فقه الحج (للصافي)، المجلد 2

اشارة

سرشناسه : صافي گلپايگاني، لطف الله، 1298 -

عنوان و نام پديدآور : فقه الحج: بحوث استدلاليه في الحج/ تاليف لطف الله الصافي الگلپايگاني.

مشخصات نشر : قم: دفتر آيت الله العظمي شيخ لطف الله صافي گلپايگاني، 1390.

مشخصات ظاهري : 4 ج.

شابك : 250000 ريال: دوره 978-600-5105-54-4 : ؛ ج.1 978-600-5105-50-6 : ؛ ج.2 978-600-5105-51-3 : ؛ ج.3 978-600-5105-52-0 : ؛ ج.4 978-600-5105-53-7

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1390)(فيپا).

موضوع : حج

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

رده بندي كنگره : BP188/8/ص16ف7 1390

رده بندي ديويي : 297/357

شماره كتابشناسي ملي : 2693685

الجزء الثاني

اشارة

المرجع الديني سماحة آيت اللّٰه العظمي

الشيخ الطف اللّٰه الصافي الكلپايكاني

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 7

الحج الواجب بالنذر

[مسألة 1] شرائط الناذر

مسألة 1- لا شك في وجوب الحج بالنذر و أخويه إذا كان الناذر واجداً لشرائط انعقاده من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و لذا لا ينعقد واحد منها من الصبي المميز الذي لم يبلغ و إن بلغ عشراً و قلنا بصحة عباداته و شرعيتها، و كذا من المجنون و الغافل و الساهي و السكران و المكرَه، و الأقوي صحتها من الكافر.

و الإشكال في صحة نذره باعتبار القربة في النذر، و الكافر لا يتقرب بعمله مردود: بأن المعتبر في صحة النذر كون المنذور راجحاً محبوباً للّٰه تعالي و لم يشترط في صحته الإتيان به بقصد القربة و التقرب إليه، فما هو المعتبر في صحة النذر أعم من كون المنذور قربياً معتبراً في صحته و وقوعه قصد القربة، و فيما هو كذلك الإتيان به مقدور للكافر لإمكان إسلامه و الإتيان به كسائر الواجبات.

و أما أصل النذر فلا يعتبر في صحته القربة و الرجحان فإنه مرجوح و مكروه لظاهر موثق إسحاق بن عمار: قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إني جعلت علي نفسي شكرا للّٰه تعالي ركعتين … إلي أن قال: إني لأكره الإيجاب: أن يوجب الرجل علي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 8

نفسه» «1».

[مسألة 2] إذن المالك و الوالد و الزوج في انعقاد اليمين بالحج

مسألة 2- هل يشترط في انعقاد يمين المملوك إذن مالكه و في يمين الولد إذن والده و في يمين الزوجة إذن زوجها أم لا يشترط، غير أن للمالك و الوالد و الزوج حل يمينهم فيه قولان:

و العمدة في وجه القولين الاستظهار من الأخبار.

فمنها: ما رواه الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس «2»، عن منصور بن حازم «3»، عن أبي عبد اللّه عليه

السلام قال: «قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم: لا رضاع بعد فطام … و لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها». «4»

و منها: ما رواه الكليني أيضاً: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري «5»، عن أبي القداح «6»، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال: لا يمين لولد (للولد) مع والده، و لا للمرأة مع زوجها، و لا للمملوك مع سيده». «7»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب النذر ح 1.

(2)- من الطبقة الخامسة، قال النجاشي: كوفي ثقة، له كتاب، و قال العلامة: واقفي.

(3)- من الخامسة، البجلي كوفي من أجلة أصحابنا.

(4)- وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 1، وسائل الشيعة: ب 10 من كتاب الأيمان ح 2.

(5)- من السادسة أو السابعة، كثير الرواية.

(6)- عبد اللّه ثقة من الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة: ب 10 من كتاب الأيمان ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 9

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده، عن حماد بن عمرو «1» و أنس بن محمد، عن أبيه «2»، عن جعفر بن محمد، عن آبائه في وصية النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: «يا علي، و لا يمين في قطيعة رحم، و لا يمين لولد مع والده، و لا للمرأة مع زوجها، و لا للعبد مع مولاه». «3»

و ظاهر هذه الأحاديث هو نفي يمين المملوك مع سيده و أنه ليس له ذلك معه.

و الظاهر أن ذلك مستفاد منها من غير حاجة إلي تقدير كلمة «وجود»، فإن المملوك مع سيده لا يكون إلا بوجودهما، فمعية المملوك

مع سيده مانع من تحقق يمينه.

لا يقال: إنه علي ذلك يجب أن لا تتحقق اليمين حتي بإذن سيده أخذاً بعموم النفي.

فإنه يقال: نعم، و لكن مناسبة الحكم و الموضوع- و أن هذا الحكم مجعول تقديماً لجانب السيد علي عبده- تدل علي انعقادها إذا كانت بإذن السيد، فعلي هذا إن حلف بدون إذنه و لم يعلم بها سيده حتي مات لا تنعقد.

و هل تنعقد بالإذن اللاحق عليها؟ الظاهر أيضاً عدم انعقادها؛ لأن نفي اليمين- بعد ما لم يكن علي سبيل الحقيقة بمقتضي إذا تعذرت الحقيقة فأقرب المجازات يتعين- يكون بنفي صحتها و صلاحيتها لترتب الآثار عليها، و لازم ذلك عدم صلاحيتها للحوق الإذن عليها.

و القول بأن الاتفاق علي عدم جريان الفضولية في الإيقاعات هو فيما إذا كان الإيقاع واقعاً علي مال الغير مثل العتق دون مال نفسه لا يفيد صحة اليمين بلحوق

______________________________

(1)- لعله من السابعة مجهول.

(2)- لعله من الخامسة و ابنه أنس من السادسة. و كلاهما مجهولان.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 4/ 265.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 10

الإذن، إلا أن يدعي أن الأصل جريان الفضولية في العقود و الإيقاعات إلا ما خرج بالدليل، و من جانب آخر لا مجال لاختصاص هذا الحكم بما إذا كانت اليمين منافية لحق السيد أو الزوج أو موجبة للعقوق، فإن عدم انعقاد النذر فيما يتعلق بحق الغير لا يختص بهذه الموارد الثلاثة، و ظاهر الحديث أن عدم الانعقاد مختص بيمين هؤلاء.

هذا كله الوجه للقول الأول، و هو عدم انعقاد اليمين و أن انعقادها مشروط بالإذن السابق عليها.

و أما وجه انعقاد يمينه بدون الإذن و أن للسيد أو الزوج أو الوالد حل يمينهم أنه لا بد من تقدير كلمةٍ بعد قوله: «مع»

و هي كما يمكن أن تكون «وجود» يمكن أن تكون «منع» أو «معارضة»، و ليس أحد التقديرين أولي من الآخر، بل يمكن أن يقال: إن المراد من مثل هذه الأحكام عدم صدور فعل يريد المولي تركه من العبد، و عدم وقوع معارضة بينهما فيريد هذا غير ما يريد هو، فالمراد من مثل هذا الكلام أن الأمر بيد السيد إن شاء يحلها و إن شاء يتركها.

و قيل: إنه يؤيد ذلك بأنه لو كان المراد وجود السيد يكون قوله: «مع مولاه» زائداً، إذ المملوك و العبد لا يكون بدون السيد و المولي، كما لا تكون الزوجة بدون الزوج و الولد بدون الوالد، فذكر المولي و الزوج و الوالد لا يكون إلا بملاحظة المعارضة و الممانعة.

و الجواب: أن ذلك كله كالاجتهاد في مقابل النص الظاهر في اعتبار إذن المولي في صحة يمين عبده، و هكذا الوالد و الزوج. و قد قلنا: إن عدم صحة يمين المملوك مع المولي يستفاد من نفس ألفاظ الجملة من دون حاجة إلي التقدير، بخلاف دلالته علي عدم صحتها في فرض الممانعة و المعارضة فإنه لا بد فيه من التقدير، و هو خلاف الظاهر.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 11

و أما ما قيل من أنه لو كان المراد من الحديث وجود السيد و الزوج و الوالد يلزم كون قوله: «مع مولاه» زائداً.

ففيه: أن الإنصاف أن مثل ذلك في ألفاظ المحاورات العرفية لا يجعله حشواً و زائداً، مضافاً إلي أن هذه الجملة تنص علي أن المملوكية أو الزوجية و الولدية ليست تمام الخصوصية في الحكم، بل مولوية المولي و زوجية الزوج و والدية الوالد أيضاً ملحوظة في الحكم.

ثمّ لا يخفي عليك أن ظاهر النصوص و كلمات

الفقهاء: أن اليمين بما هي و مطلقةً سواء كان متعلقها حق المولي أو الزوج أو الوالد لم تكن متوقفة علي إذنهم، فلا وجه للقول بأنها تتوقف علي إذنهم إذا كانت متعلقة بفعل هو كان متعلقاً لحق المولي أو الزوج أو تعلق به إرادة الوالد و أمره أو نهيه، و مما يبعد هذا الاحتمال مضافاً إلي ظهور النصوص في الاحتمال الأول أن علي هذا الاحتمال لا يكون الحكم تأسيسياً، بل يكون من صغريات قوله عليه السلام: «و لا يمين في معصية» «1»، و لا وجه لاختصاص يمين المملوك و الزوجة و الوالد بالذكر. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 3] نذر المملوك و الزوجة و الولد

اشارة

مسألة 3- هل نذر المملوك و الزوجة و الولد كاليمين في الحكم، فلا نذر لهم بدون إذن المولي و الزوج و الوالد سواء كان متعلقا بحقهم، أم لا، أم يقع منهم مطلقاً فيما لا يتعلق بحق الثلاثة و فيما يتعلق بحقهم؟ مقتضي الأصل عدم انعقاد نذرهم، و عدم ترتب حكم تكليفي أو وضعي عليه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كتاب الأيمان ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 12

نعم، مقتضي الاصول اللفظية انعقاده و وجوب الوفاء به، فعلي هذا لا بد للحكم بعدم الانعقاد و الإلحاق باليمين من دليل:

فالكلام يجري في مواضع.
الأول: في نذر الولد

فنقول: إن الحكم بعدم إلحاقه باليمين و انعقاده بدون إذن الوالد مطابق للأصل الثانوي، نعم، ينحل نذره إذا نهاه الوالد عن العمل بالنذر لا لأن له حله، بل لأن الوالد إذا نهاه عن العمل بالنذر يصير مرجوحاً، و حيث إن المعتبر في النذر رجحان المنذور حين العمل ينحل نذره به.

و إن شئت قل: يستكشف به عدم انعقاد نذره، فعلي هذا لا مدخلية لإذن الوالد في انعقاد نذر الولد لا حدوثاً و لا بقاءً، و إن يستكشف بتعلق نهي الوالد عنه و صيرورته مرجوحاً عدم انعقاده، و علي ما ذكر فالحكم بإلحاقه باليمين و أنه لا ينعقد إلا إذا كان مسبوقاً بإذن الوالد محتاج إلي الدليل.

نعم، علي القول بأن المستفاد من قوله عليه السلام: «لا يمين للولد مع الوالد» أنه لا يمين له مع منع الوالد لا بأس بالتعبير بإلحاق النذر باليمين، فلا ينعقد النذر بالنهي السابق عليه، كما يستكشف عدم انعقاده بالنهي اللاحق به، و ما هو محل الكلام في الإلحاق و عدم الإلحاق هو علي البناء علي القول المختار بأن اليمين بنفسها صحتها مشروطة بإذن

الوالد، كما لا يخفي.

و احتج من يقول بإلحاق النذر باليمين مطلقاً و إن لم ينه عنه الوالد كاليمين:

أولًا: بتنقيح المناط، بتقريب أن المناط في نفي اعتبار يمين الولد كالزوجة و المملوك ليس إلا رعاية حق الوالد و لحاظ كرامة قدره، و لا خصوصية لليمين في ذلك، و لا فرق بينها و بين النذر، فما هو الملاك في الحكم في اليمين موجود ايضاً في النذر علي حدٍّ سواء.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 13

و فيه: أن استكشاف المناط القطعي بما ذكر في غاية الإشكال، فيمكن أن يكون الحكم مختصا باليمين لخصوصية تكون فيها، مثل كون الابتلاء بها أكثر أو انعقادها علي المباح و متساوي الطرفين.

و ثانيا: بدعوي أن المراد باليمين في الأحاديث الشريفة ما هو أعم منها و من النذر بدليل إطلاقها عليه، كما اطلق الحلف علي النذر في بعضها.

فمنها: مضمرة سماعة، و فيها: «لا يمين في معصية، إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل للّٰه عليه في الشكر إن هو عافاه اللّٰه من مرضه، أو عافاه اللّٰه من أمر يخافه، أو رد عليه ماله، أو رده من سفر، أو رزقه رزقاً، فقال: للّٰه عليّ كذا لشكر (في المصدر شكراً) فهذا الواجب علي صاحبه (الذي ينبغي لصاحبه) (في المصدر ينبغي له) أن يفي به». «1»

و منها: خبر السندي بن محمد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت له: جعلت علي نفسي مشياً إلي بيت اللّٰه، قال: كفِّر عن يمينك، فإنما جعلت علي نفسك يميناً، و ما جعلته للّٰه ففِ به». «2» و في دلالته علي ما ذكر تأمل، و ظاهر المستمسك «3» أنه أحد الخبرين اللذين أشار إليهما السيد، و هذا غير

ظاهر، و لعلّ مراده غير هذا الخبر.

و منها: ما رواه الحسن بن علي، عن أبي الحسن عليه السلام قال: «قلت له: إن لي جارية ليس لها مني مكان و لا ناحية و هي تحتمل الثمن، إلا أني كنت حلفت فيها بيمين، فقلت: للّٰه عليَّ أن لا أبيعها أبداً، ولي إلي ثمنها حاجة مع تخفيف المئونة، فقال:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من كتاب النذر و العهد ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: ب 8 من كتاب النذر و العهد ح 4.

(3)- راجع مستمسك العروة: 10/ 306.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 14

فِ للّٰه بقولك له». «1» و نحو حديث الحسين بن بشير (بشر- يونس). «2»

و منها: ما في رواية مسعدة بن صدقة قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام و سئل عن الرجل يحلف بالنذر و نيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل، قال: إذا لم يجعل للّٰه فليس بشي ء». «3»

و بالجملة: إطلاق اليمين علي النذر شائع في الأحاديث إما في كلام الأئمة أو في كلام الرواة مع تقرير الأئمة.

و اجيب عن هذا الاستدلال: بأن الإطلاق و الاستعمال أعم من الحقيقة، و لا يوجب صرف ما هو ظاهر في معني عن ظاهره.

و مع ذلك قال في الجواهر: (الأصحاب جزموا علي اتحاد الجميع و هو الظاهر) «4»، و استشهد بخبر الحسين بن علوان الذي يأتي، و بما في ضمن صحيح منصور بن حازم بعد قوله عليه السلام: «لا يمين لولد مع والده، و لا لمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة رحم» فإنه لا فرق في نفي اليمين و النذر في المعصية و قطيعة الرحم، فنفي النذر

في المعصية لم يرد منه خصوص نفي النذر، بل يشمل اليمين و العهد، و نفي اليمين في قطيعة الرحم لم يرد منه خصوص اليمين بل أعم منها، و من النذر و العهد و الأمر في «لا يمين لولد مع والده» أيضاً هكذا.

و هذا الاستظهار ليس ببعيد من سياق العبارة، و علي هذا الحكم بعدم إلحاق النذر باليمين في الحكم في نذر الولد مشكل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من كتاب النذر و العهد ح 11.

(2)- وسائل الشيعة: ب 18 من كتاب الأيمان ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من كتاب النذر و العهد ح 4.

(4)- جواهر الكلام: 17/ 337.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 15

الموضع الثاني: في نذر المملوك بدون إذن سيده:

و الكلام فيه مضافاً إلي ما مر في نذر الولد أنه يدل علي إلحاق نذره باليمين ما رواه في قرب الإسناد: عبد اللّٰه بن جعفر «1»، عن الحسن بن ظريف «2»، عن الحسين بن علوان «3»، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام أنّ علياً عليه السلام كان يقول: «ليس علي المملوك نذر إلا أن يأذن له سيده». «4» إلا أنه يدل علي أن العمل بالنذر ليس علي المملوك إلا أن يأذن له سيده، و عليه ينعقد نذره و يترتب عليه الأثر بالإذن اللاحق، أما أنّ نذره لا يترتب عليه الأثر و إن تعقبه الإذن فلا يدل عليه، و لا ينافي ذلك دلالة لفظ «الإذن» علي كونه سابقاً علي المأذون فيه دون الإجازة؛ لأن المأذون فيه علي ذلك هو العمل علي طبق النذر لا أصل النذر، فتأمّل.

الموضع الثالث: في نذر الزوجة

و الكلام فيه أيضاً يجري علي ما أجريناه في نذر الولد، و استدل علي إلحاق نذرها باليمين بخصوص صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها، إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة رحمها (قرابتها)». «5» و محل الاستدلال فيه قوله: «و لا نذر في مالها».

______________________________

(1)- من كبار الطبقة الثامنة، شيخ القميين و وجههم.

(2)- ابن ناصح من السادسة أو السابعة، ثقة له كتاب.

(3)- يستفاد من تعاريفهم كونه ثقة، و هو من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 15 من كتاب النذر و العهد ح 2.

(5)- من لا يحضره الفقيه: 3/ 109 ح 277، وسائل الشيعة: ب 15 من كتاب النذر

و العهد ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 16

و اورد علي الاستدلال به أولًا: بكونه أخص من المدَّعيٰ، فإن مفاده نذرها في مالها، أما في غيره مما يتعلق بها كالأُمور العبادية و نحوها فلا دلالة له، و إسراء الحكم إليها لا يجوز إلا بالقياس الذي ليس في مذهبنا.

و ثانياً: باشتماله بما لا قائل به من الأصحاب و هو عدم جواز عتقها و صدقتها وهبتها و تدبيرها من مالها، فليست هي ممنوعة من التصرف في مالها دون إذن زوجها، فلا بد من حمل الصحيحة علي التعاليم الأخلاقية.

اجيب عنه: باشتمال النص علي ما لم يعمل بظاهره لا يوجب سقوطه عن الحجية في غيره، و قد وقع مثله في كثير من النصوص.

و فيه: أنّ هذا صحيح إذا كان هناك جمل متعددة، و أما إذا كان جميع الفقرات بياناً و صغرياتٍ لكبري و جملةً واحدة فلا يمكن التفكيك بينها بترك بعضها و حملها علي بيان التعليم الأخلاقي، و الاحتجاج ببعضها الآخر و حملها علي بيان الحكم الوضعي و الصحة و الفساد.

فإن قلت: فما تقول في قوله عليه السلام: «اغتسل للجمعة و الجنابة» مع أنهم أفتوا باستحباب غسل الجمعة و وجوب غسل الجنابة؟

قلت: الأمر فيه استعمل لمطلق التحريك و البعث و طلب الفعل، و استحباب غسل الجمعة و وجوب غسل الجنابة يستفاد من دليل آخر من العقل أو النقل، و ظهور الأمر في الوجوب إنما يكون إذا لم تكن قرينة في البين، و هي هنا عدم وجوب غسل الجمعة، و لكن هذه القرينة لا تجعل الأمر ظاهراً في الاستحباب حتي ينافي وجوب غسل الجنابة، بل يمنع عن ظهوره في أزيد من مفاده و هو مطلوبية الفعل، فلا ينافي استفادة استحباب

غسل الجمعة من دليله و وجوب غسل الجنابة أيضاً من دليله.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 17

و هذا بخلاف قوله عليه السلام: «ليس للمرأة مع زوجها أمر» فإنه لا يحتمل ذلك؛ لظهوره علي هذا الاستدلال في نفي ولايتها علي مالها في الامور المذكورة، و مع بنائهم علي ولايتها في غير واحد من هذه الامور لا بد من حمل الصحيح علي ما لا ينافي ذلك و هو الجهة الأخلاقية.

و المحصَّل من جميع ذلك: أنه لا دليل بالخصوص أو بالعموم في النذر يدل علي توقف انعقاده علي إذن السيد و الزوج و الوالد، فنبقي نحن و قوله عليه السلام: «لا يمين لولد مع والده … » و قلنا: إن استظهار شموله للنذر في الموارد الثلاثة ليس ببعيد، و مع ذلك الاحتياط في المسألة لا ينبغي تركه.

ثمّ إن هاهنا فروعاً:
الأول: هل الزوجة تشمل المنقطعة، أم لا؟

وجهان:

وجه عدم الشمول: انصراف الزوجة إلي الدائمة، و أن إطلاقها علي المنقطعة مجاز لكونها حقيقة في الدائمة، و كون المنقطعة كما جاء في بعض الروايات مستأجرة.

و أما الاستدلال بقوله تعالي: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» «1» فليس في محلّه؛ لإطلاق الأجر علي مهر الدائمة أيضاً.

و وجه الشمول: أن إطلاق الزوج علي الزوجين لأنهما قرينان، و يقال لكل اثنين قرينين: زوجان، و لكل واحد منهما زوج، و في ذلك لا فرق بين الدوام و الانقطاع، و التعبير بالمستأجرة ليس من باب الحقيقة، و لذا لا يقع العقد به من دون إنشاء الزوجية و العلقة الخاصة التي تترتب عليه الآثار من حلية الوطي و غيرها.

و الحاصل: أن أحكام الزوجية التي لا تنفك عنها تترتب علي المنقطعة

______________________________

(1)- النساء/ 24.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 18

كالدائمة، و إن كانت للدائمة أحكام تخص بها مثل الإرث و

مقدار العدة، و لذا دعوي انصراف الزوجة عنها أيضاً ليس في محله.

الفرع الثاني: هل ولد الولد ملحق به في الحكم فلا ينعقد عليه بدون إذن جده، أم ينعقد؟

الظاهر هو الثاني؛ و ذلك لا لعدم صدق الولد علي ولد الولد، بل لأن الوالد منصرف عن الجد، فعلي الولد و ولد الولد مهما تنازلا يقال: الولد و الأولاد، و أما الآباء و الامهات فإن علوا يقال لهم: الآباء و الأمهات كما يقال لهم: الأجداد و الجدّات، و لا يقال لهم: الوالدون و الوالدات.

الفرع الثالث: إذا أذن المولي لعبده أن يحلف أو ينذر الحج،

لا يجب إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من مصارف الحج و هل إذنه في الحلف و نذر الحج إذن له لتحصيل نفقته؛ لأن الإذن في الشي ء إذن في لوازمه، فلو أذن المالك لشخص أن يتوضأ من حوض داره و هو متوقف علي الدخول فيها فالإذن في الوضوء إذن له في دخول الدار؟

الظاهر أن المقام ليس منه؛ لأن حج العبد لا يتوقف علي تحصيل نفقته بنفسه و كسبه لإمكان وجدان من يبذل له مصارف الحج، فإذن المولي له لا يستلزم إذنه له بالتكسب.

اللهم إلا أن يقال: إن إطلاق الإذن يشمل ما إذا كان حجه متوقفاً علي كسبه، بل يمكن ادّعاء ظهوره في الإذن له بالتكسب، كما أن إطلاق الإذن في الصورة الاولي أيضاً يشمل الدخول في الدار مجاناً لا بأُجرة المثل.

ثمّ إنه هل للمولي العدول عن إذنه؟ فإن كان المراد منه أن له حل نذره بعد الانعقاد بإذنه و إبطال انعقاده بالعدول عن إذنه فالظاهر أنه ليس له ذلك، فقد انعقد نذره و وقع صحيحاً، و لا أثر لعدوله عن إذنه بعد وقوع نذره تحت أدلة وجوب

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 19

الوفاء بالنذر. و إن كان المراد أنّ له أن يرجع عن إذنه للعبد في التكسب فهذا له يرجع عنه متي شاء، فيصير العبد عاجزاً عن التمكن من الوفاء بالنذر

فعلًا، و يبقي نذره علي حاله فيفي به مهما تمكن للوفاء.

و بالجملة: فالعدول عن أصل الإذن المتعلق بالنذر لا يجوز، و عن الإذن المتعلق بالتكسب المستفاد من الإذن في النذر أو بالإذن المستقل يجوز.

الفرع الرابع: إذا كان الوالد كافراً فهل يتوقف انعقاد يمين الولد علي إذنه أم لا؟

الظاهر اختصاص الحكم بالوالد المسلم؛ لأن مثل هذا الحكم تشريعه مبني علي احترام الوالد، و ليس للكافر حرمة، فالدليل منصرف عنه.

و استدل في العروة بقاعدة نفي السبيل.

و اورد عليه: بأن المراد من قوله تعالي: «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» «1» إما نفي السبيل في أمر الآخرة، أو عدم السبيل للكافر من جهة الحجة و السلطان في المعارف الإلهية.

[مسألة 4- إذا نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمّ تزوجت]

مسألة 4- إذا نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمّ تزوجت، أو نذرت أو حلفت بإذن الزوج فمات عنها و تزوجت بالآخر فهل لزوجها الحالي حل نذرها و يمينها؟ و بعبارة اخري بقاء نذرها أو حلفها يحتاج إلي إذن زوجها أم لا؟

الظاهر أنهما باقيان علي الانعقاد و ليس للزوج حلّهما، و عليه فتعمل الزوجة بهما فيما لا يكون منافياً لحق الزوج، و فيما يكون منافياً لحق الزوج حيث إنه يعتبر في

______________________________

(1)- النساء/ 141.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 20

متعلق النذر الرجحان حين العمل، و في متعلق اليمين عدم مرجوحيته كذلك، و مع منافاته لحق الزوج يكون متعلقهما مرجوحاً يكشف ذلك عن عدم انعقاد حلفه و نذره بالنسبة إلي خصوص هذا الفرد المنافي لحق الزوج.

[مسألة 5] من نذر الحج من مكان معين

مسألة 5- إذا نذر الحج من مكان معين يجب عليه الوفاء به و إن لم يكن لهذا المكان رجحان علي سائر الأمكنة؛ و ذلك لرجحان كل فرد من أفراد الحج من كل مكان، فالحج من هذا المكان راجح، فإن حج من غيره لم تبرأ ذمته و يجب عليه الإتيان بخصوص هذا الفرد، و إن عينه في سنة معينة و حج من غير ذلك المكان يتحقق الحنث و يجب عليه الكفارة لعدم إمكان التدارك.

هذا إذا كان نذره واحداً، و أما لو كان النذر متعدداً كأن نذر الحج من غير تقييد بمكان ثمّ نذر ثانياً أن يأتي به من مكان خاص فإن لم يكن لذلك المكان رجحان علي سائر الأمكنة لا ينعقد نذره؛ لاشتراط الرجحان في متعلق النذر، و ذلك مثل أن ينذر الإتيان بحجة الإسلام من هذا المكان فلا ينعقد لعدم الرجحان، و أما إذا كان الإتيان به من هذا المكان راجحاً

فإن أتي به من هذا المكان فهو، و إلّا إن أتي به من مكان آخر فقد وفي بنذره الأول و خالف الثاني فيجب عليه الكفارة.

و ربما يقال ببطلان العمل و عدم تحقق الوفاء بالنذر الأول أيضاً؛ و ذلك لأن نذره الثاني بأن يأتي بالنذر الأول من مكان كذا أو بصورة كذائية يرجع إلي النذر بأن لا يأتي بالعمل إلا من مكان كذا، فإذا أتي به من غير هذا المكان يقع عمله مبغوضاً و فاسداً و لا يقع مصداقاً لنذره الأول؛ لأنه لا يمكن أن يكون الحرام مصداقاً

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 21

للواجب فالنذر باقٍ علي حاله. «1»

و فيه: أن نذره الثاني قد تعلق بإتيان العمل في ضمن فرده الخاص، و لم يتعلق بعدم إيقاعه في ضمن سائر أفراده، نعم تحققه في ضمن ذلك الفرد الخاص ملازم لترك سائر الأفراد؛ للملازمة بين وجود أحد الضدين و عدم الآخر، و هذا غير تعلق النذر بترك سائر الأفراد، مضافاً إلي أنه لا ينعقد النذر بترك سائر الأفراد؛ لعدم رجحان ترك الحج من هذا المكان و من هذا المكان، أو ترك الصلاة في هذا المكان و في هذا، فليس معني فعل الصلاة المنذورة- مثلًا- أولًا في المسجد إلا الإتيان بها فيه لا ترك الصلاة في سائر الأمكنة، فلا يستلزم نذر الصلاة في المسجد مبغوضية الصلاة في البيت و سائر الأمكنة، و كذا الحج و غيره.

لا يقال: إن إتيانه بالمنذور و هو حجة الإسلام من غير المكان الذي عينه بالنذر تعجيز لنفسه عن الحج الواجب بالنذر، و هو مبغوض لا يمكن أن يكون مصداقاً للواجب.

فإنه يقال: إن كون حجة الإسلام من غير ذلك المكان معجزاً لإتيانه منه متوقف علي وقوعه

صحيحاً، و وقوعه كذلك متوقف علي عدم كونه معجزاً، فيلزم من وجوده عدمه، و من ذلك يعلم أن الإتيان بكل منهما ليس معجزاً عن الإتيان بالآخر، غاية الأمر أن وجود أحدهما ملازم لعدم الآخر ككل واحد من الضدين فإن وجود كل واحد من الضدين ليس مقدمة لعدم الآخر و لا تعجيزاً عن الإتيان بالآخر.

و بعبارةٍ اخري: وجود أحد الضدين لا يجتمع مع وجود الآخر، لا أن

______________________________

(1)- راجع مستمسك العروة: 10/ 317.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 22

اجتماعهما ممكن و وجود أحدهما مانع و معجز عن وجود الآخر، إذاً فلا مانع من تحقق حجة الإسلام من غير هذا المكان.

[مسألة 6- فيها مسائل]

اشارة

مسألة 6- فيها مسائل:

الاولي: إذا نذر الحج و لم يقيده بزمان فهل يجوز له التأخير مطلقاً، أو لا يجوز مطلقاً،

أو يجوز إلي الظن بالوفاة، أو يجوز إذا كان ظاناً أو مطمئناً بالأداء في آخر الوقت؟ وجوه.

أما القول بجواز التأخير مطلقاً فمقتضي الأصل و البناء علي عدم دلالة الأمر إلا علي طلب الطبيعة و إيجادها من دون دلالته علي الفور أو التراخي، و عدم دلالة ما يدل علي الفور من العقل و ادعاء قطعهم بجواز تأخير النذر المطلق إلي ظن الوفاة

و فيه: أن التمسك بالأصل يتم إن لم يوجد دليل علي الفور، و ادعاء قطعهم بذلك ادعاء إثباته علي مدعيه، نعم عدم جواز التأخير من زمان الظن بالوفاة كأنه مقطوع به.

و أما عدم الجواز فلا بد أن يكون إما مبنياً علي القول بدلالة الأمر علي الفور، أو لانصراف المطلق إلي الفورية، أو لأنّا إن لم نقل بها لم يتحقق الوجوب لجواز الترك ما دام حيّاً، أو لإطلاق بعض الأخبار الناهية عن تسويف الحج أو علي حكم العقل بذلك، فإن مقتضي حق مولوية المولي إطاعة أمره و إيجاد مطلوبه إذا لم يكن للعبد عذر في التأخير، فيجب عليه أن يأتي به و لا يجعل المولي منتظراً لتحقق مراده، بل يمكن أن يكون مثل قوله تعالي: «وَ سٰارِعُوا إِليٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» «1» «فَاسْتَبِقُوا*

______________________________

(1)- آل عمران/ 133.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 23

الْخَيْرٰاتِ» * «1» إرشادا إلي ذلك، فلا يجب عليه المسارعة و المبادرة شرعاً بأن يكون عاصياً في تأخيره مطلقاً، بل العقل يلزم ذلك عليه و يراه مقتضي أدب عبودية العبد للمولي بأن يتحذر من الوقوع في ترك الطاعة بالتأخير.

و بعبارةٍ اخري: يلزم عليه تحصيل مطلوب المولي فوراً نفسياً أو حذرا من الوقوع في ترك الامتثال (لا فعل المعصية)، فهو مع الاطمئنان بالأداء

و بقاء إمكان الامتثال أو الظن بالبقاء، بل و الاحتمال العقلائي إن لم يتمكن من الامتثال لم يكن عاصياً لأمره، إلّا أنه فات منه إطاعته و الفوز بقربه، و لذا لا يأذن له العقل في التأخير، فما هو الموضوع للعقاب هو عصيان أمر المولي و نهيه، و هو لا يتحقق هنا إلا إذا أفرط في التأخير و سوَّف علي نحو الاستخفاف و عدم الاعتناء، و ما هو الموضوع لإلزام العقل جلب منفعة الامتثال و الإتيان بمطلوب المولي و دفع الوقوع في فوته منه.

و في هذا القول أيضاً منع انصراف المطلق إلي الفورية، و عدم تحقق الوجوب إنما يلزم لو قلنا بجواز التأخير المطلق، لا إلي زمان الظن بالموت و صدق التسامح و التهاون، و الأخبار الناهية عن التسويف موردها حجة الإسلام دون مطلق الحج الواجب و مطلق النذر.

و ما ذكر من التوجيه العقلي لجواز التأخير يرجع إلي القول بلزوم دفع ما يحتمل من وقوعه فوت المنفعة، و الظاهر أن العقل لا يستقل بدفعه كاستقلاله بدفع ما يحتمل من وقوعه الوقوع في الضرر و المفسدة، إذاً فيكفي في جواز التأخير عدم وصوله إلي حد يصدق عليه التسامح و الاستخفاف و جعل النفس في معرض المخالفة

______________________________

(1)- البقرة/ 148.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 24

و العصيان، و هو يتحقق بالظن بعدم القدرة سواء كان بالموت أو بغيره، فإذا وصل التأخير إلي هذا الحد و وقع في المخالفة ليس معذوراً و يجب عليه الكفارة.

إذاً فالقول بجواز التأخير ما دام لم يحصل له الظن بالعجز و لم يقع المأمور به في معرض الفوت و عدم صدق التسامح في الإطاعة و الاستخفاف بأمر المولي هو الأقوي.

و قد يقال بعدم جواز التأخير إلا

إذا كان مطمئناً بإمكان الإتيان في المستقبل بحسب الحال؛ و ذلك لأن بعد اشتغال ذمته بالمنذور يجب عليه الخروج عن عهدة التكليف به، و لا يجوز له التأخير ما لم يكن هناك مؤمن من العذر في التأخير، أو حصول الاطمينان له بإمكان إتيانه في آخر الوقت، و إن لم يحصل له أحد الأمرين فليس له التأخير بعد حكم العقل بلزوم تفريغ الذمة و تسليم ما عليه إلي المولي، فجواز التأخير يدور مدار اطمينانه بالبقاء و إمكان الإتيان به، فإذا لم يكن له هذا الاطمينان يجب عليه المبادرة إلي الامتثال «1».

و فيه: أن معني تنجز التكليف هنا و وجوب كون المكلف في مقام إفراغ ذمته أن لا يكون متسامحاً في الأداء مستخفا بأمر مولاه، و إلّا فمن أين يحصل الاطمينان بالبقاء؟ مضافاً إلي أنه لا وقت لمثل النذر المطلق غير المقيد بالوقت.

المسألة الثانية: في النذر المطلق غير المقيد بالوقت إذا ظن بالعجز و الموت و تهاون في إتيان المنذور

حتي حصل العجز و الموت فيجب عليه الكفارة فهل يجب عليه القضاء فيوصي هو به، و إن لم يوص به يجب قضاؤه عنه من ماله من ثلثه أو من أصله كحجة الإسلام؟

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 396.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 25

حكي في الجواهر نقلًا عن المدارك: أن وجوب القضاء من أصل تركته مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب. بل حكي عن كشف اللثام نسبته إلي قطعهم، و إن قال: للنظر فيه مجال للأصل و افتقار وجوبه إلي أمر جديد تبعاً لما في المدارك، حيث إنه بعد ما حكي عنهم بأنه واجب مالي ثابت في الذمة فيجب قضاؤه من أصل المال كحج الإسلام قال: (و هو استدلال ضعيف، للأصل بعد احتياج القضاء إلي أمر جديد، و لمنع كونه واجباً مالياً، فإنه عبارة عن أداء المناسك،

و ليس بذل المال داخلًا في ماهيته و لا من ضرورياته). «1»

و الذي ينبغي أن يقال: إن ما استدل به في كلامهم لإثبات وجوب القضاء من أصل ماله وجوه:

أحدها: دعوي بعضهم قطع الأصحاب به، و لا ريب أنه لا يثبت بذلك إجماعهم علي ذلك.

ثانيها: أن الحج المنذور كحجة الإسلام من الواجبات المالية، و لا ريب أنها تؤدَّيٰ من أصل التركة بالإجماع.

و فيه: أن الواجب المالي عبارة عما تعلق الوجوب فيه بأداء المال كالزكاة و الخمس و ديون الناس، لا ما يتوقف أداؤه علي صرف المال مثل الحج للنائي، فصرف المال فيه يكون من مقدمات تحققه، و اشتماله علي الهدي و إن كان هو واجباً مالياً لا يدخل الحج الذي من الأصل ليس موضوعه أداء المال تحت معقد الإجماع.

و ثالثها: أن النذر اعتبر في صيغته ديناً للّٰه علي ذمة الناذر كالحج، و التعبير

______________________________

(1)- مدارك الأحكام: 7/ 96، جواهر الكلام: 17/ 340.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 26

عنه بتلك الصيغة و الخصوصية كالتعبير بوجوب حجة الإسلام بقوله تعالي: «لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ» ليس إلّا لإفادة كونه ديناً علي المكلف، فلو مات الناذر يكون علي عهدته و كالدين يؤدَّي من تركته.

اورد عليه: بأن هذا يتم لو كان مفاد قول الناذر: «للّٰه عليَّ» جعلَ حق وضعي له سبحانه، بدعوي أن الظاهر من اللام كونها للملك، و من الظرف كونه مستقراً، نظير قولك: «لزيد عليّ مال» فمقتضي أدلة نفوذ النذر و صحته هو ثبوت مضمونه، فيكون فعل المنذور ملكاً له تعالي نظير ملك المستأجر لفعل الأجير، و ديناً عليه كسائر الديون المالية يؤدي من تركته إن مات أو عجز عنه، و أما إذا كان مفاد النذر مجرد الالتزام بالمنذور بأن يكون معني

«للّٰه عليّ كذا»: التزمت للّٰه عليّ فيكون اللام متعلقة بالتزمت و الظرف لغو، فليس هناك ما يقتضي ثبوت حق له تعالي، فلا موجب لإطلاق الدين عليه إلّا علي سبيل التجوز كسائر الواجبات الشرعية، إلا أن يقال بقول السيد: إن جميع الواجبات الإلٰهية ديون للّٰه تعالي، سواء كانت مالًا أو عملًا مالياً أو غير مالي، و لذا جاء في بعض الأخبار: «دين اللّٰه أحق أن يقضي».

و فيه أن الوجوب إما يكون متعلقاً بفعل ابتداءً كصلاة الظهر- مثلًا- أو صيام شهر رمضان، فهذا و إن كان يشتغل ذمة المكلف بأدائه إلّا أنّه مستقلّ لم ينتزع من اعتبار أمر وضعي عليه، فليس عليه إلا أداؤه، و إن فات منه لا شي ء عليه و لا قضاء له. و إمّا يكون الواجب منتزعاً من الوضع كما إذا اعتبر أمر أولًا في عهدة المكلف، ثمّ ينتزع من ذلك وجوب أدائه ففي مثل ذلك عليه القضاء إن فاته.

و بعبارةٍ اخري: إذا كان التكليف منشأً لانتزاع الأمر الوضعي فما ينتزع منه من اشتغال الذمة به لا يوجب القضاء، و إذا كان الوضع منشأً لانتزاع التكليف فيجب القضاء بالنسبة إليه، أي إلي الوضع.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 27

و أما استدلاله بخبر «دين اللّٰه أحق أو هو أحق أن يقضي» ففيه: أن الخبر بإرساله ضعيف لا يحتج به هذا ما به، يرد قول السيد.

و أما في أصل المسألة فالإنصاف أن قوله: «للّٰه عليَّ» يدل علي الوضع، و كون الظرف مستقراً كقوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ».

لا يقال: هذا يرجع إلي اعتبار ملكية شي ء للّٰه تعالي ملكية اعتبارية، و هي لا تتصور للّٰه تعالي؛ لأنه مالك الملوك و الأكوان و جميع الامور طرّاً بيده

و تحت سلطانه و قدرته و مشيئته من دون اعتبار أيّ جاعل، و ملكه تعالي و سلطانه ليس بالاعتبار، فإن إحاطته إحاطة وجودية لارتباط جميع الوجودات بنفس ذواتها به بنفس وجودها، فهي ثابتة له بذواتها من دون حاجة إلي اعتبار ثبوتها له، و هي محاطة له تعالي بنفس وجودها الارتباطي و مقهورة تحت قهره و سلطانه، و الاعتبار في مورد الثبوت الحقيقي لغو واضح، فالملكية الاعتبارية لا معني لها بالنسبة إليه سبحانه إلا بمعني التكليف و الإلزام و الإيجاب و وجوب الوفاء، و وجوب الوفاء بالشي ء بمعني لزوم إنهائه و نحو ذلك، و إلا فالملكية الاعتبارية الثابتة للأشياء الخارجية غير ثابتة للّٰه تعالي. «1»

فإنه يقال: إن المالكية الحقيقية للّٰه تعالي بأن وجود كل شي ء منه و كل شي ء خاضع له، و مطيع له محكوم بأمره لا يملك لنفسه أمراً مع أمره، و ما يملكه لنفسه فإنما هو بأمره و تقديره، فكما أن حدوثه و وجوده كان بإرادته كذلك بقاؤه أيضاً يكون بإرادته، ناصية الكل بيده يفعل فيهم ما يشاء بقدرته و يحكم فيهم ما يريد بحكمته، ليس لأحدٍ من الأمر شي ء إلا به، فهو القاهر فوق عباده و هو الحكيم، كل ذلك

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 401.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 28

صفاته العليا الحقيقية. إلا أن كل ذلك لا يمنع من اعتبار الملكية الاعتبارية التي لا أثر لها إلا انتزاع بعض الآثار له، فالفعل الذي في مراتبه المتأخرة ملك للعبد يكون له أن يفعله أو يتركه يجعل له حتي لا يكون له في عالم التشريع تركه و يجب عليه فعله.

و بعبارةٍ اخري: يجعل العبد بهذا الاعتبار ما كان له قدرة تكوينية في فعله و تركه للّٰه

تعالي و يجعله له حتي لا يكون مختاراً في تركه أو في فعله حسب الموارد.

و لا ندري ما المنافاة بين مثل ذلك و مالكيته الحقيقية عز اسمه؟

و بعبارةٍ ثالثةٍ: يعتبر هنا عدم مالكية نفسه و اختياره بالنسبة إلي الفعل و الترك فيعتبر اختياره التكويني اعتباراً لا اختياراً.

و بالجملة: فبمثل ذلك و اعتبار ضد الأمر التكويني و هو اختياره بالنسبة إلي الفعل و الترك كلا اختيار يصحح المالكية الاعتبارية للّٰه تعالي.

و أما سائر ما أفاده من إحاطته إحاطةً كذائيةً و ارتباط جميع الموجودات بنفس ذواتها به و أمثال هذه الكلمات فنحن لا نتجسر بالقول عن حقيقة ذلك و نري أنفسنا عاجزين عن كيفية إحاطته، غير أنا نعلم أنا عباده و خلقه محتاجون إليه في الوجود و البقاء و إنا للّٰه و إنا إليه راجعون. و بالجملة: فالمالكية الاعتبارية بمثل هذه المعاني متصورة له تعالي.

ثمّ إن مقتضي كون النذر ديناً وجوب إخراجه من صلب المال كسائر الديون، غير أنه ذهب جمع من الفقهاء بأنه يخرج من الثلث.

قال في المستند: (و عن الإسكافي و الصدوق و النهاية و التهذيب و المبسوط و المعتبر و المختصر النافع و الجامع وجوب قضائه من الثلث لصحيحتي ضريس و ابن

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 29

أبي يعفور). «1»

أقول: قال الشيخ في النهاية: (و من نذر أن يحج للّٰه تعالي ثمّ مات قبل أن يحج و لم يكن أيضاً قد حج حجة الإسلام اخرجت عنه حجة الإسلام من صلب المال، و ما نذر فيه من ثلثه). «2» و نحوه كلامه في المبسوط. «3»

و قال في الشرائع في ضمن كلامه: (و المنذورة من الثلث). «4».

و في المختصر النافع في موضعٍ منه قال: (قضي عنه من

أصل التركة). و في موضعٍ آخر قال: (المنذورة من الثلث). «5»

و في الجامع للشرائع قال: (و حجة النذر من الثلث) «6».

و في السرائر قال: (الحجة المنذورة أيضاً تخرج من صلب المال). «7»

و في القواعد: (و يقضي من صلب التركة). «8».

و أما ما استدلوا به لإخراجه من الثلث فهو فحوي صحيح ضريس قال:

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجن به رجلًا إلي مكة، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام و من قبل أن يفي بنذره

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 167.

(2)- النهاية/ 283.

(3)- المبسوط: 1/ 306.

(4)- شرائع الإسلام: 1/ 172.

(5)- المختصر النافع/ 78.

(6)- الجامع للشرائع/ 176.

(7)- السرائر: 1/ 649.

(8)- قواعد الأحكام: 1/ 76.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 30

الذي نذر؟ قال عليه السلام: إن ترك مالًا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال، و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلًا لنذره و قد و في بالنذر، و إن لم يكن ترك مالًا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر، إنما هو مثل دين عليه». «1»

و صحيح ابن أبي يعفور قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل نذر للّٰه إن عافي اللّٰه ابنه من وجعه ليحجنه إلي بيت اللّٰه الحرام، فعافي اللّٰه الابن و مات الأب، فقال عليه السلام:

الحجة علي الأب يؤديها عنه بعض ولده، قلت: هي واجبة علي ابنه الذي نذر فيه؟

فقال عليه السلام: هي واجبة علي الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه». «2»

وجه الاستدلال به و الفحوي: أن إحجاج الغير ليس إلا بذل المال لحجه و هو دين مالي محض و هو مع ذلك

يخرج من الثلث فالحج المنذور أولي بعدم الخروج من الأصل.

و فيه أولًا: أن الأصحاب- كما قيل- أعرضوا عن هذين الخبرين، و لم يفتِ أحد منهم بالحكم المذكور في موردهما، بل أخرجوه من الأصل.

قال في المستند: (قيل: لم يفت به فيه أحد، بل أخرجوه من الأصل؛ لِمَا دلّ علي وجوب الحق المالي من الأصل، و نزّلوا الصحيحين تارةً علي وقوع النذر في مرض الموت، و اخري علي وقوعه التزاماً بغير صيغة و ثالثةً علي ما إذا قصد الناذر تنفيذ الحج المنذور بنفسه فلم يتفق بالموت فلا يتعلق بماله حج واجب بالنذر. و يكون الأمر بإخراج الحج المنذور وارداً علي الاستحباب للوارث و كونه من الثلث رعايةً

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: باب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه، ج 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 31

لجانبه) «1».

فعلي هذا إما أن نقول بعدم وجوب القضاء أصلًا فلا كلام، و لو قيل بالخروج من التركة فلا بد من الخروج عن الأصل لأنه واجب مالي و حاله حال سائر الديون، كما اختاره جماعة منهم.

و ثانياً: لو التزم أحد بحجية الخبرين في موردهما و عدم سقوطهما عن الاحتجاج بهما بالإعراض كما بني عليه بعض الأعاظم من المعاصرين فلا وجه للتعدي عنه من موردهما إلي غيره و القول بإخراج حج نفسه من الثلث.

أقول: التمسك بالخبرين إن كان لإثبات وجوب الإخراج من خصوص الثلث قبال ما دل علي وجوب إخراج حج نفسه بالنذر من الأصل فلا يتمّ الاحتجاج به؛ لإمكان منع الفحوي و الأولوية، فالقائل بخروجه عن الأصل علي حجته. و إن كان لإثبات الخروج من الثلث بعد عدم تمامية الاستدلال علي خروجه

من الأصل فلا وجه لدعوي الأولوية.

و كيف كان فالاستدلال بالخبرين لإثبات وجوب إخراج الحج المنذور لنفسه من الثلث ساقط، فنبقي نحن و ما استدل به علي الخروج من الأصل، فإن تمّ نقول به، و إلّا فلا يخرج من التركة أصلًا.

المسألة الثالثة: إذا نذر الحج و قيّده بسنةٍ معيّنةٍ

لا ريب أنه لا يجوز التأخير إن تمكن من إتيانه في تلك السنة، فلو أخر عصي و عليه الكفارة. و هل يجب عليه القضاء؟ فيه وجهان:

من جهة أن الحج كان ديناً عليه فيجب عليه أن يقضيه، و خصوصية تلك

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 167.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 32

السنة و إن لا يمكن تداركها إلا أنها كتعدد المطلوب و الدين الصادق علي الأقل، و الأكثر، فإن لم يمكن أداء الأكثر لا يسقط به الأقل و هذا كالصوم المنذور في يوم خاص فإنه فيه القضاء إذا صادف يوم العيد أو أيام مرضه أو سفره، كما في صحيح عليّ بن مهزيار الذي رواه الكليني: عن أبي علي الأشعري «1»، عن محمد بن عبد الجبار «2»، عن عليّ بن مهزيار «3» في حديثٍ قال: «كتبت إليه (يعني إلي أبي الحسن عليه السلام): يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحي أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ و كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: قد وضع اللّٰه عنه الصيام في هذه الأيام كلها، و يصوم يوماً بدل يوم إن شاء اللّٰه. و كتب إليه يسأله: يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم علي أهله ما عليه من الكفارة؟ فكتب إليه: يصوم يوماً بدل يوم و تحرير رقبة

مؤمنة». «4»

و لا يخفي أن القول بكون الرواية علي خلاف القاعدة لعدم صحة نذر صوم عيد الفطر أو الأضحي أو أيام التشريق أو في المرض و السفر فيجب الاقتصار علي موردها، يرده ذيلها، فإنّها النصّ في عدم ترك الصوم في يوم كان واجباً عليه بالنذر من غير هذه الأيام. «5»

و بالجملة: فبإلغاء الخصوصية يمكن أن يقال بوجوب قضاء الحج أيضاً، و كذا سائر النذور بعد ذلك.

______________________________

(1)- أحمد بن إدريس الثقة من الثامنة.

(2)- قمي ثقة من السابعة.

(3)- من كبار السابعة، ثقة صحيح الرواية، جليل القدر، له ثلاثة و ثلاثون كتاباً.

(4)- وسائل الشيعة: ب 10 من كتاب النذر و العهد ح 1.

(5)- راجع معتمد العروة: 1/ 402.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 33

و من جهة أن القضاء يحتاج إلي أمر جديد، و ليس نفس العمل الواجب سابقاً- فإنه قد فات- و هذا العمل الذي يقع خارج الوقت عمل آخر مغاير له بالحقيقة و إن كان مشابهاً له صورةً، فيحتاج وجوبه إلي دليل مستقل، فوجوب الحج المنذور المقيد بسنة خاصة في غير ذلك الزمان يحتاج إلي دليل يخصه.

قال في الجواهر في وجوب القضاء: (بلا خلاف أجده فيه، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب، كما اعترف به في المدارك). «1»

و في المستمسك قال: (فالعمدة (إذاً) في وجوب القضاء هو الإجماع، كما عرفت من المدارك و الجواهر، و هو ظاهر غيرهما، فإن وجوب القضاء بعد الوقت مذكور في كلامهم و مرسل فيه إرسال المسلمات، و أما الكفارة فلمخالفة النذر) «2».

هذا، و أما وجوب القضاء عنه فالظاهر عدمه؛ لأنّ الحكم بوجوب القضاء علي نفسه مستند إما إلي الرواية أو الإجماع و كلاهما مختص بوجوبه عليه.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الحكم بوجوب

القضاء عليه من جهة كونه ديناً عليه علي نحو تعدد المطلوب و الأقلّ و الأكثر، فإذا تعذر الأكثر لا يسقط الأقل، و لا فرق في ذلك بين قضائه بنفسه أو عنه من تركته، و لكن الفتوي بهذه الاستظهارات الضعيفة في غاية الإشكال.

المسألة الرابعة: من نذر الحج مطلقاً أو معيناً و لم يتمكن من الإتيان به إلي أن مات

لم يجب القضاء عنه؛ لعدم وجوب الأداء عليه حتي يجب عليه القضاء، فهذا يكشف عن عدم انعقاد نذره لأنه مشروط بتمكنه من أداء المنذور.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 345.

(2)- مستمسك العروة: 1/ 320.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 34

نعم، لو نذر الحج مطلقاً من حيث المباشرة و الاستنابة أو الإحجاج و ترك الاستنابة أو الإحجاج مع تمكنه منهما فالكلام فيه يجري علي ما أجريناه في نذر الحج المطلق و المعيَّن.

[مسألة 7] إذا مات الناذر قبل تحقق ما علق عليه نذره

مسألة 7- إذا نذر الحج معلّقاً علي أمر كشفاء مريضه أو مجي ء مسافره فمات قبل حصول المعلق عليه هل يجب القضاء عنه، أم لا؟

يمكن أن يقال بأن مجي ء المسافر إمّا هو شرط للنذر بأن يكون الحج للّٰه عليه مشروطاً به فلا يجب؛ لعدم وجود أحد أركان تحقق النذر و هو الناذر عند حصول شرطه، و إما أن يكون شرطا للمنذور بأن يكون عليه للّٰه فعلًا- و قبل تحقق المجي ء- الحج في ظرف المجي ء كما يقال في الواجب المعلق، و عليه يجب القضاء عنه لكشف مجي ء مسافره عن كون الحج عليه قبل موته، لكن الظاهر وقوع النذر علي الصورة الاولي.

و يمكن أن يقال: إنه إن كان وجوب الوفاء بالنذر مشروطاً بمجي ء مسافره فلا يجب القضاء؛ لعدم وجوبه عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط، كما هو الحال في الواجب المشروط، و إن كان بنحو الوجوب المعلق و كون الوجوب فيه فعلياً قبل حصول المعلق عليه و الواجب استقبالياً فيمكن أن يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجباً عليه من أول الأمر.

و لكن هذا أيضاً خلاف الظاهر فلا يجب عليه القضاء؛ لأن الظاهر أن الوجوب من باب الشرط و الواجب المشروط.

و يرد علي التقريبين: أن الحكم هو عدم

وجوب القضاء عليهما حتي إذا كان

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 35

الوجوب علي النحو الواجب المعلق أو كان الشرط شرطاً للمنذور؛ و ذلك لأن التمكن من المنذور في ظرف العمل معتبر في انعقاد النذر فيكشف بالموت عدم انعقاده.

[مسألة 8] إذا استقرّ الحج النذريّ عليه ثمّ صار معضوباً عن الحجّ

مسألة 8- إذا نذر الحج و استقر عليه بتمكنه منه ثمّ صار معضوباً لمرض أو نحوه، أو مصدوداً بعدوٍّ أو نحوه فهل يجب عليه الاستنابة في حال حياته؟

بدعوي دلالة الأخبار الواردة في حجة الإسلام «1» بدعوي شمول بعضها بالإطلاق له، كصحيح محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يقول:

لو أن رجلًا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلًا من ماله ثمّ ليبعثه مكانه» «2».

أو بدعوي إلغاء الخصوصية بين الحج الذي استقر عليه بالاستطاعة و الحج الذي استقر عليه بالنذر.

و عن المحقق: أن وجوب الاستنابة حسن «3»

و في التذكرة: (الأقرب وجوب الاستنابة). «4»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

(2)- وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 5.

(3)- شرايع الإسلام: 1/ 168.

(4)- تذكرة الفقهاء: 1/ 309.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 36

و قال سيدنا الأعظم قدس سره في هذه الأخبار: شمول منطوقها لغير حجة الإسلام ممنوعة. نعم، لو ادّعي انفهام غيرها منها بإلغاء الخصوصية لم يكن بعيداً، أو بدعوي استظهار الدينية من دليل النذر، فعليه إن استقر عليه يجب أداؤه بنفسه أو بالاستنابة.

قال السيد الاستاذ الفقيه الكلپايكاني قدس سره: و علي اختصاص المورد- يعني حجة الإسلام- بها (يعني بالأخبار) كما هو الظاهر يمكن دعوي انفهام العموم بإلغاء الخصوصية، مع أن الاستنابة مطابقة للقاعدة علي ما استظهرنا من تعلق النذر علي نحو

الدين، فإنه بعد الاستقرار لا بد من أدائه بنفسه إن كان متمكناً، و إلا فبالاستنابة.

أو لا يجب عليه الاستنابة؟ لاختصاص الأخبار بحجة الإسلام كما يظهر ذلك لمن نظر فيها، و المراد من صحيح محمد بن مسلم أيضاً بقرينة سائر الروايات هو حجة الإسلام، و إلّا فلا يدلّ علي الوجوب؛ لشمول إطلاقه الحج المندوب أيضاً.

و بعبارةٍ اخري: يدل علي مطلق المشروعية، و دعوي إلغاء الخصوصية ممنوعة، للفرق بين حجة الإسلام و الحج الواجب بالنذر، و عدم دلالة الدليل الدالّ علي وجوب الاستنابة في حجة الإسلام أن ملاك الوجوب فيه هو كون الحج واجباً بلا دخلٍ لكونه حجة الإسلام أو غيرها، فيمكن أن يكون هذا الحكم مختصاً بحجة الإسلام.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنه يفهم من الحكم بوجوب الاستنابة أن ذلك لكون حجة الإسلام ديناً علي المكلف فيجب أداؤه بالمباشرة، و إلا فبالاستنابة، و النذر أيضاً يكون كذلك ديناً علي الناذر فيجب بعد استقراره عليه أداؤه بالمباشرة، و إلا فبالاستنابة، و لعله لذلك استحسن وجوبها المحقق و استقر به العلامة قدس سره.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 37

و ليكن هذا وجه فتوي الشيخ في المبسوط الذي ظاهره أن مورده النذر المستقر علي الناذر، قال: (و المعضوب إذا وجبت عليه حجة بالنذر أو بإفساد حجة وجب عليه أن يحج عن نفسه رجلًا فإذا فعل فقد أجزأه، فإن برأ فيما بعد تولاها بنفسه). «1»

فما في الجواهر من (أن الإنصاف ظهور عبارة المبسوط في النذر معضوباً) «2» كأنه خلاف ظاهرها، و مع ذلك كله فالجزم بالفتوي مشكل، و طريق الاحتياط معلوم.

هذا، و لو نذر المعضوب في حال عضبه الحج فهل هو منصرف إلي مباشرته بنفسه، أو ظاهر في الاستنابة، أو الأعمّ منهما؟

يمكن

أن يقال: إنه إن شك في ذلك غيره مثل الوارث فلا ظهور لنذره في الاستنابة كما، يمكن منع ظهوره في المباشرة، فالأصل عدم وجوب القضاء علي الوارث، لأنه لو كان النذر الحج المباشري لم يتمكن منه فلم يستقر عليه الحج، و تعلق النذر بالحج النيابي أو الأعم منهما مشكوك فيه.

و إن كان الشك من الناذر فلم يدرِ أنه نذر الحج المباشري أو النيابي ففيه أيضاً ليس عليه شي ء، إلّا إذا زال عذره و تمكن من المباشرة فيجب عليه الاحتياط بالجمع بينهما، و إن كان أطراف الشك ثلاثياً و تردد المنذور بين الحج المباشري و النيابي و الأعم منهما فهو شاك بين وجوب أحدهما تعييناً أو تخييراً، فيمكن أن يقال: مقتضي يقينه بالاشتغال بأحدهما إما علي التعيين أو التخيير هو الاحتياط

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 299.

(2)- جواهر الكلام: 17/ 346.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 38

بإتيان كليهما، فلا يحصل له اليقين بالفراغ إلّا به.

و يمكن أن يقال: إنه عالم بأنه إما يجب عليه أحدهما بالتخيير، أو يجب أحدهما عليه بالتعيين، فهو عالم بأنه يجب عليه علي التعيين أحدهما المعين في الواقع المردد بينهما في الخارج أو أحدهما مخيرا فهو يكون مخيراً بين الإتيان بأحدهما، و لا يجب عليه الاحتياط بالإتيان بكليهما.

و فيه: أن الإتيان بأحدهما لا يكفي في العلم بفراغ الذمة، فإن دوران الأمر بين الأطراف الثلاثة يكون من دوران الأمر بين المتباينين، فيجب عليه الإتيان بكل واحد منهما، فتأمّل.

[مسألة 9- لو نذر إحجاج شخصٍ في سنةٍ معينةٍ و خالف مع تمكّنه منه]

مسألة 9- لو نذر إحجاج شخصٍ في سنةٍ معينةٍ و خالف مع تمكّنه منه فلا ريب في وجوب الكفارة عليه، لتحقق حنث النذر به، و أما القضاء فهل يجب عليه، أم لا؟

مقتضي الأصل و أن القضاء بأمر جديد عدم

الوجوب، غير أن ظاهر كلماتهم في هذه المسألة و في مسألة الحج و في مسألة نذر الحج في سنة معينة وجوب القضاء.

و الظاهر أنه لاستظهارهم الدينية من دليل الحج و النذر من قوله تعالي: (و للّٰه علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلًا)، و من قول الناذر في النذر: «للّٰه عليَّ أن أحج» أو لاستفادتهم ذلك من مثل صحيح علي بن مهزيار الذي مر ذكره بسنده و فيه: «قال: كتبت إليه (يعني أبا الحسن الهادي عليه السلام): يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحي أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ و كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: قد وضع اللّٰه عنه الصيام في هذه الأيام كلها و يصوم يوماً بدل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 39

يوم إن شاء اللّٰه. و كتب إليه يسأله: يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم علي أهله ما عليه من الكفارة؟ فكتب عليه السلام إليه: يصوم، يوماً بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة» «1» بإلغاء خصوصية نذر الصوم و مساواة نذر الحج و الإحجاج و غيرهما مع نذر الصوم في هذه الحكم.

و إن مات قبل أداء الكفارة و القضاء فهل يقضيان من ماله، أم لا؟

الظاهر: أنه لا خلاف بين أداء الكفارة من أصل ماله كسائر الديون المالية، و أما القضاء فمقتضي دينيته ذلك، و هل يخرج من أصل التركة أو الثلث؟ الظاهر أنه يخرج من الأصل كما هو الأصل، في كل الديون التي اعتبرت أولًا كونها في عهدة المديون، و وجوب أدائها منتزع من اشتغال ذمته

بها و كونها علي عهدة المديون، بخلاف مثل وجوب الصلاة و الصوم فإن الذمة و إن كانت مشتغلةً به إلا أنه منتزع من تكليف الشارع و إيجابه الصوم و الصلاة علي المكلف، فإذا سقط الوجوب يسقط ما تعلق بسببه علي عهدة المكلف.

و أما الدين فهو مجعول علي ذمة المكلف بجعل اللّٰه تعالي أو جعل نفسه، و ينتزع منه وجوب أدائه علي نفسه إذا كان هو حيّاً و الا فمن ماله، بل و إن كان حيّاً و امتنع من أدائه يؤديه الحاكم من ماله، بخلاف الصلاة و الصوم فإنه إن امتنع عن أدائهما لا يقضيهما الحاكم عنه، و بالجملة فالفرق واضح.

نعم، يمكن أن يقال بإخراجه من الثلث تمسكاً بصحيح ضريس المتقدم. قال:

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجن به رجلًا الي مكة، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام و من قبل أن يفي بنذره

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 10 من كتاب النذر و العهد ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 40

الذي نذر، قال عليه السلام: إن ترك مالًا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلًا لنذره و قد وفي بالنذر، و إن لم يكن ترك مالا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه وليه حجة النذر إنما هو مثل دين عليه» «1». و نحوه صحيح ابن أبي يعفور المتقدم.

و اجيب عنهما: بأن موردهما نذر إحجاج الغير من غير تقييد بسنة معينة، و كلامنا في إحجاج الغير المقيد بسنة معينة. «2»

و يمكن أن يقال باستفادة الإطلاق من ترك الاستفصال، فإنَّ نذر الرجل أعم من

نذر الإحجاج مقيداً بسنة معينة و من غير المقيد بها.

و لكن فيه: أنه يلزم منه الحكم بتعلق النذر علي الناذر و إن لم يتمكن من الوفاء به. و الظاهر أن مورد السؤال هو النذر الذي تمكن الناذر من الوفاء به و أخَّره من غير تهاون و تسامح.

مضافاً إلي ما اجيب عنه بأن القوم لم يعملوا في موردهما فكيف بغيره؟ فعلي ذلك كله فالأقوي إخراجه من الأصل.

و مما ذكرناه هنا يظهر أن الأقوي في مسألة نذر الحج مقيداً بسنة معينة أيضاً وجوب القضاء من صلب المال.

و لو نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معينة فإن تمكن منه و تركه متسامحاً فيه حتي مات فالظاهر أن حكم وجوب إخراج الكفارة و القضاء من أصل تركته كالفرع السابق، و أما إن تمكن منه و لم يتركه تسامحاً فالظاهر عدم وجوب إخراج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(2)- معتمد العروة: 1/ 410.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 41

الكفارة من ماله، لعدم تحقق الحنث منه دون قضائه، فإنه علي ما ذكرناه يخرج من صلب ماله.

نعم، مقتضي صحيحي ضريس و ابن أبي يعفور إخراجه من الثلث، و لكن الأصحاب علي ما يستفاد من جماعة منهم لم يعملوا بهما، فهما ساقطان عن الحجية بإعراض الأصحاب عنهما. مضافاً إلي أنهما- كما صرح به سيدنا الاستاذ الأعظم قدس سره- معارضان برواية مسمع بن عبد الملك المؤيدة باشتهار الفتوي بصدرها، و خلوها من الاضطراب في المتن بخلافهما، و إليك روايته:

فقد روي ثقة الإسلام في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن مسمع «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: كانت لي

جارية حبلي، فنذرت للّٰه عز و جل إن ولدت غلاماً أن احجه أو أحج عنه، فقال عليه السلام:

إنّ رجلًا نذر للّٰه عز و جل في ابن له إن هو أدرك أن يحج عنه أو يحجه، فمات الأب و أدرك الغلام بعد، فأتي رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم الغلام فسأله عن ذلك، فأمر رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أن يحج عنه مما ترك أبوه». «2»

خلاصة البحث: اعلم أن تنقيح ما ذكرناه في طيِّ المسائل المتقدمة يأتي في الفروع الآتية:

الأول: أن ينذر الحج مقيداً بسنة معينة فلم يأت به فيها عصياناً، فلا ريب في وجوب الكفارة عليه، و أما القضاء فقد قلنا بوجوبه، لكون المنذور علي الناذر ديناً علي عهدته و في ذمته، فيجب أداؤه لأنه لا يسقط عن عهدته إلا بذلك. مضافاً إلي ما

______________________________

(1)- من الخامسة، أبو سيار كردين بن عبد الملك.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب النذر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 42

استفدناه من صحيح علي بن مهزيار في الصوم بإلغاء الخصوصية.

و أما قضاؤهما عنه بعد الموت فالظاهر وجوبه في الكفارة و في القضاء أيضاً، بمقتضي اعتبار المنذور ديناً علي الناذر.

و هل يخرج من الأصل أو الثلث؟ فالظاهر أيضاً إخراجه من الأصل كسائر الديون، إلا أن يتمسك بصحيح ابن أبي يعفور، و صحيح ضريس في نذر الإحجاج فإنهما يدلان علي إخراجه من الثلث، و لا بد أن يكون ذلك بإلغاء الخصوصية، بل الأولوية.

قال الشيخ في النهاية: (و من نذر أن يحج للّٰه تعالي ثمّ مات قبل أن يحج و لم يكن أيضاً قد حج حجة الإسلام اخرجت عنه حجة الإسلام من صلب المال، و ما

نذر فيه من ثلثه، فإن لم يكن المال إلا بقدر ما يحج به عنه حجة الإسلام حج به، و يستحب لوليه أن يحج عنه ما نذر فيه). «1»

و الظاهر أنه عمل بروايتي ضريس و ابن أبي يعفور بإلغاء الخصوصية، و لكن استشكل في الاستدلال بهما بعدم عمل الأصحاب بهما في موردهما. مضافاً إلي أن كلامنا في النذر المقيد، و الصحيحان وردا في النذر المطلق.

و فيه: أما عدم عمل الأصحاب بهما فغير ثابت، غاية الأمر عدم تعرض الأكثر له، و هذا شيخ الطائفة قد عمل بهما في نذر الحج، فكيف هو لا يعمل بهما في موردهما؟

و أما كونهما في النذر المطلق فلا يضر بالاستدلال بالأولوية، فإنه بعد ما دل

______________________________

(1)- النهاية/ 284.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 43

الدليل علي إخراج الإحجاج من الثلث- و هو أشبه بالديون المالية التي تكون من بعض الأشخاص علي بعضهم- فوجوب إخراجه من الثلث في نذر الحج بالمباشرة أولي منه.

الثاني: نذر الحج المطلق، و الكلام فيه يجري كالكلام في المقيد غير أنه ليس فيه الكفارة إذا تركه لا عن تسامح و تساهل.

الثالث: ما لو نذر الحج مقيداً بسنة معينة أو مطلقاً و مات قبل التمكن من الأداء، و الحكم فيه هو عدم وجوب القضاء، اللهم إلا أن يتمسك فيه أحد بحسنة أو مصححة مسمع بإلغاء الخصوصية، و فيه منع ظاهر، و يأتي الكلام في حديث مسمع إن شاء اللّٰه تعالي.

الرابع: أن ينذر الإحجاج مقيداً بسنة معينة فخالف النذر عصياناً فلا ريب في وجوب الكفارة عليه لتحقق حنث النذر منه، و يجب عليه القضاء أيضاً لما مر في الفرع الأول، و كذا يجب أداء الكفارة من أصل ماله إن لم يؤدها هو بنفسه.

و أما

القضاء فالكلام فيه يجري كما جري في الفرع الأول، مضافاً إلي دعواهم التسلم و القطع بذلك. نعم، في إخراجه من الثلث أو الأصل الكلام فيه هو الكلام في الفرع الأول، غير أن إلغاء الخصوصية و التمسك بالمفهوم هناك كان بالأولوية، و في هذا الفرع بدلالة المساواة بينه و بين مورد صحيحي ضريس و ابن أبي يعفور، فلو قلنا بعدم إثبات إعراض القدماء عنهما لعمل مثل الشيخ بهما في غير موردهما لا بد و أن نقول بإخراجه من الثلث.

الخامس: نذر الإحجاج المطلق و حكم قضائه في الجملة أيضاً كأنه مقطوع به، غير أنه وقع الكلام في إخراجه من الثلث أو من الأصل، و ظاهر الأكثر إخراجه

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 44

من الأصل، غير أنه مورد روايتي ضريس و ابن أبي يعفور، و دلالتهما علي إخراجه من الثلث بالمنطوق فيه ظاهرة، و لكن ضعّفوهما بعدم العمل بهما و إعراض الأصحاب عنهما و اختار بعض الأعلام حجيتهما، لأنه لا يعتد بالإعراض و ترك عمل الأصحاب بهما، و لا يراه مضراً باعتبار الخبر، كما لا يعتد بعملهم علي الخبر الضعيف و لا يراه موجباً لجبر ضعفه، و أما الكفارة فوجوبها دائر مدار تحقق الحنث كما مرت الإشارة إليه.

السادس: من نذر الإحجاج مقيداً أو مطلقاً و لم يتمكن من العمل بنذره حتي مات فهل يجب القضاء عنه من ماله؟ ثمّ هل يخرج من أصل ماله أو ثلثه؟

قال في العروة: (ففي وجوب قضائه و عدمه وجهان، أوجههما ذلك لأنه واجب مالي أوجبه علي نفسه فصار ديناً. غاية الأمر أنه ما لم يتمكن معذور، و الفرق بينه و بين نذر الحج بنفسه أنه لا يعد ديناً مع عدم التمكن منه و اعتبار

المباشرة، بخلاف الإحجاج، فإنه كنذر بذل المال، كما إذا قال: للّٰه عليّ أن اعطي الفقراء مائة درهم، و مات قبل تمكنه و دعوي كشف عدم التمكن عن عدم الانعقاد ممنوعة. ففرق بين إيجاب مال علي نفسه أو إيجاب عمل مباشري و إن استلزم صرف المال، فإنه لا يعد ديناً عليه بخلاف الأول).

أقول: تارةً يكون ذلك علي نحو نذر النتيجة فيجعل علي نفسه مالًا للإحجاج و صرفه في الحج بالغير، فهو بذلك يصير مديناً به و إن لم يتمكن من أدائه.

و تارةً يجعل علي نفسه للّٰه إحجاج الغير و إيجاد الحج علي وجه التسبيب، فهو لا يصير مديناً لذلك ما دام لم يتمكن منه، و الغالب وقوع نذر الإحجاج علي الوجه الثاني، فعلي ذلك لا يجب القضاء عنه. اللهم إلا أن يتمسك برواية مسمع، لعدم الفرق بين نذر الإحجاج مطلقاً كما في هذا الفرض و عدم التمكن منه حتي مات، و بين نذر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 45

الحج و الإحجاج معلقاً بأمر، مثل إدراك الغلام و عدم تمكنه منه بعد حصول المعلق عليه، و سيأتي الكلام في هذا الحديث إن شاء اللّٰه تعالي.

[مسألة 10] من نذر الإحجاج معلقاً علي شرط

مسألة 10- إذا نذر الإحجاج معلقاً علي شرط كمجي ء المسافر أو شفاء المريض فمات قبل حصول الشرط فمقتضي القاعدة عدم وجوبه في تركته إن حصل بعده؛ لأن انعقاد النذر متوقف علي تمكن الناذر منه حين العمل، سواء كان ذلك علي نحو الواجب المشروط أو المعلق، و ذلك كما ذكرناه في مسألة نذر الحج معلقاً و موته قبل حصول الشرط.

إلّا أنّه قد يقال: إنه يجب القضاء عنه لحسنة أو مصححة مسمع المتقدمة، و الاستدلال بها متوقف علي فهم المراد منها سؤالًا و جواباً.

فنقول: إنّه

بالنظر إلي لفظ السؤال يمكن أن يكون السؤال عن تكليف الوالد، و أنه هل عليه أن يحج عنه أو يحجه؟ و بعبارةٍ اخري: هل ينعقد مثل هذا النذر أم لا؟

فأجابه عليه السلام بحكاية نذر الرجل الوالد و انعقاده مع موت الأب قبل تحقق المعلق عليه النذر، و هو إدراك الولد، فإذا كان النذر ينعقد في هذه الصورة ينعقد في فرض السؤال بالأولوية، و أما فرض موت الولد قبل تمكن الوالد من العمل بالنذر أو بعده لا موت الوالد قبل ذلك أو بعده فلا نظر للسؤال إليهما. إلّا أنّ الحكاية المذكورة في كلام الإمام عليه السلام بنفسها و بمنطوقها تدل علي وجوب الوفاء بالنذر و إن مات الناذر قبل تحقق الشرط، و الظاهر أنه خلاف القاعدة لأنّ من شرائط انعقاد النذر تمكن الناذر من العمل به في ظرف وجوب الإتيان به.

و قد ادعي عمل المشهور بهذه الرواية، كما اعترف به بعض الأعاظم علي ما

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 46

في تقريرات بحثه «1» قبال البعض الآخر، حيث قال: (إن الرواية لم يظهر عمل أحد بها في الفرض المذكور، و هو موت الوالد قبل إدراك الغلام) «2»،

و لعل هذا ظاهر كلام مثل الشرائع: «و لو نذر إن رزق ولداً يحج به أو يحج عنه ثمّ مات حج بالولد أو عنه من صلب ماله» «3». فإنه ظاهر في وقوع الشرط و تمكن الوالد من الوفاء بالنذر لا مطلقاً.

و كيف كان فهذا الفرع بهذه الخصوصية التي هي علي خلاف القاعدة- أي قاعدة اشتراط تمكن الناذر من العمل في ظرفه في انعقاد النذر- الظاهر أنه غير مذكور في كلام القدماء، فإن كان هذا إعراضاً منهم عنها فالعمل بها مشكل، و إلّا

فلا بأس، بل يجب العمل بها في خصوص موردها، و هو نذر الإحجاج به أو الحج عنه.

و لا يخفي عليك أن مقتضي إطلاق قوله: «فأمره رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أن يحج عنه مما ترك أبوه» خروجه عن الأصل، و لا يجوز تقييد إطلاقه بروايتي ضريس و ابن أبي يعفور، لعدم عمل الأصحاب بهما في موردهما.

[مسألة 11] إذا نذر المستطيع أن يحجَّ حجّة الإسلام

مسألة 11- قال السيد قدس سره في العروة: (إذا كان مستطيعاً و نذر أن يحج حجة الإسلام انعقد علي الأقوي و كفاه حج واحد).

أقول: في الجواهر ذكر في مسألة نذر صوم أول يوم من شهر رمضان عدم انعقاده عند المرتضي و الشيخ، و أبي الصلاح، و ابن إدريس، و علّله بما في الشرائع من

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 415.

(2)- مستمسك العروة: 11/ 334.

(3)- شرايع الإسلام: 3/ 726.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 47

أن صيامه مستحق بغير النذر، و زاد: فإيجابه تحصيل للحاصل، و لأنه علي تقدير كونه يوماً من رمضان قد استحق صيامه بالأصل، و لا يمكن أن يقع فيه غيره. ثمّ ذكر تردد المحقق فيه و وجهه بما عرفت، و بما أن مقتضي التعليل الأول- أي كونه تحصيلا للحاصل- عدم صحة نذر كل واجب، بل مقتضاه عدم صحة اليمين عليه أيضاً، و قد عرفت تواتر النصوص «1» في انعقاد اليمين علي الواجب، و منها مضافاً إلي عموم أدلة النذر يقوي الانعقاد وفاقاً لأكثر المتأخرين، و إيجاب صومه بأصل الشرع لا ينافي وجوبه من جهة اخري، و ليس هذا صحة غير شهر رمضان، بل هو من تعدد السبب في وجوبه الذي يمكن أن يراد لإفادة الانبعاث حذراً من الكفارة، و حينئذٍ فيجوز ترامي النذر و تعدد الكفارة

بتعدده، كما أنه يجوز نذره و اليمين عليه و العهد و غير ذلك مما يقتضي تأكيد وجوبه «2».

ثمّ إنه ربما يقال بأن مراد المانع من قوله في الاستدلال: «لأن صيامه مستحق … » إن كان أنه واجب، فالجواب، بأنه لا ينافي وجوبه من جهة اخري تام، و أما إن كان المراد أنه مستحق للّٰه تعالي و مملوك للّٰه بالملكية الوضعية فلا يقبل التأكيد و التكرار، كما هو الأمر في الزوجية و الرقية و الحرية و غيرها، فنذر المستحق للّٰه تعالي لا يوجب استحقاقاً له تعالي، فيكون باطلًا «3»، و لذا يمكن أن نقول بالفرق بين نذر حج الإسلام و بين غيره، فإن في نذر حجة الإسلام يجعل ما هو مستحق للّٰه تعالي مستحقاً له، و مثله لا يقبل التكرار و التأكيد، و في نذر صوم شهر رمضان الواجب حيث لا يكون مستحقاً للّٰه تعالي و ملكاً له يجوز اعتباره ملكاً له، و علي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 23 من كتاب الأيمان.

(2)- راجع جواهر الكلام: 35/ 441.

(3)- مستمسك العروة: 10/ 336.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 48

ذلك فيشكل الأمر في نذر حجة الإسلام و النذر علي النذر دون غيرهما.

ثمّ إنه علي القول بانعقاد نذر حجة الإسلام فإن عينها في سنة معينة و ترك الحج يجب عليه الكفارة، و إن لم يعينها و سوَّف حتي مات تقضي من تركته، و أما الكفارة من تركته أو من ثلثه فقد مرَّ الكلام فيها.

هذا كله في نذر حجة الإسلام في حال الاستطاعة، و أما إن نذرها في حال عدم الاستطاعة: فإن كان مراده الإتيان بحجة الإسلام بعد الاستطاعة بأن قال- مثلًا-: للّٰه عليّ حجة الإسلام إن صرت مستطيعاً لها فلا ريب في

عدم وجوب الحج عليه، بل عدم قدرته علي حجة الإسلام قبل حصول الاستطاعة، و إن كان المراد نذر حجة الإسلام مطلقاً و من غير تعليقها بحصول الاستطاعة فالظاهر أنه يجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدمة لإتيان الواجب. و اللّٰه العالم.

[مسألة 12] كفاية القدرة العقلية في الحج النذري

مسألة 12- يكفي في الحج النذري القدرة العقلية عليه و إن لم يكن مستطيعاً له بالاستطاعة العرفية أو الشرعية.

فيجب مثلًا علي القادر علي المشي و إن لم يكن له الراحلة، فحال الحج النذري مثل سائر الواجبات، و الاستطاعة الخاصة مختصة بالحج الواجب بأصل الشرع و هو حجة الإسلام.

و علي ذلك لا وجه لما في الدروس من أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، قال: (و الظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحج ثمّ استطاع صرف ذلك إلي النذر، فإن أهمل و استمرت الاستطاعة إلي القابل وجبت حجة الإسلام أيضاً، و ظاهر الأصحاب تقديم حجة الإسلام مطلقاً، و صرف الاستطاعة بعد النذر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 49

إليها) «1».

[مسألة 13] عدم انعقاد نذر غير حجة الإسلام من المستطيع في عامها

مسألة 13- لا ينعقد نذر حج غير حجة الإسلام في عامه هذا إذا كان مستطيعاً لحجة الإسلام إذا كان نذره مطلقاً، و سواء ترك حجة الإسلام أم لم يتركها.

فإنه في ظرف عدم تركها مستلزم لترك الواجب فلا ينعقد لعدم رجحان ما تعلق به قصد الناذر، أي المنذور مطلقاً، كما لا ينعقد نذر ضرب اليتيم مطلقاً، سواء كان ظلماً أو تأديباً.

و أما إذا نذر حجّاً آخر علي تقدير تركه حجة الإسلام فيمكن تصحيح القول بصحته علي القول بالترتب، إلا أن هذا يتم لو قيل بجواز تأتِّي غير حجة الإسلام من المستطيع، و أما لو قلنا بأن حجة الإسلام عبارة عن المناسك التي يأتي بها المكلف في حال الاستطاعة و إن لم ينوِها كذلك فلا يتأتّيٰ منه غير حجة الإسلام، و قصد غيرها لا يجعلها غيرها إذا كان علي نحو الخطأ في التطبيق تقع المناسك علي ما هي عليها فيجزي عن حجة الإسلام.

نعم، قصد غيرها- و إن لم

تكن حجة الإسلام- موجب لبطلانها من جهة الإخلال بقصد القربة.

هذا و إن شك في أن نذره كان مطلقاً أو كان علي تقدير تركه فحمله علي تقدير الترك حملًا علي الصحة فالظاهر إجراء أصالة الصحة، كما لو شك في أنه أوقع

______________________________

(1)- الدروس الشرعية: 1/ 318.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 50

العقد بالعربية أو الفارسية مع العلم ببطلانه بالفارسية.

نعم، لو أوقع النذر مطلقاً و شك في صحته لا تجري أصالة الصحة، كما لو أوقع العقد بالفارسية و شك في صحتها.

ثمّ إنه قد حكم في العروة و وافقه المحشّون بانعقاد النذر إذا نوي الحج غير حجة الإسلام علي تقدير زوال الاستطاعة فزالت.

و فيه: إن كان المراد من زوال الاستطاعة كشف خلافها و أنه لم يكن مستطيعاً، كما إذا حصلت له الاستطاعة المالية فزالت قبل الموسم فلا إشكال في انعقاد النذر و وجوب الحج عليه، و إن كان المراد زوال الاستطاعة بعد استقرار الحج فالحكم- كما ذكر في أصل المسألة- بالتفصيل.

[مسألة 14] إذا نذر حجّاً فورياً ثمّ استطاع

مسألة 14- قال في العروة: (إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فورياً، ثمّ استطاع و أهمل عن وفاء النذر في عامه وجب الإتيان به في العام القابل مقدماً علي حجة الإسلام و إن بقيت الاستطاعة إليه، لوجوبه عليه فوراً ففوراً فلا يجب عليه حجة الإسلام إلا بعد الفراغ منه).

أقول: لا بدَّ لتحقيق المسألة من الكلام في امور:

الأول: أن هذه المسألة إنما يجري الكلام فيها علي القول بالاستطاعة الشرعية، و عدم وجوب الحج لمنع وجوب النذر من حصول الاستطاعة له، و أما علي القول بالاستطاعة العرفية فلا ينعقد النذر، لاستلزامه ترك الواجب، و هو حجة الإسلام إلّا علي نحو الترتب.

الثاني: علي القول بالاستطاعة الشرعية إذا كان نذره في حال

عدم

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 51

الاستطاعة فورياً ثمّ استطاع و أهمل فهل يجب عليه وفاء النذر في العام القابل و بعده إن أهمل الوفاء بالنذر مقدماً علي حجة الإسلام، فلا يجب عليه حجة الإسلام إلا بعد فراغ ذمته عن النذر؟ الظاهر أن الكلام يجري فيما إذا بقيت الاستطاعة إلي العام القابل، و إلا فإن لم يبق كذلك لم يجب عليه في العام القابل إلا الوفاء بالنذر لعدم حصول الاستطاعة له.

و أما إن بقيت إلي العام القابل فالظاهر أن الأمر يكون كالعام السابق فلا يستطيع من كان عليه النذر لحجة الإسلام، و لا يجب عليه ما لم يفِ بنذره، و ليكن هذا كالوجه علي صحة القول بالاستطاعة الشرعية؛ لأنه يلزم منه عدم حصول الاستطاعة لمن كان ذمته مشتغلةً بمثل الدين و النذر و إن أخّر أداءه سنةً بعد سنة.

الثالث: ظاهر كلام الشهيد في الدروس أنه لو نذر الحج ثمّ استطاع و أهمل و بقيت استطاعته إلي العام القابل يجب حجة الإسلام عليه، و قال: (و الظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحج ثمّ استطاع صرَف ذلك إلي النذر، فإن أهمل و استمرت الاستطاعة إلي القابل وجبت حجة الإسلام أيضاً) «1».

أقول: علي القول بالاستطاعة الشرعية لا فرق بين عام الاستطاعة و العام القابل و غيره من الأعوام الآتية إذا كانت ذمته مشغولة بالنذر، و ظاهر كلامه أنه يجب عليه في العام القابل الحج النذري و حجة الإسلام، و لم يبين أن أيهما يقدم.

و أما توجيه فتواه بوجوب حجة الإسلام إن استمرت استطاعته إلي العام القابل بأنه فوَّت علي نفسه الحج «2».

ففيه: أن التفويت إنما يصدق إذا استقر عليه الحج، و أما حرمة تفويت قدرته

______________________________

(1)-

الدروس الشرعية: 1/ 318.

(2)- معتمد العروة: 1/ 422.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 52

علي الحج قبل عام الاستطاعة فهو أول الكلام، اللهم إلا أن يراد بالتفويت تفويته الحج النذري.

و بالجملة: فكلام الشهيد في المقام لا يخلو من الإعضال و الإشكال و اللّٰه هو الهادي إلي الصواب.

[مسألة 15] من نذر الحج مطلقاً

مسألة 15- إذا نذر الحج و أطلق من غير تقييد بحجة الإسلام و لا بغيره بحيث لا يكون نظره إلي إيجاب حج عليه بالنذر و كان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك فالظاهر أنه يجزيه حج واحد بقصد الوفاء بالنذر عنهما، لا من جهة البناء علي التداخل في المبحث المعروف بتداخل الأسباب أو المسببات، بل لأن النذر قد تعلق بجامع الحج و طبيعته، و يكفي في الوفاء به أداؤه مستطيعاً فيجزيه عنهما.

و هل هذا الحكم مختص بأن ينوي الإتيان بالحج نذراً فيجزي عنه و عن حجة الإسلام، لأن حجة الإسلام ليس غير المناسك التي يأتي بها المستطيع و وجوبها يؤكد بالنذر، أو يكفي في الإجزاء عنها بنية حجة الإسلام فيجزيه عن النذر؛ لأن النذر قد تعلق بطبيعي الحج و قد أتي به في ضمن حجة الإسلام، فإذا أدي حجة الإسلام أدي ما عليه بالنذر، لأن وجوب الوفاء بالنذر توصلي لا تعبدي، فهو قد أدي ما عليه بالنذر في ضمن حجة الإسلام؟

اللّهم إلّا أن يقال: إن الوفاء بالنذر و إن لم يعتبر فيه قصد القربة إلّا أنّ تعنون الفعل بعنوان الوفاء بالنذر و أداء ما عليه به محتاج إلي القصد، فما دام لم يتحقق ذلك لا يفرغ ذمته و يجب عليه الوفاء، فعلي هذا لا يجزي قصد الحج عما عليه بالنذر،

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 53

بخلاف الإتيان بالحج بقصد الوفاء بالنذر فإنه

يجزيه عنهما.

نعم، ربما ينتفي موضوع الوفاء بالعمل كما إذا نذر حج سنة معينة و أتي به بقصد حجة الإسلام أو النيابة عن الغير، ففي هذه الصورة يسقط فرض الوفاء لانتفاء موضوعه، و إن قلنا بوجوب القضاء و الكفارة عليه، و لكن كلامنا في مسألتنا

هذه في النذر غير المقيّد بالزمان، فيجب عليه الوفاء به.

ثمّ إنه ربما يستدل علي إجزاء الإتيان به بقصد النذر عن حجة الإسلام بصحيحة رفاعة، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه الحرام هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال عليه السلام: نعم، قلت: و إن (أ رأيت إن) حج عن غيره و لم يكن له مال و قد نذر أن يحج ماشياً أ يجزي عنه ذلك (من مشيه)؟

قال عليه السلام: نعم» «1».

و صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه فمشي هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال: نعم.» «2»

و الاستدلال بهما يتوقف علي كون مورد السؤال الناذر الذي يأتي بنذره في حال الاستطاعة، سواء كان نذره أيضاً في حال الاستطاعة أو حصلت له الاستطاعة بعده. إلا أن الظاهر منهما أن مورد السؤال فيهما هو إجزاء الحج النذري عن حجة الإسلام إذا صار مستطيعاً لها بعده و هو غير معمول به، و لذا فيحمل علي الإجزاء ما دام لم تحصل له الاستطاعة.

و أما ما اختاره في العروة من وجوب التعدد و عدم التداخل و الإتيان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ب 27، من أبواب وجوب الحج و شرائطه، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ب 27، من أبواب وجوب الحج و شرائطه، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 54

بالحجَّين لأصالة

تعدد المسبب بتعدد السبب، و ظهور القضية الشرطية في السببية المستقلة و كون الشرط سبباً لوجود الجزاء علي وجه الاستقلال.

ففيه: أن استظهار ذلك من القضية إنما يكون فيما إذا لم يقصد بها مطلق طبيعة الجزاء، و أما إذا قصد بها مجرد الطبيعة الحاصلة في ضمن كل فرد من أفرادها فالقضية الشرطية المطلقة التي قصد منها سببية الشرط لمطلق وجود الطبيعة تنطبق علي المقيدة.

و بعبارةٍ اخري: في باب النذر يلاحظ نذر الناذر مع متعلق نذره، فإن تعلق نذره بالجامع و طبيعي الحج ينطبق علي حجة الإسلام قهراً، و إن كان متعلقه غير حجة الإسلام لا ينطبق عليه. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 16] من علّق نذره بأحد أمرين فتعذّر أحدهما

مسألة 16- الظاهر أنه ينعقد النذر إن تعلق بأحد الأمرين الراجحين، كنذر الحج أو الإحجاج، و كبناء المسجد أو الحسينية، أو كالصلاة أو الصوم، فالمنذور هو أحد الأمرين، و لذا لو تعذر أحدهما بعد التمكن منه وجب الإتيان بالآخر، بل إن كان أحدهما متعذراً من أول الأمر يجب عليه الإتيان بالآخر.

خلافاً للشهيد فإنه قدس سره قال في الدروس: (و لو نذر الحج بولده أو عنه لزم، فإن مات الناذر استؤجر عنه من الأصل، و لو مات الولد قبل التمكن فالأقرب السقوط) «1».

______________________________

(1)- الدروس الشرعية: 1/ 318.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 55

و الظاهر أن وجه السقوط عنده أن موت الولد موجب لعدم التمكن من أحد العدلين و هو الحج به، فيسقط النذر و يكشف عن عدم انعقاده؛ لأن متعلقه كان أحد الأمرين علي سبيل التخيير.

و فيه: أن العدل الباقي مصداق لأحدهما فيجب الإتيان به، كما أنه لو نذر التصدق بأحد الدراهم التي في يده و تلفت حتي لا يبقي له إلا درهم واحد فإنه يجب عليه

التصدق به، و كما لو ظهر كون الدراهم مغصوبة إلا درهماً واحداً.

و به يندفع ما في الجواهر «1» من الإشكال في المثال الأول بالفرق بينه و بين ما نحن فيه، فإن في مثال الحج موت الولد يكشف عن عدم التمكن من الأول، و في مثال التصدق و تلف الدراهم عدم التمكن من بعض الأفراد طارٍ بعد التمكن، فإن في المثال الثالث عدم التمكن من التصدق بالدراهم المغصوبة كان من الأول.

و علي ما ذكر فمن نذر أن يَحجَّ أو يُحِجَّ يجب أن يأتي بأحدهما علي وجه التخيير، و إن تعذر أحدهما يجب عليه الآخر، و إن تركهما حتي مات و قلنا بوجوب قضاء الحج المنذور لنفسه و كذا الإحجاج يجب القضاء مخيراً بينهما.

و أما إن قلنا بعدم وجوب قضاء ما عليه لنفسه فهل يجب الإحجاج عنه؟

الظاهر عدم الوجوب. نعم، علي القول بقضاء ما عليه لنفسه فعند التعذر يجب العدل الآخر، و إن عرض له العجز عن أحدهما و ترك الآخر حتي مات يجب القضاء عنه مخيراً، كما إذا مات و هو متمكن من الإتيان بهما، و إن كان عجزه عن أحدهما من أول الأمر يمكن أن يقال بوجوب قضاء خصوص ما كان متمكِّناً منه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 35/ 392.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 56

[مسألة 17] إذا نذر أحد الأمرين ثمّ مات قبل الوفاء

مسألة 17- قال في العروة: (إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين عليه السلام من بلده ثمّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته، و لو اختلف اجرتهما يجب الاقتصار علي أقلهما اجرة، إلا إذا تبرع الوارث بالزائد فلا يجوز للوصي اختيار الأزيد اجرةً و إن جعل الميت أمر التعيين إليه، و لو أوصي باختيار الأزيد اجرةً خرج الزائد من الثلث).

أقول: في

صورة جعل الميت التعيين إلي الوصي، له اختيار الأزيد اجرة، إلا أنه خرج الزائد من الثلث فلا وجه لحكمه بعدم الجواز مطلقاً، و في صورة جعل الميت أمر التعيين إلي الوصي، و لا فرق بينها و بين صورة الوصية باختيار الأزيد، غير أن في الصورة الثانية يجب علي الوصي اختيار الأزيد إن وفي به الثلث.

[مسألة 18] إذا تيقن بوجوب حجٍّ علي الميت و شك بين حجة الإسلام و النذر

مسألة 18- إذا علم أن علي الميت حجّاً و لم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر يكفي في قضائه عنه الإتيان به قضاءً لما في ذمته، و أما الكفارة فلا تجب عليه، للشك في حنث النذر.

لا يقال: إنه يعلم إجمالًا أن الواجب عليه إما قضاء حجة الإسلام أو قضاء حج النذر و كفارة الحنث، و مقتضي ذلك وجوب حج واحد و أداء الكفارة. «1»

فإنه يقال أولًا: إنّ وجوب الكفارة فرع العلم بالحنث، و العلم الإجمالي باشتغال ذمة الميت بحجة الإسلام أو النذر لا يستلزم العلم بالحنث، لإمكان فوته عنه

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 1/ 437.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 57

قبل التمكن منه لا عن تقصير و مسامحة.

و ثانياً: مقتضي هذا العلم وجوب قضاء الحج علي كلا التقديرين.

و بعبارةٍ اخري: العلم التفصيلي حاصل بوجوب قضاء الحج عليه، و بالنسبة إلي وجوب الكفارة يكون شكه بدوياً، فهو عالم بوجوب الحج و شاك في وجوب الكفارة.

نعم، علي القول بعدم وجوب قضاء الحج من التركة و مع العلم الإجمالي بوجوب قضاء حجة الإسلام أو كفارة حنث النذر يجب عليه الاحتياط، غير أنه حيث يتعلق بتركة الميت فلا بد لتعيين قضاء الحج أو الكفارة من الرجوع إلي القرعة، إلا أن يتبرع الورثة بكليهما.

و يمكن أن يقال: إن الوارث لا يجوز له التصرف في تركة الميت

إلا بعد أداء ديونه، و لا يحصل له العلم بذلك إلا بعد قضاء الحج و أداء الكفارة، فتأمّل.

و لو تردد ما عليه بين كفارة حنث النذر و اليمين لتردد ما عليه من الحج بين الواجب بالنذر أو بالحلف، فإن قلنا بوحدتهما و إن كفارة حنث النذر كفارة اليمين فالحكم معلوم، و إن قلنا باختلافهما و إن كفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، و إنّ كفارة النذر كفارة من أفطر في شهر رمضان فلا ريب في كفاية عتق رقبة، كما أنه يكفي إطعام ستين مسكيناً؛ لأن فيه إطعام عشرة أيضاً.

و أما القول بكون المسألة من صغريات الشك بين الأقل و الأكثر بالعلم بكون الأقل و هو إطعام عشرة مساكين مورداً للتكليف و الشك في التكليف بالأكثر فقيل فيه: (إنّ العبرة في جريان البراءة في الأقل و الأكثر كون الأقل مورداً للتكليف

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 58

و متعلقاً له بالإجمال إما بتعلق التكليف به مقيداً ببقية الأجزاء، أو مطلقاً منها بحيث لو أتي بالأقل مع الأكثر أو بدونه كان آتياً بالتكليف، فعلي هذا يكون الشك واقعاً في أن الأقل الذي هو متعلق للتكليف قطعاً هل هو مقيد بالإتيان بالأكثر، أو هو مطلق عن ذلك و ليس بشرط شي ء، فتعلق التكليف بذات الأقل معلوم و كونه مطلقاً أو مقيداً مشكوك فيه؟ فنجري البراءة في القيد الذي هو التكليف الزائد، و نقول بوجوب الإتيان بذات الأقل التي كانت متعلقة للتكليف قطعاً، و أما فيما نحن فيه فمتعلق التكليف في أحدهما غير ما هو المتعلق له في الآخر، ففي كفارة اليمين أنّ متعلق التكليف هو الجامع بين عتق رقبة

أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، و في كفارة النذر هو الجامع بين عتق رقبة و إطعام ستين مسكيناً وصوم شهرين متتابعين، فالشك فيهما شك بين المتباينين، و إن كان بحسب الخارج تقع العشرة في ضمن الستين، و العبرة في الملاك الذي تجري معه البراءة إنما هي بملاحظة نفس التكليف و متعلقه لا بملاحظة التطبيق الخارجي). «1»

أقول: ما ذكره هو الحق، فلا يكتفي بإطعام عشرة مساكين في مثل المقام.

[مسألة 19] من نذر المشي في الحج

مسألة 19- لا إشكال في انعقاد نذر المشي في الحج الواجب عليه أو المستحب إذا لم يكن الركوب أفضل.

و هو مورد التسالم و مقتضي النصوص، كصحيح رفاعة بن موسي الذي أخرجه الشيخ بإسناده الصحيح عن موسي بن القاسم عن ابن أبي عمير و صفوان

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 439.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 59

عن رفاعة بن موسي «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه، قال عليه السلام: فليمش، قال: قلت: فإنه تعب، قال عليه السلام: فإذا تعب ركب». «2»

و خبر سماعة «3» و حفص «4» الذي رواه عنهما أحمد بن محمد بن عيسي في نوادره، قالا: «سألنا أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه حافياً قال عليه السلام: فليمش، فإذا تعب فليركب». و عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام مثل ذلك «5».

فلا ينبغي الإشكال فيه، مضافاً إلي عمومات الصحة لكون المشي راجحاً فينعقد نذره، غير أن ذلك معارض بما رواه الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء «6» قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي

إلي مكة حافياً، فقال عليه السلام: إن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم خرج حاجّاً فنظر إلي امرأة تمشي بين الإبل، فقال: من هذه؟ فقالوا: اخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلي مكة حافية، فقال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم: يا عقبة انطلق إلي اختك فمرها فلتركب، فإن اللّٰه غني عن مشيها و حفاها، قال: فركبت» «7».

وجه المعارضة: أنه و إن كان يمكن رفع التعارض بين تلك الروايات و ما في

______________________________

(1)- من حسن الطريقة، لا يعترض عليه بشي ء من الغمر … ثقة الطبقة الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج ح 1.

(3)- في المصدر: رفاعة.

(4)- أما رفاعة فقد عرفت، و سماعة فهو ابن مهران، ثقة واقفي من الخامسة. و حفص مشترك بين جماعة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج ح 1.

(6)- زياد بن عيسي و قيل: ابن رجاء، أو أبي رجاء منذر، ثقة صحيح، من الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 60

هذه الرواية من حكاية اخت عقبة بن عامر بحملها علي صورة وقوعها في التعب، كما ربما يدل عليه مشيها بين الإبل، و هذا موافق لما في رواية رفاعة و غيرها، إلا أن حكايتها وقعت في جواب سؤال أبي عبيدة عنه عليه السلام عن نذر المشي حافياً إلي مكة، و السؤال مطلق ليس فيه وقوع الناذر في التعب و المشقة، و الإمام عليه السلام أجاب عنه بهذه الحكاية، فلو لم يكن المشي و الحفاء مرجوحين مطلقاً لا يكون نقل هذه الحكاية جواباً عن السؤال.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ السؤال أيضاً كان راجعاً

إلي صورة وقوع الناذر في التعب، و ذلك مفهوم من السؤال بقرينة الحال، فإن رجحان المشي إلي مكة لم يكن مما لم يعلم به مثل أبي عبيدة، بل كان رجحانه و استحبابه معلوماً علي جميع الناس، و مثله انعقاد النذر عليه، و إنما السائل أراد السؤال عن صورة وقوع الناذر في التعب و المشقة فأجابه الإمام عليه السلام بهذه الحكاية.

فإن كان المراد من الرواية هذا فهو، و إلّا فهي بظاهرها لم يعمل بها، و لمخالفتها لسيرة المسلمين خلفاً عن سلفٍ و لسائر الروايات.

هذا كله فيما إذا لم يكن الركوب أفضل، و أما إذا كان الركوب أفضل لجهة كزيادة نفقته فالظاهر أن فيه أيضاً ينعقد نذره لرجحان المشي إلي الحج بنفسه، فلا يضر لذلك أرجحية غيره عليه، كما إذا نذر إكرام زيد المؤمن فإنه ينعقد و إن كان إكرام عمرو المؤمن العالم أفضل.

ثمّ إنه قال في العروة: (و كذا ينعقد لو نذر الحج ماشياً مطلقاً، و لو مع الإغماض عن رجحان المشي لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد).

و قال في المستمسك: (الإجماع بقسميه عليه، كما في الجواهر، و في المعتبر: عليه

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 61

اتفاق العلماء، و تقتضيه عمومات صحة النذر و نفوذها). «1»

أقول: أما عدم الخلاف و الإجماع فقد قال في الجواهر: (الثالثة: إذا نذر الحج ماشياً وجب في الجملة بلا خلاف أجده فيه، بل لعل الإجماع بقسميه عليه) «2».

فتري أن ما ادعي عليه الإجماع بقسميه ليس نذر الحج ماشياً مطلقاً، بل في الجملة، فقد حكي عن أيمان القواعد: (لو نذر الحج ماشياً و قلنا: المشي أفضل انعقد الوصف، و إلّا فلا)، و قال: (و في محكي إيضاح ولده: انعقد أصل النذر إجماعاً، و

هل يلزم القيد مع القدرة؟ فيه قولان مبنيان علي أن المشي أفضل من الركوب أو العكس).

و أما عمومات صحة النذر و نفوذها فالاستدلال بها متوقف علي رجحان المشي مطلقاً، أو في صورة عدم كون الركوب أفضل، إلا أنه يتم الاستدلال بها برجحان الحج ماشياً و إن كان غيره أرجح منه.

و قال في الجواهر: (و ذلك كافٍ في انعقاده، إذ لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه، فلا وجه حينئذٍ لدعوي عدم الانعقاد علي هذا التقدير أيضاً) «3».

قال بعض الأعلام في شرح قول المحقق قدس سرهما: (إذا نذر الحج ماشياً وجب عليه، و يقوم في مواضع العبور، فإن ركب قضي): (لا خلاف في انعقاد النذر و وجوب الحج، لعموم أدلة وجوب الوفاء بالنذر، و إنما الإشكال في لزوم الوصف، فإن قلنا بأن المشي أفضل من الركوب فلا إشكال أيضاً في لزوم الوصف. و إن قلنا بأن الركوب أفضل فلا يلزم الوصف. كذا حكي عن الإيضاح. و استشكل عليه: بأن

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 10/ 352.

(2)- جواهر الكلام: 17/ 349.

(3)- جواهر الكلام: 17/ 349.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 62

المنذور الحج علي هذا الوجه، و لا ريب في رجحانه و إن كان غيره أرجح منه، و ذلك كافٍ في انعقاد النذر. و فيه نظر، لأن نفس الحج لا إشكال في رجحانه، أما كونه راجحاً مع وصف المشي بحيث يسري الرجحان إلي هذه الجهة مع رجحان الركوب كيف يتصور؟ و المفروض أنه تعلق النذر بالخاص، فمع الالتزام باعتبار رجحان متعلق النذر بتمامه كيف يكون الناذر ملزماً بالوفاء؟ ثمّ إنه مع قطع النظر عن عدم الخلاف في لزوم أصل الحج يقع الإشكال من جهة اخري، و هي: أنه إذا

وقع الإلزام و الالتزام علي كلّيٍّ موصوفٍ بوصفٍ خاصٍّ يعد الغير الموصوف مبايناً لذاك، فإذا وقع البيع مثلًا علي متاع موصوف بوصف ففاقد الوصف يعد عرفاً مبايناً للمبيع، و هذا بخلاف ما لو وقع البيع علي عين شخصية موصوفة بوصف خاص فلا يعدّ مباينةً، غاية الأمر للمشتري خيار تخلف الوصف. فنقول في المقام: إذا تعلق النذر بالحج ماشياً، و قلنا بعدم رجحان المشي، و الحج راكباً مباين للحج ماشياً كيف يكون الناذر ملزماً بنفس الحج و لو بإتيانه راكباً؟ إلا أن يقال: غاية الأمر لزوم الحج ماشياً لا لزوم الوصف بالنذر، بل للزوم الموصوف بذاته و كون ما أتي به وفاءً للنذر، فتأمل) «1».

أقول أولًا: إنّ دعوي عدم الخلاف في انعقاد النذر و وجوب الحج مطلقاً سواء قلنا بلزوم الوصف أو عدمه محل مناقشة، لوجود القول بعدم انعقاد النذر إذا كان الركوب أفضل، فلا يجب الحج قبالًا لقول صاحب الإيضاح، فإنه اختار وجوب الحج و عدم لزوم الوصف.

و ثانياً: يرد علي ما أورده علي الجواب الذي اجيب به عن صاحب الإيضاح: أنه لا ينبغي الترديد في رجحان كل فرد من أفراد الكلي الراجح، حيث

______________________________

(1)- جامع المدارك: 2/ 300.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 63

إنه لا يتحقق إلا في ضمن أفراده، و كل فرد منه مصداقه، و يصدق الكلي عليه بما هو عليه من المشخصات، فالحج ماشياً فرد من الحج، كما أن الحج راكباً فرده الآخر، و كل منهما مطلوب و راجح.

و هذا مثل ما أفاده سيدنا الاستاذ الأعظم قدس سره في مجلس حصل له اللقاء مع شيخ الطائفة الميرزا الشيرازي (الميرزا محمد تقي قدس سره)، فإنه كان يستشكل في إتيان المستحبّات بقصد كونها جزءاً من الصلاة

كأجزائها الواجبة، فأفاد سيدنا الاستاذ:

(بأن الصلاة لها أفراد متعددة متكثرة بعضها واجد لبعض المستحبات أو كلها، و بعضها فاقد لها كذلك، كما أن صلاة العشاء الثنائية فرد لها إذا كان المصلي مسافراً، أو رباعيتها فرد لها إذا كان حاضراً، و كما أن كلًّا من ثنائيتها و رباعيتها فرد منها إذا كان هو مشرفاً بالحضور في الحائر- زاد اللّٰه تعالي في شرفه، و رزقنا اللّٰه تعالي زيارته- فالمكلف يجب عليه علي سبيل التخيير العقلي في مثل ما نحن فيه، و علي سبيل التخيير الشرعي في مثل الصلاة و أفرادها المشتملة علي المستحبات و غيرها الإتيان بأحد الأفراد، فكل واحد من الأفراد و كل حج من أفراد الحج جالساً وقع أم راكباً أم من الميقات الكذائي مثلًا أو غيره و و … فرد من أفراد الحج يأتي بها المكلف بقصد القربة و امتثال أمر الحج، فكل منها راجح في نفسه ينعقد النذر المتعلق به).

و أما ما أفاده من الإشكال علي القول بوجوب الموصوف دون الوصف فهو تام في محله، غير أن ما أفاده أخيراً و كأنه صار في مقام تصحيح هذا القول أو إبداء وجهٍ له فليس بتام، فإنه قدس سره قال: (إلا أن يقال: غاية الأمر لزوم الحج ماشياً لا لزوم الوصف بالنذر، بل للزوم الموصوف بذاته، و كون ما أتي به وفاءً للنذر، فتأمّل).

و لعله تفطن بما يرد علي كلامه فأمر بالتأمل، فإن علي هذا كما يكون الحج

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 64

ماشياً وفاءً للنذر يكون راكباً أيضاً وفاءً له. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 20] من نذر الحج راكباً

مسألة 20- قال في العروة: (لو نذر الحج راكباً انعقد و وجب، و لا يجوز حينئذٍ المشي و إن كان أفضل،

لما مرّ من كفاية رجحان المقيد دون قيده … ).

أقول: نذر الحج راكباً مطلقاً أو في سنة خاصة أو في حجة الإسلام ينعقد لما ذكر، أما عدم جواز المشي فهو يدور مدار تحقق الحنث به، فإذا نذر حجّاً راكباً يجوز له الحج ماشياً ما دام بقاء تمكنه للحج راكباً، و إذا نذر حجة الإسلام راكباً فما دام لم يستطع لها يجوز له الحج ماشياً، و بعد الاستطاعة لا يجوز له المشي، كما أنه إن نذر ذلك في سنة معينة لا يجوز له المشي، و لكن هل يتحقق الحنث، بمجرد المشي، فإذا مشي بعد الإحرام تحقّق الحنث أو ذلك بعدم إمكان التدارك و الرجوع إلي المكان الأول و الركوب؟

الظاهر أنه لا يتحقق الحنث بذلك فيرجع و يحج ماشياً، و كذلك إذا طاف أو سعي ماشياً هل يتحقق الحنث به، أو يدور ذلك مدار عدم تمكنه من الطواف و السعي راكباً، غاية الأمر أن طوافه و كذلك سعيه باطل لا يترتب عليه الأثر؟ و بالجملة:

فإطلاق القول بعدم جواز المشي علي الناذر لا يخلو من إشكال.

و قال: (نعم، لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد، لأن المتعلق حينئذٍ الركوب لا الحج راكباً، و كذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين، و كذا ينعقد لو نذر الحج حافياً. و ما في صحيحة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 65

الحذّاء من أمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم بركوب اخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلي بيت اللّٰه حافية قضية في واقعة، يمكن أن يكون لمانع من صحة نذرها، من إيجابه كشفها، أو تضررها،

أو غير ذلك).

أقول: لا إشكال حسب القاعدة في انعقاد نذر الحج حافياً، لأنه من أفراد الحج و من مصاديقه، كنذر الحج ماشياً أو راكباً، غير أنه ربما يستشهد بصحيحة الحذاء علي عدم رجحانه، و عدم انعقاد النذر عليه، فإنها تدل علي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أمر اخت عقبة الناذرة أن تمشي إلي مكة حافية بالركوب، و قال: «إن اللّٰه غني عن مشيها و حفاها». «1»

و فيه أولًا: أن متعلق النذر في الرواية في سؤال السائل و جواب الإمام عليه السلام عنه بواقعة اخت عقبة ليس الحج حافياً، بل هو المشي حافياً، و عدم انعقاد النذر عليه أعم من عدم انعقاد نذر الحج حافياً.

و ثانياً: في مورده- أي نذر الحفاء في الحج- معارض بصحيحة رفاعة و حفص، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه حافياً، قال عليه السلام: فليمش فإذا تعب فليركب». «2»

و بعد التعارض- لو لم نقل بترجيح صحيحة رفاعة و حفص- المرجع هو عموم وجوب الوفاء بالنذر، كما أفاده بعض الأعلام «3»، إلا أنه يمكن أن يقال: إذا تساقطت الصحيحتان عن الحجية فجواز الرجوع إلي عمومات الوفاء بالنذر فرع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: كتاب النذر و العهد ب 8 ح 2.

(3)- راجع معتمد العروة: 1/ 445.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 66

ثبوت رجحان الحفاء، و التمسك بالعموم المذكور مع التمسك في رجحان المشي حافياً يكون من التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية.

اللهم إلا أن يدعي أن المشي حافياً رجحانه مغروس في أذهان المسلمين، و هو من أظهر علائم التذلل للّٰه تعالي، فليحمل صحيحة

الحذاء علي بعض المحامل التي سبقت الإشارة إليها. و اللّٰه العالم.

[مسألة 21] يشترط في انعقاد النذر تمكن الناذر من فعل المنذور

مسألة 21- لا ريب في أنه يشترط في انعقاد النذر تمكن الناذر من الإتيان بالنذر و كونه مقدوراً له، فإذا كان عاجزاً عن ذلك لا ينعقد، سواء كان متعلقه الحج أو غيره من الامور الراجحة، و كذا إذا كان متعلقه موجباً للتضرر النفسي المعتد به و إن لم يكن موجباً للهلاك.

لحرمته شرعاً و عقلًا علي ما هو الظاهر من المتشرعة و مغروسية ذلك في أذهانهم، خلافاً لبعض الأعلام المعاصرين، حيث إن الظاهر منه قدس سره عدم حرمة الإضرار بالنفس إذا كان غير مؤدٍّ إلي الهلاك، فعلي هذا يكون وزان الضرر غير المؤدي إلي الهلاك وزان الحرج «1».

و الظاهر عدم الإشكال في انعقاد النذر بالأمر الراجح الحرجي إذا كان مستحباً، فإن أدلة نفي الحرج لا تشمل المستحبات، لعدم إلزام من الشارع علي إتيان المكلف بها، و وجوبها بالنذر إلزام منه علي نفسه لا تشمله أدلة نفي الحرج، و علي هذا فلا مانع من انعقاد نذر الحج المستحب ماشياً إذا كان حرجياً، و هكذا الحكم في

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 10/ 356.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 67

الحج الواجب، فإن المشي في الحج مستحب، و الإتيان بالمستحب الحرجي يجوز، بل فيه مزيد الأجر و الثواب، لأن «أفضل الأعمال أحمزها»، و إذا صار متعلقاً للنذر تشمله أدلة الوفاء؛ لأن الناذر ألزم ذلك علي نفسه، و رفعه عنه ليس الامتنان عليه، فعلي هذا لا تصل النوبة إلي الاستدلال بأنّ رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة، كما أفاده في العروة و قرره كثير من المحشين عليه.

هذا كله إذا كان عالماً بكون المنذور حرجياً حين النذر، و أما إذا عرض الحرج بعد

ذلك فالظاهر سقوط الوجوب به، و الكلام في الضرر غير المهلك- إذا قلنا بعدم حرمته- هو الكلام الذي سمعته في الحرج.

[مسألة 22] مبدأ وجوب المشي أو الحفاء أو الركوب

مسألة 22- مبدأ وجوب المشي أو الحفاء بل و الركوب إذا كان معيناً عند الناذر، فلا ريب في أنه هو المتعين، و إن نسيه أو لم يعينه في قصده فالظاهر أنه يجزيه ما يصدق به الحج ماشياً أو حافياً أو راكباً، و هو يتحقق بالمشي أو الحفاء أو الركوب من أول المناسك و الأعمال، و هكذا الحال إن شك فيما قصده.

غير أن الظاهر أنه يبني علي ما يراد من اللفظ بحسب العرف، فلو قال: «للّٰه عليّ أن أحج ماشياً» يمشي من أول الأعمال، و إن قال: «للّٰه علي أن أمشي إلي بيت اللّٰه» يمشي من أول ما يريد الذهاب إلي مكة من أي بلد كان، و لا اعتداد بخصوص بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين إلي الميقات.

هذا بحسب المبدأ، و أما بحسب المنتهي فإن عين أيضاً مكاناً خاصاً فهو، و إلا فهل يجب عليه المشي إلي تمام الأعمال حتي طواف النساء، أو أن منتهاه مع عدم

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 68

التعيين رمي الجمار؟

و يدل عليه صحيح جميل، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا حججت ماشياً و رميت الجمرة فقد انقطع المشي» «1»

و في صحيح إسماعيل بن همام، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام في الذي عليه المشي في الحج: إذا رمي الجمرة زار البيت راكباً و ليس عليه شي ء». «2»

و صحيح الحلبي: أنه «سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الماشي متي ينقضي مشيه؟

قال عليه السلام: إذا رمي الجمرة و أراد الرجوع فليرجع راكباً فقد

انقضي مشيه، و إن مشي فلا بأس» «3»

و أما خبر يونس بن يعقوب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: متي ينقطع مشي الماشي؟ قال عليه السلام: إذا أفضت من عرفات» «4».

فالظاهر أنه غير معمول به في مورد من كان وجب عليه المشي بنذر و شبهه، و يمكن حمله علي المتطوع بالمشي و عدم وجوبه عليه.

هذا، و لكن استشكل في الاستدلال علي انتهاء المشي برمي الجمار بأنه لم يذكر في صحيحي جميل و ابن همام رمي الجمار، و ما هو المذكور فيهما رمي الجمرة و هي تنطبق علي العقبة و غيرها. نعم، في خبر علي بن أبي حمزة «رمي جمرة العقبة» إلا أنه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج ح 5.

(4)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 69

ضعيف السند به. «1»

و فيه أولًا: أن في بعض النسخ من الكافي في رواية ابن همام: «رمي الجمار».

و ثانياً: هذه الجملة: «رميت الجمرة و رمي الجمرة» ظاهرة في تمام الرمي برمي العقبة الثانية، و علي فرض الإجمال يتم القول بانتهائه برمي الجمار باستصحاب وجوب المشي إلي تمام رمي الجمار.

[مسألة 23] ركوب الطائرة أو السفينة لمن نذر الحج ماشياً

مسألة 23- لا يجوز لمن نذر الحج ماشياً أو المشي في حجه أن يركب الطائرة أو السفينة، لمنافاته لنذره، كما إذا نذر ذلك في سنة معينة أو في حجة الإسلام.

و لو اضطر إلي الركوب أو عجز عن المشي سقط وجوب الوفاء لكشف ذلك عن عدم انعقاد النذر، فإن كان الحج الذي نذر الإتيان به ماشياً

واجباً عليه لا من جهة هذا النذر بل من جهة نذر آخر مثلًا، أو كونه حجة الإسلام يأتي به راكباً، و إلّا فليس عليه شي ء.

و إن كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فهل يسقط به وجوب الوفاء و يكشف به عدم انعقاد نذره، لكونه علي سبيل العام المجموعي لا الاستغراقي حتي ينحل نذره بنذور كثيرة، أو أنه ينعقد النذر و يجوز له الركوب لمثل هذا العبور؟

و هذا هو الظاهر من تعلق النذر بالمشي لاقتضاء الطريق ذلك عادة.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 450.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 70

و هل يجب عليه القيام في العبور علي المركب، أم لا؟

حكي عن المشهور أنه يقوم عليه أو فيه، لخبر السكوني الذي رواه المشايخ الثلاثة.

و لفظ الكليني: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن رجل نذر أن يمشي إلي البيت، فمر بمعبر، قال: فليقم في المعبر قائماً حتي يجوز» «1».

و ضعف الخبر أولًا: بالسكوني، و هو إسماعيل بن أبي زياد السكوني الشعيري، له كتاب، روي عنه النوفلي، كان عامياً من الخامسة، كان قاضياً في الموصل، روي عنه في الكافي أكثر من ثلاثمائة حديث، قال بعض الأعاظم قدس سره بأنه موثق «2» و لم يذكر موثِّقه، و حكي عن عدة الشيخ إجماع الإمامية علي العمل بروايته و تصديق نقله «3».

و ثانياً: بالحسين بن يزيد بن محمد بن عبد الملك النوفلي النخعي الكوفي، الأديب الشاعر، الذي لعله كان من السادسة، و وثّقه بعض الأعاظم؛ لأنه من رجال كامل الزيارات «4». و لكنه عدل بعد ذلك عن التوثيق بكون الراوي من رجال كامل

الزيارات.

و لكن الظاهر كون الخبر معتبراً لاعتماد الكليني علي الرجلين في أكثر من ألف حديث، و لعمل المشهور به كما نص عليه السيد البروجردي قدس سره. فالأقوي وجوب

______________________________

(1)- الكافي: 7/ 455 باب النذور.

(2)- معتمد العروة: 1/ 452.

(3)- معجم رجال الحديث: 3/ 106.

(4)- معتمد العروة: 1/ 452.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 71

القيام في المعبر.

[مسألة 24] إذا خالف نذره فحج راكباً

مسألة 24- إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكباً فإن كان المنذور الحج ماشياً من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإتيان به في السنين المقبلة و لا كفارة عليه، و صح ما أتي به إذا أتي به بنية الحج لا بقصد الوفاء بالنذر، و إن أتي به بقصد الوفاء ففي صحته إشكال؛ لأنه لم يقصد الأمر المتوجه إلي ما أتي به، و الأمر الذي قصده لم يتعلق بما أتي به، فما قصده ليس ما أتي به و ما أتي به ليس ما قصده.

إن قلت: فما تقول إن أتي بالحج ماشياً ناوياً الوفاء بالنذر ثمّ انكشف عدم انعقاد نذره، فهل يحكم بفساد حجه أو صحته؟

قلت: الحكم بالصحة هنا أيضاً مشكل إلا أن يدل عليها دليل بالخصوص، أو يقال باستفادة ذلك من مثل الحكم بصحة الصيام أياماً بقصد الكفارة ثمّ ترك التتابع، فإن ذلك لا يبطل ما أتي به من الصيام، أو ممّا دل علي صحة عمل الأجير إذا خالف الإجارة، أو ينوي الوفاء بما يأتي به من الحج بقصد امتثال أمره الخاص.

و إن كان المنذور الحج ماشياً في سنة معينة فخالف و أتي به راكباً فلا ريب في أنه عليه الكفارة لتحقق الحنث بذلك، و أما القضاء فيجب أيضاً علي ما قويناه سابقاً.

و أما صحته فهي أيضاً تدور مدار قصده، فإن أتي

به بقصد ما هو مأمور به من غير جهة النذر من الحج الواجب أو المستحب فالظاهر صحته، و إلّا فإن أتي به بقصد الوفاء بالنذر فالكلام في صحتها و عدمها هو الكلام الذي مر في الصورة الاولي. و إذا كان المنذور المشي في حج معين فالظاهر صحة حجه، غير أنه يجب

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 72

عليه الكفارة، و لكن ليس عليه القضاء لفوات محل النذر.

[مسألة 25] لو نذر المشي فركب بعض الطريق

مسألة 25- لو ركب ناذر المشي بعضاً و مشي بعضاً فهل عليه أن يقضي و يمشي موضع ركوبه، أو يقضيه ماشياً، أو يفصل، فإن وقع الركوب بعد التلبس بالحج يقضيه ماشياً بخلاف ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج مع تعلق النذر بالمشي من البلد فيكفي التلفيق؟ وجوه أو أقوال.

و الأول منقول عن الشيخين و جماعة. و الثاني منقول عن ابن إدريس «1». و في الشرائع: أنه أشبه «2» و الثالث ما يظهر من المدارك «3».

وجه القول الأول علي ما حكي عن المختلف: أن الواجب عليه قطع المسافة ماشياً و قد حصل بالتلفيق فيخرج عن العهدة، إذ هو إنما نذر حجّاً يكون بعد المشي في جميع طريقه و قد حصل، و لأنه أخل بالمنذور فيما ركب فيه فيقضيه.

و فيه ما لا يخفي: فإن الواجب عليه كان قطع المسافة في حج واحد لا في الحجين أو الحجج المتعددة، كما أجاب عنه في المختلف «4» بالمنع من حصوله- أي المنذور- مع التلفيق، و لعله واضح، إذ لا يصدق عليه أنه حج ماشياً.

و وجه القول الثالث: أنه لا يصدق علي من ركب في جزء من الطريق بعد التلبس بالحج أنه حج ماشياً، بخلاف ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج مع تعلق

______________________________

(1)- السرائر:

1/ 518.

(2)- شرايع الإسلام: 3/ 752.

(3)- مدارك الأحكام: 7/ 105.

(4)- مختلف الشيعة: 1/ 323.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 73

النذر بالمشي من البلد؛ لأن الواجب قطع تلك المسافة في حال المشي و إن فعل في أوقات متعددة و هو يحصل بالتلفيق، إلا أن يكون المقصود قطعها في عام الحج.

و فيه أيضاً ما لا يخفي: فإن المنذور هو قطع تلك المسافة في حج واحد لا في الحجج المتعددة.

و بعد ذلك يبقي القول الثاني و هو الصحيح الموافق للقاعدة، لأنه أخل بالصفة المشترطة، و لا يصدق الوفاء بالنذر بدونها، ضرورة كون المنذور المشي إلي الحج في جميع طريقه، فلو لم يأتِ به كذلك يجب عليه القضاء و الكفارة أو الإتيان به في السنين المقبلة.

ثمّ إنّه قد تعرّض هنا في الجواهر لروايةٍ فقال: (و علي كل حالٍ فما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد بن عباد بن عبد اللّه البصري سأل الكاظم عليه السلام عن رجل جعل للّٰه نذراً علي نفسه المشي إلي بيت اللّٰه الحرام فمشي نصف الطريق أو أقل أو أكثر، قال عليه السلام: «ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فليتصدق به» لا بد من حمله علي استحباب ذلك للعاجز). «1»

أقول: قد روي هذا الحديث الشيخ قدس سره في كتابيه: بإسناده عن الصفار «2» عن إبراهيم بن هاشم عن عبد الرحمن بن حماد «3» عن إبراهيم بن عبد الحميد «4» عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «سأله عباد بن عبد اللّه البصري عن رجل جعل للّٰه عليه نذراً

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 353.

(2)- محمد بن الحسن بن فروخ، أبو جعفر الأعرج من الثامنة، كان وجهاً في أصحابنا القميين، ثقة عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية (المتوفي

بقم سنة 290).

(3)- له كتاب، روي عنه البرقي كأنه من السادسة.

(4)- ثقة له أصل من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 74

علي نفسه المشي إلي بيت اللّٰه الحرام فمشي نصف الطريق أو أقل أو أكثر؟ فقال عليه السلام:

ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به». «1»

و أما دلالته فالظاهر أن الجواهر استظهر منه و لو بالإطلاق أنه يجوز أن يمشي بعضاً و يركب بعضاً بالاختيار و لا قضاء عليه، غير أنه ينفق من ذلك الموضع و يتصدق به، فهو بهذا المعني متروك مهجور، و لذا قال: (لا بد من حمله علي استحباب ذلك للعاجز).

و لكن بعض الأعاظم قدس سره حكم أولًا باعتبار الرواية و قال: (قد ذكرنا مراراً و كراراً أن العبرة باعتبار الرواية، و لا يضر هجرها، و الرواية معتبرة، و رجال السند كلهم ثقات، حتي عبد الرحمن بن حماد فإنه من رجال كامل الزيارات- ثمّ قال: - و الصحيح أن يقال: إن الرواية لا تدل علي ما قيل من عدم وجوب الإتمام و جواز الترك اختياراً و الاكتفاء بالتصدق، بل الظاهر أنها نظير الرواية التي دلت علي وجوب صرف جمله و نفقة حجه و زاده في الإحجاج عن مالك هذه الامور إذا مات في بعض الطريق.

و الفرق أن مورد تلك الرواية فيما له جمل و مورد روايتنا هذه ما لا جمل له، و بالجملة: المستفاد من الرواية أنه لو مات الناذر في بعض الطريق يتصدق بنفقته، و لا تدل علي جواز ترك الحج اختياراً بمجرد المشي في بعض الطريق و التصدق بنفقة الحج. و يدل علي ذلك قوله: «ينظر» فإنه ظاهر في أن المتصدق غير الناذر، فالمراد أن الناذر مات و ينظر شخص

آخر في نفقته، و إلّا لو كان المراد وجوب التصدق علي نفس الناذر يقال: يتصدق بنفقته. و علي كل حال لا دلالة للرواية علي مخالفة النذر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 21 من أبواب النذور ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 75

في مورد السؤال). «1»

أقول: أما ما استظهره من الرواية فالظاهر أنه أظهر مما حملها عليه الجواهر، و علي كل حال فكما أفاد قدس سره لا ربط للرواية بمسألتنا هذه، و أما ضعف سندها بعبد الرحمن بن حماد لا يرتفع بما أفاد بعد عدوله بنفسه عما بني عليه من وثاقة رجال كامل الزيارات، فالرواية ضعيفة السند لم يثبت من أحد أنه عمل بها في صورة عجز الناذر أو موته. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 26] العجز عن المشي بعد التمكن منه

مسألة 26- إذا عجز عن المشي بعد انعقاد نذره بتمكنه منه لا ريب في سقوطه عنه إذا لم يتوقع القدرة عليه بعد ذلك، و هل يجب عليه حينئذٍ الركوب؟

و مضافاً إليٰ ذلك هل يجب سوق الهدي، أو يفصّل بين ما إذا عجز بعد الإحرام فإنه يجب عليه الإتمام لقوله تعالي: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» و سوق الهدي لما نذكره من السنة، و بين ما إذا عجز قبل الإحرام فلا يجب عليه راكباً أيضاً إلا بدليل خاص لعدم تعلق نذره به و عدم كونه قضاءً له؟

يمكن أن يستدل لكل ذلك بصحيح الحلبي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه و عجز عن المشي (ان يمشي) قال: فليركب و ليسق بدنة فإن ذلك يجزي عنه إذا عرف اللّٰه منه الجهد». «2»

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 459.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

فقه

الحج (للصافي)، ج 2، ص: 76

و إطلاقه يشمل قبل الشروع في الحج و بعده، و قبل الإحرام و بعده.

و مثله صحيح ذريح المحاربي- و إن كان السؤال فيه عن اليمين إلّا أن الظاهر اتحاد حكم اليمين و النذر في مثل ذلك إما لكون المراد من اليمين معناه الأعم منه و من النذر أو بإلغاء الخصوصية- قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل حلف ليحجّنّ ماشياً فعجز عن ذلك فلم يطقه؟ قال: فليركب و ليسق الهدي». «1»

إلا أنه يعارضهما في سوق الهدي صحيح رفاعة بن موسي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه، قال: فليمش، قلت: فإنه تعب، قال: فإذا تعب ركب». «2» و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: «سألته عن رجل جعل عليه مشياً إلي بيت اللّٰه فلم يستطع؟ قال: يحج راكباً». «3»

و قريب منهما خبر سماعة و حفص قالا: «سألنا أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه حافياً؟ قال: فليمشِ، فإذا تعب فليركب». «4»

وجه التعارض: سكوت هذه الروايات عن سوق الهدي مع كونها في مقام البيان، فليحمل الصحيحان المذكوران علي الاستحباب.

و فيه: أنّ السكوت في مقام البيان و إن كان ظاهراً في عدم الوجوب إلا أنه لا يزيد علي الإطلاق اللفظي، و هو لا ينافي التقييد بدليل آخر، فكيف بالسكوت؟

فالظهور اللفظي بلغ ما بلغ من القوة قابل للتقييد، نظير قوله عليه السلام: «لا يضر الصائم ما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34، من أبواب، وجوب الحج و شرائطه، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34، من أبواب، وجوب الحج و شرائطه، ح 1.

(3)- وسائل: ب 8 من أبواب وجوب

الحج و شرائطه ح 9.

(4)- وسائل: باب 34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 77

صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» «1» مع ورود التقييد علي ذلك بسائر المفطرات، فمقتضي القاعدة هو الالتزام بالتقييد و العمل بالصحيحين، و لا إجماع علي الخلاف. «2»

و يمكن أن يستدل للحمل المذكور (استحباب سوق الهدي) بما رواه الحلي في آخر السرائر نقلًا عن نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن عنبسة بن مصعب قال: «قلت له (يعني لأبي عبد اللّه عليه السلام): اشتكي ابن لي فجعلت للّٰه عليَّ إن هو برئ أن أخرج إلي مكة ماشياً، و خرجت أمشي حتي انتهيت إلي العقبة فلم أستطع أن أخطو، فركبت تلك الليلة حتي إذا أصبحت مشيت حتي بلغت، فهل عليَّ شي ء؟

قال: فقال لي: اذبح فهو أحب إليَّ، قال: قلت له: أي شي ءٍ (أ شي ء) هو إليّ لازم أم ليس لي بلازم؟ قال: «من جعل للّٰه علي نفسه شيئاً فبلغ فيه مجهوده فلا شي ء عليه، و كان اللّٰه أعذر لعبده». «3»

و هذا الحديث صريح في عدم وجوب الهدي، و الصحيحان ظاهران في الوجوب، و مقتضي الجمع بينهما و بين هذا الخبر حملهما علي الاستحباب.

و روي الشيخ قدس سره في كتابيه هذا الحديث عن عنبسة بسند و لفظ آخر، فرواه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، عن عنبسة بن مصعب قال: «نذرت في ابن لي إن عافاه اللّٰه أن أحج ماشياً فمشيت حتي بلغت العقبة، فاشتكيت فركبت، ثمّ وجدت راحة فمشيت، فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك فقال عليه السلام: إني

احب إن كنت موسراً أن تذبح بقرة، فقلت: معي نفقة و لو شئت أن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1.

(2)- معتمد العروة: 1/ 463.

(3)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 78

أذبح لفعلت (و عليَّ دين)، فقال: إني احب إن كنت موسراً أن تذبح بقرة، فقلت:

أ شي ء واجب أفعله؟ فقال عليه السلام: لا، من جعل للّٰه شيئاً فبلغ جهده فليس عليه شي ء». «1»

و لكن ضعف هذا الخبر بعنبسة، فإنه علي ما حكي عن الكشي عن حمدويه (و الظاهر أنه حمدويه بن نصير بن شاهي موصوف بأنه عديم النظير في زمانه، كثير العلم و الرواية، ثقة حسن المذهب) ناووسي واقفي.

و لكن صرح بصحة الحديث بهذا السند بعض الأعاظم؛ لأن عنبسة ثقة لكونه من رجال كامل الزيارات. «2»

أقول: أما توثيق عنبسة بما ذكر ففيه ما ذكر: أن المنقول منه العدول عن هذا البناء، و اختصاصه تصحيح خصوص هذا السند دون ما نقله الحلي عن نوادر أحمد ابن محمد البزنطي لعله لجهالة إسناده إلي البزنطي، غير أن الظاهر أن كتابه كان موجوداً عند الحلي و أخرج الحديث علي طريق الوجادة، و عندي أن ذلك يكفي في الاعتماد علي الحديث.

و أما عنبسة فقد قال صاحب الجواهر: (و خبر عنبسة من قسم الموثق الذي هو حجة عندنا) «3»، و لعلّ ذلك كان سبباً لاعتماد جمعٍ من الأكابر عليه، سيما مع كون مثل البزنطي هو الراوي عنه. و مما يدل علي اعتبار السند هو رواية الكليني في الكافي و للشيخ- في كتابيه- ما يدل علي اعتماد مثل جميل بن دراج علي روايته و تعبيره عنه و

عن سورة بن كليب: «قد روي بعض أصحابنا»، فكل ذلك يكفي في الاعتماد علي هذا الحديث.

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 8/ 313.

(2)- معتمد العروة: 1/ 464.

(3)- جواهر الكلام: 17/ 355.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 79

و هل يجب عليه الحج راكباً إذا عجز عن المشي قبل انعقاد نذره بالتمكن من المشي؟ الظاهر أن نذره إن كان مقيداً بسنة معينة لا شي ء عليه لا الحج راكباً و لا سياق الهدي، و إطلاق الروايات منصرف عن ذلك، و إلا فإن أخذنا بإطلاق الروايات بهذه الصورة يجب أن نقول بجوازه راكباً و إن كان نذره مطلقاً غير مقيد بسنة معينة.

و لكن الظاهر أنه لو لم يكن مقيداً بسنة معينة ينظر حصول التمكن، فإن حصل له يجب عليه الوفاء بالنذر.

هذا إذا كان العجز قد طرأ قبل الشروع، و إن شرع بالحج برجاء التمكن و طرأ بعده العجز فهل يكشف ذلك أيضاً عن عدم انعقاد النذر إذا كان مقيداً بسنة معينة، أو يستفاد من إطلاق هذه الأخبار وجوب إتمام الحج راكباً، بل و كذا إذا لم يكن مقيداً بسنة معينة و شرع في الحج يجب عليه الركوب و يجزيه عن نذره فلا ينتظر التمكن من المشي؟

يمكن أن يقال بشمول الروايات لهذه الصورة، خصوصاً رواية رفاعة و محمد بن مسلم لو لم نقل بكون رواية رفاعة نصاً فيها، من غير فرق بين المقيد بسنة معينة و غيره.

[مسألة 27] المراد من العجز عن المشي

مسألة 27- الظاهر أنه و إن كان مقتضي بعض الروايات المذكورة في المسألة السابقة في جواز الركوب و كفايته عن المشي اختصاص هذا الحكم بصورة وقوع الناذر في التعب مثل رواية رفاعة و رواية سماعة و حفص، فلا تشمل هذه سائر الموانع مثل العدو أو الخوف أو

غيرهما.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 80

إلا أن الظاهر أن ما دل منها علي الحكم في صورة العجز و عدم الاستطاعة مثل صحيحي الحلبي و ذريح المحاربي و رواية عنبسة يشمل مطلق العجز عن المشي، سواء كان بدنياً راجعاً إلي ضعف البدن و المرض و ذهاب الطاقة علي المشي و لو كان من كسر أو جرح و إلي غير ذلك من الموانع الخارجية كالخوف و العدو، أو حدوث مانع في الطريق من المشي لصدق عنوان العجز في الجميع فهو عاجز عن المشي.

اللهمّ إلّا أن يقال بانصراف العجز في هذه الأحاديث إلي العجز الجسماني دون ما حصل من سائر الأسباب، و لم نقل بعدم دخل حصوله من سبب خاص في الحكم.

و عليه يكشف هذا العجز عن عدم انعقاد النذر فلا شي ء عليه. و لكن الظاهر أن وجوب إتمام الحج و عدم جواز قطعه من الأثناء و الرجوع إلي بلده كان مفروغاً عنه عندهم، و السؤال و الجواب في الروايات وقع لعلاج وقوعه في ترك العمل بالنذر، و لذا استحب له سوق الهدي.

و كيف كان فالاحتياط الواجب إلحاق العجز الحاصل من سائر الأسباب إلي العجز الحاصل من ضعف الجسم. و اللّٰه تعالي هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 83

الكلام في الحج النيابي

اشارة

لا كلام في جواز النيابة عن الميت و الحي في الحج المندوب و عن الميت في الحج الواجب أيضاً و عن الحي في الواجب في الجملة و في بعض الموارد و هذا الحكم مقطوع به يدل عليه الروايات الكثيرة فلا حاجة إلي سرد الكلام فيه.

[مسألة 1] القول في شرائط النائب

اشارة

مسألة 1- يشترط في النائب امور:

الأول: البلوغ

علي ما هو المعروف و المشهور فلا يصح نيابة الصبي و إن كان مميزاً و الذي يمكن أن يكون الوجه لذلك امور:

أحدها: عبادة الصبي تمرينية فلا يكتفي بها للنيابة عن المكلفين الذين عباداتهم شرعية تترتب عليها آثارها الخاصة.

و فيه: منع كون عباداتهم تمرينية صرفة بل عباداتهم شرعية صحيحة مثل عبادات المكلفين المندوبة.

و ثانيها: عدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 84

و فيه: أن ذلك لا يقتضي بطلان عمله مطلقاً فيترتب عليه أثر الصحة هو بنفسه بعد بلوغه و كذا من يثق به.

و ثالثها: أن مقتضي الأصل عدم جواز الاكتفاء بفعل النائب إلا ما خرج بالدليل و ما ثبت بالدليل جوازه و الاكتفاء به هو حج البالغ. فقد ورد في الروايات جواز حج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و عن المرأة و لا إطلاق فيها يشمل الصبي و الصبية لعدم كونها في مقام بيان هذه الجهة و كونها في مقام بيان عدم اشتراط اتحاد الجنس أو الرجولية كما ورد في جملة منها لفظ الرجل مثل «فليبعث رجلًا» و شموله للصبي أيضاً محل الإشكال، بل إلغاء خصوصية الرجل بالنسبة إلي المرأة أيضاً في النيابة عن الرجل الحي محل الإشكال. و ليس هذا مثل «رجل شك بين الثلاث و الأربع» لاحتمال دخل خصوصية الرجولية في ذلك- لا اقل- بالنسبة إلي النيابة عن المرأة بخلاف قوله رجل شك بين الثلاث و الأربع فإنا لا نحتمل دخالة الرجولية في الحكم بالبناء علي الأربع.

و فيه: أنه أما في نيابة المرأة عن الرجل الحي فالقول به مستلزم لعدم جواز استنابته المرأة و إن كان النائب منحصراً بها

و لا أظن أن يلتزم به ذلك المستشكل «1» و الظاهر أنه لا دخل للرجولية في الحكم و إنما جاء في طي الكلام، لأن النائبين كانوا غالباً من الرجال ففرق بين قوله: «فليبعث رجلًا» و بين قوله: «فليبعث امرأة»، فإن من الثاني يستفاد الخصوصية دون الأول.

ثمّ إنه لا فرق في ما ذكر من عدم جواز الاكتفاء بنيابة الصبي المميز- كما صرح به في العروة- بين أن يكون نيابته بالإجارة أو بالتبرع بإذن الولي أو عدمه

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 2/ 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 85

و نفيه البعد عن صحة نيابته في الحج المندوب إذا كانت بإذن الولي كأنه ليس بوجيه لعدم الفرق فيما ذكر من عدم الدليل علي جواز نيابة الصبي بين الحج المندوب و الواجب، و اللّٰه تعالي هو العالم.

ثمّ إن هنا رواية في خصوص نيابة الحج عن الميت قيل: باطلاقها تدل علي صحة نيابة الصبي عن الميت. و هي ما رواه الكليني عن محمد بن إسماعيل «1» عن الفضل بن شاذان «2» عن صفوان بن يحيي «3» عن معاوية بن عمار «4» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما يلحق الرجل بعد موته؟ فقال: سنة سنها يعمل بها بعد موته، فيكون له مثل أجر من يعمل بها من غير أن ينتقص من اجورهم شي ء، و الصدقة الجارية تجري من بعده، و الولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما و يحج و يتصدق و يعتق عنهما و يصلي و يصوم عنهما، فقلت: اشركهما في حجي؟ قال عليه السلام: نعم». «5» وجه الدلالة أن الولد يشمل غير البالغ أيضاً.

و فيه: أن الرواية ليست في مقام بيان حكم حج الولد عن والديه حتي يقال فيها بالإطلاق

فهي من هذه الحيثية صدرت بالإجمال.

نعم: القدر المتيقن منها جواز حج الولد نيابة عن والديه في الجملة و هو الولد الجامع لشرائط النيابة.

و رواية اخري قيل بأنّها في النيابة عن الحي قد ادّعي أيضاً دلالتها بالإطلاق

______________________________

(1)- لم يذكر بمدح و لا ذم من الثامنة.

(2)- من السابعة.

(3)- من أعاظم السادسة.

(4)- من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الاحتضار ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 86

علي جواز نيابة الصبي المميز عن الحي و هي ما رواه الصدوق- رضوان اللّٰه عليه- بإسناده عن أبان بن عثمان «1» عن يحيي الأزرق «2» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من حج عن إنسان اشتركا حتي إذا قضي طواف الفريضة انقطعت الشركة، فما كان بعد ذلك من عمل كان لذلك الحاج» «3».

وجه الدلالة إطلاق قوله: «من حج» يشمل الصبي كما أن الظاهر من قوله:

«عن إنسان» هو الحي، فالمستفاد من الرواية أن كل من ناب عن إنسان حيّ سواء كان النائب بالغاً أو غيره اشترك في الثواب و الأجر. «4»

و فيه، أيضاً، أولًا: أن ظهور «عن إنسان» في الحي ممنوع، سيما بملاحظة أن النيابات غالباً تكون عن الأموات.

و ثانياً: إذا كانت نيابة الصبي محل الكلام و الإشكال لا يثبت بذلك جوازها، لأنها ليست في مقام بيان هذا الإطلاق و إلا فيشمل الكافر و غيره، مضافاً إلي أن ذيلها كأنه غير معمول به.

هذا مضافاً إلي ما في سندها من الضعف بيحيي الأزرق الذي قيل: إنه مشترك بين يحيي بن عبد الرحمن الثقة و بين يحيي بن حسان الكوفي الأزرق الذي لم يوثّق و قيل: إنهما واحد.

الشرط الثاني: العقل

فلا تصح نيابة المجنون مطبقاً كان جنونه أو أدوارياً في دور جنونه و اشتراطه في

صحة النيابة من القطعيات.

______________________________

(1)- من الخامسة.

(2)- من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب النيابة في الحج، ح 7.

(4)- راجع معتمد العروة: 2/ 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 87

نعم، لا بأس بنيابة السفيه لإطلاق الأدلة و إمكان تحقق قصد القربة منه و حجره عن التصرف في ماله لا يمنع من ذلك. نعم استيجاره يجب أن يكون بإذن الولي

الشرط الثالث: الإسلام

فلا تصح نيابة الكافر، قال في الجواهر: «اجماعاً بقسميه لعدم صحة عمله و لعجز بعض أفراده عن نية القربة، و اختصاص أجره في الآخرة بالخزي و العقاب دون الأجر و الثواب اللازمين لصحة العمل». «1»

و قال بعض الأعلام: «أما الإجماع فمع تحققه لا من جهة الوجوه المذكورة فلا كلام فيه و أما الوجوه المذكورة ففيها التأمل (أما صحة عمله) للنقض بتغسيل أهل الكتاب المسلم مع عدم المماثل و أما الأجر و الثواب فللمنوب عنه لا للنائب فالنائب المؤمن الذي يعمل العمل للُاجرة لا للثواب لا محذور في عدم استحقاقه للمثوبة و أما العجز عن نية القربة بمعني تقرب المنوب عنه فممنوع بالنسبة إلي جميع الكفار بل متصور بالنسبة إلي أهل الكتاب». «2»

أقول: أما الإجماع علي عدم صحة عمل الكافر فهو قائم لا ينبغي الريب فيه، بل لعل ذلك يرجع إلي مباني الإسلام القطعية و من الفوارق بين الكفر و الإسلام، فإذا كان مثل الانحراف عن القبلة موجباً لبطلان مثل الصلاة كيف لا يكون الانحراف عن اللّٰه و عن الدين مانعا عن صحتها.

و أما نقض السيد الخوانساري بتغسيل أهل الكتاب المسلم مع عدم المماثل

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 357.

(2)- جامع المدارك: 2/ 303.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 88

فهو مختصّ بمورده و خارج بالدليل الخاصّ عن تحت الإجماع، مضافاً إلي

أنه يمكن أن يقال: إنه إذا لم يمكن المماثل يسقط اعتبار قصد القربة و عبادية العمل، و يكتفي بالغَسل دون الغُسل و هو أمر توصّلي يصدر عن المؤمن و الكافر علي حد سواء، مضافاً إلي أنه إذا أمره المسلم بالغسل يكفي في قصد القربة و ينتسب الفعل إلي الآمر المسلم.

و أما جوابه عن الاستدلال بحرمان الكافر من الأجر و الثواب بأن الثواب يكون للمنوب عنه لا للنائب ففيه: أن كون الأجر و ثواب عمل النائب للمنوب عنه نوع من الثواب له و ليس بخزي و لا حرمان و مقتضي مثل قوله تعالي: «و قدمنا إلي ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً» «1» عدم ترتب ايّ أثر علي عمله مطلقاً و تقرب المنوب عنه أثر عمله فلا بدّ ان لا يترتب عليه.

هذا كله مضافاً إلي أنه يمكن أن يقال بأن ما ثبت خروجه من تحت الأصل و القاعدة- و هو عدم صحة النيابة عن الغير- ما دام كان النائب مسلماً أما نيابة غير المسلم فهي باقية تحت القاعدة فلا يحكم بصحتها و خروج المنوب عنه بها عما اشتغلت ذمته به و الفرق بين هذا و الوجوه السابقة أن هذا ينفي جواز الاكتفاء بنيابة الكافر ظاهراً و في مقام الامتثال و تحصيل العلم بفراغ الذمة و أما الوجوه السابقة فتنفي صحة نيابة الكافر واقعاً و في عالم الثبوت.

هذا كله في شرط الإسلام، و أما الإيمان فلا ريب في أن المخالف إذا أتي بالعمل النيابي فاقداً لجزء أو شرط معتبر عندنا لا يجزي و لا شك في عدم صحته، و أما إذا أتي بالعمل موافقاً للمذهب الحق بتمام أجزائه و شرائطه كما إذا كان آخذاً برأي

______________________________

(1)- الفرقان/

23.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 89

الشيخ محمود شلتوت رئيس الجامع الأزهر الأسبق الذي أفتي في فتواه المشهورة بجواز العمل بمذهب الشيعة فقال: «يجوز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية كسائر المذاهب» و بعد ذلك سئل عنه هل يجوز العدول عن سائر المذاهب إلي مذهب الشيعة؟ فأفتي أيضاً بالجواز و قد أثبتنا في كتابنا: «أمان الامة من الضلال و الاختلاف» أن علي جميع الفرق- بغضّ النظر عما اختلفوا فيه مع شيعة أهل البيت عليهم السلام من أمر الولاية- الرجوع في أحكام الدين و تعلّمها إلي أهل البيت عليهم السلام

و علي هذا فإن سلك بعض أهل السنة هذا المسلك و اتّبع مذهب أهل البيت عليهم السلام في فروع الدين، فهل يكون عمله مجزياً عن تكليفه و يترتب عليه الأثر؟

يمكن أن يقال: إنه فرق بين قبول العمل من عامله و ترتب الثواب عليه و بين صحته و إسقاط التكليف به و عدم معاقبته بترك التكليف، فلا ريب أن قبول العمل و ترتب الآثار الاخروية عليه أعم من الصحة، فيجب علي الشخص رفع موانع القبول، فإن اللّٰه تعالي يقول: «إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» «1» و أعظم الموانع لقبول الأعمال- الذي لا ينفع العبد عمله و إن كان واجداً لجميع الأجزاء و الشرائط و أسباب القبول و فاقداً لجميع موانعه- هو عدم الولاية لمولانا أمير المؤمنين و أولاده الأئمة:

و إن شئت قلت: الشرط الذي لا يقبل العمل إلا به و إن كان واجداً لسائر شرائط القبول هو الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام فلا يقبل اللّٰه العمل إلا من شيعته و أهل ولايته و هذه حقيقة ثبتت بالمذهب و الأخبار الكثيرة المتواترة من طرق الفريقين التي يصعب علي المتتبع إحصاؤها.

______________________________

(1)- المائدة/ 27.

فقه

الحج (للصافي)، ج 2، ص: 90

و بالجملة القبول و ترتب الأجر و الثواب علي العمل تفضل من اللّٰه تعالي لا يناله إلا شيعة علي عليه السلام الفائزون الآمنون من الفزع الأكبر، و أما صحة العمل فأمر هو أعم من القبول، فرب عمل صحيح لا يفوز بدرجة القبول، غير أن صاحبه لا يعاقب بترك الامتثال و ليس هو كمن لم يعمل العمل اصلا، علي هذا يمكن أن يقال بصحة نيابة المخالف إذا أتي به بتمام شرائطه و أجزائه.

و لكن الذي يقتضيه التدبر في الروايات، هو اشتراط صحة الأعمال العبادية بالولاية فلا يكون من ليس من أهلها ممتثلًا للأمر مطيعاً للّٰه تعالي و لا يرفع به استحقاقه للعقاب، و إن أتي به جامعاً لباقي الشرائط.

نعم، ربما يفصل في الصحة بين النيابة و عمل نفسه، فيقال في الثانية بالبطلان و في الاولي بالصحة. و قال في المستمسك: «لعلّه ظاهر الأكثر حيث لم يتعرضوا لذكر الشرط المذكور و اقتصروا علي اعتبار الإسلام» و الوجه له- علي ما ذكره في المستمسك- أن بطلان عبادة المخالف إنما استفيدت من الأخبار و الظاهر منها العبادات الراجعة إلي نفسه فلا تشمل ما نحن فيه. «1»

و فيه: أن عدم شمول الأخبار لما نحن فيه أعم من ثبوت صحة نيابة المخالف فإنا نحتاج للخروج من تحت القاعدة بما يدل علي صحته، و أما احتمال شمول الإطلاقات المخالف كما ربما يظهر من كلام بعض الأعلام، ففيه: أنها منصرفة عن غير المؤمن سيما بعد كونهم غير ملتزمين بالعمل بالمذهب الحق، فالأقوي عدم صحة نيابة غير المؤمن.

و قد استدلّ لعدم صحة نيابة غير العارف بحقهم عليهم السلام بما رواه السيد ابن

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 11/ 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص:

91

طاوس- عليه الرحمة- في كتاب غياث سلطان الوري لسكان الثري عن الشيخ بإسناده إلي عمار بن موسي من كتاب (أصله) المروي عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم، هل يجوز له أن يقضيه غير عارف؟ قال عليه السلام: لا يقضيه إلا مسلم عارف» «1»

لكن ضعّفه بعض الأعاظم و قال: «الرواية ضعيفة لا للجهل بالوسائط بين السيد و عمار، لأن السيد لم يرو هذه الرواية عن عمار ابتداءً ليقال بجهل الوسائط بينه و بين عمار، و إنما يرويها عن كتب الشيخ و طريقه إلي كتبه صحيح، كما أن طريق الشيخ إلي عمار صحيح أيضاً، بل منشأ الضعف أن هذه الرواية غير موجودة في كتب الشيخ فطريق السيد إلي الشيخ في خصوص هذه الرواية غير معلوم، فتصبح الرواية ضعيفة لذلك.» «2»

و فيه: ما بنينا عليه و أشرنا إليه مراراً أنه إذا كانت الرواية مروية في كتب الشيخ التي كانت عند من يرويها «مثل السيد» لا يضر جهالة طريقه إلي الشيخ باعتبارها، لأن كتابه كان عنده معلوماً معروفا منه و إنما يذكرون الطريق إلي صاحب الكتاب لإصرارهم علي كون إسنادهم الرواية إلي صاحب الكتاب بالقراءة أو السماع أو المناولة و ضعف الإسناد أو جهالته في ذلك لا يضر بالاعتبار، فلا فرق في ذلك بين المناولة و الوجادة، و بهذا يتم اعتبار أكثر الأحاديث التي ضعفوها بعلة جهالة إسناد من يرويه إلي أصل أو كتاب صاحب الأصل و الكتاب.

فاحفظ ذلك فإنه مفيد جداً.

و لكن يمكن الخدشة في دلالة الحديث بأن السؤال فيه إنما وقع عن فعل غير

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب قضاء الصلوات، ح 5.

(2)- معتمد العروة: 2/ 16.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص:

92

العارف الذي يأتي بالعمل علي طبق مذهبه كما هو المتعارف و أن قضاءه حيث لا يكون مطابقاً لمذهب الشيعة و واقع الأمر هل يجزي أم لا؟ لا من حيث إنه و إن لم يعتقد الحق يأتي به علي طبقه فإنه فرض بعيد نادر جدا.

و قد ظهر لك من مطاوي ما ذكر أن الأظهر و الأقوي اشتراط الإيمان في النائب بالأصل و بأنا لم نجد عموماً أو إطلاقاً نخرج به عن تحت الأصل و بالروايات التي يستفاد منها اشتراط صحة العبادات بالإيمان و الولاية لأهل البيت صلوات اللّٰه عليهم أجمعين.

الشرط الرابع: العدالة و الوثوق بصحة عمل النائب.

و هذا الشرط إنما اعتبر في جواز الاستنابة و صحة إجارة النائب لأنّه إذا احرز صحة عمل النائب و لو كان فاسقاً يكتفي به و يترتب عليه أثره و لا يخدش عمله الذي أتي به جامعاً للشرائط و الأجزاء عدم الوثوق به و فسقه، و لا فرق في إحراز ذلك أن يكون بالقطع أو بإجراء أصالة الصحة فإنها تجري فيمن إذا شك في صحة عمله و فساده، و الظاهر أن استنابة غير العادل و استيجاره- و إن لم يكن مورد الوثوق، إن علم بأنه يأتي بالعمل- لا بأس به فإن عمله يكون محمولًا علي الصحة إذا شك فيها.

و أما إذا كان أصل إتيانه بالعمل مشكوكاً فيه و لم يكن طريق لإثبات إتيانه به غير إخبار نفسه فهل يجوز استنابته و يصح استيجاره أم لا يجوز؟

الظاهر أنه لا يكفي و لا يخرج المنوب عنه بذلك عن اشتغال ذمته.

إن قلت: يكفي في ذلك إخباره عن نفسه بأنه فعله كما أنه يعتمد علي إخباره عما في يده علي إخباره عن نفسه بأفعاله، مثل طهارته و صلاته و حجه و

أداء دينه

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 93

و عمله بالوصية و التولية و غيرها.

قلت: إخباره عن ذلك كله يكفي للغير و يترتب عليه أثره، كطهارته و عدم وجوب قضاء حجه و صلاته و أداء دينه علي الوارث و إن لم يكن موثوقاً به و ذلك لاستقرار سيرة العرف و المتشرعة علي ذلك، أما بالنسبة إلي ما يعمل نيابة عن الغير كحجه، أو وكالته أو وصايته كأداء ديونه و الولاية علي صغاره و أمثال ذلك، فلا يجوز الاعتماد به إلا إذا كان مورد الوثوق و الاعتماد. و اللّٰه تعالي هو العالم.

الشرط الخامس: معرفة النائب بأفعال الحج و أحكامه،

و إن كان ذلك بتعليم الغير في طي الإتيان بالأعمال، و وجه اشتراط هذه أنه بدون ذلك لا يعلم بإتيان العمل صحيحاً و واجداً لشرائط الصحة، فلا يجوز الاكتفاء به في الخروج عن اشتغال ذمة المنوب عنه.

نعم، إذا جاء بالعمل و تمشّي منه قصد القربة ثمّ ظهر بعده مطابقته للواقع يكتفي به و كذا لو كان عارفاً بموارد الاحتياط و احتاط في موارده أيضاً لا يضره الجهل بحكمه بالتفصيل، و الظاهر أن هذه المعرفة شرط بالنسبة إلي المناسك التي يوجب الإخلال بها بطلان الحج و إن كان جاهلًا بالحكم، دون غيرها.

هذا كله في حكم عمل النائب، و أما حكم استيجار الحج فصحته متوقفة علي العلم بمتعلّق الإجارة بمقدار يرتفع به الغرر، و لكن مع ذلك إذا أتي به المستأجر بأحد الأنحاء المذكورة يكفي عن المنوب عنه و تجب علي المستنيب اجرة مثل عمله.

الشرط السادس: عدم اشتغال ذمة النائب بحج واجب عليه في ذلك العام،

و قد مر الكلام منا في تفاصيل هذا الشرط و صحة نيابة من عليه ذلك الحج بالأمر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 94

الترتّبي و كذلك مر الكلام في جواز استيجاره و عدمه، فراجع «1».

[مسألة 2- تصحّ نيابة المملوك إذا كانت بإذن مولاه]

اشارة

مسألة 2- تصحّ نيابة المملوك إذا كانت بإذن مولاه فلو حج بدون إذنه بطل. هذا كله في شرائط النائب.

و أمّا شرائط المنوب عنه:
فالأول: الإسلام.

اعلم: أن اشتراط الإسلام و الايمان في النائب لأجل صحة النيابة عن المؤمن، مفهومه مبين و معلوم و هو عدم خروج المنوب عنه عن اشتغال ذمته بنيابة الكافر و المخالف عنه، و عدم انتفاعه بعمله و عدم أداء تكليف الاستنابة له علي من تجب عليه باستنابة الكافر أو المخالف. و مقتضي الأصل كما قلنا عدم صحة نيابة الكافر و المخالف.

أما اشتراط الإسلام بل الإيمان في المنوب عنه، هل يراد منه عدم جواز النيابة عن الكافر تكليفاً أو يراد منه ذلك وضعاً؟ أما بالمعني الأول فالنيابة عنه و إن قلنا بعدم تحققها وضعاً يمكن أن يكون نفس التلبس الصوري به أيضاً محرماً و منهياً عنه، لدلالته مثلًا علي موادة الكافر و غيرها من العناوين. و أما بالمعني الثاني فالمراد منه الإرشاد إلي عدم تحقق النيابة عنه.

و مقتضي الأصل في المعني الأول الجواز و عدم الحرمة و بالمعني الثاني الجواز إن كان لنا إطلاق أو عموم يشمل صحة النيابة عن الكافر و إلا فمقتضي الأصل عدم مشروعيته و عدم جواز الإتيان بالنيابة عنه بعنوان المشروعية و الرجحان الشرعي.

______________________________

(1)- فقه الحج: 1/ 404.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 95

نعم لا بأس بالإتيان به رجاءً و كيف كان فالظاهر أنه لا ريب في عدم وجوب الاستنابة للكافر تكليفاً.

لا يقال: علي القول بكون الكفار مكلفين بالفروع فإطلاقات النيابة يشمل الكافر كالمسلم فيجب الاستنابة عنه.

فإنه يقال: إن تلك الإطلاقات منصرفة عن الكافر، فإن ما في الروايات من السؤال عن الاستنابة إنما هو السؤال عمن يتوقع منه الإتيان بالحج فمات و لم يحج، دون

من لا يتوقع منه الحج بل يمكن دعوي عدم جريان السيرة للاستنابة عن الكافر من عصر النبي و الأئمة صلوات اللّٰه عليهم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قال في الجواهر: «لا تجوز نيابة المسلم عن الكافر لما عرفت من عدم انتفاعه بذلك و اختصاص جزائه في الآخرة بالخزي و العقاب و النهي عن الاستغفار له و الموادة لمن حاد اللّٰه تعالي. و احتمال انتفاعه بالتخفيف عنه و نحوه يدفعه لزوم الثواب الذي هو دخول الجنة و نحوه لصحة العمل و لو من حيث الوعد بذلك لا التخفيف و نحوه مع إمكان منع قابليته له أيضاً في عالم الآخرة كما يومئ اليه نصوص تعجيل جزاء بعض أعماله في الدنيا التي هي جنته كالإنظار لإبليس و نحوه و ما في بعض النصوص- من انتفاع الميت بما يفعل عنه من الخير حتي أنه يكون مسخوطاً فيغفر له أو يكون مضيقاً عليه فيوسع عليه- في غيره من المؤمنين. نعم في بعضها أنه إن كان ناصباً نفعه ذلك بالتخفيف عنه، إلا أنه مع اشتماله علي الناصب معارض بغيره مما دل كتاباً و سنةً علي عدم نفعه أي المخالف، و أنه ماله في الآخرة من نصيب و أنه يجعل اللّٰه أعماله هباءً منثوراً و أنهم أشد من الكفار ناراً كذا و احتمال كون الحج عنه مع فرض استطاعته له و تقصيره فيه من الواجبات المالية لأنه كالدين فيتعلّق بماله بعد موته و يؤدّي عنه و إن لم ينتفع به كالزكاة و الخمس،

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 96

فينوي القربة مباشر الفعل من حيث مباشرته نحو ما سمعته في الزكاة، مدفوع بمنع كون الحج كذلك و إن ورد فيه أنه كالدين و قلنا بخروجه

من أصل المال لكنه في سياق غير ذلك» «1».

أقول: الذي يستفاد من كلامه في مقام الاستدلال علي عدم جواز نيابة المسلم عن الكافر وجوه بعضها يدل علي عدم الجواز الوضعي و عدم رجحانه و بعضها يدل علي الحرمة تكليفاً

فالأول و هو عدم انتفاعه بذلك و اختصاص جزائه في الآخرة بالخزي و العقاب، يدل علي عدم تشريع النيابة عنه من جانب الشارع المقدس لكونه لغواً بالنسبة إلي الكافر.

و فيه: أنه و إن لم ينتفع بذلك لكن يكفي لجواز تشريعه أن يكون دافعاً للضرر عنه و هو عقاب ترك العمل و إن كان بذلك لا يثبت مشروعيته، لأن كون العمل دافعاً للضرر فرع كونه مشروعاً واردا من الشرع. و الحاصل ان عدم انتفاعه به لا يمنع من صحة تشريعه ليدفع ضرر تركه عنه و إن كان كونه كذلك يحتاج الي دليل فتأمل.

و الثاني قوله تعالي: «مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبيٰ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحٰابُ الْجَحِيمِ» «2».

و فيه: أنه أخصّ من المدّعي لشمول الكافر المشرك و غيره، مضافاً إلي أن النهي عن الاستغفار لهم لا ينافي أداء ما عليهم كأداء ديونهم المالية، فالمشرك من

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 357.

(2)- التوبة/ 113.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 97

أصحاب الجحيم لشركه. بل ظاهر الآية النهي عن الاستغفار لهم: عن شركهم فهو الذي قال اللّٰه تعالي فيه: «إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ» * فلا مانع من التمسك بالأصل لإثبات الجواز.

و الثالث قوله تعالي: «لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ» «1» الآية.

فالمحتمل أن المراد من الموادة

هنا هي مظاهرتهم و نصيحتهم لا الإحسان إليهم و لو لم يترتب عليه مفسدة سيما بأمواتهم إذا كانوا من أقارب الشخص و كذلك المراد ممن حاد الله و المحادّة هي الممانعة و المعارضة و المنع من إعلاء كلمة الدين و شوكة المسلمين و بسط الإسلام، إذاً فلا دلالة للآية علي حرمة النيابة عن الميت الكافر.

هذا ما يستفاد من كلامه دليلًا علي عدم جواز النيابة وضعاً و تكليفاً و قد أشار في طي كلامه بأدلة المجوز و هي أيضاً كما أشار إليه لا تنهض علي ذلك. فعلي هذا يجوز النيابة عن الكافر رجاءً.

اللهم إلا إذا كان الكافر ناصباً فلا يجوز النيابة عنه إذا لم يكن أب النائب لصحيح وهب بن عبد ربه «2» أو حسنته الذي رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن وهب بن عبد ربه قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام أ يحج الرجل عن الناصب؟ فقال: لا. قال: فإن كان أبي؟ قال: إن كان أباك فنعم». «3»

الشرط الثاني: أن يكون المنوب عنه ميتاً أو عاجزاً في الحج الواجب

فلا

______________________________

(1)- المجادلة/ 22.

(2)- ثقة له كتاب من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب النيابة في الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 98

تجزي النيابة إذا كان المنوب عنه حيّاً قادراً علي المباشرة، و ذلك لظهور الأدلة علي تكليفه به بالمباشرة، و للإجماع و لأصالة عدم الصحة أي عدم ترتب آثار الصحة عليه، من سقوط التكليف و خروج المنوب عنه من اشتغال ذمته به، نعم إذا كان عاجزاً تجزي النيابة عنه علي التفصيل الذي مر في شرائط الاستطاعة.

و أما في الحج الندبي فلا يشترط فيه شي ء من ذلك فتجوز فيه النيابة عن الميت و عن الحي سواء كان بنفسه

قادراً عليه أو عاجزاً عنه بالتبرع و الإجارة.

[مسألة 3] النيابة عن الصبي و المجنون

مسألة 3- قالوا بجواز النيابة عن الصبي المميز و عن المجنون، بل يجب عن الأخير إذا استقر عليه حال إفاقته ثمّ مات مجنوناً بل و إن لم يمت و حصل اليأس من إفاقته.

أقول: لا بد و ان يقتصر الكلام في جواز النيابة و عدمه عن الصبي المميز في الحج المندوب، سواء كان حيّاً أو ميتاً، أما في حجة الإسلام فلا تجري فيها النيابة، لعدم تمكنه من الإتيان به، فلا يكون ما أتي به في حال عدم البلوغ حجة الإسلام و إن كان هو مخلّي السرب صحيح البدن واجداً للزاد و الراحلة. و أما في المجنون فلا ريب في صحة النيابة عنه في حجة الإسلام إذا استقر عليه، كما لا ريب في عدم صحتها عنه فيها إن لم يكلف هو بها و أما في الحج المندوب فكأنّ البعض فرّق بين الصبي المميز و بين المجنون بشمول إطلاق أدلة النيابة له دون المجنون.

و فيه: أنه يشمل المجنون أيضاً و ينتفع منه في الآخرة.

اللهم إلا أن يقال: إن النيابة إنما تصح عن الغير إذا كان هو مأموراً بالعمل و الصبي علي القول بشرعية عباداته يستحب له الإتيان بها، و أما المجنون فلا يتصور

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 99

فيه ذلك فلا تجوز النيابة عنه و بالجملة المسألة في المجنون محل اشكال.

[مسألة 4] اعتبار المماثلة في النيابة

مسألة 4- لا إشكال في جواز نيابة الرجل عن الرجل و المرأة، و المرأة أيضاً عن الرجل و المرأة، إذا لم يكن النائب صرورة.

و ذلك لدلالة الأحاديث عليه فيدل علي جوازه مطلقاً و إن كان النائب صرورة صحيح حكم بن حكيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يحج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و المرأة

عن المرأة». «1»

و صحيح معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يحج عن المرأة و المرأة تحج عن الرجل؟ قال: فلا بأس». «2»

و بإزاء هذه الأحاديث روي الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال «3» عن العباس بن عامر «4» عن عبد اللّه بن بكر «5» عن عبيد بن زرارة «6» قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه هل تجزي عنه امرأة؟ قال: لا، كيف تجزي المرأة، و شهادته شهادتان، قال: «إنما ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب النيابة ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب النيابة ح 2.

(3)- أبو الحسن كان فقيه أصحابنا بالكوفة و وجههم و ثقتهم و عارفهم بالحديث و كان فطحياً جيد التصانيف و كان قريب الأمر إلي أصحابنا الإمامية القائلين باثني عشر، من السابعة.

(4)- ابن رباح أبو الفضل الثقفي الشيخ الصدوق الثقة كثير الحديث له كتب من السابعة.

(5)- ابن أعين الشيباني، أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه له كتاب من الخامسة.

(6)- ابن أعين ثقة ثقة، لا لبس فيه و لا شك، له كتاب، من كبار الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 100

و الرجل عن الرجل، و قال: لا بأس أن يحج الرجل عن المرأة». «1» و هي بظاهرها معارض للطائفة الاولي في إجزاء حج المرأة عن الرجل و إن لم تكن صرورة. و دفع ذلك بأن صدر الحديث و إن كان يدل علي المنع، إلا أن ذيله يدل علي استحباب المماثلة و جواز الاختلاف، لأن قوله: «إنما ينبغي» يدل علي الرجحان و المحبوبية، و بعبارة اخري فرق بين أن يقال: لا ينبغي،

و بين أن يقال: ينبغي، ففي الأول يمكن دعوي دلالته علي الحرمة و عدم الجواز و لكن الثاني لا يدل أزيد علي المدح و الرجحان و المحبوبية.

و فيه: أنه كما يمكن أن يكون الذيل قرينة و دليلًا علي المراد من الصدر يمكن أن يكون الصدر أيضاً دليلًا علي المراد من الذيل.

اللهم إلا أن يقال: إن الرواية تحمل علي ذلك جمعاً بينها و بين الطائفة الاولي الصريحة في جواز الاختلاف و إلا فالرواية بظاهرها غير معمول بها.

و أما سند الحديث فمعتبر جداً و لا يخدش بضعف طريق الشيخ إلي علي بن الحسن بن فضال بعلي بن محمد بن الزبير لما قلنا، و أكدنا عليه من أن ذلك لا يوجب الوهن في سند الحديث و اعتباره بعد ما كان الكتاب المأخوذ منه الحديث معروفاً موجوداً عند من يرويه عن شيخه.

و إليك كلام الشيخ في الفهرست، فقد قال بعد ترجمة علي بن الحسن بن فضال و ذكر أسماء كتبه ما هذا لفظه: (أخبرنا بجميع كتبه قراءة عليه أكثرها و الباقي إجازة أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير سماعاً و إجازة عنه) «2» و ظاهر هذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب النيابة ح 2.

(2)- الفهرست/ 93.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 101

الكلام أن جميع كتب علي بن الحسن كان معروفاً موجوداً عند الشيخ و أحمد بن عبدون هو أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز من مشايخ الشيخ المشاهير، و علي بن محمد بن الزبير أيضاً من مشايخ الإجازة، يروي عن مثل علي بن الفضال كتبه الكثيرة و يعتمد علي روايته أحمد بن عبدون شيخ الشيخ بلا واسطة و الشيخ بواسطة أحمد.

هذا مضافاً إلي أن العباس

بن عامر الواقع في سند الحديث أيضاً له كتاب، قال الشيخ: (أخبرنا به أبو عبد اللّه المفيد رحمه اللّٰه عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن الحسن بن علي الكوفي و حسن بن نوح عنه) و الظاهر أن هذه الرواية من كتابه فرواها الشيخ تارة في ضمن ما رواه عن علي بن الفضال و تارة عن كتابه بواسطة المفيد و طريقه إلي العباس بن عامر صحيح.

نعم ما عندنا من خصوص رواية عبيد ليس إلا ما رواها عن ابن فضال. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 5] هل يشترط عدم كون النائب صرورة؟

مسألة 5- هل يشترط في صحة الاستنابة أن لا يكون النائب صرورة مطلقاً سواء كان النائب رجلًا أو امرأةً أو يشترط ذلك في المرأة دون الرجل أو لا يشترط ذلك فيهما فتجزي مطلقاً.؟

فنقول: أما نيابة الرجل الصرورة عن الرجل و المرأة، فيدل علي جوازها بالخصوص ما رواه الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم «1» عن عبد الرحمن «2» عن

______________________________

(1)- ثقة جليل واضح الحديث … من كبار السابعة له كتاب.

(2)- ابن سيابة يظهر من بعض الأخبار اعتماد الإمام الصادق عليه السلام عليه من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 102

مفضل «1» عن زيد الشحام «2» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سمعته يقول: يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة و لا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة». «3» و لكن سنده ضعيف، غير أنه يكفي في الحكم بالجواز إطلاقات النيابة.

و استدل علي عدم جوازها بمفهوم ما رواه الشيخ عن أبي علي الأشعري «4» عن محمد بن عبد الجبار «5» عن صفوان «6» عن حكم بن حكيم «7» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه

السلام: إنسان هلك و لم يحج و لم يوص بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلًا أو امرأة- إلي أن قال- فقال: إن كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً و أجزأ الذي أحجه». «8»

و بمنطوق ما رواه عن محمد بن الحسن الصفار «9» عن محمد بن عيسي «10» عن إبراهيم بن عقبة «11» قال: «كتبت إليه أسأله عن رجل (صرورة لم يحج قط) حج عن صرورة لم يحج قط أ يجزي كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أولا؟ بين

______________________________

(1)- الظاهر أنه مفضل بن صالح مطعون بأنه كذاب يضع الأحاديث من الخامسة.

(2)- زيد بن يونس ثقة له كتاب من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب النيابة ح 1.

(4)- محمد بن عيسي شيخ القميين من الثامنة.

(5)- قمي ثقة من السابعة.

(6)- الظاهر انه صفوان بن يحيي ثقة وكيل الإمام الرضا عليه السلام من السادسة.

(7)- الصيرفي من الخامسة ثقة.

(8)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب النيابة ح 3.

(9)- قمي له كتب من الثامنة.

(10)- ابن عبيد من السابعة.

(11)- من السادسة أو السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 103

لي يا سيدي إن شاء اللّٰه فكتب عليه السلام إليه: لا يجزي ذلك». «1»

و ما رواه أيضاً عن أحمد بن محمد «2» عن علي بن مهزيار «3» قال: «كتبت إلي أبي جعفر عليه السلام أن ابني معي و قد أمرته أن يحج عن امي أ يجزي عنها حجة الإسلام؟

فكتب: لا. و كان ابنه صرورة و كانت أمه صرورة» «4»

و في الاستدلال بمفهوم رواية حكم بن حكيم أنه معارض بما دل بالمنطوق علي جواز نيابة الصرورة، بل لزوم كون النائب الصرورة إذا كان المنوب عنه صرورة و ذلك مثل صحيح معاوية بن

عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الإسلام و له مال، قال: يحج عنه صرورة لا مال له». «5»

و أما رواية إبراهيم بن عقبة فليس في ما عندنا من نسخ التهذيب جملة «صرورة لم يحج قط» الاولي و عليه لا يدل علي عدم جواز نيابة الصرورة.

مضافاً إلي أنه لا يعلم منها أن عدم الإجزاء مستند إلي كون النائب صرورة، بل يمكن أن يكون لأجل أنه نوي بها الحج عن نفسه و عن غيره، بل يحتمل أن يكون السؤال عن إجزاء الإتيان بحجة الإسلام عن نفسه و عن غيره، فأجاب عليه السلام بعدم الإجزاء.

و رواية علي بن مهزيار أيضاً يمكن أن يكون السؤال فيها عن النيابة في حجة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب النيابة ح 3.

(2)- ابن عيسي شيخ القميين من السابعة.

(3)- من كبار السابعة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب النيابة ح 4.

(5)- وسائل الشيعة ب 5 من أبواب النيابة ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 104

الإسلام عن الحي. هذا مضافاً إلي احتمال كون الوجه في عدم جواز النيابة من الصرورة كونه مديناً بالحج.

و كيف كان فالظاهر أن الجواز مطلقاً في غير حج المرأة الصرورة عن الرجال، بل و عن النساء كأنه متفق عليه، لا اختلاف فيه.

و علي هذا فما ينبغي التكلم فيه هو جواز نيابة المرأة عن الرجل، بل و عن المرأة أيضاً.

فنقول: أما عدم جواز نيابة المرأة الصرورة عن الرجل، فيدل عليه بالخصوص رواية زيد الشحام التي عرفت ضعف سندها.

و ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا «1» عن سهل بن زياد «2» عن الحسن بن محبوب «3» عن ابن رئاب «4» عن مصادف

«5» عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في المرأة تحج عن الرجل الصرورة فقال عليه السلام: إن كانت قد حجت و كانت مسلمة فقيهة فرب امرأة أفقه من الرجل». «6»

______________________________

(1)- و هم محمد بن الحسن الطائي الرازي و محمد بن جعفر الأسدي أو محمد بن سعيد و محمد بن يعقوب الكليني و علي بن محمد بن إبراهيم الكليني خال محمد بن يعقوب.

(2)- من السابعة.

(3)- من السادسة.

(4)- من الخامسة له أصل كبير ثقة جليل القدر.

(5)- من الخامسة مولي الإمامين الصادق و الكاظم عليهما السلام ضعيف.

(6)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب النيابة ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 105

و ما رواه الشيخ في الاستبصار عن موسي بن القاسم «1» عن الحسن اللؤلؤي «2» عن الحسن بن محبوب عن مصادف قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: تحج المرأة عن الرجل؟ قال: نعم إذا كانت فقيهة مسلمة و كانت قد حجت، رُب امرأة خير من رجل». «3»

و الظاهر أنه و ما رواه الكليني واحد، فعده غير الأول كما فعله بعض الأعاظم «4» تبعاً لصاحب الوسائل لعله غير سديد.

و ما رواه عن أحمد بن محمد بن عيسي «5» عن علي بن أحمد بن أشيم «6» عن سليمان بن جعفر «7» قال: «سألت الرضا عليه السلام عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة قال: لا ينبغي». «8» و دلالته علي عدم الجواز عن الرجل بالأولوية. «9»

و قد ردّت هذه الروايات بعدم الحجية بضعف أسنادها غير أنه قد حكي «10» العمل بها عن الشيخ في النهاية و التهذيب و المبسوط و القاضي في المهذب في حجهما عن الرجل و المرأة و في الاستبصار في حجهما عن الرجل فينبغي العمل العمل بالاحتياط

إن أمكن استنابة غير الصرورة سيما عن الرجل.

______________________________

(1)- البجلي ثقة جليل من كبار السابعة.

(2)- ابن الحسين اللؤلؤي من السادسة أو السابعة.

(3)- الاستبصار: 2/ 322.

(4)- معتمد العروة: 6/ 26.

(5)- من السابعة.

(6)- من كبار السابعة من أصحاب الرضا عليه السلام مجهول.

(7)- من السادسة الجعفري الهاشمي هو و أبوه ثقتان.

(8)- الاستبصار: 2/ 323.

(9)- معتمد العروة: 2/ 27.

(10)- راجع مستمسك العروة 11/ 15.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 106

[مسألة 6] اشتراط قصد النيابة من النائب

مسألة 6- يشترط في صحة النيابة قصد النيابة من النائب و هو لا يتحقق إلا بتعيين المنوب عنه و المنوب فيه من جانب النائب.

و بعبارة اخري: لا تتحقق النيابة إلا بقصد الشخص كونه نائباً عن شخص آخر معين في أمر معين، فالقاصد هو النائب و الشخص الذي يؤتي عنه العمل هو المنوب عنه و العمل الذي يؤتي به المنوب فيه و لا حاجة في ذلك إلي الاستدلال بعدم الخلاف فيه أو الإجماع و الاتفاق عليه، لأنها في نفس الأمر من الامور القصدية الّتي لا تتحقق إلا بالقصد المذكور و لا يتصور فيه الخلاف و لا مجال لجريانه فيه.

قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه لاشتراك الفعل بين وجوه لا يتشخص لأحدها إلا بالنية كما أنه لا يتشخص لأحدهم مع تعددهم إلا بتعيينه، أما مع اتحاده فيكفي قصد النيابة عنه). «1»

و فيه: أما الاستدلال بعدم وجدان الخلاف فيه فلانه لا محلّ لوجدان الخلاف فيه و أما التعليل الذي ذكره فيمكن أن يكون مراده أن الفعل كما يمكن انْ يكون وجهه و عنوانه النيابة عن الغير، يمكن أن يقع عن الفاعل عن نفسه و إن كان ذلك يتحقق بعدم قصد وقوعه للغير، إلا أن وقوعه للغير لا لنفسه يحتاج إلي القصد.

و أما أنه

مع التعدد لا يتشخص المنوب عنه إلا بالتعيين و مع اتحاده يكفي قصد النيابة عنه، فلم نفهم ما أراد بذلك، فإن في صورة الاتحاد يلزم قصد النيابة عن شخص معين، فليس المنوب عنه عنواناً كلياً يقال: إذا كان له أفراد متعددة يجب تعيينه، و إذا كان المنحصر بالفرد يكفي قصد ذلك العنوان، و علي كل حال فالمسألة في

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 362.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 107

غاية الوضوح.

و هل يشترط ذكر اسم المنوب عنه، فلا يصح إذا لم يعرف اسمه و لم يذكره في نيته؟ ادعي في الجواهر «1» الاتفاق علي عدم الاشتراط و لعله لصحيح البزنطي أنه قال: «سأل رجل أبا الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يحج عن الرجل يسميه باسمه؟

قال: «(إن) اللّٰه لا تخفي عليه خافية». «2»

و ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي «3» عن محمد بن الحسين «4» عن العباس بن عامر عن داود بن الحصين «5» عن مثني بن عبد السلام «6» عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في الرجل يحج عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلها؟

قال عليه السلام: إن شاء فعل و إن شاء لم يفعل، اللّٰه يعلم أنه قد حج عنه و لكن يذكره عند الاضحية إذا ذبحها». «7» و ما فيه من ذكر اسمه عند الاضحية محمول علي الاستحباب، جمعاً بينه و بين صحيح البزنطي، و كذا صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قلت له ما يجب علي الذي يحج عن الرجل؟ قال: يسميه في المواطن و المواقف». محمول علي الاستحباب. «8»

كما أن صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قيل له: أ رأيت

______________________________

(1)-

جواهر الكلام: 17/ 362.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب النيابة ح 5.

(3)- من السابعة ثقة في الحديث إلا أنه كان يروي عن الضعفاء.

(4)- هو ابن أبي الخطاب من السابعة جليل، عظيم القدر كثير التصانيف.

(5)- من الخامسة، واقفي ثقة.

(6)- من الخامسة، حناط له كتاب لا بأس به.

(7)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب النيابة ح 4.

(8)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب النيابة ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 108

الذي يقضي عن أبيه أو امه أو أخيه أو غيرهم أ يتكلم بشي ء؟ قال: نعم، يقول عند إحرامه: اللهم ما أصابني من نصب أو شعث أو شدة فآجر فلاناً فيه و آجرني في قضائي عنه» «1» ظاهر في الاستحباب.

و أظهر منه في الاستحباب، ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم «2» عن الحلبي «3» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت له: الرجل يحج عن أخيه أو عن أبيه أو عن رجل من الناس هل ينبغي أن يتكلم بشي ء؟ قال عليه السلام: نعم، يقول بعد ما يحرم: اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو بلاء أو شعث فآجر فلاناً فيه و آجرني في قضائي عنه».

[مسألة 7] فرغ ذمة المنوب عنه معلق علي صحة عمل النائب

مسألة 7- الظاهر أنه لا تفرغ ذمة المنوب عنه إلا بإتيان النائب العمل صحيحاً

فلا تفرغ ذمته إذا كان عمله باطلًا غير واجد لشرائط الصحة كما أنه لا تفرغ ذمته بمجرد الإجارة لعدم موجب لها فمن كان عليه دين لا تفرغ ذمته إلا بأدائه، فحينئذٍ قبول النائب تفريغ ذمته لا يوجب فراغ ذمته قبل أداء ما اشتغلت به، و ليس المقام كالحوالة حيث إنها يحيل

المدين دينه إلي ذمة المحال عليه بقبول المحال. و هنا و إن كان المنوب عنه يستنيب غيره لأداء ما عليه، لكنه لا يصير المستناب مديوناً لصاحب الدين، بل يصير هو مديوناً للمستنيب فلصاحب الحق الرجوع إلي المنوب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب النيابة ح 3.

(2)- ابن عمرو من الخامسة.

(3)- من الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 109

عنه و ليس له الرجوع إلي النائب بخلاف باب الحوالة، فإن فيها ينتقل ما في ذمة المحيل للمحال إلي ذمة المحال عليه.

و لكنه اختار صاحب الحدائق إجزاء الإجارة عن الميت لو مات الأجير قبل الإحرام و لم يمكن استعادة الاجرة قال- رحمه اللّٰه: (لو مات الأجير) في الطريق قبل الإحرام فإن أمكن استعادة الاجرة وجب الاستيجار بها ثانياً، و إلي ذلك تشير رواية عمار المذكورة، و إن لم يمكن، فإنها تجزي، عن الميت و عليه يحمل الإجزاء بالموت في الطريق في الأخبار المتقدمة و هذا الوجه الأخير و إن لم يوافق قواعد الأصحاب إلا أنه مدلول جملة من الأخبار: مثل ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل أخذ من رجل مالًا و لم يحج عنه و مات و لم يخلف شيئاً، قال: إن كان حج الأجير اخذت حجته و دفعت إلي صاحب المال، و إن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج». «1» و رواه في الفقيه مرسلًا مقطوعاً «2» و روي في الفقيه مرسلًا قال: «قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئاً؟ فقال عليه السلام: أجزأت عن الميت، و إن كان له عند

اللّٰه حجة اثبتت لصاحبه» «3» و روي في التهذيب عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل أخذ دراهم رجل ليحج عنه فأنفقها، فلما حضر أوان الحج لم يقدر الرجل علي شي ء قال: يحتال و يحج عن صاحبه كما ضمن. سأل: إن لم يقدر؟ قال:

إن كانت له عند اللّٰه حجة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة» «4».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب النيابة في الحج ح 1.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 144.

(3)- وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب النيابة في الحج ح 2.

(4)- التهذيب: 5/ 461.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 110

و ظاهر إطلاق هذه الأخبار أن الحج فيها أعم من أن يكون حج الإسلام أو غيره، للميت مال بحيث يمكن الاستيجار عنه مرة اخري أم لا. و لعل الوجه فيه هو أنه لما أوصي الميت بما في ذمته من الحج انتقل الخطاب إلي الوصي، و الوصي لما نفذ الوصية و استأجر فقد قضي ما عليه و بقي الخطاب علي المستأجر و حيث إنه لا مال له سقط الاستيجار مرة اخري. بقي أنه مع التفريط فإن كان له حجة عند اللّٰه تعالي نقلها إلي صاحب الدراهم و إلا تفضل اللّٰه- تعالي- عليه بكرمه، و كتب له ثواب الحج بما بذله من ماله، و النية تقوم مقام العمل. و مما يعضد ذلك ما رواه في التهذيب و في الفقيه مرسلًا عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل أعطاه رجل مالًا يحج عنه فحج عن نفسه، فقال: هي عن صاحب المال» «1». و رواه في الكافي عن محمد بن يحيي مرفوعاً قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام … الحديث» «2» و

لعل الوجه فيه ما عرفت في الأخبار الأولة من أن من أخذ مالًا ليحج به عن غيره و فرط فيه فإنه متي كانت له عند اللّٰه حجة جعلها لصاحب المال، و هذا من جملة ذلك، فإن هذا الحج الذي حجّ به عن نفسه و لم يكن له مال يحج به مرة اخري عن المنوب عنه يكتبه اللّٰه (تعالي) لصاحب المال. و لم أقف علي من تعرض للكلام في هذه الأخبار من أصحابنا، بل ظاهرهم ردها لمخالفتها لمقتضي قواعدهم. و هو مشكل مع كثرتها و صراحتها، فالظاهر أن الوجه فيها هو ما ذكرناه) «3». انتهي كلامه رفع مقامه.

أقول: مراده من رواية عمار المذكورة ما رواه في التهذيب مرفوعاً عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل حج عن آخر و مات في الطريق، قال: قد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 22 من أبواب النيابة في الحج 2.

(2)- الكافي: 4/ 311.

(3)- الحدائق الناضرة: 14/ 258.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 111

وقع أجره علي اللّٰه و لكن يوصي فإن قدر علي رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل» «1».

أما ما استدل به من الروايات فرواية ابن أبي عمير من حيث السند ليس فيها إلا إرسالها به فإن أخذنا بما قيل في مراسيله من أنها كالمسانيد و في مرتبة الصحاح فهو، و إلا فهي ملحقة بالضعاف.

أما من حيث الدّلالة: فلا تدل أزيد علي أن الأجير إن حج اخذت حجته و دفعت إلي صاحب المال يعني يدفع ثواب حجته إليه و تكتب له، و إلا فلصاحب المال ثواب الحج لنيته ذلك و لا ينافي ذلك أن يكون صاحب المال مكلفاً بتفريغ ذمته باستنابة غيره ثانياً، إن كان الحج واجباً

عليه كما أن له أن يستنيب مع ذلك غيره، إن كان الحج مستحباً.

و ما رواه في الفقيه مقطوعاً فليس هو إلا رواية ابن أبي عمير، و إن كان يظهر في بادي النظر أنه بقية جواب الإمام عليه السلام: عن سؤال علي بن يقطين، و إليك ما في الفقيه بلفظه «و سأل علي بن يقطين أبا الحسن عليه السلام: عن رجل دفع إلي خمسة نفر حجة واحدة، فقال: يحج بها بعضهم و كلهم شركاء في الأجر، فقال له: لمن الحج؟ قال: لمن صلي في الحر و البرد. فإن أخذ رجل من رجل مالًا فلم يحج عنه و مات و لم يخلف شيئاً، فإن كان الآخر قد حج أخذت حجته و دفعت إلي صاحب المال و إن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج». «2»

فالذي يظهر للناظر في الحديث ابتداءً أن الذيل و الصدر رواية واحدة، و لكن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب النيابة في الحج ح 5.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 114 ح 81.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 112

المتتبع في الفقيه حيث يري مثل ذلك في موارد كثيرة و أنه أدخل في الحديث حديثاً آخر من غير إشارة إلي ذلك، فينتقل هنا أيضاً إلي أن ذيل هذا الحديث ليس إلا رواية ابن أبي عمير كما فهم ذلك صاحب الحدائق المحدث المتضلع في الحديث، فصرح بأن الصدوق رواه مقطوعاً.

و أما رواية الفقيه مرسلة لا يحتج بها و إن كانت دلالتها علي الإجزاء عن الميت لا تقبل الدفع، اللهم إلا أن يقال: إنها ظاهرة في الحج الاستحبابي فتأمل.

و أما رواية عمار، فهو عمار بن موسي فطحي ثقة له كتاب كبير جيد معتمد من الخامسة و

طريق الشيخ إليه صحيح مضافاً إلي أن الظاهر أنه أخذ الحديث من كتاب عمار.

و يمكن أن يقال في دلالتها: إنها لا تدل علي أكثر مما هو وظيفة الرجل الذي أخذ الدراهم و ما يؤول أمره إليه في الآخرة، و لا يستفاد منها سقوط التكليف عمّن وجب عليه الاستنابة بذلك إن قلنا: إن موضوع السؤال النيابة في الحج الواجب أو الأعم منه و من المستحب و لم نقل إنه ظاهر في الحج المندوب، لأن ظاهره النيابة عن الحي و هي و إن كانت تشمل المستحب و الواجب كما اثبتنا إمكان الاستنابة في الحج الواجب عن الحي لهرم و مرض و غيره إلا أن المتبادر منه المستحب. و كيف كان لا ظهور لها في سقوط التكليف عن المنوب عنه و فراغ ذمته.

و أما ما أورد بعض المعاصرين الأعاظم علي صاحب الحدائق بأن هذه الأحاديث تقيد بالروايات الدالة علي أن الحي يجهز رجلًا للحج و التجهيز لا يتحقق إلا بإرسال شخص للحج و مجرد التوكيل و الإيجار لا يوجب صدق عنوان التجهيز

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 113

و الإرسال. «1»

ففيه: غاية الأمر عدم كفاية مجرد الاستنابة و أما إذا حصل العجز بعد التجهيز و في الطريق فيجب القول بالإجزاء مضافاً إلي أن كلام صاحب الحدائق موضوعه صورة الموت في الطريق و بعد التجهيز، و إن كان ما استدل به من الروايات ظاهر في حصول العجز له قبل شروعه في الطريق و في منزله، حيث إنّه قال: (لو مات الأجير في الطريق قبل الإحرام) «2» و لكنّ المورد المعظم نقل كلامه هكذا: (لو مات الأجير قبل الإحرام) فيشمل موته في منزله.

هذا مضافاً إلي أن هذه الروايات سيما رواية ابن أبي

عمير و عمار بن موسي لا تقبل التقييد المذكور، لورودهما فيما إذا لم يحج النائب و لم يقم مقام الإتيان بالحج.

نعم، يستفاد منها بالأولوية الإجزاء إذا حصل العجز و الموت في الطريق، و علي هذا لا إطلاق لفظيا لهذه الروايات يشمل بعد التجهيز و الطريق يقع التعارض بينها و بين روايات التجهيز.

و اورد عليه أيضاً بأنا سنذكر أن الأجير إذا مات في الطريق قبل الإحرام لم يسقط الحج عن ذمة المنوب عنه، فكيف إذا مات قبل خروجه، و حينئذٍ فتحمل هذه الروايات علي الحج الاستحبابي لا محالة «3».

و فيه: أنه علي هذا يقع التعارض بين هذه الروايات و بين ما يدل علي أن الأجير إذا مات في الطريق قبل الإحرام لا يسقط الحج عن ذمة المنوب عنه.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 36.

(2)- الحدائق الناضرة: 14/ 257.

(3)- معتمد العروة: 2/ 36.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 114

و كيف كان فالعمدة في الجواب عدم كون هذه الروايات سؤالًا و جواباً بصدد بيان نفي وجوب الاستنابة للمنوب عنه و براءة ذمته عما اشتغلت به.

و لا يخفي عليك أن استدلال صاحب الحدائق بمعتبرة إسحاق بن عمار قال:

«سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل أن يحج ثمّ اعطي الدراهم غيره، فقال: إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول، قلت: فإن ابتلي بشي ء يفسد عليه حجة حتي يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم، قلت: لأن الأجير ضامن للحج؟

قال: نعم» «1» لا يستقيم علي كل حال سواء كان كلامه راجعاً إلي صورة العجز قبل الخروج إلي الحج كما توهمه البعض أو إلي العجز في الطريق

قبل الإحرام أو قبل الشروع في الأعمال.

أما عدم دلالتها علي الإجزاء قبل الخروج و قبل الشروع في السفر فواضح و أما عدم دلالتها أيضاً علي الإجزاء قبل الإتيان بالمناسك و الشروع في العمل فلأنها ظاهرة في الإجزاء إذا مات قبل انقضاء المناسك و انتهاء الأعمال.

اللهم إلا أن يقال: إن التعليل للإجزاء بأن الأجير ضامن للحج يدل علي أن ضمان الأجير موجب للإجزاء مطلقاً و لكن ذلك ينافي مفهوم قوله: «إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه» فإنه يدل علي عدم الإجزاء مضافاً إلي أن قوله: «لأن الأجير ضامن للحج» أنه ضامن للحج الذي يصير عليه بابتلائه بما يفسد عليه الحج. و اللّٰه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب النيابة ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 115

[مسألة 8] استيجار المعذور

مسألة 8- هل يجوز استيجار المعذور في ترك بعض الأعمال، بل و هل يكتفي بنيابة المعذور إذا تبرع بالنيابة عن الميت؟

مقتضي الأصل عدم الجواز كأصل النيابة، فإن الأصل عدم مشروعيتها و ما ثبت مشروعيته منها هو نيابة غير المعذور و لا إطلاق للأدلة حتّي يشمل المعذور و غير المعذور علي السواء فالمتبادر منها نيابة القادر علي أداء العمل جامعاً لجميع أجزائه و شرائطه.

و بعبارة اخري: النائب يلزم أن يأتي بما هو عمل المنوب عنه و ما يأتي به المعذور غيره فلا وجه لإجزائه عنه.

لا يقال: فإذا كان المنوب عنه معذوراً مثل النائب يكتفي به، فإنه يقال: إن ما فات من المنوب عنه هو عمل القادر لا العاجز فيجب أن يأتي به القادر و بعبارة اخري: في ظرف الامتثال سواء كان الممتثل أصيلًا أو نائباً، مشروعية البدل ثابتة إن لم يكن المبدل منه مقدوراً، فإذا

أمكن استنابة القادر لا يكفي استنابة العاجز، نعم في النيابة التبرعية إذا لم يكن متبرع من القادرين، يمكن أن يقال بجواز نيابة المعذور.

ثمّ إنه يمكن أن نقول في خصوص الحج حيث إن ترك بعض واجباته عمداً لا يضر بصحته و فراغة الذمة عن الاشتغال به، فنيابة من كان معذوراً في ترك هذه الواجبات تجزي عن المنوب عنه، لأن النائب أتي بما يفرغ ذمة المنوب عنه كما لو أتاه هو أيضاً بنفسه.

نعم، إذا كان المنوب عنه أوصي بذلك يمكن الإشكال في استنابة مثله، بدعوي تبادر استنابة القادر من وصيته. و اللّٰه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 116

[مسألة 9] موت الأجير قبل الإتيان بالمناسك

مسألة 9- إذا مات الأجير قبل الإتيان بالمناسك، فإن مات في منزله قبل الخروج إلي السفر، فقد عرفت في المسألة السابقة عدم إجزاء مجرد الإجارة عن الحج الذي هو في ذمة المنوب عنه.

للإجماع علي ذلك، حتي أن صاحب الحدائق و إن تمسك ببعض الأخبار الدالة بزعمه علي كفاية ذلك، إلا أنه تمسك بها للاستدلال علي إجزاء موت النائب في الطريق دون المنزل، فلا تثبت بذلك مخالفته لهذا الإجماع و لاقتضاء القاعدة عدم الإجزاء.

و يدل عليه ما رواه الشيخ بإسناده عن يعقوب بن يزيد «1» عن ابن أبي عمير «2» عن ابن أبي حمزة «3» و الحسين بن يحيي (عثمان) «4» عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل أعطي رجلًا مالًا يحج عنه فمات؟ قال: فإن مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزي عنه و إن مات في الطريق فقد أجزأ عنه». «5»

و إذا مات في الطريق قبل الإحرام، فمقتضي القواعد فيه أيضاً عدم الإجزاء و لم يعلم الخلاف في ذلك إلا من صاحب الحدائق

و قد عرفت الكلام فيما استدل به لذلك.

______________________________

(1)- من السابعة الكاتب هو و أبوه ثقتان- كثير الرواية، صدوق من كتّاب المنتصر.

(2)- من السادسة.

(3)- محمد بن أبي حمزة من الخامسة أو السادسة، الثمالي ثقة فاضل له كتاب.

(4)- من السادسة. الحسين بن عثمان الأحمصي الكوفي ثقة له كتاب و لم أجد في الطبقات الحسين بن يحيي و في جامع الرواة: الحسين بن يحيي الكوفي عنه ابن أبي عمير.

(5)- وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب النيابة ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 117

و أما ما في رواية ابن أبي عمير من دلالة قوله عليه السلام: «و إن مات في الطريق فقد أجزأ عنه» علي الإجزاء إذا خرج من منزله و مات في الطريق، فإطلاقه يقيد بالإجماع و بمفهوم قوله عليه السلام في موثقة إسحاق بن عمار: «إن مات في الطريق، أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول» الذي قلنا: إن الظاهر منه رجوع القيد المذكور في كلامه عليه السلام إلي الأمرين أي الموت في الطريق و الدخول في مكة و ربما يستفاد ذلك أيضاً- كما أشار إليه بعض الفضلاء من شركاء البحث زاد اللّٰه في تأييدهم- من سؤال الراوي عن ابتلاء هذا الذي مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه بما يفسد حجه

و يؤيد ذلك- أي عدم الإجزاء- إطلاق موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل حج عن آخر و مات في الطريق قال: «قد وقع أجره علي اللّٰه و لكن يوصي فإن قدر علي رجل يركب و يأكل زاده فعل» «1» تدل بالإطلاق علي عدم الإجزاء إن مات في الطريق قبل الإحرام و التلبس بالحج، بل المتيقن منه

ذلك فإن إطلاقه بالنسبة إلي من دخل في الحج يقيد بمنطوق رواية إسحاق بن عمار. فتدبر

و إن مات النائب بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم فقد قوينا سابقاً «2» أن الحاج عن نفسه إذا مات بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم لا يجزيه، و هنا أيضاً مقتضي الأصل عدم الإجزاء. و هل يكون ذلك مقتضي التلازم و الاشتراك بين النائب و المنوب عنه في الحكم بحيث لو قلنا بالإجزاء هنا بحسب الدليل كان منافياً للقول بعدمه هناك ام ليس كذلك بل فرق بين ما إذا قلنا هناك بالإجزاء و هنا بالعدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من ابواب النيابة في الحج، ح 5.

(2)- فقه الحج: 1/ 295.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 118

فلا إشكال للفرق بينهما حيث إن الموت الطاري علي الحاج عن نفسه- كما قيل- من قبيل العذر المستمر المانع عن القدرة علي الأداء أبدا فحكم الشارع فيه بالإجزاء، و الموت الطاري علي النائب لا يكون كذلك لبقاء القدرة علي استنابة غيره فيجب تجديد الاستنابة دون ما إذا قلنا هناك بعدم الإجزاء و هنا بالإجزاء فإنه يوجب امتياز الفرع علي الأصل.

و بعبارة اخري: في الصورة الاولي التي حكم فيها بإجزاء الحج إذا كان عن نفسه و عدمه إذا كان عن غيره فالحكم بعدم إجزاء حج النائب موافق لما يقتضيه الأصل في حج النائب و المنوب عنه و إنما قلنا بالإجزاء في المنوب عنه بالدليل أما في الصورة الثانية فالقول بالإجزاء في حج النائب دون المنوب عنه مخالف لما هو تكليف المنوب عنه الفعلي.

و بعبارة اخري: يلزم قيام غير ما كان علي المنوب عنه مقام ما كان عليه بخلاف الصورة الاولي، فإنه لا يلزم منه

ذلك، إذا فالتفريق بين النائب و المنوب عنه بعدم الإجزاء في المنوب عنه و الإجزاء في النائب بعيد جداً يحتاج إلي تعبد قوي و دليل ظاهر.

و استدل للإجزاء بما في موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة: «إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه يجزي عن الأول» و بذلك يقيد إطلاق موثقة عمار الساباطي: «في رجل حج عن آخر و مات في الطريق قال: و قد وقع أجره علي اللّٰه و لكن يوصي فإن قدر علي رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل».

و أما إذا قيل بأنّ القيد يكون راجعاً إلي الأخير فتكون الرواية مجملة و القدر المتيقن منها الإجزاء بعد الإحرام و دخول الحرم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 119

و يمكن أن يقال: إنا و إن قوينا ظهور الرواية في رجوع القيد إلي الأمرين، أو بنينا علي كونها مجملة بناء علي احتمال اختصاص رجوع القيد إلي الأخير إلا أنه يمكن أن نقول: ان الظاهر اختصاص القيد بالأخير لا مجرد احتمال ذلك، لأن الموت في الطريق لا يكون غالباً إلا قبل انقضاء المناسك، فلا حاجة إلي تقييده بذلك.

فالرواية علي ذلك تكون مطلقة تدل علي الإجزاء مطلقاً سواء مات قبل الإحرام أو بعده قبل الدخول في الحرم أو بعده فتكون مدلولها و مدلول رواية ابن أبي عمير:

«فإن مات في الطريق فقد أجزأ عنه» واحداً تعارضهما رواية عمار الساباطي، فلا بد أن نجمع بينهما بالجمع الدلالي و إلا فبإعمال القواعد المذكورة في التعادل و الترجيح أو الحكم بالتساقط.

و يمكن أن يقال: إن روايتي ابن أبي عمير و إسحاق بن عمار نصان علي إجزاء الحج إذا مات بعد الإحرام و بعد الدخول في الحرم، و ظاهرتان في

الإجزاء فيما إذا مات قبل الإحرام أو بعده قبل الدخول في الحرم، و رواية عمار الساباطي نص في عدم الإجزاء إذا مات قبل الإحرام، و ظاهرة في عدم الإجزاء إذا مات بعد الدخول في الحرم أو بعد الإحرام. فيحمل ظاهر كل منهما علي نص الآخر، فنقول بالإجزاء فيما إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم و بعدم الإجزاء إذا مات قبل الإحرام، فيرتفع تعارضهما فيما إذا مات قبل الإحرام أو بعد الإحرام و الدخول في الحرم و يبقي علي حاله فيما إذا مات بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم فيتساقطان بالتعارض، و تبقي المسألة حينئذٍ تحت الأصل.

و يمكن المناقشة في أصل دلالة رواية عمار الساباطي علي عدم الإجزاء فإن قوله: «يوصي فإن قدر علي رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل» ليس ظاهراً في استنابة الحج بذلك، بل المراد مجرد الوصية برحله و زاده لمن ليس له ذلك استحباباً

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 120

و إلا فجواز استنابته رجلا آخر للنيابة عن المنوب عنه بدون إذنه يتوقف صحته علي كون إجارته نفسه غير مشروطة بمباشرته، و إلا فلا يجزي عما عليه من رد الاجرة إلي المستأجر، إذاً فلا يعتمد بهذه الرواية قبال الروايات الدالة علي الإجزاء لو لم نقل أنها أيضاً واحدة منها فتأمل جداً.

فعلي هذا يتم القول بالإجزاء إن مات بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم.

نعم، لا يؤخذ بإطلاقها في من مات قبل الإحرام بإعراض الأصحاب و تركهم العمل بها.

هذا و من ذلك كله ظهر لك وجه الإجزاء إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم و هو ثابت مجمع عليه.

[مسألة 10] استحقاق الاجرة قبل إتمام المناسك

مسألة 10- إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم أو قبله

علي البناء علي اجزائه فإن كان أجيراً علي تفريغ ذمة الميت و بعبارة اخري علي إتيان طبيعة الحج عنه، فلا ريب في أنه يستحق تمام الاجرة لأن ما أتي به فرد من تلك الطبيعة و إذا كان أجيراً علي إتيان فرد معين كالحج الذي يؤتي به بإتيان جميع المناسك، لا يستحق من الاجرة شيئاً.

و لو استأجره المستأجر للإتيان بالمناسك و الأجزاء علي أن تكون الأجزاء ملحوظة قبال الاجرة فهل يستحق من الاجرة ما يقابل ما أتي به أولا يستحق شيئاً أو يستحق تمام الاجرة؟

الظاهر أنه في هذه الصورة يستحق اجرة ما أتي به من العمل، لأن المستأجر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 121

استأجره علي كل واحد منها ليترتب عليه الحج و قد ترتب عليه في الفرض، و لا وجه لاستحقاقه تمام الاجرة لأنه صار أجيراً لكل واحد من هذه المناسك مشروطاً بدخله في وقوع الحج و بعد ظهور عدم دخله في ذلك و عدم إتيان الأجير به لا وجه لاستحقاقه اجرته.

هذا بالنسبة إلي نفس المناسك و ما في ضمنها من المقدمات، أما بالنسبة إلي المقدمات السابقة علي المناسك كالمشي إلي الميقات في الحج البلدي فهي و إن لم تكن ملحوظة علي نحو الموضوعية بأن ينوي الأجير النيابة عن المنوب عنه في مشيه إلي الميقات، كما هو الأمر في استيجار الحج البلدي يكون الأجير مستحقاً لتمام أجرة الحج إذا كان أجيراً لأداء طبيعة الحج و مستحقاً لُاجرة ما أتي به إذا كان أجيراً لإتيان المناسك و إذا كانت المقدمات ملحوظة في الإجارة كالمناسك يستحق اجرتها و اجرة ما أتي به من المناسك من الاجرة المسماة.

هذا إذا ترتب الحج علي المقدمات و أما إذا لم يترتب عليها، كما

إذا مات قبل وصوله إلي الميقات أو قبل دخوله الحرم، فالظاهر أنه لا يستحق من الأجرة شيئاً، أما إذا لم تكن المقدمات ملحوظة في الإجارة، فعدم استحقاقه واضح و إذا كانت ملحوظة فيها فلأنّها ملحوظة فيها بشرط وصولها إلي ذي المقدمة لا مطلقاً.

و من ذلك يظهر حكم الإياب إذا مات بعد الإحرام أو بعد تمام المناسك و أداء الحج فإنه إن كان ملحوظاً في الإجارة رجوع الأجير إلي بلد المنوب عنه لبعض الأغراض الشرعية أو العقلائية يوضع من الاجرة بحسبها و إلا فهو يستحق تمام الاجرة. كما ظهر بذلك أيضاً أنه لا يغرم المستأجر الأجير إن أتي ببعض المقدمات كتحصيل الجواز بصرف المال و مات قبل الوصول إلي الميقات.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 122

[مسألة 11] تعيين نوع الحج في الاجارة

مسألة 11- قيل: إنه يجب في الإجارة تعيين نوع الحج من التمتع و القران و الإفراد، حتي لا يلزم الغرر و ذلك لكون أعمال الحج غير متساوية، بل مختلفة حسب الكيفية و الأحكام و الاجرة و القيمة.

و فيه: أن ذلك إذا كان راجعاً إلي إبهام في موضوع الإجارة و أنه هذا أو هذا فيجب تعيينه، لعدم إمكان إلزام الأجير علي أحدهما المعين لما شاء المستأجر أحدهما و أراد الأجير الآخر. و بعبارة اخري: لا يمكن فصل خصومتهما في ذلك

و أما إن استأجر لإتيان طبيعة الحج الصادقة علي أفرادها من التمتع و القران و الإفراد و كانا عالمين باختلاف هذه الأفراد من حيث الكيفيات و الأحكام فلا يوجب ذلك غرراً بعد علمهما بذلك و رضاهما بالإجارة.

نعم، إذا لم يكونا عالمين بذلك يعتبر في صحة الإجارة التعيين، بل إذا كان الإجارة واقعة علي هذه الأقسام المعينة يجب علمهما علي الإجمال بالأعمال بمقدار يرفع

به الغرر.

هذا إذا لم يكن نوع خاص من الحج متعيناً علي المنوب عنه و إلا يجب في أداء ما في ذمته تعيين ما عليه و لكن هذا لا يرتبط بصحة الإجارة كما لا يخفي.

ثمّ إن عين في الإجارة نوعاً أو فرداً خاصاً لا يجوز للموجر العدول عنه إلي غيره. قال في العروة: (و إن كان إلي الأفضل، كالعدول من أحد الأخيرين (القران و الإفراد) إلي الأول (التمتع) إلا إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيراً بين النوع أو الأنواع كما في الحج المستحبي و المنذور المطلق أو كان ذا منزلين متساويين في مكة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 123

و خارجها- إلي أن قال- و يظهر من جماعة جواز العدول إلي الأفضل كالعدول إلي التمتع تعبداً من الشارع لخبر أبي بصير عن أحدهما عليها السلام في رجل أعطي رجلًا دراهم يحج بها حجة مفردة أ يجوز له أن يتمتع بالعمرة إلي الحج؟ قال عليه السلام: نعم إنما خالف إلي الأفضل «1» و الأقوي ما ذكرناه و الخبر منزل علي صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيراً بين النوعين جمعاً بينه و بين خبر آخر: في رجل أعطي رجلًا دراهم يحج بها حجة مفردة؟ قال: ليس له أن يتمتع بالعمرة إلي الحج لا يخالف صاحب الدراهم) «2»

أقول: سند الحديث الأول في الكافي «3» محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام «في رجل أعطي رجلًا دراهم يحج بها عنه». الحديث.

و في الفقيه «4» عن ابن محبوب مثله غير أنه قال: «إلي الفضل و الخير» و في الاستبصار «5» مثل الفقيه و في التهذيب

«6» مثل الكافي و في الوسائل «7» رواه عن الشيخ و قال بعد «عن أبي بصير»: «يعني المرادي».

و أما الحديث الثاني ففي الاستبصار «8» رواه عن محمد بن أحمد بن يحيي بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب النيابة في الحج ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب النيابة في الحج ح 2.

(3)- الكافي: 4/ 307.

(4)- الفقيه: 2/ 261.

(5)- الاستبصار: 2/ 323.

(6)- تهذيب الاحكام: 5/ 415.

(7)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب النيابة ح 1.

(8)- الاستبصار: 2/ 323.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 124

الهيثم بن النهدي عن الحسن بن محبوب عن علي عليه السلام «في رجل أعطي رجلًا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة؟ قال: ليس له أن يتمتع بالعمرة إلي الحج لا يخالف صاحب الدراهم». و رواه أيضاً في التهذيب و ليس فيه (عليه السلام).

و الذي يظهر من سند الثاني ضعفه لقطع الشيخ الذي أخرجه في كتابيه بأنه موقوف غير مسند إلي أحد من الائمة. و لا يعترض بمثله علي الأخبار المسندة، فما في الاستبصار المطبوع دون التهذيب من ذكر (عليه السلام) بعد «علي» اشتباه و وهم من النساخ، و احتمل في المدارك «1» أنه علي بن رئاب لكثرة رواية ابن محبوب عنه تبلغ 287 مورداً إن بنينا عليه يكفي في الاستدلال بالرواية، لأن مثل علي بن رئاب صاحب الأصل الكبير الثقة جليل القدر الذي قال المسعودي (إنه كان من علية علماء الشيعة و كان أخوه اليمان بن رئاب من علية علماء الخوارج و كانا يجتمعان في كل سنة ثلاثة أيام يتناظر ان فيها ثمّ يفترقان و لا يسلم أحدهما علي الآخر و لا يخاطبه) «2» و مثل هذا الشخص لا يقول ما يقول

في الأحكام الشرعية إلا عن الإمام عليه السلام، و لا يروي مثل ابن محبوب عنه فتواه إذا لم يكن منقولًا عن الإمام عليه السلام.

و كيف كان بصرف النظر عن هذا الخبر ففي دلالة خبر أبي بصير علي جواز العدول تعبداً نظر، فإن الظاهر منه أنه أعطاه الدراهم ليحج عنه حجة مفردة لعدم كفاية ذلك للحج التمتع، فلم يرد معطيها الا خصوص حج الإفراد، فإن كان يري أن من أعطاه الدراهم يقبل ذلك يذكر له حج التمتع، فلا دلالة لهذا الحديث أزيد من ذلك. و اللّٰه العالم.

______________________________

(1)- مدارك الاحكام: 7/ 121.

(2)- راجع مروج الذهب: 3/ 129.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 125

[مسألة 12] عدم اشتراط تعيين الطريق و المركب في الاجارة

مسألة 12- لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و تعيين المركب من السفينة أو السيارة أو الطائرة أو غيرها، و إن كان في الحج البلدي، قال في العروة: (لعدم تعلق الغرض بالطريق نوعاً).

و فيه: أن ذلك يصلح لعدم اشتراط الطريق من جانب المستأجر، فإنه بحسب النوع لا يشترط فيها خصوص الطريق، أما عدم اشتراط تعيين الطريق في صحة الإجارة فوجهه عدم اعتبار ذلك في صحتها فيستأجر المستأجر الأجير في الحج البلدي فهو يأتي به من بلده من أي طريق كان إلي مكة كمن صار أجيراً لإيصال مكتوب إلي بلد معين فإنه تصح إجارته و لو لم يعين الطريق إليه.

و الحاصل أن الإجارة تقع صحيحة إن لم يعين الطريق فيها و إن كان بعض الطرق متعلقاً لبعض أغراضه، حتي إن كان الحج من طريق خاص واجباً علي المنوب عنه لا دخل لاشتراطه علي الأجير في صحة الإجارة، نعم هو دخيل في تفريغ ذمة المنوب عنه.

و لو عين المستأجر طريقاً خاصاً تعيّن و لا يجوز للأجير العدول

عنه إلي غيره، إلا إذا علم أنه لم يرد- بذكره طريقاً خاصاً- التعيين و خصوص ذلك الطريق و إنما ذكره علي المتعارف فيكون هو بالخيار يختار أي طريق شاء و لا يكفي في ذلك مجرد عدم العلم بإرادة الخصوصيّة، فإن العدول عما يستفاد من ظاهر اللفظ عند العرف لا يجوز إلا بالقرينة و إلا فالمتبع هو أصالة الظهور و البناء علي كون المتكلم في كلامه مريدا لظاهره.

و علي هذا إذا علم أنه لم يرد الخصوصية فعدل عنها لم يعمل خلاف مقتضي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 126

الإجارة و يستحق تمام الاجرة، كما إذا أسقط المستأجر بعد العقد تلك الخصوصية، أما القول بجواز العدول مطلقاً أو إذا لم يعلم بإرادة الخصوصية فهو مخالف للقاعدة.

و استدل لجواز العدول بصحيحة حريز التي رواها المشايخ الثلاثة عنه. قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أعطي رجلًا حجة يحج (بها) عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ فقال: لا بأس إذا قضي جميع المناسك (مناسكه) فقد تم حجه». «1»

إلا أن الظاهر أن السؤال و الجواب وقعا عن إجزاء الحج عن المنوب عنه لا عن استحقاق الأجير الاجرة.

و أما الجواب عنها بأنها محمولة علي صورة العلم بعدم الفرض كما هو الغالب «2»، ففيه: أن مورد السؤال هو تخلف الأجير من جهة مبدأ السفر لا من جهة اختيار طريق آخر إلا أن يقال: إن الطريق من الكوفة لا ينتهي إلي البصرة فيكون السؤال عن مبدأ السفر و عن العدول عن الطريق المعين في العقد. و كيف كان فحمل الرواية علي الصورة المذكورة في غاية البعد لا وجه له.

و قد حمل الحديث علي محامل اخر مثل ما عن الذخيرة: أن قوله: (من الكوفة)

متعلق بقوله: (أعطي) «3» و في المدارك: (و هي لا تدل صريحاً علي جواز المخالفة لاحتمال أن يكون قوله: من الكوفة صفة لرجل لا صلة للحج). «4» و كيف كان لا يتم الاحتجاج بالرواية علي جواز العدول مطلقاً.

هذا تمام الكلام في حكم جواز العدول التكليفي عن الطريق المعين إلي غيره،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب النيابة ح 1.

(2)- معتمد العروة: 2/ 62.

(3)- ذخيرة المعاد/ 563.

(4)- مدارك الاحكام: 7/ 123.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 127

و حكمه الوضعي بالنسبة إلي إجزائه عن المنوب عنه، أما بالنسبة الي استحقاق الأجير الاجرة علي تقدير العدول، فقد ذكر السيد- قده سره- لذلك صوراً:

أحدها: ما إذا كان الطريق مأخوذاً علي نحو الشرطية.

و ثانيتها ما إذا كان ذلك علي نحو القيدية.

و ثالثتها إذا كان علي وجه الجزئية.

أما الكلام في الصورة الاولي فالظاهر أنه يستحق تمام الاجرة لإتيانه بمتعلق الإجارة، و تخلفه عن الشرط لا يوجب غير ما يوجب التخلف عنه في مثل البيع و هو خيار الفسخ للمستأجر، فإن أخذ بالخيار و فسخ العقد يسترد الاجرة المسماة و عليه اجرة المثل، لأن العمل الذي صدر من الأجير صدر بإذنه.

و أما الصورة الثانية- و هي ما إذا كان الطريق مأخوذاً علي نحو القيدية، كالحج البلدي- فإن لم يأت به الأجير و أتي به من غير البلد أو الطريق المعين لا يستحق شيئاً من الاجرة، لأنه لم يأت بالعمل المستأجر عليه، و إن فرض براءة ذمة المنوب عنه بعمله.

و في الجواهر- بعد نقل ذلك عن المدارك- قال: «لكن الأصح خلافه ضرورة صدق كونه بعض العمل المستأجر عليه و ليس هو صنفاً آخر، و ليس الاستيجار علي خياطة تمام الثوب فخاط بعضه مثلًا بأولي

منه بذلك بناءً علي عدم الفرق بين التخلف لعذر و غيره في ذلك، و إن اختلف في الإثم و عدمه لأصالة احترام عمل المسلم». «1»

و فيه أولًا: أن العمل المستأجر عليه هو العمل المقيد بالقيد بجميع أجزائه، و ما

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 376.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 128

أتي به عن الأجزاء ليس جزءاً من ذلك العمل

و ثانياً قياس ما نحن فيه بالخياطة قياس مع الفارق بأن الأجير علي خياطة الثوب أتي ببعض العمل و فيما نحن فيه ما أتي به ليس بعضه لأنه مقيد بالطريق المعيّن و إذا انتفي القيد ينتفي المقيد، و المثال لذلك الاستيجار لزيارة يوم عرفة أو العمرة الرجبية إذا تحلف الأجير فزار مثلًا يوم عاشورا أو اعتمر في شعبان.

و ثالثاً احترام عمل المسلم لا يقتضي ضمانه مطلقاً و إلا فأي فرق بين هذه الصورة و ما إذا حج عنه متبرعاً؟ و اللّٰه هو العالم.

الصورة الثالثة من صور أخذ الطريق في عقد الإجارة أن يكون ذلك علي نحو الجزئية. و هذا يكون تارة في مقام الإثبات و الدلالة دون مقام الثبوت بحيث يكون كل واحد من جزئي العقد و الإجارة مقصوداً بالاستقلال فيكون متعلق الإجارة أمرين و الإجارة الواقعة إجارتان إحداهما تعلقت بالطريق و ثانيتهما تعلقت بأعمال الحج كما إذا نكح امرأتان بنكاح واحد أو باع الكتاب و البيت مثلًا بعقد واحد و إنشاء واحد كل منهما بثمن معين. ففي هذه الصورة إن لم يأت الأجير أو البائع بأحد جزئي المستأجر عليه أو المبيع فللمستأجر مطالبة به إن بقي إمكان تسليمه و إلا إن فوته عليه الأجير فله مطالبته بقيمته، كما أن الظاهر أن له فسخ المعاملة و استرداد اجرته المسماة إن

أداها إليه.

و أما فسخ كل الإجارة لتبعض الصفقة و استرداد الاجرة المسماة لكل واحد من الجزءين ورد اجرة مثل ما أتي به الأجير إليه فالظاهر أنه لا وجه له.

و إذا كان الجزءان منضمين بأُجرة معينة واحدة فأتي الأجير بالحج من غير الطريق المعين عليه فالظاهر أن المستأجر مخير بين فسخ الإجارة و استرداد الاجرة المسماة و دفع اجرة مثل الحج لتبعض الصفقة و بين الرجوع إلي الأجير بقيمة ما فوته

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 129

عليه و هي اجرة مثل الطريق.

[مسألة 13] إيجار النفس لمباشرة حجتين في سنة معينة

مسألة 13- قال في الجواهر: (و إذا استوجر لمباشرة حجة في سنة معينة لم يجز أن يوجر نفسه لمباشرة اخري في تلك السنة قطعاً لعدم القدرة علي التسليم، فتبطل الثانية حينئذٍ و لو فرض اقترانهما بطلتا معاً، بل قد يقال: يكون الحكم كذلك مع عدم اعتبار المباشرة، فإنه و إن تمكن من الإتيان بهما بالاستنابة لكن يعتبر في الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه فلا يجوز إجارة الأعمي علي قراءة القرآن علي إرادة الاستنابة، ففي الفرض لا يجوز الإجارة الثانية للحج في تلك السنة و إن كان المراد بها أو بالأولي أو بهما ما يعم الاستنابة. و لكن قد ذكرنا في كتاب الإجارة احتمال الصحة) «1».

أقول: ما ذكره من احتمال الصحة هو الأقوي و لا وجه لمنع جواز استيجار الأعمي لاستنابته للقراءة كما هو كذلك في إجارة الحائض لكنس المسجد إذا لم يشترط عليها المباشرة فإن المعتبر في الإجارة كون ما استوجر له الأجير مقدوراً عليه و لو بالتسبيب و لا وجه لاشتراط أزيد من ذلك في صحة الإجارة.

هذا و لو كانت الإجارة الاولي مطلقة غير مقيدة بسنة معينة، قال في الجواهر:

(فعن الشيخ إطلاق عدم

جواز الإجارة لُاخري حتي يأتي بالاولي و قال المصنف- يعني المحقق- و الفاضل في محكي المنتهي: يمكن أن يقال بالجواز إن كانت لسنة غير

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 377.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 130

الاولي بل عن المعتبر الجزم به و هو كذلك لإطلاق الأدلة السالمة عن المعارض بل في المدارك: يحتمل قوياً جواز الاستيجار للسنة الاولي إذا كانت الإجارة الاولي موسعة إما مع تنصيص الموجر علي ذلك أو القول بعدم اقتضاء الإطلاق التعجيل، قال: و نقل عن شيخنا الشهيد في بعض تحقيقاته أنه حكم باقتضاء الإطلاق في كل الإجارات التعجيل فيجب المبادرة بالعمل بحسب الإمكان و مستنده غير واضح و هو كذلك أيضاً بناء علي الأصح من عدم اقتضاء الأمر الفور و الفرض عدم ظهور في الإجارة بكون قصد المستأجر ذلك). «1»

أقول: الظاهر اقتضاء إطلاق الإجارة التعجيل لا من جهة اقتضاء الأمر الفور بل لأن النظم العرفي في المعاملات يقتضي ذلك حتي يكون للمستأجر حق مطالبة الأجير بالعمل بالإجارة فالعرف في معاملاتهم يكونون علي ذلك إلا في صورة التنصيص علي الخلاف و علي هذا فالقول بعدم جواز الإجارة للأخري وجيه إلا أن تكون الثانية مقيدة بغير السنة الاولي أو كانت الاولي موسعة بتنصيص المستأجر علي ذلك، و اللّٰه هو العالم.

ثمّ هنا فروع أشار إليها في العروة:

منها أنه لو اقترن الإجارتان كما إذا آجر نفسه بالمباشرة لشخص و آجره وكيله كذلك للآخر في سنة معينة و اتفق وقوع الإجارتين في زمان واحد بطلتا معاً فلا يترتب علي إنشائهما أثر كما إذا باع بنفسه ماله من شخص و باع وكيله من آخر في وقت واحد أو زوجت نفسها من شخص و زوجها وكيلها من شخص آخر في زمان

واحد فلا يترتب علي عمل الوكيل و الموكل أثر عند العرف و لا يعتبر العرف

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 378.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 131

الزوجية و الملكية بذلك لامتناع ترتب الأثر علي كل واحد من الإنشاءين و ترتبه علي الواحد المعين منهما كعقد الموكل و إن كان لا مانع له في عالم الاعتبار سواء كان بالمرجح أو بغير المرجح إلا أنه لم يثبت بناء من العرف علي ذلك حتي تشمله الأدلة و إمضاء الشارع له و هذا هو وجه البطلان لا أن صحة العقد تحتاج إلي الدليل و الأدلة لا تشمل المقام لأن شمولها لهما معا غير ممكن و شمولها لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح فالنتيجة هي البطلان فإن البحث من شمول الدليل و عدمه إنما يجي ء بعد كون المورد بيعاً أو نكاحاً أو إجارة عند العرف و لم يعتبر العرف وقوع الإجارة و البيع و النكاح في مثل ما نحن فيه لا بكليهما و لا بأحدهما، أما بكليهما فإن اعتبار الأثر لهما غير ممكن و أما لأحدهما دون الآخر فلم يثبت منهم البناء علي ترتب الأثر لذلك و اعتبار الملكية و الزوجية لأحدهما او لخصوص ما صدر عن الموكل و شمول الأدلة للعقود فرع وجودها في عالم الاعتبار عند العرف و بنائهم علي ترتب الأثر عليها.

و بالجملة عدم شمول الأدلة لأحدهما ليس من جهة أنه ترجيح بلا مرجح بل لعدم موضوع تشمله الأدلة و الأدلة تشمل ما كان عند العرف منشأً للآثار و مثل هذا الإنشاء ليس عنده منشأ لذلك و لم يستقر منهم البناء عليه. فتدبر.

الثاني: لو آجره فضوليان من شخصين مع اقتران الإجارتين أو سبق أحدهما المعين أو غير المعين علي الآخر:

له إجازة كل واحد منهما أراد لأن صحة عقد الفضولي و نفوذه تابعان للإجازة سواء تعلقت بالسابق أو اللاحق.

الثالث: من آجر نفسه من شخص ثمّ علم أن فضوليا آجره من سابقاً من شخص آخر لا يجوز له إجازة عقد الفضولي سواء قلنا بأن الإجازة ناقلة أو كاشفة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 132

أما علي القول بالنقل فعدم جوازه واضح لعدم إمكان نقله إلي الغير بعد انتقاله إلي الآخر و أما علي القول بالكشف فقد أفاد في العروة في وجه بطلان الإجازة انصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك فكأنه يري شمول أدلة الصحة لهذه الصورة و إنما رفع اليد عنها لانصرافها عن مثل ذلك.

و لذا أورد عليه بعض الأعاظم و قال: (لا يخفي ما فيه من المسامحة و الأولي أن يعلل ذلك بقصور أدلة صحة المعاملة الفضولية عن شمول ذلك- ثمّ بين- أن الدليل علي الصحة إن كان هو النصوص الخاصة فهي لا تشمل هذه الموارد و تختص بمواردها المذكورة فيها فما دل علي صحة النكاح الفضولي لا يشمل المورد الذي زوجت المرأة نفسها من شخص آخر و كذا ما دل علي صحة بيع الفضولي و إن كان الدليل علي صحة الفضولي هو القاعدة المستفادة من مثل قوله تعالي «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» «1» أو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «2» و قلنا بشمولها للمالك المجيز فيجب عليه الوفاء بالعقد لأن العقد الفضولي بعد الإجازة يستند إليه و يصير عقداً له في عالم الاعتبار فيجوز استناد البيع الذي هو من الامور الاعتبارية إلي المجيز حقيقة و إن لم يصدر منه العقد و يصدق عليه عنوان الموجر و البائع إلا أن المعاملة الفضولية بعد صدور المعاملة و التمليك و التملك من

نفس المالك لا تقبل الإجازة و الاستناد إليه ثانياً). «3»

و فيه: أن الأمر في الامور الاعتبارية سهل فيمكن أن نقول: إن الاجازة بعد ما كانت كاشفة تكشف من كون العقد الفضولي مستنداً إلي المجيز دون عقد نفسه فالأولي بالنسبة إلي هذه القاعدة دعوي الانصراف. و اللّٰه هو العالم

______________________________

(1)- البقرة/ 275.

(2)- المائدة/ 5.

(3)- معتمد العروة: 2/ 71.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 133

[مسألة 14] عدم جواز تأخير الحج أو تقديمه إذا آجر نفسه في سنة معينة

مسألة 14- لا يجوز لمن آجر نفسه للحج في سنة معينة تأخيره عنها و لا التقديم غير أن في صورة التقديم لا يجزيه عما عليه بالإجارة و يجب عليه الإتيان به في السنة المعينة أما في صورة التأخير فهو آثم بتأخيره و عدم وفائه بعقد الإجارة سواء كان التعيين علي وجه الشرطية أو القيدية أو الجزئية.

و علي هذا إن أخره و أتي به في السنة الثانية فإن كان علي وجه الشرطية يجوز للمستأجر إسقاط الشرط و أداء تمام الاجرة المسماة و يجوز له الفسخ و استرداد اجرة المسماة من الأجير ورد اجرة المثل إليه و إن لم يأت به بعد فللمستأجر إسقاط الشرط و إلزام الأجير بإتيان الحج أو الفسخ و استرداد الاجرة المسماة.

و أما إذا كان علي وجه القيدية فتقديمه علي السنة المعينة لا تجزي أيضاً و علي الأجير إتيانها في السنة المعينة اللهم إلا أن يقال: إن متعلق الإجارة إن كان الحج الواجب في ذمة المنوب عنه فأتي الأجير به في السنة المتقدمة علي السنة المعينة حيث إنه يبرأ ذمة المنوب عنه به لا محل للإتيان بمتعلق الإجارة ثانياً فلا يستحق الأجير علي المستأجر شيئاً بعنوان الاجرة المسماة و لا بعنوان اجرة المثل.

نعم إذا كان علي وجه الشرطية فحكمه و حكم صورة

الإتيان به متأخراً عن السنة المعينة واحد، و إذا أتي به في صورة التقييد متأخراً لا يستحق علي الأجير شيئاً و أما إذا كان علي وجه الجزئية فالكلام فيه يظهر بالتأمل فيما مر في المسألة السابقة.

إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة فتصور كون ذلك علي وجه الجزئية لا

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 134

الشرطية و لا القيدية فهو في غاية الإشكال لأن فرض كون وقوع الحج في سنة معينة جزءاً للمستأجر عليه في أصل الحج فرض غير معهود بل غير واقع كفرض كون المبيع متصفا بصفة كذائية جزءاً للمبيع و ذلك لأن كون شي ء جزءاً لمورد المعاملة تارة يكون في مقام الإثبات بأن يكون متعلق الإجارة أو البيع أمرين و كل واحد منهما مقصوداً بالاستقلال فيجعلهما تحت عقد و إنشاء واحد فيقول مثلًا: بعت ما علم بما علم أو أجرت ما علم بما علم في المدة المعلومة ففي مثل ذلك لنا إجارتان لكل منهما حكمه الخاص و تارة يكون شيئين لكل واحد منهما دخل في الغرض المقصود منهما أو كماله كمصرعي الباب و كالفرس و جله ففي مثل ذلك إذا ظهر الخلاف و بطلان المعاملة بالنسبة إلي أحد الجزءين يكون للمشتري أو للمستأجر خيار تبعض الصفقة.

و أما إذا كان أحدهما وصفا للآخر لا وجود له بنفسه قبال الآخر كالعرض و المعروض ففرض الجزئية في مثله لا مفهوم له و لا يجي ء هنا إلا خيار تخلف الوصف إذا كان متعلق المعاملة جزئياً خارجياً و إلا فإن كان كلياً يجب علي البائع أو الأجير الإتيان بواجد الوصف و إن تعذر بتقصيره، للمستأجر فسخ المعاملة أو مطالبة الأجير بالقيمة.

و كيف كان علي فرض تصور الجزئية في مثل الحج

في السنة المعينة فإن قدّم الحج عليها فإما أن لا يكون ذلك رافعاً لموضوع الإجارة كما إذا كان الاستيجار للحج الاستحبابي أو للنذر المقيد بالسنة المذكورة يجب عليه الإتيان به في السنة المعينة و إما أن يكون تقديم الحج علي السنة المعينة مانعا عن الوفاء بالإجارة في تلك السنة و رافعا لموضوعه كما إذا استأجره لحجة الإسلام أو للنذر المطلق فيرجع إليه المستأجر بقيمة الجزء و يكون له خيار تبعض الصفقة فإن فسخ العقد يسترد تمام

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 135

اجرة المسماة و عليه أداء أجرة مثل الحج إلا أنه قد قلنا: إن تصور الجزئية في مثل ما نحن فيه و ترتب الأحكام عليه في غاية الإشكال فلا بد أن يرتب عليه أحكام الوصف و خيار تخلف الوصف.

و أما إذا أخر الحج عن السنة المعينة و أتي به في السنة المتأخرة فللمستأجر أن يرجع إلي الأجير بقيمة الجزء

أو يفسخ العقد و يسترد الاجرة المسماة و يؤدي اجرة المثل و إن لم يأت به بعد فللمستأجر أن يفسخ العقد و يسترد تمام الاجرة المسماة، أو مطالبة الأجير بإتيان الحج ورد ما يعادل اجرة الجزء من المسماة.

و بعد كل هذا التفصيل الذي لا يتجاوز عن عالم التصور بل تصوره أيضاً في غاية الإشكال، نؤكد بأن أخذ مثل قيد السنة في المستأجر عليه لا يكون إلا علي نحو الشرطية أو القيدية هذا كله فيما إذا كان أجيراً لإتيان الحج في سنة معينة و إذا أطلق الإجارة فعلي القول بعدم وجوب التعجيل يأتي به الأجير في سنة الإجارة و ما بعدها علي نحو لا يعد تأخيره ترك الالتزام بالعقد و علي القول بالتعجيل يأتي به في السنة التالية، ثمّ

التالية و هل يوجب ذلك للمستأجر الخيار؟ فيه وجهان، و الظاهر أنه من آثار الالتزام بالعقد كتسليم المبيع في البيع و ليس بمنزلة الاشتراط و إنما يجب عليه ذلك تكليفاً فوراً ففوراً. فلا يوجب الخيار.

[مسألة 15] تصحيح الاجارة الثانية

مسألة 15- قد علم مما سبق عدم صحة الإجارة الثانية إذا سبق عليها إجارة نفسه بالمباشرة لسنة معينة إذا كانت الثانية أيضاً إجارة لتلك السنة كذلك.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 136

و لكن وقع البحث في أنه هل يمكن تصحيح الإجارة الثانية بإجازة المستأجر الأول حتي كانت الثانية واقعة له و كان الأجير مستحقاً للُاجرة المعينة في الاولي و المستأجر الأول مستحقاً للُاجرة الثانية، أو تكون الإجازة مفيدةً لرفع يد المستأجر الأول عن شرط الإتيان بالحج في خصوص تلك السنة أو رضاه بقبول غير المستأجر عليه المقيد بكونه في سنة معينة برفع اليد عن القيد، حتي يكون الأجير مستحقاً لُاجرته في الإجارة الاولي و اجرته في الثانية في الصورة الاولي أو يكون الأجير فقط مستحقاً للُاجرة الثانية دون المستأجر؟ كما يأتي تفصيله.

يمكن أن يقال: الإجارة الاولي إذا كانت واقعة علي تمليك عمل الأجير للمستأجر سواء كان شاملًا لجميع أعماله و منافعه أو كان مختصا بعمله الخاص كحج هذه السنة بالمباشرة فإذا آجر نفسه من غير هذا المستأجر علي أن يكون منافعه أو منفعته الخاصة ملكاً له كالمستأجر الأول فأجاز المستأجر الأول تلك الإجارة تقع إجازته علي العقد الذي تعلق بملكه و هو منفعة الأجير فطبعاً تؤثر إجازته و تكون الإجارة الثانية للمجيز فيستحق الأجير علي المستأجر الأول الاجرة المسماة المعينة في العقد الأول و المستأجر الاجرة المسماة في الإجارة الثانية. و لا فرق في ذلك بين أن يستأجره الأول ليحج عن

زيد في سنة معينة و يستأجره الثاني ليحج عن عمرو في تلك السنة بأُجرة معينة أو استأجره الأول ليحج عن زيد بأُجرة معينة في هذه السنة و استأجره الثاني أيضاً ليحج عن زيد بأُجرة معينة.

و إذا كانت الإجارة الاولي واقعة علي كون العمل في ذمة الأجير علي وجه الشرطية، فهل للمستأجر الأول إجازة الإجارة الثانية أو ليس له لأن متعلقها ليس ملكا له ذلك و لا متعلقاً لحقه؟

يمكن أن يقال: إن المعاملة إذا توقفت صحتها علي إجازة الغير و إن لم يكن

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 137

ذلك التوقف لكون متعلقها ملكاً للمجيز أو متعلقاً لحقه تكفي في صحة المعاملة و صحة الإجارة هذه الإجازة و معني إجازتها إسقاط شرط المباشرة أو تعيين السنة لا الإقالة و لا فسخ المعاملة و علي هذا فالأجير يملك علي المستأجر الأول الاجرة المعينة في العقد الأول و علي المستأجر الثاني الاجرة المعينة في الإجارة الثانية.

و أما إذا كانت علي كون المستأجر عليه بقيد المباشرة علي ذمة الأجير فصحة إجازة المستأجر للإجارة الثانية محل الإشكال. و إن قيل: الإجازة معناها قبول غير المستأجر عليه بدلًا عنه، فإن هذا محتاج إلي مبادلة جديدة بينه و بين الأجير. و إن كان المراد إقالة الإجارة الاولي حتي يكون الأجير بالنسبة إلي إجارته الثانية كمن باع شيئاً فضولًا ثمّ ملكه قيل: إنه يصحّ بإجازته و قيل: لا يصح إلا بتجديد الإجارة.

و علي ما ذكر: إذا كانت الإجارة الاولي واقعة علي ما في الذمة و الثانية علي المنفعة الخاصة يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأول التي هي عبارة اخري من رفع اليد عن شرط المباشرة و إذا كانت بالعكس فتصحيح الإجارة الثانية لا يمكن إلا

بشرط إقالة الاولي أو قبول ما هو المستأجر عليه في الثانية الذي اخذ الإتيان به بالمباشرة علي وجه الشرطية بدلًا عما هو المستأجر عليه في الاولي.

[مسألة 16] إذا صار النائب مصدوداً أو محصوراً

مسألة 16- إذا صار النائب مصدوداً أو محصوراً يجب عليه ما يجب علي الحاج عن نفسه.

لعموم الأدلة المثبتة لهذه الأحكام فإنها بإطلاقها تشمل الحاج عن غيره كما تشمل الحاج عن نفسه، و هذا واضح، كما تشمله أدلة سائر الأحكام

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 138

و أما الإجارة فهي تنفسخ إذا كانت مقيدة بتلك السنة، و مع الإطلاق يبقي الحج في ذمة الأجير و إذا كان اعتبار تلك السنة في الإجارة علي وجه الشرط، فللمستأجر خيار تخلف الشرط، فإن لم يأخذ به يبقي الحج في ذمة الأجير حتي يأتي به.

و إذا كان الصد أو الحصر بعد الإحرام أو بعده و بعد دخول الحرم لا يجزي عن المنوب عنه و إن قلنا به في من مات كذلك، فكما لا يجزي المصدود أو المحصور إذا كان حاجّاً عن نفسه لا يجزي عن المنوب عنه إذا حج عنه غيره و هذا خلافاً للشيخ في الخلاف فإنه قال: (إذا مات أو احصر بعد الإحرام سقطت عنه عهدة الحج و لا يلزمه رد شي ء من الأجرة- إلي أن قال-: دليلنا: إجماع الفرقة فإن هذه المسألة منصوصة فهم لا يختلفون فيها) «1».

لكن المحتمل كما ذكره بعضهم وقوع السهو هنا. و ربما يقال باشعار كلام الشرائع علي موافقته للشيخ في ذلك فإنه قال: (و لو احصر أو صد قبل الإحرام و دخول الحرم استعيد من الاجرة بنسبة المتخلف) «2». فإن مفهومه أنه إذا احصر بعد ذلك لا يستعاد منه بنسبة المتخلف و الحكم بذلك لا يتم إلا علي

القول بكون الإحصار بعد الإحرام و بعد دخول الحرم كالموت، و كيف كان فالحكم بذلك كأنه لا وجه له و قياسه بالموت مع الفارق سيما مع عدم القول به في الحج عن نفسه.

ثمّ إنه نسب إلي ظاهر المقنعة و النهاية و المهذب بل قيل: إنه ظاهر المبسوط و السرائر أنه لو ضمن الأجير الحج في المستقبل يلزم علي المستأجر قبوله.

______________________________

(1)- الخلاف: 1/ 429.

(2)- شرايع الاسلام: 1/ 170.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 139

و ضعفه ظاهر لمخالفته للقاعدة و عدم وجود دليل عليه و لذا حمله غير واحد- علي ما في الجواهر «1» علي إرادة ما إذا رضي المستأجر بضمان الأجير، بمعني استيجاره ثانياً.

ثمّ إنه قال في العروة: (ظاهرهم استحقاق الاجرة بالنسبة إلي ما أتي به من الأعمال و هو مشكل لأن المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه و عدم فائدة فيما أتي به فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد و الحصر و كالانفساخ في سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها، و قاعدة احترام عمل المسلم لا تجري لعدم الاستناد إلي المستأجر فلا يستحق اجرة المثل أيضاً).

أقول: وجه السيد الاستاد الأعظم قدس سره استحقاق الأجرة و قال في حاشيته علي العروة: (عدم إجزاء ما أتي به من الأعمال لعدم حصول ما بقي منها لا ينافي كونه آتياً ببعض العمل المستأجر عليه فالأقوي هو استحقاقه من الاجرة بنسبة ما أتي به من الأجزاء بل و كذا المقدمات مع فرض دخولها في المستأجر عليه، و إن كان بوصف المقدمية، لأن هذا الوصف ثابت لها و إن لم توصل إلي ذي المقدمة و عدم حصول شي ء من الغرض بالجزء و المقدمة لا يضر لعدم وقوع الإجارة علي الفرض).

أقول:

إذا كانت الأعمال ملحوظة في الإجارة كل واحد منها بنفسه لا بحيث كونه مرتبطاً بغيره يوزع الاجرة و يستحق العامل اجرة ما أتي به من المستأجر عليه و أما إذا كانت الأجزاء كل واحد منها بوصف لحوق الأجزاء المتأخرة عليه و معنوناً بعنوان الجزء ملحوظاً في الإجارة، فلا يتعنون الأجزاء بصفة الجزئية للكل إلا إذا

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 380.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 140

أتي بالكل، كما أنه إذا لم يكن ملحوقاً به الجزء اللاحق لا يكون متعلقاً للإجارة حتي يكون الإتيان به إتيان العمل المستأجر عليه.

و أما قول السيد: (و عدم فائدة فيما أتي به) لعل مراده أنه إذا كان ما أتي به مما فيه الفائدة للمستأجر و ينتفع به، يمكن أن نقول: إنه ليس له مجاناً فعليه أداء قيمته، أما فيما نحن فيه فلا ينتفع المستأجر بما أتي به الأجير لأنه لا يصح جعل ما أتي به جزء لما يأتي به الآخر حتي يكون بعض الأعمال صادراً من شخص و بعضها الآخر من الآخر كالبناء و نحوه.

و أما قاعدة احترام عمل المسلم فهي أيضاً كما ذكره إنما تجري فيما إذا كان العمل صادرا منه و مستنداً إلي الغير، مضافاً إلي أنه قد وقع البحث بينهم فيها و اختار بعضهم أنها قاعدة تكليفية لا تقتضي الضمان مستفادة من موثقة سماعة: «لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفسه» «1» و في الحديث النبوي المعروف: «المؤمن حرام كله عرضه و ماله و دمه». «2» نعم من جملة أسباب الضمان استيفاء عمل الغير.

[مسألة 17] إتيان النائب ما يوجب الكفارة

مسألة 17- إذا أتي النائب بما يوجب الكفارة تجب عليه من ماله، لإطلاق الأدلة و لأنها عقوبة علي فعل صدر منه

و لا شي ء علي المستأجر لعدم ما يقتضي ضمانه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب مكان المصلي ح 1.

(2)- بحار الأنوار: 77/ 160.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 141

[مسألة 18] هل يقتضي اطلاق الاجارة التعجيل ام لا؟

مسألة 18- قد مر الكلام في اقتضاء إطلاق الإجارة و أنه هل يقتضي التعجيل أم لا؟

و لكن لم نستوف الكلام في ذلك و ما بنينا عليه من أن النظم العرفي في المعاملات يقتضي ذلك إذا كان العقد مطلقاً حتي يكون للمستأجر أو لكل واحد من المتعاقدين حق مطالبة ما ملكه بالعقد من الآخر،

فيه: أن هذا يقتضي الحلول في مقابل الأجل لا التعجيل و وجوب الأداء إذا لم يطالبه منه، و هذا المقدار- أي عدم جواز التأخير- إذا طالبه صاحبه بالتسليم و الأداء ثابت بالاتفاق، و المراد بالتعجيل إن كان ذلك فلا بحث فيه، أما الزائد علي ذلك و هو وجوب التسليم و الأداء و إن لم يطالبه صاحبه فمحتاج إلي البحث و الدليل، و لذا نقول: إذا كان العوض أو المعوض عيناً من الأعيان يجب علي من بيده تسليمه لعدم جواز الاستيلاء علي مال الغير و وجوب أدائه إليه و حرمة تصرفه فيه إلا بإذنه و رضاه، فيجب عليه التعجيل في التسليم و الأداء.

و أما إذا كان المال في الذمة كالعمل المستأجر عليه مثل الحج و كالثمن الكلي أو المثمن الكلي.

ففيه: و إن كان لصاحب المال حق مطالبته ممن هو بيده و يجب عليه إجابته و ليس له التأخير، إلا أن في صورة عدم المطالبة الحكم بوجوب التعجيل يحتاج إلي الدليل،

و التمسك علي ذلك بأن الأمر يقتضي الفورية، ففيه: أن المراد بالأمر إن كان الأمر بالوفاء بالعقد فهو يتوقف علي كون ذلك وفاءً به مضافاً إلي عدم

تمامية ذلك

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 142

من حيث الكبري لعدم دلالة الصيغة علي أزيد من طلب إيجاد الطبيعة كما بين في محله

نعم، قيل بأن ذلك مقتضي قاعدة السلطنة علي الأموال و الحقوق، فإنها تقتضي وجوب المبادرة إلي الأداء لأن التأخير خلاف تلك القاعدة. «1»

و فيه: أن ما تقتضيه قاعدة السلطنة هو سلطنة صاحب المال و المستأجر علي مطالبة الأجير بأداء المال و الخروج عن عهدة ما عليه سواء كان من الأعيان الخارجية أو كلياً ثابتاً في ذمته.

و كذلك الاستدلال علي وجوب التعجيل بما دل علي حرمة حبس الحقوق ففيه: أن ما دل عليها إن كان من أدلة حرمة الغصب و الاستيلاء علي مال الغير أو حرمة التصرف فيه، فهو يجي ء في الأعيان الخارجية، فمن استجار داراً لمدة معينة يجب عليه بعد انقضاء المدة تسليمها إلي الموجر و إخراجها عن تحت يده، لأن بقاءها تحت يده استيلاء عليه و تصرف يحتاج إلي رضي المالك و بقاء الكلي في الذمة و عدم رده ليس من الاستيلاء علي مال الغير و التصرف فيه و إن طالبه المستأجر و إنما يجب عليه الأداء لوجوب الوفاء بالعقد و لقاعدة السلطنة. و اللّٰه العالم.

[مسألة 19] فيما لو فضلت الأجرة أو قصرت

مسألة 19: قد وردت روايات في أن من أعطي مالًا يحج به ففضل منه أنه له، و لم أجد في الروايات حكم ما إذا قصرت الاجرة إلا أن الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن في صورة الفضل للأجير ما فضل و ليس

______________________________

(1)- راجع مستمسك العروة: 11/ 46.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 143

للمستأجر استرداده و في صورة القصر لا يجب علي المستأجر أداء ما قصر و لا حق للأجير عليه.

و استدل لهما في الجواهر بالأصل السالم

عن المعارض و لصورة الفضل بأن من كان عليه الخسران كان له الجبران «1» و هذا نظير من كان عليه الغرم فله الغنم علي هذا إن صح الاستدلال بذلك فيمكن الاستدلال به لصورة القصر أيضاً، بأن يقال:

من كان له الغنم فعليه الغرم، و كيف كان فالمسألة مورد الاتفاق.

و ظاهر الجواهر و من اعتمد علي كلامه وجود النصوص علي الصورتين، و لكن عرفت أننا لم نجدها إلا في الصورة الاولي. و عن النهاية و المبسوط و المنتهي استحباب الإتمام في صورة القصر لكونه من المعاونة علي البر و التقوي «2».

و فيه: أنه يتم لو كان الإتمام في أثناء العمل أو قبله.

و عن التذكرة و التحرير و المنتهي استحباب الرد في صورة الفضل تحقيقاً للإخلاص في العبادة. «3»

و فيه أيضاً: إن كان ذلك بعد العمل لا يؤثر في الإخلاص، نعم إن كان قبل العمل أو في أثنائه أو نوي ذلك حين العمل يؤثر فيه. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 20] استحقاق الأجير بعد ما أفسد حجه

مسألة 20- لا ريب في ان الأجير للحج كالأصيل إن أفسد حجه بالجماع قبل المشعر يجب عليه إتمامه و الحج من قابل و كفارة بدنة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 381.

(2)- جواهر الكلام: 17/ 382.

(3)- جواهر الكلام: 17/ 382.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 144

لإطلاق النصوص و شمولها للحاج عن نفسه و عن غيره. و لكن يأتي الكلام في أنه هل يستحق الاجرة علي الاول اولا؟ قولان مبنيان علي أن الواجب الأصلي هو الأول و الثاني عقوبة، أو أن الحج الثاني هو الأصلي و إتمام الأول عقوبة.

فإن قلنا بالأول يستحق الاجير تمام الأجرة، لأنه أتي بالحج المستأجر عليه و فرغت به ذمة المنوب عنه، فإن اتفق موت الأجير قبل إتيانه بالثاني أو

تركه عصياناً أو نسياناً لا حق للمستأجر عليه، لأنه لا دخل لإتيانه بالثاني في صحة الأول.

و في الجواهر قال: (التحقيق أن الفرض الثاني لا الأول الذي اطلق عليه اسم الفاسد في النص و الفتوي … ) «1».

و علي هذا يلزم علينا النظر في النصوص سنداً و دلالة حتي يتبين الحكم إن شاء اللّٰه.

فنقول: أما ما يدل علي أن الأول هو الأصل و المكلف به و الثاني عليه عقوبة فمنها المضمرة التي رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة قال: «سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ قال: جاهلين أو عالمين؟

قلت: أجبني في الوجهين جميعاً، قال: إن كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا علي حجهما و ليس عليهما شي ء و إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتي يقضيا نسكهما و يرجعا إلي المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: فأيّ الحجتين لهما؟ قال:

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 389.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 145

الأولي التي أحدثا فيها ما احدثا و الاخري عليهما عقوبة» «1».

و إضمارها غير مضر باعتبارها بعد ما كان المضمر مثل زرارة الذي لا يسأل الحكم عن غير الإمام عليه السلام و دلالتها علي إجزاء الأول عن التكليف ظاهر لا يحتاج إلي البيان.

و ما قيل من أن صدرها و إن كان مطلقاً يشمل المحرم النائب إلا أن ذيلها يدل علي أنهما حجا عن أنفسهما «2» لا يضر علي ما نحن بصدده من كون الأول هو المكلف به و الواقع عن المنوب عنه، لعدم احتمال الفرق في ذلك بين

الحاج عن نفسه و النائب.

و منها: صحيحة إسحاق بن عمار التي سبق ذكرها، قال: «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه- إلي أن قال-: فإن ابتلي بشي ء يفسد عليه حجه حتي يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم، قلت:

لأن الأجير ضامن للحج؟ قال عليه السلام: نعم» «3». و صحيحته الاخري: «في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجه شيئاً يلزمه فيه الحج من قابل أو كفارة؟ قال: هي للأول تامة و علي هذا ما اجترح». «4»

قال بعض الأعاظم قدس سره: (هذه الروايات صريحة في صحة الحج الأول و أنه الحج الأصلي و الثاني عقوبة) «5».

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 373.

(2)- معتمد العروة: 2/ 58.

(3)- وسائل الشيعة: باب 15 من أبواب النياية ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: باب 15 من أبواب النياية ح 2.

(5)- معتمد العروة: 2/ 86.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 146

و ظهور هذه الروايات بل صراحتها علي صحة الحج الأول و إجزائه عن المنوب عنه لا يقبل الإنكار و عليه تفرغ ذمة المنوب عنه و إن لم يأت النائب بالحج الثاني عصياناً أو نسياناً.

نعم، يمكن التكلم في دلالة الثانية لقوله: «يفسد عليه حجه حتي يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول» فإنه يدل علي فساد حجه و بقائه في ذمته حتي يأتي به في العالم القابل.

و مراده من قوله: «أ يجزي عن الأول» يمكن أن يكون السؤال عن إجزائه عن الأول بعد اتيان النائب به ثانياً لإمكان أن لا يكون مجزياً عن الأول مطلقاً لفساد حجه الأول و لأن الثاني عقوبة عليه.

و كيف كان ففي غيرها من الروايات غني و كفاية لذلك.

و أما ما يمكن أن

يستدل به لكون الفرض الثاني فهو ظاهر قولهم عليهم السلام في روايات كثيرة: «فعليه الحج من قابل» فإن ظاهره أن عليه حجه الذي كان عليه يأتي به من قابل إلا أن ذيل رواية زرارة التي فيها «و عليهما الحج من قابل» تفسر هذه الروايات بأن الحج من قابل عقوبة.

نعم، أخرج الكليني عن عدة من أصحابنا «1» عن أحمد بن محمد عن الحسين

______________________________

(1)- إن كان أحمد بن محمد، أحمد بن محمد بن عيسي فالمراد من العدة محمد بن يحيي العطار و علي بن موسي الكميداني و داود بن كورة و أحمد بن إدريس و علي بن إبراهيم، و إن كان أحمد بن محمد بن خالد فهم علي بن إبراهيم و علي بن محمد بن عبد اللّه بن اذينة و أحمد بن عبد اللّه و علي بن الحسن و أحمد بن محمد بن عيسي و أحمد بن محمد بن خالد و هما من السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 147

بن السعيد «1» عن فضالة بن أيوب «2» عن أبي المغراء «3» عن سليمان بن خالد «4» قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: في الجدال شاة، و في السباب و الفسوق بقرة، و الرفث فساد الحج» «5».

و لكن الظاهر بقرينة ما دل صريحاً علي أن الاولي له و أنها تامة أنّ المراد بالفساد وقوع الخلل الكبير فيها بحيث يوجب عليه بدنة و الحج من قابل.

ثمّ إنه لا فرق علي القول بكون الحجة الاولي تامة بين كونها مطلقة أو معينة.

و هل يجب عليه أن يأتي بالحج الثاني بقصد النيابة عن المنوب عنه أو بهذا العنوان الذي وجب علي نفسه؟ الظاهر أنه يأتي به كذلك و إن كان يمكن

أن يحتاط بإتيانه بقصد الواجب الذي عليه.

هذا كله علي القول بأن الحج الأول وقع صحيحاً، و أما علي القول بفساده و أن الفرض هو الثاني فالكلام فيه يقع في طي امور:

الأول: هل المستفاد من الأدلة وجوب الحج عليه من قابل مطلقاً و إن لم يكن الحج الأول واجباً عليه أو انفسخت الإجارة لكونها مقيدة بسنة معينة إذ المراد من قوله عليه السلام: «عليه الحج من قابل» بيان فساد حجه و أنه حيث كان آتياً بالحج الواجب، عليه الحج من قابل فلا يجزي عنه، فإذا كان حجه مستحباً أو نيابة عن

______________________________

(1)- من كبار السابعة.

(2)- من السادسة ثقة في حديثه مستقيماً في دينه ممن أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصح عنهم و تصديقهم و أقروا لهم بالعلم و الفقه.

(3)- حميد بن مثني من الخامسة ثقة ثقة له أصل.

(4)- من الرابعة كان قارياً وجيهاً وجهاً.

(5)- الكافي: 4/ 339، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 148

الغير بالإجارة و انفسخت إجارته بفساده أو بالإقالة لا يجب عليه الحج من قابل؟

فيه وجهان.

الثاني: هل تنفسخ الإجارة حينئذٍ إذا كانت مقيدة بسنة معينة؟ قيل: إن ظاهرهم ذلك.

و فيه: أن الإجارة تنفسخ إذا صار الأجير معذوراً من إتيانه و انتفي موضوعها بأسباب قهرية غير اختيارية، أما إذا صار الأجير عاجزاً عن الإتيان بالمستأجر عليه بتقصيره و اختياره فالظاهر أنه لا وجه لانفساخ الإجارة بنفسها، فللمستأجر مطالبة الأجير بالقيمة ورد الاجرة المسماة أو الفسخ و استرداد الاجرة المسماة، و إذا كانت الإجارة مطلقة يبقي المستأجر عليه في ذمة الأجير.

الثالث: علي البناء علي فساد الحج الأول، لا ريب في عدم استحقاق الأجير الاجرة عليه، و هل يستحقها إذا أتي بالحج الثاني أم لا؟ حكي عن جماعة

أنه لا يستحق الاجرة عليه و إن أتي به بقصد النيابة، و ذلك لعدم إتيان العمل المستأجر عليه في السنة المعينة و الحج الذي أتي به لم يأت به بأمر المستأجر حتي يوجب الضمان. بل أتاه بأمر اللّٰه تعالي عقوبة عليه.

و فيه: أن كون الثاني عقوبة معناه الإتيان به لأمره الخاص به و لازمه كون الأول مجزياً، فإذا كان الأول فاسداً يجب أن يكون الثاني صحيحاً مجزياً بدلًا عن الأول و لو شرعاً و تعبداً و مقتضي ذلك استحقاق الأجير للُاجرة.

نعم: إن قلنا بأن الأول إذا كان مقيداً بسنة معينة و لم يكن مطلقاً و فسد بالرفث لا يجب عليه الحج من قابل، لأن وجوبه يدور مدار بقاء الإجارة و بعد انفساخها بالرفث لا يجب عليه الحج من قابل فلا يستحق الأجير الاجرة حينئذ.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 149

و بالجملة: فالظاهر أن الحج الثاني إن كان عقوبة فيجب أن يكون الأول مجزياً صحيحاً و إن كان هو الحج الأصلي فيستحق الأجير عليه الاجرة المسماة شرعاً و ما قيل من أنه لا ملازمة بين وجوبه في القابل و كونه عوضاً «1» صحيح لامكان كون وجوبه في القابل عقوبة و لكن ندعي الملازمة بين عدم كونه عقوبة و كونه بدلًا و عوضاً.

و الحاصل: لا ريب في أن إحدي الحجتين تجزي عن التكليف الأصلي فإن كانت هي الحجة الاولي يستحق الأجير الاجرة، و إن كانت الثانية لكونها بدلًا و عوضاً عن الاولي فيستحق الاجرة شرعاً بحكم الشارع.

الرابع: هل تفرغ ذمة المنوب عنه إن قلنا بعدم استحقاق الأجير للُاجرة فلا يجب عليه الحج ثانياً أم لا؟. الظاهر أنه لو قلنا باستحقاق الأجير للُاجرة، لا كلام في فراغة ذمة المنوب

عنه، و أما لو قلنا بعدم استحقاقه للُاجرة فهل يوجب إتيان الأجير بالحج من قابل براءة ذمة المنوب عنه أم لا؟

الظاهر أنه يوجب ذلك فإن قوله عليه السلام: «عليه الحج من قابل» يعني الحج الذي كان عليه فكما أنه إذا كان حاجّاً عن نفسه يجزيه ذلك عن حجة الإسلام و لا يجب عليه الثالث، كذلك في الحج النيابي ما يلزم عليه هو الحج الأول من قابل، فلا يجب عليه في صورة الإطلاق حج ثالث و لو كان علي الحاج عن نفسه حج ثالث يكون هو حجة إسلامه التي قصدها في الحج الأول و كذلك لو كان علي النائب حج ثالث أو المنوب عنه لكان اللازم الإيعاز إليه في الروايات و حيث لم يوعزوا إلي ذلك يعلم منه كفايته عن الحج الأول.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 90.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 150

[مسألة 21] متي يملك الاجير الاجرة

مسألة 21- يملك الأجير الاجرة بمجرد الإجارة، كما أن المستأجر أيضا يملك العمل في ذمته كذلك.

و قد ذكروا هنا فروعا لا بأس بالإشارة إليها:

أحدها: أنه لا يجب علي المستأجر تسليم الاجرة إلا بعد العمل لبناء المعاملات علي التسليم و التسلم، إلا إذا كان هناك شرط مذكور بينهما أو انصراف إلي صورة متعارفة.

ثانيها: أنه لو كانت الإجارة مطلقة و تبرع الوكيل أو الوصي بإعطاء الاجرة قبل العمل يكون ضامنا، لأنه لم يكن له ذلك إلا إذا كانت وكالته أو وصايته علي ذلك، و أما إذن الوارث فلا أثر له في جواز الإعطاء و لا يخرج به الوصي عن الضمان لأنه أجنبي عن المال.

ثالثها: أنه لو لم يقدر الأجير علي العمل قبل تسليم الاجرة إليه هل لكل من المستأجر و الأجير فسخ الإجارة، أو أن ذلك يوجب

بطلان العقد لعدم قدرة الأجير علي التسليم؟ و أما الفسخ فهو متوقف علي بقاء الإجارة في صورة عدمه و مع عدم القدرة علي التسليم لا تبقي الإجارة و لا موضوع لجوازها و ترتب آثارها عليها.

و بذلك يجي ء الإشكال فيما هو المتعارف من استيجار من ليس قادرا علي الحج بالاجرة، فإنه إذا كان الأجير بنفسه عاجزا عن الإتيان بالعمل إلا بالاجرة فليس العمل مقدوراً بنفسه من أول الأمر، فإذا كانت صحة الإجارة متوقفة علي كون العمل مقدوراً للأجير فلا تنعقد هذه الإجارة، لأنه يجب أن يكون الأجير

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 151

متمكنا من إتيان العمل بنفسه و قبل الإجارة، إذاً فكيف يصح استيجار من لا يتمكن من الحج بنفسه؟

ثمّ علي الوجه الأول ما معني كون خيار الفسخ للأجير كالمستأجر؟ فإنه يمكن أن يقال: إن المستأجر له الخيار فإما يفسخ المعاملة فلا حق للأجير عليه، و إما يختار البقاء عليها فتبقي ذمة الأجير مشغولة له بالحج أو بقيمته، و أما الأجير فهو لا يقدر علي تسليم العمل فلا حق له علي المستأجر و لا يجوز له مطالبة الاجرة فسخ أم لم يفسخ.

رابعها: إذا كانت الاجرة عينا فنمت قبل العمل و قبل تسليمها فالنماء يكون للأجير و إن حصل عند المستأجر، لأنه بعقد الإجارة صار مالكاً لها فهو تابع للأصل.

[مسألة 22] المباشرة و التسبيب في الاجارة

مسألة 22- مقتضي إطلاق الإجارة المباشرة، لأن ظاهر قوله:

آجرتك علي أن تفعل كذا، صدور الفعل عن الأجير بالمباشرة و منتسبا إليه بنفسه، فلا ترفع اليد عن هذا الظاهر إلا بالقرينة، إذاً فلا يكفي التسبيب في تحصيله، و ليس هذا مثل قولهم: «بني الأمير المدينة» فإنه مجاز معلوم بالقرينة، لأن الأمير لا يباشر بنفسه أمر بناء المدينة، فعلي هذا

لا يجوز للأجير استيجار الغير إلا بإذن المستأجر.

و هنا رواية عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام رواها في الكافي عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن جعفر الأحول، عن عثمان بن عيسي، قال: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: ما تقول في الرجل يعطي الحج فيدفعها إلي غيره؟ قال: لا

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 152

بأس به». «1»

و رواها الشيخ في التهذيب تارة عن محمد بن أحمد بن يحيي عن أبي سعيد عن يعقوب بن يزيد عن جعفر الأحول عن عثمان بن عيسي بلفظ الكافي «2» و أُخري عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن الأحول عن عثمان بن عيسي عن أبي الحسن عليه السلام: «في الرجل يعطي الحج فيدفعها إلي غيره قال: لا بأس». «3»

و هذه الرواية ساقطة عن الاحتجاج بها بما في سندها من بعض العلل:

أما سندها في الكافي فسهل بن زياد من الطبقة السابعة و جعفر الأحول إن كان من الخامسة فهو مجهول و روايته عمن هو في الطبقة المتأخرة عنه لا يستقيم، و إن كان جعفر بن بشير فهو من السادسة، ثقة، جليل القدر، غير أنه لم يوصف بالأحول و عثمان بن عيسي أيضاً من السادسة يروي عن مولانا الرضا عليه السلام و هو ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم.

و أما سند التهذيب الأول فمحمد بن أحمد بن يحيي من السابعة ثقة، إلا أنه قيل: إنه يروي عن الضعفاء و أبو سعيد أيضا من السابعة و لعله هو سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي، و يعقوب بن يزيد من السابعة كاتب المنتصر، هو و أبوه ثقتان و جعفر الأحول ففيه ما ذكر.

و أما سنده الثاني

فجعفر بن بشير من السادسة و أما الأحول فإن كان من الخامسة ففيه الإشكال المذكور و إن كان من السادسة فهو مجهول، و الحاصل إن السند مضطرب جداً و الظاهر إن أسد الثلاثة سند الكافي و لكنه هو ضعيف بجعفر

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 309.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 17.

(3)- تهذيب الاحكام: 5/ 462

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 153

الأحول.

و أما دلالتها فيمكن أن يقال: إن مورد السؤال فيها هو إعطاء الحج ليأتي بها بالمباشرة فدفعها إلي غيره، فأجاب الإمام عليه السلام: «لا بأس به» و أما إذا أعطاها مباشرة أو بالتسبيب فلا حاجة فيه إلي السؤال.

و يمكن أن يقال بالعكس: فإنه اعطي الحجة ليأتي بها بالمباشرة لا محل للسؤال عن جواز دفعها إلي غيره، فلا بد أن يكون السؤال عما إذا لم يكن هنا ما يدل علي المباشرة أو الأعم منها و من التسبيب، فنفي الإمام عليه السلام البأس عن دفعها إلي غيره.

و كيف كان ليست للرواية دلالة ظاهرة علي إطلاق جواز الدفع إلي الغير و لو كان كلام المستأجر ظاهرا في المباشرة. و اللّٰه العالم.

[مسألة 23] استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعاً للافراد

مسألة 23- لا يجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعاً لأن يحج حج الإفراد عمن عليه حج التمتع.

و ذلك لعدم الدليل علي كون ذلك بدلًا اضطراريا عن التمتع و إن انحصر الأجير بهذا الشخص، و لا يكفي في ذلك، القول به في من حج عن نفسه و ضاق وقته عن إتمامه تمتعاً، و إن كان فيه أيضاً إشكال، لأن ما يدل علي بدلية الإفراد عن التمتع إذا حج عن نفسه لا يكفي في إثبات بدلية حج النائب، و تمام الكلام يأتي إنشاء اللّٰه في محله.

و أما لو استأجره في سعة

الوقت و اتفق ضيق الوقت في الأثناء، ففي جواز العدول إلي الإفراد و إجزائه عن المنوب عنه و عدمه قولان، أقواهما الجواز و

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 154

الإجزاء، و ذلك لإطلاق طائفة من أخبار العدول المذكورة في الوسائل. «1»

و لا وجه لانصرافها إلي الحاج عن نفسه، غير كون الحج عن نفسه متيقناً منه، و لكن ذلك لا يوجب الانصراف و اختصاص المطلق به كما في سائر الموارد و إلا فلا يبقي إطلاق لمطلق، لأن في كل مطلق يوجد قسم خاص شمول المطلق له يقيني أو أظهر فيه من سائر الأفراد.

و بعبارة اخري: المطلق يدل عليه بالنص و في غيره يكون بالظهور و هذا لا يوجب صرف حجية المطلق عن سائر أفراده و اختصاصه بالمتيقن.

ثمّ إن لازم القول بجواز العدول إلي الإفراد بل بوجوبه هو الإجزاء عن المنوب عنه لأن البناء علي شمول الروايات للحج النيابي و عدم اختصاصه بالحج عن نفسه ذلك فكما يجزيه العدول في الحج النفسي يجزيه عن النيابي. و هذا نظير النيابة في الصلاة فمن شك فيها بين الثلاث و الأربع يبني علي الأربع و يأتي بصلاة الاحتياط و يجزي ذلك عن المنوب عنه. و إن علم بعد ذلك نقصان صلاته واقعاً. فلا فرق في ذلك بين صلاة نفسه و صلاته نيابة عن غيره.

و أما استحقاق الأجير للُاجرة فإن كان أجيراً علي الحج المفرغ للذمة، فلا شك في استحقاقه، لأنه أتي بما يجب عليه بحسب الإجارة.

نعم إن كان أجيراً لخصوص حج التمتع أو لأفعال حج التمتع لا يكون مستحقاً للُاجرة في الصورة الاولي، و في الثانية يكون مستحقا لها بنسبة ما أتي به من الأعمال إن لم تكن الإجارة واقعة علي كل

منها بوصف كونه سابقا علي الأعمال المترتبة عليه و إلا فلا يستحق شيئا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 155

[مسألة 24] التبرع عن احد في الحج

مسألة 24- لا إشكال و لا خلاف ظاهراً في جواز التبرع عن الميت في الحج الواجب سواء كان حجة الإسلام أو غيرها.

قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص مستفيضة أو متواترة فيه من غير فرق في الميت بين أن يكون عنده ما يحج به عنه أم لا و بين إيصائه به و عدمه و بين قرب المتبرع للميت و عدمه و بين وجود المأذون من الميت أو وليه و عدمه، كل ذلك لإطلاق النصوص و معاقد الإجماعات). «1»

أقول: من تلك الروايات التي أشار إليها صاحب الجواهر قدس سره ما رواه في الكافي بإسناده عن ابن مسكان عن عامر بن عميرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

بلغني عنك أنك قلت: لو أن رجلًا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه؟ فقال: نعم اشهد بها عن أبي أنه حدثني أن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أتاه رجل فقال: يا رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم إن أبي مات و لم يحج فقال له رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم يجزي منه». «2»

و دلالته علي إطلاق جواز النيابة عن الميت و إن لم يكن النائب من أهله، إنما تكون بإلغاء الخصوصية و عدم الفرق في التبرع عن الميت بين أهله و غيره. كما أن الإمام عليه السلام لم يفرق بين الولد و غيره من أهله و

لم يختص الحكم بالولد عن والده.

و روي الحديث الشيخ في التهذيب إلا أنه قال: «عن عبد اللّٰه بن مسكان عن

______________________________

(1)- الجواهر: 17/ 387.

(2)- الكافي: 4/ 277.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 156

عمار بن عمير». «1» و لذلك أسند بعض الأعاظم من المعاصرين السهو إلي قلمه الشريف لعدم وجود هذا الاسم في الرواة و أنه لم يذكره في رجاله و ذكر عامر بن عمير و حيث إن الظاهر اتحادهما و الكافي أضبط منه فهو عامر بن عميرة. «2»

أقول: الرجل من الخامسة و يكفي في الاعتماد عليه كون الراوي عنه ابن مسكان الذي هو ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم و تصديقهم لما يقولون و أقروا لهم بالفقه و الراوي عن ابن مسكان في سند التهذيب صفوان بن يحيي الجليل و الراوي عنه موسي بن القاسم الذي هو أيضا من الأجلاء، إذا فلا نحتاج في الاعتماد علي مثل هذا أن يكون الرجل من رجال كامل الزيارات حتي يرد علي المعتمد عليه عدوله عن البناء علي كون رجال كامل الزيارات كلهم من الثقات.

ثمّ إن هنا رواية رواها الشيخ في موضعين من التهذيب عن موسي بن القاسم «3» عن عثمان بن عيسي «4» عن و زرعة بن محمد «5» عن سماعة بن مهران «6» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر؟ فقال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك». «7»

و قد يتوهم دلالتها علي أن الحج عن الميت إذا كان موسراً لا يجزي عنه إلا من

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 404

(2)- معتمد العروة: 2/ 101.

(3)- من السابعة ثقة جليل واضح الحديث له

ثلاثون كتاباً.

(4)- من السادسة ثقة واقفي رجع عن الوقف.

(5)- من السادسة ثقة واقفي له أصل.

(6)- من الخامسة واقفي ثقة له كتاب.

(7)- تهذيب الاحكام: 5/ 15 ح 41 و 404/ ح 1406 و 52.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 157

ماله.

و فيه: إن من المحتمل أن يكون المراد أنه لا يجوز التصرف في ماله قبل إخراج حجه منه أو لا يجوز غير الحج و لا يكفي له.

و ربما يشهد لذلك صحيحة حكم بن حكيم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

إنسان هلك و لم يحج و لم يوص بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلا أو امرأة هل يجزي ذلك و يكون قضاءً عنه؟ و يكون الحج لمن حج و يؤجر من أحج عنه؟

فقال عليه السلام: إن كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً و اجر الذي أحجه». «1»

وجه الاستشهاد بها أن قوله: «و لم يوص بالحج» يدل علي أن الميت له مال و لم يوص بالحج و إلا فلا أثر للوصية و عدمها «2».

و فيه: أن السائل ربما كان يحتمل دخل الوصية بالحج في إجزائه عن الميت. و بعبارة اخري: كان سؤاله عن جواز النيابة عن الميت ابتداء و إن لم يوص هو به و كيف كان لا خلاف بينهم في جواز التبرع عن الميت بالحج و إن كان هو موسراً. و اللّٰه هو العالم.

هذا كله في التبرع عن الميت و أما التبرع عن الحي فقد ادعي الإجماع علي عدم جواز النيابة عنه في الحج الواجب و ذلك مقتضي الأصل و ظاهر أدلة تشريع الحج.

نعم قد مر في الحي المستطيع مالًا العاجز عن المباشرة وجوب الاستنابة عليه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 28 من أبواب وجوب الحج ح 8.

(2)- راجع

المعتمد العروة: 2/ 101.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 158

الذي لم يكن عليه حج واجب أو كان و لا يستطيع أن يأتي به. «1»

و أما الحج المندوب فيجوز الاستيجار و التبرع فيه حتي بغير إذنه، لظاهر الأخبار المذكورة «2»، فما عن المنتهي من التصريح بعدم جواز الحج ندباً عن الحي إلا بإذنه، مردود بهذه الأخبار.

و أما إذا كان عليه حج واجب يستطيع أن يأتي به فجواز استيجار الحج المندوب له أو النيابة عنه تبرعاً محل إشكال، لأن النيابة إنما تصح إذا كان المنوب عنه مأموراً بالعمل الذي ينوب عنه النائب و من كان عليه حجة الإسلام أو حج واجب آخر ليس مأموراً بغيره. اللهم إلا أن يقال: إنه مأمور به بالأمر الترتبي.

و فيه: إن ذلك فرع إثبات الأمر بالمندوب كالأمر بالمهم.

أما الاستدلال للجواز بإطلاق بعض الروايات مثل ما رواه في الكافي في حديث عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن ابن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من حج فجعل حجته عن ذي قرابته كانت حجته كاملة و كان للذي حج عنه مثل أجره إن اللّٰه عز و جل واسع لذلك». «3»

فهو ضعيف بابن أبي حمزة، مضافا إلي ما في دلالته فإن الظاهر أن المراد منه جعل الثواب لذي قرابته لا نيابته عنه، و علي فرض دلالته شموله للنيابة عمن عليه الحج الواجب محل المنع.

______________________________

(1)- فقه الحج: 1/ 271.

(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب النيابة.

(3)- الكافي: 4/ 316.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 159

[مسألة 25] نيابة واحد عن اثنين أو أكثر

مسألة 25- قال في الجواهر: (و لا يصح أن ينوب نائب واحد عن اثنين في حج واجب لعام

واحد بلا خلاف أجده فيه. بل الإجماع بقسميه عليه لعدم ثبوت مشروعية ذلك بل الثابت خلافه، فلو وقع الحج كذلك بطل لامتناعه لهما لعدم قابليته للتوزيع و لا لواحد بخصوصه لعدم الترجيح و لا له لعدم نيته له فليس حينئذ إلا البطلان). «1»

فالعمل الواحد المركب ذات الأجزاء و الشرائط و إن كان قابلًا لأن يصدر من اثنين إذا لم يكن صدوره من واحد من شرائطه إلا أنه لا يجزي عن العملين المستقلين المشروط وجود كل منهما بصدوره عن عامل واحد أو مستقلًا عن الآخر.

نعم يمكن تصور الاشتراك في الحج الواجب علي الاثنين، بأن نذرا كل منهما أن يشترك مع الآخر في إحجاج شخص أو استنابته فيحج النائب عنهما هذا الحج الواجب عليهما فهو نائب به عن اثنين.

هذا كله في الحج الواجب و أما في المندوب فيجوز أن يأتي به عن نفسه و غيره واحداً كان أو أكثر و ذلك للإجماع و دلالة الأخبار الكثيرة مثل صحيحة محمد بن إسماعيل: قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام كم اشرك في حجتي؟ قال: سألت كم شئت» و في بعضها: «لو اشركت ألفاً في حجتك لكان لكل واحد حجة من غير أن تنقص حجتك شيئا»، «2» علي النيابة و اشتراك الغير في الإتيان بالعمل.

و أما التشريك في الثواب و إهدائه إلي الغير فجوازه ثابت في مطلق العبادات

______________________________

(1) جواهر الكلام: 17/ 393.

(2)- وسائل الشيعة: ب 28 من ابواب النيابة ح 1

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 160

و الطاعات و لا ينافي ذلك ما جاء في بعض الروايات في من نوي أن أدخل غيره في حجته فنسي «الآن فأشركها»:

فإنه ظاهر في جعل الثواب له و إنه بمنزلة التشريك من أول الأمر و

كيف كان فالظاهر عدم الخلاف في ذلك.

نعم ربّما يقال: إن ظاهر هذه الروايات جواز التشريك إذا حج عن نفسه و أما في الحج عن غيره فلا دلالة لها عليه. «1»

و فيه: إلغاء الخصوصية و إن بعد دلالة هذه الأخبار بجواز التشريك إذا كان حاجّاً عن نفسه لا يحتمل اختصاص الحكم بصورة كون الحج عن نفسه.

مضافا إلي إمكان أن نقول: إن المراد «بحجتي» الحج الصادر منه بالمباشرة لا خصوص الحج الذي نواه لنفسه. و اللّٰه تعالي هو العالم.

[مسألة 26] نيابة اثنين أو أزيد عن واحد

مسألة 26- يجوز نيابة اثنين و أزيد عن شخص واحد، ميتا كان أو حياً في الحج المندوب.

قال في الجواهر: (فقد احصي عن علي بن يقطين في عام واحد ثلاثمائة ملبياً و مائتان و خمسون و خمسمائة و خمسون). «2»

و في حاشية الوسائل: «قد روي الشيخ و الكشي عن علي بن يقطين أنه احصي له في عام واحد من وافي عنه إلي الحج فكانوا مائة و خمسين ملبياً و روي

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 11/ 74.

(2)- الجواهر: 17/ 388.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 161

ثلاثمائة و أنه كان يعطي بعضهم عشرين الفاً و بعضهم عشر آلاف و أدناهم خمسمائة درهم). «1»

و عن المنتهي التصريح بعدم جواز الحج ندباً عن الحي إلا بإذنه.

و في الجواهر: (أنه واضح الضعف «2» و لعله لإطلاق بعض الأخبار).

و يجوز ذلك في الواجب أيضاً عن الميت، كما إذا كان عليه حجان مختلفان نوعاً كحجة الإسلام و النذر أو متحدان كحجتين واجبتين بالنذر و عن الحي إذا كان لا يقدر هو بنفسه سواء كانا مختلفين بالنوع أو متحدين، فيجوز له استيجار شخصين في عام واحد و ذلك لإطلاق الأدلة و عدم ما يدل علي الترتيب بينهما، كما يجوز ذلك

إذا كان أحدهما واجباً و الآخر مندوبا. بل قيل: يجوز أن يستأجر أجيرين لحج واحد كحجة الإسلام في عام واحد احتياطاً، لاحتمال بطلان حج أحدهما.

و فيه: إن كان المراد استيجار أحدهما المعين لحجة الإسلام التي عليه في الواقع منجزاً و الآخر احتياطاً و رجاءً فيشكل للثاني الدخول في الحرم، لأنه لا يجوز دخول الحرم بدون الإحرام و كون مثله محرماً غير معلوم و إن كان المراد استيجار كل منهما للحج الواجب حتي يكون كلاهما أو واحد منهما موجبا لبراءة ذمته، فصحة كليهما مبنية علي اتفاق خروج كليهما عنه في زمان واحد، و أما إذا اتفق سبق أحدهما علي الآخر. ينطبق الواجب علي الأول منهما دون الثاني و علي فرض بطلان الأول ينطبق علي الثاني دون الأول، فعلي هذا نيابة الاثنين عن الواحد- يتحقق إذا اتفق خروج كليهما عن الواجب في زمان واحد.

______________________________

(1)- حاشية وسائل الشيعة: 11/ 202.

(2)- الجواهر: 17/ 388.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 163

الكلام في الوصية بالحج

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 165

الكلام في الوصية بالحج

[مسألة 1] حكم اخراج حج الموصي به

مسألة 1- إذا أوصي بحجة الإسلام تخرج من أصل تركته، كما هو الحكم به في صورة عدم الوصية، فإن إخراج الوصية من الثلث مختص بما إذا لم يكن إخراج موردها واجباً علي كل حال و لو لم يوص به.

و بعبارة اخري تخرج الوصية من الثلث إذا صار إخراجها واجباً بالوصية، و لو بنينا علي إخراج حج الإسلام الموصي به من الثلث يزاحم سائر الوصايا، فربما لا يبقي محل للعمل بها في غير حج الإسلام. لكن هذا البناء مبني علي كون المراد من الثلث المذكور في باب الوصية ثلث التركة لا ثلث ما يبقي منها بعد أداء ديون الميت.

و الظاهر اتحاد حكم الحج الواجب بالنذر مع حجة الإسلام لاتحادهما في كونهما من الديون و أما غيرهما كالحج الواجب بالعهد و اليمين و الإفساد فالظاهر عدم كونها من الديون المالية التي تخرج من أصل تركة الميت فإن أوصي بها تخرج من ثلث التركة. و اللّٰه أعلم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 166

و من ذلك كله يعلم حال الوصية بالحج الندبي و أنه يخرج من الثلث و أما لو شك في أن الحج الموصي به واجب أو مندوب، فقد حكي عن سيد الرياض خروجه من الأصل.

و ذلك إن كان بعمومات وجوب العمل بالوصية فلا شك في أن موردها الوصايا النافذة و التمسك بها في أنها من أي منهما من التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية.

و إن كان بمثل خبر عمار الذي رواه المشايخ الثلاثة: ففي الكافي عن أحمد بن محمد عن علي بن الحسن عن علي بن أسباط عن ثعلبة عن أبي الحسين (الحسن) عمرو بن شداد الأزدي عن عمار بن

موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصي به كله فهو جائز» «1».

فقد اجيب عنه بإعراض الأصحاب عنه و ضعفه في نفسه بعمرو بن شداد أو عمر بن شداد أبي الحسن أو أبي الحسين و هو مجهول لم يوثق. «2»

و إن كان بزعم جريان أصالة الصحة فلا ريب في أن الشك في صحة الوصية و عدمها لا يقع فيما إذا كان الثلث وافياً بالحج، واجباً كان أو مندوباً بل إنما يقع فيما إذا لم يف الثلث، فإذا كان الموصي به الحج الواجب يؤخذ الحج من أصل التركة لصحة الوصية علي هذا الفرض و إذا كان الموصي به المندوب تبطل الوصية لعدم وفاء الثلث به فلا يخرج الحج من الأصل حملًا للوصية علي الصحة.

و فيه: أن الفعل إذا كان مما يأتي به أهل العرف و العقلاء لترتب آثار خاصة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من الوصايا ح 19 و ب 17 ح 5.

(2)- معتمد العروة: 2/ 111.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 167

عليه و كان ترتب هذه الآثار عليه مترتباً علي إتيانه بكيفية خاصة فلا بد لفاعله المريد ترتب هذه الآثار عليه أن يأتي به بتلك الكيفية، فإن شككنا في صدور الفعل عن الفاعل بهذه الخصوصية يبني العرف و السيرة العرفية علي صدوره كذلك و وقوعه صحيحا موافقاً لغرض الفاعل، فإن شككنا في أن عقد الإجارة أو الحج الصادر عن الشخص وقع صحيحا و واجدا لهذه الكيفية أو باطلا فاقدا لهذه الخصوصية و فرضنا كون الفاعل شاعراً بذلك، يجري أصالة الصحة و تترتب عليه آثار الصحة. أما إذا كان الفعل مما يؤتي به علي وجهين يترتب علي كل واحد

منهما أثره الخاص و شككنا في وقوعه علي هذا أو ذاك فلا وجه للتمسك بأصالة الصحة لإثبات وقوعه علي أحد الوجهين. فإن هذا موجه لو كان الأمر دائراً بين القول بوقوعه فاسدا إذا كان واقعا علي أحد الوجهين و صحيحاً إذا كان واقعا علي الوجه الآخر فيتمسك بأصالة وقوع الفعل صحيحاً لإثبات وقوعه علي هذا الوجه. و أما إذا كان وقوعه علي كل واحد من الوجهين منشأ لأثره الخاص و صحيحاً بملاحظة هذا الأثر فلا مجال لإجراء أصالة الصحة في أحدهما دون الآخر.

ففي المقام نقول: إن وقعت الوصية علي الحج المندوب تقع صحيحة، سواء كان الثلث وافياً بالحج أو لم يكن ذلك، أما إذا كان وافياً فهو، و إن لم يكن وافياً فالأثر المترتب علي الوصية هو كونها صالحة للحوق إمضاء الورثة بها و إن كانت الوصية واقعة علي الحج الواجب تقع أيضاً صحيحة و يترتب عليها أثرها الخاص، إذاً فعلي أي صورة وقعت الوصية وقعت صحيحة، فما وجه التمسك بأصالة الصحة لإثبات صحة الوصية حتي تثبت الوصية بالحج الواجب.

و علي هذا يمكن أن نقول: إن الوصية قد تحققت صحيحة سواء كان موردها الحج الواجب أو المندوب، لأن الوصية التي نعبر عنها بالفارسية (سفارش) تتحقق

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 168

بالواجب كما تتحقق بالمندوب و يترتب علي كل واحد منهما أثره، فإذا كان متعلقها الحج الواجب يخرج من أصل التركة و إلا فيخرج من الثلث إن وفي به و من الأصل إن أمضي الورثة الوصية و لا محل لإجراء أصالة الصحة لتعيين مورد الوصية.

و قد أفاد بعض الأعاظم قدس سره أن أصالة الصحة لا مجري لها في أمثال المقام و قال: (توضيح ذلك إن مدرك أصالة

الصحة- سواء كانت جارية في عمل نفسه أو عمل الغير- هو السيرة لا الدليل اللفظي ليتمسك بإطلاقه فحينئذ لا بد من الاقتصار علي القدر المتيقن و القدر المتيقن جريانها فيما إذا كان الشك راجعا إلي نفس العمل لا إلي العامل، مثلًا لو شك في أن عقد النكاح أو عقد البيع وقع صحيحا أم فاسداً يحمل علي الصحة و أما لو شك في أن العامل و المباشر هل له الولاية و السلطنة علي ذلك أم لا؟ فلا يمكن إحراز ذلك بالحمل علي الصحة، فلو رأينا شخصا يبيع ملك أحد و شككنا في أنه هل له الولاية علي ذلك أم لا؟ لا دليل علي الحمل علي الصحة و لا يمكن إثبات الولاية، نعم لو شك في صحة العقد الصادر من نفس المالك أو الولي يحمل علي الصحة. و كذا لو زوج شخص امرأة من رجل و شك في ولايته و وكالته عنها، لا يمكن الحكم بالصحة لعدم إحراز شمول السيرة لأمثال المقام. فالحاصل:

حيث إن الدليل منحصر بالسيرة فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن منها و هو ما إذا احرز سلطنة المباشر و ولايته و لكن يشك في صحة عمله من حيث وجدانه للشرائط و عدمه و أما لو شك في أصل ولايته و سلطنته فلا يمكن إثباتها بأصالة الصحة و لذا لا نحكم بصحة كل عقد صادر من كل احد و مقامنا من هذا القبيل، لان الحج إذا كان واجباً لا حاجة إلي الوصية و إن كان مندوبا ليس له الولاية في إخراجه من الأصل فالشك في كون الموصي به واجباً أو ندبا راجع إلي الشك في صدور الوصية عمن له الولاية أم لا، فالصحيح ما ذكره

المصنف رحمه اللّٰه تعالي من

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 169

أنه يخرج من الثلث في صورة الشك). «1»

و فيه: إنا إن علمنا بالوصية بالحج الواجب و شككنا في أنه هل كان علي الموصي حجة الإسلام حتي يخرج من الأصل أم لم يكن عليه، نحمل فعله علي الصحة و نقول بإخراجه من الأصل، كما إذا شككنا في وكالة من يعامل عن أحد وكالةً و في ولاية من يعامل في مال ولايةً، نحمل معاملاته علي الصحة و إن كان الشك في ذلك لا يرجع إلي نفس العمل بل يرجع إلي حال العامل، بخلاف ما إذا علمنا بالوصية بالحج و شككنا في أنها بالحج الواجب أو المندوب، فلا يجوز التمسك بأصالة الصحة لإثبات كون متعلق الوصية الحج الواجب، كما إذا شككنا في أن المعاملة الكذائية وقعت بيعاً حتي تكون باطلة أو صلحاً حتي تكون صحيحةً، فلا يجوز التمسك بأصالة الصحة لإثبات وقوعها صلحاً و إن كان الشك فيه راجعاً إلي نفس العمل.

و بالجملة: أصالة الصحة لا تجري في تحقيق ماهية المعاملة و عنوانها إذا شك في وقوعها بين عنوانين أحدهما صحيح و الآخر فاسد.

و كيف كان: لا محل لإجراء أصالة الصحة لتعيين وقوع الوصية علي واحد من الوجهين.

و الحاصل من ذلك كله عدم وجود ما يدل علي وجوب البناء علي كون الموصي به حج الإسلام حتي وجب إخراجه من أصل التركة، إذاً فإن لم يف الثلث بالحج، لا شي ء عليه بمقتضي الأصل و إن كان وافياً بالثلث فلا يجوز إخراجه من الأصل.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 112

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 170

نعم لو كان هناك انصراف إلي الواجب كما هو كذلك بالنسبة إلي الأماكن البعيدة في الأزمنة الماضية لعدم تعارف

الوصية بالحج الندبي في تلك الأزمنة و الأمكنة فيعمل به و بالنسبة إلي بعض الأشخاص من الذين يعلم من حالهم أنهم لا يوصون بالحج المندوب أيضاً يؤخذ بالانصراف.

و هل يؤخذ بالحالة السابقة فيه لو كانت هي الوجوب كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقاً و لم يعلم أنه أتي به أم لا الظاهر كما في العروة جريان الاستصحاب و إخراجه من الأصل سواء أوصي بالحج أو لم يوص، فإن ذلك مقتضي استصحاب اشتغال ذمته فلا تنتقل ما يقابله من التركة إلي الورثة.

و أما الإشكال علي ذلك بأن الالتزام بذلك مشكل في كثير من الموارد لحصول العلم غالباً بأن الميت كان مشغول الذمة بدين أو خمس أو زكاة أو كفارة لاتحاد الجميع مع الحج في ملاك صحة التمسك بالاستصحاب،

فيمكن الجواب عنه: بالفرق بين هذه الديون و الحج فإن في هذه الديون التي يمكن عادة أداؤها من غير أن يطلع عليه الغير فقد استقرت السيرة في صورة الشك علي الحمل علي الصحة و ظاهر الحال المقتضي لأدائه، إلا إذا كان من الامور التي تقضي العادة باطلاع أقارب الشخص عليه كالحج الذي كان عليه بالمباشرة بل و بالتسبيب فلا مانع من إجراء الاستصحاب في مثله.

أما في مثل الديون التي اشتغلت ذمته طول عمره المحتمل أداؤه كما هو ظاهر حال أكثر الناس، فالسيرة قائمة علي عدم الاعتناء باحتمال بقاء اشتغال ذمته و لعله لذلك في باب القضاء و الادعاء علي الميت بدين لا يكتفي بالبينة بل يحتاج إثبات الدعوي إلي يمين المدعي و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 171

[مسألة 2] المكان الذي يجب الاستيجار منه للحج الموصي به

مسألة 2- في الحج الموصي به يكفي الميقاتي منه إن لم تكن الوصية منصرفة إلي

البلدي سواء كان الحج واجباً أو مندوباً. لأن الحج من الميقات و الزائد عليه من المقدمات فإذا ذهب المستطيع إلي الميقات لغرض آخر فبدا له الإقامة هناك إلي الموسم يكفي عنه و يخرج حجة الإسلام و النذر في مقدار الميقاتية منهما من الأصل و غيرهما من الثلث.

و أما إذا كانت الوصية منصرفة إلي الحج البلدي فيخرج حج الإسلام و النذر الميقاتي من الأصل و الزائد عليه من الثلث كما أن في غير حج الإسلام و النذر يخرج الكل من الثلث.

و يمكن أن يقال بكفاية الحج من دون الميقات إذا كان منزل النائب دونه، فإن ميقات من كان دون الميقات دويرة أهله و لا يكفي لمن كان منزله دون الميقات استنابة من كان منزله قبل الميقات من دون الميقات.

[مسألة 3] حكم الاجرة في الحج الموصي به

اشارة

مسألة 3- فيها فروع:

الأول- إذا عين الموصي الاجرة يؤخذ بها إن لم تكن زائدةً علي الثلث و كانت وافية بالحج

سواء كان الموصي به الحج الواجب أو المندوب و إن كان زائداً علي الثلث فإن كان الموصي به حجة الإسلام أو الحج الواجب بالنذر فإن كانت الاجرة لا تزيد علي اجرة المثل تخرج من الأصل و إن كانت تزيد عليها يؤخذ الزائد من الثلث و إن كان الموصي به غير حجة الإسلام و الواجب بالنذر يحتاج

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 172

نفوذ الوصية في الزائد علي الثلث بإمضاء الورثة.

الثاني- إذا لم يعين الموصي الاجرة،

تخرج اجرة مثل حجة الإسلام الميقاتية و الحج الواجب بالنذر الميقاتي من أصل التركة و إذا كانت وصيته منصرفة إلي الحج البلدي أو عين ذلك يخرج ما به التفاوت بين البلدي و الميقاتي من الثلث و أما غير حجة الإسلام و الحج الواجب بالنذر فيخرج من الثلث سواء كان ميقاتياً أو بلدياً.

الثالث- هل الوصي إذا كان هنا من يقبل النيابة بأقل من اجرة المثل

مخير بين الاستيجار بالأقل و بأُجرة المثل أم لا يجوز له إلا استيجار من هو أقل اجرة من الأجيرين؟

يمكن أن يقال: إذا كان من يرضي بالأقل مساوياً في الجهات المعنوية مع غيره لا يجوز إلا استيجاره و أما إذا كان الاختلاف في الاجرة لاختلاف الأشخاص و ما فيهم من الخصوصيات الموجبة لكمال العمل و زيادة الأجر و الثواب فكانت اجرة مثل هذا ألفين و الآخر ثلاثة أو أربعة آلاف، و بالجملة كان الاختلاف في الاجرة لاختلاف أنواع الأجير فأُجرة المثل تنطبق علي الأقل كما تنطبق علي الأكثر، فيمكن أن يقال: إن الوصي مخير بين اختيار النوع الأرخص و النوع الأعلي، لأن الوصية تنطبق عليهما علي حد سواء و لا يعد ذلك إضراراً بالورثة، لأن ما ينتقل إليهم من تركة الميت ما يزيد علي اجرة المثل التي تنطبق علي الأُجرتين.

و يمكن أن يقال: إن الحكم كذلك و إن لم يوص من عليه حجة الإسلام بالاستنابة عنه فلا تنتقل إلي الورثة معادل اجرة النوع الأعلي قبل استيفاء الحج منه.

و لكن مع ذلك كله المسألة لا تخلو من الإشكال، فالأحوط للوصي و للورثة إن كان فيهم صغير، اختيار الأجير الذي اجرة مثله أرخص فهو القدر المتيقن.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 173

الرابع- في كل مورد يجب علي الوصي اختيار من يرضي بالأقل هل يجب الفحص عنه أو يجوز له البناء علي عدم وجوده بالأصل؟

الظاهر عدم الوجوب.

لا يقال: إن ذلك مزاحم لحق الورثة و إضرار عليهم.

فإنه يقال: إن ذلك فرع انتقال ما زاد علي الأقل إلي الورثة و إلا لا يتحقق التزاحم فللموصي الاستيجار بالزائد و لو احتمل وجود من يرضي بالأقل. نعم يجب الفحص المتعارف الذي به يجد من يرضي بالأقل.

الخامس- إذا لم يوجد من يرضي بأُجرة المثل يجب دفع الأزيد إن كانت الوصية بحج الإسلام أو بالحج النذري

كما إذا لم يجد من يحج إلا من البلد يجب استيجاره و لا يجوز التأخير إلي العام القابل و أما في غير حجة الإسلام و الحج النذري فإن لم تكن الوصية مقيدة بعامه هذا يأتي به في العام المقبل و إن كانت مقيدة به و قلنا بانصرافه إلي الاستيجار بأُجرة المثل سقط وجوب الاستيجار. و اللّٰه العالم.

السادس- علي القول بالاقتصار علي الأقل مع اختلاف مراتب أجرة المثل، لا إشكال في أن ذلك إذا كان سببا لهتك الميت

ينتقل الواجب إلي الأكثر، نظير ما إذا تعذر استيجار الأقل بأسباب اخري عادية و كما إذا تلفت التركة و لم يبق منها إلا بقدر استيجار الحج و أما إذا كان شرف الميت و اعتباره مناسباً لاستيجار الأكثر دون أن يكون الأقل هتكا و عاراً عليه عند العرف فالظاهر لزوم الاقتصار علي الأقل إلا إذا رضي الورثة بالأكثر.

و ظاهر بعض الأعاظم لزوم الاستيجار بما هو لائق بشرف الميت و مكانته و استدل عليه بالسيرة كما هي قائمة علي ذلك في الكفن و قال: (يمكن استظهار ذلك من بعض النصوص كقوله عليه السلام: «يحج عنه من صلب ماله» لظهوره في الحج من ماله بما يناسب شأنه و اعتباره و بعبارة اخري: أدلة إخراج مصارف الحج من التركة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 174

ناظرة إلي التعارف الخارجي و التعارف الخارجي يختلف حسب اختلاف الناس). «1»

و فيه: منع قيام السيرة علي ذلك حتي في الكفن إذا لم يكن الوارث راضياً به و منع ظهور النصوص أيضاً في وجوب استيجار ما هو مناسب شأنه إذا لم يكن الأقل موجباً لهتكه و منع كون ذلك متعارفاً.

هذا كله إذا لم يوص به و أما إذا أوصي به واجباً كان أم مندوبا فلا ريب في انصراف الوصية عن فرد يوجب هتك الموصي فلا بد من حملها علي

غيره و إذا كان هنا فردان أحدهما أليق بشأن الموصي و الاخري دون ذلك و كان المتعارف بين الناس الوصية بالأليق و استيجار الأليق في مقام العمل بالوصية تحمل الوصية علي المتعارف و إلا فيقتصر علي الأقل. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 4] إذا أوصي بالحج مطلقاً من غير تعيين المرة أو التكرار

مسألة 4- لو أوصي بالحج و عين المرة أو التكرار بعدد معين فهو يعمل علي طبق وصيته و أما إن لم يعين فهل يكفي حج واحد لأن الوصية بطبيعي الحج و هو يحصل بالمرة أو يجب التكرار ما دام الثلث باقياً.

حكي ذلك عن الشيخ و جماعة، عملا بما رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم عن عبد الرحمن بن أبي نجران «2» عن محمد بن الحسن (الحسين) «3» أنه قال لأبي جعفر عليه السلام: «جعلت فداك قد اضطررت إلي مسألتك؟ فقال: هات، فقلت: سعد

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 111.

(2)- من السادسة. ثقة ثقة له كتب كثيرة.

(3)- من الخامسة ابن أبي خالد القمي الأشعري.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 175

بن سعد أوصي حجوا عني مبهما و لم يسم شيئاً و لا يدري كيف ذلك قال: يحج عنه ما دام له مال». «1»

و بما روي بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب «2» عن العباس «3» عن محمد بن الحسين بن أبي خالد «4» قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أوصي أن يحج عنه مبهماً؟ فقال: يحج عنه ما بقي من ثلثه شي ء». «5»

و بما روي الشيخ في التهذيب عن علي بن الحسين بن فضال عن محمد بن أورمة القمي عن محمد بن الحسين الأشعري قال: «قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك إني سألت أصحابنا عما اريد أن أسألك فلم أجد عندهم جواباً و قد

اضطررت إلي مسألتك و إن سعد بن سعد أوصي إلي فأوصي في وصيته: حجوا عني مبهما و لم يفسر فكيف أصنع؟ قال: يأتيك جوابك في كتابك فكتب عليه السلام يحج ما دام له مال يحمله». «6»

و الظاهر اتحاد هذه الثلاثة فإن الراوي عن الإمام في الثلاثة هو محمد بن الحسن (الحسين) الأشعري أبي خالد القمي.

و قد ضعف بعض الأعاظم «7» هذه الروايات بضعف أسناد الجميع بمحمد بن الحسين (الحسن) الذي لم يثبت توثيقه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة باب 4 من أبواب النيابة ح 1.

(2)- من كبار الثامنة شيخ القميين ثقة فقيه صحيح المذهب له كتب.

(3)- من السابعة.

(4)- من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة ب 4 من أبواب النيابة ح 2.

(6)- تهذيب الأحكام: 5/ 408.

(7) معتمد العروة: 2/ 111.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 176

و يمكن أن يقال: إن رواية مثل الحسين بن سعيد الأهوازي القمي الثقة العين الجليل القدر صاحب المصنفات و علي بن مهزيار الأهوازي الثقة الممدوح بمدائح كثيرة و أحمد بن محمد بن عيسي الأشعري شيخ القميين و حمزة بن يعلي الأشعري الثقة صاحب الكتاب الكبير عنه لا تقل في حصول الاطمينان بصدور الرواية عن التوثيق هذا كله في سندها.

و أما دلالتها فالرواية الاولي و الثالثة و إن كانتا ظاهرتين في أن الموصي به إذا كان مبهما من حيث المرة و التكرار يصرف تمام مال الموصي في تكراره، إلا أن اتفاق الكل و قيام الضرورة علي أن الوصية لا تنفذ في ما زاد علي الثلث إلا بإذن الورثة، قرينة علي أن المراد من قوله عليه السلام: «ما دام له مال» المال الذي هو له و هو الثلث، مضافاً إلي التعبير عن ذلك الحكم في الرواية الثانية بقوله عليه

السلام: «ما بقي من ثلثه شي ء و قد قلنا: إن الروايات الثلاثة واحدة.

و الظاهر أن المروي عنه في الثالثة هو أيضا الإمام أبو جعفر عليه السلام و ذكر (أبي الحسن عليه السلام) سهو و كما أن الظاهر أن سعد بن سعد المذكور فيه سعد بن سعد الأحوص بن مالك الأشعري القمي الثقة من أصحاب مولانا الرضا و أبي جعفر عليهما السلام و علي ذلك يكون هو أيضا مثل محمد بن الحسن من الخامسة و انْ كان من السادسة فوصيه محمد بن الحسن أيضا من السادسة و كيف كان فنفس الرواية تدل علي كون محمد بن الحسن السائل عن الإمام عليه السلام موردا للاعتماد و الوثوق لإيصاء سعد بن سعد إليه.

أما في دلالتها علي وجوب التكرار حتي يستوفي الثلث من تركته، فالظاهر دلالتها علي ذلك و إن كان يبحث في أنها تدل علي التكرار إن علم أن الموصي أراده في الجملة فلم يعلم أن الموصي به طبيعة التكرار التي تتحقق بالمرتين أو يجب الأزيد

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 177

إلي أن ينفد الثلث، أو تدل عليه إن لم يعلم أنه أراد المرة و حكي ذلك عن الشيخ و جماعة عملًا بهذه النصوص و اختاره في الحدائق تحصيلا لليقين بالبراءة. «1»

أقول: أما وجوب التكرار تحصيلًا لليقين، ففيه: أنه يجب تحصيل اليقين بالبراءة عما اشتغلت الذمة به يقينا و هو هنا ليس إلا المرة و ما تصدق عليه طبيعة الموصي به.

و أما دلالة الأخبار و أنها هل تدل علي وجوب التكرار إن علم إرادة التكرار أو تدل عليه إن لم يعلم إرادة المرة؟ فنقول: إن الشيخ و من تبعه و صاحب الحدائق بنوا علي أن قوله: «حجوا عني» يدل

علي مجرد الوصية بالحج، فلا يدري الوصي يكفي المرة أو يجب التكرار مرة أو إلي أن ينفد الثلث، فأجابه عليه السلام بالتكرار إلي تمام الثلث،

ففيه: إن ذلك تعبد بعيد، فإن قوله: «حجوا عني» يدل علي طلب طبيعة الحج التي تحصل بالمرة الاولي و أما التكرار ثمّ التكرار إلي أن ينفد المال فلا يستفاد منه قطعاً و إن كانت الوصية إلي مجرد التكرار فحيث إنه يتحقق بالمرتين يلزم أن يكون الحكم بالتكرار إلي نفاد الثلث تعبدياً، و الإنصاف أن القول بظهور الرواية في كل من المعنيين في غاية الإشكال.

و يمكن أن يكون مراد السائل أن الموصي أوصي إليه بالثلث و قال:

«حجوا عني» فسأل عن الإمام عليه السلام هل بصرف جميع الثلث في الحج أو يصرف ما يزيد علي الحج في سائر وجوه البر؟ فأجابه عليه السلام بصرفه في الحج إلي أن ينفد.

______________________________

(1)- الحدائق الناصرة: 14/ 299 قال: «أقول: لا يبعد أن يقال: إن الظاهر من إطلاق هذه الأخبار أنه بمجرد هذا القول المحتمل لان يراد منه حجة واحدة أو اثنان أو عشر أو نحو ذلك، يجب الحج ينفي ثلثه و لأن يقين البراءة من تنفيذ الوصية لا يحصل إلا بذلك».

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 178

و الشاهد علي ذلك قوله في الرواية الثالثة: «إن سعد بن سعد أوصي إلي فأوصي في وصيته حجوا عني، مبهماً فلم يفسر فكيف أصنع؟» و علي هذا يندفع الإشكال في مفاد الرواية. و لا حول و لا قوة إلا باللّٰه.

و أما الجواب عن هذه الروايات بإعراض الأصحاب عنها فمردود بعمل مثل الشيخ- قدس سره- و غيره بها. و اللّٰه العالم.

[مسألة 5] لو اتفق عدم كفاية المال

مسألة 5- لو أوصي بصرف مقدار معين في الحج سنين معينة و

عين لكل سنة مقداراً معيناً و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة، صرف نصيب سنتين في سنة إن كان يكفي لها و إلا فثلاث و إلا فأربع و هكذا.

و ذلك لظهور حال الموصي فإنه أراد صرف مقدار معين من المال في الحج غير أنه تخيل كفاية مقدار معين منه لكل سنة فأوصي به.

و بعبارة اخري: ظاهر حاله أنه يقيد وصيته بما إذا وفي هذا المقدار المعين لكل سنة حتي إذا لم يف المال بذلك بطلت وصيته و لا فرق في ذلك الحكم بين الحج و غيره كما لا فرق في ذلك ظاهراً بين الوصية و الوقف.

و أما التمسك لذلك بقاعدة الميسور فهي مخدوشة كبري و صغري، أما من حيث الكبري فما استدل لها من الأخبار مخدوشة سندا و دلالة.

فمنها: «الميسور لا يسقط بالمعسور» و «ما لا يدرك كله لا يترك كله» و «إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم».

و الأولان منقولان عن أمير المؤمنين عليه السلام و الثالث عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم. نقل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 179

الثلاثة ابن أبي جمهور في كتابه غوالي اللئالي «1» المشتمل علي كثير من الأخبار الضعاف، التي لا يوجد لها أصل في كتب أصحاب الحديث منا و لا يعتمد علي منقولاته و مع ذلك تفحصنا عنها في كتب أصحابنا و لم نجدها فيها و في كتب العامة أيضا لم نجد إلا الثالث الذي يأتي الكلام فيه.

و دعوي انجبارها بالشهرة فإن اريد منها الشهرة العملية بين القدماء فلا يستفاد منهم ذلك، مضافا إلي أنها يجبر ضعف السند إذا كان حصول الشهرة بينهم مستندا بالخبر و لو ثبت عنهم في بعض الموارد العمل علي ما

ينطبق علي ذلك أي علي الميسور فيما تعذر معسوره فلعله كان بدليل خاص ثبت لهم، لا يمكن به تأسيس القاعدة الكلية بإلغاء الخصوصية.

و إن اريد الشهرة الروائية فقد عرفت أنها لم ترو من طرقنا و من طرقهم أيضا لم ترو إلا الثالث، فالغريب مع ذلك قول من قال: اشتهار هذه الروايات بين الأصحاب يغني عن التكلم في سندها.

و أما من حيث الدلالة فقوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» يمكن أن يكون مفاده: إن الحكم الثابت للميسور لا يسقط بالمعسور، مثلا الحكم الثابت للصلاة بدون الساتر أو بدون الطمأنينة لا يسقط بالمعسور و هو الصلاة مع الطمأنينة و الساتر و هذا لا يكون إلا في المأمور به المركب من الأجزاء. و المراد نفي الملازمة بين سقوط المعسور و الميسور لا إثبات الملازمة بين سقوط المعسور و ثبوت الميسور، فهذه القاعدة أو الخبر لا تدل إلا علي عدم سقوط الحكم الثابت للميسور و لا دلالة لها علي ثبوت حكم له.

______________________________

(1)- غوالي اللئالي: / 4/ 58 و 409.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 180

فعلي هذا اللازم في كل ميسور التكلم في ثبوت حكم له بقطع النظر عن هذه القاعدة، فلا يبني بعدم ثبوت حكم للميسور.

و بعبارة اخري: مفاد هذه الجملة: أنه لا يبني علي سقوط المعسور سقوط الميسور، بل لا بد للحكم بثبوت الحكم له أو عدمه من الأخذ بالدليل إن كان و إلا فالعمل بالأصل.

و أما الخبر الثاني، فأولًا، علي فرض كون قوله: «لا يترك» مستعملًا في الإنشاء لا الإخبار، فلا يدل علي أكثر من مرجوحية ترك الكل لا حرمته لعدم حرمة ترك الكل في المستحبات.

و ثانيا: يمكن أن يقال فيه أيضاً: إن المراد منه: أن ما لا يدرك

كله لا يترك كله به و لا يحكم بعدم مرجوحية تركه.

و ثالثا: الظاهر أن لفظ الكل مشترك لفظي بين الكل المجموعي و الكل الأفرادي فإن كان الكل الأفرادي فهو ثابت بالعمومات و المطلقات فإن العام و المطلق إذا تعذر العمل بهما و امتثالهما بجميع أفرادهما يجب العمل بالباقي، بخلاف المركب و مثل العام المجموعي و الكلام في القاعدة في الأخير.

و أما الخبر الثالث، و الظاهر أنه هو العمدة في الاستدلال به للقاعدة و إن سميت القاعدة بالأول، فمن حيث السند هو مخرج في كتب العامة المعتبرة عندهم بأسناد متعددة إلا أنها كلها ضعاف، مضافاً إلي أن الجميع ينتهي إلي شيخ المضيرة أبي هريرة، ففي المسند روي هذا الخبر عنه باثني عشر طريقاً.

و أما من حيث اللفظ و المتن فألفاظه مختلفة، فبعضها: «ما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم» و بعضها: «إذا أمرتكم بأمر فأتمروا ما استطعتم» و بعضها: «فإذا

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 181

أمرتكم بأمر فاتبعوه ما استطعتم» و بعضها: «فأتوه ما استطعتم» و بعضها: «فأتوا منه ما استطعتم» و بعضها: «فإذا أمرتكم بشي ء فخذوا منه ما استطعتم».

و تمام الخبر في بعض طرقه هكذا: «خطب رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم فقال: أيها الناس إن اللّٰه عز و جل قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم؟ فسكت حتي قالها ثلاثا فقال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم: لو قلت نعم لوجب ما استطعتم ثمّ قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم و اختلافهم علي أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم و إذا

نهيتكم عن شي ء فدعوه». «1»

و أما من حيث الدلالة فيشكل دلالته علي أن الكل إذا تعذر بعض أجزائه و شرائطه يجب الإتيان بأجزائه الباقية فإن مورده و هو الحج كلي، له أفراد طولية لا الكل المركب من الأجزاء.

لا يقال: إن المراد من الأمر و الشي ء أعم من الكل و الكلي.

فإنه يقال: و إن صح استعمال الشي ء في الأعم من الكل و الكلي كما إذا قال:

«إذا أمرتكم بشي ء أو بأمر فأتوا به»، إلا أن استعمال (من) للتبعيض لا يصح في الأجزاء و الشرائط و الأفراد الطولية. هذا مضافا إلي أن بعض ألفاظ الخبر لا يقبل حمله علي الكل المركب من الأجزاء.

ثمّ إنه علي القول بتمامية القاعدة، هل المستفاد منها أن الحكم الأول ثابت للميسور من الأجزاء أو أن الحكم الأول حيث كان متعلقاً بمجموع الأجزاء ينتفي بانتفاء المركب فالحكم الثاني المتعلق بالباقي حكم جديد؟

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 508

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 182

ظاهر قوله «الميسور لا يسقط بالمعسور» إن قلنا بدلالته هو بقاء حكم الميسور و عدم سقوطه و قوله: «فأتوا منه ما استطعتم» و قوله: «ما لا يدرك كله لا يترك كله» ظاهر في أن الباقي محكوم بحكم جديد.

و كيف كان هذا كله في كبري القاعدة و أما من حيث الصغري فالقاعدة لو ثبتت بما ذكر تختص بمجعولات الشارع دون غيرها فإنها هي التي له الكشف عنها فلا تشتمل مجعولات غيره التي لجاعلها الكشف عن مراده كالوصية.

لا يقال: لا مانع من شمول القاعدة لمثل الوصية أيضا لأن العمل بالوصية إذا كان غير ممكن لا مانع من العمل بالمقدار الممكن منها.

فإنه يقال: المانع عدم شمول الوصية لمقدار غير الممكن و احتياج شموله له إلي بيان الموصي

و الحكم الشرعي بالعمل بالمقدار الممكن إذا كان تعبدا من الشارع فلا ربط له بالموصي و ليس كحكم الشارع في مجعولاته و واجباته الارتباطية فإنه يكشف عما أمره بيده و قاعدة الميسور راجعة إليه.

ثمّ إنه قد استدل علي الحكم المذكور بخبري إبراهيم بن مهزيار الذين رواهما الشيخ باسناده عنه، قال في أحدهما: «كتب إليه علي بن محمد الحضيني: إن ابن عمي أوصي أن يحج عنه بخمسة عشر ديناراً في كل سنة، و ليس يكفي، ما تأمر في ذلك؟

فكتب عليه السلام: يجعل حجتين في حجة فإن اللّٰه تعالي عالم بذلك». «1»

و في الثاني قال: «و كتبت إليه عليه السلام: إن مولاك علي بن مهزيار أوصي أن يحج عنه من ضيعة صير ربعها لك في كل سنة حجة إلي عشرين ديناراً و إنه قد انقطع طريق البصرة، فتضاعف المؤن علي الناس، فليس يكتفون بعشرين ديناراً و كذلك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب النيابة ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 183

أوصي عدة من مواليك في حججهم، فكتب عليه السلام: يجعل ثلاث حجج حجتين، إن شاء اللّٰه». «1»

و كان الأجدر بنا التعرض للخبرين في صدر المسألة و دلالة الخبرين علي الحكم واضحة.

و قد تكلم في سنده بعض الأعاظم بإبراهيم بن مهزيار، لعدم وثاقته في كتب الرجال و رد ما صرح به السيد ابن طاوس في ربيع الشيعة بأنه من سفراء مولانا صاحب الأمر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء و الأبواب المعروفين الذين لا تختلف الاثنا عشرية فيهم و تبعه غير واحد كالعلامة و الفاضل المجلسي، بأن هذا اجتهاد منه استنبطه من بعض الروايات، إذ لو كان سفيرا لذكره الشيخ في كتاب الغيبة الذي تصدي فيه لذكر السفراء و كذلك

النجاشي و غيرهما ممن تقدم علي ابن طاوس مع شدة اهتمامهم بذكر السفراء و الأبواب. كما أنه رد ما رواه الصدوق في اكمال الدين عن إبراهيم بن مهزيار الذي يدل علي جلالة قدره و وثاقته و علو مقامه، بأنه هو الراوي لهذا الحديث و لا يمكن إثبات وثاقة شخص بقول نفسه، علي أن هذه الرواية مشتملة علي أمر مقطوع البطلان و الكذب و هو إخباره عن وجود أخ لمولانا الحجة عليه الصلاة و السلام مسمي بموسي و قد رآه إبراهيم. و بعد ذلك كله صرح بوثاقة الرجل لأنه من رجال كامل الزيارات و قال: «فالرواية معتبرة و الدلالة واضحة، فلا ينبغي الريب في الحكم المذكور». «2»

أقول: أولا، إن الروايتين ليستا مضمرتين و إن كانتا كذلك علي ظاهر ما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب النيابة ح 2.

(2)- معتمد العروة: 2/ 130.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 184

رواهما في التهذيب، لأن الكليني رواهما في الكافي «1» هكذا: محمد بن يحيي عمن حدثه عن إبراهيم بن مهزيار قال: «كتبت إلي أبي محمد عليه السلام: إن مولاك علي بن مهزيار … (قال) إبراهيم: و كتب إليه علي بن محمد الحضيني … »،

فما ذكره محقق التهذيب من أن المراد من «إليه» يعني أبي الحسن الهادي عليه السلام، ليس في محله. و لعلهما رواية واحدة كما يظهر من الكافي و التهذيب.

و في الفقيه «2» هكذا: «و كتب إبراهيم بن مهزيار إلي أبي محمد عليه السلام: اعلمك يا مولاي إن مولاك … و كتب إليه علي بن محمد الحصيني»

و ثانياً، أنه يكفي- علي ما ذكرناه كراراً- في الاعتماد علي الرجل، أخذ مثل محمد بن علي بن محبوب شيخ القميين صاحب الكتب و

عبد اللّه بن جعفر الحميري أيضا شيخ القميين و وجههم و سعد بن عبد اللّه شيخ هذه الطائفة و فقيهها و وجهها كثير التصانيف العلم منه و عدم نقل قدح فيه.

و ثالثا، ما ذكره عن السيد ابن طاوس في ربيع الشيعة محقق خلافه علي ما ذكره في الذريعة «3» من أن الكتاب هو عين كتاب إعلام الوري للطبرسي صاحب مجمع البيان و هو الذي صرح بكون إبراهيم بن مهزيار من الأبواب المعروفين و إليك لفظه في إعلام الوري قال: «غيبة الصغري منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه موجودين و أبوابه معروفين لا يختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي عليهما السلام فيهم، فمنهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري و محمد بن علي بن بلال و أبو عمرو عثمان بن سعيد سمان و ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان و عمر (و) الأهوازي و أحمد بن

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 310.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 172.

(3)- الذريعة الي تصانيف الشيعة: 2/ 172.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 185

إسحاق و أبو محمد الوحيائي و إبراهيم بن مهزيار و محمد بن إبراهيم في جماعة اخري ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم». «1»

و لا يخفي أن مثل الطبرسي لا ينقل مثل ذلك بدون التثبت العام و لا يرد ذلك بأنه لو كان سفيراً لذكره الشيخ في كتاب الغيبة الذي تصدي فيه لذكر السفراء و كذلك النجاشي و غيرهما ممن تقدم عليه مع شدة اهتمامهم بذكر السفراء و الأبواب فإن اهتمامهم كان في ذكر السفراء الأربعة المشهورين و أما اهتمامهم باستقصائهم فلم يعلم منهم ذلك.

فهذا الشيخ في كتاب الغيبة بعد ما يذكر أسماء عدة من خواص الأئمة عليهم

السلام يقول: «فهؤلاء جماعة المحمودين و تركنا ذكر استقصائهم لأنهم معروفون مذكورون في الكتب». «2»

و من كل ما ذكرنا يظهر أن الاعتماد علي الخبرين المذكورين لما ذكر، في محله فلا نحتاج إلي إثبات وثاقة إبراهيم بن مهزيار بكونه من رجال كامل الزيارات حتي يقال: إنه لم يثبت وثاقة جميع رجال أسناده و إنما الثابت وثاقة من يروي عنه مؤلفه.

و أما حديث اكمال الدين، فقد أشبعنا الكلام فيه في رسالتنا الموسومة ب «النقود اللطيفة علي كتاب الأخبار الدخيلة» التي يظهر منها- و إن لم ننقد كل الكتاب و اكتفينا بما ذكره حول بعض روايات مولانا المهدي عجل اللّٰه تعالي فرجه الشريف- حال الكتاب. و لا حول و لا قوة إلا باللّٰه.

______________________________

(1)- اعلام الوري/ 254.

(2)- الغيبة/ 351.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 186

هذا و الاعتماد في الحكم ينبغي أن يكون علي هاتين الروايتين.

ثمّ إنه لا يخفي عليك أن مقتضي إطلاق الروايتين جعل حجتين في حجة بلدية و ثلاث حجج في حجتين بلديتين و إن أمكن الميقاتية في كل سنة إن هو أوصي بالبلدية و لو لم يكن دلالة هاتين الروايتين علي ذلك لما يمكن للفقيه استكشاف الحكم من قاعدة الميسور علي القول بها و من الاستناد بظهور حال الموصي أنه أراد صرف مقدار معين من ماله في كل سنة في الحج و تخيل كفايته لحج واحد، فإنه تمكن معارضته بأنه أراد الحج عنه في كل سنة بصرف هذا المقدار من المال و تخيل كفايته للحج البلدي فأوصي به.

و لو كنا و هذا الظهور أو قاعدة الميسور، لا يمكن لنا ترجيح إحدي الصورتين علي الأخري بل لا يمكن لنا القول- إذا لم يف المال في كل سنة لا بالبلدي

و لا بالميقاتي- بجعل المال المعين لسنتين أو أزيد لخصوص الحج البلدي أو الميقاتي، أما إذا أخذنا بالروايات فالحكم علي جميع الصور واضح.

إن قلت: فما تقول فيما رواه الشيخ بإسناده عن عبد اللّه بن بكر عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنه سئل عن رجل أوصي بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلده؟ قال: فيعطي في الموضع الذي يحج به عنه.» «1»

قلت: الظاهر إن السؤال فيه عن الوصية بحج واحد و بمال لا يفي بالحج من بلده فلا إطلاق له يشمل مسألتنا هذه.

تذنيب- قال السيد في ذيل هذه المسألة: (و لو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجة فهل ترجع ميراثا أو تصرف في وجوه البر أو تزاد علي اجرة بعض السنين،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب النيابة، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 187

وجوه) و مراده منه أن في صورة ضم السنين بعضها إلي بعض إن زاد منه ما لا يفي بحجة، فهل ترجع ميراثا أو تصرف في وجوه البر أو تزاد علي أجرة بعض السنين وجوه.

أقول: أما وجه الاحتمال الأول أن تركة الميت بعد إخراج الوصية تكون ميراثاً بين الورثة و في المثال بعد صرف ما أمكن منها في الحج الذي هو الموصي به يرجع الباقي ميراثاً.

لا يقال: إن ظاهر وصيته صرف هذا المقدار من تركته لنفسه و لكن عين المصرف في الحج بتخيل أنه لا يزيد عليه، فعلي هذا يجب صرف الباقي له.

فإنه يقال: نعم الأمر يدور مدار الاستظهار العرفي من كلامه، فعلي أي الوجهين كان يعمل به و لكن إذا تردد الأمر و لم يكن هناك ظهور، لأمكن أن يقال بالأخذ بالقدر المتيقن لأن الوصية بالمال

بالمقدار الذي صرف في الحج متيقن و في الزائد عليه، الأصل عدم الوصية به.

إن قلت: إن الإرث بعد إخراج الوصية فما دام لم يحرز العجز عن العمل بالوصية لاحتمال تعدد المطلوب لا يرجع ميراثاً.

قلت: الكلام في أن الوصية المتعلقة بهذا المال هل تكون علي نحو وحدة المطلوب- أي صرفه في خصوص الحج- أم علي نحو تعدد المطلوب- بأن يكون الموصي به البر و الحج- بما أنه بعض مصاديقه- فإن كان علي الأول لم يتعلق الوصية بهذا المقدار من الاول و إن كان علي الثاني يكون هذا الباقي أيضا متعلقا للوصية لانحلالها إلي الوصايا المتعددة بالنسبة إلي تقدير المال و الأصل عدم تعلقها به.

و أما وجه الاحتمال الثاني و هو صرف الزائد في وجوه البر فمبني علي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 188

ظهور حال الموصي في كون الوصية علي نحو تعدد المطلوب و صرف تمام المال فيما يرجع ثوابه إليه و هو في محله إذا كان حاله ظاهراً في ذلك.

و أما وجه الاحتمال الثالث فهو الاستظهار من حال الموصي أنه أراد صرف هذا المال في الحج مهما أمكن، فما دام يمكن توزيعه علي الأفراد يعمل به و إن لم يمكن كما إذا عين ما يزيد علي حج واحد و لا يكفي لحجتين يصرف ما زاد علي الحج الواحد بزيادة بعض الخصوصيات و الكيفيات و رعاية بعض المستحبات و غير ذلك.

فالمسألة تدور مدار الاستظهار من الموصي و القرائن الحالية و المقالية و إن لم يكن استظهار في البين فالحكم هو الأخذ بالقدر المتيقن و رجوع الباقي إلي الورثة للأصل.

هذا و لكن مع ذلك قال سيدنا الاستاذ الأعظم قدس سره في بعض حواشيه علي المسائل المطروحة في المقام: (وجوب

صرف ما تعذر مصرفه من الوصايا و الأوقاف و شبهها في وجوه البر ثابت من الأخبار الكثيرة الواردة في هذه الأبواب، و لا حاجة إلي إحراز تعدد المطلوب بحسب قصد الموصي و غيره، نعم منشأ هذا الحكم ظاهرا هو رعاية ما هو المرتكز في أعماق أذهانهم من تعدد المطلوب و لو بحسب النوع).

و يمكن أن يكون من الأخبار التي أشار إليها ما رواه الكليني بإسناده عن علي بن مزيد (فرقد) عن الصادق عليه السلام قال: «قلت: مات رجل فأوصي بتركته أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم تكف للحج، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا تصدق بها فقال عليه السلام: ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها فقال عليه السلام: ضمنت إلا أن لا تكون

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 189

تبلغ أن يحج بها من مكة فإن كانت تبلغ أن يحج بها من مكة فأنت ضامن». «1»

فعلي هذا يمكن أن يقال بصرف الزائد في وجوه البر و إن لم يحرز تعدد المطلوب بحسب قصد الموصي فلا يرجع ميراثاً إلا في صورة العلم بالتقييد و إحراز وحدة المطلوب و تعذر الإتيان به. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة] لو صالح شخصاً علي مال و شرط عليه الحج بعد موته

مسألة 6- قال في العروة: «إذا صالحه علي داره مثلا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح و لزم و خرج من أصل التركة و إن كان الحج ندبياً و لا يلحقه حكم الوصية و يظهر من المحقق القمي قدس سره في نظير المقام إجراء حكم الوصية عليه بدعوي أنه بهذا الشرط ملك عليه الحج و هو عمل له اجرة فيحسب مقدار اجرة المثل لهذا العمل، فإن كانت زائدة علي الثلث توقفت علي إمضاء الورثة».

أقول: إذاً علي ما اختاره المحقق

القمي قدس سره إذا كانت الاجرة زائدة علي الثلث كيف يجري حكم الوصية و ينتقل الزائد إلي الوارث و كيف يعمل الوارث و يتملك الزائد فهل له مطالبة المشروط عليه بما يزيد علي الثلث مع أنه يترتب عليه إما بقاء وجوب الحج عليه للمصالح أو سقوطه عنه و الالتزام بكل منهما غير صحيح ففي الأول يلزم الجمع بين العوض و المعوض علي المصالح أو الشارط و علي الثاني يسقط عنه الوجوب و لا يمكن استيفاء الأجرة أم ليست له مطالبة ذلك سواء كان المشروط عليه باذلًا أم ممتنعاً؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 37 من الوصايا ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 190

نعم تستقيم النتيجة علي هذا القول و يمكن إجراء حكم الوصية عليه إذا لم تكن أجرة مثل الحج زائدة علي الثلث و كأنه يكفي ذلك في رد مختار المحقق.

و مع ذلك ينبغي الإشارة إلي ما أفادوه في رد كلام المحقق في هذه المسألة التي حكي بعض الأعلام وقوع الاختلاف فيها بين السيد صاحب العروة و بين معاصريه علي حد لم يتفق لأكثر المسائل العلمية. «1»

فمن الوجوه التي رد بها مختار المحقق القمي: أن الوصية تصرف في المملوك بعد المفروغية عن الملكية له، مثل أن يوصي بداره لزيد و ليس المقام من ذلك فإن المملوك هو الحج عن نفسه و لم يؤخذ موضوعا لتصرف زائد عليه، فلا يدخل في الوصية و لا تجري أحكامها عليه.

و بعبارة اخري: موضوع الوصية الملكية في المرتبة السابقة عليها مثل صرف منافع الدار في الخيرات و في المقام لا يمكن فرض ذلك، لأن الحج عن الشارط بالشرط يصير ملكا له لا متعلقا لوصيته فكيف يجري عليه حكم الوصية؟

و منها: أن الحج

عن الميت ليس كالحج المطلق الذي تملكه الورثة فإنه متعلق به و طرف حقه لا ينتقل إلي الوارث علي حد انتقال سائر تركته، فليس للوارث إبراء المشروط عليه تبرعا أو بالعوض.

نعم يمكن أن يقال بأن له مطالبة المشروط عليه بالوفاء بالشرط و الأخذ بخيار تخلف الشرط.

و لكن لا يخفي عليك أن هذا وجه لعدم انتقال الحج عنه إلي الوارث كسائر التركة لا عدم إجراء حكم الوصية عليه، و هذا الوجه وجه لعدم انتقال الحج عنه إذا

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 11/ 102.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 191

كان المورث ملكه بالإجارة و نحوها علي حد انتقال سائر التركة إليه و قول من يقول بانتقاله إلي الوارث و يفعل فيه ما يشاء، فله إبراء ذمة المشروط عليه أو مصالحة جديدة معه، كما أن له مطالبته بالإتيان به ضعيف. و الظاهر أن أكثر القائلين بتمامية الشرط و لزومه و تمليكه الحج للميت و كذا القائلين بمقالة المحقق القمي الذي يقول بإجراء حكم الوصية في المسألة متفقون في عدم انتقال مثل هذا الحج إلي الوارث كسائر التركة.

و منها: انصراف دليل انتقال التركة إلي الوارث إلي ما إذا لم يكن تصرفاً خاصاً في التركة متعينا كما هو الحال في جميع الموارد إلا ما شذ و ندر، مثل موردنا هذا فإن الحج عن الميت المشروط و المملوك بالإجارة تعين كونه للميت و صرفه له، فلا يدخل في عموم أدلة انتقال المال إلي الورثة. و بالجملة أدلة «ما ترك الميت من مال أو حق لورثته»، قاصرة عن الشمول لما نحن فيه،

و هذا أيضا وجه آخر لعدم انتقال الحج عنه إلي الورثة، إلا أنه يمكن توجيه دلالة هذه الوجوه علي عدم شمول أدلة الوصية له

أيضا بأن الوصية استثناء عما يدخل من التركة في ملك الوارث و ينتقل إليه و هو ما لم يكن متعينا للتصرف الخاص فيه، فإذاً كما لا تشمل أدلة الإرث مثل ما نحن فيه لا تشمله أدلة الوصية أيضا.

و قد أنكر بعض الاعاظم- ردا علي المحقق القمي- كون الحج المشروط به الصلح مالًا و ملكاً للميت حتي ينتقل إلي الوارث، فإن الاشتراط لا يوجب كون الشرط ملكا للشارط لأن غاية ما يقتضيه الاشتراط لزوم العمل بالشرط و قال:

(و بعبارة اخري: الاشتراط لا يوجب ملكية الشرط للشارط و لا يملك الشارط علي المشروط عليه العمل بالشرط حتي ينتقل إلي الورثة و إنما يترتب علي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 192

الاشتراط الالزام من الشارط و الالتزام بالشرط من المشروط عليه، فهو يقتضي إلزاماً من شخص و التزاماً من شخص آخر فالحج المشروط به الصلح في المقام ليس مما تركه الميت حتي يتنازع في خروجه من الثلث أو من الأصل و إنما يجب الإتيان به علي المشروط عليه بمقتضي الوفاء بالشرط، فلو وفي بالشرط و أتي بالحج فقد أتي ما وجب عليه و ليس للورثة معارضته، و لو تخلف و ترك الحج يثبت الخيار لتخلف الشرط). «1»

أقول: أولًا، الظاهر خلاف ما ذكره لأنّ العرف يري أداء ما جعل العقد مشروطاً بأدائه ملكاً للمشروط له و يجوز له بيعه، فلا يرد بذلك ما اختاره المحقق القمي.

ثمّ إنه في صورة تخلف الشرط و ترك الحج لا ريب في ثبوت الخيار و اختلفوا في أنه هل يكون للوارث فسخ المصالحة حتي يرجع المال إلي ملك الميت ثمّ ينتقل إلي الوارث أو أنه أجنبي عنه فيكون الخيار للحاكم الشرعي فيفسخ و يصرف المال فيما

شرطه الميت علي المفسوخ عليه أو ينتقل إلي الورثة وجوه.

اختار الوجه الثاني بعض الأعاظم و قال: (إن الحج كما لا ينتقل إلي الوارث لعدم كونه ملكا للميت، كذلك حق الخيار بتخلف الشرط لا ينتقل إلي الوارث) و وجه ذلك في طي كلامه بأن خيار تخلف الشرط و إن كان ينتقل إلي الوارث كسائر الخيارات إلا أنه ثابت إذا كان الشرط مما ينتفع منه الوارث كما إذا شرط عليه بناء داره فإن ذلك يرجع نفعه إلي الوارث فالخيار المترتب علي تخلفه داخل فيما تركه و أما الشرط الذي لا ينتفع به الوارث أصلا كحج المشروط عليه

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 141.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 193

عنه فلا يكون الخيار المترتب علي تخلفه مما تركه الميت فإن الانتفاع به خاص بالميت نفسه فيكون الخيار أيضا مختصا به و من هنا ليس للورثة إسقاط هذا الخيار بل هم أجنبيون عنه و بما أن الميت لا يتمكن من إعمال الخيار للوصي أو الحاكم إعماله و صرف المال فيما شرط علي المشروط عليه. و قال: و الحاصل: أدلة الإرث لا تشمل المقام بل يلزم علي المشروط عليه الوفاء بالشرط و الإتيان بالحج و إن تخلف يلزمه الحاكم أو الوصي بالإتيان به و إن امتنع المشروط عليه من الوفاء يفسخ الحاكم أو الوصي و يصرف الوصي أو الحاكم المال في الحج باستيجار شخص آخر). «1»

و فيه: أن ذلك محتاج إلي الإثبات، فلما ذا اختص الخيار بمن كان الشرط بنفعه و لم يكن لمن لا ينتفع بإعمال الخيار فإن المال يرجع به إلي تركة الميت و ينتقل إلي الوارث و إنما يكون الخيار للوصي أو الحاكم إذا انتفع الميت به و هو أول

الكلام، لإمكان أن نقول: إن المال بالفسخ ينتقل منه إلي الوارث.

و هل يمكن التفصيل بين ما إذا كان المصالح (بالفتح) هو الوارث بنفسه فلا يمكن انتقال الشرط إليه و لا إرثه من الشارط في خيار تخلف الشرط، فلا بد أن يكون ذلك للوصي أو الحاكم فإذا كان للوصي أو الحاكم فلا بد من الحكم بصرف المال في استيجار الحج عنه و إلا يكون الخيار لهما لغوا و بين ما إذا كان المشروط عليه غير الوارث و يكون له الخيار و انتقال التركة به إلي الوارث.

و المسألة بعد ذلك محل إشكال، و لذا قال بعض الأعاظم: (الأحوط فسخ الوارث بإذن الحاكم الشرعي و صرف المال في الحج). «2» إلا أن ذلك خلاف

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 141.

(2)- معتمد العروة: 2/ 141.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 194

الاحتياط إذا كان بعض الورثة صغاراً. و اللّٰه هو العالم.

و قد ذكر السيد قدس سره في العروة هنا مثالين لما نحن فيه: أحدهما لا ينطبق عليه و الآخر مطابق له، أما الأول فهو: تمليك داره مثلا بمائة و الشرط عليه بصرفها في الحج عنه أو عن غيره، و عدم انطباقه علي المورد واضح كما نص عليه جمع من المحشين لأنه بتمليك داره بمائة يملك في ذمة المشروط عليه في حال حياته المائة و الشرط عليه بصرفه بعد موته الوصية إليه بصرفه بعد موته في الحج عنه أو عن غيره فيجري عليه حكم الوصية و التصرف في ماله فهذا كالوصية الابتدائية.

و أما الثاني: فهو تمليك داره إياه بشرط أن يبيعها و يصرف ثمنها في الحج أو نحوه، فهو مثل مسألتنا هذه لأن الدار تنتقل إلي المشروط عليه و الشرط إلزامه بتصرف خاص في

ملكه لا في ملك الشارط حتي يكون كالوصية.

[مسألة] لو أوصي او نذر الحج ماشيا أو حافيا

مسألة 7- لو أوصي أن يحج عنه ماشياً أو حافياً صحت وصيته، فإن كان الحج الموصي به ندباً تنفذ وصيته من ثلثه و فيما زاد علي الثلث موكول إلي ورثته، و إن كان الموصي به حجة الإسلام أو الحج الواجب بالنذر يخرج ما به يؤدي الحج الميقاتي بواجباته من أصل التركة و ما به التفاوت بين الحج الميقاتي و البلدي و بين اجرة الحج ماشيا أو حافيا و بين اجرته لا كذلك من ثلثه.

و لو نذر حال حياته الحج ماشيا أو حافيا و تنجز عليه و لم يأت به حتي مات، يجب استيجار ذلك من أصل تركته سواء أوصي بذلك أم لم يوص به.

و ربما يفصل في ذلك بينما إذا كان المشي أو الحفا مقيداً بمباشرة الناذر و بين ما

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 195

إذا كان قيدا للحج، فإذا كان علي الأول و تعذر المشي و الحفا يقضي عنه أصل الحج بل و يسقط الحج أيضا إن كان الحج أيضا مقيدا بذلك دون الصورة الثانية فيقضي عنه باستنابة من يأتي به ماشياً أو حافياً.

و بعبارة اخري كما أفاد في العروة: إذا كانت المباشرة مورداً لا قيداً للمأمور به أو للمنذور، كما هو الحال في جميع التكاليف و النذور المطلقة، فإن موردها من يأتي بها بالمباشرة، دون أن تكون ملحوظة فيها، فإذا لم يتمكن من المباشرة يأتي به باستنابة غيره إذا كان من الأفعال التي تقبل النيابة.

لا يقال: فعلي هذا يجوز له من أول الأمر ترك المباشرة و الاستنابة.

فإنه يقال: إن معني ذلك و جوب المباشرة عليه لا تقيد المأمور به أو المنذور بالمباشرة فإذا تعذرت المباشرة يأتي

به بالاستنابة. و أما إذا كانت المباشرة قيدا فيسقط المشي أو الحفا أو أصل الحج. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 8] لو أوصي بحجتين أو أزيد

مسألة 8- إذا أوصي بحجتين أو أزيد و قال: إنها واجبة عليه صدق و تخرج من أصل التركة إذا علم أن إحداها حجة الاسلام و إحداها الحج الواجب بالنذر و إحداها الحج الاستيجاري (الواجب عليه) أو علم أن جميعها الحجج الواجبة عليه بالنذر أو الاستيجار و أما إذا لم يعلم ذلك و احتمل أنها واجبة عليه بالعهد أو اليمين فوجوب إخراجها من أصل التركة محل إشكال فيمكن أن يقال: إن وفي الثلث بها فهو و إلا ففي الزائد علي الثلث يتوقف انفاذ الوصية علي امضاء الورثة.

وجه وجوب تصديقه أن إخباره بوجوب الحج الاستيجاري أو النذري أو

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 196

حجة الاسلام عليه إقرار بالدين و لا شك في نفوذ إقراره بالنسبة إلي ديونه لاستقرار سيرة العقلاء علي ذلك و استفادة ذلك من النصوص الواردة في أبواب كثيرة و لا ريب أن هذه النصوص في مواردها لم ترد لخصوصية تلك الموارد بل إنما وردت لكونها تحت هذه القاعدة و السيرة العقلائية المقبولة عند جميع الأديان و الملل

و أما الاستناد بالنبوي المعروف بينهم «إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز»، فلم نجده فيما تفحصنا فيه من كتب العامة كالبخاري و مسلم و ابن ماجة و الترمذي و النسائي و أبي داود و مسند أحمد و موطأ مالك و غيرها كما أنه لم نجده في كتب أصحاب الحديث المعتمدة من أصحابنا الخاصة أيضا حتي في موسوعة البحار.

نعم يوجد في مثل المختلف للعلامة و الكتب المصنفة الاستدلالية بعده مرسلًا كما يوجد في كتاب عوالي اللئالي لابن أبي جمهور و رواه في

المستدرك «1» تارة عنه في عوالي اللئالي و اخري عن درر اللئالي عن مجموعة أبي العباس بن فهد.

و في الوسائل قال: و روي جماعة من علماءنا في كتب الاستدلال عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: «إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز» «2» يريد بذلك أنه لم يرو في كتب الحديث و المصادر الحديثية، إذاً فلا يحتج به بقطع النظر عن مضمونه».

نعم يمكن استناد هذا المضمون و الحكم به إلي الشارع بإمضائه الثابت لهذه السيرة العقلائية و لو بعدم ردعه و أما مرسل العطار عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «المؤمن أصدق علي نفسه من سبعين مؤمنا عليه» «3».

فالظاهر أنه مضافاً إلي ما فيه من ضعف السند وزانه وزان الأحاديث

______________________________

(1)- مستدرك وسائل الشيعة: 13/ 37.

(2)- وسائل الشيعة: ب 3 من الوصايا ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3 كتاب الاقرار ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 197

الواردة في حمل فعل المسلم علي الصحة و قبول العذر منه، مثل قوله عليه السلام: «كذب سمعك و بصرك عن أخيك» «1».

هذا كله إذا كانت الوصية المذكورة المتضمنة لإقراره بكون الموصي به دينا عليه في غير مرض موته و أما إذا كانت في مرض الموت فإن لم يكن منهما فإقراره نافذ في جميع تركته و الإجابة فلا ينفذ فيما زاد علي ثلثه. «و اللّٰه هو العالم»

[مسألة 9] إذا مات الوصي بعد قبض المال و شك في الاستيجار

مسألة 9- إذا مات الوصي بعد قبضه المال الموصي به للحج و شك في أنه صرفه في الاستيجار للحج قبل موته أم لا و الشك إنما يكون إذا مضت مدة يمكن الاستيجار فيها و أما إن مات هو قبل ذلك فلا ريب في وجوب الاستيجار من أصل التركة

إن كان الحج واجباً دينياً و من بقية الثلث إن كان غيره و يسترد ما أخذه الوصي إن كان باقيا في أمواله و إن تلف عنده فضمانه له محل الإشكال لإمكان تلفه عنده بلا ضمان. و إن مات و قد مضت مدة يمكن الاستيجار فيها، فقال في العروة: (الظاهر حمل أمره علي الصحة مع كون الوجوب فورياً منه و مع كونه موسعا إشكال).

و أورد عليه بأنه إنما تجري أصالة الصحة فيما إذا صدر منه فعلا و شككنا في كونه واجداً لشرائط الصحة أم لا دون ما إذا كان الشك في أصل العمل و هذا هو القدر المتيقن من دليل أصالة الصحة و هو السيرة المتشرعة أو العقلائية التي أمضاها الشارع و جريانها في الزائد علي ذلك و البناء علي العمل عند الشك فيه، لم يثبت استقرار السيرة عليه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 157 من أبواب أحكام العشرة ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 198

فإن قلت: إن كلامه يرجع إلي وقوع الشك في ذلك، إذا تصرف الوصي في المال و لم يكن المال موجودا عنده و شك في أنه هل صرفه في استيجار الحج أو في غيره بحيث إذا كان صرفه في غيره صدر منه باطلًا فدار الأمر بين حمل عمله علي الصحة أو البناء علي فساده.

قلت: فيه أيضا أن القدر المتيقن من حمل الفعل علي الصحة هو ما إذا كان عنوان الفعل معينا كالا جارة و البيع و أما إذا لم يكن معينا و تردد الأمر بين عنوانين أحديهما باطل و الآخر صحيح فلا تجري أصالة الصحة لتطبيق عنوان الصحيح علي الفعل.

يمكن أن يقال: إن البناء علي استيجاره في هذه الصورة إذا لم يمكن له عذر

في التأخير مبني علي ظهور حال المؤمن و أنه يعمل بوظيفته سيما إذا كان ظاهر حاله الصلاح و التعهد بالوظائف الشرعية و مثل هذا من الظهور معتبر عند العقلاء يعتمدون عليه.

و يمكن أن يقال: إن ما علي الوارث ليس إلا تسليم المال الموصي به إلي الوصي و ليس عليه تحقيق ذلك ما دام هو يحتمل احتمالًا عقلائياً بأنه يعمل بوظيفته و ليس علي الوارث شي ء فالأمر إليه.

نعم إن علم بأنه لم يعمل بوظيفته و كان الموصي به واجباً علي الميت يجب عليه تفريغ ذمة الموصي ما دام بقي من تركته ما يفي به.

هذا كله في ما إذا كان الوجوب فورياً و أما إذا كان موسعاً فإن كان المال باقياً و لم يتصرف فيه فالظاهر وجوب صرفه في الحج و لا محل لإجراء أصالة الصحة لأن غاية ذلك إثبات مشروعية استيلائه علي المال و لكن لا يثبت بها أنه بدله بمال آخر و صرفه في الاستيجار فالمال باق في ملك الميت و يجب صرفه في

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 199

استيجار الحج.

و إن لم يكن المال موجودا فلا يحكم بضمان الوصي و إن حكم بوجوب الاستيجار من أصل التركة إن كان الحج واجباً دينيا و من بقية الثلث إن كان غيره.

و إن قلنا بأن بعد أداء المال إلي الوصي ليس علي الوارث الفحص عن عمل الوصي ما دام هو يحتمل أنّه عمل بوظيفته.

نعم إذا علم عدم العمل بالوصية و كان الحج الموصي به واجباً دينيا علي الميت يجب إخراجه من التركة لا للوصية بل لوجوب أداء دينه و بعبارة اخري، الوصي أمين الميت و رد إليه المال الموصي به، فحينئذ لا تكليف علي الورثة غير رد المال

إليه و بقية التركة تنتقل إليهم و ليس عليهم الصبر في التصرف فيها إلي إنفاذه وصية الموصي. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 10] إذا تلفت الاجرة عند الوصي

مسألة 10- إذا تلفت الاجرة عند الوصي بلا تقصير منه لا يكون ضامنا و يجب استيجار الحج إذا كان واجباً دينيا من بقية التركة، لأن ثبوت الدين في التركة يكون من باب الكلي في المعين فلا يؤثر في وجوب أدائه من التركة ما تلف منها ما دام يكون الباقي منها وافياً بالدين، و إن كان الموصي به غير الحج الديني يؤخذ الاجرة مما بقي من الثلث.

و بعبارة اخري يوضع ما تلف من التركة و يؤدي الاجرة من ثلث ما بقي منها إن وفي بها و ذلك لأن شركة الميت مع الورثة في التركة يكون علي نحو الإشاعة، له ثلثه و لهم ثلثاه فإذا تلف منها شي ء يدخل النقص علي الجميع الثلث و الثلثان، بخلاف الدين فإنه كما قلنا ثبوته في التركة يكون علي نحو الكلي في المعين فإذا تلف

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 200

شي ء من التركة لا ينقص من الدين شي ء و لا يدخل النقص فيه و علي كل حال يسترد من الورثة ما يرد عليهم من النقص بعد هذا التلف.

و لو شك في أن المال تلف عن التقصير من الوصي أم لا؟ فالظاهر عدم الضمان لأنه يدور مدار التقصير و الأصل عدمه فلا ينتهي الكلام إلي إجراء أصالة البراءة لنفي الضمان.

نعم إذا ادعي الولي عليه التقصير و لم تكن له البينة لا شي ء له عليه إلا حلفه فما علي الأمين إلا اليمين.

و مما ذكرنا يظهر حكم ما إذا استأجر شخصا للحج و أعطاه اجرته فمات الأجير قبل إتيانه بالحج و لا يمكن استردادها

لتلفه في يده و لا أخذها من تركته، إما لأنه ليس واجداً لمال أو لا يمكن أخذ ما عليه من ماله فيعامل مع بقية تركته علي ما ذكرناه.

[مسألة 11] إذا اوصي بمال معين للحج ندبا و لم يعلم وفاء الثلث به

مسألة 11- إذا أوصي بمال معين للحج ندبا و لم يعلم أنه يخرج من الثلث أم لا يفي الثلث به فهل يجوز صرف الجميع في الوصية تمسكا بأصالة الصحة لوقوع الترديد بين صحة الوصية و بطلانها لأن المال لو كان بمقدار الثلث تصح الوصية به و إن كان زائدا عليه لا تصح و مقتضي أصالة الصحة حمله علي الصحيح فإن الوصية إيقاع صدر من الموصي فشك في صحته و فساده فيحمل علي الصحة.

و اورد عليه كما تقدم عن بعض الأعاظم بأن المعتبر في إجراء أصالة الصحة إحراز ولاية العامل علي العمل و الشك في أنه أوقعه علي الوجه الصحيح أم لا و

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 201

يحمل حينئذ فعله علي الصحة و هذا هو الذي عليه السيرة و موردها، فإذا تصدي أحد لبيع دار زيد و شك في ولايته عليه لا يجوز الشراء منه بأصالة الصحة في بيعه و كذا إذا كانت عين الموقوفة في يده و أراد بيعها و شك في ولايته علي ذلك لا يحكم بصحة بيعه بأصالة الصحة، قال: (و بالجملة لا دليل علي جريان أصالة الصحة في جميع موارد الشك و الفساد و إنما قام الدليل علي إجرائها في موارد الشك في وجدان العمل للشرائط و الاجزاء بعد إحراز الولاية علي العمل). «1» و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 12] استحباب الطوف مستقلًا و النيابة فيه

مسألة 12- لا ريب في استحباب الطواف مستقلا من غير أن يكون في ضمن أعمال الحج و العمرة للروايات الكثيرة.

و قد عقد شيخنا الحر قدس سره بابا في الوسائل بهذا العنوان (باب استحباب التطوع بالطواف و تكراره و اختياره علي العتق المندوب). «2»

و إن كان في دلالة بعضها علي ذلك نظر بل منع مثل

الحديث الاول و الثاني بل و الثالث علي ما أخرجه في هذا الباب تقطيعا و هو صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن اللّٰه جعل حول الكعبة عشرين و مائة رحمة منها ستون للطائفين» الحديث فهذا المقدار لا يكفي لإثبات استحباب الطواف لعدم ظهور قوله عليه السلام «للطائفين» في الطواف الأعم من الواجب و المستحب فيسقط الاستدلال بهذه القطعة و أن استدل بها في المستمسك أيضا.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 152

(2)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الطواف.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 202

و لكن بعد الرجوع إلي تمام الحديث تظهر تمامية الاستدلال به و إليك تمامه من الكافي: «إن اللّٰه تبارك و تعالي جعل حول الكعبة عشرين و مائة رحمة منها ستون للطائفين و أربعون للمصلين و عشرون للناظرين». «1» فذيل الحديث قرينة علي أن المراد من الطائفين و المصلين أعم ممن يطوف طواف الواجب و صلاة الطواف و هذا بعض مضار تقطيع الروايات، و قد أخرجه في الوسائل تمامه في الباب التاسع من أبواب الطواف (ح 2).

و أيضا تستحب النيابة في الطواف عن الميت بل و الحي و يدل عليه بإطلاقه ما رواه الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيي، عن يحيي الأزرق قال: «قلت لأبي الحسن عليه السلام: الرجل يحج عن الرجل يصلح له أن يطوف عن أقاربه؟ فقال: إذا قضي مناسك الحج فليصنع ما شاء». «2»

و صحيح معاوية ابن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «قلت له:

فأطوف عن الرجل و المرأة و هما بالكوفة؟ فقال: نعم. يقول حين يفتح الطواف:

اللهم تقبل من فلان الذي يطوف عنه». «3»

و رواية أبي بصير قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من وصل أباه أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له أجره كاملا و للذي طاف عنه مثل أجره» الحديث. «4»

و رواية موسي بن القاسم عن أبي جعفر الثاني عليه السلام و رواية علي بن ابراهيم الحضرمي عن أبي الحسن موسي عليه السلام.

______________________________

(1)- الكافي: ج 4، ب فضل النظر إلي الكعبة ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب النيابة ح 1.

(3)- الوسائل: ب 18 من ابواب النيابة ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب النيابة في الحج ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 203

نعم إذا كان الحي حاضرا في مكة و ليس به علة لا تجوز النيابة عنه لما رواه في الوسائل عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه «1» عن حماد بن عيسي «2» عن إبراهيم بن عمر اليماني «3» عن إسماعيل بن عبد الخالق «4» قال: «كنت إلي جنب أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده ابنه عبد اللّه أو ابنه الذي يليه فقال له رجل: أصلحك اللّٰه يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال: لا لو كان ذلك يجوز أمرت ابني فلانا، فطاف عني سمي الأصغر و هما يسمعان» «5» و أخرجه بلفظ (أو ابنه) في المستمسك. «6»

أقول: الظاهر أن قوله «أو ابنه» تصحيف و الصحيح كما يدل عليه ذيل الرواية «و ابنه» كما أن الظاهر أن غرض الراوي من هذه الرواية إثبات عدم صلاحية عبد اللّه لما ادعاه من الإمامة و إثبات إمامة الإمام مولانا موسي بن جعفر عليهما السلام لان الإمام عليه السلام نص بمحضر عبد اللّه و مسمعه أنه لو

جازت الاستنابة في ذلك يستنيب هو ابنه موسي عليه السلام.

ثمّ إني بعد الالتفات إلي ذلك بحوله و قوته راجعت الكافي فإذا فيه «و ابنه الذي يليه». «7»

______________________________

(1)- من السابعة.

(2)- غريق الجحفة أجمعت الصحابة علي تصحيح ما يصح عنه و هو من الخامسة و طال عمره فعاصر السادسة.

(3)- شيخ من أصحابنا ثقة بتصريح النجاشي من الخامسة.

(4)- من الخامسة وجه من وجوه أصحابنا بيته من بيوت الشيعة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب الطواف ح 1.

(6)- مستمسك العروة: 11/ 113.

(7)- الكافي: 4/ 42 طواف المريض ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 204

و قال العلامة المجلسي عليه الرحمة في مرآة العقول: (لعل غرض الراوي حط مرتبة عبد اللّه عما ادعاه من الإمامة فإنه عليه السلام عين الاصغر لنيابة الطواف مع حضوره و إذا لم يصلح لنيابة الطواف فكيف يصلح للخلافة الكبري) «1».

و بالجملة الحديث من النصوص علي امامة مولانا موسي بن جعفر عليهما السلام و بعد ذلك يدل علي عدم جواز النيابة عمن هو بمكة و ليس به علة.

و يدل عليه مرسلة عبد الرحمن بن أبي نجران «2» عمن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت له: الرجل يطوف عن الرجل و هما يقيمان بمكة قال: لا و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة قال: قلت: و كم مقدار الغيبة؟ قال:

عشرة أميال» «3».

هذا تمام الكلام في استحباب الطواف منفردا و النيابة فيه و أما سائر أفعال الحج فقد قال في العروة استحبابها غير معلوم حتي مثل السعي بين الصفاء و المروة.

أقول: ربما يقال باستحباب السعي مستقلا لصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و

آله و سلم لرجل من الانصار: إذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك عند اللّٰه أجر من حج ماشيا عن بلاده و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة». «4»

وجه الإستدلال به أن ذكر السعي في قبال الحج مع أن كل حج فيه السعي يدل علي ترتب هذا الثواب الذي منه أجر من حج ماشيا عن بلاده علي السعي بنفسه.

______________________________

(1)- مرآة العقول: 18/ 50.

(2)- ثقة ثقة له كتب كثيرة من صغار السادسة.

(3)- وسائل الشيعة: باب 18، من أبواب النيابة في الحج، ح 3.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1، من أبواب السعي، ح 15.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 205

و أورد عليه بأن الاستدلال به يتم لو كان الصحيح وارداً في خصوص السعي كما في الوسائل و المحاسن و لكن الصحيحة إنما وردت فيما يترتب علي أعمال الحج من الثواب و ليست مختصة بذكر السعي و ثوابه فراجع الفقيه «1» و التهذيب «2» فما جاء فيه من الثواب ثواب أعمال الحج بالتفصيل لا خصوص السعي بنفسه حتي يستفاد منه استحباب السعي بنفسه و مستقلا.

و أما الاشكال في مفاد الحديث بأنه كيف يمكن أن يكون للسعي أجر من حج ماشيا من بلاده مع أن الحج أيضا مشتمل علي السعي و لو قلنا بأن المراد أجر الحج ماشيا بدون ملاحظة أجر السعي يطرح الاشكال بالسؤال من أنه كيف يكون للسعي و للساعي أجر الحاج بطوافه و صلاته و وقوفه و غيرها.

و الذي يأتي في خاطر هذا القاصر للجواب عن هذا السؤال وجهان و إن لم أجدهما في كلام من تعرض لذلك من الأجلة و الأعلام و اللّٰه هو العاصم عن الخطاء.

أحدهما: أن الثواب المذكور في هذا الحديث إنما يكون

ثواب حجة الإسلام و المراد من الحج ماشيا من بلاده الحج المندوب و لا يستبعد أن يكون ثواب السعي فيها كأجر الحج ماشيا و يرشدنا إلي ذلك قوله صلي اللّٰه عليه و آله علي ما في التهذيب قبل هذه الفقرة في ثواب صلاة الطواف و فضلها: «فإذا صليت الركعتين خلف المقام كان لك بهما ألف حجة متقبلة».

و ثانيهما: أن هذا الثواب للساعي بين الصفا و المروة يكون علي وجه

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 133 و 131 ب فضائل الحج ح 1

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 24 و 25 ب ثواب الحج ح 357

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 206

التفضل لا الأجر و بعبارة اخري ما يترتب علي جزء من أجزاء الحج و أعماله بالخصوص زائداً علي أجر الجميع يكون علي وجه التفضل من اللّٰه تعالي دون الأجر و لا بعد لان يكون تفضله علي عبده أكثر من ذلك أيضا و يكون تفضله بأصل الحج بأضعاف ذلك فاللّٰه هو المحسن المجمل المتفضل الشكور الوهاب.

و من ذلك كله يظهر ما في كلام السيد الحكيم قدس سره فإنه قال: (الذي يظهر من جملة النصوص استحبابه لنفسه ففي خبر محمد بن قيس (و ذكر الخبر) و خبر أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ما من بقعة أحب إلي اللّٰه تعالي من المسعي لانه يذل فيها كل جبار» «1» و نحوهما غيرهما و دلالتهما علي استحبابه لنفسه ظاهر) «2».

أقول: أما الرواية الاولي فقد سمعت الكلام فيها و أما الثانية فتدل علي فضيلة المسعي لأن كل جبار يذل فيه عند سعيه في حجه و مشيه و هرولته فيه و لا دلالة لها لاستحباب السعي بالخصوص و مستقلا عن

الحج.

و أما سندها ففي الكافي، «3» محمد بن يحيي «4» عن محمد بن الحسين «5» عن محمد بن اسلم «6» عن يونس «7» عن أبي بصير «8» و هو ضعيف بمحمد بن أسلم و اللّٰه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: 13 ب 1 من ابواب السعي ح 2.

(2)- مستمسك العروة: 11/ 114.

(3)- الكافي: 4/ 434 السعي ح 3.

(4)- الأشعري العطار القمي شيخ أصحابنا في زمانه من الثامنة.

(5)- أبي الخطاب جليل من أصحابنا عظيم القدر مسكون إلي روايته من السابعة.

(6)- محمد بن أسلم الجبلي من الطبري ضعيف كأنه من السابعة.

(7)- لعله يونس بن يعقوب ممدوح بمدائح كثيرة من السادسة أو الخامسة.

(8)- من الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 207

هو الهادي إلي الصواب.

[مسألة 13] لو مات صاحب الوديعة و عليه الحج

اشارة

مسألة 13- قال في الجواهر: «(لو كان عند إنسان وديعة و مات صاحبها و عليه حجة الإسلام و علم أن الورثة لا يؤدونها) عنه (جاز) و عن المهذب عليه (أن يقتطع) منها (قدر اجرة الحج) حسبة من البلد أو من الميقات إن لم يوص علي الأصح و المسمي إن أوصي و خرج الزائد من الثلث أو أجاز الوارث (فيستأجر به) من يؤديها عنه أو يحج هو (لانه خارج عن ملك الورثة) بناء علي بقاء ما قابل الدين علي ملك الميت». «1»

أقول: في المقام جهات من الكلام:

الجهة الاولي: الظاهر من استدلال الجواهر أولا تبعا للشرائع أنه يجوز للودعي إذا علم أن الورثة لا يؤدون حجة الإسلام التي علي الميت، أن يؤديها بما عنده حسبة

و ظاهر استدلاله جواز أداء سائر ديونه إذا علم ذلك من ورثته.

و لا يخفي عليك أن مقتضي الأصل و القاعدة عدم جواز تصرف الودعي فيما عنده من المال بصرفه في أداء دين الميت حجا كان الدين أو غيره و سواء لم يكن الوارث ممتنعا من الأداء أو كان ممتنعاً و سواء أمكن إثبات ذلك عند الحاكم أو لم يمكن و ذلك لأنه لا ولاية للودعي علي المال لأنه إما أن نقول بانتقال تركة الميت إلي الوارث و إن وجب عليه صرفه في دين الميت و لا يجوز له التصرف في التركة قبل أداء دين الميت فلا وجه لتصرف الودعي في ملك الورثة فيجب عليه رد المال إلي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 402.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 208

مالكه و إما أن نقول ببقاء المال بمقدار الدين في ملك الميت و عدم انتقاله إلي الوارث فلا يجوز التصرف فيه للودعي أيضا لأن ولي الميت هو الوارث و هو المخاطب بأداء دين الميت من تركته و لا ولاية للودعي علي المال أو علي الميت فكيف يجوز له التصرف فيه فأمره و أمر تركته

راجع إلي الوارث فلعله يري أداء دينه من مال آخر أو أداء حجه بنفسه.

هذا مضافاً إلي أنه لو كان المال الذي عند الودعي أكثر من الدين أو مصارف الحج يكون مشتركاً بينه و بين الميت فبأي وجه يجوز له تقسيم المال المشترك بين الميت و الوارث الميت.

فإن قلت: أداء ديون الميت كتغسيله و الصلاة عليه و دفنه من الواجبات الكفائية يجب علي كل أحد القيام به و إن كان الولي أولي به فما دام هو مقدم علي ذلك لا يجوز للغير الاستقلال به و أما اذا كان هو ممتنعا منه فيجب علي السائرين الإقدام عليه.

قلت: يجب في هذه الصورة الرجوع إلي الحاكم و الاستيذان منه فإنه ولي الممتنع.

فإن قلت: إذا كان الودعي يعلم أن الوارث لو اطلع علي ذلك يطالبه بالمال و لا يدفعه إلي الدائن و لا يمكن له اثباته عند الحاكم كيف يجوز له إعلامه به و تضييع حق الدائن.

قلت: لا ولاية له علي ذلك و صاحب الحق يطالب الوارث بحقه عند الحاكم.

نعم، لو علم الودعي أن المال لم يكن للمودع أو هو أوصي به لغيره و لا يزيد علي ثلثه يجوز له بل يجب عليه رده إلي صاحبه أو الموصي له إذا علم أن الوارث لا

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 209

يتضرر بذلك كما إذا كان للميت وصايا اخري غير ذلك.

اللهم إلا أن يقال بدلالة صحيح بريد علي ذلك في حجة الإسلام إذا تعذر حمل الورثة علي الأداء و لو بالرجوع إلي الحاكم كما يأتي في الجهة الثانية.

الجهة الثانية: استدل صاحب الجواهر ثانيا بما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح

عن بريد العجلي ففي الكافي «1» محمد بن يحيي «2» عن محمد بن الحسين «3» عن علي بن النعمان «4» عن سويد بن القلا «5»

عن أيوب «6» عن بريد العجلي «7» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لولده شي ء و لم يحج حجة الاسلام؟ قال: حج عنه و ما فضل فأعطهم»

ثمّ قال: (لكن لا دلالة فيه علي عدم اعتبار استيذان الحاكم الذي هو الولي لمثل ذلك و إن تمكن منه لاحتمال الامر منه لبريد الإذن به فيه فلا إطلاق فيه حينئذ يدل علي خلافه فما عن الشهيد من استبعاده بعد أن حكاه قولا بل في الحدائق الجزم بمنافاته لإطلاق الصحيح في غير محله ضرورة أنه من خطاب المشافهة و المتيقن من تعديته إلي غير المشافهة ذلك نعم لو لم يتمكن منه استقل هو بذلك حسبة إن كان من عدول المسلمين). «8»

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 306، الرجل يموت صرورة …، ح 6.

(2)- ابو جعفر القمي العطاء من الثامنة.

(3)- ابي الخطاب من السابعة.

(4)- الاعلم النخعي ثقة ثبت واضح الطريقة من السادسة.

(5)- سويد بن مسلم القلاء ثقة له كتاب من الخامسة او السادسة.

(6)- كانه من الخامسة و إن هو ايوب بن حر او ايوب بن نوح بن دراج فهما ثقتان.

(7)- ابن معاوية ثقة فقيه ممن اجمعت الصحابة علي تصديقهم من الرابعة.

(8)- جواهر الكلام: 17/ 402.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 210

أقول: إطلاق الرواية و شموله لصورة إمكان الاستيذان من الحاكم يدور مدار كون المراد من قوله عليه السلام «حج عنه» الحكم الشرعي فكأنه قال: «فليحج عنه من بيده الوديعة».

و صاحب الحدائق يري أنه و إن كان السؤال عن واقعة شخصية إلا أنه سؤال عن حكمها لا الاستيذان من الإمام فإذا كان الجواب الإذن بصرفه في حج صاحب المال لا يطابق الجواب السؤال مضافا إلي انه

يمكن أن يكون السؤال ايضا علي سبيل المثال و عن حكمه الكلي و حينئذ يقوي ما اختاره الحدائق من إطلاق الجواب و جواز صرفه في حج صاحب المال و ان كان متمكنا من الاستيذان من الحاكم. «1»

الجهة الثالثة: هل يجوز له الاستقلال بالعمل إذا علم ان الورثة يؤدون حج مورثهم أو ظن ذلك من ظاهر حالهم؟

الظاهر أنه ليس له ذلك بل إنما يجوز إذا كان حق الميت معرضا للضياع و الإنكار كما ربما يستفاد ذلك من قوله: «و ليس لولده شي ء» و بالجملة لا يستفاد من الخبر نفي ما للورثة من الأمر في ذلك فيجوز لهم الاستيجار بغير هذا المال أو التبرع عن الميت.

و الظاهر أنه لا يجوز التمسك بالإطلاق بترك استفصال الإمام عليه السلام فإن الظاهر أن مورد السؤال كان معلوما و هو ما إذا لم يكن اطمينان بالورثة و أمانتهم أو لا يعلم حالهم دون غير ذلك فإن الحكم فيه كان معلوما علي مثل بريد أحد الاربعة النجباء امناء اللّٰه علي حلاله و حرامه و الذين لو لم يكونوا انقطعت آثار النبوة و اندرست.

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 14/ 279.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 211

الجهة الرابعة: لا يختص وجوب الحج علي الودعي عن صاحب المال في الصورة المفروضة بما إذا لم يكن لورثته مال

و ذلك لأن تسليم المال إليهم موجب لتفويت حق الميت و ما ذكر في السؤال من قوله «و ليس لولده شي ء» لا يقيد السؤال و لا الجواب به فإن المراد منه بيان مظنة تضييع الحج لحاجة الورثة إليه و عدم قيامهم بالوظيفة و لا فرق في ذلك بين كون الورثة فقيرا او غنيا إذا كان الغني أيضا لا يؤدي الحج عن مورثه فالمراد أنه لا يجوز إعطاء المال ممن لا يعرف من حاله أدائه في حج الميت.

الجهة الخامسة: إذا قلنا بلزوم الاستيذان من الحاكم أو جواز استقلال الودعي بالأمر فهل يجب علي الودعي الحج عن صاحب المال بنفسه

لقوله عليه السلام: «حج عنه» أو يجوز له استيجار الغير به؟

الظاهر أنه لا فرق و لا يختص وجوب صرف المال في حج صاحب المال بحج الودعي عنه بنفسه لأن الغرض تفريغ ذمته و هو حاصل بكل منهما من دون تفاوت.

الجهة السادسة: هل وجوب صرف المال الذي عنده من الميت في حجة إسلامه في الصورة المذكورة يختص بما إذا كان المال وديعة عنده

أو لا فرق في ذلك بينها و بين حصول ماله عنده بأي سبب من الاسباب كالإجارة و العارية حتي الغصب.

الظاهر أنه لا فرق في ذلك بين الوديعة و غيرها و ذلك لأن الوديعة إنما وقعت مورد السؤال علي نحو المثال و لو كان المثال فيه عن واقعة الراوي الخاصة به فيمكن دعوي شموله لمثل ما ذكر بإلغاء الخصوصية و تنقيح المناط القطعي.

الجهة السابعة: قد ظهر مما ذكر في الجهة الأولي أنه لا يلحق سائر الديون المالية

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 212

التي تؤدي من تركة الميت بحجة الإسلام كديون الناس و الخمس و الزكاة فلا وجه لدعوي ذلك بعد عدم استفادة ذلك من الصحيح لا بالأولوية و لا بمفهوم المساواة «1».

و أما ما قيل من أن ظاهر النص هو اختصاص هذا الحكم بالحج، فليس في محله لأنه لا يستفاد من النص الاختصاص و إنما لا يستفاد منه شمول الحكم لغير مورده لا اختصاص الحكم بمورده و مع ذلك دعوي الحاق هذه الديون بالحج إذا تعذر إلزام الوارث بالوفاء و لم يكن للورثة مال آخر ليس ببعيد و المسألة بعد ذلك لا يخلو من الإشكال.

الجهة الثامنة: لا ريب في أن الودعي إذا علم أن علي صاحب المال حجة الإسلام و أن وارثه يمتنع من أدائه

و لا يؤديها عصياناً أو عذراً فَصرف المال في حجه ليس عليه شي ء و لا يجب عليه إعلام الوارث، إن علم أنه لا يقبل منه ذلك.

لكن إذا اطلع الوارث علي الامر و طالبه بما عنده بدعوي أنه ولي الميت أو انكار وجوب حجة الإسلام علي مورثه أو عدم علمه بها و كان المال موجوداً عند الودعي، هل يجوز له رد المال إلي الوارث و هل للوارث مطالبته به و بعبارة اخري هل يكون القدر المتيقن من صحيح بريد ما إذا لم يطلع عليه الوارث دون ما إذا اطلع علي ذلك أو يكون في معرض اطلاعه و مطالبته الودعي به فإذا اطلع فهو علي حجته؟

يمكن أن يقال: إن القدر المتيقن من وجوب ذلك علي الودعي هو ما إذا لم يكن الأمر معرضا لاطلاع الوارث عليه و لم يطلع هو عليه و أما إذا اطلع علي ذلك

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 2/ 161.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 213

لا يسمع دعواه علي الودعي و يجب عليه تصديقه فأول الكلام حتي إذا

صرفه الودعي في حج الميت.

و بالجملة فغاية ما يستفاد من الحديث جواز صرف الودعي ما عنده في حجة إسلام صاحب المال إذا علم أن الورثة لا يؤدونه و لا يمكن له حملهم علي أدائها و لو بالرجوع إلي الحاكم فليس عليه إعلامهم به أما وجوب قبول الورثة ذلك منه إذا كانوا غير عالمين بواقع الأمر فلا دلالة للحديث عليه. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة: 14- يجوز للنائب أن يطوف عن نفسه و عن غيره بعد فراغه عن الأعمال للمنوب عنه]

مسألة: 14- يجوز للنائب أن يطوف عن نفسه و عن غيره بعد فراغه عن الأعمال للمنوب عنه.

لإطلاق أدلة الدالة علي استحباب الطواف كما يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه و عن غيره.

و لا يضر بذلك الفصل المعتبر بين العمرتين لاختصاصه بما إذا كانتا مفردتين عن نفسه لا بما إذا كانت إحداهما عمرة التمتع و لا إذا كانتا إحداهما عن غير ما كانت الاخري له كما يأتي البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالي.

[مسألة 15] هل يجوز الاستيجار للأجير

مسألة 15- إذا أعطاه مالًا ليحج به عنه لا لاستيجار الحج عنه يجوز له أن يحج به عنه بنفسه أو يستأجر له الغير و إن أعطاه لاستيجار الحج و كانت هناك قرينة علي إرادته الاعم من حجه بنفسه أو استيجار الغير يجوز له أن يحج عنه بنفسه و إن كان شاكاً في ذلك لا يجوز له إلا استيجار الغير.

و ما في العروة من جواز ذلك ما لم يعلم أنه أراد الاستيجار من الغير لا يكفي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 214

للحكم بالجواز فإن عدم العلم بإرادته استيجار الغير لا يستلزم العلم بإرادته الأعم من نفسه و غيره و ما هو المجوز لذلك العلم بعدم إرادته خصوص استيجار الغير لا عدم العلم بذلك كما لا يخفي.

هذا و إذا عين المعطي شخصاً تعين إلا إذا علم أن ذكره لم يكن علي سبيل التعيين و كان من باب المثال و إن علم أن المعطي في تعيينه وقع في الاشتباه و عين من ليس له صلاحية ذلك كما إذا كان معذوراً من أداء بعض الأعمال فالظاهر أنه يجب عليه الرجوع إلي المعطي و لا يجوز له استيجار غيره بعد ما كان تعيينه لا علي سبيل المثال

خلافا لما في العروة فإنه جوز ذلك كما جوز ذلك بعض الأعاظم إذا علم برضاه به. «1»

و فيه: أن مجرد العلم بالرضا لا يكفي في التصرف في مال الغير إلا بالإذن الصريح أو الفحوي أو شاهد الحال.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 167.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 217

أقسام العمرة

اشارظ

العمرة تنقسم كالحج إلي ما هو واجب بالأصل و هو ما يجب علي كل من كان واجداً لشرائط الاستطاعة فيجب عليه كالحج في العمر مرة أو متمتعاً بها إلي الحج علي التفصيل الذي سنذكره إن شاء اللّٰه تعالي. و ذلك ثابت بالكتاب علي ما جاء في تفسير قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» الآية و بالسنة و بالإجماع.

و ما هو واجب بالعرض كالعمرة الواجبة بالنذر أو العهد أو اليمين و لدخول مكة و بالعقد كالا جارة و بالشرط في ضمن العقد و بالوصية و بالإفساد و الفوات فإن من فاته الحج يجب عليه التحلل بالعمرة و إلي ما هو المندوب كل ذلك ثابت لا حاجة إلي كثير البحث فيه كما أنه لا مجال للخدشة في فورية وجوبها و لا عدم ارتباط حصول الاستطاعة لها بالاستطاعة بالحج كما لا ترتبط استطاعة الحج بالاستطاعة لها إلا في حج التمتع و العمرة المتمتع بها إلي الحج فإن الاستطاعة معتبرة لهما معاً.

نعم حكي عن الشهيد قدس سره في الدروس أنه قال: (و لو استطاع لها خاصة لم تجب

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 218

و لو استطاع للحج مفردا دونها فالأقرب الوجوب). «1»

و لصاحب كشف اللثام «2» كلام أشار فيه إلي ما يمكن أن يستدل به للشهيد و إلي جوابه و ما استدل به له وجوه:

الاول: الأصل و الظاهر أن مراده أصالة براءة

الذمة من وجوب العمرة بالاستطاعة لها خاصة و دون الاستطاعة للحج.

و فيه: أنه لا مجال له بعد دلالة الدليل علي وجوبها فهو مقطوع بالدليل.

الثاني: ظهور حج البيت في الآية في غير العمرة.

و فيه: أن ذلك ليس الدليل علي عدم الوجوب غاية الامر منع كون الآية دليلًا علي الوجوب و عدم كونها دليلًا علي الوجوب ليس دليلًا علي عدم الوجوب مضافا إلي إمكان دعوي شمول الآية بالعمرة و الحج علي السواء فمن صار مستطيعاً للعمرة مستطيع لحج البيت و الدليل علي ذلك تفسير الآية بهما في الأحاديث ففي صحيح ابن اذينة المروي في علل الصدوق: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قول اللّٰه عز و جل: (و للّٰه علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) يعني الحج دون العمرة؟

قال عليه السلام: لا و لكنه يعني الحج و العمرة جميعا لأنهما مفروضان». «3» و قد أشار كاشف اللثام إلي ردهما بالإجمال بقوله: «و هو ممنوع».

الثالث: عدم دلالة قوله تعالي: (و اتموا الحج و العمرة للّٰه) الدال علي وجوب

______________________________

(1)- الدروس: 1/ 338.

(2)- كشف اللثام: 1/ 315.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 219

إتمامها علي وجوب إنشائهما و منع استلزام وجوب الإتمام وجوب الإنشاء.

ففيه: أيضا أن هذا رد للاستدلال علي وجوبها بالآية و ليس دليلًا إلي عدم وجوبها مضافا علي أن الآية مفسرة بوجوب الإنشاء ففي صحيحة زرارة: «العمرة واجبة علي الخلق بمنزلة الحج فإن اللّٰه تعالي يقول: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» «1».

الرابع: أنه لو وجبت العمرة لكان من استكمل الاستطاعة لها و مات قبلها و قبل ذي الحجة يجب استيجارها عنه من التركة و لم يذكر ذلك

في خبر أو كتاب.

و فيه: إما أن نقول بفورية وجوب العمرة و عدم كونها موقتا بوقت الحج نلتزم بوجوب استيجار العمرة عنه إذا استطاع لها و إما ان نقول بوجوبها عند الحج نلتزم بعدم وجوب الاستيجار بل و عدم وجوبها قبل ذي الحجة.

الخامس: إذا كانت الاستطاعة لها خاصة كافية لوجوبها لزم أن نقول بأن المستطيع لها إذا أتي الحرم قبل أشهر الحج يجب أن ينوي بعمرته عمرة الإسلام لاحتمال أن يموت أو لا تبقي استطاعته للحج إلي وقته.

و فيه: انا إن قلنا بوجوب العمرة عند الحج، نقول: كما قاله كاشف اللثام بوقوعه قبل أشهر الحج مندوبا و نافلة فليس له أن يأتي بعمرة الإسلام إلا عند الحج سواء احتمل موته و زوال استطاعته أو لم يحتمل و إن قلنا بوقوعه في غير أشهر الحج أيضا يجب عليه أن ينوي بعمرته عمرة الإسلام سواء احتمل الموت أو زوال الاستطاعة أم لم يحتمل فتلخص من ذلك كله استقلال حصول الاستطاعة لكل واحد من النسكين في وجوبه و إن لم يكن مستطيعا للآخر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 220

[مسألة 1] وجوب العمرة المفردة علي النائي المستطيع لها خاصة

مسألة 1- لا ريب و لا خلاف في إجزاء العمرة المتمتع بها إلي الحج عن العمرة المفردة و النصوص علي ذلك كثيرة. و إنما وقع الكلام في أنه هل تجب العمرة المفردة علي من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها و لم يستطع للحج فمن استطاع للعمرة مثلا في شهر رجب خاصة دون الحج فلم يستطع له فهل تجب عليه العمرة المفردة أم لا؟ و كذا من كان أجيرا للحج عن أحد و بعد الفراغ من أعماله تمكن من العمرة، هل

تجب عليه أم لا؟ قال في العروة: «المشهور عدمه بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات».

أقول: مقتضي الآية و الروايات وجوبهما في الجملة فتنطبق العمرة الواجبة علي التي تجب علي من كان من حاضري المسجد الحرام مفردا أو قارنا و علي التي يأتي بها النائي متمتعا بها إلي الحج فكما أن الحج يصدق علي حج التمتع و لا يجب علي النائي غيره ابتداء و يصدق علي القران أو الإفراد الذي هو وظيفة حاضر المسجد الحرام تصدق العمرة علي العمرة المتمتع بها إلي الحج و علي العمرة المفردة التي هي وظيفة الحاضرين.

و الظاهر أن دلالة الروايات لا تزيد علي ذلك، فمنها صحيحة الفضل أبي العباس «1» «عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّٰه عز و جل «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ»؟ قال: هما مفروضان». «2» و مثلها لا يكفي لإثبات وجوب العمرة المفردة علي النائي الذي يأتي بها متمتعا بها إلي الحج فإنها ليست في مقام بيان ما هو موضوع الوجوب بتمامه و تفاصيله فلا ينافي عدم كون العمرة المفردة علي النائي وجوبها عليه في الجملة

______________________________

(1)- ابن عبد الملك البقباق، ثقة له كتاب من الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 221

و إن كان في ضمن حج التمتع كما لا ينافي في عدم كون حج الإفراد و القران عليه إذا كان التمتع عليه واجباً.

و منها صحيح عمر بن اذينة «1» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّٰه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» به يعني الحج دون العمرة؟ قال: لا لكنه يعني الحج و العمرة جميعا لانهما مفروضان»

«2» و هو أيضا كسابقه لا يدل إلا علي وجوبهما في الجملة و منها غيرهما مما هو مثلهما في عدم الدلالة علي وجوب العمرة علي النائي إذا استطاع لها خاصة.

نعم، هنا روايات ربما توهم دلالتها علي أن المتمتع كان عليه العمرة المفردة و إنما تسقط عنه إذا أتي بالعمرة المتمتع بها الي الحج دون ما إذا لم يأت بها.

فمنها صحيح يعقوب بن شعيب «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام قول اللّٰه عز و جل: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلي الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أصحابه» «4»

فهذا الصحيح يدل علي أنه يكتفي بالعمرة المتمتع بها إلي الحج إذا أتي بها عن العمرة المفردة و أما إذا لم يأت بها فالتكليف بالعمرة المفردة علي حاله.

و لكن يمكن أن يقال: إن السؤال راجع إلي أن العمرة المفردة التي كانوا يأتون بها بعد الحج هل يكتفي بالعمرة المتمتع بها إلي الحج عنها فأجاب الإمام عليه السلام بأن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أمر بذلك يعني أن التشريع وقع علي إتيان العمرة بالتمتع بها إلي الحج و بعبارة اخري المراد أن الواجب من العمرة علي من يجب عليه حج التمتع

______________________________

(1)- ثقة له كتاب هرب من المهدي و مات باليمن من الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة ح 7.

(3)- ابن ميثم ابن يحيي التمار الكوفي له كتاب من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 5 من ابواب العمرة، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 222

العمرة المتمتع بها إلي الحج فلا يجب عليه غيرها و إن لم

يتحصل له الاستطاعة لحج التمتع و تحصلت لها خاصة.

و منها رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر «1» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن العمرة أ واجبة هي؟ قال: نعم، قلت: فمن تمتع تجزئ عنه؟ قال: نعم». «2»

و بيان الاستدلال لوجوبها علي النائي المستطيع لها و إن لم يكن مستطيعا للحج أن الإمام عليه السلام أجاب بإجزاء حج التمتع عنها فيبقي غيرها علي وجوبها.

و مثلها خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «العمرة مفروضة مثل الحج فإذا أدي المتعة فقد أدي العمرة المفروضة». «3»

أقول: الإنصاف عدم دلالتهما أيضا علي وجوب العمرة مفردة مستقلا علي النائي و أما خبر البزنطي فلا يدل إلا علي وجوب العمرة إجمالا و علي إجزاء العمرة المتمتع بها إلي الحج عنها و هذا لا ينافي كون ما عليه عمرة التمتع و الثاني أيضا لا يدل علي أزيد من ذلك و لا يثبت به وجوب العمرة المفردة علي النائي الذي وظيفته حج التمتع.

و أما معارضة صحيح الحلبي «إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضي ما عليه من فريضة العمرة» و خبر أبي بصير «العمرة المفروضة مثل الحج فإذا أدي المتعة فقد أدي العمرة المفروضة» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت «فمن تمتع بالعمرة إلي الحج» أ يجزي ذلك؟ قال: نعم» و نحوها مع مثل صحيح يعقوب بن شعيب فلم نفهم ذلك منها و إن صرح به بعض الأعاظم.

______________________________

(1)- البزنطي جليل القدر من السادسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 5، من ابواب العمرة، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب العمرة ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 223

اللهم إلا أن يقال: إن كل هذه الروايات

و ردت في جواب المخالفين من الذين يزعمون وجوب العمرة المفردة علي الجميع و انها علي ذمتهم ففي الحقيقة أن هذه الروايات ترشدهم إلي أن ما علي النائي هي العمرة المتمتع بها إلي الحج و هي التي جعلت مكان المفردة للنائين.

نعم يمكن القول بمعارضة ما دل علي دخول العمرة في الحج إلي يوم القيامة لما قيل بدلالته علي وجوب العمرة المفردة فإن الظاهر منه أن ما علي النائي العمرة المتمتع بها إلي الحج دون العمرة المفردة و إلا يلزم وجوب العمرتين علي من استطاع للعمرة خاصة في سنة و أتي بها ثمّ استطاع لحج التمتع في تلك السنة أو سنة اخري و لا أظن أن يلتزم بها فقيه.

[مسألة 2] وجوب العمرة لدخول مكة

مسألة 2- قد ذكرنا في أقسام العمرة و ما تجب منها بالعرض و ما تجب لدخول مكة و المراد منه أنه حيث حرم دخول مكة المكرمة بدون الإحرام فإذا وجب دخولها بسبب من الاسباب يجب الإحرام له بحكم العقل تخلصا من الحرام.

و هذا الوجوب ليس غيريا مقدميا لعدم توقف الواجب عليه فإن الدخول لا يتوقف علي الإحرام بما هو الدخول و لا بما أنه موضوع للوجوب نعم يتوقف جواز الدخول علي الإحرام.

إلا أن يقال: إن الدخول الموضوع للوجوب هو الدخول المشروع المشروط بالإحرام فيجب تحصيل الإحرام من باب كونه مقدمة للواجب. و كيف كان فإذا وجب الدخول يجب الإحرام له بحكم العقل إما تخلصا من الحرام أو من باب

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 224

وجوب مقدمة الواجب.

هذا إذا كان الدخول واجباً اما إذا لم يكن الدخول واجباً فمعني وجوب الإحرام كونه شرطا لجواز الدخول و التعبير عن هذا بالوجوب قبال الإحرام الذي يجب بالنذر أو لأجل وجوب الدخول

يكون بالتكلف و المسامحة لا حاجة إليه.

ثمّ إنه قد استثني من حرمة دخول مكة المكرمة بغير إحرام من يتكرر دخوله و خروجه كالحطاب و الحشاش فلا خلاف في الجملة و يدل عليه صحيح رفاعة بن موسي «1» قال فيه: «و قال (يعني ابا عبد اللّه عليه السلام) إن الحطابة و المجتلبة أتوا النبي صلي الله عليه و آله و سلم سألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالا» «2».

و الظاهر أن الحطابة و الاجتلاب من باب المثال و لا يختص بمن كان مهنته خصوص الحطابة أو اجتلاب الأرزاق فيشمل من يتكرر منه ذلك في سائر المشاغل التي يحتاج الاشتغال بها تكرار الدخول إلي البلد كالذي منزله خارج البلد و يأتيه كل يوم للعمل فيه أو سائق السيارة أو كان مدرسا و نحو ذلك.

و هل يشمل الحكم الذي لا يتكرر دخوله عرفا كمن يتكرر ذلك منه في شهرين؟ الظاهر أنه لا يشمله الحديث و إن كان هو آتيا لحوائج البلد من الأطعمة و غيرها فالقدر المتيقن منه الذي يتكرر منه في كل شهر بحيث يكون شغله الخروج و الدخول إلي البلد دون غيره.

[مسألة 3] اعتبار الفصل بين العمرتين

مسألة 3- يستحب تكرار العمرة كتكرار الحج إلا أن الحج لا يكون

______________________________

(1)- النحاس ثقة حسن الطريقة … من الخامسة.

(2)- الاستبصار: 2/ 245، ب 165، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 225

في السنة إلا مرة واحدة فالفصل بين الحجين يكون بالسنة و لكن ذلك ليس من جهة اعتبار الفصل بينهما بل من جهة اختصاصه بوقت لا يمكن تكراره في السنة أزيد من مرة بخلاف العمرة فإنه يؤتي بها في كل يوم و زمان و اختلفوا في اعتبار الفصل بين العمرتين.

ففي الشرائع جعل عدم اعتبار الفصل بينهما

أشبه. «1»

و في الجواهر قال: (إليه يرجع ما عن الجمل و الناصريات و السرائر و المراسم و التلخيص و اللمعة من جواز التوالي بين العمرتين بل نسب إلي كثير من المتأخرين بل في الناصريات نسبته إلي أصحابنا). «2»

و ذهب جماعة إلي اعتبار الفصل بينهما و اختلفوا في مقداره فحكي عن النافع و الوسيلة و التهذيب و الكافي و الغنية و المختلف و الدروس، أنه يعتبر الفصل بينهما بشهر و عن جماعة اخري بعشرة أيام.

و قيل بسنة و هو منسوب إلي العماني و إن كان الكلام المحكي عنه كما في الجواهر غير صريح في ذلك فإنه قال علي ما في الجواهر: (و قد تأول بعض الشيعة هذا الخبر (يعني العمرة في كل سنة مرة) علي معني الخصوص فزعمت أنها في التمتع خاصة فأما غيره فله أن يعتمر في أي الشهور شاء و كم شاء من العمرة فإن يكن ما تأولوه موجودا في التوقيف عن السادة آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فمأخوذ به، و إن كان غير ذلك من جهة الاجتهاد و الظن فذلك مردود عليهم و أرجع في ذلك كله إلي ما قالته الائمة عليهم السلام) «3»

______________________________

(1)- الشرائع: 1/ 230.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 464

(3)- جواهر الكلام: 20/ 413.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 226

و الظاهر أن اختلافهم يرجع إلي اختلاف النصوص أو اختلاف استظهارهم من النصوص: فمنها صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «العمرة في كل سنة مرة» «1»

و صحيح حريز عنه عليه السلام: «و لا تكون عمرتان في سنة» «2» و مثله صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «3».

و هذه الثلاثة قد تأولت كما سمعت من العماني قدس

سره علي معني الخصوص أي العمرة المتمتع بها إلي الحج و إلا فبظاهرها غير معمول به فإنه لا خلاف بينهم في استحباب تكرار العمرة في سنة واحدة و لم يسمع الخلاف في ذلك إلا عن العماني و قد عرفت أنه أيضا اشترط القول بالفصل بالسنة بما إذا لم يكن فيما ورد عن آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ما يأول به أخبار السنة و يكفي في ذلك الاخبار المستفيضة فكأنه لم يكن عنده من الكتب ما فيه هذه الأخبار و الحاصل أن هذا القول مردود لا اعتبار به.

و من الأخبار في الباب ما استشهد بها القائل باعتبار الفصل بالشهر مثل صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام في كل شهر عمرة» «4» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام «كان علي عليه السلام يقول لكل شهر عمرة» «5» و مصحح إسحاق بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 7.

(3)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 8.

(4)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 1.

(5)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 227

السنة اثنا عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة» «1» و غيرها من الروايات.

و لكن يمكن أن يقال: إن مثل هذه الأخبار لا يدل علي نفي استحباب العمرة في أقل من شهر بل إنما يدل علي استحباب العمرة لكل شهر فلا ينافي استحبابه لكل يوم و لكل ليلة

و لكل اسبوع و لكل ساعة.

نعم ربما يرد علي ما قلناه ما في خبر علي بن أبي حمزة في حديث عن أبي الحسن عليه السلام قال: «و لكل شهر عمرة قال: و قلت له: يكون أقل من ذلك؟ قال: في كل (لكل) عشرة أيام عمرة» فإنه لو كان المفهوم من قوله عليه السلام: «لكل شهر عمرة» مجرد استحبابها لكل شهر لم يكن وجه لسؤاله من أقل ذلك فكان السائل فهم من قوله عليه السلام عدم جواز العمرة في أقل من شهر فسأله عن الأقل منه.

و فيه مضافا إلي ضعف الخبر بسنده يمكن أن يكون ذكر عشرة علي سبيل المثال و بيان مراتب الاستحباب قوة أو ضعفا حتي يكون استحبابه في كل سنة في مرتبة أقوي مما دونه و هو استحبابه في كل شهر و استحبابه في كل شهر أقوي من استحبابه في كل عشرة أيام و الأقل منها فكأنه قال: «إذا تركت العمرة في كل يوم فأت بها في كل عشرة و إلا فأت بها في كل شهر و إلا فأت بها في السنة».

و كيف كان هذا الخبر ضعيف بالبطائني و به يضعف القول باعتبار الفصل بعشرة أيام. فتلخص من ذلك أن الأقرب عدم اعتبار الفصل و بعد ذلك كله فلا ريب في استحباب العمرة في كل شهر و لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتيان به رجاءً إن أراد الإتيان بها كرارا في شهر واحد.

و الظاهر أن المراد من الشهر، الهلالي فيجوز علي القول باعتبار الفصل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 228

بالشهر أن يأتي به في أول الشهر الآتي إذا أتي بها في آخر شهره الحالي فلا تجب

مراعاة مضي ثلاثين يوما من عمرته.

و لا يخفي أن رعاية الفصل إنما يكون بين العمرتين المفردتين إذا أتي بهما عن نفسه أو نيابة عن غيره و أما إذا كانت العمرة السابقة عمرة التمتع و الثانية العمرة المفردة أو كانت الاولي لنفسه و الآخر لغيره فلا يضر عدم الفصل علي جميع الأقوال و اللّٰه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 229

الكلام في اقسام الحج

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 231

الكلام في أقسام الحج

قال في الجواهر: (و هي ثلاثة تمتع و قران و إفراد بلا خلاف أجده فيه بين علماء الإسلام بل إجماعهم بقسميه عليه مضافا إلي النصوص المتواترة أو القطعية، لكن عن عمر متواترا أنه قال: «متعتان كانتا علي عهد رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أنا محرمهما و معاقب عليهما متعة النساء و متعة الحج» و ظاهره عدم مشروعية المتعة في الحج أصلا بمعني بقاء الحج عنده كما كان قبل نزول التمتع ما بين قران و إفراد و قد أخبره بذلك رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم في المروي متواترا عنه في حجة الوداع- ثمّ ذكر من الروايات المصرحة بمخالفته للنبي صلي الله عليه و آله و سلم و قال في آخر كلامه- هي مخالفة لرسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم علي وجه يقتضي الكفر و كم له و كم له و كفي باللّٰه حاكما. «1»

ثمّ إن التمتع فرض من كان بعيدا عن مكة قال في كشف اللثام: «لا يجزيه غيره اختيارا للاخبار و هي كثيرة و الاجماع كما في الانتصار «2» و الخلاف «3» و الغنية «4»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 2.

(2)- الانتصار/ 238.

(3)- الخلاف: 2/ 272.

(4)- الغنية/ 152.

فقه

الحج (للصافي)، ج 2، ص: 232

و التذكرة «1» المنتهي «2» و ظاهر المعتبر «3» و حكي القاضي في شرح الجمل «4» خلافه عن نفر من الاصحاب» انتهي.

أقول: الاولي قبل الاستدلال بالاخبار و الإجماع النظر في قوله تعالي: «فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» «5» فإنه استدل بقوله تعالي: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» إن التمتع فرض من كان بعيدا عن مكه فلا يجزي منه غيره.

و استشكل عليه بأنه يدل علي اختصاص مشروعية التمتع بالنائي فلا يجزي الإتيان به من غيره أما اختصاص النائي به و عدم اجزاء غير التمتع عنه فالآية ساكتة عنه.

و أجيب عن هذا الإشكال: أنا نعلم أن الواجب علي كل مكلف حج واحد فإذا دلت الآية علي أن الواجب علي النائي الحج التمتع يدل بالالتزام علي عدم وجوب غيره. قال المجيب: (و بتعبير آخر الآية في مقام بيان الوظيفة العملية الاولية فإذا كان التمتع وظيفة النائي و المفروض وجوب حج واحد عليه فقط فلازم ذلك عدم الاجتزاء بهما في مقام اداء الوظيفة). «6»

و فيه: أنه لا شك في أن الواجب علي كل مكلف حج واحد إلا أنه ليس معناه

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 7/ 169.

(2)- منتهي المطلب: 2/ 659.

(3)- المعتبر: 2/ 783.

(4)- شرح الجمل: 211.

(5)- كشف اللثام: 5/ 15.

(6)- البقرة/ 165.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 233

أن علي كل مكلف نوع واحد منه حتي لا يكون له اختيار ما عليه من نوع آخر و لا يستفاد من الآية إن ما علي النائي و وظيفته خصوص

التمتع بل غاية ما دلت عليه أن التمتع لا يتأتي به إلا إذا كان الشخص نائيا فلا تدل علي حصر النائي به و عدم اجتزائه بغيره في مقام أداء حج واحد هو عليه.

اللهم إلا أن يقال: إن المستفاد من الآية تنويع التكليف بحسب نوع المكلفين بعد ما كان المشروع علي جميع المكلفين القران و الإفراد فكما يستفاد من الآية من اختصاص التمتع بالنائين و عدم مشروعيته للحاضرين يستفاد منه اختصاص القران و الإفراد بالحاضرين فكأنه هنا إيجاز و حذف يستفاد من قوله تعالي «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» و هو إما من كان أهله حاضري المسجد الحرام فله الإفراد و القران و مع ذلك فالقول به لا يجوز إلا بتفسير أهل البيت عليهم السلام و حسب تلك الروايات الكثيرة المراد من الآية حصر وظيفة النائي بالتمتع و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 1] حد البعد الموجب للتمتع

مسألة 1- اختلفوا في حد البعد الموجب للتمتع.

فاختار الشيخ في المبسوط «1» و الاقتصاد «2» و العلامة في التبصرة «3» و الإرشاد «4» و التلخيص «5» و القواعد «6» و ابن زهرة في الغنية «7» و ابن حمزة في

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 306.

(2) الاقتصاد/ 298.

(3) تبصرة المتعلمين/ 88.

(4) إرشاد الأذهان: 1/ 309.

(5)- التلخيص/ 93.

(6)- قواعد الاحكام: 1/ 398.

(7)- غنية النزوع/ 152.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 234

الوسيلة «1» و الصهرشتي في الإصباح «2» و ابن إدريس في السرائر «3» و الحلبي في إشارة السبق «4» و المحقق في الشرائع «5» و أبو الصلاح في الكافي «6» و الراوندي في فقه القرآن «7» و الهذلي في الجامع «8» و حكي عن التبيان و مجمع البيان و روض الجنان أن التمتع فرض من كان بين منزله

و بين مكة أو المسجد الحرام اثني عشر ميلا فما زاد من كل جانب و هذا مختار صاحب الجواهر. «9»

و اختار الصدوق في المقنع و الهداية «10» و الشيخ في النهاية «11» و العلامة في التذكرة «12» و الشهيد في الدروس «13» و اللمعة «14» و ابن فهد في المحرر و حكي عن

______________________________

(1)- الوسيلة/ 157.

(2)- الاصباح/ 149.

(3)- السرائر: 1/ 520.

(4)- إشارة السبق/ 124.

(5)- شرايع الاحكام: 1/ 174.

(6)- الكافي/ 191.

(7)- فقه القرآن: 1/ 265.

(8)- الجامع/ 178.

(9)- جواهر الكلام: 18/ 6.

(10)- الهداية/ 216.

(11)- النهاية/ 206.

(12)- تذكرة الفقهاء: 7/ 169.

(13)- الروس الشرعية: ج 1 ص 330.

(14)- اللمعة الدمشقية/ 55.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 235

القمي في تفسيره «1» و المحقق في النافع «2» و المعتبر «3» و العلامة في المختلف «4» و التذكره و التحرير «5» و المنتهي «6» و غيرهم ثمانية و أربعين ميلا و عن المدارك «7» نسبته إلي أكثر الأصحاب و عن غيرها إلي المشهور.

و الدليل للقول الأول يمكن أن يكون الآية الكريمة فإنه نص علي أن التمتع فرض من لم يكن حاضري المسجد الحرام و مقابل الحاضر المسافر و حد السفر أربعة فراسخ

و ربما أيد ذلك بإطلاق ما دل علي وجوب التمتع و أنه خرج منه الحاضر و من كان منزله دون اثني عشر ميلا فيبقي من كان منزله فوق ذلك تحت الإطلاق.

و فيه: إن كان الحاضر في الآية الكريمة مقابل المسافر يكون المعني أن ذلك لمن كان أهله المسافرين من المسجد الحرام و هذا معني عجيب لا يمكن استفادته من الآية و بالجملة فالحاضر في هذا الباب معناه المقيم بمكة و ساكنيها و في مقابله من كان منزله خارج هذا الحد.

و أما تأييد ذلك

بإطلاقات ما دل علي وجوب التمتع في الروايات ففيه منع إطلاقها في ذلك بعد كون الجميع واردا لبيان التمتع الثابت بالآية

______________________________

(1)- تفسير القمي: 1/ 197.

(2)- مختصر النافع/ 78.

(3)- المعتبر: 2/ 784.

(4)- مختلف الشيعة: 4/ 26.

(5)- تحرير الاحكام: 1/ 558.

(6)- منتهي المطلب: 2/ 661.

(7)- مدارك الاحكام: 7/ 160.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 236

و ربما يورد علي ذلك بانه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و فيه: أنه لو كان للخاص الخارج من تحت عموم مفهوم مبين و شككنا في كون فرد منه يكون التمسك بإطلاق أو عموم ما دل علي وجوب التمتع من التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية.

و أما إذا كان مفهوم الحاضر مرددا بين من كان منزله علي اثني عشر ميلا أو الاعم منه و ممن كان علي أزيد من ذلك إلي ثمانية و أربعين ميلا فالتمسك بالإطلاق أو العموم في من كان علي أزيد من اثني عشر ميلا ليس منه و العموم فيه ثابت يتمسك به.

و لا يصح الاستدلال للقول بان المراد من ثمانية و أربعين ميلا في الروايات توزيع هذه المسافة علي الجوانب الاربع لمنافاته لظاهر تلك الروايات.

و الدليل علي الثاني الروايات: فمنها صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول اللّٰه عز و جل في كتابه (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)؟ قال: يعني: أهل مكة ليس عليهم متعة كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية و كل من كان وراء ذلك فعليهم المتعة» «1» و دلالته علي القول الثاني واضحة لا يمكن حملها علي ما اختاره ابن إدريس من

تقسيط ثمانية و أربعين علي الجوانب الأربعة كما مر.

و نحوها رواية اخري عن زرارة قال: «سألته عن قول اللّٰه: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ)؟ قال: ذلك أهل مكة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6، من أبواب أقسام الحج، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 237

قال: قلت فما حد ذلك؟ قال: ثمانية و أربعين ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان و دون ذات عرق». «1»

إلا أن الظاهر أنها و الرواية الاولي واحدة لاتحاد سندهما فإن الاولي ينتهي سندها إلي حماد بن عيسي عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام و الثانية أيضاً ينتهي سندها إلي حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام و لاتحاد مضمونهما.

اعلم أنه قد روي الشيخ الرواية الثانية في التهذيب مرسلا عن علي بن السندي عن حماد عن حريز عن زرارة. و ضعفها بعض الاعاظم بجهالة طريق الشيخ إلي علي بن السندي قال: «فإن الشيخ كثيرا ما يروي عن علي بن السندي و غيره من الرواة من دون ذكر الواسطة بينه و بين الراوي و لكن يذكر في آخر كتاب التهذيب طرقه إلي الرواية ليخرج الخبر من الإرسال إلي الإسناد و لكن لم يذكر طريقه الي علي بن السندي بل لم يتعرض الشيخ لترجمته لا في المشيخة و لا في الفهرست و لا في رجاله و كذا النجاشي مع أن كتابه موضوع لذكر المصنفين و المؤلفين و لو فرضنا عدم ثبوت كتاب لعلي بن السندي فلا عذر للشيخ في عدم ذكره في كتاب الرجال لأن كتاب الرجال موضوع لذكر الرواة و الأصحاب و إن لم يكونوا من المصنفين. هذا

مضافا إلي أن علي بن السندي لم يوثق و لا عبرة بتوثيق نصر بن الصباح له لأن نصر بنفسه لم يوثق أيضا و قد حاول جماعة منهم الوحيد البهبهاني توثيق علي بن السندي بدعوي اتحاده مع علي بن اسماعيل الميثمي الثقة إلا أنه لا يمكن الجزم بالاتحاد و تفصيل ذلك موكول إلي كتابنا معجم الرجال). «2»

أقول: أولا إن العلامة الرجالي الكبير الأردبيلي في تصحيح الأسانيد صرح

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6، من أبواب أقسام الحج، ح 7.

(2)- معتمد العروة: 2/ 185.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 238

بصحة طريق الشيخ إلي ابن السندي فقد ذكر الشيخ قدس سره طريقه إليه في نفس التهذيب و إن لم يذكره في آخره فتري أنه يروي عنه في أبواب الزيادات في أبواب كتاب الطهارة باب الأحداث غير الموجبة للطهارة (ح 1019- 11) بواسطة محمد بن علي بن محبوب و هو يروي عن صفوان و في هذا الكتاب أيضا عنه (ح 1058- 21) و في كتاب العتق باب العتق و أحكامه (ح 120) أيضا عنه بواسطة و هو يروي عن حماد و في كتاب القضايا و الأحكام باب من عليه الحكم (ح 30) أيضا عن علي بن السندي بواسطة محمد بن علي بن محبوب و هو يروي عن أبيه و في كتاب النكاح باب تفصيل أحكام النكاح (ح 17) روي عنه بواسطة محمد بن أحمد بن يحيي و هو يروي عن عثمان بن عيسي و في باب من أحل اللّٰه نكاحه من النساء و حرم منهن (ح 39) روي عنه بواسطة محمد بن علي بن محبوب و هو يروي عن ابن أبي عمير و أيضا ذكر طريقه إليه في باب العارية (ح 807-

10) و في كتاب التجارات باب من الزيادات (ح 1024- 44) و في كتاب النكاح في المهور و الاجور (ح 430- 34) و في كتاب الصيد و الذبائح (ح 533- 269) و هو يروي عن محمد بن إسماعيل.

و من ذلك كله يعلم أن الشيخ يروي عن علي بن السندي بواسطة هذه المشايخ العظماء و كتبهم و الظاهر أنه سقط من روايتنا هذه اسم بعض هذه المشايخ الذين هم من أرباب الكتب و إنما لم يذكره في المشيخة لأنه لم يرو عنه من كتابه.

و ثانيا لا يستبعد أن يكون هو علي بن إسماعيل السندي و كان السندي لقب إسماعيل فيذكر ابنه تارة باسم علي بن إسماعيل السندي و اخري بعلي بن السندي فعلي هذا يكون هو من أصحاب الرضا عليه السلام و كيف كان هو من الطبقة السابعة.

و ثالثا و إن لم يذكر الرجل بمدح و توثيق و لم نعتمد بتوثيق نصر بن الصباح

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 239

له لو كان هو و علي بن اسماعيل السندي واحدا إلا أن كونه من تلامذة المشايخ الاعاظم مثل حماد و صفوان و عثمان بن عيسي و محمد بن اسماعيل و محمد بن عمرو بن سعيد و ابن أبي عمير و كون الرواة عنه مثل الحسين بن سعيد و محمد بن أحمد بن يحيي و محمد بن علي بن محبوب يكفي في الاعتماد عليه. و اللّٰه هو الموفق للصواب.

ثمّ إن هنا روايات اخري دلالتها تعارض هذه الطائفة من الروايات غير أن بعضها ضعيف من حيث السند و بعضها مورد لا عراض الاصحاب عنه.

فمنها صحيح حريز «عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّٰه عز و جل: (ذلك لمن

لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)؟ قال من كان منزله علي ثمانية عشر ميلا من بين يديها و ثمانية عشر ميلا من خلفها و من ثمانية عشر ميلا عن يسارها فلا متعة له مثل مرّ و أشباهه» «1».

و هذا الخبر قد دل علي أن حد البعد ثمانية عشر ميلا عن جهاتها الأربع و حمله شيخنا الحر في الوسائل علي أنه صريح في الحكم بثمانية عشر ميلا و أما الزائد علي ذلك فهو غير صريح فيه.

و قال بعض الأعاظم: (يبعده أن الصحيحة في مقام التحديد و يظهر منها قصر الحكم بهذا الحد خاصة فتكون منافية للصحيحة المتقدمة). «2»

و فيه: أن الصحيحتين و إن كانتا في مقام التحديد إلا أنه لا ريب في أن صحيحة حريز بمنطوقها نص في من كان منزله علي ثمانية عشر ميلا و دون ذلك فلا متعة له و ظاهر مفهومها علي أن من كان منزله قبل ذلك عليه المتعة و صحيح زرارة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6، من ابواب اقسام الحج، ح 10.

(2)- معتمد العروة: 2/ 186.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 240

بمنطوقه نص فيمن كان منزله دون ثمانية و أربعين ميلا فنحمل الظاهر علي الأظهر فنأخذ بصحيح زرارة في ما زاد علي ثمانية عشر و نترك صحيح حريز فيه.

هذا مضافا إلي أنه لو لم نقل بذلك و بنينا علي معارضتهما فلا ريب في ترجيح صحيح زرارة علي حريز لعمل الاصحاب بالاول و تركهم الثاني.

و منها ما يدل علي أن العبرة في الحضور ما دون الميقات فمن كان منزله دون الميقات ليس له المتعة و ذلك مثل صحيح حماد «عن أبي عبد اللّه عليه السلام في (حاضري المسجد الحرام) قال: ما دون الاوقات إلي

مكة». «1»

و هذا الصحيح و إن كان يوافق بالتقريب صحيح زرارة في العقيق و قرن المنازل و يلملم، إلا أنه يزيد علي ثمانية و أربعين بكثير في الجحفة و سيما في مسجد الشجرة و لم أجد أحدا ينقل عاملا به فهو معرض عنه و معارض لصحيح زرارة و لا ريب أن الترجيح مع الأخير و قال في الوسائل: (هذا يقارب ما مر من حديث زرارة إن كان المراد به ما دون المواقيت كلها). «2»

و نحو هذا الصحيح رواية الحلبي «عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في «حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» قال: «ما دون المواقيت إلي مكة فهو حاضري المسجد الحرام و ليس لهم متعة». «3»

هذا و قد عبر في الجواهر عن هذا الحديث بالصحيح «4» و لكن ضعفه بسنده بعض الأعاظم بأن الموجود في السند علي ما في الوسائل أبو الحسن النخعي و هكذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6، من ابواب اقسام الحج، ح 5.

(2)- الوسائل: ب 6 من ابواب اقسام الحج، ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: باب 6 من ابواب الحج اقسام الحج ح 4.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 241

في التهذيب المطبوع و في بعض نسخ التهذيب أبواب الحسين النخعي و هو كنية أيوب بن نوح بن دراج الثقة، أما أبو الحسن فهو مجهول فيدور الراوي بين الموثق و غيره و تسقط الرواية بذلك عن الاعتبار. «1»

أقول: أبو الحسن النخعي يمكن أن يكون علي بن النعمان الاعلم النخعي الثقة لكون اسم ابنه الراوي عنه الحسن كما احتمله البعض و أبو الحسين النخعي هو أيوب بن نوح بن دراج و اللّٰه العالم.

ثمّ انه بعد ذلك كله لو لم يعتمد علي أخبار ثمانية و

أربعين ميلا و قلنا بملاحظة سائر الاخبار بتشويشها بل و الاشكال يمكن أن يقال إن القول بثمانية و أربعين هو القدر المتيقن لان الواجب علي الجميع بحسب أصل الشرع القران و الافراد خرج منه من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام المردد مفهومه بين من كان منزله بعيدا عن مكة باثني عشر ميلا أو ثمانية و أربعين و القدر المتيقن منه النائي بالاخير فمن كان منزله دون ذلك يبقي تحت دليل وجوب الحج بالقران و الإفراد علي الجميع و أما ما دل علي أنه الميقات فقد عرفت أنه لم يعمل به أحد من الأصحاب. «و اللّٰه هو العالم بأحكامه و الهادي إلي الصواب.

[مسألة 2] الكلام في بيان مبدأ البعد

اشارة

مسألة 2- فيها فروع:

الأول: هل يعتبر الحد المذكور من المسجد أو من مكة؟
اشارة

اختلفت عباراتهم في ذلك فظاهر بعضها أنه من المسجد و ظاهر بعضها

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 187.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 242

الآخر أنه من مكة و لا نعلم أن اختلافهم بمحض العبارة و أن مراد الجميع البعد عن مكة أو البعد عن المسجد أو أنهم اختلفوا في المراد فاختار بعضهم كما هو ظاهر عبارته، الاول و بعضهم اختار الثاني.

و إليك بعض عبائرهم فقال الصدوق في المقنع: (و حد حاضري المسجد الحرام أهل مكة و حواليها علي ثمانية و أربعين ميلا) «1» و هي ظاهرة في البعد عن مكة، و نحوها عبارته في الهداية «2»، و ظاهر عبارة الشيخ في النهاية أيضا ذلك فإنه قال: (و هو اي حاضري المسجد الحرام من يكون بمكة أو يكون بينه و بينها ثمانية و أربعون ميلا). «3»

و ظاهر عبارة المفيد في المقنعة اعتبار البعد عن المسجد «4» كما أنه ظاهر الشيخ في المبسوط فإنه قال: (و هو- يعني من لم يكن حاضري المسجد الحرام- كل من كان بينه و بين المسجد الحرام أكثر من اثني عشر ميلا من أربع جهاته و قال في حاضري المسجد الحرام و هو كل من كان بينه و بين المسجد الحرام من أربع جوانبه اثنا عشر ميلا فما دونه). «5»

و الظاهر أن بعضهم اخذوا تعبيرهم عن الآية الكريمة و بعضهم من مثل صحيح زرارة و كيف كان فالمرجع في المسألة الكتاب و السنة.

أما الآية الكريمة فيمكن أن يقال: إنه يستفاد منها أن الاعتبار في التمتع

______________________________

(1)- المقنع/ 67.

(2)- الهداية/ 54.

(3)- النهاية/ 206.

(4)- المقنعة/ 389.

(5)- المبسوط: 1/ 36.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 243

بالبعد عن المسجد الحرام و في القران و الإفراد بالحضور عنده

و هذا البعد و الحضور حدد في الروايات ثمانية و أربعون ميلا أو باثني عشر ميلا فلا بد أن يكون ذلك باعتبار نفس المسجد أخذاً بظاهر الآية الشريفة و التعبير عن مكة بالمسجد الحرام و إن كان جائزا إلا أنه لا يجوز ترك هذا الظاهر بغير قرينة دالة علي خلافه أو تفسير معتبر من أهله.

و أما الروايات فمثل صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول اللّٰه عز و جل في كتابه: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» قال: يعني: أهل مكة ليس عليهم متعة كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا» «1» الحديث فليس فيه ما يدل علي تعيين مبدإ الحد. و روايته الاخري «2» و إن كان فيها ثمانية و أربعون ميلا من جميع نواحي مكة إلا أنه لا دلالة فيها علي مبدأ البعد.

إلا أن يقال: إن ظاهر هما هذا البعد عن مكة فكأنه قال: «ثمانية و أربعون من جميع نواحي مكة إلي مكة و يدل علي ذلك صحيح حريز «3» حيث ان «فيه من كان منزله علي ثمانية عشر ميلا من خلفها و … » فإن الظاهر أن الضمير في من خلفها و يمينها و يسارها راجع إلي مكة.

و علي هذا فالأقرب بالنظر إلي هذه الروايات أن البعد المعتبر في الحد المذكور اعتبر عن مكة و إنما عبر عنها بالمسجد الحرام في الآية تشريفا و تعظيما.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب أقسام الحج ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب أقسام الحج ح 7.

(3)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب أقسام الحج ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 244

و بعد

الغض عن هذا الاستظهار يمكن أن يقال: إن الآية دلت علي وجوب التمتع علي من لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام يعني لم يكن ساكنا فيه خرج منه من لم يكن ساكنا فيه بالحد المذكور المردد بين كون مبدئه من المسجد الحرام أو من مكة فيقتصر علي الاقل و هو اعتبار المبدأ من المسجد الحرام لدوران الامر في التخصيص بين الأقل و الاكثر

و فيه: أن الظاهر أن الروايات لم ترد تخصيصا للعموم المستفاد من الآية بل وردت تفسيرا و بيانا لها و أن المراد ممن يكن أهله حاضري المسجد الحرام أعم ممن كان أهله ساكنا فيه أو خارجا بالحد المذكور المردد بين كون مبدئه المسجد الحرام أو مكة.

اللهم إلا أن يقال: إن القدر المتيقن من هذا التفسير أيضا ما يكون بعده من المسجد الحرام فنأخذ باطلاق من لم يكن أهله ساكنا في المسجد الحرام في من يكون بعده من مكة بهذا الحد.

و علي ذلك يجدد النظر في الشك في أن البعد المفسر به الآية هل حده اثني عشر ميلا أو ثمانية و أربعون ميلا فعليه يجب الاخذ فيه بالإطلاق و البناء علي وجوب التمتع علي من كان خارجا عن اثني عشر ميلا فتدبر جيدا و جدد النظر في المسألة.

ثمّ إنه لو اراد المكلف الذي منزله علي رأس الحد المذكور من المسجد الحرام و دونه من مكة الاحتياط هل يمكن ذلك له في سنة معينة أو لا بد له من الاتيان بالقران أو الإفراد في سنة و التمتع في سنة اخري يأتي الكلام فيه انشاء اللّٰه تعالي في ضمن الفروع الآتية.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 245

تنبيه و إيضاح

إنا و إن كررنا الكلام في منع التمسك بالاطلاق علي

وجوب التمتع في صورة الشك في أن الحد في البعد الموجب للتمتع ثمانية و أربعين ميلا أو اثنا عشر ميلا و قلنا بأن القدر المتيقن من الخارج عما وجب بأصل الشرع و هو القران أو الإفراد من كان أهله علي ثمانية و أربعين ميلا لتردد الخارج عن تحت الادلة الاولية بين من كان علي ثمانية و أربعين و من كان علي اثني عشر فمقتضي تردد الخاص بين الاقل و الاكثر الاخذ بالاقل و التمسك بالعام أو الاطلاق في الاكثر و مقتضي ذلك وجوب القران أو الإفراد علي من كان أهله دون ثمانية و أربعين و قصر التمتع علي من كان علي ثمانية و أربعين فما زاد، و بالجملة إذا كان البعد المعتبر، اثني عشر يلزم منه تخصيص العام الدال علي وجوب القران و الإفراد أكثر مما إذا كان البعد ثمانية و أربعين الذي هو القدر المتيقن من الخارج عن تحت العام و هكذا نقول في صورة الشك في مبدأ البعد فإنه علي هذا نقول: بأن المبدأ هو مكة دون المسجد الحرام أخذاً بالتخصيص المتيقن الوارد علي أدلة وجوب القران و الإفراد.

و لكن بعد التدقيق و التعمق يظهر أن الحق هو مختار من قال باطلاق أدلة التمتع و وجوب البناء في الحد علي اثني عشر ميلًا في الصورة الأولي و في الصورة الثانية يجب البناء علي أن مبدأ البعد يعتبر من المسجد الحرام.

و ذلك لان مفاد الآية أن التمتع وظيفة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام يعني من لم يكن ساكناً في المسجد الحرام و من لم يكن منزله في المسجد الحرام و كان خارجا منه و اطلاقه يشمل كل من لم يكن أهله ساكني

المسجد الحرام و إن كان خارجا منه بميل أو ميلين و هذا الاطلاق حجة معتبرة يؤخذ به.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 246

و انما يقيد بالدليل المنفصل و هو ما دل علي استثناء من كان خارجا من المسجد الحرام دون ثمانية و أربعين ميلا أو اثني عشر ميلا موضوعا أو حكما و القدر المتيقن منه الحد الأقل دون الأكثر و هكذا في مبدأ الحد القدر المتيقن مما خرج عن تحت الاطلاق هو البعد باثني عشر ميلًا من المسجد الحرام و عليه يجب التمتع علي من كان منزله فوق اثني عشر ميلا من المسجد الحرام و هذا كله إن لم نأخذ بأخبار الباب للقول بتشويشها و إلا فصحيح زرارة نص في تحديد البعد بثمانية و أربعين كما أنه ظاهر في أن البعد المعتبر يكون من مكة. و اللّٰه هو العالم.

الفرع الثاني: ظاهر قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلًا» أن من كان أهله في رأس هذا الحد عليه المتعة.

لا يقال: إن قوله عليه السلام بعد ذلك «كل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة» يدل علي أنها تكون علي من كان أهله وراء ثمانية و أربعين و لا ريب أن المنطوق مقدّم في الحجية علي المفهوم فلا يتم الاستدلال بالصحيح لتعيين تكليف من كان منزله علي رأس الحد.

فإنه يقال: إن المشار إليه في «ذلك» هو المقدار المذكور في الجملة الاولي أي ما دون ثمانية و أربعين و ما ورائه يشمل ثمانية و أربعين فما زاد و إلا لا يكون به الجواب وافياً و كافيا لتمام السؤال.

و علي فرض الاشكال في هذا الاستظهار فمقتضي أصالة الاطلاق علي الوجه الذي بنينا عليه أخيرا هو وجوب حج التمتع في نفس الحد.

الفرع الثالث: إذا كان المعتبر في مبدإ الحد مكة المكرمة لا المسجد الحرام

فهل هذا معتبر من مكة بحدودها في عصر النبي و الائمة صلوات اللّٰه عليهم أجمعين أو المعتبر الحدود التي تتوسع بمرور الأزمنة و الأيام إلي زماننا هذا.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 247

ثمّ إن المعتبر الحد المذكور بالطريق المتعارف في عصرهم: فإن استحدث طريق أخر كان المسافة بين رأس ثمانية و أربعين أو اثني عشر ميلا في عصرهم: و بين مكة أقل من ذلك أو اكثر فهل يبني علي الطريق الجديد أو القديم؟

يمكن أن يقال: إن الشارع أراد أن يكون ما وقع في هذا الحد من مكة موضوعا أو حكما سواء وقع ما في هذا الحد خارجا في داخل مكة بمرور الأزمنة و اتساع البلد أو بقي خارجا عنها.

و يمكن أن يقال: إن المعتبر في الحد بلد مكة و إن اتسع بمرور الأزمنة و لذا لم يقع ذلك موردا للسؤال عن الائمة في الازمنة المتأخرة عن عصر النبي صلي الله عليه و آله و سلم مع

أن العادة تقتضي اتساعها في طول قرن أو قرنين. و مع ذلك يشكل الجزم بذلك سيما إذا كان الحد اثني عشر ميلا فلعل هذه المسافة من بعض نواحي مكة دخلت في مكة و مقتضي اطلاق المذكور وجوب التمتع علي من كان في زماننا منزله الذي بالحساب القديم كان خارجا عن مكة داخلا فيها و بالجملة فالمسألة لا تخلو من الإشكال.

الفرع الرابع: لو شك في أن منزله يكون في الحد أو في خارجه

فإن قلنا بإمكان الاحتياط فلا يجب عليه الفحص، لانه و إن يعلم إجمالا بوجوب التمتع أو أخويه عليه، إلا أنه إذا كان متمكنا لإتيان الحج في سنة واحدة علي نحو يحصل به اليقين ببراءة ذمته عن التكليف المردد بينهما لا يجب الفحص و كذا لو أمكن احراز الموضوع بالاستصحاب و لو كان استصحاب العدم الأزلي علي القول به لا يجب الفحص.

و إن قلنا بعدم امكان الاحتياط في سنة واحدة لعدم امكان الجمع بين المحتملين في سنة واحدة فيقال: إن ما هو موضوع التمتع هو عدم كونه حاضر المسجد الحرام و ما هو موضوع أخويه هو كونه حاضرا و لا ريب في عدم صحة استصحاب

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 248

حضوره لعدم اليقين به قبل الشك فيه حتي يستصحب بقائه إلي زمان الشك، فلا يمكن الحكم بوجوب القران أو الإفراد عليه للشك في تحقق موضوعه. أما ما هو موضوع التمتع فهو من لم يكن أهله حاضر المسجد الحرام.

و بعبارة اخري من لم يكن حاضر المسجد الحرام فيجري فيه (اي عدم كونه حاضر المسجد الحرام) الأصل و لو بالعدم الأزلي فيقال: حضور هذا عند المسجد الحرام لم يكن و الآن كما كان و هذا مثل إجراء اصالة عدم القرشية التي يثبت بها عدم كون المرأة قرشية و إن

لم يثبت بها كونها غير القرشية و منتسبة إلي غير قريش، غير أن ذلك يكفي في اجراء حكم غير القرشية عليها لان موضوع حكمها هو عدم انتسابها إلي قريش، و هو يثبت باستصحابه بالعدم الأزلي لا انتسابها إلي غير قريش الذي لم يكن له حالة سابقة و في المقام أيضا موضوع وجوب التمتع هو من لم يكن حاضر المسجد الحرام و هذا يثبت باستصحاب عدمه الأزلي لا من كان خارجا عن المسجد الحرام و من كان غير حاضر المسجد الحرام، فعلي هذا لا يجب الفحص و يبني علي الاستصحاب.

هذا و قد أفاد بعض الاعاظم إمكان احراز الموضوع بالاصل النعتي قال:

(و تقريبه: أن صفة الحضور و الوطنية للشخص قد تتحقق باتخاذ نفسه بلدا وطنا له و قد تتحقق بمرور زمان علي سكناه في بلد كما إذا سكن فيه مدة خمسين سنة فإن البلد يكون وطنا له قهرا و قد تتحقق باتخاذ متبوعه التوطن في البلد الفلاني كوالده أو جده أو مولاه، فليست الوطنية من الصفات الذاتية كالقرشية و إنما هي من الصفات العرضية بمعني أن الشي ء يوجد أولا ثمّ يعرض عليه صفة الوطنية و هذا بخلاف القرشية فإن الشخص يوجد أولا إما قرشيا أو غير قرشي و ليست عارضة بالمعني المتقدم فالوطنية تنشأ إما باختيار نفسه أو اختيار متبوعه و تكون من الصفات

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 249

العارضة المسبوقة بالعدم فنقول: ان الحد التقدم لم يكن وطنا له باتخاذ نفسه و لا بتبع أبيه أو مولاه في زمان و الآن أيضاً كذلك- ثمّ قال: - فلا موجب للفحص بعد إحراز الموضوع بأصل العدم الازلي أو النعتي). «1»

أقول: من أين نقول إن الحد المتقدم لم يكن وطنا

له مطلقا لا باتخاذ نفسه و لا بتبع متبوعه فلعله كان وطنا له كذلك كما يمكن أن لا يكون وطنا له كذلك فكما إن المرأة تتولد إما قرشية أو غير قرشية هذا أيضا إما يكون متوطنا في هذا الحد أو غير متوطن فيه فمن أين علمتم بأن هذا الحد لم يكن وطنا أي كان و لم يكن هذا وطنا له فاذا كان هذا وطنا لابيه فهو ولد و هذا الحد وطنه بتبع أبيه.

تتمة- قد عرفت في طي ما ذكر أنه قد يتردد التكليف بين حج التمتع و الإفراد فيجب علي المكلف تحصيل اليقين ببراءة الذمة عما هو عليه واقعا بالاحتياط. و لا ريب أنه لو لم يتمكن منه إلا باتيانهما في سنتين يجب عليه ذلك إن كان مستطيعا لهما و إن لم يكن مستطيعا إلا لأحدهما في سنة واحدة فالظاهر أنه يجب عليه الموافقة الاحتمالية باتيان أحدهما.

هذا بناء علي عدم امكان الاحتياط إلا باتيانهما في سنتين و لكن يمكن في المقام أن يأتي بالمناسك في سنة واحدة علي نحو يحصل له اليقين بامتثال التكليف الواقعي و مع امكان ذلك يجب عليه في مقام الاحتياط اختيار هذا الطريق لفورية التكليف.

و طريقه علي ما اختاره السيد الكلپايكاني قدس سره بناء علي جواز تقديم العمرة المفردة علي الحج في حج الإفراد أن يأتي بعمرة بمقصد ما عليه من عمرة التمتع أو

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 195.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 250

المفردة.

ثمّ بعد الفراغ من أعمال العمرة و التقصير يأتي رجاء بطواف النساء و صلاته ثمّ يأتي بالحج و لكن ينشأ إحرامين احتياطاً و رجاء فينشأ احراما للحج التمتع من مكة، ثمّ يخرج إلي ميقات أهله و ينشئ الإحرام منه

للا فراد، ثمّ يأتي بالمناسك كلها و يذبح الهدي و سائر الاعمال إلي صلاة طواف النساء و بعد ذلك يخرج إلي أدني الحل و يحرم بعمرة مفردة رجاء كونها واجباً عليه.

ثمّ ذكر قدس سره الاستشكال علي هذه الصورة من الاحتياط بأنه بعد ما أتي بعمرة، يعلم بعد السعي أنه إما يحرم عليه التقصير أو يجب عليه الهدي و مقتضي ذلك العلم الاجمالي بترك التقصير و ذبح الهدي، أما ترك التقصير فلاحتمال كونه عمرة مفردة و أما وجوب الهدي فلاحتمال كونه متمتعا و علي هذا لا يمكن من الاحتياط و تحصيل العلم بفراغة الذمة.

ثمّ دفع ذلك الاشكال بأن هذا العلم الإجمالي المتعلق بحرمة التقصير لا يوجب تنجز التكليف بالنسبة إلي التقصير المردد بين كونه في الواقع واجباً أو حراما، فهو مخير بين الترك و الفعل و لكن يختار الفعل لحصول هذا الاحتياط. «1»

أقول: الظاهر ان هذا الاشكال يرجع إلي بيان الاحتياط بوجه آخر نذكره إن شاء اللّٰه تعالي.

أما هذا الوجه فالذي أتي بعمرة بقصد ما عليه من عمرة التمتع أو الافراد يعلم بجواز التقصير بل وجوبه عليه كيف يكون تكليفه بالنسبة إلي التقصير مرددا بين الواجب و الحرام و كيف يعلم بحرمة التقصير أو وجوب الهدي عليه حتي يكون

______________________________

(1)-/ كتاب الحج: 1/ 36.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 251

مقتضي علم الاجمالي ترك التقصير و ذبح الهدي و كيف يستند كون حرمة التقصير طرفا للعلم الاجمالي لاحتمال كونه عمرة مفردة فانها مفردة كانت أو غيرها يجب فيها التقصير، ثمّ لما ذا يأتي بعمرة مفردة بعد الحج إذا عمل بهذا الاحتياط. فعلي هذا لا إشكال في تحقق الاحتياط بهذه الصورة كما أن طرح هذا الاشكال عليه في غير محله.

و

أمّا بيان صورة الاحتياط بوجه آخر يكون موردا لهذا الاشكال فهو أن يحرم من الميقات بقصد ما عليه من عمرة التمتع أو حج الإفراد فيدخل مكة و يأتي بأعمال العمرة احتياطا و رجاء ثمّ يحرم للحج احتياطا فهو إن كان وظيفته التمتع فقد أتي بأعماله و إن كان وظيفته الإفراد فقد أتي به باحرامه الأوّل و يكون الثاني لغوا.

و لكن يمكن أن يورد عليه أولا بأنه في التقصير يدور أمره بين المحذورين للعلم بأنّه إمّا واجب عليه إن كان وظيفته التمتع أو حرام عليه إن كان وظيفته الإفراد.

و اجيب عن ذلك بأن الحكم في دوران الأمر بين المحذورين التخيير إلّا أنّه لو أختار التقصير لا يترتب عليه فساد حجه إن كان وظيفته الإفراد و إن يترتب عليه الكفارة و أما إن لم يقصر و كان تكليفه الواقعي التمتع يوجب ذلك فساد حجه.

و ثانياً بما ذكره السيد الكلپايكاني قدس سره فإن من يأتي بالاحتياط بهذه الصورة يعلم بعد السعي، أنه إما يحرم عليه التقصير إن كان حجه الإفراد و إما يجب عليه الهدي إن كان وظيفته التمتع و علي ذلك لا يمكن له الاحتياط بهذه الكيفية و أجاب قدس سره عن ذلك بأن حرمة التقصير الذي هي طرف العلم الاجمالي لا تكون منجزة عليه لدوران أمره بين الحرمة و الوجوب لدوران أمره بين أن يكون من أعمال عمرة التمتع أو محرمات حج الافراد و حيث أن الحكم فيه هو التخيير لا يؤثر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 252

هذا العلم الإجمالي في تنجز حرمة التقصير إن كان واقعا محكوما بها فتدبر.

و هنا طريق ثالث الذي ذكره بعض الأعاظم أيضا و هو أن ينوي باحرامه من الميقات عمرة التمتع

التي تتقدم علي الحج (قال): (فيأتي بأعمال العمرة و بعد الفراغ يحرم لحج التمتع من مكة، ثمّ يخرج من مكة إلي أحد المواقيت فإن الخروج من مكة و إن لم يكن جائزاً لانه محتبس و مرتهن بالحج لكن يجوز له الخروج لحاجة و لا ريب أن الخروج لاجل تحصيل الجزم بالاتيان و تفريغ الذمة علي وجه اليقين من أوضح الحاجات فيحرم ثانيا للحج فإن كانت وظيفته التمتع فقد أتي بجميع ما يعتبر فيه و يكون الاحرام الثاني للحج ملغي و إن كانت الإفراد فقد أتي بالإحرام الثاني للحج و تكون عمرته للتمتع لغواً. ثمّ يأتي لعمرة مفردة و بذلك يحصل الجزم بالفراغ و هذا الوجه أوجه من الاول (الذي يأتي فيه بالاحرام بقصد ما في ذمته من العمرة و الحج) و لعله متعين). «1»

و فيه: أن الاتيان به خلاف الاحتياط لانه يلزم منه الدخول في الحرم بدون الإحرام ان كانت وظيفته الإحرام للحج بخلاف الوجه الاول و الثاني فتأمل جيدا.

الفرع الخامس: ما ذكر من أن البعيد وظيفته التمتع و الحاضر الافراد أو القران مختص بمن كان عليه حجة الإسلام دون غيرها

كالحج الندبي فانه يجوز فيه لكل من النائي و الحاضر كل ما يختاره من الاقسام الثلاثة و إن كان الافضل لهما اختيار التمتع.

و قد عقد في الوسائل بابا لذلك عنوانه باب استحباب اختيار حج التمتع علي القران و الإفراد حيث لا يجب قسم بعينه و إن حج ألفا و ألفا و إن كان قد اعتمر في

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 253

رجب أو رمضان و إن كان مكيا أو مجاورا سنتين و استحباب اختيار القران علي الإفراد إذا لم يجز له التمتع. «1»

و مما أخرجه في هذا الباب من الروايات ما أخرجه عن الكليني بسنده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر

قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام في السنة التي حج فيها و ذلك في سنة اثنتي عشرة و مأتين فقلت: بأي شي ء دخلت مكة مفردا أو متمتعا؟ فقال:

متمتعا، فقلت له: أيما أفضل المتمتع بالعمرة إلي الحج أو من أفرد و ساق الهدي؟

فقال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: المتمتع بالعمرة إلي الحج أفضل من المفرد السائق للهدي و كان يقول: ليس يدخل الحاج بشي ء أفضل من المتعة». «2»

و كالحج الواجب بالنذر و أخويه إذا كان مطلقا دون ما إذا كان معينا فانه لا ريب في وجوب الوفاء بالنذر علي النحو المعين فيه و ذلك أي أفضلية حج التمتع علي أخويه إذا كان الواجب بالنذر أو أخويه مطلقا يستفاد من أخبار الباب، فلا حاجة إلي الاستشهاد عليه بأنه الظاهر من كلماتهم كما فعله البعض. هذا كله في الحج الواجب بالنذر و شبهه أما الواجب بالافساد فهو كالاصلي لا يجزي عنه غيره.

[مسألة 3] فرض من كان له وطنان في الحد و خارجه

مسألة 3- قال في العروة: من كان له وطنان أحدهما في الحد و الآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:

«من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة و لا متعة له فقلت لأبي جعفر عليه السلام:

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب اقسام الحج.

(2)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب اقسام الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 254

أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة؟ فقال عليه السلام: فلينظر أيهما الغالب» «1».

و دلالتها علي ما أفتي به واضحة و لو لم يكن مثل هذه الصحيحة أيضا فلعل الفقيه يفتي بذلك لان الامر فيه يدور بين الاحتياط و بين الاخذ بالغالب و غيره و لا ريب أن

في ذلك لا يكون الاعتبار علي غير الغالب فالاحتياط أيضا لا وجه له فيكون الاعتبار بالغالب كما بينه الامام عليه السلام.

و لو كان الوطنان متساويين في اقامته فيهما و كان مستطيعا للحج من كل منهما ففي الجواهر: (كان له الحج باي الانواع شاء بلا خلاف أجده فيه سواء كان في أحدهما أو في غيرهما لعدم المرجح حينئذ و لاندراجه في إطلاق ما دل علي وجوب الحج بعد خروجه عن المقيدين و لو لظهورهما في غير ذي المنزلين بل لو سلم اندراجه فيهما كان المتجه التخيير أيضا بعد العلم بانتفاء وجوب الجمع عليه في سنتين كالعلم بعدم سقوط الحج عنه لكن مع ذلك كله و الاولي له اختيار التمتع لاستفاضة النصوص بل تواترها في الأمر به علي وجه يقتضي رجحانه علي غيره- إلي أن قال- هذا كله مع الاستطاعة من كل منهما و لو كان في غيرهما أما لو استطاع في أحدهما لزمه فرضه كما في كشف اللثام لعموم الآية و الاخبار). «2»

أقول: الظاهر عدم الفرق في الحكم بتخييره بين كونه مستطيعا من كل منهما أو من أحدهما فهو مخير بينهما و إن كانت استطاعته من أحدهما فلا اعتبار بكونه في أي منهما و في غيرهما.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب اقسام الحج ح 1 تتمة الحديث «عليه فهو من أهله».

(2)- جواهر الكلام: 18/ 94.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 255

هذا و لكن استشكل بعض الاعاظم قدس سره في الحكم بالتخيير بل منعه قال:

(لان مقتضي الادلة وجوب التمتع علي من لم يكن حاضر المسجد و لم يكن من أهالي مكة و وجوب القران و الافراد علي من كان حاضرا و كان من أهالي مكة فموضوع أحد

الواجبين ايجابي و موضوع الآخر سلبي و لا يمكن التخيير في مثل ذلك نعم إذا كان موضوع كل واحد منهما ايجابيا و كان المورد مجمعا بين العنوانين لامكن بينهما بخلاف ما إذا كان موضوع أحدهما سلبيا و موضوع الاخر ايجابيا فحينئذ لا يمكن الجمع بينهما فلا مورد للتخيير بين الامرين و المفروض أن موضوع حج التمتع من لم يكن حاضرا و هو العنوان السلبي و موضوع الإفراد من كان حاضرا و هو العنوان الايجابي و كل من الدليلين مطلق من حيث اتخاذ وطن آخر أم لا، فمن كان من أهالي مكة و صدق عليه الحاضر لا يصدق عليه العنوان السلبي لاستحالة الجمع بين النقيضين فلا يتحقق موضوع حج التمتع و حيث يصدق عليه العنوان الايجابي و هو الحضور يتعين عليه القران أو الإفراد و لا أقل من أن الإتيان بالإفراد أو القران بالنسبة إليه أحوط). «1»

أقول: ما ذكره مبني علي تقييد اطلاقات أدلة وجوب الحج الدالة علي اجزاء الإتيان بأي قسم من أقسامه فانها مقيدة بقيدين بمن كان أهله حاضر المسجد الحرام فيجب عليه القران و الإفراد و من لم يكن أهله حاضر الحرام فيجب عليه التمتع و علي ذلك موضوع أحدهما و هو من لم يكن حاضرا سلبي و موضوع الاخر و هو من كان حاضر المسجد ايجابي و لا ريب في أن المكلف الواحد لا يمكن أن يكون مصداقا لعنوانين متناقضين حتي يكون محكوما بحكمين و مخيرا بينهما، فعلي هذا وظيفة هذا المكلف بمقتضي العلم الإجمالي بوجوب التمتع أو الإفراد و القران هو

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 199.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 256

الاحتياط علي التفصيل الذي مرّ بيانه.

و لكن يمكن أن يقال كما اشار

اليه صاحب الجواهر «1» قدس سره: بظهور القيدين في غير ذي المنزلين، فعلي هذا يمكن أن يقال ببقاء التخيير بين المصاديق و أقسام الحج فيأتي بأيهما شاء.

و كيف كان فالذي يسهل الخطب إمكان الاحتياط باتيان الحج في كل سنة واحدة بإحدي الصور الثلاثة. و اللّٰه أعلم.

[مسألة 4] فرض المكي إذا خرج منها ثمّ رجع إليها

مسألة 4- إذا خرج من كان من أهل مكة إلي بعض الأمصار ثمّ رجع اليها فهل يجوز له التمتع فيكون مخيرا بين الوظيفتين أو لا يجوز له ذلك و يتعين له فرض المكي

فيه قولان و الاول منسوب إلي الاكثر بل إلي المشهور منهم الشيخ علي ما حكي عنه في جملة من كتبه و المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهي و الثاني محكي عن ابن أبي عقيل و من تبعه.

و المستند لقول الاول صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث (في آخره) قال: «و سألته عن رجل من أهل مكة يخرج إلي بعض الأمصار ثمّ يرجع إلي مكة فيمر ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟ قال: ما أزعم أن ذلك ليس له لو فعل و كان الإهلال أحب إلي». «2»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 372.

(2)- الكافي: 4/ 301، ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 257

و صحيح الآخر عن عبد الرحمن بن أعين قالا: «سألنا أبا الحسن موسي عليه السلام عن رجل من أهل مكة خرج إلي بعض الأمصار ثمّ رجع فمر ببعض المواقيت التي وقت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم له أن يتمتع؟ فقال: ما أزعم أن ذلك ليس له و الاهلال بالحج أحب إلي و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام و ذلك أول ليلة من شهر رمضان فقال

له:

جعلت فداك إني قد نويت أن أصوم بالمدينة؟ قال له: تصوم إن شاء اللّٰه تعالي» الحديث بطوله. «1»

و قد وقع البحث في أن الحديث من قوله: «و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام» إن كان من تتمة الحديث الاول فلا يمكن أن تكون من كلام الإمام موسي بن جعفر عليه السلام لانه ولد عليه السلام بعد أربعة عشر عاما من شهادة الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام فكيف يقول هو: و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام و إن كان من كلام ابني الحجاج و أعين فقوله و رأيت لا يوافق ذلك مضافا إلي أن المروي من أهل الرجال أن عبد الرحمن بن أعين مات هو و حمران و بكير و عبد الملك إخوته الثلاثة في زمان أبي عبد اللّه عليه السلام و كانوا من أصحاب أبي جعفر عليه السلام.

نعم بقي من أبناء الأعين الأربعة زرارة إلي زمان أبي الحسن عليه السلام.

و قال بعض الأعاظم: (فالظاهر إن قائل هذا الكلام هو الراوي و هو عبد الرحمن فيكون خبرا مستقلا مرويا عن أبي جعفر عليه السلام إلا أنه لم يعين عبد الرحمن و لم يعرفه بوالده). «2»

و الذي أحتمله أن المروي عنه في هذا الحديث أيضا كالأول هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7، من ابواب اقسام الحج، ح 1.

(2)- معتمد العروة: 2/ 202.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 258

أبو عبد اللّه عليه السلام و أنه و الأول حديث واحد كما يدل علي ذلك لفظهما و لا يضر اشتمال كل منهما علي ما لا يشتمل عليه الآخر لامكان جمع عبد الرحمانين هذه الرواية مع غيرها فتدبر. و اللّٰه هو العالم.

و كيف كان وقوع هذه المسائل التي موردها

الاعمال المندوبة عن أبي جعفر عليه السلام بعد صدر الرواية الموافقة للصحيحة الاولي لا يخلو من الاشعار بأن السؤال الواقع في الصدر كان عن الحج الندبي دون الواجب و يؤيد ذلك بعد عدم إتيان المكي بحجة الإسلام.

و لكن يبعد هذا قوله عليه السلام: «و الإهلال بالحج أحب إلي»، فإنه يدل علي كون مورد السؤال الحج الواجب لاتفاق النص و الفتوي علي أفضلية التمتع في الحج المندوب و بعيد من مثل عبد الرحمن بن الحجاج و ابن أعين أن لا يكونا عالمين بمثل هذا الحكم بل ربما يقال بأن جواز التمتع في الحج المندوب مما لا ريب فيه عندهم فبعيد أن يكون السؤال عن الحج المندوب أو الأعم منه و من الواجب و يؤيد ذلك قوله عليه السلام: «ما أزعم أن ذلك ليس له»، فإن هذا التعبير لا يناسب لبيان الحكم المندوب المعلوم جوازه و بل أفضليته

و بالجملة فمورد الصحيحتين إما يكون الحج الواجب أو الاعم منه و من المندوب فإن كان خصوص الحج الواجب يقيد بهما اطلاق ما دل علي أن أهل مكة ليس لهم أو عليهم متعة فالنتيجة تكون جواز المتعة و إن كان الإفراد أحب.

و أما إن قلنا بعدم ظهور الصحيحين في الحج الواجب و أن إطلاقهما يشمل المندوب و الواجب فحينئذ يقع التعارض بينهما و بين ما دل علي أن ليس لاهل مكة متعة الدال علي أنه ليس لهم إتيان حجة الاسلام بالتمتع و إطلاقه يشمل من كان من أهل مكة فيها و من خرج منها إلي بعض الأمصار فيتعارضان في من كان من أهل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 259

مكة و خرج إلي الامصار و رجع و عليه حجة الاسلام فبمقتضي إطلاق

الصحيحين يجوز له التمتع و بمقتضي إطلاق أهل مكة ليس لهم التمتع لا يجزي التمتع عنه فيتساقطان بالتعارض.

إلا أن نقول بترجيح ما يدل علي عدم جواز المتعة لمخالفة ما يدل علي الجواز لقوله تعالي: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ».

و لكن استشكل بعض الأعاظم في ذلك و جعل الآية في جانب الأخبار المعارضة لانه قال: (إن الترجيح بالكتاب انما هو فيما إذا كانت دلالة الكتاب دلالة لفظية و أما إذا كانت الدلالة بالاطلاق فقاعدة الترجيح بالكتاب غير جارية إذ ليس ذلك مدلولا لفظيا للكتاب لان الاطلاق مستفاد من قيد عدمي و العدمي ليس من القرآن ليكون مرجعا أو مرجحا لأحد الطرفين (قال) و بتعبير آخر مورد الرجوع إلي القرآن و الترجيح به إنما هو فيما إذا كان عدم العمل بالقرآن منافيا للظهور اللفظي بحيث يصدق انه قال اللّٰه تعالي كذا في الكتاب و هذا المعني لا يصدق علي مجرد الاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة و عليه لا مجال للرجوع إلي إطلاق الكتاب لسقوطه بالتعارض فالمرجع إطلاق ما دل علي أصل وجوب الحج المقتضي للتخيير بين الأقسام الثلاثة فإن الواجب انما هو طبيعي الحج و التقييد ببعض الاقسام قد سقط بالمعارضة علي الفرض) «1»

و فيه: أنه لا فرق بين الإطلاق و العموم في ذلك فكما أن العموم دلالته عليه لفظية دلالة الإطلاق أيضا علي الإطلاق لفظية و كون عموم العام مستفاداً من الوضع و اطلاق المطلق مستفاد من مقدمات الحكمة لا يجعل دلالته غير لفظية فكما

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 203.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 260

لا يمكن أن يقال في أحد أفراد المطلق قال اللّٰه تعالي كذا لا يمكن ذلك في أفراد العام أيضا و

إلا فلا يجوز استناد كل ما يستفاد من الكتاب بالاطلاق إليه و هذا أمر لا يقبله العرف و الوجدان.

و يمكننا أن نقول إن اطلاق الصحيحتين في من خرج إلي بعض الأمصار و عليه حجة الإسلام معارض لإطلاق نفس الآية لا أنه معارض لاطلاق «ليس لاهل مكة متعة» في من خرج منها إلي الأمصار و رجع و عليه حجة الإسلام لان مثل هذا الحديث تفسير للآية و مدلوله الآية و هي تدل بمفهومها علي أن المتعة لا يكون لمن كان أهله حاضر المسجد الحرام سواء كان خرج منه إلي بعض الأمصار أو لم يخرج منه و الصحيحين بالإطلاق يدلان علي جواز المتعة لمن خرج منه إلي بعض الأمصار واجباً كان الحج عليه أم مندوبا فيتعارضان في من يخرج و يرجع و عليه حجة الإسلام و في مثل ذلك لا يقال بسقوط الكتاب بالتعارض فانه لا فرق بينه و بين ما يعارض الكتاب بالتباين.

فعلي هذا كله علي القول بورود الصحيحين في حجة الإسلام يقيد بهما إطلاق الكتاب و علي القول بأنهما مطلقان يشملان الحج الواجب و المندوب يقع بينهما و الكتاب التعارض فيمن خرج و عليه حجة الإسلام و لا ريب في تقديم الكتاب فيجب عليه الافراد.

[مسألة 5] انقلاب فرض النائي الي المكي

اشارة

مسألة 5- من ليس من أهل مكة (لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) فالإجماع قائم علي أنه إن أقام في مكة إلي تمام ثلاث سنين ينقلب فرضه إلي فرض المكي كما أنه لا ريب في أن فرضه قبل إتمام سنة فرض

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 261

النائي.

و ما جاء في بعض الأخبار من أنه ينقلب فرضه إلي فرض المكي بعد ستة أشهر أو خمسة، معرض عنه لا عامل به مضافاً إلي

ضعف سند بعضها و علي فرض القول بعدم وهن ما فيها من الصحيح بعدم العامل به و عدم ترجيح الأخبار الصحيحة المعارضة له مثل صحيح زرارة و عمر بن يزيد الآتيان فهو ساقط عن الحجية بمعارضة مثل الصحيحين له فلا يحتج بصحيح حفص بن البختري الذي رواه الشيخ بإسناده عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في المجاور بمكة يخرج إلي أهله ثمّ يرجع إلي مكة بأي شي ء يدخل؟

فقال: إن كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع و إن كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع». «1»

و علي هذا إما أن نقول بسقوطه عن الحجية لإعراضهم عنه أو لترجيح الأخبار المعارضة له عليه أو لتساقط الطائفتين عن الحجية بالمعارضة و علي الأخير فالمرجع هو عمومات الكتاب و السنة الدالة علي وجوب التمتع علي كل من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام و هذا كله علي فرض تمامية دلالة هذا الصحيح و أن المراد منه بيان فرض المجاور.

أما لو كان المراد من المجاور المذكور في السؤال الذي أتي بفرضه كما هو النائب فالسؤال لا بد و أن يكون عما هو الأفضل منهما و كيف كان هذا الاحتمال ساقط لا يعتني به. و إنما الخلاف واقع في أنه هل ينقلب تكليف النائي بإقامته في مكة سنتين أو يكفي لذلك إقامة سنة واحدة،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب اقسام الحج، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 262

أما القول بانقلابه بعد إتمام الثلاثة و الدخول في الرابعة فلا دليل له إلا مثل ادعاء إجماعهم علي عدم جواز التمتع له بعد إقامة الثلاثة و تساقط

الروايات بالتعارض و التمسك بأصالة العموم بالنسبة إلي قبل إتمام الثلاثة و هذا قول الشيخ في المبسوط و النهاية:

قال في المبسوط: (و من جاور بمكة سنة واحدة أو سنتين جاز له أن يتمتع فيخرج إلي الميقات و يحرم بالحج متمتعاً و إن جاور بها ثلاث سنين لم يجز له ذلك) «1» و نحوه قوله في النهاية «2» و قول ابن إدريس في السرائر قال: (فإن جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التمتع) «3» و ظاهر المحقق في الشرائع «4» و قول العلامة في الإرشاد قال له: (و ينتقل فرض المقيم ثلاث سنين إلي المكي و دونها يتمتع) «5».

و أما القول بالانقلاب بإقامة سنتين فهو قول الشيخ في التهذيب قال:

(فأما المجاور بمكة فإن كان قد أقام دون السنتين فإنه يجوز له أن يتمتع فإن أقام أكثر من ذلك فحكمه حكم أهل مكة في أنه ليس عليه المتعة) «6» و في الاستبصار يستفاد منه أقسام الحج في (باب فرض من كان ساكن الحرم من أنواع الحج) «7» و هو قول المحقق في المختصر النافع قال: (و لو أقام سنتين انتقل فرضه إلي القران و الإفراد) «8» و

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 308.

(2)- النهاية/ 206.

(3)- السرائر: 1/ 522.

(4)- شرايع الإسلام: 1/ 177.

(5)- إرشاد الأذهان: 1/ 309.

(6)- تهذيب الأحكام: 5/ 34.

(7)- الاستبصار: 2/ 157 ب 91 باب فرض من كان ساكن الحرم من أنواع الحج.

(8)- مختصر النافع/ 50.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 263

إن كانت العبارة المنقولة عنه في جامع المدارك «1» غير هذه لم نجدها في المختصر النافع.

و قال العلامة في التذكرة: (مسألة: و من كان من أهل الأمصار فجاور بمكة ثمّ أراد حجة الإسلام خرج إلي ميقات أهله فأحرم

منه فإن تعذر خرج إلي أدني الحل و لو تعذر أحرم من مكة هذا إذا لم يجاور مدة سنتين فإن مضي عليه سنتان و هو مقيم بمكة صار من أهل مكة و حاضريها ليس له أن يتمتع) «2» و به قال الشيخ في كتابي الأخبار و قال في النهاية: (لا ينتقل فرضه إلي التمتع حتي يقيم ثلاث سنين) «3» و لعل هذا القول هو المشهور.

و أما كون ذلك بالدخول في السنة الثانية فهو ظاهر الشهيد في الدروس قال:

«و لو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها في الثالثة كما في المبسوط و النهاية و يظهر من أكثر الروايات أنه في الثانية و روي محمد بن مسلم: «من أقام سنة فهو بمنزلة أهل مكة، و روي حفص بن البختري إن أقام أكثر من ستة أشهر لم يتمتع». «4»

إلا أنك قد عرفت من كلام الشيخ في المبسوط و النهاية أن انتقال فرضه إلي فرض المكي إنما يكون إذا جاور بها ثلاث سنين لا في الثالثة.

إذا عرفت ذلك كله فأعلم أن العمدة في الباب الروايات فمنها ما يدل علي القول الذي قيل: إنه المشهور مثل ما أخرجه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن

______________________________

(1)- جامع المدارك: 2/ 355 هكذا نقل عبارة المصنف: (فإن دخل في الثالثة مقيماً ثمّ حج انتقل فرضه إلي القران و الإفراد).

(2)- تذكرة الفقهاء: 1/ 319

(3)- النهاية/ 165.

(4)- الدروس الشرعية: 1/ 331.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 264

أبي جعفر عليه السلام قال: «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له» الحديث «1» و أخرجه في باب الزيادات «2» و في الاستبصار «3» و كأنه زعم صاحب الوسائل كون الثاني غير الأول فقال: «و بإسناده

عن زرارة مثله» «4» بدلًا عن قوله: «و رواه في باب الزيادات». و صحيح عمر بن يزيد قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلي الحج إلي سنتين فإذا جاوز سنتين كان قاطناً و ليس له أن يتمتع». «5»

و منها ما يدل علي اعتبار سنة مثل صحيح الحلبي الذي رواه الشيخ عن موسي بن القاسم عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام لأهل مكة أن يتمتعوا؟ فقال: لا ليس لأهل مكة أن يتمتعوا قال: قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة فإذا أقاموا شهراً فإن لهم أن يتمتعوا قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم قلت: من أين يهلون بالحج؟

فقال: من مكة نحواً مما يقول الناس». «6»

و ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن داود عن حمّاد قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن أهل مكة أ يتمتعون؟ قال: ليس لهم متعة قلت: فالقاطن بها؟ قال: إن أقام بها سنة أو سنين صنع صُنعَ أهل مكة قلت: فإن مكث الشهر؟ قال: يتمتع قلت من أين (يحرم) قال: يخرج من الحرم قلت: من أين

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 5/ 34 ح 30.

(2)- الاستبصار: 2/ 159 ح 6.

(3)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 2.

(5)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 3.

(6)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 265

يهل بالحج؟ قال: من مكة نحواً كما يقول الناس» «1»

و

ضعفه بعض الأعاظم لأن ابن أبي عمير يرويه عن داود عن حماد و لم يعلم من هو داود فإنه مشترك بين الثقة و غيره «2» هذا علي بنائه علي عدم الاعتناء بما قاله علماء الرجال و الحديث من أن مراسيل ابن أبي عمير كالمسانيد و أنّه لا يروي إلا عن الثقة فإنه وجد في مسانيده الرواية عن المجروحين و غير الثقات.

و فيه: أن الشيخ قدس سره قال في العدة: (سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير و صفوان بن يحيي و أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون و لا يرسلون إلا عمن يوثق به و بين ما أسنده غيرهم و لذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم) «3».

و من هذا تعرف شهادة طائفة من أجلاء الأصحاب علي كون من يروي عنه هؤلاء الأعاظم كلهم من الثقات لو لم نقل بإجماعهم علي ذلك و هذا شهادة جمع من الأصحاب علي وثاقة (داود) هذا الراوي عن حماد.

لا يقال: إن هذا يتم لو لم يقع في اسناد روايات مثل ابن أبي عمير جمع من الضعفاء.

فإنه يقال: لا يضر ذلك بهذه الكلية و توثيق شيوخ هؤلاء غاية الأمر يثبت بذلك جرحهم و سقوط توثيقهم عن الاعتبار لتقديم الجارح علي المعدل و لا يسقط بذلك شهادتهم علي وثاقة السائرين.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 9 من أبواب اقسام الحج ح 5

(2)- معتمد العروة: 2/ 208.

(3)- العدة: 1/ 386.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 266

فان قلت: إن بعد العلم بخروج جمع من مشايخهم عن تحت هذه الكلية يكون التمسك بها لإثبات وثاقة كل واحد منهم من التمسك بعموم العام في الشبهة

المصداقية.

قلت: كلا، ليس المقام منه فإنه إنما يكون إذا كان المخصص عنواناً كلياً كقوله تخصيصاً: (لا تكرم الفساق من العلماء) و كان العام مثل (اكرم العلماء) و شككنا في كون «زيد» من الفساق فإنه لا يجوز التمسك بعموم (أكرم العلماء) فإنه يكون مثل التمسك بعمومه في وجوب إكرام من شككنا في كونه من العلماء و أما إذا ثبت خروج خصوص بعض الأفراد مثل زيد و عمرو و بكر عن تحت العام، لا يضر ذلك بحجية العام في سائر الأفراد.

هذا مضافاً إلي قلة ما يوجد في مشايخهم من الضعفاء فإن في مشايخ ابن أبي عمير علي ما أحصاه البعض ثلاثة عشر ستة منهم ثابت الضعف و سبعة منهم غير ثابت الضعف و إنما يحتمل فيهم ذلك و هذه في جنب سائر مشايخه الذين بلغت عدتهم أكثر من أربعمائة في نهاية القلة لا يؤثر في الاعتماد علي رواياته الكثيرة من مشايخه التي ما روي عنه أحد تلامذته و هو إبراهيم بن هاشم بلغت علي حسب ما احصي عنه (2922) رواية.

و كيف كان الظاهر أنها و صحيح الحلبي واحد كما يظهر من لفظهما و أما سندهما فابن أبي عمير يرويه تارة بلا واسطة عن حماد عن الحلبي قال «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام»: و في روايتنا هذه رواها مع الواسطة عن داود عن حماد قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام» فإما أن نقول بتقديم رواية الشيخ علي الكليني لتقديم أصالة عدم الزيادة علي أصالة عدم النقيصة فالحكم بصحته في محله و إما أن نقول بتقديم رواية الكليني علي رواية الشيخ و تقديم الكافي علي غيره لأنه أضبط فالحكم بصحة كل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 267

واحد منهما

علي مبني عدم الاعتماد علي صحة ما رواه ابن أبي عمير مشكل.

اللهم إلا أن يقال: إن ابن أبي عمير روي هذا الحديث تارة عن حماد بلا واسطة و اخري بواسطة داود كما أن حماد أيضاً رواه تارة عن الإمام عليه السلام بلا واسطه و اخري بواسطة الحلبي، و ذلك يوجب قوة الحديث و إسناده إلي الإمام عليه السلام فتدبر و خذ جميع ذلك و اغتنم.

و ما رواه الشيخ بإسناده عن العباس بن معروف عن فضالة عن العلا عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «من أقام بمكة سنة فهو بمنزلة أهل مكة» «1» و عبر منه بالصحيح لأن رجال السند كلهم من الأعيان و الثقات.

لكن ضعفه بعض الأعاظم لأن طريق الشيخ إلي العباس بن معروف في الفهرست ضعيف بأبي المفضل و لم يذكر طريقه إليه في المشيخة. «2»

و لكن قد كررنا التنبيه علي أن مجرد ضعف طريق الشيخ و غيره إلي أرباب الكتب لا يوجب ضعفاً في الحديث و سنده بعد ما كان الكتاب موجوداً عند الشيخ معروفاً لديه و إليك لفظ الشيخ في الفهرست: (له كتب عدة أخبرنا بها جماعة عن أبي المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد اللّه عنه). «3»

و الخبير يعلم أن الإخبار بهذه الكتب و كتب سائر أرباب الاصول و الكتب لا يمكن عادة إلا بالإخبار عنها مجموعاً بمثل المناولة فلا بد أن يكون الكتاب في متناول يد الشيخ و التلميذ مشهوراً معروفاً و بما لم يكن النقل عن الكتاب بالوجادة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أقسام الحج، ح 4.

(2)- معتمد العروة: 2/ 208.

(3)- الفهرست/ 144.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 268

معمولًا عندهم كما عمل بها

في الأعصار الأخيرة و كانت سيرة المحدثين علي رواية الكتب بالسماع أو القراءة أو المناولة عن رواتها عن أربابها روي الشيخ تلك الكتب بطرقه عن مؤلفيها و في مثل ذلك لا يضر ضعف الطريق إلي الكتاب فتأمل جيّداً.

و ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة: يعني: يفرد الحج مع أهل مكة و ما كان دون السنة فله أن يتمتع». «1»

و قال بعض الأعاظم: (الرواية معتبرة لأن إسماعيل بن مرار و إن لم يوثق في كتب الرجال و لكنه من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي و ذكرنا في محله أن رجاله كلهم ثقات و في بعض نسخ التفسير إسماعيل بن ضرار و هو غلط). «2»

و ما أخرجه أيضاً بسنده عن حريز عمن أخبره عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«من دخل مكة بحجة عن غيره ثمّ أقام سنة فهو مكي» «3» الحديث.

و الذي بني عليه جمع من الفقهاء رضوان اللّٰه تعالي عليهم سقوط الطائفة الثانية عن الحجية لإعراض الأصحاب عنها و تركهم العمل بها فالعمل يكون علي طبق الطائفة الاولي.

و لكن بعض الأعاظم حيث لا يري إعراض الأصحاب عن الرواية الصحيحة وجهاً لتركهم، ردّ ذلك البناء كبروياً و زاد أنه هنا غير تام صغروياً لعمل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج، ح 8.

(2)- معتمد العروة: 2/ 209.

(3)- وسائل الشيعة: ب 9 من ابواب أقسام الحج، ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 269

صاحب الجواهر بها «1».

و فيه: أمّا مناقشته في الكبري فهو و بناؤه و أمّا الصغري فما

صدر منه في الخدشة فيها ظاهر البطلان فإن ما به يتحقق الإعراض عن الحديث الصحيح الذي قالوا عنه: (كلما ازداد صحة ازداد ضعفاً بالإعراض عنه) هو ترك العمل به من القدماء المقاربين لعصر الأئمة عليهم السّلام و أصحابهم و أرباب جوامع الحديث لا مثل صاحب الجواهر (المتوفي في 1266) و أما القاضي ابن البرّاج (المتوفي 481) صاحب «جواهر الفقه»، فلم نجد له التعرض لتلك المسألة في كتابه فيا ليته قال في مقام المناقشة في الصغري إن إعراض القدماء من الطائفة الثانية لم يثبت كما يظهر من ملاحظة كلماتهم.

و كيف كان فالذي بني عليه أن الروايات متعارضة متكافئة فالمرجع يكون عموم ما دل علي أن النائي وظيفته التمتع و لم يثبت تخصيصه بالمجاور في سنة واحدة و قال: (نعم إذا تجاوز عن السنتين فلا كلام في انقلاب فرضه إلي الإفراد لأنه القدر المتقين من التخصيص و في غير ذلك فالمرجع عموم ما دل علي أن البعيد وظيفته التمتع) «2».

و فيه: منع تكافؤ الطائفتين لترجيح ما يدل علي توقف انقلاب الفرض علي إقامته سنتين علي ما يدل علي إقامة السنة بموافقة الاولي للكتاب فهو أيضاً في نهاية المطاف يتفق مع الذين يحتجون بأحاديث السنتين و يرجحونها علي أخبار السنة و اللّٰه العالم.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 210.

(2)- معتمد العروة 2/ 211.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 270

يمكن أن يقال: إن هذه الأحاديث وردت لبيان ما هو الموضوع بحسب العرف للحكم و بعبارة اخري بيان مصاديق من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أو من كان أهله من حاضريه عند العرف لا إلحاق من لم يكن عند العرف من أهل مكة و لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام إلي من

كان من أهلها.

و بعبارة اخري لم ترد لتوسعة موضوع أحدهما و تضييق دائرة موضوع الآخر تعبداً فإن ذلك بعيد جدّاً.

إذاً فيمكن أن يقال: إن الاختلاف الواقع في الروايات نشأ من اختلاف الأشخاص و ملاحظة اختلاف أحوالهم فإنه بذلك يصدق علي بعضهم كونه من أهل مكة بعد مجاورتها ستة أشهر، و علي بعضهم بعد سنة و علي بعضهم لا ينطبق إلا بعد سنتين.

فعلي هذا بالنسبة إلي ما قبل سنتين إذا كان الحال علي نحو يكون الشخص محسوباً من أهل مكة فهو و إلّا ففرضه التمتع و أمّا بالنسبة إلي بعد السنتين ففرضه فرض المكي لاتفاق الروايات عليه و بعبارة اخري مجرد مضي سنتين علي إقامته يكفي في انقلاب الفرض و مضي نحواً من سنة أيضاً يكفي إذا كان مقترناً بوضع و حالة من الشخص يكون به معدوداً من أهل مكة و يمكن الاستشهاد علي ذلك بقوله عليه السلام في بعض هذه الروايات: «سنة أو سنتين» فيكون السنة أقل مدة من المجاورة يمكن أن يصدق بها علي النائي المكي حتي إذا بلغت سنتين فإنه بمجردها معدود صاحبها من أهل مكة و علي هذا فالأمر بين السنة إلي السنتين موكول إلي العرف و كان الإمام عليه السلام أيضاً أحال ذلك إلي العرف.

و علي كل حال فالحكم بالنسبة إلي قبل السنة التمتع و بعد السنتين الإفراد فإن احتاط فيما بين ذلك بما ذكرنا صورته فهو اولي بل لا ينبغي تركه و اللّٰه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 271

تتمة- فهل إنا- و لو لم نقل بإعراض الأصحاب عما دلّ علي أن الاعتبار في انقلاب الفرض يكون علي إقامة سنة-، يمكن أن نقول بعدم تعارضه مع مثل صحيحي زرارة و

عمر بن يزيد لإمكان الجمع الدلالي العرفي بينهما؟

بيان ذلك: أن لمثل قوله عليه السلام في رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام: «من أقام بمكة سنة فهو بمنزلة أهل مكة» مدلولين: أحدهما إيجابي و هو دخالة اقامة سنة في انقلاب الفرض و الحديث نص فيه لا يحتمل فيه غير ذلك و ثانيهما سلبي و هو عدم دخل الزائد علي السنة في الحكم و الحديث ظاهر فيه.

و صحيحي زرارة و عمر بن يزيد مثل «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة» مدلولهما الإيجابي دخل سنتين في الانقلاب و هو نص فيه. فنرفع اليد عن مدلول رواية محمد بن مسلم السلبي الذي هي ظاهرة فيه بمدلول صحيحي زرارة و عمر بن يزيد الإيجابي الذي هما نصان فيه.

أقول: في الحكم بالتعارض و عدمه الحاكم هو العرف و العرف حاكم بتعارض قوله في مقام التحديد: «من أقام بمكة سنة فهو من أهل مكة» مع قوله:

«من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة» فإن العرف يري أن المتكلم يكون في مقام بيان كل ماله دخل في الموضوعية و تمام الموضوع لانقلاب الفرض، لا ماله دخل ما و هذا واضح.

فروع
اشارة

ثمّ إن هنا فروع:

الأول أنه هل هذا الحكم مختص بمن استطاع للحج بعد إقامته في مكة

أو يعمه و من استطاع له قبل إقامته و لم يأت بفرضه و سوّف حتي مضي عليه سنتان؟ قال في العروة: (فلا إشكال في بقاء حكمه (يعني وجوب التمتع

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 272

عليه إذا استطاع قبل إقامته، فلا ينقلب فرضه) سواء كانت إقامته بقصد التوطن أو المجاورة و لو بأزيد من سنتين). و ظاهر البعض حكاية الإجماع علي ذلك.

و الذي يمكن أن يقال: إن إطلاق مثل قوله عليه السلام: «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له» و قوله عليه السلام: «المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلي الحج إلي سنتين فإذا جاور سنتين كان قاطناً و ليس له أن يتمتع» يشمل من استطاع للحج قبل إقامته كما يشمل المقيم الذي استطاع في أثناء هذه المدة قبل إكماله سنتين.

و دعوي انصراف الإطلاق إلي من استطاع للحج بعد إقامته في مكة بل بعد إقامته تمام سنتين و وجوب الأخذ بالقدر المتيقن في تخصيص العام، «1» لا وجه له و مع ذلك الأحوط الإتيان بالحج بصورة يحصل له العلم بفراغ ذمته عن التكليف.

الثاني: الظاهر أن الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج علي المقيم بعد تمام سنتين هي الاستطاعة لفرض المكي

فيجب عليه هذا الفرض و إن لم يكن مستطيعاً للحج التمتع من بلده أو من مكة فهو مثل من استطاع للحج في أثناء الطريق أو عند الميقات فلا يعتبر في استطاعته تمكنه من المسير من بلده فالذي يستطيع للحج من مكانه الذي هو فيه يكون مستطيعاً لا يعتبر في حصولها أن يكون مستطيعاً له من ابتداء المسافة التي قطعها إلي المكان الذي هو فيه كما لا يجب عليه أن يرجع إلي وطنه و مكانه الأول ثمّ ينشأ السفر إلي مكة.

نعم بالنسبة إلي منتهي أمره تلاحظ مئونة رجوعه إلي وطنه إن كان مريداً

لترك المجاورة و الرجوع فإن كان بذل ما يتوقف عليه أداء الحج مانعاً من تمكنه من الرجوع ليس مستطيعاً فالمسألة تدور مدار حكم العرف بالاستطاعة و عدمها فمن

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 2/ 213.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 273

كان باقياً علي مجاورته لا يحتاج إلي مئونة العود و من كان يريد العود و ترك المجاورة يعتبر في استطاعته مئونة العود و اللّٰه هو العالم.

الثالث: المكي إذا أخرج إلي بعض الأمصار و أقام فيه و جاوره إلي سنتين أو أزيد لا ينقلب وظيفته إلي وظيفة النائي.

لعدم الدليل علي ذلك فلا يقاس بالنائي نعم إذا توطن في غير مكة يلحقه حكم الوطن و يجب عليه التمتع.

هذا إن قلنا بأن الحكم في النائي المجاور بمكة يكون مبنياً علي التعبد و أما إن قلنا إنه من باب حكم العرف بأن المجاور في مكان إلي سنتين يعد من أهله فلا بدّ أن نقول به في هذه المسألة أيضاً بانقلاب فرض المكي إلي فرض النائي و علي هذا لا يجوز ترك الاحتياط.

[مسألة 6] حكم ميقات المقيم بمكة إذا وجب عليه التمتع

مسألة 6- المقيم في مكة المكرمة إذا وجب عليه حج التمتع كما إذا استطاع للحج قبل انقلاب فرضه إلي فرض المكّي يجب عليه أن يخرج إلي الميقات لإحرام عمرة التمتع و لكن قد وقع الاختلاف في أنه هل له ميقات معين كميقات أهل بلده و مهلّ أرضه فلا يجزيه الإحرام عن غيره أو أنه مخيّر بين الخروج إلي أحد المواقيت أو يكفيه الإحرام من أدني الحلّ في المسألة أقوال.

فالأول مختار المفيد في المقنعة «1» و أبي الصلاح في الكافي «2» و الشيخ في

______________________________

(1)- المقنعة/ 396.

(2)- الكافي/ 202

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 274

النهاية «1» و ابن سعيد في الجامع «2» و ابن زهرة في الغنية «3» و المحقق في النافع «4» و العلامة في جملة من كتبه. «5»

و الثاني عزي إلي الشهيد في الدروس «6» و الشهيد الثاني في المسالك «7» و الروضة «8» و غيرهما كالمحقق في الشرائع. «9»

و الثالث منقول عن الحلبي و هو إن كان ابن زهرة، فقد عرفت منه خلاف ذلك و أن مختاره القول الأول و عن المدارك: أنه يحتمل قويّاً «10» و عن الكفاية: أنه استحسنه «11» و عن الأردبيلي: أنه استظهره. «12»

و الذي يقتضيه الأصل في المسألة

هو الأخذ بالاحتياط بالإحرام من مهل أرضه لأنه لا يحصل اليقين بالفراغ و براءة الذمة إلّا به لدوران الأمر بين التعيين و التخيير.

و أمّا بحسب الأدلة: فاستدل للقول الأول بما رواه شيخنا الكليني قدس سره عن

______________________________

(1)- النهاية/ 211.

(2)- الجامع/ 178.

(3)- الغنية/ 155.

(4)- المختصر النافع/ 80.

(5)- تحرير الاحكام: 1/ 565

(6)- الدروس الشرعية: 1/ 342.

(7)- مسالك الافهام، 2/ 221

(8)- الروضة البهية: 2/ 223.

(9)- شرايع الاسلام: 1/ 178

(10)- مدارك الاحكام: 7/ 235.

(11)- الكفاية للسبزواري/ 58.

(12)- مجمع الفائدة: 6/ 171.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 275

الحسين بن محمّد «1» عن معلي بن محمّد «2» عن الحسن بن علي «3» عن أبان بن عثمان «4» عن سماعة «5» عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن المجاور أله أن يتمتع بالعمرة إلي الحج؟ قال عليه السلام: نعم يخرج إلي مهلّ أرضه فيلبي إن شاء». «6» فإن قوله عليه السلام: «يخرج إلي مهل أرضه فيلبي إن شاء» يدل علي أن ميقاته لحج التمتع مهل أرضه سواء كان حجة الاسلام أو غيرها.

و استشكل فيه، أولًا بضعف سنده بالمعلي بن محمد البصري الموصوف بأنه مضطرب الحديث و المذهب و يروي عن الضعفاء. «7»

و ثانيا بضعف دلالته من جهة قوله عليه السلام: «إن شاء» لظهور التعليق بالمشية في عدم الوجوب. «8»

و أجيب عن ضعف سنده بانجباره بالعمل و بأنه من رجال كامل الزيارات، و أن اضطراب الحديث معناه رواية الغرائب، و أن الاضطراب في المذهب لا يضر إذا كان الشخص ثقة في نفسه. «9»

______________________________

(1)- ابن عمار بن عمران الأشعري أبو عبد اللّٰه من الثامنة ثقة له كتاب.

(2)- البصري من السابقة وصف بأنه مضطرب الحديث و المذهب و كتبه قربية (جش) و عن ابن الغضائري يروي

عن الضعفاء.

(3)- ابن زياد الوشاء من السادسة عين من وجوه الطائفة له كتب.

(4)- الأحمر البجلي من الخامسة و من الناوسية و من الذين أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه.

(5)- ابن مهران الحضرمي من الخامسة ثقة واقفي له كتاب.

(6)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب اقسام الحج ح 1.

(7)- رياض المسائل 6/ 168.

(8)- معتمد العروة: 2/ 219.

(9)- معتمد العروة: 2/ 219.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 276

أقول: أما انجبار ضعف سنده بالعمل، فقد عرفت أنه معمول به، عمل به المفيد و أبي الصلاح و الشيخ و غيرهم اللهم إلا أن يقال: إن كونهم مستندين في فتواهم إلي هذا الخبر، غير ثابت فلعلهم أفتوا بوجوب الإحرام من مهل أرضه للأصل و لكونه موافقاً للاحتياط.

و أما الاستناد لإثبات وثاقة المعلي بن محمد بكونه من رجال كامل الزيارات، فقد عدل القائل بتلك الكلية عنها و يؤيد صحة الاعتماد عليه بعمل الأصحاب رواية عدة من الشيوخ الأجلاء عنه و أنه من أرباب الكتب و وصفه الشيخ في الفهرست و قال: (له كتب منها كتاب الإيمان و درجاته و منازله و زيادته و كتاب الكفر و وجوهه و كتاب الدلائل و كتاب الإمامة). «1»

و أما تفسير الاضطراب في الحديث برواية الغرائب فالظاهر أنه خلاف ما اصطلح عليه أهل فنّ الدراية و الحديث فإن الحديث المضطرب عندهم ما اختلف راويه سواء كان واحداً أو متعدداً في لفظه أو في سنده فيرويه مرة علي وجه و مرة علي وجه اخري و عن البعض: (المضطرب ما روي علي اوجه مختلفة متدافعة علي التساوي في الاختلاف من راو واحد). و في اختصار علوم الحديث: (هو أن يختلف الرواة علي شيخ بعينه أو من وجوه آخر

متعادلة لا يترجح بعضها علي بعض و قد يكون تارة في الاسناد و قد يكون في المتن).

و أما تفسير مضطرب الحديث برواية الغرائب فلم أجده فيما رجعنا إليه من كتب الدراية و علم مصطلحات الحديث. نعم يوجد في كلماتهم تعريف الحديث الغريب بأنه قد يتفرد بالمتن كأن يتفرد برواية راو واحد أو بالسند كما إذا كان

______________________________

(1)- الفهرست/ 165.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 277

الحديث محفوظا و مروياً من وجه آخر أو وجوه و لكن بإسناد خاص كان غريبا فعلي هذا يمكن أن يكون اضطراب الشخص في الحديث كاشفاً عن سوء الحفظ فلا يعتمد عليه.

فإن قلت: هذا الذي ذكرت هو تعريف للحديث المضطرب و صفة للحديث و ليس تعريف مضطرب الحديث الذي هو من صفات الراوي فمن يروي الحديث الذي اختلفت رواته أو راويه، ليس مضطرب الحديث غاية الأمر يكون راويا للحديث المضطرب فالضعف إن كان، فيما يرويه لا في روايته فلا يضر ذلك برواياته المستقيمة. اللهم إلا أن يقال: إن توصيف الشخص بذلك إنما يصح إذا كان أكثر ما يرويه الأحاديث المضطربة.

قلت: يوصف الراوي بأنه مضطرب الحديث لروايته سنداً أو متناً تارة بصورة كذا و اخري بصورة اخري فهو مضطرب الحديث و إن كان الحديث المضطرب يطلق علي هذا و علي ما اختلف رواية في سنده أو لفظه.

و بالجملة، فاللازم الاستقصاء عن ذلك هل استقر اصطلاحهم في الحديث المضطرب علي ما كان في متنه أو سنده غرابة و في مضطرب الحديث علي من كان في حديثه غرابة؟

فإن كان الثاني، فلا يدل غرابة ما يرويه علي ضعفه و ضعف روايته ما ليست فيه الغرابة و إن كان المراد الأول كما هو الظاهر فهو يدل علي الضعف لدلالته

علي سوء الحفظ.

نعم، الاضطراب في المذهب إذا كان الشخص ثقة بنفسه، لا يضر كما لا يضر روايته عن الضعفاء بما رواه عن الأقوياء.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 278

نعم، لا تكون روايته عمن لم تثبت وثاقته دليلًا علي وثاقته و اللّٰه هو العالم.

هذا كله في ما يرجع إلي سند الحديث.

و أما دلالته، فضعفت بدلالة قوله «ان شاء» علي عدم الوجوب. و فيه: أنه إن كان راجعاً إلي الخروج يدل علي عدم وجوب كون الإحرام من مهل أرضه فهو إن شاء الخروج يحرم منه و إن لم يشأ يحرم من أدني الحل، بخلاف ما إذا كان راجعاً إلي التمتع، فإنه يدل علي وجوب كون الإحرام من مهل أرضه، فإن شاء التمتع يحرم منه و إن لم يشاء لم يحرم و لا يتمتع. بل يمكن أن يكون راجعاً إلي قوله «فيلبي» يعني إن شاء أن يلبي و يحج.

و الظاهر أنه راجع إما إلي التمتع أو التلبية و علي كل واحد منهما يكون الخبر ظاهراً في وجوب الإحرام من مهل أرضه، و أما إن كان راجعاً إلي الخروج يكون معناه أراد أن يخرج إلي مهل أرضه فيحرم منه و إلا فمن ميقات آخر أو أدني الحل فلا يدل علي وجوب الإحرام من مهل أرضه.

و يبعد هذا الاحتمال أن السؤال لم يقع عن جواز الخروج إلي مهل أرضه و عدمه فعلًا أو تركاً بل وقع عن جواز التمتع للمجاور فإذا كان يجوز له التمتع من مهل أرضه و سائر المواقيت و إلا أدني الحل، فما وجه اختصاص ذلك بالذكر؟

و استدل للقول الثاني بما في موثقة سماعة رواها الصدوق قدس سره بإسناده عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه

السلام قال عليه السلام فيها: «فإن هو (يعني المجاور) أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة فليخرج منها حتي يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعاً بالعمرة إلي الحج فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلي الجعرانة فيلبي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 279

منها» «1».

وجه الاستدلال به: أنا و إن لم نتحصل ما اريد من مجاوزته عسفان و أنه واقع في أحد المواقيت أو مكان آخر إلا أنه يكفي في الاستدلال قوله عليه السلام: «حتي يجاوز ذات عرق» و هي آخر العقيق الذي هو ميقات أهل نجد و العراق، لأنه يستفاد منه جواز الخروج إلي ميقات من المواقيت و إن لم يكن ميقات أهل بلده لعدم خصوصية لذات عرق و العقيق.

و استدل للقول الثالث بروايات: منها صحيح الحلبي الذي أخرجه الشيخ بإسناده عنه و قد ذكرناه في المسألة السابقة و فيه: «فإذا أقاموا (يعني القاطنين بمكة) شهراً فإن لهم أن يتمتعوا فقلت: من أين؟ قال عليه السلام يخرجون من الحرم قلت: من أين يهلون بالحج؟ فقال عليه السلام: من مكة نحواً مما يقول الناس» «2»

و منها رواية سماعة التي أخرجها الكليني قدس سره عن علي بن إبراهيم «3» عن أبيه «4» عن إسماعيل بن مرار «5» عن يونس «6» عن سماعة «7» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج في رجب أو شعبان أو رمضان أو غير ذلك من الشهور إلا أشهر الحج فإن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثمّ أراد أن يحرم فليخرج إلي الجعرانة فيحرم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أقسام

الحج ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب أقسام الحج ح 3.

(3)- من صغار الثامنة.

(4)- من السابعة.

(5)- من السابعة مسكوت عنه. نعم هو من رجال تفسير علي بن إبراهيم و من مشايخ أبيه.

(6)- ابن عبد الرحمن من السادسة مشهور معروف.

(7)- من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 280

منها» الحديث. «1»

و منها صحيح عمر بن يزيد الذي رواه الصدوق بإسناده عنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها» «2» و لكن أورد عليه بأن الظاهر منه وروده في العمرة المفردة.

و استشكل في هذه الروايات بعدم القائل بها إلا ما نقل عن الحلبي و إن لم نتحصله.

و لكن يمكن أن يقال: إن مجرد الفتوي بوجوب الخروج إلي مهل أرضه لا يثبت عملهم بما دل علي وجوب الخروج إلي ميقات أهله و بلده، كما لا يدل علي إعراضهم عما يدل علي التخيير بين المواقيت أو بينها و بين أدني الحل فلعل ذلك كان منهم لمجرد الاحتياط لما رأوا تعارض الروايات و عدم ترجيح بعضها علي بعض.

و الذي ينبغي أن يقال: إن الطائفة الثالثة لو لا إشكال إعراض المشهور عنها لا خدش فيها، لا من حيث السند لاعتبار بعضها و لا من حيث الدلالة.

و أما الطائفة الأولي فحجيتها تتوقف علي جبر ضعف سندها بالعمل و الطائفة الثانية فلا يستفاد منها خصوصية الخروج إلي الميقات، فضلًا عن الخروج إلي خصوص ذات عرق و يمكن أن يكون المراد منها بقرينة قوله أو عسفان الخروج إلي خارج الحرم.

و علي هذا يمكننا أن نقول بالجمع بين الطوائف الثلاثة، لأن الطائفة الاولي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 8 من أبواب أقسام

الحج ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: باب 22 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 281

صريحة في إجزاء الإحرام من مهل أرضه و ظاهرة في عدم الإجزاء عن غيره و الطائفة الثانية أيضاً تدل علي إجزاء الإحرام من أحد المواقيت و ظاهرة أو مشعرة بعدم الإجزاء من غيره كأدني الحل و أما الطائفة الثالثة فتدل بالنص علي إجزاء الإحرام من أدني الحل، فمقتضي حمل الظاهر علي النص و جعل الأظهر قرينة علي المراد من الظاهر الأخذ بما هو الطوائف الثلاثة نص فيه و هو إجزاء مهل أرضه و أحد المواقيت و أدني الحل و رفع اليد عما هو ظاهر الطائفة الأولي بما هو نص الطائفة الثانية و رفع اليد عن ظاهر الطائفة الثانية بنص الطائفة الثالثة.

إذاً فالأقوي كفاية الإحرام من أدني الحل و إن كان الأحوط الإحرام من أحد المواقيت و أحوط منه الإحرام من مهل أرضه. و اللّٰه هو العالم

[مسألة 7] طواف النساء في العمرة المتمتع بها

مسألة 7- قد ذكر الفقهاء- رضوان اللّٰه تعالي عليهم- صورة حج التمتع إجمالًا و اقتفي اثرهم السيد الفقيه صاحب العروة قدس سره و سيأتي إنشاء اللّٰه تعالي بيانها بالتفصيل و من المسائل التي تعرضوا لها مسألة طواف النساء في العمرة المتمتع بها إلي الحج و ذكروا أن المتسالم عليه عدم وجوبه بل قيل: لا خلاف فيه بل الإجماع عليه و في الجواهر: قد استقر عليه المذهب الآن بل و قبل الآن). «1»

و قال الشهيد قدس سره في الدروس: (و نقل عن بعض الأصحاب أن في المتمتع بها طواف النساء و في المبسوط الأشهر في الروايات عدمه) «2» و أشار إلي رواية سليمان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 8.

(2)- الدروس الشرعية: 1/ 329.

فقه الحج (للصافي)، ج 2،

ص: 282

بن حفص عن الفقيه عليه السلام: «المتمتع إذا قصر فعليه لتحلة النساء طواف و صلاة». «1»

و إليك لفظ الشيخ بعينه في المبسوط قال: (و طواف النساء فريضة في الحج علي اختلاف ضروبه و في العمرة المبتولة و ليس بواجب في العمرة التي يتمتع بها إلي الحج علي الأشهر في الروايات). «2»

أقول: من هذه الروايات ما رواه الكليني رضوان اللّٰه عليه عن محمد بن يحيي «3» عن محمد بن أحمد «4» عن محمد بن عيسي «5» قال: «كتب ابو القاسم مخلد بن موسي الرازي «6» إلي الرجل يسأله عن العمرة المبتولة هل علي صاحبها طواف النساء و العمرة التي يتمتع بها إلي الحج فكتب: أمّا العمرة المبتولة فعلي صاحبها طواف النساء، و أمّا التي يتمتع بها إلي الحج فليس علي صاحبها طواف النساء» «7».

و أخرج هذا الحديث الشيخ في التهذيب عن محمد بن أحمد بن يحيي عن محمد بن عيسي «8» و في موضع آخر: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيي عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسي و فيها بزيادة (عليه السلام) بعد الرجل و زيادة «(عن) علي العمرة التي … ». «9»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 82 من ابواب وجوب طواف النساء ح 7 لأن عليه لتحلة النساء طوافاً و صلاة.

(2)- المبسوط: 1/ 360.

(3)- العطار أبو جعفر القمي من الثامنة شيخ أصحابنا … له كتب.

(4)- ابن يحيي بن العمران الأشعري بن كبار الثامنة جليل القدر كثير الرواية.

(5)- ابن عبيد اللّٰه اليقطين من السابعة جليل القدر حسن التصانيف.

(6)- لعله من السابعة الظاهر أنه محل الاعتماد.

(7)- الكافي: 4/ 538، ح 9.

(8)- تهذيب الاحكام: 5/ 163، ح 545.

(9)- تهذيب الأحكام: 5/ 254، ح 861.

فقه الحج

(للصافي)، ج 2، ص: 283

و الظاهر أنه سقط من الأول (محمد بن يعقوب) أو عنه و كذا بين محمد بن يحيي أو محمد بن أحمد بن يحيي و محمد بن عيسي، سقط محمد بن أحمد.

و في الاستبصار أخرجه عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن محمد بن عيسي بلفظ الكافي «1».

و الظاهر أن الراوي عن محمد بن عيسي هو محمد بن أحمد كما هو في الكافي و في موضع من التهذيب و إن كان يجوز أن يكون أحمد بن محمد أيضاً فهو أحمد بن محمد بن خالد البرقي فهو أيضاً من الطبقة السابعة له الرواية عن محمد بن عيسي و يروي عنه محمد بن يحيي.

و علي كل حال فدلالته علي عدم طواف النساء في العمرة التي يتمتع بها إلي الحج ظاهرة.

و منها ماروا الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار «2» عن محمد بن عبد الجبار «3» عن العباس «4» عن صفوان بن يحيي «5» قال: «سأله أبو حرث «6» عن رجل تمتع بالعمرة إلي الحج فطاف و سعي و قصر هل عليه طواف النساء؟ قال: لا إنّما طواف النساء بعد الرجوع من مني». «7»

______________________________

(1)- الاستبصار: 2/ 232، ح 804.

(2)- من الثامنة قمي له كتب.

(3)- من كبار السابعة قمي ثقة.

(4)- من كبار السابعة فقه.

(5)- من السادسة ثقة ثقة روي عن أربعين رجلًا من أصحاب الصادق.

(6)- من السادسة.

(7)- وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب الطواف، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 284

و قد عدّ في الجواهر من النصوص الدالة علي ذلك ما فيه بيان كيفية التمتع دون أن يذكر فيه طواف النساء بعد العمرة مثل صحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر

عليه السلام:

كيف أتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي بالحج فإذا دخلت مكة طفت بالبيت و صليت ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفاء و المروة و قصّرت و أحللت من كل شي ء و ليس لك أن تخرج من مكة حتي تحج «1» و مثله صحيح معاوية بن عمّار و «2» و خبر عبد اللّه بن سنان «3» و خبر عمر بن يزيد «4» و حسن الحلبي «5» و خبر الحلبي «6».

و بإزاء هذه الروايات رواية سليمان بن حفص التي رواها الشيخ في التهذيب عن محمد بن عيسي عن سليمان بن حفص المروزي «7» «عن الفقيه عليه السلام قال: إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعاً فطاف بالبيت فصلي ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السلام و سعي بين الصفا و المروة و قصر فقد حل له كل شي ء ما خلا النساء لأن عليه لتحلة النساء طوافاً و صلاة» «8» الدّالة علي وجوب طواف النساء و صلاته في العمرة المتمتع بها إلي الحج.

و لكن و إن عبر عنها بعض الأعاظم «9» بالمعتبرة لوقوع سليمان بن حفص

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الإحرام ح 3

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير، ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير، ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير، ح 3.

(5)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب التقصير، ح 2.

(6)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب التقصير، ح 4.

(7)- من السادسة او السابعة.

(8)- تهذيب الأحكام: 5/ 162.

(9)- معتمد العروة: 2/ 227.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 285

المروزي في أسناد كامل الزيارات، رميت بالشذوذ و ضعف السند من غير جابر ثمّ سقوطها عن الحجية بمعارضة ما هو أقوي منها معها

و ترك الأصحاب العمل بها.

مضافاً إلي وقوع الاضطراب في لفظه و مضمونه فإن الشيخ أخرجها في الاستبصار «1» بإسناده عن الصفار عن محمد بن عيسي عن سليمان بن حفص و ليس «و قصر» و عليه لا ترتبط الرواية بطواف النساء في عمرة التمتع فلا بد أن يحمل علي المتمتع الذي دخل مكة و أتم عمرة التمتع و حج و أتي بالمناسك إلي أن سعي بين الصفا و المروة فإنه يحل له ما حرم عليه بالحلق في مني قبل الطواف و التقصير إلا النساء.

فإن قلت: يدل علي عدم زيادة قوله: «و قصر» أن الإحلال في العمرة يحصل بعد القصر و أما في الحج فيحصل بعد الحلق قبل الطواف و السعي و إذا كان الكلام راجعا إلي الحج يلزم أن لا يحصل الإحلال بالحلق و يكون بالطواف و السعي و هو خلاف ما هو المسلم عندهم فليكن هذا دليل علي إسقاط كلمة «و قصر» في الاستبصار.

قلت: قيل «2» في الجواب عن هذا: إن الحلية في الحج و إن كانت تثبت بالحلق في كثير من محرمات الإحرام إلا أن حلية كلها ما عدا النساء إنما تكون بالطواف و السعي ففي صحيحة معاوية بن عمار: «فإذا زار البيت و طاف و سعي بين الصفا و المروة فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلا النساء» «3» مع أن الحلية في الجملة ثابتة قبل ذلك بالحلق و في صحيحة منصور ابن حازم: «عن رجل رمي و حلق أ يأكل شيئا

______________________________

(1)- الاستبصار 2/ 244 ح 853.

(2)- معتمد العروة: 2/ 228.

(3)- وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحلق و التقصير ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 286

فيه صفرة؟ قال: لا حتي يطوف

بالبيت و بين الصفا و المروة ثمّ قد حل له كل شي ء». «1»

أقول: في صدر صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلا النساء و الطيب». فيستفاد منه و من صحيحة منصور بن حازم أنه إذا حلق حل له كل شي ء إلا الطيب و النساء و إذا زار البيت و طاف و سعي حل له الطيب أيضاً ثمّ إذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شي ء.

و لكن بعد ذلك كله لا تطمئن النفس بكون زيادة كلمة «و قصر» من قلمه الشريف في التهذيب فإن ذلك يجوز إذا كان السهو و عدم التفاته بما كتب محتملا، لكن بعد ما نري أنه كان ملتفتا إلي مدلول هذا الحديث بما أن فيه هذه الكلمة و لذا قال في المبسوط: (في أشهر الروايات) «2» و صار في التهذيب في مقام رفع منافاته مع ما يدل علي عدم تشريع طواف النساء في العمرة المتمتع بها الي الحج كيف نرميه بالسهو؟

و مما ذكره في التهذيب في رفع المنافاة و الجمع بين هذه الرواية و سائر الروايات أيضا تستفاد زيادة كلمة «و قصر» غير أنها ليست من قلمه الشريف و إنما وقعت من بعض النساخ و إليك قوله في رفع التنافي قال- بعد ذكر خير سليمان بن حفص-: (فليس بمناف لما ذكرناه لأنه ليس في الخبر أن الطواف و السعي الذين ليس له الوطء بعدهما إلا بعد طواف النساء أ هما للعمرة أو للحج فإذا لم يكن في الخبر ذلك حملناه علي من طاف و سعي للحج فإنه لا يجوز له أن يطأ النساء و

يكون هذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب الحلق التقصير ح 2.

(2)- المبسوط: 1/ 364.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 287

التأويل أولي لأن قوله عليه السلام في الخبر علي جهة التعليل: «لأن عليه لتحلة النساء طوافاً و صلاة» يدل علي ذلك لأن العمرة التي يتمتع بها إلي الحج لا يجب فيها طواف النساء و إنما يجب طواف النساء في العمرة المبتولة أو الحج). «1»

و لا يخفي أن استدلاله علي عدم ارتباط الخبر بطواف النساء في عمرة التمتع إنما يتم إذا لم تكن في الخبر كلمة «و قصر» و إلا لا يستقيم ما أفاده قدس سره أصلا و علي هذا فالظاهر أن كلمة «و قصر» زيدت من بعض النساخ و يبطل بذلك القول بدلالة الحديث علي وجوب طواف النساء في عمرة المتمتع بها.

و بعد ذلك كله لو قلنا بثبوت كلمة «و قصّر» في الرواية لا يتم الاحتجاج بها، لعدم ثبوت عامل بها و استقرار العمل بما يعارضها.

مضافاً إلي ضعف سندها و لو أغمضنا عن ذلك فهي ساقطة عن الحجية بالمعارضة بتلك الروايات الكثيرة و لو فرض الغض عنها لسقوط الطائفتين بالتعارض يكفي في القول بعدم الوجوب الأصل.

فإن قلت: إن الأصل يرفع وجوب الطواف و أما حرمة الوطي فهي باقية علي حالها لا ترفع بأصالة البراءة عن التكليف بطواف النساء فتستصحب تلك الحرمة.

قلت: يجري الأصل في حرمة الوطي أيضاً فإنّ كل واحد من محرمات الإحرام تنحل إلي محرمات مستقلة كثيرة حسب أفراد المحرم و الشك في كل فرد منها شك في التكليف يجري فيه البراءة فالوطي حرام علي المحرم حتي يقصر لا شك فيها و بعد التقصير إذا شككنا في حرمته، الأصل البراءة عنه و اللّٰه العالم.

______________________________

(1)- تهذيب

الأحكام: 5/ 162.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 288

تنبيه: ظاهر عباراتهم إلّا ما حكي عن أبي الصلاح، تقديم الحلق أو التقصير علي طواف النساء في العمرة المبتولة و ظاهر عبارة العروة هنا تقديم الطواف علي التقصير و لا وجه له فكأنه لم يكن في مقام بيان محل طواف النساء.

و قد ذكر بعض الأعاظم في وجه ذلك أنه بناءً علي احتمال وجوب طواف النساء في عمرة حج التمتع الجمع بين هذا الاحتمال و ما ورد في روايات كثيرة من أن المعتمر بها بعد ما قصر حلّ له كل شي ء يقتضي الإتيان بطواف النساء و صلاته قبل التقصير و بعبارة اخري مع هذه الروايات لو كان طواف النساء واجباً في عمرة حج التمتع لا بدّ و أن يكون قبل التقصير قال: (ما دل من المستفيضة علي أن يحل له كل شي ء بالتقصير يدل بالدلالة الالتزامية علي تقدم طواف النساء علي التقصير و إلّا فلا يحل له كل شي ء بالتقصير). «1»

أقول: لا نحتاج إلي مثل هذا التكلف في توجيه كلامه بعد ظهور مرامه.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 229.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 291

[الكلام في شروط حج التمتع]

اشارة

الكلام في شروط حج التمتع

[الشرط الأول النية]

اشارة

الشرط الأول

قال المحقق قدس سره في الشرائع: «و شروطه أربعة: النية … » «1» و قال الشهيد أعلي اللّٰه درجته في الدروس: «شروط التمتع أربعة: النية، و الإحرام بالعمرة في الأشهر و الحج في سنة و الإحرام بالتمتع من مكة» «2» و المراد بالنية نية الإحرام، و يظهر من سلّار أنها نية الخروج إلي مكة «3»، و في المبسوط: «الأفضل أن يقارن الإحرام فإن فاتت جاز تجديدها إلي وقت التحلل» «4».

قال في المبسوط: «و السادس النيّة، و فيها خلاف فعندنا أنها شرط في التمتع، و الأفضل أن تكون مقارنة للإحرام فإن فاتت جاز تجديدها إلي وقت التحلل». «5»

______________________________

(1)- شرايع الإسلام: 1/ 174.

(2)- الدروس الشرعية: 1/ 339.

(3)- المراسم/ 104.

(4)- المبسوط: 1/ 278.

(5)- المبسوط: 307.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 292

أقول: الظاهر أن النية التي هي من شروط حج التمتع تعيين هذا النوع و قصده فلا يكفي قصد مطلق الحج من دون تعيين نوعه و هل يكفي في التعيين الإحرام بقصده عمرة التمتع بها إلي الحج أو أنّ اللازم نيّة الحج بجملته؟

الظاهر أن من يأتي بالمناسك واحداً بعد واحد بالنية لا ينفك عن نية الجملة و تمام المناسك فمن ينشأ الإحرام للعمرة المتمتع بها إلي الحج ينشؤه و هو مريد لها فعمله مسبوق بنية الجملة.

نعم يمكن أن يكون ناوياً للجملة و نسي الإحرام أو غيره من المناسك و الظاهر أن النية التي إن فاتت جاز تجديدها إلي وقت التحلل هي نية الإحرام لا نية الجملة.

و كيف كان فقد استثني من ذلك ما في جملة من الأخبار من أنه لو أتي بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز أن يتمتع بها و يكتفي بها عن

عمرة التمتع.

قال الشيخ في النهاية: «و إن دخل مكة بالعمرة المفردة في أشهر الحج جاز له أن يقضيها و يخرج إلي بلده أو أي موضع شاء و الأفضل له أن يقيم حتي يحج و يجعلها متعة». «1»

و قال الصهرشتي في إصباح الشيعة: «و إن دخل مكة بالعمرة المفردة في أشهر الحج جاز أن يقضيها و يخرج و الأفضل أن يقيم حتي يحج و يجعلها متعة». «2»

و قال ابن إدريس في السرائر: «و إن دخل مكة بالعمرة المفردة في أشهر الحج جاز له أن يقضيها و يخرج إلي بلده أو إلي أي موضع شاء و الأفضل له أن يقيم حتي

______________________________

(1)- النهاية/ 280.

(2)- إصباح الشيعة/ 185.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 293

يحج و يجعلها متعة». «1»

و قال القاضي في المهذب: (و من دخل مكة بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز له أن يقضيها و يخرج إلي أي موضع أراد ما لم يدركه يوم التروية و الأفضل له أن يقيم حتي يحج و يجعلها متعة). «2»

و ما عليه العلامة في جملة من كتبه جواز نقل العمرة المفردة إن وقعت في أشهر الحج إلي التمتع و قال في التذكرة: (و إن دخل مكة بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز له أن ينقلها إلي عمرة التمتع و يقيم حتي يحج بل هو أفضل و إن لم ينقلها إلي التمتع و أتمها مفردة جاز له أن يخرج إلي أهله من غير حج إذا لم يكن الحج واجباً عليه). «3»

و قال الشهيد في الدروس: (و الأفضل للمعتمر في أشهر الحج مفرداً الإقامة بمكة حتي يأتي بالحج و يجعلها متعة). «4»

و قال القاضي: (إذا أدرك يوم التروية فعليه الإحرام بالحج و يصير متمتعاً). «5»

و

أما المحقق فقال في الشرائع: (و من أحرم بالمفردة و دخل مكة جاز أن ينوي التمتع و يلزمه دم و لو كان في غير أشهر الحج لم يجز). «6» و قال في المختصر النافع: (و من أحرم بها في أشهر الحج و دخل مكة جاز أن ينوي بها التمتع و يلزمه الدم). «7»

______________________________

(1)- السرائر: 1/ 633.

(2)- المهذب: 1/ 272.

(3)- تذكرة الفقهاء: 8/ 433.

(4)- الدروس الشرعية: 1/ 336.

(5)- المهذب: 1/ 272.

(6)- شرايع الإسلام: 1/ 230.

(7)- المختصر النافع/ 99.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 294

و الظاهر أن مراده من (و يلزمه الدم) أن عليه الهدي بصيرورة حجه حج التمتع.

هذا ملاحظة المسألة من ناحية الأقوال و الظاهر أن دعوي الإجماع علي جواز نقل العمرة المفردة الواقعة في أشهر الحج إلي التمتع قريبة جداً.

و لكن قد وقع البحث بينهم من جهات مثل وجوب ذلك إذا أدرك المعتمر يوم التروية و استحباب ذلك مطلقاً أو في بعض الصور. مضافاً إلي أن ظاهرهم أن النقل منها إليها محتاج إلي النية و العدول من الاولي إلي المتمتع بها، قبال دلالة بعض الروايات إلي وقوع ذلك قهرا و غير ذلك مما يظهر في أثناء الكلام في فقه الروايات فاللازم الرجوع إلي الروايات فنقول:

منها ما يدل علي وقوع العمرة في أشهر الحج متعة و إن نوي المفردة كصحيح يعقوب بن شعيب قال «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المعتمر في أشهر الحج؟ قال: هي متعة» «1» و ظاهره أن عمرته عمرة التمتع فهو محتبس بالحج لا يجوز له الخروج حتي يحج.

و منها خبر علي بن أبي حمزة البطائني قال: «سأله أبو بصير و أنا حاضر عمن أهل بالعمرة في أشهر الحج له أن يرجع؟

قال: ليس في أشهر الحج عمرة يرجع منها إلي أهله و لكنه يحتبس بمكة حتي يقضي حجة لأنه إنما أحرم لذلك». «2»

و سنده- مضافاً إلي إضماره- ضعيف بعلي بن أبي حمزة البطائني و في دلالته أيضاً نظر لاحتمال كون السؤال عن العمرة المتمتع بها إلي الحج لقوله: «إنما أحرم لذلك»

و منها خبر موسي بن القاسم قال: «أخبرني بعض أصحابنا أنه سئل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أقسام الحج ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 295

أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال؟ فقال: إني اريد أن افرد عمرة هذا الشهر فقال له:

أنت مرتهن؟ فقال له الرجل: إن المدينة منزلي و مكة منزلي ولي بينهما أهل و بينهما أموال فقال له: أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل: إن لي ضياعا حول مكة و أحتاج إلي الخروج إليها؟ فقال: تخرج حلالًا و ترجع حلالًا إلي الحج». «1»

و هذا الخبر أيضاً ضعيف بالإرسال و دلالته أيضاً علي عدم جواز الإتيان بالعمرة المفردة في أشهر الحج لا تخلو من الإشكال لاحتمال كون السؤال عمن كانت عمرته متعة و كما أفاد في الاستبصار، ليس فيه أن العمرة كانت مفردة.

و الظاهر أن الأول و الثاني و الثالث بقطع النظر عن ضعف سند الأخيرين إن كان مدلول الجميع عدم جواز المبتولة في أشهر الحج خلاف الإجماع و ليكن ذلك قرينة علي إرادة خلاف ما هو الظاهر من السؤال مثل كون السؤال في صحيح يعقوب عمن اعتمر و بقي حتي أراد الحج.

مضافاً إلي أن مقتضي الجمع بينه و بين صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس

بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثمّ يرجع إلي أهله إن شاء» «2» حمل صحيح يعقوب علي استحباب البقاء إلي أن يحج.

و من أخبار الباب ما يدل علي جواز الخروج مطلقا حتي يوم التروية: فمنها ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم «3» عن أبيه «4» و عن محمد بن إسماعيل «5» عن

______________________________

(1)- الاستبصار: 2/ 327 ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب العمرة ح 1.

(3)- من صغار الثامنة ثقة في الحديث.

(4)- ابراهيم بن هاشم من السابعة.

(5)- النيسابوري المعروف بل بندقي من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 296

الفضل بن شاذان «1» عن حماد بن عيسي «2» عن إبراهيم بن عمر اليماني «3» «عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمراً ثمّ خرج (رجع) إلي بلاده؟

قال: لا بأس و إن حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم و أن الحسين بن علي عليه السلام خرج يوم التروية إلي العراق و كان معتمراً». «4»

و عنه عن أبيه عن إسماعيل بن مرار «5» عن يونس «6» عن معاوية بن عمار «7» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: من أين افترق المتمتع و المعتمر؟ فقال: إن المتمتع مرتبط بالحج و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء و قد اعتمر الحسين عليه السلام في ذي الحجة ثمّ راح يوم التروية إلي العراق و الناس يروحون إلي مني و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج» «8» و صحيح عبد اللّه بن سنان المذكور.

و في قبال هذه الأخبار الروايات التي بعضها يدل علي أنه إن قام إلي هلال ذي الحجة ليس له أن يخرج حتي يحج

مع الناس مثل خبر عمر بن يزيد «9» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من دخل مكة بعمرة فأقام إلي هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتي يحج مع الناس». «10»

______________________________

(1)- من السادسة النيسابوري كان ثقة جليلًا فقيها متكلّما له عظم شأن في هذه الطائفة.

(2)- من الخامسة.

(3)- من الخامسة شيخ من أصحابنا ثقة و قيل حسن …

(4)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 2.

(5)- من السابعة روي عن يونس.

(6)- من السادسة ابن عبد الرحمن.

(7)- من الخامسة.

(8)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 3.

(9)- من الخامسة ثقة له كتاب.

(10)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 297

و بعضها يدل علي أن له أن يرجع إلا أن يدركه خروج الناس يوم التروية مثل ما رواه الصدوق عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلي أهله متي شاء إلا أن يدركه خروج الناس إلي التروية» «1».

و يمكن حمل الجميع علي الاستحباب و مراتبه شدة و ضعفاً و جعل الأخبار بعضها قرينة لما يراد من البعض الآخر فمثل خبر عمر بن يزيد الذي رواه الصدوق يكون قرينة لخبره الأول و أن المراد من «ليس له» لا ينبغي له و يكون مثل حديث حماد بن عيسي و معاوية ابن عمار أيضاً قرينة علي أن المراد من خبر عمر ابن يزيد الثاني الذي رواه الصدوق الاستحباب و أنه ليس له ذلك أي لا ينبغي.

و بالجملة فلا صراحة في مثل هذه الروايات علي وجوب الحج إن أقام إلي هلال ذي الحجة أو أدرك يوم التروية غاية الأمر يستفاد منه

تأكد الرجحان فلا تقع المعارضة بينها و بين غيرها مما دل علي جواز الخروج متي شاء هذا و سيّما إذا قلنا باستحباب الحج مفرداً أو متعة علي من أتي بالعمرة المفردة في أشهر الحج و لم يكن واجباً عليه إذ علي هذا لا بد من حمل هذه الروايات علي مراتب الفضل و الاستحباب.

فروع
اشارة

ثمّ إن هنا فروع:

أحدها [أن مقتضي روايتي إبراهيم بن عمر اليماني و معاوية بن عمار جواز العمرة المفردة في العشر الاولي من ذي الحجة]

أن مقتضي روايتي إبراهيم بن عمر اليماني و معاوية بن عمار من اعتمار مولانا سيد الشهداء روحي لتراب مقدم زواره الفداء جواز العمرة المفردة في العشر الاولي من ذي الحجة فما يدل بظاهره علي عدم جواز ذلك، محمول علي أرجحية المتعة في تلك العشرة أو غيرها مثل صحيحة عبد الرحمن بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 298

أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «العمرة في العشر متعة» «1» فإنها تحمل علي ذلك أو علي بيان الفضل أو جواز جعلها متعة.

و كذا صحيحة عبد اللّه بن سنان: «أنّه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المملوك يكون في الظهر يرعي و هو يرضي أن يعتمر ثمّ يخرج؟ فقال: إن كان اعتمر في ذي القعدة فحسن و إن كان في ذي الحجة فلا يصلح إلّا الحج» «2» محمولة علي الاستحباب.

لا يقال: إذا كان التمتع أفضل فكيف أخذ مولانا عليه السلام بالمفضول و أتي بالعمرة المبتولة؟

فإنّه يقال: لأنه يعلم أنه لا يتمكن منه فاكتفي بالمفردة مضافاً إلي أن كون فعل أفضل من الآخر في حدّ نفسه لا يستلزم كونه أفضل منه مطلقاً فربما يصير المفضول أفضل لانطباق بعض العناوين عليه و لطرو بعض الحالات و لذا نقول: إنهم كانوا آخذين في أفعالهم بما هو بالفعل أفضل حتي لو تركوا المستحب و اشتغلوا بما هو مباح في نفسه، نقول: إن تركه أولي من فعله بحسب مقاصد هم الجليلة سلام اللّٰه عليهم أجمعين.

الفرع الثاني: لا يخفي أن مقتضي رواية إبراهيم بن عمر اليماني بل و رواية معاوية بن عمار جواز الإتيان بحج الإفراد بعد تلك العمرة المبتولة الواقعة في أشهر الحج

كما يجوز بل يستحب أن يأتي بالحج بنية كونه تمتعاً فلا يدور أمره بين الإتيان بالحج متمتعاً أو أن يذهب حيث شاء بل يجوز له الإفراد.

الفرع الثالث: الظاهر أنه لا يحتاج صحة التمتع إلي قصد كون العمرة المأتي بها عمرة التمتع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 10.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب العمرة ح 11.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 299

بل يكفي في ذلك إتيانه بالحج متمتعاً فتنقلب عمرته به إلي التمتع.

بل يمكن أن يقال: إن حج التمتع هو ما وقع بهذا القصد بعد العمرة الواقعة في أشهر الحج كما أفاده السيد في العروة و علي هذا فالظاهر أنه لو نوي كون عمرته المبتولة عمرة التمتع مثلًا قبل يوم التروية يجوز له العدول عن نيته و ليس محتبساً بالحج فيذهب حيث شاء.

الفرع الرابع: هل الحكم المذكور مختص بالحج الندبي أو يعمه و الحج الواجب أيضاً؟

القدر المتيقن منه هو اختصاصه بالندب و أما من وجب عليه حج التمتع بالاستطاعة أو بالنذر و أحد أخويه فليس له أن يكتفي بالعمرة المفردة و بعبارة اخري لا إطلاق يعتد به يشمل الواجب فهو باق علي حاله يجب الإتيان به بقصد خصوصه.

فلا يقال: إن وجود القدر المتيقن لا يمنع من الإطلاق، لأنا نمنع الإطلاق كما يظهر لك من ملاحظة الروايات.

[الثاني من شروط التمتع أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج]

اشارة

الثاني من شروط التمتع

الشرط الثاني: أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج كما تقتضيه النصوص الكثيرة مثل صحيح عمر بن يزيد «1» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من دخل مكة معتمراً مفرداً للعمرة يقضي عمرته فخرج كان ذلك له، و إن أقام إلي أن يدركه الحج كانت عمرته متعة و قال: ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج». «2» فعلي هذا لا تكون متعة إذا وقعت كلها أو بعضها في غير أشهر الحج و لا تجزيه عن عمرة التمتع.

______________________________

(1)- من كبار الخامسة ثقة له كتاب.

(2)- وسائل الشيعة: ب 15، من أبواب اقسام الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 300

و أما أشهر الحج كما في الجواهر، فعن الشيخين في الأركان و النهاية و ابني الجنيد و إدريس و القاضي في شرح الجمل أنها شوال و ذو القعدة و ذو الحجة «1» لظاهر الآية الشريفة (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ) «2» و صحيح معاوية بن عمار «3» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن اللّٰه تعالي يقول: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ» «و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة» «4» و صحيحين آخرين «5» كلها عن الصادق عليه

السلام.

و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام قال: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ شوال و ذو القعدة و ذو الحجة ليس لأحد أن يحج فيما سواهن» «6» و لإجزاء الهدي و بدله طول ذي الحجة بل الطواف و السعي.

و هذا قول مالك من العامة و عن الحسن و التبيان و الجواهر و روض الجنان و من العامة حكي عن أبي حنيفة هي شوال ذو القعدة و عشرة أيام من ذي الحجة بل عن ظاهر الثاني و الرابع اتفاقنا عليه لأن أفعال الحج بأصل الشرع تنتهي بانتهاء العاشر و إن رخص في تأخير بعضها و خروج ما بعده من الرمي و المبيت عنها و لذا لا يفسد الإخلال بها و للخبر عن أبي جعفر عليه السلام قال في الجواهر: «كما في التبيان و الروض». «7»

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 18/ 12.

(2)- البقرة/ 197.

(3)- من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أقسام الحج، ح 1.

(5)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أقسام الحج، ح 2 و 3.

(6)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أقسام الحج، ح 5.

(7)- جواهر الكلام: 18/ 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 301

و لكن الظاهر أن ذلك استظهار منهما فإن الخبر سنداً و متناً في الكافي هكذا:

علي بن إبراهيم بإسناده قال: «أشهر الحج شوال و ذو القعدة و عشر من ذي الحجة و أشهر السياحة عشرون من ذي الحجة و المحرم و صفر و شهر ربيع الأول و عشرون من شهر ربيع الآخر». «1»

فإن كان المراد من قوله: «بإسناده» إسناده المذكور في الحديث السابق علي هذا الحديث فهو عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن معاوية بن

عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام فهو و إلّا إن كان قوله: «باسناده» إشارة إلي طريق غير مذكور يكون الحديث مرسلًا ثمّ من أين يقال بانتهاء سنده إلي أبي جعفر عليه السلام؟ نعم الحديث السابق عليه في الوسائل ينتهي إلي الباقر عليه السلام.

و قيل: ان الأشهر الشهران الأولان و تسعة أيام من ذي الحجة لأن اختياري الوقوف بعرفات في التاسع و هذا محكي عن الاقتصاد و الجمل و العقود و المهذب و هذا محكي عن الشافعي.

و عن الغنية الشهران و تسع ليال من ذي الحجة فيخرج التاسع إلا أن يكون كما في الجواهر توسع و عن الكافي و ثمان منه أي ثمان ليال.

و عن المبسوط و الخلاف و الوسيلة و الجامع الشهران و إلي طلوع الفجر من يوم النحر لأنه لا يجوز الإحرام بالحج بعده لفوات اضطراري عرفة و لكن يدرك اختياري المشعر إلي طلوع شمسه و إلي غير ذلك من الأقوال.

و قال في الجواهر: (و كيف كان فالظاهر لفظية الاختلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد للاتفاق علي أن الإحرام بالحج لا يتأتي بعد عاشر ذي الحجة و كذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب اقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 302

عمرة التمتع و علي إجزاء الهدي و بدله طول ذي الحجة و أفعال أيام مني و لياليها). «1»

نعم في الدروس: كما عن الجواهر: إن الخلاف فيها لعله بني علي الخلاف الآتي في وقت فوات المتعة و فيه أنه لا يتم في بعضها «2».

و يمكن أن يقال: إن اريد من كون الاختلاف لفظياً عدم ترتب أثر عملي علي ذلك فهو كذلك لا إشكال فيه إن اريد من ذلك تفسير الآية

و ما اريد من قوله تعالي الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فلا بد في ذلك.

أما التمسك بالاستظهار من الآية بأن يقال: إن الأشهر جمع و الجمع لا يصدق علي أقل من ثلاثة و إطلاق الاسم علي الكل حقيقة و علي البعض مجاز أو التمسك بالتفسير المأثور و قد عرفت أن الآية فسرت في أحاديثهم عليهم السّلام شوال وذي القعدة و ذي الحجة فتفسيرها بأقل من ذلك كأنه من التفسير المنهي عنه و اللّٰه هو العاصم و الهادي إلي الصواب.

[مسألة 1] لو أتي بالعمرة المفردة قبل أشهر الحج

مسألة 1- لو أتي بالعمرة قبل أشهر الحج بقصد التمتع لا تقع متعة لما عرفت من اشتراط وقوعها في أشهر الحج و لذا قال في المدارك: (هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب بل النصوص وافية في الدلالة عليه كصحيح عمر بن يزيد السابق و غيره و كذا لو فعل بعضها في أشهر الحج و علي هذا لا يلزمه الهدي الذي هو من توابع التمتع) لكن هل تقع العمرة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 13.

(2)- جواهر الكلام: 8/ 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 303

صحيحة و إن لم يجز التمتع بها فيجب عليه طواف النساء كما ربما يشعر بذلك كلام من قال: «لم يجز التمتع بها».

و قد عقد العلامة قدس سره في التذكرة مسألتين إحداهما في من أحرم بالحج قبل أشهره فقال: (لو أحرم بالحج قبل أشهره لم ينعقد إحرامه للحج و ينعقد للعمرة و به قال عطاء و طاوس و مجاهد و الشافعي لقوله تعالي: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ» تقديره وقت الحج أشهر أو وقت الحج في أشهر فحذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه و إذا ثبت أنه وقته لم يجز تقديم إحرامه عليه كاوقات الصلاة و لقول الصادق عليه السلام:

«من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حج له» و أما انعقاده للعمرة فلقول الصادق عليه السلام: «في رجل فرض الحج من غير أشهر الحج؟ قال: يجعلها عمرة».

و قال مالك و الثوري و النخعي و أبو حنيفة و أحمد و إسحاق ينعقد إحرامه و إذ أبقي علي إحرامه إلي وقت الحج جاز لقوله تعالي: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ» فدل علي أن جميع الأشهر ميقات و لا حجة فيه لأن الأزمة اوقات للحوادث التي من جملتها الحج) «1».

و أما المسألة الاخري التي هي مسألتنا هذه، فقال: (لا ينعقد بالعمرة المتمتع بها قبل أشهر الحج فإن أحرم بها في غيرها انعقد للعمرة المبتولة و هو أحد قولي الشافعي و أحمد لأن الإحرام بالعمرة نسك و ركن من أركانها فيعتبر في أشهر الحج كما يعتبر وقوع باقيها و لأن التمتع بها داخلة في الحج لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «دخلت العمرة في الحج هكذا» و شبك بين أصابعه، و الحج لا يصح إحرامه قبل أشهره فكذا ما دخل فيه. و لقول الصادق عليه السلام: لا تكون عمرة إلّا في أشهر الحج، و لأنه أتي بنسك لا تتم

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء 7/ 185.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 304

العمرة إلّا به في غير أشهر الحج فلا يكون متمتعاً كما لو طاف. و قال الشافعي في ثاني قوليه: إذا أحرم بالعمرة في رمضان و أتي بالطواف و السعي و الحلق في شوال و حج من سنة فإنه يكون متمتعاً و قال مالك: إذا أحرم بها في غير أشهر الحج و لم يتحلل من إحرام العمرة حتي دخلت أشهر الحج صار متمتعاً و قال

أبو حنيفة: إذا أتي بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحج صار متمتعاً إذا دخلت عليه أشهر الحج، و كل هذه الأقوال لا حجة عليها فلا يلتفت اليها) «1».

أقول: لم يستدل العلامة لما اختاره من انعقاد الإحرام للعمرة المتمتع بها قبل أشهر الحج للعمرة المبتولة و اكتفي بالاستدلال لعدم انعقاده لعمرة التمتع فلعله اكتفي لذلك بما رواه في المسألة السابقة عن الصادق عليه السلام «في رجل فرض الحج من غير أشهر الحج قال: يجعلها عمرة» بحمل الحج فيه علي ما يشمل عمرة التمتع لدخولها في الحج و هذا الحديث أخرجه الصدوق عن أبي جعفر الأحول «2» عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج؟ قال: يجعلها عمرة» «3»

و رمي الخبر بعض الأعاظم بضعف طريق الصدوق إلي أبي جعفر فإنه يرويه عن شيخه ماجيلويه الذي لم يرد فيه توثيق و مجرد الشيخوخة لا توجب الوثاقة فإن من مشايخه من هو ناصبي خبيث كالضبي. «4»

أقول: أما الضبي فهو كما ذكره ناصبي خبيث فقد روي عنه الصدوق في العيون قال: «حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين الضبيّ و ما لقيت أنصب منه و بلغ من

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 1/ 319.

(2)- محمد بن علي بن النعمان مؤمن الطاق كان كثير العلم حسن الخاطر من الرابعة أو الخامسة.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 278 ح 1361.

(4)- معتمد العروة: 2/ 245.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 305

نصبه أنه كان يقول: اللهم صلّ علي محمّد فرداً و يمتنع من الصلاة علي آله قال: سمعت أبا بكر الحمامي الفراء في سكة حرب نيسابور و كان من أصحاب الحديث يقول:

أودعني بعض الناس وديعة فدفنتها و نسيت موضعها فتحيرت فلمّا أتي علي

ذلك مدة جاءني صاحب الوديعة فخرجت من بيتي مغموماً متحيراً و رأيت جماعة من الناس يتوجهون إلي مشهد الرضا (عليه السلام) فخرجت معهم إلي المشهد و زرت و دعوت اللّٰه عزّ و جلّ أن يبين لي موضع الوديعة فرأيت هناك فيما يري النائم كأنّ آت أتاني فقال لي! دفنت الوديعة في موضع كذا و كذا فرجعت إلي صاحب الوديعة فأرشدته إلي ذلك الموضع الذي رأيته في المنام و أنا غير مصدق بما رأيت فقصد صاحب الوديعة ذلك المكان فحفره و استخرج منه الوديعة بختم صاحبها فكان الرجل بعد ذلك يحدث الناس بهذا الحديث و يحثهم علي زيارة هذا المشهد علي ساكنه التحية و السّلام». «1»

و بعد ملاحظة هذه الحكاية التي اعتمد الصدوق قدس سره علي نقل ناصبي خبيث حجة علي النواصب و أخذاً باعتراف الخصم علي فضائل ساداتنا الأئمة عليهم السّلام و معجزاتهم، هل يجوز أن يعدّ مثله من مشايخه و يقال في مقام تضعيف شيوخه الذين أخذ عنهم المئات من الأحاديث المروية عنهم عليهم السّلام مترضياً عليهم: «أن مجرد الشيخوخة لا يوجب الوثاقة فإن من مشايخه ناصبي خبيث».

و شيخنا ماجيلويه القمي هذا هو الذي قال في حقه هذا العلم العظيم: «أكثر الصدوق الرواية عنه في الفقيه و غيره مترضياً عليه» و قد أحصينا رواياته عن هذا الشيخ تزيد علي أكثر من مأتين و سبعين في الخصال و العلل و معاني الأخبار و

______________________________

(1)- عيون اخبار الرضا (ع): 1/ 312، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 306

ثواب الأعمال و عقاب الأعمال.

مضافاً إلي أن العلامة صحح طريق الصدوق إلي إسماعيل بن رباح و هو فيه و كذلك طريق الحسين بن زيد ذي الدمعة و غير ذلك فعلي

ذلك كله، الحديث معتبر يعتمد عليه و يحتج به.

و هنا رواية اخري أخرجه الكليني عن محمد بن يحيي «1» عن أحمد بن محمد «2» عن محمد بن سنان «3» عن ابن مسكان «4» عن سعيد الأعرج «5» قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من تمتع في أشهر الحج ثمّ أقام بمكة حتي يحضر الحج من قابل فعليه شاة و من تمتع في غير أشهر الحج ثمّ جاور حتي يحضر الحج فليس عليه دم إنما هي حجة مفردة و إنما الاضحي علي أهل الأمصار» «6»

و اورد علي الاستدلال بها أولا بضعف سندها بمحمد بن سنان و ثانيا بعدم دلالتها علي حكم العمرة التي أتي بها، بل إنما يدل علي أن الذي جاور مكة حتي يحضر الحج تنقلب وظيفته من التمتع إلي الإفراد و إن قصد بعمرته في غير أشهر الحج التمتع و ليس هو كمن تمتع في أشهر الحج و أقام بمكة حتي يحضر الحج فإن عليه شاة لا تنقلب وظيفته إلي وظيفة المكي. و علي هذا تكون الرواية معارضة لما دل علي أن

______________________________

(1)- العطار القمي من الثامنة من الثقات.

(2)- من السابعة و هو إما أحمد بن خالد أو أحمد بن محمد بن عيسي أو أحمد بن محمد بن أبي نصر و كلهم من الأجلاء.

(3)- من السادسة مختلف فيه.

(4)- من الخامسة عبد اللّه من أصحاب الإجماع له كتاب.

(5)- من الخامسة له أصل عند علي بن النعمان و صوان بن يحيي و ابن مسكان و غيرهم.

(6)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أقسام الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 307

فرض النائي ينقلب إلي فرض المكي إذا جاور مكة سنتين أو سنة واحدة. «1»

أقول: الاستدلال بها

يتم إن اريد من قوله عليه السلام: «إنما هي حجة مفردة عمرته» التي أتي بها بأن كان الإمام عليه السلام في مقام بيان حكم العمرة التي أتي بها.

و ظاهر كلمة «هي» أنها إشارة إلي الحجة التي وقعت و أتي بها.

غير أنه اورد عليه بأن المستفاد من الرواية أن انقلاب عمرة التمتع إلي المفردة ليس من جهة وقوعها في غير أشهر الحج بل من جهة عدم وجوب حج التمتع علي المجاور. فعلي هذا أيضا تكون الرواية منافية للنصوص السابقة لدلالتها علي انقلاب الفرض قبل سنة و سنتين.

هذا و في قبال القول المشهور بانقلاب عمرة التمتع إن أتي بها في غير أشهر الحج قول صاحب المدارك و من تبعه كصاحب كشف اللثام فإنه قال في المدارك- في شرح قول المحقق عليه الرحمة و لو أحرم بالعمرة التمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها و كذا لو فعل بعضها في أشهر الحج، و لم يلزمه الهدي: (و ربما لاح من العبارة أن من أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج تقع عمرته صحيحة لكن لا يتمتع بها) «2» ثمّ ذكر: جزم العلامة به في التذكرة و المنتهي من غير نقل خلاف و تصريحه في المنتهي بما هو أبلغ من ذلك فقال: (إن من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لم ينعقد إحرامه للحج و انعقد للعمرة) و ذكر استدلاله برواية الأحول و قال: (هي لا تدل علي المطلوب صريحا لاحتمال أن يكون المراد منها أن من أراد فرض الحج في غير أشهره لا يقع حجه صحيحاً بل ينبغي أن يجعل النسك الذي يريد فعله عمرة و الأصح عدم الصحة مطلقاً أمّا عن المنوي

فلعدم حصول شرطه و أمّا عن غيره

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 246.

(2)- مدارك الأحكام: 7/ 170.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 308

فلعدم نيته ونية المقيد لا تستلزم نية المطلق). «1»

أقول: الأرجح بالنظر هو قول المشهور و لكن مقتضي الاحتياط في المسألة أن يأتي الذي حج أو تمتع بالعمرة في غير أشهر الحج سواء وقع كله كذلك أو بعضه أو أكثره في أشهر الحج بطواف النساء و صلاته رجاء و إن شرع فيه يعدل بنيته إلي العمرة المفردة رجاء و يتمها كذلك ثمّ يأتي بطواف النساء و صلاته رجاءً.

[الثالث من شروط التمتع أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة]

الثالث من شروط التمتع

الشرط الثالث: أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة فلا يكفي إن أتي بالعمرة متمتعاً بها إلي الحج في أشهر الحج في سنة و أتي بالحج في غيرها و إن بقي علي إحرامه إلي السنة الآتية أو لم يخرج من مكة إلي الحج القابل بل و إن اتي بعمرة التمتع في العشر الثاني و الثالث من ذي الحجة و بقي هكذا إلي الحج القابل و الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في هذا الحكم و هذا هو المتبادر من الأخبار البيانية المتكفلة لكيفية الحج:

مثل حديث عبد الصمد بن بشير «2» عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أنه قال: لرجل أعجمي رآه في المسجد: «طف بالبيت سبعاً و صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام واسع بين الصفاء و المروة و قصر من شعرك فإذا كان يوم التروية و أهل بالحج و اصنع كما يصنع الناس». «3»

إذاً ليس فيها ما يشعر بمشروعية التفريق بين الحج و العمرة في حج التمتع

______________________________

(1)- مدارك الأحكام: 7/ 171.

(2)- من الخامسة كوفي ثقة ثقة له كتاب.

(3)- وسائل الشيعة: ب

3 من أبواب أقسام الحج ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 309

بالإتيان بها في سنتين و لو كان ذلك جائزاً يشار إليه و لو في رواية واحدة مع كثرة الابتلاء بالمسألة و يدل عليه الأخبار الدالة علي ارتباط عمرة التمتع بالحج مثل قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «دخلت العمرة في الحج إلي يوم القيامة» «1» و شبك أصابعه بعضها إلي بعض و معني الارتباط وجوب الإتيان بالحج بعد الإتيان بالعمرة فلا يجوز له تأخيره عن سنة العمرة التي يؤتي بها في أشهر الحج.

و مما يدل علي هذا الحكم الروايات الدالة علي أن الذي اعتمر بعمرة التمتع محتبس في مكة حتي يحج مثل ما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «و ليس لك أن تخرج من مكة حتي تحج». «2»

و صحيحة الاخري قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام و كيف أتمتع؟ فقال: تأتي الوقت و تلبي بالحج فإذا أتي مكة طاف و سعي و أحلّ من كل شي ء و هو محتبس ليس له أن يخرج من مكة حتي يحج». «3»

و هذه الطائفة من الروايات أيضاً تدل علي وجوب الإتيان بالعمرة و الحج في سنة واحدة حتي أن في بعضها أنه لو أراد الخروج من مكة لاقتضاء الضرورة يحرم بالحج و يخرج محرماً به في حاجته ثمّ يمضي إلي عرفات و هذا يدل علي لزوم إتيانهما في سنة واحدة.

و احتمال أن من الممكن أن يقيم في مكة إلي العام المقبل و لا يخرج منه و يأتي بالحج، بعيد جداً من أخبار باب التمتع فإن الظاهر المستفاد من الاعتمار للحج متمتعاً بها الاعتمار لحج سنة العمرة و بعبارة اخري الحج المقبل لا

لما بعدها من السنين.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 و 22 من أبواب أقسام الحج ح راجع المصدر.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 310

و هنا روايات اخري قد تمسك بها البعض يمكن الخدشة في دلالتها فلا نطيل الكلام بذكرها.

نعم، ذكر السيد قدس سره في العروة قاعدة توقيفية العبادات و استشكل فيها بأن القاعدة لا تقتضي وجوب الاحتياط بإتيانهما في سنة واحدة لأن المورد من موارد الرجوع إلي أصالة البراءة للشك في الجزئية أو الشرطية و الأقل و الأكثر فتجري البراءة عن التكليف بالأكثر. «1»

و قد أفاد بعض الأعاظم بأن البراءة إنما تجري لو قلنا بأن الحج واجب معلق بمعني أن الوجوب فعلي و الواجب استقبالي و إن أول زمان الوجوب أول زمان الاستطاعة و لذا لو استطاع في ذي الحجة بعد فوات زمان الحج في سنته فقد وجب عليه الحج بعدها فعلًا و إن كان متعلقه متأخراً و حينئذ لو شك في أن الوجوب الفعلي للحج هل تعلق بالعمرة المقيدة بالسنة الآتية المقترنة للحج أو بالأعم من ذلك و من العمرة المفصولة التي أتي بها في السنة الاولي فيكون الشك شكاً في الأقل و الأكثر باعتبار تقييد العمرة بإتيانها في السنة الآتية مقترنة للحج و عدمه فالمرجع هو أصل البراءة عن التقييد لأن متعلق الوجوب باعتبار التقييد يكون كالأكثر و الأصل عدمه و لكننا نقول: إن الأصل إنما يجري إذا لم يكن دليل علي التكليف و قد عرفت ما يدل علي اشتراط وقوعهما في سنة واحدة مضافاً إلي أنه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب.

هذا علي القول

بكون الحج واجباً معلقاً و أما لو بني علي أنه واجب مشروط بخروج الرفقة و جواز تفويت استطاعته قبل خروج الرفقة فمقتضي القاعدة،

______________________________

(1)- مستند العروة: 2/ 250.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 311

الاشتغال.

توضيح ذلك أنه لو أتي بعمرة التمتع قبل أيام الحج فلا ريب في لزوم الإتيان بالحج بعدها لأن الحج واجب فوري لا يجوز تأخيره و هذا مما لا كلام فيه إنما الكلام فيما لو أتي بعمرة التمتع بعد أيام الحج كأواخر ذي الحجة من هذه السنة و المفروض أن الحج يجب بخروج الرفقة في السنة الآتية ففي هذه السنة لا وجوب للحج فحينئذ يشك في سقوط الأمر بعمرة التمتع من السنة الآتية باعتبار إتيان العمرة في هذه السنة بمعني أن وجوب الحج و إن لم يكن ثابتاً بالفعل و لكن يحتمل سقوط الأمر بعمرة التمتع للسنة الآتية بهذه العمرة المفصولة التي أتي بها في هذه السنة و الأصل عدم السقوط و عدم الإتيان بالمسقط. «1»

و فيه: كل ذلك يتم لو كان الشك راجعاً إلي الشك في الإتيان بالمسقط أما إذا رجع الشك إلي الشك في التكليف فمقتضي الأصل البراءة و هنا و إن قلنا بأن الحج واجب مشروط لو أتي بعمرة التمتع قبل أيام الحج و فات منه الحج عصياناً فهل يجب عليه العمرة و الحج في القابل أو يكفي الإتيان بالحج للشك في اشتراطهما بوقوعهما في سنة واحدة اذاً فلا ريب في إجراء البراءة عن الاشتراط و كون الشك من الشك في التكليف و كذا لو أتي بعمرة التمتع في أواخر ذي الحجة ثمّ تعلق وجوب الحج به بخروج الرفقة قولكم: (إنه شاك في سقوط تكليفه بعمرة التمتع بالعمرة التي أتي بها قبل

ذلك و الأصل الاشتغال و عدم السقوط) فيه أنا نقول: إنه شاك بعد ما أتي بالعمرة في تعلق التكليف به و الأصل عدمه.

و كيف كان قد عرفت أنه لا محل لإجراء الأصل بعد وجود الدليل علي

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 250.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 312

التكليف و لا حول و لا قوة الا باللّٰه العلي العظيم.

[الشرط الرابع: أن يكون إحرامه لحج التمتع مع الاختيار من بطن مكة]

اشارة

الرابع من شروط التمتع

الشرط الرابع: أن يكون إحرامه لحج التمتع مع الاختيار من بطن مكة لإجماع العلماء و الأخبار مثل رواية عمر بن حريث الصيرفي الذي رواه الكليني قدس سره قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: من أين أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك و إن شئت من الكعبة و إن شئت من الطريق» «1».

و لا يرد الإشكال بالاستدلال بها بأنه لم يصرح فيها بموضع الرحل و مكانه كما لم يعلم المراد من الطريق فإن الشيخ رواها في التهذيب «2» بإسناده عن عمر و ابن حريث و في أوّله قال: «و هو بمكة» و قال: «من المسجد» بدل «من الكعبة» و غيرها من الروايات و ما في بعضها من تعيين المسجد محمول علي بيان أفضل الأفراد.

و هنا رواية ظاهرها جواز الإحرام بالحج من غير مكة و هي ما رواه في الكافي عن أبي علي الأشعري «3» عن محمد بن عبد الجبار «4» عن صفوان «5» عن إسحاق بن عمار «6» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثمّ

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 455 ح 4 وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب المواقيت، ح 2.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 477. و عمرو بن حريث ثقة من الخامسة.

(3)- أحمد بن إدريس من صغار الثامنة الفقيه الثقة صحيح الرواية كثير

الحديث

(4)- من كبار السابعة قمي ثقة.

(5)- ابن يحيي من أعاظم السادسة ثقة ثقة عين له ثلثون كتاباً روي عن أربعين رجلًا من اصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام.

(6)- من الخامسة ثقة فطحي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 313

تبدو له الحاجة فيخرج إلي المدينة و إلي ذات عرق أو إلي بعض المعادن؟ قال: يرجع إلي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج قلت: فإن دخل في الشهر الذي خرج فيه؟ قال: كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقي (متلقياً) بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج». «1»

و قال في العروة فيها: (إن الخبر محمول علي محامل أحسنها أن المراد بالحج عمرته حيث إنها أول أعماله).

و استبعد ذلك أولًا بالتقابل الواقع في الرواية بين الحج و العمرة ففي صدرها ذكر العمرة و في ذيلها ذكر الإحرام بالحج و الحج و إن كان يطلق علي عمرة التمتع و لكن التقابل في الذكر يقتضي الافتراق.

و ثانياً، أنه عليه السلام بعد ما حكم بوجوب الإحرام إذا دخل في غير الشهر الذي تمتع فيه سأله السائل أنه دخل في نفس الشهر الذي خرج فيه و أنه هل يجب عليه الإحرام لدخول مكة فاجابه عليه السلام بأن أباه عليه السلام أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج و ذلك غير مرتبط بالسئوال أصلًا و لا يلائم مع السؤال أبداً. «2»

أقول: حمل الكلام علي غير ظاهره لا بد و أن يكون برفع اليد عنه و المقصود أن حمل الحج علي عمرة التمتع ليس حملًا أجنبياً عن الكلام لان الحج

ليس صريحاً في المناسك الخاصة بل و لا مختصاً بها في الاستعمالات و إن كان استعماله في العمرة أقل.

و أما الاشكال الثاني، إنما يرد إذا قلنا باستعمال الحج في معناه الحقيقي أو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22، من أبواب أقسام الحج ح 8.

(2)- معتمد العروة: 2/ 256.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 314

الظاهر منه و أما إذا كان مستعملًا في العمرة فلا محل لهذا الإيراد.

و قيل في الجواب عن هذا الخبر بمعارضته بغيره من الأخبار الدالة علي وجوب الإحرام لحج التمتع من مكة، و باضطراب متن الحديث فإن السائل بعد ما أجاب الإمام عليه السلام عن تكليف المتمتع إذا أخرج من مكة و رجع إليها في غير الشهر الذي تمتع فيه سأله عن حكم العمرة إذا خرج و دخل في الشهر الذي خرج فيه و لم يجبه الإمام عليه السلام عن حكم العمرة و أجابه بأن أباه عليه السلام أحرم بالحج و ليكن هذا شاهد علي سقط في البين أو إعراضه عن الجواب تقية و نحوها فأجاب بأمر آخر أجنبي عن السؤال. «1» و من المحامل التي ذكروها للخبر أنه عليه السلام أحرم مفرداً لا متمتعاً.

و كيف كان فالاستدلال بالخبر ساقط مضافاً إلي أن الظاهر أنه لم يعمل به أحد فلا يمكن تخصيص الأدلة الاول به أو إخراج مورده منها.

فروع
اشارة

و هنا فروع:

الفرع الأول: لو تعذر الإحرام من مكة يحرم من أي مكان هو فيه

فلو خرج من مكة بدون الإحرام جاهلًا أو ناسياً و لم يكن متمكناً من الرجوع إليها يحرم من مكانه و يذهب إلي عرفات و هذا الحكم علي الظاهر مورد الإجماع و التسالم.

و يمكن الاستشهاد له بما ورد فيمن تجاوز الميقات بغير الإحرام سواء كان قاصداً حج التمتع أو القران و الإفراد مثل ما رواه الكليني قدس سره في الصحيح عن الحلبي

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 255.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 315

قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي أن يحرم حتي دخل الحرم؟ قال: قال أبي:

يخرج إلي ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمّ ليحرم». «1»

و مورد هذا الصحيح و إن كان إحرام العمرة أو الأعم منه و من إحرام حج الإفراد أو القران إلا أنه يمكن التعدي منه إلي إحرام حج التمتع لتعليل الحكم فيه بخشية فوات الحج فيعلم منه أن وجوب الإحرام من الميقات مشروط بالتمكن منه و إذا لم يتمكن منه يحرم من مكان هو فيه.

و الأولي الاستدلال لذلك بصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن رجل كان متمتعاً خرج إلي عرفات و جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتي رجع إلي بلده ما حاله؟ قال: إذا قضي المناسك كلها فقد تم حجه و سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال: يقول: اللهم علي كتابك و سنة نبيك فقد تم إحرامه». «2»

و لفظ الحديث في موضع آخر من التهذيب هكذا قال: «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره و هو بعرفات ما حاله؟ قال: يقول: اللهم

علي كتابك و سنته نبيّك فقدتم إحرامه فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتي رجع إلي بلده إن كان قضي مناسكه كلها فقد تم حجه.» «3»

و الظاهر اتحادهما فلا وجه لعدهما صحيحتين كما فعله البعض بل في الوسائل

______________________________

(1)- الوسائل: ب 14 من أبواب المواقيت ح 1.

(2)- تهذيب الأحكام: 5/ 476..

(3)- تهذيب الأحكام: 5/ 175.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 316

جعله الحديث الأول و الثاني و الثالث من الباب العشرين من أبواب المواقيت. «1»

و كيف كان فالاستدلال بهذا الحديث أنه يستفاد منه عدم اشتراط الحج بالإحرام مطلقا و عدم اشتراط الإحرام بالميقات أيضاً بدعوي عدم الفرق بين الجهل و النسيان و سائر الأعذار التي لا يتمكن المكلف بها من رعاية الإحرام من الميقات فما دام يمكن تداركه في أثناء المناسك و إن كان في غير الميقات يتداركه فإن لم يمكن تداركه تم حجه.

الفرع الثاني: لو أحرم من غير مكة اختياراً بطل إحرامه

فلو لم يتداركه بطل حجه لأنه ليس بمأمور به و إجزاء غير المأمور به عن المأمور به محتاج إلي الدليل و هو هنا مفقود.

الفرع الثالث: لو أحرم متعمداً من غير مكة و رجع إلي مكة فهل يجزيه ذلك

و لا يجب عليه تجديد الإحرام و لأن الواجب عليه امران الإحرام و كونه من مكة و هما حاصلان بعد رجوعه اليها حكي ذلك عن بعض العامة لأن الواجب كون عقد الإحرام من مكة و إحرامه من غير مكة لم ينعقد فهو كالعدم لا يحصل برجوعه إلي مكة و هذا واضح.

الفرع الرابع: لو أحرم من غير مكة جهلًا أو نسياناً و أمكنه الرجوع إلي مكة يلزم عليه العود إليها

إذ لا دليل علي جواز الاجتزاء به و مجرد الجهل و النسيان لا يكفي في الحكم بالصحة و إنما قلنا بالاجتزاء به إذا خشي فوت الحج بالدليل و علي هذا يرجع إلي مكة و يجدد الإحرام منها.

الفرع الخامس: لو أحرم من غير مكة كذلك و التفت بعد ما لا يتمكن من الرجوع إليها فهل يجب عليه تجديد إحرامه من مكانه أو يجزيه الإحرام الاوّل؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 20 من ابواب المواقيت ح: 2 و 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 317

قال في الجواهر: (قيل و القائل الشيخ في المحكي من خلافه يجزيه ذلك الإحرام الذي أوقعه في غيرها لعذر من نسيان أو غيره و تبعه في كشف اللثام حاكياً له عن التذكرة أيضاً للأصل و مساواة ما فعله لما يستأنفه في الكون من غير مكة و في العذر لأن النسيان عذر «و الوجه أنه يستأنفه حيث أمكن و لو بعرفة إن لم يتعمد ذلك» عالماً بالحال لأن ما أوقعه أولًا لم يوافق ما أمر به فهو فاسد و من هنا كان مقتضي الأصل الفساد لا الصحة، و أما دعوي المساواة فلا ريب في أنها قياس و الأصل يقتضي العكس إذا المصحح للإحرام المستأنف إنما هو الإجماع علي الصحة معه و ليس النسيان مصححاً له حتي يتعدي به إلي غيره و إنما هو مع العذر عذر في عدم وجوب العود و هو لا يوجب الاجتزاء بالإحرام معه حيثما وقع بل إنما يجب الرجوع إلي الدليل و ليس هنا سوي الاتفاق و لم ينعقد إلا علي الإحرام المستانف و أما السابق فلا دليل عليه). «1»

أقول: قد راجعنا الخلاف و التذكرة و كشف اللثام و لم نجد ما نسب إلي هذه الأجلة فيها إلا أنا لم نستوعب الفحص و لعله يعثر عليه من يستوعب الفحص فيها.

و كيف كان فالأقوي ما ذكره صاحب الجواهر.

الفرع السادس: إذا صادف إحرامه من غير مكة العذر الواقعي

بأن كان غير متمكن من الإحرام من مكة و نسي ذلك و أحرم من مكانه فتذكر ذلك بعد الإحرام هل يجب عليه تجديده أو يجوز له الاكتفاء به؟ لعل إطلاق السيد في العروة يقتضي التجديد فإنه قال: «و لو

أحرم من غيرها جهلًا أو نسياناً وجب العود إليها

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 22.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 318

و التجديد مع الإمكان و مع عدمه جدّده في مكانه» و ظاهر الجواهر التردد قال: (قد يقال بصحة إحرام مصادف العذر واقعاً كما لو نسي الإحرام منها و أحرم من غيرها في حال عدم تمكنه من الرجوع إليها لو كان متذكراً لمصادفته الأمر به واقعاً حينئذ فتأمل). «1»

أقول: الأقوي جواز الاكتفاء بإحرامه الذي وقع في مكان العذر لأنه أتي بما هو الواجب عليه في الواقع و تخيله أن الإحرام من هذا المكان جائز في نفسه بعنوانه الأولي لا يفسد قصد قربته في الإتيان به و هو واجب بالعنوان الثانوي و بهذا يفصل بين ما إذا أحرم جهلًا أو نسياناً في حال التمكن من الرجوع إلي مكة فنقول بوجوب تجديد الإحرام بعد التذكر في حال عدم التمكن و ما إذا أحرم كذلك في حال عدم التمكن فنقول بجواز الاكتفاء بإحرامه بعد التذكر و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 2] هل يشترط كون العمرة و الحج عن شخص واحد ام لا؟

مسألة 2- قال في الجواهر: (ظاهر الأصحاب عدم اشتراط أمر آخر غير الشرائط الأربعة أو الثلاثة في حج التمتع لكن عن بعض الشافعيّة اشتراط أمر آخر و هو كون الحج و العمرة عن شخص واحد، فلو أوقع المتمتع الحج عن شخص و العمرة عن آخر تبرعاً مثلًا لم يصح. و يمكن أن يكون عدم ذكر أصحابنا ذلك اتكالا علي معلومية كون التمتع عملًا واحداً عندهم و لا وجه لتبعيض العمل الواحد فهو في الحقيقة مستفاد من كون حج التمتع قسماً مستقلًا، و يمكن أن لا يكون ذلك شرطاً عندهم لعدم الدليل علي الوحدة المزبورة التي تكون العمرة كالركعة الاولي من صلاة

______________________________

(1)- جواهر الكلام:

18/ 22.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 319

الصبح و إلا لم تصح عمرته مع اتفاق العارض عن فعل الحج إلي أن مات، بل المراد اتصاله بها و إيجاب إردافه بها مع التمكن و حينئذ فلا مانع من التبرع بعمرته عن شخص و بحجه عن آخر لإطلاق الأدلة بل لعل خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام دال عليه قال: «سألته عن رجل يحج عن أبيه أ يتمتع؟ قال: نعم التمتع له و الحج من أبيه» و أما الوقوع من شخص واحد فلم أجد في كلام أحد التعرض له بمعني أنه لو فرض التزامه بحج التمتع بنذر و شبهه فاعتمر عمرته و مات مثلًا فهل تجزي نيابة أحد عنه مثلًا بالحج من مكة؟ و إن كان الذي يقوي عدم الإجزاء إن لم يكن دليل خاص). «1»

أقول: يمكن أن يقال: أما في اشتراط كونهما عن شخص واحد إن مشروعية العمرة المتمتع بها إلي الحج و حج التمتع ثابتة لمن أتي بهما و لا يفهم منها غير ذلك و مجرد حكم الشارع بصحة عمرة حج التمتع إن مات المعتمر قبل فعل الحج لا يدل علي جواز كون العمرة عن شخص و الحج عن آخر و الوجه لعدم ذكره في كلمات أصحابنا هو ما ذكره من معلومية ذلك و الا يلزم جواز إتيان شخص بعمرة التمتع عن نفسه و الآخر بحجه أيضاً عن نفسه و هذا واضح لا غبار عليه و الدليل علي الوحدة المزبورة هي الأدلة الدالة علي مشروعية حج التمتع.

و أما خبر محمد بن مسلم فهو ما رواه الصدوق باسناده الصحيح عن جعفر بن بشير «2» عن العلا «3» عن محمد بن مسلم «4» عن أبي

جعفر عليه السلام قال: «سألته عن رجل

______________________________

(1).

(2).

(3).

(4)- من الرابعة و صححه أصحابنا بالكوفة فقيه ورع هو ممن أجمعت الصحابة علي تصديقهم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 320

يحج عن أبيه أ يتمتع؟ قال: نعم المتعة له و الحج عن أبيه» «1». فاستفادة جواز الإتيان بعمرة التمتع عن شخص و بحجه عن آخر منه محل إشكال لأن كونه دالا علي جواز ذلك أحد الاحتمالات في مقام الاستظهار منه.

و منها ان يكون المراد من السؤال عن التمتع الالتذاذ و أنه هل يجوز للنائب التمتع بالطيب و النساء بعد العمرة المتمتع بها أو ليس له ذلك و ليس الاحتمال الأول أظهر منه مضافاً إلي ما قلنا من أن العرف لا يفهم معني لاعتمار أحد بعمرة التمتع و حج الآخر بحجه و إتيان شخص واحد بهما عن الشخصين العمرة عن أحدهما و الحج عن الآخر لا يرتبطهما بالآخر. و كيف كان، لا تحتج بالرواية لما فيها من الإجمال مضافاً إلي أنه لم ينقل من أحد القول بجواز ذلك.

و أما اشتراط وقوعهما من شخص واحد فلا يصح إذا أتي بالعمرة أحد عن شخص و أتي الآخر عنه الحج كما إذا استناب العاجز عن المباشرة أحداً لعمرة التمتع و آخر لحجه و في مثال صاحب الجواهر إذا كان ملتزماً بحج التمتع بالنذر و شبهه و مات بعد تمام عمرته فهل تجزي نيابة أحد عنه بالحج من مكة؟ بل إن مات و عليه حج التمتع بالنذر و شبهه هل تجوز استنابة شخصين له أحدهما بالعمرة التمتع و الآخر لحجه؟ و من الأمثلة كون الشخص قادراً علي إتيان أحدهما بالمباشرة و من الآخر بالاستنابة.

يمكن أن يقال: إن الارتباط الملحوظ بين العمرة و الحج إذا كان

كلاهما عن واحد فهو محفوظ و إن وقعا من شخصين و ليس ذلك مثل إتيان واحد بهما عن

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: ح 2/ 273، ب 169، باب المتمتع عن أبيه، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 321

شخصين و ليس في الأدلة ما يدل علي اشتراط ذلك مضافاً إلي أن مقتضي الأصل عدم الاشتراط.

اللهم إلا أن يقال: إن مثل ذلك غير معهود عند المتشرعة، بعيد عن الأذهان.

و لكن بعد ذلك لا يترك الاحتياط فيما إذا مات من استقر عليه الحج و لم يأت به و لم يكن من يقضي عنه إلا من يقضي عنه خصوص عمرة التمتع و من يقضي عنه خصوص حجة باستنابتهما عنه.

ثمّ إن هنا خبراً آخر ربما يقال بدلالته علي جواز التفريق و جعل عمرة التمتع لشخص و حجه للآخر، و هو ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن الحسن الصفار «1» عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب «2» عن محمد بن إسماعيل «3» عن صالح بن عقبة «4» عن الحارث بن المغيرة «5» عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل تمتع عن امّه و أهل بحجة عن أبيه؟ قال: إن ذبح فهو خير له و إن لم يذبح فليس عليه شي ء لأنّه إنّما تمتع عن امّه و أهل بحجه عن أبيه». «6»

بعض الأعاظم قال بان هذا الخبر صريح في جواز التفريق بين عمرة التمتع و حجه و جواز جعلهما لاثنين و ردّ تضعيف صالح بن عقبة من ابن الغضائري بتوثيق ابن قولويه في كامل الزيارات و علي بن إبراهيم في تفسيره له كما أنكر صحة نسبة رجال ابن الغضائري إليه بعدم إثبات كونه منه و ردّ تضعيف العلامة بأنه

لا عبرة به

______________________________

(1)- القمي له كتب و الظاهر أنه من الثامنة و ما في الطبقات من كونه من السادسة سهو قطعاً.

(2)- من السابعة موصوف بنعوت.

(3)- ابن بزيع من صغار السادسة كثير العلم من الثقات.

(4)- من الخامسة أو السادسة له كتاب.

(5)- من الخامسة أو الرابعة النصري ثقة ثقة.

(6)- تهذيب الأحكام: 5/ 239.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 322

لأنه أخذه من ابن الغضائري «1»

أقول: هذا بحسب السند و عندنا أنه يعتمد عليه بعد اعتماد الشيوخ الأجلاء مثل ابن البزيع عليه. و أما دلالته فليست صريحة في جواز التفريق لجواز أن يكون قوله عليه السلام: «إن ذبح فهو خير له» ان ذلك و ان كان ليس الهدي المعتبر في حج التمتع إلا أنه خير لأبيه و لذا قال عليه السلام: «و إن لم يذبح فليس عليه شي ء» و علله بأنه تمتع عن امه و حج عن أبيه فلا يترتب عليه أحكام حج التمتع.

ثمّ أفاد في ذيل كلامه: «ان الخبر حيث أنه مخالف لما تقتضيه القاعدة كما عرفت فلا بد من الاقتصار علي مورده» «2»

و لكن قد عرفت أن ذلك متفرع علي دلالة الخبر علي ما جعله صريحاً فيه و قد عرفت عدم صراحته بل و ظهوره في ذلك.

[مسألة 3] هل يجوز الخروج من مكة فيما بين الاحلال و الحج

مسألة 3- قال في العروة: (المشهور أنه لا يجوز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج و أنه إذا أراد ذلك عليه أن يحرم بالحج فيخرج محرماً به، و إن خرج محلًا و رجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة. و ذلك لجملة من الأخبار الناهية عن الخروج و الدالة علي أنه محتبس و مرتهن بالحج و الدالة علي أنه لو أراد الخروج خرج ملبياً بالحج

و الدالة علي أنه لو خرج محلًا فإن رجع في شهره دخل محلًا

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 263.

(2)- معتمد العروة: 2/ 263.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 323

و إن رجع في غير شهره دخل محرماً و الأقوي عدم حرمة الخروج و جوازه محلًا حملًا للأخبار علي الكراهة كما حكي عن ابن إدريس و جماعة اخري بقرينة التعبير ب لا أُحب في بعض تلك الأخبار و قوله عليه السلام في مرسلة الصدوق) إلي آخر كلامه.

أقول: ينبغي لنا المراجعة إلي الأخبار و النظر فيها سنداً و دلالة و قد عرفت مما أفاد أن الأخبار علي طوائف:

الطائفة الاولي الدالة علي النهي عن الخروج مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي فتلبي فإذا دخلت مكة طف بالبيت و صليت الركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و قصرت و حللت من كل شي ء و ليس لك أن تخرج من مكة حتي تحج». «1»

و صحيحه الآخر عنه عليه السلام قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما أفضل ما حج الناس؟ فقال: عمرة في رجب و حجة مفردة في عامها فقلت: فما الذي يلي هذا؟ قال:

المتعة قلت فكيف أتمتع؟ فقال يأتي الوقت و يلبي بالحج فإذا أتي مكة طاف و سعي و أحل من كل شي ء و هو محتبس ليس له أن يخرج من مكة حتي يحج». «2»

و الظاهر اتحاده مع الأول و إن أخرجهما في التهذيب في البابين فأخرج الأول في باب صفة الإحرام و الثاني في باب ثواب الحج.

و صحيحة حماد بن عيسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن

يخرج حتي يقضي الحج» الحديث بتمامه. «3»

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 86، ح 286/ 92.

(2)- التهذيب: 1/ 31، ح 93/ 32.

(3)- وسائل الشيعة: ب 23، اقسام الحج، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 324

و هل المستفاد من مثل الأخبار حرمة الخروج مطلقا و ان كان مريداً للرجوع إلي مكة لأداء حج التمتع أو أن المستفاد منه أنه ليس له الخروج و ترك الحج أو ليس له الخروج إذا كان ذلك معرضاً لفوت الحج و إلّا يلزم أن يكون حج التمتع مركباً من العمرة المتمتع بها و من الإقامة في مكة بعدها إلي أن يقضي الحج؟

و ربما يؤيد ذلك بما رواه في قرب الإسناد بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه: قال: «و سألته عن رجل قدم مكة متمتعاً (فاحل أ يرجع)؟ قال: لا يرجع حتي يحرم بالحج و لا يجاوز (يتجاوز) الطائف. و شبهها مخافة أن لا يدرك الحج فإن احبّ أن يرجع إلي مكة رجع و إن خاف أن يفوته الحج مضي علي وجهه إلي عرفات» «1». فقوله «مخافة أن لا يدرك الحج» شاهد علي أن الحكم بترك الخروج و عدم التجاوز عن الطائف و شبهها كأنه إرشادي و لأجل أن لا يفوت منه الحج.

و لكن بعد ذلك كله الذي يبعد هذا الاستظهار هو أن السؤال عن الإمام عليه السلام يكون عن الحكم الشرعي و كلام الإمام عليه السلام أيضاً و إن لم يكن جواباً عن السؤال ظاهر في بيان حكم اللّٰه و حمل كلامه علي غير بيان الحكم الشرعي حمل علي خلاف الظاهر و غاية ما يمكن أن يقال: أن يكون الخوف من فوت الحج حكمة للحكم.

الطائفة الثانية: ما يدل علي أن معني ارتباط المعتمر

بحجه أنه لا يخرج من مكة حتي يقضيه. مثل رواية معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: و نحن بالمدينة إنّي اعتمرت عمرة في رجب و أنا اريد الحج فأسوق الهدي أو افرد أو أتمتع؟

قال: في كل فضل و كل حسن قلت: و أي ذلك؟ فقال: إن علياً عليه السلام كان يقول: لكل شهر عمرة تمتع فهو و اللّٰه أفضل فقال: إن أهل مكة يقولون: إن عمرته عراقية و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب اقسام الحج، 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 325

حجته مكية و كذبوا أو ليس هو مرتبطاً بحجه لا يخرج حتي يقضيه». «1»

الطائفة الثالثة: ما يدل علي أنه إذا أراد الخروج من مكة بعد عمرة التمتع يخرج محرماً للحج.

مثل صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل قضي متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها قال: فقال: فليغتسل للإحرام و ليهلّ بالحج و ليمض في حاجته فإن لم يقدر علي الرجوع إلي مكة مضي إلي عرفات». «2»

و في قبال هذه الأخبار ما قيل بدلالته علي الجواز مثل صحيح الحلبي الذي رواه الكليني بسنده عنه قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتمتع بالعمرة إلي الحج يريد الخروج إلي الطائف؟ قال: يهل بالحج من مكة و ما أحب أن يخرج منها الا محرماً و لا يتجاوز الطائف انها قريبة من مكة» «3». فإن قوله عليه السلام «ما احب ان يخرج منها» ظاهر في الكراهة و به ترفع اليد عن ظاهر ما يدل علي الحرمة و رد بان جملة (لا احب) غير ظاهرة في الكراهة لأن مثلها استعملت في القرآن المجيد في الموارد

المبغوضة كقوله تعالي: «وَ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ» و قوله تعالي: «لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ» و هو الغيبة المحرمة كما استعملت بالنسبة إلي الذوات المبغوضة مثل قوله تعالي: «وَ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الظّٰالِمِينَ» * و «لٰا يُحِبُّ الْكٰافِرِينَ» * و «لٰا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» * و لا ريب في ان معني انه لا يحب الفساد و الظلم و الظالم و المفسد انه يبغض ذلك كله فهو لا يحب الفساد لأنه مبغوضه و ليس بمحبوبه.

و بالجملة هذه غير ظاهرة في الكراهة بمعني الأخص بل معناها أعم من

______________________________

(1)- التهذيب، ج 5، ص 32، ج 94/ 23.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب اقسام الحج، ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب اقسام الحج، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 326

الكراهة المصطلحة و الحرمة غاية الأمر أن يقال: إنها إذا استعملت و لم تكن هناك قرينة علي إرادة الكراهة المصطلحة منها أو علي شدة الكراهة و الحرمة لا تحمل علي الحرمة و القدر المتيقن منها الكراهة بمعني الأخص (الكراهة المصطلحة) فلا يصح عد ذلك الجملة قرينة علي إرادة الكراهة من النهي الظاهر في الحرمة أو الجملة الظاهرة فيها مثل «ليس له أن يخرج» لو لم نقل بعكس ذلك و لم نجعل النهي قرينة علي إرادة شدة الكراهة من جملة «ما نحب».

و مع ذلك كله يمكن أن يقال: قوله: «ما احب» بملاحظة بيانه بعد الحكم لا يستفاد منه الحرمة.

و مثل مرسل الصدوق عليه الرحمة قال: قال الصادق عليه السلام: «إذا أراد المتمتع الخروج من مكة إلي بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط بالحج حتي يقضيه إلا أن يعلم أنه لا يفوته الحج فإذا علم و خرج ثمّ

عاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلًا و إن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرماً». «1»

إلا أن ضعفه بالإرسال يمنع عن الاحتجاج به و مثل خبر معلي بن محمد عمن ذكره عن أبان بن عثمان عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتي يخرج إلي الحج إلّا أن يأبق غلامه أو تضلّ راحلته فيخرج محرماً و لا يجاوز إلا علي قدر ما لا تفوته عرفة» «2». فاستفيد منه أن ما هو المدار في جواز الخروج و عدمه فوت الحج و عدمه.

و فيه: أنه ضعيف بما فيه من إرسالين كما هو واضح. مضافاً إلي أنه لا دلالة له

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 238.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 327

علي جواز الخروج إذا لم يخف من فوت الحج و إنما يدل علي أنه إذا خرج محرماً للحج لا يذهب قدر ما يفوت به الحج.

[مسألة 4] كيفية الخروج من مكة

مسألة 4- علي القول بحرمة خروج المتمتع بعد الإحلال من العمرة من مكة أو كراهته ليس له الخروج إذا لم يكن له حاجة قبل أن يحرم للحج و إذا عرضت له حاجة يجوز له الخروج بعد الإحرام للحج و ذلك بمقتضي الأخبار و هل يجوز له الخروج بدون الحاجة و الضرورة مع الإحرام؟

و هل يجوز له ذلك إذا دعت الحاجة إليه بدون الإحرام أم لا يجوز؟

أما في الفرع الأول فيمكن أن يقال بدلالة خبر علي بن جعفر و صحيح الحلبي علي الجواز مطلقاً إلا أن ظاهر الاستثناءات في صحيح حماد «فإن عرضت له حاجة إلي عسفان أو إلي الطائف أو إلي ذات

عرق خرج محرماً و دخل ملبياً بالحج» «1» و في قوله عليه السلام في صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل قضي متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها قال: فقال فليغتسل للاحرام» «2» الحديث. و خبر أبان الذي قال فيه: «إلّا أن يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج محرماً» «3» الحديث. إنه ليس له الخروج بدون الحاجة و الضرورة و خبر علي بن جعفر و صحيح الحلبي أيضاً محمولان علي صورة الحاجة. إذاً فمقتضي إطلاقات الأدلة الناهية عدم جواز الخروج إلي غير الحج و إن كان محرماً للحج.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 أبواب أقسام الحج ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 328

و أما في الفرع الثاني فيدل علي جواز الخروج بدون الإحرام مرسل الصدوق الذي عرفت ضعفه من جهة الإرسال.

و ما رواه الشيخ عن موسي بن القاسم «1» قال: «أخبرني بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال فقال: إني اريد أن افرد عمرة هذا الشهر؟ فقال له: أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل: إن المدينة منزلي و مكة منزلي ولي بينهما أهل و بينهما أموال؟ فقال له: أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل: فإن لي ضياعاً حول مكة و احتاج إلي الخروج إليها؟ فقال: تخرج حلالًا و ترجع حلالًا الي الحج». «2» و هذا أيضاً ضعيف بالإرسال و لا بأس بدلالته.

و علي هذا فالقدر المتيقن الخارج من تحت عمومات النهي عن الخروج ما إذا عرضت له الحاجة و الضرورة فيخرج محرماً للحج

فلا يخرج بغير الإحرام و إن عرضت له الحاجة كما أنه لا يجوز له الخروج محرماً إذا لم تكن له حاجة.

و لكن يمكن الاستدلال بجواز الخروج بدون الإحرام إذا دعت الحاجة اليه برواية إسحاق بن عمار قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلي المدينة و إلي ذات عرق أو إلي بعض المعادن؟ قال:

يرجع الي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج» «3». الحديث فان الظاهر منه أنه خرج من مكة محلًا معتقداً جوازه و لم يستنكر الامام عليه السلام ذلك منه.

و بعد ذلك كله فلا تطمئن النفس بالقول بحرمة الخروج بدون الإحرام

______________________________

(1)- ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة له ثلثون كتاباً من السابعة.

(2)- تهذيب الأحكام: 5/ 436 ح 1518.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 329

و الحاجة إذا لم يخف فوت الحج كما هو المفروض في رواية موسي بن القاسم لقوله عليه السلام في صحيح الحلبي بعد أن قال في الجواب: «يهلّ بالحج من مكة و ما احب أن يخرج منها إلّا محرماً» فإن الجملة الأخيرة بيان لعدم إرادة الوجوب من الجملة الاولي و إلا لا معني لقوله «و ما احب» بعد كون الإهلال من مكة واجباً.

هذا و طريق الاحتياط ترك الخروج الّا محرماً و مع الحاجة إلّا أن يقع بذلك في الحرج.

[مسألة 5- من خرج من مكة بعد عمرة التمتع بغير الاحرام]

اشارة

مسألة 5- من خرج من مكة بعد عمرة التمتع بغير الاحرام إما جاهلًا بحرمة الخروج أو معتقداً جوازه و دخلها في الشهر الذي تمتع فيه، يجوز له الدخول فيها بغير إحرام و الظاهر

أنه لا خلاف بينهم في ذلك و هذا هو القدر المتيقن من الأخبار، و أمّا إذا دخل في الشهر الذي خرج فيه لا في الشهر الذي تمتع فيه فهل هو مثل من دخل في شهر متعته لا يجب عليه العمرة أو يجب عليه العمرة؟

ظاهر بعض الأخبار الأول و ذلك مثل صحيح حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتي يقضي الحج فإن عرضت له حاجة الي عسفان أو إلي الطائف أو إلي ذات عرق خرج محرماً و دخل ملبيا بالحج فلا يزال علي إحرامه فإن رجع إلي مكة رجع محرماً و لم يقرب البيت حتي يخرج مع الناس إلي مني علي إحرامه و إن شاء كان وجهه ذلك إلي مني قلت: فإن جهل فخرج إلي المدينة إلي نحوها بغير إحرام؟ فقال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً» «1» الحديث. و ظاهره عدم التفصيل بين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 330

كون شهر رجوعه شهر خروجه أو خصوص شهر متعته.

و هذا صريح الشيخ قده في التهذيب قال: (فان خرج (المعتمر) بغير إحرام ثمّ عاد فإن كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لا يضره أن يدخل مكة بغير إحرام و إن كان دخل في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرماً بالعمرة إلي الحج). «1»

و قال ايضاً: (و من خرج من مكة بغير إحرام و عاد إليها في الشهر الذي خرج فيه فالأفضل أن يدخلها محرماً بالحج و يجوز له أن يدخلها بغير إحرام حسب ما قدمناه

روي محمد بن يعقوب عن صفوان عن إسحاق بن عمّار قال: «سألت ابا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلي المدينة أو إلي ذات عرق أو إلي بعض المعادن؟ قال: يرجع إلي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي يتمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج قلت: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه قال: كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقي بعض هؤلاء فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج»). «2»

أقول: أما قوله: (فالأفضل أن يدخلها محرماً بالحج)، فلا يستقيم إلا أن يكون أراد بالحج، العمرة كما يحتمل أن يكون مراد الإمام عليه السلام أيضاً من قوله: «و هو محرم بالحج» العمرة و أما كون الحديث دالّا علي أنه إن دخل في الشهر الذي خرج فيه لا يضره أن يدخل بغير إحرام، فهو علي خلافه أدلّ لقوله عليه السلام: «إن كان في غير الشهر الذي يتمتع فيه».

و بذلك يمكن أن يقال: أن المراد من قوله: «إن رجع في شهره» و قوله: «و إن

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 1/ 164.

(2)- تهذيب الاحكام: 1/ 164.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 331

دخل في غير الشهر» الشهر الذي تمتع فيه و أما قوله: «قلت فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه قال: كان أبي … » فهو أيضاً يدل علي عدم جواز الدخول بغير الإحرام و أمّا أفضلية الدخول بالإحرام فلم يظهر لنا وجهه.

نعم، يمكن أن يكون وجه أفضلية دخولها محرماً أن لكل شهر عمرة و ما يدل علي جواز الدخول بغير الاحرام إذا اتحد شهر الخروج و الدخول يكون علي وجه

الرخصة و عدم حرمة دخول مكة بغير احرام أما استحباب العمرة في كل شهر فهو باق علي حاله.

هذا كله في حكم ما إذا كان دخوله في الشهر الذي خرج فيه فقد علم مما ذكر أنه ليس لجوازه بغير الإحرام دليل معتبر فالأقوي و هو الأحوط البناء علي الجواز إذا دخل في شهر متعته.

فروع
الاول انه قد وقع الكلام في أنه إذا كان الاعتبار بشهر المتعة فهل العبرة بإهلالها و الشروع في إحرامها أو بإحلالها و الفراغ من تمام أعمالها؟

فاختار في العروة الأول لأن القدر المتيقن من جواز الدخول أن يدخل في شهر الشروع في الإحرام و علي ذلك فإن أحرم بعد إتمام العمرة و الفراغ منها و خرج من مكة و دخل في غير الشهر الذي أحرم فيه يجب عليه الإحرام ثانيا إن كان هو بعد في شهر إتمام العمرة و الفراغ منها.

و لكن ظاهر قوله عليه السلام في رواية إسحاق بن عمار «يرجع إلي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه» كون الاعتبار في مبدأ الشهر بالفراغ من العمرة و الإحلال منها.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 332

الثاني أن المعتمر بعمرة التمتع الذي خرج من مكة بغير إحرام و دخل في غير شهره هل يجب عليه الإحرام لدخول مكة أو لا يجب؟

و علي تقدير الوجوب، الوجوب نفسي يجب عليه إعادة عمرة التمتع و لا يعتد بالاولي أو غيري يجب لدخول مكة لأنه لا بد له إلا دخول مكة و الاحرام منها لحج التمتع؟ الظاهر أنه لا وجه للقول بالاستحباب.

نعم قد قيل بدلالة صحيح اسحاق بن عمار علي الاستحباب حيث قال فيه:

«يرجع إلي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج» فإن التعليل بأن لكل شهر عمرة صريح في أن الأمر بالإحرام ثانياً لدخول مكة إنما يكون علي وجه الاستحباب لأن العمرة لكل شهر مستحبة و ليست واجبة.

و يمكن الجواب عن ذلك بأن قوله عليه السلام: «لأن لكل شهر عمرة» بيان لعدم جواز الاكتفاء بعمرة الشهر الماضي للدخول في مكة لزوال أثرها الذي ترتب عليه و هو دخول مكة قبل مضي شهرها بدون الإحرام و بالجملة هذا بيان لعدم الاعتداد بها فلا تعتبر هي عمرة التمتع و لا يجوز بها الدخول في مكة بغير الإحرام و قوله: «و هو مرتهن بالحج» معناه يجب عليه

الإتيان بالعمرة الثانية يجب عليه أن يأتي بها و بالحج.

و الدليل علي ذلك ما في ذيل صحيحة حماد قال: «قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعة الاولي أو الأخير؟ قال: الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته». «1»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب اقسام الحج 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 333

هذا مضافاً إلي أن استحباب العمرة في كل شهر لا ينافي وجوبها إذا وجب دخول مكة لأداء الحج و الإحرام له منها و اللّٰه العالم.

الثالث: إن المراد من الشهر هل هو ما بين الهلالين أو مقدار ثلثين يوماً؟

فعلي الأول إن تمت متعته في آخر يوم من رجب و خرج فيه من مكة و رجع في غرة شعبان يجب عليه الاعتمار و علي الثاني لا يجب إلّا بعد مضيّ ثلثين يوماً من يوم إتمام عمرته أو الشروع فيه أو الخروج علي الأقوال الثلاثة.

يمكن أن يقال: إن الظاهر من إطلاق الشهر هو ما بين الهلالين لا مقدار ثلثين يوماً إلّا أن يعرف ذلك من بعض القرائن كما هو كذلك في العدة و يمكن أن يقال: إن ذلك يستفاد من قوله تعالي: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّٰهِ اثْنٰا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتٰابِ اللّٰهِ» «1»

و أمّا ما رواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمّار قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام السنة اثنا عشر شهراً يعتمر لكل شهر عمرة قال: قلت: أ يكون أقل من ذلك؟ قال:

لكل عشرة أيام عمرة». «2» فصدره و إن كان يدل علي ذلك و استند إليه بعض الأعاظم، «3» إلّا أن ذيله يمنع من ظهوره في كون الاعتبار علي ما بين الهلالين دون ثلثين يوماً، اللهم إلّا أن يقال: إن المستفاد منه أن لكل شهر هلالي عمرة، و لكل عشرة أيام عمرة كما

ورد: «العمرة في كل سنة مرة» «4»

الرابع: قال في الجواهر: «ليس في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالًا بعد شهر و لو آثماً

______________________________

(1)- التوبة/ 36.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 9.

(3)- معتمد العروة: 2/ 276.

(4)- وسائل الشيعة: ب 6، من أبواب العمرة ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 334

فهل له الإحرام بالحج بانياً علي عمرته الاولي أو أنها بطلت للتمتع بالخروج شهراً؟ و لكن الذي يقوي في النظر الأول لعدم الدليل علي فسادها». «1»

و استظهر بعض الأجلة من الأدلة صيرورة العمرة الاولي بذلك غير قابلة للارتباط بالحج فإن عمدة الروايات الواردة في المقام روايتان: موثقة إسحاق بن عمار و صحيحة حمّاد و المستفاد من الاولي أن العمرة التي يجب الإتيان بها إذا رجع في غير الشهر الذي تمتع فيه هي عمرة التمتع لقوله عليه السلام: «يرجع إلي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج» يعني بالعمرة الثانية التي يأتي بها و الاولي لا يصير مرتهناً بالحج بها إلّا إذا كانت عمرة التمتع فكأنه برجوعه في غير الشهر زال ارتباط عمرته بالحج و ارتهانه به فتجب عليه عمرة التمتع ثانياً.

و أمّا الثانية فهي صريحة في ذلك لقوله عليه السلام: «و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعة الاولي أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته».

أقول: أما في دلالة الاولي فيمكن أن يقال: إن الرجوع إلي مكة بعمرة التمتع لأن لكل شهر عمرة و لعدم جواز الدخول في مكة محلًا و بغير الإحرام مستلزم لخروج الاولي من كونها متعة و أمّا إذا لم يأت بها و دخل مكة محلًا فهي علي حالها و هو مرتهن بها

بالحج.

و الثانية أيضاً كذلك فإن كون الثانية متعة لا يستلزم خروج الاولي عن كونها متعة إذا لم يأت بها فلعل خروج الاولي عن كونها متعة كان لأجل وقوع الفصل

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 29.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 335

بينها و بين الحج بالثانية و وجوب اتصال عمرة التمتع بحجها.

هذا مضافاً إلي أن الأصل عدم اشتراط العمرة المتمتع بها إلي الحج بعدم الخروج من مكة و بعدم الدخول فيها بدون الإحرام إن خرج منها كذلك.

الخامس: هل منع المعتمر عن الخروج من مكة مختص بالخروج إلي الأماكن البعيدة

فلا بأس بالخروج إلي فرسخ أو فرسخين أو المنع مختص بالخروج عن الحرم أو إلي المسافة الشرعية أو أن الممنوع مجرد الخروج عن مكة؟

الظاهر من الأدلة هو الأخير مثل قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «و ليس لك أن تخرج من مكة حتي تحج» و لا ريب أن مخالفة هذا النهي تصدق بمجرد الخروج من مكة و إن كان ذلك دون المسافة أو دون الحرم أو دون فرسخ و أقل منه.

و الاستشهاد علي أن الخروج الممنوع الخروج إلي المسافة لما ورد في بعض روايات صلاة المسافر من قوله عليه السلام: «فليس لك أن تقصر حتي تخرج منها» «1» لأن الخروج المعتبر فيها و المراد في هذا الخبر هو الخروج من المدينة إلي المسافة،

ضعيف جدّاً و لا يجوز قياس البابين بالآخر مضافاً إلي أن معني الخروج في هذه الرواية معلوم بدلالة سائر روايات باب صلاة المسافر مضافاً إلي أنه يلزم الاختلاف في التحديد مثلًا فإذا كان مريداً للذهاب إلي أربعة فراسخ و الرجوع من يومه أو قبل عشرة أيام لا يجوز له الخروج و إذا لم يكن ناوياً الرجوع من يومه أو قبل عشرة أيام يجوز له الرجوع و علي كل حال فهذا

احتمال ضعيف و إن حكي عن بعض الأكابر في تعليقته علي العروة كما رد عليه بعض تلامذته.

السادس: لا فرق في حكم الخروج من مكة بين الحج الواجب و المستحب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة المسافر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 336

لأن عدم جواز الخروج من مكة أو كراهته إنما هو حكم عمرة التمتع فالمعتمر بها يصير مرتهناً بالحج سواء كان الحج واجباً عليه أو مستحباً و ذلك لإطلاق الأدلة و عدم دليل علي تقييدها و اختصاصه بالحج الواجب فهو مرتهن بالحج مطلقاً كما أنه يجب عليه إتمام الحج و إن لم يكن واجباً عليه هذا بالنسبة إلي حكم الخروج.

أما بالنسبة إلي حكم الدخول، فقد فصل بأنه إن قلنا بأن العمرة الثانية عمرة مستقلة مفردة غير مرتبطة بالحج، فلا كلام في أنه يجب عليه الرجوع و الإحرام لدخول مكة لأنه يرجع إليها في غير شهر متعته فهو مرتهن بالحج و عمرته الاولي مرتبطة به لا تنفصل عنه بخروجه من مكة و أما إن بنينا علي أن العمرة الثانية هي المرتبطة بالحج و صيرورة الاولي بالخروج من مكة مفردة مستقلة فالاعتمار الجديد وجوبه يدور مدار وجوب حج التمتع عليه بالاستطاعة أو بالنذر و شبهه أو بالاجارة و إلا فيجوز له ترك الإحرام و ذهابه إلي منزله أو أي مكان شاء و بعد ما استظهرنا من الأدلة ان العمرة الثانية هي التي ترتبط بالحج يجوز رفع اليد عن الحج المستحب و ترك الإحرام إذا لم يكن مريداً لدخول مكة بل يمكن أن يقال بجواز ذلك إذا كان وجوب الحج موسعاً كالواجب عليه بالإجارة الموسعة و النذر المطلق. «1»

السابع: علي البناء علي أنه لو دخل في غير شهر الإهلال أو الإحلال أو الخروج أن العمرة التي تجب عليه هي عمرة متعته لا إشكال في أنه لا يجب عليه طواف النساء فيها

و لكن هل يجب عليه للُاولي التي انفصلت عن الحج بالخروج من مكة و الدخول في غير الشهر أم لا فيه وجهان:

وجه الوجوب إطلاقات ما يدل علي اعتبار طواف النساء في العمرة المفردة و

______________________________

(1)- معتمد

العروة: 2/ 282.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 337

قد صارت هي مفردة فيجب فيها طواف النساء.

و وجه عدم الوجوب استبعاد حرمة إتيان النساء بعد إحلاله فإنه بعد التقصير في عمرته الاولي حلت له النساء فكيف تحرم عليه ثانياً؟ مضافاً إلي أن ما يظهر من موثقة إسحاق و صحيح حماد صيرورة العمرة الاولي لاغية و كأن لم تكن فهي محكومة بالعدم و انقلابها إلي المفردة يحتاج إلي الدليل.

و فيه: أن الاستبعاد فليس له موقع في الأحكام الشرعية بعد دلالة الدليل بل مطلقا و أما موثقة إسحاق و صحيح حماد فلا دلالة لهما علي كون الاولي محكومة بالعدم.

نعم، يمكن أن يقال: إن سكوت الإمام عليه السلام في الروايات عن بيان حكم وجوب طواف النساء للُاولي سكوت في مقام البيان يدل علي عدم الوجوب.

و لكن يمكن الجواب عنه بإيكالهم الأمر إلي الوضوح و معلومية وجوب طواف النساء في غير عمرة التمتع و علي هذا فالأحوط الإتيان بطواف النساء و صلاته للُاولي و الأحوط منه- كما قال في العروة- الإتيان بطواف مردد بين كونه للُاولي أو الثانية و اللّٰه هو العالم.

الثامن: إذا خرج المعتمر بعمرة من مكة و دخل محلًا في غير الشهر و قلنا بوجوب العمرة الثانية عليه

هل يجب عليه الرجوع إلي ميقات أهله أو إلي أحد المواقيت أو يكفيه الإحرام من خارج الحرم؟ و نحن قد قوينا- في مسألة المقيم في مكة إذا وجب عليه حج التمتع- كفاية الإحرام من أدني الحل و الظاهر أن المسألتين في ذلك علي حكم واحد فلا نطيل الكلام بإعادة البحث هنا.

التاسع: هل يجوز الخروج من مكة في أثناء عمرة التمتع أم لا يجوز له ذلك؟

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 338

الظاهر أن المسألة لم تحرر في كتب الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم و فيه وجهان:

وجه الجواز القول باختصاص النصوص المانعة بمن أتم عمرة التمتع فالمرجع فيمن لم يتمها هو الأصل المقتضي للجواز.

و وجه عدم الجواز إطلاق الروايات المانعة لأن موضوع المنع فيها هو الخروج من مكة بعد دخولها متمتعاً سواء أتم عمرته و أحلّ منها أو كان باقياً في إحرامه فقد قال عليه السلام في صحيح حماد: «من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتي يقضي الحج». «1»

و في صحيح الحلبي: «عن الرجل يتمتع بالعمرة إلي الحج يريد الخروج إلي الطائف؟ قال: يهلّ بالحج من مكة و ما احب أن يخرج منها إلّا محرماً» «2» قال من استدل بها: (لم يفرض فيها الفراغ من العمل بل الظاهر منها أن موضوع السؤال و الجواب هو الاشتغال بالأعمال و أنه يخرج و هو مشغول بالأعمال خصوصاً أن قوله:

«يتمتع» في صحيح الحلبي، ظاهر جداً في كون موضوع الحكم مجرد الدخول في مكة و الاشتغال بالأعمال و عدم الفراغ منها لأنه فعل استقبالي يدل علي الاشتغال بالعمل في الحال بخلاف الفعل الماضي فإنه يدل علي الفراغ من العمل كما هو كذلك في سائر موارد الاستعمالات فإذا قيل رجل يصلّي يراد به الاشتغال بالصلاة و إذا قيل رجل صلّي معناه

الفراغ منها) «3».

و فيه: أمّا في صحيح حمّاد فيمكن دعوي انصرافه عمن لم يأت بتمام عمرته فان خروج المعتمر قبل إتمام عمرته نادر جدّاً فالذي يأتي في أشهر الحج يتم عمرته

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب اقسام الحج ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 7.

(3)- معتمد العروة: 2/ 288.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 339

و يحلّ منها ثمّ يتفق بعد ذلك له الخروج من مكة.

و أمّا صحيح الحلبي و إن كان قوله: «يتمتع بالعمرة» ظاهر فيما ذكره إلّا أن قوله «يهلّ بالحج من مكة و ما احب أن يخرج منها إلّا محرماً» صريح في أن موضوع السؤال و الجواب المتمتع الذي فرغ من عمرته و علي هذا فالأقوي هو الوجه الأول و إن كان الاحتياط ترك الخروج في أثناء العمرة و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 6] هل يجوز العدول عن التمتع

اشارة

مسألة 6- الظاهر أنه لا خلاف بين الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم في أن من وظيفته التمتع لا يجوز له العدول عنه إلي القران و الإفراد اختياراً و يدل علي ذلك كلما دلّ علي أن المفروض علي النائي التمتع و مقتضي الأصل عدم جواز العدول كما أن مقتضي الأخبار و الأصل عدم إجزاء الإفراد و القران للنائي.

نعم، اتفقت كلماتهم أيضاً في الجملة علي جواز العدول إن ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج.

و الأخبار علي ذلك متضافرة لا معارض لها إلا ما رواه الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم عن محمد بن سهل «1» عن زكريا ابن آدم «2» (الاستبصار زكريا بن عمران) «3» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة؟ قال:

______________________________

(1)- ابن اليسع الأشعري القمي له مسائل عن الرضا عليه

السلام و كتاب من السادسة.

(2)- القمي جليل عظيم القدر من السادسة من أصحاب الرضا عليه السلام.

(3)- القمي من الخامسة و هو يروي عن الكاظم عليه السلام.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 340

لا متعة له يجعلها عمرة مفردة». «1»

و قال السيد الگلپايگاني قدس سره: (بأنه لا يصلح للمعارضة لما في سنده من الإشكال فأولا ضعيف بمحمد بن سهل فإنه مجهول الحال في كتب الرجال و إن استظهر بعض كونه إماميا أو موثقا و لكنه يحتاج إلي حدس قوي و ثانياً بزكريا فإنه في التهذيب ابن آدم و في الاستبصار ابن عمران و هو أيضا مجهول لم يذكر في كتب الرجال و إنما نقل عنه الشيخ هذه الرواية فقط و أما كونه زكريا بن آدم لكونه من شيوخ محمد بن سهل في روايات اخري و احتمال وقوع السهو في نسخة الاستبصار فالقول به أيضاً يحتاج إلي حدس قوي). «2»

أقول: أما محمد بن سهل فاحتمال كونه ثقة إماميا قوي جداً لكونه من شيوخ بعض الأجلاء و اعتمادهم عليه مثل أحمد بن محمد بن عيسي و محمد بن علي بن محبوب و موسي بن القاسم البجلي و أما «زكريا» فاحتمال كونه «ابن آدم» أيضاً قوي جداً لأنه من شيوخ محمد بن سهل في غير واحد من الروايات و أما زكريا بن عمران فلم ينتقل روايته عنه إلا في سند هذا الحديث علي نسخة الاستبصار دون التهذيب فوقوع الاشتباه في نسخة الاستبصار قوي جداً.

و أما ما ذكره في مقام تضعيف زكريا بن عمران بأنه نقل عنه الشيخ هذه الرواية فقط، ففيه إن كان مراده أن الشيخ لم يرو عنه غير هذه الرواية فهو في محله و إلا فقد روي في الكافي

عنه في كتاب التوحيد و علي كل حال لا يبعد القول باعتبار الرواية و صحة الاعتماد بسندها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب اقسام الحج ح 8.

(2)- كتاب الحج: 1/ 108.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 341

هذا كله في سند الخبر و أما بحسب الأدلة فهو معارض للأخبار الكثيرة و الاتفاق علي جواز العدول إلي الإفراد بل وجوبه.

و الذي يقوي في الظن وقوع الاشتباه في النقل فبدلت كلمة «حجة» ب «عمرة» يشهد بذلك وقوع هذه الجملة في عدة من الروايات هكذا «و يجعلها حجة مفردة» و بعد ذلك لا تطمئن النفس بعدم الاشتباه و لا يجري في مثله أصالة عدم الاشتباه كما تجري في سائر الأحاديث.

و كيف كان فلا كلام بينهم في ذلك و إنما وقع الكلام بينهم في الزمان الذي يتضيق فيه الوقت لإتمام العمرة و درك الحج و قد اختلفوا فيه علي أقوال:

أحدها أن التمتع يحصل بإدراك مناسك العمرة و تجديد إحرام الحج و إن كان بعد زوال يوم عرفة إذا علم إدراك الوقوف بعرفات بمسماه و الذي يدل عليه روايات:

منها ما رواه الكليني (رض) عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن يعقوب بن شعيب الميثمي قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول، لا باس للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية متي ما تيسر له ما لم يخف فوت الموفقين». «1»

و ضعف سنده بإسماعيل بن مرار، رد بأنه و إن لم يوثق في كتب الرجال إلا أنه من رجال تفسير علي ابن إبراهيم القمي (رض) و قد وثق هو جميع رجاله.

و من حيث الدلالة أفاد بعض الأعاظم: أن الظاهر أن الرواية أجنبية عما نحن فيه لأنها

وردت في إنشاء إحرام الحج و أنه غير موقت بوقت خاص و أنه يجوز له

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 444 ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 342

إحرام الحج في أي وقت شاء و تيسر له ما دام لم يخف فوت الموقفين و محل كلامنا فيمن أحرم لعمرة التمتع و ضاق وقته عن إتمامها. «1»

أقول: هل الخبر صادر لبيان أن الإحرام للحج في أي وقت وقع يجزي إذا لم يخف فوت الموقفين أو لبيان انه لا يعدل من التمتع إلي الإفراد ما لم يخف فوت الموقفين و بعبارة اخري معني أنه إذا لم يخف فوت الموقفين له أن يؤخر إحرام الحج أن عليه إتمام ما بيده من عمرة التمتع ما دام لم يكن له خوف ذلك و علي فرض إن لم يكن الخبر صادراً لذلك يستفاد ذلك منه.

و منها ما رواه الشيخ (رض) بإسناده عن عبد اللّه بن جعفر «2» عن محمد بن سرو «3» قال: «كتبت إلي أبي الحسن الثالث عليه السلام ما تقول في رجل يتمتع بالعمرة إلي الحج وافي غداة عرفة و خرج الناس من مني إلي عرفات أعمرته قائمة أو ذهبت منه إلي أي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعاً بالعمرة إلي الحج فلم يواف يوم التروية و لا ليلة التروية فكيف يصنع؟ فوقع عليه السلام: ساعة يدخل مكة إنشاء اللّٰه يطوف و يصلي ركعتين و يسعي و يقصر و يحرم بحجته و يمضي إلي الموقف و يفيض مع الامام». «4»

و الرواية دلالتها علي كفاية إدراك مسمي الوقوف بعرفة تامة فإنها تدل علي أن ما هو المعتبر في صحة الحج متمتعاً و عدم تضييق وقت عمرة التمتع هو درك الموقف بمقدار يفيض مع الإمام.

لكنها

وقعت مورد الإشكال عليها بضعف سندها بمحمد بن مسرور كما في

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 292.

(2)- من كبار الثامنة.

(3)- من السابعة و في بعض النسخ «سرو» بالدال.

(4)- الاستبصار: ج 2/ 247، تهذيب الأحكام: 5/ 171.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 343

الوسائل فإنه لا وجود له في كتب الرجال أو بمحمد بن سرو أو سرد كما في التهذيب فإنه مجهول و رد احتمال كونه محمد بن جزك و هو ثقة حتي يكون ذكر «سرو» او «سرد» من غلط النساخ لكون محمد بن جزك من شيوخ عبد اللّه بن جعفر بأن مجرد ذلك لا يورث الاعتماد علي سند الرواية بأن محمد بن «سرو» أو «سرد» هو ابن جزك فلعله كان غيره.

أقول: اما كون السند في الوسائل محمد بن مسرور فما عندنا من النسخة منه فيها «محمد بن سرو» و ذكر في الهامش أن في هامش المخطوط محمد بن سرد. «1»

و أمّا كون محمد بن سرد أو سرو مجهولًا فهو كذلك لم يذكروه في كتب الرجال إلّا بروايته هذه المكاتبة و لكن اعتماد مثل عبد اللّه بن جعفر الحميري شيخ القميين و وجههم و صاحب الكتب يكفي في حصول الاطمينان بوقوع هذه المكاتبة بينه و بين الإمام عليه السلام و الظاهر أنه كان شخصاً وجيهاً له هذا القدر و المنزلة أن يكاتب الإمام عليه السلام و يتشرف بالجواب و نقل عبد اللّه بن جعفر عنه هذه المكاتبة مشعر بأنه يعرفه و يري ذلك له.

و منها ما رواه الشيخ قدس سره أيضاً بإسناده عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسي عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المتمتع له المتعة إلي

زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج إلي زوال الشمس من يوم النحر». «2»

و دلالته كسنده لا خدشة فيها فإنه صريح في أن العمرة إتمامها إلي زوال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 20 من ابواب اقسام الحج ح 15.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 344

الشمس من يوم عرفة و حيث أن السير إلي عرفات من مكة في الأيام السالفة بل في زماننا هذا يستغرق مدة من بعد زوال الشمس فلا يدرك الشخص الموقف بتمامه غاية ما يمكن يدرك مقداراً منه فلا بد أن لا يكون درك الموقف بتمامه معتبراً في صحة الحج و يكون دركه بمقدار المسمي كافياً في إدراكه.

و منها صحيح الحلبي الذي رواه الشيخ (رض)، بإسناده عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعاً ثمّ قدم مكة و الناس بعرفات فخشي إن هو طاف و سعي بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف؟ قال: يدع العمرة فإذا أتم حجّه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه». «1»

بيان دلالته: أن فوت الموقف يتحقق بفوت الوقوف في تمام وقته و إذا تحقق مسمّي الوقوف في الوقت لا يصدق به فوت الموقف و كأنه كان في ذهن الراوي أنه لو لم يخش فوت هذا المقدار يطوف و يسعي ثمّ يحرم للحج لكنه خشي فوت هذا المقدار الذي هو مسمي الوقوف و يصدق بدركه درك الموقف فأجابه عليه السلام: (بأنه يدع العمرة و يعدل إلي الإفراد كما صنعت عائشة).

و استشكل في الاستدلال به بأن فوت الموقف أعمّ من أن يكون الفائت ركناً أو غيره

فالعدول يجب بخوف الوقوف و لو في آن من آنات الوقت بين الظهر و الغروب.

و فيه: أولًا أن فوت الموقف لا يتحقق إلّا بفوته في تمام الموقف و لم يفته، و لا يقال فاته الوقوف أو الموقف بعد ما كان الوقوف بهذا المقدار كافياً و مصداقاً له و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 345

بعبارة اخري إذا كان الوقوف بمقدار المسمّي معتبراً عند الشارع و ركنا للوقوف و الحج ففوت الوقوف و الموقف لا يصدق إلا بتركه بتمامه.

و ثانياً، لو كان المراد من فوت الموقف في الرواية فوت وقت الوقوف في الجملة من أول الزوال إلي الغروب و لو ساعة من أوله، من قدم مكة و الناس بعرفات لا يخشي إن هو طاف و سعي يفوته ذلك بل هو عالم بذلك دون ما إذا كان المراد منه مسمي الوقوف فإنه يمكن أن يخشي فوته إن طاف و سعي.

هذا و قد اجيب عن هذا الاشكال بأنه لو تمّ ما ذكر فهو بالإطلاق بمعني أن إطلاق صحيح الحلبي يقتضي كون العبرة في العدول بفوت تمام الموقف من الزوال إلي الغروب و لكن صحيح جميل صريح في جواز إتيان العمرة إلي زوال يوم عرفة و هذا يقتضي فوات شي ء من الموقف بالطبع بمقدار سيره من مكة إلي عرفات لأن ذلك يستلزم فوات عدة ساعات من الموقف فترفع اليد عن ظهور خبر الحلبي بصراحة رواية جميل. «1» و بعبارة اخري نقول إن صحيح الحلبي يدل بإطلاقه علي أن عدم إدراك الموقف بكل آن من آناته موجب للعدول و صحيح جميل و مثل مكاتبة محمد بن سرو أو سرد يقيد ذلك بآن

و زمان يوجب فواته فوت مسمي الوقوف.

و في هذا الجواب أن علي هذا الإطلاق و التقييد يكون صحيح الحلبي بالنظر البدوي دالّا علي أن العبرة في وجوب العدول خوف فوت الواجب الاختياري من وقوف عرفة بكل واحد من آناته و بعد تقييده بما يتحقق به فوت مسمي الوقوف و الآن الخاص و أن يبقي دلالته علي وجوب العدول بخشية فوت

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 269.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 346

هذا الآن الخاص إلّا أنه بعد ذلك لا ينبغي أن يعد دليلًا علي عدم جواز العدول و وجوب إتمام العمرة إذا لم يخف فوت هذا الآن الذي بإدراكه يتحقق مسمي الوقوف بل الدليل علي ذلك دليل تقييده به.

و بعد ذلك كله في النفس و في إطلاق صحيح الحلبي شي ء فإنه إذا كان فوت الموقف أعم من الوقوف الركني و غيره معناه تحققه بفوت أول آنات الوقت فما هو معني دلالته علي فوته بفوت سائر آناته و لو كان ذلك منصوراً في غير مسألتنا هذه لا يتصور فيها فإن معني صحيح الحلبي و فوت الموقف يتحقق بأول آنات الوقت لا غيره فكيف يتصور الإطلاق.

إذاً فيكفينا في الجواب، الجواب الأول و الثاني و يتخلص منها دلالة الحديث علي وجوب العدول إذا خاف فوت الوقوف الركني و هذا قول جماعة من الاصحاب علي ما حكي عنهم في الجواهر قال: (ففي القواعد و عن الحلبيين و ابني إدريس و سعيد يحصل التمتع بإدراك مناسك العمرة و تجديد إحرام الحج و إن كان بعد زوال الشمس يوم عرفة إذا علم إدراك الوقوف بها و حينئذ فحدّ الضيق خوف فوات اختياري الركن من وقوف عرفة «1» و سياتي النظر فيما أفاده بعد ذلك

من رجوع ما في المبسوط و غيره إلي ذلك.

القول الثاني في حدّ الضيق المسوغ للعدول: زوال يوم عرفة فله المتعة إلي زوال هذا اليوم و هذا ظاهر كلام الشيخ قدس سره في النهاية قال: (و متي دخل انسان يوم التروية إلي مكة طاف و سعي و قصّر و أحلّ ثمّ عقد الإحرام للحج فان لم يلحق مكة إلّا ليلة عرفة جاز له أن يفعل ذلك أيضاً فإن دخلها يوم عرفة جاز له أن يحلّ

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 29.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 347

أيضاً ما بينه و بين زوال الشمس فإذا زالت الشمس فقد فاتته عمرته و كانت حجته مفردة هذا إذا علم أنه يلحق عرفات فإن غلب علي ظنّه أنه لا يلحقها فلا يجوز له أن يحل بل يقيم علي احرامه و يجعله حجة مفردة) «1».

و قال في المبسوط: (فإن لم يلحق مكة إلّا ليلة عرفة أو يوم عرفة جاز أيضاً أن يطوف و يسعي و يقصر ثمّ ينشئ، الإحرام ما بينه (و) بين الزوال فإن زالت الشمس من يوم عرفة فقد فاتته العمرة و يكون حجته مفردة). «2»

و هذا القول هو مختار القاضي ابن البرّاج قال: (و المتمتع بالعمرة الي مكة ليلة عرفة جاز له أن يعقد الاحرام بالحج بعد أن يطوف و يسعي فإن دخلها يوم عرفة جاز له ذلك ايضاً الي زوال الشمس فاذا زالت فقد فاتته العمرة و بطل كونه متمتعاً و كانت حجته مفردة). «3»

و أيضاً اختار هذا القول ابن حمزة فقال: (فإذا فرغ من المناسك للعمرة لم يخل إمّا أمكنه الاحلال من الاحرام و الاحرام بالحج و الوقوف بالموقفين أو لم يمكنه فإن لم يمكنه و هو زوال الشمس

من يوم عرفة و لم يفرغ من مناسك العمرة لم يجز له التحلل و إن كان قبل ذلك جاز له التحلل و هو وقت الامكان) «4» الخ و لكن كلامه ليس صريحاً في عدم جواز العدول بعد الزوال إن أمكنه الإحلال و الإحرام بالحج و الوقوف بالموقفين إن كان مراده من وقت الإمكان وقت الإمكان العرفي و العادي.

نعم إن كان مراده من وقت الإمكان، الإمكان الشرعي يكون كلامه ظاهراً

______________________________

(1)- النهاية/ 247.

(2)- المبسوط: 1/ 364.

(3)- المهذب: 1/ 243.

(4)- الوسيلة/ 176.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 348

في هذا القول و لعل لذلك قال في الجواهر: (و لعله يرجع اليه (يعني القول بوجوب الإتيان بالتمتع بإدراك مناسك العمرة و تجديد إحرام الحج و إن كان بعد زوال الشمس يوم عرفة) ما عن المبسوط و النهاية و الوسيلة و المهذب من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل إتمام العمرة بناء علي تعذر الوصول غالباً إلي عرفة بعد هذا الوقت لمضيّ الناس عنه لا أن المراد حتي إذا تمكن و أدرك مسمي الوقوف بعد الزوال) «1»، و لكن هذا الاحتمال و إن كان، قريب في كلام الوسيلة بعيد عن كلام الشيخ و القاضي.

و كيف كان فالذي يستدل به لهذا القول من الروايات ما رواه الشيخ بسند صحيح عن سعد بن عبد اللّه «2» عن محمد بن عيسي «3» عن ابن أبي عمير «4» عن جميل بن دراج «5» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المتمتع له المتعة إلي زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج إلي زوال الشمس من يوم النحر». «6» و مفهوم هذا الصحيح فوت عمرة التمتع بزوال الشمس من يوم عرفة.

فان قلت: الظاهر أن التحديد

الي زوال الشمس من يوم عرفة مبني كما أشار اليه في الجواهر علي تعذر الوصول غالباً بعد الزوال لا أنه يجب عليه العدول بعد ذلك و إن تمكن من إتمام متعته و الإحرام للحج و إدراك مسمي الوقوف بعد الزوال.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 29.

(2)- من كبار الثامنة قمي جليل القدر شيخ هذه الطائفة و اسمع الاخبار كثير التصانيف.

(3)- من السابعة ابن سعد بن مالك الاشعري القمي شيخ القميين و وجه الاشاعرة له كتاب الخطب.

(4)- من السادسة مشهور معروف بجلالة القدر عند الفريقين له مصنفات كثيرة …

(5)- من الخامسة وجه الطائفة ثقة ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه …

(6)- وسائل الشيعة: ب 20 من أقسام الحج ح 15.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 349

قلت: تعميم الحكم بالنسبة الي ما بعد الزوال خلاف ظاهر قوله عليه السلام: «المتمتع له المتعة الي زوال الشمس» و ليس التحديد بزوال الشمس لتعذر الوصول لاختلاف طول الأيام بحسب فصول السنة كما هو واضح مضافاً إلي أن الظاهر من كلام الإمام عليه السلام بيان الحكم لا الموضوع و مضافاً إلي أن ذلك أي موضوعية زوال الشمس للحكم يستفاد منه بقرينة قوله عليه السلام: «و له الحج الي زوال الشمس من يوم النحر».

و ما رواه شيخنا الكليني (رض) عن العدة رفعه عن ابي عبد اللّه عليه السلام «في متمتع دخل يوم عرفة قال: متعته تامة الي أن يقطع التلبية». «1»

و هو من حيث السند ضعيف و دلالته علي فوت العمرة بزوال الشمس لأن التلبية تقطع عند زوال الشمس من يوم عرفة.

يمكن الجمع بينهما سيّما صحيح جميل و بين الطائفة الاولي بحمل الصحيح علي حال الاختيار و أنه يجوز أن يأتي بالعمرة إلي

زوال الشمس و لا يجوز له التأخير عنه.

أمّا الطائفة الاولي فهي أيضاً محمولة علي حال عدم التمكن و الاضطرار و بعبارة اخري مفاد صحيح جميل عدم جواز تأخير المتعة من زوال الشمس اختياراً المستفاد من سائر الروايات المذكورة عدم جواز العدول إلي الإفراد للمعذور إذا أمكن له درك الموقف و لم يخف من فوته و لعلّه يرجع إليه ما في المبسوط و النهاية و المهذب و الفرق بينه و بين ما ذكره صاحب الجواهر يظهر بالتأمل.

______________________________

(1)- الوسائل: ب 20 من أبواب أقسام الحج، ح 7 و رواه في الوسائل من الشيخ بإسناده عن الكليني و لكن لم نجده لا في التهذيب و لا في الاستبصار فراجع لعلك تجده في طيّ الأبواب.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 350

و كيف كان سواء كان مدلول الصحيح في تحديد المتعة إلي زوال الشمس الإخبار عن الموضوع و أنه يفوته الوقوف و بعد الزوال في هذه الأزمنة أو بيان الحكم و أنه لا يجوز تأخير المتعة اختياراً من زوال الشمس لا يقع التعارض بينه و بين ما يدل علي أن المدار في الحكم بجواز العدول خوف فوت الموقف.

و مع ذلك مقتضي الاحتياط بعد الزوال إتمام العمرة و الاحرام لحج التمتع و الإتيان بأعمال الحج بقصد ما في الذمة من التمتع و الإفراد و الإتيان بالعمرة بعد الحج بقصد ما هو مأمور به واقعاً.

ثمّ إنّ هنا طوائف اخري من الروايات ربما يستدل بها للقول بغير ما ذكر من الأقوال مثل أن حدّ الضيق المسوغ للعدول إلي الإفراد زوال يوم التروية أو غروبه و لكن كلّها لا تقوم حجة قبال هذا القول المحكي عن جماعة من الأكابر لعدم تمامية دلالة بعضها و ضعف

سند البعض الآخر أو كونه غير معمول به أو سقوطه من جهة تعارضه مع ما هو الأقوي منه و إمكان حمل بعضها علي مراتب الفضل و غير ذلك من المحامل و اللّٰه العالم.

ثمّ انّ هنا فروع:
أحدها أنه لو أتم عمرته في سعة الوقت ثمّ اتفق أنه لم يدرك الاختياري من الوقوف كفاه الاضطراري

لا لما ذكرنا من الأخبار بل للأخبار الدالة علي أن «من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات و أدركها ليلة النحر تم حجه» «1».

و هل يلحق به من أتم عمرته باعتقاد سعة الوقت و بان كونه مضيقاً؟ فيه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 351

وجهان: وجه الإلحاق أنه أيضاً يكفيه وقوف الاضطراري و هو وقوف ليلة العيد في عرفات لأنه لم يترك الوقوف الاختياري عمداً حتي يفسد حجه بل تركه باعتقاد سعة الوقت و لا يجوز له العدول إلي الإفراد لأنه مترتب علي خشية فوت الموقف و هو لم يكن خائفاً.

و قال بعض الأعاظم: (و يمكن أن يقرب ما ذكرنا بأن العدول إنما جاز لدرك الموقف الاختياري لأهميته و المفروض أنه قد فاته علي كل تقدير عدل أو لم يعدل فأدلة العدول لا تشمل المقام فيكون حجه صحيحاً لدرك الموقف الاضطراري و أما ترك الاختياري فهو غير ضائر إذا كان عن عذر). «1»

و فيه: أن تسويغ العدول إلي الإفراد إذا خاف من فوت الموقف يدل علي أن الحكم العدول إلي الإفراد إذا لم يتمكن من إدراك الموقف إلّا به سواء علم المكلف بتحقق موضوعه أو لم يلتفت إليه، إذاً فالوجه عدم إلحاقه به و أنه داخل تحت ما يدل علي أن التكليف العدول إلي الإفراد.

و عليه يمكن أن يقال: إن حجه وقع صحيحاً بالإفراد و لا هدي عليه و إنه يعتمر بعده لأن إتمامه للعمرة لا

يجزي عنها فهو باق علي إحرامه لا يجوز له التقصير و لم يخرج به عن إحرامه الأول و صحة حجه في هذه الصورة لا تتوقف علي درك وقوف الركني من عرفة الذي لم يكن متمكناً من دركه لو أتم عمرته فيكفيه إدراك المشعر الاختياري فتدبر.

الفرع الثاني: الظاهر أنه لا فرق في الحكم المذكور بين التمتع الواجب و المندوب

لدلالة الاخبار علي أن ما ذكر حكم التمتع بنفسه فلو نوي التمتع ندباً

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 303.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 352

لا يجوز له العدول إلي الإفراد ما دام يمكن له إتمام العمرة و درك مسمي الوقوف في عرفات و إن ضاق وقته و لا يدرك مسمي الوقوف يعدل إلي الإفراد، و في وجوب العمرة بعده كما يجب في الواجب المعدول منه إلي الإفراد وجهان: من قوله عليه السلام في مثل صحيح الحلبي: «فإذا أتمّ حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه» و من أن وجوب العمرة المفردة يستفاد من ذلك إذ كانت العمرة المتمتع بها إلي الحج واجباً عليه لا مطلقا و الحديث ليس ظاهراً في الوجوب مطلقاً و الأصل البراءة عنه.

الفرع الثالث: الظاهر أنه إذ كان عالماً بضيق الوقت و عدم إمكان إتمام عمرة التمتع لا يجزيه الإفراد عن التمتع الواجب عليه

كما لا يجزيه الاحرام بقصد التمتع لاعن التمتع الذي هو وظيفته و لاعن الإفراد.

أمّا الأول، فإن كان ضيق الوقت حاصلًا بعصيانه و تأخيره عمداً فلا يجزيه الإفراد عن التمتع الواجب و إن لم يكن بتأخيره و اختياره فلا يجزيه عن حجة الإسلام لكشف ذلك عن عدم استطاعته.

و أما الثاني، فلان الإحرام بقصد التمتع إنما يصح إذا كان متمكناً من الإتيان به و إذا لم يكن متمكنا منه لا يأتي منه نية التمتع و لا يجوز له البناء علي الإفراد بعد الدخول في هذا الإحرام فإنه أولا متفرع علي صحته و ثانياً لأن العدول إلي الإفراد إنما دل الدليل علي جوازه لو عرض له العجز عن إتمامه في الأثناء لاما إذا كان حاصلًا من الأول.

الفرع الرابع: لو دخل في عمرة التمتع في سعة الوقت و أخر إتمامها إلي ضيق الوقت متعمداً و من غير عذر

فهل يجب عليه العدول إلي الإفراد أو يأتي بما بقي من أعمال العمرة ثمّ يأتي بالوقوف الاضطراري أو يجعل عمرته مفردة كمن أحرم للحج و لم يدرك الوقوف بالمشعر فتبطل عمرته دون إحرامه أو يحكم ببطلان عمرته و

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 353

إحرامه؟ فصور المسألة أربعة.

وجه الأول: إلحاقه بمن وقع في ضيق الوقت و خاف فوت الوقوف الركني إن أتم عمرته بدعوي عدم الفرق بين كون وقوعه في الضيق بالعمد و الاختيار أو بالاضطرار كما هو الشأن في نظائره من الأبدال الاضطرارية فمن أراق عمداً ماء الوضوء صحّ تيممه و من أخر الصلاة عمداً حتي أدرك ركعة من الوقت صحت صلاته و من عجز نفسه عن القيام في الصلاة صحت صلاته جالساً.

بل يمكن أن يقال: إن هذا الإلحاق يحتاج إليه لو لم تكن نصوص المسألة دالة عليه و أما إن قلنا بأن ظاهر النصوص يشمل المقام فالعمل يكون علي طبق النصوص.

و

فيه: أما شمول النصوص فممنوع لاختصاصه بمن حصل له الضيق بغير اختياره دون من كان متمكناً منه و جعل نفسه عاجزاً عمداً و أما الأبدال المذكورة فمثل الأول و الثالث ينتقل إلي البدل للدليل علي أن الصلاة لا تدع بحال.

نعم، في من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت يمكن أن يقال: بأنه لا يدل علي التوسعة في الوقت إن أخره عمداً و أن ما يدل علي أن الصلاة لا تدع بحال يدل علي أنه لا تدع بحال في وقته و دليل من أدرك ناهض علي كونه مدركاً لوقته إذا أخرها عن عمد و تقصير.

اللهم إلا أن يقال: إن الأصحاب فهموا منه الإطلاق و الشمول للعامد أيضاً لبعض القرائن و كيف كان لا وجه لإلحاق ما نحن فيه بهذه الموارد.

و وجه الثاني: أنه يتم عمرته و يأتي بالوقوف الاضطراري لعرفة فلا يضره ما فاته من عرفات.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 354

و فيه: أن ما دل علي كفاية اضطراري العرفة أو الاجتزاء بالوقوف بالمشعر خاص بحال الاضطرار لا العمد و الاختيار فمن فوت علي نفسه ذلك لا يشمله الدليل و القاعدة تقتضي فساد حجه.

و أما جعل عمرته مفردة بالقول ببطلان متعته دون إحرامه كمن أحرم للحج و لم يدرك الوقوف بالمشعر فلا دليل عليه.

بقي الوجه الرابع و هو الحكم ببطلان عمرته و إحرامه فان الإحرام الصحيح هو الإحرام المتعقب بالطواف في عمله هذا و مع عدم التعقب و لو كان بالاختيار انكشف بطلان إحرامه من الأول.

و فيه: من أين نقول: إن الاحرام الصحيح هو ما يكون هكذا و يمكن أن يقال: إنه لا فرق في العدول إلي الإفراد في صورة عدم التمكن من إدراك الوقوف الركني

إن أتم عمرته بين كون عجزه عن ذلك بالعذر أو العمد فيجب عليه إتمام ما بيده من الإحرام بالعدول و درك الوقوف.

و المسألة محل الإشكال لاحتمال انقلاب عمرته إلي المفردة فيدور الأمر بين إتمام عمرته مفردة أو العدول عنها إلي الحج الإفراد.

[مسألة 7] الحائض و النفساء المعذورين عن إتمام العمرة

مسألة 7- اختلفت كلمات الأصحاب في وظيفة الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما عن إتمام العمرة و إدراك الحج لضيق الوقت علي أقوال:

أحدها أن عليهما العدول إلي الإفراد و الإتمام ثمّ الإتيان بالعمرة بعد الحج

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 355

قال الشيخ في الخلاف: (إذا حاضت المتمتعة قبل أن تفرغ من أفعال العمرة جعلته حجة مفردة قال الفقهاء بأسرهم تحتاج إلي تجديد الإحرام دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم). «1»

و قال في الجواهر: (علي المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل في المنتهي الإجماع عليه) ثمّ نقل ما في المنتهي في ذلك إلي قوله: (ذهب اليه علماؤنا اجمع) و قال في الجواهر: (فلا ريب أنّ الأصح ما عليه المشهور). «2»

و مستند أرباب هذا القول طائفة من الروايات مثل صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال: تمضي كما هي إلي عرفات فتجعلها حجة ثمّ تقيم حتي تطهر و تخرج إلي التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة قال ابن أبي عمير: كما صنعت عائشة» «3» و إطلاقه يشمل صورة كونها حائضاً من حين الشروع في الإحرام كما يشمل صورة حدوث الحيض لها بعد الإحرام.

و مثل صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ففيه: «إذا زالت الشمس ذهبت المتعة فقلت: فهي علي إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال: لاهي علي إحرامها قلت: فعليها هدي؟ قال: لا إلّا أن تحبّ

أن تطوع، ثمّ قال: أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل ان نحرم فاتتنا المتعة». «4»

لكنه يدل علي العدول الي الافراد إذا حدث الحيض بعد الاحرام لقوله في صدر الحديث: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعاً فتحيض

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 334.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 36.

(3)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج، ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 356

قبل أن تحل».

إلّا أن يقال: إن الاعتبار في الحكم بالعدول إلي الإفراد ذهاب المتعة و خوف فوت الوقوف و لا فرق في حصول ذلك بين كونها حائضاً من أول الإحرام أو بعده و في الأثناء.

و بعبارة اخري ما هو الموضوع في الحكم هو كون الحيض مانعاً من إتمام العمرة و درك الوقوف و لا فرق في ذلك بين كون مبدأ حدوثه قبل الإحرام أو حينه أو بعده.

و رواية موسي بن القاسم عن ابن جبلة «1» عن اسحاق بن عمار «2» عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتي تخرج إلي عرفات؟ قال: تصير حجة مفردة قلت: عليها شي ء؟ قال: دم تهريقه و هي اضحيتها» «3» و دلالتها مثل صحيح ابن بزيع.

ثانيها: أنها تبقي علي متعتها فتترك الطواف و تأتي بالسعي و التقصير ثمّ تحرم بالحج من مكانها ثمّ تقضي طواف عمرتها بعد أن تطهر حكي ذلك عن الإسكافي و علي بن بابويه و أبي الصلاح و في الجواهر و حكاه في كشف اللثام عن الحلبيين و جماعة و لكن الموجود في كشف اللثام ما هذا لفظه: (و عن جماعة من الأصحاب العدم

(أي عدم العدول إلي الإفراد) (و لعلّ منهم الحلبي فإنه أطلق أنه لا يجزي النائي سوي التمتع و أن المرأة إذا حاضت قبل الإحرام أو بعده و لم تطهر للطواف سعت فإذا

______________________________

(1)- هو عبد اللّه بن جبلة بن حيان بن أبحر الكناني واقفي له كتب عن الكاظم عليه السلام ثقة من السادسة.

(2)- فطحي ثقة من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 357

قضت مناسك الحج قضت الطواف و لم يذكر أن لها العدول) «1».

أقول: ما ظفرنا به من كلام الحلبي هكذا: (و تؤدي الحائض و النفساء جميع المناسك إلّا الطواف فانها تقضيه إذا طهرت بدليل الاجماع المشار اليه «2». و كيف كان فمستند هؤلاء الأكابر أيضاً الأخبار:

منها ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا «3» عن أحمد بن محمد بن عيسي «4» عن محمد بن أبي عمير «5» عن حفص بن البختري «6» عن العلاء بن صبيح «7» و عبد الرحمن بن الحجاج «8» و علي بن رئاب «9» و عبد اللّه بن صالح «10» كلهم يروونه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثمّ حاضت تقيم ما بينها و بين التروية فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفاء و المروة و إن لم تطهر إلي يوم التروية اغتسلت و احتشت ثمّ سعت بين الصفاء و المروة ثمّ خرجت إلي مني فإذا قضت المناسك وزارت بالبيت (البيت خ) طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثمّ طافت طوافاً للحج ثمّ خرجت فسعت فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كل شي ء يحلّ

______________________________

(1)- كشف اللثام: 5/ 28.

(2)- الكافي في الفقه/ 218.

(3)- هم محمد بن يحيي و أحمد

بن إدريس و علي بن إبراهيم و داود بن كورة و علي بن موسي الكميداني.

(4)- هو من السابعة.

(5)- من السادسة مشهور بجلالة القدر.

(6)- من الخامسة ثقة و رمي عداوة بلعب الشطرنج.

(7)- كأنه من الخامسة.

(8)- من الخامسة ثقة ثقة ثبت مات في عصر مولانا الرضا عليه السّلام علي ولايته.

(9)- من الخامسة ثقة جليل القدر له كتب و أصل كبير.

(10)- من الخامسة ثقة شيخ القميين له كتب.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 358

منه المحرم إلّا فراش زوجها فإذا طافت طوافاً آخر (اسبوعاً آخر خ) حلّ لها فراش زوجها». «1»

و هذه الرواية تدل علي أنها إن حاضت بعد دخول مكة و لم تطهر إلي يوم التروية تسعي بين الصفا و المروة و تخرج إلي مني و تقضي المناسك و تقضي طواف عمرتها، و يمكن أن يقال: باستفادة حكم من قدمت مكة و هي حائض منها لعدم احتمال دخل تقدم حيضها علي دخولها إلي مكة أو تأخرها بل الوجه لذلك عجزها عن أداء الطواف بالحيض.

منها ما رواه شيخنا الكليني قدس سره عن محمد بن يحيي «2» عن سلمة بن الخطاب «3» عن ابن رباط «4» عن درست بن أبي منصور «5» عن عجلان «6» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: متمتعة قدمت فرأت الدم كيف تصنع؟ قال: تسعي بين الصفا و المروة و تجلس في بيتها فإن طهرت طافت بالبيت و إن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلّت بالحج فخرجت إلي مني و قضت المناسك كلها فإذا فعلت ذلك فقد حلت لها كل شي ء ما عدا فراش زوجها قال: و كنت أنا و عبيد اللّٰه بن صالح «7» سمعنا هذا الحديث في المسجد فدخل

عبيد اللّٰه علي أبي الحسن عليه السلام فخرج إلي فقال: قد سألت أبا الحسن عليه السلام عن رواية عجلان فحدثني بنحو ما سمعنا من

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 444 ح 1.

(2)- من الثامنة أبو جعفر القمي شيخ أصحابنا له كتب كثير الرواية.

(3)- من السابعة البراوستاني الأزدورقاني، له كتب الازدورقاني قرية من سواد الري.

(4)- كأنه من كبار السادسة له كتاب ثقة.

(5)- من الخامسة واسطي واقفي له كتاب.

(6)- من الخامسة لعله كان من الثقات.

(7)- من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 359

عجلان». «1»

و لكن ليس فيها قضاء طواف عمرتها إلّا أنه يستفاد من روايتها في الكافي بسند آخر و لفظ أتم فقد رواه عن أحمد بن محمد «2» عن محمد بن إسماعيل «3» عن درست الواسطي عن عجلان أبي صالح قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة متمتعة قدمت مكة فرأت الدم؟ قال: تطوف بين الصفا و المروة ثمّ تجلس في بيتها فان طهرت طافت بالبيت و إن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلّت بالحج من بيتها و خرجت إلي مني و قضت المناسك كلها فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين ثمّ سعت بين الصفاء و المروة فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كل شي ء ما خلا فراش زوجها» «4»

هذا و قد روي في الكافي هذا الخبر بسند آخر بالاختصار أيضاً عن عجلان قال: عدة من أصحابنا «5» عن أحمد بن أبي عبد اللّه «6» عن علي بن أسباط «7» عن درست عن عجلان أبي صالح «أنه سمع ابا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: إذا اعتمرت المرأة ثمّ اعتلت قبل أن تطوف قدمت السعي و شهدت المناسك فاذا طهرت و انصرفت من

______________________________

(1)- الكافي:

4، 446.

(2)- ابن خالد البرقي الثقة صاحب المحاسن من السابعة.

(3)- ابن بزيع من السادسة ثقة جليل.

(4)- الكافي: 4/ 446.

(5)- هم علي بن إبراهيم و علي بن محمد بن عبد اللّه ابن بنت البرقي و أحمد بن عبد اللّه بن أحمد البرقي ابن ابنه و علي بن الحسين السعدآبادي المؤدب تلميذ البرقي.

(6)- هو البرقي من السابعة.

(7)- من السادسة من أوثق الناس و أصدقهم لهجة له أصل.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 360

الحج قضت طواف العمرة و طواف الحج و طواف النساء ثمّ احلت من كل شي ء». «1» و احتمال تعدد هذه الثلاثة باعتبار تعدد اخراجها في الكافي، في غاية الضعف.

و كيف كان يرد علي الاحتجاج بخصوص هذه الثلاثة لهذا القول ما في صحيح ابن بزيع فإن الإمام عليه السلام رد الاحتجاج برواية عجلان هذه و إليك رواية ابن بزيع قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل متي تذهب متعتها؟ قال: كان جعفر عليه السلام يقول: زوال الشمس من يوم التروية و كان موسي عليه السلام يقول: صلاة الصبح من يوم التروية فقلت: جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثمّ يحرمون بالحج فقال:

زوال الشمس فذكرت له رواية عجلان أبي صالح؟ قال: لا إذا ذهبت الشمس ذهبت المتعة فقلت: فهي علي إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال: لاهي علي إحرامها» الحديث «2» و بعد هذا التصريح من الإمام عليه السلام لا يبقي مجال للاحتجاج بها بل يمكن أن يعد هذا الصحيح موهناً للاحتجاج بسائر ما استدل به من الرويات للقول الثاني.

ثمّ إن الظاهر أنه لا يمكن الأخذ بهذا القول علي سبيل التعيين، لأنه لا يمكن

تصحيحه بعد وقوع ما يدل عليه من الروايات قبال الروايات الدالة علي القول الأول و عدم إمكان ترجيحه عليها لو لم نقل بالعكس و ترجيح ما يدل علي العدول إلي الإفراد عليه.

ثالثها: القول بالتخيير بين الأمرين كما حكي عن الإسكافي و عن صاحب المدارك. و قال بعض الأعلام: (و لو لا خوف مخالفة المشهور لأمكن القول بالتخيير حيث إن كلًا من الطرفين من الأخبار نصّ في الإجزاء و ظاهر في التعيين فيرفع اليد

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 447.

(2)- التهذيب كتاب الحج ح 1366- الاستبصار ب 214 ح 1107

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 361

عن كل من الظهورين بالنص) «1»

و في هذا القول أن ذلك يتم لو كانت الروايات من الطرفين مشتملة علي الإثبات، أما إذا كان بعضها مشتملا علي الإثبات و النفي مثل رواية ابن بزيع حيث سئل فيه عن الإمام عليه السلام: «فهي علي إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال: لاهي علي إحرامها».

مضافاً إلي أن قوله عليه السلام: «إذا ذهبت الشمس ذهبت المتعة» أيضاً يمنع من هذا الجمع.

هذا و لو بنينا علي هذا الجمع فالعدول كما أفاده صاحب المدارك (ره) أولي قال: (لصحة مستنده و صراحة دلالته و إجماع الأصحاب عليه). «2»

و رابعها: التفصيل بين ما إذا كان حيضها حادثاً قبل الإحرام أو حينه و بين ما إذا حدث بعد الإحرام ففي الصورة الاولي تعدل إلي الإفراد و في الثانية تتخير بين العدول و بين إتمام عمرتها بقضاء سعيها و تقصيرها و قضاء طوافها بعد إتمام حجها.

و الوجه الأول: ما يدل علي وجوب العدول إلي الإفراد بالإطلاق أو بالنص إذا كان حائضاً حين الإحرام و ليس في الروايات ما ينافي ذلك، فإن كلها إما يدل علي جواز

العدول مطلقاً أو يدل علي عدم جوازه و إتمام العمرة و قضاء طوافها إذا حدث حيضها بعد الإحرام.

و الوجه الثاني: أن الروايات في هذه الصورة متعارضة فبعضها يدل علي أن وظيفتها حج الإفراد مثل صحيح جميل فإنه بإطلاقه يدل علي العدول إلي

______________________________

(1)- جامع المدارك: 2/ 339.

(2)- مدارك الاحكام: 7/ 181.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 362

الإفراد و مثل مصحح إسحاق بن عمار فإنه صريح الدلالة علي العدول. و بعضها يدل علي أن وظيفتها التمتع لكنها تؤخر الطواف إلي ما بعد الوقوفين مثل صحيح العلاء بن صبيح و جماعة معه و صحيحة عجلان فيتحقق التعارض بين الطائفتين:

فمقتضي الطائفة الأولي وجوب الإفراد و مقتضي الثانية التمتع، غير أن دلالتها علي الوجوب التعيين من باب الإطلاق. و حيث نعلم بعدم وجوبها معاً نرفع اليد من إطلاق كلهما و دلالتهما بالإطلاق علي التعيين و نأخذ بما نصّ فيه و هو إجزاء كل منهما و نتيجة ذلك هو التخيير بينهما.

و في هذا القول أيضاً ما في سابقه من منافاة هذا الجمع مع رواية ابن بزيع.

و أما الاستشهاد له برواية أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: في المرأة المتمتعة إذا أحرمت و هي طاهر ثمّ حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت و لم تطف حتي تطهر ثمّ تقضي طوافها و قد تمت متعتها و إن هي أحرمت و هي حائض لم تسع و لم تطف حتي تطهر» «1».

فمضافاً إلي ضعف سندها، ظاهرها أن السؤال فيها راجع إلي حكم إتمام عمرتها في سعة الوقت دون ما إذا ضاقت عليه الوقت و لم يكن من الجمع بين العمرة و الحج.

و خامسها: إتمام العمرة بالاستنابة للطواف ثمّ الإتيان بالسعي و التقصير

بنفسها، و ما يمكن أن يكون وجهاً لذلك تساقط الروايتين بالتعارض فنبقي نحن و استصحاب بقاء التمتع عليها، بل و إطلاق ما يدل علي وجوب التمتع علي النائي كقوله تعالي: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 84 من أبواب الطواف ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 363

و لكن يرد علي التمسك بالاستصحاب عدم اليقين بوجوب التمتع عليها، لجواز أن يكون الواجب عليها من أول الأمر حج الإفراد و علي التمسك بالإطلاق أنه فرع تمكنها من الإتيان بالتمتع و هي لا تتمكن منه لعدم إمكان الجمع بين إتمام عمرة التمتع و حج التمتع إذا استمر بها الدم إلي أن ضاق وقت الحج، و جواز الاستنابة محتاج إلي الدليل.

اللهم إلا أن يقال: إن المستفاد من الأدلة وجوب الطواف و عدم سقوطه و عدم سقوط وجوب الحج بتعذره، بل يجب عليه الإتيان به بالمباشرة، و إلا فالاستنابة كما هو الحكم في مثل المريض العاجز عنه فإنه يستنيب للطواف.

و فيه: أنه لم يعرف القائل به، مضافاً إلي اتفاق جميع هذه الأخبار علي نفي ذلك.

و قد ظهر من كل ما ذكرنا في وجوه الأقوال المذكورة أن الأقوي هو القول الأول لصحة مستنده و صراحة لفظه و عدم ما في المضمون الثاني من الضعف فيه و مطابقته لما دل علي أن المتمتع إن ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج يعدل إلي الإفراد سيما في بعض رواياته ما يدل علي أنهما من باب واحد. فالباب في مسألة الذي ضاق وقته عام يشمل بعمومه مسألتنا هذه و في مسألتنا خاص مختص بالحائض.

و ذلك مثل صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أهل

بالحج و العمرة جميعاً ثمّ قدم مكة و الناس بعرفات فخشي إن هو طاف و سعي بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف؟ قال عليه السلام: يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 364

عائشة و لا هدي عليه». «1»

مضافاً إلي فتوي المشهور بل دعوي الإجماع عليه من الشيخ في الخلاف و العلامة في التذكرة و المنتهي، و مضافاً إلي أن ذلك جمع بين هذا القول و القول الثالث و الرابع.

و أما توهم ترجيح القول الثاني لموافقته للكتاب، فمردود بأن القول الأول ليس مخالفاً للكتاب، لأن المستفاد من قوله تعالي: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» اختصاص التمتع بالنائي لا اختصاص النائي به و أنه لا يجوز له غيره.

هذا و لكن لا ينبغي لمن تمكن من الاحتياط تركه و طريقه الاستنابة لطواف العمرة و صلاته رجاءً و احتياطاً و تجديد الإحرام من مكة خارج المسجد لحج التمتع رجاءً و الإتيان بجميع أفعال الحج بقصد ما في الذمة و ذبح الهدي و قضاء طواف العمرة و الإتيان بعمرة مفردة فإنه ليس بناكب عن الصراط من سلك مسلك الاحتياط.

[مسألة 8] الابتلاء بالحيض في اثناء الطواف

اشارة

مسألة 8- المشهور بين الأصحاب كما في الجواهر شهرة عظيمة أن المرأة اذا ابتلت بالحيض في- أثناء عمرة التمتع و قد طافت أربعا صحت متعتها و أتت بالسعي و بقية المناسك و قضت بعد طهرها- ما بقي من طوافها و ذلك لروايات يجبر ضعف إسنادها عمل المشهور بها؟

و ظاهر النص و الفتوي أنه لا فرق بين من تمكنت من إتمام طوافها و أداء صلاتها ثمّ الإتيان بالحج بعده و من لم تتمكن من- ذلك و لا بد لها من الإحرام للحج

______________________________

(1)- وسائل

الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 365

و الذهاب الي عرفات فإنها تأتي بقية طوافها و صلاتها بعد الرجوع- الي مكة قبل طواف الحج و صلاته معينا أو بعده كذلك أو تخيرت بين الإتيان بهما قبل طواف الحج أو- بعده و كذا لا فرق في ذلك بين كون ذلك في أثناء طواف العمرة المفردة أو عمرة التمتع أو في أثناء- العمرة أو الحج سواء كان الحج أو العمرة مندوبا أو واجبا.

و الظاهر أن مقتضي الأصل عدم اشتراط صحة الطواف بكون أشواطها متتابعة يلي بعضها البعض بدون الفصل. اللهم إلا أن يتمسك بإطلاق: «الطواف بالبيت صلاة» فكما تبطل الصلاة بوقوع الحدث بينها و الفصل الطويل يبطل الطواف أيضا بمثله فلا بد من الحكم بصحته و عدم بطلانه إذا طافت أربعا من الدليل و قد عرفت أن المشهور شهرة عظيمة عدم بطلانه بالحدث الواقع بينه إذا طافت أربعا.

إذا فلا بد من ملاحظة الفتاوي و النصوص و النظر فيها. فنقول: أما الفتاوي و الأقوال فهم بين من يقول بالصحة مطلقا و بين من يقول بالبطلان مطلقا و من يقول بالتفصيل الذي أشرنا إليه و قلنا إنه المشهور و إليك ما عثرنا علي كلماتهم و إن كنا لم نستقصها لقلة الفرصة و المجال.

قال الصدوق قدس سره في المقنع: (و اذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بالصفا و بالمروة و جاوزت النصف فلتعلم علي الموضع الذي بلغت فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي أعلمته، و إن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله، و روي أنها إن كانت طافت ثلاثة أشواط أو

أقل ثمّ رأت الدم حفظت مكانها فاذا طهرت طافت و اعتدت بما مضي). «1»

______________________________

(1)- المقنع: / 264.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 366

و ظاهر كلامه بيان حكم الطامث في سعة الوقت و إمكان إتمام الطواف لها بعد الطهر كما أنه لم يرد ما دل عليه المروي فلا يشمل ضيق الوقت عن الإتيان بالبقية.

نعم كلامه مطلق بالنسبة إلي سائر الصور و إن كان أعم ممن طاف أربعا أو أقل لأن التجاوز عن النصف يتحقق بالتجاوز عن ثلاثة أشواط و نصف و يأتي الكلام في ذلك انشاء اللّٰه تعالي.

و قال في من لا يحضره الفقيه: (و روي حريز عن محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه و اعتدت بما مضي» و روي العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام- مثله. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: و بهذا الحديث أفتي دون الحديث الّذي رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عمن سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام «عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمّ طمثت؟ قال:

تتم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة، و لها أن تطوف بين الصفا و المروة لأنها زادت علي النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج و إن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف بعد الحج فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلي الجعرانة أو إلي التنعيم فلتعتمر». لأن هذا الحديث إسناده منقطع و الحديث الأول رخصة و رحمة و إسناده متصل) «1» و علي هذا قد استقر فتواه علي عدم موضوعية العدد المذكور الأربعة و إن طوافها لا يبطل بحدوث الطمث في أثنائه إلا

أنها تحفظ مكان حدوثه و تأتي بالبقية منه بعد طهرها عنه.

و يمكن أن يستظهر من كلامه في الفقيه عكس ما استظهرناه من كلامه في المقنع فإن كلامه في الأخير ظاهر في بيان حكم الحائض في ضيق الوقت. و اللّٰه اعلم.

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2 باب احرام الحائض و المستحاضه ص 383 ح: 2767.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 367

و قال المفيد رضي الله عنه في المقنعة: (و إذا حاضت المرأة و هي في الطواف- قطعت و انصرفت فان كان ما طافته أكثر من النصف بنت عليه اذا طهرت، و إن كان أقل استأنفت). «1»

و دلالته علي حكم صورة ضيق الوقت و عدم طهرها قبل الخروج إلي عرفات محل تأمل، إلا أن يقال باستفادة وحدة حكم الصورتين عنده من سكوته عن بيان حكم الصورة الثانية.

و قال الشيخ رضوان اللّٰه عليه في النهاية: (فإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثمّ حاضت كان حكمها حكم من لم يطف و إذا طافت أربعة أشواط ثمّ حاضت قطعت الطواف وسعت بين الصفا و المروة و قصرت ثمّ أحرمت بالحج و قد تمت متعتها فإذا فرغت من المناسك و طهرت تمت الطواف) «2».

و ظاهره و إن كان بيان حكم صورة ضيق الوقت عن إتمام العمرة إلا أنه يمكن استفادة حكم سائر الصور منه أيضا كما يدل عليه عبارته في الجمل و العقود قال:

(فإن حاضت (في) خلال الطواف و قد طافت أكثر من النصف تركت بقية الطواف و قضتها بعد ذلك و تسعي و تقصر و قد تمت متعتها و إن كان أقل من ذلك جعلت حجتها مفردة). «3»

و قال الشيخ في الاقتصاد: (فإن حاضت في حال الطواف و كانت طافت أربعة أشواط

تركت بقية الطواف و قضتها بعد ذلك و تسعي و تقصر و قد تم متعتها و ان

______________________________

(1)- المقنعة/ 440.

(2)- النهاية/ 275.

(3)- الينابيع 7/ 234.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 368

طافت ثلاثة أشواط أو أقل فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة). «1»

و قال في المبسوط: (و إن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثمّ حاضت كان حكمها حكم من لم يطف و إذا طافت أربعة أشواط ثمّ حاضت قطعت الطواف وسعت و قصرت ثمّ أحرمت بالحج و قد تمت متعتها فإذا فرغت من المناسك و طهرت تمت الطواف). «2»

و قال الديلمي رضي الله عنه: (و إن قطع الطواف قبل إتمامه ناسيا أو متعمدا فإنه لا يخلو اما أن يكون قد جاوز نصفه أولم يبلغ النصف فإن كان جاوزه تمم من حيث قطع و إن لم يبلغه استأنف طوافه، و كذلك لو أتي امرأة الحيض في الطواف لكان حكمها و حكم القاطع طوافه سواء لأن المرأة تقضي كل المناسك و هي حائض إلا الطواف و الصلوة فلا تقربهما حتي تطهر). «3»

و قال القاضي ابن البراج قدس سره: (و أن تقطعه إذا كانت المرأة حاضت بعد جواز نصفه و تقضي الباقي بعد السعي و التقصير، و أن تجعل ما هي فيه حجة مفردة إذا حاضت في أقل من نصفه). «4»

و قال ابن حمزة قدس سره في الوسيلة: (فإن حاضت خلال الطواف و قد طافت أربعة أشواط أو أكثر قطعت و بنت عليه و خرجت من المسجد وسعت و قصرت و أحلت ثمّ أحرمت بالحج يوم التروية … فإن حاضت قبل أن تطوف أربعة أشواط بطلت

______________________________

(1)- الاقتصاد/ 311.

(2)- المبسوط: 1/ 331.

(3)- المراسم/ 123.

(4)- المهذب: 1/ 232.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 369

متعتها و

لزمتها الإقامة علي إحرامها). «1»

و هذا كلام جمع من كبراء الفقهاء المتقدمين و نحوه كلام غيرهم من مقاربي عصرهم و من المتأخرين كالهذلي و العلامة و المحقق و الشهيد و غيرهم و الظاهر أنه لم يخالفهم فيما اتفقوا عليه و هو عدم بطلان طوافها بالحيض في الجملة، إلا ابن ادريس في السرائر فإنه بعد ما حكاه عن الشيخ قال: (و الذي تقتضيه الأدلة أنه إذا جاءها الحيض قبل جميع الطواف فلا متعة لها و إنما ورد بما قاله شيخنا خبران مرسلان فعمل عليهما و قد بينا أنه لا يعمل بأخبار الآحاد و ان كانت مسندة فكيف بالمراسيل) «2»

و تبعه سيد المدارك حيث قال: (و هذا القول لا يخلو من قوة لامتناع اتمام العمرة المقتضي لعدم وقوع التحلل) «3» ثمّ تمسك باطلاق السؤال في صحيحة ابن بزيع قال: «سألت: أبا الحسن عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل متي تذهب- متعتها» (الحديث) «4»

و علي هذا يمكن دعوي اتفاق القدماء غير ابن ادريس علي وجوب بنائها علي ما طافت إذا تمت منه أربعة أشواط حتي الصدوق فإن وجوب الحفظ علي ما طافت إذا طافت- الأربعة داخل في فتواه الأعم من ذلك.

نعم مفهوم العدد و صراحة منطوق بعض كلماتهم يخالف إطلاق كلام الصدوق و جواز البناء علي ما طافت مطلقا و إن كان ثلاثة أشواط أو أقلّ منها.

و لكن إن بنينا علي العمل بروايات الأربعة و صحة الاحتجاج بها يمكننا أن

______________________________

(1)- الوسيلة: / 192.

(2)- السرائر: 1/ 623.

(3)- المدارك 7/ 182.

(4)- وسائل الشيعة: باب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 370

نقول بتقييد رواية محمد بن مسلم الدالة بالاطلاق علي حكم

الطواف الواجب و المندوب بهذه الروايات الواردة في الطواف الواجب الذي يؤتي به في ضمن الحج أو العمرة، سواء كانا واجبين أو مندوبين و كان الوقت مضيقا او موسعا. و سيأتي الكلام بتمامه في ضمن البحث عن أحاديث الباب.

ثمّ الظاهر أن مرادهم من التجاوز عن النصف و عدم الاكتفاء بالثلاثة و لزوم إتمام الأربعة هو الشوط الرابع الذي هو واقع بين ثلاثة أشواط الاولي و الثلاثة الثانية و ليس مرادهم من النصف ثلاثة أشواط و نصف و علي هذا لا حاجة إلي الاحتياط فيما بين الثلاثة و النصف و تمام الأربعة و إن قلنا به في المناسك. هذا تمام الكلام حسب فتاوي الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم.

و أما روايات الباب: فمنها ما رواه الكليني قدس سره عن محمد بن يحيي «1» عن سلمة بن الخطاب «2» عن علي بن الحسن «3» عن علي بن أبي حمزة «4» و محمد بن زياد «5» عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه قال: «إذا حاضت المرأة و هي بالطواف بالبيت (أو) و بين الصفا و المروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته فان هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله» «6» و هي ظاهرة الدلالة علي صحة

______________________________

(1)- العطار أبو جعفر القمي من الثامنة شيخ أصحابنا في زمانه ثقة عين.

(2)- من السابعة الراوستاني الازدورقاني قرية من سواد الري وصف بالضعف و لكنه روي عنه المشايخ.

(3)- الطاطري كأنه من السادسة واقفي وصف بأنه شديد العناد في مذهبه.

(4)- من الخامسة متهم ملعون.

(5)- من السادسة أو الخامسة و لعله هو ابن أبي عمير المشهور.

(6)- وسائل الشيعة: ب 85

من أبواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 371

طوافها إذا جاوزت النصف و بطلانه في الأقل من النصف و لكن ضعف سندها بأن فيه سلمة بن الخطاب لم تثبت وثاقته.

و منها ما رواه الكليني أيضا عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد «1» عمن ذكره عن أحمد بن عمر الحلال «2» عن أبي الحسن (عليه السلام) قال:

«و سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثمّ اعتلّت؟ قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت او بالصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت فاذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من اوله». «3»

و دلالتها أيضا كسابقتها إلا أن سندها ضعيف بالإرسال.

و منها ما رواه الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم «4» عن صفوان بن يحيي «5» عن ابن مسكان «6» عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ «7» قال: «حدثني من سمع- أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط- تخرج إلي مني قبل أن تطوف الطواف الآخر» «8» و رواها الكليني بسنده عن إسحاق بياع اللؤلؤ إلي قوله: «فمتعتها تامة».

______________________________

(1)- يحيي العطار القمي الظاهر أنه ثقة.

(2)- له كتاب وصف بأنه ثقة روي الاصل.

(3)- وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب الطواف ح 2.

(4)- من السابعة كوفي ثقة جليل القدر واضح الحديث له ثلثون كتابا.

(5)- ثقة ثقة عين له مقامات حسنة من أعاظم السادسة.

(6)- عبد اللّه بن مسكان من الخامسة.

(7)- لعله هو اسحاق بياع اللؤلؤ كما في الكافي لم تثبت وثاقته.

(8)- وسائل الشيعة: ب 86 من أبواب الطواف ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 372

و دلالتها أيضا ظاهرة و إن قيل بأنّ

موردها من لا تتمكن من الطواف قبل الحج فلا دلالة لها علي فساد الأشواط الثلاثة مطلقا.

و فيه: أن الظاهر أن هذا حكم طبيعة الطواف لا بعض أقسامه، مضافا إلي أنه لا قائل بهذا التفصيل

و بعد ذلك أورد علي سنده بضعفه بأبي إسحاق أو إسحاق و بالارسال.

و يمكن أن يقال: إن كل ذلك لا يضر إذا كان السند إلي ابن مسكان الّذي هو ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم.

و منها ما رواه الصدوق عليه الرحمة بإسناده عن ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق «1» عمن سأل أبا عبد اللّه عليه السلام «عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمّ طمثت؟ قال: تتم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة و لها أن تطوف بين الصفا و المروة لأنها زادت علي النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج، و إن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج (بعد الحج) فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلي الجعرانة أو إلي التنعيم فلتعتمر» «2» و رواه الشيخ في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد «3» عن محمد بن سنان «4» عن ابن مسكان عن إبراهيم بن أبي إسحاق «5» عن سعيد الأعرج «6» قال: «سئل (سألت أبا) أبو عبد اللّه عليه السلام عن امرأة

______________________________

(1)- الحارثي الظاهر أنه من الخامسة أو الرابعة.

(2)- وسائل الشيعة: باب 85 من ابواب الطواف ح 14.

(3)- من كبار السابعة الاهوازي ثقة جليل القدر كثير التصانيف.

(4)- من السادسة قيل فيه بعض المطاعن.

(5)- كأنه من الخامسة.

(6)- هو عبد الرحمن او عبد اللّه كوفي ثقة له اصل و من الخامسة او الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 373

طافت بالبيت أربعة أشواط و

هي معتمرة ثمّ طمثت؟ فقال: تتم طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها أن تطوف بين الصفا و المروة و ذلك لأنها زادت علي النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحج» «1» و رواه في الاستبصار بالإسناد عن إبراهيم بن أبي إسحاق عمن سأل أبا عبد اللّه عليه السلام.

أقول: ما في الفقيه و في النسخة المطبوعة الأخيرة من التهذيب إبراهيم بن إسحاق و في المطبوعة من التهذيب في النجف و الوسائل الطبعة الأخيرة إبراهيم بن أبي إسحاق و في الاستبصار أيضا (أبو إسحاق).

قال المحقق الاردبيلي في جامع الرواة في إبراهيم بن إسحاق: (ق) أبو إسحاق الحارثي [قي] (مح) و بعد ما روي الخبر عن ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن سعيد الأعرج قال: (روي هذا الخبر بعينه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (يب) في باب الزيادات في فقه الحج روي هذا الخبر بعينه ابن مسكان عن إبراهيم بن أبي إسحاق عمن سئل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) في (بص) في باب المرأة الحائض متي تفوت متعتها «2» فالظاهر أن لفظ (أبي) فيه زيادة من النساخ بقرينة اتحاد الخبر. و اللّٰه أعلم

ثمّ إنه قد أورد علي سند الحديث أولا بإبراهيم بن إسحاق فقيل: إنه إن كان هو النهاوندي فهو ضعيف و إن كان غيره فمجهول و ثانيا بأن الطريق الأول فيه إرسال و الثاني فيه محمد بن سنان. «3»

و فيه: أما احتمال كونه هو النهاوندي فمردود لأن ابن مسكان الراوي عنه من

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 393.

(2)- جامع الرواة 1/ 19.

(3)- معتمد العروة: 2/ 322.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 374

الخامسة و هو من

الطبقة السابعة و لا يمكن رواية من في الطبقة المتقدمة عمن هو متأخر عنه بطبقتين. و أما إبراهيم بن إسحاق الحارثي فيكفي في الاعتماد عليه رواية ابن مسكان الذي هو من أصحاب الإجماع عنه.

و أما الإرسال في الطريق الأول فالمظنون أنه يرتفع بالثاني و إن كان هو ضعيف بمحمد بن سنان مضافا إلي أن ضعف الأسناد ينجبر بعمل الأصحاب و احتمال كون مستند المشهور غير هذه الأخبار في غاية الضعف إذاً فالاعتماد في الفتوي علي هذه الأحاديث.

ثمّ إنه اورد علي دلالته بأن الحديث لا تدل علي بطلان الأشواط الثلاثة و عدم جواز اتمامها بأربعة أشواط بعد الطهر فيما إذا تمكنت من ذلك بل يدل علي وجوب العدول إلي الحج و موردها من لا يتمكن من الطواف قبل الحج و هو خارج عن محل الكلام كما هو المفروض في الرواية فيمن حاضت بعد أربعة أشواط. «1»

و فيه: كأن المستشكل بنائه علي صحة الطواف مطلقا و إتمام ما بقي منه بعد الطهر و أن هذه الروايات صدرت خلافا لهذا البناء قصرا للصحة علي أربعة أشواط و علي ذلك يقتصر علي موردها الخاص مع أن الأمر بالعكس و مقتضي كون الطواف كالصلاة بطلانه بالحيض و هذه الروايات تدل علي عدم بطلانه به اذا أتمت أربعة أشواط.

نعم لو بنينا علي ما رواه الصدوق قدس سره في الصحيح عن حريز عن محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أطواف أو أقل من ذلك ثمّ رأت- دما فقال: تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه و اعتدت

______________________________

(1)- الاستبصار 2/ 317 ح 1121.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 375

بما مضي» «1» و رواه الشيخ في التهذيب بإسناده

عن حريز عن محمد بن مسلم و قال بدل (أطواف) (أشواط) «2» و في الاستبصار «3» و قد أفتي به الصدوق فبناء عليه القدر المتيقن من صورة البطلان ما إذا لم تتمكن من الطواف قبل الحج دون ما إذا كانت متمكنة منه فتأتي بالأربعة بعد الطهر و قبل الحج و لكن الخبر محمول علي الطواف المندوب و يقيد إطلاقه بهذه الروايات المنجبرة فبعضها علي فرض قبول ذلك بعمل الأصحاب

و بذلك كله يرد ما اختاره ابن إدريس من البطلان مطلقا و اختاره الصدوق من الصحة كذلك و من أراد الاحتياط عن مختار الصدوق قدس سره إن رأت الدم قبل أربعة أشواط في سعة الوقت تأتي بعد الطهر بطواف كامل بقصد الأعم من الاتمام و التمام، و أما في ضيق الوقت فالاحتياط التام مشكل فلا بدلها من العدول إلي الإفراد و علي مختار ابن إدريس رحمه اللّٰه أيضاً في سعة الوقت يمكن له الاحتياط دون ضيق الوقت.

و بعد كل ذلك نقول: الذي يقتضيه النظر الدقيق في الجمع بين الروايات أن الروايات التي في سندها ابن مسكان تختص بما إذا لم تتمكن من إتمام طوافها فهي تعدل إلي الإفراد ان لم تبلغ الأربعة و إن بلغتها و تبني علي تمامية متعتها و السعي و التقصير و الإحرام لحج التمتع و يقيد بها صحيح محمد بن مسلم إذا لم تتمكن من إتمام طوافها و لم تبلغ الأربعة فلا وجه لتقييده بالطواف الواجب مطلقا و إن كان متمكنا من إتمامه بعد الطهر. و بعد ذلك تكون النسبة بين صحيح محمد بن مسلم و خبري أبي

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 24 ب 122.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 397 ح 138.

(3)- الاستبصار:

2/ 317 ح 1121.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 376

بصير و أحمد بن عمر الحلال نسبة المطلق إلي المقيد فإنهما قد دلا علي أنها إذا لم تبلغ النصف لا تعتد بطوافه و مقتضي صحيح محمد بن مسلم بعد تقييده بروايات ابن مسكان الاعتداد به إذا كانت متمكنة من إتمامه فيقيد به إطلاق خبري أبي بصير و الحلَّال الدَّال علي عدم الاعتداد به مطلقا و تكون النتيجة عدم الاعتداد به إذا لم تتمكن من الإتمام دون صورة تمكنها منه.

فيتحصّل من جميع ذلك انها تعتد بطوافها إذا تجاوزت عن النصف، سواء كانت متمكنة من إتمامه بعد الطهر و قبل الذهاب إلي عرفات أو لم تتمكن منه و لا تعتد به إذا لم تبلغ الأربعة و لم تكن متمكنة من اتمامه فتعدل إلي الإفراد و تعتد به إذا كانت متمكنة من إتمامه و إن لم تبلغ الأربعة و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط في هذه الصورة بإعادة الطواف بقصد ما في ذمتها من التمام و الإتمام.

و لا يخفي عليك قوة احتمال وحدة روايتي الصدوق و الشيخ عن ابن مسكان عن إبراهيم و روايتي الكليني و الشيخ الأول عن إسحاق بيَّاع اللؤلؤ و الثاني عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ فليست هذه الأربعة إلا واحدة و إن أبيت عن الحكم بوحدتها فهذا الاحتمال مانع عن الحكم بتعددها إذا فتنحصر الروايات في الأربعة رواية أبي بصير و الحلال و ما في سنده ابن مسكان و صحيح محمد بن مسلم و اللّٰه هو العالم.

فروع
الأوّل: قد أشرنا أن المشهور بين الفقهاء رضوان اللّٰه تعالي عليهم أن المرأة إذا طافت أربعة أشواط تبني عليها

و تتمّ طوافها بعد طهرها و هذا هو مدلول بعض أخبار الباب و قلنا: إن في بعض الروايات كالفتاوي أنها تبني علي ما أتت به إذا بلغ

فقه الحج

(للصافي)، ج 2، ص: 377

طوافها إلي النصف أو تجاوز عنه و استظهرنا من الروايات و الفتاوي أن مرادهم من النصف الشوط الرابع فإذا هي أتمت هذا الشوط تبني عليه

و يمكن أن يقال: إن النصوص و الفتاوي في الدلالة علي جواز البناء علي أربعة أشواط ظاهرة بل صريحة و في الاقل منها فيما بين ثلاثة أشواط و النصف إلي أربعة أشواط دلالتها لا تخلو من الإجمال و علي هذا مقتضي اعتبار التوالي بين الأشواط و بطلان الطواف بالحدث كاعتبار هما في الصلاة اعتبارهما فيما دون الأربعة.

و بعبارة اخري: مقتضي كون الطواف كالصلاة كون الطهارة شرطا للطائف كما انها شرط للمصلي و كون التوالي شرطا في الطواف كما أنها كذلك في الصلاة و الثابت خروجه عن ذلك الأربعة أشواط فما زاد و أما دون الأربعة فالمخصص بالنسبة اليه مجمل فعموم العام بالنسبة اليه حاكم يؤخذ به.

ثمّ إنّه يمكن التمسك لما استفدنا من قولهم: «الطواف في البيت صلاة» بصحيحة ابن بزيع الّتي سبق ذكرها فأنّ فيها: «سألت أبا لحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل متي تذهب متعتها … إلي أن قال: إذا زالت الشمس ذهبت المتعة» فإنها بالاطلاق المستفاد من ترك استفصال الإمام عليه السلام تشمل ما اذا حاضت قبل الطواف أو بعده أوفي أثنائه إلا أنها تقيد بما إذا حاضت إذا أتمت أربعة أشواط من الطواف فيبقي الباقي تحت الاطلاق،

و لكن بعد ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط فيما إذا تجاوزت عن الثلاثة و النصف ففي سعة الوقت تعيد الطواف بقصد ما عليها من الإتمام و التمام و أما في ضيق الوقت فالاحتياط في غاية الإشكال

و يمكن أن يقال: إنها تسعي

و تقصر رجاءً و تحرم للحج رجاءً و تأتي ببقية

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 378

المناسك بقصد ما عليها من حج التمتع و الافراد ثمّ تأتي ببقية طواف العمرة و بعد الفراغ من الحج تأتي بعمرة مفردة رجاءً

الفرع الثاني: و إن قلنا في ابتداء المسألة إنه لا فرق في البناء علي الاشواط الاربعة بين حال الضيق و السعة

ففي حال الضيق تسعي و تقصر و تحرم للحج و تأتي ببقية الطواف و ركعتيه بعد الرجوع إلي مكة و في حال السعة أيضا تسعي و تقصر و بعد أن طهرت تأتي ببقية الطواف و صلاته و تحرم للحج كما يجوز له البقاء علي الإحرام و الإتيان ببقية الطواف و ركعتيه ثمّ السعي و التقصير و الإحرام للحج، و ذلك مستفاد من أخبار الباب و مطاوي فتاوي الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم.

و لكن قال في الجواهر: (لا تنقيح في كلامهم أن الحكم المزبور مختص بحال الضيق أو الأعم منه و من السعة فلها حينئذ في الأخير السعي و التقصير و الإحلال ثمّ قضاء ما عليها من الطواف بعد الإحرام بالحج، أو أنّها تنتظر الطهر مع السعة باقية علي إحرامها حتي تقضي طوافها و صلاته ثمّ تسعي و تقصر؟ قد يلوح من بعض العبارات خصوصاً عبارة القواعد الأول تنزيلا للأربعة منزلة الطواف كله و لكن لا ريب في أن الأولي و الأحوط الثاني الَّذي فيه المحافظة علي ترتيب العمرة بل لعلَّ الأولي ذلك حتّي لو عرض لها الحيض بعد قضاء الطواف أجمع قبل صلاة ركعتيه فإنَّ متعتها صحيحة لأولويتها من الصورة الأولي لصحيح الكناني: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثمّ حاضت قبل أن تصلي الركعتين؟ قال: إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام و قد قضت طوافها». و مضمر

زرارة «سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين فقال: ليس عليها إذا طهرت إلّا الركعتان و قد قضت الطواف». «1»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 42.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 379

أقول: أما البناء علي اربعة اشواط و إتمامها بعد الطهر فلا فرق فيه بين حال الضيق و السّعة و أمّا السعي و التقصير فهما يجبان عليها في حال الضيق و الظاهر انه في حال السعة الحكم بهما علي سبيل الرخصة فيجوز لها السعي و التقصير ثمّ إتمام الطواف و الإتيان بركعتيه بعد الطهر و يجوز لها الصبر و اتمام الطواف بعد الطهر و الإتيان بركعتيه ثمّ السعي و التقصير سواء كان ذلك في طواف عمرة التمتع أو الحج أو العمرة المفردة.

اللهم إلّا أن يقال: إنَّنا إنما أخذنا بالروايات مع ضعف سندها لانجبارها بعمل المشهور و لم يثبت عملهم بما دل علي أنّ الحكم أعم يشمل حال السعة كالضيق و ما ثبت عملهم به هو البناء علي أربعة أشواط و السعي و التقصير في ضيق الوقت و إتمام الطواف و ركعتيه بعد الرجوع إلي مكّة في حال الطّهارة و البناء عليها في سعة الوقت ثمّ بعد أن طهرت إتمام الطواف و الصلاة و السعي و التقصير فلا يترك الاحتياط سيّما إذا كان الفصل بينها و بين طهرها قصيراً كيوم أوْ يومين.

و أمّا استدلال صاحب الجواهر بالصحيح الكناني و مضمر زرارة فإن أراد الاستدلال لها علي الأولوية الأولي المذكورة في كلامه بالنسبة إلي من حاضت قبل الركعتين يعني بالنسبة إليها أيضا الأولي في سعة الوقت تأخير السعي و التقصير إلي بعد ركعتين فلا دلالة للخبرين علي ذلك أصلًا فإنّ الحكم بقضاء الطواف في الصحيح الكناني أو

أنه ليس عليها إذا طهرت إلّا الركعتان في مضمرة زرارة معناه أنه لا يجب عليها إعادة الطواف و لا ارتباط له بحكم السعي و التقصير و جواز فعلهما في حال عدم الطهر أو عدمه و ان كان مراده من الأولوية الثانية المذكورة في كلامه أن في صورة حدوث الحيض بعد الطواف قبل الركعتين الحكم بجواز السعي و التقصير في سعة الوقت قبل الركعتين أولي من الحكم به قبل إتمام الطواف.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 380

و مع ذلك الأولي فيه الصبر و انتظار الطهر فهذا أيضا لا يستفاد من الخبرين اللهم إلَّا إن كان مراده الاستدلال بقضاء الطواف إذا حاضت بعده و عدم وجوب إعادته بعد الطهر و إطلاقها يشمل الصورتين صورة الضيق و صورة السعة أما في سائر الأحكام فالحكم بها أولي من الحكم بها إذا حاضت في أثناء الطواف بعد أربعة أشواط قطعا فلا يضر بذلك عدم دلالة الخبرين بنفسها علي حكم السعي و التقصير قبل الطهر كما تنظر في المدارك في دلالة صحيحة الكناني علي ذلك. «1»

و ما أفاده من أنه لا تنقيح في كلامهم أن الحكم المزبور مختص بصورة ضيق الوقت أو هو الأعم منه و من صورة السعة كأنه في محله بل لا يستفاد من كلماتهم أن الحكم مختص بصورة السعة أو يعمها و صورة الضيق.

و لكن الظاهر اتفاق غير ابن إدريس علي عدم بطلان الطواف بحدوث الحيض بعد بلوغها أربعة أشواط في الضيق و السعة كما أن الظاهر أيضا عدم اختلافهم في أنه في ضيق الوقت تسعي و تقصر و تحرم للحج و تأتي بما بقي منه بعد الرجوع الي مكة.

و في سعة الوقت أيضا لا خلاف بينهم في أن

لها البقاء علي إحرامها و إتمام الطواف بعد الطهر و أداء صلاته ثمّ الإتيان بالسعي و التقصير.

فما ليس منقحا في كلماتهم أنه هل يجوز لها في سعة الوقت مخالفة الترتيب و السعي و التقصير في حال الحيض ثمّ الإتيان ببقية الطواف و ركعتيه بعد الطهر أم لا؟ فعلي هذا اختيار جواز ذلك محتاج إلي الدليل و أما عدم الجواز فهو مبني علي وجوب رعاية الترتيب فلا بد من الرجوع الي روايات الباب. فنقول: أما رواية أبي

______________________________

(1)- مدارك الأحكام: 7/ 183.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 381

بصير: «إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بين الصفا و المروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الّذي علمته» «1» فلا دلالة لها علي جواز تقديم السعي و القصير في سعة الوقت علي إتمام الطواف و أداء صلاته.

و رواية أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن عليه السلام فيها: «إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بالصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الَّذي بلغت» «2» و هذه أيضا لا تدل علي الجواز المذكور و خبر ابن مسكان عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ أو إسحاق بياع اللؤلؤ في المتعة و في ضيق الوقت.

نعم ما عن إسحاق بياع اللؤلؤ ساكت عن حكم جواز تقديم السعي و التقصير. و كذا رواية ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمّ طمثت؟ قال: تتم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة و لها أن تطوف بين الصفاء و المروة لأنها زادت علي النصف و قد قضيت متعتها

فلتستأنف بعد الحج و ان هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج (بعد الحج) فإن أقام بها جمّالها بعد الحجّ فلتخرج إلي الجعرانة أو إلي التنعيم فلتعتمر». «3» فإنها ايضاً في ضيق الوقت لدلالة ذيلها علي ذلك.

هذا و يمكن التمسك لجواز التقديم المذكور في ضيق الوقت بإطلاق رواية ابن مسكان عن ابراهيم بن أبي إسحاق عن سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السلام فإنَّه «سئل عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمّ طمثت؟ قال: تتم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 85 من ابواب الطواف ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: باب 85 من ابواب الطواف ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: باب 85 من ابواب الطواف ح: 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 382

طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها أن تطوف بين الصفا و المروة و ذلك لأنها زادت علي النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف الحج». «1»

و لكن قد قلنا: بأن الظاهر وحدة الروايات الّتي في سندها ابن مسكان سيّما هذه الرواية و الرواية السابقة الأخيرة.- إذاً فلا دليل يعتمد عليه للقول بجواز تقديم السعي و التقصير علي إتمام الطواف و أداء ركعتيه في سعة الوقت.

الفرع الثالث: إذا حاضت المرأة بعد إتمام الطواف و قبل أن تأتي بصلاته

فلا يخل ذلك بطوافها، لأنها أتت به جامعا لشرطه و إن كان التوالي بين الطواف و صلاته شرطا، ففي صورة اختلاله قهراً بالحيض مقتضي الأصل عدم اعتباره، مضافا إلي أولوية ذلك من صورة حدوث الحيض في أثناء الطواف.

و يدل عليه ما رواه الصدوق بإسناده عن أبان «2» عن زرارة «3» قال: «سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين؟ قال: ليس عليها إذا طهرت إلا الركعتين و قد قضت الطواف» «4» و ما رواه الكليني

عن محمد بن يحيي «5» عن أحمد بن محمد «6» عن محمد بن إسماعيل «7» عن محمد بن الفضيل «8» عن أبي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 86 من ابواب الطواف ح 1.

(2)- ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه من الخامسة.

(3)- هو جلالة قدره لا تحتاج الي البيان من الرابعة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 88 من أبواب الطواف ح 1.

(5)- ابو جعفر العطار القمي شيخ أصحابنا ثقة كثير الحديث من الثامنة.

(6)- ابن عيسي الاشعري القمي شيخ القميين و وجههم. من السابقة.

(7)- ابن يزيع.

(8)- رمي بالغلو و الضعف من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 383

الصباح الكناني «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثمّ حاضت قبل أن تصلي الركعتين؟ قال: إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام إبراهيم و قد قضت طوافها». «2» و أضاف إليها بعض الأعلام من المعاصرين صحيح معاوية بن عمار «3» قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت ثمّ حاضت قبل أن تسعي قال: تسعي». «4»

قال: (و مورده و إن كان حدوث الحيض قبل السعي و لكن إطلاقه يشمل قبل الصلاة- و بعدها). و فيه: ان ذلك خلاف الظاهر كما لا يخفي.

هذا بالنسبة إلي عدم إخلال الحيض بصحة الطواف، و لكن هل يترتب عليه جميع ما يترتب علي حدوث الحيض في أثناء الطواف بعد بلوغها أربعة أشواط من جواز تقديم السعي و التقصير في ضيق الوقت علي إتمام الطواف و أداء صلاته فيجوز هنا بل يجب عليها تقديم السعي و التقصير علي صلاة الطواف فتحرم للحج و تأتي بالصلاة بعد الرجوع الي مكة أم لا؟ يمكن أن يوجه ذلك بوجهين: أحدهما:

إطلاق صحيح الكناني و مضمرة زرارة فإنه يدل علي إن حاضت في عمرة التمتع قبل صلاة الطواف ليس عليها إلّا الصلاة بعد طهرها سواء حصل قبل الذهاب إلي عرفات أم بعده و لا يضر ذلك بصحة طوافه. و استشكل فيه بعض الأعلام بأنه يعارض باطلاق ما دل علي لزوم وقوع الحج بعد العمرة و تماميتها.

______________________________

(1)- إبراهيم بن نعيم العبدي روي أن الصادق عليه السلام سماه الميزان لثقته له كتاب رواه- ابن بزيع و الحسن بن علي الفضال عن محمد بن الفضيل عند من الخامسة و في الطبقات من الرابعة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 88 من أبواب الطواف ح 2.

(3)- فطحي ثقة و أصله معتمد من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 89 من أبواب الطواف ح 1

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 384

الثاني: الاستدلال بالاولوية، فإنه إذا كان الحيض الطاري في أثناء الطواف لا يبطل الطواف في عمرة التمتع فلا يبطله إذا طرء بعد الطواف. و استشكل في الاستدلال فيه أيضا بعض الأعلام و قال: (و الأولوية بحيث توجب القطع بالحكم محل تامل، الا تري أن القليل من الدم الأقل من الدرهم معفو عنه في الصلاة و ما تنجس من جهته لا يعفي عنه).

أقول: أما في المتنجس بالدم الأقل فقد حكي القول بكونه معفوا عنه كالدم الأقل عن الذكري و روض الجنان و المعالم و المدارك لأن الفرع لا يكون أقوي من الأصل و المتنجس بالدم تستند نجاسته اليه فاذا كان منجسه معفوا عنه كيف يكون ما تنجس به مبطلا. و لكن هذا استحسان محض لا يتكل عليه في الأحكام الشرعية المأخوذة من النصوص.

و هذا غير المفهوم الموافق و المفهوم بالاولوية فان العرف يستفيده من كلام المتكلم و من

مناسبة الحكم و الموضوع فلا يشك في مثل قوله تعالي: «فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ» دلالته علي عدم جواز تركهما و ضربهما، و من قوله: «رجل شك بين الثلاث و الأربع» مساواة المرأة مع الرجل في الحكم و أنه حكم طبيعة الشك في الركعات و لا يري خصوصية للرجل في المثال الثاني و لا للُاف في المثال الأول و يفهم أن الموضوع أوسع منه و في المقام أيضاً يستظهر العرف أن الحكم بجواز تقديم السعي و التقصير و عدم العدول إلي الإفراد هو حكم من أتت بالأشواط الأربعة سواء كانت في ضمن جميع الأشواط أو بقي منه الأشواط الثلاثة أو أقل منها، فكما لا يضر تقديم السعي و التقصير في ضيق الوقت علي بقية الأشواط و ركعتي الطواف لا يضر تقديمها علي خصوص ركعتي الطواف. و بالجملة: فمثل هذا أمر يعرف بالمناسبات و يدور مدار استظهاره فربما لا يستظهر ذلك مثل المتنجس بالدم المعفو و ربما يستظهر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 385

ذلك مثل كثير من الموارد من جملتها مسئلتنا هذه و اللّٰه العالم.

الفرع الرابع: ظاهر كلام العروة أنه لا فرق في قضاء ما بقي من الطواف و صلاته بين أن يؤتي بهما قبل طواف الحج أو بعده.

و لكن الظاهر من رواية جماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام تقديمهما علي طواف الحج فإنه قال عليه السلام فيها: «و إذا قضت المناسك وزارت البيت (بالبيت) طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثمّ طافت طوافاً للحج» «1» و لا بأس بالعمل بها في ذلك و إن لم نعمل بها في موردها علي ما مر. و اللّٰه هو العالم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة باب 84 من ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 389

الكلام في المواقيت

اشارة

الكلام في المواقيت

و هي كما في بعض الروايات و كلمات بعض الفقهاء خمسة و ما يستفاد من مجموع الأخبار أن المواضع الّتي يجوز منها الإحرام في الجملة أكثر من ذلك ستمر عليها انشاء اللّٰه تعالي في المباحث الآتية.

و في الجواهر بعد ما أشار إلي الأقوال في تعداده قال: (بل يمكن جعلها أحد عشر بنوع من الاعتبار) «1» فالأولي إجراء البحث فيها علي التفصيل فنقول:

[أحدها ذو الحليفة]

اشارة

أحدها ذو الحليفة

و هو المكان الذي فيه مسجد الشجرة و لا ريب و لا خلاف في أنه ميقات أهل المدينة المنورة و من يمر علي طريقهم و الأخبار في ذلك متظافرة.

نعم قد وقع الخلاف في أن الميقات هو نفس المسجد من ذي الحليفة أو أن الميقات كله فيكفي الإحرام من أي موضع منه؟ فلا بد من ملاحظة أخبار الباب و مقدار دلالتها في ذلك.

فمنها ما يدل علي أن الميقات جميع ذي الحليفة مثل رواية أبي أيوب الخزاز و رواية معاوية بن عمار و رواية علي بن جعفر و رواية عمر بن يزيد و رواية علي بن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 8/ 103.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 390

جعفر أيضاً و عبد اللّٰه بن عطا و عبد اللّٰه بن بكير بمثل هذا اللفظ: «و وقت لاهل المدينة ذا الحليفة» «1».

و منها ما يدل علي أن الميقات الشجرة أو مسجد الشجرة مثل صحيح الحلبي و لفظه: «و وقت لاهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصلي فيه و يفرض الحج» «2» و لفظه في الفقيه: «و هو مسجد الشجرة كان يصلي فيه و يفرض للحج فاذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحازي الميل الأول أحرم». «3» و في خبر الأمالي:

«ذا الحليفه و هو مسجد الشجرة» «4» و مثل صحيح علي بن رئاب فيه: «وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هي الشجرة» «5» و رواية علي بن جعفر: «و لاهل المدينة و من يليها من الشجرة». «6»

أقول: قال في العروة: (فالأحوط الاقتصار علي المسجد إذ مع كونه هو المسجد فواضح و مع كونه مكانا فيه المسجد فاللازم حمل المطلق علي المقيد).

و استشكل فيه: بأن نسبة المسجد إلي ذي الحليفة بناءً علي أنه المكان الذي فيه المسجد نسبة الجزء إلي الكل لا الفرد إلي الكلي الّتي هي نسبة المقيد إلي المطلق فيكون المراد من ذي الحليفة جزئه مجازاً و عليه يكون الدوران بين المجاز المذكور و بين حمل تعيين المسجد علي الاستحباب و كون الأول أولي غير ظاهر.

و أجيب عن هذا الإشكال أن ذا الحليفة إن كان اسماً لنفس المسجد فالأمر واضح و إن كان المراد به القطعة المعروفة من الأرض التي فيها المسجد فليس معني

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 1 و 2 و 5 و 6 و 8.

(2)- الوسائل باب 1 من ابواب المواقيت ح 3 و 4.

(3)- الوسائل باب 1 من ابواب المواقيت ح 3 و 4.

(4)- الوسائل ب 1 من المواقيت ح 11.

(5)- الوسائل ب 1 من المواقيت ح 7.

(6)- الوسائل باب 1 من المواقيت ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 391

كونه ميقاتا أنه يجب الإحرام من كل جزء من أجزاء تلك القطعة و بعبارة اخري:

ليس معناه أنه يقع الاحرام الواحد من كله حتي يكون نسبة المسجد إليه كنسبة الجزء إلي الكل و يكون استعمال ذي الحليفة فيه من استعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء مجازاً بل معني كونه

ميقاتا و جواز الإحرام منه جواز الإحرام من أي مكان من تلك البقعة، سواء كان ذلك المكان نفس المسجد أو خارجه أو حواليه، فإذا دل الدليل علي لزوم الإحرام من المسجد تكون نسبته إليه نسبة المقيد إلي المطلق.

و يمكن أن يقال: يلزم من ذلك إخراج الأكثر من تحت المطلق و تقييده بالأقل و هو مستهجن كتخصيص العام بالأكثر.

و يمكن أن يقال: ان النسبة إنما تلاحظ إذا كان هنا دليلان مفاد أحدهما تقييد مدلول الآخر و في المقام بالنظر إلي ما يدل علي أن الميقات ذو الحليفة و ما يدل علي أنه الشجرة و هو رواية علي بن جعفر و لا يبعد أن يكون الشجرة فيه عنوانا لذي الحليفة و بالنظر إلي سائر الروايات فهي مفسرة لذي الحليفة، فعلي هذا لا بدّ من الأخذ بالروايات المفسرة و الاقتصار بالإحرام من المسجد فالأحوط الاقوي الإحرام من المسجد. نعم لا يلزم أن يكون الإحرام من نفس المسجد بل يكفي الإحرام من جوانبه الأربع و حواليها القريبة لصدق الإحرام من المسجد علي الإحرام منها.

ثمّ إنه قد ظهر مما ذكر حكم المسألة بالنسبة إلي أهل المدينة و أما من يمر علي طريقهم فقد قلنا ان حكمه حكم أهل المدينة فلا يختص ذو الحليفة بأهل المدينة.

و الدليل علي ذلك

أولا: الروايات العامة الدالة علي عدم جواز مرور أحد من المواقيت و التجاوز عنها بلا إحرام فإنه يستفاد منها أن كل واحد منها ميقات لمن يمر عليه.

إلّا أنه يمكن الخدشة في دلالتها علي ذلك أن غاية ما يستفاد منها أنه لا يجوز لأهل هذه المواقيت الإحرام من قبلها و من بعدها، أما جواز إحرام غير أهل ميقات

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 392

من ميقات

آخر فلا يستفاد منها. ففي صحيح الحلبي قال: «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و بعدها وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة … » «1» و في صحيح علي بن جعفر بعد ما عدّ المواقيت الّتي وقتها رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم قال: «فليس لأحد أن يعدو من هذه المواقيت إلي غيرها» «2» و مثلهما كما تري لا يدل علي العموم المذكور.

و ثانيا بالنصوص الخاصة: منها صحيح صفوان عن مولانا الرضا عليه السلام قال:

«كتبت إليه أن بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل و عليهم في ذلك مئونة شديدة و يعجلهم أصحابهم و جمّالهم و من وراء بطن العقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء و هو منزلهم الذي ينزلون فيه فتري أن يحرموا من موضع الماء لرفقة بهم و خفته عليهم؟ فكتب أن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله وقّت المواقيت لأهلها و من أتي عليها من غير أهلها و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات إلّا من علة». «3»

و دلالته علي عدم اختصاص المواقيت بأهلها و أنها تعم أهلها و غيرهم ممن أتي عليها واضحة و مثله في الدّلالة قوله عليه السلام في صحيح عبد اللّٰه بن جعفر: «و أهل السند من البصرة (و مع أهل البصرة)» «4» و قوله عليه السلام في خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسي عليه السلام: «من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة» «5» فإنهما أيضا يدلان علي عدم اختصاص المواقيت

بأهلها.

و ثالثا بالإجماع و الضرورة فإنّ غير أهل هذه المواقيت من أهالي سائر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب ا من أبواب المواقيت ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب مواقيت ح 9.

(3)- وسائل الشيعة ب 15 من أبواب المواقيت ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 5.

(5)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 393

البلاد مكلفون بالحج و يجب عليهم الإحرام من الميقات و ليس لهم ميقات خاص علي طريق خاص فلا بد أن يكون تكليفهم الإحرام من هذه المواقيت مما يمرون به فالمسألة بحمد اللّٰه تعالي واضحة لا غبار عليها و اللّٰه هو الهادي إلي الحق و الصواب صلواته علي سيدنا محمد و آله الأطياب.

[مسألة 9] عدم جواز تأخير الاحرام من الشجرة الي الجحفة

مسألة 9- المشهور عدم جواز تأخير الإحرام اختيارا من مسجد الشجرة إلي الجحفة و هي ميقات أهل الشام و عن الجعفي و ابن حمزة في الوسيلة جواز الإحرام من الجحفة اختياراً.

و مستند أرباب القولين الروايات فمنها ما يدل علي القول المشهور: مثل ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهلّ حتي أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون: لقيناه و عليه ثيابه و هم لا يعملون و قد رخص رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة». «1» و دلالته علي حصر الجواز بصورة المرض و الضعف ظاهرة مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن أبان بن عثمان عن

أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام خصال عابها عليك أهل مكة؟ قال: و ما هي؟ قلت:

قالوا أحرم من الجحفة و رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أحرم من الشجرة قال: الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما و كنت عليلا) «2» و دلالته علي جواز التأخير بالعلة تامة لكنه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب المواقيت ج 5.

(2)- وسائل الشيعة: باب 6 من أبواب المواقيت ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 394

لا ينفي بالجواز المطلق و لا يعارض ما يدل علي الجواز و مثله في الدلالة علي الجواز بالعلة و عدم الصراحة علي حصر الجواز بها ما رواه الصدوق في العلل عن محمد بن الحسن عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيس و فضالة عن معاوية قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إن معي والدتي و هي وجعة قال:

قل لها فلتحرم من آخر الوقت فان رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و لأهل المغرب الجحفة، قال: فأحرمت من الجحفة». «1»

فعلي هذا ما يدل علي حصر الجواز بصورة الضرورة و العلة هو رواية أبي بكر الحضرمي الضعيفة به الا أن يقال بجبر ضعفها بعمل المشهور بها أو أن يقال بأنه يظهر من ترجمته في كتب الرجال أنه جرت له مناظرة حسنة مع زيد جلالة قدره أو أنه من رجال علي بن إبراهيم.

و مما يدل علي القول الثاني: صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام الوارد في مواقيت الإحرام قال عليه السلام: «أما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق و أهل المدينة من

ذي الحليفة و الجحفة … و صحيح معاوية بن عمار: «أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة؟ فقال: لا بأس «2». و صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة، و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما» «3»

و لكن القائل بقول المشهور يقول بتقييد هذه الروايات بصورة المرض و الضعف لرواية الحضرمي فرواية علي بن جعفر الدالة علي التخيير و جواز

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب المواقيت ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب المواقيت ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب المواقيت ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 395

الإحرام من ذي الحليفة و الجحفة لا تزيد علي الإطلاق فيقيد بما دل علي اختصاص التخيير بالمريض و المعذور.

لا يقال: إن مقتضي ذلك اختصاص الجحفة بالمريض و الضعيف و اختصاص الشجرة بالصحيح لا تخيير المريض و الضعيف.

فإنه يقال: ان الحكم بجواز إحرام المريض من الجحفة امتناني لا يزيد علي رفع الزام الإحرام من الشجرة فالنتيجة تخييره بينهما و هكذا يقيد اطلاق رواية معاوية بن عمار المستفاد من ترك الاستفصال برواية الحضرمي و مضافا إلي أنها واردة في أهل المدينة و أما رواية الحلبي فهي تدل علي حكم من جاوز الشجرة و لا تدل علي جواز تأخير الإحرام عمداً.

ثمّ ان الظاهر أن جواز التأخير بالمرض و الضعف انما يكون اذا كان المرض أو الضعف موجبا للحرج العرفي و المشقة الزائدة علي طبع الإحرام و ان لم يصل إلي حد لا يتحمل عادة أو عرفا و لا تشمله قاعدة نفي الحرج فعلي هذا لا يعم الحكم سائر

الأعذار إذا لم يكن حرجيا منفيا بالقاعدة مثل مجرد شدة الحر و البرد. فيمكن أن يقال: إنّ جواز التأخير من الميقات إذا كانت به علة توجب الإحرام معها الحرج و الضرر عام بالنسبة إلي جميع المواقيت حتي الجحفة فيجوز لمن كان ميقاته ذا الحليفة تأخير الإحرام حتي إلي ما بعد الجحفة، و أما في خصوص التأخير من ذي الحليفة إلي الجحفة يكفي المرض و الضعف و إن لم يصل إلي حد الحرج المرفوع بالقاعدة، و إلا ان كان الحكم بالجواز دائراً مدار كون المرض و الضعف حرجياً لا وجه لتحديده بالجحفة فانه يجوز التأخير عنها أيضا إذا كان الإحرام منها أيضا حرجيا.

و لكن الظاهر من البعض التفصيل بين الضرر و الحرج و المرض و الضعف (بأن

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 396

الحرج و الضرر إذا كان سببه المرض و الضعف يكفي في الانتقال إلي الإحرام من الجحفة مجرد كونهما كذلك حدوثاً فلا يلزم بقائه إلي الجحفة بخلاف الحرج الحاصل من غيرهما فإنه لا يكون حدوثه موجباً لتأخير الإحرام إلي الجحفة و إن زال قبل وصوله إليها لإن الحرج و الضرر يرفعان الحكم الثابت في موردهما و لا يثبتان حكماً آخر و في المقام المرض و الضعف الموجب للحرج موجب لجواز الإحرام من ذي الحليفة و إن لم يستمر حرجه إليها فعلي هذا المريض و الضعيف مخيران بين الإحرام من ذي الحليفة و من الجحفة و لا يجزيهما الإحرام فيما بينهما و إن زالت علتهما و بالجملة فهذا الحكم مختص بالمريض و الضعيف و أما غيرهما ممن يقع في الحرج لسائر الأعذار فهو يؤخر الإحرام ما دام العذر باقيا له). «1» و مع ذلك لا يترك الاحتياط

غير المريض و الضعيف إن زالت علتهما قبل الوصول إلي الجحفة و لم يتمكنا من العود إلي ذي الحليفة بالإحرام في مكان زوال العذر و تجديده من الجحفة.

[مسألة 10] جواز الأحرام من الجحفة لأهل المدينة
اشارة

مسألة 10- قال في العروة: (يجوز لأهل المدينة و من أتاها العدول إلي ميقات آخر كالجحفة أو العقيق فعدم جواز التأخير إلي الجحفة إنّما هو إذا مشي من طريق ذي الحليفة) الخ.

أقول: هنا فروع:

الأول: إذا أتي ذا الحليفة و لم يتجاوز عنها و كان مريدا للحج فهل يجوز له أن يتنكب الطريق حتي ينتهي الي طريق يمر به إلي ميقات آخر أم لا؟

اختار في العروة أنه يجوز ذلك له لأنّ ما لا يجوز له هو التجاوز عن الميقات محلًا و هذا لم يتجاوز عنه

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 338.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 397

فان التجاوز عنه يصدق إذا تجاوز عنه محلًا أو محرما إلي الحرم، و بعبارة أخري: إذا تجاوز عنه في طريق الحرم و أما إذا عدل عنه إلي طريق مكان آخر لا يصدق عليه التجاوز عنها أو لا يصدق عليه التجاوز المحرّم.

و اختار بعض الأعاظم عدم الجواز بدعوي أن التجاوز عن الميقات بلا إحرام صادق غاية الأمر أنه تجاوز عن الميقات بطريق غير مستقيم فإن الممنوع التجاوز عن الميقات بلا إحرام سواء كان بطريق مستقيم بأن يتجاوز عن الميقات و يتوجه إلي مكة أو بطريق غير مستقيم بأن يتجاوز عن الميقات و يذهب إلي ميقات آخر. «1»

و فيه: منع كون ذلك التجاوز المحرم فإنه هو التجاوز عنه في طريق مكة لا إلي مكان آخر ليس طريقه طريق مكة و إن كان ينتهي إليه.

ثمّ إنه تمسك بما رواه إبراهيم بن عبد الحميد و عبر عنه بالصحيح و هو ما رواه الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم «2» عن جعفر بن محمد بن حكيم «3» عن إبراهيم بن عبد الحميد «4» عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: «سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني: الإحرام من الشجرة و أرادوا أن يأخذوا منها إلي ذات عرق فيحرموا منها؟ فقال:

لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلا

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 341.

(2)- كوفي ثقة أبو عبد اللّٰه البجلي له ثلثون كتابا واضح الحديث.. من السابعة.

(3)- ضعيف بأنه ليس بشي ء من السادسة له الرواية عن جميل بن دراج و يونس و أبان بن عثمان و غيرهم و عنه علي بن الحسن بن فضال و- أحمد بن محمد بن خالد غيرهم.

(4)- مختلف فيه من الخامسة له الرواية عن أبي عبد اللّه و الكاظم و الرضا (عليهم السلام) و له الرواية عن شيوخ كثيرة يبلغ عددهم ثلثين أو أكثر و عنه جماعة من الرواة مثل محمد بن أبي عمير و غيره.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 398

من المدينة» «1» و ظاهره عدم جواز الإحرام من غير الشجرة لمن قدم المدينة فضلا عن أهلها.

و لكن سنده ضعيف بجعفر بن محمد بن حكم بل و إبراهيم بن عبد الحميد المختلف فيه. اللهم إلا أن يقال: بالاعتماد عليهما لاعتماد الشيوخ.

و يمكن أن يقال: إنه يستفاد من روايات المواقيت أنه لا يجوز لمن هو من أهل كل واحد منها إن أراد الحج، الاحرام من غير ميقاته و إن لم يأته بعد و لم يستلزم ذلك التجاوز عن ميقاته.

نعم إن ذهب الي بعض الأماكن لحوائجه لا قاصداً بسفره الحج فمر ببعض المواقيت و أراد الحج يجوز له الإحرام منه. فظاهر قوله عليه السلام: «أن رسول اللّٰه وقت المواقيت لأهلها و من أتي عليها من غير أهلها» عدم جواز إحرام أهل ميقات و من أتي عليه من غير هذا الميقات. مضافاً إلي أن مقتضي الأصل أيضاً عدم الجواز، للشك في ميقاته مكان آخر له غير ميقات أهله.

الفرع الثاني: لو أتي إلي ذي الحليفة ثمّ أراد الرجوع منه و المشي من طريق آخر إلي الحج

فمقتضي ما ذكر في

الفرع السابق أنه إن كان من أهل المدينة أو من أتي عليها يقتصر علي الإحرام منه و لا يعدل من طريقه إلي طريق آخر بالرجوع عنه.

الفرع الثالث: من كان من أهل المدينة أو من الذين يمرون عليها هل يجوز له أن يعدل من ميقاته إلي ميقات آخر؟

قيل بجواز ذلك و إنه و إن لم يكن منصوصا عليه، لكن يستفاد من كلامهم ذلك و لكن الظاهر إن حكمه و سابقيه سواء.

الفرع الرابع: من ليس من أهل المواقيت المعينة يجوز له الإحرام من أيّها شاء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 399

فيأتي أيّ ميقات أراد و يحرم منه و ذلك معلوم بالتسلم و الاجماع و بالنص المشار إليه في الفرع الأول.

الفرع الخامس: من كان من أهل ميقات خاص أو حضر ميقاتا خاصا ثمّ بان له السفر إلي مكان يجوز له الإحرام من ميقات أهل هذا المكان،

مثلا إذا سافر من هو من أهل المدينة إلي اليمن فأراد الحج يحرم من يلملم و لا يجب عليه الرجوع إلي المدينة و الإحرام من الشجرة. بل إذا بدا له السفر من الشجرة و من نفس الميقات إلي مكان آخر يجوز له الإحرام من ميقات هذا المكان سواء كان قاصدا للحج أو بدا له ذلك بعد السفر إلي هذا المكان.

و لكن الظاهر منهم في جميع الفروع المذكورة جواز الإحرام من غير ميقات أهله فكأنه كالمسلم عندهم، نعم في خصوص الفرع الأول كما ذكرناه اختار بعض المعاصرين عدم الجواز.

[مسألة 11] كيفية إحرام الحائض

مسألة 11- الحائض تحرم خارج المسجد أو مجتازا، أما جواز إحرامها من خارج المسجد فمبني علي القول المختار من جواز الإحرام من خارج المسجد.

و استدل عليه بما رواه الكليني «1» عن محمد بن يحيي «2» عن أحمد بن محمد «3»

______________________________

(1)- من التاسعة

(2)- من الثامنة أبو جعفر العطار القمي شيخ أصحابنا

(3)- من السابعة: ظاهر بعضهم توثيقه

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 400

عن ابن فضال «1» عن يونس بن يعقوب «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الحائض تريد الإحرام؟ قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير صلاة» «3» و رواه الشيخ في التهذيب عن الكليني إلّا أن فيه: «دون ثيابها لإحرامها» «4»

و استشكل في الاستدلال به أنه وارد في إحرام الحج و أن المراد من المسجد فيه، المسجد الحرام الّذي لا يجوز الدخول فيه مجتازا بقرينة قوله عليه السلام: و تهل بالحج» و أما الاستدلال بترك الاستفصال و عدم السؤال من أن الحائض التي تريد الإحرام أرادت الإحرام للحج أو

العمرة.

ففيه: أنه يستفاد من الجواب أنّ السؤال كان عن احرامها للحج و إن كان يستعمل في مجموع العمرة و الحج، إلا أن استفادة ذلك محتاج إلي القرينة و الحج في حج التمتع أيضا ظاهر في معناه الخاص الذي هو قبال العمرة، إذاً فلا دلالة له علي جواز الإحرام للعمرة من خارج مسجد الشجرة و لا حرمة الدخول فيه اجتيازاً.

و أما جواز الإحرام من مسجد الشجرة في حال الاجتياز ان أمكن فهو مبني علي صدق الاجتياز بأن يدخل من باب و يخرج من بابه الآخر، أما إذا دخل من باب المسجد و خرج منه من هذا الباب أو الباب الواقع في سمته و جانبه فصدق الاجتياز و كون المجتاز من عابري سبيل المذكور في الآية مشكل.

و هل يمكن الحاق الإحرام في حال الدخول في المسجد لأخذ شي ء منه

______________________________

(1)- من السادسة ثقة الحسن بن علي بن فضال

(2)- من الخامسة ثقة قد مال بعبد اللّٰه ثمّ رجع.

(3)- الكافي: 40/ 444.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 388 ب 26 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 401

بالإحرام فيه في حال الاجتياز، لا يبعد القول به و إن لم نجد مصرحاً به.

ثمّ إنه قد ظهر لك أن علي القول بكون الميقات نفس المسجد يتعين عليها الإحرام منه في حال الاجتياز و إن لم تتمكن منه فالاحوط الإحرام من خارج المسجد ثمّ تجديد الإحرام من الجحفة.

[مسألة 12] كيفية احرام من وجب عليه الغسل و لم يتمكن من الماء

مسألة 12- اذا كان جنبا أو حائضا انقطع دمها و لم يكن عنده الماء أو كان معذورا من استعماله فعلي القول بجواز الإحرام من خارج المسجد يتعين عليه الإحرام منه و لا يجوز له دخول المسجد بالتيمم.

لأنه لو كان مخيرا بين الإحرام من المسجد و من خارجه يتعذر

عليه الإحرام من المسجد فيتعين عليه من خارجه كما هو كذلك في كل الواجبات التخييرية فاذا صار أحد فردي التخيير أو أفراده متعذراً يتعين الوظيفة في سائر الأفراد، فلا ينتقل التكليف إلي التيمم.

نعم يمكن أن يقال: إنّ في هذا الفرض يتخير بين الإحرام من خارج المسجد أو من داخله مجتازاً هذا كله إذا قلنا بالتخيير بين الإحرام من المسجد و من خارجه،

و أما علي القول بتعين المسجد فقالوا بوجوب التيمم للدخول و الإحرام منه و لكن يمكن أن يقال: إن ذلك يجب عليه إن لم يتمكن من الإحرام منه مجتازاً و إلَّا فيتعين الاكتفاء به.

لا يقال: إن الدخول في المسجد لا مجتازاً المحرم علي الجنب و الحائض ليس من مسوغات التيمم و الإحرام منه غير مقدور لهما فلا يجوز التيمم له، فكيف أفتوا بوجوب التيمم للدخول و الاحرام؟ بل كيف يجوز الغسل لمجرد ذلك الدخول المحرم؟

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 402

فليس هذا الدخول من غايات الغسل.

فإنه يقال: أولا تترتب الطهارة من الحدث علي الوضوء و الغسل و التيمم بنفس أفعالها المعلومة و جواز الدخول في المسجد أو في الصلاة أو سائر ما كان محرما علي الجنب و الحائض يترتب علي هذه الطهارة التي تتحصل بهذه الافعال و لو كان الداعي للمكلف ما يترتب عليها و كان غافلا عما يترتب عليها أولا و بلا واسطة.

و ثانيا: يكفي في وجوب الاحرام عليهما من نفس المسجد قدرتهما علي ازالة ما منعهما عن الدخول في المسجد بسبب التيمم للطهارة أو لبعض الغايات كالصلاة و غيرها فليس مثلهما عاجزا عن الاحرام من المسجد و لذا أفتوا بوجوب التيمم و الاحرام- من داخل المسجد إذاً فتستقيم الفتوي بوجوب التيمم و الدخول

في المسجد و الاحرام منه.

[ثانيها: العقيق.]

ثانيها: العقيق.

() الروايات الدالة علي أنه من المواقيت التي وقتها رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم كثيرة: ففي الحديث الأول من الباب الاول في المواقيت من الوسائل: «و وقت لأهل نجد العقيق» و ما انجدت» و في الثاني: «وقت لاهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق» و في الثالث «وقت لاهل النجد العقيق» و في الخامس:

«أما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق» و في السادس: «وقت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم لأهل المشرق العقيق» إذاً فلا ريب في ذلك و الكل متفقون عليه.

نعم وقع الخلاف بينهم في حد العقيق من حيث المبدأ و المنتهي و الروايات في ذلك علي طوائف:

فمنها ما يدل علي تعيين المبدأ و المنتهي مثل مرسلة الصدوق قال: «و قال

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 403

الصادق عليه السلام: وقت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم لأهل العراق العقيق و أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و أوله أفضل» «1» و الظاهر أن هذه المرسلة هي مستند القدماء رضوان اللّٰه عليهم بأن العقيق أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و أوله أفضل.

فقال الصدوق في المقنع و الهداية: (أول العقيق المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق) «2»

و قال المفيد في المقنعة: (أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق الي أن قال: و أوله المسلخ و الإحرام منه أفضل، و ان لم يمكنه الإحرام منه أحرم من الميقات الأوسط و هو غمرة فان لم يمكنه أحرم من ذات عرق و لا يجوز

له التقدم بالإحرام علي المسلخ و لا التأخر عن ذات عرق) «3»

و قال في الإشراف: (و هي عشرة مواقيت: المسلخ و غمرة و ذات عرق و ذو الحليفة … ).

و قال السيّد في الجمل العلم و العمل: (أوله المسلخ و أوسطه الغمرة و آخره ذات عرق) «4» و قال مثله في الناصريات و زاد: (و الافضل أن يكون احرام من حجّ من هذه الجهة من المسلخ و رأيت الشافعي يوافق علي هذا و يقول: ان احرام أهل المشرق من المسلخ أحب إلي) الخ «5» و قال ابو الصلاح الحلبي في الكافي: (أوله

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب المواقيت ح 9.

(2)- الهداية و المقنع/ 217.

(3)- المقنعة/ 395.

(4)- الينابيع: 7/ 104.

(5)- الناصريات: / 308.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 404

المسلخ و أوسطه الغمرة و آخره ذات عرق) «1»

و قال الشيخ في الجمل و العقود: (لأهل العراق ثلاثة- أولها المسلخ و أوسطها غمرة و آخرها ذات عرق) «2».

و قال الديلمي في المراسم: (ميقات أهل العراق بطن العقيق و أوله المسلخ و أوسطه غمرة و آخره ذات عرق، فمن أحرم من أوله فهو أكمل و من أوسطه دونه و من آخره دونه) «3»

و قال في الاقتصاد: (منها لاهل العراق يجمعها اسم العقيق أولها المسلخ و أوسطها غمرة و آخرها ذات عرق و أفضلها الاول و دونها الاوسط و أدونها الاخير). «4»

و قال في الخلاف: (فأما ذات عرق فهو آخر ميقات أهل العراق لان أوله المسلخ و أوسطه غمرة و آخره ذات عرق) «5»

و قال العلامة في ما راجعنا إليه من كتبه: (العقيق و أفضله المسلخ و أوسطه غمرة و آخره ذات عرق) (القواعد و الارشاد و التلخيص و التبصرة

و الفخريه)

و قال في التذكرة: (العقيق ميقات أهل العراق و كل جهاته ميقات من- أين أحرم جاز، لكن الأفضل الإحرام من المسلخ و تليه غمرة و آخره ذات عرق). «6»

______________________________

(1)- الكافي في الفقه/ 216.

(2)- الينابيع: 7/ 227.

(3)- المراسم: / 106.

(4)- الاقتصاد: / 300.

(5)- الخلاف: 2/ 283.

(6)- التذكرة: 7/ 161.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 405

و وافق هؤلاء الأعاظم غيرهم كابن زهرة في الغنية و ابن حمزة في الوسيلة و الصهرشتي في الاصباح و الحلبي في اشارة السبق و المحقق في الشرائع و غيره و ابن فهد في المحرر و الهذلي في الجامع و الشهيد في الدروس. (اعلي اللّٰه درجاتهم في الجنة) و الظاهر أنهم جميعا عملوا بالمرسلة، و احتمال كون مدركهم رواية أخري لم تحفظ في الجوامع الشريفة بعيد جداً.

و لكن الشيخ في النهاية قال: (و له ثلاث أوقات أولها المسلخ و هو أفضلها و لا ينبغي أن يؤخر الانسان الاحرام منه إلّا عند الضرورة و التقية و لا يتجاوز ذات عرق الا محرما علي كل حال) «1» و نحوه كلامه في المبسوط. «2»

و قال ابن ادريس في السرائر: (ففي أي جهاته و بقاعه أحرم ينعقد الإحرام منها إلا أن له ثلاث أوقات: أولها المسلخ يقال بفتح الميم و بكسرها و هو أفضلها عند ارتفاع التقية و أوسطها غمرة و هي تلي المسلخ في الفضل مع ارتفاع التقية و آخرها ذات عرق و هي أدونها في الفضل إلّا عند التقية و الشناعة و الخوف فإنّ ذات عرق حينئذٍ أفضلها في هذه الحال). «3»

أقول: أما كلام ابن ادريس فلا يدل إلّا علي فضل الإحرام من المسلخ و الغمرة عند ارتفاع التقية و أفضلية الإحرام من ذات عرق

في حال التقية و إلّا فهو موافق لغيره من الفقهاء بأن العقيق ميقات و أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و كلام الشيخ في المبسوط و النهاية أيضاً ظاهر في ذلك فان قوله في المبسوط:

(العقيق و له ثلاثة مواضع) و في النهاية: (و له ثلاثة أوقات) ظاهر في بيان الميقات

______________________________

(1)- النهاية: / 210.

(2)- المبسوط: 1/ 312.

(3)- السرائر: 1/ 528.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 406

الواقعي و ما هو ميقات بالحكم الاولي و يستفاد من قوله: (المسلخ و هو أفضلها) أنه في بيان مراتب فضل هذه المواضع و أنه ينبغي اختيار الأفضل إلَّا عند التقية فيكتفي بغير الأفضل و لا يدل علي عدم جواز التأخير إلي ذات عرق و عدم إجزاء الإحرام فعلي هذا ظاهر كلمات الجميع الاتفاق علي مدلول المرسلة.

نعم قال في الدروس: ظاهر علي بن بابويه و الشيخ في النهاية أن التأخير إلي ذات عرق للتقية أو المرض) (2)

و فيه: أما كلام الشيخ في النهاية فقد عرفت أنه ليس ظاهرا في عدم جواز التأخير إلي ذات عرق بدون التقية، غايته يدل علي وجوب التأخير إليه للتقية و أما كلام علي بن بابويه رضوان اللّٰه عليه فكتابه الرسالة غير موجود. نعم ذكر بعض فتاواه ولده الجليل في طيّ مقنعه و لم نجد فيه و في هدايته ما يدل علي هذه النسبة، فلعله أخذه من غير ولده نقلا عنه.

و مما استدل به علي تعيين المبدأ و المنتهي للعقيق ما رواه الشيخ في التهذيب عن موسي بن القاسم «1» عن الحسن بن محمد «2» عن محمد بن زياد «3» بن عمار بن مروان «4» عن أبي بصير «5» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام

يقول: حد العقيق أوله المسلخ و آخره ذات عرق). «6»

______________________________

(1)- من السابعة

(2)- ابن سماعة من السابعة واقفي ثقة.

(3)- لعله من السادسة و الظاهر انه ابن ابي عمير.

(4)- من الخامسة الشكري هو و اخوه عمرو ثقتان و ان كان الكلبي في مشيخة الفقيه فهو مجهول.

(5)- من الرابعة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب المواقيت ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 407

و عبر عن هذه الرواية بعض الأعاظم بالمعتبرة و ردّ احتمال كون عمار بن مروان الكلبي المجهول المذكور في مشيخة الفقيه بأنه غير معروف و أن اليشكري معروف له كتاب فهو عند الإطلاق ينصرف اليه. «1»

و يوافق هذا التحديد في المبدأ خبر أبي بصير الضعيف بعلي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السلام قال: «حد العقيق ما بين المسلخ إلي عقبة غمرة» «2».

و في قبال هذه الروايات، روايات تختلف معها في المبدأ أو المنتهي فممّا يدل علي خلاف ذلك في المبدأ صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أول العقيق يريد البعث و هو دون المسلخ بستة أميال ممّا يلي العراق بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلا بريدان) «3» و صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وقّت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم لأهل المشرق العقيق نحواً من بريدين ما بين بريد البغث (البعث خ) الي غمرة» «4».

و صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ان أحرمت من غمرة أو بريد البعث صليت … » «5»

فهذه الروايات قد دلت علي أن أول العقيق قبل المسلخ بستة أميال و أنه يجوز الاحرام قبله من هذا المكان و الظاهر معارضتها

مع ما دل من أن أول العقيق المسلخ و عليه ان بنينا علي سقوط الرواية عن الحجية بإعراض الأصحاب عنها يرتفع

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 347.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب المواقيت ح: 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب المواقيت ح: 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب المواقيت ح: 6.

(5)- وسائل الشيعة: ب 35 من ابواب الاحرام ح: 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 408

الاشكال به و إلّا فالجمع بين الطائفتين بأن الروايات الأخيرة غاية دلالتها كون البعث أول العقيق و لا تدل علي إجزاء الإحرام منه.

فيه: أولا أن ذلك خلاف ظاهر ما هو شأن الشارع بيانه فإن شأن الامام عليه السلام بل المفتي و المجتهد بيان الحكم و بيان موضوعه لا بيان المعاني اللغوية التي لا ترتبط بالاحكام و القوانين فقوله عليه السلام: «أول العقيق بريد البعث» ظاهر في بيان أول مكان يجوز منه الإحرام.

و ثانيا هذا لا يأتي في صحيح عمر بن يزيد و هشام بن الحكم و الاستشهاد لذلك الجمع بصحيح معاوية بن عمار الذي قال فيه: «وقت لاهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق» «1» لان بطنه هو المسلخ لا يتم بعد ظهور صحيح عمر بن يزيد و صحيح هشام علي كون البعث منه. فعلي هذا يقع التعارض بين الطائفتين و مقتضي قواعد الترجيح الأخذ بالطائفة الثانية. نعم الاحوط العمل بالطائفة الأولي.

هذا كله من حيث المبدأ و أما من حيث المنتهي فظاهر طائفة من الروايات أن منتهي العقيق غمرة و ليس بعدها ميقات. منها خبر أبي بصير الذي مر ذكره الضعيف بالبطائني بل و علي ما قيل بسهل أيضا. و منها صحيح عمر بن

يزيد الذي سبق ذكره و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «آخر العقيق بريد أوطاس و قال: بريد البعث دون عمرة ببريدين» و صحيح معاوية بن عمار الذي مضي ذكره.

و يمكن أن يقال: إن صحيحي معاوية بن عمار لا دلالة لهما علي أن غمرة منتهي العقيق، بل جاء ذكر غمرة فيهما لأجل تعريف بريد البعث.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 409

نعم يقع التعارض بينهما بسبب صحيح عمر بن يزيد و صحيح هشام و قد جمع بينهما بعض الأعاظم فقال: (لا ريب أن مقتضي الجمع العرفي بينهما هو رفع اليد عن ظهور تلك الروايات في عدم جواز تأخير الاحرام عن غمرة و حملها علي أفضليّة الإحرام منها و حمل هذه الروايات علي جواز التأخير عن غمرة و الاحرام من ذات عرق مع المرجوحية لأنّ تلك الروايات ظاهرة في عدم جواز التأخير و هذه الروايات صريحة في جواز التأخير إلي ذات عرق، لا سيّما بملاحظة فعل الصادق عليه السلام كما في معتبرة إسحاق المتقدمة، فالنتيجة أفضلية الإحرام من غمرة و جواز تأخيره إلي ذات عرق مع المرجوحية) «1».

أقول: لا بأس بهذا الجمع لأنّ مثل صحيح عمر بن يزيد نص في جواز الإحرام من غمرة و ظاهر في عدم جواز التأخير من غمرة و مثل المرسلة نصّ في جواز التأخير و قرينة علي عدم إرادة ما هو الظاهر من صحيح عمر بن يزيد.

و بعد ذلك كله نقول: إنَّ صحيح عمر بن يزيد و صحيح هشام بن حكم متروكان مهجوران لم يعمل بهما أحد لدلالتهما علي جواز الإحرام من البعث قبل المسلخ، إذاً فالقول المشهور هو

القول القوي المختار.

ثمّ إنه ربما يقال: بأنّه يظهر من التوقيع الشريف المروي في احتجاج الطبرسي عن محمد بن عبد اللّٰه الجعفر الحميري «2» و كتاب الغيبة للشيخ «3» المتضمن لجوابات مسائل متعددة و فيه: «و عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و متصلا بهم يحج و يأخذ علي الجادة و لا يحرمون هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلي

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 349.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب المواقيت ح 10.

(3)- كتاب الغيبة/ 235.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 410

ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة (من الشهرة خ) أم لا يجوز أن يحرم إلّا من المسلخ؟ الجواب يحرم من ميقاته ثمّ يلبس (الثياب) و يلبي في نفسه فإذا بلغ الي ميقاتهم أظهر». لزومُ الإحرام من أوّل العقيق و هو المسلخ و عدم جواز تأخيره عن أوله.

و استشكل في الاستدلال به أولا بلزوم رفع اليد من هذا الظاهر بصراحة الأخبار الناصة علي جواز التأخير. و ثانيا بأن طريق الاحتجاج ضعيف بالإرسال و طريق الشيخ ضعيف بجهالة أحمد بن إبراهيم النوبختي. «1»

أقول: أما ضعف طريق الاحتجاج بالارسال فهو كذلك ظاهرا الا تعبيره عن التوقيع الشريف بقوله: (و مما خرج عن صاحب الزمان صلوات اللّٰه عليه من جوابات المسائل الفقهيّة أيضا ما سأله محمد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري فيما كتب اليه) يدل علي أنه أخرجه من أصل معتبر لعله كان من كتب الحميري فأرسله إرسال المسلمات.

و مما يدل علي قوة هذا الاحتمال و صحة سند التوقيع الشريف تصريح مثل النجاشي علي أنه (محمد بن عبد اللّٰه الحميري) كاتب صاحب الامر عليه السلام و سأله مسائل في أبواب الشريعة [حيه حش] قال

لنا أحمد بن الحسين و وقعت هذه المسائل إليّ في أصلها و التوقيعات بين السطور «2» و بعد ذلك لما أري هذا الارسال وجها لضعف ما أورده في الاحتجاج.

و أما ضعف طريق الشيخ قدس سره بأحمد بن إبراهيم النوبختي فمردود بأنه يظهر من الرواية كونه من أصحاب الحسين بن روح النوبختي رضوان اللّٰه تعالي عليه و من

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 352.

(2)- جامع الرواة: 2/ 140.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 411

عشيرته و كان كاتبا له و يكفي ذلك في الاعتماد عليه.

و أما دلالة التوقيع الشريف فغاية ما يستفاد منه عدم جواز تاخير الاحرام إلي ذات عرق لا عدم جواز تأخيره من المسلخ الذي هو قبل غمرة و عدم إجزائه من غمرة لجواز أن يكون المراد من المسلخ الأعم منه و من غمرة و لذا أجاب عليه السلام بأنه يحرم من ميقاته و لم يقل يحرم من المسلخ.

و أما دلالته علي عدم جواز التأخير الي ذات عرق فهي بقرينة سائر الروايات محمولة علي كراهة ترك الأفضل و الأخذ بالمفضول قال في الجواهر: (فما في مكاتبة الحميري تعليم للجمع بين مراعاة الفضل و التقية) «1» و كيف كان لا ريب في أن مراعاة الاحتياط مهما أمكن أولي و اللّٰه هو العالم.

[ثالثها: الجحفة]

ثالثها: الجحفة

و هي لاهل الشام و مصر و المغرب و من يمر عليها من غيرهم إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها كأهل المدينة ممن يمرّ علي ذي الحليفة اذ لم يكن مريضا أو ضعيفا و إلّا فقد عرفت جواز الاحرام له من الجحفة و لا خلاف في ذلك و يدل عليه الروايات الكثيرة الصحيحة كصحيح أبي أيوب الخزاز و فيه «و وقّت لأهل المغرب الجحفة و

هي عندنا مكتوبة مهيعة». «2»

و صحيح معاوية بن عمار و فيه: «و وقّت لأهل المغرب الجحفة» «3» و صحيح الحلبي و فيه: «و وقّت لأهل الشام الجحفة» «4» و غيرها.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 107.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: باب 1 من ابواب المواقيت ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب المواقيت ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 412

و يدل علي كونه ميقاتا لمن يمرّ عليها صحيح صفوان الّذي مرّ ذكره و فيه: «أن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم وقّت المواقيت لاهلها و من أتي عليها من غير أهلها». «1»

و أمّا الاستدلال لذلك بأدلة نفي العسر و الحرج، فإن كان المراد منه اقتضاء وجوب الإحرام من منزله العسر و الحرج اذا كانت المسافة بينه و بين هذه المواقيت بعيدة جدا فهذا لا يقتضي صحة الإحرام من هذه المواقيت، بل غاية ما يستفاد منها عدم وجوب الإحرام عن موضع يقع به في الحرج و العسر و الاحتياط يقتضي الاحرام من أول مكان لا يقع بالاحرام منه في العسر و الحرج و تجديده في الميقات الذي يمر عليه في طريقه و لكن لا حاجة إلي ذلك بعد دلالة الدليل علي أنه يحرم من الميقات الذي في طريقه.

و مثل الاستدلال بقاعدة نفي العسر و الحرج في الضعف، الاستدلال بما في بعض نسخ فقه الرضا عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال في هذه المواقيت: «هن لأهلهن و لمن أتي عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج و العمرة» «2».

[رابعها: يلملم أو ألملم أو يرمرم]

رابعها: يلملم أو ألملم أو يرمرم

و هو لاهل اليمن اجماعا و بالنصوص

الكثيرة المتقدمة- المخرجة في الوسائل في الباب الأول من أبواب الميقات.

[خامسها: قرن المنازل]

خامسها: قرن المنازل

بفتح القاف و سكون الراء و تحريكه و نسبة اويس القرني اليه غلط من الجوهري في الصحاح و إن رد عليه في المستند و العجيب أن الطريحي أيضا في مجمع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من ابواب المواقيت ح 1.

(2)- مستدرك الوسائل: ب 9 من ابواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 413

البحرين قال: (و القرن موضع و هو ميقات أهل نجد و منه أويس القرني). و بعد ذلك فهو ميقات أهل الطائف كما صرح به في صحيح أبي أيوب الخزاز و صحيح معاوية بن عمار و صحيح الحلبي.

و أما ما في صحيح علي بن رئاب: «و وقت لأهل اليمن قرن المنازل» «1» و ما في صحيح عمر بن يزيد: «و وقت لاهل النجد قرن المنازل» «2» فلا بد من تأويلهما و حملهما علي أن للنجد طريقين أحدهما يمرّ بالعقيق و الآخر بقرن المنازل و أن لأهل اليمن أيضا طريقين أحدهما يمرّ بيلملم و الآخر بقرن المنازل. هذا إذا كان هذا الاحتمال بحسب الخارج و الأوضاع الجغرافيائية مقبولا و إلّا فالظاهر وقوع الاشتباه في نقل الحديث و ضبطه و حمل صحيح علي بن رئاب علي التقية لوجود ذلك في روايات المخالفين.

قال في التذكرة: (روي العامة عن ابن عباس قال: وقت رسول اللّٰه لأهل المدينة الحليفة و لأهل الشام الجحفة و لاهل النجد قرن المنازل و لاهل يمن يلملم قال:

فهي لهن و لمن أتي عليهن من غير أهلهن الحديث). «3»

و لكن يمكن أن يقال: إن التنافي الواقع بين هذه الاخبار علي صورتين:

إحداهما في أن مقتضي صحيح عمر بن يزيد أن ميقات أهل النجد

قرن المنازل و مقتضي سائر الصحاح أن ميقاتهم العقيق و هكذا مقتضي صحيح علي بن رئاب أن ميقات أهل اليمن قرن المنازل و مقتضي غيره من الصحاح أن ميقات أهل اليمن يلملم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 1 من ابواب المواقيت ح 7.

(2)- وسائل الشيعة: باب 1 من ابواب المواقيت ح 6.

(3)- تذكرة الفقهاء: 7/ 188.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 414

و ثانيتهما أن مقتضي صحيح عمر بن يزيد أن قرن المنازل ميقات أهل نجد و مقتضي سائر الصحاح أنها ميقات لاهل الطائف و مقتضي صحيح علي بن رئاب أن قرن المنازل ميقات أهل اليمن و مقتضي سائر الصحاح أنها ميقات أهل الطائف.

أما التنافي بالصورة الاولي فيمكن رفعه بالأخذ بنص كل منهما و رفع اليد عن ظاهر كل منهما بنص الأخر و لكن هذا مشروط بأن يكون لاهل النجد طريقان أحدهما يمر بقرن المنازل و الآخر بعقيق و أن يكون لأهل يمن أيضا طريقان أحدهما الي قرن المنازل و الآخر إلي يلملم و إذا لم يكن في الخارج لهما أو لأحدهما إلّا طريق واحد بأن كان طريق أهل نجد لا يمر إلّا بالعقيق و طريق أهل اليمن لا يمر إلا بيلملم فلا بد الا القول بوقوع الاشتباه في النقل و الضبط لصحيح علي بن رئاب و عمر بن يزيد و ليكن مثل خبر ابن عباس المروي عن القوم شاهداً علي أنه كان لأهل نجد طريقين و إذا كان كذلك فلا حاجة إلي حمل صحيح عمر بن يزيد علي التقية فإنّه يجوز للمار علي كل ميقات أن يحرم منه.

نعم ان كان الميقاتان في طريق واحد و كان قرن المنازل بعد العقيق لا بدّ و أن يحمل صحيح عمر بن

يزيد علي التقية و أما التنافي بالصورة الثانية فالظاهر أنه أيضا مرفوع بما ذكر في رفع التنافي حسب الصورة الأولي و علي كلّ حال لم أجد فرقا في النتيجة بين الأخذ بالصحيحين و سائر الصحاح. و اللّٰه هو العالم.

[سادسها: مكة المكرمة]

سادسها: مكة المكرمة

و هي لحج التمتع بالإجماع المحكي عن غير واحد و بالنصوص كصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي المروية في الكافي قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: من أين أهل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 415

بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك و إن شئت من الكعبة و إن شئت من الطريق» «1» و رواها الشيخ بإسناده عن عمرو بن حريث الا أنه قال في أوله: «و هو بمكة» و قال بدل قوله: «من الكعبة»، «من المسجد» «2»

و هل الاعتبار في ميقاتيّة مكة المكرمة مكة القديمة فلا يجزي الاحرام من محلاتها الجديدة المستحدثة أو يجزي مكة الجديدة وجهان:

وجه عدم الإجزاء عدم دلالة مثل رواية عمرو بن حريث علي أزيد من إجزائه من مكة القديمة مضافاً إلي أنه يستفاد من صحيحة معاوية بن عمار الواردة في مكان قطع التلبية أن الحد في ذلك بيوت مكة القديمة ففيها قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام:

«إذا دخلت مكة و أنت متمتع فنظرت إلي بيوت مكة فاقطع التلبية و حدّ بيوت مكة الّتي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن فاقطع التلبية» «3»

لا يقال: ان الرواية تختص بالتلبية

فانه يقال: يستفاد منها عدم الخصوصية و أن الاعتبار بمكة القديمة في موضوعيتها للاحكام

و وجه الإجزاء من مكة الحالية صحيح الحلبي قال: «سالت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يتمتع بالعمرة إلي الحج يريد الخروج الي الطائف؟ فقال:

يهل بالحج من مكة و ما أحب أن يخرج منها إلّا محرما و لا يتجاوز الطائف إنّها قريبة من مكة» «4» فهذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب المواقيت ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب المواقيت ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب أقسام الحج ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 416

الصحيح يدل بالاطلاق علي جواز الإحرام من مكة و إن كانت من بيوتها المستحدثة و لكن بعد ذلك، الأحوط الاحرام من مكة القديمة.

ثمّ إنه لا يخفي عليك أن بعض الأعاظم مع أنه لم يفت بجواز الإحرام من مكة الجديدة و قال: (الاحوط وجوبا أن يحرم من مكة القديمة)- قال في ابتداء بحثه عن هذه المسألة: (لا خلاف بين الاصحاب و هي مطبقة علي كفاية الاحرام من مكة المكرمة من أي موضع شاء) «1» لكن نحن لم نجد ما يدل علي ذلك إلّا صحيح الحلبي و صحيح الصيرفي.

[سابعها: دويرة الأهل]

سابعها: دويرة الأهل

أو منزل من كان منزله دون الميقات إلي مكة قال في الجواهر: (لا خلاف فيه بل الاجماع بقسميه عليه بل عن المنتهي أنه قول أهل العلم كافة الا مجاهد. و يدل عليه مضافا إلي ذلك النصوص المستفيضة كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: من كان منزله دون الميقات إلي مكة فليحرم من منزله. و قال في حديث آخر: إذا كان منزله دون الميقات الي مكة فليحرم من دويرة أهله و صحيح علي بن رئاب عن مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق الي مكة فليحرم من منزله و رواية ابن مسكان عن

أبي سعيد قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عمن كان منزله دون الجحفة إلي مكة؟ قال: يحرم منه)

ثمّ انه لو قلنا بأن الميزان في الحكم بكون منزله إذا كان دون الميقات ميقاته كون منزله واقعا بعد الميقات و لم يكن قدامه ميقات آخر و بعبارة أخري: كون منزله أقرب إلي مكة من الميقات الّذي هو ورائه و إن كان أبعد إلي مكة من الميقات الّذي

______________________________

(1)- معتمد العروة: 3/ 296.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 417

ليس قدامه و ورائه فالظاهر أنه لا فرق بين كون الفصل الواقع بينه و بين مكة أقرب مما بينه و بين عرفات أو أبعد فلا يجي ء الاختلاف في أن الميزان بالقرب إلي مكة أو إلي عرفات فلا تفاوت بينهما ففي كلتي الصورتين منزله واقع دون الميقات و إن كان الفصل بينه و بينهما متفاوتاً في القرب و البعد.

و أما اذا كان الميزان في كون منزله ميقاته كونه أقرب من جميع المواقيت إلي مكة فيجوز وقوع الاختلاف في ذلك بأن يقال: الميزان كونه أقرب إلي عرفات من جميع المواقيت أو يفصل بين العمرة فيقال باعتبار القرب إلي مكة و بين الحج فيقال باعتبار القرب إلي عرفات لعدم وجوب المرور علي مكة في إحرام الحج من المواقيت فعلي هذا ربما يختلف تكليفه بحسب الميزانين فإن كان الميزان كون منزله أقرب إلي مكة من أقل المواقيت فصلًا مع مكة فالاعتبار به و إن كانت مكة فاصلة بينه و بين عرفات و صارت المسافة بينه و بين عرفات أكثر من المرحلتين فلا يجب عليه الذهاب إلي قرن المنازل الميقات الأقرب الي مكة من سائر المواقيت و إن كان الميزان كون فصل ما بين منزله و

عرفات أقل من فصل أقرب المواقيت إلي مكة يجب عليه الاحرام من قرن المنازل أو ميقات آخر لكون فصل منزله من عرفات أكثر من فصل قرن المنازل من مكة

هذا و لكن لم نفهم بأي وجه ذهب بعضهم مثل الشهيد في اللمعة و المحقق في المعتبر إلي اعتبار القرب إلي عرفات مع صراحة الأخبار علي أنّ الميزان لو كان القرب فهو معتبر بالنسبة إلي مكة و إن كان نفس وقوع المنزل بعد الميقات فالميزان ذلك و إن كان أبعد من مكة من أقرب المواقيت إلّا إذا كان أمامه ميقات آخر كمن كان منزله بعد مسجد الشجرة قبل الجحفة فإنّه يحرم من الجحفة.

ثمّ إنّه قد ذكر السيد ان علي المشهور الأقوي أن ميقات من هو من أهل مكة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 418

أيضا منزله بل و المجاور الذي انتقل فرضه إلي فرض أهل مكة فلا يجب عليهما الإحرام من الجعرانة و إن كان أحوط.

أقول: هنا روايتان: إحداهما ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن أبي الفضل «1» قال: «كنت مجاوراً بمكة فسألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام من أين أحرم بالحج؟ فقال: من حيث أحرم رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم، من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف و فتح الخيبر و الفتح» الحديث «2» و ثانيتهما- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: «قلت لابي عبد اللّٰه، عليه السلام: اني اريد الجوار؟ (بمكة)- فكيف أصنع فقال: اذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الي الجعرانة فأحرم منها بالحج» الحديث «3»

و استشكل في الاستدلال بالأولي بأنها واردة في المجاور بمكة و كلامنا

في المتوطن. و اجيب عنه إنّ المجاورة أعم من الاستيطان و لم يؤخذ في المجاورة عنوان الموقت و عنوان المجاورة يشمل من يريد أن يتّخذ بلدا وطنا له و كذلك يشمل الإقامة الموقتة بدون قصد الاستيطان و قد استعمل في القرآن علي غير الموقت كقوله تعالي: «قطع متجاورات» نعم لا يصدق المجاورة علي من كان مولودا في بلد و يستمر في الإقامة و السكني «4».

و فيه أولا أن بهذا يكون المجاور أعمّ ممن قصد المجاورة زمانا ما و ممن قصدها دائما و مستوطنا و لكنه بعد ذلك لا يشمل من كان مكة بلده و وطنه الأصلي فيعود

______________________________

(1)- الظاهر أنه سالم الحناط أو- كما في جامع الرواة- الخياط من الخامسة ثقة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 6.

(3)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 5.

(4)- معتمد العروة: 2/ 362.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 419

الإشكال.

و ثانيا الراوي يقول: كنت مجاورا بمكة و لا يعلم من كلامه أنه أراد المجاورة الموقتة أو كان مريدا للاستيطان و ليس في كلامه ما يرتفع به هذا الاحتمال و لم يقل ذلك للامام عليه السلام حتي يتمسك بالاطلاق و ترك الاستفصال فلعل حاله كان معلوما و سأل الإمام عن حكم نفسه، هذا مضافاً إلي احتمال كون السؤال عن الموضع الأفضل للفرق بين أن يقول من أين يحرم المجاور أو يقول من أين احرم.

و أما صحيح عبد الرحمن بن الحجاج فهو طويل دال بسائر ما فيه مثل قوله عليه السلام: «و أن هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم من أهل مكة و أهل مكة لا متعة لهم فأحببت أن يخرجوا من مكة الي بعض المواقيت» «1» الحديث علي

إجزاء الإحرام من المواقيت لأهل مكة بل أفضليّته و لكن لا يدل علي نهي الاجزاء من مكة بل فيه اشعار علي الجواز و الإجزاء فكأنه كان بحث سفيان و اعتراضة علي الامام عليه السلام في الجواز و الإجزاء و أنّ لأهل مكة أن يحرموا من بعض المواقيت و لذا قال فيه الإمام عليه السلام: «فقال لي و أنا أخبره أنها وقت من مواقيت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم: يا أبا عبد اللّٰه فاني أري لك أن لا تفعل فضحكت و قلت: و لكني أري لهم أن يفعلوا». فظهر من ذلك أنه لا ريب و لا إشكال في إجزاء الإحرام من بعض المواقيت للحج لأهل مكة بل ذلك لهم هو الافضل.

و أمّا الاكتفاء بالاحرام من مكة فقال في الجواهر: (يبقي الكلام في أهل مكة من حيث عدم اندراجهم في اللفظ المزبور- يعني ما يدل علي أن من كان منزله دون الميقات يحرم من منزله- المقتضي للمغايرة لكن عن صريح ابني حمزة و سعيد و ظاهر

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 300 ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 420

الأكثر الإحرام منها بالحج لإطلاقهم الإحرام من المنزل لمن كان منزله دون الميقات أو ورائه بل في الرياض بعد نسبته إلي الشهرة حاكياً لها عن جماعة من الأصحاب قال: بل زاد بعضهم فنفي الخلاف فيه بينهم مشعراً بدعوي الإجماع عليه كما حكاه في الذخيرة عن التذكرة). «1»

أقول: أما الروايات الدالة علي أن ميقات من كان منزله دون الميقات فيمنع من دعوي شمولها بالمنطوق لاهل مكة قوله عليه السلام فيها: «إلي مكة» اللهم إلا أن يقال بدخول الغاية في المغيي بمناسبة الحكم و الموضوع كما أنه يمكن أن نقول

بدلالتها بالمفهوم علي وقوع أهل مكة أيضا تحت الحكم فإن العرف يفهم من حكم الشارع بميقاتية المنزل لمن كان منزله دون الميقات انّ الإحرام من الميقات واجب علي النائين الذين يأتون من كل فج عميق فمن كان منزله دون الميقات أو من أهل مكة لا يجب عليه الذهاب إلي الميقات فهو يحرم من مكانه فعلي هذا الأقوي إجزاء الإحرام من مكة بغير حج التمتع لأهل مكة و الأفضل الأحوط الإحرام من جعرانة.

و قد يستدل علي جواز الإحرام لهم من مكة بما في الفقيه (قال): «و سئل الصادق عليه السلام عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال: من منزله». «2»

و فيه أنه ضعيف بالإرسال مضافاً إلي ضعف دلالته فإن خلف الجحفة في مثل الخبر صادق علي المنزل الّذي خلفه و منصرف عن مكة و ان كان ربما يصحح التعبير عن مكة بأنه خلف الجحفة بل مثله ظاهر في وقوع منزله قدام مكة اللّهم إلا أن يتمسك لشموله من كان من أهل مكة بمفهوم الاولوية أو المساوات.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 114.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 306.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 421

ثمّ ان الظاهر عن التذكرة «1» عدم الخلاف بين فقهاء الفريقين في أنّ أهل مكة يحرمون للحج من مكة و لم يذكر فيه خلاف بينهم.

ثمّ ان الظاهر أن الإحرام من المنزل لمن كان منزله دون الميقات و لأهل مكة من باب الرخصة دون العزيمة بل يستفاد من رواية عبد الرحمن بن الحجاج أفضليّة الإحرام من أحد المواقيت.

نعم لا يجوز لمن منزله دون الميقات الا الاحرام من منزله أو من الميقات فلا يجوز أن يحرم من قبل منزله كما لا يجوز له أن يحرم بعده.

[ثامنها: فخ]

ثامنها: فخ

و في الجواهر: (و تجرد الصبيان من فخ و هو بئر معروف علي فرسخ من مكة إلي- أن قال- و عن السرائر أنه موضع علي رأس فرسخ من مكّة قتل فيه الحسين بن علي بن أمير المؤمنين عليه السلام يعني الحسين بن علي بن الحسين بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام و علي كل حال فدليله صحيح ابن الحر «2» سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصبيان من أين نجردهم؟ فقال: كان أبي يجردهم من فخ «3» و نحوه صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السلام انما الكلام في أنّ ذلك كناية علي جواز احرامهم منه كما صرح به بعضهم بل ربما نسب إلي الاكثر بل في الرياض يظهر من آخر عدم الخلاف فيه أو أن احرامهم من الميقات و لكن رخص لهم في لبس المخيط الي فخ فيجردون منه كما عن السرائر و المقداد و الكركي قولان: أقواهما الثاني لعموم نصوص المواقيت و النهي عن تأخير الإحرام عنهما و عبادة الصبي شرعية أو تمرينية

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 8/ 204.

(2)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب المواقيت ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب المواقيت، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 422

إذا جاء علي نحو ما يجي ء به المكلف و ليس في الخبرين إلا التجريد الذي لا ينافي ذلك علي أن فخ انما هو علي طريق المدينة أما لو كان غيره فلا رخصة لهم في تجاوز الميقات بلا إحرام الذي صرح في النص بأن الإحرام من غيره كالصلاة أربعاً في السفر و احتمال حمل أدني الحل من سائر الطرق علي فخ الذي هو أدناه في طريقها بل قيل:

إنه يعطيه كلام التذكرة واضح الضعف و تخصيص أدلة لزوم الكفارة علي الولي بما دل علي الرخصة في اللبس إلي فخ متحقق علي القولين إذ لا كلام و لا خلاف في جواز الإحرام بهم من الميقات) «1».

أقول: أما تقوية القول الثاني بعموم نصوص المواقيت و استلزام القول الاول رفع اليد عن هذا العموم دون القول الثاني فيمكن أن يقال: ان القول الاول يقوي بعموم حرمة لبس المخيط للمحرم لاستلزام القول الثاني رفع اليد عنه و تخصيصه بالصبيان.

و أما قوله: (و عبادة الصبي شرعيّة أو تمرينيّة … و ليس في الخبرين إلا التجريد الذي لا ينافي ذلك)، فهو كالمصادرة بالمطلوب فإن الكلام واقع فيما يستظهر من التجريد و أنه ظاهر في الاحرام أو في مجرد نزع لباسهم المخيط و تجريدهم عنه.

و أما احتمال حمل أدني الحل من سائر الطرق علي فخ الّذي هو أدناه في طريقها فليس ضعفه واضحا لأن العرف لا يفهم من ذلك الحكم إلا التسهيل و مراعاة حال الصبيان سيّما في البرد و الحر.

و أما جوابه عن لزوم القول بوجوب إحرامهم من الميقات و تجريد هم من فخ تخصيص أدلة لزوم الكفارة- علي الولي بما دل علي الرخصة في اللبس إلي فخ بأنّ

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 119.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 423

هذا يلزم و لو قلنا بالإحرام من فخّ لأنّ مع القول بجواز إحرامهم من فخ لا خلاف في جواز الإحرام من الميقات، فهو. تام لا غبار عليه.

و قد يقال بأن بعض الروايات دال علي الإحرام بهم من الميقات مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلي الجحفة أو إلي بطن

مرّ و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم (و يسعي بهم التهذيب) و يرمي عنهم و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه» «1» و صحّة الاستدلال به تدور مدار كون بطن مر من الجحفة و قد قيل إنّه ليس من الميقات و عليه يدل علي التسهيل في امر الصبيان و إنّه يجوز التأخير في تجريد هم إلي الجحفة و إلي بطن مر و إلي فخ فلا يدخلونهم الحرم مع المخيط و لذا يقوي ما قال (انه يعطيه كلام العلامة في التذكرة) و قوله في الصحيح (ما يصنع بالمحرم) ليس ظاهرا في تاخير إحرامهم إلي الجحفة و إلي بطن مر إن لم نقل إنه ظاهر في تجريدهم.

و هنا رواية اخري أخرجها الكليني و الشيخ عن يونس بن يعقوب عن أبيه قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ان معي صبية (صبيانا) صغارا و أنا أخاف عليهم البرد فمن أين يحرمون قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها فإنّك- إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامه ثمّ قال: فإن خفت عليهم فأت بهم الجحفة» «2» و هذه الرّواية تدل علي جواز- إحرامهم من العرج و الجحفة عند خوف الحر و البرد فليكن الحكم كذلك في تأخير إحرامهم إلي فخ و تكون الرّواية مع ما قيل في ضعف سندها، قرينة علي إرادة الإحرام من تجريد هم في فخ.

اللهم إلا أن يقال: إذا كان العلة لجواز تأخير إحرامهم التسهيل عليهم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 424

و خوف الحر و البرد فليقتصر بما يحصل ذلك أو يزول به

الخوف و هو الاحرام من الميقات و تأخير تجريدهم إلي فخ و المسألة كما قال في الرياض قويّة الإشكال فلا يجوز ترك الاحتياط بترتب آثار الإحرام سواء أحرم من الميقات أو من فخ.

نعم إن أحرم من الميقات لا يجب تجريدهم. و اللّٰه هو العالم.

[تاسعها: محاذاة أحد المواقيت الخمسة أو خصوص مسجد الشجرة]

اشارة

تاسعها: محاذاة أحد المواقيت الخمسة أو خصوص مسجد الشجرة

و الأول هو المعروف بين الاصحاب و الدليل علي القولين صحيح عبد اللّٰه بن سنان و هو ما رواه المشايخ الثلاثة ففي الكافي عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق أهل- المدينة الّذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء» و رواه الشيخ الي قوله ستة اميال و ترك لفظ (غير) و لفظ الفقيه: «من أقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا أو نحوه ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة فإن كان حذاء الشجرة و البيداء مسيره ستة اميال فليحرم منها». «1»

هذه الفاظ الحديث علي ما في الوسائل أما في ما عندنا من نسختي التهذيب هكذا: «بدا له أن يخرج في- غير طريق أهل المدينة» «2» و علي هذا الظاهر ان ترك لفظ غير في النسخة التي كانت عند شيخنا الحر سقط من بعض النساخ. و كيف كان فالصحيح واحد و إن عبر عنه في العروة بصحيحتي ابن سنان، و لفظ الكافي أضبط و أتم فالاعتماد عليه.

و بعد ذلك نقول: لا ريب في أن الصحيح يدل علي جواز الاحرام من محاذاة مسجد الشجرة في الجملة إلا أنه يقع الكلام في موارده:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7

من أبواب المواقيت، ح 3.

(2)- تهذيب الاحكام: باب المواقيت، ح 57/ 178.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 425

الأوّل: هل للاقامة شهرا في المدينة دخل في الجواز المذكور فلا يشمل من كان إقامته فيها أقل من ذلك و من لم يقم فيها و مر عليها و خرج من غير طريق أهل المدينة؟ يمكن أن يقال: إن الظاهر أن ما جاء في الصحيح وقع علي سبيل المثال لا فرق بين من أقام فيها شهرا أو اقل منه و لكن لا تطمئن النفس بذلك نعم لا ريب في شموله لمن كان من أهل مدينة أو أقام فيها أكثر من شهر واحد.

الثاني: هل لإرادته الحج دخل في هذا الحكم فمن أقام في المدينة شهرا أو شهرين أو أكثر و لا يريد الحج إن خرج إلي الحج من غير طريق أهل المدينة لا يشمله الصحيح؟ الكلام فيه ما قلناه في اقامته شهرا و لكن عدم دخل هذه الخصوصية في الحكم هنا أظهر.

الثالث: المعروف بين الاصحاب كفاية المحاذاة لأحد المواقيت الخمسة و مقتضاه عدم دخل كل ما جاء في الصحيح من القيود في الحكم و أنه لا يعتبر في جواز الإحرام إلا محاذاة أحد المواقيت فكل ما جاء في الصحيح جاء علي سبيل المثال.

و يمكن أن يقال: إن مقتضي القاعدة و الأصل عدم إجزاء الإحرام من المكان المحاذي للميقات فلا يعدل عنها إلا بالدليل و غاية ما يستفاد من الدليل الاجزاء لمن أقام في المدينة شهرا مريدا للحج أو كان من أهل المدينة و أما اجزاء الاحرام من محاذاة سائر المواقيت فلا يستفاد منه و حمل كلام الامام عليه السلام، علي مجرد المثال، مما لا يطمئن به النفس.

نعم لو كان بيان الحكم

منه عليه السلام، صادرا منه في جواب السائل عمن كان بتلك الخصوصيات، يمكن دعوي عدم دخل هذه القيود في الحكم و علي هذا فالأحوط الاقتصار علي محاذاة خصوص الشجرة دون سائر المواقيت.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 426

فروع
الأول: مقتضي الاقتصار علي نصوص المحاذاة عدم الاكتفاء بمحاذاة سائر المواقيت

بل و محاذاة الشجرة من جانبها الأخر و كذا من محاذاتها من جانب البيداء إذا كان أبعد من البيداء عن الشجرة ببعد معتد به فالتعدي عن منطوق صحيح عبد اللّه بن سنان لا يمكن إلا بمفهوم المساواة غير الموجود في المقام.

الثاني: علي القول بكفاية مطلق المحاذاة لأحد المواقيت الخمسة فالاعتبار علي محاذاة أبعد الميقاتين إلي مكة

فإذا كان في طريقه يحاذي ميقاتين لا يجوز له التجاوز عن الاول بدون الاحرام و تأخيره إلي الثاني.

الثالث: علي هذا القول إذا أحرز المحاذاة بالعلم و ما يقوم مقامه

كقول الثقة من أهل الخبرة يبني عليه و إلا فلا بد له إلا المضي إلي ميقات معين أو نذر الإحرام من المكان الّذي يحتمل المحاذاة أو قبله. و يمكن الاحرام رجاءً و احتياطاً من أول مكان يحتمل محاذاته للميقات و تجديده كذلك في سائر المواضع الّتي يحتمل محاذاتها و بذلك يحصل له العلم بالاحرام من المكان المحاذي للميقات.

لا يقال: إن ذلك خلاف الاحتياط لاحتمال كون المكان الكذائي قبل المكان المحاذي مضافا الي أن مقتضي الاصل عدم وصوله الي المحاذي فلا يجوز له ظاهرا الاحرام منه.

فإنه يقال: إن حرمة الاحرام قبل الميقات حرمة وضعية مفادها عدم تحقق الاحرام منه لا الحرمة الذاتية غاية الامر أنه محرم إذا أراد به التشريع دون ما إذا أتي به رجاءً و احتياطا.

الرابع: اذا أحرم من الموضع الذي أحرز محاذاته للميقات ثمّ تبين أنه كان قبل الميقات

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 427

فإن كان ذلك بالعلم الوجداني و القطع الحاصل من غير الطرق المعتبرة فلا ريب في عدم إجزائه و وجوب إعادة الإحرام. و أما إذا أحرز محاذاة الموضع الذي أحرم منه بالطريق المعتبر الشرعي كالبينة أو قول أهل الخبرة و تبين كونه قبل الميقات فهل المسألة داخلة في مسألة إجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي حتي يقول القائل بعدم الإجزاء بإعادة الإحرام الواقع قبل الميقات و يقول القائل بالإجزاء بكفايته عن التكليف الواقعي.

و بعبارة اخري علي ما قرره سيدنا الأستاد الأعظم قدس سره في مباحثه الأصولية نقول بإتيانه بالمأمور به بالأمر الواقعي أو أنها خارجة عن مسئلة الإجزاء لان البحث عن إجزاء الماتي به بالأمر الظاهري إنما يجري فيما إذا دل الدليل علي تحقق شرط المكلف به و أما إذا دل علي تحقق شرط التكليف ثمّ تبين الخلاف فليس هنا أمر واقعي حتي نبحث

عن إجزاء الأمر الظاهري عنه و المقام من القسم الثاني فإن شرط وجوب الإحرام و الحج البلوغ إلي الميقات فمن أحرم قبل الميقات لم يكن مأمورا به و لم يتعلق به الأمر بالإحرام أو الحج كمن صلي اعتماداً علي البينة بدخول الوقت قبل الوقت.

و فيه، أن وجوب الإحرام و الحج قبل الموسم و قبل الوصول إلي الميقات فعليّ و الواجب استقبالي و هو مشروط بالموسم و بالميقات فإذا دل الدليل علي حصول شرطه و تبيّن خلافه يدخل في باب الإجزاء.

الخامس: قد قيل بأنه لا يتصور طريق إلي مكة لا يمر علي ميقات و لا محاذاة واحد من المواقيت

إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب فلا بد من المرور علي واحدة منها أو محاذاتها فإن الجحفة ما بين الشمال و المغرب و مسجد الشجرة في جهة الشمال و وادي العقيق بين الشمال و المشرق و قرن المنازل في المشرق تقريباً و يلملم في

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 428

جنوب مكة.

و عن المستند (أن الخلاف في ذلك خلاف لا فائدة فيه إذا المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب) «1» و لكن يستفاد من العلامة في القواعد إمكان ذلك لانه قال: (و لو لم يؤد الطريق إلي المحاذاة فالأقرب أن ينشئ الإحرام من أدني الحل و يحتمل مساواة أقرب المواقيت) «2» و هذا ظاهر غيره ممن ذكر الموضوع و حكمه.

و قال السيد الأستاذ أعلي اللّٰه درجته في حاشيته علي قول السيد صاحب العروة قدس سره: (إذ المواقيت محيطة بالحرم). (ليس كذلك و أن ذا الحليفه و الجحفة كليهما في شمال الحرم علي خط واحد تقريبا و قرن المنازل في المشرق منه و العقيق بين الشمال و المشرق فتبقي يلملم وحدها لثلاثة أرباع الدورة المحيطة بالحرم و بينها بين قرن المنازل أكثر من ثلاثة أثمان الدورة و منها إلي

الجحفة قريب من ذلك)

و مقتضي كلامه الشريف وجود طريق لا يمر علي محاذاة الميقات و كيف كان فالأمر موكول إلي أهل الاطلاع و الخبرة و النظر إلي خريطة الحرم.

و كيف كان علي فرض وجود طريق إلي مكة لا يمر بأحد المواقيت و لا بمحاذاة أحدها فهل يجوز له الاكتفاء بالإحرام من أدني الحل أو من مساواة أقرب المواقيت إلي مكة فيحرم من موضع تكون المسافة بينه و بين مكة بقدر ما يكون بين أقرب المواقيت و مكة أو يجب عليه أن يذهب إلي أحد المواقيت المعروفة و يحرم منه؟

لا يخفي أنه علي الاحتمالات الثلاثة و إن قلنا بأن في مسألة دوران الأمر بين التعيين و التخيير بإجراء أصل البراءة عن كما إذا كانت المسألة ذات احتمالين

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 11/ 189.

(2)- قواعد الاحكام: 1/ 417.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 429

كوجوب الإحرام من خصوص الميقات أو الأعم منه و من أدني الحل فإنه علي مبني البعض نجري البراءة عن خصوصية الميقات فالنتيجة هي التخيير بين الاحرام من الميقات و من أدني الحل و لكن مع احتمال كون التكليف الاحرام من مرحلتين لا يثبت بإجراء البراءة في خصوصية الميقات كفاية خصوص الإحرام من أدني الحل فإن الأمر يدور بين كونه مكلفا بخصوص الإحرام من الميقات أو الأعم منه و من أدني الحل أو بخصوصه أو الأعم منه و من مرحلتين و رفع خصوصية الميقات لا يثبت إجزاء الإحرام من أدني الحل فعلي هذا يتعين عليه الإحرام من الميقات أو الاحتياط بالإحرام من مرحلتين رجاء و تجديده كذلك من أدني الحل.

هذا كله إذا لم نقل بلزوم الإحرام من المواقيت المنصوصة و عدم جواز الإحرام من غيرها مطلقاً و إلا

يجب علي الجميع الإحرام منها فيعدل من كان طريقه لا يمر بميقات أو محاذاة ميقات إلي طريق يمر به.

و قد يقال بدلالة النصوص علي ذلك كصحيح الحلبي (قال مولانا أبو عبد اللّٰه عليه السلام في آخره. «و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم» «1».

و صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام و فيه: «فليس لأحد أن يعدو من هذه المواقيت إلي غيرها» «2». فإن المستفاد منهما عدم جواز العدول و الإعراض عن المواقيت.

و لكن يمكن أن يقال بأن غاية ما يدلان عليه أن المار علي هذه المواقيت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب المواقيت ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب المواقيت ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 430

لا يجوز له العدول إلي غيرها فلا يصدق علي من كان طريقه إلي مكة لا يمر علي هذه المواقيت أن يذهب إليها و يحرم منها و كيف كان فالاحتياط يقتضي لمثله الإحرام من الميقات أو محاذاته.

[عاشرها: أدني الحل]

اشارة

عاشرها: أدني الحل

و هو ميقات للعمرة المفردة بعد حج القران و الإفراد و ميقات العمرة لمن كان بمكة و أما النائي الخارج للعمرة المفردة فميقاته ما يمر به من المواقيت المعروفة و الظاهر أنه لا خلاف في ذلك.

و استدل علي كون أدني الحل ميقاتا للعمرة المفردة بصحيحة جميل «1» الّتي رواها الشيخ بإسناده عنه قال: «سألت- أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال: تمضي كما هي إلي عرفات فتجعلها حجة ثمّ تقيم حتي تطهر فتخرج إلي التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة قال ابن أبي عمير: كما صنعت عائشة» و رواها الصدوق بإسناده عن

جميل مثله إلي قوله: «فتجعلها عمرة» «2»

و استشكل في الاستدلال بها أولا بكونها أخص من المدعي فإن الكلام في كون أدني الحل ميقاتا لمطلق العمرة المفردة و الصحيحة موردها العمرة المفردة المسبوقة بالحج بل و العمرة المفردة الواجبة علي المستطيعة التي لم تتمكن من إتمام عمرة التمتع و انقلب تكليفه إلي الإفراد دون العمرة المفردة غير المسبوقة بالحج و دون العمرة المفردة غير المسبوقة بحج الافراد الّذي انقلب تكليفه إليه بالاضطرار و عدم تمكنه من إتمام حج التمتع. و ثانيا بأن ظاهرها إجزاء الإحرام من التنعيم دون أدني الحل.

______________________________

(1)- من الخامسة وجه الطائفة و ثقتهم و ممن اجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه.

(2)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 2 و الراوي عن جميل صفوان و ابن ابي عمير و فضالة و الزيادة من ابن ابي عمير دون صفوان و فضالة و لذا قال ابن ابي عمير.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 431

و يمكن أن يقال: إن الظاهر في بيان هذه التكاليف الجزئية إرجاعها إلي القواعد العامة فمن لم يتمكن من حج التمتع يصير حجه مفرداً و يأتي بالعمرة المفردة من ميقات العمرة و هو أدني الحل لا أن للمعتمر بالعمرة المفردة ميقاتين فإذا كانت مسبوقة بالحج، ميقاته أدني الحل و إذا لم تكن كذلك له ميقات آخر و إلا لو أخذنا بهذه الخصوصيات يجب الاقتصار في الحكم بأنه مختص بالمرأة و لا يشمل الرجل و أيضا مختص بما إذا منعها الحيض عن إتمام عمرة التمتع لا مانع آخر.

و أما احتمال اختصاص الحكم بالتنعيم فلا يستفاد منه إجزاء الإحرام من مطلق أدني الحل فالظاهر أن اختصاصه بالذكر لكونه أقرب الأماكن من حدود

الحرم لا لاختصاص الحكم به.

و كيف كان يكفي للاستدلال علي ذلك صحيح عمر بن يزيد «1» الّذي رواه الصدوق بإسناده عنه عن أبي عبد اللّه قال: «من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها» «2» لأن قوله عليه السلام «أو ما أشبهها» يشمل جميع المواضع من حدود الحرم و لأنه مطلق يشمل العمرة المسبوقة بالحج و غيرها.

تتمه: لا يخفي عليك أن الصدوق في الفقيه أخرج صحيح عمر بن يزيد في باب مواقيت العمرة من مكة و قطع تلبية المعتمر و قال في آخر باب العمرة في شهر الحج:

(و اعتمر رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم ثلاث عمر متفرقات كلها في ذي القعدة، عمرة أحل فيها من عسفان و هي عمرة الحديبية و عمرة القضاء أحرم فيها من الجحفة و عمرة أهل فيها من الجعرانة و هي بعد أن رجع من الطائف من غزوة حنين) «3» و لكن بعض

______________________________

(1)- ثقة له كتاب من الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب المواقيت ح 1.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 276، وسائل الشيعة: باب 22 من أبواب المواقيت ح: 2 و باب 2 من ابواب العمرة ح: 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 432

الأعاظم عبر عن الثاني بمرسلة الصدوق الّتي رواها بعد صحيحة عمر بن يزيد «1» إلا أنّه كما تري أخرج الثاني قبل الاول و الاشتباه نشأ من أنه رأي أن الوسائل جعل الاول الحديث الاول من (ب 22) من أبواب المواقيت و الثاني الثاني منه فزعم أن ذلك فعل الصدوق.

و أما التعبير عنه بالمرسلة فإن كان المراد نقل الألفاظ المذكورة بالإرسال عن الامام عليه السلام فليس في

كلامه ما يدل علي نقل قول الامام عليه السلام و إن كان المراد أنه حكي فعل رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم بالإرسال من غير إسناد إلي حاكيه فهو مرسل كما إذا قال: قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم و لم يسنده إلي قائله من جهة أن السنة أعم من قول المعصوم و فعله و تقريره فيأتي في الأخيرين ما ذكره في أصناف الحديث من المتواتر و المستفيض و الواحد و المرسل و الضعيف و القوي و الحسن و الصحيح و الشاذ و المسند و غيرها و لكن الظاهر من كلامه أنه نتيجة اجتهاده في التاريخ.

و يمكن أن يكون كلامه إشارة إلي صحيح معاوية بن عمار الّذي رواه الكليني بسنده عنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «اعتمر رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم ثلاث عمرات مفترقات عمرة في ذي القعدة أهل من عسفان و هي عمرة الحديبية و عمرة أهل من الجحفة و هي عمرة القضاء و عمرة أهل من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين». «2» إلا أنه يرد عليه قدس سره لما ذا لم يسند ما ذكره إلي هذا الصحيح.

و كيف كان أستشكل في الحديث أولًا بأن مقتضي ظاهره (أنه صلي الله عليه و آله و سلم أحرم لعمرة من عسفان البعيد عن مكة بمرحلتين و هو ليس من المواقيت و لا من أدني

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 390.

(2)- الكافي: ج 4 ب حج النبي صلي الله عليه و آله و سلم ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 433

الحل. و ثانيا بأنه (صلي اللّٰه عليه و آله) أحرم لعمرة

القضاء من الجحفة مع أنه كان قاصدا للعمرة من المدينة فلم لم يحرم من مسجد الشجرة فمقتضي فعله ذلك جواز تاخير إحرام العمرة المفردة للنائي من الميقات الّذي أمامه إلي ما بعده. «1»

و لكن يمكن الجواب عن الإشكال الاول أنه كما يحتمل أن يكون المراد من قوله: «عمرة أهل فيها من عسفان» أنه صلي الله عليه و آله و سلم ترك الإحرام من الميقات و أحرم من عسفان بعد ما كان مريدا للعمرة من أول الأمر، يحتمل أن يكون إحرامه من عسفان لانه لم يكن مريدا للعمرة و أرادها بعد التجاوز عن الميقات فيدل الخبر علي جواز الإحرام من بعد الميقات لمن أراد الإحرام بعده.

و يحتمل أن يكون المراد بالإهلال رفع الصوت بالتلبية. قال الراغب:

(و الإهلال رفع الصوت عند رؤية الهلال ثمّ استعمل لكل صوت و به شبه إهلال الصبي) الخ.

و بالجملة فلا يمكن الاستدلال به قبال الروايات الظاهرة في مداليلها بعد ما كان حكاية عن الفعل الّذي لم يعلم كيفيته و لا وجهه فتأمل جيداً.

[مسألة 13 قد ظهر مما اسلفناه أن كل من حج و اعتمر علي طريق فيه الميقات يحرم من ذلك الميقات]

مسالة 13- قد ظهر مما اسلفناه أن كل من حج و اعتمر علي طريق فيه الميقات يحرم من ذلك الميقات فلا يتعين عليه الاحرام من مهل أرضه.

بالاجماع و بالنصوص كصحيح صفوان و فيه: «إن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله وقت المواقيت لأهلها و من أتي عليها من غير أهلها» «2»

[مسالة 14- قال في العروة: (إن نذر الإحرام من ميقات معين تعين.]

مسالة 14- قال في العروة: (إن نذر الإحرام من ميقات معين تعين.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 390.

(2)- وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 434

و اشكل عليه بأن الاحرام منه يجب بالنذر و لا يتعين به لأن الناذر كان مخبراً في الإحرام بين المواقيت الخمسة يعني يجزيه الإحرام من أيها أحرم و النذر و إن كان سببا لوجوب الإحرام من الميقات المعين لا يبدل حكم تخييره بين المواقيت و إجزاء الاحرام من غيره نعم يجب عليه بالنذر اختيار المعين و أما إذا أتي بالواجب في ضمن العدل الآخر يجزيه عن تكليفه الأصلي و إن خالف نذره و وجبت عليه الكفارة نظير من نذر أن يصلي جماعة فصلي منفردا أو نذر أن يصلي صلاته في المسجد فصلّي في البيت فصلاته منفرداً أو في بيته تقع صحيحة و إن وجبت عليه الكفارة لمخالفة النذر.

و لكن يمكن أن يقال: إن حنث النذر المتعلق بالصلاة جماعة أو في المسجد أو بالاحرام من ميقات معين إنما يتحقق بصلاته منفردا أو في بيته أو إحرامه من ميقات آخر.

و بعبارة اخري: صلاته منفرداً إما ان تقع باطلة فتكليفه بالصلاة جماعة باق علي حاله و إما أن تقع صحيحة فكيف تكون كذلك مع أن نفس الأمرية في الحنث يتحقق به فلا يمكن أن يكون المبعد عن

المولي مقربا إليه و لا يصلح التقرب إليه بما هو مبغوضه. نعم لو لم يكن العدل الآخر مشروطا بكونه صالحا لان يتقرب به يقع صحيحا و إن حصل به حنث نذره.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 437

الكلام في أحكام المواقيت

اشارة

الكلام في أحكام المواقيت

[مسألة 15] عدم جواز الاحرام قبل الميقات الا لناذر

مسألة 15- قال في الجواهر: (لا خلاف بيننا بل و الاجماع منا بقسميه عليه و النصوص به مستفيضة في أن (من أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد إحرامه) قال ميسرة: (دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و أنا متغير اللون فقال لي: من أين أحرمت بالحج؟ فقلت: من موضع كذا و كذا فقال: رب طالب خير يزل قدمه ثمّ قال: أ يسرك إن صليت الظهر في السفر اربعا؟ قلت لا. قال: فهو و اللّٰه ذاك فما عن العامة من جواز ذلك معلوم الفساد (إلا لناذر) الاحرام قبل الميقات فإن عليه الإحرام منه حينئذٍ كما صرح به كثير بل المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلًا للمعتبرة و لو بالشهرة كصحيح الحلبي المروي عن الاستبصار قال: سالت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل جعل للّٰه عليه شكراً أن يحرم من الكوفة؟ قال: فليحرم من الكوفة و ليف للّٰه بما قال) «1».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 355.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 438

أقول: أما نسبته إلي المشهور فهو القول المحكي عن النهاية و المبسوط و الخلاف و التهذيب و المراسم و المهذب و الوسيلة و النافع و الشرائع و الجامع.

و ما عبر عنه بالصحيح الحلبي فعن صاحب المنتقي المناقشة في صحة الخبر تارة بجهل الراوي لترديده بين الحلبي و علي أي علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب فإن المذكور في نسخ التهذيب القديمة (علي) لا الحلبي و في الوسائل ذكر كلمة (علي) علي نحو الاحتمال و تصحيف علي ب (الحلبي) قريب و يؤيد كون الراوي علي بن الحمزة رواية حماد عنه فإنّ رواية حماد بن عيسي عنه معروفة كثيرة. و أخري بأن حماد واقع

في السند فإن كان ابن عثمان كما يشعر به روايته عن الحلبي فالحسين بن سعيد لا يروي عنه بغير واسطة قطعاً و إن كان ابن عيسي فهو لا يروي عن عبيد اللّٰه الحلبي فيما يعهد من الأخبار فالاتصال غير محرز. ثمّ قال في آخر كلامه:

(و بالجملة فالاحتمالات علي وجه ينافي الحكم بالصحة و أعلاها كون الراوي علي بن أبي حمزة فيتضح ضعف الخبر). «1»

و أجاب عن منافشة صاحب المنتقي بعض الأعاظم (بأن ذكر (علي) في السند اشتباه و إنما ذكر في بعض نسخ التهذيب القديم و المصرح به في النسخة الجديدة و الاستبصار (الحلبي) بدل (علي) فالاشتباه إنّما وقع من الناسخ و أما حماد الواقع في الطريق الذي يروي عن الحلبي فالظاهر أنه حماد بن عثمان فإنه يروي عن الحلبي بعنوانه و عن عبيد اللّٰه بن الحلبي و عن عبيد اللّٰه بن علي و عن عبيد اللّٰه الحلبي كثيرا ما يقرب من مأتي مورد و ما ذكره من أنّ الحسين بن سعيد لا يروي عن حماد بن عثمان فغير تام فإنّه قد روي في بعض الموارد و إن كان قليلا لا أنه لا يروي عنه أصلًا

______________________________

(1)- منتقي الجمان: 3/ 139.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 439

و لو قلنا بأن حماد هذا هو حماد بن عيسي فالحلبي الذي يروي عنه هو عمران الحلبي لا عبيد اللّٰه بن الحلبي حتي يقال: بأن حماد بن عيسي لا يروي عن عبيد اللّٰه الحلبي.

و أما ما ذكره من أن إرادة عمران الحلبي عند اطلاق الحلبي بعيدة فغير تام إذ قد يطلق الحلبي و يراد به عمران و الحسين بن سعيد يروي عن حماد بن عيسي كثيرا. ثمّ إنه لو سلمنا أن

الثابت في النسخة (علي) بدل (الحلبي) فليس المراد به علي بن ابي حمزة البطائني بل المراد إما علي بن يقطين أو علي بن المغيرة نعم حماد بن عيسي يروي عن علي البطائني و أما حماد بن عثمان فلا يروي عنه و الحاصل لا ينبغي الريب في صحة السند) «1».

أقول: لا ينبغي الريب في الريب في صحة السند و عدم جواز الجزم بها فإنه بني أولًا بما لم يستنده إلي دليل و شاهد معتبر علي عدم تصحيف (علي) ب (الحلبي) و إنَّ ما هو الصحيح في الواقع في السند (الحلبي) ثمّ أفاد في إمكان ذلك ما أفاد و لا يخفي أن المصرح به في النسخة الجديدة من التهذيب و الاستبصار (الحلبي) لا يكون وجهاً لتقديمها علي النسخة القديمة و أن الاشتباه وقع من ناسخ النسخة القديمة.

و ثانيا أن ما ذكره من أن حماد الواقع في السند الذي يروي عن الحلبي هو حماد بن عثمان الذي يروي عن الحلبي بعنوانه فإن أراد من ذلك نفس هذا الحديث فالاستناد به كالمصادرة بالمطلوب و إن أراد في غيره من الأحاديث فالظاهر أنه لم يرو من الحلبي بعنوانه فهو يروي عن عبيد و عن عبيد اللّٰه ابن الحلبي و عبيد بن علي الحلبي و عبيد اللّٰه بن علي و عبيد الحلبي.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 405.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 440

و أما روايته عن الحلبي إنا وجدنا أن له بهذا العنوان في التهذيب ثمانية روايات و لعل الفاحص يجد أكثر من ذلك و في الكافي أيضا يوجد مورد و لعله كان أكثر. و مع ذلك لا تتم صحته علي مبناه الذي هو عدم الاعتداد بصحة ما صحّ عن أصحاب الإجماع. نعم

تتم بناء علي المشهور لان حماد بن عثمان ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم و أقروا لهم بالفقه و تعبير الجواهر بالصحيح مبني علي ذلك فكان عليه الإشارة إلي مورده. و ما ذكره في الحسين بن سعيد تام فإنه يروي عن حمادين.

و أما تصحيحه الحديث بأن حماد و إن كان هو حماد بن عيسي الذي لا يروي عن عبيد اللّٰه الحلبي لكنه هو عمران الحلبي فكل ذلك يتفرع علي كون النسخة (الحلبي) لا (علي) و لا يثبت به ترجيح إحدي النسختين علي الاخري.

و أما ما أفاد من أنه علي فرض كون الثابت في النسخة (علي) بدل (الحلبي) فلا يدل علي أنه ابن أبي حمزة بل المراد إما علي بن يقطين أو علي بن المغيرة فيرده و يرد أصل احتمال كون النسخة (علي) رواية الحديث في التهذيب أيضاً عن حماد بن عيسي عن علي بن أبي حمزة قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جعل للّٰه عليه شكرا من بلاء ابتلي به إن عافاه اللّٰه أن يحرم من الكوفة قال: فليحرم من الكوفة» «1».

اللّهم إلّا أن يقال: إن هذه الرواية مروية عن أبي الحسن عليه السلام و الّتي نتكلم فيها مروية عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

و كيف كان فالقول بصحة سند الحديث في غاية الإشكال سيما بعد ما نري في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب النذور ح 43.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 441

روايات الباب السؤال عن نذر الإحرام من الكوفة من علي بن أبي حمزة تارة عن أبي الحسن عليه السلام و أخري عن أبي عبد اللّه عليه السلام. «1»

و من الروايات الدالة علي صحة نذر الإحرام قبل الميقات موثقة سماعة عن أبي بصير

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سمعته يقول: لو أن عبدا أنعم اللّٰه عليه نعمة أو ابتلاه ببلاء فعافاه من تلك البلية فجعل علي نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم» «2»

هذا كله في مقام الاثبات و أما في مقام الثبوت فقد وقع الإشكال في المسألة لعدم انطباقها علي قاعدة لزوم كون متعلق النذر راجحا و عدم انعقاده إلا به فلا نذر إلا في طاعة اللّٰه تعالي و لا ريب أن الاحرام قبل الميقات كالصوم في السفر ليس من طاعة اللّٰه تعالي بشي ء.

و أجيب عن هذا الاشكال بأن اللازم كون العمل راجحا و طاعة للّٰه تعالي في ظرف العمل فإذا دل الدليل علي رجحان العمل الكذائي إذا تعلق به النذر يكفي ذلك في صحة النذر و انعقاده.

و بعبارة اخري لزوم كون العمل راجحا في انعقاد النذر حين العمل أعم من ان يكون ذلك برجحانه الذاتي الحاصل في حال النذر او الناشي من قبل النذر فلو كان في البين ما يدل علي رجحان كل عمل مباح أو مكروه بالنذر لقلنا به في جميع الموارد لكن لم يقم الدليل علي حصول الرجحان للعمل بالنذر إلا في مورد الصوم في السفر و الإحرام قبل الميقات فالدليل دل في خصوص الصوم و الاحرام ان نذر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب المواقيت ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب المواقيت ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 442

الصوم ينعقد سواء تعلق بالصوم في الحضر أو السفر و أن ما هو الشرط في انعقاده و هو رجحان المنذور حين العمل حاصل سواء تعلق به في الحضر أو السفر، اما في الحضر فرجحانه ذاتي و أما في السفر فيصير

راجحاً بالنذر و كذا في الإحرام فإن النذر المتعلق به ينعقد سواء تعلق بالاحرام من الميقات أو قبله غير أن رجحان المنذور في الاول ذاتي و في الثاني يكون بالنذر.

و اشكل علي هذا البيان بأن ذلك غير معقول، لاستلزامه الدور المحال لان عليه صحة النذر متوقف علي رجحان المنذور و رجحانه متوقف علي صحّة النذر.

و أجيب عنه بأن المتوقف عليه غير المتوقف عليه لان صحة النذر و وجوب الوفاء به و إن كانت متوقفة علي رجحان المنذور إلّا أن رجحان المنذور متوقف علي النذر و يتحصل به. «1»

و إن شئت قلت: إن النذر لا يتحقق بمعني الاسم المصدري كالغسل بالضم في باب الاغسال إلّا بانشاء صيغته و رجحان المنذور في ظرف فعله و يتحقق ذلك أي رجحان المنذور تارة بنفسه و تارة بإنشاء صيغة النذر الّذي هو نذر بالمعني المصدري كالغسل بالفتح في باب الأغسال فإذا علم تأثيره في ذلك مثلا بأخبار الشارع مثل ما دل علي صحة نذر الإحرام قبل الميقات يتحقق النذر بأركانه عند العرف فلا دور في البين.

و بعبارة اخري نقول: إن اعتبار الرجحان في المنذور بمناسبة المورد لازم لان جعل شي ء للّٰه تعالي و مضافا إليه إذا لم يكن راجحا لغو لا يعتبر العقل و العرف كونه للّٰه تعالي و إن التزم العبد و لذا اعتبر الرجحان في متعلق النذر و هذا تارة يكون

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 2/ 206.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 443

ذاتيا للمنذور كالصلاة في الوقت و الصوم في الحضر و الإحرام من الميقات و أخري يحصل له ببعض الأسباب الّذي كشف الشارع عنه كنذر الإحرام قبل الميقات بالمعني المذكور.

و بعد ذلك كلّه أورد علي التفصي عن الإشكال بما

ذكر السيد الأستاذ الأعظم قدس سره فقال كما كتبنا عنه في تقريرات بحثه الشريف: (إن كون النذر ملازما لعروض عنوان راجح عليهما- يعني الصوم في السفر و الاحرام قبل الميقات- مما يعلم خلافه فما معني هذا العنوان الراجح الّذي ليس له أثر في الأخبار و لا يجي ء في الأذهان).

أقول: يمكن أن يقال: إن هذا العنوان يستفاد من حكم الشارع بصحة نذر الإحرام قبل الميقات و إلّا كيف يكون العمل للّٰه تعالي و مضافا إليه.

و ربما يقال في الجواب بوجود الرجحان الذاتي في الإحرام و إنما لم يؤمر العبد به أو نهي عنه قبل الميقات لوجود بعض الموانع المرفوع بتعلق النذر به.

و هنا وجه ثالث و هو القول بتخصيص أدلة «لا نذر إلا في طاعة اللّٰه» «1» بما ورد من النص في مورد الإحرام قبل الميقات و الصوم في السفر لان الحكم بلزوم رجحان المنذور في انعقاد النذر حكم تعبدي شرعي قابل لورود التخصيص عليه من قبل الشارع كسائر أحكام التعبدية.

و لكن يمكن أن يقال: إن الحكم بلزوم الرجحان إنما يكون لاعتباره في تحقق عنوان النذر و جعل العمل للّٰه تعالي و مضافا إليه من جانب العبد فإذا لم يكن

______________________________

(1)- هذه القاعدة متلقاة من جملة من الرويات في باب النذر و اليمين لأنه نذر في طاعة» أو او لا ينعقد نذر في معصية» و الا فنفس لفظ «لا نذر الا في طاعة» لم يورد في في رواية اصلًا

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 444

العمل راجحا و كان مكروها أو مباحا لا يضاف إلي اللّٰه تعالي و مثل هذا الحكم لا يقبل التخصيص.

و أما الاشكال بأن العمل إذا لم يكن بنفسه عبادة أو مأموراً به كيف يمكن أن

يأتي العبد به عبادة و بقصد امتثال أمره، فيمكن الجواب عنه بأنه يكفي في ذلك إتيانه به بقصد الوفاء بالنذر و إطاعة لأمر أوفوا بالنذور.

ثمّ إنه وقع الكلام بينهم في إلحاق العهد و اليمين بالنذر و لا يخفي عليك أن القول بالإلحاق يدور مدار استظهار ذلك من الرّوايات و شمولها للعهد و اليمين و إلا فمقتضي العمومات عدم الإجزاء فلا بد علي هذا النظر إلي الروايات فنقول:

و أما خبر الحلبي المتقدم، فقد عرفت الكلام في سنده و أما دلالته علي وجوب الاحرام قبل الميقات بالعهد و اليمين أو خصوص العهد فمحل الاشكال لظهور قول السائل: (عن رجل جعل للّٰه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة في النذر) في جعل الإحرام من الكوفة في ذمته للّٰه تعالي و جعله تعالي مالكا في ذمته و مثل هذا المعني لا يستقيم في اليمين فلا يفيد اليمين إلا وجوب فعل المحلوف عليه علي الحالف تكليفا و أما بالنسبة إلي العهد فيمكن أن يقال: إنه أيضا عهد بينه و بين اللّٰه تعالي أنه متي صار كذا أفعل كذا فليس فيه كون فعله ملكا للّٰه تعالي.

و لكن يمكن أن يقال: إنه لو اقتصرنا في صيغة العهد علي أن يقول، عاهدت اللّٰه علي أنه متي كان كذا أفعل كذا لا يدل ذلك علي جعل الفعل ملكا له و أما إذا انعقد العهد بمثل قولنا: علي عهد اللّٰه أنه متي كان كذا فعلي كذا فظاهره أنه علي له كذا و علي هذا يمكن القول بشمول الصحيح للعهد.

و أما الموثقة فالظاهر أنها يشمل النذر و العهد و اليمين علي حد سواء لقوله عليه السلام:

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 445

«لو أن عبدا أنعم اللّٰه عليه

… فجعل علي نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم» و هذا بظاهره يشمل العهد و اليمين كما يشمل النذر و لكن مع ذلك الأولي مراعاة الاحتياط إما بترك اليمين و العهد أو بالاحرام من مورد اليمين أو العهد و تجديده في الميقات.

ثمّ انه قد ذكر لجواز تقديم الإحرام علي الميقات مورد آخر و هو إذا أراد عمرة رجب و خشي فوتها إن أخر الاحرام إلي الميقات فيجوز له الاحرام قبل الميقات و تحسب له عمرة رجب و ذلك لصحيحة إسحاق بن عمار أو موثقته قال:

«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت و يجعلها الرجب أم يؤخر الإحرام إلي العقيق و يجعلها لشعبان؟ قال: يحرم قبل الوقت فإن لرجب فضلا و هو الذي نوي» «1» و إطلاقها يشمل العمرة الواجبة و المندوبة و الإحرام قبل الوقت و إن لم يصل مكانا إن ترك الإحرام منه يفوته الوقت.

و لصحيح معاوية بن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الَّذي وقته رسول اللّٰه (صلي اللّٰه عليه و آله) إلا أن يخاف فوت الشهر في العمرة» «2» و إطلاقه يشمل ما شمله إطلاق صحيحة إسحاق بن عمار و يزيد عليها أنه يدل بإطلاقه علي جواز التقديم المذكور و إن لم تكن العمرة عمرة رجب فيجوز له الإحرام قبل الميقات لدرك عمرة كل شهر هو فيه.

قال في الجواهر: (الظاهر اختصاص الحكم المزبور في عمرة رجب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب المواقيت ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب المواقيت ح 2.

فقه الحج (للصافي)،

ج 2، ص: 446

و الصحيح الأوّل (صحيح معاوية بن عمار) و إن كان مطلقا إلا أنه لم أجد به عاملا في غير رجب و لعله للعلة الَّتي أشار الإمام عليه السلام إليها في الصحيح الأخر (صحيح إسحاق بن عمار) مضافاً إلي ما روي من أن العمرة الرجبية تلي الحج في الفضل و يكفي في إدراكها إدراك إحرامها فيه كما دل عليه الصحيح «1».

أقول: قال الشيخ في المصباح: (روي عنهم: أن العمرة في رجب تلي الحج في الفضل) «2» و لكن مثل ذلك لا يدل علي اختصاص الحكم بعمرة رجب. و مراده من قوله: (و لعله للعلة الّتي أشار الإمام عليه السلام إليها في الصحيح الآخر) قوله عليه السلام: «فان للرجب فضلا» فإنه بيان للعلة الموجبة لجواز الإحرام قبل الميقات و أنه لفضل الرجب علي سائر الشهور فهذه العلة تخصص الحكم بالرجب و يقيد بها إطلاق صحيح معاوية بن عمار.

و أشكل عليه بعض الأعاظم فقال: (إن الموثقة غير مختصة بترك الأفضل ليختص التقديم بعمرة رجب بل تعم كل مورد يفوت منه الفضل و ذلك لا يختص بشهر رجب لأنَّ عمرة كل شهر لها فضل و المفروض أنه لو أخر الإحرام إلي الميقات لم يدرك فضل عمرة هذا الشهر فالتقديم قد يكون لدرك الفضل) «3»

و فيه: إن قوله عليه السلام: «يحرم قبل الوقت لرجب فإنّ لرجب فضلا» ظاهر في اختصاص الفضل الموجب لجواز الإحرام قبل الميقات برجب و هذا ينافي فضل كل شهر فإنه أعم من كونه موجبا لجواز الإحرام قبل الميقات فتدبر.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 124.

(2)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العمرة ح 16.

(3)- معتمد العروة: 2/ 415.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 447

و كيف كان مقتضي

الاحتياط تأخير الإحرام إلي آخر الشهر و تجديد الإحرام من الميقات إن أحرم قبله في غير شهر رجب. و اللّٰه العالم.

[مسألة 16] عدم جواز تأخير الاحرام و تقديمه علي المواقيت

مسألة 16- لا يجوز تأخير الإحرام عن المواقيت كما لا يجوز تقديمه عليها و هذا منصوص عليه في روايات المواقيت بل جميع ما يدل علي تعيين المواقيت ظاهر فيه

و ممّا يدل عليه بالصراحة صحيح الحلبي فإن فيه قال: «لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و بعدها» «1». و صحيح معاوية بن عمار فيه: «و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته- منزله» «2» و صحيح علي بن جعفر و فيه: «فليس لأحد أن يعدو من هذه المواقيت إلي غيرها» «3».

و علي هذا لا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكة التجاوز عن الميقات اختياراً بدون الإحرام و إن كان أمامه ميقات أخر كمسجد الشجرة و الجحفة و إن خالف و جاوز الميقات بدون الإحرام يجب عليه العود إليه هذا إذا كان مريدا للحج أو العمرة أو دخول مكة.

أما إذا أراد الذهاب إلي خارج مكة لشغل كان له فلا يجب عليه الإحرام و الظاهر أن النهي في الأخبار عن تأخير الإحرام (مجرد) من الميقات إرشادي لا تكليفي فلا يأثم بمجرد التجاوز إن رجع إلي الميقات و أحرم منه نعم يأثم بدخول

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 448

الحرم أو مكة بغير الإحرام أو بالإحرام من دون الميقات.

و هل يجب عليه الإحرام إذا أراد دخول الحرم ربما ادعي الإجماع علي عدم وجوبه؟

و لكن

يمكن دعوي دلالة بعض الروايات علي ذلك بمثل صحيح عاصم بن حميد قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام هل يدخل الحرم أحد إلا محرما؟ قال: لا إلا مريض أو مبطون» «1» و صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام قال: لا إلا أن يكون مريضا أو به بطن» «2».

و المناقشة في دلالتهما بأن المراد من السؤال الّذي يدخل في الحرم لدخول مكة فلا يشمل من لا يريد دخول مكة، ضعيفة.

اللّهم إلا أن يقال بعدم الفرق بينهما و بين ما يدل علي عدم جواز تأخير الإحرام من الميقات إنه لا يستفاد من روايات الميقات بمناسبة الحكم و الموضوع عدم وجوب الإحرام إذا لم يكن مريدا لدخول مكة فله أن يتجاوز من الميقات إذا كان له شغل فيما بين الميقات و بين الحرم بل و بين مكة لا يستفاد من الصحيحين أيضا بمناسبته الحكم و الموضوع إلا عدم جواز دخول الحرم بغير الإحرام إذا كان مريدا لدخول مكة.

و إن كان يمكن الجواب عن ذلك بالفرق بين الحرم و خارجه لمزية الحرم علي خارجه و حرمته

و في إفادات بعض الاعاظم أن جعل الحكمين معا أي جعل وجوب الإحرام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 449

لدخول الحرم و جعل وجوب الإحرام لدخول مكة يستلزم اللغوية بيان ذلك:

الحكم بوجوب الإحرام لو كان مختصا بمن كان داخل الحرم لأمكن جعل الحكمين معا في حقه فيقال له: إذا أردت دخول مكة يجب عليك الإحرام و إذا خرجت من الحرم و أردت دخوله يجب عليك الإحرام لدخول

الحرم إلا أن مقتضي بعض الروايات الصحيحة و صراحتها ثبوت هذا الحكم لعامة المسلمين و عدم اختصاصه بطائفة دون أخري كما في صحيحة معاوية بن عمار قال: قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم يوم فتح مكة إن اللّٰه حرم مكة يوم خلق السماوات «و الارض و هي حرام إلي أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي «1». فلا يمكن تخصيص الحكم بداخل الحرم و عليه فجعل الحكمين معا يصبح لغوا لانه لو وجب الإحرام لدخول الحرم فإنما هو لأداء المناسك و إلا فمجرد الإحرام بدون الأعمال و المناسك لا نحتمل وجوبه و من الواضح أن مكة المكرمة محاطة بالحرم فاذا دخل الحرم محرما لأداء المناسك فجعل وجوب الإحرام الثاني لدخول مكة لغوا لا أثر فهذه القرينة توجب حمل روايات وجوب الإحرام لدخول الحرم علي من يريد الدخول إلي مكة فمن دخل الحرم لغرض من الاغراض و لا يريد الدخول إلي مكة لا يجب عليه الإحرام). «2»

[مسألة 17] حكم من أخر الاحرام عن الميقات

مسألة 17- لو أخر الإحرام من الميقات عالما عامدا إلي أن تعذر عليه العود إلي الميقات لضيق الوقت أو لعذر آخر هل يفوت منه الحج أو يجب عليه الاحرام من مكانه كالناسي و الجاهل قولان:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 50 من ابواب الاحرام ح 7.

(2)- معتمد العروة: 2/ 247.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 450

الأول يفوت منه الحج لأنّه لم يأت به علي المشروع لأنه مشروط بالإحرام من الميقات فإذا انتفي الشرط انتفي المشروط فحاله و من ترك الإحرام عمدا سواء و هذا منسوب إلي المشهور و عليه يجب عليه القضاء إذا كان مستطيعا في السنة الآتية لاستقرار الوجوب عليه فيقضيه و

إن زالت استطاعته بعد ذلك و مثله يترك ما جعله بيده و إن دخل في مكة.

و هل يجوز له الإتيان بالعمرة فإذا تعذر عليه الرجوع إلي الميقات لان يحرم منه للحج يجوز له الإحرام للعمرة حتي يجوز له الدخول في الحرم أو في مكة؟ الظاهر أنه يجوز له ذلك بل يستحب له لإطلاق ما دل علي استحباب العمرة. و إذا لم يكن مستطيعا هل يجب عليه القضاء أولا شي ء عليه سوي الإثم إن دخل الحرم أو مكة بدون الإحرام فيه ايضا قولان

وجه القول بوجوب القضاء القول الَّذي حكي عن العلامة في التذكرة الإجماع عليه و اختاره الشهيد في المسالك. إنَّ إرادة دخول الحرم أو مكة موجب للإحرام فإذا لم يأت به وجب قضائه كالنذور نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات و لم يدخل الحرم لا قضاء عليه و إن أثم بتأخير الإحرام.

و وجه القول الثاني: عدم الدليل علي وجوب القضاء و الأصل البراءة و دعوي كون ترك الإحرام كترك المنذور يحتاج إلي الاثبات و وجوب الإحرام لشرف مكة و البيت لا يوجب قضائه فإنه محتاج إلي الدليل كصلاة التحية لدخول المسجد فإنه لا قضاء لها مع ترك الدخول أو تركها عند الدخول و بالجملة ما ذكره الشهيد قدس سره في المسالك وجها لوجوب القضاء غير وجيه نعم إذا تعذر عليه الرجوع إلي الميقات يأثم بدخول الحرم أو مكة بدون الإحرام و تحقق الإثم بدون الدخول في الحرم، محل الاشكال.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 451

القول الثاني المحكي عن جماعة من المتأخرين و عن كشف اللثام أنه محتمل إطلاق المبسوط و المصباح و مختصره و حكي عن المستند «1» أن العامد العالم لو أخر الإحرام إلي أن

تعذر عليه العود إلي الميقات أحرم من مكانه كالناسي و الجاهل و مستنده إطلاق صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل ترك الإحرام حتي دخل الحرم فقال: يرجع إلي ميقات أهل بلاده الَّذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي أن يفوته الحج- فليحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» «2» و أيضا قالوا: إن الجاهل و الناسي يحرمان من مكانهما إذا لم يدخلا الحرم و إذا دخلا فيه بغير إحرام يخرجان منه و يحرمان من أدني الحل و كذلك العامد نظير ما إذا ترك- التوضؤ إلي أن ضاق الوقت فإنه يتيمم و تصح صلاته و إن أثم بترك الوضوء تعمدا. «3»

أقول: أما المستند الأخير فهو قياس الباب باب الوضوء و بطلانه ظاهر لأنَّ البدلية في المقام لم يثبت بخلاف مسألة التيمم و إثبات بدلية الإحرام من مكانه للناسي و الجاهل لا يثبت بدليته للعالم العامد و لعل القائل بهذه المقالة قالها تقريبا لا معتمدا عليه و مستدلا به و إنما استند لقوله بالصحيح المذكور الشامل إطلاقه للعامد إن لم نقل إنه مختص بالعامد لظهور قوله: «رجل ترك الإحرام» في الترك العمدي.

و أشكل علي الاستدلال بإطلاق الصحيح أولًا بمنع ظهوره في الاطلاق لأنّ الظاهر أنَّ السؤال وقع عمن هو بصدد أداء التكليف فترك الإحرام نسيانا أو جهلا لا عن العاصي المتعمد للترك و حمل فعل المسلم علي الصحة أيضا يقتضي ذلك لان

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 11/ 169.

(2)- وسائل الشيعة: ب 14 من ابواب المواقيت ح 7.

(3)- راجع معتمد العروة: 2/ 421.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 452

المسلم الَّذي يريد الحج لا يترك الإحرام عمدا من الميقات.

و ثانياً بأن الأمر يدور بين الأخذ

بإطلاق دليل شرطية الوقت بالنسبة إلي العامد و الأخذ بإطلاق صحيح الحلبي بالنسبة إليه و تنزيل إطلاق دليل الشرطية علي غير صورة التعذر و تنزيل إطلاق الصحيح علي غير العامد أولي من التصرف في إطلاق دليل الشرطية لشهرة روايات الشرطية و كثرتها و شهرة الفتوي بها.

أقول: أما الإشكال الثاني فقد أجيب عنه بأنه لا يصل الامر إلي إعمال قواعد باب الترجيح بين روايات الباب و صحيح الحلبي بعد ما كان النسبة بين الصحيح و تلك الروايات نسبة الخاص إلي العام و معها يقدم الخاص علي العام و لا يرجح العام علي الخاص بكثرة رواياته و شهرة الفتوي بها فالمتبع هو الخاص.

و أما الإشكال الأول فأجيب عنه بأن الحمل علي الصحة إنما يجري فيما اذا صدر فعل عن المسلم و شك في أنه صدر منه صحيحا أو فاسدا و أما السؤال عن فعل من الأفعال علي ما إذا صدر منه صحيحا فلا وجه له فإن السؤال عن ذلك كما يجوز أن يكون عن الفعل الصادر منه صحيحا يجوز أن يكون عن الفعل الصادر منه باطلا و عن فعله الخاص مطلقا فإذا كان السؤال علي الوجه الثالث لا وجه لتقييده.

و إن قلت: إن ما هو مورد الابتلاء للسؤال عنه هو الذي يقع الترك منه عذرا و أمّا الترك العمدي مع كونه مريدا للحج فلا يقع بسب العادة ممن يريد الحج.

قلت: هذا وجه لانصراف الصحيح عن العامد إلا أنه بدوي لا يعتد به.

أقول: بعد ذلك كله الوجه عندي أن قوله: (و رجل ترك الاحرام حتي دخل الحرم)، ظاهر في عدم التفاته إلي وظيفته.

و كيف كان فالذي يرتفع به النزاع من أساسه و يقوي ما اختاره المشهور و إن

فقه

الحج (للصافي)، ج 2، ص: 453

لم أر من تفطن به أن التهذيب نفسه أخرج صحيح الحلبي بلفظين فرواه في باب المواقيت بهذا اللفظ: موسي بن القاسم عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي: «قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل ترك الإحرام حتي دخل الحرم. فقال: يرجع إلي ميقات أهل بلاده الّذي يحرمون منه فيحرم، و ان خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه، و إن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج». «1» و رواه في باب تفصيل فرائض الحج عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال:

«سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي أن يحرم حتي دخل الحرم؟ قال: عليه أن يخرج إلي ميقات أهل أرضه فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكانه و إن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمّ ليحرم». «2» و بعد ذلك لا يتم الاحتجاج به للعامد العالم و يرتفع به النزاع من البين و احتمال تعدد الحديث في غاية البعد لا يعتني به و لا يضر ذلك لفظ ما عندنا من الكافي «3» فيه (قال: قال أبي) فان بذلك لا يرتفع احتمال وحدة الحديثين و اللّٰه العالم.

[مسألة 18] وجوب القضاء علي من ترك الاحرام متعمداً

مسألة 18- من كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمدا هل يجوز له الإحرام من أدني الحل و إن كان متمكنا من العود إلي الميقات أو لا يجوز له إلا العود إلي الميقات؟ في المسألة قولان:

قال في الجواهر: (ثمّ إنَّ ظاهر المتن و القواعد و غيرهما بطلان الإحرام منه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب

المواقيت ح 1.

(3)- الكافي: 4/ 323.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 454

و لو للعمرة المفردة و حينئذ فلا يباح له دخول مكة حتي يحرم من الميقات بل عن بعض الأصحاب التصريح بذلك لكن قد يقال: إن المراد بطلانه للاحرام للحج لا العمرة المفردة الَّتي أدني الحل ميقات لها اختياري و إن أثم بتركه الاحرام عند مروره بالميقات بل قيل: إنَّ الاصحاب إنما صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقا و يمكن صرف ظاهر المتن و غيره إليه و لعله الأقوي و اللّٰه العالم) «1».

أقول: قد ثبت بالدليل أن أدني الحل ميقات للعمرة المفردة بعد حج القران و الإفراد و هو ميقاتها لمن كان في مكة أو بدا له العمرة بعد ما لم يكن مريدا لها و أما كونه ميقاتا لها بقول مطلق فمحتاج إلي الدليل فمن أراد العمرة و ترك الإحرام من الميقات متعمداً فحكمه حكم من أراد الحج و تركه متعمداً لا فرق بينهما و لا يجوز إلحاقه بالمفرد و القارن و من بدي له ذلك.

نعم يمكن إلحاق من أراد الحج و العمرة ثمّ بدا له ذلك كما ذكرناه في المسألة السابقة و مع ذلك لا يخلو من الإشكال فلا يترك الاحتياط بالرجوع إلي الميقات و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 19] من ترك الاحرام ناسياً أو جاهلًا

مسألة 19- إذا ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا بالحكم أو بالموضوع أمكن له العود إلي الميقات يرجع إليه و يحرم منه و إن لم يمكن له العود إلي الميقات فإن كان في الحرم و أمكن له الرجوع الي خارج الحرم يجب عليه الرجوع خارج الحرم و الاحرام منه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 133.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 455

و هل يجب عليه زائدا علي ذلك الابتعاد منه و

الاقتراب من الميقات؟

الأحوط ذلك و إن لم يمكن له الرجوع إلي خارج الحرم و لو من جهة خوفه فوت الحج منه يلزمه الإحرام من مكانه مع الاقتراب بالميقات علي الأحوط و إن كان خارج الحرم فإن كان أمامه ميقات كالجحفة لمن مر علي ذي الحليفة يحرم منه و إلا يحرم من مكانه بل ربما يقال: بجواز الإحرام من مكانه و إن كان أمامه ميقات آخر لإطلاق النص و لكن الأحوط بل الأظهر اختصاص جواز التأخير إلي الجحفة بصورة الاضطرار و الأحوط الإحرام من مكانه ثمّ تجديده من الجحفة فعلي ذلك كله يلزم علينا ملاحظة النصوص فمنها صحيح الحلبي الذي مر ذكره: قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي أن يحرم حتي دخل الحرم قال عليه السلام قال أبي عليه السلام: يخرج إلي ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمّ ليحرم» و هو يدل (الف) علي وجوب رجوع الناسي الداخل في الحرم إلي ميقات أهل أرضه إن لم يخش فوات الحج و (ب) وجوب رجوعه إليه و إن لم يدخل الحرم بالأولوية مضافا إلي أن ذلك و سابقه مقتضي القاعدة و (ج) علي وجوب الخروج من الحرم إن لم يمكن له الرجوع إلي الميقات و أمكن الخروج من الحرم و (د) علي وجوب الإحرام من مكانه إن لم يتمكن من الخروج إلي خارج الحرم و إن كان ذلك خوفا من فوات الحج و أما الاقتراب من الميقات أو الحرم فلا يستفاد منه.

و منها صحيح آخر للحلبي بناء علي كونه غير الأول و فيه: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن- رجل

ترك الإحرام حتي دخل الحرم) الحديث و هذا يدل علي جميع ما دل عليه سابقه- بزيادة إنَّ هذا يشمل صورة النسيان و الجهل و صورة الجهل بالموضوع و بالحكم.-

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 456

و منها صحيح معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام: عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت اليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام لا و أنت حائض فتركوها حتي دخلت الحرم؟ فقال عليه السلام: إن كان عليها مهلة فلترجع إلي الوقت فلتحرم منه فإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلي ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها» و في رواية الشيخ: «بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم» «1» و هذا و إن كان بمنطوقه خاص بالحائض الا أنه يمكن استفادة حكم مطلق الجاهل بالحكم منه و حكم وجوب الاقتراب من الميقات إذا أمكن له الخروج من الحرم بل مطلقا لا أقل من كون ذلك أحوط.

و منها ما رواه الكليني عن أبي علي الأشعري «2» عن محمد بن عبد الجبار «3» عن صفوان «4» عن عبد اللّٰه بن سنان «5» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل مر علي الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتي أتي مكة فخاف إن رجع إلي الوقت أن يفوته الحج؟ فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك». «6»

و هو يشمل النسيان او الجهل بالموضوع و الحكم. و منها غير ما ذكر من الروايات.

ثمّ انه قال بعض الأعاظم: (و بازاء هذه النصوص خبر علي بن جعفر المتقدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت، ح 4.

(2)- محمد بن عيسي بن

عبد اللّه بن سعد شيخ القميين و وجه الاشاعرة من السابعة.

(3)- القمي الثقة من كبار السابعة.

(4)- ثقة مشهورم السادسة.

(5)- جليل القدر من الخامسة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب المواقيت ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 457

«عن رجل ترك الإحرام حتي انتهي إلي الحرم فأحرم قبل أن يدخله؟ قال: إن كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي إن ذلك يجزيه إن شاء اللّٰه و إن رجع إلي الميقات الّذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل» فإنه صريح في عدم وجوب الرجوع إلي الميقات إذا كان جاهلًا و جواز الإحرام من غير الميقات حتَّي مع التمكن من الرجوع إليها. و لا يخفي أن المراد بقوله (فليبن مكانه) أنه يبني علي إحرامه و يعتمد عليه و يمضي و لا يرجع إلي الميقات ليعيده، و أما ما احتملنا سابقا من تصحيف كلمة (فليبن) و احتمال كونها (فليلبي) فبعيد جدّاً لأنَّ المفروض في السؤال أنه أحرم و لبي فلا حاجة إلي التلبية ثانيا بعد إجزاء الأوّل و العمدة ضعف الخبر بعبد اللّٰه بن حسن فإنه غير مذكور في الرجال بمدح و لا قدح و لو اغمضنا النظر عن ضعف الخبر سنداً لقلنا بعدم وجوب الرجوع بمقتضي هذا الخبر و حمل ذلك الروايات علي الاستحباب و لكن لضعفه لا يمكن الاعتماد عليه فلا حاجة إلي القول بكونه شاذاً و لا قائل بمضمونه) «1»

أقول: أما الكلام في سند الرواية لأنَّ عبد اللّٰه بن حسن غير مذكور في كتب الرجال بمدح و لا قدح ففيه: أن مجرد ذلك لا يوجب الطعن علي السند إذا ثبت وثاقة الرجل بأمارات أخري أو ثبت صدقه في روايته ببعض الإمارات فلم تنزل آية و ما وردت

رواية بترك الحديث إذا لم يكن راويه مذكوراً في كتب الرجال و كان هنا شاهد بل شواهد تدل علي صدور الحديث و قوة سنده

و علي هذا نقول: إن الحديث مروي في كتاب قرب الاسناد للشيخ المحدق الجليل عبد اللّٰه بن جعفر الحميري الفقيه الثقة شيخ القميين و وجههم و هو من كبار

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 436.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 458

الطبقة الثامنة في طبقات سيدنا الاستاذ الاعظم قدس سره يروي عن جماعة من الشيوخ منهم عبد اللّٰه بن الحسن بن علي بن جعفر «1» و يروي عنه جماعة من أكابر المشايخ و مثل هذا الرجل الفذ الثبت يروي في باب قرب الإسناد إلي مولانا أبي إبراهيم موسي بن جعفر عليها السلام عن عبد اللّٰه بن الحسن هذا مسائل جده علي بن جعفر عن أخيه الامام ما تبلغ علي إحصائنا (488) ثمانية و ثمانين و اربعمأة سؤال في أبواب الفقه من العبادات و المعاملات.

و الظاهر أنها كتابه الذي قالوا في كتب الرجال عنه: له كتاب ما سأله عنه أي عن أخيه الإمام موسي بن جعفر عليها السلام و الظاهر أنه كان عند الحميري موثوقا به و كان معتمدا علي حديثه بل الظاهر أنَّه كان عارفا بتلك المسائل و كتاب علي بن جعفر إلا أنَّه أخذه عنه علي ما استقر عليه سيرة أهل الحديث من عدم التحديث بالوجادة.

و بالجملة لا ينبغي تضعيف مثل هذا الرجل بمجرد ما ذكر فإنه يوجب حرمان الفقهاء عن فقه واسع و علم كثير فالحديث معتمد عليه و المسائل المذكورة من أثمن ما عندنا من علوم أهل البيت عليهم السلام و كل علومهم ثمينة غالية لا يوجد مثلها عند غيرهم نفعنا اللّٰه بعلومهم

صلوات اللّٰه عليهم أجمعين.

و أما لفظ الحديث ففي الوسائل: «سألته عن رجل ترك الإحرام حتي انتهي إلي الحرم فأحرم قبل أن يدخله؟ قال: إن كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي فإن ذلك يجزيه إن شاء اللّٰه و إن رجع إلي الميقات الَّذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل» «2» و في النسخة المطبوعة من قرب الإسناد بأمر سيدنا الأستاد قدس سره ذكر بدل

______________________________

(1)- احتمال أن يكون علي بن جعفر الجد الامي لعبد اللّٰه بن الحسن لا و وجه له و لا يعتني به.

(2)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 17.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 459

«فليبن مكانه ليقضي»، «فليبين مكانه و ليقض» و ذكر بدل «فإنه»، «فهو» «1» و يمكن أن يكون المراد من قوله: «فليبين مكان و ليقض» أنه يعين المكان الذي أحرم منه و يلبي منه و يقضيه.

و كيف كان الظاهر أن هذا خاص بالنسبة إلي ما دل علي وجوب الرجوع إن أمكن فلا يجب عليه إن أحرم و شاهد ذلك أنه قال قبل ذلك: «و سألته عن رجل ترك الإحرام حتي انتهي إلي الحرم كيف يصنع قال: يرجع إلي ميقات أهل بلده الذي يحرمون منه فيحرم» و هذا بإطلاقه يشمل الجاهل الَّذي أحرم قبل أن يدخل الحرم و السؤال الثاني جوابه يقيد ذلك الإطلاق و يخصه بمن لم يحرم قبل دخوله الحرم و إطلاق فتاواهم و إن كان علي خلاف ذلك و لكن بعد دلالة الدليل و عدم ثبوت إعراضهم عنه يمكن القول به و لكن لا يترك الاحتياط بالرجوع إلي الميقات.

ثمّ إن السيد في العروة ألحق بالناسي و الجاهل في الحكم المذكور من جاوز الميقات محلا لعدم كونه قاصدا

النسك و لا لدخول مكة ثمّ بدا له فإنه يرجع إلي الميقات مع التمكن و إلي ما أمكن مع عدمه و الاستدلال لذلك بالإجماع فيه ما فيه و باطلاق قوله: «رجل ترك الإحرام» أيضا فيه أن إطلاقه لا يشمل المورد لأنَّه وارد فيمن كان قاصدا للنسك و ترك الإحرام أو نسي.

اللَّهم إلَّا أن يكون ذلك بالتمسك بالمفهوم و الأولوّية القطعية فإنه إذا كان وجوب الإحرام من الميقات بالجهل و النسيان ساقطا عن الذي هو مكلف به لعدم تمكنه الذهاب إلي الميقات فسقوطه عنه إذا لم يكن ماموراً به حين المرور علي الميقات أولي و يمكن التمسك لذلك بقوله عليه السلام في ذيل صحيح الحلبي «فإن خشي أن

______________________________

(1)- مسائل علي بن جعفر السؤال 303.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 460

يفوته الحج أحرم من مكانه» و اللّٰه العالم.

[مسألة 20] من نسي إحرام الحج و تمكن من العود

مسألة 20- لو نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة و ذكر ذلك و هو متمكن من العود إلي مكة و الإحرام منها يجب عليه ذلك لوجوب الإحرام عليه من مكة و تمكنه منه.

و ما ربّما يدل علي أنه إن ذكر ذلك و هو بعرفات لا يجب عليه العود مطلقا، منزل علي عدم التمكن من الرجوع و درك الموقف فلا إطلاق له يشمل صورة التمكن من العود كما إذا كان في عرفات أول يوم عرفة فإنه متمكن من العود إلي مكة في مثل أزمنتنا هذه بل هو متمكن من الرجوع إلي مكة و درك الوقوف الركني من عرفات إذا ذكر ذلك بعد زوال يوم عرفة مثلا.

و لا يقال: إنه لا يجوز منع إطلاق الدليل فيما إذا ذكر ذلك بعد زوال يوم عرفة و إن كان متمكنا من العود إلي مكة لإمكان أن

يكون الحكم بكفاية الإحرام من عرفات أنه إن خرج بعد الزوال إلي مكة للاحرام منها يفوته بعض زمان الوقوف الواجب عليه و إن لم يكن ركنا و لا يفوت الحج بفوته منه.

لأنّه يقال: إنَّ هذا فرض لم يكن متيسراً للناس إلا للأوحدي منهم و بمقتضي الحال في تلك الازمنة من ذكر ذلك و هو بعرفات عاجز عن العود إلي مكة و علي هذا لا دليل يدل علي عدم وجوب العود إلي مكة إذا أمكن له درك الوقوف الركني من عرفات فيجب عليه العود إلي مكة في صورة عدم فوت الحج منه بالعود بمقتضي القاعدة.

و بالجملة لا دليل هنا يدل علي أزيد عن جواز الإحرام للحج من غير مكَّة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 461

إذا خاف فوت الحج بالعود إليها دون ما إذا لا يخاف من ذلك.

و علي هذا صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال:

«سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال يقول: اللَّهم علي كتابك و سنة نبيك صلي الله عليه و آله و سلم فقد تم إحرامه فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتَّي رجع إلي بلده إن كان قضي مناسكه كلها فقد تمَّ حجه» «1» دلالته مقصورة علي المتذكر الَّذي لم يتمكن من العود إلي مكة لخوف فوت الحج منه كما هو الحال غالباً في تلك الأزمنة.

و يمكن استفادة ذلك من قوله عليه السلام في ذيل ما رواه الحلبي في الصحيح: «فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه» فما دام يمكن لمن نسي الإحرام أو جهل أن يحرم الإحرام من ميقاته و درك الحج يرجع إليه فإذا خاف ذلك يحرم من

مكانه.

و لا يخفي عليك أنه يستفاد من صحيح علي بن جعفر عدم الفرق في عذره للترك بين النسيان و الجهل و إلا يكون قوله: «فإن جهل … » بيانا لحكم موضوع آخر غير ما كان موردا للسؤال و هو خلاف الظاهر.

و بالجملة فحكم النسيان و الجهل في المسألة سواء هذا و يستفاد حكم المشعر و ما بعده من ذيل الصحيح بالأولويَّة.

ثمّ إنَّه لو أحرم من غير مكّة نسياناً أو جهلا و لم يتمكن من العود إليها قال في العروة: (صحيح إحرامه من مكانه).

و فصل بعض الأعاظم فقال: (إن كان حال الإحرام متمكنا من الذهاب إلي مكة و لكن حال الذكر غير متمكن منه فلا بد من الذهاب إلي مكة و إن كان حين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 462

الإحرام غير متمكن من الرجوع إلي مكة فلا حاجة إلي الاحرام ثانيا بل يكتفي بنفس الإحرام الأوَّل لأنه قد أتي بالوظيفة الواقعية) «1»

أقول: التفصيل المذكور حسن و لكن قوله: (فلا بدَّ من الذهاب إلي مكة) من سهو القلم و كأنه ينبغي أن تكون العبارة: (فلا بد من الاحرام من مكانه). و اللّٰه العالم.

[مسألة 21] من نسي الاحرام و لم يذكر حتي أكمل مناسكه

مسألة 21- قال في الجواهر: («لو نسي الاحرام و لم يذكر حتي أكمل مناسكه قيل») و القائل ابن ادريس «يقضي» أي يؤدي ما كان يريد الإحرام له من حج أو عمرة «إن كان واجبا و قيل» و القائل المشهور شهرة عظيمة بل في الدروس نسبته إلي الأصحاب عدا الحلّي «يجزيه و هو المروي» في مرسل جميل عن أحدهما عليهما السلام السابق المنجبر سنده بما عرفت بل و في صحيح جميل بناءً علي إرادة، ما يعم النسيان

من الجهل فيه أو أنه ملحق به في الحكم و علي عدم الفرق بين إحرام الحج و غيره مؤيداً ذلك كله بالعسر و الحرج في وجوب القضاء بالنسيان الَّذي هو كالطبيعة الثانية للإنسان و يكون الإحرام كباقي الأركان الَّتي لا يبطل الحج بفواتها عدا نسيان الموقفين كما صرَّح به في المسالك و بذلك يخرج عمّا يقتضيه البطلان من إطلاق ما دل علي اعتبار الإحرام أو عمومه علي وجه يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به علي وجهه مع عدمه نعم قد سمعت التقييد في المرسل المزبور بما إذا كان قد نوي ذلك و قد يقال: إن المراد به نية الحج بجميع أجزائه و قد سمعت أيضا عبارة النهاية إنما الكلام في المراد

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 441.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 463

بالاحرام الخ). «1»

أقول: قال الشيخ قدس سره في النهاية: (و من نسي الإحرام بالحج إلي أن يحصل بعرفات جدِّد الإحرام بها و ليس عليه شي ء فإن لم يذكر حتَّي يرجع إلي بلده فإن كان قد قضي مناسكه كلها لم يكن عليه شي ء) «2». و مثله قال في المبسوط «3» غير أنه قال فيه بدل (و ليس عليه شي ء): (و لا شي ء عليه).

و أما الحليّ فذكر في السرائر كلام شيخه في النهاية و قال: (علي ما ذكر شيخنا أبو جعفر في نهايته و قال في مبسوطه أما النية فهي ركن في الأنواع الثلاثة.

من تركها فلا حج له عامدا كان أو ناسيا إذا كان من أهل النيّة قال بعد ذلك: و علي هذا إذا فقد النية لكونه سكران. هذا آخر كلامه رحمه اللّٰه. قال محمد بن إدريس رضي اللّٰه عنه: الذي يقتضيه اصول المذهب ما ذهب إليه في مبسوطه

لقوله تعالي:

(و ما لأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي) و قول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم:

الأعمال بالنيات و إنما لامرئ ما نوي) و هذا الخبر مجمع عليه و بهذا أفتي و عليه أعمل فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد إن وجدت) «4».

أقول: في كلام الحلّي مواقع من النظر:

الأول: أنه ذكر كلام الشيخ في تفصيل فرائض الحج و ظنَّ به أن مختاره في مسألتنا هذه غير ما اختاره في النهاية مع أنه أفتي بما أفتي به في النهاية بعينه في مبسوطه أيضا في فصل ذكر الإحرام بالحج و نزول مني … و قد سمعت كلامه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 133.

(2)- النهاية/ 248.

(3)- المبسوط 1/ 365.

(4)- السرائر: 1/ 584.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 464

الشريف، و لكن الحلّي قدس سره كأنّه لم يلتفت إليه و إلي أنَّ كلامه الَّذي نقل عن الشيخ في المبسوط في مسألة النيَّة و هي غير هذه المسألة و إليك كلام الشيخ قال:

(أمّا النية فهي ركن في أنواع الثلاث من تركها فلا حج له عامداً كان أو ناسيا إذا كان من أهل النية فإن لم يكن من أهلها أجزأت نية غيره عنه و ذلك مثل المغمي عليه يحرم عنه وليه و ينوي و ينعقد إحرامه و كذلك الصّبي يحرم عنه وليّه و علي هذا إذا فقدت النية لكونه سكراناً و إن حضر المشاهد و قضي المناسك لم يصح حجّه بحال) «1». و بعد ذلك لا حاجة إلي توضيح ما وقع فيه من الوهم و بيان عدم ارتباط مسألة نية الحج بمسألتنا هذه.

الثاني: في استدلاله بالآية الكريمة فإنها ظاهرة في اعتبار الخلوص في النيَّة و لو كان المراد منها

اعتبار النية في العمل العبادي أو في استناد الفعل إلي فاعله و اعتبار ذلك في حسن مدحه به فالمقام ليس من صغرياته فإن المناسك قد حصل منه بنيّة الحج و الإحرام لم يأت منه رأسا و معني صحة المناسك و الحج بدون الإحرام كون المناسك المأتي بها في حال نسيان الإحرام فرداً للحج.

نعم: إن لم يمكن نية الحج بدون الإحرام و نيّته كان لكلامه وجه اللَّهم إلَّا أن يقول: إنَّ الإحرام و التلبية في الحج بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصَّلاة و لكنه مجرد الدعوي و كالاجتهاد في مقابل النص علي القول بحجيّة الخبر.

الثالث: في تمسكه ب «إنّما الأعمال بالنيّات» «و إنما لكل امرئ ما نوي» فإنه أيضا يدل علي لزوم- الإخلاص في العمل و هو موجود في ما أتي به من المناسك و أمّا الأحرام فلم يأت به رأساكما مرَّ و الآية و الرواية يستدل بهما في العمل الماتي به

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 382.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 465

لا ما لم يؤتي به فتدبر.- هذا ما يرجع إلي كلام ابن إدريس عليه الرحمة.-

و أمَّا ما أفاده صاحب الجواهر قدس سره فالذي يستفاد من كلامه في وجه القول المشهور أمور:

الأول: الشهرة حتي أن في الدروس نسبة هذا القول إلي الأصحاب عدا الحلّي. و في الاستدلال بها أنّها لا تكشف عن وجود نص خاص معتبر يدل علي الإجزاء بقول مطلق في الحج و في عمرة التمتع و العمرة المفردة الواجبة علي حد سواء.

اللَّهم إلّا أن يقال: إذا لم يكن فيما بأيدينا من الأخبار ما يدل علي ذلك بالإطلاق بل ما بأيدينا خاص بالحج و غاية الأمر يشمل عمرة المتمتّع بها إلي الحج دون العمرة المفردة فلا بد من

قبول كون فتواهم بالإطلاق مستندا إلي رواية غير ما عندنا من رواياتهم.

و فيه: أنه يمكن أن يقال بمثل ذلك في توجيه الشهرة و لكن يردّ بأن مرسل جميل صالح لأن يكون وجهاً لفتواهم فلعلّه كان عندهم بعض الامارات الموجب لظنهم بصدوره و سيأتي أنّ الوجه اعتباره و صحَّة الاعتماد عليه.

الثاني: كون الإحرام كباقي الأركان غير الموقفين في عدم بطلان الحج بتركه نسيانا و يؤيد ذلك أن الحكم بكونه مبطلا للحج موجب للعسر و الحرج.

و بعبارة اخري: أنه لو كان النسيان الَّذي هو كالطبيعة الثانية للإنسان في مثل أجزاء الحج و شرائطه الكثيرة الَّتي لا ينفك غالبا المكلف عن نسيان بعضه موجبا للبطلان و وجوب القضاء، يقع المكلَّف به في العسر و الحرج بتكرار الحج و ذلك قرينة علي عدم إطلاق في ما يدل علي شرطية الأجزاء و الشرائط و معها لا يتم الاستدلال بإطلاق أدلة الأجزاء لجزئيتها في حال النسيان. نعم قد دل الدليل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 466

بالخصوص في نسيان الموقفين علي بطلان الحج و وجوب القضاء إن كان واجبا.

الثالث: الروايات فمنها صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر:

الذي مرّ ذكره و في ذيله قال عليه السلام: «فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتي رجع إلي بلده إن كان قضي مناسكه كلها فقد تمَّ حجه» «1» و هذا وارد في الحج فلا يتعدي منه إلي العمرة سواء كانت عمرة حج التمتع أو المبتولة

و هل هو مختص بحج التمتع أو يشمل القران و الإفراد؟ لا يبعد شموله لها بدعوي المساواة القطعية.

و هل هو مختص بصورة الجهل فلا يشمل النسيان أو يشمله؟ بدعوي أن من معاني الجهل فعل الشي ء بخلاف ما حقّه أن

يفعل كما ذكره الراغب فمن ترك ما حقه أن يفعل أو فعل ما حقه أن لا يفعل و إن كان ذلك بالنسيان فهو جهل أن يفعل أو أن لا يفعل و استشهد لذلك بقوله تعالي: «و أ تتّخذنا هزواً قال أعوذ باللّٰه أن أكون من الجاهلين» و قوله تعالي: «أن تصيبوا قوما بجهالة»

و لكن يرد علي ذلك بأن الظاهر من استعمال الجهل هو المعني الَّذي مقابل للعلم و لا يعدل عنه إلا بالقرينة و علي هذا فلا يلحق النسيان بالجهل موضوعا أمَّا حكما فإلحاق النسيان بالجهل البسيط في الحكم لكون الناسي كالجاهل غافلا عن الحكم و كان الجاهل أيضا نسي السؤال عن الحكم كما أنَّ النّاسي نسي أصل الحكم، و لكن كلّ ذلك لا يسمن و لا يغني من جوع لا يعتمد عليه في الحكم الشرعي.

فالأولي أن يقال في بيان استفادة حكم النّاسي أيضاً من الصحيح: إن صدره يدل علي أنَّ السائل (علي بن جعفر) سأل أخاه عليه السلام عن رجل نسي الإحرام بالحج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 467

فذكر و هو بعرفات فأجابه الامام عليه السلام حكم المسألة بالتفصيل و أنه إن ذكر ذلك و هو بعرفات يقول كذا و تم إحرامه و إن جهل و ذكر ذلك بعد رجوعه إلي بلده و قضائه المناسك كلّها تمّ حجه و إنما قال: فإن جهل لكون الملاك و الاعتبار في الحكم العذر و هو أعم من الجهل و النسيان.

و بالجملة فالصحيح ظاهر في ذلك فلا فرق في الحكم بين الجاهل و الناسي و الظاهر أن مراد صاحب الجواهر من الصحيح هذا الصحيح صحيح علي بن جعفر لا صحيح

جميل فهو من سهو القلم.

و منها ما رواه جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليه السلام: «في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعي قال: تجزيه نيّته إذا كان قد نوي ذلك فقد تم حجه و إن لم يهل» الحديث «1». و لا يعتد بتضعيف سنده البعض بالإرسال فإن جميل بن دراج الَّذي هو من الخامسة ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم و أقروا لهم بالفقه و تصديق ما يقولون أولًا و ثانياً تعبيره عمن روي عنه ببعض أصحابنا تعظيم له و مثل هذا الارسال لا يخرج الحديث عن الحجّية و الاعتماد عليه مضافا إلي أن ضعفه إن كان فيه منجبر بعمل الأصحاب.

و علي هذا المهم النظر إلي دلالته فنقول: أمّا أن الحكم المذكور فيه يعمّ الجهل و النسيان فهو صريح فيه و أمّا دلالته علي إجزاء حجه بأنواعه الثالثة فهو أيضا ظاهر بإطلاق السؤال و الجواب.

و هل يشمل السؤال و الجواب ما إذا نسي أو جهل ذلك من أول عمرة التمتع إلي آخر حجّه لإطلاق حجّ التمتّع عليهما و لعدم تصور خصوصيه في ذلك الظاهر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 468

شموله له نعم يمكن منع الإجزاء المذكور إذا ذكر ذلك بعد إتمام عمرة التمتّع فإنه لم يشهد المناسك كلها فلا يشملها و لا العمرة المفردة واجبة كانت أو مندوبة

اللَّهم إلّا أن يقال: إنَّ تعليل الإجزاء بنية الإحرام أو نية المناسك يعم الجميع و مقتضي الاحتياط هو الاقتصار علي حج القران و الإفراد و التمتّع دون عمرة التمتّع إذا لم يأت بحجّه و دون العمرة

المبتولة. و اللّٰه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 471

الكلام في مقدمات الإحرام

اشارة

الكلام في مقدمات الإحرام و هي كثيرة نشير إلي بعضها إن شاء اللّٰه تعالي في طي مسائل:

[مسألة 1] رجحان توفير شعر الرأس

مسألة 1- لا ريب في رجحان توفير شعر الرأس لإحرام الحج من أول ذي القعدة لجملة من الأخبار:

منها صحيح ابن سنان (مسكان) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تأخذ من شعرك و أنت تريد الحج في ذي القعدة و لا في الشهر الَّذي تريد فيه الخروج إلي العمرة» «1». و منها موثق محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «خذ من شعرك إذا أزمعت علي الحج شوال كلّه إلي غرة ذي القعدة» «2». و منها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ: شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر إلي هلال ذي القعدة و من أراد العمرة وفر شعره

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 472

شهراً» «1». و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة و للعمرة شهرا» «2» و منها غيرها.

و هل تشمل هذه الأخبار شعر اللّحية كشعر الرأس؟ يمكن منع الإطلاق بأن توفير الشعر إنما رغب فيه لمكان الحلق و هو مختص بالرأس و من المعلوم أنها لا يشمل شعر سائر الجسد بل يستحب إزالته عن بعض مواضع الجسد كإبطيه.

و لكن يمكن أن يقال: إن من الممكن كون الحكمة في توفير شعر الرأس و اللحية و النهي عن الأخذ من شعر هما إهمالهما و عدم الاعتناء بإصلاحهما. و

جاء في خبر سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يأخذ الرَّجل إذا رأي هلال ذي القعدة» و أراد الخروج من رأسه و لا لحيته» «3» إلا أنّه ضعف بالإرسال.

و في رواية ابن الفضيل عن أبي الصباح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام:

عن الرجل يريد الحج أ يأخذ شعره في أشهر الحج؟ فقال: لا و لا من لحيته» الحديث «4». و ضعف بأنّه مردد بين كونه محمد بن الفضيل الأزدي الضعيف و كونه محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة الَّذي يعبَّر عنه كثيراً باسم جده.

و يمكن أن يقال: إنه و إن كان محمد بن الفضيل الأزدي إلا أنه رمي بالغلو و الضعف و مجرد الرمي بالغلو إذا لم نعلم لا يوجب الحكم عليه الضعف بعد ما نعلم أنه رمي بعض الرواة بذلك بروايتهم بعض الفضائل ممَّا كان عند البعض حسب اجتهاده غلوا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحرام ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحرام ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحرام ح 6.

(4)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 473

و بالجملة فللرّجل كتاب يرويه جماعة من الأعيان عددهم يزيد علي أربعين كمحمد بن الحسين أبي الخطاب الشيخ الممدوح بأنه جليل من أصحابنا عظيم القدر كثير الرواية ثقة عين حسن التصانيف مسكون إلي روايته له تصانيف و كأحمد بن محمد بن أبي نصر و الحسن بن محبوب و الحسين بن سعيد و عبد العظيم بن عبد اللّٰه الحسني و محمد بن إسماعيل ابن بزيع و محمد بن خالد البرقي و غيرهم و أظن أن ذلك يكفي في الاعتماد

عليه.

و كيف كان مقتضي إطلاق هذه الروايات عدم الفرق بين أنواع الحج و بين المندوب منه و الواجب بالاستطاعة أو بالنذر و أخويه بل و بالإجارة و بين العمرة الواجبة كذلك و المندوبة. و لعل هذا كان الوجه لاستظهار الاستحباب من الروايات.

و مع ذلك هنا ما يدل علي عدم الوجوب مثل صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن الرّجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما لم يحرم؟ قال: لا بأس» «1».

و بعد ذلك فالقول الصحيح هو استحباب توفير الشعر مضافا إلي أن مثل هذا الموضوع المبتلي به و كان واجباً لذاع و شاع.

و بعد ذلك يبقي الكلام في صحيح جميل قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن متمتع حلق رأسه بمكة؟ قال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء فإن تعمَّد ذلك في أول الشهور للحج (شهور الحج) بثلاثين يوما فليس عليه شي ء، و إن تعمَّد بعد الثلاثين الَّتي يوفر فيها للحج (يوفر فيها الشعر للحج) فإن عليه دما يهريقه» «2». و ظاهره أن السؤال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاحرام ح 6.

(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 474

وقع عن المتمتع الَّذي حلق رأسه بعد إحرامه لعمرة التمتع أو بعد إتمامه عمرة التمتع و كلامنا في حكم إزالة الشعر قبل الإحرام و ذلك لأنَّ المتمتع الَّذي يحلق رأسه بمكة قد دخل فيها بعمرة التمتع فهو إن كان جاهلًا فليس عليه شي ء و إن تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما يعني في شوال فليس أيضا عليه شي ء.

و ربما يتبادر من قوله: «و إن تعمد بعد

الثلاثين … » ان تعمد بعد شوال في ذي القعدة غير أن الظاهر من لفظ الحديث أن التي يوفر فيها صفة للثلاثين و المراد به شهر ذي القعدة و بعده يكون ذو الحجة فيكون المعني أنه إن تعمد ذلك في ذي الحجة عليه دم يهريقه فيكون الجواب ساكتا عن حكم من حلق رأسه في ذي القعدة.

و قيل: إن الظاهر أن كلمة «التي يوفر فيها» للحج صفة لقوله «بعد» و المراد من الثلاثين «الثلاثين» المذكور في الجملة السابقة يعني شوال فيكون المعني أنه إن تعمد ذلك بعد شوال في ذي القعدة فعليه دم يهريقه. لكن ذلك خلاف القواعد الأدبية.

و يستفاد من الحدائق أنه لا بد من تقدير مضاف في البين و ليس تقدير المضي الَّذي هو في الفساد أظهر أن يراد بأولي من تقدير الدخول الّذي به يتم المراد و تنظيم الرواية مع الروايات السابقة علي وجه لا يعتريه الشك و الإيراد «1».

و اورد عليه بأن التقدير لا يلزم إن أخذنا بظاهر اللّفظ لأنَّ معني بعد الثلاثين هو معني بعد مضي الثلاثين لا حاجة إلي تقدير المضي اللَّهم إلَّا أن يقول: إن هذا المعني مغسول عن الفصاحة لا يمكن نسبته إلي تلك الساحة فلا بد من تقدير الدخول حتَّي يفهم منه المراد.

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 15/ 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 475

فتحصَّل من ذلك كله انَّ استفادة حكم حرمة الحلق قبل الاحرام من الصحيح في غاية الإشكال لو لم نقل إنه ظاهر فيما بعد الإحرام و العمل به في خصوص الحلق بعد الإحرام موافق للاحتياط و علي ذلك كله يسقط ما اختاره المفيد رضوان اللّٰه تعالي عليه بعدم الدليل.

[مسألة 2] حكم غسل الإحرام

مسألة 23- لا خلاف في مشروعية غسل الإحرام،

و الاخبار به كما قال في الجواهر كادت تكون متواترة تتجاوز علي ما أحصيناه عن ثلثين حديثا و جلُّها قاصرة عن إفادة وجوبه.

نعم في بعضها مثل موثقة سماعة أنه واجب بهذا اللفظ: «و غسل المحرم واجب» «1» و لكن الرواية مشتملة علي وجوب كثير من الأغسال المستحبة المعلوم عدم وجوبها، ففيها: (غسل المولود واجب و غسل يوم عرفة واجب و غسل الزيارة واجب و غسل دخول البيت واجب) «غسل المباهلة واجب و غسل الاستسقاء واجب». و علي هذا غاية ما يستفاد منها ثبوتها علي المكلف و هو أعم من أن يكون واجباً عليه كغسل الجنابة و مسِّ الميت أو مستحبا كطائفة من الأغسال المذكورة فيها.

و في التهذيب عن أحمد بن محمد «2» عن أبيه «3» عن أحمد بن إدريس «4» عن

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: باب الاغسال ح 270/ 2.

(2)- لم يتعين لي من هما و الظاهر أن الاول من العاشرة و الثاني من التاسعة.

(3)- لم يتعين لي من هما و الظاهر أن الاول من العاشرة و الثاني من التاسعة.

(4)- من الثامنة: أبو علي الاشعري ثقة فقيه في أصحابنا …

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 476

محمد بن أحمد بن يحيي «1» عن محمد بن عيسي «2» عن يونس «3» عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الغسل في سبعة عشر موطنا منها الفرض ثلاثة. فقلت:

جعلت فداك ما الفرض منها؟ قال: غسل الجنابة، و غسل من غسل ميتا و الغسل للإحرام» «4» و في سنده مضافا إلي الإرسال ما ذكرناه في الذيل فلا يعتمد عليه و قال الشيخ في التهذيب: «و أما قوله: و الغسل الاحرام و إن كان عندنا أنه ليس بفرض فمعناه أن ثوابه

ثواب غسل الفريضة».

و ممَّا ربما يوهم الوجوب من الأخبار ما فيه: «عليه إعادة الغسل» مثل صحيح النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثمَّ ينام قبل أن يحرم؟ قال: عليه إعادة الغسل» «5». و مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب و أعد غسلك» «6» و مثل ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا اغتسل الرجل و هو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبّي فعليه الغسل» «7» و مثل صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنع و لا تطيب و لا تأكل

______________________________

(1)- من السابعة جليل القدر كثير الرواية يعتمد المراسيل و استثني ابن الوليد من رواياته ما يروي عن جماعة منهم محمد بن عيسي بن عبيد.

(2)- مختلف فيه و عن ابن الوليد قال: (ما تفرد به محمد بن عيسي من كتب يونس و حديثه لا أعتمد عليه) و هو من السابعة..

(3)- من السادسة ابن عبد الرحمن، راجع ما قيل فيه من جلالة مقامه و الطعن؟ جامع الرواة.

(4)- تهذيب الاحكام: باب الاغسال ح 271/ 3

(5)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الاحرام ح 1.

(6)- وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الاحرام ح 3 و هذا و الحديث الاول من هذا الباب واحد و في الوسائل جعله اثنين الاول و الثالث.

(7)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 477

طعاما فيه طيب فتعيد الغسل». «1» فلا دلالة لمثل هذه الأخبار علي وجوب الغسل بل هي

تفصيل و تفريع علي حكم غسل الإحرام مستحباً كان أو واجباً.

و يدل عليه من نفس هذه الرِّوايات صحيح عيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يغتسل للاحرام بالمدينة و يلبس ثوبين ثمّ ينام قبل أن يحرم؟ قال ليس عليه غسل). «2» و مورده و مورد صحيح النضر الَّذي قال فيه: «عليه إعادة الغسل» «3» واحد و مثل هذا قرينة علي أنّ هذه الأخبار وردت بيانا و تفصيلا لحكم غسل الإحرام لا يثبت بها وجوبه كما لا يخفي.

و أما صحيح الحسن بن سعيد قال: «كتبت إلي العبد الصالح أبي الحسن عليه السلام:

رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ما عليه من ذلك و كيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب يعيده» «4»

فغاية ما يدل عليه كمال اهتمامهم بدرك فضيلة غسل الإحرام و صلاة له أن يعمل و يتدارك الأجر الَّذي فات منه فكتب عليه السلام: «يعيده» يعني يعيد الإحرام بعد الصلاة و الغسل.

هذا مضافا إلي ما رواه الصدوق بإسناد متعددة يؤيد بعضها البعض عن الفضل بن شاذان عليه الرحمة عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام فيما كتبه للمأمون لما سأل منه عليه السلام أن يكتب له محض الإسلام علي سبيل الإيجاز و الاختصار:

«و غسل الإحرام و … هذه الأغسال سنة و غسل الجنابة فريضة و غسل الحيض

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الاحرام ح 2

(2)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الاحرام ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 20 من ابواب الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 478

مثله» و الظاهر أن المراد من السنة في هذا الحديث الطويل

المذكورة في الموارد الكثيرة المندوب و المستحب قبال الواجب و الفريضة و إلا يلزم عدم استيفاء الإمام عليه السلام بيان ما كان بصدده من الواجب و المندوب و الإهمال في الجواب.

و مما ذكرنا في الطائفة الثانية من الروايات الَّتي فيها التعبير عن الحكم بعلية الغسل أو إعادة الغسل أو يعيده يظهر أن كلام بعض الفقهاء بهذا النسق مثل شيخنا الصدوق رحمهم الله محمول علي إرادة الاستحباب أو بيان الوظيفة في الموارد المذكورة و أنه هل يكتفي بالغسل الَّذي أتي به أو يجدده؟ و بالجملة إذا كان الأمر مذكورا في سياق الأوامر المستحبة يكون ظاهرا في الاستحباب.

و بعد ذلك كله نقول: لو كان هنا رواية صريحة في وجوب الغسل لا يصح الاعتماد عليه بعد إعراض جل الفقهاء لو لا الكل عنه فهذا الشيخ ادعي في الخلاف عدم الخلاف في استحباب غسل الإحرام «1» و الظاهر منه نفي خلاف جميع الفقهاء.

و في التذكرة بعد ما قال: (هذا القول ليس واجبا في قول أكثر أهل العلم قال:

قال ابن المنذر أجمع أهل العلم علي أنّ الإحرام جائز بغير اغتسال و أنّه غير واجب و حكي عن الحسن أنّه قال: إذا نسي الغسل فليغتسل إذا ذكر، و ليس دالا علي الوجوب) «2»

و عن حج التحرير: (أنه ليس بواجب إجماعا) «3»

و في المختلف قال: (المشهور أن غسل الإحرام مستحب اختاره الشيخان حتّي أنّ المفيد رحمه اللّٰه قال: غسل الإحرام للحج سنة أيضاً بلا خلاف و كذا غسل احرام

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 287.

(2)- تذكرة الفقهاء: 7/ 223.

(3)- تحرير الاحكام: 1/ 566.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 479

العمرة و هو اختيار ابن الجنيد و السيد المرتضي و سلَّار و ابن إدريس و ابن البراج و

أبي الصلاح و قال ابن أبي عقيل أنه واجب)

و قال السيد المرتضي رحمه اللّٰه الصحيح عندي أن غسل الإحرام سنَّة لكنّها مؤكدة غاية التأكيد فلهذا اشتبه الأمر علي أكثر أصحابنا اعتقدوا أنّ غسل الإحرام واجب لقوة ما ورد في تأكيده و الحق الاستحباب. لنا الأصل براءة الذمة و ما تقدم في حديث سعد عن الصادق عليه السلام حين قال: (الغسل في أربعة عشر موطنا واحد فريضة و الباقي سنة) «1».

أقول: نسبة السيد قدس سره الاشتباه المذكور إلي الأكثر كأنه اشتباه منه فإنه لم ينقل الذهاب إلي القول بالوجوب إلا عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و كلام العلامة صريح في موافقة ابن الجنيد مع المشهور و قد سمعت من التذكرة أن كلام ابن أبي عقيل أيضا ليس دالا علي الوجوب.

و في الجواهر: (لا خلاف محقق معتدّ به في خصوص استحبابه و لذا نفاه عنه في المقنعة و حج الغنية و طهارة الوسيلة و المنتهي بل في طهارة الغنية و عن حج الخلاف و التذكرة الإجماع عليه كما عن ظاهر المجالس نسبته إلي دين الإمامية إلي أن قال:

و في المصابيح: ان عليه الإجماع المعلوم بالنقل المستفيض و فتوي المعظم و إطباق المتأخرين ثمّ قال: قلت: فلا ينبغي الإشكال بعد ذلك و الأصل و السيرة القاطعة و عدّه مع معلوم الاستحباب و الحكم عليه بأنه سنة في مقابل الفرض و الواجب الظاهر في الاستحباب إلي أن قال: لو كان واجبا لاشترط في صحة الإحرام للاستبعاد الوجوب النفسي و من المستبعد بل الممتنع أن يكون ذلك كذلك و يكون المحفوظ عند

______________________________

(1)- مختلف الشيعة: 1/ 315.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 480

العلماء خلافه مع توفر الدواعي و تكرر الحج

في كل عام). «1»

ثمّ إنَّه قد أفاد بعض الأعاظم ما حاصله أن الصحيح عدم وجوب الغسل للاحرام لأمرين أحدهما أن ذلك لو كان لصار مشهوراً معروفاً لا يخفي علي العوام فضلا عن العلماء الخواص مع كثرة الابتلاء به و كثرة الحاج و لا يقع مورد الإنكار و الإجماع علي خلافه. و ثانيهما أن هذا الوجوب إن كان لا بد و أن يكون إما نفسيا أو شرطيا أما وجوبه النفسي فلا أظن أن يلتزم به أحد و هو لم يثبت في غسل الجنابة و الحيض فكيف به و أما الشرطي فإن كان فلا بد أن يكون إنشاء الإحرام و تحققه مشروطا به مع أنه جاء في صحيح عيص بن القاسم الَّذي سبق ذكره أنه إذا اغتسل أحد للإحرام ثمّ نام ليس عليه شي ء و لا ينافي ذلك ما يدل عليه صحيح النضر بن سويد من أنَّ عليه إعادة الغسل فإن مقتضي الجمع بينهما حمل صحيح النضر علي الاستحباب و النتيجة أنَّ غسل الإحرام ليس بواجب نفسي و لا شرطي». «2»

و كيف كان فقد ظهر لك من جميع هذه الملاحظات انّ القول الصحيح الَّذي يوافق الأصل و دلالة الروايات و فتاوي الأصحاب هو استحباب هذا الغسل و حتَّي نسبة القول بالوجوب إلي ابن جنيد و ابن أبي عقيل لم يثبت و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 3] التيمم بدل غسل الإحرام

مسألة 3- هل يقوم التيمم بدل غسل الإحرام مع العذر عنه؟ فيه قولان:

أحدهما بدلية التيمم حينئذ عنه و هو المحكي عن الشيخ في المبسوط و ابن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 5/ 44.

(2)- التنقيح في شرح العروة الوثقي: 9/ 343.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 481

البراج في المهذب بل عن المسالك حكايته عن الشيخ و جماعة بل

قال بعد ذلك إنه اختار جماعة من الأعيان لإطلاق ما دل علي تنزيل التراب منزلة الماء و أنه يكفيك عشر سنين بنفسه راجحا بل و شرطا في صحة العمل.

و فيه: أن المستفاد من هذه الأخبار أنه يستباح بالتيمم كل فعل يستباح بالغسل أو يتطهر بالتيمم لكل فعل مشروط بالطهارة المائية و أمَّا ما ليس كذلك و هو مأمور به و إن كان متطهرا فلا تدل هذه الروايات علي بدلية التيمم عنه.

و الظاهر إن غسل الإحرام أما بالمعني المصدري مستحب نفسي أو لأجل النظافة و إزالة الخبث و الدرن من الجسد و حصول الإقبال إلي العبادة و النشاط له و الروايات لا تدل علي بدلية التيمم عن ذلك و لذا هذا الغسل مشروع للحائض و النفساء اللتين لا يكون الرافع لحدثهما و لا المبيح.

اللهم إلَّا أن يقال: إنّ صحة الإحرام مشروطة بهذا الغسل فيقال ببدلية التيمم عن الغسل و قد عرفت عدم صحة ذلك. و هذا ما قوَّاه السيد الكلبايكاني قدس سره و استظهر من الآية الكريمة و من الروايات أن التيمم يكون بدلا عن الطَّهارة المائية المشروط بها الغايات المذكورة في غايات الوضوء و الغسل.

[مسألة 4] جواز تقدم الغسل علي الميقات

مسألة 4- يجوز تقديم الغسل علي الميقات مع خوف إعواز الماء

لصحيح هشام بن سالم و لفظه في الكافي قال: «أرسلنا إلي أبي عبد اللّه عليه السلام و نحن جماعة و نحن بالمدينة إنَّا نريد أن نودعك فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإنّي أخاف أن يعسر عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة، و البسوا ثيابكم الَّتي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 482

تحرمون فيها ثمَّ تعالوا فرادي أو مثاني» «1»

و في الفقيه مثله الا انه قال (جماعة بالمدينة) و قال: (فارسل الينا ابو

عبد اللّه عليه السلام) و قال: «أخاف أن يعز عليكم» و زاد قال: «فاجتمعنا عنده فقال له ابن أبي يعفور: ما تقول: في دهنة بعد الغسل للاحرام؟ فقال: قبل و بعد و معه ليس به بأس قال: دعا بقارورة بان سليخة ليس فيها شي ء فأمرنا فادهنا منها فلما أردنا أن نخرج قال: عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة» «2» و في التهذيب مثل الفقيه إلا أنه روي صدره إلي قوله: «مثاني» في رواية و ذيله من قوله: «ما تقول:

في رواية أخري». «3» و الظاهر أن كلها رواية واحدة و لكن في الوسائل عدها ثلاثة روي صدر الحديث عن التهذيب مستقلا و ذيله عنه أيضا مستقلا و توهم من تقطيعه في التهذيب أنهما (الصدر و الذيل) روايتان. و ذكر بدل قوله عليكم، تبعا للتهذيب لا عليكم و لذلك يختلف المعني كمال الاختلاف و الأصح بظاهر الحال ما في الفقيه

إن هنا روايات، تدل علي جواز تقديم الغسل علي الميقات و إن لم يخف إعواز الماء في الميقات مثل صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام أ يجزيه عن غسل ذي الحليفة؟ قال: نعم». «4» و نحوه صحيح محمد الحلبي إنَّه سئل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه؟ فقال: «يجزيه ذلك من الغسل بذي الحليفة» «5».

______________________________

(1)- الكافي: ص 328 ح 7

(2)- من لا يحضره الفقيه: 201 ب 109 ح 5.

(3)- تهذيب الاحكام: ب صفة الاحرام 202/ 10 و باب ما يجب علي المحرم اجتنابه.

(4)- الوسائل ابواب الاحرام، ب 8، ح 5.

(5)- الوسائل ابواب الاحرام، ب 8، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 483

و

الظاهر أنهما رواية واحدة و إن عدهما في الوسائل روايتين و ذلك لأنَّ الحلبي المذكور في الرواية الأولي و إن كان من المحتمل أن يكون أحد إخوة محمد عبيد اللّٰه و عمران و عبد الأعلي أبناء علي بن أبي شعبة الحلبي إلا أنّه كما في جامع الرواة في محمد بن علي اشهر و سواء كان ذلك أو لم يكن لا يثبت بإخراج الحديث في الفقيه عن محمد الحلبي و في التهذيب عن الحلبي تعدد الرواية- و كيف كان يكفي هذا الصحيح في الفتوي علي الجواز مطلقا

و مثل هذا الصحيح في المضمون خبر أبي بصير قال: «سألته عن الرجل يغتسل بالمدنية لإحرامه أ يجزيه ذلك عن غسل ذي الحليفة؟ قال: نعم» الحديث. «1»

و يمكن الاستدلال لجواز التقديم بصحيح معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام و نحن بالمدينة عن التهيؤ للاحرام؟ فقال: اطل بالمدينة و تجهز بكل ما تريد و اغتسل و إن شئت استمتعت بقميصك حتي تأتي مسجد الشجرة». «2»

ورد الاستدلال به بعض الأعاظم لوروده بلفظ آخر ليس فيه ذكر الغسل هكذا: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التهيؤ للاحرام؟ فقال: اطل بالمدينة فإنه طهور و تجهز بكل ما تريد و إن شئت استمتعت بقميصك حتَّي تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء و تلبس ثوبيك إن شاء اللّٰه». «3»

و فيه: مضافاً إلي ترجيح اللَّفظ الأول لتقديم اصالة عدم الزيادة علي إصالة عدم النقيصة الظاهر من لفظ الثاني أيضاً سقوط «و اغتسل»، منه و إلَّا فلا وجه لدفع توهم منع الاستمتاع بالقميص بدون الغسل و يستظهر ذلك أيضاً من قوله: «فتفيض

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الاحرام، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة:

ب 7 من أبواب الاحرام، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الاحرام، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 484

عليك من الماء» فتأمل.

هل هذا الحكم مختص بذي الحليفة و المدينة فلا يشمل سائر المواقيت و لا سائر الأمكنة أو يعم ذا الحليفة و سائر المواقيت؟ ظاهر النص اختصاصه بذي الحليفة و المدينة.

نعم لا يبعد دعوي المساوات القطعية بين ذي الحليفة و غيره مع خوف إعواز الماء أما مع عدم الخوف فالنص مختص بالمدينة.

اللّهم إلا أن يقال: باطلاقات ما دل علي مشروعية غسل الإحرام و رجحانه فإنها يكفي في الحكم بجواز التقديم مطلقاً و اختياراً و لو كان في البين ما يفيد التقييد بالميقات لا يقوم حجة علي حمل المطلق علي المقيد لأن ذلك يجري في الواجبات لا في المستحبات بل يفيد التقيد الأفضليّة و الاستحباب في الاستحباب و تعدد المطلوب.

و لكن لم نجد ما يدل بالإطلاق علي ذلك فيما راجعنا إليه من الروايات و لعل الفاحص فيها يجده فيها و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 5] رجحان كون الأحرام عقيب الصلاة

مسألة 5- قد دلت الروايات الكثيرة علي رجحان كون الإحرام عقيب الصلاة نافلة كانت أو فريضة فلا بد من ذكرها و النظر فيها.

فمنها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «صلّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحج أو بالمتعة الحديث. «1» و خبر أبي الصباح الكناني قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 485

أ رأيت لو أنَّ رجلا أحرم في دبر صلاة مكتوبة أ كان يجزيه ذلك؟ قال: نعم» «1» رواه الكليني في الكافي «2» و الشيخ في التهذيب- عنه «3» - و لكنه رواه في

الاستبصار أيضاً عن الكليني بالإسناد المذكور و باللفظ المذكور غير- أنه قال فيه: «في صلاة غير مكتوبة و ذكرها في باب أنه يجوز الإحرام بعد صلاة النافلة. «4» و احتمال تعددهما بعيد جدا.-

و رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «و اعلم أنه واسع لك أن تحرم دبر- فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار». «5»

و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تصلي للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها). «6» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: (إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة- فريضة فصلِّ ركعتين ثمّ أحرم في دبرهما) «7».

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه قال: (خمس صلوات تصليهن في كل وقت صلاة الكسوف و الصلاة علي الميت و صلاة الإحرام و- الصلاة الَّتي تفوت، و صلاة الطواف من الفجر إلي طلوع الشمس و بعد العصر إلي الليل). «8» و صحيح معاوية بن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: «خمس (صلات) لا تترك علي كل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الاحرام ح 2.

(2)- الكافي: ج 4، 333 ح 10.

(3)- التهذيب صفة الاحرام ح 245/ 62. تهذيب الاحكام: ب صفة الاحرام ح 245/ 62.

(4)- الاستبصار: 2، ح 166/ 547.

(5)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الاحرام ح 3.

(6)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الاحرام ح 4.

(7)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الاحرام ح 5.

(8)- الكافي: 3/ 287 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 486

حال إذا طفت بالبيت و إذا أردت أن تحرم و صلاة الكسوف و إذا نسيت فصل إذا ذكرت

و- صلاة الجنازة» «1»

و صحيحه الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم و إن كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرهما». «2»

و رواية إدريس بن عبد اللّٰه قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال: يقيم إلي المغرب قلت: فإن أبي جمّاله أن يقيم عليه؟ قال: ليس له أن يخالف السنة، قلت: أله أن يتطوع بعد العصر؟ قال: لا بأس به و لكن أكرهه للشهرة و تأخير ذلك أحب إلي قلت: كم أصليّ إذا تطوعت؟ قال:

أربع ركعات». «3»

و صحيح ابن فضال عن أبي الحسن عليه السلام «في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد- صلاة العصر أو في غير وقت صلاة قال: لا ينتظر حتي تكون الساعة الَّتي تصلي فيها و إنما قال ذلك مخافة الشهرة» «4».

و في الوسائل: (قال: ينتظر) «5» و في النسخة المطبوعة من الفقيه في طهران أيضاً: لا ينتظر) و لكن قوله: «و إنما قال ذلك مخافة الشهرة» أوفق بنسخة الوسائل و اللّٰه العالم. هذه طائفة من الروايات الّتي أقل ما يستفاد منها رجحان وقوع

______________________________

(1)- الكافي: 3/ 287 ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الاحرام ح 3.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2، 208 ح 945/ 7.

(5)- وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 487

الإحرام بعد صلاة مكتوبة أو نافلة.

و يقع الكلام بعد ذلك في مباحث:

الأول هل يستفاد منها وجوب كون الإحرام بعد الصلاة بعد

مكتوبة كانت أم مندوبة أم يجزيه الإحرام كيف ما اتفق و لو لم يكن مسبوقا بصلاة؟

لا يخفي عليك أنه لا صراحة بل لا ظهور يطمئن به النفس لهذه الروايات تدل علي الوجوب الشرطي حتَّي يكون الإحرام مشروطا بكونه بعد صلاة فريضة أو نافلة.

نعم صحيح معاوية بن عمار الأخير ظاهر في اشتراط وقوعه بعد الصلاة و لعل لذلك قال: سيدنا الأستاذ قدس سره: (الأحوط عدم تركه) كما قال في الغسل: (بل الأحوط عدم تركه) إلّا أن الظاهر منه أنه احتياط استحبابي

و يظهر من المستمسك صعوبة رفع اليد عن صحيح معاوية لو لا التسالم علي عدم الوجوب المانع من احتمال الوجوب و خفائه فيما كان محلا للابتلاء العام كما تقدم ذلك في استحباب غسل الإحرام «1».

أقول: إنّ هذا التعبير ربما يكون لنفي الكمال و الفضل التام كقولهم: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» «2» و الظاهر أن الاصحاب إنما رفعوا اليد عنه لذلك و لا اعتداد بخلاف الإسكافي إن ثبت ذلك منه. فالأقوي وفاقا للمشهور استحباب وقوعه بعد صلاة مكتوبة أو نافلة و يشهد لذلك ذكرها في الأخبار المشتملة علي بيان المستحبات.

______________________________

(1)- المستمسك: 11/ 334.

(2)- وسائل الشيعة باب 2 من ابواب المساجد ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 488

الثاني الظاهر أن الإحرام الموضوع لحكم استحباب وقوعه بعد الصلاة أعم من إحرام الحج الواجب و المندوب و العمرة الواجبة و المندوبة و صحاح معاوية بن عمار خصوصا الأخير منها ظاهرة في ذلك.

الثالث بعد البناء علي استحباب كون عقد الإحرام بعد صلاة مكتوبة أو نافلة هل صلاة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين مستحبة بنفسها فمن أراد الإحرام بعد صلاة الظهر مثلا أو بعد نافلتها يستحب له

الإتيان بصلاة الإحرام قبلها أم لا محل لاستحبابها إذا هو يأتي بإحرامه بعد صلاة اخري.

و بعبارة اخري: صلاة الإحرام شرعت لمن أراد الإحرام قبل وقت صلاة الفريضة أو بعد ما أقامها في أول وقتها لأجل أن يأتي بالاحرام و يوقعه بعد الصلاة تحصيلا لمستحب آخر و هو إنشاء الإحرام بعد الصَّلاة أو أنَّها مشروعة و مستحبة بنفسها وجهان:

وجه القول بالاستحباب علي ما قاله البعض طائفة من الروايات مثل موثقة أبي بصير فيه: «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم … ثمّ ائت المسجد الحرام فصلِّ فيه ستَّ ركعات قبل أن تحرم … » «1» بدعوي شمولها لمن يصلي المكتوبة و يحرم في دبرها و في الاستدلال بها أنّها مختصّة بالاحرام من المسجد الحرام فلا تشمل الاحرام من سائر المواقيت و لا من غير المسجد الحرام من مكة.

نعم رواية أبي بصير الأخري الّتي مر ذكرها: «تصلي للاحرام ست ركعات تحرم في دبرها» لا تخلو من الدلالة علي ذلك إلَّا أن سندها ضعيف بعلي بن أبي حمزة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 52 من ابواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 489

مضافاً إلي قوة احتمال كونها مختصرة روايته الأولي.

و من هذه الروايات صحيح معاوية بن عمار السابق ذكره قال عليه السلام: «خمس صلوات لا تترك علي حال إذا طفت بالبيت و إذا أردت أن تحرم» «1» بدعوي أنَّ عموم (علي كل حال) يشمل ما إذا أراد إنشاء الحرام بعد الصلاة الفريضة و إن نافلته لا تسقط في وقت الفريضة إلا ان الظاهر منه كما يستفاد من غيره من الروايات أن المراد نفي كراهة أداء هذه الصلوات في الأوقات المعينة الخمسة الَّتي يكره

فيها الشروع في النوافل المبتدئة و هي بعد صلاة الصبح حتَّي تطلع الشمس و بعد صلاة العصر إلي أن تغرب الشمس و عند طلوع الشمس إلي أن تنبسط و عند قيام الشمس إلي الزوال و قبل الغروب.

و بالجملة يمكن أن يدعي قصور الروايات لإثبات استحباب صلاة الإحرام غاية ما يستفاد منها إنه إذا أراد الإحرام في غير وقت الفريضة أو في وقتها بعد أدائها يتطوع بركعتين و يحرم بعدهما و الأفضل أو تكون أربع ركعات و الأفضل منه أن تكون ست ركعات.

نعم في فقه الرضا المنسوب إلي مولانا الرضا عليه السلام: «فإذا بلغت الميقات و اغتسل أو توضأ و البس» ثيابك و صلّ ست ركعات تقرأ فيها فاتحة الكتاب قل هو اللّٰه أحد و قل يا أيها الكافرون. فإن كان وقت صلاة الفريضة فصلِّ هذه الركعات قبل الفريضة» «2» و لكنَّ الإشكال إنَّهم اختلفوا في شأن هذا الكتاب المشرف بشرف النسبة إلي مولانا الرضا عليه الصلاة و السلام و هو إن لم يثبت عندي عدم انتسابه إليه عليه السلام بما أقاموا علي ذلك لم يثبت لنا نسبته إليه عليه السلام بما أقام المثبتون له هذه النسبة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- ز الفقه المنسوب الي مولانا الرضا (عليه السلام) ص 216.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 490

العليا و لعل اللّٰه يحدث بعد ذلك أمراً.

و وجه القول الثاني و هو اختصاص استحباب صلاة الإحرام بمن يأتي به في غير أوقات الصلاة الأصل و عدم الدليل. و لكن المنسوب إلي المشهور بين الأصحاب رضوان اللّٰه تعالي عليهم هو القول الأوّل:

قال الصدوق قدس سره في المقنع: (و لا بأس بأن تحرم في أيِّ وقت بلغت

الميقات فإن أحرمت في دبر الفريضة فهو أفضل فإن لم يكن وقت المكتوبة صليت ركعتي الإحرام و قرأت في الأولي الحمد و قل هو اللّٰه أحد و في الثَّانية الحمد و قل يا أيها الكافرون، و إن كان في وقت صلاة مكتوبة فصلِّ ركعتي الإحرام قبل الفريضة ثمّ صلِّ الفريضة و أحرم في دبرها ليكون أفضل). «1»

و قال في الهداية: (فان كان وقت الصلاة المكتوبة فصلِّ ركعتي الإحرام ثمَّ صلِّ المكتوبة و أحرم في دبرها) «2».

و قال المفيد قدس سره: (و إن كان وقت فريضة و كان متَّسعاً قدم نوافل الإحرام و هي ستَّ ركعات و يجزئ منها ركعتان ثمّ صلِّ الفريضة و أحرم في دبرها و هو أفضل و إن لم يكن وقت الفريضة صلي ست ركعات فإذا فرغ منها). «3»

و قال السيد رضوان اللّٰه عليه في جمل العلم و العمل: (و يصلي ركعتي الإحرام). «4»

و قال أبو الصلاح الحلبي قدس سره (ثمّ يصلِّي ركعتي الإحرام يتوجه لها كتوجهه

______________________________

(1)- المقنع/ 218 و 219.

(2)- الهداية/ 219.

(3)- المقنعة/ 396.

(4)- الينابيع: 7/ 105.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 491

للفرائض فإن كان وقت فريضة قدم صلاة الإحرام ثمّ الفريضة و أحرم دبرها فإن كان الوقت ضيّقا بدأ بالفرض ثمَّ صلي صلاة الإحرام و أحرم) «1»

و قال الديلمي قدس سره في المراسم في أفعال الحج: (و صلاة ستّ ركعات و في شرح الإحرام قال: ثمَّ يصلِّي ستَّ ركعات نوافل الإحرام و تجزئ ركعتان ثمّ يعقد إحرامه). «2»

و قال القاضي ابن البراج في المهذب: (و صلاة ست ركعات أو ركعتين بعد فريضة أفضل ذلك فريضة الظهر) «3».

و قال ابن زهرة قدس سره في الغنية: (يستحب أن يصلي صلاة الإحرام» «4».

و قال

الحليّ قدس سره في السرائر: (و أفضل الأوقات الَّتي يحرم الإنسان فيها بعد الزوال و يكون ذلك بعد فريضة الظهر فعلي هذا تكون ركعتان الإحرام المندوبة قبل فريضة الظهر). «5»

و قال ابن حمزة عليه الرَّحمة في الوسيلة: (و الإحرام عقيب صلاة الظهر أو عقيب غيرها من الصلوات المفروضة إن لم يكن وقتها فإن لم يكن وقت فريضة صلي ستَّ ركعات للإحرام و أحرم بعدها و إن كان بعد فريضة صلي ركعتين له و أحرم بعدهما و أن صلي ستا كان أفضل. «6»

______________________________

(1)- الكافي في الفقه/ 207.

(2)- المراسم/ 104 و 108.

(3)- المهذب: 1/ 215.

(4)- غنية النزوع: / 155.

(5)- السرائر: 1/ 536.

(6)- الوسيلة/ 161.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 492

و لكن الشيخ رحمة اللّٰه عليه قال في النهاية: (و الأفضل أن يكون الإحرام بعد صلاة الفريضة فإن لم تكن صلاة فريضة صلِّ ست ركعات من النوافل و أحرم في دبرها فان لم يتمكن من ذلك أجزأه ركعتان … ) «1».

و قال نحوه في المبسوط «2» و قال في الاقتصاد: و يصلِّي ركعتي الإحرام و أن صلَّي ستَّ ركعات كان أفضل، و إن كان عقيب فريضة كان أفضل) «3». إلي غير ذلك من كلمات الفقهاء إلا أنه لا يثبت بفتاوي غير الشيخ منهم استحباب صلاة الإحرام مطلقاً فعليٰ هذا الأولي الإتيان بها في وقت الفريضة رجاءً و اللّٰه هو العالم.

______________________________

(1)- النهاية/ 212.

(2)- المبسوط: 1/ 315.

(3)- الاقتصاد/ 300.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.