فقه الحج (للصافي)، المجلد 3

اشارة

سرشناسه : صافي گلپايگاني، لطف الله، 1298 -

عنوان و نام پديدآور : فقه الحج: بحوث استدلاليه في الحج/ تاليف لطف الله الصافي الگلپايگاني.

مشخصات نشر : قم: دفتر آيت الله العظمي شيخ لطف الله صافي گلپايگاني، 1390.

مشخصات ظاهري : 4 ج.

شابك : 250000 ريال: دوره 978-600-5105-54-4 : ؛ ج.1 978-600-5105-50-6 : ؛ ج.2 978-600-5105-51-3 : ؛ ج.3 978-600-5105-52-0 : ؛ ج.4 978-600-5105-53-7

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1390)(فيپا).

موضوع : حج

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

رده بندي كنگره : BP188/8/ص16ف7 1390

رده بندي ديويي : 297/357

شماره كتابشناسي ملي : 2693685

الجزء الثالث

الكلام في كيفية الإحرام و واجباته

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 7

الكلام في كيفية الإحرام و واجباته

و ينبغي اجراء الكلام أولا في حقيقة الإحرام.

قال في النهاية: (الإحرام: مصدر أحرم الرجل يحرم إحراماً إذا أهلَّ بالحجّ أو بالعمرة و باشر أسبابهما و شروطهما من خلع المخيط و اجتناب الأشياء التي منعه الشرع منها كالطيب و النكاح و الصيد و غير ذلك و الاصل فيه المنع فكأن المحرم ممتنع من هذه الأشياء و أحرم الرجل إذا دخل الحرم و في الشهور الحرم … و منه حديث «الصلاة تحريمها التكبير» كأن المصلّي بالتكبير و الدخول في الصلاة صار ممنوعاً من الكلام و الأفعال الخارجة عن كلام الصلاة و أفعالها فقيل للتكبير تحريم لمنعه المصلِّي من ذلك و لهذا سمِّيت تكبيرة الإحرام أي الإحرام بالصلاة).

«1» و قال في مجمع البحرين: (و الإحرام مصدر أحرم الرجل … و الإحرام توطين النفس علي اجتناب المحرمات من الصيد و الطيب و النساء و لبس المخيط و أمثال ذلك).

______________________________

(1) النهاية/ 373.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 8

و قال في المصباح المنير: (و أحرم الشخص: نوي الدخول في حجّ أو عمرة و معناه أدخل نفسه في شي ء حرم به ما كان حلالا له و هذا كما يقال: انجد إذا أتي نجد).

و في غير ذلك من كتب اللغة: أحرم: دخل في الشهر الحرام و أحرم: دخل في الحرم أو في حرمة لا تهتك.

و أمّا معناه و مفاده باصطلاح العلماء و كلماتهم فالمحكي عن الشيخ الأنصاري رحمه الله إنّ الإحرام العزم علي ترك المحرمات و توطين النفس علي ترك المنهيات بل نسب ذلك إلي المشهور و التزموا لذلك علي أنّه لو بني علي ارتكاب شي ء من المحرمات بطل إحرامه (اي لا ينعقد إحرامه) لعدم كونه قاصداً للإحرام.

و أورد عليه

بعض الاعاظم بأن ذلك لا يستظهر من الأدلّة و لهذا لو حجّ من لم يكن عالماً بالمحرّمات صحَّ حجه و إحرامه فالبناء و الالتزام علي الترك ليس من مقومات الإحرام. «1»

و فيه: إنّه يمكن أن يقال: إنّ هذا يستفاد مما جاء في الرّوايات: «أحرم لك لحمي و دمي و شعري و بشري عن النساء و الطيب و الصيد» «2» فإنَّ معناه التوطين علي دخول لحمه و … في حرمة النساء و الطيب عليها.

و أمّا صحة إحرام من لم يكن عالماً بالمحرّمات و صحّة حجّه فممنوعة إذا لم يكن عالماً بها حتّي بالإجمال و إنَّه يحرم عليه بالإحرام بعض الأفعال و أما إذا كان عالماً بالإجمال و إن لم يعرف المحرَّمات بالتفصيل يكفي ذلك في تحقّق الإحرام.

______________________________

(1) معتمد العروة: 2/ 478.

(2) وسائل الشيعة، ب 16 من ابواب الاحرام.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 9

نعم: لو قيل بأن الإحرام ليس من الأمور القصدية و ليس هنا الا تحريم الشارع المحرَّمات المعلومة علي الحاج و المعتمر إذا قصد الحجّ أو العمرة و لبّي يتم ذلك.

و هذا ما يستفاد من كلام بعض الفقهاء ففي المستند قال: (لا نسلم أن الإحرام فعل غير التلبس بأحد النسكين و الشروع فيه مطلقاً أو بما يحرم محظورات الحج و العمرة من أجزائهما فهو لفظ معناه أحد الأمرين لا أنَّه أمر آخر و جزء مأمور به بنفسه من حيث هو). «1»

و قال السيد الگلپايگاني (قدس سره): مراده (بما يحرم محظورات الحج و العمرة من أجزائهما إمّا خصوص التلبية أو مع لبس الثوبين أوهما مع نية الحج و العمرة) «2»

و لكنا لم نتحصل مراده فإن ما يحرم به محظورات الحج أو العمرة ليس إلا التلبس بهما

بالتلبية و في خصوص القران بالتقليد أو الإشعار أيضاً و لا بد أن يكون ذلك مقارناً لنية الحجّ و العمرة و الشروع فيهما.

و كيف كان فقد بني عليه بعض الأعلام من المعاصرين و ادّعي أنّ التلبية سبب للإحرام و حالها حال تكبيرة الإحرام للصلاة فهي أول جزء من أجزاء الحجّ كما أن التكبيرة أول جزء من أجزاء الصلاة و بالتلبية أو الإشعار يدخل في الإحرام و يحرم عليه تلك الأمور المعلومة و ما لم يلبَّ يجوز له ارتكابها. «3»

و قال: إنَّ أهل اللغة ذكروا لكلمة أحرم معنيين: أحدهما أن يحرم الانسان

علي نفسه شيئاً كان حلالا له. ثانيهما: أن يدخل نفسه في حرمة لا تهتك. و المعني

______________________________

(1) مستند الشيعة: 11/ 283.

(2) كتاب الحج: 1/ 245.

(3) معتمد العروة: 2/ 478.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 10

الثاني أنسب، لأنّه يدخل بالتلبية في حرمة الله الَّتي لا تهتك و التلبية توجب دخوله في حرمة الله فيقال: أحرم أي أدخل نفسه في تلك الحرمة الَّتي لا تهتك.

ثمّ انه أفاد زائداً علي ذلك و المتحصَّل منه أن التلبية و الإشعار و التقليد كتكبيرة الإحرام محقق لدخول الشخص في الحجّ أو العمرة كما أنَّ تكبيرة الإحرام محقق لدخول الشخص في الصلاة و الحالة الَّتي يجب أن لا تهتك و لا تبطل بالكلام الخارج عن الصلاة و سائر المبطلات و بالتلبية أيضاً يدخل الشخص في حالة يجب أن لا تهتك بارتكاب المحرَّمات و ليس معني ذلك أنَّه يقصد بالتلبية أو التكبيرة حصول تلك الحالة الَّتي نعبر عنها بالإحرام و عن المتلبس بها بالمحرم أو يقصد بها ترك المنهيَّات بل الإحرام و هذه الحالة الّتي يجب أن لا تهتك يترتب علي التلبية قهراً غاية الأمر

أن التلبية سبب للإحرام و إن لم يقصد الملبي ترك المنهيات بها و لا يعقل أخذ هذه المنهيات و المحرمات في معني الإحرام و إلا لزم الدور لأنّه يئول إلي أن تكون حرمة هذه المحرمات متوقفة علي الإحرام و كون الإحرام متوقفاً علي حرمة المحرَّمات و بعبارة أخري: صيرورته محرماً تتوقف علي كون المحرمات محرمة عليه و تحريمهما متوقف علي كونه محرماً. «1»

و القول الآخر أنّ الإحرام حقيقته النيّة و التلبية و لبس الثوبين و هو المحكي عن العلامة في المختلف. «2»

و الرابع: انّه النيّة و التلبية و هو المحكي عن الحلّي. «3»

و الخامس: إنَّه النيّة و هو المنقول عن ظاهر المبسوط و الجمل.

______________________________

(1) معتمد العروة: 2/ 479 الي 483.

(2) مختلف الشيعة: 4/ 49.

(3) المحكي عن جواهر الكلام 18/ 134.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 11

و السادس: إنَّه انشاء تحريم الأعمال الَّتي حرَّمها الشارع علي المحرم و البناء علي كونه حراماً عليه كالناذر الَّذي ينشئ وجوب فعل أو حرمته علي نفسه و كونه مديوناً لله تعالي و ينشئ اشتغال ذمّته له تعالي.

و الظّاهر أن هذا هو مختار السيد الفقيه الگلپايگاني (قدس سره) كما قال في تقريرات درسه: (و بالجملة الأظهر أن الإحرام أمر إنشائي يوجده المحرم بتحريم المحرَّمات علي نفسه و إن كان لا يؤثر في التحريم قبل التلبية، كما هو المستفاد من المحقق في الشرائع حيث قال في بيان كيفية الحجّ: فصورته أن يحرم من الميقات للعمرة- إلي أن قال- ثمّ ينشئ إحراماً آخر للحجّ من مكّة الظّاهر في أن الإحرام أمر إنشائي، و قد عبَّر بمثل ذلك في التحرير و السرائر.) «1»

و قال بعض الأعاظم في تعليقته علي العروة: (إنّ الإحرام من العناوين القصدية

لا يمكن تحققه بدون القصد إليه).

و لا ينافي ما ذكرناه قولهم في كيفية الإحرام: إنّ واجباته ثلاثة النيّة و لبس الثوبين و التلبية، و كذا قولهم: إنَّ الإحرام مركب من النيّة و لبس الثوبين و التلبية أو الإشعار و التقليد، فإنَّ وجوب تلك الأمور في الإحرام لا يلازم كونه عبارة عن تلك الأمور لا غيرها بل يدل علي أن الإحرام بأيِّ معني كان لا يصح بدونها.

و أما كونه مركباً من الأمور المتقدمة فمعناه أنه لا يحكم شرعاً بتحريم المحرَّمات إلا بعد الامور المذكورة من النيّة و لبس الثوبين و التلبية أو الاشعار و التقليد، و لا يكفي مجرد إنشاء التحريم من المحرَّم، بل يحتاج في ترتب الأثر علي

______________________________

(1) كتاب الحج: 1/ 246.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 12

انشائه شرعاً إلي التلبية أو الإشعار. «1»

و السابع: ما عن كاشف الغطاء: قال: (إنَّ حقيقة الإحرام عبارة عن حالة تمنع عن فعل شي ء من المحرَّمات المعلومة و لعل حقيقة الصوم أيضاً كذلك فهما عبارة عن المحبوسية عن الأمور المعلومة فيكون غير القصد و الكفّ و الترك و التوطين فلا يدخلان في الأفعال و لا الأعدام بل هما حالتان متفرعتان عليها و لا يجب علي المكلفين من العلماء فضلا عن العوام الاهتداء إلي معرفة الحقيقة و إلا لزم بطلان عبادة أكثر العلماء و جميع العوام) «2»

و ربّما يكون هنا غير ذلك من الوجوه و الأقوال.

و يمكن أن يقال: إنَّه يتحقق بالشروع في ترك المنهيّات أو قبل بعض الواجبات كخلع المخيط و لبس الثوبين أو التلبية أو الإشعار و التقليد.

و كيف كان فالقول الثاني أي كون التلبية سبباً للإحرام و الدخول في الحجّ و العمرة كتكبيرة الإحرام الَّتي هي سبب لحرمة

ما تبطل بإتيانه الصلاة و دخول الشخص في الصلاة و الحالة الَّتي يجب أن لا تهتك باتيان المبطلات و إن لم يكن ناوياً ترك المنهيات و لم يكن عالماً به،

ففيه: إنَّه خلاف الظّاهر من كون الإحرام للحجّ أو العمرة من اعمالهما و لو كان ذلك بنية ترك المحرَّمات و كونه عازماً عليه عند التلبية.

نعم إذا كان ملتفتاً بالإجمال إلي المحرَّمات و لبي يكفي ذلك في الإحرام و لا يكفي التلبية لمجرد الحجّ أو العمرة اللَّتين هما الطواف و صلاته و السعي.

______________________________

(1) كتاب الحج: 1/ 246.

(2) المحكي عن كتاب الحج: 1/ 244.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 13

و بالجملة: لا تكفي التلبية للحجّ و العمرة إذا كانت خالية عن نية ترك المحرمات و لو إجمالا.

بل يمكن أن يقال: إن المصلي أيضاً لا يدخل في الصلاة بمجرد تكبيرة الإحرام إذا لم يكن عارفاً بما تبطل به الصلاة و بما يمنع من الدخول فيها و لو إجمالا و عازماً علي تركه.

و لا يلزم الدور من أخذ هذه المنهيات في الإحرام فإنَّه يلزم ذلك لو أخذ فيه هذه المحرمات بهذا العنوان الَّذي لا يأتي إلا من قبل الإحرام أما لو أخذ فيه ترك ذواتها و قلنا بترتب الحرمة الشرعية عليه لا يلزم الدور.

و الحاصل أن رفع اليد عن اعتبار نيّة الإحرام و ادخال نفسه فيه بنيّة ترك المحرَّمات أو التلبية المقارنة لتلك النيّة و توطين النفس علي تركها خلاف ظاهر الرّوايات من كونه عملا قصدياً اختيارياً لا قهرياً غير عمدي هذا مضافاً إلي إمكان دعوي دلالة مثل قوله تعالي: (لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ) و قوله عزَّ اسمه: (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ) و قوله سبحانه و تعالي

(حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً) علي أنّ عنوان الإحرام و المحرم كان معتبراً عندهم و ليس معني (وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ) و (مٰا دُمْتُمْ حُرُماً) انتم حاجّاً أو عماراً.

هذا كلّه في القول الثاني و أمّا الأقوال الَّتي أخذ فيها النيّة فهي القول الثالث (إنَّه النيّة و التلبية و لبس الثوبين) و الرابع إنَّه النيّة و التلبية) و الخامس (إنَّه مجرد النيّة) فاستشكل في المستمسك فيها (بأن أخذ النيّة في مفهوم الإحرام غير معقول لأنه فعل اختياري يقع عن نية تارة و لا عنها أخري و لذلك اعتبروا في صحّته النيّة

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 14

و من المعلوم أنّ النيّة لا تكون موضوعاً للنيّة). «1»

و يمكن دفع هذا الإشكال بأن النيّة الَّتي قيل بأنّها منفردة أو مع التلبية أو معها و مع لبس الثوبين إحرام ليس المراد منها نيّة الإحرام بل المراد فيه ترك المحرَّمات المعلومة و مع التلبية و لبس الثوبين فهذه النيّة منفردة أو منضمّة إليهما مصداق للإحرام أي الحالة الَّتي تكرم و تقدس بترك المحرمات مضافاً إلي أننا لم نتحصل مراده من كون الإحرام فعلا اختيارياً يقع عن نية تارة و لا عنها أخري فإن كان مراده من الإحرام ترك المحرَّمات فلا ريب في أنّه يقع تارة بالاختيار و بالقصد و النيّة و اخري بدون الاختيار و القصد الا انَّه ليس الإحرام مجرد ترك المحرَّمات سواء وقع ذلك بالقصد و العمد و الاختيار أو بدونه و إن كان المراد من الإحرام عنواناً قصدياً لا يتحقّق إلا بالنية فمن يقول: الإحرام النيّة مراده أنَّه عنوان يتحقق بها أو بها و بالتلبية لا أن هذه النيّة تكون موضوعاً لنية أخري و يرجع معناه إلي

أنَّه ينوي في نفسه انَّه محرم و يبني عليه و كيف كان لا يقع هذا المعني بدون النيّة.

و أمَّا السابع: فحسبه يكون الإحرام صفة و حالة نفسانية تمنع من فعل المحرَّمات كصفة العدالة و هو بالمسائل المذكورة في علم الأخلاق اشبه منه بالفقه مضافاً إلي أنّه لا يستفاد من الأدلة فنبقي نحن و القول الأوّل و الثالث و الرابع و الخامس و السادس فاللازم النّظر إلي روايات الباب و دلالتها حتَّي نعرف أوفق هذه الأقوال إليها و أرجحها بملاحظتها و الله هو الهادي.

فنقول فمن الأخبار طائفة منها تدل علي أن الإحرام عنوان و اعتبار يوجد بفعل الشخص و إنَّه لا يكفيه مجرّد التلبية للحجّ أو العمرة إذا لم تكن مقرونة

______________________________

(1) مستمسك العروة: 11/ 359.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 15

بنية ترك المحرّمات و الدخول في حال يحرم فيه عليه المحرّمات و لا ينطبق عليه عنوان المحرم بدون ذلك فليس المحرم كالمصلي بل ما هو مثله الحاج أو المعتمر.

فمن هذه الأخبار ما رواه الشيخان مسنداً و الصدوق مرسلا عن أبي المعزا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كانت بنو إسرائيل إذا قربت القربان تخرج نار تأكل قربان من قبل منه و إن الله جعل الإحرام مكان القربان». «1»

فإنّه يدل علي أنّ الإحرام فعل اختياري و عنوان لا يصدق بدون التهيؤ و الالتفات إليه بمجرد التلبية للحجّ أو العمرة.

و ما رواه الصدوق في العلل بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام): «و إنَّما امروا بالإحرام ليخشعوا قبل دخولهم حرم الله و أمنه و لئلا يلهو و يشتغلوا بشي ء من امور الدنيا و زينتها و لذاتها و يكونوا جادين (صابرين) فيما هم فيه قاصدين نحوه» «2»

الحديث.

و ممَّا يدل علي ذلك ما فيه: «أن يقول عند الإحرام أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب ابتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة» «3».

و من هذه الاخبار ما فيه لفظ الإحرام و يحرم مثل قبل أن يحرم و عقد الإحرام و غيرها من الألفاظ فإن حمل هذه علي التلبية المجردة عن نية الإحرام بعيد جداً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب الاحرام، ح 1.

(2) وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب الاحرام، ح 4.

(3) وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الاحرام، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 16

و استشكل في هذا المعني و استدلّ علي أنّ الإحرام ليس شيئاً زائداً علي التلبّس بالحجّ أو العمرة بالتلبية أو الإشعار أو التقليد بقصد الشروع في الحجّ أو العمرة بروايات أوضحها دلالة صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية و الإشعار و التقليد فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم». «1»

فإنّها تدل بالصراحة علي أن ما يوجب الدخول في الحرمة الَّتي لا تهتك أحد هذه الثلاثة و إنَّ الإحرام يتحقق بأحدها.

و يرد عليه بأنَّ الصحيحة لا تدل علي أنَّ التلبية المجردة عن نية ترك المحرَّمات و العزم عليه تكفي في الإحرام و إن لم يكن ملتفتاً إليه و لم يضمره في نفسه بل غاية ما يستفاد منها أن من يريد الإحرام و وطَّن نفسه علي ترك المحرَّمات إذا لَبّي أو أشعر أو قلّد يتحقّق منه الإحرام نعم يستفاد منها عدم انعقاد الإحرام بمجرّد العزم أو انشاء تحريم المحظورات علي نفسه بدون التلبية.

و لكن يعارضها

في ذلك ما يدل علي انعقاد الإحرام قبل التلبية مثل صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرَّجل يقع علي أهله بعد ما يقصد الإحرام و لم يلبّ قال: ليس عليه شي ء» «2».

و مثله مرسل جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليها السلام): «في رجل صلّي الظهر في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثمّ مسّ طيباً أو صاد صيداً أو واقع أهله؟

قال: ليس عليه شي ء ما لم يلبّ» «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحج ح 20.

(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب تروك الاحرام ح 1 و ب 14 من أبواب الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 17

و صحيح حفص و عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنَّه صلي ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثمّ خرج فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه» «1».

و صحيح حفص بن البختري عن ابي عبد الله (عليه السلام): «فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثمّ وقع علي أهله قبل أن يلبّي؟ قال: ليس عليه شي ء» «2».

و مثل هذه الأحاديث يدل علي من تحقّق عقد الإحرام منه فهو محرم و داخل في حالة مقدسة يترك فيها المحظورات وفقاً لعزمه علي تركها أو إنشائه تحريمها علي نفسه لكن ليس ممنوعاً عنها بحكم الشارع حتَّي يلبّي أو يشعر أو يقلد و إن شئت قل: له أن ينقض إحرامه و يرفع اليد عنه ما دام لم يلبّ و الشاهد علي ذلك مرسل النضر بن سويد عن بعض أصحابه قال: «كتبت إلي أبي إبراهيم (عليه السلام): رجل دخل مسجد الشجرة

فصلّي و أحرم و خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء أله ذلك؟ فكتب نعم أو لا بأس به» «3»

و بالجملة بعد ملاحظة الرّوايات الكثيرة الواردة في أبواب الإحرام القول بأنّه عبارة عن العزم و توطين النفس علي ترك المحرَّمات و البناء عليه وجيه فهو في حال الإحرام ما دام لم ينقض إحرامه و لم يعدل عن عزمه فإذا لبّي يستقر عليه البقاء علي الإحرام و لا يجوز له العدول عنه و الانصراف منه و اما انه امر إنشائي يوجده

الشخص بتحريم المحرَّمات علي نفسه و أنه لا يؤثر في التحريم قبل التلبية فبعيد عن الذهن و لازمه القول بوجوب التلفظ بالنية حتّي ينشأ به.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الاحرام ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الاحرام ح 3..

(3)- وسائل الشيعة: ب 14 من ابواب الاحرام ح 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 18

اللّهم إلا أن يقال: إنَّ الواجب التلفظ بالنية و قوله أحرم لك: إنشاء للإحرام سيَّما إذا كان بصيغة المتكلم و المضارع لا بصيغة المفرد و الماضي فإنَّ المناسب لمعناه في مثله الإنشاء للاخبار.

فعلي هذا فمقتضي الاحتياط قصد انشاء الإحرام بما يقول في تلفّظه بنيّة الإحرام الَّذي لا ينفك عن توطين النفس و البناء علي ترك المحظورات و الله هو العالم بأحكامه.

واجبات الاحرام

[الأول من واجبات الإحرام النية]
اشارة

«الكلام في نية الاحرام»

ثمّ إنَّه قال في العروة: (و واجباته «يعني إحرام» ثلاثة: الأوّل: النيّة بمعني القصد إليه فلو أحرم من غير قصد أصلا بطل سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل و يبطل نسكه أيضاً إذا كان الترك عمداً و أمّا مع السهو و الجهل فلا يبطل و يجب عليه تجديده

من الميقات إذا أمكن و إلا فمن حيث أمكن).

أقول: في مثل هذا التعبير مسامحة فإنَّه علي القول بكون الإحرام أمراً قصدياً لا يتحقّق إلا بالقصد لا يتحقّق من غير قصد فالأولي أن يقول: فلا يؤتي به أولا يتحقّق بدون القصد.

و كذا علي القول بأنّه ليس هنا إلا أفعال الحجّ من التلبية إلي التقصير فإنَّ معني لو أحرم لا بد و أن يكون لو لبَّي من باب تسمية الشي ء باسم مسبّبه أو قريباً

منه علي ضرب من المجاز.

و كيف كان في الصورة الاولي النيّة هي الالتزام أو توطين النفس علي ترك

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 19

الأفعال المعلومة و لبس الثوبين و التلبية أو انشاء حرمة الأفعال و وجوب لبس الثوبين و التلبية و لا يغني ذلك من نية التلبية و إنما زدنا لبس الثوبين و التلبية لأن الإحرام لا يتحقّق بدونهما.

و أمّا علي القول الثاني فيكفي نية الحجّ و الشروع فيه بالتلبية أو نية التلبية الَّتي هي من أفعال الحجّ فما هو اللازم نية النسك و كون التلبية كسائر الأعمال صادرة من هذه النيّة.

و قصد القربة في الاولي توطين النفس قربة إلي الله علي ترك المنهيات و في الصورة الثانية يكفي نية الحجّ بقصد الامتثال و التقرب و إتيان التلبية و جميع الأعمال بتلك النيّة.

و قد أشكل في كون النيّة من واجبات الإحرام إذا كان هو أمراً التزامياً أو إنشائياً أو توطين النفس إذ لا يعقل صدوره من غير نية.

و لكن يمكن أن يقال: إنَّ المراد من النيّة في هذه الصورة هي قصد القربة بل في الثاني أيضاً فإنَّ العمل الاختياري المأمور به لا يتاتي من المأمور بل من كل فاعل ملتفت الّا بالنية و القصد و

يمكن أن يقال: ان المراد من النيّة أن يكون ناوياً للحج فينوي الاحرام أمّا بدون نية الحجّ لا يترتب علي نية الإحرام التزاماً أو توطيناً أو انشاء أثر و بعد ذلك يعتبر في النيّة الخلوص عن الريا كما في سائر العبادات فيبطل بالريا.

و أما اعتبار مقارنة النيّة للشروع فيه فيعتبر علي القول الثاني و أما علي

القول الآخر فلا معني لاعتبار ذلك فانّ الالتزام أو توطين النفس أو الإنشاء لا يتصور فيها الابتداء و الاثناء حتي يقال بأنَّه لا تكفي النيّة إذا كانت في الأثناء.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 20

[مسألة 1] تعيين نوع الاحرام في النية

مسألة 1: هل يعتبر في النيّة تعيين كون الإحرام للحج أو العمرة و في الحج تعيين انه تمتع أو قران أو إفراد و انه لنفسه أو نيابة عن غيره و إنَّه حجة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي أم لا تعتبر فيه ذلك فيكفي الإحرام من غير تعيين و إيكاله إلي ما بعد ذلك؟

قال الشيخ في المبسوط: (إذا أحرم منهما و لم ينو شيئاً لا حجّاً و كان مخيراً بين الحج و العمرة لا عمرة أيّهما شاء فعل إذا كان في أشهر الحج و إن كان في غيرها فلا ينعقد إحرامه إلّا بالعمرة). «1»

و قال ابن البراج في المهذب: (و من أحرم و لم ينو حجّاً و لا عمرة و كان إحرامه في أشهر الحج كان مخيراً بين الحج و العمرة أيّ واحد منهما أراد كان له فعله و إن كان إحرامه في غير أشهر الحج لم ينعقد إحرامه إلّا بالعمرة). «2»

و قال ابن حمزة في الوسيلة: (و إن نوي الإحرام مطلقاً في أشهر الحج أو علق باحرام رجل آخر و هو غير محرم كان بالخيار

بين أن يجعله للحج أو للعمرة و إن كان في غير أشهر الحج تعيَّن للعمرة). «3»

قال العلامة في التذكرة: (و لو نوي الإحرام مطلقاً و لم يذكر لا حجّاً و لا عمرة انعقد إحرامه و كان له صرفه إلي أيّهما شاء إن كان في أشهر الحج لأنّها عبادة منوية) ثمّ ذكر ما رواه العامّة و الخاصّة في ذلك إلي أن قال: (و إذا ثبت انَّه ينعقد

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 316.

(2)- المهذب البارع: 1/ 219.

(3)- الوسيلة/ 161.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 21

مطلقاً فإن صرفه إلي الحج صار حجّاً و إن صرفه إلي العمرة صار عمرة و إلي أيّ انواع الحج صرفه من تمتع أو قران أو افراد انصرف إليه). «1» و حكي نحوه عنه في المنتهي.

و لكنه اختار البطلان في القواعد قال: (و لو نوي الإحرام و لم يعيّن لا حجّاً و لا عمرة أو نواهما معاً فالأقرب البطلان و ان كان في أشهر الحج). «2»

و قال الفاضل الهندي في كشف اللّثام في شرح قوله: و لو نوي الإحرام … (أمّا الأوّل فلأنه لا بد في نية كل فعل تميزه من الأغيار و إلا لم يكن نية و لو جاز الإبهام جاز للمصلي مثلًا أن ينوي فعلًا ما قربة إلي الله إذ لا فارق بين مراتب الإبهام و لتضمن الأخبار التعيين كما سمعته الآن من خبر علي بن جعفر و البزنطي و أخبار الدعاء المتضمن لذكر المنوي و لانه لو جاز كان هو الأحوط لئلا يفتقر إلي العدول إذا اضطر إليه و لا يحتاج إلي اشتراط ان لم يكن حجّة فعمرة خلافاً للمبسوط و المهذب و الوسيلة ففيهما إنَّه يصح فإن لم يكن في أشهر الحج انصرف

إلي عمرة مفردة و ان كان في أشهر الحج تخير بينهما و هو خيرة التذكرة و المنتهي و لعله أقوي لان النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلين في حقيقته و لا يختلف حقيقة الإحرام نوعاً و لا صنفاً باختلاف غاياته فالأصل عدم وجوب التعيين و اخبار التعيين مبنية علي الغالب أو الفضل و كذا العدول و الاشتراط قال في المنتهي و

التذكرة و لأن الاحرام بالحجّ يخالف غيره من احرام سائر العبادات لانه لا يخرج منه بالفساد و إذا عقد عن غيره أو تطوعاً وقع عن فرضه فجاز أن ينعقد مطلقاً) «3».

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 7/ 233.

(2)- قواعد الاحكام/ 419.

(3)- كشف اللثام: 5/ 255.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 22

هذا و قد ظهر من هذه العبائر الشريفة أنَّ القائل بعدم وجوب التعيين يستدل بوجوه:

أحدها: أنّ النسكين الحج و العمرة غايتان للإحرام و ليسا داخلين في حقيقته فلا يختلف حقيقة الإحرام نوعاً و صنفاً باختلاف غاياته كما أنَّ تعدد الغايات في الوضوء أيضاً لا يوجب الإتيان به بقصد غاية معيَّنة و لا توجب اختلاف حقيقته.

و فيه: أنّ الوضوء أو الغسل عبادة مستقلة محبوبة و ان لم يقصد به الصلاة و ليس واحد منهما جزءاً من الصلاة بخلاف الإحرام سواء قلنا بأنّه عنوان قصدي أو نفس التلبية أو الإشعار و التقليد فإنّه جزء من أجزاء النسكين لا من مقدماتهما الواجبة أو المستحبة فلو أتي به لا بقصد الجزئية لا يكون ماموراً به كما إذا أتي ببعض أجزاء الصلاة لا بقصد الجزئية كالتكبيرة.

و ثانيها: أنّ الإحرام بالحجّ ليس كإحرام سائر العبادات مثل الصلاة فإنَّها تبطل بالإتيان بمبطلاتها و يخرج المصلي به عن حال الصلاة و يقع إحرام الحج عن فرضه

إذا عقده لغيره أو تطوعاً دون الصلاة فهو ينعقد بالإطلاق دون غيره مما ليس مثله.

و فيه: إنّا لم نفهم الملازمة بين كون الإحرام محكوماً بأحكام تختصّ به و سائر العبادات محكومة بأحكامها الخاصة و بين جواز عقد الإحرام مطلقاً و بدون التعيين و وقوع الإحرام إذا وقع عن غيره أو تطوعاً عن فرضه ان قلنا به كما أيّدناه في ما إذا

نوي به التطوع نقول به بدليله لا من جهة ان الإحرام ينعقد مطلقاً.

و ثالثها: إنّ الشكّ هنا شكّ في التكليف و في وجوب التعيين و مقتضي الأصل عدم وجوبه و براءة الذمة عنه.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 23

و فيه: أولًا: إنّ الشكّ يكون في التكليف علي قول من يقول بأنّ الإحرام ليس أمراً قصدياً و ليس هنا دون حرمة المحرَّمات بتحريم الشارع عند التلبية أو الاشعار أو التقليد فنشك في كفاية التلبية أو الإشعار و التقليد في الإتيان بالمأمور به أو يجب زائداً علي ذلك تعيين كونها للحج أو للعمرة و مقتضي الأصل عدم وجوبه و أمّا علي القول بكون الإحرام عنواناً قصدياً يتحقّق بأسبابه كالطهارة الَّتي تتحقق بالوضوء و الغسل فاذا شككنا في حصول هذا العنوان و احتملنا دخل شي ء في ما هو السبب له يجب الاحتياط و الإتيان به تحصيلًا للقطع بحصول المسبب.

و ثانياً: إنّ الأصل إنّما يجوز التمسّك به إذا لم يكن هنا دليل و الّذين يقولون بوجوب التعيين دليلهم هذه الأخبار الكثيرة الدالة علي وجوب التعيين و حملها علي الغالب أو علي الأفضل خلاف الظّاهر.

و رابعها: التمسك بما رواه العامة عن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم): «إنَّه خرج من المدينة لا يسمي حجّاً و لا عمرة ينتظر القضاء

فنزل عليه القضاء و هو بين الصفا و المروة فأمر أصحابه من كان منهم أهلّ و لم يكن معه هديٌ ان يجعلوها عمرة» «1».

و بما في طرق الخاصة من «أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام): أهل كاهلال النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) فجعله رسول الله شريكاً في هديه» «2»

و فيه: أمّا ما روته العامّة فهو كما قال في الجواهر: (غير ثابت بل الثابت خلافه) و مراده ما في رواياتنا من أنَّه (صلي الله عليه و آله و سلم) ساق الهدي و لذا لم يحل بعد ما أمر الناس بالإهلال.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 7/ 233.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من أقسام الحج ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 24

و أما ما في طرقنا من أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام): «أهل كإهلال النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) بقوله: إهلالًا كاهلال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)».

ففيه أولًا: نقول: إنَّه عليه الصلاة و السلام كما حكي في الجواهر عن المختلف كان عالماً بما أهّل النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) به قال في الجواهر: (و لعلّه لما في صحيح معاوية بن عمار من أنَّ علياً (عليه السلام) قد جاء بأربعة و ثلاثين بدنة أو ستاً و ثلاثين فيكون المراد حينئذ بقوله (عليه السلام) اهلالًا كاهلال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) الحج قارناً) «1»

و ثانياً: يمكن حمله علي اختصاصه بالحكم المزبور.

و ثالثاً: إنَّه غير ما نحن فيه من كون الإحرام مطلقاً فإنَّه معلوم إمّا بالإجمال أو التفصيل.

و لكن الجواب هو ما حكاه من المختلف و علي ذلك كلِّه فالتحقيق علي ما أفاده في الجواهر اعتبار التعيين

كغيره من العبادات قال: (بل لا يبعد اعتبار التعيين في حال تعين النسك علي المكلف كما هو ظاهر النصوص و الفتاوي) «2» إلي آخر كلامه زيد في علو مقامه.

و بعد ذلك الظّاهر انَّه يكفي التعيين الإجمالي كما لو قصد امتثال ما عليه فعلًا

أو ما عينه و كتبه في كتاب عنده و أما كفاية الإحرام بقصد ما يعيّنه فيما بعد لأنَّه معلوم عند الله تعالي في الواقع و هو ينوي الواقع و المتعين الواقعي فبعيد جداً لأنَّه إذا لم يعيّنه بقصده بهذا العنوان فمعيَّن به واقعاً فإن كان المراد كون إحرامه متميزاً في الخارج و في علمه عن غيره فهو لا يتميَّز في الصورتين و إن كان المراد كونه معلوماً

______________________________

(1) جواهر الكلام: 18/ 204.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 205.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 25

عند الله تعالي لما يقع له فهو معلوم في الصورتين.

و بالجملة: فهذا الَّذي ذكره بعض الأعاظم من المعاصرين «1» قريب من قول من لا يري التعيين واجباً و لا حول و لا قوة إلا بالله و هو العالم بأحكامه.

و بعد ذلك كلِّه الظّاهر إنَّه يكفي التعيين الإجمالي كما لو قصد ما عليه واقعاً أو اشتغل به ذمَّته أولا و قال في العروة حتَّي بأن ينوي الإحرام لما سيعينه من حجّ أو عمرة فإنَّه نوع تعيين و قال بعض المحشين: (لأن ذلك الفرد معلوم عند الله تعالي واقعاً و إن كان لا يعرفه بالفعل فإنَّ المنوي يكون متعيناً في علم الله و هو يشير إليه في مقام النيّة فإنَّ القصد إلي الشي ء يقع علي قسمين:

أحدهما: أن يقصد الطبيعة المطلقة من دون نظر إلي التعيين و إنَّما يتعين فيما بعد.

ثانيهما: أن يقصد المتعين واقعاً و إن

كان لا يدري به فعلا كما إذا فرضنا انَّه عيَّنه و كتبه في قرطاس ثمّ نسي ما عينه و كتبه و لم يعثر علي القرطاس ثمّ ينوي الإحرام علي النحو الَّذي كتبه نظير ما إذا قرء البسملة للسورة الَّتي بعد هذه الصفحة و هو لا يعلم السورة بالفعل عند قراءة البسملة فإنَّ السورة متعينة واقعاً و ان كان هو لا يدري بالفعل عند قراءة البسملة) «2»

أقول: قد خالف السيد (قدس سره) في ذلك عدة من أعاظم المحشين مثل سيدنا الأستاذ الأعظم (قدس سره) فقال: (الأقوي عدم كفايته و لا فرق بينه و بين النيّة المرددة و إيكال التعيين إلي ما بعد).

و يمكن أن يقال: إن نية عنوان خاص باسمه معتبر في حصول الإحرام ما

______________________________

(1)- مستند العروة: 2/ 487.

(2)- مستند العروة 2/ 487.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 26

أمكن ذلك له و لا يعدل منه في مقام التعيين إلا إذا لم يمكن فيكتفي بما يعينه في الواقع و إن لم يعرف به في الخارج فمن نسي ما كتبه في القرطاس الَّذي ضاع عنه أو نسي ما كان مريداً لقصده لا يصلح له أن يقصد الإحرام لذلك فإنَّه يمكن له تجديد النيّة و تعيين ما يحرم له و من كان عليه حجّ لا يدري انَّه وجب عليه بالنذر أو بالنيابة و لا يمكن له التعيين، له أن يعينه بما في ذمّته في الواقع و فيما نحن فيه من كان متمكناً من تعيين أحد النسكين باسمه لا يجوز له الاكتفاء بالإشارة إلي ما هو المتعين عند الله تعالي و لم يعينه بعد و مثل ذلك لا يعد عرفاً نية المتعين و يكون مثل ما لم يعين أصلا و أو

كل تعيينه إلي بعد ذلك.

و بالجملة أصل الاكتفاء بالتعيين الإجمالي مع إمكان التفصيلي هنا بالنظر إلي الإشكال في تحقّق الإحرام به و بالنظر إلي الرّوايات الدالة علي ذكر اسم النسك من الحج أو العمرة في غاية الاشكال.

[مسألة 2] اعتبار نية الوجوب أو الندب في النية

مسألة 2: الأقوي عدم اعتبار نيّة الوجوب أو الندب في النيّة فلو أتي بها مجردة عن ذلك فلم ينو مثلا الإحرام الواجب من حجّة الإسلام أو الندب في الحج الندبي، يكفيه ذلك.

نعم إذا توقّف التعيين علي قصد الوجه يجب ذلك حتّي يتعيّن به ما يأتي به، و هل يعتبر التلفّظ بالنيّة؟ الظّاهر عدم الاعتبار و هو مقتضي الأصل و قد روي المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلت له: إنّي

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 27

أريد أن أتمتّع بالعمرة إلي الحجّ فكيف أقول؟ قال: تقول: اللّهمّ إنّي أريد أن أتمتّع بالعمرة إلي الحج علي كتابك و سنة نبيّك (صلي الله عليه و آله و سلم) و إن شئت أضمرت الَّذي تريد». «1»

و ظاهره جواز الإضمار و عدم اعتبار التلفّظ بالنّية و احتمال أن يكون المراد من الإضمار الإسرار بالتلفظ بعيد و لعل ذلك مختصّ بالتمتّع لمكان التقيّة لأنّ المخالفين عندهم انّ التمتّع عمرة مفردة من الميقات في أشهر الحج فإذا فرغ منها أحرم بالحجّ من عامه.

قال أحمد: (يخرج إلي الميقات فيحرم منه للحج) و عند الشافعي يجوز ان يخرج إلي الميقات أو يحرم من مكة.

و مثل صحيح حمّاد ما رواه الحسين بن سعيد «2» عن حماد «3» عن إبراهيم بن عمر «4» عن أبي أيوب «5» قال حدّثني ابُو الصّباح مولي بسّام الصيرفي «6» قال:

«أردت الإحرام بالمتعة

فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف أقول؟ قال: تقول: اللّهمّ إنّي أريد التمتع بالعمرة إلي الحج علي كتابك و سنّة نبيّك، و إن شئت أضمرت الذي تريد». «7»

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 332، ح 3، من لا يحضره الفقيه 207: 2/ 941، تهذيب الاحكام: الحج ب 7 ح 261/ 69، الاستبصار: 2/ 67/ 551.

(2)- الأهوازي عين جليل القدر صاحب التصنيفات توفي بقم من السابعة.

(3)- الظاهر انه حماد بن شعيب روي عنه جماعة من الخامسة.

(4)- من الخامسة.

(5)- من الرابعة.

(6)- له كتاب من شيوخ الحسن بن محبوب و ابن ابي عمير لعله من الخامسة و السند كما تري فانه غير مستقيم.

(7)- تهذيب الاحكام: ب 7 ح 262/ 70.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 28

و الروايتان و إن وردتا في نية التمتّع لا الإحرام إلّا أنّ الظّاهر انَّ أمر النيّة فيهما علي وجه واحد.

لا يقال: إنّ ظاهرهما اعتبار التلفّظ بالنيّة إلا في صورة التقية.

فإنّه يقال: إنّ احتمال التقيّة بعيد لأنّ معها لا يجوز تعليق الإضمار علي المشيّة هذا.

[مسألة 3] اعتبار بقاء النية في الاحرام

مسألة 3: بناء علي كون الإحرام مسبّب من توطين النفس علي ترك المحرّمات أو الالتزام بتركها أو إنشاء حرمتها علي نفسه لا يعتبر في بقاء الإحرام استمرار العزم علي تركه.

نعم يعتبر في ذلك التوطين و الالتزام أو إنشاء التوطين علي تركه مستمراً و ليس الإحرام كالصّوم فإنّه الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلي اللّيل بالنيّة فإذا بقي أيّاماً بغير هذا القصد و لو لم يفطر و لم يقصد ارتكاب المفطر بطل صومه و أمّا الإحرام فينعقد بسببه كما ينعقد البيع مثلا بإنشائه و لا يضرّ عدول البائع عنه بعده.

[مسألة 4] حكم نسيان ما أحرم له

مسألة 4: قال في الشرائع: (لو نسي بما ذا أحرم كان مخيراً بين الحج و العمرة إذا لم يلزمه أحدهما) و قال في الجواهر: (و إلا صرف إليه كما

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 29

صرّح به الفاضل و الشهيدان و غيرهم) «1» الخ.

أقول: إذا نسي فلم يدر انَّه أحرم للحجّ أو العمرة فإن كان يلزمه أحدهما فلا يصح منه الآخر كما إذا أحرم في غير أشهر الحج فإنّ الإحرام فيه لا يجوز إلّا للعمرة المفردة فهو شاك في أنّ إحرامه وقع صحيحاً أم باطلا فالظاهر انّ له البناء علي وقوعه صحيحاً و لا يحتاج إلي تجديد الإحرام لظاهر الحال و لأنّه من الشكّ بعد الفراغ و لأصالة الصحّة فيبني علي صحّة ما صدر منه.

نعم الأحوط تجديد الإحرام إن كان واجباً عليه بل مطلقاً لدخول الحرم.

و استشكل في جريان اصالة الصحّة و قاعدة الفراغ في المقام بأنّ جريانهما فرع كون عنوان العمل معلوماً و شكّ في بعض خصوصياته من أجزائه و شرائطه و أمّا إذا لم يكن عنوان العمل معلوماً فلا تجري فيه أصالة الصحّة و قاعدة

الفراغ.

و بعبارة أخري لا يمكن إثبات العنوان باصالة الصحَّة مثلا إذا شكّ في أنّ الصادر منه كان بيعاً أو قماراً فلا تجري فيه أصالة الصحَّة و لا يثبت له بها عنوان البيع.

و فيه: إنّه تارة تعنون المسألة كما في العروة فإنّه قال: (لو نسي ما عينه من حجّ أو عمرة وجب عليه التجديد … ) ففيها نقول: لا يصح التمسك بأصالة الصحّة لأنّه

فرع معلومية عنوان العمل لا بدونها، و تارة تعنون المسألة كما في الشرائع و يكون موضوعها نسيان الإحرام ففي مثله يمكن أن يقال: إنَّ عنوان العمل و هو الإحرام معلوم و لكنه نسي خصوصية كونه للعمرة أو للحج و هو حيث وقع في غير أشهر الحج شكّ بسبب النسيان انَّه وقع باطلا لوقوعه للحج أو صحيحاً لوقوعه للعمرة.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 213.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 30

فالظَّاهر أنّ اصالة الصحَّة تجري فيه و يبني علي صحته و وقوعه للعمرة و إلا إن قلنا بعدم جريان اصالة الصّحة فلا وجه لوجوب تجديد الإحرام إذا كان واجباً عليه فمقتضي الأصل فساد إحرامه و عدم وجوب المضيّ فيه فيرفع اليد عنه.

نعم يمكن أن يقال: إنّ الاحتياط بعد ذلك أي عدم جريان اصالة الصحّة تجديد النيّة لأنّه إن بني علي صحّة عمله احتياطاً و أتم ما بيده عمرة يمكن أن يكون دخوله في الحرم بدون الإحرام إذ من المحتمل وقوع إحرامه باطلا لوقوعه للحج فيترتب علي تجديد النّية جواز الدخول في الحرم إن كان إحرامه الأوّل باطلا.

هذا كلّه فيما إذا لزمه أحدهما دون الآخر.

و أمّا إن أمكن وقوع إحرامه صحيحاً لكلّ واحد من النسكين فقيل كما سمعت من الشرائع انّه مخيّر بين صرفه إلي أيّهما شاء لوجوه:

أحدها:

استصحاب التخيير السابق لأنّه كان له الإحرام بأيِّهما شاء و فيه: إنَّ بعد تغيّر الموضوع و تعين أحدهما عليه لا مجال لاستصحاب بل الاستصحاب يقضي بوجوب ما تعيّن عليه.

ثانيها: عدم رجحان أحدهما علي الآخر و فيه: ان ذلك مبني علي عدم إمكان الاحتياط لاستلزامه ترك الواجب أو فعل الحرام و يمكن ان يقال: إنَّه إذا انتهي الأمر إلي ذلك لا يمكن الامتثال فيسقط الأمر و الخطاب.

و ثالثها: عدم جواز الإحرام بدون النسك إلا إذا صدّ أو أحصر فيتخيّر بين الإحلال بأحدهما و الموافقة الاحتمالية و فيه أيضاً: إنَّ ذلك إذا لم يمكن الاحتياط و سيأتي إمكانه.

ثمّ إنّ الشيخ (قدس سره) في المسألة 68 من مسائل الحجّ في الخلاف قال: (لا يخلو أن

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 31

يكون إحرامه بالحجّ أو العمرة فقد بيّنا أنّه يجوز له أن يفسخه إلي عمرة يتمتّع بها و إن كان بالعمرة فقد صحّت العمرة علي الوجهين، و إذا أحرم بالعمرة لا يمكنه أن يجعلها حجّة مع القدرة علي إتيان أفعال العمرة فلهذا قلنا يجعلها عمرة علي كلّ حالّ) «1» و ما أشار إلي بيانه هو ما بيّنه في المسألة 37 قال: (من أحرم بالحجّ و دخل مكّة جاز أن يفسخه و يجعله عمرة و يتمتّع بها و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا إنّ هذا منسوخ. دليلنا إجماع الفرقة و الأخبار الّتي رويناها، و أيضاً لا خلاف إنّ ما قلناه هو الّذي أمر به النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) أصحابه و قال لهم: من لم يسق هدياً فليحل و ليجعلها عمرة و روي ذلك جابر و غيره بلا خلاف في ذلك و هذا صريح و من

ادّعي النسخ فعليه الدلالة و ما يدعي في هذا الباب خبر واحد لا ينسخ بمثله المعلوم «2» قال في الجواهر و عن المنتهي و التحرير إنّه حسن «3».

أقول: الظّاهر مختار الشيخ تام فيما إذا دار الأمر بين العمرة المفردة و العمرة المتمتّع بها إلي الحج فيجعلها الثانية لجواز العدول من المفردة إليها دون العكس و كذا إذا دار الأمر بين الإحرام لحجّ الإفراد أو للتمتّع فإنّه يجوز العدول منه إلي التمتّع دون العكس إلا في بعض الموارد و أمّا العدول من القران إلي التمتّع فلا يجوز لنفس ما

استدل به للعدول من الإفراد إلي التمتّع.

فعلي هذا نبقي نحن و ما إذا دار أمره بين الإحرام للعمرة المفردة و للقران أو الإفراد و ما إذا دار الأمر بين الإحرام لعمرة التمتّع و حجّ القران أمّا في الصورة الاولي فطريق الاحتياط الإتيان بالطواف و صلاته و السعي رجاءً و الوقوفين

______________________________

(1) الخلاف: 2/ 291.

(2)- الخلاف: 2/ 270.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 214.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 32

و سائر أعمال الحجّ و التقصير أو الحلق بقصد ما في الذمة و الطواف و الصلاة و السعي و طواف النساء و صلاته بقصد ما في الذمة.

و أمّا في الصورة الثانية فيشكل من جهة دوران الأمر في التقصير بين الوجوب و التحريم فإنّه إن كان إحرامه لعمرة التمتّع يجب عليه التقصير ليحل قبل الحج و يحرم لحجّ التمتّع و إن كان إحرامه لحجّ القران يحرم عليه التقصير و يجب عليه الذهاب إلي الموقفين لأداء أعمال الحج فلا يمكن له الاحتياط فربما يقال: بأنه تصل النوبة إلي الامتثال الاحتمالي و بالنتيجة له أن يخرج من الإحرام باختيار عمرة التمتّع و الإحرام ثانياً للحجّ و يأتي

بأعماله بقصد ما في ذمّته و بعد الفراغ من الأعمال يعلم بخروجه عن الإحرام سواء وقع لعمرة التمتّع أو لحجّ القران بل يعلم بفراغ ذمّته و إن وجب عليه الكفّارة للتقصير احتياطاً و له أيضاً أن يذهب إلي عرفات و يتمّ ما بيده قرانا إلا أنه و ان يحصل له اليقين بخروجه من الإحرام و لكن لا يحصل له العلم بفراغ ذمّته لأنه إن كان ما عليه حجّ التمتّع بقي عليه.

و علي هذا يمكن أن يقال: بتعيين الصورة الأولي عليه و ربّما يقال: إنّ الّذي يعلم بغصبية أحد ما عنده من التّراب و الماء نظير ما نحن فيه لأنّه يدور أمره في كل من التيمّم و الوضوء بين المحذورين فيحكم بالتخيير فيجوز له ارتكاب أحدهما فإذا جاز له الوضوء يكون واجد الماء فيتعيّن عليه الوضوء و لا ينتقل أمره إلي التيمّم.

فإن قلت: إنّ الموافقة الاحتمالية إنّما يجب إذا لم يكن المكلّف متمكّناً من

الموافقة القطعيّة مثلا إذا علم بوجوب شرب أحد الماءين عليه إجمالا و لا يتمكّن من شربهما حتّي يعلم بالتفصيل بامتثال ما عليه يجب عليه الامتثال الاحتمالي بشرب أحدهما و كما إذا علم بحرمة أحد الإنائين و لا يتمكن من اجتناب كل منهما لا يجوز له ارتكابهما بل يجب عليه اجتناب أحدهما.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 33

أمّا إذا كان الموافقة الاحتمالية لا تتحقق إلا مع المخالفة الاحتمالية مثل ما نحن فيه فلا يمكن القول بالتخيير بل الظّاهر أنه عاجز عن الامتثال و لازمه سقوط التكليف و الخطاب و مثله باب العلم بغصبية الماء أو التراب.

قلت: ليس المراد من الموافقة الاحتماليّة حصولها بفعل التقصير أو تركه بل المراد: إنّه بعد ما يكون ارتكاب أحد المحذورين

لا بدّ منه يجب عليه ارتكاب ما يتمكّن به من الموافقة الاحتماليّة بل القطعيّة، ففي الواقع في مثل المقام يتعيّن عليه اختيار التقصير.

و أمّا تنظيره بما إذا علم بغصبيّة الماء أو التراب كأنّه لم يقع في محلّه لأنّ في مثله يجب عليه ترك الطّهارة بكليهما و لا يدور أمره بين الفعل و الترك.

فتلخص من جميع ما ذكر: إنّه إذا تردّد بالنسيان انّه أحرم بما هو يصحّ صدوره منه أو بما لا يصح كما إذا نسي في غير أشهر الحج انّه أحرم للعمرة أو للحج.

أنا و إن قوينا جريان أصالة الصحّة للشّك في صحّة ما صدر منه إلا أن الحقّ مع السيد الخوئي لأنّ الشكّ في أنّه أحرم للعمرة أو للحجّ يرجع لا محاله إلي الشّك في عنوان العمل أنّه نوي الحج أو العمرة لأنّ نيّة الحج أو العمرة و تحقّق عنوان هذا أو هذه يتحقّق بنيّة الإحرام له أولها فالشّك واقع في عنوان العمل و انّه وقع بالعنوان الصحيح أو العنوان الباطل و أصالة الصحّة لا تجري في تحقيق هذا العنوان فعلي هذا يمكن إجراء اصالة البراءة و رفع اليد عن إحرامه كما أن الاحتياط تجديد الإحرام

للعمرة المفردة.

و إذا تردّد بين العمرة المفردة و عمرة التمتّع و بين الإحرام لحجّ الإفراد أو لعمرة التمتّع في أشهر الحج حيث يصح صدور كلّ منها يحتاط بالعدول من العمرة المفردة و الإحرام لحجّ الإفراد إلي عمرة التمتّع و إذا شكّ بسبب النسيان أنّ إحرامه

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 34

وقع لحجّ القران أو لعمرة التمتّع يتخيّر بالنظر البدوي بين ترك التقصير أو فعله إلا أنّه يتعيّن عليه التقصير لأنّه يتمكن بعده من الاحتياط التام و الخروج عن الإحرام و

تحصيل العلم بفراغة ما في ذمّته فتأمل جيداً.

[مسألة 5] حكم من أحرم بالحج و العمرة معاً

مسألة 5: قال في الشرائع: (لو احرم بالحجّ و العمرة و كان في أشهر الحج كان مخيراً بين الحج و العمرة إذا لم يتعيّن عليه أحدهما و إن كان في غير أشهر الحجّ تعيّن للعمرة) الخ.

أمّا وجه التخيير إذا لم يتعيّن عليه أحدهما فلعلّه بعض ما أشرنا إليه في المسألة السابقة من بقاء تخييره بالإحرام بأيّهما شاء و عدم إمكان وقوعه لهما لا يوجب بطلانه بعد ما لم يكن تعيينه لواحد منهما داخل في حقيقته فهو كمن أحرم بدون نية كونه لأحدهما و أمّا إذا تعين عليه أحدهما سواء كان ذلك من جهة كونه في غير أشهر الحجّ أو وجوب أحدهما عليه تعييناً فيها فمن جهة أنّ نية الآخر لا يترتب عليه شي ء و لا يقع صحيحاً فيبقي الآخر علي حاله و يترتب عليه الأثر.

و فيه أولا: في الصورة الثانية و تعين أحدهما إنّ ذلك من ضمّ الضميمة إلي النيّة فإن لم يكن داعيه لإتيان كلّ واحد منهما مستقلا مؤثراً في تحريكه يشكل صحّة إحرامه لذلك بل يشكل الصحة مطلقاً و إن كان داعيه لكلّ منهما تؤثر في تحريكه لو

كان واحداً و لكن إذا كان محرّكه نحو العمل كلا الداعيين يكون محركه القدر المشترك الجامع بينهما لا محالة لا كلّ منهما بالاستقلال لأنّه يلزم منه اجتماع العلتين المستقلتين لمعلول واحد و هذا أي إتيان الفعل عن نية منبعثة عن أمر المولي و عن توهم أمره كما إذا كانت نيّته منبعثة عن أمر المولي و أمر غيره لا يكفي في وقوع الفعل له و

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 35

امتثالا له.

و ثانياً: قد بيّنا في المسألة السابقة اعتبار التعيين

و كون الإحرام من أجزاء النسكين كتكبيرة الإحرام الّتي هي من أجزاء الصلاة لا يكفي الإتيان بها بدون قصد كونها من صلاة الظهر أو غيرها من الصلوات و بالجملة بعد ما ثبت وجوب الإحرام المستقل لكلّ واحد من الحجّ و العمرة وجب الإتيان به كذلك و إلا لم يأت بالمأمور به و نوي ما لم يشرع من غير فرق بين الصور المذكورة.

[مسألة 6] حكم من أحرم كإحرام فلان

مسألة 6: قال في الجواهر: (و لو قال) ناوياً أحرم كإحرام فلان و كان عالماً حين النيّة بما ذا أحرم صحّ بلا خلاف و إشكال لوجود المقتضي من النيّة و التعيين و عدم المانع و إن كان جاهلا قيل و القائل الشيخ و الفاضل في محكي المنتهي و التذكرة يصح إمّا بناء علي أنَّ الإبهام لا يبطله فضلا عن مثل الفرض أو لصحيح الحلبي و حسنه عن الصادق (عليه السلام) في حجّة الوداع إنَّه قال: يا علي بأيّ شي ء أهللت؟ فقال: أهللت بما أهلّ به النبي «1» (صلي الله عليه و آله و سلم) و صحيح معاوية بن عمّار «2» إنَّه قال: قلت: اهلالا كاهلال النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم)) «3».

ثمّ ساق الكلام في الاستدلال بهما و بغيرهما نفياً و إثباتاً و أنكر ظهور الصحيحين في جهله (عليه السلام) بما أحرم به النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) مضافاً إلي ما فيهما و في غيرهما من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب اقسام الحج ح 13.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب اقسام الحج ح 3.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 210.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 36

التدافع و بعض الاختلافات فلا يمكن الاستدلال في ذلك بهذه الأخبار و لا يثبت

بها أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن عالماً بما نواه النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) لدلالة بعضها علي علمه (عليه السلام) بذلك.

و كيف كان فالظاهر انّه إن كان عالماً بصدور النيّة و الإحرام عن غيره و لم يعلم بما ذا أحرم صحّ إحرامه لتعيّنه في الواقع و إن هو لم يعلم به إلي بعد الأعمال إن لم يقع بجهله في معرض مخالفة الواقع كما إذا وافقه في الأعمال و إلا إن كان من أول الأمر يعلم عدم إمكان الاطلاع علي نيّته و لا موافقته في الأعمال لا ينعقد إحرامه و لا يكفي مثل هذا التعيين الواقعي فهو كمن نوي طبقاً لما ذكره في القرطاس الّذي لا يتمكّن من الرجوع إليه و نسي ما ذكره فيه.

نعم إن نوي طبقاً لما ذكره في القرطاس ثمّ نسي و تعذر الاطلاع عليه يجب عليه الاحتياط و مثله ما إذا حصل التعذر المذكور بعد النيّة و الله هو العالم بأحكامه.

[مسألة 7] لو نوي غير ما وجب عليه من الحج او العمرة

مسألة 7: قال في العروة: لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوي غيره بطل انتهي.

و هل مراده بطلان ما وجب عليه أي عدم وقوعه و عدم إجزاء نية غير الواجب عنه كما أفاده بعض الأعاظم «1» أو مراده أنَّ ما نواه باطل لا يقع صحيحاً فإنّ الأول غنيّ عن البيان و أمّا الثاني فيقع البحث عنه فيمكن أن يقال ببطلانه لأنَّه

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 506.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 37

لم يكن ماموراً به فما وقع ليس به و ما هو هو لم يقع.

و فيه: انّ كون غير ما نواه واجباً أعم من كون ما نواه ليس مأموراً به لإِمكان أن يكون ما نواه ماموراً

به علي نحو الاستحباب فإذا غفل عمَّا هو الواجب عليه و نوي النوع المستحب أو الفرد المستحب و أتي بتمام الأفعال يقع صحيحاً.

نعم إذا التفت إلي ذلك يبطل ما بيده فيأتي بالواجب إن لم يجز له العدول عنه إلي الواجب و إلا يعدل إليه و ينويه الواجب.

[مسألة 8] لو شك في ما نواه

مسألة 8: قال في العروة: لو كان في أثناء نوع و شكّ في أنّه نواه أو نوي غيره بني علي أنه نواه.

أقول: الظّاهر أنّ المفروض في كلامه الشريف إذا كان تعلق نيّته بكلّ من النوعين جائزاً و حينئذ لا بدّ له من الاحتياط علي النحو المذكور في المسائل السابقة ليحصل له العلم بإتمام ما أحرم له و خروجه من الإحرام للعلم بعدم بطلان إحرامه بالشكّ المذكور.

نعم إن أمكن له العدول من أحدهما إلي الآخر يعدل إليه فهو مخيَّر بين الاحتياط المذكور و بين العدول إلا أن يكون ما يعدل إليه متعيناً عليه فيتعيّن

العدول إليه.

و أمّا إذا لم يكن ما ليس في أثنائه صحيحاً فمقتضي الأصل عدم انعقاد إحرامه و براءة ذمَّته عن وجوب إتمام ما هو في أثنائه.

هذا علي مقتضي القاعدة الأوليّة و لكن مختار السيد (قدس سره) و جمع من المحشين أنه

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 38

يبني علي أنه نواه لقاعدة التجاوز و الصحّة و استشكل في التمسك بها بأنَّ القاعدة إنَّما تجري في تحقيق ماله دخل في تماميّة المعنون بعد إحراز عنوانه مثلا لفاتحة الكتاب دخل في تماميّة الصلاة فإذا شكّ بعد الدخول في السورة أو في الركوع في قراءة الفاتحة يبني علي تحقّقها بمقتضي قاعدة التجاوز أو إذا شكّ في صحّة القراءة بعد الفراغ منه يبني علي صحتها لقاعدة الصحَّة و الفراغ كل ذلك يكون

بعد إحراز عنوان الصلاة لما هو فيه و كذا لو شكَّ في التلبية أو تكبيرة الإحرام وجوداً بعد الدخول فيما يترتب عليها أو في صحّتها بعد الفراغ عنها.

و أمّا إذا شكّ و هو في اثناء نوع من الصّلاة كصلاة النافلة في أنَّه نواها نافلة أو فريضة أو شكَّ في حال الطواف انّه نوي العمرة المفردة أو حجّ الإفراد ففي مثل هذا لا تجري قاعدة التجاوز أو الفراغ لأنَّ جريانهما فرع كون العنوان معيناً و إذا لم يكن العنوان معيناً ليس ترك ما شك في إتيانه و إيجاده ترك ما ينبغي أن يفعل حتَّي يقال بأنَّ العقلاء بانون في مثل ذلك علي تحقّقه أو الرّوايات تدلّ علي ذلك «1».

اذاً فما اختاره بعض الأعلام تبعاً للسيّد فقال في شرحه علي العروة: (لقاعدة التجاوز و الصحّة و ليس الشك في أصل النيّة حتي يكون الشك في اصل العنوان) «2»

يرد بهذا الإشكال فإنَّ النيّة لا تتحقّق إلا بقصد العنوان اللهمّ إلا أن يكون مراده من أصل النيّة أصل نيّة الحجّ المعيّن المعلوم بالنوع و العنوان و إنّ شكّه واقع في إحرامه و انَّه أحرم لهذا النوع أم لهذا و لكن هذا مضافاً إلي انَّه خلاف ظاهر كلام السيّد عدول عن نيّته الاولي إلي ما نواه ثانياً.

و بعد ذلك كله يمكن ان يقال: ان قاعدة التجاوز في كل مورد لو كان

______________________________

(1) مستمسك العروة: 11/ 375.

(2)- معتمد العروة: 2/ 506.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 39

العنوان متحققا تحقق في عنوان يري هو نفسه فيه فتحري القاعدة حتي في صورة الشك في النية و اما اذا كان تحققه مرددا بين العنوانين فلا تجري القاعدة و الفرق بين الصورتين واضح فان في الصورة الاولي

اشتغاله بجزء العمل امارة علي انه اتي بما قبله بخلاف الثاني.

[مسألة 9] حكم التلفظ بالنية

مسألة 9: الظّاهر انّه لا خلاف بينهم في استحباب التلفّظ بالنيّة و استحباب أن يشترط علي الله تعالي عند إحرامه أن يحلّه إذا عرض له مانع من إتمام نسكه كما أنّ الظّاهر جواز التلفّظ بكل لفظ يدل علي ذلك لاختلاف الرّوايات في كيفية التلفّظ و إن كان الأولي أن يكون ذلك بالألفاظ المذكورة في الرّوايات.

و الدليل علي ذلك كلّه (استحباب التلفّظ بالنيّة و الاشتراط المذكور و جواز التلفّظ بكل لفظ دالٍّ عليها و أولويّة الألفاظ المأثورة) الرّوايات مثل صحيح معاوية بن عمار و فيه: اللهم إنّي اريد التمتّع بالعمرة إلي الحجّ علي كتابك و سنّة نبيِّك (صلي الله عليه و آله و سلم) فإن عرض لي عارض يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الّذي قدرت عليَّ اللهم إن لم تكن حجّة فعمرة أحرم لك الخ و نحوه صحيح ابن سنان «1».

[مسألة 10] استحباب الاشتراط عند النية

مسألة: 10 قد عرفت في المسألة السابقة استحباب اشتراطه عند إحرامه علي الله أن يحلّه إذا عرض له مانع من إتمام نسكه من حجّ أو عمرة و أن يتمم إحرامه عمرة إذا كان للحج و لم يمكنه الإتيان و لا إشكال كما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الاحرام ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 40

صرّح به في الجواهر إنّه لو أحصر تحلّل «1» و لكن وقع الكلام بينهم في ثمرة هذا الاشتراط و اختلفت أقوالهم.

فمنها إنّ ثمرته سقوط الهدي به قال في الجواهر: «2» و القائل به المرتضي و الحلّي و الحلبي و يحيي بن سعيد و الفاضل في حصر التحرير و التذكرة و المنتهي و صدِّ القواعد علي ما حكي عن بعضهم فعليه يحلّ بمجرد الإحصار من غير أن يحتاج إلي

الهدي و حكي عن الانتصار الإجماع علي ذلك بل قال فيه: لا فائدة لهذا الشرط إلا ذلك و اطلاق الآية (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي و لا تحلقوا رءوسكم حتَّي يبلغ الهدي محلّه) محمول علي من لم يشترط و هو الحجّة بعد صحيح ذريح المحاربي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلي الحجّ و أحصر بعد ما أحرم، كيف يصنع؟ قال: فقال: أو ما اشترط علي ربه قبل أن يحرم أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت: بلي قد اشترط ذلك قال: فليرجع إلي أهله حلًّا (حلالًا) لا إحرام عليه إنّ الله أحق من وفي بما اشترط عليه قال: فقلت: أ فعليه الحجّ من قابل؟ قال: لا.» «3»

و صحيح البزنطي قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن محرم انكسرت ساقه أيّ شي ء يكون حاله و أيّ شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كلّ شي ء فقلت: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم علي المحرم و قال: أما بلغك قول أبي عبد الله حلني حيث حبستني لقدرك الَّذي قدرت عليّ.» «4».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 263.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 260.

(3)- وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الاحرام ح 3.

(4)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب الاحصار و الصد ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 41

بيان الاستدلال بهما أن سكوت الإمام (عليه السلام) فيهما عن بيان وجوب الهدي في جواب السائل الّذي سأله عن تمام وظيفته دال علي عدم وجوبه.

فإن قلت: لعل ذلك كان اتكالا علي الآية لانه لم يكن مثل ذريح المحاربي و البزنطي جاهلين بحكم الهدي المصرح به في القرآن

المجيد.

قلت: إن مفادهما أخصّ من مفاد الآية فإنّ مفادها حكم الإحصار سواء كان مسبوقاً بهذا الشرط أو لم يكن مسبوقاً به و إنّه لا يتحلل بدون الهدي و مفاد منطوق الروايتين حكم الإحصار المسبوق به و إنّه يتحلّل بمجرد الإحصار.

فإن قلت: إنّ مفاد الآية دخل الهدي و بلوغه محلّه في الإحلال و مفاد الروايتين تعجيل تحليله بالشرط قبل بلوغ الهدي لا سقوطه مطلقاً.

قلت: إنّ الهدي إنّما وجب لكونه مقدمة للتحليل فإذا حصل التحليل بالشرط لا فائدة للهدي.

فإن قلت: بالنِّسبة إلي خصوص رواية البزنطي بقطع النظر عن ذيلها، اي قول الصادق (عليه السلام) حلّني حيث حبستني هي مخالفة للآية لا يؤخذ بها و بالنَّظر إلي ذيلها الاستدلال بها متوقف علي أن يستفاد منها إنّ مورد السؤال هو الإحصار المسبوق بالشرط و إلا لا وجه لاستشهاد الإمام (عليه السلام) بقوله (عليه السلام) و لكن يمكن أن يكون ذلك للاستشهاد بأنَّ الإحصار و الحبس حيث يكون بقدر الله تعالي موجب للإحلال مطلقاً و سؤاله منه تعالي كانه بيان و اعتراف بأن ذلك من الله تعالي منة و تسهيلا لعباده.

قلت: إنَّ ذلك يجعل الخبر معارضاً للكتاب و هو خلاف الظّاهر بل ظاهر الاستشهاد ان مورده كان مسبوقا بالاشتراط و ان الإمام (عليه السلام) دفع به توهّم المعارضة بين ما قال و بين الكتاب و ان مورد كلامه (عليه السلام) أخصّ من مورد الكتاب.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 42

اللَّهم فالإنصاف إنّ الرواية لا تخلو من الدّلالة علي حكم صورة الاشتراط بل ظاهرة فيها.

و أمّا ما دلّ من الرّوايات علي أنّه حلّ بالإحصار قال أو لم يقل مثل ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي «1» عن أحمد بن محمد «2»

عن ابن فضال «3» عن ابن بكير «4» عن حمزة بن حمران «5» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن الّذي يقول: حلّني حيث حبستني؟ قال: هو حلّ حيث حبسه قال أو لم يقل». «6»

و ما رواه أيضاً شيخنا الكليني عن علي بن إبراهيم «7» عن أبيه «8» عن ابن أبي عمير «9» عن حماد بن عثمان «10» عن زرارة «11» عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «هو حلّ إذا حبس اشترط أو لم يشترط». «12»

______________________________

(1)- العطار شيخ اصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث من الثامنة.

(2)- بن عيسي الاشعري شيخ القميين و له كتب من السابعة.

(3)- هو الحسن بن علي بن فضال جليل القدر … من السادسة.

(4)- عبد الله بن بكير فطحي ثقة اجمعت الصحابة علي تصحيح ما يصح عنه … من الخامسة.

(5)- ابن اعين الشيباني له كتاب روي عن ابي عبد الله (عليه السلام) و اخوه عقبة بن حمران و ابوه حمران عظيم القدر ممدوح بمدائح عظيمة من الخامسة.

(6)- الكافي: 4/ 333 ح 6.

(7)- صاحب التفسير جليل ثقة من الثامنة.

(8)- ابن هاشم اصله كوفي انتقل الي قم و اصحابنا يقولون انه اول من نشر حديث الكوفيين بقم من السابعة.

(9)- محمد بن ابي عمير من السادسة.

(10)- ثقة جليل القدر من اصحاب الإجماع من الخامسة.

(11)- هو في الفضل و جلالة القدر مشهور من الرابعة.

(12)- الكافي: 4/ 333 ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 43

فالظاهر أنّ المراد منه الحلّ من وجوب الإتمام لا الحلّ من المحظورات الَّذي هو متوقف علي بعث الهدي و بلوغه محلَّه و صحيح ذريح المحاربي ناظر إلي حصول الحلّ من المحظورات بدون الهدي إن اشترط ذلك

علي الله تعالي.

لا يقال: إنّ المستفاد من الآية حكمان: بعث الهدي و تأخير الخروج من الإحرام إلي أن يبلغ الهدي محلّه و الآية مطلقة بالنّسبة إلي الحكمين تشمل صورة الاشتراط كما تشمل صورة عدم الاشتراط و إطلاق الإحرام و المتيقن من صحيح ذريح جواز التعجيل في الخروج عن الإحرام و عدم حرمته قبل أن يبلغ الهدي محله و بعبارة أخري: الأمر دائر بين تقييد إطلاق حرمة الخروج من الإحرام و حرمة المنهيات و بين تقييده و تقييد حكم وجوب البعث و لا ريب ان الأوّل متعين و لا دلالة للصحيح أكثر من ذلك.

فانه يقال: إنّ الظّاهر ان الهدي بدل من الإحرام و مقدمة لجواز الخروج عنه فإذا هو يخرج من الإحرام بالإحصار و لا حاجة للخروج منه إلي بلوغ الهدي محلّه فما فائدة الهدي؟

اللهم إلا أن يقال: انا لا نعلم تمام حكمة وجوب بعث الهدي فلا يجوز رفع اليد من الآية بذلك.

و علي هذا يرد ما قيل: من عدم وجود الدليل علي تعجيل التحلل قبل الذبح فإنَّ مقتضي ما ذكر جواز التعجيل قبل بعث الهدي و ذبحه.

نعم يمكن أن يقال: بعدم جواز ذلك قبل الذبح و جواز التعجيل بذبح الهدي في مكانه بصحيح معاوية بن عمار و فيه: «إنّ الحسين بن علي (عليه السلام) خرج معتمراً فمرض في الطريق فبلغ علياً (عليه السلام) و هو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه في السقيا و هو

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 44

مريض، و قال: يا بني ما تشتكي؟ قال: أشتكي رأسي فدعا علي (عليه السلام) ببدنة فنحرها و حلق رأسه. و ردَّه إلي المدينة فلما برء من وجعه اعتمر … » «1».

و الاستدلال به لما نحن فيه يكون

علي فرض أنّ الإمام (عليه السلام) اشترط الإحلال عند إحرامه فلا يترك الإمام عادة المستحب و إن كان هو قد يترك المستحب لبعض المصالح كإعلام الناس بعدم وجوبه و عدم ورود اعتراض علي من يتركه.

و فيه: أنَّ الصحيح يدلّ علي أنّ ذلك حكم مطلق المعتمر اشترط أو لم يشترط و الجمع بينه و بين صحيح ذريح المحاربي يقتضي سقوط الهدي في صورة الاشتراط.

بل يمكن أن يقال: إن عمرة الإمام (عليه السلام) كانت مفردة فحكمها ما ذكر في صحيح معاوية و صحيح ذريح مورده عمرة التمتّع و ان كان يظهر من بعض ألفاظ الحديث الإطلاق كقوله: و إن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم هذا مضافاً إلي أنَّ العلامة المجلسي (قدس سره) احتمل أن يكون نحر بدنة من علي (عليه السلام) فداء الحلق.

و بعد ذلك كله لا يمكننا أن نقول بالجزم إلا خروجه من الإحرام إن اشترط ذلك و أمّا سقوط الهدي فمحل إشكال و مقتضي إطلاق الآية وجوب بعثه مطلقاً.

و مما قيل بكونه ثمرة الاشتراط سقوط الحج عنه من قابل، و هو المستفاد من الشيخ قدس سره في التهذيب و استدل عليه بما رواه عن موسي بن القاسم «2»

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 1465/ 111، الكافي ج 4 ص 369 ج 3 و لا يخفي عليك اختلاف الفاظ الحديث بل و مضمونه برواية التهذيب و الكافي و ما ذكرناه موافق لنسخة التهذيب الا ان الظاهر ان الفاظ الكافي اضبط و أوفي و اتم و مع ذلك لم نتحصل لنا مفاد تمام الحديث علي نحو تطمئن به النفس.

(2)- ثقة جليل واضح الحديث له ثلثون كتابا من السبعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 45

عن الحسن بن محبوب «1» عن

علي بن رئاب «2» عن ضريس بن اعين «3» «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة الي الحج فلم يبلغ مكة الا يوم النحر؟

فقال: يقيم علي احرامه و يقطع التلبية حتي يدخل مكة فيطوف و يسعي بين الصّفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف الي اهله ان شاء و قال: هذا لمن اشترط علي ربه عند احرامه فان لم يكن اشترط فانّ عليه الحج من قابل» «4».

بيان الاستدلال عليه: انّه جعل فائدة الاشتراط المعهود بينهم سقوط الحج عنه من قابل.

بيان الاستدلال عليه: انّه جعل فائدة الاشتراط المعهود بينهم سقوط الحج عنه من قابل.

و استشكل عليه بأنه أجنبي عمّا نحن فيه لأنّ كلامنا في المحصور الممنوع عن الاتمام بمرض و نحوه و هذا الصحيح مورده المتمكّن من الأعمال و المناسك و الطواف و لكن فاته الموقفان لضيق الوقت و الغفلة و نحو ذلك، فهذه الفائدة مختصة به.

و فيه: أن الظاهر منه أن الاشتراط موجب لسقوط الحج عنه كما يترتب عليه سائر الاحكام كالتحليل و التفصيل بين حكمه بسقوط الحج من قابل ان فاته الموقفان لاجل ضيق الوقت أو الغفلة و عدمه ان كان ذلك بالحصر بعيد لا يوافقه العرف.

و اشكل ايضا بما هو المحكي عن العلامة قدس سرّه في المنتهي بأن الحج الفائت ان كان واجبا لم يسقط فرضه في العالم القابل بمجرد الاشتراط و ان لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط و قال: (الوجه في هذه الرواية حمل الزام الحج في القابل مع

______________________________

(1)- السّراد من اصحاب الاجماع جليل القدر له كتب كثيرة من السادسة.

(2)- له اصل كبير كوفي جليل القدر له كتب كثيرة من السادسة.

(3)- ضريس بن عبد الملك بن

اعين خير فاضل من الخامسة.

(4)- تهذيب الاحكام كتاب الحج، ح 100/ 38/ 23.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 46

ترك الاشتراط علي شدة الاستحباب و هو حسن.

هذا و ان لم يكن الاستدلال بالصحيح مردودا بما ذكر يكون و صحيح ذريح معارضين لما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير يعني ليث بن البختري «1» قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشترط في الحج ان حلّني حيث حبستني عليه الحج من قابل؟ قال: نعم» «2».

و بعد المعارضة، الترجيح يكون مع صحيح ابي بصير لموافقته مع الكتاب و السنة.

و اما الجمع بينهما بحمل ما دل علي السقوط علي الحج المندوب و ما دلّ علي الوجوب علي الحج الواجب فهو حمل لا شاهد له و لا قرينة تدل عليه.

و امّا الاستشهاد علي هذا الجمع بذيل رواية رواها الحلّي يحيي بن سعيد في كتابه الجامع عن كتاب المشيخة لابن محبوب عن صالح «3» عن عامر بن عبد اللّه بن جذاعة «4» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام كما فعله السيّد الگلپايگاني قدس سرّه، ففيه: ان محل الاستشهاد كما هو الظاهر ليس من الرواية بل هو من الكتاب و هو كلام الحلّي فراجع ان شئت «5». و اللّه العالم.

هذا و اختار بعضهم ان ثمرة الاشتراط ادراك الثواب و هو مستحب تعبدي كما يشهد له بعض الروايات و اختار ذلك السيد في العروة و قال: (هو الاظهر) و

______________________________

(1)- احد الاوتاد الاربعة و محمد بن مسلم و يزيد بن معاوية و زرارة من الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الاحرام، ح 1.

(3)- ابن رزين كوفي له كتاب ذكره اصحاب الرجال … عنه الحسن بن محبوب من السادسة او الخامسة.

(4)- مختلف فيه

و الاقوي الاعتماد عليه من الخامسة.

(5)- الجامع للشرائع/ 222.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 47

تبعه بعض المحشين كما منع الاظهريّة بعض آخر و لا ريب انه احوط.

[الثاني من واجبات الإحرام التلبية]
اشارة

الثاني من واجبات الإحرام التلبية

و لا خلاف في وجوبها بل الاجماع كما في الجواهر بقسميه عليه مضافاً إلي النصوص الكثيرة كما أنّه لا خلاف بينهم في أنّها لا تجزي بأقل من الأربعة و لا تجب الزيادة عليها ايضاً بالإجماع و النص و أمّا وجوب الزائد علي الأربعة كما ربما يكون ظاهر الاقتصاد للشيخ (قدس سره) فهو مردود بصريح ما في سائر كتبه قال في الاقتصاد. (ثمّ يلبّي فرضاً واجباً فيقول: لبيك اللّهمّ لبيك لبيك إنَّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبَّيك لبَّيك بحجة و عمرة أو حجّه مفردة تمامها عليك لبَّيك ثمّ قال و ان اضاف إلي ذلك ألفاظاً مروية من التلبيات كان أفضل «1» و قال في النهاية بعد ذكر التلبيات الأربع؟ فهذه التلبيات الاربع فريضة لا بدّ منها، و إن، زاد عليها من التلبيات الآخر كان فيه فضل كثير) «2».

و قال في الجمل و العقود في أفعال الإحرام المفروضة: و التلبيات الأربع الَّتي بها ينعقد الإحرام. «3»

و قال في المبسوط: و التلبية فريضة … و المفروض الأربع تلبيات «4». فنسبة القول بوجوب الزائد علي الأربع إلي الشيخ ليس في محلّه و حكي عن المهذب البارع عن بعض وجوب الزائد علي الأربع «5».

______________________________

(1)- الاقتصاد/ 301.

(2)- النهاية/ 215.

(3)- الينابيع ج 7 ص 227.

(4)- المبسوط ك 1/ 316..

(5)- المهذب البارع: 2/ 166.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 48

و كيف كان فالقول بوجوب الزائد لم يثبت عن واحد منهم و لا مجال لاحتماله

بعد تصريح الكلّ علي عدم وجوبه

و صراحة النص علي وجوب الأربع.

نعم اختلفوا في صورتها علي أقوال ذكرها في العروة:

أحدها أن يقول: لبيك اللّهمّ لبيك لبيك لا شريك لك لبيك. «1»

الثاني: أن يزيد علي العبارة المذكورة إنَّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك. «2»

و الثالث: لبيك اللّهمّ لبيك، لبيك إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك. «3»

الرابع: مثل الثالث غير انّه يقدم فيه (الملك) علي كلمة (لك). «4»

الخامس: كما في الثالث غير انّه يذكر (لك) قبل (الملك) و بعده جميعاً «5» و هذا غير مذكور في العروة.

المستند للقول الأوّل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال فيه: «و التلبية أن تقول: لبيك اللّهمّ لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد و النعمة لك

______________________________

(1)- و هو المحكي عن ظاهر التحرير و المنتهي بل هو خيرة الكركي و المدارك و الاصبهاني و غيرهم. راجع جواهر الكلام: 18/ 228.

(2)- هذا القول منسوب الي ابن بابويه في رسالته، و بعض نسخ المقنعة و القديمين و الامالي و الفقيه و المقنع و الهداية و ظاهر المختلف. راجع جواهر الكلام: 18/ 229.

(3)- و هذا القول محكي عن جمل السيد و شرحه و المبسوط و السرائر و الكافي و الغنية و الوسيلة و القواعد و الارشاد و التبصرة و الجامع راجع جواهر الكلام: 18/ 229.

(4)- و هذا محكي عن المهذب راجع جواهر الكلام: 18/ 229.

(5)- محكي عن النهاية و الاصباح راجع جواهر الكلام: 18/ 229.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 49

و الملك لا شريك لك لبيك لبيك ذا المعارج لبيك» (إلي أن قال) «و اعلم إنّه لا بدّ لك من التلبيات الأربعة الَّتي كن في أوّل الكلام

و هي الفريضة و هي التوحيد و بها لبّي المرسلون» الحديث. «1»

و الظّاهر انّ ما لابد منه في التلبية، التلبيات الأربعة الَّتي ذكرها في أوّل كلامه (عليه السلام) فما بعدها ليس مما لا بد منه فيجوز تركها و بهذا الصحيح يحمل ما بظاهره وجوب الأزيد علي الأربع علي الاستحباب، مضافاً إلي دلالة سياق كثير منه علي ذلك.

و المستند للقول الثاني ما رواه الحميري «2» في قرب الإسناد عن محمد بن عبد الحميد العطّار «3» عن عاصم بن حميد «4» «يقول: إنّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لمّا انتهي إلي البيداء حيث الميل قربت له ناقة فركبها فلمّا انبعثت به لَبّي بالأربع فقال: لبَّيك اللّهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إنَّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك ثمّ قال: هاهنا يخسف بالأخابث. ثمّ قال: إنَّ الناس زادوا بعد و هو حسن» «5»

______________________________

(1)- التهذيب ج 5 كتاب الحجّ ح/ 300/ 108. و الوسائل ب 40 من ابواب الاحرام ح 2.

(2)- عبد الله بن جعفر شيخ القميين صنف كتباً كثيرة من الثامنة.

(3)- كثير الرواية من السادسة و عُمِر حتي عاصر السابعة.

(4)- في جامع الرواة عاصم بن حميد و هو ثقة عين.

(5)- قرب الاسناد ص 125 ح 438 و في الوسائل هكذا: ان الحمد و النعمة و الملك لك لا شريك لك. الوسائل ب 36 من ابواب الاحرام ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 50

و لم نطلع بوجه تعبير بعض الأعاظم منه بالصحيح «1» و علي فرض الاعتماد عليه يمكن الجمع بينه و بين صحيح معاوية بن عمار إن قوله (عليه السلام): «إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك

لك» من تمام التلبيات الأربع.

الّا ان يقال: بأن خلو صحيح عمر بن يزيد عن هذه الزيادة يدل علي عدم وجوبها و أنَّها مستحبة مثل ما بعد ذلك من التلبيات.

هذا و قد ردّ الاستدلال برواية عاصم بن حميد علي القول الثاني بعض الأعاظم بأنّها (غير منطبقة علي هذا القول لاشتمالها علي ست أو خمس تلبيات، مضافاً إلي أنّ كلمة «الملك» متقدمة علي «لك» فيها و القائل بهذا القول التزم بالعكس بل لم يقل أحد بوجوب تقديم «و الملك» علي «لك» علي أنّها تحكي فعل النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و قد عرفت أن مجرد حكاية فعله (صلي الله عليه و آله و سلم) لا يدل علي الوجوب). «2»

و فيه: أمّا ما ذكره من أنَّه لم يقل أحد بوجوب تقديم «الملك» علي «لك» فهذا الصهرشتي «3» يقول في الاصباح بذكر «لك» قبل الملك و بعده و أمّا أنَّها غير منطبقة علي هذا القول لاشتمالها علي ست أو خمس تلبيات، ففيه: أنّها ليست مشتملة إلا علي أربع علي نسخة المصدر (قرب الإسناد و علي نسخة الوسائل)

و أما كلمة «الملك» ففي قرب الإسناد متأخرة عن لك و في الوسائل المطبوعة

______________________________

(1) راجع معتمد العروة: 2/ 521.

(2)- معتمد العروة: 2/ 521.

(3)- الاصباح/ 151.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 51

الأخيرة: «إنَّ الحمد و النعمة (و الملك لك) لا شريك لك» فالاعتماد علي الأصل.

و أما ما قال من انها تحكي مجرد فعل النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) فلا يدلّ علي الوجوب، ففيه: أنّ الظّاهر من المقام أنَّ الإمام (عليه السلام) كان جالساً علي كرسي بيان الحكم لا بيان الوقائع التاريخيّة و السيرة و إلا فلا يستفاد من جميع

ما أفاده (عليه السلام) هنا إلا رجحان التلبية.

نعم: الاستدلال بصحيح عبد الله بن سنان المشتمل أيضاً علي حكاية فعل النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) علي وجوب هذه الزيادة لا يتم، لا لما ذكره بل لأنّه مشتمل علي ما هو

مستحب بالاتفاق و هو «لبيك ذي المعارج لبيك» «1».

فتلخّص من جميع ما ذكر كفاية التلبية بالصورة الاولي الّتي اتفقت عليها صحيح معاوية بن عمار و رواية عاصم بن حميد و صحيحة عبد الله بن سنان المشتملتين علي ما يزيد علي ما في الصحيح، إلا ان الزيادة التي في صحيح ابن سنان مستحبّة بالإجماع و ما في رواية عاصم بن حميد محمول علي الاستحباب لما ذكر.

و مع ذلك مقتضي الاحتياط سيّما في أمر الحج الَّذي هو من أركان الدِّين أن يضيف إلي ما في صحيح معاوية بن عمَّار الزيادة المذكورة في رواية عاصم «إنَّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك» و أحوط منه أن يضيف إليه «لبيك» كما في رواية الفقيه «2» عن ابن سنان علي النسخة المنقولة عنه في الوسائل و لكن ليست في النسخة المطبوعة أخيراً إلا أنه يوجد في غيره من الرّوايات.

و أمّا الصورة الثالثة و الرابعة و الخامسة فليس في الرّوايات ما يدل عليها و الله العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الاحرام ح 4.

(2)- من لا يحضره الفقيه ج 2/ 325 ح 2578.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 52

[مسألة 11] لزوم الاتيان بالتلبية علي الوجه الصحيح

مسألة 11: يجب الإتيان بالتلبية علي الوجه الصحيح المطابق للقواعد العربية و يجب علي المكلف تعلم ذلك أو الإتيان بها صحيحاً بتلقين الغير و إن لم يتمكن عن الإتيان بها إلا بالملحون فإن كان لا يتمكن منه مطلقاً

يجب عليه الحجّ في عام الاستطاعة و إن هو يصير متمكنا منه إلي السنة

القادمة بالتعلّم، فهل يجوز له التأخير إلي السنة الآتية المسألة محل الإشكال إلا إذا ادّعي جواز الاستنابة مطلقاً في كل واحد من الأعمال إذا عجز عنه.

و بعد ذلك يقع الكلام في أن العجز عن التلبية إلا بالملحون هل موجب لسقوطها و الاكتفاء بسائر الأجزاء أو ينتقل تكليفه إلي الملحون منها أو إلي الاستنابة؟

الظّاهر انّ الشكّ واقع في التكليف و إثبات أنّ وظيفته في هذا الحال أدائه بالملحون أو الاستنابة لها يحتاج إلي الدليل و الاستدلال للاجتزاء بقاعدة الميسور فيه ما فيه من عدم تماميتها فمقتضي الأصل البراءة عن كليهما.

اللهمّ إلا أن يقال: بأنا نعلم في أجزاء الحج أنّ المكلّف إذا عجز عن جزء يجب عليه إمّا الإتيان بالميسور منه كالأخرس الّذي يأتي بها بتحريك لسانه و الإشارة بالمباشرة و إمّا بالاستنابة له و الّذي يمكن الاستدلال به للاكتفاء بالملحون اولوية الاكتفاء به من تحريك اللسان و الإشارة كما هو المأمور به في الأخرس.

و ما يمكن أن يستدل به علي وجوب الاستنابة دعوي وجوب الاستنابة في

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 53

كل عمل لم يتمكن من إتيانه و ما رواه شيخنا الكليني (قدس سره) عن محمّد بن يحيي «1» عن محمّد بن أحمد «2» عن محمد بن عيسي «3» عن محمّد بن يحيي «4» عن ياسين

الضرير «5» عن حريز «6» عن زرارة: «7» «إنّ رجلا قدم حاجّاً لا يحسن أن يلبّي فاستفتي له أبو عبد الله (عليه السلام) فأمر له أن يلبّي عنه» «8».

و فيه: إنَّه أمّا دعوي وجوب الاستنابة مطلقاً فلم يثبت و لو ثبت لكان في العجز المطلق لا في مثل مسئلتنا

هذه و خبر ياسين الضرير ضعيف به لا يعتمد عليه فالأقوي كفاية الإتيان بها بالملحون و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بينها و بين الاستنابة و الله هو العالم بأحكامه.

ثمّ ان الظّاهر ان الحكم بوجوب الترجمة إذا لم يقدر أصلا علي العربي حتي بالملحون أولي من الحكم بوجوب تحريك اللسان و الإشارة علي الأخرس و لكن هنا ايضاً لا ينبغي ترك الاحتياط و أمّا الأخرس فهو كما أشرنا إليه يشير إليها باصبعه مع تحريك لسانه و هو المحكي عن المشهور كما في الجواهر و عن الأثر في غيره و ذلك لما رواه شيخنا الكليني (قدس سره) عن علي بن إبراهيم «9» عن «10» أبيه عن

______________________________

(1)- ابو جعفر العطار القمي شيخ أصحابنا … من الثامنة.

(2)- ابن يحيي القمي ثقة في الحديث الا انه يروي عن الضعفاء … من كبار الثامنة.

(3)- ابن عبد الله الاشعري شيخ القميين … من السادسة.

(4)- ليس هو في المصدر (الكافي) و هو يزيد علي السند.

(5)- لم يرد فيه مدح بالتوثيق من السادسة.

(6)- ابن عبد الله البجستاني ثقة كوفي و فيه … من كبار الخامسة.

(7)- غني عن المدح من الرابعة.

(8)- وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الاحرام ح 2.

(9)- ابن هاشم ابي الحسن معروف بجلالة القدر من صغار الثامنة.

(10)- ابو اسحاق الكوفي ثمّ القمي يعتمد علي مثله من السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 54

عن النوفلي «1» عن السكوني «2» عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): «إنّ عليّاً صلوات الله عليه قال: تلبية الأخرس و تشهّده و قراءة القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته باصبعه «3» و السند معتبر لا يرد بالسكوني لمذهبه فكأنه كان موثوقا به أو كانت رواياته عن

الإمام (عليه السلام) بالخصوص عندهم مقرونة ببعض القرائن الموجب للاطمينان بالصدور و كيف كان فالخبر دالّ علي وظيفة الأخرس و مع ذلك فالأولي كما في العروة الجمع بينهما و بين الاستنابة.

أمّا الصبي غير المميّز فيلبّي عنه بلا إشكال لما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليها السلام) قال: إذا حجّ الرّجل بابنه و هو صغير فإنّه يأمره أن يلبّي و يفرض الحج فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه و يطاف به و يصلّي عنه الحديث. و روي الكليني و الشيخ مثله «4».

أمّا المغمي عليه فما يدل علي حكمه ما رواه الشيخ عن موسي بن القاسم «5»

______________________________

(1) الحسين بن يزيد ابي عبد الله النوفلي النخعي يعتمد عليه من السادسة.

(2)- اسماعيل بن ابي زياد السكوني الكوفي الشعيري العامي و الظاهر انه كسابقه موثق من الخامسة.

(3)- الكافي كتاب الحج ب التلبية 2 و من تعبيره عن مثل الامام ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) بجعفر يظهر كونه عامياً و الكليني روي الحديث كما وصل إليه حفظاً للامانة في النقل الذي كان مشايخنا رضوان الله عليهم ملتزما به و مع ذلك رواه في باب قراءة القرآن ح 7 عن ابي عبد الله (عليه السلام) و في التهذيب أيضاً عن جعفر بن محمد كتاب الحج 305 و ليس هذا اول قارورة كسرت في الاسلام و في القوم كالبخاري من يروي عن ألدّ اعداء أهل بيت النبي (عليه السلام) و لا يروي عن مثل الامام الصادق (عليه السلام) نصباً و عداوة و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

(4)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 5.

(5)- ثقة جليل … من السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 55

عن

جميل بن دراج «1» عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليها السلام). في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتي أتي الوقت (الموقف خ) قال: يحرم عنه رجل «2» و ردّ الاستدلال به أولا بضعف السند للإرسال و ثانيا باختلاف النسخة فإن كان لفظ الحديث الموقف

فهو غير مرتبط بما نحن فيه، و مختص بمن أتي الموقف مغمي عليه دون من أتي الوقت كذلك.

و يمكن أن يقال: أمّا ضعف السند فمردود بأنّ رواية مثل جميل و هو من أصحاب الإجماع و تعبيره عمن روي عنه (بعض أصحابنا) لا يخلو من الدلالة علي كونه موثقاً معروفاً عنده و أمّا اختلاف النسخة فيمكن أن يقال: بأنه علي تقدير كون النسخة (الموقف) يستفاد منه الوقت أيضاً لان العرف يفهم منه خصوصية الإغماء.

و أمّا الوقت و الموقف فلا فرق في الحكم بالإحرام عنه بينهما و علي فرض ورود الإشكال يكون وظيفة المغمي عليه الرّجوع إلي الميقات إن أمكن للإحرام منه و إلا فمن مكانه كما هو وظيفة غيره من الناسي و الجاهل و لا ريب ان ذلك أحوط و الله هو العالم.

[مسألة 12] عدم انعقاد الاحرام الا بالتلبية
اشارة

مسألة 12: قال في العروة: لا ينعقد إحرام حجّ التمتّع و إحرام عمرته و لا إحرام حجّ الإفراد و لا احرام حجّ العمرة المفردة إلا بالتلبية و أمّا في حجّ القران فيتخير بين التلبية و بين الإشعار أو التقليد الخ.

______________________________

(1)- وجه الطائفة ثقة من اصحاب الإجماع من الخامسة.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 60 ح 119.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 56

أقول: قد ذكر في هذه المسألة فروع:

الأوّل: عدم انعقاد إحرام حجّ التمتّع و الإفراد و إحرام عمرة التمتّع و العمرة المفردة إلا بالتلبية

و ادعي الإجماع عليه و معني ذلك عدم الإثم و الكفارة في

ارتكاب المحرَّمات عليه قبلها ففي صحيح معاوية بن عمار «1» قال الصادق (عليه السلام): «لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة و يقول الّذي يريد أن يقوله و لا يلبّي ثمّ يخرج فيصيب من الصيد و غيره فليس عليه فيه شي ء».

و في صحيح ابن الحجّاج «في الرجل يقع علي اهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلب؟ قال: ليس عليه شي ء» «2». و غيرهما من الرّوايات المخرجة في الوسائل «3» ممّا هو مقتضي عموم بعضها عدم الفرق بين إحرام الحج و العمرة أو الإحرام من ميقات خاص و ما ورد في خصوص بعض ذلك يدل علي العموم بالمفهوم و علي هذا لا يعارض هذه النصوص الكثيرة و الإجماع ما رواه الشيخ (قدس سره) عن أحمد بن محمّد قال: «سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيأ للإحرام ثمّ يواقع أهله قبل أن يهلّ بالإحرام قال: عليه دم» «4».

قال في الاستبصار: (الوجه في هذا الخبر أحد شيئين أحدهما أن نحمله علي من لم يجهر بالتلبية و إن كان لبّي فيما بينه و بين نفسه فإنّه متي كان الأمر علي ذلك كان الإحرام منعقداً و تلزمه الكفارة فيما يرتكبه

و الوجه الآخر أن نحمله علي ضرب من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الاحرام ح 1

(2)- وسائل الشيعة: ب 14 من ابواب الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الاحرام.

(4)- التهذيب الاحكام: 5/ 317، ح 1091.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 57

الاستحباب دون الفرض و الإيجاب) «1».

مضافاً إلي أنّه لا يظهر منه الإسناد إلي المعصوم (عليه السلام) و القول بأن المراد من أحمد بن محمد بقرينة كون الراوي عنه محمّد بن عيسي هو أحمد بن محمد بن أبي نصر

البزنطي الّذي هو من أصحاب مولانا الرضا (عليه السلام) و الرواية مروية عنه و إنّما سقط (الحسن (عليه السلام)) بعد قوله (أبي) و هذا أولي من أن نقول أنّ صورة السند كانت أحمد بن محمّد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: (سمعت أبي) و كيف كان احتمال السقط علي ما ذكرناه و ان لا يرد في نفسه و لكن الاعتماد عليه و الاحتجاج عليه لا يجوز. اللهمّ إلا أن يقال: ان المراد من أحمد بن محمّد هو البزنطي و مثله لا يروي عن غير الإمام (عليه السلام).

و كيف كان الحجّة هو الأخبار المعتبرة الكثيرة.

الثاني: ينعقد احرام القارن بأحد الثلاثة التلبية و الإشعار و التقليد

علي المشهور المحكي عن الجواهر «2» و المدارك «3» و للنصوص المذكورة في الوسائل: منها صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (عليه السلام): «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية، و الإشعار، و التقليد فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم». «4»

و في دلالته علي تخيير القارن بين الثلاثة نظر، لاحتمال اختصاص التلبية بغير القارن كاختصاص الإشعار و التقليد بالقارن اللهمّ إلا أن يقال: باستفادة الإطلاق من التلبية فهي توجب الإحرام مطلقاً، و صحيحته الاخري عن

ابي عبد الله (عليه السلام):

______________________________

(1)- الاستبصار: 2/ 190 ح 638.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 225.

(3)- مدارك الاحكام: 7/ 266.

(4)- الوسائل ابواب اقسام الحجّ ب 12 ح 20.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 58

«تقلدها نعلا خلقاً قد صلّيت فيه و الإشعار و التقليد بمنزلة التلبية» «1» و في دلالته أيضاً علي التخيير نظر.

كما أن الاستدلال بذلك بصحيح الحلبي قال: «سألته لم جعلت التلبية فقال: إنّ الله عزّ و جلّ أوحي إلي إبراهيم أن أذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالا و علي كل ضامر يأتين من كلّ فج عميق فنادي فأجيب من كل وجه يلبّون» «2».

لا يتمّ لأنه بعد ما كان الإشعار و التقليد بمنزلة التلبية لا يدلّ هذا الصحيح علي أنّها تكليف مطلق من يحج.

و مثله ما ذكرناه في المسألة السابقة من صحيح معاوية بن عمّار قال (عليه السلام) بعد ذكر التلبيات: «و اعلم انَّه لا بدّ من التلبيات الأربع الّتي كنّ في أول الكلام و هي الفريضة و هي التوحيد و بها لبّي المرسلون». «3»

فانّ الظّاهر أيضاً إنَّه في مقام بيان اصل وجوب التلبية بالإجمال فلا ينافي ذلك قيام غيرها من الإشعار و التقليد مقامه.

و كذا صحيحة معاوية بن وهب و فيها: «تحرمون كما أنتم في محاملكم» «4» فإنّه لا يستفاد منه الإطلاق.

و لعله يمكن استفادة ذلك من صحيح معاوية بن عمّار الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ و جلّ: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أقسام الحج ح 11.

(2)- وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 36 من ابواب الاحرام ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب

الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 59

الفرض التلبية، و الإشعار و التقليد فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ «1».

و فيه: أيضاً انّه ليس في مقام التفصيل أو أوكل الأمر إلي ما كان معلوماً في الخارج.

و علي هذا و بعد دلالة الرّوايات علي كفاية الإشعار أو التقليد للقارن و

انعقاد إحرامه بواحد منهما، العمدة للقول بالتخيير هو إجماعهم علي كفاية التلبية و وقوع الاختلاف في كفاية الإشعار و التقليد فإن المحكي عن السيد و ابن إدريس عدم انعقاد الإحرام مطلقا إلا بالتلبية لأنّ انعقاد الإحرام بالتلبية مجمع عليه و لا دليل علي انعقاده بهما و عن الشيخ و ابني حمزة و البراج اشتراط الانعقاد بغيرها بالعجز عنها.

و علي هذا يتجه حكمهم بالتخيير فإنّ الكلام في الحقيقة واقع بينهم في انعقاد الإحرام بالإشعار و التقليد كما ينعقد بالتلبية لا في انعقاده بها في حجّ القران فإنّه أمر مفروغ عنه و قول السيد و ابن إدريس لعلّه مبني علي مبناهما المعروف و ما عن الشيخ و غيره مبني علي حمل ما يدلّ علي كفاية الإشعار و التقليد علي صورة العجز عن التلبية جمعاً بين ما يدل علي كفايتهما مطلقاً و ما يدل علي انعقاد الإحرام بالتلبية و هو جمع لا شاهد عليه فإن ما يدل علي انعقاد الإحرام بالتلبية لا يدل علي عدم انعقاده بغيرها حتي يحمل ما يدل علي ذلك علي صورة العجز عنها و إنّما يقال بعدمه لو لم يكن هنا دليل علي انعقاده بغيرها بالاصل فالقول بالتخيير قول بجواز الاجتزاء بالإشعار و التقليد قبال القول بعدم انعقاد الإحرام إلا بالتلبية و عدم الاجتزاء بهما قبال قول من يقول بالاجتزاء بهما عند العجز عن التلبية و

الله هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أقسام الحج ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 60

الهادي إلي الصواب.

[الثالث] اختصاص الاشعار بالبدن

الثالث: ذكر غير واحد منهم اختصاص الإشعار بالبدن و الظّاهر انّ ذلك متفق عليه بينهم و ربما يستشكل في ذلك بعدم الدليل عليه.

و يمكن أن يقال: يكفي في الدليل عليه ذكر كيفية اشعار خصوص البدن في

الأحاديث دون غيرها مع كثرة الابتلاء به و أمّا الاستدلال عليه باطلاق صحيحة معاوية بن عمار (يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الاشعار و التقليد) و صحيحته الأخري فيها (و الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية) فأجيب عنهما بما أجبنا عن القول بدلالتهما بالإطلاق علي اجتزاء القارن بها فإنّهما ليستا في مقام بيان الموارد و إنّما هما في مقام بيان أنّ الإحرام يتحقق بذلك في الجملة و أما أنه في أيّ مورد و بأيّ شرط و في أي زمان و مكان فالصحيحتان ساكتتان عن هذه الجهة. هذا ما أفاده بعض الأعاظم و لكنه استدل للقول بالتخيير بين الثلاثة بالصحيحتين و لم يرده بهذا الإيراد مع كونهما علي وزان واحد ثمّ إنَّه قال: (يظهر من صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «من أشعر بدنته فقد أحرم» اختصاص الاشعار بالبدنة و إلا لو كان الإشعار ثابتاً في غير البدنة أيضاً لكان ذكر البدنة لغواً لما ذكرنا في محلّه أنّ القيد و إن لم يكن له مفهوم بالمعني المشهور من الانتفاء عند الانتفاء و لكن يوجب عدم سريان الحكم في

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 61

الطبيعي و الا لكان ذكر القيد لغواً) «1»

أقول: هذا قريب مما حققه سيدنا الاستاذ الاعظم (قدس سره) و كتبنا عنه في تقريرات بحثه و إجماله أنّ الإتيان

بالقيد يفيد أنّ المقيد به ليس بذاته و خصوصية نفسه محكوماً بالحكم المذكور في الجملة فلا يدل علي الانتفاء عند الانتفاء مطلقاً فيجوز ان يقوم قيد آخر مقام هذا القيد كما في قوله تعالي: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ) فإنّه يدل علي عدم الاجتزاء بشهادة شهيد واحد و لكن يقوم مقام الشاهد الآخر امرأتان و تمام الكلام يطلب من التقريرات. «2»

و أمّا الصحيح فلفظه في الوسائل: «من أشعر بدنته فقد أحرم و إن لم يتكلم بقليل و لا كثير» «3» و في النسختين الموجودتين عندنا من التهذيب: «من أشعر بدنة» «4» و كان سنده مرسل و إن عبر عنه بالصحيح و ذلك لان موسي بن القاسم الراوي للحديث عن محمّد بن عذافر من الطبقة الستة و ابن عذافر من الخامسة.

و لكن الاستدلال بلفظ الحديث سيّما إذا كانت بدنة، لا بأس به و كيف كان فلو لم يكن هنا دليل علي الاختصاص يكفي في عدم جواز الاكتفاء بإشعار البقر و الغنم عدم الدليل علي جوازه و انعقاد الإحرام به فالمتيقن هو إشعار البدنة و الله هو العالم بأحكامه.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 530.

(2)- محاضرات في اصول الفقه القاها استاذ المجتهدين آية الله العظمي البروجردي قدس الله نفسه الذكية.

(3)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أقسام الحج ح 21.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 44، ح 130/ 59.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 62

[مسألة 13 الفرع الرابع] أفضلية الجمع بين الإشعار و التقليد

مسألة 13- قال في العروة: (و الأولي في البدن الجمع بين الاشعار و التقليد).

أقول: الظّاهر أنّ الاولوية المذكورة في كلامه الأولوية الوضعية لاحتمال دخل كليهما في انعقاد الإحرام و يمكن أن يكون المراد به الاولوية التكليفية و الفرق بينهما أنّ علي الأول ينوي الإحرام بهما و في

الصورة الثانية ينوي الإحرام بالإشعار و يأتي بالتقليد لاحتمال وجوبه بعد الإشعار و الأولوية المذكورة وجهها ما في بعض الرّوايات مثل صحيحة معاوية بن عمّار قال: «البدنة يشعرها من جانبها الأيمن ثمّ يقلدها بنعل قد صلّي فيها» «1».

و نحوها صحيحه الآخر «2» و الظّاهر انّهما واحد و إن كان في الثاني ما ليس

في الأول و في رواية السكوني عن جعفر (عليه السلام): «إنّه سئل ما بال البدنة تقلد النعل و تشعر؟ فقال: أمّا النعل فتعرف أنّها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله و أمّا الإشعار فإنّه يحرم ظهرها علي صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع الشيطان أن يمسها» «3» و الظّاهر وحدتها مع الرواية الثامنة من هذا الباب في الوسائل.

و من هذه الرّوايات رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و يحرم صاحبها إذا قلّدت و أشعرت» «4» و هذه الرّواية في الباب من الوسائل و الرواية الثانية عشرة و الثمانية عشرة أيضاً رواية واحدة و كم لها من نظير في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أقسام الحج ح 17.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب اقسام الحج ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب اقسام الحج ح 22.

(4)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أقسام الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 63

الوسائل، و كيف كان فظاهر هذه الرّوايات وجوب التقليد مع الإشعار بل رواية عبد الله بن سنان تدل علي أنّ صاحب البدنة يحرم بعد تقليدها و إشعارها فلعل اريد بذلك التلبية.

و لكن يمكن أن يكون المراد انّه بعد التقليد و الإشعار يدخل في الإحرام و يحرم عليه المحظورات في حال الإحرام كما يدل عليه صحيح

حريز الوارد في كيفية الإشعار إذا كانت له بدن كثيرة.

و فيه: فإنّه إذا أشعرها و قلّدها وجب عليه الإحرام و هو بمنزلة التلبية.

و هل يمكن الخدشة في ظهور هذه الرّوايات علي وجوب الجمع بين الاشعار و التقليد في البدن؟ بأن نقول: أمّا صحيح معاوية بن عمار فغاية ما يدل عليه كيفية إشعارها و تقليدها إذا هو اراد الجمع و ليس في مقام بيان ما يجزي للإحرام منهما و يؤيد ذلك غيره من الصحاح المرويّة عن معاوية بن عمّار الصريحة في كفاية الإشعار

و أمّا رواية السكوني فلا تدل حتّي علي رجحان الجمع بل السؤال عن سبب إشعارها إذا أشعرت و تقليدها إذا قلّدت و لو أبيت عن ذلك فلا تدل علي أزيد من رجحان الجمع بينهما في البدن.

و أمّا رواية عبد الله بن سنان فيمكن أن يكون ذلك جارياً علي ما كان المعمول بينهم من الجمع بين الإشعار و التقليد أو كون (و) بمعني (أو) و مثله صحيح حريز.

و لو أبيت عما ذكر و قلت بدلالة بعض هذه الرّوايات مثل ابن سنان و حريز علي وجوب الإحرام بهما فيجاب عن ذلك بإعراض الأصحاب عنه و عدم جواز الاعتماد علي المعرض عنه و عليه فالمعتمد ما يدل علي كفاية واحد منهما مثل صحيح عمار المتقدم: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الإشعار و التقليد فإذا فعل شيئاً

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 64

من هذه الثلاثة فقد أحرم».

لا يقال: لعل استقرار فتواهم علي كفاية كلّ واحد من الاشعار و التقليد كان من جهة سقوط ما يدل علي وجوب الجمع و ما يدل علي كفاية واحد منهما بالتعارض و الرجوع إلي الأصل العملي أي البراءة عن وجوب الزائد علي الواحد.

فانه

يقال: أوّلا: إنّ ذلك مبني علي جريان الأصل في الشكّ في المحصلات الشرعية إذا دار الأمر فيما يحصل به بين الأقل و الأكثر و لكن فيه إشكال و نتيجة ذلك وجوب الاحتياط.

نعم ان قلنا بان المأمور به هو نفس الإشعار و التقليد أو الإحرام المركب من الإشعار و غيره و شككنا في ذلك الغير لا الإحرام المتحصل منه كما اختاره البعض في اصل نية الإحرام و قال إنه ليس هنا الا التلبية و حرمة المحظورات تترتب عليها يجري البراءة عن وجوب الزائد علي الواحد و لكن يبقي الشكّ في ترتب الحرمة

المذكورة عليه.

و ثانياً: الغالب علي الظن ان فتواهم بكفاية أحدهما تبني علي الرّوايات و ترجيح ما يدل علي كفاية واحد منهما علي الطائفة الاخري.

و كيف كان الاعتماد علي الصحاح الدالة علي الاجتزاء بواحد منهما و ان كان الاولي بل الأحوط فيما إذا كان هديه بدنة الجمع بين الإشعار و التقليد و الله هو العالم.

اعلم أنّ المشهور بين المتاخرين من الأصوليين في مبحث المفهوم انّ البحث عنه واقع في الصغري و انّه هل يكون لمثل القضية الشرطية الدالة علي ثبوت الحكم عند ثبوت الشرط دلالة علي انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط أم ليس لها هذه الدلالة

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 65

و ليس البحث واقعاً في حجية تلك الدلالة بعد كونها ثابتة مفروغاً عنها.

و أمّا الكلام عنه عند المتقدمين كان في الكبري و في انّه لا ريب في انّه كما يستفاد من المنطوق وجوب الإكرام عند مجي ء زيد يستفاد منه دخل المجي ء أو الوصف في الحكم بإكرامه و انّه ليس بمطلقه و خالياً عن قيد ما محكوماً بالحكم فهذا كان متفقاً عليه عندهم و هذا هو المفهوم

الّذي يبحث عن حجيّته بحيث إذا دلّ دليل علي وجوب إكرام زيد إذا لم يكن له قيد ما يكون معارضاً له معارضة الدليل مع الدليل.

و بالجملة البحث عندهم واقع في أنّ ما يفهم من فعل المتكلم و إتيانه بالقيد الزائد الدالّ علي دخله في الحكم و أنّه ليس المقيّد بذاته موضوعاً للحكم و محكوماً به هل هو حجّة أم لا؟ و ليس البحث في أنّه هل يفهم منه ذلك أم لا؟

و بعبارة اخري: يقولون كما أنّ منطوق الكلام و هو ما يدل عليه بإحدي

الدلالات الثلاث الّتي كلها منطوقية لفظية حجّة عند العقلاء هل يكون ما يفهم منه بدلالة فعله عليه باجراء اصالة عدم كونه لغواً و هزلا أو اصالة كونه جادا في فعله من عدم كون الماء في قضيّة الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجّسه شي ء بذاته و بمطلقه محكوماً بهذا الحكم حجّة عند العقلاء أم لا و ليس كلامهم جاريا في أنّه هل يفهم من هذه القضية ذلك أم لا.

و بعبارة أخري: كلامهم في أنّ هذا المدلول العقلي لكلام المتكلم هل هو حجّة كمداليل كلامه اللفظيّة مثل الثبوت عند الثبوت و عدم تنجس الماء عند الكرية.

و هذا قبال ما يبحث عنه المتأخرون فإنّهم يقولون بأن مثل القضيّة الشرطيّة كما تدل علي الثبوت عند الثبوت إذا كانت تدل علي الانتفاء عند الانتفاء حجّة لأن الدلالتين من الدلالات اللفظية الّتي حجّيتها ثابتة غير أنّ دلالة اللّفظ علي الثبوت عند الثبوت

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 66

تكون بالمطابقة و علي الانتفاء عند الانتفاء تكون بالالتزام إلا انّ الكلام يجري في تحقّق هذه الدلالة و انّها هل للقضيّة الشرطيّة تلك الدلالة أم لا و لذا وقعوا في حيص

و بيص و الإشكال لإثباتها للقضيّة الشرطيّة.

هذه من جهة و من جهة أخري الفارق بين ما يبحث فيه القدماء و المتأخرون انّ المتأخرين يرون دلالة الكلام علي المفهوم من الدلالات اللفظيّة أي الدلالة الالتزاميّة و القدماء يرونها دلالة عقليّة فعليّة و ذلك لأنّهم يقولون: إنّ الفرق بين الدلالة اللفظيّة و غير اللفظيّة أنّ اللفظيّة هي ما يصح إسناده إلي المتكلم بأنّه قال كذا و لا يصح له إنكاره و أمّا غير اللفظيّة فهو ما لا يصح أن تقول: للمتكلم أنت قلت كذلك ففي مثل قولهم إن جاءك زيد فأكرمه يصح أن يقال إنّك قلت بوجوب إكرام زيد عند مجيئه و لا يمكن للمتكلم به إنكاره أمّا انتفاء هذا الحكم عند انتفاء المجي ء عدم وجوب إكرامه لا يصح إسناده إليه بأنّك قلت ذلك لأنّ الانتفاء عند الانتفاء

ليس من لوازم الثبوت عند الثبوت حتي يدلّ عليه اللفظ بالدلالة الالتزامية الّتي هو إحدي الدلالات الثلاث اللفظيّة فيجوز للمتكلم إنكار ذلك.

و أمّا دلالة اللفظ لا بما له من المعني بل بما أنّه فعل من أفعال المتكلم العاقل في القضيّة الشرطية و في تعليق الحكم بالوصف تدلّ علي انّ المقيّد بالشرط ليس بمفرده و مطلقه موضوعاً للحكم فالبحث يقع في حجيّة هذه الدلالة كالدلالات اللفظيّة و ينتهي إلي حجيته فما هو المحصّل للمفهوم إتيان المتكلم بقيد زائد في كلامه يستفاد منه بدلالة العقل المفهوم بالمعني الّذي قلناه و قاله القدماء و هو عدم كون الموضوع بذاته محكوماً بالحكم و إن كان يجوز كونه محكوماً به إذا كان مقيداً بقيد آخر فلا يدل فعل المتكلم هذا و لفظه بما أنَّه فعل من أفعاله علي الانتفاء عند الانتفاء مطلقاً و لو قام

مقام القيد المذكور في كلام المتكلم قيد آخر بل يدل علي الانتفاء إذا لم يكن مع المقيد

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 67

بالقيد المذكور في الكلام قيداً ما فمثل قوله تعالي: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ) مفهومه عدم كفاية شاهد واحد من الرجال و لا يمنع دلالته علي قبول شاهدين من الرجال و تقيد الشاهد. الواحد بالشاهد الآخر عن قبول شهادة الشاهد الواحد إذا انضمّ إليه شهادة امرأتين هذا بعض الكلام في المفهوم بناء علي مختار سيدنا الأستاذ الأعظم حبر الأمة و فقيه العصر السيد البروجردي (قدس سره) و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

[الفرع الخامس:] «عدم وجوب التلبية علي القارن»

الفرع الخامس: لا دليل يعتمد عليه علي وجوب التلبية علي القارن الّذي عقد الإحرام بالاشعار أو التقليد وجوباً نفسياً و ذلك لأنّ ما يمكن توهم دلالته علي الوجوب المذكور إن كان هو الأخبار الواردة في التلبية فغاية ما تدل عليه انعقاد

الإحرام بها لا اختصاص انعقاد الإحرام بها، مضافاً إلي حكومة مثل قوله (عليه السلام): «التقليد و الاشعار بمنزلة التلبية عليها» و قوله (عليه السلام) «يوجب الإحرام ثلاثة اشياء» الحديث و لو قيل: بأن الإحرام ليس إلا ما يترتب علي التلبية من تحريم الأفعال الخاصّة فتكون التلبية من أفعال الحجّ لا تسقط بوجوب غيرها يقال: إنّ علي القول به يرد وجوبها مطلقاً حتي إذا أشعر أو قلد، أخبار الإشعار و التقليد.

و إن كان ما رواه شيخنا الكليني (قدس سره) بسنده عن محمد بن يحيي «1» عن احمد بن محمد «2» عن الحسن بن علي «3» عن يونس بن يعقوب «4» قال: «قلت

______________________________

(1)- العطار ابو جعفر القمي شيخ اصحابنا من الثامنة.

(2)- بن عيسي شيخ القميين و وجههم من السابعة.

(3)- ابن فضال ثقة

من السادسة.

(4)- ابن قيس البجلي له كتب ثقة من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 68

لأبي عبد الله (عليه السلام) إنّي قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال: انطلق حتّي تأتي مسجد الشجرة، فافض عليك من الماء، و البس ثوبك ثمّ أنخها مستقبل القبلة ثمّ ادخل المسجد فصلّ ثمّ افرض بعد صلاتك ثمّ اخرج إليها فاشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ثمّ قل: بسم الله اللّهمّ منك و لك اللّهمّ تقبل منّي ثمّ انطلق حتّي تأتي البيداء فلبّه» «1» فاشتماله علي المستحبّات يسقط ظهور الأمر بالتلبية فيه في الوجوب و ما قيل من انّ مجرد اشتمال الرواية علي المستحبّات لا يوجب رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب إلا إذا قامت القرينة علي عدم ارادة الوجوب «2» ففيه: ان القرينة كما تدل علي ارادة المعني المجازي من اللفظ توجب سقوط ظهور اللفظ في استعماله في المعني الحقيقي و ليس معني ذلك انّ بها تعين المعني المجازي هذا مضافاً إلي انّ

الصدوق أخرج الحديث بسنده عن ابن فضّال عن يونس بن يعقوب قال: «خرجت في عمرة فاشتريت بدنة و أنا بالمدينة فأرسلت إلي أبي عبد الله (عليه السلام) فسألته كيف أصنع بها؟ فأرسل إليّ ما كنت تصنع بهذا فإنّه كان يجزيك إن تشتري منه من عرفة و قال: انطلق حتّي تأتي مسجد الشجرة فاستقبل بها القبلة و انخها ثمّ ادخل المسجد فصلّ ركعتين ثمّ اخرج إليها فاشعرها في الجانب الأيمن ثمّ قل: بسم الله اللّهمّ منك و لك اللّهمّ تقبل منّي فإذا علوت البيداء فلب» «3»

و احتمال كونه غير ما في الكافي بعيد جداً و لذا ذكره في الوسائل بعد رواية الكافي و قال و رواه الصدوق باسناده

عن ابن فضال الخ «4».

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 296 باب صفة الاشعار و التقليد ح 1.

(2)- معتمد العروة: 2/ 533.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 324/ 2577.

(4)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 69

فعلي هذا كله لا دليل علي القول بوجوب التلبية علي القارن بالوجوب النفسي و الله هو العالم.

[الفرع السادس: الكلام في] كيفية الاشعار و التقليد

الفرع السادس: قال في العروة: الإشعار عبارة عن شق السنام الأيمن بأن يقوم الرجل من الجانب الأيسر من الهدي و يشق سنامه من الجانب الأيمن، و يلطخ صفحته بدمه، و التقليد أن يعلق في رقبة الهدي نعلا خلقاً قد صلّي فيه.

أقول: أمّا وجوب شق سنام الأيمن فيدل عليه روايات متعددة مثل رواية عبد الله بن سنان و فيها: «تشعر من جانبها الأيمن» «1» و يونس بن يعقوب:

«فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها» «2» و معاوية بن عمار «3» و الحلبي «4» و زرارة «5»

و أمّا قيام الرجل من الجانب الأيسر من الهدي فقيل بدلالة صحيحة معاوية بن عمار قال فيه: «البدن تشعر من جانب الأيمن و يقوم الرجل في الجانب الأيسر ثمّ يقلّدها بنعل خلق قد صلي فيها» «6».

و استشكل فيها بأنّ المحتمل أن لا يكون قوله: «و يقوم الرجل» قيداً للاشعار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 5..

(5)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 6.

(6)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 70

و كان

راجعاً إلي التقليد و إن كان راجعاً إليه فيستفاد منه الاستحباب لاستحباب أصل التقليد في مورد الإشعار «1» و الظّاهر الاحتمال الأول فالأحوط وجوباً قيامه في الجانب الأيسر.

و أمّا اللطخ فكأنه لم يرد فيه نصّ و نسب ذكره إلي الأصحاب و لم أتتبع كلماتهم و الله هو العالم.

[مسألة 14] جواز تأخير التلبية عن نية الاحرام

مسألة 14: قال في العروة: (لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام و إن كان أحوط فيجوز أن يؤخرها عن النيّة و لبس الثوبين علي الأقوي).

أقول: أمّا علي القول بأنّ نية الإحرام عبارة عن توطين النفس و العزم علي ترك المحرمات أو البناء أو إنشاء تحريمها علي نفسه فالظاهر عدم وجوب مقارنة التلبية لها فيكفيه الإتيان بالتلبية فلا يجب تجديد إنشاء التحريم و لا توطين النفس و العزم علي الترك نعم يلزم أن يكون باقياً علي التزامه.

و أمّا علي القول بأن الإحرام عنوان يتحقق قهراً بالتلبية فليس هنا أمر إلا نيتها وحدها المتضمنة لنية الحج و أداء المناسك و الأفعال.

و كذا إن قلنا بأن الإحرام و إن كان لا يتحقق إلا بالعزم و الالتزام علي ترك المحرّمات إلا أنه لا يتحقق عنوانه المؤثر في حرمة المحظورات إلا بالتلبية فإنه يكفي في ذلك تقديم العزم و الالتزام علي ترك المحظورات و الإتيان بالتلبية متأخراً عنه مع كونه باقياً علي عزمه و التزامه.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 535.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 71

و بالجملة: مقارنة التلبية لنية الإحرام إن كان بمعني مقارنتها لإنشاء الإحرام أو العزم و الالتزام بمعني نية الإحرام بها فلا يجب و يجوز تأخرها عنها و إن كان بمعني كونه باقياً علي نية الإحرام عند التلبية فالظاهر لزوم ذلك فلا يكفي تلبية الغافل عن نية الإحرام إلا أن

يقال بتحقق الإحرام بالالتزام و توطين النفس و إن جاز له العدول عنه قبل التلبية أمّا نفس التلبية فيكفي الإتيان بها بنية الحج و يترتب عليها تحريم المحرّمات بحكم الشارع.

[مسألة 15] عدم حرمة المحرمات قبل التلبية

مسألة 15: قد مرّ في المسائل السابقة أنّ محرمات الإحرام لا تحرم عليه قبل التلبية في حجّ الإفراد و التمتّع و عمرته و عمرة المفردة و هذا ثابت بالإجماع و النصوص و كذا في القران لا تحرم عليه إلا بعد التلبية أو

الإشعار و التقليد.

لدلالة بعض النصوص علي ذلك مثل قوله (عليه السلام) «الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية» و قوله (عليه السلام) «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الإشعار و التقليد» فعلي هذا لو فعل شيئاً من المحرّمات قبل ذلك لم يرتكب إثما و لا كفارة عليه.

[مسألة 16] نسيان التلبية

مسألة 16: إذا نسي التلبية فهل يجب عليه العود إلي الميقات لتداركها أم لا فيأتي بها في مكان التذكر و إن كان متمكناً من العود؟

أمّا بحسب الأخبار فما ورد منها في هذا الباب ورد في من نسي الإحرام مثل صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يحرم حتي دخل الحرم؟

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 72

قال: قال أبي: يخرج إلي ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحجّ أحرم من مكانه و إن استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثمّ ليحرم» «1».

و استشكل في دلالته علي حكم نسيان التلبية فإنه في مورد نسيان الإحرام و بحثنا عن نسيان التلبية و هو كما يتحقق مع نسيان الإحرام يتحقق مع عدمه فلا ملازمة بين حكمهما لعدم الملازمة بينهما و لذا قال بعض الأعاظم بأنّه: إن (قلنا بأن التلبية غير دخيلة في الإحرام لا موجب للعود إلي الميقات لتداركها لأنها واجب مستقل ترك عن عذر فيتداركه في مكانه متي تذكر و الرّوايات الواردة الآمرة بالعود إلي الميقات انّما وردت في ناسي الإحرام.

نعم إن قلنا بأن الإحرام هو

التلبية و بها يتحقق الإحرام فالأمر واضح و كذا

إن قلنا بأنّه العزم و الالتزام و التلبية متممة له يتجه الاستدلال بما ورد في نسيان الإحرام علي حكم نسيان التلبية). «2»

أقول: اوّلا يمكن أن يقال: ان الإحرام في مثل هذه الرّوايات ظاهر في التلبية و الشاهد علي ذلك ما ورد في مرسلة جميل في من نسي الإحرام أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعي قال (عليه السلام): «تجزيه نيته إذا كان قد نوي ذلك فقد تم حجه و إن لم يهلّ» «3».

فإنه يستفاد منه بقرينة قوله «و إن لم يهل» ان السؤال عن نسيان الإحرام كان عن نسيان الاهلال بالتلبية.

و ثانياً: لما ذا نقول إنّه إذا ترك الإحرام ناسياً و هو متمكن من الرجوع إلي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 1.

(2)- معتمد العروة 2/ 539.

(3)- وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 73

الميقات يكفيه تداركه من مكانه و لما ذا نقول بسقوط ما وجب عليه و هو الإحرام بالنسيان مع إمكان الإتيان بالواجب علي ما يجب عليه بالرجوع إلي الميقات. مضافاً إلي أنّه لم يقم دليل علي وجوب الرجوع إلي الميقات بأي دليل نقول بتحقق الإحرام من مكانه و مع ذلك يجب عليه الاحتياط بالرجوع و الله هو العالم.

[مسألة 17 الواجب من التلبية]

مسألة 15: الواجب من التلبية مرة واحدة.

و هذا ثابت بالإجماع و ببعض النصوص مثل صحيح معاوية بن عمار المتقدّم حيث قال فيه: «و اعلم انّه لا بدّ من التلبيات الأربع الّتي كن في أول الكلام و هي الفريضة و هي التوحيد» و ما في أول كلامه هو التلبيات الأربع فلا يجب أكثر منها.

و أمّا

الإكثار بها فيستحب أيضاً بدلالة الصحيح المذكور فإن فيها بعد

الترغيب إلي ذكرها بصيغ و صورة كثيرة تدل علي استحباب الإكثار قال: «تقول هذا (يعني الصيغ المذكورة) في دُبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة و حين ينهض بك بعيرك و إذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك و بالأسحار و أكثر ما استطعت» «1» و هذا يدل علي استحباب الإكثار مطلقاً و بالخصوص في الموارد التي نصّ عليها الإمام (عليه السلام) و أمّا استحبابها بالخصوص عند المنام كما جاء في العروة فلم يرد في هذا الصحيح و لا في غيره من الرّوايات فكما لا يستفاد منه ورودها بالخصوص عند كل صلاة لا يستفاد منه استحبابها بالخصوص عند المنام.

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 91، ح 300/ 108. وسائل الشيعة ب 40 من ابواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 74

و أمّا الاجهار بها فقال الشيخ في الخلاف: (التلبية فريضة و رفع الصوت بها سنة … و كلهم (يعني العامة) قالوا: رفع الصوت بها سنة). «1»

و قال في المبسوط: و التلبية فريضة و رفع الصوت بها سنة مؤكدة للرجال دون النساء «2».

و قال في السرائر: (و الجهر بها علي الرجال مندوب علي الأظهر من أقوال أصحابنا، و قال بعضهم، الجهر بها واجب). «3»

و قال الشيخ في التهذيب: (فأمّا الاجهار بالتلبية فانه واجب أيضاً مع القدرة و الإمكان) «4».

و هل هذا كلام الشيخ علي ما نسب إليه أو كلام المفيد في المقنعة علي ما صرح به بعض الاعاظم و خطأ النسبة المذكورة «5».

يمكن أن يقال: إنّ ذلك ظاهر من كتاب التهذيب فإنّه كالتعليق علي المقنعة و الشيخ ذكر أوّلا ما ذكره شيخه المفيد

ثمّ علّق عليه بالاستدلال له بالاخبار و لكن لم نجد تلك القطعة في ما عندنا من المقنعة المطبوعة في سلسلة موسوعاتنا الفقهية كما لم نجد فيه أيضاً ما ذكره الشيخ قبل الحديث 277/ 85 و هو أول المواضع الّتي يجهر الإنسان فيها بالتلبية إذا اراد الحج علي طريق المدينة البيداء حيث الميل و لعل من

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 291.

(2)- المبسوط: 1/ 316.

(3)- السرائر: 1/ 536.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 92.

(5)- معتمد العروة: 2/ 540.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 75

أكثر الفحص فيه يجدهما «1».

و كيف كان فالقول بالوجوب ثابت عن أحد هذين العلمين إذاً فلا اعتداد لعدم الاعتناء بهذا القول لعدم معرفة من يقول به و قد حكي اختيار هذا القول أو الميل إليه من صاحب الحدائق (ره) «2».

و قال: في المستمسك: (و ربما استظهر ذلك من الكليني حيث قال: و لا يجوز لأحد أن يجوز البيداء إلا و قد أظهر التلبية) «3».

و كيف كان فالمتبع في ذلك الدليل و رواياتنا المأثورة عن سادتنا أهل البيت (عليهم السلام) الّذين هم اعدال القرآن بنصّ أحاديث الثقلين المتواترة فلا اعتناء بما رواه في الخلاف عن خلاد بن السائب عن أبيه أنّ النّبي (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: «أتاني جبرائيل

فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال». «4»

قال الشيخ رحمه الله (و ظاهر الأمر يقتضي الوجوب و لو خلينا و ظاهره لقلنا أن رفع الصوت أيضاً واجب و لكن تركناه بدليل). «5» و ظاهره و إن كان جواز الاعتماد عليه لو لا ما رويناه من أهل البيت (عليهم السلام) و لكن الظّاهر انّ ذلك كان منه في مثل كتاب الخلاف مماشاة مع القوم

فإنّ خلاد بن سائب كأنّه مجهول قال العجلي: خلاد بن سائب مدني لا نعرفه) «6» و أمّا سائب بن خلاد أبوه فمشكوك في أنّه واحد

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 92 قبل الحديث 301/ 109.

(2)- الحدائق الناضرة: 15/ 61 و 62.

(3)- مستمسك العروة: 11/ 409.

(4)- الخلاف: 2/ 292.

(5)- الخلاف: 2/ 292.

(6)- راجع المصدر تهذيب التهذيب: 3/ 149.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 76

أو اثنان قال ابن عبد البر: لم يرو عنه إلا ابنه خلاد فيما علمت و حديثه في رفع الصوت بالتلبية مختلف فيه استعمله عمر علي اليمن و ولي اليمن لمعاوية «1» و بعد ذلك لا يعتمد علي مثله.

و أمّا ما روينا عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام). فمنها ما رواه حريز مرفوعاً قال: «إنّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لما أحرم أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: مر أصحابك بالعجّ و الثّج و العج رفع الصوت بالتلبية و الثج نحر البدن قال: و قال جابر بن عبد الله ما بلغنا الروحاء حتي بحت أصواتنا» «2» رواه الصدوق في الفقيه عن حريز إلي قوله: «نحر البدن» «3».

و الحديث كما تري ضعيف إلا أنّ الشيخ رواه بإسناده عن حريز بن عبد الله و محمد بن سهل عن أبيه عن أشياخه عن أبي عبد الله (عليه السلام) و جماعة من أصحابنا ممن روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليها السلام) إنّهما قالا: «لمّا أحرم رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: مر أصحابك بالعجّ و الثج فالعج رفع الصوت و الثج نحر البدن قالا: فقال جابر بن عبد الله فما مشي الروحاء حتي بحت أصواتنا»

«4» و رواه الصدوق في معاني الأخبار. «5»

و ظاهر الأمر الوجوب.

و أجيب عن الاستدلال به علي وجوب رفع الصوت: إنّ الأمر بالعج كان بعد

______________________________

(1)- تهذيب التهذيب 3/ 388.

(2)- وسائل الشيعة: ب 37 من ابواب الاحرام ح 1.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 325 ح 2579.

(4)- التهذيب: 5/ 92 ح 302/ 110.

(5)- معاني الاخبار: 223 باب معني العج و الثج.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 77

تحقّق الإحرام و أداء التلبية الواجبة الّتي يتحقق بها الإحرام لا في التلبية الّتي توجب الإحرام و لا ريب أنّ التلبيات الأخيرة غير واجبة فضلا عن الإجهار بها فلا بد من حمل الأمر به علي الاستحباب.

و فيه: اوّلا: إنّ ما ذكر مبني علي القول بتحقق الإحرام بالتلبية و أمّا علي القول بحصوله بتوطين النفس أو العزم علي ترك المحرمات أو إنشاء تحريمها علي نفسه فالاستدلال به علي الوجوب قائم علي حاله.

و ثانياً: إنّ مقتضي الحديث وقوع الأمر برفع الصوت بعد إحرام رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لا بعد إحرام أصحابه و الظّاهر انّ الأمر بذلك كان قبل التلبية الواجبة.

و الّذي نقول في الجواب: إنّ الأمر برفع الصوت بالتلبية و إن كان ظاهراً في

الوجوب إلا أنّ متعلقه و هو رفع الصوت بالتلبية ظاهر بالإطلاق في مطلق التلبية فريضة كانت أم سنة فإن أخذنا بإطلاق المتعلق لا بد لنا من رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب لعدم إمكان القول بوجوب رفع الصوت في التلبية المستحبة لأنّ مقتضاه حرمة التلبية بالإخفات و عدم استحبابها كذلك و هذا مما لا يلتزم به أحد و إن أخذنا بظهور الأمر في الوجوب فلا بد لنا من رفع اليد عن اطلاق المتعلق و لا

ريب ان الأول أولي مضافاً إلي دلالة نفس الحديث عليه فإنّهم امتثالا للأمر رفعوا أصواتهم بها حتي بحت أصواتهم و هذا لا يتحقق إلا بتكرارها و انّهم فهموا من الأمر استحبابه في مطلق التلبية و بالجملة ظهور المتعلق و المادة في الإطلاق أقوي من ظهور الأمر في الوجوب و الأول قرينة لعدم ارادة الظّاهر من الهيئة.

و منها صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «ان كنت ماشياً فاجهر

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 78

باهلالك و تلبيتك من المسجد و ان كنت راكباً فاذا علت بك راحلتك البيداء» «1».

و اجيب عن الاستدلال بها بأنّها ليست في مقام بيان الأمر بالجهر بل إنّما هي في مقام بيان مكان الإجهار بالتلبية.

و بالجملة: فلا يستفاد من مثلهما و لا من مثل صحيح معاوية بن عمار لما فيه من قوله بعد بيان طائفة من المستحبات (و أكثر ما استطعت و أجهر بها) فإن التلبيات الكثيرة المذكورة في هذا الصحيح كلها إلا الواجبة منها مستحبة و لا يمكن أن يكون الإجهار بها واجباً.

هذا و لا ريب في اختصاص هذا الحكم أي استحباب الجهر بالتلبية بالرجال و أمّا النساء فلا يستحب منهن ذلك، يدل عليه ما أخرجه في الوسائل في باب خصّه

به (باب عدم استحباب جهر النساء بالتلبية) مثل صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): ليس علي النساء جهر بالتلبية و لا استلام الحجر و لا دخول البيت و لا سعي بين الصفا و المروة يعني الهرولة. «2»

[مسألة 18] تأخير التلبية الي البيداء

مسألة 18: قال في العروة: (ذكر جماعة أنّ الأفضل لمن حجّ علي طريق المدينة تأخير التلبية إلي البيداء مطلقاً كما قال بعضهم أو في خصوص الراكب كما قيل،

و لمن حجّ علي طريق آخر تأخيرها إلي ان يمشي قليلا و لمن حجّ من مكة تأخيرها إلي الرقطاء كما قيل أو إلي أن

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 85 ح 281/ 89. وسائل الشيعة ك ب 34 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب الاحرام ح 4 و الكافي: 4/ 336 ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 79

يشرف علي الأبطح لكن الظّاهر بعد عدم الإشكال في عدم وجوب مقارنتها للنية و لبس الثوبين استحباب التعجيل بها مطلقاً و كون أفضلية تأخير بالنسبة إلي الجهر بها فالأفضل أن يأتي بها حين النيّة و لبس الثوبين سراً و يؤخر الجهر بها إلي المواضع المذكورة).

أقول: هذا طريق الاحتياط أيضاً و لكن اللازم الرجوع إلي الرّوايات الشريفة فنقول: فمنها صحيح معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التهيؤ للإحرام فقال: في مسجد الشجرة فقد صلّي فيه رسول الله (عليه السلام) و قد تري أناساً يحرمون فلا تفعل حتي تنتهي إلي البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: لبيك اللهم لبيك». «1» و ظاهره و إن كان النهي عن التلبية قبل الانتهاء إلي البيداء إلا أن الظاهر من السؤال انّه سئل عنه عن آداب الإحرام و ما

ينبغي أن يفعل عنده فلا يدل إلا علي فضل تاخيرها إلي البيداء عن تقديمها عليه إذا كان راكباً.

و منها صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله- (عليه السلام)- قال: «إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتي تاتي البيداء حيث يقول الناس: يخسف بالجيش» «2». و ظاهره الإطلاق سواء كان راكباً أو راجلا و لا يقيد بسابقه لأنّه لا يدل علي اختصاص الحكم بالراكب.

و منها

صحيح عبد الله بن سنان قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لم يكن يلبّي حتّي يأتي البيداء» «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب الاحرام ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 ابواب الاحرام ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 34 ابواب الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 80

و منها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و اخرج بغير تلبية حتّي تصعد إلي أوّل البيداء إلي أوّل ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلب» «1» و هذا يدل علي أن ذلك حكم الراكب و الماشي كليهما.

و منها صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) الدال علي التفضيل فإنه (عليه السلام) قال: إن كنت ماشياً فاجهر باهلالك و تلبيتك من المسجد و إن كنت راكباً فإذا علت بك راحتك البيداء» «2» ظاهره الأمر بالجهر بالتلبية إذا كان راكباً من البيداء و هل يمكن أن يكون هذا شاهداً علي أنّ المراد من التلبية في غيره في البيداء الجهر بها فهو يلبّي في نفسه و إخفاتاً و إذا وصل إلي البيداء يجهر بها كما يقيد به ما يدل بالإطلاق علي تاخير التلبية إلي البيداء و لكن يعارضه صحيح معاوية بن عمار و في صحيح

آخر لمعاوية بن عمار قال ابو عبد الله (عليه السلام): «إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيهة (هنيئة) فاذا استوت بك الأرض ماشياً كنت أو راكباً فلبّ» «3»

و هذا بظاهره مطلق يقيد بما ورد في الإحرام من المسجد الشجرة كما يدل عليه ما رواه البزنطي

قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) كيف أصنع إذا أردت الإحرام قال: (فقال عقد الإحرام خ) اعقد الإحرام في دبر الفريضة حتي إذا استوت بك البيداء فلبّ قلت: أ رأيت إذا كنت محرماً طريق العراق قال: لبّ (لبّه) إذا استوي بك بعيرك» «4»

مضافاً إلي أن الظّاهر انَّه و صحيحه السابق الدال علي الحكم في البيداء واحد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب الاحرام ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب الاحرام ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ابواب الاحرام ب 34 ح 7 و قرب الاسناد: 379 ح 1338.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 81

فلا يثبت بالثاني الإطلاق و علاج ما يتوهم من معارضة هذه الإخبار بعضها مع بعض انّها متضمنة لما يؤتي به الوظيفة مطلقاً و لما فيه الفضل و ما هو الأفضل.

نعم ما رواه علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) ظاهره عدم جواز التلبية عند الشجرة قال: «سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحل لمن أحرم عندها أن لا يلبي حتي يعلو البيداء؟ قال: لا يلبي حتّي يأتي البيداء عند أول ميل فأما عند الشجرة فلا يجوز التلبية». «1»

و لكنه ضعيف كما قاله البعض بعبد الله بن الحسن و علي البناء علي الاعتماد عليه فهو معارض بغيره ممّا يدل علي جواز التلبية من الشجرة كصحيح عبد الله بن سنان انّه «سأل أبا عبد الله (عليه السلام) هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلي الحج أن يظهر التلبية في

مسجد الشجرة فقال: نعم إنّما لبّي النّبي (صلي الله عليه و آله و سلم) في البيداء (علي البيداء) لأن الناس لم يعرفوا التلبية فأحبّ أن يعلمهم كيف التلبية». «2»

و

أمّا معارضة اخبار تأخير التلبية مع غيرها من الأخبار مثل ما دل علي عدم جواز المرور علي الميقات بدون الإحرام فبناء علي تحقّق الإحرام بدون التلبية لا معارضة بين الطائفتين و أمّا علي القول بعدم تحقّق الإحرام بدون التلبية فيلزم من التأخير إلي البيداء العبور عن الميقات محلا.

و عليه لا بد لنا إلا أن نقول بتقييد حكم حرمة المرور محلا بما إذا لم يكن ناوياً للإحرام و التلبية و إلا فيجوز فهو مخيّر بين الإحرام و التلبية من الميقات أو تأخيره إلا البيداء و التأخير أفضل أو أن نقول بأن ما يدل علي التأخير محمول علي تأخير

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 8.

(2)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 82

الإجهار بها فيلبّي من الشجرة إخفاتاً و يجهر بها عند البيداء.

و علي هذا الأحوط التلبية في الميقات اخفاتاً و جهراً لمّا مرَّ علي البيداء مع تجديد النيّة و يأتي ما ذكر في تأخير الإحرام يسيراً عن الميقات و تأخيره في الإحرام من مكة إلي الرقطاء.

مضافاً إلي أن في صحيحة الفضلاء (حفص البختري و معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج و الحلبي) التصريح بذلك ففيه: «و ان اهللت من المسجد الحرام فإن شئت لبيّت خلف المقام و أفضل ذلك أن تمضي حتي تأتي الرقطاء و تلبّي قبل أن تسير إلي الأبطح» «1» و ما رواه ابن أبي عمير و صفوان عن معاوية بن

عمار «2» ما يشهد علي ما ذكر و كيف كان فلا يترك الاحتياط بما ذكر و الله هو العالم.

أورد علينا بعض الفضلاء المشاركين في البحث أيّدهم الله تعالي بأنّ ما قلت من أنّ

إطلاق المتعلق في الأمر بالإجهار بالتلبية و شموله للتلبيات المندوبة يمنع عن ظهور الأمر بالتلبية في الوجوب منقوض بوجوب الإخفات في التسبيحات الأربعة في الركعتين الأخيرتين إذا أتي بها زائداً علي المرة الواحدة الواجبة فإنّ الثانية و الثالثة منها مستحبة و مع ذلك يجب فيها الإخفات فيجوز ان يكون نفس العمل مستحباً و الإتيان به بوصف خاص كالجهر و الإخفات واجباً، كأن قال: إن أتيت بها فأت بها جهراً.

و فيه: إنّ مفهوم القضية مع حفظ ظهور الأمر في الوجوب يكون (و الا فلا تأت بها سرا) و الالتزام بها في التسبيحات إن امكن لعدم القول باستحبابها إلا

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: / 320 ح 2562.

(2)- وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 83

إخفاتاً لا يمكن في التلبيات للاجماع علي استحبابها سراً فلا بد من رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب و حمله علي الاستحباب فتأمل جيداً.

هذا مضافاً إلي أنّ لنا أن نقول إنّ في التسبيحات المصلّي مخير بين الواحدة و الثلاثة و لذا لا يجوز له الاكتفاء بالاثنتين بعنوان الوظيفة فيجب عليه الإخفات مطلقاً أتي بالواحدة أو الثلاثة و التلبية ليست كذلك.

ثمّ إنّه أورد ثانياً بأن المستفاد من صحيح عمر بن يزيد امران وجوب الجهر بالتلبية و بيان المكان الذي يبتدئ فيه بالجهر في حال الركوب و المشي.

و فيه: إنّ ما قلناه مجرد الاستظهار من الكلام فإن ظاهره كون رجحان الجهر بالتلبية مفروغاً عنه بين المتكلم و المخاطب و سوق الكلام ظاهر في انّ الامام (عليه السلام)

كان في مقام إفادة التفصيل مضافاً إلي ان ذلك ان كان كما استشهد به المورد الفاضل يكون مثل سر من البصرة يدل

علي ابتداء السير و إدامته فعلي ذلك أيضاً يدل علي الاستحباب للاتفاق علي أنّ في استدامة التلبية لا يجب الجهر و الله هو العالم.

اعلم: أن الكلام في هذه المسألة يقع أوّلا في انه هل يجب تأخير التلبية إلي البيداء فلا تجزي في ذي الحليفة؟ و علي فرض عدم الوجوب فهل الإتيان بها في ذي الحليفة متعين أو هو مخيّر بين الإتيان بها في البيداء أو ذي الحليفة أو تأخيرها إلي البيداء أفضل مطلقاً سواء كان ماشياً أو راكباً أو إذا كان راكباً؟ و علي فرض تعين الإتيان به من ذي الحليفة هل يجب الإجهار بها في البيداء، أي بالتلبيات المندوبة؟

فنقول: أمّا وجوب تأخيرها عن الميقات و عدم اجزائها منه فالظاهر أنّه خلاف التسالم لم يذهب إليه أحد من الاصحاب الا صاحب الحدائق فانه قال: فالاحتياط في الوقوف علي الروايات المتقدمة الدالة علي التأخير إلي البيداء راكباً كان أو ماشياً بل لا يبعد المصير إليه لو لا ذهب جملة من فضلاء قدماء الاصحاب

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 84

إلي التخيير كما سمعت من ثقة الاسلام الكليني (قدس الله روحه) «1» و احتمله كاشف اللثام علي ما حكي عنه و هما محجوجان بالسيرة و تسالم الأصحاب.

فإن قلت: ظاهر بعض الرّوايات وجوب التأخير و النهي عن الإتيان بها في الميقات مثل: صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتّي تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش» «2».

قلت فيه: منع ظهور النهي فيه في الحرمة الوضعيّة غاية الأمر أنه ارشاد إلي

إتيانها في البيداء و كراهة تقديمها عليه و القرينة علي ذلك اتفاق الأصحاب علي إجزاء التلبية من الشجرة.

و صحيح معاوية

بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و اخرج بغير تلبية حتّي تصعد إلي أوّل البيداء إلي أوّل ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض راكباً كنت أم ماشياً فلبّ» «3».

و فيه: أيضاً منع دلالة الأمر علي الالزام غاية الأمر يدل علي كون التلبية عند البيداء أفضل و أكثر صواباً و يشهد علي ذلك صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك من المسجد و إن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء» «4» فان مقتضي ملاحظتهما معاً و البناء علي إجزاء التلبية مطلقاً في الميقات أفضليتها في البيداء.

و أمّا رواية علي بن جعفر عن أخيه (عليها السلام) قال: «سألته عن الإحرام عند

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 15/ 46.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 6.

(4)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 85

الشجرة هل يحلّ لمن أحرم عندها أن لا يلبّي حتّي يعلو البيداء؟ قال: لا يلبّي حتّي يأتي البيداء عند أوّل ميل؟ قال: نعم فأمّا عند الشجرة فلا يجوز التلبية» «1».

ففيه: انها كما قاله البعض ضعيف بعبد الله بن الحسن و علي البناء علي الاعتماد عليه كما قويناه سابقاً فهي معارضة بغيرها مما هو صريح علي جواز التلبية من الشجرة مثل صحيح عبد الله بن سنان «إنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام): هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلي الحجّ أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: نعم انّما لبّي النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) في

البيداء (علي البيداء) لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحبّ أن

يعلمهم كيف التلبية» «2»

و لا ريب ان الترجيح مع الصحيح فتلخص من ذلك انَّه لا ريب في صحة الاجتزاء بالتلبية من المسجد.

و أمّا اجزاء التلبية من البيداء أي كون المكلف مخيراً بين الإتيان بها في المسجد و في البيداء فيدل عليه مضافاً إلي الرّوايات السابقة صحيحة الفضلاء (حفص بن البختري و عبد الرحمن بن الحجاج و حمّاد بن عثمان) عن الحلبي (علي نسخة الكافي) و الحلبي علي نسخة الفقيه جميعاً كلّهم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا صلّيت في مسجد الشجرة فقل و أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم ثمّ قم فامش حتّي تبلغ الميل و تستوي بك البيداء فإذا استوت بك فلبّه» «3».

و هذه الرّوايات تدل بظاهرها علي جواز تأخير التلبية إلي البيداء بل كونها أفضل.

فإن أخذنا بها لا بدّ إمّا أن نقول بحصول الإحرام و عقده منه قبل التلبية حتّي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 8.

(2)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 86

لا تكون معارضة لروايات باب الميقات الّتي تدل علي وجوب الإحرام منه و عدم جواز المرور عليه بدون الإحرام لمن يريد الحجّ و امّا أن نقول بأن البيداء و إن عرف بأنه مكان بين ذي الحليفة و ذات الجيش إلا انه يستفاد عن بعض الرّوايات انّه من ذي الحليفة فقد جاء في جملة روايات جيش يغزون البيت هكذا: «جيش من امتي من قبل الشام يؤمون البيت لرجل منعه الله حتّي إذا علوا البيداء من ذي الحليفة

خسف بهم» «1» أو أن نقول بدلالة هذه الرّوايات علي

كون البيداء أيضاً من المواقيت أو نقول بكفاية الإشراف علي الإحرام للخروج عن الميقات قبله في خصوص مسجد الشجرة.

و كيف كان فهذا مختار الشيخ في النهاية قال: (و الأفضل أن يلبّي إذا أتي البيداء عند الميل، و أمّا الماشي فلا بأس به أن يلبّي من موضعه). «2»

و قال القاضي في المهذب: (يلبّي المحرم إذا كان حاجّاً علي طريق المدينة من الموضع الّذي يصلي فيه للإحرام أو إذا أتي البيداء و هذا هو الأفضل) «3» و عليك بتتبع كلمات غيرهما.

و قال الكليني (قدس سره) (و هذا عندي من الأمر المتوسع إلا أنّ الأفضل فيه أن يظهر التلبية حيث أظهر النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) علي طرف البيداء و لا يجوز لأحد أن يجوز ميل البيداء إلا و قد اظهر التلبية و أوّل البيداء أول ميل يلقاك عن يسار الطريق) «4». و يظهر منه أنّ البحث و السؤال في الرّوايات كان في إظهار التلبية إذاً فلا يجوز ترك

______________________________

(1) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفي (صلي الله عليه و آله و سلم): 4/ 1147 و 1158. راجع الاصل و المصدر.

(2)- النهاية/ 214.

(3)- المهذب: 1/ 216.

(4)- الكافي: 4/ 334.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 87

التلبية سرّا إلي البيداء.

و كيف كان فظاهر الرّوايات ما عرفت و عليه و ان كان جواز الاكتفاء بالتلبية من البيداء قويّ و لكن لا يترك الاحتياط امّا بالتلبية في الشجرة أو الإتيان

بها في المكانتين و اللّه هو العالم.

[مسألة 19] استمرار التلبية الي يوم عرفة

مسألة 19: صرح في الجواهر بأن الحاج كان مفرداً أو قارناً يستمر علي تكرار التلبية إلي يوم العرفة عند الزوال لصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس» «1»

و صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية»، «2» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس» «3» و لغيرها من الرّوايات قال في الجواهر: و ظاهرها الوجوب كما عن نصّ الخلاف و الوسيلة و حكي عن علي بن بابويه و الشيخ و استحسنه بعض لظاهر الأمر و لا ريب في انّه أحوط) «4».

و لا يخفي عليك انّه لا فرق في الحكم المذكور بين الإفراد و القران و حجّ التمتّع كما دل عليه إطلاق الرّوايات و لفظ الشرائع فكلام الجواهر في شرح قوله فإن كان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الاحرام ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب الاحرام ح 5.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 274.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 88

حاجّاً (مفردا أو قارناً) ليس بتام.

أقول: يمكن أن يقال: إن الأمر بالقطع في هذه الرّوايات يكون كالأوامر الواردة في توهم الحظر فلا يدل إلا علي انتهاء الأمر بها و استحبابها و الإتيان بها علي أن يكون حجه مشتملا عليها لا مطلقاً و ذلك لأنهم كانوا مهتمين بالتلبية مستمرين عليها يتكررونها فغاية ما تدل عليه هذه الرّوايات هو انتهاء التأكيد علي

تكرارها عند زوال الشمس و مع ذلك لا ريب في أن قطعها كما قال الجواهر أحوط.

و ربّما يستشهد لمبغوضية التلبية في خارج الموارد المذكورة في الرّوايات بصحيح أبان قال: «كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) في ناحية من المسجد (الحرام) و قوم يلبّون حول الكعبة فقال: أ تري هؤلاء الَّذين يلبّون و

الله لأصواتهم أبغض إلي الله من أصوات الحمير» «1».

إلا انه يمكن أن يقال: إن ذلك منهم كان لضلالتهم في المذهب لا لنفس التلبية كما أشار إليه في الجواهر. «2»

نعم الظّاهر كما ادعاه البعض انه لا خلاف بينهم في أنها مستحبة إلي زوال الشمس و ينتهي استحبابها بزوالها و الله هو العالم.

موضع قطع التلبية للمعتمر

[مسألة 20 موضع قطع التلبية للمعتمر]

مسألة 20: قال في الجواهر: (و إن كان معتمراً بمتعة فإذا شاهد بيوت مكة» كما صرح به غير واحد بل قيل: إنه مقطوع به في كلام الأصحاب لقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي: «المتمتّع إذا نظر إلي بيوت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب الاحرام ح 3. و الكافي: 4/ 540.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 275.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 89

مكة قطع التلبية» «1» و في حسن معاوية: «إذا دخلت مكّة و أنت متمتع فنظرت إلي بيوت مكّة فاقطع التلبية، و حد بيوت مكة الّتي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين فإن الناس قد أحدثوا بمكّة ما لم يكن فاقطع التلبية و عليك

بالتكبير و التهليل، و التحميد، و الثناء علي الله عزّ و جلّ بما استطعت» «2» و قولهما (عليهم السلام) في خبر سدير: «إذا رأيت أبيات مكة فاقطع التلبية» «3» إلي غير ذلك من النصوص الّتي ظاهرها الوجوب بل عن الخلاف الإجماع عليه و لا بأس به). «4»

أقول: الكلام في الرّوايات هو ما ذكرناه في المسألة السابقة لكن يجب قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة احتياطاً.

ثمّ إن في الجواهر تعرض لما يوهم خلاف ذلك مثل ما رواه الشيخ عن أحمد «5» عن الحسين بن سعيد «6» عن فضالة «7» عن أبان «8» عن زرارة «9» عن أبي عبد الله (عليه السلام)

قال: «سألته أين يمسك المتمتّع عن التلبية؟ فقال: إذا دخل البيوت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 43 من ابواب الاحرام ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 43 من ابواب الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 43 من ابواب الاحرام ح 5.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 275.

(5)- هو أحمد بن محمد بن عيسي من السابقة شيخ القميين و وجههم …

(6)- من السابعة جليل القدر صاحب المصنفات.

(7)- ابن أيوب من السادسة ثقة و من اصحاب الإجماع.

(8)- ابن عثمان من الخامسة وصف بأنه من الناوسية و ان العصابة اجمعت علي تصحيح ما يصح عنه و عن فخر المحققين قال: سألت والدي عنه فقال الاقرب عدم قبول روايته جامع الرواة: 1/ 12.

(9)- من الرابعة مشهور و معروف

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 90

بيوت مكة لا بيوت الأبطح» «1».

و لكنه يحمل بقرينة غيره علي إرادة الإشراف مضافاً إلي أن الأخذ بسائر

الرّوايات موافق للاحتياط.

و أما ما رواه الشيخ عن سعد بن عبد الله «2» عن موسي بن الحسن «3» عن محمد بن عبد الحميد «4» عن أبي جميلة المفضل بن صالح «5» عن زيد الشّحام «6» عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن تلبية المتعة متي تقطع؟ قال: يدخل الحرم» «7».

فقد حمله الشيخ علي جواز قطع تلبية و غيره علي الاستحباب.

أقول: حمل ما يدل علي قطعها عند رؤيته بيوت مكة علي الاستحباب مبني علي عدم استفادة وجوب القطع منه و إلا فالأولي أن يقال: إنه محمول علي استحباب القطع عند دخول الحرم و غيره علي وجوبه إذا نظر إلي بيوت مكة و لكن الظّاهر انه لا قائل به و الرواية ضعيفة السند مهجورة لا يعتمد عليها.

ثمّ إنّه ربّما يوهم اختلاف الرّوايات في تحديد بيوت

مكة و ما فيها من تحديدها بعقبة المدنيين و ما فيها من تحديدها بعقبة ذي طوي ففي صحيح معاوية بن عمّار الَّذي مرّ ذكره تحديدها بالأوّل و في صحيح البزنطي عن مولانا الرضا (عليه السلام): «إنّه

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 5/ 468 ح 1638. وسائل الشيعة: ب 43 من ابواب الاحرام.

(2)- القمي الاشعري شيخ هذه الطائفة … هو من كبار الثامنة.

(3)- الاشعري القمي ثقة عين …، صنف ثلثين كتاباً من السابعة.

(4)- العطار من السادسة.

(5)- ضعيف يضع الحديث … من الخامسة.

(6)- ابن يونس أو ابن محمد بن يونس ثقة من الخامسة.

(7)- تهذيب الأحكام: 5/ 95 ح 312، الاستبصار: 2/ 177.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 91

سئل من المتمتع متي يقطع التلبية؟ قال: إذا نظر إلي عراش مكة عقبة ذي طوي قلت: بيوت مكة؟ قال: نعم». «1»

قال الشيخ في التهذيب: (هذه الرواية- يعني عقبة المدنيين- فيمن جاء إلي مكة من طريق المدينة خاصة، و الرواية الّتي قال فيها: إنه يقطع عند ذي طوي لمن جاء علي طريق العراق). «2»

و قال في الاستبصار: (و كان أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (رحمه الله) حين روي هذه الرواية حملها علي التخيير حين ظن أنها متنافية و علي ما فسرناه ليست بمتنافية و لو كانت متنافية لكان الوجه الّذي ذكره صحيحاً). «3»

و علي هذا يمكن أن يقال: ان الرّوايات تكون متنافية إذا كانت إحدي العقبتين بعد الأخري في طريق واحد دون ما إذا كانت حديها في طريق المدينة إلي مكة و الأخري في طريق العراق أو كان كل منها مكاناً واحداً باسمين.

و الظّاهر أن المستفاد من الرّوايات ان ما هو الموضوع لوجوب قطع التلبية أو انتهاء استحبابها هو الأمكنة الّتي

تري منها بيوت مكّة في عصر النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) فإن كان في زماننا مكاناً معروفاً بذلك فهو و الا فيمكن أن يقال: إنه ما دام يكون شاكاً في وصوله إلي ذلك المكان (عقبة المدنيين و عقبة ذي طوي و غيرهما) يستصحب عدم وجوب القطع علي القول به أو استحباب التلبية و مقتضي الاحتياط- إن شاء قطع التلبية من مكان يحصل له العلم بقطعها من المكان المأمور به.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب الاحرام ح 4.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 96.

(3)- الاستبصار: 2/ 178.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 92

[مسألة 21] موضع قطع التلبية في العمرة المفردة

مسألة 21: قال في الجواهر أيضاً: (فإن كان بعمرة مفردة قيل و القائل الصدوق و تبعه المصنف في النافع كان مخيراً في قطع التلبية عند دخول

الحرم أو مشاهدة الكعبة إلي أن قال- و قيل: و القائل المشهور علي ما في كشف اللثام إن كان ممن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة و ان كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم). «1»

أقول: الأخبار في المسألة علي طوائف.

منها: ما يستفاد منه حكم من أحرم من أدني الحلّ كالتنعيم كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتي ينظر إلي المسجد» «2» و إطلاقه يشمل من خرج من مكة إليه للعمرة و من كان خارجا عنها و بدا له الإتيان بالعمرة كما أن الظّاهر انّه ليس ذلك لخصوص التنعيم بل هو حكم مطلق الاعتمار من أدني الحلّ كما يدلّ عليه إطلاق الصحيح الآتي و كصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم

من الجعرانة و الحديبية أو ما أشبههما و من خرج من مكة يريد العمرة ثمّ دخل معتمراً لم يقطع التلبية حتي ينظر إلي الكعبة» «3» و يستفاد منه أن ذلك حكم الاعتمار من أدني الحل الخارج من مكة و لا خصوصية للخروج منها إليه كما يدل عليه إطلاق الصحيح السابق. و كمرسلة المفيد في المقنعة قال: «سئل (عليه السلام) عن الملبي بالعمرة المفردة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 277.

(2)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 4.

(3)- تهذيب الاحكام: 2/ 95 ح 315.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 93

بعد فراغه من الحج متي يقطع تلبيته؟ فقال: إذا رأي (زار) البيت». «1»

و ليس في الأخبار ما يعارض هذه الرّوايات فلا بد من الحكم علي طبقها و لا وجه لان يكون الحكم بها و بغيرها ممّا يدلّ بالإطلاق علي جواز قطع التلبية للمعتمر

من أدني الحل إذا دخل بيوت مكة لأن إطلاقه يقيّد بهذه الرّوايات.

و من روايات الباب ما يدل علي أنّ المعتمر يقطع التلبية إذا دخل الحرم مثل موثقة إبراهيم بن أبي سمال (ك خ) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: «و إن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم» «2» و صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من دخل مكة مفرداً للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم» «3» و معتبرة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) الّتي وصفها في الجواهر بالإرسال لأن سنده هكذا حميد بن زياد «4» عن ابن سماعة «5» عن غير واحد عن أبان «6» عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «يقطع التلبية المعتمر إذا دخل الحرم» «7».

و لكن

الظّاهر انّه لا يضر مثل ذلك الارسال باعتبار الحديث لو لم نقل بأنّه يزيد في اعتباره و كيف كان تدلّ علي قطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم و لو توهم إطلاق حكمه للمتمتع بالعمرة فهو يقيد بما ورد في عمرة التمتّع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 13.

(2)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 2.

(4)- من الثامنة عالم جليل ثقة …

(5)- من السابعة الحسن بن محمّد واقف كثير التصانيف.

(6)- ابن عثمان الاحمر من الخامسة فاسد المذاهب من أصحاب الإجماع.

(7)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 5 و الكافي: 4/ 537 راجع جواهر الكلام: 18/ 277.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 94

و مثل خبر مرازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم». «1»

و في قبال هذه الرّوايات روايات تدل علي قطع المعتمر التلبية إذا نظر إلي بيوت مكّة كما رواه الشيخ بإسناده عن محسن بن أحمد «2» عن يونس بن يعقوب «3» «قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟ قال: إذا رأيت بيوت ذي طوي (مكّة خ) فاقطع التلبية» «4».

و صحيح الفضيل قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت: دخلت بعمرة فأين أقطع التلبية؟ قال: حيال العقبة عقبة المدينين فقلت: أين عقبة المدينين؟ قال: بحيال القصارين «5».

و ما رواه عبد الله بن جعفر «6» في قرب الإسناد عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب «7» عن أحمد بن محمد بن أبي نصر «8» قال: و سألته (يعني أبا الحسن الرضا

(عليه السلام)) عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من أين يقطع التلبية؟ قال: كان أبو الحسن (عليه السلام) يقطع التلبية إذا نظر إلي بيوت مكة» «9».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 45 من ابواب الاحرام ح 6.

(2)- من السادسة لم يرد فيه توثيق.

(3)- من الخامسة ثقة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الاحرام ح 3 و تهذيب الاحكام: 5/ 95، ح 314/ 122.

(5)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 11 و تهذيب الاحكام: 5/ 96، ح 3. 16/ 124.

(6)- من كبار الثامنة ثقة شيخ القميين …

(7)- من السابعة جليل القدر عظيم من اصحابنا …

(8)- من السادسة عظيم المنزلة …

(9)- قرب الاسناد: 379 ح 1337 و وسائل الشيعة ب 45 من ابواب الاحرام ح 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 95

و بملاحظة الجمع بين هذه الطائفة و الطائفة السابقة افتي الصدوق بالتخيير فقال: هذه الأخبار كلّها صحيحة متفقة ليست بمختلفة و المعتمر عمرة مفردة في ذلك بالخيار يحرم من أي ميقات من هذه المواقيت شاء و يقطع التلبية في أي موضع من

هذه المواضع شاء و هو موسع عليه و لا حول و لا قوّة الّا بالله العلي العظيم.

و قد استشكل في ذلك بأن القول بالتخيير متفرع علي التنافي و التكافؤ و هو مفقود فيما نحن فيه لأن خبر يونس بن يعقوب ضعيف بمحسن بن أحمد فإنّه لم يوثق في كتب الرّجال و التعبير عنه بالموثق اشتباه و أما صحيح الفضيل فليس فيه التصريح بالعمرة المفردة و إنّما يدل عليها بالإطلاق فيقيد إطلاقه بما دلّ علي قطع التلبية فيها عند دخول الحرم بل يمكن دعوي إجماله و انه سؤال عن واقعة نفسه الّتي كانت معلومة بين السائل و المجيب

و أمّا رواية البزنطي فاطلاقها يشمل من ابتدأ بالعمرة من خارج الحرم و من أحرم من التنعيم و غيره فيقيد بما يدلّ علي حكم من أحرم من خارج الحرم و هذا الجواب يأتي أيضاً في خبر يونس بن يعقوب و علي ذلك فالحكم بقطع التلبية عند دخول الحرم إذا كان أحرم من خارجه و قطعها عند النظر إلي بيوت مكة إذا أحرم للعمرة من أدني الحلّ وجيه و موافق الاحتياط و الله هو العالم.

[مسألة 22] كيفية تكرار التلبية

مسألة 20: لا ريب انَّه لا يلزم في تكرار التلبية أن تكون بالصور المعتبرة في انعقاد الإحرام بها التي قال الامام (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمّار انّه لا بد منها فيجوز الاكتفاء بسائر صيغها المروية في الرّوايات فيكفي مثلا لبيك اللّهم لبيك أو لبيك اله الحق لبيك أو لبيك كشاف الكرب العظام أو غيرها بل يكفي غير الصور المذكورة في الرّوايات مثل

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 96

لبيك اله العالمين لبيك يا رحمان يا رحيم. لبيك يا ذا المن و الإحسان و يا ذا العفو و الغفران.

و استدل للاكتفاء بذلك بمثل ما في صحيح معاوية بن عمار: «و ان تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أنّ تمامها أفضل» «1»

و فيه: ان ظاهره و ظاهر اطلاق الروايات جواز بعض التلبيات المذكورة في الصحيح بل لا يخلو من الدلالة علي أنّ الفضل لبعض الصيغ المذكورة في الرّوايات.

و فيه: ايضاً انّ الإطلاق لو وجد في بعض الرّوايات يكون منصرفاً إلي التلبيّات المأثورة.

و بعد ذلك كلّه نقول أنّ ما يستفاد من سياق الرّوايات استحباب مطلق التلبية و استحبابها بالصور المذكورة في الرّوايات فلا يقيد بها استحبابها المطلق حتي و ان قال لبيك خلافاً لمن

اشكل في ذلك من المحشين العظام عليهم رضوان الله تعالي.

[مسألة 23] الشك في اتيان التلبية صحيحة

مسألة 21: إذا اتي بالتلبية و شك بعد الإتيان بها انَّه اتي بها صحيحة ام لا؟ يبني علي الصحة لقاعدة الفراغ العامة الجارية في جميع الابواب.

و أمّا إذا شك في أنّه أتي بالتلبية ام لا يجب عليه الإتيان بها إذا لم يتجاوز المحل كما إذا شك و هو في الميقات و أمّا إذا خرج عن الميقات و هو مشتغل بالتلبيات المستحبة أو وصل إلي مكة و شك مثلا في حال الطواف فلا يعتد بشكه لقاعدة التجاوز.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 40 من ابواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 97

و لكن لا يترك الاحتياط فيما إذا شك في الإتيان بها و لم يدخل في الأعمال الواجبة المترتبة عليها بالرجوع إلي الميقات و إتيان التلبية فيه و إن لم يمكن فيرجع إليه ما امكن و إلّا فيلبي من مكانه كالناسي هذا و إن شك في التلبية و هو في الميقات لا

يحرم عليه فعل ما يحرم عليه بالإحرام.

[مسألة 24] الشك في التلبية بعد الاتيان بموجب الكفارة

مسألة 24: من أتي بموجب الكفارة و شك في أن ذلك كان منه بعد التلبية حتّي تجب عليه أو قبلها فلا تجب؟

فإن كانا مجهولي التاريخ أو كان تاريخ التلبية مجهولا لم تجب عليه لتعارض استصحاب عدم التلبية إلي زمان إتيان موجب الكفارة مع استصحاب عدم إتيان موجبها إلي زمان التلبية و عدم ترجيح أحدهما علي الآخر في صورة كونهما مجهولي التاريخ فالأصل براءة ذمّته عن الكفارة و في صورة كون تاريخ التلبية مجهولا و تاريخ ارتكاب الموجب معلوماً يجري استصحاب عدم التلبية إلي تاريخ ارتكاب الموجب فلا تجب الكفارة و أمّا إذا كان تاريخ اتيان الموجب مجهولا و تاريخ التلبية معلوماً فاستصحاب عدم اتيان الموجب إلي تاريخ التلبية لا

يقتضي وقوعه بعد التلبية.

و أمّا التمسك باصالة تأخر الحادث بأن يقال بحدوث الموجب و تأخره عن تاريخ التلبية بمقتضي اصالة التأخر فلا اعتداد بها لا أصلا و لا فرعاً أمّا من حيث الكبري و الاصل فلا دليل علي اعتبار هذا الأصل مضافاً إلي ان التأخر أيضاً

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 98

حادث و مقتضي الأصل عدم حدوثه و أمّا فرعاً و من حيث الصغري فاصالة تأخر الحادث تثبت حدوثه بعد يوم الخميس مثلا الّذي وقع فيه التلبية و لكن لا يثبت بها انّ حدوث الموجب كان بعد التلبية إلا علي القول بالأصل المثبت.

هذا كلّه علي ما بني عليه الشيخ (قدس سره) من سقوط- الاستصحاب في مجهولي

التاريخ بالتعارض «1».

و أمّا علي مختار صاحب الكفاية (قدس سره) «2» فليس المقام مقام اجراء الاستصحاب للشك في اتصال زمان الشك باليقين فالتمسك بالاستصحاب فيه تمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية.

و يوضح ما أفاده بأن يقال: إنا نفرض ثلاث ساعات متوالية ففي الساعة الأولي نكون باليقين علي عدم الإتيان بالتلبية و بموجب الكفارة معاً و في الساعة الثانية نعلم باتيان واحد منهما علي سبيل الإجمال و في الساعة الثالثة نعلم بإتيان واحد آخر منهما أيضاً بالإجمال و لا علي التعيين و عليه نشك في كل منهما (التلبية و موجب الكفارة) انّه هل استمر عدمه إلي زمان وجود الآخر.

و بعبارة اخري هل حدث في زمان حدوث الأخر أم لا؟ لا ريب في اننا لو علمنا بتاريخ حدوث الأخر نستصحب عدم حدوث ما شككنا في حدوثه عند حدوث الآخر و ذلك لاتصال زمان الشك فيه باليقين و أمّا حيث كان حدوث الموجب للكفارة و التلبية مجهولي التاريخ، نشك في حدوث كل منهما في

زمان الآخر و يمكن أن يكون ذاك الآخر الذي نشك في حدوث التلبية في زمانه وجد في الساعة

______________________________

(1)- فرائد الاصول: السابع من تنبيهات للاستصحاب.

(2)- كفاية الاصول: الحادي عشر من تنبيهات الاستصحاب.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 99

الثانية أو الثالثة و انه إن وجد في الساعة الثانية يكون زمان الشك فيه متصلا باليقين و إن وجد في الساعة الثالثة انتقض يقيننا بعدمه باليقين بوجوده و يكون الشك فيه في الساعة الثالثة منفصلا عن اليقين بعدمه و يكون اتصال زمان الشك باليقين مشكوكاً فيه و التمسك بقوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» لإجراء استصحاب عدمه تمسك بالعموم في الشبهة المصداقية.

و بعبارة اخري نقول بعد العلم بعدم التلبية و ارتكاب الموجب للكفارة في الساعة الاولي الشك يقع في ان التلبية هل وجد في زمان ارتكاب الموجب الّذي مردد بين كونه الساعة الثانية أو الثالثة فإن كان هو الساعة الثانية يكون الشك في وقوع التلبية فيه متصلا بزمان اليقين بعدمه و إن كان هو الساعة الثالثة يكون الشك في وقوع التلبية فيه منفصلا عن زمان اليقين بعدمه لانتقاضه بوجودها في الساعة الثانية و هكذا يجري الكلام في الشك في وقوع الموجب في زمان التلبية فلا مجال لجريان الاستصحاب بالنسبة إلي عدم كل منهما في زمان الآخر للشك في اتصال زمان الشك باليقين فمقتضي الأصل ايضاً البراءة عن الكفارة.

و لا فرق في ذلك أي عدم جواز التمسك بالاستصحاب علي هذا المبني أن يكون الأثر مترتباً علي إجراء الأصل في كل منهما أو علي واحد منهما.

نعم علي مسلك الشيخ يجري الاستصحاب إذا كان الأثر مترتباً علي واحد منهما لعدم التعارض.

ثمّ إنه قال بعض الأعاظم: (إنّ في توارد الحالتين جريان الأصلين و

تعارضهما يتوقف علي ترتب الأثر لكلّ منهما فإن جريانهما معاً غير ممكن و في أحدهما دون الأخر ترجيح بلا مرجّح، و أما إذا كان الأثر مترتباً علي أحدهما دون الأخر فلا مانع من جريان الأصل فيه و الرجوع إليه سواء كان المورد من موارد

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 100

مجهولي التاريخ أو كان أحدهما معلوماً و الآخر مجهولا و مقامنا من هذا القبيل لأن ارتكاب الأفعال المنهية قبل التلبية لا أثر له و إنما الأثر يترتب بعد التلبية، فلو شك في أنه هل ارتكب محرما بعد التلبية ليترتب عليه الكفارة أو لم يرتكب شيئاً لم تجب عليه الكفارة لأصالة عدم الارتكاب بعد التلبية و لا تعارض باصالة عدم الارتكاب قبل التلبية لعدم ترتب الأثر علي ذلك فأحد الأصلين لا أثر له فلا يجري

و الأصل الآخر الّذي يترتب عليه الأثر يجري سواء كان المورد مجهول التاريخ أو معلومه و لا مجال للرجوع إلي البراءة بعد إمكان جريان الأصل الموضوعي). «1»

و يمكن أن يقال في جوابه: إن الشّك واقع في أن الفعل المحرم الّذي لا شكّ في وقوعه وقع بعد التلبية أو قبلها لا ان الفعل المحرّم قبل التلبية وقع ام لا يقع حتي يقال بعدم ترتب الأثر علي استصحاب عدم وقوعه أو أنه وقع بعد التلبية أم لم يقع حتّي يستصحب عدم وقوعه و عدم ارتكابه و يترتب عليه عدم وجوب الكفارة.

فعلي الصورة الأولي نقول: ان مقتضي استصحاب عدم وقوع الفعل المعلوم وقوعه إلي حين التلبية وقوعه بعد التلبية فيترتب عليه الكفارة و مقتضي استصحاب عدم وقوع التلبية إلي حين وقوعه وقوع التلبية بعده و إن شئت قل: وقوعه قبلها و الاثر المترتب عليه عدم وجوب الكفارة

و بذلك يقع التعارض بين الاستصحابين و يسقطان به عن الحجية.

هذا و يمكن أن نقول بعدم وجوب الكفارة في جميع الصور الأربع سواء كان مؤدي الاستصحاب وقوع التلبية بعد ارتكاب موجب الكفارة أو وقوعه بعد التلبية إلا علي القول بالأصل المثبت أمّا إذا كان كلاهما مجهولي التاريخ فاستصحاب عدم

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 558.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 101

التلبية إلي زمان ارتكاب الموجب لا يثبت به كون التلبية بعد ارتكاب الموجب و استصحاب عدم الموجب إلي زمان التلبية لا يثبت به كون الموجب بعد التلبية و كذا إذا كان تاريخ التلبية مجهولا لا يثبت باستصحاب عدمها إلي زمان الارتكاب المعلوم كونها بعد ارتكاب الموجب و لو كان زمان ارتكاب الموجب مجهولا لا يثبت باستصحاب عدمه إلي زمان التلبية المعلوم وقوعه بعد التلبية فعلي ذلك كلّه المرجع

في المسألة هو البراءة عن وجوب الكفارة.

[الثالث من واجبات الإحرام لبس الثوبين]
اشارة

الثالث من واجبات الإحرام لبس الثوبين

قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهي و المدارك بل في التحرير الإجماع علي ذلك بل قصّر الشيخ و بنو حمزة و البراج و زهرة و سعيد، الإحرام في ثوب علي الضرورة بل عن القاضي منهم التصريح بعدم جواز الإحرام في ثوب إلا لضرورة، كل ذلك مضافاً إلي الأمر بلبس الثوبين في المعتبرة المستفيضة كصحيحي ابني عمار «1» و وهب «2»، و صحيح هشام بن الحكم «3» و غيرها و إن كان هو في سياق غيره مما علم ندبه خصوصاً بعد ملاحظة ما سمعته من الإجماع و إلي التأسي بالنبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و أئمة الهدي (عليهم السلام) فإن ثوبي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) اللذين

أحرم فيهما كانا يمانيين عبري و أظفار و فيهما كفن علي ما رواه ابن عمار «4» عن الصادق (عليه السلام) و في مرسل الحسن بن علي عن بعض اصحابنا عن بعضهم (عليهم السلام) «أحرم رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاحرام ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الاحرام ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 102

ثوبي كرسف» «1» فما في كشف اللثام من أن لبس الثوبين إن كان علي وجوبه إجماع كان هو الدليل و إلا فالأخبار الّتي ظفرت بها لا تصلح مستنداً له مع ان الأصل العدم و كلام التحرير و المنتهي يحتمل الاتفاق علي حرمة ما يخالفهما و التمسك بالتأسي أيضا ضعيف فإنّ اللبس من العادات إلي أن يثبت كونه من العبادات و فيه الكلام-

لا يخفي عليك ما فيه. «2»

أقول: أمّا الاستدلال بالإجماع فلا يتم بعد احتمال كون مستند القائلين بالوجوب الرّوايات إلا أن يدعي أن المغروس في الأذهان من العصر الأول وجوب لبس الثوبين بحيث كان المسألة عندهم بمكان من الوضوح غنية عن السؤال.

و أمّا الرّوايات فمما أشار إليه في الجواهر صحيح بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا انتهيت إلي العقيق من قبل العراق أو إلي الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام إن شاء الله فانتف إبطك و قلّم أظفارك و اطل عانتك و خذ من شاربك و لا يضرك بأي ذلك بدأت ثمّ استك و اغتسل و البس ثوبيك و ليكن فراغك من ذلك أن شاء

الله عند زوال الشمس و إن لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك غير إنّي أحبّ أن يكون ذلك مع الاختيار عند زوال الشمس» «3».

و في الاستدلال به أن وقوع الأمر بلبس الثوب في سياق الاوامر المتعددة بغيره من المستحبات يمنع عن انعقاد ظهوره في الوجوب.

و صحيح معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التهيؤ للإحرام؟ فقال: اطل بالمدينة فإنّه طهور و تجهّز بكل ما تريد و إن شئت استمتعت بقميصك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الاحرام ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 232.

(3)- الكافي: 4/ 326 وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 103

حتّي تاتي الشجرة فتفيض عليك من الماء و تلبس ثوبيك إن شاء الله «1».

و لا دلالة فيه أيضاً علي وجوب لبس الثوبين غاية الأمر يدلّ علي وجوب خلع مثل القميص.

و أما صحيح هشام بن الحكم الّذي أشار إليه إن كان ما رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مر موسي النبي (عليه السلام) بصفائح الروحاء علي جمل احمر خطامه من ليف عليه عباءتان قطوانيتان و هو يقول: ليبك يا كريم لبيك قال: و مرّ يونس بن متي … و مرّ عيسي بن مريم … و مرّ محمد: بصفاح الروحاء و هو يقول: لبيك ذا المعارج لبيك» «2».

فليس فيه ما يدل علي وجوب لبس الثوبين.

و لعل كان مراده صحيح هشام بن سالم قال: «أرسلنا إلي أبي عبد الله (عليه السلام) و نحن جماعة و نحن بالمدينة أنا نريد أن نودعك فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإنّي أخاف أن يعز الماء عليكم بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم الّتي تحرمون فيها

ثمّ تعالوا فرادي أو مثاني» «3» و لكن دلالته ايضاً علي وجوب لبس الثوبين بل استحبابه ممنوعة كغيره و التأسي بالنبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و بأئمة الهدي (عليهم السلام) محبوب مطلوب مطلقاً لكن وجه أفعالهم (عليهم السلام) من الوجوب و الندب لا يعرف بمجرد أفعالهم.

و ما رواه ابن عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: «كان ثوبا رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) الذين أحرم فيهما يمانيين عبري و أظفار و فيهما كفن» «4» لا يدلّ علي الوجوب كما لا يخفي.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الاحرام ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الاحرام ح 6.

(3)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 104

و كذا مرسل الحسن بن علي «1» أيضا فإن غاية ما يستفاد منه رجحان الإحرام أو اباحته في ثوب الكرسف، إذاً فالاستدلال بالروايات لا يكفي في إثبات الوجوب لعدم ظهورها في ذلك و هذا يقوي حجية الإجماع في المسألة لعدم وجود

خبر ظاهر في الوجوب يكون دليلا للمجمعين فالظاهر انّ وجوب لبسهما كان مفروغاً عنه عند الجميع و لا ريب ان ذلك مقتضي الاحتياط فلا يترك في مثل المسألة و الله هو العالم.

[فروع]
[الفرع الأول] كيفية ثوبي الاحرام

ثمّ ان هنا فروع الاول: بناء علي وجوب الاتزار و الارتداء بل و استحبابهما هل يكفي في أداء الوجوب أو الاستحباب الاتزار و الارتداء بثوب واحد أو لا بدّ و أن يكون بثوبين قال الشهيد أعلي الله درجته في الدروس:

(و لو كان الثوب طويلا فاتزر ببعضه و ارتدي بالباقي أو توشّح به أجزأ). «2»

و لكن الظّاهر

مما حكي في الجواهر عن الشيخ و بنو حمزة و البراج و زهرة و سعيد قصر الإحرام في ثوب علي الضرورة قال: (بل عن القاضي منهم التصريح بعدم جواز الإحرام في ثوب إلّا لضرورة). «3»

فالظّاهر أن المسألة ليست إجماعيّة و مقتضي الجمود علي النصوص وجوب الثوبين إلّا أن يقال: أن ذلك كان حسب جريان العادة بالاتّزار و الارتداء بهما و إلّا فلا فرق بين الثوبين و الثوب الّذي يشمل من الجسم ما يشملاه و مقتضي الأصل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الاحرام ح 3.

(2)- الدروس الشرعية 1/ 344.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 233.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 105

عدم تقيد الاتزار و الارتداء بثوبين فيكفي الإتيان بالأقل و هو ثوب واحد.

و يمكن أن يكون مراد من قال بعدم جواز الإحرام في ثوب واحد إلّا في الضرورة الاكتفاء بالإزار مع إمكان الأزيد لا عدم جوازه في ثوب طويل يتزر

ببعضه و يرتدي بالباقي كما اختاره الشهيد و لكن استقرار السيرة علي الارتداء و الاتزار بثوبين و الأمر بهما في الرّوايات دون ذكر و سؤال فيها عن الاكتفاء بثوب واحد يمنعنا عن الجزم علي كفاية ثوب واحد فالاحتياط لا يجوز تركه في حال الاختيار.

[الفرع الثاني] اشتراط الاحرام بلبس الثوبين

الفرع الثاني قال الشهيد رفع الله درجته في الدروس: (و هل اللبس من شرائط الصحَّة حتي لو أحرم عارياً أو لابساً مخيطاً لم ينعقد نظر، و ظاهر الاصحاب انعقاده حيث قالوا: لو أحرم و عليه قميص نزعه و لا يشقه و لو لبسه بعد الإحرام وجب شقّه و اخراجه من تحت كما هو مروي و ظاهر ابن الجنيد اشتراط التجرد) «1».

أقول: الكلام يقع في المقامين.

المقام الأول: في أن التجرد من لبس المخيط هل هو شرط

في انعقاد الإحرام أم لا: فما يستفاد من الرّوايات عدم اشتراطه به ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الإشعار و التقليد فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم». «2» و إطلاقه ينفي اشتراط- انعقاده بالتجرد كما ينفي

______________________________

(1)- الدروس الشرعية: 1/ 345.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أقسام الحج ح 20.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 106

اشتراطه بلبس الثوبين.

و في صحيحه الآخر «1» الّذي رواه ابن أبي عمير عنه و و عن غير واحد عن

أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل أحرم و عليه قميصه؟ فقال: ينزعه و لا يشقه، و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه مما يلي رجليه»، و ظاهره عدم اشتراط- انعقاد الإحرام بالتجرد اذ لو كان مشروطاً به لكان الجواب إنَّه يعيد إحرامه نعم يمكن أن يقال: بأن الظّاهر أنه كان جاهلا بالحكم أو هو مطلق بالنسبة إلي الجاهل و الناسي.

و هل يقيد اطلاق صحيحه الاولي و إطلاق الثاني علي القول به بصحيح عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جاء رجل يلبّي حتي دخل المسجد و هو يلبّي و عليه قميصه فوثب إليه أناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا: شقّ قميصك و أخرجه من رجليك فإنّ عليك بدنة، و عليك الحج من قابل، و حجّك فاسد فطلع أبو عبد الله (عليه السلام) فقام علي باب المسجد فكبر و استقبل الكعبة فدني الرجل من أبي عبد الله (عليه السلام) و هو ينتف شعره و يضرب وجهه فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) أسكن يا عبد اللّه فلمّا كلمه- و كان الرجل

اعجميّاً- فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ما تقول: قال: كنت رجلا أعمل بيدي فاجتمعت لي نفقة فجئت أحج لم أسأل أحداً عن شي ء فأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي و أنزعه من قبل رجلي و أنّ حجّي فاسد و انَّ علي بدنة فقال له: متي لبست قميصك أ بعد ما لبَّيت أم قبل؟ قال: قبل أن ألبّي قال: فاخرجه من رأسك فإنّه ليس عليك بدنة، و ليس عليك الحجّ من قابل أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي ء عليه طف بالبيت سبعاً و صلِّ ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) واسع بين الصفا و المروة و قصر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل و أهلِّ بالحجّ

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 45 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 107

و اصنع كما يصنع الناس». «1»

فإنه يدل علي أنّ صحة الحج و عدم الكفارة إذا هو أحرم في قميصه مشروطان بالجهل و مفهومه عدم صحة الحج و وجوب الكفارة إذا لم يكن ذلك عن الجهل و هذا

هو معني اعتبار التجرد عن المخيط في الإحرام.

هذا و يمكن أن يقال: أنّ الحكم بعدم الكفارة في صورة الجهل بالحكم الّذي يستفاد منه أن عليه الكفارة إذا كان عالماً بوجوب النزع حكم تركه نزع القميص بعد الإحرام و استمرار التقمّص به فلا تدلّ علي شرطيّة التجرد في حصول الإحرام كما أنّ صحيح ابن عمّار الثاني أيضاً يدلّ علي أنه ينزع اللباس الّذي هو فيه عند الإحرام و التلبية و لا يشقّه و بعبارة أخري سؤال السائل بقرينة الجواب راجع إلي كيفيّة نزعه و لا يستلزم ذلك كون التجريد عن المخيط واجباً في حال الإحرام شرطاً أو تعبداً نعم

يجب ذلك بعد انعقاد الإحرام.

لا يقال: قوله و ليس عليك الحج من قابل يدل علي شرطيّة التجرّد في انعقاد الإحرام و صحّة الحج.

فانه يقال: ان الحكم بعدم الحج من قابل مطلق لا يدور مدار الجهل بوجوب نزع القميص فان ترك ذلك عالماً أيضا لا يفسد حجَّه حتَّي يترتب عليه الحج من قابل.

مضافا الي انه يمكن ان يقال: اذا كان المنطوق و ما يترتب بجهالة سالبة كلية يكون مفهومه موجبة جزئية يعني اذا لم تركبه بجهالة فعليه شي ء فيمكن

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 72 ح 239/ 47 وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب تروك الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 108

ان يكون ما عليه الكفارة لا بطلان الحج.

فتحصل من ذلك كلِّه أنّ التجرد عن المخيط ليس شرطاً في انعقاد الإحرام نعم يجب تكليفاً نزعه بعد انعقاده.

المقام الثاني: في أن وجوب لبس الثوبين هل تعبديّ حتّي ينعقد الإحرام بدونهما أو شرطيّ لا ينعقد الإحرام بدونه و إن شئت قل: هل لبس الثوبين في حال إنشاء الإحرام و التلبية شرط- من شرائط الإحرام فلا يتحقق الّا به أو هو كسائر الأعمال الواجبة في الحج ممّا لا يضر فقده مطلقاً أو في الجملة بالإحرام و الحج، ظاهر ما تعلق الأمر باتيانه في ضمن الواجبات كونه من أجزاء الواجب الواجبة أو المستحبة فإذا كان واجباً يحكم بأنه من أجزائه الواجبة فلا بدّ من الإتيان به و لا يجزي ما كان فاقداً له أمّا في الحج حيث إنّ أكثر ما فيه من الواجبات لا يترتب علي

تركه بطلانه إمّا مطلقاً أو في صورة الجهل و النسيان فلا يدل مجرد وجوب فعل فيه علي اشتراطه به أو علي كونه جزء من أجزائه يفوت

بفوته الحج فلا بدَّ من ملاحظة دليل الحكم و استظهار كيفيّة الوجوب منه و قد ثبت في محلّه أن قضيّة إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيّاً و ذلك لأنَّ وجوب شي ء للغير أمر زائد علي نفس الوجوب يحتاج إلي التنبيه عليه بخلاف النفسي فانه ليس فيه امر زائد علي نفسه.

فعلي هذا مقتضي إطلاق الأمر بالثوبين كون الوجوب المستفاد منه نفسياً هذا مضافاً إلي ما في الرِّوايات من الدلالة علي ذلك منها صحيح معاوية بن عمار الأول الّذي سبق ذكره في المقام الأوّل بل و صحيحه الثاني «في رجل أحرم و عليه قميصه فقال ينزعه و لا يشقه و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه ممّا يلي رجليه» فإنه يستفاد من السؤال و الجواب صحة الإحرام في القميص و انما السائل سئل عن كيفية نزع المخيط إذا وقع الإحرام في المخيط لانه إن أخرجه من رأسه يقع في محذور

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 109

ستر الرأس.

و أما تقييد هذا الصحيح بصحيح عبد الصمد الّذي مرَّ ذكره كما حكي عن الحدائق فيظهر جوابه مما ذكرناه في المقام الأول.

و أما الاستناد بصحيح آخر لمعاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن لبست ثوباً في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلبّ و أعد غسلك و إن لبست قميصاً فشقّه و أخرجه من تحت قدميك» «1» لبطلان التلبية إذا لم يكن لابساً لثوبي الإحرام فلا يصحّ لأنَّ الظّاهر أن السؤال فيه وقع عن لبس الثوب الّذي لا يصلح للمحرم لبسه بعد تحقّق الإحرام كما يدل عليه الحكم بشق القميص و إخراجه من تحت قدميه

فالظاهر انّ مفاده الفرق بين القميص و غيره من الثياب كالقباء و أما

تجديد التلبية و الغسل في هذه الصورة فهو محمول علي الاستحباب و الله هو العالم.

[الفرع الثالث] وجوب لبس ثوبي الاحرام علي المرأة

الفرع الثالث: هل وجوب لبس الثوبين علي القول به مختصّ بالرّجل أو يعم المرأة؟ و ليقدم علي البحث فيه البحث عن وجوب أصل اللبس عليها فلا ينعقد إحرامها عارية عن اللّباس و لو لم يكن الناظر المحترم أو ينعقد ذلك في حال عريها عن اللّباس.

و يمكن إجراء البحث علي نحو يشمل الجنسين (الذكر و الأنثي) بأن نقول: علي القول بعدم وجوب لبس الثوبين حتي علي الرجل هل يجب ستر العورة في حال الإحرام و التلبية بالوجوب النفسي أو الشرطي أم لا؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 45 من ابواب تروك الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 110

يمكن أن يقال: إذا حملنا الرّوايات الّتي فيها الأمر باللبس علي ما جرت به العادة و وجوب الستر عن الناظر المحترم يمكن أن يقال بانعقاد الإحرام في حال التجرّد عن اللّباس إذا لم يكن هنا الناظر المحترم بل و يمكن أن يقال: ينعقد و إن كان عند الناظر المحترم.

و علي ذلك لا دليل علي شرطيّة ذلك في تحقّق الإحرام فالأصل البراءة عنه و لا يدلّ علي وجوب ستر العورة ما يدل علي وجوب لباس الإحرام علي المرأة كموثّق يعقوب بن يونس قال: «سئل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض تريد الإحرام؟ قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوباً دون ثياب إحرامها» «1» و خبر زيد الشحّام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألت عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام فتطمث قال: تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم». «2»

فإن وزانهما وزان ما ورد فيه الأمر بلبس

الثوبين مطلقاً فإن حملناه علي ما جرت به العادة أو الاستحباب نحملها أيضاً علي ذلك.

فعلي هذا يمكن دعوي عدم الدليل علي وجوب ستر العورة في حال إنشاء الإحرام و التلبية. نعم: ادّعي البعض عدم الخلاف في المسألة.

و يمكن أن يقال: أن ذلك مفروغ عنه عندهم فلا يسأل عن مثل ذلك فتأمل.

و بعد القول بوجوب ستر العورة هل يجب علي المرأة ستر تمام بدنها كما يجب عليها في الصلاة او يكفي لها أيضاً ستر عورتها و هذه المسائل كما تري محل الإشكال و مقتضي الأصل البراءة و لكن النفس كأنها تأبي من الفتوي بعدم الوجوب فالاحتياط- لا يترك.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب الاحرام ح 2.

(2) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 111

و أمّا المسألة الاولي فالبحث عنها إنَّما يأتي علي القول بوجوب لبس الثوبين في انّه يعمّ الرجل و المرأة أو يختص بالرجل؟

قال في الجواهر: (الظّاهر عدم وجوب لبس ثوبين لخصوص الإحرام للمرأة تحت ثيابها و إن احتمله بعض الأفاضل بل جعله أحوط- و لكن الأقوي ما عرفت خصوصاً بعد عدم شمول النصوص السابقة للأناث إلا بقاعدة الاشتراك الَّتي يخرج عنها هنا بظاهر النصّ و الفتوي و الله العالم) «1».

و ظاهر كلامه عدم القائل بوجوبه علي المرأة و عدم تمامية التمسك بقاعدة

الاشتراك لشمول النصوص للاناث و ذلك لجواز لبس المخيط لهن دون الرجال فلا حاجة عرفا و عادة لهن إلي لبس الإزار و الرداء و ادّعي مضافاً إلي ذلك ظهور النص و الفتوي في الاختصاص و عدم الاشتراك و لعلّ ذلك الاستظهار مبني علي ما ذكر.

و لكن استشكل في ما أفاده في الجواهر في المستمسك فقال: (إنّ

الفتاوي مطلقة و لم أقف علي من قيد الوجوب بالرّجل إلا البحراني في حدائقه، و أمّا النصوص- فإن تمّت دلالتها علي الوجوب- فالخطاب فيها للرجل كغيرها من أدلة التكاليف الّتي كان البناء علي التعدي فيها من الرّجال إلي المرأة مع أن في بعض النصوص ما يظهر منه ثبوت الحكم فيها ففي موثق يونس بن يعقوب قال … و خبر زيد الشحام … و ذكر الخبرين بتمامهما «2».

أقول: أمّا الفتاوي فهي كما ذكره مطلقة غير أن الحدائق كما ذكره قيد وجوبهما بالرجل و إليك كلامه بلفظه (الثالث لبس ثوبي الإحرام للرجل و وجوبه اتفاقي بين الأصحاب قال في المنتهي إنّا لا نعلم فيه خلافاً. انتهي) «3» ثمّ استدل علي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 245.

(2)- مستمسك العروة: 11/ 425.

(3)- الحدائق الناضرة: 15/ 75.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 112

ما ذكر بالروايات فكأنَّ كون الحكم مختصاً بالرجال كان مفروغاً عنه عنده و كذلك النصوص أيضاً ظاهرة عنده في الاختصاص و إن كانت مطلقة باللفظ.

و بالجملة فالّذي يراه المستمسك وجه الإشكال في اختصاص الحكم بالرّجل اطلاق الفتاوي و إطلاق النصوص و عدم كون الرجل مخاطباً للحكم سبباً للاختصاص به إذا لم يكن هنا وجه فارق بينهما كسائر الخطابات الواردة في الأحكام الّتي يتعدي فيها من الرجل إلي المرأة امّا بقاعدة الاشتراك أو بعدم الفرق بينهما و الغاء العرف خصوصية الجنسيّة فيه و لما يظهر من مثل الخبرين المذكورين.

و لكن يمكن أن يقال: ان احتمال الفرق بينهما في مثل هذا الحكم وجيه فإنّ المرأة يجوز لها لبس ثيابها و الإحرام في المخيط فكما أن حرمة لبس المخيط مختصّ بالرجال يجوز أن يكون وجوب لبس غير المخيط أيضا مختصاً بهم و النصوص و

الفتاوي إمّا محمولة علي الاختصاص أو علي الإجمال فالقدر المتيقن منها وجوب لبس الثوبين علي الرجال و مقتضي الأصل براءة النساء عن لبسهما.

و أمّا الرّوايات فيمكن أن يكون المراد من ثياب إحرامها فيها ما كان متعارفاً بينهم من ثياب خاصّ كالبياض و إلا ليقول: ثوبي إحرامها مضافاً إلي أن مثل هذه الرّوايات ليس في مقام بيان وجه الحكم وجوباً أو استحبابا. و الله هو العالم.

[الفرع الرابع:] كيفية لبس ثوبي الاحرام

الفرع الرابع: قال في الجواهر: (و أمّا كيفية لبسهما فظاهر الأصحاب الاتفاق علي الاتزار بأحدهما كيف شاء بل صرّح في الدروس بجواز عقده بخلاف الرداء

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 113

لكن في خبر سعيد الأعرج عن الصادق (عليه السلام) نهي عن عقده في عنقه «1» و كذا خبر علي بن جعفر المروي عن كتاب مسائله و عن قرب الإسناد للحميري «2» عن أخيه (عليه السلام): «المحرم لا يصلح له ان يعقد إزاره علي رقبته، و لكن يثنيه و لا يعقده» و عن الاحتجاج «3» للطبرسي انّ محمد بن جعفر الحميري كتب إلي صاحب الزمان (عليه السلام): هل يجوز أن يشدّ عليه مكان العقد تكة؟ فأجاب (عليه السلام): لا يجوز شدّ المئزر

بشي ء سواه من تكة أو غيرها، و كتب أيضاً يسأله: هل يجوز أن يشدّ المئزر علي عنقه بالطول أو يرفع من طرفيه إلي حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقدهما و يخرج الطرفين الآخرين بين رجليه و يرفعهما إلي خاصرته و شدَّ طرفه إلي وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك فإنّ المئزر الأوّل كنا نتزر به إذا ركب الرّجل جمله انكشف ما هناك و هذا أستر فأجاب (عليه السلام) جائز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر

حدثاً بمقراض و لا ابرة يخرجه عن حدّ المئزر غرزه غرزاً و لم يعقده و لم يشد بعضه ببعض و إذا غطّي السرة و الركبة كليهما فإن السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة و الركبة و الأحب إلينا و الأكمل لكلِّ أحد شدُّه علي السبيل المعروفة المألوفة للناس جميعاً إن شاء اللّه تعالي. «4»

أقول: أمّا خبر سعيد الأعرج فالظاهر أنَّه موثّق لأن الصَّدوق رواه عن أبيه رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عن سعد بن عبد الله الأعرج الكوفي فهو موثق ليس بصحيح لأن عبد الكريم بن عمرو الواقع في السند كان واقفياً

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب تروك الاحرام ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب تروك الاحرام ح 3 و 4.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 236 و 237.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 114

و وصف بالخباثة إلا أنه حكي عن النجاشي أنه كان ثقة ثقة فالتعبير عن الخبر بالصحيح ليس في محلّه إلا أن يستند ذلك إلي كون الراوي عنه و هو البزنطي من أصحاب الإجماع أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحُّ عنه فبهذا الاعتبار صحيح لا باعتبار المعروف بين المتأخرين و من لا يعتد في الاعتماد علي الخبر بذلك.

و كيف كان لفظه هكذا: «إنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال: لا». و هذا يدلّ علي المنع من خصوص عقد الإزار في العنق لا مطلقاً.

و أما خبر علي بن جعفر في كتابه و

في قرب الإسناد فقد ذكرنا لفظه عن الوسائل و لكن في قرب الإسناد المطبوع بأمر سيدنا الأستاذ أعلي الله درجته ذكر «و لكنه يثبته» و لفظ- «لا يصلح له» ليس ظاهراً في الكراهة غاية ما يمكن أن يقال: عدم ظهوره في الحرمة أيضاً و مقتضي ظاهر موثق سعيد حرمة عقد إزاره في عنقه.

و أمّا خبر الاحتجاج فهو يدل علي عدم جواز عقده مطلقاً إلا أن يحمل قوله «و لم يعقده» علي العقد في العنق الَّذي جري به سيرتهم في الإزار لكن ردَّ بضعف السند فلا يعتمد عليه.

هذا كلّه في الإزار و أمّا الرداء فالظاهر انّه لا يعتبر فيه إلا ما يصدق به الارتداء و إن كان الأحوط- عدم عقده بل كونه ساتراً للمنكبين كما أن الأحوط- في الإزار أيضاً كون الإزار ساتراً للسرة و الرّكبة و إن كان يكفي ما هو أقل من ذلك إذا كان الازار صادقاً عليه و الله هو العالم.

لبس الثوبين قبل النية و التلبية

و هل يجب لبس الثوبين قبل النيّة و التلبية أو يكفي و إن لبسهما بعد ذلك أمّا علي القول بكونهما شرطاً في تحقّق الإحرام فيمكن أن يقال: إنّ كونهما شرطاً أعم

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 115

من ذلك فيمكن أن يكون لبسهما متمماً للإحرام و لكنه خلاف الظّاهر فإن الشرط علي المتعارف يعتبر مقارناً للعمل أو مقدماً عليه فغاية ما يقال: إن التلبية و اللبس إذا أوقعا متقارنين يكفي في تحقّق الإحرام بشرطه بل الظّاهر من الأدلّة انّه يشترط- أن يكون لابساً ثوبيه عند انشاء الإحرام.

و بعبارة اخري يشترط- أن يكون إنشاء الإحرام في حال لبس الثوبين كالصلاة فإنّها مشروطة بكون إنشاء تحريمها في حالة ستر العورة و الطَّهارة عن

الحدث و الخبث فعلي

القول بالاشتراط- الظّاهر انّه مشروط- بكونه حال الإحرام.

و أمّا علي القول بالوجوب النفسي فالظاهر انه واجب حين إنشاء الإحرام فيجب أن يكون متلبساً بهما من أول آنات إنشاء الإحرام و لا يتحقّق ذلك إلا باللّبس بهما قبل الإحرام و لو آناً ما و الله هو العالم.

[مسألة 25:] الاحرام في القميص

مسألة 25: لا يخفي عليك انّه ينعقد الإحرام في القميص جهلا أو نسياناً سواء كان لابساً ثوبي الإحرام أو لم يلبسهما و ذلك لأنّ عدم انعقاده بقول مطلق يترتّب علي كون التجرّد عن القميص و لبس الثوبين شرطاً لانعقاد الإحرام و أمّا علي القول المختار فينعقد الاحرام في القميص في الصورتين إذا أحرم فيه جاهلا و نسياناً و لو أحرم فيه عالماً عامداً فمقتضي عدم الشرطيّة تحقّق الإحرام.

و لكن يمكن أن يقال: إنا إذا بنينا علي أنّ الإحرام هو توطين النفس علي ترك المحرمات و العزم عليه يكون ارتكاب هذه المحرمات بعضاً أو كلا مناف لذلك العزم لا يجتمعان.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 116

و أمّا إن قلنا بأن الإحرام إنشاء إحرام المحرَّمات و تحريمها علي نفسه و الالتزام و البناء عليه فلا مانع من انعقاده و إن لم يكن عازماً علي تركها و كذا لو قلنا بان الإحرام ليس إلا التلبية بقصد الدخول و الشروع في الحجّ و يترتب عليها بحكم الشَّارع حرمة الأفعال المعيَّنة.

و يمكن أن يقال: إنَّ العزم علي ترك المحرمات أو إنشاء تحريمها مع التلبّس بالقميص إذا كان هو فاعلا بمقتضاه فيخلع القميص بمجرد العزم و الإنشاء لا يضر

بتحقق الإحرام بتحقق العزم و الإنشاء.

نعم إذا كان قاصداً لبس القميص استدامة بعد العزم و التوطين آناً ما ينافي ذلك تحقّق العزم و البناء علي ترك المحرمات. و

الله العالم.

[مسألة 26] حكم لبس ثوبي الاحرام استدامة

مسألة 26: لا ريب في أنّ لبس المخيط علي الرجل المحرم حرام عليه بتمام أفراده و في جميع حالاته إلي أن يتحلل منه.

و بعبارة اخري واجب عليه التجرد عن المخيط إحداثاً و إبقاءً و استدامة حتّي يتحلل منه و أمّا لبس الثوبين فعلي القول بوجوبه فلا يجب إلا في الزمان المقارن للنيّة و التلبية.

و أمّا استدامته فلا ريب في عدم وجوبها فيجوز له نزعها لإزالة الوسخ أو للتطهير أو لسائر الدواعي فيجوز له التجرد منهما مع الأمن من النظر أو كون العورة مستورة بشي ء آخر.

و هل علي القول بوجوب لبسهما هو مقيَّد بالزمان المقارن للنيّة و التلبية فإن نسي ذلك يجب تداركه بعد ذلك محل الإشكال فالأحوط- لبسهما و الأحوط إعادة التلبية و الله هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 117

[مسألة 27] جواز لبس الزيادة علي الثوبين

مسألة 27: لا خلاف بينهم كما في بعض الكلمات في جواز لبس الزيادة علي الثوبين ابتداءً أو في أثناء الأعمال للاتقاء عن الحر و البرد بل

مطلقاً للأصل و للروايات.

أمّا اتقاء عن الحر و البرد فيدلّ عليه صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يتردّي بالثوبين؟ قال: نعم و الثلاثة إن شاء يتقي بها البرد و الحر» «1».

و مورد السؤال و الجواب و إن كان الرداء إلا أن الظّاهر اتحاد الرداء و الإزار في مثل هذا الحكم و الشاهد علي ذلك صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها الَّتي أحرم فيها؟ قال (عليه السلام): لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة» «2» و هذا الصحيح يدل علي جواز ذلك في صورة الاختيار فلا عبرة باقتصار جماعة كما قيل علي مضمون صحيح

الحلبي و يدلّ أيضاً علي اشتراط- الطَّهارة فيه بل اعتبار كل ما هو شرط- في ثوبي الإحرام فيه بدعوي الغاء الخصوصيّة و عدم الفرق بين الطَّهارة و غيرها.

[مسألة 28] جواز احرام النساء في الحرير

مسألة 28: مقتضي ما ذكرناه في المسألة السابقة جواز إحرام النساء في الحرير و الذّهب لأنّ قوله في الصحيح (كل ثوب … ) يشمل الرجل و المرأة كل منهما حسب تكليفه فالمرأة تحرم في الحرير لأنَّه ثوب تصلِّي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 118

فيه و لا تحرم في المتنجِّس و غير المأكول و الميتة لأنها لا تصلي فيها و لكن مع ذلك وقع الكلام في جواز إحرامه في الحرير فجوَّزه بعضهم كالمفيد في كتاب أحكام النساء و ابن إدريس في السرائر و العلَّامة في القواعد

و غيرهم علي ما حكي عنهم و منعه الصدوق و الشيخ علي ما حكي عنهما و ربَّما يسند ذلك إلي ظاهر عبارتي المفيد و السيّد. «1»

و ما هو المستند للقول بالجواز الأصل و الرّوايات مثل صحيح حريز السابق «كل ثوب يصلي» و صحيح يعقوب بن شعيب قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المرأة تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج؟ فقال: نعم لا بأس به و تلبس الخلخال و المسك» «2» و احتمال كون سؤاله عن حكم مطلق لبسها ما ذكر أو لبسها في حال الصلاة ضعيف جداً لمعلومية جواز لبسها في غير حال الصلاة بل و في حالها إذاً فالسؤال لا يكون إلا عن لبسها في حال الإحرام كما صرَّح به في الجواهر. «3»

و ما رواه في الكافي عن عدة

من أصحابنا عن سهل بن زياد عن منصور بن العباس «4» عن إسماعيل بن مهران «5» عن النضر بن سويد «6» عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن المرأة المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 242 و 243.

(2)- الوسائل: ب 33 من أبواب الإحرام، ح 1، المسكة علي ما حكي عن النهاية بالتحريك السوار من الذبل و هي قرون الاوعال، و قيل جلود دابة بحرية.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 243.

(4)- الرازي سكن بغداد مضطرب الأمر له كتاب من السابعة.

(5)- السكوني أبو يعقوب ثقة معتمد عليه و قيل فيه غير ذلك من صغار السادسة.

(6)- له كتاب ثقة صحيح الحديث … من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 119

الا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين و لا حلياً تتزين به لزوجها و لا تكتحل إلا من علَّة و لا تمس طيباً و لا تلبس حلياً و لا فرنداً و لا بأس بالعلم في الثوب» «1»

و هذا يدل علي جواز لبسها الحرير بالإطلاق.

و مستند القول بعدم الجواز الصحيح الّذي رواه ايضاً الكليني بسنده عن عيص بن القاسم قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): المرأة المحرمة تلبس ما شاء من الثياب غير الحرير و القفَّازين و كره النقاب الحديث» «2».

و ما رواه أيضاً الكليني عن العدة عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد أو غيره عن داود بن الحصين «3» عن ابي عيينة «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ما يحل للمرأة أن تلبس و هي محرمة قال: الثياب كلّها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير قلت: تلبس الخزّ قال: نعم قلت: فإن سداه [-] الابريسم

و هو حرير؟ قال ما لم يكن حريراً خالصاً فلا بأس» «5».

و خبر اسماعيل بن الفضل «6» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة هل يصلح

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 344 القفاز كرمّان شي ء يعمل لليدين و يحشي بقطن تلبسها المرأة للبرد أو ضرب من الحلي لليدين و الرجلين و الفرند بكسر الفاء و الراء ثوب معروف (الجواهر)..

(2)- الكافي: ج 4/ 344.

(3)- كوفي واقفي ثقة من الخامسة.

(4)- من الخامسة في جامع الرواة لم أجد له ذكراً في كتب الرجال و لكن الظاهر ان الصحيح (ابن عينية و اسمه سفيان معروف قيل انه ليس من اصحابنا و هو الذي قال له ابو عبد الله (عليه السلام): و الذي بعث محمداً (صلي الله عليه و آله و سلم) بالحق لو أن رجلا صلي ما بين الركن و المقام عمره ثمّ لقي الله بغير ولايتنا اهل البيت لقي الله بميتة الجاهلية (جامع الرواة) و في النسخة الموجودة عندنا من التهذيب و الاستبصار داود بن الحصين عن أبي عبد الله (عليه السلام).

(5)- وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الاحرام ح 3. و الكافي: 4/ 345.

(6)- الهاشمي روي ان الصادق (عليه السلام) قال: هو كهل من كهولنا و سيد من ساداتنا و كفي بهذا شرفاً

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 120

لها أن تلبس ثوباً حريراً و هي محرمة؟ قال: لا و لها أن تلبسها في غير إحرامها» «1». و أخبار كثيرة اخري «2» ذكرها في الجواهر.

و ربما جمع بين الطائفتين بحمل نصوص الجواز علي الممتزج و نصوص المنع علي الخالص بملاحظة ما فيها من التفكيك في الحكم بين الخالص و الممتزج أو الكراهة بملاحظة ما فيها من (لا ينبغي) و (لا

يصلح).

و لكن يمكن أن يقال: انه لا وجه لهذا العلاج بعد ما يمكن الجمع بينهما بالإطلاق و التقييد فصحيح حريز: «كل ثوب يصلي فيه» إطلاقه يقيد في مورد المرأة بلبس الحرير و كذا إطلاق خبر النضر بن سويد و صحيح يعقوب بن شعيب أيضاً مطلق يشمل الخالص من الحرير و الممتزج فيقيّد بما يدل علي المنع عن الخالص منه بقرينة مثل خبر ابن عيينة أو داود بن الحصين.

و علي هذا فالقول بجواز لبسها الحرير في حال الإحرام سواء كان في ثوبي الإحرام أو غيرهما في غاية الإشكال و الله هو العالم.

[مسألة 29] ما يجوز الاحرام فيه و ما لا يجوز

مسألة 29: حكي عن المبسوط- و النهاية و المصباح و مختصره و الاقتصاد و المراسم و الكافي و الغنية و غيرها عدم جواز الاحرام في ثوب لا يصلي فيه فلا يجوز الاحرام في الميتة و الحرير و الذهب و ما لا يؤكل

______________________________

ثقة من الخامسة.

(1)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام ح 10.

(2)- راجع وسائل الشيعة ابواب لباس المصلي ب 16 ح 3 و 4 و 6 و ابواب الاحرام ب 33 ح 21 و ح 7 و 8 و 5 و 11.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 121

لحمه و ما هو متنجّس بغير المعفو عنه.

لصحيح حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام): «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه» «1» أو «يصلّي و يحرم» بدل «تصلّي و تحرم» «2» و في الجواهر: (كلّ ثوب يصلّي فيه فلا بأس بالإحرام فيه) «3» و ظاهره البأس فيما لا يصلّي فيه فلا يجزي.

و يدلّ علي ذلك في خصوص الإحرام في الثوب النجس صحيحتا معاوية بن عمّار ففي إحداهما قال: «سألته عن المحرم تصيب ثوبه الجنابة؟

قال: لا يلبسه حتّي يغسله و إحرامه تام» و في الاخري: «سألته عن المحرم يقارن بين ثيابها الّتي أحرم فيها و بين غيرها؟ قال: نعم إذا كانت طاهرة» «4».

إلا انهما تدلان علي وجوب المحافظة علي طهارة الثوب استدامة و دعوي دلالتهما علي استحباب ذلك ليس ببعيد.

و في خصوص الحرير فقد روي شيخنا الكليني رضوان الله تعالي عليه عن عدة من أصحابنا «5» عن سهل بن زياد «6» عن أحمد بن محمّد «7» عن عبد الكريم

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 334 ح 2595.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 66 ح 212/ 20.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 239.

(4)- وسائل الشيعة: ب 37 من ابواب تروك الاحرام، ح 1 و 2.

(5)- هذه العدة علي ما ذكره السيد الاستاذ الاعظم (قدس سره) محمد بن الحسن الطائي الرازي و محمد بن جعفر الاسدي نزيل الري أو محمد بن ابي عبد الله، و محمد بن عقيل الكليني، و علي بن ابراهيم الكليني خال الكليني كلهم من الثامنة.

(6)- من السابعة الآدمي أبو سعيد الرازي و قد يروي الكليني منه عن العدة عن أحمد بن محمد و هو من السابعة و في التهذيب عن العدة عنه.

(7)- من السادسة ابن ابي نصر علي نسخة الكافي و الا فهو علي ما في التهذيب غيره، و الاقرب ما في الكافي.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 122

بن عمرو «1» عن أبي بصير «2» قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الخميصة «3» سداها إبريسم، و لحمتها من غزل؟ قال: لا بأس بأن يحرم فيها إنّما يكره الخالص منه». «4»

و روي شيخنا الصدوق (قدس سره) عن أبي الحسن النهدي «5» قال: «سأل سعيد الأعرج أبا عبد الله (عليه السلام) و

أنا عنده عن الخميصة سداها إبريسم و لحمها من غزل (مرعزي)»؟ «6» قال: لا بأس بأن يحرم فيها و إنّما يكره الخالص منها» «7».

و ما فيهما من ضعف السند لا يضر بالاستشهاد بهما تأييداً لو لم نقل بجبر ضعفه بما ذكر من الفتاوي.

و يدلُّ علي عدم جوازه في الحرير للرجال أيضاً ما نذكره في إحرام النساء في الحرير منعاً و جوازاً.

فإن قلت: أن النسبة بين ما يدلُّ علي وجوب لبس ثوبي الإحرام و ما يدلُّ علي النَّهي عن لبس الحرير و الذهب للرجال و الميتة مطلقاً العموم من وجه فيدخل الإحرام في الثوب الحرير في مسألة اجتماع الأمر و النهي فاللازم البناء علي ما نبني فيه في تلك المسألة.

قلت: ليست مسئلتنا هذه منها لأنَّ ما يدلُّ علي وجوب ثوبي الإحرام

______________________________

(1)- الظاهر انه من الخامسة.

(2)- من الرابعة.

(3)- كساء اسود مربّع له علمان فإن لم يكن معلماً فليس بخميصة.

(4)- الكافي: 4/ 339 وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الاحرام ح 1.

(5)- من السادسة او السابعة.

(6)- الزغب الذي تحت شعر العنز.

(7)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 337 ح 2611.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 123

لا إطلاق فيه من حيث شرائطه و بعبارة اخري: ليس في مقام بيان تمام ما هو الموضوع للحكم و دخيلا فيه و لذا ليس المرجع في نفي كل ما نشك في شرطيته بل لا بدّ من نفيه بالتمسك بالأصل و الله هو العالم.

[مسألة 30] وجوب حفظ شرائط لباس الاحرام الي آخر الاعمال

مسألة 30: هل يجب حفظ شرائط لباس الإحرام إلي آخر الأعمال كالابتداء به فيجب تطهيره أو تبديله إن تنجّس بعد تحقّق الإحرام به و لا يجوز تبديله بغيره و إن جاز التلبّس به في نفسه كتبديله بما لا يؤكل لحمه؟ و بعبارة

أخري: اشتراط ثوبي الإحرام بما هو شرط- في لباس المصلي هل معتبر إحداثاً و مقارناً للتلبية و الإحرام أو هو شرط- فيهما إلي أن يحلّ له لبس المخيط بالحلق أو التقصير؟.

يمكن أن يقال: إن الظّاهر من الأدلة مثل قوله (عليه السلام) «كلّ ثوب تصلّي فيه لا بأس ان تحرم فيه» هو وجوب إحداث الإحرام فيهما أو وجوب لبسهما عند احداثه فلو لبس بعد ذلك ما لا يجوز الصّلاة فيه كأجزاء ما لا يؤكل لحمه لا بأس به.

نعم في خصوص اشتراطهما بالطّهارة تدلّ عليه بقول مطلق صحيحتا معاوية بن عمار اللّتان سبق ذكرهما و حملهما علي ابتداء اللبس خلاف ظاهرهما و استبعاد الحكم بوجوب تطهيره إذا تنجّس دون البدن كأنّه ليس في محلّه لجواز الحكم بذلك و نلتزم به إذا كان هنا دليل يدلّ عليه دون البدن لفقد الدليل مضافاً إلي إمكان القول بوجوب تطهير البدن كالثوب لأولويّته في ذلك من اللّباس عرفاً فالأقوي في اللّباس التطهير و في البدن علي الأحوط و لا يخفي عليك أن ترك ذلك عمداً لا يضر

بإحرامه و الله هو العالم بأحكامه.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 124

[مسألة 31] جواز تبديل ثياب الاحرام

مسألة 31: قال في الجواهر: (يجوز له أن يبدل ثياب احرامه للأصل، و لقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي أو صحيحه: لا بأس بأن يحول المحرم ثيابه قلت: إذا أصابها شي ء؟ قال: نعم و إن احتلم فيها فليغسلها «1» و في خبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضاً: سألته عن المحرم يحول ثيابه؟ فقال: نعم و سألته يغسلها إذا اصابها شي ء؟ قال: نعم و إذا احتلم فيها فليغسلها. «2» و قوله ايضاً في حسن معاوية: لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه و لكن إذا

دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللَّذين أحرم فيهما، و كره أن يبيعهما «3» و يحمل الأمر فيه علي الندب كما عن ظاهر المتأخرين. قال المصنف و غيره: فإذا أراد الطواف فالأفضل أن يطوف فيهما و إن قيل قد يوهم الوجوب عبارة الشيخ و جماعة و لا ريب في أنّه أحوط و إن كان الأوّل أقوي. «4»

أقول: كأنّه الأقوي ما قوّاه لعدم ظهور مثل قوله يغسلها و قوله (و كره) في مثل مسألتنا في الوجوب و الحرمة فمقتضي الأصل الجواز.

نعم في تقريرات السيد الفقيه الگلپايگاني قدس سره الاستدلال علي وجوب استدامته بلبس ما أحرم فيه و عدم جوار التبديل إلّا إذا أصابه شي ء بصحيح محمد

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 343 و لفظه (إذا اصابها شي ء يغسلها قال: نعم و ان احتلم فيها) وسائل الشيعة: ب 38 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 70 ح 230/ 38 و فيه (إن اصابها) وسائل الشيعة: ب 38 من ابواب تروك الاحرام و فيه (نعم إذا).

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 341 ح 2619 و قال: و قد رويت رخصة في بيعها.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 245.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 125

بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرَّجل يحرم في ثوب وسخ؟ قال لا و لا أقول إنّه حرام و لكن تطهيره أحبُّ إليَّ و طهوره غسله، و لا يغسل الرجل ثوبه الَّذي يحرم فيه حتي يحلَّ و إن توسخ، إلّا أن تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله. «1»

قال: (و هي تدل علي وجوب استدامة اللّبس و إنّه لا يجوز التبديل إلا إذا أصابه شي ء فما عن المدارك من أنّه لا يجب الاستدامة بعد صدق الامتثال للأصل لا

يخلو من شي ء و أنّ الامتثال في لبس الثوب ظاهره الاستدامة فيه، و ليس نظير التلبية و صلاة الإحرام الَّتي يتحقّق الامتثال فيهما بوجود الطبيعة و حدوثها و لا يحتاج إلي الاستدامة مضافاً إلي أن السيرة قبل البعثة و كذا بعدها علي استدامة اللبس بل يكره بيع ثوب الإحرام و يستحب الكفن به و الطواف معه). «2»

أقول: استفادة عدم جواز التبديل منه في غاية الإشكال لعدم الملازمة بين كراهة غسل ثوب الإحرام و بين كراهة التبديل غاية ما يقال: انه إذا كان ذلك للبس ما هو أنظف مكروه و ما يدل علي لبس الثوب للإحرام لا يدل علي الاستدامة فيه و إلا فلا يجوز نزعه إلا للضرورة فكما ان التلبية يتحقق بوجودها لبس الثوب الواجب عندها يتحقق بوجوده عنده.

و بالجملة فلا دليل يدلّ علي وجوب لبس الثوبين زائداً علي وجوبه في ابتداء

الإحرام و كراهة بيع ثوب الإحرام و استحباب الكفن به و الطواف معه لا يدل علي عدم جواز التبديل و الله هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

- في هامش التقريرات ابواب الاحرام و هو اشتباه و في الكافي ج 4 ص 341 (و لكن احبّ ان يطهره).

(2)- كتاب الحج: 2/ 310.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 126

[مسألة 32] جواز لبس القبا في الاحرام

مسألة 32: قال في الشرائع: (و إذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام، و كان معه قباء جاز لبسه مقلوباً بأن يجعل ذيله علي كتفيه).

و قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده في أصل الحكم بل عن ظاهر التذكرة و المنتهي أنه موضع وفاق بل ادعاه صريحاً غير واحد من متأخري المتأخرين لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إذا اضطر المحرم إلي

القباء و لم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً و لا يدخل يديه في يدي القباء» «1» و صحيح عمر بن يزيد: «يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين و إن لم يكن له رداء طرح قميصه علي عنقه أو قباه بعد أن ينكسه» «2» و حسن معاوية بن عمّار أو صحيحه: «لا تلبس ثوباً له ازرار و أنت محرم إلّا أن تنكسه و لا ثوباً تدرعه و لا سراويل، و لا خفاً إلا أن لا يكون لك نعلان» «3» ثمّ ذكر روايات اخري كخبر علي بن أبي حمزة و فيه: «فليلبسه مقلوباً» «4» و خبر مثني الحناط- و فيه: «فلينكسه و ليجعل أعلاه أسفله و يلبسه» و رواية أخري: «يقلب ظهره بطنه إذا لم يجد غيره» «5» و خبر محمد بن مسلم عن

أبي جعفر (عليه السلام) و فيه: «و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لبطنه» «6» و أمّا روايته السادسة فالظاهر أنّها و الرواية الرابعة واحدة «7».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 44 ابواب تروك الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب تروك الاحرام ح 6.

(5)- وسائل الشيعة: ب 44 ابواب تروك الاحرام ح 4.

(6)- وسائل الشيعة: ب 44 ابواب تروك الإحرام ح 7.

(7)- جواهر الكلام: 18/ 247.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 127

و علي كل ذلك لا خلاف في أصل الحكم في الجملة بمقتضي هذه الرّوايات إلّا أنه يقع الكلام أولا: في الحكم بجواز لبس القبا انَّه هل مشروط- بفقده الإزار و الرداء معاً أو يكفي في ذلك فقد

الرداء خاصَّة؟

يمكن أن يقال: إنه يكفي في جواز لبس القباء فقد الرداء خاصة أو الاضطرار إلي لبسه لبرد و نحوه فضلا عما إذا فقد هما معاً فليلبس القباء بدلا عنهما.

و ثانياً: في أن الحكم خاص بصورة الاضطرار لبرد أو مرض أو يعمه و صورة فقده الرداء، الظّاهر شموله للصورتين أمّا لصورة فقد الرداء فيدل عليه صحيح عمر بن يزيد و أمّا لصورة الاضطرار فيدل عليه صحيح الحلبي و خبر ابن ابي حمزة و مثني الحناط- و غيرها، مضافاً إلي جواز لبسه بالاضطرار لجواز ارتكاب كل حرام به.

و ثالثاً: في أنه إذا فقد الرداء بناءً علي وجوب لبس الثوبين هل يجب عليه لبس القباء أو يكتفي بالإزار؟ الإنصاف عدم ظهور الرّوايات في الوجوب فالأحوط لبسه إذا كان فاقداً له.

و رابعاً: هل الأخبار في كيفيّة لبس القباء متعارضة أو الظّاهر منها التخيير و أنّه يلبس القباء علي غير الصورة المتعارفة منكوساً أو مقلوباً.

و علي فرض تعارضها و تكافؤ المتعارضين و عدم الترجيح أيضاً الحكم في

المسألة الأصوليّة هو التخيير ففي الصورة الاولي المكلف مخيّر بين التنكيس و التقليب فله أن يلبسه منكوساً أو مقلوباً بالتخيير الاستمراري سواء كان مقلداً أو مجتهداً بخلاف صورة التعارض فإنّ التخيير فيه ابتدائي للمجتهد دون المقلد فإنّه متعين عليه العمل بما اختاره المجتهد.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 128

اللهم إلا إن يقال: أن المجتهد ينوب عن المقلد في الفحص عن حجية الخبر و شروط- العمل به فاذا ثبت عنده جواز العمل لكل واحد من المتعارضين تخييرا فإن كان المقلد عارفاً بموارد التعارض كالمتجزي إذا كان عارفاً به فيختار هو ايهما شاء و إذا كان جاهلا بذلك يرجع إلي المجتهد في تشخيص مورد التعارض فيختار

هو أيضاً أيّهما شاء.

[مسألة 33] عدم جواز انشاء المحرم احراماً آخر

مسألة 33: لا يصح لمن أحرم بحج أو عمرة إنشاء إحرام آخر بمثل الأول أو بغيره حتي يكمل أفعال ما أحرم له.

قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه مضافاً إلي النصوص المشتملة علي كيفية حج التمتع المصرحة بان إهلال الحج بعد التقصير المحلل لإحرام العمرة و إلي الأمر بإتمام العمرة و الحج، الظّاهر في عدم جواز ما يقع قبل الإتمام بل و صحته و حينئذ فلو أحرم قبل السعي عامداً أو قبل إكماله للعمرة كان مشرعاً و إحرامه الثاني باطلا و يجب عليه إكمال العمرة بل و كذا لو كان ناسياً و ان لم يكن آثماً). «1»

و ما ذكره من الحكم فالمقطوع به انّه كذلك و إن كان في بعض ما استدل به نظر إمّا لكونه أخص من المدّعي أو للخدشة في أصل دلالته علي المدَّعي هذا فيما إذا أحرم قبل إكمال الأفعال كان يحرم بالآخر قبل السعي.

و أمّا لو أحرم متمتعاً و دخل مكة و أحرم بالحج بعد السعي و قبل التقصير فإن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 250.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 129

كان ناسياً تكون عمرته صحيحة و إحرامه للحج صحيحاً لا دم و لا قضاء عليه علي ما صرح به غير واحد بل ادّعي عليه الإجماع و للروايات المستفيضة المعتضدة بدعوي الإجماع كصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل متمتع نسي أن يقصر حتي أحرم بالحجّ؟ قال: يستغفر الله عز و جل» «1».

و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلي الحج فدخل مكة فطاف و سعي و لبس ثيابه و أحلَّ و نسي أن

يقصر حتي خرج إلي عرفات؟ قال: لا بأس به يبني علي العمرة و طوافها و طواف الحج علي أثره» «2» صحيح معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصر حتي دخل بالحجّ قال: يستغفر الله و لا شي ء عليه و قد تمت عمرته» «3».

نعم هنا صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المتمتع إذا طاف و سعي ثمّ لبّي بالحجّ قبل أن يقصر فليس له أن يقصر و ليس عليه متعة» «4» و هو بظاهره معارض للروايات السابقة و مثله خبر محمد بن سنان عن العلاء بن فضيل قال: «سألته عن رجل متمتع طاف ثمّ أهلّ بالحجّ قبل أن يقصر: بطلت متعته هي حجّة مبتولة» «5»

و لكنّهما محمولان علي صورة العمد. مضافاً إلي ما في سند الأخير من الضعف و الإضمار و مضافاً إلي أن إطلاقهما يقيَّد بالصِّحاح السابقة.

هذا و لكن حكي عن الشيخ و بني زهرة و البراج و حمزة و العلّامة في الإرشاد

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 440 و الوسائل ب 54 من ابواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب الاحرام ح 3.

(4)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب الاحرام ح 5.

(5)- وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 130

ان عليه دم لموثق إسحاق بن عمار قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): «الرَّجل يتمتّع فينسي أن يقصر حتَّي يهلّ بالحجّ؟ قال: عليه دم يهريقه» «1» فالظاهر انّهم خصّوا به الصحاح السابقة «2».

و لكن عن الصدوق و ابن إدريس و الديلمي و أكثر المتأخرين مثل المحقق في

الشرائع حمله علي الاستحباب لأنّ الأمر يدور بين حمل أحدهما علي المجاز و خلاف ظهوره في الحقيقة «3».

و بعبارة اخري: كون أحدهما قرينة علي عدم إرادة المعني الحقيقي من الآخر فامّا أن يقال: بأن قوله (عليه السلام): «لا شي ء عليه» قرينة علي عدم إرادة الإلزام و الوجوب من قوله: «عليه دم يهريقه» أو يقال: بأن الثاني قرينة علي عدم إرادة العموم من الأول و القول المشهور مبني علي ترجيح الأول علي الثاني و لعله لقوّة ظهور الصحاح في عدم وجوب شي ء عليه و إبائها عن التخصيص.

و لكن لا يطمئن النفس بذلك بأظهرية الصحاح عن الموثق لو لم نقل بكونه أظهر لأظهرية الخاص في الخصوص عن العام في العموم.

فالأحوط هو القول الثاني كما أن الاحتياط كون الدم شاة لمكان دعوي انصرافه إليها دون مطلق الدم.

و أمّا إن كان عامداً في ذلك أي الإحرام بالحجّ بعد السعي و قبل التقصير ففيه قولان:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب الاحرام ح 6.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 251.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 251.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 131

أحدهما: أنه يبقي علي إحرامه الأوّل فكان الثاني باطلا. حكي ذلك عن ابن إدريس و العلامة في التلخيص و الشهيد في الدروس «1».

و ما قيل مستنداً لهذا القول: إنَّ ما دلَّ علي عدم جواز إدخال الحج علي العمرة قبل إتمام مناسكها بناءً علي ما هو الأصح من كون التقصير منها لظهور النصوص الواردة في بيان كيفيّة العمرة في كون التقصير منها دليل علي بقاء إحرامه الأوّل و بطلان الثاني.

و لا يقال: إنّه خارج عنها لكونه محللا.

فإنه يقال: لا منافاة بين كونه منها و محللا له كالتسليم في الصلاة و علي هذا يكون الإحرام قبل

التقصير كالإحرام قبل السعي باطلا لكونه منهياً عنه أو غير مأمور به.

هذا مضافاً إلي أنه لو كان إحرامه صحيحاً لكون التقصير خارجاً منها لزم أن تكون عمرته صحيحة لا أن تكون باطلة و يصير حجّاً مبتولا و أيضاً يلزم من ذلك وقوع خلاف ما نواه إن نوي حجّ التمتّع.

و الجواب عن ذلك كلّه: انّ كلّ ذلك لا يمنع عن حكم الشارع ببطلان عمرته و صيرورة حجّته مبتولة كما هو مقتضي القول الآخر الذي قال به الشيخ و ابنا حمزة

و سعيد و العلّامة علي ما حكي عنهم و عن الدروس و المسالك نسبته إلي الشهرة «2».

نعم غاية الأمر أن علي هذا القائل إثبات مدعاه بالدليل.

و الّذي يتمسك هو به صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): «المتمتّع إذا طاف

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 252.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 252.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 132

و سعي ثمّ لبّي قبل أن يقصِّر فليس له أن يقصّر و ليس عليه متعة» «1» و ظاهره بطلان عمرته و صيرورته حجّاً مبتولا و اصرح منه خبر محمد بن سنان «2» عن العلاء بن الفضيل: «3» «سألته عن رجل متمتع طاف ثمّ أهلّ بالحجّ قبل أن يقصّر؟ قال: بطلت متعته هي حجّة مبتولة» «4» إلا انه ضعيف بالإضمار و محمد بن سنان.

و أما الصحيح فاحتمل أن يكون المراد منه متمتع عدل عن الإفراد ثمّ لبّي بعد ما سعي لا من أحدث التمتع من أوّل العمل أو مطلق المتمتّع.

بل عن الدروس لأنّه روي التصريح بذلك في رواية اخري و لعلّه كما ذكر في الجواهر «5» أراد موثق إسحاق بن عمار قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت و

يسعي بين الصفا و المروة ثمّ يبدو له أن يجعلها عمرة؟ قال: إن كان لبَّي بعد ما سعي قبل أن يقصِّر فلا متعة له» «6» و فيه: إنّ حمل صحيح أبي بصير علي خصوص ذلك خلاف الظّاهر بل هو في غيره أظهر مضافاً إلي أنَّ ورود

الخاص الموافق حكمه لحكم العام ليس قرينة علي إرادته من العام و الفرق بينه و بين الخاص المخالف حكمه لحكم العام واضح سيما إذا كان بيان حكم الخاص الموافق جواباً عن سؤال السائل.

و علي ذلك كلّه هذا القول أي بطلان عمرته و صيرورة حجته مبتولة هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب الاحرام ح 5.

(2)- مختلف فيه من السادسة.

(3)- ثقة له كتاب من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب الاحرام ح 4.

(5)- جواهر الكلام: 18/ 252.

(6)- وسائل الشيعة: ب 19 من ابواب اقسام الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 133

الأقوي.

نعم يمكن منع الاكتفاء به عن حجة الاسلام الواجبة عليه و إن قلنا به في صورة النسيان فمقتضي الاشتغال وجوب الإتيان بها في السنة القادمة.

ثمّ إنَّ مقتضي إطلاق صحيح أبي بصير المقيَّد بالصحاح المتقدمة مساواة الجاهل مع العامد في الحكم ببطلان متعته و صيرورة حجته مبتولة.

و هل يجب عليه إحرام جديد لحجّ الإفراد أو يجتزي بإحرامه الأول يمكن أن يقال: امّا إحرامه الثاني فلا يجتزي به لكونه منهياً عنه من جهة إدخاله علي العمرة و أمّا الأول فيدل علي عدم الاعتداد به قوله (بطلت متعته) الدال علي بطلان عمرة تمتعه التي من أفعالها الإحرام.

و لكن الظّاهر من قوله «فليس له أن يقصِّر» إنَّ هذا من أجل إحرامه الثاني لأن الأوّل لم يوجب حرمة التقصير.

و يمكن أن يقال: إنّ المعلوم

عدم وجوب إحرام جديد لحجّ الإفراد لظاهر الصحيح سواء كان ذلك للاجتزاء بالأوّل أو بطلانه و صحة الثاني.

و كيف كان لا يجب احرام جديد لحجّ الإفراد و هل يجب عليه العمرة المفردة بعد ذلك إذا كانت عليه حجة الاسلام أو يجب عليه حجه الاسلام من قابل؟

يمكن أن يقال: إنّ الظّاهر أنّ الامام (عليه السلام) كان في مقام بيان تمام ما هو الحكم

علي المتمتّع إذا طاف و سعي ثمّ لبّي قبل أن يقصر و اكتفائه بقوله (عليه السلام): «فليس له أن يقصِّر و ليس له متعة» يدل علي انّ تمام ما يترتب علي فعله هذا بطلان متعته و عدم جواز التقصير له و إلا فكان عليه أن يقول: إذا كان عليه حجة الاسلام يجب عليه الحج من قابل.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 134

نعم لا يحتسب ذلك لعمرته لبطلانها فيجب عليه أن يأتي بها و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بإتيان العمرة بعد هذا الحجّ و الإتيان بالحجّ متمتعاً في السنة القادمة و الله هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 135

الكلام في تروك الإحرام

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 137

الكلام في تروك الإحرام الظّاهر انّه لا خلاف بين المسلمين في أنّه إذا أحرم المكلَّف للعمرة أو الحج حرِّمت عليه امور و قد اختلفت كلمات فقهائنا في تعدادها.

ففي الوسيلة قال: (هي ثمانية و ثلثون) «1».

و قال: في الشرائع: (فالمحرمات عشرون شيئاً) «2» و قال: في المختصر النافع (فالمحرمات أربعة عشرون) «3».

قال في القواعد: (و المحرم عشرون) «4» و في التبصرة قال: (أربعة و عشرون) «5».

______________________________

(1)- الوسيلة/ 162.

(2)- شرائع الاسلام: 1/ 183.

(3)- المختصر النافع/ 84.

(4)- قواعد الاحكام: 1/ 421.

(5)- تبصرة المتعلمين/ 90.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 138

و قال في الدروس: (يجب

علي المحرم ترك ثلاثة و عشرين) «1».

و قال في الأشراف: (هي سبعة عشر شيئاً)، و قال في اللمعة: و أما التروك المحرمة فثلاثون «2».

و في بعض الكلمات و المناسك خمسة و عشرون.

و الظّاهر ان اختلافهم لفظيّ فمثلا عدّ بعضهم الصيد البري واحداً و بعضهم عدّ صيده واحداً و كذا عدّ كل واحد من ذبحه، و أكله، و إمساكه، و الإعانة عليه بدلالة أو إشارة أو الإغلاق و هكذا بيعه و شرائه و تمليكه و تملكه و إغراء للحيوان به واحدا فيصير مجموع ذلك عشرة و لذا الاولي اقتفاء كلام جماعة منهم اهملوا ذلك و ذكروا المحرّمات فنقول:

[من محرمات الإحرام الصيد]

حرمة صيد الحيوان البري علي المحرم

منها: صيد الحيوان البري صيدا و ذبحا و اكلا و إمساكا و إعانة عليه و بيعاً و شراء فإنها كلها محرمة كتابا و سنة و إجماعا.

أمّا الكتاب فقوله تعالي: (و حرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً) «3» فإنَّه كما في كنز العرفان و الجواهر «4» يدلُّ علي تحريم كلِّ ماله دخل في صيده و التقليب و التقلب به و أما قوله تعالي: (لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم) «5» فيدل علي النهي عن

______________________________

(1)- الدروس الشرعية ك 1/ 351.

(2)- اللمعة الدمشقية/ 236.

(3)- المائدة/ 96.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 286.

(5)- المائدة/ 95.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 139

خصوص قتل الصيد.

و أما السنة فالروايات الدالة علي حرمة ما ذكر كثيرة جداً منها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تستحلن شيئاً من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم، و تدلن عليه محلا، و لا محرماً فيصطاده و لا تشر إليه فيستحل من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمَّده» «1» و ظاهره حرمة كل فعل

له دخل في اصطياده.

و صحيح منصور بن الحازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم لا يدل علي الصيد فإن دلَّ عليه فقتل فعليه الفداء» «2».

و في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تأكل من الصيد و أنت حرام و إن كان أصابه محل» «3».

و في الموثق عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تأكل شيئاً من الصيد و أنت محرم و إن صاده حلال» «4».

و أمّا الإجماع علي ما ذكره فهو المنقول في كلماتهم و لعلّ المتتبع في كلماتهم يجده محصلا.

[مسألة 1] «حكم ما ذبحه المحرم»

مسألة 1: قال في الشرائع: (و لو ذبحه كان ميتة حراماً علي المحل و المحرم).

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب تروك الاحرام ح 3.

(4)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 140

قال في الجواهر: (كما صرح به الشيخ و الحلِّي، و القاضي و يحيي بن سعيد و الفاضلان و غيرهم علي ما حكي عن بعضهم بل هو المشهور شهرة عظيمة بل لم يحك الخلاف فيه بعض من عادته نقله، و إن ضعف بل في المنتهي و عن التذكرة الإجماع عليه بل هو المراد أيضاً ممّا في النهاية و المبسوط- و التهذيب و الوسيلة و الجواهر علي ما حكي عن بعضها انّه كالميتة بل في الأخير الإجماع عليه أيضاً و ساق الكلام إلي ان قال: لكن عن الفقيه، و المقنع، و المختصر الأحمدي انه ان ذبحه في الحل جاز للمحل أن يأكله بل في الأوّل انّه لا

بأس أن يأكل المحل ما صاده المحرم و علي المحرم فداؤه نحوه المحكي عن المفيد و المرتضي أيضاً لكن يمكن ارادة عدم حرمة عين صيد المحرم علي المحل علي معني أنَّ له تذكيته و أكله لا أن المراد الأكل مما ذكاه المحرم بصيده) «1» ثمّ ذكر ميل بعض متأخِّري المتأخرين إليه).

و علي كلِّ حال فقد دلَّ علي القول المشهور ما رواه الشيخ بسنده عن وهب عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبَحه أو حرام». «2»

و دلالته علي حرمته علي المحرم و المحل مطلقاً و إن ذبحه المحرم في الحلّ ظاهرة و لكن نوقش في حجيّته بضعف سنده بوهب.

و ما رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار «3» عن الحسن بن موسي الخشاب «4» عن إسحاق «5» عن جعفر إنَّ علياً (عليه السلام) كان يقول: «إذا ذبح

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 288 و 290.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 377 ح 1315 وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(3)- القمي يلقب بمولد الظاهر مما ذكر في ترجمته و الله اعلم وثاقته من السادسة..

(4)- من وجوه اصحابنا مشهور كثير العلم و الحديث كانه من السادسة.

(5)- ابن عمار فطحي ثقة من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 141

المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم و إذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم» «1»

و دلالته كسابقه ظاهرة و يعتمد عليه و إن كان ليس علي ما اصطلحوا عليه صحيحاً لفساد

مذهب إسحاق فلا حاجة إلي جبر ضعف سنده بفتوي المشهور كما صنعه في الجواهر فعبَّر عنه و عن خبر وهب بالمنجبرين بما عرفت. «2»

و ما رواه أيضاً الشيخ عن احمد بن محمد بن عيسي «3» عن ابن أبي أحمد «4» عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلت له: المحرم يصيب الصيد فيفديه فيطعمه أو يطرحه؟ «5» قال: إذاً يكون عليه فداء آخر فقلت: فما يصنع به؟ قال: فيدفنه» «6» و في الاستبصار قال: «أو يطعمه أو يطرحه؟» و في الفقيه «يطعمه أو يطرحه» «7» و ظاهره الحرمة المطلقة علي المحرم و المحل.

لا يقال: إنّه في مقام بيان وجوب فداء آخر عليه لو أطعمه و لا تدل علي الحرمة المطلقة فإن أكله المحل لا بتسبيبه و إطعامه لم يفعل حراماً و إنّما أمر بدفنه لأجل الفرار من الفداء.

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 377 ح 1316 وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب تروك الاحرام ح 5.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 289.

(3)- شيخ القميين و وجههم و فقيههم.

(4)- هو ابو احمد ابن ابي عمير، و كلمة (ابن) في التهذيب لعلها سهو و الصواب ما في الوسائل (عن ابي احمد) و في الطبقات (ابن ابي احمد).

(5)- تهذيب الاحكام: 5/ 378 ح 1320.

(6)- الاستبصار: 2/ 215 ح 740/ 8.

(7)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 372 ح 2733.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 142

فإنّه يقال: هذا خلاف ظاهر الخبر فإنّه يكفي في الفرار من الفداء بيان كونه عليه إن أطعمه المحل أمّا الحكم بدفنه لأجل حرمته المطلقة حتّي لا يرتكب أحد الحرام بأكله.

اللهم الا أن يقال: إنه محرم عليه طرحه و جعله في معرض أكله المحل و هذا أعم من كونه

حراماً علي المحل.

و بالجملة الخبر ليس صريحاً في حرمته علي المحل، مضافاً إلي ضعف سنده بالإرسال إن لم نقل بأنّ ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع و اتفقوا علي أنَّ مراسيله كالمسانيد.

لا يقال: لا أصل لذلك فإنَّه يتم لو لم يكن لمثله الرواية عن الضعفاء و قد عثرنا علي جملة من الموارد يروي هو عن الضعفاء.

فإنه يقال: مرادهم انهم لا يروون إلا خبرا كان صدوره عن الإمام (عليه السلام) ثابتاً و معلوماً عندهم و لو بواسطة القرائن و يكفي ذلك في الاعتماد علي الخبر و الاطمينان بصدوره هذا.

و قد يناقش في دلالة المرسلة بإيمائها إلي جواز إطعامه و إن أوجب فداء آخر.

و فيه: انَّ عليه يحكم بالجواز في جميع الأفعال الَّتي جعل في ارتكابها الفداء إلا إذا دلَّ الدليل بالخصوص علي حرمته و القول به في غاية الاشكال.

ثمّ إنّه ربما ايد القول المشهور بان التذكية إنّما تتحقق بذكر الله تعالي علي ذبحه و لا معني لذكره علي ما حرَّمه فيكون لغواً.

و في قبال الأخبار الدالة علي حرمة الصيد علي المحل و المحرم و كونه ميتة ما يدل علي حليّته علي المحل كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إذا قتل الصيد

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 143

فعليه جزاؤه و يتصدق بالصيد علي مسكين» «1»

فإنها تدل علي جواز أكله للمحل، و إلا فلا يأمره بتصدقه علي مسكين.

فإن قلت: من المحتمل كون الباء في (بالصيد) للسببية و (الصيد) للمصدرية فيكون المعني إنه يتصدق بشي ء آخر جزاءً لفعله علي مسكين.

قلت: يرد هذا الاحتمال قوله «فعليه جزاؤه» فإنَّ الظّاهر منه ان عليه جزاءه المعين فإن لكلّ صيد كفارة خاصة ففي قتل النعامة بدنة، و في قتل بقرة الوحش و

حماره بقرة و في الظبي و الثعلب و الأرنب شاة و إن كان المراد ما ذكر يلزم أن يكون عليه جزاءان.

و صحيح معاوية بن عمّار قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أصاب صيداً و هو محرم أ يأكل منه الحلال؟ فقال: لا بأس إنما الفداء علي المحرم» «2».

و صحيح حريز قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن محرم أصاب صيداً أ يأكل منه المحلّ؟ قال: ليس علي المحل شي ء إنَّما الفداء علي المحرم» «3».

و صحيح منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل أصاب صيداً و هو محرم أكل و أنا حلال؟ قال: أمّا أنا كنت فاعلا قلت له: فرجل أصاب مالا حراماً؟ فقال: ليس هذا مثل هذا يرحمك الله ان ذلك عليه» «4».

و في صحيح معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم و هو محرم فإنّه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد، و إذا اصاب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب تروك الاحرام ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب تروك الاحرام ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب تروك الاحرام ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب تروك الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 144

في الحلّ فإنَّ الحلال يأكله و عليه الفداء» «1».

و مقتضي هذه الأخبار بعد حمل مطلقها علي مقيَّدها حليِّة ما ذكي بالصيد للمحل إذا صاده المحرم في الحلّ و أمّا إذا صاده المحرم أو المحل في الحرم أو إذا ذبحه بعد صيده في الحل فهو كصيده في الحرم حرام علي المحل و المحرم و بهذا يجمع بين الرّوايات

المطلقة و ما يدلّ علي جواز أكل الصيد للمحل و عليه يختص المنع بما إذا أصاب الصيد حيا فذبحه بل هذا هو مدلول الرّوايات المحرمة كرواية وهب و اسحاق.

نعم مرسلة ابن أبي عمير أو ابن أبي أحمد أو أبي أحمد أي محمّد بن أبي عمير إن قلنا بتماميّة دلالتها علي حرمة ما صاده المحرم علي المحل مطلق يشمل الصيد الَّذي أدركه الصائد حياً فذبحه أو ميتاً فيقيد إطلاقها ذلك بهذه الرّوايات الظّاهرة في اختصاص الجواز بما ذكي بالصيد.

ثمّ إنّه هل يجري علي ما ذبحه المحرم جميع أحكام الميتة أو يحرم منه خصوص أكله علي المحرم و المحل.

يمكن أن يقال: إنّ قوله (عليه السلام): «فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم» انّه كالميتة في خصوص هذا الحكم فلا يحرم الانتفاع من جلده و غيره من الاستعمالات و خصوصاً المائعات فيكون المراد من قوله (عليه السلام): «ميتة لا يأكله محلّ و لا محرم» إنّ لحمه كلحم الميتة.

و يمكن أن يدعي أنَّه كما قال الإمام (عليه السلام) ميتة فيجري عليه جميع أحكام الميتة و إنما ذكر حكم أكله لأنّه الانتفاع الشائع منه و في قبال ما صاده المحرم الَّذي حكمه

انَّه يأكله المحل و لا يأكله المحرم و يؤيد الأوّل الرّوايات الواردة في تقديم أكل المحرم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 145

ما صاد إذا اضطر إلي الصيد أو الميتة «1».

و حكي عن العلامة في التحرير: إنَّه بعد احتمال الأوّل استقرب عدم الجواز «2» و مقتضي الاصل الجواز.

نعم بعد البناء علي الجواز بالأصل يجري الكلام في أنّه هل يحرم الصلاة فيه لأنّه مما لا يؤكل لحمه أو أنّ هذا العنوان

منصرف إلي المحرمات الأصليّة دون العارضيّة فمقتضي الاحتياط الاجتناب عنه في الصلاة و الله هو العالم.

[مسألة 2] عدم جواز صيد الجراد في الاحرام»

مسألة 2: قال في الشرائع: (و الجراد في معني الصيد البري) «3».

و في الجواهر (عندنا بل في المنتهي و عن التذكرة أنّه قول علمائنا و أكثر العامّة، و في المسالك لا خلاف فيه عندنا خلافاً لأبي سعيد الخدري و الشافعي و أحمد في رواية). «4»

و لا ريب أنّه يشمله عموم الأدلة من الكتاب و السنة و يدلّ عليه بالخصوص صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «مرّ علي صلوات الله عليه علي قوم يأكلون جراداً فقال: سبحان الله و أنتم محرمون؟ فقالوا: إنَّما هو من صيد البحر فقال لهم: ارموه (ارمسوه) في الماء إذاً» «5»

و رواه الشيخ باسناده عن محمد بن مسلم: «عن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 43، من ابواب كفارات الصيد و الظاهر كون الثاني و السابع و التاسع و العاشر واحد فتفطن.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 291.

(3)- شرائع الاسلام: 1/ 183.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 293.

(5)- الكافي: 4/ 393 ح 6 و وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 146

أبي جعفر (عليه السلام) إنّه مرّ علي أناس يأكلون جراداً و هم محرمون. فقال: سبحان الله» الحديث إلا انه قال: «فارمسوه» «1» و رواه الصدوق أيضاً مثل ما رواه الشيخ إلا انه قال: «إنما هو من البحر» «2» و معني قوله: «ارموه في الماء» انه لو كان بحرياً لعاش في الماء.

و في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ليس للمحرم أن يأكل جراداً و لا يقتله قال: قلت: ما تقول في رجل قتل جرادة و هو

محرم؟ قال: تمرة خير من جرادة و هي من البحر، و كل شي ء أصله من البحر و يكون في البر و البحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله فإن قتله متعمداً فعليه الفداء كما قال الله» «3».

و صحيح زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في محرم قتل جرادة قال: يطعم تمرة و تمرة خير من جرادة» «4» و الحكم ثابت لا ريب و لا خلاف فيه فيحرم صيده و إمساكه و أكله. هذا و لكن قال الشيخ في التهذيب: (و يجوز له أي للمحرم- أن يأكل الجراد البحري إلا انه يلزمه الفداء) «5» و هو كذلك إن كان منه البحري، أمَّا الفداء له فلم نتحصل وجهه).

[مسألة 3] جواز صيد البحر للمحرم

مسألة 3: لا ريب في أنَّه يجوز للمحرم كغيره صيد البحر كالسمك و هو ما يعيش في البحر لقوله تعالي: (أحلّ لكم صيد البحر و طعامه متاعاً

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام 5/ 363 ح 1263.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 371 ح 2732.

(3)- تهذيب الأحكام: 5/ 363، ح 1264 و رواه أيضا في ص 468، ح 1636.

(4)- وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب كفارات الصيد ح 2.

(5)- تهذيب الاحكام: 5/ 363.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 147

لكم و للسيارة) «1» مضافاً إلي أنَّ ذلك مقتضي الأصل لأنَّ ما يمنع من الصيد مختص بصيد البر.

و ما في بعض الرّوايات ممَّا هو ظاهر في الإطلاق معلوم عدم إرادة الاطلاق منه لصراحة الكتاب في حليّة صيد البحر فليس المقام من حمل المطلق علي المقيَّد لأنه مختص بمورد أمكن فيه إرادة الإطلاق من المطلق و أمّا إذا كان هناك مانع عقلي أو شرعي من إرادة الإطلاق فهو محمول علي إرادة الخاص و المقيد.

نعم يأتي ذلك في

قوله تعالي: (لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم) «2» لأنَّه عام يشمل البري و البحري و قوله تعالي: (احل لكم صيد البحر) فالأول يختص بصيد البرّ.

و ممّا يدل علي جواز صيد البحر صحيح محمد بن مسلم الوارد في الجرادة فإنّه يستفاد منه انّ جواز صيد البحر كان مفروغاً عنه مسلَّماً عند الجميع.

و مما يستدل به ما رواه الكليني عن حريز عمّن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس بأن يصيد السمك و يأكل مالحه و طريه و يتزود و قال: أحل لكم صيد البحر و طعامه متاعاً لكم الحديث» «3».

و لكنه ضعيف بالإرسال و إن رواه الشيخ بإسناده عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) «4» فمن البعيد رواية حريز لحماد الحديث تارة عن الامام (عليه السلام) بالواسطة و اخري بدونها و مع ذلك لا يثبت كون الخبر مسنداً لو لم نقوّي جانب

______________________________

(1)- المائدة/ 96.

(2)- المائدة/ 95.

(3)- الكافي: 4/ 392 ح 1. وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 365 ح 1270.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 148

إرساله لكون الكليني علي ما قيل أضبط من الشيخ قدس سرهما و أمّا ترجيح إرساله علي إسناده بأنَّ الصدوق أيضاً أضبط من الشيخ فعجيب فإنّ الصدوق لم يذكر السند أصلا «1». و كيف كان فالحكم ثابت لا خلاف فيه.

[مسألة 4] صيد ما يعيش في البرّ و البحر

مسألة 4: إذا كان الصيد ممّا يعيش في الماء و في البر أيضاً فهل هو ملحق بالبري أو البحري.

يمكن أن يقال: إنّه غير ملحق بواحد منهما و علي هذا فإن كان هنا ما يدل بالإطلاق علي حرمة مطلق الصيد يبقي ما ليس بحرياً تحت العام أو الإطلاق و

إلا فمقتضي الأصل جواز صيده.

و لكن يدل بإلحاقه بالبري صحيح معاوية بن عمّار الَّذي سبق ذكره و فيه: في الجرادة، «و هي من البحر و كلّ شي ء أصله من البحر و يكون في البرّ و البحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله فإن قتله متعمداً فعليه الفداء كما قال الله».

لا يقال: إن هذا فيما يكون في البر و البحر و أصله من البحر.

فإنّه يقال: كأن الحكم فيما كان أصله من البر و يكون في البر و البحر مفروغ

عنه مضافاً إلي أنه يستفاد منه حكم ما كان من البرّ بالاولويّة فإنّه إذا كان صيد ما كان أصله من البحر الّذي صيده حلال حراماً يكون صيد ما كان من البرّ الّذي صيده حرام بالاولوية حراماً و الله هو العالم.

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 370.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 149

[مسألة 5] صيد ما شك في أنه بري أو بحري

مسألة 5: إذا شك في حيوان أنه بري أو بحري يحكم بحليته للأصل و أما إن منعنا وجود إطلاق دال علي عموم التحريم فليس هنا إلّا ما يدل علي حلية البحري و ما يدل علي حرمة البرّي و الشك في حيوان أنه من البحري أو البري كالشك في لحم أنه مما يؤكل أو ما لا يؤكل أو مائع أنه خمر أو خل.

و أما إذا قلنا بإطلاق في البين و شككنا في حيوان أنّه بري أو بحري لا شك في أنّه لا يجوز التمسك بالدليل المقيد أي ما دل علي حلية البحري لأنّ الحكم عليه بالحلية فرع ثبوت كونه محرماً.

و أمّا التمسك بإطلاق ما دل علي حرمة الصيد الّذي يشمل بإطلاقه البري و البحري و المشكوك كونه من أيّهما فيمنع منه أن العام أو المطلق بورود التخصيص أو التقييد

عليهما يعنونان بعنوان غير الخاص أو غير المقيد مثلا إذا قال (أكرم العلماء) و ورد: (لا تكرم النحويين منهم) العام الأوّل يعنون بعنوان غير النحويين و يدل علي وجوب إكرام كل عالم غير نحوي فإذا شككنا في عالم أنه نحوي أو غير نحوي لا يجوز التمسك بقوله أكرم كل عالم غير نحوي بل لا بدّ من إثبات ذلك بدليل آخر و إلّا فيحكم بعدم وجوب اكرام هذا العالم المشكوك كونه نحوياً و ما نحن فيه علي فرض وجود إطلاق دال علي التحريم يكون كذلك لأنَّ تقييد إطلاق ما دل

علي حرمة مطلق الصيد بقوله تعالي و (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) يوجب تعنون ما دل علي موضوع الحرمة أي الصيد بغير البحري فلا يجوز إثبات حرمة صيد شك فيه انّه بحري أو بري به و بعبارة أخري لا يجوز الاستدلال بدليل الحكم لإثبات موضوعه

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 150

و هو صيد غير البحري.

نعم إن كان هنا دليل علي إثبات هذا القيد يتمسك بالإطلاق لتحقق موضوعه فإن قلنا باستصحاب العدم الأزلي يمكن أن نتمسك به و نقول بتحقق الموضوع بالوجدان و بالأصل فنقول: هذا الحيوان أو هذا الصيد المحقق وجوده بالوجدان لم يكن غير بحرية من الأزل و الآن كما كان فتأمل جيداً.

[مسألة 6] حكم ما اصله بري و يعيش في البحر

مسألة 6: يعلم مما ذكر أن البرّي تميز من البحري باختصاصه بالبرّ و عيشه فيه و إن كان أصله من البحر و البحري تميز من البري باختصاصه بالبحر و عيشه فيه و لم يذكر ما أصله من البر و يعيش في البحر في الرّوايات و في كلماتهم و لعلّه لعدمه.

هذا و لكن في خصوص الطير جاء فيما رواه الكليني بإسناده عن حريز عن أبي عبد

الله (عليه السلام): «كل طير يكون في الآجام يبيض في البرّ و يفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ، و ما كان من صيد البرّ يكون في البرّ و يبيض في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر» «1» و مفهوم الجملة الثّانية بالأولوية و ما كان من صيد البحر يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر.

و لكن في التهذيب سقطت الجملة الثانية المذكورة في الكافي و أثبت ما قلنا إنّه مفهومها بالأولوية منطوقاً و لفظه: «و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر» «2» فعليه يقع التهافت بينهما لأن مفهوم ما في التهذيب ان ما

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 392 ح 1.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ ح 1270. و لا يخفي عليك ما وقع الوسائل فيه فإنه في ح 1، من ب

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 151

كان من الطير لم يكن في البحر و يكون في البر و إن كان يفرخ في البحر هو من صيد البر و إن قلنا بأن مفهومه انّ ما لم يكن في البحر و لا يفرخ في البحر فهو من صيد البرّ يكون عين منطوق الصدر.

و بعد ذلك كلّه الّذي يقتضيه التأمل في الفاظ- الحديث حسب الكافي و التهذيب عملا باجراء أصالة عدم الزيادة في كل ما هو ثابت في أحدهما و ساقط في الأخر انَّ الرواية كانت لفظها هكذا:

و فصل ما بينهما «كل طير يكون في الآجام يبيض في البرِّ و يفرخ في البرِّ فهو من صيد البر، و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر، و ما كان

من صيد البر يكون في البرِّ و يبيض في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر».

و هذا الخبر يدلّ علي أنَّ الطير إذا كان في البر و أصله من البحر و يبيض و يفرخ في البحر فهو بحري و هذا بظاهره معارض لعموم صحيح معاوية بن عمار الّذي سبق ذكره ففيه: «كلّ شي ء أصله من البحر، و يكون في البرّ و البحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله» و لكن يجمع بينهما بتخصيص عموم الصحيح بالمرسلة ان اعتمدنا عليها كما ليس ذلك ببعيد و إلا فالحجّة هو الصحيح.

هذا كلّه في تعيين ما هو الموضوع للحلال و الحرام من الصيد و أمّا إذا كان الشك في مفهوم البحري أو البرّي فعلي القول بإطلاق قوله تعالي: (لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم) إذا شككنا في أنّ البحري هل هو خصوص ما يعيش في البحر و أصله من البحر طيراً كان أو غيره أو هو أعم مما يعيش في البر و أصله من البحر يفرخ

______________________________

من ابواب تروك الإحرام كأنه أخذ صدره من صحيح معاوية (التهذيب: 5/ ح 1269 و ذيله من خبر حريز، ح 1270 و 183 من التهذيب.)

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 152

و يبيض فيه و بعبارة أخري نشك في مفهوم البحري بين الأقل و الأكثر و انَّه هو الأقل أو الأعم منه و من الأكثر فالحكم فيه البناء علي الأقل و حجيّة المطلق في الأكثر.

و أمّا إن لم يكن في البين إطلاق أو عموم يشمل الصيد بأقسامه برياً و بحرياً ففي الشك في مفهوم البري الواقع تحت حكم الحرمة في قوله تعالي: (و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً) بين الأقل و الأكثر نبني

علي حرمة الأقل و يجري البراءة عن حرمة الأكثر أمّا الشكّ في مفهوم البحري بين الأقل و الأكثر فلا يورث تفاوتاً عملياً سواء كان مفهوم الأقل أو الأكثر.

نعم الحكم بحليّة الأقل علي مقتضي الدليل الاجتهادي حكم واقعي و الحكم بحليّة الأكثر يكون علي حسب الأصل العملي و البرائة حكم ظاهري و الله هو العالم.

[مسألة 7] جواز ذبح الحيوانات الاهلية للمحرم

مسألة 7: يجوز ذبح الحيوانات الأهلية كالشاة و البقر و الغنم و الإبل و الدجاج في الحل و الحرم للمحرم و المحل و ذلك لعدم صدق الصيد علي ذبحها.

قال الراغب: الصيد (هو تناول ما يظفر به مما كان ممتنعاً و في الشرع تناول الحيوانات الممتنعة ما لم يكن مملوكاً) فمقتضي الأصل الجواز مضافاً إلي النصوص الدالّة علي أن كلّما جاز للمحل ذبحه في الحرم جاز ذبحه للمحرم في الحل و الحرم.

ففي صحيح حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم يذبح ما حلَّ للحلال في الحرم أن يذبحه و هو في الحل و الحرم جميعاً» «1».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 153

و في رواية صحيحة اخري عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم يذبح الابل و البقر و الغنم، و كل ما لم يصف من الطير، و ما أحل للحلال أن يذبحه في الحرم و هو محرم في الحلِّ و الحرم» «1».

و لو شك في حيوان أنَّه وحشي أو أهلي فمقتضي الأصل جواز ذبحه للشكّ في صدق الصيد عليه.

و بعبارة اخري الشك واقع في أنّه وحشي يحرم ذبحه أو أهلي يجوز ذبحه فهو أيضاً كالمائع المشتبه بالخل و الخمر، مقتضي الأصل جواز ذبحه هذا.

و لكن في صحيح معاوية

بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعي و العقرب و الفارة … و الحيّة إذا أراد تلك فاقتلها و إن لم تردك فلا تردها و الكلب العقور و السبع إذا أراداك (فاقتلهما) فإن لم يريداك فلا تردهما و الأسود الغدر فاقتله علي كل حال وارم الغراب رمياً و الحدأة علي ظهر بعيرك» «2».

و ربما يقال بأن مقتضاه حرمة كل حيوان إلا ما استثني فيه و لكن يمكن أن يقال: إن الدواب و ان تستعمل في الحيوان إلا انها كما قاله الراغب استعمالها في الحشرات أكثر.

و قيل في الجواب عن الاستدلال به بأنّه مخصص بأن ما أحل للحلال أن يذبحه في الحرم جاز للمحرم ذبحه في الحلّ و الحرم و الحيوان المشكوك كونه أهلياً أو وحشياً يجوز ذبحه للمحل في الحرم للبراءة فيجوز ذبحه للمحرم في الحلّ و الحرم للكليّة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب تروك الاحرام ح 3.

(2)- الكافي: 4/ 363 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 154

المذكورة فالخارج من العام الدال علي المنع أمر ان: أحدهما الحيوانات الخاصة المذكورة فيما تقدم و ثانيهما مورد انطباق الكليّة المذكورة المستفادة من النص.

و فيه: أن الظّاهر من صحيح حريز حلية ما أحلّ للحلال أن يذبحه في الحرم من المحللات الواقعية المحللة بالتحليلات الأولية لا المحللات الظّاهرية المحللة بمثل البراءة.

و مما يبعد ذلك أنّ مقتضي ما ذكره أخذ الحكم الوارد في الشك في الحكم الواقعي في موضوع حكم واقعي آخر و هو شبيه بلحاظ- ما هو متأخر رتبة عن الحكم و متوقف عليه في موضوع الحكم فتأمل.

[مسألة 8] الكلام في معني الصيد

مسألة 8: قال في مجمع البيان: (اختلف في المعني بالصيد

فقيل: هو كلُّ الوحش أكل أولم يؤكل، و هو قول أهل العراق و استدلوا له بقول علي (عليه السلام): صيد الملوك أرانب و ثعالب، فإذا ركبت فصيدي الأبطال «1».

و هو مذهب أصحابنا رضي الله عنهم، و قيل: هو كلُّ ما يؤكل لحمه (يعني من الوحش)، و هو قول الشافعي) «2».

و قال في المستند: (الصيد المحرم يشمل كل حيوان ممتنع بالاصالة سواء كان ممّا يؤكل أولا) ثمّ ذكر وفاق الشرائع و التذكرة بل جملة من كتب العلامة و جمع من المتأخرين لذلك و قال: (و عن الراوندي أنه مذهبنا) «3».

______________________________

(1)- و بعده في الديوان:

صيدي الفوارس في اللقاء و انني ند الوغي لغضنفر قتال

(2)- مجمع البيان: 3/ 419.

(3)- مستند الشيعة: 11/ 344.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 155

أقول: قال الراوندي: (اختلف في المعني … ) «1» إلي آخر ما حكيناه عن مجمع البيان حرفاً بحرف.

و مقتضي ما ذكر دلالة الكتاب علي أنَّ الصيد المنهي عنه أعم من الصنفين ما يؤكل و ما لا يؤكل الا أنه ربما يستشكل في ذلك بأنَّ ذيل الآية يدل علي اختصاص الحكم بما يؤكل لحمه فقد قال الله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم و من قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم) «2» الآية فيستفاد من (قوله تعالي) و من قتله … أن المحرم ما كان مثله في النعم و أما غير ذلك فلا يستفاد منها حرمته.

و غاية ما نقول: أن المحرم صيده ما كان فيه جزاء و كفارة سواء كان أكله حراماً أو حلالا.

و اجيب عن ذلك بأنه لا ملازمة بين حرمة القتل و ثبوت الكفارة فإنّ قوله تعالي في ذيل الآية: (و من

عاد فينتقم الله منه) يدل علي حرمة إعادة الصيد و لا كفارة علي من أعاد و صاد صيداً آخر.

فإن قلت: أن رجوع الضمير إلي الصيد ظاهر في اختصاصه بما فيه الجزاء

و الكفارة.

قلت: يمكن أن يكون الضمير علي سبيل الاستخدام راجعاً إلي ما فيه الجزاء و الكفارة.

و إن أبيت عن ذلك فغاية ما تدل الآية عليه هو حرمة قتل ما فيه الجزاء لا

______________________________

(1)- فقه القرآن/ 306.

(2)- المائدة/ 95.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 156

اختصاص الحرمة به فلا تمنع من استفادة حرمة ما لا يوكل من دليل آخر.

و استشكل أيضاً في شمول الحكم لغير ما يؤكل بقوله تعالي: (وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً) «1» فهذا كالصريح في اختصاص الحكم بما يؤكل لأنّ حرمة ما لا يؤكل عام تشمل المحل كالمحرم و الَّذي حرام في خصوص حال الإحرام هو ما يؤكل.

و أجيب عن ذلك أيضاً بأنّ المعني بالصيد هو معناه المصدري أي الاصطياد دون المصيد و الاصطياد حرام علي المحرم و حلال علي المحلّ و الشاهد لذلك قوله تعالي في صدر الآية الشريفة: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ) فإنّ المراد من الصيد الاصطياد و إلا لو كان المراد منه المصيد يلزم أن يكون المحلَّل في الجملة الثانية عين المحلَّل في الجملة الأولي.

و بعد ذلك كلّه لو كان المراد من الصيد المصيد الحلال لا يفيد اختصاص الحرمة به فلا يمنع من دلالة دليل آخر علي حرمة صيد ما لا يؤكل، و اختصاص ما يؤكل بالذكر لكثرة الابتلاء به و تعارف أكله.

فممّا يدل علي حرمة ما لا يؤكل بالعموم صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تستحلن شيئاً من الصيد

و أنت حرام و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدلن عليه محلا و لا محرماً فيصطاده و لا تشر إليه فيستحل من أجلك فإن فيه فداء لمن تعمده» «2»

و ما رواه الشيخ بإسناده عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

______________________________

(1)- المائدة/ 96.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 157

«و اجتنب في إحرامك صيد البر كلِّه، و لا تأكل مما صاده غيرك، و لا تشر إليه فيصيده» «1» و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم لا يدل علي الصيد فإن دلّ عليه فقتل فعليه الفداء» «2» و منه غير ذلك مما ذكره في المستند.

و قال في آخر كلامه: (ثمّ إنَّه خالف هنا جماعة في الصيد المحرم أكله بل في المفاتيح حكي عن الأكثر فقيدوا الصيد المحرم بالمحلل من الممتنع فجوزوا صيد كل ما لا يؤكل إمَّا مطلقاً كطائفة أو باستثناء الأسد و الثعلب و الأرنب، و الضب و اليربوع، و القنفذ و الزنبور و العظاية فحرموا صيدها أيضاً كجماعة استناداً إلي عدم وجوب كفارة في غير المأكول سوي الثمانية و ردَّ بمنع التلازم بين عدم لزوم الكفارة و عدم التحريم لأنَّها ليس من لوازم الحرمة كما يشهد عليه سقوط- الكفارة عمّن عاد في الصيد متعمداً و اجيب: بأنه يمكن استنباط- التلازم بين الحرمة و لزوم الكفارة من سياق قوله سبحانه: وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ و من صحيحتي الحلبي و ابن حازم المتقدمتين فإنَّ مفادهما ثبوت الفداء في كل ما تعلق به النهي فلا بد من أحد التخصيصين إمَّا

تخصيص الصيد بالمحلل أو الفداء ببعض ما يحرم صيده فلا يعلم عموم حرمة الصيد أقول: يمكن أن يقال: إنَّ غاية ذلك اختصاص حرمة الصيد بما فيه الفداء و لكن لا يفيد ذلك فيما نهي فيه عن قتل الدواب و السباع

و نحوها و الحاصل: إن هاهنا أمرين أحدهما: النهي عن الصيد و الآخر: عن قتل الدواب و ما ثبت فيه التلازم هو الأوَّل دون الثاني و المثبت للتعميم حقيقة هو الثاني). «3»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب تروك الاحرام ح 5.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب تروك الاحرام ح 3.

(3)- مستند الشيعة: 11/ 348.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 158

أقول: و حاصل كلامه أن في الصيد نلتزم بحرمة ما فيه الفداء و في قتل الدواب بحرمته مطلقاً و إن لم يكن فيه الفداء و طريق الاحتياط- ترك صيد ما يؤكل و ما لا يؤكل مما يصاد و ترك قتل ما يصاد من غير المأكول و ما لا يصاد و الله هو العالم.

[مسألة 9] الكلام فيما اذا صار الحيوان الوحشي اهليا و بالعكس

مسألة 9: إذا صار الحيوان الوحشي أهلياً، و الأهلي وحشياً فهل العبرة في جواز صيده أو حرمته بحالته الأصليّة أو العارضة.

فإن قلنا: بأن الصيد عبارة عن تناول الحيوانات الممتنعة، فالظاهر صدقه علي تناول ما صار كذلك و إن كان امتناعه عارضياً، و ذلك لأنَّ الصيد تناول الممتنع عن تناوله و الظفر به، و لذلك قال مولانا (عليه السلام): «و إذا ركبت فصيدي الأبطال» لأنَّ البطل هو ما يكون كذلك.

و علي هذا لا يصدق الصيد علي ما صار أهلياً لعدم امتناعه عن الظفر به، و التسلط عليه و يصدق علي ما صار وحشياً و دعوي عدم صدق الصيد علي الثاني و بقاء صدقه علي

الأول كأنَّها مجازفة.

نعم لو قلنا: بأن حلّية الحيوانات الأهلية ليست بهذا العنوان بل ما هو

الموضوع للحليّة فيها نفس عناوين أصنافها من البقر أو الغنم أو الشاة أو الإبل أو الأنعام الثلاثة.

يمكن أن يقال: ببقاء حليّتها و إن صار وحشيّاً لعدم تغير ما هو الموضوع بذلك، فالبقر حلال و هذا بقر فهو حلال.

فإن قلت: هذا إذا لم نقل بصدق الصيد علي الظفر بالحيوان الأهلي الَّذي صار

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 159

وحشياً، و أمّا إن قلنا بذلك فما يدل علي حليّة البقر و الغنم و الإبل يكون نسبته مع الدليل الدال علي حرمة صيد الوحشي مطلقاً بالعموم من وجه فيتعارضان في الأنعام الأهلية الَّتي صرن وحشيَّة فيتساقطان و يكون المرجع الأصل العملي لا اللفظي.

قلت: الأمر كذلك و إن أفاد بعض الأعلام فقال: (و لو فرضنا صدق الصيد عليه إلا أن النصوص المعتبرة دلت علي جواز ذبح الإبل و البقر، و إطلاقها يقتضي الجواز، و إن توحش الحيوان الأهلي لتقدم إطلاق الخاص علي العام). «1»

و لكن فيما أفاده انّ ذلك يتمّ لو كان عموم الصيد شاملا لذبح البقر و الشاة و نحر الإبل مطلقاً فإنَّه يكون خروج ما ذكر من تحت عموم الصيد من خروج الخاص من تحت العام، و اطلاق الخاص الخارج عن تحته الشامل للبقر الّذي صار وحشياً مقدم علي إطلاق العام الشامل له.

و أمّا إذا كان إطلاق الصيد شاملا لخصوص ذبح البقر الّذي صار وحشياً دون غيره يكون النسبة بين الدليلين بالعموم من وجه فلا بد بعد تساقطهما بالتعارض من الرجوع إلي الأصل العملي. فتدبر.

[مسألة 10] حلية ذبح الحيوانات الاهلية مما لا يطلب أكله

مسألة 10: هل جواز حلّية ذبح الحيوانات الأهلية تختص بما يطلب أكله أو يعمه و ما يطلب ظهره و إن

كان يحل أكله أيضاً، فعلي القول بالاختصاص لا يجوز ذبح غير الأنعام الثلاثة و الدجاج كالخيل و البغل و الحمار و علي القول بالتعميم يجوز ذبح الجميع و إن لم يرد لحمه بل أراد

______________________________

(1)- معتمد العروة: 3/ 382.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 160

الانتفاع مثلا بجلده.

ظاهر إطلاق كلماتهم حلية ذبح مطلق ما كان أهلياً و نسب إلي الشرائع بأن كلامه يوهم الاختصاص لاستثنائه خصوص النعم و الدجاج مما يحرم ذبحه إلا اننا لم نجد في الشرائع.

و الذي هو الوجه في حلّية مطلق ما كان أهلياً الأصل و اختصاص ما يدل علي الحرمة بالصيد البري.

نعم الحكم بالنسبة إلي حلية الإبل و البقر و الغنم و الدجاج واقعي قد دل عليه صحيح أبي بصير الّذي رواه الشيخ بإسناده عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يذبح في الحرم الابل و البقر و الغنم و الدجاج» «1» و في الفقيه رواه الصدوق عنه و صدره: «لا يذبح في الحرم إلا … » «2» و الظّاهر إنَّ ما حكي عن النسخة المطبوعة القديمة بدل «في الحرم»، «في الحل» سهو و إلا فالمعني المستقيم له: إنَّ المحرم يذبح في الحل الإبل … دون الحرم فإنَّه لا يذبح فيه شي ء من الثلاثة و الدجاج و أمّا بالنسبة إلي البغال و الحمير و الخيول ظاهري ثابت بالأصل.

نعم علي نسخة الفقيه الحكم بالنسبة إليها أيضاً واقعي تحريمي لأنَّه لا مجال للأصل مع البناء عليها.

و لكن هي معارضة بنسخة التهذيب بل بما عند صاحب الوسائل من نسخة الفقيه مع التهذيب فإنَّه قال: و رواه الصدوق بإسناده عن ابن مسكان. «3»

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 367 ح 1279/ 192.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 264 ح

2379.

(3)- وسائل الشيعة: ب 82 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 161

و بعد ذلك لا يقال: إنَّ الاعتماد علي رواية الصدوق لانه أضبط من الشيخ علي ما قيل فإنّ ذلك فرع معارضة الفقيه مع التهذيب و بعد اختلاف نسخ الفقيه لا تثبت المعارضة.

و احتمال أنَّ الصدوق استفاد من سياق قوله (عليه السلام) اختصاص الجواز بالثلاثة و الدجاج لاختصاصها بالذكر فنقل الحديث بالمضمون لا باللفظ- و إن كان لا يخلو من بعد إلا انه لا يرد به.

و كيف كان فالرواية علي ما رواها الشيخ و إن كانت لا تخلو من إشعار ما علي اختصاص حكم الحليَّة بالأنعام و الدجاج إلا انه ليس علي حد يطمئن به النفس.

و أما الاستدلال علي حرمة ما يطلب ظهره بعموم صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) فانه قال فيه: «ثمّ اتّق قتل الدواب كلِّها إلا الأفعي و … » «1».

فإنَّ ذلك ليس ممَّا استثني منه في نفس الصحيح و في غيره أيضاً لم يستثن إلا الأنعام و الدجاج ففيه: انا منعنا شمول الدواب المذكور فيه للأنعام و الخيل و البغال و الحمير فإنّ الظّاهر انّ المراد منه في الأكثر الحشرات سيَّما بقرينة ما استثني فيه من الدواب.

مضافاً إلي أنَّ الحديث ورد في بيان وظيفة المحرم و ما هو محرَّم عليه فلا يدل علي ما هو وظيفة المحرم و المحل في الحرم و حرمة ذبح الحمير و البغال و الخيول فيه فذلك باق تحت الأصل.

نعم بالنسبة إلي المحرم يمكن أن نقول: باستثناء الأنعام و الدجاج باطلاق صحيح أبي بصير و بالإجماع و بالنسبة إلي الخيل و أخويه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب تروك

الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 162

باستثنائها بما دل علي ان كلما جاز قتله للمحل في الحرم يجوز ذبحه للمحرم في الحل و الحرم و الخيل و أخويه يجوز ذبحها للمحل في الحرم للاصل فيجوز ذبحها للمحرم أيضاً في الحل و الحرم هذا علي ما أفاده بعض المعاصرين. «1»

و لكن قلنا: بأنَّ ذلك من جعل الحكم الظّاهري موضوعاً للحكم الواقعي و هو خلاف الظّاهر و قريب من لحاظين طوليين علي خلاف مقتضاهما و كأنَّه تفطن هنا بذلك فاستدل لحلية الحمير و البغال و الخيول بأنَّه لا ريب في جواز قتل ذلك للمحل في الحرم لأنَّ الَّذي يحرم عليه الحيوان الَّذي دخل من الخارج إلي الحرم و التجأ إليه فإنَّه آمن لقوله تعالي (وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً) و كذلك الصيد و شي ء منهما غير صادق علي الخيول و البغال و الحمير علي الفرض فلا مانع للمحل في الحرم من ذبح ذلك فإذا جاز له جاز للمحرم و فيه: انّ ذلك لا يتم إلا بالأصل فإن الدليل علي حرمة الصيد و حرمة الحيوان الَّذي يلتجأ إلي الحرم ليس دليلا علي حلية البغل و أخويه.

اللهم إلا أن يقال بدلالة الدليل علي حصر الحرام فيما ذكر أو ادّعي القطع و تسلم الاصحاب علي ذلك.

و لكن كل من الوجهين غير سديد و لعل الأسد في الجواب عن هذا العموم

انصرافه عن غير الحشرات و إلا فيشمل عمومه الخيول و البغال و الحمير.

نعم تبقي هنا رواية اخري مطعونة بضعف سند و هي ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا «2» عن سهل بن زياد «3» عن أحمد بن محمد بن أبي نصر «4» عن

______________________________

(1)- معتمد العروة: 3/ 384.

(2)- عدته عن

سهل أحدهم محمد بن الحسن و هو الطائي الرازي و محمد بن جعفر الأسدي نزيل الري أو محمد بن أبي عبد الله، و محمد بن عقيل الكليني، و علي بن محمد بن إبراهيم (رجال اسانيد الكافي).

(3)- من السابعة له كتاب.

(4)- من السادسة و من أصحاب الإجماع روي عن مولانا الرضا (عليه السلام) كتاباً.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 163

عبد الكريم «1» عن أبي بصير «2» عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا يذبح بمكة إلا الإبل و البقر و الغنم و الدجاج» «3» و هذا يدل علي حرمة ذبح ما يقبل الذبح و التذكية إلا الأربعة المذكورة الَّتي يطلب لحمها إلا ان شمول إطلاقها في المنع عن ذبح غير ما ذكر لصورة الضرورة كما إذا صار معرضاً للتلف ميتة في غاية البعد فالمراد منه و الله اعلم إمّا المنع عن الذبح في غير حال الضرورة أو للانتفاع بلحمها.

و كيف كان فهذا المتن و متن ما رواه الصدوق واحد غير أنَّ لفظ- الفقيه «بالحرم» بدل بمكة و لذا يمكن أن يجعل ذلك مؤيداً و وجهاً لترجيح نسخة الفقيه علي التهذيب لقوة احتمال كون ما رواه ابن مسكان عن أبي بصير و عبد الكريم عنه واحد فالترجيح يكون مع نسخة الكليني و الصدوق مضافاً إلي تقديم اصالة عدم الزيادة علي النقيصة و بذلك اي بموافقة رواية عبد الكريم مع رواية ابن مسكان إلا في

«بمكة» يجبر ضعف رواية عبد الكريم و يطمئن النفس بصدوره.

و بالجملة يقع التعارض بين ما رواه التهذيب و ما رواه الكليني في الكافي و الصدوق في الفقيه و الظّاهر ترجيحهما عليه و قد كان لأبي بصير يحيي بن القاسم كتاب في مناسك الحج و

الظّاهر ان هذا الحديث من مروياته و لعله كان موجوداً عند العدة من مشايخ الكليني و سائر رجال السند إلي أبي بصير و عند الحسين بن سعيد و سائر رجال سند الشيخ و إنَّما لم يكتفوا بالرواية بالوجادة لما استقر به عادتهم في تحمل الحديث و روايته و سواء اعتني بهذا الاحتمال أو لم يعتن به لا مجال للطعن

______________________________

(1)- ابن عمر و الخثعمي من الخامسة واقفي له كتاب.

(2)- ان كان هو يحيي بن القاسم له كتاب مناسك و ان كان هو ليث المرادي ايضاً له كتاب من الرابعة.

(3)- الكافي: 4/ 231.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 164

في السند.

فإن قلنا بترجيح لفظ- الكافي و الفقيه علي التهذيب يكون النتيجة عدم جواز ذبح غير الأربعة في مكة أو في الحرم فهو ممّا حرم ارتكابه في الحرم و محرّم علي المحل و المحرم بهذا العنوان و أمّا لخصوص عنوان المحرم فإن قلنا بان ما يدل علي أنّ كلما هو حلال ذبحه في الحرم حلال علي المحرم في الحل و الحرم يدل بالمفهوم علي ان كلما هو حرام ذبحه في الحرم محرم علي المحرم في الحل و الحرم نقول بحرمته في الحل ايضاً علي المحرم و الا فالاصل عدم حرمته عليه في الحل و الله هو العالم.

[من محرمات الإحرام النساء]

اشارة

حرمة النساء في الاحرام

من محرمات الإحرام النساء و الكلام فيه يأتي في طي مسائل:

[مسألة 11- الجماع قبلا كان أو دبراً حرام علي المحرم]

مسألة 11: الجماع قبلا كان أو دبراً حرام علي المحرم و حرمته ثابت بالإجماع و الكتاب و السنة.

أمَّا الإجماع فلا ريب في تحققه و كون الحكم مقطوعاً به بين الأصحاب.

و أمّا الكتاب فقوله تعالي: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ) «1» و هو يدل علي حرمة الجماع سواء كان المراد به الكلام المتضمن لدواعيه و إرادته أو خصوص فعله.

قال الراغب في المفردات: (الرفث كلام متضمن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع و جعل كناية عن الجماع … و قوله: (فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ) يحتمل أن يكون نهياً عن تعاطي الجماع و أن يكون نهياً عن الحديث في ذلك إذ هو من دواعيه

______________________________

(1)- البقرة/ 297.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 165

و الأوّل أصح).

و هذا أي إرادة الجماع منه مصرح به في أحاديثنا و هو المعول عليه في تفسير القرآن الكريم.

و أمّا السنة فقد دلت كما أشرنا إليه الرّوايات المأثورة عن ساداتنا الأبرار (عليهم السلام) علي حرمة الجماع ففي الصحيح عن معاوية بن عمار و عن صفوان بن يحيي و ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) بعد ذكر الآية قال: «فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السباب و الجدال قول الرجل لا و الله و بلي و الله» «1».

و في الصحيح أيضاً عن علي بن جعفر قال: «سألت أخي موسي (عليه السلام) عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو و ما علي من فعله؟ فقال: الرفث جماع النساء» الحديث «2».

فإن قلت: الآية الكريمة انَّها تدل علي حرمة الرفث في الحج

تمتعاً كان أو

إفراداً أو قراناً و في عمرة التمتع دون العمرة المفردة لأنَّ ما هو مختص وقوعه بأشهر الحج هو حجّ التمتّع و عمرته و حجّ القران و الإفراد و أمَّا العمرة المفردة يجوز الإتيان بها في طول السنة، و كذلك الرّوايات مقصورة دلالتها علي ما دلت عليه الآية لانها وردت في تفسير الآية.

قلت: أوّلا يمكن أن يقال: إنَّ المتفاهم من ذلك عندهم أنَّ السبب في حرمة المحرمات هو الإحرام و لا خصوصية لكونه للحج أو للعمرة أو في أشهر الحج أو في غيرها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: 32 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب تروك الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 166

و ثانياً: هنا روايات اخري فيما يحرم بالإحرام بقول مطلق سواء كان للحج أو للعمرة المبتولة أو عمرة التمتّع و ذلك مثل صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يقع علي أهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلبّ؟ قال: ليس عليه شي ء» «1».

و رواية جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليه السلام) «2» و روايات اخري «3».

و ممَّا ذكر يظهر الإشكال في دلالة الآية علي حرمة الرفث بعد أعمال الحج و العمرة قبل طواف النساء و لكن يدفع بقطعهم بالحرمة قبله و بالنصوص الدالة عليها «4» فهذه المسائل مورد الاتفاق و الإجماع.

كما أنَّ ظاهر النصوص و كلمات الفقهاء إلا من حكي الشيخ في الخلاف خلافه «5» و لم يعرف باسمه عدم الفرق في حرمة الجماع بين القبل و الدبر لصدق الجماع و الوطي و الوقاع و الإتيان و الدخول علي الثاني و دعوي انصرافها إلي الأوَّل غير مسموعة بعد

كون الثاني أحد المأتيين مضافاً إلي مناسبة اتحادهما في مثل هذا الحكم و مضافاً إلي حرمة ما هو دون الجماع علي المحرم كما أنه لا فرق بين الإنزال و عدمه بعد صدق العناوين المذكورة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب تروك الاحرام ح 2..

(3)- وسائل الشيعة: ب 12 و 13 و 14 و 15 من أبواب تروك الاحرام.

(4)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الطواف ح 3 و ب 58 و ب 10 من أبواب كفارة الاستمتاع و ب 13 و 14 من أبواب الحلق و التقصير.

(5)- الخلاف: 2/ 370.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 167

و هل يختص الحكم بالجماع الحلال أو يشمل الحرام سواء كان بالعرض كالجماع في حال الحيض أو المحرم بالمظاهرة أو الإيلاء أو بالأصل كالزناء و اللواط؟

المقصود ترتب ما يترتب علي الحلال من فساد الإحرام علي الحرام أيضاً لا اصل الحرمة لحرمة هذه المحرمات مطلقاً في حال الإحرام و سائر الاحوال.

نعم يشتد حرمتها في حال الإحرام كما يشتد في الأماكن المقدسة و الأزمنة الشريفة.

و كيف كان فلا ريب في ترتب الأحكام علي الجماع في حال الحيض و المحرَّم بالإيلاء و الظهار لان كل ذلك واقع تحت العناوين المذكورة و ايتاء الاهل.

و أمَّا الزناء و اللواط- فربما يستدل لكونهما محكومين بأحكام الجماع الحلال بالأولوية لأنهما أفحش و أغلظ في العصيان فبالإِفساد و العقوبة أولي.

و لكن رد بأنَّ ما يترتب علي ارتكاب الحلال عقوبة دنيوية و كفارة توجب

التكفير و ليس ارتكاب الحرام أولي بها من الحلال و لا مساوياً له في الموضوعيَّة لهذا الحكم حتَّي يتمسك بمفهوم الموافقة و المساواة.

و هذا يتم لو كان

الحج الثاني الذي يجب علي من جامع أهله عقوبة و أمّا إن كان هو ما عليه لفساد الأول فالتفصيل بين الحلال و الحرام بفساد الأول و صحة الثاني غير مقبول عند العرف فإنّه يري الثاني أولي بالفساد و لذلك ربما يقال: بالاقتصار علي المتيقن و هو الحلال أمّا في الحرام فالأصل براءة الذمة عما يترتب علي الحلال.

و لكن بعد ذلك. المسألة في غاية الإشكال و ممَّا يؤيد الإشكال انّه يلزم من الأخذ بالأصل و عدم الحاق جماع الحرام بالحلال انَّه إن تاب من ذنبه لا يؤخذ به في

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 168

الآخرة و لا عقوبة له في الدنيا فيكون حاله أحسن ممَّن ارتكب الجماع بالحلال.

و ممَّا يؤيد خلاف ذلك عدم ترتب بعض أحكام الجماع الحلال علي الحرام مثل الافتراق بين الناكح و المنكوحة.

و بعد ذلك كلّه القول بترتب الأحكام علي الحرام موافق للاحتياط- لا يجوز تركه.

و من ذلك كله يظهر الكلام فيما لو جامع أمته فقد صرح في القواعد علي ما حكي عنه في الجواهر بالحاقها بزوجته لصدق الامرأة و الأهل عليها و قال في الجواهر: (لا يخفي عليك وضوح إمكان المنع نعم لو قلنا بأنَّ المدار علي صدق الجماع و المواقعة و نحو ذلك و إن ذكر الأهل لكونه المعهود اتَّجه حينئذ ذلك و هو مؤكد لما

ذكرناه سابقاً و إلا كان مقتضي الأصل عدم شي ء منهما و الله العالم) «1».

[مسألة 12] ما يترتب علي الجماع
اشارة

مسألة 12: إذا وقع الجماع فالكلام تارة يقع فيما يترتب عليه الأحكام المذكورة في الرّوايات و اخري في أحكام تترتب عليه.

فنقول: أمَّا المترتب عليه الأحكام كلا أو بعضاً فهو مطلق الجماع بأنواعه الَّتي ذكرناها في المسألة السابقة.

و أمّا الأحكام الَّتي تترتب عليه فتارة

يقع الجماع قبل الوقوف بالمزدلفة و أخري بعده

أمّا في الصورة الأولي: فما ترتب علي وقوعه قبل المشعر الحرام عالماً بالتحريم أمور:
اشارة

______________________________

(1) جواهر الكلام: 20/ 356.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 169

الأمر الأول: وجوب إتمام ما بيده و الإتيان بالحجّ من قابل

و هو ثابت بالإجماع و بالنصوص الكثيرة مثل صحيح زرارة قال: «سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت أَجِبني في الوجهين جميعاً قال: إن كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا علي حجهما و ليس عليهما شي ء و إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الَّذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الَّذي أحدثا فيه فرق بينهما حتي يقضيا نسكهما و يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما أصابا قلت: فأيّ الحجتين لهما؟ قال: الأولي الَّتي أحدثا فيها ما أحدثا و الأخري عليهما عقوبة». «1»

و اضماره لا يضرّ باعتباره بعد ما كان المضمر مثل زرارة مضافاً انّ المعلوم انَّه كان يذكر مسائله في الحج عن الإمام (عليه السلام) و ذكر اسمه في أول مسائله و لم يكرر بذكر اسمه في ابتداء كل مسألة اختصاراً و جرياً علي رسم العرف في محاوراتهم و تعظيماً للمسئول منه (عليه السلام). أمّا احتمال كونه من المقطوع ممنوع جداً و مثله في الدلالة علي ذلك غيره من النصوص.

غير أنَّ في هذا الصحيح ما لا يدل عليه غيره و هو كالصريح لصحة الاولي و عدم فسادها بالجماع و كون الثانية عقوبة عليه فما في صحيح سليمان بن خالد قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: في الجدال شاة و في السباب و الفسوق بقرة، و الرفث فساد الحج» «2» فمحمول علي الفساد الَّذي لا يبطل به الشي ء فإنّه عبارة عن خروج الشي ء عن الاعتدال قليلا كان أو كثيراً ضد الصلاح.

و بالجملة لا يستلزم الفساد البطلان و عدم ترتب

الآثار علي الشي ء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارة الاستمتاع ح 9.

(2) تهذيب الاحكام: 5/ 297 ح 1004.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 170

فالمسألة محل الخلاف بينهم تعرض لها في الجواهر مفصلا إلا أنّه اختار أخيراً القول بصحة الاولي تمسكاً بصحيح زرارة فراجع إن شئت «1»

و مما استدل به علي صحة الاولي و كون الثانية عقوبة موثقة محمد بن أبي حمزة عن اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجه شيئاً يلزمه فيه الحج من قابل أو كفارة قال: هي للأول تامّة و علي هذا ما اجترح» «2».

هذا و تظهر الفائدة بين القولين في النيّة فيأتي علي القول بكون الاولي هي حجته ببقية الأعمال علي نيته الاولي و بالثاني علي ما وجب عليه بالإفساد و علي القول بكون الثانية هي حجته الواجبة عليه يأتي بها بنية الحج الّذي وجب عليه بالأصل و ببقية مناسك الاولي بنية الأمر الجديد الَّذي تعلق بها.

و أيضاً الأجير للحج في سنته علي القول الأول يستحق أجرة عمله و يجزي عمله عمَّن ناب عنه و يأتي بالثَّانية بنية ما وجب علي نفسه و علي الثاني لا يستحق الأجرة و يأتي ببقية مناسك الاولي و هل يجب عليه الثاني نيابة عمَّن ناب عنه في الأولي و يجزي عنه ثمّ هل يستحق الاجرة المسماة بذلك أو لا يجب عليه الثانية حتَّي يكون الحكم بوجوب الثانية مقصوراً علي من حجّ عن نفسه أو لا يستحق الأجرة و ان برئت ذمَّة المنوب عنه بها في المسألة وجوه.

و يمكن أن يقال: إنَّ المستفاد من إطلاق الأدلة انَّ هذا أي إتمام مناسك الأولي و الحج من قابل حكم

الجماع في أثناء العمل قبل المزدلفة و يجزيه عما نواه سواء كان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 354.

(2)- وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب النيابة في الحج ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 171

عن نفسه أو عن غيره و الله هو العالم.

و تظهر الثمرة أيضاً في المصدود و المحصور فإنَّه علي القول بأنَّ الثاني عقوبة يجب عليه ثانياً الحج إذا كان استقر عليه قبل هذه السنة أو بقيت استطاعته إلي العام القابل بل بعده.

إلا أن يقال: بوجوب تقديم حجّة الإسلام علي حجّ العقوبة فإنّه يكفي بقاء الاستطاعة إلي الحج القابل و إلا لا يستقر عليه الحج إلا إذا بقيت إلي بعد العام القابل و الله هو العالم.

الأمر الثاني: مما يترتب علي الجماع عالماً عامداً قبل الوقوف بالمشعر الكفارة

و يدل علي ثبوتها عليه الرّوايات «1» و هذا ممَّا لا ريب فيه و الظّاهر انَّه لا خلاف بينهم فيه.

و ممَّا هو غنيّ عن البحث انَّ المرأة تشترك مع الرجل إذا كانت مطاوعة له في جميع الأحكام فتجب عليه الكفارة و ادّعي عليه الإجماع بقسميه في الجواهر «2» و قد دلت عليه الأخبار منها صحيح زرارة المتقدم ذكره و فيه: «و عليهما بدنة» «3» و في خبر خالد الأصم قال: «حججت و جماعة من أصحابنا و كانت معنا امرأة فلما قدمنا مكة جاءنا رجل من أصحابنا فقال: يا هؤلاء قد بليت قالوا: بما ذا؟ قال: شكرت بهذه المرأة فاسألوا أبا عبد الله (عليه السلام) فسألناه فقال: عليه بدن فقالت المرأة: اسألوا لي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارة الاستمتاع و ب 4 ح 1 و 2 و ب 6 ح 2 و بالاولوية ب 7 ح 1 و 2 و غيره.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 356.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3

من أبواب كفارات الاستمتاع ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 172

ابا عبد الله (عليه السلام) فإنّي قد اشتهيت فسألناه فقال: عليها بدنة» «1».

و ما رواه في معاني الأخبار عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و إن كانت اعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما» الحديث. «2»

و أمّا قوله (عليه السلام) في صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليهم السلام): «الرفث جماع النساء» «3» فقد استدلَّ البعض باشتراك المرأة مع الرجل في الأحكام بإطلاقه.

و لكن الظّاهر انَّه لا إطلاق له فإنَّ الظّاهر منه انَّه فعل الرجل و ضمه المرأة إلي

نفسه و الأولي الاستدلال بقوله: «فلا رفث» فإنّه كلاماً كان أو فعلا يشمل فعل المرأة كما يشمل فعل الرجل.

إلا أن يقال: بأنّه فسر بجماع النساء فلا يدل علي حكم النساء.

و كيف كان لا ريب في اشتراكهما في جميع الأحكام إذا كانت مطاوعة له و أمّا إذا كانت مستكرهة كان حجها ماضياً ليس عليها شي ء بلا خلاف و لا إشكال.

و يدلّ عليه صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و إن كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء» «4».

و ما في خبر معاني الأخبار المتقدم ذكره و فيه: «و إن كان استكرهها و ليس بهوي منها فليس عليها شي ء» و هو مقتضي الأصل.

و لكن علي زوجها كفارتان و هذا أيضاً حسب النصوص الكثيرة فلا إشكال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع. ح 7.

(2)- معاني الاخبار: 294.

(3)- وسائل الشيعة: ب 32 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 173

في الحكم و عدم

ذكره في صحيح سليمان بن خالد لا يدل علي عدمها علي الزوج و إن قال في المدارك كما حكي عنه في الجواهر: (ربما ظهر من هذه الرواية عدم تعدد الكفارة علي الزوج مع الإكراه) «1» ضرورة عدم دلالة نفي الشي ء عنها علي نفيه عنه.

نعم لو لا غيره يكون منفياً بالأصل و مع كون غيره لا يصل النوبة إلي الأصل و لو أكرهت الزوجة الزوج لا يترتب علي ذلك شي ء غير الإثم علي الزوجة المكرهة و مقتضي حديث الرفع صحّة حجّ المكره كما أنَّه لا دليل علي تعدد الكفارة علي المكرهة لأنَّ الدليل مختص بإكراه الزوج الزوجة بل ليس علي من اكره المحرم و المحرمة علي الجماع أيضاً شي ء إلا الإثم.

و هل يتحمل الزوج المحلّ إن أكره زوجته المحرمة علي الجماع الكفارة عنها أم لا وجهان أقربهما الأول لأنَّ الظّاهر ان كون كفارتها عليه ليس لأنّه محرم بل لانها محرمة و الله هو العالم.

الأمر الثالث: قد علم ممَّا ذكر في الأمر الثاني ثبوت الكفارة علي المحرم إذا جامع عالماً عامداً و لا ريب انّها بدنة علي من كان موسراً متمكناً

و لكن قد وقع الكلام فيها إذا لم يتمكن من البدنة لعدم يساره أو لعدم وجوده، فهل لها بدل من بقرة أو شاة أو إطعام أو استغفار أو أنَّها تسقط عنها بمجرد ذلك أو تبقي في ذمّته حتَّي يتمكن منها؟

فقد قيل: إنّ المعروف بينهم انَّها في صورة عدم التمكن من البدنة البقرة و الشاة إمَّا مخيراً بينهما أو كون الشاة بدلا عن البقرة إذا لم يتمكن منها أيضاً.

و الظّاهر أنّ ما رواه الكليني (قدس سره) في ذيل الرواية الخامسة من باب المحرم يواقع

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 363.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 174

امرأته … «1» متروك مهجور ضعيف إمّا بالإرسال إذا لم يكن من الخامسة و إمّا بضعف سنده بعلي بن أبي حمزة

إذا كان ذيلا للرواية الخامسة و إليك عين لفظه و في رواية اخري: «فإن لم يقدر علي بدنة فاطعام ستين مسكيناً لكلّ مسكين مد فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوماً، و عليها أيضاً كمثله إن لم يكن استكرهها». «2»

و روي الصدوق باسناده عن خالد بياع القلانس قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أتي أهله و عليه طواف النساء؟ قال: عليه بدنة ثمّ جاءه آخر (فسأله عنها) فقال: عليك بقرة ثمّ جاءه آخر (فسأله عنها) فقال: عليك (عليه) شاة فقلت بعد ما قاموا: أصلحك الله كيف قلت عليه بدنة؟ فقال: أنت موسر فعليك بدنة، و علي الوسط بقرة، و علي الفقير شاة». «3»

و هذا الخبر مطعون بضعف السند لضعف طريق الصدوق إلي خالد بنضر بن شعيب فإنَّه مجهول إلا أن يقال بجبر ضعفه بالعمل فإنَّ الشيخ أفتي في المبسوط- بأنَّ من جامع قبل طواف الزّيارة عليه جزور و إن لم يتمكن عليه بقرة و إن لم يتمكن عليه شاة.

و الظّاهر انّ ذلك يكون بالنظر إلي مثل هذا الخبر و ملاحظة أولوية قبل طواف الزِّيارة لهذا الحكم عمن عليه طواف النساء و علي هذا لا يرد الاستدلال به لما نحن فيه بأنَّ كلامنا في من جامع قبل المزدلفة و هذا وارد فيمن جامع بعدها فإن الاستدلال به يكون مبنياً علي أولوية قبل المزدلفة لذلك عما بعدها فإنه ليس قبل

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 374.

(2)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1. و من لا يحضره الفقيه: 2/ 363 ح 2716.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 175

المشعر أخف من بعده فما ثبت من الكفارة

علي الجماع بعده يثبت علي ما قبله.

و يمكن أن يستدل لذلك بل يستدل لبدلية البقرة و الشاة علي الترتيب المذكور في كل مورد كان كفارته بدنة و عجز المكلف عنها بموثق إسحاق بن عمار عن أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل محرم نظر إلي ساق امرأة فأمني؟ فقال: إن كان موسراً فعليه بدنة و إن كان وسطاً فعليه بقرة و إن كان فقيراً فعليه شاة» «1». و الاستدلال به بالمفهوم و الأولوية لأنَّ وجوب الكفارة علي الجماع أولي من وجوبه علي النظر إلي ساق امرأة.

و في صحيح زرارة: «في محرم نظر إلي غير أهله فأنزل قال: عليه جزور أو بقرة فإن لم يجد فشاة». «2»

و لكن في صحيح علي بن جعفر: «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فإن لم يجد فشاة». «3»

و المعول علي هذا الضعف غيره سنداً أو دلالة و لكن ينبغي العمل بالاحتياط فإن لم يجد البدنة يذبح البقرة و إلا فالشاة.

فإن قلت: ظاهر الصحيح إن بدل البدنة هي الشاة فالاكتفاء بالبقرة محل الإشكال.

قلت: الظّاهر انَّه ليس للشاة خصوصية قبال البقرة بل بدليتها للاكتفاء بأقل ما يبدل به عن البدنة و انّها أخف ما هو عليه و الله هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 176

الأمر الرابع: ممَّا يترتب علي الجماع الواقع قبل المزدلفة عالماً عامداً التفريق بينهما من المكان الّذي أحدثا فيه ذلك في الحجتين الاولي

الّتي أحدثا فيها ذلك و الثانية الَّتي تؤتي بها في العام القابل و وجوب التفريق المذكور في الثانية مورد الاتفاق و الإجماع، و نسب إلي بعضهم الخلاف في الاولي و لعله لاقتصارهم في الحكم به

في الحجة الثانية إلا ان النصوص قد دلت علي وجوبه في كلتيهما و إليك بعضها:

فمنها صحيح معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل محرم وقع علي أهله؟ فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن لم يكن جاهلا فإنَّ عليه أن يسوق بدنة، و يفرق بينهما حتي يقضيا المناسك و يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما اصابا و عليه (و عليهما) الحج من قابل» «1»

و هذا ظاهر في بيان وجوب التفريق في خصوص الحجة الَّتي هي بيدهما (الحجة الأولي).

و مثله صحيحه الأخر «2» و مرفوعة أبان «3» و صحيح معاني الأخبار عن أبيه بإسناده عن الحلبي «4» و ما رواه الحلّي في السرائر من نوادر البزنطي «5» و خبر نضر بن سويد عن هشام عن سليمان و علي ابن أبي حمزة «6» فتلك و لعل يوجد غيرها قد دلت علي وجوب التفريق بينهما في الاولي كما قد دل علي وجوب التفريق بينهما في الثانية صحيح معاوية بن عمار أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و عليه الحج من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(2)- وسائل الشيعة ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 6.

(4)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 14 و معاني الاخبار: 294.

(5)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 15.

(6)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 177

قابل فإذا انتهي إلي المكان الَّذي وقع بها فرق محملا هما فلم يجتمعا في خباء واحد إلا

أن يكون معهما غيرهما حتي يبلغ الهدي محله». «1»

و ممَّا يدل علي وجوب الافتراق بينهما فيهما مضمرة زرارة المقدمة فإنّ فيها: «فإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الَّذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الَّذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتي يقضيا نسكهما، و يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما أصابا» الحديث «2».

و بعد الإحاطة علي الرّوايات لا ينبغي الترديد في وجوب الافتراق بينهما في الحجتين كما انّه يظهر منها أنَّ الافتراق يبتدئ به من مكان الّذي أوقعا فيه ذلك إنَّما الكلام في المكان الَّذي ينتهي فيه هذا الافتراق.

فنقول: و إن كان الظّاهر وقوع الاختلاف في الروايات في تعيين هذا المكان فإن في بعضها: «و يفرق بينهما حتي يقضيا المناسك و يرجعا إلي المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» «3» و هذا مورده الحجة الاولي و في بعضها الوارد أيضاً في الافتراق في الحجة الاولي «يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما حتي يبلغ الهدي محلَّه» «4» و معناه كما في الجواهر عن الجامع: (حتي يحل بالذبح). «5»

و في صحيح الحلبي: «و يفرق بينهما حتي ينفر الناس و يرجعا إلي المكان الَّذي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 12.

(2)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 9.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 3 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 12.

(5)- جواهر الكلام: 20/ 358.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 178

أصابا فيه ما أصابا» «1» و في موثق محمد بن مسلم المروي في النوادر: «و يفرق بينه و بين أهله حتي يقضيا

المناسك و حتَّي يعود إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما أصابا» «2» و في خبر سليمان بن خالد: «و يفرق بينهما حتَّي يفرغا من المناسك و حتَّي يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما أصابا» «3».

و في خبر علي بن أبي حمزة: «و يفترقان من المكان الَّذي كان فيه ما كان حتي ينتهيا إلي مكة» «4»

و مورد هذه الروايات كلّها وظيفتهما في الحجة الاولي.

و يمكن رفع التنافي بينهما بأن يقال: إنَّ المراد من الرجوع الرجوع إلي أهله و وطنه و إنَّهما لا يجتمعان حتي إذا قضيا المناسك كلها فإن كانا في الرجوع يمران علي هذا المكان لا يجتمعان حتَّي يرجعا إلي ذلك المكان.

و يؤيد هذا ما في صحيح الحلبي «حتَّي ينفر الناس و يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه» «5» فلأنَّ المراد من نفر الناس نفرهم من مني يوم النفر.

و لكن يقع التنافي بيّنه و بين قوله: حتي يبلغ الهدي محله إلا أن يقال بدلالة الطائفة الاولي علي إحداث ما أحدثا قبل الوصول إلي مني و في مكان يرجعان إليه بعد النفر فيقيد بها هذا حتَّي يكون النتيجة إن أحدثاه قبل المني لا يجتمعان حتَّي يقضيا المناسك كلها و ينفرا من مني و يرجعا إلي ذلك المكان و إن أحدثا بعد الوصول إلي مني يجتمعان بعد الإحلال بالذبح فيه.

______________________________

(1) الوسائل: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 14.

(2)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 15.

(3)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(5)- وسائل الشيعة: ب 3 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 179

هذا كله في

ما يدل علي الافتراق في الحجة الاولي و أمّا الحجة الثانية التي يعبر عنها في بعض الكلمات بحجة القضاء، و إن كان الأولي علي ما قويناه تسميتها بحجة العقوبة فالأمر فيها سهل لأنَّ ما يدل علي وجوب افتراقهما هو مضمر زرارة و فيه «و عليها الحج من قابل فإذا بلغا المكان الَّذي أحدثا فيه فرق بينهما حتي يقضيا نسكهما و يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما اصابا» «1» و مقتضي هذا انَّهما إن رجعا إلي وطنهما من ذلك الطريق لا يجتمعان حتَّي يرجعا إلي ذلك المكان إن كانا أحدثا ما

أحدثا قبل الوصول إلي مني و الا فإن أحدثا بعده يكفيهما الافتراق إلي قضاء المناسك.

و هنا يطرح فرع و هو: انَّهما إن أحدثا ما أحدثا في الذهاب إلي عرفات من طريق مني قبل الوصول إليه و في حجهما القابل اختارا طريقاً آخر إلي عرفات لا يمر بذلك المكان يمكن أن يقال: إنَّهما يفترقان إذا وصلا بمكان يمر الطريقان إليه كعرفات. و الله هو العالم.

[الصورة الثانية] الجماع بعد المشعر الحرام
اشارة

المقام الثاني فيما يترتب علي الجماع إن وقع بعد المشعر الحرام.

قال في الشرائع: (و إن جامع بعد الوقوف بالمشعر و لو قبل أن يطوف طواف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دونه أو جامع في غير الفرج قبل الوقوف كان حجه صحيحاً و عليه بدنة لا غير) «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح 9.

(2)- شرائع الاسلام: 1/ 225.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 180

أقول: قد تعرض هنا لثلاث مسائل:

إحداها: في من جامع بعد الوقوف قبل أن يطوف طواف النساء.

و ثانيتها: فيمن جامع بعد المشعر و طاف ثلاثة أشواط فما دون.

و ثالثتها: فيمن جامع في غير الفرج كالتفخيذ

و نحوه قبل الوقوف.

أمّا حكم المسألة الاولي: [في من جامع بعد الوقوف قبل أن يطوف طواف النساء.]

فهو إنَّ حجه صحيح و عليه بدنة قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافاً إلي أصل الصحة) «1».

و استدل فيه بمفهوم قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية: «إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل» «2».

فإن مفهومه إجزاء حجه إذا جامع بعد المزدلفة.

و بصحيحه الآخر: «و سألته عن رجل وقع علي امرأته قبل أن يطوف طواف النساء؟ قال: عليه جزور سمينة، و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء» «3».

و نحوه خبر زرارة «4» قال في الجواهر و لعل المراد به (بالجزور) البدنة. «5»

و مما يدل علي وجوب الكفارة إطلاق ما يدل علي وجوبها لوقوع مطلق الرفث مثل صحيح علي بن جعفر: «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فإن لم

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 363.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1. تهذيب الاحكام: 5/ 319 ح 1099.

(3)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1. تهذيب الاحكام: 5/ 323 ح 1109.

(4)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 3.

(5)- جواهر الكلام: 20/ 364.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 181

يجد فشاة» «1».

و صحيحه الآخر «في رجل واقع امرأته قبل طواف النساء متعمداً قال: يطوف و عليه بدنة» «2» و غيرهما من الرّوايات إذاً فلا فرق في وجوب الكفارة قبل المزدلفة أو بعدها.

و أمّا المسألة الثانية: [فيمن جامع بعد المشعر و طاف ثلاثة أشواط فما دون.]

فكذا قال في الجواهر: (لا خلاف أجده كما اعترف به

غير واحد فيه) «3».

و استدل له بصحيح معاوية الثاني لصدق قبل أن يطوف ما لم يتم طوافه لأنَّ المركب لا يتم إلا بجميع أجزائه.

و لكن يمكن أن يقال: إنَّ قوله: «قبل أن يطوف» ظاهر في قبل الشروع في

الطواف و علي ذلك فمقتضي الأصل صحة حجه و براءة ذمته عن البدنة اللهم إلا أن يثبت لاثبات البدنة عليه بالإجماع أو بفتوي المشهور.

و أمّا خبر حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «و إن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمّ خرج فغشي فقد أفسد حجه» «4» فمضافاً إلي ما في سنده من الضعف لا يحتج به لقيام الإجماع علي خلافه فيحمل علي مطلق النقص منه.

و أما خبر خالد بياع القلانس «5» الدال علي أنَّ علي الموسر بدنة و علي الوسط بقرة و علي الفقير شاة إن أتي أهله من عليه طواف النساء فقد قال في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 16

(2)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 4.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 364.

(4)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(5)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 182

الجواهر: (لم نجد من أفتي به) «1» فلو لم يكن مطعوناً بضعف السند لأمكن القول به في المسألة الأولي إذا عجز عن البدنة دون الثانية لأنَّ الظّاهر من قوله «و عليه طواف النساء» عدم شروعه فيه و علي كلِّ حال فلا شي ء علي الجاهل و الناسي للأصل و لما دل علي أنَّه لا شي ء عليهما في الجاهل قبل الوقوف و قبل طواف الزيارة فهنا أولي و لخصوص صحيح معاوية الَّذي قال فيه «و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء»

و لصحيح سلمة بن محرز «2».

و أمَّا المسألة الثالثة: [فيمن جامع في غير الفرج كالتفخيذ و نحوه قبل الوقوف.]

فالظاهر أنَّ المراد بالفرج فيها ما يشمل الفرجين كما صرِّح به في الجواهر «3» أيضاً كما أنَّ الظّاهر عدم الخلاف فيها.

و يدل علي وجوب

البدنة عليه صحيح معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وقع علي أهله فيما دون الفرج؟ قال: عليه بدنة، و ليس عليه الحج من قابل و إن كانت المرأة تابعته علي الجماع فعليها مثل ما عليه، و إن كان استكرهها فعليه بدنتان و عليهما الحج من قابل» «4» و عن بعض النسخ «و عليه الحج».

و قد وقع الإشكال في فقه الحديث فنقول: إذا كان لفظه «و عليه الحج من قابل» لا تهافت بين الصدر و الذيل بلحاظ- نفس ما يدل عليه الحديث غاية الأمر لا يكون عليه الحج من قابل إن لم يستكرهها و عليه بدنتان و الحج من قابل إن استكرهها و لكن الظّاهر انَّه لا يوجد من أفتي بذلك.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 364.

(2)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 365.

(4)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1 و تهذيب الاحكام: 5/ 318 ح 1097.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 183

و أمّا إذا كان اللفظ- «و عليهما الحج من قابل» فلا يستقيم ذلك لأنَّها إذا كانت مستكرهة لا حجّ عليها كما ليست عليها بدنة و ان كان ذلك حكم صورة كونها مطاوعة له يقع التهافت بين الصدر و الذيل و لهذا يقوي احتمال زيادة قوله: «و عليه أو عليهما الحج من قابل» أو وقوع تحريف في نقل الحديث.

و لكن مع ذلك لعلك لا تجد منهم من أفتي بوجوب البدنة علي المرأة إذا كانت مطاوعة له و وجوب بدنتان عليه إذا استكرهها و يمكن أن يستشهد بوقوع الخلط في

نقل الحديث في التهذيب، و إنَّ هذا الذيل أخذ من حديث آخر و

إنَّ الجماع فيه حقيقي إنَّ الشيخ (قدس سره) رواه في كتابه الآخر الاستبصار «1» بدون هذا الذيل إلي قوله: «و ليس عليه الحج من قابل» و كيف كان لا يضر هذا الذيل بما هو صريح الصدر.

و مما يدل علي الحكم صحيح معاوية الآخر عن ابي عبد الله (عليه السلام): «في المحرم يقع علي أهله و قال: إن كان أفضي إليها فعليه بدنة و الحج من قابل و إن لم يكن أفضي إليها فعليه بدنة، و ليس عليه الحج من قابل» «2».

هذا و لا يخفي عليك أنَّ إطلاق النص و الفتوي يقتضي عدم الفرق بين الانزال و عدمه في لزوم البدنة بالجماع في غير الفرج فلا وجه لتردد البعض في وجوبها مع عدم الانزال مضافاً إلي ما دلّ علي وجوب الجزور بالتقبيل و الشاة بالمس بشهوة و لا ريب أنَّ ذلك أولي بذلك الحكم.

ثمّ إنَّه قد تنظر في الجواهر في كلام المحقق (قدس سره) هنا فإنَّه قال: (و لو جامع بعد الوقوف بالمشعر و لو قبل أن يطوف طواف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما

______________________________

(1)- الاستبصار: 2/ 192 ح 644.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 و الاستبصار: 2/ 192 ح 645.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 184

دون … كان حجه صحيحاً و عليه بدنه لا غير) و التعبير بلو الوصليّة يقتضي وجوب البدنة بعد الطواف و لا ريب في فساده و قال في الجواهر: اللهمّ إلا أن يراد بذلك بيان وجوبها قبل ذلك لا بعده «1».

أقول: لا ريب في انَّه أراد وجوبها قبل ذلك لا بعده إلا ان عبارته تفيد خلاف ما أراده و الظّاهر انَّ حق العبارة كان: (و لو

جامع بعد الوقوف بالمشعر قبل أن يطوف … ) و زيد عليها (و لو) من سبق قلمه الشريف أو بعض النساخ لوجود كلمة

(و لو) قبل ذلك و الله هو العالم.

تفريع: قال في الجواهر: (إذا حجّ في القابل بسبب الافساد لزمه ما لزم أوّلا) و هكذا للعمومات الشاملة له إذ هو حجّ صحيح سواء قلنا عقوبة أو فريضة لكن لا يتعدد القضاء فإذا أتي في السنة الثالثة بحجة صحيحة كفاه عن الفاسد ابتداء و قضاء و لا يجب عليه قضاء آخر و إن أفسد عشر حجج كما نص عليه الفاضل في جملة من كتبه و غيره لأنه إنَّما كان يجب عليه حجّ واحد صحيح، و كذا لو تكرر الجماع في الإحرام الواحد لم يتكرر القضاء، و أمّا البدنة ففي تكرارها أوجه يأتي الكلام فيها إن شاء الله «2».

أقول: الاستدلال علي كفاية حجّة صحيحة مبني علي فساد الحجة الأولي فيجب عليه الإتيان بها ثانياً و إن أفسدها ثانياً يجب عليه الإتيان بما كان عليه أولا و كذا إن أفسدها ثالثاً و رابعاً و و … فلا يجب عليه إلا الإتيان بما كان عليه.

و أمّا علي القول بصحة الاولي و كون الثانية عقوبة فتجب عليه الثالثة أيضاً

______________________________

(1) جواهر الكلام: 20/ 366.

(2) جواهر الكلام: 20/ 366.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 185

عقوبة لما اجترحها في الثانية و كذا الرابعة و الخامسة.

[مسألة 13] الجماع في العمرة المفردة

مسألة 13: من جامع عالماً عامداً في إحرام العمرة المفردة قبل السعي قال في الشرائع (فسدت عمرته و عليه بدنة و قضاؤها) «1» و كلامه مطلق يشمل المفردة و غيرها و قال في الجواهر: (يمكن تحصيل الإجماع عليه في العمرة المفردة الَّتي حكي التصريح بها عن النهاية و المبسوط-

و

المهذب و السرائر و الجامع فضلا عن إطلاق غيرها) «2».

و الّذي يدل عليه قبل الإجماع الرّوايات ففي صحيح بريد بن معاوية العجلي «3» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه و سعيه؟ قال: عليه بدنة لفساد عمرته و عليه أن يقيم إلي الشهر الأخر فيخرج إلي بعض المواقيت فيحرم بعمرة» «4».

و في صحيح مسمع «5» عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يعتمر عمرة مفردة ثمّ يطوف بالبيت طواف الفريضة ثمّ يغشي أهله قبل أن يسعي بين الصفا و المروة؟ قال: قد أفسد عمرته و عليه بدنة و عليه أن يقيم (و يقيم) بمكة (محلا بمكة) حتي يخرج الشهر الّذي اعتمر فيه ثمّ يخرج إلي الوقت الَّذي وقته رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لأهله

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 366.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 366.

(3)- وجه من وجوه اصحابنا ممن اجمعت الصحابة علي تصديقهم … من الرابعة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(5)- سيد المسامعة وجه من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 186

فيحرم منه و يعتمر» «1».

و ما رواه الكليني بإسناده عن ابن أبي عمير عن أحمد بن أبي علي «2» عن أبي جعفر (عليه السلام): «في رجل اعتمر عمرة مفردة و وطئ أهله، و هو محرم قبل أن يفرغ من طوافه و سعيه؟ قال: عليه بدنة لفساد عمرته، و عليه أن يقيم بمكة حتي يدخل شهر آخر فيخرج إلي بعض المواقيت فيحرم منه ثمّ يعتمر» «3». و علي هذه فلا ريب في

فساد عمرته و قضائها عليه و عدم جواز تأخيره عن الشهر الَّذي يدخل بعد شهره.

و هل

يجب عليه الإقامة بمكة إلي الشهر القابل أو يجوز له الخروج ثمّ الرجوع إليها باحرام العمرة في الشهر الآخر ظاهر الرّوايات وجوب الإقامة بمكة حتي يعتمر في الشهر التالي فتعبير صاحب الوسائل عنه بالاستحباب و المحقق بالأفضلية كأنّه ليس في محله.

و هل يجب عليه إتمام العمرة الَّتي هي بيده أو يرفع اليد عنها لبطلانها و فسادها كما إذا بطلت الصلاة في أثنائها فلا يجب عليه إتمامها، لا ريب انَّ الأحوط إتمامها و الخروج به عن الإحرام لأنّ فسادها أعم من خروجه من الإحرام و يمكن أن يستشهد بذلك بقوله: «محلا بمكة».

و يمكن أن يستدل لذلك باستصحاب بقاء حرمة المحرمات عليه إلا أن يقال بعدم جريانه في الشبهات الحكمية.

هذا كله في ما إذا كان ذلك قبل السعي و أمّا إذا كان بعده فقد صرح بعض الأعاظم من المعاصرين بانهم: (قد تسالموا علي ثبوت الكفارة و لكن لم يذكر له

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب كفارات الاستمتاع الاحرام ح 2.

(2)- قال سيدنا الاستاد (قدس سره) لا اعرف هذا الرجل و ان كان فلعله من الرابعة و السادسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 187

دليلا) «1».

و الَّذي يمكن أن يستدل له صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) الدال علي وجوب البدنة قبل طواف النساء قال: «سألت أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) عن رجل واقع امرأته قبل طواف النساء متعمدا ما عليه؟ قال: يطوف و عليه بدنة» «2». و إطلاقه يشمل ما إذا كان منه في العمرة المفردة كما يشمل ما إذا كان منه في الحج.

و يدل عليه إطلاق صحيح سلمة بن محرز الَّذي رواه الكليني «3»

و لكن الشيخ روي نفس الحديث في من سعي في الحج و اتي بالجماع قبل طواف النساء «4» فلا يحتج به لمطلق ذلك.

نعم يدل عليه بالإطلاق خبر خالد بياع القلانس «5» لكن سند الصدوق إليه ضعيف بنضر بن شعيب و إلا فيدل علي الترتيب بين الموسر و الوسط و الفقير فعلي الأول بدنة و علي الثاني بقرة و علي الثالث شاة و العمل به موافق للاحتياط- في المسألة بكلتي صورتيها.

و أما حكم عمرته من حيث الفساد و الصحَّة فقد حكي عن الحدائق و المدارك الاستشكال في صحتها لأنَّ الدليل الدال علي صحتها إنَّما هي في عمرة التمتّع فلا يشمل العمرة المفردة.

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 90.

(2)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 7.

(3)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 5. تهذيب الاحكام: 5/ 22 ح 1108/ 21.

(5)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب كفارات الاستمتاع، ب 10 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 188

و أجيب عنه بأنه يكفي في الحكم بعدم الفساد عدم الدليل و وجود الدليل في عمرة التمتّع علي صحتها ليس دليلا علي بطلانها في غيرها «1».

و يكفي في الحكم بالصحة الأصل فإنَّ مقتضاه عدم اعتبار ذلك في العمرة و عدم حرمته بالإحرام و استصحاب حكم فساده بالجماع قبل السعي لا يكفي لانه من إسراء حكم موضوع إلي موضوع آخر و استصحاب حكم حرمته التكليفي لا يترتب عليه الفساد.

و كيف كان فالظاهر تسالمهم علي عدم الفساد مضافاً إلي أنَّ الحكم بالفساد و الكفارة إن كان ذلك قبل السعي مفهومه عدم كون الجماع بمجرده موضوعاً للكفارة و الفساد و إذا

ثبت الكفارة لبعد السعي يلزم عدم كونه محكوماً بالفساد و إلا يلزم لغوية تقييد الحكم بالكفارة و الفساد بقبل السعي فتأمل جداً.

[مسألة 14] «اذا جامع المتمتع في عمرته»

مسألة 14: إذا جامع المتمتّع في عمرته عالماً عامداً قبل السعي فهل حكمه حكم من جامع في إحرام العمرة المفردة قبل السعي تفسد به عمرته و تجب عليه قضائها و الكفارة عنها؟

أقول: الظّاهر انّه يدور الأمر بين أن نقول بصحة العمرة و عدم ترتب الكفارة عليه أو بطلانها مع عدم ترتب أمر عليه إلا قضائها أو ترتب الكفارة أيضاً عليه أو صحتها مع الكفارة.

أمّا القول بصحة العمرة و عدم ترتب الكفارة عليه فيردّه مفهوم صحيح

______________________________

(1)- راجع المعتمد: 4/ 91.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 189

معاوية بن عمار: «سألت ابا عبد الله عن متمتع وقع علي امرأته قبل أن يقصر؟ قال: ينحر جزوراً و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجه» «1» فإنه يلزم منه أن يكون أمره قبل السعي أهون من بعده.

و أمّا القول بصحتها مع الكفارة كمن ارتكب ذلك قبل أن يقصر فالقول به يحتاج إلي الدليل. اللهم إلا أن يتمسك لصحتها بالاصل و للكفارة بصحيح معاوية إمّا بالمنطوق أو الأولوية.

لا يقال: يردّ هذا القول مفهوم ما في صحيح معاوية (قبل ان يقصر) فإنَّه يدل علي أنَّ ذلك منه إن كان قبل السعي يفسد عمرته و لا يكتفي فيه بالكفارة.

فإنَّه يقال: هذا القيد مذكور في كلام السائل فلعلَّ كان مورد ابتلائه الوقاع قبل التقصير فأجابه (عليه السلام) بما هو حكمه و حكم من ارتكبه قبل السعي.

و أمّا القول ببطلانها مع القضاء و الكفارة أو بدونها خلاف الأصل محتاج إلي الدليل إذاً فالقول الصحيح هو القول الثاني المبني علي صحة العمرة و وجوب الكفارة

أمَّا البناء علي صحتها للاصل و أمَّا وجوب الكفارة فبالأولوية المستفادة من صحيح معاوية.

و أمّا الاستدلال بمنطوقه لإثبات الكفارة بأن يقال: باطلاق قوله: «قبل ان يقصر» و شموله لما قبل السعي كما يشمل ما بعده حتي يكون مدلول «قبل أن يقصر» قبل الخروج من الإحرام كما أفاده بعض الأعلام و جعله نظير سؤال السائل عن التكلم قبل السلام فإنَّه يعم جميع حالات الصلاة و لا خصوصية لبعد التشهّد و قبل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 190

السلام فالغرض وقوع هذا الفعل قبل الفراغ من العمل «1»، ففيه: إنَّ في كلتي الصورتين الدلالة تكون بالمفهوم لا باطلاق المنطوق فإنَّه إذا كان حكم التكلم قبل السلام بطلان الصلاة يكون قبل التشهد و في أثناء الصلاة مبطلا لها بطريق أولي: بل الظّاهر من مثل هذا السؤال و الجواب انَّ السائل كان عالماً بترتب حكم بطلان الصلاة علي التكلم في الأثناء و قبل التَّشهد و لكنه أراد أن يعلم ان بعد التشهد هل يترتب عليه هذا الحكم أم لا؟

و يمكن أن يقال مثله في الصحيح و إنَّ السائل كان عالماً بحكم قبل السعي كان

هو نحر الجزور أو فساد عمرته فسأل عن حكم الجماع إذا وقع بعد السعي و قبل أن يقصر فأجابه بانه ينحر جزوراً.

نعم يمكن أن يكون قوله: «و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجه» إشارة إلي حكم ما قبل السعي و انَّه خشي أن يكون ما بعده قبل التقصير ملحقاً به إذاً فالحكم بصحة القول الثاني أيضاً يقع معرضاً للاستشكال لانه إذا كان حكم الوقاع قبل السعي فساد عمرة التمتّع و حكمه قبل التقصير نحر الجزور لا يكون

ما قبله أولي به فإنَّ لكلّ منهما حكم مختص به.

نعم الحكم بصحة عمرة التمتّع إذا وقع الوقاع قبل السعي و براءة ذمة المواقع عن الكفارة لا يلتئم مع الحكم بالكفارة إذا وقع قبل التقصير فالتمسك باصالة الصحَّة لا يخلو من الإشكال

اللهم إلا أن يتمسك بالعلم الإجمالي فيقال: إنَّ الأمر مردد بين فساد العمرة حتي يجب عليها قضائها أو صحتها و وجوب الكفارة و مقتضي العلم الإجمالي

______________________________

(1)- المعتمد 4/ 70.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 191

الاحتياط بالقضاء و الكفارة.

ثمَّ لا يخفي عليك انَّ صاحب الجواهر قال: (لم أعثر علي نص في المتمتّع بها كما اعترف به غير واحد و حكي عن العلامة في قواعده الإشكال في كون حكم العمرتين واحداً و عن المدارك ان ظاهر الاكثر و صريح البعض عدم الفرق بينهما و عن أبي الصلاح التصريح بفساد المتعة بالجماع قبل طوافها و سعيها و انَّ عليه بدنة و استدل بوجوه لفساد عمرة التمتّع بالوقاع قبل السعي ناقش هو فيها لا بأس بالإشارة إليها) «1».

فمنها ما حكاه عن المدارك فإنَّه قال: (و ربما أشعر به (يعني بعدم الفرق بين العمرتين في الحكم) صحيحة معاوية بن عمار «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل متمتع» الحديث فإنَّ الخوف من تطرق الفساد إلي الحج بالوقاع بعد السعي قبل التقصير ربما اقتضي تحقّق الفساد بوقوع ذلك قبل السعي و أجيب عن ذلك بأنَّ المذكور في الصحيح خشية الفساد بوقوع الوقاع قبل التقصير و مقتضي الأولوية كون ذلك قبل السعي أولي بالخشية «2».

و أمّا ما أجاب به صاحب الجواهر عن هذا الإشكال فلم نتحصله و لكنه بعد ما أجاب عن الاستدلال بإطلاق الحديث لما إذا لم يسع بأنَّ المتبادر منه

الوقاع بعد السعي قبل التقصير قال: و إن كان لا يخلو من مناقشة انَّ المراد الإشعار بالفساد من حيث الخوف في هذا الحال أما قبل هذا الحال فالفساد محقق نعم ليس هو دلالة يعتد بها و هذا قريب مما ذكرناه في مفاد الحديث فتدبر.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 380.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 381.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 192

و منها: أنَّ العمرة المفردة و عمرة التمتّع ليستا طبيعتين مختلفتين بل هما طبيعة واحدة لها فردان و افتراقهما في أمور يسيرة مثل وجوب طواف النساء للمفردة، و ارتباط- عمرة التمتّع بالحجّ دون المفردة لا يجعلها متخالفين في الأحكام المهمَّة و ما هو لهما بمنزلة الأركان سيَّما في محرمات الإحرام.

و اجيب عن ذلك و إن لم نره بعيداً عن الواقع بأنَّه قياس ظاهر و لا مجال لإجراء حكم كلّ منهما إلي الآخر بعد ما كان لكلّ منهما أحكام مخصوصة فتأمل.

و منها: إطلاق ما يدل علي فساد الحج بالوقاع المذكور فإنَّ عمرة التمتّع جزء منه يعبر عنهما بحج التمتّع كما يطلق عليهما حجّة الإسلام.

و يجاب عن ذلك بأنَّ المتبادر منها نفس الحج الَّذي يقابل العمرة.

فتلخّص من جميع ما ذكر و ما ذكره الجواهر بطوله انَّ القول بفساد عمرة التمتّع بالوقاع قبل السعي في غاية الإشكال و لكن القول بكون البدنة عليه بفحوي صحيح معاوية بن عمار لما استظهرنا أيضاً لا يخلو من الإشكال و القول بعدمها أشكل لأنَّه يجعل ما قبل السعي أهون ممَّا بعد إذاً فمقتضي العلم الإجمالي الّذي أشرنا إليه هو الاحتياط- و يختلف صورها باختلاف الموارد فتأمل جيداً.

[مسألة 15] «اذا جامع في عمرة التمتع بعد فراغه من السعي»

مسألة 15: و إن جامع في عمرة التمتّع بعد فراغه من السعي فلا إشكال عندهم في أنَّه لا يفسد

عمرته و أنَّ عليه الكفارة.

أمَّا عدم فساد عمرته به فيدل عليه صحيح معاوية الَّذي كرر الإشارة عليه و فيه: «و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجَّه» فإنَّ خشية الانثلام و الإفساد ظاهر في

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 193

عدم تحقّق الفساد بل المراد منه أن فعله جعله قريباً من الفساد.

و يمكن الاستدلال له بمعتبرة ابن مسكان قال: «قلت: متمتع وقع علي امرأته قبل أن يقصِّر؟ فقال: عليه دم شاة» «1» فإن سكوته عن بيان وجوب القضاء عليه في مقام بيان مطلق ما يترتب عليه من الحكم يدل علي عدم ترتب الفساد عليه.

و مثله صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع طاف بالبيت و بين الصفا و المروة و قبّل امرأته قبل أن يقصِّر من رأسه؟ قال: عليه دم يهريقه و إن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة». «2»

و لكن يمكن الخدشة في الاستدلال بهما بأنَّه يستفاد من جواب الإمام (عليه السلام) أنَّ محط سؤال السائل فيهما كان عن خصوص الكفارة و إلا لأجابه كما في صحيح معاوية، و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجَّه إن كان عالماً و إن كان جاهلا فلا شي ء عليه «3».

و كيف كان فلا إشكال في عدم فساد عمرته كما لا إشكال بعد هذه النصوص في وجوب الكفارة به.

نعم قد وقع الكلام في أنَّها متعينة في الجزور كما دل عليه صحيح معاوية أو هو مخيَّر بين الجزور و البقرة كما دل عليه صحيح الحلبي أو يكفيه دم شاة بل متعين عليه كما دلَّ عليه معتبرة ابن مسكان «عليه دم شاة» أو أنَّ اختلاف الرّوايات يدل علي التخيير.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب كفارات الاستمتاع ح

3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1 و 5.

(3)- وسائل الشيعة، ب 13 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 194

و بعبارة اخري: يجمع بينها بالأخذ بما كان منها نص في كفايته و يرفع اليد عن ظاهر كل منها في التعيين بنص غيره.

و لكن قال في الجواهر: (في القواعد و محكي النهاية و التهذيب و المبسوط- و المهذب و السرائر و الوسيلة و الجامع وجب عليه بدنة للموسر، و بقرة للمتوسط، و شاة للمعسر، و لعلَّه لتنزيل الصحيح المزبور «1» و … علي مراتب العسر و اليسر جمعاً و احتياطاً بل قد يرشد إليه التنصيص عليه في من أمني بالنظر إلي أهله و في

الجماع قبل طواف النساء و لا ريب أنَّ العمل علي فتوي المشهور في مثل المسألة هو الأولي و الأحوط و الله هو العالم.

[مسألة 16] حكم الاستمناء

مسألة 16: الظاهر ان الاستمناء اي استدعاء المني بفعل من الافعال إذا لم يمن به لا يوجب الكفارة بمجرده فضلا عن فساد الحج الا اذا كان لنفس الفعل الذي استدعي به الامناء الكفارة و أمّا اذا امني به فمقتضي احاديث اهل البيت (عليهم السلام) وجوب الكفارة و هي بدنة سواء كان بيده أو بغيره من الافعال كملاعبة زوجته فتقييده بما إذا كان بيده كما حكي عن غير واحد منهم المحقق في النافع «2» و العلامة في القواعد «3» كانه لا وجه له.

ففيما رواه الكليني عن علي بن ابراهيم «4» عن ابيه «5» عن عمرو بن عثمان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 383.

(2)- مختصر النافع: 107.

(3)- قواعد الاحكام: 1/ 468.

(4)- من الثامنة.

(5)- من السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 195

الخراز «1» عن صبّاح «2» عن اسحاق

بن عمّار «3» عن ابي الحسن: قال: قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فامني؟ قال: اري عليه مثل ما علي من اتي أهله و هو محرم بدنة و الحج من قابل «4».

و في صحيح مسمع ابي سيار «5» عن ابي عبد الله (عليه السلام): «و من نظر الي امرأته نظر شهوة فامني فعليه جزور» «6» و في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج «7» قال: «سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يعبث باهله و هو محرم حتي يمني من غير جماع او يفعل ذلك في شهر رمضان ما ذا عليهما؟ قال: عليهما جميعاً الكفارة مثل ما علي الذي يجامع» «8» و ظاهر الموثقة و ان كان لا يدلّ علي ازيد مما اذا كان ذلك بيده لكن لا يدلّ علي اختصاص الحكم بما اذا كان ذلك بيده و بعبارة أخري موردها و ان كان من عبث بذكره و لكن الظاهر منها و من صحيحي مسمع و ابن الحجاج عدم اختصاص الحكم بموردها فهذا حكم الاستمناء حتي يمني سواء كان باليد او بالنظر او بالعبث بالاهل او غير ذلك.

و بعد ذلك يقع الكلام في أن الاستمناء هل يفسد الحج و يجب القضاء فيه

______________________________

(1)- من السادسة الازدي ثقة نقي الحديث له كتب …

(2)- الظاهر انه من الخامسة من صغارهم له كتاب و ان كان ابن صبيح فهو ثقة عين و الظاهر الاتحاد.

(3)- من الخامسة فطحي ثقة.

(4)- وسائل الشيعة: ابواب كفارات الاستمتاع، ب 15، ح 1.

(5)- من الخامسة سيد المسامعة ثقة و وجه.

(6)- وسائل الشيعة: ابواب كفارات الاستمتاع، ب 17، ح 3.

(7)- من الخامسة ثقة ثبت وجه له كتاب.

(8)- وسائل الشيعة: ب 14 من ابواب كفارات الاستمتاع ح

1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 196

حكي في الجواهر «1» انه اختيار المختلف بل في التنقيح نسبته الي الاكثر بل ظاهره اختياره كالشهيدين و الكركي و مستندهم موثقة اسحاق بن عمّار التي مر ذكرها فانها صريحة في ان عليه الحج من قابل بل في المختلف بنقل الجواهر «2» عنه زيادة الاستدلال بصحيح ابن الحجاج.

و لكن في دلالته اشكال و كونه في الكفارة مثل الذي يجامع لا يقتضي كونه مثله في القضاء و لكن مع ذلك لا يخلو من اشعار فإن عليه لو فعل ذلك في شهر رمضان قضاؤه كالذي يجامع و في المحرم ايضاً إذا كان عبثه باهله مثل ما علي المجامع يكون عليه القضاء أيضاً مثل الذي جامع اهله فتأمل.

و عن ابن ادريس و الحلبي و جماعة و ربما نقل عن الشيخ في الخلاف و الاستبصار عدم وجوب القضاء قال في الشرائع و هو اشبه، «3» و قال في الجواهر: باصول المذهب و قواعده التي منها الاصل المعتضد بما في صحيحي ابن عمار السابقين من عدم القضاء علي من جامع فيما دون الفرج الذي هو اغلظ من الاستمناء او انه فرد منه بل ربما كان شاملا لما اذا اراد الاستمناء بوضع الحشفة بالفرج من غير ادخال علي ان الموثق المزبور الذي هو الاصل في المسألة لا دلالة فيه علي حكم الاستمناء علي الاطلاق بل علي الفعل المخصوص المذكور فيه المجامع للاستمناء تارة و المتخلف عنه اخري و لذا اقتصر علي مورده الشيخ الذي هو الاصل في القول به و في الرياض و هو الاقوي «4» الخ.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 367.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 367.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 368.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 368.

فقه الحج (للصافي)، ج 3،

ص: 197

أقول: الاستدلال بالاصل انما يجوز اذا لم يكن الدليل الاجتهادي في البين و امّا بعد ما يقول القائل بفساد الحج و وجوب القضاء بدلالة موثق اسحاق بن عمّار لا مجال لاجراء الاصل و اعتضاده بصحيحي معاوية بن عمار لا يكفي إذا لم يكونا بنفسهما دليلا علي عدم الفساد و الاستدلال بهما بالاولوية و جعلهما معارضين للموثق و ترجيحهما عليه او جعلهما قرينة لإرادة استحباب القضاء ففيه ان لفظ الصحيحين هكذا.

فقد روي الشيخ بسنده عن معاوية بن عمار قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل محرم وقع علي اهله فيما دون الفرج؟ قال: عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل» الحديث «1».

و روي الكليني أيضاً بسنده عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم يقع علي أهله؟ قال: ان كان افضي اليها فعليه بدنة و الحج من قابل و ان لم يكن افضي اليها فعليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل» «2».

و الاستدلال بهما علي عدم وجوب الحج عليه من قابل ان هو عبث بذكره فامني، اولوية الوقوع علي الاهل فيما دون الفرج بالحكم عليه بوجوب الحج من قابل من عبثه بذكره مضافاً الي ان ذلك عادة و في الاكثر مستلزم للامناء و اخراج هذه الصورة من تحت الحكم يكون من تخصيص الاكثر المستهجن و علي هذا يقع التعارض بينهما و بين الموثقة و لا ريب في ترجيحهما عليها.

و فيه: منع الاولوية المذكورة و منع كون الامناء بالوقوع علي الاهل اكثر من عدمه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 198

مضافاً الي أنه

يمكن ان يقال: ان دلالة الصحيحين علي عدم وجوب القضاء اذا اراد الامناء فامني بالاطلاق و دلالة الموثقة علي وجوبه بالنصّ فبقاعدة حمل الظاهر علي الاظهر و النص علي الانص نقول بوجوب القضاء.

و دلالة الموثقة علي وجوب القضاء اذا لم يقصد الامناء و امني و دلالة الصحيحين علي عدم وجوب القضاء بالاطلاق فيقع التعارض بينهما و لا ريب في

ترجيحهما علي الموثقة.

و فيه: ان الرجوع الي المرجحات السندية انما يكون اذا تم ظهور المتعارضين في مدلولهما و تكافؤهما و لكن في المقام دلالة الصحيحين علي عدم وجوب القضاء علي من عبث بنفسه فامني بالمفهوم و الاولوية و دلالة الموثقة علي وجوبه بالمنطوق و لا ريب في تقديم المنطوق علي المفهوم و جعل الاول قرينة علي عدم ارادة الثاني فتلخص من ذلك ان الاقوي ما نسب الي الشيخ اختياره اي العمل بالموثقة في مورده سواء قصد الامناء ام لم يقصده و في الوقوع علي الاهل عدم وجوب القضاء امني او لم يمن و اراد الامناء او لم يرده و الله هو العالم.

و الذي ينبغي ان نقول في هذه الروايات انها طائفتان:

الاولي: ما يدل علي وجوب الحج من قابل و هو موثق اسحاق بن عمّار و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج الذي سمعت الاستدلال به عن المختلف و ما في الاستدلال به من الاشكال و امّا موثق اسحاق فهو واضح الدلالة في ذلك فلو لم نقل بانصراف السؤال فيه عن الاستمناء بعبثه بذكره القدر المتيقن منه ذلك.

الثانية: ما استدل به علي عدم وجوب الحج من قابل و هو صحيحا معاوية بن عمار الوارد ان في المحرم الذي يقع علي أهله إن عليه بدنة و ليس عليه الحج من

قابل و لكن الاستدلال بهما لا يتم الا اذا تمّ التعارض بينهما و بين موثق اسحاق.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 199

و ما يمكن ان يقال في تقريب التعارض وجهان:

الاول: كون المواقعة فيما دون الفرج اغلظ من العبث المذكور فالحكم عليه بالحج من قابل اولي من الحكم به علي الذي عبث بذكره كما ان الحكم بعدم الحج في القابل علي الذي عبث بذكره اولي من الحكم بعدمه علي الذي وقع علي أهله.

الثاني: ان يقال: باستلزام مواقعة الاهل للامناء فهو فرد من افراد الاستمناء

فيلزم من ذلك وقوع التعارض بين الطائفتين الا ان التعارض علي الوجه الاول يكون بين مفهوم كل واحد منهما مع منطوق الآخر و علي الوجه الثاني التعارض واقع بين المنطوقين و بعد ذلك لا ريب في تقديم الصحيحين علي الموثق و حمله علي الاستحباب.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 200

و يمكن الجواب عن هذا الاستدلال اوّلا: بمنع كون المواقعة المذكورة اغلظ من العبث المذكور سيما و هو حرام بالاصل و يكفي ذلك في الفرق بين الموردين في الحكم و بمنع كون المواقعة من افراد الاستمناء و غلبة الامناء بها.

و ثانياً: مع الغض عما ذكر بالجمع بين الطائفتين فنقول: علي الوجه الاول يقع المعارضة بين منطوق كل منها مع مفهوم الآخر فالطائفة الاولي التي تقول بالحج من قابل بالمنطوق تقدم علي الطائفة الثانية التي تنفي الحج من قابل عمن عبث بذكره بالمفهوم و الطائفة الثانية التي تقول بعدم الحج من قابل علي الذي واقع اهله تقدم علي مفهوم الطائفة الاولي الدال علي كون الحج من قابل علي الذي واقع اهله نعم علي الوجه الثاني يقع التعارض بين المنطوقين فلا بد الا من القول بالفرق بين الاستمناء

باليد و بالمواقعة مع الاهل فيختص الحكم بالحج من قابل بخصوص الاستمناء باليد و الامناء او القول بتقديم الصحيحين علي الموثق و حمل الموثق علي الاستحباب.

و يمكن ان يقال: ان دلالة الصحيحين علي عدم وجوب القضاء اذا لم يمن بالنص و علي عدم وجوبه اذا استمني بالمواقعة و امني بها بالاطلاق و دلالة الموثقة علي وجوبه اذا استمني و امني بالنص و علي وجوبه ان امني و ان لم يستمن بالاطلاق ففيما اذا استمني بيده و امني نأخذ بالموثق لكونهما نصاً فيه و نترك الصحيحين لكونه ظاهراً في عدم القضاء حملا للظاهر علي الاظهر نعم: فيما اذا عبث بيده و اتفق الامناء

فظاهر الموثق بالاطلاق الحج من قابل و ظاهر الصحيحين عدم الحج من قابل ايضاً بالاطلاق فيقع التعارض بينهما و يقدم الصحيحين علي الموثق و علي هذا يختص الحكم بالحج من قابل بالاستمناء باليد لا بمجرد العبث به بيده و وقوع الامناء اتفاقا و الله هو العالم.

[مسألة 17] حكم ما لو مسّ اهله

مسألة 17: قال في الجواهر «1»: (و لو مسّها) اي امرأته (بغير شهوة لم يكن عليه شي ء) و ان امني اذا لم يكن معتاد الامناء و لا قصده بلا خلاف اجده فيه كما اعترف به بعضهم نصاً و فتوي ففي حسن الحلبي.

عن ابي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة علي امرأته؟ قال: نعم يصلح عليها خمارها و يصلح عليها ثوبها و محملها قلت: أ فيمسها و هي محرمة؟ قال: نعم قال: المحرم يضع يده بشهوة قال: يهريق دم شاة قلت قبّل؟ قال: هذا اشدّ ينحر بدنة؟» «2» الخ.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 388.

(2)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 2

و تعبيره بالحسن لمكان ابراهيم بن هاشم في السند ب 18 ح 1 و الكافي: 4/ 375.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 201

اذاً فلا ريب في جواز مسّها بغير شهوة كما ان الظاهر انه لا خلاف بينهم في حرمة مسّها بشهوة و يدل علي حرمة مسّها بشهوة صحيح مسمع ابي سيّار و فيه: «و من مسّ امرأته (بيده) و هو محرم علي شهوة فعليه دم شاة» «1» و اطلاقه يدل علي

ان الكفارة عليه و لو لم يمن كما يدل علي تخصيص الدم بالشاة خلافاً لما حكي عن ابن حمزة «2» من انه جعل الفرض من قسم ما فيه الدم المطلق الذي جعله قسيماً لما فيه بدنة او بقرة او شاة او حمل او جدي تمسكاً باطلاق الدم في بعض النصوص مثل ما رواه الشيخ باسناد فيه علي بن ابي حمزة عن محمد بن مسلم قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حمل امرأته و هو محرم فامني او امذي؟ قال: ان كان حملها او (و) مسّها بشي ء من الشهوة فامني او لم يمن امذي او لم يمذ فعليه دم يهريقه» الحديث «3»

و فيه مضافاً الي ضعف الخبر بابن ابي حمزة ان الصدوق رواه في الفقيه «4» و لفظه (دم شاة) و فصّل ابن ادريس بين الانزال و عدمه فقال: فان مسّها بشهوة كان عليه دم بدنة اذا انزل و ان لم ينزل فدم شاة «5».

و استدل له كما في الجواهر بأن المس افحش من النظر الذي فيه البدنة اذا امني فكيف تكون كفارته اذا انزل دم شاة فيحمل اطلاق اذا مسه بشهوة عليه شاة علي ما اذا لم يمن كما هو الغالب في المسّ

و لو بشهوة مضافاً الي ما في ذيل صحيح معاوية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 3، و ب 12 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(2)- الوسيلة/ 168.

(3)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 6.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 332.

(5)- السرائر: 1/ 552.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 202

بن عمّار: و قال: في المحرم ينظر الي امرأته او ينزلها بشهوة حتي ينزل قال: عليه بدنة. فانه يقيد به الاطلاق المذكور و مضافاً الي ضعف الخبر المذكور فيه دم شاة «1».

و فيه: امّا أولوية المس لكون كفارته البدنة من النظر لانه افحش من النظر

ففيها: ان الاولوية بذلك ممنوعة فلعل افتراق المس و النظر في الكفارة كان لوجه آخر و حكمة اخري.

و أما صحيح معاوية فلفظه علي نقل الوسائل عن الكافي (او ينزلها) و في الاصل الكافي الموجود عندنا (و ينزلها) بالواو الوصلية كما هو كذلك في الجواهر و لذا لا يتم الاستدلال به و يمكن حمله علي الاستحباب او الاستمناء و اما ضعف الخبر فخبر محمد بن مسلم كما اشرنا اليه ضعيف بابن ابي حمزة و لكن ما رواه الحلبي حسن او صحيح و فيه (يهريق دم شاة)

و علي كل ذلك الصواب هو الاخذ بصحيحي الحلبي و المسمع و حمل هذا الحديث علي الاستحباب و الله هو العالم.

[مسألة 18:] من نظر الي اهله

مسألة 18: لو نظر الي امراته فان لم يكن بشهوة و لم يكن معتاد الامناء به لا شي ء عليه ولوا مني للاصل الجاري في كل فعل شك في حرمته او في تعلق الكفارة به فمقتضي الاصل جواز ارتكابه و براءة الذمة عن تعلق الكفارة اليه.

مضافاً الي دعوي قطع الاصحاب بجوازه و عدم

تعلق كفارة به بل دعوي

______________________________

(1)- وسائل ابواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 203

بعضهم صريحاً الاجماع عليه كما حكي عن المنتهي و لعله كذلك و مضافاً الي صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن محرم نظر الي امرأته فامني او امذي و هو محرم قال: لا شي ء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربه» «1» الحديث و إلي

مفهوم التعليل المذكور في خبر ابي بصير قال فيه: «اما اني لم اجعل عليه هذا لانه امني انما جعلته عليه لانه نظر الي ما لا يحل له» «2» و مقتضي الاصل و مقتضي اطلاق الاول و اطلاق التعليل في الثاني جواز النظر و عدم الكفارة.

و ان كان معتاد الامناء و لم يقصد بنظره الامناء فانه من الاستمناء.

و ان كان نظر اليها بشهوة فان لم يكن معتاد الامناء به فمقتضي الاصل جواز النظر اليها بشهوة و مقتضي اطلاق مفهوم التعليل المذكور ايضاً ذلك كما أنه ان امني به و لم يكن من قصده ذلك لم يرتكب حراماً لكن عليه بدنة كما هو المصرح به في كلام غير واحد علي ما في الجواهر «3» بل عن المنتهي الاجماع عليه قال: و هو الحجة بعد حسن مسمع ابي سيار عن الصادق (عليه السلام): «و من نظر الي امرأته نظر شهوة فامني فعليه جزور» «4» انتهي و حمله علي صورة قصده الامناء خلاف اطلاقه

و أمّا التمسك بذيل صحيح ابن عمّار: «قال في المحرم ينظر الي امرأته و ينزلها بشهوة حتي ينزل قال: عليه بدنة» «5» لا يستقيم الا اذا كان لفظة (او) بدل (و) و لكن قد سمعت ان ما في النسخ الموجودة

غير الوسائل (و) و هذا ينطبق علي الاستمناء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 17 ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 2 قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل محرم نظر الي ساق امرأة فأمني فقال ب 16.

(3) جواهر الكلام: 20/ 387.

(4) وسائل الشيعة، ب 17 ابواب كفارات الاستمتاع ح 3.

(5) وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 204

و عن المفيد و المرتضي اطلاق نفي الكفارة و ان كان بشهوة «1» و المستند لهذا

القول ان كان الاصل فهو ممنوع بصحيح مسمع «2»، و ان كان صحيح ابن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن محرم نظر الي امرأته فامني او امذي و هو محرم؟ قال: لا شي ء عليه» «3» فربما يقال انه مقيد بذيله قال «في المحرم ينظر الي امرأته و (او) ينزلها بشهوة حتي ينزل؟ قال: عليه بدنة».

بيان ذلك ان قوله بشهوة ان خصّ به الانزال يلزم تباين الصدر و الذيل كلياً و اذا كان راجعاً الي النظر لا بد اما من حمله علي الاستحباب او تقييد الصدر بالذيل بالنظر بغير شهوة قال: في الجواهر و هو الوجه لرجحان التخصيص علي المجاز و ان وافق الاصل و ان كان لا يخلو من نظر «4».

و فيه: ان هذا البيان كما مرّت الاشارة اليه انما يأتي لو كان لفظ الحديث (او ينزلها) و أما اذا كان (و ينزلها) لا يأتي الاشكال المذكور اذا كان قوله فيه (بشهوة) راجعاً الي الانزال او اليه و إلي النظر فان بذلك يختلف موضوع الحكم و السؤال مضافاً الي أنه ظاهر بقرينة قوله (حتي) في

الاستمناء و علي هذا نبقي نحن و صحيح مسمع الدال علي الكفارة و صدر صحيح معاوية بن عمار الذي يدل بالاطلاق علي أنه لا شي ء عليه بالنظر و ان كان بشهوة و خبر ابي بصير الدال بمفهوم ما فيه من التعليل علي ان النظر اذا لم يكن الي ما لا يحل له لا يوجب شيئاً و ان كان بشهوة و موثق اسحاق بن عمار الدال بالمنطوق علي ان النظر بالشهوة لا يوجب شيئاً و تقييد اطلاق صحيح معاوية بن عمار و مفهوم تعليل المذكور في خبر ابي بصير بصحيح

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 20/ 387.

(2)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 388.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 205

مسمع و ان كان ممكناً الّا ان التعارض بينه و بين الموثق محتاج الي العلاج و لذا حمل

الشيخ في التهذيبين علي السهو و النسيان قال في التهذيب (فمحمول- يعني موثق اسحاق- علي السهو دون العمد لان من تعمد نظراً بشهوة لزمته الكفارة اذا امني حسب ما تضمنه الخبر المتقدم «1» يعني صحيح مسمع-).

و قال في الاستبصار و الوجه في هذا الخبران نحمله علي حال السهو و النسيان لان من نظر ساهياً او ناسياً نظر شهوة فامني لم يكن عليه شي ء كما أنه لو جامع نسياناً لم تلزمه كفارة علي ما بيناه في كتابنا الكبير. «2»

و الاولي ان نقول في توجيه هذا الحمل ان صحيح مسمع نصّ في وجوب الكفارة علي من تعمد النظر بشهوة فامني و ظاهر في وجوبها علي من سها ذلك و موثق اسحاق نص فيمن سها و نظر و ظاهر

في من تعمد فنحمل ظاهر كل منها علي النص الآخر كما هو المعمول به عندهم من حمل الظاهر علي الاظهر.

فتلخص مما ذكر أن الاقوي ما عليه المشهور و ادعي الاجماع عليه و هو وجوب جزور علي من نظر الي امرأته بشهوة فأمني اذا لم يكن ناسياً احرامه و الله هو العالم.

[مسألة 19] حكم ما لو نظر الي غير اهله

مسألة 19: لو نظر الي غير اهله فامني فالمحكي عن النهاية و المبسوط و السرائر، و المهذب، و الجامع، و النافع و القواعد، و غيرها «3»

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 327.

(2)- الاستبصار: 2/ 192.

(3)- راجع جواهر الكلام: 20/ 385.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 206

أن عليه ان كان موسراً بدنة و ان كان متوسطاً فبقرة، و ان كان فقيراً فشاة

و قيل ان هذا مختار الاكثر بل هو المشهور لما رواه في الكافي عن ابي علي الاشعري «1» عن محمد بن عبد الجبّار «2» عن صفوان «3» عن اسحاق بن عمّار «4» عن ابي بصير «5» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نظر الي ساق امراة فامني؟

قال: ان كان موسراً فعليه بدنة، و ان كان بين ذلك فبقرة، و ان كان فقيراً فشاة اما اني لم اجعل ذلك عليه من اجل الماء، و لكن من اجل أنه نظر الي ما لا يحلّ له». «6»

و رواه في التهذيب «7» باسناده عن اسحاق و فيه «و ان كان وسطاً فعليه بقرة» و رواه الصدوق في الفقيه «8» الا انه قال: «الي ساق امرأة او فرجها فامني»

و القول الثاني في المسألة ما عزي الي المفيد و سلار و ابن زهرة و هو انه ان عجز عن الشاة صام ثلاثة ايام «9»، و لم نر في أخبار الباب

ما يدل عليه نعم في أبواب كفارات الصيد في محرم اصاب ظبياً ورد انه عليه شاة فان لم يجد فليتصدق علي عشرة مساكين فان لم يجد فليصم ثلاثة ايام «10» فيمكن الاستدلال به بدعوي ان

______________________________

(1)- احمد بن ادريس القمي الثقة الفقيه كثير الحديث صحيح الرواية.

(2)- من كبار السابعة قمي ثقة.

(3)- من اعاظم السادسة.

(4)- من الخامسة.

(5)- من الرابعة.

(6)- الكافي: 4/ 377 ح 7.

(7)- التهذيب ج 5/ 325 ح 1115 و وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(8)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 332 ح 2590.

(9)- راجع جواهر الكلام ج 20/ 385.

(10)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب كفارات الصيد ح 3 و 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 207

الصدقة و الصيام بالمقدار المذكور بدل للشاة سواء عينت كفارة للظبي او النظر او غيرهما لا لخصوصية كونها كفارة لإصابة الظبي.

و فيه: منع ذلك المساواة و الغاء الخصوصية انما يكون عند العرف اذا كان المورد مثل ما اذا شك الرجل بين الثلاث و الاربع و غاية ما يمكن فيه الغاء الخصوصية و دعوي مفهوم المساواة دعواه في ابواب الصيد لا مطلقاً و لذا نردّ بذلك ما عن الرياض من الحكم به معللا بأنه اصل عام «1» فانه نقول ان ذلك لو كان اصلا عامّاً لا نتجاوز عنه من باب الصيد الي غيره.

و عن ابن حمزة انه ترك الشاة اصلا و إليك كلامه في تفصيل موارد البدنة و البقرة و الشاة في الوسيلة.

فقال في البدنة: و البدنة تلزم بالجماع … و بخروج المني اذا نظر الي غير اهله …

و قال في البقرة: و البقرة تلزم بصيد بقرة الوحش و حمار الوحش و بامناء المتوسط اذا نظر الي

غير اهله …

و قال في الشاة: و الشاة تلزم بصيد الظبي و الثعلب و الارنب «2» و ذكر موارد كثيرة لم يتعرض لكونها كفارة علي الفقير ان نظر الي غير اهله، و لكن الظاهر انه سقط من قلمه الشريف فلا يعد ذلك قولا منه.

و القول الثالث: التخيير بين الجزور و البقرة فان لم يجد فشاة.

لصحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل محرم نظر الي غير اهله

______________________________

(1)- رياض المسائل: 7/ 391.

(2)- الوسيلة/ 167- 166.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 208

فانزل؟ قال: عليه جزور او بقرة فان لم يجد فشاة» «1»

و قد افتي بذلك الصدوق قده في المقنع: و ان نظر محرم الي غير اهله فانزل فعليه جزور او بقرة و ان لم يقدر فشاة «2».

و في الجواهر أنه تبعه بعض متأخري المتاخرين «3».

و لكنه معارض بالموثق المذكور الذي عمل به المشهور مضافاً الي امكان كون المراد منه ان عليه امّا جزور و أمّا بقرة لانه لا يخلو امّا ان يكون موسراً فعليه الجزور و أما يكون متوسطاً فعليه البقرة فلعل الامام (عليه السلام) يري ان زرارة يفهم ذلك منه و أمّا الموثق فصريح في مضمونه فيحمل ما هو المجمل عليه و مضافاً الي ان العمل بالموثق موافق للاحتياط و ربما يكون هنا قول رابع و هو الاكتفاء بشاة مطلقاً لصحيح معاوية بن عمّار «في محرم نظر الي غير اهله فانزل؟ قال: عليه دم لانه نظر الي غير ما يحلّ له، و ان لم يكن انزل فليتق الله و لا يعد و ليس عليه شي ء» «4».

و لكن يرد بأن اطلاقه يقيد بالموثقة.

و لا فرق في ذلك بين ان يكون المراد من الدم مطلق الدم الشامل

للثلاثة فيقيد اطلاقه الدال علي كفاية مطلق الدم بكونه للموسر كذا و للمتوسط كذا و للفقير كذا و بين ان يكون المراد منه خصوص الشاة بدعوي انصرافه اليها فانه باطلاقه يدل علي ان الكفارة بشاة سواء كان من عليه الكفارة موسراً او متوسطاً او فقيراً

و الموثق يقيده بما اذا كان مرتكب المحرم فقيراً و الذي تحقق من كل ما ذكر ان ما هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(2)- المقنع/ 242.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 386.

(4)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب كفارات الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 209

الاقوي و الاظهر في حكم المسألة مختار الاكثر بل المشهور للموثق المذكور الذي اعتمد عليه جمع من اكابر الاصحاب و الله هو العالم بالصواب.

هذا و لا يخفي عليك ان ظاهر التعليل المذكور في الموثقة و ان كان وجوب الكفارة و ان لم يمن لانه نظر الي ما لا يحل له و لكن يرفع اليد عن مفهوم التعليل بصريح صحيح معاوية بن عمار فانه مع التصريح بالتعليل المذكور صرح بأنه ليس عليه شي ء ان لم ينزل.

لا يقال: ان ذلك موجب لتهافت الصدر مع الذيل فانه يقال: إن الصدر يدل علي ان النظر الي ما لا يحل له يقتضي الدم لكن المقتضي انّما يؤثر اذا كان الشرط ايضاً موجوداً و المانع مفقوداً و أمّا اذا كان الشرط مفقوداً او المانع موجوداً فلا يؤثر و يمكن ان يكون شرط تأثير النظر في وجوب الكفارة الامناء او كان المانع منه كثرة الابتلاء بالنظر و ايضاً لا يخفي عليك بحكم الاطلاق عدم الفرق في الحكم نصاً و فتوي بين ما اذا قصد الامناء أولا و بين النظر

بشهوة أولا و بين معتاد الامناء و غيره خلافاً للمحكي عن المسالك «1» و الله هو العالم.

[من محرمات الإحرام ايقاع العقد لنفسه أو غيره]

[مسألة 20:] النكاح في حال الاحرام

مسألة 20: لا يجوز للمحرم تزويج امرأة محرمة او محلة لنفسه او لغيره و يدل عليه من النصوص ما رواه الشيخ في التهذيبين في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس للمحرم ان يتزوج و لا يزوج فان تزوج او زوج محلا فتزويجه باطل «2»

و ظاهره حرمة تزويجها لنفسه و لغيره

______________________________

(1)- مسالك الافهام: 2/ 482.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 328 ح 1128 و الاستبصار: 2/ 193 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 210

تكليفاً و وضعاً و لفظه علي ما في الوسائل «1» (و ان زوج) و قال بعض السادة المعاصرين فحينئذ يحتمل ان يكون تاكيداً لما قبله فتكون الرواية صدراً و ذيلا دالة علي الحكم الوضعي اي الفساد ثمّ حكم بكون نسخة الوسائل غلطاً جزماً لمخالفتها مع نسخة الاصل من التهذيبين و مع ما في الفقيه «2» و علي هذه النسخ الاصلية لا يمكن ان يكون العطف للتأكيد لان الظاهر من الفاء هو التفريع و لا معني للتفريع علي نفسه فاذا اريد من الجملة الاولي البطلان لا معني لقوله ثانياً فان تزوج … فتزويجه باطل.

و يمكن استظهار حرمته التكليفي من الحكم في الروايات بحرمتها الابدية عليه فان ذلك مناسب للمخالفة و العصيان كما يمكن استفادة حرمته كذلك مما دل علي حرمة كون المحرم شاهداً للنكاح لان حرمته مختصة بالتكليفي و لا ريب في ان حرمة الاصل اولي من الفرع.

ثمّ انه لا فرق في الحكم بين ان يكون المحرم مباشراً بنفسه للعقد او وكل غيره للعقد له و اوقع الوكيل العقد حال احرام الموكل.

اعلم ان

الكلام في عقد الفضولي في مسئلتنا هذه يقع في مقامين:

المقام الاول: في عقد المحل للمحرم فضولة فالظاهر انه لا يحرم عليه و أمّا المحرم فلا يجوز له امضاؤه في حال الاحرام اذا كان العقد واقعاً ايضاً في هذا الحال سواء

قلنا في باب الفضولي بالنقل او الكشف الحقيقي او الحكمي أو الانقلابي و كذا لا يجوز له الامضاء في حال الاحرام و ان كان العقد واقعاً في حال احلاله بناء علي القول بالنقل كما انه اذا كان العقد واقعاً من الفضولي في حال احرام الاصيل يجوز له علي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 361 ح 2709.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 211

القول بالنقل امضاؤه في حال احلاله.

و أمّا علي القول بالكشف الحقيقي فالقول بالجواز و عدمه يدور مدار وقوع العقد من الفضولي في حال احلال الاصيل او احرامه فان كان واقعاً في احلاله يجوز له الامضاء في حال الاحرام علي اشكال، و ان كان واقعاً في حال احرام الاصيل لا يجوز له الامضاء في حال الاحلال لكون التزويج علي هذا القول واقعاً في حال الاحرام.

و أمّا علي القول بالكشف الحكمي بمعني ثبوت مضمون العقد حال الاجازة و ترتب احكام ثبوته من حين العقد فيمكن ان يقال: بعدم جواز امضائه في حال الاحرام و ان كان العقد واقعاً حال كونه محلا، و جوازه حال الاحلال، و ان كان العقد واقعاً حال كونه محرماً.

و أمّا علي القول بما يعبر عنه بالكشف الانقلابي بمعني كون زمان الاجازة هو زمان جعل مضمون العقد من حين العقد، و عليه، المضمون هو المجعول من حين العقد، و ان كان جعل حين الاجازة، فعليه

العقد المجاز اذا كان واقعاً حال الاحلال و الاجازة صادرة في حال الاحرام يكون التزويج مجعولا في حال الاحلال و ان كان جعله واقعاً في حال الاحرام و اذا كان التزويج و العقد واقعاً في حال الاحرام و الاجازة في حال الاحلال يكون التزويج مجعولا في حال الاحرام و جعله واقعاً في حال الاحلال فهل العبرة في الحلية و الحرمة و الصحة و البطلان علي زمان الجعل او المجعول فيه وجهان.

و بعد ذلك كله لا يجوز ترك الاحتياط حتي علي القول بالنقل اذا كان العقد واقعاً في حال الاحرام و الامضاء في حال الاحلال.

المقام الثاني: في عقد المحرم فضولة للمحل فعلي القول بالنقل ان امضاه المحل حال بقاء العاقد في احرامه يحكم ببطلانه و بطلان احرامه فلا يترتب عليه الاثر،

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 212

و ان امضاه بعد خروج العاقد من الاحرام فالظاهر الحكم بالصحة و ترتب الاثر، و عليك باستخراج الفروع علي سائر المباني و الله هو العالم بحقائق احكامه.

[مسألة 21:] «حرمة النكاح في حال الاحرام يوجب الحرمة الابدية»

مسألة 21: قد ظهر لك انه لا اشكال في حرمة النكاح في حال الاحرام تكليفاً و وضعاً فهو باطل لا يترتب عليه اثر النكاح الصحيح و لا يحلّ له به بل هي محرمة عليه ابداً اجماعاً كما حكي عن السيد في الانتصار «1» و الشيخ في الخلاف «2» و ابن زهرة في الغنية «3» و عن العلامة في التذكرة «4» و المنتهي «5» نسبته الي علمائنا و يدل عليه من الروايات ما رواه الكليني بسنده عن المثني «6» عن زرارة بن اعين و داود بن سرحان «7» عن ابي عبد الله (عليه السلام) و عبد الله بن بكير عن اديم بياع الهروي «8» عن

ابي

عبد الله (عليه السلام) أنه قال …

و المحرم اذا تزوج و هو يعلم انه حرام عليه لم تحلّ له ابداً «9».

______________________________

(1)- الانتصار: 246.

(2)- الخلاف: 2/ 316.

(3)- الغنية/ 158.

(4)- تذكرة الفقهاء: 7/ 382.

(5)- منتهي المطلب: الطبعة الحجرية/ 808.

(6)- لعله ابن عبد السلام لا بأس به له كتاب من الخامسة.

(7)- ثقة له كتاب من الخامسة.

(8)- ثقة له اصل من الخامسة.

(9)- الكافي ج 5 ص 426 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 213

و ما رواه ايضاً الكليني بسنده عن ابراهيم بن الحسن «1» عن ابي عبد الله (عليه السلام) «قال: ان المحرم اذا تزوج و هو محرم فرق بينهما ثمّ لا يتعاودان ابداً» «2».

و مثله ما رواه الشيخ باسناده عن ابن بكير عن اديم بن حر الخزاعي عن ابي عبد الله (عليه السلام) «3» و الظاهر انه و اديم المذكور في رواية الكافي واحد فالرواية ايضاً واحدة و ان اختلف لفظهما في الكافي و التهذيب.

و كيف كان الحكم ثابت نعم ربما يوهم معارضة الروايات المذكورة بصحيح محمد بن قيس «4» عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: «قضي امير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل ان يحلّ فقضي ان يخلّي سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئاً حتي يحل فاذا احلّ خطبها ان شاء، و ان شاء اهلها زوّجوه و ان شاءوا لم يزوجوه» «5» و يرفع المعارضة بان ظاهر الصحيح ان الرجل كان غير عالم بالتحريم.

ثمّ انه لا فرق في فساد عقد المحرم بين كونه عالماً بفساد العقد و حرمته في حال الاحرام و كونه جاهلا به و الظاهر انه لا فرق في عدم ترتب الحرمة الابدية علي

عقده اذا كان جاهلا بين دخوله

بها و عدمه اما في صورة عدم الدخول فهو القدر المتيقن من عدم ترتب الحرمة في صورة الجهل و هو المشهور بينهم كما في الجواهر شهرة عظيمة «6» و أما مع الدخول فهو ايضاً مقتضي الاصل و اطلاق مفهوم رواية زرارة و داود و اديم.

______________________________

(1)- الظاهر أنه لم يوصف بوصف مدحاً او قدحاً من الخامسة.

(2)- الكافي: 4/ 372 ح 3، تهذيب الاحكام: 5/ 329 ح 1133.

(3)- وسائل الشيعة: ب 15 من ابواب تروك الاحرام ح 1، تهذيب الاحكام: 5/ 329.

(4)- ثقة من الرابعة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 15 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(6)- جواهر الكلام: 29/ 450.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 214

هذا خلافاً لما حكي عن الخلاف و الكافي و الغنية. و السرائر و الوسيلة. فحرّموها مؤبداً كذات العدة «1» و ليس لهم دليل ظاهر في ذلك غير دعوي الاجماع الموهون بدعوي غيرهم الاجماع علي خلاف ذلك و غير القياس الذي ليس في مذهبنا.

نعم قال في الجواهر «2»: قد يستفاد مما في الفقيه وجود خبر دال حيث قال: و قال (يعني أبا عبد الله) (عليه السلام): «من تزوج امرأة في احرامه فرق بينهما و لم تحل له ابداً» و في رواية سماعة: «لها المهر إن كان دخل بها» «3» لكن مثل ذلك غير كاف في مثل هذا الحكم.

اقول: هذا الخبر علي فرض حجيته لا يدل علي ازيد من ان لها المهر و لا ارتباط له بمسألتنا هذه.

و هل يترتب هذا الحكم علي الاحرام الفاسد من اول الامر و علي الذي افسده بعد وقوعه صحيحاً؟ لا ريب في أنه لا يترتب علي الاول لانه لم يقع في حال الاحرام و في ترتبه علي الثاني نظر يمكن

نفيه بالاصل و عدم الدليل.

[مسألة 22] «الحاق النكاح المنقطع بالدائم»

مسألة مسألة مسألة 22: قال في الجواهر: «الظاهر الحاق المنقطع بالدائم هنا مع احتمال العدم» «4» و ظاهره عدم الجزم بالحكم و لعله لامكان دعوي ظهور

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 29/ 451.

(2)- راجع جواهر الكلام: 29/ 451.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 361 ح 2711 و 2712.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 300.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 215

الادلة في الدائم او انصرافها اليه و لكن في العروة الجزم بعدم الفرق بينهما و ذلك لإطلاق الادلة و كون التزويج اعم من الدائم و المنقطع و ايضاً لا فرق في ترتب الاحكام بين ان يكون العقد واقعاً في احرام الحج الواجب او المندوب او العمرة الواجبة او المندوبة كما ان الظاهر انه لا فرق في ترتب الحرمة الابدية بين وقوع العقد مباشرة او بتوكيله الغير كما لا فرق في الحرمة اذا كان عالماً بها بين ان دخل بها و عدمه و هل هنا فرق بين كون الزوجة محرمة دونه فلا يبطل العقد و لا يوجب الحرمة الابدية؟

لا اشكال في بطلان العقد امّا ايجابه الحرمة الابدية ففيه قولان: مقتضي الاصل العدم و ما عن الخلاف من الاستدلال بالاجماع و الأخبار و الاحتياط فقد حكي عن الرياض بأنه قال: الأخبار لم نقف عليها و دعوي الوفاق غير واضحة و الاحتياط ليس بحجة «1».

و قال في الجواهر: يمكن اثباته بقاعدة الاشتراك او بارادة الجنس من الالف و اللام في بعض النصوص السابقة و نحو ذلك اللهم الا ان يدفع الاول بانّ الاشتراك في المعني الصالح وقوعه منهما و الفرض ان النصوص دلّت علي تزويج المحرم بمعني

اتخاذه زوجة و هو معني يخصّ الرجال فلا تشمله قاعدة الاشتراك و الثاني

بأن الجنسية مع فرض ارادتها يراد منها الجنس في معني اللفظ و الفرض ان المحرم خاصّ بالذكر فيكون الجنس في ذلك.

و في الجميع نظر أما الأوّل فلا ريب في تناول القاعدة إيّاه بعد معلوميّة كون ذلك من أحكام الإحرام المفروض اشتراكه بين «الرجال و النساء» فكل حكم

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 29/ 452.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 216

يثبت فيه للرجال يثبت للنساء إلا ما خرج، فاذا ثبت حرمة التزويج لهم ثبت حرمة التزويج لهنّ، و إن اختلف معني التزويج لكل منهما باتّحاد الزوجة و الزوج، و من هنا لم يتوقف أحد في إثبات غير هذا الحكم من جهة التزويج و التوليد منه و نحو ذلك للنساء.

و أما الثاني فالمراد جنسية المحرم بمعني الشخص المتصف بالاحرام الّذي لا ريب في شموله للمذكر و المؤنّث كما هو واضح، و من ذلك كله يقوي اتّحاد المحرمة و المحرم في الحكم المزبور نحو التزويج في العدة و نكاح ذات البعل، بل و الزنا فيها كما عرفته سابقاً.

بل لا إشكال عندهم في الأوّلين في عدم الفرق في الحرمة أبداً بين نكاح الرّجل ذات العدّة و بين نكاحها هي، و ان اختلفا في أوّلية الحرمة أبداً من العالم القادم و تبعية الآخر له. فتأمّل جيداً، فانه دقيق نافع، و لعله لذا نفي الخلاف بعض أفاضل العصر عن كون إحرامها كإحرامه هنا، و ظاهره المفروغية من المسألة، و لعلها كذلك. و الله العالم «1».

[مسألة 23] «حكم توكيل المحرم للمحل علي العقد بعد الخروج عن الاحرام»

مسألة 23: هل يجوز للمحرم ان يوكل محلا علي العقد له حال الاحلال و خروجه عن الاحرام ام لا يجوز؟

فنقول اما الحكم التكليفي في هذا التوكيل فالظاهر جوازه لان ما هو المحرّم علي المحرم العقد و التزويج حال الاحرام

مباشرة او بالتوكيل و أمّا مجرد التوكيل

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 452.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 217

ليس نكاحاً و أمّا حكمه الوضعي فقال في الجواهر: (صح بناء علي عدم اعتبار امكان وقوع الموكل فيه من الموكل حال الوكالة) «1»

و حققه في كتاب الوكالة من هذا الكتاب الكبير و التأليف الذي لا يرزق التوفيق له الّا من كان مؤيداً بالامدادت الغيبية و العنايات الربانية شكر الله مساعيه الثمنية و مساعي سائر علمائنا العاملين حفّاظ الشريعة حيث قال في شرائط متعلق الوكالة: (الثالث: ان يكون مملوكاً للموكل اتفاقاً منّا كما في جامع المقاصد فلو وكله علي طلاق امرأة سينكحها او عتق عبد سيملكه او بيع ثوب سيشتريه لم يصح نعم لو وكله علي شراء عبد و عتقه او ثوب و بيعه جاز ثمّ ذكر ما في جامع المقاصد من ان منه يعني من الثاني ما لو قال: طلق زوجتي ثلاثاً فانه يكون وكيلا في الرجعتين بينهما و ذكر ما اورد عليه بأن ذلك توكيل في تصرف لا يملكه الموكل وقت التوكيل فان الرجعة انما يملكها بعد الطلاق محقه ان لا يصح،

ثمّ ذكر ما اجاب هو يعني صاحب جامع القاصد عن هذا الاشكال بنفي البعد عن ان يقال ان التوكيل في مثل هذا جائز لانه وقع تابعاً لغيره يعني تو كيله علي طلاق امرأته مثل ما وكله في شراء شاتين و بيع احداهما امّا لو وكله علي ما لا يملكه

استقلالا كما لو وكل علي طلاق زوجة سينكحها لم يصح و الفرق بين وقوع الشي ء اصلا و تبعاً كثير لان التابع وقع مكملا بعد الحكم بصحة الوكالة و استكمال اركانها و قد وقع الايماء الي ذلك في التذكرة.

ثمّ قال

صاحب الجواهر: (قلت: و قد تبعه عليه كل من تأخر عنه و نظروه في الوقف علي المعدوم اصالة و تبعاً).

ثمّ قال: (لكن الانصاف انه ليس بشي ء عند التأمل، فان النظائر لا تصلح لان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 299.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 218

تكون دليلا و دعوي تناول العموم له دون الاول مجرد اقتراح، و انكار جوازه مطلقاً مكابرة بل مشروعية المضاربة حجة عليه فانها من الوكالة ايضاً فلا بدّ ان يقال: ما يرجع منها الي معني التعليق باطل باعتبار اقتضاء تأخير متعلقها تأخرها امّا ما لا يرجع الي ذلك بأن جعله وكيلا عنه و نائباً منابه فيما هو اهل له و لو بايجاد سببه المتأخر عن حال العقد صحّ و ان لم نجعله تابعاً في وكالة شخص خاصّ بل وكل شخصاً علي الشراء و آخر علي بيع ما يشتريه ذلك لكن علي الوجه المزبور و بالجملة لا يبعد القول بمشروعية الوكالة لما ذكرناه من عمومها في جعل الشخص نائباً منابه و قائماً مقامه في كل ما هو أهل له من غير فرق بين الموجود و المتجدد له من ملك و غيره و حينئذ له ان يبيع ما يدخله في ملكه بارث وهبة و غيرهما) «1».

اقول: ان أراد مما افاد كون ما تعلقت الوكالة به عنواناً عامّاً يعتبر العرف كونه للموكل فعلا مثل ما هو اهل له فانه له و يشمل التوكيل عليه ما هو مصداق لهذا العنوان بالفعل و ما يتجدد بعد ذلك بل نقول لا يشترط في مثل ذلك وجود مصداق له بالفعل فهو اهل لان يكون له كذا و كذا و يجعل الوكيل قائماً مقامه و نائباً منابه في

ذلك و عليه يشمل ذلك طلاق

امرأة نكحها بعد ذلك و عتق عبد و بيع مال اشتري هما بعد ذلك.

و ان اراد ان الجواز و عدمه يدور مدار عدم رجوع المعني الي التعليق و رجوعه فان وقع عقد الوكالة منجزاً فهو صحيح و ان وقع معلقاً يقع باطلا فيمكن تنجيز عقد الوكالة علي طلاق امرأة سينكحها فيجعله وكيلا علي طلاقها فعلا ان انكحها بعد ذلك سواء وقع النكاح ام لم يقع فكما يكون للموكل ذلك بالفعل يكون لمن يقوم مقامه و هو الوكيل و هذا بخلاف جعله وكيلا علي طلاقها مشروطاً بنكاحها

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 27/ 384.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 219

و عند وقوع النكاح ففي الاول اعمال الوكالة و ما كان للموكل و كان هو اهلا له يتوقف علي النكاح او البيع و في الثاني تحقق الوكالة يتوقف علي النكاح و البيع فهي منجزة في الصورة الاولي و معلقة في الثانية فاقدة لشرط التنجيز و بعبارة اخري في الصورة الاولي الوكيل وكيل للموكل في الحال و من زمان انشاء العقد لا يتخلف المنشأ عنه و في الثانية لا يكون وكيلا له في الحال و لا يتحقق الوكالة علي الطلاق و العتق الّا بعد النكاح و شراء العبد و هذا مراده من قوله: فلا بدّ ان يقال: ما يرجع منها الي معني التعليق باطل باعتبار اقتضاء تأخير متعلقها تأخرها.

ثمّ قال: في آخر كلامه: (و بالجملة لا يبعد القول بمشروعية الوكالة لما ذكرناه من عمومها في جعل الشخص نائباً منابه و قائماً مقامه في كل ما هو اهل له من غير فرق بين الموجود و المتجدد له من ملك و غيره. و حينئذ له ان يبيع ما يدخله في ملكه بارث وهبة و

غيرهما و لعلّ من ذلك وكلاء الائمة ((عليهم السلام)) و نوابهم سيّما وكلاء الناحية و وكلاء المجتهدين في زمن الغيبة علي ما يتجدد من الخمس و الزكاة و غير ذلك مما هو راجع الي الامام (عليه السلام) فتأمل جيداً فانه دقيق نافع لم اجد من احاط به) «1».

فتلخص من ذلك صحة الوكالة في جميع الصور حتي علي عتق ما سيشتريه او طلاق امرأة سينكحها الّا اذا رجع الي التعليق و قلنا باعتبار التنجير في عقدها.

[مسألة 24] «اعتبار صحة العقد حال الاحرام في حرمته و الحرمة الابدية»

مسألة مسألة مسألة 24: هل المعتبر في حرمة العقد حال الاحرام تكليفاً كونه صحيحاً واجداً لشرائط الصحة غير شرط عدم كونه في حال الاحرام و كذا الحرمة الابدية التي تترتب عليه اذا وقع

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 27/ 385.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 220

باطلا من غير جهة الاحرام كتزويج اخت الزوجة او لا يعتبر فيه ذلك فالعقد الباطل ايضاً حرام تكليفاً و موجب للحرمة الابدية لصدق التزويج عليه فتشمله الأخبار نعم اذا لم يصدق عليه التزويج عرفاً لفقد ما يوجب فقده عدم صدق التزويج عليه لا ريب في عدم ترتب اثر عليه وجهان بل قولان:

وجه القول الاول انه ظاهر الأخبار فان المتبادر منها العقد الصحيح فعن العلامة في التحرير: (و الظاهر ان مراد علمائنا بالعقد في المحرم و ذات العدة انما هو العقد الصحيح الذي لو لا المانع لترتب عليه اثره «1»

و قال في الجواهر: و فيه ان لفظ التزويج و النكاح للاعم مع انك قد سمعت خبر الحكم المشتمل علي التزويج في العدة و هو فاسد مع قطع النظر عن الاحرام «2».

اقول: مراده من خبر الحكم ما رواه الشيخ في التهذيب في باب الزيادات في

فقه النكاح عن الصفار «3» عن محمد

بن السندي «4» عن علي بن الحكم «5» عن معاوية بن ميسرة «6» عن الحكم بن عتيبة «7» قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 29/ 451.

(2)- جواهر الكلام: 29/ 451.

(3)- الظاهر انه محمد بن الحسن الصفار الملقب بممولة فان كان هو ابن الحسن بن فروخ فهو ممدوح جداً من الثامنة.

(4)- لم يذكر فيه مدح و لا قدح و هو من السابعة.

(5)- ثقة جليل له كتاب من السادسة.

(6)- ابن شريح القاضي له كتاب هو من الخامسة.

(7)- ابو محمد الكندي مذموم من فقهاء العامة و كان استاد زرارة و حمران و الطيّار قبل ان يروا هذا الأمر هو من الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 221

محرم تزوج امرأة في عدّتها قال: «يفرق بينهما و لا تحل له ابداً» «1».

و اجيب عن ذلك بأنّا و إن قلنا بأن الفاظ العبادات و المعاملات موضوعة للاعم لا للصحيح نقول بارادة الصحيح منها في مقام الاستعمال و لذا يقولون به في الشهادات و الاقرارات و الوصايا و النذور و قد استدرك الجواهر ما قاله بقوله: نعم قد يقال: ان المنساق من نصوص المقام و فتاواه العقد الصحيح في نفسه خصوصاً خبر ابن قيس فلا عبرة بالفاسد كنكاح الشغار بل و لا بالفاسد لفقد شرط من شرائط الصحة كالعربية و نحوها بخلاف ما كان فساده بالعدة و البعل و نحوهما مما هو كالاحرام في الافساد فتأمل «2».

اقول أما خبر محمد بن قيس فهو صحيح فان الشيخ رواه عن موسي بن القاسم «3» عن صفوان و ابن ابي عمير «4» عن عاصم بن

حميد «5» عن محمد بن قيس «6» عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: «قضي امير المؤمنين (عليه السلام)

في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل ان يحلّ فقضي ان يخلّي سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئاً حتي يحل الحديث» «7».

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 7/ 471 ح 1887.

(2)- جواهر الكلام: 29/ 451.

(3)- بجلي كوفي ثقة جليل … من السابعة.

(4)- هما مشهوران بجلالة القدر و صفوان بجلي له ثلثون كتاباً و ابن ابي عمير له مصنفات منها كتاب النوادر كبير و هما من السابعة.

(5)- الكوفي ثقة … له كتاب من الخامسة.

(6)- بجلي كوفي ثقة عين … من.

(7)- تهذيب الاحكام: 5/ 330 ح 1134.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 222

و يمكن ان يقال ان غاية ما هو مفاد الصحيح حكم النكاح الصحيح لا اختصاص الحكم به فلا يقيد به اطلاق لو كان في البين علي القول بالاعم.

و أما التفصيل بين ما كان بطلان العقد باختلال بعض شروطه كالعربية علي القول باعتبارها في صحته و بفساده في نفسه كنكاح الشغار فيقال بعدم ترتب الاثر عليه و بين ما كان فساده بالعدة و البعل فيقال بترتب الاثر عليه ان عقد علي ذات العدة او ذات البعل في حال الاحرام فلم نفهم وجه التفصيل اللهم الّا ان يستند ذلك الي خبر الحكم بن عتيبة الذي سمعت ضعفه.

و كيف كان فالظاهر ان المتبادر من اخبار المسألة و باب تزويج المعتدة هو العقد و التزويج المحكوم بالصحة لو لا حكم الشارع بفساده لخصوص هذه الجهة و لو كان لفظ التزويج و كذا النكاح موضوعين للاعم لعدم استظهار الاطلاق و استعمال اللفظ في الاعم بمناسبة المقام و علي فرض تساوي الاحتمالين يؤخذ بالقدر المتيقن من الأخبار و هو النكاح الصحيح و في غيره فمقتضي الاصل عدم ترتب شي ء عليه هذا و قد

ظهر من كل ما ذكر وجه القول بعدم اعتبار كون التزويج صحيحاً في موضوعيته للاحكام و هو اطلاق اللفظ علي القول بالاعم كما قد ظهر لك ضعف

وجهه. و الله هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 223

[مسألة 25] «حكم ما لو زوج المحل المحرم»

مسألة 25: قد روي شيخنا الكليني رضوان الله تعالي عليه عن عدة من اصحابنا «1» عن احمد بن محمد «2» و سهل بن زياد «3» عن ابن محبوب «4» عن سماعة بن مهران «5» عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للرجل الحلال ان يزوج محرماً و هو يعلم أنه لا يحلّ له. قلت: فان فعل فدخل بها المحرم؟ قال: ان كانا عالمين فانّ علي كل واحد منهما بدنه و علي المرأة ان كانت محرمة بدنة، و ان لم تكن محرمة فلا شي ء عليها الا ان تكون قد علمت ان الذي تزوجها محرم، فان كانت علمت ثمّ تزوجته فعليها بدنة «6»».

______________________________

(1)- مراد الكليني من عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد ان كان احمد بن محمد بن عيسي فهم خمسة رجال و هم محمد بن يحيي و احمد بن ادريس و علي بن ابراهيم و داود بن كورة و علي بن موسي الكميداني و ان كان هو احمد بن محمد بن خالد البرقي فهم اربعة رجال علي بن ابراهيم بن هاشم و علي بن محمد بن عبد الله و يقال بندار ابن بنت البرقي و احمد بن عبد الله بن احمد البرقي ابن ابنه و علي بن الحسين السعدآبادي المؤدب تلميذه الذي تخرج عليه في الادب و مراده من عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد ايضاً اربعة رجال و هم محمد بن الحسن الطائي الرازي، و

محمد بن جعفر الاسدي نزيل الري او محمد بن ابي عبد الله و محمد بن عقيل الكليني، و علي بن محمد بن ابراهيم الكليني خال محمد بن يعقوب.

(2)- ان كان هو ابن عيسي هو موصوف بمدائح جليلة و ان كان هو ابن خالد فهو ايضاً مرضي و هما من السابعة.

(3)- هما من السابعة.

(4)- هو الحسن بن محبوب من الاجلاء له كتب كثيرة من اصحاب الاجماع من السادسة.

(5)- من اصحاب الاجماع من السادسة.

(6)- الكافي: 4/ 372، ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 224

و رواه شيخنا الطوسي قدس سره «1».

اقول: الخبر علي اصطلاح صحيح و علي اصطلاح موثق لا ريب في اعتباره قد عمل به الاصحاب يدل بالمنطوق و بالمفهوم و الفحوي علي ما يأتي من الاحكام فما يدل به بالمنطوق احكام

الاول: ان الرجل الحلال اذا زوج محرماً فدخل بها المحرم فعلي الذي زوجه ان كان عالماً بالحكم و الموضوع بدنة

الثاني: ان علي المحرم المذكور ان دخل بها عالماً بالحكم و الموضوع ايضاً بدنة

الثالث: ان علي المرأة المدخول بها بهذا التزويج ان كانت محرمة و كانت عالمة بالحكم ايضاً بدنة و ان لم تكن محرمة فلا شي ء عليها.

الرابع: ان المرأة ان لم تكن محرمة و لكن كانت عالمة قبل ان تزوجها الرجل المحرم بالحكم و الموضوع ثمّ تزوجته و دخل بها كانت عليها بدنة

و قال في الجواهر: (و لو كانت المرأة و العاقد محرمين و الزوج محلا وجبت الكفارة علي المرأة مع الدخول بسبب الدخول لا بسبب العقد و في وجوبها علي العاقد نظر اقواه العدم للاصل) «2».

و قال: (و هل يلحق بالمحلة المزوجة محرماً عالمة بذلك المحل المزوج محرمة عالماً

بذلك وجهان لا يخلو اولهما من قوة)

«3»

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 330 ح 1138.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 379.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 379.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 225

اقول: كان ذلك التمسك بقاعدة الاشتراك لاثبات ما ثبت بالنص علي النساء علي الرجال

و في الجواهر: (و ظاهر المتن (يعني الشرائع) و القواعد التوقف فيه في الجملة بل في محكي المنتهي و في سماعة قول و عندي في هذه الرواية توقف بل عن الايضاح الاصح خلافه للاصل، و لانه مباح بالنسبة اليه، و تحمل الرواية علي الاستحباب، و فيه ان الرواية من قسم الموثق او الصحيح و كل منهما حجة سيما مع الاعتضاد هنا بالشهرة المحكية من غير واحد بل في التنقيح نسبته الي عمل الاصحاب مشعراً بالاجماع عليه فالعمل به حينئذ متعين «1».

ثمّ انه ذكر خلاف الشهيد في الدروس في وجوب البدنة علي المحرمة و المحلة علي التفصيل الذي ذكرناه و انه جزم بالعدم و قال: هو في غير محله بعد العمل به في الحكم الاول «2».

هذا و أمّا ما يدل الموثق او الصحيح بالفحوي و الاولوية عليه فهو ايضاً احكام.

الاول: فيما اذا عقد المحرم العالم بالحكم لمحرم عالم بالحكم علي امرأة و دخل بها المحرم فعلي كل واحد منهما كفارة البدنة لفحوي الرواية المذكورة فانه اذا كان عقد المحلّ للمحرم في الصورة المذكورة موجباً للبدنة فهو بالاولوية القطعية موجب لها اذا كان العاقد ايضاً محرماً فكان الحكم يكون هكذا تزويج المحرم محرّم مطلقاً و في

الرواية تعرض الامام (عليه السلام) لما هو اخفي افراده فالحجة في المسألة الرواية و ان قال في الجواهر بلا خلاف اجده فيه بل نسبه غير واحد الي قطع الاصحاب به مشعراً

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 379.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 379.

فقه الحج (للصافي)،

ج 3، ص: 226

بدعوي الاجماع بل عن ابن زهرة دعواه عليه صريحاً، و هو الحجة مضافاً الي فحوي الموثق الآتي بل اطلاق المتن (يعني الشرائع اذا عقد المحرم لمحرم علي امرأة و دخل بها المحرم فعلي كل واحد منهما كفارة) و غيره بل قيل الاكثر يقتضي تساوي علمهما بالاحرام و الحرمة، و الجهل، وجوب الكفارة و ان كان دخول المعقود له بعد الاحلال و لكن عن بعض القيود اشتراط علمهما بهما و في كشف اللثام و لعله الوجه و هو كذلك خصوصاً مع فحوي الموثق الآتي لو لا اطلاق معقد الاجماع المعتضد بما عرفت و بالاحتياط «1».

اقول: الحجة في المسألة امّا الرواية و أمّا الاجماع و الاتفاق فاثباته مشكل مضافاً الي أنه علي فرض تحققه لا يكشف عن وجود رواية اخري غير رواية سماعة و مضافاً الي ان دعواه في تفاصيل المسألة مثل اطلاق الحكم و لو كان الدخول وقع بعد الاحلال اشكل.

و أمّا التمسك بفحوي رواية سماعة لاثبات الاطلاق المذكور فكانه في غير محله الا ان يدعي دلالتها علي الاطلاق في موردها و هو خلاف الظاهر فان الرواية ظاهرة في وقوع الدخول في حال الاحرام و دلالتها علي اشتراط الحكم بالكفارة فيما اذا دخل بها علي العلم لا يدل علي اشتراطه بالعلم مطلقاً و ان كان العاقد محرماً فلا بدّ من التمسك لنفي الكفارة بالاصل.

الثاني: اذا عقد المحرم العالم بالحكم لمحرم جاهل بالحكم و دخل بها فعلي العاقد دون المعقود له البدنة لفحوي المذكور.

الثالث: عكس الصورة الثانية بان عقد المحرم الجاهل للحكم لمحرم عالم به و دخل بها فعلي المعقود له البدنة دون العاقد ايضاً للفحوي المذكور.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 378.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص:

227

الرابع: اذا كانت المرأة عالمة بالحكم و كانت محرمة دخل بها عليها البدنة لما ذكر من الفحوي.

الخامس: ان علي المرأة ان لم تكن محرمة و كانت عالمة قبل عقدها للمحرم ثمّ دخل بها بعد عقدها له ايضاً البدنة لما ذكر.

و ليعلم ان الموثق يدلّ علي الاحكام المذكورة اذا كان العاقد عالماً محرماً بالاولوية لكن لا يستفاد منه اختصاص هذه الاحكام اذا كان العاقد محرماً بصورة العلم دون الجهل فان غاية ما يثبت بالاولوية ثبوت هذا الحكم للعاقد المحرم العالم امّا اختصاصه بهذا الحكم فلا يستفاد منه حتي ينفي به عن الجاهل بالحكم فلا بدّ ان لم يتمسك باطلاق الفتاوي و معقد الاجماع المدعي عليه من نفي الحكم عن صورة الجهل بالاصل و الاخذ بالقدر المتيقن.

ان قلت: فكيف يستفاد من الموثق اختصاص الحكم المذكور بصورة العلم دون الجهل؟ قلت: هذا بالنظر الي مفهوم الشرط مثل قوله: «ان كانت علمت» و استدلالنا لصورة كون العاقد محرماً بمفهوم الاولوية و الفحوي فتدبر جيّداً.

[مسألة 26] «عدم ثبوت المهر للمرأة التي علمت بحرمة النكاح حال الاحرام»
اشارة

مسألة 26: لا ريب في أن بعد حكم الشارع ببطلان العقد الواقع في حال الاحرام لا يترتب عليه احكام النكاح الصحيح فيسقط فيه نصف المهر الثابت بالعقد الصحيح قبل الدخول و تمامه بعده نعم عليه مهر المثل مع جهلها بما استحل من فرجها و أما مع علمها فلا مهر لها لانها حينئذ بغية و كذا

لا يرثان كل منهما من الآخر و لا يعد من الاربع فان زوج غيرها بعد الاحرام و هو غير عالم ببطلان العقد الواقع في حال الاحرام فالعقد الواقع في حال

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 228

الاحلال محكوم بالصحة و كذا اذا زوج أخت من زوجها في حال الاحرام حال الاحلال فالثاني محكوم

بالصحة هذا اذا لم يكن بينهما اختلاف و امّا اذا اختلفا فادعي احدهما وقوع العقد في الاحرام و انكر الآخر قال المحقق في الشرائع: فالقول قول من يدعي الاحلال ترجيحاً لجانب الصحة «1».

و قال العلامة في التذكرة: (لو اختلفا و ادعي احدهما وقوعه حال الاحلال و ادعي الآخر وقوعه حال الاحرام فان كان هناك بينة حكم بها و لو انتفت البينة فان كانت الزوجة مدعية لوقوعه في الاحرام و انكر الرجل فالقول قوله مع اليمين عملا باصالة الصحة فاذا حلف ثبت النكاح، و ليس لها المطالبة بالمهر مع عدم الدخول و لو كانت قبضته لم يكن للزوج استعادته و لو كان الزوج هو المدعي لوقوعه حال الاحرام فالقول قول المرأة مع اليمين و يحكم بفساد العقد في حق الزوج لانّه ادعي فساده و يحكم عليه باحكام النكاح الصحيح ثمّ ان كان قد دخل بها وجب عليه المهر كملا للرواية و ان لم يكن دخل بها قال الشيخ: يجب نصف المهر و الوجه الجميع.

و لو اشكل الأمر فلم يعلم هل وقع العقد في الاحرام او الاحلال صحّ العقد و به قال الشافعي لأصالة الصحة. قال الشيخ رحمه الله: و الاحوط تجديده لان الاول ان وقع في الاحلال لم يضرّ الثاني و الّا كان مبيحاً) «2».

اقول: مراده قدس سره بالحكم بالبينة مطلقاً ان كانت أن الحاكم كما يحكم

للمدعي بالبينة يحكم للمنكر ايضاً اذا اقام البينة فهو الصواب و ان كان مراده ان المنكر اذا كانت معه البينة يجب عليه اقامتها لا نسلم ذلك و نقول: انّ له ردّ دعوي

______________________________

(1)- شرائع الاسلام: 1/ 184.

(2)- تذكرة الفقهاء: 7/ 388.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 229

المدعي باليمين و ان كانت معه

البينة فلا وجه لتقييد قوله (صلي الله عليه و آله و سلم): البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه.

و أمّا الاحتياط الذي ذكره عن الشيخ قدس سره فلا يقع تامّاً مطلقاً.

هذا و الذي نقول في تحرير المسألة و ما يتعلق بها من الفروع إنهما ان اختلفا فادعي احدهما وقوع العقد حال الاحرام و الآخر وقوعه حال الاحلال فاذا جهل التاريخان اي تاريخ الاحرام و تاريخ الاحلال فالمرجع اصالة الصحة سواء قلنا بعدم جريان الاصل في مجهولي التاريخ ذاتاً أو قلنا بسقوط الاصلين بالمعارضة و ان كان تاريخ احدهما مجهولا و الآخر معلوماً فان كان معلوم التاريخ هو العقد تجري اصالة عدم الاحرام الي حين العقد و يثبت بها وقوع العقد في حال عدم الاحرام و لو لم تجر اصالة الصحة.

و ان كان معلوم التاريخ هو الاحرام فاستصحاب عدم العقد الي حين الاحرام لا يثبت به وقوع العقد حال الاحرام فيتعين الرجوع الي اصالة الصحة.

ثمّ انه زاد علي الاستدلال باصالة الصحة في الجواهر مدعياً التصريح به عن الكركي و الشهيد الثاني ان مدعي الفساد يدعي وصفاً زائداً يقتضي الفساد و هو وقوع العقد حال الاحرام فالقول قول المنكر بيمينه لانه منكر للمفسد «1»

ثمّ حكي عن المدارك المناقشة في التمسك باصالة الصحة فانه انّما يتم اذا كان المدعي لوقوع الفعل في حال الاحرام عالماً بفساد ذلك امّا مع اعترافهما بالجهل

فلا وجه للحمل علي الصحة و باستصحاب عدم مقارنة العقد لحال

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 309.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 230

الاحرام ان كلا منهما يدعي وصفاً ينكره الآخر و يعارض استصحاب عدم مقارنة العقد لحال الاحرام باستصحاب عدم مقارنته لحال الاحلال و تقديم احدهما علي الآخر يحتاج الي

دليل.

و اجاب عن الاول بان دليل اصل الصحة في العقد مطلق لم يعتبر فيه العلم المذكور و عن الثاني بما لعل حاصله انّ مدعي الفساد يدّعي وقوع العقد حال الاحرام و انكار المنكر له و ان كان لازمه وقوع العقد حال الاحلال لكن ليس ادعاء مقارنة العقد لحال الاحلال فان ما هو شرط لصحة العقد عدم مقارنته لحال الاحرام لا مقارنته لحال الاحلال و ان شئت قل: المانع لصحة العقد مقارنته لحال الاحرام لا مقارنته لحال الاحلال فيجري استصحاب عدم كون العقد مقارناً للاحرام دون عدم كونه مقارناً للاحلال لانه ليس شرطاً له و لا مانعاً عنه ثمّ استند الي كلام الاصحاب بتقديم مدعي الصحة علي مدعي الفساد كدعوي عدم البلوغ و كون المبيع خنزيراً او شاة مثلا و غير ذلك مما يرجع بالآخرة الي اوصاف اركان العقد فضلا عن المقام الذي مدعي الفساد فيه معترف بحصول جميع اركان العقد. «1»

اقول: اما استدلاله باطلاق دليل اصالة الصحة الشامل صورة جهلهما بحكم الشارع بفساد العقد الواقع حال الاحرام فان كان مراده من الدليل الكتاب او الأخبار التي توهم دلالتها علي اصالة الصحة فان لم نقل انه ليس فيها ما يدل علي حجية اصالة الصحة في مثل عقود ليس فيها ما يدل علي حجيتها مطلقاً و ان كان مراده من الدليل العسر و الحرج فمن الواضح انه لا اطلاق فيه.

و ان كان مراده الاجماع فقد قال بعض الاساطين: (لا ينبغي التأمل في انعقاده) و قال: (ان الاجماع تارة ينعقد علي الحكم الشرعي في الموارد الجزئية

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 18/ 309.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 231

و اخري ينعقد علي عنوان كلّي فان كان الاجماع علي الوجه الاول فلا

بدّ من الاقتصار علي الموارد التي انعقد فيها الاجماع و لا يجوز التعدي عنها و ان كان علي الوجه الثاني فاللازم الأخذ باطلاق معقد الاجماع كما اذا قام دليل لفظي علي ذلك فللفقيه الفتوي بالحكم معتمداً علي الاجماع و لو في مورد الاختلاف و الظاهر ان الاجماع في المقام قام علي الوجه الثاني كما يظهر ذلك بالمراجعة في كلمات القوم … و قال في طي ما افاده لا يبعد أن تكون اصالة الصحة في العقود بنفسها معقد الاجماع بالخصوص «1».

و علي هذا يستقيم التمسك باطلاق الدليل اي الاجماع و لعل الوجه في ذلك سيما في العقود و الايقاعات ان اصحابنا الذين كان دأبهم في كتبهم الفتوائية بيان الحكم بالفاظ وردت في النصوص اذ رأينا أنهم يطلقون ما يدل علي الحكم و لا يقيدونه بقيد نستكشف من اتفاقهم ان ما افتوا به وصل اليهم من الائمة الطاهرين (عليهم السلام).

و نحوا من التمسك بالاجماع التمسك بالسيرة المصرح بها في كلام غير واحد منهم التي ادعيت قطعيتها حتي من جميع المسلمين سيما في المعاملات و العقود و الايقاعات لا شك في استمرارها من عصر الشارع المقدس و اوصيائه الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين الي عصرنا.

و يدل علي حجية اصالة الصحة سيما في العقود و الايقاعات ما يترتب علي عدم حجيتها و ترك العمل بها من اختلال النظام كما اشير اليه في كلام الامام (عليه السلام) في

باب اليد: انه لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق «2» و بالجملة لعل الاقوي شمول

______________________________

(1) فوائد الاصول: 2/ 244 تأليف شيخنا الاستاذ المحقق الكاظمي تقريراً لبحث استاذه المحقق النائيني قدس سرهما.

(2)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب كيفية الحكم ح 1.

فقه الحج

(للصافي)، ج 3، ص: 232

الاجماع و السيرة و التحرز من اختلال النظام لما اذا لم يكن المدعي لوقوع العقد في حال الاحرام عالماً بالحكم.

هذا و قد تبع صاحب المدارك بعض المعاصرين الأجلّاء فقال: (ان الحمل علي الصحة باعتبار العلم بحال العامل و عدمه من حيث علمه و جهله بالصحة- يتصور علي وجوه.

الصورة الاولي: ان يعلم ان العامل جاهل بصحة عمله و فساده امّا من جهة الجهل بالحكم او من جهة الجهل بالموضوع فيكون احتمال الصحة لمجرد احتمال المصادفة الاتفاقية للواقع ثمّ ذكر الصورة الثانية و هي صورة عدم العلم بجهله او علمه بصحة عمله او فساده و الصورة الثالثة و هي صورة يكون العامل عالماً بالحكم صحة و فساداً و لا ريب في ان في الصورة الثالثة تجري اصالة الصحة و في الصورة الثانية قال: ان الظاهر جريان اصالة الصحة فيها فان السيرة قائمة علي ترتيب الآثار علي اعمال الناس بلا تفحص عن حال العامل من حيث كونه عالماً او جاهلا و لكنه قال في الصورة الاولي فالظاهر عدم جريان اصالة الصحة فيها اذ ليس لنا دليل لفظي نتمسك بعمومه او اطلاقه بل الدليل علي اصالة الصحة انّما هو السيرة علي ما عرفت و هي دليل لبّي لا بدّ فيه من الاقتصار علي القدر المتيقن، و لم يحرز قيام السيرة علي ترتيب الآثار علي عمل كان عامله جاهلا بصحته و فساده فان الحمل علي الصحة انّما هو من ظهور الحال (اي ظاهر حال المسلم) انه لا يقدم علي العمل الفاسد و ليس لحاله ظهور مع الجهل بالصحة و الفساد فلا مجال لجريان اصالة الصحة بلا فرق بين كونه جاهلا بالحكم او جاهلا بالموضوع و كونه معذوراً

او غير معذور كما في موارد العلم الاجمالي) «1».

______________________________

(1)- مصباح الاصول: 3/ 324.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 233

و فيه أنه لا فرق بين الصورة الثانية و الصورة الاولي في قيام السيرة علي ترتيب آثار الصحة علي عمل الغير و ان كان عالماً بعدم علم العامل بحكم المسألة افتري انهم يحكمون بفساد الانكحة الكثيرة الصادرة من الجاهلين باحكام النكاح و موارد حرمته؟ و لو كانوا حاكمين بذلك لا يقوم لهم سوق و لا يمكن لهم حمل اكثر انكحتهم بل اغلبها علي الصحة و للزم الحكم بأن الغالب منهم اولاد الشبهة و بالجملة: فالظاهر ان وجه اصالة الصحة في اعمال الناس سيما في باب المرافعات ليس ظاهر حال المسلم او العاقل بل وجهها البناء عليها و التعبد بها لما ذكر من اختلال الامور لو لا هذا الاصل و معقد الاجماع و السيرة كما يشملان الصورة الثانية يشملان الاولي و الا فلو كان الاعتبار بظاهر حال المسلم فلا يستظهر منه الّا اذا علم كونه عالماً بالحكم.

و بالجملة فالحكم باصالة الصحة مبني علي التعبد العقلائي و بناء العقلاء و امضاء الشارع او تعبد الشرعي التأسيسي في الموارد الثلاثة علي السواء.

ثمّ ان هنا مسائل:
الأولي: قد سمعت مما حكيناه عن التذكرة ان المنكر ان كانت المرأة و لم تكن للمرء بينة و حلفت المرأة يحكم علي المرء لها باحكام النكاح الصحيح

و ان عليه المهر ان دخل بها و لها نصف المهر ان لم يدخل بها علي ما اختاره الشيخ في المبسوط لاعترافه بما يمنع من الوطء «1».

قال في الجواهر: (فيكون كالطلاق قبل الدخول او لان العقد انما يملك نصف المهر و مملك النصف الآخر هو الوطء او الموت الا ان الجميع كما تري ضرورة كون

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 318.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 234

الاول قياساً لضرورة اقتضاء العقد ملكها تمام المهر و انما ينصف بالطلاق لدليله (و) من هنا يظهر

لك انه (لو قيل: لها المهر كله) و ان لم يكن دخل بها بل جزم به كل من تاخر عنه (كان حسناً) بل ربما احتمل كون مراد الشيخ النصف بعد الطلاق و اطلق بناءً علي الغالب من اختيار الزوج ذلك تخلصاً من غرامة الجميع و لا يقدح دعواه الفساد المقتضية لكون الطلاق لغواً اذ هو و ان كان كذلك لكنه في حقها باعتبار دعواها الصحة مؤثر لسقوط مطالبتها بالجميع ان لم تكن قد قبضته و موجب لردها النصف ان كان قد قبضته) «1».

ثمّ ان الظاهر ان لم يدخل بها يجوز له التخلص من نصف المهر بالطلاق فيسترد منها نصفه ان قبضته كله.

و لكن في كشف اللثام فصل بين ما اذا كان الطلاق باستدعاء المرأة فيكون منصفاً و بين ما اذا لم تستدع الطلاق و صبرت فلها المهر كاملا و ان طلقها قبل الدخول «2».

الا انه لم يتبين لي ما ذكره وجهاً لهذا التفصيل فاذا فرضنا صدور الطلاق الصحيح من الرجل المدعي لفساد النكاح يقع صحيحاً لا محالة وقع ابتداء منه او باستدعائها.

اللهم الا ان كان مراده مما ذكره من الوجه ان الرجل اذا لم تستدع هي الطلاق

مأخوذ بانكاره النكاح و عدم الموضوع للطلاق فهو ملزم باداء تمام المهر و امّا اذا وقع الطلاق باستدعاء المرأة فكأنّه رضيت بالنصف و صالحت عليه معه فليس لها

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 311.

(2)- كشف اللثام: 5/ 336.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 235

الزامه باداء المهر كملا.

و فيه انه ان طلقها يقع الطلاق صحيحاً باعتقادها فلا يجوز لها الزامه بتمام المهر و ان كان وقع باعتقاده لغواً فلا فرق في كونه منصفاً له وقع ابتداء منه او باستدعائها

الثانية: قَد ظهر لك مما ذكر في المسألة الاولي وجوب الطلاق علي الرجل للتخلص من الاحكام المترتبة علي النكاح الصحيح

مما هو محرم عليه

لو لا النكاح الصحيح و هذا حكمه فيما بينه و بين الله تعالي و امّا اذا رفعت المرأة الامر الي الحاكم فهل يلزمه بالطلاق او باداء ما عليه لها من الحقوق او يخيره بأيهما شاء الظاهر ان الحاكم يجبره علي اداء ما عليه لثبوت النكاح الصحيح بينهما عنده و حكمه به و من ذلك يظهر حكم وجوب نفقتها عليه و انه ان لم يطلقها يجبره الحاكم بها

الثالثة: اذا كان هو المنكر للفساد فلا ريب في انّه ليس لها قبل الدخول المطالبة بشي ء من المهر منه

اخذاً باقرارها ذلك نعم ان هي قبضته ليس له استعادته الا ان يطلقها قبل الدخول فيستعيد منها نصفه و امّا ان وقع الدخول بها باكراهها او جهلها بالفساد او الاحرام فلها المهر بزعمه بالنكاح الصحيح و بزعمها بما استحل من فرجها، و عليه هل لها المطالبة بمهر المثل او المسمي يمكن ان يقال: انّ لها المطالبة باقل الامرين لان ما عليه قطعاً ذلك فان كان الاقل المسمي فليس لها المطالبة بالاكثر للحكم عليها بصحة العقد و ان كان الاقل مهر المثل فليس لها باقرارها مطالبة الاكثر منه نعم ان كان الاكثر مهر المثل و كان النكاح باطلا في الواقع يبقي الزائد علي المسمي في ذمة المرء و الله هو العالم.

الرابعة: اذا كان المرء منكراً للفساد و انتهي الامر الي حلفه فحلف فحكم له عليها بالتمكين

و سائر ما يجب عليها بالزوجيّة فالحكم ان له الطلب ظاهراً بحكم

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 236

الحاكم و باطناً بزعمه و عليها التمكين ظاهراً و الهرب باطناً و لزم المرء احكام النكاح الصحيح فلا يجوز له التزويج بخامسة و لا بام المرأة و لا بنتها مع الدخول بها و لا باختها و لا بنت اخيها و اختها بدون رضاها فهي بالنسبة اليه باقراره و بحكم الحاكم زوجته فيجب عليه التوصل الي ايصال مهرها اليها نعم وجوب نفقتها عليه مشروط بتمكينها نفسها له و الظاهر انه يجب عليها التمكين بمقدار يعدّ الامتناع منه ردّ حكم الحاكم و الاحوط لها ان امكن تحصيل رضاه بالطلاق و لو ببذل مال اليه او تجديده نكاحها. هذا اذا كان المرء منكراً لوقوع النكاح حال الاحرام.

و اما اذا كانت هي المنكرة و انتهي الامر الي حلفها فيحكم لها و عليه بصحة النكاح فهي محكومة باقرارها لا يصح لها التزوج بغيره و

لا فعل ما يتوقف علي اذن الزوج كالسفر المندوب و العبادات المتوقف عليه و قد مرّ حكم مطالبتها المهر و وجوب التخلص عما هو حرام واقعاً عليه بالطلاق و هل يجوز له نكاح الخامسة و نكاح امها و اختها و غيرهما من اللاتي هن محرمة عليه نكاحهن علي تقدير صحة نكاحه بها وجهان: من جهة ان الحاكم حكم بكونها زوجة له و كونه زوجاً لها فلا يجوز له نكاح امها او اختها او اللاتي من المحرمات و يجب عليه انفاذ حكم الحاكم و كل ذلك يكون رداً لحكمه.

و من جهة ان الامر الذي وقع فيه التنازع بينهما هو زوجية كل منهما للآخر فمن يدعي وقوع النكاح في حال الاحرام يريد التخلص مما يثبت عليه من الاحكام بالزوجية مثل التمكين او وجوب النفقة و اداء المهر و من ينكر ذلك يطالب الآخر بهذه الاحكام و أمّا عدم جوار نكاح الخامسة او اختها مثلا فهو حكم شرعي

مربوط بالرجل فيما بينه و بين الله تعالي و غاية ما يمكن ان يقال انه لا يجوز ذلك بحسب الظاهر لانه يعد عند العرف رداً لحكم الحاكم امّا ان هو فعل ذلك باطناً

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 237

فتزوج بامها و لو بعد طلاقها ظاهراً لا شي ء عليه و يجوز له ذلك.

[مسألة 27] «جواز الرجوع للمحرم»

مسألة 27: يجوز للمحرم مراجعة مطلقته الرجعيّة و ان كانت هي أيضاً محرمة بلا خلاف.

و لا اشكال في ذلك لعدم دليل خلافه و لإطلاق مثل قوله تعالي «و بعولتهن احق بردهنّ» لا فرق في ذلك بين المطلقة تبرعاً و التي رجعت ببذلها.

قال في الجواهر: «1» (مضافاً الي خبر ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) «المحرم يطلق و لا يتزوج» «2»

و خبر حماد ابن عثمان عنه (عليه السلام) ايضاً «سألته عن المحرم يطلق؟ قال: نعم» 3.

اقول: في دلالتهما تأمل بل منع لان جواز الطلاق اعم من جواز الرجوع الي المطلقة و كذا يجوز للمحرم شراء الاماء في حال الاحرام لانه ليس من النكاح و يدل عليه كما في الجواهر 4 صحيح سعد بن سعد عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «عن

المحرم يشتري الجواري و يبيع؟ قال: نعم» 5 الا انه ايضاً لا يشمل ما اذا اراد به التسري الا انه ايضاً ملحق به للاصل و ان حرم عليه المباشرة حال الاحرام بل يجوز ذلك تكليفاً و وضعاً و ان قصد المباشرة حاله لان ما هو المحرم تكليفاً العقد

______________________________

(1)- جواهر الكلام 18/ 316.

(2) 2 و 3 وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب تروك الاحرام ح 1 و 2 و تعبيره عنهما بالخبر لان في السند الاول ابا بصير و هو مشترك بين المرادي و الاسدي و الثاني سنده ضعيف بمحمد بن سنان فراجع.

(3) 4 جواهر الكلام: 18/ 316.

(4) 5 وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 238

حال الاحرام و وطي الامة حاله لا مجرد القصد الي ذلك و امّا عدم حرمته الوضعية اي فساد الشراء فلعدم الدليل علي فساد العقد بذلك و ان احتمله في التذكرة لحرمة الغرض الذي وقع العقد «1» له كمن اشتري العنب لاتخاذه خمراً و فيه ان ذلك يوجب فساد العقد اذا شرط ذلك في متن العقد ففرق بين بيع العنب ممن يعلم انه يشتريه ليعمل خمراً و بين بيعه بشرط ان يعمله خمراً و بالجملة تحريم وطي الامة لا يوجب تحريم شرائها لعدم استلزام

شرائها وقوع الوطي المحرم عليه.

ثمّ انه هل يلحق التحليل بالنكاح في حال الاحرام فلا يجوز لمالك الامة اذا كان محرماً تحليل امته للمحل فضلا عن المحرم و لا يقع التحليل اذا كان هو محلا و المحلل له محرماً فيه اشكال و مقتضي الاصل الجواز و اولي بالاشكال الصورة الاولي و الله هو العالم باحكامه.

[مسألة 28:] الشهادة في حال الاحرام

مسألة 28: الظاهر انه لا خلاف بين الاصحاب في انه تحرم الشهادة للمحرم علي عقد النكاح للمحلين و المحرمين و المفترقين.

مسألة: يستفاد من الجواهر «2» انه لا خلاف بين الاصحاب في انه تحرم

الشهادة علي عقد النكاح للمحلين و المحرمين و المفترقين و يدل عليه مرسل ابن ابي شجرة الذي رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد «3» عن عثمان بن عيسي «4» عن ابن ابي

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 7/ 390.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 301.

(3)- الاهوازي ثقة عين صاحب المصنفات من السابعة.

(4)- من اصحاب الاجماع ثقة كان واقفيا ثمّ رجع و استبصر من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 239

شجرة «1» عمن ذكره عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم يشهد علي نكاح محلين؟ قال: لا يشهد ثمّ قال: يجوز للمحرم ان يشير بصيد علي محل» «2».

و قال: قوله (عليه السلام): «يجوز للمحرم ان يشير بصيد علي محلّ» انكار و تنبيه علي انه اذا لم يجز ذلك فكذلك لا تجوز الشهادة علي عقد المحلين و لم يرد بذلك الاخبار عن اباحته علي كل حال و رواه في الاستبصار مثله «3» و في الفقيه: و قال: في المحرم يشهد نكاح محلين الحديث الا انه لم يذكر السند. «4»

و مرسل ابن فضال الذي رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «5» عن احمد بن محمد «6»

عن الحسن بن علي «7» عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: المحرم لا ينكح و لا يخطب و لا يشهد النكاح و ان ينكح فنكاحه باطل «8» و رواه الشيخ باسناده الا انه ليس فيه (و لا يخطب)

و الظاهر انه كما في الجواهر «9» لا وجه لوسوسة بعض متأخري المتاخرين في حرمته و كانه تبع هذا البعض بعض المعاصرين بعد ما كان في السند الاول عثمان بن عيسي الذي هو من اصحاب الاجماع و في الثاني ابن الفضال الذي ذكر الكشي ان

______________________________

(1)- في الوسائل ابن شجرة و الظاهر انه سهو و هو من الخامسة.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 315 ح 1087.

(3)- الاستبصار: 2/ 188 ح 630.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 361 ح 2708.

(5)- قد ذكرنا غير مرة ما يتعلق بقوله (عن عدة) راجع جامع الرواة، ج 2- ص 495.

(6)- محمد اما ابن عيسي او ابن خالد.

(7)- بن فضال الجليل الثقة، و المحتمل انه كان من اصحاب الاجماع.

(8)- الكافي: 4/ 372 ح 1.

(9)- جواهر الكلام: 18/ 301.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 240

بعضهم ذكر مكان الحسن بن محبوب من اصحاب الاجماع الحسن بن علي بن فضال مضافاً الي قرائن اخري فلا يضر ما فيها من الارسال و كون ابن ابي شجرة غير معلوم الحال بصحة الاعتماد عليهما.

و امّا ما عن المدارك من قصر الحكم علي حضور العقد لاجل الشهادة فيحرم دون ما اذا اتفق حضوره لا لها «1» ففيه: ان الشهادة الحضور و هو اعم من حضوره عليه للشهادة او لسبب آخر كما ان الظاهر انه لا فرق في ذلك بين كون حضوره في المجلس بالاحداث او البقاء فيه.

ثمّ انه هل تلحق بالشهادة

علي النكاح اقامة الشهادة عليه كما عن المبسوط «2» و السرائر «3» بل عن الرياض نسبته الي المشهور «4» بل عن الحدائق ان ظاهر هم الاتفاق عليه «5» فلا يجوز للمحرم اقامة الشهادة علي العقد و ان تحملها في حال الاحلال او لا؟ فيجوز له الشهادة عليه في حال الاحرام؟

الاقوي هو الجواز و ذلك لعموم ادلة النهي عن كتمان الشهادة و لتوقف ثبوت

النكاح شرعاً عليها و ترتب بعض المفاسد العظمية ان لم يثبت بخلاف ايقاعه اذ لا يتوقف عليها عندنا لوقوع العقد صحيحاً بدونها و في الجواهر: قيل و لانّها اخبار لا انشاء و الخبر اذا صدق و لم يستلزم ضرراً لم يحسن تحريمه، و لانها اولي بالاباحة من الرجعة التي هي ايجاد للنكاح في الخارج «6».

______________________________

(1)- مدارك الاحكام: 7/ 311.

(2)- المبسوط: 1/ 317.

(3)- السرائر: 1/ 547.

(4)- رياض المسائل: 6/ 296.

(5)- الحدائق الناضرة: 15/ 347.

(6) جواهر الكلام: 18/ 302.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 241

أقول: العمدة فيما ذكر دليلا علي الجواز بل وجوب اقامتها عموم آية الكتمان و عدم وجود المخصص له و الا ففي المناقشة في غيره مجال واسع.

لا يقال: ان العموم مخصص بما ذكر وجهاً للحرمة كالشهرة و شمول الخبرين لاقامة الشهادة و فحوي قوله (عليه السلام): «يجوز للمحرم ان يشير بصيد علي محل» فانه كما يدل بالفحوي علي عدم جواز الشهادة يدل علي عدم جواز إقامة الشهادة عليه.

فانه يقال: اما الشهرة فقد قال في الجواهر لم نتحققها «1» و اما شمول الخبرين لإقامة الشهادة فممنوع لانّ شهادة العقد غير الشهادة عليه و امّا الفحوي فليس هو مثل الفحوي المستدل عليه في الخبر فان الشهادة للعقد سيّما علي مذهب مخالفينا مثل الاشارة بالصيد الذي

لم يصاد و الشهادة عليه مثل الاشارة الي الصيد المصاد، فكانه صدر هذا الذيل تقية او اقناعاً للسائل الذي لعلّ كان هذا مذهبه.

و كيف كان فلا يخصص بمثل ذلك عموم الآية الكريمة، و بعد ذلك كله فقد قال في الجواهر: الاول (اي عدم الجواز) احوط بل ربما يومئ النهي عن شهادته الي عدم اقامتها «2» و فيه منع الايماء المذكور نعم هو احوط الا اذا استلزم تركها تضييع

حق لا يثبت بغيرها.

[من محرمات الإحرام الطيب]

اشارة

حرمة الطيب في حال الاحرام

[مسألة 29 حرمة الطيب في حال الاحرام إجماعي في الجملة]
اشارة

مسألة 29: مما هو محرم في حال الاحرام الطيب و حرمته في الجملة اجماعي بين المسلمين و النصوص متواترة فيه و ان اختلفوا في انه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 302.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 302.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 242

محرم بجميع افراده.

كما حكي عن المقنعة و جمل العلم و العمل و السرائر و المبسوط و الكافي و غيرها «1» الا ما استثني منه، او الحرمة مختصة بافراده الخاصة اي المسك و العنبر و الزعفران و العود و الكافور و الورس كما حكي عن الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة و عن الخلاف الاجماع علي انه لا كفارة في غيرها، او محصورة في الخمسة من الستة المذكورة باسقاط الورس كما حكي عن الجمل و العقود و المهذب و الاصباح و الاشارة بل حكي عن الغنية نفي الخلاف عن حرمتها «2». او مقتصرة في اربعة المسك و العنبر و الزعفران و الورس و هو محكي عن الصدوق في المقنع و عن التهذيب و ابن سعيد. «3»

و كيف كان فلا يرجح هذه الاقوال بعضها علي بعض الا اذا كان دليل القائل به مرجح علي دليل القائل بغيره، فليس هنا الا الروايات الشريفة فاللازم ملاحظتها سنداً و دلالة حتي يظهر ما هو المرجح من الاقوال فنقول: الروايات علي طوائف:

منها ما يدل علي حرمة مطلق الطيب و ما فيه رائحة عطرة و ذلك مثل صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام): «قال: من اكل زعفراناً متعمداً او طعاماً فيه طيب فعليه دم فان كان ناسياً فلا شي ء عليه و يستغفر الله و يتوب اليه.» «4».

و المرسل الذي رواه الكليني عن حريز عمن اخبره عن ابي

عبد الله (عليه السلام) «قال:

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 18/ 317.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 324.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 324.

(4)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 243

لا يمس المحرم شيئاً من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به و لا بريح طيّبة فمن ابتلي بشي ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته» «1».

و الصحيح الذي رواه الشيخ عن حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) مثله. «2»

و الظاهر انهما واحد و انه سقط من نسخة الشيخ قوله (عمن اخبره) و ذلك كون الكافي اضبط من التهذيب مضافاً الي تقدم اصالة عدم الزيادة الجارية في المرسل علي اصل عدم النقيصة الجاري في الصحيح لو لا الاصل المخالف.

و موثق حنان بن سدير عن ابيه قال: «قلت لابي جعفر (عليه السلام): ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟ قال: لا ينبغي للمحرم ان يأكل شيئاً فيه زعفران و لا يطعم شيئاً من الطيب». «3» و هو و ان كان مورده الاكل الا انه يثبت به التطيب به و شمه بالقول بعدم الفصل بين الثلاثة.

و صحيح عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تمس ريحاناً و انت محرم و لا شيئاً فيه زعفران، و لا تَطْعَم طعاماً فيه زعفران» «4» و لكن في اطلاقه نظر.

و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تمس شيئاً من الطيب و لا من الدهن في احرامك و اتق الطيب في طعامك و امسك علي انفك من الرائحة الطيبة. و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة». «5»

______________________________

(1)-

الكافي: 4/ 353 ح 2.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 297 ح 1007.

(3)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب تروك الاحرام ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(5)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 244

و ما رواه في الكافي بسند فيه سهل عن النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليه السلام): «ان المرأة المحرمة لا يمس طيباً». «1» و لكنّه مختص بالمرأة و قاعدة الاشتراك و لو قلنا بها في اثبات ما ثبت علي المرأة علي الرجل لا تجري في مثل ذلك لاحتمال اختصاصها بهذا الحكم.

و نحو صحيح معاوية بن عمار السابق ما رواه ايضاً في الوسائل عن الشيخ باسناده عنه عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «اتق قتل الدوابّ كلها و لا تمس شيئاً من الطيب و لا من الدهن في احرامك و اتق الطيب في زادك و امسك علي انفك من الريح الطيبة و لا تمسك من الريح المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذد بريح طيبة فمن ابتلي بشي ء من ذلك فليعد غسله و ليتصدق بقدر ما صنع» «2»

و هو و سابقه واحد و حملهما علي الاعم من الاستحباب و الوجوب و لبيان الآداب ليس ببعيد.

و صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام «في قول الله عزّ و جل (ثمّ ليقضوا تفثهم) حفوف الرجل من الطيب». «3» و غير ما ذكر من الروايات.

يستفاد منها بالاطلاق حرمة مطلق الطيب و ما ورد فيها في خصوص بعض افراد الطيب مثل صحيح عبد الله بن سنان ايضاً محمول علي مجرد المثال لا الخصوصية و أما التعبير عن النهي عنه بلا ينبغي فلا

يدل علي الاستحباب بعد التعبير به عن النهي عن زعفران المحرم بالاجماع بلا ينبغي في موثق حنان و كيف كان

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 344 ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 9 و تهذيب الاحكام: 5/ 296 ح 1006.

(3)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 245

فاطلاق هذه الاخبار يشمل كل ما هو من افراد الطيب و ان وجد في الاعصار المتاخرة عن عصور هم (عليهم السلام).

و لكن هنا روايات مقيدة او مخصصة لتلك الاطلاقات او العمومات

منها صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تمس شيئاً من الطيب و انت محرم و لا من الدهن و اتق الطيب، و امسك علي انفك من الريح الطيبة و لا تمسك عليه من الريح المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذد بريح طيبة، و اتق الطيب في زادك فمن ابتلي بشي ء من ذلك فليعد غسله و ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع، و انّما يحرم عليك من الطيب اربعة اشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير انه يكره للمحرم الادهان الطيبة الا المضطرّ الي الزيت او شبهه يتداوي به» «1».

و منها خبر ابراهيم النخعي عن معاوية بن عمار ايضاً عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «انّما يحرم عليك من الطيب اربعة اشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير انه يكره للمحرم الادهان الطيبة الريح» «2».

و منها صحيح ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «الطيب: المسك و العنبر و الزعفران و العود» «3»

و صحيح عبد الغفار قال: «سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول: الطيب: المسك

و العنبر و الزعفران و الورس» «4».

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 305 ح 1039 و وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 7..

(2)- تهذيب الاحكام/ 299 ح 1013 و وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 14.

(3)- تهذيب الاحكام/ 299 ح 1014 و وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 15.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 299 ح 1015 و وسائل الشيعة ب 18 من ابواب تروك الاحرام

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 246

و علي هذه الاخبار المصرحة بحصر ما حرم من الطيب في افراد خاصة تقيد الاخبار المطلقة و ما وقع في الاخبار المقيدة مما ظاهره وقوع الاختلاف فيها فانها قد دلت علي حصر هذه الافراد في اربعة اجناس من الطيب و لكن بعضها مشتمل علي ذكر العود من الاربعة و هو صحيح ابن ابي يعفور و بعضها مشتمل علي ذكر الورس دون العود و هو صحيح ابن عمار و صحيح عبد الغفار الا انه يمكن رفع هذا الاختلاف بحمل ظاهر ما فيه الورس في نفي العود بصراحة ما فيه ذلك و ظاهر ما فيه العود في نفي الورس بصراحة ما يدل علي تحريم الورس

و بعبارة اخري: مقتضي ما فيه الورس اختصاص المنع بالثلاثة و به و مقتضي ما فيه العود اختصاص المنع ايضاً بالثلاثة و بالعود و مفهوم الاول نفي حرمة العود و مفهوم الثاني جواز الورس فيرفع اليد عن مفهوم كل منهما و يؤخذ بمنطوق كل منهما و هو حرمة الورس و العود فتقيّد الروايات المطلقة بالخمسة

و بعبارة اخري ما فيه الورس صريح في اثبات حرمته و ظاهر في نفي غيره عوداً كان او غيره و ما فيه العود ايضاً

صريح في اثبات حرمته و نفي حرمة غيره ورساً كان او غيره فيرفع اليد عن ظاهر كل منهما في نفي غير العود اي الورس و غير الورس اي العود بنص كل منهما في اثبات حرمة العود و حرمة الورس.

تخليص من جميع ذلك حصر ما هو المحرم من انواع الطيب في الخمسة بل

الستة بزيادة الكافور عليها لفحوي ما يدل علي منع الميت المحرم منه «1» فالحي اولي و يمكن ان يكون الحصر المذكور في الروايات فيما عدا الكافور لعدم كون استعمال الاحياء له متعارفاً و في الجواهر انه يجوز كون ترك العود في نصوص الاربعة

______________________________

ح 16.

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب غسل الميت.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 247

لاختصاصه غالباً بالتجمير و كونها مما يستعمل لنفسه و قال: (و بما ذكرنا ظهر لك حجة القول بالستة و الخمسة و الاربعة) «1».

و بعد ذلك كله في النفس شي ء كانها لا تجتري بالفتوي باختصاص التحريم بالاربعة المذكورة أو الخمسة او الستة.

و ربما يقال: بأن الامر اذا انتهي الي التصرف في دليل الاربعة بصرفه عن ظاهره بالنسبة الي الكافور و العود حتي يكون الحصر مجازاً بالنسبة الي الاربعة ليس الالتزام بذلك اولي من القول بالعموم و كون التحريم في الاربعة اغلظ او اختصاصها بالكفارة.

و بعبارة اخري: يدور الامر بين استعمال اداة الحصر في الاربعة مجازاً و تخصيص عموم ما يدل علي حرمة مطلق الطيب بالاربعة او الخمسة او الستة و بين صرف ظاهر الدليل عن دلالته علي اختصاص الحرمة بالاربعة الي كون المراد عنه اغلظ الافراد او ما يوجب الكفارة و تخصيص العموم و ان كان الاولي من القول بالمجاز كاستعمال ما يدل علي الكل و الجميع في البعض

اذا وقع التعارض بينهما الا ان ذلك اذا دار الامر بينهما و لا يلزم المجاز ان خصصنا العموم و في المقام لا بد من ارتكاب المجاز سواء خصصنا العموم ام لم نخصصه فان خصصنا العموم بما يدل علي الاربعة يجب ان نرتكب المجاز في دلالته علي الحصر و انه اعم من العود و الكافور

و ان لم نخصصه يجب ان نقول بالمجاز بحمل ما يدل علي الاربعة لا علي اختصاص التحريم بها بل علي ما هو الاغلظ من انواع الطيب او علي ما فيه الكفارة منها و لا ريب في ان حمله علي المجاز الموافق للعموم اي اغلظ الافراد اولي من المجاز

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 325.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 248

الموافق لتخصيص العموم.

و عمدة ما يوجب هنا وهن تقيد المطلقات او العمومات بهذه الروايات هي كثرة تلك النصوص الدالة علي حرمة مطلق الطيب و ما ورد من الدعاء عند الاحرام مثل: احرم لك شعري و بشري.. من النساء و الثياب و الطيب و بعد كون ذلك مقصوراً بتلك الاربعة او الخمسة او الستّة و جواز الطيب بغيرها من جميع افراد الطيب اذ كانه يكون من اخراج الاكثر المستهجن عن تحت العام

و لذلك كله لا يجوز ترك الاحتياط بالاجتناب عن كل ما يصدق عليه الطيب و ان كان من العطور المتعارفة التطيب بها في زماننا و الله هو العالم.

ثمّ انهم قد استثنوا من الطيب خلوق الكعبة و هو ضرب من الطيب عن النهاية لابن الاثير انه طيب معروف مركب من الزعفران و غيره من انواع الطيب و تغلب عليه الحمرة و الصفرة و ذلك لما في الاخبار من عدم الباس به ففي صحيح حماد بن عثمان: «انه

سأل مولانا الصادق (عليه السلام) عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الاحرام قال: لا بأس بهما هما طهوران» «1»

و في صحيح ابن سنان أنه سأل (عليه السلام) ايضاً «عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم؟ قال لا بأس و لا يغسله فانه طهور» «2».

و في صحيح يعقوب بن شعيب: «سأله (عليه السلام) عن (المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة؟ قال: لا يضرّه و لا يغسله» «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 249

فهل الحكم بالجواز مختص بالخلوق و ما يتطيب به بنفسه او يشمل مثل التجمير؟ مقتضي الاقتصار علي النص الاول و مقتضي ما لعله يستفاد من مناسبة الحكم و الموضوع ان الحكم بالجواز ليس لخصوصية كامنة في الخلوق بل لأمر يشترك فيه هو و غيره مثل التجمير كعسر التجنب عمّا تتطيب به الكعبة او منافاة القبض علي الانف لاحترامها و الاقرب بالنظر هذا.

و استثني ايضاً من حرمة شم الطيب شم الرائحة الطيبة في سوق العطارين الذي كان بين الصفا و المروة و يدل عليه صحيح هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا و المروة من ريح العطارين و لا يمسك علي انفه» «1» اذاً لا ريب في الحكم الا انه في زماننا لم يبق له موضوع فلا نقول به اذا ابتلي المحرم بالطيب بين الصفا و المروة في زماننا فلا يترك الاحتياط بالامساك علي انفه.

و هنا فرعان:
احدهما: انه لو استهلك الطيب المحرم

مثل الزعفران في شي ء علي وجه لا

يشم منه رائحته و لا يري لونه فضلا عن عينه فالظاهر جواز استعمال ذلك الشي ء لعدم صدق استعمال الطيب عرفاً عليه فمقتضي الاصل عدم حرمته و يؤيد ذلك بصحيح عمران الحلبي قال: «سئل ابو عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يكون به الجرح فيتداوي بدواء فيه زعفران؟ قال: ان كان الغالب علي الدواء فلا و ان كانت الأدوية الغالبة عليه فلا باس» «2» فان القدر المتيقن منه هو الصورة المذكورة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 20 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 69 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 250

و ثانيهما: انه اذا بقي الطيب مدة من الزمان زال به ريحه هل يجوز للمحرم استعماله بالاكل مثلا ام لا؟

الظاهر انه يجوز ذلك نعم في مثل الزعفران الذي يطلب منه اللون و الريح اذا بقي لونه مقتضي الاصل بقاء الحرمة و الله هو العالم.

[مسألة 30] «وجوب الامساك علي الانف من الرائحة الطبية»

مسألة 30: الاحوط وجوب الامساك علي الانف من الرائحة الطيبة.

لما في الاخبار من الامر به كقوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمّار: و امسك علي انفك من الريح الطيبة «1».

و في صحيح ابن بزيع قال: «رأيت ابا الحسن (عليه السلام) كُشف بين يديه طيب لينظر اليه و هو محرم فامسك بيده علي انفه بثوبه من رائحته» «2» و ظاهر قوله (عليه السلام) «و امسك علي انفك» و ان كان الامر به وجوباً الا انه حيث ورد في ما روي عن معاوية بن عمار في روايات بعضها متضمن لحصر المحرمات في الاربع «3» يمكن منع دلالته علي الوجوب فيحمل علي الاستحباب فانه اذا كان المحرم من الطيب هذه الاربعة و يجوز شم غيرها كيف يجب الامساك علي الانف من كل رائحة طيبة مطلقاً؟

و أما صحيح ابن بزيع فهو مشتمل علي فعل الامام (عليه السلام) لا يدل الا علي رجحان ما فعله لا خصوص الوجوب.

اللهم الا ان يتمسك بصحيح الحلبي و محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 9.

(2)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 251

«المحرم يمسك علي انفه من الريح الطيبة و لا يمسك علي انفه من الريح الخبيثة» «1» و ظاهره الوجوب فلا يجوز ترك الاحتياط بل الظاهر الوجوب، نعم لا يجب الامساك من روائح المأكولات كالتفاح و غيره

و الله هو العالم.

[مسألة 31 لا يجوز للمحرم ان يمسك علي انفه من الروائح الكريهة]

مسألة 31: لا يجوز للمحرم ان يمسك علي انفه من الروائح الكريهة

لقوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار: «و لا تمسك عليها من الريح المنتنة» «2» و في صحيح الحلبي و محمد بن مسلم: «و لا يمسك علي انفه من الريح الخبيثة» «3» و في صحيح ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام): «المحرم اذا مرّ علي جيفة فلا يمسك علي انفه» «4».

[مسألة 32] من اكل زعفرانا او طعاما فيه طيب

مسألة 32- لا كلام في ان من اكل متعمدا زعفرانا او طعاما فيه طيب و هو محرم يجب عليه كفارة دم شاة.

يدل عليه من النصوص صحيح زرارة قال: «سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف ابطه او قلّم او حلق رأسه او لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، او اكل طعاما لا ينبغي له اكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا او جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمدا فعليه شاة». «5»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 9.

(3)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب بروك الاحرام ح 3.

(5)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 252

و ايضا صحيح زرارة عنه عليه السّلام قال: «من اكل زعفرانا متعمدا او طعاما فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسيا فلا شي ء عليه و يستغفر اللّه و يتوب اليه» «1».

و هل الحكم- اي وجوب الدم- مختص بأكل ما فيه الطيب او عام يشمل استعماله مطلقا قال في الجواهر: (فمن تطيب) اي استعمال الطيب (كان عليه دم شاة سواء استعمله صبغا) بالكسر

اي اداما و بالفتح (او اطلاء ابتداء او استدامة) بأن كان مستعملا له قبل الاحرام ثمّ احرم (او بخورا) اي تبخيرا (او في الطعام) بلا خلاف اجده فيه بل عن المنتهي الاجماع عليه بل زاد في محكي التحرير سواء استعمله في عضو كامل او بعضه) «2».

و الذي ينبغي ان يقال: انه و ان كان المشهور بل ادعي عدم الخلاف و الاجماع عليه ان استعمال الطيب مطلقا اكلا و شمّا و دلكا يوجب كفارة شاة و لكن لا دليل عليه من الروايات بل ما فيها يدل علي اختصاص ذلك بالاكل، اللهم الا ان يدعي ان ذكر الاكل في الروايات كان من باب المثال و ذكر احد المصاديق، و الاصحاب انما افتوا بالعموم لانهم فهموا ذلك من الروايات اخذوا ذلك خلفا عن سلف و لكن لا يطمئن النفس بذلك و ان كان ينبغي مراعاة الاحتياط كما هو الشأن في جميع الشبهات التحريمية.

ثمّ لا يخفي عليك ان هنا روايات ظاهرها العموم و لكن اكثرها ورد في مورد النسيان و الابتلاء و الجهل و بعضها ضعيف من حيث السند او الدلالة او منهما، فراجع اليها ان شئت و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 395.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 253

[من محرمات الإحرام لبس المخيط]

[مسألة 33 قول العلامة في لبس المخيط]

لبس المخيط في حال الاحرام

مسألة 33: قال العلامة رفع مقامه: يحرم علي المحرم الرجل لبس الثياب المخيطة عند علماء الامصار قال ابن المنذر: اجمع اهل العلم علي ان المحرم ممنوع من لبس القميص و العمامة و السراويل و الخف و البرنس.

ثمّ ذكر ما يدل علي ما ذكره ابن المنذر من طرق العامة و من طريق الخاصة قول الصادق

(عليه السلام): «لا تلبس و انت تريد الاحرام ثوباً تزره و لا تدرعه و لا تلبس سراويل الا ان لا يكون لك ازار و لا الخفين الا ان لا يكون لك نعلان» «1»

و حيث ان ظاهر ما استدل به اخص من مطلق المخيط صار في مقام الاستدلال له، قال: (و قد الحق اهل العلم بما نص النّبي (عليه السلام) عليه ما في معناه قال: فالجبّة و الدراعة و شبههما ملحق بالقميص و التنبان و الران و شبههما ملحق بالسراويل، و القلنسوة و شبهها مساو للبرنس و الساعدان و القفّازان و شبههما مساوية للخفين اذا عرفت هذا فيحرم لبس الثياب المخيطة و غيرها اذا شابهها كالدرع المنسوج و المعقود كجبّة اللبد و الملصق بعضه ببعض حملا علي المخيط لمشابهته ايّاه في المعني من الترفه و التنعم. «2»

اقول: كانه تمسك بمفهوم المساواة و استظهار العرف بمناسبة الحكم و الموضوع عدم خصوصية ما ذكر في الروايات من الثياب و كون غير ما ذكر في الروايات من ثياب الرأس و سائر الاعضاء كما ذكر.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 7/ 295 و 297.

(2)- تذكرة الفقهاء: 7/ 296.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 254

و هذا موافق لفتوي غيره من اكابر الاصحاب كالسيد في جمل العلم و العمل «1» و ابي الصلاح في الكافي «2» و الشيخ في النهاية «3» و الاقتصاد «4» و المبسوط «5» و القاضي في المهذب «6» و الديلمي في المراسم «7» و ابن زهرة في الغنية «8» بل هو كما ادعاه العلامة قول علماء الامصار الا ان اجماعهم علي ذلك لا يثبت به عموم الحكم و شموله لمطلق المخيط لان من الممكن كون اتّفاقهم علي ذلك بالاجتهاد و استظهارهم من

الروايات التي يمرّ عليك انشاء الله تعالي.

و هل يمكن النظر في استدلال العلامة بما ذكره صاحب الوسائل فقال: (يفهم من بعض الاحاديث السابقة و الآتية الاذن في لبس جملة من اقسام المخيط كالسراويل مع عدم الازار و الخفين مع عدم النعلين و لبس القبا مقلوباً كما يأتي و كذا الطيلسان مع عدم الكفارة و غير ذلك و لا يفهم تحريم لبس المخيط عموماً اصلا و قد ورد الاذن في لبس المحرم الرداء و الازار بل الامر بهما من غير تقييد بكونهما غير

مخيطين و تخصيص العام بغير مخصص و تقييد المطلق بغير مقيد لا يجوز فانهما كثيراً يكونان مخيطين في الوسط او في الاطراف او مرفوين او مرقوعين و لم يرد النهي عن ذلك و كان الحكم بتحريم لبس المخيط من استنباطات العامة فانهم كثيراً ما

______________________________

(1)- الينابيع: 7/ 105.

(2)- الكافي/ 203.

(3)- النهاية/ 217.

(4)- الاقتصاد/ 301.

(5)- المبسوط: 1/ 317.

(6)- المهذب: 1/ 212.

(7)- المراسم/ 106.

(8)- الغنية/ 159.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 255

يستنبطون القواعد الكلية من الصور الجزئية عملا بالقياس و مجال المقام هنا واسع لكن فتوي جمع من المتأخرين و دعواهم للاجماع مع موافقة الاحتياط تقتضي تعين العمل و الاغماض عن ضعف الدليل. «1»

اقول: يمكن ان يقال: ان المخيط تارة يقال و يراد منه اللباس الذي لا تتحصل هيئته الخاصة الا بالخياطة سواء كان اجزائها مخيطة او غير مخيطة فعلي هذا دعوي كون اللباس المذكور مطلقا و ان كان غير ما هو المذكور في الروايات موضوعاً لحكم الحرمة وجيهة جداً بل دعوي كون الموضوع ما يكون بهيئة الالبسة المخيطة و ان لم يكن مخيطاً قوية ايضاً و هذا ليس تحريم المخيط مطلقاً حتي يقال بان تحريمه المطلق خلاف

اطلاق ادلة لبس الازار و الرداء فانهما كثيراً ما يكونان مخيطين في الوسط او في الاطراف او مرفوين او مرقوعين فان علي هذا البناء ليس الازار و لا الرداء من اللباس الموضوع لحكم التحريم فلا باس بكونهما مخيطاً علي النحو الذي ذكره.

و أمّا ان يقال: ان المخيط المحرم لبسه مطلق اللباس و ان لم يكن من الالبسة المتعارفة التي تتحصل بدون الخياطة كالإزار و الرداء فيقال: يمنع اطلاق ما يدل علي جواز لبس الازار و الرداء و شموله للمخيط منها لان الروايات المستفادة منها حرمة المخيط قرينة علي عدم ارادة الاطلاق منه.

فان قلت: لم لم نجعل روايات الازار و الرداء قرينة علي عدم ارادة الاطلاق

من روايات اللباس؟

قلت: ان الظاهر من الحكم بجواز لبس الازار و الرداء انه لعدم كونهما من المخيط و كونهما كذلك يكون من الكر علي ما فرّ و لو اغمضنا عن ذلك تكون النسبة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 36 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 256

بين روايات حرمة المخيط و روايات لبس الازار و الرداء العموم من وجه و يقع التعارض بينهما في الازار و الرداء المخيطين و بعد سقوطهما بالتعارض مقتضي الاصل جواز الارتداء و الاتزار بهما و يكون النتيجة كما ذكره عدم تحريم لبس المخيط مطلقاً و لو لم يكن من الثياب المذكورة و ما يشابهها فيجوز الارتداء بالازار و الرداء المرفوعين.

هذا: و ليعلم ان ما ذكرناه هل مبني علي كون معقد الاتفاق و الاجماع و ما يستفاد من الروايات بحمل ما ذكر فيها علي المثال، كل ثوب وقع فيه الخياطة و لو لاجل ترقيعه فلا يجوز الارتداء و الاتزار بالمرقوع بالخياطة او ان المستفاد من كلمات

الفقهاء ان المحرم من الثياب ما لا تتحصل بالهيئة الخاصة الا بالخياطة مثل الثياب المذكورة فلا يشمل مثل الازار و الرداء دون ما يكون من الاثواب المخيطة بصورة خاصة و ان لم يكن من الانواع المذكورة و دون ما لا يكون مخيطاً و لكن صنع كالالبسة المذكورة فانها تشملها الروايات بحمل ما ذكر فيها علي المثال و قد تحصل مما ذكر ان الظاهر هو الثاني.

هذا و لكن يظهر من بعض المعاصرين ان الكلام واقع في ان المحرم من اللباس هو مطلق اللباس المخيط سواء كان من انواع ما ذكر في الروايات و علي هيئتها او لم يكن منها و علي هيئتها كما اذا لبس ثوباً خاصاً تحت ثيابه لاجل جذب العرق و لم يكن مزروراً و لم يكن له كم؟ او ان الممنوع خصوص هذه العناوين الخاصة و ما يمكن ان يلحق بها عند العرف؟ و علي هذا الازار و الرداء خارجان عن البحث كانا

مخيطين او غير مخيطين.

ثمّ قوّي ان الممنوع لبس هذه العناوين الخاصة مخيطة كانت ام لا فاذا لم يصدق احد هذه العناوين علي الثوب لا بأس بلبسه و ان كان مخيطاً خصوصاً اذا

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 257

كانت الخياطة قليلة فالحكم بحرمة لبس المخيط علي الاطلاق مبني علي الاحتياط و أمّا غير المخيط فان صدق عليه احد هذه العناوين فلا يجوز لبسه ايضاً كالملبد او كالمنسوج الذي لا خياطة فيه و أمّا اذا لم يصدق عليه احد العناوين المذكورة فلا مانع من لبسه لعدم صدق القميص او القباء عليه و لعدم كونه مخيطاً علي الفرض فالمدار في التحريم بصدق احد هذه العناوين و ان لم يكن مخيطاً و حاصل ذلك الغاء قيد

المخيطية و كون المدار علي صدق هذه العناوين و من الواضح انه لا يصدق علي الازار و الرداء هذه العناوين كانا مخيطين او غير مخيطين.

و الظاهر ان ما جعله مورداً للبحث و الكلام غير ما يستفاد من كلام شيخنا الحرّ قدس سره فانه ردّ في كلامه من يقول بعدم كون الازار و الرداء مخيطين و لعلّه كان مقتصراً في الحكم بالحرمة علي خصوص ما في الروايات و أمّا ما يشابهه من الالبسة غير المخيطة و مطلق المخيط فلا يشمله الحكم و أمّا المعاصر الاجل فهو يقول بشمول الحكم لما يشابه ما ذكر في الروايات و ان لم يكن مخيطاً و عدم شموله لغير ما يشابه المذكورات و ان كان لباساً مخيطاً.

و كيف كان و بعد ذلك كله ما هو العمدة الرجوع الي الروايات و التأمل في مقدار دلالتها منطوقاً و مفهوماً و الله هو الهادي الي الصواب.

فمنها صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تلبس ثوباً له ازرار «1» و انت محرم الا ان تنكسه و لا ثوباً تدرعه و لا سراويل الا ان لا يكون لك

______________________________

(1)- في النهاية في صفة خاتم النبوة: الزرّ واحد الازرار التي تشد بها الكال و الستور علي ما يكون في حجلة العروس … و في حديث ابي ذر قال: يصف عليا و انه لعالم الارض وزرها الذي تسكن اليه اي قوامها و اصله الخ.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 258

ازار و لا خفين الا ان لا يكون لك نعلان» «1»

و هذا يدل علي عدم جواز لبس المذكورات و اطلاقه يشمل ما لم يكن منها مخيطاً كما يمكن دعوي الحاق ما يشابهها من الاثواب اليها و

لا دلالة له علي حرمة لبس المخيط غيرها و غير ما يشابهها. اللّهم الا ان يدّعي انصراف اطلاقه الي ما يكون من المذكورات مخيطاً و ان ما هو الموضوع للحكم المخيط مطلقاً و لا تخلو من المجازفة. مضافاً الي انه يدل علي جواز لبس ماله الازرار منكوساً في غير حال الضرورة مطلقاً و ان كان مخيطاً

و أمّا الرواية الثانية التي اخرجها في الوسائل في هذا الباب فاحتمال كونه و الاولي واحدة قوي جدّاً و شاهد علي جواز نقل الرواية بالمضمون و إليك لفظه علي ما رواه عن الشيخ في التهذيب باسناده عن صفوان بن يحيي عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تلبس و انت تريد الاحرام ثوباً تزره و لا تدرعه و لا تلبس سراويل الا ان لا يكون لك ازار و لا خفين الا ان لا يكون لك نعلان» «2». و ليس فيه «الا ان تنكسه»

و ظاهرهما جواز الثوب الذي له ازرار منكوساً و ان كان له ثوب غيره اللهم الّا ان يقال الظاهر انّه لمكان الضرورة و عدم ما يرتدي به مضافاً الي التصريح بذلك

في صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام): «قال اذا اضطر المحرم الي القباء و لم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً و لا يدخل يديه في يدي القباء» «3»

و منها صحيح زرارة عن احدهما عليهما السلام قال: «سألته عمّا يكره

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 35 من ابواب تروك الاحرام ح 1 و 2 و اخرجه أيضاً في ب 36 ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 35 من ابواب تروك الاحرام ح 2. و التهذيب 5/ 69 ح 227.

(2)- وسائل الشيعة: ب 44 من ابواب

تروك الاحرام ح 1 و تهذيب الاحكام: 5/ 70 ح 228.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 259

للمحرم ان يلبسه فقال: يلبس كل ثوب الا ثوباً واحداً يتدرعه «(علي ما في الفقيه و في الوسائل اسقط قوله (واحداً) «1» و هذا ايضاً ظاهر في ان لبس كل ثوب جائز الا ما يكون مثل الدرع و لعله يشمل كل ما يكون كالدرع مثل القميص و كل ما كان ذي الكم و السراويل و ان لم يكن مخيطاً.

و منها صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: في المحرم يلبس الطيلسان المزرور فقال: نعم في كتاب علي (عليه السلام) لا تلبس طيلساناً حتي تنزع ازراره و قال: انّما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل فامّا الفقيه فلا باس بان يلبسه» «2».

و في صحيح يعقوب بن شعيب «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور؟ قال: نعم و في كتاب علي (عليه السلام): لا تلبس طيلساناً حتي تنزع ازراره و حدثني ابي انه انّما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه» «3».

و هذان الصحيحان كما تري يدلان علي كون المانع الارتداع و الزر لا كون اللباس مخيطاً و هذا ظاهر رواية معاوية بن عمار برواية الشيخ عليه الرحمة نعم روايته الاولي تدل علي كون المانع وجود الازرار.

و مما يشعر الي اشتراط لباس المحرم بعض الشروط خبري علي بن ابي حمزة عن ابي عبد الله (عليه السلام) و سهل عن احمد بن محمد عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) «4» الدالان علي اعادة المحرم غسله ان لبس القميص قبل ان يحرم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 36 من ابواب تروك الاحرام ح

5 و من لا يحضره الفقيه: 2/ 341 ح 2618.

(2)- وسائل الشيعة: ب 36 من ابواب تروك الاحرام ح 3 و الكافي: 4/ 340 ح 8.

(3)- وسائل الشيعة: ب 36 من ابواب تروك الاحرام ح 2. و الكافي: 4/ 340/ 7.

(4)- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب الاحرام ح 1 و 2. و الكافي: 4/ 328 و 329 ح 4 و 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 260

او ان يلبي و ما يدل في الجملة علي ذلك ما يدل علي تجريد الصبيان للاحرام «1» و ما يقال عند الاحرام كأحرم لك شعري و … من النساء و الثياب «2» و غير ذلك كما ورد في حكم لباس النساء «3».

و بعد ذلك كله ليس في هذه الاخبار ما كان ظاهراً في المنع عن المخيط.

اللهم الا ان يقال: ان قوله عند الاحرام احرم لك من الثياب بالاطلاق يدل علي الاحرام من كل افراد الثياب التي المتعارف منها الثياب المخيطة.

و لكن قد علم مما ذكر أن ذلك لا يشمل مثل الازار و الرداء المخيطين.

و مع ذلك كله مقتضي كل ما ذكرنا اولا حرمة المذكورات في الروايات و ان لم تكن مخيطة، و ثانياً حرمة غيرها من الالبسة المشابهة لها و ما يصدق عليه اللباس و ان لم يكن التلبس به تدرعاً احتياطاً بل لا يترك الاحتياط في الازار و الرداء فلا يكونا مخيطين و الله هو العالم باحكامه و استغفر الله و اعوذ به من القول بغير العلم و التسرع في مقام الفتوي و هو الغفور الرحيم.

تنبيه: صرح في الجواهر: انه لم يجد في شي ء مما وصل الينا من النصوص

الموجودة في الكتب الاربعة و غيرها ما يدل علي المنع

من لبس المخيط بهذا العنوان قال: كما اعترف به غير واحد حتي الشهيد في الدروس «4» حيث قال: لم اقف الي الآن علي رواية بتحريم عين المخيط انما نهي عن القميص و القباء و السراويل … «5»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب اقسام الحج.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الاحرام ح 1 و 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام.

(4)- الدروس الشرعية: 1/ 485.

(5)- جواهر الكلام: 18/ 335.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 261

و لذلك صار بعض الاعلام من المعاصرين بعد ما حكي عن الدروس لبيان ما يمكن به الاستدلال لحرمة المخيط بما ذكر في تقريرات بحثه «1».

و لكن قد جاءنا احد الفضلاء المشاركين في البحث ايدهم الله تعالي بخبر عن مستدرك الوسائل عن دعائم الاسلام و إليك ما في المستدرك دعائم الاسلام روينا عن علي بن ابي طالب و محمد بن علي بن الحسين و جعفر بن محمد (عليهم السلام): «ان المحرم ممنوع من الصيد و الجماع و الطيب و لبس الثياب المخيطة» «2».

اخرجه العلامة المجلسي في البحار باللفظ المذكور مع زيادة مشتملة علي احكام اخر، و يظهر مما في ذيل الحديث ان السند في الاصل هكذا: روينا عن علي بن ابي طالب و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي بن الحسين و جعفر بن محمد صلوات الله عليهم «3» و الحديث ضعيف بالارسال.

و في المستدرك خبر آخر اخرجه بعد الخبر المذكور و هو ايضاً عن دعائم الاسلام مرسلا (عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «انه نهي ان يتطيب من اراد الاحرام الي

ان قال- و ان يمس المحرم طيباً «4» او يلبس قميصاً او سراويل او عمامة

او قلنسوة او خفاً او جورباً او قفازاً او برقعاً او ثوباً مخيطاً ما كان» «5»

و كيف كان فالخبران يدلان علي المنع من الثياب المخيطة الملصق بعضها ببعض بالخياطة و لعلهما يشملان الرداء و الازار الا ان العلة فيهما ضعف سندهما بالارسال

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 132.

(2)- مستدرك الوسائل: ب 26 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- بحار الانوار: 96 كتاب الحج و العمرة ب 28 ح 22.

(4)- في المصدر (و لا) و كذا في الموارد التي تليها.

(5)- مستدرك الوسائل: ب 26 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 262

و لكنها يؤيدان ما اخترناه من لزوم الاحتياط و اللّه هو العالم.

[مسألة 34] «جواز شد العمامة و المنطقة و الهميان و امثالها»

مسألة 34: يجوز شد العمامة و المنطقة و الهميان علي الاظهر و لبس الفتق بند علي القول بقصر ما يحرم من المخيط علي المحرم علي ما هو المذكور في روايات الباب المعتبرة و ما يلحق به مما يشابهه لعدم كونها منه للاصل و الدليل في الهميان و المنطقة نعم يأتي الكلام فيما ورد في العمامة

و يمكن ان يقال: ان الدليل علي حرمة مطلق اللباس اذا كان الاجماع فالمتيقن منه هو الالبسة المتعارفة المعتاد لبسها و لا يشمل مثل الفتق بند و المنطقة و الهميان و العمامة.

و أما علي القول بلبس مطلق المخيط فالقول بان المراد منه اللباس الذي يلصق بعضه ببعض و يكون من الالبسة المتعارفة قويّ جداً و علي القول بشموله لمثل المنطقة و الهميان و الفتق بند فلا بد من استثناءها بالدليل

فنقول: اما الهميان و المنطقة فقد حكي عن الصدوق و العلّامة و ابن حمزة

و يحيي بن سعيد و الشهيد و غيرهم جواز لبس المنطقة و شدّ الهميان «1» و يدل

عليه صحيح يعقوب بن شعيب قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يصرّ الدراهم في ثوبه؟ قال: نعم و يلبس المنطقة و الهميان» «2»

و خبر يعقوب بن سالم و يونس بن يعقوب في خصوص الهميان «3».

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 18/ 339.

(2)- وسائل الشيعة: ب 47 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 47 من ابواب تروك الاحرام ح 3 و 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 263

و يمكن ان يقال: بحصر جواز المنطقة اذا كانت فيها نفقته كما يأتي في صحيح ابي بصير.

و أمّا الفتق بند فقال في الجواهر: (الحاقه بالهميان المشدود علي الوسط و المنطقة و عصابة القروح اولي من الحاقه بالخفين فالاقوي جوازه اختياراً و الاحوط تركه) «1»

و ادعي بعض الاعلام أولوية جواز الفتق بند من جواز الهميان لانه اذا كان شد الهميان لحفظ المال جائزاً يكون شد الفتق بند لحفظ البدن و توقف اداء الحج عليه اولي.

و أمّا العمامة ففي صحيح عمران الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم يشد علي بطنه العمامة، و ان شاء يعصبها علي موضع الازار و لا يرفعها الي صدره» «2».

و ظاهره جواز شدها علي بطنه و عدم جواز رفعها الي صدره و يمكن ان

يكون المراد ان لا يجعلها عريضة تشمل البطن الي الصدر و في صحيح ابي بصير «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في المحرم يشد علي بطنه العمامة؟ قال: لا، ثمّ قال: كان ابي يشد علي بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها فانها من تمام حجه» «3».

و علي هذا يقع التعارض بين الصحيحين و عن صاحب الحدائق رفع التعارض بينهما بان المراد من البطن في صحيح ابي بصير

الصدر بقرينة قوله (عليه السلام) في صحيح عمران «و لا يرفعها الي صدره» «4» و هكذا فعل صاحب الوسائل فانه في

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 337.

(2)- وسائل الشيعة: ب 72 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 47 من ابواب تروك الاحرام ح 5.

(4)- الحدائق الناضرة: 15/ 441.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 264

عنوان الباب (72) (قال: باب أنه يجوز للمحرم ان يشد العمامة علي بطنه علي كراهة و لا يرفعها الي صدره) «1» و لكن لا يطمئن النفس بذلك و علي هذا ان امكن ان نقول بحمل الرواية الناهية الظاهر في الكراهة بصراحة الدالة علي الجواز حملا للظاهر علي الاظهر فهو و الا فتسقطان بالتعارض و مقتضي القول بشمول معقد الاجماع لمثل هذا اللبس ترك شدها بالبطن و علي ما قويناه من عدم شمول الاجماع لمثل ذلك فالاصل هو الجواز و الله هو العالم.

[مسألة 35] جواز لبس المرأة المحرمة المخيط

مسألة 35: الظاهر انه لا خلاف بينهم في جواز لبس النساء المخيط الا ما حكي عن الشيخ في النهاية.

قال في الجواهر: (التي هي متون اخبار، و قال: علي انه قد رجع عنه في ظاهر محكي المبسوط في القميص بل عن موضع آخر منه: مطلق المخيط بل عبارته فيها

غير صريحة قال: و يحرم علي المرأة في حال الاحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم علي الرجل، و يحل له جميع ما يحل له) ثمّ قال بعد ذلك: (و قد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء و الافضل ما قدمناه و أمّا السراويل فلا بأس بلبسه لهنّ علي كل حال بل لعل قوله: (و الافضل ما قدمناه) صريح في الجواز لكن عن بعض النسخ (و الاصل ما قدمناه) «2».

اقول: قال ابن ادريس

في السرائر بعد حكاية كلام الشيخ عن النهاية الي قوله: (و الاصل ما قدمناه فاما السراويل فلا باس بلبسه لهن علي كل حال سواء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 72 من ابواب تروك الاحرام.

(2)- راجع جواهر الكلام: 18/ 340.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 265

كانت ضرورة او لم تكن) ثمّ قال: (و الاظهر عند اصحابنا ان لبس الثياب المخيطة غير محرم علي النساء بل عمل الطائفة و فتواهم و اجماعهم علي ذلك و عمل المسلمين) «1» انتهي

فعلي هذا الظاهر ان النسخة التي يعتمد عليها هي (الاصل ما قدمناه) و علي ذلك لا يتم لترديد في دلالة كلام الشيخ في النهاية علي حرمة لبس المخيط في الجملة علي النساء.

و قال في المبسوط: (و يحرم علي المرأة في حال الاحرام جميع ما يحرم علي الرجل و يحل لها ما يحلّ له و قد رخص لها في القميص و السراويل) «2».

و ما يظهر من كلمات الفقهاء في المسألة و ادعائهم الاجماع علي جواز لبسها المخيط شذوذ هذا القول و عدم الاعتداد به و تحقق الاجماع علي خلافه قبل الشيخ

و بعده.

هذا مضافاً الي دلالة المعتبرة المستفيضة الدالة علي جواز لبس الحرير لهن مثل صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس ان تحرم المرأة في الذهب و الخزّ و ليس يكره الا الحرير المحض» «3»

و في بعض هذه الاحاديث: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين … » «4» و في بعضها: «تلبس الثياب كلها الا المصبوغة بالزعفران

______________________________

(1)- السرائر: 1/ 544.

(2)- المبسوط: 1/ 320.

(3)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 3،

ص: 266

و الورس، و لا تلبس القفازين» «1».

و ظاهر هذه الاخبار حرمة القفازين و حملها علي الكراهة خلاف الظاهر.

[مسألة 36] كفارة لبس المخيط

مسألة 36: الظاهر انه لا خلاف بينهم في ان المحرم اذا لبس ما لا يجوز له لبسه عمداً كان عليه دم شاة.

و الاصل في ذلك الروايات منها ما رواه الشيخ باسناده عن زرارة قال: «سمعت ابا جعفر (عليه السلام): من نتف ابطه او قلم ظفره او حلق رأسه او لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه او اكل طعاماً لا ينبغي له اكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً او جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمداً فعليه دم شاة» «2».

و ما رواه في الكافي عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد و احمد بن محمد عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: «من لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه و هو محرم ففعل ذلك ناسياً او ساهيا او جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم» «3». و الظاهر انهما واحد اختصر في الكافي.

و يدل عليه في خصوص القميص خبر سليمان بن العيص قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يلبس القميص متعمداً؟ قال: عليه دم» «4».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام ح 2.

(2)- تهذيب الاحكام: 5 ب 25/ 369 ح 200 (1287).

(3)- الكافي: 4/ 348 ح 1.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 25 ح 252 (1339).

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 267

قال سيدنا الاستاذ الاعظم قدس سره في و قال في الجواهر (لو اضطر الي لبس ثوب يتقي به الحر أو البرد جاز و عليه) دم (شاة) ايضاً بلا خلاف فيه بل

الاجماع بقسميه عليه و هو الحجة «1» الخ.

اقول: الاحتجاج بهذا الاجماع مع وجود الروايات التي ادعي دلالتها علي مقتضي الاجماع كما قال بعض الاعلام ليس مما يطمئن به النفس و بأنه من الاجماعات التعبدية فاللازم الرجوع الي الروايات.

فنقول: قد استدل في الجواهر: «2» باطلاق ما في الروايات المذكورة مثل قوله (عليه السلام) (و من فعله متعمداً فعليه دم) او (عليه دم شاة) او (يلبس القميص متعمداً)

و يمكن ان يقال: ان مثل هذا السياق ظاهر في العمد الخالص من الاضطرار و الضرورة و الاحتياج الشديد.

و بصحيح ابن مسلم قال: «سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن المحرم اذا احتاج الي ضروب من الثياب يلبسها؟ قال: عليه لكل صنف منها فداء» «3»

و في الاستدلال به ان الاحتياج اعم من الضرورة و لكن يستدل به لشمول الصحيح لصورة الاضطرار بالاطلاق.

و أمّا الاستدلال لوجوب الكفارة في صورة الضرورة و الاضطرار بقوله تعالي: (فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ

______________________________

طبقات التهذيب في سليمان بن العيص: لم اجده في شي ء من الاسانيد و المعاجم و لعل الصواب سليمان و عيص اقول او سليمان عن عيص.

(1)- جواهر الكلام: 20/ 404.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 404.

(3)- وسائل الشيعة: ب 9 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 268

أَوْ نُسُكٍ) «1» بتقدير كون المراد منه من كان منكم مريضاً فلبس يجب عليه النسك اي الشاة كما في النص و ذلك من مصاديق الاضطرار.

ففيه: ان الآية الكريمة لا ترتبط بمسألتنا هذه لأنّها وردت في مورد الاحصار و ان المحصور الذي لا يجوز له ان يحلق رأسه حتي يبلغ الهدي محله لقوله تعالي (و لا تحلقوا رءوسكم

حتي يبلغ الهدي محله) لو اضطر او شق عليه لمرض او اذي من رأسه الصبر الي ان يبلغ الهدي محله فعليه الفدية من صيام او صدقة او نسك و هذا حكم مختص بالمحصور لا وجه لتسريته الي المضطر بلبس المخيط قال في الجواهر: و الا لكان فدية اللبس مخيرة «2».

أقول: لا اظن بمن كان من أهل العلم و النظر أن يري الآية نزلت في لبس المحرم المخيط و دلالتها بالمنطوق عليه و لعل الذي استدل بها استدل بمفهومها بتقريب ان الحلق الذي هو احد المحرمات علي المحرم اذا كانت حرمته عند الاضطرار اليه

ترفع بالفدية فغيره من المحرمات في الحكم معه سواء و لعل كان هذا مراد من قال: ان الاصل في تروك الاحرام الفداء الي ان يظهر المسقط فانه اذا كان الحكم في مورد ترك كذلك لا يستفاد منه الخصوصية بل يراه العرف محكوماً به لكونه تركاً من التروك و محرماً من المحرمات

ثمّ ان بعض الاعلام كما في تقريرات بحثه بعد ما افاد بأن الروايات الدالة علي وجوب الفدية مطلق من حيث الاضطرار و عدمه قال: و امّا في خصوص الاضطرار فقد دل حديث رفع القلم الوارد فيه الاضطرار علي رفع الاثر لو اضطر

______________________________

(1) البقرة/ 196

(2) جواهر الكلام: 20/ 405.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 269

الي ذلك الشي ء فمقتضي الصناعة عدم ثبوت الكفارة في مورد الاضطرار الي لبس المخيط كالجهل و النسيان و لكن حيث ان المشهور ذهبوا الي الوجوب في مورد الاضطرار فيكون الحكم به مبنياً علي الاحتياط. «1»

أقول: هل مقتضي الصناعة ما ذكر؟ ام ان النسبة بين حديث الرفع الدال علي رفع اثر ما يضطر اليه المكلف سواء كان مما يحرم علي المحرم او

من غيره و بين ما يدل وجوب الفدية عليه سواء كان مضطراً اليه او لم يكن منه حيث تكون بالعموم من وجه يقع التعارض بينهما في المخيط المضطر اليه فبمقتضي حديث الرفع لا يجب عليه شي ء و بمقتضي حديث وجوب الفدية تجب عليه الفدية فيتساقطان بالتعارض فيه و مقتضي الاصل براءة ذمته عن الفدية

الظاهر ان مقتضي قوله «الصناعة» هو ما ذكره لانه انما يلاحظ النسبة بين الدليلين اذا كانا في عرض واحد لا يكون احدهما ناظراً الي الآخر و حاكماً عليه و أما اذا كانا كذلك فالحجة دليل الحاكم و دليل رفع الاكراه حاكم علي مثل دليل

وجوب الفداء علي من يلبس المخيط و هذا كحكومة ادلة نفي الحرج و العسر علي ادلة الاحكام فكما لا يلاحظ بينهما النسبة المذكورة لا يلاحظ ذلك في ادلة رفع الاكراه و الاضطرار و لا فرق بينهما غير أن في ادلة نفي الحرج و العسر و الضرر الحكومة تكون باعتبار عقد الحمل و الحكم و في ادلة نفي النسيان و الاكراه و الاضطرار يكون باعتبار عقد الوضع و الموضوع فتلخص من ذلك كله عدم وجوب الفدية علي الذي لبس المخيط اضطراراً و الله هو العالم.

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 144.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 270

[من محرمات الإحرام الاكتحال]

الكلام في الاكتحال

و ذلك اما بالسواد او بما فيه طيب او بغيرهما

امّا الاكتحال بالسواد فقد قال في الجواهر: (و الاكتحال بالسواد علي قول، للمفيد و الشيخ و سلار و بني حمزة و ادريس و سعيد و غيرهم (الي ان قال) لكن في الاقتصاد و الجمل و العقود و الخلاف و الغنية و النافع علي ما حكي عن بعضها انه مكروه بل عن الشيخ دعوي اجماع الفرقة عليه)

«1».

اقول: لا ريب في ان مقتضي الاصل لو لم يكن دليل، جوازه و القائل بحرمته لا بد و ان يقول بالدليل فلا بد لنا من ملاحظة اخبار الباب سنداً و متناً فنقول:

منها صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا يكتحل الرجل و لا المرأة المحرمان بالكحل الاسود الا من علة» «2» و ظاهره حرمة الاكتحال بالاسود علي الرجل و المرأة الا من علة و الظاهر ان المراد منها ما يوجب الاضطرار و لو

عرفا بها.

و في صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) «قال: سألته عن الكحل للمحرم؟ فقال: امّا بالسواد فلا و لكن بالصبر و الحضض» «3»

و ظاهره كسابقه اختصاص الحرمة بالسواد كما ان ظاهر هما حرمة السواد و ان لم يكن بقصد الزينة و لعل ذلك لعدم دخل صدق الزينة عليه بالقصد اذا كان بالسواد و في صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 346.

(2)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 271

ان السواد زينة» «1»

و ظاهر التعليل المذكور ان وجه الحرمة زينية السواد و ان لم يكتحل بقصدها بل يدل علي حرمة غير الاسود اذا كان زينة و علي هذا يمكن ان يقال ان الاكتحال بما هو زينة سواداً كان او غيره محرم علي المحرم قصد به الزينة ام لم يقصدها و ان الاكتحال بغير ما هو زينة اذا لم يكن فيه طيب ليس من المحرمات نعم لا يصح الغاء زينية السواد عرفاً كما صرح به الامام (عليه السلام).

و ربما

يقال بدخل القصد في حرمة الاسود و كل ما هو زينة لظاهر صحيح حريز عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «تكتحل المرأة بالكحل كله الا الكحل الاسود للزينة» «2»

و لكن يمكن منع ظهوره في ذلك بأن المراد منه الاكتحال بالاسود الذي يكتحل به للزينة غالباً و عرفاً او يقال بأن اللام في الزينة للنتيجة كما في قوله تعالي:

(ليكون لهم عدواً و حزناً) «3» و قوله تعالي: (و لقد ذرأنا لجهنم) «4».

و قال: بعض الاجلة: (هنا رواية معتبرة دلت علي ان العبرة باجتماع الامرين معاً السواد و الزينة و تكون اخص من جميع الروايات فتخصص الاسود بالزينة كما هو الغالب و كذلك تخصص الزينة بالاسود ثمّ ذكر صحيحة زرارة المتقدمة و قال: فان كان الاكتحال بالسواد لم تكن زينة كما اذا اكتحل بالليل عند النوم فلا اشكال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(3)- القصص/ 8.

(4)- الاعراف/ 179.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 272

و كذا لو كان الزينة و لكن بغير الاسود. «1»

و قد اجاد فيما افاد غير ان الصحيح يدل علي ان الاكتحال بالاسود الذي يكتحل به للزينة لا يجوز و ان لم تكن زينة له في حال الاكتحال نعم لا بأس بالاكتحال بغير الاسود و لو كان زينة.

ثمّ لا يخفي عليك ان هنا روايات تدل علي النهي من مطلق الاكتحال الا عند الضرورة مثل ما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «2» عن احمد بن محمد «3» عن علي بن الحكم «4» عن عبد الله بن يحيي الكاهلي «5» عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «سأله

رجل ضرير البصر

و انا حاضر فقال: اكتحل اذا احرمت؟ قال: لا و لم تكتحل؟ قال: اني ضرير البصر فاذا انا اكتحلت نفعني و ان لم اكتحل ضرّني قال: فاكتحل قال: فاني اجعل مع الكحل غيره قال: و ما هو؟ قال: آخذ خرقتين فاربعهما فاجعل علي كل عين خرقة، و اعصبهما بعصابة الي قفاي فاذا فعلت ذلك نفعني و اذا تركته ضرّني قال:

______________________________

(1)- معتمد العروة: 4/ 148.

(2)- ان كان احمد بن محمد ابن عيسي فعدته خمسة. محمد بن يحيي و احمد بن ادريس و علي بن ابراهيم و داود بن كورة و علي بن موسي الكميداني و ان كان ابن خالد البرقي فهم اربعة علي بن ابراهيم و محمد بن عبد الله ابن بنت البرقي و احمد بن عبد الله من احمد البرقي ابن ابنه و علي بن الحسين السعدآبادي.

(3)- من السابعة.

(4)- من السادسة ثقة جليل القدر له كتاب.

(5)- من الخامسة ممدوح.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 273

فاصنعه» «1».

و لكن اطلاقها يقيّد بالروايات الدالة علي الجواز في الجملة و بما فيها اذا كان بالاسود الذي يكتحل به للزينة.

كما يقيد بها اطلاق ما يدل علي جواز مطلق الاكتحال كصحيح هارون بن حمزة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا يكتحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران و ليكتحل بكحل فارسي» «2» ان لم نمنع اطلاقه و لم نقل بوروده في مقام النهي عن الطيب و ان الفارسي منه ليس فيه الطيب.

و بالجملة: النهي عن كحل فيه زعفران يدل علي جواز الاكتحال بغيره في الجملة و لا يدل علي الجواز مطلقاً نعم يقيد به اطلاق الطائفة الناهية و تكون الاخبار الاول مقيدة للناهية و مبينة للمجوزة.

هذا و قد افاد العلم المعاصر

المذكور بعد ما اشار الي تعارض الاخبار المطلقة الناهية عن الاكتحال و المطلقة المجوزة له فقال: بازائهما طائفة ثالثة و هي روايات معتبرة دلت علي جواز الكحل في بعض الاقسام و عدم جوازه في القسم الآخر فتكون مقيّدة لإطلاق الطائفتين المتقدمتين (قال) فمنها ما دل علي عدم الجواز اذا

كان الكحل اسود و هو مدرك المشهور كصحيحة معاوية بن عمّار قال: «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الاسود الا من علة».

و منها ما دل علي عدم الجواز اذا كان للزينة كصحيحة اخري لمعاوية بن عمّار: «لا بأس بان تكتحل و انت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه و أما الزينة

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 358 ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 6 و تهذيب الاحكام: 5/ 301 ح 1027.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 274

فلا» (ثمّ قال) و هما ايضاً متعارضتان ثمّ صار في مقام بيان وجه التعارض و بيان الوجه لرفعه فنذكر تمام كلامه بطوله و نظر فيه و الله ولي التوفيق (قال) و هما ايضاً متعارضتان لان المستفاد من الاولي عدم الجواز بالكحل الاسود و الجواز اذا كان غير اسود و ان كان للزينة و المستفاد من الثانية عدم جواز الاكتحال للزينة و ان كان غير اسود و الجواز بالاسود اذا لم يكن للزينة فالتعارض يقع بين عقد الايجاب من احدهما و بين عقد السلب من الآخر و الا فلا منافاة بينهما بالنسبة الي عقد الايجاب من كل منهما فان الاولي تقول بحرمة السواد و الثانية تقول بحرمة الزينة و لا منافاة بين الامرين و حرمة كل منهما و انّما التنافي بين عقد الايجاب من احدهما للعقد السلبي من

الآخر فان مقتضي الرواية الاولي حرمة الاكتحال بالسواد مطلقاً سواء كان للزينة ام لا و مقتضي العقد السلبي للثانية جواز الاكتحال لغير الزينة و ان كان اسود كما ان مقتضي العقد الايجابي للثانية حرمة الكحل للزينة و مقتضي العقد السلبي للاول جواز غير الاسود و ان كان للزينة.

و قد ذكرنا في الاصول في بحث المفاهيم انه اذا كان قضيتان شرطيتان دلتا علي ثبوت شي ء علي تقدير آخر فقهراً تقع المعارضة بين المنطوق من احدهما و مفهوم الآخر كما في مثل اذا خفي الاذان فقصر و اذا خفي الجدران فقصر فاذا خفي الجدران و لم يخف الاذان يقع التعارض بين منطوق الجملة الثانية و بين مفهوم الجملة الاولي فان مقتضي اطلاق منطوق الجملة الثانية وجوب القصر سواء خفي الاذان ام لا

و مقتضي اطلاق مفهوم الجملة الاولي عدم القصر سواء خفي الجدران ام لا و ربما يقال: بوجوب القصر عند خفائهما معاً و لكن لا موجب لذلك لان المعارضة ليست بين المنطوقين ليرفع اليد عن إطلاق كل منهما بل المعارضة بين منطوق احدهما و مفهوم الآخر فالصحيح ان يرفع اليد عن اطلاق كل منهما بتقييده بالآخر و النتيجة:

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 275

ان القصر يثبت بخفاء احدهما و هذه الكبري تنطبق علي المقام ايضاً فنقيد اطلاق مفهوم كل واحد من الروايتين و نرفع اليد عن اطلاق كل واحد منهما و المتحصل حرمة الاكتحال بالسواد او للزينة انتهي). «1»

اقول: اولا: التعارض بين مثل اذا خفي الاذان فقصر و اذا خفي الجدران فقصر بناء علي مسلك المتأخرين في المفهوم و ان نزاع القوم فيه صغروياً انما يتحقق اذا كان الشرط للجزاء علة منحصرة له و اثبات ذلك للقضايا ذوات

المفهوم بقول مطلق في غاية الاشكال

و ثانياً: علي فرض القول بظهور هذه القضايا مثل (ان جاءك زيد فاكرمه) او (ان بلت فتوضأ) علي كون الشرط علة للحكم و علة منحصرة له فهو انما يكون اذا لم يكن هنا قرينة علي الخلاف نصبها المتكلم فمثل قوله ان نمت فتوضأ او اذا خفي الجدران فقصّر قرينة علي عدم ارادة المتكلم من الشرط كونه علة منحصرة للجزاء.

و ثالثاً: ان التعارض علي ما افدتم انما وقع بين اطلاق منطوق كل منها و اطلاق مفهوم الآخر مثلا اذا قال: اذا خفي الاذان فقصّر يدل بالاطلاق علي وجوب القصر، خفي الجدران ام لم يخف و قوله اذا خفي الجدران فقصر ايضاً يدل بالاطلاق علي وجوب القصر خفي الاذان ام لم يخف و لكن مفهوم الثاني عدم

وجوب القصر اذا لم يخف الجدران سواء خفي الاذان ام لم يخف فيقع التعارض بين اطلاق منطوق احدهما و مفهوم الآخر فيما اذا خفي الجدران و لم يخف الاذان او بالعكس فمقتضي اطلاق منطوق اذا خفي الجدران وجوب القصر و مقتضي اطلاق مفهوم اذا خفي الاذان عدم وجوب القصر و مقتضي القاعدة لو كان التعارض بين

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 146.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 276

المنطوقين و عدم كون كل واحد منهما اظهر من الآخر و عدم واحد من المرجحات التساقط.

اما في باب تعارض المنطوق و المفهوم يقدم المنطوق و يقيد به اطلاق المفهوم حملا للظاهر علي الاظهر.

و لكن يمكن ان يقال: ان قاعدة تقييد المطلق بالمقيد و تخصيص العام بالخاص تجري في الدلالات اللفظية و في منطوق الالفاظ فيكون الخاص و المقيد دليلًا علي كون العام او المطلق مستعملا في العام ضرباً للقانون و اعطاءً للقاعدة

و بعبارة

اخري: مفهومهما مراد للمتكلم بالارادة الاستعمالية لا بالارادة الجدية فيجمع بين العام و الخاص بأن العام الوارد عليه الخاص يكون عمومه مراداً للمتكلم بالارادة الاستعمالية فيخصص بالخاص المراد بالارادة الجدية و أما في المفهوم الذي ليس من الدلالات اللفظية فتقسيم الدلالة فيه بالاستعمالية و الجدية لا محل له لانه كما عرفوه ما يستفاد من الكلام لا في محل النطق بخلاف المنطوق فانه ما يدل عليه اللفظ في محل النطق و يصح ان يقال بأنه قال كذا بخلاف المفهوم فلا يقال انه قال كذا و يصح له ان يقول: ما قلت كذا مثلا في قوله تعالي (و لا تقل لهما اف) يدل بالمفهوم علي النهي من ضربهما و لكن لا يصح ان يقال قال الله تعالي: لا تضربهما و في مثل رجل شك بين الثلاث و الاربع يصح ان يقال: قال: رجل شك كذا و مفهومه المساوي و ان كان مساواة المرأة للرجل في هذا الحكم و لكن لا يقال قال امرأة شكت كذا.

و علي هذا اذا كان المفهوم عاماً مثل مفهوم اذا خفي الاذان فقصر لا يمكن تخصيصه بمنطوق غيره او مفهوم آخر فتد برّ فانه جدير بذلك و لذا لا بدّ من رفع اليد بالمرة من مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر و تكون النتيجة وجوب القصر بخفاء كل

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 277

واحد من الاذان و الجدران سواء قلنا بان ما هو الموضوع لهذا الحكم القدر الجامع بينهما من بعد خاص من الوطن يكون كل واحد منهما من مصاديقه او قلنا بانهما و ان كانا كالمتباينين كل واحد منهما موضوع مستقل لهذا الحكم.

و لا يقال: ان وزان الموضوع و الحكم وزان العلة و المعلول

فكيف يكون لعلتين مستقلتين متباينتين معلول واحد.

فانه يقال: هذا في عالم العين و الخارج اما في عالم الاعتبار لا بأس به فيجوز فيه ما لا يجوز فيه.

لا يقال: انه لا فرق في النتيجة بين ان نقول بسقوط المفهوم في القضيتين او قلنا بتخصيص المفهوم فيهما بمنطوق الآخر

فانه يقال: نعم لعل ذلك لا ينتهي الي الاختلاف في النتيجة عملا الا انه علمياً يختلف مفادهما فانه اذا قلنا بتخصيص المفهوم كما ذكر يبقي دلالة القضيتين في نفي الثالث علي حالها دون ما اذا قلنا بسقوط المفهوم و بعد ذلك كله نقول: ان ما ذكر يكون علي مسلك المتأخرين في المفهوم و مبني علي كون النزاع في المفهوم صغروياً و علي ظهور القضية في كون الشرط علة منحصرة للجزاء.

اما علي قول القدماء و ما حققه سيدنا الاستاذ الاعظم رفع الله درجاته فالنزاع فيه يكون كبروياً اي في حجية المفهوم دون وجوده فالمتأخرون يكونون في

مقام اثبات المفهوم لمثل القضية الشرطية و غيرها و اما لو ثبت المفهوم فلا حاجة الي البحث في حجيته لانها امر مفروغ عنه و اما سيدنا الاستاذ قدس سره يقول: ان المفهوم لتلك القضايا المذكورة في كلامهم ثابت لا مجال لإنكاره انما الكلام في ان هذا المفهوم الذي لا يستفاد من الدلالات اللفظية الثلاثة هل هو حجة ام لا، و الذي يتحقق به المفهوم هو فعل المتكلم و اتيانه بقيد زائد في كلامه فلو لم يكن لم مفهوم

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 278

ما كان لاغياً و لم يكن فعله لغواً و المتكلم الحكيم لا يأتي بالفعل اللغو و القيد الزائد الذي لا فائدة له في كلامه فلا بد و ان يكون ذلك لغرض و فائدة

و لا ريب في ان اتيانه بالقيد لما هو الموضوع للحكم يدل علي ان للقيد دخل في موضوعية المقيد في الحكم و ان المقيد بنفسه ليس موضوعاً للحكم مثلا قولنا ان جاءك زيد فاكرمه يفهم ان زيداً بدون لحاظ شي ء معه ليس موضوعاً للحكم فهو جزء الموضوع لا كل الموضوع و الا يكون الاتيان بالقيد لغواً و هذا هو المفهوم الذي وقع البحث في حجيته بين الاصوليين الاقدمين.

و بناء علي هذا نقول: ان في مثل قوله (عليه السلام) «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الاسود» المفهوم عدم كون الكحل باطلاقه موضوعاً للحرمة و الا يلزم ان يكون قيده بالاسود لغواً و كذا النهي عن الاكتحال للزينة و هو ايضاً يدل علي عدم كون الكحل تمام الموضوع للحكم بل اذا كان مشتملا علي امر آخر و علي هذا لا تعارض بين مفهوم قوله لا تكتحل بالكحل الاسود و مفهوم قوله لا تكتحل بما هو زينة فان مفهوم كل منهما متحد مع مفهوم الآخر و هو ان الكحل باطلاقه ليس موضوعاً للحرمة فيرتفع الاشكال من اصله و الله هو الهادي الي الصواب.

هذا كله في الاكتحال بالسواد و بما هو زينة و امّا الاكتحال بما فيه الطيب

فيدل عليه ما يدل بالاطلاق علي حرمة الطيب علي المحرم «1» و الروايات الخاصة مثل صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم لا يكتحل الا من وجع و قال: لا بأس بأن تكتحل و انت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فامّا للزينة فلا» «2».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام.

(2) وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 8.

فقه الحج

(للصافي)، ج 3، ص: 279

و خبر ابان عمن اخبره عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «اذا اشتكي المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا طيب» «1».

و ما رواه الصدوق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا كافور اذا اشتكي عينيه و تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كله الا كحل اسود للزينة» «2».

و يقيد بظاهره ما يدل بالاطلاق علي حرمة الاكتحال بالطيب علي الرجل و المرأة و لكنهم قالوا بان سند الصدوق الي ابي بصير ضعيف بعلي بن ابي حمزة فعلي هذا مقتضي اطلاق غيره حرمته عليها.

اللهم الّا ان يقال: انه لا يستفاد من قوله (عليه السلام) (المحرم) كون المراد منه جنس المحرم رجلا كان او امرأة و ليس المقام مما يلغي فيه خصوصية الذكورية و كيف كان فمقتضي الاحتياط لها ايضاً الاجتناب عن الاكتحال بالطيب و الله هو العالم.

هذا و قد بقي الكلام في كفارة اكتحال المحرم و الظاهر عدم وجوبها لعدم ما

يدلّ عليه نعم قد روي عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال: «لكل شي ء جرحت (خرجت في هامش الكتاب) من حجّك فعليك فيه دم تهريقه حيث شئت» «3» فيستدل بعمومه علي وجوب الكفارة دم يهريقه.

و اورد علي الاستدلال به بعض المعاصرين اولا بضعف السند لان عبد الله بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 9.

(2)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 13 و من لا يحضره الفقيه: 2/ 347 ح 2647.

(3)- قرب

الاسناد باب الحج و العمرة/ 237 ح 928.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 280

جعفر و ان كان من الشرفاء نسباً لم يوثق في كتب الرجال و ثانياً باختلاف النسخة لان في بعضها (خرجت) مكان (جرحت) قال: (و المعني اذا خرجت من حجك و اكملت الاعمال و كان عليك دم يجوز لك ان تذبحه و تهريقه في اي مكان شئت و لا يجب عليك ان تذبحه في مكّة او مني و سيأتي ان شاء الله ان كفارة الصيد تذبح في مكة او مني و امّا بقية الكفارات فيذبحها اين شاء فالرواية ناظرة الي مكان ذبح الكفارة بل الرواية ناظرة الي هذا المعني حتي علي نسخة (جرحت) (بالجيم) فيكون المعني انه اذا جرحت بشي ء فيه دم، تهريقه في اي مكان شئت و قوله (فيه دم) تتمة الجملة الاولي و هي قوله لكل شي ء جرحت) «1».

اقول: امّا الخدشة في السند فليس في محله لان الراوي عن عبد الله ابن الحسن هو الشيخ الجليل ابو العباس عبد الله بن جعفر الحميري القمي الفقيه الثقة الوجه في اصحابنا القميين له كتب كثيرة يدل علي سعة علمه و علو مقامه و ان النجاشي ذكر انّه لمّا قدم الكوفة سمع منه اهلها و اكثروا و مثله لا يروي هذه الاحاديث الكثيرة ممن لا يعرف حاله و لا يعتمد علي حديثه.

مضافاً الي انه قد تكرر منّا ان الظاهر ان عبد الله بن الحسن روي لعبد الله بن جعفر كتاب جدّه المعلوم المعروف بل الموجود عند مثله كما يدلّ عليه سياق الروايات المخرجة عن علي بن جعفر و هو انّما لم يروها بلا واسطة و بالوجادة عن كتاب علي بن جعفر لان المتعارف بين المحدثين

رواية الكتب بالاسناد و العارف يفهم ان ما في قرب الاسناد هو ما في كتاب علي بن جعفر.

اذا فلا يجوز الخدشة في مثل هذه الاسانيد بضعف بعضها و لا ينبغي للفقهاء

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 127.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 281

المتبحرين العارفين باوضاع الروايات تضعيف الاحاديث بمجرد كون بعض الوسائط بين ارباب الكتب الموجودة عندنا و بين الجوامع و الاصول الاولية التي كانت موجودة عندهم ضعيفاً لعدم الاعتناء بمثل هذا الضعف بل يمكن ذلك في رواية مثل علي ابي حمزة البطائني عن كتاب ابي بصير اذا كان الراوي عنه مثل ابن ابي عمير و امّا الكلام في لفظ الحديث و دلالته.

و أما الكلام في لفظ الحديث و دلالته فالظاهر ان لفظة: (جرحت) بالجيم اما معناه: ان لكل شي ء افسدت به حجك و ارتكبته مما يوجب الجرح و الشق من حجك و يوجب عليك الدم تهريقه حيث شئت فلا يستفاد بذلك منه وجوب الدم لكل ما اجترح.

او ان معناه بقرينة الفاء لكل شي ء جرحت من حجك يجب عليك الدم و تهريقه حيث شئت فيكون الحديث بهذا الاستظهار متكفلا لبيان حكمين: احدهما ان لكل ما ارتكبه من المحرمات مما يوجب شقا في الحج الدم. و ثانيهما جواز اهراقه في كل مكان بخلاف الاول فانه اريد منه انه يجوز اهراق دم ما فيه الدم في اي مكان و الاظهر هو الثاني.

و أما اذا كان الحديث بلفظ (خرجت) بالخاء المعجمة فكان المعني: اذا خرجت من حجك و اكملت الاعمال و كان عليك دم يجوز لك اهراقه في اي مكان

فهو خلاف الظاهر و التعبير عن هذا المعني باللفظ المذكور خلاف اسلوب المحاورة. مضافاً الي انه لا دخل للخروج من الحج و اكمال

الاعمال في ذلك.

فالاصح الاظهر في لفظ الحديث (جرحت) بالجيم لا بالخاء كما ان الظاهر من المعنيين المذكورين المعني الثاني.

و يمكن ان يقال: بتقديم المعني الاول و كون (فعليك فيه دم) قيداً لقوله (لكل

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 282

شي ء جرحت من حجك) بان كونه كالخبر لقوله (لكل شي ء) مستلزم لورود التخصيص علي العام المستفاد منه، لعدم الكفارة في بعض المحظورات و كون كفارة بعضها غير الدم بخلاف ما اذا كان قيداً فانّه لا نحتاج فيه الي تخصيص عموم لكلّ شي ء.

و بعد ذلك كله يمكن ان يقال: بعدم الكفارة عملا بالاصل و ان كان مقتضي الاحتياط الكفارة. بل يمكن التفصيل فيقال: بالحاق خصوص الاكتحال بما فيه طيب يوجد ريحه بالطيب في الحكم دون غيره و الله هو العالم باحكامه.

[من محرمات الإحرام التظليل]

اشارة

حرمة التضليل علي المحرم سائراً

قال في الجواهر: (تظليل) الرجل (المحرم سائراً) بان يجلس في محمل او قبة او كنيسة او عمارية مظللة او نحوذ لك علي المشهور نقلا في الدروس و غيرها و تحصيلا بل عن الانتصار و الخلاف و المنتهي و التذكرة الاجماع عليه بل لعله كذلك اذ لم يحك الخلاف فيه الا عن الاسكافي ان عبارته ليست بتلك الصراحة «1».

اقول: المستند في المسألة اثباتاً او نفيا ليس الا الروايات و عليه نقول: امّا

الروايات الدالة علي الحرمة فكثيرة جداً.

منها صحيح هشام بن سالم قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يركب في الكنيسة، فقال: لا، هو للنساء جائز» «2».

و صحيح ابن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال: «سألته عن المحرم يركب

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 394.

(2) وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 283

القبة، فقال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة،

قال: نعم» «1»

و صحيح سعد بن سعد الاشعري عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام): «سألته عن المحرم يظلل علي نفسه؟ قال: أ من علة؟ فقلت: يؤذيه حرّ الشمس و هو محرم قال: هي علة يظلل و يفدي» «2»

و موثق اسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن المحرم يظل عليه و هو محرم؟ قال: لا الا مريض او من به علة و الذي لا يطيق الشمس» «3».

و صحيح عبد الله بن المغيرة قال: «قلت لابي الحسن الاول (عليه السلام) اظل و أنا محرم؟ قال: لا، قلت أ فأظلل و أكفر؟ قال: لا، قلت: فان مرضت؟ قال: ظلل و كفر ثمّ قال: اما علمت ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: ما من حاج يضحي ملبياً حتي تغيب الشمس الا غابت ذنوبه معها» «4».

و يمكن الخدشة في دلالته علي الحرمة بملاحظة ذيله الدال علي الترغيب و بيان

الثواب.

و مثله صحيحه الآخر قال: «سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن الظلال للمحرم فقال: اضح لمن احرمت له فقلت: إنّي محرور و ان الحر يشتد علي فقال: اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المجرمين» «5» و غير ذلك من الروايات التي ان امكن الخدشة في بعضها سنداً او دلالة لا تمكن في غيرها مما هو صريح في الحرمة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 7.

(4)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(5)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 11.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص:

284

و لكن في قبالها الاصل المقطوع و الروايات التي يمكن الاستشهاد بها لما حكي عن الاسكافي و ذلك مثل صحيح الحلبي الذي رواه عنه ابن مسكان قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام): عن المحرم يركب في القبة؟ فقال: ما يعجبني ذلك الا ان يكون مريضاً» «1» و لو كنا و هذا لا نقول به الا بالكراهة.

و صحيح علي بن جعفر الذي رواه عنه موسي بن القاسم قال: «سألت أخي (عليه السلام) اظلل و انا محرم فقال: نعم و عليك الكفارة قال: فرأيت عليّاً اذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل» «2» و الظاهر من الرواية ان السؤال كان من حكم التظليل بدون العلة و الا فمثل علي بن جعفر كان عالماً بجواز التظليل بالعلة نعم ان قيل بدلالته بالاطلاق لترك الاستفصال يمكن ان يقال بأنه مقيد بغيره من الروايات.

و صحيح جميل بن درّاج عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس بالظلال للنساء و قد رخص فيه للرجال» «3»

و ردّ بدلالة (قد) فيه علي التقليل و لكنه خلاف الظاهر فانها تدل علي التقليل اذا وردت علي المضارع لا علي الماضي او المجرد من الزمان كقوله تعالي: (قد علم الله).

هذا و في الجواهر ردّ الاستشهاد بصحيح الحلبي بانه غير صريح في الجواز و صحيح علي بن جعفر بانه يحتمل الضرورة و افاد بأن هذا اي احتمال الضرورة في صحيح جميل أظهر بقرينة لفظ الرخصة «4».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 5

(2) وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 10.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 394.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص:

285

أقول: يمكن ان يقال: ان غاية ما يقال في صحيح الحلبي انّه لا يدلّ علي الحرمة اما دلالته علي الجواز فغير ظاهر و امّا صحيح علي بن جعفر فيمكن ان يكون المراد منه السؤال عن التظليل بالعلل العرفية التي لا تصل الي حدّ الضرورة و اللابدية.

و أما صحيح جميل و ان لم نقل فيه بدلالة (قد) علي التقليل الا انه ليس ظاهراً في انه مرخص فيه للرجال مطلقاً بل يدل علي ذلك في الجملة و علي نحو الموجبة الجزئية و لو لم يكن ما ذكر في هذه الروايات وجهاً لعدم دلالتها علي الجواز المطلق فالوجه في الجواب عنها هو حملها علي التقية لموافقة القول بالجواز للعامة.

قال في الفقه علي المذاهب الاربعة: (و يجوز له ايضاً ان يستظلّ بالشجرة و الخيمة و البيت و المحمل، و المظلة المعروفة بالشمسية بشرط ان لا يمس شي ء من ذلك رأسه و وجهه فان كشفهما واجب باتفاق المالكية و الحنفية امّا الشافعية و الحنابلة فانظر مذهبهما تحت الخط) «1» و ما ذكره تحت الخط لا يرجع الي مخالفتهما في جواز

الاستظلال

و الشاهد علي ان الرواية الدالة علي الجواز لو تمت دلالتها محمولة علي التقية الروايات الحاكية عن سؤال ابي يوسف عن مولانا ابي الحسن موسي بن جعفر (عليهما السلام) كالمنكر له القول بالحرمة ففي بعضها انّه قال: «يا ابا الحسن جعلت فداك- المحرم يظلل؟ قال: لا قال: فيستظلّ بالجدار و المحمل و يدخل البيت و الخباء (و في بعضها فيستظل بالخباء) فقال: نعم قال: فضحك ابو يوسف شبه المستهزئ فقال له ابو الحسن (عليه السلام) يا ابا يوسف ان الدين ليس بالقياس كقياسك و قياس اصحابك ان الله

______________________________

(1)- الفقه علي المذاهب

الاربعة: 1/ 651.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 286

عزّ و جل امر في كتابه بالطلاق و اكد فيه شاهدين و لم يرض بهما الا عدلين و امر في كتابه بالتزويج و اهمله بلا شهود فاتيتم بشاهدين فيما ابطل اليه و ابطلتم شاهدين فيما اكد الله عزّ و جلّ و اجزتم طلاق المجنون و السكران. حج رسول الله صلي عليه و آله و سلم فاحرم و لم يظلّل و دخل البيت و الخباء و استظل بالمحمل و الجدار فقلنا (فعلنا) كما فعل رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فسكت» «1».

اذاً فلا ريب في ان الاعتماد علي الروايات المستفيضة الدالة علي تحريم الاستظلال.

الا انه يقع الكلام هنا في امور:
الاول: قد سمعت من الروايات ان التظليل مرخص فيه في الجملة

لعذر ما من مرض او حر أو برد فهل هو مختص بما اذا صار بهذه العلل مضطراً الي التظليل و كان

العذر بحيث لا يتحمل عادة او عرفاً مثله او هو اعم من ذلك فيكفي مطلق الاذية من الحر او البرد و ان لم تصل الي الحد المذكور.

و بعبارة اخري: يلزم ان يكون العذر علي حدّ يسقط معه التكليف و الظاهر من الجواهر اختيار سقوط حرمته اذا كان فيه الضرر العظيم الذي يسقط معه التكليف «2».

و لكن الظاهر من الروايات انه مرخص فيه و لو لم يصل العذر الي هذا الحد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 66 من ابواب تروك الاحرام ح 2 و عيون اخبار الرضا (عليه السلام) و قرب الاسناد في بعضها ان السائل كان محمد بن الحسن الشيباني و هو ابو يوسف كانا من تلامذة ابي حنيفة و في بعضها ان السؤال و الجواب وقع عند المهدي العباسي و في بعضها انهما وقعا عند هارون و الظاهر وقوعهما عندهما.

(2) جواهر الكلام: 18/

398.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 287

نعم الاذية المتعارفة التي هي موجودة في ترك التظليل للجميع و تقتضيها طبع الموضوع او ما هو قريب منه لا يكون مجوزاً لارتكاب التظليل فاذا كان المحرم مريضاً او ضعيفاً تؤذيه الشمس و تؤثر فيه اكثر مما تؤثر في سائر الافراد يجوز له التظليل و ان لم يصل ما به الي حدّ الاضطرار الي ارتكاب الحرام و بذلك يجمع بين الروايات فتدبر.

الثاني: الظاهر انه لا وجه يعتد به للقول باختصاص حرمة التظليل علي الراكب دون الماشي و الراجل

الا ما ورد في بعض الروايات من السؤال عن راكب القبة و الكنيسة فان مفاده حرمته علي راكب خصوص القبة و الكنيسة أو مطلق الراكب لكن لا يدل علي اختصاصها بالراكب و مقتضي الروايات المطلقة حرمة التظليل علي الراكب و الماشي و لا وجه لرفع اليد عن اطلاقها سيما بعد كون المشاة كثيرين و لو كانت الحرمة مختصة بالراكبين كان بيان ذلك جديراً بالذكر جداً.

و في الجواهر: (نعم في صحيح ابن بزيع «1» كتب الي الرضا (عليه السلام): «هل يجوز للمحرم ان يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب نعم» و في خبر الاحتجاج يجوز له المشي تحت الظلال «2» الا انه يمكن دعوي انسباقه الي ارادة المشي في ظله لا الكون تحت الحِمل و المحمل) «3».

و في تقريرات بعض الاجلة تجويز التظليل بظل المحمل للماشي بالخصوص دون غيره حفظاً للاطلاقات في غير ظل المحمل فرد عطف غيره به كما فعل الشهيد الثاني بقوله (و نحوه) و قال: هذا مما نلتزم به للتعبد بالنصّ و لا يدلّ علي جواز

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 403.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 288

الاستظلال مطلقاً و

لو بظل غير المحمل و الاحكام تعبديّة و ملاكاتها مجهولة عندنا فيجب الاقتصار علي مورد النصّ (الي ان قال) فمقتضي اطلاق النصوص عدم جواز الاستظلال للراجل مطلقاً بمظلة و نحوها الا الاستظلال بظل المحمل حال السير و امّا رواية الاحتجاج الدالة علي جواز الاستظلال للماشي مطلقاً و لو بظلّ غير المحمل فضعيفة للارسال «1».

أقول: يمكن ان يقال: بالفرق بين ما يستظل به حسب العادة او يتخذه لان يستظل به كالشمْسِية و ما يستر به حر الشمس و بين المحمل الذي لم يتخذ للاستظلال به فنقول: بالحرمة في الاولي للاطلاقات و بالثاني بصحيح ابن بزيع سواء كان المحمل او الحمل او ما يشابهه لان الانصاف ان ما ذكره في مثل المورد لا يكفي لاختصاص الحكم به و عدم اجراء مفهوم المساواة و اما رواية الاحتجاج فمع قطع النظر عن ضعف السند يمكن ان يقال فيه ايضاً بعدم دلالته علي المشي تحت كل الظلال و ان كان مجعولا للاستظلال بل المراد من قول الشيباني (أ فيجوز ان يمشي تحت الظلال مختاراً) و قول الامام (عليه السلام): «ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) كشف ظلاله في احرامه و مشي تحت الظلال و هو محرم»

المشي تحت ظلال المحامل و الظلال الواقعة في الطريق كالاشجار و نحوها و الله هو العالم.

الثالث: قال في الخلاف: (للمحرم ان يستظل بثوب ينصبه ما لم يكن فوق رأسه بلا خلاف)

«2» و عن المنتهي نسبة الجواز الي جميع اهل العلم «3»، و عن ابن زهرة: يحرم عليه ان يستظل و هو سائر بحيث يكون الظلال فوق رأسه «4».

______________________________

(1) المعتمد: 4/ 236 و 237.

(2)- الخلاف: 2/ 318.

(3)- منتهي المطلب الطبعة الحجرية/ 792.

(4)- غنية النزوع: 159.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 289

و الوجه لذلك الاصل و صحيح ابن

سنان قال: سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول لابي و شكي اليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذي به فقال: تري ان استتر بطرف ثوبي؟ فقال: لا بأس بذلك ما لم يصبك (لم يصب) رأسك. «1»

وجه الاستدلال به انه و ان كان السؤال عما اذا تأذي به و لكن الجواب عام يشمل صورة الضرورة و غيرها لان قوله: (بذلك) راجع الي الاستتار بطرف الثوب و خصوصية المورد لا تخصص الوارد و كان الجواهر صوب ذلك الاستدلال و لذا قال: (فيه انه يعارضه عموم نحو قول الصادق (عليه السلام) في خبر المعلي «2» «لا يستتر المحرم من الشمس بثوب. و لا بأس ان يستر ببعض» «3» و خبر اسماعيل بن عبد الخالق «4»

و محمد بن الفضيل «5» السابقان بل و خبر عبد الله بن المغيرة «6» المتقدم ضرورة انه لو كان الاستتار بما لا يكون فوق الرأس جائراً لبينه له و خلوّ اخبار التكفير «7» مع التظليل للضرورة عمّا لا يكون فوق الرأس اذ لو كان جائزاً اختياراً وجب الاقتصار عليه اذا اندفعت به الضرورة، و لعل المتجه حمل ذلك كله علي الكراهة كما يومئ اليه خبر قاسم الصيقل قال: «ما رأيت احداً كان اشد تشديداً في الظل من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(2)- من الخامسة مدحه الشيخ في كتاب الغيبة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 9 و فيه: «هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا الّا ان يكون شيخاً كبيراً او قال: ذاعلة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 66 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(6)-

وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 11.

(7)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 290

ابي جعفر (عليه السلام) كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين اذا احرم» «1» فان التشديد ظاهر في الزيادة علي الواجب، و هذا و ان كان من الراوي الّا انه ظاهر في معلومية الحكم عندهم سابقاً و هو شاهد علي صحة الاجماع المزبور الذي يقيد به المطلقات المذكورة و اخبار التكفير انما جاءت لبيان ثبوت الكفارة في المحرم من التظليل للمختار اذا اقتضته الضرورة و هو ما فوق الرأس بل قد يشهد لما ذكرناه ما في خبر سعيد الاعرج سأل الصادق (عليه السلام) (عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده؟ قال: «لا الا من علة») «2» لما عرفت من جواز الاستتار باليد الذي فعله رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) علي وجه يقصر عن معارضته فلا بدّ من حمله علي ضرب من الكراهة) «3».

أقول: امّا ما افاده في الجواهر بان عموم خبر المعلي يعارض صحيح بن سنان ففيه: ان المعارضة بينهما بالعموم و الخصوص، و الصحيح خاص يخصص به عموم خبر المعلي و صحيح بن المغيرة كما يخصص به خبر ابن عبد الخالق.

و أما خبر محمد بن الفضيل «4» فيرد بضعفه

و أمّا خلو اخبار التكفير لتكفير عما ذكر فانه يمكن ان يكون ورودها لصورة عدم اندفاع الضرورة بما لا يكون فوق الرأس

و أمّا الاستشهاد لحمل الروايات علي الكراهة بخبر قاسم بن صيقل فمضافاً الي ضعفه به فما استظهر هو من فعل الامام (عليه السلام) اجتهاد منه لا يعتمد عليه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 12.

(2)-

الوسائل، ابواب تروك الاحرام، ب 67، ح 5.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 400 و 401.

(4)- ضعيف له كتاب.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 291

و أما خبر سعيد الاعرج فالاستشهاد به ايضاً لحمل الروايات علي الكراهة مخدوش بانه لم يرد فيه توثيق في كتب الرجال و من جانب آخر ردّ الاستدلال بصحيح ابن سنان لجواز الاستظلال بما لا يكون فوق الرأس بان مورده الاضطرار لا الاختيار.

و ما ذكر من ان خصوصية المورد لا تخصص الوارد معناه سلب كلية عدم كون خصوصية المورد مخصصة للوارد و لا يثبت بذلك كونها كذلك في الجملة فاللازم ملاحظة الموارد فرب مورد بخصوصيته مخصص للوارد عند العرف و رب مورد لا يكون كذلك.

و بعد ذلك كله نقول مقتضي الاطلاقات السابقة حرمة التظليل و الاستتار عن الشمس سواء كان بما يكون علي رأسه او بغيره و حيث لم يثبت ما يكون حجة لتقييدها فالظاهر حرمته مطلقاً و القول به موافق للاحتياط فلا يجوز تركه مطلقاً و الله هو الهادي الي الصواب.

الرابع: [فهل المراد بالاستتار ما يكون له شأنية ذلك في الضحي و عند نزول المطر و غيرهما من الحالات و ان لم يكن هنا ضحي و مطر]

بعد البناء في الامر الثالث علي حرمة التظليل و الاستتار عن الشمس مطلقاً سواء كان ما يظل به فوق رأسه او باحد جانبيه فهل المراد به ما يكون له

شأنية ذلك في الضحي و عند نزول المطر و غيرهما من الحالات التي يستفاد لدفع الاذية بالاستظلال و ان لم يكن هنا ضحي و مطر و ما يلجأ لدفعه بالاستظلال فيحرم علي المحرم السائر في الليل او في الغيم الشديدة ما يحرم عليه في اليوم و في الضحي او ان المراد فعلية الاستظلال و وقوعه خارجاً فلا يقال للسائر في الليل اذا كان في المحمل او في السيارة انه استظل بهما.

الظاهر هو الثاني كما يدلّ

عليه عدة من الروايات مثل قوله (عليه السلام) اضح لمن

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 292

احرمت له و ما ورد في ثواب الحاج الذي يضحي ملبياً.

و هل يمكن ان يقال: انه لا يتحقق الاستظلال و لا ايجاد الظل الا عند اشراق الشمس و وجود النور فلا يطلق بما لا يظل به لدفع الشمس الاستظلال اذا كان لدفع المطر او شدة الحر و ان قلنا بدلالة بعض الاخبار علي حرمته علي المحرم مثل الحديث الثالث و الخامس و السابع من الباب السادس من ابواب بقية كفارات الاحرام من الوسائل؟

الظاهر بدلالة نفس الروايات صدق الاستظلال علي ما يدفع به الاذي سواء كان من الشمس او من المطر او غيرهما.

لا يقال: الركوب في القبة او الكنيسة يدل عليها مطلقاً.

فانه يقال: الظاهر ان السؤال عن مثل القبة ايضاً وقع لكونها مانعاً من الاضحاء و من مصاديق الاستظلال المحرم فعلي هذا اذا ركب السيارة المسقفة في الليل لا لدفع اذي و علة بل لكونها مبذولة لا بأس به و ان كانت غيرها ايضاً موجودة.

فلا يقال: ان التظليل المنهي عنه لا يختص بالاستظلال بالشمس حتي لا يكون ركوب السيارة في الليل حراماً لحرمته من جهة حرمة مطلق التستر عما يتأذي به

الشخص.

فانه يقال: نعم نقول بالحرمة اذا كان ركوب السيارة لدفع ما قلت اما اذا لم يكن لاجل دفع مثل المطر و البرد لا يصدق عليه الاستظلال و الاستتار و جعل الظل و الستر لرفع الاذي. و الله هو العالم.

الخامس: لا اشكال في حرمة التظليل علي المحرم السائر اذا كان الظل سائراً

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 293

و بعبارة اخري: كان المحرم سائراً في السائر كالمحمل و القبة و الشمسية.

انما يمكن ان يقع الكلام في السير في ظل الثابت الساكن كإظلال الاشجار و الجدران و

الجبال مما لا ينتقل ظله لعدم انتقاله. حكي عن بعضهم اختصاص الحرمة بما ينتقل ظله تبعاً لانتقاله و ذلك للاصل و لانه لو كان السير في الظل الثابت ايضاً محرماً مع كثرة الابتلاء به حال السير و المرور بالاشجار و البيوت كان واضحاً ظاهراً و واقعاً مورد السؤال و الظاهر من الادلة هو جعل المحرم لنفسه ما يمنع من الحر و البرد فيه دون ما هو موجود بنفسه في الطريق.

و بالجملة القول بانصراف الادلة الناهية عن التظليل عن الظل الثابت و عدم شمولها له قريب فلم يقل احد بأنه اذا كان علي جانبي الطريق الاشجار او الجدران يجب علي المحرم اتخاذ طريق آخر هذا.

و لكن يمكن ان يقال: ان في مثل المقام ايضاً الامر يدور مدار صدق الاستظلال و عدمه فاذا عدل من احد جانبي الطريق الذي لا ظل فيه الي جانبه الآخر الذي فيه ظل الجدار و الاشجار فراراً من حر الشمس او البرد يصدق عليه الاستظلال دون ما اذا سار فيه لا بقصد دفع الحر و البرد.

لا يقال: فليقال مثل ذلك في جعل ما له الظل علي نفسه عند اشراق الشمس اذا لم يكن دفع حره مرغوباً فيه. فمن ركب في المحمل او السيارة المسقفة في اليوم

الذي الاضحاء فيه مطلوباً مرغوباً فيه لا يطلب بركوبه الاستظلال من الشمس لا باس به.

فانه يقال: لعلهم لم يتعرضوا لذلك الفرع في كلماتهم و لكن يمكن ان يقال: بعدم شمول ما يدل علي التحريم لذلك لان الحصول و الحضور تحت الظل ليس استظلالًا

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 294

الا اذا كان الظلّ مطلوباً …

لا يقال: يشمل هذا اطلاق ما دل علي حرمة الركوب في الكنيسة و القبة

فانه يقال:

هذا يتم لو قلنا بحرمة الركوب في القبة و نحوها علي الموضوعية دون ما اذا كانت علي الطريقية لكونهما ممّا يستظل بهما بل و لو كان الحكم علي الموضوعية يجب الاقتصار علي مورده فيصير محرماً خاصاً غير الاستظلال لا يرد به ما قلناه.

و كيف كان فالاحتياط في الظل الثابت ان لا يتخذه استظلالا و دفعاً لحر الشمس او البرد و الله هو العالم.

[السادس:] «جواز التظليل بالاعضاء»

السادس: قد اشرنا في طيّ ما تقدم منا في هذا المبحث (مبحث التظليل) الي جواز التظليل بالاعضاء كاليد و الذراع و يدل عليه رواية المعلي بن خنيس المتقدمة «1» و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس بأن يضع المحرم ذراعه علي وجهه من حر الشمس و قال: و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض» «2»

و في رواية محمد بن الفضيل «كان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض و ربما يستر وجهه بيده» «3»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 66 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 295

و ما رواه الفقيه باسناده عن سعيد الاعرج «انه سأل ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يستر من الشمس بعود و بيده قال: لا الا من علة» «1» فيحمل علي الكراهة لصراحة ما دل علي الجواز دونه لجواز كون المراد منه مجرد المرجوحية و الحرمان من الفضل و الثواب الكثير.

و هل يجوز ذلك بيد غيره بدعوي انصراف ما يدل علي حرمة

الاستظلال بما يتعارف الاستظلال به من ثوب او شمسية او كنيسة و نحوها او يقال بعدم الانصراف حتي اذا كان ذلك بيد نفسه و لذا ورد التعرض له في الاخبار اذاً فالاقتصار في الحكم بالجواز علي يده دون غيره هو الاحوط لو لم نقل بكونه اقوي و اظهر و الله هو العالم.

السابع: الظاهر انه لا كلام بين الاصحاب في ان المحرم اذا نزل مكة المكرمة او انشاء احرام الحج منها يجوز له ما دام هو في المنزل

و لم ينشأ السير و الذهاب الي مني و كذا في المنازل التي ينزل فيها بين مكة المكرمة و المدينة المنورة الاستظلال بالبيوت و الجدر ان و الاشجار و هذا هو الفارق بين المحرم السائر و بين النازل في المنزل و بهذا الفرق كان المخالفون الذين لا يقولون بحرمة الاستظلال يؤاخذون علي ائمة الدين و اعدال القرآن الكريم صلوات الله عليهم اجمعين و كان الرّد عليهم

منهم (عليهم السلام) ان الدين ليس بالقياس و لا يقاس.

و هل الجواز مختص بالظل الثابت او يعمّه و السائر فيجوز الاستظلال في المنزل بنحو الشمسية يمكن ان يقال: ان ما يستفاد مما وقع بين ائمة الدين (عليهم السلام) و مثل ابي حنيفة و تلامذه جواز الاستظلال بمثل الخباء و الظل الثابت دون الظل السائر فاطلاق ادلة حرمة الاستظلال في الظل السائر علي حاله.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 5 و من لا يحضره الفقيه: 2/ 355 ح 2683.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 296

اللهم الا ان يقال: ان المستفاد من الادلة هو الحرمة علي المحرم السائر دون النازل في المنزل بل بعضها نصّ في ذلك مثل روايات القبة و الكنيسة فلا يشمل من انشاء الاحرام في الميقات او غيره بالنذر و هو بعد لم يعزم علي السير و هذا ليس ببعيد فيجوز له مطلقاً الاستظلال

في المنزل و ان كان الاحتياط بترك الاستظلال بالظل السائر ينبغي رعايته، و الله هو العالم.

[مسألة 37] وجوب الكفارة للتظليل
اشارة

مسألة 37: الظاهر انه لا خلاف بينهم في وجوب الكفارة للتظليل في الجملة بل الظاهر عدم الفرق في لزومها بين المختار و المضطر كما حكي التصريح به عن غير واحد.

و عن كشف اللثام انه نص عليه الشيخ و الحلبيان و غيرهم «1» و لا يخفي عليك ان الاخبار جلّها او كلها وردت في المضطر الي التظليل فراجع الوسائل ابواب بقية كفارات الاحرام ب 6 من اول الباب الي آخره و ب 7، و ابواب تروك الاحرام ب 67 ليس فيها ما يدل علي وجوب الكفارة اذا ارتكب التظليل عمداً

و الاستناد الي صحيح علي بن جعفر الذي تقدم ذكره قال: «سألت أخي (عليه السلام):

اظلل و انا محرم؟ فقال: نعم و عليك الكفارة» «2» في غير محله لان مثل علي بن جعفر لا يسأل الامام (عليه السلام) عن ارتكاب الحرام مطلقاً و ان لم يكن به علة.

نعم في مرسل رواه الكليني عن محمد بن يحيي «3» عمن ذكره عن ابي علي بن

______________________________

(1)- كشف اللثام: 6/ 477.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات.

(3)- الظاهر انه محمد بن يحيي ابو جعفر شيخ اصحابنا في زمانه ثقة من الثامنة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 297

راشد «1» «قال: سألته عن محرم ظلل في عمرته؟ قال: يجب عليه دم قال: و ان خرج الي (من) مكّة و ظلل وجب عليه ايضاً دم لعمرته و دم لحجّته» «2».

و الخبر مضافاً الي ما فيه من علّة الارسال مضمر و كيف كان يمكن ان يقال: ان وجوب الكفارة علي المختار كان مفروغاً عنه و يظهر من بعض روايات

الباب ان سؤالهم كان عن وجوب الفدية علي المضطر و من به علّة لانّهم كانوا يرون وجوبه علي المختار فسئلوهم (عليهم السلام) عن غير المختار.

فلا يقال: يمكن ان يكون وجوب الكفارة علي المضطر لتدارك ما فات منه بالتظليل بل الظاهر ان المختار اولي بوجوب الكفارة عليه و كيف كان فلعلك لم تجد من قال بالتفصيل و وجوبها علي المضطر دون المختار.

كفارة التظليل

نعم قد وقع الكلام فيما هو كفارة التظليل فقال المحقق: (و في التظليل سائراً شاة) «3» و قال في الجواهر: هو المشهور للمعتبرة المستفيضة الدالة علي ذلك بل في

بعضها تفسير الفدية بها) «4» ثمّ ذكر ما رواه الشيخ بسنده الصحيح عن ابراهيم ابن ابي محمود «5» قال: «قلت للرضا (عليه السلام): المحرم يظلل علي محمله و يفدي اذا كانت الشمس و المطر يضرّان به؟ قال: نعم قلت: كم الفداء قال: شاة» «6».

______________________________

(1)- هو من الوكلاء الممدوحين عاش سعيداً و مات شهيداً كانه من السابعة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2. و الكافي 4/ 352 ح 14.

(3)- شرائع الاسلام: 1/ 227.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 415.

(5)- ثقة كانه من السادسة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 5 رواه ايضاً عن الكافي: 4/ 351 ح 9 و التهذيب: 5/ 311 ح 1066.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 298

و روي الكليني عن العدّة عن احمد بن محمد عن ابن بزيع عن الرضا (عليه السلام) قال: سأل رجل عن الظلال للمحرم من اذي مطر او شمس و انا اسمع فامره ان يفدي شاة و يذبحها بمني» «1» و هنا روايات تدل علي وجوب الفدية بالاطلاق او بلفظ (يهريق دماً) تقيد بروايات

الشاة.

بقي الكلام فيما في صحيح علي بن جعفر فان فيه قال الراوي عنه: «فرأيت علياً اذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفارة الظل» «2» و الظاهر منه كفاية نحر البدنة و مقتضي الجمع بينه و بين روايات الشاة حملهما علي التخيير حملا للظاهر علي الاظهر لصراحة كل منهما في كفاية الشاة و البدنة و ظهور هما في تعيين خصوص الشاة أو البدنة.

و يمكن ان يستفاد من عمل علي بن جعفر و هو لا ريب في جلالة قدره افضلية البدنة.

و لكن في الجواهر قال: (فهمه و فعله ليس حجة تصلح معارضاً للنصوص المزبورة خصوصاً بعد عدم القائل به، و ان حكي عن المقنعة و جمل العلم و العمل و المراسم و النهاية و المبسوط و السرائر التعبير بدم كبعض النصوص «3»

و تبعه في رد حجية عمل علي بن جعفر بعض المعاصرين «4» الا اننا لا نرضي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية الكفارات الاحرام ح 6 و الظاهر انه و الحديث الثالث واحد و احتمال التعدد يأتي فيه و في الحديث السابع لاختلاف لفظهما و لكن الظاهر كون الثلاثة واحداً فراجع. و الكافي: 4/ 351 ح 5.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 415.

(4)- معتمد: 4/ 246.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 299

بذلك و نري ان فهم مثله في مدلول الرواية يكفي للاستدلال بها فتوي. لو كنا و هذه الرواية نأخذ باطلاق كلام الامام (عليه السلام) و بعد ذلك كلّه فالاحتياط هو الاقتصار بالشاة.

نعم هنا ما يدل علي كفاية التصدق بمد لكل يوم و هو رواية علي بن ابي حمزة البطائني عن ابي بصير الذي روي عنه احمد بن

محمد بن ابي نصر الثقة الجليل الذي اجمع اصحابنا علي تصحيح ما يصح عنه و اقروا له بالفقه.

قال ابو بصير: «سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال و هي محرمة؟ قال: نعم، قلت: فالرجل يضرب عليه الظلال و هو محرم؟ قال: نعم، اذا كانت به شقيقة و يتصدق بمدّ لكلّ يوم» «1».

قال في الوسائل و وجه الجمع هنا التخيير أو حمل المدّ علي صورة العجز عن الشاة «2»، و لكن ردّه بعض الاعلام بضعفه بعلي بن ابي حمزة «3»، و قد قلنا آنفاً ما في مثل هذه التضعيفات و بعد ذلك يمكن تضعيفه بالاضمار الا انه اذا كان المضمر مثل

ابي بصير فلا ريب في انّه لا يسأل عن دينه الا عن الامام و الظاهر انّه الامام الصادق (عليه السلام).

و علي هذا فالجزم بالحكم علي تعيّن الشاة خلاف الاحتياط كما انّ الحكم بالتخيير ايضاً كذلك، فما يقتضيه الاحتياط في الدين الاقتصار بالشاة. و الله هو العالم بالاحكام.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 8.

(2)- المصدر السابق.

(3)- المعتمد 4/ 246.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 300

[مسألة 38] «عدم وجوب تكرار الكفارة بتكرار التظليل»

مسألة 38: مقتضي الاصل في باب الاسباب و المسببات و ان كان عدم التداخل و وجوب تكرار الكفارة بتكرار التظليل و احداثه مرّة بعد مرّة و لو في احرام واحد الا ان مقتضي ما يستفاد من روايات الباب و ما يناسب الحكم و الموضوع عدم وجوب التكرر اذا كان العذر مستمراً باقياً في مدة خاصة.

كما اذا صار مريضاً يوماً او يومين او ثلاثة او طول مدة الاحرام فاذا رفع هذا المريض ما استتر به و استظلّ به لحاجة ثمّ عاد اليه لا يجب عليه كفارتان او ازيد بتكراره ذلك،

و كذا المضطر الي الركوب في الكنيسة لا يجب عليه بنزوله عنها و عوده الي ركوبها الا كفارة واحدة.

و بالجملة مثل المريض و الشيخ و الشيخة من الذين يجوز لهم التظليل لا ريب في انه يتكرر منهم ذلك و لو كان ذلك موجباً لتكرر الكفارة عليهم شاع و بان و لوقع مورد السؤال و هل الحكم كذلك و ان تعدد سبب الحاجة و الضرورة الي التظليل كما اذا اضطر الي التظليل لشدة حرّ الشمس و بعد زوالها اضطر اليه للمطر الشديد ثمّ

زال ذلك السبب و صار بالمرض كذلك و الظاهر كفاية كفارة واحدة لجميع ذلك.

يمكن ان يقال: باشعار بعض الروايات بعدم تكرر الكفارة بتكرار التظليل للاسباب المتعددة المتباينة مثل قوله (عليه السلام): «يظلل علي نفسه و يهريق دماً ان شاء الله» «1» فانه لا يخلو من الاشعار علي انه يهريق دماً علي التظليل سواء تكرر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 301

منه ام لا.

و مثل قوله (عليه السلام): «قلت: كم الفداء قال: شاة» «1» و لم يسأله الامام (عليه السلام) عن تكرر ذلك

و استفادة ذلك عن مضمر ابي علي راشد اوضح و اظهر قال: «سألته عن محرم ظلل في عمرته، قال: يجب عليه دم قال: و ان خرج من مكة و ظلل وجب عليه ايضاً دم لعمرته و دم لحجّته» «2» و هذا يدل علي ان وجوب الكفارة حكم طبيعة التظليل في احرام واحد كيف ما وقع.

و الظاهر انه و ما رواه محمد بن عيسي «3» عن ابي علي بن راشد واحد قال: «قلت له (عليه السلام) جعلت فداك انه يشتد علي كشف الظلال في الاحرام

لاني محرور يشتد علي حر الشمس؟ فقال: ظلل و ارق دماً فقلت له: دماً او دمين؟ قال: للعمرة؟ قلت: انا نحرم بالعمرة و ندخل مكة فنحل و نحرم بالحج قال فارق دمين» «4».

[مسألة 39] حكم النظر الي المرآة في حال الاحرام

مسألة 39: قال في الجواهر: (و كذا) لا يجوز لهما في حال الاحرام (النظر في المرآة علي الاشهر).

كما عن الصدوق و الشيخ و ابي الصلاح و ابني ادريس و سعيد بل نسبه غير

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 5.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2.

(3)- الوسائل بقية كفارات الاحرام ب 7 ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 7 من بقية كفارات الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 302

واحد الي الاكثر يقول الصادق (عليه السلام) في صحيح حماد: لا تنظر في المرآة و انت محرم فانه من الزينة «1» و في صحيح حريز: لا تنظر في المرآة و انت محرم لانه من الزينة «2» و في حسن معاوية: لا ينظر المحرم في المرآة لزينة فان نظر فليلب «3» و منه يستفاد استحباب التلبية بعد الاجماع علي عدم الوجوب، و علي كل حال فلا اشكال في الحرمة و لكن عن الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و الغنية انه مكروه كالمصنف في النافع بل قيل و الخلاف و لكن يحتمل ارادة الحرمة منها للاستدلال عليها بالاجماع و طريقة الاحتياط فيكون حجة اخري للحرمة مضافاً الي النصوص المزبورة و غيرها التي لا داعي الي حمل النهي فيها علي الكراهة، نعم في الذخيرة ينبغي تقييد الحكم بما اذا كان النظر للزينة جمعا بين الاخبار المطلقة و المقيدة و فيه انه لا منافاة كما سمعته في

الكحل و لا بأس بما يحكي الوجه مثلا من ماء و غيره من الاجسام الصيقلية، بل لا بأس بالنظر في المرآة في غير المعتاد فعله للزينة. و الله العالم) «4».

اقول: قد اخرج في الوسائل في هذا الباب رواية اخري عن معاوية بن عمار لم ينقلها في الجواهر و هي ما اخرجه عن الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة للزينة» «5».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب تروك الاحرام ب 34 ح 1 عن التهذيب و فيه (فانها) راجع التهذيب: 5/ 302 ح 1029.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 من في ابواب تروك الاحرام ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 348.

(5)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 303

و لعل في الجواهر اكتفي بما ذكره لكونه اعما و مشتملا علي حكم آخر و لكن ما تركه روي بسند صحيح و ان كان هو ايضا سنده لا يقل عن مرتبة الصحة و تعبير بعضهم بالحسن لمكان ابراهيم بن هاشم و لكن تظهر وثاقته من كثرة شيوخه و رواياته و اعتماد ابنه عليه.

و كيف كان فالذي يقتضيه النظر في الروايات هو: انّ النظر في المرآة اذا كان بحيث يري وجهه فيها، و ان لم يقصد به الزينة و الاطلاع علي ما فيه من الشين حرام علي المحرم لدلالة صحيح حماد و صحيح حريز عليه بالاطلاق و لا يقيدان بروايتي معاوية لكون الدليلين مثبتين غير متعارضين بالسلب و الايجاب و عدم العلم باتحاد موضوعهما.

اللهم الا

ان يقال انّ لازم الاخذ باطلاق صحيحي حريز و حمّاد لغوية التعليل المذكور في روايتي معاوية فالوجه هو تقييد روايتي حريز و حمّاد بهما.

و هل يلحق بالنظر الي المرآة للزينة النظر الي غيرها من الاجسام الشفافة الّتي تحكي الوجه كالمرآة مثل بعض الاحجار و بعض المائعات خصوصاً الماء؟

يمكن ان يقال: بالتفصيل بين ما يتخذ من ذلك للانتفاع كالمرءات فهو مرآة

ايضا و ان لم يكن من الزجاج و ما ليس كذلك كالماء و الاجسام و الاحجار الصيقلية فلا يحرم النظر اليه و لكن اذا كان كله للزينة فالتفصيل ايضاً مشكل و الاحتياط الاجتناب عن هذه الاجسام ايضا بقصد الزينة و من ذلك كله علم ان النظر اذا لم يكن للزينة لا يكون محرماً.

ثمّ ظاهر قوله (عليه السلام) «فان نظر فليلب» وجوب التلبية و لكن اجماعهم علي عدم الوجوب قرينة علي ارادة الاستحباب و الرجحان، و يمكن ان يكون ذلك وجه القول بالكراهة في اصل المسألة لان المستفاد منه تدارك ما فعل من النظر في المرآة

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 304

للزينة بالتلبية فيكون الحكم بالحرمة للاحتياط هذا و قد ظهر من ذلك كله ان النظر في المرآة اذا لم يكن للزينة أ و لم يري نفسه فيها لا إشكال فيه.

بقي هنا امر و هو البحث عن وجوب الكفارة و عدمه اذا نظر الي المرآة فليس هنا ما يدل علي الكفارة الا رواية قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال: «لكل شي ء جرحت (خرجت في هامش الكتاب) من حجك فعليك فيه دم تهريقه حيث شئت» «1»

و قد مضي الكلام فيه سنداً و دلالة و

انتهي الامر الي ان لو كان لفظ الحديث (جرحت) كما لعله هو الظاهر ان الاستدلال به انما يتم اذا كان قوله «تهريقه» قيد لقوله: «دم» دون ما اذا كان قوله: «تهريقه» خبراً لقوله: «لكل شي ء» و لا رجحان لاحتمال الاول علي الثاني.

اذاً فليس هنا ما يثبت به وجوب الكفارة و لكن الاحتياط مطلوب علي كل حال و الله هو العالم.

[من محرمات الإحرام لبس الخفّين]

اشارة

الكلام في لبس الخفّين

و الكلام فيه يقع في مقامات

الاوّل: الظاهر انّه لا خلاف بينهم في حرمة لبس الخفّين للروايات المستفيضة

مثل صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تلبس و انت تريد الاحرام ثوباً تزره و لا تدرعه و لا تلبس سراويل الا ان

______________________________

(1)- قرب الاسناد: ب الحج و العمرة/ 237 ح 928.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 305

لا يكون لك ازار و لا الخفين الا ان لا يكون لك نعلان» «1» و صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «و أي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله ان يلبس الخفين اذا اضطر الي ذلك و الجوربين يلبسهما اذا اضطر الي لبسهما» «2» و ظاهرهما انّ لبس الخفين و الجوربين داخلان في لبس المخيط و الثوب الذي يزر و يتدرع.

الثاني: مقتضي ما ذكر من الروايات جواز لبس الخفين اذا لم يكن له نعلان و الجوربين اذا اضطر الي لبسهما

و هذا ايضاً اجماعي لا خلاف فيه الا انه قد حكي عن الشيخ في المبسوط، و الخلاف و ابني حمزة و سعيد في الوسيلة و الجامع و العلامة في المختلف و الشهيدين في الدروس و المسالك يجب عليه ان يشقهما حينئذ «3».

و الذي يدل عليه ما رواه الكليني عن علي بن الحكم «4» عن علي بن ابي حمزة «5» عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام): «في رجل هلكت نعلاه و لم يقدر علي

نعلين؟ قال: له ان يلبس الخفين ان اضطر الي ذلك و ليشقه عن ظهر القدم» «6»

و ما روي في الفقيه عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) «في المحرم يلبس الخفّ اذا لم يكن له نعل؟ قال: نعم لكن يشق ظهر القدم» «7»

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ ح 227/ 35 وسائل الشيعة: ب 35 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(2)- التهذيب: 5/ 384 ح 1341.

(3)- راجع جواهر الكلام: 18/ 352.

(4)- ثقة

جليل له كتاب من السادسة.

(5)- امره معلوم. من الخامسة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 51 من ابواب تروك الاحرام ح 3. و الكافي: 5/ 346 ح 1.

(7)- وسائل الشيعة: ب 51 من ابواب تروك الاحرام ح 5 و من لا يحضره الفقيه: 2/ 340 ح 2616.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 306

و لكنهما ضعفا بضعف السند الاول لعلي بن ابي حمزة و الثاني بضعف سند الفقيه الي محمد بن مسلم و اليك ما قاله في المشيخة: (و ما كان فيه عن محمد بن مسلم الثقفي فقد رويته عن علي بن «1» احمد بن عبد الله بن احمد بن ابي عبد الله عن ابيه «2» عن جده احمد بن ابي عبد الله البرقي «3» عن ابيه محمد بن خالد «4» عن العلا بن زرين «5» عن محمد بن مسلم) «6».

اقول: قد عدّ في الجواهر في جملة الادلة المرسلة عن بعض الكتب: عن الباقر (عليه السلام): «لا بأس للمحرم اذا لم يجد نعلا و احتاج ان يلبس خفا دون الكعبين «7» و النبوي العامي: «فان لم يجد نعلين فليلبس خفين و ليقطعهما حتي يكونا اسفل من

الكعبين» «8» و للاحتياط و حرمة لبس ما يستر ظهر القدم بلا ضرورة و لا ضرورة اذا امكن الشق «9»، و بهذا قال من العامة كما في الخلاف عمر و ابن عمرو النخعي و عروة بن الزبير و الشافعي و ابو حنيفة و عليه اهل العراق و قال في آخر كلامه و قد رواه ايضاً اصحابنا و هو الاظهر «10» ثمّ استدل عليه، و في التذكرة و مالك و الثوري

______________________________

(1)- غير مذكور كما في جامع الرواة و لعله من التاسعة.

(2)- غير مذكور ايضاً كما في

جامع الرواة من الثامنة.

(3)- هو احمد بن محمد بن خالد البرقي المشهور ابو عبد الله من السابعة.

(4)- البرقي من أصحاب الكاظم و الرضا و الجواد عليهم السلام له كتب من. كبار السادسة.

(5)- ثقة جليل القدر له كتاب من الخامسة.

(6)- جلالة قدر غنية البيان. من الرابعة.

(7)- مستدرك الوسائل: ب 41 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(8)- سنن البيهقي: 5/ 51 و الخلاف: 1/ 434، م 75.

(9)- جواهر الكلام: 18/ 352.

(10)- الخلاف: 2/ 295.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 307

و ابن المنذر و اصحاب الرأي «1» نعم وقع الاختلاف بين فقهائنا و غيرهم من القائلين بوجوب الشق في كيفيته.

لكن قال المحقق في الشرائع في هذا القول (متروك) و قال في الجواهر: (مشعراً بالاجماع علي خلافه بل عن ابن ادريس الاجماع صريحاً علي ذلك لا جابر لخبريه الموافقين لاكثر العامة و منهم أبو حنيفة علي وجه يصلحان مقيدين لإطلاق النصوص المزبورة الواردة في مقام البيان المعتضدة باطلاق فتوي المقنع و النهاية و التهذيب و المهذب علي ما حكي عنهما و صريح غيرهما) «2».

و في الخلاف: و قال عطا و سعيد بن سلم القداح يلبسهما غير مقطوعين و لا شي ء عليه و به قال احمد بن حنبل «3» و في التذكرة رواه العامة عن علي (عليه السلام) و به قال عطا و عكرمة و سعيد بن سالم و عن احمد روايتان كالقولين لما رواه العامة عن علي (عليه السلام): قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما و لانه ملبوس ابيح لعدم غيره فلا يجب

قطعه كالسراويل، و لان قطعه لا يخرجه عن حالة الحظر فان المقطوع يحرم لبسه مع وجود النعل كلبس الصحيح، و لاشتماله علي اتلاف ماليته «4».

اقول: في الجواهر بعد

ما ذكر رواية العامّة عن عائشة من ان النبي صلي الله عليه و آله رخص للمحرم ان يلبس الخفين و لا يقطعهما و كان ابن عمر يفتي قطعهما ثمّ عدل عن ذلك و ان بعضهم قال بان وجوب القطع منسوخ لان الرواية التي فيه القطع كان بالمدينة و الحديث الآخر كان في عرفات و قال في الجواهر الي غير ذلك

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء 7/ 298.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 352.

(3)- الخلاف: 2/ 295.

(4)- تذكرة الفقهاء: 7/ 298.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 308

من المؤيدات (يعني لعدم الوجوب) فلا بأس بحمل النصوص المزبورة علي ضرب من الندب. «1»

و بعد ذلك كله نقول: كان الحكم عند العامة كان ثابتاً و صار منسوخاً و لا بأس بالحكم بالنسخ اذا كان تاريخ الناسخ و المنسوخ معلوماً و لكن بحسب ما عندنا من الادلة مقتضي القاعدة حمل المطلق علي المقيد فمثل صحيح الحلبي يكون مطلقاً و مثل روايتي ابي بصير و محمد بن مسلم يكون مقيداً له.

الا ان يقال: بالاجماع علي عدم الوجوب فلا بدّ من حملهما علي استحباب الشق او بضعف سنديهما مع عدم ما يجبر به ضعفهما او يقال بان ما جعله الجواهر من المؤيدات لعدم الوجوب، قرينة علي عدم ارادة الوجوب من روايتي ابي بصير و محمد بن مسلم الا ان الاغماض عن روايتيهما عندي في غاية الاشكال اذاً فالاحتياط هو طريق النجاة.

لا يقال: كيف يمكن الاحتياط مع انّه يوجب التبذير و اضاعة المال؟

فانه يقال: لا يكون ذلك اذا كان للاحتياط الذي كما قاله في الجواهر من اغراض العقلاء هذا.

و امّا الشق الواجب او المندوب فقال في الجواهر: (ان ظاهر المنتهي و التذكرة كون الشق هو القطع حتي يكونا اسفل

من الكعبين الذي رواه العامّة و افتي به الشيخ في محكي الخلاف و الاسكافي بل عن الفاضل في التحرير عن موضع آخر من المنتهي و التذكرة القطع بوجوب هذا القطع و عن بل موضع آخر من المنتهي انه اولي خروجاً من الخلاف و اخذاً بالتقية، و قال ابن حمزة شق ظاهر القدمين و ان قطع

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 353.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 309

الساقين كان افضل و هو صريح في المغايرة و قد سمعت المرسل عن الباقر (عليه السلام) فالمتجه التخيير و ان كان الاحوط الجمع بين القطع المزبور و شق ظهر القدم و لا اسراف و لا تبذير و لا اضاعة مع كون ذلك للاحتياط الذي هو من اغراض العقلاء «1».

و لكن ما يوافق المذهب هو شق ظهر القدم و لا وجه لقطعه من الكعبين فانهما عند العامة العظمان النابتان عند مفصل الساق و القدم عن الجنبين كما في النهاية و قال: و ذهب قوم الي انهما العظمان اللذان في ظهر القدم و هو مذهب الشيعة انتهي اذا فلا وجه لهذا الاحتياط الا التقية.

الثالث: لا يخفي عليك ان الشق او القطع سواء كان واجباً او مندوباً اذا اضطر الي لبس الخفين انما يجب او يستحب اذا اضطر الي لبسهما

فلا يكون الشق او القطع مجوزاً للبس الخفين عند عدم الضرورة باعتبار عدم كونهما ساتراً لتمام الظهر فان اسم الخف و الجورب باق مع الشق او القطع و كما قال في الجواهر المراد كونه لباساً ساتراً قوة او من شأنه و ان لم يكن ساتراً فعلا «2» فهما حينئذ نحو قلب القباء و لبسه

منكوساً في حال الضرورة لا انه شي ء يقتضي الجواز اختياراً.

الرابع: مقتضي الاصل جواز لبس المرأة المحرمة الخفين

و ربما يستند لحرمته عليها بان لفظ المحرم جنس شامل لكليهما كالبائع و الموجر و المصلي و الصائم و غيرها.

و فيه: انه لا دلالة لفظية لهذه الالفاظ علي البائعة و الموجرة و غيرهما بل يدل علي عموم المراد و شمول الحكم للنساء بمفهوم المساواة بملاحظة المقامات

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 353.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 354.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 310

و المناسبات بين الاحكام و الموضوعات لا مطلقاً و بعد ما نري في باب محرمات الاحرام الفرق بين النساء و الرجال في بعض الموارد كما يساعد العرف و الفهم العرفي الغاء خصوصية الرجال في الحكم كما انه في باب الصلاة و ان قلنا بشمول كثير من احكامها مثل احكام القبلة و احكام الشكوك و غيرها ممّا ورد في النصوص بلفظ المصلي للنساء الا انه في بعض الموارد لا يمكننا ان نقول بذلك مثل كون المرأة اماماً او مؤذناً او كونها ممنوعاً من لباس الحرير و الذهب.

و امّا التمسك بقاعدة الاشتراك ففيه: انّه ان كان دليله ما ذكر من مفهوم المساواة فلا تشمل المقام و ان كان الاجماع فالقدر المتيقن منه ما يشمله هذا الدليل مما كان الفرق بينهما و اختصاص الحكم بالرجل بل بالمرأة كاختصاص الحكم بفرد دون فرد مثله و بعد ذلك كله

لا حاجة الي الاستدلال علي جواز لبسهما للنساء بقوله (عليه السلام) في صحيح العيص: «تلبس ما شاءت من الثياب» «1» حتي يقال: بعدم كون الخف منه او بما في النصوص من ان احرامها في وجهها «2» حتي يقال: ان ذلك غير مناف لحرمة الخفين عليهما كما ان حرمته علي الرجل لا ينافي قوله (عليه السلام) (احرام الرجل

في رأسه) «3».

الا ان يقال: قوله: «احرامها في وجهها» مطلق يختص به الاحرام بالوجه كقوله (احرام الرجل في رأسه) يختص به احرامه برأسه الا ما خرج عنهما بالدليل.

و لكن فيه ان القول باطلاق ذلك و خروج غير المحرمات من هذا الاختصاص المستفاد منهما مستلزم لتخصيص الاكثر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام ح 9.

(2)- وسائل الشيعة: ب 48 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 48 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 311

و كيف كان لا يثبت بما ذكر حرمة الخفين علي النساء خلافاً لظاهر النهاية «1» و المبسوط «2» و الوسيلة «3» و ان كان يمكن حمل كلامهما علي خصوص المحرم دون المحرمة.

الخامس: الظاهر ان المحرم علي المحرم هو خصوص الجورب و الخف و ان كان غير مخيط مصنوعاً

فلا يشمل غيرهما مما يستر ظهر القدم كما اذا كان ازاره طويلا يقع علي قدميه و دعوي سؤال الحرمة لذلك ايضاً بدعوي ان الملاك في حرمة الخفين ستر القدم دون خصوصيّتهما ممنوعة بعد ما كان المذكور في الدليل، الجورب و الخف و الاحكام تعبدية كما انه لا مانع من تغطية ظهر القدم باللحاف و نحوه و بالجملة يقتصر في الحكم بالدليل و الله هو العالم.

السادس: [في المحكي عن القواعد و الجواهر]

و كذا حكي عن القواعد قال: (لو لبس الخفين او الشمشك و ان

كان مضطراً) «4» اي كان عليه شاة و ان انتفي التحريم في حقه قال في الجواهر: (و لعله لما قيل من ان الاصل في تروك الاحرام الفداء الي ان يظهر المسقط و لا دليل علي سقوطه هنا و عموم الخبرين و فيه منع دليل علي الاصل المزبور حتي في المخيط و عدم عموم الثوب في الخبرين لهما) «5».

اقول امّا منع الدليل علي الاصل فليس هنا ظاهراً الا ما رواه في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي «6» الذي سمعت الكلام فيه و امّا الخبرين

______________________________

(1)- النهاية/ 218.

(2)- المبسوط: 1/ 320.

(3)- الوسيلة/ 162.

(4)- قواعد الاحكام: 1/ 470.

(5)- جواهر الكلام: 20/ 405.

(6)- قرب الاسناد: ب الحج و العمرة/ 237 ح 928 «لكل شي ء … »

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 312

فمراده صحيح زرارة «1» و ابن مسلم عن ابي جعفر «2» (عليه السلام) في الثياب و قد عرفت انه لا يشمل مثل الخف نعم يمكن دعوي شموله للجورب و لكن قد مرّ منا في المخيط ان مقتضي الجمع بين الادلة و النظر اليها عدم وجوب الكفارة اذا اضطر الي لبس المخيط و لكن الاحوط استحباباً الكفارة في لبس الخف و

الجورب. و الله هو العالم باحكامه.

[من المحرمات الفسوق و الجدال]

اشارة

الكلام في الفسوق و الجدال

قال الله تعالي (فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ) «3»

[مسألة 40: لا خلاف بينهم في حرمة الكذب و السباب في الحج مضافاً الي حرمتها المطلقة]
اشارة

مسألة 40: لا خلاف بينهم في حرمة الكذب و السباب في الحج مضافاً الي حرمتها المطلقة و قد فسر الفسوق المذكور في الآية الكريمة

بهما ففي صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: و الفسوق الكذب و السباب. «4»

و في ما رواه الصدوق في معاني الاخبار عن ابيه عن سعد «5» عن احمد ابن محمد بن عيسي «6» عن الحسن بن علي بن فضال «7» عن المفضل بن صالح «8» عن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 9 من ابواب بقية كفارات الاحرام.

(3)- البقرة: 197.

(4)- وسائل الشيعة: ب 32 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(5)- هو ابن عبد الله القمي الاشعري جليل القدر من كبار الثامنة.

(6)- شيخ القميين و وجههم من السابعة.

(7)- جليل القدر عظيم المنزلة من السادسة.

(8)- الاسدي ضعيف من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 313

زيد الشحام «1» عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: « … و امّا الفسوق فهو الكذب الا تسمع لقوله تعالي: إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ» «2».

و في صحيح علي بن جعفر عن اخيه (عليه السلام) قال: و الفسوق الكذب و المفاخرة. «3»

أقول: قد اختلفوا في ما هو المراد من الفسوق فعن التبيان: (ان الاولي حمله علي جميع المعاصي التي نهي المحرم منها) «4» و مراده ان كان المعاصي التي نهي عنها المحرم لاحرامه فهو تقييد للمطلق بدون المقيد و ان كان مطلق ما نهي عنه في حال الاحلال و الاحرام فلو كنا و الآية الكريمة

يمكننا ان نقول به لصدق الفسق علي

ارتكاب مطلق ما نهي عنه.

و عن جماعة كالصدوق في المقنع و الشيخ في النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الحلي في السرائر، و المحقق في الشرائع و النافع بل حكي عن ظاهر المقنعة للمفيد و غيرهم انه هو الكذب و ما يدل عليه خبر زيد الشحّام و ما رواه العياشي في تفسيره عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: و الفسوق الكذب علي ما في الجواهر «5» و لكن في الوسائل: «الفسوق الكذب و السباب» «6».

و عن جمل العلم و العمل و المختلف و الدروس انه الكذب و السباب و ما يدل

______________________________

(1)- ابن يونس الشحام ثقة له كتاب من الرابعة او الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 32 من ابواب تروك الاحرام و معاني الاخبار/ 294.

(3)- وسائل الشيعة: ب 32 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(4)- التبيان 2/ 164.

(5)- جواهر الكلام: ج 18/ 355.

(6)- بل في الوسائل كما في الجواهر راجع الوسائل: ب 32 من ابواب تروك الاحرام ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 314

عليه صحيح معاوية بن عمار المذكور و في الجواهر: انه لعل اليه يرجع ما في صحيح علي بن جعفر عن اخيه (عليه السلام) من انه الكذب و المفاخرة بناء علي ان المفاخرة لا تنفك عن السباب لانها انّما تتم بذكر فضائل لنفسه و سلبها عن خصمه و سلب رذائل عن نفسه و اثباتها لخصمه و هو معني السباب) «1».

و عن الجمل و العقود انه الكذب علي الله و الظاهر انه و ما حكي عن الغنية و المهذب و الاصباح انّه الكذب علي الله تعالي و رسوله (صلي الله عليه و آله و سلم)

او احد الائمة (عليهم السلام) «2» تقييد للآية بلا دليل و ان قال في الغنية: انه عندنا «3» المشعر بالاجماع الذي عرفت مما ذكر عدم تحققه كما انه لا يكون وجهاً له كون الكذب عليهم مبطل للصوم لأنّ الفسوق اعم من ذلك.

ثمّ انّه لعلك لم تجد قائلا من القدماء علي انه الكذب و السباب و المفاخرة و لكن يدل عليه صحيح علي بن جعفر.

هذا كله بحسب الاقوال و يمكن ان يقال بانه يمكن تقويته مضافاً الي اطلاق الآية الكريمة ان ما ورد في الروايات لعله بيان لبعض مصاديق الفسوق و الا يلزم من تخصيصه بما في الروايات تخصيص الاكثر.

و أما الروايات و كونها تفسير للآية الكريمة علي حصر المراد منها بما فيها من الكذب و السباب و المفاخرة.

و يمكن رفع التعارض المتوهم بينها بحمل ظاهر كل منها علي نص غيره فما يدل علي ان الفسوق الكذب نص في كونه منه و ظاهر في حصره به و كذا ما يدل علي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 356.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 356.

(3)- غنية النزوع/ 160.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 315

انه الكذب و السباب نص في كونهما منه و ظاهر في حصره به و ما يدلّ علي كونه الكذب و السباب و المفاخرة نص في كون الثلاثة منه و ظاهر في حصره بها فيرفع اليد عن ظاهر الطائفة الاولي بنص الطائفة الثانية و الثالثة و عن الثانية بنص الثالثة.

فما في المدارك من ان الجمع بين صحيح معاوية و صحيح علي بن جعفر يقتضي المصير الي ان الفسوق هو الكذب خاصة «1» لا يتم جمعاً بينها بل هو اخذ باحدهما و طرح للآخر بلا وجه و بعد امكان الجمع العرفي بينهما

و امكان رفع اليد عن ظاهر المطلق بالقرينة لا وجه لطرح المقيد.

ثمّ انه لا يخفي عليك ان الثمرة في البحث عمّا هو المراد من الفسوق و ما هو المرجح من الاقوال انما تظهر علي القول بالكفارة له وجوباً او ندباً و الا لا يترتب

علي البحث فيه كثير فائدة الا التأكيد علي حرمة مطلق المعاصي في حال الاحرام علي القول بان المراد منه جميع المعاصي او التأكيد علي حرمة خصوص الكذب و السباب علي المحرم نعم في المفاخرة يمكن ان يقال بأن ما هو المحرم منها ما يكون مشتملا علي الكذب و الباطل و سبّ الغير دون غيره و ظاهر الدليل حرمتها مطلقاً بل و كذا في السباب ان ادعي احد انه محرم علي المحرم مطلقاً و لكن هذه المعاني مخالف لظاهر قوله تعالي (وَ لٰا فُسُوقَ) فانه ظاهر فيما هو فسق بالذات و لا يشمل السب الجائز بل المستحب.

هذا و أما علي القول بالكفارة له فان رجحنا قول الشيخ في التبيان يترتب الكفارة علي كل معصية ارتكبها المحرم و أما بناء علي ترك هذا القول لشذوذه و اختيار القائل به خلافه في كتبه المعدة لفتاواه مثل النهاية و المبسوط فالمتعين

______________________________

(1)- مدارك الاحكام: 7/ 341.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 316

هو الاخذ بالروايات.

لكن استشكل فيه بما فيها من التعارض لدلالة صحيح معاوية بن عمّار علي حصر المراد منه بالكذب و السباب و خبر زيد الشحام علي حصره بالكذب و صحيح علي بن جعفر علي حصره بالكذب و المفاخرة.

الا أنه رفع التعارض بينها بحمل ظاهر كل منها علي نصّ غيره فخبر زيد الشحام الذي يدل علي ان الفسوق الكذب نص في كونه منه و ظاهر في حصره به

فيرفع اليد عن ظاهره بنصّ صحيح معاوية بن عمار و صحيح علي بن جعفر و صحيح معاوية بن عمار نص في كون الكذب و السباب منه و ظاهر في حصر المراد بهما و كذا صحيح علي بن جعفر نص في كون المراد من الفسوق الكذب و المفاخرة و ظاهر في حصره بهما فيؤخذ بنص كل منهما و يرفع اليد عن ظاهر كل منهما بنصّ الآخر.

نعم مقتضي ما ذكر كون المفاخرة داخلة في المراد من الفسوق و لكن الظاهر انه غير معمول به و يمكن الجمع بين صحيح علي بن جعفر و صحيح معاوية بن عمار بارجاع المفاخرة الي الكذب لانها لا تخلو منه لاشتماله غالباً علي الادعاء و الكذب أو إلي السباب لاشتماله علي ذم غيره و سلب المحاسن عن خصمه

لا يقال: لا داعي لذلك بعد امكان تحققها بالصدق و خالياً عن الكذب و السباب فمقتضي الاطلاق حرمتها ايضاً مطلقاً.

فانه يقال: ان المناسب لتفسير الفسوق و معناه هو ما يشتمل علي الفسق اي الكذب و السباب دون الفخر بالصدق الذي لا يكون من الفسق الا اذا كان تعريضاً للغير و سلبه عنه اذاً فلا باس بذلك الحمل جمعاً بين الروايات كما فعله في المدارك و الله هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 317

«عدم فساد الحج بالفسوق»

تنبيه: الظاهر كما في الجواهر «1» كون الفسوق كالجدال كغير هما من المحرمات التي لا يقتضي ارتكابها فساد الحج و ان حكي عن المفيد كون الكذب مفسداً للاحرام و ما عن عبد الله بن سنان في قول الله تعالي عز و جل: (أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ) قال: اتمامها ان فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «2» ففيه:

انه لا يدل علي كونه مفسداً لان الاتمام اعم من ذلك هذا مضافاً الي ان الظاهر أن المفيد متفرد بذلك و لعله يؤيد عدم الفساد و انه لا كفارة عليه سوي الكلام الطيب كما يأتي انشاء الله تعالي في

المسألة الآتية.

[مسألة 41] «عدم وجوب الكفارة بالفسوق»
اشارة

مسألة: 41 قال في الجواهر في كفارة الفسوق: (لم اجد من ذكر له كفارة بل قيل ظاهر الاصحاب لا كفارة فيه سوي الاستغفار بل عن المنتهي التصريح بذلك للاصل و ما سمعته في صحيح الحلبي و ابن مسلم «انه لم يجعل الله له حدّاً يستغفر الله و يلبي «3» لكن قال الصادق 7 في صحيح سليمان بن خالد و في الجدال شاة و في السباب الفسق «4» بقرة و الرفث فساد الحج «5» (ثمّ ذكر صحيح علي بن جعفر و ما قال في المنتقي فيه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 358.

(2)- وسائل الشيعة: ب 32 من ابواب تروك الاحرام ح 6.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 328 ح 2587.

(4)- في التهذيب (الفسوق).

(5)- التهذيب: 5/ 297 ح 1004.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 318

و قال:) و الاولي حمله و حمل صحيح سليمان بن خالد علي ضرب من الندب) «1».

أقول: حمل صحيح سليمان بما فيه من كون كفارة السباب و الفسوق بقرة علي الندب بعيد. لانّ تعيين البقرة كفارة يدل علي عظم ما ارتكبه و انه لا يتدارك الا بمثل البقرة و لعل لذلك ذهب صاحب الوسائل الي وجوب الكفارة حيث قال: (باب انه يجب علي المحرم في تعمد السباب و الفسوق بقرة) «2» و كذا حمل صحيح الحلبي و ابن مسلم علي غير المتعمد كالجاهل و الناسي،

و عن صاحب الحدائق انه اختار وجوب الكفارة عند اجتماع السباب و الكذب

دون ما اذا كان كل منهما منفرداً عن الآخر و رد حمل صاحب الوسائل باباء قوله (عليه السلام) جواباً عن السائل أ رأيت من ابتلي بالفسوق ما عليه؟ قال (عليه السلام): لم يجعل الله له حدّاً يستغفر الله فان هذه العبارة تدل علي انه لم يجعل الله لذلك من الاصل حدّاً و شيئاً اصلا لا انه جعل شيئاً عليه و رفعه عنه بالجهل او النسيان «3».

كما ردّ ما صنعه صاحب الحدائق بان الظاهر من الحديث ثبوت الكفارة لكل من السباب و الفسوق اي الكذب اذا وقع منفرداً عن الآخر و يكون المقام من باب ذكر العام بعد الخاص.

اقول: لعل الاولي ان نقول: ان صحيح سليمان بن خالد متروك لم يعملوا به فلا يكفي لاثبات الكفارة بل لا بأس بحمل ظاهره علي الندب لصراحة صحيح الحلبي و ابن مسلم علي عدم الوجوب و لا يعتد بما ذكرناه استبعاداً لذلك بعد ما كان وجوه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 425.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(3)- الحدائق الناظرة: 15/ 460.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 319

كثير من الاحكام مخفية عنّا.

و أما ما في صحيح علي بن جعفر فلفظه علي ما في التهذيب هكذا: «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها و ان لم يجد فشاة، و كفارة الفسوق يتصدق به اذا فعله و هو محرم» «1»

و لكن في قرب الاسناد «2»: و كفارة الجدال و الفسوق شي ء يتصدق به اذا فعله و هو محرم»

و علي هذا لا مجال لاحتمال وقوع التصحيف فيه كما احتمله في المنتقي و قال: (يختلج بخاطري ان كلمتي «يتصدق به» تصحيف. «يستغفر ربه» «3».

و لا يخفي عليك ان حمله علي الندب ايضاً قبال

صحيح ابن مسلم و الحلبي قريب جداً و الله هو العالم. هذا كله في الفسوق.

«حرمة الجدال علي المحرم و بيان المراد منه»
اشارة

و اما الجدال فهو ايضاً من المحرمات علي المحرم بالكتاب و السنة فلا ريب في اصل حرمته و معناه لغة كما قال الراغب: (المفاوضة علي سبيل المنازعة و المغالبة من جدلت الحبل اي احكمت فتله، (الي ان قال) و قيل: الاصل في الجدال الصراع؛ و اسقاط الانسان صاحبه علي الجدالة و هي الارض الصلبة.

و في مجمع البيان: (و الجدال في اللغة و المجادلة و المنازعة و المشاجرة و المخاصمة

______________________________

(1)- التهذيب: 5 ح 1005.

(2)- قرب الاسناد/ 234.

(3)- منتقي الجمان: 3/ 176.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 320

نظائر) «1» و الظاهر انه اذا كان ذلك باللفظ و اللسان كما هو الظاهر من الراغب فلا يشمل مطلق المصارعة و المغالبة بالافعال.

و فيه عند المفسرين علي ما في مجمع البيان قولان: احدهما انه المراء و السباب و الاغضاب علي جهة المحك و اللجاج عن ابن عباس و ابن سعد و الحسن و الثاني ان معناه لا جدال في ان الحج قد استدار في ذي الحجة لانهم كانوا ينسئون الشهور فيقدمون و يؤخرون فربما اتفق في غيره عن مجاهد و السدّي. «2»

و القول الثاني بعيد عن سياق الآية و أمّا القول الاول و ان قال العلامة انه قريب مما فسره الامامان عليهما السلام «3» فان الجدال بالمراء و السباب و الاغضاب يشتمل في الجملة علي اليمين.

و لكن لا يكفي ذلك لكون كل من التعريفين مساوياً للآخر فالقول المذكور و ان كان يشمل ما فيه اليمين و قوله لا و الله و بلي و الله الا انه اعمّ منه و يشمل ما كان خالياً عن ذلك باطلاقه.

و

لكن يمكن ان يقال: بان مثل ذلك التعابير لم تستعمل لا رادة الاطلاق منها بل هي مثل التعابير الواردة في الصلاة و الزكاة و العناوين الكلية من الاحكام يتوقف معرفة تفاصيلها علي بيان الشارع سيما بعد ورود البيان و لذا اذا دل الدليل علي عدم اطلاق امر من الامور كالحج و الاحرام و الفسوق و الجدال و اختصاصها ببعض افرادها او اشتراطها بشرائط خاصة يستكشف منه عدم كون دليل الحكم في مقام بيان الاطلاق.

______________________________

(1)- مجمع البيان: 2/ 43.

(2)- مجمع البيان: 2/ 45.

(3)- تذكرة الفقهاء: 7/ 393.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 321

ففي مسئلتنا هذه قد دلت الروايات الكثيرة المعتبرة علي تفسير الجدال بقول الرجل لا و الله و بلي و الله مثل الرواية الاولي و الثالثة و الرابعة و الخامسة و الثامنة و التاسعة من الباب الثاني و الثلثين من ابواب تروك الاحرام و الرواية الثالثة و الثامنة و العاشرة من الباب الاول من ابواب بقية كفارات الاحرام من كتاب الوسائل «1».

اذاً فيمكن ان يقال: انه لا ريب في عدم كون مطلق الجدال و لو لم يكن مشتملا

علي يمين ما موضوعاً للنهي.

انما الكلام يقع في موارد:
الاول: هل يدخل في النهي قوله في غير مقام المخاصمة لا و الله و بلي و الله؟

او انه مختص بما اذا كان ذلك في مورد المخاصمة فلا يشمل ما اذا كان في مقام الاخبار كان يقول: بلي و الله ما جاء فلان اولا و الله لم يقع ذلك او لم يجي ء فلان.

الظاهر بملاحظة كون الروايات وارداً في بيان معني الجدال اعتبار المجادلة و المنازعة فالمجادل نهي عن قول لا و الله و بلي و الله و غاية ما يقال: ان الجدال قول من يخاصم غيره لا و الله و بلي و الله فيختص الجدال بالمخاصمة المشتمل علي هذا القول لا

ان هذا القول و لو كان صادراً عن غير المجادل بدواع اخري يكون جدالا لانه يوجب ادخال ما ليس بالجدال فيه و نقل المعني الحقيقي الي ما هو أعم منه حتي يقال بكونه حقيقة شرعية في ذلك المعني المنقول اليه

نعم القول بان الجدال ما يشتمل علي هذا القول عند المخاصمة ايضاً قول بالحقيقة الشرعية و نقل المعني الحقيقي العام الي هذا المعني الخاص.

______________________________

(1)- و لا يخفي عليك انه يمكن ارجاع بعضها علي بعض.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 322

و استدل علي كونه حقيقة شرعية لما هو متضمن لخصوص هذا القول بمثل صحيح معاوية بن عمار قال (عليه السلام): «و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان ولاءً في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه، و يتصدق به و اذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدق به» «1» فانه يدل علي عدم اعتبار المخاصمة في تحقق عنوان الجدال باليمين المذكورة و فيه ان مثله ليس في مقام بيان اعتبار المخاصمة و عدمه في تحقق عنوان الجدل بل يكون في مقام ان الكفارة لا تجب

باقل من ثلاثة ايمان و ان الجدال الذي تجب الكفارة عليه هو ما يتضمن ثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد لا ان الجدال يتحقق بثلاثة ايمان و لو لم تكن في مقام المخاصمة و المجادلة و انه اذا كانت اليمين اقل من ثلاثة لم يصدق عليها الجدال و لو كانت في مقام المنازعة و المخاصمة.

و بالجملة: فالقدر المتيقن من ظاهر الادلة هو كون موضوع الحكم و النهي هذا القول في مقام المنازعة خلافاً لبعض المعاصرين «2».

المورد الثاني: هل النهي عن الجدال مختص بما اذا كان بقوله (لا و الله و بلي و الله)

او يشمل مطلق الحلف باسماء الله تعالي الخاصة

به كأَن يقول لا و رب العالمين اولا و رب خالق السماء و الارض و بلي و رب العالمين حكي عن المشهور اختصاصه باسم الجلالة دون غيره لقوله (عليه السلام) في مثل صحيح معاوية بن عمّار و غيره «و الجدال: قول الرجل: لا و الله و بلي و الله»

لا يقال: ان ما في ذيل صحيح معاوية بن عمار «3» دليل علي التعميم و هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3.

(2)- المعتمد 4/ 162.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 323

قوله (عليه السلام): «و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل. (الحديث) فان اليمين كما تقع باسم الجلالة تقع بسائر اسماء الله الحسني.

و فيه: ان هذا الكلام منه (عليه السلام) وقع بعد قوله: و الجدال: قول الرجل: لا و الله و بلي و الله فيعلم منه ان مراده من الايمان ما وقع بهذا الاسم الشريف

و لكن يمكن ان يقال: لم يكون الصدر دليلا علي المراد من ذيل الحديث و لا يكون الذيل دليلا علي المراد من الصدر

الا انه مع ذلك لا يصلح لان يكون دليلا علي التعميم فالقدر المتيقن منه ما وقع باسم الجلالة هذا مضافاً الي غيره من الاحاديث الذي ليس مشتملا علي هذا الذيل.

الا ان يقال: ان عدة منها مروي عن معاوية بن عمار يمكن ارجاع الجميع الي خبر واحد فالوجه لعدم التعميم هو الاصل و عدم ما يدل عليه لإجمال الاحاديث.

هذا و يمكن ان يقال: ان هذا الذيل ليس في مقام بيان ما يقع به اليمين بل يكون في مقام ما يجب به الدم فانه

قال (عليه السلام): فقد جادل فعليه دم يهريقه» و الله هو العالم.

و مثل هذا الصحيح موثق ابي بصير فهو ايضاً لا يدل علي التعميم لكونه في مقام التفصيل بين حلف الصادق و الكاذب فانه قال: (عليه السلام) «اذا حلف الرجل ثلاثة ايمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه و اذا حلف يميناً واحدة كاذباً فقد جادل فعليه دم يهريقه» «1».

هذا و لكن الانصاف انه لا يمكن رفع اليد عن اطلاق الخبرين لعدم امكان ردّ اطلاقهما و جواز احتجاج المولي بهما علي العبد لشمول قوله ثلاثة ايمان و (يميناً

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 324

واحدة) لليمين بغير اسم الجلالة

و لذا صار بعض الاعاظم لدفع ذلك بوقوع التعارض بين المطلقات الدالة علي التعميم بوقوع التعارض بينهما و بين قوله (عليه السلام) في بعض الصحاح المروية عن معاوية بن عمار الدال علي الحصر بالقول المذكور قال: فيه: «انّما الجدال قول الرجل: لا و الله و بلي و الله» (الحديث) ثمّ قال:

فانها بمفهوم الحصر تدل علي عدم حرمة غير هذا القول الخاص و التعارض

بالعموم من وجه لان صحيحة معاوية بن عمار الحاصرة تدل علي ان غير قوله (لا و الله و بلي و الله) لا اثر له سواء كان حلفاً بالله بغير هذا القول او كان حلفاً بغير الله كقوله: لعمرك و تلك الروايات المطلقة تدل علي ان الممنوع هو الحلف بالله سواء كان بقوله: لا و الله و بلي و الله او بغير هذا القول فيقع التعارض في الحلف بالله بغير هذا القول الخاصّ و بعد التعارض يرجع الي اصل البراءة «1».

اقول: يا ليت انه

(قدس سره) اتي بصدر الحديث و لم يقتصر علي الجملة المذكورة حتي يظهر له عدم ما افاده من التعارض بين الصحيح و المطلقات و الحديث هكذا في التهذيب روي موسي بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمار قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يقول: لا لعمري و هو محرم، قال: ليس بالجدال، انّما الجدال قول الرجل: لا و الله و بلي و الله، و أمّا قوله: لاهاً فانّما طلب الاسم و قوله: يا هناه فلا باس به و أمّا قوله: لا بل شانئك فانه من قول الجاهلية» «2»

و التأمل في الحديث الشريف يقضي بانه في مقام عدم وقوع اليمين بما ذكر فيه

______________________________

(1)- 71 المعتمد 4/ 165.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 336 ح 1157/ 70.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 325

من غير اسماء الله تعالي و ان وقوعها محصورة به

اذاً فما يتحصل من تمام البحث ان الاحتياط ترك اليمين بغير القول المذكور من اسماء الله تعالي المختصة به و انما قلنا بالاحتياط لان الروايات ظاهره في القول المخصوص و القول بالتعميم يحتاج الي حمله علي احد افراد الايمان بالله تعالي و الله هو العالم.

و سيجي ء ان شاء الله تعالي ما يفيد ذلك في المورد السابع.

المورد الثالث: مقتضي الجمود علي ظاهر الفاظ الادلة الاقتصار في ما هو المحرم علي المحرم من الجدال ما يكون بالقول المذكور باللسان العربي دون ترجمته بسائر اللغات

و ان كان لا يبعد القول بكونه اعم منه لصحة استظهار ان المدار في التحريم علي المسمي و الذات لا الاسم الذي يكون فانياً و مندكاً في المسمي عند اليمين به فالحالف بالله يحلف بالذات المقدسة المتعالية الحاكية عنها اسم الجلالة (الله) و الحلف بترجمته ايضاً حلف بها اي الجامع لجميع الصفات الكمالية و هذا لو لم يكن بالاقوي يكون هو الاحوط.

المورد الرابع: قيل ان المحرم من القول المذكور هو ما كان فيه معني الاخبار عن الواقع

كان يقول لا و الله اي لا يكون كذلك و الله او قال بلي اي يكون كذلك و الله و هذا هو القسم الذي يقال له اذا كان الحالف كاذباً الغموس و يترتب علي الواحد منه اذا كان محرماً الكفارة و اذا كان صادقاً لا يترتب عليه اذا كان اقل من الثلاثة و أما ما كان فيه معني الانشاء فلا يتصف بملاحظة وقوع ما وقع عليه او عدم وقوعه بالصدق او الكذب فليس هو مورداً للنهي لان معناه الانشاء و هو ابراز امر اعتباري نفساني لا تكون فيه حكاية عن الخارج الواقع ليتصف بالصدق و الكذب فبقرينة التفصيل بين الصدق و الكذب يعلم ان الحكم يختص بالجملة الخبرية

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 326

الصادقة عليها كونها صدقاً او كذباً.

و لكن يمكن: ان يقال: ان في مقام الجدال يأتي منه انشاء ذلك و يمكن حمل الصدق او الكذب علي الانشاء ايضاً فاذا كان معني انشاء القسم اعتبار الحالف لزوم فعل او تركه علي نفسه فاما ينشؤه في نفسه و يخبر عنه بلفظه فهو صادق ان اخبر عن انشائه النفساني و أمّا يخبر عن انشائه النفساني كذبا فهو كاذب و أمّا اذا كان معني انشاء القسم انشاءه باللفظ و الغاء اللفظ بقصد ايجاد المعني اي لزوم

الفعل

او الترك عليه فان انشاء اللفظ بقصد ايجاد المعني في عالم الاعتبار فهو صادق و ان لم يقصد به و لكن ينشأ اللفظ ليعد عند السامع و العرف منشأ لهذا المعني فهو كاذب و بالجملة لا نفهم فرقاً بين الجملة الخبرية و الانشائية في القول المذكور في مقام المنازعة و المخاصمة و الله هو العالم.

المورد الخامس: لا يخفي عليك انه لا دلالة للاخبار المتكفلة لبيان حكم التكرر في الحلف او كون اليمين كاذبة علي عدم كونها منهياً عنها اذا كانت صادقة

و كانت اقل من الثلاثة لعدم منافاة تحقق الجدال باليمين الصادقة مرة و وجوب الكفارة عليها اذا كانت كاذبة او بثلاثة،

و لكن يمكن ان يقال: ان قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمّار: «و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدق به و اذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدق به» الحديث. «1»

يدل علي دخل تكرر اليمين اذا كانت صادقة و كذبها في مرة واحدة في الجدال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 327

المحرم.

اللهم الا ان يقال: ان غاية ما يستفاد منه ان ذلك جدال يوجب الكفارة لا ان الجدال ما يوجب الكفارة فمقتضي اطلاق الادلة حرمة الجدال بلا و الله و بلي و الله و ان كان صادقاً و اقل من ثلاثة.

المورد السادس: لا ريب ان الاضطرار الي الجدال في حال الاحرام رافع لحرمته

سواء كان بصدقه او بكذبه و هل هو حرام مطلقاً و ان اقتضتها مصلحة دنيوية

او اخروية كما اذا كان سبباً لقضاء حاجة مؤمن و ايصال نفع اليه لا يصل اليه بدون اليمين؟ يمكن ان يقال: بالجواز حينئذ لان المناسبة بين الحكم و الموضوع كف النفس عن مثل ذلك لميل المخاصم اليه و اصراره علي اثبات دعواه.

و بعبارة اخري: دفع النفس عن فعل ما تشتهيه بداعي ارضاء اشتهائها دون ما اذا كان لمصلحة سيما اذا كانت اخروية. و لكن يرد ذلك بأن اطلاق الادلة لا يقيد بمثل هذه التقريبات.

فالاولي الاستدلال لجوازه اذا لم تكن معصية لله عز و جل و بعبارة اخري: لم يكن للمراء و الجدال و لمجرد المغالبة و الغلبة علي

الغير بصحيح ابي بصير قال: «سألته عن المحرم يريد ان يعمل العمل فيقول له صاحبه: و الله لا تعمله فيقول: و الله لأعملنّه فيحالفه مراراً يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا انمّا اراد بهذا اكرام اخيه انمّا ذلك ما كان الله فيه معصية «1» فالقدر المتيقن من الروايات الجدال المجرد عن الاغراض الراجحة الدينية او الدنيوية مثل اثبات الحق و دفع الضرر

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 338/ 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 328

لكن لا يدخل فيه ما كان النفع الواصل اليه للغلبة علي الخصم كما هو المتعارف في زماننا في المسابقات الجدالية و هل حكم هذه المسابقات اذا كان لمجرد المغالبة حكم الجدال المحرم علي المحرم.

و بعبارة اخري: اذا كان الجدال المحرم علي المحرم حرام عليه بالاصل و بنفسه و ان كان خالياً عن اليمين هل تلحق به هذه المغالبات المتداولة بين الناس العالمية منها و غيرها؟ المسألة تحتاج الي مزيد البحث عنها.

المورد السابع: قال في الدروس: (خصّ بعض الاصحاب الجدال بهاتين الصيغتين،

و القول بتعديته الي ما يسمي عيناً اشبه) «1». انتهي. و ظاهر كل من فسره بأنه قول لا و الله و بلي و الله الاختصاص بهما فلا يكفي قوله: و الله بحذف لا و بلي، و فيه: لا يبعد القول بعدم اعتبار الكلمتين و كفاية مجرد اليمين في ترتب الكفارة.

و بالجملة يمكن ان يقال: ان الجدال لا ريب في تحققه بدون الكلمتين و لا يصل الي نفيه او جعله حقيقة يد التشريع.

الا ان الروايات قد دلت علي ان المراد منه هنا ليس مطلق الخصومة و ان لم تكن متأكدة باليمين بل مقيدة بها فيدور الامر بين كون الجدال الخصومة المتأكدة بمطلق اليمين او المتأكدة بخصوص قوله (لا و الله و بلي و الله) و

يدور الامر بين خروج الاكثر عن تحت المطلق او الاقل و القول باختصاص الجدال بالمتأكد بقول (لا و الله و بلي و الله) موجب لحصر المطلق في الاقل بخلاف القول بأنه المتأكد باليمين و ان لم تكن مسبوقة بقول (لا) او بلي و الله هو العالم.

______________________________

(1)- الدروس الشرعية 1/ 386.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 329

[مسألة 42] «الكلام في كفارة الجدال»

مسألة 42: الظاهر انّه لا خلاف بين فقهائنا في ترتب الكفارة علي الجدال في الجملة.

و اليك بعض كلماتهم قدس الله اسرارهم قال الصدوق في المقنع: فان جادلت مرة او مرتين و انت صادق فلا شي ء عليك و ان جادلت ثلاثاً و أنت صادق فعليك دم شاة فان جادلت مرة كاذباً فعليك دم شاة، و ان جادلت مرتين كاذباً فعليك دم

بقرة فإن جادلت ثلاث مرات كاذباً فعليك بدنة «1».

أقول: الظاهر انه ليس في الاخبار ما يدلّ علي ان كفارة الجدال ثلاثاً صادقاً دم بقرة بل المذكور فيها دم شاة و من المحتمل وقوع السهو في الكتابة فصحفت الشاة بالبقرة، و الدليل علي هذا التصحيف ما في من لا يحضره الفقيه قال: (و قال ابي رضي الله عنه في رسالته اليّ: اتق في احرامك الكذب و اليمين الكاذبة و الصادقة و هو الجدال، و الجدال قول الرجل: لا و الله و بلي و الله فان جادلت مرة او مرتين و انت صادق فلا شي ء عليك و ان جادلت ثلاثاً و انت صادق فعليك دم شاة) «2» الخ و علي ذلك فالدليل علي ان كفارة الجدال ثلاثاً صادقاً دم شاة اطلاق روايات كثيرة «3».

و أما كون كفارة الجدال مرة كاذباً ايضاً دم شاة فالدليل عليه ايضاً اطلاق الروايات و حمل ما يدل علي

كونها بقرة «4» علي مرتين و ما دل علي كونها

______________________________

(1) المقنع: 223 و 224

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 328.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 330

- جزورا «1» علي ثلاث مرات.

و قال المفيد في المقنعة: (و من جادل و هو محرم مرة صادقاً او مرتين فليس عليه كفارة و ليستغفر الله عزّ و جلّ فان جادل ثلاث مرات صادقاً و ما زاد و عليه فعليه دم شاة فان جادل مرة كاذباً فعليه دم شاة و ان جادل مرتين كاذباً فعليه دم بقرة، و ان جادل ثلاثاً و ما زاد كاذباً فعليه دم بدنة) «2».

و قال السيد في جمل العلم و العمل: (و من جادل و هو محرم مرة صادقاً او مرتين فعليه دم بقرة فان جادل ثلاثاً فدم بدنة) «3» و هذا القول ليس في الاحاديث ما يدل عليه و الظاهر انه وقع فيه التصحيف فبدل قوله (كاذباً) بصادقاً.

و قال الحلبي في الكافي: و في المجادلة و هي قوله: لا و الله ثلاث مرّات فما فوقهنّ صادقاً دم شاة (و في مرة كاذباً شاة، و مرتين دم بقرة و في ثلاثة مرات فما فوقهن دم بدنة) «4».

و قال الشيخ في النهاية: (و من جادل محرماً صادقاً مرة او مرتين فليس عليه شي ء و ليستغفر الله فان جادل ثلاث مرات فصاعداً صادقاً كان عليه دم شاة و ان جادل ذلك كاذباً مرّة كان عليه دم شاة فان جادل مرتين كاذباً كان عليه دم بقرة فان جادل ثلاث مرّات كاذباً كان عليه بدنة) «5». و به قال في

المبسوط «6».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 9.

(2)- المقنعة/ 435.

(3)- الينابيع: 7/ 108.

(4)- الكافي في الفقيه/ 204.

(5)- النهاية/ 233.

(6)- المبسوط: 1/ 350.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 331

و قال الديلمي في المراسم: (و من جادل ثلاث مرات كاذباً فعليه بدنة و قال: ما يجب فيه بقرة: و هو الجدال مرتين كاذباً، و قال في ما فيه دم شاة: و في المجادلة مرة كاذباً، و قال: و ان جادل ثلاث مرات صادقاً فعليه دم شاة) «1».

و قال ابن البرّاج في المهذب: (فيما يجب فيه بدنة: او يجادل ثلاث مرّات كاذباً، و فيما يجب فيه بقرة: او يجادل مرتين كاذباً، و فيما يجب فيه شاة: او جادل ثلاث مرات

صادقاً او جادل مرة واحدة كاذباً) «2».

هذا و ما ذكر هو مختار الحلّي في السرائر و ابن زهرة في الغنية و ابن حمزة في الوسيلة و الصهرشتي في الاصباح و الحلبي في اشارة السبق و المحقق في الشرائع و المختصر النافع، و العلامة في القواعد و التبصرة و الارشاد و غيرها و الشهيد في الدروس الا انه قال: (ففي الثلاث صادقاً شاة و كذا ما زاد ما لم يكفر و في الواحدة كذباً شاة و في الاثنين بقرة ما لم يكفر و في الثلاث بدنة ما لم يكفر) «3» ثمّ ذكر اقوالا شاذة.

اذا عرفت ذلك تعرف ان اتفاق هؤلاء المشايخ الاجلة علي الترتيب المذكور في فتاواهم لا يمكن رده بمجرد كونه مذكوراً في الفقه الرضوي و دعوي ان ابن بابويه افتي علي طبقه بل الظاهر ان المسألة كانت معلومة عندهم مستندة الي ما لا يمكن لهم العدول عنه و قد علمنا انه لم يكن من

ديدنهم القول بما لم تكن الادلة ظاهرة الدلالة عليه و لو كان مثل الصدوق و المفيد و السيد و الحلبي و الشيخ و غيرهم ممن يحذو حذوهم اعتمدوا علي قول ابن بابويه او علي الفقه الرضوي لا يمكن لنا الخدشة في

______________________________

(1)- المراسم/ 120- 122.

(2)- المهذب: 1/ 223 و 224.

(3)- الدروس الشرعية: 1/ 386.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 332

صحة اعتمادهم و ان الترتيب المذكور كان ثابتاً عندهم فهذا الاتفاق امّا دليل علي اعتمادهم علي الفقه الرضوي او رسالة ابن بابويه الي ولده الصدوق او علي ثبوت صحة هذا الترتيب عندهم بدليل آخر.

هذا و الذي يثبت منه بالاخبار مما ورد في الترتيب المذكور في كلماتهم اولا: ان الحلف الصادق في المرة الاولي و الثانية لا كفارة فيه لمفهوم ما يدل علي ثبوتها في

الثلاثة «1» و لإطلاق ما أورد في عدم الكفارة في الجدال الصادق مطلقا «2» مما يقيد بما ورد في ثبوتها في الثلاثة و للاصل و ثانياً وجوب الشاة في المرة الثالثة صادقاً لطائفة من الصحاح «3»، و ثالثاً: في الحلف الكاذب شاة في المرة الاولي ايضاً بدلالة الروايات «4» و رابعاً: في الحلف الكاذب في المرة الثالثة بقرة كما جاء ايضاً في الروايات المعتبرة «5» و ليس فيها ما يدل علي خصوص الكفارة للكذب الثاني و لكن في الترتيب المذكور في كلماتهم ان في المرة الثانية بقرة و في الثالثة بدنة قال في الجواهر بعد نقل الترتيب المذكور: (و لكن في استفادة ذلك كله مما وصل الينا من النصوص اشكال) «6» ثمّ ذكر الروايات مثل صحيح الحلبي و محمد بن مسلم الذي فيه: «اذا جادل فوق مرتين فعلي المصيب دم يهريقه شاة و علي المخطئ

بقرة» «7»

و بالجملة: ما في هذه الروايات ان من جادل زائداً علي مرّتين كذباً عليه بقرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7.

(2)- الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، ب 1، ح 8.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2 و 3 و 4 و 6 و 7.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3 و 4 و 7.

(5)- وسائل الشيعة: ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2 و 6.

(6)- جواهر الكلام: 20/ 420.

(7)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 333

و ما في الفتاوي انّ عليه بدنة و ان من جادل مرتين كذباً عليه البقرة و ليس في الروايات كفارة له.

اللهم الا خبر ابراهيم بن عبد الحميد الذي رواه العياشي في تفسيره عن ابي الحسن موسي (عليه السلام) قال: «من جادل في الحج فعليه اطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ان كان صادقاً او كاذباً فان عاد مرتين فعلي الصادق شاة، و علي

الكاذب بقرة» «1» (الحديث) و هو ضعيف سنداً و متناً لمخالفته للروايات الصحيحة الا في قوله «و علي الكاذب بقرة» و الاحتجاج به انما يتم لو قلنا كما قال في الجواهر بان عدم العمل بصدره لا يخرج ما في ذيله عن الحجية خصوصاً بعد انجباره بالعمل «2» و فيه لا يثبت بذلك عملهم به

نعم لو قلنا: بانجبار الضعف بمجرد الموافقة يمكن الاستشهاد به و علي هذا لا يتم الاستدلال به لكفارة الجدال كذباً مرتين، و لكن استدل له بصحيح سليمان بن خالد قال: «سمعت ابا

عبد الله (عليه السلام) يقول: في الجدال شاة» (الحديث) «3» لانه يدلّ علي وجوب الشاة في الجدال صادقاً كان او كاذباً في المرة الاولي و الثانية الا ما خرج عنه بالدليل مثل الجدال في المرة الاولي و المرة الثانية صادقاً و المرة الثالثة كاذباً و يبقي تحته المرة الثانية كالمرة الاولي فتجب عليه بالثانية ان لم يؤد الكفارة الاولي شاتان.

ثمّ انّ هنا رواية اخري رواه الشيخ باسناده عن العباس بن المعروف عن علي عن فضالة أبي المعزا عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «اذا جادل الرجل و هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 10.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 422.

(3)- وسائل الشيعة ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 334

محرم فكذب متعمداً فعليه جزور» «1» و اطلاقه يشمل المرة الاولي و الثانية و الثالثة كذباً خرج منه بالدليل المرة الاولي و الثانية بالاجماع فتبقي تحته المرة الثالثة فيقع التعارض بينه و بين ما يدل علي ان كفارتها البقرة.

و لكن استشكل فيه بعض المعاصرين بضعف سنده لان اسناد الشيخ الي

العباس بن معروف بأبي المفضل عن ابن بطة و هما ضعيفان «2»

و فيه: اولا ان ابا المفضل و ابن بطة واقعان في طريق الشيخ الي ابن المعروف في الفهرست «3» دون التهذيب فقد قال في المشيخة و ما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن مهزيار فقد اخبرني به الشيخ ابو عبد الله عن محمد بن علي بن الحسين عن ابيه و محمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله و الحميري و محمد بن يحيي و احمد بن ادريس كلهم عن احمد بن

محمد عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار «4» فعلي هذا طريقه الي ابن المعروف في التهذيب صحيح.

و ثانياً قد اشرنا كراراً في طي المباحث السابقة انه لا اعتبار بكون الطريق الي صاحب الكتاب او الاصل ضعيفاً بعد ما كان الكتاب عند من يرويه عن صاحبه موجوداً معروفاً و انّما استقر سيرتهم علي نقل الروايات عن صاحب الاصول و الكتب لانهم كانوا ملتزمين بالاجازة في نقل الروايات عن الشيوخ و يعدون ذلك اذا كان بسماع الرواية عن الشيخ او القراءة عليه او بالمناولة افضل و اقوي من الوجادة التي تنالها يد كل من كان الكتاب او الاصل عنده و علي هذا لا فرق في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 9.

(2)- المعتمد: 4/ 172.

(3)- الفهرست/ 190.

(4)- التهذيب: 10/ 85 (مشيخة تهذيب الاحكام).

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 335

الرواية بالاسناد عن الكافي لمثل الشيخ مناولة او وجادة و لا فرق بين ان يكون طريقه الي الكليني مثلا ضعيفاً بالاصطلاح او صحيحاً و يستفاد ذلك من تصريح الشيخ في المشيخة بذلك قال قدس سره في طي كلماته في مقدمتها: و اقتصرنا من ايراد الخبر علي الابتداء بذكر المصنف الذي اخذنا الخبر من كتابه او صاحب الاصل الذي اخذنا الحديث من اصله (الي ان قال) و الآن فحيث وفق الله تعالي

الفراغ من هذا الكتاب نحن نذكر الطرق التي يتوصل بها الي رواية هذه الاصول و المصنفات و نذكرها علي غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الاخبار بذلك عن حدّ المراسيل و تلحق بباب المسند. «1» (الخ).

و مما افاد ان ما يطلق عليه المراسيل في اصطلاحهم هو ما يروي عن الكتاب او الاصل بدون هذا

الاسناد المصطلح بينهم و ان كان مروياً عنه بالوجادة بلا واسطة فيشمل مثل ما نروي بدون الاسناد عن كتب الحديث و لكن ما لا يعتمد عليه من المراسيل هو ما كان في تلك الاصول و الكتب عن امام لا يمكن رواية صاحب هذا الكتاب او الاصل عنه مثل ما اذا كان في الكافي عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة او بواسطة لم يمكن له الرواية عنه (عليه السلام) لكونه من الطبقات المتاخرة عنه.

و النتيجة: انه ليس كل ما يطلق عليه المرسل ضعيف بالارسال الا ما لم يكن روايته بالسماع او القراءة او المناولة او الوجادة.

هذا و قد خرجنا عن صورة البحث عما كنا فيه و انما اطلنا الكلام لما فيه من الفائدة المهمة فخذها و اغتنم.

ثمّ اعلم: ان العباس بن معروف قمي له كتب يروي عنه احمد بن ابي عبد الله و

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 10/ 4 مقدمة مشيخة تهذيب الاحكام.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 336

هو احمد بن محمد بن خالد البرقي و بعد ذلك كله يعلم انه لا غمز في سند حديث عباس بن المعروف عن علي كما توهمه المعاصر الجليل فالمعارضة قائمة بينه و بين ما دل علي ان كفارة الجدال كذباً في الثلاثة البقرة و ما عليه عمل المشهور بل الاكثر بل الجميع هو الجزور و ما عبر به في كلمات الاصحاب بالبدنة.

و لكن لا ينبغي بل لا يجوز ترك الاحتياط بالكفارة بذبح البقرة في المرة

الثانية كذباً و في المرة الثالثة كذباً بالجمع بين ذبح الشاة و البدنة.

و لقائل ان يقول: ان ما يدل علي الشاة و البقرة لا يدل عدم كفاية الاكثر بل يدل علي جواز الاكتفاء بالاقل و هذا احتمال وجيه

يوجهه ما يدل في موارد يكتفي فيها بالشاة بان عليه دم و لكن لا يردّ بذلك وجوب الاحتياط و الله تعالي هو العالم باحكامه.

[مسألة 43: كيفية الجدال في الحج و معناه]

مسألة 43: ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمّار: «و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان ولاءً في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه» «1» و خبر ابي بصير: «اذا حلف بثلاثة ايمان متعمداً متتابعات صادقاً فقد جادل» «2» و صحيح معاوية الآخر: «ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان في مقام ولاءً و هو محرم فقد جادل» «3» اعتبار التتابع في ترتب الكفارة علي الثلاث علي خلاف ما يقتضيه غيرها من الاخبار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 337

المطلقة كقوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي و ابن مسلم «1» «اذا جادل فوق مرتين فعلي المصيب دم يهريقه» و صحيح ابي بصير «اذا حلف الرجل ثلاثة ايمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه» «2»

قال في الجواهر: (و قاعدة الجمع بين الاطلاق و التقييد تقتضي حمل المطلق علي المقيد كما مال اليه بعض متأخري المتاخرين حاكياً له عن العماني الا انه نادر يمكن دعوي اتفاق الاصحاب علي خلافه خصوصاً بعد ان كان المحكي عنه يعمّ

الصادق و الكاذب قال: «من حلف ثلاث أيمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل و عليه دم» و لم يفصل و قد سمعت تصريح النصوص و الفتاوي بخلافه في الكاذب (الي ان قال) و من ذلك يظهر

قوة النصوص المطلقة علي وجه لا تكافئها المقيدة كي يحكم بها عليها فإذن المتجه العمل بالمطلقة و حمل المقيدة علي ارادة كونها احد الافراد او علي ارادة بيان اتحاد الجدال و تعدده بالنسبة الي المجادل فيه) «3».

و قال بعض الاعلام من المعاصرين: (التحقيق ان يقال: ان لا موجب للتقييد في نفسه حتي مع قطع النظر عن المشهور، و الوجه ما ذكرناه في بحث المفاهيم و حاصله ان الشرط قد يكون متعدداً فتدل القضية بالمفهوم علي نفي الحكم عند نفي احدهما كما اذا قال: اذا جاء زيد من السفر و كان مجيئها في يوم الجمعة افعل كذا فلو فرضنا انه جاء في يوم السبت ينتفي الحكم بنفي الشرط كما اذا كان الشرط واحداً، و قد يكون الشرط غير متعدد بل كان احدهما مقيداً بالآخر كما اذا قال: اذا جاء زيد في يوم الجمعة بحيث كان المجي ء مقيداً بيوم الجمعة و يكون الشرط هو المجي ء في يوم الجمعة فمفهومه عدم المجي ء في يوم الجمعة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2.

(2) وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 7.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 423.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 338

فلا تدل القضية علي النفي بل القضية ساكتة عن ذلك لعدم كونه مفهوماً للقضية و لذا اشكل جماعة في مفهوم آية النبأ و قالوا ان مفهوم الآية عدم مجي ء الفاسق بالنبإ لا مجي ء غير الفاسق بالنبإ و روايات المقام من هذا القبيل فان مفهوم قوله: اذا

حلف ولاء فعليه كذا انه اذا لم يحلف ولاء ليس عليه كذا لا ما اذا حلف غير ولاء، و أما التقييد فمفهومه عدم ثبوت الحكم للمطلق، و الا

لكان التقييد لغواً، و لكن انما نلتزم بهذا المفهوم فيما لم يكن لذكر القيد فائدة و نكتة اخري و الا فلا مفهوم له و لعل وجه التقييد بالولاء في المقام هو ان المرتكز في اذهان الناس خصوصاً العوام منهم انّ المرة الثانية تأكيد للمرة الاولي و لا يرون ذلك تاسيساً و يحكمون علي ذلك بيمين واحدة و الروايات نبهتهم بان المعتبر تعدد الحلف و ان كان ولاء فعلي الحلف المتعدد ثلاثاً و ان كان ولاء يترتب الكفارة فالتقييد حينئذ لا يوجب تقييد المطلق لان للقيد وجه ظاهر) «1».

اقول: التأمل في الاحاديث الشريفة يقضي بان ما افاده تكلّف لا يقبله العرف في تفسير الاحاديث و عدول عن ظاهرها الدال علي انتفاء الحكم عند انتفاء التتابع فقوله (عليه السلام): «اذا خلف بثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل» «2» ظاهر في تعدد الشرط ثلاثة ايمان و الولاء فاذا انتفي الولاء ينتفي الحكم عليه باهراق الدم مثل ان يقال: اذا جاء زيد من السفر و كان مجيئه يوم الجمعة افعل فإذا جاء يوم السبت ينتفي الحكم بنفي الشرط و بالجملة في مقام الثبوت و ان امكن تصوير ما افاد الا انه لا يؤيده ما عندنا في مقام الاثبات فانه ظاهر في المفهوم الانتفاء عند الانتفاء و تقييد المطلقات و الله العالم.

______________________________

(1)- المعتمد في شرح المناسك: 4/ 174.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 339

تتمة، قد سمعت ما حكيناه عن الدروس انه قال في مقام بيان الترتيب المذكور في كلامهم: (ففي الثلاث صادقاً شاة و كذا ما زاد ما لم يكفر، و في الواحدة كذباً شاة

و في الاثنين بقرة ما لم يكفر و في الثلاث بدنة ما لم يكفر) «1».

و علي ما افاد لا يجب عليه فيما زاد علي الثلاثة غير ما وجب عليه بها زاد ما زاد اذا لم يكفر و اما ان كفر فتجب عليه شاة بالثالثة بعد ما كفروا هكذا و كذلك اذا حلف كذباً مرّة واحدة فكفر بشاة تجب عليه شاة للمرة الاولي بعد ما كفر و لا تجب عليه البقرة و انما تجب عليه البقرة لو لم يكفر بالشاة في المرة الاولي و هكذا يقال في البدنة في الثلاثة انها تجب اذا لم يكفر للاثنين بالبقرة و ان كفر بها تجب عليها في المرة الاولي بعدها الشاة علي ما ذكر فلا تجب عليه البقرة للاثنين الا اذا لم يكفر للاولي و لا البدنة الا اذا لم يكفر للاولي و للثانية.

و يظهر ممّا حكاه في الجواهر ان ذلك صريح جماعة من غير خلاف يظهر فيه و لكنه قال بعد ما ذكر من تفصيل هذا القول: (قلت: ان لم يكن اجماع امكن كون المراد من النصّ و الفتوي وجوب الشاة بالمرة ثمّ هي مع البقرة بالمرتين ثمّ هما مع البدنة في الثلاث الا ان يكون قد كفر عن السابق فتجب البقرة خاصّة او البدنة، كما انه يمكن ان يقال: ان الشاة في ثلاث الصدق دون ما دونه امّا ما زاد فان بلغ الثلاث وجب شاة اخري و ان لم يكن قد كفر عن الاول و الا فليس الا الشاة الاولي و كذا الكلام في ثلاثة الكذب الشاة و البقرة و البدنة و هكذا فتأمل جيداً) «2».

اقول: اما بحسب الفتوي فيستفاد من مثل كلام المفيد في المقنعة «3»

و

الشيخ في

______________________________

(1)- الدروس: 1/ 386.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 224.

(3)- المقنعة/ 435.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 340

النهاية «1» و المبسوط «2» انه ان جادل ثلاث مرات فصاعداً صادقاً عليه دم شاة و ان جادل مرة كاذباً فعليه دم شاة و ان جادل مرتين كاذباً كان عليه بقرة و ان جادل ثلاثاً و ما زاد كاذباً كان عليه دم بدنة و ظاهر ذلك انه يجب عليه ان جادل مرتين كاذباً دم بقرة سواء كفر عن الاولي بشاة ام لا و إن عليه في المرة الثالثة و ما زاد بدنة سواء كفر بشاة عن الاولي و بالبقرة عن الثانية ام لا فمن لم يكفر حتي ارتكب الجدال ثلاثاً يجب عليه شاة و بقرة و بدنة.

و هل يستفاد من كلامهم اطلاق يدل علي كفاية كفارة واحدة للجدال صادقاً ثلاث مرات بحيث لو كفر بعد الثلاث لا تكون عليه كفارة ان ارتكب بعد ذلك ثلاث مرات او هذا مختص بما اذا لم يكفر و كذا في الثالثة كاذباً ان كفر ببدنة هل تجب عليه في المرة الاولي شاة و في الثانية بقره و في الثالثة بدنة ان لم يكفر في كل منها قبلها او مطلقاً.

يمكن ان يقال: ان القول بعدم الكفارة بعد ما كفر موهم لجواز ارتكاب الجدال بعد ذلك و ان امكن الحكم ببقاء حرمة الجدال و عدم الكفارة بعد ذلك الا انه كانه بعيد بمناسبة الحكم و الموضوع الا ان الجزم باستناد ذلك الي الفقهاء مشكل فلو كان مستندنا في حكم المسألة اجماعهم القدر المتيقن منه هو كفاية الكفارة مرة واحدة للثلاثة كاذباً او صادقاً.

و أمّا بحسب الروايات فما يدل عليه مثل صحيح سليمان بن خالد: «في الجدال

شاة» «3»

وجوب الشاة لكل جدال صادقاً كان ام كاذباً كان الاول او الثاني و الازيد

______________________________

(1)- النهاية/ 233.

(2)- المبسوط: 1/ 350.

(3)- وسائل الشيعة: ب من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 341

بعد ما كفر عما قبله او لم يكفر و لكن اطلاقه مقيد بكونها كفارة للمرتبة الثالثة صادقاً و لليمين الواحدة كاذباً لما في مثل صحيح معاوية بن عمار «اذا حلف بثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد و هو محرم» «1» صحيح ابي بصير «اذا حلف الرجل ثلاثة ايمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه» «2» و الاول يدل علي تعدد الكفارة بتعدد الثلاثة ولاء في مقام واحد دون الثاني فانه غير مقيد بالولاء و كونها في مقام واحد و ساكت عن حكم الازيد علي الثلاثة.

و أما اليمين الكاذبة فيدل علي ان كفارته شاة اذا كانت واحدة ايضاً الصحيحان و غيرهما و أمّا اذا كانت ازيد فإن كانت وقعت بعد ما كفر لما قبلها فالظاهر انها كالاولي و ان كان قبل ذلك فبحسب الروايات اذا جادل فوق مرتين تكون عليه امّا البقرة او البدنة و في المرتين و قد مضي الكلام فيها.

و كيف كان فالمستفاد من الروايات اولا ان الحلف بالثلاثة صادقاً علي التفصيل الذي مر في الولاء كفارته دم شاة و ان زاد علي الثلاثة الا علي القول بالولاء في مقام واحد فان عليه لكل ثلاثة وقعت في مقام واحد ولاء كفارة خاصّه و كذا ان كفر بعد الثلاثة و ابتلي بثلاثة اخري.

و ثانياً: في اليمين الكاذبة الواحدة ايضاً دم شاة و في الثالثة البقرة او البدنة اذا لم يكفر لما قبلهما و الا فما بعد الكفارة هي

اليمين الواحدة و أما للمرة الثانية فقد مضي

الكلام فيها يعرف الحساب له بما ذكر ان قلنا بان كفارته البقرة او الشاة و كيف كان لا يجمع بين الشاة و البقرة و البدنة اذا لم يكفر فتدبر و الله هو العالم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 5.

(2) وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 342

[مسألة 44 من محرمات الإحرام] قتل هوام الجسد

مسألة 44: و مما هو محرم علي المحرم كما في الشرائع قتل هوام الجسد، و دوابه كما حكي عن النافع و القواعد «1» و الّذي يدل عليه من الاحاديث طائفتان احداهما ما يدل علي عدم جواز قتل مطلق الهوام و ثانيتهما ما يدلّ علي حرمة قتل طوائف من الهوام مثل القمل و أليق و البرغوث بالغاء خصوصية البقية و غيرها.

اما الطائفة الاولي: فمنها صحيح زرارة قال: «سألت ابا عبد الله (عليه) هل يحك المحرم رأسه او يغتسل بالماء؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمّد قتل دابة»، الحديث «2».

و منها صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «اتق قتل الدواب كلها، الحديث». «3»

و امّا الطائفة الثانية فمنها موثق ابي الجارود «4» قال: «سأل رجل ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل قملة و هو محرم؟ قال: بئس ما صنع. قال: فما فداؤها؟ قال: لا فداء لها». «5»

و منها: الاحاديث الدالة علي النهي عن القاء القملة فانه اذا كان منهياً عنه فقتلها اولي بالنهي و لا يعارض هذه الاحاديث ما رواه الشيخ قدس سره، باسناده

______________________________

(1)- الحكاية عن جواهر الكلام: 18/ 364.

(2) وسائل الشيعة، ب 73 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(3) وسائل الشيعة، ب 18 من

ابواب تروك الاحرام، ح 9.

(4) زياد بن المنذر الهمداني الخارقي الكوفي زيدي من الرابعة يروي عن المشايخ و روي عنه جمع من المشايخ و حكي عن المفيد ما يدل علي توثيقه.

(5) وسائل الشيعة، ب 15، ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 343

عن الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيي عن مرة مولي خالد قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يلقي القملة؟ فقال: القوها ابعدها الله غير محمودة و لا مفقودة» «1» فإنّه ضعيف بمرة المجهول وثاقته الا ان يقال: ان اعتماد مثل صفوان عليه يكفي في الاعتماد علي روايته او خصوص ما يرويه هو عنه و لعل لذلك حمله الشيخ علي من يتاذي بها فيجوز القاؤها و تلزمه الكفارة.

و بعد ذلك قيل بأن هنا روايتان معتبرتان يمكن ان يقال بدلالتهما علي جواز قتلهما احداهما: صحيح معاوية بن عمار قال: «قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: لا شي ء عليه في القمل، و لا ينبغي ان يتعمد قتلها». «2»

و صحيحه الآخر قال: «قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: لا شي ء عليه في القملة، و لا ينبغي ان يتعمد قتلها» «3» و الظاهر ان الروايتين واحدة و ان كان كلام بعض الاعلام ظاهراً في تعددهما «4» و كيف كان و يمكن ان يقال بدلالته علي جواز قتلها مع الكراهية و المرجوحية لقوله (عليه السلام) (و لا ينبغي) و اجاب عنه البعض المشار اليه (ان الظاهر من (لا ينبغي) هو الحرمة لان معني هذه الجملة لغة عدم الامكان و انه امر لا يتيسر و قد شاع استعمالها في

الكتاب العزيز و السنة في عدم الامكان كقوله تعالي: (لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر) (و ما ينبغي للرحمن ان يتخذ ولداً)

و عدم الامكان في عالم التشريع مساوق للحرمة و لو فرضنا عدم دلالة ذلك علي الحرمة فلا يدل علي الجواز فلا يوجب لرفع اليد عما دل علي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 78 من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

(2)- وسائل الشيعة، ب 78 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(3)- وسائل الشيعة، ب 15، ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 6.

(4)- المعتمد: 4/ 179.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 344

الحرمة) «1».

اقول: الموارد التي جاءت في القرآن الكريم من استعمال ينبغي مربوطة الي عالم التكوين و ما لا يمكن بالعقل ان يكون المراد غير الامكان و لا دلالة لذلك علي ان معني ينبغي و لا ينبغي يمكن و لا يمكن، قال الراغب في المفردات: و (قولهم ينبغي مطاوع بغي فاذا قيل ينبغي ان يكون كذا فيقال علي وجهين احدهما ما يكون مسخراً للفعل نحو النار ينبغي ان تحرق الثوب، و الثاني علي معني الاستئهال نحو فلان ينبغي ان يعطي لكرمه و قوله تعالي: (و ما علمناه الشعر و ما ينبغي له) علي الاول فان معناه لا يتسخر و لا يتسهل له أ لا تري ان لسانه لم يكن يجري به و قوله تعالي: (و هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي).

و في مجمع البحرين (و في المصباح حكي عن الكسائي انه سمع من العرب (و ما ينبغي ان يكون كذا) اي ما يستقيم و ما يحسن قال: (و ينبغي ان يكون كذا) معناه يندب ندباً مؤكداً لا يحسن تركه.

و علي هذا دعوي ظهوره في الحرمة في التشريعيات في

عدم الامكان لا يخلو من المجازفة بل الظاهر دلالته علي ما يليق بالانسان ان يفعل او لا يليق به ان يفعل اذا قال (لا ينبغي) و بناء عليه ان كان هنا اجماع علي حرمة قتلها فلا بد من رفع اليد من هذا الظاهر و الا فيحمل ما يدل علي النهي بقرينة هذا الصحيح علي الكراهة الشديدة فهو يكون كالاستثناء عما يدل علي قتل الدواب اللهم الا ان يقال انه يكفي

هنا لاثبات حرمة قتل القملة و حمل لا ينبغي علي الحرمة ما دل علي النهي علي القائها و اتفاق الاصحاب علي القول بحرمته لعدم احتمال كون القتل اخف من الالقاء

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 179.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 345

فتأمل مضافا الي اطلاق صحيحي زرارة و ابن عمار.

هذا كله في القمل و أما البق و البرغوث فما يدل علي حرمة قتلها اطلاق صحيحي زرارة و ابن عمار و لكن ورد فيها بالخصوص مرسل ابن فضال عن بعض اصحابنا عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال (لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم) «1» و استشكل في الاحتجاج به اولا بضعف السند بالارسال و ثانيا: باشتماله علي جواز قتل القملة الذي عرفت اتفاق الاصحاب علي ما حكي علي حرمته و ثالثا بان موضوع الجواز فيه غير موضوع المنع في غيره و اطلاقه و ان يشمل المحرم الا انه يقيد بروايات المنع نعم يمكن تقيد صحيحي زرارة و ابن عمار بما اذا اراداه و آذاه برواية زرارة عن احدهما عليهما السلام قال: سألته عن المحرم يقتل البقة و البرغوث اذا اراده به قال: نعم «2»» و وجود سهل في سنده لا يضر بالاعتماد عليه بل

يمكن الاستدلال به بالنهي عن قتلهما اذا لم يرداه او لم يؤدياه و كذا بما رواه احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي «3» في نوادره علي ما اخرج عنه ابن ادريس في آخر السرائر عن جميل «4» قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقتل البقة و البراغيث اذا آذاه؟ قال: نعم «5».

و عدّه و الرواية السابقة في الوسائل رواية واحده فانه قال بعد نقل رواية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 79 ابواب تروك الاحرام ح 2

(2)- المعتمد: 4/ 180

(3)- كان عظيم المنزلة عند الرضا (عليه السلام) و روي عنه كتاباً من اصحاب الاجماع … و هو من السادسة.

(4)- هو ايضاً من اصحاب الاجماع و … ابن دراج النخعي من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة ب 78 من ابواب تروك الاحرام، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 346

زرارة: و رواه ابن ادريس في آخر السرائر كما مر «1» و بعد نقل رواية جميل، و رواه الكليني كما يأتي.

و هو كذلك احتمالا اذا اعتبرنا في تعدد الرواية صدورها عن الامام (عليه السلام) غير مرة و أما اذا اعتبرنا فيه تعدد الراوي عنه عليه السلام فهما روايتان قطعاً.

و كيف كان فقد ضعف سند رواية جميل بعض الاعلام بان ابن ادريس رواها في آخر السرائر عن نوادر البزنطي و طريقه الي نوادره مجهول فالتعبير عنها بالصحيحة كما في دليل الناسك في غير محله بل لو قلنا بصحة طريق الشيخ الي نوادر البزنطي لا يمكن الحكم بصحة هذه الرواية اذ لم يعلم اتحاد طريق ابن ادريس مع طريق الشيخ و لعل ابن ادريس رواها بطريق آخر و هو مجهول عندنا بل طريق الشيخ الي النوادر ضعيف لان فيه شيخه احمد

بن محمد بن موسي الاهوازي «2» و هو ممن لم يوثق و ان قال في حقه صاحب الوسائل في تذكرة المتبحرين فاضل جليل، و لكن لا نعتمد علي توثيق المتأخرين فالاحوط وجوباً عدم جواز قتل البق و البرغوث و امثالهما من الحيوانات المتكونة في البدن او اللباس.

اقول: كان الاولي بي لجلالة قدره و عظم شأنه قدس سره في عيني ان اخفي ما يورد علي مثل هذه المعاملة مع الاحاديث الشريفة الا ان صيانة الاحاديث عن توهم هذه الموهنات اولي و شخصه الشريف يكون في مقامه مع علمائنا الابرار

ارضي بالتكلم فيما افاد عن السكوت عنه رضوان الله تعالي عليه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 79 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المعروف بابن الصلت شيخ شيخ الطوسي روي عنه جميع روايات ابن عقدة و كتبه و كان معه خط ابي العباس باجازته و شرح رواياته و كتبه و هذا يدل علي فضله و شأنه بل و صحة رواياته من العاشرة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 347

فاعلم: انا قد اشرنا مرة بعد مرة الي ان ما يرويه قد ماء الاصحاب عن الاصول و الكتب التي صنفها اصحاب الائمة عليهم السلام و غيرهم ممن يقارب اعصارهم يروونه باسنادهم الي اصحاب هذه الاصول و الكتب من نفس هذه الكتب فكانت روايتهم بالوجادة عن هذه الكتب لورودها عنها بالوجادة بلا واسطة و بلا حاجة الي ذكر سندهم الي هذه الكتب كما ننقل نحن عن مثل الكافي و الفقيه و غيرهما بلا اسناد و هذا من انحاء تحمل الحديث اذا كان الراوي ثقة يعتمد عليه لا يجوز تركه و تضعيفه بمثل هذه التضعيفات.

نعم اذا كان تقسيم الاحاديث بالاقسام الاربعة المعروفة علي ما اذا كان

تحمل الحديث من الرواة بمثل السماع او القراءة او المناولة يأتي هذا الاصطلاح و لكن عليه قلما يوجد ذلك سيما بالسماع و القراءة فانا نعلم بالضرورة ان مثل الشيخ الذي يقول في جماعة من شيوخه الذين ربما كان لهم اكثر من عشرين و ثلاثين بل مائة تاليف اخبرنا بجميع كتبه لا يمكن ان يكون ذلك بالسماع و القراءة اذاً فلا وجه لرد ما رواه مثل ابن ادريس عن نوادر البزنطي بضعف سنده اليه او عن بعض كتب شيوخه بضعف سنده الي شيخه الذي كان عنده كتابه.

و ان شئت ان تعرف ذلك فراجع مقدمة شيخه في التهذيب فان الشيخ قال في طي كلامه (و اقتصرنا من ايراد الخبر علي الابتداء بذكر المصنف الذي اخذنا الخبر من كتابه او صاحب الاصل الذي اخذنا الحديث من اصله) و بعد ذلك فهل تري تضعيف ما رواه الشيخ عن هذه الاصول و الكتب بضعف اسناده اليها و ان شئت مزيد الكلام في ذلك فراجع كتابنا منتخب الاثر في الامام الثاني عشر (عليه السلام) (ج 1 ص 312- 307)

ثمّ لا يخفي عليك ان بعد ما ذكرنا في فقه الروايتين يمكن ان يقال بوجوب

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 348

الاحتياط اذا لم يؤذياه و لم يرداه و كانه رحمة الله عليه بني علي ان لفظ الحديث دال علي جواز قتلهما مطلقاً و لذا توسل لرده بضعف سندهما اعلي الله مقامه و مقام جميع علمائنا العاملين و جعلنا شاكرين لمساعيهم المشكورة في حفظ احكام الدين و نفي انتحال المبطلين ثمّ انه قد ظهر لك مما سبق حرمة القاء القملة من جسده و ثوبه نصاً و فتوي و أمّا القاء البق او البرغوث فمقتضي الاصل

جوازه لاختصاص دليل الحرمة بالقمل مضافاً الي صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: المحرم يلقي عنه الدواب كلها الا القملة فانها من جسده «1».

و أمّا الكفارة فمقتضي الاصل عدم وجوبها و يدل عليه في خصوص قتل القملة صحيح معاوية بن عمار و موثق ابي الجارود نعم في عدة من الروايات في القاء القملة: تصدق بكف من طعام او فليطعم مكانها طعاماً قبضة بيده او فليطعم مكانها طعاماً «2» و ربما يجمع بينهما بان ما يدل علي نفي الكفارة المراد منه الكفارات المصطلحة نحو دم شاة فلا ينافي ثبوته بكف من الطعام و يمكن حمل الثاني علي الاستحباب و الاحتياط لا ينبغي تركه في القائها و في قتلها و الله هو العالم.

[مسألة: 45 من محرمات الإحرام] عدم جواز لبس الخاتم للمحرم

مسألة: 45 حكم لبس الخاتم للمحرم

مسألة: قال في الجواهر (و يحرم لبس الخاتم للزينة» كما قطع به الاكثر علي ما في كشف اللثام بل في الذخيرة في شرح قوله في الارشاد

«و لبس الخاتم للزينة لا للسنة» قال: لا اعرف خلافاً بين الاصحاب في الحكمين المذكورين، و ان كان فيه ما ستعرف لخبر مسمع عن ابي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 78 من ابواب تروك الاحرام، ج 5.

(2)- وسائل الشيعة ب 15 من ابواب بقية كفارات الاحرام

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 349

عبد الله (عليه السلام): سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه للزينة المنجبر بما عرفت، و المعتضد بالتعليل في صحيحي حمّاد و حريز المتقدمين سابقاً في الاكتحال بالسواد، و النظر في المرآة، و بالمرسل في الكافي (لا يلبسه للزينة) و بما ورد من كون الحاج اشعث اغير و غير ذلك مما يدل علي عدم الترفه للحاج المنافي للزينة «1»

اقول:

امّا عدم الخلاف في الحرمة اذا كان للزينة فقد قال فيه (و ان كان فيه ما ستعرف) و لعل نظره الي ما اشار اليه في طي كلماته من اختيار المصنف (يعني المحقق في النافع الجمع بين النصوص الدالة علي الحرمة للزينة و النصوص الظاهرة في جوازه مطلقاً بحمل الاولي علي الكراهة و قال: هو المحكي عن الجامع «2» ايضاً و كيف كان بعد وجود الروايات في المسألة لا مجال للاحتجاج بالشهرة او الاجماع و أما خبر مسمع الذي قال بانجباره فهو ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن احمد بن يحيي «3» عن ابراهيم بن مهزيار «4» عن صالح بن السندي «5» عن ابن محبوب «6» عن علي يعني ابن رئاب «7» عن مسمع «8» عن ابي عبد الله (عليه السلام) و الظاهر ان الضعف في

سنده من جهة صالح السندي و لكنه ليس بضعف يعتني به مضافاً الي جبره بما عرفت

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 370

(2)- جواهر الكلام: 18/ 371

(3)- الاشعري القمي كان ثقة في الحديث و ما ذكر في قدحه لا يوجب به في نفسه … من السابعة.

(4)- ذكره ابن طاوس في الابواب المعروفين من السابعة.

(5)- له كتاب الظاهر عدم ذكر توثيق له من السادسة.

(6)- السراد ثقة جليل القدر له كتب كثيرة … من السادسة.

(7)- له اصل كبير جليل القدر … من الخامسة.

(8)- ثقة … من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 350

كما قال في الجواهر، و أما التعليل المذكور في صحيح حماد «1» فقوله (عليه السلام) «لا تنظر في المرآة و انت محرم فانه (فانها) من الزينة «و ما في صحيح حريز لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السواد زينة» «2» و أما المرسل فهو

قول الكليني: و في رواية اخري: لا يلبسه للزينة «3»

و بمفهوم خبر مسمع يقيد اطلاق خبر نجيح عن ابي الحسن (عليه السلام) قال: لا بأس بلبس الخاتم للمحرم «4» مع ما فيه من ضعف السند بمنج، و مجمل صحيح ابن بزيع «قال: رأيت العبد الصالح (عليه السلام) و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة» «5» و صحيحه الآخر قال «رأيت علي ابي الحسن الرضا (عليه السلام) و هو محرم خاتما ««6» ان ذلك كان من الامام عليه السلام للسنة او بقصد آخر غير الزينة.

هذا ان قلنا بانجبار ضعف خبر مسمع بالعمل و الا فلا دليل علي حرمة لبس الخاتم بالخصوص الا ان نقول: بدخوله في التزين الثابت حرمته علي المحرم كما عليه المشهور و يدل عليه الروايات، و لكن لا محيص من تقييد اطلاقها او عمومها بفعل الامام عليه السلام الا ان القدر المتيقن منه ما لم يكن للزينة و كان للسنة.

و أما الكفارة فالظاهر عدم الدليل عليها الا رواية قرب الاسناد عن عبد الله ابن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهم السلام قال: لكل شي ء جرحت (خرجت خ) من حجك فعليك فيه دم تهريقه حيث

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 34 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 33 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(3)- وسائل الشيعة ب 46 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(4)- وسائل الشيعة ب 46 ابواب تروك الاحرام ح 1.

(5)- وسائل الشيعة ب 46 ابواب تروك الاحرام ح 3

(6)-- وسائل الشيعة ب 46 ابواب تروك الاحرام ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 351

شئت «1» و قد مر الكلام فيها

و الجواب عن تضعيف سنده بعبد الله بن الحسن، و لكن الاستدلال بها لوجوب الكفارة في المحرمات التي لم يرد في كفارتها نص مبني علي كون النسخة (جرحت) و الله هو العالم

[مسألة 46 من المحرمات] «لبس المرأة المحرمة الحلي»

مسألة: 46 اعلم انه قد وردت في لبس المرأة المحرمة الحلي روايات

منها: ما في صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام): «قال: المحرمة لا تلبس الحلي» «2» و ظاهره الاطلاق بالنسبة الي كل حلي و بالنسبة الي الابقاء يمكن دعوي اطلاقه بدعوي عدم الفرق فيه بين الاحداث و الابقاء كاللباس

و منها: رواية النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليه السلام) و في سنده سهل و فيها «و لا حلياً تتزين به لزوجها» و فيه ايضاً «و لا تلبس حلياً» «3» و يمكن ان يقال: ان الممنوع منه هو الحلي الخاص الذي تتزين به لمناسبه خاصة لا ما تتزين به النساء علي حسب عاد تهن فيقيد به اطلاق صحيح الحلبي و قريب منه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال «سألت ابا الحسن (عليه السلام): عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها، و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها أ تنزعه اذا احرمت او تتركه علي حاله قال: تحرم فيه و تلبسه من

______________________________

(1)- قرب الاسناد: 237 ح 928

(2)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 352

غير ان تظهره للرجال في مركبها و مسيرها» «1».

فان الظاهر منه: ان المجوز منه ما كان تعتاد التزين به في بيتها نعم لا صراحة لها في حكم احداث

التزين به الا ان يقال: بعدم الفرق بين ما كان تعتاد بالتزين به بين الاحداث و الابقاء و القدر المتيقن منها هو صورة ابقائه.

و منها صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «اذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للاحرام لم تنزع حليها» «2» و هذا ايضاً محمول علي ما كان عليها من المعتاد.

و منها صحيح محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «المحرمة تلبس الحلي كله الا حلياً مشهوراً للزينة» «3» و ظاهره جواز لبس الحلي مما ليس مشهوراً و مما هو من المشهور اذا لم يكن للزينة الا ان يكون للزينة قيداً لما هو المشهور يعني المشهور الذي هو للزينة و كيف كان يقيد به ما يدل بالاطلاق علي النهي عن حرمة الحلي المشهور.

و منها صحيح الكاهلي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «تلبس المرأة المحرمة الحلي كله الا القرط المشهور و القلاة المشهورة» «4» و نسبته مع الروايات السابقة غير الاخيرة معلومة مقيد لإطلاقها و حاصل الجميع حرمة الحلي المشهور للزينة و لكن قد افاد بعض الاعلام بوقوع التعارض بينه و بين صحيح محمد بن مسلم لان مقتضي عقد الاستثناء في صحيح محمد بن مسلم يعني قوله «الا حلياً مشهوراً للزينة» حرمة ما كان من الحلي

مشهوراً سواء كان القرط و القلادة او غيرهما و مقتضي عقد المستثني

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام ب 49 ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 353

منه في صحيح الكابلي

اي «تلبس المرأة المحرمة الحلي كله» جواز غير القرط و غير القلاة كالسوار و الخلخال المشهورين فيقع التعارض بينهما في الحلي المشهور غير القرط و غير القلادة فالمرجع بعد التعارض صحيح الحلبي الدال علي حرمة لبس الحلي و النتيجة الحاق غير القرط و غير القلادة اليهما في الحكم اذا كان حلياً مشهوراً بارزاً الا اذا كان عليها قبل حجها فلا يجب نزعه من غيران تظهره للرجال «1».

[مسألة 47 و من محرمات الإحرام الادهان اذا كان فيه الطيب]

عدم جواز الادهان اذا كان فيه الطيب

مسألة: 47 و مما هو محرم حال الاحرام استعمال دهن فيه طيب.

قال في الجواهر «بلا خلاف و لا اشكال بل في المنتهي اجمع علماؤنا علي انه يحرم الادهان في حال الاحرام بالادهان الطيبة كدهن الورد و البان، و الزيبق، و هو قول عامّة اهل العلم و تجب له الفدية اجماعاً» «2» و امّا استعماله قبل الاحرام فلا يجوز ايضاً اذا كان ريحه يبقي بعد الاحرام قال ايضاً في الجواهر كما في القواعد و محكي النهاية و السرائر بل في المدارك نسبته الي الاكثر لحرمة الطيب للمحرم ابتداءً و استدامةً و لقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي و صحيحه «لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من اجل ان رائحته تبقي في رأسك بعد ما تحرم و ادهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم فاذا احرمت فقد حرم عليك الدهن حتي تحل». «3»

و ورد في الجواهر القول بالكراهة المحكي عن الجمل و العقود و الوسيلة

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 186.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 374.

(3) وسائل الشيعة، ب 29 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 354

و المهذب بانّه كالاجتهاد في مقابل النص و امّا

الادهان بغير المطيّب فان كان قبل الاحرام فعن التذكرة الاجماع علي جوازه بل مقتضي الاصل و كذا النصوص جوازه اذا لم تبق رائحته. «1»

و الظاهر انه لا وجه للتفصيل في الادهان بغير المطيب بين ما تبقي عينه و بين غيره بعدم الجواز في الاول و الجواز في الثاني قياساً علي المطيب فانه اذا كان مما بقيت عينه لا يجوز و ان ذهبت رائحته، و ان لم تبق العين و الرائحة يجوز فانه من القياس الذي ليس في مذهبنا، مضافاً الي انه يمكن الخدشة في المقيس عليه ايضاً بعدم استفادة عدم الجواز من النصوص اذا كان الدهن المطيب مما تذهب رائحته و تبقي عينه.

و كيف كان و ان كان بعد الاحرام فلا يجوز الادهان بما ليس بمطيب اختياراً لصحيح الحلبي المتقدم، و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «اتق قتل الدواب كلها و لا تمس شيئاً من الطيب و لا من الدهن في احرامك» «2» و لغيرهما من الروايات مما يدل علي جواز الادهان بعد غسل الاحرام كصحيح الحسين بن ابي العلا «3» و صحيح هشام «4» و ما يدل علي جوازه في حال الاضطرار كصحيح ابن مسلم «5» و صحيح هشام «6»

و أما كفارة الادهان فقيل ان مقتضي الاصل العدم لعدم ورود نص فيها و عن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 375

(2)- التهذيب ج 5 ح 1006 و وسائل الشيعة، ب 29 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(4)- وسائل الشيعة، ب 30 من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

(5)- وسائل الشيعة، ب 31 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(6)- وسائل الشيعة، ب 31 من ابواب تروك

الاحرام، ح 1

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 355

جماعة انها دم شاة و روي في الصحيح عن معاوية بن عمار: في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج؟ قال: ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين و ان كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه «1»

و لكن الظاهر انه مورده الدهن المطيب لا غيره مضافاً الي ما قيل انه لم يثبت كونه رواية عن الامام (عليه السلام) «2» و ان رد ذلك بان مثل معاوية بن عمّار لا يقول بذلك من عنده و اجتهاده نعم هنا ايضاً رواية قرب الاسناد و قد عرفت الكلام فيه. و الله هو العالم.

[مسألة 48 من محرمات الإحرام إزالة الشعر عن البدن]

اشارة

حرمة ازالة الشعر عن البدن علي المحرم

مسألة: 48 و مما يحرم علي المحرم ازالة الشعر قليله و كثيره عن بدنه او بدن غيره محرماً كان او محلّا

امّا بالنسبة الي بدنه ففي الجواهر ادعي الاجماع عليه بقسميه حتي الشعرة و نصفها عن الرأس او اللحية او الابط او غيرها بالحلق او القص او النتف او النورة او غيرها و حكي عن التذكرة و المنتهي اجماع العلماء و يدل عليه الكتاب و الروايات الكثيرة «3».

و قد ذكر في الجواهر طائفة منها و قال «و غير ذلك من النصوص نعم مع الضرورة من اذية قمل او قروح او صداع او حر او غير ذلك لا اثم بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه مضافاً الي الاصل و عموم ادلتها و إلي نفي العسر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ب 4 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 5.

(2)- المعتمد: 4/ 193

(3)- جواهر الكلام: 18/ 378 و 379

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 356

و الحرج و الضرر و الضرار و الآية «1»

و صحيح حريز عن ابي

عبد الله (عليه السلام) قال: «مر رسول الله صلي الله عليه و آله علي كعب بن عجرة الانصاري و القمّل يتناثر من رأسه فقال: أ تؤذيك هوامك؟ فقال: نعم فنزلت الآية فامره رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بحلق رأسه و جعل عليه الصيام ثلاثة ايّام و الصدقة علي ستة مساكين لكل مسكين مدّان، و النسك شاة

و قال ابو عبد الله (عليه السلام): و كل شي ء في القرآن «او» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء و كل شي ء في القرآن فمن لم يجد كذا فعليه كذا فالاول الخيار» «2» اي هو المختار و ما بعده عوض عنه مع عدم امكانه.

و في الفقيه «مر النبي صلي الله عليه و آله علي كعب بن عجرة «3»» و ذكر نحو ما رواه الشيخ و رواه الكليني عن حريز عمن اخبره عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» و اورد علي الاستدلال برواية حريز بارساله علي طريق الكليني و ان كان طريق الشيخ «5» صحيحاً لرواية حريز الحديث عن الامام بلا واسطة الا انه يبعد كونهما روايتين، سمع احداهما حريز بنفسه عن الامام عليه السلام و الاخري سمعها عنه (عليه السلام) من اخبر بها حريز

و علي هذا و ان لا يثبت بذلك ارسال الحديث لاحتمال زيادة قوله (عمن اخبره) في طريق الكافي لا يثبت بطريق التهذيب ايضاً كونه مسنداً لاحتمال اسقاط

______________________________

(1)- فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (البقرة 196).

(2)- وسائل الشيعة ب 14 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 358 ح 2697

(4)- الكافي: 4/ 358

(5)- التهذيب: 5/ 333 ح 1147

فقه الحج

(للصافي)، ج 3، ص: 357

قوله (عمن اخبره) عنه.

و كيف كان فالحكم بالجواز عند الضرورة بالآية الشريفة و بقاعدة نفي الضرر مع دعوي الاجماع عليه بقسميه.

هذا و أما الكلام في كفارة ازالة الشعر عند الضرورة فالظاهر انه لا فرق بين ما يوجب الضرورة المجوزة لها الا انه قد حكي في الجواهر عن المنتهي التفصيل فقال «لو كان له عذر من مرض او وقع في رأسه قمل او غير ذلك من انواع الاذي جاز له الحلق اجماعاً للآية و للأحاديث السابقة ثمّ ينظر فان كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه كما لو نبت في عينيه او نزل شعر حاجبه بحيث يمنعه الابصار لان الشعر اضرّ به فكان له ازالة ضرره كالصيد اذا صال عليه،

و ان كان الاذي من غير الشعر لكن لا يتمكن من ازالة الاذي الا بحلق الشعر كالقمل و القروح برأسه و الصداع من الحر بكثرة الشعر وجبت الفدية لانه قطع الشعر لإزالة ضرره عنه فصار كما لو أكل الصيد في المخمصة «1»».

و يمكن ان يقال: بشمول الآية لوجوب الفدية في الصورتين.

ثمّ انه قال في الجواهر (ان الظاهر عدم الخلاف بل و لا اشكال في عدم جواز ازالة المحرم شعر غيره المحرم بل في المدارك الاجماع عليه و أما شعر المحل فعن الشيخ في الخلاف جوازه «2» و لكن يدل علي حرمته محلا كان الغير ام محرماً ما في صحيح

معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام): «لا يأخذ الحرام من شعر الحلال» «3» فانه يدل بالاولوية علي النهي من شعر الحرام. و هل تجب فيه الفدية؟ مقتضي الاصل عدمها.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 379

(2)- جواهر الكلام: 18/ 381.

(3)- وسائل الشيعة ب 63 ابواب

تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 358

ثمّ ان الظاهر ايضاً كما استظهره في الجواهران المحرم ازالة الشعر بالحلق و النتف و ما يتعارف ازالته به دون الحك الذي لم يعلم ترتبها عليه اذا لم يقصدها به «1».

[مسألة 49] الكلام في الاضطرار الي حلق الرأس

مسألة: 49 اذا اضطر المحرم الي حلق رأسه فلا ريب في جوازه و في انه يجب عليه الفدية بالكتاب و السنة، الصيام او الصدقة او النسك.

و قد فسر في الروايات مثل صحيح زرارة «الصيام بصوم ثلاثة ايام و النسك بذبح شاة و الصدقة علي ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع» «2» و في رواية حريز التي سمعتها لكل مسكين مدّان لا خلاف في ذلك بينهم الا ان في بعض الروايات و الفتاوي عشرة مساكين.

و هو ما رواه الشيخ في التهذيب عن موسي بن القاسم «3» عن محمد بن عمر بن يزيد «4» عن محمد عن عذافر «5» عن عمر بن يزيد «6» عن ابي عبد الله (عليه السلام) و فيه

في تفسير الآية «او الصدقة علي عشرة مساكين يشعهم من الطعام» «7»

و قال في الجواهر (الاشهر في الرواية و الفتوي علي ما في كشف اللثام كون

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 381.

(2)- التهذيب ج 5 ح 62- 1149.

(3)- البجلي ثقة جليل.. من السابعة.

(4)- بياع السابري له كتاب من السادسة.

(5)- الخزاعي له كتاب ثقة من الخامسة.

(6)- السابري ثقة له كتاب من الخامسة.

(7)- التهذيب ج 5 ص 166 ب 25 ح 1148- 61.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 359

الصدقة علي ستة مساكين لكل مسكين مدان و أمّا العشرة فقد سمعت خبر عمر بن يزيد عن الصادق (عليه السلام) الا ان فيه (يشبعهم)، و خير بينهما في التهذيب و محكي الاستبصار و الجامع

و الدروس و في النافع بين عشرة امداد لعشرة و اثني عشر لستة، و عن النهاية و المبسوط الاحتياط باطعام عشرة و فيه ما لا يخفي بعد الاحاطة بما سمعته بل عن المختلف الاحوط الستة لكل واحد مدان، و في القواعد و محكي الوسيلة نحو ما في الكتاب (يعني الشرائع) عشرة لكل واحد منهم مد و لعل تعيين ذلك لكونه الذي يشبع به المسكين غالباً، و عن المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر ستة امداد لستة، و لم نعرف له مستنداً الا ما ارسله في الفقيه قال: و الصدقة علي ستة مساكين لكل مسكين صاع من تمر «1» و روي و مد من تمر علي ان المحكي في التهذيب من عبارة المقنعة «لكل مسكين مدان» و لعل الاقوي الستة لكل مسكين مدان لصحة مستنده بل في المدارك افتي به الشيخ و اكثر الاصحاب.

مضافاً الي ما سمعته من كونه الاشهر فتوي و رواية مع ضعف رواية العشر علي وجه (لا) تكافئه كي تجمع بينهما بالتخيير بين ذلك و بين اشباع العشرة خصوصاً بعد اشتماله علي ما لا يقول به الاصحاب من الاكل من الفداء بل عن الغنية نفي الخلاف عن الستة و ان كان لم يصرح بالمد و المدين و دعوي انجبار الخبر المذكور بالشهرة المحكية في المسالك يدفعها عدم تحقق ذلك بل لعل المتحقق خلافه اذ لم نعرفه

الا لمن سمعت، و كذا القول بالتخيير فانه و ان ذكره من عرفت الا انه بين اثني عشر مدّاً و اشباع العشرة او عشرة امداد لكل واحد مد و هو موقوف علي المكافأة و بالجملة فلا ريب في ان الاقوي الستة لكل واحد مدان «2».

______________________________

(1)- الفقيه ج

2 ص 358 ح 2697.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 408 و 409

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 360

اقول: اما ضعف خبر محمد بن عمر بن يزيد فهو به لانه لم يوثق في كتب الرجال و لكن يمكن ان يقال بصحة الاعتماد عليه لاعتماد مثل موسي بن القاسم عليه و روايته عنه و قد قيل فيه «من اصحاب الرضا (ع) ثقة ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة له ثلثون كتاباً مثل كتب الحسين بن سعيد مستوفاة حسنة»، و لا يخفي ان من كان موصوفاً بهذه الاوصاف واضح الحديث اذا روي عمن لا نعرفه يحصل الاطمينان بكونه موثوقاً به او كون ما روي مثله عنه موثوق الصدور و يعتمد عليه.

مضافاً الي ان الظاهر انه من اهل بيت في الحديث من الشيعة فان جده عمر بن يزيد بياع السابري الكوفي الثقة له كتاب و اخوه الحسين يروي عن ابيه عمر بن يزيد و محمد هذا يروي عن جدّه بواسطته و علي بن عمر بن يزيد ايضاً اخوه الآخر و هو و ابنه عمر بن علي ايضاً من المحدثين و احمد بن الحسين بن عمر ايضاً ابن اخيه من المحدثين.

و علي هذا يمكن تقرير القول بالتخيير بين الستة و العشرة بالجمع بين هذه الرواية و رواية الستة بحمل ظاهر كل منهما علي ما هو الآخر اظهر فيه فيقال: ان رواية الست نص في كفاية الست لكل مسكين مدان و ظاهر في تعين ذلك و عدم الاكتفاء بغيره و رواية العشرة نص في كفاية اشباع العشرة من الطعام الذي يحصل غالباً بمد منه و ظاهر في تعيّن ذلك و عدم الاكتفاء بغيره فترفع اليد عن ظاهر كليهما

بنص الآخر و يجعل نصّ كل

منهما قرينة علي عدم ارادة ظاهر الآخر الذي يستفاد منه بالاطلاق.

و أما القول بالاحتياط باطعام عشرة فان كان باعطاء كل واحد منهم مدان فيتحقق به و أمّا باعطاء كل منهم مداً و اشباعهم فلا يحصل به الاحتياط.

و أما وجه القول بالاحتياط بالست لكل واحد مدان فيمكن ان يكون علي

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 361

القول بالتخيير مع احتمال التعارض بين الخبرين و تقديم ما دل علي الاكتفاء بالست لصحة سنده و أما ما في الشرائع و الوسيلة من اطعام عشرة مساكين لكل منهم مد فقد سمعت ما قال الجواهر في وجهه الا انه ليس بوجيه لتعيين اطعام عشرة به، و أما وجه اكتفاء النهاية و المبسوط و السرائر و هو ستة امداد لستة فلعله ما ذكره من مرسل الفقيه و فيه ما لا يخفي.

هذا و قد ظهر من ذلك كله ان الاقوي هو القول بالتخيير نعم خبر محمد بن عمر بن يزيد قال في الجواهر مشتمل علي ما لا يقول به الاصحاب و هو جواز اكله من الفداء «1» قال: و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم الا ان يقال: ان مجرد ذلك في الخبر لا يضر بصحة الاعتماد بسائره.

فعلي هذا يمكن ان يقال: ان الاقوي القول بالتخيير و ان كان الاحوط اختيار الستة لكل منهم مدان و احوط منه العشرة يعطي ستة منهم كل واحد منهم مدان و اربعة كل واحد منهم مداً و احوط من ذلك اختيار الصوم او النسك و الله هو العالم.

هذا كله فيما اذا اضطر المحرم الي حلق رأسه و أما اذا فعل ذلك مختاراً فربما يقال: بعدم الفرق في فديته بين حال الاختيار و الاضطرار فهو مخير بين الصيام

و الصدقة

و النسك و قال في الجواهر: عن النزهة: ان التخيير انّما هو لمن حلق رأسه من اذي فان حلقه من غير اذي متعمداً وجب عليه شاة من غير تخيير (قال) و مال اليه غير واحد من متأخري المتأخرين و لعله لاختصاص دليل التخيير بالاول دون الثاني فان ما سمعته من صحيح زرارة ظاهر في التعيين، و لا بأس به ان لم يكن اجماع علي عدم الفرق في خصال الفدية بين الضرورة و غيرها كما عساه يظهر من المنتهي

______________________________

(1) جواهر الكلام: 20/ 408 و 409

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 362

و نحو اطلاق المصنف فيحمل الصحيح المزبور علي ما ذكرناه اولا، و لكن الاحتياط باختيار الفرد المخصوص منها لا ينبغي تركه.

اقول: الاقوي بالنظر الي الآية و الروايات المفسرة لها التخيير بين الثلاثة اذا حلق للضرورة و أمّا اذا حلق اختياراً لا لضرورة توجه فلا يستفاد من هذه الروايات ان الحكم بالتخيير اعم يشمل صورة الاختيار كالاضطرار نعم لو كنّا و هذه الروايات فقط حيث لا ريب في تعلق الفدية به في حال الاختيار لقلنا بلزوم النسك لحال الاختيار للعلم الاجمالي باشتغال الذمة بالفدية و عدم حصول اليقين ببراءة الذمة الّا بالنسك دون الصدقة و الصيام.

مضافاً الي ان ذلك يستفاد من صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: من حلق رأسه او نتف ابطه ناسياً او ساهياً او جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم.

و صحيحه الآخر قال: سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف ابطه او قلّم طفره او حلق رأسه او لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه او اكل طعاماً لا ينبغي له اكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً او

جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمداً فعليه دم شاة.

و من اعتمد علي الاجماع المحكي في المسألة فافتي بعدم الفرق في التخيير بين الخصال الثلاثة بين صورة الاضطرار و الاختيار حملهما علي ارادة احد الافراد

بالنسبة الي حلق الرأس و انما ذكره لكون القدر المشترك بينه و بين الامور المذكورة معه، و ان اختص هو بفردين آخرين و لكنك تعلم ان ذلك لا يكفي في الاكتفاء بغير الدم آخذاً بالاجماع المحكي المذكور فالاقوي في المسألة هو الاقتصار في فدية حلق الرأس عمداً و اختياراً علي الدم و الله هو العالم.

ثمّ انّ الظاهر انه لا يعتبر في ثبوت الكفارة علي حلق الرأس حلق تمامه بل

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 363

يكفي في ذلك حلق ما يتحقق به مسمي حلق الرأس و عنوانه فاذا حلق رأسه و ابقي في قنته شيئاً تجب عليه الكفارة لصدق العنوان و المسمي دون ما اذا حلق بعضه و ابقي بعضه الآخر.

اللهم الّا ان يقال: ان ذلك تابع لما يستظهر من الدليل فان قلنا ان الظاهر منه ان المحرم حلق تمام الرأس يقال: انه يكفي في تحقق العنوان حلق معظم الرأس و صدق كونه محلوق الرأس و ان بقي منه جزء قليلا و أمّا ان قلنا ان الظاهر منه مجرد حلق الرأس و هو صادق علي خلق جزء منه كحلق اللحية فانه صادق علي حلق بعضها فيمكن ان يقال: بوجوب الفدية علي حلق البعض.

اللهم الا ان يقال: ان المتبادر من حلق الرأس الحلق المتعارف و هو حلق معظمه و ما هو مسماه عند العرف و لو قلنا باجمال الحديث فالقدر المتيقن هو مسمي حلق الجميع فلا فدية علي الاقل منه للاصل.

[مسألة 50] «لو مس لحيته او رأسه فوقع منها شي ء»

مسألة 50:

قال في الجواهر: (و لو مس لحيته او رأسه فوقع منها شي ء اطعم كفاً من الطعام) كما في النافع و القواعد و محكي المنتهي و الغنية و السرائر بل في المدارك

نسبته الي قطع الاصحاب بل عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه الخ «1».

اقول: روايات المسألة مذكورة في الوسائل منها: صحيح منصور عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم اذا مس لحيته فوقع منها شعرة؟ قال: يطعم كفاً من طعام او

______________________________

(1) جواهر الكلام: 20/ 410

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 364

- كفين.» «1»

و قيل فيه: ان التخيير بين الزائد و الناقص ظاهر في جواز الاجتزاء بالناقص و افضلية الزائد و هو كذلك و احتمال كون ذلك ترديداً من الراوي او بعض الرواة المتأخر عنه ضعيف و بناءً عليه ايضاً مقتضي الاصل جواز الاكتفاء بالاقل.

و في صحيح هشام قال أبو عبد الله (عليه السلام) «اذا وضع احدكم يده علي رأسه او لحيته و هو محرم فسقط شي ء من الشعر فليتصدق بكف من الطعام او كف من سويق و رواه الصدوق و لفظه «بكف من كعك او سويق» و مثله رواية الكليني. «2»

و في صحيح معاوية بن عمار قال: قلت: «لابي عبد الله (عليه السلام) المحرم يعبث بلحيته فتسقط منها الشعرة و الثنتان؟ قال: يطعم شيئاً» «3».

و في خبر الحسن بن هارون قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): اني اولع بلحيتي و انا محرم فتسقط الشعرات؟ قال اذا فرغت من احرامك فاشتر بدرهم تمراً و تصدق به فان تمرة خير من شعرة «4» و في صحيح الحلبي عنه (عليه السلام) «ان نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئاً فعليه ان يطعم مسكيناً في يده» «5».

و ظاهر الجميع

وجوب الصدقة بشي ء من الطعام و ما في بعضها من التعيين بكف منه او تمر يشتري بدرهم محمول علي بيان ما يصدق عليه بشي ء من الطعام او الفرد الافضل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ب 1 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 16، ابواب بقية كفارات الحرام ح 5.

(3)- وسائل الشيعة، ب 16، ابواب بقية كفارات الاحرام ح 4.

(4)- وسائل الشيعة، ب 16، ابواب بقية كفارات الاحرام ح 4.

(5)- وسائل الشيعة، ب 16، ابواب بقية كفارات الاحرام ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 365

و لكن ظاهر خبر المفضل بن عمر و خبر ليث المرادي عدم شي ء عليه امّا الاول فرواه الشيخ في التهذيبين و سنده في الاستبصار «1» عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن المفضل و في التهذيب «2» محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير و المفضل و الظاهر كما يستفاد من كتابي طبقات رجال الكافي و طبقات رجال التهذيب ان جعفر بن بشير متأخر عن المفضل فهو من الطبقة السادسة و المفضل من الخامسة و ليس لابن بشير الرواية عن ابي عبد الله (عليه السلام) و لا عن المفضل فيهما فالظاهر ان الصحيح ما في الاستبصار و جعفر هذا مات سنة ثمان و مأتين بالابواء و استبعدت روايته عن الصادق عليه السلام لفصل ستين سنة بين موته و شهادة الامام الصادق (عليه السلام) فانها وقعت في سنة ثمان و اربعين و مائة.

و قال بعض الاعلام (ان روايته عن الصادق (عليه السلام) منحصر بالواحدة «3» فان كان مراده منها هذه الرواية فقد عرفت الكلام فيه و ان كان غيرها فلم نعرفها، و ممّا يؤيد

نسخة الاستبصار عدم رواية محمد بن الحسين بلا واسطة عن المفضل فراجع في ذلك ايضاً ان شئت كتابي الطبقات و كيف كان فان كان في السند شي ء فهو بالمفضل

الا ان الارجح الاعتماد عليه.

و لفظ الحديث هكذا قال «دخل النباجي علي ابي عبد الله (عليه السلام) فقال: ما تقول في محرم مسّ لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال ابو عبد الله (عليه السلام): لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان علي شي ء «و مقتضي الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة حمل المتقدمة علي الاستحباب الا ان يقال: ان الظاهر منها هي الكفارات المتعارفة

______________________________

(1)- الاستبصار: 2/ 198 ح 667.

(2)- التهذيب: 5/ 339/ 1173.

(3)- المعتمد: 4/ 210

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 366

من الدم و الشاة او يقال: بانها بعمومها تدل علي انه ليس في سقوط الشعرات بمس اللحية شي ء من الدم و الشاة و غيرهما و بالروايات السابقة يخصص عمومها و يقال بوجوب شي ء من الطعام.

و أما الرواية الثانية فهي ما رواه الشيخ بسنده عن المفضل بن صالح عن ليث المرادي قال «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يتناول لحيته و هو محرم يعبث بها فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطأ او عمداً؟ فقال لا يضره «فهي ضعيفة بالمفضل بن صالح. ثمّ انه قد استثني من وجوب الفدية لو مس لحيته و رأسه فوقع منها شي ء، ما اذا فعل ذلك في وضوء الصلاة و اراد به اسباغ الوضوء للاصل و الحرج.

و صحيح هيثم بن العروة التميمي، قال «سئل رجل ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يريد اسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة و الشعرتان؟ فقال: ليس بشي ء ما جعل عليكم في الدين من

حرج «1».

و هل يلحق بالوضوء الغسل بل التيمم و ازالة النجاسة لا يبعد ذلك.

هذا. مضافاً الي استفادة وجوب الفدية في المستثني منه من الروايات لا يخلو من الاشكال فالقول بالوجوب فيه مبني علي الاحتياط.

[مسألة: 51] الكلام في نتف الابط او الابطين

مسألة: 51 قال في الجواهر: (و لو نتف احد ابطيه اطعم ثلاثة مساكين و لو نتفهما لزمه شاة) بلا خلاف اجده في الثاني منهما لصحيح حريز سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول «من حلق رأسه او نتف ابطيه ناسياً او ساهياً

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 16 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 367

او جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم».

بل و الاول الا من بعض متأخري المتأخرين لخبر عبد الله بن جبلة عن ابي عبد الله (عليه السلام) في محرم نتف ابطه؟ قال: يطعم ثلاثة مساكين «و المناقشة بضعف السند يدفعها الانجبار بالعمل خصوصاً عن مثل من لا يعمل الا بالقطعيّات كابني زهره و ادريس علي انه معتضد بمفهوم الشرط في الصحيح الاول المقتضي عدم الدم في نتف احد الابطين بل من ذلك يعلم ان المراد بالابط فيما مر من صحيح زرارة الذي اوجب فيه الدم الابطين بل و كذا ما في صحيح حريز السابق علي ما رواه في الفقيه من الافراد بل قد يقال ان الغالب نتف الابطين معاً فينصرف اطلاق الابط اليه، و ان كان مقتضي ذلك عدم الوثوق بالمفهوم المزبور لخروج الشرط حينئذ مخرج الغالب بل و اطلاق خبر ابن جبلة لكن في الرياض لا ضير في ذلك بعد الاجماع علي لزوم شي ء في نتف الابط الواحدة امّا الاطعام او الشاة و لا دليل علي الثاني مع مخالفته لأصل البراءة فتعين

الاول و يمكن جعل هذا الاجماع قرينة علي رجوع الاطلاق في الرواية الي خصوص غير الغالب تخصيصاً او تجوزاً و هما سائغان و لا بأس في المصير اليهما بعد تعذر الحقيقة، و ان كان فيه من المناقشة ما لا يخفي نعم قد يقال: ان شهرة الاصحاب ترجح الغلبة التي تقتضي صرف اطلاق الابط في خبر ابن جبلة في الابطين و خصوصاً بعد عدم

القائل به بل الاجماع علي لزوم الشاة فيهما» «1»

و قد الحق جماعة حلق الابطين بنتفهما و كذا نتف الابط الواحدة و لا بأس به و علي كل حال فالحكم هنا مستثني مما سمعته سابقاً من التخيير في الفداء بين الصيام و الصدقة و النسك في ازالة الشعر.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 413.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 368

اقول: امّا ما اشار اليه من صحيح حريز فهو ما رواه الشيخ في التهذيب «1» باسناده عن حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا نتف الرجل ابطيه بعد الاحرام فعليه دم و في الاستبصار عن ابي جعفر (عليه السلام) «2» و رواه الصدوق عن حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام)، و لفظه (ابطه) «3».

و علي هذا يتردد لفظ الحديث بين كونه (ابطيه) و كونه (ابطه) و القدر المتيقن منه و جوب الدم إذا نتف ابطيه دون ابط واحد.

و امّا صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال «من حلق رأسه او نتف ابطه ناسياً او ساهياً او جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمداً فعليه دم» «4» و في صحيحه الآخر المحتمل كونه و الاول واحداً عنه (عليه السلام): من نتف ابطه او قلم ظفره او حلق رأسه ناسياً او جاهلا فليس عليه شي ء

و من فعله متعمداً فعليه دم شاة «5».

و هل قوله نتف ابطه ظاهر في نتف ابطيه لانه المتعارف او هو اعم من ذلك و يصدق علي نتف ابط واحد و علي الثاني يمكن تقييد اطلاقه بخبر عبد الله بن جبلة عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في محرم نتف ابطه؟ قال: يطعم ثلاثة مساكين» «6» بعد قبول جبر ضعف سنده بعمل الاصحاب، و هل قوله (نتف ابطه) ظاهر في جنس نتف الابط او ظاهر في نتف ابط واحد الظاهر انه في روايتي زرارة و في رواية ابن جبلة ظاهر في جنس نتف الابط الذي يتحقق بنتف ابط واحد و علي هذا لا وجه لحمل

______________________________

(1)- التهذيب، ج 5، ص 340، ح 1177/ 90.

(2)- الاستبصار، ج 2، ص 199، ب 126، ح 675/ 1.

(3)- الفقيه، ج 2، ص 357 ح 2693.

(4)- وسائل الشيعة، ب 10 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 1.

(5)- وسائل الشيعة، ب 10 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 6.

(6)- وسائل الشيعة، ب 11 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 369

خبر ابن جبلة علي ابط واحد و حمل صحيحي زرارة علي ابطيه و علي جنس الابط و تقييده بخبر ابن جبلة.

فمقتضي ذلك امّا القول بتعارضهما و ترجيح صحيح زرارة علي خبر ابن جبلة و امّا القول بالتخيير في كفارة نتف الابط بناء علي قوة سند عبد الله بن جبلة بن حيان بن بجر الكناني لان محمد بن الحسين بن ابي الخطاب الذي يروي هذا الخبر بواسطة محمد بن عبد الله بن هلال عن ابن جبلة موصوف بجلالة القدر و كثرة الرواية ثقة عين حسن التصانيف مسكون الي روايته و

من كان موصوفاً بمثل ذلك لا يروي ما لا يعتمد عليه و عن من لا يعتمد به فعلي هذا يقال بحمل ظاهر كل منهما الدال علي التعيين علي ما هو الآخر اظهر فيه و هو كفاية الدم او الاطعام.

و مقتضي الاحتياط اطعام ثلاثة مساكين لنتف ابط واحد و دم شاة لنتفهما جميعاً.

[مسألة: 52 و من محرمات الإحرام قص الاظفار]

اشارة

«الكلام في قص الاظفار»

مسألة: 52 و من المحرمات علي المحرم قص الاظفار.

قال في الجواهر (بلا خلاف اجده فيه. بل الاجماع بقسميه عليه. بل في المنتهي و التذكرة نسبته الي علماء الامصار) «1» و في صحيح زرارة روي عنه الشيخ باسناده عن ابي جعفر (عليه السلام) قال «من قلم اظافيره ناسيا او ساهيا او جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم «2».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 411.

(2)- التهذيب: 5 ص 333 ح 1145/ 58

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 370

و صحيحه الآخر «قال: سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف ابطه او قلم ظفره او حلق رأسه او لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه او اكل طعاما لا ينبغي له اكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا او جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمدا فعليه دم شاة) «1».

و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «سألته عن الرجل المحرم تطول اظفاره قال: لا يقص شيئا منها ان استطاع فان كانت تؤذيه فليقصها، و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام» «2»

و في موثق اسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه السلام) قال «سألته عن رجل احرم فنسي ان يقلم اظفاره؟ قال: فقال: يدعها قال: قلت: انها طوال؟ قال: و ان كانت. قلت: فان رجلا افتاه ان

يقلمها و يغتسل و يعيد احرامه ففعل؟ قال: عليه دم» «3»

و المستفاد من هذه الروايات عدم الفرق في حرمة القص بين الواحد و الجميع اذا لم تؤذه و أما اذا كانت تؤذيه و لا يستطيع ان لا يقصها يقصها و يطعم لكل ظفر قبضة من الطعام.

و قال في الجواهر (قوله: (ان استطاع) ظاهر في بلوغه الي حد الضرورة، لكن قد يقال: ان المراد بالاستطاعة فيه الاذية بقرينة قوله: (فان) … الخ نعم قد يقال: ان المنساق من الادلة فيه و في معقد نفي الخلاف الوصول الي حد الضرورة التي يسقط معها التكليف خصوصا بعد عدم معروفية غيرها في سائر المقامات و موافقته للاحتياط بل منه يستفاد عدم الفرق بين الكل و البعض كما صرح به غير واحد) «4»

______________________________

(1)- التهذيب: 5 ص 369 و 370 ح 1287/ 200.

(2)- وسائل الشيعة ب 77 ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)-- وسائل الشيعة ب 77 ابواب تروك الاحرام ح 2.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 412

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 371

اقول: يمكن ان يقال: السؤال عن ذلك انما يتجه اذا لم يصل ما يؤذيه الي حد وقع في العسر و الحرج و اضطر الي القص و الا تكون حرمته منفية بالقاعدة فالظاهر ان المدار في جواز القص الاذية العرفية. بل يمكن ان يقال: بعدم الفداء ان وصلت الضرورة الي حد لا يستحسن معها التكليف عقلا.

[مسألة: 53] «الكلام في كفارة التقليم»

مسألة: 53 في كفارة التقليم في الصحيح عن ابي بصير قال «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قلّم ظفراً من اظافيره و هو محرم؟ قال: عليه مد من طعام حتي يبلغ عشرة فان قلم اصابع يديه كلها فعليه دم شاة قلت: فان قلم اظافير يديه

و رجليه جميعاً؟ فقال: ان كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم و ان كان فعله متفرقاً في مجلسين فعليه دمان. «1»

و رواه الشيخ في التهذيب و الاستبصار الا انه قال «عليه في كل ظفر قيمة مد من طعام» «2».

و الصحيح نص في ان كفارة قلم اصابع يديه كلها دم شاة و في قلم اظفار يديه و رجليه جميعاً في مجلس واحد ايضاً دم شاة و اذا كان ذلك متفرقين فعليه دمان و امّا كفارة كل ظفر الي ان يبلغ العشرة فعلي نسخة الفقيه مد من طعام و علي النسختي التهذيب و الاستبصار (قيمة مدّ من الطعام)

و قال بعض الاجلاء من المعاصرين «لا ريب ان الترجيح مع الفقيه بوجهين:

______________________________

(1)- الفقيه: ج 2، ص 356 ح 2679.

(2)- التهذيب، ج 5، ص 332، ب 25، ح 1141/ 54- الاستبصار، ج 2، ص 194، ب 121، ح 651/ 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 372

الاوّل: ان الصدوق اضبط من الشيخ كما يظهر ذلك بوضوح لمن يراجع كتاب التهذيب و الاستبصار قال في الحدائق: (لا يخفي علي من راجع التهذيب و تدبر اخباره ما وقع للشيخ (ره) من التحريف و التصحيف في الاخبار سنداً و متناً، قلّما يخلو حديث من احاديثه من علة في سند او متن) و ما ذكره لا يخلو من اغراق و مبالغة الا ان القدر المسلم ان الشيخ اكثر اشتباهاً من الصدوق، و يؤيد ما ذكرنا ان الشيخ استدل لما ذكره المفيد في المقنعة برواية ابي بصير و المذكور في المقنعة (مد من الطعام) فذكر القيمة في رواية ابي بصير لا بد ان يكون اشتباهاً و الا لا يصلح خبر ابي بصير دليلا لما ذكره

المفيد في المقنعة فالمعتمد انّما هو رواية الفقيه.

الثاني: ان قيمة مد من طعام لا يمكن ان تكون كفارة لاستحالة التخيير بين الاقل و الاكثر فان الطعام اسم للحنطة و الشعير و التمر و الارز و نحوهما و قيمة هذه الامور مختلفة فكيف يمكن جعل قيمة هذه الامور ملاكاً للواجب فالاقل مما يصدق

عليه قيمة الطعام يكون مصداقاً للواجب. «1»

أقول: اما كون الصدوق اضبط من الشيخ فقد قلنا سابقاً انه لا يثبت بما ذكره، و الا يوجد في.

الفقيه بعض ما يؤخذ به مما ليس في التهذيبين و الانصاف ان وجود بعض ما يوجد بالطبع في كل كتاب و يصدر عن كل كاتب لا يجعل الكتاب مورداً للطعن و الاشكال.

و أما الاستشهاد بما في المقنعة ففيه: انه و ان كان كما ذكره الا انه لا يدل علي سهو الشيخ بل يدل علي ان روايته كانت كما رواها و انما جعلها دليلا علي ما في المقنعة لعدم خصوصية عنده في قيمة الطعام و انه اذا كانت القيمة مجزية فنفس الطعام اولي بان يكون مجزياً مضافاً الي انه روي الحديث في الاستبصار بلفظ التهذيب و

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 254.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 373

بالجملة المظنون ان المروي له كان كما رواه.

و أما استحالة التخيير بين الاقل و الاكثر فيمكن ان يكون الواجب في كل من الاطراف ما يأتيه بقصد قيمة الطعام الخاص.

و علي كل ذلك يمكن ان يقال: ان غاية ما يستفاد من نسخة الشيخ عدم موضوعية عين الطعام و كفاية اداء قيمته و لا دلالة لها علي عدم كفاية الطعام فالاحتياط اداء عين الطعام.

و يؤيد ذلك خبر الحلبي المضمر انه سأله عن محرم قلّم اظافيره قال: عليه مد في كل

اصبع فان هو قلم اظافيره عشرتها فان عليه دم «1».

و لا يخفي عليك انه يقيد بصحيح أبي بصير اطلاق صحيح زرارة الدال علي ان كفارة قلم الظفر مطلقاً و ان لم يبلغ عشرة دم شاة. هذا ان لم نقل بان صحيح زرارة ظاهر في قلم الجميع و الا فلا تعارض بينهما.

لا يقال: قد دل قوله في صحيح معاوية بن عمّار المتقدم ذكره «لا يقص شيئاً منها ان استطاع فان كانت تؤذيه فليقصها و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من الطعام» علي ان كفارة قصّ الظفر قبضة من الطعام فهو معارض بظاهره لصحيح ابي بصير فانّه يقال: يمكن ان يكون المراد من القبضة المد و الا فيقيد اطلاق صحيح ابي بصير بصحيح معاوية بن عمّار.

هذا و بازاء ما ذكر بعض الروايات مما لا يصلح الاحتجاج به لضعف سنده او لكون مضمونه مهجوراً متروكاً.

مثل رواية حماد عن حريز عمّن اخبره عن ابي جعفر (عليه السلام) «في محرم قلم ظفراً؟

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 332، ح 1142/ 55.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 374

قال: يتصدق بكف من طعام قلت: ظفرين؟ قال: كفين قلت: ثلاثاً؟ قال: ثلاثة اكف قلت: اربعة؟ قال: اربعة اكف قلت: خمسة؟ قال: عليه دم يهريقه فان قص عشرة او اكثر من ذلك فليس عليه الا دم يهريقه». «1»

و هذا ضعيف بالارسال.

و مثل صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم ينسي فيقلم ظفراً من اظافيره؟ قال: يتصدق بكف من الطعام قلت: فاثنتين؟ قال: كفين قلت: فثلاثة؟ قال: ثلاث اكف كل ظفر كف حتي يصير خمسة فاذا قلم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان او عشرة او ما كان» «2»

و في الجواهر (و لكن الاول في الناسي

الذي لا شي ء عليه نصاً و فتوي بل الاجماع بقسميه عليه «3» هذا مضافاً الي احتمال وروده و ما قبله تقية لموافقته لفتوي ابي حنيفة. «4»

و أمّا احتمال كونهما رواية واحدة فالوجه له استبعاد رواية حريز لحمّاد تارة عن الامام مرسلا و تارة مسنداً و فيه: يضعف ذلك الاحتمال بان الذي رواه مرسلا مروي عن الباقر (عليه السلام) و ما رواه مسنداً مروي عن الصادق (عليه السلام) مختص بصورة النسيان و بما ذكر تعرف ضعف ما في المسألة من الاقوال.

ثمّ ان هنا فروع:

الاول: اذا كانت يده ناقصة اصبعاً واحداً او اكثر و قلم الباقي فهل يجب بقلم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12، ابواب بقية كفارات الاحرام ح 5.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12، ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 400.

(4)- راجع الخلاف م 100، من كتاب الحج، و التذكره: 8/ 22.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 375

ما بقي الدم او يكفي لكل ظفر مد يمكن ان يقال: انه يصدق عليه انه قلم اظافيره و اظافير يده او رجله فيجب عليه الدم و يمكن ان يقال: ان الظاهر منه الاظافير العشرة مضافاً الي ان ذلك مصرح به في صحيح ابي بصير فان فيه «حتي يبلغ عشرة» و في خبر الحلبي «قلم اظافيره عشرتها و عليه لا يجب عليه الا في كل ظفر مد من الطعام».

الثاني: في الاصبع الزائد لا فدية اذا كان قلم اصابعه العشرة و أمّا اذا لم يقلّم شيئاً من العشرة الاصلية هل يجب عليه بقلم الزائد الفدية يمكن ان يقال بوجوبها كما

انه محرّم عليه لان حرمة القلم لا يختص بالاصلي و لكن الغاء الخصوصية في الفدية مشكل و مقتضي الاصل عدم وجوبها و

ان كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالاداء، و هل يكمل العشرة بقلم الزائد فيجب عليه الدم مشكل و مقتضي الاصل فيه ايضاً عدم الوجوب و الله العالم.

الثالث: اذا تخلل الكفارة بين كل ظفر و انتهي الي العشر الظاهر لا يجب عليه الدم.

الرابع: اذا كفّر بشاة لليدين ثمّ قلم الرجلين الظاهر انه تجب عليه شاة اخري لانه لو لم تجب يلزم خلو الرجلين عن الكفارة.

[مسألة 54] من افتي غيره بتقليم ظفره

مسألة 54: قال الشيخ قدس سره في النهاية «و من افتي غيره بتقليم ظفره فقلمه المستفتي فادمي اصبعه كان عليه دم شاة، «1» و به قال في

______________________________

(1)- النهاية/ 233

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 376

المبسوط «1» و هذا قول ابن البراج في المهذب «2»، و ابن ادريس في السرائر «3» و ابن حمزة في الوسيلة «4» و قال العلامة في التذكرة: من افتي غيره بتقليم ظفره فقلمه فادماه وجب علي المفتي دم شاة لانه الاصل في

اراقة الدم «5»».

و لأن اسحاق الصيرفي سأل الكاظم (عليه السلام) «ان رجلًا احرم فقلم اظفاره و كانت اصبع له عليلة فترك ظفره لم يقصه فافتاه رجل بعد ما احرم فقصه فادماه قال: علي الذي افتاه شاة» «6».

و قال في الجواهر (بلا خلاف اجده فيه) ثمّ ذكر الخبر و قال (المنجبر بعمل الاصحاب كما اعترف به غير واحد المشعرين بالاجماع عليه بل في موثقه «سأله ايضاً ان رجلًا افتاه ان يقلمها، و ان يغتسل و يعيد احرامه ففعل» قال: عليه دم بناء علي عود الضمير فيه الي المفتي و لكن ينبغي تقييده بالادماء ليوافق الخبر الاول المفتي بمضمونه، و لقاعدة الاقتصار فيما خالف الاصل علي المتيقن نعم الظاهر انه لا يشترط احرام المفتي و لا كونه من اهل

الاجتهاد لترك الاستفصال كما صرح به في الدروس و المسالك و غيرهما «7».

اقول: قد اعتمد الشيخ و مثل ابن ادريس الذي لم يعمل علي ما هو المعروف

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 349.

(2)- المهذب: 1/ 224.

(3)- السرائر: 1/ 553.

(4)- الوسيلة/ 167.

(5)- التذكرة: 8/ 24.

(6)- وسائل الشيعة، ب 13 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 1.

(7)- جواهر الكلام: 20/ 402

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 377

منه علي خبر الواحد علي خبر اسحاق بن عمار و في سنده من لا يوثق و هو محمد بن البزاز او الخراز و زكريا المؤمن و ان كان هو يعتمد علي حديثه عند بعض المعاصرين لكونه من رجال كامل الزيارات و لكن يظهر من كتب الرجال القدح فيه فالخبر من حيث السند ضعيف فان انجبر ضعفه بعمل الذين عملوا به من الاجلاء فهو و الّا فالاصل عدم وجوب الفداء علي المفتي و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط و مخالفة الاجلاء الذين افتوا بالوجوب و لا يخفي عليك ان ادعاء الاجماع

في المسألة بعد عدم تعرض غير ما اشرنا اليهم من القدماء غير مسموع كما ان عدم مجرد وجدان الخلاف عنهم بعد عدم تعرض بعضهم للمسألة لا يعتد به و الله هو العالم.

[مسألة 55] «حرمة تغطية الرأس علي المحرم»

مسألة 55: من المحرمات علي الرجل المحرم تغطية رأسه و هذا مما لا خلاف فيه.

تدل عليه النصوص الكثيرة كقوله (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن ميمون عن الصادق عن ابيه عليهما السلام … «احرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه» «1» و مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين كل الرأس و بعضه نعم استثني من ذلك عصام القربة اختياراً لما عبر عنه في الجواهر بصحيح ابن مسلم انه «سأل أبا

عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يضع عصام القربة علي رأسه اذا استسقي فقال؟ نعم» «2».

و كذا عصابة الصداع لصحيح معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 48 ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب، 57، من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 378

«لا بأس بان يعصب المحرم رأسه من الصداع» «1» قال في الجواهر (و نحوه حسن يعقوب «2» شعيب الا انه اعم مما يعصب بالرأس و فيه انه «سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل المحرم تكون به القرحة يربطها و بعضها بخرقة؟ قال: نعم» «3»

فلا بد ان يستدل باطلاقه.

اللهم الا ان يقال: ان النسبة بينه و بين ما دل بالاطلاق علي حرمة ستر الرأس العموم من وجه فيتعارضان في عصابة الرأس و عن كشف اللثام عمل بهما اي صحيحي العصابتين الاصحاب ففي المقنع تجويز عصابة القربة و في التهذيب و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و التذكره و التحرير و المنتهي تجويز التعصيب لحاجة «4».

ثمّ انه لا وجه في التردد في الاذنين فانهما من الرأس و لا يخرجهما عنه اختصاصهما باسم خاص كاليد فانه اسم للعضو المخصوص يشمل اجزائه المسمية كل واحد منها باسم خاص.

هذا مضافاً الي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المحرم يجد البرد في اذنيه يغطيهما؟ قال: لا. «5»

لا يقال: ان الرأس ظاهر في منبت الشعر منه فانه يقال: هذا ممنوع و الحاكم في ذلك العرف و اللغة و كيف كان فالحكم معلوم هما محكومان بحكم منبت الشعر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 70 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(2)- جواهر الكلام:

18/ 383.

(3)- وسائل الشيعة ب 70 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(4)- راجع جواهر الكلام: 18/ 383.

(5)- وسائل الشيعة ب 55 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 379

لصحيح عبد الرحمن.

هذا و لا فرق في حرمة ستر الرأس بين كون ساتره الثوب او الطين او الدواء و الحناء و حتي حمل المتاع او طبق و نحوه.

قال في الجواهر (كما صرّح به غير واحد بل لا اجد فيه خلافاً بل عن التذكرة نسبته الي علمائنا ثمّ اشار الي ما في المدارك من ان النهي متعلق بما يتعارف الستر به و لا يشمل غير المعتاد و اجاب عنه بان ذلك يفهم من استثناء عصام القربة او غير ذلك و النهي عن الارتماس و ادخال الرأس فيه و يفهم ذلك من منع المرأة تغطية وجهها بالمروحة و علي ذلك لا يختص الحرمة بالمعتاد من الستر قال: و لعله لذا و نحوه كان الحكم مفروغاً منه عند الاصحاب بل ظاهر بعضهم الاجماع عليه بيننا). «1»

اقول: مجرد السؤال عن عصام القربة او الصداع لا يدل علي ان موضوع الحكم اعم من الستر المعتاد، و كذا المنع عن الارتماس يمكن ان يكون مختصاً به او يكون مستقلا في الموضوعية للحرمة و القياس بستر المرأة وجهها بالمروحة مع الفارق و مع ذلك كله ينبغي الاحتياط بموافقة المشهور. و الله هو العالم.

[من محرمات الإحرام تغطية الرجل رأسه بكل ما يغطيه]

«جواز ستر بعض الرأس»

استدراك: يدلّ علي عدم جواز ستر بعض الرأس مضافاً الي اطلاق الروايات صحيح عبد الله بن سنان قال «سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول لابي و شكا اليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذي به فقال: تري ان استتر بطرف ثوبي؟ فقال:

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/

384

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 380

لا بأس بذلك ما لم يصب (يصبك) رأسك» «1» فانّ اصابة الثوب رأسه تصدق علي اصابته بعض رأسه.

ثمّ انه لا بأس بالتوسد اي جعل الوسادة تحت رأسه عند النوم لانه يصدق عليه معه انه مكشوف الرأس مضافاً الي ان ذلك من لوازم النوم و كذا يجوز الستر

باليد لعدم صدق التغطية بما هو متصل به كما قال في الجواهر (و لذا لا يتحقق الستر الواجب في الصلاة بوضع اليد علي عورته، و لانه ما مور بمسح رأسه في الوضوء و لما دل علي جواز حك رأسه بيده). «2»

و لقول الصادق (عليه السلام) «لا بأس بان يضع المحرم ذراعه علي وجهه من حرّ الشمس، و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض» «3».

ثمّ انه قال في الجواهر (لا اشكال في اقتضاء النصوص و الفتاوي حرمة تغطية المحرم رأسه حتي عند النوم بل صحيح زرارة السابق صريح فيه) «4» يعني به ما رواه عن ابي جعفر (عليه السلام).

قال «قلت لابي جعفر (عليه السلام): الرجل المحرم يريد ان ينام يغطي وجهه من الذباب؟ قال: نعم و لا يخمر رأسه و المرأة المحرمة لا بأس ان تغطي وجهها كله» «5».

فما في خبر زرارة الذي لم يجمع شرائط الحجية عن احدهما (عليه السلام) «في المحرم له

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 67 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 386.

(3)- وسائل الشيعة، ب 67 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 388.

(5)- وسائل الشيعة، ب 55، من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 381

ان يغطي رأسه و وجهه اذا اراد ان ينام» «1» مطرح او محمول علي حال التضرر بالتكشف او

علي التغطية التي هي تظليل او غير ذلك.

اقول: خبر زرارة من حيث السند علي ما صرح به بعض الاكابر من المعاصرين صحيح و إليك الخبر بسنده و متنه: روي الشيخ في التهذيب عن سعد «2»

عن موسي بن الحسن «3» و الحسن بن علي «4» عن احمد بن هلال «5» و محمد بن ابي عمير «6» و امية بن علي القيسي «7» عن علي بن عطية «8» عن زرارة «9» عن احدهما عليهما السلام «في المحرم قال: له ان يغطي رأسه و وجهه اذا اراد ان ينام» «10» و لا يضر اشتمال السند ببعض الضعاف في مثل هذا الخبر.

و علي هذا يقع التعارض بينه و بين صحيح زرارة السابق و بعد تعارضهما و تساقطهما عن الحجية يرجع الي المطلقات و النتيجة الحرمة مطلقا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 56، من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(2)- ابن عبد الله من كبار الثامنة ثقة.

(3)- هو ايضا ثقة من السابعة.

(4)- الظاهر انه الزيتوني من السابعة اذا كان هو الزيتوني فلم يوثق و يمكن الاعتماد عليه لرواية ابن الوليد عنه و زعمه المعظم له ابن فضال و هو ثقة.

(5)- العبرتائي هو ايضا من السابعة كان غاليا متهما في دينه و لكن اعتمدوا علي و روايته.

(6)- من السادسة مشهور معروف بجلالة القدر.

(7)- كانه من السادسة ضعيف.

(8)- من السادسة لم اجد توثيقه و لكن المعاصر المعظم له قال: هو ثقة.

(9)- من الرابعة هو من الاجلاء المشاهير.

(10)- التهذيب: 5/ 308 ح 1052/ 50.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 382

[مسألة 56] «حرمة الارتماس في الماء علي المحرم»

مسألة: 56 لا ريب في حرمة الارتماس في الماء علي الرجل المحرم. لما في صحيح ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام). و لا ترتمس في

ماء تدخل فيه رأسك «1».

و يستفاد منه ان ما هو المحرم ادخال الرأس و جعله تحت الماء و ان لم يكن ذلك بالارتماس و وقوع تمام البدن تحت الماء و ما في صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام)

«و لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم» «2» و مثله صحيح يعقوب بن شعيب «3».

و هل الارتماس موضوع مستقل بنفسه للحكم بالحرمة او هو محرم لانه من مصاديق حرمة التغطية علي الرجل المحرم فان كان موضوعاً مستقلا يمكن ان يقال: بعدم اختصاص حكمه بالرجل و شموله للمرأة ايضاً و عدم الحاق سائر المائعات به و ان موضوع الحرمة ادخال تمام الرأس في الماء، و ان كان هو من مصاديق التغطية فحرمته تكون مختصة بالرجال و يمكن الحاق سائر المائعات به و انه اعم من رمس تمام الرأس و بعضه.

و قد قيل: ان التغطية لا تصدق علي رمس الرأس في الماء و لا تصدق بافاضة الماء الكثير علي الرأس و ايّد ذلك بجعل الصائم كالمحرم مع عدم حرمة التغطية علي الصائم و لكن لا يحصل الجزم بذلك علي ما ذكر و ما يقتضيه الاصل هو البراءة من التكليف الزائد علي كلا الاحتمالين.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 58 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 58 ح 3.

(3)- وسائل الشيعة ب 58 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 383

فنقول: مقتضي الاصل عدم حرمة الارتماس علي المرأة و مقتضاه عدم حرمة الارتماس في سائر المائعات و جواز افاضة الماء علي الرأس و جواز ادخال بعض الرأس في الماء فيؤخذ بما هو القدر المتيقن و ان كان الاحتياط لا ينبغي

تركه. و الله هو العالم.

[مسألة: 57] «جواز تعطيه الوجه علي الرجل المحرم»

مسألة: 57 المشهور جواز تغطية الوجه علي الرجل المحرم بل حكي عن بعضهم دعوي الاجماع عليه و هو مقتضي الاصل لاختصاص ما دل

علي حرمة التغطية بالرأس بل للنصوص السابقة و لتخمير وجه المحرم اذا مات دون رأسه و لقطع التفصيل الشركة.

كقوله (عليه السلام) «احرام الرجل في رأسه و احرام المرأة في وجهها» «1» و صحيح منصور بن حازم. قال «رأيت ابا عبد الله (عليه السلام) و قد توضأ و هو محرم ثمّ اخذ منديلا فمسح به وجهه» «2».

و خبر عبد الملك القمي قال «قلت لابي عبد الله (عليه السلام): الرجل يتوضأ ثمّ يحلل وجهه بالمنديل يخمره كله؟ قال: لا بأس «3» و غير ذلك من الاخبار.

و لكن في ازائها صحيح معاوية عن الصادق (عليه السلام) «يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق انفه» «4» و في صحيح حفص و هشام عنه ايضاً «يكره للمحرم ان يجوز بثوبه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 56 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 61 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 59 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 61 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 384

انفه من اسفل و قال (عليه السلام): اضح لمن احرمت له» «1» و هذه يدل علي الكراهة

قال في الجواهر (فما عن ابن ابي عقيل من عدم جوازه و ان فيه كفارة اطعام مسكين واضح الضعف و ان كان ربما يشهد له مضمرة الحلبي «2» يعني ما رواه في التهذيب بسنده عن الحلبي قال: المحرم اذا غطي وجهه فليطعم مسكيناً في يده، «3»

و ما في الوسائل من اسناده الي ابي عبد

الله (عليه السلام) «4» الظاهر انه سهو و هذا محمول علي الاستحباب و الاحتياط العمل به في اداء الكفارة. و الله هو العالم.

[مسألة 58] «كفارة تغطية الرأس»

مسألة: 58 كفارة تغطية الرأس دم شاة علي ما هو المصرح به في كلمات جماعة من الاصحاب. قال ابو الصلاح في الكافي: و في تظليل المحمل، و تغطية رأس الرجل و وجه المرأة مختاراً لكل يوم دم شاة و مع الاضطرار بجملة المدة دم شاة «5».

قال الشيخ في المبسوط (من خضب رأسه او طيبه لزمه الفداء … و ان حمل علي رأسه شيئاً غطّي رأسه لزمه الفداء … و ان ارتمس في الماء لزمه دم لانه غطي رأسه) «6» و قال الشهيد في الدروس (و فديته شاة، و لو كان مضطراً … ) «7».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 61 ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 388.

(3)- التهذيب: 5/ 308 ح 1054/ 52.

(4)- وسائل الشيعة ب 55 من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(5)- الكافي/ 204.

(6)- المبسوط: 1/ 351.

(7)- الدروس: 1/ 379

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 385

قال المحقق في الشرائع «و كذا (اي تجب الشاة) لو غطي رأسه بثوب او طينه بطين يستره او ارتمس في الماء او حمل ما يستره «1»» و هذا مختار العلامة في كتبه.

و قال ابن زهرة في الغنية: (في تظليل المحمل و تغطية رأس الرجل و وجه المرأة مع الاختيار عن كل يوم دم شاة و مع الاضطرار لجملة الايام دم شاة بدليل ما

قدمناه من الاجماع و طريقة الاحتياط) «2» و اختار الفداء له ابن حمزة في الوسيلة «3».

هذه جملة من كلمات القائلين بالكفارة و لا ندري ان مستندهم في ذلك هل كانت رواية لم تصل الينا او

انهم فهموا اتحاد التغطية و التظليل في الحكم او استندوا الي رواية علي بن جعفر الذي مرّ الكلام فيه «4» و في الاستدلال بكل ما ذكر ما لا يخفي مثل الاستدلال بان ظاهر الخلاف وجود رواية في ذلك.

قال في المسألة 82 (اذا حمل علي رأسه مكتلا او غيره لزمه الفداء و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: لا يلزمه و به قال عطاء دليلنا عموم ما روي في من غطي رأسه ان عليه الفدية و لم يفصلوا) «5» و بالجملة لا يثبت بذلك وجوب الفداء و مقتضي الاصل البراءة عن وجوبه و لكن جزم هؤلاء المشايخ بالحكم يقتضي رعاية الاحتياط لانهم لم يقولوا ما قالوا في الشرعيات الا بالدليل. و الله هو العالم.

______________________________

(1)- الشرائع: 1/ 227.

(2)- غنية النزوع/ 167.

(3)- الوسيلة/ 168.

(4)- وسائل الشيعة ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 5 (لكل شي ء خرجت (جرحت) من حجك فعليه (فعليك) فيه دم تهريقه حيث شئت.

(5)- الخلاف: 2/ 299

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 386

[مسألة 59 من محرمات الإحرام تغطية المرأة المحرمة وجهها]

اشارة

«حرمة تغطية المرأة المحرمة وجهها»

مسألة: 59 يجب علي المحرمة ان تسفر عن وجهها و لا يجوز لها النقاب و البرقع، و الظاهر اتفاقهم و اجماعهم علي ذلك، و يدل عليه من الروايات صحيح عبد الله بن ميمون عن مولانا الصادق عن ابيه عليهما السلام قال:

المحرمة لا تتنقب لان احرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه «1» و ظاهره النهي عما كان عليه النساء من ستر الوجه و الالتزام بالنقاب.

و في صحيح عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين و كره النقاب و قال تسدل الثوب

علي وجهها قلت: حد ذلك الي اين؟ و قال: الي طرف الانف قدر ما تبصر» «2» و هذا ليس صريحاً في الحرمة سيما بملاحظة نسبته الكراهة الي الامام (عليه السلام) لو لم نقل ان فيه اشعار بالكراهة المصطلحة.

و صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «مرّ ابو جعفر (عليه السلام) بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: احرمي و اسفري، و ارخي ثوبك من فوق رأسك فانك ان تنقبت لم يتغير لونك فقال رجل: الي اين ترخيه؟ قال: تغطي عينيها قال: قلت: تبلغ (يبلغ المصدر) فمها؟ قال: نعم». «3»

و هذا ايضاً ليس صريحاً في وجوب الاسفار بملاحظة التعليل المذكور فيه.

______________________________

(1)- الوسائل الشيعة: ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2) الكافي، ج 4، ص 344، ب ما يجوز للمحرمة ح 1.

(3) وسائل الشيعة، ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 387

و خبر احمد بن محمد عن ابي الحسن (عليه السلام) قال «مرّ أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فاماط المروحة بنفسه عن وجهها» و في نسخة الفقيه (فاماط المروحة بقضيبه) «1»

و هذا ايضاً حكاية فعل الامام (عليه السلام) و هو اعم من كون وجه فعله (عليه السلام) حرمة

استتارها بالمروحة او كراهته.

و خبر يحيي بن ابي العلا عن ابي عبد الله (عليه السلام) «انه كره للمحرم البرقع و القفازين» «2» و هذا ايضاً لا يدل علي حرمة البرقع.

و لكن الظاهر انه يكفي في الحكم بوجوب الاسفار او حرمة ستر الوجه علي النساء صحيح عبد الله بن ميمون مضافاً الي ثبوت الاجماع و الاتفاق عليه عن جميع الفقهاء.

الا انه قد يقع الكلام في موارد:

منها: في اختصاص الحكم بالبرقع

و النقاب او يعمها و مطلق الثوب و ظاهر الروايات بالاطلاق سيما صحيح ابن ميمون هو العموم بل يستفاد منه شمول الحكم لكل ما يغطي الوجه و ان كان من غير الثوب مثل المروحة.

و في خبر سماعة عن ابي عبد الله (عليه السلام): و ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 4 و من لا يحضر الفقيه: 2/ 342 ح 2628.

(2) وسائل الشيعة، ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 9.

(3) ابواب الاحرام، ب 33، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 388

و في الجواهر (انه يجوز لها وضع اليدين عليه كما يجوز لها نومها عليه و حمل الخبر علي ضرب من الكراهة و لا يخفي ما فيه) «1».

و منها: في شمول الحكم لبعض الوجه ككله قال في الجواهر (لا فرق في حرمة التغطية بين الكل و البعض لما سمعته في الرأس و لصحيح المنع من النقاب «2») و مراده

ظاهراً ان النقاب منهي عنه مع انه لا يشمل تمام الوجه لان المراد منه كما قيل شد الثوب علي الفم و الانف و ما سفل عنهما كاللثام للرجل و كانه رد علي ذلك بعض الاجلة بان ما يثبت بالروايات حرمة ستره ما يستر من الوجه بالنقاب و امّا غير ذلك فلا دليل علي منعه.

و فيه: ان الدليل قوله (عليه السلام) «احرام المرأة في وجهها» و هو يشمل البعض كالكل و خصوص النهي عن النقاب لإصابته الوجه فلا يترك فيه الاحتياط بكشف تمام الوجه بل قال في الجواهر (يجب عليها كشف بعض الرأس مقدمة لكشف الوجه كما يجب علي الرجل كشف بعض

الوجه مقدمة للرأس) «3».

علي ذلك يقع التعارض بين ما وجب عليها في حال الصلاة من ستر بعض وجهها مقدمة علمية ستر سائر جسدها و ما وجب عليها من كشف بعض رأسها مقدمة للعلم بكشفها ما وجب عليها في حال الاحرام. و المحكي عن المدارك تقديم ستر الرأس تمسكا بالعمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عما يصلح للتخصيص، و رده في الجواهر بامكان معارضته بمثله يعني في طرف حرمة ستر الوجه و قيل بتقديمه لان المستر احوط من الكشف لكونها عورة ورد بان مجرد

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 390 و 391.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 390 و 391.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 390 و 391.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 389

ذلك لا يوجب ان يكون احوط و قيل بتقديمه لأهمية الصلاة ورد بان ذلك وجيه لو وقع التزاحم بين العمل بوظيفة الاحرام واصل الصلاة لا اذا وقع المزاحمة بين حفظ شرط او جزء من الصلاة و واجب آخر مثل كشف الوجه في حال الاحرام و بالجملة لم اعثر منهم علي وجه وجيه لا لتقديم ستر رأسها علي كشف وجهها و لا لتقديم كشف وجهها علي ستر رأسها فلا بد من القول بالتخيير اللهم الا ان يقال: ان الامر دائر بين بطلان الصلاة و فوتها منها اذا كان تكليفها الواقعي حفظ الستر الصلاة

و بين ارتكاب ما يحرم عليها حال الاحرام اذا كان تكليفها الواقعي ذلك و لا ريب في ان عدم الوقوع في مفسدة فوت الصلاة بتقديمها ستر رأسها اولي من الوقوع في مفسدة حرمة وجهها و الله هو العالم.

و منها: في سدل المذكور في الروايات قال المحقق (قدس سره) (و لو اسدلت قناعها علي رأسها الي طرف انفها جاز) و قال

في الجواهر (بلا خلاف اجده كما عن المنتهي الاعتراف به بل في المدارك نسبته الي اجماع الاصحاب و غيرهم نحو ما عن التذكرة من انه جائز عند علمائنا اجمع و هو قول عامة اهل العلم بل قد يجب بناء علي وجوب ستر الوجه عليها من الاجانب و للاخبار كقول الصادق (عليه السلام) لسماعة: و ان مرّ بها رجل استترت منها بثوبها انتهي) «1».

و ما ذكره هو القدر المتيقن مما دل عليه الروايات مثل صحيح عيص بن القاسم «2». و فيه و قال «تسدل الثوب علي وجهها قلت: حدّ ذلك الي اين؟ قال: الي طرف الانف قدر ما تبصر» «3».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 391.

(2)- ثقة عين له كتاب من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 390

و لكن جاء في غيرها تحديده باوسع من ذلك كصحيح الحلبي الذي فيه بعد امرها بارخاء ثوبها «فقال رجل الي اين ترخيه؟ قال: تعطي عينيها قال: قلت: يبلغ فمها؟ قال: نعم». «1»

و في صحيح حريز قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «المحرمة تسدل الثوب علي وجهها الي الذقن» «2» و في صحيح زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام): «ان المحرمة تسدل ثوبها الي نحرها» «3».

و صحيح معاوية بن عمار عنه (عليه السلام) قال: «تسدل المرأة الثوب علي وجهها من اعلاها الي النحر اذا كانت راكبة» «4».

و هل يقع التعارض بين هذه الروايات فيقال بسقوط الجميع بالتعارض كما بني عليه بعض الاعلام من المعاصرين فيؤخذ بجواز ما يدل الجميع علي جوازه و هو اسدال الثوب الي طرف الانف الاعلي ما بين الحاجبين «5» او يؤخذ بما كل منها نص فيه و

يترك ما هو الظاهر فيه بنص غيره نعم في خصوص الاسدال الي النحر الحكم بجوازه مختص بحالة الركوب.

و هل الحكم مختص بحال الخوف من وقوع نظر الاجنبي اليها أو أعم منه و من حال الاختيار و عدم غرض الستر فيجوز مطلقاً؟ الظاهر من الروايات الاطلاق و أما صورة غرض الستر فلها حكمها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- الوسائل ب 48 ابواب تروك الاحرام ب 6.

(3)- وسائل الشيعة ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 7.

(4)- وسائل الشيعة ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 8.

(5)- المعتمد: 4/ 230

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 391

و في رواية سماعة عن ابي عبد الله عن ابيه عليهما السلام «انه سأله عن المحرمة؟ فقال: ان مربها رجل استترت منه بثوبها، و لا تستر بيدها من الشمس» «1».

و هل يقيد الحكم بالجواز بصورة عدم كون الثوب مماساً للوجه؟ الظاهر عدم الاختصاص سيما مع ملاحظة غلبة ذلك و عدم اشارة الي ذلك في الروايات قال في الجواهر (و لعله لذا كان خيرة الفاضل في المنتهي ذلك و تبعه غير واحد ممن تاخر

عنه خلافاً للمحكي عن المبسوط و الجامع من عدم الجواز فلا بد ان تمنعه بيدها او بخشبة من ان يباشر وجهها و اختار في القواعد بل في الدروس انه المشهور بل عن الشيخ وجوب الدم مع تعمد المباشرة) الي ان قال (فلم نجد له دليلا علي شي ء من ذلك سوي دعوي الجمع بين صحاح السدل و النصوص المانعة من التغطية بحمل الاولي علي غير المصيبة للبشرة بخلاف الثانية بل لعل المرتفعة ليست من التغطية. و فيه مع ان الدليل خال عن ذكر التغطية و انما فيه

الاحرام بالوجه و الامر بالاسفار عن الوجه ان السدل بمعنييه تغطية عرفاً و انها غير سافرة الوجه معه الا ما خرج عنها الي حدّ التظليل) الي آخر ما افاده (قدس سره) فراجع تمام كلامه «2».

فالظاهر ان ما نسب الي المشهور ضعيف و ان كان الاحتياط حسن ينبغي رعايته. و الله هو العالم.

«كفارة تغطية المرأة المحرمة وجهها»

تتمة: يظهر من الشيخ في المبسوط ان علي المرأة الدم ان سترت وجهها قال (و احرامها في وجهها و يجوز لها ان تسدل علي وجهها ثوباً

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 10.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 393.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 392

اسدالا و تمنعه بيديها من ان يباشر وجهها او يغشيه فان باشر وجهها الثوب الذي تسدله متعمدة كان عليها الدم. «1»

و قال الحلبي في الكافي (و تغطية رأس الرجل و وجه المرأة مختاراً لكل يوم دم شاة، و مع الاضطرار بجملة المدة دم شاة). «2»

اقول: امّا ما افتي به الحلبي من التفصيل فالظاهر انه لا وجه له الا ان يقال علي فرض وجوب الدم عليها يتكرر الكفارة بتكرار موجبها لكل يوم و مع الاضطرار القدر المتيقن جملة المدة و لكن الكلام في مستندهما لأصل وجوب الدم عليها.

و يحتمل ان يكون صحيح علي بن جعفر المتقدم ذكره «لكل شي ء جرحت (خرجت) من حجك فعليك فيه دم تهريقه حيث شئت» «3» علي نسخة جرحت و يحتمل ان يكون صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال «من لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه و هو محرم ففعل ذلك ناسياً او ساهياً او جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم» «4» بدعوي شموله لمثل ذلك فلا فرق بين ان

يكون ستر الوجه بالثوب الذي هو عليه او بثوب خاص و الجزم بذلك مشكل و مقتضي الاصل معلوم و الاحتياط علي كل حال مطلوب.

[مسألة 60: من محرمات الإحرام إخراج الدم]

اشارة

حرمة اخراج الدم علي المحرم

مسألة: 60 حكي عن جماعة من الفقهاء حرمة اخراج الدم الا عند الضرورة و حكي عن بعضهم كراهته، و يدل علي حرمته صحيح معاوية بن

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 320.

(2)- الكافي في الفقه/ 204.

(3)- وسائل الشيعة ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 5.

(4)- وسائل الشيعة ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 393

عمار قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال: باظافيره ما لم يدم او يقطع الشعر» «1»

و خبر عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر، ويحك الجسد ما لم يدمه «2»

و صحيح الحلبي «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يستاك؟ قال: نعم و لا يدمي» «3».

و خبر علي بن جعفر عن اخيه موسي عليهم السلام «سألته عن المحرم هل يصلح له ان يستاك؟ قال: لا بأس و لا ينبغي ان يدمي فيه» «4».

و لكنه ليس صريحاً في الحرمة لو لم يكن مشعراً بالكراهة و يدل عليه ما يدل علي تحريم الحجامة الا عند الضرورة كصحيح الحلبي و خبر الحسن الصيقل و خبر زرارة و خبر ذريح و خبر علي بن جعفر «5» و الظاهر انهم سألوا عن الامام (عليه السلام) في هذه الروايات عن الاحتجام للمحرم لكونه سبباً للادماء.

و لكن في قبال هذه ما يدل علي الجواز كصحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «لا بأس ان

يحتجم المحرم ما لم يحلق او يقطع الشعر» «6» و خبر يونس بن يعقوب قال «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يحتجم؟ قال: لا احبه» «7» فانه مشعر بالكراهة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 73 ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 73 ح 2 و 3 و 5.

(3)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 73 ح 2 و 3 و 5.

(4)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 73 ح 2 و 3 و 5.

(5)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 62.

(6)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 62 ح 5.

(7)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 62، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 394

و في بعض الروايات ما يدل علي ان رسول الله صلي الله عليه و آله و كذا بعض الائمة عليهم السلام احتجما و هما محرمان.

و لكن فيه: ان صحيح حريز لو لم نحمله علي الضرورة مقيد بما دل علي جواز الاحتجام عند الضرورة و خبر يونس بن يعقوب محمول علي عدم وجود الضرورة

و عدم دلالته علي الجواز و فعل المعصوم لا يدل علي الجواز المطلق لجواز كونه للضرورة.

فالاظهر ما عليه المشهور من كون اخراج الدم محرم علي المحرم الا عند ضرورة.

لا يقال: لم لا نقول باختصاص الحرمة بما ذكر في الروايات كالحك و الاحتجام.

فانه يقال: يظهر من الروايات ان سؤالهم عمّا ذكر ليس لاختصاص حرمة الادماء به بل لكونه من اسباب الادماء المحرم.

هذا كله في حكم اصل الادماء و أمّا الكفارة فمقتضي الاصل البراءة منها الا علي الرواية المتقدمة التي سمعت الكلام فيه و الله هو العالم باحكامه نسأله ان لا يؤاخذنا بهفواتنا و خطيئاتنا انه هو

الرحيم الغفور.

جواز الاستياك في الاحرام

بقية: يمكن ان يقال: مقتضي صحيح معاوية بن عمار المروي في الكافي جواز الاستياك و ان ادمي قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) «المحرم يستاك؟ قال: نعم. قلت:

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 395

فان ادمي يستاك؟ قال: نعم هو من السنة» «1».

فيمكن ان يقال: ان مقتضي الجمع بينه و بين صحيح الحلبي عدم تعمد الادماء به كما هو ظاهر قوله و لا يدمي و علي هذا يختص الجواز و ان ادمي بالاستياك دون غيره و علي هذا يقيد ما دل بالاطلاق علي حرمة الادماء به و يؤيد ذلك ما روي في الكافي في بعده: و روي ايضاً «لا يستدمي» «2» و لعل لذلك قال الشهيد بكراهة المبالغة في السواك.

[مسألة: 61 لو قلع ضرسه مع الحاجة اليه لم يكن عليه شي ء]

مسألة: 61 قال في التذكرة (لو قلع ضرسه مع الحاجة اليه لم يكن عليه شي ء و ان كان لا مع الحاجة عليه دم شاة قاله الشيخ رحمه الله لرواية مرسلة) «3»

و كلام الشيخ في النهاية (و من قلع ضرسه كان عليه دم يهريقه) «4».

و الرواية مرسلة هكذا: روي محمد بن احمد بن يحيي عن محمد بن عيسي عن عدة من اصحابنا عن رجل من اهل خراسان «ان مسألة وقعت في الموسم و لم يكن عند مواليه فيها شي ء محرم قلع ضرسه فكتب (عليه السلام) يهريق دماً» «5»

و الاستدلال به ان كان لمطلق قلع الضرس و لو لم يدم فهو خلاف الظاهر لملازمته غالباً للادماء و ان كان لانه موجب للادماء فيمكن ان يقال: بضعف الدليل

______________________________

(1)- جامع الاحكام: ج 13/ 310 ح 8161 (4) و وسائل الشيعة، ب 71، ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- جامع الاحكام: 13/ 310 ح 8161 (4).

(3)- التذكرة الفقهاء، ح 8/ 67.

(4)- النهاية/

235.

(5)- التهذيب: ح 5/ 385 ح 1344/ 257.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 396

لارساله و اضماره.

[مسألة 62 من محرمات الإحرام حمل السلاح]

اشارة

حرمة حمل السلاح علي المحرم

مسألة: 62 اعلم ان الظاهران المشهور بين الاصحاب الي عصر المحقق حرمة حمل السلاح علي المحرم لغير ضرورة و ذهب المحقق و العلامة

في جملة من كتبه الي كراهته، و الذي يدل علي القول المشهور صحيح ابن سنان سألت ابا عبد الله (عليه السلام): «أ يحمل السلاح المحرم؟ فقال: اذا خاف المحرم عدواً او سرقاً فليلبس السلاح» «1».

و صحيحه الآخر عنه (عليه السلام) قال «المحرم اذا خاف لبس السلاح» «2» و احتمال كونه و سابقه واحداً قريب جداً و هذا بالمفهوم يدل علي عدم جواز لبس السلاح عند عدم الخوف.

لا يقال: هذه القضية لبيان تحقق الموضوع مثل (ان رزقت ولداً فاختنه) لا لإفادة المفهوم للغويته فقوله (ان خفت من العدو فالبس السلاح) ليس للمفهوم لعدم الفائدة لان من لا يخاف من العدوّ لا يلبس السلاح لان فائدته دفع العدو.

فانه يقال: لا ينحصر فائدة التسلح بالسلاح بدفع العدوّ بل ربما يتسلح به لاظهار القدرة و القوة و الشوكة بل في صحيح الحلبي ايضاً عنه (عليه السلام) «ان المحرم اذا خاف العدو يلبس (فلبس) السلاح فلا كفارة عليه» «3».

و قال في الجواهر (ظاهرها ثبوتها عليه اذا لبسه مع عدم الخوف الا انه لم نجد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 397

قائلا به كما اعترف به غير واحد اللهم الا ان يحمل علي ما يغطي الرأس كالمغفر او يحيط بالبدن كالدرع و

لكن حرمتها حينئذ لذلك لا لكونهما من السلاح الذي قد يشك في شموله لهما و ان كانت مع الترس من لأمة الحرب) «1».

و أما الدليل علي القول بالكراهة فالاصل و هو مقطوع بما ذكر من الدليل و ان المفهوم و ان قلنا بحجيته الا انه لا يستفاد من القضية التي صيغت لبيان تحقق الموضوع كما في ما نحن فيه.

و فيه: ان فائدة لبس السلاح كما اشرنا اليها لا تنحصر في ازالة الخوف و دفع العدو فالاصح علي ذلك هو القول بالحرمة.

ثمّ ان الظاهر ان السلاح اعم من خصوص السيف و الرمح و القوس و غيرها و ما هو يقوم مقامها في سائر الاعصار كزماننا فالسلاح ما يعد للحرب للقتال به و ان لم يكن من الحديد و في مجمع البحرين ما يقاتل به في الحرب و يدافع.

نعم الظاهر انه لا يشمل ألبسة الحرب كالدرع و المغفر و ان كان لا يبعد شموله لهما في المقام بمناسبة الحال و هل يمكن نفي البعد ايضاً عن شموله و ان لم يكن بحمل و لا لبس و كان صادقاً عليه انه يكون خارجاً بالسيف؟ و لا ريب في ان حرمة لبس السلاح مختص بحال الاختيار دون الاضطرار كما هو المصرح به في الروايات.

[مسألة 63] و وجوب كفارة لبس السلاح علي المحرم

مسألة: 63 مقتضي ما يدل عليه مفهوم صحيح الحلبي وجوب الكفارة علي من لبس السلاح من غير ضرورة و لم يعين فيه نوع الكفارة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 422.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 398

و هل يمكن ان يقال: بكونها شاة تمسكاً بصحيح زرارة «من لبس ثوباً لا ينبغي لبسه فعليه شاة» «1» بان المراد منه مطلق ما يلبسه الانسان كانه قال: من لبس ما لا ينبغي

لبسه يشكل ذلك لعدم صدق الثوب علي السلاح.

و يمكن ان يقال: ان جنس التكليف هنا معلوم لا يمكن اجراء البراءة عنه و نوعه مردد بين الطعام و الدم و مقتضي ذلك الاحتياط بالطعام و الدم و أمّا دعوي عدم وجود العامل بالرواية و كونها مهجورة فلم نتحققه. و الله هو العالم.

[مسألة 64 من محرمات الإحرام قطع شجر الحرم]

اشارة

حرمة قطع شجر الحرم

مسألة: 64 ممّا يحرم علي المحرم قطع شجر الحرم و حشيشه و حرمته تعم المحرم و المحل و لا خلاف فيه بين الاصحاب و يدل عليه صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام علي الناس اجمعين» «2» و عنه ايضاً عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام علي الناس اجمعين الا ما انبته انت و غرسته». «3»

و الظاهر اتحادهما و ان الاول منقول بالاختصار لا يقال: اذا كانا واحداً فلا يثبت ما في الثاني من الزيادة فانه يقال: مقتضي الاصل عدم وقوع النقيصة في الاوّل و مقتضي الاصل عدم وقوع الزائدة في الثاني و اذا وقع التعارض بينهما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1 لفظ الرواية هكذا من نتف ابطه … او لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه … و هو محرم ففعل ذلك ناسياً او جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمداً فعليه دم شاة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 86 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 86 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 399

الاصل تقدم الثاني علي الاول لعدم تعارض العدم مع الوجود و غلبة وقوع النقيصة دون الزيادة و كيف كان

يدلّ علي ذلك غيره من الروايات.

و صحيح معاوية بن عمّار «عن شجرة اصلها في الحرم و فرعها في الحلّ؟ فقال: حرم فرعها لمكان اصلها قال: قلت: فان اصلها في الحلّ و فرعها في الحرم؟ قال: حرم اصلها لمكان فرعها» «1».

و في الجواهر قال بعد قوله لمكان فرعها (و كل شي ء ينبت في الحرم فلا يجوز قلعه علي وجه «2» زعم انه تتمة الحديث و لكن الظاهر انه من كلام الشيخ و كيف كان لا اشكال في المسألة في الجملة للروايات المذكورة و لغيرها.

نعم يقع الكلام في موارد:

احدها: ان الحكم بالتحريم بما اذا كان عالماً بالقطع او القلع مطلق و لو لم يكن مقصوداً بنفسه فاذا كان هو راكباً علي دابته و رأي في سبيله الحشيش يصير بقطعه الطريق مقطوعاً او مقلوعاً يجب عليه العدول منه الي طريق آخر او مختص بما اذا كان مقصوداً بنفسه الظاهر الاختصاص.

ثانيها: انه ليس من القلع المحرم و لا القطع و لا النزع ما يتحقق بتعليف الحيوان من النبات و الحشيش و رعيه في الحرم و هذا ايضاً من مصاديق الفرع السابق بل لعله من اظهر مصاديق ما ليس مقصوداً بنفسه و يدل عليه في خصوص البعير.

صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «يخلي عن البعير في الحرم تأكل ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 90 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 413.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 400

- شاء» «1» بل الظاهر ان ذكر البعير لم يكن فيه للخصوصية فلا فرق بين الخيل و البغل و البقرة و الحمير و بين البعير في هذا الحكم.

ثالثها: فيما استثني من حرمه القطع و القلع فمن جملته الاذخر بكسر الهمزة

كما في النهاية و هي حشيشة طيبة الريح تسقف بها البيوت فوق الخشب و همزتها زائدة و في مجمع البحرين بكسر الهمزة و الخاء نبات معروف عريض الاوراق طيب الرائحة يسقف به البيوت يحرقه الحداد بدل الحطب و الفحم الواحدة اذخرة و الهمزة زائدة و يدل علي جواز قطعها الروايات من طرق الفريقين و عن المنتهي و التذكرة «2» الاجماع عليه.

و من جملته شجر الفواكه قال: في الجواهر (بلا خلاف اجده فيه «3» بل نسبه غير واحد الي قطع الاصحاب و في صحيح او حسن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يقطع من الاراك الذي بمكة؟ قال: عليه ثمنه يتصدق به، و لا ينزع من شجر مكّة شيئاً الا النخل و شجر الفواكه» «4».

و من جملته ما ينبت في ملكه قال في الجواهر (كما صرح به غير واحد بل لا اجد فيه خلافاً لو كان في داره او منزله «5» و يدل عليه ما رواه حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال: ان بني المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها» «6».

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5 ح 242 1329.

(2)- التذكرة: 7/ 371.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 419.

(4)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 2.

(5)- جواهر الكلام: 18/ 417.

(6)- وسائل الشيعة: ب 87 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 401

و روايته الاخري و فيها «ان كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبني الدار او يتخذ المضرب فليس له ان يقلعها، و

ان كانت طرية عليه فله قلعها» «1»

و من جملته غير ذلك فراجع الجواهر و غيره ان شئت و في الاعشاب التي تجعل علوفة للابل:

روي محمد بن حمران قال «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن النبت الذي في ارض الحرم أ ينزع؟ فقال: اما شي ء تاكله الابل فليس به باس ان تنزعه» «2».

و في رواية عبد الله بن سنان قال «قلت لابي عبد الله (عليه السلام) المحرم تنحر بعيره او يذبح شاة؟ قال: نعم، قلت: له ان يحتش لدابته و بعيره؟ قال: نعم و يقطع ما شاء من الشجر حتي يدخل الحرم فاذا دخل الحرم فلا» «3».

و الظاهر وقوع التعارض بينهما و تساقطهما به فلا بد من الرجوع الي عموم ما يدل علي المنع و لكن يمكن ان يقال بالجمع بينهما فان رواية ابن سنان تدل علي الحرمة اذا لم تكن هنا قرينة علي عدمها، و أما اذا دل الدليل علي الجواز فليس لها الا الدلالة علي المرجوحية المساوقة للكراهة المصطلحة فالنهي ظاهر في الحرمة اذا لم يكن مقروناً بالاذن في الفعل كالامر، و اذا كان مقروناً به فلا يدل الا علي المرجوحية و الكراهة.

هذا مضافاً الي ضعف رواية ابن سنان بعبد الله بن القاسم الراوي عنه فراجع جامع الرواة للعلامة الاردبيلي و طبقات رجال الكافي لسيدنا الاستاذ البروجردي قدس سرهما.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 87 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 89 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 85 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 402

[مسألة 65] كفارة قلع شجر المحرم

مسألة: 65 حكي عن المبسوط و الخلاف و الغنية و الوسيلة ان كفارة قلع شجرة الحرم اذا كانت كبيرة

بقرة و اذا كانت صغيرة ففيها شاة و في ابعاضها قيمته

بل في الجواهر حكي عن غير واحد الشهرة عليه «1»

و قال الشيخ في الخلاف: مسألة (281) في الشجرة الكبيرة بقرة و في الصغيرة شاة، و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة: هو مضمون بالقيمة دليلنا اجماع الفرقة و طريقة الاحتياط. و روي عن ابن عباس انه قال في الدوحة بقرة و في الجزلة شاة، و الدوحة الشجرة الكبيرة و الجزلة الصغيرة، و عن ابن الزبير أنه قال: في الكبيرة بقرة و في الصغيرة شاة و لا مخالف لهما «2»

و في التهذيب قال: و روي موسي بن القاسم قال: روي اصحابنا عن احدهما عليهما السلام انه قال: «اذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع ان اراد نزعها نزعها و كفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها علي المساكين» «3».

و في ما عندي من نسخة الوسائل «4» «فان اراد نزعها كفر … » و لذا قيل انه غير معمول به لانه ظاهر في انه ان اراد نزعها كفر اولا ببقره ثمّ ينزعها و يرد ذلك بما في نسخة المصدر مضافاً الي ان دعوي ظهوره في ذلك قابل للمنع.

و لعل المشهور اعتمدوا علي هذا الخبر بضميمة ما روي عن ابن عباس لانهم

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 425.

(2)- الخلاف: 2/ 408.

(3)- التهذيب ج 5 ح 1331/ 244.

(4)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 403

يرونه رواية و استشكل في كل ذلك اما في الخبر بالارسال لقوله (روي اصحابنا) و لان موسي بن القاسم كان من اصحاب الجواد و الرضا عليهما السلام من الطبقة السابعة و ظاهر قوله عن احدهما

انه هو الامام الباقر او الصادق عليهما السلام كما هو الشائع في الاحاديث و لا يمكن له الرواية عن اصحاب الباقر (عليه السلام) مضافاً الي انه لو كان رواها عن اصحاب احدهما لقال الشيخ و موسي بن القاسم روي عن اصحابنا فالظاهر ان الاحتجاج بالرواية ساقط للارسال.

و يمكن ان يقال: اولا ان موسي بن القاسم كان من الطبقة السابعة و اصحاب الباقر و الصادق عليهما السلام كانا من الرابعة و الخامسة و لعل بعض من الخامسة بل الرابعة بقي حتي عاصر السادسة و موسي بن القاسم كان من كبار السابعة و قد عاصر السادسة هذا مضافاً الي احتمال كون المراد عن احدهما الرضا و الجواد عليهما السلام اضف الي ذلك ان موسي بن القاسم الموصوف بأنه ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة له ثلاثون كتاباً مثل كتب الحسين بن سعيد مستوفاة حسنة اذا قال مثله روي اصحابنا يطمئن النفس بانه مروي عن احدهما و ليس باقل من ان يقال روي عدة من اصحابنا فالانصاف ان ردّ مثل هذا الحديث بهذا السند غير مقبول جداً مردود عند اهل الفن، و أمّا الايراد بضعف دلالته فقد عرفت الجواب عنه و علي ذلك لا يبعد ان يكون اعتماد المشهور علي هذا الحكم بالتفصيل المذكور بهذا الصحيح و بما روي عن ابن عباس اعتماداً علي انه الرواية.

ثمّ ان هنا بعض الفروع يطلع عليها المراجع الي الجواهر و غيره. و الله هو العالم.

[مسألة 66 من محرمات الإحرام تغسيل الميت المحرم بالكافور]

حرمة تغسيل الميت المحرم بالكافور

مسألة: 66 في الجواهر: يحرم (تغسيل المحرم لو مات) و تحنيطه (بالكافور) بلا خلاف اجده فيه للمعتبرة المستفيضة التي منها صحيح

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 404

محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام)

«عن المحرم اذا مات كيف يصنع به؟ قال: يغطي وجهه، و يصنع به كما يصنع بالحلال غير انه لا يقربه طيباً» «1» بل مقتضاه كغيره حرمة الطيب عليه مطلقاً كافوراً و غيره في الغسل و الحنوط و الظاهر انه غسل تام بالنسبة اليه فلا يجب بمسّه بعده غسل علي الماس، و ان احتمل بل قيل به و الله العالم «2».

و ما افاده تام و كان الاولي بمثله ان يقول: يحرم تغسيل المحرم لو مات بالكافور و تحنيطه به.

ثمّ انه قال في العروة: «اذا كان الميت محرماً لا يجعل الكافور في ماء غسله في الغسل الثاني الا ان يكن موته بعد طواف الحج او العمرة و كذلك لا يحنط بالكافور بل لا يقرب اليه طيب آخر».

و مثله قال في الوسيلة (الا ان يكون موته بعد الطواف في العمرة او الحج) و وافقهما في جواز الغسل بالكافور بعد الطواف مطلقاً جماعة من المحشين نعم قال سيدنا الاستاذ الخوانساري (السيد المحقق التقي النقي السيد محمد تقي): (بعد صلاة الطواف و السعي) لكن لم يفصل بين الحج و العمرة.

و قال السيد الحكيم: (في الحج بعد السعي) و في العمرة قال: (لا يحلّ للمعتمر الطيب الا بالتقصير و حينئذ يحل من احرامه فلا يكون مما نحن فيه) و نحوه قال السيد الخوئي فقال: (بل بعد السعي في الحج و أما العمرة فلا استثناء فيها اصلا).

هذا اقوال بعض المحشين و هذا هو الذي اخترناه في المسألة 344 من هداية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 83 من ابواب تروك الاحرام.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 421.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 405

العباد: اذا كان الميت محرماً يغسله ثلاثة اغسال كالمحل لكن لا يخلط الماء بالكافور في الغسل

الثاني الا ان يكون موته بعد التقصير في العمرة و بعد السعي في الحج و وجهه معلوم فانه اذا مات قبل التقصير في العمرة سواء كانت عمرة التمتع او الافراد لم يخرج من الاحرام فيموت محرماً و أمّا بعد السعي حيث انه و ان لم يخرج من الاحرام بكماله الا انه يحل عليه بعد السعي الطيب و القدر المتيقن من المحرم الذي لا يقربه الطيب بعد موته هو الذي مات و الطيب حرام عليه.

و لكن قال في المستمسك حاشية علي ما في العمرة (الا ان يكون بعد طواف الحج و العمرة كما عن نهاية الاحكام و مجمع البرهان و قربه في الجواهر و الحدائق لحل الطيب للحي حينئذ و ظاهر النصوص تحريم ما كان يحرم علي الحي لا غير فاطلاق ما دل علي وجوب الغسل بالكافور محكم) «1».

و فيه: ان الطيب في الحج يحل عليه بعد طواف الزيارة و صلاته و السعي و في العمرة بعد التقصير فهو ان مات قبل ذلك فيهما مات محرماً.

هذا و لا يخفي عليك ان الظاهران ما قواه صاحب الجواهر و الحدائق ايضاً استثناء جواز الغسل بالكافور و كذا التحنيط في الحج بما اذا مات بعد الطواف و السعي و في العمرة بما اذا مات بعد التقصير قال في الجواهر (و احتمال دوران الحكم علي الاول (اي موته بعد الحلق او التقصير و قبل طواف الزيارة) لخروجه عن صورة المحرمين بلبسه و اكله ما لا يلبسه و يأكله المحرم و للاقتصار علي ما خرج عن عموم الغسل بالكافور و التحنيط به علي المتيقن بعيد) «2».

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 4/ 134.

(2)- جواهر الكلام: 4/ 183.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 406

و مثله ما

افاده في الحدائق «1»، و قد ظهر من جميع ذلك عدم تمامية ما يدل عليه ظاهر كلام العروة و الوسيلة و لعلهما و من وافقهما من المحشين لم يكونوا في مقام افادة تمام مرادهم و الله العالم باحكامه.

[مسألة 67] حكم من فقد الهدي و وجه ثمنه

مسألة: 67 الأظهر و الاقوي ان من فقد الهدي و وجد ثمنه يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة و يذبحه عنه و ان لم يتمكن منه اخّر ذلك الي قابل ذي الحجة و ان لم يتمكن من ذلك ينتقل وظيفته الي الصوم و كذا من فقدهما ينتقل وظيفته اليه.

و اذا صار ذبح الهدي لواجده و واجد ثمنه في مني مطلقاً متعذراً فهل يجب عليه ذبحه في اي مكان هو اقرب الي مني او في مكة او في اي مكان اتفق ذلك اذا وقع في ذي الحجة او يسقط عنه وجوب الهدي و ينتقل وظيفته الي الصوم؟

وجه عدم السقوط الجزم باصل وجوب الهدي و ان اعتبار وقوعه في مني مشروط بالتمكن منه و العجز عنه لا يوجب سقوطه مطلقاً.

و قيل باستفادة ذلك من اطلاق مثل قوله تعالي: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) «2» فانه بالاطلاق يدل علي وجوب الهدي مطلقاً فلا يسقط بالعجز عن الاتيان ببعض افراده كذبحه بمني و كذا قوله تعالي (وَ الْبُدْنَ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ لَكُمْ فِيهٰا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا … ) «3».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة: 3/ 432.

(2)- البقرة، آية 196.

(3)- الحج، آية 36.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 407

فانه أيضاً يدل علي ان البدن بخصوصية نفسه دون تقيده بقيد و دون ان يكون مصحوباً بشرط من شعائر الله قال و في الخصال: «الهدي للمتمتع فريضة» «1».

و في

صحيح زرارة: «و عليه الهدي فقلت: و ما الهدي؟ فقال: افضله بدنة، و اوسطه بقرة و اخفضه شاة» «2». و في خبر حريز «ان رسول الله (ص) لمّا احرم اتاه جبرئيل (ع) فقال: مر أصحابك بالعجّ و الثجّ، و العجّ رفع الصوت و الثج نحر البدن» «3» هذه الروايات بالاطلاق يدل علي كفاية ذبح الهدي بل وجوبه في غير مني اذا تعذر الذبح في مني.

و لا يقال ان تلك الاطلاقات مقيدة بما دل علي اشتراط كون الذبح بمني فانه يقال: ما يدل علي ذلك مما يعتمد عليه من الروايات ليس الا صحيح منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره فقال: ان كان نحره بمني فقد أجزأت عن صاحبه الذي ضل عنه و ان كان نحره في غير مني لم يجزء عن صاحبه» «4» و ليس له اطلاق يشمل صورة تعذر ذبحه في مني و سائر الروايات و ان كان فيها ما يدل علي اشتراط كونه بمني مطلقاً.

و في كل ذلك ان دعوي اطلاق الآية الاولي مردودة بدلالتها علي اشتراطه بوقوعه في محله فان فيها قال تعالي: (وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) «5» و أما

الآية الثاني فظاهرها بيان عظمة امر البدن و انها من شعائر الله و الالف و اللام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب اقسام الحج، ح 29.

(2)- وسائل الشيعة: 10 من ابواب الذبح، ح 5 و ب 5 ابواب اقسام الحج، ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: 37 من ابواب الاحرام، ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: 28 من ابواب الذبح، ح 2.

(5)- البقرة، آية 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 408

فيها للعهد.

نعم يمكن تصديق

دعوي الاطلاق بالنسبة الي رواية خصال و صحيح زرارة فيبقي الكلام فيما يدل علي تقييده و هو صحيح منصور بن الحازم هل هو يدل بالاطلاق بالاشتراط او في الجملة و في خصوص مورده الا انه يدل بالاولوية علي عدم اجزائه في غير مني عمداً و في غير صورة العذر.

و لكن فيه انه مبني علي اجزاء التبرع و الا كان مطرحاً ذكر ذلك في الجواهر. «1»

و الظاهر جواز الاعتماد علي سائر الروايات و ان كانت اسنادها ضعيفه لجبرها بعمل الاصحاب بها فمنها رواية ابراهيم الكرخي و فيها «فلا ينحره الا بمني» «2».

و لكن هذا لا تدل بالاشتراط المطلق و منها رواية عبد الاعلي و فيها «و لا ذبح الا بمني» «3».

و هذه ايضاً لا تدل علي اشتراط المطلق لو لم نقل بدلالتها علي نفي الكمال لقوله قبل ذلك لا هدي الا من الابل و لا ذبح الا بمني فالنتيجة ثبوت اشتراط وقوعه بمني في حال الاختيار دون حال التعذر فيذبه حيث شاء. الا انه لا يترك الاحتياط باختيار اقرب الاماكن الي مني و الاولي ضم الصيام اليه. و الله هو العالم باحكامه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 121.

(2)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الذبح، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 409

[مسألة 68] محل ذبح كفارة الصيد

مسألة: 68 الكفارة ان وجبت عليه بصيد اصابه و هو محرم فيدل علي حكمه ما في الرواية المعروفة بين الطائفة المفصلة عن مولانا الجواد (ع) قال: «و اذا اصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان احرامه بالحج نحره بمني و ان كان احرامه بالعمرة نحره بمكة» «1».

و صحيح عبد الله بن سنان قال: قال ابو

عبد الله (عليه السلام): «من وجب عليه فداء صيد أصابه و هو محرم فان كان حاجّاً نحر هديه الذي يجب عليه بمني، و ان كان معتمراً نحره بمكة قبالة الكعبة» «2» و اطلاقه يشمل العمرتين و مثله صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: «في المحرم اذا اصاب صيداً فوجب عليه الفداء (الهدي) فعليه ان ينحره ان كان في الحج بمني حيث ينحر الناس فان كان في عمرة نحره بمكة، و ان شاء تركه الي ان يقدم مكة و يشتريه فانه يجزي عنه» «3» و ذيله يدل علي عدم وجوب شرائه في موضع الاصابة.

و في مرسل احمد بن محمد عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «من وجب عليه هدي في احرامه فله ان ينحره حيث شاء الّا فداء الصيد فان الله عز و جل يقول (هدياً بالغ الكعبة)» «4» و قوله تعالي هدياً بالغ الكعبة يدل علي عدم جواز نحره في مكان اصابته الهدي لا انه يجب ان ينحر عند الكعبة مطلقاً حتي كان ما دل من الروايات علي انه ان اصاب الصيد في الحج ينحره بمني مقيداً لإطلاقه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من ابواب كفارات الصيد ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب كفارات الصيد.

(3)- وسائل الشيعة: ب 51 من ابواب كفارات الصيد ح 2.

(4)- وسائل الشيعة ب 49 من ابواب كفارات الصيد ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 410

و ظاهر

هذه الروايات حصر موضع الذبح فيهما فلا يجوز في غيرهما سواء كان ذلك قبل وصوله اليهما بان يذبحه مثلا في مكان الصيد او بعده بان يذبحه في غير مكة و غير مني.

و حكي عن الاردبيلي جواز التقديم و

الاتيان به قبل وصوله الي مكة او «1» مني و لكن ما استدل له به ضعيف مضافاً الي انه خلاف الاجماع فانهم لم يختلفوا فيما ذكر في كفارة الصيد. و الله هو العالم.

[أقوال العلماء في كفارة الصيد]

مسألة: ظاهر المحقق في الشرائع عدم الفرق بين كفارة الصيد و غيره في انّه يذبح الفداء أو ينحره إن كان معتمراً بمكة، و بمني ان كان حاجّاً و قال في الجواهر: (كما في النافع و القواعد و غيرهما و محكي الخلاف و المراسم، و الأصباح و الاشارة و الفقيه، و المقنع و الغنية بل في المدارك هذا مذهب الاصحاب لا اعلم فيه خلافاً، و هو كذلك في الأخير.

و امّا الأوّل فقد سمعت من صرح فيه بما ذكره و لكن عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع التصريح بأن للمعتمر أن يذبح غير كفارة الصيد بمني و كذا عن روض الجنان و عن المهذب التصريح بجوازه في العمرة المبتولة و عن السرائر و الوسيلة و فقه القرآن للراوندي و ظاهر الخلاف: ان العمرة المبتولة كالحج في ذبح جزاء الصيد بمني، و عن الكافي: ان العمرة المتمتع بها كالمبتولة في ذبح جزاء الصيد بمكة، و نحوه عن الغنية، و إن كان الأقوي الأوّل لقول الجواد (عليه السلام) للمأمون فيما رواه المفيد في محكي الإرشاد عن الريان بن شبيب عنه (عليه السلام) (و ذكر ما تقدم ذكره

______________________________

(1)- الحكاية عن جواهر الكلام: 20/ 345.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 411

في المسألة السابقة).

و في المروي عن تفسير علي بن إبراهيم «1» عن محمد بن الحسن «2» عن محمد بن عون النصيبي «3» و فيما ارسله الحسن بن علي بن شعبة «4» في محكي تحف العقول «و المحرم

بالحج ينحر الفداء بمني حيث ينحر الناس و المحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكة») «5».

أقول: ظاهر كلامه تحقق الإجماع في وجوب ذبح الفداء أو نحره بمني إن كان ارتكب موجبه في إحرام الحج و إن كان غير الصيد، و قول الأوّل أي وجوبه بمكة إذا كان محرماً بالعمرة برواية ريان بن شبيب «6» المشهورة بين الفرقة المحقة الناجية فان قوله (عليه السلام): و ان كان احرامه بالعمرة نحره بمكة يدلّ بالإطلاق علي وجوب نحره بمكة سواء كان ما يوجبه الصيد او غير الصيد و لكنّه قدس سره كانه لم يلحظ صدر الحديث الدّال علي أن موضوع ما فيه من الأحكام الصيد و الإجماع يمكن الخدشة في حجيته بما يخدشون به في حجية مثله من الاجماعات. اذاً فنقول: مقتضي الأصل عدم اشتراط ذبح فداء غير الصيد بمكان دون مكان إلا ان يكون في الروايات غير رواية ريان ما يدل علي القول المشهور الذي قال في المدارك علي ما حكي عنه: (هذا مذهب الاصحاب لا أعلم فيه خلافاً) «7» و الروايات مختصة بفداء الصيد و أمّا

______________________________

(1)- ابن هاشم القمي ابو الحسن ثقة في الحديث … من صغار الثامنة.

(2)- او الحسين لعله من السابعة.

(3)- روي عن ابي جعفر عليه السلام لعله من السادسة.

(4)- من اعلام القرن الرابع.

(5)- جواهر الكلام: 20/ 344.

(6)- خال المعتصم ثقة سكن قم و روي عنه أهلها من السادسة.

(7)- مدارك الاحكام: 8/ 405.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 412

غيره فلم اقف علي نصّ يقتضي تعيين ذبحه في هذين الموضعين فلو قيل بجواز ذبحه

حيث كان لم يكن بعيداً.

و كيف كان فمن الروايات موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: «الرجل يخرج من

حجته شيئاً يلزمه منه دم يجزئه ان يذبحه اذا رجع الي اهله؟ فقال: نعم و قال فيما أعلم- يتصدق به قال اسحاق: و قلت لابي إبراهيم (عليه السلام): الرجل يخرج من حجته ما يجب عليه الدم، و لا يهريقه حتي يرجع إلي أهله؟ فقال: يهريقه في أهله، و يأكل منه» «1» و عن مرآة العقول: يخرج في أكثر النسخ بالخاء المعجمة ثمّ الجيم الاظهر انه بالجيم اولا و الحاء المهملة أخيراً بمعني يكسب و روي صدره في التهذيب إلا أنّه قال: «الرجل يخرج من حجه و عليه شي ء و يلزمه فيه دم» «2».

و قال العلامة المجلسي فيه في ملاذ الاخبار بعد ذكر القول المشهور (يمكن حمل هذا الخبر علي ما اذا لم يمكنه البعث، و حمل هذا الحديث علي ما اذا هو رجع و فات منه الذبح او النحر في مني أو مكة ليس ببعيد و كان عبارة صدر الحديث في نسخة الكافي لا تخلو من الاضطراب فلا يدلّ علي جواز تركه مطلقاً بمكة أو بمني).

و إن قال بعض الاعلام و فرع عليه وقوع التعارض بينه و بين صحيحتي ابن بزيع عن مولانا الرضا (عليه السلام) أحدهما قال: «سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن الظل للمحرم من أذي مطر أو شمس؟ فقال: أري أن يفديه بشاة و يذبحها بمني» «3» و في الآخر قال: «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذي مطر أو شمس، و أنا أسمع فامره أن يفدي

______________________________

(1)- الكافي، ج 4، ص 488، ح 4.

(2)- تهذيب الاحكام: كتاب الحج، ح 1712/ 358.

(3)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 413

شاة و يذبحها بمني» «1».

بيان التعارض

بينهما و بينه ان الموثق يدلّ علي جواز ذبح الفداء اذا رجع إلي أهله في إحرام حجه في أي مكان شاء سواء كان سبب الفداء التظليل أو غيره و الصحيحتين مقتضاهما لزوم الذبح بمني للتظليل سواء، كان في إحرام الحج أو العمرة فيقع التعارض بينهما في مورد الاجتماع و هو التظليل في إحرام الحج فالموثق يدلّ علي جوازه في أي مكان و الصحيحين يدلان علي لزوم الذبح له بمني إذاً فلا دليل يدل علي وجوب الذبح بمني إن وقع في احرام الحج «2».

و لكن بعد ما استظهرناه من الموثقة لا يقع التعارض المذكور بينهما و بين الصحيحة بل هي كالحاكم عليهما و علي ذلك يدلّ الصحيحان علي وجوب كون الفداء بمني و إطلاقهما و إن يشمل العمرة الا انّه يقيد بما ورد في العمرتين لو لم نقل بأن السؤال و الجواب فيهما بملاحظة الحكم بكونه بمني كان عن إحرام الحج، و بعد اثبات كون فداء التظليل الواقع في إحرام الحج بمني نتعدي منه إلي سائر موجبات الدم لفهم العرف عدم الخصوصية فيه و هذا هو الوجه لقول المشهور فخذه و تدبر فيه فانّه جدير بذلك و الله هو الهادي الي الحق و الصواب.

و من الروايات في العمرة المفردة صحيح منصور بن حازم قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن كفارات العمرة المفردة أين تكون؟ فقال: بمكة الا أن يشاء صاحبها أن يؤخّرها إلي مني، و يجعلها بمكة أحبّ اليّ و أفضل» «3».

و بغض النظر عما فيه من اضطراب المتن لعدم ارتباط للعمرة المفردة بمني

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 6.

(2)- معتمد العروة: 4/ 280.

(3)- وسائل الشيعة: ب 49 من

أبواب كفارات الصيد ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 414

إطلاقه يشمل الصيد و غير الصيد و يقيد بروايات الصيد و يؤيد بما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا «1» عن سهل بن زياد «2» عن احمد بن محمد «3» عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «من وجب عليه هدي في احرامه فله ان ينحره حيث شاء الا فداء الصيد فان الله عزّ و جلّ يقول: (هدياً بالغ الكعبة) «4» و رواه في التهذيب عنه عن العدة … «5».

و منها: صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن كفارة المعتمر أين تكون؟ قال: بمكة الا ان يؤخرها الي الحج فتكون بمني و تعجيلها أفضل و أحبّ الي» «6».

و مورده عمرة التمتع لقوله (عليه السلام) «الا أن يؤخّرها الي الحج فتكون بمني» فان ما له الحج عمرة التمتع و هذا ايضاً كسابقه مطلق بالنسبة الي الصيد الا ان اطلاقه قيد بروايات الصيد، و يؤيده أيضاً المرسل المذكور و لكنهما يدلان علي التخيير بين مكة و مني و كانه لا قائل به الا ان بعض الاعاظم الذي ذكرنا ما افاده من وقوع التعارض بين صحيحي ابن بزيع و موثق اسحاق بن عمّار صار في مقام دفع هذا الاشكال بحمل موثقة اسحاق علي الاعم من الحج و العمرة فقال: (ان موثق

اسحاق، و ان ذكر فيه الحج، و لكن الظاهر ان السائل لا نظر له الي خصوص الحج في

______________________________

(1)- و هم محمد بن الحسن الطائي الرازي و محمد بن جعفر الاسدي أو محمد بن ابي عبد الله و محمد بن عقيل الكليني و علي بن محمد بن ابراهيم خال الكليني.

(2)- من

السابعة.

(3)- هو اما ابن عيسي او ابن خالد.

(4)- وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب كفارات الصيد، ح 3.

(5)- التهذيب 5/ 374/ 1303- الاستبصار 2/ 212/ 726.

(6)- وسائل الشيعة، أبواب الذبح، ب 4، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 415

مقابل العمرة بل نظره الي ما يرتكبه المحرم من المحرمات في مناسكه سواء كان في العمرة او الحج، فان الظاهر من قوله (يخرج من حجته) الخروج من اعماله و مناسكه، و قد ارتكب محرماً فكلام السائل في الحقيقة مطلق من حيث الحج و العمرة كما انه مطلق من حيث سبب الدم فعلي ذلك لا بدّ من تقديم الموثق علي الصحيحين.

و بعبارة اخري: السائل يسأل عن الاجزاء و الاكتفاء بالذبح في أيّ مكان شاء بمعني ان التخيير بين مكة و مني المستفاد من الصحيحين هل يكتفي و يجتزي فيه بالذبح في أي مكان شاء فيكون الموثق ناظراً الي الصحيحين و حاكماً عليهما و كذلك الحال بالنسبة الي العمرة المفردة لان المتفاهم ثبوت الحكم لطبيعي العمرة و لا خصوصية لعمرة التمتع) «1» الي آخر كلامه.

و فيه: ان هذا محتمل لو لم نقل بمقالة العلامة المجلسي من ان الخبر محمول علي صورة رجوعه من الحج و عدم امكان بعث الفداء و قد قلنا ان الظاهر منه ذلك.

مضافاً الي ان هذا الاحتمال بعيد فمن اين نعلم ان سؤال السائل في الموثق كان ناظراً الي الحكم المذكور في الصحيحين فالتعارض بينهما و بين الموثق باق علي حاله فكلتا الطائفتين ساقطتان بالتعارض.

و الحاصل ان الامر ينتهي اما الي الاخذ بالصحيحين و التخيير المذكور فيهما او طرحهما لعدم العامل بهما و التمسك بالاصل و مقتضاه جواز ذبح فداء غير الصيد للعمرة المفردة و عمرة

التمتع في اي مكان شاء.

هذا و قد استدلّ لردّ مذهب المشهور بمفهوم الروايات الواردة في كفارة الصيد

فانّها تدلّ علي وجوب نحر ما يجب عليه به او ذبحه ان كان حاجّاً بمني و ان كان

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 282.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 416

معتمراً بمكة، و مفهوم هذا إنّه إن لم يكن ما وجب عليه فداء الصيد أو كان غيره ليس عليه ذلك فالقدر المسلم منه أن مجرّد الفداء ليس محكوماً بهذا الحكم فان دلّ الّا دليل علي قيام خصوصية اخري مقام خصوصية كونه للصيد نقول به و الّا فهو بالخيار بنحره في أي مكان شاء- و بعد ذلك كله ينبغي مراعاة الاحتياط بالعمل علي طبق فتوي المشهور و الله العالم.

خاتمة تشتمل علي امور.

الأمر الأول: «تكرر الكفارة بتكرر الاسباب المختلفة»

اذا اجتمعت لكفارة أسباب مختلفة كالصيد و اللبس و تقليم الاظفار و الطيب قال في الجواهر: (لزم عن كل واحد كفارة به بلا خلاف و لا اشكال بل الاجماع بقسميه عليه لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب سواء فعل ذلك في وقت واحد أو وقتين كفر عن الاول أو لم يكفر لوجود المقتضي و انتفاء المسقط) «1».

الأمر الثاني: «تكرر الكفارة بتكرر السبب الواحد»

إذا كرر السبب الواحد فإن كان هو الصيد فقد مرّ بيان حكمه، و إن كان مثل الوطء فهل يلزم عليه بكل مرة كفارة علي ما قيل انه المشهور بين الاصحاب قديماً و حديثاً بل عن المرتضي و ابن زهرة دعوي الاجماع عليه او لا يجب عليه الا كفارة واحدة أو يفصل بين الجماع المفسد للحج فيقال فيه بعدم التكرر

و بين غير المفسد فيقال فيه بالتكرر؟

أو يفصل بين ما إذا كفر عن الاول فتجب الكفارة بالثاني و بين عدمه؟ وجوه: وجه الاول: تعدد المسبب بتعدد السبب و يمكن الخدشة فيه بان من قوله إن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 431.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 417

جامعت فكفر يستفاد وجوب طبيعة الكفارة عليه بالجماع و الطبيعة لا تكرر حتي تجب عليه بتكرار الجماع طبيعة اخري اذا لم تتخلل الكفارة بين الاول و الثاني.

و يمكن الجواب عنه بأن قوله ان جامعت فكفر ينحل الي اوامر متعددة بعدد ما صدر عنه من الجماع فكانه قال ان جامعت فكفر له، و خصوصية تكون الكفارة له مأخوذة فيها و هذه في كل منها غير ما هو في غيرها و بذلك يكون الطبيعة المأمور بها فرداً من الطبيعة متميزاً عن سائر الافراد.

و أيضاً نوقش في هذا القول بأن غاية ما يدلّ عليه النص ترتب الأحكام الثلاثة علي الجماع، الكفارة

و اتمام الحج و الحج من قابل و من المعلوم ان مجموع هذه الاحكام لا يترتب الّا علي الجماع الاول و رد بان عدم امكان ترتب الثاني و الثالث لا يمنع من ترتب الاول و وجه القول الثاني يعرف مما ذكر للخدشة في الوجه الاول و الاصل و وجه القول الثالث ان القدر المتيقن ترتب الكفارة علي الجماع الذي لم يفسد بالجماع فما لا يفسده الجماع يتكرر الكفارة به و اما ما افسد بالجماع فلا يتكرر به الكفارة هذا.

و قد ذكر في الجواهر بعض التحصيلات في المسألة في صدق تكرار السبب و عدمه فراجعه «1» ان شئت. و الله هو العالم.

الأمر الثالث: الظاهر انه لا خلاف في انه لو تكرر منه حلق الرأس في وقت واحد

بان حلق بعض رأسه ثمّ حلق بعضاً آخر لا تتكرر الكفارة لعده في العرف حلقاً واحداً بل كما في الجواهر المنساق مما ورد فيه كتابا و سنة اتحادها بحلق الرأس أجمع علي ما هو المتعارف فيه و لا ريب في تعدد مصداق الحلق لكل جزء منه نعم ان كان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 431.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 418

الحلق في وقتين بان حلق بعض رأسه غدوة، و الآخر عشية قال في الجواهر تكررت الكفارة لصدق تعدد الحلق الذي هو السبب فيتعدد المسبب بتعدده بلا خلاف اجده فيه «1».

و استدل في الحدائق لنفي تكرار الكفارة في هذه الصورة و صورة الاولي بان الامتثال يحصل بالواحدة و اصالة البراءة عن الزائد و في الثانية بان غاية ما يستفاد من الادلة ترتب الكفارة علي حلق الرأس كله للاذي، و ما عداه يستفاد حكمه بالفحوي او الاجماع علي تعلق الكفارة به في بعض الموارد و ذلك لا يقتضي ثبوت الحكم المذكور كليا و بالجملة فالمسألة محل اشكال لعدم وضوح

الدليل القاطع لمادة القال و القيل. «2»

و فيه ان الكلام واقع في تكرر ما يوجب الكفارة في وقتين فمثلا ان قلنا بان حلق بعض الرأس في وقت يوجب الكفارة فهذا يتكرر بحلق بعضه الآخر في وقت آخر نعم لو لم نقل بذلك و قلنا ان الكفارة تترتب علي حلق الرأس كله ليس حلق بعضه في وقت و بعضه الآخر في وقت آخر من تكرار الموجب بل يمكن لأحد دعوي عدم صدق حلق جميع الرأس به اذا وقع في وقتين و بالجملة محل البحث فيما نستدل به بالفحوي عين ما يقع البحث فيه فيما يستدل من الدليل فاذا دل الدليل علي ترتب الكفارة علي حلق الرأس للاذي و قلنا انه يصدق بحلق بعض الرأس و يتكرر بحلق

بعضه في وقت آخر يجري البحث فيما يستفاد حكمه بالفحوي كما اذا لم يكن للاذي.

الامر الرابع: قال في الحدائق: اختلف الاصحاب رضوان الله عليهم في تكرر الطيب او اللبس في مجلس واحد او مجالس متعددة

فذهب الفاضلان الي ان مناط

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 434.

(2)- الحدائق: 15/ 550.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 419

التعدد اختلاف المجلس فان تكرر في مجلس واحد فالكفارة واحدة و ان تعدد المجلس تعددت الكفارة، و المنقول عن الشيخ و جمع من الاصحاب رضوان الله عليهم انهم اعتبروا في التكرار اختلاف الوقت بمعني تراخي الزمان عادة و ذهب بعضهم الي التكرار مع اختلاف صنف الملبوس كالقميص و السراويل و ان اتحد الوقت.

و به جزم في المنتهي و قال: «لو لبس قميصاً و عمامة و خفين و سراويل وجب عليه لكل واحد فدية لان الاصل عدم التداخل خلافاً لأحمد، و ربما ظهر من كلامه في موضع آخر من المنتهي تكرر الكفارة بتكرر اللبس مطلقاً فانه قال: لو لبس ثياباً كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد و لو كان

في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم لان لبس كل ثوب يغاير لبس الثوب الآخر فيقتضي كل واحد منها مقتضاه، و الاظهر التكرر مع اختلاف صنف الملبوس كما ورد في صحيحة محمد بن مسلم و قد تقدمت (الي ان قال) و أمّا الفرق بين اتحاد المجلس او الوقت و اختلافهما كما تقدم عن الفاضلين و الشيخ فلم اقف له علي مستند (الي ان قال) و بالجملة فالظاهر التعدد في صور تعدد الاصناف و في صورة اتحاد الصنف مع تخلل التكفير و في ما عدا ذلك اشكال» «1».

اقول: اما صحيح محمد بن مسلم فهو ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن مسلم قال:

«سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن المحرم اذا احتاج الي ضروب من الثياب يلبسها؟ قال (عليه السلام): لكل صنف منها فداء» «2».

و الظاهر منه الفداء لكل صنف فلو تعدد الثوب من صنف واحد لا يتعدد

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 15/ 155.

(2)- وسائل الشيعة: ب 9 من ابواب كفارات الاحرام، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 420

الفداء اذا كان في مجلس واحد و ان الحاجة اذا زالت ثمّ تجددت تجب كفارة اخري. و الله هو العالم.

الأمر الخامس: المحرم إذا أكل أو لبس ما لا يحل له أكله أو لبسه عالماً عامداً

فان كان له مقدر شرعي فهو عليه و ان لم يكن له مقدر فعليه دم شاة كما صرح به جملة من الاصحاب بل قال في الجواهر (لا اجد فيه خلافاً) «1».

و المستند لهم في ذلك صحيح زرارة قال: «سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف ابطه.. او لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه او اكل طعاماً لا ينبغي له اكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا او جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمداً فعليه شاة» «2».

نعم يمكن

ان يقال: انه لا يشمل لبس الخفين و الشمشك و نحوهما مما لا يعد ثوباً و قال في الجواهر: لا ريب انه احوط بل لعل ذكر الثوب مثال لكل ما يحرم عليه لبسه «3».

أقول: فيمكن ان يقال: ان ذكر الاكل و اللبس مثال لكل ما هو محرم علي المحرم فالاقوي الاقتصار في الحكم بوجوب شاة علي خصوص لبس الثوب و الاكل و الله هو العالم.

«الأمر السادس: سقوط كفارة غير الصيد عن الجاهل و الناسي و المجنون»

تسقط كفارة غير الصيد عن الجاهل و الناسي و المجنون و يدل عليه من

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 438.

(2)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 438.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 421

الروايات قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار «و ليس عليك فداء ما اتيته بجهالة الّا الصيد فان عليك فيه الفداء بجهل كان او بعمد» «1» و في صحيحه الآخر: اعلم انه ليس عليك فداء شي ء اتيته و انت جاهل به و انت محرم في حجك و لا في عمرتك الّا الصيد فان عليك فيه الفداء بجهالة كان او بعمد «2» و اطلاق الاول يشمل الجهلين (بالموضوع و بالحكم) و صحيح البزنطي «3» الا انه كالصحيح الثاني في مورد الجهل بالموضوع، و يدل عليه في خصوص الجماع روايات كثيرة «4» و في الطعام و الطيب في صحيح زرارة قال (عليه السلام): «و ان كان ناسياً فلا شي ء عليه «5» و في نتف الابط و قلم الظفر و حلق الرأس و لبس ثوب لا ينبغي لبسه و اكل طعام لا ينبغي اكله» قال الامام (عليه السلام) (ففعل ذلك ناسياً او جاهلا فليس عليه شي ء» «6» و في مورد المجنون يدل عليه حديث رفع

القلم.

هذا و ما في بعض الروايات من التصدق بشي ء او بكف من الطعام او الاشتراء بدرهم تمراً او ان عليه دم شاه مثل صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم ينسي فيقلم ظفراً من اظافيره؟ قال: يتصدق بكف من الطعام قلت: فاثنين؟ قال: كفين قلت: فثلاثة؟ قال: ثلاث اكف كل ظفر كف حتي يصير خمسه فاذا قلم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان او عشرة او ما كان» «7» فمحمول علي الندب بقرينة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 31- ابواب كفارات الصيد ح 1.

(2)- الوسائل ب 31- ابواب كفارات الصيد ح.

(3)- وسائل الشيعة: ب 31 من ابواب كفارات الصيد ح 2 و 7.

(4)- وسائل الشيعة: ب 3 من ابواب كفارات الاستمتاع.

(5)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب بقية كفارات الاحرام.

(6)- وسائل الشيعة: ب 8 ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(7)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 422

سائر الروايات.

هذا كله في سقوط كفارة غير الصيد عن الجاهل و الناسي و المجنون، و أما وجوبها علي الجاهل و الناسي في الصيد فيدل عليه النصوص و قد سمعت طائفة منها و الظاهر انه لم ينقل فيه الخلاف منهم الّا عن ابن ابي عقيل و هو واضح الفساد، و أمّا المجنون ففي الجواهر (ان الشيخ صرح به في محكي الخلاف و المصنف (يعني المحقق) و الفاضل و غيرهم لان عمده و ان كان كالسهو. لكن قد عرفت ان السهو هنا كالعمد، و حينئذ فالكفارة في ماله يخرجه بنفسه ان افاق و الّا فالوليّ. نعم لو كان مجنوناً احرم به الولي و هو مجنون فالكفارة علي الولي علي ما في

الغنية و غيرها كالصبي الذي لم يذكره المصنف و لعله لان كفارته علي الولي لا عليه) «1».

اقول: عندي فيما ذكره لوجوب الكفارة علي المجنون ان هو احرم بنفسه في حال افاقته نظر لعدم الملازمة بين كون سهو العاقل هنا كالعمد و بين كون عمده الذي هو كالسهو هنا كالعمد. و الله هو العالم.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 440.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.