللیل معتمِ

طوانی وأخری النجم لمّا تقحّمِ8.

ص: 448


1- فی سیرة ابن هشام [ 1 / 377 ] : الثری ، بدل الزبی. (المؤلف)
2- الحرب العوان : التی قوتل فیها مرّة بعد أخری. أشدّ الحروب. (المؤلف)
3- العزّاء : السنة الشدیدة. عضّ الزمان : شدته وکلبه. (المؤلف)
4- تَبِنْ : تنفصل. السوالف : صفحات الاعناق. أَترّت : قطعت. (المؤلف)
5- ضنک : ضیق. الضباع العرج مرّ ص 58. الشرب : الجماعة من القوم یشربون. والشطر الثانی فی سیرة ابن هشام [ 1 / 379 ] : به والنسور الطخم یعکفن کالشرب. (المؤلف)
6- السیرة النبویّة : 1 / 377 - 379 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 72 کتاب 9 ، خزانة الأدب : 2 / 76 ، الروض الأُنف : 3 / 283 ، البدایة والنهایة : 3 / 108.

طوانی وقد نامت عیونٌ کثیرة

وسامَرَ أخری قاعدٌ لم یُنوِّمِ

لأحلامِ أقوامٍ أرادوا محمداً

بظلمٍ ومن لا یتّقی البغی یُظلمِ

سعوا سفهاً واقتادهم سوءُ أمرِهمْ

علی خائلٍ من أمرهم غیر محکمِ

رجاة أمورٍ لم ینالوا نظامها

وإن نشدوا فی کلِّ بدوٍ وموسمِ

یرجُّون منّا خطّة دون نیلها

ضرابٌ وطعنٌ بالوشیج المقوَّمِ (1)

یرجُّون أن نسخی بقتل محمدٍ

ولم تختضب سمرُ العوالی من الدمِ

کذبتم وبیتِ اللهِ حتی تُفَلَّقوا

جماجمَ تُلقی بالحمیم وزمزمِ (2)

وتُقطعَ أرحامٌ وتنسی حلیلةٌ

حلیلاً ویغشی محرمٌ بعد محرمِ

وینهضَ قومٌ بالحدید إلیکمُ

یذبّون عن أحسابهم کلَّ مجرمِ

هم الأُسدُ أُسد الزأرتینِ إذا غدتْ

علی حنقٍ لم تخشَ إعلامَ معلمِ

فیا لِبَنی فهرٍ أفیقوا ولم تُقَمْ

نوائحُ قتلی تدَّعی بالتسدّمِ (3)

علی ما مضی من بغیِکم وعقوقِکمْ

وغشیانِکم فی أمرِنا کلّ مأتمِ

وظلم نبیٍّ جاء یدعو إلی الهدی

وأمرٍ أتی من عند ذی العرش قیِّمِ (4)

فلا تحسبونا مسلمیهِ ومثلُهُ

إذا کان فی قومٍ فلیس بمسلمِ

فهذی معاذیرٌ وتقدمةٌ لکم

لکیلا تکون الحربُ قبل التقدُّمِ

دیوان أبی طالب (5) (ص 29) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 312) (6).

وله قوله مخاطباً للنبیِّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم : 9.

ص: 449


1- الوشیج : الرماح.
2- فی الدیوان : تفرّقوا. بدلاً من : تفلّقوا. و: بالحطیم. بدلاً من : بالحمیم.
3- التسدّم من السدم : الهمّ مع الندم ، الغیظ مع الحزن. (المؤلف)
4- فی روایة شیخ الطائفة : مبرم. (المؤلف)
5- دیوان أبی طالب : ص 82 - 83.
6- شرح نهج البلاغة : 14 / 71 کتاب 9.

والله لن یصلوا إلیک بجمعهم

حتی أُوَسَّد فی التراب دفینا

فاصدعْ بأمرِکَ ما علیک غضاضةٌ

وابشر بذاک وقرّ منک عیونا

ودعوتنی وعلمتُ أنَّک ناصحی

ولقد دعوتَ وکنتَ ثمّ أمینا (1)

ولقد علمتُ بأنَّ دینَ محمدٍ

من خیر أدیانِ البریّة دینا

رواها الثعلبی فی تفسیره وقال : قد اتّفق علی صحّة نقل هذه الأبیات عن أبی طالب : مقاتل ، وعبد الله بن عبّاس ، والقسم بن محضرة ، وعطاء بن دینار.

راجع : (2) خزانة الأدب للبغدادی (1 / 261) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 42) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 306) ، تاریخ أبی الفدا (1 / 120) ، فتح الباری (7 / 153 ، 155) ، الإصابة (4 / 116) ، المواهب اللدنیّة (1 / 61) ، السیرة الحلبیّة (1 / 305) ، دیوان أبی طالب (ص 12) ، طلبة الطالب (ص 5) ، بلوغ الأرب (1 / 325) ، السیرة النبویّة لزینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 91 ، 211) ، وذکر البیت الأخیر فی أسنی المطالب (ص 6) فقال : عدّه البرزنجی من کلام أبی طالب المعروف.

لفت نظر :

زاد القرطبی وابن کثیر فی تاریخه علی الأبیات :

لو لا الملامةُ أو حذاری سُبّةً

لوجدتنی سمحاً بذاک مبینا0.

ص: 450


1- وفی روایة القسطلانی : ودعوتنی وزعمت أنک ناصحی ولقد صدقت وکنتَ ثمّ أمینا (المؤلف)
2- خزانة الأدب : 2 / 76 ، البدایة والنهایة : 3 / 56 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 55 کتاب 9 ، فتح الباری : 7 / 194 ، 196 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 223 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 287 ، دیوان أبی طالب : ص 41 ، السیره النبویّة لزینی دحلان : 1 / 45 ، أسنی المطالب : ص 10.

قال السیّد أحمد زینی دحلان فی أسنی المطالب (1) (ص 14) : فقیل : إنّ هذا البیت موضوع أدخلوه فی شعر أبی طالب ولیس من کلامه.

قال الأمینی : هب أنّ البیت الأخیر من صُلب ما نظمه أبو طالب علیه السلام فإنّ أقصی ما فیه أنّ العار والسبّة ، اللذین کان أبو طالب علیه السلام یحذرهما خیفة أن یسقط محلّه عند قریش فلا تتسنّی له نصرة الرسول المبعوث صلی الله علیه وآله وسلم ، إنّما منعاه عن الإبانة والإظهار لاعتناق الدین ، وإعلان الإیمان بما جاء به النبیّ الأمین ، وهو صریح قوله : لوجدتنی سمحاً بذاک مبینا. أی مظهراً ، وأین هو عن اعتناق الدین فی نفسه ، والعمل بمقتضاه من النصرة والدفاع؟ ولو کان یرید به عدم الخضوع للدین لکان تهافتاً بیّناً بینه وبین أبیاته الأولی التی ینصّ فیها بأنّ دین محمد صلی الله علیه وآله وسلم من خیر أدیان البریّة دینا ، وأنّه صلی الله علیه وآله وسلم صادق فی دعوته أمین علی أُمّته.

ومن شعره قوله قد غضب لعثمان بن مظعون حین عذّبته قریش ونالت منه :

أمن تذکّرِ دهرٍ غیرِ مأمونِ

أصبحتَ مکتئباً تبکی کمحزونِ

أم مِن تذکّرِ أقوامٍ ذوی سفهٍ

یغشون بالظلمِ من یدعو إلی الدینِ

ألا ترون أذلَّ اللهُ جمعَکمُ

إنَّا غضبنا لعثمانَ بنِ مظعونِ

ونمنع الضیم من یبغی مضیّمنا

بکلِّ مطَّردٍ فی الکفِّ مسنونِ

ومرهفاتٍ کأنَّ الملحَ خالطها

یُشفی بها الداءُ من هام المجانینِ

حتی تقرّ رجالٌ لا حلومَ لها

بعد الصعوبةِ بالأسماح واللینِ

أو تؤمنوا بکتابٍ مُنزلٍ عجبٍ

علی نبیٍّ کموسی أو کذی النونِ (2)

ومن شعره یمدح النبیّ الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم قوله : ف)

ص: 451


1- أسنی المطالب : ص 25.
2- شرح ابن أبی الحدید : 3 / 313 [ 14 / 73 کتاب 9 ]. (المؤلف)

لقد أکرمَ اللهُ النبیَّ محمداً

فأکرمُ خلقِ اللهِ فی الناسِ أحمدُ

وشقَّ له من اسمه لِیجلّه

فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ

أخرجه (1) البخاری فی تاریخه الصغیر من طریق علی بن یزید ، وأبو نعیم فی دلائل النبوّة (1 / 6) ، وابن عساکر فی تاریخه (1 / 275) ، وذکره له ابن أبی الحدید فی شرحه (3 / 315) ، وابن کثیر فی تاریخه (1 / 266) ، وابن حجر فی الإصابة (4 / 115) ، والقسطلانی فی المواهب اللدنیّة (1 / 518) نقلاً عن تاریخ البخاری ، والدیار بکری فی تاریخ الخمیس (1 / 254) فقال : أنشأ أبو طالب فی مدح النبیّ أبیاتاً منها هذا البیت :

وشقّ له من اسمه لیجلّه

حسّان بن ثابت ضمّن شعره هذا البیت فقال :

ألم ترَ أنّ اللهَ أرسلَ عبده

بآیاتِهِ واللهُ أعلی وأمجدُ

وشقَّ له من اسمه لیجلّه

والزرقانی فی شرح المواهب (3 / 156) وقال : توارد حسّان معه أو ضمّنه شعره وبه جزم فی الخمیس ، أسنی المطالب (2) (ص 14).

ومن شعره المشهور کما قاله ابن أبی الحدید فی شرحه (3) (3 / 315):

أنت النبیُّ محمدُ

قرمٌ أغرُّ مسوَّدُ

لمسوّدینَ أکارمٍ

طابوا وطاب المولدُ

نعم الأُرومةُ أصلُها

عمرو الخضمّ الأوحدُ9.

ص: 452


1- التاریخ الصغیر : 1 / 38 ، دلائل النبوّة : 1 / 44 ح 2 ، تاریخ مدینة دمشق : 3 / 32 - 33 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 78 کتاب 9 ، البدایة والنهایة : 2 / 325 ، المواهب اللدنیّة : 2 / 25.
2- أسنی المطالب : ص 24.
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 77 کتاب 9.

هشم الربیکةَ فی الجفا

نِ وعیشُ مکةَ أنکدُ (1)

فجرت بذلک سنّةٌ

فیها الخبیزة تثردُ

ولنا السقایةُ للحجی

- جِ بها یماث العُنجدُ (2)

والمأزمان (3) وما حوت

عرفاتُها والمسجدُ

أنّی تُضامُ ولم أمُتْ

وأنا الشجاعُ العربدُ

وبطاحُ مکةَ لا یُری

فیها نجیعٌ أسودُ

وبنو أبیک کأنَّهم

أُسد العرین توقّدوا

ولقد عهدتک صادقاً

فی القول لا یتزیَّدُ

ما زلتَ تنطق بالصوا

ب وأنت طفلٌ أمردُ

جاء أبو جهل بن هشام إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو ساجد وبیده حجر یرید أن یرمیه به ، فلمّا رفع یده لصق الحجر بکفّه فلم یستطع ما أراد ، فقال أبو طالب :

أفیقوا بنی غالبٍ وانتهوا

عن الغیِّ من بعض ذا المنطقِ

وإلاّ فإنّی إذن خائفٌ

بوائقَ فی دارکم تلتقی

تکون لغیرکمُ عبرةً

وربِّ المغارب والمشرقِ

کما نال من کان مِن قبلکم

ثمودُ وعادٌ وما ذا بقی

غداة أتاهم بها صرصرٌ

وناقة ذی العرش قد تستقی

فحلَّ علیهم بها سخطه

من الله فی ضربةِ الأزرقِ (4)ح.

ص: 453


1- عمرو : اسم هاشم بن عبد مناف. الخضم : کثیر العطاء. الربیکة : طعام یعمل من تمر وأقط وسمن.
2- ماث الشیء میثاً : مرسه. وماث الملح فی الماء : أذابه. العُنجُد : الزبیب.
3- المأزمان : موضع بمکة بین المشعر الحرام وعرفة وهو شعب بین جبلین [ معجم البلدان : 5 / 40 ]. (المؤلف)
4- الأزرق : عاقر ناقة صالح.

غداة یعضُّ بعرقوبها

حساماً من الهند ذا رونقِ

وأعجب مِن ذاک فی أمرِکمْ

عجائبُ فی الحجرِ الملصقِ

بکفِّ الذی قام من خبثِهِ

إلی الصابرِ الصادقِ المتَّقی

فأثبته اللهُ فی کفِّه

علی رغمِه الجائرِ الأحمقِ

أُحیمق مخزومکم إذ غوی

لغیِّ الغواة ولم یصدقِ

دیوان أبی طالب (1) (ص 13) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 314) (2).

قال ابن أبی الحدید فی شرحه (3) (3 / 314) : قالوا : وقد اشتهر عن عبد الله المأمون رحمه الله أنّه کان یقول : أسلم أبو طالب والله بقوله :

نصرتُ الرسولَ رسول الملیکِ

ببیضٍ تلألا کلمعِ البروقِ

أذبُّ وأحمی رسول الإلهِ

حمایةَ حامٍ علیه شفیقِ

وما إن أدبّ لأعدائِهِ

دبیبَ البکار حذار الفنیقِ (4)

ولکن أزیر لهم سامیاً

کما زار لیث بغیل مضیقِ

وتوجد هذه الأبیات مع بیت زائد فی دیوانه (5) (ص 24).

ولسیّدنا أبی طالب أبیات کتبها إلی النجاشی بعد ما خرج عمرو بن العاص إلی بلاد الحبشة لیکید جعفر بن أبی طالب وأصحابه عند النجاشی. یحرّض النجاشی علی إکرام جعفر والإعراض عن ما یقوله عمرو (6) ، منها : ه.

ص: 454


1- دیوان أبی طالب : ص 42.
2- شرح نهج البلاغة : 14 / 74 کتاب 9.
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 74 کتاب 9.
4- الفنیق : الفحل المکرم لا یؤذی ولا یرکب لکرامته جمع فنق وأفناق. (المؤلف)
5- دیوان أبی طالب : ص 70.
6- دیوان أبی طالب ص 109 وهی مما استدرکه محقق الدیوان علی جامعه.

ألا لیتَ شعری کیف فی الناسِ جعفرٌ

وعمروٌ وأعداءُ النبیِّ الأقاربُ

وهل نالَ إحسانُ النجاشیِّ جعفراً

وأصحابَهُ أم عاقَ عن ذاک شاغبُ

تعلّم أبیت اللعنَ (1) أنَّک ماجدٌ

کریمٌ فلا یشقی إلیک المجانبُ

ونعلم أنَّ الله زادک بسطةً

وأسباب خیرٍ کلَّها بک لازبُ

تاریخ ابن کثیر (2) (3 / 77) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 314).

قال ابن أبی الحدید فی شرحه (3) (3 / 315) : ومن شعره المشهور أیضاً قوله یخاطب محمداً ، ویسکّن جأشه ، ویأمره باظهار الدعوة :

لا یمنعنّک من حقٍّ تقوم به

أیدٍ تصول ولا سلق بأصواتِ

فإنَّ کفّک کفّی إن بهم ملیت (4)

ودون نفسک نفسی فی الملِمّاتِ

قال ابن هشام (5) : ولمّا خشی أبو طالب دهماء العرب أن یرکبوه مع قومه قال قصیدته التی تعوّذ فیها بحرم مکّة وبمکانه منها ؛ وتودّد فیها أشراف قومه وهو علی ذلک یخبرهم وغیرهم فی ذلک من شعره أنّه غیر مسلم رسول الله صلی الله علیه وسلم ، ولا تارکه لشیء أبداً ، حتی یهلک دونه ، فقال أبو طالب :

خلیلیّ ما أُذنی لأوّل عاذلٍ

بصغواءَ فی حقٍّ ولا عند باطلِ

ولمّا رأیتُ القومَ لا وُدَّ فیهمُ

وقد قطّعوا کلَّ العُری والوسائلِ

وقد صارحونا بالعداوةِ والأذی

وقد طاوعوا أمرَ العدوِّ المزایلِ1.

ص: 455


1- أبیت اللعن ، کلمة کانت العرب تحیی بها ملوکها فی الجاهلیة ؛ معناها : أبیت أیها الملک أن تأتی ماتُلعن علیه.
2- البدایة والنهایة : 3 / 97.
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 77 کتاب 9.
4- فی المصدر : إن بلیت بهم.
5- السیرة النبویّة : 1 / 291.

وقد حالفوا قوماً علینا أظنّةً (1)

یعضّون غیظاً خلفنا بالأناملِ

صبرتُ لهم نفسی بسمراءَ سمحةٍ

وأبیضَ عضبٍ من تراث المقاولِ (2)

* * *

أعوذُ بربِّ الناسِ من کلِّ طاعنٍ

علینا بسوءٍ أو مُلحٍّ بباطلِ

ومن کاشحٍ یسعی لنا بمعیبةٍ

ومن مُلحقٍ فی الدین ما لم نحاولِ

وثورٍ ومن أرسی ثبیراً مکانه

وراقٍ لیرقی فی حراءٍ ونازلِ (3)

وبالبیتِ حقَّ البیتِ من بطنِ مکّةٍ

وباللهِ إنّ اللهَ لیس بغافلِ

وبالحجرِ المسودّ إذ یمسحونه

إذا اکتنفوه بالضحی والأصائلِ

* * *

کذبتم وبیتِ اللهِ نترکُ مکّةً

ونظعن إلاّ أمرکم فی بلابلِ

کذبتم وبیتِ اللهِ نُبزَی محمداً

ولمّا نُطاعن دونه ونناضلِ (4)

ونسلمه حتی نُصرَّعَ حوله

ونُذهلَ عن أبنائنا والحلائلِ

وینهضَ قومٌ بالحدید إلیکمُ

نهوض الرَّوایا تحت ذاتِ الصلاصلِ (5)

وحتی نری ذا الظِّغن یرکب ردعه

من الطعن فعل الأنکب المتحاملِ (6)

وإنّا لعمرُ الله إن جدَّ ما أری

لتلتبس أسیافنا بالأماثلِ

بکفَّی فتیً مثل الشهاب سمیدع

أخی ثقة حامی الحقیقة باسلِف)

ص: 456


1- أظنّة : جمع ظنین : المتهم. (المؤلف)
2- سمراء سمحة : أراد بها قناة لینة تسمح بالانعطاف عند هزها. العضب : القاطع. المقاول : أراد بها السادات. (المؤلف)
3- ثور وثبیر وحراء : جبال فی مکة. (المؤلف)
4- نُبزَی : نُسلب.
5- الروایا : الإبل التی تحمل الماء ، واحدتها : راویة. الصلاصل جمع الصلصلة : الصوت وذات الصلاصل : المزادات التی فیها بقیة من الماء یسمع لها صوت حین تسیر الإبل. (المؤلف)
6- یقال : رکب ردعه ، أی خرّ صریعاً لوجهه. الأنکب : الذی یمشی علی شق. (المؤلف)

شهوراً وأیّاماً وحولاً مجرَّماً (1)

علینا وتأتی حجّةٌ بعدَ قابلِ

وما ترک قومِ - لا أبا لک - سیِّداً

یحوط الذمار غیر ذربٍ مواکلِ (2)

وأبیض یُستسقی الغمامُ بوجهه

ثمالُ الیتامی عصمةٌ للأراملِ

یلوذ به الهُلاّکُ من آل هاشمٍ

فهم عنده فی رحمةٍ وفواضلِ

* * *

بمیزان قسطٍ لا یخیس شعیرةً

له شاهدٌ من نفسه غیرُ عائلِ (3)

لقد سفِهت أحلامُ قومٍ تبدّلوا

بنی خَلَفٍ قیضاً بنا والغیاطلِ (4)

ونحن الصمیمُ من ذُؤابة هاشمٍ

وآلِ قصیٍّ فی الخطوب الأوائلِ

وسهمٌ ومخزومٌ تمالوا وألّبوا

علینا العدا من کلِّ طملٍ وخاملِ (5)

فعبد مناف أنتمُ خیرُ قومِکم

فلا تُشرکوا فی أمرِکم کلَّ واغلِ (6)

* * *

ألم تعلموا أنَّ ابننا لا مکذَّبٌ

لدینا ولا نعبا بقول الأباطلِ

أشمُّ من الشُمِّ البهالیل ینتمی

إلی حسب فی حومة المجدِ فاضِلِ

لعمری لقد کلّفت وجداً بأحمدٍ

وأحببته حبَّ الحبیبِ المواصلِف)

ص: 457


1- حولا مجرّماً : أی مکملاً. یقال : تجرّمت السنة ، إذا کملت وانقضت. (المؤلف)
2- الذمار : ما یلزمک أن تحمیه. ذرب : فاسد. مواکل : یتّکل علی غیره. (المؤلف)
3- لا یخیس من قولهم : خاس بالعهد إذا نقضه وأفسده ، ویروی لا یخسّ أی لا ینقص. عائل : جائر.(المؤلف)
4- قیضاً بنا : عوضاً منّا تقول : قاضه بکذا أی عوضه به. الغیطلة : من بنی مرة بن عبد مناة إخوة مدلج بن مرّة وهی أُمّ الغیاطل ، فقیل لولدها : الغیاطل وهم من بنی سهم بن عمرو بن هصیص. (المؤلف)
5- الطمل : الرجل الفاحش لا یبالی ما صنع. اللئیم ، الأحمق ، اللص الفاسق. (المؤلف)
6- کلّ واغل : أراد کل ملصق لیس من صمیم ، وأصل الواغل الداخل علی القوم وهم یشربون من غیر أن یدعی. (المؤلف)

فلا زال فی الدنیا جمالاً لأهلها

وزیناً لمن والاه ربُّ المشاکلِ

فأصبحَ فینا أحمدٌ فی أرومةِ

تقصِّر عنه سورةُ المتطاولِ

حدبتُ بنفسی دونه وَحمَیته

ودافعت عنه بالذری والکلاکلِ (1)

فأیَّده ربُّ العباد بنصره

وأظهر دیناً حقُّه غیر باطلِ

هذه القصیدة ذکر منها ابن هشام فی سیرته (2) (1 / 286 - 298) ، أربعة وتسعین بیتاً وقال : هذا ما صحّ لی من هذه القصیدة. وذکر ابن کثیر منها اثنین وتسعین بیتاً فی تاریخه (3) (3 / 53 - 57) ، وفی روایة ابن هشام ثلاثة أبیات لم توجد فی تاریخ ابن کثیر وقال (ص 57) قلت : هذه قصیدة عظیمة بلیغة جدّا لا یستطیع یقولها إلاّ من نُسبت إلیه ، وهی أفحل من المعلّقات السبع ، وأبلغ فی تأدیة المعنی فیها جمیعها ، وقد أوردها الأمویّ فی مغازیه مطوّلة بزیادات أُخر والله أعلم.

وذکرها أبو هفّان العبدی فی دیوان أبی طالب (4) (ص 2 - 12) فی مائة وأحد عشر بیتاً ولعلّها تمام القصیدة.

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (5) (3 / 315) بعد ذکر جملة من شعر أبی طالب : فکلّ هذه الأشعار قد جاءت مجیء التواتر ؛ لأنَّه إن لم تکن آحادها متواترة فمجموعها یدلّ علی أمر واحد مشترک وهو تصدیق محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، ومجموعها متواتر کما أنّ کل واحدة من قتلات علیّ علیه السلام الفرسان منقولة آحاداً ومجموعها متواتر یفیدنا 9.

ص: 458


1- حدبت : عطفت ومنعت. الذری جمع ذرة : أعلی ظهر البعیر. الکلاکل جمع کلکل : معظم الصدر. (المؤلف)
2- السیرة النبویّة : 1 / 291 - 299.
3- البدایة والنهایة : 3 / 70 - 74.
4- دیوان أبی طالب : ص 21 - 38.
5- شرح نهج البلاغة : 14 / 78 کتاب 9.

العلم الضروریّ بشجاعته ، وکذلک القول فیما روی من سخاء حاتم وحلم الأحنف ومعاویة وذکاء أیاس وخلاعة أبی نواس وغیر ذلک. قالوا : واترکوا هذا کلّه جانباً ، ما قولکم فی القصیدة اللامیّة التی شهرتها کشهرة قفا نبک؟ وإن جاز الشکّ فیها أو فی شیء من أبیاتها جاز الشکّ فی قفا نبک وفی بعض أبیاتها.

وقال القسطلانی فی إرشاد الساری (1) (2 / 227) : قصیدة جلیلة بلیغة من بحر الطویل ، وعدّة أبیاتها مائة وعشرة أبیات ، قالها لمّا تمالأ قریش علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ونفّروا عنه من یرید الإسلام.

وذکر منها فی المواهب اللدنیّة (2) (1 / 48) ، أبیاتاً فقال : هی أکثر من ثمانین بیتاً قال ابن التین : إنّ فی شعر أبی طالب هذا دلیلاً علی أنّه کان یعرف نبوّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قبل أن یبعث لِما أخبره به بحیرا وغیره من شأنه. وقال العینی فی عمدة القاری (3) : (3 / 434) قصیدة طنّانة وهی مائة بیت وعشرة أبیات أوّلها :

خلیلیَّ ما أُذنی لأوّل عاذلِ

بصغواءَ فی حقٍّ ولا عند باطلِ

ذکر منها البغدادی فی خزانة الأدب (4) (1 / 252 - 261) اثنین وأربعین بیتاً مع شرحها ، وقال : أوّلها :

خلیلیَّ ما أُذنی لأوّل عاذلِ

بصغواء فی حقٍّ ولا عند باطلِ

خلیلیّ إنَّ الرأی لیس بشرکةٍ

ولا نهنهٍ عند الأُمور البلابلِ (5)ر.

ص: 459


1- إرشاد الساری : 3 / 26.
2- المواهب اللدنیّة : 1 / 185.
3- عمدة القاری : 7 / 30.
4- خزانة الأدب : 2 / 59 - 75.
5- النهنه : المضیء ، والنیِّر الشفّاف الذی یظهر الأشیاء علی جلیّتها. البلابل : جمع بلبلة أو بلبال ، وهما بمعنی الهمّ ووساوس الصدر.

ولمّا رأیت القوم لا ودّ عندهم

وقد قطّعوا کلَّ العری والوسائلِ

وذکر الآلوسی عدّة منها فی بلوغ الأرب (1) (1 / 237) وذکر کلمة ابن کثیر المذکور وقال : هی مذکورة مع شرحها فی کتاب لبّ لباب لسان العرب.

وذکر منها السیّد زینی دحلان أبیاتاً فی السیرة النبویّة هامش الحلبیّة (2) (1 / 88) فقال : قال الإمام عبد الواحد السفاقسی (3) فی شرح البخاری : إنّ فی شعر أبی طالب هذا دلیلاً علی أنّه کان یعرف نبوّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قبل أن یبعث لما أخبره به بحیرا الراهب وغیره من شأنه ، مع ما شاهده من أحواله ، ومنها الاستسقاء به فی صغره ومعرفة أبی طالب بنبوّته صلی الله علیه وآله وسلم ، جاءت فی کثیر من الأخبار زیادة علی أخذها من شعره.

قال الأمینی : أنا لا أدری کیف تکون الشهادة والاعتراف بالنبوّة إن لم یکن منها هذه الأسالیب المتنوّعة المذکورة فی هذه الأشعار؟ ولو وجد واحد منها فی شعر أیّ أحد أو نثره لأصفق الکلّ علی إسلامه ، لکن جمیعها لا یدلّ علی إسلام أبی طالب. فاعجب واعتبر

هذه جملة من شعر أبی طالب علیه السلام الطافح من کلّ شطره الإیمان الخالص ، والإسلام الصحیح ، قال العلاّمة الأوحد ابن شهرآشوب المازندرانی فی کتابه متشابهات القرآن عند قوله تعالی : (وَلَیَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ یَنْصُرُهُ) (4) : إنّ أشعار أبی طالب الدالّة علی إیمانه تزید علی ثلاثة آلاف بیت یکاشف فیها من یکاشف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ویصحّح نبوّته. ثمّ ذکر جملة ضافیة وممّا ذکر له قوله فی وصیّته : 0.

ص: 460


1- بلوغ الإرب : 1 / 326.
2- السیرة النبویّة : 1 / 43.
3- هو ابن التین المذکور فی کلام القسطلانی. (المؤلف)
4- الحج : 40.

أُوصی بنصرِ نبیِّ الخیرِ أربعةً

ابنی علیّا وشیخَ القومِ عبّاسا

وحمزةَ الأَسَدَ الحامی حقیقتَهُ

وجعفراً أن تذودا دونه الناسا

کونوا فداءً لکم أُمِّی وما ولدت

فی نصرِ أحمدَ دون الناس أتراسا (1)

- 2 -

ما ناء به من عمل بارّ وقول مشکور

أمّا ما ناء به سیّد الأباطح أبو طالب سلام الله علیه من عمل بارّ وسعی مشکور فی نصرة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وکلاءته والذبّ عنه والدعوة إلیه وإلی دینه الحنیف منذ بدء البعثة إلی أن لفظ أبو طالب نفسه الأخیر ، وقد تخلّل ذلک جمل من القول کلّها نصوص علی إسلامه الصحیح ، وإیمانه الخالص ، وخضوعه للرسالة الإلهیّة ، فإلی الملتقی. روی القوم :

1 - قال ابن إسحاق : إنّ أبا طالب خرج فی رکب إلی الشام تاجراً ، فلمّا تهیّأ للرحیل وأجمع السیر هبّ له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال : یا عمّ إلی من تکلنی لا أب لی ولا أمّ لی؟ فرقّ له أبو طالب وقال : والله لأخرجنّ به معی ولا یفارقنی ولا أُفارقه أبداً. قال : فخرج به معه ، فلمّا نزل الرکب بصری من أرض الشام وتهیّأ راهب یُقال له بحیرا فی صومعة له ، وکان أعلم أهل النصرانیّة ، ولم یزل فی تلک الصومعة راهب إلیه یصیر علمهم من کتاب فیهم کما یزعمون یتوارثونه کائناً عن کائن ، فلمّا نزلوا ذلک العام ببحیرا وکانوا کثیراً ما یمرّون علیه قبل ذلک فلا یکلّمهم ولا یتعرّض لهم ، حتی إذا کان ذلک العام نزلوا به قریباً من صومعته فصنع لهم طعاماً کثیراً وذلک فیما یزعمون عن شیء رآه وهو فی صومعته فی الرکب حین أقبلوا ، وغمامة تظلّه صلی الله علیه وآله وسلم من بین القوم. ثمّ أقبلوا حتی نزلوا بظلّ شجرة قریباً منه فنظر إلی الغمامة حتی أظلّت الشجرة وتهصّرت ، یعنی تدلّت أغصانها علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی ف)

ص: 461


1- فی النسخة المطبوعة من متشابهات القرآن تصحیف وتحریف فی الأبیات. راجع : 2 / 65. (المؤلف)

استظلّ تحتها ، فلمّا رأی بحیرا ذلک نزل من صومعته وقد أمر بذلک الطعام فصنع ، ثمّ أرسل إلیهم فقال : إنّی قد صنعت لکم طعاماً یا معشر قریش ، وأنا أحبّ أن تحضروا کلّکم صغیرکم وکبیرکم وحرّکم وعبدکم ، فقال له رجل منهم : یا بحیرا إنّ لذلک الیوم لشأناً ما کنت تصنع هذا فیما مضی وقد کنّا نمرّ بک کثیراً ، فما شأنک الیوم؟ فقال له بحیرا : صدقت قد کان ما تقولون ، ولکنکم ضیوف فأحببت أن أکرمکم وأصنع لکم طعاماً تأکلون منه کلّکم ، فاجتمعوا إلیه وتخلّف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من بین القوم لحداثة سنّه فی رحال القوم تحت الشجرة.

فلمّا نظر بحیرا فی القوم لم یر الصفة التی یعرفها وهی موجودة عنده ، فقال : یا معشر قریش لا یتخلّف أحد منکم عن طعامی هذا ، فقالوا : یا بحیرا ما تخلّف عنک أحد ینبغی أن یأتیک إلاّ غلام هو أحدث القوم سنّا تخلّف فی رحالهم ، قال : فلا تفعلوا ادعوه فلیحضر هذا الطعام معکم ، فقال رجل من قریش : واللاّت والعزّی إنّ لهذا الیوم نبأ. أیلیق أن یتخلّف ابن عبد الله عن الطعام من بیننا؟ ثمّ قام إلیه فاحتضنه ثمّ أقبل به حتی أجلسه مع القوم. فلمّا رآه بحیرا جعل یلحظه لحظاً شدیداً وینظر إلی أشیاء من جسده قد کان یجدها عنده فی صفته حتی إذا فرغ القوم من الطعام وتفرّقوا قام بحیرا فقال له : یا غلام أسألک باللاّت والعزّی إلاّ أخبرتنی عمّا أسألک عنه. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا تسألنی باللاّت والعزّی شیئاً قطّ ، فقال بحیرا : فبالله إلاّ ما أخبرتنی عمّا أسألک عنه. فقال : سلنی عمّا بدا لک. فجعل یسأله عن أشیاء من نومه وهیئته وأموره ورسول الله یخبره فیوافق ذلک ما عند بحیرا من صفته ، ثمّ نظر إلی ظهره فرأی خاتم النبوّة بین کتفیه علی موضعه من صفته التی عنده. الحدیث.

فقال أبو طالب فی ذلک :

إنَّ ابن آمنة النبیَّ محمداً

عندی یفوق منازلَ الأولادِ

ص: 462

لمّا تعلّقَ بالزمام رحمتُه

والعیس قد قلّصن (1) بالأزوادِ

فارفضَّ من عینیَّ دمعٌ ذارفٌ

مثلُ الجمان مفرِّقُ الأفرادِ

راعیتُ فیه قرابةً موصولةً

وحفظتُ فیه وصیّةَ الأجدادِ

وأمرتهُ بالسیرِ بین عمومةٍ

بیضِ الوجوهِ مصالتٍ أنجادِ (2)

ساروا لأبعد طیَّةٍ معلومةٍ

فلقد تباعد طیّةُ (3) المرتادِ

حتی إذا ما القومُ بصری عاینوا

لاقوا علی شرکٍ من المرصادِ (4)

حبراً فأخبرهم حدیثاً صادقاً

عنه وردَّ معاشر الحسّادِ

قومٌ یهودٌ قد رأوا لمّا رأی

ظلَّ الغمام وعنَّ ذی الأکبادِ (5)

ثاروا لقتل محمد فنهاهمُ

عنه وجاهد أحسن التجهادِ

فثنی زبیراً من بحیرا فانثنی

فی القوم بعد تجاولٍ وبعادِ (6)

ونهی دریساً فانتهی عن قوله

حبرٌ یوافق أمره برشادِ

وقال أیضاً :

ألم ترنی من بعد همّ هممته

بفرقة حرّ الوالدین حرامِ (7)م.

ص: 463


1- قلص القوم : اجتمعوا فساروا. قلصت الناقة : استمرّت فی مضیّها. تقلص : انضم وانزوی ، تدانی. (المؤلف)
2- مصالت : الماضی فی الحوائج. الصلت الجبین : الواضح. نجد جمع النجد : الضابط للأمور یذّلل المصاعب. الشجاع الماضی فیما یعجز غیره. سریع الإجابة إلی ما دعی إلیه. (المؤلف)
3- فی الموضعین فی روایة : طبّة. بالموحدة مؤنث الطبّ بفتح الطاء. الناحیة. (المؤلف)
4- فی الدیوان : علی شرف من المرصاد.
5- وفی روایة : قومٌ یهودٌ قد رأوا ما قد رأوا ظلّ الغمامة ناغری الأکباد (المؤلف)
6- کذا فی تهذب تاریخ دمشق : 1 / 272 ، وفی الدیوان : وثنی بحیراءُ زبیراً فانثنی ...
7- کذا فی تهذیب تاریخ دمشق ، وفی الدیوان والروض الأنف : کرام ، بدلاً من حرام.

بأحمد لمّا أن شددت مطیّتی

برحلی وقد ودّعته بسلامِ

بکی حزناً والعیس قد فصلت بنا

وأخذت بالکفّین فضل زمامِ

ذکرت أباه ثمّ رقرقتُ عبرةً

تجود من العینین ذات سجامِ

فقلت : ترحّل راشداً فی عمومةٍ

مواسیر فی البأساء غیر لئامِ (1)

فجاء مع العیر التی راح رکبها

شآمی الهوی والأصل غیر شآمِ

فلمّا هبطنا أرضَ بصری تشرّفوا

لنا فوق دورٍ ینظرون جسامِ

فجاء بحیرا عند ذلک حاشداً

لنا بشرابٍ طیِّبٍ وطعامِ

فقال اجمعوا أصحابکم لطعامنا

فقلنا جمعنا القوم غیر غلامِ

یتیم فقال ادعوه إنَّ طعامَنا

کثیرٌ علیه الیومَ غیرُ حرامِ

فلو لا الذی خبّرتمُ عن محمدٍ

لکنتم لدینا الیومَ غیرَ کرامِ

فلمّا رآه مقبلاً نحو داره

یوقِّیه حرَّ الشمس ظلُّ غمامِ

حنا رأسَه شبهَ السجودِ وضمّه

إلی نحرِه والصدرِ أیَّ ضمامِ

وأقبل رکبٌ یطلبون الذی رأی

بحیرا من الأعلامِ وسط خیامِ

فثار إلیهم خشیةً لعرامهم (2)

وکانوا ذوی بغی لنا وعرامِ

دریس وتمام وقد کان فیهم (3)

زبیرٌ وکلُّ القوم غیرُ نیامِ

فجاؤوا وقد همّوا بقتل محمدٍ

فردّهمُ عنه بحسنِ خصامِ

بتأویلهِ التوراةَ حتی تیقّنوا

وقال لهم رمتمْ أشدَّ مرامِ

أتبغون قتلاً للنبیِّ محمدٍ

خصصتم علی شؤم بطول أثامِ

وإنَّ الذی نختاره منه مانعٌ

سیکفیه منکم کید کلِّ طغامِ

فذلک من أعلامِه وبیانِه

ولیس نهارٌ واضحٌ کظلامِف)

ص: 464


1- فی الدیوان والروض الأُنف ، مواسین بدلاً من : مواسیر.
2- العرام : الشراسة والأذی. (المؤلف)
3- دریس ، وتمام ، وزبیر - فی بعض النسخ : زدیر. أحبار من الیهود. (المؤلف)

دیوان أبی طالب (1) (ص 33 - 35) ، تاریخ ابن عساکر (2) (1 / 269 - 272) ، الروض الأُنف (3) (1 / 120).

وذکر السیوطی الحدیث من طریق البیهقی فی الخصائص الکبری (4) (1 / 84) فقال فی (ص 85) : وقال أبو طالب فی ذلک أبیاتاً منها :

فما رجعوا حتی رأوا من محمدٍ

أحادیث تجلو غمَّ کلِّ فؤادِ

وحتی رأوا أحبار کلِّ مدینةٍ

سجوداً له من عصبةٍ وفرادِ

زبیراً وتمّاماً وقد کان شاهداً

دریساً وهمُّوا کلّهم بفسادِ

فقال لهم قولاً بحیرا وأیقنوا

له بعد تکذیبٍ وطولِ بعادِ

کما قال للرهط الذین تهوّدوا

وجاهدهم فی الله کلّ جهادِ

فقال ولم یترک له النصح ردّه

فإنّ له إرصاد کلّ مصادِ

فإنِّی أخاف الحاسدین وإنَّه

لفی الکتب مکتوبٌ بکلِّ مدادِ

2 - استسقاء أبی طالب بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :

أخرج ابن عساکر فی تاریخه (5) عن جلهمة بن عرفطة قال : قدمت مکّة وهم فی قحط فقالت قریش : یا أبا طالب أقحط الوادی ، وأجدب العیال ، فهلمَّ واستسق. فخرج أبو طالب ومعه غلام کأنَّه شمس دجن تجلّت عنه سحابه قتماء وحوله أُغیلمة ، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالکعبة ، ولاذَ بإصبعه الغلام ، وما فی السماء قزعة (6) ، ف)

ص: 465


1- دیوان أبی طالب : ص 89 - 90.
2- تاریخ مدینة دمشق : 3 / 12 - 14.
3- الروض الأُنف : 2 / 227.
4- الخصائص الکبری : 1 / 144.
5- مختصر تاریخ دمشق : 2 / 161 - 162.
6- القزعة : القطعة من السحاب. (المؤلف)

فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا ، وأغدق واغدودق ، وانفجر له الوادی ، وأخصب البادی والنادی ، وفی ذلک یقول أبو طالب :

وأبیض یُستسقی الغمام بوجهه

ثمالُ الیتامی عصمةٌ للأراملِ

یلوذ به الهلاّکُ من آلِ هاشمٍ

فهم عنده فی نعمةٍ وفواضلِ

ومیزان عدلٍ لا یخیس شعیرةً

ووزان صدقٍ وزنُه غیرُ هائلِ

شرح البخاری للقسطلانی (2 / 227) ، المواهب اللدنیّة (1 / 48) ، الخصائص الکبری (86 ، 124) ، شرح بهجة المحافل (1 / 119) ، السیرة الحلبیّة (1 / 125) ، السیرة النبویّة لزینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 87) ، طلبة الطالب (ص 42) (1).

ذکر الشهرستانی فی الملل والنحل (2) بهامش الفصل (3 / 225) سیّدنا عبد المطّلب وقال : وممّا یدلّ علی معرفته بحال الرسالة وشرف النبوّة أنّ أهل مکّة لمّا أصابهم ذلک الجدب العظیم ، وأمسک السحاب عنهم سنتین ، أمر أبا طالب ابنه أن یحضر المصطفی علیه الصلاة والسلام وهو رضیع فی قماط ، فوضعه علی یدیه واستقبل الکعبة ورماه إلی السماء وقال : یا ربّ بحقّ هذا الغلام. ورماه ثانیاً وثالثاً وکان یقول : بحقّ هذا الغلام اسقنا غیثاً مغیثاً دائماً هاطلاً. فلم یلبث ساعة أن طبّق السحاب وجه السماء وأمطر حتی خافوا علی المسجد ، وأنشد أبو طالب ذلک الشعر اللاّمی الذی منه :

وأبیض یستسقی الغمامُ بوجهِهِ

ثمالُ الیتامی عصمةٌ للأرامل

ثمّ ذکر أبیاتاً من القصیدة ، ولا یخفی علی الباحث أنّ القصیدة نظمها أبو طالب علیه السلام أیّام کونه فی الشعب کما مرّ. 9.

ص: 466


1- إرشاد الساری : 3 / 27 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 184 ، الخصائص الکبری : 1 / 146 ، 208 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 116 ، السیرة النبویّة : 1 / 43.
2- الملل والنحل : 2 / 249.

فاستسقاء عبد المطلّب وابنه سیّد الأبطح بالنبیّ الأعظم یوم کان صلی الله علیه وآله وسلم رضیعاً یافعاً یُعرب عن توحیدهما الخالص ، وإیمانهما بالله ، وعرفانهما بالرسالة الخاتمة ، وقداسة صاحبها من أوّل یومه ، ولو لم یکن لهما إلاّ هذان الموقفان لکفیاهما ، کما یکفیان الباحث عن دلیل آخر علی اعتناقهما الإیمان.

3 - أبو طالب فی مولد أمیر المؤمنین علیه السلام :

عن جابر بن عبد الله قال : سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن میلاد علیّ بن أبی طالب فقال : «لقد سألتنی عن خیر مولود ولد فی شبه المسیح علیه السلام ، إنّ الله تبارک وتعالی خلق علیّا من نوری وخلقنی من نوره وکلانا من نور واحد ، ثمّ إنّ الله عزّ وجلّ نقلنا من صلب آدم علیه السلام فی أصلاب طاهرة إلی أرحام زکیّة ، فما نُقلت من صلب إلاّ ونقل علیّ معی ، فلم نزل کذلک حتی استودعنی خیر رحم وهی آمنة. واستودع علیّا خیر رحم وهی فاطمة بنت أسد». وکان فی زماننا رجل زاهد عابد یقال له المبرم بن دعیب بن الشقبان قد عبد الله تعالی مائتین وسبعین سنة لم یسأل الله حاجة ، فبعث الله إلیه أبا طالب ، فلمّا أبصره المبرم قام إلیه وقبّل رأسه وأجلسه بین یدیه ثمّ قال : من أنت؟ فقال : رجل من تهامة. فقال : من أیِّ تهامة؟ فقال : من بنی هاشم. فوثب العابد فقبّل رأسه ثمّ قال : یا هذا إنّ العلیّ الأعلی ألهمنی إلهاماً. قال أبو طالب : وما هو؟ قال : ولد یولد من ظهرک وهو ولیّ الله. فلمّا کان اللیلة التی ولد فیها علیّ أشرقت الأرض ، فخرج أبو طالب وهو یقول : أیّها الناس ولد فی الکعبة ولیّ الله ، فلمّا أصبح دخل الکعبة وهو یقول :

یا ربَّ هذا الغسق الدجیِ

والقمرِ المنبلجِ المُضیِ

بیِّن لنا من أمرک الخفیِ

ما ذا تری فی اسم ذا الصبیِ

قال : فسمع صوت هاتف یقول :

ص: 467

یا أهل بیت المصطفی النبیِ

خصصتمُ بالولدِ الزکیِ

إنَّ اسمه من شامخِ العلیِ

علیٌّ اشتقَّ من العلیِ

أخرجه الحافظ الکنجی الشافعی فی کفایة الطالب (1) (ص 260) وقال : تفرّد به مسلم بن خالد الزنجی وهو شیخ الشافعی ، وتفرّد به عن الزنجی عبد العزیز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا.

4 - بدء أمر النبی وأبو طالب :

أخرج فقیه الحنابلة إبراهیم بن علی بن محمد الدینوری فی کتابه نهایة الطلب وغایة السؤول فی مناقب آل الرسول (2) بإسناده عن طاووس عن ابن عبّاس فی حدیث طویل : إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال للعبّاس رضی الله عنه إنّ الله قد أمرنی بإظهار أمری وقد أنبأنی واستنبأنی فما عندک؟ فقال له العبّاس رضی الله عنه : یا ابن أخی تعلم أنّ قریشاً أشدّ الناس حسداً لولد أبیک ، وإن کانت هذه الخصلة کانت الطامة الطمّاء والداهیة العظیمة ورمینا عن قوس واحد وانتسفونا نسفاً ، صلتا (3) ولکن قرّب إلی عمّک أبی طالب فإنّه کان أکبر أعمامک إن لا ینصرک لا یخذلک ولا یسلمک ، فأتیاه ، فلمّا رآهما أبو طالب قال : إنّ لکما لظنّة وخبراً ، ما جاء بکما فی هذا الوقت؟ فعرّفه العبّاس ما قال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وما أجابه به العبّاس ، فنظر إلیه أبو طالب وقال له : أخرج یا بن أخی فإنّک الرفیع کعباً ، والمنیع حزباً ، والأعلی أباً ، والله لا یسلقک لسان إلاّ سلقته ألسن حداد ، واجتذبته سیوف حداد ، والله لتذلّنّ لک العرب ذلّ البهم لحاضنها ، ولقد کان أبی یقرأ الکتاب جمیعاً ، ولقد قال : إنّ من صلبی لنبیّا ، لوددت أنِّی أدرکت ذلک د.

ص: 468


1- کفایة الطالب : ص 406.
2- راجع الطرائف لسیّدنا ابن طاووس : ص 85 [ ص 302 - 303 ح 388 ] ، وضیاء العالمین لشیخنا أبی الحسن الشریف. (المؤلف)
3- الصلت : الشدید.

الزمان فآمنت به ، فمن أدرکه من ولدی فلیؤمن به.

قال الأمینی : أتری أنّ أبا طالب یروی ذلک عن أبیه مطمئنّا به؟ وینشّط رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هذا التنشیط لأوّل یومه ، ویأمره بإشهار أمره والإشادة بذکر الله ، وهو مخبت بأنّه هو ذلک النبیّ الموعود بلسان أبیه والکتب السالفة ، ویتکهّن بخضوع العرب له ، أتراه سلام الله علیه یأتی بهذه کلّها ثمّ لا یؤمن به؟ إن هذا إلاّ اختلاق.

5 - أبو طالب وفقده النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :

ذکر ابن سعد الواقدی فی الطبقات الکبری (1) (1 / 186) طبع مصر و (ص 135) طبع لیدن حدیث ممشی قریش إلی أبی طالب فی أمره صلی الله علیه وآله وسلم إلی أن قال : فاشمأزّوا ونفروا منها - یعنی من مقالة محمد - وغضبوا وقاموا وهم یقولون : اصبروا علی آلهتکم ، إنّ هذا لشیء یُراد ، ویقال المتکلّم بهذا عقبة بن أبی معیط. وقالوا : لا نعود إلیه أبداً ، وما خیرٌ من أن نغتال محمداً. فلمّا کان مساء تلک اللیلة فقد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وجاء أبو طالب وعمومته إلی منزله فلم یجدوه ، فجمع فتیاناً من بنی هاشم وبنی المطلّب ثمّ قال : لیأخذ کلّ واحد منکم حدیدة صارمة ، ثمّ لیتبعنی إذا دخلت المسجد ، فلینظر کلّ فتی منکم فلیجلس إلی عظیم من عظمائهم فیهم ابن الحنظلیة - یعنی أبا جهل - فإنّه لم یغب عن شرّ إن کان محمد قد قُتل ، فقال الفتیان : نفعل ، فجاء زید بن حارثة فوجد أبا طالب علی تلک الحال ؛ فقال : یا زید أحسست ابن أخی؟ قال : نعم کنت معه آنفاً. فقال أبو طالب : لا أدخل بیتی أبداً حتی أراه ؛ فخرج زید سریعاً حتی أتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو فی بیت عند الصفا ومعه أصحابه یتحدّثون ، فأخبره الخبر ، فجاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی أبی طالب ، فقال : یا بن أخی أین کنت؟ أکنت فی خیر؟ قال : نعم. قال : ادخل بیتک ، فدخل

ص: 469


1- الطبقات الکبری : 1 / 202 - 203.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. فلمّا أصبح أبو طالب غدا علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فأخذ بیده فوقف به علی أندیة قریش ومعه الفتیان الهاشمیّون والمطّلبیّون فقال : یا معشر قریش هل تدرون ما هممت به؟ قالوا : لا. فأخبرهم الخبر ، وقال للفتیان : اکشفوا عمّا فی أیدیکم فکشفوا ، فإذا کلّ رجل منهم معه حدیدة صارمة. فقال : والله لو قتلتموه ما بقیت منکم أحداً. حتی نتفانی نحن وأنتم ، فانکسر القوم وکان أشدّهم انکساراً أبو جهل.

** لفظ آخر :

وأخرج الفقیه الحنبلی إبراهیم بن علیّ بن محمد الدینوری فی کتابه نهایة الطلب (1) بإسناده عن عبد الله بن المغیرة بن معقب ، قال : فقد أبو طالب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فظنّ أنّ بعض قریش اغتاله فقتله ، فبعث إلی بنی هاشم فقال : یا بنی هاشم أظنّ أنّ بعض قریش اغتال محمداً فقتله ، فلیأخذ کلّ واحد منکم حدیدة صارمة ولیجلس إلی جنب عظیم من عظماء قریش ، فإذا قلت : أبغی محمداً. قتل کلّ منکم الرجل الذی إلی جانبه. وبلغ رسول الله جمع أبی طالب وهو فی بیت عند الصفا ، فأتی أبا طالب وهو فی المسجد ، فلمّا رآه أبو طالب أخذ بیده ثمّ قال : یا معشر قریش ، فقدت محمداً فظننت أنّ بعضکم اغتاله فأمرت کلّ فتی شهد من بنی هاشم أن یأخذ حدیدةً ویجلس کلّ واحد منهم إلی عظیم منکم ، فإذا قلت : أبغی محمداً قتل کلّ واحد منهم الرجل الذی إلی جنبه ، فاکشفوا عمّا فی أیدیکم یا بنی هاشم فکشف بنو هاشم عمّا فی أیدیهم فنظرت قریش إلی ذلک فعندها هابت قریش رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ثمّ أنشأ أبو طالب :

ألا أبلغ قریشاً حیث حلّت

وکلّ سرائر منها غرورف)

ص: 470


1- راجع الطرائف لسیّدنا ابن طاووس : ص 85 [ ص 303 ح 389 ]. (المؤلف)

فإنّی والضوابحُ عادیاتٌ (1)

وما تتلو السفاسرة الشهور (2)

لآلِ محمدٍ راعٍ حفیظٌ

وودّ الصدر منِّی والضمیرُ

فلستُ بقاطعٍ رحمی وولدی

ولو جرّت مظالمها الجزورُ

أیأمر جمعُهم أبناءَ فهرٍ

بقتل محمدٍ والأمرُ زورُ

فلا وأبیک لا ظفرتْ قریشٌ

ولا أمَّت رشاداً إذ تشیرُ

بُنیّ أخی ونوطُ القلبِ منِّی

وأبیضُ ماؤه غدقٌ کثیرُ

ویشرب بعده الولدان ریّا

وأحمد قد تضمّنه القبورُ

أیا بن الأنف أنف بنی قصیّ (3)

کأنَّ جبینَکَ القمرُ المنیرُ

لفت نظر : قال شیخنا العلاّمة المجلسی فی البحار (4) (9 / 31) : روی جامع الدیوان - یعنی دیوان أبی طالب - نحو هذا الخبر مرسلاً ثمّ ذکر الأشعار هکذا ...

فذکر الأشعار وفیها زیادة عشرین بیتاً علی ما ذکر ، وهی لا توجد فی الدیوان المطبوع لسیّدنا أبی طالب.

لفظ ثالث :

وقال السیّد فخار بن معد فی کتابه الحجّة (5) (ص 61) : وأخبرنی الشیخ الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد ابن الجوزی المحدّث البغدادی - وکان ممّن یری کفر أبی طالب ویعتقده - بواسط العراق سنة إحدی وتسعین وخمسمائة بإسناد له إلی الواقدی ،4.

ص: 471


1- فی تاج العروس : 3 / 272 : فإنّی والسوابح کلّ یوم. وفی ص 320 : فإنّی والضوابح کلّ یوم(المؤلف)
2- السفاسرة : أصحاب الأسفار وهی الکتب. الشهور : العلماء جمع الشهر. کذا فسّر البیت کما فی تاج العروس : 3 / 272 ، 320. (المؤلف)
3- الأنف : السیّد. (المؤلف)
4- بحار الأنوار : 35 / 149 ح 85.
5- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 254.

قال : کان أبو طالب بن عبد المطّلب لا یغیب صباح النبیّ ولا مساءه ، ویحرسه من أعدائه ویخاف أن یغتالوه ، فلمّا کان ذات یوم فقده فلم یره ، وجاء المساء فلم یره ، وأصبح الصباح فطلبه فی مظانّه فلم یجده فلزم أحشاءه ، وقال : وا ولداه ، وجمع عبیده ومن یلزمه فی نفسه فقال لهم : إنّ محمداً قد فقدته فی أمسنا ویومنا هذا ولا أظنّ إلاّ أنّ قریشاً قد اغتالته وکادته ، وقد بقی هذا الوجه ما جئته ، وبعید أن یکون فیه. واختار من عبیده عشرین رجلاً ، فقال : امضوا وأعدّوا سکاکین ولیمض کلّ رجل منکم ولیجلس إلی جنب سیّد من سادات قریش ، فان أتیت ومحمد معی فلا تُحدثُنّ أمراً وکونوا علی رسلکم حتی أقف علیکم ، وإن جئت وما محمد معی فلیضرب کلّ منکم الرجل الذی إلی جانبه من سادات قریش. فمضوا وشحذوا سکاکینهم حتی رضوها ، ومضی أبو طالب فی الوجه الذی أراده ومعه رهطه من قومه فوجده فی أسفل مکّة قائماً یصلّی إلی جنب صخرة فوقع علیه وقبّله وأخذ بیده وقال : یا بن أخ قد کدت أن تأتی علی قومک ، سر معی ، فأخذ بیده وجاء إلی المسجد وقریش فی نادیهم جلوس عند الکعبة ، فلمّا رأوه قد جاء ویده فی ید النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قالوا : هذا أبو طالب قد جاءکم بمحمد إنّ له لشأناً ، فلمّا وقف علیهم والغضب فی وجهه قال لعبیده : أبرزوا ما فی أیدیکم فأبرز کلّ واحد منهم ما فی یده. فلمّا رأوا السکاکین قالوا : ما هذا یا أبا طالب؟ قال : ما ترون ؛ إنِّی طلبت محمداً فلم أره منذ یومین فخفت أن تکونوا کدتموه ببعض شأنکم ، فأمرت هؤلاء أن یجلسوا حیث ترون وقلت لهم : إن جئت ولیس محمد معی فلیضرب کلّ منکم صاحبه الذی إلی جنبه ولا یستأذنّی فیه ، ولو کان هاشمیّا ، فقالوا : وهل کنت فاعلاً؟ فقال : أی وربّ هذه وأومی إلی الکعبة ، فقال له المطعم بن عدی بن نوفل بن عبد مناف وکان من أحلافه : لقد کدت تأتی علی قومک؟ قال هو ذلک. ومضی به وهو یقول :

اذهب بُنیَّ فما علیک غضاضةٌ

اذهب وقرَّ بذاک منک عیونا

ص: 472

والله لن یصلوا إلیک بجمعِهمْ

حتی أُوسَّدَ فی التراب دفینا

ودعوتنی وعلمت أنّک ناصحی

ولقد صدقتَ وکنتَ قبلُ أمینا

وذکرت دیناً لا محالة أنَّه

من خیرِ أدیان البریّة دینا (1)

فرجعت قریش علی أبی طالب بالعتب والاستعطاف وهو لا یحفل بهم ولا یلتفت إلیهم.

قال الأمینی : هذا شیخ الأبطح یروقه أن یُضحّی کلّ قومه دون نبیّ الإسلام وقد تأهّب لأن یطأ القومیّات کلّها والأواصر المتّشجة بینه وبین قریش بأخمص الدین ، فحیّاها الله من عاطفة إلهیّة ، وآصرة دینیّة هی فوق أواصر الرحم.

6 - أبو طالب فی بدء الدعوة :

لمّا نزلت : (وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ) (2). خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فصعد علی الصفا فهتف : یا صباحاه. فاجتمعوا إلیه ، فقال : «أرأیتکم لو أخبرتکم أنّ خیلاً تخرج بسفح الجبل أکنتم مصدّقی؟» قالوا : نعم ما جرّبنا علیک کذباً. قال : «فإنّی نذیر لکم بین یدی عذاب شدید». فقال أبو لهب : تبّا لک ، أما جمعتنا إلاّ لهذا؟ ثمّ أحضر قومه فی داره ، فبادره أبو لهب وقال : هؤلاء هم عمومتک وبنو عمّک فتکلّم ودع الصبأة (3) واعلم أنّه لیس لقومک بالعرب قاطبة طاقة ، وأنّ أحقّ من أخذک فحبسک بنو أبیک ، وإن أقمت ما أنت علیه فهو أیسر علیهم من أن ینبّ لک بطون قریش ، وتمدّهم العرب ، فما رأیت أحداً جاء علی بنی أبیه بشرّ ممّا جئتهم به. فسکت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یتکلّم. ف)

ص: 473


1- راجع ما أسلفناه : ص 334. (المؤلف)
2- مرّ حدیثها فی الجزء الثانی : ص 278. (المؤلف)
3- الصبأ : الخروج من دین إلی دین آخر. (المؤلف)

ثمّ دعاهم ثانیة وقال : «الحمد لله أحمده وأستعینه وأؤمن به وأتوکّل علیه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له. ثمّ قال : إنّ الرائد لا یکذب أهله ، والله الذی لا إله إلاّ هو إنّی رسول الله إلیکم خاصّة وإلی الناس عامّة ، والله لتموتُنّ کما تنامون ، ولتبعثُنّ کما تستیقظون ، ولتحاسبُنّ بما تعملون ، وإنّها الجنّة أبداً والنار أبداً».

فقال أبو طالب : ما أحبّ إلینا معاونتک ، وأقبلنا لنصیحتک ، وأشدّ تصدیقنا لحدیثک ، وهؤلاء بنو أبیک مجتمعون وإنّما أنا أحدهم غیر أنّی أسرعهم إلی ما تحبّ ، فامض لما أُمرت به ، فو الله لا أزال أحوطک وأمنعک ، غیر أنّ نفسی لا تطاوعنی علی فراق دین عبد المطّلب (1).

قال الأمینی : لم یکن دین عبد المطّلب سلام الله علیه إلاّ دین التوحید والإیمان بالله ورسله وکتبه غیر مشوب بشیء من الوثنیّة ، وهو الذی کان یقول فی وصایاه : إنّه لن یخرج من الدنیا ظلوم حتی ینتقم منه وتصیبه عقوبة. إلی أن هلک ظلوم لم تصبه عقوبة. فقیل له فی ذلک ، ففکّر فی ذلک ، فقال : والله إنّ وراء هذه الدار داراً یجزی فیها المحسن بإحسانه ، ویعاقب المسیء باساءته ، وهو الذی قال لأبرهة : إنّ لهذا البیت ربّا یدبّ عنه ویحفظه ، وقال وقد صعد أبا قبیس :

لاهُمَّ إنَّ المرء یم

نع حلّه فامنع حلالکْ

لا یغلبنَّ صلیبهم

ومحالهم عدوا محالکْ

فانصر علی آل الصلی

ب وعابدیه الیوم آلکْ

إن کنت تارکهم وکع

بتنا فأمرٌ ما بدا لکْ (2)ف)

ص: 474


1- الکامل لابن الأثیر : 2 / 24 [ 1 / 486 ]. (المؤلف)
2- الملل والنحل للشهرستانی هامش الفصل : 3 / 224 [ 2 / 249 ] ، الدرج المنیفة للسیوطی : ص 15 مسالک الحنفاء : ص 37. (المؤلف)

ویعرب عن تقدّمه فی الإیمان الخالص والتوحید الصحیح انتماء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلیه ومباهاته به یوم حنین بقوله :

أنا النبیّ لا کذب

أنا ابن عبد المطلب (1)

وقد أجَاد الحافظ شمس الدین بن ناصر الدین الدمشقی فی قوله :

تنقّل أحمدٌ نوراً عظیماً تلالا

فی جباه الساجدینا

تقلّب فیهمُ قرناً فقرناً

إلی أن جاء خیرُ المرسلینا (2)

وهذا هو الذی أراده أبو طالب - سلام الله علیه - بقوله : نفسی لا تطاوعنی علی فراق دین عبد المطّلب. وهو صریح بقیّة کلامه ، وقد أراد بهذا السیاق التعمیة علی الحضور لئلاّ یناصبوه العداء بمفارقتهم ، وهذا السیاق من الکلام من سنن العرب فی محاوراتهم ، قد یریدون به التعمیة ، وقد یراد به التأکید للمعنی المقصود کقول الشاعر :

ولا عیبَ فیهم غیر أنّ سیوفهم

بهنَّ فلولٌ من قراع الکتائبِ

ولو لم یکن لسیّدنا أبی طالب إلاّ موقفه هذا لکفی بمفرده فی إیمانه الثابت ، وإسلامه القویم ، وثباته فی المبدأ.

قال ابن الأثیر (3) : فقال أبو لهب : هذه والله السوء (4) ، خذوا علی یدیه قبل أن یأخذ غیرکم ، فقال أبو طالب : والله لنمنعنّه ما بقینا. وفی السیرة الحلبیّة (5) (1 / 304) : إنّ الدعوة کانت فی دار أبی طالب. 5.

ص: 475


1- طبقات ابن سعد طبع مصر رقم التسلسل ص 665 [ 2 / 151 ] ، تاریخ الطبری : [ 3 / 76 حوادث سنة 8 ه ]. (المؤلف)
2- مسالک الحنفاء للسیوطی : ص 40 ، الدرج المنیفة ص 14. (المؤلف)
3- الکامل فی التاریخ : 1 / 487.
4- فی المصدر : السوأة.
5- السیرة الحلبیّة : 1 / 285.

قال عقیل بن أبی طالب : جاءت قریش إلی أبی طالب فقالوا : إنّ ابن أخیک یؤذینا فی نادینا وفی کعبتنا وفی دیارنا ویُسمعنا ما نکره ، فإن رأیت أن تکفّه عنّا فافعل. فقال لی : یا عقیل التمس لی ابن عمّک. فأخرجته من کِبْس (1) من کباس أبی طالب. فجاء یمشی معی یطلب الفیء یطأ فیه لا یقدر علیه ، حتی انتهی إلی أبی طالب فقال : یا بن أخی والله لقد کنت لی مطیعاً ، جاء قومک یزعمون أنّک تأتیهم فی کعبتهم وفی نادیهم فتؤذیهم وتسمعهم ما یکرهون ، فإن رأیت أن تکفّ عنهم. فحلّق بصره إلی السماء وقال : والله ما أنا بقادر أن أردّ ما بعثنی به ربّی ، ولو أن یشعل أحدهم من هذه الشمس ناراً. فقال أبو طالب : والله ما کذب قطّ ، فارجعوا راشدین.

قال الأمینی : هکذا أخرجه البخاری فی تاریخه (2) بإسناد رجاله کلّهم ثقات ، وبهذا اللفظ ذکره المحبّ الطبری فی ذخائر العقبی (ص 223). غیر أنّ ابن کثیر لمّا رأی لکلمة : راشدین. قیمة فی إیمان أبی طالب حذفها فی تاریخه (3) (3 / 42). حیّا الله الأمانة!

وأخرج ابن سعد فی الطبقات الکبری (4) (1 / 171) حدیث الدعوة عن علیّ وفیه : «ثمّ قال لهم صلی الله علیه وآله وسلم : من یؤازرنی علی ما أنا علیه ویجیبنی علی أن یکون أخی وله الجنّة؟ فقلت : أنا یا رسول الله ، وإنّی لأحدثهم سنّا ، وأحمشهم ساقاً. وسکت القوم ، ثمّ قالوا : یا أبا طالب ألا تری ابنک؟ قال : دعوه فلن یألو (5) ابن عمّه خیرا».

وروی أبو عمرو الزاهد الطبری عن تغلب عن ابن الأعرابی أنّه قال فی لغة - العور - إنّه الردیّ من کلّ شیء قال : ومن العور ما فی روایة ابن عبّاس. ثمّ ذکر ف)

ص: 476


1- الکِبس : البیت الصغیر.
2- التاریخ الکبیر : 7 / 50 رقم 230.
3- البدایة والنهایة : 3 / 55.
4- الطبقات الکبری : 1 / 187.
5- یألو : یقصّر. (المؤلف)

حدیث علیّ علیه السلام بطوله إلی أن قال : قال : «فلمّا أراد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أن یتکلّم اعترضه أبو لهب ، فتکلّم بکلمات وقال : قوموا. فقاموا وانصرفوا. قال : فلمّا کان من الغد أمرنی فصنعت مثل ذلک الطعام والشراب ودعوتهم فأقبلوا ودخلوا فأکلوا وشربوا ، فقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیتکلّم فاعترضه أبو لهب فقال له أبو طالب : اسکت یا أعور ما أنت وهذا؟ ثمّ قال : لا یقومنّ أحد. قال : فجلسوا ثمّ قال للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : قم یا سیّدی فتکلّم بما تحبّ وبلّغ رسالة ربّک فإنّک الصادق المصدّق».

وإلی هذا الحدیث وکلمة أبی طالب - اسکت یا أعور ما أنت وهذا؟ - وقع الإیعاز فی النهایة لابن الأثیر (1) (3 / 156) ، والفائق للزمخشری (2) (2 / 98) نقلاً عن ابن الأعرابی ، وفی لسان العرب (3) (6 / 294) ، تاج العروس (3 / 428).

قال الأمینی : أیّ کافر طاهر هذا سلام الله علیه وهو یدافع عن الإسلام المقدّس بکلّ حوله وطوله ، ویسلق رجال قومه بلسان حدید ، ویحضّ النبیّ الأعظم علی الدعوة وتبلیغ رسالته عن ربّه ، ویراه الصادق المصدّق؟.

7 - قول أبی طالب لعلیّ : الزم ابن عمّک :

قال ابن إسحاق : ذکر بعض أهل العلم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان إذا حضرت الصلاة خرج إلی شعاب مکّة وخرج معه علیّ بن أبی طالب مستخفیاً من أبیه أبی طالب ومن جمیع أعمامه وسائر قومه ، فیصلّیان الصلوات فیها ، فاذا أمسیا رجعا فمکثا کذلک ما شاء الله أن یمکثا ، ثمّ إنّ أبا طالب عثر علیهما یوماً وهما یصلّیان ، فقال لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا بن أخی ما هذا الدین الذی أراک تدین به؟ قال : «أی عمّ هذا 9.

ص: 477


1- النهایة : 3 / 319.
2- الفائق : 3 / 37.
3- لسان العرب : 9 / 469.

دین الله ودین ملائکته ودین رسله ودین أبینا إبراهیم».

وذکروا أنّه قال لعلیّ : أی بُنیّ ما هذا الدین الذی أنت علیه؟ فقال : «یا أبت آمنت بالله وبرسول الله وصدّقته بما جاء به ، وصلّیت معه لله واتّبعته» فزعموا أنّه قال له : أما إنّه لم یدعُک إلاّ إلی خیر ، فالزمه. وفی لفظ عن علیّ : إنّه لمّا أسلم قال له أبو طالب : الزم ابن عمّک.

سیرة ابن هشام (1 / 265) ، تاریخ الطبری (2 / 214) ، تفسیر الثعلبی ، عیون الأثر (1 / 94) الإصابة (4 / 116) ، أسنی المطالب (ص 10) (1).

وفی شرح ابن أبی الحدید (2) (3 / 314) : روی عن علیّ قال : قال أبی : یا بنیّ الزم ابن عمّک فإنّک تسلم به من کلّ بأس عاجل وآجل. ثمّ قال لی :

إنّ الوثیقةَ فی لزوم محمدٍ

فاشدد بصحبته علی أیدیکا

فقال : ومن شعره المناسب لهذا المعنی قوله :

إنّ علیّا وجعفراً ثقتی

عند ملمّ الزمان والنوبِ

لا تخذلا وانصرا ابن عمّکما

أخی لأُمّی من بینهم وأبی

والله لا أخذل النبیّ ولا

یخذله من بنیّ ذو حسبِ

هذه الأبیات الثلاثة توجد فی دیوان أبی طالب (3) أیضاً (ص 36) وذکرها العسکری کتاب الأوائل (4) قال : إنّ أبا طالب مرّ بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ومعه جعفر فرأی 5.

ص: 478


1- السیرة النبویّة : 1 / 263 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 313 ، عیون الأثر : 1 / 125 ، أسنی المطالب : ص 17.
2- شرح نهج البلاغة : 14 / 75 کتاب 9.
3- دیوان أبی طالب : ص 94 - 95.
4- الأوائل : ص 75.

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یصلّی وعلیّ معه ، فقال لجعفر : یا بنیّ صل جناح ابن عمّک. فقام إلی جنب علیّ ، فأحسّ النبیّ فتقدّمهما ، وأقبلوا علی أمرهم حتی فرغوا ، فانصرف أبو طالب مسروراً وأنشأ یقول :

إنَّ علیّا وجعفراً ثقتی

عند ملمِّ الزمان والنوبِ

وذکر أبیاتاً لم یذکرها ابن أبی الحدید ومنها :

نحن وهذا النبی ننصرُهُ

نضربُ عنه الأعداءَ کالشهبِ

وأخرج أبو بکر الشیرازی فی تفسیره : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لمّا أُنزِل علیه الوحی أتی المسجد الحرام وقام یصلّی فیه ، فاجتاز به علیّ علیه السلام وکان ابن تسع سنین فناداه : یا علیّ إلیّ أقبل. فأقبل إلیه ملبّیاً فقال له النبیّ : «إنّی رسول الله إلیک خاصّة وإلی الخلق عامّة فقف عن یمینی وصلّ معی». فقال : «یا رسول الله حتی أمضی وأستأذن أبا طالب والدی» ؛ فقال له : «اذهب فإنّه سیأذن لک» ، فانطلق إلیه یستأذنه فی اتّباعه ، فقال : یا ولدی تعلم أنّ محمداً أمین الله منذ کان ، امض إلیه واتّبعه ترشد وتفلح. فأتی علیّ علیه السلام ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قائم یصلّی فی المسجد ، فقام عن یمینه یصلّی معه ، فاجتاز أبو طالب بهما وهما یصلّیان فقال : یا محمد ما تصنع؟ قال : «أعبد إله السموات والأرض ومعی أخی علیّ یعبد ما أعبد وأنا أدعوک إلی عبادة الواحد القهّار» فضحک أبو طالب حتی بدت نواجده وأنشأ یقول :

والله لن یصلوا إلیک بجمعِهمْ

حتی أُغیّبَ فی الترابِ دفینا

إلی آخر الأبیات التی أسلفناها (ص 334).

8 - قول أبی طالب : صل جناح ابن عمّک :

أخرج ابن الأثیر : أنّ أبا طالب رأی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعلیّا یصلّیان وعلیّ علی

ص: 479

یمینه ، فقال لجعفر رضی الله تعالی عنه : صل جناح ابن عمّک ، وصلّ عن یساره ، وکان إسلام جعفر بعد إسلام أخیه علیّ بقلیل. وقال أبو طالب :

فصبراً أبا یعلی علی دین أحمدٍ

وکن مظهراً للدین وُفِّقت صابرا

وحط من أتی بالحقِّ من عند ربِّه

بصدقٍ وعزمٍ لا تکن حمزُ کافرا

فقد سرّنی إذ قلت إنَّک مؤمنٌ

فکن لرسول الله فی الله ناصرا

وبادِ قریشاً بالذی قد أتیته

جهاراً وقل ما کان أحمد ساحرا

أُسد الغابة (1) (1 / 287) ، شرح ابن أبی الحدید (2) (3 / 315) ، الإصابة (4 / 116) ، السیرة الحلبیّة (3) (1 / 286) ، أسنی المطالب (4) (ص 6) وقال : قال البرزنجی : تواترت الأخبار أنّ أبا طالب کان یحبّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ویحوطه وینصره ویعینه علی تبلیغ دینه ویُصدّقه فیما یقوله ؛ ویأمر أولاده کجعفر وعلیّ باتّباعه ونصرته.

وقال فی (ص 10) : قال البرزنجی : هذه الأخبار کلّها صریحة فی أنّ قلبه طافح وممتلئ بالإیمان بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

9 - أبو طالب وحنوّه علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :

قال أبو جعفر محمد بن حبیب رحمه الله فی أمالیه : کان أبو طالب إذا رأی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحیاناً یبکی وبقول : إذا رأیته ذکرت أخی ، وکان عبد الله أخاه لأبویه ، وکان شدید الحبّ والحنوّ علیه ، وکذلک کان عبد المطّلب شدید الحبّ له ، وکان أبو طالب کثیراً ما یخاف علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم البیات إذا عرف مضجعه ، فکان یقیمه لیلاً من 7.

ص: 480


1- أُسد الغابة : 1 / 341 رقم 759.
2- شرح نهج البلاغة : 14 / 76 کتاب 9.
3- السیرة الحلبیّة : 1 / 269.
4- أسنی المطالب : ص 10 و 17.

منامه ویضجع ابنه علیّا مکانه ، فقال له علیّ لیلة : «یا أبت إنّی مقتول» ، فقال له :

أصبرن یا بنیَّ فالصبر أحجی

کلُّ حیٍّ مصیرُه لشعوبِ

قد بذلناک والبلاءُ شدیدٌ

لفداء الحبیبِ وابنِ الحبیبِ

لفداءِ الأغرِّ ذی الحسب الثا

قب والباعِ والکریمِ النجیبِ

إن تُصِبکَ المنونُ فالنبلُ تبری (1)

فمصیبٌ منها وغیرُ مصیبِ

کلُّ حیٍّ وإن تملّی بعمرٍ (2)

آخذٌ من مذاقها بنصیبِ

فأجاب علیّ بقوله :

أتأمرنی بالصبرِ فی نصرِ أحمدٍ

وواللهِ ما قلتُ الذی قلتُ جازعا

ولکنَّنی أحببت أن ترَی نصرتی

وتعلمَ أنِّی لم أزل لک طائعا

سأسعی لوجهِ اللهِ فی نصرِ أحمدٍ

نبیِّ الهدی المحمودِ طفلاً ویافعا

وذکره ابن أبی الحدید (3) نقلاً عن الأمالی (3 / 310) وهناک تصحیف فی البیت الثانی والثالث من أبیات أبی طالب صحّحناه من طبقات السیّد علی خان الناقل عن شرح ابن أبی الحدید المخطوط ، وذکر القصّة أبو علی الموضّح العمری العلوی کما فی کتابه الحجّة (4) (ص 69).

قال الأمینی : إنّ القرابة والرحم تبعثان إلی المحاماة إلی حدّ محدود ، لکنّه إذا بلغت حدّ التضحیة بولد کأمیر المؤمنین هو أحب العالمین إلی والده ، فهناک یقف التفانی 5.

ص: 481


1- فی بعض المصادر : تتری. (المؤلف)
2- فی مصادر مخطوطة عتیقة : کلّ حیّ وإن تطاول عمراً. (المؤلف)
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 64 کتاب 9.
4- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 275.

علی موقفه ، فلا یستسهل الوالد أن یعرض ابنه علی القتل کلّ لیلة فینیمه علی فراش المفدّی ، ویستعوض منه ابن أخیه ، إلاّ أن یکون مندفعاً إلی ذلک بدافع دینیّ وهو معنی اعتناق أبی طالب للدین الحنیف ، وهو الذی تعطیه المحاورة الشعریّة بین الوالد والولد فتری الولد یصارح بالنبوّة ، فلا ینکر علیه الوالد بأنّ هذا التهالک لیس إلاّ بدافعٍ قومیٍّ ، غیر فاتر عن حضِّ ابنه علی ما یبتغیه من النصرة ولا متثبّط عن النهوض بها. فسلام الله علی والد وما ولد.

10 - أبو طالب وابن الزبعری :

قال القرطبی فی تفسیره (1) (ص 406) : روی أهل السیر قال : کان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قد خرج إلی الکعبة یوماً وأراد أن یصلّی ، فلمّا دخل فی الصلاة قال أبو جهل لعنه الله : من یقوم إلی هذا الرجل فیفسد علیه صلاته؟ فقام ابن الزبعری فأخذ فرثاً ودماً فلطخ به وجه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فانفتل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من صلاته ، ثمّ أتی أبا طالب عمّه فقال : «یا عمّ ألا تری إلی ما فُعِلَ بی؟» فقال أبو طالب : من فعل هذا بک؟ فقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «عبد الله بن الزبعری». فقام أبو طالب ووضع سیفه علی عاتقه ومشی معه حتی أتی القوم ، فلمّا رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ینهضون ؛ فقال أبو طالب : والله لئن قام رجل لجللته بسیفی فقعدوا حتی دنا إلیهم ، فقال : یا بُنیّ من الفاعل بک هذا؟ فقال : «عبد الله بن الزبعری» ؛ فأخذ أبو طالب فرثاً ودماً فلطّخ به وجوههم ولحاهم وثیابهم ، وأساء لهم القول.

حدیث موقف أبی طالب هذا یوجد فی غیر واحد من کتب القوم وقد لعبت به أیدی الهوی ، وسنوقفک إن شاء الله علی حقّ القول فیه تحت عنوان : أبو طالب فی الذکر الحکیم (2). 6.

ص: 482


1- الجامع لأحکام القرآن : 6 / 261.
2- الغدیر : 8 / 11 - 36.

11 - سیّدنا أبو طالب وقریش :

قال ابن إسحاق : لمّا بادی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قومه بالإسلام ، وصدع به کما أمره الله لم یبعد منه قومه ولم یردّوا علیه ، فیما بلغنی ، حتی ذکر آلهتهم وعابها. فلمّا فعل ذلک أعظموه وناکروه ، وأجمعوا خلافه وعداوته ، إلاّ من عصم الله تعالی منهم بالإسلام وهم قلیل مستخفون ، وحَدِب (1) علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عمّه أبو طالب ومنعه وقام دونه ، ومضی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی أمر الله مظهراً لأمره ، لا یردّه عنه شیء.

وقال : إنّ قریشاً حین قالوا لأبی طالب هذه المقالة بعث إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال له : یا ابن أخی إنّ قومک جاءونی فقالوا لی کذا وکذا ، فأبق علیّ وعلی نفسک ، ولا تحمّلنی من الأمر ما لا أُطیق ، قال : فظنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قد بدا لعمّه فیه بداء ، وأنّه خاذله ومسلمه ، وأنّه قد ضعف عن نصرته والقیام معه ، قال : فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «یا عمّ والله لو وضعوا الشمس فی یمینی ، والقمر فی یساری علی أن أترک هذا الأمر حتی یظهره الله أو أهلک فیه ما ترکته». قال : ثمّ استعبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فبکی ثمّ قام ، فلمّا ولّی ناداه أبو طالب ، فقال : أقبل یا ابن أخی. قال : فأقبل علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : اذهب یا بن أخی فقل ما أحببت فو الله لا أسلمک لشیء أبداً.

ثمّ إنّ قریشاً حین عرفوا أنّ أبا طالب قد أبی خذلان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم فی ذلک وعداوتهم مشوا إلیه بعمارة بن الولید بن المغیرة ، فقالوا له : یا أبا طالب هذا عمارة بن الولید أنهد فتیً فی قریش وأجمله ، فخذه فلک عقله ونصره ، واتّخذه ولداً فهو لک ، وأسلم إلینا ابن أخیک ، هذا الذی قد خالفک دینک ودین آبائک ف)

ص: 483


1- حدب : عطف علیه ومنع له. (المؤلف)

وفرّق جماعة قومک ، وسفّه أحلامهم ، فنقتله ، فإنّما هو رجل برجل ، قال : والله لبئس ما تسوموننی ؛ أتعطوننی ابنکم أغذوه لکم وأعطیکم ابنی تقتلونه؟ هذا والله ما لا یکون أبدا. قال : فقال المطعم بن عدیّ بن نوفل : والله یا أبا طالب لقد أنصفک قومک وجهدوا علی التخلّص ممّا تکرهه ، فما أراک ترید أن تقبل منهم شیئاً ، فقال أبو طالب لمطعم : والله ما أنصفونی ، ولکنّک قد أجمعت خذلانی ومظاهرة القوم علیّ فاصنع ما بدا لک أو کما قال.

قال : فحقب الأمر ، وحمیت الحرب ، وتنابذ القوم ، وبادی بعضهم بعضاً ، فقال أبو طالب عند ذلک یعرض بالمطعم بن عدیّ ویعمّ من خذله من عبد مناف ومن عاداه من قبائل قریش ؛ ویذکر ما سألوه وما تباعد من أمرهم :

ألا قل لعمرو والولید ومطعمٍ

ألا لیت حظِّی من حیاطتکم بَکرُ (1)

من الخورِ حبحابٌ کثیرٌ رُغاؤه

یرشُّ علی الساقین من بوله قطرُ (2)

تخلّف خلف الورد لیس بلاحقٍ

إذا ما علا الفیفاء قیل له وَبرُ (3)

أری أخوینا من أبینا وأُمِّنا

إذا سُئلا قالا إلی غیرنا الأمرُ

بلی لهما أمرٌ ولکن تجرجما

کما جرجمت من رأس ذی علقٍ صخرُ (4)

أخصّ خصوصاً عبدَ شمسٍ ونوفلاً

هما نبذانا مثل ما یُنبَذُ الجمرُ

هما أغمزا للقومِ فی أخویهما

فقد أصبحا منهم أکفّهما صِفرُ

هما أشرکا فی المجد من لا أبا له

من الناس إلاّ أن یُرسَّ له ذکرُ (5)ف)

ص: 484


1- البکر : الفتیّ من الإبل. (المؤلف)
2- الخور جمع أخوَر : الضعیف. حبحاب بالمهملتین : القصیر. ویروی بالجیمین المعجمتین : الکثیر الکلام. ویروی بالخاء المعجمة ومعناه : الضعیف. (المؤلف)
3- الفیفاء : الأرض القفر. وبر : دویبة علی قدر الهرّة. (المؤلف)
4- تجرجما : سقطا وانحدرا ، یقال : تجرجم الشیء إذا سقط. ذو علق : جبل فی دیار بنی أسد. (المؤلف)
5- یرسّ له ذکر : یذکر ذکراً خفیفاً. رسّ الحدیث : حدّث به فی خفاء. (المؤلف)

وتیمٌ ومخزومٌ وزهرةُ منهمُ

وکانوا لنا مولیً إذا بُنی النصرُ (1)

فو الله لا تنفکُّ منّا عداوةٌ

ولا منهمُ ما کان من نسلنا شفرُ (2)

فقد سفهت أحلامهم وعقولهم

وکانوا کجفرٍ بئس ما صنعت جفرُ

قال ابن هشام : ترکنا منها بیتین أقذع فیهما.

قال الأمینی : حذف ابن هشام منها ثلاثة أبیات لا تخفی علی أیِّ أحد غایته الوحیدة فیه ، وإنَّ الإنسان علی نفسه بصیرة ولو ألقی معاذیره ، ألا وهی :

وما ذاک إلاّ سؤدد خصّنا به

إلهُ العبادِ واصطفانا له الفخرُ

رجالٌ تمالوا حاسدین وبغضة

لأهل العلی فبینهمُ أبداً وترُ

ولیدٌ أبوه کان عبداً لجدِّنا

إلی علجةٍ زرقاء جال بها السحرُ

یرید به الولید بن المغیرة وکان من المستهزئین بالنبیِّ الأعظم ومن الذین مشوا إلی أبی طالب علیه السلام فی أمر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقد نزل قوله تعالی : (ذَرْنِی وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِیداً) (3) وکان یسمّی : الوحید فی قومه (4).

ثمّ قام أبو طالب - حین رأی قریشاً یصنعون ما یصنعون - فی بنی هاشم وبنی المطّلب فدعاهم إلی ما هو علیه من منع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والقیام دونه فاجتمعوا إلیه وقاموا معه ، وأجابوه ما دعاهم ، إلیه ، إلاّ ما کان من أبی لهب عدوّ الله الملعون.

فلمّا رأی أبو طالب من قومه ما سرّه فی جهدهم معه وحدبهم علیه ؛ جعل یمدحهم ویذکر قدیمهم ؛ ویذکر فضل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیهم ، ومکانه منهم ، لیشدّ لهم ف)

ص: 485


1- فی سیرة ابن هشام : 1 / 287 : إذا بغی النصر.
2- شفر. أحد. یقال : ما بالدار شفر ، أی ما بها أحد. (المؤلف)
3- المدثر : 11.
4- الروض الأُنف : 1 / 173 [ 3 / 62 ] ، تفسیر البیضاوی : 2 / 562 [ 2 / 542 ] ، الکشاف : 3 / 230 [ 4 / 647 ] ، تاریخ ابن کثیر : 4 / 443 [ 3 / 78 ] ، تفسیر الخازن : 4 / 345 [ 4 / 328 ]. (المؤلف)

رأیهم ، ولیحدبوا معه علی أمره ؛ فقال :

إذا اجتمعت یوماً قریشٌ لمفخرٍ

فعبدُ منافٍ سرّها وصمیمها (1)

فإن حُصّلتْ أشرافُ عبدِ منافِها

ففی هاشمٍ أشرافُها وقدیمها

وإن فخرتْ یوماً فإنّ محمداً

هو المصطفی من سرِّها وکریمها

تداعت قریشٌ غثُّها وسمینُها

علینا فلم تظفر وطاشت حلومها (2)

وکنّا قدیماً لا نقرُّ ظُلامةً

إذا ما ثنوا صُعرَ الخدود نُقیمها (3)

ونحمی حماها کلَّ یومِ کریهةٍ

ونضرب عن أحجارها من یرومها

بنا انتعش العود الذواء وإنَّما

بأکنافنا تندی وتنمی أرومها (4)

سیرة ابن هشام (1 / 275 - 283) ، طبقات ابن سعد (1 / 186) ، تاریخ الطبری (2 / 218 - 221) ، دیوان أبی طالب (ص 24) ، الروض الأُنف (1 / 171 ، 172) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 306) ، تاریخ ابن کثیر (2 / 126 ، 258 ، و 3 / 42 ، 48 ، 49) ، عیون الأثر (1 / 99 ، 100) ، تاریخ أبی الفداء (1 / 117) ، السیرة الحلبیّة (1 / 306) ، أسنی المطالب (ص 15) فقال : هذه الأبیات من غرر مدائح أبی طالب للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم الدالّة علی تصدیقه إیّاه ، طلبة الطالب (ص 5 - 9) (5).8.

ص: 486


1- سرّها وصمیمها : خالصها وکریمها. یقال : فلان من سرّ قومه. أی : من خیارهم ولبابهم وأشرافهم. (المؤلف)
2- طاشت حلومها : ذهبت عقولها. (المؤلف)
3- ثنوا : عطفوا. صعر جمع أصعر : المائل. یقال : صعّر خده. أی أماله الی جهة کما یفعل المتکبّر. (المؤلف)
4- انتعش : ظهرت فیه الخضرة. الذواء : الیابس. الأکناف : النواحی. الأرومة : الأصل. (المؤلف)
5- السیرة النبویّة : 1 / 282 - 288 ، الطبقات الکبری : 1 / 202 ، تاریخ الأمم والملوک : 2 / 322 - 328 ، دیوان أبی طالب : ص 72 ، الروض الأُنف : 3 / 48 ، 60 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 53 - 55 کتاب 9 ، البدایة والنهایة : 2 / 148 ، 317 ، ج 3 / 56 ، 64 ، 65 ، عیون الأثر : 1 / 131 - 133 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 287 ، أسنی المطالب : ص 28.

12 - سیّد الأباطح وصحیفة قریش :

اجتمع قریش وتشاوروا أن یکتبوا کتاباً یتعاقدون فیه علی بنی هاشم وبنی المطّلب أن لا ینکحوا إلیهم ، ولا یبیعوا منهم شیئاً ولا یتبایعوا ، ولا یقبلوا منهم صلحاً أبداً ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتی یسلموا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم للقتل ، ویخلوا بینهم وبینه ، وکتبوه فی صحیفة بخطّ منصور بن عکرمة ، أو بخطِّ بغیض بن عامر ، أو بخط النضر ابن الحرث ، أو بخطّ هشام بن عمرو ، أو بخطّ طلحة بن أبی طلحة ، أو بخطّ منصور ابن عبد ، وعلّقوا منها صحیفة فی الکعبة هلال المحرّم سنة سبع من النبوّة ، وکان اجتماعهم بخیف بنی کنانة وهو المحصّب ، فانحاز بنو هشام وبنو المطّلب إلی أبی طالب ودخلوا معه فی الشعب إلاّ أبا لهب فکان مع قریش ، فأقاموا علی ذلک سنتین وقیل ثلاث سنین ، وإنّهم جهدوا فی الشعب حتی کانوا یأکلون الخبط (1) وورق الشجر.

قال ابن کثیر : کان أبو طالب مدّة إقامتهم بالشعب یأمره صلی الله علیه وآله وسلم فیأتی فراشه کلّ لیلة حتی یراه من أراد به شرّا وغائلة ، فإذا نام الناس أمر أحد بنیه أو إخوانه أو بنی عمّه أن یضطجع علی فراش المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم ویأمر هو أن یأتی بعض فرشهم فیرقد علیها.

ثمّ إنّ الله تعالی أوحی إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّ الأرضة أکلت جمیع ما فی الصحیفة من القطیعة والظلم فلم تدع سوی اسم الله فقط ، فأخبر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عمّه أبا طالب بذلک ، فقال : یا بن أخی أربّک أخبرک بهذا؟ قال : «نعم». قال : والثواقب ما کذبتنی قطّ. فانطلق فی عصابة من بنی هاشم والمطّلب حتی أتوا المسجد ، فأنکر قریش ذلک ، وظنّوا أنّهم خرجوا من شدّة البلاء لیسلموا إلیهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال أبو طالب : ر.

ص: 487


1- الخَبَط : الورق المتساقط من الشجر.

یا معشر قریش جرت بیننا وبینکم أُمور لم تذکر فی صحیفتکم ، فأتوا بها ، لعلّ أن یکون بیننا وبینکم صلح ، وإنّما قال ذلک خشیة أن ینظروا فیها قبل أن یأتوا بها فأتوا بها وهم لا یشکّون أنّ أبا طالب یدفع إلیهم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فوضعوها بینهم وقبل أن تفتح قالوا لأبی طالب : قد آن لکم أن ترجعوا عمّا أحدثتم علینا وعلی أنفسکم ، فقال : أتیتکم فی أمر هو نصف بیننا وبینکم ، إنّ ابن أخی أخبرنی - ولم یکذبنی - أنّ الله قد بعث علی صحیفتکم دابّة فلم تترک فیها إلاّ اسم الله فقط ، فإن کان کما یقول فأفیقوا عمّا أنتم علیه ، فو الله لا نسلمه حتی نموت من عند آخرنا. وإن کان باطلاً دفعناه إلیکم فقتلتم أو استحییتم! فقالوا : رضینا. ففتحوها فوجدوها کما قال صلی الله علیه وآله وسلم. فقالوا : هذا سحر ابن أخیک وزادهم ذلک بغیاً وعدوانا.

وإنّ أبا طالب قال لهم بعد أن وجدوا الأمر کما أخبر به صلی الله علیه وآله وسلم : علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبیّن أنّکم أولی بالظلم والقطیعة؟ ودخل هو ومن معه بین أستار الکعبة وقال : اللهمّ انصرنا علی من ظلمنا ، وقطع أرحامنا ، واستحلّ ما یحرم علیه منّا.

وعند ذلک مشت طائفة من قریش فی نقض تلک الصحیفة ، فقال أبو طالب :

ألا هل أتی بَحریَّنا (1) صنعُ ربِّنا

علی نأیهم والله بالناس أرودُ (2)

فیخبرهم أنَّ الصحیفة مُزّقت

وأن کلّ ما لم یرضَه اللهُ مفسدُ

تراوحها إفکٌ وسحرٌ مُجمَّعٌ

ولم یُلفَ سحرٌ آخرَ الدهرِ یصعدُ

تداعی لها من لیس فیها بقرقر

فطائرُها فی رأسِها یتردّدُ (3)ف)

ص: 488


1- یرید به من کان هاجر من المسلمین إلی الحبشة فی البحر. (المؤلف)
2- أرود : أرفق. (المؤلف)
3- القرقر : اللیّن السهل. وقال السهیلی : من لیس فیها بقرقر : أی لیس بذلیل. وطائرها : أی حظّها من الشؤم والشرّ ، وفی التنزیل (أَلَزمْناهُ طائِرَهُ فِی عُنُقهِ) الإسراء : 13. (المؤلف)

وکانت کفاءً وقعةٌ بأثیمةٍ

لیُقطَعَ منها ساعدٌ ومقلّدُ

ویظعن أهل المکّتین فیهربوا

فرائصُهم من خشیةِ الشرِّ ترعدُ

ویُترک حرّاثٌ یقلّب أمرَهُ

أیُتهِمُ فیها عند ذاک ویُنجدُ (1)

وتصعد بین الأخشبین کتیبةٌ

لها حُدُجٌ سهمٌ وقوسٌ ومرهدُ (2)

فمن ینشَ من حضّارِ مکةَ عزُّه

فعزّتنا فی بطن مکّة أتلدُ (3)

نشأنا بها والناسُ فیها قلائلٌ

فلم نَنفَکِکْ نزدادُ خیراً ونحمدُ

ونُطعمُ حتی یترکَ الناسُ فضلَهمْ

إذا جعلت أیدی المفیضین ترعدُ (4)

جزی الله رهطاً بالحجون تتابعوا (5)

علی ملأ یهدی لحزمٍ ویُرشدُ

قعوداً لدی خطم الحجون کأنَّهم

مقاولةٌ (6) بل هم أعزُّ وأمجدُ

أعان علیها کلُّ صقرٍ کأنَّه

إذا ما مشی فی رفرف الدرع أحردُ (7)

ألا إنَّ خیر الناس نفساً ووالداً

إذا عُدَّ ساداتُ البریّةِ أحمدُ

نبیُّ الإلهِ والکریم بأصله

وأخلاقه وهو الرشید المؤیَّدُ

جریءٌ علی جُلّی الخطوب کأنَّه

شهابٌ بکفّی قابس یتوقَّدُ (8)ف)

ص: 489


1- الحرّاث : المکتسب. یُتْهم : یأتی تهامة. یُنْجد : یأتی نجداً. (المؤلف)
2- الأخشبان : جبلان بمکة. المرهد : الرمح اللین. (المؤلف)
3- ینش : أی ینشأ بحذف الهمزة علی غیر قیاس. أتلد : أقدم. (المؤلف)
4- المفیضین : الضاربون بقداح المیسر. یرید سلام الله علیه : أنّهم یطعمون إذا بخل الناس. (المؤلف)
5- فی سیرة ابن هشام : تبایعوا. والمقصود بهم الأشخاص الذین سعوا فی نقض الصحیفة التی تعاهدت فیها قریش علی مقاطعة بنی هاشم.
6- المقاولة : الملوک. (المؤلف)
7- رفرف الدرع : ما فضل منها. أحرد : بطیء المشی لثقل الدرع. (المؤلف)
8- وفی روایة : حزیم علی جلّ الأُمور کأنّه شهاب بکفّی قابسٍ یتوقّد (المؤلف)

من الأکرمین من لؤیِّ بن غالبٍ

إذا سیم خسفاً وجهه یتربّدُ (1)

طویل النجاد (2) خارجٌ نصف ساقه

علی وجهه یُسقی الغمام ویسعدُ

عظیمُ الرماد سیّدٌ وابنُ سیّدٍ

یحضُّ علی مَقری الضیوف ویحشدُ

ویبنی لأبناءِ العشیرةِ صالحاً

إذا نحن طُفنا فی البلاد ویمهدُ

ألَظَّ (3) بهذا الصلح کلَّ مبرّا

عظیمِ اللواء أمره ثمّ یحمدُ

قضوا ما قضوا فی لیلهم ثمّ أصبحوا

علی مَهَلٍ وسائر الناس رُقّدُ

همُ رجّعوا سهلَ بنَ بیضاءَ راضیاً

وسُرَّ أبو بکر بها ومحمدُ (4)

متی شرک الأقوام فی جُلِّ أمرنا

وکنّا قدیماً قبلها نتودّدُ

وکنّا قدیماً لا نُقِرُّ ظُلامَةً

وندرک ما شئنا ولا نتشدّدُ

فیالَ قُصیٍّ هل لکم فی نفوسکم

وهل لکمُ فیما یجیء به غدُ

فإنّی وإیّاکم کما قال قائلٌ

لدیک البیان لو تکلّمتَ أسودُ (5)

طبقات ابن سعد (1 / 173 ، 192) ، سیرة ابن هشام (1 / 399 - 404) ، عیون الأخبار لابن قتیبة (2 / 151) ، تاریخ الیعقوبی (2 / 22) ، الاستیعاب ترجمة سهل بن بیضاء (2 / 570) ، صفة الصفوة (1 / 35) ، الروض الأُنف (1 / 231) ، خزانة الأدب للبغدادی (1 / 252) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 84 ، 95 ، 97) ، عیون الأثر (1 / 127) ، ف)

ص: 490


1- سیم - بالبناء للمجهول - : کلف. الخسف : الذل. یتربّد : یتغیّر إلی السواد. (المؤلف)
2- النجاد : حمائل السیف. (المؤلف)
3- ألظّ : ألحّ ولزم. (المؤلف)
4- ذُکِر الشطر الثانی فی الدیوان هکذا : وسُرَّ إمامُ العالمین محمد. وسهل بن بیضاء صحابی أسلم بمکة وأخفی إسلامه ، وهو الذی مشی إلی النفر الذین قاموا فی شأن الصحیفة ، حتی اجتمع له منهم عدة تبرءوا منها وأنکروها.
5- أسود : جبل ، قتل فیه قتیل فلم یعرف قاتله ، فقال أولیاء المقتول : لدیک البیان لو تکلمت أسود. فذهب مثلاً. توجد فی دیوان أبی طالب [ ص 46 و 96 ] أبیات من هذه القصیدة غیر ما ذکر لم نجدها فی غیره. (المؤلف)

الخصائص الکبری (1 / 151) ، دیوان أبی طالب (ص 13) ، السیرة الحلبیّة (1 / 357 - 367) ، سیرة زینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 286 - 290) ، طلبة الطالب (ص 9 ، 15 ، 44) ، أسنی المطالب (ص 11 - 13) (1).

وذکر ابن الأثیر قصّة الصحیفة فی الکامل (2) (2 / 36) فقال : قال أبو طالب فی أمر الصحیفة وأَکْلِ الأرضة ما فیها من ظلم وقطیعة رحمٍ أبیاتاً ، منها :

وقد کان فی أمرِ الصحیفةِ عبرةٌ

متی ما یُخبَّرْ غائبُ القومِ یعجبُ

محا الله منها کفرَهمْ وعقوقَهمْ

وما نقموا من ناطق الحقِّ مُعرِبُ

فأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً

ومن یختلق ما لیس بالحقِّ یکذبُ

13 - وصیّة أبی طالب عند موته :

عن الکلبی قال : لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جمع إلیه وجوه قریش فأوصاهم فقال : یا معشر قریش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب ، فیکم السیّد المطاع ، وفیکم المقدام الشجاع ، الواسع الباع ، واعلموا أنَّکم لم تترکوا للعرب فی المآثر نصیباً إلاّ أحرزتموه ، ولا شرفاً إلاّ أدرکتموه ، فلکم بذلک علی الناس الفضیلة ، ولهم به إلیکم الوسیلة ، والناس لکم حرب وعلی حربکم إلب ، وإنی أوصیکم بتعظیم هذه البنیّة - یعنی الکعبة - فإنَّ فیها مرضاةً للربّ ، وقواماً للمعاش ، وثباتاً للوطأة ، صلوا أرحامکم ولا تقطعوها ، فإنّ صلة الرحم منسأة فی الأجل ، وزیادة فی العدد ، واترکوا7.

ص: 491


1- الطبقات الکبری : 1 / 188 ، 208 ، السیره النبویّة : 2 / 14 - 19 ، تاریخ الیعقوبی : 2 / 31 ، الاستیعاب : القسم الثانی / 660 رقم 1080 ، صفة الصفوة : 1 / 98 رقم 1 ، الروض الأُنف : 3 / 341 ، خزانة الأدب : 2 / 57 ، البدایة والنهایة : 3 / 106 ، 121 ، 122 ، عیون الأثر : 1 / 165 ، الخصائص الکبری : 1 / 249 ، دیوان أبی طالب : ص 45 - 46 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 337 - 345 ، السیرة النبویّة : 1 / 137 ، أسنی المطالب : ص 19 - 22.
2- الکامل فی التاریخ : 1 / 504 - 507.

البغی والعقوق ففیهما هلکة القرون قبلکم ، أجیبوا الداعی ، وأعطوا السائل فإنّ فیهما شرف الحیاة والممات ، وعلیکم بصدق الحدیث ، وأداء الأمانة ، فإنّ فیهما محبّة فی الخاصّ ، ومکرمة فی العام.

وإنّی أوصیکم بمحمد خیراً فإنّه الأمین فی قریش ، والصدّیق فی العرب ، وهو الجامع لکلّ ما أوصیتکم به ، وقد جاءنا بأمر قَبِله الجنان ، وأنکره اللسان مخافة الشنآن ، وایم الله کأنّی أنظر إلی صعالیک العرب وأهل الأطراف والمستضعفین من الناس قد أجابوا دعوته ، وصدّقوا کلمته ، وعظّموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، وصارت رؤساء قریش وصنادیدها أذناباً ، ودورها خراباً ، وضعفاؤها أرباباً ، وإذا أعظمهم علیه أحوجهم إلیه ، وأبعدهم منه أحظاهم عنده ، قد محضته العرب ودادها ، وأصفت له فؤادها ، وأعطته قیادها ، دونکم یا معشر قریش ابن أبیکم ، کونوا له ولاةً ولحزبه حماةً ، والله لا یسلک أحد سبیله إلاّ رَشَد ، ولا یأخذ أحد بهدیه إلاّ سَعد ، ولو کان لنفسی مدّة ، وفی أجلی تأخیر ، لکففت عنه الهزاهز ، ولدافعت عنه الدواهی.

الروض الأُنف (1 / 259) ، المواهب (1 / 72) ، تاریخ الخمیس (1 / 339) ، ثمرات الأوراق هامش المستطرف (2 / 9) ، بلوغ الإرب (1 / 327) ، السیرة الحلبیّة (1 / 375) السیرة لزینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 93) ، أسنی المطالب (ص 5) (1).

قال الأمینی : فی هذه الوصیّة الطافحة بالإیمان والرشاد دلالة واضحة علی أنّه علیه السلام إنّما أرجأ تصدیقه باللسان إلی هذه الآونة التی یئس فیها من الحیاة حذار شنآن قومه المستتبع لانثیالهم عنه ، المؤدی إلی ضعف المُنّة (2) وتفکّک القوی ، فلا یتسنّی له حینئذ الذبّ عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإن کان الإیمان به مستقرّا فی الجنان من ة.

ص: 492


1- الروض الأُنف : 4 / 30 ، المواهب اللدنیّة : 1 / 265 ، تاریخ الخمیس : 1 / 300 ، ثمرات الأوراق : ص 294 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 352 ، السیرة النبویّة : 1 / 45 ، أسنی المطالب : ص 11.
2- المُنّة : القوّة.

أوّل یومه ، لکنّه لمّا شعر بأزوف الأجل وفوات الغایة المذکورة أبدی ما أجنّته أضالعه (1) فأوصی بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بوصیّته الخالدة.

14 - وصیّة أبی طالب لبنی أبیه :

أخرج ابن سعد فی الطبقات الکبری (2) : أنّ أبا طالب لمّا حضرته الوفاة دعا بنی عبد المطّلب فقال : لن تزالوا بخیر ما سمعتم من محمد ، وما اتّبعتم أمره ، فاتّبعوه وأعینوه ترشدوا.

وفی لفظ : یا معشر بنی هاشم أطیعوا محمداً وصدّقوه تفلحوا وترشدوا.

وتوجد هذه الوصیّة (3) فی تذکرة السبط (ص 5) ، الخصائص الکبری (1 / 87) ، السیرة الحلبیّة (1 / 372 ، 375) ، سیرة زینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 92 ، 293) ، أسنی المطالب (ص 10). ورأی البرزنجی هذا الحدیث دلیلاً علی إیمان أبی طالب ونعمّا هو ، قال : قلت : بعید جدّا أن یَعرف أنّ الرشاد فی اتّباعه ویأمر غیره بذلک ثمّ یترکه هو.

قال الأمینی : لیس فی العقل السلیم مساغ للقول بأنّ هذه المواقف کلّها لم تنبعث عن خضوع أبی طالب للدین الحنیف وتصدیقه للصادع به صلی الله علیه وآله وسلم ، وإلاّ فما ذا الذی کان یحدوه إلی مخاشنة قریش ومقاساة الأذی منهم وتعکیر الصفو من حیاته لا سیّما أیّام کان هو والصفوة من فئته فی الشعب ، فلا حیاة هنیئة ، ولا عیش رغداً ، ولا أمن یُطمأنُّ به ، ولا خطر مدروءاً ، یتحمّل الجفاء والقطیعة والقسوة المؤلمة من قومه ، فما ذا 7.

ص: 493


1- أجنّه : أخفاه وستره.
2- الطبقات الکبری : 1 / 123.
3- تذکرة الخواص : ص 8 ، الخصائص الکبری : 1 / 147 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 352 ، السیرة النبویّة : 1 / 45 و 140 ، أسنی المطالب : ص 17.

الذی أقدمه علی هذه کلّها؟ وما ذا الذی حصره وحبسه فی الشعب عدّة سنین تجاه أمر لا یقول بصدقه ولا یُخبت إلی حقیقته؟ لاها الله لم یکن کلّ ذلک إلاّ عن إیمان ثابت ، وتصدیق وتسلیم وإذعان بما جاء به نبیّ الإسلام ، یظهر ذلک للقارئ المستشفّ لجزئیّات کلّ من هذه القصص ، ولم تکن القرابة والقومیّة بمفردها تدعوه إلی مقاساة تلکم المشاقّ کما لم تدعُ أبا لهب أخاه ، وهب أنّ القرابة تدعوه إلی الذبّ عنه صلی الله علیه وآله وسلم لکنّها لا تدعو إلی المصارحة بتصدیقه وأنّ ما جاء به حقّ ، وأنّه نبیّ کموسی خطّ فی أوّل الکتب ، وأنّ من اقتصّ أثره فهو المهتدی ، وأنّ الضالّ من ازورّ عنه وتخلّف ، إلی أمثال ذلک من مصارحات قالها بملء فمه ، ودعا إلیه صلی الله علیه وآله وسلم فیها بأعلی هتافه.

15 - حدیث عن أبی طالب :

ذکر ابن حجر فی الإصابة (4 / 116) من طریق إسحاق بن عیسی الهاشمی عن أبی رافع قال : سمعت أبا طالب یقول : سمعت ابن أخی محمد بن عبد الله یقول : إنّ ربّه بعثه بصلة الأرحام ، وأن یعبد الله وحده ولا یعبد معه غیره ، ومحمد الصدوق الأمین.

وذکره السیّد زینی دحلان فی أسنی المطالب (1) (ص 6) وقال : أخرجه الخطیب ، وأخرجه السیّد فخار بن معد فی کتاب الحجّة (2) (ص 26) من طریق الحافظ أبی نعیم الأصبهانی ، وبإسناد آخر من طریق أبی الفرج الأصبهانی ، وروی الشیخ إبراهیم الحنبلی فی نهایة الطلب عن عروة الثقفی قال : سمعت أبا طالبرضی الله عنه یقول : حدّثنی ابن أخی الصادق الأمین وکان والله صدوقاً : إنّ ربّه أرسله بصلة الأرحام ، وإقام الصلاة ، وإیتاء الزکاة وکان یقول : اشکر ترزق ، ولا تکفر تُعذّب. 5.

ص: 494


1- أسنی المطالب : ص 15.
2- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 135.

- 3 -

ما یروی عنه آله وذووه

من طرق العامّة فحسب

أمّا رجال آل هاشم ، وأبناء عبد المطّلب ، وولد أبی طالب ، فلم یؤثر عنهم إلاّ الهتاف بإیمانه الثابت ، وأنّ ما کان یؤثره فی نصرة النبی الأقدس صلی الله علیه وآله وسلم کان منبعثاً عن تدیّن بما صدع به صلی الله علیه وآله وسلم وأهل البیت أدری بما فیه.

قال ابن الأثیر فی جامع الأصول : وما أسلم من أعمام النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم غیر حمزة والعبّاس وأبی طالب عند أهل البیت علیهم السلام. انتهی.

نعم : هتفوا بذلک فی أجیالهم وأدوارهم بملء الأفواه وبکلّ صراحة وجبهوا من خالفهم فی ذلک.

إذا قالت حذامِ فصدِّقوها

فإنَّ القول ما قالت حذامِ

1 - قال ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (3 / 312) : روی بأسانید کثیرة بعضها عن العبّاس بن عبد المطّلب وبعضها عن أبی بکر بن أبی قحافة : إنّ أبا طالب ما مات حتی قال : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله. والخبر مشهور أنّ أبا طالب عند الموت قال کلاماً خفیّا ، فأصغی إلیه أخوه العبّاس (2) ، وروی عن علیّ علیه السلام أنّه قال : «ما مات ف)

ص: 495


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 71 کتاب 9.
2- راجع سیرة ابن هشام : 2 / 27 [ 2 / 59 ] ، دلائل النبوّة للبیهقی [ 2 / 346 ] ، تاریخ ابن کثیر : 3 / 123 [ 3 / 152 ] ، عیون الأثر لابن سیّد الناس : 1 / 131 [ 1 / 173 ] ، الإصابة : 4 / 116 [ رقم 685 ] ، المواهب اللدنیّة : 1 / 71 [ 1 / 262 ] ، السیرة الحلبیّة : 1 / 372 [ 1 / 350 ] ، السیرة الدحلانیة هامش الحلبیّة : 1 / 89 [ السیرة النبویّة : 1 / 44 ] ، أسنی المطالب : ص 20 [ ص 35 ]. (المؤلف)

أبو طالب حتی أعطی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من نفسه الرضا».

وذکر أبو الفداء والشعرانی عن ابن عبّاس : أنّ أبا طالب لمّا اشتدّ مرضه قال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : یا عمّ قلها استحلّ لک بها الشفاعة یوم القیامة یعنی الشهادة ، فقال له أبو طالب : یا بن أخی لو لا مخافة السبّة وأن تظنّ قریش إنّما قلتها جزعاً من الموت لقلتها. فلمّا تقارب من أبی طالب الموت جعل یحرّک شفتیه فأصغی إلیه العبّاس بإذنه وقال : والله یا بن أخی لقد قال الکلمة التی أمرته أن یقولها. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : الحمد لله الذی هداک یا عمّ (1).

وقال السیّد أحمد زینی دحلان فی السیرة الحلبیّة (2) (1 / 94) : نقل الشیخ السحیمی فی شرحه علی شرح جوهرة التوحید عن الإمام الشعرانی والسبکی وجماعة أنّ ذلک الحدیث - أعنی حدیث العبّاس - ثبت عند بعض أهل الکشف وصحّ عندهم إسلامه.

قال الأمینی : ذکرنا هذا الحدیث مجاراة للقوم ، وإلاّ فما کانت حاجة أبی طالب مسیسة عند الموت إلی التلفّظ بتینک الکلمتین اللتین کرّس حیاته الثمینة للهتاف بمفادهما فی شعره ونثره ، والدعوة إلیهما ، والذبّ عمّن صدع بهما ، ومعاناة الأهوال دونهما حتی یومه الأخیر. ما کانت حاجة أبی طالب مسیسة عندئذ إلی التفوّه بهما کأمر مستجدّ ، فمتی کفر هو؟ ومتی ضلّ؟ حتی یؤمن ویهتدی بهما ، ألیس من الشهادة قوله الذی أسلفناه (ص 331):

لیعلمْ خیارُ الناسِ أنّ محمداً

وزیرٌ لموسی والمسیحِ ابن مریم

أتانا بهدیٍ مثل ما أتیا به

فکلّ بأمرِ اللهِ یهدی ویعصم

وإنّکمُ تتلونه فی کتابکم

بصدق حدیثٍ لا حدیث مبرجمِ6.

ص: 496


1- تاریخ أبی الفداء : 1 / 120 ، کشف الغمّة للشعرانی : 2 / 144. (المؤلف)
2- السیرة النبویة : 1 / 46.

وقوله فی (ص 332):

أمینُ حبیبٍ فی العبادِ مسوّمُ

بخاتم ربٍّ قاهرٍ فی الخواتمِ

نبیٌّ أتاه الوحی من عند ربِّهِ

ومن قال لا یقرع بها سنّ نادمِ

وقوله فی (ص 332):

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً

رسولاً کموسی خُطّ فی أوّل الکتب

وقوله فی (ص 334):

وظلم نبیٍّ جاء یدعو إلی الهدی

وأمرٌ أتی من عندِ ذی العرشِ قیِّمِ

وقوله فی (ص 334):

فاصدع بأمرِکَ ما علیک غضاضةٌ

وابشر بذاک وقرَّ منک عیونا

ودعوتنی وعلمتُ أنَّک ناصحی

ولقد دعوتَ وکنتَ ثَمَّ أمینا

ولقد علمتُ بأنَّ دینَ محمدٍ

من خیرِ أدیانِ البریّةِ دینا

وقوله فی (ص 335):

أو تؤمنوا بکتابٍ مُنزلٍ عجبٍ

علی نبیٍّ کموسی أو کذی النون

وقوله فی (ص 337):

نصرت الرسولَ رسولَ الملیک

ببیضٍ تلألا کلمعِ البروقِ

أذبُّ وأحمی رسول الاله

حمایةَ حامٍ علیه شفیقِ

وقوله فی (ص 340):

فأیَّده ربُّ العباد بنصرِهِ

وأظهر دیناً حقُّه غیر باطلِ

وقوله فی (ص 356):

ص: 497

والله لا أخذلُ النبیَّ ولا

یخذُله من بنیَّ ذو حسبِ

نحن وهذا النبیُّ ننصرُهُ

نضربُ عنه الأعداءَ بالشهبِ

وقوله فی (ص 345):

أتبغون قتلاً للنبیِّ محمدٍ

خصصتمْ علی شؤم بطول أثامِ

وقوله فی (ص 357):

فصبراً أبا یعلی علی دینِ أحمدٍ

وکن مظهراً للدینِ وُفِّقت صابرا

وحط من أتی بالحقِّ من عند ربِّه

بصدقٍ وعزمٍ لا تکن حمزُ کافرا

فقد سرّنی إذ قلت إنَّک مؤمنٌ

فکن لرسولِ اللهِ فی اللهِ ناصرا

وقوله وقد رواه أبو الفرج الأصبهانی :

زعمت قریشٌ أنَّ أحمدَ ساحرٌ

کذبوا وربِّ الراقصات إلی الحرم (1)

ما زلتُ أعرفُه بصدقِ حدیثِهِ

وهو الأمینُ علی الحرائب والحُرم

وقوله المرویُّ من طریق أبی الفرج الأصبهانی کما فی کتاب الحجّة (2) (ص 72) ومن طریق الحسن بن محمد بن جریر کما فی تفسیر أبی الفتوح (3) (4 / 212).

قل لمن کان من کنانَة فی العزِّ

وأهلِ الندی وأهلِ المعالی

قد أتاکم من الملیکِ رسولٌ

فاقبلوه بصالحِ الأعمالِ

وانصروا أحمداً فإنَّ من الله

رداءً علیه غیرَ مدالِ

وقوله من أبیات فی شرح ابن أبی الحدید (4) (3 / 315): 9.

ص: 498


1- أراد بالراقصات إلی الحرم الإبل الراکضات. رقص الجمل إذا رکض. (المؤلف)
2- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 281.
3- تفسیر أبی الفتوح : 8 / 473.
4- شرح نهج البلاغة : 4 / 78 کتاب 9.

فخیر بنی هاشم أحمدٌ

رسول الإله علی فترةِ (1)

ولو کان یؤثر أقلّ من هذا عن أحد من الصحابة لطبّل له ، وزمّر من یتشبّث بالطحلب فی سرد الفضائل لبعضهم مغالاةً فیهم ، لکنّی أجد إسلام أبی طالب مستعصیاً فهمه علی هؤلاء ولو صرخ بألف هتاف من ضرائب هذه. لما ذا؟ أنا لا أدری!

2 - أخرج ابن سعد فی طبقاته (2) (1 / 105) عن عبید الله بن أبی رافع عن علیّ قال : أخبرت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بموت أبی طالب ، فبکی ثمّ قال : اذهب فاغسله وکفّنه وواره غفر الله له ورحمه.

وفی لفظ الواقدی : فبکی بکاءً شدیداً ثمّ قال : اذهب فاغسله. إلخ.

وأخرجه (3) ابن عساکر کما فی أسنی المطالب (ص 21) ، والبیهقی فی دلائل النبوّة ، وذکره سبط ابن الجوزی فی التذکرة (ص 6) ، وابن أبی الحدید فی شرحه (3 / 314) ، والحلبی فی السیرة (1 / 373) ، والسیّد زینی دحلان فی هامش السیرة الحلبیّة (1 / 90) ، والبرزنجی فی نجاة أبی طالب وصحّحه کما فی أسنی المطالب (ص 35) وقال : أخرجه أیضاً أبو داود ، وابن الجارود ، وابن خزیمة وقال : إنّما ترک النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم المشی فی جنازته اتّقاءً من شرّ سفهاء قریش. وعدم صلاته لعدم مشروعیّة صلاة الجنازة یومئذٍ. 2.

ص: 499


1- أشار إلی قوله تعالی : (قَدْ جاءَکُمْ رَسُولُنا یُبَیِّنُ لَکُمْ عَلی فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) [ المائدة : 19 ] وتوجد الأبیات فی کتاب الحجّة للسیّد فخار : ص 74 [ ص 283 ]. (المؤلف)
2- الطبقات الکبری : 1 / 123.
3- مختصر تاریخ مدینة دمشق : 29 / 32 أسنی المطالب : ص 38 ، دلائل النبوّة : 2 / 348 ، تذکرة الخواص : ص 8 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 76 کتاب 9 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 351 ، السیرة النبویّة : 1 / 44 ، أسنی المطالب : ص 62.

عن الأسلمی وغیره : توفّی أبو طالب للنصف من شوال فی السنة العاشرة من حین نُبِّئ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛ وتوفّیت خدیجة بعده بشهر وخمسة أیّام فاجتمع علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیها وعلی عمّه حزن شدید حتی سمّی ذلک العام عام الحزن.

طبقات ابن سعد (1 / 106) ، الامتاع للمقریزی (ص 27) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 134) ، السیرة الحلبیّة (1 / 373) ، السیرة لزینی دحلان هامش الحلبیّة (1 / 291) ، أسنی المطالب (ص 11) (1).

لفت نظر : عیّن ابن سعد لوفاة أبی طالب یوم النصف من شوّال کما سمعت ، وقال أبو الفداء فی تاریخه (1 / 120) توفّی فی شوّال ، وأوعز القسطلانی فی المواهب (2) (1 / 71) موته فی شوّال إلی القیل ، وقال المقریزی فی الإمتاع (ص 27) : توفّی أوّل ذی القعدة وقیل : النصف من شوّال ، وقال الزرقانی فی شرح المواهب (1 / 291) : مات بعد خروجهم من الشعب فی ثامن عشر رمضان سنة عشر ، وفی الاستیعاب : خرجوا من الشعب فی أوّل سنة خمسین وتوفّی أبو طالب بعده بستة أشهر فتکون وفاته فی رجب. انتهی. وهذا الاختلاف موجود فی تآلیف الشیعة أیضاً.

3 - أخرج البیهقی عن ابن عبّاس : أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عاد من جنازة أبی طالب فقال : «وصلتک رحم ، وجزیت خیراً یا عمّ» وفی لفظ الخطیب : عارض النبیّ جنازة أبی طالب فقال : «وصلتک رحم ، جزاک الله خیراً یا عمّ».

دلائل النبوّة للبیهقی ، تاریخ الخطیب البغدادی (13 / 196) ، تاریخ ابن کثیر 2.

ص: 500


1- الطبقات الکبری : 1 / 125 ، البدایة والنهایة : 3 / 156 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 346 ، السیرة النبویّة : 1 / 139 ، أسنی المطالب : ص 14 ، 20.
2- المواهب اللدنیّة : 1 / 262.

(3 / 125) ، تذکرة السبط (ص 6) ، نهایة الطلب للشیخ إبراهیم الحنفی کما فی الطرائف (ص 86) ، الإصابة (4 / 116) ، شرح شواهد المغنی (ص 136) (1).

وقال الیعقوبی فی تاریخه (2) (2 / 26): لمّا قیل لرسول الله : إنّ أبا طالب قد مات عظم ذلک فی قلبه واشتدّ له جزعه ، ثمّ دخل فمسح جبینه الأیمن أربع مرّات وجبینه الأیسر ثلاث مرّات ، ثمّ قال : «یا عمّ ربّیت صغیراً ، وکفلت یتیماً ، ونصرت کبیراً ، فجزاک الله عنّی خیراً ، ومشی بین یدی سریره وجعل یعرضه ویقول : وصلتک رحم ، وجُزیت خیراً».

4 - عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث قال : قال العبّاس : یا رسول الله أترجو لأبی طالب؟ قال : «کلّ الخیر أرجو من ربّی».

أخرجه ابن سعد فی الطبقات (3) (1 / 106) بسند صحیح رجاله کلّهم ثقات رجال الصحاح وهم : عفّان بن مسلّم ، وحمّاد بن سلمة ، وثابت البنائی (4) ، وإسحاق ابن عبد الله.

وأخرجه ابن عساکر (5) کما فی الخصائص الکبری (6) (1 / 87) ، والفقیه الحنفی 7.

ص: 501


1- دلائل النبوّة : 2 / 349 ، البدایة والنهایة : 3 / 155 ، تذکرة الخواص : ص 8 ، الطرائف : ص 305 ح 393 ، شرح شواهد المغنی : 1 / 397 رقم 197.
2- تاریخ الیعقوبی : 2 / 35.
3- الطبقات الکبری : 1 / 124.
4- فی الخصائص الکبری : البنانی ، کذا ذکره ابن سعد فی الطبقات الکبری : 7 / 232 ، والذهبی فی سیر أعلام النبلاء : 5 / 220 ، وفی تذکرة الحفاظ : 1 / 125.
5- مختصر تاریخ مدینة دمشق : 29 / 32.
6- الخصائص الکبری : 1 / 147.

الشیخ إبراهیم الدینوری فی نهایة الطلب کما فی الطرائف (1) (ص 68) ، وذکره ابن أبی الحدید فی شرحه (2) (3 / 311) ، والسیوطی فی التعظیم والمنّة (ص 7) نقلاً عن ابن سعد.

5 - وعن أنس بن مالک قال : أتی أعرابیّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا رسول الله لقد أتیناک وما لنا بعیر یئط ، ولا صبیّ یصطبح (3) ، ثمّ أنشد :

أتیناک والعذراءُ یدمی لبانُها

وقد شُغلتْ أمّ الصبیِّ عن الطفلِ

وألقی بکفّیه الصبیُّ استکانةً

من الجوع ضعفاً ما یمرُّ ولا یحلی

ولا شیءَ ممّا یأکلُ الناسُ عندنا

سوی الحنظلِ العامی والعِلْهِز الفسلِ (4)

ولیس لنا إلاّ إلیک فرارُنا

وأین فرارُ الناس إلاّ إلی الرُّسلِ

فقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یجرّ رداءه حتی صعد المنبر فحمد الله تعالی وأثنی علیه ثمّ قال : «اللهمّ اسقنا غیثاً مغیثاً سحّا طبقاً غیر رائث ، تنبت به الزرع وتملأ به الضرع ، وتحیی به الأرض بعد موتها ، وکذلک تخرجون».

فما استتمّ الدعاء حتی التقت السماء بروقها ؛ فجاء أهل البطانة یضجّون : یا رسول الله الغرق ، فقال : «حوالینا ولا علینا». فانجاب السحاب عن المدینة کالإکلیل ، فضحک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی بدت نواجذه وقال : «لله درّ أبی طالب لو کان حیّا لقرّت عیناه ، من الذی ینشدنا شعره؟ فقال علیّ بن أبی طالب کرّم الله ه.

ص: 502


1- الطرائف : ص 305 ح 394.
2- شرح نهج البلاغة : 14 / 68 کتاب 9.
3- أطّت الإبل : أنّت تعباً أو حنیناً. یصطبح : یشرب اللبن صباحاً.
4- العِلْهِز : وَبَر الإبل یُخلط بالدم ثم یشوی بالنار ، وکان أهل الجاهلیة یتخذونه طعاماً فی سنیّ المجاعة. الفسل : الحقیر الذی لا قیمة له.

وجهه : یا رسول الله کأنّک أردت قوله :

وأبیضُ یُستسقی الغمام بوجهه

ثمالُ الیتامی عصمةٌ للأراملِ

قال : أجل» فأنشده أبیاتاً من القصیدة ورسول الله یستغفر لأبی طالب علی المنبر ، ثمّ قام رجل من کنانة وأنشد :

لک الحمدُ والحمدُ ممّن شکر

سُقینا بوجه النبیِّ المطرْ

دعا اللهَ خالقَه دعوةً

وأشخصَ معْها إلیه البصرْ

فلم یک إلاّ کإلقاء الردا

وأسرع حتی رأینا الدَّررْ

دفاق العزالیّ جمّ البعاق (1)

أغاثَ به اللهُ علیا مضرْ

فکان کما قاله عمُّه

أبو طالب أبیض ذو (2) غررْ

به الله یسقی صیوب الغمام

وهذا العیانُ لذاک الخبرْ

فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إن یک شاعراً یحسن فقد أحسنت».

أعلام النبوّة للماوردی (ص 77) ؛ بدائع الصنائع (1 / 283) ، شرح ابن أبی الحدید (3 / 316) ، السیرة الحلبیّة ، عمدة القاری (3 / 435) ، شرح شواهد المغنی للسیوطی (ص 136) ، سیرة زینی دحلان (1 / 87) ، أسنی المطالب (ص 15) ، طلبة الطالب (ص 43) (3).

قال البرزنجی کما فی أسنی المطالب : فقول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لله درّ أبی طالب» 6.

ص: 503


1- راجع ص 4 من الجزء الثانی من هذا الکتاب. (المؤلف)
2- کذا فی المصدر بالواو وحقّه النصب بالألف لأنّه خبر (کان).
3- أعلام النبوّة : ص 130 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 81 کتاب 9 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 116 ، عمدة القاری : 7 / 31 ، شرح شواهد المغنی : 1 / 398 رقم 197 ، السیرة النبویة : 1 / 43 ، أسنی المطالب : ص 26.

یشهد له بأنّه لو رأی النبیّ وهو یستسقی علی المنبر لسرّه ذلک ، ولقرّت عیناه ، فهذا من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم شهادة لأبی طالب بعد موته أنّه کان یفرح بکلمات النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وتقرّ عینه بها ، وما ذلک إلاّ لسرّ وقر فی قلبه من تصدیقه بنبوّته وعلمه بکمالاته. انتهی.

قال الأمینی : وذکر جمع هذا الحدیث فی استسقاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وحذف منه کلمة : «لله درّ أبی طالب». وأنت أعرف منّی بالغایة المتوخّاة فی هذا التحریف ، ولا یفوتنا عرفانها.

6 - قال ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (3 / 316) : ورد فی السیر والمغازی أنّ عتبة ابن ربیعة أو شیبة لمّا قطع رجل أبی عبیدة بن الحارث بن المطّلب یوم بدر أشبل (2) علیه علیّ وحمزة فاستنقذاه منه وخبطا عتبة بسیفهما حتی قتلاه ، واحتملا صاحبهما من المعرکة إلی العریش فألقیاه بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإنّ مخّ ساقه لیسیل ، فقال : یا رسول الله لو کان أبو طالب حیّا لعلم أنّه قد صدق فی قوله :

کذبتم وبیتِ اللهِ نُخلی محمداً

ولمّا نطاعن دونه ونناضلِ

وننصره حتی نصرّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ

فقالوا : إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم استغفر له ولأبی طالب یومئذٍ.

7 - عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال لعقیل بن أبی طالب : «یا أبا یزید إنّی أحبّک حبّین حبّا لقرابتک منّی ، وحبّا لما کنت أعلم من حبّ عمّی أبی طالب إیّاک». ف.

ص: 504


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 80 کتاب 9.
2- أشبل : عطف.

أخرجه (1) أبو عمر فی الاستیعاب (2 / 509) ، والبغوی ، والطبرانی کما فی ذخائر العقبی (ص 222) ، وتاریخ الخمیس (1 / 163) ؛ وعماد الدین یحیی العامری فی بهجة المحافل (1 / 327) ، وذکره ابن أبی الحدید فی شرحه (3 / 312) وقال : قالوا : اشتهر واستفاض هذا الحدیث ، والهیثمی فی مجمع الزوائد (9 / 273) وقال : رجاله ثقات.

هذا شاهد صدق علی أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان یعتقد إیمان عمّه ، وإلاّ فما قیمة حبّ کافر لأیّ أحد حتی یکون سبباً لحبّه صلی الله علیه وآله وسلم أولاده؟

وقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هذا لعقیل کان بعد إسلامه کما نصّ علیه الإمام العامری فی بهجة المحافل وقال : وفیها إسلام عقیل بن أبی طالب الهاشمی ، ولمّا أسلم قال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : یا أبا یزید. إلی آخره.

وقال جمال الدین الأشخر الیمنی فی شرح البهجة عند شرح الحدیث : ومن شأن المحبّ محبّة حبیب الحبیب.

ألا تعجب من حبّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبا طالب إن لم یک معتنقاً لدینه - العیاذ بالله - ومن إعرابه عنه بعد وفاته. ومن حبّه عقیلاً لحب أبیه إیّاه؟

8 - أخرج أبو نعیم (2) وغیره عن ابن عبّاس وغیره قالوا : کان أبو طالب یحبّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حبّا شدیداً لا یحبّ أولاده مثله ، ویقدمه علی أولاده ؛ ولذا کان لا ینام إلاّ إلی جنبه ، ویخرجه معه حین یخرج. 2.

ص: 505


1- الاستیعاب : القسم الثالث / 1078 رقم 1834 ، المعجم الکبیر : 17 / 191 ح 510 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 70 کتاب 9.
2- دلائل النبوّة : 1 / 209 و 212.

ولمّا مات أبو طالب نالت قریش منه من الأذی ما لم تکن تطمع فیه فی حیاة أبی طالب ، حتی اعترضه سفیه من سفهاء قریش فنثر علی رأسه تراباً ، فدخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بیته والتراب علی رأسه ؛ فقامت إلیه إحدی بناته تغسل عنه التراب وتبکی ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول لها : «یا بنیّة لا تبکی فإنّ الله مانع أباک ، ما نالت منّی قریش شیئاً أکرهه حتی مات أبو طالب» (1).

وفی لفظ : «ما زالت قریش کاعّین - أی جبناء - حتی مات أبو طالب».

وفی لفظ : «ما زالت قریش کاعّة حتی مات أبو طالب».

تاریخ الطبری (2 / 229) ، تاریخ ابن عساکر (1 / 284) ، مستدرک الحاکم (2 / 622) ، تاریخ ابن کثیر (3 / 122 ، 134) ، الصفوة لابن الجوزی (1 / 21) ، الفائق للزمخشری (2 / 213) ، تاریخ الخمیس (1 / 253) ، السیرة الحلبیّة (1 / 375) ، فتح الباری (7 / 153 ، 154) ، شرح شواهد المغنی (ص 136) نقلاً عن البیهقی ، أسنی المطالب (ص 11 ، 21) ، طلبة الطالب (ص 4 ، 54).

9 - عن عبد الله قال : لمّا نظر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم بدر إلی القتلی وهم مصرّعون قال لأبی بکر : «لو أنّ أبا طالب حیّ لعلم أنّ أسیافنا قد أخذت بالأماثل» یعنی قول أبی طالب :

کذبتم وبیت الله إن جدَّ ما أری

لتلتبسنْ أسیافُنا بالأماثلِ.8.

ص: 506


1- تاریخ الأمم والملوک : 2 / 344 ، مختصر تاریخ دمشق : 29 / 33 ، المستدرک علی الصحیحین : 2 / 679 ح 4243 ، البدایة والنهایة : 3 / 106 و 151 ، صفة الصفوة : 1 / 66 و 105 رقم 1 ، الفائق : 3 / 290 ، السیرة الحلبیّة : 1 / 353 ، فتح الباری : 7 / 194 ، شرح شواهد المغنی : 1 / 397 رقم 197 ، دلائل النبوّة : 2 / 350 ، أسنی المطالب : ص 19 و 38.

الأغانی (1) (17 / 28) ، طلبة الطالب (ص 38) نقلاً عن دلائل الإعجاز (2).

10 - أخرج الحافظ الکنجی فی الکفایة (3) (ص 68) : من طریق الحافظ ابن فنجویه عن ابن عبّاس فی حدیث مرفوعاً قال صلی الله علیه وآله وسلم لعلیّ : لو کنت مستخلفاً أحداً لم یکن أحد أحقّ منک لقدمتک فی الإسلام ، وقرابتک من رسول الله ، وصهرک وعندک فاطمة سیّدة نساء المؤمنین وقبل ذلک ما کان من بلاء أبی طالب ، إیای حین نزل القرآن وأنا حریص أن أرعی ذلک فی ولده بعده.

قال الأمینی : إنّ شیئاً من مضامین هذه الأحادیث لا یتّفق مع کفر أبی طالب ، فهو صلی الله علیه وآله وسلم لا یأمر خلیفته الإمام علیه السلام بتکفین کافر ولا تغسیله ، ولا یستغفر له ولا یترحّم علیه ، کما فی الحدیث الثانی ، ولا یُجزّیه خیراً کما فی الحدیث الثالث ، ولا یرجو له بعض الخیر - فضلاً عن کلّه - کما فی الحدیث الرابع ، ولا یستدرّ له الخیر کما فی حدیث الاستسقاء ، ولا یستغفر له کما فی الحدیث السادس ، ولا یحبّ عقیلاً لحبّه إیّاه ؛ فإنّ الکفر یزع المسلم عن بعض هذه ، فکیف بکلّها فضلاً عن نبیّ الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم؟ وهو الصادع بقول الله العزیز : (لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ کانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِیرَتَهُمْ) (4).

وقوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَعَدُوَّکُمْ أَوْلِیاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ کَفَرُوا بِما جاءَکُمْ مِنَ الْحَقِ) (5). 1.

ص: 507


1- الأغانی : 18 / 214.
2- دلائل الإعجاز : ص 15.
3- کفایة الطالب : ص 166. وانظر الدر المنثور : 8 / 661.
4- المجادلة : 22.
5- الممتحنة : 1.

وقوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَکُمْ وَإِخْوانَکُمْ أَوْلِیاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْکُفْرَ عَلَی الْإِیمانِ وَمَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (1).

وقوله تعالی : (وَلَوْ کانُوا یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِیِّ وَما أُنْزِلَ إِلَیْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِیاءَ) (2). إلی آیات أخری.

الکلم الطیّب :

أخرج تمام الرازی فی فوائده ؛ بإسنادهِ عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا کان یوم القیامة شفعت لأبی وأُمّی وعمّی أبی طالب وأخٍ لی کان فی الجاهلیّة».

ذخائر العقبی (ص 7) ، الدرج المنیفة للسیوطی (ص 7) ، مسالک الحنفا (ص 14) ، وقال فیه : أخرجه أبو نعیم وغیره وفیه التصریح بأنّ الأخ من الرضاعة ، فالطرق عدّة یشدّ بعضها بعضاً ؛ فإنّ الحدیث الضعیف یتقوّی بکثرة طرقه ، وأمثلها حدیث ابن مسعود فإنّ الحاکم صحّحه.

وفی تاریخ الیعقوبی (3) (2 / 26) روی عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال : «إنّ الله عزّ وجلّ وعدنی فی أربعة : فی أبی وأُمّی وعمّی وأخٍ کان لی فی الجاهلیّة».

أخرج ابن الجوزی بإسناده عن علیّ علیه السلام مرفوعاً : «هبط جبرئیل علیه السلام علیّ فقال : إنّ الله یقرئک السلام ویقول : حرِّمت النار علی صلب أنزلک ، وبطن حملک ، وحجر کفلک» ، أمّا الصلب فعبدالله ، وأمّا البطن فآمنة ، وأمّا الحجر فعمّه - یعنی أبا طالب - 5.

ص: 508


1- التوبة : 23.
2- المائدة : 81.
3- تاریخ الیعقوبی : 2 / 35.

وفاطمة بنت أسد. التعظیم والمنّة للحافظ السیوطی (ص 25).

وفی شرح ابن أبی الحدید (1) (3 / 311) : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «قال لی جبرائیل : إنّ الله مشفّعک فی ستّة : بطن حملتک آمنة بنت وهب ، وصلب أنزلک عبد الله ابن عبد المطّلب ، وحجر کفلک أبو طالب ، وبیت آواک عبد المطّلب ، وأخ کان لک فی الجاهلیّة» إلی آخرهِ.

رثاء أمیر المؤمنین والده العظیم :

ذکر سبط ابن الجوزی فی تذکرته (2) (ص 6) : أنّ علیّا علیه السلام قال فی رثاء أبی طالب :

أبا طالبٍ عصمةَ المستجیرِ

وغیثَ المحولِ ونور الظلَمْ

لقد هدَّ فقدُک أهل الحفاظِ

فصلّی علیک ولیُّ النعمْ

ولقّاک ربُّک رضوانه

فقد کنت للطهر من خیر عمْ

هذه الأبیات توجد فی دیوان أبی طالب أیضاً (ص 36) ، وذکرها أبو علیّ الموضح کما فی کتاب الحجّة (3) (ص 24) للسیّد فخار ابن معد المتوفّی (630) ، وقال ابن أبی الحدید : قال أیضاً :

أرقتُ لِطیرٍ آخرَ اللیلِ غرّدا

یذکّرنی شجواً عظیماً مجدَّدا

أبا طالبٍ مأوی الصعالیکِ ذا الندی

جواداً إذا ما أصدر الأمرَ أوردا

فأمستْ قریشٌ یفرحون بموتِهِ

ولست أری حیّا یکون مخلّدا

أرادوا أموراً زیّنتها حُلومُهم

ستوردُهم یوماً من الغیِّ موردا2.

ص: 509


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 67 کتاب 9.
2- تذکرة الخواص : ص 9.
3- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 122.

یُرجُّون تکذیبَ النبیِّ وقتلَهُ

وأن یُفتری قِدما علیه ویجحدا

کذبتمْ وبیتِ اللهِ حتی نذیقَکمْ

صدورَ العوالی والحسامَ المهنّدا

فإمّا تبیدونا وإمّا نبیدُکم

وإمّا تروا سلمَ العشیرةِ أرشدا

وإلاّ فإنَّ الحیَّ دون محمدٍ

بنی هاشم خیر البریّة محتدا (1)

هذه الأبیات توجد فی الدیوان المنسوب إلی مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام مع تغییر یسیر وزیادة وإلیک نصّها :

أرقت لنوح آخر اللیل غرّدا

یُذکّرنی شجواً عظیماً مجدَّداً

أبا طالب مأوی الصعالیک ذا الندی

وذا الحلم لا خُلفاً ولم یک قُعددا

أخا الملک خلّی ثلمةً سیسدّها

بنو هاشم أو یستباح فیهمدا

فأمست قریشٌ یفرحون بفقدِهِ

ولست أری حیّا لشیء مُخلّدا

أرادت أموراً زیّنتها حلومهم

ستوردهم یوماً من الغیِّ موردا

یُرجُّون تکذیبَ النبیِّ وقتلَه

وأن یفتروا بهتاً علیه ویُجحدا

کذبتم وبیتِ اللهِ حتی نذیقَکمْ

صدورَ العوالی والصفیحَ المهنّدا

ویبدوَ مِنّا منظرٌ ذو کریهةٍ

إذا ما تسربلنا الحدیدَ المسرَّدا

فإمّا تبیدونا وإمّا نبیدُکمْ

وإمّا تروا سلمَ العشیرةِ أرشدا

وإلاّ فإنَّ الحیَّ دون محمدٍ

بنو هاشم خیرُ البریّة محتدا

وإنَّ له فیکم من اللهِ ناصراً

ولست بلاقٍ صاحب الله أوحدا

نبیٌّ أتی من کلِّ وحیٍ بحظّهِ

فسمّاه ربِّی فی الکتاب محمدا

أغرُّ کضوء البدر صورة وجهه

جلا الغیمَ عنه ضوؤه فتوقّدا

أمینٌ علی ما استودع اللهُ قلبَه

وإن کان قولاً کان فیه مسدَّدا9.

ص: 510


1- هذه الأبیات لم نعثر علیها فی شرح ابن أبی الحدید ، وهی موجودة بتمامها فی تذکرة الخواص : ص 9.

کلمة الإمام السجّاد :

قال ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (3 / 312) : روی أنّ علیّ بن الحسین علیه السلام سئل عن هذا - یعنی عن إیمان أبی طالب - فقال : «وا عجبا إنّ الله تعالی نهی رسوله أن یقرّ مسلمة علی نکاح کافر وقد کانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلی الإسلام ولم تزل تحت أبی طالب حتی مات».

کلمة الإمام الباقر :

سُئل علیه السلام عمّا یقول الناس إنّ أبا طالب فی ضحضاح من نار فقال : «لو وضع إیمان أبی طالب فی کفّة میزان وإیمان هذا الخلق فی الکفّة الأخری لرجح إیمانه» ثمّ قال : «ألم تعلموا أنّ أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام کان یأمر أن یحجّ عن عبد الله وابنه (2) وأبی طالب فی حیاته ثمّ أوصی فی وصیّته بالحجّ عنهم».

شرح ابن أبی الحدید (3) (3 / 311).

کلمة الإمام الصادق :

روی عن أبی عبد الله جعفر بن محمد علیهما السلام أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «إنّ أصحاب الکهف أسرّوا الإیمان وأظهروا الکفر فآتاهم الله أجرهم مرّتین ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإیمان وأظهر الشرک فآتاه الله أجرهُ مرّتین». شرح ابن أبی الحدید (4) (3 / 312)

قال الأمینی : هذا الحدیث أخرجه ثقة الإسلام الکلینی فی أصول الکافی (5) 8.

ص: 511


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 69 و 68 کتاب 9.
2- کذا فی الطبعة التی اعتمدها العلاّمة رحمه الله من شرح النهج ، وفی الطبعة المحقّقه : وأبیه أبی طالب.
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 68 کتاب 9.
4- شرح نهج البلاغة : 14 / 70 کتاب 9.
5- أصول الکافی : 1 / 448 ح 28.

(ص 244) عن الإمام الصادق غیر مرفوع ولفظه : «إنّ مثل أبی طالب مثل أصحاب الکهف أسرّوا الإیمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرّتین».

وبلفظ ابن أبی الحدید ذکره السیّد ابن معد فی کتابه الحجّة (1) (ص 17) من طریق الحسین بن أحمد المالکی وزاد فیه : «وما خرج من الدنیا حتی أتته البشارة من الله تعالی بالجنّة».

کلمة الإمام الرضا :

کتب أبان بن محمود إلی علیّ بن موسی الرضا علیه السلام : جعلت فداک إنّی قد شککت فی إسلام أبی طالب.

فکتب إلیه : (وَمَنْ یُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ) (2). الآیة ، وبعدها «إنّک إن لم تقرّ بإیمان أبی طالب کان مصیرک إلی النار» شرح ابن أبی الحدید (3) 3 / 311.

قصاری القول فی سیّد الأبطح عند القوم :

إنّ کلاّ من هذه العقود الذهبیّة بمفرده کافٍ فی إثبات الغرض فکیف بمجموعها ، ومن المقطوع به أنّ الأئمّة من ولد أبی طالب علیه السلام أبصر الناس بحال أبیهم ، وأنّهم لم ینوّهوا إلاّ بمحض الحقیقة ، فإنّ العصمة فیهم رادعة عن غیر ذلک ، ولقد أجاد مفتی الشافعیّة بمکّة المکرّمة فی أسنی المطالب ، حیث قال (4) فی (ص 33):

هذا المسلک الذی سلکه العلاّمة السیّد محمد بن رسول البرزنجی فی نجاة أبی 0.

ص: 512


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 84.
2- النساء : 115.
3- شرح نهج البلاغة : 14 / 68 کتاب 9.
4- أسنی المطالب : ص 59 - 60.

طالب لم یسبقه إلیه أحد فجزاه الله أفضل الجزاء ، ومسلکه هذا الذی سلکه یرتضیه کلّ من کان متّصفاً بالإنصاف من أهل الإیمان ، لأنّه لیس فیه إبطال شیء من النصوص ولا تضعیف لها ، وغایة ما فیه أنّه حملها علی معانٍ مستحسنة یزول بها الإشکال ویرتفع الجدال ، ویحصل بذلک قرّة عین النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، والسلامة من الوقوع فی تنقیص أبی طالب أو بغضه ، فإنّ ذلک یؤذی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقد قال الله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً) (1) وقال تعالی : (وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (2).

وقد ذکر الإمام أحمد بن الحسین الموصلی الحنفی المشهور بابن وحشی فی شرحه علی الکتاب المسمّی بشهاب الأخبار للعلاّمة محمد بن سلامة القضاعی المتوفّی (454) : أنّ بغض أبی طالب کفر. ونصّ علی ذلک أیضاً من أئمّة المالکیّة العلاّمة علیّ الأجهوری فی فتاویه ، والتلمسانی فی حاشیته علی الشفاء ، فقال عند ذکر أبی طالب : لا ینبغی أن یذکر إلاّ بحمایة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لأنّه حماه ونصره بقوله وفعله ، وفی ذکره بمکروه أذیّة للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ومؤذی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کافر ، والکافر یقتل ، وقال أبو طاهر : من أبغض أبا طالب فهو کافر.

وممّا یؤیّد هذا التحقیق الذی حقّقه العلاّمة البرزنجی فی نجاة أبی طالب أنّ کثیراً من العلماء المحقّقین وکثیراً من الأولیاء العارفین أرباب الکشف قالوا بنجاة أبی طالب ، منهم : القرطبی والسبکی والشعرانی وخلائق کثیرون ، وقالوا : هذا الذی نعتقده وندین الله به ، وإن کان ثبوت ذلک عندهم بطریق غیر الطریق الذی سلکه البرزنجی ، فقد اتّفق معهم علی القول بنجاته ، فقول هؤلاء الأئمّة بنجاته أسلم للعبد عند الله تعالی لا سیّما مع قیام هذه الدلائل والبراهین التی أثبتها العلاّمة البرزنجی. انتهی.1.

ص: 513


1- الأحزاب : 57.
2- التوبة : 61.

وذکر السیّد زینی دحلان فی أسنی المطالب (1) (ص 43) قال : ولله درّ القائل :

قفا بمطلعِ سعدٍ عزّ نادیه

وأملیا شرحَ شوقی فی مغانیه

واستقبلا مطلعَ الأنوار فی أُفق ال

حجون واحترسا أن تبهرا فیه

مغنیً به وابلُ الرضوانِ منهمرٌ

ونائراتُ الهدی دلّت منادیه

قفا فذا بلبلُ الأفراحِ من طربٍ

یروی بدیعَ المعانی فی أمالیه

واستملیا لأحادیث العجائب عن

بحرٍ هناک بدیعٍ فی معانیه

حامی الذمارِ مجیر الجارِ من کرمت

منه السجابا فلم یفخرْ مباریه

عمّ النبیِّ الذی لم یُثنِهِ حسدٌ

عن نصرِه فتغالی فی مراضیه

هو الذی لم یزل حصناً لحضرته

موفَّقاً لرسول الله یحمیه

وکلُّ خیر ترجّاه النبیُّ له

وهو الذی قطُّ ما خابت أمانیه

فیا من أمَّ العلی فی الخالدات غدا

أغث لِلَهفانه واسعف منادیه

قد خصّک اللهُ بالمختارِ تکلؤه

وتستعزُّ به فخراً وتطریه

عُنیتَ بالحبِّ فی طه ففزت به

ومن ینل حبَّ طه فهو یکفیه

کم شمتَ آیاتِ صدقٍ یستضاء بها

وتملأُ القلبَ إیماناً وترویه

من الذی فاز فی الماضین أجمعِهمْ

بمثل ما فزت من طه وباریه

کفلتَ خیرَ الوری فی یتمِهِ شغفاً

وبتَّ بالروحِ والأبناءِ تفدیه

عضدته حین عادته عشیرتهُ

وکنت حائطَه من بغیِ شانیه

نصرتَ من لم یَشمَّ الکونُ رائحةَ ال

وجودِ لو لم یقدَّر کونُه فیه

إنَّ الذی قمتَ فی تأییدِ شوکتِه

هو الذی لم یکن شیءٌ یساویه

إنَّ الذی أنت قد أحببتَ طلعتَهُ

حبیبُ مَن کلُّ شیء فی أیادیه

لله درُّک من قنّاص فرصتِهِ

مذشمت برق الأمانی من نواحیه9.

ص: 514


1- أسنی المطالب : 77 - 79.

یهنیک فوزُکَ أن قدّمت منک یداً

إلی ملیٍّ وفیٍّ فی جوازیه

من یُسْدِ أحسنَ معروفٍ لأحسنِ من

جازی ینلْ فوق ما نالت أمانیه

ومن سعی لسعیدٍ فی مطالبِهِ

فهو الحریُّ بأن تحظی أمالیه

فیا سعید المساعی فی متاجره

قد جئتُ ربعَکَ أستهمی غوادیه

مستمطراً منک مزنَ الخیرِ معترفاً

بأنَّ غرسَ المنی یعنی بصافیه

إلی آخره.

ثمّ قال (1) فی (ص 44) وقیل أیضاً :

إنَّ القلوبَ لتبکی حین تسمعُ ما

أبدی أبو طالبٍ فی حقِّ من عظما

فإن یکن أجمعَ الأعلامُ أنَّ له

ناراً فلله کلُّ الکون یفعل ما (2)

أمّا إذا اختلفوا فالرأی أن نردا

موارداً یرتضیها عقلُ من سلما

نتابع المثبتی الإیمان من زمرٍ

فی معظم الدین تابعناهمُ فکما (3)

وهم عدولٌ خیارٌ فی مقاصدِهم

فلا نقل إنَّهم لن یبلغوا عظما

لا تزدریهم أتدری من همو فهمو

همو عری الدین قد أضحوا به زُعَما

هم السیوطیُ (4) والسبکیُّ مع نفرٍ

کعدّة النقبا حفّاظٍ اهل حمی

وأهل کشف وشعرانیُّهم وکذا

القرطبی والسحیمی الجمیع کما (5)ف)

ص: 515


1- أسنی المطالب : ص 81.
2- أی یفعل ما یشاء. (المؤلف)
3- أی کما تابعناهم فی معظم الدین نتابعهم فی هذا. (المؤلف)
4- للسیوطی کتاب : بغیة الطالب لإیمان أبی طالب وحسن خاتمته. توجد نسخته فی مکتبة (قوله) بمصر ضمن مجموعة رقم 16 ، وهی بخطّ السیّد محمود ، فرغ من الکتابة : سنة 1105. راجع الذریعة لشیخنا الطهرانی : 2 / 511. (المؤلف)
5- أی کما تری فی الوثاقة. (المؤلف)

- 4 -

ما أسنده إلیه من لاث به ونجع له

هؤلاء شیعة أهل البیت علیهم السلام لا یشکّ أحد منهم فی إیمان أبی طالب علیه السلام ویرونه فی أسمی مراقیه وعلی صهوته العلیا آخذین ذلک یداً عن ید حتی ینتهی الدور إلی الصحابة منهم والتابعین لهم بإحسان ، ومذعنین فی ذلک بنصوص أئمّتهم علیهم السلام بعد ما ثبت عن جدّهم الأقدس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال المعلّم الأکبر شیخنا المفید فی أوائل المقالات (1) (ص 45) : اتّفقت الإمامیّة علی أنّ آباء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من لدن آدم إلی عبد الله مؤمنون بالله موحّدون. إلی أن قال : وأجمعوا علی أنّ عمّه أبا طالب مات مؤمناً ، وأنّ آمنة بنت وهب کانت علی التوحید. إلخ.

وقال شیخ الطائفة أبو جعفر الطوسی فی التبیان (2) (2 / 398) : عن أبی عبد الله وأبی جعفر علیهما السلام أنّ أبا طالب کان مسلماً ، وعلیه إجماع الإمامیّة لا یختلفون فیه ، ولها علی ذلک أدلّة قاطعة موجبة للعلم.

وقال شیخنا الطبرسی فی مجمع البیان (3) (2 / 287) : قد ثبت إجماع أهل البیت علی إیمان أبی طالب وإجماعهم حجّة ؛ لأنّهم أحد الثقلین اللذین أمر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بالتمسّک بهما بقوله : «إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا».

وقال سیّدنا ابن معد الفخار : لقد کان یکفینا من الاستدلال علی إیمان أبی طالب علیه السلام إجماع أهل بیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلیهم أجمعین وعلماء شیعتهم علی إسلامه واتّفاقهم علی إیمانه ، ولو لم یرد عنه من الأفعال التی لا یفعلها إلاّ المؤمنون ،

ص: 516


1- أوائل المقالات : ص 51.
2- التبیان : 8 / 164.
3- مجمع البیان : 4 / 444.

والأقوال التی لا یقولها إلاّ المسلمون ، ما یشهد له بصحّة الإسلام وتحقیق الإیمان ، إذ کان إجماعهم حجّة یعتمد علیها ودلالة یصمد إلیها. کتاب الحجّة (1) (ص 13).

وقال شیخنا الفتّال فی روضة الواعظین (2) (ص 120) : اعلم أنّ الطائفة المحقّة قد أجمعت علی أنّ أبا طالب ، وعبد الله بن عبد المطّلب ، وآمنة بنت وهب ، کانوا مؤمنین وإجماعهم حجّة.

وقال سیّدنا الحجّة ابن طاووس فی الطرائف (3) (ص 84) : إنّنی وجدت علماء هذه العترة مجمعین علی إیمان أبی طالب. وقال (4) فی (ص 87) : لا ریب أنّ العترة أعرف بباطن أبی طالب من الأجانب ، وشیعة أهل البیت علیهم السلام مجمعون علی ذلک ، ولهم فیه مصنّفات ، وما رأینا ولا سمعنا أنّ مسلماً أُحوِجوا فیه إلی مثل ما أُحوِجوا فی إیمان أبی طالب ، والذی نعرفه منهم أنَّهم یثبتون إیمان الکافر بأدنی سبب ، وبأدنی خبر واحد وبالتلویح ، وقد بلغت عداوتهم لبنی هاشم إلی إنکار إیمان أبی طالب مع ثبوت ذلک علیه بالحجج الثواقب ، إنّ هذا من جملة العجائب.

وقال ابن أبی الحدید فی شرحه (5) (3 / 311) : اختلف الناس فی إیمان أبی طالب ؛ فقالت الإمامیّة وأکثر الزیدیّة : ما مات إلاّ مسلماً ، وقال بعض شیوخنا المعتزلة بذلک ؛ منهم الشیخ أبو القاسم البلخی وأبو جعفر الإسکافی وغیرهما.

وقال العلاّمة المجلسی فی البحار (6) (9 / 29) : قد أجمعت الشیعة علی إسلامه وأنّه4.

ص: 517


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 64.
2- روضة الواعظین : 1 / 138.
3- الطرائف : ص 298.
4- الطرائف : ص 306.
5- شرح نهج البلاغة : 14 / 65 کتاب 9.
6- بحار الأنوار : 35 / 138 ح 84.

قد آمن بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم فی أوّل الأمر ، ولم یعبد صنماً قطّ ، بل کان من أوصیاء إبراهیم علیه السلام واشتهر إسلامه من مذهب الشیعة حتی إنّ المخالفین کلّهم نسبوا ذلک إلیهم وتواترت الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة فی ذلک ، وصنّف کثیر من علمائنا ومحدّثینا کتاباً مفرداً (1) فی ذلک ، کما لا یخفی علی من تتبّع کتب الرجال.

ومستند هذا الإجماعات إنّما هو ما جاء به رجالات بیت الوحی فی سیّد الأبطح ، وإلیک أربعون حدیثاً :

1 - أخرج شیخنا أبو علی الفتّال وغیره عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : «نزل جبرئیل علیه السلام علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال : یا محمد إنّ ربّک یقرئک السلام ویقول : إنّی قد حرّمت النار علی صُلب أنزلک ، وبطن حملک ، وحجر کفلک. فالصُلب صُلب أبیه عبد الله بن عبد المطّلب ، والبطن الذی حملک آمنة بنت وهب ، وأمّا حجر کفلک فحجر أبی طالب». وزاد فی روایة : «وفاطمة بنت أسد» (2). روضة الواعظین (3) (ص 121).

راجع (4) الکافی لثقة الإسلام الکلینی (ص 242) ، معانی الأخبار للصدوق ، کتاب الحجّة للسید فخار بن معد (ص 8) ، ورواه شیخنا المفسِّر الکبیر أبو الفتوح الرازی فی تفسیره (4 / 210) ولفظه : «إنّ الله عزّ وجلّ حرّم علی النار صُلباً أنزلک ، وبطناً حملک ، وثدیاً أرضعک ، وحجراً کفلک».

2 - عن أمیر المؤمنین قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «هبط علیّ جبرئیل فقال لی : یا محمد إنّ الله عزّ وجلّ مشفّعک فی ستّة : بطن حملتک آمنة بنت وهب ، وصُلب

ص: 518


1- ستوافیک عدّة ممّن أفرد التألیف فی إیمان أبی طالب علیه السلام. (المؤلف)
2- راجع ما أسلفناه : ص 378. (المؤلف)
3- روضة الواعظین : 1 / 139.
4- أصول الکافی : 1 / 446 ح 21 ، معانی الأخبار : ص 136 ح 1 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 48 ، تفسیر أبو الفتوح الرازی : 8 / 470.

أنزلک عبد الله بن عبد المطّلب ، وحجر کفلک أبو طالب ، وبیت آواک عبد المطّلب ، وأخ کان لک فی الجاهلیّة ، وثدی أرضعک حلیمة بنت أبی ذؤیب».

رواه السید فخار بن معد فی کتاب الحجّة (1) (ص 8).

3 - روی شیخنا المعلّم الأکبر الشیخ المفید بإسناد یرفعه قال : لمّا مات أبو طالب أتی أمیر المؤمنین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فآذنه بموته فتوجّع توجّعاً عظیماً وحزن حزناً شدیداً ثمّ قال لأمیر المؤمنین علیه السلام : «امض یا علیّ فتولَّ أمره ، وتولَّ غسله وتحنیطه وتکفینه ، فإذا رفعته علی سریره فأعلمنی». ففعل ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام ، فلمّا رفعه علی السریر اعترضه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فرقّ وتحزّن ، وقال : «وصلتک رحم وجُزیت خیراً یا عمّ ، فلقد ربّیت وکفلت صغیراً ، ونصرت وآزرت کبیراً» ، ثمّ أقبل علی الناس وقال : «أمَ والله لأشفعنّ لعمّی شفاعة یعجب بها أهل الثقلین».

وفی لفظ شیخنا الصدوق : «یا عم کفلت یتیماً ، وربّیت صغیراً ، ونصرت کبیراً فجزاک الله عنّی خیراً» (2).

راجع (3) : تفسیر علی بن إبراهیم (ص 355) ، أمالی ابن بابویه الصدوق ، الفصول المختارة لسیدنا الشریف المرتضی (ص 80) ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب (ص 67) ، بحار الأنوار (9 / 15) ، الدرجات الرفیعة لسیّدنا الشیرازی ، ضیاء العالمین.

4 - عن العبّاس بن عبد المطّلب رضی الله عنه أنّه سأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : ما ترجو لأبی طالب؟ فقال : «کلّ الخیر أرجو من ربّی عزّ وجلّ».

ص: 519


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : 48.
2- راجع ما مرّ فی صفحة : 373. (المؤلف)
3- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمی : 1 / 380 ، الأمالی : ص 330 ، الفصول المختارة : ص 228 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 265 ، بحار الأنوار : 35 / 68 ، الدرجات الرفیعة : ص 61.

کتاب الحجّة (1) (ص 15) الدرجات الرفیعة (2). راجع ما أسلفناه (ص 373).

5 - عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال لعقیل بن أبی طالب : «أنا أحبّک یا عقیل حبّین : حبّا لک وحبّا لأبی طالب لأنّه کان یحبّک» (3).

علل الشرائع لشیخنا الصدوق. الحجّة (ص 34) ، بحار الأنوار (9 / 16) (4).

6 - عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : «لو قمت المقام المحمود لشفعت فی أبی وأمّی وعمّی وأخ [ کان ] (5) لی مواخیاً فی الجاهلیّة». تفسیر علی بن إبراهیم (ص 355 ، 490) ، تفسیر البرهان (6) (3 / 794). راجع ما أسلفناه فی صفحة (378).

7 - عن الإمام السبط الحسین بن علیّ عن والده أمیر المؤمنین أنّه کان جالساً فی الرحبة والناس حوله فقام إلیه رجل فقال له : یا أمیر المؤمنین إنّک بالمکان الذی أنزلک الله وأبوک معذّب فی النار ، فقال له : «مه فضّ الله فاک ، والذی بعث محمداً بالحقّ نبیّا لو شفع أبی فی کلّ مذنب علی وجه الأرض لشفّعه الله ، أبی معذّب فی النار وابنه قسیم الجنّة والنار؟ والذی بعث محمداً بالحقّ إنّ نور أبی طالب یوم القیامة لیطفئ أنوار الخلائق إلاّ خمسة أنوار : نور محمد ونور فاطمة ونور الحسن والحسین ونور ولده من الأئمّة ، ألا إنّ نوره من نورنا ، خلقه الله من قبل خلق آدم بألفی عام».

ص: 520


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 71.
2- الدرجات الرفیعة : ص 48.
3- راجع ما أسلفناه : ص 375. (المؤلف)
4- علل الشرائع : 1 / 162 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 179 ، بحار الأنوار : 35 / 75.
5- من المصدر.
6- تفسیر علی بن إبراهیم : 2 / 25 ، 142 ، تفسیر البرهان : 3 / 23.

المناقب المائة للشیخ أبی الحسن بن شاذان (1) ، کنز الفوائد للکراجکی (ص 80) ، أمالی ابن الشیخ (ص 192) ، احتجاج الطبرسی کما فی البحار ، تفسیر أبی الفتوح (4 / 211) ، الحجّة (ص 15) ، الدرجات الرفیعة ، بحار الأنوار (9 / 15) ، ضیاء العالمین ، تفسیر البرهان (3 / 794) (2).

8 - عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام إنّه قال : «والله ما عبد أبی ولا جدّی عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قطّ» : قیل له : فما کانوا یعبدون؟ قال : «کانوا یصلّون إلی البیت علی دین إبراهیم علیه السلام متمسّکین به».

رواه (3) شیخنا الصدوق باسناده فی کمال الدین (ص 104) ، والشیخ أبو الفتوح فی تفسیره (4 / 210) ، والسیّد فی البرهان (3 / 795).

9 - عن أبی الطفیل عامر بن واثلة قال : قال علیّ علیه السلام : «إنّ أبی حین حضره الموت شهده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأخبرنی عنه بشیء خیر لی من الدنیا وما فیها».

رواه بإسناده السیّد فخار بن معد فی کتاب الحجّة (4) (ص 23) ، وذکره الفتونی فی ضیاء العالمین.

10 - عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : «ما مات أبو طالب حتی أعطی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من نفسه الرضا» تفسیر علی بن إبراهیم (ص 355) ، کتاب الحجّة (ص 23) ، الدرجات

ص: 521


1- محمد بن أحمد القمّی الفامی أحد مشایخ شیخ الطائفة الطوسی والکراجکی والکتاب مخطوط موجود عندنا. (المؤلف)
2- المناقب المائة : ص 161 ، کنز الفوائد : 1 / 183 ، أمالی الطوسی : ص 305 ح 612 ، الاحتجاج : 1 / 546 ح 133 ، تفسیر أبی الفتوح : 8 / 471 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 72 ، الدرجات الرفیعة : ص 50 ، بحار الأنوار : 35 / 69 ، تفسیر البرهان : 3 / 231.
3- کمال الدین : ص 174 ، تفسیر أبی الفتوح : 8 / 470 ، تفسیر البرهان : 3 / 232.
4- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 112.

الرفیعة ، ضیاء العالمین (1).

11 - عن الشعبی یرفعه عن أمیر المؤمنین أنّه قال : کان والله أبو طالب عبد مناف بن عبد المطّلب مؤمناً مسلماً یکتم إیمانه مخافةً علی بنی هاشم أن تنابذها قریش. قال أبو علی الموضح : ولأمیر المؤمنین فی أبیه یرثیه :

أبا طالبٍ عصمةَ المستجیر

وغیثَ المحول ونور الظلمْ

لقد هدّ فقدُکَ أهلَ الحفاظِ

فصلّی علیک ولیّ النعمْ

ولقّاک ربُّکَ رضوانهُ

فقد کنت للمصطفی خیرَ عمّ (2)

کتاب الحجّة (3) (ص 24).

12 - عن الأصبغ بن نباته قال : سمعت أمیر المؤمنین علیّا علیه السلام یقول : مرّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بنفر من قریش وقد نحروا جزوراً وکانوا یسمّونها الفهیرة ویذبحونها علی النصف فلم یسلّم علیهم ، فلمّا انتهی إلی دار الندوة قالوا : یمرّ بنا یتیم أبی طالب فلا یسلّم علینا ، فأیّکم یأتیه فیفسد علیه مصلاّه؟ فقال عبد الله بن الزبعری السهمی : أنا أفعل ؛ فأخذ الفرث والدم ، فانتهی به إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وهو ساجد فملأ به ثیابه ومظاهره ، فانصرف النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حتی أتی عمّه أبا طالب فقال : «یا عمّ من أنا؟» فقال : وَلِمَ یا بن أخی؟ فقصّ علیه القصّة فقال : وأین ترکتهم؟ فقال : «بالأبطح» فنادی فی قومه : یا آل عبد المطّلب یا آل هاشم یا آل عبد مناف ، فأقبلوا إلیه من کلّ مکان ملبّین ، فقال : کم أنتم؟ قالوا : نحن أربعون ، قال : خذوا سلاحکم. فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتی انتهی إلی أولئک النفر ، فلمّا رأوه أرادوا أن یتفرّقوا ، فقال

ص: 522


1- تفسیر علی بن إبراهیم : 1 / 380 ، الحجة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 108.
2- راجع ما أسلفناه : ص 378. (المؤلف)
3- الحجة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 122.

لهم : وربّ هذه البنیّة لا یقومنّ منکم أحد إلاّ جللتهُ بالسیف. ثمّ أتی إلی صفاة کانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتی قطعها ثلاثة أفهار (1) ثمّ قال : یا محمد سألتنی من أنت؟ ثمّ أنشأ یقول ویومی بیده إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :

أنت النبیُّ محمدُ

قرمٌ أغرّ مسوَّدُ

إلی آخر ما مرَّ فی (ص 336) ثمّ قال : یا محمد أیُّهم الفاعل بک؟ فأشار النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلی عبد الله بن الزبعری السهمی الشاعر ، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتی أدماها. ثمّ أمر بالفرث والدم فأمرّ علی رءوس الملأ کلّهم ثمّ قال : یا بن أخ أرضیت؟ ثمّ قال : سألتنی من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله ، ثمّ نسّبه إلی آدم علیه السلام ثمّ قال : أنت والله أشرفهم حسباً ، وأرفعهم منصباً ، یا معشر قریش من شاء منکم أن یتحرّک فلیفعل ؛ أنا الذی تعرفونی (2).

رواه (3) السید ابن معد فی الحجّة (ص 106) ، وذکر لِدة هذه القضیّة الصفوری فی نزهة المجالس (2 / 122) وفی طبع (ص 91) ، وابن حجّة الحموی فی ثمرات الأوراق بهامش المستطرف (ص 2 / 3) نقلاً عن کتاب الأعلام للقرطبی.

13 - ذکر ابن فیّاض فی کتابه شرح الأخبار : أنّ علیّا علیه السلام قال فی حدیث له : إنّ أبا طالب هجم علیّ وعلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ونحن ساجدان فقال : أفعلتماها؟ ثمّ أخذ بیدی فقال : انظر کیف تنصره ، وجعل یرغّبنی فی ذلک ویحضّنی علیه. الحدیث.

راجع ضیاء العالمین لشیخنا أبی الحسن الشریف الفتونی.

ص: 523


1- ثلاثة أفهار : ثلاث قطع کلّ منها تملأ الکف. (المؤلف)
2- راجع ما أسلفناه : ص 359 ، ویأتی فی الجزء الثامن فی الآیات ما یؤیّد هذه القصّة. (المؤلف)
3- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 346 ، نزهة المجالس : 2 / 91 ، ثمرات الأوراق : ص 285.

14 - روی أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام قیل له : من کان آخر الأوصیاء قبل النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ؟ فقال : «أبی». ضیاء العالمین للفتونی.

15 - عن الإمام السجّاد زین العابدین علیّ بن الحسین بن علیّ علیهم السلام أنّه سُئل عن أبی طالب أکان مؤمناً؟ فقال علیه السلام : «نعم». فقیل له : إنّ هاهنا قوماً یزعمون أنّه کافر. فقال علیه السلام : «وا عجباً کلّ العجب أیطعنون علی أبی طالب أو علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وقد نهاه الله تعالی أن یقرّ مؤمنة مع کافر فی غیر آیة من القرآن ، ولا یشکّ أحد أنّ فاطمة بنت أسد رضی الله تعالی عنها من المؤمنات السابقات ، فإنّها لم تزل تحت أبی طالب حتی مات أبو طالب رضی الله عنه».

راجع (1) : ما مر (ص 380) ، وکتاب الحجّة (ص 24) ، والدرجات الرفیعة ، ضیاء العالمین فقال : قیل : إنّها متواترة عندنا.

16 - عن أبی بصیر لیث المرادی قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : سیّدی إنّ الناس یقولون : إنّ أبا طالب فی ضحضاح من نار یغلی منه دماغه. فقال علیه السلام : «کذبوا والله إنّ إیمان أبی طالب لو وُضع فی کفّة میزان وإیمان هذا الخلق فی کفّة میزان لرجح إیمان أبی طالب علی إیمانهم». إلی آخر ما مرّ (ص 380). رواه (2) السیّد فی کتاب الحجّة (ص 18) من طریق شیخ الطائفة عن الصدوق ، والسیّد الشیرازی فی الدرجات الرفیعة ، والفتونی فی ضیاء العالمین.

وروی السیّد ابن معد فی کتاب الحجّة (ص 27) من طریق آخر عن الإمام الباقر علیه السلام إنّه قال : مات أبو طالب بن عبد المطّلب مسلماً مؤمناً. إلی آخره.

17 - عن الإمام الصادق أبی عبد الله جعفر بن محمد علیهم السلام قال : «إنّ مثل أبی

ص: 524


1- الحجة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 123 ، الدرجات الرفیعة : ص 50.
2- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 85 ، الدرجات الرفیعة : ص 49.

طالب مثل أصحاب الکهف أسرّوا الإیمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرّتین».

راجع (1) : الکافی لثقة الإسلام الکلینی (ص 244) ، أمالی الصدوق (ص 366) ، روضة الواعظین (ص 121) ، کتاب الحجّة (ص 115) ، وفی (ص 17) ولفظه من طریق الحسین بن أحمد المالکی :

قال عبد الرحمن بن کثیر : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنّ الناس یزعمون أنّ أبا طالب فی ضحضاح من نار. فقال : «کذبوا ، ما بهذا نزل جبریل علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم» ، قلت : وبما نزل؟ قال : «أتی جبرائیل فی بعض ما کان علیه فقال : یا محمد إنّ ربّک یقرئک السلام ویقول لک : إنّ أصحاب الکهف أسرّوا الإیمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرّتین ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإیمان وأظهر الشرک فآتاه الله أجره مرّتین ، وما خرج من الدنیا حتی أتته البشارة من الله تعالی بالجنّة ، ثمّ قال : کیف یصفونه بهذا وقد نزل جبرائیل لیلة مات أبو طالب فقال : یا محمد اخرج من مکّة فما لک بها ناصر بعد أبی طالب؟».

وذکره (2) العلاّمة المجلسی فی البحار (9 / 24) والسیّد فی الدرجات الرفیعة ، والفتونی فی ضیاء العالمین ، وروی شیخنا أبو الفتوح الرازی هذا الحدیث فی تفسیره (4 / 212).

18 - أخرج ثقة الإسلام الکلینی فی الکافی (3) (ص 244) ؛ بالإسناد عن إسحاق بن جعفر عن أبیه علیه السلام قال : قیل له : إنّهم یزعمون أنّ أبا طالب کان کافراً ، فقال : «کذبوا ، کیف وهو یقول :

ص: 525


1- أصول الکافی : 1 / 448 ، أمالی الصدوق : 492 ، روضة الواعظین : 1 / 139 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 362 ، ص 83.
2- بحار الأنوار : 35 / 72 ، الدرجات الرفیعة : ص 49 ، تفسیر أبی الفتوح : 8 / 474.
3- أصول الکافی : 1 / 448.

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً

نبیّا کموسی خُطّ فی أوّل الکتب»

وذکره غیر واحد من أئمّة الحدیث فی تآلیفهم رضوان الله علیهم أجمیعن.

19 - أخرج ثقة الإسلام الکلینی فی أُصول الکافی (1) (244) ، عن الإمام الصادق قال : «کیف یکون أبو طالب کافراً وهو یقول :

لقد علموا أنَّ ابننا لا مکذّبٌ

لدینا ولا یعبا بقیل الأباطلِ

وأبیض یُستسقی الغمامُ بوجهِهِ

ثمالُ الیتامی عصمةٌ للأراملِ»

وذکره السیّد فی البرهان (2) (3 / 795) ، وکذلک غیر واحد من أعلام الطائفة أخذاً عن الکلینی.

20 - روی شیخنا أبو علی الفتّال فی روضة الواعظین (3) (ص 121) عن الإمام الصادق علیه السلام قال : لمّا حضر أبا طالب رضی الله عنه الوفاة جمع وجوه قریش فأوصاهم ، فقال : یا معشر قریش أنتم صفوة الله من خلقه ، وقلب العرب ، وأنتم خزنة الله فی أرضه وأهل حرمه ، فیکم السیّد المطاع ، الطویل الذراع ، وفیکم المقدام الشجاع ، الواسع الباع ، اعلموا أنّکم لم تترکوا للعرب فی المفاخر نصیباً إلاّ حزتموه ، ولا شرفاً إلاّ أدرکتموه ، فلکم علی الناس بذلک الفضیلة ، ولهم به إلیکم الوسیلة ، والناس لکم حرب إلی آخر ما مرّ فی (ص 366) من مواقف سیّدنا أبی طالب المشکورة المرویّة من طرق أهل السنّة ، وذکر هذه الوصیّة شیخنا العلاّمة المجلسی فی البحار (4) (9 / 23).

21 - حدّث شیخنا أبو جعفر الصدوق فی إکمال الدین (5) (ص 103) ، بالإسناد

ص: 526


1- أُصول الکافی : 1 / 449.
2- تفسیر البرهان : 3 / 231.
3- روضة الواعظین : 1 / 139.
4- بحار الأنوار : 35 / 106.
5- إکمال الدین : 1 / 174.

عن محمد بن مروان عن الإمام الصادق علیه السلام : «إنّ أبا طالب أظهر الکفر وأسرّ الإیمان ، فلمّا حضرته الوفاة أوحی الله عزّ وجلّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أخرج منها فلیس لک بها ناصر. فهاجر إلی المدینة».

وذکره سیّدنا الشریف المرتضی فی الفصول المختارة (1) (ص 80) فقال : هذا یبرهن عن إیمانه لتحقیقه بنصرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتقویة أمره.

وذیل الحدیث رواه السیّد الحجّة ابن معد فی کتابه الحجّة (2) (ص 30) وقال فی (ص 103) : لمّا قبض أبو طالب اتّفق المسلمون علی أنّ جبرئیل علیه السلام نزل علی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقال له : ربّک یقرئک السلام ویقول لک : إنّ قومک قد عوّلوا علی أن یُبیّتوک وقد مات ناصرک فاخرج عنهم. وأمره بالمهاجرة. فتأمّل إضافة الله تعالی أبا طالب رحمه الله إلی النبیّ علیه السلام وشهادته له أنّه ناصره ، فإنّ فی ذلک لأبی طالب أوفی فخر وأعظم منزلة ، وقریش رضیت من أبی طالب بکونه مخالطاً لهم مع ما سمعوا من شعره وتوحیده وتصدیقه للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ولم یمکنهم قتله والمنابذة له لأنّ قومه من بنی هاشم وإخوانهم من بنی المطّلب بن عبد مناف وأحلافهم وموالیهم وأتباعهم ، کافرهم ومؤمنهم کانوا معه ، ولو کان نابذ قومه لکانوا علیه کافّة ، ولذلک قال أبو لهب لمّا سمع قریشاً یتحدّثون فی شأنه ویفیضون فی أمره : دعوا عنکم هذا الشیخ فإنّه مغرم بابن أخیه ، والله لا یُقتل محمد حتی یُقتل أبو طالب ، ولا یقتل أبو طالب حتی تُقتل بنو هاشم کافّة ، ولا تُقتل بنو هاشم حتی تُقتل بنو عبد مناف ، ولا تقتل بنو عبد مناف حتی تُقتل أهل البطحاء ؛ فأمسکوا عنه وإلاّ ملنا معه. فخاف القوم أن یفعل فکفّوا. فلمّا بلغت أبا طالب مقالته طمع فی نصرته فقال یستعطفه ویرقّقه :

عجبت لحلمٍ یا بن شیبةَ حادثٍ

وأحلامُ أقوامٍ لدیک ضعافٌ

ص: 527


1- الفصول المختارة : ص 229.
2- الحجة علی الذاهب الی تکفیر أبی طالب : ص 84 ، ص 341.

إلی آخر أبیات ذکرها ابن أبی الحدید فی شرحه (1) (3 / 307) مع زیادة خمسة أبیات لم یذکرها السیّد فی الحجّة. وذکرها ابن الشجری فی حماسته (ص 16).

فقال السیّد : فلمّا أبطأ عنه ما أراد منه قال یستعطفه أیضاً :

وإنَّ امرأً من قومه أبو معتب

لفی منعة من أن یُسام المظالما

أقول له وأین منه نصیحتی

أبا معتب (2) ثبِّت سوادَک قائما

إلی أبیات خمسة. وقد ذکرها ابن هشام فی سیرته (3) (1 / 394) مع زیادة أربعة أبیات ، غیر أنّ البیت الأوّل فیه :

وإنَّ امرأً أبو عُتیبة عمُّه

لفی روضة ما إن یُسام المظالما

وذکرها (4) ابن أبی الحدید فی الشرح (3 / 307) ؛ وابن کثیر فی تاریخه (3 / 93).

22 - عن یونس بن نباتة عن الإمام الصادق علیه السلام قال : «یا یونس ما یقول الناس فی أبی طالب؟» قلت : جعلت فداک یقولون : هو فی ضحضاح من نار یغلی منها أُمّ رأسه فقال : «کذب أعداء الله ، إنّ أبا طالب من رفقاء النبیّین والصدّیقین والشهداء والصالحین وحسن أولئک رفیقا».

کنز الفوائد لشیخنا الکراجکی (ص 80) ، کتاب الحجّة (ص 17) ، ضیاء العالمین.

23 - روی الشریف الحجّة ابن معد فی کتابه الحجّة (5) (ص 22) من طریق

ص: 528


1- شرح نهج البلاغة : 14 / 57 کتاب 9 ، الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 342.
2- یعنی أبا لهب. (المؤلف)
3- السیرة النبویّة : 2 / 10.
4- شرح نهج البلاغة : 14 / 57 کتاب 9 ، البدایة والنهایة : 3 / 116.
5- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 104.

شیخنا أبی جعفر الصدوق عن داود الرقّی قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام ولی علی رجل دین وقد خفت تواه (1) فشکوت ذلک إلیه فقال علیه السلام : إذا مررت بمکّة فطف عن عبد المطّلب طوافاً وصلّ عنه رکعتین ، وطف عن أبی طالب طوافاً وصلّ عنه رکعتین ، وطف عن عبد الله طوافاً وصلّ عنه رکعتین ، وطف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها رکعتین ، وعن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلّ عنها رکعتین. ثمّ ادع الله عزّ وجلّ أن یردّ علیک مالک. قال : ففعلت ذلک ثمّ خرجت من باب الصفا فإذا غریمی واقف یقول : یا داود جئنی هناک فاقبض حقّک.

وذکره العلاّمة المجلسی فی البحار (2) (9 / 24).

24 - أخرج ثقة الإسلام الکلینی فی الکافی (3) (ص 244) ؛ بالإسناد عن الإمام الصادق علیه السلام قال : بینا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فی المسجد الحرام وعلیه ثیاب له جُدُد فألقی المشرکون علیه سلا (4) ناقة فملؤوا ثیابه بها فدخله من ذلک ما شاء الله ، فذهب إلی أبی طالب فقال له : «یا عمّ ، کیف تری حسبی فیکم؟» فقال له : وما ذاک یا ابن أخی؟ فأخبره الخبر ، فدعا أبو طالب حمزة وأخذ السیف وقال لحمزة : خذ السلا ثمّ توجّه إلی القوم والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم معه. فأتی قریشاً وهم حول الکعبة. فلمّا رأوه عرفوا الشرّ فی وجهه ثمّ قال لحمزة : أمرّ السلا علی أسبلتهم (5) ففعل ذلک حتی أتی علی آخرهم ثمّ التفت أبو طالب إلی النبیّ فقال : یا بن أخی هذا حسبک فینا.

وذکره جمع من الأعلام وأئمة الحدیث فی تآلیفهم.

ص: 529


1- التوی : الخسارة والضیاع.
2- بحار الأنوار : 35 / 112.
3- أصول الکافی : 1 / 449.
4- السلا : الجلدة التی یکون فیها الولد.
5- وفی بعض النسخ : سبالهم جمع السبلة : مقدّمة اللحیة وما علی الشارب من الشعر. (المؤلف)

25 - أخرج أبو الفرج الأصبهانی ؛ بإسناده عن الإمام الصادق علیه السلام قال : «کان أمیر المؤمنین علیه السلام یعجبه أن یروی شعر أبی طالب علیه السلام وأن یدوّن وقال : تعلّموه وعلّموه أولادکم فإنّه کان علی دین الله وفیه علم کثیر».

کتاب الحجّة (ص 25) ، بحار الأنوار (9 / 24) ، ضیاء العالمین للفتونی (1).

26 - روی شیخنا الصدوق فی أمالیه (2) (ص 304) ، بالإسناد عن الإمام الصادق علیه السلام قال : «أوّل جماعة کانت أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یصلّی وأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب معه ، إذ مرّ أبو طالب به وجعفر معه قال : یا بنیّ صلْ جناح ابن عمّک ، فلمّا أحسّه رسول الله تقدّمهما ، وانصرف أبو طالب مسروراً وهو یقول :

إنَّ علیّا وجعفراً ثقتی

عند ملمِّ الزمان والکربِ

إلی آخر أبیات مرّت صحیفة (356) وتأتی فی (ص 397) ، والحدیث رواه الشیخ أبو الفتوح فی تفسیره (3) (4 / 211).

27 - أخرج ثقة الإسلام الکلینی فی الکافی (4) (ص 242) ، بإسناده عن درست ابن أبی منصور ؛ أنّه سأل أبا الحسن الأوّل - الإمام الکاظم - علیه السلام : أکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم محجوجاً بأبی طالب؟ فقال : «لا ، ولکنّه کان مستودعاً للوصایا فدفعها إلیه» ، فقال : قلت : فدفع إلیه الوصایا علی أنّه محجوج به؟ فقال : «لو کان محجوجاً به ما دفع إلیه الوصیّة» ، قال : قلت : فما کان حال أبی طالب؟ قال : «أقرّ بالنبیّ وبما جاء به ودفع إلیه الوصایا ومات من یومه».

ص: 530


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 130 ، بحار الأنوار : 35 / 115.
2- أمالی الصدوق : ص 410.
3- تفسیر أبی الفتوح : 8 / 472.
4- أصول الکافی : 1 / 445.

قال الأمینی : هذه مرتبة فوق مرتبة الإیمان ، فإنّها مشفوعة بما سبق عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام تثبت لأبی طالب مرتبة الوصایة والحجّیة فی وقته فضلاً عن بسیط الإیمان ، وقد بلغ ذلک من الثبوت إلی حدّ ظنّ السائل أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان محجوجاً به قبل بعثته ، فنفی الإمام علیه السلام ذلک ، وأثبت ما ثبت له من الوصایة وأنّه کان خاضعاً للإبراهیمیّة الحنیفیّة ، ثمّ رضخ للمحمدیّة البیضاء ، فسلّم الوصایا للصادع بها ، وقد سبق إیمانه بالولایة العلویّة الناهض بها ولده البارّ صلوات الله وسلامه علیه.

28 - أخرج شیخنا أبو الفتح الکراجکی (1) (ص 80) ؛ بإسناده عن أبان بن محمد ، قال : کتبت إلی الإمام الرضا علیّ بن موسی الرضا علیهما السلام : جعلت فداک. إلی آخر ما مرّ فی (ص 381) (2).

وذکره (3) السیّد فی کتاب الحجّة (ص 16) ، والسیّد الشیرازی فی الدرجات الرفیعة ، والعلاّمة المجلسی فی بحار الأنوار (ص 33) ، وشیخنا الفتونی فی ضیاء العالمین.

29 - روی شیخنا المفسّر الکبیر أبو الفتوح فی تفسیره (4) (4 / 211) ؛ عن الإمام الرضا سلام الله علیه ، وقال : روی عن آبائه بعدّة طرق : أنّ نقش خاتم أبی طالب علیه السلام کان : رضیت بالله ربّا ، وبابن أخی محمد نبیّا ، وبابنی علیّ له وصیّاً.

ورواه (5) : السیّد الشیرازی فی الدرجات الرفیعة ، والإشکوری فی محبوب القلوب.

ص: 531


1- کنز الفوائد : 1 / 182.
2- مرّ ذکره هناک باسم أبان بن محمود کما فی شرح ابن أبی الحدید ، وفی کنز الفوائد : أبان بن محمد.
3- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 76 ، الدرجات الرفیعة : ص 50 ، بحار الأنوار : 35 / 110.
4- تفسیر أبی الفتوح : 8 / 471.
5- الدرجات الرفیعة : ص 60 ، محبوب القلوب : 2 / 319.

30 - أخرج الشیخ أبو جعفر الصدوق بإسناد له : أنّ عبد العظیم بن عبد الله العلوی الحسنی المدفون بالریّ کان مریضاً فکتب إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام : عرّفنی یا ابن رسول الله عن الخبر المرویّ أنّ أبا طالب فی ضحضاح من نار یغلی منه دماغه. فکتب إلیه الرضا علیه السلام :

«بسم الله الرحمن الرحیم ، أمّا بعد : فإنّک إن شککت فی إیمان أبی طالب کان مصیرک إلی النار».

کتاب الحجّة (1) (ص 16) ، ضیاء العالمین لأبی الحسن الشریف.

31 - أخرج شیخنا الفقیه أبو جعفر الصدوق ، بالإسناد عن الإمام الحسن بن علیّ العسکری ، عن آبائه علیهما السلام فی حدیث طویل : «إنّ الله تبارک وتعالی أوحی إلی رسوله صلی الله علیه وآله وسلم إنّی قد أیّدتک بشیعتین : شیعة تنصرک سرّا ، وشیعة تنصرک علانیة ؛ فأمّا التی تنصرک سرّا فسیّدهم وأفضلهم عمّک أبو طالب ، وأمّا التی تنصرک علانیة فسیّدهم وأفضلهم ابنه علیّ بن أبی طالب. ثمّ قال : وإنّ أبا طالب کمؤمن آل فرعون یکتم إیمانه».

کتاب الحجّة (2) (ص 115) : ضیاء العالمین لأبی الحسن الشریف.

32 - أخرج شیخنا الصدوق فی أمالیه (3) (ص 365) من طریق الأعمش عن عبد الله بن عبّاس عن أبیه قال : قال أبو طالب لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یا ابن أخی الله أرسلک؟ قال : «نعم». قال : فأرنی آیة. قال : ادع لی تلک الشجرة. فدعاها فأقبلت حتی سجدت بین یدیه ثمّ انصرفت ، فقال أبو طالب : أشهد أنّک صادق ، یا علیّ صل جناح ابن عمّک.

ص: 532


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 82.
2- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 362.
3- أمالی الصدوق : ص 491.

ورواه أبو علی الفتّال فی روضة الواعظین (1) (ص 121) ، ورواه السیّد ابن معد فی الحجّة (2) (ص 25) ولفظه : قال أبو طالب للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بمحضر من قریش لیریهم فضله : یا ابن أخی الله أرسلک؟ قال : نعم. قال : إنّ للأنبیاء معجزاً وخرق عادة فأرنا آیة قال : «ادع تلک الشجرة وقل لها : یقول لک محمد بن عبد الله : أقبلی بإذن الله». فدعاها فأقبلت حتی سجدت بین یدیه ثمّ أمرها بالانصراف فانصرفت ، فقال أبو طالب : أشهد أنّک صادق. ثمّ قال لابنه علیّ علیه السلام : یا بنیَّ الزم ابن عمّک.

وذکره غیر واحد من أعلام الطائفة.

33 - أخرج أبو جعفر الصدوق قدّس الله سرّه فی الأمالی (3) (ص 366) بإسناده عن سعید بن جبیر عن عبد الله بن عبّاس أنّه سأله رجل فقال له : یا بن عمّ رسول الله أخبرنی عن أبی طالب هل کان مسلماً؟ قال : وکیف لم یکن مسلماً وهو القائل :

وقد علموا أنَّ ابننا لا مکذّب

لدینا ولا یعبا بقیل الأباطلِ

إنّ أبا طالب کان مثله کمثل أصحاب الکهف حین أسرّوا الإیمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرّتین.

ورواه السیّد ابن معد فی الحجّة (4) (ص 94 ، 115) ، وذکره غیر واحد من أئمّة الحدیث.

34 - أخرج شیخنا أبو علی الفتّال النیسابوری فی روضة الواعظین (5)

ص: 533


1- روضة الواعظین : 1 / 139.
2- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 128.
3- أمالی الصدوق : ص 491.
4- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 319 - 322.
5- روضة الواعظین : 1 / 140.

(ص 123) عن ابن عبّاس قال : مرّ أبو طالب ومعه جعفر ابنه برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو فی المسجد الحرام یصلّی صلاة الظهر وعلیّ علیه السلام عن یمینه ، فقال أبو طالب لجعفر : صِل جناح ابن عمّک ، فتقدّم جعفر وتأخّر علیّ واصطفّا خلف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی قضی الصلاة ، وفی ذلک یقول أبو طالب :

إنَّ علیّا وجعفراً ثقتی

عند ملمِّ الزمان والنُّوَبِ (1)

أجعلهما عرضة العداء إذا

أُترک میتاً وأنتمی إلی حسبی

لا تخذلا وانصرا ابن عمّکما

أخی لأُمِّی من بینهم وأبی

والله لا أخذل النبیَّ ولا

یخذله من بنیَّ ذو حسبِ (2)

وأخرج سیّدنا ابن معد فی کتاب الحجّة (3) (ص 59) ، بإسناده عن عمران بن الحصین الخزاعی قال : کان والله إسلام جعفر بأمر أبیه ، ولذلک : مرّ أبو طالب ومعه ابنه جعفر برسول الله وهو یصلّی وعلیّ علیه السلام عن یمینه ، فقال أبو طالب لجعفر : صل جناح ابن عمّک فجاء جعفر فصلّی مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا قضی صلاته قال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «یا جعفر وصلت جناح ابن عمّک ، إنّ الله یعوّضک من ذلک جناحین تطیر بهمافی الجنّة». فأنشأ أبو طالب رضوان الله علیه یقول :

إنَّ علیّا وجعفراً ثقتی

عند ملمِّ الزمان والنوبِ

لا تخذلا وانصرا ابنَ عمّکما

أخی لأمّی من بینهم وأبی

إنَّ أبا معتب قد أسلمنا

لیس أبو معتب بذی حدبِ (4)

والله لا أخذل النبیَّ ولا

یخذله من بَنیَّ ذو حسبِ

ص: 534


1- وفی نسخة : عند احتدام الهموم والکربِ. (المؤلف)
2- راجع فیما أسلفناه : ص 394. (المؤلف)
3- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 249.
4- أبو معتب کنیة أبی لهب کما مرّ. ذی حدب : ذی تعطّف. (المؤلف)

حتی ترون الرؤوس طائحةً

منّا ومنکم هناک بالقضبِ

نحن وهذا النبیُّ أُسرته

نضرب عنه الأعداءَ کالشهبِ

إن نلتموه بکلِّ جمعکمُ

فنحن فی الناس ألأم العربِ

ورواه شیخنا أبو الفتح الکراجکی (1) بطریق آخر عن أبی ضوء بن صلصال قال : کنت أنصر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مع أبی طالب قبل إسلامی ، فإنّی یوماً لجالس بالقرب من منزل أبی طالب فی شدّة القیظ إذ خرج أبو طالب إلیّ شبیهاً بالملهوف ، فقال لی : یا أبا الغضنفر هل رأیت هذین الغلامین؟ یعنی النبیّ وعلیّا علیهما السلام فقلت : ما رأیتهما مُذ جلست ، فقال : قم بنا فی الطلب لهما فلست آمن قریشاً أن تکون اغتالتهما ، قال : فمضینا حتی خرجنا من أبیات مکّة ثمّ صرنا إلی جبل من جبالها فاسترقیناه إلی قلّته ، فإذا النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعلیّ عن یمینه وهما قائمان بإزاء عین الشمس یرکعان ویسجدان ، فقال أبو طالب لجعفر ابنه وکان معنا : صل جناح ابن عمّک. فقام إلی جنب علیّ فأحسّ بهما النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فتقدّمهما وأقبلوا علی أمرهم حتی فرغوا ممّا کانوا فیه ، ثمّ أقبلوا نحونا فرأیت السرور یتردّد فی وجه أبی طالب ثمّ انبعث یقول الأبیات.

35 - عن عکرمة عن ابن عبّاس قال : أخبرنی أبی أنّ أبا طالب رضی الله عنه شهد عند الموت أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله. ضیاء العالمین.

36 - فی تفسیر وکیع (2) من طریق أبی ذرّ الغفاری ؛ أنّه قال : والله الذی لا إله إلاّ هو ما مات أبو طالب رضی الله عنه حتی أسلم بلسان الحبشة ، قال لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أتفقه الحبشة؟ قال : یا عمّ إنّ الله علّمنی جمیع الکلام. قال : یا محمد اسدن لمصاقا قاطا لاها یعنی أشهد مخلصاً لا إله إلاّ الله ، فبکی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقال : إنّ الله أقرّ

ص: 535


1- کنز الفوائد : 1 / 181.
2- هو وکیع بن الجرّاح الرؤاسی ، توفی سنة 197 ه کان حافظاً للحدیث ، له عدة تصانیف ، منها : تفسیر القرآن ، والمعرفة ، والتاریخ.

عینی بأبی طالب. ضیاء العالمین لشیخنا أبی الحسن الشریف.

أحبّ سیّد الأبطح الشهادة بلغة الحبشة فی موقفه هذا بعد ما أکثرها بلغة الضاد وبغیرها ، کما فصّل القول فیها شیخنا الحجّة أبو الحسن الشریف الفتونی المتوفّی (1138) فی کتابه القیّم الضخم ضیاء العالمین ، وهو أثمن کتاب ألّف فی الإمامة.

37 - روی شیخنا أبو الحسن قطب الدین الراوندی فی کتابه الخرائج والجرائح (1) عن فاطمة بنت أسد أنّها قالت : لمّا توفّی عبد المطّلب أخذ أبو طالب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عنده لوصیّة أبیه به ، وکنت أخدمه ، وکان فی بستان دارنا نخلات ، وکان أوّل إدراک الرطب ، وکنت کلّ یوم ألتقط له حفنة من الرطب فما فوقها وکذلک جاریتی ، فاتّفق یوماً أن نسیت أن التقط له شیئاً ونسیت جاریتی أیضاً ، وکان محمد نائماً ودخل الصبیان وأخذوا کلّ ما سقط من الرطب وانصرفوا ، فنمت ووضعت الکمّ علی وجهی حیاءً من محمد صلی الله علیه وآله وسلم إذا انتبه ، فانتبه محمد صلی الله علیه وآله وسلم ودخل البستان فلم یر رطبةً علی وجه الأرض فأشار إلی نخلة وقال : أیّتها الشجرة أنا جائع. فرأیت النخلة قد وضعت أغصانها التی علیها الرطب حتی أکل منها ما أراد ثمّ ارتفعت إلی موضعها ، فتعجّبت من ذلک وکان أبو طالب رضی الله عنه غائباً ، فلمّا أتی وقرع الباب عدوت إلیه حافیة وفتحت الباب وحکیت له ما رأیت فقال هو : إنّما یکون نبیّا وأنت تلدین له وزیراً بعد یأس. فولدت علیّا علیه السلام کما قال.

38 - روی شیخنا الفقیه الأکبر ابن بابویه الصدوق فی أمالیه (2) (ص 158) ، بالإسناد عن أبی طالب سلام الله علیه قال : قال عبد المطّلب : بینا أنا نائمّ فی الحجر إذ رأیت رؤیا هالتنی فأتیت کاهنة قریش وعلیّ مطرف خزّ وجمّتی تضرب منکبی ، فلمّا نظرت إلیّ عرفت فی وجهی التغیّر ، فاستوت وأنا یومئذ سیّد قومی ، فقالت : ما شأن

ص: 536


1- الخرائج والجرائح : 1 / 138.
2- أمالی الصدوق : ص 216.

سیّد العرب متغیّر اللون؟ هل رابه من حدثان الدهر ریب؟ فقلت لها : بلی إنّی رأیت اللیلة وأنا نائم فی الحجر کأنّ شجرة قد نبتت علی ظهری قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها الشرق والغرب ، ورأیت نوراً یظهر منها أعظم من نور الشمس سبعین ضعفاً ، ورأیت العرب والعجم ساجدة لها ، وهی کلّ یوم تزداد عظماً ونوراً ، ورأیت رهطاً من قریش یریدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شابّ من أحسن الناس وجهاً وأنظفهم ثیاباً فیأخذهم ویکسر ظهورهم ویقلع أعینهم ، فرفعت یدی لأتناول غصناً من أغصانها فصاح بی الشابّ وقال : مهلاً لیس لک منها نصیب ، فقلت : لمن النصیب والشجرة منِّی؟ فقال : النصیب لهؤلاء الذین قد تعلّقوا بها وسیعود إلیها ، فانتبهت مذعوراً فزعاً متغیّر اللون ، فرأیت لون الکاهنة قد تغیّر ثمّ قالت : لئن صدقت لیخرجنّ من صُلبک ولد یملک الشرق والغرب وینبّأ فی الناس. فتسرّی عنّی غمّی ، فانظر أبا طالب لعلّک تکون أنت ، وکان أبو طالب یحدّث بهذا الحدیث والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قد خرج ویقول : کانت الشجرة والله أبا القاسم الأمین.

39 - قال السیّد الحجّة فی کتابه الحجّة (1) (ص 68) : ذکر الشریف النسّابة العلوی العمری المعروف بالموضّح ، بإسناده : أنّ أبا طالب لمّا مات لم تکن نزلت الصلاة علی الموتی ، فما صلّی النبیّ علیه ولا علی خدیجة ، وإنّما اجتازت جنازة أبی طالب والنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعلیّ وجعفر وحمزة جلوس ، فقاموا وشیّعوا جنازته واستغفروا له فقال قوم : نحن نستغفر لموتانا وأقاربنا المشرکین أیضاً ظنّا منهم أنّ أبا طالب مات مشرکاً لأنّه کان یکتم إیمانه ، فنفی الله عن أبی طالب الشرک ونزّه نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم والثلاثة المذکورین علیهم السلام عن الخطأ فی قوله : (ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَلَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی) (2) ، فمن قال بکفر أبی طالب فقد حکم علی النبیّ

ص: 537


1- الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب : ص 268.
2- التوبة : 113.

بالخطإ والله تعالی قد نزّهه عنه فی أقواله وأفعاله. إلی آخره.

وأخرج أبو الفرج الأصبهانی ؛ بالإسناد عن محمد بن حمید قال : حدّثنی أبی قال : سئل أبو الجهم بن حذیفة : أصلّی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم علی أبی طالب؟ فقال : وأین الصلاة یومئذ؟ إنّما فرضت الصلاة بعد موته ، ولقد حزن علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأمر علیّا بالقیام بأمره وحضر جنازته ، وشهد له العبّاس وأبو بکر بالإیمان وأشهد علی صدقهما لأنّه کان یکتم إیمانه ولو عاش إلی ظهور الإسلام لأظهر إیمانه.

40 - عن مقاتل : لمّا رأت قریش یعلو أمر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قالوا : لا نری محمداً یزداد إلاّ کبراً وإن هو إلاّ ساحر أو مجنون ، فتعاقدوا لئن مات أبو طالب رضی الله عنه لیجمعنّ القبائل کلّها علی قتله ، فبلغ ذلک أبا طالب فجمع بنی هاشم وأحلافهم من قریش فوصّاهم بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقال : ابن أخی کلّ ما یقول أخبرنا بذلک آباؤنا وعلماؤنا ، وإنّ محمداً نبیّ صادق ، وأمین ناطق ، وإنّ شأنه أعظم شأن ، ومکانه من ربّه أعلی مکان ، فأجیبوا دعوته واجتمعوا علی نصرته ، وراموا عدوّه من وراء حوضته ، فإنّه الشرف الباقی لکم طول الدهر ، ثمّ أنشأ یقول :

أُوصی بنصرِ النبیِّ الخیرِ مشهدهُ

علیّا ابنی وعمَّ الخیر عبّاسا

وحمزةَ الأسدَ المخشیَّ صولتهُ

وجعفراً أن یذودا دونه الناسا

وهاشماً کلّها أُوصی بنصرته

أن یأخذوا دون حربِ القومِ أمراسا (1)

کونوا فداءً لکم أُمّی وما ولدت

من دون أحمدَ عند الروعِ أتراسا

بکلِّ أبیضَ مصقولٍ عوارضُه

تخالهُ فی سوادِ اللیل مقباسا (2)

قال الأمینی : هذه جملة ممّا أوقفنا السیر علیه من أحادیث رواة الحقّ والحقیقة وصفحنا عمّا یربو علی الأربعین روماً للاختصار ، فأنت إذا أضفت إلیها ما أسلفناه ممّا

ص: 538


1- أمراس : جمع مرس ، وهو الحبل.
2- ضیاء العالمین لشیخنا الفتونی. (المؤلف)

یروی عن آل أبی طالب وذویه ، وأشفعتها بما مرّ من أحادیث مواقف سیّد الأباطح ، وجمعتها مع ما جاء من الشهادات الصریحة فی شعره تربو الأدلّة علی إیمانه الخالص وإسلامه القویم علی مائة دلیل ، فهل من مساغٍ لذی مسکة أن یصفح عن هذه کلّها؟ وکلّ واحد منها یحقّ أن یستند إلیه فی إسلام أیّ أحد ، نعم ، إنّ فی أبی طالب سرّا لا یثبت إیمانه بألف دلیل ، وإیمان غیره یثبت بقیل مجهول ودعوی مجرّدة! إقرأ واحکم.

وقد فصّل القول فی هذه الأدلة جمع من أعلام الطائفة ؛ کشیخنا العلاّمة الحجّة المجلسی فی بحار الأنوار (1) (9 / 14 - 33) ، وشیخنا العلم القدوة أبی الحسن الشریف الفتونی فی الجزء الثانی من کتابه القیّم الضخم ضیاء العالمین - والکتاب موجود عندنا - وهو أحسن ما کتب فی الموضوع ، کما أنّ ما ألّفه السید البرزنجی ولخّصه السید أحمد زینی دحلان أحسن ما ألّف فی الموضوع بقلم أعلام أهل السنّة ، وأفرد ذلک بالتألیف آخرون منهم :

1 - سعد بن عبد الله أبو القاسم الأشعری القمّی : المتوفی (299 ، 301) ، له کتاب فضل أبی طالب وعبد المطّلب وعبد الله أبی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم. رجال النجاشی (2) (ص 126).

2 - أبو علیّ الکوفی أحمد بن محمد بن عمار : المتوفّی (346) ، له کتاب إیمان أبی طالب کما فی فهرست الشیخ (ص 29) ، ورجال النجاشی (3) (ص 70).

3 - أبو محمد سهل بن أحمد بن عبد الله الدیباجی ، سمع منه التلعکبری سنة (370) له کتاب إیمان أبی طالب ، ذکره النجاشی فی فهرسته (4) (ص 133).

ص: 539


1- بحار الأنوار : 35 / 74 - 131.
2- رجال النجاشی : ص 177 رقم 467.
3- رجال النجاشی : ص 95 رقم 236.
4- رجال النجاشی : ص 186 رقم 493.

4 - أبو نعیم علیّ بن حمزة البصری التمیمی اللغوی : المتوفّی (375) ، له کتاب إیمان أبی طالب ، توجد نسخته عند شیخنا الحجّة میرزا محمد الطهرانی (1) فی سامرّاء المشرّفة ، نقل عنه بعض فصوله الحافظ ابن حجر فی الإصابة (2) فی ترجمة أبی طالب واتّهم مؤلّفه بالرفض.

5 - أبو سعید محمد بن أحمد بن الحسین الخزاعی النیسابوری جدّ المفسّر الکبیر الشیخ أبی الفتوح الخزاعی لأمّه ، له کتاب منی الطالب فی إیمان أبی طالب. رواه الشیخ منتجب الدین کما فی فهرسته (3) (ص 10) عن سبطه الشیخ أبی الفتوح عن أبیه عنه.

6 - أبو الحسن علیّ بن بلال بن أبی معاویة المهلّبی الأزدی ، له کتاب البیان عن خیرة الرحمن فی إیمان أبی طالب وآباء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ذکره له الشیخ فی فهرسته (ص 96) والنجاشی (4) (ص 188).

7 - أحمد بن القاسم ، له کتاب إیمان أبی طالب ، رآه النجاشی کما فی فهرسته (5) (ص 69) بخطّ الحسین بن عبید الله الغضائری.

8 - أبو الحسین أحمد بن محمد بن أحمد بن طرخان الکندی الجرجانی صدیق النجاشی : المتوفّی (450) ، ذکر له النجاشی فی فهرسته (6) (ص 63) کتاب إیمان أبی طالب.

ص: 540


1- توفّی قدّس الله سرّه وأبقی له آثاراً ومآثر تذکر مع الأبد وتشکر. (المؤلف)
2- الإصابة : 4 / 115 - 119 رقم 685.
3- فهرس منتجب الدین : ص 157.
4- رجال النجاشی : ص 265 رقم 690.
5- رجال النجاشی : ص 95 رقم 234.
6- رجال النجاشی : ص 87 رقم 210 وفیه : الجرجرانی.

9 - شیخنا الأکبر أبو عبد الله المفید محمد بن محمد بن النعمان : المتوفّی (413) له کتاب إیمان أبی طالب ، کما فی فهرست النجاشی (1) (ص 284).

10 - أبو علیّ شمس الدین السیّد فخار بن معد الموسوی : المتوفّی (630) ، له کتاب الحجّة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب ، قرّظه العلاّمة السیّد محمد صادق بحر العلوم بقوله :

بشراک فخار بما أولا

ک الخالق فی یوم المحشرْ

نزَّهت بحجّتک الغرّا

شیخَ البطحاء أبا حیدرْ

عمّا نسبوه إلیهِ من ال

کفرِ المردودِ دعاةُ الشرْ

أنّی وبه قامَ الإسلا

مُ فنال بعلیاه المفخرْ

قسماً بولاءِ أبی حسنٍ

لولاه الدینُ لما أزهرْ

فعلیه من الله الرضوا

نُ وللأعدا نارٌ تسعرْ

11 - سیّدنا الحجّة أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحسنی : المتوفّی (673) ، له کتاب إیمان أبی طالب ، ذکره فی کتابه بناء المقالة العلویّة لنقض الرسالة العثمانیّة ، وهو کتاب فی الإمامة ألّفه فی الردّ علی رسالة أبی عثمان الجاحظ.

12 - السید الحسین الطباطبائی الیزدی الحائری الشهیر بالواعظ : المتوفّی (1306) ، له کتاب منیة الطالب فی إیمان أبی طالب ، فارسی مطبوع.

13 - المفتی الشریف السیّد محمد عباس التستری الهندی : المتوفّی (1306) ، له کتاب بغیة الطالب فی إیمان أبی طالب ، أحد شعراء الغدیر ، تأتی ترجمته فی القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالی.

14 - شمس العلماء میرزا محمد حسین الکرکانی ، له کتاب مقصد الطالب فی

ص: 541


1- رجال النجاشی : ص 399 رقم 1067.

إیمان آباء النبیّ وعمّه أبی طالب ، فارسی طبع فی بمبی سنة (1311).

15 - الشیخ محمد علی بن میرزا جعفر علی الفصیح الهندی نزیل مکة المعظّمة ، له کتاب القول الواجب فی إیمان أبی طالب.

16 - شیخنا الحجّة الحاج میرزا محسن ابن العلاّمة الحجّة میرزا محمد التبریزی (1).

17 - السید محمد علی آل شرف الدین العاملی (2) ، له کتاب شیخ الأبطح أو أبو طالب ، طبع فی بغداد سنة (1349) فی (96) صفحة وقد جمع فیه فأوعی ، ولم یُبقِ فی القوس منزعاً.

18 - الشیخ میرزا نجم الدین ابن شیخنا الحجّة میرزا محمد الطهرانی ، له کتاب الشهاب الثاقب لرجم مکفّر أبی طالب.

19 - الشیخ جعفر بن الحاج محمد النقدی المرحوم ، له کتاب مواهب الواهب فی فضائل أبی طالب ، طبع فی النجف الأشرف سنة (1341) فی (154) صفحة ، فیه فوائد جمّة وطرائف ونوادر.

وقد نظم ذلک کثیرون من أعاظم الشیعة فی قریضهم ، وممّا یسعنا إثباته هاهنا قول السید أبی محمد عبد الله بن حمزة الحسنی الزیدی من قصیدة :

حماه أبونا أبو طالب

وأسلمَ والناسُ لم تسلم

وقد کان یکتمُ إیمانه

وأمّا الولاء فلم یکتم

ص: 542


1- له کتاب إیمان أبی طالب وأحواله وأشعاره. راجع الذریعة الی تصانیف الشیعة : 2 / 513 رقم 2015.
2- انتقل إلی دار البقاء سنة 1372 وأبقی لهفةً وجویً فی قلوب أُمّة کبیرة کانت تعرفه بفضائله وفواضله. (المؤلف)

وقول الشریف العلاّمة السیّد علی خان الشیرازی (1) فی الدرجات الرفیعة (2) :

أبو طالب عمُّ النبیّ محمدٍ

به قامَ أزرُ الدینِ واشتدَّ کاهله

ویکفیه فخراً فی المفاخرِ أنّه

موازرُه دون الأنامِ وکافلُه

لئن جهلت قومٌ عظیمَ مقامِهِ

فما ضرَّ ضوءَ الصبح من هو جاهله

ولولاه ما قامت لأحمدَ دعوةٌ

ولا انجاب لیلُ الغیِّ وانزاح باطله

أقرَّ بدین الله سرّا لحکمةٍ

فقال عدوُّ الحقِّ ما هو قائله

وما ذا علیه وهو فی الدین هضبةٌ

إذا عصفت من ذی العناد أباطله

وکیف یحلُّ الذمُّ ساحةَ ماجدٍ

أواخره محمودةٌ وأوائله

علیه سلامُ اللهِ ما ذرَّ شارقٌ

وما تلیت أحسابه وفضائله (3)

ومن قصیدة للشریف الأجلِّ سیّدنا آیة الله السیّد میرزا عبد الهادی الشیرازی (4) :

ولی ندحةٌ فی مدحة الندبِ والدِ ال

أئمّةِ أعدالِ الکتابِ أولی الأمرِ

هو العلم الهادی أزینُ بمدحِهِ

شعوری ویزهو فی مآثرِه شعری

أبو طالبِ حامی الحقیقةِ سیّدٌ

تُزانُ به البطحاءُ فی البرِّ والبحرِ

أبو طالبٍ والخیلُ واللیلُ واللوا

له شهدت فی ملتقی الحربِ بالنصرِ

أبو الأوصیاءِ الغرّ عمُّ محمدِ

تضوع به الأحسابُ عن طیِّب النجرِ

لقد عرفتْ منه الخطوبُ محنَّکاً

تدرّعَ یوم الزحفِ بالباس والحجرِ

کما عرفت منه الجدوبُ أخا ندیً

دُوین سداه الغمرِ ملتطمُ البحرِ

ص: 543


1- أحد شعراء الغدیر ، تأتی ترجمته إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- الدرجات الرفیعة : ص 62.
3- فی المصدر : وما تلیت أخباره.
4- أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره وترجمته فی شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالی. (المؤلف)

فذا واحدُ الدنیا وثانٍ له الحیا

وقل فی سناه ثالث الشمس والبدرِ

وأنّی یحیط الوصفُ غُرَّ خصالِهِ

وقد عجزت عن سردِها صاغة الشعرِ

حمی المصطفی فی باس ندب مدجّجٍ

تذلُّ له الأبطالُ فی موقف الکرِّ

فلولاه لم تنجح لطه دعایةٌ

ولا کان للإسلامِ مستوسقُ الأمرِ

وآمن باللهِ المهیمنِ والوری

لهم وثباتٌ من یعوقَ إلی نسرِ

وجابه أسرابَ الضلالِ مصدِّقاً

نبیُّ الهدی إذ جاء یصدع بالأمرِ

کفی مفخراً شیخَ الأباطح أنّه

أبو حیدرِ المندوبِ فی شدّة الضرِّ

وصلّی علیه اللهُ ما هبّتِ الصبا

بریّا ثنا شیخِ الأباطحِ فی الدهرِ

وقال العلاّمة الحجّة شیخنا الأوردبادی (1) :

بشیخِ الأبطحین فشا الصلاحُ

وفی أنوارِه زهتِ البطاحُ

براهُ اللهُ للتوحیدِ عضباً

یلینُ به من الشرکِ الجماحُ

وعمّ المصطفی لولاه أضحی

حمی الإسلام نهباً یستباحُ

نضا للدین منه صفیحَ عزمٍ

عنت لمضائِهِ القضُبُ الصفاحُ

وأشرع للهدی بأساً مریعاً

تحطَّم دونه السمرُ الرماحُ

وأصحرَ بالحقیقةِ فی قریضٍ

علیه الحقُّ یطفحُ والصلاحُ

صریخةُ هاشمٍ فی الخطبِ لکن

تزمّ لنیلِهِ الإبلُ الطلاحُ (2)

أخو الشرفِ الصراحِ أقام أمراً

حداه لمثلِهِ الشرفُ الصراحُ

فلا عابٌ (3) یدنِّسه ولکن

غرائز ما برحن به سجاحُ

فعلمٌ زانه خلقٌ کریمٌ

ودینٌ فیه مشفوعٌ سماحُ

ومنه الغیث إمّا عمَّ جدب

وفیه الغوث إن عنّ الصیاحُب.

ص: 544


1- من شعراء الغدیر ، یأتی ذکره فی شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- الطلاح : جمع الطلیحة وهی الناقة المتعبة.
3- العاب : الوصمة والعیب.

مناقبُ أعیتِ البلغاءَ مدحاً

وتنفدُ دونها الکَلِمُ الفِصاحُ

وصفو القولِ أنَّ أبا علیٍ

له الدینُ الأصیلُ ولا براحُ

ولکن لابنه نصبوا عداءً

وما عن حیدرٍ فضلٌ یزاحُ

فنالوا من أبیه وما المعالی

لکلِّ محاولٍ قصداً تُباحُ

وضوءُ البدرِ أبلجُ لا یواری

وإن یکُ حولَه کَثُر النباحُ

وهبنی قلت إنَّ الصبح لیلٌ

فهل یخفی لذی العینِ الصباحُ

فدع بمتاهةِ التضلیلِ قوماً

بمرتبکِ الهوی لهمُ التیاحُ

فذا شیخُ الأباطحِ فی هداه

تصافقه الإمامةُ والنجاحُ

أبو الصِّیدِ الأکارمِ من لؤیٍ

مقادیمٌ جحاجحةٌ وِضاحُ

لهم کأبیهمُ إن جال سهمٌ

لأهلِ الفضلِ فائزةٌ قداحُ

وقال العلاّمة الأوحد الشیخ محمد تقی صادق العاملی من قصیدة یمدح بها أهل البیت علیهم السلام :

بسیف علیٍّ قد أُشیدت صروحُه

کما بأبیهِ قامَ قدماً بناؤه

أبو طالبٍ أصلُ المعالی ورمزُها

ومبدأ عنوانِ الهدی وانتهاؤه

توحَّد فی جمعِ الفضائلِ والنهی

وضمَّ جمیع المکرماتِ رداؤه

وتنحطُّ عنه رفعةً هامة السُّها (1)

ویأرج فی عَرفِ الخزامی ثناؤه

حمی الخائفِ اللاجی ومربعُ أمنِهِ

وکعبةُ قصدِ المرتجی وغَناؤه

تحلّق فی جمعِ المکارمِ نفسه

ویسمو به للنیِّرین إباؤه

أصاخ إلی الدین الحنیف ملبِّیاً

لدعوته لمّا أتاه نداؤه

وباع بإعزاز الشریعةِ نفسَه

فبورک قدراً بیعُه وشراؤهء.

ص: 545


1- السُّها : کویکب صغیر خفیّ الضوء.

وقال العلاّمة الشریف المبجّل السید علی النقی اللکهنوی (1) :

زهت أُمُّ القری بأبی الوصیِ

غداةَ غدا یذود عن النبیِ

وقام بنصرةِ الإسلامِ فرداً

یراغم کلَّ مختالٍ غویِ

یذبُّ عن الهدی کیدَ الأعادی

بأمضی من ذبابِ المشرفیِ (2)

وأبصر رشده من دین طه

فجاهر فیه بالسرِّ الخفیِ

وآمن بالإلهِ الحقِّ صدقاً

بقلبِ موحِّدٍ بَرٍّ تقیِ

بنی للسؤددِ العربیِّ صرحاً

محاطاً بالفخارِ الهاشمیِ

تلقّی الرشدَ عن آباءِ صدقٍ

توارثُه صفیّا عن صفیِ

کأنَّ الأمّهاتِ لهم أبت أن

تلدن سوی نبیّ أو وصیِ

فکان علی الهدی کأبیه قِدماً

ولم یبرحْ علی النهجِ السویِ

وکان به رواءُ الشرعِ بدءاً

وتمَّ بنجله الزاکی علیِ

وقال العلاّمة الفاضل الشیخ محمد السماوی (3) من قصیدة نشرت فی آخر کتاب الحجّة (ص 135) مطلعها :

فؤادیَ بالغادةِ الکاعبِ

غدا کُرةً فی یدی لاعبِ

کأنّی بدائرةٍ من هوی

فمن طالعٍ لی ومن غاربِ

بلیتُ بمن ضربتْ خدرَها

بمنقطعِ النظر الصائبِ

بحیث الصفاحُ وحیث الرما

حُ فمن مشرفیٍّ إلی راغبی

لها منعةٌ فی ذری قومها

کأنَّ أباها أبو طالبِ

فخارُ الأبیِّ وعمُّ النبیِ

وشیخُ الأباطحِ من غالبِ

ص: 546


1- أحد شعراء الغدیر ، یأتی فی شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالی. (المؤلف)
2- ذباب المشرفی : حدّ السیف.
3- أحد شعراء الغدیر ، یأتی ذکره إن شاء الله. توفّی فی یوم الأحد 2 محرّم سنة 1370. (المؤلف)

أمنعُ لا یرتقی أجدلٌ

إلی ذروةٍ منه أو غاربِ

إذا الرافع الطرف یرنو له

یعودُ بتنحیةِ الناصبِ

تهلّل طلعتُه للعیو

نِ کما جرّد الغمدُ عن قاضبِ

أقام عمادَ العلی سامکاً

بأربعةٍ کالسنا الثاقبِ

بمثل علیٍّ إلی جعفرٍ

ومثلِ عقیلٍ إلی طالبِ

أولئک لا زمعاتُ الرجا

لِ من قالصِ الذیلِ أو ساحبِ

ومن ذا کعبد منافٍ یطو

ل علی راجلٍ ثمّ أو راکبِ

حمی الدین فی سیفِهِ فانبری

بمکّة ممتنعَ الجانبِ

وآمن باللهِ فی سرِّه

لأمرٍ جلیٍّ علی الطالبِ

وصدَّق أحمدَ فی وحیه

وقام بما کان من واجبِ

فکم بین مخفٍ لتصدیقه

وآخر مبدٍ له کاذبِ

لَنعم ملاذُ الهدی والتقی

ومنتجعُ الوافدِ الراغبِ

ومعتصمُ الدینِ فی مکّة

إذ الدینُ منفردُ الصاحبِ

ومانح حوزةِ أهلِ الهدی

مدی العمرِ من وثبةِ الواثبِ

فلولاه ما طفقَ المصطفی

ینادی علی المنهجِ اللاحبِ

ولم یعب الشرک مستظهراً

بیومٍ یضیق علی العائبِ

وللبحّاثة الفاضل صاحب التآلیف القیّمة الشیخ جعفر ابن الحاج محمد النقدی (1) من قصیدة ذکرها فی کتابه مواهب الواهب فی فضائل أبی طالب (2). المطبوع فی النجف الأشرف فی (154) صفحة مطلعها :

ص: 547


1- من شعراء الغدیر ، یأتی تفصیل ترجمته فی شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله. ارتحل إلی رحمة ربّه الودود یوم السبت 8 محرّم 1369 بالکاظمیة ، ونقل جثمانه إلی النجف الأشرف. (المؤلف)
2- مواهب الواهب فی فضائل أبی طالب : ص 293.

برقُ ابتسامِک قد أضاء الوادی

وحیا خدودِک فیه ریُّ الصادی

قوله :

مهما تراکمتِ الخطوب فإنّها

تجلی متی بأبی الوصیّ أنادی

عبد المناف الطُهر عمُّ محمدٍ

الطاهرُ الآباءِ والأجدادِ

غیثُ المکارمِ لیثُ کلّ ملمّةٍ

غوثُ المنادی بدرُ أفق النادِ

شیخُ الأباطحِ من بصارِم عزمِهِ

بلغَ الأنامُ لخطّةِ الإرشادِ

دانت لدیه المکرماتُ رقابُها

وإلیه ألقی الدهرُ فضلَ قِیادِ

جدُّ الأئمّةِ شیخُ أُمّةِ أحمدٍ

ربعُ الأمانی مربعُ الوفّادِ

سیفٌ له المجدُ الأثیلُ حمائلٌ

وله الفخارُ غدا حلیَّ نجادِ

داعی الوری للرشد فی عصرٍ به

لا یعرفون الناس نهجَ رشادِ

وله قریشٌ کم رأت من معجزٍ

عرفوه فیه واحد الآحادِ

کرضاعِهِ خیرَ البریّة أحمداً (1)

وقبول دعوته لسقی الوادی (2)

وبشارة الأسدِ الهصورِ بنجلِه

وشفائِه بدعا النبیّ الهادی (3)

وکلامه بالوحی قبل صدورِه

وله انفجارُ الأرض إذ هو صادی

وبیومِ مولدِ أحمدٍ إخبارُه

عن حیدرِ الکرّارِ بالمیلادِ (4)

وله علی الإسلام من سننٍ غدت

للمسلمین قلائدَ الأجیادِ

کفلَ النبیّ المصطفی خیرَ الوری

ورعی الحقوقَ له بصدقِ ودادِ

ربّاه طفلاً واقتفاهُ یافعاً

وحماه کهلاً من أذی الأضدادِ

ص: 548


1- أخرج حدیث هذه المکرمة شیخنا ثقة الإسلام الکلینی فی أصول الکافی : ص 344 [ 1 / 448 ]. (المؤلف)
2- راجع ما أسلفناه صفحة : 345. (المؤلف)
3- یوجد حدیثه فی غیر واحد من کتب الفریقین. (المؤلف)
4- راجع ما مرّ فی صفحة : 347 ، 398. (المؤلف)

ولأجله عادی قریشاً بعد ما

سلکوا سبیل الغیّ والإفسادِ

ورآهمُ متعاضدین لیقتلوا

خیرَ البریّةِ سیّدَ الأمجادِ

فسطا بعزمٍ ناله من معشرٍ

شمِّ الأُنوفِ مصالتٍ أنجادِ

وانصاع یفدی أحمداً فی نفسِهِ

والجاهِ والأموالِ والأولادِ

وأقامَ ینصرُه إلی أن أصبحتْ

تزهو شریعتُه بکلّ بلادِ

أفدیه من صادٍ لواءً للهدی

یحمی لأفصح ناطق بالضادِ

قد کان یعلم أنَّه المختار من

ربِّ السماء عمید کلِّ عمادِ

ولقد روی عن أنبیاء جدودِه

فیه حدیثاً واضح الإسنادِ

وعلا به عیناً علی کلّ الوری

إذ قال فیه بمطرب الإنشادِ

إنَّ ابن آمنة النبیّ محمداً

عندی یفوق منازل الأولادِ (1)

راعیت فیه قرابةً موصولةً

وحفظتُ فیه وصیّةَ الأجداد

یا والد الکرّارِ والطیّارِ وال

أطهارِ أبناءِ النبیّ الهادی

کم معجزٍ أبصرته من أحمدٍ

باهلت فیه معاشر الحسّادِ

من لصق أحجارٍ ومزق صحیفةٍ

ونزول أمطارٍ ونطق جمادِ (2)

لا فخر إلاّ فخرُک السامی الذیّ

فقئت به أبصارُ أهل عنادِ

إنَّ المکارم لو رأت أجسادَها

عین رأتک الروح للأجسادِ

شکر الإلهُ فعالَکَ الغرَّ التی

فرحت بها أملاکُ سبعِ شدادِ

لله همّتُک التی خضعت لها

من خوفِ بأسِک شامخ الأطوادِ

لله هیبتک التی رجفت بها

أعداء مجدک عصبة الإلحادِ

لله کفّک کم بها من معدمٍ

أحییت فی الإصدارِ والإیرادِ

إلی آخره.ف)

ص: 549


1- راجع ما أسلفناه : ص 343. (المؤلف)
2- أشار شاعرنا النقدی بهذا البیت إلی أربع مکرمات لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم شاهدها شیخ الأبطح أبو طالب ، مرّ حدیثها صفحة : 336 ، 362 ، 375 ، 396. (المؤلف)

وله قصیدة (43) بیتاً یمدح بها شیخ الأباطح أبا طالب سلام الله علیه توجد فی الواهب (1) (ص 151) مستهلها :

بالله یا قاصد الأطلال فی العَلَم

سلمتَ سلّمْ علی سلمی بذی سَلَمِ

هاهنا نجعجع بالقلم عن الافاضة فی القول لأنّ نطاق الجزء

ضاق عن التبسّط فنرجئ تکملة البحث إلی اولیات

الجزء الثامن إن شاء الله تعالی

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین

ص: 550


1- مواهب الواهب : ص 296.

محتویات الکتاب

شعراء الغدیر فی القرن التاسع

7 - 89

ابن العرندس الحلّی................................................. 35 - 11

ما یتبع الشعر............................................................ 18

الشاعر.................................................................. 24

ابن داغر الحلّی..................................................... 37 - 47

الشاعر.................................................................. 41

الحافظ البرسی الحلّی................................................ 49 - 89

الشاعر.................................................................. 50

تألیفه القیّمة.............................................................. 54

شعره الوائق.............................................................. 55

المغالاة فی الفضائل.................................................. 91 - 69

الغلّو فی ابی بکر.................................................. 97 - 319

مقاطع من الخطبة الشقشقیة.............................................. 107

کلمتنا حول هذه الخطبة.............................................. 109

فضائله المأثورة.......................................................... 117

ملکاته ونفسیّاته........................................................ 127

الخلیفة فی الاسلام....................................................... 138

الکسلالة............................................................... 140

تقدم الخلیفة فی السنّة.................................................... 145

غایة جهد الباحث من علم الخلیفة بالسّنة................................. 155

1 - رأی الخلیفة فی الجدّه............................................ 163

رأی الخلیفة فی الجدّتین............................................... 164

رأی الخلیفة فی قطع السارق........................................... 177

رأی الخلیفة فی الجدّ.................................................. 177

5 - رأی الخلیفة فی تولیة المفضول....................................... 179

الخلاقة عند القوم..................................................... 185

کلمة الباقّلانی....................................................... 185

کلمة التفتازانی....................................................... 189

کلمة القاضی الایجی................................................. 190

کلمة الب الثناء...................................................... 191

ما تتعقد به الامامة...................................................... 192

کلمة الماوردی....................................................... 193

کلمة الجوینی........................................................ 194

کلمة القرطبی........................................................ 194

رأی الخلیفة الثانی فی الخلافة........................................... 195

نظرة فی الخلافة التی جاء بهاء القوم....................................... 197

رأی ا لخلیفة فی القدر................................................ 207

ترک الخلیفة الضحیّة مخافة ان تستن..................................... 210

ردّة بنی سلیم........................................................ 210

حرق الخلیفة الفجاءة................................................. 212

10 - رای الخلیفة قصة مالک........................................... 214

نظرة فی القضیة...................................................... 218

الناحیة الاولی........................................................ 218

الناحیة الثانیة......................................................... 224

ثلاثة وثلاثة وثلاثة................................................... 229

الثلاثة الاولی......................................................... 230

الثلاثة الوسطی....................................................... 235

الثلاثة الاخر......................................................... 237

تحفظ علی کرامة..................................................... 240

سؤال یهودی ابابکر.................................................. 241

وقد النصاری واسئلتهم............................................... 242

علم معی الی الغلو...................................................... 245

مظاهر علم الخلیفة...................................................... 249

المظهر الاول......................................................... 249

المظهر الثانی......................................................... 250

المظهر الثالث........................................................ 252

المظهر الرابع......................................................... 275

لفت نظر............................................................ 263

التمسّک بالافائک....................................................... 267

شجاعة الخلیفة......................................................... 270

حجاج بالعریش........................................................ 279

الغریق یتشبث بکلّ حشیش.............................................. 287

ثبات الخلیفة علی المبدأ.................................................. 291

تهالک الخلیفة فی العبادة.................................................. 294

تبرّز الخلیفة فی الأخلاق................................................. 299

إعتذار الخلیفة الی الصدیقة............................................... 306

نظرة فی کلمة قارصة................................................... 310

أحادیث الغلو أو قصص الخرافة................................. 320 - 444

1 - الشمس علی العجلة............................................... 320

التوسل بلحیة أبی بکر................................................ 323

شهادة أبی بکر وجبرئیل.............................................. 329

خاتم النبی وسجلة.................................................... 329

5 - غرض جنّة أبی بکر................................................ 324

الله یستحبی من أبی بکر............................................... 324

کرامة دفن أبی بکر................................................... 335

جبرئیل یسجد مهابة من أبی بکر...................................... 338

قصة فیها کرامة لأبی بکر............................................. 341

10 - أبو بکر شیخ یعرف والنبی شاب لایعرف.......................... 346

الانصار فی البیعتین................................................... 352

نبا الهجرة........................................................... 357

أبوبکر أسن من النبی................................................. 362

إسلام أبی بکر قبل ولادة علیّ......................................... 364

رجال الروایة........................................................ 370

نظرة فی حدیث کعب................................................ 374

أبوبکر أسنّ أصحاب النبیّ............................................ 377

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 384

رجال الروایة........................................................ 384

15 - توسّل الشمس بأبی بکر.......................................... 387

وهنا أسئلة جمسة..................................................... 387

کلبة من الجن مأمورة................................................. 388

هبة أبی بکر لمحبیه................................................... 391

أبو بکر فی قاب قوسین............................................... 394

الدین وسمعه وبصره.................................................. 395

20 - أبوبکر ومنزلته عندالله............................................ 398

النبی مؤید بالشیخین.................................................. 401

الاشباح الخمسة من ذریّة آدم......................................... 403

أبوبکر خیر أهل السموات والأرض.................................... 410

ثواب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر.......................... 412

25 - الحبّ والشکر الواجبان علی الأمّة................................. 413

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 414

رجال إسناده........................................................ 414

ما أسلم أبو مهاجر إلّا أبو أبی بکر..................................... 417

إسلام والدی أبی بکر................................................. 421

القسم الأوّل......................................................... 421

رجال الإسناد........................................................ 428

القسم الثانی......................................................... 431

إسلام أمّ أبّی بکر.................................................... 434

28 - أبوبکرو أبواه فی القرآن........................................ 440

إیمان أبی طالب وسیرته.......................................... 444 - 550

الغایة للقالة............................................................. 444

نظمه الدال علی إیمانه................................................... 446

لفت نظر.............................................................. 450

ما ناء به من عمل بازو قول مشکور...................................... 461

1 - استصحاب أبی طالب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام..... 461

2 - استسقاء أبی طالب بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم................ 465

3 - أبو طالب فی مولد أمیر المؤمنین علیه السلام....................... 467

4 - بده أمر النبی وأبو طالب......................................... 468

5 - أبو طالب وفقده النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم................... 469

لفت نظر............................................................ 470

لفظ ثابت........................................................... 471

6 - أبو طالب فی بدء الدعوة........................................ 473

7 - قول أبی طالب لعلّی الزم ابن عمّک............................... 477

8 - قول أبی طالب صل جناح ابن عمّک............................. 479

9 - أبو طالب وحنوه علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم.............. 480

10 - أبو طالب وابن الزیعری....................................... 482

11 - سیّدنا أبو طالب وقریش....................................... 483

12 - سیّد الاباطح وصحیفة قریش................................... 487

13 - وصیّة أبی طالب عند موته..................................... 491

14 - وصیّة أبی طالب لبنی أبیه....................................... 493

15 - حدیث عن أبی طالب......................................... 494

ما یروی عنه آله وذووه................................................. 495

الکلم الطیّب........................................................ 508

رثاء أمیر المؤمنین والده العظیم......................................... 509

کلمة الامام السجّاد.................................................. 511

کلمة الإمام الباقر.................................................... 511

کلمة الامام الصادق.................................................. 511

کلمة الامام الرضا.................................................... 512

قصاری القول فی سید الابطح عند القوم............................... 512

ما أسنده الیه من لاث به ونجع له......................................... 516

ص: 551

کلمتنا حول هذه الخطبة.............................................. 109

فضائله المأثورة.......................................................... 117

ملکاته ونفسیّاته........................................................ 127

الخلیفة فی الاسلام....................................................... 138

الکسلالة............................................................... 140

تقدم الخلیفة فی السنّة.................................................... 145

غایة جهد الباحث من علم الخلیفة بالسّنة................................. 155

1 - رأی الخلیفة فی الجدّه............................................ 163

رأی الخلیفة فی الجدّتین............................................... 164

رأی الخلیفة فی قطع السارق........................................... 177

رأی الخلیفة فی الجدّ.................................................. 177

5 - رأی الخلیفة فی تولیة المفضول....................................... 179

الخلاقة عند القوم..................................................... 185

کلمة الباقّلانی....................................................... 185

کلمة التفتازانی....................................................... 189

کلمة القاضی الایجی................................................. 190

کلمة الب الثناء...................................................... 191

ما تتعقد به الامامة...................................................... 192

کلمة الماوردی....................................................... 193

کلمة الجوینی........................................................ 194

کلمة القرطبی........................................................ 194

رأی الخلیفة الثانی فی الخلافة........................................... 195

نظرة فی الخلافة التی جاء بهاء القوم....................................... 197

ص: 552

رأی ا لخلیفة فی القدر................................................ 207

ترک الخلیفة الضحیّة مخافة ان تستن..................................... 210

ردّة بنی سلیم........................................................ 210

حرق الخلیفة الفجاءة................................................. 212

10 - رای الخلیفة قصة مالک........................................... 214

نظرة فی القضیة...................................................... 218

الناحیة الاولی........................................................ 218

الناحیة الثانیة......................................................... 224

ثلاثة وثلاثة وثلاثة................................................... 229

الثلاثة الاولی......................................................... 230

الثلاثة الوسطی....................................................... 235

الثلاثة الاخر......................................................... 237

تحفظ علی کرامة..................................................... 240

سؤال یهودی ابابکر.................................................. 241

وقد النصاری واسئلتهم............................................... 242

علم معی الی الغلو...................................................... 245

مظاهر علم الخلیفة...................................................... 249

المظهر الاول......................................................... 249

المظهر الثانی......................................................... 250

المظهر الثالث........................................................ 252

المظهر الرابع......................................................... 275

لفت نظر............................................................ 263

التمسّک بالافائک....................................................... 267

ص: 553

شجاعة الخلیفة......................................................... 270

حجاج بالعریش........................................................ 279

الغریق یتشبث بکلّ حشیش.............................................. 287

ثبات الخلیفة علی المبدأ.................................................. 291

تهالک الخلیفة فی العبادة.................................................. 294

تبرّز الخلیفة فی الأخلاق................................................. 299

إعتذار الخلیفة الی الصدیقة............................................... 306

نظرة فی کلمة قارصة................................................... 310

أحادیث الغلو أو قصص الخرافة................................. 320 - 444

1 - الشمس علی العجلة............................................... 320

التوسل بلحیة أبی بکر................................................ 323

شهادة أبی بکر وجبرئیل.............................................. 329

خاتم النبی وسجلة.................................................... 329

5 - غرض جنّة أبی بکر................................................ 324

الله یستحبی من أبی بکر............................................... 324

کرامة دفن أبی بکر................................................... 335

جبرئیل یسجد مهابة من أبی بکر...................................... 338

قصة فیها کرامة لأبی بکر............................................. 341

10 - أبو بکر شیخ یعرف والنبی شاب لایعرف.......................... 346

الانصار فی البیعتین................................................... 352

نبا الهجرة........................................................... 357

أبوبکر أسن من النبی................................................. 362

إسلام أبی بکر قبل ولادة علیّ......................................... 364

ص: 554

رجال الروایة........................................................ 370

نظرة فی حدیث کعب................................................ 374

أبوبکر أسنّ أصحاب النبیّ............................................ 377

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 384

رجال الروایة........................................................ 384

15 - توسّل الشمس بأبی بکر.......................................... 387

وهنا أسئلة جمسة..................................................... 387

کلبة من الجن مأمورة................................................. 388

هبة أبی بکر لمحبیه................................................... 391

أبو بکر فی قاب قوسین............................................... 394

الدین وسمعه وبصره.................................................. 395

20 - أبوبکر ومنزلته عندالله............................................ 398

النبی مؤید بالشیخین.................................................. 401

الاشباح الخمسة من ذریّة آدم......................................... 403

أبوبکر خیر أهل السموات والأرض.................................... 410

ثواب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر.......................... 412

25 - الحبّ والشکر الواجبان علی الأمّة................................. 413

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 414

رجال إسناده........................................................ 414

ما أسلم أبو مهاجر إلّا أبو أبی بکر..................................... 417

إسلام والدی أبی بکر................................................. 421

القسم الأوّل......................................................... 421

رجال الإسناد........................................................ 428

ص: 555

القسم الثانی......................................................... 431

إسلام أمّ أبّی بکر.................................................... 434

28 - أبوبکرو أبواه فی القرآن........................................ 440

إیمان أبی طالب وسیرته.......................................... 444 - 550

الغایة للقالة............................................................. 444

نظمه الدال علی إیمانه................................................... 446

لفت نظر.............................................................. 450

ما ناء به من عمل بازو قول مشکور...................................... 461

1 - استصحاب أبی طالب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام..... 461

2 - استسقاء أبی طالب بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم................ 465

3 - أبو طالب فی مولد أمیر المؤمنین علیه السلام....................... 467

4 - بده أمر النبی وأبو طالب......................................... 468

5 - أبو طالب وفقده النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم................... 469

لفت نظر............................................................ 470

لفظ ثابت........................................................... 471

6 - أبو طالب فی بدء الدعوة........................................ 473

7 - قول أبی طالب لعلّی الزم ابن عمّک............................... 477

8 - قول أبی طالب صل جناح ابن عمّک............................. 479

9 - أبو طالب وحنوه علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم.............. 480

10 - أبو طالب وابن الزیعری....................................... 482

11 - سیّدنا أبو طالب وقریش....................................... 483

12 - سیّد الاباطح وصحیفة قریش................................... 487

13 - وصیّة أبی طالب عند موته..................................... 491

ص: 556

شعراء الغدیر فی القرن التاسع

7 - 89

ابن العرندس الحلّی................................................. 35 - 11

ما یتبع الشعر............................................................ 18

الشاعر.................................................................. 24

ابن داغر الحلّی..................................................... 37 - 47

الشاعر.................................................................. 41

الحافظ البرسی الحلّی................................................ 49 - 89

الشاعر.................................................................. 50

تألیفه القیّمة.............................................................. 54

شعره الوائق.............................................................. 55

المغالاة فی الفضائل.................................................. 91 - 69

الغلّو فی ابی بکر.................................................. 97 - 319

مقاطع من الخطبة الشقشقیة.............................................. 107

کلمتنا حول هذه الخطبة.............................................. 109

فضائله المأثورة.......................................................... 117

ملکاته ونفسیّاته........................................................ 127

الخلیفة فی الاسلام....................................................... 138

الکسلالة............................................................... 140

تقدم الخلیفة فی السنّة.................................................... 145

غایة جهد الباحث من علم الخلیفة بالسّنة................................. 155

1 - رأی الخلیفة فی الجدّه............................................ 163

رأی الخلیفة فی الجدّتین............................................... 164

رأی الخلیفة فی قطع السارق........................................... 177

رأی الخلیفة فی الجدّ.................................................. 177

5 - رأی الخلیفة فی تولیة المفضول....................................... 179

الخلاقة عند القوم..................................................... 185

کلمة الباقّلانی....................................................... 185

کلمة التفتازانی....................................................... 189

کلمة القاضی الایجی................................................. 190

کلمة الب الثناء...................................................... 191

ما تتعقد به الامامة...................................................... 192

کلمة الماوردی....................................................... 193

کلمة الجوینی........................................................ 194

کلمة القرطبی........................................................ 194

رأی الخلیفة الثانی فی الخلافة........................................... 195

نظرة فی الخلافة التی جاء بهاء القوم....................................... 197

رأی ا لخلیفة فی القدر................................................ 207

ترک الخلیفة الضحیّة مخافة ان تستن..................................... 210

ردّة بنی سلیم........................................................ 210

حرق الخلیفة الفجاءة................................................. 212

10 - رای الخلیفة قصة مالک........................................... 214

نظرة فی القضیة...................................................... 218

الناحیة الاولی........................................................ 218

الناحیة الثانیة......................................................... 224

ثلاثة وثلاثة وثلاثة................................................... 229

الثلاثة الاولی......................................................... 230

الثلاثة الوسطی....................................................... 235

الثلاثة الاخر......................................................... 237

تحفظ علی کرامة..................................................... 240

سؤال یهودی ابابکر.................................................. 241

وقد النصاری واسئلتهم............................................... 242

علم معی الی الغلو...................................................... 245

مظاهر علم الخلیفة...................................................... 249

المظهر الاول......................................................... 249

المظهر الثانی......................................................... 250

المظهر الثالث........................................................ 252

المظهر الرابع......................................................... 275

لفت نظر............................................................ 263

التمسّک بالافائک....................................................... 267

شجاعة الخلیفة......................................................... 270

حجاج بالعریش........................................................ 279

الغریق یتشبث بکلّ حشیش.............................................. 287

ثبات الخلیفة علی المبدأ.................................................. 291

تهالک الخلیفة فی العبادة.................................................. 294

تبرّز الخلیفة فی الأخلاق................................................. 299

إعتذار الخلیفة الی الصدیقة............................................... 306

نظرة فی کلمة قارصة................................................... 310

أحادیث الغلو أو قصص الخرافة................................. 320 - 444

1 - الشمس علی العجلة............................................... 320

التوسل بلحیة أبی بکر................................................ 323

شهادة أبی بکر وجبرئیل.............................................. 329

خاتم النبی وسجلة.................................................... 329

5 - غرض جنّة أبی بکر................................................ 324

الله یستحبی من أبی بکر............................................... 324

کرامة دفن أبی بکر................................................... 335

جبرئیل یسجد مهابة من أبی بکر...................................... 338

قصة فیها کرامة لأبی بکر............................................. 341

10 - أبو بکر شیخ یعرف والنبی شاب لایعرف.......................... 346

الانصار فی البیعتین................................................... 352

نبا الهجرة........................................................... 357

أبوبکر أسن من النبی................................................. 362

إسلام أبی بکر قبل ولادة علیّ......................................... 364

رجال الروایة........................................................ 370

نظرة فی حدیث کعب................................................ 374

أبوبکر أسنّ أصحاب النبیّ............................................ 377

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 384

رجال الروایة........................................................ 384

15 - توسّل الشمس بأبی بکر.......................................... 387

وهنا أسئلة جمسة..................................................... 387

کلبة من الجن مأمورة................................................. 388

هبة أبی بکر لمحبیه................................................... 391

أبو بکر فی قاب قوسین............................................... 394

الدین وسمعه وبصره.................................................. 395

20 - أبوبکر ومنزلته عندالله............................................ 398

النبی مؤید بالشیخین.................................................. 401

الاشباح الخمسة من ذریّة آدم......................................... 403

أبوبکر خیر أهل السموات والأرض.................................... 410

ثواب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بکر.......................... 412

25 - الحبّ والشکر الواجبان علی الأمّة................................. 413

أبوبکر فی کفّة المیزان................................................. 414

رجال إسناده........................................................ 414

ما أسلم أبو مهاجر إلّا أبو أبی بکر..................................... 417

إسلام والدی أبی بکر................................................. 421

القسم الأوّل......................................................... 421

رجال الإسناد........................................................ 428

القسم الثانی......................................................... 431

إسلام أمّ أبّی بکر.................................................... 434

28 - أبوبکرو أبواه فی القرآن........................................ 440

إیمان أبی طالب وسیرته.......................................... 444 - 550

الغایة للقالة............................................................. 444

نظمه الدال علی إیمانه................................................... 446

لفت نظر.............................................................. 450

ما ناء به من عمل بازو قول مشکور...................................... 461

1 - استصحاب أبی طالب النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی الشام..... 461

2 - استسقاء أبی طالب بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم................ 465

3 - أبو طالب فی مولد أمیر المؤمنین علیه السلام....................... 467

4 - بده أمر النبی وأبو طالب......................................... 468

5 - أبو طالب وفقده النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم................... 469

لفت نظر............................................................ 470

لفظ ثابت........................................................... 471

6 - أبو طالب فی بدء الدعوة........................................ 473

7 - قول أبی طالب لعلّی الزم ابن عمّک............................... 477

8 - قول أبی طالب صل جناح ابن عمّک............................. 479

9 - أبو طالب وحنوه علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم.............. 480

10 - أبو طالب وابن الزیعری....................................... 482

11 - سیّدنا أبو طالب وقریش....................................... 483

12 - سیّد الاباطح وصحیفة قریش................................... 487

13 - وصیّة أبی طالب عند موته..................................... 491

14 - وصیّة أبی طالب لبنی أبیه....................................... 493

15 - حدیث عن أبی طالب......................................... 494

ما یروی عنه آله وذووه................................................. 495

الکلم الطیّب........................................................ 508

رثاء أمیر المؤمنین والده العظیم......................................... 509

کلمة الامام السجّاد.................................................. 511

کلمة الإمام الباقر.................................................... 511

کلمة الامام الصادق.................................................. 511

کلمة الامام الرضا.................................................... 512

قصاری القول فی سید الابطح عند القوم............................... 512

ما أسنده الیه من لاث به ونجع له......................................... 516

ص: 557

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.