فقه الحج (للصافي)، المجلد 4

اشارة

سرشناسه : صافي گلپايگاني، لطف الله، 1298 -

عنوان و نام پديدآور : فقه الحج: بحوث استدلاليه في الحج/ تاليف لطف الله الصافي الگلپايگاني.

مشخصات نشر : قم: دفتر آيت الله العظمي شيخ لطف الله صافي گلپايگاني، 1390.

مشخصات ظاهري : 4 ج.

شابك : 250000 ريال: دوره 978-600-5105-54-4 : ؛ ج.1 978-600-5105-50-6 : ؛ ج.2 978-600-5105-51-3 : ؛ ج.3 978-600-5105-52-0 : ؛ ج.4 978-600-5105-53-7

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1390)(فيپا).

موضوع : حج

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

رده بندي كنگره : BP188/8/ص16ف7 1390

رده بندي ديويي : 297/357

شماره كتابشناسي ملي : 2693685

الجزء الرابع

[في الطواف]

الكلام في شرائط الطواف

يعتبر في الطواف امور:
الاول: النية

فلا يصح الطواف اذا لم يؤت به بقصد القربة.

و الثاني: الطهارة من الحدث الاصغر و الاكبر في الطواف الواجب

بالاجماع بقسميه و يدل عليه جملة من النصوص كصحيح علي بن جعفر عن اخيه أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو في الطواف؟

قال، يقطع الطواف و لا يعتد بشي ء مما طاف، و سألته عن رجل طاف ثم ذكرانه علي غير وضوء؟ قال: يقطع طوافه و لا يعتد به» «1» و يدل علي عدم الاعتداد به في صورة العمد بالاولوية.

و صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت احدهما عليهما السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و هو علي غير طهور؟ قال، يتوضأ و يعيد طوافه و ان كان تطوعا توضأ

______________________________

(1)- الوسائل ابواب الطواف ب 38 ح 4، ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 8

و صلي ركعتين». «1»

و مورد الاول النسيان و الذكر في الاثناء و اطلاقه يشمل الفريضة و التطوع و الثاني طواف الفريضة و اطلاقه يشمل حال الجهل و النسيان و العلم بعد الطواف و الظاهر منه كما في الجواهر الاكتفاء به ان كان تطوعا مطلقا كما هو احد القولين المسألة «2». و صحيح معاوية بن عمار الّذي رواه الصدوق قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام «لا بأس بان يقضي المناسك كلها علي غير وضوء الّا الطواف بالبيت و الوضوء افضل» «3».

و رواه الشيخ في التهذيب «4» و فيه «فان فيه صلاة» و قال في روضة المتقين في قوله عليه السّلام «و الوضوء افضل» اي في غير الطواف بقرينة استثناء الطواف و بالجملة فلا ريب في اشتراط الطواف الواجب بالطهارة.

و اما المندوب فيدل علي عدم اشتراطه بالوضوء صحيح محمد بن مسلم المذكور سابقا و صحيح حريز عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل طاف تطوعا و صلي ركعتين و هو علي غير وضوء؟ قال: يعيد الركعتين: و لا يعيد الطواف» «5» الّا انه ظاهر في خصوص صورة النسيان، و خبر عبيد بن زرارة «6» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال.

«لا بأس ان يطوف الرجل النافلة علي غير وضوء ثم يتوضأ و يصلي فان طاف

______________________________

(1)- الوسائل ابواب الطواف ب 38 ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 270.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2: 400/ 2811.

(4)- التهذيب: 5 ح 509/ 34.

(5)- وسائل الشيعة ب 38 ابواب الطواف ح 7.

(6)- ثقة ثقة من الخامسة و لكن في سند الصدوق إليه الحكم بن مسكين و الظاهر انه من السادسة و لم يوثق و لذا عبّروا عنها بالخبر.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 9

متعمدا علي غير وضوء فليتوضّأ و ليصل، و من طاف تطوعا و صلي ركعتين علي غير وضوء فليعد الركعتين و لا يعد الطواف» «1».

قال في الجواهر: «فما عن أبي الصلاح من وجوبها فيه لاطلاق بعض النصوص المقيد بما عرفت في غير محله» «2».

و هل يشترط فيه الطهارة من الاكبر؟ لا ريب في انه يحرم عليه الكون معه في المسجد فضلا عن اللبث و يمكن ان يقال بان المقام من صغريات مسئلة جواز اجتماع الامر و النهي و عدمه فمن يقول بالجواز يقول بصحته ندبا و ان كان عاصيا لمخالفته النهي عن لبثه في المسجد و من يقول بالامتناع يقول بالبطلان مطلقا أو بترجيح جانب أو غير ذلك.

و يمكن ان يقال فيه بعد اختيار عدم الجواز بالترتب و بعد ذلك كله نقول علي القول بالجواز بل و علي القول بالامتناع لا يصح تصحيح المامور به

اذا كان عباديا اذا اتحد خارجا مع الحرام و صار من مصاديقه لانه لا يمكن او لا يصلح ان يتقرب به الي المولي.

نعم لو طاف ناسيا صح طوافه قال في الجواهر: للاصل بعد امتناع تكليف الغافل، و لعله المراد من محكي التهذيب «من طاف علي غير وضوء أو طاف جنبا فان كان طوافه طواف الفريضة فليعده، و ان كان طواف السنة توضأ أو اغتسل فصلّي ركعتين و ليس عليه اعادة الطواف». «3»

أقول: لم نعلم ما هو مراده من الاصل و يمكن ان يكون منه الاصل اللفظي مثل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 38 ابواب الطواف ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 270.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 270.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 10

اطلاق قوله تعالي وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الشامل لرجحان الطواف الواقع حال نسيان الجنابة بل قلنا بشموله لحاله العلم بالجنابة غير انه في هذا الحال يقع التعارض بينه و بين اطلاق دليل حرمة اللبث كما مر الاشارة إليه.

و اما اصالة البراءة فالظاهر عدم جريانها في المقام نعم لو وجب عليه بمثل النذر و العهد و اليمين فنسي الجنابة و طاف لا يجب عليه اعادة الطواف للاصل.

و بعد ذلك كله الظاهر انه لا ريب كما في الجواهر في استحباب الطهارة للطواف المندوب لما سمعته من صحيح معاوية و للنبوي العامي الّذي يكفي مثله في الفرض «الطواف بالبيت صلاة» «1» كما ان الظاهر ان المراد بالطواف المندوب الّذي ليس مشروطا بالطهارة هو ما يؤتي به بنفسه لا ما كان جزء من الحج المندوب أو العمرة المندوبة فانه واجب لقوله (و أتموا الحج و العمرة للّه).

ثم ان الظاهر من النصوص و الفتاوي قيام الطهارة الترابية مقام المائية كالصلاة و كفاية طهارة

المستحاضة للطواف و كذا المسلوس و غيرهما من الذين وظيفتهم الطهارة الاضطرارية نعم في خصوص المبطون افتوا بانه يطاف عنه للنصوص مثل صحيح معاوية بن عمار و غيره «2» و اللّه هو العالم باحكامه.

الثالث: طهارة الثوب و البدن

و لو كان الطواف مندوبا كما هو ظاهر الاكثر مثل الشيخ في الخلاف و المبسوط «3» و النهاية «4» الا ان لفظه في الاخير: (و لا يجوز للرجل ان يطوف و في ثوبه شي ء من النجاسة) و الحلبي في اشارة السبق «5» و ابن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 270.

(2)- الوسائل ابواب الطواف ب 49 ح 3 و 5 و 6 و 7 و 8 و الظاهر ان الجميع رواية واحدة.

(3)- المبسوط: 1/ 358.

(4)- النهاية/ 240.

(5)- اشارة السبق/ 131.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 11

زهرة في الغنية «1» و غيرهم و دليلهم علي ذلك النبوي المعروف عن ابن عباس عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «الطواف بالبيت صلاة الا ان اللّه تعالي احل فيه النطق» «2» و الصلاة مشروطة بالطهارة عن الحدث و الخبث فالطواف مثله.

و خبر يونس بن يعقوب الّذي رواه الشيخ باسناده عن محمد بن احمد بن يحيي «3» عن بنان بن محمد «4» عن محسن بن احمد «5» عن يونس بن يعقوب «6» قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل في ثوبه الدم و هو في الطواف؟ قال: ينظر الموضع الّذي رأي فيه الدم فيعرفه ثم يخرج و يغسله ثم يعود فيتم طوافه» «7» و رواه الصدوق باسناده عنه الا انه قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: رأيت في ثوبي شيئا من دم و انا اطوف؟ قال: فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن علي طوافك» 8

و

استشكل بعض الاكابر في سند الاول لوجود محسن بن احمد في السند فانه لم يوثق و لكن ردّ تضعيف سند الثاني بحكم بن مسكين الّذي لم يوثق في الرجال بأنه من رجال كامل الزيارات فيكون ثقة. «9»

اقول: أولا: لو لم يكن حديث في البين غير النبوي المذكور يكفي في انجبار ضعف سنده تداوله بين الاصحاب و استنادهم إليه.

______________________________

(1)- الغنية/ 172.

(2)- الخلاف كتاب الحج م 129 و في بدائع الصنائع «الطواف صلاة الا ان اللّه تعالي اباح فيه الكلام» و في الهداية أيضا عن كتب العامة (المنطق).

(3)- من السابعة من اكابرهم- ثقة.

(4)- من السابعة لم اقف علي توثيق له.

(5)- من السادسة لم اقف علي توثيق له.

(6)- من الخامسة له كتب ثقة.

(7) 7 و 8- وسائل الشيعة ب 52 من ابواب الطواف ج 1 و 2.

(9)- المعتمد: 4/ 323.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 12

و ثانيا: من نظر الي كتب الحديث يظهر له ان الاعتماد بمثل محسن بن احمد و الحكم بن مسكين في محله و انه لا يجوز القدح في اسناد الروايات بمجرد كون هذا أو ذاك في السند فقد روّيا روايات كثيرة في كثير من ابواب الفقه عن المشايخ و كتبهم و روي عنهم أيضا الكثير من المشايخ و مع عدم ورود قدح فيهما يعتمد علي روايتهم كما اعتمد عليها الاجلاء برواية رواياتهما.

و ثالثا: قد قلنا مرارا ان الكتب و الاصول كانت عند اصحاب الحديث و تلامذتهم و من كان له كتاب أو كتب كان كتابه عند من يروي عنه هذا الكتاب و لكن استقر سيرتهم علي نقل روايات الكتب بالاسناد و يونس بن يعقوب كان له كتاب في الحج و الظاهر انه كان موجودا عند

الشيخ لانه يقول في الفهرست له كتاب اخبرنا به جماعة و ان قيل ان سنده إليه ضعيف و لكن له إليه في التهذيب طرق اخري معتبره و الظاهر ان كل هذه الطرق طريق الشيخ الي كتاب يونس بن يعقوب لا ان يكون كل طريق ذكره في سند رواية عن كتابه مختص بها دون غيرها.

و كيف كان فرواية الصدوق و الشيخ عن يونس بن يعقوب عندي مورد الاعتماد يجوز الاحتجاج بها مضافا الي عمل المشهور بها.

هذا و اما التمسك لوجوب الطهارة من الخبث بحرمة ادخال النجاسة في المسجد ففيه المنع عن ذلك اذا لم تسر و لم تكن موجبة للهتك مضافا الي ان هذا معناه ليس اشتراط الطواف بالطهارة من الخبث بل معناه عدم القدرة علي الطواف بدون الطهارة. فيجب تحصيل القدرة عليه بالطهارة.

و مع ذلك في الجواهر «1» قال: «لكن عن ابن الجنيد كراهته في ثوب اصاب دم لا يعفي عنه في الصلاة».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 272.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 13

و عن ابن حمزة كراهته مع النجاسة في ثوبه أو بدنه و مال إليه في المدارك للاصل و ضعف الخبرين المزبورين و منع حرمة ادخال النجاسة غير المتعدية و الهاتكة حرمة المسجد. و لمرسل البزنطي عن بعض اصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه؟ فقال: اجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلي في ثوب طاهر». «1»

و فيه ان الاصل مقطوع بالخبرين و مرسل البزنطي لقصوره عن معارضة الخبرين لا لجبر ضعفهما بالعمل و ارسال ما رواه البزنطي لانه اذا كان المرسل مثلا البزنطي عن بعض اصحابه لا ينبغي رده

بضعف سنده به بل لاعراض المشهور عن العمل به مضافا الي انه يمكن حمله علي صورة جهله بالموضوع و اما حمله علي صورة النسيان كما حكي في الوسائل عن الشيخ و ان لم نجده في كتابيه فلا يرد به الاشكال و اللّه هو العالم.

[فروع]
[الأول] الطواف فيما يعفي عنه في الصلاة

فروع: الاول: حكي في الجواهر عن التذكرة و المنتهي و التحرير و ظاهر غيرها عدم العفو عما يعفي عنه في الصلاة لعموم خبر يونس الّذي لا يخص بالنبوي المزبور بعد عدم انجباره بالنسبة الي ذلك و عدم انصراف مثله في وجه التشبيه يعني ان النبوي و ان لم يكن منصرفا عما يعفي عنه فيشمله الا انه فيما يعفي عنه لم ينجبر بالعمل ثم ذكر بعد ذلك عبارة من الدروس و قال: «و هي كما تري لا تخلو عن تدافع».

و قال: «و ظني انها غلط من النساخ» و قال: «و قد وجدت عبارة الدروس منقولة خالية عن ذلك و ما في الدروس الموجود عندنا أيضا فيه التدافع المذكور فلا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 52 ابواب الطواف ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 14

نطيل الكلام فيه لانه قليل الجدوي».

و قال في الجواهر: «فالتحقيق عدم العفو في الاقل من الدرهم من الدم و فيما لا تتم فيه الصلاة و لذا صرح الفاضل ببطلانه في الخاتم النجس و اما دم القروح و الجروح فالظاهر العفو للحرج و غيره و اللّه هو العالم.» «1»

[الثاني] الشك في الطهارة أثناء الطواف

الثاني: قد علم مما ذكر ان في الطواف الواجب لو ذكر انه لم يكن طاهرا من الحدث يستأنف الطواف بلا خلاف و لا اشكال و ان شك في الطهارة في اثناء الطواف فان كان قبله محدثا يستأنفه مع الطهارة و كذا لو شك في الطهارة قبله و امّا ان كان عالما بالحدث و غفل عنه و لم يشك في انه تطهر بعده أم لا فاستصحاب بقاء الحدث لا يجري في حقه حتي يحكم به بوقوع ما وقع منه من الطواف بغير الطهارة.

فهل يمكن الحكم بصحة ما طاف

لاصالة الصحة أو لقاعدة الفراغ بناء علي جريانها في الاجزاء و كفاية الاتيان بما بقي منه مع الطهارة. مثل من رأي الدم في ثوبه و بدنه في الاثناء و في الجواهر قال: «يكون كالعصر و الظهر اللذين لا يلتفت الي الشك في اثنائها بعد تمام الاولي لاصالة الصحة و ان وجب الوضوء للعصر و لكن لم اجد من احتمله في المقام) «2»

و ردّ عليه بالفرق بين صلاتي الظهر و العصر و بين الطواف و لا يمكن اجراء قاعدة الفراغ في المقام و الوجه ان صحة العصر لا تتوقف علي صحة الظهر واقعا فان الترتيب بينهما ذكري فلو كان الظهر فاسدا واقعا صح عصره فلا مانع من بطلان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 272.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 273.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 15

ظهره واقعا و صحة عصره واقعا بخلاف الترتيب بين اجزاء الطواف فالجزء اللاحق صحته متوقفة علي صحة الجزء السابق في الواقع و لا تثبت باصالة الصحة او الفراغ الصحة الواقعية للاجزاء السابقة.

هذا و ان كان الشاك في الطهارة حالته السابقة الطهارة يبني عليها بلا اشكال.

فعلي هذا في الصورة الثالثة الحكم هو بطلان الطواف و استينافه و هذا ما قلنا به في المناسك و هو موافق لفتوي السيد الكلبايكاني و السيد الخوئي اعلي اللّه مقامهما و غيرهما و لكن فتوي غيرهم انه ان كان شكه بعد تمام الشوط الرابع أو بعد التجاوز عن النصف توضأ و اتم طوافه و صح و الا فالاحوط الاتمام ثم الاعادة.

و بعضهم افتي بعدم الاعادة في الصورة الثانية و لم يتحصل لي وجه ما قالوا.

نعم هنا روايات في غير مورد الشك في الطهارة في الاثناء في من احدث في طواف الفريضة انه

ان كان ذلك قبل تجاوز النصف وجب عليه الاعادة، و ان كان بعد تجاوزه يتطهر و يبني و يتم و كذا في من قطع الطواف الواجب بخروج لحاجة بانه ان كان ذلك قبل تجاوز النصف وجب عليه الاعادة و الا يجب عليه الاتمام.

و كذا في من مرض في اثناء الطواف قبل تجاوز النصف أو بعده و كذا في المرأة اذا حاضت في اثناء الطواف و لكن الجميع كما تري ليس في مورد الشك فضلا عن الشك في الحدث.

[الثالث:] الشك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف

الثالث: اذا شك في الطهارة بعد الفراغ عن الطواف فان كانت حالته السابقة الطهارة يبني عليها فيحكم بصحة طوافها و يصلي بها صلاة الطواف و ان كانت حالتها السابقة الحدث و التفت إليها و شك في بقائها ثم غفل عنها فلا يدري انه توضأ

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 16

أو اغتسل أم لا يبني علي بطلان طوافه لانه كان محكوما بالحدث بحكم الاستصحاب و ان كانت حالته السابقة الحدث و لم يلتفت إليه و غفل عنه و لم يدر انه تطهر قبل الطواف، أو طاف محدثا يبني علي صحة طوافه لقاعدة الفراغ و عدم جريان الاستصحاب و يتطهر لصلاة الطواف.

ثم انه قد افاد بعض الاعلام و قال: «انه قد يفرض ان المكلف كان محدثا بالحدث الاصغر و يشك في انه توضأ أم لا ففي مثل ذلك تجري قاعده الفراغ بالنسبة الي الطواف و يجب عليه الوضوء لصلاة لاشتراطها بالطهارة».

و قد تفرض ان الحالة السابقة كانت هي الحدث الاكبر كالجنابة و طاف ثم بعد الطواف يشك في انه اغتسل أو لا و طاف أم لا يغتسل ففي ذلك قد يفرض انه لم يحدث بالحدث الاصغر و انما الصادر منه

الحدث الاكبر فقط فهنا لا شك في جريان قاعدة الفراغ بالنسبة الي الطواف و يغتسل لصلاة الطواف يقتضي استصحاب الجنابة مثلا و قد عرفت ان قاعدة الفراغ لا تثبت ان الطواف كان مع الغسل و انما تثبت صحة الطواف فقط.

و قد يفرض انه احدث بالحدث الاصغر بعد الطواف ففي مثل ذلك لا يمكن جريان قاعدة الفراغ بالنسبة الي الطواف و لا يمكن الحكم بصحة طوافه بل لا بد له من اعادة الطواف و كذا يجب عليه الجمع بين الوضوء و الغسل لصلاة الطواف.

و الوجه في ذلك: انه يعلم اجمالا اما بعدم صحة جريان الاستصحاب بالنسبة الي الحدث الاكبر و اما بعدم جريان قاعدة الفراغ لان المفروض انه احدث بالحدث الاصغر فمقتضي جريان الاستصحاب انه بالفعل مجنب و لا بد له من الغسل و لا امر له بالوضوء الا ان المفروض انه احدث بالحدث الاصغر فان كان في الواقع جنبا بالفعل فطوافه باطل لانه وقع حال الجنابة و ان لم يكن جنبا بالفعل فوظيفته الوضوء لا الغسل فليس له ان يغتسل و يصلي صلاة الطواف فاذا اغتسل و صلي يعلم اجمالا

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 17

اما ببطلان الطواف أو ببطلان الصلاة لانه علي تقدير صحة طوافه واقعا فهو مأمور بالوضوء للصلاة فعلا لانه قد احدث بالحدث الاصغر فالجمع بين جريان الاستصحاب و الاغتسال لصلاة الطواف و بين الحكم بصحة الطواف السابق غير ممكن فان احدهما خلاف الواقع يقينا يعني لو اغتسل و صلي يعلم اما ببطلان الصلاة أو الطواف لانه اذا كان مغتسلا سابقا فصلاته باطلة لان وظيفته الوضوء لا الغسل و ان كانت الجنابة باقية و لم يكن مغتسلا قبلا فالطواف باطل فهو عالم جزما

ببطلان احد العملين اما يجب عليه الوضوء للصلاة أو يجب عليه اعادة الطواف لبطلانه فالجمع بين استصحاب بقاء الجنابة و الاغتسال للصلاة و بين الحكم بصحة الطواف السابق مما لا يمكن فقاعدة الفراغ تسقط للمعارضة فاذا سقطت القاعدة تصل النوبة الي قاعدة الاشتغال لانه يشك في الامتثال كما انه يجب عليه الجمع بين الوضوء و الغسل لاحراز الطهارة لعدم العلم بحاله و انه جنب أو غير جنب فيعلم اجمالا بوجوب احد الامرين و من جهة لزوم احراز الطهارة لا بد من الجمع بينهما فالشك بعد الفراغ محكوم بعدم الاعتناء في غير هذا المورد الّذي يكون معه علم اجمالي ببطلان العمل السابق او اللاحق فانه اذا فرضنا ان الجنب احدث بالاصغر بعد الطواف ليس له الاكتفاء بالغسل اعتمادا علي استصحاب الجنابة و يأتي بصلاة الطواف عن غسل لانه مستلزم للعلم بالمخالفة فتدبر فان هذه نكتة لم ار من تنبه إليها «1»

اقول: فمن صلي مثلا صلاة الظهر و كان جنبا و شك في انه اغتسل قبل الصلاة للجنابة أم لا فمقتضي قاعدة الفراغ صحة صلاته و عدم وجوب اعادتها الا انه يجب عليه الغسل لصلاة العصر لاستصحاب بقاء الجنابة فلو احدث هذا بالحدث الاصغر قبل صلاة العصر فان صلي العصر بالاغتسال للحدث الاكبر و لم يتوضأ يحصل له

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 302.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 18

العلم امّا ببطلان صلاة ظهره للجنابة أو بطلان عصره للحدث الاصغر.

و يمكن ان يقال: ان في الصورة المذكورة له العلم التفصيلي ببطلان صلاة الطواف لانه «سواء وقع طوافه باطلا أو صحيحا اي وقع مع الطهارة من الحدث الاكبر أو بدونه» تكون صلاته باطلة لانه ان وقع مع الطهارة من الحدث الاكبر تكون

صلاته باطلة لعدم وقوعها مع الطهارة من الحدث الاصغر الّذي صار محدثا به، و ان وقع بدون الطهارة لا تقع صلاته صحيحة لتوقف صحتها علي وقوع الطواف قبلها صحيحا، و امّا الطواف فالشك في صحته و بطلانه علي حاله لا يعتني به لقاعدة الفراغ و هكذا يقال في مثل صلاة الظهر و العصر اذا تذكر قبل الاتيان بالعصر دون ما اذا اتي بالعصر و شك فانه يجب عليه الاحتياط فتدبر.

[الرابع:] اذا احدث في طواف الفريضة

الرابع: اذا احدث في طواف الفريضة قبل بلوغه النصف فظاهرهم الاتفاق علي بطلان طوافه فيجب عليه الاعادة بعد الطهارة.

و ربما يستدل لذلك باشتراط الطواف بالطهارة فاذا انتفي الشرط ينتفي المشروط فالحكم بالبطلان قبل النصف يكون علي القاعدة و بالصحة بعد التجاوز فللدليل، و يمكن ان يرد: بان الشرط ان كان شرطا للطائف كالمصلي يبطل الطواف بفقده و ان كان شرطا للطواف فلا يختل بالحدث اذا جدد الطهارة و اتم طوافه من الموضع الّذي احدث فيه و بتعبير آخر يمكن ان يقال: بالفرق بين الحدث المانع من تحقق الطواف أو القاطع و الموجب لعدم قابلية الحاق الاجزاء اللاحقة بالسابقة و القول بذلك في الصلاة لا يستلزم القول به في الطواف فما يدل عليه الدليل في باب الطواف وقوع الاشواط مع الطهور اما الاكوان المتخللة بينها فاشتراطها بالطهارة محتاج الي الدليل اللهمّ الا ان يتمسك بالنبوي و علي ذلك فالدليل لمذهب المشهور مرسل ابن أبي

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 19

عمير عن بعض اصحابنا علي ما في الكافي أو ابن أبي عمير عن جميل عن بعض اصحابنا كما في التهذيب عن احدهما عليهما السّلام «في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه؟ قال: يخرج و يتوضأ

فان كان جاز النصف بني علي طوافه و ان كان اقل من النصف اعاد الطواف» «1» و هو صريح في مذهب المشهور و علي فرض ضعفه بالارسال و عدم الاعتناء و إن كان المرسل مثل ابن أبي عمير او جميل بلفظ بعض اصحابنا فهو منجبر بالعمل.

هذا و قد سلك. بعض الاعلام الّذي لا يقول بجبر ضعف السند بالعمل للاستدلال لقول المشهور مسلكا آخر ليس في حصول الاطمينان و الاعتماد به اقوي من المرسل المذكور لو لم نقل انه اضعف منه فأفاد (بان حدوث الحيض في اثناء الطواف و ان كان نادرا جدا كثر السؤال عنه في الروايات، و امّا صدور الحدث خصوصا من المريض و الشيخ و الضعيف كثيرا و مع ذلك لم ينسب القول بالصحة الي احد من الاصحاب بل تسالموا علي البطلان و ارسلوه ارسال المسلمات.

و هذا يوجب الوثوق بصدور الحكم بالبطلان من الائمة عليهم السلام و لو لم يكن الحكم به صادرا منهم عليهم السلام لخالف بعض العلماء و لو شاذا فمن تسالم الاصحاب و عدم وقوع الخلاف من احد مع ان المسألة مما يكثر الابتلاء بها نستكشف الحكم بالبطلان فما هو المعروف هو الصحيح) «2»

اقول: لنا ان نسأل منه لم لا تقولون ذلك في وجه الاعتماد علي المرسل و ان من ذلك يستكشف اعتمادهم علي المرسل و كونه جامعا لشرائط الاحتجاج به عندهم و اللّه هو الهادي الي الصواب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 40 ابواب الطواف ح 1.

(2)- المعتمد: 4/ 296.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 20

ثم ان المراد من بلوغ النصف و التجاوز عنه هل اتمام الشوط الرابع او ثلاثة اشواط و نصف الظاهر من قوله فان كان جاز من النصف النصف

الحقيقي و هو هنا النصف الكسري اي ثلاثة اشواط و نصف و ليس للسبعة نصف صحيح فالمراد من أقل من النصف ليس الاقل من ثلاثة اشواط فقط بل يشمل مثل ثلاثة اشواط و ثلث كما ان الزائد علي النصف كما يشمل أربعة اشواط يشمل ثلاثة اشواط و ثلثين و لم اجد في الروايات ما يستفاد منه ان المعتبر في عدم الاعادة هو بلوغ الاربعة.

و ربّما يؤيد ذلك اي اعتبار بلوغ الاربعة بخبر ابراهيم بن اسحاق «عمن سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت أربعة اشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة، و لها ان تطوف بين الصفا و المروة لانها زادت علي النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج، و ان هي لم تطف الّا ثلاثة اشواط فلتستأنف الحج (بعد الحج) فان اقام بها جمّالها بعد الحج فلتخرج الي الجعرانة او الي التنعيم فلتعتمر.»

و وجه التأييد جعل الثلاثة مقابل الاربعة و لم يقل و ان هي لم تطف ثلاثة اشواط و نصف فيعلم من ذلك ان النصف لوحظ باعتبار العدد الصحيح و هو الاربعة.

و لذلك كله نقول ان الحدث اذا وقع قبل بلوغه ثلاثة اشواط و نصف يخرج و يتوضأ و يستأنف الطواف و ان كان ذلك بعد اتمام الشوط الرابع يخرج و يتوضأ و يبني علي ما أتي به و ان وقع الحدث بعد تمام النصف و قبل اتمام الشوط الرابع فالاحوط ان يتوضأ و يأتي بالباقي و بصلاته ثم يستأنف الطواف و صلاته.

______________________________

وسائل الشيعة ب 85 ابواب الطواف ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 21

[الخامس:] وجوب الختان في الطواف

الخامس: من شرائط صحة الطواف واجبا

او مندوبا ان يكون الرجل مختونا و الظاهر انه لا خلاف فيه كما في الجواهر بل قال الحلبي في الكافي لا يصح (يعني الاغلف) باجماع آل محمد عليهم السّلام «1» و يدل عليه صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الاغلف لا يطوف بالبيت و لا بأس ان تطوف المرأة» «2».

و في الكافي عن أبي علي الاشعري «3» عن محمد بن عبد الجبار «4» عن صفوان «5» عن ابراهيم بن ميمون «6» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يسلم و يريد ان يحج و قد حضر الحج أ يحج أم يختتن؟ قال: لا يحج حتي يختتن» «7» و في صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس ان تطوف المرأة غير المخفوضة فاما الرجل فلا يطوف الّا و هو مختتن» «8».

و غير ذلك قال في الجواهر «فما في المدارك من انه نقل عن ابن ادريس التوقف في ذلك واضح الضعف كما ان عدم ذكر كثير له علي ما في كشف اللثام ليس خلافا

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 274.

(2)- وسائل الشيعة ب 33 ابواب مقدمات الطواف ح 1.

(3)- ثقة فقيه كثير الحديث احمد بن ادريس من صغار الثامنة.

(4)- ثقة قمي من كبار السابعة.

(5)- ثقه ثقة عين ابن يحيي البجلي من اعاظم السابعة.

(6)- من كبار الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة ب 33 ابواب مقدمات الطواف ح 2.

(8)- وسائل الشيعة ب 33 ابواب مقدمات الطواف ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 22

محققا» «1».

اقول: قال ابن ادريس قدس سره في السرائر «و لا يجوز للرجل ان يطوف بالبيت و هو غير مختون علي ما روي اصحابنا في الاخبار، و لا بأس ذلك للنساء»

«2» و هذا ليس ظاهرا توقفه في الحكم الا ان يقال: ان علي صحة ما نسب إليه من عدم العمل باخبار الآحاد ليس خاليا من الاشعار به.

ثم انه لا خلاف ظاهرا بينهم في عدم اعتباره في صحة طواف المرأة للنصوص و امّا الخنثي المشكل فعلي القول بكونها جنس آخر غير الجنسين فالاصل عدم اشتراط طوافها بالختان و علي القول بانها ليست طبيعة ثالثة يجب عليها تحصيلا ليقين الخروج عمّا في عهدته و لا مجال لجريان الاصل بعد العلم باشتغال ذمته بالطواف نعم لو كان ذلك واجبا مستقلا في الحج يمكن اجراء البراءة عنه.

و في التذكرة قال: «الختان شرط في الطواف للرجل مع القدرة دون المرأة» «3» و حكي في الجواهر عن القواعد و غيرها اعتبار التمكن فلو تعذر و لو لضيق الوقت سقط «4».

أقول: فهو ان لم يتمكن من ذلك اصلا حتي للعام القابل فلا ريب في انه لا يسقط عنه بذلك الحج بل و لا الطواف لعموم ادلة وجوب الحج و العمرة و لكن ينبغي له مراعاة الاحتياط بالجمع بين طوافه بنفسه و الاستنابة، و امّا ان لم يتمكن منه لعارض في هذه السنة من ضيق الوقت و امر آخر فيمكن ان يقال: انه بذلك غير متمكن من الحج في هذا فيؤخره الي العام المقبل.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 274.

(2)- السرائر 1/ 574.

(3)- التذكرة: 8/ 85.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 275.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 23

و خبر ابراهيم بن ميمون لا يخلو من اشعار بذلك و مقتضي الاصل عدم فورية وجوبه عليه ثم ان الظاهر اعتبار الختان في طواف الصبي المميز لان اشتراطه به معناه عدم تحققه به كان الطائف من كان و اما غير المميز

فقد تردد فيه بعض الاعلام من المعاصرين بل جزم بالعدم للاصل «1» و لكن بعد كون الطواف مشروطا به و وجوب ان يطوف به الولي لا وجه لسقوط شرطه و جواز الاكتفاء بالفاقد فالاحوط ان لا يحرمه و ان احرمه يجب عليه ان يختنه. و اللّه العالم.

[السادس:] وجوب ستر العورة في الطواف
اشارة

السادس: اعلم انه قد ذكر الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية «2» و الصهرشتي في الاصباح «3» و العلامة في التذكرة «4» و في غيره من بعض كتبه وجوب ستر العورة في الطواف.

و في الجواهر قال: «و لعله لانه صلاة، و لقوله صلّي اللّه عليه و آله (لا يحج بعد العام مشرك و لا عريان) لكن في المختلف و للمانع ان يمنعه و الرواية غير مسندة من طرقنا فلا حجة فيها و فيه علي ما كشف اللثام ان الخبر الثاني يقرب من التواتر من طريقنا و طريق العامة روي علي بن ابراهيم «5» في تفسيره عن ابيه «6» عن محمد بن الفضل «7» عن الرضا عليه السّلام قال امير المؤمنين عليه السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله امرني عن اللّه تعالي ان لا يطوف

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 329.

(2)- الغنية/ 172.

(3)- الاصباح/ 155.

(4)- التذكرة: 8/ 85.

(5)- القمي صاحب التفسير من صغار الثامنة.

(6)- ابن هاشم تلميذ يونس بن عبد الرحمن من اصحاب مولانا الرضا عليه السّلام من السابعة.

(7)- الازدي ثقة من اصحاب أبي الحسن الرضا عليه السّلام من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 24

بالبيت عريان، و لا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام» ثم ذكر طائفة من الروايات الكثيرة التي لا يشك في تواترها بالاجمال و بالمعني كلها تدل علي فضيلة من فضائل مولانا امير

المؤمنين عليه السّلام التي لا يحصي عددها غير اللّه تعالي و مما اتفق عليه الخاص و العام و بعد ان تبرك بذكرها. قال: (و قد يمنع دلالة ذلك علي اعتبار الستر فيه للرجل و المرأة علي حسب اعتباره في الصلاة ضرورة اعمية النهي عن العراء منه كما هو واضح و لعل لذلك تركه المصنف و غيره اللهم الا ان يقال: ان المراد من العراء في هذه النصوص ستر العورة للاجماع في الظاهر علي صحة طواف الرجل عاريا مع ستر العورة، و لا ريب في انه احوط) «1»

و قريب منه ما افاده بعض الاجلة من المعاصرين. فقال في الروايات (هي مروية بطرق كثيرة منا و من العامة و لكنها جميعا ضعيفة السند الا انها كثيرة متظافرة لا يمكن رد جميعها بل عن كشف اللثام أنها تقرب من التواتر من طريقنا و طريق بقية المذاهب و لكن لا يمكن الاستدلال بها لوجوب ستر العورة في الطواف لان النسبة بين العراء و ستر العورة عموم من وجه لان المراد بالعريان من لم يكن لابسا للثوب و يمكن ان يكون الشخص غير عار و لابسا للثوب و عورته مكشوفة كما اذا كان في ثوبه ثقب تظهر عورته منه كما يمكن ان يكون الشخص مستور العورة و هو عار كما اذا استر عورته بيده او بحشيش او طين و نحو ذلك و قد اعتبروا في الطواف ستر العورة لا اللباس فيظهر الفرق بين الستر في باب الصلاة و في الطواف فان المعتبر في الصلاة هو الستر باللباس و لا يكون مجرد ستر العورة، و المعتبر الطواف هو ستر العورة باي نحو كان و لو بيده او بالحشيش و لا يعتبر

اللباس قطعا للاجماع علي صحة طواف الرجل عاريا مع ستر عورته.

و هذه الروايات لو فرض صحة اسانيدها لا بد من حملها علي الاستحباب،

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 275 الي 278.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 25

و بالجملة لا دليل علي اعتبار ستر العورة في الطواف و ما دل عليه هذه الروايات الكثيرة و هو اللبس في الطواف فهو غير واجب، و ما ذهب إليه المشهور من وجوب ستر العورة لما تدل عليه هذه الروايات فما ذهب إليه بعضهم من عدم وجوب ستر العورة في الطواف هو الصحيح و ان كان الاحوط الستر. «1»

اقول: الّذي يظهر لي من الروايات ان النهي عن طواف البيت عريانا راجع أولا الي النهي عنه بدون الساتر لا بدون اللباس حتي يقال ان النسبة بين العراء و ستر العورة عموم من وجه و بتعبير الجواهر اعمية النهي عن العراء من الستر و الظاهر ان منه من يطوف عريانا لا ساتر له فلا يجوز لمن كان عورته مكشوفة لثقب في ثوبه و لا يقال: ان النهي من الطواف عريانا لا يشمله بل يمكن ان ندعي من كان عورته مستورة بثوب خاص بسترها او بما بين السرة و الركبة لا يكون مقصودا بهذا النهي.

نعم علي ظاهر هذا النهي لا يكتفي بستر العورة في الطواف بمثل الحشيش او باليد لصدق الطواف عريانا معه و بالجملة قوله صلّي اللّه عليه و آله «لا يطوف بالبيت عريان» ظاهر في النهي عن الطواف بدون الساتر و بعبارة اخري يدل علي اشتراط صحة الطواف بالستر او كونه باطلا لتعلق النهي به و اما الزائد علي ذلك فمقتضي الاصل جوازه و اما دعوي الاجماع علي صحة طواف الرجل عاريا مع ستره

عورته بيده او بالحشيش فلم نتحققه فلا وجه لحمل الروايات علي الاستحباب كما لا وجه للحكم بان جميعها ضعيفة السند مع مثل رواية علي بن ابراهيم في تفسيره الصحيحة و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 331.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 26

وجوب كون الساتر مباحا في الطواف

ثم انه بناء علي اعتبار ستر العورة في الطواف يجب ان يكون مباحا لان الستر المامور به لا يمكن ان يكون بالمحرم و المنهي عنه فيبطل طوافه اذا كان الساتر مغصوبا او محرما، و اما غير الساتر من لباسه فالظاهر عدم بطلان الطواف به اذا كان مغصوبا و ربما يقال بحرمة الطواف مع اللباس المغصوب لانه يتحرك بحركته للطواف فهو مقدمة للتصرف في الثوب المغصوب.

و اجيب عن ذلك: بان الفعل اذا كان من الافعال التوليدية كالتنظيف و التطهير و القتل و الذبح فما يصدر من الفاعل هو الذبح و الغسل بالماء و ازالة الوسخ او النجاسة دون القتل و الطهارة و النظافة فانها لا تصدر من الفاعل و ما يصدر منه هو مقدمات هذه الافعال و مثل نهي لا تقتلوا النفس التي حرمها اللّه او الامر بالتطهير يتعلق بمقدمات هذه الامور و أمّا اذا لم يكن الفعل توليديا بل كان من باب العلة و المعلول كحركة الثوب بحركة البدن فكل منهما يتحرك بالحركة الطوافية حول الكعبة و ما هو المحرم هو حركة الثوب و التصرف فيه و حركة البدن و الطواف مقدمة لها و لا تحرم المقدمة بحرمة ذيها و بالجملة في الصورة الاولي النهي عن القتل يتعلق بما يتولد منه القتل لان ما يصدر من الفاعل هو ما يتولد منه القتل و هو الذبح مثلا و في الصورة الثانية المنهي عنه حركة الثوب

و التصرف فيه و لا يقتضي ذلك حرمة حركة البدن و الطواف لعدم حرمة المقدمة بحرمة ذيها.

اقول: و بعد ذلك كله نقول: الطواف هو الحركة الدورية حول الكعبة المعظمة، و هو مقدمة لحركة الثوب المغصوب تقع ذيها مقارنا لوجودها و ما هو يكون كذلك لا يصلح بان يتقرب به الي المولي اذا فلا فرق بين الساتر و غيره، نعم ان كان الطواف واجبا توصليا يسقط الامر به علي القول بجواز الاجتماع. و اللّه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 27

الكلام في واجبات الطواف

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 29

واجبات الطواف

[منها] وجوب الابتداء بالحجر الاسود

يجب في الطواف امور:

منها: البدأة بالحجر الاسود و الختم به بلا خلاف فيه بين المسلمين و قد جرت عليه سيرتهم جميعا، و هو مقتضي التأسي به صلّي اللّه عليه و آله قال في الجواهر «1» خصوصا بعد قوله صلّي اللّه عليه و آله: خذوا عنّي مناسككم و يدل عليه صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من اختصر في الحجر في الطواف فليعد طوافه من الحجر الاسود الي الحجر الاسود» «2».

و الظاهر انه يكفي في البدأة بالحجر و الانتهاء به للصدق العرفي فلا يجب ان يكون اوّل جزء منه محاذيا لاول جزء من مقاديم بدنه بحيث يمر عليه علما او ظنا كما عرفها بذلك في المسالك علي ما حكي عنه في الجواهر و قال: (لم نعرف شيئا من ذلك لمن سبق العلامة و علله في كشف اللثام بانه لازم من وجوب الابتداء بالحجر و البطلان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 287.

(2)- وسائل الشيعة ب 31 ابواب الطواف ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 30

بالزيادة علي سبعة اشواط و النقصان عنها و لو خطوة او اقل و حينئذ فلو حاذي آخر الحجر ببعض بدنه في ابتداء الطواف بعد النية بجميع بدنه لم يصح لعدم ابتدائه فيه بأول الحجر بل بما لا بد ان يحاذي بأقدم عضو من اعضائه اوّله بل قيل انهم اختلفوا في ذلك في تعيين أول جزء البدن هل هو الانف او البطن او ابهام الرجلين و ربّما اختلف الاشخاص بالنسبة الي ذلك و لكن ذلك كله بعد الاغضاء عما في الاخير كما تري لا دليل عليه بل ظاهر الادلة خلافه خصوصا ما في خبر

محمد «1» «من ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله طاف علي راحلته و استلم الحجر بمحجته» «2» و سيّما في هذه الازمنة التي يشد فيها الزحام كما اشار إليه في صحيح عمّار «و كنا نقول: لا بدّ ان يستفتح الحجر و يختم به و امّا اليوم فقد كثر الناس» «3» و ان كان الظاهر منه إرادة الاستلام له في المبدأ و المنتهي، و لكن الفرض شدة الحرج و الضيق فما ذكروه المنافي لسهولة الملة و سماحتها (الي ان قال) فالتحقيق عدم اعتبار ذلك) «4»

مع ما ذكر لا ينبغي ترك الاحتياط بأن ينوي الطواف قبل ان يمر علي الحجر و يحاذيه من الموضع الّذي يتحقق فيه المحاذاة الواقعية علي ان يكون ما قبل ذلك من باب المقدمة العلمية و بعبارة اخري ينوي الطواف من اوّل ما يحاذي شيئا من بدنه الحجر و الله العالم باحكامه.

______________________________

(1)- ابن مسلم و طريق الصدوق إليه فيه علي بن احمد بن عبد اللّه عن ابيه و هما غير مذكورين.

(2)- وسائل الشيعة ب 81 ابواب الطواف ح 2.

(3)- وسائل الشيعة ب 16 ابواب الطواف ح 1، قال، قال: «ابو عبد اللّه عليه السّلام كنّا نقول: لا بد ان نستفتح بالحجر و نختم به … ».

(4)- جواهر الكلام: 19/ 289 الي 290.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 31

[منها] وجوب الطواف علي يسار الطائف

و منها: ان يطوف علي يساره و تكون الكعبة المعظمة علي يساره من ابتداء طوافه الي انتهائه. و وجوب ذلك ثابت باستقرار سيرة المعصومين عليهم السلام عليه و سيرة المسلمين جميعا تأسيا بالنبي صلّي اللّه عليه و آله، و في الروايات ما يدل عليه مثل صحيح ابن سنان قال: «قال أبو عبد اللّه عليه

السّلام: اذا كنت في الطواف السابع فأت المتعوذ و هو اذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل … (الي ان قال) ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر فاختم به» «1» و في صحيح معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اذا فرغت من طوافك، و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يدك علي البيت الي ان قال ثم ائت الحجر الاسود» «2» فان الترتيب المزبور مستلزم لكون الطواف علي اليسار قال في الجواهر (و علي كل حال فلو جعله علي يمينه او استقبله بوجهه او استدبره جهلا او سهوا او عمدا لم يصح عندنا) «3» ثم ان الظاهر في ذلك أيضا كفاية الصدق العرفي.

و منها ان يدخل الحجر في الطواف
اشارة

و هذا أيضا اجماعي و النصوص الدالة عليه مستفيضة ففي صحيح الحلبي «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر كيف يصنع؟ قال: يعيد الطواف الواحد» «4» و لا فرق في الحكم المذكور بين القول بخروجه من البيت او دخوله فيه و ان كان ظاهر الروايات

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 26 ابواب الطواف ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 26 ابواب الطواف ح 4.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 292.

(4)- وسائل الشيعة ب 31 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 32

خروجه من البيت و ان فيه قبر هاجر و قبر اسماعيل و غيره من الأنبياء «1».

و لا ريب في عدم صحة الشوط الّذي وقع فيه هذا الاختصار و قال في الجواهر (لم يصح شوطه اجماعا لا الطواف كله كما سمعته في النصوص السابقة لكن قال الشهيد فيه روايتان و يمكن اعتبار تجاوز النصف هنا و حينئذ

لو كان السابع كفي اتمام الشوط من موضع سلوك الحجر و لعله اراد بالرواية الاخري ما سمعته من صحيح معاوية بن عمّار و لعلّه اراد بالرواية الاخري صحيح معاوية بن عمار «2» المحتمل لكون الاختصار في جميع الاشواط و كون الطواف بمعني الشوط و كذا خبر ابراهيم بن سفيان كتبت الي أبي الحسن الرضا عليه السّلام «امرأة طافت طواف الحج فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت فطافت في الحجر و صلت ركعتي الفريضة و سعت و طافت طواف النساء ثم اتت مني فكتب عليه السّلام تعيد» «3» بل عن التذكرة لو دخل احدي الفتحتين و خرج من الاخري لم يحتسب له و به قال الشافعي في احد قوليه و لا طوافه بعده حتي ينتهي الي الفتحة التي دخل منها. يعني فان دخلها أيضا لم يحتسب أيضا و ان تجاوزها و طاف بالحجر احتسب مطلقا او بعد النصف و فيه اشارة الي عدم الاكتفاء باتمام الشوط من الفتحة بل يجب الاستيناف لظهور الاعادة في الخبرين فيه بل نص الثاني منهما علي الاعادة من الحجر الاسود كما سمعت) «4».

اقول: فالكلام يقع في موضعين:

الاوّل: في ان بطلان الطواف و وجوب الاعادة هل يختص بالشوط الّذي وقع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 30 ابواب الطواف.

(2)- عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال «من اختصر في الحجر (في الطواف) فليعد طوافه من الحجر الاسود الي الحجر الاسود» وسائل الشيعة ب 31 ابواب الطواف ح 3.

(3)- وسائل الشيعة ب 31 ابواب الطواف ح 4.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 294.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 33

فيه الاختصار او يبطل به تمام الاشواط السابقة التي اتي بها او يفصل باعتبار التجاوز النصف ظاهر صحيح الحلبي المذكور كفاية

اعادة ذلك الشوط و ان كان لفظ الحديث علي ما في الفقيه «1» «يعيد الطواف الواحد» و لكن لفظه علي ما في التهذيب يعيد ذلك الشوط «2» و علي البناء علي كون الفقيه اضبط الظاهر من الطواف الواحد هنا هو الشوط الواحد لان الواحد صفة للشوط و علي هذا يمكن ان يقال: ان المراد بالطواف في صحيح معاوية عمّار هو الشوط مضافا الي احتمال كون المراد منه كما افاد صاحب الجواهر أيضا وقوع الاختصار في جميع الاشواط «3» و امّا خبر ابراهيم بن سفيان «4» فضعفه من جهة ان ابراهيم غير مذكور في كتب الرجال بالمدح و التوثيق و قوله «تعيد» قابل للحمل علي اعادة الشوط مضافا الي ان مورده فوت الموالاة بين الاشواط و مما ذكر يعلم انه لا وجه يعتد به للتفصيل بين التجاوز عن النصف و طريق الاحتياط علي هذه الاحتمالات معلوم ينبغي مراعاته.

الثاني: ان علي القول بكفاية اعادة الشوط هل يجب اعادته من الحجر لبطلان الشوط بتمامه او يكفي بل يجب اعادته من الفتحة التي دخل منها في الحجر ظاهر العلامة الثاني و ان كان صاحب الجواهر كانه استظهر من كلامه الاول «5» و كيف كان فظاهر صحيح الحلبي اعادة الشوط من الحجر و بطلان ما اتي به، و طريق الاحتياط معلوم و لا ينبغي تركه و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 398 ح 2806.

(2)- التهذيب: 5/ 109 ح 353/ 25.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 294.

(4)- الوسائل ابواب الطواف ب 31 ح 4.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 294.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 34

حكم الطواف علي حائط الحجر

و هل يجزيه في الطواف المشي علي حائط الحجر؟ قال المحقق (لم يجزه) و قال في الجواهر

(بلا خلاف و لا اشكال لعدم صدق الطواف بالبيت و الحجر) «1» و منافاته لما سمعته من وجوب الطواف به سواء قلنا بكونه من البيت او خارجا عنه و لا ريب في عدم تحقق ذلك مع الطواف ماشيا علي حائطه بل عن التذكرة عدم جواز مس الطائف الجدار بيده في موازاة الشاذروان لانه يكون بعض بدنه في البيت فلا يتحقق الشرط الّذي هو خروجه عنه بجميعه «2» بل كان كما لو وضع احد رجليه اختيارا علي الشاذروان و لكن فيه منع الشرط المزبور مع صدق الطواف عليه و لو لخروج معظم بدنه و لعله لذا جزم بالصحة في القواعد «3» لكن الاحوط ما ذكره نعم لو مسه لا في موازاته لم يكن به بأس.

اقول: امّا التسلق علي الحائط فالظاهر انه لا يجزي عن طواف الحجر اللهم الّا ان يقال: ان المنهي عنه الدخول في الحجر فلا بد لمن يريد طواف الكعبة الطواف بالحجر فلا بأس علي ذلك التسلق علي حائطه لعدم صدق الدخول فيه به و ليس في الروايات ما يدل بظاهره وجوب طواف الحجر نفسيا فدعوي الجواهر عدم اجزائه بالمشي علي الحائط بلا اشكال يجوز منعه و بذلك يظهر ضعف ما في التذكرة و غيره من عدم جواز مسه او وضع يده علي الحائط و لكن ينبغي مراعاة الاحتياط سيما في التسلق علي الحائط بل لا يجوز تركه هذا بالنسبة الي الحجر و اما بالنسبة الي الشاذروان فياتي الكلام فيه في المسألة الآتية ان شاء اللّه تعالي و اللّه ولي التوفيق.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 299.

(2)- التذكرة: 8/ 92.

(3)- القواعد: 1/ 426.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 35

حكم المشي علي الشاذروان

مسألة 1- اذا مشي الطائف في طوافه علي

اساس البيت المسمي بالشاذ روان فعلي القول بكونه من الكعبة كما حكي عن المدارك بل و غيره قطع «1» الاصحاب به فلا يجزيه ذلك لانه مأمور بطواف الكعبة و هو يتحقق بالمشي حوله من خارجه لا المشي عليه من داخله و اذا كان ذلك مشكوكا فيه لا بد من ادخاله في الطواف و لا يجزي بالتسلق عليه لان اصل عدم كونه من البيت لا يثبت به كونه غير اساس البيت و وقوع الطواف بالبيت فلا بد من ادخاله في المطاف لا في المطاف تحصيلا لليقين ببراءة الذمة.

حكم دخول الكعبة في اثناء الطواف

مسألة 2- اذ دخل الطائف في اثناء الطواف الكعبة المعظمة فهل يبطل طوافه فيجب عليه الاعادة ان كان طوافه واجبا او يفصل بين ما اذا وقع منه ذلك قبل التجاوز عن النصف فيبطل او بعده فيبني علي ما اتي به و يأتي بالباقي؟

مقتضي الاصل عدم البطلان و اتمام الطواف لو لم تفت الموالاة و لكنه مقطوع بالدليل و يدل علي بطلانه مطلقا صحيح حفص بن البختري «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «فيمن كان يطوف بالبيت فعرض له دخول الكعبة فدخلها؟ قال: يستقبل

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 299.

(2)- ثقة من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 36

طوافه؟» «1» و دلالته علي بطلان طوافه مطلقا ظاهرة.

و يدل علي بطلان خصوص ما اذا طاف بالبيت ثلاثة اشواط اي لم يبلغ أربعة اشواط صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة اشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله كيف يصنع؟ قال: يعيد طوافه و خالف السنة» «2»

و في مرسل ابن مسكان «3» قال «حدثني من سأله عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ثلاثة اشواط ثم

وجد خلوة من البيت فدخله؟ قال: نقض (يقضي) طوافه و خالف السنة فليعد» «4».

و هل يصح استفادة وجوب الاتمام و عدم البطلان منهما اذا طاف أربعة اشواط فيقيد بهما اطلاق صحيح الحلبي بتقريب ان السؤال فيهما ليس عن قضية خارجية وقعت للسائل او لغيره بل وقع علي النحو الكلي و عن طبيعي الموضوع فيفهم منه انه كان عالما بان الحكم هو الصحة و وجوب الاتمام اذا بلغ أربعة اشواط كسائر الموارد المنصوص عليها و الامام عليه السّلام لم يردعه عن ذلك بل قرره و بين حكم خصوص ثلاثة اشواط بالبطلان، و هذا وجه التفصيل و لا يبعد هذا الاستظهار الا انه لا يترك الاحتياط اذا طاف أربعة اشواط بالاتمام و الاعادة و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 41 ابواب الطواف ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 41 ابواب الطواف ح 3.

(3)- عبد اللّه ثقة عين من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة ب 41 ابواب الطواف ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 37

وجوب كون الطواف بين الكعبة و المقام

مسألة 3- المشهور وجوب كون الطواف بين الكعبة و المقام.

قال الشيخ في المبسوط (و ينبغي ان يكون طوافه فيما بين المقام و البيت، و لا يجوزه فان جاز المقام و تباعد عنه لم يصح طوافه) «1» و في الخلاف «2» قال (اذا تباعد من البيت حتي يطوف بالسقاية و زمزم لم يجزه، و قال الشافعي: يجزيه.

دليلنا ان ما ذكرناه مقطوع علي اجزائه، و ما ذكروه ليس علي اجزائه دليل فالاحتياط أيضا يقتضي ما قلناه) و قال ابن البراج في المهذب (و لا يطوف الّا ما بين المقام و البيت فان خرج عن المقام لا يصح) «3» و قال ابن ادريس في السرائر (و ينبغي ان

يكون الطواف بالبيت فيما بين مقام ابراهيم عليه السّلام و البيت يخرج المقام في طوافه و يدخل الحجر في طوافه و يجعل الكعبة علي شمال فمتي اخل بهذه الكيفية او بشي ء منها بطل طوافه) «4» و ما ذكر هو مختار المحقق في الشرائع و مختصر النافع، و الهذلي في الجامع و ابن زهرة في الغنية، و ابن حمزة في الوسيلة و الكيدري في الاصباح، و الحلبي في اشارة السبق و العلامة في القواعد و الارشاد و التبصرة تلخيص المرام.

و قال في التذكرة (يجب عندنا ان يكون الطواف بين البيت و المقام و يدخل الحجر في طوافه فلو طاف في المسجد خلف المقام لم يصح طوافه لانه خرج بالتباعد عن

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 356.

(2)- الخلاف: 2/ 324.

(3)- المهذب: 1/ 232.

(4)- السرائر: 1/ 572.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 38

القدر الواجب فلم يكن مجزئا) ثم ذكر رواية محمد بن مسلم التي أيضا نأتي بها و قال (و هو يعطي الجواز مع الحاجة كالزحام) «1» الخ.

و قال الشهيد في الدروس (و سابعها: الطواف بين البيت و المقام فلو ادخله لم يصح في المشهور، و جوّز ابن الجنيد الطواف خارج المقام عند الضرورة لرواية محمد الحلبي ما اري به بأسا و لا يفعله الّا ان لا يجد منه بدّا و يجب مراعاة قدره من كل جانب) «2».

هذا ما وقفنا من فتاوي فقهائنا المتقدمين في وجوب كون الطواف بين البيت و المقام و هو غير مذكور في كلام عدة منهم لعلهم او كلوه بالوضوح فهم بين من تعرض له و جوزه عند الضرورة او الحاجة كالزحام و بين من ظاهره الوجوب مطلقا

و يمكن اين يقال: ان الظاهر ممن اطلق قصر وجوبه علي

صورة الاختيار و عدم الحاجة فالذي يصح نسبته الي هؤلاء الاجلة هو وجوب ذلك في مثل حال عدم الزحام سيما اذا كان مثل ما يكون في هذا الزمان و يدل عليه صحيح الحلبي قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف خلف المقام؟ قال: ما احبّ ذلك و ما أري به بأسا فلا تفعله الّا ان لا تجد منه بدّا» «3» بل يدل علي كراهته و جوازه مطلقا و علي هذا يمكن ان يورد الاستدلال به لجوازه عند الحاجة باعراض المشهور عنه، و لكن الظاهر ان الصدوق عمل به و لعل غيره من الذين لم يتعرضوا لذلك عملوا به و الذين افتوا بالوجوب لم يرو لهم هذا الصحيح فلا يثبت الاعراض المسقط لحجية الخبر هذا علي القول بكون اعراض المشهور موجب لسقوط حجية الصحيح و انه كلما ازداد

______________________________

(1)- التذكرة: 8/ 92.

(2)- الدروس: 1/ 394.

(3)- وسائل الشيعة ب 28 ابواب الطواف ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 39

صحة ازداد ضعفا و امّا علي قول من لا يقول بذلك كما لا يقول بجبر ضعف السند بالعمل فالامر اوضح.

و امّا الاستدلال بان الطواف بين البيت و المقام علي اجزائه و ليس علي اجزائه دليل اذا وقع خارج المقام كما افاده الشيخ في الخلاف فالظاهر أنه مما شاة للمخالفين و الّا فيقال اذا كان الطواف صادقا علي فعله خارج المقام يكفي في امتثال قوله تعالي و ليطوفوا بالبيت العتيق مضافا الي انه علي فرض الشك في اجزائه و عدم وجود اصل لفظي دال علي الاجزاء ينفي اشتراط الطواف بكونه بين البيت و المقام بالاصل و هذا واضح.

بقي هنا الكلام في الخبر الّذي تمسكوا به في وجوب كونه بين البيت

و المقام و هو ما رواه شيخنا الكليني عن محمد بن يحيي «1» و غيره عن محمد بن احمد «2» عن محمد بن عيسي «3» عن ياسين الضرير «4» عن حريز بن عبد اللّه «5» عن محمد بن مسلم «6» قال: «سألته عن حدّ الطواف بالبيت الّذي من خرج منه لم يكن طائفا بالبيت؟ قال:

كان الناس علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام، و انتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت فكان الحدّ موضع المقام اليوم فمن جازه فليس بطائف، و الحد قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلها.

فمن طاف فتباعد من نواحيه ابعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من

______________________________

(1)- العطار القمي شيخ أصحابنا، من الثامنة.

(2)- من كبار الثامنة كان ثقة في الحديث …

(3)- ابن عبيد بن يقطين من السابعة راجع ترجمته في جامع الرواة.

(4)- كانه من السادسة غير مذكور بالمدح و القدح.

(5)- من كبار الخامسة معتمد راجع ترجمته في جامع الرواة.

(6)- من الرابعة وجه اصحابنا فقيه ورع …

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 40

طاف بالمسجد لانه طاف في غير حد و لا طواف له» «1».

و سنده في التهذيب «2»: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيي عن غير واحد عن احمد بن محمد بن عيسي «3».

و الحديث مضمر الا انه غير مضر اذا كان المضمر مثل محمد بن مسلم و احتمال كون المسئول منه محمد بن مسلم و كون السائل منه حريز بعيد و بعد ذلك قيل ان سنده ضعيف بياسين الضرير و ردّ بجبر ضعفه بعمل الاصحاب به و ان انكر ذلك بعض المعاصرين

من الاصل «4» و لكن يمكن ان نقول: ان الظاهر انه لم تكن عند الشيخ قدّس سرّه سيما و من بعده كالعلامة قرينة علي اعتبار السند خفيت علينا و كانهم اعتمدوا علي ظاهر الحال و حصول الاطمينان بصدور الخبر لهم فلا ينجبر بمثل ذلك ضعف السند فالحجة في المسألة هو صحيح الحلبي الدال علي جوازه خلف المقام مطلقا و مع ذلك فالاحوط في حال الاختيار الطواف بين البيت و المقام و امّا في حال الحاجة و الزحام فيجزي خلفه ما دام يصدق عليه طواف البيت و اللّه هو العالم.

[منها] وجوب كون الطواف سبعة اشواط
اشارة

و منها: اي و من الامور المعتبرة في الطواف ان يتم سبعا متواليا فلا تفرغ ذمته عنه بالاقل من السبع بل يبطل في بعض مصاديقه كما يبطل بالزيادة عليه علي التفصيل الّذي يأتي إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 4- لا خلاف و لا اشكال في وجوب اكماله سبعا و النصوص

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 28 ابواب الطواف ح 1.

(2)- التهذيب: 5/ 108 ح 351/ 23.

(3)- هو ابن محمد بن عيسي من السابعة شيخ القميين.

(4)- المعتمد: 4/ 341.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 41

الدالة عليه مستفيضة بل كما قال في الجواهر (متواترة) «1».

اعتبار التوالي بين الاشواط فهو أيضا معتبر في الجملة و في الجواهر (ظاهر الاصحاب هنا و النصوص وجوب الموالاة في الطواف الواجب في غير المواضع التي عرفت و لذا جعلها في الدروس الحادي عشر من واجباته نعم هي غير واجبة في طواف النافلة نصا و فتوي بلا خلاف اجده فيه و لكن في الحدائق المناقشة في وجوبها في طواف الفريضة أيضا للنصوص المزبورة التي هي اخص من دعواه بل بعضها صريح في بطلان الطواف بعدمها في الانقص من

النصف) «2».

و يمكن ان يقال: ان الظاهر ان الطواف عمل واحد و عبادة واحدة مركب من اشواط سبعة معتبر فيها لحوق كل لاحق منه بسابقه و العرف يفهم من الامر به لزوم الاتيان به متواليا و بعبارة اخري الطواف في الشرع عنوان للاشواط السبعة المرتبطة بعضها الي بعض التي يؤتي بها متوالية لا متفرقة بعضها عن الاخر فالواجب لحاظ ذلك فيه الّا في الموارد التي ورد النص فيه باللحوق الشرعي.

عدم جواز قطع الطواف بغير عذر

مسألة 5- هل يجوز قطع الطواف من غير عذر بالخروج عن المطاف و عدم الرجوع إليه الي ان فاتت الموالاة العرفية قال في الجواهر (و اما قطع الطواف عمدا لا لغرض فقد يقوي جوازه في غير طواف الفريضة بناء علي جواز قطع صلاة النافلة كذلك لان الطواف بالبيت صلاة، و لكن الاحوط تركه بخلاف طواف الفريضة بناء علي حرمة القطع في الصلاة الواجبة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 295.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 339.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 42

و علي استفادة ذلك من التشبيه المزبور) «1».

و هل يجوز الخروج من المطاف ثم الرجوع إليه قبل فوات الموالاة سواء كان في شوط يجوز البناء عليه او في غيره أم لا او يفصل بين ما لا يجوز البناء عليه كالشوط او الشوطين او ثلاثة اشواط فلا يجوز الخروج لانه بمنزلة قطعه و ما يجوز البناء عليه كما اذا كان الشوط الرابع و لعل الوجه ذلك أمّا اذا لم يجز النصف فانه يدل عليه بالإطلاق صحيح ابان بن تغلب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل طاف شوطا او شوطين ثم خرج مع رجل في حاجته، قال: ان كان طوافه نافلة بني عليه و ان كان طواف فريضة لم يبن

(عليه)» «2».

فانه يدل علي عدم البناء عليه اذا كان لا يعذر بالفحوي فاذا يستلزم الخروج قبل التجوز عن النصف قطعه و هو علي ما ذكر غير جائز، و الظاهر ان الغرض من السؤال و المثال بالشوط و الشوطين هو صورة عدم التجاوز عن النصف بقرينة الروايات الواردة في موارد اخري و أمّا اذا جاز النصف فمقتضي الاصل جواز الخروج و الرجوع قبل فوت الموالاة تكليفا و كذا وضعا فان الاصل عدم اشتراط الطواف بعدم الخروج كذلك فيحكم بصحته.

لا يقال: ذلك قطع الطواف عمدا و هو لا يجوز كقطع الصلاة فانه يقال: اذا كان مريدا للرجوع و لم يفت الموالاة العرفية لا يصدق عليه قطعه نعم اذا انصرف من اتمام الطواف و خرج من المطاف الظاهر انه قاطع به له فلا يجوز له بعد ذلك البناء علي ما اتي به و لكن لا يترك الاحتياط في الصورة الاولي باتمام ما في يده و اعادة الطواف نعم اذا خرج سهوا من المطاف بعد التجاوز عن النصف يرجع و يكمله و لو

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 340.

(2)- وسائل الشيعة ب 41 ابواب الطواف ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 43

عاد الي اهله امر من يطوف عنه ما فات منه و ان كان خروجه سهوا قبل التجاوز عن النصف يستأنف مع الامكان و الّا يستنيب و ربما اشكل علي ذلك بعدم المستند للتفصيل المذكور لاختصاص مستندهم بما هو اخص من ذلك كصحيح الحسن بن عطية قال: «سأله سليمان بن خالد و انا معه عن رجل طاف بالبيت ستة اشواط؟ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام كيف طاف (يطوف) ستة اشواط؟ قال استقبل الحجر و قال: اللّه اكبر و عقد واحدا

فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام يطوف شوطا فقال سليمان: فان (فان) فاته ذلك حتي اتي اهله؟ قال: يأمر من يطوف عنه» «1».

و علي هذا لا يتجه البناء علي ما اتي به الا اذا كان الفائت منه شوطا واحدا، و لكن يمكن ان يقال: انه يستفاد من مثل هذا التفصيل في سائر الموارد كعروض الحدث ان الحكم بأمره من يطوف عنه ليس مختصا بفوت شوط واحد بل لتجاوزه عن النصف، و في الجواهر قال (يمكن أن يكون مستند التفصيل المذكور فحوي ما تسمعه من النصوص في مسألة عروض الحدث في الاثناء بل قد تقدم في بحث ان الحائض و النفساء اذا منعهما عذرهما عن اتمام العمرة يعدلان الي الافراد و القران من النصوص ما هو مشتمل علي التعليل الشامل للمقام ففي خبر ابراهيم بن اسحاق «عمن سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة اشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تتم طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها ان تطوف بين الصفا و المروة و ذلك لانها زادت علي النصف و قد قضت متعتها و لتستأنف بعد الحج» «2» و خصوص الموارد لا يقدح في عموم التعليل المؤيد بما سمعت و فحوي ما تسمعه في المريض) الخ «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 32 ابواب الطواف ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 85 ابواب الطواف ح 4.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 327.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 44

عدم وجوب حفظ الموالاة في مواضع
اشارة

مسألة 6- لا يجب حفظ الموالاة في الطواف اذا جاوز النصف في مواضع.

[الاوّل:] اذا نقص من طوافه سهوا

الاوّل: اذا نقص من طوافه بعد التجاوز من النصف شيئا سهوا فانه يرجع و يتمه و لو عاد الي اهله يأمر من يطوف عنه و يدل عليه صحيح الحسن بن عطية «1» و صحيح الحلبي «2» و قد مر الكلام فيه.

[الثاني:] اذا نقص من طوافه لحاجة

الثاني: اذا عرض له حاجة فانه يقطع طوافه و يحصي ما طاف و يرجع و يبني عليه و هذا هو القدر المتيقن من الاخبار و حمل مطلقها علي مقيدها.

[الثالث:] لو مرض في اثناء الطواف

الثالث: لو مرض في اثناء طوافه لما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «3» عن سهل بن زياد «4» عن الحسن بن محبوب «5» عن ابن رئاب «6» عن اسحاق بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 32 ابواب الطواف ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 31 ابواب الطواف ح 1.

(3)- و هم محمد بن الحسن الطائي و محمد بن جعفر الاسدي او محمد بن أبي عبد اللّه و محمد بن عقيل الكليني علي بن محمد ابن ابراهيم خال الكليني.

(4)- مرمي بالضعف و لكن اذا اعتمد علي حديثه الاجلة بالنقل عليه يجبر به ضعفه و هو من السابعة.

(5)- جليل القدر … من السادسة.

(6)- له اصل كبير ثقة جليل من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 45

عمار «7» عن ابي الحسن عليه السّلام «في رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتلّ علة لا يقدر معها علي اتمام الطواف؟ فقال: ان كان طاف أربعة اشواط امر من يطوف عنه ثلاثة اشواط فقد تم طوافه و ان كان طاف ثلاثة اشواط و لا يقدر علي الطواف فان هذا مما غلب اللّه عليه فلا بأس بان يؤخر الطواف يوما و يومين فان خلته العلة عاد فطاف اسبوعا، و يصلي هو ركعتين و يسعي عنه، و قد خرج من احرامه، و كذلك يفعل في السعي و في رمي الجمار» «8».

و استشكل في دلالة الرواية بان مدلولها وجوب الاستنابة لا البناء علي ما قطع و الرجوع بعد رفع العلّة و اتمامه، و يمكن الجواب عنه بان الظاهر منها

عدم قدرته علي اتمام الطواف فعلا و بحسب الحال كما اذا كان مريدا للرجوع الي وطنه. فتأمل

و هل يمكن الاستدلال له بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا طاف الرجل بالبيت ثلاثة اشواط ثم اشتكي اعاد الطواف- يعني الفريضة» «9».

فانه كما يدل علي وجوب الاعادة اذا لم يتجاوز النصف يدل علي عدم وجوب الاعادة اذا تجاوز النصف.

لا يقال: انه ليس له مفهوم الّا علي نحو السالبة بانتفاء الموضوع فانه يقال: اذا كانت القضية مثل اذا طاف الرجل بالبيت فله كذا او عليه كذا مفهومه يكون من السالبة بانتفاء الموضوع و اما ذا كان الشرط مقيدا بقيد خاص كالثلاثة في المقام يدل

______________________________

(7)- ثقة من الخامسة فطحي.

(8)- وسائل الشيعة ب 45 ابواب الطواف ح 2.

(9)- وسائل الشيعة ب 45 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 46

علي ان الحكم مشروط بها و بعبارة اخري يدل علي ان وجوب الاعادة اذا اضطر الطائف بقطع طوافه ليس حكم الطواف مجردا عن قيد خاص فلا يشمل ما اذا طاف أربعة اشواط او خمسة بل يمكن ان يقال: بدلالة الثلاثة علي كون الاربعة او الخمسة مثلا غير محكوم بهذا الحكم و ما يكون حكم غير الثلاثة هنا بقرينة سائر الروايات الواردة في غير هذا الموضوع ليس الّا البناء علي ما اتي به بعد فوت الموالاة.

و في كل ذلك:

أو لا: أن الرواية كما في نسختنا المطبوعة من الكافي «1» هكذا «اذا طاف الرجل بالبيت اشواطا» فيسقط الاستدلال بها و ثانيا: انه يكون المفهوم بقرينة ما ذكر البناء علي المأتي به اذا لم يدل دليل علي حكم خاص له و هو استنابة من يطوف عنه و علي هذا نقول و

ان كان المشهور في هذا المورد أيضا التفصيل المذكور في سائر الموارد الّا ان مقتضي الاحتياط بالاستنابة و الاتيان بما بقي منه ان امكن و اعادته أيضا ان امكن و اللّه هو العالم.

[الرابع:] لو احدث في طواف الفريضة

الرابع: لو احدث في طواف الفريضة قال في الجواهر (بلا خلاف معتد به اجده فيه كما اعترف به غير واحد بل في المدارك هذا الحكم مقطوع في كلام الاصحاب … الخ). «2» الخ و يدل عليه مرسل ابن ابي عمير او جميل «3» المنجبر بعمل الاصحاب

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 414 ح 4.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 334.

(3)- وسائل الشيعة ب 40 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 47

و ما ورد من الروايات في الحائض «1» و قد مرّ منا الكلام فيه.

حكم الزيادة عمدا علي السبع في الطواف الواجب

مسألة 7- قال في الجواهر (الزيادة) عمدا (علي سبع في الطواف الواجب محظورة) و مبطلة (علي الاظهر) كما عن الوسيلة و الاقتصاد و الجمل و العقود و التهذيب، بل في المدارك انه المعروف من مذهب الاصحاب و في كشف اللثام انه المشهور و هو كذلك مع نيته في الابتداء علي وجه الادخال في الكيفية ضرورة كونه حينئذ ناويا لما لم يأمر به الشارع فهو كمن نوي صوم الوصال مثلا بل في كشف اللثام و كذا لو نواها في الاثناء لانه لم يستدم النية الصحيحة و لا حكمها، و فيه: ان ذلك غير مناف لاستدامة النية علي سبع و ان نوي الزيادة عليها) «2».

اقول: الزيادة علي الطواف تختلف صورها و ما ذكر صورتان منه و القدر المتيقن من الحكم عليها بالبطلان الصورة الاولي بل الصورة الثانية لان المفروض فيها اتيان الطواف بالثمانية و بعبارة اخري: ينوي في الاثناء كون مصداق الطواف المأمور به ثمانية اشواط و لا فرق في عدم نية الطواف المأمور به بين عدم نيته من الابتداء او في الاثناء و ما ذكره الجواهر انما يصح لو قصد زيادة شوط علي السبع لا

بعنوان كونه جزء من الطواف الواجب عليه.

و الصورة الثالثة و الرابعة ما اشار إليهما في الجواهر بقوله (و اما اذا تعمد فعلها من غير ادخال لذلك في النية فان تعمد فعلها لا من هذا الطواف ففي كشف اللثام عدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 85 ابواب الطواف ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 308.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 48

البطلان ظاهر لانها حينئذ فعل خارج وقع لغوا او جزء من طواف آخر، و ان تعمدها من هذا الطواف فظاهر ما سمعته من المشهور البطلان لانه كزيادة ركعة في الصلاة لقوله صلّي اللّه عليه و آله «الطواف بالبيت صلاة» «1»، و قول أبي الحسن عليه السّلام في خبر عبد اللّه بن محمد «الطواف المفروض اذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة اذا زدت عليها فاذا زدت عليها فعليك الاعادة و كذلك السعي» «2» و لخروجه عن الهيئة التي فعلها النبي صلّي اللّه عليه و آله مع وجوب التأسي و قوله صلّي اللّه عليه و آله «خذوا منّي مناسككم» «3» و لخبر ابي بصير «سأل الصادق عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط؟ قال: يعيد حتي يستتمه» «4» و لكن نوقش بكون الاول قياسا محضا علي انه ليس كزيادة ركعة في الصلاة بل مثل فعلها بعد الفراغ، و منع خروجه عن الهيئة المعهودة ضرورة كون الزيادة انما لحقتها من بعد و عدم فعله لها لا يقتضي التحريم فضلا عن البطلان للاصل و غيره، و لو سلّم فاقصاه انه تشريع محرم خارج عن العبادة و بالطعن في سند الخبرين المحتملين لنية الزيادة اوّل الطواف بناء علي ما سمعته من كشف اللثام بل قد يحتمل الثاني منهما إرادة اتمام طواف آخر كما يشعر

به قوله عليه السّلام «يستتمه» علي انه يدل علي تحريم زيادة الشوط كل ذلك مضافا الي الاصل و اطلاق صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهم السّلام: «سأله عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية اشواط؟ قال:

يضيف إليها ستا» «5» و نحوه غيره.

و لكن قد يدفع جميع ذلك بظهور الخبرين المنجبرين بما سمعت بل يؤيد إرادة

______________________________

(1)- سنن البيهقي: 5، ص 87، كنز العمال: 3، ص 10- الرقم 206.

(2)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 11.

(3)- تيسير الوصول، ج 1، ص 312.

(4)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 1.

(5)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 49

اعادة ذلك الطواف من قوله عليه السّلام «يستتمه» روايته في الكافي «حتي يتنبه» و هو كالصريح في إرادة الطواف الاول، و صحيح ابن مسلم و غيره محمول علي الزيادة سهوا او مع نية طواف ثان) «1» الخ.

اقول: ما في نسختنا من الكافي و الوسائل من خبر أبي بصير المعبر عنه في كلام بعض الاجلة بالصحيح «حتي يثبته» «2» نعم في التهذيب «3» و الاستبصار «4» رواه الشيخ (حتي يستتمه) و كيف كان فلا ريب ان مقتضي الاحتياط هو الاعادة بل هذا هو الاظهر

و هنا صورة اخري للزيادة العمدية و هي كونه من طواف آخر غير الاول و يتمه سبعا و يتحقق به القران بين الطوافين و محكوم عند المشهور هو و الاول بالبطلان لاشتراط الطواف بان لا يكون مسبوقا و لا ملحوقا بطواف آخر لم تؤت بصلاته بعده و قيل فيه بالكراهة و الاخبار الواردة في المسألة علي طوائف.

الاولي: ما يدل علي عدم جوازه مطلقا في الفريضة و النافلة كما رواه الشيخ عن احمد

بن محمد بن عيسي «5» عن علي بن احمد بن اشيم «6» عن صفوان بن يحيي «7» و احمد بن محمد بن ابي نصر «8» قالا: «سألناه عن قران الطواف السبوعين و الثلاثة؟

قال: لا انّما هو سبوع و ركعتان: و قال: كان أبي يطوف مع محمد بن ابراهيم فيقرن

______________________________

(1)- جواهر الكلام، 19/ 308.

(2)- المعتمد: 4/ 362.

(3)- التهذيب: 5 ص 111 ح 361/ 33.

(4)- الاستبصار: 2/ 217/ 746/ 1.

(5)- له الرواية عن علي بن احمد بن اشيم و صفوان (و احمد بن محمد) من السابعة او الثامنة.

(6)- كانه من كبار السابعة.

(7)- من السادسة.

(8)- من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 50

و انما كان ذلك منه لحال التقية» «1» و سنده ضعيف بعلي بن احمد بن اشيم المجهول.

الا انه مؤيد بما رواه عنه يعني احمد بن محمد بن عيسي الاشعري المذكور في سنده عن احمد بن محمد بن أبي نصر قال «سأل رجل أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يطوف الاسباع جميعا فيقرن؟ فقال: لا الّا اسبوع و ركعتان، و انّما قرن ابو الحسن لانه كان يطوف مع محمد بن ابراهيم لحال التقية» «2» و لذا من المحتمل كون احمد بن محمد بن ابي نصر في الرواية الاولي معطوفا علي علي بن احمد كما يحتمل ان يكون صفوان أيضا معطوفا به فبدّل واو العطف فيه بحرف الجر و كيف كان فالروايتان تدلان بالإطلاق علي عدم جواز القران مطلقا اللهم الّا ان يقال: ان الاتيان بالاسابيع ظاهر في النافلة، و لكن ذلك لا يدلّ علي اختصاص الحكم بالنافلة بل يستفاد منه شموله للفريضة بالاولوية و لا قائل بالتفصيل بين النافلة و الفريضة باشتراط الاولي بعدم القران و عدم الثانية

به.

هذا و روي ابن ادريس في مستطرفات سرائره عن كتاب حريز عن زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا قران بين اسبوعين في فريضة و نافلة» «3» و رده بعض الاعلام بضعف سنده لجهالة طريق ابن ادريس الي كتاب حريز «4» و فيه ما كررنا الاشارة إليه ان جهالة الطريق الي الكتاب اذا كان النافل ناقلا للحديث عن الكتاب نفسه لا يضر بالاعتماد عليه بل و ان علم انه لا طريق له إليه بل نقله و جادة عنه، و ابن ادريس ينقل في مستطرفاته عن طائفة من الكتب منها كتاب حريز و كتاب المشيخة و قرب الاسناد و من لا يحضره الفقيه و التهذيب و غيرها فلا يرد نقله عن هذه الكتب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 6.

(2)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 7.

(3)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 14.

(4)- المعتمد: 4/ 367.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 51

بجهالة طريقه او عدم طريق له إليها.

الثانية: ما قيل بدلالته علي الجواز مطلقا فرضا كان او نفلا.

مثل خبر زرارة انه قال: «ربما طفت مع ابي جعفر عليه السّلام و هو ممسك بيدي الطوافين و الثلاثة ثم ينصرف و يصلي الركعات ستا» «1» و هذا يدل علي الجواز في الجملة و في طواف النافلة لا مطلقا.

و صحيحه الاخر قال: «طفت مع أبي جعفر عليه السّلام ثلاثة عشر اسبوعا قرنها جمعيا و هو آخذ بيدي ثم خرج فتنحي ناحية فصلي ستا و عشرين ركعة، و صليت معه» «2» و هذا أيضا كسابقة لا يدل ازيد علي جواز القران في الجملة و المحتمل كونه و سابقه واحدا.

و هنا طائفة اخري تدل علي التفصيل بين الفريضة

و النافلة مثل صحيح زرارة قال «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام انّما يكره ان يجمع الرجل بين الاسبوعين و الطوافين في الفريضة و امّا في النافلة فلا بأس». «3»

و دلالته علي التفصيل علي القول بظهور الكراهة في المبغوضية ظاهرة مضافا الي ان قوله عليه السّلام «و امّا النافلة فلا بأس» قرينة علي اراده المبغوضية و الحرمة منه لان قوله عليه السّلام «لا بأس» مشعر بعدم الحرمة و الالزام علي الترك لا عدم المرجوحية المطلقة، و مضافا الي دعوي الاجماع علي خلافه.

و علي هذا يمكن الجمع بهذا الصحيح بين الطائفتين الاولي بحمل ما يدل علي النهي المطلق علي الفريضة و ما يدل علي الجوار علي النافلة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 2.

(2)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 5.

(3)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 52

و مما يدل علي التفصيل خبر عمر بن يزيد الذي رواه في الكافي عن احمد بن محمد «1» عن محمد بن احمد الهندي «2» عن محمد بن الوليد «3» عن عمر بن يزيد «4» قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: انّما يكره القران في الفريضة فامّا النافلة فلا و اللّه ما به بأس» «5».

ثم انه و ان قلنا ان المشهور اشتراط الطواف بان لا يسبقه طواف آخر و لا يلحقه طواف آخر فالطواف المسبوق بالطواف و الملحوق به باطل الا انه لا يستفاد ذلك من الاخبار التي سمعت طائفة منها فيمكن ان يقال: ان النهي عن القران في الطواف تكليفي سواء كان تنزيهيا او تحريميا متعلق بالطواف الثاني و ما بعد دون الاول

و عن الرياض (انا لم نقف علي

نص و لا فتوي تتضمن الحكم بالابطال و انّما غايتهما النهي عن القران الذي غايته التحريم و هو لا يستلزم بطلان الطواف الاول اذا كان فريضة او بطلانهما معا كما هو ظاهر العبارة و غيرها لتعلق النهي بخارج العبادة لعدم صدق القران الّا بالاتيان بالطواف الثاني فهو المنهي عنها لا هما معا او الاول كما هو ظاهر القوم نعم لو اريد بالباطل الطواف الثاني اتجه لتعلق النهي بنفس العبادة حينئذ «6» الخ.

______________________________

(1)- ابن احمد بن طلحة ثقة في الحديث كانه من الثامنة او السابعة.

(2)- ابن خاقان أبو جعفر المعروف بحمدان قال العياشي (كوفي فقيه ثقة) و قال النجاشي (انه مضطرب) و نفي بعض المعاصرين دلالة ذلك علي ضعفه و لذا اخذ علي صاحب الحدائق فان تعبيره كما تري في تعبير الجواهر مشعر بضعف الرواية سندا و اما كونه من رجال كامل الزيارة ففيه ما فيه و هو من السابعة.

(3)- البجلي الكوفي ثقة من السادسة.

(4)- بياع السابري ثقة له كتاب من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 4.

(6)- رياض المسائل: 6/ 549.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 53

اقول: و لكن كان الظاهر من كلامهم بطلان الاول بالقرآن فضلا عن الثاني، و بعبارة اخري صحة الاول مشروط بعدم لحوق الثاني به كالشرط المتأخر فلا يترك الاحتياط بالبناء علي البطلان و اللّه هو العالم.

اذا زاد في طوافه علي السبع قبل بلوغه الركن

مسألة 8- اذا زاد في طوافه علي السبع قبل بلوغه الركن يقطعه و لا شي ء عليه.

و حكي في الجواهر التصريح به عن الشيخ و بنو زهره و البراج و سعيد و غيرهم قال (بل هو المشهور) «1» و يدل عليه ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي «2» عن احمد بن محمد «3»

عن ابن فضّال «4» عن علي بن عقبة «5» عن أبي كهمس «6» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي فطاف ثمانية اشواط؟ قال: ان ذكر قبل ان يبلغ الركن فليقطعه» «7» و رواه الشيخ في التهذيب «8» عن محمد بن احمد بن يحيي، و في بعض النسخ: محمد بن يعقوب «9» عن محمد بن احمد بن يحيي «10» عن محمد بن الحسين «11»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 384.

(2)- من الثامنة ثقة عين كثير الحديث له كتب.

(3)- من السابعة الحسن بن علي بن فضال عظيم المنزلة جليل القدر بن خالد الاسدي ثقة له كتاب هستم بن عبد اللّه له كتاب شيخ القميين و وجههم.

(4)- من السادسة.

(5)- من السادسة.

(6)- من الخامسة.

(7)- الكافي، 4/ 418/ 10.

(8)- التهذيب ج 5، ح 367/ 39.

(9)- من التاسعة.

(10)- من كبار الثامنة.

(11)- من السابعة جليل من اصحابنا القدر مسكون الي روايته حس التصانيف.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 54

عن ابن فضال و ذكر «إن كان ذكر» و «قبل ان يأتي» و زاد «فقد أجزأ عنه و ان لم يذكر حتي بلغه فليتم أربعة عشر شوطا، و ليصل اربع ركعات» «12» و قال العلامة المجلسي في المرآة (المراد بالركن ركن الحجر و ما توهم من ان المراد به الركن الذي بعد ركن الحجر فلا يخفي وهنه و دلالته علي مختار المشهور ظاهر) و في الجواهر قال (لا اجد فيه خلافا الّا من بعض متأخري المتاخرين بناء علي اصل فاسد و هو عدم انجبار الخبر الضعيف بالعمل) «13»

و لكن هذا الخبر معارض بخبر آخر عن عبد الرحمن عن عبد اللّه ابن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: من طاف

بالبيت فوهم حتي يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين» «14» و سنده معتبر بل عن العلامة الحكم بصحته «15» غير انه اذا كان المراد من قوله «حتي يدخل» مجرد الشروع لا اتمام الشوط و لا بعد اتيانه الركن مهجور لم يعمل به لا يقاوم خبر ابي كهمس المنجبر بالعمل و يمكن ان يقال بتقييده بخبر ابي كهمس فان الدخول اعم من تجاوزه عن الركن هذا.

مضافا الي انه معارض بروايات دلت بمفهومها علي اتمام الطواف الثاني اذا اتي بشوط كامل لا مطلقا مثل قوله عليه السّلام: «اذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر» «16» فنبقي و خبر أبي كهمس و هو يدل علي انه ان لم يبلغ الركن يقطعه و ان بلغ الركن يتمه أربعة عشر شوطا و لكن بعض الاجلة من المعاصرين حيث لا يري جبر ضعف السند

______________________________

(12)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 4.

(13)- جواهر الكلام: 19/ 384.

(14)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 5.

(15)- الحكاية عن جواهر الكلام: 19/ 384.

(16)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 55

بالعمل افتي بانه ان كان الزائد اقل من شوط قطعه و صح طوافه (يعني و ان بلغ الركن)، و مستنده حمل الدخول في صحيح ابن سنان علي الدخول الكامل بقرينة قوله عليه السّلام «اذا طاف … » و كانه اراد من ذلك حمل الظاهر علي الاظهر و قال و لو تنزلنا و التزمنا بالتعارض فالمرجع بعده هو الاصل المقتضي للصحة و يؤيد برواية ابي كهمس فانه صريح في المطلوب «1» اقول انه صريح في المطلوب اذا لم يبلغ الركن و اما ان بلغه فصريح في عدم

ما اخترتم و اللّه هو العالم.

من زاد علي السبعة في طواف الفريضة سهوا

مسألة 9- قال في الجواهر (و من زاد علي السبعة) في طواف الفريضة (سهوا) شوطا (اكملها اسبوعين) في المشهور نصا و فتوي (و صلّي الفريضة أولا و ركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي) «2».

أقول: حكي عن الصدوق ما ظاهره التخيير بين اعادة الطواف و اضافة ستّة إليها فيجعل واحدا فريضة و الآخر نافلة «3»، و قال بعض المعاصرين من الاجلّه (الاحوط ان يتم الزائد و يجعله طوافا كاملا بقصد القربة المطلقة) «4».

و الاولي التعرض للاحاديث و النظر الي دلالتها ثم النظر الي صورة استدلال هؤلاء بها فنقول:

منها: صحيح ابي أيوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل طاف بالبيت ثمانية

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 372.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 364 و 365.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 364 و 365.

(4)- المعتمد: 4/ 375.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 56

اشواط طواف الفريضة؟ قال: فليضمّ إليها ستّا ثم يصلي اربع ركعات» «1» و صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليه السّلام قال: «ان في كتاب علي عليه السّلام: اذا طاف الرجل بالبيت ثمانية اشواط الفريضة و استيقن ثمانية اضاف إليها ستا» «2» و صحيحه الآخر عن احدهما عليه السّلام قال: «قلت له: رجل طاف بالبيت فاستيقن انه طاف ثمانية اشواط؟ قال يضيف إليها ستة و كذلك اذا استيقن انه طاف بين الصفا و المروة ثمانية فليضف إليها ستة» «3».

و نحوه او عينه صحيح محمّد بن مسلم الثالث عن احدهما عليه السّلام قال: «سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية اشواط؟ قال: يضيف إليها ستة» «4» و خبر علي بن ابي حمزة «5» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل و انا حاضر عن رجل طاف

بالبيت ثمانية اشواط؟ فقال: نافلة او فريضة؟ فقال: فريضة فقال: يضيف إليها ستة فاذا فرغ صلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام ثم خرج الي الصفا و المروة طاف بينهما (ثم يخرج الي الصفا و المروة و يطوف بهما نسخة المصدر) فاذا فرغ صلي ركعتين اخراوين فكان طواف نافلة و طواف فريضة».

و صحيح رفاعة قال: «كان علي عليه السّلام يقول: اذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر قلت:

يصلي اربع ركعات؟ قال: يصلي ركعتين» «6».

و هذه الروايات بعضها مختص بحال السهو مثل روايات محمد بن مسلم و ظاهر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8، 9، 10، 12، 13، 15.

(2)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8، 9، 10، 12، 13، 15.

(3)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 13، 10، 12.

(4)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8، 15، 9.

(5)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8، 15، 9.

(6)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8، 15، 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 57

بعضها الاطلاق و الشمول لحالتي السهو و العمد مثل صحيح ابي أيوب و خبر علي بن ابي حمزة و صحيح رفاعة و علي هذا يشمل بالإطلاق ما اذا زاد علي السبعة بقصد كونها و الزائد الطواف الواجب كما يشمل ما اذا قصده بالاستقلال و إرادة ذلك منهما بعيد جدا فحملهما علي صورة السهو قريب و يمكن ان يقال: ان اطلاقهما في العمد مقيد بمعتبرة عبد اللّه بن محمد عن ابي الحسن عليه السّلام: «الطواف المفروضة اذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة اذا زدت عليها فعليك الاعادة و كذلك السعي» «1».

و ظاهرها الزيادة العمدية.

و لكن هنا ما يدل علي البطلان

و ان كان سهوا مثل صحيح ابي بصير قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط المفروض؟ قال: يعيد حتي يثبته» «2». و مثله مضمره قال: «قلت له: فانه طاف و هو متطوع ثماني مرات و هو ناس قال: فليتمه طوافين ثم يصلي اربع ركعات و امّا الفريضة فليعد حتي يتم سبعة اشواط» «3».

بل يمكن ان يقال بدلالة صحيح رفاعة أيضا علي بطلان السبعة الاولي لقوله عليه السّلام «يصلي ركعتين» و لكنه بظاهره غير معمول به لان الصدوق افتي باعادة الطواف او اضافة ستة إليها فيجعل واحدا فريضة و الاخري نافلة قال: في المقنع: فان طفت بالبيت المفروض ثمانية اشواط فاعد الطواف، و روي «يضيف إليها ستة فيجعل واحدا فريضا و الآخر نافلة» «4».

و يمكن تقييد الصحيح بما يدل علي حكم صورة السهو مثل صحيح محمد بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 11.

(2)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 1.

(3)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 2.

(4)- المقنع: 266.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 58

مسلم نعم المضمر نصّ لصورة النسيان و لكنه لا يعارض ما يدل علي خلافه أي وجوب ان يضيف إليه الست.

فيتحصل من جميع ما ذكر قوة قول المشهور و ان موافقته مجزية بالاجماع لانهم علي قولين احدهما ما اختاره الصدوق و هو كونه بالاختيار بين اضافة الست و جعل واحد منهما فريضة و الاخر نافلة و بين الاعادة و الثاني عليه المشهور بل تحقق الاجماع عليه و هو اضافة الست.

هذا و قد سلك بعض الاعاظم في الجمع بين هذه الاخبار مسلكا ينتهي الي تقوية مختار الصدوق قدس سره و خلاصته ان اخبار الباب علي طوائف:

الاولي:

ما يدل بالإطلاق علي البطلان كصحيحة ابي بصير فانها تشمل صورتي الزيادة العمدية و السهوية.

و الثانية: ما يدل علي اضافة الست إليها اذا طاف ثمانية اشواط مثل صحاح رفاعة و محمد بن مسلم و ابي أيوب.

و الثالثة: ما دل علي البطلان في صورة العمد مثل معتبرة عبد اللّه بن محمد و افاد بان التعارض بين الطائفتين الاولتين بالتباين.

لان كلا منهما بالإطلاق يشمل الزيادة العمدية و السهوية، لكن الطائفة الثالثة الدالة علي البطلان في صورة العمد نسبتها مع الطائفة الثانية الدالة علي الصحة نسبة الخاص الي العام فاذا خرج العامد عن تحت عموم الطائفة الثانية تصير الثانية مخصصة للاولي و يختص البطلان بالعمد، و لكن معتبرة أبي بصير صريحة في الاعادة في صورة النسيان و علي ذلك و علي ما قد قرر في محله ان في مورد واحد اذا ورد امران مختلفان مقتضي القاعدة هو التخيير و هذا الّذي هو مختار الصدوق رضوان اللّه تعالي عليه و لكن حيث دار الامر بين التعيين و التخيير و هو اتمام الزائد معينا او

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 59

مخيرا بينه و بين الاعادة الاحوط اتمام الزائد و جعله طوافا كاملا بقصد القربة المطلقة «1».

و فيه مواضع من النظر: الاول: انه لا حاجة في تقييد الطائفة الاولي بما ذكر لانها تقيد بروايات محمد بن مسلم الدال علي الحكم في صورة النسيان

و الثاني: انه كما يخرج العامد عن تحت عموم الطائفة الثانية بالمنطوق يخرج عن تحت عموم الطائفة الاولي بمفهومه لان الفرض ان رواية عبد اللّه بن محمد وردت في حكم العامد فلا حاجة الي ان نقول بتقييد الطائفة الاولي بالطائفة الثانية المقيدة بالطائفة الثالثة.

الثالث: ان التعارض و ان يقع كما

ذكره بين صحيح رفاعة و ابي أيوب بل بينه و بين صحاح محمد بن مسلم الا ان المتعارضين ليسا بالمتكافئين لاضمار احدهما دون الاخر مضافا الي تعدد رواته فلتقدم الصحاح علي المضمر.

الرابع: ان ما ذكره اخيرا في مقام الاحتياط لا يتم به فانه يجزيه اذا كان اكمال الاشواط بقصد القربة المطلقة اي سواء كان الاول فريضة و الثاني نافلة او بالعكس لا بقصد ما عليه من الاتمام و الاعادة فانه لو كان الواجب عليه قطعه و الاعادة تجب اعادته من رأس فتدبر و اللّه هو الهادي الي الحق و الصواب.

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 374.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 60

تنبيهان: الاول: بناء علي ان المستفاد من الاحاديث ان من زاد في طواف الفريضة سهوا شوطا يكملها اسبوعين و يصلي الفريضة و يأتي بركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي هل يكون ذلك علي وجه العزيمة اي يجب عليه الاكمال المذكور أو يكون علي وجه الرخصة فهو مخير بينه و بين اعادة الطواف رأسا او بينهما و بين ترك الزائد الاسبوعين فان لم يكمل الاسبوع الثاني يبطل الاول او ان الاول علي حاله وقع صحيحا و المكلف بالخيار ان شاء يكمل الثاني او يتركه او انه يجب عليه اكمال الثاني تكليفا و بالجملة السؤال في ذلك راجع الي الخلل الواقع للسبعة الاولي المشروطة بعدم زيادة شوط عليها و لو سهوا او لدفع وقوع الزائد لغوا الظاهر هو الاول و انه اذا اكمل الشوط الزائد بالاشواط الستة لا يكون زائدا علي الاول و لكن لا يستفاد من ذلك وجوب اكماله و عدم جواز رفع اليد عما اتي به فهو مخير بين الاعادة او اكمال الزائد. هذا ما يمكن ان يقال

مستفاد من ظاهر الاخبار و لكن الاحتياط اختيار اكمال الزائد بزيادة ست عليه و جعل المجموع اسبوعين و علي ذلك كله لا يجوز له الاكتفاء بالثانية بالبناء علي رفع اليد عن الشوط الثامن و اللّه هو العالم.

الثاني: علي القول المشهور و الاتيان بأربعة عشر شوطا فلا ريب في كون احد الطوافين نافلة و الاخر فريضة فهل الفريضة الطواف الاول او الثاني. قال في الجواهر: ان الفاضل و الشهيدان قد صرحوا باستحباب الاكمال المزبور الّذي مقتضاه كون الثاني هو النافلة بل هو ظاهر المصنف و غيره من عده في ذكر المندوبات و حينئذ يجوز له قطعه و لعله لأصالة البراءة بعد بقاء الاول علي الصحة المقتضية لذلك باعتبار نيته خلافا للمحكي عن ابني الجنيد و سعيد من كون الثاني هو

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 61

الفريضة «1».

أقول: قد مر منّا ان الظاهر من المسألة ان امرهم بالاكمال يكون علاجا لنقص دخل في الاول بزيادة شوط واحد و لا ريب في انه يجوز له رفع اليد عنه و الاعادة انّما انه بمقتضي هذه الروايات يستحب له رفع النقص الوارد علي طوافه بزيادة شوط سهوا عليه باتمامه سبعة اشواط و لازم ذلك بقاء الاول علي كونه مفروضا و كون الثاني مندوبا و يدل علي ذلك كله ما رواه ابن ادريس المستطرفات نقلا من نوادر البزنطي عن جميل انه «سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن طاف ثمانية الشواط و هو يري أنها سبعة قال: فقال: ان في كتاب علي عليه السّلام انه اذا طاف ثمانية اشواط يضم إليها ستة اشواط ثم يصلي الركعات بعده قال: و سئل عن الركعات كيف يصليهنّ او يجمعهن او ما ذا؟ قال: يصلي ركعتين

للفريضة ثم يخرج الي الصفا و المروة فاذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلي ركعتين للاسبوع الآخر» «2» و لا عبرة بتضعيف سنده بجهالة طريق ابن ادريس الي نوادر البزنطي و اللّه هو المؤيد و الهادي الي الصواب.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 367.

(2)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 16.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 63

الكلام في ركعتي الطواف

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 65

الكلام في ركعتي الطواف قال الشيخ في الخلاف: ركعتا الطواف واجبتان عند اكثر اصحابنا، و به قال عامّة اهل العلم ابو حنيفة و مالك و الاوزاعي و الثوري، و للشافعي فيه قولان احدهما مثل ما قلناه، و الآخر انهما غير واجبتين و هو اصح القولين عندهم و به قال قوم من اصحابنا.

دليلنا قوله تعالي و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلّي، و هذا امر يقتضي الوجوب، و طريقة الاحتياط أيضا تقضيه لانه اذا صلاهما برئت ذمته بيقين و اذا لم يصلهما فيه الخلاف و اخبارنا في هذا المعني اكثر من ان تحصي ذكرناها و بيّنا الوجه في الرواية المخالفة لها، و لا خلاف ان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّاهما و ظاهر ذلك يقتضي الوجوب) «1».

و في التذكرة (و عند اكثر علمائنا) و بعد نقل القول بالاستحباب عن مالك و الشافعي في القول الثاني و احمد قال (و هو قول شاذّ من علمائنا لانها صلاة لم يشرع لها اذان و لا اقامة فلا تكون واجبة.

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 327 م 138.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 66

قلنا: تكون واجبة و لا يسن لها الاذان و كذا العيد الواجب و الكسوف) «1».

و قال الحلّي في السرائر (و ركعتا طواف الفريضة فريضة مثل الطواف علي الصحيح من اقوال اصحابنا

و ذهب شاذ منهم الي انهما مسنونان و الاظهر الاول و يعضده قوله تعالي و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلّي و الامر في عرف الشرع يقتضي الوجوب عندنا بغير خلاف بيننا) «2».

و مما ذكر يظهر ما في كلام بعض الاجلة من المعاصرين فانه قال (و هي (يعني صلاة الطواف) مما لا اشكال و لا خلاف في وجوبها بين المسلمين) «3».

امّا الآية الكريمة «4» فالاستدلال بها بضمّ اتفاقهم علي ان المراد منها صلاة الطواف

ظاهر لدلالة الامر بها علي الوجوب و يمكن ان يقال بان ظاهر الامر يدل علي الوجوب و لا صلاة واجبة هنا باتفاق الفريقين غير صلاة الطواف.

و اما الاخبار الدالة علي وجوبها فكثيرة جدا منها: صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم عليه السّلام فصلّ ركعتين- الي ان قال- و هاتان الركعتان هما الفريضة» الحديث «5» و منها غيره مما ورد في ابواب كثيرة من ابواب الطواف فلا ينبغي الريب في وجوبهما و لا يعتني بالقول الشاذ الّذي لم يعرف قائله و الدليل عليه ان كان هو الاصل فهو مقطوع بالآية و بتلك الروايات و ان كان ما روي عنه صلّي اللّه عليه و آله قال للاعرابي الّذي قال له صلّي اللّه عليه و آله: «هل علي غيرها (يعني

______________________________

(1)- التذكرة: 8، ص 94 م 461.

(2)- السرائر: 1/ 576.

(3)- المعتمد: 5/ 35.

(4)- الآية 119 من سورة البقرة.

(5)- وسائل الشيعة ب 3 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 67

الخمس)؟ لا الا ان تطوع» «1» فالمحتمل انه لم يكن عليه الحج و العمرة او كان المراد من السؤال و الجواب ما كان من الصلاة واجبا

مطلقا و غير مشروط بشي ء و علي نحو الاستقلال هذا مضافا الي ضعف السند كما لا يخفي و يقال مثل ما ذكر فيه في صحيح زرارة او حسنه قال: «قال ابو جعفر عليه السّلام: فرض الله الصلاة و سنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و آله (علي) عشرة اوجه صلاة السفر و الحضر و صلاة الخوف علي ثلاثة اوجه، و صلاة كسوف الشمس و القمر و صلاة العيدين، و صلاة الاستسقاء و الصلاة علي الميت» «2» فان المحتمل كون المراد منه ما شرع من الصلاة بنفسها لا تابعة لطواف و غيره علي انه مشتمل علي ما ليس بواجب و لا ريب في ان صلاة الطواف مشروعة.

و كيف كان فالقول بالاستحباب كانه مخالف للقطع بخلافه بعد ملاحظة الروايات الدالة علي الوجوب التي ليس بمجازف من يقول بتواترها.

وجوب وقوع صلاة الطواف خلف المقام

مسألة 10- المشهور عدم الاجتزاء بوقوع صلاة الطواف حال العمد و الاختيار في غير المقام كحجر اسماعيل بل يمكن دعوي اتفاقهم علي ذلك دون الشيخ في الخلاف و الصدوقين في خصوص صلاة طواف النساء.

و قال الصدوق في المقنع (ثم ارجع الي البيت فطف به اسبوعا و هو طواف النساء ثم صلّ ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام او حيث شئت من المسجد) «3».

______________________________

(1)- سنن النسائي ج 1 ص 227.

(2)- وسائل الشيعة ب 1 ابواب اعداد الفرائض ح 2.

(3)- المقنع: 2 ص/ 287.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 68

و قال في الهداية (ثم ارجع الي البيت، فطف به اسبوعا و هو طواف النساء ثم صلّ ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام او حيث شئت من المسجد) «1».

و قال في الفقيه في طواف النساء (ثم صلّ ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام

او حيث شئت من المسجد) «2».

و قال الشيخ في الخلاف (يستحب ان يصلي الركعتين خلف المقام فان لم يفعل و فعل في غيره اجزأه و به قال الشافعي، و قال مالك: فان لم يصلهما خلف المقام فعليه دم، و قال الثوري: يأتي بهما في الحرم.

دليلنا انه لا خلاف ان الصلاة في غيره مجزئة و لا تجب عليه الاعادة و جبرانه بدم يحتاج الي دليل لان الاصل براءة الذمة) «3»

أقول: اما الفرق بين طواف النساء و غيره كما سمعت من الصدوق فقال في الجواهر (لم نعثر علي ما يدل علي الفرق بينه و بين غيره كما اعترف به في كشف اللثام قال: الا رواية عن الرضا عليه السّلام و الظاهر ارادته ما عن الفقه المنسوب الي الرضا عليه السّلام حيث قال: بعد ذكر المواضع التي يستحب الصلاة فيها و ترتيبها في الفضل ما صورته: «و ما قرب من البيت فهو افضل الا انه لا يجوز ان يصلي ركعتي طواف الحج و العمرة الا خلف المقام حيث هو الساعة و لا بأس بان تصلي ركعتين لطواف النساء و غيره حيث شئت من المسجد الحرام». الا انه مع عدم ثبوت نسبته عندنا لا يصلح مخصصا للنصوص المزبورة) «4»

______________________________

(1)- الهداية/ 248.

(2)- الفقيه: 2/ 552.

(3)- الخلاف: 2/ 327.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 316.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 69

أقول: يمكن ان يقال وجها لهذا القول: ان ما يدل علي وجوب كون الصلاة عند المقام ظاهر في حكم صلاة الطواف الواجب الّذي هو من اجزاء الحج و العمرة و طواف النساء و صلاته و ان لم يكونا خارجا عنهما بل هما أيضا من اجزائهما الا انه لا يشملها ما دل علي بعض احكام

الطواف و صلاته يختلفان في بعض الاحكام و الآثار و بالجملة يمكن دعوي انصراف ما دل علي هذا الحكم عن طواف النساء و صلاته فاخذ الصدوق و والده العظيم بالقدر المتيقن من الروايات و انه ليس فيها ما يدل علي الحكم في طواف النساء.

و أليك بعض روايات الباب: فمنها: صحيح ابراهيم بن أبي محمود قال: «قلت للرضا عليه السّلام اصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة او حيث كان علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله؟ قال حيث هو الساعة» «1»

و منها: مرسل صفوان و هو من اصحاب الاجماع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس لاحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة الا خلف المقام لقول اللّه عز و جل: (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّي) فان صليتها في غيره فعليك الاعادة».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن مسكان (و هو أيضا من اصحاب الاجماع) عن أبي عبد اللّه الابزاري قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلي ركعتي طواف الفريضة في الحجر قال: يعيدهما خلف المقام لان اللّه تعالي يقول: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّي، يعني بذلك ركعتي طواف الفريضة».

و الروايات الدالة بمضامين ما ذكر اكثر من ذلك لا دلالة لها علي اشتراط صلاة طواف النساء بوقوعها خلف المقام بل تدل علي اختصاص الحكم بطواف الفريضة و مفهومها يدل علي ما افتي به الصدوق.

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 137 ح 453 و 451 و 454.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 70

نعم في ما رواه صفوان عن عبد اللّه بن بكير «1» عن عبيد بن زرارة «2» قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و لم

يصل الركعتين (حتي طاف بين الصفا و المروة ثم طاف النساء و لم يصل الركعتين) حتي ذكر و هو بالابطح أ يصلّي اربعا؟ قال: يرجع فيصلي عند المقام اربعا» «3».

و لكنه ليس بظاهر في اشتراط وقوعها عند المقام في طواف النساء سيّما مع ظهور غيره في اختصاص ذلك بالفريضة.

اللهم الا ان يقال: ان المراد بالفريضة في غير ما فيه القرينة علي إرادة الفريضة التي هي غير طواف النساء اعم من صلاة طواف النساء فانها أيضا فريضة، و ذلك مثل خبر زرارة عن احدهما عليه السّلام قال: «لا ينبغي ان تصلي ركعتي طواف الفريضة الا عند مقام ابراهيم عليه السّلام و أما التطوع فحيث شئت من المسجد» «4» فانه يستفاد منه ان جواز ادائها حيث شاء من المسجد مختص بالتطوع دون الفريضة و ان كانت لطواف النساء: اللهم الا علي القول الشاذ الّذي عرفت انه لم يعرف القائل به و بعد ذلك كله و ان كان مقتضي الاصل عدم الاشتراط في صلاة طواف النساء و لكن ذهاب المشهور بل لعل غير الصدوقين الي الاشتراط يقتضي مراعات الاحتياط و ايقاعها عند المقام.

و اما مختار الشيخ قدس سره و هو استحباب كون صلاة الطواف مطلقا خلف المقام فقد سمعت كلامه في الخلاف، و امّا كلامه في النهاية فصرح في وجوب كون صلاة طواف الفريضة خلف المقام، و لا ظهور له في وجوب كون صلاة طواف

______________________________

(1)- ثقة فطحي من الخامسة.

(2)- ثقة ثقة من كبار الخامسة.

(3)- التهذيب: 5/ 138 ح 456.

(4)- وسائل الشيعة ب 73 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 71

النساء خلف المقام بل كلامه مشعر بموافقته للصدوق و قال في الجمل و العقود:

و يصلي ركعتين عند

المقام مثل طواف الحج سواء «1» و كلامه في المبسوط نحو كلامه في النهاية.

و كيف كان فليس لهذا القول مستند الا دعوي عدم دلالة الاخبار الظاهرة في وجوبها خلف المقام و حملها علي الاستحباب و وقوع الامر بها في بعض الاحاديث في سياق بعض المستحبات و هذه الدعوي ضعيفة جدا لظهور الاوامر في الوجوب بل صراحة طائفة من الاخبار في عدم إجزائها ان صلاها في مكان آخر مثل رواية صفوان و ابن مسكان المتقدمتين. اذا فلا ريب في وجوب وقوعها عند المقام في طوافي الفريضة بل الاقوي انها كذلك في طواف النساء؛ و اللّه هو العالم.

عدم جواز صلاة الطواف في جانبي المقام

مسألة 11- قد ظهر مما ذكر وجوب وقوع ركعتي الطواف عند المقام سواء كانتا لطواف الفريضة او النساء خلافا لما سمعت عن الخلاف و عن المقنع و الهداية و الفقيه الا انه يقع الكلام في انه هل يكفي الصلاة في جانبيه كما لا كلام في كفايتها خلفه و عدمها امامه؟ و اذا كان هو في جانبيه اقرب منه إليه فهل يختار الاقرب فالاقرب او يختار الخلف مهما امكن و صدق عليها اسم الصلاة خلف المقام؟

و ما يدل علي كفاية وقوعها عنده و فيه مطلقا و لو في جانبيه:

أو لا: اطلاق الآية فانه ان كان المراد منها اتخاذ نفس الحجر مصلي حتي يكون المراد من قبيل الخاتم من الفضة لا يمكن فعلها علي الحجر نفسه و ان كان المراد (من

______________________________

(1)- الينابيع: 7/ 233

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 72

مقام) يكفي وقوعها في جانبيه و لا تدل علي خصوص الخلف.

اللهم الّا ان يقال: انه حيث لا يفعل الصلاة علي نفس الحجر الظاهر من اتخاذه مصلي اتخاذه قبلته حال الصلاة و هو لا

يكون الا بفعلها خلفه لان استقباله من جانبيه مستلزم لعدم استقبال الكعبة و كيف كان لا تكفي الآية في اجزاء الصلاة علي جانبيه.

و ثانيا: بعض الاخبار الّذي يدل بإطلاقه علي كفاية وقوعه عنده مطلقا خلفا او يمينا او يسارا.

و لكن يقيد بروايات تدل علي اعتبار وقوعها خلفه في حال الاختيار و بهذه الروايات تفسر الآية أيضا و قد عقد في الوسائل بابا في وجوب كون ركعتي الطواف الواجب خلف المقام «1».

من رواياته صحيح معاوية بن عمار و فيه «فصل ركعتين و اجعله إماما» و مرسل جميل و فيه «يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام».

و روي عن الشيخ عن صفوان عمن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه «ليس لاحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة الا خلف المقام لقول اللّه عز و جل: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّي فان صليتها في غيره فعليك اعادة الصلاة» «2» و نحوه رواية ابن مسكان المتقدمة و غيرها.

ثم انه بعد الاحاطة بما ذكر يمكن ان يقال: انه ما دام امكن له الصلاة خلف المقام و ان كان قدامه من يصلي يأتي بها خلفه و ان كان الصلاة علي جانبيه اقرب إليه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 71 ابواب الطواف.

(2)- وسائل الشيعة ب 72 ابواب الطواف ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 73

الكلام في نسيان صلاة الطواف

مسألة 12- اذا نسي صلاة الطواف الواجب فلا ريب في انه يجب عليه ان يأتي بها ان لم يرحل من مكة لبقاء وجوبها علي حاله و عدم دليل علي سقوطه بالنسيان بل مقتضي ذلك وجوب الرجوع و الاتيان بها عند المقام نعم يظهر من الروايات التفصيل بين ان يذكر ذلك في البلد او بالابطح فيأتي

بها عند المقام و بين من ارتحل و ذكره في الطريق أو في مني فيأتي بها حيثما ذكر و في بعضها التفصيل بين ما اذا كان الرجوع شاقا عليه فيأتي بها في مكانه و أليك الروايات.

فمنها: ما رواه الكليني بسنده عن أبي الصباح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلّي الركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام في طواف الحج و العمرة؟ فقال: ان كان بالبلد صلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام ان اللّه عز و جل يقول: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّي و ان كان قد ارتحل فلا آمره ان يرجع». «1»

و منها: صحيح معاوية بن عمار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي الركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام فلم يذكر حتي ارتحل من مكه؟ قال: فليصلهما حيث ذكر، و ان ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتي يقضيهما» «2».

و منها: صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال: «سئل عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتي طاف بين الصفاء و المروة ثم طاف طواف النساء و لم يصل لذلك الطواف حتي ذكر و هو بالابطح؟ قال: يرجع الي المقام (مقام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 16.

(2)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 18.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 74

ابراهيم)، فيصلي ركعتين» «1».

و نحوه موثق عبد اللّه بن بكير عن عبيد بن زرارة «2».

و هذان و رواية أبي الصباح و صحيح معاوية واحد بالمضمون لان الابطح أيضا من مكة و من كان فيه كمن هو في نفس البلد. نعم صحيح محمد بن مسلم و موثق ابن بكير

ساكتان عن حكم من ارتحل.

و منها: رواية ابن مسكان عن عمر بن البراء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن نسي ركعتي طواف الفريضة حتي اتي مني انه رخص له ان يصلي بمني» 3.

و أيضا رواية ابن مسكان عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه سأله عن رجل نسي ان يصلي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام ابراهيم حتي اتي مني؟ قال يصلهما بمني» 4.

و خبر هاشم بن المثني كما في التهذيب «5» عن هشام بن المثني كما في الاستبصار «6» و الكافي «7» و لفظ الكافي قال: «نسيت ركعتي الطواف خلف مقام ابراهيم عليه السّلام حتي انتهيت الي مني فرجعت الي مكة فصليتهما فذكرنا ذلك لابي عبد اللّه عليه السّلام فقال: الا صلاهما حيث ذكر»

و الظاهر اتحاد هاشم و هشام و هاشم ثقة و هشام لم يوثق و لكن لو كان هو غير هاشم يتردد الراوي بين الثقة و المجهول الا انه يظهر من اعتماد ابن عمير عليه فانه

______________________________

(1) 1- 4 وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 5 و 7.

(2) 2- 3 وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 2 و 8.

(5)- التهذيب: 5- 139/ ص 460، ح 132.

(6)- الاستبصار ج 2/ 235/ 817.

(7)- الكافي: 2 ص 426 ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 75

روي عنه روايات متعددة و كانه كان له كتاب موثوق به.

و منها: موثق حنان بن سدير قال: «زرت فنسيت ركعتي الطواف فاتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو بقرن الثعالب فسألته فقال: صل في مكانك» «1» و مفاد هذه الروايات بغضّ ما قيل في دلالة بعضها مما لا يعبأ به انه لو ذكر في مكة

و ما يعد منه يصليهما عند المقام و الا فيصليهما في مكانه ليس عليه ان يرجع الي مكة.

نعم هنا روايات اخري ربما تكون بظاهرها معارضة للطائفة التي سبق ذكرها.

فمنها: صحيح احمد بن عمر الحلال قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتي اتي مني؟ قال: يرجع الي مقام ابراهيم فيصليهما» «2».

و قد افاد بعض الاعلام «3» بالتعارض بينه و بين صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه سأل عن رجل نسي ان يصلي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام ابراهيم حتي اتي مني؟ قال: يصليهما بمني» «4».

و اختص تعارضه به لما اورد علي سائر الروايات من حيث السند و الدلالة و قد رفع التعارض المذكور بصحيح أبي بصير- يعني المرادي- قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال اللّه تعالي وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّي حتي ارتحل قال: ان كان ارتحل فاني لا اشق عليه و لا آمره ان يرجع، و لكن يصلي حيث يذكر» «5».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 11.

(2)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف، ح 12 و 8.

(3)- المعتمد: 5/ 49.

(4)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 8.

(5)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 76

و افاد في بيان رفع التعارض بتقييد صحيح احمد بن عمر بعدم المشقة بصحيح أبي بصير و بذلك تنقلب النسبة التي كانت بين صحيح احمد و صحيح عمر بن يزيد الي العموم و الخصوص فيخصص عموم صحيح عمر بن يزيد الدال علي كفاية

ان يصليهما في مني مطلقا بصحيح احمد بن عمر المخصص بصحيح أبي بصير الدال علي انه ان لم يكن عليه مشقة يرجع الي المقام و يصلي عنه. و لكن يمكن ان يقال: ان ظاهر صحيح أبي بصير ملاحظة وجود مشقة الرجوع و انه يجزيه الصلاة حيث ذكر لما في الرجوع من الزحمة و المشقة و هذا يوافق مدلول صحيح عمر بن يزيد و معارض آخر لصحيح أحمد فلا بد من علاج التعارض او الرجوع الي قواعد الترجيح.

و الّذي نقول هنا ان احمد بن عمر و ان كان وصف بكونه ثقة و لكنه وصف بانه ردي الاصل و توقف بعضهم في روايته اذا فالترجيح يكون مع الروايات الدالة علي كفاية صلاتهما في مكانه اذا لم يكن بمكّة و لكن ينبغي الاحتياط بالرجوع ان لم يكن فيه مشقة زائدة علي مشقة الرجوع لقيام الشهرة عليه بل عن كشف اللثام الاجماع عليه «1».

و منها: ما يدل علي جواز الاستنابة مثل صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن نسي ركعتي الطواف حتي ارتحل من مكّة؟ قال: ان كان قد مضي قليلا فليرجع فليصلهما او يامر بعض الناس فليصلّهما عنه» «2» و يمكن ان يقال: انه بظاهره يدل علي التخيير بين الرجوع و الاستنابة ان كان قد مضي قليلا و يمكن ان يقال: ان حرف (او) و ان كان ظاهرا في التخيير و لكن الظاهر كما افاده البعض عطفها علي الجزاء و الشرط معا و ليست معطوفة علي الجزاء فقط فالمعني ان من مضي و خرج قليلا ان كان متمكنا من الرجوع فليصل، و ان لم يتمكن من الرجوع

______________________________

(1)- كشف اللثام: 5/ 450.

(2)- وسائل الشيعة ب

74 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 77

فيستنيب و يمكن ان نقول: ان المفاد انه ان مضي كثيرا يامر بعض الناس فليصلهما، و لكن لا يرفع بذلك التعارض فان ظاهر سائر الروايات ان يصليهما مكانه بنفسه.

اللهم الّا ان يقال: ان هذا حكم خصوص من ارتحل من مكة و خرج لكي يذهب الي وطنه.

و مثل صحيح آخر لعمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة حتي خرج من مكّة فعليه ان يقضي او يقضي عنه وليه او رجل من المسلمين» «1».

يمكن ان يقال: ان المراد منه انه يقضيه بنفسه ان تمكن و الا فان مات و لم يقضيه يقضي عنه وليه او رجل من المسلمين و هذا الصحيح لا يعارض واحدا من الروايات، و مثله في الظهور في القضاء عنه بعد موته صحيح محمد بن مسلم عن إحداهما عليه السّلام قال: «سألته عن رجل نسي ان يصلي الركعتين؟ قال يصلّي عنه» «2».

و منها خبر ابن مسكان قال: «حدثني من سأله عن الرجل ينسي ركعتي طواف الفريضة حتي يخرج؟ فقال: يوكل» «3».

هذا و قد ظهر من الروايات ان ما يدل علي الاستنابة هو صحيح عمر بن يزيد و خبر ابن مسكان و مقتضي الصناعة و حمل الظاهر علي الاظهر التخيير فيرفع اليد عن ظاهر كل منهما بما هو الاخر نصّ فيه فروايات النيابة نص في اجزائها و ظاهر في عدم اجزاء غيرها و ما دل علي وجوب الصلاة بنفسه نص في اجزائها و ظاهر في عدم اجزاء النيابة فبنص كل منهما يرفع اليد عن ظاهر الاخر و بعبارة اخري يقدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف

ح 13.

(2)- وسائل الشيعة ابواب الطواف ب 74 ح 4.

(3)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 78

النص علي الظاهر و يجعل قرينة علي عدم إرادة ما هو الاخر ظاهر فيه فالنتيجة اذا التخيير و العمل بالمشهور موافق للاحتياط و ينبغي بل يجب رعايته لاستقرار فتاواهم علي وجوب الرجوع ان لم يشق عليه و كفاية قضائها حيث ذكر ان شقّ عليه الرجوع هذا و يمكن ان يقال: انه لا تعارض بين ما ورد في انه ان نسيهما حتي اتي مني يصليهما بمني و بين ما ورد علي انه ان نسيهما حتي ارتحل من مكة ان لم يتمكن من الرجوع بنفسه يستنيب لتعدد موضوعهما نعم التعارض واقع بين ما يدل علي حكم نسيانهما ان ارتحل و خرج من مكة ليذهب الي بلده لان مثل صحيح معاوية بن عمّار يدل علي انه ارتحل من مكة يصليهما حيث ذكر و مثل صحيح عمر بن يزيد بل صحيح أبي بصير يدلان علي الاستنابة، فيمكن ان يقال: انه بعد فرض كون رجوعه بنفسه متعذرا او حرجيا بالتخيير بين الصلاة حيث ذكر او الاستنابة اخذا بنص كل منهما و رفع اليد عن ظاهر كل منهما فتدبر جيدا و اللّه هو العالم.

فروع:

[الاول:] في ما اذا لم يتمكن من الصلاة خلف المقام

الاول: اذا لم يتمكن من الصلاة خلف المقام و هو في المسجد فلا ريب في عدم سقوط وجوبها و يدل عليه بالاولوية ما يدل علي وجوبها حيثما ذكر مطلقا او اذا شق عليه الرجوع و الظاهر انه يجب عليه ان يأتي بها في المسجد فلا يجزي الاتيان بها خارج المسجد الا اذا منعه الزحام عن ذلك أيضا و هل يجب مراعات الاقرب فالاقرب بالنسبة الي

المقام اذا تمكن من الاتيان بها في المسجد او بالنسبة الي المسجد اذا لم يتمكن من الاتيان بها الا في خارج المسجد؟ الاصل عدم وجوبها و ان كان الاحوط له مراعات ذلك.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 79

[الثاني:] حكم الجاهل اذا لم يأت بصلاة الطواف

الثاني: الجاهل كالناسي فيما ذكر فلو لم يأت بها حتي خرج من البلد و شق عليه الرجوع الي المقام يأتي بها حيث علم ففي صحيح جميل عن احدهما عليهما السّلام: «ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابراهيم بمنزلة الناسي» «1» مضافا الي اطلاق بعض النصوص مما فيه «طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين» «2» و اما خبر العياشي الّذي اشار إليه في الجواهر فلا يدل علي تمام المطلوب «3».

[الثالث:] جواز ايقاع صلاة الطواف في اي موضع من المسجد

الثالث: يجوز ايقاع صلاة الطواف المستحب في اي موضع من المسجد في حال الاختيار.

ففيما رواه زرارة عن احدهما عليه السّلام قال: «لا ينبغي ان تصلي طواف الفريضة الا عند مقام ابراهيم عليه السّلام و اما التطوع فحيث شئت من المسجد» «4».

و في خبر اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان أبي يقول: من طاف بهذا البيت اسبوعا و صلي ركعتين في اي جوانب المسجد شاء كتب اللّه له ستة آلاف حسنة … » «5».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 3.

(2)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 5 و 6 و 7.

(3)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 20.

(4)- وسائل الشيعة ب 73 ابواب الطواف ح 1.

(5)- وسائل الشيعة ب 73 ابواب الطواف ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 80

هذا و في صحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين خارجا من المسجد؟ قال يصلي بمكة لا يخرج منها الا ان ينسي فيصلي اذا رجع في المسجد- اي ساعة احب- ركعتي ذلك الطواف» «1». و صاحب الجواهر قال (اما النافلة فيجوز ايقاعهما فيها في المسجد حيث شاء كما

نص عليه غير واحد بل لم اجد فيه خلافا صريحا نصا و فتوي للاصل و النصوص) و لكنه قال في صحيح علي ابن جعفر (ان الظاهر منه جواز صلاة الركعتين خارج المسجد بمكة علي الاطلاق و لم ار مفتيا به فالعمل به مشكل و لو صح سنده لقصوره عن معارضة غيره مما دل علي صلاتهما فيه) «2».

أقول: لا قصور له عن معارضة غيره بل في باب المستحبات لا يعد مثل ذلك من التعارض. و اللّه هو العالم.

[الرابع:] اذا ترك الصلاة الفريضة عمدا

الرابع: اذا ترك صلاة الطواف الفريضة عمدا قيل و القائل الشهيد في المسالك ان الاصحاب لم يتعرضوا لذكره و الّذي يقتضيه الاصل انه يجب عليه العود مع الامكان و مع التعذر يصليهما حيث امكن، و عن المدارك انه قال: لا ريب ان مقتضي الاصل وجوب العود مع الامكان، و انما الكلام في الاكتفاء بصلاته حيث امكن مع التعذر او بقائها في الذمة الي ان يحصل التمكن منها في محلها و كذا الاشكال في صحة الاعمال المتاخرة عنها من صدق الاتيان بها و من عدم وقوعها علي الوجه المأمور به «3».

أقول: لا اشكال في وجوب العود مع الامكان و لا ريب في عدم سقوطه ما دام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 73 ابواب الطواف ح 4.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 320.

(3)- النقل من جواهر الكلام: 19/ 307.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 81

امكن الاتيان به عند المقام علي وجهه بلحوق الاعمال المتاخرة عنها بها و ذلك لعدم صدق الترك و لا ريب في ان مقتضي القاعدة بطلان المأمور به اذا لم يؤت به علي وجهه المقرر فالصلاة للطواف باطلة اذا لم تقع عند المقام و الحج المقرر فيه صلاة الطواف أيضا باطل اذا

لم تقع فيه تلك الصلاة أو وقعت باطلة و فاقدة لما يجب ان تكون عليه و علي هذا مقتضي القاعدة بطلان الحج الا ان يدل هنا دليل خاصّ علي خلاف ذلك و ان اعتبار وقوع صلاة الطواف عند المقام او مشروطة بتأخرها عن الطواف او بتأخر سائر الاعمال المتاخرة عنها او غير ذلك كلها ليست وضعية تكون صحتها مشروطة لوقوع بعضها مقدما علي الاخر و بعضها متأخرا عن البعض.

لا يقال: ان اشتراط صلاة الطواف و غيرها من الاعمال بما ذكر محتاج الي الدليل و الاصل عدم الاشتراط.

فانه يقال: هذا ظاهر من الادلّة و الاخبار البيانية الواردة في كيفية الحج الظاهرة في انه عمل واحد ترتبط اجزائه بعضها ببعض و ليست واجبات مستقلة توتي بكل منها بالاستقلال فلا ريب في انه يجب ان توتي بها علي الترتيب المذكور في الروايات كالصلاة فان مثل السجدة التي هي بنفسها عبادة يؤتي بها مستقلة الا ان السجدة الواجبة في الصلاة لا تقع صحيحة الا اذا اتي بها بعد الركوع و قبل ما يكون بعدها.

و علي ذلك كله فعلي القائل بقول المسالك اقامة الدليل علي الاجزاء.

و الّذي استدل به لهذا القول وجوه:

الاول: صحيح جميل عن احدهما عليهما السّلام: «ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابراهيم بمنزلة الناسي» «1».

وجه الاستدلال به شموله للجاهل المقصر الّذي هو كالعامد و فيه ان الصحيح

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 82

يدل علي ان الجاهل المقصر الّذي هو كالعامد في تركه جزء المأمور به او شرطه في ترك الركعتين عند المقام ليس كالعامد و هو بمنزلة الناسي و لا يدل علي ان العالم العامد بمنزلة الناسي. و هذا

مثل الجاهل المقصر بوجوب قصر الصلاة علي المسافر فانه قد حكم عليه انه ان اتم صلاته صحت صلاته و لكن لا يستفاد من ذلك انه لو كان عالما بالقصر و اتم صحت صلاته.

الثاني: ان الادلة مثل الآية الكريمة و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلّي انما تدل علي وجوبهما بعد الطواف لا اشتراط صحته بهما و لذا كان له تركهما في الطواف المندوب، و فيه: ان جواز تركهما في الطواف المندوب ان دل علي ما ذكر لا يدل علي عدم اشتراط صحتهما به و عدم اشتراط الاعمال المتاخرة عنهما باتيانهما مضافا الي انه يقال: ان اشتراط الطواف بهما اعتبر في الطواف الواجب الّذي لا يؤتي به اذا كان قاصدا لترك صلاته بخلاف المندوب.

الثالث: خبر سعيد الاعرج قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة اشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تتم طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها ان تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك لانها زادت علي النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحج» «1».

وجه الاستدلال به ان المرأة ان زادت علي النصف في طوافها ثم طمثت تاتي بالسعي بين الصفا و المروة و هذا يدل علي ان السعي مرتب علي الطواف بنفسه لا علي صلاته.

و فيه: مضافا الي ضعف سنده انه خاص بالحائض و لها احكام خاصة فلا يجب عليها ان تصبر حتي تطهر و لعلها لا تطهر قبل ارتحالها و كيف كان فهذا الخبر لا يقوم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 86 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 83

قبال ما ذكر.

فتحصل من ذلك انه لا يمكننا ان نوجه صحة حج تارك صلاة الطواف فيجب

عليه اعادة الحج ان كان عليه الحج الواجب و اللّه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 85

الكلام في السعي

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 87

الكلام في السعي قال في الشرائع: و مقدماته عشرة «1» و قال في الجواهر و في الدروس: أربعة عشر و المستفاد من النصوص ازيد من ذلك نعم في كون بعضها مقدمة له نظر و انما ورد الامر به بعد الفراغ من الطواف و يمكن ان يكون مستحبا برأسه و الامر سهل فان كلها مندوبة و منها الطهارة من الحدث «2» و الظاهر انه لا خلاف بينهم في رجحانه كما ان الظاهر انه لم ينقل عن واحد منهم الا العماني ابن أبي عقيل فكانه قال باشتراطه بالطهارة لمعتبر ابن فضال عن الكاظم عليه السّلام «لا يطوف و لا يسعي الا علي وضوء» «3».

و صحيح الحلبي: «سأل الصادق عن المرأة تطوف بين الصفا و المروة و هي حائض؟ قال: لا لان اللّه تعالي يقول: إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ» «4».

و لكن النهي فيها محمول علي الكراهة بقرينة طائفة اخري من الروايات المعمول

______________________________

(1)- شرائع الاسلام: 1/ 203.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 410.

(3)- وسائل الشيعة ب 15 ابواب السعي ح 7.

(4)- وسائل الشيعة ب 15 ابواب السعي ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 88

بها الصريحة في عدم البأس بالسعي بغير الوضوء و مع الحيض. لا يقال: الروايات مختص بالوضوء و بالحيض و مقتضي الجمع بينهما ما ذكر اما في الحدث الاكبر غير الحيض ليس في الروايات ما يدل علي عدم البأس به.

فانه يقال: يكفي في الحكم بعدم اعتبار الطهارة عن الجنابة عدم الدليل علي اعتباره هذا مضافا الي دعوي الاجماع عليه.

و كيف كان لا ريب في

استحباب كونه مع الطهارة.

هذا و قد عدّ بعض الأجلّة من الروايات الدالة علي اعتبار الطهارة صحيح علي بن جعفر و عدها و صحيح الحلبي عمدتها «1» و ترك هنا الاشارة الي معتبرة ابن فضال التي ذكرها قبل ذلك مع كونها ادل من صحيح علي بن جعفر و لفظه: سألته:

«يعني اخاه موسي بن جعفر عليه السّلام) عن الرجل يصلح ان يقضي شيئا من المناسك و هو علي غير وضوء؟ قال: لا يصلح الا علي وضوء» «2» و هذا الصحيح لا دلالة له علي اعتبار الطهارة بل ظاهر السؤال و الجواب السؤال عن مجرد الصلاحية و عدم الحزازة و النقصان لا عدم الحرمة و الدليل عليه انه يشمل اعتبار الطهارة في جميع المناسك حتي حال الحلق و الوقوفين.

هذا كله في الحدث و امّا الطهارة عن الخبث في الاخبار ما يدل علي استحبابه و قيل بتصريح بعض الاصحاب به قال في الجواهر: لم يحضرني الآن ما يشهد له سوي مناسبة التعظيم و كون الحكم ندبيا يكتفي في مثله بنحو ذلك انتهي «3».

أقول: ثم ذكر في الشرائع و تبعه في الجواهر كغيرهما طائفة من المستحبات يغنينا

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 61 و 62.

(2)- وسائل الشيعة ب 15 ابواب السعي ح 8.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 411.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 89

ما ذكروه عن اجراء الكلام فيها.

مسألة 13- لا ريب في اعتبار النية في السعي كغيره من العبادات فيجب ان يقصد به القربة و يجب فيها تعيينه من كونه للحج او للعمرة و في السعي للعمرة تعيين كونه للعمرة المفردة او لحج التمتع و ذلك لاتحاد صورته للجميع كصلاة الظهر و العصر فيجب التعيين و لا يعين الا بالنية و مما ذكر يعلم

انه يجب ان يكون عارفا به في الجملة مثلا بانه الذهاب من الصفا الي المروة و العود و ان كان لا يجب عليه استحضار الصورة في الذهن عند النية تفصيلا.

وجوب ابتداء السعي من الصفا

مسألة 14- يجب فيه الابتداء من الصفاء و الختم بالمروة للنصوص الكثيرة «1» قال في الجواهر بل الاجماع بقسميه عليه «2» فلو عكس و بدأ بالمروة اعاد عامدا كان او ناسيا ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعي و يبدأ بالصفا قبل المروة» «3».

و ظاهره الابتداء من الاول فلا يجتزي بالاحتساب من المروة.

و في خبر علي بن أبي حمزة البطائني: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يعيد الا تري انه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء اراد ان يعيد الوضوء» «4» و في لفظ الحديث في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 6 و ابواب اقسام الحج ب 2 ح 3 و 13 و 14.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 418.

(3)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 10 ح 1.

(4)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 10 ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 90

ذيله اضطراب الا ان يكون من كلام الراوي.

و لكن في اعادة الوضوء اشكال فكلام الراوي مضطرب مضافا الي ضعف سنده بابن أبي حمزة.

و في خبر علي الصائغ قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال: يعيد الا تري انه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه ان يبدأ بيمينه ثم يعيد علي شماله» «1» و هذا الخبر أيضا ضعيف باسماعيل بن مرار و علي الصائغ فانهما لم يوثقا الا ان بعض الاجلة حكم بوثاقة سنده لان

اسماعيل من رجال تفسير القمي و علي الصائغ هو علي بن ميمون و كانه اراد انه موثق و لكن لم نعثر علي تصريح بتوثيقه و ان كان الخبير يطمئن بروايته.

قال في الجواهر: و مقتضي التشبيه المزبور الاجتزاء بالاحتساب من الصفا اذا كان قد بدء بالمروة ثم بالصفا و لا يحتاج الي اعادة السعي بالصفا جديدا كما صرح به بعض الناس و ان كان هو احوط بل ربما امكن دعوي ظهور النصوص السابقة فيه «2».

وجوب الصعود علي الصفا

مسألة 15- لا يجب الصعود علي الصفا نعم يستحب ذلك للتأسي و النصوص الي حيث يري الكعبة من بابه، و في الجواهر قال في القول بوجوبه الظاهر انه من غيرنا فإنه عن الخلاف و القاضي الاجماع علي عدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 10 ح 5.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 419.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 91

الوجوب الخ «1».

قال في الخلاف: يكفي في السعي ان يطوف ما بين الصفا و المروة و ان لم يصعد عليها و به قال جميع الفقهاء، و قال ابن الوكيل من اصحاب الشافعي لا بد ان يصعد عليها و لو شيئا يسيرا دليلنا قوله تعالي: فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا و اجمع المفسرون علي انه اراد ان يطوف بينهما و من انتهي إليهما فقد طاف بينهما، و الاخبار كلها دالة علي ما قلناه و عليه اجماع الفرقة «2».

و قال في التذكرة: يجب السعي بين الصفا و المروة في المسافة التي بينهما فلا يجوز الاخلال بشي ء منها بل يلصق عقبه بالصفا في الابتداء و اصابع رجليه به في العود و بالعكس في المروة و لا تحل له النساء حتي يكمله، و لا يجب الصعود علي الصفا و لا

المروة خلافا لبعض الشافعية و قد تقدم لقوله تعالي (فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا) قال المفسرون: اراد بينهما و هو يصدق و ان لم يصعد عليهما «3» و مراده من قوله (و قد تقدم) ما قاله في المقدّمة الخامسة من مقدمات السعي المندوبة قال فيها:

الخامس: الصعود علي الصفا اجماعا الّا من شذ ذهب الي وجوبه فانه لا يصح السعي حتي يصعد الي الصفا و المروة بقدر ما يستوفي السعي بينهما لانه لا يمكن الاستيفاء ما بينهما الا بذلك فيجب كوجوب غسل جزء من الرأس و صيام جزء من الليل و هو خطأ لانه يمكنه الاستيفاء، بان يجعل عقبه ملاصقا للصفا و اصابع رجليه ملاصقة للمروة و بالعكس في الرجوع، و استحبابه لقول الصادق عليه السّلام في الصحيح:

«فاصعد الصفا حتي تنظر الي البيت و تستقبل الركن الّذي فيه الحجر الاسود فاحمد

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 413.

(2)- الخلاف: 2/ 329.

(3)- التذكرة: 8/ 134.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 92

اللّه عزّ و جلّ واثن عليه الحديث «1»».

أقول: فقد ظهر لك من ذلك كله ان استحباب الصعود علي الصفا كانه للنظر الي البيت و من قال بوجوب الصعود علي الصفا و المروة فانه قال به من باب وجوب المقدمة العلمية و لذا اجاب عنه العلامة بان استيفاء ما بينهما يمكن بالكيفية المذكورة بل يكفي بان يجعل ظهره علي الصفا في الذهاب الي المروة و بطنه عليه عند الرجوع من المروة و كذا يجعل بطنه علي المروة عند ذهابه إليه من الصفا و ظهره عليه عند ذهابه منه الي الصفا، و لكن يمكن ان يقال بعدم لزوم هذه الدقة بل يكفي الصدق العرفي بالابتداء من الصفا و الختم بالمروة ثم من

المروة و الختم بالصفا حتي يتم الاشواط بالمروة و يدل علي ذلك جواز السعي راكبا علي المحمل اللهم الا ان يقال انه مختص بحال الركوب حيث لا يمكن له مراعات الكيفية المذكورة- فالاحوط مراعات المقدمة العلمية- و اللّه هو العالم باحكامه.

مسألة 16- قال في المستند في واجبات السعي الرابع السعي بينهما سبعا بعد ذهابه الي المروة شوطا و عوده منها الي الصفا آخر و هكذا الي ان يكملها سبعا بالاجماع المحقق و المحكي في كلام جماعة و لانه الموافق لما صرح به الاخبار من البدأة بالصفا و الختم بالمروة اذ لا يتصور الاتيان بالسبع الا بما ذكر او بجعل كل ذهاب و عود شوطا واحدا و الثاني مستلزم للختم بالصفا أيضا فتعين الاول «2».

أقول: في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثم طف بينهما سبعة اشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة «3»».

______________________________

(1)- التذكرة: 8/ 130.

(2)- مستند الشيعة: 12/ 169.

(3)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 6 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 93

و يدل عليه غيره من الروايات منها صحيحة هشام التي استدل بها في المستند «1» و منها غيرها.

و في التذكرة بعد ان ذكر اجماع علمائنا علي سبعة اشواط قال: و هو قول عامة العلماء لما رواه العامة عن الصادق عن الباقر عليهما السّلام عن جابر في صفة حج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ثم ذكر من الحديث ما يدل علي ذلك «2».

أقول: روي هذا الحديث مسلم في صحيحه و ابن ماجة في سننه و ابو داود أيضا في سننه و الدارمي، و هو من الاحاديث الجامعة عند القوم حتي حكي عن بعضهم انه يستفاد منه أربعمائة مسألة من

مسائل الحج و عن أبي حنيفة انه قال: المسلمون او الامة عائلة جعفر بن محمد صلّي اللّه عليه و آله في احكام الحج بهذا الحديث.

أقول: فيا للعجب من البخاري انه لم يخرج في صحيحه حديثا عن مثل هذا الامام العظيم و نعم ما قيل:

قضية اشبه بالمرزئة هذا البخاري امام الفئة

بالصادق الصديق ما احتج في صحيحه و احتج بالمرجئة

و مثل عمران بن حطان او مروان و ابن المرأة المخطئة

مشكلة ذات عوار الي حيرة ارباب النهي ملجئة

و حق بيت يممته الوري مغذة في السير او مبطئة

ان الامام الصادق المجتبي بفضله الآي اتت منبئة

اجلّ من في عصره رتبة لم يقترف في عمره سيئه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 11 ح 1.

(2)- التذكرة: 8/ 133.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 94

قلامة من ظفر ابهامه تعدل من مثل البخاري مائة «1»

وجوب السعي علي النحو المتعارف

مسألة 17- يجب الذهاب الي المروة و من المروة الي الصفا علي النحو المتعارف فان خرج من بعض الابواب و دخل المسجد و دخل من الباب الآخر بحيث وقع بعض سعيه خارجا عما بين الصفا و المروة لا يجزي و ذلك هو المستفاد من ظاهر قوله تعالي ان يطوف بهما اي بينهما و الخارج عنهما ليس ما بينهما و لكن لا يعتبر ان يكون سعيه في السعي في مسير مستقيم كما لا يخفي و أيضا يعتبر ان يكون في الذهاب الي المروة مستقبلا لها و من المروة الي الصفا مستقبلا له فلا يجزي علي نحو القهقري.

لا يقال: ان السعي بينهما يشمل الصورتين فلا وجه لرفع اليد عن اطلاق الدليل.

فانه يقال: الظاهر من الدليل هو الصورة المتعارفة التي كان الناس بها يسعون بينهما.

جواز السعي راكبا

مسألة 18- يجوز السعي راكبا، و ان كان المشي افضل و قد عقد في الوسائل بابا لذلك عنوانه باب جواز الركوب في السعي و لو في محمل لعذر و غيره للمرأة و الرجل و استحباب اختيار المشي فيه و ان من حمل انسانا و سعي به أجزأ عنهما «2».

ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن السعي بين الصفا المروة

______________________________

(1)- العتب الجميل: ص 60.

(2)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 16.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 95

علي الدابة؟ قال: نعم و علي المحمل «1»». و في صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه السّلام. قال: «سألته عن الرجل يسعي بين الصفا و المروة راكبا؟ قال: لا بأس و المشي افضل «2»».

و في الروايات ما يدل علي عدم رجحان المشي لو كان سببا للضعف و كان الركوب اقوي له علي

الدعاء.

[عدم وجوب الهرولة ما بين المنارة الاولي و الاخري]

مسألة 19- لا يجب الهرولة ما بين المنارة الاولي و الاخري الموضوعة عند زقاق العطارين قال في المستند: علي الاظهر الاشهر بل وفاقا لغير من شذ و ندر بل عليه الاجماع في كلام جماعة لصحيحة الاعرج عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا و المروة؟

قال: «لا شي ء عليه» و الرمل- محركة- بين العدو و المشي و هو بمعني الهرولة و هي بإطلاقها تشمل الترك عمدا و سهوا مع التذكر بعد السعي و في اثنائه فلا يكون واجبا.

و لا يتوهم ان المسئول عنه فيها ترك بعض الرمل و هو لا ينافي وجوب مطلقه لانا نجيب عنه ان ظاهر الاوامر في الاخبار المتقدمة (مثل صحيحة ابن عمار و موثقته، متعلقة بالرمل بين المنارتين- اي تمام موضعه- فاذا ثبت عدم وجوب الكل تصرف تلك الاوامر عن حقيقته فلا يبقي دليل علي وجوب البعض أيضا فيعمل فيه بالاصل «3» انتهي.

اذا فالقول الاصح و المشهور بل المجمع عليه الاستحباب الا ما حكي عن الحلبي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 16 ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب السعي، ب 16، ح 2.

(3)- المستند: 12/ 172.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 96

و ان قال في المستند ان كلامه كما قيل قاصر عن افادة الوجوب «1».

و لا يخفي ان استحبابه مختص بالرجال فلا يستحب للنساء اجماعا و لصحيح أبي بصير: «ليس علي النساء جهر بالتلبية و لا استلام الحجر و لا دخول البيت و لا سعي بين الصفا و المروة يعني الهرولة «2»».

اعتبار الموالاة في السعي»

مسألة 20- مقتضي الاصل عدم اعتبار الموالاة في السعي و قد يقال بدلالة بعض الاطلاقات عليه مثل صحيح معاوية بن عمار و في المستند قال: لا تجب الموالاة في

السعي بالاجماع كما عن التذكرة للاصل و الاطلاقات «3» انتهي.

و يمكن ان يقال: بان ظاهر اعتبار الاشواط السبعة عملا واحدا اعتبار الاتيان بها معا و مرتبطا بعضها ببعض فلو اتي ببعض شوط واحد ثم تركه حتي مضت عليها ساعات ثم جاء و اتم شوطه و هكذا حتي يأتي بالاشواط السبعة الظاهر انه خلاف اعتبار العمل عملا واحدا و لا يصدق عليه كونه واحدا نعم الفصل القليل كالجلوس للاستراحة او للاكل او الشرب بينها او للذهاب الي قضاء حاجة اخيه و نحو ذلك من الافعال الظاهرة منها انه يرجع بعد قضاء حاجته لا يضر بالموالاة و يدل عليه الروايات مثل صحيح الحلبي: قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة أ يستريح؟ قال: نعم ان شاء جلس علي الصفا و المروة

______________________________

(1)- المستند: 12/ 173.

(2)- وسائل الشيعة ابواب الطواف ب 18 ح 1.

(3)- مستند الشيعة: 12/ 185.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 97

و بينهما فيجلس «1»» و لا يخلو مثله عن الدلالة علي وجوب الموالاة في الجملة.

و في صحيح معاوية بن عمار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيدخل وقت الصلاة يخفف او يصلي ثم يعود او يلبث كما هو علي حاله حتي يفرغ؟ قال، لا بل يصلي ثم يعود او ليس عليهما مسجد له لا بل يصلي ثم يعود قلت: و يجلس علي الصفا و المروة؟ قال: نعم «2»».

و صحيح يحيي الازرق قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يسعي بين الصفا و المروة فيسعي ثلاثة اشواط او أربعة فيلقاه الصديق فيدعوه الي الحاجة او الي الطعام قال: ان اجابه فلا

بأس و لكن يقضي حق اللّه عز و جل احب إليّ من ان يقضي حق صاحبه «3»».

و عن ابن فضال قال: «قال: سأل محمد بن علي أبا الحسن عليه السّلام فقال له: سعيت شوطا ثم طلع الفجر؟ فقال: صلّ ثم عد فاتم سعيك «4»».

و هذه الروايات لا تدل بالإطلاق علي عدم اعتبار الموالاة بل غاية الامر جواز قطعه في هذه الموارد و ما يشابهها من الفصل الّذي لا يضر بالموالاة المعتبرة فيه.

ثم ان مقتضي ظاهر صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يجلس بين الصفا و المروة الا من جهد «5»» عدم جواز الجلوس بينهما من غير عذر و لكن ظاهر صحيح الحلبي جوازه مطلقا فيمكن حمل هذا الصحيح علي الكراهة.

______________________________

(1)- التهذيب ج 5 ص 156 و رواه الكافي.

(2)- من لا يحضره الفقيه ج 2 ك الحج ب 143 ح 2855.

(3)- من لا يحضره الفقيه ج 2 ك الحج ب 143 ح 2856.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 418 ح 2857.

(5)- وسائل الشيعة ابواب السعي باب 20 ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 98

و كيف كان هذه الروايات لا تدل علي عدم اعتبار الموالاة بالمعني الّذي ذكرناه بل كما قلنا تدل علي جوازه في مواردها الخاصة.

و من هذه الروايات موثق اسحاق بن عمار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل طاف بالبيت ثم خرج الي الصفا فطاف بين الصفا و المروة فبينما هو يطوف اذ ذكر انه قد ترك بعض طواف البيت قال: يرجع الي البيت فيتم طوافه ثم يرجع الي الصفا فيتم ما بقي «1»».

و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و

صحيح محمد بن مسلم عن احدهما في من نسي صلاة الطواف حتي طاف بين الصفا و المروة كما في الاول و حتي يسعي بين الصفا و المروة خمسة اشواط او أقل من ذلك فيما انه يتم سعيه بعد العود و صلاة الركعتين «2» و نحوهما مرسل حماد بن عيسي 3

و هذه الروايات كل واحد منها محمول علي خصوص مورده، امّا بالنظر الي الجميع فيمكن ان يقال: انه يستفاد من المجموع عدم اعتبار الموالات الا ان يكون الفصل بين الاشواط طويل جدّا. فتلخص من ذلك كله: عدم اعتبار الموالاة العرفية بين السعي و ان ما جاء من الروايات في خصوص موارد خاصة ليس مختصا به بل ذكرها في الروايات لوقوع السؤال عن هذه الموارد نعم اللازم ان لا يكون ترك الموالاة بصورة تعد عند العرف ترك السعي و الاعراض عنه فتدبر و اللّه هو العالم.

احكام السعي

مسألة 21- لا خلاف بيننا في ان السعي ركن من اركان الحج يبطل الحج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب الطواف، باب 32 ح 2.

(2) 2- 3 وسائل الشيعة ابواب الطواف، باب 77 ح 1 و 3 و 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 99

و العمرة بتركه عمدا حتي انقضي وقت اتيانه و ذلك لعدم الاتيان بالمامور به علي وجهه و لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل ترك السعي متعمدا قال: عليه الحج من قابل» «1».

و في الآخر عنه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من ترك السعي متعمدا فعليه الحج من قابل» «2».

و الظاهر انهما واحد و ان جعل كل منها في الوسائل تحت رقم خاص بل لا يبعد كونهما و الصحيح الاخر لمعاوية بن عمار الّذي جعله

أيضا في الوسائل الرواية الثالثة واحدا و ان كان لفظه هكذا: قال: «قلت له: رجل نسي السعي بين الصفا و المروة؟

قال: يعيد السعي. قلت فانه خرج؟ قال: يرجع فيعيد السعي ان هذا ليس كرمي الجمار ان الرمي سنة و السعي بين الصفا و المروة فريضة، و قال: في رجل ترك السعي متعمدا قال: لا حج له «3»» كما ان الظاهر منه ان الذيل ليس من تتمة الصدر بل هو مستقل من غيره فقد ظهر لك ان في الباب السابع من ابواب الوسائل في السعي و ان عدّ رواياتها الي الثلاثة لا يثبت بها اكثر من واحدة و كم له من نظير فيه و لا اعتراض عليه شكر اللّه مساعيه المحمودة.

و كيف كان فالرواية تدلّ علي بطلان الحج بترك السعي العمدي و الظاهر من الاصحاب عدم الفرق في الحكم بين الحج و العمرة.

ثم ان الرواية نص في العالم العامد و الظاهر انه يلحق به الجاهل الملتفت المقصر لتركه السعي متعمدا امّا غير الملتفت فالظاهر انه لا تشمله الصحيحة، و لكن بطلان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 7 ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 7 ح 2 و 3.

(3)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 7 ح 2 و 3

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 100

حجه يكون علي طبق القاعدة لانه لم يأت بالمامور به علي وجهه و اما الجاهل بالجهل المركب لو ادي اجتهاده الي عدم الوجوب و ان كان في مثل هذه المسألة فرضه نادر جدا فظاهر البعض أيضا فساد حجه لعدم القول باجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي فان مثل حديث الرفع شأنه رفع الاحكام لا اثبات الحكم فالاكتفاء بالناقص يحتاج الي الدليل هذا علي القول

بعدم الاجزاء و امّا ان قلنا بان مقتضي الجمع بين مثل حديث الرفع و الروايات الدالة علي الاجزاء المامور به الاكتفاء بما بقي و اجزائه عما رفع بحديث الرفع فيمكن ان يقال بالاجزاء في هذه الصورة و ان كان فرضها في المسألة بعيدا جدا.

لو ترك السعي ناسيا

مسألة 22- اذا ترك السعي ناسيا فان لم يفت وقته يأتي به و ان ذكر ذلك بعد انقضاء وقته كان ذكر نسيان السعي الحج بعد ذي الحجة فمقتضي الاصل عدم شي ء عليه الا انه قد دل الدليل علي وجوب الاتيان به. ففي صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له رجل نسي السعي بين الصفا و المروة؟ قال: يعيد السعي قلت: فانه خرج (فاته ذلك حتي خرج)؟ قال:

يرجع فيعيد السعي الحديث» «1» و الظاهر منه عدم شموله صورة العسر و الحرج و عدم الامكان العرفي.

و في صحيح ابن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل نسي ان يطوف بين الصفا و المروة؟ قال: يطاف عنه 2 و مثله خبر الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه يطاف عنه 3» و الظاهر منهما ان السؤال كان في مورد يصعب عليه الرجوع و يقع في العسر كما يشهد عليه قول السائل في خبر زيد الشحام (حتي يرجع الي اهله)

______________________________

(1) 1 و 2 و 3- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 8 ح 1 و 2 و 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 101

فعلي ذلك تنطبق الروايات علي ما عليه المشهور بل لا خلاف فيه كما في الجواهر قال في الشرائع: و لو كان ناسيا وجب عليه الاتيان به فان خرج عاد ليأتي به فان تعذر عليه

استناب فيه «1» و من ذلك يظهر عدم صحة القول بالتخيير اتيانه بنفسه او الاستنابة كما لا يخفي.

و الظاهر انه لا يستقيم الاستناد لفتوي المشهور بان نقول ان ما يدل علي وجوب الطواف عنه مطلق يشمل صورة القدرة و عدمه الا انه يقيد بصحيح معاوية بن عمار المقيد بالقدرة و عدم الحرج كما هو شأن جميع التكاليف فان ذلك فرع وجود الاطلاق في صحيح محمد بن مسلم و قد عرفت ان مورده صورة التعذر كما هو ظاهر من خبر زيد و من نفس السؤال و الجواب.

و قد تخيل العكس كما اشار إليه بعض الاجلة «2» بان يقال ان صحيح ابن عمار مطلق يشمل الاتيان به بنفسه مباشرة و بالاستنابة فيقيد بصحيح ابن مسلم فتكون النتيجة تقدم الاستنابة علي المباشرة بل عدم وجوب المباشرة لو تمكن من الاستنابة و ان تمكن من المباشرة و هذا غريب واضح البطلان.

ثم انه لا ريب في انه لا يحل من اخل بالسعي ما يتوقف حليته عليه من المحرمات كالنساء انه يجب الكفارة عليه اذا كان تركه عمدا و أمّا اذا تركه نسيانا و وقع منه ما يوجب الكفارة قبل ان يذكر ذلك فلا كفارة عليه و ان ذكر ثم واقع قال في الجواهر:

الظاهر لزوم الكفارة لفحوي ما ستعرفه من الحكم بوجوبها علي من ظن اتمام حجه فواقع ثم تبين النقص «3».

______________________________

(1)- شرائع الاسلام: 1/ 204.

(2)- المعتمد: 5/ 78.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 430.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 102

حكم الزيادة علي السبع في السعي

مسألة 23- قال في الجواهر: «لا تجوز الزيادة علي سبع) بلا خلاف اجده فيه لانه تشريع كزيادة الركعة في الصلاة (و) حينئذ فلو زاد عالما (عامدا بطل) لانه لم يأت بالمامور به علي

وجهه علي نحو ما سمعته في الطواف إذا زدت عليها فعليك الاعادة و كذلك السعي)» «1».

أقول: هذا الخبر رواه الشيخ في التهذيب «2» و الاستبصار «3» باسناده عن موسي بن القاسم عن صفوان بن يحيي عن عبد اللّه بن محمد و حكي الاشكال في سنده عن صاحب المدارك «4» لاشتراك عبد اللّه بن محمد بين الثقة و غيره كما حكي موافقة الحدائق «5» معه في ذلك و ان اجاب عنه بجبر ضعفه بعمل الاصحاب مضافا الي انه يري صحة جميع الروايات المذكورة في الكتب الاربعة و اجاب عن اصل الاشكال بعض الاجلة من المعاصرين «6» بان عبد اللّه بن محمد بحسب المرتبة و الطبقة هو عبد اللّه بن محمد الحجال و هو ثقة ثقة.

أقول: هو من الطبقة السادسة و اطلاقه يشمل العمد و العلم و النسيان و لكن يقيد بما يأتي و استدل علي ذلك بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة أشواط فليسع علي واحد و ليطرح ثمانية و ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 431.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 151 ح 498/ 23.

(3)- الاستبصار: 2/ 217/ 747.

(4)- مدارك الاحكام: 8/ 213.

(5)- الحدائق الناضرة: 16/ 279.

(6)- المعتمد: 5/ 84.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 103

طاف بين الصفا و المروة ثمانية اشواط فليطرحها و ليستأنف السعي «1»».

قال بعض الاعلام انه صريح في انه اذا طاف ثمانية يلغي الجميع، و اذا طاف تسعة يلغي الجميع، و اذا طاف تسعة تلغي الثمانية و يحسب التاسع اوّل الاشواط «2» و في الجواهر قال: بناء علي ما قيل من كونه في العمد و ان البناء علي الواحد في الاول باعتبار البطلان

بالثمانية فيبقي الواحد ابتداء سعي أمّا اذا كان ثمانية فليس الا البطلان باعتبار كون الثامن ابتداؤه من المروة فلا يصلح البناء عليه و ان كان هو لا يخلو من اشكال او منع «3».

أقول: قال في آخر بحثه في المسألة: بقي الكلام في صحيح معاوية السابق المذكور في صدر المسألة الّذي لم نجد عاملا به علي ظاهره و لذا اختلف في تنزيله فقيل انه في العمد، و فقهه حينئذ ما عرفت و هو المحكي عن ظاهر التهذيب و قيل انه في النسيان، و انه محمول علي من استيقن الزيادة و هو علي المروة لا الصفا فيبطل سعيه علي الاول لابتدائه من المروة دون الثاني لابتدائه التاسع من الصفا و هو المحكي عن الصدوق في الفقيه و الشيخ في الاستبصار الا انها كما تري «4»

ثم صار في مقام الايراد علي القول الاول و الثاني اما الاول فلاطلاق النص و الفتوي علي بطلان الزيادة العمدية فلا يصح الشوط التاسع كالثامن مضافا الي اعتبار النية في ابتداء العمل و العامد نوي في اوّل الاسبوع الثاني كونه جزء لا عبادة مستقلة و الا لم تكن زيادة و اما الثاني ففيه انه ينافي ما عليه النص و الفتوي من صحة السعي اذا زاد عليه شوطا سهوا. و انه مخير بين طرح الثامن و البناء علي السبعة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب السعي ح 1.

(2)- المعتمد: 5/ 83.

(3) جواهر الكلام: 1/ 431.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 436.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 104

و بين الاكمال اسبوعين قال: فالصحيح المزبور غير واضح الوجه فالمتجه الاعراض عنه و التعويل علي غيره المعتضد بعمل الاصحاب في صورتي العمد و السهو «1».

و يمكن ان يقال، ان اطلاق

النص يقيد بالنص نعم حمل الصحيح علي النسيان معارض لما دل علي صحة السعي اذا زاد عليه سهوا شوطا. فعلي هذا يمكن ان يقال:

بتقييد ما دل علي مبطلية الزيادة العمدية مطلقا بهذا الصحيح و اشكال النية لا عبرة به بعد دلالة النص علي صحة العمل بالوجه المذكور اللهم الا ان يقال بترك الاصحاب حمله علي صورة العمد و بان الشوط التاسع اتي به علي نحو التشريع المحرم فكيف يتقرّب به و اللّه هو العالم.

ثم ان مثل صحيح عبد اللّه بن محمد بالإطلاق ظاهر في بطلان السعي بالزيادة اذا كان جاهلا بالحكم و لكنه يقيد بما دل علي اختصاص الحكم بالبطلان بالعالم و ذلك مثل صحيح هشام بن سالم قال: «سعيت بين الصفا و المروة انا و عبيد اللّه بن راشد فقلت له: تحفظ عليّ فجعل يعدّ ذاهبا و جائيا شوطا واحدا فبلغ بنا مثل ذلك فقلت له: كيف تعد؟ قال: ذاهبا و جائيا شوطا واحدا فاتممنا أربعة عشر شوطا فذكرنا ذلك لابي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: قد زادوا علي ما عليهم ليس عليهم شي ء الحديث «2»».

و لا يخفي ما فيه من غرابة المتن فكيف لا يعلم مثل هشام حكم مثل السعي المبتلي به جميع الناس. و صحيح جميل بن دراج قال: «حججنا و نحن صرورة فسعينا بين الصفا و المروة أربعة عشر شوطا فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ذلك؟ فقال: لا بأس سبعة لك و سبعة تطرح «3»».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 436.

(2)- التهذيب ج 5/ 152 ح 501/ 26.

(3)- وسائل الشيعة ب 13 من ابواب السعي ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 105

حكم من تيقن عدد الاشواط و شك فيما بدأ به

مسألة 24- اذا تيقن عدد الاشواط و شك في

انه بدأ بالصفا أو المروة فان كان يعلم انه سعي الاثنين او الاربعة او الستة و هو علي الصفا او كان متوجها إليه فسعيه صحيح وقع بدأه من الصفا لانه لا يمكن كونه اثنين او الاربعة او الستة الا بالبدء من الصفا و ان كان علي المروة او هو متوجه إليه و علم بالازواج يجب عليه اعادة السعي لانه لا يكون كذلك الا بالبدأة من المروة و قد مر بطلانه بذلك عمدا كان او سهوا و اذا كان الامر بالعكس بان كان المعلوم الافراد من الواحد او الثلاثة او الخمسة او السبعة فان كان هو علي الصفا او متوجها إليه فسعيه باطل لابتدائه من المروة و ان كان هو علي المروة او متوجها إليه فسعيه صحيح لابتدائه من الصفا.

حكم الشك في عدد الاشواط

مسألة 25- اذا شك في عدد الاشواط و كان بين السبعة فما زاد لا يعتد به اذا كان علي صورة لا تنافي البدأة بالصفا كما لو شك بين السبعة و التسعة و هو علي المروة لعدم بطلان السعي بالزيادة السهوية فضلا عمّا اذا كان شاكا فيها و لاصالة عدم الزيادة الا ان يقال انه لا حاجة إليها بعد عدم كون الزيادة السهوية مبطلة و أمّا اذا كان الشك بين السبعة و الثمانية و هو علي المروة او علي الصفا فهو و ان كان صحيحا ان وقع علي السبعة في الصورة الاولي و علي الثمانية في الصورة الثانية الا انه يكون باطلا في الصورة الاولي علي الثمانية و في الصورة الثانية علي السبعة، و باصالة عدم الزيادة لا يثبت اليقين بوقوعه علي السبعة و قاعدة الفراغ لا تجري في المقام لكونه

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 106

من التمسك

بالعام في الشبهة المصداقية.

و اذا كان الشك في الاثناء اعاده كما اذا شك بين كونه شوطه الّذي اتي به و هو في الصفا الثاني او الرابع او السادس فيجب الاعادة لتردده بين محذوري الزيادة و النقيصة اللتين كل منها مبطل و البناء علي الاقل باصالة عدم الزيادة لا يفيد بعد دلالة الدليل علي اعتبار اليقين علي عدد الاشواط ففي صحيح سعد بن يسار: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل متمتع سعي بين الصفا و المروة ستة اشواط ثم رجع الي منزله و هو يري انه قد فرغ منه و قلم اظافيره و احلّ ثم ذكر انه سعي ستة اشواط؟

فقال لي! يحفظ انه قد سعي ستة اشواط فان كان يحفظ انه قد سعي ستة اشواط فليعد و ليتم شوطا و ليرق دما فقلت دم ما ذا؟ قال: و ان لم يكن حفظ انه قد سعي ستة اشواط فليعد فليبتدئ السعي حتي يكمل سبعة اشواط ثم ليرق دم بقرة «1»».

حكم ما اذا تيقن النقيصة

مسألة 26- اذا تيقن النقيصة في السعي سواء كانت شوطا او اكثر فلا شك في انه يأتي بها قبل فوت الموالاة و اما بعد فوتها فان قلنا بعدم اعتبار الموالاة في السعي كما ادعي عليه الاجماع او عدم معرفة الخلاف فلا ريب أيضا علي وجوب الاتيان بها نعم علي القول باعتبارها يجب عليه الاعادة و ان كان الاحوط ان يتمه ثم يعيده او يأتي به بقصد ما في ذمته من الاتمام او الاعادة.

و الظاهر انه لا فرق في ذلك الحكم بين تجاوزه عن النصف و عدمه للاصل و استدل عليه بما دل علي جواز القطع للصلاة بعد شوط واحد و للحاجة بعد ثلاثة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب

السعي ب 14 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 107

اشواط و اتمامه بعد الصلاة و قضاء الحاجة و لا بدّ ان يكون ذلك بدعوي القطع بعدم الفرق بين الصلاة و قضاء حاجة اخيه و بين غيرهما فان من سؤال السائل لا يستفاد حصر العذر للقطع بالصلاة او بقضاء حاجة اخيه.

نعم لو كان بين الحكم من الامام عليه السّلام ابتداء يمكن ان يقال باختصاصه بمورده و لا يقال و ان لا يستفاد اختصاص الحكم من الروايتين بمورد السؤال فيهما الا انه لا يستفاد منهما التعميم لسكوتهما عن غير مورد السؤال و ذلك لفهم العرف الغاء الخصوصية بمفهوم المساواة و الموافقة.

هذا و قد حكي عن المفيد و سلار و ابي الصلاح و ابن زهرة التفصيل بين التجاوز عن النصف فيعود و قبل التجاوز عن النصف فيعيد لخبر احمد بن عمر الحلال «1» و خبر ابي بصير 2 في المرأة التي حاضت في الطواف بالبيت او بين الصفا و المروة و لكن كما قال في الجواهر في سندهما ضعف و لا جابر مع عدم عمومها لافراد المسألة و معلومية عدم قطع الحيض للسعي «3».

ثم ان هنا روايتان لعله يكون من الصعب فهم المراد منهما لما في قبالهما من الروايات و اتفاق الفتاوي.

احداهما: رواية محمد بن سنان عن عبد اللّه بن مسكان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة ستة اشواط، و هو يظن انها سبعة فذكر بعد ما احلّ و واقع النساء انه انما طاف ستة اشواط؟ قال: عليه بقرة يذبحها، و يطوف شوطا آخر «4»».

______________________________

(1) 1 و 2- وسائل الشيعة ابواب الطواف ب 85 ح 2 و 1.

(3)- جواهر الكلام:

19/ 440.

(4)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 14 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 108

و هذه الرواية بغض النظر عن ضعف سنده يمكن حملها علي صورة الجهل بالموضوع بحمل الظن في قوله (و هو يظن) علي العلم و لا يبعد ذلك لمناسبة استعمال الظن علي العلم المخالف للواقع و عليه يكون في ارتكابه المحرم جاهلا بحرمته لا اثم عليه و مقتضي غيره من الروايات و نقل اتفاق الفقهاء هو انه لا شي ء عليه مع ان الرواية صريحة في ان عليه بقرة و الظاهر ان مورده سعي العمرة المتمتع بها الي الحج فلا يتعدي منه الي غيره حجا كان او عمرة و احتمال ان يكون طاف طواف النساء ثم واقع لظنه اتمام السعي بل احتمال ان يكون قدم طواف النساء لعذر بعيد فالقدر المتقين منه هو سعي العمرة المتمتع بها الي الحج و عليه يخصص بها ما دل من الروايات علي عدم تعلق الكفارة بالجاهل و يمكن دعوي جبر ضعف سنده بحكاية العمل بها عن الشيخين و ابني ادريس و سعيد و غيرهم كالعلامة في جملة من كتبه «1».

و أمّا اذا كان الظن الواقع فيها ما يقابل العلم فتعلق الكفارة به لعمده الا انّه يخالف ما دل علي ان كفارة الجماع البدنة فلا بد من ان يقال امّا بتخصيص ما دل علي كون كفارته بدنة بهذه الرواية و خصوص ما اذا ظن انها سبعة او باختصاص البدنة بما وقع قبل طواف النساء و احتمل البعض كون الكفارة البقرة للاحلال مثل ان يقلم ظفره بقصد الخروج من الاحلال لا لمواقعة النساء جهلا و يلزم علي ذلك ترتب الكفارتين ان واقع عمدا فالانصاف ان الجزم بما هو مضمون

الرواية مشكل جدا.

و ثانيتهما: صحيح سعيد بن يسار الّذي مرّ ذكره و هو في مورد السعي في عمرة التمتع و ليس فيه مواقعة النساء و الكفارة تكون لتقليم الاظفار و الكلام فيه يظهر مما ذكرناه في رواية ابن مسكان و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 441.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 109

اعتبار إباحة اللباس و المركوب في السعي

مسألة 27- في اعتبار إباحة اللباس و إباحة المركوب لو سعي راكبا افاد بعض الاعلام بان اعتبارها مبني علي مسألة اصولية و هي ان حرمة المسبب هل تسري الي السبب و بعبارة اخري حرمة ذي المقدمة هل تسري الي المقدمة كما ان وجوب ذي المقدمة تقتضي وجوب المقدمة فان بنينا علي ذلك فبما ان المعلول و هو حركة اللباس و التصرف فيه محرم، و العلة انما هي السعي و حركة البدن فتكون محرمة بالسراية و بما ان السعي عبادي لا يمكن ان يكون محرما فيبطل (و قال) و لكن ذكرنا في المباحث الاصولية ان لا اساس للسراية بين العلة و المعلول فانهما موجودان مستقلان و ان كان احدهما علة و الاخر معلولا فلا موجب للسريان ثم افاد بان الوجود ان كان واحدا و العنوان متعددا كالهتك المسبب عن فعل من الافعال فكل ما يوجب الهتك يكون محرما و بعبارة واضحة في مورد الافعال التوليدية ليس في الخارج وجودان ينتزع منه العنوانان فالعبرة بوحدة الوجود الخارجي و أمّا اذا كان الموجود الخارجي امرين، و ان كان احدهما علة و الاخر معلولا فلا يوجب للسريان كما في المقام لان حركة البدن علة لحركة اللباس فلا يوجب السراية لان احدهما من عوارض البدن و الاخر من عوارض اللباس فاحدهما اجنبي عن الاخر من هذه الجهة

«1».

أقول: ان كان المراد من هذا البيان و عدم سراية الحرمة من المعلول الي العلة

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 101.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 110

عدم كون العلة حراما مستقلا فهذا كلام متين، و ان كان المراد عدم كونه حراما بالغير فهو ممنوع لاستلزام كون المعلول حراما حرمة العلة المترتب عليها المعلول عقلا فالنهي عن الشي ء الزجر عنه مستقلا و عن علته بالتبع فتسري إليه الحرمة من المعلول مضافا الي ان تحريك البدن عين التصرف في اللباس و بالجملة لا يصلح سبب الحرام للتقرب به الي المولي كما لا يصلح نفس الحرام له هذا بالنسبة الي اللباس سواء كان ساترا او غيره و اما بالنسبة الي المركوب فحركة المركوب علة لحركة البدن فلا تسري حرمته الي حركه البدن و بعبارة اخري لا تسري حرمة المقدّمة الي ذي القدمة قال: و عدم السراية هنا اوضح من باب اللباس و لذا لا يكون السفر علي دابة مغصوبة موجبة لكون السفر معصية فان المحرم هو الركوب علي الدابة لا السفر و البعد عن الوطن «1».

و أقول: قد يشكل في هذه الصورة أيضا اذا كان المركوب منحصرا بالمركوب الغصبي فلا يتمكن حينئذ من السعي لان المحذور الشرعي كالمحذور العقلي بل يمكن دعوي عدم جواز التقرب بمثل هذا السعي و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 102.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 111

الكلام في التقصير

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 113

الكلام في التقصير التقصير احد المناسك في العمرة و في الجواهر عندنا علي وجه يكون تركه نقصا فيها بل في المنتهي اجماع علمائنا عليه و ان حصل الاحلال له منها خلافا للشافعي في احد قوليه فجعله اطلاق محظور كالطيب و اللباس و لا ريب في فساده عندنا

بعد ما سمعت من الاجماع بقسميه عليه و النصوص انتهي «1».

و النصوص علي اصل الحكم متفقة و ان كان ظاهرها الاختلاف في مقدار ما يكتفي به ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا فرغت من سعيك، و انت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه، و خذ من شاربك و قلّم من اظفارك، و ابق منهما لحجك فاذا فعلت ذلك فقد احللت من كلّ شي ء يحلّ منه المحرم، و احرمت منه فطف بالبيت تطوعا ما شئت «2» و قريب منه موثقته و لعلهما واحدة «3»».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 450.

(2)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 1 ح 2.

(3)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 1 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 114

و ظاهرهما وجوب الجمع بين الامور المذكورة و لكن يمكن حملهما علي الاستحباب لاشتمال الموثقة التي احتملنا كونها و الصحيحة واحدة علي امور مستحبة فيضعف بذلك ظهور الاوامر المذكورة علي الوجوب و علي ذلك مقتضي الاصل عدم وجوب الزائد علي مسمّي التقصير مضافا الي دلالة غيرهما علي الاكتفاء بواحد من هذه الامور مثل صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة و يسعي بين الصفا و المروة و يقصر من شعره فاذا فعل ذلك فقد احل «1»» و ان كان يمكن ان يقال انه ليس في مقام تفصيل ما يعتبر في الطواف و السعي و التقصير فلا يستفاد منه الاطلاق.

و في صحيح جميل بن دراج و حفص بن البختري و غيرهما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في «محرم يقصر من بعض و لا يقصر من بعض؟ قال: يجزيه «2»».

بل

مقتضي صحيحي الحلبي كفاية قرض بعض الشعر بالاسنان 3.

و عن ابن أبي عمر عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تقصر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الانملة «4»».

و خبر عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ثم ائت منزلك فقصر من شعرك و حلّ لك كل شي ء «5»».

ثم انه قال في التذكرة: «فلو قصر الشعر باي شي ء كان اجزأه، و كذا لو نتفه او ازاله بالنورة «6» الخ».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 1 ح 2.

(2) 2 و 3- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 3 ح 1 و 2.

(4)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 3 ح 3 و 4.

(5)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 1 ح 3.

(6)- تذكرة الفقهاء: 8/ 150.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 115

و افاد في الجواهر ان مقتضي النصوص كاطلاق الاكثر الاجتزاء بتحقق مسماه بالازالة للشعر او الظفر بحديد او نتفه او قرض بالسن او نحو ذلك و لكن في كفاية النتف اشكال لعدم صدق التقصير عليه كالحلق فانه أيضا ليس من التقصير و الروايات قد دلت علي التقصير ففي صحيح معاوية ابن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«و ليس في المتعة الا التقصير «1»». فلا يترك الاحتياط و اللّه هو العالم.

افضلية التقصير علي الحلق في العمرة

مسألة 28- قال الشيخ في الخلاف: افعال العمرة خمسة. الاحرام و التلبية و الطواف و السعي بين الصفا و المروة و التقصير، و ان حلق جاز و التقصير افضل و بعد الحج الحلق افضل (الي ان قال) دليلنا اجماع الفرقة و طريقة الاحتياط لا بد اذا فعل ما قلناه فقد اتي بكمال العمرة و ان لم يفعل ففيه خلاف «2».

و قال العلّامة في

التذكرة: التقصير في احرام العمرة اولي من الحلق قاله الشيخ في الخلاف، و منع في غيره من الحلق و اوجب به دم شاة مع العمد، و قال احمد: التقصير افضل لما رواه العامّة عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السّلام عن جابر لمّا وصف حج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و قال لاصحابه: «حلّوا من احرامكم بطواف بين الصفا و المروة و قصّروا» و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السّلام عن المتمتع اراد ان يقصر فحلق رأسه قال، عليه دم يهريقه سأل جميل بن درّاج الصادق عليه السّلام: «عن متمتع حلق رأسه بمكة؟ قال:

ان كان جاهلا فليس عليه شي ء «3»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 4 ح 2.

(2)- الخلاف: 2/ 330.

(3)- تذكرة الفقهاء: 8/ 149.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 116

أقول: و لو ورد علي الرواية الاولي مضافا الي ضعف سنده بظهوره في غير العامد الّذي حكي الاجماع ممن عدا المحقق علي عدم وجوب الكفارة عليه للاصل و النص فلا بد كما قاله في الجواهر من حمله علي ضرب من الندب و علي الرواية الاولي الصحيحة بعدم ظهوره في الحلق بعد الاحرام بل لعل الدم فيه لترك توفير الشعر المستحب عند الاصحاب و الواجب عند الشيخين بل عن المفيد منهما التصريح بوجوب الدم فيه الي آخر ما افاده في الجواهر «1» و كيف كان يكفي في تعين التقصير اطلاقات ما دل عليه و عدم الدليل علي جواز الاكتفاء بالحلق و اللّه هو العالم.

حكم ترك التقصير سهوا

مسألة 29- قال في الجواهر: و لو ترك التقصير حتي اهل بالحج سهوا صحت متعته بلا خلاف اجده فيه لصحيح معاوية و حسنه سأل الصادق عن رجل اهلّ بالعمرة

و نسي ان يقصر حتي دخل في الحج؟ قال: يستغفر اللّه و لا شي ء عليه و تمت عمرته «2» بل ظاهره عدم دم عليه أيضا كما في القواعد و المحكي عن سلار و ابن ادريس و هو مقتضي الاصل لكن سأل اسحاق بن عمار أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يتمتع فينسي ان يقصر حتي يهل بالحج؟ فقال: عليه دم يهريقه «3» بل عن الشيخ و بني زهرة و البراج و حمزة العمل به و لا ريب في انه احوط ان لم يكن اقوي لقاعدة التخصيص التي هي اولي من الحمل علي الندب ان لم يكن المراد من نفي الشي ء في الاول العقاب ينبغي ان يكون شاة كما عن الغنية و المهذب و الاشارة لما

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 454.

(2)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 6 ح 1.

(3)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 6 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 117

سمعته مكررا من الانصراف و للاحتياط الخ «1».

أقول: هو كما ذكره قدس سره مبني علي الاحتياط و الا فالظاهر عن قوله عليه السّلام:

«فلا شي ء عليه الكفارة».

حكم ترك التقصير عمدا

مسألة 30- اذا ترك التقصير عمدا و اهلّ بالحج مقتضي القاعدة بطلان الاهلال بالحج و هذا محكي عن ابن ادريس لانه غير المامور به فيجب عليه التقصير و اتمام حجه متمتعا قال ابن ادريس بعد ما ذكر ان بطلان المتعة و صيرورة حجه مفردا: الّذي يقتضيه الادلة و اصول المذهب انه لا ينعقد احرامه بحج لانه بعد في عمرته لم يتحلل منها و قد اجمعنا علي انه لا يجوز ادخال الحج علي العمرة و لا ادخال العمرة علي الحج قبل فراغ مناسكها انتهي «2». الا ان المشهور بطلان متعته و

صيرورة حجته مبتولة لموثقة اسحاق بن عمار عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المتمتع اذا طاف و سعي ثم لبّي بالحج قبل ان يقصر فليس له ان يقصر و ليس له متعة «3»».

و اطلاقه يشمل الناسي و الجاهل و العالم الا انه في الناسي مقيد بما يدل علي انه (لا شي ء عليه و قد تمت عمرته).

فالقدر المتيقن من بطلان متعته صورة العمد و العلم و اطلاقه يشمل الجاهل أيضا و تقييده به محتاج الي المقيد و هذه الموثقة و ان لم تكن صريحة في صيرورة حجته

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 456.

(2)- السرائر: 1/ 581.

(3)- وسائل الشيعة ب 54 من ابواب الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 118

مبتولة الا ان قوله: فليس له ان يقصر و ليس له متعة ظاهر في انه يتمه حجا بل يمكن ان يقال بظهورها في بطلان احرام متعته و وجوب البناء علي احرامه الثاني و احتمال صيرورة عمرته مفردة خلاف الظاهر و الا ينبغي التنبيه من الامام عليه السّلام علي انه لا يجب عليه الاتيان بمناسك الحج من الوقوف بعرفات و المشعر و اعمال مني.

هذا و قد حكي بعض الاجلة تضعيف سنده بإسحاق بن عمار عن صاحب المدارك لاشتراك اسحاق بن عمار بين الثقة و غيره يعني بين اسحاق بن عمار الكوفي الصيرفي و ابن عمار الساباطي و حكي عن صاحب الحدائق استحسانه له علي مبناه لا علي مبني نفسه «1» و ان ليس في كلام المدارك الا قوله و في الروايتين قصور من حيث السند فيشكل التعويل عليهما و لكن الظاهر كما يستفاد من جامع الرواة حيث لم يذكر بهذا الاسم غير اسحاق بن عمار الكوفي

الصيرفي و من طبقات سيدنا الاستاد الاعظم قدس سره و صرح عليه بعض الاجلة انه واحد يوصف تارة بالصيرفي و تارة بالساباطي و في حاشية جامع الرواة ما يظهر منه ان الصيرفي ابن عمار بن حيّان و لم يكن هو و لا ابوه و لا اخوته يونس و يوسف و غيرهما فطحيّا بل هو من الثقات الاجلة كما يظهر من الاخبار أيضا من اراد التحقيق فليرجع الي ترجمة اخيه اسماعيل و ابنه محمد و الي كتاب رجال مولانا عناية اللّه انتهي.

أقول: و راجع جامع الرواة ترجمة اسماعيل بن عمار و محمد بن اسحاق ابن عمار و يونس و يوسف ابني عمار.

فيمكن ان يقال ان الفطحي اسحاق بن عمار الساباطي و هو ثقة و الصيرفي غير الفطحي و هو أيضا ثقة فالرواية علي ذلك اما موثقه او صحيحة ثم لا يخفي انه ليس في كلام المدارك وجه قصور الرواية من حيث السند فلعله كان من جهة اشتراك أبي

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 114.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 119

بصير بين المرادي و الاسدي و غيرهما و اللّه هو العالم.

و لرواية محمد بن سنان عن العلاء بن الفضيل قال: «سألته عن رجل متمتع طاف ثم اهل بالحج قبل ان يقصر؟ قال: بطلت متعته هي حجة مبتولة «1»» و سندها ضعيف محمد بن سنان مضافا علي اضمارها.

هذا و يمكن دعوي جبر ضعفه و جبر ضعف خبر اسحاق بن عمّار علي القول به بعمل الاصحاب و لو لا ذلك كان الحق مع ابن ادريس. ثم ان دلالة رواية العلاء علي بطلان متعته و صيرورته حجة مبتولة واضحة.

و يمكن ان يقال: في موثقة اسحاق بن عمار بانه ليس له ان يقصر و ليس

له متعة مشعر بصيرورة حجته مبتولة و انقلاب وظيفته من التمتع الي الافراد فكان الامام امضي احرامه للحج.

ثم ان مقتضي صحة احرامه للحج هل انقلاب تكليفه الي الحج الافرادي حتي كان الواجب عليه ان كان حجه الواجب مثل حجة الاسلام عمرة مفردة بعد الحج او ان المستفاد من الرواية بطلان متعته و صحة احرامه للحج الافرادي و اما ان كان حج المتمتع عليه واجبا يجب عليه ان يأتي به في السنة الآتية.

يمكن ان يقال: ان اطلاق الكلام ظاهر في إجزائه و ان كان الاحتياط يقتضي الاتيان بعمرة مفردة بعد الحج ثم الاتيان بحج التمتع في السنة الآتية.

و يمكن ان يقال: ان ذلك لو لم نستفد من الرواية اجزاء الحج الافرادي عن تكليفه لانه علم اجمالا اما بوجوب الافراد عليه في هذه السنة او التمتع في السنة الآتية فيجب عليه الجمع بينهما و عمرة مفردة و لكن فيه ان علمه الاجمالي ينحل بالعلم التفصيلي بوجوب اتمام الحج الّذي احرم له في هذه السنة و الشك البدوي في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 54 من ابواب الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 120

وجوب حج التمتع عليه في السنة الآتية. اللهم الا ان يقال بالعلم الاجمالي بوجوب العمرة عليه بعد الحج و حج التمتع في القابل.

حلّية جميع ما كان محرما علي المحرم بعد التقصير

مسألة 31- في عمرة التمتع بعد ما قصر المعتمر بها يجوز له جميع ما كان محرما عليه في حال الاحرام نعم قد يحتمل عدم جواز خصوص الحلق بل نسب القول بالتحريم الي بعض المحدثين و عن بعض الاجلة انه قال: يحلّ له بفعله كلما حرم عليه بعقد احرامه علي اشكال في حلق جميع الرأس و الظاهر منه الاشكال في جوازه لما نذكره من

الاخبار لا الاشكال في حرمته لمعروفية القول بالجواز كما ذكره بعض الاكابر من تلامذته «1» و كيف كان فالقول المشهور هو جواز الحلق بعد التقصير نعم اذا كان ذلك بعد مستهل ذي القعدة يحرم من جهة وجوب توفير الشعر عند من يقول بوجوبه و هو اعم من ان يكون متمتعا وادي عمرته و قصر و بقي عليه الحج او كان عليه حج الافراد او القران فعدم جواز الحلق لامر آخر غير عدم جوازه من جهة احرامه بالعمرة.

و عمدة ما يدل علي الحرمة علي ما صرح به البعض صحيحتان.

الاولي: ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ثم قصر من راسك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلم اظفارك و ابق منها لحجك فاذا فعلت ذلك فقد احللت من كل شي ء يحل منه المحرم و احرمت عنه «2»».

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 117.

(2)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 1 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 121

قال: و قوله: «فاذا فعلت ذلك فقد احللت من كل شي ء» يراد به غير الحلق بقوله:

«و ابق منها لحجك» و بالجملة لا ينبغي الريب في ظهور الصحيحة في عدم جواز الحلق و انه يلزم عليه الابقاء للحج.

أقول: ليس قوله عليه السّلام ظاهر في عدم جواز الحلق بل غاية ما يدل عليه وجوب الابقاء علي بعض ما ذكر للحج و حرمة ازالة الجميع نعم علي القول بوجوب الحلق في الحج علي الصرورة يمكن ان يقال بدلالته علي حرمة الحلق بعد ذلك لا يتم الاحتجاج بهذا الحديث لحرمة الحلق.

ثم قال: و اوضح من ذلك الصحيحة الثانية لجميل فقد سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام: «عن متمتع حلق

رأسه بمكة؟ قال: ان كان جاهلا فليس عليه شي ء، و ان تعمد ذلك في اوّل شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء، و ان تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه «1»».

(ثم قال) فان السؤال عن الحلق بمكة ظاهر في ان السؤال من جهة اعمال المتعة و ان من تمتع يجوز له الحلق أم لا و الا لو كان السؤال ناظرا الي جواز الحلق من جهة الاحرام فلا فرق بين مكة و غيرها فان الحلق للمحرم غير جائز سواء كانت في مكة أم لا.

ثم انه (بعد ذلك) بما افاد و استظهر منه ان الرواية ظاهرة بل صريحة في عدم جواز الحلق للمتمتع في نفسه و حمله علي الاستحباب كما صنعه المشهور مما لا وجه له.

و لكن حيث ان الصحيحة بمرئي من الاصحاب (مع ذلك) لم يلتزموا بالحرمة فلا اقل من الاحتياط فما ورد في الروايات انه لو قصر حلّ له كل شي ء يقيد بغير

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب التقصير، ب 4، ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 122

الحلق «1».

أقول: الرواية ظاهرة في انه يحلّ بالتقصير عن كل المحرمات حتي الحلق و لذا قال

ان تعمد ذلك في اوّل شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء و بعده أيضا وجوب الكفارة عليه ليس لانه ارتكب المحرم في حال الاحرام بل لانه ارتكب ذلك بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فيمكن ان يستفاد منه وجوب الكفارة مطلقا و ان لم يكن متمتعا و كون سؤال السائل عن متمتع حلق راسه لا يوجب اختصاص الجواب به، فظهر من ذلك ان الكفارة المذكورة فيه ليس لحرمة الحلق للاحرام بل لتركه توفير الشعر و

لذا ذكره في مثل الجواهر في عداد روايات توفير الشعر «2» و حملوه علي الاستحباب و من حمله علي الوجوب أيضا كالمفيد جعله كفارة لتوفير الشعر مطلقا قال: اذا اراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة فان حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهريقه «3» انتهي و اللّه هو العالم و الهادي الي الصواب.

عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع

مسألة 32- لا يجب في عمرة التمتع طواف النساء قال في الجواهر: بلا خلاف محقق اجده فيه و ان حكاه في اللمعة عن بعض الاصحاب و اسنده في الدروس الي النقل لكن لم يعين القائل و لا ظفرنا به و لا احد ادعاه سواه

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 118 و 119.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 172.

(3)- المقنعة/ 391.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 123

بل في المنتهي لا اعرف فيه خلافا بل عن البعض الاجماع علي عدم الوجوب «1» الخ.

و يدل عليه صحيح صفوان بن يحيي قال: «ساله أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة الي الحج و طاف و سعي و قصّر هل عليه طواف النساء قال: لا، انّما طواف النساء بعد الرجوع من مني «2»» و صحيح زرارة قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: «كيف اتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي بالحج فاذا دخلت مكة طفت بالبيت و صليت ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و قصرت و احللت من كل شي ء و ليس لك ان تخرج من مكة حتي تحج «3»».

و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الّذي سبق ذكره و فيه بعد ذكر التقصير قال عليه السّلام: «فاذا فعلت ذلك (يعني اديت وظيفة التقصير) فقد احللت من كل شي ء يحلّ منه المحرم و احرمت

منه وطف بالبيت تطوعا ما شئت «4»».

الي غير ذلك من الاخبار التي ذكرها في الجواهر و رواها في الوسائل، هذا و لكن في خبر سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام قال: «حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلي ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام و سعي بين الصفا و المروة و قصّر فقد حلّ له كل شي ء ما خلا النساء لان عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة «5»» و دلالته علي وجوب طواف النساء ظاهرة.

و لكن قال الشيخ فيه في التهذيبين: ليس في الخبر أن الطواف و السعي اللذين

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 407.

(2)- الوسائل الشيعة ابواب الطواف ب 82 ح 6.

(3)- الوسائل الشيعة ابواب الاحرام ب 22 ح 3.

(4)- الوسائل الشيعة ب 1 من ابواب التقصير ح 1.

(5)- الوسائل الشيعة ابواب الطواف ب 82 ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 124

ليس له الوطي، بعدهما الا بعد طواف النساء أ هما للعمرة او للحج و اذا لم يكن في الخبر ذلك حملناه علي من طاف و سعي للحج فانه لا يجوز له ان يطأ النساء و يكون هنا التأويل اولي لان قوله عليه السّلام في الخبر علي جهة التعليل: لان عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة يدل علي ذلك لان العمرة التي يتمتع بها الي الحج لا يجب فيها طواف النساء و انما يجب طواف النساء في العمرة المبتولة او الحج الخ «1».

و فيه ما افاد في الجواهر: ان المفروض في الخبر وقوع التقصير من المتمتع بعد الطواف و السعي و ليس ذلك الا في العمرة اذ لا تقصير بعدهما في الحج، و أيضا قوله عليه السّلام: «اذا حج الرجل» الي آخره

كالصريح في ان المراد بدخولها هو القدوم الاول دون الرجوع إليها من مني فلا وجه للمناقشة فيه من هذه الجهة «2».

هذا و قد افاد بعض الاجله في عدم دلالة هذا الخبر علي وجوب طواف النساء في عمرة التمتع: ان المفروض في الرواية انه حج الرجل فدخل مكة متمتعا و الّذي يدخل مكة متمتعا بالعمرة لا يقال حج الرجل فيعلم انه دخل مكة بعد اعمال الحج فالمعني ان الرجل تمتع و ذهب الي عرفات و المشعر و حج ثم دخل مكة بعد اعمال الحج فيكون الطواف المذكور هو طواف النساء الثابت في الحج «3».

أقول: لما ذا لا يقال لمن يريد حج التمتع علي سبيل الفرض أنه حج الرجل فدخل مكة؟ و ثانيا يرد عليه ما اورده في الجواهر علي الشيخ قدس اللّه سر الجميع من ان المفروض في الرواية وقوع التقصير من المتمتع بعد الطواف و السعي أي بعد عمرة التمتع و ليس ذلك أي التقصير كذلك الا في العمرة إذ لا تقصير بعد الطواف و السعي في الحج.

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 162 ح 544/ 69 و الاستبصار: 2/ 244 ح 853/ 5.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 409.

(3)- المعتمد: 5/ 120.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 125

و بعد ذلك نقول من المحتمل وقوع الزيادة في الخبر او النقيصة و هذه اولي فكانه كان فيه بعد قوله (فقد حل له كل شي ء) فاذا حج و اتي بما عليه من اعمال و حلق او قصر في مني فقد حلّ له كل شي ء ما خلا النساء لان عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة و اللّه هو العالم.

و اما سند الخبر فربما يقال بضعفه بسليمان بن حفص المروزي فانه و ان لم يذكر

بقدح و لا غير مذكور بالمدح في كتب الرجال و افاد بعض الاجلة بانه من الثقات علي ما بني عليه من كون رجال كامل الزيارات كلهم من الثقات «1» و سليمان هذا منهم و ان حكي عنه انه عدل عن هذا البناء و لكن حكي عن الوحيد رحمه اللّه عن جده المجلسي الاول رحمه اللّه انه كان من علماء خراسان و اوحديهم و باحث مع الرضا عليه السّلام و رجع الي الحق و كان في مسألة البداء فرجع عن انكار البداء و كانت له مكاتبات الي الجواد و الهادي و العسكري عليهم السّلام انتهي فرواية رجل مثله لا ترد و لذا صار مثل الشيخ في مقام حمل ظاهره علي ظاهر سائر الروايات و فتوي المشهور و لا ريب في الاعتماد علي الروايات المعتضدة بالشهرة بل بالسيرة القطعية بين الشيعة، و لا يخفي ان حمله علي الاستحباب لا يناسب الفاظه الصريحة في عدم حلية النساء قبل طواف النساء و اللّه هو العالم.

عدم وجوب التقصير فوريا

مسألة 33- وجوب التقصير بعد السعي في العمرة ليس فوريا فيجوز تاخيره الي زمان لا يفوت به وقت الاحرام بالحج فاذا تمتع بالعمرة في شهر شوال او ذي القعدة يجوز له بعد السعي تاخير التقصير الي يوم عرفة فيبقي في هذه المدة محرما يجب عليه الامتناع عما حرم عليه بالاحرام و لا يقال

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 120.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 126

انه يفوت بذلك الموالاة بينه و بين الاجزاء السابقة فانه يكون كذلك اذا لم يكن في البين ملتزما بالوظائف اللازمة علي المحرم كل ذلك لعدم الدليل علي وجوب المبادرة الي التقصير و للاصل و مع ذلك الاحوط عدم تاخيره زائدا علي المتعارف.

عدم وجوب وقوع التقصير في مكان خاص

مسألة 34- كما لا يشترط في التقصير وقوعه في زمان خاص لا يشترط فيه وقوعه في مكان خاص فلو قصر المعتمر في منزله يجزيه و ذلك أيضا لاطلاق الادلة و عدم وجود المقيد و للاصل.

التخيير في العمرة المفردة بين الحلق و التقصير

مسألة 35- في العمرة المفردة يتخير المعتمر بين الحلق و التقصير بلا خلاف و لا اشكال لصحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المعتمر عمرة مفردة اذا فرغ من طواف الفريضة و صلاة الركعتين خلف المقام و السعي بين الصفا و المروة حلق او قصر و سألته عن العمرة المبتولة فيها الحلق؟ قال: نعم و قال:

ان رسول اللّه قال في العمرة المبتولة (اللهمّ اغفر للمحلقين) فقيل يا رسول اللّه و للمقصرين؟ فقال: اللهم اغفر للمحلقين فقيل يا رسول اللّه و للمقصرين؟ فقال:

(و للمقصرين) «1»».

و غيره من النصوص و لكن الحلق افضل بلا خلاف أيضا و لا اشكال للصحيح المزبور و لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «استغفر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله للمحلقين

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 438 ح 1523/ 169 و وسائل الشيعة ب 5 ابواب التقصير ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 127

ثلاث مرات «1» و لغيره من النصوص».

استحباب التشبه بالمحرمين للمتمتع

مسألة 36- يستحب للمتمتع بالعمرة الي الحج بعد التقصير التشبه بالمحرمين في ترك المخيط و غيره قال في الجواهر لقول الصادق عليه السّلام في مرسل ابن البختري: ينبغي للمتمتع بالعمرة الي الحج اذا احلّ ان لا يلبس قميصا، و ليتشبه بالمحرمين اقول روي الحديث مرسلا في فقيه هكذا:

و قال الصادق عليه السّلام ينبغي … و ان يتشبه بالمحرمين «2» و لكن رواه في الكافي عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن غير واحد عن عبد اللّه عليه السّلام بلفظ (و ليتشبه بالمحرمين) «3» و رواه في التهذيب عن الكليني مثله «4» فالحديث ليس مما هو المرسل بالاصطلاح يعتمد عليه

في الفتوي بالاستحباب.

و هكذا يستحب لاهل مكة التشبه بالمحرمين ايام الحج لما رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم «5» عن النخعي يعني أيوب بن نوح «6» عن صفوان «7» عن معاوية بن عمار «8» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا ينبغي لاهل مكة ان يلبسوا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ابواب الحلق و التقصير ب 7 ح 7.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 377 ح 2748.

(3)- الكافي: 4/ 441 ح 8.

(4)- التهذيب: 5 ح 1557/ 447.

(5)- ثقة ثقة جليل من السابعة.

(6)- ثقة عظيم المنزلة شديد الورع كثير العبادة من السابعة.

(7)- ثقة ثقة عين من السادسة.

(8)- كبير الشأن عظيم المحل ثقة من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 128

القميص و ان يتشبهوا بالمحرمين شعثا غبرا و قال: ينبغي للسلطان ان يأخذهم بذلك «1»» و كان تعبير الجواهر «2» عنه بالخبر في غير محله.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 7 ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 458.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 129

الكلام في واجبات الحج

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 131

الكلام في واجبات الحج

الأول من واجبات الحج: الاحرام

اشارة

و الكلام فيه يقع في موارد: الاول: في زمانه فاعلم انه و ان نسب الي المشهور انه لا وقت لحج التمتع بعد الفراغ من عمرته الي ان يتضيق به وقت الوقوف الاختياري في عرفات.

و لكن قد ذكر في الروايات تفاصيل فيها و مقتضي الجمع بينها و حمل بعضها علي بعض اجزاء الاحرام من ثلاثة ايام قبل التروية الي زمان يخاف من تركه الاحرام فيه فوت الموقفين و افضل اوقاته يوم التروية ثم الظاهر افضلية الازمنة بحسب تقدم كل زمان علي ما بعده و افضل اوقاته لغير الامام في يوم التروية عند الزوال بعد صلاة المكتوبة و للامام اي المنصوب لامارة الحاج قبل الزوال ليصلي الظهر في مني.

و اما اجزاء الاحرام للحج للمتمتع بعد فراغه من عمرة التمتع و لو كان ذلك في اوّل يوم من شوال فيمكن ان يقال: ان من الروايات لا يستفاد الا استحباب كونه في يوم التروية فلا مانع من ان يحرم قبله للاصل مثل من عرض له الحاجة للخروج من مكة فانه يحرم للحج و يذهب في حاجته ثم يذهب الي مني في يوم التروية او الي عرفات ان لم نقل ان ذلك مختص بحال الضرورة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 132

و كيف كان الاحوط للمتمتع ان لا يقدم الاحرام علي ثلاثة ايام قبل التروية بل و علي التروية الا لضرورة.

هذا كله للمتمتع و امّا القارن و المفرد فالظاهر انه يجزيهما الاحرام في أي زمان ارادا الحج في اشهره.

نعم في المجاور انه ان كان صرورة يحرم اذا مضي من ذي الحجة يوم و الا فاذا مضي منه خمس.

و المستفاد من الروايات عدم جواز

الاحرام له قبل ذلك و اما عدم جواز تاخيره من اليوم الاول من ذي الحجة او بعد خمسة ايام منه الي يوم التروية فلا يستفاد فلا يفوته الحج اذا تعمد التأخير و اللّه هو العالم.

هذا كله في زمان يجزي فيه عقد الاحرام.

و اما المكان الّذي هو الميقات لاحرام الحج فللمتمتع بطن مكة و افضل مواضعه المسجد.

قال في الجواهر: اتفاقا كما في المدارك لكونه اشرف الاماكن و لاستحباب الاحرام عقيب الصلاة التي هي في المسجد افضل و لقول الصادق عليه السّلام «للحسن بن معاوية و اذا كان يوم التروية ان شاء اللّه فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار ثم صل ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام أو في الحجر ثم اقعد حتي تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين احرامك من الشجرة و احرم بالحج «1»».

و للمفرد و القارن ميقات الحج احد المواقيت او منزلهما ان كان دون الميقات الا ان يكونا من اهل مكة فانهما يحرمان منها كالمتمتع لانها كما في الجواهر اقرب الي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 17.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 133

عرفات من الميقات و هي مقصد الحاج كمكة للمعتمر و لانها ميقات و من اتي علي ميقات لزم الاحرام منه بل عن التذكرة لا نعلم في ذلك خلافا «1» و اللّه هو العالم.

استحباب الاحرام للحج يوم التروية

مسألة 37- الظاهر ان الاحرام في يوم التروية و عند زوال الشمس مستحبان نفسيان و المضي الي مني لان يبيت بها ليلته الي طلوع الفجر من يوم عرفة مستحب نفسي آخر فمن لم يتمكن من المضي الي مني و كان مريدا للبقاء في مكة ليلة عرفة يستحب له

الاحرام في يوم التروية.

هل يجوز الاحرام لعمرة مفردة بعد الاحرام للحج

مسألة 38- قد تعرض بعض الاعلام هنا لمسألتين: احداهما انه هل يجوز لمن احرم بالحج ان ينشأ قبل فراغه من اعمال الحج الاحرام لعمرة مفردة ثم يأتي بمناسك الحج نظير الاتيان بصلاة اخري في صلاة علي القول بجوازها.

و ثانيتهما انه هل يجوز لمن اتي بعمرة التمتع قبل ان يحرم باحرام الحج الاحرام للعمرة المفردة فياتي بها ثم يحرم للحج «2».

أقول: اما المسألة الاولي فالكلام يقع فيها تارة في مشروعية تلك العمرة المفردة و تارة اخري في ان الاتيان بها هل يوجب بطلان الحج أم لا؟

اما الكلام في مشروعيتها فقد قال في الجواهر: (لا يجوز لمن احرم) بنسك (ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 77.

(2)- المعتمد: 5/ 126.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 134

ينشئ احراما آخر) بمثله او بغيره (حتي يكمل افعال ما احرم له) بلا خلاف فيه بل الاجماع بقسميه عليه «1».

و استشكل في الاستدلال بالاجماع بانه ليس من الاجماع التعبدي الحجة فلعل المجمعين استندوا ببعض الوجوه مثل الاستدلال بان جميع ما ورد في الامر بالاحرام منصرف الي غير المحرم فانه هو الّذي يتحقق له ذلك و حصول التأكيد بالثاني لا يوجه انصراف الاوامر الي المحل فالاولي الاستدلال بذلك فلا يجوز الاتيان به بقصد المشروعية و الاستحباب «2».

و مما يوجب استبعاد مشروعية الاحرام المذكور عدم ذكر من ذلك في الروايات و عدم نقل وقوع ذلك من احد و هذا يدل علي مغروسية عدم جوازه في اذهان المتشرعة و كونه امرا بدعا لم يأت من الشرع.

ثم انه قد استدل علي عدم مشروعية الاحرام للعمرة المفردة بين احرام الحج بان المستفاد من الروايات النهي عن الخروج من مكة بعد اعمال العمرة و انه مرتهن بالحج و

مقتضاه عدم مشروعية العمرة المفردة لاحتياج الاحرام لها الي الخروج من مكة و لا اقل الي ادني المواقيت و لو ابتلي بالخروج من مكة لعذر يجب عليه الاحرام للحج و يخرج و يذهب بعد ذلك الي عرفات اذا كيف يوجه القول بمشروعية العمرة المفردة له لاحتياج ذلك الي الخروج من مكة و لو الي ادني المواقيت.

أقول: لم اتحصل استقامة هذا الاستدلال لان الّذي يأتي بالعمرة المفردة بين الحج محرم لو خرج من مكة يخرج و يعود محرما و كيف كان فليس هنا دليل يدل علي مشروعية إنشاء احرام آخر للمحرم و الاتيان به رجاء أيضا كانه ينكره

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 250.

(2)- المعتمد: 5/ 126.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 135

عرف المتشرعة.

و اما الكلام بالنسبة الي كون إنشاء الاحرام الثاني مبطلا للاول فالظاهر عدمه فتحصل من ذلك بطلان الاحرام الثاني دون الاول.

و امّا المسألة الثانية: فقد عرفت ان المتمتع بعد الاتيان بعمرته مرتهن بالحج لا يجوز له الخروج من مكة مع ان الاتيان بالعمرة مستلزم للخروج منها للاحرام لها من الميقات اللهم الا ان يقال: انه لا ملازمة بين حرمة الخروج و صحة العمرة المفردة لامكان القول بصحتها ان خرج نسيانا او جهلا بل و ان خرج عاصيا الا ان يقال بانه يجب عليه الرجوع بغير احرام ان رجع في شهره لصحيح حماد بن عيسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من دخل مكة متمتعا في اشهر الحج لم يكن له ان يخرج حتي يقضي الحج (الي ان قال) قلت: فان جهل و خرج الي المدينة او الي نحوها بغير احرام ثم رجع في ابان الحج في اشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما او بغير احرام؟

قال: ان رجع في شهره دخل بغير احرام و ان دخل في غير الشهر دخل محرما قلت: فأي الاحرامين و المتعتين متعته الاولي او الاخيرة؟ قال: الاخيرة هي عمرته الحديث «1»».

و لكن يمكن ان يقال: ان قوله عليه السّلام (ان دخل في شهره دخل بغير احرام) لا يدل علي عدم جواز الاحرام بل يدل علي جواز الرجوع و الدخول الي مكة بغير احرام كالأمر الوارد عقيب توهم الحظر و بالجملة حرمة الخروج من مكة بعد عمرة التمتع ليس معناها حرمة الدخول إليها معتمرا.

هذا و قد ظهر مما ذكر الكلام فيما حكاه بعض الاجلة عن مناسك شيخه عليهما الرحمة من اختياره جواز العمرة المفردة بعد الاحلال من عمرة التمتع بعد مضي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 22 من ابواب اقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 136

عشرة ايام لاعتبار تحقق الفصل بين العمرتين بعشرة ايام فيجوز له ان يخرج الي ادني الحلّ لاحرامها او غير ادني الحلّ اذا كان دون المسافة المعتبرة في التقصير و امّا الخروج الي المسافة فالاحوط ان لا يخرج الا محرما بالحج «1» فكانه كان نظره في المسألة الي مثل صحيح حماد و انه لا يستفاد منه أكثر من عدم جواز الخروج من مكة الي المسافة فلا يعتبر في جواز الخروج الا كونه الي ما دون المسافة و في صحة العمرة الا ما يعتبر بين العمرتين من الفصل و لكن ان كان نظره الي مثل الصحيح المذكور لا يقيد به الاطلاقات الدالة علي النهي عن الخروج من مكة و اللّه العالم.

تتمة: يمكن ان يقال: ان مقتضي الدقة و النظر في الاحاديث الشريفة و فتاوي الفقهاء امور:

الاول: انه لا يجوز الخروج بغير الاحرام للحج

اذا استلزم ذلك فوت الاحرام من مكة للحج او كان ذلك معرضا غالبا لفوته و علي هذا يمكن ان يقال: ان الحرمة ليست نفسية بل ارشادية لاجل عدم الوقوع في حرمة ترك الحج فعلي هذا لا فرق بين الخروج و بين كل عمل يستلزم ذلك.

الثاني: اذا علم انه ان خرج يفوته الاحرام من مكة يجوز له الخروج بان يحرم بالحج و يخرج من مكة محرما ثم يذهب من مكانه الي عرفات سواء اقتضت الضرورة ذلك او كان بغير الضرورة.

الثالث: اذا خرج مع خوف فوت الحج و لكن رجع و اتفق رجوعه في يوم التروية مثلا او قبله او بعده قبل زوال يوم عرفة و قبل ان يفوته الموقف فان رجع في الشهر الّذي اتي فيه بعمرة التمتع يدخل الحرم محلا و ان رجع في غيره يحرم للعمرة لان لكل شهر عمرة و تكون العمرة الثانية عمرة حجه.

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 128.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 137

الرابع: اذا لم يخف فوت الاحرام للحج بالخروج يجوز له الخروج الي أي مكان يريد سواء كان ذلك للضرورة او لم يكن فحينئذ ان رجع في الشهر الّذي اتي بالعمرة يدخل محلا و يكتفي بالعمرة التي اتي بها متمتعا بها الي الحج و ان رجع في غير ذلك الشهر يدخل محرما للعمرة متمتعا بها الي الحج.

الخامس: اذا اتي بالعمرة التي اتي بها متمتعا بها الي الحج مثلا في شهر شوال و اراد الخروج من مكة مثلا في اوّل ذي الحجة و الرجوع إليها في اليوم الخامس مثلا يجوز له لانه لا يخاف به فوت الحج فيدخل باحرام جديد للعمرة بقصد كونها عمرة المتمتع بها الي الحج.

و بعد ذلك كله الاحوط عدم

خروجه من مكة مطلقا فان عرضت له ضرورة يخرج بعد الاحرام للحج و ان خرج ناسيا او جاهلا و دخل في شهره دخل بغير احرام و ان دخل في غير الشهر دخل بعمرة. و اللّه هو العالم.

[من ترك الاحرام عمدا حتي فات منه الوقوف بعرفات]

مسألة 39- من ترك الاحرام عمدا حتي فات منه الوقوف بعرفات لا ريب في ان حجه يكون باطلا. نعم لو تدارك ذلك بالرجوع الي مكة و الاحرام منها و ادرك الوقوف يجزيه و ان هو آثم بتركه الوقوف من اوّل وقته و اما ان جهل او نسي الاحرام و ذهب الي عرفات فان امكن له الرجوع الي مكة و الاحرام منها و درك الوقوف بعرفات يجب عليه ذلك و الا ان لم يتمكن من ذلك امّا لان رجوعه الي مكة يوجب فوت وقوفه بعرفات او لامر آخر يحرم من مكانه نعم يمكن ان يقال: بان اطلاق ما في صحيح علي بن جعفر الّذي رواه الشيخ في التهذيب عدم لزوم الرجوع الي مكة و لو كان متمكنا منه قال: و سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 138

قال: يقول: اللهم علي كتابك و سنة نبيك فقد تم احرامه «1».

و ردّ ذلك بان الاكتفاء بذلك لتعذر الرجوع من عرفات الي مكة و العود إليها لدرك الموقف في تلك الازمنة و لكن يمكن ان يقال: بان في تلك الازمنة أيضا يمكن الذهاب الي مكة و الاياب الي عرفات و درك الموقف اللهم الا ان يقال: ان فرض السائل صورة عدم التمكن من الرجوع و العود كذلك كما هو الغالب و امّا في صورة التمكن فالحكم معلوم يجب الرجوع.

ثم انه يمكن الايراد علي

الاستدلال بالحديث علي صورة وقوع ذلك منه جهلا فانه مختص بصورة النسيان و لكن يمكن الاستدلال بصورة الجهل بما في صدر الحديث المذكور قال: «سألته عن رجل كان متمتعا خرج الي عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتي رجع الي بلده ما حاله؟ قال: اذا قضي المناسك كلها فقد تم حجه»، و ذلك لاولوية الحكم بتمامية حجه اذا جهل و تذكر في عرفات و هو لا يتمكن من الذهاب الي مكة و الاياب الي عرفات للوقوف.

فصور المسألة أربعة: الاولي: نسيان الاحرام و ذكره بعرفات و هي مورد الرواية.

الثانية: الجهل بالاحرام حتي رجع الي بلده و هي أيضا مورد الرواية.

الثالثة: الجهل بالاحرام و ذكره بعرفات و هو لا يتمكن من الرجوع الي مكة و قد عرفت ان هذه الصورة اولي بالحكم بتمامية حجه من الصورة الثانية.

الرابعة: نسيان الاحرام حتي رجع الي بلده و يمكن ان يقال: انه أيضا اولي

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 476 ح 1678/ 324.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 139

بالحكم من الجهل سيّما اذا كان مقصرا فما غلب اللّه عليه به اولي بالعذر. و اللّه هو العالم.

[الظاهر انه لا خلاف بينهم في جواز الطواف المندوب للقارن و المفرد]

مسألة 40- الظاهر انه لا خلاف بينهم في جواز الطواف المندوب للقارن و المفرد اذا دخل مكة قبل الوقوف بعرفات بل المحكي عن كشف اللثام ان الظاهر الاتفاق علي جوازه كما في الايضاح بل فيه أيضا و لعله مثله الواجب بنذر و شبهه، و لعل الوجه فيه اطلاق ما دل علي رجحانه كما في الجواهر قال: و قوله عليه السّلام الطواف بالبيت صلاة و غيره (قال) و هو المراد مما في المدارك من الاستدلال عليه بحسن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سأله عن

المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال: نعم ما شاء و يجدد التلبية بعد الركعتين و القارن بتلك المنزلة يعقد ان ما احلا من الطواف بالتلبية «1» و لا بأس به و ان كان خاصا ببعض حدود المدعي.

و اما في المتمتع فقال في الجواهر:

لا يبعد ذلك أيضا في المتمتع اذا احرم بالحج، و ان قيل الاشهر المنع لحسن الحلبي قال: «سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام و قد ازمع بالحج أ يطوف بالبيت قال:

نعم ما لم يحرم» «2» لكن الاولي حمله علي الكراهة لقوة اطلاق ما دل علي جوازه بل في موثق اسحاق بن عمّار: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل يحرم بالحج من مكة ثم يري البيت خاليا فيطوف قبل ان يخرج عليه شي ء؟ فقال: لا «3»». بناء علي ظهوره في إرادة نفي ان يكون عليه شي ء لا النهي عن الطواف خصوصا بعد خبر عبد الحميد بن سعد عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل احرم يوم التروية من عند المقام بالحج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 16 من ابواب اقسام الحج ح 2.

(2)- وسائل الشيعة ب 83 ابواب الطواف ح 4.

(3)- وسائل الشيعة ب 10 من ابواب الطواف ح 2 و ب 13 من ابواب اقسام الحج ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 140

ثم طاف بالبيت بعد احرامه و هو لا يري ان ذلك لا ينبغي أ ينقض طوافه بالبيت احرامه؟ فقال: لا؟ و لكن يمضي علي احرامه «1»».

و زاد علي ما يدل علي المنع بعض الاجلة «2» ما في صحيح حمّاد في المتمتع الّذي خرج من مكة محرما قال: «فان رجع الي مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتي

يخرج مع الناس الي مني علي احرامه «3»» وجه الدلالة ان النهي عن قرب البيت كناية عن الطواف و لكنه حمل ما يدل علي المنع علي الكراهة لموثقة اسحاق المؤيد بخبر عبد الحميد بن سعد او سعيد «4».

و لكن خبر عبد الحميد كانه مشعر بعدم الجواز و صورة الجهل فهو بكونه مؤيدا لما دل علي المنع اظهر.

فنبقي نحن و معتبرة اسحاق بن عمار و هي ان دلت علي عدم وجوب كفارة عليه لا يدل علي الجواز فالاظهر ما نسب الي الشيخ بل الي المشهور من عدم الجواز.

و علي ذلك ان طاف عمدا هل عليه تجديد التلبية كما جاء في القارن و المفرد في صحيح معاوية بن عمّار و جاء في كلمات الفقهاء قيل: ليس عليه ذلك لاختصاص النص بالمفرد و القارن.

و يمكن ان يقال بالوجوب لان الظاهر ان ذلك حكم المحرم بالحج سواء كان قارنا او مفردا او متمتعا و الاحتياط لا ينبغي تركه و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 136 و 137.

(2)- وسائل الشيعة، ب 83 في ابواب الطواف، ح 6.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب اقسام الحج ح 6.

(4)- وسائل الشيعة: ب 83 من ابواب الطواف ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 141

الكلام في الوقوف بعرفات

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 143

الوقوف بعرفات

الثاني من واجبات الحج: الوقوف بعرفات

اشارة

قال في الجواهر: اي الكون فيها و لكن تعارف التعبير بذلك لانه افضل افراده «1». انتهي فلا فرق اذا بين كونه و حضوره راكبا او راجلا، جالسا او قائما، ساكنا او متحركا و المعتبر فيه امور.

الاول: النية اي الاتيان بقصد القربة مع اليقين فيكفي فيه الالتفات بذلك و ان يكون عمله صادرا منه بهذا القصد و نيته مقارنة له.

حدود عرفات

مسألة 41- جاء في الروايات في صحيح معاوية بن عمار في حدود عرفة ان حدها من بطن عرنة و ثوية و نمرة الي ذي المجاز و خلف الجبل موقف «2» و في صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «حدّ عرفات من

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 2.

(2)- وسائل الشيعة ب 10 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 144

المأزمين الي اقصي الموقف «1» فراجع ان شئت تفاصيل ذلك و المرجع فيه الي الخبرة من اهل الحرمين و غيرهما و راجع أيضا الجواهر «2» فانه قد ذكر التعريف لها مفصلا و بالجملة عنوان الحدود و الاماكن و تفسيرها يؤخذ من الروايات و من اللغة و في تشخيصها في الخارج يكون المرجع اهل الخبرة».

وقت الوقوف بعرفات

مسألة 42- وقت الوقوف عند تحقق الزوال كما صرح به غير واحد و عن المدارك نسبته الي الاصحاب فعلي القول بأن الوقوف الواجب يكون من اوّل وقته الي الغروب اي ما بين الزوال و الغروب ان لم ينوه مقارنا لاول الزوال و اخّره الي بعده اثم و لكن قال في الجواهر «3»: قد يظهر من قول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المشتمل علي صفة حج النبي صلّي اللّه عليه و آله خلاف ذلك قال: «حتي انتهي الي غرة و هي بطن عرنة بحيال الاراك فضرب قبته و ضرب الناس اخبيتهم عندها فلما زالت الشمس خرج رسول اللّه 9 و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتي وقف بالمسجد فوعظ الناس و امرهم و نهاهم ثم صلي الظهر و العصر باذان واحد و إقامتين ثم مضي إلي الموقف فوقف

به «4» و لكن احتمل ان يكون المراد من قوله ثمّ مضي الي الموقف المكان الّذي تهيئ له صلّي اللّه عليه و آله ان يقف فيه و لكنه خلاف الظاهر فالاولي و الاحوط ان ينوي الوقوف من اوّل الزوال و بعبارة اخري يحضر الموقف من اوّل الزوال بقصد الوقوف للّه تعالي و يأتي بصلاة الظهر و العصر فيه هذا كله في وقت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 10 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة ح 1 و 2.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 18.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 17.

(4)- وسائل الشيعة ب 2 من ابواب اقسام الحج ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 145

الموقف من جانب اوله و في جانب آخره فلا خلاف في انه غروب يوم عرفة».

وجوب الوقوف في عرفات بنحو الاستيعاب

مسألة 43- هل يجب في الوقوف استيعاب الزمان من الزوال يوم عرفة الي غروب الشمس بالكون فيها مع الاختيار او يكتفي بمسماه الّذي هو الركن.

قال في الجواهر: الظاهر هو الاول كما صرح به الشهيدان في الدروس و اللمعة و المسالك و المقداد و الكركي و غيرهم من غير اشارة احد منهم الي خلاف في المسألة بل ظاهر المدارك نسبته الي الاصحاب مشعرا بالاجماع عليه بل لم اجد الثاني قولا محررا بين الاصحاب نعم قد سمعت ما في المدارك من التوقف فيما حكاه عن الاصحاب من وجوب كون النية حين الزوال «1»، ثم ذكر كلمات العلماء بطولها و الاقوي جواز التأخير بمقدار زمان يفي للغسل و لصلاة الظهرين و الاحوط نية الوقوف مقارنا للزوال و الاتيان بالغسل قبل الزوال و الاتيان بالظهرين في حال الوقوف و كيف كان يكفي في الحكم بصحة الحج مسمي الوقوف و ان اثم بترك الاستيعاب و اخل

به في جزء منه.

حكم من افاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا

مسألة 44- لو افاض قبل الغروب فان كان جاهلا او ناسيا لا شي ء عليه حكي في الجواهر الاجماع عليه بقسميه و قال: بل عن ظاهر المنتهي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 19.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 146

و التذكرة انه موضع وفاق بين العلماء «1»، و مقتضي الاصل عدم ترتب اثر عليه لا يفسد به الحج و لا يترتب عليه الكفارة مضافا الي دلالة النص و الفتوي علي عدم فساد الحج به لو فعله عامدا و في صحيح مسمع بن عبد الملك «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل افاض من عرفات قبل غروب الشمس؟ قال: ان كان جاهلا فلا شي ء عليه، و ان كان متعمدا فعليه بدنة «3»».

و الظاهر عدم الفرق بين الجاهل و الناسي و اعتبار العمد في ترتب الكفارة لتصريحه عليه السّلام بذلك بقوله «ان كان متعمدا» و لو كان الحكم مختصا بالجاهل لقال: و ان كان عالما نعم لو علم الجاهل او ذكر الناسي قبل الغروب وجب العود لوجوب الاستيعاب و امّا وجوبه لامتثال حرمة الافاضة قبل الغروب و لو لم نقل بالاستيعاب ففيه كما حكي عن كشف اللثام «4» وجهان: وجه الوجوب ان الافاضة من عرفات تتحقق اذا افاض منها و ترتب عليها ما بعد عرفات من المناسك دون ما اذا رجع الي عرفات و افاض منه بعد الغروب.

و وجه عدم الوجوب تحقق الافاضة بالنسيان او الجهل فلا تنقلب وجودها بالعدم.

و اما ان كان عامدا ففي الجواهر لا ريب في اثمه مع عدم عوده من دون فساد لحجه «5» و يدل عليه صحيح مسمع المتقدم و صحيح ضريس الكناسي «6» عن أبي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 27.

(2)- من

الخامسة سيّد المسامعة ثقة.

(3)- وسائل الشيعة ب 23 من ابواب احرام الحج ح 1.

(4)- راجع جواهر الكلام 19/ 28.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 28.

(6)- من الرابعة خير فاضل ثقة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 147

جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل افاض من عرفات قبل ان تغيب الشمس؟ قال:

عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة او في الطريق او في اهله» «1». و عن ابن محبوب مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل افاض من عرفات قبل ان تغرب الشمس، قال: عليه بدنة فان لم يقدر علي بدنة صام ثمانية عشر يوما» «2» و مقتضي هذه الاحاديث ترتب الاثم علي الافاضة قبل الغروب و الكفارة و هي بدنه و ان لم يقدر عليها صام ثمانية عشر يوما، و اما ما حكي عن الصدوقين من كون الكفارة شاة فلا يوجد في رواية و ان حكي عن الجامع انه نسبه الي رواية، و عن الخلاف ان عليه دم للاجماع و الاحتياط و قول النبي صلّي اللّه عليه و آله في خبر ابن عباس (من ترك نسكا فعليه دم) و ما ذكره الجامع و الخلاف لا يقاومان الروايات المسندة المذكورة «3».

هذا و لو عاد الّذي افاض قبل الغروب هل يسقط منه الكفارة أم لا وجه السقوط عدم وجود دليل علي وجوبها علي الّذي عاد فان ما دل علي وجوب الكفارة ظاهر في غير العائد و وجه عدم السقوط اطلاق الادلة و ان سقوط الكفارة بعد ثبوتها يحتاج الي الدليل و فيه منع الاطلاق و الثبوت.

ثم ان هذا الحكم مختص بالرجال او لا فرق فيه بينهم و بين النساء؟ يمكن الترديد في شموله

للنساء فلا تأتي فيه قاعدة الاشتراك و مقتضي الاصل عدم الحرمة و عدم الكفارة عليهن ثم ان ظاهر الروايات المذكورة صحة الصوم المذكور فيها في السفر و مقتضي الاحتياط الاتيان به متواليا بل لعله كان الاظهر.

و هل يجب الكفارة علي من افاض قبل الغروب ناسيا او جاهلا و امكن له

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 23 من ابواب احرام الحج ح 3 و 2.

(2)- وسائل الشيعة، ب 23، من ابواب احرام الحج ح 3 و 2.

(3)- وسائل الشيعة ب 23، من ابواب إحرام الحج، ح 3 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 148

التدارك بالرجوع و الافاضة منه بعد الغروب و لم يرجع لا يبعد كونه كالعامد الّذي افاض قبل الغروب. و اللّه هو العالم.

مسمي الوقوف في عرفات ركن

مسألة 45- قد ظهر مما ذكر ان مسمي الوقوف في عرفات ركن من تركه عامدا لا حج له و هذه المسألة ثابتة لا ينبغي الارتياب فيها و اما من تركه لعذر يجب عليه تداركه بالوقوف فيه قبل غروب يوم عرفة بمقدار يصدق عليه المسمي ان امكن و هذا هو الوقوف الاختياري و الا يتداركه بالوقوف في الموقف ليلة العيد و هذا هو الوقوف الاضطراري من عرفات فمن ادركه تم حجه و لو لم يتمكن من ذلك وفاته الوقوف بقسميه يجتزي بالوقوف بالمشعر قال في الجواهر: بلا خلاف اجده في شي ء من ذلك بل الاجماع بقسميه عليه «1» و في صحيح معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام: «في رجل ادرك الامام و هو بجمع؟ فقال: ان ظن انه يأتي عرفات، و يقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و ان ظن انه لا يأتيها حتي يفيضوا فلا ياتها و ليقم

بجمع فقد تم حجه» «2»».

و في الحلبي: «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟ فقال: ان كان في مهل حتي يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا فلا يتم حجه حتي يأتي عرفات، و ان قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فان اللّه تعالي اعذر لعبده فقد تم حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل ان يفيض الناس فان لم يدرك المشعر الحرام

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 33.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 149

فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل» «1».

و ظاهر النصوص عدم الفرق بين كون العذر كالمرض و الضعف الجسمي او الجهل سواء كان بالموضوع او الحكم ان لم يكن مقصرا فلا يشمله مثل قوله عليه السّلام (فان اللّه تعالي اعذر لعبده) و امّا النسيان فقد حكي عن الحدائق: ان الروايات خالية عن ذكر الناسي و ان قوله (فان اللّه تعالي اعذر لعبده) لا يشمل النسيان فانه من الشيطان و ما كان من الشيطان لا يجري فيه العذر و لا يقال ان ذلك موجب لتغاير حكم الجهل و النسيان لانه يقال: لا بأس به لان الحكم في مورد الجهل لانه بحكم النص دون النسيان كما يكون الامر كذلك في باب الصلاة بالنسبة الي نسيان النجاسة و الجهل بها فيحكم بفسادها في صورة النسيان و صحتها في صورة الجهل «2».

و فيه: انه لا ريب في ان النسيان عذر يشمله الاطلاق كما يشمل الجهل و قوله (فان اللّه تعالي اعذر لعبده)

يشمل كل ما صدر من العبد من دون اختياره و لذا يشمل ما اذا منعه الظالم من الوقوف بعرفات.

و هنا فرع طرحه بعض الاكابر و بيانه بتقرير منّا: انه كان عالما بانه لا يدرك الوقوف الاختياري و لا الاضطراري بعرفات و يعلم انه يدرك الوقوف بالمشعر فهل يجب عليه الاحرام من مكة او يجوز له تاخير الاحرام فاختار ان من يجزيه الموقف الاضطراري بعرفات او الوقوف بالمشعر لا يجب عليه تقديم الاحرام و ما دل علي لزوم الاحرام قبل الزوال او بعده او عنده فانما هو لمن وجب عليه الوقوف في النهار فاذا فرضنا ان الوقوف في النهار غير واجب عليه لا مقتضي للاحرام من الزوال فيجوز له تاخيره الي زمان يدرك الوقوف الاضطراري لعرفة او الوقوف

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(2)- راجع جواهر الكلام: 19/ 35.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 150

في المشعر.

فيما افاده تامل و اشكال فالاحوط لو لم يكن الاقوي عدم تأخير الاحرام من زوال يوم عرفة. و اللّه هو العالم.

حكم قاضي العامة برؤية الهلال

مسألة 46- قد عرف مما ذكر ان مما يعتبر في الوقوف بعرفات وقوعه في يوم عرفة فلا يجزي الوقوف يوم الثامن فيشكل الحكم فيما اذا ثبت الهلال عند القاضي الحاكم من قبل الحاكم المسلط علي ادارة الحرمين من امور الحج و غيرها و لم يثبت عند اهل الحق من شيعة اهل البيت عليهم السلام و كان مخالفته موجبة لاثارة الفتنة بل ربما يخاف منها تلف النفوس مما تجب به التقية و متابعتهم فالكلام فيه يجري في مقامين:

الاول: فيما اذا كان الامر عند الشيعة مجرد عدم الثبوت و الحكم الظاهري بعدم دخول اليوم التاسع بمقتضي الاستصحاب.

و المقام الثاني

فيما اذا كان الثابت عند الشيعة خلاف ما حكم به قاضي العامة.

اما الكلام في المقام الاول: فتارة يقع في الحكم التكليفي و اخري في الحكم الوضعي.

فنقول: لا ريب في وجوب متابعتهم تكليفا و حرمة مخالفتهم كذلك بالاجماع و الاخبار المتواترة الواردة في التقية و هذا هو القدر المتيقن من وجوب التقية و ان انتهي الي ترك واجب او فعل حرام كافطار الصوم.

و اما الحكم الوضعي و اجزاء المأتي به عن المامور به الواقعي فيمكن ان يقال: ان ذلك مدلول اخبار التقية و الجمع بينها و بين ادلة الاحكام الواقعية و الظاهر ان هذا

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 151

هو الّذي استقر عليه العمل فلا يجب علي المكلف في حال التقية الاتيان بالمأمور به الواقعي و يجزيه المامور به بالامر الاضطراري و يمكن ان يقال بالفرق بين ما اذا كان التقية بترك الواجب كافطار صوم شهر رمضان فمقتضي التقية وجوب الافطار و لكن لا يجزيه ذلك عن قضائه كما اذا افطر مضطرا و لذا قال الامام عليه السّلام: «افطاري يوم و قضائه ايسر علي من ان يضرب عنقي «1»». او بمتابعتهم في فعل من الافعال كالوقوف و الصلاة و كيف كان الظاهر ان الوقوف معهم تقية يجزي عن الوقوف في اليوم التاسع كما يجزي غسل اليدين منكوسا في الوضوء و غسل الرجلين و التكتف في الصلاة و قول آمين و نحو ذلك خصوصا فيما كان الابتلاء به كثيرا كالموارد المذكورة و لذا لم يوجد في الاحاديث ما يدل علي امرهم بالوقوف اليوم الاخر و عدم الاجزاء.

هذا مضافا الي انه استدل للاجزاء بما رواه ابو الجارود «2». «قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام إنا شككنا سنة في عام

من تلك الاعوام في الاضحي فلما دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام و كان بعض اصحابنا يضحي فقال: الفطر يوم يفطر الناس و الاضحي يوم يضحي الناس و الصوم يوم يصوم الناس «3»». و ضعف بمذهبه و بما قيل فيه و لكن قال بعض المعاصرين قد وثقه المفيد و مدحه مدحا بليغا مضافا الي انه من رجال تفسير علي بن ابراهيم و كامل الزيارات و لا يضر فساد عقيدته بوثاقته «4».

و هل يجوز لمن وقف تقية الاحتياط بالوقوف ثانيا الظاهر انه لا يجوز اذا كان مخالفا للتقية و ان وقف و الحال هذه لا يضر بصحة اعماله و صحة حجه و ان امكن له

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 57 من ابواب ما يمسك عنه الصائم ح 5.

(2)- زياد بن المنذر إليه تنسب الجارودية من الرابعة.

(3)- وسائل الشيعة ب 57 من ابواب ما يمسك عنه الصائم ح 7.

(4)- المعتمد: 5/ 155.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 152

الوقوف الغير المخالف للتقية كما اذا اتي الموقف في اليوم الآخر فاحصا عن شي ء ضله لم يفعل محرما و لا بأس به احتياطا و ان قال البعض: عمله لغو لا يتصف بالوجوب و لا الحرمة و الظاهر منه ان الحكم بالاكتفاء بالوقوف الّذي اتي به مقطوع به و معه لا وجه للاحتياط «1».

هذا و أما الكلام في المقام الثاني اي صورة العلم بالخلاف فلا ريب في وجوب التقية أيضا تكليفا و اما الاجزاء و الحكم بالصحة فقد قيل: ان السيرة قد تحققت بالنسبة الي صورة عدم العلم بالخلاف كما هو الغالب و اما صورة العلم بالخلاف فلا يأتي فيها ما قلنا في الصورة الاولي بل الظاهر من كلمات قائل هذا عدم وجوب

المتابعة في هذه الصورة لان العامة لا يرون نفوذ حكم حاكمهم علي من كان قاطعا بالخلاف فالعمل الصادر منه لا يكون مصداقا للتقية.

و فيه فاذا كان ذلك عذرا في مخالفتهم في صورة العلم بالخلاف يكون عذرا أيضا لها في صورة عدم العلم به لان وجه مخالفة من يخالفهم غير ظاهر منها مضافا الي ما نسب إليهم لم يثبت فلعلهم يرون عدم جواز مخالفة حكم القاضي مطلقا لحفظ الاتحاد و سياسة الادارة و الظاهر منهم في زماننا هذا ان الحكومة تمنع من الوقوف بعرفات في اليوم الّذي هو العاشر عندها لا تسمح لمن يدعي العلم بخلاف حكم القاضي سيّما اذا كان من الشيعة و مع ذلك فان امكن له الاحتياط بدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة يحتاط و الا فيمكن القول بالاكتفاء بمتابعتهم و القول بانه ممن لم يتمكن من درك الوقوفين الاضطراري و الاختياري يجب عليه العدول الي العمرة المفردة و الاتيان بالحج في القابل ان بقيت استطاعته الي العام القابل مشكل جدا، و العمل بالاحتياط استحبابا.

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 156.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 153

اذا ادرك اختياري عرفة و اضطراري المشعر
اشارة

مسألة 47- اذا ادرك اختياري عرفة و اضطراري المشعر اي وقف بعرفات قبل الغروب و لم يتفق له ادراك المشعر الا قبل زوال يوم العاشر قال في الشرائع صح حجه و في الجواهر: بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه «1» مضافا الي النصوص التي منها صحيح معاوية: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل افاض من عرفات الي مني؟ قال: فليرجع فليأت جمعا فيقف بها و ان كان الناس قد افاضوا من جمع» «2» و موثق يونس بن يعقوب: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل

افاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتي انتهي الي مني و رمي الجمرة و لم يعلم حتي ارتفع النهار؟ قال: يرجع الي المشعر فيقف به ثم يرجع فيرمي جمرة العقبة» 3 و صحيح معاوية عنه عليه السّلام أيضا «من افاض من عرفات الي مني فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و ان كان قد وجد الناس قد افاضوا من جمع» 4 انتهي و ظاهر النصوص صورة الجهل و النسيان و في شموله صورة الجهل عن التقصير اشكال.

اذا لم يدرك إلا اختياري عرفة

هذا اذا ادرك الوقوفين اختياري عرفة و اضطراري المشعر فان لم يدرك الا اختياري عرفة فهل يجزيه ذلك او يفوت الحج بعدم درك المشعر اصلا الاشهر بل المشهور الاجزاء بل عن المسالك بلا خلاف في الاجتزاء، باحد الموقفين

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 38.

(2) 2 و 3 و 4 وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2 و 3 و 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 154

الاختياريين و عن العلامة التصريح بعدم الاجتزاء «1».

قال في الجواهر بعد ذكر الاختلاف و تصريح جماعة بالاجزاء: «كل ذلك مضافا الي النبوي (الحج عرفة) «2» و المروي في طرقنا الحسنة (الحج الاكبر الموقف بعرفة و رمي الجمار» «3» و الصحيح او الحسن عن محمد بن يحيي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «انه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتي اتي مني؟ فقال: الم ير الناس لم يكونوا بمني حين دخلها؟ قلت: فانه جهل ذلك قال: يرجع قلت: ان ذلك قد فاته قال:

لا بأس» «4» و مرسل محمد بن يحيي الخثعمي عنه عليه السّلام أيضا «فيمن جهل و لم يقف بالمزدلفة و لم يبت حتي اتي مني؟

قال: يرجع قلت: ان ذلك قد فاته؟ قال: لا بأس به» «5» و الي رفع الخطا و النسيان و معذورية الجاهل و خصوصا في الحج بل قيل:

و الي صحيح حريز عن الصادق عليه السّلام علي ما رواه الكليني و الشيخ و علي بن رئاب عنه عليه السّلام علي ما رواه الصدوق «من افاض من عرفات مع الناس و لم يبت معهم بجمع و مضي الي مني متعمدا او مستخفا فعليه بدنة» «6» و ان كان لا يخلو من نظر «7».

هذا و قد اختار بعض المعاصرين فساد الحج اذا ادرك اختياري عرفة خاصة كما اختاره العلامة و خلافا لما عن المشهور قال: و ما اختاره العلامة هو الصحيح لانتفاء ما يدل علي الصحة بدرك اختياري عرفة وحده و الروايات صريحة في ان من فاته

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 38 و 39.

(2)- المستدرك: ب 18 من ابواب احرام الحج ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 19 من ابواب احرام الحج ح 9.

(4)- وسائل الشيعة ب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 6.

(5)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 5.

(6)- وسائل الشيعة: ب 26 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(7)- جواهر الكلام: 19/ 39 و 40.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 155

المشعر فقد فاته الحج «1».

و كانه اراد الجواب عما افاده صاحب الجواهر فانه قال بعد ما ذكر ما استدل به للمشهور: و علي كل حال فلا يعارض ذلك بعموم الصحيح «اذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج» «2» و بالمرسل «الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفات سنة» «3» و بمفهوم جملة من النصوص من ادرك جمعا اما مطلقا او قبل زوال الشمس فقد ادرك الحج ضرورة تخصيص

ذلك كله بغير الجاهل الّذي وقف اختياري عرفة الملحق به الناسي و المضطر بعدم القول بالفصل و احتمال إرادة الجهل بالحكم بل هو الظاهر و لا ريب في اولوية الناسي منه خصوصا بعد ملاحظة ما عرفت من الشهرة العظيمة او عدم الخلاف المحقق نقلا ان لم يكن تحصيلا الخ «4».

و حاصل استدلال صاحب الجواهر ان التعارض بين ما يدل علي الاجتراء بالاختياري من عرفة خاصة و ما يدل علي فوت الحج بفوت المزدلفة يكون من تعارض الخاص مع العام الّذي لا ريب تخصيص العام فيه بالخاص فيخصص مثل قوله عليه السّلام «اذا فاتك المزدلفة» بغير الجاهل.

و الجواب عن ذلك: ان قوله اذا فاتك المزدلفة او من ادرك جمعا ظاهر في غير العامد و العالم فلا يرتفع التعارض بين الطائفتين لعدم امكان تخصيص (اذا فاتك) الظاهر في غير العامد بالعامد اللهم الا ان يقال: ان غير العامد أيضا له فردان من فاته المزدلفة و عرفة معا و من فاته المزدلفة دون الّذي اتي بوقوف عرفة و لكن هذا خلاف الظاهر لظهور قوله عليه السّلام «اذا فاتك المزدلفة» في ان فوتها تمام الموضوع لفوت

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 184.

(2)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 19 من ابواب احرام الحج ح 14.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 40.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 156

الحج اللهم الا ان يقال باظهرية الطائفة الاولي و اعتضادها بعمل المشهور بها و مقتضي الاحتياط الاتيان بالمناسك الباقية بقصد ما عليه في الواقع من مناسك الحج او العمرة و اعادة الحج ان كان مستقرا عليه في العام القابل او بقيت استطاعته الي العام الآتي و اللّه هو العالم.

ثم انه لا يخفي

عليك انه لا تعارض بين مثل صحيح محمد بن يحيي الدال علي الاكتفاء باختياري عرفة و عموم قوله عليه السّلام في الصحيح «اذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج» لتخصيص مثل هذا العموم كما في الجواهر بغير الجاهل الّذي وقف اختياري عرفة الملحق به الناسي و المضطر بعدم القول بالفصل دون الجاهل الّذي لم يقف بعرفة اللهم الا ان يقال: ان هذا من قبيل التخصيص بالاكثر المستهجن، و القول بشموله للعامد أيضا خلاف الظاهر لان ظاهر الفوت الفوت بالعذر دون العمد و العلم فيبقي التعارض بين الطائفتين علي حاله هذا مضافا الي انه علي فرض التخصيص لا يكون فوت المزدلفة بالخصوص مسببا لفوت الحج لفوت اضطراري عرفة أيضا معه بخلاف ما اذا كان فوتها سبب فوت الحج مطلقا فتدبر جدا فانه دقيق.

و الّذي يهون الخطب انه ليس هنا ما يستدل به لاجزاء اختياري عرفة الا رواية محمد بن يحيي لابن أبي عمير التي رواها كما في الكافي «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و في التهذيب و الاستبصار «2» تارة عن الكليني كما في الكافي و اخري عن سعد بن عبد اللّه باسناده عن ابن أبي عمير عن محمد بن يحيي الخثعمي عن بعض اصحابه مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و لا ريب في انهما رواية واحدة و ان كان الظاهر من الجواهر «3» عدهما روايتين فعلي ذلك يتردد امر سندها بين الارسال و الاسناد

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 473، ح 5.

(2)- التهذيب: 5/ 292 ح 992/ 29، 993/ 30؛ الاستبصار: 2/ 305 ح 109 و 1091.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 40.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 157

و مقتضي تقدم اصالة عدم الزيادة علي اصالة عدم النقيصة

ارسالها.

و مما ذكر ظهر ما في القول بكفاية اختياري عرفة و الافاضة منها و المرور بالمزدلفة تمسكا برواية الخثعمي بدعوي اختصاص دلالتها بكفاية اختياري عرفة ان مر بالمزدلفة فان ذلك فرع صحة الاحتجاج بها.

ثم ان هنا نكتة و هي ان خبر الخثعمي يدل بإطلاقه علي عدم البأس بفوت المشعر ان مر به و ان لم يدرك اختياري عرفة و الظاهر انه لا قائل به و بالجملة فلا يثبت بما ذكر كفاية درك اختياري عرفة ان مرّ بالمشعر فضلا عما اذا لم يمرّ به و هنا من الروايات ما يدل علي كفاية ادراك المشعر ذاكرا للّه تعالي و ان لم يقصد الوقوف ففي رواية محمد بن حكيم قال «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام اصلحك اللّه الرجل الاعجمي و المرأة الضعيفة يكونان مع الجمّال الاعرابي فاذا افاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم الي مني لم ينزل بهم جمعا؟ قال: فذكروا اللّه فيها فان كانوا ذكروا اللّه فيها فقد اجزأهم» «1» و محمد بن حكيم ممدوح من الخامسة لا يضعف به السند و يدل عليه أيضا خبر أبي بصير «2» و المستفاد منها الاكتفاء بالمرور بالمشعر للجاهل و الناسي و اللّه هو العالم.

اذا لم يدرك إلا اضطراري المشعر

مسألة 48: اذا لم يدرك من الموقفين الا اضطراري المشعر فهل يجتزي بذلك أم لا؟ مقتضي النصوص المستفيضة الدالة علي فوت الحج ان لم يدرك المشعر حتي طلعت الشمس فوت الحج به و مقتضي النصوص

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 158

الاخري الدالة علي ان من ادرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد

ادرك الحج الاجزاء فيقع التعارض بينها لان الاولي تدل علي انتهاء الوقت بطلوع الشمس و الثانية تدل علي امتداده الي زوال يوم النحر و يمكن ان يقال بترجيح الاولي لموافقته مع الكتاب لدلالة قوله تعالي: فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ … ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفٰاضَ النّٰاسُ علي وجوب درك المشعر مع الناس و الافاضة معهم و فيه: ان من المحتمل عدم صدور الكلام لبيان تمام الموضوع من الحكم بل الظاهر منه حكم صورة الاختيار و عدم العذر فلا ترجيح بالكتاب، و يمكن ان يقال: ان بعد التعارض و عدم الترجيح مقتضي الاصل عدم اشتراط الوقوف بوقوعه قبل طلوع الشمس اذا كان معذورا و ما يدل علي الاشتراط بيان لحكم حال الاختيار دون الاضطرار.

و قد حاول بعض الاجلة بالجمع بين الطائفتين، و رفع التعارض بينهما بحمل ما دل علي امتداد الوقت الي طلوع الشمس للمختار و ما دل علي امتداده الي الزوال للمعذور لوجود الشاهد لهذا الجمع نفس الاخبار قال: فمن جملة هذه الروايات معتبرة عبد اللّه بن المغيرة قال «جاءنا رجل بمني فقال: اني لم ادرك الناس بالموقفين جميعا؟ فقال له عبد اللّه بن المغيرة: فلا حج لك و سأل اسحاق بن عمّار فلم يجبه فدخل اسحاق بن عمّار علي أبي الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك؟ فقال: اذا ادرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد ادرك الحج» «1» فانها واضحة الدلالة في فوت الموقفين علي الرجل من عذر و عن غير اختيار و صريحة في امتداد الموقف للمعذور الي الزوال و اوضح من ذلك معتبرة الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته

عن رجل عرض له سلطان فاخذه ظالما له يوم عرفة قبل ان يعرف فبعث به الي مكة فحبسه فلمّا كان يوم النحر خلّي سبيله كيف يصنع؟ فقال: يلحق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 159

فيقف بجمع ثم ينصرف الي مني فيرمي و يذبح و يحلق و لا شي ء عليه» الحديث «1».

ثم قال: فظهر ان الصحيح ما ذهب إليه بعض القدماء و بعض المتأخرين من الاجتزاء بالموقف الاضطراري في المزدلفة للمعذور و ان لم يدرك موقفا آخر فان تم الحكم بالصحة في درك الموقف الاضطراري في المزدلفة فقط فيتم الحكم بالصحة في القسمين الآخرين بالاولوية و هما ما لو ادرك اضطراري عرفة او ادرك اختياري عرفة منضما الي الموقف الاضطراري المشعر الحرام «2».

أقول: ظاهر الطائفتين بيان حكم المعذور و لو كان مفادهما حكم مطلق من لم يقف بالمشعر و دلت إحداهما علي بطلان الحج و الآخر علي وجوبه الي زوال يوم النحر يجوز الجمع بينها بما ذكر دون ما اذا لم يكن كذلك و كان الظاهر من كل منهما حكم المعذور و الا فالجمع بينهما بالعموم و الخصوص و حمل العام علي الخاص هو مقتضي القاعدة.

هذا كله في الكلام عن صورة درك اضطراري المشعر خاصة و امّا ان ادركه بضم اختياري عرفة فقد مر حكمه و الاجتزاء به و ان ادركه بضم اضطراري عرفة قال في الجواهر: مقتضي المحكي من النهاية و المبسوط انه قد فاته الحج و اختاره في النافع للمعتبرة المستفيضة المتضمنة ان من لم يدرك الناس قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حج له فانها شاملة للفرض بل و لمن ادرك اختياري عرفة أيضا

و ان كان قد خرج بما عرفت من الاجماع و غيره بخلاف الفرض لكن فيه انها ظاهرة كما لا يخفي علي من لاحظها فيمن لم يدرك الا ذلك لا المفروض الّذي ادرك فيه اضطراري عرفة معه (و ساق الكلام) الي ان قال: كل ذلك مضافا الي خصوص

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2.

(2)- المعتمد: 5/ 179.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 160

صحيح الحسن العطار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا ادرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فاقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد افاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمني و لا شي ء عليه» «1».

فعلي هذا حكم اضطراري عرفة مع درك اضطراري المشعر و حكم اختياري عرفة مع اضطراري المشعر سواء، يجزي و صح الحج فيهما و اللّه هو العالم.

بيان اقسام الوقوفين

مسألة 49- اعلم ان حال المكلف بالنسبة الي الوقوفين و ادراكهما جميعا او فوتهما كذلك او فوت إحداهما و دركه الآخر اضطرارية او اختيارية ثمانية.

الاول: ان لا يدرك شيئا من الموقفين حتي الاضطراري من احدهما، و لا ريب في بطلان الحج فيجب عليه اتمام احرامه بعمرة مفردة و عليه الحج من قابل ان كان الحج مستقرا عليه او بقيت استطاعته الي السنة الآتية.

الثاني: ان يدرك اختياري عرفة فقط و لم يدرك المشعر اصلا و قد عرفت الكلام فيه و ان الاقوي بطلان الحج بفوت المشعر و ان ادرك عرفات و ان كان الاحوط ان يتمه فياتي بالمناسك المشتركة بين العمرة و الحج بقصد ما عليه منهما و بالمناسك الخاصة بقصد الاحتياط و الرجاء.

الثالث: ان يدرك الوقوف الاختياري لعرفة و اضطراري المزدلفة و حكمه صحة الحج.

الرابع:

درك الوقوف الاضطراري من عرفات و وقوف اختياري المزدلفة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 42.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 161

و حكم هذا أيضا كسابقه الصحة.

الخامس: درك اضطراري الوقوفين دون الاختياري منهما و قد عرفت ان مقتضي صحيح الحسن العطّار صحة الحج و ان كان الاحوط اتمامه علي ما ذكر و اعادة الحج في السنة الآتية ان كان مستقرا عليه او بقيت استطاعته.

السادس: ان لا يدرك من الموقفين الا اضطراري المشعر و قد قلنا بتعارض الاخبار في حكمه و ان مقتضي الاصل بعد سقوط الروايات بالتعارض كفاية الوقوف الاضطراري الا انه لا ينبغي ترك الاحتياط حسب ما تقدم.

السابع: ان يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات و قد عرفت بطلانه في صورة دركه الاختياري فهذا بالبطلان اولي.

الثامن: ان يدرك الوقوف الاختياري في المشعر و هذا لا شك في الاجتزاء به و صحة الحج. بقي الكلام في ادراك المشعر قبل طلوع الفجر فهل هو من الوقوف الاختياري و كمن ادرك المشعر بين الطلوعين فمن ادركه قبل طلوع الفجر و افاض من المشعر قبل طلوع الفجر يدرك الوقوف الاختياري و صح حجه ادرك الوقوف الاضطراري او الاختياري من عرفة أم لم يدرك او هو من الوقوف الاضطراري فمن ادركه و الوقوف الاختياري لعرفة صح حجه و كذا من أدركه و اضطراري عرفة صح حجه و كذا من ادركه ملحق بمن ادرك اضطراري المشعر قبل زوال يوم النحر او انه لا اعتبار بادراكه و ان قلنا بوجوب الوقوف قبل طلوع الفجر أيضا.

يمكن ان يقال: ان علي القول المشهور الوقوف الركني يتحقق بوقوف ما في المشعر في ليلة النحر قبل طلوع الفجر و بعده الي طلوع الشمس فعلي هذا يتحقق الوقوف الاختياري في المشعر

بمجرد الوقوف ليلة النحر الي طلوع الشمس و ان قلنا بان الوقوف الركني مجرده بين الطلوعين فيمكن ان يقال بإلحاق الوقوف قبل طلوع الفجر بالوقوف الاضطراري يوم النحر لاولويته بالاجتزاء به من الوقوف يوم

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 162

النحر و يؤيد ذلك جواز افاضة النساء و الصبيان و الخائف و الضعفاء مثل الشيوخ و المرضي قبل طلوع الفجر و الا لو لم نقل بواحد من القولين تدور الاحكام مدار درك ما بين الطلوعين و درك المشعر يوم النحر الي الزوال.

فعلي هذا اللازم سرد الكلام في مسألة الوقوف الركني الّذي ان ترك عمدا يبطل الحج و انه هل يتحقق في خصوص بعد الفجر الي طلوع الشمس او يتحقق في تمام ليلة النحر الي طلوع الشمس فنقول نسب الي المشهور انه يجزي الوقوف قليلا ليلا و ان افاض قبل الفجر عامدا لم يبطل حجه.

و نسب الي الشيخ في الخلاف و الحلّي ان الركن الوقوف فيما بين الطلوعين فمن تركه في ذلك الزمان بطل حجه و لا ريب في الاجتزاء به انّما الكلام في الاجتزاء، بمجرد الوقوف في ليلة النحر و ان وقع قبل طلوع الفجر فيمكن ان يستدل له بما في صحيح هشام و غيره قال: «في التقدم من مني الي عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به و المتقدم (التقدم) من المزدلفة الي مني يرمون الجمار و يصلّون الفجر في منازلهم بمني لا بأس» «1» و بإطلاق النصوص الدالّة علي من ادرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد ادرك الحج، و بمعتبرة مسمع عن أبي ابراهيم عليه السّلام «في رجل وقف مع الناس بجمع ثم افاض قبل ان يفيض الناس قال: ان كان جاهلا فلا شي ء عليه،

و ان كان افاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» «2».

وجه الاستدلال بها استظهار وقوع الافاضة بالعمد من قوله عليه السّلام «و ان كان افاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» فان الكفارة تكون لصورة العمد و اما عدم البطلان فلسكوته عن الحكم ببطلانه و لو كان ذلك موجبا للبطلان لذكره الامام عليه السّلام

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 194 ح 643/ 20.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 163

و حكي الاشكال علي ذلك من صاحب الحدائق فانه افاد ان الرواية غير ناظرة الي حكم العامد بل صدره ظاهر في بيان حكم الجاهل الّذي وقف بعد طلوع الفجر مع الناس بجمع ثم افاض قبل افاضتهم و انه لا شي ء عليه ثم تدارك الامام عليه السّلام لئلا يتوهم السائل ان الافاضة مطلقا اذا كانت عن جهل لا توجب شيئا و ان وقعت قبل الفجر فقال: و ان كان افاض أي و ان كان هذا الجاهل المفروض في السؤال افاض قبل الفجر فعليه دم شاء اذا فلا دلالة للرواية علي حكم العالم العامد حتي يستفاد منها كفاية الوقوف في المشعر قبل الفجر و حصول الوقوف الركني به فيشمله ما يدل علي ان من لم يدرك المشعر مع الناس فقد فاته الحج و الحاصل ان فرض كلام السائل في الرواية الافاضة بعد الفجر و قبل طلوع الشمس و الجواب ان كان جاهلا فلا شي ء عليه في افاضته هذه و ان كانت افاضته قبل الطلوع فعليه دم شاة.

و قال بعض الاجلة: ان ما ذكره قدس سره متين جدّا فاذا لا دليل علي الصحة فيما اذا افاض قبل الفجر عمدا فالصحيح ما ذهب إليه ابن

ادريس و الشيخ في الخلاف من ان الركن في الوقوف هو الوقوف في الجملة فيما بين الطلوعين (قال) و مما يؤيد ان رواية مسمع موردها خصوص الجاهل صحيحة علي بن رئاب ان الصادق عليه السّلام قال: «من افاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضي الي مني متعمدا او مستخفا فعليه بدنة» «1» فان وجوب البدنة علي المتعمد يكشف عن ان وجوب الشاة عليه كما في رواية مسمع في مورد الجاهل و الا فيكف يحكم في مورد واحد تارة بان عليه شاة و اخري بان عليه بدنة «2».

أقول: أولا: ان مورد السؤال في رواية مسمع هو الافاضة قبل افاضة الناس سواء وقعت قبل الفجر او بعده و قوله: وقف مع الناس بجمع اعم من وقوفه معهم قبل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 26 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(2)- المعتمد: 5/ 171.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 164

الفجر او بعده و الشاهد علي ذلك قوله عليه السّلام «و ان كان افاض قبل طلوع الفجر» فانه تكون علي ذلك هذه الجملة الجواب عن السؤال بخلاف ما اذا فرض انه زيادة من الامام عليه السّلام في مقام الجواب.

و ثانيا: علي ما استفاده المشهور منها يكون الحديث من حيث السؤال و الجواب تاما فالسؤال يكون من مطلق الافاضة سواء وقعت قبل الفجر او قبل طلوع الشمس و الجواب انه ان وقعت منه جاهلا لا شي ء عليه سواء وقعت قبل الفجر او بعده و ان كان عالما فعليه دم شاة، بعبارة اخري و الا ان لم يكن جاهلا فعليه دم شاة ان افاض قبل طلوع الفجر فيستفاد من الرواية حكم صور المسألة:

الاولي: ان يكون جاهلا و افاض قبل الفجر.

و

الثاني: ان يكون جاهلا و افاض بعد الفجر و قبل طلوع الشمس.

و الثالث: ان يكون عالما عامدا و افاض قبل الفجر.

و الرابع: ان يكون عالما و افاض بعد الفجر.

و حكم الصورة الاولي و الثانية بإطلاق الجواب عدم شي ء عليه و حكم الثالثة بالمنطوق دم شاة و حكم الرابعة بالمفهوم أيضا عدم شي ء عليه كالجاهل و هذا بخلاف ما استفاد منه صاحب الحدائق فانه يبقي الجواب عن صورة الافاضة عمدا بعد طلوع الفجر و قبل طلوع الشمس و اما رواية علي بن رئاب فيمكن ان يقال: ان موضوع السؤال فيها غير ما هو الموضوع في رواية مسمع فان رواية مسمع ظاهرة في من وقف مع الناس بجمع و رواية علي بن رئاب تدل علي انه لم يلبث معهم بجمع عمدا و مضي الي مني.

هذا فعلي القول المشهور يجزي الوقوف قليلا ليلة النحر و ان وقع قبل الفجر و ترك الوقوف بين الطلوعين.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 165

فان قلت: ان مرسل جميل عن احدهما عليهما السّلام قال: «لا بأس ان يفيض الرجل بليل اذا كان خائفا «1» يدل بالمفهوم علي عدم جواز الافاضة بالليل.

قلت: هذا مبني علي وجوب الكون في المشعر بالليل و بغض النظر عن ارساله غاية الامر يدل علي وجوب المبيت و هذا غير ما نحن بصدده و ما به يتحقق الوقوف الركني و لذا نقول مثل ذلك فيما يدل علي جواز افاضة النساء و الضعفاء قبل الفجر و علي ذلك كله الوقوف قليلا في الليل يكفي في اجزاء الوقوف بالمشعر سواء انضم إليه الوقوف الاختياري او الاضطراري من عرفة أم لا فما يكون تحققه موجبا لصحة الحج مطلقا هو هذا الوقوف الليلي و ما

يكون تركه عمدا موجبا للبطلان أيضا هو هذا. و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 167

الكلام في الوقوف بالمشعر الحرام

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 169

الوقوف بالمشعر الحرام

الثالث من واجبات الحج: الوقوف بالمشعر الحرام

اشارة

و الكلام فيه يقع في مقامات:

احدها: في حده و هو ما بين المأزمين الي الحياض الي وادي محسر.

قال في الجواهر: بلا خلاف اجده فيه كما اعترف به في المنتهي بل في المدارك هو المجمع عليه بين الاصحاب و في صحيح معاوية حد المشعر الحرام المأزمين الي الحياض الي وادي محسر «1» اي من المأزمين و نحوه مرسل الصدوق عن الصادق عليه السّلام 2 و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال: «للحكم بن عتيبة «3» «ما حد المزدلفة؟ فسكت فقال أبو جعفر عليه السّلام: حدها ما بين المأزمين الي الجبل الي حياض محسر «4»» (الي ان قال) و المأزمان بكسر الزاء و بالهمزة و يجوز التخفيف

______________________________

(1) 1 2- وسائل الشيعة ابواب الوقوف بالمشعر، ب 8، ح 1 و 6 و 2 و في الاول حدّ المشعر الحرام من المأزمين.

(3)- بالغ القوم في مدحه و قالوا فيه كان فيه تشيع الا ان ذلك لم يظهر منه كانهم يرون ذلك نقصا له و قد قال النبي صلي اللّه عليه و آله: علي و شيعته هم الفائزون.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الوقوف بالشعر، ب 8، ح 1 و 6 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 170

بالقلب الفا الجبلان بين عرفات و المشعر و عن الجوهري المأزم كل طريق ضيق بين الجبلين و منه سمي الموضع الّذي بين جمع و عرفة مأزمين، و في القاموس المأزم و يقال:

المأزمان مضيق

بين جمع و عرفة، و آخر بين مكة و مني «1».

هذا و في الجواهر قال: فلا يجزي ان يقف بغير المشعر اختيارا او اضطرارا بلا خلاف و لا اشكال بل الاجماع بقسميه عليه. نعم يجوز مع الزحام الارتفاع الي الجبل اي المأزمين كما عن الفقيه و الجامع و المنتهي و التذكرة بل لا اجد فيه خلافا بل في المدارك هو مقطوع به في كلام الاصحاب بل عن الغنية الاجماع عليه و في موثق سماعة قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا كثر الناس بجمع كيف يصنعون؟ قال يرتفعون الي المأزمين «2»».

ثم انه قد اشكل في الحدائق علي الاصحاب مثل الشيخ في النهاية و المبسوط و كل من تعرض لحكم الزحام تجويزهم الارتفاع الي الجبل قال في المبسوط: فان ضاق عليه الموضع جاز ان يرتفع الي الجبل «3» و في الدروس: و يكره الوقوف في الجبل الا لضرورة «4» و في المختصر النافع: و يجوز الارتفاع الي الجبل مع الزحام و يكره لا معه «5».

و أليك كلامه بلفظه: و يجوز مع الزحام الارتفاع الي المأزمين لما رواه الكليني رحمه اللّه في الموثق عن سماعة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام (و ذكر الحديث الي آخره) (ثم قال) و الاصحاب ذكروا الارتفاع الي الجبل و استدلوا بالرواية و هو كما تري فان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 66.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 67.

(3)- المبسوط: 1/ 368.

(4)- الدروس الشرعية: 1/ 423.

(5)- المختصر النافع/ 87.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 171

المأزمين احد الحدود و الجبل حد اخر كما تضمنه صحيحة زرارة المتقدمة و جوز الشهيدان و جماعة الارتفاع الي الجبل اختيارا و فيه ان صحيحة زرارة المذكورة قد دلت علي انه احد

حدود المشعر الخارجة عنه «1». و تبعه في ذلك الاشكال بعض الاجلة من المعاصرين و زاد عليه بالايراد علي صاحب الوسائل فانه ذكر في عنوان الباب التاسع من الوقوف بالمشعر باب جواز الارتفاع في الضرورة الي المأزمين او الجبل و لكن استدل للجبل بموثق سماعة و فيه و ان كانوا بالموقف كثروا و ضاق عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الي الجبل قال: و هذا سهو منه فان الجبل المذكور في هذا الموثق انما هو جبل عرفات الي آخر ما افاد «2».

أقول: الظاهر ان الحديثين في الباب التاسع واحد و صدره السؤال عن المشعر و هذه القطعة من السؤال عن عرفات و روي في الكافي القطعة التي فيها السؤال عن عرفات بالسند الّذي روي القطعة الاخري و لفظه عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد عن احمد بن محمد عن سماعة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا ضاقت عرفة كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الي الجبل «3»».

و سند قطعته الاخري: محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين و عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد جميعا عن ابن أبي نصر عن سماعة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام:

«اذا كثر الناس بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الي المأزمين «4»».

أقول: كانهم فهموا من الارتفاع الي المأزمين في المشعر و الي الجبل في عرفة

______________________________

(1)- الحدائق الناظرة: 16/ 433.

(2)- المعتمد: 5/ 160.

(3)- الكافي: 4/ 466 ح 11.

(4)- الكافي: 4، ص 471، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 172

معني واحدا لا الخصوصية و قد قيل في تعريف المأزمين انهما جبلان بين عرفات و المشعر و ذكرهما من باب واحد ما يرتفع به الضرورة و هو كل

جبل كان هناك فاذا كان الجبل داخلا في الحد فيكره الارتفاع إليه الا عند الضرورة و اذا كان من الحدود كالمأزمين يرتفع إليه عند الضرورة و الحاصل كانه كان حكم عرفات و المشعر في ذلك عندهم سواء و لذا حكي عن المدارك جواز الارتفاع الي الجبل مع الاضطرار مقطوع به في كلام الاصحاب، و جوز الشهيد و جماعة ذلك اختيارا و لعل نظرهم الي الجبال الواقعة بين الحدود، و مما يستفاد منه ذلك ان الشيخ قدس سره، في التهذيب قال في ذيل صحيح زرارة الّذي قال فيه الامام عليه السّلام «حدها ما بين المأزمين الي الجبل الي حياض محسر: و قد بينا فيما تقدم ان مع الضرورة لا بأس بالارتفاع عن الجبل «1»».

مع انه لم يتقدم منه الا ما قال في الوقوف بعرفات فوق الجبل: فاما عند الضرورة فلا بأس بالارتفاع الي الجبل «2».

فكانهم استظهروا من احاديث الباب وحدة حكم الوقوفين في ذلك و عدم الفرق بينهما. و اللّه هو العالم.

حكم المبيت في المزدلفة

مسألة 50- لا ريب في رجحان المبيت ليلة العيد في المزدلفة انما الكلام في وجوبه.

قال في الجواهر: لا يخفي عليك ان ما ذكرناه من الاجتزاء بالوقوف في جزء من

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 190 ح 634/ 11.

(2)- التهذيب: 5/ 180 ح 603/ 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 173

الليل مع الجبر بشاة اذا كان قد افاض قبل طلوع الفجر غير مسألة المبيت ضرورة امكان القول بذلك، و ان لم نقل بوجوبه فيكفي حينئذ الوقوف ليلا ثم الافاضة فيه لكن يقوي وجوبه أيضا كما عن ظاهر الاكثر «1» ثم ذكر الادلة علي ذلك اولها التأسي و اجيب عنه بانه لا يدل علي الوجوب و ثانيها الروايات مثل صحيح

معاوية بن عمّار و حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة» «2». فانه يستفاد منه عدم التجاوز عن الحياض و لازمه المبيت فيها الي طلوع الفجر و اجيب عنه بانه غير معمول به بظاهره لان التجاوز عن الحياض ليلة العيد قليلا ثم الرجوع الي المشعر جائز بالضرورة و من قال بوجوب المبيت لا يمنع عن هذا المقدار من التجاوز فالتجاوز عن الحياض بهذا العنوان و مستقلا غير منهي عنه قطعا و يمكن ان يكون النهي عن التجاوز ارشاديا لئلا يقع في معرض فوت المشعر مضافا الي انه لا يدل علي وجوب المبيت حتي مع قطع النظر عن ذلك فان النهي عن التجاوز عن الحياض يمكن امتثاله و ان بقي طائفة من الليل او الي طلوع الفجر خارج المشعر في طريق عرفة و المزدلفة.

و فيه ان الانصاف انه لا يجوز رفع اليد عن دلالة الحديث علي وجوب كونه في الليل في المشعر و الظاهر ان معني لا تجاوز الحياض الحكم بالبقاء في المشعر تمام الليل و عدم الخروج عن حدوده و هذا لا ينافي الخروج قليلا و الرجوع إليه.

و مثل صحيحه الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اصبح علي طهر بعد ما تصلي الفجر فقف ان شئت قريبا من الجبل، و ان شئت حيث شئت» «3» الحديث فان المستفاد منه المفروغية عن المبيت ليلة العيد و اجيب عنه بانه يصدق الاصباح علي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 73.

(2)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 174

طهر بكونه في

المشعر قبل الفجر و لو بزمان قليل.

و مثل خبر عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمّي الابطح ابطح لان آدم عليه السّلام امر ان يتبطح (ينبطح فانبطح) حتي انفجر الصبح ثم امر ان يصعد جبل جمع، و امره اذا طلعت الشمس ان يعترف بذنبه ففعل ذلك فارسل اللّه نارا عن السماء فقبضت قربان آدم» «1». و اجيب عنه أولا بضعف السند بعبد الحميد بن أبي الديلم و محمد بن سنان الواقع في السند و ثانيا بنحو ما قيل في الجواب عن صحيح ابن عمار بان الانبطاح او الابتطاح حتي الفجر يتحقق بمكث قليل قبل الفجر.

أقول: هذه الادلة و ان كانت لا تكفي لاثبات البيتوتة في تمام الليل لكن تدل علي وجوبه في مقدار منه يصدق به الكون في المشعر في الليل و اللّه هو العالم.

حكم الافاضة عن المشعر قبل طلوع الفجر

مسألة 51- قد ظهر مما سلف ان من وقف مع الناس بجمع ثم افاض قبل طلوع الفجر عمدا لا يبطل به حجه و لكن عليه دم شاة الا انه استثني عن ذلك افاضة المرأة و من يخاف علي نفسه من الرجال فلا يجب عليهما الدم ففي صحيح معاوية المشتمل علي صفة حج النبي صلّي اللّه عليه و آله: «ثم افاض و امر الناس بالدعة حتي اذا انتهي الي المزدلفة و في المشعر الحرام فصلي المغرب و العشاء باذان واحد و اقامتين ثم اقام فصلي فيها الفجر و عجل ضعفاء بني هاشم بالليل و امرهم ان لا يرموا جمرة العقبة حتي تطلع الشمس» «2» و في صحيح سعيد الاعرج «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك معنا نساء، فافيض بهن بليل؟ قال: نعم تريد

ان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب اقسام الحج ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 175

تصنع كما صنع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله؟ قال: قلت نعم قال: افض بهن بليل» «1» الحديث و يدل علي ذلك غيرهما من الروايات و قال في الجواهر: بل قد يظهر منها استثناء من يمضي مع النساء و الخائف فانه عذر في الجملة كما سمعته في خبر سعيد بل و في خبر علي بن عطية السابق المتضمن تعجيل هشام و صاحبه «2».

حكم فيمن فاته الحج
اشارة

مسألة 52- لا خلاف في أن من فاته الحج يتملل بالعمرة المفردة ففي صحيح معاوية بن عمّار.

«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ايّما حاج سائق للهدي او مفرد للحج او متمتع بالعمرة الي الحج قدم و قد فاته الحج فليجعلها عمرة و عليه الحج من قابل» «3» هذا علي لفظ الشيخ و علي لفظ الكليني (و ليحل بعمرة) و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل» «4» و في صحيح حريز: «و يجعلها عمرة» «5» و هل يجوز له البقاء علي احرامه الي القابل ليحج به؟ ظاهر هذه الاخبار وجوب جعلها عمرة و عدم جواز الحج به و يمكن ان يقال ان الاوامر في مقام دفع توهم وجوب البقاء علي احرامه الي القابل و لكن قال في الجواهر: لم اجد فيه (أي في عدم جواز الحج به في القابل) خلافا بيننا نعم يحكي عن مالك جوازه و ستسمع من ابني حمزة و البراج مع عدم الاشتراط

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب

17 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 78.

(3)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2.

(5)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 176

حينئذ فلا محلل له الا الاتيان بها فلو بقي علي احرامه و رجع الي بلاده و عاد قبل التحلل لم يحتج الي احرام مستأنف من الميقات و ان بعد العهد فيجب عليه اكمال العمرة أولا ثم يأتي بما يريد من النسك حتي لو كان فرضه التمتع وجب عليه الخروج الي احد المواقيت للعمرة فان تعذر فمن ادني الحل كما في حكم من لم يتعمد مجاوزة الميقات، و لو صد عن الرجوع من بلاده لاتمام العمرة كان له حكم المصدود عن اكمالها من التحلل بالذبح و التقصير في بلاده كما ستعرف ان شاء اللّه تعالي «1».

ثم ان هنا فرع آخر: و هو انه هل علي من وجب عليه التحلل من احرام حجه بالعمرة نية الاعتمار بمعني قلب احرامه الّذي عقده للحج الي العمرة بالنية او ينقلب احرامه بها قهرا فعن بعض العامة اعتبار النية في قلبه عمرة للاصل و لان الاعمال بالنيات و يمكن ان يقال ان ظاهر النصوص مثل (و ليجعلها عمرة) (و ليحل بعمرة) اعتبار النية نعم في طائفة من الاخبار مثل خبر محمد بن فضيل «و هي عمرة مفردة و لا حج له» «2» و محمد بن سنان «3» مثله و مثل خبر علي بن الفضل الواسطي فيه «فقد فاته الحج و هي عمرة مفردة» «4» و في صحيح ضريس «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج

متمتعا بالعمرة الي الحج فلم يبلغ مكة الا يوم النحر؟ فقال: يقيم علي احرامه و يقطع التلبية حين (حتي) يدخل مكة و يطوف و يسعي بين الصفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف الي اهله ان شاء و قال: هذا لمن اشترط علي ربه عند احرامه فان لم يكن اشترط فعليه الحج من قابل» و رواه الصدوق باسناده عن الحسن بن محبوب الا انه قال: «يقيم بمكة علي احرامه و يقطع التلبية حين يدخل الحرم فيطوف

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 86.

(2)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 177

بالبيت و يسعي و يحلق راسه و يذبح شاته (الي ان قال:) «هذا لمن اشترط علي ربه عند احرامه ان يحلّه حيث حبه فان لم يشترط فان عليه الحج و العمرة من قابل» «1».

و في صحيح معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «رجل جاء حاجا ففاته الحج و لم يكن طاف؟ قال: يقيم مع الناس حراما ايام التشريق و لا عمرة فيها فاذا انقضت طاف بالبيت و سعي بين الصفا و المروة و احل و عليه الحج من قابل يحرم من حيث احرم» «2».

(هذه) النصوص خالية من اعتبار النية في صيرورتها عمرة مفردة بل ظاهرة في صيرورتها كذلك قهرا و بدون النية.

نعم يأتي بما يأتي من افعال العمرة بقصد مناسك العمرة و الطائفة الاولي يمكن ان يقال: انها تدل علي فعلها عمرة اما اعتبار النية في صيرورتها عمرة فلا تدل عليها و خبر «انما الاعمال بالنيات» راجع الي نية

القربة و ان قلت قوله «انما الاعمال بالنيات» يدل علي ان الاعمال التي لا تتحقق الا بالنية كالركوع و السجود للتعظيم و العبادة لا تتحقق الا بها و وقع العمل حجا او عمرة يتوقف علي النية لا يقع بنفسه هذا او هذه قلت: نعم هذا بالنسبة الي ما يأتي يجب ان يأتي مثلا بالطواف بنية كونه طواف العمرة او طواف الحج اما بالنسبة الي ما مضي فلا يؤثر النية في قلبه عما وقع عليه فلا بد من التعبد بجعل ما مضي و ما يأتي من افراد العمرة و مع ذلك فمقتضي الاحتياط ان ينوي كونها عمرة و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 178

الاشتراط حين الاحرام

تتمه: حكي في الجواهر عن الشيخ، قدس سرّه، في التهذيب ان من اشترط في حال الاحرام يسقط عنه القضاء و ان لم يشترط وجب مستدلا عليه بصحيح ضريس السابق و يشكل بعد الاعراض عن الصحيح المزبور و منافاته لما هو المعلوم من غيره نصّا و فتوي بانه ان كان مستحبا لم يجب القضاء و ان لم يشترط و كذا ان لم يستقر، و لا استمر وجوبه، و ان كان واجبا وجوبا مستقرا او مستمرا وجب و ان اشترط فالوجه حمله علي شدة استحباب القضاء اذا لم يشترط و كان مندوبا او غير مستقر الوجوب و لا مستمرة او علي ما تقدم عن ابني حمزة و البراج من جعل فائدة الاشتراط جواز التحلل فيكون المراد حينئذ ان عليه البقاء، علي احرامه الي ان يأتي بالحج من قابل ان لم يشترط، و

الا جاز له التحلل، و ان كان فيه انه مناف لظاهر النصوص المزبورة الآمرة بجعله عمرة «1».

أقول: فاقوا لهم في المسألة علي ثلاث:

احدها: القول المشهور و هو التحلل بالعمرة سواء اشترط او لم يشترط و الحج من قابل ان استقر عليه قبل ذلك او بقيت استطاعته الي العام المقبل و هذا ما يظهر من صحيح ضريس خلافه الا ان يقال باجماله او باظهرية غيره او بالجمع بينه و بين غيره بحمله علي الاستحباب ان لم يشترط.

و الثاني: ما افاده الشيخ في التهذيب «2» و هو وجوب الحج عليه من قابل ان لم يشترط مطلقا و قد ردّ عليه في الجواهر بما سمعت.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 88.

(2)- التهذيب: 5/ 295 ذيل ح 1000.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 179

و الثالث: ما نسب الي ابني حمزة و البراج انه ان اشترط تحلل بالعمرة و الا يبقي علي احرامه الي ان يأتي بالحج من قابل و ضعفه ظاهر لعدم دلالة النصوص عليه.

و اللّه هو العالم.

استحباب التقاط الحصي في المشعر
اشارة

مسألة 53- مما يستحب في المشعر التقاط الحصي لرمي الجمار منه ففي صحيح معاوية بن عمار و ربعي عن عبد اللّه عليه السّلام: «خذ حصي الجمار من جمع، و ان اخذته من رحلك بمني اجزأك» «1» و في خبر زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سألته عن الحصي التي يرمي بها الجمار؟ فقال: تؤخذ من جمع، و تؤخذ بعد ذلك من مني» 2 و الظاهر انه لا خلاف فيه و حكي الاجماع عليه عن ظاهر التذكرة و المنتهي «3» و علي هذا يأخذ منه سبعين حصاة و لا بأس باخذ الزيادة علي ذلك لامكان سقوط بعضها او عدم وصوله إليه و عدم

التمكن من اخذه، و لا ريب في جواز اخذه من غير المشعر اذا كان من الحرم و يستفاد من خبر زرارة استحباب اخذها من مني بعد المشعر و امّا اخذه من غير الحرم فيدل علي عدم الجواز صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «حصي الجمار ان اخذته من الحرم اجزاك و ان اخذته من غير الحرم لم يجزئك قال: و قال: لا ترمي الجمار الا بالحصي «4»» و استثني المساجد التي في الحرم كما عن القواعد و محكي الجامع او خصوص مسجد الحرام و مسجد الخيف او خصوص مسجد الخيف «5».

______________________________

(1) 1 و 2 وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1 و 2.

(3)- راجع جواهر الكلام: 19/ 91.

(4)- وسائل الشيعة: ب 19 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(5)- راجع جواهر الكلام: 19/ 92.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 180

امّا استثناء مسجد الحرام و مسجد الخيف فلما رواه الكليني في الكافي عن محمد بن يحيي «1» عن احمد بن محمد «2» عن محمد بن اسماعيل «3» عن حنان «4» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يجوز اخذ حصي الجمار من جميع الحرم الا من المسجد الحرام و مسجد الخيف» «5» و رواه الصدوق أيضا في الفقيه و اما استثناء خصوص مسجد الخيف فلعدم وجود مسجد الحرام التهذيب «6» و لذا حكي عن الشيخ الاقتصار عليه في مصباحه «7» و امّا استثناء جميع المساجد لحمل النص علي المثال كما حكي عن المدارك انه قال: ربما كان الوجه في تخصيص المسجدين انهما الفرد المعروف من المساجد «8» و يمكن ان يكون ذلك لعدم جواز التصرف في حصي المساجد لمنافاته للوقفية و للنهي

عنه في الروايات مثل صحيح محمد بن مسلم قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا ينبغي لاحد ان يأخذ من تربة ما حول الكعبة، و ان اخذ من ذلك شيئا ردّه» «9» و نوقش فيه بانه ظاهر في الكراهة و هو قرينة علي اراده الاستحباب من الامر بالردّ هذا مضافا الي انه اخص من المدعي و فيه اشعار باختصاص الحكم بتربة ما حول الكعبة، و مثله صحيح معاوية بن عمار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام اني اخذت سكا من سكّ المقام، و ترابا من تراب البيت و سبع حصيات فقال بئس ما

______________________________

(1)- ابو جعفر القمي شيخ اصحابنا … له كتب من الثامنة.

(2)- مشترك بين عدة من السابعة.

(3)- ابن بزيع ثقة مولي المنصور من السادسة.

(4)- و ابن سدير واقفي ثقة من الخامسة.

(5)- الكافي: 4/ 478 ح 7.

(6)- التهذيب: 5/ 196 ح 652/ 29.

(7)- مصباح المتهجد/ 700.

(8)- مدارك الاحكام: 7/ 440.

(9)- وسائل الشيعة: ب 26 من ابواب احكام المساجد ح 1 و 2 و 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 181

صنعت اما التراب و الحصي فرده» «1» فلا يدل علي حكم مطلق المساجد حتي مسجد الخيف؟ و الظاهر من صحيحة زيد الشحام قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام اخرج من المسجد حصاة؟ قال: فردها او اطرحها في مسجد» 2 أيضا ان المراد بالمسجد مسجد الحرام و ظاهرها التخيير بين الرد او الطرح في مسجد و كيف كان فلا يثبت بها عموم المنع لسائر المساجد فما هو العمدة دليلا لعموم المنع منافاة اخراج حصي المسجد منه للوقفية و الا يمكن المناقشة في عدم جواز الرمي بحصي المسجد الحرام او الخيف بان جواز الرمي به

لا ينافي رده إليه او ان وجوب رده لا يستلزم حرمة الرمي به ان امكن تعليمه بما لا تشتبه بغيره و وجوب المبادرة الي الرد لا يقتضي النهي عن ضده و كيف كان و ان كان ظاهر بعض العبائر مثل الشرائع اشتراط كونه مما يسمي حجرا و قال في الجواهر: عند علمائنا في محكي التذكرة و المنتهي و الانتصار «3» الا ان المحتمل ان المراد من ذلك كونه من جنس الحجر قبال في مثل المدر و الاجر فيجزي ما يصدق عليه الحصي فلا يجزي الحجر الكبير و لا الصغير الّذي لا يصدق عليه الحصي، و المشهور اعتبروا فيه ان يكون من الحرم بل قال في الجواهر: لا اجد فيه خلافا الا ما سمعته من الخلاف 4 و استدل له بصحيح زرارة المتقدم: «حصي الجمار ان اخذته من الحرم اجزأك و ان اخذته من غير الحرم لم يجزك».

اشتراط بكارت الحصيات في الرمي

مما يشترط في الحصيات ان تكون ابكارا أي لم يرم بها الجمار رميا صحيحا قال في الجواهر: بلا خلاف اجده فيه بيننا بل عن الخلاف و الغنية و الجواهر الاجماع

______________________________

(1) 1 و 2 وسائل الشيعة: ب 26 من ابواب احكام المساجد ح 1 و 2 و 3.

(3) 3 و 4 جواهر الكلام: 19/ 93.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 182

عليه «1» و استدل له بما رواه حريز عمن اخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في حصي الجمار؟ قال: لا تاخذه من موضعين من خارج الحرم و من حصي الجمار» الحديث «2».

و خبر عبد الاعلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «لا تاخذ من حصي الجمار «3».

و مرسل الصدوق و لا تاخذ من حصي الجمار التي

قد رمي» «4» ورد الجميع اما بضعف الاسناد او بالارسال و علي هذا يمكن الاشكال في اعتبار هذا الشرط و مقتضي الاصل عدمه الا ان يقال بجبر ضعف الروايات بالعمل و لكن لا يجبر بما ذكره الجواهر و الا انه بعد التتبع ظهر لنا ان هذا مختار المشهور بل الاجماع عليه و أليك عبارات الكتب المعروفة ففي فقه الرضا عليه السّلام: «و لا تاخذ من الّذي رمي مرة» «5» و في الكافي لابي الصلاح: «و لا حصاة المقذوف به مرّة» «6» و في النهاية و المبسوط للشيخ: و من حصي الجمار «7» و في جوار الفقه لابن البراج: مسألة: اذا كانت الحصاة قد رمي هو بها او غيره هل يجوز له ان يرمي بها أم لا؟ الجواب:

لا يجوز له ذلك و عليه الرمي بغير هذه الحصاة لان طريقة الاحتياط تقتضي ذلك

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 95.

(2)- وسائل الشيعة: ب 5 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1 و 2 و لا يخفي عليك ان الوسائل زعم وحدة مرسل الصدوق و خبر عبد الاعلي من غير شاهد له.

(3). مصدر السابق.

(4)- مصدر السابق.

(5)- فقه الرضا عليه السّلام/ 225.

(6)- الكافي للحلبي/ 198.

(7)- النهاية/ 253 و المبسوط: 1/ 369.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 183

و اجماع الطائفة عليه «1» و في الغنية لابن زهرة! و لا بالحصي الّذي قد رمي به مرة اخري سواء كان هو الرامي به او غيره بدليل الاجماع المشار إليه و طريقة الاحتياط و فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله يدل علي ذلك لأنه لا خلاف انه لم يرم بما ذكرناه و قد قال: خذوا عنّي مناسككم «2».

و في الوسيلة لابن حمزة: و التروك سبعة: الرمي

بالمكسورة و بغير الحصي و بحصي الجمار «3» و الظاهر ان القول بعدم جواز الرمي بحصي الجمار قول الجميع اذا فالقول بجبر ضعف سند الروايات بموافقة فتوي المشهور علي القول بجبر ضعف السند بها في محله فلا يجوز ترك الاحتياط. و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- جواهر الفقه/ 43.

(2)- غنية النزوع/ 187.

(3)- الوسيلة/ 181.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 185

الكلام في النزول بمني

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 187

في النزول بمني قال في مجمع البحرين: و مني، كإلي و قد تكرر ذكرها في الحديث اسم موضع بمكة علي فرسخ، و الغالب عليه التذكير و يصرف و حدّه كما جاءت به الرواية من العقبة الي وادي محسر و اختلف في وجه التسمية (و ذكر ما قيل في ذلك) و في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و حدّ مني من العقبة الي وادي محسر» «1» قال في الجواهر: (فاذا هبط الي مني) ففي المتن (استحب له الدعاء بالمرسوم) لكن لم اقف علي دعاء مأثور في ذلك كما اعترف به في المدارك (و مناسكه) بها يوم النحر ثلاثة، رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم (الحلق) الخ «2».

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 461 باب نزول مني و حدودها ح 1.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 101.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 189

1- رمي جمره العقبة

الرابع من واجبات الحج: رمي عمرة العقبة
اشارة

اعلم انه لا مجال لانكار وجوب رمي جمرة العقبة يوم النحر و قيل انه لا خلاف بين المسلمين في وجوبه و يدل عليه روايات مثل صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خذ حصي الجمار ثم ائت الجمرة القصوي التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها» «1» و ذلك لظهور الامر فيه في الوجوب الا انه يمكن المناقشة بأنه للارشاد الي ما يأتون به من المناسك الواجبة و المستحبة و استدل له بما يدل علي جواز الافاضة من المشعر ليلا و الرمي ليلا لطوائف خاصة فان الترخيص لهم كاشف عن اصل وجوبه و فيه انه يجوز ذلك الترخيص و ان كان فعله في اليوم مندوبا و أيضا استدل بصحيحة عمر بن اذينة «2»

قال: «كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السّلام بمسائل بعضها مع ابن بكير و بعضها مع أبي العباس فجاء الجواب باملائه سألت عن قول

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1.

(2)- يقال ان اسمه محمد بن عمر بن أذينة غلب عليه اسم ابيه له كتاب ثقه من الخامسة هرب من المهدي الي اليمن.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 190

اللّه عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «1»، يعني به الحج و العمرة جميعا لانهما مفروضان، و سالته عن قول اللّه عز و جل: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ؟ قال: يعني بتمامها ادائهما و اتقاء ما يتقي المحرم فيهما و سألته عن قوله تعالي:

الْحَجِّ الْأَكْبَرِ «2» ما يعني بالحج الاكبر؟ فقال: الحج الاكبر الوقوف بعرفة و رمي الجمار و الحج الاصغر العمرة» «3» و استدل أيضا علي وجوبه بروايات اخري في ابواب رمي جمرة العقبة مثل المروي عن سعيد الاعرج فيه «فيرمين (يعني النساء) الجمرة» «4» و خبر علي بن أبي حمزة: «فليرم (يعني الخائف) الجمرة» «5» و ما يدل علي اعادة الرمي ان لم يصب الجمرة و ما يدل علي ان من فاته الرمي نهارا يقضيه الغد و ما يدل علي استنابة المريض و الكسير و المبطون و غيرها «6» فالانصاف دلالة هذه الاحاديث علي وجوبه الا انه قال الشيخ في الجمل و العقود: المناسك بمني يوم النحر ثلاثة: اولها رمي جمرة العقبة بسبع حصيات ثم الذبح ثم الحلق و ظاهر هذه العبارة وجوب الرمي كالذبح و الحلق بل هي صريحة فيه و لكنه قال بعد ذلك و الرمي يحتاج الي شروط ثمانية مسنونة كلها

لان الرمي مسنون. العدد و هو سبع حصيات (و) يلتقطها و لا يكسرها و تكون برشا و لا يجوز غير الحصيات و يكون علي وضوء، و يرميها خذفا و يرميها من قبل وجه الجمرة و يكون بينه و بينها نحو من عشرة اذرع الي خمسة عشر ذراعا و يدعو اذا رمي انتهي «7» و اشتمال الشروط علي ما هو

______________________________

(1)- آل عمران: 91.

(2)- التوبة: 3.

(3)- الكافي: ج 4/ 264 ب فرض الحج و العمرة، ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1 و 2.

(5)- وسائل الشيعة، ب 1 من ابواب رمي العقبة، ج 1 و 2.

(6)- راجع وسائل الشيعة ابواب رمي جمرة العقبة.

(7)- راجع سلسلة الينابيع الفقهية: 7/ 231.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 191

مندوب قطعا يؤيد ان مراده من المسنون المندوب لا ما سن بالسنة قبال الواجب الثابت بالكتاب.

هذا غير أن كلامه في النهاية ظاهر في الوجوب مثل قوله: و اذا رجع الانسان الي مني لرمي الجمار كان عليه ان يرمي ثلاثة ايام «1» و قال في المبسوط: و عليه بمني يوم النحر ثلاثة مناسك اوله رمي الجمرة «2» … و في كلامه فيها موارد اخري ظاهرة في وجوب الرمي.

و في الخلاف أيضا ظاهر في وجوب الرمي بل كانه جعل وجوبه مفروغا عنه «3».

هذا و قد نسب ابن حمزة في الوسيلة استحباب الرمي إليه قال: و الرمي واجب عند أبي يعلي مندوب إليه عند الشيخ أبي جعفر رضي اللّه عنهما «4».

و لذا انكر عليه في السرائر و أليك كلامه بطوله قال: و هل رمي الجمار واجب او مسنون؟ لا خلاف بين اصحابنا في كونه واجبا، و لا اظن احدا من المسلمين

يخالف في ذلك.

و قد يشتبه علي بعض اصحابنا و يعتقد انه مسنون غير واجب لما نجده من كلام بعض المصنفين و عبارة موهمة او ردها في كتبه، و يقلد المسطور بغير فكر و لا نظر و هذا غاية الخطا و ضد الصواب فان شيخنا أبا جعفر الطوسي، رحمه اللّه قال: في الجمل و العقود: و الرمي مسنون فيظن من يقف علي هذه العبارة انه مندوب، و انّما اراد الشيخ بقوله: مسنون ان فرضه عرف من جهة السنة لان القرآن لا يدل علي

______________________________

(1)- النهاية/ 266.

(2)- المبسوط: 368.

(3)- الخلاف: 2/ 351.

(4)- الوسيلة/ 180.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 192

ذلك و الدليل علي صحة هذا الاعتبار و القول ما اعتذر شيخنا ابو جعفر الطوسي في كتابه الاستبصار و تأول لفظ بعض الاخبار. ثم استشهد لاثبات ان مراد الشيخ من السنة ما فرض بالسنة بكلام الشيخ في الاستبصار في باب وجوب غسل الميّت و غسل من مسّ ميتا هذا الغسل الي السنة ان فرضه قد عرف من جهة السنة لان القرآن لا يدل علي ذلك، و انّما علمناه بالسنة ثم ساق الكلام لاثبات نفي صحة استناد القول باستحباب الرمي الي الشيخ بكلماته الدالة علي وجوبه في النهاية و المبسوط و الخلاف (الي ان قال) ثم الاخبار التي أوردها في تهذيب الاحكام متناصرة بالوجوب عامة الألفاظ و بالجملة قد نفي القول بالاستحباب الي الشيخ بما لا مزيد عليه و استشهد أيضا لذلك بكلام الشيخ الصريح في وجوب رمي الجمار علي من نسي او جهل حتي فاته و خرج في السنة المقبلة فراجع تمام كلامه ان شئت «1».

و اوضح من ذلك كله انه لا مجال في الريب في وجوب رمي الجمار اصلا

و ان لم نقل برفع ما علي كلام الشيخ من الغبار في الجمل و العقود بما ذكر و اللّه هو العالم.

ما يعتبر في الرمي
اشارظ

مسألة 54- يعتبر في الرمي امور:

الاول: النية

و كيفيتها ان ينوي الفعل علي نحو يمتازه عن غيره للّه تعالي.

الثاني: وقوع الرمي بسبع حصيات

فان اتي بالاقل لا يجزي كما انه ان اتي بالاكثر أيضا لا يجزي اذا كان من نيته من الاول او في الاثناء كون الرمي بالثمان او بالتسع دون ما اذا اتي بالزائد بعد الاتيان بالسبع بقصد كونه منه ثم انه لا ريب في

______________________________

(1)- السرائر: 1/ 606.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 193

وجوب كون الرمي بالسبع و حكي عن المنتهي اجماع المسلمين عليه «1» و يدل عليه صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في رجل اخذ احدي و عشرين حصاة فرمي بها فزادت واحدة فلم يدر ايهنّ نقص (نقصت): قال: فليرجع و ليرم كل واحدة بحصاة فان سقطت من رجل حصاة فلم (و لم) يدر ايهنّ هي؟ فليأخذ من تحت قدميه حصاة و يرمي بها» «2» … الحديث.

و لا يضر كونه في عدد غير جمرة العقبة لان الظاهر اتحادها مع غيرها في هذا الحكم مضافا الي دلالة خبر أبي بصير عليه بالإطلاق قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام:

ذهبت ارمي فاذا في يدي ست حصاة؟ فقال: خذ واحدة من تحت رجليك» «3» بل هو ظاهر في جمرة العقبة و مثله خبر عبد الاعلي «4».

الثالث: ان تلقي بما يسمي رميا

لعدم صدق الامتثال بما لا يسمي به فلا يجزي الوضع.

الرابع: الرمي بكل واحد من الحصيات مستقلا

فلا يجزي الرمي بالجميع دفعة واحدة و ذلك لقيام السيرة القطعية المتصلة الي زمان الائمة عليهما السّلام عليه و يؤيد ذلك ما يدل من النصوص علي استحباب التكبير عند رمي كل واحد منها مثل صحيح يعقوب بن شعيب و فيه «كبر مع كل حصاة» «5» و في صحيح معاوية بن عمار: فنقول مع كل حصاة: اللّه اكبر 6.

الخامس: وصول الحصياة الي الجمرة بفعله

و ذلك لتوقف صدق رمي الجمرة

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 104.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب العود الي مني ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب العود الي مني ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب العود الي مني ح 3.

(5) 5 و 6- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 194

علي وصولها إليها بفعله ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه، عليه السّلام «فان رميت بحصاة فوقعت في محمل فاعد مكانها و ان اصابت انسانا او جملا ثم وقعت علي الجمار اجزأك» «1».

و اما اذا اصابت ثوب انسان فنفضه فاصابت الجمرة بنفضه لا يجزيه و المدار علي صدق كون الاصابة برميه فاذا وقعت الحصاة علي جسم صلب فطفرت منه و وصلت الي الجمرة لا يجتزي به.

السادس: ان يكون الرمي في يوم العيد بين طلوع الشمس و غروبها

تدل علي ذلك الروايات التي رواها في الوسائل في الباب الثالث عشر من ابواب رمي جمره العقبة في بعضها: ارم (رمي) الجمار ما بين طلوع الشمس الي غروبها نعم استثني من ذلك الخائف و كذا النساء فيجوز لهم الرمي ليلا.

الشك في عدد الرمي

مسألة 55- اذا شك في انه اتم الرمي بالسبع يرمي بمقدار يحصل القطع به لقاعدة الاشتغال بل لاستصحاب بقاء وجوب المشكوك فيه و كذا لو شك في اصابته الجمرة يبني علي عدمها فيعيده هذا اذا لم يدخل في فعل ما هو يفعل بعد الرمي او لم يمض عليه يومه و الا فالمرجع في الاول قاعدة التجاوز و في الثاني قاعدة الشك بعد الوقت و كذا لو شك في اتيانه بالرمي في الليل و ان شك في صحة ما اتي به يبني علي الصحة سواء شك في الوقت او بعده و كذا ان شك في صحة بعض الاعداد بعد الفراغ دون ما اذا كان في الاثناء ففيه لا يترك الاحتياط سواء دخل في العدد اللاحق أم لا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 195

حكم من نسي الرمي في يوم العيد
اشارة

مسألة 56- يحب تدارك الرمي الي اليوم الثالث عشر اذا نسيه في يوم العيد او تركه جهلا بالحكم اذا لم يكن ممن وظيفته الرمي ليلا و علي ذلك يأتي به اذا ذكر او علم في اليوم الحادي عشر الي اليوم الثالث عشر.

ففي صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل افاض من جمع حتي انتهي الي مني فعرض له عارض فلم يرم حتي غابت الشمس؟ قال: يرمي اذا اصبح مرتين مرة لما فاته و الاخري ليومه الّذي يصبح فيه و ليفرق بينهما يكون احدهما بكرة و هي للامس و الاخري عند زوال الشمس» «1» و لا يخفي عليك ان هذا الصحيح يدل علي حكم من يتمكن من القضاء في ايام التشريق فذكر او جهل او قدر في ايام التشريق

و اما ان رفع عذره بعد ايام التشريق فلا يدل علي وجوب قضائه في غير هذه

الايام و لكن يأتي إن شاء اللّه تعالي و بتوفيقه الكلام فيه في احكام الرمي في ايام التشريق.

إيضاح في المراد من الجمرة:

قال في الجواهر: المراد من الجمرة البناء المخصوص او موضعه ان لم يكن كما في كشف اللثام، و سمي بذلك لرميه بالحجار الصغار المسماة بالجمار او من الجمرة بمعني اجتماع القبيلة لاجتماع الحصي عندها او من الاجمار بمعني الاسراع و لما روي ان آدم عليه السّلام رمي فاجمر ابليس من بين يديه ان من جمرته و زمرته أي نحيته، و في الدروس انها اسم لموضع الرمي، و هو البناء او موضعه مما يجتمع من الحصي، و قيل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 196

هو مجتمع الحصي لا السائل منه، و صرح علي بن بابويه بانه الارض و لا يخفي عليك ما فيه من الاجمال، و في المدارك بعد حكاية ذلك عنهما قال: و ينبغي القطع باعتبار اصابة البناء مع وجوده لانه المعروف الآن من لفظ الجمرة، و لعدم تيقن الخروج عن العهدة بدونه، امّا مع زواله فالظاهر الاكتفاء باصابة موضعه و إليه يرجع ما سمعته من الدروس و كشف اللثام الا انه لا تقييد في الاول بالزوال، و لعله الوجه لاستبعاد توقف الصدق عليه و يمكن كون المراد بها المحل باحواله التي منها الارتفاع ببناء او غيره او الانخفاض لكن ستسمع ما في خبر أبي غسان بناء علي إرادة الاخبار بحيطان فيه عن الجمار كما هو محتمل بل لعله الظاهر الا انه محتمل البناء علي المعهود الغالب فتامل جيدا «1». انتهي كلامه.

و مراده

من خبر أبي غسان ما رواه في التهذيب عن احمد بن محمد بن عيسي «2» عن البرقي «3» عن جعفر «4» عن أبي غسّان «5» (عن نسخة من التهذيب) حميد بن مسعود «6» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رمي الجمار علي غير طهور (طهر)؟ قال:

الجمار عندنا مثل الصفا و المروة حيطان ان طفت بينهما علي غير طهور (طهر)، لم

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 106.

(2)- ابو جعفر شيخ القميين و و وجههم … له كتب من السابعة.

(3)- محمد بن خالد البرقي ثقة من كبار السابعة.

(4)- ابن بشير أبو محمد البجلي الوشاء من زهاد اصحابنا ثقة روي عن الثقات و رووا عنه من السادسة.

(5)- ان لم يكن كنيته حميد بن مسعود فهو مجهول الا ان يعتمد علي تصريحهم بان جعفر روي عن الثقات و الظاهر انه كنية حميد كما اتفق عليه في الاستبصار و بعض نسخ التهذيب.

(6)- يظهر من رواية حميد بن زياد عن قاسم بن اسماعيل اعتمادها عليه و قد سقط اسمه في الطبقات و الظاهر أنه من الخامسة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 197

يضرك، و الطهر احب إليّ فلا تدعه و انت قادر (تقدر) عليه» «1» و ربما يقع الكلام في ان المستفاد من كلام صاحب الجواهر ميله الي اجزاء الرمي الي الموضع الّذي فيه البناء و ان كان البناء موجودا فمعني قوله الا انه لا تقييد في الاول (أي في الدروس) بالزوال و لعله الوجه لاستبعاد توقف الصدق عليه ان الوجه كفاية وقوع الجمار في الموضع الّذي وقع فيه البناء لاستبعاد توقف الصدق (أي صدق الرمي) عليه أي علي زواله ان لم يقع علي البناء فيصدق عليه الرمي و ان وقع علي الموضع

حال كون البناء موجودا او ان مراده انه لم يقيد بالزوال لان في فرض الزوال يجب الرمي الي محل البناء و هذا أي وجوب الرمي الي مكان البناء في فرض الزوال هو الوجه لاستبعاد توقف صدق الرمي علي وقوعه علي البناء حتي لا يجب مع عدم البناء رمي المكان و سقط وجوب الرمي بزواله.

أقول: الظاهر منه إرادة الاول و خلاصة ما افاده انه يصدق الرمي علي الموضع الّذي فيه البناء لاستبعاد اشتراط صدق الرمي علي الموضع الّذي كان فيه البناء إذا كان زائلا عنه فلا فرق الصدق بين كونه زائلا عنه و كونه موجودا فيه ثم قال: و يمكن ان يكون المراد المحل باحواله التي منها الارتفاع ببناء او غيره او الانخفاض فيجوز علي ما افاد الرمي بالبناء و بالمحل و الموضع الّذي هو فيه الا انه استدرك و قال: لكن ستسمع ما في خبر أبي غسان و مراده ان منه يستفاد ان المراد من الجمار نفس البناء و لا يجوز رمي غيره لو كان هو قائما علي حاله و قال: بل لعله الظاهر ثم استدرك ذلك بامكان كون الخبر صادرا علي ما هو المعهود الغالب من رمي البناء.

و انت تري انه كان جازما بكفاية وقع الحصاة علي البناء الا انه كانه يكون مترددا في كفاية اصابتها موضعه او مائلا الي ذلك اذا كان البناء موجودا فيتلخص من ذلك القطع باداء التكليف ان رمي البناء فاصابه و الظاهر عدم الخلاف فيه

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 198 ح 660/ 37 و الاستبصار: 2/ 258 ب 174 ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 198

فيتردد الامر بين التعيين و التخيير بين المتباينين و مقتضي الاحتياط الواجب الاخذ بالمتعين و يؤيد

ذلك ظهور اكثر الروايات و كلمات الفقهاء من رمي الجمرات رمي البناء و خبر أبي غسان و ان كان ضعيفا لكن دلالته علي وجود هذه البنايات في عصر الامام الصادق عليه السّلام لا تخدش بضعف السند و بالجملة الظاهر ان المتبادر من الجمرة في الروايات و الكلمات هو هذه البنايات التي استمر الرمي عليها من اعصار الائمة، عليهم السّلام الي زماننا سواء قيل ببقاء عينها من تلك الاعصار او بتجديد بنائها نعم ان فرض ازالتها و العياذ باللّه يجب رمي مكانها دون حواليها و اللّه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 199

2- الذبح او النحر

الخامس من واجبات الحج: و هو من مناسك مني؛ يوم النحر: الذبح:
اشارة

و هو واجب علي المتمتع قال في الجواهر بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه بل في المنتهي اجماع المسلمين عليه «1» و هو الحجة بعد الكتاب «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» «2»، و المعتبرة المستفيضة منها قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة المتضمن صفة التمتع الي ان قال «و عليه الهدي فقلت: و ما الهدي؟ فقال: افضله بدنه، و اوسطه بقرة و اخسّه شاة» «3».

و منها قول الصادق عليه السّلام في خبر سعيد الاعرج «من تمتع في اشهر الحج ثم اقام بمكة حتي يحضر الحج من قابل فعليه شاة و ان تمتع في غير اشهر الحج ثم تجاوز مكة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 114.

(2)- سورة البقرة/ 192.

(3)- التهذيب: ج 5، 44، ح 107/ 36 و فيه اخفضه و في الوسائل في موضع اخفضه و في موضع آخره. وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب الذبح ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 200

حتي يحضر الحج فليس عليه دم انما هي حجة مفردة» «1» …

عدم وجوب الهدي علي غير المتمتع

مسألة 57- لا يجب الهدي علي غير المتمتع سواء كان حجه واجبا او مندوبا قال في الجواهر بلا خلاف أجده الا ما يحكي عن سلّار، من عدّ سياق الهدي للمقرن في اقسام الواجب «2» (انتهي) و يمكن ان يكون مراده من الوجوب أيضا كما في الجواهر عن الغنية و الكافي وجوبه بعد الاشعار و التقليد فهو غير واجب بالاصل و يمكن ان يكون مراده من وجوب الهدي دخوله في الوجوب بنذر او احد اخويه و اقول: يمكن ان يقال بانه واجب بالوجوب التخييري لان المكّي مخير بين القران و الافراد و اما صحيح العيص بن القاسم

«3» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «في رجل اعتمر في رجب؟

فقال ان كان اقام بمكة حتي يخرج منها حاجا فقد وجب عليه هدي فان خرج من مكة حتي يحرم من غيرها فليس عليه هدي» «4» فهو بظاهره خلاف غيره من النصوص الدالة علي ان مكة ميقات حج التمتع لا القران و الافراد ان كان احرامه من مكة لحج القران و ان كان احرامه لحج التمتع فهو يؤتي به بعد عمرته في اشهر الحج فلذا قال في الوسائل: المراد بخروجه منها حاجا الاحرام منها بحج التمتع بعد العمرة و المراد بآخره الاحرام بغير التمتع اشار إليه الشيخ و جوز حمله علي الاستحباب و في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب اقسام الحج ح 1 و فيه بعد قوله الاول حتي يحضر الحج (قال) من قابل و ذكر بعد ذلك بدل (و ان) (و من)، و ذكر بدل تجاوز (جاور) و هذا هو الصحيح.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 115.

(3)- ابو القاسم البجلي، ثقه له كتاب … من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب الذبح ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 201

الجواهر زاد او علي التقية من أبي حنيفة و اتباعه «1» (فانه كان يقول بانعقاد عمرة التمتع في غير اشهر الحج الا ان الاحرام فيها افضل) و علي ما قيل من ان هذا الهدي جبران ان كان عليه ان يخرج من خارج وجوبا او استحبابا فاحرم من مكة فان خرج حتي يحرم من موضعه فليس عليه هدي بل ربما كان ما الدروس من ان فيه دقيقة اشارة إليه و أليك عبارة الدروس «2»؛ و في صحيح العيص: يجب علي من اعتمر (اي الهدي) في

رجب و اقام بمكة و خرج منها حاجا لا علي من خرج فاحرم من غيرها و فيه دقيقة، و الظاهر ان مراده من ذلك ان اختصاص المورد بهذا الحكم لخصوصية تكون فيه و مختص بمورده. و اللّه هو العالم.

وجوب الهدي علي المكي لو تمتع

مسألة 58- قال: في الشرائع: لو تمتع المكي وجب عليه الهدي «3» و ظاهره عدم الاعتناء بمخالفة الشيخ جزما المبسوط و احتمالا في الخلاف قال في المبسوط في فصل ذكر انواع الحج: و في الناس من قال: المكي لا يصح منه التمتع اصلا و فيهم من قال: يصح ذلك منه غير انه لا يلزمه دم المتعة و هو الصحيح لقوله تعالي: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ. يعني الهدي الّذي تقدم ذكره «4»: و قال في الخلاف: مسألة 42:

فرض المكّي و من كان من حاضري المسجد الحرام القران، و الافراد فان تمتع سقط عنه الفرض و لم يلزمه دم (الي ان قال) دليلنا قوله تعالي: فَمَنْ

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 115.

(2)- الوسائل 1، من ابواب الذبح ح 2.

(3)- شرائع الاسلام: 1/ 193.

(4)- المبسوط: 1/ 306.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 202

تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ- الي قوله- ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «1».

معناه ان الهدي لا يلزم الّا من لم يكن من حاضري المسجد الحرام و يجب ان يكون قوله: ذلك راجعا الي الهدي لا الي التمتع لانه يجري مجري قول القائل: من دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن غاصبا في ان ذلك يرجع الي الجزاء دون الشرط و لو قلنا انه راجع إليهما و قلنا انه لا يصح منهم التمتع اصلا لكان قويا و وافق الشيخ الشهيد

في الدروس ان تمتع ابتداء قال: و لو تمتع المكي فثالث الاوجه وجوبه عليه ان تمتع ابتداء لا اذا عدل الي التمتع و هو منقول عن المحقق و يحتمل وجوبه ان كان بغير حج الاسلام «2» و قال في الجواهر: و لعله لاختصاص الآية به (يعني بحج الاسلام) و فيه بعد التسليم عدم انحصار الدليل فيها «3» انتهي.

ثم ان الظاهر ان القول بعدم وجوب الهدي علي المكي المتمتع خلاف المشهور بل لم يحك الخلاف في وجوبه الّا عن الشيخ و الشهيد علي ما سمعت و يمكن ان يقال ان ذلك للاشارة الي البعيد و هنا هو التمتع و الرجوع إليه اولي و لا ينافي ذلك رجوعه الي الاقرب عند قيام القرينة عليه كما في المثال المذكور و هذا مضافا الي انه اذا كانت الآية محتملة الوجهين لا يجوز الجزم باحدهما الا بورود تفسيره من اهل البيت عليهم السلام و في المقام تكفي النصوص مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«قلت لابي جعفر عليه السّلام: قول اللّه عز و جل في كتابه: ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام؟ قال يعني اهل مكة ليس عليهم متعة» «4» و خبر سعيد الاعرج «5»

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 272.

(2)- الدروس: 1/ 436 درس 111.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 116.

(4)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب اقسام الحج ح 3.

(5)- له اصل من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 203

قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ليس لاهل سرف و لا لاهل مر و لا لاهل مكة متعة. يقول اللّه تعالي: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» «6» و علي ما ذكر عموم ما دل علي وجوب الهدي

في المتمتع او اطلاقه يشمل بالعموم و الاطلاق المكي المتمتع كغيره. و اللّه هو الهادي الي الصواب.

اعتبار نية القربة في الهدي

مسألة 59- لا شبهة في اعتبار نية القربة في الهدي لان الحج من العبادات فلا بد من الاتيان به و باجزائه بقصد القربة بل يمكن ان يقال: انه لا يتحقق عنوان الهدي الا بقصد كونه للّه و أيضا لا شبهة في انه لا يعتبر في الذبح مباشرة الحاج بل يكفي الاتيان به بالمباشرة او التسبيب و هذا ثابت بالسيرة القطعية و يدل عليه في خصوص النساء ما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «7» عن احمد بن محمد «8» عن الحسين بن سعيد «9» عن أبي المغراء «10» عن أبي بصير «11» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «رخص رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله

______________________________

(6)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب اقسام الحج ح 6.

(7)- ان كان احمد بن محمد ابن عيسي فالعدة عنه خمسة و هم محمد بن يحيي و احمد بن ادريس و علي بن ابراهيم و داود بن كوره و علي بن موسي الكميداني و ان كان ابن خالد البرقي فهم أربعة علي بن ابراهيم و علي بن محمد بن عبد اللّه و يقال لعبد اللّه بن بعداد ابن بنت البرقي و احمد بن عبد اللّه احمد البرقي ابن ابنه و علي بن الحسين السعدآبادي …

(8)- ابن خالد او ابن عيسي من السابعة.

(9)- الاهوازي من كبار السابعة ثقة جليل القدر صاحب المصنفات و كان روايته عن أبي المغراء مرسلة.

(10)- حميد بن المثني من الخامسة ثقة له اصل.

(11)- من الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 204

للنساء و الصبيان ان يفيضوا بليل و ان يرموا الجمار

بليل و ان يصلوا الغداة في منازلهم فان خفن الحيض مضين الي مكة و وكلن من يضحي عنهن» «12».

و في خبر علي بن أبي حمزة عن احدهما عليهما السّلام: «أي امرأة او رجل خائف افاض من المشعر ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمض و ليأمر من يذبح عنه» «13» و غيرهما من النصوص الدالة كما الجواهر علي جواز التوكيل الظاهر في الذبح و نيته «14» و يمكن ان يقال: انه تارة يوكل او يامر من يذبح هديه فقط كما يأمر من عليه الزكاة خادمه بإيصاله الي المستحق و الظاهر انه يكفي في ذلك نية الآمر و الموكل سيما اذا كان حاضرا و ان لم يعلم الذابح عنوانه من انه هدي او كفارة او صدقة او غيرها بل و ان ظن انه غير الهدي و تارة يجعله وكيلا عنه لان يأتي بالهدي لا بالذبح فقط فحينئذ يجب علي الوكيل النية عنه فينوي به امتثال الامر المتوجه الي الموكل و المستفاد من اطلاق بعض الروايات كفاية ذلك و الظاهر انه في كلتي الصورتين لا يخلو من قصد القربة فان داعيه علي امر الغير بالذبح او توكيله بالهدي هو اسقاط ما اوجب اللّه عليه نعم يمكن ان يقال: ان في صورة مجرد الامر بالذبح لا يشترط في الذابح الايمان فيكفي كونه مسلما اما في صورة التوكيل حتي في النية فالاحوط مراعات شرط الايمان في الوكيل و ان كان يمكن تقوية عدم لزوم ذلك لانه ليس من باب النيابة المعتبر فيها الايمان لانه يأتي بالعمل نيابة عن المنوب عنه و امتثالا للامر المتوجه إليه قربة الي اللّه و يقصد تقرب نفسه فيسقط بالفعل الّذي تقرب إليه النائب الي

اللّه تعالي الامر المتعلق بالعمل بل و ان قلنا بعدم اعتبار قصد تقرب نفسه فانه يكفي قصده

______________________________

(12)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب الوقوف المشعر ح 3.

(13)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 4.

(14)- جواهر الكلام: 19/ 119.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 205

اتيانه ما علي المنوب عنه و امتثال الامر الّذي توجه إليه الا انه اعتبر فيه ايمان الاجير بل و المتبرع لانه يأتي بالعمل علي طبق رأيه و اذا كان مخالفا يأتي به علي طبق رأيه و اما في النيابة في الهدي يأتي المخالف العمل أي ذبح الشاة بقصد امتثال ما علي المنوب عنه فعمله و ان لا يوجب تقرب نفسه الا انه يسقط به ما كان علي المنوب عنه و مع ذلك كله فالمسألة لا تخلو من الاشكال فالاحوط عدم توكيل المخالف الا لخصوص الذبح. و اللّه هو العالم.

في مكان ذبح الهدي و زمانه

مسألة 60- يعتبر في الهدي وقوعه في الزمان الخاص به و مكانه كذلك اما الزمان المعتبر وقوعه فيه فهو يوم العيد فلا يجزي وقوعه في ليلته و لا في غيرها من ليالي ايام يجزي وقوعه فيها قال في الجواهر: و يجب ذبحه أي الهدي يوم النحر بلا خلاف اجده فيه كما اعترف به بعضهم بل في المدارك: انه قول علمائنا و اكثر العامة للتأسي «1».

أقول: و قد استدل علي عدم جواز ايقاعه في الليل بالسيرة القطعية الجارية بين المسلمين المتصلة الي زمان المعصومين عليهم السلام و لم ينقل عن احد من المعصومين عليهم السّلام و لا من اصحابهم بل و لا غيرهم ذبحه في ليلة العيد و لا في غيرها من الليالي و يمكن ان يستدل لذلك باستثناء خصوص الخائف كما

ورد في صحيحي ابن سنان و محمد بن مسلم «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و لفظ الاول «لا بأس ان يرمي الخائف بالليل و يضحي و يفيض بالليل» فاختصاص الخائف بالاستثناء دون النساء و الضعفاء و الشيوخ الذين رخص لهم الافاضة و الرجم بالليل دليل علي ان غير

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 133.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب الذبح ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 206

الخائف يجب عليه الذبح في النهار هذا و لكن يظهر من الجواهر الترديد في اطلاق الحكم المذكور لان المسلم عدم جواز تقديم الهدي علي يوم العيد و ذبحه في الليالي المستقبلة الي آخر ذي الحجة لمن جاز له التأخير لعذر فلا دليل علي اعتبار عدم وقوعه في الليل فالزمان الخاص بالهدي هو يوم النحر و ثلاثة ايام بعده لا يجوز له ان يؤخره عنها الا لعذر فياتي به الي آخر ذي الحجة و قال في الجواهر لو أخره عنه يعني يوم النحر اثم بناء علي الوجوب و اجزا و كذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز اي اجزا بلا خلاف اجده فيه بل في كشف اللثام قطع به الاصحاب من غير فرق بين الجاهل و العامد و الناسي و لا بين المختار و المضطر بل عن النهاية و الغنية و السرائر الجواز بل عن الثاني الاجماع عليه لكن يمكن إرادة الجميع الاجزاء منه كما في المتن (يعني الشرائع) نعم من المصباح و مختصره ان الهدي الواجب يجوز ذبحه و نحره طول ذي الحجة و يوم النحر افضل بل عن ظاهر المهذب ما يوهم جواز تاخيره عن ذي الحجة و لعله لا يريده لإمكان تحصيل الاجماع

كما ادعاه بعض علي خلافه و عن المبسوط التصريح بانه بعد ايام التشريق قضاء و عن ابن ادريس انه اداء «1» انتهي.

و قد استدل في الجواهر للإجزاء المذكور بإطلاق الآية الكريمة و فيه منع الاطلاق لها في ذلك لان الظاهر من الآية ان زمان الهدي و مكانه كان معلوما عند المخاطبين و بصحيح حريز عن عبد اللّه عليه السّلام «في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم؟ قال: يخلف الثمن عند بعض اهل مكة و يامر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه فان مضي ذو الحجة اخر ذلك الي قابل من ذي الحجة» «2» قال في الجواهر: الا انه لا يشمل تمام المدعي «3» يعني لا يشمل من يجد الثمن و الغنم فهل يجزيه بعد يوم النحر الي آخر ذي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 133.

(2)- وسائل الشيعة: ب 44 من ابواب الذبح ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 134.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 207

الحجة أم لا؟

و لا يخفي عليك ان مقتضي الاصل في غير ليلة النحر الجواز وضعا و تكليفا الي اخر ذي الحجة و لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم تركه عمدا بل الواجب احتياطا عدم تاخيره عمدا من يوم العيد و ايام التشريق بمعني انه اذا تركه لعذر في يوم العيد لا يتركه عمدا في ايام التشريق و اللّه هو العالم.

و اما المكان: ففي الجواهر: يجب ذبحه بمني عند علمائنا في محكي المنتهي و التذكرة و عندنا في كشف اللثام و هذا الحكم مقطوع به في كلام الاصحاب في المدارك «1» انتهي.

و استشهد بخبر ابراهيم الكرخي الّذي رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «2» عن سهل بن زياد «3» و احمد بن

محمد «4» عن الحسن بن محبوب «5» عن ابراهيم الكرخي «6» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل قدم بهديه مكة في العشر؟ فقال: ان كان هديا واجبا فلا ينحره الا بمني و ان كان ليس بواجب فلينحره بمكة ان شاء و ان كان قد اشعره او قلده فلا ينحره الا يوم الاضحي» «7».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 120.

(2)- هم محمد بن الحسن الطائي و محمد بن جعفر الاسدي. محمد بن ابي عبد اللّه و محمد بن عقيل الكليني و علي بن محمد بن ابراهيم الكليني خال الكليني.

(3)- الادمي أبو سعيد الرازي له كتاب التوحيد و النوادر قيل فيه الامر في السهل سهل من السابعة.

(4)- ابن خالد البرقي راجع ترجمته في جامع الرواة من السابعة.

(5)- السراد و يقال له الزراد كوفي ثقة جليل القدر له كتب كثيرة من اصحاب الاجماع من السادسة.

(6)- بغدادي ابن ابي زياد روي عنه من اصحاب الاجماع الحسن و ابن ابي عمير من الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الذبح ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 208

و بخبر عبد الاعلي الّذي رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد «1» عن فضالة «2» عن ابان «3» عن عبد الاعلي «4» قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام «لا هدي الا من الابل و لا ذبح الا بمني» «5» و بخبر الحسن اللؤلؤي الّذي رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم «6» عن الحسن اللؤلؤي «7» عن الحسن بن محبوب «8» عن علي بن رئاب «9» عن مسمع «10» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «مني كله منحر و افضل المنحر كله المسجد» «11».

______________________________

(1)- ثقة جليل صاحب التصنيفات من اصحاب الرضا

و الجواد و الهادي عليهم السلام توفي بقم من كبار السابعة.

(2)- ثقة … من اصحاب الاجماع … من السادسة.

(3)- ابن عثمان الاحمر البجلي معدود من اصحاب الاجماع.

(4)- عبد الاعلي بن اعين العجلي قال بعض المعاصرين ثقة بشهادة المفيد و القمي و هو اسم لابن اعين مولي آل سام غير الثقة برواية ابان عنه في هذه الرواية و غيرها و احتمل بعضهم اتحادهما و يدل علي الاتحاد تصريح الكليني و الشيخ باتحادهما و يكشف عن تعددهما ان الشيخ عد كلا منهما مستقلا من اصحاب الصادق عليه السّلام اقول الاعتماد علي تصريح الكليني و الشيخ و لا يعتد برجاله لانه كتبه علي سبيل الفهرس لاجل الرجوع الي كتابه هذا ذكر ذلك سيد الاستاذ قدس سره من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الذبح ح 6.

(6)- ابن معاوية بن وهب ثقة ثقة جليل واضح الحديث من اصحاب الرضا له ثلاثون كتابا من السابعة او الثامنة.

(7)- ابن الحسين ثقة كثير الرواية (صه جش) ضعفه ابن بابويه و … كانه من كبار السابعة.

(8)- مر ذكره.

(9)- له اصل كبير ثقة جليل القدر من الخامسة.

(10)- ابن عبد الملك كردين سيد المسامعة ثقة من الخامسة.

(11)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الذبح ح 7 قال العلامة المجلسي في ملاذ الاخبار ظاهره جواز النحر في المسجد و لعله مخالف للاجماع و يمكن حمله علي ان المراد انه افضل اجزاء

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 209

و هذه الروايات كما تري ظاهرة الدلالة في وجوب كون الذبح او النحر بمني و لكن بعض الاجلة من المعاصرين علي ما بني عليه من تضعيف اسناد بعض الروايات بمجرد خلو كتب الرجال من توثيق بعض رجال الاسناد ضعف هذه

الروايات الثلاثة فالاولي بابراهيم الكرخي و الثانية بعبد الاعلي المشترك بين الثقة و الضعيف و الثالثة بالحسن بن الحسين اللؤلؤي «1»

أقول: اما الرواية الاولي فيكفي في الاعتماد علي رواية ابراهيم الكرخي رواية حسن بن المحبوب الجليل من اصحاب الاجماع عنه و لا عبرة بالبناء علي عدم اعتناء البعض المذكور علي ذلك و يؤيد الاعتماد علي صدوره موافقة فتوي الاصحاب مع مضمونه.

و اما رواية عبد الاعلي فهو أيضا مروي عن فضالة بن أيوب و هو أيضا من اصحاب الاجماع مضافا الي ان الغالب في النظر انه و عبد الاعلي مولي آل سام واحد فالرواية صحيحة علي الاصطلاح أيضا.

و اما الثالثة فيكفي اعتماد مثل موسي بن القاسم الموصوف بانه ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة له ثلاثون كتبا مثل كتب الحسين بن سعيد مستوفاة حسنة فان لم يكن مثل هذه الروايات موثوقة فقلما يوجد ما يوثق به فيها.

ثم ان بعض الاجلة المذكور قدس سره، حيث لا يري صحة الاحتجاج بمثل الروايات المذكورة و ان كان في رواتها اصحاب الاجماع او عمل بها الاصحاب استدل بقطع الاصحاب و السيرة القطعية المستمرة من زمان الأئمة، عليهم السلام،

______________________________

المنحر للعبادة او المراد اقرب منه.

(1)- المعتمد: 5/ 209.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 210

الي زماننا «1» و يمكن ان يقال: ان قطع الاصحاب بهذا الحكم لمكان هذه الروايات و لم يثبت كون الحكم معلوما علي جميع الخواص فضلا عن الجميع و لذا وقع مورد السؤال و استقرار السيرة يمكن ان يكون لافضلية وقوعه في مني و في العامة من يقول بجوازه في أي مكان من الحرم و ظاهر بعض الروايات و ان كان مطروحا يدل علي ذلك و استدل أيضا بالكتاب بضميمة ما

ورد في تفسيره من الاحاديث فقوله تعالي: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» «2» يدل علي ان للهدي محلا معينا مختصا به لا يجزي ذبحه في غيره و الرواية المعتبرة عن زرعة تفسير الآية فقد رواها الشيخ باسناده عن الحسين بن سيعد «3» عن الحسن «4» عن زرعة «5» قال: «سألته عن رجل احصر في الحج؟ قال: فليبعث بهديه اذا كان مع اصحابه و محله ان يبلغ الهدي محله و محله مني يوم النحر اذا كان في الحج و ان كان في عمرة نحر بمكة فانما عليه ان يعدهم لذلك يوما فاذا كان ذلك اليوم فقد و في و ان اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء اللّه تعالي» «6».

قال: فضم الرواية الي الآية ينتج ان الكتاب العزيز يدل علي لزوم الذبح بمني بل يمكن الاستدلال بنفس الآية الشريفة مع قطع النظر عن المعتبرة المفسرة لها لان الآية صريحة في ان الهدي له محل خاص معين و ليس ذلك غير مني قطعا فيتعين

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 207.

(2)- البقرة/ 196.

(3)- مرت ترجمته.

(4)- ابن سعيد اخو الحسين أبو محمد الاهوازي شارك اخاه الحسين في كتبه الثلاثين … من السابعة.

(5)- ابن محمد و كان صحب سماعة واقفي المذهب له اصل ثقة من السادسة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب الاحصار و الصد ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 211

كونه مني «1».

أقول: الرواية علي ما اخرجها في الوسائل «2» و في التهذيب «3» مضمرة لم يعلم منها ان المسئول عنه الامام، عليه السّلام او غيره و من المحتمل كونه سماعة لان زرعة كان من اصحابه و

لكن روي الصدوق الرواية في المقنع عن سماعة قال «و سأل سماعة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل احصر في الحج» «4».

و لكن لم يروها في الفقيه و لعل ما ذكر هنا و ان لم يذكر زرعة كان اجتهادا معه لكون زرعة من اصحاب سماعة و كيف كان فروايته ضعيفة بالارسال و اللّه هو العالم.

و من الروايات التي استدل بها معاصرنا الكبير و صاحب الجواهر الا ان الاول قال: و يدل عليه أيضا صحيح منصور بن حازم «5» و الثاني قاله بعد ذكر الروايات الدالة: بل ربما استدل بقول الصادق عليه السّلام أيضا في صحيح منصور «6» و هو ما رواه شيخنا الكليني رضوان اللّه تعالي عليه، باسناده عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل يضلّ هديه فيجده رجل آخر فينحره؟ فقال: ان كان نحره بمني فقد اجزا عن صاحبه الّذي ضلّ عنه و ان كان نحره في غير مني لم يجز عن صاحبه» «7» و رواه شيخنا الطوسي، رضي اللّه عنه، أيضا و قال في الجواهر بعد نقل الرواية: بناء علي اولوية عدم الاجزاء مع الاختيار من حال الاضطرار لكن فيه انه

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 208.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب الاحصار و الصدح ح 2.

(3)- التهذيب: 5/ 423 ح 1470/ 116.

(4)- المقنع/ 245.

(5)- المعتمد: 5/ 208.

(6)- جواهر الكلام: 19/ 120.

(7)- وسائل الشيعة: ب 28 من ابواب الذبح ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 212

مبني علي اجزاء التبرع و الا كان مطرحا «1» فعلي هذا الاعتماد في المسألة علي احاديث ابراهيم الكرخي و عبد الاعلي و مسمع التي تنطبق فتوي الفقهاء عليها لو لم نقل انهم عملوا بها.

و اللّه هو العالم.

لو تعذر وقوع ذبح الهدي بمني

مسألة 61- قد عرف مما ذكر انه لا شبهة في وجوب وقوع ذبح الهدي بمني و ان لم يتمكن منه الي آخر ذي الحجة و أن يأتي به مباشرة او تسبيبا في شهر ذي الحجة المقبل من يوم النحر الي آخره فان وقع ذلك و هو متلبس بالحج و في الاثناء فهل يسقط عنه التكليف بالذبح من دون بدل او يتبدل بصيام ثلاثة ايام في الحج و سبعة اذا رجع او يأتي به في غيره من الاماكن او ما هو متصل بمني الاقرب منه فالاقرب. وجه عدم سقوطه ان التكليف بكونه في مني من باب تعدد المطلوب و الذبح او النحر مطلوب بنفسه و يدل علي ذلك قوله تعالي: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «2» يشمل بالإطلاق كفايته في أي مكان وقع ذبحه فيه و القدر المتيقن من تقييده بوقوعه بمني حال التمكن و الاختيار لا مطلقا كما هو الظاهر من مناسبة مثل هذا الحكم و موضوعه الا ان اللازم ان يكون ذلك في الاماكن القريبة و المتصلة بمني لان العرف يراه اقرب الي حفظ غرض الشارع من امره بذبحه بمني و لا اقل من انه احوط، و أيضا يستفاد من قوله تعالي: وَ الْبُدْنَ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ لَكُمْ فِيهٰا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 121

(2)- سورة البقرة/ 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 213

وَ الْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنٰاهٰا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «1» ان نحر البدن في الموسم من شعائر اللّه مطلقا الا ان في حال التمكن يجب الاتيان بها بمني و لا يدل علي

تقييدها به مطلقا.

و امّا الاستدلال له بإطلاق مثل صحيح زرارة المتقدم عن أبي جعفر عليه السّلام في المتمتع. قال: «و عليه الهدي قلت: و ما الهدي؟ فقال: افضله بدنه و اوسطه بقرة و آخره (اخفضه) شاة» «2» فيمكن ان يكون الألف و اللام فيه للعهد لا للجنس. و مما ذكر يعلم ما اذا كان الحال معلوما قبل التلبس بالحج و الاحرام فانه علي ما ذكر لا يسقط به الهدي فضلا عن اصل الحج. و هذا كله اذا لم يتمكن من الذبح او النحر بمني اصلا و أمّا اذا تمكن منه الي آخر ذي الحجة فقد عرفت انه مجز عنه حتي و ان تركه عامدا في يوم النحر. و اللّه هو العالم.

عدم اجزاء الهدي الواحد الا عن واحد

مسألة 62- اختلفوا في اجزاء هدي واحد عن الاثنين و اكثر فنسب الي المشهور عدم الاجزاء بل في ضحايا الخلاف الاجماع عليه «3» و ظاهر كلمات جماعة الاجزاء عند الضرورة عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين و الّذي هو المستند للقول الاول الآية الكريمة.

«فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ «4»».

بيان ذلك ان المراد من الامر بما استيسر من الهدي ما استيسر من النعم الثلاثة

______________________________

(1)- الحج/ 36.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب الذبح ح 5.

(3)- راجع جواهر الكلام: 19/ 121.

(4)- البقرة/ 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 214

لا اجزاء الحيوان الواحد فهو ظاهر في ان كل شخص واحد تمتع بالعمرة الي الحج يجب عليه هدي واحد و قوله تعالي: فمن لم يجد أيضا ظاهر في ان من لم يجد الهدي أي الحيوان التام فصيام ثلاثة ايام و الروايات

مثل صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام، «لا تجوز البدنة و البقرة الا عن واحد بمني» «1» و عدم اجزاء الشاة عن اكثر من واحد يستفاد منه بالاولوية و الفحوي و صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النفر تجزيهم البقرة؟ قال: «اما في الهدي فلا، و امّا في الاضحي فنعم» «2» و الصحيح الآخر للحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال «تجزي البقرة و البدنة في الامصار عن سبعة و لا تجزي بمني الا عن واحد» 3 و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في المتمتع قال: «و عليه الهدي قلت: و ما الهدي؟ فقال: افضله بدنة و اوسطه بقرة و آخره (اخفضه) شاة» «4».

اذا فاشتراك شخصين او اكثر عند الضرورة يحتاج الي الدليل و قد استدل له بطائفة من الروايات كخبر معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «تجزي البقرة عن خمسة اذا كانوا اهل خوان واحد» «5» و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «البدنة و البقرة تجزي عن سبعة اذا اجتمعوا من اهل بيت واحد و من غيرهم» «6».

و صحيح حمران قال: «عزت البدن سنة بمني حتي بلغت البدنة مائة دينار فسئل أبو جعفر عليه السّلام عن ذلك فقال: اشتركوا فيها قال: قلت: كم قال: ما خفّ فهو افضل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب الذبح ح 1.

(2) 2 و 3- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب الذبح ح 3 و 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب الذبح ح 5.

(5)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب الذبح ح 5 و 6 و 11.

(6)- المصدر السابق.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص:

215

قال: فقلت عن كم تجزي فقال: عن سبعين» «1».

و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن قوم غلت عليهم الاضاحي و هم متمتعون و هم مترافقون، و ليسوا باهل بيت واحد و قد اجتمعوا في مسيرهم و مضربهم واحد ألهم ان يذبحوا بقرة قال: لا احب ذلك الا من ضرورة» «2».

و خبر اسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن ابيه عن علي عليهم السلام، قال: «البقرة الجذعة تجزي عن ثلاثة من اهل بيت واحد، و المسنة تجزي عن سبعة نفر متفرقين و الجزور يجزي عن عشرة متفرقين» 3.

أقول: اما مثل خبر معاوية بن عمّار و ابي بصير و صحيح معاوية بن عمار و خبر اسماعيل بن أبي زياد فبالاطلاق يشمل الواجب و مثل صحيح محمد بن مسلم و صحيح الحلبي صريح في عدم اجزاء الواحد عن اثنين و اكثر فيقيد اطلاق الطائفة الاولي بصريح الثانية فتختص بالمندوب مضافا الي ان الظاهر انه لم يقل احد من الاصحاب باجزاء الاشتراك في الهدي مطلقا و اما صحيح حمران بن اعين فهو ظاهر في الهدي المندوب لان في الواجب مخير بين البدنة و البقرة و الشاة فاذا لم يتمكن من بدنة واحدة يتعين واجبه فيما يتمكن منه و هو البقرة او الشاة بل يمكن ان يقال ذلك في خبر معاوية بن عمّار و ابي بصير بل و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج و بالجملة الظاهر ان بعد كون المكلف مخيرا في هديه الواجب بين البدنة و البقرة و الشاة يتعين الشاة اذا لم يتمكن من البدنة و البقرة و لا تصل النوبة الي الاشتراك في البدنة و البقرة نعم

يجوز ذلك في المندوب و علي هذا ما يدل علي جواز ذلك عند الضرورة أيضا يختص بالمندوب و لا بد من القول بان عدم الاشتراك في غير الضرورة افضل.

______________________________

(1)- المصدر السابق.

(2) 2 و 3- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب الذبح ح 10 و 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 216

و بعد ذلك كله فاليك كلمات بعض الاصحاب رضوان اللّه تعالي عليهم فقال المفيد: و تجزي البقرة عن خمسة اذا كانوا اهل بيت «1» و كانه عمل بخبر معاوية بن عمار و كانه فيه ارسال و سنده هكذا- موسي بن القاسم عن أبي الحسن النخعي عن معاوية بن عمار- لان النخعي كان من السابعة و معاوية من الخامسة.

و قال الشيخ في النهاية: و لا يجوز الهدي الواجب البقرة و البدنة مع التمكن و الاختيار الا عن واحد و قد يجوز ذلك عند الضرورة عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين و كلما اقل المشتركون فيه كان افضل و اذا كان الهدي تطوعا جاز ان يشتركوا فيه جماعة اذا كانوا اهل خوان واحد مع الاختيار و يجوز ان يشتركوا فيه عند الضرورة و ان لم يكونوا اهل خوان واحد. و قال في الجمل و العقود: و لا يجزي مع الاختيار واحد الّا عن واحد و عند الضرورة عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين «2».

و قال: في المبسوط: و لا يجوز في الهدي الواجب الا واحد عن واحد مع الاختيار سواء كانت بدنة او بقرة و يجوز عند الضرورة عن خمسة، عن سبعة و عن سبعين و كلما قلّوا كان افضل، و ان اشتركوا عند الضرورة اجزأت عنهم سواء كانوا متفقين في النسك او مختلفين

«3».

و وجه ما اختاره حمل روايات جواز الاشتراك علي الضرورة الا انها كما قلناه لا تتحقق الا بفقد الشاة.

و قال سلار في المراسم، و تجزي بقرة عن خمسة أنفار «4» و الظاهر ان مراده أيضا بصورة الضرورة و قال ابن البراج في المهذب: و لا يجزي الهدي الواحد عن اكثر من

______________________________

(1)- المقنعة/ 418.

(2)- النهاية/ 258.

(3)- المبسوط: 1/ 372.

(4)- المراسم/ 113.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 217

واحد الا في حال الضرورة فانه يجزي عن اكثر من ذلك «1».

و قال ابن زهرة في الغنية: و لا يجزي الهدي الواحد في الواجب الا عن واحد مع الاختيار و مع الضرورة تجزي البدنة او البقرة عن خمسة و عن سبعة و امّا التطوع … «2»

و قال ابن حمزة في الوسيلة: و لا يجزي واحد الا عن واحد حالة الاختيار و يجزي حالة الاضطرار عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين «3».

و قال الصهرشتي في الاصباح: و لا يجزي الهدي الواحد في الواجب الا عن واحد مع الاختيار و مع الضرورة البدنة و البقرة عن خمسة و عن سبعة «4».

ثم اعلم ان الصدوق ذكر في المقنع: و يجزي البقرة عن خمسة نفر اذا كانوا من اهل بيت و روي ان البقرة لا تجزي الا عن واحد فاذا عزّت الاضاحي أجزأت شاة عن سبعين «5» و هذا الكلام اما كله منه او من والده او صدره من والده و من قوله (روي) منه و في الهداية قال و تجزي البقرة عن خمسة نفرا اذا كانوا من اهل بيت و روي انها تجزي عن سبعة و الجزور عن عشرة متفرقين و الكبش تجزي عن الرجل و عن اهل بيته و اذا عزت

الاضاحي اجزأت شاة عن سبعين «6» ثم اعلم ان الشيخ و ان ذكر في ضحايا الخلاف (المسألة 27) عدم اجزاء الهدي الواجب الا واحدا عن واحد الا انه ذكر كتاب الحج قبل ذلك ما هذا لفظه: مسألة (341) يجوز اشتراك سبعة في بدنة

______________________________

(1)- المهذب: 1/ 257.

(2)- الغنية/ 191.

(3)- الوسيلة/ 181.

(4)- اصباح الشيعة/ 163.

(5)- المقنع/ 274.

(6)- الهداية/ 243.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 218

واحدة او بقرة واحدة او بقرتين اذا كانوا متفرقين و كانوا اهل خوان واحد سواء كانوا متمتعين او قارنين او مفردين او بعضهم مفردا و بعضهم قارنا او متمتعا أو بعضهم مفترضين، و بعضهم متطوعين و الي ان قال: و قال مالك لا يجوز الاشتراك الا في موضع واحد و هو اذا كانوا متطوعين و قد روي ذلك اصحابنا أيضا و هو الاحوط دليلنا علي الاول خبر جابر روي عطاء عن صابر قال: كنّا نتمتع علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و نشترك السبعة في البقرة او البدنة و ما رواه اصحابنا اكثر من ان تحصي و الثاني قد رواه اصحابنا و طريقة الاحتياط تقتضيه.

و قال: ابن ادريس في السرائر: و لا يجوز في الهدي الواجب الا واحد عن واحد مع الاختيار، و مع الضرورة و العدم فالصيام. و قال بعض اصحابنا: و يجوز عند الضرورة الواحد من الهدي عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين و الي هذا القول يذهب شيخنا ابو جعفر في نهايته و جمله و عقوده و مبسوطه و الي القول الاول يذهب في مسائل خلافه في الجزء الاول و في الجزء الثالث و هو الاظهر و الاصح الّذي يعضده ظاهر التنزيل و لا يلتفت الي

اخبار آحاد ان صحت كان لها وجه و هو في الهدي المتطوع به «1» الي آخر كلامه.

أقول: فالشيخ في الخلاف كانه رجح القول بعدم الاجزاء و كيف كان يمكن ان يقال: ان مختار هذه الاكابر من الاصحاب اجزاء الاشتراك عند الضرورة و القدر المتيقن منه ما اذا عزت الشاة أيضا كالبدنة و البقرة فيجزي الاشتراك في البدنة او البقرة اذا كانوا من اهل بيت واحد بل مطلقا و لعل هذا هو مقتضي التدقيق في الاخبار و لكن لا يترك الاحتياط بالجمع بين الاشتراك عند الضرورة حتي الشاة اذا لم يتمكنوا من البدنة و البقرة و بين الصيام. و اللّه هو العالم باحكامه.

______________________________

(1)- السرائر: 1/ 595.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 219

حكم ما اذا ضل الهدي

مسألة 63- اذا ضل الهدي فوجده غيره و ذبحه بنية كونه عن صاحبه فمقتضي الاصل عدم اجزائه عنه و به قال الشرائع و النافع بل في الجواهر حكي عن المسالك انه المشهور و لكنه قال انه لم يجده لغير المحقق في الكتابين و حكي عن كشف اللثام قصر الحكاية علي الثاني منهما اي علي الشرائع و قال انه في الشرائع في هدي القران صرح بما عليه المشهور اي الاجزاء فينحصر الخلاف حينئذ في النافع «1» و كيف كان الاصل المذكور مقطوع بصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره؟ فقال: ان كان نحره بمني فقد أجزأ عن صاحبه الّذي ضل عنه، و ان كان نحره في غير مني لم يجزأ عن صاحبه» «2» و يظهر من الجواهر اطباقهم علي الاجزاء ان نواه عن صاحبه فان لم ينوه عنه او نواه عن نفسه لم يجزأ عن

واحد منهما و عن العلامة في المنتهي و التحرير عدم الاجزاء اما عن الذابح فلانه منهي عنه و اما عن صاحبه فلعدم النية و عن الرياض انه حسن لو لا اطلاق النص بالاجزاء عن صاحبه «3» و يمكن ان يقال ان المنسبق من النص أيضا ذلك و هل لواجده ان ينحره او يذبحه قبل التعريف به أم لا؟ يمكن ان يقال: ان مقتضي صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام في حديث قال- و قال: «اذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر و الثاني و الثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث» «4» وجوب تعريفه قبل نحره وجوبا شرطيا فلا يجزي عن صاحبه لو نحره قبل التعريف اللهم الا ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 127.

(2)- وسائل الشيعة ب 28 من ابواب الذبح ح 2.

(3)- راجع جواهر الكلام: 19/ 128.

(4)- وسائل الشيعة ب 28 من ابواب الذبح ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 220

يقال: ان صحيح منصور بن حازم متكفل لبيان تكليف صاحب الهدي و بالإطلاق يدل علي اجزائه مطلقا و ان لم يعرفه الواجد و نحره قبل التعريف و صحيح محمد بن مسلم متكفل لبيان تكليف الواجد فوجوب التعريف عليه يكون تكليفا عليه لا دخل له في اجزائه عن صاحبه و لكن يشكل اذا كان الواجد عالما بهذا التكليف و نحره عاصيا فانه و ان ينوي به قربة صاحبه من اللّه تعالي و اتيان ما عليه الا ان في صلاحية مثل هذا الفعل لان يكون سببا لتقرب غير الفاعل تامل و اشكال نعم لا يجب علي صاحبه الفحص عن ذلك و يبني علي اصالة الصحة و هل يجب التعريف بعد نحره عشية يوم الثالث

ليعلم المالك فيترك الذبح ثانيا الظاهر عدم الوجوب سيما علي القول بالاجزاء بمجرد الضياع الا ان الروايات الدالة علي ذلك ضعيفة بالسند او المتن او كليهما فمنها ما رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم «1» عن ابن جبلة «2» عن علي «3» عن عبد صالح عليه السّلام قال: «اذا اشتريت اضحيتك و صارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله» «4» و هذا الخبر مضافا الي ضعف السند صدره ظاهر في الاضحية و ان كان ذيله مشعر بان المراد منها الهدي و لكن يمكن ان يكون قوله «فقد بلغ الهدي محله» اشارة الي كفاية اضحيته و ترتب الثواب عليها و اجزائها ان وجبت عليه بنذر او شبهه.

و منها صحيح معاوية بن عمار قال «سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشتري اضحيته فماتت او سرقت قبل ان يذبحها؟ قال: لا بأس و ان ابدلها فهو افضل، و ان لم

______________________________

(1)- من اصحاب الرضا عليه السّلام ثقة جليل القدر واضح الحديث من كبار السابعة.

(2)- عبد اللّه ثقة من بيت أبرار من السادسة.

(3)- ابن ابي حمزة من عمد الواقفة من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة ب 30 من ابواب الذبح ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 221

يشتر فليس عليه شي ء» «1» و الظاهر ان مورده الاضحية كما يظهر من عبارة السائل. و منها ما رواه الشيخ باسناده عن احمد بن محمد بن عيسي «2» في كتابه عن غير واحد من اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل اشتري شاة لمتعة فسرقت منه او هلكت؟ فقال: ان كان اوثقها في رحله فضاعت فقد اجزأت عنه» «3» و في الوسائل ذكر اشتري شاة و لم يذكر (لمتعة) «4» و

لكن الظاهر سقوطها من الوسائل او النسخة التي كانت عند صاحبه مضافا الي تقدم اصالة عدم الزيادة علي اصالة عدم النقيصة و علي فرض عدم هذه الزيادة فمقتضي ترك الاستفصال عن السائل الاطلاق.

هذا و قد ضعف بعض الاجلة هذا الخبر بالارسال للفصل الطويل بين احمد بن محمد بن عيسي و اصحاب الصادق عليه السّلام كانوا من الخامسة «5»، و لكن يمكن ان يقال:

بجواز رواية من في الطبقة السابعة عن الخامسة و كبار السادسة مضافا الي ان تعبير مثل محمد بن عيسي شيخ القميين و وجههم و فقيههم غير مدافع الّذي لقي الرضا و الجواد و الهادي عليهم السلام عن الواسطة بغير واحد من اصحابنا لا يقل عن ذكره رجلا واحدا و لو كان ثقة عن رجل واحد آخر لحصول الاعتبار بصدور الحديث بذلك اذا فما نقول فيه و في صحيح محمد بن مسلم و صحيح منصور بن حازم؟ يمكن ان يقال: اما صحيح محمد بن مسلم فقد ورد في تكليف واجد الهدي لا ارتباط له بتكليف صاحبه و اما صحيح منصور بن حازم فمورده صورة وجدانه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 30 من ابواب الذبح ح 1.

(2)- شيخ القميين، و له كتب من السابعة.

(3)- التهذيب: 5/ 217 ح 732/ 71.

(4)- وسائل الشيعة: ب 30 من ابواب الذبح ح 2.

(5)- المعتمد: 5/ 237.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 222

رجل آخر و نحره و رواية احمد بن محمد بن عيسي موردها سرق الهدي او هلاكه و مثلها صحيح معاوية بن عمار لو قلنا بشموله للهدي الواجب و يبقي خبر علي بن أبي حمزة و هو لضعف سنده و ما قلنا في دلالته لا يحتج به فالعمل علي مقتضي صحيح منصور

بن حازم و معتبرة احمد بن محمد بن عيسي فان ضل الهدي و وجده آخر و نحره بمني يجزي عن صاحبه و ان نحره بغير مني لا يجزي عن صاحبه و الواجد ضامن له و علي صاحب الهدي الاتيان ببدله للاصل كما لا يخلو الصحيح عن الاشعار به و ان هلك او سرق لا شي ء عليه و لا يجب بذله و اللّه هو العالم.

جواز اخراج شي ء مما ذبحه من مني

مسألة 64- قال في الشرائع: لا يجوز اخراج شي ء ممّا ذبحه من مني بل يخرج الي مصرفه بها و في الجواهر من الهدي الواجب و قال وفاقا للمشهور علي ما في الذخيرة بل في المدارك هذا مذهب الاصحاب لا اعلم فيه مخالفا «1».

أقول: مقتضي الاصل جواز اخراجه من مني و يمكن ان يقال: ان الهدي من شعائر اللّه التي تقتضي ايقاعها في ايام الحج و في أماكنها الخاصة و صرف لحوم البدن و الهدي في مكان معين من مني هو مقتضي شعاريتها فليس لكل واحد من الحاج اخراج لحوم الهدايا الي أي مكان شاء اللهم الا ان تعذر صرفها في مني فيخرج بها الي مكان غيرها و كيف كان قد استدل الشيخ في التهذيب في ذيل قول المفيد: (و لا يجوز ان يخرج لحم الاضاحي من مني) بصحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن اللحم أ يخرج به من الحرم؟ فقال: لا يخرج منه الا السنام بعد ثلاثة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 131.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 223

ايام» «1» و بصحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا تخرجنّ شيئا من لحم الهدي» «2».

و خبر عليّ بن أبي حمزة عن احدهما عليهما السّلام قال:

«لا يتزود الحاجّ من اضحيته و له ان يأكل بمني ايّامها» قال: و هذه مسألة شهاب كتب إليه فيها 3.

أقول: صحيح محمد بن مسلم يمنع عن اخراج اللحم من الحرم فهو اخصّ من المدعي فلا يدل علي اخراجه من مني و صحيح معاوية لا يخلو من الاجمال الا ان يقال: ان الاخراج يتحقق بالاخراج من مني مكان النحر و الذبح و لا يصدق الا عليه امّا الاخراج من الحرم او مكة مثلا فلا ينسبق الي الذهن و انّما ينهي عنه اذا كان الاخراج إليه من مني جائزا و بالجملة يمكن دعوي ظهوره النهي عن اخراجه من مني و اما خبر ابن أبي حمزة مع ضعف سنده به فهو يدل علي النهي من تزود الحاج من اضحيته لا الصدقة بها في خارج مني هذا و قد حكي الفتوي بما يوافق صحيح محمد بن مسلم عن جماعة مثل الصدوق في الفقيه و المقنع و العلامة في المنتهي و التذكرة و ابن سعيد في الجامع و في الجواهر قال و بذلك كله ظهر لك ان المتجه العمل بما في صحيح ابن مسلم «4» و يمكن ان يقال بقرينة استثناء السنام ان المراد من مثل صحيح محمد بن مسلم اخراج شي ء منه لنفسه و لغير الصدقة و بعبارة اخري المراد منه اخراج شي ء منه من الحرم لا للصدقة و علي ذلك القدر المتيقن حرمة اخراج شي ء منه لحما كان او غيره من الحرم لغير الصدقة للانتفاع به الا السنام و امّا غير السنام ففي صحيح معاوية بن عمّار «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الاهاب؟ فقال:

تصدق به او تجعله مصلي تنتفع به البيت و لا تعطي الجزارين و

قال: نهي رسول

______________________________

(1)- التهذيب: ج 5/ 226، ح 104 و 105 و 106.

(2) 2 و 3- المصدر السابق.

(4)- راجع جواهر الكلام: 19/ 131.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 224

اللّه صلّي اللّه عليه و آله ان يعطي جلالها و جلودها و قلائدها الجزارين و امر ان يتصدق بها» «1» و في صحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام «سألته عن جلود الاضاحي هل يصلح لمن ضحي بها ان يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح ان يجعلها جرابا الا ان يتصدق بثمنها» 2 و مثل هذه الاخبار أيضا كالمفيد لاطلاق مثل صحيح محمد بن مسلم و الاستثناء، منه كقوله عليه السّلام الا السنام- و اللّه هو العالم.

هذا و يمكن ان يستدل علي عدم جواز اخراج شي ء منه من مني بصحيح آخر عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن اخراج لحوم الاضاحي من مني؟ فقال: كنا نقول: لا يخرج منها بشي ء لحاجة الناس إليه فامّا اليوم فقد كثر الناس فلا بأس باخراجه» «3» و لكنه و ان يدل علي المنع عن اخراج اللحوم من مني و لكنه يدل علي ان المنع لم يكن تحريميا نفسيا بل الظاهر كراهة ذلك اذا كان هناك من يحتاج إليه و علي هذا يمكن كراهة اخراجه اذا كان فيها من يحتاج إليه بل يمكن ان يقال ذلك في الحرم و انه اذا كان فيه من يحتاج إليه لا يخرج منها بشي ء الا السنام و علي ذلك يكون الاستثناء منقطعا و الاقرب بالنظر ذلك اي كراهة الاخراج من مني ما دام فيه من يحتاج إليه و كراهة اخراجه من الحرم أيضا كذلك و الله هو العالم.

صفات الهدي و شرائطه

مسألة 65- لا

خلاف بين الاصحاب في جنسه و انه يكون من الانعام الثلاثة، الابل و البقر و الغنم فلا يجزي غيرها كالفرس و الغزال و غيرهما و يدل عليه الروايات مثل صحيح زرارة الّذي تكرر تقدم ذكره و فيه، «و ما الهدي؟ فقال: افضله بدنة و اوسطه بقرة و اخفضه شاة» و قال في الجواهر و هذا هو

______________________________

(1) 1- 2- وسائل الشيعة: ب 43 من ابواب الذبح ح 4 و 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 42 من ابواب الذبح ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 225

المعهود و الماثور من فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله و الائمة عليهم السلام، و الصحابة و التابعين بل هو كالضروري بين المسلمين انتهي «1».

و هذا مضافا الي حكاية اجماع المفسرين في قوله تعالي: لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَليٰ مٰا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعٰامِ «2» علي ان المراد منه الثلاثة المذكورة و اضافة البهيمة الي الانعام من اضافة العام الي الخاص قال الراغب في مفرداته: النعم مختص بالابل و جمعه انعام و تسميته بذلك لكون الابل عندهم اعظم نعمة، لكن الانعام يقال للابل و البقر و الغنم و لا يقال لها: انعام حتي يكون في جملتها الابل هذا و الظاهر انه لا خلاف في ان اقله واحد من الثلاثة فان زاد عليه ما شاء فعل مندوبا و تاسي بفعل النبي و الوصي سلام اللّه عليهما و آله الطاهرين، فقد ورد في الصحيح «ان النبي صلّي اللّه عليه و آله نحر ستا و ستين بدنة و امير المؤمنين عليه السّلام نحر تمام المائة» «3».

في سن الهدي

مسألة 66- من شرائط الهدي السن قال في الشرائع: فلا يجزي الابل الا الثني و في الجواهر و هو الّذي

له خمس و دخل في السادسة و كذا (من البقر و الغنم) و هو ما له ستة و دخل في الثانية و يجزي من الضأن الجذع بلا خلاف اجده فيه في الحكم: و التفسير للاول الّذي هو المعروف عند اهل اللغة أيضا بل علي الحكم في الثلاثة الاجماع صريحا في كلام بعض و ظاهرا في كلام آخر مضافا الي صحيح العيص عن أبي عبد اللّه عن امير المؤمنين عليهما السّلام انه كان يقول: «الثنية من الابل، و الثنية من البقر و الثنية من

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 136.

(2)- سورة الحج/ 35.

(3)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب الذبح ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 226

المعز و الجذعة من الضأن» «1» بناء علي ظهوره في ان ذلك اقل المجزي و الي قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سنان «يجزي من الضأن الجذع و لا يجزي من المعز الّا الثني» «2» و في حسن معاوية بن عمار «يجزي في المتعة الجذع من الضأن و لا يجزي جذع من المعز» 3 و في خبر أبي بصير «يصلح الجذع من الضأن و اما الماعز فلا يصلح» «4» و «سأله عليه السّلام حمّاد بن عثمان عن ادني ما يجزي من اسنان الغنم في الهدي؟

فقال: الجذع من الضأن قلت: فالمعز قال: لا يجوز الجذع من المعز قلت: و لم؟ قال: لان الجذع من الضأن يلقح، و الجذع من المعز لا يلقح» 5 الي غيرها من الروايات التي ذكرها.

أقول: في النهاية: الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة و من البقر كذلك و من الابل في السادسة و الذكر ثنيّ و علي مذهب احمد بن حنبل ما دخل من المعز في

الثانية و من البقرة في الثالثة و قال في جذع، و اصل الجذع من اسنان الدواب و هو ما كان شابا فتيا فهو من الابل ما دخل في السنة الخامسة و من البقر و المعز ما دخل في السنة الثانية و قيل البقرة في الثالثة، و من الضأن ما تمت له سنة و قيل اقل منها و منهم من يخالف بعض هذا في التقدير و منه حديث الضحية ضحينا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالجذع من الضأن و الثني من المعز.

و في مجمع البحرين: الثني الجمل الّذي يدخل في السنة السادسة و الناقة ثنيّة و الثني الّذي القي ثنيته و هو من ذوات الظلف و الحافر في السنة الثالثة و من ذوات الخف في السنة السادسة و هو بعد الجذع (الي ان قال) و قيل الثنيّ من الخيل ما دخل في الرابعة و من المعز ماله سنة و دخل في الثانية و قد جاء في الحديث، و الثنيّ من البقر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب الذبح ح 1.

(2) 2- 3- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب الذبح ح 2 و 6.

(4) 4- 5- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب الذبح ح 8 و 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 227

و المعز هو الّذي تم له سنة و في المجمع الثنية من الغنم ما دخل في الثالثة و كذا من البقر و الابل في السادسة و قال في (جذع) و في الحديث تكرر ذكر الجذع بفتحتين و هو من الابل ما دخل في السنة الخامسة و من البقر و المعز ما دخل في الثانية و في المغرب الجذع من المعز سنة و من

الضأن لثمانية اشهر و في حياة الحيوان الجذع من الضأن ماله سنة تامة هذا هو الصحيح عند اصحابنا و هو الاشهر عند اهل اللغة و غيرهم و قيل ماله ستة اشهر و قيل ماله سبعة و قيل ثمانية و قيل عشرة حكاه القاضي عياض و هو غريب و الانثي جذعة كغصبة سميّت بذلك لانها تجذع مقدم اسنانها أي تسقط.

هذا بعض اقوال اهل اللغة و ان شئت المزيد فراجع الجواهر و مصادر ما ذكر فيه من الاقوال.

و لكن يمكن ان يقال: ان في جميع الموارد بعد صدق العنوان (الابل و البقر و الغنم) مثلا علي الداخل في السنة الثانية ان شك في اعتبار اتمامه الثانية و دخوله في الثالثة يدخل الشك فيه في الشك في الاقل و الاكثر لان مقتضي اطلاق الادلة كفاية ما يصدق عليه الابل او البقر و الغنم و التكليف بالزائد علي ذلك مشكوك فيه و الاصل البراءة عنه و بعبارة اخري ما قامت الحجة عليه و ما يحتج به عليه في تركه ترك ذبح الغنم و امّا كونه موصوفا بوصف كذا فلم يقم عليه حجة و هو داخل فيما لا يعلمون يشمله البراءة العقلية و الشرعية.

هذا و الظاهر منهم الاتفاق علي اعتبار كون الابل تم له خمس سنين و دخل في السادسة و انما الكلام في المعز و الضأن و الظاهر منهم انه لا يجزي في المعز ما كان له اقل من سنة الا انه يقع الكلام في انه يجزي به اذا كان تم له سنة و دخل في الثانية او يجب فيه ان يكون داخلا في الثالثة فبعد صدق العنوان علي ما تم له سنة يجري البراءة عن اشتراطه بالدخول في

الثالثة نعم في الضأن الظاهر انه يكفي ان تمّ له سنة و قد يقال انه يجزي اذا لم يتم سنة و كان له سبعة اشهر و لكن يمكن ان يقال بعدم

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 228

صدق العنوان عليه قبل سنة فالاحتياط يقتضي عدم الاكتفاء بما لم يتم له السنة، و في البقر أيضا الاجزاء و عدم الاجزاء يدور مدار صدق العنوان سيما و قد ورد فيه في صحيح الحلبي (لا يضرك باي اسنانها ضحيت) و بعد ذلك كله حيث ما قيل في اسنان الجميع هو اقل ما يجزي لا يضر ان كان سنة اكثر منه ينبغي رعاية الاحتياط و الاتيان بالاكثر فياتي من الابل ما تم له الخامسة و دخل في السادسة و من البقر و المعز ما تم له الثانية و دخل في الثالثة و من الضأن ما دخل في الثانية. و اللّه هو العالم.

اشتراط صحة الهدي

مسألة 67- قال في التذكرة: و يجب ان يكون تامّا فلا تجزئ العوراء و لا العرجاء البين عرجها و لا المريضة البين مرضها، و لا الكسيرة (الكبيرة) التي لا تنقي، و قد وقع الاتفاق من العلماء علي اعتبار هذه الصفات الاربع في المنع روي العامة عن البراء بن عازب قال: «قام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال: اربع لا تجوز في الاضاحي العوراء البين عورها، و المريضة البين مرضها و العرجاء البين عرجها، و الكسيرة (الكبيرة) التي لا تنقي» اي التي لا مخّ لها لهزالها.

و امّا المريضة فقيل هي الجرباء لان الجرب يفسد اللحم و الوجه اعتبار كل مرض يؤثر في هزالها و فساد لحمها و معني البين عورها اي التي انخسفت عينها و ذهبت فان ذلك

ينقصها، لان شحمة العين عضو يستطاب اكله (اكلها) و البين عرجها لا تتمكن مع السير مع الغنم و لا تشاركها في العلف و الرعي فتهزل.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السّلام عن ابيه عن آبائه عليهم السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا يضحي بالعرجاء البين عرجها، و لا بالعوراء البين عورها، و لا

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 229

بالعجماء» «1» و لا بالجرباء (بالخرماء) «2»، و لا بالجذاء و هي المقطوعة الاذن و لا بالعضباء و هي المكسورة القرن» «3».

أقول روي الشيخ هذا الخبر عن بنان بن محمد «4» عن ابيه «5» عن أبي المغيرة «6» عن السكوني «7» عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم السلام، و هذه الرواية و الرواية السابقة ضعيفتان من حيث السند الا انهما منجبرتان بعمل الاصحاب كما في الجواهر و لعلّ لذلك اكتفي بهما العلامة هنا و لو ابيت عن ذلك يستدل علي ذلك بصحيح علي بن جعفر «فانه سال اخاه موسي بن جعفر عليه السّلام عن الرجل يشتري الاضحية عوراء فلا يعلم الا بعد شرائها هل تجزئ عنه؟ قال: نعم الا أن يكون هديا (واجبا) فانه لا يجوز ان يكون ناقصا» «8».

و قال العلامة، و لو كانت العوراء غير مخسوفة العين احتمل المنع لعموم الخبر، و كما وقع الاتفاق علي منع ما اتصف بواحدة من الاربع فكذا ينبغي علي ما فيه نقص اكثر كالعمياء، و لا يعتبر مع العمي انخساف العين اجماعا لانه يخل بالمشي مع الغنم

______________________________

(1)- في التهذيب بدل العجماء العجفاء و ليس فيه الجرباء نعم في الفقيه و لا بالجرباء و العجفاء الضعيفة المهزولة

(2)- الخرماء التي تقطع و ترة أنفها او

طرف انفها قطعا لا يبلغ الجذع.

(3)- التهذيب، ج 5، ب 6، ح 716/ 55 فيه بدل البين (بين) و الخرماء و في الفقيه الجرباء و في التهذيب و لا بالجذاء و لا بالعضباء ثم قال: العضباء مكسورة القرن و الجذاء مقطوعة الاذن.

التذكرة: 8/ 260.

(4)- ابن عيسي لقبه بنان و اسمه عبد اللّه اخو احمد.

(5)- مجهول.

(6)- ثقة ثقة ممن اجمعت الصحابة علي تصحيح ما يصح عنه. اسمه عبد اللّه.

(7)- اسماعيل بن أبي زياد له كتاب كان عاميا.

(8)- وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب الذبح ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 230

و المشاركة في العلف اكثر من اخلال العور «1».

مسألة 68- لا تجزي الجذاء و لا العضباء المقطوعة الاذن و المكسورة القرن قال في الجواهر بلا خلاف اجده في ذلك «2» و يدل عليه صحيح علي بن جعفر عليه السّلام المذكور و في خصوص العضباء صحيح جميل عن أبي عبد اللّه، عليه السّلام «انه قال في المقطوع القرن او المكسور القرن: اذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس و ان كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا» «3» قال في الجواهر و نحوه الصحيح الآخر «4» أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الاضحية يكسر قرنها؟ قال: ان كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي» «5» و لكن احتمال كونهما واحدا قوي جدّا.

و ظاهر الصحيح عدم الاجزاء اذا لم يكن الداخل صحيحا و لو كان ذهب ثلثه و بقي ثلثاه فالتفصيل الّذي حكاه ابن بابويه قال: سمعت شيخنا محمد بن الحسين الصفّار يقول: اذا ذهب من القرن الداخل ثلثه و بقي ثلثاه فلا بأس ان يضحي به محمول علي الندب «6».

و في نهج البلاغة عن امير المؤمنين عليه السّلام

«فاذا سلمت الاذن و العين سلمت الاضحية و تمت و لو كانت عضباء القرن تجر رجلها الي المنسك» «7» أيضا محمول علي الندب و ان كان في الفقيه ارسل عنه، عليه السّلام و ان كانت عضباء القرن او تجر رجلها الي

______________________________

(1)- التذكرة: 8/ 261.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 141.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب الذبح ح 3.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 142.

(5)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب الذبح ح 1.

(6)- راجع جواهر الكلام: 19/ 141.

(7)- نهج البلاغة: خ 53.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 231

المنسك فلا تجزئ «1» و احتمل في الاول عروض ذلك بعد السوق كما في صحيح معاوية سأل الصادق، عليه السّلام «عن رجل اهدي هديا: و هو سمين فاصابه مرض و انفقأت عينها فانكسر فبلغ المنحر و هي حيّ؟ قال: يذبحه و قد أجزأ عنه» «2» فهو أيضا مختص بالهدي المندوب للاخبار كصحيحه أيضا.

«سأله عن رجل اهدي هديا فانكسرت؟ فقال ان كانت مضمونة فعليه مكانها و المضمون ما كان نذرا او جزاء او يمينا و له ان يأكل منها و ان لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء «3»».

ثم ان الظاهر انه لا فرق بين بعض الاذن او جميعها لاطلاق الادلة، و عن المنتهي «العضباء و هي التي ذهب نصف اذنها او قرنها لا يجزئ (الي ان قال) و كذا لا يجزي عندنا قطع ثلث اذنها، و ظاهره كما في الجواهر المفروغية من ذلك عندنا «4».

و امّا مشقوقة الاذن و مثقوبتها علي وجه لا ينقص شي ء منها فلا بأس بهما لاطلاق الادلة، و يدل عليه مرسل احمد بن محمد بن أبي نصر «5» باسناد له عن احدهما عليه السّلام قال: «سئل عن الاضاحي اذا

كانت الاذن مشقوقة او مثقوبة بسمة؟

فقال: ما لم يكن منها مقطوعة فلا بأس» «6» و لكن في صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الضحية تكون الاذن مشقوقة؟ فقال: ان كان شقها و سما فلا بأس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب الذبح ح 8.

(2)- وسائل الشيعة: ب 26 من ابواب الذبح ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب الذبح ح 2.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 143.

(5)- البزنطي، ثقة جليل القدر … اجمع اصحابنا علي تصحيح ما يصح عنه من السادسة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الذبح ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 232

و ان كان شقا فلا يصلح» «1» و يمكن الجمع بينه و بين المرسل السابق بإرادة قطع شي ء منها، و بالجملة فما في بعض الاخبار المذكورة في الجواهر مما هو ظاهره النهي عن المثقوبة مضافا الي ضعف الاسناد محمول علي الكراهة «2» و اللّه هو العالم.

هذا و هل يجزي الجماء و هي التي لم يخلق لها قرن و الصمعاء و هي الفاقدة الاذن خلقة مقتضي الاصل الاجزاء و عن العلامة استقراب الاجزاء في البتراء و عن تحريره القطع باجزائه في الجماء و عن الخلاف و الجامع و الدروس كراهة الجماء «3» و في الجواهر 4 قيل و ذلك لاستحباب الاقرن لنحو صحيح محمد بن مسلم عن احدهما، عليهما السّلام «انه سئل عن الاضحية فقال: اقرن فحل سمين عظيم العين و الاذن» الحديث «5».

و قد يقال ان الاصل مقطوع بما يدل علي وجوب كون الهدي تاما و عدم كونه ناقصا فانه شامل للجماء و البتراء و الصمّاء و لو خلقة لان النقص يلاحظ بالنسبة الي النوع لا خصوص الشخص

و لو لم يوجب تلك النقص في القيمة و اللحم لا يمنع من صدق الناقص عليها و لذا نسب اجزاء البتراء في الدروس الي قول مشعرا بتمريضه بل ينبغي القطع بفساده في البتراء «6».

و علي ذلك كله فالاحوط الاولي عدم الاكتفاء بمثل الصمعاء و الجمّاء و البتراء بل لا ينبغي تركه سيما في البتراء و الصمعاء الصماء.

مسألة 69- «قال في الشرائع (لا) يجزي مسلول الخصية المسمي ب (الخصي من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الذبح ح 2.

(2)- راجع جواهر الكلام: 19/ 143.

(3) 3 و 4- راجع جواهر الكلام: 19/ 144.

(5)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب الذبح ح 2.

(6)- راجع جواهر الكلام: 19/ 145.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 233

الفحول) كما صرح به غير واحد بل هو المشهور بل عن ظاهر التذكرة و المنتهي الاجماع عليه لنقصانه» «1»: اقول و أليك عبارة العلامة في التذكرة: لا يجزئ الخصي عند علمائنا لما رواه العامة عن أبي بردة انه قال «يا رسول اللّه عندي جذعة من المعز؟ فقال: تجزئك و لا تجزي احدا بعدك» «2» قال أبو عبيد: قال ابراهيم الحربي: انّما يجزئ الجذع من الضأن في الاضاحي دون الجذع من المعز لان جذع الضأن يلقح بخلاف جذع المعز «3» و هذا المقتضي موجود في الخصي.

من طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم الصحيحة عن احدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن الاضحية بالخصيّ قال: لا» «4» و لانه ناقص فلا يكون مجزئا، و قال بعض العامة:

انه يجزئه.

قال الشيخ لو ضحّي بالخصي وجب عليه الاعادة اذا قدر عليه «5» لانه غير المأمور به فلا يخرج به عن العهدة.

و لان عبد الرحمن بن الحجاج سأل في الصحيح الكاظم عن الرجل

يشتري «الهدي فلما ذبحه فاذا خصي مجبوب و لم يكن يعلم ان الخصي لا يجوز في الهدي هل يجزئه أم يعيد؟ قال: لا يجزئه الا ان يكون لا قوة به عليه» «6» و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: قال: «قلت: فالخصي يضحي به قال: لا الا ان لا يكون غيره» «7» و ظاهر الاول تقييد صحيح ابن مسلم بما اذا اشتراه و ذبحه و لا قوة له به

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 145.

(2)- سنن أبي داود: 3/ 96 و 97.

(3)- المغني 3/ 595.

(4)- التهذيب: 5/ 210 ح 707/ 46.

(5)- التهذيب: 5/ 211.

(6)- التهذيب: 5/ 211 ح 708. التذكرة: 8/ 263.

(7)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب الذبح ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 234

عليه و الثاني علي ما في سنده من الضعف تقييده بما اذا لم يكن غيره فلا يتبدل الوظيفة الي الصوم بل عن الغنية و الاصباح و الجامع تقييد النهي عن الخصي و عن كل ناقص بالاختيار لعموم الآية «1» و فيه ان تقييد اطلاق ما دل علي عدم الاجزاء بالصورتين او الاختيار في كل ناقص ينافي اطلاق فتاوي غير الشيخ في النهاية و الشهيد في الدروس و بعض من تأخر عنه و عموم الآية مخصص بما دل علي عدم اجزاء الناقص من النص و الفتوي و بالجملة فخبر أبي بصير يمكن حمله علي المندوب او تركه بضعفه و صحيح عبد الرحمن كانه لم يعمل به الا من سمعت مضافا الي انه يمكن ان يقال بعدم صدق الهدي علي الناقص و ان كان التام منه متعذرا فيتبدل الوظيفة الي الصيام و لكن لا يجوز ترك الاحتياط

و اللّه هو العالم.

في الهدي اذا كانت مهزولة

مسألة 70- في الجواهر: و كذا (لا) يجزي (المهزولة) بلا خلاف اجده فيه للاصل و صحيح ابن مسلم عن احدهما عليهما السّلام: «سئل عن الاضحية فقال:

اقرن فحل سمين عظيم الانف و الاذن الي ان قال: ان اشتري اضحية و هو ينوي انّها سمينة فخرجت مهزولة لم يجز عنه» «2» الخ.

أقول لم نعلم مراده من الاصل فان كان المراد منه الاصل العملي فمقتضاه الاجزاء، و البراءة عن اشتراط عدم الهزال و ان كان مراده منه الاصل اللفظي من الاطلاق فهو أيضا يدل علي كفاية مطلق الهدي اللهم الا ان يقال: ان عنوان الهدي

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 147.

(2)- التهذيب، ج 5، ح 686/ 25، ب 16 و لفظ الحديث و ان اشتري اضحية و هو ينوي انها سمينة فخرجت مهزولة اجزأت عنه و ان نواها مهزولة فخرجت سمينة اجزأت عنه و ان نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز عنه. جواهر الكلام: 19/ 147.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 235

لا بد ان يكون صادقا علي الحيوان و لا يصدق علي المهزول و اذا شككنا في صدق العنوان عليه الاصل عدم تحققه و عدم كونه مجزيا و هذا كما اذا كان صدق الابل او البقر او الغنم علي الحيوان مشكوكا فيه و كيف كان فيدل علي عدم الاجزاء ما في صحيح عيص ابن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «و ان اشتريت مهزولا فوجدته سمينا اجزأك، و ان اشتريته مهزولا فوجدته مهزولا فلا يجزي» «1».

قال في الجواهر: (و) المراد بالمهزول (هي التي ليس علي كليتها شحم) كما في القواعد و النافع و محكي المبسوط و النهاية و المهذب و السرائر و الجامع لخبر الفضل

او الفضيل «2».

«قال: حججت باهلي سنة فعزّت الاضاحي فانطلقت فاشتريت شاتين بغلاء فلمّا القيت اهابيهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال فاتيته و اخبرته بذلك فقال: ان كان علي كليتيها شي ء من الشحم اجزأت» «3» و هو و ان كان غير نقي السند و مضمرا و من هنا اعرض عنه بعض متأخري المتاخرين و احال الامر الي العرف الا انه موافق للاعتبار كما في كشف اللثام و عمل به من عرفت فلا بأس بالعمل به «4».

أقول: اما قوله غير نقي السند فلعله لمكان ياسين الضرير لانه لم يذكر بالتوثيق او لمكان محمد بن عيسي عبيد الراوي عنه و هو و ان اختلف العلماء في شأنه الا انه

______________________________

(1)- الوسائل، ابواب الذبح، ب 16، ح 6.

(2)- في نسختنا من التهذيب و الكافي الفضيل و في الوسائل الفضل و حكي عن خط العلامة في المنتهي (فضل) و هو فضل بن عبد الملك البقباق ثقة عين و ان كان فضيل فهو ابن سيار ثقة و هما من اصحاب أبي عبد اللّه، عليه السّلام، هما من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الذبح ح 3.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 148.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 236

يكفي في الاعتماد عليه ما قال فضل بن شاذان في شأنه و رميه بالغلو لم يعلم وجهه و اضماره لا يضر باعتباره لانه مثل فضل او فضيل لا يسأل في مثل هذه المسألة عن غير الامام عليه السّلام.

و قال في الجواهر و كيف كان فقد ظهر لك من النصوص السابقة انه (لو اشتراها علي أنها مهزولة فبانت كذلك لم تجزه) بلا خلاف اجده فيه (و) لا اشكال نعم (لو خرجت سمينة اجزأته) في المشهور

للنصوص السابقة خلافا للمعاني فلم يجتز به للنهي عنه المنافي لنية التقرب به حال الذبح و هو كالاجتهاد في مقابل النص المعتبر المقتضي صحة التقرب به و ان كان مشكوك الحال او مظنون الهزال رجاء لاحتمال العدم انتهي «1». و اللّه هو العالم.

[لو اشتراها علي أنها سمينة فخرجت مهزولة]

مسألة 71- لو اشتراها علي أنها سمينة فخرجت مهزولة تجزي عنه لما في صحيح عيص بن القاسم الّذي مرّ ذكره و صحيح محمد بن مسلم الّذي مرّ بلفظه عن التهذيب و فيه: «و ان اشتري اضحية و هو ينوي انها سمينة فخرجت مهزولة اجزأت عنه» و في مرسل الصدوق عن امير المؤمنين عليه السّلام:

«اذا اشتري الرجل البدنة عجفاء فلا تجزئ عنه فان اشتراها سمينة فوجدها عجفاء اجزأت عنه و في هدي التمتع مثل ذلك» «2» نعم لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجز لاطلاق عدم الاجزاء في مثل صحيح علي بن جعفر و مفهوم الصحيحين المذكورين.

[لو اشتراها علي انها تامة فبانت ناقصة]

مسألة 72- و لو اشتراها علي انها تامة فبانت ناقصة قال في الشرائع لم تجز و في الجواهر كما عن الاكثر سواء كان بعد الذبح او قبله نقد الثمن او

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 149.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الذبح ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 237

لم ينقده لاطلاق عدم الاجتزاء بالناقص الّذي هو محسوس «1» و عن التهذيب ان كان نقد الثمن ثم ظهر النقصان أجزأ «2» و تبعه بعض الاجلة من المعاصرين فقال: فالظاهر جواز الاكتفاء به «3».

أقول: في الصحيح عن عمران الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من اشتري هديا و لم يعلم ان به عيبا حتي نقد ثمنه ثم علم فقد تمّ» و بهذا الاسناد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله: الّا انه قال: «ثم علم بعد نقد الثمن اجزأه» «4» و دلالته علي مختار الشيخ ظاهر سواء كان مراده من ظهور النقصان حدوثه بعد نقد الثمن او ظهور النقص الّذي كان فيه.

و في صحيح علي بن جعفر المتقدم ذكره «انه

سأل اخاه عليه السّلام عن الرجل يشتري الاضحية عوراء فلا يعلم الّا بعد شرائها هل تجزي عنه؟ قال: نعم الا ان يكون هديا فانه لا يجوز ان يكون ناقصا» «5» و هل يمكن تقييده بصحيح الحلبي بما اذا علم بعد شرائها و قبل نقد ثمنها؟ ظاهره الاباء عن هذا التقييد لان الشراء و الاشتراء انّما يتحقق و يخبر عنه بعد نقد الثمن فيقع التعارض بينهما. و مما ورد في الباب صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل يشتري هديا فكان به عيب عور او غيره فقال: ان كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه و ان لم يكن نقد ثمنه ردّه و اشتري غيره» «6». و هذا أيضا معارض كصحيح الحلبي لصحيح علي بن جعفر و في تقييده به

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 150.

(2)- التهذيب: ج 5/ 214.

(3)- المعتمد: ج 5/ 229.

(4)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب الذبح ح 3.

(5)- وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب الذبح ح 1.

(6)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب الذبح ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 238

ما قلنا في تقييده بصحيح الحلبي.

هذا مضافا الي ان لفظه علي ما في التهذيب و الاستبصار يوافق مدلول صحيح علي بن جعفر و مخالف لصحيح الحلبي ففيهما لفظ الحديث علي ما في الاستبصار هكذا … عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل اشتري هديا فكان به عيب عور او غيره؟ فقال:

ان كان نقد ثمنه ردّه و اشتري غيره» و في التهذيب أيضا مثله الّا انه قال (قد نقد) «1».

و لكن الشيخ جمع بينه و بين صحيح الحلبي فحمل في التهذيب صحيح معاوية بن عمار علي من اشتري هديا و

لم يعلم ان به عيبا ثم علم قبل ان ينقد الثمن عليه ثم نقد الثمن بعد ذلك فان عليه رد الهدي، و ان يسترد الثمن و يشتري بدله فلا تنافي بين الخبرين و في الاستبصار حمل صحيح معاوية علي الهدي الواجب قال و يحتمل ان يكون محمولا علي ضرب من الاستحباب دون الايجاب.

و بالجملة فالشيخ قد عمل بصحيح عمران الحلبي و لا يري تنافي بينه و بين صحيح معاوية بن عمار لحمله صحيح معاوية بن عمار علي لفظه الّذي رواه علي من اشتري هديا و لم يعلم ان به عيبا ثم علم قبل نقد الثمن و نقد الثمن بعد ذلك فان عليه ردّ الهدي و استرداد الثمن و بعد ذلك كله و كيف كان فاعلم ان هنا معارضة بين صحيح علي بن جعفر من جانب و صحيح عمران الحلبي و معاوية بن عمّار علي نسخة الكافي من جانب فالظاهر ان تقييد اطلاق صحيح علي بن جعفر بصحيحي الحلبي و ابن عمار بما اذا علم بعد شرائها و قبل نقد ثمنها خلاف الظاهر و علي البناء علي لفظ التهذيب و الاستبصار في صحيح ابن عمار فالتعارض يكون بين صحيح علي بن جعفر و معاوية بن عمار من جانب و بين صحيح الحلبي من جانب آخر و يمكن ان يقال بسقوط الطرفين بالتعارض و مقتضي الاصل الاجزاء و هو خلاف

______________________________

(1)- الاستبصار: ج 2، ب 183، ح 954 و التهذيب: ج 5/ 214 ح 721/ 60.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 239

و مقتضي صحيح علي بن جعفر و في صورة نقد الثمن مقتضي صحيح الحلبي و ابن عمار علي نسخة الكافي.

هذا و من ذلك كله يظهر ما وقع من

الاشتباه من بعض نساخ الجواهر او مصححيه فقد اثبتوا صحيح معاوية بن عمار موافقا لنسخة الكافي فصارت العبارة به غير مستقيمة بل متنافية مع ان المعلوم ان الجواهر اخرج الحديث علي نسخة التهذيب «1». فتأمل جيدا.

في بدل الهدي

مسألة 73- من فقد الهدي و وجد ثمنه يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة فان لم يجده ففي العام المقبل في ذي الحجة و هذا قول المشهور بل لا خلاف فيه الا من الحلي في السرائر و المحقق في الشرائع فان اختيارهما انتقال فرضه الي الصوم لصدق قوله تعالي: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ «2».

و لان دعوي ان تيسر الهدي و وجدانه اعم من تيسره بعينه عنده او بثمنه او في يوم النحر او الي آخر ذي الحجة او الي العام المقبل في ذي الحجة و الا لو لم يكن أعم لم يجب شرائه لو لم يكن عنده و ان وجب في الجملة لا فرق بين امكان شرائه الي آخر ايام ذي الحجة و في العام المقبل و بعبارة اخر تيسر الهدي مطلق يشمل تيسره في عام الحج او في العام المقبل واضح المنع لان ظاهر فما استيسر من الهدي تيسره يوم

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 150.

(2)- سورة بقرة/ 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 240

النحر كما ان دعوي وجدان النائب لوجدانه اوضح منعا منه.

و فيه ان منع شمول اطلاق تيسر الهدي تيسره الي آخر ذي الحجة خلاف الظاهر و العمدة ان الآية كانها ليست في مقام بيان زمان تيسر الهدي و لعله كان معلوما عند المخاطبين و لذا يجب التمسك

لرفع هذا الاجمال بالروايات مثل صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم؟ قال: يخلف الثمن عند بعض اهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه فان مضي ذو الحجة اخر ذلك الي قابل من ذي الحجة» «1» و يظهر منه انه ان لم يجده في القابل يؤخره الي قابل بعده و في الجواهر انه المؤيد بخبر النضر بن قرواش «2» المنجبر بما سمعته من الشهرة و بان الراوي عنه احمد بن محمد بن أبي نصر و هو من اصحاب الاجماع بناء علي انه لا يضر مع ذلك ضعف من بعده قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة الي الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يصبه (يجده) و هو مؤسر حسن الحال و هو يضعف عن الصيام فما ينبغي له ان يصنع؟ قال: يدفع ثمن النسك الي من يذبحه (عنه) بمكة ان كان يريد المضي الي اهله و ليذبح عنه في ذي الحجة فقلت: فإنه دفعه الي من يذبح (يذبحه) عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا و اصابه بعد ذلك؟ قال: لا يذبح عنه الّا في ذي الحجة و لو أخره الي قابل» «3».

قال في الجواهر بناء علي عدم بناء الجواب علي ما في السؤال عن الضعف عن الصيام و لو بضميمة ما عرفت اقول: لا يدل الخبر علي اختصاص الحكم بما في السؤال بل يدل علي اثباته في مورد السؤال و يكفي في عدم اختصاصه به صحيح حريز اذا فلا بأس بالاستدلال به فضلا عن جعله مؤيدا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 44، ح 1.

(2)-

من الخامسة لم نجد فيه مدحا و لا طعنا.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 44، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 241

فبناء علي ذلك يتجه كما في الجواهر مذهب المشهور ضرورة كون ما سمعته حينئذ كالاجتهاد في مقابلة النص و كان ما وقع من الحلي بناء علي اصله من عدم العمل باخبار الآحاد لكن فيه منع واضح هنا باعتبار الاعتضاد بعمل رؤساء الاصحاب الذين هم الاساس في حفظ الشريعة كالشيخين و الصدوقين و المرتضي و غيرهم و كفي بذلك قرينة علي صحة مضمونه هذا.

و اما الاستدلال لقول الحلي و المحقق بخبر أبي بصير الّذي رواه الشيخ عن الحسن بن علي بن فضال «1» عن عبيس «2» عن كرام «3» عن أبي بصير «4» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد ما يهدي و لم يصم الثلاثة ايّام حتي اذا كان بعد النفر وجد ثمن شاة أ يذبح او يصوم؟ قال: لا بل يصوم فان ايام الذبح قد مضت» «5» فقد طعن فيه في الجواهر بقصوره من وجوه مع انه فيمن قدر علي الذبح بمني و هو غير ما نحن فيه بل المصنف (يعني المحقق) و ابن ادريس لا يوجبان عليه الصوم و من هنا حمله الشيخ علي من صام ثلاثة قبل الوجدان كما في خبر حماد.

اقول اما وجوه القصور فيه فيمكن ان يكون المراد منه ضعف سنده بكرام و انه غير معمول به. هذا مضافا الي انه قد رواه الشيخ عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم «6» عن أبي بصير عن احدهما عليهما السّلام بهذا اللفظ: قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي

حتي اذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة (الشاة) أ يذبح او يصوم؟ قال:

______________________________

(1)- جليل القدر من السادسة.

(2)- هو عباس بن هشام ثقة جليل … كسر اسمه فقيل عبيس من السادسة.

(3)- لقب عبد الكريم عمرو الخثعمي مختلف فيه جدا من الخامسة.

(4)- من الرابعة.

(5)- التهذيب، ج 5، ب 26، ح 1720/ 366.

(6)- من الرابعة لم يوصف بمدح و لا قدح.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 242

بل يصوم فان ايام الذبح قد مضت» «1».

و رواه أيضا في الكافي و ليس فيه (و لم يصم الثلاثة الأيام) «2».

و حمله في الاستبصار علي من لم يجد الهدي و لا ثمنه و صام ثلاثة ايام ثم وجد ثمن الهدي فعليه ان يصوم ما بقي عليه تمام العشرة ايام و ليس يجب عليه الهدي (قال) و يدل علي ذلك ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن عبد اللّه بن يحيي عن حماد بن عثمان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع صام ثلاثة ايام في الحج ثم اصاب هديا يوم خرج من مني؟

قال: اجزأه صيامه» «3» اقول لا يخفي عليك انّه و ان ليس في احدي النسختين من التهذيب و لا في الكافي قوله (و لم يصم الثلاثة الأيام) الا ان ظاهر لفظهما أيضا يدل علي انه لم يصم تلك الثلاثة فان قوله: يذبح او يصوم يدل علي احداث الصيام لا الاستمرار عليه و لذا لا بد من رفع اليد عنه لترك الاصحاب العمل به و لأن اطلاق الآية يدل علي تيسر الهدي اذا اصاب هديا يوم خرج من مني في الواقع سواء صام الثلاثة او لم يصمها و

القدر المتيقن من تقييد اطلاقها بحسب مجموع هذه الروايات ما اذا صام الثلاثة فيبقي «فاذا لم يصم» تحت اطلاق قوله تعالي فما استيسر من الهدي و امّا تقييد اطلاق خبر أبي بصير علي احدي نسختي التهذيب و نسخة الكافي بمثل رواية حماد كما اختاره بعض الاعلام فلا يطابق بظاهره قواعد الاطلاق و التقييد لان المطلق و المقيد اذا كانا مثبتين لا يقيد المطلق بالقيد و فيما نحن فيه اذا كان خبر أبي بصير بإطلاقه دالا علي انه يصوم سواء صام ثلاثة ايام او لم يصم لا يدل صحيح حماد المتضمّن للجواب عن متمتع صام ثلاثة ايام علي كون الحكم مقيدا به و تقييد

______________________________

(1)- التهذيب، ج 5، ب 4، ح 111/ 40، الاستبصار ح 2، ب 176، ح 918/ 3.

(2)- الكافي، ج 4، ص 509، ح 9.

(3)- الاستبصار، ج 2، ب 176، ح 919/ 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 243

اطلاق خبر أبي بصير به هذا و قد ذكر في الجواهر عن أبي علي في المسألة القول بالتخيير بين الصوم و التصدق بالثمن بدلا عن الهدي و وضعه عند من يشتريه فيذبحه الي آخر ذي الحجة جمعا بين خبر أبي بصير و مثل صحيح حريز و خبر عبد اللّه بن عمر «1» قال: «كنا بمكة فاصابنا غلاء في الاضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين (ثم بلغت سبعة ثم لم توجد بقليل و لا كثير) فوقع (فرقع) هشام المكاري رقعة الي أبي الحسن موسي عليه السّلام فاخبره بما اشترينا ثم لم نجد بقليل و لا كثير؟ فوقع انظروا الي الثمن الاول و الثاني و الثالث ثم تصدقوا بمثل ثلثه» «2» و لا يخفي ما في هذا الجمع الّذي ليس

له شاهد مع عدم المكافأة و المخالفة لكتاب اللّه و قيل كما في الجواهر انه ظاهر في المندوب و الحق ان يقال انه لا يحتج بالروايات الضعاف سيما اذا كان مقابلها الصحاح و الروايات التي عمل بها الاصحاب.

مسألة 74- و ان صرح بعض الاصحاب اعتبار كون المخلف عنده الثمن ثقة و لكن الاخبار خالية عن ذلك و الظاهر انه يكفي الاطمئنان به. و اللّه هو العالم.

مسألة 75- الكتاب العزيز نص في ان المتمتع اذا فقد الهدي و ثمنه يتبدل وظيفته بصيام ثلاثة ايام في الحج و سبعة اذا رجع و لا خلاف بينهم في ان الثلاثة يجب ان تكون في شهر ذي الحجة شهر الحج و في سفر الحج قبل الرجوع الي اهله و يجب ان تكون الثلاثة متواليات يدل علي وجوب التوالي مضافا الي استظهاره من الآية الشريفة النصوص كالصحيح المروي عن قرب الاسناد عن أبي الحسن عليه السّلام: «اذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث فقد فاته ثلاثة ايام في الحج فليصم بمكة ثلاثة ايام متتابعات فان لم

______________________________

(1)- ابن عمر او عمرو مجهول لعله من الرابعة او الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 58، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 244

يقدر و لم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق او اذا قدم علي (الي) اهله صام عشرة ايام متتابعات» «1».

و في ما رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم عن محمد بن عمر بن يزيد عن محمد بن عذافر عن اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تصوم الثلاثة أيام متفرقة» «2».

و الظاهر ان تعبير الجواهر عنه بالخبر لمكان محمد بن عمر بن يزيد بعدم ذكر توثيق

له في كتب الرجال الّا انه يكفي في الاعتماد عليه رواية موسي بن القاسم الموصوف بكونه ثقة ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة …

و في صحيح رفاعة بن موسي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي؟ قال: يصوم قبل التروية (بيوم) و يوم التروية و يوم عرفة قلت فانه قدم يوم التروية؟ قال: يصوم ثلاثة ايام بعد التشريق قلت لم يقم عليه جماله؟ قال:

يصوم يوم الحصبة و بعده يومين قال: قلت: و ما الحصبة؟ قال يوم نفر قلت: يصوم و هو مسافر؟ قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا انا اهل بيت نقول ذلك لقول اللّه عز و جلّ».

«فصيام ثلاثة ايام في الحج» يقول: في ذي الحجة «3».

و اعلم ان التعبير عن الخبر بالصحيح جاء في كلام بعضهم كالعلامة. و قال: في المنتقي الطريق غير متصل لانه رواه عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد و سهل بن زياد جميعا عن رفاعة بن موسي و احمد بن محمد انما يروي عن رفاعة بواسطة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 53، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 245

أو ثنتين و كذلك سهل الا انه لا التفات الي روايته، و الشيخ اورده في التهذيب أيضا بهذا الطريق في غير الموضع الّذي ذكر فيه ذلك و حكاه العلامة في المنتهي بهذا المتن و جعله من الصحيح و العجب من شمول الغفلة عن حال الاسناد للكل و قد تفطن بذلك أيضا العلامة المجلسي الا انه قال: الغالب ان الواسطة امّا فضالة او ابن أبي عمير او ابن

فضال او ابن أبي نصر و الاخير هنا اظهر.

أقول: بين احتمال كون الواسطة احد هذه الاربعة كونها ابن أبي نصر اظهر و لكن لا يعتمد علي ذلك لاحتمال كونها غير هؤلاء فالرواية تكون مرسلة.

ورد البعض نسبة الغفلة الي مثل العلامة بانه اجل من عدم التفطن بذلك بل الوجه في تصحيحهم هذه الرواية ان لرفاعة كتاب و اصل فيحتمل ان يكون هذا الحديث مرويا عن كتاب كما ان الكليني روي عن أبي بصير كثيرا مع انه لم يلاقه و الشيخ و الصدوق رويا عن الكليني مع انهما لم يلاقياه و امثال هذا كثير فهم يروون عن الاصول التي لهم قال و هذا الاحتمال احسن من اسناد الغفلة إليهم و لعل الواقع كذلك. اقول: بهذا الاحتمال لا يثبت اتصال السند نعم يدفع به الجزم بالقول بالارسال و لا يخفي ان هذا الاحتمال يأتي في اشباه هذا السند و اللّه هو العالم.

هذا ثم انه يمكن ان يقال بان جواز الصوم بيوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة كيف يمكن مع ان المكلف لم يؤمر بالذبح بعد و انما يتعلق به الخطاب يوم النحر فكيف يخاطب بالبدل قبل تحقق الخطاب بالمبدل و يؤيد ذلك الاشكال ظهور الآية في الامر بالصيام عند عدم وجدان الهدي المامور به و يدل عليه خبر احمد بن عبد اللّه الكرخي قال: قلت للرضا عليه السّلام: «المتمتع يقدم و ليس معه هدي أ يصوم ما لم يجب عليه؟ قال: يصبر الي يوم النحر فان لم يصب فهو ممّن لم يجد» «1».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 54، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 246

و عن علي بن ابراهيم في تفسيره ان من لم

يجد الهدي صام ثلاثة ايام بمكة يعني بعد النفر و لم يذكر صومها في غير ذلك.

أقول: اما الاشكال بان المتوقف علي الشي و المتأخر كيف يتقدم عليه و بعبارة اخري وجوب الصوم علي فاقد الهدي و ثمنه يتوقف علي تعلق الخطاب به في يوم النحر و العجز عنه فكيف يتقدم علي يوم النحر و قبل تعلق الخطاب بالهدي و فيه ان مثل هذا الاشكال مما يجي ء في العقليات و المسائل العقلية لا يجري في الشرعيات فانه يستكشف منه ان ما هو المعتبر شرعا في صحة الصوم كونه واقعا فاقد الهدي و ثمنه يوم النحر فاذا كان عالما به قبله يجوز له الاتيان ببدله هذا مضافا الي ان الخطاب بالذبح يتحقق بتحقق الاحرام بالحج بقوله تعالي وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ.

و اما الآية فيدل علي وجوب الصوم علي من كان في الواقع فاقدا للهدي فعليه صيام ثلاثة ايام فمن كان عالما بانه كذلك واقعا يصوم الثلاثة في الحج في اي زمان يجوز فيه الصوم من ذي الحجة. و اما الخبر فهو ضعيف بالارسال فليحمل علي غير العالم بعدم الاصابة و بالجملة لا يعارض ذلك النصوص و الفتاوي و الاجماع بقسميه بل يجوز تقديمها من اوّل ذي الحجة اذا كان آتيا بعمرة التمتع بل كان متلبسا بها و يدل عليه خبر او موثقة زرارة عن احدهما عليه السّلام انه قال: «من لم يجد هديا و احبّ ان يقدم الثلاثة الأيام في اوّل العشر فلا بأس» «1».

و لكن الاحوط عدم التقديم.

[الظاهر انه لا يجوز لفاقد الهدي و ثمنه تأخير صوم الثلاثة عن اليوم السابع]

مسألة 76- الظاهر انه لا يجوز لفاقد الهدي و ثمنه تأخير صوم الثلاثة عن اليوم السابع فيبتدي به و باليومين الذين هما بعده (يوم التروية و

يوم عرفة)

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 247

علي القول بجواز الاتيان بها من اليوم الاول من ذي الحجة و اما علي القول بعدم الجواز فيتعين عليه الاتيان به في الايام الثلاثة التي هي قبل يوم العيد نعم ان اتفق فوت صوم يوم الّذي قبل التروية عنه يأتي بصوم يوم التروية و يوم عرفة و الصوم الثالث بعد النفر علي المشهور بل حكي عن الحلّي و غيره الاجماع عليه فلا يضر الفصل بيوم العيد و ايام التشريق بالتوالي المعتبر فيها و يدل علي ذلك خبر عبد الرحمن ابن الحجاج عن الصادق عليه السّلام فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة؟ قال يجزيه ان يصوم يوما آخر «1». و خبر يحيي الازرق او موثقه الّذي رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم عن النخعي عن صفوان عن يحيي الازرق عن ابي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة؟ قال: يصوم يوما آخر بعد ايام التشريق» و رواه الصدوق باسناده عن يحيي الازرق انه سأل أبا ابراهيم و ذكر مثله الّا انه قال بعد ايام التشريق بيوم «2» و في الجواهر: ظاهرها حتي الاخير تناول حال الاختيار كما اعترف به بعضهم فان القدوم يوم التروية لا ينافي صوم يوم قبله قبل القدوم بل عن ابن حمزة التصريح بذلك بل في كشف اللثام نسبته الي ظاهر الباقين الا القاضي و الحلبيين فاشترطوا الضرورة و لا ريب في انه احوط و ان كان الاقوي الاول «3».

اقول: منع الاطلاق بعض المعاصرين بان ظاهر الرواية انه كان عالما بان وظيفته صوم

الايام الثلاثة و لكن لم يتمكن من صوم يوم السابع و صام الثامن و التاسع «4».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 2.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 170

(4)- المعتمد: 5/ 250

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 248

و هو كذلك الّا ان خبر عبد الرحمن بن الحجاج لا بأس بإطلاقه و لا بأس بالاستدلال به علي القول بجبر ضعفه بالعمل الا ان يقال ان ما ثبت من عمل المشهور به حال الضرورة الّا ان يقال بإطلاق فتاواهم و امّا الاحتياط المذكور في كلام الجواهر فلم نعلم ان مراده منه هل الاتيان بصوم يومين قبل العيد و صوم يوم آخر اذا لا يتحقق به الاحتياط الا بضم يومين آخرين علي اليوم الثالث او ان المراد منه الاتيان بالثلاثة بعد ايام التشريق في مكة لانه مجز علي كل حال و هذا و ان كان يكفي من حيث الاجزاء و الحكم الوضعي الا ان رعاية الحكم التكليفي تقتضي الجمع.

هذا و امّا ما يظهر من بعض النصوص من عدم اغتفار الفصل بالعيد فهو قاصر عن معارضة ما يدل علي الاغتفار سيما عند الضرورة و ذلك مثل صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سالته عن متمتع لم يجد هديا؟ قال: يصوم ثلاثة ايام في الحج يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة قال: قلت: فان فاته ذلك قال:

يتسحّر (فليقم) ليلة الحصبة، و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده قلت: فان لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: ان شاء صام في الطريق و ان شاء اذا رجع الي اهله» «1».

و صحيح حماد بن عيسي قال:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال علي عليه السّلام: صيام ثلاثة ايام في الحج قبل يوم التروية و يوم التروية و يوم عرفة فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة- يعني ليلة النفر- و يصبح صائما و يومين بعده و سبعة اذا رجع» «2».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 249

و خبر علي بن الفضل الواسطي عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سمعته يقول: اذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة ايام في الحج فليصم بمكة ثلاثة ايام متتابعات فان لم يقدر و لم يقم عليه الجمّال فليصمها في الطريق او اذا قدم علي اهله صام عشرة ايام متتابعات» «1».

و لا يخفي عليك انه يجوز حمل الجميع علي ما اذا فات منه تمام الثلاثة او تقييدها بما يدل علي الاكتفاء باليوم الثامن و التاسع و يوم آخر.

و هل يجب المبادرة بصوم اليوم الثالث بعد ايام التشريق او يجزيه ان يأتي به في ذي الحجة يمكن ان يقال بمناسبة الحكم و الموضوع و ان الاصل في الثلاثة التتابع و ان رفع اليد عنه في المورد للضرورة وجوب المبادرة رعاية للتتابع مهما امكن و في الجواهر و بعد ان حكي عن كشف اللثام وجوب المبادرة و ان اطلقت الاخبار و الفتاوي التي عثرت عليها الا فتوي ابن سعيد فانه قال: صام يوم الحصبة و هو رابع النحر ثم قال حاكيا عن كشف اللثام و يحتمل ان يكون من كلام نفسه قلت: مع انه من ايام التشريق التي ستسمع الكلام فيها بل و الكلام في ابتداء الثلاثة

منه: و لا ريب ان الاحوط المبادرة بعد ايام التشريق و ان كان الوجوب لا يخلو من نظر بعد اطلاق النص و الفتوي بل قد سمعت ما في النص من كون المراد من قوله في الحج شهر ذي الحجة مضافا الي ما تسمعه مما يدل علي جواز صومها طول ذي الحجة من النص و الاجماع و غيرهما «2».

أقول: مراده من النصّ ما رواه في الفقيه باسناده عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «من لم يجد ثمن الهدي فاحبّ ان يصوم الثلاثة الأيام في العشر الاواخر فلا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52 ح 4.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 171.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 250

بأس بذلك». «1»

[لا يغتفر الفصل بالعيد و بايام التشريق]

مسألة 77- لا يغتفر الفصل بالعيد و بايام التشريق لو فاته صوم يوم التروية فلا يجزيه صوم يوم عرفة و صوم يومين آخرين بعد ايام التشريق و الدليل عليه اطلاق الدليل الدال علي وجوب التتابع خرج منه بالنص ما اذا فاته يوم السابع و صام يومين بعده.

و الظاهر ان هذا هو المشهور بل في الجواهر لا اجد فيه خلافا نعم عن الاقتصاد ان من افطر الثاني بعد صوم الاول لمرض او حيض او عذر بني و كذا الوسيلة الّا اذا كان العذر سفرا و يمكن ان يكون مستندهما عموم التعليل في خبر سليمان بن خالد سأل الصادق عليه السّلام: «عمن كان عليه شهر ان متتابعان فصام خمسة و عشرين يوما ثم مرض فاذا برئ أ يبني علي صوم أم يعيد صومه كلّه؟ فقال عليه السّلام: بل يبني علي ما كان صام ثم قال: هذا ممّا غلب اللّه عليه، و ليس علي ما غلب اللّه عليه شي ء».

و انّما يستثني السفر لانه ليس مما غلب اللّه عليه. و ردّ الاستدلال به في الجواهر بانه غير ما نحن فيه ضرورة العلم بالعيد فيمكن الفرق بين المقامين خصوصا بعد النصوص الدالة هنا علي وجوب صومها بعد ذلك اذا فاتت الثلاثة. «2»

أقول: العلم بالعيد اذا لم يمكن عالما بما يغلب اللّه عليه لا يوجب فرقا بين المقامين يشملهما عموم التعليل علي السواء و الخبر كالاستثناء من النصوص فمفاد النصوص ان من فاتته الثلاثة متتابعة يصوم بعد ذلك فكما استثني منها ما اذا فاته اليوم السابع يستثني منها اذا فاته اليوم الثالث بعذر غلب اللّه تعالي عليه نعم الاحوط ان يأتي بالثلاثة بقصد كون الاول و الثاني ما في ذمته من كونهما ثانيا و ثالثا و تكميلا للقصد

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 303/ 1508

(2)- جواهر الكلام: 19/ 172

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 251

الاول او أولا و ثانيا للثلاثة التي تكون عليها علي فرض الغاء الاول. و اللّه هو العالم.

[لا يجوز علي المشهور الاتيان بصوم الثلاثة او اكمالها في ايام التشريق]

مسألة 78- لا يجوز علي المشهور الاتيان بصوم الثلاثة او اكمالها في ايام التشريق يدل عليه صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا؟ قال: فليصم ثلاثة ايام ليس فيها ايام التشريق، و لكن يقيم بمكة حتي يصومها و سبعة اذا رجع الي اهله» و ذكر حديث بديل بن ورقاء «1».

أقول: قال في الفقيه: و روي عن الائمة عليهم السلام،: ان المتمتع اذا وجد الهدي و لم يجد الثمن صام- الي ان قال- و لا يجوز له ان يصوم ايّام التشريق فان النبي صلّي اللّه عليه و آله بعث بديل بن ورقاء الخزاعي علي جمل

اورق و امره ان يتخلل الفساطيط و ينادي في الناس ايّام مني: «الا لا تصوموا فانها ايام اكل و شرب و بعال» «2».

و صحيح سليمان بن خالد و سنده في التهذيب في شرح (و لا يجوز ان تصام ايام التشريق مع الاختيار) هكذا و عنه (يعني عن الحسين بن سعيد) عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد و علي بن النعمان عن ابن مسكان «3» و ظاهره انتهاء السند الي ابن مسكان و رواية سليمان بن خالد و علي بن النعمان عنه و في شرح قول المفيد قدس سره، (و من فاته صوم هذه الثلاثة بمكة لعائق … )

روي بهذا السند سعد بن عبد اللّه عن الحسين عن النضر بن سويد عن هشام ابن سالم عن سليمان بن خالد و علي بن النعمان عن عبد اللّه بن مسكان عن سليمان بن خالد 4 فعلي هذا الحديث مروي عن سليمان بن خالد بطريقين احدهما عن النضر عن هشام عنه و ثانيهما عن علي عن ابن مسكان عنه و في الجواهر قال: و رواه في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 51، ح 1 و 8.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 508.

(3) 3- 4 التهذيب: ب 16، ح 775/ 114 و 789/ 128 كتاب الحج.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 252

كشف اللثام عن ابن مسكان و التدبر فيما رواه في التهذيب هنا و في شرح من فاته صوم الثلاثة الأيام بمكة … يقتضي ما ذكرنا من كون الخبر عن سليمان انتهي «1».

و لكن يمكن ان يقال ان كل واحد من السندين في حدّ نفسه لا خدشة فيه اما السند الاول فلان ابن مسكان و

سليمان بن خالد كليهما من الطبقة الخامسة يرويان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و ثانيهما الي ابن مسكان عنه عليه السّلام و اما علي الثاني الراوي عن الامام عليه السّلام سليمان بن خالد لا هو ابن مسكان غير ان ابن مسكان الّذي هو في طبقة سليمان يروي عمن هو في طبقته اي سليمان و رواية ارباب طبقة واحدة بعضهم عن بعض و ان كان يوجد في الروايات الا انه اذا اختلف الاسناد و روي هذا البعض عمن يروي كلاهما عنه يمكن ترجيح روايته عمن يرويان عنه علي روايته عن الآخر عنه و التشبث بتقديم اصالة عدم الزيادة علي اصالة عدم النقيصة لا يكون مرجحا لما افاده في الجواهر لعدم كون ذلك مطلقا، مقدما علي غيره من القرائن و كيف كان في لفظ الرواية علي النسخة الثانية اختصار و علي النسخة الاولي اي ما رواه أولا في التهذيب هكذا قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا؟

قال: يصوم ثلاثة ايام قلت له: أ منها ايام التشريق؟ قال: لا و لكن يقيم بمكة حتي يصومها و سبعة اذا رجع الي اهله فان لم يقم عليه اصحابه و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة ايام اذا رجع الي اهله» ثم ذكر حديث بديل بن ورقاء «2».

و خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال: «كنت قائما اصلي و ابو الحسن عليه السّلام قاعد قدّامي و انا لا اعلم فجائه عباد البصري فسلّم ثم جلس فقال له: يا أبا الحسن ما تقول في رجل تمتع و لم يكن له هدي؟ قال: يصوم الايام التي قال اللّه تعالي قال:

فجعلت سمعي (اصغي) إليهما فقال له عبّاد:

و ايّ ايام هي؟ قال: قبل التروية بيوم

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 172

(2)- التهذيب، ب 116، ح 775/ 114، كتاب الحج.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 253

و يوم التروية و يوم عرفة قال: فان فاته ذلك؟ قال: يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك قال: فلا (أ فلا) تقول كما قال عبد اللّه بن الحسن قال: فايش قال؟ قال (قال) يصوم ايام التشريق قال: ان جعفرا كان يقول: ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله امر بديلا ينادي:

ان هذا ايام اكل و شرب فلا يصومنّ احد قال: يا أبا الحسن ان اللّه قال: «فصيام ثلاثة ايام في الحج و سبعة اذا رجعتم» قال: كان جعفر يقول: ذو الحجة كله من اشهر الحج» «1».

و هذه الاخبار صريحة في عدم جواز صوم الثلاثة في ايام التشريق فما في خبر اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (عن ابيه عليه السّلام) «ان عليّا عليه السّلام كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي الحج فليصمها ايام التشريق فان ذلك جائز له» «2» و خبر ابن ميمون القداح عن جعفر عن ابيه «ان عليا عليه السّلام كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الايام في الحج و هي قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة فليصم ايام التشريق فقد اذن له» «3» فمآلهما الي خبر واحد و هو شاذ مخالف لسائر الاخبار قال الشيخ: ان هذين الخبرين شاذان مخالفان لسائر الاخبار فلا يجوز المصير إليهما.

مضافا الي انه موافق للعامة و احتمل في الوسائل ان يكون المراد منه صوم اليوم الثالث لمن نفر فيه او قبله لخروجه من مني و بعبارة اخري، الخبر نص في اجزاء صوم اليوم

الثالث و ظاهر في اجزاء اليوم الاول و الثاني من ايام التشريق و الروايات المذكورة نصّ في عدم اجزاء صوم اليوم الاول و الثاني و ظاهر في عدم اجزاء اليوم الثالث فيحمل ظاهر كل منهما علي ما هو الاخر اظهر فيه و علي هذا تنطبق الروايتان علي ما يدل عليه صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 51، ح 18961/ 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 51، ح 5.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 51، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 254

«سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي؟ قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده» «1» بعد حمل النهي فيه علي إرادة نفي الوجوب المتوهم من سائر الاحاديث و علي ما يدل عليه صحيح حمّاد المتقدم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال علي عليه السّلام صيام ثلاثة ايام في الحج قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة يعني ليلة النفر و يصبح صائما و يومين بعده و سبعة اذا رجع «2» بعد حمل الامر فيه علي الجواز لا الوجوب او حمله علي من فاته الايام الثلاثة و كون هذا الصحيح كالتفسير او التفصيل لخبر ابن القداح و اسحاق بن عمار محتمل و كما تنطبق علي صحيح رفاعة الّذي فيه: «يصوم ثلاثة ايام بعد التشريق قلت: لم يقم عليه جماله قال يصوم يوم الحصبة و بعده يومين» «3» و يمكن به حمل الجميع علي انه يصوم يوم

الحصبة اذا لم يقم عليه الجمال و كان مستعجلا و من جميع ذلك ظهر الوجه لما اختاره الشيخ في النهاية و المبسوط و ابنا بابويه و ابن ادريس و غيرهم علي ما حكي عنهم و بعد ذلك كله الجزم بالقول بكفاية صوم يوم النفر مشكل فالاحوط اذا لم يتمكن من صيام يوم التروية و يوم عرفة و يوم آخر بعد التشريق صيام ثلاثة ايام بمكة بعد التشريق أي بعد يوم النفر الثاني اليوم الثالث عشر فيصوم اليوم الرابع عشر و يومين بعده و اللّه هو العالم.

تذييل: قد افاد بعض الاعلام من المعاصرين علي ما في تقريرات بحثه: ان هنا رواية صحيحة ذكرها صاحب الوسائل عن الشيخ بالاسناد الي عبد الرحمن بن الحجاج، و السند صحيح و متنها علي ما في الوسائل نحو متن صحيح معاوية بن عمار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة، أبواب الذبح ب 46 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 255

المتقدّمة (عن متمتع لم يكن معه هدي؟ قال: يصوم ثلاثة ايام من قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة قال: فان فاته صوم هذه الايام، فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة و لكن يصوم ثلاثة ايام متتابعات بعد ايام التشريق «1» هكذا نقلها في الوسائل و كذلك الوافي و الحدائق و لكن الموجود في التهذيب و الاستبصار ما يخالف ذلك ففي الاستبصار (سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي؟) قال:

يصوم ثلاثة ايام قبل يوم التروية قال: فان فاته صوم هذه الايام؟ قال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة و لكن يصوم

ثلاثة ايام متتابعات بعد ايام التشريق و كذا في التهذيب «2» و كتب المعلق علي التهذيب ان النسخ المخطوطة توافق ما في التهذيب المطبوع و كذلك الاستبصار فهذه الزيادة التي ذكرت في الوسائل و الوافي و الحدائق (قبل يوم التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة) غير موجوده في نسخ التهذيب و الاستبصار المخطوطة و المطبوعة فتكون هذه الرواية بناء علي نسخ التهذيب و الاستبصار من الروايات الدالة علي جواز تقديم صيام الثلاثة أيام علي اليوم السابع و انه يجوز البدأة بالصوم من اوّل شهر ذي الحجة فحينئذ لا بد من رفع اليد عنهما قطعا فان مفاد هذه الرواية بناء علي هذا المتن ان من فاته صوم هذه الايام الثلاثة قبل اليوم السابع فيصوم بعد ايام التشريق مع انه لا اشكال و لا ريب في ان صيام اليوم السابع و الثامن و التاسع مجز قطعا الخ «3».

أقول: أولا انه ليس في النسخة المطبوعة اخيرا من الوسائل في هذه الرواية (52/ 3) هذه الزيادة و في الرواية المروية في (ب 51/ 8) هكذا قال: يصوم الايام التي قال اللّه تعالي … فقال له عباد: و اي ايام هي؟ قال: قبل التروية بيوم و يوم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ب 52 من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- الاستبصار، ج 2، ص 281، التهذيب، ج 5، ص 222.

(3)- المعتمد: 5/ 260.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 256

التروية و يوم عرفة قال: فان فاته ذلك؟ قال: يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك و ليس فيه (لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة) و هذا أيضا في الاستبصار (ب 121/ ج 6) و في التهذيب أيضا الرواية الاولي بلفظ الاستبصار (783/

122) و الثانية أيضا بلفظه (799/ 118) و بالجملة الرواية التي اشار إليها في الوسائل ليس فيها في الوسائل المطبوعة اخيرا (بيوم و يوم التروية و يوم عرفة) و فيها (لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة) و هي بعينها ما رواه في التهذيب (783/ 122) و في الاستبصار (ب 192 ح 997/ 7)، و لكن هذه الرواية رويت مفصلة في الوسائل (51/ 18961/ 4) أيضا عن التهذيب (779/ 118) و الاستبصار (988/ 6) و ليس فيها (قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة) و ليس فيها (لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة).

[الاقوي جواز تقديم صوم الثلاثة من اوّل ذي الحجة بعد ما تلبس بالمتعة]

مسألة 79- قد مرّ ان الاقوي جواز تقديم صوم الثلاثة من اوّل ذي الحجة بعد ما تلبس بالمتعة و ان لم يتمها و يجزي صومها بعد ايام التشريق طول باقي ذي الحجة و عن المدارك انّه قول علمائنا و اكثر العامة «1»، و يدل عليه اطلاق الآية المفسرة عن اهل البيت عليهم السّلام، بذي الحجة كما سمعته في صحيح رفاعة المتقدم و لصحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «من لم يجد ثمن الهدي فاحبّ ان يصوم الثلاثة أيام في العشر الاواخر فلا بأس بذلك» «2» و ظاهره عدم وجوب المبادرة مطلقا لا في العشر الاول و لا في الثاني بعد ايام التشريق او من اليوم الثالث عشر و لا في العشر الثالث نعم البدار احوط تكليفا لا وضعا.

______________________________

(1)- مدارك الاحكام: 8/ 54.

(2)- وسائل الشيعة: ابواب الذبح ب 46 ح 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 257

[مقتضي وجوب التتابع انه لو صام اليوم الاول و اليوم الثاني و افطر الثالث لا لعذر كالمرض او حيلولة يوم العيد و ايام التشريق لا يجزيه]

مسألة 80- مقتضي وجوب التتابع انه لو صام اليوم الاول و اليوم الثاني و افطر الثالث لا لعذر كالمرض او حيلولة يوم العيد و ايام التشريق لا يجزيه و يجب عليه الاستيناف.

[اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة]

مسألة 81- اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة فان كان ذلك لنسيانه الصوم ففي صحيح عمران الحلبي قال: سئل عبد اللّه عليه السّلام «عن رجل نسي ان يصوم الثلاثة الأيام التي علي المتمتع اذا لم يجد الهدي حتي يقدم اهله؟ قال: يبعث بدم» «1» و القدر المتيقن منه ان يكون قدومه علي اهله بعد فوت امكان الاتيان بالثلاثة في ذي الحجة كاليوم التاسع و العشرين و الظاهر منه انه يكفيه البعث بالدم فلا يكون واجبا عليه زائدا علي الهدي و لعله لتدارك فوت الصوم عنه فلا يجب الهدي بعد تدارك الصوم بالدم و اما القول بكونه الكفارة فلا ينافي وجوبه وجوب الهدي الواجب عليه الغير المقيد وجوبه بكونه في ذي الحجة ان لم يتمكن منه في يوم النحر ففيه ان ذلك يستظهر منه اذا كان ترك الصوم عمدا. اللهم الا انه يقال ان وجوب الهدي ثابت بالآية يجب الاتيان بها الّا اذا صام الثلاثة في شهر الحج فوجوبه باق علي حاله و ظاهر قوله يبعث بدم انه غير ما وجب عليه بالآية و يمكن ان يقال مثل ذلك في صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من لم يصم في ذي الحجة حتي يهل هلال المحرم فعليه دم شاة و ليس له صوم و يذبحه بمني «2» الشامل بإطلاقه الجهل و النسيان.

و لا يعارض هذان الصحيحان بصحيح معاوية بن عمّار و فيه: فان لم يقم عليه جماله

أ يصومها في الطريق قال: ان شاء صامها في الطريق و ان شاء اذا رجع الي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ابواب الذبح ب 47 ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ابواب الذبح ب 47 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 258

اهله «1» لان مورده عدم تمكنه من الصوم في مكة لعدم اقامة الجمال عليه و تمكنه من الاتيان به في الطريق و عند الرجوع الي اهله.

نعم يمكن ان يقال بانه مختص بمن لم يخرج من ذي الحجة و لا اطلاق له يشمل من خرج من ذي الحجة نعم هنا روايات اخري مضافا الي صحيح معاوية علي ان من فاته صومها بمكة لعائق او نسيان صامها في الطريق ان شاء و ان شاء اذا رجع الي اهله «2» و مقتضي اطلاقها الّذي لعله آب عن التقييد عدم الفرق بين خروج ذي الحجة و عدمه و عليه يقع التعارض بينهما في من خرج عن ذي الحجة فان الطائفة الاولي تدل علي سقوط الصوم و وجوب البعث بالدم و الثانية علي استمرار حكم وجوب الصوم فيما بعد ذي الحجة و لا ريب في ان الترجيح للطائفة الاولي لموافقته الكتاب الدال علي وجوب الهدي علي المتمتع مطلقا خرج منه تبديل الوظيفة الي الصوم في خصوص ذي الحجة لمن كان فاقدا للهدي و اما الّذي خرج منه فعليه الهدي يذبحه في العام المقبل اللهم الّا ان يقال ان تبديل وظيفة العاجز عن الهدي بالصوم معناه سقوط التكليف بالهدي مطلقا سواء تمكن من اتيان الصوم في ذي الحجة أم لم يتمكن و المراد من البعث بالدم تدارك ما فات منه بترك الصوم لا الهدي الّذي تبدل التكليف به بالصوم و بالجملة فالمسألة لا تخلو من

الاشكال و اللّه هو العالم.

[و لو صام الثلاثة ثم وجد الهدي و لو قبل التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي]

مسألة 82- قال في الشرائع: و لو صامها (اي الثلاثة) ثم وجد الهدي و لو قبل التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي و كان له المضيّ علي الصوم، و لو رجع الي الهدي كان افضل. «3»

أقول: يمكن ان يقول ان المعتبر في فقد الهدي و تبديله بالصوم ان كان فقده الي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ابواب الذبح ب 46 ح 4.

(2)- وسائل الشيعة ابواب الذبح ب 47، ح 4، ب 50، ح 2.

(3)- شرائع الاسلام: 1/ 195.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 259

آخر ذي الحجة فوجد انه قبل انقضائه يكشف عن عدم كونه مأمورا بالصوم فيجب عليه الهدي و ان كان فقده في يوم النحر او بحسب الحال فصام ثلاثة ايام فمقتضي الاصل عدم وجوب الهدي بعد سقوطه و تبدله بالصوم فما في الجواهر من التمسك بالاصل «1» لا يخفي ما فيه نعم و استدل علي جواز الاكتفاء بالصوم بخبر حماد بن عثمان «سألت الصادق عليه السّلام عن متمتع صام ثلاثة ايام في الحج ثم اصاب هديا يوم خرج من مني؟ قال: اجزأه صيامه «2» و خبر أبي بصير سأل احدهما عليهما السّلام عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتي اذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح او يصوم؟ قال: بل يصوم فان ايام الذبح قد مضت» «3» الا ان الاستدلال به لا يتم الا بعد حمله علي من صام ثلاثة ايام و حمل او يصوم علي ان المراد منه يصوم السبعة الباقية أم يرفع اليد عن الثلاثة فيمكن ان يقال ان ضعفه منجبر بعمل الاصحاب فان الفتوي بالاجزاء منقول عن اكثر الاصحاب و القول بالاجزاء لا الوجوب للاجماع علي

كفاية الهدي اذا وجده الي تمام ذي الحجة و يؤيده خبر عقبة «سأل الصادق عليه السّلام عن رجل تمتع و ليس معه ما يشتري به هديا فلما ان صام ثلاثة ايام في الحج ايسر أ يشتري هديا فينحره او يدع ذلك و يصوم سبعة ايام اذا رجع الي اهله؟ قال: يشتري هديا فينحره» «4» و لذا قال المحقق (و لو رجع الي الهدي كان افضل).

[اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة]

مسألة 83- اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة فالظاهر انه لا يجزي منه الصوم و انّما يجب عليه الهدي فيبعث به او يأتي بنفسه في القابل امّا عدم اجزاء الصوم منه فيدل عليه في خصوص صورة النسيان صحيح عمران

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 183.

(2)- وسائل الشيعة ابواب الذبح ب 45 ح 1.

(3)- وسائل الشيعة ابواب الذبح ب 44 ح 3.

(4)- وسائل الشيعة ابواب الذبح ب 45 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 260

الحلبي قال: عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل نسي ان يصوم الثلاثة الأيام التي علي المتمتع اذا لم يجد الهدي حتي يقدم اهله؟ قال: يبعث بدم» «1» و القدر المتيقن بل الظاهر منه تذكره به بعد خروج ذي الحجة سيما بعد مفروغية جواز الاتيان بالصوم طول ذي الحجة و في مطلق تركه الصوم صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من لم يصم في ذي الحجة حتي يهلّ هلال المحرم فعليه دم شاة و ليس له صوم و يذبحه بمني» «2» و اطلاقه يشمل الناسي و الجاهل و المعذور بل و العامد لعدم الفرق في عدم اجزاء الصوم بعد ذي الحجة بين العامد و غيره.

و في الجواهر قال: قد يقال: ان الصحيح المزبور

معارض بالنصوص المستفيضة الدالة علي ان من فاته صومها بمكة لعائق او نسيان صامها في الطريق ان شاء و ان شاء اذا رجع الي اهله (ثم ذكر) هذه النصوص كصحيح معاوية بن عمار «3» و فيه فان لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: ان شاء صامها في الطريق و ان شاء اذا رجع الي اهله، و أيضا صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة ايام في الحج اذا رجع الي اهله فان فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة ايام بمكة و ان لم يكن له مقام صام في الطريق او في اهله، و ان كان له مقام بمكة فاراد ان يصوم السبعة يترك الصيام بقدر مسيره الي اهله او شهرا ثم صام» «4» و غير ذلك من النصوص التي رواها في الجواهر و قال: و مقتضي اطلاقها، عدم الفرق بين خروج ذي الحجة و عدمه و من هنا احتمل في الذخيرة الجمع بينها بان حكم السقوط مختص بالناسي كما في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 47، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح ب 47 ح 1 و 3.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 4.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 47، ح 4 و ب 50، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 261

صحيحة (عمران) و يحمل عليه حسنة منصور بن حازم قال: و حينئذ يجمع بين صحيحة ابن مسلم (يعني ما رواه عن احدهما عليهما السّلام الصوم الثلاثة الأيام «ان صامها فآخرها يوم عرفة و ان لم

يقدر علي ذلك فليؤخرها حتي يصومها في اهله» «1» و ما يعارضها بالترخيص «2».

أقول: الظاهر ان الاقرب في الجمع بين هذه النصوص ما قاله في الجواهر قال:

لعل الاولي الجمع بحمل هذه النصوص علي عدم خروج ذي الحجة و ان استبعده في الذخيرة لاعتضاده بعد الشهرة و الاجماعات المنقولة بظاهر الكتاب و السنة و الاجماع الموقتة لها بذي الحجة فتسقط حينئذ بخروجه الخ «3».

و أقول و علي هذا يبقي الكلام في البحث عن وجوب البعث بالدم و الدليل عليه يكون صحيح عمران الحلبي و منصور بن الحازم و اللّه هو العالم.

[مقتضي قوله تعالي: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ وجوب صوم السبعة بعد وصوله الي بلده.]

مسألة 84- مقتضي قوله تعالي: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ وجوب صوم السبعة بعد وصوله الي بلده.

لا يقال: ان الرجوع اعم من الوصول فيجزي الاتيان بها في الطريق اثناء الرجوع الي بلده.

فانه يقال: ان ما يفهم العرف من الرجوع هنا هو الوصول الي البلد و محل الشروع بل المفهوم منه مطلقا هو الرجوع الي ما كان منه المبدأ و يمكن ان يقال انه اذا صار متعديا بالي مثل رجع الي اهله او رجع موسي الي قومه و الي اللّه مرجعكم فالمراد منه الرجوع و الوصول الي محل الشروع و اما اذا كان مثل اذا قيل لكم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب الذبح ب 46 ح 10

(2)- جواهر الكلام: 19/ 183.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 183

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 262

ارجعوا فارجعوا فمعناه الرجوع عنه و قوله تعالي اذا رجعتم يمكن ان يراد منه الرجوع عن الحج او الوصول الي الاهل او مطلق الرجوع لحذف متعلقه و كيف كان فالمتبع في التفسير ما ثبت التفسير به عن اهل البيت عليهم السلام، و

الثابت منهم ان المراد منه الوصول الي اهله ففي صحيح معاوية بن عمار المتقدم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة ايام في الحج و سبعة اذا رجع الي اهله … (الي ان قال) بعد الصدر صام ثلاثة ايام بحكه، و ان لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله. الحديث. «1» و له مقام بمكة.»

و في صحيح سليمان بن خالد (و سبعة اذا رجع الي اهله) «2» و لا يخفي عليك مضافا الي انا قد قلنا ان معني الرجوع الي الاهل الوصول إليهم يؤكد ذلك قوله عليه السّلام: و ان كان له مقام بمكة … فعلي هذا لا ريب في انه لا يجزي صيامها في الطريق فلا اعتداد بقول من يقول من العامة انه يصوم السبعة اذا فرغ من اعمال الحج فانه مخالف لظاهر الكتاب و من قال يصومها اذا خرج من مكة سائرا في الطريق لانه من تفسير القرآن بالرأي و من قال: يصومها بعد ايام التشريق لانه أيضا من تفسير القرآن بالرأي و انّه اريد من الرجوع النفر من مني و يرده بالتصريح صحيح معاوية بن عمار و هو الحجّة في تفسير القرآن و غيره مما يؤخذ من الشرع لاحاديث الثقلين و لذا يرجح كما قال ابان بن تغلب قول امير المؤمنين علي عليهم السلام، علي جميع الصحابة و ان كانوا هم متفقين في مسئلة علي رأي و امير المؤمنين عليه السّلام علي رأي.

ثم انه قال في الشرائع: و لا يشترط فيها الموالاة علي الاصح و في الجواهر وفاقا للمشهور بل عن المنتهي و

التذكرة لا نعرف فيه خلافا و الدليل علي ذلك كما اشار إليه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح ب 47 ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح ب 46 ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 263

في الجواهر «1» أو لا اطلاق الدليل لان السبعة تصدق علي المتتابعة و علي المتفرقة و ثانيا علي فرض اجمال الدليل مقتضي الاصل عدم اعتبار التتابع و ثالثا عموم قول الامام الصادق عليه السّلام في صحيح عبد اللّه بن سنان: «كل صوم يفرق الّا ثلاثة ايام في كفارة اليمين» «2».

و رابعا «خبر اسحاق بن عمار قال: قلت لابي الحسن موسي بن جعفر عليهما السّلام: اني قدمت الكوفة و لم اصم السبعة الايام حتي فزعت في حاجة الي بغداد؟ قال: صمها ببغداد قلت: افرّقها؟ قال: نعم «3»».

و سنده هكذا (الشيخ باسناده عن) عن محمد بن احمد بن يحيي «4» عن محمد بن الحسن «5» عن محمد بن اسلم «6» عن اسحاق بن عمار «7» و السند علي مسلك المشهور ضعيف بمحمد بن اسلم الا انه قال باعتباره بعض المعاصرين لانه كان من رجال كامل الزيارات و تفسير علي بن ابراهيم، و عن ابن أبي عقيل و ابي الصلاح وجوب الموالاة فيها كالثلاثة لرواية محمد بن احمد العلوي «8» عن العمركي الخراساني «9» عن علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن

______________________________

(1)- الجواهر الكلام: 19/ 186.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب بقية الصوم، ب 10، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 55، ح 1.

(4)- جليل القدر كثير الرواية الا انه استثني من رواياته ما يرويه عن جماعة ليس فيهم محمد بن الحسن.

(5)- يظهر من الطبقات انه ابن الحسين بن أبي الخطاب

عظيم القدر …

(6)- له كتاب يقال انه كان غالبا فاسد الحديث …

(7)- كان شيخا من اصحابنا و كان فطحيا و يظهر من الشيخ كونه قائلا بإمامة مولانا الكاظم …

(8)- وصف العلامة الروايات الواقع في طريقها بالصحة.

(9)- ابن علي بن محمد البوفكي و البوفك قرية من نيشابور شيخ من اصحابنا ثقه.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 264

صوم ثلاثة ايام في الحج و سبعة أ يصومها متوالية او يفرق بينها؟ قال: يصوم الثلاثة ايام لا يفرق بينها، و السبعة لا يفرق بينها و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا» «1».

و افاد بعض الاعلام ان مقتضي الجمع بين الخبرين حمل خبر علي بن جعفر علي كون النهي فيه تتزيهيا حيث انه نص في مرجوحية التفريق و ظاهر في عدم اجزائه و خبر اسحاق بن عمار نص في الجواز و بعد ذلك فقد استشكل في ذلك بان هذا يتم لو كان المراد من التفريق في رواية اسحاق ما يقابل التوالي و لكن من المحتمل ان يكون المراد منه السؤال عن تكليف المعذور من الصوم في بلده فكان السائل توهم لزوم وقوع الصوم في وطنه و انه الظاهر من الآية و النصوص فسأل الامام عليه السّلام عن تكليفه اذا سافر الي بلد غيره فأجابه الامام عليه السّلام بالصوم فيه فسأله عمّا اذا صام علي التفريق في البلدين فعلي هذا لا يترك الاحتياط برعاية الموالاة الا ان يقال بعدم صحة الاحتجاج بخبر علي بن جعفر لضعف سنده و اعراض المشهور عنه و مقتضي الاصل عدم اعتبار الموالاة و بعد ذلك أيضا لا ريب في حسن الاحتياط.

هذا كله بالنسبة الي حكم الموالاة بين السبعة و امّا بين الثلاثة و السبعة ففي الجواهر

ان الظاهر اعتبار التفريق بينهما بلا خلاف اجده فيه بل عن المنتهي نسبته الي علمائنا لظاهر الآية و خبر علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام (لا يجمع بين الثلاثة و السبعة) و قال: لكن الظاهر اختصاص ذلك بما اذا صام في مكة أمّا اذا وصل الي اهله و لم يكن قد صام الثلاثة لم يجب عليه التفريق كما نصّ عليه الفاضل في محكي المنتهي بل هو ظاهر الامر بصوم العشرة فيما سمعته من النصوص انتهي «2».

و رد ذلك بانه ليس هنا ما يدل علي جواز التفريق سوي المطلقات مثل قوله في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 55، ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 187.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 265

صحيح سليمان بن خالد (فليصم عشرة ايام اذا رجع الي اهله) «1» و لكنه يقيد بقوله عليه السّلام (لا يجمع بين الثلاثة و السبعة) و حمله علي خصوص من صامها في مكة من تقييد المطلق بدون المقيد.

نعم روي علي بن الفضل الواسطي «2» قال: «سمعته يقول: اذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة ايام في الحج فليصم بمكة ثلاثة ايام متتابعات فان لم يقدر و لم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق او اذا قدم علي (الي) اهله صام عشرة ايام متتابعات». و هذا برواية الشيخ في التهذيبين مضمر و لكن رواه الحميري في قرب الاسناد عنه عن ابي الحسن عليه السّلام «3».

فهذا الخبر أيضا دالّ علي اعتبار التتابع بين الصومين و تضعيف السند و ان كان موجّها علي اصطلاحهم لعدم ذكر توثيق منهم للواسطي و لمحمد بن عبد الحميد الراوي عنه الا ان توصيف الواسطي بانه (صاحب الرضا عليه السّلام)

سواء كان بصيغة الفعل او الفاعل الظاهر انه يكفي في الاعتماد عليه و كذا محمد بن عبد الحميد الّذي هو صاحب الكتاب و روي عنه الحديث جمع من المشايخ فلا يرد بضعف السند و اما من حيث المتن فقد يقال: ان دلالتها بالظهور لان موارد التتابع فيه ثلاثة التتابع بين نفس الثلاثة و بين نفس السبعة و بين الثلاثة و السبعة و إرادة تتابع الثلاثة القدر المتيقن من قوله و عشرة ايام متتابعات للتصريح عليه في صدر الحديث و صحيح علي بن جعفر يدل علي لزوم التتابع في الثلاثة و في السبعة موافق لظهور خبر الواسطي في التتابع فيهما الا انه يرفع اليد عن ظهوره في التتابع بينهما بصحيح علي بن جعفر و لكن يمكن ان يجاب عن ذلك بان قوله (عشرة ايام متتابعات) ظاهر في تتابع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الشيعة، ابواب الذبح ب 46 ح 7.

(2)- صاحب الرضا، عليه السّلام.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 266

جميع الايام العشرة فكما ان لا دلالة لقوله سبعة ايام متتابعات بتتابع الثلاثة منها و تتابع الاربعة منها لا يدل قوله (عشرة ايام متتابعات) و لزوم التتابع في الثلاثة و السبعة لا يدل علي اراده التتابع بين كل منهما و بينهما فليس هذه الموارد ملحوظة بالاستقلال.

و بعد ذلك كله يقع التعارض بين خبر علي بن جعفر و خبر الواسطي و يمكن الجمع بينهما بالإطلاق و التقييد فيقيد اطلاق (و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة) بما اذا كان في مكة و فيما اذا كان في بلده يصومها متتابعات بل يمكن ان يقال ان خبر علي بن جعفر ظاهر في عدم جواز الجمع

اذا كان بمكة و خبر الواسطي ظاهر في حكم إتيانهما في بلده و ليكن هذا وجه ذهاب العلامة و صاحب الجواهر الي اختصاص حكم وجوب التفريق بما اذا صام بمكة فتدبر و اللّه هو العالم.

[من اقام بمكة ينتظر مقدار مدة وصوله الي اهله ان لم يزد علي شهر]

مسألة 85- قد مرّ صحيح معاوية ابن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة ايام في الحج و سبعة اذا رجع الي اهله فان فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة الايام بمكة، و ان لم يكن له مقام صام في الطريق او في اهله، و ان كان له مقام بمكة و اراد ان يصوم السبعة ترك الصيام بقدر سيره الي اهله او شهرا ثم صام» «1».

و هو يدل علي ان من اقام بمكة ينتظر مقدار مدة وصوله الي اهله ان لم يزد علي شهر و الا صام السبعة بعد مضي الشهر و هذا هو المصرح به في كلمات الفقهاء بل عن الذخيرة: لا اعلم خلافا فيه و لكن في صحيح أبي بصير المضمر قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة ايام فلمّا قضي نسكه بدا له ان يقيم (بمكة) سنة؟»

______________________________

(1)- التهذيب، ج 5، ص 265، ب 16، ح 790/ 129.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 267

قال: «فلينتظر منهل اهل بلده فاذا ظن انهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام» «1» و اطلاقه يقيد بصحيح معاوية بما اذا لم تزد مدة وصوله الي اهله شهرا فان زادت علي شهر يصوم كما يقيد به اطلاق صحيح احمد بن محمد بن أبي نصر المقطوع في المقيم اذا صام الثلاثة

أيام ثم يجاور ينتظر مقدم اهل بلده فاذا ظن انهم قد دخلوا فليصم السبعة أيام «2».

و روي الصدوق في المقنع عن معاوية بن عمار «انه سأل في ضمن ما سئل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن زمان صيام السبعة الايام قال: فالسبعة الايام متي يصومها اذا كان يريد المقام؟ قال: يصومها اذا مضت ايام التشريق» «3» و اختار صاحب الجواهر تقييده أيضا بصحيح معاوية بن عمار المتقدم و لكن تقييد اذا مضت ايام التشريق بما اذا مضت مدة يظن بمضيها وصول اهله الي بلده او بمضي شهر بعده خلاف الظاهر فالاولي رفع اليد عنه بضعفه بالارسال كما ان صحيح أبي بصير أيضا ضعيف بالاضمار و صحيح احمد بن محمد بن أبي نصير أيضا مقطوع. فلا يوجه بهذه الثلاثة ما ذهب إليه القاضي و الحلبيين من انتظار الوصول الي اهله من غير اعتبار الشهر «4».

و هل يقصر الحكم علي المقيم بمكة او يعمه و من يقيم بالمدينة بل غيرهما من البلاد و من صد عن وطنه، مقتضي الاقتصار علي النص هو الاول و لا يبعد الثاني فان الظاهر من الروايات ان الاقامة بمكة ليست لخصوصية لم يكن في الاقامة بالمدينة او في بلد اخر او اذا صدّ عن وطنه بل لانه ينقضي بها ما هو الموضوع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 50، ح 3.

(2)- التهذيب، ج 5، ب 4، ح 121/ 50.

(3)- المقنع: 284.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 188.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 268

لوجوب السبعة و هو الرجوع الي اهله و ذلك حاصل في الاقامة بالمدينة و غيرها فلا يسقط بها حكم صيام السبعة كما لا يجب عليه الرجوع الي اهله لاداء الصيام نعم يشترط في

الصد ان يكون في مدة يعتد بها كالسنة كما ان المقيم أيضا اذا اراد الاقامة اقل من سنة ينتظر و يأتي بها بعد الرجوع و ذلك لصحيح أبي بصير و قد افتي بذلك كما في الجواهر عن كشف اللثام الحلبيان لمن صد عن وطنه و ابن أبي مجد للمقيم باحد الحرمين و الفاضل في التحرير لمن اقام بمكة او الطريق و اطلق في التذكرة لمن اقام الّا انه استدل بصحيح معاوية الّذي «قال»، و لا يخفي عليك ما في الجميع ضرورة كون الوجه الاقتصار في الشهر علي المنصوص للامر في الآية بالتأخير الي الرجوع الظاهر منه الحقيقة لا الحكم أيضا و ان ذكره بعض المتاخرين لكنه محل للنظر كما اعترف به في الذخيرة و المدارك. «1»

أقول: ان كان الظاهر من الآية الرجوع حقيقة لا الحكم فيشكل التمسك بصحيح معاوية في الّذي اراد المقام بمكة فاذا كان الحكم بمضمونه في المقيم بمكة لا بد منه يقول من يعم الحكم علي المقيم بغير مكة بانه ليس لخصوصيته في مكة ليست للمدينة و غيرها بل لانتفاء موضوع وجوب الصيام في الاهل بالإقامة في مكة و هو حاصل في غيرها.

اللهم الا ان يريد من يقول باختصاص الحكم بالمقيم بمكة انه لا يجب علي المقيم بغيرها انتظار مدة وصوله الي اهله لو كان يرجع إليهم او انتظار مضي الشهر بل يجوز له الشروع بصيام السبعة بمجرد إرادة المقام في غير مكة لسقوط الشرط اي الرجوع الي الاهل و بقاء صيام السبعة عليه قطعا و في المسألة احتمالات غير ما ذكر و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 189.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 269

ثم انهم تكلموا في مبدأ الشهر المذكور في

الصحيح هل هو انقضاء ايام التشريق او هو يوم يدخل مكة او يوم يعزم علي الاقامة و في الجواهر قال قد يشهد للاول ما سمعته من خبر المقنع (الي) ان قال (و لكن مع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه) «1» اقول بل لا يجوز تركه و اللّه هو العالم.

[الاقوي جواز تقديم صوم الثلاثة من اوّل ذي الحجة بعد ما تلبس بالمتعة]

مسألة 86- قد مرّ ان الاقوي جواز تقديم صوم الثلاثة من اوّل ذي الحجة بعد ما تلبس بالمتعة و ان لم يتمها و يجزي صومها بعد ايام التشريق طول باقي ذي الحجّة و عن المدارك انه قول علمائنا و اكثر العامة «2»، و يدل عليه اطلاق الآية المفسرة عن اهل البيت عليهم السّلام، بذي الحجة كما سمعته في صحيح رفاعة المتقدم و لصحيح زرارة.

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «من لم يجد ثمن الهدي فاحبّ ان يصوم الثلاثة أيام في العشر الاواخر فلا بأس بذلك «3» و ظاهره عدم وجوب المبادرة مطلقا لا في العشر الاول و لا في الثاني بعد ايام التشريق او من اليوم الثالث عشر و لا في العشر الثالث نعم البدار احوط تكليفا لا وضعا».

[مقتضي وجوب التتابع انه لو صام اليوم الاول و اليوم الثاني و افطر الثالث لا يجزيه]

مسألة 87- مقتضي وجوب التتابع انه لو صام اليوم الاول و اليوم الثاني و افطر الثالث لا لعذر كالمرض او حيلولة يوم العيد و ايام التشريق لا يجزيه و يجب عليه الاستيناف.

[اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة]

مسألة 88- اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة فان كان ذلك لنسيانه الصوم ففي صحيح عمران الحلبي قال: «سئل عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 189

(2)- مدارك الاحكام: 8/ 54.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 270

يصوم الثلاثة الايام التي علي المتمتع اذا لم يجد الهدي حتي يقدم اهله؟ قال: يبعث بدم.» «1» و القدر المتيقن منه ان يكون قدومه علي اهله بعد فوت امكان الاتيان بالثلاثة في ذي الحجة كاليوم التاسع و العشرين و الظاهر منه انه يكفيه البعث بالدم فلا يكون واجبا عليه زائدا علي الهدي و لعله لتدارك فوت الصوم عنه به فلا يجب الهدي بعد تدارك الصوم بالدم و اما القول بكونه الكفارة فلا ينافي وجوبه وجوب الهدي الواجب بكونه في ذي الحجة ان لم يتمكن منه في يوم النحر ففيه ان ذلك يستظهر منه اذا كان ترك الصوم عمدا اللهم الا ان يقال ان وجوب الهدي ثابت بالآية يجب الاتيان بها الّا اذا صام الثلاثة في شهر الحج فوجوبه باق علي حاله و ظاهر قوله يبعث بدم انه غير ما وجب عليه بالآية و يمكن ان يقال مثل ذلك في صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من لم يصم في ذي الحجة حتي يهل هلال المحرم فعليه دم شاء و ليس له صوم و يذبحه بمني» «2» الشامل بإطلاقه الجهل

و النسيان.

و لا يعارض هذان الصحيحان بصحيح معاوية بن عمّار و فيه فان لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: ان شاء صامها في الطريق و ان شاء اذا رجع الي اهله «3» لان مورده عدم تمكنه من الصوم في مكة لعدم اقامة الجمال عليه و تمكنه من الاتيان به في الطريق و عند الرجوع الي اهله و لا اطلاق له يشمل من خرج من ذي الحجة بل يمكن ان يقال بانه مختص بمن لم يخرج من ذي الحجة.

نعم هنا روايات اخري مضافا الي صحيح معاوية تدل: علي ان من فاته صومها

______________________________

(1)- الوسائل الشيعة: ابواب الذبح ب 47 ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 47، ح 1.

(3)- الوسائل الشيعة، ابواب الذبح ب 46 ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 271

بمكة لعائق او نسيان صامها في الطريق ان شاء و ان شاء اذا رجع الي اهله «1» و مقتضي اطلاقها الّذي لعله آب عن التقييد عدم الفرق بين خروج ذي الحجة و عدمه و عليه يقع التعارض بينهما في من خرج عن ذي الحجة فان الطائفة الاولي يدل علي سقوط الصوم و وجوب البعث بالدم و الثانية علي استمرار حكم وجوب الصوم فيما بعد ذي الحجة و لا ريب في ان الترجيح للطائفة الاولي لموافقته الكتاب الدال علي وجوب الهدي علي المتمتع مطلقا خرج منه تبديل الوظيفة الي الصوم في خصوص ذي الحجة لمن كان فاقدا للهدي و اما الّذي خرج منه فعليه الهدي يذبحه في العام المقبل اللهم الّا ان يقال ان تبديل وظيفة العاجز عن الهدي بالصوم معناه سقوط التكليف بالهدي مطلقا سواء تمكن من اتيان الصوم في ذي الحجة أم

لم يتمكن و المراد من البعث بالدم تدارك ما فات منه بترك الصوم لا الهدي الّذي تبدل التكليف به بالصوم و بالجملة فالمسألة لا تخلو من الاشكال. و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح ب 47.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 273

3- في الحلق و التقصير

السادس من واجبات الحج: الحلق و التقصير:
اشارة

و هما من مناسك الحج و المشهور وجوبهما بل عن المنتهي انه ذهب إليه علماؤنا اجمع الا في قول شاذ للشيخ في التبيان انه مندوب «1» و يدل علي وجوبه الآية الكريمة لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ «2» فانها تدل علي ان الحلق او التقصير من مناسك الحج التي كانوا ملتزمين بها و النصوص الكثيرة المستفاد منها وجوب الحلق علي الملبد و الصرورة مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا احرمت فعقّصت شعر رأسك او لبّدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير» «3».

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: من لبّد شعره او عقّصه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 232. التبيان ج 2/ 154 من مسنونات الحج الحلق او التقصير.. الخ.

(2)- سورة الفتح، آيه 27.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 274

فليس له ان يقصر (التقصير) و عليه الحلق». الحديث «1» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ينبغي للصرورة ان يحلق و ان كان قد حج فان شاء قصر، و ان شاء حلق فاذا لبد شعره او عقصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير» «2» و وجوب الرجوع الي مني ان نسي او ترك عالما او جاهلا

مثل صحيح الحلبي قال:

«سألت أبا عبد اللّه عن رجل نسي ان يقصر من شعره ان يحلقه حتي ارتحل من مني؟

قال: يرجع الي مني حتي يلقي شعره بها حلقا كان او تقصيرا» «3» اذا فلا مجال للشك في وجوبهما.

[مكان الحلق او التقصير مني]

مسألة 89- مكان الحلق او التقصير مني فلا يجزي في غيره و الظاهر انه لا خلاف فيه كما انه لا خلاف في انه قبل المضي للطواف بعد الذبح و الرمي لما في صحيح سعيد الاعرج عن الصادق عليه السّلام «ثم افض بهن حتي تأتي الجمرة العظمي فيرمين الجمرة فان لم يكن عليهن ذبح فلياخذن من شعورهن و يقصرن من اظفارهن و يمضين الي مكة» «4».

و لذا قال في الجواهر و ما عن الغنية و الاصباح من انه ينبغي ان يكون بمني يراد منه الوجوب و الّا كان محجوجا بما تسمعه «5».

اما زمان الحلق او التقصير فالمشهور أيضا ان وقته يوم النحر بعد ذبح الهدي او حلوله في راحلته علي القولين و عن أبي الصلاح جواز تأخيره الي آخر ايام التشريق و لكن لا يزور البيت قبله و في الجواهر عن الفاضل في المنتهي و التذكرة انه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 5، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الوقوف بالمشعر، ب 17، ح 2.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب، ب 14، من ابواب الحلق ح 1.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 232.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 275

استحسنه لان اللّه تعالي بين أوّله بقوله حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ و لم يبين آخره فمتي اتي به اجزا كالطواف للزيارة و السعي، و لكن لا ريب في ان الاحوط ايقاعه يوم النحر للاتفاق

علي كونه وقتا لذلك و الشك فيما عداه انتهي «1».

أقول: لا بد للقول بانه يأتي به و يجزيه ان ترك الاتيان به يوم النحر غاية الامر يكون تركه خلاف الاحتياط تكليفا لا وضعا ثم انه قد استدل علي لزوم ايقاع الحلق او التقصير في يوم العيد بصحيح محمد بن حمران قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاج (غير المتمتع) يوم النحر ما يحل له؟ قال: كل شي ء الّا النساء و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شي ء الّا النساء و الطيب» «2» وجه الاستدلال به ان التحلل يوم العيد لا يتحقق بدون اعمال مني التي منها الحلق او التقصير، و لو كان تاخيرهما الي آخر ايام التشريق جائزا لا يجوز الحكم بالتحلل مطلقا.

ثم ان هنا رواية تدل علي جواز الحلق بعد اشتراء الهدي و صيرورتها عند رحله قبل ذبحه و هي ما رواه الشيخ باسناده عن وهيب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا اشتريت اضحيتك و قمطتها و صارت في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محله فان احببت ان تحلق فاحلق» «3» و نحوه ما رواه الكافي و الفقيه «4»، الاول عن علي ابن أبي حمزة عن أبي الحسن و الثاني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام.

أقول: وهيب او وهب او وهيب بن حفص النخاس كذا في الطبقات و فيه لعله من الخامسة و كانه طال عمره حتي عاصر السادسة و كيف كان فان كان هو ابن حفص أبو علي الجريري و ابن حفص الكوفي المعروف بالمنتوف و ابن حفص

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 233.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير ب 14 ح

1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 39، ح 7.

(4)- الكافي: 4/ 502 ح 4

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 276

النخاس واحد فهو ثقة واقفي له كتاب كما جاء في ترجمة أبي علي الجريري و ان كانوا ثلاثة فالراوي مجهول و اما وهب بن حفص فلعله لم يذكر في كتب الرجال فما قال بعض المعاصرين «1» انه ان كان المذكور وهيب الرواية معتبرة بلا كلام لان النجاشي وثّقه، فيه انه كذلك لو كان الثلاثة واحد، و قال: و ان كان وهب فموثق أيضا لانه من رجال تفسير علي بن ابراهيم، فيه ان الظاهر عدم ذكرهم وهب بن حفص فوهيب هذا ليس المذكور في تفسير القمي اللهم الا ان يقال ان ما في تفسير القمي أيضا كان وهيب و كيف كان فدلالته علي جواز الحلق قبل الذبح في الصورة المذكورة ظاهرة و يمكن ان يقال انها تقوي برواية علي بن أبي حمزة و ان كان هو في نفسه ضعيف الا انه اعتمد عليها الكليني و الصدوق و لكن بعض المعاصرين المذكور قدس سرّه، استشكل في الاستدلال و العمل بها فقال: لو لم يذكر التعليل في الرواية و لكن ذكر التعليل فيها بقوله: قد بلغ الهدي محله مانع عن ذلك و ذلك لان بلوغ الهدي محله خاص لمن كان محصورا فانه يجب عليه الصبر حتي يبلغ الهدي و يصل محله اي ارض مني فلا يشمل المتمتع الّذي وصل الي مني و اشتري الهدي فان المراد بقوله (محله)- هو ارض مني فانه اذا وصل الهدي الي مني يجوز له الحلق و لذا ورد في بعض الروايات ان يجعل بينه و بين المحصور موعدا حتي يحلق عند الموعد المقرر و الحاصل لو

كان المراد ببلوغ الهدي محله هو بلوغه مني ذبح او لا كان للاستدلال بالرواية وجه، و لو اريد به العمل بالوظيفة و الذبح في مني فتكون الرواية اجنبية عن المقام بالمرة و شد الهدي و ربطه لا اثر له في الحكم و كيف كان فلا ريب في ان تأخير الحلق عن الذبح احوط ان لم يكن اقوي «2» انتهي.

أقول: كانه، قدس سرّه، اراد تضعيف الاحتجاج بالرواية بنحو من اضطراب

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 308.

(2)- المعتمد: 5/ 309.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 277

المتن لان المراد ببلوغ الهدي محله ليس مجرد البلوغ و وقوعه في مني بل المراد ذبحه و فيه ان ذلك اوّل الكلام و الرواية تدل علي كفاية كونه في مني معدّا للذبح و الرواية بمنزلة التفسير للآية ان اخذنا بها و قلنا بكفاية ما في الرواية في تقدم الذبح لا بد و ان يكفي ذلك في المقامين. و اللّه هو العالم بالصواب.

[ليس للنساء حلق]

مسألة 90- قال في الجواهر: (و ليس للنساء حلق) لا تعيينا و لا تخييرا بلا خلاف اجده بل عن التحرير و المنتهي الاجماع عليه و هو الحجة بعد قول النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم في وصيته لعلي عليه السّلام: «و ليس علي النساء جمعة الي ان قال- و لا استلام الحجر و لا الحلق «1» و الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي ليس علي النساء حلق و يجزيهن التقصير» «2» بل يحرم عليهن ذلك بلا خلاف اجده فيه أيضا بل عن المختلف الاجماع عليه بعد المرتضوي «3» نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ان تحلق المرأة رأسها أي في الاحلال لا مطلقا فان الظاهر عدم حرمته عليها في غير

المصاب المقتضي للجزع للاصل السالم عن معارضة دليل معتبر اللهم الا ان يكون هناك شهرة بين الاصحاب تصلح جابرا لنحو المرسل المزبور بناء علي إرادة الاطلاق فيكون كحلق اللحية للرجال «4».

أقول: و علي هذا يجب عليهن التقصير للسيرة القطعية و لصحيح سعيد الاعرج الّذي فيه «فان لم يكن عليهن ذبح فلياخذن من شعورهن و يقصرن من اظفارهن» و في مرسل ابن أبي عمير عن بعضي اصحابنا «تقصر المرأة لعمرتها مقدار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 18، ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 8، ح 4 و 3.

(3)- كنز العمال، ج 3، ص 58، ح 1 و 16.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 236.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 278

الانملة» «1» و لذلك قال المحقق: و يجزيهن منه مثل الانملة و في الجواهر كما في القواعد و النافع و محكي التهذيب و النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع لكن الاولي الجمع بينه و بين التقصير من الاظفار أيضا لما سمعته في صحيح الاعرج «2» انتهي و الظاهر كفاية الاقل من الانملة و ان المثال بها لانها من افراد الاقل المجزي الّذي هو يكون اكثر منها و الاقل و يدل عليه اطلاق صحيح سعيد الاعرج، و صحيح الحلبي و في صحيح الحلبي الاخر عن الصادق عليه السّلام قال عليه السّلام: «اني لما قضيت نسكي للعمرة اتيت اهلي و لم اقصره؟ قال: عليك بدنة قال: قلت: اني لما اردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها باسنانها» فقال: رحمها اللّه كانت افقه منك عليك بدنة و ليس عليها شي ء «3» و الظاهر كفاية ذلك المقدار للرجل أيضا كما ذكر في الجواهر انه

يظهر من القواعد و النافع و غيرهما للاصل و لقول الصادق عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد: ثم ائت منزلك تقصر من شعرك و حلّ لك كل شي ء «4» و اطلاق التقصير في صحيح الحلبي «5».

ثم انه قد ظهر من ذلك كله عدم كفاية الحلق بدل التقصير للنساء يجب عليهن الكفارة ازالة الشعر لذلك و هذا مقتضي الاصل و اللّه هو العالم.

الظاهر انه لا خلاف بينهم في ان الحاج و المعتمر مفردة مخير بين الحلق و التقصير ان لم يكن صرورة او ملبدا او معقوص الشعر و ان كان الحلق له افضل و قد استدل علي التخيير بقوله تعالي: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ و ذلك لان المراد منه ليس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب التقصير، ب 3، ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 236.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب التقصير، ب 3، ح 3 و 2.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب التقصير، ب 1، ح 3.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 237.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 279

الجمع بينهما فلا بد ان يكون المراد اما التخيير او التفصيل و الثاني بعيد لاستلزامه الاجمال و الاحتياج الي البيان دون الاول فهو المتيقن، و استشكل في هذا الاستدلال بانه لو كان المراد التخيير لاتي بأو فيكون الواو للجمع فيكون المراد التفصيل اي محلقين علي تقدير التلبيد و الصرورة و مقصرين علي تقدير غيرهما و فيه يمكن ان يكون الواو كما كان في قوله تعالي مَثْنيٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ مضافا الي انه لو كان للجمع موهم لتعين التقصير علي غير الملبد و معقوص الشعر و الصرورة فالآية تدل علي التخيير مطلقا غاية الامر يقيد اطلاقها بما يدل علي تعين الحلق في الموارد المذكورة او افضليته و

بالنصوص بما ورد ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله «استغفر للمحلقين ثلاث مرات» «1» و بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: من لبد شعره او عقّصه فليس له ان يقصر و عليه الحلق و من لم يلبده تخير ان شاء قصر و ان شاء حلق و الحلق افضل» «2».

و هذه الروايات تدل بالإطلاق او في خصوص غير الملبد و الصرورة و معقوص الشعر علي التخيير بين الحلق و التقصير لا كلام فيه.

انما الكلام يأتي في الثلاثة المذكورة هل يتعين عليهم الحلق أم لا و لا يخفي عليك ان القول بكون الحلق لهم افضل لا يختص بهم لان الحلق لغيرهم أيضا افضل الا ان يقال بكونه لهم آكد و كيف كان فمما يدل استثناء المعقوص و الملبد من اطلاقات التخيير و تعين الحلق عليهما صحيح الحلبي السابق و صحيح هشام بن سالم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا عقص الرجل رأسه او لبّده في الحج او العمرة فقد وجب عليه الحلق» «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 7.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 15.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 280

و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا احرمت فعقصت شعر رأسك او لبدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير، و ان انت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق الحج افضل و ليس في المتعة الا التقصير» «1» ثم انه قد جمع بينهما و بين الصرورة في مثل ما رواه الشيخ باسناده عن

محمد بن عبد الجبار «2» عن محمد بن اسماعيل بن بزيع «3» عن علي بن النعمان «4» عن سويد القلّاء «5» عن أبي سعيد «6» (سعد) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يجب الحلق علي ثلاثة نفر رجل لبد و رجل حج بدوا لم يحج قبلها و رجل عقص رأسه» «7».

و ظاهر هذه الاخبار هو وجوب الحلق عليهما و هو المحكي عن الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن حمزة و ابن أبي عقيل و حكي الميل إليه في المدارك و بها يقيد اطلاق الآية الكريمة و الروايات المطلقة الدالة علي التخيير «8».

و اما ما يدل علي استثناء الصرورة من الاطلاقات الدالة علي التخيير و تعين الحلق عليه مضافا الي ما ذكر فمنه ما رواه الشيخ باسناده عن احمد بن محمد «9» عن (علي) «10» عن أبي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «علي الصرورة ان يحلق رأسه و لا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 8.

(2)- قمي ثقة من كبار السابعة.

(3)- ثقة ثقة جليل كثير العلم من صغار السادسة.

(4)- وجه ثبت صحيح واضح الطريقة من السادسة.

(5)- ثقة من السادسة.

(6)- مردد بين سعد و سعيد و ابو سعيد أيضا الكنية لجماعة فهو مجهول من الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة، ابواب التقصير، ب 7، ح 3.

(8)- جواهر الكلام: 19/ 237

(9)- ابن أبي نصر جليل القدر من اصحاب الاجماع من السادسة.

(10)- ابن أبي حمزة البطائني كما هو المصرح به في طبقات السيد الاستاذ و في موضع آخر كانه

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 281

يقصر انّما التقصير لمن قد حج حجة الاسلام «1» و دلالته علي المدعي ظاهرة الا انه» ضعيف بعلي البطائني الواقع في

السند و قد استشكل في دلالته أيضا بان الصرورة انما يجب عليه الحلق اذا لم يحج مطلقا فان حج لا يجب عليه و ان كان هو غير حجة الاسلام و بالجملة ليس سقوط الحلق عنه مشروطا بعدم كونه آتيا بخصوص حجة الاسلام فهذا بظاهره غير معمول به.

و يمكن ان يقال اما تضعيف السند بابن أبي حمزة فلا يضر بعد كون الراوي منه مثل ابن أبي نصر الّذي هو من اصحاب الاجماع و امّا الاشكال في الدلالة: فيرد بانه يمكن ان يقال انا نأخذ بها في من حج حجة الاسلام و نترك الحصر «انما التقصير» المستفاد منه لمعارضته مع ما هو اقوي منه و هو الاطلاق الّذي عمل به الاصحاب و لو لا ذلك يمكن العمل فيه بقاعدة حمل المطلق علي المقيد.

و منه ما رواه في التهذيب عن ابان بن عثمان «2» عن بكر بن خالد «3» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس للصرورة ان يقصر و عليه ان يحلق» «4» و ردّ بان الراوي فيه ابان بن عثمان الناووسي المنقول عن العلامة انه قال: الاقرب عدم قبول روايته الخ و بكر بن خالد المجهول و فيه أيضا ان ابان بن عثمان من اصحاب الاجماع حكي الكشي عن محمد بن مسعود قال حدثني علي بن الحسن قال: كان ابان بن عثمان من الناووسية ثم قال: ان العصابة اجمعت علي تصحيح ما يصح عن ابان و الاقرار له بالفقه فالاقرب عندي قبول روايته و ان كان فاسد المذهب للاجماع المذكور

______________________________

ابن أبي حمزة من الخامسة واقفي متهم له اصل …

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 5.

(2)- الناووسي من الخامسة.

(3)- كانه مجهول من

الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 282

انتهي «1».

و منه ما رواه في الفقيه باسناده عن محمد بن احمد السناني «2» و علي بن احمد بن موسي الدقاق «3» عن احمد بن بن زكريا القطان «4» عن بكر بن عبد اللّه بن حبيب «5» عن تميم بن بهلول «6» عن ابيه «7» عن أبي الحسن العبدي «8» عن سليمان بن مهران «9» في حديث انه قال لابي عبد اللّه عليه السّلام: «كيف صار الحلق علي الصرورة واجبا دون من قد حج؟ قال: ليصير بذلك موسّما بسمة الآمنين الا تسمع قول اللّه عز و جلّ: لتدخلن المسجد الحرام ان شاء اللّه آمنين محلقين رءوسكم و مقصرين لا تخافون» «10».

و ردّ الاستدلال علي وجوب الحلق علي الصرورة بهذا الخبر بضعف سنده و لوجود عدد من المجاهيل فيه هذا مضافا الي ان التعليل بكون الصرورة موسما بسمة الآمنين دون المقصرين كانه لا يوافق ما هو ظاهر الآية بل صريحة من كون تلك السمة سمة للطائفتين لا خصوص المحلقين.

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 4/ 484.

(2)- ابن احمد بن محمد بن سنان من مشايخ الصدوق الزاهري يكني أبا عيسي نزيل الري روي عنه ابن نوح و ابو المفضل اكثر الصدوق الرواية عنه مترضيا عليه.

(3)- من مشايخ الصدوق و من تلامذة الكليني و روي عنه الصدوق في مشيخة الفقيه مترضيا عليه.

(4)- روي عنه مشايخ الصدوق احمد بن محمد الهيثم و محمد بن احمد و علي بن احمد.

(5)- المزني له كتاب النوادر يسكن الري.

(6)- روي عن نصر بن مزاحم و نصر من السادسة.

(7)- أبو تميم مذكور في توحيد الصدوق و روي عنه محمد بن

سنان.

(8)- لعله هو علي بن الحسن او الحسين العبد من شيوخ الهيثم بن واقد الّذي له كتاب.

(9)- ممدوح بالاستقامة و الفضل ذكره العامة في كتبهم و اثنوا عليه مع اعترافهم بتشيعه من الخامسة.

(10)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 283

و منه موثق عمار الساباطي الّذي رواه في التهذيب باسناده عن عمرو بن سعيد «1» عن مصدّق بن صدقة «2» عن عمار الساباطي «3» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل برأسه قروح لا يقدر علي الحلق؟ قال: ان كان قد حج قبلها فليجزّ شعره و ان كان لم يحج فلا بد له من الحلق الحديث» «4».

ثم انه لا يخفي عليك انه من الممكن الاستدلال بموثق الساباطي بانه و ان كان الجواب بظاهره لا يمكن الالتزام به الا انه يستفاد من السؤال ان وجوب حلق الرأس كان مسلّما عند السائل و قد قرّره الامام عليه السّلام عليه هذا مضافا الي ان الممكن بل الظاهر من الجواب بعد عدم القدرة علي حلق تمام الرأس ان المراد منه حلق ما يمكن فقال عليه السّلام لا بد من الحلق يعني في الجملة و بقدر ما يمكن و اللّه هو العالم.

ثم انه لا يخفي عليك أيضا ان بعض الاعلام من المعاصرين بعد ما ذكر الروايات الدالّة علي وجوب الحلق علي الصرورة و ما هو الوجه لضعف الاستدلال بها قال فالمقتضي لوجوب الحلق قاصر لما عرفت من ان النصوص بينما هي ضعيف السند و ضعيفة الدلالة مضافا الي ان التعليل بذكر المحلّقين في الآية مما لا نفهمه فان التقصير مذكور في الآية أيضا و علي تقدير التنزل و تسليم تمامية المقتضي

و الالتزام بعدم قصور الادلة عن الوجوب فالمانع و القرينة الخارجيّة موجودة علي عدم الوجوب فلا بد من رفع اليد عن الادلة المقتضية، و المانع هو قوله تعالي: لَقَدْ صَدَقَ اللّٰهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيٰا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ … الآية و ان اللّه تعالي وعد المسلمين بانهم يدخلون المسجد الحرام

______________________________

(1)- له كتاب ثقة من السادسة.

(2)- فطحي ثقة من الخامسة.

(3)- ابن موسي فطحي ثقة من كبار الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 284

حال كونهم محلقين و مقصرين اي تدخلون المسجد الحرام و انتم بين محلق و مقصر و هذا لا ينطبق الا علي دخولهم المسجد الحرام بعد الفراغ من اعمال مناسك مني، و اما في دخولهم الاول الي المسجد الحرام لاداء عمرة التمتع او العمرة المفردة او لحج القرآن و الافراد فلم يكونوا محلّقين و لا مقصّرين حين الدخول و الظاهر من الآية الكريمة انهم يدخلون حال كونهم محلّقين و مقصّرين فقوله تعالي محلّقين و مقصّرين حال الدخول و هذا ينطبق علي اتيان اعمال الحج و مناسك مني فالآية الشريفة واردة مورد الحج.

اذا عرفت ذلك فلا ريب في ان حجّ المسلمين الذين حجّوا مع النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم في تلك السنة كان حج صرورة اذ لم يحجّوا قبل ذلك و مع ذلك خيّرهم اللّه تعالي بين الحلق و التقصير اي تدخلون المسجد الحرام بعد اعمال الحج و مناسك مني قد حلق بعضكم رأسه و قصر بعضكم انتهي «1».

أقول: اما مراده من قوله: ان التعليل بذكر المحلّقين في الآية مما لا نفهمه فان التقصير مذكور في الآية

أيضا فهو ما ذكرناه في شرح حديث سليمان بن مهران و الجواب انا نفهم و الحمد للّه، وجه التعليل و هو ان العلة ليس كون المحلّق آمنا دون المقصّر حتي يقال ان المقصّر مذكور في الآية أيضا بل المراد أنّ الحاجّ اذا لم يصر بعد موسما بسمة الآمنين و هو الحلق يحلق و ان صار موسما بها يقصر فتمام المعني ان الحلق سمة الآمنين و علامتهم فمن وسم بها فهو و هو يقصر و من لم يوسم بها و كان الحج حجّه الاوّل لا بدّ له ان يسم بها فتدبّر.

و امّا جعله الآية الكريمة مانعة من اقتضاء الروايات وجوب الحلق علي الصرورة فليس الا من اجل انه ذهل عنه شأن نزول الآية و انها نزلت في صلح

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 319.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 285

الحديبية الواقع العام السادس من الهجرة المباركة جوابا عما قاله بعض المنافقين و ضعفاء الايمان لان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اخبرهم بالرؤيا التي اراها اللّه تعالي و انهم يدخلون المسجد الحرام آمنين محلّقين رءوسهم و مقصّرين فظنّ بعضهم انه يقع في عامهم الّذي كانوا فيه العام السادس فلما لم يقع ذلك و وقع صلح الحديبية في ذي القعدة و تأخر الي ذي القعدة للعام السابع قالوا قد وعدنا بذلك في هذا العام حتي ان عمر باعترافه شك في نبوّة النبيّ الصادق الامين و صدقه صلي اللّه عليه و آله فنزلت هذه الآية مؤكدة كمال التأكيد لوقوع ما رأي و هي الموسومة بعمرة القضاء.

كما انه ذهل ان قوله تعالي «آمِنِينَ» حال المقارن و قوله تعالي «مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ» الحال المقدّر كما قيل رأيت رجلا معه صقر صائدا به

غدا، اذا فلا ريب في ان المراد من الآية الكريمة ليس دخول الشخص المسجد الحرام حال كونه محلّقا او مقصّرا علي ان يكون حالا مقارنا له بل كونه كذلك حال مقدّر له فعلي كل ذلك لا يجب ان يكون دخولهم المسجد الحرام حال كونه محلّقين او مقصّرين حالا مقارنا له و يكفي في كون ذلك حالا لهم او لدخولهم كونهم كذلك بعده و القرينة علي ان الحال يكون المقدّر هي شأن نزول الآية و انها اخبار و بشارة من تحقق ذلك في عمرة القضاء نعم يبقي هنا من جانب اخر انه علي ذلك لا يتم الاستدلال بتخيير الحاجّ بين الحلق و التقصير حتي نخرج عنه بالروايات الدالّة علي التخيير مطلقا او اذا كان غير الملبد و معقوص الشعر فنقيده بما سمعت من الروايات عرفت حالها فظهر لك بما لا مزيد عليه ان الاحوط وجوبا لو لم يكن الاقوي هو وجوب الحلق علي الصرورة و اللّه هو العالم باحكامه.

[الخنثي المشكل تقصر اذا لم تكن احد الثلاثة]

مسألة 91- قال في الجواهر: و الخنثي المشكل تقصر اذا لم تكن احد الثلاثة، بل و ان كانت علي القول بالتخيير أيضا اما علي القول بالوجوب

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 286

فيتعين عليها مقدمة بناء علي ان حرمة الحلق علي النساء تشريعية كما هو الظاهر فتسقط للاحتياط و الا كان المتجه التخيير انتهي «1».

أقول: اما وجوب التقصير عليها اذا لم تكن احد الثلاثة فلانها ان كانت رجلا في الواقع تخير بين الحلق و التقصير و ان كانت امرأة يتعين عليها التقصير فان هي قصرت تعلم ببراءة ذمتها و ان حلقت لا يحصل لها اليقين ببراءة الذمة و الخروج عن الاحرام و مقتضي الاشتغال اليقيني تحصيل البراءة اليقينية مضافا

الي ان مقتضي الاستصحاب بقاء حرمة المحرمات عليها و كذا علي القول بالتخيير يعني تخيير الثلاثة بين الحلق و التقصير و ان كان الحلق عليهم افضل.

و اما علي القول بوجوب الحلق عليهم فأفاد بان بناء علي كون حرمة الحلق علي النساء تشريعية لا ذاتية يجب عليها مقدمة فعلهما (الحلق و التقصير) و تسقط حرمة الحلق التشريعية للاحتياط، و ان قلنا بان حرمة الحلق علي النساء ذاتيه التخيير لدوران الامر بين المحذورين حرمة كل واحد منهما و وجوبه.

و فيه ان الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية انما يجوز اذا لم يتمكن من الموافقة القطعية و في المقام باي منهما بدأ يتمكن من الموافقة القطعية باتيان الاخر الّذي ليس بحرام قطعا نعم في الابتداء باي منهما المحتمل كونه هو الحرام هو بالتخيير و لكن بعد الابتداء به يكون فعل الاخر عليه حلالا فان بدأ بالحلق يجوز بعده التقصير و يجب عليه تحصيلا للموافقة القطعية لانه ان كان رجلا فقد حلق و ادّي تكليفه و يجوز له التقصير و ان كانت امرأة فيؤدي به وظيفتها و كذلك ان قدم التقصير فان كانت امرأة ادت وظيفتها به و ان كانت رجلا تؤدي وظيفتها بالحلق و علي هذا قد ظهر لك ان المقام ليس مقام التخيير بقول مطلق و بسقوط التكليف باحدهما بل يجب عليه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 238.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 287

الاتيان بالآخر فان تركه و كان هو الواقع ليس بمعذور كما لا يخفي و اللّه هو العالم.

[في وجوب تقديم الحلق او التقصير علي زيارة البيت لطواف الحج و السعي]

مسألة 92- قال في الجواهر (و يجب تقديم) الحلق او (التقصير علي زيارة البيت لطواف الحج و السعي) بلا خلاف اجده فيه و في كشف اللثام:

كانه لا خلاف فيه و في المدارك: لا

ريب في وجوب تقديمها علي زيارة البيت للتأسي و للاخبار الكثيرة انتهي «1».

يمكن الاستدلال لوجوب تقديم الحلق بصحيح علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصر حتي زارت البيت فطافت و سعت من الليل ما حالها؟ و ما حال الرجل اذا فعل ذلك؟ قال: لا بأس به يقصر و يطوف بالحج ثم يطوف للزيارة ثم قد احل من كل شي ء» «2».

و المستفاد من امره باعادة الطواف وجوب تقديم التقصير علي الطواف فهو بترك الاستفصال او بالاولوية و الفحوي اذا كان فرض السائل نسيان التقصير يدل علي وجوب التقديم و بصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل زار البيت قبل ان يحلق فقال: «ان كان زار البيت قبل ان يحلق و هو عالم ان ذلك لا ينبغي له فان عليه دم شاة» «3» بناء علي ظهور لا ينبغي علي عدم الجواز و لو في المقام بقرينة الكفارة.

و يظهر من الجواهر «4» ان صاحب الرياض استند بصحيح جميل بن دراج علي عدم الوجوب و ان قال في آخر كلامه لكن لا خروج عما عليه الاصحاب و أليك الصحيح بلفظه في الكافي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزور البيت قبل ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 238.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير ب 4، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير ب 4، ح 1.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 240.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 288

يحلق؟ قال: لا ينبغي الا ان يكون ناسيا ثم قال: ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم اتاه اناس يوم النحر فقال بعضهم: يا رسول

اللّه اني حلقت قبل ان اذبح و قال بعضهم: حلقت قبل ان ارمي فلم يتركوا شيئا، كان ينبغي لهم ان يؤخره الا قدموه فقال: لا حرج» «1». و الاستناد به علي عدم وجوب التقديم يكون بقوله في صدر الحديث (لا ينبغي) و بقوله في ذيله كان ينبغي له الظاهر في الاستحباب سيما بقرينة جواب النبي صلّي اللّه عليه و آله بنفي الحرج.

و يمكن ان يقال: ان من المحتمل ان يكون استناد الامام عليه السّلام بما حكي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بيانا لوجه استثناء الناسي لان الظاهر ان الاناس المذكورين ليسوا بعامدين و لا جاهلين بل نسوا و قدموا اشياء مما كان ينبغي لهم ان يؤخروها.

ثم انه لو قدم زيارة البيت لطواف الحج و السعي علي الحلق او التقصير عامدا جبره بشاة قال في الجواهر بلا خلاف اجده فيه بل نسبه بعض الي قطع الاصحاب و ان اغفل في بعض الكتب كمحكي المقنعة و المراسم، و الغنية و الكافي، و نسبه في الدروس الي الشيخ و اتباعه بل عن أبي حمزه فان زار البيت قبل الحلق اعاد الطواف بعده، و ان تركه عمدا لزمه دم شاة فيحتمل ترك الاعادة او إرادة ترك الحلق حتي زار الا ان الجميع ليس خلافا محققا و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام «في رجل زار البيت قبل ان يحلق و هو عالم ان ذلك لا ينبغي له فان عليه دم شاة» «2» و هو ظاهر الوجوب المقتضي لوجوب الترتيب عليه بل هو مشعر بإرادة عدم الجواز من قول (لا ينبغي) في غيره من النصوص «3».

أقول: و لعله كما ذكر نعم لا يستفاد منه

وجوب الاعادة و مقتضي الاصل نفيه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 39، ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 2، ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 240.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 289

فيكون وجوب الترتيب حكما تكليفيا وضعيا و لكن يرد عليه ان الطواف الّذي يجب وقوع الحلق قبله يكون مفوتا للاتيان بالواجب فهو منهي عنه فكيف يتأتي به بقصد القربة هذا مضافا الي ان كون وجوب التقديم وضعيا يكون صحة الطواف مشروطا به يستفاد من صحيح علي بن يقطين المتقدم بالمنطوق او بالمفهوم و الاولوية فانه اما يكون شاملا بترك الاستفصال للعالم و الجاهل الناسي و اما يكون في مورد الناسي فعلي الاول يشمل الجميع بالإطلاق و علي الثاني يشمل العالم و الجاهل بالاولوية.

ثم انه يمكن ان يقال بتعارض صحيح ابن مسلم مع صحيح ابن يقطين فان الظاهر من السؤال في صحيح ابن مسلم عن رجل زار البيت قبل ان يحلق هو السؤال عن جميع ما هو راجع إليه كاجزاء طوافه قبله و ترتب الكفارة عليه و عدمها و الامام عليه السّلام اجاب عن هذا السؤال الظاهر فيما ذكر بانه ان كان عالما ان ذلك لا ينبغي له عليه دم شاة و معني ذلك عدم ترتب امر آخر علي تقديم الطواف علي الحلق لا اعادة الطواف مطلقا سواء كان عالما او جاهلا و لا الكفارة الا اذا كان عالما و صحيح ابن يقطين بالإطلاق يدل علي اعادة الطواف مطلقا و عدم شي ء عليه و ان كان عالما حتي ان قلنا بان الظاهر اختصاص السؤال عن غير العامد كالجاهل و الناسي يشمل العامد أيضا بالاولوية و يمكن ان نقول بان ظاهر صحيح علي بن يقطين

هو السؤال عن غير العامد الا انا نمنع شموله بالمفهوم للعامد لإمكان ان يكون له حكم آخر مثل دم شاة فيقع التعارض بينه و بين صحيح ابن مسلم فانه يدل علي عدم وجوب الاعادة و صحيح ابن يقطين يدل عليه فاما ان نقول باظهرية صحيح ابن يقطين الدلالة علي الوجوب كما هو الظاهر او نقول بتقديم صحيح ابن مسلم لعمل الاصحاب عليه فانه حكي عن الدروس نسبة ذلك الي ظاهر هم بل عن الصيمري التصريح به ان لم نقل بان ذلك معارض بما حكي عن الشهيد الثاني من

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 290

الاجماع علي وجوب الاعادة و كيف كان فالمسألة محل إشكال و مقتضي الاحتياط الاخذ بصحيح ابن يقطين.

[يجب ان يكون الحلق او التقصير بمني]

مسألة 93- يجب ان يكون الحلق او التقصير بمني فمن اخلّ به نسيانا او عالما او جاهلا يجب عليه الرجوع الي مني فيحلق او يقصّر بها و في الجواهر بلا خلاف اجده في شي ء من ذلك، و عن المدارك ان هذا الحكم مقطوع به بين الاصحاب و عن ظاهر التذكرة و المنتهي انه موضع وفاق «1».

و يدلّ عليه صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه 7 رجل نسي ان يقصر من شعره او يحلقه حتي ارتحل من مني؟ قال: فليرجع الي مني حتي يلقي شعره بها حلقا كان او تقصيرا «2» و خبر أبي بصير المضمر قال: سألته عن رجل جهل ان يقصر من رأسه او يحلق حتي ارتحل من مني؟ قال: فليرجع الي مني حتي يحلق شعره او يقصر و علي الصرورة ان يحلق «3» و دلالة الصحيحة في الناسي ظاهرة، و خبر أبي بصير أيضا ظاهر في الجاهل الا انه ضعيف بالاضمار و بالبطائني

الراوي عنه و لكن يكفي في اجراء حكم الناسي عليه دعواهم القطع بعدم الفرق بينهما مضافا الي ان عدم بطلان الحج بتركه كذلك كوجوب كونه في مني مقطوع به و مقتضي ذلك وجوب الرجوع إليها بعد العلم، و لا ينافي ما ذكر صحيح مسمع «4» قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يحلق رأسه او يقصر حتي نفر؟ قال: يحلق اذا ذكر في الطريق او اين كان «5» فان الظاهر من نفره من مكة و تعذر العود عليه، و روي الشيخ باسناده عن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 242.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 4، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 4، ح 4.

(4)- ابن عبد الملك ثقة من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 4، ح 1 و 4 و 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 291

الحسين بن سعيد «1» عن ابن فضال «2» عن المفضل بن صالح «3» عن ابي بصير «4» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل زار البيت و لم يحلق رأسه؟ قال: يحلق (يحلقه) بمكة و يحمل شعره الي مني و ليس عليه شي ء. «5»

و مقتضي الجمع بينه و بين صحيح الحلبي ان اللازم عليه القاء شعره بمني سواء وقع الحلق بها او بغيرها و الامر بالرجوع في صحيح الحلبي انما يكون لذلك و النتيجة وجوب القاء الشعر بمني سواء وقع بحلقه او تقصيره او بحمله إليها و امّا معاملة الاطلاق و التقييد بينهما بتقييد اطلاق خبر أبي بصير بصحيح الحلبي الوارد في خصوص الناسي فخلاف الظاهر لاستلزام ذلك وجود العود علي الناسي دون الجاهل و العامد، و بعد ذلك

كله قال في الجواهر: ان اطلاق الاصحاب علي خلافه «6» يعني اطلاقهم وجوبه الي مني سواء كان ناسيا او جاهلا او عالما علي خلاف ظاهر هذا الخبر فكانه اراد انهم تركوه و لم يعملوا به و الظاهر ان وجه عدم عملهم به ضعف سنده بالمفضل بن صالح و اللّه تعالي شانه هو العالم.

[الظاهر انه لا خلاف في انه اذا لم يتمكن من الرجوع الي مني و الحلق فيها يحلق في مكانه]

مسألة 94- الظاهر انه لا خلاف في انه اذا لم يتمكن من الرجوع الي مني و الحلق فيها يحلق في مكانه كما دل عليه صحيح مسمع و قال في الجواهر حلق او قصر مكانه وجوبا بلا خلاف و لا اشكال و قال: و بعث شعره ليدفن بها ندبا كما في النافع و محكي التهذيب و الاستبصار بل في المدارك نسبته

______________________________

(1)- عين جليل القدر من السابعة.

(2)- الحسن او علي او احمد بن الحسن او محمد بن الحسن هم جماعة من الفطحية ثقات من السادسة.

(3)- ضعيف من الخامسة.

(4)- ليث المرادي او يحيي بن القاسم من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 6، ح 7.

(6)- جواهر الكلام: 19/ 243.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 292

الي الاكثر لا وجوبا كما عن الكافي و ظاهر المتن (يعني الشرائع) للاصل انتهي «1».

هذا بحسب الاصل و الاقوال امّا بحسب الروايات ففي صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يحلق رأسه بمكّة؟ قال: «يرد الشعر الي مني» «2» و ظاهره الوجوب و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان علي بن الحسين عليه السّلام يدفن شعره في فسطاطه بمني، و يقول: كانوا يستحبون ذلك قال:

و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يكره ان يخرج الشعر من مني و يقول:

من اخرجه فعليه ان يردّه» و هذا لا «3» يستفاد منه الوجوب بل يستفاد منه استحباب دفنه و هو في مني بها و كراهة اخراج شعره منها و ان من اخرجه فعليه ان يرده و اني ذلك ممن هو خارج من مني لا يتمكن من الرجوع إليها و خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينسي ان يحلق رأسه حتي ارتحل من مني؟ فقال: ما يعجبني ان يلقي شعره الا بمني و لم يجعل عليه شيئا» «4». لا يدل «علي وجوب ارسال الشعر و خبر أبي البختري عن جعفر بن محمد عن ابيه عن الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا يأمران أن يدفن شعورهما بمني» «5» أيضا لا يدل علي المدعي فنبقي نحن و صحيح حفص، و هو بقرينة دلالة الروايات المذكورة علي الاستحباب محمول عليه، و مع ذلك فالاحوط مع الامكان ارساله إليها و اللّه هو العالم.

[حكم من ليس علي رأسه شعر]

مسألة 95- من ليس علي رأسه شعر فمقتضي القاعدة علي القول

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 243.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 6، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 6، ح 5.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 6، ح 6.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 6، ح 1، 5، 6، 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 293

بالتخيير بين الحلق و التقصير و ان كان احد الثلاثة الذين مرّ الكلام فيهم او كان من غيرهم تعيّن التقصير عليه لانه اذا تعذر احد طرفي الواجب التخييري او اطرافه يتعين الواجب في غيره و ان قلنا في الثلاثة بتعين الحلق و تعذر فينتقل تكليفه الي التقصير للقطع بانه يجب

ان يكون احدهما اما تخييرا او متعينا عليه احدهما.

و لكن عن جماعة اجزاء امرار الموسي عليه بل وجوبه و هو يتجه في الثلاثة اذا كان الواجب عليهم معينا الحلق نعم اجزائه لا يجزي في من كان مخيرا بينهما و لا وجه لوجوب امرار الموسي عليه لانه خلاف الفرض من كونه مخيرا بينهما و ظاهر مثل المحقق في الشرائع اجزاء امرار الموسي عليه سواء كان الحلق معينا عليه او كان مخيرا بينه و بين التقصير و اما القول باستحباب امرار موسي عليه فيستقيم اما بان يقال ان الواجب عليه التقصير و لكن يستحب له امرار الموسي او يقال بان الواجب عليه اما امرار الموسي او التقصير و يستحب اختيار امرار الموسي.

و الّذي يستفاد من الادلة فمنها ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي «1» عن محمد بن احمد بن عيسي «2» عن ياسين الضرير «3» عن حريز «4» عن زرارة «5» «ان رجلا من اهل خراسان قدم حاجا، و كان اقرع الرأس لا يحسن ان يلبّي فاستفتي له أبو

______________________________

(1)- أبو جعفر العطار القمي شيخ اصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث له كتب.. من الثامنة.

(2)- هو محمد بن احمد بن يحيي ثقة في الحديث و جليل القدر الا انه كان يروي من الضعفاء من كبار الثامنة و احمد ابوه ليس ابن عيسي و السند في الكافي كذا عن محمد بن احمد عن محمد بن عيسي فما في الوسائل سهو و محمد بن عيسي بن عبيد يظهر من ترجمته وثاقته جلالة قدره و هو من السابعة.

(3)- ياسين هو الّذي روي عنه محمد بن عيسي لقي أبا الحسن الكاظم عليه السّلام و من السادسة.

(4)- هريز ابن عبد اللّه

السجستاني، ثقة من كبار الخامسة.

(5)- امره في جلالة القدر مشهور معروف من الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 294

عبد اللّه عليه السّلام فامر له ان يلبّي عنه و ان يمرّ الموسي علي رأسه فان ذلك يجزي عنه» «1» و الظاهر منه ان الرجل كان صرورة و يمكن ان يقال ان الوجه في تعيّن امرار الموسي عليه لا التقصير وجوب الحلق علي الصرورة و ليكن هذا أيضا من ادلة وجوب الحلق علي الصرورة و الا يأمره الامام عليه السّلام بالتقصير و لا اقل من تخييره بين امرار الموسي و التقصير و ظاهره اجزائه عن الحلق الّذي كان واجبا عليه معيّنا و الظاهر عملهم به و ان كان حديثه يعد من الضعاف و لكن في النفس شي ء من ردّ مثله، و اشكال صاحب الجواهر بقصوره من اثبات الوجوب خلاف ظاهره و لكنه قال:

مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين الامرار و التقصير خصوصا بعد ما سمعته من امر الصادق عليه السّلام في اقرع خراسان مؤيدا بخبر أبي بصير عنه عليه السّلام (الضعيف بمحمد بن سنان الواقع في سنده) قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع اراد ان يقصّر فحلق رأسه؟ قال: عليه دم يهريقه فاذا كان يوم النحر امرّ الموسي علي رأسه حين يريد ان يحلق» «2».

و خبر عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «سألت عن رجل حلق قبل ان يذبح قال: يذبح و يعيد الموسي لان اللّه تعالي يقول: لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» «3» كما انه لا ينبغي تركه اذا لم يكن عنده شعر يقصّره لاستبعاد حلّه بلا حلق و لا تقصير و لا امرار

الموسي مضافا الي ما سمعته من النصوص انتهي «4».

و استبعاد حلّه بلا حلق و لا تقصير لا يوافق كون التقصير اعم من اخذ شي ء من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 11، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 11، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 11، ح 2.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 243.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 295

شعر الرأس او اللحية او الشارب او تقليم شي ء من الاظفار و اللّه هو العالم.

في مواطن التحلل
[الموطن الأول عقيب الحلق و التقصير من كل شي ء الا الطيب و النساء.]

مسألة 96- ذكر في الجواهر ان مواطن التحلل ثلاثة و الاول منها ان المتمتع يحل عقيب الحلق و التقصير من كل شي ء الا الطيب و النساء.

و هذا قول المشهور بل حكي عن العلامة في المنتهي نسبته الي علمائنا «1» و الدليل عليه الروايات منها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا ذبح الرجل و حلق فقد احل من كل شي ء احرم منه الا النساء و الطيب فاذا زار البيت و طاف و سعي بين الصفا و المروة فقد احل من كل شي ء احرم منه الا النساء، و اذا طاف طواف النساء فقد احل من كل شي ء احرم منهم الا الصيد و قال شيخنا الحر: اقول المراد الصيد الحرمي لا الأحرامي «2» و في صحيح العلاء قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام:

«اني حلقت راسي و ذبحت و انا متمتع اطلي راسي بالحناء؟ قال: نعم من غير ان تمس شيئا من الطيب قلت: و البس القميص، و أ تقنع؟ قال: نعم قلت: قبل ان اطوف بالبيت؟ قال: نعم». «3» و صحيحه الاخر «4» الا ان كونه غير الاول لا يثبت لاحتمال كونهما واحدا

و غيرها من الروايات «5».

و في قبال هذه الروايات التي عمل بها الاصحاب صحيح سعيد بن يسار و لفظه علي ما في الكافي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع اذا حلق رأسه قبل ان يزور

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 252.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 13، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 13، ح 5.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 13، ح 3.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 296

البيت يطلّيه بالحناء؟ قال نعم الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء الا النساء رددها علي مرتين او ثلاثة. قال: و سألت أبا الحسن عليه السّلام عنها فقال: نعم الحناء و الثياب و الطيب» و في التهذيب و الاستبصار اخرجه و ليس فيه (قبل ان يزور البيت) و اخرجه في الوسائل عن الكافي كما في التهذيب و علي ان تكون هذه الجملة زيدت علي الرواية حملها الشيخ علي ان يكون اراد متي حلق و طاف طواف الحج و سعي فقد حل له هذه الاشياء، و ان لم يذكره في اللفظ لعلمه بان المخاطب عالم بذلك او تعويلا علي غيره من الاخبار «1» و لكن هذا الحمل بعيد كما اشار إليه صاحب الجواهر «2» أيضا مضافا الي انه ذكر ان النسخة الصحيحة من الكافي متضمنة لهذه الجملة و النسخة التي بايدينا أيضا متضمنة لها و الاصل عدم الزيادة و هو مقدم علي اصل عدم النقيضة و الحاصل ان الظاهر منافاة هذا الصحيح مع ما يدل علي انه لا يحل من الطيب الا بعد زيارة البيت و الطواف و السعي و لذا اجاب

عنه في الدروس علي ما حكي عنه بانه متروك 3 و يمكن حمله علي التقية فقد حكي في التذكرة عن الشافعي و ابي حنيفة و احمد انه يحل له كل شي ء الا النساء و به قال ابن الزبير و علقمة و طاوس و النخعي و ابو ثور و لا يخفي عليك ان علي فرض تساقط الروايات بالتعارض فمقتضي اطلاق ما دل علي حرمة استعمال الطيب الي ان يطوف طواف الحج حرمة استعمال الطيب الي ان يطوف طواف الحج كما افاده بعض الاجلة «4» ثم انه قد تعرض هنا في الجواهر بروايات اخري ناقش في دلالتها منها ما رواه يونس مولي علي عن ابي أيوب الخراز قال: «رايت أبا لحسن عليه السّلام بعد ما ذبح حلق ثم ضمد

______________________________

(1)- راجع في ذلك الوسائل ابواب الحلق و التقصير، ب 13، ح 7 و الكافي 4: 505/ 1 التهذيب 5/ 32 الاستبصار، ج 2 ص 287، ب 196، ح 4/ 1021.

(2) 2- 3 جواهر الكلام: 19/ 253.

(4)- المعتمد: 5/ 327.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 297

رأسه بمسك (بسك) و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعا» و الخدشة في سنده بان يونس مولي علي و علي هذا مجهول رد بانه مولي علي بن يقطين و هو ثقة و الشاهد علي ذلك رواية الحسن بن علي بن يقطين هذا الخبر عنه كما رد بان في بعض النسخ (كان متقنعا) مضافا الي كونه (متمتعا) زعم من الراوي نعم علي القول بكون النسخة (متمتعا) يقع التعارض بينه و بين سائر الروايات و علي فرض ان لا نقول بعدم حجيته لتركهم العمل به و عملهم بما يعارضه يسقطان عن الحجية و مقتضي الاطلاق

كما ذكر حرمة الطيب ان يطوف طواف الحج و اللّه تعالي هو العالم.

ثم انه بقي الكلام في الصيد: فقد ألحقه في الشرائع بالطيب و في الجواهر بل هو معقد النسبة الي علماء في محكي المنتهي لكن في القواعد علي اشكال ثم ذكر وجه الاشكال مما يدل علي عدم اللحوق و لكن يمكن التمسك علي عدم الاحلال له بالحلق بالاستثناء الواقع في ذيل صحيح معاوية بن عمار حيث قال عليه السّلام فاذا طاف طواف النساء فقد احل من كل شي ء احرم منه الا الصيد بناء علي الاستثناء متصلا لا منقطعا كما سمعت من الوسائل ان المراد منه الصيد الحرمي لا الاحرامي و يمكن ان يقال ان الاستثناء انما احل من كل شي ء احرم منه الا النساء و الطيب ظاهر بعمومه في انه احل من الصيد الّذي هو داخل تحت كل شي ء احرم منه و هكذا قوله عليه السّلام:

احلّ من كل شي ء احرم منه الا النساء و اذا كان المراد من الصيد في الجملة الثلاثة الصيد الاحرامي يلزم التهافت و لتكن الجملتان الاولتان قرينة علي المراد من الثلاثة و بصحيح آخر عن معاوية بن عمار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام من نفر في النفر الاول متي يحل له الصيد؟ قال: اذا زالت الشمس من اليوم الثالث». «1»

و من المعلوم ان المراد منه الصيد الاحرامي فان الحرمي محرم مطلق ما دام هو كائن في الحرم و صحيح حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا اصاب المحرم الصيد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 11، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 298

فليس له ان ينفر في النفر الاول، و من نفر في النفر الاول

فليس له ان يصيب الصيد حتي ينفر الناس و هو قول اللّه عز و جل: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ … لِمَنِ اتَّقيٰ) فقال: اتقي الصيد». «1»

فان المراد من الصيد في الاول و ان امكن ان يكون الحرمي الا ان في الثاني لا يمكن ان يكون الحرمي فان حرمته ليست مغياه بنفر الناس و استدل علي استثناء الصيد أيضا بالاصل و اطلاق الامر بالاجتناب عن الصيد في الاحرام فلا يخرج منه له الا عند زوال الشمس من اليوم الثالث عشر و بقوله تعالي: (لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ) الّذي يكفي في تحققه حرمة الطيب و النساء و انه في الحرم لكن الاستدلال بكونه في الحرام يوجب صرف ان يكون المراد من الآية النهي عن قتل الصيد الاحرامي و لذا قال ابن بابويه و القاضي علي ما حكي عنهما «2» انه لا يحل له بعد طواف النساء أيضا لكونه الحرم فان هذه الحرمة ليست من جهة الاحرام كما لا يخفي و علي ذلك كله الاقوي لحوق الصيد بالطيب و النساء و حرمته من جهة الاحرام الي اليوم الثالث عشر و حكي في الجواهر عن الدروس عن العلامة ان عدم التحلل من الصيد مذهب علمائنا و ان كنا لم نتحققه و اللّه هو العالم.

ثم انه قال في الجواهر: هذا كله في المتمتع فاحدها ما في الدروس علي ما حكي عنه من اشتراط حل الطيب بصورة تقديم الطواف و السعي علي الموقفين و في الجواهر انه في غير محله و ان ذكر بعض الناس له وجها غير وجيه و منها عدم الفرق بينه و بين المتمتع في حرمة النساء و الطيب كما هو الظاهر من

اطلاق الشرائع و النافع و محكي الخلاف و عن الجعفي التصريح بذلك و قال: و لا ريب في ضعفه و القول الثالث:

انه يحل له بالحلق او التقصير الطيب أيضا كما في القواعد و محكي الاحمدي و التهذيب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 11، ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 355.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 299

و الاستبصار و النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع «1» و يدل عليه صحيح محمد بن عمران قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الحاج يوم النحر ما يحل له؟ قال:

«كل شي ء الا النساء و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شي ء الا النساء و الطيب» «2» و المراد من الحاج المفرد او القارن سيما اذا وقع عدلا للمتمتع كما وقع في هذا الحديث مضافا الي ان في الاستبصار جاء السؤال هكذا عن الحاج غير المتمتع و في الوسائل أيضا رواه هكذا 3 و غيره مما ذكره في الجواهر «4» و الصحيح ظاهر في الفرق بين المتمتع و غيره فلا يحل للاول الطيب و يحل للثاني كما انه بالإطلاق يسأل من قدم الطواف و السعي علي الحلق او التقصير و من لم يقدمهما و اللّه هو العالم.

الموطن الثاني للتحلل المتمتع اذا طاف طواف الزيارة للحج و صلي صلاته و سعي

حلّ له الطيب و الظاهر انه لا خلاف فيه و الدليل عليه قول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية المتقدم: فاذا زار البيت و طاف و سعي بين الصفاء و المروة فقد احل من كل شي ء احرم منه الّا النساء و ما في صحيح منصور بن الحازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: اذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتي تطوف البيت. «5»

و في

الخبر المروي عن بصائر الدرجات … عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في كتابه الي المفضل بن عمر) و اذا اردت المتعة في الحج فاحرم من العقيق و اجعلها متعة (الي ان قال) ثم احرمت بين الركن و المقام بالحج فلا تزال محرما حتي تقف بالمواقف ثم ترمي الجمرات و تذبح و تغتسل ثم تزور البيت فاذا انت فعلت ذلك احللت و هو قول اللّه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 357.

(2) 2 و 3 وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 14 ح 1.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 357.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب تروك الاحرام، ب 18، ح 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 300

عز و جل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ اي يذبح ذبحا. «1»

و في صحيح معاوية بن عمار الاخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: وطف بينهما (اي بين الصفا و المروة) سبعة اشواط تبدأ بالصفاء و تختم بالمروة فاذا فعلت ذلك فقد احللت من كل شي ء احرمت منه الا النساء. «2»

و لا يخفي ان اطلاق صحيح منصور بن الحازم و كتاب الامام عليه السّلام الي المفضل بن عمر و ان كان يدل علي حصول الاحلال بالطواف و ان لم يأت بصلاته و لذا حكي عن كشف اللثام انه لا يتوقف علي صلاة الطواف لاطلاق النص و الفتوي «3» الّا انه مقيد بصحيحي معاوية بن عمار مضافا الي انه يمكن ان يقال بتناول زيارة البيت فيهما لهما.

ثم ان هذا كله اذا وقع الطواف و السعي بعد الحلق او التقصير اما اذا قدم القارن و المفرد الطواف و السعي علي الوقوف أم قدم المتمتع للضرورة فلا بد ان يقال بالاحلال من الطيب بالحلق

او التقصير لا بالطوف و السعي الذين اتي بهما قبل الموقفين و في الجواهر قال: فالظاهر عدم التحلل الا بالحلق للاصل و خبر المفضل «4» و انصراف الخبر الاول و الفتاوي الي المؤخر مضافا الي مكان كون المحلل هو المركب من الطواف و السعي و ما قبلهما من الافعال بمعني كون السعي جزء العلة فما عن بعض من التحلل لا يخفي عليك ما فيه و ان استوجهه في المسالك لكن قد سمعت فيما تقدم انه مع تقديم الطواف و السعي لا بد من تجديد التلبية لتجدد الاحرام كما انه لا وجه لبقاء حكم الاحرام مع فرض عدم تجديد التلبية و صيرورته حلالا، و انقلاب حجه عمرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج، ب 2، ح 30.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الزيارة البيت، ب 4، ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 357 و كشف اللثام: 6/ 225.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 358.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 301

و بذلك يظهر لك اشكال في اصل تصور المسألة فتأمل جيدا «1».

أقول: ملخص ما افاد ان مقتضي ظاهر الادلة و الفتاوي و ان كان حصول التحليل عن الطيب بالطواف و السعي و ان قدمهما علي الوقوفين و يلزم منه كون الطيب حلال عليه و هو في عرفات و المشعر مع كون سائر المحرمات محرما عليه الا أنها منصرفه الي الطواف و السعي الواقعين بعد الموقفين و مقتضي الاصل بقاء الاحرام حتي يحلق و يدل عليه خبر المفضل هذا مضافا الي ان من المحتمل ان يكون المحلل مركبا من الطواف و السعي و ما قبلهما من الافعال بان يكون السعي جزء العلة سواء تقدم علي سائر الاجزاء او تأخر، و بعد ذلك كله قد تقدم

انه يجب علي من يقدم الطواف و السعي تجديد احرامه بتجديد التلبية عند كل طواف و سعي يأتي به حتي لا ينقلب حجه الي العمرة و بعد ذلك لا بد الا ان نقول بعدم تحلله الا بالحلق فتصور المسألة يكون مبنيا علي تجديد التلبية و الاحرام اذا قدم الطواف و السعي و علي هذه الصورة لا يمكن ان يقال بالاحلال من الطيب لمجرد الاتيان بهما. و اللّه هو العالم.

التحلل الثالث [اذا طاف طواف النساء]

مسألة 97- اذا طاف طواف النساء حلّ له النساء لما سمعته من النصوص و في الجواهر بلا خلاف معتد به اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه انتهي.

و في النصوص ما يدل علي توقف التحلل به و بصلاته ففي صحيح معاوية بن عمار قال ثم ارجع الي البيت وطف به اسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 358.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 302

ثم قد احللت من كل شي ء و فرغت من حجك كله و كل شي ء احرمت منه «1» و كما يجب هذا الطواف و صلاته علي الرجال و حل لهم بهما النساء يجب علي النساء أيضا و يتوقف حلّ الرجال لهن بهما و قد حكي عن ابن بابويه التصريح بذلك في الرسالة «2» و هو مقتضي الاصل اي استصحاب بقاء حرمة الرجال عليهن، و اطلاق قوله تعالي: فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ، فكما لا يختص حرمة الفسوق و الجدال بالرجال لا يختص الرفث أيضا بهم و قاعدة الاشتراك و صحيح العلاء بن صبيح و عبد الرحمن بن حجاج و علي بن رئاب و عبد اللّه بن صالح كلهم يروونه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

قال: المرأة المتمتعة اذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية فان طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة و ان لم تطهر الي يوم التروية اغتسلت و احتشت ثم سعت بين الصفا و المروة ثم خرجت الي مني فاذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا بالحج ثم خرجت فسعت فاذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم الا فراش زوجها «3» و صحيح الحسين بن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: نعم، عليهم الطواف كلهم. «4»

ثم انه يقع الكلام في ان المراد بتحريم النساء في قولهم فقد احلّ من كل شي ء الا الطيب و النساء او الا النساء هل هو جميع الاستمتاعات او خصوص المقاربة؟

حكي عن القواعد ان المراد به الوطء و ما في حكمه من التقبيل و النظر و اللمس بشهوة دون العقد عليها و ان حرم بالاحرام و عن الشهيد حرمة العقد عليهن بل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 4 ح 1.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 259.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 84، ح 1.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 2 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 303

المفهوم منه حرمة الاشهاد «1» و لا يخفي عليك انه لا يفهم من مثل قوله عليه السّلام: احلّ من كل شي ء الا النساء حرمة العقد عليهن لغير نفسه نعم يمكن ان يقال بها في العقد عليهن لنفسه و لكن يمكن ان يقال بحصر ما بقي عليه من المحرّمات الراجعة الي النساء بخصوص المضاجعة و المقاربة بقوله عليه السّلام

في صحيح الفضلاء فقد احلت من كل شي ء يحل منه المحرم الا فراش زوجها و مع ذلك ينبغي مراعات الاحتياط بترك سائر الاستمتاعات أيضا لوقوع الاستثناء في سائر الروايات ب «الا النساء او الا الطيب و النساء» و للاصل.

[في كراهة لبس المخيط إلي أن يفرغ من طواف الزيارة]

مسألة 98- عن معاوية بن عمار عن ادريس القمي قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: عن مولي لنا تمتع فلما حلق لبس الثياب قبل ان يزور البيت؟

فقال: بئس ما صنع. قلت: عليه شي ء؟ قال: لا قلت: فاني رأيت ابن أبي السماك يسعي بين الصفا و المروة و عليه خفان و قبا و منطقة؟ فقال: بئس ما صنع قلت: أ عليه شي ء؟ قال: لا «2» و ليكن محمولا علي الكراهة بقرينة النصوص الدالة علي الاحلال بالحلق الآبية اطلاقها عن التقييد به و الظاهر ان الخبر صحيح فان ادريس راويه ثقة له كتاب و ابو جرير القمي و هو زكريا ابن ادريس ابنه كان وجها يروي عن الرضا عليه السّلام و ان عبر عن حديثه هذا في الجواهر بالخبر «3».

و كيف كان يدل علي كراهية لبس المخيط الي ان يفرغ من طواف الزيارة كما هو مقتضي عبارة الشرائع بل الي ان يفرغ من السعي كما يدل عليه الصحيح.

و مما هو مكروه فعله الي ان يفرغ من طواف الزيارة و السعي تغطية الرأس يدل

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 351.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 18، ح 3.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 262.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 304

عليه صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة فوقف بعرفة و وقف بالمشعر و رمي الجمرة و ذبح و حلق أ يغطي رأسه؟ فقال: لا

حتي يطوف بالبيت و بالصفا و المروة قيل له: فان كان فعل؟ قال: ما اري عليه شيئا «1». و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في رجل كان متمتعا فوقف بعرفات و بالمشعر و ذبح و حلق؟ قال: لا يغطي رأسه حتي يطوف بالبيت و بالصفا و المروة فان ابي عليه السّلام كان يكره ذلك و ينهي عنه فقلنا: فان فعل؟ قال: ما اري عليه شيئا و ان لم يفعل كان احب إليّ «2».

و ظاهر هذه الروايات اختصاص المنع عما ذكر بالمتمتع و يدل علي الاختصاص بالصراحة ما رواه علي بن النعمان عن سعيد الاعرج «3» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل رمي الجمار و ذبح و حلق رأسه أ يلبس قميصا و قلنسوة قبل ان يزور البيت؟ فقال: ان كان متمتعا فلا و ان كان مفردا للحج فنعم» «4» و هو صحيح و ان عبر عنه في الجواهر بالخبر «5». و مع ذلك اطلق البعض الكراهة و مما يكره علي المتمتع أيضا الطيب و هو مكروه الي ان يفرغ من طواف النساء كما في صحيح ابن بزيع قال: كتبت الي أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «هل يجوز للمحرم المتمتع ان يمس الطيب قبل ان يطوف طواف النساء؟ قال: لا» «6».

و النهي فيه محمول علي الكراهة لكون ما يدل علي الجواز اصرح فيه لا يمكن حمله

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 18، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 18، ح 1.

(3)- هو ثقة.

(4)- الوسائل، ابواب الحلق و التقصير، ب 18، ح 2 و 1 و 4.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 264.

(6)- وسائل

الشيعة، ابواب زيارة البيت ب 1، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 305

علي غيره بخلاف النهي فما يدل علي الجواز قرينة علي إرادة النهي منه و اللّه هو العالم.

[الافضل للحاج ان يمضي الي مكة للطواف و السعي ليومه]

مسألة 99- الافضل للحاج ان يمضي الي مكة للطواف و السعي ليومه لاستحباب المسارعة و الاستباق للخيرات و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في زيارة البيت يوم النحر قال: زره فان شغلت فلا يضرك ان تزور البيت من الغد و لا تؤخر ان تزور من يومك فانه يكره للمتمتع ان يؤخره و موسع للمفرد ان يؤخره … «1»

و في موثق اسحاق بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن زيارة البيت تؤخر الي اليوم الثالث؟ قال: تعجيلها احب الي و ليس به بأس ان اخرها «2» و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

قال: لا بأس ان تؤخر زيارة البيت الي يوم النفر انما يستحب تعجيل ذلك مخافة الاحداث و المعاريض» «3» و عليه الاستحباب لا يكون لنفسه بل لكون التأخير معرضا للفوت و التعجيل مصداقا للاستباق و المسارعة و عليه يكون كل فرد متقدم بالنسبة الي ما هو المتاخر منه و في صحيح معاوية بن عمار قال: «سألته عن المتمتع حتي يزور البيت قال: يوم النحر او من الغد و لا يؤخر، و المفرد و القارن ليسا بسواء موسع عليهما» «4» و لا يخفي ان من هذا الصحيح و صحيحه الاخر يستفاد نفسية رجحان الاتيان به يوم النحر لانه لو كان لانطباق عنوان الاستباق عليه ينطبق علي اتيان القارن او المفرد به يوم النحر أيضا فالفرق مبني علي التعبد.

ثم لا يخفي عليك

انه و ان يستفاد من بعض الاخبار عدم جواز تاخير زيارة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 1 ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 1 ح 10.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 1، ح 9.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 1، ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 306

البيت من يوم النحر او منه او من الغد و قد افتي به في الشرائع فقال: فان اخر اثم و حكي عن المفيد و المرتضي عدم جواز تاخير المتمتع ذلك عن اليوم الثاني بل عن التذكرة و المنتهي نسبته الي علمائنا الا انه حمل النهي في بعض النصوص علي الكراهة لما في بعضها الاخر مثل صحيح عبد اللّه بن سنان الصريح في جواز التأخير الي يوم النفر و للتعبير في بعضها بقول (ينبغي) و نحوه مما هو ظاهر في الكراهة او الندب و مقتضي الاصل ذلك و لعل المراد منه عدم وجوبه فورا و (اطلاق الحج اشهر معلومات) يدل علي جواز ايجاد افعال الحج في ذي الحجة الا ما خرج بالدليل «1» و مما يدل علي الاستحباب صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل نسي ان يزور البيت حتي اصبح؟ قال: لا بأس، أنا ربّما آخرته حتي تذهب ايام التشريق و لكن لا يقرب النساء و الطيب» «2» و صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس ان اخرت زيارة البيت حتي تذهب ايام التشريق». «3»

و الحاصل انه يجوز تكليفا و وضعا تأخير زيارة البيت الي ايام التشريق بل الي آخر ذي الحجة الا انه لا يخرج من الاحرام من الطيب و النساء و

يستحب له التعجيل و استحبابه في يوم النحر آكد. هذا كله في المتمتع و اما في المفرد و القارن فلم يقل احد فيهما بوجوب التعجيل او حرمة التأخير و اللّه هو العالم.

[في أن الصبي المميز يحلل عليه كالبالغ المحرمات]

مسألة 100- لا ريب في ان الصبي المميّز اذا اتي بافعال الحج و كل ما يوجب التحلل من المحرمات كالحلق او التقصير و طواف البيت و السعي و طواف النساء و صلاته يحلل عليه كالبالغ المحرمات و مثله غير المميز الّذي حج به الا انه يأتي الكلام في حرمة النساء عليهما بعد البلوغ ربما يقال

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 265

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الزيارة البيت ب 1، ح 2.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الزيارة البيت ب 1، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 307

بان حرمة المحرمات علي المحرم من الاحكام الوضعية التي لا تختص بالبالغين بل هي مسبب من الاحرام فاذا وجد سببها يوجد المسبب لا محالة و يشكل ذلك لعدم كون غير البالغ مكلفا بترك محرمات الاحرام فكيف يوجب الاحرام حرمة ما هو المحرم علي البالغين عليه و كيف يترتب علي احرامه الّذي هو كسائر عقوده مثل البيع و النكاح اثره الّذي يترتب علي احرام البالغ غاية ما يقال علي القول بصحة عبادات الصبي المميز انه لو احرم و عمل كما يعمله البالغون الي الخروج من الاحرام بما يخرج به المكلفون يثاب و يوجر عليه بل يجزي عن غيره ان اتي به نيابة عن غيره و لكن مجرد ذلك لا يوجب حالة نفسية تترتب عليها حرمة فعل المحرمات و يوجب الافعال الخاصة الي طواف النساء و صلاته لكن الصبي لا يكون مكلفا بها ما دام هو صبي و بعد البلوغ يترتب عليها كسائر البالغين

كالجنابة الحاصلة في الصغر او في حال الجنون و علي هذا لا يجب علي وليه امره بواجبات الحج و نهيه عن اتيان محرماته و الّذي ينبغي ان يقال ان كان في المسألة اجماع فهو و الا فاثبات وجوب امر علي الصبي المميز حال عدم بلوغه و بعده مشكل و مقتضي الاصل عدمه نعم في الجواهر انه حكم الشهيد بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ بل عن المنتهي و التذكرة الاجماع علي وجوبه علي الصبيان و في كشف اللثام بمعني ان علي الولي امر المميز به و الطواف بغير المميز فان لم يفعلوه حرمن عليهم اذا بلغوا حتي يفعلوه او يستنيبوا فيه استصحابا الا علي عدم توقف حلهن عليه الخ. «1»

و في غير المميز قال في الجواهر فلا اشكال في عدم شرعية احرامه و لو تمرينا مع فرض وقوعه منه فلا تحرم النساء عليه اذا لم يطف به الولي نعم قطع الشهيد بكونه كالمميّز ان احرم به الولي و احتمله في كشف اللثام هنا قويا الخ. «2»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 260

(2)- جواهر الكلام: 19/ 260

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 309

[الكلام في أعمال مكة]

اشارة

الكلام في الطواف

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 311

في الطواف

السابع من واجبات الحج: الطواف

اشارة

و ما ذكرنا من الاحكام و الشرائط في طواف عمره التمتع تجري فيه بعينه لان الطواف حقيقة واحدة لا فرق في احكامه و شرائطه بين طواف الحج و طواف عمرة التمتع و طواف العمرة المفردة و طواف النساء الا انه ذكر في الجواهر مسائل نتعرض نحن لبعضها هنا في طي مسائل.

[ترك الطواف عالما عامدا يوجب بطلان الحج]

مسألة 101- لا ريب في ان ترك الطواف عالما عامدا يوجب بطلان الحج لانه ركن من اركان الحج كالنية و الاحرام و الوقوفين و السعي و ذلك لعدم الاتيان بالمامور به المركب منه و من غيره و لفحوي صحيح علي بن يقطين سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل ان يطوف بالبيت طواف الفريضة؟ قال:

«ان كان علي وجه جهالة في الحج اعاد و عليه بدنة «1» و خبر علي بن أبي حمزة قال:

سئل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتي رجع الي اهله قال اذا كان علي وجه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 56، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 312

جهالة (جهة الجهالة) اعاد الحج و عليه بدنة هذا علي رواية الشيخ و علي» «1» رواية الصدوق قال عن ابي الحسن عليه السّلام و ذكر يدل (جهل) (سها) «2» و هاتان الروايتان تدلان علي بطلان الحج بترك الطواف عالما و عمدا بالفحوي نعم يمكن الاشكال في وجوب البدنة علي العالم أيضا لاحتمال ان يكون ذلك لتركه التعلم الا ان الظاهر وجوبها عليه بالفحوي المذكور.

هذا و هل الترك الموجب للبطلان بفعل المناسك بعده او بمضي ذي الحجة او بذهابه الي بلده حيث يتعذر له الرجوع الي مكة الظاهر ان بمجرد فعل ما هو الوظيفة بعده لا يتحقق الترك و لذا ذكروا انه لو قدم

السعي علي الطواف عمدا بطل السعي و وجب عليه الطواف ثم السعي فالاقوي انه يتحقق بتركه طول ذي الحجة او بعد ما ذهب الي بلده و تعذر عليه الرجوع الي مكة، هذا في الحج و اما في العمرة المتمتع بها الي الحج فقد ذكرنا انه يتحقق تركه بما اذا لم يتمكن من جهة ضيق الوقت الي الاتيان بالطواف و الحضور في الموقفين علي تفصيل مرّ ذكره قال في الجواهر و ان كانت مفردة فبخروج السنة ان كانت المجامعة للحج القران او الافراد و لو كانت مجردة عنه فاشكال اذ يحتمل حينئذ بطلانها بخروجه عن مكة و لما يفعله، و يحتمل ان يتحقق في الجميع بتركه بنية الاعراض عنه، و ان يرجع فيه الي ما يعد تركا عرفا و المسألة موضع اشكال و قد سبقه الكركي الي ذلك في حاشية الكتاب قال: و مما يشكل تحقيق ما به يتحقق ترك الطواف فانه لو سعي قبل ان يطوف لم يعتد به، و ان احرم بنسك آخر بطل فعله صرح به في الدروس و يمكن ان يحكم في ذلك العرف فاذا شرع في نسك آخر عازما علي ترك الطواف بحيث يصدق الترك عرفا يحكم ببطلان الحج او يراد به خروجه من مكة بنية عدم فعله قلت: لا يخفي عليك ما في ذلك كله بعد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 56 ح 2.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 56 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 313

الاحاطة بما ذكرنا سابقا من جواز تاخير طواف حج التمتع و سعيه كما سمعت الكلام في ذلك مفصلا بل الظاهر من القائل بعدم الجواز إرادة الاثم دون البطلان فحينئذ يراد بالترك في حج التمتع

و القران و الافراد عدم الفعل في تمام ذي الحجة، و في عمرة التمتع عدمه الي ضيق وقت الوقوف بعرفة، و في العمرة المفردة المجردة الي تمام العمر بل و كذا المجامعة لحج الافراد و القران بناء علي عدم وجوبهما في سنتهما و الا فالمدار علي تركها في تلك السنة فهو ركن في هذه المناسك جميعا تبطل بتركه فيها علي الوجه المزبور مع العلم و العمد انتهي. «1»

ثم ان الظاهر منهم عدم لحوق طواف النساء في الحكم المذكور الي طواف الزيارة فلا يوجب تركه العمدي بطلان النسك ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«انما نسك الّذي يقرن بين الصفا المروة مثل نسك المفرد ليس بافضل منه الا بسياق الهدي و عليه طواف بالبيت و صلاة ركعتين خلف المقام و سعي واحد بين الصفا و المروة و طواف بالبيت بعد الحج» «2» و نحوه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه (و طواف بعد الحج و هو طواف النساء) «3» و علي هذا لو فرضنا فيه تحقق الترك لا يجب عليه، الا تداركه بالقضاء.

[حكم من ترك الطواف نسيانا]

مسألة 102- في الجواهر انه «4» لا خلاف معتد به بل عن الخلاف و الغنية الاجماع علي ان تركه الطواف نسيانا لا يوجب بطلان الحج و انما يجب علي من تركه قضائه بنفسه متي ما ذكره و لو بعد المناسك ان تمكن من القضاء بنفسه و ان لم يتمكن يستنيب عنه سواء بقي وقت التدارك كما اذا

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 371

(2)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج ب 2، ح 6.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج ب 2 ح 12.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 374.

فقه الحج

(للصافي)، ج 4، ص: 314

كان تذكر و هو في ذي الحجة او فات وقته و خرج من ذي الحجة فان تذكر هو في ذي الحجة و في مكة يتداركه بنفسه.

و يدل عليه موثق اسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا و المروة فبينما هو يطوف اذ ذكر انه قد ترك من طوافه بالبيت؟ فقال: يرجع الي البيت فيتم طوافه ثم يرجع الي الصفا و المروة فيتم ما بقي قلت: فانه بدأ بالصفا و المروة قبل ان يبدأ بالبيت؟ قال: يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا و المروة قلت: فما فرق بين هذين؟ قال: لان هذا دخل في شي ء من الطواف و هذا لم يدخل في شي ء منه «1»

فان فات وقته و خرج من ذي الحجة فان تمكن من قضائه بنفسه يقضيه و الا ان لم يتمكن من قضائه بنفسه كما اذا رجع الي بلاده و تعذر له الرجوع الي مكة يستنيب من يقضيه عنه في ذي الحجة و الا في غيره و الاحوط اعادة السعي بعده و يدل عليه صحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتي قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي ان كان تركه في حج بعث به في حج و ان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة و كلّ من يطوف عنه ما تركه من طوافه» «2» و لا عبرة بحمله علي طواف النساء و الحكم ببطلان الحج و حمل النسيان علي الجهل كما فعله الشيخ في التهذيب و الاستبصار و الاحوط اعادة السعي لاطلاق

صحيح منصور بن حازم «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل ان يطوف بالبيت؟ فقال: يطوف بالبيت ثم يعود الي الصفا و المروة فيطوف

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 63، ح 3

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 315

بهما» «1» و وجه الاحتياط و عدم الجزم بالفتوي بالوجوب احتمال اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت و خبر منصور بن حازم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بدأ بالسعي بين الصفاء و المروة قال: يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي قلت: ان ذلك قد فاته؟ قال: عليه دم الا تري انك اذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد علي شمالك» «2» فان الاقتصار فيه علي وجوب الدم يدل علي عدم وجوب الاعادة و مع ما في سنده ذيله شاهد علي ان صدره الّذي موافق لصحيح منصور ليس ظاهرا في حكم صورة الفوت و لذا قال الراوي ان ذلك قد فاته فغاية ما يقتضيه ما ذكر هو الاحتياط باعادة السعي و اللّه هو العالم.

[حكم من شك في عدد اشواط الطواف بعد الفراق و الانصراف منه]

مسألة 103- اذ شك في عدد اشواط الطواف بعد الفراق و الانصراف منه سواء دخل في غيره أم لا فالظاهر انه محكوم بالصحة لقاعدة الفراغ و استدل له مضافا الي القاعدة في الجواهر «3» بصحيح ابن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟

قال: فليعد طوافه قلت: ففاته؟ قال: ما اري عليه شيئا و الاعادة احب الي و افضل «4» و نحوه رواية عبد الرحمن بن سيابة او ابن أبي نجران كما حققه صاحب

المنتقي و غيره كما الوسائل و لفظه باسناد الشيخ الي موسي بن القاسم عن عبد الرحمن بن سيابة عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أ ستة طاف او سبعة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، كل ابواب الطواف ب 63، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 63 ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 378

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 63، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 316

طواف فريضة؟ قال: فليعد طوافه قيل: انه قد خرج وفاته ذلك قال: ليس عليه شي ء «1»

أقول: فان كان الراوي عبد الرحمن بن سيابة فهو متروك لم يأت فيه مدح و لا قدح الا انه روي ان الصادق عليه السّلام اعطاه دنانير يقسمها في عيالات من قتل مع زيد و هو من الطبقة الخامسة و موسي بن القاسم من كبار السابعة و اما عبد الرحمن بن أبي نجران فهو ثقة روي عن الرضا عليه السّلام و الظاهر انه من السادسة و استبعاد كون عبد الرحمن هذا ابن سيابة لاختلاف طبقة موسي بن القاسم الراوي عنه طبقته يرتفع بكونه من كبار السابعة و برواية البرقي عنه و هو أيضا من السابعة هذا و قد صحح الحديث بعض المعاصرين بان عبد الرحمن بن سيابة ثقة «2» لانه من رجال كامل الزيارات و لكن سمع منه انه عدل عن البناء علي ذلك و كيف كان يكفي في الاعتماد عليه رواية موسي بن القاسم و البرقي عنه ثم ان الاستدلال بالرواية علي الحكم بالصحة اذا شك بعد الفراغ مبني علي عدم اخذهم بظاهره و هو عدم وجوب شي ء فيه و لو مع الفوات

اذ هو كما قال في الجواهر اما عن عمد او جهل او نسيان و لكل موجب و لانه كترك الطواف كلا او بعضا و ليس فيها انه لا شي ء عليه اصلا فالحكم به صريحا في الروايات بعد مراعاة الاجماع اوضح دليل علي إرادة صورة الشك بعد الانصراف (قال): و لا ينافي ذلك الحكم في بعضها باستحباب الاعادة و ان لم نجد به قائلا (الي ان قال) و لعل منه أي من الفراق و الانصراف ما اذا اعتقد انه اتم الطواف و ان كان هو في المطاف و لم يفعل المنافي خصوصا اذا تجاوز الحجر اما قبل اعتقاد الا تمام فهو غير منصرف كان عند الحجر او بعده او خارجا عن المطاف او فعل المنافي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33، ح 1.

(2)- المعتمد: 5/ 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 317

كما صرح به في كشف اللثام «1».

أقول: إرادة صورة الشك بعد الانصراف لقاعدة الفراغ ينافي الحكم بالاعادة و اللّه هو العالم.

ثم انه لا يخفي عليك انه لا فرق في الحكم بالصحة بعد الفراق ان يكون الشك في عدد الاشواط او في الصحة ما اتي به من الطواف كلا او بعضا ففي كليهما يبني اتيان ما شك في الاتيان به و ما شك في صحة الاتيان به.

[اذا شك في عدد الاشواط في اثناء الطواف]

مسألة 104- اذا شك في عدد الاشواط في اثناء الطواف فان كان شكا في الزيادة عليها اي علي السابع قطع ما بيده و لا شي ء عليه و ذلك لاصالة عدم الزيادة و البراءة من الاعادة و لصحيح الحلبي قال: سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف او ثمانية؟ فقال: اما السبعة

فقد استيقن و انما وقع وهمه علي الثامن فليصل ركعتين.

و ليكن مورده ما اذا كان الشك حاصلا منه بعد الوصول الي الركن قبل الانصراف و اما اذا شك في انه طاف سبعة او ثمانية قبل الوصول الي الركن فشكه موجب للبطلان اما لنقص طوافه او لزيادة العمدية و استشكل في ذلك بعض الاعلام بعدم اقتضاء هذا الدوران بين الزيادة و النقص البطلان لان الاصل الجاري في كل من الطرفين لا يعارض الاخر ففي طرف النقيصة الاصل عدم الاتيان بالنقص و مقتضاه الاتيان به و في جانب الزيادة الاصل عدمها و لكنه استند في الحكم بالبطلان بالروايات.

فمنها صحيح الحلبي المتقدم و فيه اما السبعة فقد استيقن و إنما وقع وهمه علي الثامن و قد افاد بعض الاجلة انه يظهر من ذلك ان السبع لا بد من القطع به، و من

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 379.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 318

المفروض غير مقطوع به في المقام لاحتمال كونه ستة و نصف، و فيه ان هذا لا يدل علي البطلان في المقام لانه لا يمكن ان يكون الحكم فيه اضافة النصف عليه فيستيقن به السبعة و اما الزيادة علي السبعة فالاصل عدمه و قال: و بعبارة اخري يستفاد من صحيح الحلبي ان استصحاب عدم الزائد غير حجة في باب الطواف كما انه غير حجة في باب اعداد الصلاة «1» اقول: انه يستفاد منه استصحاب عدم الزائد فلذا لا يعتني بوقوع وهمه علي الثامن.

و منها معتبرة أبي بصير التي في اسنادها اسماعيل بن مرار عن يونس عن سماعة بن مهران عن أبي بصير قال: «قلت له الرجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة ثمانية؟ قال: يعيد

طوافه حتي يحفظ … الحديث» «2». و فيه اما اعتبارها مخدوش باسماعيل بن مرار غير الموصوف بقدح و لا مدح مضافا الي اضمارها.

و اما دلالتهما فهي في الشك بين الست و السبع و الثمانية بعد اتمام الشوط و منها الروايات الواردة في ان من شك في عدد اشواط الطواف الواجب في السبعة و ما دونها وجب عليه الاستيناف «3» فانها بالإطلاق كما تشمل بعد الفراغ من الشوط و الوصول الي الحجر الاسود تشمل اذا كان في الاثناء قبل الوصول الي الركن و فيه ان هذه الروايات واردة في من لم يدر انه طاف ستة أم سبعة و اقام في من شك انه هل نقص من السبع او زاد عليه و علي هذا فالاقوي الاستدلال علي البطلان بما افاده الشهيد لا علي ما حكي عنه بعض الاعلام بل علي ما حكي عنه في الجواهر و هو ان الامر يتردد بين المحذورين: الاكمال المحتمل للزيادة العمدية و القطع المحتمل للنقيصة

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 9.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 319

و لا يرد عليه الاشكال المذكور و ان كان يرد علي ما حكي عنه «1».

و كيف كان فلا ريب في ان الحكم في الشك قبل الركن انه السابع او الثامن او شك بين الستة و السبعة او ما دونهما اجتمع معهما احتمال الثمانية فما فوقها او لا كان عند الركن او لا هو البطلان كما حكي عن المقنع و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و غيرها «2».

و في الجواهر و مع ذلك حكي الفاضل عن المفيد انه قال: «من طاف بالبيت فلم يدر أ ستّا طاف

او سبعا فليطف طوافا آخر ليستيقن انه طاف سبعا» و فهم منه البناء علي الاقل علي ان مراده بطواف آخر شوط آخر و حكاه عن علي بن بابويه و الحلبي و ابي علي و اختاره بعض متأخري المتاخرين لا صلي البراءة و عدم الزيارة و صحيح منصور بن حازم المتقدم «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر أ ستة طاف أم سبعة قال: فليعد طوافه قلت: ففاته فقال: ما اري عليه شيئا و الاعادة احب الي و افضل» «3» و صحيحه الاخر قال: للصادق عليه السّلام: «اني طفت فلم ادر ستة طفت أم سبعة فطفت طوافا آخر؛ فقال: هلا استأنف؟ قال: قد طفت و ذهبت؟ قال: ليس عليك شي ء» «4» اذ لو كان الشك موجبا للاعادة لاوجبها عليه و صحيح رفاعة عنه عليه السّلام في رجل لا يدري ستة طاف او سبعة؟ قال: يبني علي يقينه «5» و فيه ان الاصل مقطوع بما عرفت كما ان المراد من الصحيح الاول ما سمعت من الشك بعد الفراغ لا في اثنائه و الا كان مخالفا للاجماع علي الظاهر و احتمال

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 379.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 380.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33، ح 8.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33، ح 3.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33، ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 320

الصحيح الثاني النافلة بل و الشك بعد الانصراف بل قد يحتمل قوله: «قد طفت» الاعادة علي معني فعلت الامرين الاكمال و الاعادة، و الثالث النافلة و الشك بعد الانصراف و البقاء علي اليقين بمعني انه حين انصرف اقرب الي اليقين مما بعده فلا يلتفت الي

الشك بعده و إرادة الاعادة أي يأتي بطواف تيقن عدده كل ذلك لقصورها عن المعارضة من وجوه الخ «1».

ثم انه حكي في الجواهر عن المدارك انه قال: ينبغي القطع بعدم وجوب العود باستدراك الطواف مع عدم الاستيناف كما دلت عليه الاخبار الكثيرة (قال) و تبعه المجلسي قال: ثم انه علي تقدير وجوب الاعادة فالظاهر من الادلة ان ذلك مع الامكان و عدم الخروج من مكة و المشقة في العود لا مطلقا و لا استبعاد في ذلك 2 اقول و هذا ظاهر من الوسائل أيضا حيث انه عنون الباب 33 من ابواب الطواف هكذا: باب ان من شك في عدد اشواط الطواف الواجب في السبعة و ما دونها وجب عليه الاستئناف فان خرج و تعذر فلا شي ء عليه و في المندوب يبني علي الاقل و يتم فان شك بعد الانصراف لم يلتفت مطلقا.

[حكم الزيادة السهوية علي السبعة]

مسألة 105- الزيادة السهوية علي السبعة اما ان لا تبلغ تمام الشوط الواحد او تكون به فعلي الصورة الاولي المشهور انه يقطعه و لا شي ء عليه حكي التصريح به عن الشيخ و بني زهرة و البراج و سعيد و العلامة و المحقق و غيرهم و الدليل عليه خبر أبي كهمس قال في الجواهر المنجبر بما عرفت قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل نسي فطاف ثمانية اشواط؟ قال: ان ذكر قبل ان يبلغ «3» الركن فليقطعه و قد أجزأ عنه و ان لم يذكر حتي بلغه فليتم

______________________________

(1) 1- 2 جواهر الكلام: 19/ 382.

(3)- و المراد به ركن الحجر و ما توهم من ان المراد به الركن الّذي بعد ركن الحجر لا يخفي وهنه، المرآة، ج 18، ص 41.

فقه الحج (للصافي)، ج 4،

ص: 321

اربع عشر شوطا و ليصل اربع ركعات و في الجواهر قال: بل لا اجد فيه خلافا الا من بعض متأخري المتأخرين بناء علي اصل فاسد و هو عدم انجبار الخبر الضعيف بالعمل و الفرض ضعف الخبر المزبور مع انه معارض بخبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: من طاف بالبيت فوهم حتي يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين المعتبر سنده بل عن العلامة الحكم بصحته الا ان ذلك كله كما تري لا يوافق ما حررناه في الاصول فيجب حمل الخبر المزبور بعد قصوره عن المقاومة علي إرادة اتمام الشوط من الدخول في الثامن او غير ذلك انتهي كلام صاحب الجواهر «1».

أقول: يمكن ان يقال بعد جبر ضعف سند خبر أبي كهمس بالعمل بتقييد صحيح عبد اللّه بن سنان به هذا.

و قد استدل بعض الاعلام من المعاصرين اللذين لا يرون جبر ضعف السند بعمل الاصحاب بالاصل فان مقتضاه الصحة و عدم بطلان الطواف بزيادة هذا المقدار سهوا و اجاب عن صحيح عبد اللّه بن سنان بانه معارض بصحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال: «ان في كتاب علي عليه السّلام اذا طاف الرجل بالبيت ثمانية اشواط الفريضة فاستيقن ثمانية اضاف إليها ستا و كذلك اذا استيقن انه سعي ثمانية اضاف إليها ستا» و مفهوم قوله: اذا طاف و ان كان اذا لم يطف علي نحو السالبة بانتفاء الموضوع الا انه بعد ضم قيد ثمانية اشواط إليه يكون الموضوع في المنطوق ثمانية اشواط لا اقل منها فيكون الموضوع في المفهوم الثمانية الغير المستكملة و حيث ان القيد مذكور في كلام الامام عليه السّلام

لا بد ان يكون لخصوصية في كاملها ليست في الناقص عنه و علي هذا يحمل الدخول في الثامن صحيح ابن سنان علي الدخول

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 384.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 322

الكامل فيرتفع التنافي من البين ثم قال لو تنزلنا و التزمنا بالتعارض فالمرجع هو الاصل المقتضي للصحة و يؤيد برواية أبي كهمس فانه صريح في المطلوب «1».

أقول: ان كان قيد الثمانية في صحيح محمد بن مسلم من الامام عليه السّلام قيد الدخول في الثامن في صحيح عبد اللّه بن سنان أيضا من الامام عليه السّلام و منطوقه الثمانية غير المستكملة اي الدخول فالاولي ان يقال كما في الجواهر بجبر ضعف سند أبي كهمس بالعمل و ضعف الاعتماد علي صحيح ابن سنان لتركهم العمل بظاهره و يمكن حمله كما في الجواهر علي إرادة اتمام الشوط او حمله علي استحباب اتمامه أربعة عشر شوطا بقرينة قوله: فليصل ركعتين و اللّه هو العالم.

و اما اذا بلغت الزيادة تمام الشوط الثامن ففي الجواهر قال: (و من زاد علي السبعة) في طواف الفريضة (سهوا) شوطا اكملها اسبوعين في المشهور نصا و فتوي (و صلي الفريضة أولا و ركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي) «2».

أقول: لا بد من ملاحظه الروايات في المقام فمنها صحيح محمد بن مسلم الّذي تقدم ذكره و صحيحه الاخر عن احدهما عليهما السّلام قال: «قلت: رجل طاف بالبيت فاستيقن انه طاف ثمانية اشواط؟ قال: يضيف إليها ستة، كذلك اذا استيقن انه طاف بين الصفا و المروة ثمانية فليضف إليها ستة» «3» و الظاهر منهما صورة السهو و خبره الثالث عن احدهما عليهما السلام «4» الا ان الظاهر انه و الثاني واحد و صحيح أبي أيوب قال:

«قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط طواف

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 372.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 364.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 12.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 323

الفريضة؟ قال: فليضم إليها ستة ثم يصلي اربع ركعات» «1» و خبر علي بن ابي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل و انا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط؟

فقال: نافلة او فريضة؟ فقال: فريضة فقال: يضيف إليها ستة فاذا فرغ صلي ركعتين آخرين فكان طواف نافلة و طواف نافلة و طواف فريضة» «2» و ظاهر هما أيضا صورة النسيان.

و منها خبر رفاعة قال: «كان علي عليه السّلام يقول: اذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر قلت: يصلي اربع ركعات، قال: يصلي ركعتين» «3» قال في جامع الرواة هذه الرواية لا تخلو من ارسال علي ما يظهر بادني تامل اقول موسي بن القاسم من كبار السابعة يروي عن عباس و عباس و عباس ان كان العباس ابن عامر فهو من السادسة و رفاعة ان كان رفاعة بن موسي او رفاعة النخاس فهو أيضا من الخامسة و روايته عن علي عليه السّلام و هو عليه السّلام من الاولي تكون مرسلة و مع ذلك فقد عبر بعض الاجلة عن الرواية بالصحيحة.

و منها الصحيح الّذي رواه الحلي في آخر السرائر عن نوادر البزنطي عن جميل انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن طاف ثمانية اشواط و هو يري انها سبعة قال: فقال: ان في كتاب علي عليه السّلام انه اذا طاف ثمانية اشواط ضم (يضم) إليها ستة اشواط ثم يصلي الركعات بعده قال: و سئل عن الركعات

كيف يصليهن يجمعهن (او يجمعهن) او ما ذا قال: يصلي ركعتين للفريضة (ركعتي الفريضة) ثم يخرج الي الصفا و المروة فاذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلي ركعتين للاسبوع الاخر «4».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 13.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 15.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 9.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، 16.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 324

ثم ان هنا روايتان تدلان «1» علي ان من طاف ثمانية اشواط يزيد ستة و يركع اربع ركعات الا انهما لاشتمالهما علي صدور السهو عن امير المؤمنين عليه السّلام محمولتان علي التقية كما فعل صاحب الوسائل و قال: مع انه غير صريح في السهو و في كلام بعض الأجلة أيضا في وجه الاشكال منافاة الاتيان بالشوط الثامن سهوا لعصمة الامام عليه السّلام حتي في الامور الخارجية و ذلك مناف لمذهب الشيعة فيمكن اخراج هذه الرواية مخرج التقية في اسناد السهو الي امير المؤمنين عليه السّلام و مثل ذلك غير عزيز في الاخبار فلا ينافي اصل ثبوت الحكم.

أقول: الّذي هو قريب الي الذهن وقوع الوهم في النقل و الاصل وجود الحكم في كتاب علي عليه السّلام في مقام النقل عبر عن ما في الكتاب بفعله عليه السّلام.

هذا في قبال هذه الروايات ما يدل علي اعادة الطواف فمنها صحيح أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط المفروض؟ قال:

يعيد حتي يثبته» هذا علي لفظ الكافي و اما التهذيبين فهكذا و يتمه «2» و خبره الاخر الّذي في سنده اسماعيل بن مرار و مروي بالاضمار و فيه: «قلت له: فانه طاف و هو متطوع ثماني

مرات و هو ناس؟ قال: فليتمه طوافين ثم يصلي اربع ركعات فاما الفريضة فليعد حتي يتم سبعة» «3» و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: من طاف بالبيت فوهم حتي يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين» و وجه الاستشهاد به الاقتصار علي ركعتين كخبر رفاعة المرسل عن علي عليه السّلام: اذا طاف ثمانيا فليتم أربعة عشر قلت: يصلي اربع ركعات؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 6 و 7.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 325

قال: يصلي ركعتين «1».

كما ان قبال القول المشهور ما حكي عن الصدوق في المقنع قال: و ان طفت بالبيت الطواف المفروض ثمانية اشواط فاعد الطواف و روي يضيف إليها ستة فيجعل واحدا فريضة و الاخر نافلة «2» و الظاهر منه ان هذا له القول بالتخيير و العمل بالطائفة الاولي و الثانية و الاستدلال بصحيح أبي بصير علي كون الاعادة احد عدلي التخيير مبني علي نسخة الكافي و الا علي نسخة التهذيبين يمكن ان يقال: ان المراد منه استتمام الثامن بجعله الاول للطواف الثاني و اما المروي بالاضمار فلو اغمضنا عن اضماره لكون المضمر أبي بصير و مثله لا يسأل عن غير الامام عليه السّلام فسنده ضعيف باسماعيل بن مرار و اما صحيح ابن سنان و خبر رفاعة فلا يوافقان ما افتي به الصدوق و يظهر من الجواهر عن البعض بملاحظة صحيح ابن سنان و خبر رفاعة الاعتداد بالثامن خاصة مكملا له بستة علي انه الطواف الواجب الا انه رد هذا بكونه خلاف الاجماع

المركب القائم علي القول المشهور بكمال الثمانية اسبوعين بستة و قول الصدوق بالتخيير مضافا الي ان صحيح ابن سنان غير ناف للركعتين الاخيرتين و وارد في الداخل في الثمانية الّذي سمعت الكلام فيه فيجب حمل ما سمعت علي ما يوافق المشهور الي آخر ما افاد في وجه الحمل «3» و اللّه هو العالم.

هذا و قد افاد بعض الاعلام في بيان ما يستفاد من الروايات المذكورة علي اربع طوائف فطائفة منها يدل علي البطلان اذا زاد شوطا واحدا مثل صحيح أبي بصير الّذي فيه (يعيد حتي يثبته) و اطلاقه يشمل العمد و السهو. و الثانية ما يدل علي اضافة الستة إليها مثل خبر رفاعة الّذي عبر عنها بصحيحه و صحيحة محمد بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة

(2)- المقنع: 266.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 366.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 326

مسلم و صحيح أبي أيوب و هي أيضا بالإطلاق تشمل العمد و السهو فالطائفتان متعارضتان بالتباين و الطائفة الثالثة ما دل علي البطلان كمعتبر عبد اللّه بن محمد عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «الطواف المفروض اذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة اذا زدت عليها فعليك الاعادة و كذلك السعي». «1»

و افاد بان الظاهر منها الزيادة العمديّة لتشبيه الزيادة في الصلاة التي توجب بطلانها غالبا فعلي ذلك يكون هذا مخصصا لمثل صحاح محمد بن مسلم و ابي أيوب و بعد تخصيصها به يختص مدلولها بمن طاف ثمانية اشواط سهوا و يخصص به صحيح أبي بصير الشامل بإطلاقه السهو فيختص دلالته علي البطلان بصورة العمد و النتيجة اضافة ستة علي الثمانية سهوا و البطلان اذا طاف عمدا و هو مختار المشهور غير الصدوق قدس سره الا ان طائفة اخري من الروايات و هي

معتبره أبي بصير التي تقدم ذكرها صريحة في الاعادة في صورة النسيان و حيث انه يقع التعارض بينهما و بين الطائفة الثانية الآمرة بالتتميم بالسّت يكون مقتضي ما ذكرنا في محله ان الواجب اذا كان امرا واحدا و ورد عليه امران مختلفان مقتضي القاعدة التخيير بين الامرين و علي هذا ما ذكره الصدوق من التخيير هو الصحيح و لكن حيث يدور الامر بين التخيير و التعيين فمقتضي الاحتياط اتمام الزائد و جعله طوافا كاملا بقصد القربة المطلقة.

أقول: أولا ان ما افاده في صحيح أبي بصير تمام علي كونه علي نسخة الكافي دون ما اذا كان علي نسخة التهذيبين حتي يستتمه لاحتمال كون المراد منه استتمام الثامن بجعله الاول من الثاني و في اطلاقه و شموله صورة العمد تأمل. و ثانيا في اطلاق خبر رفاعة و صحيحي محمد بن مسلم و ابي أيوب أيضا نظر نعم يقع التعارض بينها و بين صحيح أبي بصير علي نسخة الكافي. و ثالثا ظاهر معتبرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 11.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 327

عبد اللّه بن محمد بيان حكم زيادة اشواط الطواف و تشبيهها بزيادة الركعات في الصلاة و وجوب الاعادة لو وقعت الزيادة نسيانا مثل ركعات الصلاة و لكن يمكن تقييد اطلاقها بالناسي هذا و رابعا معتبره ابي بصير في سندها اسماعيل بن مرار و هو علي مسلك المشهور ضعيف.

و تلخص من ذلك كله ان ما يدل علي اعادة الطواف في صورة النسيان هو صحيح أبي بصير علي البناء علي نسخة الكافي و استظهار بيان حكم السهو منه و خبره الاخر المضمر الّذي في سنده ابن مرار و صحيح عبد اللّه بن سنان بملاحظة قوله

عليه السّلام (ثم ليصل ركعتين) بل و خبر رفاعة أيضا الا انهما لا يوافقان مختار الصدوق فانه التخيير بين الاعادة و الاتيان بالست و اربع ركعات.

و ما يدل علي اضافة ستة و اربع ركعات صحيحي محمد بن مسلم و ابي أيوب و علي هذا صحيح عبد اللّه بن سنان و خبر رفاعة لا قائل بهما و اما خبر عبد اللّه بن محمد فيقيد اطلاقه في السهو بصحيحي محمد بن مسلم و ابي أيوب و لا يجوز تقييده بصحيح أبي بصير كما هو ظاهر فبقي التعارض بين صحيح أبي بصير علي نسخة الكافي و مضمر أبي بصير الضعيف سنده بابن مرار علي مسلك المشهور و لا ريب ان الترجيح مع الصحيحين و اما القول بالتخيير و ان كان موجه في الجملة كما اذا كان المأمور به بالامر من مثل الصلاة و الصوم و مثل الواحد و الثلاث اما اذا كان احدهما دالا علي البطلان و الاخر علي الصحة كما فيما نحن فيه فيمكن منع شمول القاعدة له فالقول بالتخيير انما يصح اذا كان كل واحد من الامرين نص في امر و ظاهر في حصر التكليف به فيرفع اليد بنص كل منهما عن ظاهر الاخر و هذا غير الحكم ببطلان احدهما و صحة الاخر و كيف كان لا وجه للقول بتعيين الاعادة دون اضافة الشوط بخلاف العكس فليتأمل.

ثم انه: قال في الجواهر: ان الفاضل و الشهيد قد صرّحوا باستحباب الاكمال

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 328

المذكور الّذي مقتضاه كون الثاني هو النافلة بل هو ظاهر المصنف (يعني المحقق) و غيره ممن عدّه في ذكر المندوبات و حينئذ يجوز له قطعه، و لعله لاصالة البراءة بعد بقاء الاول علي

الصحة المقتضية لذلك باعتبار نيته و للاتفاق علي عدم وجوب الطوافين بل قد سمعت التصريح في الصحيح السابق بان احدهما فريضة و الاخر الندب فالاصل بقاء الاول علي وجوبه «1».

أقول: ليس في الصحيح ان احدهما فريضة و الاخر ندب و انما في خبر علي بن أبي حمزة (فكان طواف نافلة و طواف فريضة) و يمكن ان يقال: ان المستفاد منه لتقديم طواف النافلة باضافة الستة في الروايات أنها مضافة الي طوافه المأمور به و انه وقع في محله بل الظاهر استحباب الاضافة إليه و الامر به وقع موقع النهي عن القران في الطواف كما ان الامر بالقطع فيما اذا لم يتم الشوط الثامن يدل علي حرمة الاتمام او الكراهة و بالجملة مقتضي الاتيان بالمأمور به علي وجهه سقوط الامر به و لا يقتضي الامر باكمال الثاني بطلانه بل هو بالاختيار فيه ان شاء يتركه و ان شاء يتمه و الكلام في ان الاول او الثانية ايهما النافلة او الفريضة انما يأتي اذا كان الامر بالست امرا ابتدائيا غير ناظر الي دفع توهم الحظر فيه لوقوع القران بين الطوافين و لكن الظاهر انه كذلك فلا بد ان يكون الاول فريضة و الثاني نافلة خلافا للمحكي عن الصدوق و ابني الجنيد و السعيد من كون الثاني هو الفريضة «2» كما يستفاد من الفقه المنسوب الي مولانا الرضا عليه السّلام فان فيه: (فان سهوت فطفت طواف الفريضة ثمانية اشواط فزد عليها ستة اشواط و صل عند مقام ابراهيم ركعتي الطواف و اعلم ان الفريضة هو الطواف الثاني و الركعتين الاخيرتين للطواف الاول و الطواف الاول تطوع) و في الفقيه روي ذلك بهذا اللفظ: و في خبر آخر ان

الفريضة هي الطواف

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 367.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 367.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 329

الثاني و الركعتان الاولتان لطواف الفريضة و الركعتان الاخيرتان و الطواف الاول تطوع «1».

الا ان الاستدلال بهما علي المطلوب ضعيف لعدم حجية الرضوي و المرسل.

نعم صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «ان عليا عليه السّلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة و بني علي واحد و اضاف إليه ستا ثم صلي ركعتين خلف المقام ثم خرج الي الصفا و المروة فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلي الركعتين الّتي ترك في المقام الاول» «2» يدل علي ان الثاني هو الفريضة و قيل يؤيد ذلك بأنه لو كان الاولي فريضة يستلزم القران بين الفريضة و النافلة و هو ممنوع و اما اذا كان الثاني فريضة لا يكون من القران الممنوع فانه لا يكره الاتيان بالفريضة بعد النافلة، و ربما يقال بتأييد ذلك بالامر بالركعتين بعد الطواف الثاني و بركعتين بعد الفراغ من السعي فانه علي تقدير كون الاول الطواف الواجب يلزم الفصل بينه و بين صلاته دون ما اذا كان الثاني الفريضة كما لا يخفي.

الا ان مثل ذلك لا يعتد به في التعبديات اذا دل الدليل علي خلافه و اما الصحيح فظاهره ينافي القول الحق و هو عصمة الامام عليه السّلام من السهو حتي في الامور الخارجية و الظاهر انه صدر تقية و مع ذلك لا يترك الاحتياط فيتم الثاني و ينوي الصلاة الاولي لطواف الفريضة الّذي مردد بين الاول و الثاني و الصلاة الثانية للمندوب المردد بين كونه الاول او الثاني و ان ظهر في الثاني ما يوجب بطلانه يعيده و اللّه هو العالم.

[حكم من نسي طواف الزيارة حتي رجع الي اهله]

مسألة 106- اختلفوا في ان

من نسي طواف الزيارة حتي رجع الي اهله

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 248، ح 1193.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 330

و واقع هل عليه الكفارة أم لا؟ فحكي عن الشيخ في النهاية و المبسوط و ابني البراج و سعيد ان عليه بدنة و عن الحلي و العلامة و الشهيدين و غير هم بل نسب الي الاكثر انه لا كفارة عليه «1» و مقتضي الاصل القول الثاني و لكنه عند القائل بالكفارة مقطوع بما دل علي وجوب الكفارة و علي هذا اللازم الرجوع الي الروايات فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح او الحسن عن الكافي بسنده عن معاوية بن عمّار قال: «سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن متمتع وقع علي اهله و لم يزر قال:

ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون ثلم حجه ان كان عالما و ان كان جاهلا فلا بأس عليه» «2» قال في الجواهر بعمومه يشمل الناسي فان الظاهر ان قوله عليه السّلام (ان كان عالما) قيد لثلم الحج، و ان البأس المنفي هو الثلم و الاثم دون النحر الّذي ليس من الباس في شي ء انتهي «3» و قد رواه في الكافي «4» (و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه) و عليه الصحيح وارد في حكم العالم و منها صحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتي قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟

قال: يبعث بهدي ان كان تركه في حج بعث به في حج، و ان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة و و كلّ من يطوف عنه ما تركه من طوافه»

«5» و صحيح عيص قال:

«سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل واقع اهله حين ضحيّ قبل ان يزور البيت؟ قال:

يهريق دما» «6» و ظاهره نسيان حرمة الوقاع لا وجوب الطواف فللقائل ان يقول انه لا يدل علي وجوب الكفارة لنسيان الطواف و منها صحيح علي بن يقطين الّذي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 385.

(2)- التهذيب 5، 1104/ 18 ب 25.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 385.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب كفارات الاستمتاع، ب 9 ح 1.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب كفارات الطواف، ب 58، ج 1.

(6)- وسائل الشيعة، ابواب كفارات الاستمتاع، ب 9، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 331

عبر عنه في الجواهر بالخبر قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة؟ قال ان كان علي وجه في الحج اعاد و عليه بدنة» «1» و منها ما رواه الصدوق عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السّلام «انه سئل عن رجل سها ان يطوف بالبيت حتي يرجع الي اهله؟ فقال: اذا كان علي وجه الجهالة اعاد الحج و عليه بدنة» «2» و الظاهر بمناسبة الكفارة ان السؤال وقع فيه و فيما قبله عما اذا وقع فيه علي اهله لا لمجرد الجهل او السهو و الّذي يصح الاحتجاج به من هذه الروايات هو صحيح علي بن جعفر و صحيح علي بن يقطين و في الاخير ان عليه بدنة فيقيد به اطلاق صحيح علي بن جعفر و مقتضي ذلك وجوب بدنة و يمكن ان يقال ان صحيح علي بن يقطين و خبر ابن أبي حمزة لاشتمالهما باعادة الحج متروكان لم يعمل بهما فنبقي نحن و صحيح علي بن جعفر و يمكن حمله علي الاستحباب

بعموم ما دل علي نفي الكفارة عن الناسي مثل ما في الصحيح عن أبي جعفر عليه السّلام: «في المحرم يأتي اهله ناسيا قال: لا شي ء عليه انما هو بمنزلة من اكل في شهر رمضان و هو ناس» «3» و غيره من روايات الباب الثاني من ابواب كفارات الاستمتاع و في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اعلم انه ليس عليك فداء شي ء اتيته و انت جاهل به و انت محرم في حجك و لا عمرتك الّا الصيد فان عليك الفداء بجهالة كان او عمد» كل ذلك مؤيد بالاصل و حديث الرفع و عدم صراحة صحيح علي بن جعفر في الجماع حال النسيان و قد حمل الشرائع القول الاول علي من واقع بعد الذكر «4»، و كيف كان علي الناسي الرجوع الي مكة للطواف ان تمكن منه و الا فليستنب و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 56، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 56، ح 2.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب كفارات الاستمتاع، ح 7.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 386.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 332

[في جواز الاستنابة لمن نسي طواف النساء حتي يرجع الي اهله]

مسألة 107- لا اشكال في ان من نسي طواف النساء حتي يرجع الي اهله يجزي عنه ان يستنيب اذا تعذر له اتيانه بالمباشرة انما الكلام في جواز الاستنابة له حال الاختيار فقد قيل ان الاشهر او المشهور جوازها بل قيل انه لا خلاف فيه بين القدماء و المتأخرين الا من الشيخ رجع عما في التهذيب و العلامة في المنتهي فانهما اشترطا فيه التعذر مع ان الشيخ رجع عما في التهذيب في النهاية و العلامة في اكثر كتبه كالتحرير و الارشاد و غيرهما «1».

و مقتضي اصالة المباشرة

في العبادات و استصحاب بقاء حرمة النساء في صورة الاستنابة القول الثاني و في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل نسي طواف النساء حتي اتي الكوفة؟ قال: لا تحل له النساء حتي يطوف بالبيت قلت: فان لم يقدر؟ قال: يأمر من يطوف عنه «2» و هو ظاهر في وجوب طواف البيت بالمباشرة و في صحيحه الاخر عنه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل نسي طواف النساء حتي يرجع (رجع) الي اهله؟ قال: لا تحل له النساء حتي يزور البيت فان هو مات فليقض عنه وليه او غيره فامّا ما دام حيّا فلا يصلح ان يقضي عنه و ان نسي الجمار فليسا بسواء ان الرمي سنة و الطواف فريضة» «3».

و هذا أيضا ظاهر في المباشرة و عدم جواز الاستنابة و قوله: و ان نسي الجمار …

كانه بيان للفرق بين الطواف و الرمي في وجوب القضاء علي الولي. و في قبال ذلك أيضا صحيح معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي طواف النساء حتي يرجع الي اهله؟ قال يرسل فيطاف عنه فان توفي قبل ان يطاف عنه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 387.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 4.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 333

فليطف عنه وليّه «1» و نحوه صحيح الحلبي». «2»

و اطلاقهما يشمل صورة التعذر و عدمه الا انه يمكن بقرينة رجوعه الي اهله حملهما علي صورة تعذر رجوعه و الصحيح الاخر لمعاوية بن عمار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل نسي طواف النساء حتي دخل اهله؟ قال: لا تحل له النساء حتي يزور

البيت و قال: يأمر ان يقضي عنه ان لم يحج فان توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليه او غيره» «3» و أيضا الصحيح الاخر عنه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له:

رجل نسي طواف النساء حتي رجع الي اهله؟ قال: «يامر من (بان) يقضي عنه ان لم يحج فانه لا تحل له النساء حتي يطوف بالبيت» «4» و لعل الظاهر منهما انه ان لم يحج بالاختيار فليستنب.

و يمكن ان يقال: انهما ظاهر ان في جواز الاستنابة حال الاختيار لقوله عليه السّلام يأمر ان يقضي عنه ان لم يحج ظاهر في انه ليس عليه ان يحج و يأتي به بنفسه بل يستفاد منه انه بالخيار ان شاء يحج و يأتي بنفسه و ان لم يشأ الحج لا يجب عليه لان يأتي بالطواف بنفسه بل يكفيه الاستنابة و علي هذا يمكن ان يقال: ان السؤال في صحيح الحلبي و صحيح معاوية أيضا وقع عمن رجع الي اهله و لا يريد الحج ثانيا لا عمن تعذر عليه اذا ما يرفع اليد عن ظهور قوله عليه السّلام (حتي يطوف بالبيت) في المباشرة بهذه الاخبار و ان المراد من الطواف بالبيت اعم من المباشرة و الاستنابة او يرفع اليد عن ظهوره في وجوب المباشرة و نحمله علي الندب لا يقال: ان قوله فان لم يقدر ظاهر في ان الاكتفاء بالاستنابة لا يجزي الا في صورة تعذر المباشرة فانه يقال:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 11.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 6.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 334

هذا

مذكور في كلام الامام عليه السّلام فلا يدل علي أن الاستنابة لا تجزي في عرض المباشرة مضافا الي ان هذا السؤال جائز و ان قلنا بظهور الرواية علي الندب كما ان قوله: فاما ما دام حيا فلا يصلح ان يقضي عنه لا يدل ازيد علي كراهة الاستنابة قال في الجواهر: التعبير في الثاني بلفظ (لا يصلح) الّذي هو اعم من الحرمة بل قيل بظهوره في الكراهة حاكيا له عن المتاخرين كافة بل عن الشيخ في الاستبصار التصريح بصراحته فيها «1» انتهي و بعد ذلك كله الاحتياط لا ينبغي تركه بل لا يترك.

[قول صاحب الشرائع في أن من طاف كان بالخيار في تأخير السعي الي الغد]

مسألة 108- ظاهر عبارة الشرائع ان من طاف كان بالخيار في تأخير السعي الي الغد فيجوز فعله في الغد «2» و لا دليل له سوي الاصل و اطلاق الادلة و الاول مقطوع بالدليل و الثاني مقيد به

ففي صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه، عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يقدم مكة حاجّا و قد اشتد عليه الحرّ فيطوف بالكعبة، و يؤخر السعي الي ان يبرد؟ فقال: لا بأس به و ربما فعلته و في الفقيه بعد ما رواه قال و زاد في حديث آخر يؤخره الي الليل «3» و في التهذيب قال: و ربما رأيته يؤخر السعي الي الليل «4» و ظاهر هذا جواز التأخير لشدة الحرّ الي ان يبرد بمثل الليل و في صحيح محمد بن مسلم قال: سألت احدهما، عليهما السّلام عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة؟ قال: نعم «5» و ما رواه العلاء بن رزين قال: سألته

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 389.

(2)- شرايع الاسلام: 1/ 302.

(3)- مدارس الاحكام: 8/ 186.

(4)- وسائل الشيعة،

ابواب الطواف، ب 60، ح 1.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 60 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 335

عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة الي غد؟ قال: لا «1» و الظاهر انه و صحيح محمد بن مسلم الّذي رواه الصدوق عن العلاء عن محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام، واحد و انما سقط من نسخة الكافي (عن محمد بن مسلم عن احدهما 8) و المستفاد من الجميع جواز تاخير السعي في مدة قليلة و بتعبير الجواهر ساعة و نحوها «2» و عدم جواز تاخيره الي الغد فيجوز تاخيره الي الليل بل يجوز فعله في الليل حتي يتحقق صدق اسم الغد ثم لا يجوز التأخير مع القدرة كما حكي النص عليه في الجواهر عن النافع و القواعد و غيرهما و محكي التهذيب و النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع «3» و الوجه في دخول الغاية في المغيّا ظهور الكلام في ذلك فان الليل هو الوقت الّذي يبرد مضافا الي الاصل و الاحوط عدم تاخيره العرفي عن زمان رفع شدة الحرّ و العيّ و اللّه هو العالم.

[في وجوب تاخير الطواف و السعي علي المتمتع حتي يقف بالموقفين و يقضي مناسك يوم النحر.]

مسألة 109- المشهور و المعروف بل قيل: بلا خلاف معتد به بل ادّعي الاجماع بقسميه عليه وجوب تاخير الطواف و السعي «4» علي المتمتع حتي يقف بالموقفين و يقضي مناسك يوم النحر. و حكي عن المعتبر و المنتهي و التذكرة نسبته الي اجماع العلماء كافة «5» الا ان المسألة من حيث الروايات علي طائفتين فطائفة منها تدل علي جواز التأخير مطلقا للعاجز و المختار و الثانية تدل علي جوازه للعاجز كالمريض و الشيخ العاجز و المرأة التي تخاف الحيض فمما

يدل علي الجواز مطلقا صحيح ابن بكير و جميل جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 60 ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 391 و 392.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 391 و 392.

(4)- لا يخفي عليك ان الواجب الثامن و التاسع من واجبات الحج هما ركعتي الطواف و السعي.

و لم تتعرض لهما اختصارا لما مرّ في الاجزاء السابقة.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 392

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 336

أنهما سألاه عن المتمتع يقدم طوافه و سعيه في الحج؟ فقال: هما سيان قدمت او اخرت «1» و صحيح حفص بن البختري عن أبي الحسن، عليه السّلام، في تعجيل الطواف قبل الخروج الي مني؟ فقال: هما سواء اخّر ذلك او قدمه يعني للمتمتع «2» و غيرها.

و مما يدل علي اختصاص الجواز بغير المختار صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه، عليه السّلام، قال: «لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير و المرأة تخاف الحيض قبل ان تخرج الي مني» «3» فان مفهومه يدل علي البأس لغيرهما لا يقال هذا مبني علي القول بمفهوم الوصف و اما علي القول بعدم المفهوم له لا يعارض الروايات المجوزة المطلقة فانه يقال يستفاد من الاتيان بالقيد في القضية سواء كان شرطا او وصفا عدم سريان الحكم لمطلق الحاج و ان لا ينافي كون بعض افراده الاخر مقيدا بقيد آخر محكوما بهذا الحكم و لا يصح ان يقال بتقييده بما دل علي جوازه علي المتمتع مطلقا لانه يلزم منه جوازه المطلق علي المتمتع دون القارن و المفرد و هو خلاف النصوص و الاجماع.

و موثقة اسحاق بن عمّار قال: «سالت أبا الحسن عليه السّلام، عن المتمتع اذا كان شيخا كبيرا او امرأة تخاف الحيض

يعجل طواف الحج قبل ان يأتي مني فقال: نعم من كان هكذا يعجل الحديث.» «4»

و غيرها و يدل علي عدم الجواز من غير علة خبر علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: «قلت (في التهذيب لابي عبد اللّه عليه السّلام،) رجل كان متمتعا و اهلّ بالحج؟ قال: لا يطوف بالبيت حتي يأتي عرفات فان هو طاف قبل ان يأتي مني من غير علة فلا يعتد

______________________________

(1)- الوسائل، ابواب اقسام الحج، ب 13، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج ب 64 ح 3.

(3)- الوسائل، ابواب الطواف، ب 64، ح 3.

(4)- الوسائل، ابواب اقسام الحج، ب 13، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 337

بذلك الطواف» «1» قال في الجواهر المنجبر بما عرفت «2» و علي ما ذكر يقع التعارض بين الطائفتين اذا لا يمكن الجمع بينهما فلا بد من الرجوع الي المرجحات و تقديم ذي المرجح علي غيره و لا ريب في ترجيح الاخبار المانعة عن التقديم الا في صورة العلة و العذر أولا لعمل المشهور بها و اعراضهم عن الطائفة المجوزة و ثانيا لان الناظر في الاخبار يعرف ان وجوب تاخير الطواف و السعي عن الموقفين علي المتمتع و جوازه للمفرد و القارن كان مفروغا عنه بين الرواة و الاصحاب بل يمكن غيرهم و مع ذلك لا يمكن الاعتماد علي ما يدل علي جواز التقديم مطلقا.

ثم انه لا يخفي ان الذين يجوز لهم تقديم الطواف و السعي يجوز لهم ذلك بعد ان احرموا للحج كما يدل عليه بعض الروايات.

ثم انه كما يجوز تقديم الطواف و السعي علي الوقوف بالموقفين للضرورة يجوز تقديم طواف النساء أيضا للضرورة لفحوي ما دل علي الاول و لما روي في

الصحيح عن ابن يقطين او في الخبر المنجبر بالعمل قال: «لا بأس بتعجيل طواف الحج طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه الي مني و كذلك لا بأس لمن خاف امرا لا يتهيأ له الانصراف الي مكة ان يطوف و يودع البيت ثم يمر كما هو من مني اذا كان خائفا» «3» و لعل تعبير الجواهر «4» عن الخبر بالصحيح او المنجبر لوقوع محمد بن عيسي في السند و هو مشترك بين محمد بن عيسي بن عبد اللّه الاشعري القمي والد احمد بن محمد فعبر عنه بالصحيح و محمد بن عيسي بن عبيد بن يقطين الّذي اختلف العلماء في شانه فراجع ترجمته في جامع الرواة و اما الحسن الوارد في السند الّذي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج، ب 13، ح 5.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 392.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 64 ح 1.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 395.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 338

يروي عنه محمد بن عيسي فهو اما الحسن بن علي بن النعمان او الحسن بن علي بن يقطين و هما و ابويهما من الثقات و كيف كان فالاستدلال به يتم بناء علي حمل التعجيل الوارد فيه علي صورة الضرورة و يؤيد هذا قوله بعد الجملة الاولي و كذلك لا بأس لمن خاف امرا فان مفهومه ان من لا يخاف ان عجل فيه بأس.

و الظاهر انه لا خلاف في ذلك الا من الحلي و أليك لفظه في السرائر قال: و اما طواف النساء فانه لا يجوز الا بعد الرجوع من مني مع الاختيار فان كان ضرورة تمنعه من الرجوع الي مكة او امرأة تخاف الحيض جاز لهما تقديم طواف النساء ثم يأتيان الموقفين و

مني و يقضيان مناسكهما و يذهبان حيث شاءا علي ما روي في بعض الاخبار و الصحيح خلاف ذلك لان الحج مرتب بعضه علي بعض لا يجوز تقديم المؤخر و لا تأخير المقدم انتهي.

و هو قد منع من تقديم طواف الفريضة للمفرد و القارن و للمتمتع للضرورة أيضا «1» و ظاهر الجواهر «2» انه استدل بالاصل و اتساع وقته و الرخصة في الاستنابة فيه و خروجه عن اجزاء المنسك و عموم قوله عليه السّلام لاسحاق بن عمار: «انما طواف النساء بعد ان يأتي مني «3» و خصوص خبر علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل يدخل مكة و معه نساء قد امرهن فتمتعن قبل التروية يوم او يومين او ثلاثة فخشي علي بعضهن الحيض فقال: اذا فرغن من متعتهن و احللن فلينظر الي التي يخاف عليها الحيض فيامرها فتغتسل و تهل بالحج من مكانها ثم تطوف بالبيت و بالصفا و المروة فان حدث بها شي ء قضت بقية المناسك و هي طامث فقلت: أ ليس قد بقي طواف النساء؟ قال: بلي فقلت: فهي مرتهنة حتي تفرغ منه؟

______________________________

(1)- السرائر، ج 1، ص 575

(2)- جواهر الكلام: 19/ 394

(3)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج، ب 14، ح 4

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 339

قال: نعم قلت: فلم لا يتركها حتي تقضي مناسكها؟ قال: يبقي عليها منسك واحد اهون عليها من ان يبقي عليها المناسك كلها مخافة الحدثان قلت: أبي الجمّال ان يقيم عليها و الرفقة؟ قال: ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتي يقيم عليها حتي تطهر و تقضي مناسكها». «1»

أقول: اما ابن ادريس فدليله ما ذكر و هو يستقيم علي مبناه و هو عدم العمل باخبار

الآحاد و الا فما ذكر كالاجتهاد في مقابل النص و اما ما جعله الجواهر دليلا له فلم نجده في السرائر و الجواب عنه اما عن الاصل فبانه مقطوع بالدليل و اما العموم فمخصص به أيضا و اما الخبر فقاصر عن المعارضة من حيث السند و العمل مضافا الي اضطراب متنه فان كان من الامام عليه السّلام فكانه لم يؤخذ من الامام عليه السّلام او بعض الرواة تامّا و اما الرخصة في الاستنابة فمخصوص بصورة النسيان و الحاق الضرورة به قياس فاسد و بالجملة فلا يعتني بخلاف الحلي.

ثم اعلم انه يجوز التقديم للقارن و المفرد و لا خلاف فيه الا من الحلي و الدليل عليه نصوص حجة الوداع و غيرها مثل صحيح حماد بن عثمان سأل الصادق عليه السّلام عن المفرد الحج يقدم طوافه او يؤخره فقال: «هو و اللّه سواء» و اظن انه قد تقدم البحث منا و اللّه هو العالم.

[لا يجوز تقديم طواف النساء علي السعي للثلاثة اختيارا]

مسألة 110- لا يجوز تقديم طواف النساء «2» علي السعي للثلاثة اختيارا بلا خلاف اجده فيه كما في الجواهر قال يمكن دعوي تحصيل الاجماع عليه مضافا الي النصوص كصحيح معاوية ابن عمار «3» و غيره كما انه من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 64

(2)- كما لا يخفي عليك ان الواجب العاشر من واجبات الحج و الحادي عشر هما طواف النساء و ركعتاه.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 4، ح 1

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 340

المقطوع به في كلام الاصحاب علي ما حكي عن المدارك جوازه مع الضرورة و الخوف من الحيض «1» و يدل عليه فحوي ما تقدم عن نظائره استدل له بموثق سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام سألته

عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل ان يسعي بين الصفا و المروة؟ فقال: لا يضره يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجه «2» بناء علي حمله علي صورة الضرورة لان الظاهر ان من يحج يأتي به علي الترتيب المأثور و انما يخالف الترتيب للضرورة و العذر و للجمع بينه و بين ما دل علي عدم الجواز اختيارا و بفحوي صحيح أبي أيوب ابراهيم بن عثمان الخزاز قال: كنت عند عبد اللّه عليه السّلام بمكة فدخل عليه رجل فقال:

اصلحك اللّه ان معنا امرأة حائضا و لم تطف طواف النساء يأبي جمالها ان يقيم عليها قال: فأطرق و هو يقول: لا تستطيع ان تتخلف عن اصحابها و لا يقيم عليها جمالها ثم رفع رأسه إليه فقال: تمضي فقد تم حجها «3» لاولوية التقديم من الترك و مع ذلك قال في الجواهر لا ينبغي ترك الاحتياط في ذلك و لو بالاستنابة لانه يحتمل عدم الجواز لاصول عدم الاجزاء مع مخالفة الترتيب و بقائه في الذمة و بقائهن علي الحرمة مع ضعف الخبر و اندفاع الحرج بالاستنابة و سكوت اكثر الاصحاب علي ما في كشف اللثام و قد سمعت ما عن ابن ادريس من منع تقدمه علي الموقفين. «4»

أقول: العمدة للاستدلال علي جواز التقديم للضرورة هو الفحوي فلا يري

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 395

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 65 ح 2

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 84، ح 13

(4)- جواهر الكلام: 19/ 397

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 341

العرف فرقا بين طواف الحج و طواف النساء في الحكم بجواز تقديمهما علي السعي لو لم يكن طواف النساء عنده اولي بذلك و أيضا اذا كان

تقديم طواف النساء علي الموقفين و السعي جائزا يكون تقديمه علي السعي اولي و بالمباشرة دون الاستنابة نعم ضعف الخبر اي موثق سماعة من حيث الدلالة لا من حيث السند في محله لاحتمال حمله علي صورة السهو و صحيح أبي أيوب أيضا بظاهره غير معمول به و اما الاصول فمضافا الي ان الاولين يرجع الي اصل واحد فمقطوعة بالفحوي المذكور فالأقوي جواز تقديم طواف النساء علي السعي للضرورة و اللّه هو العالم باحكامه.

تنبيه: اعلم ان باعمال النظر فيما ذكر يمكن ان يقال ان الكلام في المباحث المذكورة حول حكم تقديم الطواف و السعي علي الموقفين للمتمتع يتلخص في مسائل:

الاولي: لا يجوز تقديم الطوافين و لا السعي اختيارا علي الموقفين.

الثاني: يجوز تقديم طواف الحج للضرورة علي الموقفين و اما السعي فيدور جواز تقديمه او المتيقن من جواز تقديمه وجود الضرورة أيضا كما اذا لم يتمكن من الرجوع الي مكة بعد مني فتقديم السعي أيضا يدور مدار العذر و الا فيأتي به بعد الموقفين و لكن يحتاط باتيانه قبلهما و بعدهما لاحتمال اشتراط الموالاة بينه و بين الطواف.

الثالث: يجب تقديم طواف النساء أيضا للضرورة.

الرابع: يجوز تقديم طواف النساء علي السعي للضرورة. و اللّه هو العالم باحكامه.

[مقتضي الروايات في عدم جواز الطواف بالبيت مع البرطلة]

مسأله 111- روي شيخنا الكليني قدس سره الشريف باسناده عن زياد بن

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 342

يحيي الحنظلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تطوفن بالبيت و عليك برطلة «1» و روي شيخنا الطوسي باسناده عن يزيد بن خليفة قال: «رآني أبو عبد اللّه عليه السّلام اطوف حول الكعبة و عليّ برطلة. فقال لي بعد ذلك: قد رايتك تطوف حول الكعبة و عليك برطلة لا تلبسها حول الكعبة فانها

من زيّ اليهود». «2»

و ظاهر الاول النهي عن الطواف بالبيت و عليه البرطلة و ان ذلك لخصوصية الطواف الّا ان المستفاد من الثاني ان ذلك لاحترام الكعبة فليس النهي فيهما من جهة الاحرام و حرمة تغطية الرأس فان المحرم تغطية الرأس في الطواف حال الاحرام كطواف العمرة امّا طواف الحج المتأخر عن الحلق و التقصير الذين يحل معهما من كل شي ء الا الطيب و النساء و الصيد و كذا طواف النساء فلا تحرم فيهما تغطية الرأس فما يمكن ان يقال بهما مع ضعف سندهما كراهة لبس البرطلة حول الكعبة و سيما حال الطواف بل مطلقا بدلالة التعليل بل يستفاد من مثله كراهة كل ثوب او لباس كان مختصا بالكفار و بما ذكر يعلم انه لا وجه للقول بتحريمه في طواف العمرة دون الحج كما حكي عن الحلي القائل بعدم جواز تقديم طواف الحج و طواف النساء علي الموقفين للمعذور كالمرأة التي تخاف الحيض «3» و الا علي هذا القول لا تختص الحرمة او الكراهة بطواف العمرة بل تشمل طواف الحج و طواف النساء اذا قدمهما علي الموقفين و اتي بهما في حال الاحرام و اللّه هو العالم.

[في جواز التعويل في تعداد الطواف علي قول الغير اذا كان بنفسه عاجزا منه]

مسألة 112- الاقوي انه يجوز التعويل في تعداد الطواف علي قول الغير اذا كان بنفسه عاجزا منه

او كان كثير الشك فيه لان ذلك أمارة يعتمد عليها في مثله و موجب نوعا للظن

______________________________

(1)- الكافي، ج 4، ب نوادر الطواف، ح 4

(2)- التهذيب، ك الحج، ب 9، ح 443/ 115، ج 5، ص 156

(3)- جواهر الكلام: 19/ 400

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 343

و لا تقيد بإيراثه الظن او التذكر مع النسيان بل يجوز التعويل عليه عند الشك مطلقا كما هو

الحكم في اجزاء الصلاة و الشك في عدد ركعاتها ففي خبر سعيد الاعرج قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف أ يكتفي الرجل باحصاء صاحبه؟ فقال: «نعم» «1» و روي الهذيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتكل علي عدد صاحبته في الطواف أ يجزيه عنها و عن الصبي؟ فقال: «نعم الا تري انك تأتمّ بالامام اذا صليت خلفه فهو مثله». «2»

و الظاهر انه يجري التعويل عليه و ان لم يوجب الظن الشخصي و لا فرق بين كون الحافظ و المحفوظ له رجلا او امرأة و لا بين من طلب الطائف منه الحفظ و غيره و لا يبعد الحاق الصبي إليه نعم لا يعتد بخبر المجنون و اما العدالة فالظاهر عدم اعتبارها اذا كان الحافظ محل الوثوق او حصل من اخباره الظن و اللّه هو العالم.

[في وجوب طواف النساء في الحج بجميع انواعه]

مسألة 113- قد دلت النصوص علي وجوب طواف النساء في الحج بجميع انواعه و لا خلاف فيه بينهم و هكذا يجب في العمرة المفردة أيضا للنصوص و الاجماع و لا اعتداد بخلاف الجعفي علي ما حكي عن الدروس عنه فقد قال بعدم وجوبه.

«قال في الجواهر لصحيح معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: اذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع و طاف بالبيت و صلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام و سعي بين الصفا المروة فيلحق باهله ان شاء «3» و لكن لا صراحة فيه في وحدة الطواف او يحتمل ان يكون المراد منه جنس ما عليه من الصلاة و السعي و صحيح صفوان قال: سأله عليه السّلام أبو الحرث عن رجل تمتع بالعمرة الي الحج و طاف و سعي و قصر هل عليه طواف

______________________________

(1)-

وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 66، ح 1 و 3

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 66، ح 3 و 1

(3)- وسائل الشيعة، ابواب العمرة، ب 9، ح 2

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 344

النساء؟ قال: لا انما طواف النساء بعد الرجوع من مني و فيه انه يدل علي انه ليس في عمرة التمتع طواف النساء فقط و لا منافاة بينه و بين وجوب طواف النساء في العمرة المفردة و مرسل يونس قال: ليس طواف النساء الّا علي الحاج و مع ضعفه و عدم الجابر له مخصص بما يدل علي وجوبها للمعتمر بالعمرة المفردة و خبر أبي خالد مولي علي بن يقطين سأل أبا الحسن عليه السّلام عن مفرد العمرة عليه طواف النساء و هو أيضا كما قال في الجواهر غير جامع لشرائط الحجية المحتمل لمن اراد التمتع بعمرته المفردة» «1».

هذا و لكن لا يجب طواف النساء في العمرة المتمتع بها للنصوص التي منها صحيح زرارة قلت لابي جعفر عليه السّلام كيف التمتع؟ قال: «تأتي الوقت فتلبي بالحج فاذا دخلت مكة طفت بالبيت و صليت ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة قصرت احللت من كل شي ء و ليس لك ان تخرج من مكة حتي تحج» «2» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و غيره مما هو المذكور في الباب الاول و الثالث من ابواب التقصير و لم ينقل الخلاف في عدم وجوبه في العمرة المتمتع بها عن شخص معين و ان حكي عن اللمعة انه حكاه عن بعض الاصحاب و عن الدروس انه اسنده الي النقل و عن المنتهي انه لا اعرف فيه خلافا و في الجواهر بل عن

بعض الاجماع علي عدم الوجوب و لعله كذلك فانه قد استقر المذهب الآن عليه بل و قبل الآن انتهي «3».

و هنا رواية رواها الشيخ باسناده عن سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام قال: «اذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلي ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام و سعي بين الصفا و المروة و قصر فقد حلّ كل شي ء ما خلا النساء لان عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة» و هي مضافا الي ما فيها من ضعف السند غير

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 407.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحرام، ب 22، ح 3.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 407.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 345

صريحة في كونها في العمرة المتمتع بها بل ظاهرة في حكم حج المتمتع و دخوله مكة بعد اعمال مني و لكن يرد ذلك وقوع التقصير فيها بعد الطواف و السعي الّذي ليس الا في العمرة و يمكن ان يقال ان الحديث ليس في مقام التفصيل و بيان موضع المناسك علي الترتيب الواجب الّذي هو كان معلوما علي المخاطب بل المراد منه ان باداء اعمال الحج لا يخرج المحرم من الاحرام بقول مطلق بل يبقي عليه طواف النساء فالانصاف ان الرواية لا تخلو من الاجمال و لا تكفي للاحتجاج بها علي وجوب طواف النساء للعمرة المتمتع بها و القرينة علي ذلك سائر الروايات و اللّه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 347

الكلام في العودة الي مني

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 349

الكلام في الاحكام المتعلقة بمني بعد العودة إليها اذا قضي الحاج مناسكه بمكة يجب عليه العود الي مني لقضاء مناسكها فالاول منها بيتوتة ليلتي الحادي عشر و الثاني عشر «1» بمني مطلقا و بيتوتة ليلة الثالث

عشر ان ارتكب الصيد في احرامه او لم يتق النساء او بقي في مني اليوم الثاني عشر الي ان دخل الليل و في الجواهر قال: بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه و النصوص علي ذلك ان لم تكن متواترة فهي مقطوعة المضمون، منها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «لا تبت ليالي التشريق الّا بمني فان بت في غيرها فعليك دم، و ان خرجت اوّل الليل فلا ينتصف الليل الا و انت بمني الّا ان يكون شغلك نسكك او قد خرجت من مكة و ان خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك ان تصبح بغيرها و سألته عن الرجل زار عشاء فلم يزل في طوافه و دعائه و في السعي بين الصفا و المروة حتي يطلع الفجر؟ قال: ليس عليه شي ء كان في طاعة اللّه» «2» و منها غيره نعم قال بعض الاجلة: المشهور و المعروف بين الفقهاء وجوب المبيت ليلة الثالث عشر اذا لم يجتنب النساء اي الوطي بل ادعي عليه الاجماع فان تم فهو و الا

______________________________

(1)- المبيت بمني هو الواجب الثاني عشر من واجبات الحج.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 350

فلا دليل علي الحاق النساء بالصيد لعدم ما يدل عليه الا رواية محمد بن المستنير قال: من اتي النساء في احرامه لم يكن له ان ينفر في النفر الاول «1» و الرواية ضعيفة جدّا لان محمد بن المستنير لا ذكر له في الرجال حتي ان الشيخ (ره) مع اهتمامه في عدّ اصحاب الائمة و ذكرهم في كتاب الرجال حتي عدّ المنصور العباسي من اصحاب الصادق عليه السّلام و

مع ذلك لم يذكر محمد بن المستنير فالرجل مجهول جدا لا يمكن الاعتماد علي رواياته.

نعم ذكر صاحب الوسائل رواية اخري عن محمد بن المستنير في نفس الباب «2» و هذا سهو من قلمه او من النساخ فان المذكور في الفقيه سلام بن المستنير لا محمد و سلام ثقة لانه من رجال تفسير علي بن ابراهيم (الي ان قال) و لكن مع ذلك لا يمكن العمل بها لوجهين:

احدهما: ان صريح روايات الصيد جواز ترك المبيت ليلة الثالث عشر اذا اتقي الصيد فتحمل هذه المعتبرة علي الاستحباب.

ثانيهما: السيرة القطعية القائمة علي جواز النفر يوم الثاني عشر و لو لم يتق محرمات الاحرام غير الصيد و حمل السيرة علي خصوص من اتقي المحرمات حمل علي الفرد النادر جدا اذ قلما يوجد في الحجاج اجتنابهم عن جميع التروك حال الاحرام و لو كان المبيت واجبا لمن لم يتق المحرمات المعهودة بل لم ينقل القول بالوجوب الا من ابن سعيد و نقل عن ابن ادريس و ابن أبي المجد الحاق المحرمات توجب الكفارة بالصيد و هذا أيضا لم يظهر لنا وجهه اصلا فالامر بين الاختصاص بالصيد او التعميم لجميع ما حرم اللّه عليه في احرامه و الثاني لا يمكن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود مني، ب 11، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 11، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 351

الالتزام به لما عرفت فيختص الحكم بالاول و الاحوط الحاق النساء اي الوطي بالصيد خروجا عن شبهة دعوي الاجماع علي الحاقة بالصيد فتحصل انه من اتقي الصيد يجوز له النفر بعد ظهر اليوم الثاني عشر و لا يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر كما في الآية الشريفة: فَمَنْ

تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقيٰ يعني هذا التخيير ثابت للمتقي من الصيد كما في النصوص «1».

أقول: و الّذي نقوله في ذلك اما بالنسبة الي وجوب المبيت ليلة الثالث عشر علي من لم يتق الصيد حال احرامه فهو مجمع عليه و اما من لم يتق النساء فقد عرفت من صاحب الجواهر ان الاجماع قائم فيه أيضا علي عدم جواز التعجيل «2» و وجوب المبيت ليلة الثالث عشر و قد دل عليه خبر محمد بن المستنير «3» المنجبر ضعفه بالاجماع و عمل الاصحاب و ما اختاره ابن سعيد لرواية سلام بن المستنير من وجوب المبيت ان لم يتق واحدا من المحرمات و كذا ما اختاره ابن ادريس و ابن أبي المجد ليسا خلافا للاجماع اذا فلا مجال للخدشة في تحقق الاجماع بالنسبة الي الصيد و النساء نعم لا نقول بالعموم المستفاد من خبر سلام بن المستنير لضعف سنده و ان صححه كما سمعت بعض الاجلة و لاعراض المشهور عنه كما لا نقول بقول ابن ادريس بالاتقاء عما فيه الكفارة من المحرمات لعدم دليل عليه.

لا يقال: ان ما يدل علي تفسير قوله عز شانه (لِمَنِ اتَّقيٰ) بلمن اتقي الصيد يدل

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 381.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 37.

(3)- لا يخفي انه يوجد في كتب العامة ترجمة محمد بن المستنير أبي علي البصري المعروف بقطرب احد العلماء بالنحو و اللغة ففي تاريخ بغداد تحت رقم 1386 و قال كان موثقا فيما يحكيه الا انه قال: مات في سنة ست و مأتين و نحوه مذكور في لسان الميزان الا انه لو كان محمد بن المستنير المذكور في الرواية لعل من المستبعد روايته

عن مولانا الصادق عليه السّلام كيف كان فالخبر كما قلنا ضعفه منجبر بالعمل.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 352

علي حصر سبب جواز التعجيل- أو جواز التأخير- بالاتقاء من الصيد او عدم الاتقاء منه و ان لم يتق النساء

فإنه يقال: انه يدل علي وجوب التأخير بعدم الاتقاء من الصيد و لا يدل علي ان عدم الاتقاء من الصيد هو السبب بقول مطلق بل مفهومه ان وجوب التأخير لا يكون من غير سبب ما فيجوز ان يقوم مقامه عدم الاتقاء من النساء هذا و اللّه هو العالم.

ثم ان هنا فروع:
الاول: الظاهر ان المراد من اتيان النساء هو الوطي

و في الحاق باقي المحرمات المتعلقة به كالقبلة و اللمس بالشهوة به نظر بل منع و مقتضي الاصل عدم الالحاق و عدم تحقق المانع من جواز النفر او الموجب للتاخير و كذا في الحاق باقي المحرمات المتعلقة بالصيد بالقتل أيضا و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط.

الثاني: الظاهر انه لا فرق في اصابة الصيد و اتيان النساء بين العامد و الناسي و الجاهل.

تنبيه: - لا يرد علي ما ذكرناه في هذا الفرع من عدم الفرق، بان الجهل و النسيان مرفوعان بحديث الرفع فالناسي و الجاهل كالمنفي؛ فانه اذا كان ارتكاب الصيد و النساء سببا لوجوب المبيت الليلة الثالثة، يكون ارتكابهما سهوا أو جهلا مرفوعا لا يوجب المبيت و وجودهما كالعدم، و اما اذ كان الاتقاء شرطا للتخيير و جواز التعجيل و النفر في اليوم الثاني فارتكبهما جاهلا او ناسيا فليس لارتكابهما حكم حتي يرفع به، و بعبارة اخري ما يترتب عليه الحكم أي جواز النفر و التعجيل هو عدم الصيد الذي فيه العمد و الجهل و السهو سواء، و اما الصيد فليس له حكم حتي يرفع برفعه هذا، و يمكن ان يقال: اذا كان التكليف شرطا بفعل ارتكبه المكلف سهوا او جهلا يشمله حديث الرفع و اما اذا كان مشروطا بترك فعل و ارتكبه

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 353

المكلف ناسيا او جاهلا لا يرفع التكليف و لا يحكم بترك الفعل المشروط عليه و اللّه هو العالم.

الثالث: الظاهر انه لا يختص الحكم في الصيد و النساء بما كان منه في احرام الحج

بل ان وقع منه في احرام عمرة التمتع حكمه حكم احرام الحج.

الرابع: لا يجوز النفر الاول الا بعد الزوال الا بضرورة و حاجة

كما حكي التصريح به عن غير واحد بل في المدارك الاجماع عليه «1» ففي صحيح معاوية بن عمار اذا اردت ان تنفر في يومين فليس لك ان تنفر حتي تزول الشمس و ان تاخرت الي اخر ايام التشريق و هو يوم النفر الاخير فلا شي ء عليك اي ساعة نفرت و رميت قبل الزوال او بعده «2» و في صحيح الحلبي: عن الرجل ينفر في النفر الاول قبل ان تزول الشمس؟ فقال: «لا و لكن يخرج ثقله ان شاء و لا يخرج هو حتي تزول الشمس» «3» و في صحيح أبي أيوب: اما اليوم الثاني فلا تنفر حتي تزول الشمس «4» و علي ما ذكر يحمل خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا بأس ان ينفر الرجل في النفر الاول قبل الزوال» «5» علي صورة الضرورة و الحاجة.

الخامس: حيث ان البيتوتة في مني تكون من العبادات تجب فيها النية

كسائر العبادات نعم تحقق عنوانها لا يحتاج الي النية و ليست هي من العناوين القصدية كالركوع و السجود و لذا لو تركها و اتي بها بدون النية اخل بالواجب و اثم لكن يمكن ان يقال بعدم وجوب الكفارة لان القدر المتيقن تعلقها بالترك الحقيقي لا الحكمي و ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 41.

(2)- الوسائل، ابواب العود الي مني، ب 9، ح 3.

(3)- الوسائل، ابواب العود الي مني، ب 9، ح 6.

(4)- الوسائل، ابواب العود الي مني، ب 9، ح 4.

(5)- الوسائل، ابواب العود الي مني، ب 9، ح 11.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 354

كان الاحتياط كما قال في الجواهر «1» لا ينبغي تركه و اللّه هو العالم.

[في أن الحاج إن غربت عليه الشمس و هو بمني يجب عليه مبيت الثالثة فيها]

مسألة 114- قد اشرنا الي ان الحاج ان غربت عليه الشمس و هو بمني يجب عليه مبيت الثالثة فيها و الدليل عليه صحيح او حسن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من تعجل في يومين فلا ينفر حتي تزول الشمس فان ادركه المساء بات و لم ينفر «2» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

اذا جاء الليل بعد النفر الاول فبت بمني فليس لك ان تخرج منها حتي تصبح و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام … فان هو لم ينفر حتي يكون عند غروبها فلا ينفر و ليبت بمني حتي اذا اصبح و طلعت الشمس فلينفر متي شاء و المسألة غير خلافية.

نعم يأتي الكلام فيما لو رحل فغربت قبل خروجه منها فهل لا يجب عليه المقام بها أو يلزمه المقام بها فعن العلامة انه ليس عليه المقام لما في المقام من مشقة الحط و الترحال و عن

الشهيد ان الاشبه المقام و حكي عن المسالك متابعته له «3» و ذلك لان الاعتبار في وجوب البيتوتة علي الليل و المساء و غروب الشمس و بعد تحققه تجب البيتوتة رحل و تحرك من مكانه أم لا و هذا هو الظاهر من الدليل نعم لو كان حاله بحيث لو لم يرحل من مني وقع في العسر و الحرج يجوز له ترك البيتوتة و لكن يحتاط بدم شاة.

هذا و لو خرج عنها قبل الغروب و هو بمني فان خرج منها قبل الغروب و رجع إليها قبله فان كان خرج منها ليرجع إليها فالظاهر وجوب البيتوتة عليه و ان خرج منها لينفر و لكن بدا له الرجوع إليها لحاجة فالاقرب في ذلك أيضا انه كمن لم يخرج

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني ب 10، ح 1 و 2 و 3.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 355

منه و لانه بعد رجوعه يستكشف منه عدم نفره و بالجملة فإطلاق الادلة يشمل مثل هذه الموارد. و اللّه هو العالم.

[في وجوب الكفارة لمن ترك المبيت بمني أو ما يقوم مقامه]

مسألة 115- المشهور انه يجب علي من ترك المبيت بمني او ما يقوم مقامه الكفارة لكل ليلة بشاة و حكي عن بعضهم دعوي الاجماع عليه و عن المقنعة و الهداية و المراسم و الكافي و جمل العلم و العمل من ان علي من بات ليالي مني بغيرها دما و لعل «1» مستندهم صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لا تبت ليالي التشريق الا بمني فان بت غيرها فعليك دم «2» الحديث او صحيح صفوان قال: قال ابو الحسن عليه السّلام: سألني بعضهم عن رجل بات ليالي مني بمكة فقلت:

لا ادري فقلت له: جعلت فداك ما تقول فيها؟ فقال عليه السّلام عليه دم شاة اذا بات «3».

هذا لفظ الحديث بنقل الوسائل عن التهذيب و الاستبصار الا ان الموجود في الاستبصار الموجود عندنا (بات ليلة من ليالي مني) و (و عليه دم اذا بات) و مثله في التهذيب و علي ذلك الدليل علي كفاية دم للثلاثة هو صحيح معاوية الا انه أيضا لو لم نقل بدلالته علي ان لكل ليلة دم مجمل من ذلك و لا يعارض ما يدل علي ان لكل ليلة دم مثل صحيح صفوان و حمل الجواهر صحيح معاوية و ما عن المقنعة و غيرهم علي إرادة الجنسية لا إرادة التسوية بين ليلة و ليلتين و ثلاث و الا انه لا يجب الدم الا بثلاث «4».

و لعل الاظهر في الدلالة علي قول المقنعة و غيره صحيح علي بن جعفر عن اخيه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 8.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 5.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 356

موسي عليه السّلام عن رجل بات بمكة في ليالي مني حتي اصبح؟ قال: «ان كان اتاها نهارا فيها حتي اصبح فعليه دم يهريقه» «1» الا ان الجواهر حمله أيضا علي الجنسية فلا يعارض به و بصحيح معاوية ما دل علي ان لكل ليلة دم واحد مثل صحيح صفوان الّذي سمعت الكلام فيه و ان ما في الوسائل يخالف مصدره الّذي يوجد بيننا منه نسخ متعددة و خبر جعفر بن ناجية المعبر عنه بالمعتبر في كلام بعض الاجلة لانه من رجال كامل الزيارات «2» قال: سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام عمن بات ليالي مني بمكة؟

فقال: «عليه ثلاثة من الغنم يذبحهن» «3» و لكنه ان لم يكن محلا للاعتماد و الاحتجاج بروايته لما ذكر يكون محلا له لان الراوي عنه هذا الحديث هو جعفر بن البشير أبو محمد البجلي الوشاء من زهاد اصحابنا و عبادهم و نساكهم و كان ثقة و كان له كتاب … و كان يلقب فقحة العلم روي عن الثقات و رووا عنه … ثم ان الظاهر ان ما في الوسائل من التعبير عنه في روايته الخبر عن الصدوق بابي جعفر ناجية سهو فهو كما في الفقيه المطبوع في النجف الاشرف و ايران في التهذيب و الاستبصار جعفر بن ناجية و في صحيح جميل علي رواية الشيخ و الا فعلي رواية الكليني مرسل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم «4» و ظاهره وجوب الدم لبيتوتة واحدة».

و لكن في قبال ما يدل علي الكفارة صحيح عيص بن القاسم يدل علي عدم شي ء عليه قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فاتته ليلة من ليالي مني؟ قال: ليس عليه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 2.

(2)- المعتمد: 5/ 390.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 6.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1 ح 16

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 357

شي ء و قد اساء». «1»

و لعل هذا صار سببا لذهاب من ذهب الي انه لا يجب الدم الا بثلاث و صحيح سعيد بن يسار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: فاتتني ليلة المبيت بمني من شغل؟ فقال:

لا بأس» «2» و لكن بقرينة سائر الروايات و

سيما صحيح صفوان يحتمل صدورهما للتقية.

و قد اجاب عنهما بعض الاعلام اما عن صحيح سعيد بن يسار بان المراد من قوله عليه السّلام: لا بأس انه لا بأس بحجته في فوت ليلة المبيت عنه و لا يدل علي عدم الكفارة، و اما عن صحيح العيص بان دلالته علي نفي الكفارة بالإطلاق فالكفارة تكون بالشاة و بالبدنة و بصاع من الحنطة و بدينار و بدرهم و الحديث بالإطلاق يدل علي نفي الجميع فلا ينافي تقييده و اثبات بعض افرادها بالدليل الا تري ان في روايات الصوم يقولون بان قوله عليه السّلام: لا يضر الصائم اذا اجتنب ثلاث او اربع الاكل و الشرب و الجماع و الارتماس يدل علي انه لا يضر غيرها من الافعال مما يمكن ان يضره فان دل الدليل علي انه يضره شي ء آخر لا يكون منافيا له و بالجملة فان امكن رفع التعارض بما ذكر او بالحمل علي التقية فهو و الا فيقع التعارض بين الطائفتين و لا ريب في ان الترجيح مع الطائفة الاولي. «3»

[في عدم الفرق في وجوب الفدية بين الجاهل و الناسي و المضطر]

مسألة 116- قال في الجواهر: اطلاق النص و الفتوي يقتضي ما صرح به بعض من عدم الفرق في ذلك (اي وجوب الفدية) بين الجاهل و الناسي و المضطر و غيرهم علي اشكال في الاخير بل قيل ان فيه وجهين اظهرهما العدم للاصل و انتفاء العموم في النصوص، و لان الفدية كفارة عن ترك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 7.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 12.

(3)- المعتمد: 5/ 392

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 358

الواجب و لا وجوب عليه و فيه ان الاصل مقطوع بالإطلاق الّذي هو بمنزلة العموم و لعل

الفدية جبران لا كفارة. «1»

نعم قد يقال بانسباق غير المضطر من الاطلاق المزبور الا ان الاحوط ثبوتها بل عن الحواشي المنسوبة الي الشهيد انه لا شي ء علي الجاهل.

أقول: مقتضي حديث الرفع عدم وجوب الكفارة علي الجاهل و الناسي و المضطر اللهم الا ان يدعي هنا اجماع او يقال ليست الكفارة بمرتبة علي المخالفة العمدية بل هي جبران و تدارك لما فات منه من الثواب فلا يشملها حديث الرفع الوارد للامتنان و لكن لا يساعد ذلك عبارات بعض الروايات و اللّه هو العالم.

[في جواز ترك البيتوتة بمني لمن يبيت بمكّة]

مسألة 117- يجوز ترك البيتوتة بمني لمن يبيت بمكّة مشتغلا لما في صحيح معاوية بن عمار: اذا فرغت من طوافك للحج و طواف النساء فلا تبت الا بمني الا ان يكون شغلك في نسكك «2» و في صحيحه الاخر:

و سألته عن الرجل زار عشاء فلم يزل في طوافه و دعائه و في السعي بين الصفا و المروة حتي يطلع الفجر؟ قال: ليس عليه شي ء كان في طاعة اللّه عز و جل «3».

و ظاهر الاخير العموم فيشمل كل عبادة واجبة او مستحبة. نعم يكره له عدم العود الي مني الي الصبح لقوله عليه السّلام في صحيح صفوان الّذي مرّ صدره: فقلت: ان كان انما حبسه شأنه الّذي كان فيه من طوافه و سعيه لم يكن لنوم و لا لذة أ عليه مثل ما علي هذا؟ فقال: ليس هذا بمنزلة هذا و ما احب ان ينشق له الفجر الا بمني «4» ثم ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 6

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 9.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1،

ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 359

من خرج من مني بعد نصف الليل و لم يدخل مكة الا بعد الفجر ليس عليه شي ء قال في الجواهر بلا خلاف اجده فيه لقول الصادق عليه السّلام في خبر عبد الغفار الجازي فان خرج من مني بعد نصف الليل لم يضره شي ء و خبر جعفر بن ناجية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: اذا خرج الرجل من مني اوّل الليل فلا ينتصف له الليل الا و هو بمني و اذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس ان يصبح بغيرها و ظاهر هذه النصوص عدم الاعتبار بدخول مكة بعد الفجر بل له الخروج من مني بعد نصف الليل دخل مكة بعد الفجر او قبله. «1»

ثم ان القدر الواجب من المبيت بيتوتة النصف الاول الي ان يتجاوز النصف كما هو المشهور ظاهرا و المتعين و هل المستفاد من الاحاديث ذلك او تساوي نصفي الليل في تحصيل الامتثال نسب الي الحلبي التساوي و الي المشهور اختصاص الوجوب بالنصف الاول و عدم جواز الخروج اختيارا في اوّل الليل الا للاشتغال بالعبادة في مكة.

و في الجواهر قال: قد يستفاد من خبر ابن ناجية و خبر معاوية السابقين تساوي نصفي الليل في تحصيل الامتثال و الظاهر ان مراده من خبر معاوية صحيح معاوية بن عمار: لا تبت ليالي التشريق الا بمني فان بت في غيرها فعليك دم و ان خرجت اوّل الليل فلا ينتصف الليل الا و انت في مني الّا ان يكون شغلك نسكك او قد خرجت من مكة فان خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك ان تصبح في غيرها و خبر ابن ناجية هكذا: اذا خرج الرجل من مني اوّل الليل فلا

ينتصف له الليل الا و هو بمني و اذا خرج الرجل بعد نصف الليل فلا بأس ان يصبح بغيرها 2 و لكن لم نفهم منهما التساوي و ان صرح بدلالتهما علي التخيير بعض الاعلام من

______________________________

(1) 1- 2 جواهر الكلام: 20/ 9 و 10

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 360

المعاصرين «1» عليه يدور الامر بين وجوب البيتوتة في النصف الاول او في تمام الليل و القدر المتيقن و ان كان تمام الليل الا ان مقتضي ما سمعت من النصوص كفاية البيتوتة الي النصف.

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 189 الي 200

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 361

الكلام في رمي الجمرات الثلاث

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 363

رمي الجمرات الثلاث

الثالث عشر من واجبات الحج: رمي الجمرات الثلاث

اشارة

اعلم انه لا خلاف بين اصحابنا بل كانه بين المسلمين في وجوب رمي الجمار الثلاث كل جمرة سبع حصيات يوم الحادي عشر و الثاني عشر و الاخبار به متواترة ففي حسن ابن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «سألته عن قول اللّه تعالي:

ما يعني بالحج الاكبر؟ فقال: الحج الاكبر الوقوف بعرفة و رمي الجمار» «1» و ما ورد في ان رمي الجمار سنة المراد منه ان وجوبه علم من السنة لا القرآن الكريم و في الجواهر قال: و كذا يجب الرمي أيضا في اليوم الثالث عشر ان اقام ليلته فيها كما صرح به الفاضل و غيره بل في كشف اللثام لعله لا خلاف فيه و لعله للتأسي و اطلاق بعض النصوص انتهي. «2»

أقول: ان كان تحقق عليه الاجماع فهو و الا فالاستدلال بالتأسي لا يثبت به الا الرجحان لان صحيحة معاوية بن عمار الحاكية عن حج النبي صلّي اللّه عليه و آله يدل علي ان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود

الي مني ب 4 ح 1

(2)- جواهر الكلام: 20/ 16

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 364

النبي صلّي اللّه عليه و آله رمي الجمار اليوم الثالث عشر و هو لا يدل علي الوجوب كما لا يدل فعله علي وجوب غيره من الافعال التي ليست من الواجبات و اما اطلاق بعض النصوص فان كان المراد منه ما حكي عن الفقه الرضوي و دعائم الاسلام فهما يدلان بالامر بالرمي في اليوم الثالث عشر علي الاطلاق و ان لم يبت ليلته مضافا الي ما فيها من الضعف و قال بعض الاجلة اضف الي ذلك انه يستفاد من بعض النصوص عدم الوجوب «1» و ذكر ما في حديث رواه الكليني عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان و ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه: «اذا جاء الليل بعد النفر الاول فبت بمني فليس لك ان تخرج منها حتي تصبح» «2» و لكن يمكن ان يقال: انه كان في مقام بيان حكم البيتوتة فلا يدل عدم اشارته برمي الجمار علي حكمه هذا.

و قد تعرض لصحيحة اخري رواها في الكافي هكذا … عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا اردت ان تنفر في يومين فليس لك ان تنفر حتي تزول الشمس و ان تاخرت الي اخر ايام التشريق و هو يوم النفر الاخير فلا عليك اي ساعة نفرت و رميت قبل الزوال او بعده» «3» و في التهذيب و الاستبصار و الفقيه مثله «4» الا ان في الوسائل اسقط كلمة (و رميت) «5» و رجح بعض الاعلام نسخة الوسائل علي جميع هذه النسخ الاصلية و غيرها

كالوافي و مرآة العقول و الحدائق لزعمه قيام القرينة القطعية علي صحة نسخة الكافي الموجودة عند صاحب الوسائل

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 400

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 2.

(3)- الكافي، ج 4، ص 520، ح 3.

(4)- التهذيب، ج 5، ح 926، الاستبصار، ج 2، ح 1073، الفقيه، ج 2، ح 1414.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني ب 9 ح 3

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 365

لالتفاته الي وجود (رميت) في الفقيه و التهذيب و الاستبصار و مع ذلك روي عن الكافي بدون هذه الكلمة فلا ريب في انه لم يكن في الكافي الموجود عنده مضافا الي انه لا معني للرمي قبل الزوال او بعده. «1»

أقول: يمكن ان يقال: ان الثابت ان الشيخ و الصدوق رويا كلمة (رميت) و الشيخ رواها بسنده عن الكليني و المقصود معلوم فان الرمي لا بد و ان يجي ء به قبل النفر لا بعده مضافا الي ان مقتضي تقديم اصالة عدم الزيادة علي عدم النقصية تقديم النسخ الاصلية.

و بعد ذلك كله فقد اطلعنا بعض الفضلاء من شركاء مجلس البحث سلمهم الله تعالي علي رواية رواها الشيخ عن موسي بن القاسم عن اللؤلؤي حسن بن حسين «2» بن محبوب عن علي بن رئاب عن بريد العجلي فليرمها قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام، عن رجل نسي رمي الجمرة الوسطي في اليوم الثاني؟ قال: فليرمها في اليوم الثالث لما فاته و لما يجب عليه في يومه، قلت: فإن لم ينكر الّا يوم النفر؟ قال:

فليرمها و لا شي ء عليه. «3» و عليها يجب الرمي لليوم الثالث و القدر المتيقن منه ما اذا وجب عليه بيتوته ليله.

تنبيه: ان محمد بن اسماعيل الواقع

في سند حديث عمار السابق ليس محمد بن اسماعيل بن بزيع فانه كما في طبقات رجال الكافي لسيدنا الاستاذ قدس سره من صغار الطبقة السادسة و لا رواية له عن الفضل بن شاذان الّذي هو من الطبقة السابعة المتأخرة عنه و المحتمل كونه محمد بن اسماعيل النيشابوري المعروف ببندفر

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 401

(2)- الثقة (جش و صه) و ضعّفه ابن بابويه و استثني ابن الوليد من روايات محمد بن احمد بن يحيي ما تفرد به الحسن و الحسين.

(3)- التهذيب، كتاب الحج، ب 19، ج 5، ح 894/ 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 366

و هو الّذي يروي كثيرا في الكافي عن الفضل بن شاذان و هو و ان لم يذكر بالتوثيق في كتب الرجال الا ان اعتماد الكليني عليه فانه يروي عنه كثيرا في الكافي يكفي في الاعتماد عليه و اللّه هو العالم.

[في وجوب الترتيب في رمي الجمار]

مسأله 118- ثم انه لا خلاف بل في الجواهر الاجماع بقسميه علي وجوب الترتيب في رمي الجمار «1» فيبدأ بالاولي ثم الوسطي ثم جمرة العقبة و تدل عليه النصوص؛ مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و ابدأ بالجمرة الاولي فارمها عن يسارها من (في) بطن المسيل و قل كما قلت يوم النحر ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّه و اثن عليه و صلّ علي النبي صلّي اللّه عليه و آله ثم تقدم قليلا فتدعوا تسأله ان يتقبل منك ثم تقدم أيضا ثم افعل ذلك عند الثانية و اصنع كما صنعت بالاولي و تقف عندها» «2» و ظاهر الامر بالبدأة الوجوب كما ان العطف بثم ظاهر في الترتيب و قد عقد في الوسائل

في ابواب العود الي مني بابا خصه بوجوب الابتداء برمي الاولي ثم الوسطي ثم جمرة العقبة فان نكس وجب ان يعيد علي الوسطي ثم جمرة العقبة و هو الباب الخامس من هذه الابواب و لم يرو فيه الا ما يدل علي انه ان نكس وجب عليه العود فهذه الروايات كلها و اكثرها الصحاح يدل علي وجوب الترتيب المذكور و علي انه لو رمي منكوسا اعاد علي الوسطي و جمرة العقبة و لا فرق في وجوب الاعادة بين ان خالف الترتيب عمدا او جهلا او نسيانا و مما روي في الباب الخامس المذكور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح قال معاوية بن عمار: قلت له: «الرجل يرمي الجمار منكوسة؟ قال: يعيدها علي الوسطي و جمرة العقبة»، فان قلت قد ورد في الصحيح عن جميل و محمد بن حمران الاجتزاء بما اتي به جهلا او نسيانا مقدما علي ما هو المؤخر عنه او بالعكس

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 16

(2)- وسائل الشيعة، ابواب رمي جمرة العقبة، ب 10، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 367

قلت: لو سلمنا اطلاقه فهو يقيد: بصحيح مسمع المخرج في الباب المذكور (ح 2) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطي ثم الاولي يؤخر ما رمي بما رمي فيرمي الوسطي ثم جمرة العقبة.

فان قلت: مقتضي حديث رفع النسيان رفع الجزء او الشرط المنسي و هو هنا الترتيب المذكور فخلافه نسيانا غير ضائر كانه لم يخالف و اتي بالذي كان عليه.

قلت: قد ذكر هذا الايراد بعض الاعلام و اجاب عنه بان الحديث ينفي الحكم و لا يدل علي اثباته (يعني لا يدل علي

الاكتفاء بمجرد الرمي و اثبات وجوبه) فالرفع يرفع الحرمة و كذلك يرفع الاثر المترتب عليه الاثر، و اما الحكم بالصحة، و ان الفاقد صحيح فلا يستفاد من الرفع فلو نسي الصائم و شرب او اكل يحكم بانه لم يرتكب معصية و لم يترتب علي شربه اذا نسيه الكفارة و اما كون الصوم صحيحا فلا يتكلفه حديث الرفع بل يحتاج الي الدليل فلو لم يكن دليل خارجي علي الصحة و الاكتفاء به لكان مقتضي القاعدة عدم الاكتفاء لمخالفته للمأمور به، و اما حديث الرفع فيرفع العقاب و الآثار المترتبة علي الفعل كالكفارة و نحوها و لا يثبت صحة العمل المأتي به و تمام الكلام في محله مضافا الي ان النص دل علي الفساد و التدارك كما عرفت انتهي. «1»

أقول: امّا دلالة النص علي الفساد فلا ريب فيها و اما بقطع النظر عن النص فالاكل و الشرب يبطل الصوم فلو نسي الصائم و ارتكبه مقتضي حديث الرفع كونه كالعدم و كانه لم يأكل و لم يشرب و لم يقع منه المفطر و هذه عبارة اخري عن صحة الصوم و يمكن ان يقال: ان رفع النسيان كما يدل علي عدم المؤاخذة علي الفعل و عدم الكفارة يدل علي ان المأمور به في حال النسيان سائر الاجزاء لاطلاق دليله

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 405

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 368

و انه لا يسقط في حال النسيان فرفع حرمة الشرب و الاكل عن الصائم الّذي يجب عليه الصوم في حال نسيان الاكل و الشرب معناه صحة صومه و ان المامور به سائر الاجزاء و أيضا ما دل علي رفع وجوب السورة حال النسيان عن الصلاة التي لا تسقط بحال معناه ان المأمور به

هو الصلاة الفاقدة للسورة بل مجرد رفع وجوب السورة بالنسيان ليس معناه الا ذلك.

ثم انه بعد ذلك يمكن ان يقال: في مقام الجواب: ان حديث رفع النسيان كما يرفع الحكم الوضعي كالجزئية و الشرطية و المانعية فاذا كانت جزئية شي ء او شرطيته أو مانعيته مرفوعة فطبعا يحكم بصحة الباقي لأن معنا حديث الرفع ان هذا الجزء المنسي ليس بجزء في حال النسيان او بشرط او بمانع في هذا الحال و ليس هذا الا الحكم بصحة الباقي افاد بان الامر كذلك و ان حديث الرفع رافع للاحكام الوضعية كالتكليفية لان امرها بيد الشارع المقدس رفعا و وضعا و لكن الجزئية و الشرطية و المانعية ليست من المجعولات الابتدائية فلا تنالها يد الجعل ابتداءً فلا يمكن ان يقال ابتداء ان الشي ء الفلاني جزء او شرط او مانع لامر آخر و انما هذه الامور الثلاثة انتزاعية من الامر بالمركب من شي ء و شي ء آخر او الامر المقيد بشي ء آخر او المقيد بعدم شي ء آخر (الي ان قال) انما الجزئية و الشرطية و المانعية في نفسها غير قابله للجعل فمعني الرفع الجزء المنسي انه في حال النسيان لم يأمر بالمركب منه و من غيره و لم يأمر بالمقيد منه فالامر بالنسبة الي المركب منه و من غيره ساقط غير مجعول و اما ان الباقي له الامر فحديث الرفع لا يتكلفه و يحتاج الي دليل آخر.

و فيه: ان معني الرفع في الجزء المنسي؛ أن المأمور به في حال النسيان فاقد الجزء و عدم كون المنسي في حال النسيان مع ما ركب معه مأمورا به، لازم ذلك، و بالجملة فما افاد بعد ذلك في الجواب عن النقض بصورة الجهل هو الجواب

عنه في صورة النسيان فتدبّر. ثم انه قد استثني من وجوب الترتيب المذكور ما اذا حصل له رمي

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 369

اربع حصيات في رمي جمرة ثم رمي علي الجمرة التي بعدها و مقتضي الاصل و ان كان وجوب اكمال الناقص و اعادة ما بعده ان لم نقل بوجوب رعاية الموالات بين رمي الحصيات و لكن النص قد دل علي كفاية ذلك مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام حديث قال: «و قال في رجل رمي الجمار فرمي الاولي بأربع و الاخيرتين بسبع سبع؟ قال: يعود فيرمي الاولي بثلاث و قد فرغ و ان كان رمي الاولي بثلاث و رمي الاخيرتين بسبع سبع فليعد فليرمهن جميعا بسبع سبع و ان كان رمي الوسطي بثلاث ثم رمي الاخري فليرم الوسطي بسبع، و ان كان رمي الوسطي بأربع رجع فرمي بثلاث» «1» و صحيحه الاخر عنه عليه السّلام في رجل رمي الجمرة الاولي بثلاث و الثانية بسبع و الثالثة بسبع؟ قال يعيد يرميهن جميعا بسبع سبع قلت: فان رمي الاولي بأربع و الثالثة بثلاث و الثانية بسبع؟ قال: يرمي الجمرة الاولي بثلاث و الثانية بسبع و يرمي جمرة العقبة بسبع قلت: فانه رمي الجمرة الاولي بأربع و الثانية بأربع، و الثالثة بسبع؟ قال: يعيد فيرمي الاولي بثلاث و الثانية بثلاث و لا يعيد علي الثالثة «2» و غيرها مما هو مذكور في الوسائل في الجواهر «3» و بعد ذلك لا وجه لما حكي عن الحلّي من كفاية الاتمام و لو رمي اقل من الاربع الا علي البناء علي عدم العمل بالخبر و عدم اعتبار الموالاة بالاصل و كذا ما حكي عن علي

بن بابويه من انه انما يحكم بالصحة السابقة اذا اكمل اللاحقة دون من اتي بالسابقة بالاربع و باللاحقة بالاربع مع انه لم يثبت ذلك منه و عبارته المحكية عن في المختلف كما في الجواهر يرد ذلك و الظاهر منه موافقته عن المشهور.

ثم انه يظهر من الجواهر ان ظاهر النصوص و الفتاوي عدم الفرق في كفاية رمي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 6، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 6، ح 2.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 22.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 370

اربع حصيات علي الجمرة الاولي و الاتيان بالجمرتين اللتين هما بعدها بل و كفاية اربع حصيات علي كل من الجمرتين الاولتين علي كل منهما اربع ثم الاتيان بالثالثة لحصول الترتيب بين العامد و الجاهل و الناسي (و قال)، بل قيل انه ظاهر المتن (يعني الشرائع) و النافع و المحكي عن المبسوط و الخلاف و السرائر و الجامع و التحرير و التلخيص و اللمعة خلافا للفاضل في القواعد و التذكرة و المنتهي و الشهيدين في الدروس و الروضة و ربما عزي الي الشيخ و الاكثر و ربما جعل اشهر فقيّده بالناسي بل في الحدائق نسبة تقييده به و بالجاهل الي الاصحاب، و ان كنا لم نتحققه في الثاني نعم ألحقه الشهيدان منهم بالناسي انتهي. «1»

أقول: ظاهر صحيح معاوية بن عمّار صورة النسيان و امّا صورة العمد فاذا كان المراد منها عمد العالم فهو خلاف الظاهر فانه يستلزم منه ان يكون السؤال عن جواز الاكتفاء به بان يكون المامور به الرمي بأربع ثم اكماله بسبع بعد الاخري او قبلها و ان كان المراد الاتيان به كذلك رجاء فمآل القول بالصحة فيه أيضا كون

المامور به من اوّل الامر الرمي بالاربع و المناسب في السؤال هل يأتي برمي الحصيات متواليا او متفرقا و بالجملة لا يشمل الصحيح صورة العمد مطلقا و اما صورة الجهل فيبعد شمول الصحيح لها علي ما افاده بعض الاعلام ندرة الجهل بالرمي علي الاول بسبع مع العلم به علي الثاني «2» و فيه ان رميه بالاول بأربع و بالثاني بسبع لا يدل علي علمه بالثاني بل لعله كان جاهلا باعتبار اتمام السبع قبل الشروع في الثاني فاتي بالاول ناقصا و بالثاني تاما فاطلاق الصحيح يشمل الصورتين.

ثم الظاهر انه لا يجب ان يأتي بالثلاث ان ذكر تركه بعد الاتيان برمي الوسطي فورا بل يجوز الاكتفاء باتيانه بعد رمي جمرة العقبة بل بفاصلة اكثر من ذلك و ذلك

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 22

(2)- المعتمد: 5/ 411

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 371

لعدم الدليل علي وجوب الموالات نعم هو احوط.

ثم انه لو نسي رمي يوم او تركه عمدا يجب عليه قضائه في الغد مبتدأ به ثم يأتي بما ليومه و يدل عليه ما في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت:

الرجل ينكس في رمي الجمار فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطي ثم العظمي؟ قال: يعود فيرمي الوسطي ثم يرمي جمرة العقبة، و ان كان من الغد» «1» و رواية بريد العجلي قال: «سألت أبا عبد اللّه، عليه السّلام، عن رجل نسي رمي الجمرة الوسطي في اليوم الثاني؟

قال: فليرمها في اليوم الثالث لما فاته و لما يجب عليه في يومه قلت: فان لم يذكر الا يوم النفر؟ قال: فليرمها و لا شي ء عليه» «2».

و هل يجب الترتيب فلا يجزي تقديم ما ليومه علي ما فات منه قال

في الجواهر:

فلا خلاف اجده فيه بل عن الخلاف الاجماع عليه مضافا الي ما قيل من تقدم سببه و الاحتياط و ان كان فيه ما فيه و صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل افاض من جمع حتي انتهي الي مني فعرض له عارض فلم يرم حتي غابت الشمس؟ قال: يرمي اذا اصبح مرتين مرة لما فاته و الاخري ليومه الّذي يصبح فيه و ليفرّق بينهما يكون احدهما بكرة و هي للامس و الاخري عند زوال الشمس» و هذا بلفظ الشيخ و رواه الكليني عنه الا انه قال: «يرمي اذا اصبح مرتين احدهما بكرة و هي للامس و الاخري عند زوال الشمس و هي ليومه» «3» و لكن فيه انه لا اطلاق ليشمل فيما إذا لم يرم يوم الحادي عشر غاية الامر يدل علي رعاية الترتيب اذا لم يرم جمرة العقبة يوم العيد. اللهم إلا ان يقال بعدم الفرق و لا بأس به.

و هل يجب التفريق بين ما لغده و ما ليومه؟ ظاهر الاخبار ذلك منها الصحيح

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 5، ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب رمي جمرة العقبة، ب 15، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب رمي جمرة العقبة، ب 15، ح 1 و 2 و لا يخفي انهما واحد.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 372

المذكور و منها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت رجل نسي الجمار حتي اتي مكة؟ قال: يرجع فيرميها يفصل بين كل رميتين بساعة» «1» الحديث و في رواية اخري عنه مثله و الظاهر انه و ما قبله واحد.

فرع آخر: قد عرفت انه اذا رمي اقل من الاربع

يجب عليه العود ثم الاتيان بما بعده فهل يجب عليه استيناف الرمي او يكفي اكماله و الاتيان بما نقض حكي عن العلّامة في عدة من كتبه و عن السرائر انه يكمل الناقص و يعيد ما بعده للاصل و عن غيرهم كالشيخ و ابن الجنيد و حمزة و البرّاج و علي بن بابويه و غيرهم وجوب الاستيناف و ذلك لظاهر النصوص كما في صحيح معاوية: «و ان كان رمي الاولي بثالث و رمي الآخرتين بسبع سبع فليعد فليرمهن جميعا بسبع سبع» و صحيحه الآخر ثم انه لو كان الناقص في الثالثة يكفي اكمالها مطلقا سواء كان النقص اثنين او ثلاث او اربع او خمس و ذلك لعدم اعتبار الموالات و حصول الترتيب و الظاهر انه لا خلاف فيه الا من ابن بابويه فلا يجب استيناف الرمي «2» و اللّه العالم.

أيضا فرع آخر: لو فاته جمرة و جهل تعينها يجب عليه رمي الجمرات الثلاث ليحصل له العلم بأداء التكليف و فراغ الذمة و بعبارة اخري بعد العلم بوجوب رمي كل واحد من الثلاثة يشك في ادائه فيجب عليه الخروج عن عهده التكليف المتعلق بكل واحد منها بالعلم و لا يقال انه يعلم ان شكه بالنسبة الي الثلاثة يرجع الي اليقين بوجوب الثلاثة لانها باقية عليه امّا لكون الفائتة نفسها او لبطلانها ان كانت الفائتة الاولي او الثانية و بعبارة اخري يعلم اجمالا انه عليها اما الثلاثة او الثانية و الثالثة او الثلاثة فيعلم بالتفصيل فوت الثالثة و وجوب قضائها و يصير شكه بالنسبة الي الاولي و الثانية بدويا و يمكن ان يقال ان المعتبر في الثلاثة ان تكون واقعة بعد الثانية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني،

ب 3، ح 2 و 3.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 23

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 373

و الاولي و اجراء الاصل في عدم وجوب الاولي و الثانية لا يثبت به وقوع الثالثة بعدهما بل نقول ان الشك واقع في انه هل يجب عليه رمي جمرة الاولي او الوسطي الواقع بعده او العقبة الواقع بعدهما فيجب عليه الاتيان بالثلاثة و مثل ما ذكر ما لو فاته اربع حصيات من جمرة و لا يدر أنها من ايّها و لو فاته دون الاربع من جمرة يكرره علي الثلاث و لا يجب الترتيب هنا لان الفائت من واحدة و وجوب الباقي من باب المقدمة كوجوب ثلاث فرائض عن واحد مشتبهة من الخمس، و لو فاته من كل جمرة واحدة او ثنتان او ثلاث وجب الترتيب لتعدد الفائت و لو فاته ثلاث و شك في كونها من واحدة او اكثر رماها عن كل واحدة مرتبا لجواز التعدد و لو كان الفائت اربعا استأنف ذكر هذه الفروع في الجواهر رفع «1» اللّه درجة مؤلفه الكبير. و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 29

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 375

الكلام في الصد و الاحصار

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 377

الكلام في الصد و الاحصار اعلم انه و ان حكي عن بعض المفسرين دعوي اتفاقهم علي نزول قوله تعالي:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ … «1»

في حصر الحديبية و لكن هذا ينافي ما هو الثابت بالاخبار من الفرق بين الحصر و الصد مثل ان الواجب علي المحصور البعث بالهدي و ذبحه بمكة ان صار محصورا في العمرة و في مني ان حصر في الحج فلا يجوز

التحلل حتي يبلغ الهدي محله بخلاف المصدود فانه لا يجب عليه البعث به و سيأتي الكلام في ذلك.

و كيف كان فالكلام يقع في مقامين:

______________________________

(1)- سورة البقرة 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 379

المقام الاول في المصدود

اشارة

و هو الممنوع عن اتمام الحج او العمرة بمنع مانع قاهر غالب فمن تلبس باحرام حج او عمرة يجب عليه الاتمام و ان صد عن الاتمام يتحلل في مكانه من كل ما احرم منه اذا لم يكن له طريق غير موضع الصد او كان و لكن قصرت نفقته ففي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «المصدود يذبح حيث صدّ و يرجع صاحبه فيأتي النساء» «1» و في رواية حمران عنه عليه السّلام: ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حين صد بالحديبية قصّر و احلّ و نحر ثم انصرف منها «2» و في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المصدود هو الّذي يرده المشركون كما ردوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ليس من مرض و المصدود تحل له النساء» «3»

و الظاهر انه لا خلاف في ذلك معتد به بل في الجواهر الاجماع بقسميه عليه فلا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 1، ح 5.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 6، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 1، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 380

اعتداد بحكاية الخلاف في ذلك عن أبي حمزة في الوسيلة و غيره بان هذا مشروط باشتراط التحلل عند الاحرام لعروض ذلك «1». نعم: اذا كان له طريق آخر مع وجدان النفقة لا يجري عليه حكم المصدود و ان خاف فوت الحج فاذا صار خائفا من

ذلك يستمر علي احرامه حتي اذا تحقق الفوت يتحلل من احرامه بالعمرة فلا يطلق علي مثله المصدود حتي تشمله الادلة فان قيل من قصرت نفقته و كان له طريق آخر أيضا ليس مصدودا عليه فلا يطلق عليه المصدود، يقال: مثله مصدود عند العرف لانه لا يتمكن من اتمام الحج و لا طريق له الا من موضع المنع كما اذا تعذر له غير الطريق الّذي صدّ عنه لجهة اخري هذا. و هل يجري علي العالم بفوت الحج منه قبل تحقق ذلك حكم المصدود أم لا؟ فيجب عليه التحلل بالعمرة؟ قد يوجه الثاني بالضرر بالاستمرار كما في الصد بل صورة العلم بالفوت اولي لان في صورة الصدّ يتحلل به و ان احتمل الادراك و فيه ان ذلك فرع العلم بكون الضرر علة للحكم في المصدود. مضافا الي ان فوت الحج اذا تحقق انقلب عمرة و يجب اتمامها و حكم الصد عدم وجوب الاتمام و هذا مضافا الي منع الضرر في استمرار الاحرام الي تحقق الفوت.

و كيف كان فالقول بإلحاق العلم بالفوت بالصد محكي عن السيد و الشيخ و ابن ادريس و في الجواهر قال: و لعل من العلم بالفوات نفاد النفقة يعني لا يتحلل به و يتحلل بالعمرة ثم قال: لكن عن الشهيد انهم نصوا علي التحلل عنده (قال) و مع التسليم يمكن الفرق بالضرر و الخروج عن التكليف بالاتمام لكنه كما تري «2».

أقول: يمكن ان يقال ان مقتضي القاعدة في كل مورد صار عاجزا عن الاتمام سقوط التكليف و انكشاف بطلان احرامه للحج او العمرة الا ما ثبت بالدليل حكمه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 114

(2)- جواهر الكلام: 20/ 115

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 381

الخاص به و اللّه

هو العالم.

[مقتضي الأصل الثانوي بقاء المصدود علي الإحرام إن تحلل قبل ذبح الهدي أو نحره]

مسألة 119- اعلم ان مقتضي الاصل الاولي و ان كان سقوط الحكم بوجوب الاتمام بالعجز عنه بالصد و الحصر بل انكشاف عدم تحقق احرامه بالعجز عن الحج او العمرة الا ان الدليل قد دل علي تحقق احرامه و وجوب التحليل منه و علي هذا مقتضي الاصل الثانوي بقاء المصدود علي الاحرام ان تحلل قبل ذبح الهدي او نحره للشك في جواز التحليل عنه قبل الهدي و عدمه فمقتضي الاستصحاب بقاء احرامه ان تحلل قبله و في الجواهر قال: كما صرّح به غير واحد بل نسبه بعض الي الاكثر و آخر الي المشهور بل في المنتهي «قد اجمع عليه اكثر العلماء الّا مالكا» لاستصحاب حكم الاحرام الي ان يعلم حصول التحلل و لما سمعته من النصوص السابقة المعتضدة بالمرسل عن الصادق عليه السّلام: المحصور و المضطر يذبحان بدنتيهما في المكان الّذي يضطران فيه. «1»

أقول: مراده من المرسل ما رواه في الفقيه بهذا اللفظ و قال الصادق عليه السّلام: المحصور و المضطر ينحران بدنتيهما في المكان الّذي يضطران فيه «2» لا ما في المقنع فانه يستفاد منه ان قوله: و المحصور و المضطر ينحران بدنتيهما في المكان الّذي يضطران فيه و قد فعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ذلك يوم الحديبية الخ من كلامه لا كلام الامام عليه السّلام و جعله حديثا عن المقنع في الوسائل أيضا ليس في محله، «3» اللهم الا ان يقال انه من تتمة ما رواه عن الفقيه و الضمير في (ثم قال) راجع الي الامام عليه السّلام و من كلام معاوية بن عمار الا انه لا يستقيم لان لفظ الفقيه «و قال الصادق عليه السّلام» ظاهر في كونه

غير ما رواه عن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 116

(2)- من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 5. 3 ب. 21 ح 1513/ 2

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 1 ح 2

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 382

معاوية بن عمار قبل ذلك لانه ليس فيه (ثم) فيتردد الامر بين كون هذه الفقرة مروية بالارسال او بالإسناد.

هذا ثم تمسك صاحب الجواهر بقوله تعالي: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ بناء علي ان الاحصار فيها الّذي معناه المنع اعم من الحصر و المنع بالمرض او بالصد و لكن يلزم من ذلك كون قوله تعالي: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ علي خلاف الظاهر مختصا بخصوص الحصر بالمرض. «1»

و يمكن ان يقال: ان حكم الصد و الحصر من الاحكام الامضائية التي كانت قبل الاسلام و اثبتها الاسلام فالآية اشارة الي ذلك بالاجمال و كان المراد فيها معلوما عند المخاطبين و لذا امر النبي صلّي اللّه عليه و آله بنحر بدنته مكانه و هذا شبيه بالاستخدام و ذكر العام ثم بيان حكم بعض افراده اتكالا بالقرينة.

فان قلت: مقتضي رواية الصدوق ان رسول اللّه صلي عليه و آله نحر بدنته في مكانه حين ردها المشركون ان جواز النحر او الذبح في مكان الصد مشروط بمنع المانع عن ارسال الهدي الي مكة او مني فيكون المراد من الحصر في الآية منع السائل للصّد و بذلك تفسر الآية علي ظاهرها و علي ذلك لا فرق بين الصد و الحصر بمعناه الاخص اي المرض في الحكم.

قلت: الظاهر ان هذا الدليل لقوله عليه السّلام: المحصور و المضطر ينحران بدنتيهما في المكان الّذي يضطران فيه في المقنع ليس من كلام الامام عليه السّلام بل

هو من كلام الصدوق فالمتبع في المسألة هو النصوص الدالة علي اختصاص حكم البعث بالهدي بالمريض و لا يعتد بخلاف بعضهم هذا و قد ينفي البعد عن القول بتخيير المصدود بين البعث و الذبح عنده محكيا ذلك عن العلامة في المنتهي و التحرير و التذكرة بان البعث

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 117

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 383

اولي و عن الشيخ في الخلاف بانه افضل و الاصوب انه احوط «1» و اما القول بوجوب الاستنابة فيما صد عنه من الطواف او السعي او كليهما لعموم ما دل عليهما مع التعذر فلا يتحقق الحصر و الصد الّا اذا صد او حصر منهما بالمباشرة و الاستنابة ففيه انه خلاف ظاهر الآية الكريمة و الروايات و اللّه هو العالم.

[لا يجب علي المصدود بعث الهدي]

المسألة 120- قد مرت الاشارة الي انه لا يجب علي المصدود بعث الهدي فان منعه الصاد يذبحه في مكانه بل يجزي منه ذبحه او نحره بمجرد الصد في مكانه و ان لم يصد من بعث الهدي.

الا ان المحكي عن أبي الصلاح وجوب الانفاذ الا اذا صد منه أيضا و الظاهر ان قولهم بوجوب البعث ان امكن اذا كان ذلك في الحج و كان قارنا ساق الهدي دون غيره كان ذلك في الحج او العمرة و لذا حكي عن الاسكافي التفصيل بين كون هديه بدنة او غيرها فالظاهر انه اختار انه يبعث بهديه بدنة كان او غيره الا انه اذا كان بدنة و لم يمكن ارسالها ينحرها في مكانه و حكي مثل ذلك او نحوه عن الغنية و الجامع.

و كيف كان لا دليل لذلك بالإطلاق او التفصيل و قد عرفت ان ما في المقنع ليس من كلام الامام عليه السّلام نعم قد

يتمسك لاثبات ذلك بإطلاق قوله تعالي: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ محله لان مدلوله بعد قوله تعالي: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ان المحصور بالمعني الاعم الشامل للمصدود أيضا تكليفه بعث الهدي و الاجتناب عن حلق الرأس حتي يبلغ الهدي محله فلا يجزي المصدود الّذي امكن له بعث الهدي ذبحه في مكانه و لكن قال في الجواهر: بان الآية و ان كانت ظاهرة في ذلك علي التقدير المزبور و لكن النصوص صرحت باختصاص الحكم المزبور فيها بالمحصور الّذي هو المريض دون اصل الهدي الواجب عليهما و لا بأس بذلك بعد ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 118.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 384

كانوا هم المرجع في المراد من القرآن فالمتجه عدم الوجوب انتهي. «1»

و يمكن ان يقال: ان القدر المتيقن مما يستفاد من الآية ان الحاج او المعتمر اذا حصر بالمرض يبعث بالهدي و لا يحلق رأسه حتي يبلغ الهدي محله و اما بالنسبة الي المصدود فما يستفاد منه بالاجمال بدلالة فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله جواز ذبح الهدي في مكانه.

و بعد ذلك كله فهل يجب في مكانه او يكفي ذبحه في غيره و ان كان خارج الحرم او في بلده؟ مقتضي الاصل عدم وجوبه في مكانه و لا دلالة للآية علي ذلك و فعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله اعم منه فمن يريد الآن الاحلال و الخروج عن الاحرام يذبح في مكانه و من لا يريد يذبحه فيما شاء من المكان.

هذا كله في مكان النحر او الذبح و اما زمانه فقال في الجواهر: فمن حين الصد الي ضيق الوقت في الحج ان صد عنه و لا يجب عليه التأخير الي

الضيق و ان ظن انكشاف الصد قبله كما صرح به غير واحد لاصالة عدم التوقيت و لظهور النصوص او صراحتها في عدمه و لذا قال الشهيد: و يجوز التحلل في الحل و الحرم بل في بلده اذا لا زمان و لا مكان مخصوصين فيه خلافا للمحكي عن الخلاف و المبسوط و الكافي و الغنية فوقتوه بيوم النحر بل عن الشيخ و ابن زهرة تفسير الآية به و بمضمر سماعة و لا ريب في انه احوط و لكن الاصح عدمه. «2»

أقول: الظاهر ان مراده من مضمر سماعة ما رواه في التّهذيب باسناده عن زرعة «3» قال: «سألته عن رجل احصر في الحج؟ قال: فليبعث بهديه اذا كان مع اصحابه و محله ان يبلغ الهدي محلّه و محله مني يوم النحر اذا كان في الحج و ان كان في

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 117

(2)- جواهر الكلام: 20/ 118.

(3)- من الواقفة من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 385

عمرة نحر بمكة و انما عليه ان يعدهم لذلك يوما فاذا كان ذلك اليوم فقد و في و ان اختلفوا في الميعاد لم يضره ان شاء اللّه تعالي». «1»

و في المقنع و سأل سماعة «2» أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل و علي هذا الحديث مرسل برواية المقنع و مضمر برواية التهذيب الا ان من المحتمل قويا وقوع السقط في نسخة التهذيب و يؤيد ذلك ان زرعة كان من اصحاب سماعة «3» و اللّه هو العالم.

[لا يجزي الهدي بنية القربة المطلقة من دون نية الخروج به عن الاحرام و التحلل به.]

مسألة 121- الظاهر انه لا يجزي الهدي بنية القربة المطلقة من دون نية الخروج به عن الاحرام و التحلل به. نعم يكفي في ذلك امتثال الامر الّذي تعلق إليه بالصد و لكن يمكن ان يقال

ان ذبح الهدي او نحره وجوبه ليس نفسيا بل الامر به يكون ارشاديا لعدم تحقق الاحلال الا به فلا امر هنا يقصد امتثاله الا الامر المطلق بالصدقة الّذي ينوي امتثاله بداعي الخروج به عن الاحرام.

ثم ان ظاهر الشرائع و في الجواهر و غيره بل قيل الاكثر عدم اعتبار غير الذبح او النحر في حصول التحلل للاصل و اطلاق الادلة في حصول التحلل بالذبح او النحر و عن العلامة في القواعد اعتبار التقصير و عن المراسم و الشهيدين التخيير بين الحلق او التقصير و عن الكافي و الغنية التخيير بينهما في احد النقلين عنهما و تعين الحلق في النقل الآخر عنهما «4» و يمكن ان يقال ان استصحاب عدم اعتبار غير الذبح في حصول التحلل لا يثبت حصوله بالذّبح فمقتضي الاستصحاب بقاء حرمة المحرمات و حال الاحرام و لهذا يسأل عن الجواهر ما الفرق بين المقام و بين الشك في بقاء

______________________________

(1)- التهذيب، ج 5، ح 1470/ 116.

(2)- من الخامسة واقفي ثقة.

(3)- المقنع، ص 27 ع ينابيع.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 119.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 386

الاحرام بعد الصدّ و قبل النحر او الذبح حيث تقولون هنا بعدم اعتبار غير الذبح و لا تقولون باستصحاب بقاء الاحرام و هناك قد قلتم باستصحاب بقاء الاحرام دون استصحاب عدم اعتبار الذبح او النحر في التحليل فان كان استصحاب عدم اعتبار غير الذبح او النحر يكفي في القول بحصول التحلل و ليس مثبتا فليكن استصحاب عدم اعتبار امر غير نفس الصد في التحلل كذلك فلا يجزي استصحاب بقاء الاحرام.

ثم انه قد دل ما رواه حمران عن أبي جعفر عليه السّلام ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حين صدّ بالحديبية

قصر و احل و نحر الا انه رد بضعف السند فانه رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «1» عن سهل بن زياد «2» عن ابن أبي نصر «3» عن داود بن سرحان «4» عن عبد اللّه بن فرقه «5» عن حمران «6» عن أبي جعفر عليه السّلام «7» الا انه يمكن ردّ ضعف سنده بسهل اعتماد مثل الكليني بواسطة مشايخه عليه فيما روي عنه في كتابه و عليه لا يكتفي بالذبح او النحر في التحلل فالاحوط ضم التقصير و الاحوط منه ضم الحلق إليه و هنا رواية اخري قال في الجواهر ربما كان فيها دلالة علي عدمه و ان كان الخبر كما تري «8» و هي ما رواه أيضا الكليني عن محمد بن يحيي «9» عن احمد بن محمد «10»

______________________________

(1)- و هم محمد بن الحسن الطائي الرازي و محمد بن جعفر الاسدي نزيل الري و محمد بن أبي عبد اللّه و محمد بن عقيل الكليني و علي ابن محمد بن ابراهيم الكليني خال الكليني.

(2)- من السابعة و هو أبو سعيد له كتاب التوحيد و النوادر.

(3)- الظاهر انه احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي من السادسة عظيم المنزلة.

(4)- ثقة له كتاب من الخامسة.

(5)- كانه من الخامسة.

(6)- ابن اعين من الرابعة عظيم القدر من كبار الرابعة.

(7)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 6، ح 1.

(8)- جواهر الكلام: 20/ 120.

(9)- من الثامنة شيخ اصحابنا في زمانه ثقة عين.

(10)- الظاهر انه ابن عيسي شيخ القميين وجههم من السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 387

عن الفضل بن يونس «11» عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل عرض له سلطان فاخذه ظالما له يوم عرفة قبل ان يعرف

فبعث به الي مكة فحبسه فلمّا كان يوم النحر خلي سبيله كيف يصنع؟ قال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف الي مني فيرمي و يذبح و يحلق و لا شي ء عليه قلت: فان خلي عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال:

هذا مصدود عن الحج ان كان دخل مكة متمتعا بالعمرة الي الحج فليطف بالبيت اسبوعا ثم يسعي اسبوعا و يحلق راسه و يذبح شاة فان كان مفردا للحج فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه» «12» و رواه الشيخ في التهذيب الا ان فيه (و يرمي و يذبح) و ليس فيه (و يحلق) و في آخره قال: «فليس عليه ذبح و لا حلق»، و موضع الدلالة منه قوله فان كان مفردا للحج فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه او (فليس عليه ذبح و لا حلق)، «13» الا ان الرواية لاشتمالها علي ما لم يفت به احد من الشواذ لم يحتج به و لعله لم تضبط كما صدر و ما تشتمل عليه أولا انها تدل علي انه ان خلي عنه يوم النفر يتبدل تكليفه بالعمرة مع ان في هذه الصورة لا تتعلق الشاة به و التحلل من الاحرام لا يتحقق الا بطواف النساء لا بالذبح و ثانيا ان كان مفردا للحج فكيف لا يكون عليه حلق و لا طواف النساء و بالجملة الظاهر ان ما ذكر في الرواية من الحكم لا يختص بالمورد بل بما انه من مصاديق المصدود مع ان الحكم المذكور فيها ليس حكمه الكلي و الظاهر ان الرواية لم تنقل بتمامها و لعل كان في البين بعض القرائن عول عليه و اللّه هو العالم.

______________________________

(11)- كانه من الخامسة او السادسة ثقة واقفي.

(12)- الوسائل، ابواب الاحصار

و الصد، ب 3، ح 2.

(13)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 3 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 388

ثم انه قد روي القمي في تفسيره عن ابيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان (سيارة) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان سبب نزول هذه السورة (سورة الفتح) و هذا الفتح العظيم ان اللّه عز و جل امر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في النوم ان يدخل المسجد الحرام و يطوف و يحلق مع المحلّقين فاخبر اصحابه و امرهم بالخروج فخرجوا فلما نزل ذا الحليفة احرموا بالعمرة و ساقوا البدن و ساق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ستا و ستين بدنة و اشعرها عند احرامه و احرموا من ذي الحليفة ملبين بالعمرة قد ساق من ساق منهم الهدي مشعرات مجللات فلما بلغ قريشا ذلك بعثوا خالد بن الوليد و ساق الكلام الي تمام قصة صدّ المشركين الي ان قال قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لاصحابه: انحروا بدنكم و احلقوا رءوسكم (الي ان قال) فنحر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و حلق و نحر القوم … فقال رسول اللّه تعظيما للبدن رحم اللّه المحلقين، و قال قوم لم يسوقوا يا رسول اللّه و المقصرين لان من لم يسق هديا لم يجب عليه الحلق فقال رسول اللّه: ثانيا رحم اللّه المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي فقالوا يا رسول اللّه و المقصرين فقال: رحم اللّه المقصرين الحديث» «1». و هذه الرواية دلت علي اختصاص ضم الحلق الي من ساق الهدي و ان من لم يسق الهدي مخير بين الحلق و التقصير و موردها العمرة المفردة و

ان كان مقتضي الاحتياط ضم الحلق الي الذبح في الحج و اللّه هو العالم.

[لو ساق هديا ثم صد او احصر فهل يكفي المصدود بنحره او ذبحه في مكانه و المحصور البعث به او تحتاج الي هدي التحلل.]

مسألة 122- لو ساق هديا ثم صد او احصر فهل يكفي المصدود بنحره او ذبحه في مكانه و المحصور البعث به او تحتاج الي هدي التحلل.

مع ذلك فعن الصدوقين انه يحتاج الي هدي التحلل لان الدليل قد دل علي لزوم الهدي بكل من سوق الهدي و الصد او الحصر فلا يكتفي باحدهما عن الآخر و بعبارة اخري الاصل تعدد المسبب بتعدد السبب.

______________________________

(1). تفسير القمي، ج 2، ص 313 و 314

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 389

و هذا القول هو اختيار ابن الجنيد و العلامة في المختلف و القواعد و اختيار المحقق في النافع و ثاني الشهيدين و غيرهم و حكي القول بكفاية ما ساقه عن المشهور بل عن السرائر نسبته الي ما عدا الصدوق من اصحابنا بل عن الغنية الاجماع عليه.

و في الشرائع قال: و هو الاشبه و في الجواهر باصول المذهب و قواعده التي منها اصل البراءة بعد صدق قوله تعالي: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ عليه و بعد ما قيل من انه لم نقف علي دليل يدل علي ايجاب الحصر و الصد هديا مستقلا و انما المستفاد من الادلة كتابا و سنة انما هو ما استيسر من الهدي كما في الاول او هديه كما في الثاني و لا ريب في صدقهما علي المسوق مطلقا في محل البحث و ما رواه رفاعة في خبر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: رجل ساق الهدي ثم احصر قال: يبعث بهديه الحديث «1» و كانه و ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام عن رفاعة عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام انهما قالا: القارن يحصر و قد قال و اشترط (فحلّني حيث حبستني؟ قال: يبعث بهديه الحديث «2» و ما رواه الصدوق بسنده عن رفاعة أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خرج الحسين عليه السّلام معتمرا و قد ساق بدنة حتي انتهي الي السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه الحديث «3».

قال في الجواهر و المناقشة في الاخير باحتمال عدم احرامه واضحة الضعف كالمناقشة في الجميع بانها في المحصور دون المصدود بعد الاتفاق ظاهرا علي عدم الفرق بينهما في هذا الحكم و كذا المناقشة في الاولين باحتمال كون الاكتفاء لما فيها من الاشتراط اي قوله: فحلّني الي آخره بناء علي ان فائدته ذلك ضرورة عدم مدخلية

______________________________

(1)- الكافي، ج 4، ص 371.

(2)- التهذيب، ج 5، ح 1468/ 114 ب.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 6، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 390

تلك المسألة فيما نحن فيه و لذا لم يحك عن احد التفصيل فيها بذلك. «1»

[هل يلحق بسوق الواجب بالإشعار و التقليد بالهدي ما وجب بنذر أو كفارة أو عهد أو يمين]

مسألة 123- ثم هل يلحق بسوق الواجب بالاشعار و التقليد بالهدي ما وجب بنذر او كفارة او عهد او يمين قال الدروس: و قيل يتداخلان اذا لم يكن السوق واجبا بنذر او كفارة او شبههما «2»

و في الجواهر قال: و لعل الفرق انه واجب بالاحرام فاتحد السبب مضافا الي ظهور فتاوي الاصحاب ببعث هديه او ذبحه فيه و فيما يجب للصد او الحصر لا واجب بكفارة و نحوها و ان كان فيه أيضا انه لا مدخلية للنذر و نحوه بعد صدق اسم الهدي عليه الّذي به يندرج فيما سمعته من الادلة انتهي. «3»

و اما احتمال كفاية هدي السياق و استحباب هدي آخر للتحلل ففيه:

أنه محلل بهدي السياق فلا وجه لاستحباب هدي آخر و ان لم يتحلل به فيجب عليه هدي آخر للتحلل فان قدمه علي ما ساقه يشكل نية الاحلال به قبل ذبح ما ساقه او نحره كما انه يشكل تقديم ما ساقه بدون نية الاحلال به بناء علي وجوبها الا ان يراد بالاستحباب الاحتياط فياتي بهما بقصد التحلل بايهما يقع و هذا كله حكم سائق الهدي اما من لم يسق فليس عليه ان اراد التحلل الا هديه.

ثم انه اذا عجز عن الهدي فهل يبدل تكليفه بالصوم بدلا منه كما ان علي من لم يجد هدي التمتع عليه صيام عشرة ايام في الجواهر انه لا بدل له بلا خلاف معتد به اجده بل عن الغنية الاجماع عليه و استدل عليه بالاستصحاب و ظاهر الآية و حكي عن الاسكافي انه يتحلل حينئذ بدون دم لقوله تعالي: فما استيسر و لم يستيسر

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 122

(2)- الدروس: 477

(3)- جواهر الكلام: 20/ 122

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 391

قال: و لم اجد من وافقه عليه نعم في القواعد الاشكال في ذلك و لعله مما عرفت و من العسر و الحرج.

ثم ذكر له ما يدل من الروايات في المحصور و انه اذا اذاه رأسه قبل ان يذبح هديه فانه يذبح في المكان الّذي احصر فيه او الصوم او يتصدق و الوجه في الاستدلال بها انه اذا ثبت ذلك في المحصور فالمصدود اولي ثم استشكل في الاولوية و في الاستدلال باصل الروايات لاختلافها في تعيين مقدار الصوم و عدم اجتماع شرائط الحجية في اكثرها «1» و لكن يمكن ان يقال: ان الاولوية اذا قلنا ببقاء احرامه اذا عجز عن الهدي الي ان يقدر عليه

او علي اتمام النسك لعلها تكون في محلها و اما عدم اجتماع شرائط الحجية في اكثرها فيكفي منها ما اجتمعت تلك فيه مثل صحيح معاوية بن عمار عن عبد اللّه عليه السّلام في المحصور و لم يسق الهدي؟ قال: «ينسك و يرجع قيل: فان لم يجد هديا؟ قال: يصوم» «2» و رواه في الكافي الا انه قال: فان لم يجد ثمن هدي صام و علي ذلك يحتاط بصوم ثمانية عشر يوما بدلا منه كما روي في الجواهر عن المشيخة لابن محبوب و ان جاء في بعض الروايات ثلاثة ايام و بعد ذلك لا يبعد احتمال كون المصدود كالمحصور في الحكم و الا فهو يبقي علي احرامه الي ان يقدر علي الهدي او علي اتمام النسك و لا ريب ان البقاء علي الاحرام احوط سيما اذا لم يوجب عسرا و حرجا و اللّه هو العالم.

[في تحقق الصد بالصد عن الموقفين و عن كل ما يفوت بفواته الحج]

مسألة 124- لا ريب في انه يتحقق الصد بالصد عن الموقفين و عن كل ما يفوت بفواته الحج فيذبح الهدي و يتحلل به في مكانه و الاحوط ضم الحلق إليه كما مرت الاشارة إليه و لا يحتاج ذلك الي الصبر حتي يفوته الحج لاطلاق النصوص مثل قوله عليه السّلام: المصدود يذبح حيث صد فان اطلاقه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 121

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 7، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 392

يشمل الحج بانواعه الثلاثة و العمرة المتمتع بها الي الحج و العمرة المفردة و قد تحلل منها النبي صلّي اللّه عليه و آله بالحديبية و مع ذلك لا وجه للمناقشة في الاطلاق بان شموله للمورد فرع تحقق الصد بفوات الحج به و قبل ذلك لم يتحقق الصد حتي

يشمله الاطلاق لان العمرة المفردة التي صد عنها النبي صلّي اللّه عليه و آله و المسلمون لم تفت بالصد فانه كان من الممكن البقاء علي الاحرام الي ان يتمكنوا من اتمام العمرة.

فان قلت: لعل عدم وجوب الصبر في العمرة كان لاجل العسر و الحرج دون الحج قلت: لا اعتناء بهذا الاحتمال بعد اطلاق النص و الفتوي و الا فليزم منه حصر الحكم علي من صد في العمرة المفردة دون الحج و دون العمرة المتمتع بها الي الحج فان المصدود في الحج علي ذلك يتحلل من احرامه بالعمرة و المصدود من عمرة التمتع اذا صد عن الطواف و السعي ينوي الحج و يذهب الي عرفات الا ان يقال: انهما بالخيار و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

هذا مضافا الي انه علي ذلك يجب التأخير الي حصول العسر و الحرج لا قبله بالاختيار و علي كل حال كان المسألة مسلمة عندهم و لذا قال صاحب الجواهر رحمة اللّه عليه بعد ذكر المناقشة لا يخفي عليك اندفاعها بل لا نستأهل ان تسطر ضرورة كونها كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوي و الحكم حينئذ لا اشكال فيه.

و ان صد عن غير ما يفوت بفوته الحج فان كان هو مما يقبل النيابة يستنيب و الاحوط ضم الذبح إليه و ان كان لا يقبل الاستنابة يذبح او ينحر.

و اذا منع من العود الي مني لرمي الجمار الثلاث و المبيت فيها الظاهر انه لا يجري عليه حكم الصد و ادعي في الجواهر الاجماع عليه بقسميه «1» و حينئذ ان امكن له

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 128

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 393

الاستنابة في الرمي في سنته يستنيب في تلك السنة و الا في

السنة الآتية و اللّه هو العالم.

[في تحقق الصد في عمرة التمتع إذا منع من دخول مكة أو منع من الإتيان بالأفعال]

مسألة 125- لا ريب في تحقق الصد في عمرة التمتع اذا منع من دخول مكة او منع من الاتيان بالافعال و ان كان مجرد الطواف و هل يتحقق ذلك بمنعه من السعي بعد اتيانه بالطواف حكي عن المسالك فيه وجهان تحقق الصد تمسكا بالإطلاق و عدم مدخلية الطواف في التحلل و عدمه لعدم التصريح بذلك في النص و الفتوي و لكن الاوجه هو الاول مع ضم التقصير إليه «1» و هذا هو حكم المصدود في العمرة المفردة الا انه يأتي الكلام فيها لو صد بعد التقصير او الحلق عن طواف النساء فكيف يصنع يبقي علي احرامه حتي يتمكن منه او يكفيه الهدي للتحلل الاظهر انه يكفيه الهدي لصدق الصد و المصدود عليه و عدم الفرق في صدقه بين صده عن تمام المناسك او بعضها و لاولوية ذلك للتحلل عما اذا صد عن جميع المناسك. و الله هو العالم.

[في أن الأمر بالإحلال في النص و الفتوي و ان افاد الوجوب إلا أن الظاهر إرادة الإباحة منه]

مسألة 126- قال في الجواهر: ان الامر بالاحلال في النص و الفتوي و ان افاد الوجوب الا ان الظاهر إرادة الاباحة منه لانه في مقام توهم الحظر كما صرح به غير واحد بل ظاهرهم الاتفاق عليه كما عن بعض الاعتراف به و علي ما افاد لو بقي علي احرامه للحج حتي فات الحج كان عليه التحلل بعمرة، ان تمكن منها كما هو وظيفة غيره ممن فاته الحج و حينئذ لازم عليه لانه كان علي من يريد الاحلال قبل ذلك. «2»

و قد اورد علي ما في الجواهر بعض الاعلام من المعاصرين و قال ان تم الاجماع

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 128

(2)- جواهر الكلام: 20/ 129

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 394

فهو ثم اورد علي ما ذكره في وجه وجوب الاحلال

بالعمرة لان الامر بالذبح ورد مقام توهم الحظر

أولا: بان الظاهر من قوله: «يذبح حيث صد» هو وجوب الذبح في مكان الصد بقرينة المقابلة للمحصور الّذي يجب عليه البعث و الارسال و فيه: ان وجوب البعث عليه اوّل الكلام بل انما عليه ذلك ان اراد الخروج عن الاحرام

و ثانيا: قد عرفت ان نفس الآية الشريفة تكفينا في وجوب الذبح لصحة اطلاق الحصر علي المصدود لغة فان وجوب الهدي عند الحصر و المنع عن الحج استثناء من وجوب اتمام الحج و العمرة المذكورة في صدر الآية.

و فيه ان الآية انما تدل علي وجوب الاتيان بمناسك الحج و اتمامه للّه بالوجوب الشرطي لا النفسي مضافا الي ان الاستثناء من الوجوب النفسي لا يدل علي وجوب المستثني (ثم قال)

ثالثا: ان الروايات الدالة علي تبدل الحج الي العمرة المفردة اذا فاته الموقفان منصرفة عن المصدود بالعدو بل الظاهر من ذلك الادلة ان من دخل مكة و لم يدرك الموقفين لضيق الوقت او لمانع آخر من مرض و نحوه يعدل الي المفردة و ليس لها اطلاق يشمل المنع ظلما و صدا من العدو الّذي لم تكن وظيفته الوقوف من الاول بل كانت وظيفته شي ء آخر بل تشمل الروايات من كانت وظيفته الوقوف ففات،

و بعبارة اخري: ان تلك الروايات موردها من ليس له محلل غير العمرة فلا تشمل من كان له محلل كالذبح في مكانه انتهي. «1»

و يمكن ان يقال ان ما يستفاد من الروايات ان ضيق الوقت لدرك الموقفين مطلقا او عدم التمكن من اتمام الحج و لو بافساده العمدي موجب لتبدل وظيفته بالعمرة

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 431

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 395

و بعبارة اخري الخروج من الاحرام بالطواف و السعي و

التقصير و طواف النساء فكما ان من صد و اخر الذبح الي رفع الصد في ضيق الوقت يتبدل حجه الي العمرة من صد و بقي مصدودا حتي ضاق الوقت يتبدل حجه الي العمرة غاية ما يمكن ان يقال انّه مخير بين الهدي و بين العمرة لانه موضوع لكل منهما بل يمكن ان يقال انه كان مكلفا بالهدي حيث صد حتي لا يقع في الحرج ببقائه في الاحرام الي ضيق الوقت.

ثم افاد رحمة الله عليه في إيراده الرابع: ان ادلة العدول قابلة للتقييد بالذبح و التحلل به في خصوص المصدود و من فاته الوقوف بسبب الصد و فيه انه نعم و لكن ذلك فرع وجود دليل علي التقييد و دليل جواز التحلل بالذبح مختص بمن اراد الاحلال قبل ضيق الوقت مضافا الي انه علي فرض اطلاق دليل التحلل بالذبح دليل العدول مقيدا له و غاية الامر علي فرض دلالة دليل الذبح علي الوجوب تكون النسبة بين الدليلين العموم من وجه فتدبر و الله هو العالم.

[إذا لم يجد الهدي للتحلل به فهل يجب عليه الصوم بدله]

مسألة 127- اذا لم يجد الهدي للتحلل به فهل يجب عليه الصوم بدله او يبقي علي احرامه الي ان يقدر عليه او علي اتمام النسك و لو عمرة او يتحلل بدون العدم و البدل؟ حكي القول بالثالث عن الاسكافي لقوله تعالي: «فَمَا اسْتَيْسَرَ» و لم يستيسر. «1»

و فيه: ان مفهوم «فما استيسر» عدم وجوب الهدي ان لم يستيسر و لا يدل علي عدم تكليف آخر عليه ان لم يستيسر و تحلله بمجرد عدم الاستيسار هذا مضافا الي ان الظاهر تفرد الاسكافي بهذا القول و اما القول بتبديل الوظيفة بالصوم فلعله لم ينقل عن غير العلامة في القواعد بصورة الاشكال في القول

المشهور اي البقاء علي الاحرام الي ان يقدر علي الهدي او علي اتمام النسك و لو عمرة و لو بالاستنابة و لعل

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 123

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 396

الوجه عنده للاشكال وقوع المحرم في العسر و الحرج و التمسك بأولوية ما دل علي تبديل التكليف بالصوم اذا صار المحصور فاقدا للهدي.

ففي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «اذا احصر الرجل فبعث بهديه ثم آذاه رأسه قبل ان ينحر فحلق رأسه فانه في المكان الّذي احصر فيه او يصوم او يطعم ستة مساكين و في لفظه الآخر: و الصوم ثلاثة ايام و الصدقة نصف صاع لكل مسكين» «1» و هذا ليس في فاقد الهدي نعم وارد في المحصور الّذي صار معذورا عن البقاء في الاحرام الي ان يبلغ هديه محله و ظاهره التخيير بين الذبح و الصوم و الاطعام. و في حسن او صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في المحصور و لم يسق الهدي قال: «ينسك و يرجع فان لم يجد ثمن هدي صام و في لفظ آخر: فان لم يجد هديا؟ قال: يصوم» «2» و روي ابن سعيد في الجامع عن كتاب المشيخة لابن محبوب انه روي صالح عن عامر بن عبد اللّه بن جذاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل خرج معتمرا فاعتلّ في بعض الطريق و هو محرم؟ قال: فقال:

ينحر بدنة و يحلق رأسه و يرجع الي رحله و لا يقرب النساء فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما فاذا برئ من وجعه اعتمر ان كان لم يشترط علي ربه في احرامه و ان كان قد اشترط فليس عليه ان

يعتمر الّا ان يشاء فيعتمر. «3»

فيمكن ان يقال: اذا ثبت البدل للمحصور فالمصدود اولي لان الحرج فيه اشد غالبا و يجاب عن ذلك أولا بمنع الاولوية الّا ان يقال ان المنع عن الاولوية ان كان بمنع كون الحرج فيه للمصدود اشد يقال يكفي في الاستدلال بالفحوي و قياس المساوات مساوات المصدود مع المحصور في الحرج الا ان يقال: بمنع كون ثبوت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 5، ح 1 و 2.

(2)- الجامع، ص 724.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصدّ ب 1 ح 3

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 397

البدل علي المحصور للحرج فلعله تعبد خاص فتأمل.

و ثانيا باعراض الاصحاب عنها حتي في المحصور و ثالثا باختلافها و رابعا بعدم اجتماع شرائط الحجية في اكثرها و يمكن الجواب عنها بعدم إثبات اعراض الاصحاب و بانه لا اختلاف بين صحيح معاوية بن عمار و رواية عامر الظاهر اعتبارها و اما خبر زرارة فلا يحتج به لضعف سنده و لو بنينا علي ذلك يسقط الاستدلال للقول المشهور باستصحاب بقاء الاحرام و اصالة عدم البدل و بالجملة فان ثبت هنا اجماع فهو و الّا فالاقوي ان فاقد الهدي هنا أيضا كفاقده في التمتع و ان كان الجمع بين العمل بالقولين احوط و اللّه هو العالم.

فروع
الفرع الاول: لا اشكال في ان المحبوس بالدين اذا كان قادرا علي ادائه و لم يدفعه لا يتحلل بالهدي

فهو كغير المحبوس يجب عليه اتمام الحج او العمرة و لا حاجة الي استصحاب بقاء الاحرام لشمول اطلاق الآية له، و اما ان كان عاجزا عن ادائه يتحلل بالهدي لصدق المصدود عليه لان المراد منه مطلق الممنوع من اتمام الحج و لا وجه لاختصاصه بمن كان ممنوعا لعداوة كان بينه و بين المانع بل يكفي في الصدق كون ذلك ظلما و قهرا

عليه. و يدل عليه خبر الفضل بن يونس الّذي سبق ذكره عن أبي الحسن عليه السّلام في رجل عرض له سلطان فاخذه ظالما له يوم عرفة و خلي سبيله يوم النفر انه مصدود «1» ثم انه هل يكون من الصد ان حبس ظلما علي مال و هو القادر علي دفعه يمكن ان يقال؛ ان ذلك يدور مدار صدق الصد و عدمه حسب كثرة المال و قلته و اللّه هو العالم.

الفرع الثاني: القدر المتيقن من جواز الاحلال بالذبح او النحر للمصدود هو ما اذا غلب علي ظنه بقاء الصد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 3، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 398

فضلا عن ما ذا كان ذلك متيقنا و اما اذا غلب علي ظنه انكشاف الخلاف قبل الفوات فهل يجوز له التحلل كما حكي عن القواعد و غيرها بل قال في الجواهر لا اجد فيه خلافا معتدا به لصدق اسم المصدود بل عن بعض و لو علم ذلك و لم يستبعده الاصبهاني لو تم الدليل علي الظن «1» و وجه الجواز حينئذ صدق اسم المصدود عليه نعم هو ممنوع اذا علم ذلك و نوقش في الوجه المذكور انه لا عموم في الروايات يستفاد منه ذلك لو لم نقل بكونها ظاهرة في ما اذا كان مأيوسا من رفع الصد بحسب الحال فاذا كان زوال العدو مرجوا لا يجوز كما قيل بانه يلوح من كلام الشهيد في الروضة. و لكن في قبال كل ذلك قال في الجواهر انه كالاجتهاد في مقابل النص و الفتوي و يكفي في العموم ما سمعته من النصوص السابقة بل الآية بناء علي إرادة الاعم من الحصر فيها و قال: نعم قد يشك في صورة العلم التي يمكن دعوي ظهور كلمات الاصحاب في خلافها و لو لا ذلك لكان

إلحاقها متّجها أيضا. «2»

أقول: استظهار ما قال من الآية اذا كان العدو مرجو الزوال عرفا محل المنع.

هذا و قد ظهر مما ذكر جواز الاحلال اذا كان انكشاف الخلاف محتمل الطرفين متساويين ثم انه فيما اذا صدق عليه اسم المصدود ان لم يتحلل و انكشف العدو اتم نسكه المامور باتمامه و لو اتفق الفوات تحلل بعمرة كما هو في كل من يفوته الحج و اذا صدق عليه اسم المصدود فتحلل بالذبح او النحر ثم انكشف العدو و الوقت متسع للاتيان فالظاهر انه ان كان تحلل بالذبح عن احرام حج الاسلام يجب عليه الاتيان به من مكانه و يكفيه الاستطاعة من ذلك المكان و ان كان الحج المندوب او العمرة المفردة لا شي ء عليه و هو بالخيار و اللّه هو العالم.

الفرع الثالث: قد مر الكلام في محله ان من اتي اهله بالجماع يجب عليه اتمام ما بيده و الحج من قابل

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 134

(2)- جواهر الكلام: 20/ 134

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 399

و مر الكلام في انه هل الحج الّذي بيده هي حجته و الثاني عقوبة عليه أو ان الاول فسد بالجماع و مع ذلك يجب اتمامه و الثاني هو حجته و كيف كان فالمشهور هو التحليل بالصد عن الاول فيجب علي القول الاول الحج الثاني عقوبة و ان كان الحج حج الاسلام يجب عليه الاتيان به و ان كان مندوبا لا شي ء عليه غير الثاني و علي القول بكون الثاني حجته فالظاهر انه لا شي ء عليه بل الثاني يجب عليه ان كان الاول حجة الاسلام و لا يقال ان الصدّ انما يصدق في الصورة الاولي التي ما بعده حجة و يجب اتمامه و كان الثاني عقوبة عليه و اما علي الصورة الثانية و كون وجوب اتمام الاول تكليفا تعبديا فلعله لا يشمله ادلة الصد

فكانه غير مصدود عن حجة لبطلانه فانه يقال يشمله اطلاق (المصدود يذبح حيث صد) و لا وجه لتقييده بالحج الصحيح.

ثم انه لو تحلل المصدود و انكشف العدو رفع الصد قبل فوات وقت اداء الحج فعلي القول بكون ما وجب عليه اتمامه حجه الّذي احرم له و الثاني عقوبة عليه يمكن ان يقال ان حجه لو كان حجة الاسلام و كانت استطاعته باقية يجب عليه ادائها لاطلاق الآية الكريمة و لا يقال انه قد سقط عنه وجوب ما كان عليه اتمامه و يدور الامر بين تقديم حج العقوبة او حجة الاسلام و تقديم كل منهما علي الآخر يحتاج الي الدليل فانه يقال حج العقوبة بسبب النص يؤتي به في القابل لا يعارض الاتيان به في سنته هذه.

نعم يأتي الكلام في تعارض حجة الاسلام مع حج العقوبة ان لم يأت بحجة الاسلام في سنة الصد لعذر فهل علي الّذي استقر عليه الحج تقديم أي الحجين علي الاخر الترجيح محل إشكال و لكن يمكن التمسك بإطلاق عليه الحج من قابل فيقدم حج العقوبة علي حجة الاسلام هذا و اما ان كان ما وجب عليه في القابل هو حجة الاسلام فالظاهر انه يجوز تقديمه في سنة الصد و اللّه هو العالم

الفرع الرابع: الظاهر انه لا خلاف بينهم في عدم وجوب القتال مع العدو علي المصدود لو لم يكن دفعه الا بذلك

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 400

حتي مع ظن السلامة و ظن عدم العطب و الهلاك و في الجواهر عن المسالك الاتفاق عليه و عن المدارك هو مقطوع به في كلام الاصحاب (قال) و لعله للاصل السالم عن معارضة باب المقدمة الساقطة هنا باستلزامها حرجا و مشقة و نحوهما تسقط بمثله كما في غير المقام و لا ريب في ذلك بين المسلم و الكافر خلافا للشافعي في قول فاوجب

القتال اذا كانوا كفارا و لم يزد عددهم علي ضعف المسلمين و لا ريب في ضعفه انتهي. «1»

و يمكن ان يقال: ان وجوب الحج مشروط بالاستطاعة الطريقية كالاستطاعة المالية بل البدنية علي التفصيل الّذي ذكرناه في الاخيرة و لا تصدق عرفا تخلية السرب اذا كان العدو مانعا يحتاج دفعه الي القتال و الحرب و هل يجوز ذلك مطلقا او اذا ظنّ الغلبة و السلامة؟

قال في المبسوط: اذا احرموا و صدّهم العدو لم يخل ان يكونوا مسلمين او مشركين فان كان العدو مسلما كالاكراد و الاعراب و اهل البادية- فالاولي ان يتركوا قتالهم و ينصرفوا الّا ان يدعوهم الامام او من نصبه الامام الي قتالهم و ان كان العدو مشركا لم يجب علي الحاج قتالهم لان قتال المشركين لا يجب الا باذن الامام او الدفع عن النفس و الاسلام و ليس هاهنا واحد منهما و اذا لم يجب فلا يجز أيضا سواء كانوا قليلين او كثيرين او المسلمون اكثر او اقلّ و متي بدروهم بالقتال جاز لهم قتالهم فان لبسوا جنة القتال كالجباب و الدروع و الجوشن و الخيط فعلي من فعل ذلك الفدية لعموم الاخبار فان قتلوا نفسا او اتلفوا اموالا فلا ضمان عليهم في نفس و لا مال و ان كان هناك صيد قتلوه فان كان لاهل الحرب ففيه الجزاء دون القيمة، و ان كان لمسلم ففيه الجزاء و القيمة لمالكه الحج. «2»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 139

(2)- المبسوط: 334

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 401

أقول: يستفاد من كلامه رضوان الله تعالي عليه فروع:

الاول: يستفاد من قوله (فالاولي) جواز القتال اذا كان العدو مسلما و الظاهر انه جاز اذا ظن السلامة و الغلبة و في اولوية

ترك دفعهم مع ظن السلامة الّا ان يدعوهم الامام اشكال لان ذلك من الدفاع و هو لا يحتاج الي اذن الامام و لا شك في انه مرغوب فيه حتي جاء في الرواية: «ان الله يحب الشجاع و لو علي قتل حية».

الثاني: ان الامام اذا دعي المسلمين للقتال معهم يجب و لا ريب في ذلك سواء كان الاعداء مسلمين او كافرين.

الثالث: عدم وجوب القتال اذا كان الصادون من الكافرين سواء كانوا قليلين او كثيرين و المسلمون اكثر او اقل و ذلك لان القتال مع الكفار انما يجب للدفع عن النفس او الدعوة الي الاسلام و اذا لم يجب لا يجوز اصلا و فيه ما في الجواهر المنع من اشتراط اذن الامام في ذلك ضرورة كونه من الدفاع اذا كان قد اراد في الطريق المباح فمنعه او من النهي عن المنكر و لذا صرح الفاضل و الشهيد بالجواز في الكفار اذا ظن الظفر بهم بل عن المنتهي استحباب قتالهم لما فيه من الجهاد و حصول النصر و اتمام النسك و دفعهم عن منع السبل. «1»

الرابع: جواز لبس جنة القتال و الدرع و غيرهما تكليفا و وجوب الفدية لعموم الاخبار.

و الخامس: عدم الضمان اذا انتهي القتال مع الكفار الي قتل نفس او تلف مال منهم و هذا ظاهر اما اذا انتهي الي قتل نفس مسلم او تلف مال منه فلا يجوز القتال.

السادس: ان استلزم القتال قتل صيد فان كان لمسلم يضمن قيمته و عليه كفارته و ان كان من الكفار فلا ضمان عليه دون جزائه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 140

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 402

هذا كله فيما اذا ظن السلامة و اما اذا ظنّ العطب و الهلاكة فلا يجوز

و اذا تساوي الاحتمالان فحكي عن المسالك انه ان تم اتفاقهم علي عدم الجواز فهو و الا امكن القول بالجواز. «1»

ثم انه لا يخفي عليك ان ما ذكر لا يختص بما اذا صد الظالم الطريق الي الحج بل يجزي في صد الظالم الطريق المباح علي الّذي يريد السير فيه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 141

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 403

المقام الثاني في المحصر او المحصور

[في المراد من المحصور او المحصر]

مسألة 128- المحصور او المحصر هو الّذي يمنعه المرض عن الوصول الي مكة او عن الموقفين و لا خلاف بينهم انه يتحلل بالهدي و المشهور انه يبعث ما ساقه، و لو لم يسق بعث هديا او ثمنه و لا يحل حتي يبلغ الهدي محله و هو مني ان كان حاجا و مكة ان كان معتمرا.

و في الجواهر عن الاكثر تقييد مكة بفناء الكعبة و ابن حمزة بالحزورة و عن الراوندي تخصيص مكة بالعمرة المفردة و جعل مني محل المتمتع بها كالحج و القول الاخر في المسألة للاسكافي فانه حكي عنه تخييره بين الذبح حيث احصر و البعث و جعله اولي و القول الثالث عن الديلمي فانه فصل بين التطوع و حجة الاسلام قال و اما المحصور بالمرض فهو علي ضربين: احدهما في حجة الاسلام و الآخر في التطوع فالاول يجب بقاؤه علي احرامه حتي يبلغ الهدي محله ثم يحل من كل شي ء احرم منه الا النساء فانه لا يقربهن حتي يقضي مناسكه من قابل و الثاني ينحر هديه و قد احلّ

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 404

من كل شي ء احرم منه «1» و لعل هذا هو مختار المفيد لروايته عن مولانا الصادق عليه السّلام في المقنعة: قال عليه السّلام: المحصور بالمرض ان كان ساق هديا اقام علي احرامه

حتي يبلغ الهدي محله ثم يحل و لا يقرب النساء حتي يقضي المناسك من قابل، هذا اذا كان في حجة الاسلام فامّا حجة التطوع فانه ينحر هديه و قد حلّ مما كان احرم منه فان شاء حج من قابل و ان لم يشاء لم يجب عليه الحج «2» الا ان فيه مضافا الي ضعف سنده بالارسال احتمال كون قوله: هذا اذا كان في حجة الاسلام الخ من كلامه دون كلام الامام عليه السّلام و مثله في الارسال ما رواه في الفقيه قال: و قال الصادق عليه السّلام المحصور و المضطر ينحران بدنتيهما في المكان الّذي يضطران فيه «3» و رواه في المقنع أيضا «4» و عن الجعفي انه يذبح مكان الاحصار ما لم يكن ساق و هذا قول رابع الا انه يرد اطلاقه بما رواه الصدوق باسناده عن رفاعة بن موسي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

خرج الحسين عليه السّلام معتمرا و قد ساق بدنة انتهي الي السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه ثم اقبل حتي جاء فضرب الباب فقال علي عليه السّلام: ابني و رب الكعبة افتحوا له و كانوا قد حموه (حملوا له) الماء فاكب عليه فشرب ثم اعتمر بعد «5» و هو فانه يدل علي جواز نحر بدنته التي ساقها في مكانه في العمرة المفردة و يدل علي جوازه في العمرة المفردة و ان لم يسق ما في رواية اخري و هي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال فيها: ان الحسين بن علي عليهما السّلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليّا عليه السّلام ذلك و هو بالمدينة فخرج في طلبه فادركه في السقيا

و هو مريض فقال: يا بني ما تشتكي؟ فقال: اشتكي راسي. فدعا علي عليه السّلام ببدنة فنحرها

______________________________

(1)- المراسم ص 246.

(2)- المقنعة ص 96.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 6 ح 3.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 1 ح 2.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 6 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 405

و حلق رأسه و رده الي المدينة فلما برأ من وجعه اعتمر فقلت: أ رأيت حين برأ من وجعه أحلّ له النساء؟ فقال: لا تحل له النساء حتي يطوف بالبيت و يسعي بين الصفا و المروة قلت: فما بال النبي صلّي اللّه عليه و آله حين رجع الي المدينة حلّ له النساء و لم يطف بالبيت؟

فقال: ليس هذا مثل هذا (ليسا سواء) النبي صلّي اللّه عليه و آله كان مصدودا و الحسين عليه السّلام محصورا «1» و لا يخفي عليك ان مقتضي الرواية الاولي و ان كان يرد اطلاق مختار الجعفي الّا انها و الثانية تدلان علي جواز النحر في مكان الحصر للمحصور في العمرة المفردة مطلقا ساق الهدي او لم يسق خلافا لاطلاق المشهور و قد اختار بعض المعاصرين التخيير بين بعث الهدي و الذبح او النحر في مكانه.

قال في الجواهر انّ صحيح ابن عمّار و قوي رفاعة محتملان بل قيل: ظاهر ان في الضرورة التي يحتملها كلام الصدوق أيضا بل قد يحتملان عدم احرام الحسين عليه السّلام و انما نحر هو و امير المؤمنين عليهما السّلام تطوعا و احتمال الثاني خلاف الظاهر و الاول ليس ببعيد.

و في الجواهر احتج للقول المشهور بظاهر الآية الكريمة فانه يدل علي تعين البعث خلافا للاسكافي.

و عدم التفصيل بين حجة الاسلام

و التطوع خلافا للمفيد و الديلمي و كذلك عدم التفصيل بين سائق الهدي و غيره و خلافا للجعفي. «2»

و أيضا عدم التفصيل بين العمرة المفردة بالقول بالتخيير فيها و بين غيرها خلافا لبعض الاعلام من المعاصرين «3» و هكذا احتج بظاهر طائفة من النصوص منها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 1 ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 146.

(3)- المعتمد: 5/ 453.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 406

صحيح الحلبي الّذي عبّر عنه في الجواهر بالخبر المشتمل علي احتجاج النبي صلّي اللّه عليه و آله بالآية الكريمة «1» و فيه:

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «لو كنت استقبلت من امري ما استدبرت لفعلت كما امرتكم، و لم يكن يستطيع ان يحلّ من اجل الهدي الّذي معه ان اللّه عز و جل يقول:

و لا تحلقوا رءوسكم حتي يبلغ الهدي محلّه» «2».

و لكن يمكن ان يقال ان ذلك في مورد القارن الّذي ساق الهدي.

فان تم الاستدلال بظاهر الآية كما سمعت فهو و الا لا يتم الاستدلال بهذا الصحيح لما نحن فيه.

و لا يخفي عليك ان الصحيح لا يدل علي احتجاج النبي صلّي اللّه عليه و آله كما في الجواهر بالآية بل ظاهره احتجاج الامام عليه السّلام بها.

و منها صحيح معاوية بن عمّار المشتمل علي خروج الحسين عليه السّلام معتمرا و قد مرّ ذيله الا ان فهم بعض ما اريد منه يحتاج الي التأمل و الحديث منقول في الكافي و التهذيب و بين بعض الفاظهما اختلاف و الظاهر ان الصحيح هو ما في الكافي و أليك لفظ الكافي:

عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول المحصور غير المصدود المحصور المريض و المصدود الّذي

يصده المشركون كما ردّوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و اصحابه ليس من مرض و المصدود تحل له النساء و المحصور لا تحلّ له النساء قال: و سألته عن رجل احصر فبعث بالهدي قال: يواعد اصحابه ميعادا ان كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر فاذا كان يوم النحر فليقص من رأسه و لا يجب

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 148.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج ب 2، ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 407

عليه الحلق حتي يقضي المناسك و ان كان في عمرة فلينظر مقدار دخول اصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها فاذا كان تلك الساعة قصر و احل، و ان كان مرض في الطريق بعد ما احرم فاراد الرجوع رجع الي اهله و نحر بدنة او اقام مكانه حتي يبرأ اذا كان في عمرة، و اذا برأ فعليه العمرة واجبة و ان كان عليه الحج رجع او اقام ففاته الحج فان عليه الحج من قابل فان الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما خرج معتمرا الحديث» «1».

و مقتضي مدلول صدر الصحيح الي قوله: و ان كان مرض هو القول المشهور الّا ان التوفيق بين صدره و ذيله كانه لا يستقيم او لا يتم الّا علي الذهاب الي خلاف المشهور اذا فيكفي في ذلك سائر الروايات مما اشار إليها في الجواهر و ضعف سند بعضها منجبر بموافقة الكتاب و عمل الاصحاب و اللّه هو الهادي الي الصواب.

ثم انه لا يخفي عليك ان السيد صاحب المدارك كما حكي عنه قال: قول ابن الجنيد بالتخيير بين البعث و بين الذبح حيث أحصر لا يخلو من قوة خصوصا بغير السائق.

ثم قال بعد ايراد صحيح معاوية بن عمار:

هذه الرواية لا تدل علي وجوب البعث اذا وقع الاحصار بعد الاحرام بل مقتضي قوله عليه السّلام: فان كان مرض في الطريق بعد ما خرج فاراد الرجوع رجع الي اهله و يجزيه وجوب النحر في مكان الاحصار و كذا فعل امير المؤمنين عليه السّلام بالحسين عليه السّلام و علي هذا فيمكن حمل قوله عليه السّلام في أوّل الرواية علي الهدي المتطوع به اذا بعثه المريض من منزله و في مرآة العقول قال: و لا يخفي متانته «2».

______________________________

(1)- صدره في الوسائل ابواب الاحصار و الصد ب 2 ح 1 و ذيله في نفس تلك الابواب ب 1 ح 3.

(2)- مدارك الاحكام: ج 8/ 303.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 408

اقول: لعل عبارة العلامة المجلسي كانت غيرها و الا فأي متانة فيما افاد صاحب المدارك مع انه حكي عن المنتقي انه قال:

قوله في هذا الحديث: و ان كان مرض في الطريق بعد ما يخرج تصحيف ظاهر اتفقت فيه النسخ و صوابه بعد ما يحرم و قد مضي في رواية الشيخ بعد ما احرم.

ثم انه يمكن تقوية مختار الجعفي الّذي قلنا تبعا لصاحب الجواهر انه مردود بفعل الحسين عليه السّلام بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «في المحصور و لم يسق الهدي قال: ينسك و يرجع». «1»

فان مفهومه انه اذا ساق يبعث بالهدي غاية الامر انه يقيد بفعل الحسين صلوات اللّه عليه في العمرة المفردة ان لم نحمله علي الضرورة فنبقي نحن و هذا الصحيح الدال علي التفصيل المذكور الا ان يقال:

ان قوله تعالي: فما استيسر من الهدي ظاهر في من لم يسق الهدي او منصرف عن خصوص من ساق الهدي.

و يمكن ان

يقال: ان مرجع الاقوال المذكورة غير القول المشهور ليس عدم اجزاء الاخذ بالقول المشهور بل يرجع في مواردها الي عدم تعين العمل بالقول المشهور و جواز الاكتفاء بغيره مثل القول بالتخيير و القول بالتفصيل بين الواجب و المندوب فان الظاهر منه انه مخير في المندوب بين البعث و الذبح في مكانه فلا يحرم عليه البقاء علي احرامه حتي يذبح هديه في مكة او مني و هكذا يأتي الكلام في القول بالتفصيل بين ما ساق الهدي و من لم يسق و كذلك التخيير بين العمرة المفردة و غيرها و علي هذا مقتضي الاحتياط و الاصل الاخذ بقول المشهور بالبعث بالهدي حتي في صورة الضرورة و كون التأخير ضررا عليه لجواز التحليل له حينئذ بدون النحر في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 7 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 409

مكانه بل الاكتفاء به خلاف الاحتياط و اللّه هو العالم.

مكان الهدي للمحصور

مسألة 129- مكان الهدي للمحصور ان كان حاجا مني و ان كان معتمرا مكة.

و عن الشهيد رفعت درجته انه قال و ربما قيل بجواز النحر مكانه اذا اضر به التأخير و هو في موضع المنع لجواز التعجيل مع البعث يعني تعجيل الاحلال قبل بلوغ الهدي محله فانما فيه مخالفة واحدة لاصل الشرع و هو الحلق قبل بلوغ محله بخلاف ما اذا نحر مكانه «1» ففيه مع ذلك مخالفة بانه لم يبلغ الهدي محله اصلا و هذا لا بأس به و لا يقال ان الضرورة مقتضية للاعم من ذلك فيجوز له ذبح الهدي في مكانه و الحلق بدعوي ظهور بعض النصوص فيه و ذلك مثل ما رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم «2» عن عبد الرحمن

«3» عن المثني «4» عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «أحصر الرجل فبعث بهديه ثم آذاه رأسه قبل ان ينحر فحلق رأسه فانه يذبح في المكان الّذي احصر فيه او يصوم او يطعم ستة مساكين» «5» فانه يقال: انه ظاهر في وجوب الفداء كما عن المنتهي التصريح به مستدلا به اذا فلا يتبدل التكليف ببلوغ الهدي محلّه بنحره او ذبحه في مكانه و يدل علي كون ما في هذه الرواية الكفارة قوله تعالي: «فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 147.

(2)- ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة له ثلثون كتابا …

(3)- ابن أبي نجران ثقة ثقة معتمد علي ما يرويه له كتب كثيرة …

(4)- ابن الوليد الحناط له كتاب يروي عنه جمع من الاكابر فهو موثوق به.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 5، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 410

أَوْ نُسُكٍ»

و علي ما ذكر فعلي الّذي حلق قبل بلوغ هديه محله الفداء مضافا الي الهدي الّذي بعث به و اللّه هو العالم.

و اما زمان الهدي فيستفاد من الجواهر اقتصار الاصحاب في الحج علي يوم النحر «1» و لعله للاقتصار عليه في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه:

و ان كان في حج فمحل الهدي يوم النحر و اذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه «2» و مضمر زرعة و فيه و محله مني يوم النحر اذا كان في الحج «3» الا ان المحكي عن القواعد زيادة ايام التشريق و لا بأس به لان ايام التشريق ايام ذبح الهدي و إرادة ذلك من يوم النحر ليس ببعيد

و لكن الاقتصار علي يوم النحر هو الاحوط.

اللهم الا ان يقال يراعي في ذلك ما واعد اصحابه فلا يجوز له التقصير يوم النحر الا اذا عين يوم النحر الميعاد هذا في الحج و اما في العمرة فيجزي في كل يوم يعد اصحابه لذلك كما هو المصرح به في الروايتين و اللّه هو العالم.

[المحصور إذا بلغ هديه محله و قصر أحلّ من كل شي ء علي المحرم إلّا النساء]

مسألة 130- المحصور اذا بلغ هديه محله و قصر احلّ من كل شي ء علي المحرم الّا النساء فانه لا يحل منهن الّا ان يحج في القابل ان كان واجبا و ان كان تطوعا يطاف عنه طواف النساء.

لصحيح معاوية بن عمار الّذي سبق ذكره و فيه المصدود تحل له النساء و في الجواهر عن المنتهي نسبته الي علمائنا بل في كشف اللثام نسبة ذلك الي النصوص و الاجماع علي كل من المستثني و المستثني منه و هو كذلك ثم تمسك بالصحيح المذكور

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 147.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 2، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 2، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 411

و الصحيح الاخر المشتمل علي احصار مولانا الحسين عليه السّلام.

و قال: مضافا الي النصوص المتقدمة في من نسي طواف النساء الدالة علي جواز الاستنابة فيه و ان تمكن من الرجوع بنفسه و علي ذلك يكفيه ان كان حجه تطوعا طواف النساء عنه و امّا في الواجب فلا يحل منهن الّا بالحج في القابل نعم لو لم يتمكن منه بالمباشرة يجزيه الاستنابة.

ثم انه قد حكي عن الدروس انه: لو حصر في عمرة التمتع فالظاهر حلّ النساء له اذ لا طواف لاجل النساء فيها و هو قريب ينطبق مع ما يستظهر من الروايات فان الظاهر

منها كما في الجواهر في اخر ما افاده في المسألة: اعتبار الطواف في حلهن مع الحصر عن النسك الّذي يتوقف حلهن عليه أمّا اذا لم يكن معتبرا فيه ذلك فالمحلل للنساء و غيرهن متحد و هو الاتيان بالنسك او ما جعله الشارع محلا في الحصر و هو الهدي (قال) و لعل هذا هو القوي و ان كان الاحوط الاتيان به مباشرة او استنابة في الحال الّذي تجوز فيه و علي هذا لا حاجة الي الاستدلال بصحيح البزنطي الّذي يأتي الكلام فيه. «1»

تنبيه: قد استدل لحل النساء علي المحصور في عمرة التمتع بصحيح البزنطي:

قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء يكون حاله و اي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء فقلت: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال:

نعم من جميع ما يحرم علي المحرم ثم قال: أ ما بلغك قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: حلّني حيث حبستني لقدرك الّذي قدرت عليّ. قلت: اصلحك اللّه ما تقول في الحج؟ قال: لا بد ان يحج من قابل الحديث». «2»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 152

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 8، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 412

و لكن في الجواهر انه لا قائل به لانه مطلق يشمل العمرة المفردة و الحج باقسامه و اخراج ما عدا العمرة المتمتع بها بالاجماع و ان امكن جمعا بين الصحيح و الاجماع الا انه غير منحصر في ذلك اذ من المحتمل حمله علي التقية فان من العامة من يري الاحلال حتي من النساء مطلقا و منهم من لا يري الاحلال الا ان يأتي بالافعال فان فاته الحج تحلل بالعمرة خصوصا مع كون زمان

الامام عليه السّلام المروي عنه في شدة التقية او اذا استناب و طيف عنه علي انه معارض بما سمعته من قضية الحسين عليه السّلام و غيره مما لا فرق فيه بين عمرة التمتع و غيرها مضافا الي الاستصحاب.

و يمكن ان يقال: اما في امكان الجمع بين الصحيح و الاجماع باخراج ما عدا العمرة المتمتع بها منه بالاجماع بانه كالتخصيص بالاكثر مضافا الي ان ابقاء العمرة المتمتع بها تحته انّما يتم اذا كان لو لاه لبقي تحته مع انا قلنا انه يحل له النساء بالحصر علي حاله فلا بد من حمل صحيح البزنطي علي التقية.

اللهم الا ان يقال: ان الصحيح ورد فيما اذا اشترط في احرامه علي ربّه ان يحلّه حيث حبسه و ما يدل علي عدم حلّية النساء وارد فيمن لم يشترط و كانه ذهل ذلك عن صاحب الجواهر قدس سره و بالجملة لا تعارض بين الطائفتين لورود احدهما في حكم المحصور الّذي لم يشترط و مع ذلك حيث ردّ بعض الاعلام من المعاصرين استدلال الدروس لحلّية النساء علي المحصور في عمرة التمتع صار في مقام الاستدلال بصحيح البزنطي بيانه ان نسبة صحيح البزنطي مع صحيح معاوية بن عمار (المحصور لا تحل له النساء) و ان كانت التباين الّا انه بعد تخصيص عموم صحيح البزنطي بصحيح اخر لمعاوية بن عمار الحاكي لعمرة سيدنا الحسين عليه السّلام الدال علي توقف التحلل علي اتيان العمرة بعد الافاقة و رفع الحصر تنقلب النسبة بينه و بين صحيح معاوية بن عمار (المحصور لا تحل له النساء) بالعموم و الخصوص فيرفع اليد عن

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 413

عموم صحيح معاوية بن عمار بصحيح البزنطي في عمرة التمتع بل قال في

الحج أيضا ان لم يتم اجماع علي توقف حلية النساء فيه بالعمرة المفردة. «1»

و لكن يرد عليه:

أولا: ان صحيح البزنطي وارد فيمن اشترط علي اللّه تعالي.

و ثانيا: قد قلنا انه لا يشمل قوله (المحصور لا تحل النساء) المحصور في العمرة المتمتع بها التي يحل فيها من النساء بما يحل به عن سائر المحرمات.

و ثالثا: انه من التخصيص المستهجن لانه يلزم منه اما عدم بقاء فرد من العام تحت عموم (المحصور لا تحل النساء) او بقاء خصوص العمرة المتمتع به.

و بعد ذلك كله لا يقال: ان قوله عليه السّلام في صحيح البزنطي أ ما بلغك … لا يدل علي ان الّذي انكسرت ساقه اشترط بعد ما كان السؤال عنه خاليا من ذلك.

فانه يقال: ان الظاهر من قوله هذا ان الجواب يكون علي البناء علي اشتراطه بعد ما كان قول أبي عبد اللّه عليه السّلام و تعليمه مشهورا بين الشيعة و اللّه هو العالم.

[اذا تحلل يوم النحر من بعث الهدي ليذبح عنه أو أرسل دراهم لشرائه و الذبح عنه ثم ظهر انه لم يذبح لا يبطل تحلله لذلك]

مسألة 131- اذا تحلل يوم النحر من بعث الهدي ليذبح عنه أو أرسل دراهم لشرائه و الذبح عنه ثم ظهر انه لم يذبح لا يبطل تحلله لذلك فلا اثم عليه و لا كفارة فيما فعله من منافات الاحرام و يبقي عليه ذبح هدي في القابل و هل هو متحلل بعد كشف الخلاف فلا يجب عليه الامساك من المحرّمات الا من النساء او انه لم يتحلل واقعا و انما تحلل ظاهرا و بالحكم الظاهري الطريقي و انما ليس عليه الاثم و الكفارة لكونه معذورا؟

الظاهر من صحيح معاوية بن عمار علي ما رواه الشيخ انه ليس عليه شي ء

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 453.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 414

و يجب عليه البعث من قابل و الامساك عن المحرمات

بقائه علي الاحرام ففيه: «فان ردوا الدراهم و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد احل لم يكن عليه شي ء و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا «1» و هكذا معتبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و فيه: قلت: أ رأيت ان ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد احل فاتي النساء قال: فليعد و ليس عليه شي ء و يمسك الآن عن النساء اذا بعث» «2» و القول بانه خرج باحلاله المأذون فيه عن الاحرام كما حكي عن المحقق في النافع و العلامة في المختلف و غيرهما بل هو ظاهر الشرائع و حمل الخبرين علي الاستحباب و التمسك بالاصل بعد انه خرج من الاحرام بالاحلال «3» ضعيف جدا.

فان الخروج من الاحرام و وقوع الاحلال مشروط ببلوغ الهدي محله و الفرض عدم بلوغه و وجوب البعث بالهدي او ارسال الدراهم للشراء طريقي لاجل الذبح او النحر و الخبران ظاهران في الوجوب و الاصل عدم الخروج من الاحرام فيجب عليه الامساك من المحرّمات حتي يحج في القابل و هذا هو القول المشهور علي ما حكي الاعتراف به في الجواهر عن ثاني الشهيدين و غيره. «4»

هذا و لقائل أن يقول: ان ارسال الدراهم للشراء طريقي معناه انه لا يسقط بمجرده نحر الهدي و لا يستلزم ذلك كون جواز الاحلال حسب المواعدة التي وقعت بين المحصور و اصحابه في الواقع دائرا مدار ذبح الهدي و بلوغه محله و علي هذا يكون الامساك و بعث الهدي تكليفا جديدا علي غير المحرم و قوله عليه السّلام في رواية زرارة:

و ليمسك الآن عن النساء اذا بعث ظاهر في ذلك فهو بعد انكشاف الخلاف ما بينه بين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب

الاحصار و الصد، ب 2، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 1، ح 5.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 153.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 153.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 415

زمان يبعث بالهدي ان كان حصره باقيا او يأتي بالحج محل يجوز له ارتكاب محرمات الاحرام. نعم هو مكلف بالامساك عن النساء او مطلقا من حين البعث قوله تعالي: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ظاهر في بلوغه بحسب الحال فالمتجه بعد ذلك وجوب الامساك من البعث و ان كان الاحوط من حين الانكشاف.

ثم انه هنا اشكال ذكره في الجواهر و هو ان قوله في السؤال في معتبر زرارة: و قد احل فاتي النساء بل و جواب الامام عليه السّلام: فليعد و ليس عليه شي ء فليمسك الآن عن النساء اذا بعث يدل علي حلّية النساء للمحصور ببلوغ الهدي مع انك عرفت عدم حلهن الا بالطواف بالمباشرة او بالنيابة و قد ذكر في ردّ هذا الاشكال في الجواهر وجوها لم يرتضيها.

و لذا قال: لعل الاولي حمله علي عمرة التمتع التي قد عرفت ان الاقوي عدم الاحتياج حل النساء فيها الي الطواف «1». و اللّه هو العالم.

[إذا زال العارض بعد بعث الهدي قبل أن يتحلل يتم المناسك]

مسألة 132- اذا زال العارض بعد بعث الهدي قبل ان يتحلل يتم المناسك في العمرة المفردة و في الحج يتمها ان لم يفت الوقت.

و ذلك لكشف الخلاف عما ظنه من العذر و الحصر و بقاء حكم وجوب الاتمام علي حاله فالحاج يتم حجه ان ادرك احد الموقفين في وقته علي وجه يصح حجه و ان لم يدرك احد الموقفين لعذر آخر فالظاهر انه يتحلل بالعمرة كغيره ممن فاته الموقفين و ان ذبحوا عنه هديه و في العمرة المفردة ان

دخل مكة بعد ما ذبحوا هديه الظاهر انه يتم المناسك و في الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«اذا احصر الرجل بعث بهديه فاذا افاق و وجد من نفسه خفة فليمض ان ظن انه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 155

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 416

يدرك الناس فان قدم مكة قبل ان ينحر الهدي فليقم علي احرامه حتي يفرغ من جميع المناسك و ينحر (لينحر) هديه و لا شي ء عليه، و ان قدم مكة و قد نحر هديه فان عليه الحج من قابل او العمرة قلت: فان مات و هو محرم قبل أن ينتهي الي مكة قال:

يحج عنه ان كانت حجة الاسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه». «1»

و المستفاد منه ان ادرك الناس في الحج و ادرك من المناسك ما يصح باتيانه الحج يقيم علي احرامه و يتم حجه

و اما قوله: و ان قدم مكة و قد نحر فيمكن ان يكون المراد منه انه بعد ما ظن انه يدرك الناس و لكن لعروض بعض العوارض عدم ادراكهم فحاله حال من فات منه الموقفين لضيق الوقت يتبدل حجه بالعمرة فيتحلل باتيان اعمال العمرة كسائر المعتمرين و عليه الحج من قابل ان كان حجه حجة الاسلام المستقرة الا انه يبقي الكلام في قوله: او العمرة و هو في التهذيب بالواو (و العمرة) و عليه يمكن ان يكون المراد منه حج التمتع الّذي فيه العمرة «2» و قوله: عليه الحج من قابل و العمرة يعني به (حج التمتع) و كانه كان السؤال عمن احرم لحج التمتع او لعمرته فحصر.

و يمكن ان يقال علي نسخة الكافي ان المراد من قوله عليه السّلام: «و ان قدم مكة و

قد نحر هديه».

انه كشف له خلاف ما ظن من انه يدرك الناس فيعلم بذلك ان تكليفه التقصير و الخروج من الاحرام و بعد ذلك بالنسبة الي النساء اما ان يقيم علي احرامه منهن الي ان يحج بالقابل فهو و ان اراد الخروج عن احرامه ذلك يأتي بالعمرة.

و كيف كان ففي المسألة فرعان:

______________________________

(1)- الكافي، ج 4، ص 370، ح 4.

(2)- التهذيب، ج 5، ص 467، ح 112/ 1466.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 417

احدهما: زوال العارض بعد البعث و قبل التحلل و عدم فوات الوقت للاتيان بالمناسك المامور باتيانها و حكمه علي نص هذا الصحيح الاتيان بالمناسك و اتمام الحج و لا شي ء عليه و في العمرة المفردة الحكم اتمامها مضافا الي ان غاية ما يستفاد مما يدل علي اجزاء الاحلال بالحصر و البعث ما اذا بقي الحصر الي تمام التقصير دون ما اذا وقع قبله فانه محرم تمكن من اداء المناسك فيأتي بها.

و الثاني: ان ظن او علم بعد زوال العذر و قبول التقصير انه مدرك الموقفين و ذهب ليلحق باصحابه و لكن اتفق فوت الحج منه لجهة اخري فالحكم فيه الخروج من الاحرام بالعمرة فانه حكم من فاته الحج غير المحصور و المصدود.

و لا يقال انه يوجب عليه الجمع بالتكليفين: احدهما بعث الهدي الّذي اتي به و الآخر العمرة فانه يقال تكليفه الواقعي في صورة زوال الحصر قبل التقصير هو الاحلال بالعمرة بخلاف البعث فانه حكم ظاهري انكشف عدم تكليفه به واقعا.

[المعتمر مفردة اذا أحصر و بعث الهدي و تحلل يقضي عمرته بعد زوال العذر وجوبا]

مسألة 133- المعتمر مفردة اذا أحصر و بعث الهدي و تحلل يقضي عمرته بعد زوال العذر وجوبا مع استقرار وجوبها او استمراره و الا فندبا.

و الظاهر انه لا يعتبر في صحتها مضي الشهر

بينها و بين العمرة الّتي تحلل منها بالحصر و ذلك لبطلان التي احصر فيها و لا دليل علي احتمال اعتبار مضي الشهر بين الاحرامين و لكن حكي عن الشيخ في النهاية و المبسوط و بني حمزة و البراج و ادريس اشتراط فصل شهر بينهما و عن المدارك

ان ظاهر الاصحاب ان الخلاف هنا كالخلاف في اصل المسألة في الزمان الّذي يجب كونه بين عمرتين فكانه اراد بذلك انه لا خلاف بينهم في الاشتراط هنا في الجملة، و عن الدروس: المعتمر افرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتماد ثانيا و مع ذلك لا يرد بما قيل امكان الفرق بين المقامين بل وجوده و مقتضي الاصل

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 418

و اطلاق الدليل عدم الاشتراط «1» و اللّه هو العالم.

[يجب علي القارن اذا احصر و تحلل الحج في القابل قرانا.]

مسألة 134- يجب علي القارن اذا احصر و تحلل الحج في القابل قرانا.

و يدل عليه صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام و صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قالا: القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلني حيث حبستني؟ قال: يبعث بهديه قلنا: هل يتمتع في القابل؟ قال: لا و لكن يدخل في مثل (بمثل) ما خرج منه «2» و ما رواه الكليني بسند سهل عن رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه قلت: رجل ساق الهدي ثم احصر؟ قال: يبعث بهديه. قلت: هل يستمتع من قابل؟ فقال: لا و لكن يدخل في مثل ما خرج منه «3».

و حكي القول بذلك عن النهاية و المبسوط و التهذيب و المهذب و غيرهم بل الاكثر بل المشهور كما في الجواهر. «4» و يمكن ان يقال ان القدر المتيقن منه ما اذا كان

تكليفه القران تعيينا او تخييرا من الاصل فمن كان تكليفه التمتع و انما اتي القران للضرورة يقضي ما عليه في الاصل و هل يلحق بالقران الافراد و التمتع فلا يقضي الافراد الا مفردا او متمتعا وجه الالحاق عدم الفرق علي الظاهر بين القران و الافراد و التمتع سيما من جهة ان بيان حكم القران كان لاجل ان سؤال السائل كان منه و لعله كان منه أيضا علي سبيل المثال و وجه عدمه الاقتصار علي المورد و عدم التعدي منه الي غيره فمقتضي الاصل عدم الالحاق و اللّه هو العالم.

و ليكن هذا آخر ما كتبناه حول مسائل الحج و قد بقيت مسائل كثيرة حول باب الكفارات و غيرها و لا حول و لا قوة الا باللّه و الحمد للّه أولا و آخرا و صلوات اللّه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 157.

(2)- التهذيب، كتاب الحج، ح 1468/ 14.

(3)- الكافي، ج 4، ص 371، ح 7.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 157.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 419

و سلامه علي خاتم النبيين سيدنا أبي القاسم محمد و آله الطيبين الطاهرين سيما مولانا بقية الله عجل اللّه تعالي فرجه الشريف و اللعن الدائم علي اعدائهم اجمعين. ربنا اغفر لنا ذنوبنا و اسرافنا في امرنا و اعف عنا و ارحمنا انك انت الغفور الرحيم و كان ذلك في اليوم الثاني عشر من شهر ذي القعدة الحرام من شهور السنة 1425 الهجرية القمرية و انا أقل العباد عملا و اكثرهم زلّا.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 421

الفهرس

الكلام في شرائط الطواف في شرائط الطواف 7

الطواف فيما يعفي عنه في الصلاة 13

الشك في الطهارة أثناء الطواف 14

الشك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف 15

اذا احدث في طواف الفريضة

18

وجوب الختان في الطواف 21

وجوب ستر العورة في الطوائف 23

وجوب كون الساتر مباحا في الطواف 26

الكلام في واجبات الطواف واجبات الطواف 29

وجوب الابتداء بالحجر الاسود 29

وجوب الطواف علي يسار الطائف 31

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 422

حكم الطواف علي حائط الحجر 34

حكم المشي علي الشاذ روان 35

حكم دخول الكعبة في اثناء الطواف 35

وجوب كون الطواف بين الكعبة و المقام 37

وجوب كون الطواف سبعة اشواط 40

عدم جواز قطع الطواف بغير عذر 41

عدم وجوب حفظ الموالاة في مواضع 44

اذا نقص من طوافه سهوا 44

اذا نقص من طوافه لحاجة 44

لو مرض في اثناء الطواف 44

لو احدث في طواف الفريضة 46

حكم الزيادة عمدا علي السبع في الطواف الواجب 47

اذا زاد في طوافه علي السبع قبل بلوغه الركن 53

من زاد علي السبعة في طواف الفريضة سهوا 55

و فيه مواضع من النظر: 59

تنبيهان: 60

الكلام في ركعتي الطواف ركعتي الطواف 65

وجوب وقوع صلاة الطواف خلف المقام 67

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 423

عدم جواز صلاة الطواف في جانبي المقام 71

الكلام في نسيان صلاة الطواف 73

فروع: 78

في ما اذا لم يتمكن من الصلاة خلف المقام 78

حكم الجاهل اذا لم يأت بصلاة الطواف 79

جواز ايقاع صلاة الطواف في اي موضع من المسجد 79

اذا ترك الصلاة الفريضة عمدا 80

الكلام في السعي في السعي 87

وجوب ابتداء السعي من الصفا 89

وجوب الصعود علي الصفا 90

وجوب السعي علي النحو المتعارف 94

جواز السعي راكبا 94

اعتبار الموالاة في السعي» 96

احكام السعي 98

لو ترك السعي ناسيا 100

حكم الزيادة علي السبع في السعي 102

حكم من تيقن عدد الاشواط و شك فيما بدأ به 105

حكم الشك في عدد الاشواط 105

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 424

حكم ما اذا تيقن النقيصة 106

اعتبار إباحة اللباس و المركوب في

السعي 109

الكلام في التقصير في التقصير 113

افضلية التقصير علي الحلق في العمرة 115

حكم ترك التقصير سهوا 116

حكم ترك التقصير عمدا 117

حلّية جميع ما كان محرما علي المحرم بعد التقصير 120

ان تعمد ذلك في اوّل شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء 122

عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع 122

عدم وجوب التقصير فوريا 125

عدم وجوب وقوع التقصير في مكان خاص 126

التخيير في العمرة المفردة بين الحلق و التقصير 126

استحباب التشبه بالمحرمين للمتمتع 127

الكلام في واجبات الحج في واجبات الحج 131

استحباب الاحرام للحج يوم التروية 133

هل يجوز الاحرام لعمرة مفردة بعد الاحرام للحج 133

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 425

الكلام في الوقوف بعرفات الوقوف بعرفات 143

حدود عرفات 143

وقت الوقوف بعرفات 144

وجوب الوقوف في عرفات بنحو الاستيعاب 145

حكم من افاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا 145

مسمي الوقوف في عرفات ركن 148

حكم قاضي العامة برؤية الهلال 150

اذا ادرك اختياري عرفة و اضطراري المشعر 153

اذا لم يدرك إلا اختياري عرفة 153

اذا لم يدرك إلا اضطراري المشعر 157

بيان اقسام الوقوفين 160

الكلام في الوقوف بالمشعر الحرام الوقوف بالمشعر الحرام 169

حكم المبيت في المزدلفة 172

حكم الافاضة عن المشعر قبل طلوع الفجر 174

حكم فيمن فاته الحج 175

الاشتراط حين الاحرام 178

استحباب التقاط الحصي في المشعر 179

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 426

اشتراط بكارت الحصيات في الرمي 181

الكلام في النزول بمني 185 في النزول بمني 187

1- رمي جمرة العقبة 189

ما يعتبر في الرمي 192

الشك في عدد الرمي 194

حكم من نسي الرمي في يوم العيد 195

إيضاح في المراد من الجمرة: 195

2- الذبح او النحر 199

عدم وجوب الهدي علي غير المتمتع 200

وجوب الهدي علي المكي لو تمتع 201

اعتبار نية القربة في الهدي 203

في مكان ذبح الهدي و زمانه 205

لو تعذر

وقوع ذبح الهدي بمني 212

عدم اجزاء الهدي الواحد الا عن واحد 213

حكم ما اذا ضل الهدي 219

جواز اخراج شي ء مما ذبحه من مني 222

صفات الهدي و شرائطه 224

في سن الهدي 225

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 427

اشتراط صحة الهدي 228

في الهدي اذا كانت مهزولة 234

في بدل الهدي 239

3- في الحلق و التقصير 273

في مواطن التحلل 295

التحلل الثالث 301

الكلام في الطواف في الطواف 311

الكلام في العودة الي مني الكلام في الاحكام المتعلقة بمني بعد العودة إليها 349

الكلام في رمي الجمرات الثلاث رمي الجمرات الثلاث 363

الكلام في الصد و الاحصار 375 في الصد و الاحصار 377

المقام الاول: في المصدود 379

فروع 397

المقام الثاني: في المحصر و المحصور 403

مكان الهدي للمحصور 409

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.