استخراج المرام من استقصاء الافحام المجلد 3

اشارة

سرشناسه: حسيني ميلاني، علي ، 1326 -

عنوان قراردادي: منتهي الكلام.شرح

استقصاء الافحام.عربي. شرح

عنوان و نام پديدآور: استخراج المرام من استقصاءالافحام للعلم الحجة آيةالله السيد حامدحسين اللكهنوي بحوث و ردود تاليف علي الحسيني الميلاني.

مشخصات نشر: قم مركزالحقايق الاسلامية 1432 ق. - 1390-

مشخصات ظاهري: ج.

شابك: دوره ‮ 978-600-5348-50-7: ؛ 200000 ريال ج. 1 ‮ 978-600-5348-51-4: ؛ 200000 ريال ج. 2 ‮ 978-600-5348-52-1: ؛ 200000 ريال ج. 3 ‮ 978-600-5348-53-8:

يادداشت: عربي.

يادداشت: كتابنامه.

يادداشت: نمايه.

مندرجات: ج. 1. العقائد - ج. 2. التفسير والمفسرون والصحاح الستة و اصحابها - ج. 3. ائمةالمذاهب

موضوع: فيض آبادي ، حيدرعلي . منتهي الكلام -- نقد و تفسير

موضوع: كنتوري ، ميرحامد حسين 1830 - 1888م.. استقصاء الافحام -- نقد و تفسير

موضوع: شيعه -- عقايد

موضوع: شيعه -- دفاعيه ها و رديه ها

موضوع: اهل سنت -- دفاعيه ها و رديه ها

شناسه افزوده: فيض آبادي ، حيدرعلي . منتهي الكلام. شرح

شناسه افزوده: كنتوري ، ميرحامد حسين 1830 - 1888م.. استقصاء الافحام. عربي. شرح

شناسه افزوده: مركز الحقائق الاسلاميه

رده بندي كنگره: ‮ BP211/5 ‮ /ف94م80213 1390

رده بندي ديويي: ‮ 297/4172

شماره كتابشناسي ملي: 2375816

صحيحُ أبي داود … ص: 7

اشارة

الذي يصلح لأنْ يسمّي «زبور أهل السنّة والجماعة» لأنّهم قد شبّهوا مصنّفه بداود عليه السلام فقالوا: «الين له الحديث كما الين لداود الحديد» لكنّهم جعلوا سننه ك «المصحف» كما في (فيض القدير) قال: «أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الشافعي، أخذ عن أحمد وخلق، وعنه الترمذي ومن لا يحصي، ولد سنة 202 ومات سنة 275، قالوا: ألين له الحديث كما ألين لداود الحديد. وقال بعض الأعلام: سننه ام الأحكام، ولمّا صنّفه صار لأهل الحديث كالمصحف» «1» … وعليه، فهو أجلّ من أنْ يلقّب ب «الزبور» !!

وترجم له النووي، فأورد كلماتهم في مدحه والثناء علي كتابه، قال:

«أبو داود السجستاني، صاحب السنن … روي عنه: الترمذي والنسائي وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني … واتفق العلماء علي

الثناء علي أبي داود ووصفه بالحفظ التام والعلم الوافي والإتقان والورع والدين والفهم الثاقب في الحديث وغيره.

روينا عن الحافظ أحمد بن محمّد بن ياسين الهروي قال: كان أبو داود أحد حفّاظ الإسلام لحديث رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وعلمه وعلله وسنده، في أعلي درجة النسك والعفاف والورع، ومن فرسان الحديث.

__________________________________________________

(1)

فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1: 24- 25.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 8

وقال الحاكم أبوعبداللَّه: كان أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة.

قال علّان بن عبدالصمد: كان أبو داود من فرسان هذا الشأن.

روينا عن موسي بن هارون قال: خلق أبو داود في الدنيا للحديث وفي الآخرة للجنّة.

وقال أبو حاتم ابن حبّان: أبو داود أحد أئمّة الدنيا فقهاً وعلماً وحفظاً ونسكاً وإتقاناً، جمع وصنّف وذبّ عن السنن.

وروينا عن إبراهيم الحربي قال لمّا صنّف أبو داود هذا الكتاب- يعني كتاب السنن-: الين لأبي داود الحديث كما الين لداود الحديد.

وروينا عن أبي عبداللَّه محمّد بن مخلد قال: كان أبو داود يفي بمذاكرة ألف حديث، فلمّا صنّف كتاب السنن وقرأه علي الناس، صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف، يتبعونه ولا يخالفونه، وأقرّ له أهل زمانه بالحفظ والتقدّم فيه.

وروينا عن الإمام أبي سليمان الحربي قال: سمعت أباسعيد ابن الأعرابي- ونحن نسمع منه كتاب السنن لأبي داود، وأشار إلي النسخة وهي بين يديه- يقول: لو أنّ رجلًا لم يكن عنده من العلم إلّاالمصحف ثمّ هذا الكتاب، لم يحتج معهما إلي شي ء من العلم ألبتّة. قال الخطابي: وهذا كما قال …

قال الخطابي: واعلموا- رحمكم اللَّه- أنّ كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنَّف في حكم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من الناس كافّة، فصار حكماً بين فرق

العلماء وطبقات الفقهاء علي اختلاف مذاهبهم، وعليه معوَّل أهل العراق ومصر والمغرب وكثير من أقطار الأرض …

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 9

ومناقب أبي داود وكتابه كثيرة مشهورة، وفيما أشرت إليه كفاية.

ولد أبو داود سنة 102.

وتوفي بالبصرة، لأربع عشرة بقيت من شوال، سنة 275» «1» .

وقال ابن الأثير: «قال أبو سليمان الخطابي: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنَّف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافّة الناس علي اختلاف مذاهبهم، فصار حكماً بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء، فلكلٍّ فيه ورد ومنه شرب، وعليه معوَّل أهل العراق ومصر وبلاد الغرب وكثير من مدن أقطار الأرض … وحلّ هذا الكتاب عند أئمّة الحديث وعلماء الحديث محلّ العجب، فضربت إليه أكباد الإبل ودامت إليه الرحل.

قال إبراهيم الحربي لمّا صنّف أبو داود هذا الكتاب: الين لأبي داود الحديث كما الين لداود عليه السلام الحديد. وقال ابن الأعرابي عن كتاب أبي داود: ولو أنّ رجلًا لم يكن عنده من العلم إلّاالمصحف الذي فيه كتاب اللَّه عزّ وجلّ ثمّ هذا الكتاب، لم يحتج معهما إلي شي ء من العلم ألبتّة» «2» .

قدح العلماء في أحاديث سنن أبي داود … ص: 9

ومع هذا كلّه، فقد طعن علماء القوم في كثيرٍ من أحاديث كتاب أبي داود:

قال الذهبي في (الميزان):

«جعفر بن سعد بن سمرة، عن أبيه، وعنه سليمان بن موسي وغيره، له __________________________________________________

(1) تهذيب الأسماء واللغات 2/ 224- 227.

(2) جامع الاصول 1: 192.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 10

حديث في الزكاة عن ابن عمٍّ له، ردّه ابن حزم فقال: هما مجهولان.

قلت: ابن عمّه هو حبيب بن سليمان بن سمرة، يجهل حاله، عن أبيه، قال القطّان: ما من هؤلاء من يعرف حاله، وقد جهد المحدّثون

فيهم جهدهم، وهو إسناد يروي به جماعة، قد ذكر البزار منها نحو المائة. وقال عبدالحق الأزدي: حبيب ضعيف، وليس جعفر ممّن يعتمد عليه.

قلت: فممّا ورد بهذا السند: أمر عليه السلام ببناء المساجد وتصلح ضعفها، وحديث: أمرنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أن نخرج الزكاة من الذي نعدّه للبيع، وقال عليه السلام: من يكتم- فإنّه مثله.

ففي سنن أبي داود من ذلك ستّة أحاديث بسند وهو: حدّثنا محمّد بن داود، ثنا يحيي بن حسّان، عن سليمان بن موسي، عن جعفر، عن ابن عمّه حبيب عن أبيه عن جدّه. فسليمان هذا زهري من أهل الكوفة ليس بالمشهور، وبكلّ حال، هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم» «1» .

وقال: «أبو عبدالرحمن الخراساني إسحاق، مرّ، ومن مناكيره في سنن أبي داود، حدّثنا عطاء الخراساني: إنّ نافعاً حدّثه عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد، سلّط اللَّه عليكم ذلّاً لا ينزعه حتّي ترجعوا إلي دينكم.

فهذا هو إسحاق بن أسيد، سكن مصر، روي عنه هذا الخبر حيوة بن شريح. قال ابن أبي حاتم: ليس هو بالمشهور. وقال أبو حاتم: لا يشتغل به» «2» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 2: 135/ 1506.

(2) ميزان الاعتدال 7: 393/ 10386.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 11

الموضوعات في سنن أبي داود … ص: 11

وإلي جنب تلك الأحاديث المقدوح فيها، أحاديثٌ حكم العلماء عليها بالوضع:

(منها): قال: «حدّثنا عبدالرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري، ثنا موسي بن عبدالعزيز، ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عبّاس: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال للعبّاس بن عبدالمطّلب: يا عبّاس يا عم، ألا اعطيك، ألا أمنحك، ألا أحبوك، ألا أفعل بك عشر خصال إذا

أنت فعلت ذلك غفر اللَّه لك ذنبك أوّله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سرّه وعلانيته؟ عشر خصال: أن تصلّي أربع ركعات، تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أوّل ركعة وأنت قائم قلت: سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلّااللَّه واللَّه أكبر، خمس عشرة مرّة، ثمّ تركع وتقولها وأنت راكع عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثمّ تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثمّ ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثمّ تسجد فتقولها عشراً، ثمّ ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون، في كلّ ركعةٍ تفعل ذلك في أربع ركعات، إن استطعت أن تصلّيها في كلّ يوم مرّة فافعل، فإن لم تفعل ففي كلّ جمعةٍ مرّةً، فإن لم تفعل ففي كلّ شهر مرّةً، فإن لم تفعل ففي كلّ سنةٍ مرّة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرّة» «1» .

__________________________________________________

(1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، صلاة التسبيح 2: 46- 47/ 1297.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 12

وهذا الحديث أدرجه ابن الجوزي في (كتاب الموضوعات)، لأنّ موسي ابن عبدالعزيز مجهول «1» .

وقد ترجم الذهبي هذا الرجل في (الميزان) قال:

«دق، موسي بن عبدالعزيز، أبو شعيب العدني القنباري، ما أعلمه روي عن غير الحكم بن أبان، فذكر صلاة التسبيح، روي عنه بشر بن الحكم وابنه عبدالرحمن بن بشر وإسحاق بن أبي إسرائيل، وغيرهم. لم يذكره أحد في كتب الضعفاء أبداً، ولكن ما هو الحجّة؟ قال ابن معين: لا أري به بأساً، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن حبّان: ربّما أخطأ، وقال أبوالفضل السليماني: منكر الحديث، وقال ابن المديني: ضعيف.

قلت: حديثه من المنكرات، لاسيّما والحكم بن أبان ليس

أيضاً بالثبت» «2» .

(ومنها) قال: «حدّثنا موسي بن إسماعيل قال: أخبرني أبوبكرة بكّار بن عبدالعزيز قال: أخبرتني عمّتي كيسة بنت أبي بكرة: إنّ أباها كان ينهي أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم عن رسول اللَّه: إنّ يوم الثلاثاء يوم الدم … » «3» .

وهذا الحديث أيضاً، أورده ابن الجوزي في (الموضوعات) «4» .

(ومنها) قال: «حدّثنا سعيد بن منصور، نا أبو معشر عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: لا تقطعوا

__________________________________________________

(1) كتاب الموضوعات 2: 143.

(2) ميزان الاعتدال 6: 550/ 8900.

(3) سنن أبي داود 4: 128/ 3862.

(4) كتاب الموضوعات 3: 213.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 13

اللّحم بالسكّين فإنّه من صنع الأعاجم، وانهشوه نهشاً فإنّه أهنأ وأمرء» «1» .

قال ابن القيّم: «وأمّا حديث عائشة الذي رواه أبو داود مرفوعاً: لا تقطعوا اللّحم بالسكّين فإنّه من صنيع الأعاجم، وانهشوه نهشاً فإنّه أهنأ وأمرء.

فردّه الإمام أحمد بما صحّ عنه صلّي اللَّه عليه وسلّم من قطعه بالسكين، في حديثين، وقد تقدّما» «2» .

وقد أورده ابن الجوزي في (الموضوعات) «3» .

(ومنها) قال: «حدّثنا موسي بن إسماعيل، نا عبدالعزيز بن أبي حازم، حدثني- بمني عن أبيه، عن ابن عمر عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال:

القدريّة مجوس هذه الامّة … » «4» .

وقد أورده ابن الجوزي في (الموضوعات) فقال:

«أخبرنا ابن السمرقندي قال: أخبرنا ابن مسعدة قال: أخبرنا حمزة قال:

حدّثنا ابن عدي قال: أنبأ أحمد بن جعفر بن محمّد البغدادي قال: حدّثنا سوار ابن عبداللَّه القاضي قال: حدّثنا معتمر بن سليمان قال: حدّثنا أبوالحسن- يعني يزيد بن هارون، كذا كنّاه- عن جعفر بن الحارث عن يزيد بن ميسرة عن

عطاء الخراساني عن مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وعلي آله وسلّم:

إنّ لكلّ امّة مجوساً وإنّ مجوس هذه الامّة القدريّة؛ فلا تعودوهم إذا

__________________________________________________

(1) سنن أبي داود 4: 94/ 3778.

(2) زاد المعاد في هدي خير العباد 4: 304.

(3) كتاب الموضوعات 2: 303.

(4) سنن أبي داود 5: 45/ 4691.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 14

مرضوا، ولا تصلّوا عليهم إذا ماتوا.

قال المصنّف: وهذا لا يصحّ عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. قال:

يحيي بن جعفر بن الحارث ليس بشي ء.

وقد روي عتبان بن ناقد عن أبي الأشهب النخعي، عن الأعمش، وعن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلّي اللَّه عليه وعلي آله وسلّم نحوه. قال أبو حاتم الرازي: عتبان مجهول، وهذا الحديث حديث باطل.

طريق آخر: أخبرنا علي بن عبدالواحد الدينوري قال: أنبأ علي بن عمران القزويني قال: حدّثنا محمّد بن علي بن سويد قال: ثنا أحمد بن محمّد العسكري قال: ثنا أبوالوليد عبدالملك بن يحيي بن عبداللَّه بن بكير قال: ثنا أبي قال: حدّثني الحسن بن عبداللَّه بن أبي عون الثقفي، عن رجا بن الحارث، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: يكونون قدرية ثمّ يكونون زنادقة ثمّ يكونون مجوساً، وإنّ لكلّ امّة مجوساً وإنّ مجوس امّتي المكذّبة بالقدر؛ فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا يُتبع لهم جنازة.

قال المصنّف: هذا حديث لا يصحّ، وفيه مجاهيل. قال أبوعبدالرحمن النسائي: هذا الحديث باطل كذب» «1» .

(ومنها) قال: «حدّثنا هارون بن عبداللَّه، نا ابن أبي فديك عن الضحّاك- يعني ابن عثمان- عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة إنّها قالت: أرسل النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم

بام سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثمّ مضت فأفاضت، فكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول اللَّه تعني عندها» «2» .

__________________________________________________

(1) كتاب الموضوعات 1: 274- 275.

(2) سنن أبي داود 2: 329/ 1942.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 15

قال ابن القيّم: «وأمّا حديث عائشة: أرسل رسول اللَّه … رواه أبو داود، فحديث منكر، أنكره الإمام أحمد وغيره. وممّا يدلّ علي إنكاره أنّ فيه: إنّ رسول اللَّه أمرها أن توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة، وفي رواية: توافيه، وكان يومها، فأحبّ أن توافيه، وهذا من المحال قطعاً. قال الأثرم: قال لي أبو عبداللَّه: ثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن زينب بنت ام سلمة أنّ النبي أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة. لم يسنده غيره، وهو خطأ. وقال وكيع عن أبيه مرسله: إنّ النبي أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة، أو نحو هذا، وهذا عجب أيضاً، النبي يوم النحر وقت صلاة الصبح ما يصنع بمكة؟

ينكر ذلك» «1» .

(ومنها) قال: «حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، نا حمّاد بن خالد، نا محمّد ابن عمرو، عن محمّد بن عبداللَّه، عن عمّه عبداللَّه بن زيد قال: أراد النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم في الأذان أشياء لم يصنع منها شيئاً، قال: فاري عبداللَّه بن زيد الأذان في المنام، فأتي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فأخبره فقال: ألقه علي بلال فألقاه عليه، فأذّن بلال، فقال عبداللَّه: أنا اريته وأنا كنت أُريده، قال: فأقم أنت» «2» .

وهذا الحديث كذّبه محمّد بن الحنفيّة كما في (السيرة الحلبية):

«عن أبي العلاء قال: قلت لمحمّد بن الحنفيّة: إنّا لنتحدّث أنّ بدء هذا الأذان كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في

منامه، قال: ففزع له محمّد بن الحنفيّة فزعاً شديداً وقال: عمدتم إلي ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم __________________________________________________

(1) زاد المعاد 2: 249.

(2) سنن أبي داود 1: 250/ 512.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 16

دينكم، فزعمتم أنّه إنّما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب، وقد تكون أضغاث أحلام.

فقلت له: هذا الحديث قد استفاض في الناس.

قال: هذا- واللَّه- هو الباطل. ثمّ قال:

وإنّما أخبرني أبي: أنّ جبرئيل عليه السلام أذّن في بيت المقدس ليلة الإسراء وأقام، ثمّ أعاد جبرئيل عليه السلام الأذان لمّا عرج بالنبي إلي السماء، فسمعه عبداللَّه بن زيد وعمر بن الخطّاب، وفي رواية عنه: إنّه لمّا انتهي إلي مكانٍ في السماء وقف به وبعث اللَّه ملكاً فقيل له: علّمه الأذان، فقال الملك:

اللَّه أكبر، فقال اللَّه: صدق عبدي أنا اللَّه الأكبر، إلي أن قال: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة..» «1» .

وقد كذّب هذا أئمة أهل البيت عليهم السلام أيضاً، ففي (المستدرك) مثلًا:

«حدّثني نصر بن محمّد، ثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الحافظ، ثنا أحمد بن يحيي البجلي، ثنا محمّد بن إسحاق البلخي، ثنا نوح بن دراج عن الأجلح عن الشعبي عن سفيان بن ليلي قال: لمّا كان من أمر الحسن بن علي ومعاوية ما كان قِدمته علي المدينة وهو جالس في أصحابه- فذكر الحديث بطوله- قال: فتذاكرنا عنده الأذان فقال بعضنا: إنّما كان بدء الأذان رؤيا عبداللَّه ابن زيد بن عاصم، فقال له الحسن بن علي: إنّ شأن الأذان أعظم من ذاك. أذّن جبرئيل عليه الصلاة والسلام في السماء مثني مثني، وعلّمه رسول اللَّه وأقام __________________________________________________

(1) السيرة الحلبية 2: 96.

استخراج المرام من

استقصاء الافحام، ج 3، ص: 17

مرةً مرةً، فعلمه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم» «1» .

(ومنها) الأحاديث التي كذّبها السراج القزويني «2» وحكم بوضعها، وهي في سنن أبي داود، ونقلها البغوي في المصابيح، ومنها:

«عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم.

حدّثنا ابن بشّار أبو عامر وأبو داود قال: حدّثنا زهير بن محمّد، حدّثني موسي بن وردان، عن أبي هريرة أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: الرجل علي دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» .

«حدّثنا محمّد بن كثير، أنا سفيان ثنا مصعب بن محمّد بن شرحبيل، حدّثني يعلي بن أبي يحيي، عن فاطمة بنت حسين، عن حسين بن علي قال:

قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: للسائل حقّ وإن جاء علي فرس» .

«حدّثنا حمّاد عن محمّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم رأي رجلًا يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطانه» .

«حدّثنا نصر بن علي: أخبرني أبو أحمد، ثنا سفيان، عن الحجّاج بن فراقِصَة عن رجل، عن أبي سلمة، وثنا محمّد بن المتوكّل العسقلاني، ثنا عبدالرزاق، أنا بشر بن رافع، عن يحيي بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: المؤمن غرّ كريم والفاجر

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3: 171.

(2) وهو: سراج الدين أبو حفص عمر بن عبدالرحمن القزويني المتوفي سنة 745.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 18

خبّ لئيم» .

وأمّا حكم سراج الدين بوضع هذه الأحاديث، فقد قال حسن بن محمود بن عبدالمجيد الدجاني في (رسالته) «1» التي ذكر فيها الأحاديث التي انتقدها سراج الدين علي

المصابيح ما هذا لفظه بنصّه:

أخبرني الشيخ العالم سراج الملّة والدين أبو حفص عمر بن علي بن عمر القزويني، المقرئ عليّ حين قراءتي كتاب المصابيح عليه قال: وقد وقع في هذا الكتاب- يعني كتاب المصابيح- أحاديث موضوعة.

فمن ذلك: في باب الإيمان بالقدر: صنفان من امّتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية، والقدرية مجوس هذه الامّة. إلي آخر الحديث.

وفي باب الأذان: اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله إلي آخره. وأمّا صدر هذا الحديث، وهو قوله عليه الصلاة والسلام لبلال: إذا أذّنت فترسّل وإذا أقمت فاحدر، فليس بموضوع.

وفي باب التطوّع: صلاة التسبيح موضوع، نقله الشيخ سراج الدين عن الإمام أحمد بن حنبل وكثير من الأئمّة.

وفي باب البكاء علي الميّت: من عزّي مصاباً فله مثل أجره.

وفي باب فضائل القرآن: حديثان موضوعان، أحدهما: من شغله القرآن عن ذكري، والثاني: ألا إنّها ستكون فتنة.

وفي باب الإجارة: أعطوا السائل وإن جاء علي فرس. وأمّا صدر هذا الحديث: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه، فليس بموضوع.

وفي كتاب الحدود: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلّاالحدود.

__________________________________________________

(1)

ذكر السيّد رحمه اللَّه أنّ عنده نسخةً من هذه الرسالة وينقل عنها مباشرة.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 19

وفي باب الترجّل: يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يجدون رائحة الجنّة.

وفي باب التصاوير: رأي رجلًا يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطاناً.

وفي كتاب الآداب: إذا كتب أحدكم كتاباً فليزيّنه فإنّه أنجح للحاجة.

وفي باب حفظ اللّسان والغيبة: لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه اللَّه ويبتليك.

وفي باب المفاخرة والعصبية: حبّك الشي ء يعمي ويصم.

وفي باب الحبّ في اللَّه ومن اللَّه: المرء علي دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.

وفي باب الحذر والتأنّي في الامور: لا

حليم إلّاذو عثرة، ولا حكيم إلّا ذوتجربة.

وفي باب الرفق والحياء: الحياء حسن الخلق، والمؤمن غِرّ كريم، والمنافق خب لئيم» .

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 23

صحيحُ النسائي … ص: 23

اشارة

هذا الكتاب الذي أطلق عليه إسم الصحيح جمع كبير من الأئمّة، كأبي علي النيسابوري وابن عدي والدارقطني والخطيب وغيرهم، ووصفه الأكابر بأوصاف جليلة … ففي كتاب (زهر الربي علي المجتبي للحافظ السيوطي، بعد كلامٍ نقله عن الحافظ ابن حجر:

«قال الحافظ ابن حجر: وإذا تقرّر ذلك، ظهر أنّ الذي يتبادر إلي الذهن من أنّ مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع، ليس كذلك، فكم من رجلٍ أخرج له أبو داود والترمذي تجنّب النسائي إخراج حديثه، كما تجنّب النسائي إخراج حديث جماعةٍ من رجال الصحيحين. فحكي أبوالفضل ابن طاهر قال:

سئل سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثّقه، فقلت له: إنّ النسائي لم يحتج، فقال: يا بني، إنّ لأبي عبدالرحمن شرطاً في الرجال أشدّ من شرط البخاري ومسلم.

وقال أحمد بن محبوب الرملي: سمعت النسائي يقول: لمّا عزمت علي جمع السنن، استخرت اللَّه في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشي ء، فوقعت الخيرة علي تركهم، فتنزّلت في جملة من الحديث كنت أعلو فيها عنهم.

قال الحافظ أبوطالب أحمد بن نصر شيخ الدارقطني: من يصبر علي ما يصبر عليه النسائي! كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة، فما حدّث منها بشي ء.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 24

قال الحافظ ابن حجر: وكان عنده عالياً عن قتيبة عنه ولم يحدّث به، لا في السنن ولا في غيرها.

وقال أبو جعفر ابن الزبير: أولي ما أرشد إليه ما اتفق المسلمون علي اعتماده وذلك: الكتب الخمسة، والموطأ الذي تقدمها وضعاً ولم يتأخّر عنها

رتبة، وقد اختلف العلماء فيها، وللصحيحين فيها شفوف، وللبخاري لمن أراد التفقه مقاصد جميلة، ولأبي داود في حصر أحاديث الأحكام واستيعابها ما ليس لغيره، وللترمذي في فنون الصناعة الحديثيّة ما لم يشاركه غيره، وقد سلك النسائي أغمض تلك المسالك وأجلّها.

وقال أبوالحسن المعافري: إذا نظرت إلي ما يخرجه أهل الحديث، فما خرّجه النسائي أقرب إلي الصحّة ممّا أخرجه غيره.

وقال الإمام أبو عبداللَّه ابن رشيد: كتاب النسائي أبدع الكتب المصنّفة في السنن تصنيفاً وأحسنها ترصيفاً، وكان كتابه جامعاً بين طريقي البخاري ومسلم، مع حظّ كثير من بيان العلل.

وفي الجملة، فكتاب السنن أقلّ الكتب بعد الصحيحين حديثاً ضعيفاً ورجلًا مجروحاً، ويقاربه كتاب أبي داود وكتاب الترمذي» .

«وقال محمّد بن معاوية الأحمر الراوي عن النسائي: قال النسائي: كتاب السنن كلّه صحيح، وبعضه معلول إلّاأنّه يبيّن علّته، والمنتخب المسمّي بالمجتبي صحيح كلّه.

وذكر بعضهم: أنّ النسائي لمّا صنّف السنن الكبري أهداه إلي أمير الرملة فقال له الأمير: أكلّ ما في هذا صحيح؟ قال: لا. قال: فجرّد الصحيح منه.

فصنّف له المجتبي وهو بالباء الموحّدة. قال الزركشي في تخريج الرافعي:

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 25

ويقال بالنون أيضاً.

وقال القاضي تاج الدين السبكي: سنن النسائي التي هي أحد الكتب الستّة هي الصغري لا الكبري، وهي التي يخرّجون عليها الرجال ويعلمون الأطراف.

وقال الحافظ أبوالفضل ابن حجر: قد أطلق اسم الصحّة علي كتاب النسائي أبو علي النيسابوري، وأحمد ابن عدي، وأبوالحسن الدارقطني، وأبو عبداللَّه الحاكم، وابن مندة، وعبدالغني بن سعيد، وأبو يعلي الخليلي، وأبو علي الخليلي، وأبو علي ابن السكن، وأبوبكر الخطيب وغيرهم.

وقال الخليلي في الإرشاد، في ترجمة بعض الرواة الدينوريين: سمع من أبي بكر ابن السني صحيح أبي عبدالرحمن النسائي.

وقال أبو عبداللَّه ابن

مندة: الذين أخرجوا الصحيح أربعة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

وقال السلفي: الكتب الخمسة اتفق علي صحّتها علماء المشرق والمغرب. قال النووي: مراده أنّ معظم كتب الثلاثة سوي الصحيحين يحتجّ به» .

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 26

القدح في النسائي وكتابه … ص: 26

لكنّ الأئمّة الأعلام تكلّموا- مع هذا كلّه- في النسائي وكتابه وحطّوا عليه، في مواضع كثيرة:

(منها): عندما تكلّم في أحمد بن صالح المصري، فإنّهم بعدما ذكروا سبب تكلّمه فيه، عادوا فتكلّموا في النسائي نفسه، لأنّه بعد العلم بسبب ذلك- كما ذكروا- يظهر قلّة ديانة النسائي ومتابعته للهوي في الجرح والتعديل، وسقوط كلماته في الرجال:

قال السبكي: «قال الحافظ أبو يعلي في كتاب الإرشاد: ابن صالح ثقة حافظ، واتفق الحفّاظ علي أنّ كلام النسائي فيه تحامل، ولا يقدح كلام أمثاله فيه، وقد نقم علي النسائي كلامه فيه. وقال ابن العربي في كتاب الأحوذي:

إمام ثقة من أئمّة المسلمين لا يؤثر فيه تجريح، وإنّ هذا القول ليحط من النسائي أكثر ممّا حطّ من ابن صالح، وكذا قال الباجي» «1» .

قال: «لا يلتفت إلي كلام ابن أبي ذئب في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في أحمد بن صالح، لأنّ هؤلاء أئمّة مشهورون، صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صحّ لتوفّرت الدواعي علي ما نقله، فكان القاطع قائماً علي كذبه فيما قاله» «2» .

__________________________________________________

(1) طبقات السبكي 2: 8.

(2) طبقات السبكي 2: 12.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 27

وقال العراقي في (شرح الألفية): «ثمّ إنّ الجارح وإن كان إماماً معتمداً في ذلك فربّما أخطأ فيه، كما جرح النسائي أحمد بن صالح المصري بقوله: غير ثقة ولا مأمون، وهو ثقة إمام حافظ، احتجّ به البخاري في صحيحه وقال ثقة، ما

رأيت أحداً يتكلّم فيه بحجّة، وكذا وثّقه أبو حاتم الرازي والعجلي وآخرون، وقد قال أبو يعلي الخليلي: اتفق الحفّاظ علي أنّ كلام النسائي فيه تحامل، ولا يقدح كلام أمثاله فيه، وقد بيّن ابن عدي سبب كلام النسائي فيه فقال: سمعت محمّد بن هارون البرقي يقول: حضر مجلس أحمد فطرده من مجلسه، فحمله ذلك علي أن تكلّم فيه. قال الذهبي: آذي النسائي نفسه بكلامه فيه» .

وقال الذهبي وابن حجر بترجمة أحمد بن صالح نقلًا عن ابن عدي:

«وأمّا سوء ثناء النسائي عليه- أي علي أحمد بن صالح- فسمعت محمّد بن هارون البرقي يقول: هذا الخراساني يتكلّم في أحمد بن صالح، حضر مجلس أحمد ابن صالح فطرده من مجلسه، فحمله ذاك علي أن يتكلّم فيه» «1» .

وقال الذهبي بترجمة أحمد بن صالح: «وقال ابن عدي: كان النسائي سيّئ الرأي فيه- أي أحمد بن صالح- وأنكر عليه أحاديث، فسمعت محمّد بن هارون البرقي يقول: هذا الخراساني يتكلّم في أحمد بن صالح، لقد حضرت مجلس أحمد بن صالح فطرده من مجلسه، فحمله ذلك علي أن يتكلّم فيه- إلي أن قال ابن عدي- ولولا أنّي شرطت أن أذكر في كتابي كلّ من تكلّم فيه لكنت أجلّ أحمد بن صالح أن أذكره» «2» .

__________________________________________________

(1) انظر: تذهيب التهذيب، تهذيب التهذيب 1: 35.

(2) ميزان الاعتدال 1: 242.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 28

هذا، ومن الأحاديث التي أبطلوها في كتابه، حديث أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم طاف في حجة الوداع طواف الزيارة بالليل، فقد قال ابن قيّم الجوزيّة ما نصّه:

«الطائفة الثالثة الذين قالوا أخّر طواف الزيارة إلي الليل، وهم طاوس ومجاهد وعروة، ففي سنن أبي داود والنسائي وابن

ماجة، من حديث ابن الزبير المكي عن عائشة وجابر أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أخّر طواف يوم النحر إلي الليل. وفي لفظ طواف الزيارة. قال الترمذي: حديث حسن.

وهذا الحديث غلط بيّن، خلاف المعلوم من فعله صلّي اللَّه عليه وسلّم الذي لا يشكّ فيه أهل العلم بحجّته صلّي اللَّه عليه وسلّم، ونحن نذكر كلام الناس فيه:

قال الترمذي في كتاب العلل له: سألت محمّد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث وقلت له: سمع ابن الزبير من عائشة وابن عبّاس؟ قال: أمّا من ابن عبّاس فنعم، وإنّ في سماعه من عائشة نظراً.

وقال أبوالحسن ابن القطّان: عندي أنّ هذا الحديث ليس بصحيح، إنّما طاف النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يومئذ نهاراً، وإنّما اختلفوا هل صلّي الظهر بمكّة أو رجع إلي مني فصلّي الظهر بعد أن فرغ من طوافه؛ فابن عمر يقول:

إنّه رجع إلي مني فصلّي الظهر بها، وجابر يقول: إنّه صلّي الظهر بمكّة، وهو ظاهر حديث عائشة من غير رواية أبي الزبير هذه التي فيها أنّه أخّر الطواف إلي الليل، وهذا شي ء لم يرو إلّامن هذه الطريق.

وأبو الزبير مدلّس ولم يذكر هاهنا سماعاً من عائشة، وقد عهد يروي عنها بواسطة، ولا أيضاً من ابن عبّاس فقد عهد كذلك يروي عنه بواسطة وإن استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 29

كان قد سمع منه، فيجب التوقّف فيما يرويه أبوالزبير عن عائشة وابن عبّاس ممّا لا يذكر فيه سماعاً منهما، لما عرف به من التدليس، ولو عرف سماعه منهما لغير هذا، فأمّا ولم يصحّ لنا أنّه سمع من عائشة فالأمر بيّن في وجوب التوقّف فيه، وإنّما تختلف العلماء في قبول حديث المدلّس إذا كان عمّن قد علم لقاؤه

له وسماعه منه، هاهنا يقول قوم يقبل ويقول آخرون يردّ ما يعنعنه عنهم حتّي يبيّن في حديث حديث، وأمّا ما يعنعنه المدلّس عمّن لم يعلم لقاؤه له ولا سماعه منه، فلا أعلم الخلاف فيه بأنّه لا يقبل، ولو كنّا نقول بقول مسلم أنّ معنعن المتعاصرين محمول علي الاتصال ولو لم يعلم التقاؤهما، فإنّما ذلك في غير المدلّسين.

وأيضاً، فما قدّمناه من صحّة طواف النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يومئذٍ نهاراً، والخلاف في ردّ حديث المدلّسين حتّي يعلم اتّصاله أو قبوله حتّي تعلم اتّصاله، إنّما هو إذا لم يعارضه ما لا شكّ في صحّته، وهذا فقد عارضه ما لا شكّ في صحّته. إنتهي كلامه.

ويدلّ علي غلطه علي عائشة: أنّ أبا سلمة بن عبدالرحمن روي عن عائشة أنّها قالت: حججنا مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فأفضنا يوم النحر.

وروي محمّد بن إسحاق عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عنها: أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أذن لأصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهيرة، وزار رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم مع نسائه ليلًا، وهذا غلط أيضاً. قال البيهقي:

وأصحّ هذه الروايات حديث نافع عن ابن عمر، وحديث جابر وحديث أبي سلمة عن عائشة، يعني أنّه طاف نهاراً.

قلت: وإنّما نشأ الغلط من تسمية الطواف، فإنّ النبي صلّي اللَّه عليه استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 30

وسلّم أخّر طواف الوداع إلي الليل، كما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة قالت: خرجنا مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فذكرت الحديث- إلي أن قالت- فنزلنا المحصّب، فدعا عبدالرحمن بن أبي بكر فقال: اخرج باختك من الحرم، ثمّ أفرغا من طوافكما ثمّ تأتياني هاهنا بالمحصّب. قالت: فقضي اللَّه العمرة وفرغنا من

طوافنا من جوف الليل فأتيناه بالمحصّب فقال: فرغتما؟ قلنا:

نعم. فأذن بالناس بالرحيل، فمرّ بالبيت فطاف به ثمّ ارتحل متوجّهاً إلي المدينة.

فهذا هو الطّواف الذي أخّره إلي الليل بلا ريب، فغلط أبوالزبير أو من حدّث به وقال طواف الزيارة، واللَّه الموفّق» «1» .

ومن ذلك: حديث جواز فسخ الحج بعمرة لخصوص أصحاب النبي صلّي اللَّه عليه وآله، وهذه عبارته:

«أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبدالعزيز- وهو الدراوردي- عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن، عن الحارث بن بلال، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول اللَّه فسخ الحج لنا خاصّةً أم للناس عامّة؟ قال: بل لنا خاصّةً» «2» .

فهذا الحديث باطل، ويخالفه ما أخرجه البخاري ومسلم، بل النسائي نفسه قال: «عن سراقة بن مالك بن جعشم أنّه قال: يا رسول اللَّه: أرأيت عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: للأبد» «3» .

وقد أطنب الكلام ابن القيّم في ردّ هذه الأحاديث، فقال بعد إبطال ما روي عن أبي ذر في تخصيص متعة الحجّ بالأصحاب: «وأمّا حديثه المرفوع،

__________________________________________________

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 2: 275- 276.

(2) سنن النسائي 2: 367/ 3790.

(3) سنن النسائي 2: 366/ 3788.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 31

حديث بلال بن الحارث، فحديث لا يثبت، ولا يعارض بمثله تلك الأساطين الثابتة.

قال عبداللَّه بن أحمد: كان أبي يري المهلّ بالحجّ أن يفسخ حجّه إذا طاف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة. وقال في المتعة: هو آخر الأمرين من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وقال صلّي اللَّه عليه وسلّم: إجعلوا حجّكم عمرة. قال عبداللَّه: فقلت لأبي: فحديث بلال بن الحارث في فسخ الحجّ، يعني قوله: لنا خاصّة؟ قال: لا أقول به، لا يعرف

هذا الرجل، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف، وليس حديث بلال بن الحارث عندي بثبت. هذا لفظه.

قلت: وممّا يدلّ علي صحّة قول الإمام أحمد، وأنّ هذا الحديث لا يصحّ: أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أخبر عن تلك المتعة التي أمرهم أن يفسخوا حجّهم إليها، أنّها للأبد، فكيف يثبت عنه بعد هذا أنّها لهم خاصّة، هذا من أمحل المحال، وكيف يأمرهم بالفسخ ويقول: دخلت العمرة في الحجّ إلي يوم القيامة، ثمّ يثبت عنه أنّ ذلك مختصّ بالصحابة دون من بعدهم.

فنحن نشهد باللَّه أنّ حديث بلال بن الحارث هذا، لا يصحّ عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وهو غلط عليه.

وكيف تقدّم رواية بلال بن الحارث علي روايات الثقات الأثبات حملة العلم، الذين رووا عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم خلاف روايته؟ ثمّ كيف يكون هذا ثابتاً عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وابن عبّاس يفتي بمخالفه ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاصّ والعام، وأصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم متوافرون، ولا يقول له رجل واحد منهم هذا كان مختصّاً بنا ليس لغيرنا، حتّي يظهر بعد موت الصحابة أنّ أباذر كان يروي ويروي استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 32

اختصاص ذلك لهم» «1» .

ومن ذلك: الحديث في ميقات أهل العراق، وقد أنكره أحمد بن حنبل، قال ولي الدين أبو زرعة في (شرح الأحكام الصغري):

«روي أبو داود والنسائي بإسناد صحيح- كما قال النووي- عن عائشة رضي اللَّه عنها: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وقّت لأهل العراق ذات عرق، وذكر ابن عدي عن يحيي بن محمّد بن صاعد: أنّ الإمام أحمد كان ينكر علي أفلح بن حميد هذا الحديث، قال

ابن عدي: قد حدّث عنه ثقات الناس وهو عندي صالح، وأحاديثه أرجو أنْ تكون مستقيمةً كلّها. وهذا الحديث تفرّد به معافي بن عمران عنه، وإنكار أحمد قوله: ولأهل العراق ذات عرق، ولم ينكر الباقي من إسناده» .

ومن ذلك: الحديث: «إنّ الشمس انخسفت، فصلّي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم ركعتين ركعتين حتّي انجلت، ثمّ قال: إنّ الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد، ولكنّهما خلقان من خلقه، وإنّ اللَّه يحدث في خلقه ما يشاء، وإنّ اللَّه عزّوجلّ إذا تجلّي لشي ء من خلقه يخشع له» «2» .

قال أبو حامد الغزالي: «فإن قيل: فقد روي في الحديث: ولكن اللَّه إذا تجلّي لشي ء خشع، فيدلّ علي أنّ الكسوف خشوع بسبب التجلّي.

قلنا: هذه الزيادة لم يصحّ نقلها، فيجب تكذيب ناقلها» «3» .

وأورد ابن القيّم كلامه مرتضياً له في كتاب (مفتاح السعادة).

__________________________________________________

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 2: 192- 193.

(2) سنن النسائي 1: 577.

(3) تهافت الفلاسفة: 42.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 35

سنن ابن ماجة … ص: 35

اشارة

هذا الكتاب الذي فضّله أبو زرعة الرازي علي كتاب مسلم وسائر جوامع الحديث، واستشهد صاحب (الإمتاع) بكلامه لترجيح هذا الكتاب علي كتاب مسلم كما سمعت سابقاً … وقال ابن خلكان بترجمة ابن ماجة:

«أبو عبداللَّه محمّد بن يزيد بن ماجة الربعي بالولاء، القزويني، المشهور، مصنّف كتاب السنن في الحديث، كان إماماً في الحديث، عارفاً بعلومه وجميع ما يتعلّق به، ارتحل إلي العراق والبصرة والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر والري لكتب الحديث، وله تفسير القرآن الكريم وتاريخ مليح، وكتابه في الحديث أحد الصحاح الستّة، وكانت ولادته سنة 209 وتوفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان سنة 273» «1» .

وقال الشيخ عبدالحق الدهلوي: «ابن ماجة-

هو أبو عبداللَّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني الربعي، مولاهم، أحد الأئمّة الحفّاظ، صاحب السنن ذوالتصانيف النافعة والرحلة الواسعة، سمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر والشام وغيرها من البلاد، سمع أصحاب مالك والليث، وروي عنه أبوالحسن القطان وطائفة، وكتابه أحد الكتب الإسلاميّة المشهورة بالاصول الستّة والكتب الستّة وبالصحاح الستّة، ثقة كبير … » «2» .

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 4: 279.

(2) رجال المشكاة/ تحصيل الكمال في أسماء الرجال- ترجمة ابن ماجة القزويني.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 36

الموضوعات في سنن ابن ماجة … ص: 36

ومع هذا كلّه، فقد نصّوا علي أنّ فيه أحاديث منكرة وموضوعة:

قال الصلاح الصفدي بترجمته: «قال الشيخ شمس الدين: إنّما نقص رتبة كتابه بروايته أحاديث منكرة فيه» «1» .

وقال الذهبي بترجمة داود بن المحبر بن قحدم، بعد حديث ستفتح مدينة يقال لها قزوين … «فلقد شان ابن ماجة سننه بإدخاله هذا الحديث الموضوع فيها» «2» .

وقال الدهلوي في (رجال المشكاة): «وروي في فضل قزوين حديثاً في سننه وطعنوا وعابوا عليه من هذه الجهة، لأنّه منكر بل موضوع، وجاءت في فضل قزوين أحاديث كلّها موضوعة عند المحدّثين، وضعها ميسرة أحد الوضّاعين» .

هذا، وقد أدرج ابن الجوزي في (الموضوعات) كثيراً من أحاديث (سنن ابن ماجة):

(منها): «حدّثنا محمّد بن عبدالملك بن أبي الشوارب، نا أبو عاصم العباداني نا الفضل الرقاشي، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبداللَّه- رضي اللَّه عنهما- قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: بينا أهل الجنّة في __________________________________________________

(1) الوافي بالوفيات 5: 220.

(2) ميزان الاعتدال 3: 33- 34/ 2649.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 37

نعيمهم، إذْ سطع لهم نور، فرفعوا رؤسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنّة،

قال: وذلك قول اللَّه تعالي: «سلام قولًا من ربّ رحيم» قال: فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلي شي ء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتّي يحتجب عنهم ويبقي نوره وبركته عليهم في ديارهم» «1» .

فهذا الحديث أورده ابن الجوزي في (الموضوعات) وذكر له السيوطي في (اللآلي المصنوعة) طريقاً آخر، فرواه عن غير الفضل الرقاشي، لكنّه غير صحيح كذلك، قال:

«ثنا أحمد بن محمّد بن عبدالخالق، ثنا الحسين بن علي الصدائي، ثنا عبداللَّه بن أبي بكر المقدمي، ثنا عبداللَّه بن عبيداللَّه القرشي، عن الفضل الرقاشي عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: بينا أهل الجنّة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور، فنظروا فإذا الربّ قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنّة، فذلك قوله «سلام قولًا من ربّ رحيم» قال: فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يزالون كذلك حتّي يحتجب فيبقي نوره وبركته عليهم وفي دارهم.

موضوع، الفضل رجل سوء. قال العقيلي: هذا الحديث لا يعرف إلّا بعبداللَّه بن عبيداللَّه، ولا يتابع عليه.

قلت: أخرجه ابن ماجة في سننه: ثنا محمّد بن عبدالملك بن أبي الشوارب، ثنا أبو عاصم العباداني- وهو عبداللَّه بن عبيداللَّه- ثنا الفضل الرقاشي به.

__________________________________________________

(1) سنن ابن ماجة 1: 116/ 184.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 38

وورد من حديث أبي هريرة، أخرجه ابن النجار في تاريخه قال: كتب إليّ أبو عبداللَّه محمّد بن حمد الأرتاحي: أنّ أباالحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء أخبره، أنا أبوالحسين نصر بن عبدالعزيز بن أحمد المقري الشيرازي، ثنا أبوالحسين محمّد بن يزيد القصري، ثنا أبوالقاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ثنا بكر بن سهل الدمياطي، ثنا

عمرو بن هاشم البيروتي، ثنا سليمان بن أبي كريمة، عن ابن جريج عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: بينا أهل الجنّة في مجلس لهم، إذ لمع لهم نور غلب علي نور الجنّة، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الربّ تبارك وتعالي قد أشرف عليهم، فقال سبحانه: سلوني. فقالوا: نسألك الرضي. فقال: رضاي أحلّكم داري وأنالكم كرامتي وهذا أوانها، فشكّوا فيقولون: نسألك الزيارة إليك، فيؤتون بنجائب من نور، تضع حوافرها عند منقمي طرفها وتقودهم الملائكة بأزمّتها، فتنتهي بهم إلي دار السرور، فينصبغون بنور الرحمن ويسمعون قوله مرحباً بأحبابي وأهل طاعتي، فرجعوا بالتحف إلي منازلهم، ثمّ تلا النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم هذه الآية «نزلًا من غفور رحيم» .

سليمان بن أبي كريمة، قال ابن عدي: عامّة أحاديثه مناكير، ولم أر للمتقدّمين فيه كلاماً، واللَّه أعلم» «1» .

أقول:

و «الفضل الرقاشي» - وإنْ أوجز ابن الجوزي الكلام فيه علي ما نقل عنه السيوطي- فيه طعن كثير، قال ابن حجر بترجمته:

«ق- الفضل بن عيسي بن أبان الرقاشي، أبو عيسي البصري الواعظ،

__________________________________________________

(1) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 2: 460.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 39

روي عن: عمّه يزيد بن أبان الرقاشي وعن أنس وأبي عثمان النهدي ومحمّد ابن المنكدر والحسن البصري وأبي الحكم البجلي. روي عنه: ابن أخيه المعتمر بن سليمان وأبو عاصم العباداني وأبو عاصم النبيل والحكم بن أبان العبدي وعلي بن عاصم الواسطي وآخرون.

قال سلّام بن أبي مطيع عن أيّوب: لو أنّ فضلًا ولد أخرس لكان خيراً له.

وقال عبداللَّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ضعيف.

وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: كان قاصاً وكان رجل سوء. قلت:

كيف حديثه؟

قال: لا تسأل عن القدري الخبيث.

وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: سئل عنه ابن عيينة. فقال: لا شي ء.

وقال أبو زرعة: منكر الحديث.

وقال أبو حاتم: منكر الحديث في حديثه بعض الوهن، ليس بقوي.

وقال الآجري: قلت لأبي داود: أكتب حديث الفضل الرقاشي قال: لا ولا كرامة. وقال مرّة: سَلْ مالكاً. وقال مرّة: حدّث حمّاد بن عدي، عن الفضل ابن عيسي وكان من أخبث الناس قولًا، وقال مرّة: حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن فضل الرقاشي، عن ابن المنكدر عن جابر رفعه:

ينادي رجل يوم القيامة: واعطشاه، الحديث. فقال أبو داود: هذا حديث نسبه فضل الرقاشي.

وقال النسائي: ضعيف، وقال في موضع آخر: ليس بثقة.

وقال ابن عدي: الضعف بيّن علي ما يرويه.

قلت: وقال البخاري في الأوسط عن ابن عيينة: كان يري ا لقدر وكان استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 40

أهلًا أن لا يُروي عنه.

وقال الساجي: كان ضعيف الحديث قدريّاً. قال: وسمعت ابن مثنّي يقول: كان يحيي وعبدالرحمن لا يحدّثان عنه، وكان يشبّهه بأبان بن أبي عيّاش وأمثاله.

وكذا رواه العقيلي في الضعفاء عن الساجي، ونقل كثيراً ممّا تقدّم.

وقال يعقوب بن سفيان: مفتر ضعيف الحديث.

وقال ابن حبّان في الثقات: الفضل بن عيسي روي عن أنس، إن كان هو الرقاشي فليس بفضل» «1» .

وقال الذهبي: «الفضل بن عيسي الرقاشي ابن أخي يزيد الرقاشي، يروي عن أنس وغيره، ضعّفوه، وهو بصري خال للمعتمر بن سليمان.

قال أحمد: ضعيف. وقال البخاري: يروي عن عمّه يزيد والحسن. قال ابن عيينة: كان يري القدر.

وقال سلّام بن أبي مطيع: لو أنّ فضلًا الرقاشي ولد أخرس كان خيراً له …

قال أحمد بن زهير: سألت ابن معين عن الفضل الرقاشي فقال: كان قاصّاً، رجل

سوء. قلت: فحديثه؟ قال: لا تسأل عن القدري الخبيث.

وقال أبو سلمة التبوذكي: لم يكن أحد ممّن يتكلّم في القدر أخبث قولًا من الفضل الرقاشي، وهو خال المعتمر» «2» .

وأيضاً قال: «الفضل بن عيسي بن أبان الرقاشي الواعظ، عن أنس وأبي __________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 8: 254- 255.

(2) ميزان الاعتدال 5: 431.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 41

عثمان النهدي، وعنه أبو عاصم وعلي بن عاصم وجمع. ساقط» «1» .

وأمّا «سليمان بن أبي كريمة» الراوي في الطريق الآخر، ففي (الميزان):

«سليمان بن أبي كريمة، شامي، عن هشام بن عروة … ضعّفه أبو حاتم، وقال ابن عدي: عامّة أحاديثه مناكير ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً» «2» .

(ومنها): «حدّثنا إسماعيل بن محمّد الطلحي، ثنا ثابت بن موسي أبو يزيد عن شريك عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» «3» .

قال السيوطي في (مصباح الزجاجة):

«قال العقيلي: هذا الحديث باطل ليس له أصل ولا يتابع ثابتاً عليه ثقة.

وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: هذا الحديث لا يعرف إلّا بثابت، وهو رجل صالح، وكان دخل علي شريك وهو يملي ويقول: ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي. فلمّا رأي ثابتاً قال: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار- وقصد به ثابتاً- فظنّ أنّه متن الإسناد، وسرقه منه جماعة ضعفاء. إنتهي.

وأخرج البيهقي في الشعب عن محمّد بن عبدالرحمن بن كامل بن الأصبغ قال: قلت لمحمّد بن نمير: ما تقول في ثابت بن موسي؟ قال: شيخ له فضل وإسلام ودين وصلاح وعبادة. قلت: ما تقول في هذا الحديث؟ قال:

غلط من الشيخ، وأمّا غير

ذلك فلا يتوهّم عليه.

__________________________________________________

(1) الكاشف 2: 369/ 4525.

(2) ميزان الاعتدال 3: 312/ 3505.

(3) سنن ابن ماجة 2: 144/ 1333.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 42

وقد تواردت أقوال الأئمّة أنّ هذا الحديث من الموضوع علي سبيل الغلط لا التعمّد، وخالفهم القضاعي في مسند الشهاب فمال إلي ثبوته، وقد سقت كلامه في اللآلي المصنوعة» .

فانظر إلي أيّ مرتبةٍ تنزل روايات سنن ابن ماجة؟! ومع ذلك يجعلون هذا الكتاب من الصحاح الستّة؟!

(ومنها): «حدّثنا عمرو بن رافع قال: نا علي بن عاصم، عن محمّد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود، عن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: من عزّي مصاباً فله مثل أجره» «1» .

وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وتكلّم فيه غيره. قال السيوطي:

«هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: تفرّد به علي ابن عاصم عن محمّد بن سوقة، وقد كذّبه شعبة ويزيد بن هارون ويحيي بن معين.

وقال الترمذي بعد إخراجه: يقال: أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم هذا الحديث، نقموه عليه.

وقال البيهقي: تفرّد به علي بن عاصم، وهو أحد ما أنكر عليه قال: وقد روي أيضاً عن غيره.

وقال الخطيب: هذا الحديث ممّا أنكره الناس علي علي بن عاصم، وكان أكثر كلامهم فيه بسببه» .

(ومنها): «حدّثنا أحمد بن يوسف قال: حدّثنا عبدالرزاق قال: أنا ابن جريج.

__________________________________________________

(1) سنن ابن ماجة 2: 284/ 1602.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 43

ح ونا أبو عبيدة بن أبي السفر قال: حدّثنا حجّاج بن محمّد قال قال ابن جريج: أخبرني إبراهيم بن محمّد بن أبي يحيي، عن موسي بن وردان، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: من مات مريضاً مات شهيداً

ووقّي فتنة القبر، وغدي وريح عليه برزقه من الجنّة» «1» .

قال السيوطي: «هذا الحديث رواه ابن الجوزي في الموضوعات، وأعلّه بإبراهيم بن محمّد بن أبي يحيي الأسلمي، فإنّه متروك.

قال: وقال أحمد بن حنبل: إنّما هو من مات مرابطاً.

وقال الدارقطني: ثنا ابن مخلد، ثنا أحمد بن علي الأبار، ثنا ابن أبي سكينة الحلبي سمعت إبراهيم بن أبي يحيي يقول: حدّثت ابن جريج بهذا الحديث: من مات مرابطاً، فروي عنّي: من مات مريضاً وما هكذا حدّثته … » .

وقال بعد أن رواه من طريق عبدالرزاق: «لا يصحّ، ومداره علي إبراهيم ابن محمّد بن أبي يحيي … » «2» .

(ومنها): «حدّثنا الحسن بن علي الخلال، ثنا بشر بن ثابت البزار، نا نصر بن القاسم، عن عبدالرحيم بن داود، عن صالح بن صهيب عن أبيه قال:

قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: ثلاث فيهنّ البركة: البيع إلي أجل والمقارضة وإخلاص البر بالشعير للبيت لا للبيع» «3» .

قال ابن الجوزي: موضوع … قال السيوطي: «قلت: أخرجه ابن ماجة في سننه من طريق عبدالرحمن وقال الذهبي: إنّه حديث واه» «4» .

__________________________________________________

(1) سنن ابن ماجة 2: 291/ 1615.

(2) اللآلي المصنوعة 2: 413.

(3) سنن ابن ماجة 3: 88/ 2289.

(4) اللآلي المصنوعة 2: 152.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 44

(ومنها): «حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن سمرة، حدّثني محمّد بن يعلي السلمي، ثنا عمر بن صبح، عن عبدالرحمن بن عمرو، عن مكحول عن ابي ابن كعب قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: لرباط يوم في اللَّه من وراء عورة المسلمين محتسباً من غير شهر رمضان، أعظم من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها، ورباط يوم في سبيل اللَّه من وراء عورة المسلمين

محتسباً من شهر رمضان، أفضل عند اللَّه وأعظم أجراً. أراه قال: من عبادة ألف سنة … » «1» .

قال السيوطي: «قال الحافظ زكي الدين المنذري في الترغيب: آثار الوضع لائحة علي هذا الحديث، ولا عجب وراويه عمر بن صبح.

وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير في جامع المسانيد: خلق بهذا الحديث أن يكون موضوعاً، لما فيه من المجازفة، ولأنّ راويه عمر بن صبح أحد الكذّابين المعروفين بوضع الحديث» .

(ومنها): «حدّثنا إسماعيل بن أسد، ثنا داود بن المحبر، أنا الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: ستفتح عليكم الآفاق، وستفتح عليكم مدينة يقال لها قزوين، من رابط فيها أربعين يوماً … » «2» .

قال السيوطي: «والحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق ابن ماجة وقال: موضوع، داود وضّاع، وهو المتّهم به. والربيع ضعيف، ويزيد متروك.

وقال المزّي في التهذيب: هو حديث منكر لا يعرف إلّامن رواية داود» .

__________________________________________________

(1) سنن ابن ماجة 3: 348/ 2768.

(2) سنن ابن ماجة 3: 354/ 2780.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 45

(ومنها): «حدّثنا هشام بن عمّار، نا عبدالملك بن محمّد الصنعاني، نا أبو سلمة العاملي، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال لأكثم بن الجون الخزاعي: يا أكثم، اغز مع غير قومك، يحسن خلقك وتكرم علي رفقائك، يا أكثم، خير الرفقاء أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلّة» «1» .

قال السيوطي: «قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: العاملي متروك والحديث باطل» .

وقال الذهبي: «الحكم بن عبداللَّه بن خطّاف أبو سلمة. قال أبو حاتم:

كذّاب، وقال الدارقطني: كان يضع الحديث. روي عن الزهري عن ابن المسيّب نسخةً نحو خمسين حديثاً لا أصل لها، وقال ابن معين وغيره: ليس بثقة» «2» .

(ومنها): «حدّثنا عبدالوهّاب بن الضحاك، نا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ اللَّه اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنّة يوم القيامة تجاهين، والعباس بيننا مؤمن بين خليلين» «3» .

وهذا الحديث قلبه الوضّاعون من أميرالمؤمنين إلي العبّاس، وقد حكم الحفاظ بوضعه:

قال السيوطي- نقلًا عن ابن الجوزي-: «موضوع.

__________________________________________________

(1) سنن ابن ماجة 3: 377/ 2827.

(2) ميزان الاعتدال 2: 337/ 2182.

(3) سنن ابن ماجة 1: 97/ 141.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 46

قال العقيلي: عبدالوهّاب متروك الحديث، وليس لهذا الحديث أصل عن ثقة ولا يتابعه إلّامن هو دونه أو مثله.

وقال ابن عدي: هذا الحديث يعرف بعبدالوهّاب وسرقه منه الباهلي، وكان يسرق الحديث ويحدّث عن الثقات بالأباطيل» «1» .

وقد ترجم ابن حجر «عبدالوهّاب» هذا فقال:

«قال البخاري: عنده عجائب.

وقال أبو داود: كان يضع الحديث قد رأيته.

وقال النسائي: ليس بثقة، متروك.

وقال العقيلي والدارقطني والبيهقي: متروك.

وقال صالح بن محمّد الحافظ: منكر الحديث، عامة حديثه كذب.

وقال ابن أبي حاتم: سمع منه ابن أبي سلمة وترك حديثه والرواية عنه.

وقال محمّد بن عون: قيل لي إنّه كان يأخذ فوائد ابن اليمان يحدّث بها عن إسماعيل بن عيّاش، وحدّث بأحاديث كثيرة موضوعة. قال: فرحت إليه فقلت: ألا تخاف اللَّه تعالي، فضمن لي أن لا يُحدّث بها، فحدّث بها بعد ذلك.

وقال ابن عدي: وأظنّ قال عبدان كان البغداديّون يلعنونه فمنعتهم.

قلت: وقال الدارقطني في موضع آخر: له عن إسماعيل بن عيّاش وغيره مقلوبات وبواطيل.

وقال

الآجري: عن أبي داود غير ثقة ولا مأمون.

وقال ابن حبّان: كان يسرق الحديث لا يحلّ الإحتجاج به.

__________________________________________________

(1) اللآلي المصنوعة 1: 430.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 47

وقال الحاكم: روي أحاديث موضوعة» «1» .

وقال الذهبي: «ق- عبدالوهاب بن الضحاك الحمصي العرضي عن إسماعيل بن عيّاش وبقيّة.

كذّبه أبو حاتم.

وقال النسائي وغيره: متروك.

وقال الدارقطني: منكر الحديث.

وقال البخاري: عنده عجائب ثمّ قال: حدّثني عبداللَّه، ثنا عبدالوهّاب بن الضحّاك، ثنا ابن عيّاش، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قال لنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: ويحك، فجزعت منها، فقال يا حميراء: لا تجزعي منها، فإن وَيْسَك وويحك رحمة، لكن اجزعي من الويل.

ثمّ قال البخاري: يوسف بن موسي، ثنا عبدالوهّاب، ثنا إسماعيل بن عيّاش عن صفوان بن عمرو عن عبداللَّه بن بُسَر عن أبي امامة مرفوعاً: حبّبوا اللَّه إلي الناس يحبّكم اللَّه. ومن بلاياه روايته عن إسماعيل، عن صفوان بن عمرو، عن عبدالرحمن بن جبير، عن كثير بن مرّة، عن عبداللَّه بن عمرو حديث: إنّ اللَّه اتّخذني خليلًا، ومنزلي ومنزل إبراهيم في الجنّة تجاهين والعبّاس بيننا مؤمن بين خليلين.

وقال ابن حبّان: يكني أبا الحرث السلمي، كان ممّن يسرق الحديث.

حدّثنا عنه جماعة. ثمّ ذكر ابن حبّان أنّ الحديث المذكور حدّثه عنه به عمر بن سنان وأبو عروبة وغيرهما» «2» .

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 6: 393- 394/ 829.

(2) ميزان الاعتدال 4: 433/ 5321.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 48

وقال أيضاً: «عبدالوهّاب بن الضحاك السلمي العرضي ثمّ الحمصي نزيل سلمية. عن: عبدالعزيز أبي حازم وإسماعيل بن عيّاش. وعنه: ق والحسن بن سفيان وأبو عروبة قال: ويضع الحديث، مات 245» «1» .

ثمّ إنّ السيوطي قد ذكر الحديث الحقّ الوارد في الباب، وذلك أنّه

قال بعد الكلمات المتقدمة في حديث عبدالوهاب: «وله طريق آخر: قال الحاكم … » وهذا نصّ عبارته كاملةً:

«العقيلي: ثنا أحمد بن داود القومسي، ثنا عبدالوهّاب بن الضحّاك، ثنا إسماعيل بن عيّاش، عن صفوان بن عمرو، عن عبدالرحمن بن جبير، عن كثير بن مرّة عن عبداللَّه بن عمرو قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ اللَّه عزّ وجلّ اتّخذني خليلًا كما اتّخذ إبراهيم خليلًا، ومنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنّة تجاهين والعبّاس بيننا مؤمن بين خليلين.

ابن عدي: ثنا محمّد بن عبدة بن حرب، ثنا أحمد بن معاوية الباهلي، ثنا إسماعيل بن عيّاش به. موضوع.

قال العقيلي: عبدالوهّاب متروك الحديث وليس لهذا الحديث أصل عن ثقة، ولا يتابعه إلّامن هو دونه أو مثله.

وقال ابن عدي: هذا الحديث يعرف بعبدالوهّاب، وسرقه منه الباهلي، وكان يسرق الحديث ويحدّث عن الثقات بالأباطيل.

قلت: أخرجه ابن ماجة: ثنا عبدالوهّاب به.

وله طريق آخر: قال الحاكم في تاريخه: ثنا أبو حبيب المصاحفي، ثنا أبي، ثنا أحمد بن أبي الوجيه الجوزجاني، ثنا أبو معقل يزيد بن معقل عن __________________________________________________

(1) الكاشف 2: 213/ 3552.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 49

موسي بن عقبة عن سالم عن حذيفة قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم:

إنّ اللَّه اتّخذني خليلًا كما اتّخذ إبراهيم خليلًا، فقصري في الجنّة وقصر إبراهيم في الجنّة متقابلان، وقصر عليّ بين قصري وقصر إبراهيم، فياله من حبيب بين خليلين» «1» .

فهذا هو الحديث الصحيح الحق، وقوله «وله طريق آخر … » غلط واضح.

وقد أخرج حديث حذيفة سائر الحفّاظ أيضاً، قال المحبّ الطبري- في فضائل علي عليه السلام-: «ذكر قصره وقبّته في الجنّة: عن حذيفة قال: قال رسول اللَّه صلّي

اللَّه عليه وسلّم: إنّ اللَّه اتّخذني خليلًا، وإنّ قصري في الجنّة وقصر إبراهيم في الجنّة متقابلان، وقصر علي بن أبي طالب بين قصري وقصر إبراهيم، فياله من حبيب بين خليلين. أخرجه أبوالخير الحاكمي» «2» .

(ومنها): «حدّثنا إسماعيل بن محمّد الطلحي، أنا داود بن عطا المديني، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن ابي بن كعب قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: أوّل من يصافحه الحق عمر، وأوّل من يسلّم عليه، وأوّل من يأخذ بيده فيدخله الجنّة» «3» .

قال السيوطي: «قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في جامع المسانيد:

هذا الحديث منكر جدّاً، وما أبعد أن يكون موضوعاً، والآفة فيه داود بن عطا» .

__________________________________________________

(1) اللآلي المصنوعة 1: 43 ورواه عن الحاكم بالإسناد والمتن الحافظ أبو الخير أحمد بن إسماعيل الحاكمي الطالقاني القزويني، المتوفي سنة 590 في كتاب (الأربعين المنتقي من مناقب علي المرتضي) الباب 30، الحديث 37.

(2) الرياض النضرة 3: 185.

(3) سنن ابن ماجة 1: 82/ 104.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 50

وقال الذهبي بترجمة داود هذا: «داود بن عطا المدني، أبو سليمان، من موالي الزبير، ويقال فيه: داود بن أبي عطا، عن زيد بن أسلم وصالح بن كيسان، وعنه: الأوزاعي شيخه وإبراهيم بن المنذر وعبداللَّه بن محمّد الآذري.

قال أحمد: ليس بشي ء، قد رأيته. وقال البخاري: منكر الحديث.

قال ابن أبي عاصم في كتاب السنّة: ثنا إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل ابن محمّد بن يحيي بن زكريّا بن طلحة بن عبيداللَّه، ثنا داود بن عطا عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن ابي بن كعب قال: قال رسول اللَّه: أوّل من يصافحه الحقّ عمر

وأوّل من يأخذه بيد فيدخله الجنّة. هذا منكر جدّاً» «1» .

(ومنها): «حدّثنا يونس بن عبدالأعلي، ثنا محمّد بن إدريس الشافعي حدّثني محمّد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس ابن مالك قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: لا يزداد الأمر إلّاشدّة، ولا الدنيا إلّاإدباراً، ولا الناس إلّا شحّاً، ولا تقوم الساعة إلّاعلي شرار الناس، ولا مهدي إلّاعيسي بن مريم» «2» .

قال السيوطي: «هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: إنّه يعدّ في أفراد الشافعي.

وقال الذهبي في الميزان: هذا خبر منكر تفرّد به يونس بن عبدالأعلي عن الشافعي.

ووقع في جزء من حديث يونس بن عبدالأعلي قال: حُدِّثت عن __________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3: 19/ 2634.

(2) سنن ابن ماجة 4: 420/ 4039.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 51

الشافعي، فهو علي هذا منقطع، علي أنّ جماعة رووه عن يونس قال: حدّثنا الشافعي، والصحيح أنّه لم يسمعه منه.

ومحمّد بن خالد، قال الأزدي: منكر الحديث. وقال الحاكم: مجهول، وكذا قال ابن الصلاح في أماليه، وقد وثّقه يحيي بن معين، وروي عنه ثلاثة رجال سوي الشافعي، وأبان بن صالح صدوق ما علمت به بأساً، لكن قيل إنّه لم يسمع من الحسن، ذكره ابن الصلاح.

وللحديث علّة اخري: قال البيهقي: أنا الحاكم، ثنا عبدالرحمن بن عبداللَّه بن يزداذ المذكور في كتابه، ثنا عبدالرحمن بن أحمد بن محمّد بن الحجّاج بن رشدين، حدّثنا المفضّل بن محمّد الجندي، ثنا صامت بن معاذ قال: عدلت إلي الجند، فدخلت علي محدّث لهم، فوجدت عنده، عن محمّد ابن خالد الجندي، عن أبان بن أبي عيّاش، عن الحسن، عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم. قال الذهبي: فانكشف ووهي.

وقال الحافظ جمال الدين المزي في

التهذيب: قال أبوبكر ابن زياد:

هذا حديث غريب. وقال أبوالحسن محمّد بن حسين الآبري الحافظ في مناقب الشافعي: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفي صلّي اللَّه عليه وسلّم في المهدي، وأنّه من أهل البيت، وأنّه يملك سبع سنين، ويملأ الأرض عدلًا، وأنّه يخرج مع عيسي بن مريم فيساعده علي قتل الدجّال بباب اللّد بأرض فلسطين، وأنّه يؤمّ هذه الامّة وعيسي عليه السلام يصلّي خلفه في طول قصّته وأمره.

ومحمّد بن خالد الجندي وإن كان يذكر عن يحيي بن معين أنّه وثّقه، فإنّه غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل. وقال البيهقي: هذا

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 52

حديث تفرّد به محمّد بن خالد الجندي، قال أبو عبداللَّه الحافظ: وهو رجل مجهول واختلفوا عليه في إسناده: فرواه صامت بن معاذ، ثنا يحيي ابن السكن، ثنا محمّد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن عن النبي. قال صامت بن معاذ: عدلت إلي الجند، فدخلت علي محدّث لهم، وطلبت هذا الحديث فوجدته عنده عن محمّد بن خالد الجندي، عن أبان بن أبي عيّاش، عن الحسن، عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم.

قال البيهقي: فرجع الحديث إلي رواية محمّد بن خالد الجندي، وهو مجهول، عن أبان بن أبي عياش وهو متروك، عن الحسن، عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم … » «1» .

(ومنها): «حدّثنا الحسن بن علي الخلال، ثنا عون بن عمارة، ثنا عبداللَّه ابن المثني بن ثمامة بن أنس بن مالك، عن أبيه، عن جدّه عن أنس بن مالك، عن أبي قتادة قال: قال رسول اللَّه: الآيات بعد المائتين» «2» .

وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات «3» .

وقال القرطبي في (التذكرة في أحوال

الموتي وامور الآخرة): «وفي عموم إنذار النبي بفساد الزمان وتغيير الدين وذهاب الأمانة ما يغني عن ذكر التفاصيل الباطلة والأحاديث الكاذبة في أشراط الساعة، من ذلك: حديث رووه عن قتادة عن أنس بن مالك عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: أنّ في سنة مائتين يكون كذا وكذا، وفي العشر والمائتين يكون كذا وكذا، وفي العشر

__________________________________________________

(1) راجع: تهذيب الكمال 25: 147- 150.

(2) سنن ابن ماجة 4: 431/ 4057.

(3) كتاب الموضوعات 3: 198.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 53

والمائتين كذا، وفي العشرين كذا، وفي الثلاثين كذا، وفي الأربعين كذا، وفي الخمسين كذا، وفي الستين والمائتين تعتكف الشمس ساعة فيموت نصف الجنّ والإنس، فهل كان هكذا وقد مضت هذه المدّة، وهذا شي ء يعمّ، وسائر الامور التي ذكرت قد تكون في بلدة وتخلو منه اخري، فهذا عكوف الشمس لا يخلو منه أحد في شرق ولا في غرب، فإن كان المائتان من الهجرة فقد مضت وإن كانت من موت النبيّ فقد مضت، وأيضاً دلالة اخري علي أنّه مفتعل: أنّ التاريخ لم يكن علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وإنّما وضعوه علي عهد عمر، فكيف يجوز هذا علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أن يقال في سنة مائتين وفي سنة عشرين ومائتين ولم يكن وضع شي ء من التاريخ» «1» .

وقال الحكيم الترمذي في (نوادر الاصول): «ومن الحديث الذي تنكره القلوب: حديث رووه عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: أنّ في سنة مائتين يكون كذا وكذا، وفي العشر والمائتين كذا، وفي العشرين كذا، وفي الثلاثين كذا، وفي الخمسين كذا، وفي الستين والمائتين تعتكف الشمس ساعة فيموت نصف الجنّ والإنس،

فهل كان كذا وكذا وقد مضت هذه المدّة وهذا شي ء يعمّ، وسائر الامور التي ذكرت قد تكون في بلدة وتخلو منها اخري، فهذا عكوف الشمس لا يخلو منها أحد في شرق وغرب، فإن كان المائتان من الهجرة فقد مضت، وإن كانت من موت الرسول فقد مضت، وأيضاً دلالة اخري علي أنّه مفتعل: أنّ التاريخ لم يكن علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وإنّما وضعوه علي عهد عمر، فكيف __________________________________________________

(1) التذكرة في امور الآخرة: 712.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 54

يجوز هذا علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أن يقال في سنة مائتين وسنة عشر ومائتين، ولم يكن وضع شي ء من التاريخ؟» «1» .

هذا … ولا يخفي أنّ اعتمادنا هنا علي أقوال ابن الجوزي إنّما هو بالنظر إلي استناد العلماء إلي أقواله وآرائه في الأحاديث والرجال، كاحتجاج الدهلوي في (التحفة) برأيه في ردّ حديث «أنا مدينة وعلي بابها» وغيره من مناقب الأئمّة الطاهرين من أهل بيت سيّد المرسلين، وكاحتجاج ابن روزبهان بكلماته في مواضع من ردّه علي العلّامة الحلّي، وكاحتجاج ابن تيميّة واستناده إلي ابن الجوزي في كتابه (منهاج السنّة) وهكذا …

فإنْ كان الإحتجاج بأقوال ابن الجوزي غير صحيح، فكلّ احتجاجات القوم بأقواله غير صحيحة … وهذا ما ينفعنا ولا يضرّنا ألبتّة …

أمّا نحن فغير ملزمين بأقواله وآرائه، لكونه غير معتمَد عندنا، وأقواله ليست بحجّةٍ علينا، حتّي لو كان مقبولًا عندهم جميعاً، فكيف وقد تكلّم جماعة منهم علي كتبه وآرائه في موارد كثيرة؟

__________________________________________________

(1) لم نجده في كتاب (نوادر الاصول) وكأنّه قد اسقط منه لكونه ممّا «تنكره القلوب» كما قال.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 55

تذييلات … ص: 55

اشارة

* الكبار الكذّابون * الكذّابون

في الصحاح الستّة

* من تحريفات الصحابة للأحاديث النبويّة

* من تصحيفات النسّاخ للأحاديث النبويّة وغيرها

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 59

1) الكبار الكذّابون … ص: 59

وقد اتّهم كثير من كبار القوم وأئمّتهم في الفقه والحديث وغير ذلك بالكذب … في الكتب الرجاليّة …

نكتفي بذكر عدّةٍ منهم،:

1- أبو مطيع البلخي الفقيه الكبير، صاحب أبي حنيفة. قال الذهبي بترجمته:

«الحكم بن عبداللَّه، أبو مطيع البلخي، الفقيه، صاحب أبي حنيفة … تفقّه به أهل تلك الدّيار، وكان بصيراً بالرأي، علّامةً، كبير الشأن، ولكنّه واهٍ في ضبط الأثر، وكان ابن المبارك يعظّمه ويُجلّه لدينه وعلمه … » «1» .

ومع هذا … فقد تكلَّم فيه الأئمّة، وضعّفوه، وتركوا حديثه، حتّي

قال أبو حاتم: مرجئ كذّاب.

وقال الجوزقاني: كان يضع الحديث «2» .

وقال ابن الجوزي- بعد حديثٍ في أنّ الإيمان يزيد وينقص:

«هذا حديث موضوع بلا شك، وهو من وضع أبي مطيع، واسمه الحكم ابن عبداللَّه، قال أحمد بن حنبل: لا ينبغي أن يروي عنه شي ء. وقال يحيي:

__________________________________________________

(1) ميزان الإعتدال 1: 574.

(2) تنزيه الشريعة الغرّاء 1: 54.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 60

ليس بشي ء. وقال أبو حاتم الرازي: كان أبو مطيع مرجئاً كاذباً» «1» .

وقال الذهبي: «قال ابن معين: ليس بشي ء. وقال مرّةً: ضعيف.

وقال البخاري: ضعيف صاحب رأي.

وقال النسائي: ضعيف.

وقال ابن الجوزي، في الضعفاء: الحكم بن عبداللَّه بن سلمة، أبو مطيع الخراساني القاضي، يروي عن إبراهيم بن طهمان وأبي حنيفة ومالك.

وقال أحمد: لا ينبغي أن يروي عنه شي ء، قال: وتركوا حديثه وكان جهميّاً.

وقال ابن عدي: هو بيّن الضعف، عامّة ما يرويه لا يتابع عليه.

وقال ابن حبّان: كان من رؤساء المرجئة ممّن يبغض السنن وينتحلها.

وقال العقيلي: حدّثنا عبداللَّه بن أحمد: سألت

أبي عن أبي مطيع البلخي فقال: لا ينبغي أن يروي عنه، حكوا عنه أنّه يقول: الجنّة والنار خلقتا فسيفنيان، وهذا كلام جهم» «2» .

2- ثوبان بن إبراهيم وهو- كما قال الجوزقاني- ذوالنون المصري من كبار الأولياء العظام الذين يعتقدون ويقتدون بهم، وقد ترجم له في غير واحدٍ من كتب التراجم:

قال ابن خلّكان: «كان أوحد وقته علماً وورعاً وحالًا وأدباً، وهو معدود في جملة من روي الموطّأ عن الإمام مالك رضي اللَّه عنه … » ثم ذكي له مناقب __________________________________________________

(1) كتاب الموضوعات 1: 130.

(2) ميزان الاعتدال 2: 339.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 61

قال: «ومحاسن الشيخ ذي النون كثيرة» «1» .

لكن في (تنزيه الشريعة الغرّاء): «ثوبان بن إبراهيم المصري. اتّهمه ابن الجوزي بالوضع، وهو ذوالنون المصري، الصوفي المشهور كما قاله الجوزقاني.

قال الحافظ ابن حجر: ورأيت علي هامش كتاب الجوزقاني: الصواب ثوبان أخو ذي النون» «2» .

3- أحمد بن صالح المصري من كبار الحفّاظ وأعلام الحديث، وثّقه البخاري وغيره ووصفوه بأعظم الصفات ولقّبوه بأعلي الألقاب «3» ، ومع ذلك، فقد كذّبه بعض الأئمّة وتكلّم فيه آخر، وهذه عبارة الذهبي المشتملة علي ذلك كلّه:

«أحمد بن صالح، أبو جعفر، المصري، الحافظ الثبت، أحد الأعلام، آذي النسائي نفسه بكلامٍ فيه. ولد سنة 170 وحدّث عن ابن عيينة وابن وهب وخلق، وآخر من حدّث عنه ابن أبي داود.

قال ابن نمير: قال أبو نعيم: ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتي، يريد أحمد بن صالح.

وقال أبو زرعة الدمشقي: سألني أحمد بن حنبل: من خلَّفت بمصر؟

فقلت: أحمد بن صالح. فسرَّ بذكره ودعا له.

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 1: 280 رقم 126.

(2) تنزيه الشريعة الغرّاء 1: 43.

(3) انظر:

سير أعلام النبلاء 12: 160/ 59.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 62

وقال الفسوي: كتبت عن ألف شيخ، وكثيرٌ مّا أحد منهم أتّخذه عند اللَّه حجّة، إلّاأحمد بن صالح وأحمد بن حنبل.

وقال البخاري: أحمد بن صالح ثقة، ما رأيت أحداً يتكلّم فيه بحجّة.

وقال ابن وارة: أحمد بن صالح بمصر، وأحمد بن حنبل ببغداد، ومحمّد بن عبداللَّه بن نمير بالكوفة، والنفيلي بحرّان، هؤلاء أركان الدين.

وقال أبو حاتم والعجلي وجماعة: ثقة.

وقال أبو داود: كان يقوّم كلّ لحنٍ في الحديث.

وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون.

وقال أبو سعيد ابن يونس: لم يكن عندنا- بحمد اللَّه- كما قال النسائي، لم يكن له آفة غير الكبر.

وقال النسائي أيضاً: تركه محمّد بن يحيي.

ورماه يحيي بن معين بالكذب.

وقال ابن عدي: كان النسائي سيّئ الرأي فيه وأنكر عليه أحاديث، فسمعت محمّد بن هارون البرقي يقول: هذا الخراساني يتكلّم في أحمد بن صالح! لقد حضر مجلس أحمد بن حنبل فطرده من مجلسه، فحمله ذلك علي أنْ يتكلّم فيه … ولولا أنّي شرطت أنْ أذكر في كتابي كلَّ من تُكلّم فيه لكنت اجلّ أحمد بن صالح أنْ أذكره.

وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: أحمد بن صالح كذّاب» «1» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 241/ 405.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 63

4- محمّد بن عمر الواقدي من أعلام القوم في الحديث والمغازي، حتّي وصفه بعضهم بأميرالمؤمنين في الحديث! قال الذهبي:

«قال محمّد بن سلام الجمحي: هو عالم دهره.

وقال إبراهيم الحربي: الواقدي أمين الناس علي الإسلام، وكان أعلم الناس بأمر الإسلام، فأمّا الجاهليّة فلم يعلم فيها شيئاً.

وقال مصعب الزبيري: واللَّه ما رأينا مثل الواقدي قط.

وعن الدراوردي قال: الواقدي أميرالمؤمنين في الحديث.

وقال ابن سعد: قال الواقدي: ما

من أحدٍ إلّاوكتبه أكثر من حفظه، وحفظي أكثر من كتبي.

وقال يعقوب بن شيبة: لمّا تحوّل الواقدي من الجانب الغربي يقال إنّه حمل كتبه علي عشرين ومائة وقر، وقيل: كان له ستمائة قمطر كتب.

وقد وثّقه جماعة، فقال محمّد بن إسحاق الصنعاني: واللَّه لولا أنّه عندي ثقة ما حدّثت عنه.

وقال مصعب: ثقة مأمون.

وسئل معن القزاز عنه فقال: أنا اسأل عن الواقدي!

وقال جابر بن كردي: سمعت يزيد بن هارون يقول: الواقدي ثقة.

وكذا وثّقه أبو عبيد.

وقال إبراهيم الحربي: من قال إنّ مسائل مالك وابن أبي ذئب تؤخذ عن أصدق من الواقدي فلا يصدّق.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 64

قال الخطيب في تاريخه: قدم الواقدي بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي منها. قال: وهو ممّن طبّق الأرض شرقها وغربها ذكره، ولم يخف علي أحدٍ عرف أخبار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي والأحداث الكائنة في وقته وبعد وفاته، وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك … وكان جواداً مشهوراً بالسخاء» .

«قال مجاهد بن موسي: ما كتبت عن أحد أحفظ من الواقدي.

قلت: صدق. كان إلي حفظه المنتهي في السير والأخبار والمغازي والحوادث وأيّام الناس والفقه وغير ذلك» «1» .

هذا، وقد جعل بعض المتكلّمين عدم رواية الواقدي حديث الغدير من أدلّة ضعف هذا الحديث واستندوا إلي ذلك في مقام الجواب عن استدلال الإماميّة به، كما في شرح المقاصد للتفتازاني وغيره.

ومع ذلك كلّه، فقد طعن في الرجل جماعة من الأئمّة، حتّي رماه بعضهم بوضع الحديث، فقد قال الخوارزمي في (جامع مسانيد أبي حنيفة) بعد حديث أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله أعطي المقداد سهمين:

«فقد ذكره الواقدي كذلك في المغازي، وقد

طعنوا فيه:

فقال يحيي بن معين: وضع الواقدي علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم عشرين ألف حديث.

وقال أحمد بن حنبل: الواقدي يركّب الأسانيد.

وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 6: 273/ 7999.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 65

وقال الشافعي: كتب الواقدي كذب … » .

وفي (ميزان الاعتدال): «قال أبو غالب ابن بنت معاوية بن عمرو:

سمعت ابن المديني يقول: الواقدي يضع الحديث» .

«قال ابن راهويه: هو عندي ممّن يضع الحديث» «1» .

5- محمّد بن إسحاق صاحب السيرة

الذي أثني عليه الأئمّة كالزهري والشافعي وغيرهما، ولقّبه بعضهم بأميرالمؤمنين في الحديث … «2» :

«قال سليمان التيمي: كذّاب.

وقال وهيب: سمعت هشام بن عروة يقول: كذّاب.

وقال وهيب: سألت مالكاً عن ابن إسحاق فاتّهمه.

وقال عبدالرحمن بن مهدي: كان يحيي بن سعيد الأنصاري ومالك يجرحان ابن إسحاق.

وقال يحيي بن آدم: ثنا ابن إدريس قال: كنت عند مالك فقيل له: إنّ ابن إسحاق يقول: أعرضوا عليَّ علم مالك فإنّي بيطاره. فقال مالك: انظروا إلي دجّالٍ من الدجاجلة» «3» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 6: 273/ 7999.

(2) سير أعلام النبلاء 7: 33.

(3) ميزان الاعتدال 6: 57/ 7203.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 66

6- نعيم بن حمّاد

أثني عليه أكابر الأئمّة الثناء الجميل، وهو من رجال البخاري وأبي داود والترمذي وابن ماجة «1» .

لكنّه رمي بالوضع علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم والكذب علي أبي حنيفة:

قال الذهبي: «قال الأزدي: كان نعيم يضع الحديث في تقوية السنّة وحكايات مزوّرة في ثلب النعمان كلّها كذب» «2» .

وفي (حاشية الكاشف): «قال ابن عدي: كان يضع الحديث في تقوية السنّة، وحكايات عن العلماء في ثلب أبي حنيفة كلّها كذب. وقال ابن عدي:

وقال هذا ابن حمّاد أبو بشر محمّد بن أحمد الدولابي.

وقال ابن يونس: روي أحاديث مناكير عن الثقات.

وذكره ابن حبّان في الثقات وقال: ربّما أخطأ ووهم.

ونسبه جماعة إلي الوضع» .

7- محمّد بن عثمان بن أبي شيبة

الحافظ الجليل والمحدّث الكبير، كما بتراجمه، ففي (الأنساب) مثلًا:

«أبو جعفر، محمّد بن عثمان بن محمّد بن أبي شيبة إبراهيم ابن العبسي مولاهم، من أهل الكوفة، سكن بغداد، كان كثير الحديث، واسع الرواية، ذا

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 10: 595.

(2) ميزان الاعتدال 7: 44/ 9109.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 67

مروّة وفهم وإدراك، وله تاريخ كبير في معرفة الرّجال …

روي عنه: أبوبكر محمّد بن محمّد ابن الباغندي، ويحيي بن محمّد بن صاعد، والقاضي المحاملي، ومحمّد بن مخلد، وأبو عمرو ابن السماك، وأبوبكر الشافعي، وأبو علي الصواف، وغيرهم.

وثّقه صالح جزرة الحافظ» «1» .

وإليك الكلمات في ذم هذا الحافظ العظيم!:

«وأمّا عبداللَّه بن أحمد بن حنبل فقال: كذّاب.

وقال ابن خراش: كان يضع الحديث.

قال ابن عقدة: سمعت عبداللَّه بن اسامة الكلبي وإبراهيم بن إسحاق الصوّاف وداود بن يحيي يقولون: محمّد بن عثمان كذّاب. زادنا داود: قد وضع أشياء علي قومٍ ما حدّثوا بها قط.

ثمّ حكي ابن عقدة نحو هذا عن طائفةٍ في حقّ محمّد» «2» .

8- الزبير بن بكّار

الإمام في الأنساب … قال الخطيب بترجمته:

«الزبير بن بكّار بن عبداللَّه بن مصعب بن ثابت بن عبداللَّه بن الزبير بن العوام، المديني، العلّامة، كان ثقةً عالماً بالنسب، عارفاً بأخبار المتقدّمين ومآثر الماضين. قال جحظة: كنت بحضرة الأمير محمّد بن عبداللَّه بن طاهر

__________________________________________________

(1) الأنساب 4: 141، وانظر: سير أعلام النبلاء 14: 21، تاريخ بغداد 3: 42، مرآة الجنان 2: 230 وغيرها.

(2) ميزان الاعتدال

6: 255.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 68

فاستؤذن عليه للزبير بن بكار حين قدم من الحجاز، فلمّا دخل عليه أكرمه وعظّمه وقال له: لئن باعدت بيننا الأنساب لقد قرّبت بيننا الآداب، وإنّ أميرالمؤمنين ذكرك واختارك لتأديب ولده، وأمر لك بعشرة آلاف درهم وعشر تخوت من الثياب، وعشرة أبغل تحمل عليها رحلك إلي حضرته بسرّ من رأي. فشكر ذلك وقبله» «1» .

وترجم له ابن خلكان واليافعي واللّفظ للأخير:

«أبو عبداللَّه الزبير المعروف بابن بكّار القرشي الأسدي الزبيري. كان من أعيان العلماء، تولّي قضاء مكة، وصنّف الكتب النافعة، منها: كتاب أنساب قريش، جمع فيه شيئاً كثيراً، وعليه اعتماد الناس في معرفة أنساب القرشيّين، وله مصنّفات غيره دلّت علي فضله واطّلاعه.

روي عن: ابن عيينة ومن في طبقته. وروي عنه: ابن ماجة القزويني وابن أبي الدنيا وغيرهما» «2» .

وقال الذهبي وابن حجر: «قال الخطيب: كان ثقةً ثبتاً، عالماً بالنسب، عارفاً بأخبار المتقدّمين ومآثر الماضين، وله الكتاب المصنّف في مآثر قريش وأخبارها رحمه اللَّه» «3» .

وتوجد ترجمته أيضاً في:

تذكرة الحفاظ 2: 528، سير أعلام النبلاء 12: 311، الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستّة 1: 318، العبر 2: 12، تهذيب الكمال في أسماء الرجال __________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 8: 467 ملخّصاً.

(2) مرآة الجنان 2: 124، وفيات الأعيان 2: 311.

(3) تذهيب التهذيب، تهذيب التهذيب 3: 269.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 69

9: 293، البداية والنهاية 11: 24، تهذيب التهذيب 3: 312، تاريخ بغداد 8: 467.

وغيرها من كتب الرجال والتراجم …

ولكنّ السليماني- وهو الحافظ الكبير «1» - ذكره في عداد من يضع الحديث «2» .

9- ابن قتيبة

عبداللَّه بن مسلم بن قتيبة بن محمّد، صاحب كتاب المعارف وغيره من المصنّفات، والمترجم

له بكلّ إطراء وثناء وتوثيق في:

وفيات الأعيان والأنساب 4: 431.

والمنتظم 5: 102.

وتاريخ بغداد 10: 170.

والبداية والنهاية 11: 48.

وبغيةالوعاة في طبقات اللغويّين والنحاة 2: 63.

قال ابن خلّكان: «أبو محمّد عبداللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وقيل:

المروزي، النحوي اللغوي، صاحب كتاب المعارف وأدب الكاتب … كان فاضلًا ثقة، سكن بغداد وحدّث بها … وتصانيفه كلّها مفيدة … » «3» .

لكنّ بعض الأعلام تكلّم فيه، بل ادّعي الحاكم النيسابوري الإجماع علي __________________________________________________

(1) أحمد بن علي البخاري، المتوفي سنة 404، توجد ترجمته في سير أعلام النبلاء 17: 200.

(2) ميزان الاعتدال 3: 98.

(3) وفيات الأعيان 3: 42- 44.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 70

أنّه كذّاب … وهذه عبارة الذهبي:

«عبداللَّه بن مسلم بن قتيبة بن محمّد، صاحب التصانيف، صدوق، قليل الرواية. روي عن إسحاق بن راهويه وجماعة.

قال الخطيب: كان ثقة ديّناً فاضلًا.

وقال الحاكم: اجتمعت الامّة علي أنّ القتيبي كذّاب.

قلت: هذه مجازفة قبيحة وكلام من لم يخف اللَّه.

ورأيت في مرآة الزمان أنّ الدارقطني قال: كان ابن قتيبة يميل إلي التشبيه، منحرف عن العترة، وكلامه يدلّ عليه.

وقال البيهقي: كان يري رأي الكراميّة.

وقال ابن المنادي: مات في رجب سنة 276 من هريسةٍ بلعها سخنة فأهلكته» «1» .

10- أسد بن عمرو

من أعلام الفقهاء وأكابر أصحاب أبي حنيفة، ومن مشايخ أحمد وأمثاله من الأئمّة … كما قال السمعاني بترجمته:

«روي عنه: أحمد بن حنبل ومحمّد بن بكار بن الريّان وأحمد بن منيع والحسن بن محمّد الزعفراني. ولي القضاء ببغداد وواسط، كان عنده حديث كثير، وهو ثقة إن شاء اللَّه. هكذا قال أبوبكر الخطيب، ومات سنة 188 وقيل:

190.» «2» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4: 198- 199/ 4606.

(2) الأنساب 4: 476 «القسري»

.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 71

وإليك عبارة الذهبي المشتملة علي كلماتهم في الطعن عليه:

«أسد بن عمرو، أبوالمنذر البجلي، قاضي واسط، عن ربيعة الرأي ومطرف.

قال يزيد بن هارون: لا يحلّ الأخذ عنه.

وقال يحيي: كذوب ليس بشي ء.

وقال البخاري: ضعيف.

وقال ابن حبّان: كان يسوي الحديث علي مذهب أبي حنيفة.

وقال أحمد بن حنبل: صدوق، وقال مرّةً: صالح الحديث، كان من أصحاب الرأي.

وما قدّمناه من قول ابن معين، إنّما رواه أحمد بن سعيد بن أبي مريم، وقد روي عن يحيي بن محمّد العبسي أنّه قال: لا بأس به. وقال عبّاس:

سمعت يحيي يقول: هو أوثق من نوح بن دراج ولم يكن به بأس، وقد سمع من ربيعة الرأي وغيره، وقال: ولمّا أنكر بصره ترك القضاء رحمه اللَّه.

وقال ابن عمّار الموصلي: لا بأس به.

قلت: صحب الإمام أبا حنيفة وتفقّه عليه. كان من أهل الكوفة، فقدم بغداد وولي قضاء الشرقية بعد القاضي العوفي.

وضعّفه الفلّاس.

وقال النسائي: ليس بقوي.

وقال الدارقطني: يعتبر به.

وقال ابن سعد: مات سنة 190.

وقال ابن عدي: لم أر له شيئاً منكراً وأرجو أنّه لا بأس به.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 72

ومات سنة 190 قاله ابن حبّان» «1» .

11- محمّد بن عبداللَّه بن عبدالحكم تلميذ الشافعي، وقال ابن خزيمة: ما رأيت في فقهاء الإسلام أعرف بأقاويل الصّحابة والتابعين منه … إلي غير ذلك ممّا قيل في مدحه.

لكنّ ابن الجوزي أدرجه في الضعفاء وقال: «كذّبه الربيع بن سليمان» .

قال الذهبي: «محمّد بن عبداللَّه بن الحكم، فقيه أهل مصر، روي عن ابن وهب والشافعي وتفقّه به، وأنس بن عياض، أكثر عنه الأصم وغيره.

وقال ابن الجوزي في الضعفاء: روي عن مالك.

وهذا خطأ ظاهر من أبي الفرج، ما أدرك مالكاً.

ثمّ

قال ابن الجوزي: كذّبه الربيع بن سليمان.

قلت: بل هو صدوق. قال النسائي: هو أظرف من أن يكذب.

قد احتجّ به النسائي وكان ثقة. وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم: صدوق ثقة.

وقال ابن خزيمة: ما رأيت في فقهاء الإسلام أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين منه. وكان أعلم من رأيت بمذهب مالك. أمّا الإسناد فلم يكن يحفظه» «2» .

والألطف من ذلك: كذبه علي شيخه الشافعي في مسألة وطي المرأة في الدّبر، إذ نسب إليه القول بالجواز، وهو عندهم من القبائح الشنيعة:

قال الذهبي: «أخبرتنا خديجة بنت الرضي، أخبرنا أحمد بن عبدالواحد، أنا عبدالمنعم الفراوي، أنا عبدالغفّار بن محمّد، أنا أبو سعيد الصيرفي، ثنا

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 363/ 815.

(2) ميزان الاعتدال 6: 219- 220/ 7821.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 73

أبوالعبّاس الأصم: سمعت محمّد بن عبداللَّه، سمعت الشافعي يقول: ليس فيه عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في التحليل والتحريم حديث ثابت، والقياس أنّه حلال.

قلت: هذا منكر من القول، بل القياس التحريم، يعني الوطئ في دبر المرأة. وقد صحّ الحديث فيه. وقال الشافعي: إذا صحَّ الحديث فاضربوا بقولي علي الحائط. قال ابن الصبّاغ في الشامل عقيب هذه الحكاية: قال الربيع: واللَّه لقد كذب علي الشافعي، فإنّ الشافعي ذكر تحريم هذا في ستّة كتبٍ من كتبه» «1» .

12- الحسن بن علي بن شبيب المعمري من أعلام الحفّاظ الأجلّاء، وأكابر المحدّثين النبلاء، كما لا يخفي علي من يراجع تراجمه في: كتاب الأنساب للسمعاني، وتذكرة الحفّاظ للذهبي، وغيرهما من معاجم الرجال.

قال السمعاني: «أبو علي الحسن بن علي بن شبيب المعمري الحافظ، إنّما اشتهر بهذه النسبة لأنّه عني بجمع حديث معمر، وقيل: إنّ امّه بنت سفيان ابن أبي سفيان صاحب معمر بن راشد فانسب

إليها، وكان جليل القدر، كثير السماع، صاحب كتاب اليوم والليلة، كثرت الرواية عنه، وسمعت جزءً من هذا الكتاب بواسط عن قاضيها أبي عبداللَّه الجلابي، وروي الكتاب كلّه محمّد بن إدريس الجرجرائي الحافظ عن أبي بكر محمّد بن أحمد المعيد عنه، سمع هدبة بن خالد وعبيداللَّه بن معاذ العنبري وعلي بن المديني ويحيي بن معين __________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 6: 219- 220/ 7821.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 74

وداود بن عمرو الضبّي ودحيم بن اليتيم وأحمد بن عمرو بن السرح وخلقاً يطول ذكرهم.

روي عنه: يحيي بن صاعد ومحمّد بن مخلد وأبوبكر ابن النجاد وأبو سهل ابن زياد» «1» .

ومع هذا، فقد اتّهمه غير واحدٍ من الأعلام:

قال الذهبي: «الحسن بن علي بن شبيب المعمري الحافظ، واسع العلم والرحلة، سمع علي بن المديني وشيبان وطبقته، وله غرائب يرفعها.

قال الدارقطني: صدوق حافظ.

وقال ابن عبدان: ما رأيت في الدنيا صاحب حديثٍ مثله.

وقال البردعي: ليس بعجيب أن يتفرّد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثاً في كثرة ما كتب.

قال عبدان: سمعت فضلك الراوي وجعفر بن الجنيد يقولان: المعمري كذّاب. قال عبدان: حسداه، لأنّه كان رفيقهما، فكان إذا كتب حديثاً غريباً لايفيدهما.

وقال ابن عدي: سمعت أبا يعلي يقول: كتب إليّ موسي بن هارون: أنّ المعمري حدّث عن العبّاس البرسي عن يحيي القطّان عن عبيداللَّه عن نافع عن ابن عمر يحدّث: لعن اللَّه الواصلة.. فزاد فيه: ونهي عن النوح، فاكتب إلينا بصحّته، فإنّ النسخة عندك عند العبّاس. فكتب إليه: ما فيه هذا» «2» .

__________________________________________________

(1) الأنساب 5: 232 «المعمري» .

(2) ميزان الاعتدال 2: 253/ 1897.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 77

2) الكذّابون في الصّحاح الستّة … ص: 77

وفي رجال صحاح القوم أيضاً عدّة كبيرةً من الرواة اتّهموا في الكتب الرجاليّة

بالكذب والوضع، رأينا من المناسب ذكر بعضهم في هذه الرسالة، فمنهم:

1- إبراهيم بن بشار

أخرج عنه أبو داود والترمذي.

قال الذهبي: «إبراهيم بن بشار الرمادي، صاحب سفيان بن عيينة، من أهل جرجرايا، ليس بالمتقن، وله مناكير.

قال يحيي بن معين: رأيته ينظر في كتاب وابن عيينة يقرأ ولا يغيّر شيئاً، ليس معه ألواح ولا دواة.

وقال عبداللَّه بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه، فلم يعجبه وقال: كان يكون عند سفيان فيقوم ويجيئون إليه الخراسانية فيملي عليهم ما لم يقل ابن عيينة، فقلت له: أما تتّقي اللَّه؟ أما تراقب اللَّه، أو كما قال» «1» .

«قال عبداللَّه بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: كان سفيان الذي يروي عنه إبراهيم بن بشار ليس هو ابن عيينة، كان إبراهيم يحضر معنا عند ابن عيينة فكان يملي علي الناس ما يسمعونه من سفيان، وكان ربما يملي عليهم ما لم يسمعوا، فقلت له يوماً: ألا تتقي اللَّه، ويحك، تملي عليهم ما لم __________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 141.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 78

يسمعوا؟ ولم يحمده أبي في ذلك، وذمّه ذمّاً شديداً.

وقال ابن معين: لم يكن بشي ء» «1» .

2- إبراهيم بن محمّد الأسلمي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي وابن حجر: «قال يحيي القطّان: سألت مالكاً: أكان ثقة؟ قال:

لا ولا ثقة في دينه.

وقال عبداللَّه بن أحمد عن أبيه: كان قدريّاً معتزليّاً جهميّاً، كلّ بلاء فيه.

قال أبوطالب عن أحمد بن حنبل: ترك الناس حديثه، وكان يأخذ أحاديث الناس فيضعها في كتبه.

وقال يحيي القطّان: كذّاب.

وقال البخاري: جهمي، تركه ابن المبارك والناس.

وقال عبّاس عن ابن معين: ليس بثقة.

وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: قلت ليحيي بن معين: فابن أبي يحيي؟ قال: كذّاب، وكان

قدريّاً رافضيّاً، قال لي نعيم بن حمّاد: أنفقت علي كتبه خمسين ديناراً، ثمّ أخرج إلينا يوماً كتاباً فيه القدر وكتاباً فيه رأي جهم، فقرأته فعرفته، فقلت: هذا رأيك؟ قال: نعم، فحرقت بعض كتبه وطرحتها.

وقال النسائي: لا يكتب حديثه» «2» .

وقال الذهبي: «إبراهيم بن أبي يحيي، هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد

__________________________________________________

(1) تذهيب التهذيب، تهذيب التهذيب 1: 94.

(2) تذهيب التهذيب، تهذيب التهذيب 1: 137.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 79

ابن أبي يحيي الأسلمي المدني، أحد الضعفاء.

قال إبراهيم بن عرعرة: سمعت يحيي بن سعيد يقول: سألت مالكاً عنه أكان ثقة في الحديث؟ فقال: لا ولا في دينه.

قال يحيي بن معين: سمعت القطّان يقول: إبراهيم بن أبي يحيي كذّاب.

وروي أبوطالب عن أحمد بن حنبل قال: تركوا حديثه، قدريّ معتزليّ يروي أحاديث ليس لها أصل.

وقال البخاري: تركه ابن المبارك والناس.

وقال البخاري أيضاً: كان يري القدر وكان جهميّاً.

وروي عبداللَّه بن أحمد عن أبيه قال: قدري جهمي، كلّ بلاءٍ فيه، ترك الناس حديثه.

وروي عبّاس عن ابن معين: كذّاب رافضي.

وقال محمّد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت عليّاً يقول: إبراهيم بن أبي يحيي كذّاب، وكان يقول بالقدر» .

«قال ابن حبّان: كان يري القدر، ويذهب إلي كلام جهم، ويكذب مع ذلك في الحديث» .

«وقال أبو محمّد الدارمي: سمعت يزيد بن هارون يكذّب إبراهيم بن أبي يحيي» .

هذا، والعجيب جدّاً أن يروي الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيي، مع علمه بحاله، ويدلّسه!!

قال الذهبي عن ابن حبّان: «فإنّه كان يجالس إبراهيم في حداثته ويحفظ عنه حفظ الصبي، والحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، فلمّا دخل مصر في استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 80

آخر عمره وأخذ يصنّف الكتب المبسوطة، احتاج إلي الأخبار

ولم يكن معه كتبه، فأكثر ما أودع الكتب من حفظه، وربّما كنّي عنه ولا يسمّيه في كتبه» «1» .

3- أحمد بن إسماعيل، أبو حذافة السهمي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «قال ابن عدي: حدّث عن مالك وغيره بالبواطيل، وامتنع ابن صاعد من التحديث عنه مدّةً … إلي أن قال بعد ذكر حديث: ولم ينقم علي أبي حذافة متنه بل إسناده ولم يكن ممّن يتعمّد. قال أبوالعبّاس السراج:

سمعت الفضل بن سهل الأعرج ذكر أبا حذافة صاحب مالك فكذّبه» «2» .

4- أحمد بن عبدالرحمن بن وهب أخرج عنه مسلم بن الحجّاج.

قال الذهبي: «أحمد بن عبدالرحمن بن وهب، أبو عبيداللَّه البصري، ويعرف ببحشل.

قال ابن عدي: رأيت شيوخ مصر مجمعين علي ضعفه، والغرباء لا يمتنعون عن الأخذ عنه، أبو زرعة وأبو حاتم فمن دونهما …

وقال النسائي في الضعفاء له: كذّاب.

وقال ابن يونس: لا تقوم به حجّة» «3» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 182/ 188.

(2) ميزان الاعتدال 1: 215/ 298.

(3) ميزان الاعتدال 1: 253/ 443.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 81

5- أحمد بن محمّد بن أيّوب صاحب المغازي أخرج عنه أبو داود.

قال الذهبي: «روي إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين قال: كذّاب» «1» .

6- أبوالوليد أحمد بن عبدالرحمن البسري أخرج عنه الترمذي والنسائي وابن ماجة.

قال الذهبي: «أحمد بن عبدالرحمن البسري، أبوالوليد، دمشقي، صدوق، روي عن الوليد بن مسلم.

قال إسماعيل بن عبداللَّه السكري القاضي: لم يسمع أبوالوليد من ابن مسلم شيئاً، ولو شهد عندي ما قبلته، وإنّما كان محلّلًا يحلّل النساء، يعطي الشي ء فيطلّق، وكان سيّئ الحال بدمشق، فاتّقوا اللَّه وإيّاكم والسّماع من الكذّابين» «2» .

7- إسماعيل بن أبي أويس أخرج عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي:

«إسماعيل بن أبي أويس، عبداللَّه بن عبداللَّه بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، أبو عبداللَّه المدني، محدّث مكثر، فيه لين.

روي عن خاله مالك وأخيه عبدالحميد وأبيه، وأقدم من لقي عبدالعزيز

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 277/ 535.

(2) ميزان الاعتدال 1: 255/ 444.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 82

الماجشون وسلمة بن وردان. وعنه: صاحبا الصحيح وإسماعيل القاضي والكبار.

قال أحمد: لا بأس به.

وقال ابن عدي: قال أحمد بن أبي يحيي: سمعت ابن معين يقول: هو وأبوه يسرقان الحديث.

وقال الدولابي في الضعفاء: سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول:

كذّاب، كان يحدث عن مالك بمسائل ابن وهب.

روي عنه البخاري كثيراً» «1» .

وفي (حاشية الكاشف):

«قال ابن معين: صدوق ضعيف العقل ليس بذاك. وقال مرّةً: هو وأبوه يسرقان الحديث. وقال مرّةً: هما ضعيفان، يعني: هو وأبوه. وقال مرّةً: مخلّط يكذب ليس بشي ء» .

8- أيّوب بن جابر بن سيّار

أخرج عنه أبو داود والترمذي.

قال الذهبي: «أيّوب بن جابر بن سيّار اليمامي، عن سماك بن حرب وغيره.

قال يحيي: ليس بشي ء.

وقال ابن المديني: يضع حديثه.

وقال أبو زرعة وغيره: واه.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 379/ 854 ملخّصاً.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 83

وقال النسائي: ضعيف» «1» .

9- ثابت بن موسي الضبّي أخرج عن ابن ماجة.

قال الذهبي: «ثابت بن موسي الضبّي الكوفي الضرير العابد، عن شريك والثوري.

قال يحيي: كذّاب.

وقال أبو حاتم وغيره: ضعيف.

وقال أبو حاتم: لا يجوز الإحتجاج بأخباره …

قال ابن معين الرازي: سمعت يحيي بن معين يقول: ثابت أبو يزيد كذّاب» «2» .

10- جبارة بن المغلس أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «جبارة بن المغلس الحماني الكوفي، عن كثير بن سليم وشبيب بن شيبة. وعنه: ابن ماجة ومطين وأبو يعلي وعفان.

قال ابن نمير: صدوق،

وما هو ممّن يكذب.

وقال البخاري: حديثه مضطرب.

وقال أبو حاتم: هو علي يدي عدل.

وروي أبو معين الحسين بن الحسن عن يحيي بن معين: كذّاب.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 454/ 1070.

(2) ميزان الاعتدال 2: 88/ 1377.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 84

وقال ابن نمير: يوضع له الحديث فيرويه ولا يدري» «1» .

«قال الحسين بن الحسن الرازي عن ابن معين: كذّاب» «2» .

11- جعفر بن الزبير

أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «جعفر بن الزبير، عن القاسم أبي عبدالرحمن وجماعة، وعنه: وكيع ويزيد بن هارون وعدّة.

كذّبه شعبة، فقال غندر: رأيت شعبة راكباً علي حمار فقال: أذهب فأستعدي علي جعفر بن الزبير، وضع علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أربعمائة حديث.

وقال ابن معين: ليس بثقة.

وقال البخاري: تركوه.

وقال ابن عدي: الضعف علي حديثه بيّن.

وقال القطّان: لو شئت أنْ أكتب عنه ألفاً كتبت عنه» «3» .

وقال: «قال أحمد بن سعيد الدارمي عن يزيد بن هارون قال: كان جعفر ابن الزبير وعمران بن جدير في مسجدٍ واحد، وكان الزحام علي جعفر بن الزبير، وليس عند عمران أحد، وكان شعبة يمرّ بهما فيقول: يا عجباً للناس، اجتمعوا علي أكذب الناس وتركوا أصدق الناس، يعني عمران، فما أتي علينا

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 2: 111/ 1435.

(2) تذهيب التهذيب، تهذيب التهذيب 2: 50.

(3) ميزان الاعتدال 2: 133/ 1504.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 85

إلّا القليل حتّي رأيت ذلك الزحام علي عمران وتركوا جعفراً وليس عنده أحد.

وقال غندر: رأيت شعبة راكباً علي حمار فقال: أذهب فأستعدي علي هذا، يعني جعفر بن الزبير، وضع علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أربعمائه حديث.

وقال ابن معين: ليس بثقة.

وقال البخاري: تركوه.

وقال ابن عدي: الضعف علي حديثه بيّن.

وقال الدارقطني: متروك» «1»

.

ثمّ إنّ الذهبي أورد في (التذهيب) بعد تلك المثالب والقوادح منقبةً له، وهذا عجيبٌ جدّاً …

12- الحارث بن عمران أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «الحارث بن عمران الجعفري، عن محمّد بن سوقة وهشام ابن عروة. وعنه: علي بن حرب وأحمد بن سليمان.

قال ابن حبان: كان يضع الحديث علي الثقات.

قال ابن عدي: الضعف علي رواياته بيّن.

وقال أبو حاتم: ليس بالقوي.

وقال أبو زرعة: واهي الحديث» «2» .

__________________________________________________

(1) تذهيب التهذيب، تهذيب التهذيب 2: 78.

(2) ميزان الاعتدال 2: 175/ 1639.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 86

13- حبيب بن أبي حبيب المصري كاتب مالك بن أنس قال الذهبي: «حبيب بن أبي حبيب، واسم أبيه رزيق، وقيل: مرزوق، أبو محمّد المصري وقيل: المدني، كاتب مالك. روي عن مالك وأبي العصّ ثابت وابن أبي ذئب. وعنه: أحمد بن الأزهر وأحمد بن سعيد بن أبي مريم ومقدام بن داود الرعيني.

قال أحمد: ليس بثقة.

وقال ابن معين: كان يقرأ علي مالك ويتصفّح ورقتين وثلاثة، فسألوني عنه بمصر فقلت: ليس بشي ء.

وقال أبو داود: كان من أكذب الناس.

وقال أبو حاتم: روي عن ابن أخي الزهري أحاديث موضوعة.

وقال ابن عدي: أحاديثه كلّها موضوعة.

وقال ابن حبّان: كان يورق بالمدينة علي الشيوخ ويروي عن الثقات الموضوعات، كان يدخل عليهم ماليس عندهم» «1» .

14- الحارث بن عمير البصري أخرج عنه البخاري في التفسير والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

قال الذهبي: «الحارث بن عمير البصري، نزيل مكة، عن أيّوب وأبي طوالة وعدّة. وعنه: ابنه حمزة وعبدالرحمن بن مهدي ولوين وطائفة.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 2: 190/ 1697.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 87

روي عن الأثبات الأشياء الموضوعات.

وقال الحاكم: روي عن حميد وجعفر الصادق أحاديث موضوعة» «1» .

وقال: «ذكره ابن حبّان في كتاب

الضعفاء وقال: روي عن الأثبات الأشياء الموضوعات.

وقال أبو عبداللَّه الحاكم: روي عن حميد الطويل وجعفر الصّادق أحاديث موضوعة» «2» .

15- الحسن بن عمارة الكوفي أخرج عنه البخاري في التفسير والترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «الحسن بن عمارة الكوفي، الفقيه، مولي بجيلة. عن ابن أبي مليكة وعمرو بن مرّة وخلق. وعنه: السفيانان ويحيي القطّان وشبابة وعبدالرزاق …

قال شعبة: روي الحسن بن عمارة أحاديث عن الحكم، فسألنا الحكم عنها فقال: ما سمعت منها شيئاً.

وروي أبو داود عن شعبة قال: يكذب.

وقال أحمد: متروك.

وقال ابن معين: ليس حديثه بشي ء.

وقال ابن المديني: ما أحتاج إلي شعبة فيه، أمره أبين من ذلك، قيل:

أكان يغلط؟ قال: إيش الغلط، وذهب إلي أنّه كان يضع الحديث.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 176/ 1640 مختصراً.

(2) تذهيب التهذيب، تهذيب التهذيب 2: 132.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 88

وقال الجوزجاني: ساقط.

وقال أبو حاتم ومسلم والدارقطني وجماعة: متروك» «1» .

وفي (حاشية الكاشف): «قال شعبة: يكذب.

وقال عيسي بن يونس: شيخ صالح تكلّم فيه شعبة وأعانه عليه سفيان.

وقال أحمد: متروك الحديث.

وقال ابن معين: ليس بشي ء.

وقال ابن المديني: ما أحتاج فيه إلي شعبة، أمره أبين من ذلك، قيل:

أكان يغلط؟ قال: إيش الغلط؛ وذهب إلي أنّه كان يضع الحديث.

وقال الدارقطني والنسائي: متروك الحديث.

وكذلك قال مسلم وأبو حاتم.

وقال زكريا الساجي: متروك أجمع أهل الحديث علي ضعفه» .

وفي (التذهيب): «قال أبو داود عن شعبة: يكذب، فقلت له: ما علامة ذلك؟ قال: يروي عن الحكم أشياء لم نجد لها أصلًا» «2» .

16- الحسن بن مدرك الطحّان أخرج عنه البخاري والنسائي وابن ماجة.

قال الذهبي: «الحسن بن مدرك البصري الطحّان، أبو علي، الحافظ، عن يحيي بن حمّاد ومحمود بن الحسن. وعنه: البخاري والنسائي وابن ماجة وابن صاعد

وجماعة.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 265/ 1921.

(2) تذهيب التهذيب، تهذيب التهذيب 2: 132.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 89

وكذّبه أبو داود، وقد وثّقه غيره فقال أحمد بن الحسين الصوفي الصغير: كان ثقة.

وروي أبو عبيدة عن أبي داود قال: الحسن بن مدرك كذّاب، كان يأخذ أحاديث فهد بن عوف فيقلبها علي يحيي بن حمّاد» «1» .

17- حصين بن عمر الأحمسي أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «حصين بن عمر الأحمسي، عن إسماعيل بن أبي خالد وأبي الزبير. وعنه: منجاب بن الحارث ومحمّد بن مقاتل وجماعة.

وقال البخاري: منكر الحديث ضعّفه أحمد.

وقال ابن معين: ليس بشي ء.

وقال أبو حاتم: واه جدّاً، واتّهمه بعضهم.

وقال ابن عدي: عامّة أحاديثه معاضيل، يتفرّد عن كلّ من روي عنه» «2» .

18- حمزة بن أبي حمزة الجزري أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «حمزة بن أبي حمزة الجزري النصيبي، عن ابن أبي مليكة ومكحول وطائفة. وعنه: علي بن ثابت وشبابة وجماعة.

قال ابن معين: لا يساوي فلساً.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 274/ 1952.

(2) ميزان الاعتدال 1: 312/ 8090.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 90

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال الدارقطني: متروك.

وقال ابن عدي: عامّة رواياته موضوعة … » «1» .

وقال ابن حجر: «متروك، متّهم بالوضع» «2» .

19- خارجة بن مصعب أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «خارجة بن مصعب بن الحجّاج السرخسي، الفقيه، عن بكير بن الأشج وزيد بن أسلم وأيّوب وطائفة. وعنه: ابن مهدي ويحيي بن يحيي وطائفة.

وهّاه أحمد.

وقال ابن معين: ليس بثقة.

وقال أيضاً: كذّاب.

وقال البخاري: تركه ابن المبارك ووكيع.

وقال الدارقطني وغيره: ضعيف» «3» .

20- خالد بن عمرو القرشي أخرج عنه أبو داود وابن ماجة.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 379/ 2302.

(2) تقريب التهذيب 1: 322/ 1519.

(3) ميزان الاعتدال 1: 403/ 2400.

استخراج المرام

من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 91

قال الذهبي: «خالد بن عمرو القرشي الأموي السعيدي، من ولد سعيد ابن العاص، الكوفي، عن مالك بن مغول وهشام الدستوائي وجماعة. وعنه:

الحسن الحلواني والرمادي وجماعة.

قال أحمد: ليس بثقة.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال صالح جزرة: يضع الحديث.

وضرب أبو زرعة علي حديثه …

وقال ابن عدي: له عن الليث وغيره مناكير:

أبو نعيم الحلبي، ثنا خالد بن عمرو، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي قنبل، عن أبي هريرة وابن عمر قالا: ابتاع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من أعرابي قلائص إلي أجلٍ، فقال: أرأيت إنْ أتي عليك أمر اللَّه؟

قال: أبوبكر يقضي ديني وينجز موعدي. قال: فإنْ قبض؟ قال: عمر يحذوه يقوم مقامه لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، فإنْ أتي علي عمر أجله فإنْ استطعت أن تموت فمت.

… قال ابن عدي: عندي أنّه وضع هذه الأحاديث … » «1» .

21- خالد بن يزيد الدمشقي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «خالد بن يزيد بن عبدالرحمن بن أبي مالك الدمشقي …

وهّاه ابن معين.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 419/ 2450.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 92

وقال أحمد: ليس بشي ء.

وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال الدارقطني: ضعيف.

وقال ابن عدي عن ابن أبي عصمة عن أحمد بن يحيي: سمعت أحمد ابن حنبل يقول: خالد بن أبي مالك ليس بشي ء.

وقال ابن أبي الجواري: سمعت ابن معين يقول: بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن: تفسير الكلبي عن أبي صالح، وبالشام كتاب ينبغي أن يدفن: كتاب الديات لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب علي أبيه حتّي كذب علي الصحابة … » «1» .

22- داود الزبرقاني الرقاشي أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «داود الزبرقاني الرقاشي، بصري

نزل بغداد، عن: ثابت وزيد بن أسلم وخلق. وعنه: ابن أبي عروبة وشعبة- وهما من شيوخه- وأحمد بن منيع وابن عرفة.

قال البخاري: حديثه مقارب.

وقال ابن معين: ليس بشي ء.

وقال أبو زرعة: متروك.

وقال أبو داود: ضعيف ترك حديثه.

وقال الجوزجاني: كذّاب.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 431/ 2478.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 93

وقد ذكره ابن عدي وساق له بضعة عشر حديثاً استنكرها وقال: عامّة ما يرويه لا يتابع عليه.

قلت: مات في حدود نيف وثمانين ومائة. وقال ابن المديني: كتبت عنه ورميت به. وقال النسائي: ليس بثقة» «1» .

23- داود بن المحبر

أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «داود بن المحبر بن قحذم، أبو سليمان البصري، صاحب كتاب العقل- وليته لم يصنّفه- روي عن شعبة وهمام وجماعة وعن مقاتل بن سليمان. وعنه: أبو اميّة والحارث بن أبي اسامة وجماعة.

قال أحمد: كان لا يدري ما الحديث.

وقال ابن المديني: ذاهب حديثه.

وقال أبو زرعة وغيره: ضعيف.

قال أبو حاتم: ذاهب الحديث غير ثقة.

وقال الدارقطني: متروك.

وأمّا عبّاس، فروي عن ابن معين قال: ما زال معروفاً بالحديث، ثمّ تركه وصحب قوماً من المعتزلة فأفسدوه، وهو ثقة.

وقال أبو داود: شبه الضعيف.

وروي عبدالغني بن سعيد، عن الدارقطني قال: كتاب العقل وضعه ميسرة بن عبد ربّه، ثمّ سرقه منه داود بن المحبّر، فركّبه بأسانيد غير أسانيد

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3: 11/ 2609.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 94

ميسرة» «1» .

وقال الذهبي: «قال صالح جزرة: يكذب ويضع» «2» .

24- السرّي بن إسماعيل الكوفي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «السرّي بن إسماعيل الكوفي، صاحب الشعبي.

قال يحيي بن سعيد القطّان: استبان لي كذبه في مجلسٍ واحدٍ.

وقال النسائي: متروك.

وقال غيره: ليس بشي ء.

وقال أحمد: ترك الناس حديثه.

وروي عبّاس الدوري عن يحيي: ليس بشي ء» «3» .

25-

سعد بن طريف الإسكاف أخرج عنه أبو داود وابن ماجة.

قال الذهبي: «سعد بن طريف الإسكاف الحنظلي الكوفي، عن عكرمة وأبي وائل.

قال ابن معين: لا يحلّ لأحدٍ أن يروي عنه.

وقال أحمد وأبو حاتم: ضعيف الحديث.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3: 33/ 2649.

(2) ميزان الاعتدال 3: 173/ 3090.

(3) ميزان الاعتدال 3: 173/ 3090.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 95

وقال النسائي والدارقطني: متروك.

وقال ابن حبّان: كان يضع الحديث علي الفور» «1» .

26- سعيد بن سنان الحمصي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «سعيد بن سنان، أبو مهدي، الحمصي.

ضعّفه أحمد.

قال يحيي: ليس بثقة.

وقال مرّةً: ليس بشي ء.

وقال الجوزجاني: أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال النسائي: متروك» «2» .

وقال ابن حجر: «متروك. ورماه الدارقطني وغيره بالوضع» «3» .

27- سعيد بن عبدالجبّار الزبيدي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «سعيد بن عبدالجبّار الزبيدي الحمصي، عن روح بن جناح.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3: 181/ 3121.

(2) ميزان الاعتدال 3: 210- 211/ 3211.

(3) تقريب التهذيب 2: 33/ 2333.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 96

قال النسائي: ليس بثقة.

وقال ابن عدي: سكن البصرة، يكنّي أبا عثمان.

وقال ابن المديني: لم يكن بشي ء.

وقال قتيبة: رأيته بالبصرة. وكان جرير يكذّبه» «1» .

وقال ابن حجر: «ضعيف. كان جرير يكذّبه» «2» .

28- سلم بن إبراهيم الوراق أخرج عنه أبو داود وابن ماجة.

قال الذهبي: «سلم بن إبراهيم الوراق. عن مبارك بن فضالة.

ضعّفه ابن معين بل قال: كذّاب» «3» .

29- سلم بن عبدالرحمن النخعي أخرج عنه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

قال الذهبي: «سلم بن عبدالرحمن النخعي. عن أبي زرعة البجلي.

قوّاه ابن معين. واتّهمه بعض الحفاظ. وقال إبراهيم النخعي: هو كذّاب» «4» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3: 214- 215/ 3226.

(2) تقريب التهذيب 2: 35/ 2343.

(3) ميزان

الاعتدال 3: 262/ 3369.

(4) ميزان الاعتدال 3: 264/ 3377.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 97

30- سيف بن محمّد الكوفي أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «سيف بن محمّد الكوفي، ابن اخت سفيان الثوري، روي عن عاصم الأحول والأعمش وطائفة. وعنه: محمود بن خداش وأحمد بن أبي شريح وطائفة.

روي عبداللَّه بن أحمد عن أبيه: كذّاب.

روي عثمان بن سعيد عن يحيي: كذّاب خبيث كان هاهنا.

وقال أبو حاتم: لا يكتب حديثه.

وعن ابن معين: كذّاب وأخوه عمّار ثقة.

وقال النسائي: ضعيف. وقال مرّةً: متروك ليس بثقة.

وقال الدارقطني وغيره: متروك.

وقال الجوزجاني: سيف وعمّار ابنا اخت الثوري ليسا بالقويين» «1» .

وفي (حاشية الكاشف): «وقال أبو داود: كذّاب.

وقال النسائي: ضعيف. وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا مأمون، متروك.

وقال زكريّا بن يحيي الساجي: يضع الحديث» .

وقال ابن حجر: «كذّبوه» «2» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3: 354/ 3644.

(2) تقريب التهذيب 2: 101/ 2726.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 98

31- سيف بن هارون البرجمي أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «سيف بن هارون البرجمي، عن إسماعيل بن أبي خالد وسليمان التيمي.

قال يحيي: ليس بشي ء. وقال مرّةً: ليس بذاك.

وقال النسائي والدارقطني: ضعيف.

وقال ابن حبّان: يروي عن الأثبات الموضوعات» «1» .

32- صالح بن أبي الأخضر

أخرج عنه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

قال الذهبي: «صالح بن أبي الأخضر البصري. صالح الحديث.

ضعّفه يحيي بن معين والنسائي والبخاري.

وروي عبّاس وعثمان عن ابن معين: ليس بشي ء.

وقال ابن حبّان: هو مولي هشام بن عبدالملك الأموي، بالحريّ أنْ لا يحتجّ به.

وقال العجلي: يكتب حديثه وليس بالقوي.

وقال الجوزجاني: اتّهم في أحاديثه.

وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث.

وقال أبو حاتم: ليّن الحديث.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3: 356/ 3648.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 99

وقال الترمذي: يضعَّف في الحديث،

ضعّفه يحيي القطّان وغيره» «1» .

33- صبّاح بن محمّد البجلي أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «صبّاح بن محمّد البجلي. عن مرّة الطبيب عن ابن مسعود، فرفع حديثين هما من قول عبداللَّه.

قال ابن حبّان: يروي الموضوعات.

وقد ذكره ابن أبي حاتم فقال: روي عنه أبان بن إسحاق الأسدي، لم يزد، فلا تعرّض له بجرحٍ وتعديل» «2» .

34- ضرار بن صرد

أخرج عنه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

قال الذهبي: «ضرار بن صرد، أبو نعيم الطحّان …

قال أبو عبداللَّه البخاري وغيره: متروك.

وقال يحيي بن معين: كذّابان بالكوفة، هذا وأبو نعيم النخعي» «3» .

35- طلحة بن زيد

أخرج عنه ابن ماجة.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3: 395/ 3774.

(2) ميزان الاعتدال 3: 420/ 3853.

(3) ميزان الاعتدال 3: 449/ 3955.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 100

قال الذهبي: «طلحة بن زيد الرقي، وقيل: الكوفي، وقيل: الشامي، نزيل واسط يقال: إنّه قرشي، والظاهر أنّه الأوّل، لكن فرّق بينهما ابن أبي حاتم.

روي عن هشام بن عروة وإبراهيم بن أبي عبلة والأوزاعي وعدّة.

وعنه أحمد بن يونس وجماعة.

قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك. وقال ابن حبّان:

منكر الحديث جدّاً، لا يحلّ الإحتجاج بخبره.

أبو يعلي: ثنا حسين بن الحسن السليماني، ثنا وضّاح بن حسان الأنباري، ثنا طلحة بن زيد، عن عبيدة بن حسان، عن عطاء، عن جابر أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال لعمر: أنت وليّي في الدنيا ووليّي في الآخرة. رواه ابن عدي عنه.

وقال ابن حبّان: ثنا أبو يعلي: ثنا شيبان، ثنا طلحة بن زيد الدمشقي، عن عبيدة بن حسان، عن عطا الكيخاواني، عن جابر قال: بينا نحن مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في نفر من المهاجرين- فيهم أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وابن

عوف وسعد- فقال: لينهض كلّ رجل إلي كفوه، ونهض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إلي عثمان فاعتنقه ثمّ قال: أنت وليّي في الدنيا والآخرة.

ابن عدي عن ثقتين عن أبي فروة الرهاوي، عن أبيه، عن طلحة بن زيد، عن الأوزاعي، عن يحيي بن أبي كثير، عن أنس مرفوعاً: من تكلّم بالفارسيّة زادت في خبّه ونقصت من مروّته.

وبالإسناد فذكر ستّة أحاديث موضوعة.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 101

محمّد بن شعيب وصدقة بن عبداللَّه، عن طلحة بن زيد، عن موسي بن عبيدة، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسي مرفوعاً: يبعث اللَّه العلماء فيقول: إنّي لم أضع علمي فيكم إلّالعلمي بكم، ولم أضع علمي فيكم لُاعذّبكم، انطلقوا فقد غفرت لكم. وهذا باطل؛ قاله ابن عدي.

محمّد بن هامان، ثنا طلحة بن زيد، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة مرفوعاً: لا يبرمنّ أحدٌ منكم أمراً حتّي يشاور. وهذا باطل عن عقيل.

قال ابن المديني: كان طلحة بن زيد يضع الحديث.

وقال صالح جزرة: لا يكتب حديثه» «1» .

36- عامر بن صالح بن عبداللَّه أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «عامر بن صالح بن عبداللَّه بن عروة بن الزبير بن العوام.

واهٍ، لعلّ ما روي أحمد بن حنبل عن أحدٍ أوهي من هذا، ثمّ سئل عنه فقال: ثقة لم يكن يكذب.

وقال ابن معين: كذّاب.

وقال الدارقطني: يترك.

وقال النسائي: ليس بثقة. وقال: سمعت يحيي بن معين يقول: جُنّ أحمد؟! يحدّث عن عامر بن صالح؟!

وقال ابن معين أيضاً: ليس بشي ء، يروي عن هشام عن أبيه عن عائشة:

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3: 463/ 4005.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 102

إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: إيّاكم والزنج فإنّه خلق مشوّه.

وروي أحمد بن محمّد

بن محرز عن ابن معين قال: كذّاب خبيث عدوّ اللَّه» «1» .

37- عباد بن راشد البصري أخرج عنه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

قال الذهبي: «عباد بن راشد، بصري، صدوق …

أخرج له البخاري مقروناً بغيره، لكنّه ذكره في كتاب الضعفاء!

وقال ابن عدي: له أحاديث كما لأبيه أحاديث، وما يرويانه لا يتابعان عليه.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

وأمّا ابن حبّان فاتّهمه» «2» .

38- عباد بن كثير الثقفي أخرج عنه أبو داود وابن ماجة.

قال ابن حجر: «عباد بن كثير الثقفي البصري.

متروك. قال أحمد: روي أحاديث كذب» «3» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4: 17.

(2) ميزان الاعتدال 4: 26/ 4118.

(3) تقريب التهذيب 2: 179/ 3139.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 103

وقال الذهبي: «تركوه» «1» .

39- عبداللَّه بن إبراهيم الغفاري أخرج عنه أبو داود والترمذي.

قال الذهبي: «عبداللَّه بن إبراهيم الغفاري، وهو عبداللَّه بن أبي عمرو، يدلّسونه لوهنه.

ونسبه ابن حبان إلي أنّه يضع الحديث.

وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه لا يتابع عليه.

وقال الدارقطني: حديثه منكر.

وذكر له ابن عدي الحديثين اللذين في جزء ابن عرفة في فضل أبي بكر وعمر، وهما باطلان» «2» .

وقال ابن حجر: «متروك، نسبه ابن حبان إلي الوضع» «3» .

40- عبداللَّه بن خراش أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «عبداللَّه بن خراش بن حوشب، عن عمّه العوام بن حوشب.

ضعّفه الدارقطني وغيره.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4: 35/ 4139.

(2) ميزان الاعتدال 4: 56/ 4195.

(3) تقريب التهذيب 2: 190/ 3199.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 104

وقال أبو زرعة: ليس بشي ء.

وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، وهو أخو شهاب.

قال البخاري: منكر الحديث» «1» .

وقال ابن حجر: «ضعيف، وأطلق عليه أبو عمّار الكذب» «2» .

41- عبداللَّه بن زياد المخزومي أخرج عنه أبو داود

في المراسيل وابن ماجة.

قال الذهبي: «عبداللَّه بن زياد بن سمعان، المدني، الفقيه.

تركوه. يكني أباعبدالرحمن، مولي امّ سلمة.

قال البخاري: سكتوا عنه. وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرّةً:

ضعيف، وقال مرّةً: ليس حديثه بشي ء.

وقال أحمد: سمعت إبراهيم بن سعد يحلف أنّ ابن سمعان يكذب.

وقال الجوزجاني: ذاهب الحديث.

وروي ابن القاسم عن مالك: كذّاب» «3» .

وقال ابن حجر: «متروك. اتّهمه بالكذب أبو داود وغيره» «4» .

أقول: فكيف روي عنه في مراسيله؟

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4: 88/ 4292.

(2) تقريب التهذيب 2: 204/ 3293.

(3) ميزان الاعتدال 4: 101.

(4) تقريب التهذيب 2: 210/ 3326.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 105

42- عبداللَّه بن سعيد المقبري أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «عبداللَّه بن سعيد بن أبي سعيد كيسان المقبري، عن أبيه.

واهٍ بمرّة. يكنّي أباعباد.

قال ابن معين: ليس بشي ء، وقال مرّةً: ليس بثقة، وقال الفلاس: منكر الحديث متروك.

وقال يحيي بن سعيد: استبان لي كذبه في مجلس.

وقال الدارقطني: متروك ذاهب الحديث.

وقال أحمد مرّةً: ليس بذاك، ومرّةً قال: متروك» «1» .

43- عبداللَّه بن شريك العامري أخرج عنه النسائي.

قال الذهبي: «عبداللَّه بن شريك العامري. حدّث عن ابن عمر وجماعة.

كان في أوّل أمره من أصحاب المختار ولكنّه تاب. وثّقه أحمد وابن معين وغيرهما.

وليّنه النسائي.

وقال الجوزجاني: كذّاب» «2» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4: 108/ 4358.

(2) ميزان الاعتدال 4: 119/ 4384.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 106

44- عبداللَّه بن صالح أبو صالح كاتب الليث أخرج عنه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «قال صالح جزرة: كان ابن معين يوثّقه، وهو عندي يكذب في الحديث.

وقال النسائي: ليس بثقة، يحيي بن بكير أحبّ إلينا منه.

وقال ابن المديني: لا أروي عنه شيئاً» «1» .

45- عبداللَّه بن محمّد العدوي أخرج عنه ابن

ماجة.

قال الذهبي: «عبداللَّه بن محمّد العدوي، أبوالحباب، التيمي، عن ابن عقيل والزهري.

قال البخاري: منكر الحديث.

وقال وكيع: يضع الحديث.

وقال ابن حبّان: لا يجوز الإحتجاج بخبره» «2» .

46- عبداللَّه بن معاذ الصنعاني أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4: 119/ 4384.

(2) ميزان الاعتدال 4: 176/ 4543.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 107

قال الذهبي: «كان عبدالرزاق يكذّبه» «1» .

47- عبداللَّه بن أبي أويس أخرج عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

قال الذهبي: «وثّقه يحيي بن معين وغيره.

وأمّا الأزدي فقال: كان يضع الحديث» .

48- عبدالرحمن بن عبداللَّه بن عمر بن حفص أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «عبدالرحمن بن عبداللَّه بن عمر بن حفص العمري المدني. عن أبيه.

هالك.

قال يحيي بن معين: سمعت منه مجلساً وهو ضعيف.

وقال أحمد: ليس يسوي حديثه شيئاً، سمعت منه ثمّ تركناه، وكان ولي قضاء المدينة، أحاديثه مناكير، وكان كذّاباً، فمزّقت حديثه.

وقال البخاري: هو وأخوه القاسم يتكلَّمون فيهما.

وذكر البخاري عبدالرحمن في موضعٍ آخر فقال: سكتوا عنه.

وقال النسائي: متروك» «2» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4: 202/ 4620.

(2) ميزان الاعتدال 4: 295/ 4905.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 108

49- عبدالرّحمن بن قيس الضبّي أخرج عنه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

قال الذهبي: «عبدالرحمن بن قيس، أبو معاوية الزعفراني البصري …

كذّبه ابن مهدي وأبو زرعة.

وقال البخاري: ذاهبٌ حديثه.

وقال أحمد: لم يكن بشي ء» «1» .

وقال ابن حجر: «متروك. كذّبه أبو زرعة وغيره» «2» .

50- عبدالرحمن بن هاني أخرج عنه أبو داود وابن ماجة.

قال الذهبي: «عبدالرحمن بن هاني، أبو نعيم النخعي، عن سفيان الثوري.

قال أحمد: ليس بشي ء.

ورماه يحيي بالكذب.

وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه لا يتابع عليه» «3» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4: 309/ 4949.

(2) تقريب التهذيب 2: 344/ 3989.

(3)

ميزان الاعتدال 4: 324/ 4999.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 109

51- عبدالرّحيم بن زيد العمي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «عبدالرحيم بن زيد بن الحواري العميّ. عن أبيه وغيره.

قال البخاري: تركوه.

وقال يحيي: كذّاب. وقال مرّةً: ليس بشي ء.

وقال الجوزجاني: غير ثقة.

وقال أبو حاتم: ترك حديثه.

وقال أبو زرعة: واه.

وقال أبو داود: ضعيف» «1» .

وقال ابن حجر: «كذّبه ابن معين» «2» .

52- عبدالرحيم بن هارون الغساني أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «عبدالرحيم بن هارون الغساني الواسطي، أبو هشام، عن شعبة وعبدالعزيز بن أبي رواد.

قال الدارقطني: متروك الحديث، يكذب.

وروي عنه الدقيقي وإسحاق بن وهب، وقد ساق له ابن عدي عدّة

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4: 336/ 5035.

(2) تقريب التهذيب 2: 359/ 4055.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 110

أحاديث استنكرها» «1» .

53- عبدالعزيز بن أبان أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «عبدالعزيز بن أبان، أبو خالد، الأموي الكوفي.

أحد المتروكين …

قال أحمد بن حنبل: لمّا حدّث بحديث المواقيت تركته.

قال يحيي: كذّاب خبيث، حدّث بأحاديث موضوعة.

وقال أبو حاتم: لا يكتب حديثه.

وقال البخاري: تركوه» «2» .

وقال ابن حجر: «متروك. كذّبه ابن معين وغيره» «3» .

54- عبدالملك الأصمعي أخرج عنه أبو داود والترمذي.

قال الذهبي: «قد روي الحسين الكوكبي عن أحمد بن عبيد أنّه سئل أبو زيد الأنصاري عن أبي عبيدة والأصمعي فقال: كذّابان. وسئلا عنه فقالا: ما شئت من عفاف وتقوي» «4» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4: 339/ 5044.

(2) ميزان الاعتدال 4: 357/ 5087.

(3) تقريب التهذيب 2: 364/ 4083.

(4) ميزان الاعتدال 4: 408/ 5245.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 111

55- عبدالوهّاب بن الضحّاك أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «كذّبه أبو حاتم. وقال النسائي وغيره: متروك. وقال الدارقطني: منكر الحديث. وقال البخاري: عنده عجائب» «1» .

وقال ابن حجر:

«متروك، كذّبه أبو حاتم» «2» .

56- عبدالوهّاب بن مجاهد

أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «عبدالوهّاب بن مجاهد بن جبر المكي، عن أبيه …

عن يحيي قال: ليس يكتب حديثه.

وروي عثمان بن سعيد عن يحيي: ليس بشي ء.

وقال أحمد: ليس بشي ء، ضعيف.

وقال البخاري: قال وكيع: يقولون لم يسمع من أبيه.

وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه لا يتابع عليه» «3» .

وقال ابن حجر: «متروك. وكذّبه الثوري» «4» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4: 432/ 5321.

(2) تقريب التهذيب 2: 397/ 4257.

(3) ميزان الاعتدال 4: 436/ 5329.

(4) تقريب التهذيب 2: 398/ 4263.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 112

57- عبيداللَّه بن زجر

أخرج عنه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد بن حنبل وغيرهم.

قال الذهبي: «روي عنه الكبار …

روي عثمان بن سعيد عن يحيي قال: حديثه عندي ضعيف.

وروي عبّاس عن يحيي: ليس بشي ء.

وقال ابن المديني: منكر الحديث.

وقال الدارقطني: ليس بالقوي وشيخه علي متروك.

وقال ابن حبّان: يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روي عن علي ابن زيد أتي بالطامّات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيداللَّه وعلي بن زيد والقاسم أبو عبدالرحمن لم يكن ذلك الخبر إلّاما عملته أيديهم.

قلت: أخرج له أرباب السنن وأحمد في مسنده» «1» .

58- عبيد بن القاسم الأسدي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «عبيد بن القاسم بن هشام بن عروة.

ليس بثقةٍ، قد حدّث عنه أحمد ويحيي وأحمد بن المقدام.

قال البخاري: ليس بشي ء.

وقال يحيي: ليس بثقة، وقال مرّةً: كذّاب.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 5: 9/ 5364.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 113

وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث.

وقال أبو زرعة: لا ينبغي أنْ يحدّث عنه.

وقال ابن حبّان: روي عن هشام نسخةً موضوعة.

قال الدارقطني: ضعيف.

وقال صالح جزرة: كذّاب يضع الحديث.

وقال أبو داود: كان يضع الحديث.

وقال النسائي: متروك الحديث» «1»

.

59- عثمان بن عبدالرحمن أخرج عنه الترمذي قال ابن حجر: «عثمان بن عبدالرحمن بن عمر بن سعد بن أبي وقّاص …

متروك. وكذّبه ابن معين» «2» .

وقال الذهبي: «قال البخاري: تركوه …

قال ابن معين: ليس بشي ء، وقال مرّةً: يكذب.

وضعّفه علي جدّاً. قال النسائي والدارقطني: متروك» «3» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 5: 28/ 5441.

(2) تقريب التهذيب 2: 441/ 4493.

(3) ميزان الاعتدال 5: 56- 57/ 5537.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 114

60- عثمان بن فائد

أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «عثمان بن فائد، عن جعفر بن يرقان.

قال ابن حبّان: لا يحتجّ به» .

ثمّ ساق أحاديث فنقل عن البخاري أنّها موضوعة والمتّهم بوضعها عثمان «1» .

61- عطاء بن عجلان أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «عطاء بن عجلان الحنفي البصري، عن أنس وأبي عثمان النهدي، وعنه: حمّاد بن سلمة وسعد بن أبي الصّلت.

قال ابن معين: ليس بشي ء، كذّاب. وقال مرّةً: كان يضع الحديث فيحدّث به.

وقال الفلاس: كذّاب.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال أبو حاتم والنسائي: متروك.

وقال الدارقطني: ضعيف يعتبر به، وقال مرّةً: متروك» «2» .

وقال ابن حجر: «متروك.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 5: 65/ 5558.

(2) ميزان الاعتدال 5: 95/ 5650.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 115

بل أطلق عليه ابن معين والفلّاس وغيرهما: الكذّاب» «1» .

62- عطيّة بن سفيان الثقفي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «عطيّة بن سفيان الثقفي، تفرّد عنه عيسي بن عبداللَّه بن مالك كذّاب» «2» .

63- عكرمة البربري أخرج عنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

وقد تقدّم في الكتاب أنّ عدّةً من الكبار كذّبوه، كيحيي بن سعيد، وعلي ابن عبداللَّه بن العبّاس، وسعيد بن المسيّب، وعبداللَّه بن عمر، وابن سيرين وغيرهم.

64- العلاء بن خالد الواسطي أخرج عنه الترمذي.

وقال الذهبي: «العلاء بن خالد

الواسطي، مولي قريش. عن قتادة، ورأي الحسن. وعنه: مسدّد وهدبة.

قوّاه ابن حبّان.

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 3: 15/ 4594.

(2) ميزان الاعتدال 5: 101/ 5674.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 116

وكذّبه أبو سلمة» «1» .

وقال ابن حجر: «ضعيف. رماه أبو سلمة بالكذب، وتناقض ابن حبّان» «2» .

65- العلاء بن زيد الثقفي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «العلاء بن زيد الثقفي، عن أنس بن مالك، يكنّي أبا محمّد، بصري.

قال ابن المديني: كان يضع الحديث.

وقال أبو حاتم والدارقطني: متروك الحديث.

وقال البخاري وغيره: منكر الحديث.

وقال ابن حبّان: روي عن أنس نسخةً موضوعة» «3» .

وقال ابن حجر: «متروك، رماه أبوالوليد بالكذب» «4» .

66- العلاء بن مسلمة بن عثمان أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «العلاء بن مسلمة الرواس، حدّث ببغداد، عن ضمرة بن ربيعة وجماعة. وعنه، الترمذي ويحيي بن صاعد.

قال الأزدي: لا تحلّ الرواية عنه، كان لا يبالي ما روي.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 5: 122/ 5732.

(2) تقريب التهذيب 3: 128/ 5234.

(3) ميزان الاعتدال 5: 123/ 5736.

(4) تقريب التهذيب 3: 128/ 5239.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 117

وقال ابن طاهر: كان يضع الحديث.

وقال ابن حبّان: يروي الموضوعات عن الثقات» «1» .

وقال ابن حجر: «متروك، رماه ابن حبّان بالوضع» «2» .

67- علي بن المجاهد الكابلي أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «علي بن مجاهد الكابلي.

كذبّه يحيي بن الضريس، ومشّاه غيره ووثّق.

وقال ابن معين: كان يضع الحديث.

وقال السليماني: فيه نظر» «3» .

68- عمارة بن جوين العبدي أخرج عنه الترمذي وابن ماجة والبخاري في أفعال العباد.

قال الذهبي: «عمارة بن جوين، أبو هارون، العبدي، تابعي.

ليّن بمرّة.

كذّبه حمّاد بن زيد.

وقال شعبة: لأن اقدَّم فتضرب عنقي أحبّ إليّ من أن احدّث عن أبي هارون.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 5: 130/ 5749.

(2) تقريب التهذيب 3: 131/

5256.

(3) ميزان الاعتدال 5: 184/ 5925.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 118

وقال أحمد: ليس بشي ء.

وقال ابن معين: ضعيف لا يصدّق في حديثه.

وقال النسائي: متروك الحديث.

وقال الدارقطني: يتلوّن، خارجي وشيعي، فيعتبر بما روي عنه الثوري.

وقال ابن حبّان: كان يروي عن أبي سعيد ماليس من حديثه.

وروي معاوية بن صالح عن يحيي: ضعيف.

يحيي القطّان قال قال شعبة: كنت أتلقّي الركبان أسأل عن أبي هارون العبدي، فقدم، فرأيت عنده كتاباً فيه أشياء منكرة في علي رضي اللَّه عنه، فقلت: ما هذا الكتاب؟ قال: هذا الكتاب حق.

قال القطّان: لم يزل ابن عون يروي عن أبي هارون حتّي قال الجوزجاني: أبو هارون كذّاب مفتر.

ابن عدي: ثنا الحسن بن سفيان، حدّثني عبدالعزيز بن سلام، حدّثني علي بن مهران، سمعت بهز بن أسد سمعت شعبة يقول: أتيت أباهارون، فقلت: أخرج إليَّ ما سمعته من أبي سعيد، فأخرج إليَّ كتاباً، فإذا فيه: ثنا أبو سعيد: إنّ عثمان ادخل حفرته وإنّه لكافر باللَّه. فدفعت الكتاب في يده وقمت.

الأثرم: ثنا أحمد، ثنا يحيي بن آدم، ثنا معلي بن خالد قال لي شعبة: لو شئت أن يحدّثني أبو هارون العبدي عن أبي سعيد بكلّ شي ء رأي أهل واسط يصنعونه باللّيل، لفعلت.

وقال ابن معين قال لي شعبة: كان عند أبي هارون العبدي صحيفة يقول: هذه صحيفة الوصي.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 119

قال السليماني: سمعت أبابكر ابن خليد يقول: سمعت صالح بن محمّد أبا علي- وسئل عن أبي هارون العبدي- فقال: أكذب من فرعون» «1» .

وقال ابن حجر: «متروك، ومتّهم، بيّن كذبه» «2» .

69- عمر بن صبح الخراساني أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «ليس بثقة ولا مأمون.

قال ابن حبّان: كان ممّن يضع الحديث …

قال الدارقطني وغيره:

متروك.

وقال الأزدي: كذّاب.

قال أحمد بن علي السليماني: عمر بن الصبح الذي وضع آخر خطبة النبي» «3» .

وفي (حاشية الكاشف):

«قال أبو حاتم ابن حبّان: يضع الحديث علي الثقات، لا يحلّ كتب حديثه إلّاعلي وجه التعجّب.

وقال أبوالفتح الأزدي: كذّاب.

وقال الدارقطني: متروك.

وقال إسحاق بن راهويه: ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير- يعني في __________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 5: 209/ 6024.

(2) تقريب التهذيب 3: 62/ 4840.

(3) ميزان الاعتدال 5: 248/ 6153 ملخّصاً.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 120

البدعة والكذب- جهم بن صفوان وعمر بن الصبح ومقاتل بن سليمان» .

وقال ابن حجر: «متروك. كذّبه ابن راهويه» «1» .

70- عمر بن هارون البلخي أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «عمر بن هارون البلخي، أبو حفص، مولي ثقيف. عن جعفر بن محمّد وابن جريج. وعنه: قتيبة وأحمد ونصر بن علي وخلق. وقد تزوَّج ابن جريج باخته وجاور عنده، وكان من أوعية العلم علي ضعفه. وقال قتيبة: كان شديداً علي المرجئة، من أعلم الناس بالقراءات.

وقال ابن مهدي وأحمد والنسائي: متروك الحديث.

وقال يحيي: كذّاب خبيث.

وقال أبو داود: غير ثقة.

وقال الدارقطني: ضعيف جدّاً.

وقال ابن المديني: ضعيف جدّاً.

وقال صالح جزرة: كذّاب.

وقال زكريّا الساجي: فيه ضعف.

وقال أبو علي النيسابوري: متروك» «2» .

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 3: 76/ 4922.

(2) ميزان الاعتدال 5: 275/ 6243.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 121

71- عمرو بن جابر أبو زرعة الحضرمي أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «هالك.

قال سعيد بن أبي مريم: سمعت ابن لهيعة يقول: عمرو بن جابر خفيف العقل، كان يقول: علي في السحاب، كان يجلس معنا فيبصر سحابةً فيقول:

هذا قد مرّ في السحاب، كان شيخاً أحمق.

وقال أحمد: روي عن جابر مناكير، وبلغني أنّه كان يكذب» «1»

.

وفي (حاشية الكاشف): «قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: غير ثقة علي جهلٍ وحمق. وقال أبو حاتم ابن حبان: لا يحتجّ بخبره. وقال أبوالفتح الأزدي: كذّاب» .

72- عمرو بن خالد القرشي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «عمرو بن خالد القرشي، كوفي، أبو خالد، تحوّل إلي واسط.

قال وكيع: كان في جوارنا، يضع الحديث، فلمّا فُطن له تحوّل إلي واسط» .

«روي عبّاس عن يحيي قال: كذّاب غير ثقة.

حدّث عنه الأبار وغيره، فروي عن زيد بن علي عن آبائه.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 5: 303/ 6347.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 122

روي عثمان بن سعيد عن يحيي قال: عمرو بن خالد الذي يروي عنه الأبّار كذّاب.

روي أحمد بن ثابت عن أحمد بن حنبل قال: عمرو بن خالد الواسطي كذّاب.

وقال النسائي: روي عن حبيب بن أبي ثابت، كوفي، ليس بثقة.

وقال الدارقطني: كذّاب» «1» .

وفي (حاشية الكاشف): «قال إسحاق وأبو زرعة: كان يضع الحديث.

وقال أبو حاتم: متروك الحديث، ذاهب الحديث، لا يشتغل به، وقال:

كذّاب» .

73- عمرو بن واقد الدمشقي أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «قال أبو مسهر: ليس بشي ء.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال ابن عدي: يكتب حديثه مع ضعفه.

وقال الدارقطني: متروك.

وروي الفسوي عن دحيم قال: لم يكن شيوخنا يحدّثون عنه، وقال:

لم نشك أنّه كان يكذب.

وكذّبه مروان بن محمّد» «2» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 5: 311/ 6365.

(2) ميزان الاعتدال 5: 349/ 6471.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 123

74- عنبسة بن عبدالرحمن أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «عنبسة بن عبدالرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص القرشي الأموي. عن الحسن وغيره.

قال البخاري: تركوه.

روي الترمذي عن البخاري: ذاهب الحديث.

وقال أبو حاتم: كان يضع الحديث» «1» .

75- قاسم بن عبداللَّه بن عمر

أخرج عنه

ابن ماجة.

قال الذهبي: «القاسم بن عبداللَّه بن عمر العمري المدني، عن ابن المنكدر وعبداللَّه بن دينار.

قال أحمد: ليس بشي ء، كان يكذب ويضع الحديث.

وقال يحيي: ليس بشي ء، وقال مرّةً: كذّاب.

وقال أبو حاتم والنسائي: متروك.

وقال الدارقطني: ضعيف.

وقال البخاري: سكتوا عنه» «2» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 5: 362/ 6518.

(2) ميزان الاعتدال 5: 451/ 6818.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 124

76- كثير بن عبداللَّه بن عمرو

أخرج عنه أبو داود والترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «قال ابن معين: ليس بشي ء.

وقال الشافعي وأبو داود: ركن من أركان الكذب.

وضرب أحمد علي حديثه.

وقال الدارقطني وغيره: متروك.

وقال أبو حاتم: ليس بالمبيّن.

وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال مطرف بن عبداللَّه المدني: رأيته كان كثير الخصومة، لم يكن أحد من أصحابنا يأخذ عنه، قال له عمران القاضي: يا كثير، أنت رجل بطّال، تخاصم فيما لا تعرف وتدّعي فيما ليس لك، ومالك بيّنة، فلا تقربني إلّاأنْ تراني تفرّغت لأهل البطالة.

وقال ابن حبّان: له عن أبيه عن جدّه نسخة موضوعة» «1» .

77- محمّد بن حسن بن زبالة

أخرج عنه أبو داود.

قال الذهبي: «محمّد بن الحسن بن زبالة المخزومي، المدني، عن مالك وذويه.

قال أبو داود: كذّاب!!

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 5: 492/ 6949.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 125

وقال يحيي: ليس بثقة.

وقال النسائي والأزدي: متروك الحديث.

وقال أبو حاتم: واهي الحديث.

وقال الدارقطني وغيره: منكر الحديث» «1» .

وقال ابن حجر: «كذّبوه» «2» .

78- محمّد بن عبدالرحمن القشيري أخرج عنه ابن ماجة.

قال ابن حجر: «كذّبوه» «3» .

79- محمّد بن الفرات أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «محمّد بن الفرات، أبو علي التيمي، كوفي، عن أبي إسحاق ومحارب بن دثار.

كذّبه أحمد وأبوبكر ابن أبي شيبة.

وقال أبو داود: روي عن محارب أحاديث موضوعة.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال الدارقطني: ليس بالقوي.

__________________________________________________

(1) ميزان

الاعتدال 6: 108/ 7386.

(2) تقريب التهذيب 3: 228/ 5815.

(3) تقريب التهذيب 3: 282/ 6090.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 126

وقال ابن معين: ليس بشي ء … » «1» .

وقال ابن حجر: «كذّبوه» «2» .

80- محمّد بن إسحاق بن عكاشة

أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «قال البخاري: منكر الحديث.

وقال ابن معين: كذّاب.

وقال الدارقطني: يضع الحديث» «3» .

81- محمّد بن بشّار- بندار

أخرج عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

قال الذهبي: «كذّبه الفلّاس» .

«وقال عبداللَّه ابن الدورقي: كنّا عند يحيي بن معين، فجري ذكر بندار، فرأيت يحيي لا يعبأ به ويستضعفه، ورأيت القواريري لا يرضاه وقال: كان صاحب حمام.

قلت: احتجّ به أصحاب الصحاح كلّهم، وهو حجّة بلا ريب» «4» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 6: 293/ 8053.

(2) تقريب التهذيب 3: 304/ 6217.

(3) ميزان الاعتدال 6: 63/ 7208.

(4) ميزان الاعتدال 6: 79/ 7275.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 127

82- مبارك بن حسان أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «مبارك بن حسان. عن عطا.

قال الأزدي: يرمي بالكذب.

وقال ابن معين: ثقة.

ذكره البخاري فما ذكر فيه جرحاً.

وقال أبو داود: منكر الحديث.

وقال النسائي: ليس بالقوي» «1» .

83- محمّد بن الحسن الهمداني أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «محمّد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني الكوفي.

قال ابن معين: قد سمعنا منه ولم يكن بثقة، وقال مرّةً: كان يكذب.

وقال أحمد: ما أراه يسوي شيئاً.

وقال النسائي: متروك.

وقال أبو داود: ضعيف، وقال مرّةً: كذّاب.

وقال أبو حاتم: ليس بالقوي» «2» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 6: 13/ 7044.

(2) ميزان الاعتدال 6: 109/ 7388.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 128

84- محمّد بن حميد بن حبان الرازي أخرج عنه الترمذي وأبو داود وابن ماجة.

قال الذهبي: «من بحور العلم وهو ضعيف.

قال يعقوب بن شيبة:

كثير المناكير.

وقال البخاري: فيه نظر.

وكذّبه أبو زرعة.

وقال فضلك الرازي: عندي عن ابن حميد خمسون ألف حديث، ولا احدّث عنه بحرف.

وعن الكوسج قال: أشهد أنّه كذّاب.

وقال صالح جزرة: كنّا نتّهم ابن حميد في كلّ شي ء يحدّثنا، ما رأيت أجرأ علي اللَّه منه، كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضه علي بعض.

قال ابن خراش: ثنا ابن حميد، وكان- واللَّه- يكذب.

وجاء عن غير واحدٍ: إنّ ابن حميد كان يسرق الحديث.

وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال صالح جزرة: ما رأيت أحذق بالكذب من ابن حميد» «1» .

85- محمّد بن خالد الواسطي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «محمّد بن خالد بن عبداللَّه الواسطي الطحّان، عن أبيه.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 6: 7459126 ملخّصاً.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 129

قال يحيي: كان رجل سوء. وقال مرّةً: لا شي ء.

وقال ابن عدي: أشدّ ما أنكر عليه أحمد ويحيي رواية له عن أبيه عن الأعمش، ثمّ له مناكير غير ذلك.

وقال أبو زرعة: ضعيف، توفي سنة 240.

وقال ابن عدي: سمعت محمّد بن سعد، سمعت ابن الجنيد أو صالح جزرة يقول: سمعت يحيي بن معين يقول: محمّد بن خالد بن عبداللَّه كذّاب، إنْ لقيتموه فأضعفوه، وقد لحقه عبدان وكاسر عن السماع منه» «1» .

86- محمّد بن سعيد المصلوب أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «محمّد بن سعيد المصلوب الشامي، من أهل دمشق، أُتّهم بالزندقة فصلب، واللَّه أعلم، وكان من أصحاب مكحول …

قال أبو أحمد الحاكم: كان يضع الحديث.

وقال أبو زرعة الدمشقي: حدّثنا محمود بن خالد عن أبيه سمعت محمّد ابن سعيد يقول: لا بأس إذا كان كلاماً حسناً أنْ تضع له إسناداً.

وروي عيسي بن يونس عن الثوري قال: كذّاب.

وروي أبو زرعة الدمشقي عن أحمد بن حنبل: كان كذّاباً» «2» .

__________________________________________________

(1)

ميزان الاعتدال 6: 130/ 7473.

(2) ميزان الاعتدال 6: 164/ 7598.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 130

87- محمّد بن عبداللَّه بن أبي سبره أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «محمّد بن عبداللَّه بن أبي سبره، أبوبكر المدني، شيخ الواقدي، معروف بكنيته.

قال أحمد بن حنبل: كان يضع الحديث» «1» .

88- محمّد بن الفضل بن عطيّة المروزي أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «محمّد بن الفضل بن عطيّة المروزي، وقيل: الكوفي، أبوعبداللَّه، مولي بني عبس، نزيل بخارا. روي عن أبيه وزياد بن علاقة ومنصور. وعنه: يحيي بن يحيي، وعنه: عباد الرواجني ومحمّد بن عيسي بن حيّان المدايني، وهو آخر أصحابه موتاً.

قال أحمد: حديثه حديث أهل الكذب.

وقال يحيي: لا يكتب حديثه.

وقال غير واحد: متروك.

ويقال: حجَّ بضعاً وثلاثين حجّة.

وعنه قال: كنت وأنا ابن خمس سنين حيث كان يذهب بي أبي إلي العلماء.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 204/ 7757.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 131

وقال البخاري: سكتوا عنه، سكن بخارا.

رماه ابن أبي شيبة بالكذب.

وقال الفلّاس: كذّاب» «1» .

وقال ابن حجر: «كذّبوه» «2» .

89- مبشّر بن عبيد الحمصي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «مبشّر بن عبيد الحمصي، عن الزهري.

قال أحمد: كان يضع الحديث.

وقال البخاري: عنه: بقيّة. منكر الحديث.

وقد طوّل ابن عدي ترجمته بالواهيات وقال: أصله كوفي» «3» .

90- معلّي بن عبدالرحمن الواسطي أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «معلّي بن عبدالرحمن الواسطي، عن جرير بن حازم وعبدالحميد بن جعفر، وعنه: كردوس ومحمّد بن عبدالملك الدقيقي.

قال الدارقطني: ضعيف كذّاب.

وقال أبو حاتم: متروك.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 6: 296/ 8062.

(2) تقريب التهذيب 3: 306/ 6225.

(3) ميزان الاعتدال 6: 17/ 7058.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 132

وذهب ابن المديني إلي أنّه كان يضع الحديث.

وقال أبو زرعة: ذاهب الحديث»

«1» .

91- مقاتل بن سليمان أخرج عنه أبو داود.

قال ابن حجر: «كذّبوه وهجروه، ورمي بالتجسيم» «2» .

92- مينا بن أبي مينا

أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «ما حدّث عنه سوي همام الصنعاني والد عبدالرزاق.

قال أبو حاتم: يكذب» «3» .

93- نصر بن حمّاد الورّاق أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «نصر بن حمّاد الورّاق، أبوالحارث، حدّث ببغداد، عن شعبة وغيره.

قال النسائي وغيره: ليس بثقة.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 6: 474/ 8679.

(2) تقريب التهذيب 3: 413/ 6868.

(3) ميزان الاعتدال 6: 582/ 8988.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 133

وقال البخاري: يتكلّمون فيه.

وذكر له ابن عدي مناكير منها …

وقال فيه مسلم: ذاهب الحديث.

وقال صالح جزرة: لا يكتب حديثه.

وقال عبداللَّه بن أحمد عن ابن معين: كذّاب» «1» .

94- نضر بن كثير، أبو سهل البصري أخرج عنه أبو داود والنسائي.

قال الذهبي: «النضر بن كثير، أبو سهل البصري، عن ابن طاوس.

قال أبو حاتم: فيه نظر.

وقال ابن حبّان: يروي الموضوعات عن الثقات علي قلّة روايته.

وقال البخاري: عنده مناكير» «2» .

95- نفيع بن الحارث النخعي، أبو داود الأعمي أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال ابن حجر: «متروك. وقد كذّبه ابن معين» «3» .

وقال الذهبي: «قال العقيلي: كان يغلو في الرفض.

وقال البخاري: يتكلّمون فيه.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 7: 20/ 9036.

(2) ميزان الاعتدال 7: 33/ 9088.

(3) تقريب التهذيب 4: 23/ 7181.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 134

وقال يحيي بن معين: ليس بشي ء.

وقال النسائي: متروك.

ويقال لأبي داود هذا: السبيعي، لأنّهم مواليه، وقد دلّسه بعض الرواة فقال: نافع بن أبي نافع.

كذّبه قتادة.

وقال الدارقطني وغيره: متروك الحديث.

وقال أبو زرعة: لم يكن بشي ء.

وقال ابن حبّان: لا تجوز الرواية عنه … » «1» .

96- نهشل بن سعيد الورداني أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «نهشل بن سعيد

البصري، عن الضحاك بن مزاحم وغيره.

قال إسحاق بن راهويه: كان كذّاباً.

وقال أبو حاتم وأبو داود والنسائي: متروك.

وقال يحيي والدارقطني: ضعيف» «2» .

وقال ابن حجر: «متروك، كذّبه إسحاق بن راهويه» «3» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 7: 46/ 9122.

(2) ميزان الاعتدال 7: 50/ 9134.

(3) تقريب التهذيب 4: 25/ 7198.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 135

97- نوح بن أبي مريم أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «نوح بن أبي مريم يزيد بن عبداللَّه، أبو عصمة، المروزي، عالم أهل مرو، وهو نوح الجامع … ولي قضاء مرو في خلافة المنصور واقتدت حياته.

قال نعيم: سئل ابن المبارك عنه فقال: لا إله إلّااللَّه.

وقال أحمد: لم يكن بذاك في الحديث، وكان شديداً علي الجهميّة.

وقال مسلم وغيره: متروك الحديث.

وقال الحاكم: وضع أبو عصمة حديث فضائل القرآن الطويل.

وقال البخاري: منكر الحديث» «1» .

وقال ابن حجر: «كذّبوه في الحديث، وقال ابن المبارك: كان يضع» «2» .

98- هارون بن هارون أخرج عنه ابن ماجة.

قال الذهبي: «هارون بن هارون بن عبداللَّه بن محرر بن الهدير، التيمي المدني، عن مجاهد والأعرج وابن المنكدر وغيرهم، وهو أخو محرر بن هارون.

قال البخاري: لا يتابع في حديثه.

وقال النسائي: ضعيف.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 7: 55/ 9150.

(2) تقريب التهذيب 4: 27/ 7210.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 136

وقال ابن حبّان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يجوز الإحتجاج به» «1» .

99- الوليد بن عبداللَّه الهمداني أخرج عنه أبو داود والترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «ضعّفه أحمد وصالح جزرة وغيرهما، ولم يترك.

مات سنة 172.

وقال فيه محمّد بن عبداللَّه بن نمير: ليس بشي ء، كذّاب.

وقال ابن معين:

وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجّ به.

وقال أبو زرعة: منكر الحديث، يهم كثيراً. وقال مرّةً: في حديثه وهاء.

وساق له ابن

عدي أحاديث مقاربة تحمل ومتونها قويّة» «2» .

100- الوليد بن محمّد الموقري صاحب الزهري أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «قال أبو حاتم: ضعيف الحديث.

وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه.

وقال ابن خزيمة: لا أحتجّ به.

وكذّبه يحيي بن معين.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 7: 66/ 9184.

(2) ميزان الاعتدال 7: 133/ 9385.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 137

وقال أبو زرعة الدمشقي: لم يزل حديثه مقارباً، يقال توفي سنة 181.

وقال النسائي: متروك الحديث» «1» .

وفي (حاشية الكاشف):

«قال ابن حبّان: روي عن الزهري أشياء موضوعة لم يروها الزهري قط، ويرفع المراسيل ويسند الموقوف، لا يجوز الإحتجاج به بحال» .

101- يحيي بن عمرو بن مالك النكري أخرج عنه الترمذي.

قال الذهبي: «ضعّفه أبو داود وغيره.

ورماه حمّاد بن زيد بالكذب» «2» .

102- يحيي بن العلاء البجلّي أخرج عنه أبو داود وابن ماجة.

قال الذهبي: «كان فصيحاً مفوّهاً، من النبلاء.

قال أبو حاتم: ليس بالقوي.

وضعّفه ابن معين وجماعة.

وقال الدارقطني: متروك.

وقال أحمد بن حنبل: كذّاب يضع الحديث» «3» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 7: 139/ 9408.

(2) ميزان الاعتدال 7: 208/ 9603.

(3) ميزان الاعتدال 7: 205/ 9599.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 138

103- يزيد بن عياض أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «يزيد بن عياض بن يزيد بن جعدية الليثي، حجازي، حدّث بالبصرة عن نافع وابن شهاب والمقبري. وعنه: علي بن الجعد وشيبان وعدّة.

قال البخاري وغيره: منكر الحديث.

وقال يحيي: ليس بثقة.

وقال علي: ضعيف.

ورماه مالك بالكذب.

وقال النسائي وغيره: متروك.

وقال الدارقطني: ضعيف.

وقال عبّاس عن يحيي: ليس بشي ء، ضعيف.

وروي يزيد بن الهيثم عن ابن معين: كان يكذب.

وروي أحمد بن أبي مريم عن ابن معين: ليس بشي ء، لا يكتب حديثه» «1» .

104- يعقوب بن الوليد

أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «قال

أحمد: حرّق حديثه.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 7: 258/ 9748.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 139

وكذّبه أبو حاتم ويحيي.

وقال أبو داود: غير ثقة.

وقال الدارقطني: ضعيف.

وقال أحمد أيضاً: كان من الكذّابين الكبار، يضع الحديث» «1» .

105- يوسف بن إبراهيم التميمي أخرج عنه الترمذي وابن ماجة.

قال الذهبي: «قال ابن حبّان: يروي عن أنس ماليس من حديثه، لا يحلّ الرواية عنه.

وقال أبو حاتم: ضعيف، عنده عجائب» «2» .

106- يونس بن حباب الأسدي أخرج عنه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

قال الذهبي: «كان رافضياً، قال لعباد بن عباد: عثمان قتل بنتي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقلت له: قتل واحدةً، فلم أنكحه الاخري؟

قال يحيي بن سعيد: كان كذّاباً.

وقال ابن معين: رجل سوء، ضعيف.

وقال ابن حبّان: لا تحلّ الرواية عنه.

وقال النسائي: ضعيف.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 7: 282/ 9837.

(2) ميزان الاعتدال 7: 291/ 9863.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 140

وقال الدارقطني: رجل سوء فيه شيعيّة مفرطة.

وقال البخاري: منكر الحديث» «1» .

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 7: 314/ 9911.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 143

3) من تحريفات الصحابة للأحاديث النبويّة … ص: 143

اشارة

وفي كتب القوم- من الصّحاح وغيرها- أحاديث يرويها بعض الصحابة عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بصورة محرّفة، وإنّ البعض الآخر منهم يردّ عليه ويبيّن له ويذكّره باللفظ الذي قاله النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم …

ونحن نكتفي هنا بعددٍ من تلك الأحاديث:

1- الحديث في البكاء علي الميّت … ص: 143

لقد نسب عمر بن الخطّاب وولده عبداللَّه إلي النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أنّه قال بأنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه، فنبّهت عائشة علي أنّ ما يرويانه تحريفٌ لكلامه، ثمّ ذكرت حقيقة الأمر كما قال عليه وآله الصلاة والسلام.

أخرج البخاري: «حدّثنا عبدان قال: أخبرنا عبداللَّه بن عبيداللَّه بن أبي مليكة قال: توفّيت بنت لعثمان بمكّة، وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عبّاس وإنّي لجالس بينهما- أو قال: جلست إلي أحدهما ثمّ جاء الآخر فجلس إلي جنبي- فقال عبداللَّه بن عمر لعمرو بن عثمان:

ألا تنهي عن البكاء؟ فإنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه!

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 144

فقال ابن عبّاس: قد كان عمر يقول بعض ذلك، ثمّ حدَّث قال: صدرت مع عمر من مكّة، حتّي إذا كنّا بالبيداء إذا هو بركبٍ تحت ظلّ سمرة فقال:

إذهب فانظر من هؤلاء الركب، قال: فنظرت فإذا صهيب، فأخبرته، فقال:

ادعه لي، فرجعت إلي صهيب فقلت: ارتحل فالحق أميرالمؤمنين، فلمّا اصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول: وا أخاه واصاحباه! فقال له عمر: يا صهيب أتبكي عليَّ وقد قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ الميّت يعذّب ببعض بكاء أهله عليه.

قال ابن عبّاس: فلمّا مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت:

يرحم اللَّه عمر، واللَّه ما حدّث رسول اللَّه إنّ اللَّه ليعذّب المؤمن

ببكاء أهله عليه، ولكن رسول اللَّه قال: إنّ اللَّه ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه.

قالت: حسبكم القرآن «ولا تزر وازرة وزر اخري» .

قال ابن عبّاس عند ذلك: واللَّه هو أضحك وأبكي.

قال ابن أبي مليكة: واللَّه ما قال ابن عمر شيئاً» «1» .

فانظر كيف حرّف عمر وولده كلام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وما استحيت عائشة من تكذيبهما … ؟

وفي (الإنصاف في بيان سبب الإختلاف) ما نصّه:

«ومنها: اختلاف الضبط. مثاله: ما روي عن ابن عمر عنه صلّي اللَّه عليه وسلّم من أنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه.

نقضت عائشة بأنّه لم يأخذ الحديث علي وجهه: مرّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم علي يهوديّة يبكي عليها أهلها، فقال صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّهم __________________________________________________

(1) صحيح البخاري 2: 173.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 145

يبكون عليها وإنّها تعذَّب في قبرها.

وظنّ العذاب معلولًا بالبكاء، وظنّ الحكم عامّاً علي كلّ ميّت» .

أقول:

وهذا الذي ذكره وليّ اللَّه الدهلوي موجود في صحيح مسلم وغيره «1» .

ثمّ لا يخفي أنّ التحريف في الألفاظ النبويّة من عبداللَّه بن عمر كثير، ممّا يظهر أنّ التحريف والتصرّف في الأحاديث كان سجيّةً له.

2- الحديث في موت الفجأة … ص: 145

ومن ذلك: الحديث في موت الفجأة، فانظر ما هو أصل الحديث- كما ترويه عائشة- وكيف حرّفه عبداللَّه بن عمر:

أخرج الطبراني في (الأوسط) عن موسي بن طلحة قال:

«بلغ عائشة أن ابن عمر يقول: إنّ موت الفجأة سخطة علي المؤمنين.

فقالت: يغفر اللَّه لابن عمر! إنّما قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم:

موت الفجأة تخفيف علي المؤمنين وسخطة علي الكافرين» «2» .

3- حديث خطاب النبي لأهل قليب بدر … ص: 145

وحرّف عبداللَّه بن عمر كلام النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم مخاطباً أهل قليب بدر، فقد أخرج عنه البخاري قال:

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم 3: 41، كتاب الجنائز، باب الميت يعذّب ببكاء أهله عليه.

(2) المعجم الأوسط 4: 104 رقم 3153.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 146

«وقف النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم علي قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً؟ ثمّ قال: إنّهم الآن يسمعون ما أقول.

فذكر ذلك لعائشة فقالت: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّهم ليعلمون الآن ما كنت أقول لهم حق» «1» .

4- حديث الأذان … ص: 146

وحرّف عبداللَّه بن عمر كلام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في جواز الأكل والشرب بعد أذان ابن ام مكتوم، وتركهما بعد أذان بلال، إذ قد عكس الكلام تماماً، فروي عنه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم الإذن في الأكل والشرب بعد أذان بلال والامتناع عنهما بعد أذان ابن ام مكتوم.

فنبّهت عائشة علي هذا التحريف، كما ذكر ابن حجر العسقلاني وغيره «2» .

أقول:

وقد وقع نظائر ذلك من غير عمر وابنه من الصّحابة، كأبي هريرة.

5- حديث اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ … ص: 146

وهذا من غرائب التحريفات والتصرّفات منهم … !

قال البخاري: «حدّثنا محمّد بن المثنّي قال: حدّثنا الفضل بن مساور- ختن أبي عوانة- قال: حدّثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر:

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 5: 187.

(2) فتح الباري- شرح صحيح البخاري 2: 43.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 147

سمعت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: اهتزّ العرش لموت سعد بن معاذ.

وعن الأعمش: حدّثنا أبو صالح عن جابر عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم مثله.

فقال رجل لجابر: فإنّ البراء يقول: اهتزّ السرير.

فقال: إنّه كان بين هذين الحيّين ضغائن، سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: اهتزّ عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ» «1» .

فانظر كيف تصرّف الصحابي في الحديث النبوي بسبب بغضه وعدائه لسعد بن معاذ …

والأعجب من ذلك ما نقلوه عن عبداللَّه بن عمر، من تأويل حديث النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وتغيير معناه إلي ما ذكره البراء بن عازب فقد قال الحكيم الترمذي في (نوادر الاصول):

«حدّثنا الحسين بن علي العجلي قال: حدّثنا عمرو ابن محمّد العبقري قال: حدّثنا عبداللَّه بن إدريس، عن عبيداللَّه بن عمرو، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول

اللَّه: اهتزّ العرش لموت سعد بن معاذ.

حدّثنا سفيان بن وكيع، حدّثنا يزيد بن هارون، عن محمّد بن عمرو، عن أبيه عن جدّه، عن عائشة، عن اسيد بن حصين قال قال رسول اللَّه: اهتزّ العرش لوفاة سعد بن معاذ.

قال أبو عبداللَّه: فتأوّل ناس في هذا الحديث وقالوا: العرش سريره الذي حمل عليه، واحتجّوا بحديث رووه عن ابن عمر أنّه تأوّله هكذا:

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 5: 116.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 148

حدّثنا الجارود قال: جرير، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: ذكر يوماً عنده حديث سعد: إنّ العرش يهتزّ بحبّ اللَّه لقاء سعد.

قال ابن عمر: إنّ العرش ليس يهتزّ لموت أحد، ولكنّه سريره الذي حمل عليه.

قال: فهذا مبلغ ابن عمر- رحمه اللَّه- من علم ما ألقي اللَّه من ذلك، وفوق كلّ ذي علم عليم» .

أقول:

فهذه نماذج من تحريفات الصحابة.

وأمّا تحريفات الرواة من غير الصحابة فلا يمكن حصرها، وقد أورد الحافظ القاضي عياض بعضها في كتاب (مشارق الأنوار).

وأمّا أكاذيبهم ومختلقاتهم في خصوص المناقب والفضائل … فكذلك، كما لا يخفي علي من راجع كتاب (عبقات الأنوار) و (شوارق النصوص) وأمثالهما.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 151

4) من تصحيفات الناسخين … ص: 151

وأمّا التصحيفات في ألفاظ الروايات وأسماء الرواة وغير ذلك- كما ذكر علماؤهم الأعلام-، فلا يمكن استقصاؤها وحصرها في كتابٍ، وقد رأينا الإكتفاء بجملةٍ منها في هذا المقام:

- 1-

قال العراقي في (التقييد والإيضاح):

«قوله حكاية عن عبدالرحمن بن مهدي أنّه قال: الثقة شعبة وسفيان.

وقد اعترض عليه: بأنّ الذي في كتاب الخطيب وغيره: الثقة شعبة ومسعر، لم يذكر سفيان جملة.

والجواب: إنّ المصنّف لم يحك ذلك عن الخطيب، وعلي تقدير كونه في كتاب الخطيب هكذا فيحتمل

أنّه من النسّاخ، فليس غلط المصنّف بأولي من تغليطهم» «1» .

- 2-

قال سبط ابن الجوزي، في مدّة حياة الصدّيقة الزهراء عليها السلام بعد أبيها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:

__________________________________________________

(1) التقييد والإيضاح لما أطلق أو أغلق من كتاب ابن الصلاح: 153.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 152

«وأقامت مع علي بعد وفاة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم سبعين يوماً.

وفي روايةٍ: أربعين يوماً، وتوفّيت وهي بنت ثمان عشرة سنة.

قلت: وليست هذه الرواية بشي ء، لإجماع المؤرّخين علي أنّها ولدت قبل الهجرة النبويّة بخمس سنين علي ما ذكرناه، ويحتمل أنّ الغلط من الناسخ، أراد أنْ يكتب ثمان وعشرين، فكتب ثمان عشرة» «1» .

- 3-

قال الحلبي، في ذكر غزوة تبوك:

«ووقع في البخاري: أنّها كانت بعد حجّة الوداع. قيل: وهو من غلط النسّاخ» «2» .

- 4-

وقال المزّي بترجمة عيّاش بن الأزرق:

«قال أبوبكر ابن أبي عاصم: مات سنة 227. وفي ذلك نظر، فإنّ جعفر ابن محمّد الفريابي قد سمع منه، وإنّما كانت رحلته بعد الثلاثين، فلعلّه يكون سنة سبع وثلاثين» «3» .

__________________________________________________

(1) تذكرة الخواص من الامّة: 288.

(2) السيرة الحلبيّة 3: 129.

(3) تهذيب الكمال 22: 553.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 153

- 5-

وقال العيني بترجمة مالك بن عامر وهو والد أنس بن مالك:

«قال محمّد بن سرور المقدسي: قال الواقدي: توفي سنة 112 وهو ابن سبعين أو اثنين وسبعين سنة. وكذا حكي عنه محمّد بن طاهر المقدسي وأبو نصر الكلاباذي. وقال الحافظ زكي الدين المنذري: كيف يصحّ سماعه عن طلحة مع أنّه توفّي سنة 112 وهو ابن سبعين أو اثنين وسبعين؟ فعلي هذا يكون مولده سنة 40 من الهجرة، ولا خلاف أنّ

طلحة قتل يوم الجمل سنة 36 من الهجرة. والإسناد صحيح. أخرجه الأئمّة وفيه أنّه سمع طلحة بن عبيداللَّه.

قلت: فلعلّ السبعين صوابها التسعين وتصحّفت بها» «1» .

- 6-

وقال السيوطي في (مرقاة الصعود) بشرح ما أخرجه أبو داود قال:

«حدّثني شعبة، حدّثني عبد ربّه بن سعيد، عن أنس بن أبي أنس، عن عبداللَّه بن نافع، عن عبداللَّه بن الحارث بن عبدالمطّلب عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: الصلاة مثني … الحديث» .

قال: «قال الخطابي: أصحاب الحديث يغلّطون شعبة في رواية هذا الحديث. قال البخاري: أخطأ شعبة في هذا الحديث في مواضع: قال: عن أنس بن أبي أنس. وإنّما هو عمران بن أبي أنس. وقال: عن عبداللَّه بن الحارث، وإنّما هو: عن عبداللَّه بن نافع، عن ربيعة بن الحارث، وربيعة بن __________________________________________________

(1) عمدة القاري في شرح البخاري 1: 218 باب علامات المنافق.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 154

الحارث هو ابن المطّلب فقال هو: عن المطّلب. والحديث عن الفضل ابن عبّاس، ولم يذكر فيه الفضل.

قال: ورواه اللّيث بن سعد، عن عبدربّه بن سعيد، عن عمران بن أبي أنس، عن عبداللَّه بن نافع، عن ربيعة بن الحارث، عن الفضل بن عبّاس، عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم. وهو الصحيح.

وقال يعقوب بن سفيان في هذا الحديث مثل قول البخاري، وخطّأ شعبة وصوّب الليث. وكذا قال محمّد بن إسحاق بن خزيمة. انتهي كلام الخطابي» «1» .

- 7-

وقال التوربشتي بشرح الحديث في أنّ المسيح الدجّال أعور عين اليمني، كأنّ عينه غلبة طافية.

«وفي الأحاديث التي وردت في وصف الدجّال وما يكون منه كلمات متنافرة يشكل التوفيق بينها، ونحن نسأل اللَّه التوفيق في التوفيق بينها، وسنبيّن كلّاً منها علي حدته في

الحديث الذي ذكر فيه أو تعلّق به.

ففي هذا الحديث إنّها «طافية» علي ما ذكرناه، وفي آخر: إنّه جاحظ العين كأنّها كوكب، وفي آخر إنّها ليست بناتية ولا جحراء. والسبيل في التوفيق بينهما أن نقول: إنّما اختلف الوصفان بحسب اختلاف العينين. وذلك يؤيّد ما في حديث ابن عمر هذا أنّه أعور عين اليمني. وفي حديث حذيفة أنّه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة، وفي حديث أيضاً: أعور عين اليسري.

ووجه الجمع بين هذه الأوصاف المتنافرة: أنْ نقدر فيها أنّ إحدي عينيه ذاهبة

__________________________________________________

(1) وانظر معالم السنن 1: 241 كتاب الصلاة، باب صلاة النهار.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 155

والاخري معيبة، فيصحّ أن يقال لكلّ واحدة عوراء، لأنّ الأصل في العور العيب. هذا

وليس بمستبعد أن يكون سمعُ بعض الرواة قد أخطأ في اليمني واليسري، فإنّهم ليسوا بمعصومين عن الخطأ، وهذا قول لا يملّ المحدّث من فرضه وسمعه، ونحن نري نفي الإحالة عن كلام من تكفّل اللَّه له بالعصمة أحقّ وأولي من الذبّ عمّن لا يلزمنا القول بعصمته، بل لا نري له العصمة.

وقلّما يسلم الإنسان من سهو أو نسيان، والقلم عن عثرةٍ أو طغيان» «1» .

- 8-

وقال التوربشتي بشرح حديث ابن مسعود: «لمّا اسري رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم انتهي به إلي سدرة المنتهي وهي في السماء السادسة … » قال:

«لا خفاء بأنّ بعض الرواة وهم في السادسة. وإنّما الصواب: في السابعة» «2» .

- 9-

إدخال بعضهم تفسير القرآن في القرآن.

وهذا من ألطف الامور!!

قال السيوطي في قول اللَّه تعالي: «وإنْ منكم إلّاواردها» عن ابن الأنباري:

__________________________________________________

(1) شرح المصابيح- مخطوط.

(2) شرح المصابيح- مخطوط.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 156

«أخرج عن الحسن أنّه كان يقرأ: وإنْ منكم إلّاواردها

الورود الدخول.

قال ابن الأنباري: قوله: الورود الدخول تفسير من الحسن لمعني الورود، وغلط فيه بعض الرواة وألحقه بالقرآن» «1» .

- 10-

قال ابن القيّم- بعد ذكر سرية الخبط وكانت في رجب سنة ثمان:

«فصل- في فقه هذه القصّة، ففيها جواز القتال في الشهر الحرام إنْ كان ذكر التاريخ فيها برجب محفوظاً، والظاهر- واللَّه أعلم- أنّه وهم غير محفوظ، إذ لم يحفظ عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أنّه غزا في الشهر الحرام ولا أغار فيه ولا بعث فيه سرية» «2» .

- 11-

وقال ابن القيّم:

«وأمّا قول ابن عبّاس: إنّ النبي تزوّج ميمونة وهو محرم وبني بها وهو حلال، ممّا استدرك عليه وعدّ من وهمه. قال سعيد بن المسيّب: وَهَل ابن عبّاس وإنْ كانت خالته، ما تزوّجها إلّابعد ما حلّ. ذكره البخاري» «3» .

__________________________________________________

(1) عن الإتقان في علوم القرآن ولم نجده فيه!

(2) زاد المعاد في هدي خير العباد 2: 158.

(3) زاد المعاد في هدي خير العباد 1: 113.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 157

- 12-

وقال ابن القيّم:

«وممّا وقع في حديث الإفك أنّ في بعض طرق البخاري عن أبي وائل عن مسروق قال: سألت ام رومان عن حديث الإفك فحدّثتني. قال غير واحدٍ:

وهذا غلط ظاهر، فإنّ ام رومان ماتت علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، ونزل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في قبرها وقال: من سرّه أن ينظر إلي امرأة من الحور فلينظر إلي هذه. قالوا: ولو كان مسروق قدم المدينة في حياتها وسألها للقي رسول اللَّه وسمع منه، ومسروق إنّما قدم المدينة بعد موت رسول اللَّه. قالوا: وقد روي مسروق عن ام رومان حديثاً غير هذا، فأرسل الرواية

عنها، فظنّ الرواة أنّه سمع منها، فحمل هذا الحديث علي السماع» «1» .

- 13-

وقال ابن القيّم في الأوهام في أخبار حجّة الوداع:

«فصلٌ في الأوهام: فمنها وهم لأبي محمّد بن حزم في حجّة الوداع حيث قال: إنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم أعلم الناس وقت خروجه إنّ عمرةً في رمضان تعدل حجّة، وهذا وهم ظاهر، فإنّه إنّما قال ذلك بعد رجوعه إلي المدينة من حجّته، قال لُام سنان الأنصاريّة: ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ قالت: لم يكن لنا إلّاناضحان، فحجّ أبو ولدي وابني علي ناضح، وترك __________________________________________________

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 3: 266.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 158

لنا ناضحاً ننضح عليه. فقال: فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإنّ عمرة في رمضان تقضي حجّة. هكذا رواه مسلم في صحيحه.

وكذلك قال أيضاً هذا لُام معقل بعد رجوعه إلي المدينة، كما رواه أبو داود من حديث يوسف بن عبداللَّه بن سلام عن جدّته ام معقل قالت: لمّا حجّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حجّة الوداع، وكان لنا جمل، فجعله أبو معقل في سبيل اللَّه، فأصابنا مرض فهلك أبو معقل، وخرج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فلمّا فرغ جئته فقال: ما منعك أن تخرجي معنا؟ فقالت: لقد تهيّأنا فهلك أبو معقل، وكان لنا جمل هو الذي يحجّ عليه، فأوصي به أبو معقل في سبيل اللَّه. قال: فهلّا خرجت عليه، فإنّ الحجّ من سبيل اللَّه، فإذ فاتتك هذه الحجّة معنا فاعتمري في رمضان فإنّه حجّة.

فصلٌ: ومنها وهم آخر، أنّ خروجه كان يوم الخميس لستّ بقين من ذي القعدة. وقد تقدّم أنّه خرج لخمس، وأنّ خروجه كان يوم السبت.

فصلٌ: ومنها وهم آخر لبعضهم، ذكره الطبري

في حجّة الوداع أنّه خرج يوم الجمعة بعد الصلاة، والذي حمله علي هذا الوهم القبيح قوله في الحديث: خرج لستّ بقين، فظنّ أنّ هذا لا يمكن إلّاأن يكون الخروج يوم الجمعة، إذ تمام الستّ يوم الأربعاء وأوّل ذي الحجّة كان الخميس بلا ريب، هذا خطأ فاحش، فإنّه من المعلوم الذي لا ريب فيه: أنّه صلّي الظهر يوم خروجه بالمدينة الأربعاء والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثبت ذلك في الصحيحين.

وحكي الطبري في حجّته قولًا ثالثاً، أنّ خروجه كان يوم السبت وهو اختيار الواقدي، وهو القول الذي رجّحناه أوّلًا، لكن الواقدي وهم في ذلك استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 159

ثلاثة أوهام: أحدها: أنّه زعم أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم خروجه الظهر بذي الحليفة ركعتين، الوهم الثاني: أنّه أحرم ذلك اليوم عقيب صلاة الظهر، وإنّما أحرم من الغد بعد أن بات بذي الحليفة، والوهم الثالث: أنّ الوقفة كانت يوم السبت، وهذا لم يقله غيره، وهذا وهم بيّن.

فصلٌ: ومنها وهم للقاضي عياض وغيره: أنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم تطيّب هناك قبل غسله، ثمّ غسل الطيب عنه لما اغتسل، ومنشأ هذا الوهم من سياق وقع في صحيح مسلم في حديث عائشة أنّها قالت: طيّبت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ثمّ طاف علي نسائه بعد ذلك، ثمّ اغتسل ثمّ أصبح محرماً، والذي يردّ هذا الوهم قولها: طيّبت رسول أللَّه لإحرامه، وقولها: كأنّي أنظر إلي وبيص الطيب، أي بريقه في مفارق رسول اللَّه وهو محرم، وفي لفظ:

وهو يلبّي بعد ثلاث من إحرامه، وفي لفظ: كان رسول اللَّه إذا أراد أن يحرم، تطيّب بأطيب ما يجد ثمّ أري وبيص الطيب في رأسه ولحيته بعد ذلك. وكلّ هذه الألفاظ ألفاظ

الصحيح.

وأمّا الحديث الذي احتجّ به، فهو حديث إبراهيم بن محمّد بن المنتشر عن أبيه عنها: كنت أطيّب رسول اللَّه ثمّ يطوف علي نسائه ثمّ يصبح محرماً، وهذا ليس فيه ما يمنع الطيب الثاني عند إحرامه.

فصلٌ: ومنها وهم آخر لأبي محمّد ابن حزم: أنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أحرم قبل الظهر، وهو وهم ظاهر، لم ينقل في شي ء من الأحاديث، وإنّما أهلّ عقيب صلاة الظهر في موضع مصلّاه، ثمّ ركب ناقته واستوت به علي البيداء وهو يهلّ، وهذا يقيناً كان بعد صلاة الظهر.

فصلٌ: وهمٌ آخر له وهو قوله: وساق الهدي مع نفسه وكان هدي تطوّع،

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 160

وهذا بناء منه علي أصله الذي انفرد به عن الأئمّة أنّ القارن لا يلزمه هدي، وإنّما يلزم المتمتّع، وقد تقدّم بطلان هذا القول.

فصلٌ: ومنها وهم آخر لمن قال لم يعيّن في إحرامه نسكاً بل أطلقه.

ووهم من قال إنّه عيّن عمرة مفردة كان متمتّعاً بها، كما قاله القاضي أبو يعلي وصاحب المغني وغيرهما. ووهم من قال إنّه عيّن أفراداً مجرّداً لم يعتمر معه.

ووهم من قال عيّن عمرة ثمّ أدخل عليها الحجّ. ووهم من قال: عيّن حجّاً مفرداً ثمّ أدخل عليه العمرة بعد ذلك وكان من خصائصه، وقد تقدّم بيان مستند ذلك ووجه الصواب فيه.

فصلٌ: ومنها وهم لأحمد بن عبداللَّه الطبري في حجّة الوداع له، أنّهم لمّا كانوا ببعض الطريق صاد أبو قتادة حماراً وحشيّاً ولم يكن محرماً، فأكل منه النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم. وهذا إنّما كان في عمرة الحديبيّة كما رواه البخاري.

فصلٌ: ومنها وهم آخر لبعضهم حكاه الطبري عنه أنّه دخل مكّة يوم الثلاثاء، وهو غلط، فإنّما دخلها يوم الأحد الرابع من ذي الحجّة.

فصلٌ: ومنها

وهم من قال: أنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حلّ بعد طوافه وسعيه كما قاله القاضي وأصحابه، وقد بيّنّا أنّ مستند هذا الوهم وهم معاوية- أو من روي عنه- أنّه قصّر عن رسول اللَّه بمشقص علي المروة في حجّته.

فصلٌ: ومنها وهم من زعم أنّه كان يقبّل الركن اليماني في طوافه، وإنّما ذلك الحجر الأسود وسمّاه اليماني، لأنّه يطلق عليه وعلي الآخر باليمانيّين، فعبّر بعض الرواة عنه باليماني مفرداً.

فصلٌ: ومنها وهم فاحش لأبي محمّد ابن حزم: أنّه رمل في السعي ثلاثة

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 161

أشواط ومشي أربعة، وأعجب من هذا الوهم، وهمه في حكاية الإتّفاق علي هذا القول الذي لم يقله سواه.

فصلٌ: ومنها وهم من زعم أنّه طاف بين الصّفا والمروة أربعة عشر شوطاً، وكان ذهابه وسعيه مرّة واحدة، وقد تقدّم بيان بطلانه.

فصلٌ: ومنها وهم من زعم أنّه صلّي الصبح يوم النحر قبل الوقت، ومستند هذا الوهم حديث ابن مسعود أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم صلّي الفجر يوم النحر قبل ميقاتها، وهذا إنّما أراد به قبل ميقاتها الذي كانت عادته أن يصلّيها فيه، فجعلها عليه يومئذٍ، ولابدّ من هذا التأويل، وحديث ابن مسعود إنّما يدلّ علي هذا، فإنّه في صحيح البخاري عنه. أيضاً قال: هما صلاتان تحوّلان عن وقتها: صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة، والفجر حين ينزع الفجر. وقال جابر في حجّة الوداع: فصلّي الصبح حين تبيّن له الصبح بأذان وإقامة.

فصلٌ: ومنها وهم من وهم في أنّه صلّي الظهر والعصر يوم عرفة، والمغرب والعشاء تلك الليلة بأذانين وإقامتين، ووهم من قال صلّاهما بإقامتين بلا أذان أصلًا، ووهم من قال جمع بينهما بإقامة واحدة. والصحيح أنّه صلّاهما بأذان واحد وإقامة لكلّ صلاة.

فصلٌ:

ومنها وهم من زعم أنّه خطب بعرفة خطبتين جلس بينهما، ثمّ أذّن المؤذّن فلمّا فرغ أخذ في الخطبة الثانية، فلمّا فرغ منها أقام الصلاة، وهذا لم يجي ء في شي ء من الأحاديث البتّة، وحديث جابر صريح في أنّه لمّا أكمل الخطبة أذّن بلال وأقام، فصلّي الظهر بعد الخطبة.

فصلٌ: ومنها وهم لأبي ثور، أنّه لمّا صعد أذّن المؤذّن، فلمّا فرغ قام استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 162

فخطب، وهذا وهمٌ ظاهر، فإنّ الأذان إنّما كان بعد الخطبة.

ومنها: وهم من روي أنّة قدّم ام سلمة ليلة النحر وأمرها أن توافيه صلاة الصبح بمكّة، وقد تقدّم بيانه.

فصلٌ: ومنها وهم من زعم أنّه أخّر طواف الزيارة يوم النحر إلي الليل، وقد تقدّم بيان ذلك، وأنّ الذي أخّره إلي الليل طواف الوداع. ومستند هذا الوهم- واللَّه أعلم- أنّ عائشة قالت: أفاض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من آخر يومه كذلك، قال عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عنها، فحمل عنها علي المعني وقيل آخر طواف الزيارة إلي الليل.

فصلٌ: ومنها وهم من وهم وقال أنّه أفاض مرّتين: مرّة بالنهار ومرّة نسائه بالليل، ومستند هذا الوهم ما رواه عمرو بن قيس عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أذِن لأصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهيرةً، وزار رسول اللَّه مع نسائه ليلًا، وهذا غلط، والصحيح عن عائشة خلاف هذا، إنّه أفاض نهاراً إفاضة بعد أن بالغ في الردّ علي من رام دفع هذا الوهم.

فصلٌ: ومنها: وهم من زعم أنّه طاف للقدوم يوم النحر ثمّ طاف بعده للزيارة. وقد تقدّم مستند ذلك وبطلانه.

ومنها: وهم من زعم أنّه يومئذٍ سعي مع هذا الطواف، واحتجّ بذلك علي أنّ القارن

يحتاج إلي سعيين، وقد تقدّم بطلان ذلك عنه، وأنّه لم يسع إلّا سعياً واحداً كما قالت عائشة وجابر.

فصلٌ: ومنها- علي القول الراجح- وهم من قال أنّه صلّي الظهر يوم النحر بمكّة، وفي الصحيح أنّه صلّاها بمني كما تقدّم.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 163

ومنها وهم من زعم أنّه لم يسرع في وادي محسِّر حين أفاض من جمع إلي مني، أنّ ذلك إنّما هو من فعل الأعراب. ومستند هذا الوهم قول ابن عبّاس إنّما كان بدء الإيضاع من أهل البادية، كانوا يقفون جانبي الناس قد علّقوا العقاب والعصا فإذا أفاضوا تقعقوا فانفرت بالناس، فلقد رأيت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وإن ذفري ناقته لتمسّ حاركها وهو يقول: يا أيّها الناس عليكم بالسكينة، وفي لفظ: أنّ البرّ ليس بإيجاف الخيل والإبل، فعليكم بالسكينة، فما رأيتها رافعة يديها حتّي أتي منه، رواه أبو داود ولذلك أنكره طاوس والشعبي.

وقال الشعبي: حدّثني اسامة بن زياد أنّه أفاض مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من عرفة، فلم ترفع راحلته رجليها عادية حتّي بلغ جمعاً. قال:

وحدّثني الفضل بن عبّاس أنّه كان رديف رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من جمع، فلم ترفع راحلته رجليها عادية حتّي رمي الجمرة.

وقال عطا: إنّما أحدث هؤلاء الإسراع يريدون أن يفوتوا الغبار، ومنشأ هذا الوهم اشتباه الإيضاع وقت الرفع من عرفة الذي تفعله الأعراب وجفاة الناس بالإيضاع في وادي محسّر، فإنّ الإيضاع هناك بدعة لم يفعله رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بل نهي عنه، والإيضاع في وادي محسّر سنة نقلها عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم جابر وعلي بن أبي طالب والعبّاس بن عبدالمطّلب وفعله عمر بن الخطّاب، وكان ابن الزبير يوضع

أشدّ الإيضاع، وفعلته عائشة وغيرهم من الصحابة، والقول في هذا قول من أثبت لا قول من نفي، واللَّه أعلم.

فصلٌ: ومنها وهم طاوس وغيره أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم كان استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 164

يفيض كلّ ليلة من ليالي مني إلي البيت. وقال البخاري في صحيحه: ويذكر عن أبي حسان عن ابن عبّاس أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم كان يزور البيت أيّام مني، ورواه ابن عروة قال: دفع إلينا معاذ بن هشام كتاباً قال: سمعته عن أبي ولم يقرأه. قال: وكان فيه عن أبي حسان عن ابن عبّاس أنّ نبيّ اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم كان يزور البيت كلّ ليلة مادام بمني. قال: وما رأيت أحداً واطأه عليه. إنتهي. رواه الثوري في جامعه عن ابن طاوس عن أبيه مرسلًا، وهو وهم، فإنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم لم يرجع إلي مكّة بعد أن طاف للإفاضة ورجع إلي مني إلي حين الوداع، واللَّه أعلم.

فصلٌ: ومنها وهم من قال أنّه ودّع مرّتين، ووهم من قال: إنّه جعل مكّة دائرة في دخوله وخروجه، فبات بذي طوي ثمّ دخل من أعلاها ثمّ خرج من أسفلها، ثمّ رجع إلي المحصّب عن يمين مكّة، فكملت الدائرة.

ومنها: وهم من زعم أنّه انتقل من المحصّب إلي ظهر العقبة.

فهذه كلّها الأوهام نبّهنا عليها مفصّلًا ومجملًا. وباللَّه التوفيق» «1» .

- 14-

وقال القاضي عياض والنووي في حديث أخرجه مسلم في صحيحه:

«فيه تصحيف» .

قال القاضي عياض: «قوله في كتاب مسلم: نحن نجي يوم القيامة علي كذا وكذا، انظر أي: ذلك فوق الناس.

كذا في جميع النسخ. وفيه تغيير كثير أوجبه تحرّي مسلم في بعض __________________________________________________

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 1:

242- 245.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 165

ألفاظه، فأشكلت علي من بعده، وأدخل بينهما لفظة «انظر» التي نبّه بها علي الإشكال، وظنّ أنها من الحديث.

والحديث إنّما هو: نحن يوم القيامة علي كوم فوق الناس.

فتغيّرت لفظه «كوم» علي مسلم أو راويه له أو عنه، فعبّر عنها ب «كذا وكذا» ثم نبّه بقوله «انظر» أي: فوق الناس، أو كان عنده فوق الناس، علي ما في بعض الحديث. فجاء من لم يفهم الغرض وظنّه كلّه من الحديث، فضمّ بعضه إلي بعض … » «1» .

وقال النووي بشرحه:

«هكذا وقع هذا اللفظ في جميع الاصول من صحيح مسلم، واتفق المتقدّمون والمتأخّرون علي أنّه تصحيف وتغيير واختلاط في اللفظ … » «2» .

__________________________________________________

(1) مشارق الأنوار علي صحاح الآثار 1: 424.

(2) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج 3: 47.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 168

الباب الرابع: أئمّة المذاهب الأربعة … ص: 168

اشارة

وبعد الفراغ من البحث والتّحقيق عن التفسير والمفسرين، وعن الصّحاح الستّة وأصحابها، تصل النوبة إلي دراسةٍ موجزة عن الأئمة الأربعة:

مالك وموطّئه، وأبي حنيفة وفقهه، والشافعي، وأحمد ومسنده … علي ضوء أقوال كبار علماء القوم، كما في أشهر كتبهم:

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 169

مالك بن أنس … ص: 169

اشارة

فقد تكلّم غير واحدٍ من الأئمّة … في مالك … وذكروا لذلك عدّة أسباب:

إطلاق لسانه في الصالحين … ص: 169

منها: إنّه قد أطلق لسانه في قومٍ معروفين بالصلاح والثقة، فقد قال المزّي:

«قال الحافظ أبوبكر الخطيب: قد ذكر بعض العلماء إنّ مالكاً عابه جماعة من أهل العلم في زمانه بإطلاق لسانه في قومٍ معروفين بالصلاح والديانة والثقة والأمانة، واحتجّ بما أخبرني الرمّاني قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبدالملك الآدمي قال: حدّثنا محمّد بن علي الأيادي قال:

ثنا زكريّا بن يحيي الساجي قال: حدّثني أحمد بن محمّد البغدادي قال: حدّثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدّثنا محمّد بن فليح قال: قال لي مالك بن أنس:

هشام بن عروة كذّاب … » «1» .

ولا يخفي: أنّ إطلاق اللسان في الصالحين ذنب عظيم وفسق كبير، وقد ذكر ابن الجوزي أنّ من تلبيس إبليس علي أصحاب الحديث قدح بعضهم في __________________________________________________

(1) تهذيب الكمال 24: 415/ 5057.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 170

بعض طلباً للتشفّي … «1»

وهشام بن عروة من أكابر الثقات عند القوم، قال الذهبي: «هشام بن عروة أبوالمنذر، وقيل: أبو عبداللَّه، القرشي، أحد الأعلام، سمع عمّه ابن الزبير، وعنه: شعبة ومالك والقطّان، توفي سنة 146. قال أبو حاتم: ثقة إمام في الحديث» «2» .

وكما تكلّم في «هشام بن عروة» بلا دليل، فقد تكلّم في «محمّد بن إسحاق» فقد قال سبط ابن الجوزي بعد حديثٍ: «فإن قيل: الحديث ضعيف، في إسناده ابن إسحاق، كذّبه مالك، وفيه أيضاً: علي بن عاصم متروك …

والجواب: قد أخرجه أحمد في الفضائل. وأمّا ابن إسحاق فقد قال أحمد: يقبل قوله في المغازي والسير، وأثني عليه جماعة من العلماء، وكان إماماً كبيراً، وإنّما طعن

عليه مالك لأنّه لمّا صنّف الموطّأ قال: أروني إيّاه فأنا بيطاره، فبلغ ذلك مالكاً فشقّ عليه وقال: ذاك دجّال من الدجاجلة. وقد أخذوا علي مالك في هذا، فإنّه لا يقال من الدجاجلة بل من الدجّالين» «3» .

وقد قال الذهبي: «محمّد بن إسحاق بن يسار أبوبكر ويقال: أبو عبداللَّه، المطلّبي مولاهم، المدني، الإمام، رأي أنساً وروي عن عطاء والزهري، وعنه: شعبة والحمّادان والسفيانان ويونس بن بكير وأحمد بن خالد. كان صدوقاً، من بحور العلم … » «4» .

وقال اليافعي: «الإمام محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي، مولاهم،

__________________________________________________

(1) تلبيس إبليس: 135.

(2) الكاشف 3: 211/ 6051.

(3) تذكرة خواص الامّة 3: 7/ 4768.

(4) الكاشف 3: 7/ 4768.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 171

المدني صاحب السيرة، وكان بحراً من بحور العلم، ذكيّاً حافظاً، طلابة للعلم، أخبارياً نسابةً ثبتاً في الحديث عند أكثر العلماء. وأمّا في المغازي والسير فلا يجهل إمامته. قال ابن شهاب الزهري: من أراد المغازي فعليه بابن إسحاق.

وذكر البخاري في تاريخه، وروي عن الشافعي أنّه قال: من أراد أن يتبحّر في المغازي فهو عيال علي ابن إسحاق، وقال سفيان بن عيينة: ما أدركت أحداً يتّهم ابن إسحاق في حديثه، وقال شعبة بن الحجّاج: محمّد بن إسحاق أميرالمؤمنين في الحديث» «1» .

تكلّم جماعة من الأئمّة فيه … ص: 171

من لطائف الامور: أنّ ابن أبي ذئب وعبدالعزيز بن ماجشون وابن أبي حازم ومحمّد بن إسحاق، وهم أئمّة ثقات من الأعلام، تكلّموا في مالك وجرحوه.

قال المزي: «قال إبراهيم بن المنذر: حدّثني عبداللَّه بن نافع قال: كان ابن أبي ذئب وعبدالعزيز بن ماجشون وابن أبي حازم ومحمّد بن إسحاق يتكلّمون في مالك بن أنس، وكان أشدّهم فيه كلاماً محمّد بن إسحاق، كان يقول: ايتوني ببعض كتبه حتّي ابيّن عيوبه،

أنا بيطار كتبه» «2» .

هذا، ولا بأس بذكر طرفٍ من كلماتهم في الثناء علي هؤلاء الأشخاص:

__________________________________________________

(1) مرآة الجنان 1: 244.

(2) تهذيب الكمال 24: 415/ 5057.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 172

ترجمة ابن أبي ذئب … ص: 172

قال الذهبي بترجمة ابن أبي ذئب: «ع- محمّد بن عبدالرحمن بن المغيرة ابن أبي ذئب، أبوالحرث العامري، أحد الأعلام، عن عكرمة ونافع والزهري، وعنه: معمر وابن المبارك وابن وهب والقطّان وعلي بن الجعد، وكان كبير الشأن، ثقة» «1» .

وقال ابن حجر: «ثقة فقيه فاضل» «2» .

ترجمة عبدالعزيز بن ماجشون … ص: 172

وقال اليافعي بترجمة ابن ماجشون: «عبدالعزيز بن عبداللَّه بن أبي سلمة الماجشون، المدني، الفقيه، كان إماماً مفتياً صاحب حلقة» «3» .

وقال السمعاني: «عبدالعزيز بن عبداللَّه … عنه: الليث بن سعد وبشر بن المفضّل ووكيع بن الجراح وعبدالرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون وعلي بن الجعد وأبو نعيم الفضل بن دكين وغيرهم. وكان عالماً فقيهاً، قدم بغداد وحدّث بها إلي حين وفاته، وحجّ أبو جعفر المنصور فشيّعه المهدي، فلمّا أراد الوداع قال: يا بني استهد لي، قال: استهديك رجلًا عاقلًا، فأهدي له عبدالعزيز الماجشون» «4» .

__________________________________________________

(1) الكاشف 3: 52/ 5056.

(2) تقريب التهذيب 2: 194/ 6846.

(3) مرآة الجنان 1: 273.

(4) الأنساب 5: 157.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 173

وابن حجر: «ثقة فقيه مصنّف» «1» .

وقال الذهبي: «كان إماماً معظّماً. قال أبوالوليد: كان يصلح للوزارة» «2» .

ترجمة ابن أبي حازم … ص: 173

وقال الذهبي بترجمة ابن أبي حازم:

«عبدالعزيز بن أبي حازم المديني، عن أبيه وسهيل والعلاء وابن الهاد، وعنه: أبو مصعب وقتيبة وابن حجر. قال أحمد: لم يكن يعرف بطلب الحديث ولم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه، ويقال: إنّ كتب سليمان بن بلال وقعت إليه ولم يسمعها، وقال ابن معين: ثقة» «3» .

وقال ابن حجر: «صدوق فقيه» «4» .

وقال اليافعي: «فقيه المدينة عبدالعزيز بن أبي حازم» «5» .

هذا، وفي (طبقات السبكي): ذكر ابن عبدالبر كلام ابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد في مالك بن أنس. وقال: «قد تكلّم أيضاً في مالك:

عبدالعزيز بن أبي سلمة وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم ومحمّد بن إسحاق وابن أبي يحيي وابن أبي الزناد، وعابوا أشياء من مذهبه. وقد برّأ اللَّه عزّ وجلّ مالكاً عمّا قالوا، وكان عند اللَّه وجيهاً» «6» .

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 1:

472/ 4602.

(2) الكاشف 2: 193/ 3432.

(3) الكاشف 2: 191/ 3417.

(4) تقريب التهذيب 1: 471/ 4583.

(5) مرآة الجنان 1: 306.

(6) طبقات الشافعية 2: 10.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 174

تكلّم الشافعي فيه لقدحه في عكرمة وروايته عنه! … ص: 174

ومن دلائل ضلال مالك ومتابعته للهوي: قدحه في عكرمة البربري وروايته عنه في كتابه! الأمر الذي حمل الشافعي علي الطعن فيه، وذلك ما حكاه الفخر الرازي في (مناقب الشافعي) حيث قال في عداد اعتراضات الشافعي علي مالك:

«ومنها: أخبرنا مالك، عن أبي الزبير، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عبّاس أنّه: سئل عن رجلٍ واقع أهله وهو محرم بمني قبل أنْ يفيض، فأمره أن ينحر بدنة. قال الشافعي: وبه نأخذ. وقال مالك: عليه عمرة وحجّة تامّة وبدنة، ورواه عن ربيعة، وعن ثور بن زيد عن عكرمة يظنّه عن ابن عبّاس، فإن كان قد ترك قول ابن عبّاس لرأي ربيعة فهو خطأ، وإنْ ترك لرأي عكرمة فهو يسي ء القول في عكرمة، ولا يري لأحدٍ أنْ يقبل حديثه وهو يروي بيقين عن عطاء عن ابن عبّاس خلافه، وعطاء ثقة عنده وعند الناس.

قال الشافعي: والعجب أنّه يقول في عكرمة ما يقول ثمّ يحتاج إلي شي ء من علمه يوافق قوله، فيسمّيه مرّة ويسكت عنه اخري، ويروي عن ثور بن زيد عن ابن عبّاس في الرضاع وذبائح نصاري العرب وغيره ويسكت عن ذكر عكرمة، وإنّما يحدّثه ثور عن عكرمة، وهذا من الامور التي ينبغي لأهل العلم أنْ يتحفّظوا فيها» .

وعلي الجملة، فإنّ قدحه في عكرمة والرواية عنه مع ذلك! يوجب الطعن فيه، وهذا ما نصّ عليه الفخر الرازي أيضاً علي تقدير صحّته إذ قال:

«وأمّا الإعتراض الثاني وهو: إنّ مالكاً كان إذا احتاج إلي التمسّك بقول عكرمة

استخراج

المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 175

ذكره وإذا لم يحتج إليه تركه، فهذا إنْ صحّ من مالك أورث ذلك طعناً في روايته وفي ديانته، ولو كان الأمر كذلك، فكيف جاز للشافعي أنْ يتمسّك بروايات مالك؟ وكيف يجوز أنْ يقول: إذا ذكرت الأئمّة فمالك النجم؟» .

لكنّ المقدّم- وهو قدح مالك في عكرمة وروايته عنه- ثابت بنقل الرازي نفسه عن الشافعي، فالتالي- وهو إيراث ذلك الطعن في روايته وديانته- ثابت … وتشكيك الرازي باطل مردود، وإلّا لتوجّه الطعن إلي الشافعي، وقد وضع الرازي كتابه للإشادة بفضله وترجيح مذهبه علي المذاهب وإقامة الحجّة علي ذلك كقوله:

تكلّم أحمد بن حنبل فيه … ص: 175

«الحجّة الثالثة: إنّ أكابر علماء الحديث أقرّوا له بالفضل والقوّة في هذا العلم، روي أنّ أحمد بن حنبل سئل هل كان الشافعي صاحب حديث؟ فقال:

إي واللَّه كان صاحب حديث. وكرّرها ثلاثاً. وروينا أنّه سمع الموطّأ عليه وقال: إنّه ثبت فيه. وسئل أحمد بن حنبل عن مالك فقال: حديث صحيح ورأي ضعيف، وسئل عن الأوزاعي فقال كذلك، وسئل عن الشافعي فقال:

حديث صحيح ورأي قوي، وسئل عن أبي فلان فقال: لا رأي ولا حديث.

قال البيهقي: وإنّما قال أحمد عن مالك ذلك، لأنّه كان يترك الحديث الصحيح لعمل أهل المدينة، وإنّما قال عن الأوزاعي ذلك، لأنّه كان يحتجّ بالمقاطيع والمراسيل في بعض المسائل ثمّ يقيس عليها، وإنّما قال في الشافعي ذلك، لأنّه كان لا يري الإحتجاج إلّابالحديث الصحيح ثمّ يقيس الفروع عليها، وإنّما قال في أبي فلان ذلك، لأنّه كان يقبل المجاهيل والمقاطيع استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 176

والمراسيل وما وقع إليه من حديث بلده وإنْ كان ضعيفاً يترك القياس لأجله، وما رفع إليه من أحاديث سائر البلاد وإنْ

كان صحيحاً لم يقبله بل عدل إلي الإستحسان والقياس» .

ففي هذا النقل توهينٌ من أحمد بن حنبل لمالك بن أنس والأوزاعي وأبي حنيفة، ومدح وتفضيلٌ للشافعي عليهم.

وأيضاً: فإنّ الفخر الرازي يري أنّ تخطئة الشافعي في شي ء إيذاء للَّه وللرسول، إذ قال في الرسالة المذكورة في حجج ترجيح الشافعي علي غيره من المجتهدين: «الحجّة السادسة: القول بأنّ قول الشافعي أخطأ في مسألة كذا، إهانة للشافعي القرشي، وإهانة قرشي غير جائز.

إنّما قلنا إنّ تخطئته إهانة، لأنّ اختيار الخطأ إن كان للجهل، فنسبة الجهل إلي الإنسان إهانة، وإن كان مع العلم فإنّ مخالفة الحق مع العلم بكونه حقّاً من أعظم أنواع المعاصي، وكانت نسبة الإنسان إليه إهانة له، وإنّما قلنا إنّ إهانة القرشي غير جائزة، لما روي الحافظ بإسناده عن سعد بن أبي وقّاص أنّه قال: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: من يرد هوان قريش أهانه اللَّه. وروي أيضاً بإسناده عن أبي هريرة: أنّ سبيعة بنت أبي لهب جاءت إلي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه، إنّ الناس يصيحون بي ويقولون إنّك ابنة حمّالة حطب النار، فقام عليه السلام- وهو مغضب شديد الغضب- فقال: ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي، ألا من آذي قرابتي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي اللَّه، ومن آذي اللَّه كان ملعوناً لقوله تعالي: «إنّ الذين يؤذون اللَّه ورسوله لعنهم اللَّه في الدنيا والآخرة» فإذن ظهر وجه الاستدلال ظهوراً لا يرتاب فيه عاقل.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 177

وكان الحاكم أبو عبداللَّه الحافظ يقول: يجب علي الرجل أن يعذر من معاندة الشافعي وبغضه وعداوته، لئلّا يدخل تحت هذا الوعيد» .

وإذا كان كذلك فلامعني لتشكيكه في كلام الشافعي في

مالك بقوله: «لو كان الأمر كذلك فكيف جاز للشافعي … » وأمثال ذلك …

وعلي الجملة، فقضيّة عكرمة مورد من موارد تكلّم الشافعي في مالك.

تكلّم الشافعي فيه بسبب ردّه الأحاديث الصحيحة … ص: 177

وأيضاً: فقد تكلّم فيه بسبب ردّه للأحاديث الصحيحة عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وعدم عمله بها … قال الرازي- بعد نقل قاعدةٍ في الأحاديث عن الشافعي-:

«ولمّا قرّر الشافعي هذه القاعدة، ذكر أنّ مالكاً اعتبر هذه القاعدة في بعض المواضع دون البعض، ثمّ ذكر المسائل التي ترك الأخبار الصحيحة فيها لقول واحدٍ من الصحابة أو لقول بعض التابعين أو لرأي نفسه، ثم ذكر ما ترك فيه من أقاويل الصحابة لرأي بعض التابعين أو لرأي نفسه، وذلك أنّه ربّما يدّعي الإجماع وهو مختلف فيه، ثمّ بيّن الشافعي أن ادعاء أنّ إجماع أهل المدينة حجّة قول ضعيف، وذكر من هذا الباب أمثلة منها: أنّ مالكاً قال أقول:

أجمع الناس علي أنّ سجود القرآن إحدي عشرة سجدة وليس في المفصّل منها شي ء. ثمّ قال الشافعي: قد روي هو عن أبي هريرة عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أنّه سجد في «إذا السماء انشقّت» ، وإنّ عمر بن الخطّاب سجد في النّجم، فقد روي السجود في المفصل عن النبي عليه السلام وعن عمر وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنهما، فليت شعري من الناس الذين أجمعوا علي أنه لا

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 178

سجدة في المفصّل، ثمّ بين أنّ أكثر الفقهاء ذهبوا إلي أنّ في المفصّل سجوداً.

ومنها: أنّ مالكاً زعم أنّ الناس أجمعوا علي أنه لا سجدة في الحجّ إلّامرّةً واحدة، وهو يروي عن عمر وابن عمر أنّهما سجدا في الحجّ سجدتين. ثمّ قال الشافعي: وليت شعري من هؤلاء المجمعون

الذين لا يسمّون، فإنّا لا نعرفهم، ولا يكلّف اللَّه أحداً أن يأخذ دينه عمّن لا يعرفه» «1» .

وقال أيضاً بعد كلام الشافعي في عكرمة: «ولقائل أن يقول: حاصل هذه الإعتراضات يرجع إلي أمرين:

الاعتراض الأوّل: أنّ مالكاً يروي الحديث ثمّ إنّه يترك العمل به لأجل أنّ أهل المدينة تركوا العمل به، وهذا يقتضي تقديم عمل علماء المدينة علي قول رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وإنّه لا يجوز.

ولمالك أن يجيب عنه فيقول: هذه الأحاديث ما وصلت إلينا إلّابرواية علماء المدينة، فهؤلاء إمّا أن يكونوا من العدول أو لا يكونوا من العدول؛ فإن كانوا من العدول وجب أن يعتقدوا أنّهم إنما تركوا العمل بهذا الحديث لاطّلاعهم علي ضعف فيه، إمّا لأجل ضعف في الرواية أو لأجل أنّه وجد ناسخ أو مخصّص، وعلي جميع التقديرات فترك العمل به واجب.

فإن قالوا: فلعلّهم اعتقدوا في هذا الحديث تأويلًا خاطئاً، فلأجل ذلك التأويل الخاطي ء تركوا العمل به، وعلي هذا التقدير لا يلزم من تركهم العمل بالحديث حصول ضعف فيه. قلنا: إنّ علماء المدينة الذين كانوا قبل مالك كانوا أقرب الناس إلي زمان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وأشدّهم مخالطة للصحابة وأقواهم رغبة في الدين، وأبعدهم عن الميل إلي الباطل، فيبعد اتفاق __________________________________________________

(1) مناقب الامام الشافعي: 53.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 179

جمهور علماء المدينة علي تأويل فاسد.

وأمّا إن قلنا: إنّ علماء المدينة ليسوا بعدول، كان الطعن فيهم يوجب الطعن في الخبر.

فثبت بهذا الطريق أنّ الدليل الذي ذكرناه يقتضي ترجيح عمل علماء المدينة علي ظاهر خبر الواحد، وليس هذا قولًا بأنّ إجماعهم حجّة، بل هو قول بأنّ عملهم إذا كان علي خلاف ظاهر الحديث أورث ذلك قدحاً وطعناً في

الحديث … » «1» .

أقول:

وما ذكره الرازي حمايةً لمالك ومذهبه ركيك جدّاً، لأنّه تخطئة للشافعي، وقد اعترف هو بأنّه إيذاء للَّه ورسوله وموجب للّعن والعذاب، ولأنّ القول بوجوب ترك العمل بالأحاديث الصحيحة بسبب عمل أهل المدينة علي خلافها وكذا ما قاله في الجواب عن احتمال الخطأ في التأويل … من غرائب الهفوات، ويكفي للردّ علي دعوي حجّيّة إجماع أهل المدينة كلام وليّ الدين العراقي، حيث قال في مقام بيان تأويلات حديث خيار المجلس الذي أخذ به المالكيّة والحنفيّة:

«أحدها- ما تقدّم من مخالفته لإجماع أهل المدينة، وتقدّم ردّه بأنّهم لم يجمعوا علي مخالفته، وأيضاً: فإجماعهم ليس بحجّة، وقال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة: الحق الذي لا شكّ فيه أنّ إجماعهم لا يكون حجّة فيما طريقه الاجتهاد والنظر، لأنّ الدليل العاصم للُامّة من الخطأ في الإجتهاد لا

__________________________________________________

(1) مناقب الإمام الشافعي: 54- 55.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 180

يتناول بعضهم، ولا مستند للعصمة سواه، وكيف يمكن أن يقال: إنّ من كان بالمدينة من الصحابة يقبل خلافه مادام مقيماً بها فإذا خرج منها لم يقبل خلافه، هذا محال. فإنّ قبول قوله باعتبار صفاتٍ قائمة به حيث حلّ، وقد خرج منها علي وهو أفضل أهل زمانه بإجماع أهل السنّة، وقال أقوالًا بالعراق كيف يمكن أن تهدر إذا خالفها أهل المدينة وهو كان رأسهم، وكذلك ابن مسعود … » «1» .

تكلّم الشافعي فيه لروايته حديث خيار المجلس ومخالفته له … ص: 180

وأيضاً: فقد تكلّم الشافعي في مالك بسبب مخالفته لحديث خيار المجلس مع إيراده إيّاه في الموطّأ، فقال كلمةً موجزةً لكنّ معناها عظيم، قال:

«ما أدري أتّهم مالكاً نفسه أو نافعاً» ؟!

قال ولي الدين العراقي في (شرح الأحكام الصغري :

«وذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما

إلي إنكار خيار المجلس وقالوا:

إنّة يلزم البيع بنفس الإيجاب والقبول، وبه قال إبراهيم النخعي واختلف في ذلك عن ربيعة وسفيان الثوري. قال ابن حزم الظاهري: مانعلم لهم من التابعين سلفاً إلّاإبراهيم وحده ورواية مكذوبة عن شريح، والصحيح عنه موافقة الحقّ، وكذا قال ابن عبدالبر: لا أعلم أحداً ردّه غير هذين الاثنين إلّاما روي عن إبراهيم النخعي، إنتهي.

وقال مالك في الموطّأ لمّا روي هذا الحديث: وليس هذا عندنا حدّ معروف ولا أمر معمول به.

__________________________________________________

(1) شرح الأحكام الصغري مبحث خيار المجلس.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 181

قال ابن عبدالبرّ: واختلف المتأخّرون من المالكيّين في تخريج قول مالك هذا، فقال بعضهم: دفعه بإجماع أهل المدينة علي ترك العمل به، وإجماعهم حجّة. وقال بعضهم: لا يصحّ دعوي إجماعهم في هذه المسألة، لأنّ سعيد بن المسيّب وابن شهاب- وهما أجلّ فقهاء أهل المدينة- روي عنهما منصوصاً العمل به، ولم يرو عن أحد من أهل المدينة ترك العمل به نصّاً إلّاعن مالك وربيعة، وقد اختلف فيه علي ربيعة. وكان ابن أبي ذئب- وهو من فقهاء أهل المدينة في عصر مالك- ينكر علي مالك اختياره ترك العمل به، حتّي جري منه لذلك في مالك قول خشن.

قال: وإنّما أراد مالك بهذا إنكار القول بأنّ خيار الشرط لا يكون إلّاثلاثة أيّام، فإنّه عند مالك وأهل المدينة يكون ثلاثاً وأكثر وأقل بحسب المبيع.

وقال: وأمّا خيار المجلس فإنّما ردّه اعتبار أو نظراً مال فيه إلي رأي بعض أهل بلده، إنتهي.

وحكي ابن العربي حمل كلام مالك هذا علي دفع الحديث بعمل أهل المدينة عمّن لا تحصيل له من أصحابهم قال: وقد توهّم ذلك عليه ابن الجويني يعني إمام الحرمين، فقال: يروي الحديث عن نافع

عن ابن عمر عن فَلْق في رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ثمّ يتركه لعمل أهل المدينة قال: ولم يفهم ابن الجويني عنه.

ثمّ ذكر ابن العربي ما حاصله، أنّ مقصود مالك ردّ الحديث بأنّ وقت التفريق غير معلوم، فالتحق ببيوع الغرر، كالملامسة والمنابذة، وسنحكي عبارته في ذلك.

وسبق إمام الحرمين إلي إنكار ذلك علي مالك الشافعي فقال: ما أدري استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 182

أتّهم مالكاً نفسه أو نافعاً، واعظِم عبداللَّه بن عمر أن أذكره إجلالًا له» «1» .

ولا يخفي أنّ ما قاله الشافعي في مالكٍ يتوجّه علي أبي حنيفة أيضاً، فإنّه قدخالف كلام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم كذلك، حتّي قال ابن المديني: «إنّ اللَّه سائله عمّا قال» ذكر ذلك ولي الدين العراقي حيث قال:

«روي البيهقي في سننه عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة أنّه حدّث الكوفيّين بحديث ابن عمر عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم في أنّ البيّعين بالخيار ما لم يتفرّقا، قال: فحدّثوا به أباحنيفة فقال: ليس هذا بشي ء، أرأيت إن كانا في سفينة! قال علي: إنّ اللَّه سائله عمّا قال» «2» .

كما أنّ المالكيّة والحنفيّة قد خالفوا الحديث عن النبي تقليداً لإماميهما، وجعلوا يؤوّلونه بتأويلاتٍ سخيفة ردّ عليها ولي الدين أبو زرعة، وقد بلغت في الضعف والركّة حدّاً اضطرّ ابن عبدالبرّ- وهو من أئمّة المالكيّة- لأنْ يعترف بسقوطها، قال أبو زرعة بعد الردّ علي التأويلات:

«وقد ظهر بما بسطناه أنّه ليس لهم متعلّق صحيح في ردّ هذا الحديث، فلذلك قال ابن عبدالبر: أكثر المتأخّرين من المالكيّين والحنفيّين من الإحتجاج لمذهبنا في ردّ هذا الحديث بما يطول ذكره، وأكثره تشغيب لا يحصل منه علي شي ء لازم

لا مدفع له.

وقال النووي في شرح مسلم: الأحاديث الصحيحة تردّ عليهم، وليس لهم عنها جواب صحيح، فالصواب ثبوته كما قاله الجمهور» .

__________________________________________________

(1) شرح الأحكام الصغري مبحث خيار المجلس، بشرح الحديث: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرّقا.

(2) شرح الأحكام الصغري- مبحث خيار المجلس.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 183

هذا، وقد تعرّض أبو زرعة لكلام ابن العربي المالكي في الإنتصار والدفاع عن مذهب المالكيّة، وأجاب عنه بالتفصيل.

تكلّم أحمد وغيره فيه لمخالفته أخبار التبكير إلي الجمعة … ص: 183

ومن موارد التكلّم في مالك والطعن عليه: مخالفته لأخبار التبكير إلي الجمعة، إذْ تكلّم فيه بهذه المناسبة أحمد بن حنبل، وكذا ابن حبيب- وهو من أصحاب مالك-. ذكر ذلك ولي الدين أبو زرعة حيث قال بشرح الحديث الثالث من أحاديث باب صلاة الجمعة: «عن سعيد عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم: إذا كان يوم الجمعة كان علي كلّ باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأوّل فالأوّل، فإذا خرج الإمام طويت الصحف. وعنه عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: المهجر إلي الجمعة كالمهدي بدنة، والذي يليه كالمهدي كبشاً حتّي ذكر الدجاجة والبيضة» .

قال أبو زرعة: «وقال القاضي عياض: وأقوي معتمد مالك في كراهيّة البكور إليها، عمل أهل المدينة المتّصل بترك ذلك وسعيهم إليها قرب صلاتها، وهذا نقل معلوم غير منكر عندهم ولا معمول بغيره، وما كان أهل عصر النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم ومن بعدهم ممّن يترك الأفضل إلي غيره ويتمالؤن علي العمل بأقلّ الدرجات.

وذكر ابن عبدالبر أيضاً أنّ عمل أهل المدينة يشهد له، إنتهي.

وما أدري أين العمل الذي يشهد له، وعمر ينكر علي عثمان رضي اللَّه عنهما التخلّف، والنبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يندب إلي التبكير، في أحاديث كثيرة منها حديث أوس بن أوس: من

بكَّر وابتكر، وفي آخره كان له بكلّ استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 184

خطوة أجر عمل سنة صيامها وقيامها، وهو في السنن الأربعة وصحيحي ابن حبّان والحاكم.

وقد أنكر غير واحد من الأئمّة علي مالك- رحمه اللَّه- في هذه المسألة فقال الأثرم: قيل لأحمد: كان مالك يقول: لا ينبغي التهجير يوم الجمعة فقال:

هذا خلاف حديث رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وقال: سبحان اللَّه إلي أيّ شي ء ذهب في هذا والنبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: كالمهدي جزوراً؟

وأنكر علي مالك أيضاً ابن حبيب إنكاراً بليغاً فقال: هذا تحريف في تأويل الحديث ومحال من وجوه، لأنّه لا يكون ساعات في ساعة واحدة، فشرح الحديث بيّن في لفظه، ولكنّه حرف عن موضعه وشرح بالخلف من القول وزهد فيما رغب فيه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من التهجير في أوّل النهار، وزعم أنّ ذلك كلّه إنّما يجتمع في ساعة واحدة قرب زوال الشمس، حكاه عنه ابن عبدالبرّ وقال: هذا منه تحامل علي مالك» .

حكمه علي السائل عن خلق القرآن بالزندقة! … ص: 184

ومن غرائب مالك الموبقة: حكمه علي من سأل عن أنّ القرآن مخلوق أو غير مخلوق، بأنّه زنديق، ثمّ أمره بقتله، فقد أسند أبو نعيم في (الحلية) إلي يحيي بن خلف بن الربيع الطرطوسي- قال: وكان من ثقات المسلمين وعبّادهم- أنه قال: «كنت عند مالك بن أنس ودخل عليه رجل فقال: يا أبا عبداللَّه، ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال مالك: هذا زنديق فاقتلوه.

فقال: يا أبا عبداللَّه، إنّما أحكي كلاماً سمعته، فقال مالك: لم أسمعه أنا من أحدٍ، إنّما سمعته منك، وعظّم هذا القول تعظيماً كبيراً» «1» .

__________________________________________________

(1) حلية الأولياء 6: 325.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 185

هذا، وقد أخرج البخاري: «عن

أبي ذر أنّه سمع النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يرمي رجل رجلًا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلّاارتدّت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك» «1» .

بل لقد أخرج مالك نفسه في الموطأ: «عن عبداللَّه بن دينار عن عبداللَّه ابن عمر: إنّ رسول اللَّه قال: من قال لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما» «2» .

قوله لمن سأله عن الاستواء: أظنّك صاحب بدعة … ص: 185

ومن ذلك: قوله لمن سأله عن الإستواء: «أظنّك صاحب بدعة» ! والحال أنّ مجرّد السؤال لا يجوّز الهتك للسائل وإساءة الظن به، وقد جاء الخبر في (حلية الأولياء) حيث أسند أبو نعيم إلي جعفر بن عبداللَّه قال: «كنّا عند مالك ابن أنس، فجاءه رجل فقال: يا أبا عبداللَّه، «الرحمن علي العرش استوي» كيف استوي؟ فما وجد مالك من شي ء ما وجد من مسألته، فنظر إلي الأرض وجعل ينكت بعودٍ في يده حتّي علاه الرحضاء- يعني العرق- ثمّ رفع رأسه ورمي العود فقال: الكيف منه غير معقول، والإستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال منه بدعة، وأظنّك صاحب بدعة، وأمر به فاخرج» «3» .

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 8: 27/ 6045.

(2) الموطأ 2: 984/ 56.

(3) حلية الأولياء 6: 325- 326.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 186

تركه للجمعة والجماعة وهو خروج من الإيمان … ص: 186

ومن ذلك: ما ذكروا من أنّ مالكاً لم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة، وقد جاء هذا في غير واحدٍ من الكتب:

قال ابن قتيبة: «قال الواقدي: كان مالك يأتي المسجد ويشهد الصلاة والجمعة والجنائز ويعود المرضي ويقضي الحقوق ويجلس في المسجد ويجمع أصحابه، ثمّ ترك الجلوس في المسجد، وكان يصلّي ثمّ ينصرف إلي منزله، وترك حضور الجنائز فكان يأتي أصحابها ويعزّيهم، ثمّ ترك ذلك كلّه فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة ولا يأتي أحداً يعزّيه ولا يقضي له حقّاً، واحتمل الناس له ذلك حتّي مات عليه، وكان ربّما كلّم في ذلك فيقول: ليس كلّ الناس يقدر أن يتكلّم بعذره» «1» .

وقال الغزّالي: «قيل: كان مالك بن أنس يشهد الجنازة ويعود المرضي ويعطي الإخوان حقوقهم، فترك ذلك واحداً واحداً حتّي تركها كلّها، وكان يقول: لا يتهيّأ للمرء

أن يخبر بكلّ عذر له … » «2» .

وقال ابن خلّكان: «قال الواقدي: كان مالك يأتي المسجد، ويشهد الصلوات والجمعة والجنائز، ويعود المرضي ويقضي الحقوق، ويجلس في المسجد ويجتمع إليه أصحابه، ثمّ ترك الجلوس في المسجد، فكان يصلّي وينصرف إلي مجلسه، وترك حضور الجنائز فكان يأتي أهلها فيعزّيهم، ثمّ ترك ذلك كلّه فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة ولا يأتي أحداً

__________________________________________________

(1) كتاب المعارف: 498- 499.

(2) إحياء علوم الدين 2: 222 كتاب العزلة.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 187

يعزّيه ولا يقضي له حقّاً، واحتمل الناس له ذلك حتّي مات عليه. وكان ربّما قيل له في ذلك فيقول: ليس كلّ الناس يقدر أن يتكلّم بعذره» «1» .

هذا، وقد ذكر يوسف الأعور الواسطي في مطاعنه علي الإماميّة: «ومنها:

تسمية أنفسهم مؤمنين، ومن أين جاءهم الإيمان ولم يكن عندهم شي ء من شروطه، الأوّل: قوله تعالي: «يا أيّها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر اللَّه وذروا البيع» وهم تاركون لمسجد الجمعة» .

تكلّمه في أميرالمؤمنين بسبب حروبه … ص: 187

ومن قوادحه العظيمة وبراهين نصبه لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام:

أنّه كان يفضّل عثمان ويقول: لا أجعل من خاض في الدماء كمن لم يخض فيها، مع أنّ حروب الإمام عليه السلام كانت بأمرٍ من اللَّه ورسوله، فهي شرف جليل وفخر عظيم، فكيف تكون منقصةً له وعيباً حتّي يقال له مثل هذا الكلام؟ إنّ هذا الكلام- في الحقيقة- ردّ علي اللَّه ورسوله … وقد أورده ابن تيميّة متبجّحاً به مرتضياً إيّاه حيث قال:

«أمّا جمهور الناس، ففضّلوا عثمان، وعليه استقرار أهل السنّة، وهو مذهب أهل الحديث ومشايخ الزهد والتصوّف وأئمّة الفقهاء، كالشافعي وأصحابه وأحمد وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه، وهو احدي الروايتين

عن مالك وعليها أصحابه، قال مالك: لا أجعل من خاض في الدماء كمن لم يخض فيها، وقال الشافعي وغيره: إنّه بهذا السبب قصد والي المدينة الهاشمي ضرب مالك، وجعل طلاق المكره سبباً ظاهراً، وهو أيضاً مذهب جماهير أهل __________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 4: 136.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 188

الكلام: الكرامية والكلابية والأشعرية والمعتزلة، وقال أيوب السختياني: من لم يقدّم عثمان علي علي فقد أزري بالمهاجرين والأنصار، وهكذا قال أحمد بن حنبل وأبوالحسن الدارقطني وغيرهما أنّهم اتفقوا علي تقديم عثمان، ولهذا تنازعوا فيمن لم يقدّم عثمان هل يعدّ مبتدعاً؟ علي قولين هما روايتان عن أحمد، فإذا قام الدليل علي تقديم عثمان كان ما سواه أوكد» «1» .

وعلي الجملة، فإنّ أميرالمؤمنين عليه السلام أفضل الصحابة قاطبةً، بل هو أفضل من سائر الأنبياء عدا سيّد المرسلين، وجهاده في سبيل اللَّه ومقاتلاته لأعداء اللَّه من أشهر مناقبه وأفضل مقاماته ومنازله، وقد قال علماء القوم بأنّ حروبه كلّها كانت علي الحق وكان الحق معه فيها، وحتّي أنّ الدهلوي ينصّ علي أن من اعترض علي أميرالمؤمنين عليه السلام في شي ء من آرائه وأقواله فهو جاهل أحمق «2» .

ويقول الدهلوي أيضاً في كلامٍ له حول الحديث «قال لعلي: إنّك تقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله» : «ولا دلالة في هذا الحديث علي أنّ الأمير إمام بلا فصل، إذ لا ملازمة بين المقاتلة علي تأويل القرآن والإمامة بلا فصل بوجه من الوجوه، بل لو استدلّ به علي مذهب أهل السنّة لأمكن، لأنّه يفهم منه بالصراحة أنّ الأمير قد يكون إماماً في عصرٍ يقاتل فيه علي تأويل القرآن ووقت قتاله معلوم متي كان، وهو من دلائل أهل السنّة علي أنّ الحقّ

كان في جانب الأمير وكان مقاتلوه علي الخطأ، حيث لم يفهموا معني القرآن وأخطأوا في اجتهادهم، وإنكار تأويل القرآن ليس بكفر إجماعاً. وإنْ أنكر أحد

__________________________________________________

(1) منهاج السنّة 8: 225.

(2) التحفة الإثني عشرية: 302- 303، جواب المطعن الحادي عشر من مطاعن عمر.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 189

معني القرآن الظاهر بسوء فهمه ففي كفره تأمّل … » «1» .

لكنّ مالكاً لم يكتف في الطعن بأميرالمؤمنين بالكلمة الخبيثة المذكورة، بل قال أكثر من ذلك وأشد، قال ابن تيمية: «وعلي لم يخص أحداً من أقاربه بعطاء، لكن ابتدء بالقتال لمن لم يكن مبتدئاً له بالقتال، حتّي قتل بينهما الوف مؤلّفة من المسلمين، وإن كان ما فعله هو متأوّل فيه تأويلًا وافقه عليه طائفة من العلماء وقالوا: إنّ هؤلاء بغاة واللَّه تعالي أمر بقتال البغاة بقوله تعالي:

«فقاتلوا التي تبغي حتّي تفي ء إلي أمر اللَّه» لكن نازعه أكثر العلماء كما نازع عثمان أكثرهم وقالوا: إنّ اللَّه تعالي قال: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الاخري فقاتلوا التي تبغي حتّي تفي ء إلي أمر اللَّه فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنّ اللَّه يحبّ المقسطين» قالوا:

فلم يأمر اللَّه بقتال البغاة ابتداء، بل إذا وقع قتال بين طائفتين من المؤمنين فقد أمر اللَّه بالإصلاح بينهما، وحينئذ فإن بغت إحداهما علي الاخري قوتلت، ولم يقع الأمر كذلك، ولهذا قالت عائشة: ترك الناس العمل بهذه الآية؛ رواه مالك بإسناده المعروف عنها.

ومذهب أكثر العلماء أنّ قتال البغاة لا يجوز، إلّاأن يبتدؤا الإمام بالقتال، كما فعلت الخوارج مع علي، فإنّ قتاله الخوارج متفق عليه بين العلماء ثابت بالأحاديث الصحيحة عن النبي، بخلاف قتال صفين، فإنّ أولئك لم يبتدؤا

بقتال بل امتنعوا عن مبايعته، ولهذا كان أئمّة السنيّة كمالك وأحمد وغيرهما يقولون أنّ قتاله للخوارج مأمور به، أمّا قتال الجمل وصفّين فهو قتال فتنة، فلو قال قوم نحن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ولا ندفع زكاتنا إلي الإمام ونقوم __________________________________________________

(1) مختصر التحفة الإثني عشرية: 196، الحديث الحادي عشر من باب الإمامة.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 190

بواجبات الإسلام، لم يجز للإمام قتالهم عند أكثر العلماء كأبي حنيفة وأحمد، وأبوبكر الصدّيق إنّما قاتل مانعي الزكاة لأنّهم امتنعوا من أدائها مطلقاً، وإلّا فلو قالوا نحن نؤتيها بأيدينا ولا ندفعها إلي أبي بكر، لم يجز قتالهم عند الأكثرين كأبي حنيفة.

ولهذا كان علماء الأمصار علي أنّ القتال كان قتال فتنة، وكان من قعد عنه أفضل ممّن قاتل فيه، وهذا مذهب مالك وأحمد بن حنبل والأوزاعي بل الثوري، وكذلك نقل عن أبي حنيفة ومن لا يحصي عدده» «1» .

وقال ابن تيمية: «اضطرب الناس في خلافة علي علي أقوال:

فقالت طائفة: إنّه إمام وإنّ معاوية إمام، وإنّه يجوز نصب إمامين في وقت إذا لم يكن الإجتماع علي إمام واحد، وهذا يحكي عن الكرامية وغيرهم.

وقالت طائفة: لم يكن في ذلك الزمان إمام بل كان زمان فتنة، وهذا قول طائفة من أهل الحديث البصريّين وغيرهم، ولهذا لمّا أظهر الإمام أحمد التربيع بعلي في الخلافة وقال: من لم يربّع بعلي في الخلافة فهو أضلّ من حمار أهله، أنكر ذلك طائفة من هؤلاء وقالوا: قد أنكر خلافته من لا يقال هو أضلّ من حمار أهله، يريدون من تخلّف عنها من الصحابة، واحتجّ أحمد وغيره علي خلافة علي بحديث سفينة عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: تكون خلافة النبوّة ثلاثين سنة ثمّ تصير ملكاً، وهذا الحديث

قد رواه أهل السنن كأبي داود وغيره.

وقالت طائفة ثالثة: بل هو الإمام، وهو مصيب في قتاله لمن قاتله،

__________________________________________________

(1) منهاج السنّة 4: 436- 437.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 191

وكذلك من قاتله من الصحابة كطلحة والزبير، كلّهم مجتهدون ومصيبون، وهذا قول من يقول كلّ مجتهد مصيب، كقول البصريّين من المعتزلة أبي الهذيل وأبي علي وأبي هاشم ومن وافقهم من الأشعريّة كالقاضي أبي بكر وأبي حامد وهو المشهور عن أبي الحسن الأشعري، وهؤلاء أيضاً يجعلون معاوية مجتهداً مصيباً في قتاله كما أنّ عليّاً مصيب، وهذا قول طائفة من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم، ذكره أبو عبداللَّه ابن حامد، ذكر لأصحاب أحمد في المقاتلين يوم الجمل وصفّين ثلاثة أوجه: أحدهما: كلاهما مصيب، والثاني:

المصيب واحد لا بعينه، والثالث: إنّ عليّاً هو المصيب و من خالفه مخطئ، والمنصوص عن أحمد وأئمّة السنّة أنّه لا يذم أحد منهم وإنّ عليّاً أولي بالحقّ من غيره، أمّا تصويب القتال فليس هو قول أئمّة السنّة، بل هم يقولون إنّ تركه كان أولي.

وطائفة رابعة: تجعل عليّاً هو الإمام، وكان مجتهداً مصيباً في القتال، ومن قاتله كانوا مجتهدين مخطئين، وهذا قول كثير من أهل الكلام والرأي من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم.

وطائفة خامسة تقول: إنّ عليّاً مع كونه خليفة وهو أقرب إلي الحقّ من معاوية، فكان ترك القتال أولي وينبغي الإمساك عن القتال لهؤلاء وهؤلاء، فإنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الساعي، وقد ثبت أنّه قال للحسن: إنّ ابني هذا سيّد وسيصلح اللَّه به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين، فأثني علي الحسن بالإصلاح، ولو كان القتال واجباً أو مستحبّاً لما مدح تاركه.

قالوا: وقتال البغاة لم يأمر اللَّه به ولم يأمر بقتال باغ بل قال: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 192

بغت إحداهما علي الاخري فقاتلوا التي تبغي حتّي تفي ء إلي أمر اللَّه» فأمر إذا اقتتل المسلمون بالإصلاح بينهم فإن بغت إحداهما قوتلت. قالوا: ولهذا لم يحصل بالقتال مصلحة، والأمر الذي يأمر اللَّه به لابدّ أن يكون مصلحة راجحة علي مفسدته.

وفي سنن أبي داود: حدّثنا الحسن بن علي، ثنا يزيد، ثنا هشام عن محمّد يعني ابن سيرين قال: قال حذيفة: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلّاأنا أخافها عليه إلّامحمّد بن مسلمة، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: لا تضرّك الفتنة.

قال أبو داود: حدّثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة عن الأعمش بن سليم، عن أبي بردة عن ثعلبة بن ضبيعة قال: دخلت علي حذيفة فقال: إنّي أعرف رجلًا لاتضرّه الفتن شيئاً، فخرجنا فإذا فسطاط مضروب فإذا فيه محمّد بن مسلمة، فسألناه عن ذلك، فقال: ما اريد أن يشتمل علي شي ء من أمصاركم حتّي تنجلي عمّا انجلت.

فهذا الحديث يبيّن أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أخبر أنّ محمّد بن مسلمة لا تضرّه الفتنة، وهو ممّن اعتزل في القتال فلم يقاتل لا مع علي ولا مع معاوية، كما اعتزل سعد بن أبي وقّاص واسامة بن زيد وعبداللَّه بن عمر وأبو بكرة وعمران بن حصين وأكثر السابقين الأوّلين، وهذا يدلّ علي أنّه ليس هناك قتال واجب ولا مستحب، إذ لو كان كذلك لم يكن ترك ذلك ممّا يمدح به الرجل بل كان من فعل الواجب، وفاعل الواجب أفضل ممّن تركه، ودلّ ذلك علي أنّ القتال قتال فتنة كما

ثبت في الصحيح عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم إنّه قال: ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 193

الماشي، والماشي خير من الساعي، والساعي خير من المرضع، وأمثال ذلك من الأحاديث الصحيحة تبيّن أنّ ترك القتال كان خيراً من فعله من الجانبين.

وعلي هذا جمهور أئمّة أهل الحديث والسنّة، وهو مذهب مالك والثوري وأحمد وغيرهم، وهذه أقوال من يحسن القول في عليّ وطلحة والزبير ومعاوية» «1» .

فأيّ ريبٍ وشك يبقي في ضلال مالك وهلاكه بعد هذا؟ لاسيّما بالنظر إلي كلام الفخر الرازي في أنّ من تكلّم في الشّافعي فقد آذي اللَّه ورسوله واستحقّ اللّعن، وذلك ليس إلّالكونه قرشيّاً، فكيف بمن تكلّم في علي أميرالمؤمنين، الذي هو بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم سيّد قريش وبني هاشم، وهو سيّد الوصيّين؟!

أللّهمّ إلّاانْ يكون ابن تيميّة كاذباً في نسبة تلك الأقوال إلي مالك!!

كان لا يروي عن الإمام الصادق حتّي يضمّه إلي أحد!

ومن ذلك: ما ذكره الذهبي قال: «قال مصعب بن عبداللَّه عن الدراوردي قال: لم يرو مالك عن جعفر حتّي ظهر أمر بني العبّاس. قال مصعب بن عبداللَّه: كان مالك لا يروي عن جعفر حتّي يضمّه إلي أحد» «2» .

وكفي طعناً في مالك وكتابه ورواياته أن يكون هذا رأيه في الإمام أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام؟ وكيف يكون القادح في الإمام الصادق ثقةً؟

وعلي الجملة، فهذا حال مالك وديانته وثقته وأمانته!!

__________________________________________________

(1) منهاج السنّة 4: 437.

(2) ميزان الاعتدال 2: 144/ 1521.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 194

من الأباطيل والموضوعات في الموطأ … ص: 194

وكيف يطمئنّ بروايات من هذا حاله وبكتابه؟ وكيف يقال بصحّة كتابٍ ربع رواياته- تقريباً- عن هشام بن عروة الذي قال مالك

عنه: «كذّاب» كما تقدّم؟

بل لقد ذكر الغزالي أنّه «كان أحمد بن حنبل ينكر علي مالك في تصنيفه الموطأ ويقول: ابتدع مالم يفعله الصحابة» «1» .

وفي هذا الكتاب أباطيل وموضوعات كثيرة، نكتفي بإيراد بعضها:

حديث لا نورّث (فمنها) حديثه: «عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة: «إنّ أزواج النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم حين توفي رسول اللَّه أردن أن يبعثن عثمان ابن عفّان إلي أبي بكر الصدّيق فيسألنه ميراثهنّ من رسول اللَّه. فقالت لهنّ عائشة: أليس قد قال رسول اللَّه: لا نورّث ما تركناه صدقة» «2» .

فقد تقدّم سابقاً: أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام كذّب هذا الحديث، وكيف يصدق ما كذّبه علي؟

علي أنّ أبابكرٍ نفسه أيضاً يكذّبه، فقد جاء في الأحاديث الصحيحة

__________________________________________________

(1) إحياء علوم الدين 1: 79.

(2) الموطأ 2: 993/ 27.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 195

تصريحه بأنّ الوارث لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أهله وليس غيرهم:

أخرج أحمد بإسناده عن أبي الطفيل قال: «لمّا قبض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، أرسلت فاطمة إلي أبي بكر: أنت ورثت رسول اللَّه أم أهله؟ قال:

فقال: لا بل أهله. قالت: فأين سهم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم؟ قال:

فقال أبوبكر: إنّي سمعت رسول اللَّه … » «1» .

وقد رواه المتّقي عن جماعة من الأئمّة: أحمد في المسند، وأبي داود، وابن جرير والبيهقي «2» .

والمحبّ الطبري تحت عنوان «ذكر اقتفائه آثار النبوّة واتّباعه إيّاها» «3» .

فهذا الحديث صريحٌ في أنّه كان يري أنّ لرسول اللَّه إرثاً ووارثاً.

بل لقد روي أنّه لمّا قالت له ذلك نزل عن المنبر وكتب لها كتاباً بفدك …

قال سبط ابن الجوزي: «قال علي بن الحسين رضي اللَّه عنهما: جاءت

فاطمة بنت رسول اللَّه إلي أبي بكر- وهو علي المنبر- فقالت: يا أبابكر، أفي كتاب اللَّه أن ترثك ابنتك ولا أرث أبي؟ فاستعبر أبوبكر باكياً ثمّ قال: يا بأبي أنتِ، ثمّ نزل فكتب لها بفدك. ودخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة ميراثها من أبيها. قال: فماذا تنفق علي المسلمين وقد حاربتك العرب كما تري؟ ثمّ أخذ عمر الكتاب فشقّه» «4» .

فظهر أنّ الحديث المذكور كذب مفتري

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 1: 9/ 15.

(2) كنز العمّال 5: 604/ 14069، وورد بنحوه في مواضع عدّة.

(3) الرياض النضرة 1: 190.

(4) مرآة الزمان، ورواه عن سبط ابن الجوزي: نور الدين الحلبي في السّيرة النبوية 3: 488: باب يذكر فيه مدّة مرضه وما وقع فيه ووفاته.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 196

حديث ولاء بريرة

(ومنها) الحديث: «مالك: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أنّها قالت: جاءت بريرة فقالت: إنّي كاتبت أهلي علي تسع أواق في كلّ عام أوقية فأعينيني، فقالت عائشة: إنْ أحبّ أهلك أن أعدّها لهم عنك عددتها، ويكون لي ولاؤك، فعلت. فذهبت بريرة إلي أهلها، فقالت ذلك لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عند أهلها ورسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم جالس، فقالت لعائشة: إنّي قد عرضت عليهم ذلك فأبوا عليّ، إلّاأنْ يكون الولاء لهم، فسمع ذلك رسول اللَّه، فسألها فأخبرته عائشة، فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنّما الولاء لمن أعتق … » «1» .

وقد أنكر هذا الحديث بعض العلماء:

منهم: قاضي قضاتهم يحيي بن أكثم، فقد جاء بشرحه في (عمدة القاري): «الموضع الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: اشتريها. إلي آخره.

مشكل، من

حيث الشراء وشرط الولاء لهم وإفساد البيع بهذا الشرط ومخادعة البايعين وشرط ما لا يصحّ لهم ولا يحصل لهم وكيفيّة الإذن لعائشة. ولهذا الإشكال أنكر بعض العلماء هذا الحديث بجملته، وهذا منقول عن يحيي بن أكثم … » «2» .

ومنهم: الشافعي، قال ابن حجر في (الفتح): «واستشكل صدور الإذن __________________________________________________

(1) الموطأ 2: 780/ 17.

(2) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري 13: 122.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 197

منه في البيع علي شرط فاسد. واختلف العلماء في ذلك، فمنهم من أنكر الشرط في الحديث، فروي الخطابي في المعالم بسنده إلي يحيي بن أكثم أنّه أنكر ذلك، وعن الشافعي في الام الإشارة إلي تضعيف رواية هشام المصرّحة بالإشتراط، لكونه انفرد بها دون أصحاب أبيه، وروايات غيره قابلة للتأويل … » «1» .

حديث انتقاض الوضوء بمسّ الذكر

(ومنها) حديثه في انتقاض الوضوء بمسّ الذكر، الذي أبطله كبار علماء القوم، وهو: «مالك: عن عبداللَّه بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم: أنّه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت علي مروان بن الحكم، فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: ومن مسّ الذكر الوضوء. فقال عروة: ما علمت هذا، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنّها سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضّأ» «2» .

فهذا الحديث ردّوه بوجوه عقلية ونقليّة كثيرة، وأقاموا البراهين الجليّة علي كذبه وبطلانه، بل لم يستدل به القائلون بهذا القول أيضاً، لكون راويه مروان بن الحكم الفاسق الفاجر.

وقال الشيخ عبدالعلي الأنصاري في (الأركان الأربعة):

«ولا ينقض مسّ الذكر الوضوء عندنا، وقال الإمام الشافعي: وإن مسّ بلا حائل ينقض، وكذا عند الإمام مالك. وقال الإمام أحمد في رواية:

ينقض مسّ __________________________________________________

(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 5: 144- 145.

(2) الموطّأ 1: 42/ 58.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 198

الرجل ذكره ودبره ومسّ المرأة فرجها.

وحجّتهم ما روي الإمام الشافعي عن أبي هريرة عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إذا أفضي أحدكم بيده إلي ذكره ليس بينه وبينها حجاب فليتوضّأ.

قال في فتح القدير: إسناده مضعّف.

وبما روي النسائي عن بسرة بنت صفوان أنّها قالت: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من مسّ ذكره فليتوضّأ.

وتحقيق حال هذا الحديث: قال مشايخنا في اصول الفقه: إنّ مسّ الذكر ممّا يتكرّر به البلوي ويبتلي به كلّ أحد من الرجال، ولم يطّلع عليه أحد من الرجال مع حاجتهم إلي معرفة حكم مسّ الذكر، واطّلعت عليه امرأة غير محتاجة إلي معرفة حكم مسّ الذكر، وهذا في غاية البعد.

وقد قال الطحاوي: ولا نعلم أحداً من الصحابة أفتي بوجوب الوضوء من مسّ الذكر إلّاابن عمر ولم يتمسّك هو أيضاً بهذا الحديث.

وقال في فتح القدير: وقد ثبت عن أميرالمؤمنين علي وعمّار وابن مسعود وحذيفة وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص رضوان اللَّه عليهم أنّهم لا يرون النقض منه، ولو كان هذا الحديث ثابتاً لكان لهم معرفة بذلك، والقائلون بنقض الوضوء من مسّ الذكر لم يستدلّوا بذاك الحديث، ولم يقل أحد إنّي سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وروي من روي عن بسرة، ويبعد كلّ البعد أن يُلقي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حكماً إلي من لا يحتاج إليه ولا يلقي إلي من يحتاج إليه، فعلم أنّ فيه انقطاعاً باطناً والحديث غير صحيح.

ثمّ ينظر في سنده، فروي الإمام مالك في الموطأ عن محمّد بن عمرو

استخراج المرام من استقصاء

الافحام، ج 3، ص: 199

ابن حزم قال: سمعت عروة يقول: دخلت علي مروان فتذاكرنا ما يكون فيه الوضوء فقال مروان: من مسّ الذكر فليتوضّأ. فقال عروة: ما علمت هذا.

فقال: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنّها سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضّأ.

وأخرج أبو داود والترمذي رواية الموطأ وللنسائي نحوه وفيه: وقال عروة: ولم أزل اماري مروان حتّي دعي رجلًا من حرسه، فأرسل إلي بسرة وسألها عمّا حدّثت من ذلك، فأرسلت إليه بسرة مثل الذي حدّثني عنها مروان، كذا في جامع الاصول.

فقد علم من ذلك أنّ عروة لم يسمع من بسرة، إنّما سمع من شرطي مروان، والشرطي مجهول لا يقوم روايته حجّة.

وأمّا مروان، وإن قبله جماعة من المحدّثين وكتبوا روايته في صحاحهم ومسانيدهم، لكن مروان- في الإنصاف- لم يكن قابلًا لقبول شهادته وروايته، وقد تواتر عنه أفعال أعاذنا اللَّه عنها وجميع المسلمين، وإنّه قد احتال حيلًا ومكراً عظيماً في خلافة أميرالمؤمنين عثمان وهو غير شاعر، حتّي انجرّ إلي أنّ الأشقياء قتلوه، فقتل شهيداً مظلوماً.

ثمّ هو كان شريكاً للذين جاءوا لتخريب المدينة في زمان يزيد الشقي، حتّي أعانهم، وغدر هو وغدروا بأهل المدينة وفعلوا ما فعلوا؛ فإن كان عنده هذا الصنع حراماً- كما هو في الواقع- فهو فاسق معلن، فلا تقبل روايته بل لا يكتب حديثه، وإن كان يزعم هذا الصنع مباحاً لشبهة عرضت له كشبهة الخوارج، فهو من أهل الأهواء، ثمّ كان هو داعياً إلي هذا الصنع فهو مبتدع داع إلي بدعته، ورواية المبتدع الداعي إلي بدعته غير مقبول ولا صالح للكتابة

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 200

بالإجماع، ثمّ ملاحظة هذه القصّة في التواريخ المعتبرة يحكم أنّه قد ارتكب كذباً، والمبتدع

الكاذب- وإن كان مستحلّاً للكذب- لا يقبل روايته بالإجماع.

ثمّ كان هو يسبُّ أميرالمؤمنين عليّاً في المجالس بل علي المنبر، والمبتدع المظهر سبّ السلف مردود الشهادة والرواية باتّفاق الامّة، بخلاف الكاتم، فإنّه يقبل شهادته عندنا إن كان مجتنباً عن الكبائر في زعمه وعن الكذب، ويقبل روايته أيضاً عند أكثر أهل الحديث بذلك الشرط، وعند محقّقي أصحابنا لا تقبل روايته أصلًا وهو الحقّ، وقد بيّنّا في فواتح الرحموت شرحنا للمسلّم.

وإذ قد علمت أنّ هذا الحديث المروي عن بسرة غير صحيح ألبتّة، وحديث أبي هريرة أيضاً ضعيف، فلم يدلّ دليل علي نقض مسّ الذكر، فيبقي علي أصله غير ناقض كمسّ سائر الأعضاء» .

وقال الزرقاني المالكي: « … هو علي شرط البخاري، وإنْ كان المخالف يقول: إنه من رواية مروان، ولا صحبة له ولا كان من التابعين بإحسان … وزعم الحنفيّة أن مسّ الذكر في حديث بسرة كناية عمّا يخرج منه … وقالوا أيضاً: إن خبر الواحد لا يعمل به فيما يعمّ به البلوي … » «1» .

هذا، وسيأتي في فصل (مسائل فقهيّة) البحث عن هذه المسألة، وفيه الكلام علي حديث مروان، وطعن يحيي بن معين فيه.

حديث تحريم المتعة يوم خيبر

(ومنها) حديثه: «عن ابن شهاب، عن عبداللَّه والحسن ابني محمّد بن __________________________________________________

(1) شرح الموطأ 1: 152 كتاب الطهارة، باب الوضوء من مسّ الفرج.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 201

علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم نهي عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسيّة» «1» .

وهو حديث باطل لوجوه:

الأول: لقد نصّ علماء القوم علي بطلان القول بتحريم النبي صلّي اللَّه عليه وآله المتعة يوم خيبر، وقد تقدم

الإيماء إلي قول صاحب (التحفة) بأنّ هذه الدعوي تشهد بجهل وحمق مدّعيها «2» .

الثاني: إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام كان علي رأس القائلين بحليّة المتعة، قال الرازي: «أمّا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، فالشيعة يروون عنه إباحة المتعة، وروي محمّد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي رضي اللَّه عنه أنّه قال: لولا أن عمر نهي عن المتعة ما زنا إلّاشقي» «3» .

وفي (الدر المنثور) بتفسير «فما استمتعتم … » الآية: «أخرج عبدالرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن الحكم أنّه سئل عن هذه الآية أمنسوخة؟

قال: لا. وقال علي: لولا أن عمر نهي عن المتعة ما زنا إلّاشقي» «4» .

ورواه المتقي كذلك عن الثلاثة «5» .

الثالث: إنّ فتوي مالك نفسه بإباحة المتعة تكذّب هذا الحديث، وقد ذكرت فتواه هذه في كتب القوم، نذكر بعضها:

قال المرغيناني: «ونكاح المتعة باطل، وهو أنْ يقول لامرأة: أتمتّع بك __________________________________________________

(1) الموطأ 2: 542/ 41.

(2) التحفة الإثني عشرية: 303.

(3) تفسير الرازي 10: 50.

(4) الدر المنثور 2: 486.

(5) كنز العمّال 16: 522/ 45728.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 202

كذا مدّة بكذا من المال. وقال مالك رحمه اللَّه: هو جائز، لأنّه كان مباحاً فيبقي إلي أنْ يظهر ناسخه» «1» .

وقال أبوالبركات النسفي في (كنز الدقائق): «ويبطل نكاح المتعة، خلافاً لمالك، صورة المتعة أنْ يقول الرجل لامرأة: خذي هذه العشرة لأتمتّع بك أيّاماً. وقال مالك رحمه اللَّه: هو جائز» .

قال الزيلعي بشرحه: «وقال مالك هو جائز، لأنّه كان مشروعاً، فيبقي إلي أنْ يظهر ناسخه. واشتهر عن ابن عبّاس تحليلها، وتبعه علي ذلك أكثر أصحابه من أهل اليمن ومكّة» .

وقال العيني بشرحه: «وقال مالك هو جائز، لأنّه كان مشروعاً، واشتهر عن ابن عبّاس

تحليلها» .

وقال أكمل الدين البابرتي بشرح الهداية:

«قال: ونكاح المتعة باطل. صورة المتعة ما ذكره في الكتاب أن يقول الرجل لامرأة: أتمتّع بك كذا مدّة بكذا من المال، أو يقول: خذي منّي هذه العشرة لأتمتّع بك أيّاماً، أو متّعيني نفسك أيّاماً أو عشرة أيّام، أو لم يقل أيّاماً.

وهذا عندنا باطل. وقال مالك رحمه اللَّه: هو جائز، وهو الظاهر من قول ابن عبّاس رضي اللَّه عنه. لأنّه كان مباحاً بالاتّفاق فيبقي إلي أنْ يظهر ناسخه …

وقيل: في نسبة جواز المتعة إلي مالك نظر، لأنه روي الحديث في الموطّأ عن ابن شهاب عن عبداللَّه والحسن ابني محمّد بن علي عن أبيهما عن عليّ بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم نهي عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسيّة. وقال في المدوّنة: ولا

__________________________________________________

(1) الهداية في الفقه 1: 195.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 203

يجوز النكاح إلي أجل قريب أو بعيد وإنْ سمّي صداقاً، وهذه المتعة.

وأقول: يجوز أن يكون شمس الأئمّة الذي أخذ منه المصنّف، قد اطّلع علي قولٍ له علي خلاف ما في المدوّنة، وليس كلّ من يروي حديثاً يكون واجب العمل، لجواز أن يكون عنده ما يعارضه أو يرجّح عليه» «1» .

__________________________________________________

(1) العناية في شرح الهداية 3: 149- 150 ط علي هامش فتح القدير لابن الهمام.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 205

أبو حنيفة النعمان بن ثابت … ص: 205

رسالة إمام الحرمين … ص: 205

لقد ألَّف إمام الحرمين الجويني «1» رسالةً في ذمّ أبي حنيفة والطعن علي أقواله وفتاواه، وأسماها «مغيث الخلق في اختيار الحق» . وقد تركت هذه الرسالة أثراً بالغاً في نفوس الناس، وتحيّر الحنفيّة في علاج الأمر، ولم يجد بعضهم بدّاً من انكار الرسالة

ونفي كونها لإمام الحرمين وزعم أنّها موضوعة عليه، كالشيخ ملّا علي القاري، فإنّه كتب جواباً عنها وقال في خطبته:

«يقول أفقر عباد اللَّه الغني الباري علي بن سلطان الهروي القاري: رأيت رسالة مصنوعةً في ذمّ مذهب السّادة الحنفيّة- الذين هم قادة الامّة الحنفيّة وأكثر أهل الملّة الاسلاميّة- وموضوعة، فيها أشياء من أعجب العجاب التي تشير إلي أنّ قائلها جاهل أو كذّاب، وهي منسوبة إلي أبي المعالي عبدالملك ابن عبداللَّه بن يوسف الجويني المشهور بإمام الحرمين، من أكابر علماء مذهب الشافعي، وحسن ظنّي به أنّ أحداً من الخوارج أو الرافضة- الحاسدين لاجتماع أهل السنّة والجماعة علي طريقة واحدة مشتملة علي المستنبط من __________________________________________________

(1) وهو: أبو المعالي عبدالملك الشافعي، المتوفي سنة 478، توجد ترجمته في: طبقات الشافعية للسبكي 5: 165، وفيات الأعيان 3: 167، المنتظم 9: 18، سير أعلام النبلاء 18: 468.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 206

الكتاب والسنّة وإجماع الامّة والقياس المعتبر عند الأئمة- كتب هذه الرسالة ونسبها إليه، ليكون سبباً لرواج بضاعته المزجاة لديه، ووسيلة إلي مهابة العوام والجهلة في الردّ عليه، كما يدلّ علي ما قلنا ركاكة ألفاظه … » .

إلّاأنّ القاري تنبّه في آخر الرسالة إلي غفلته والتفت إلي سوء ظنّه وفساد توهّمه فقال:

«ثمّ اعلم أنّي كنت أظنّ أنّ الرسالة المصنوعة إنّما يكون علي إمام الحرمين موضوعة، لكن رأيت في بعض الكتب أنّه ذكرها اليافعي في كتابه مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقلّب أحوال الإنسان» .

أقول: وهذه نصوص ألفاظ ما جاء في (مرآة الجنان) في ذلك:

«وممّا ذكروا عن السلطان محمود ما هو مشهود، ومن فضل مذهب الشافعي معدود: ما سيأتي الآن ذكره ويعلم منه فضل

المذهب المذكور وفخره، قصّة عجيبة مشتملة علي نادرة غريبة، وهي ما ذكر إمام الحرمين، فحل الفروع والأصلين، أبوالمعالي عبدالملك ابن الشيخ الإمام أبي محمّد الجويني، في كتابه الموسوم ب «مغيث الخلق في اختيار الحق» : إنّ السلطان محمود المذكور كان علي مذهب أبي حنيفة رضي اللَّه عنه، وكان مولعاً بعلم الحديث، وكان الناس- أو قال: الفقهاء- يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه … » «1» .

قضيّة صلاة القفّال … ص: 207

هذا، وقد جاء في الرسالة المذكورة بعد الكلام علي فضائح أبي حنيفة

__________________________________________________

(1) مرآة الجنان وعبرة اليقظان 3: 19.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 207

في مسائل الطهارة:

«جئنا إلي الصّلاة، فوافق الشافعي الأصل الذي عليه بناء الصّلاة من الدعاء والخضوع والخشوع وقال: المعني المطلوب من الصّلاة الخضوع والخشوع واستكانة النفس، ومحادثة القلب بالموعظة الحسنة والحكمة البالغة، والفكر في معاني القرآن والإبتهال إلي اللَّه سبحانه، وأبو حنيفة لا يلزم الأصل ويخالفه حتّي طرح أركانها وشرائطها، حتّي رجع حاصل الصّلاة إلي نقرات كنقرات الديك، وإذا عرض- مثلًا- صلاته علي كلّ عامي جلف امتنع عن اتّباعه، فإنّ من غمس في مستنقع نبيذ، ولبس جلد كلب مدبوغ، وأحرم بالصّلاة مبدّلًا بصيغة التكبير ترجمته تركياً كان أو هندياً، ويقتصر في قراءة القرآن علي ترجمة قوله «مُدهامّتان» ثمّ يترك الركوع فينقر نقرتين، لا قعود بينهما ولا يقرأ التشهّد، ثمّ يحدث عمداً في آخر صلاته بدل التسليم، ولو اتفق منه أن سبقه الحدث يعيد الوضوء في أثناء الصلاة ويحدث، فإنّه إن لم يكن قاصداً لحدثه الأوّل لم يتحلّل عن صلاته علي الصحّة.

والذي ينبغي أن يقطع به كلّ ذي دين: أنّ مثل هذه الصّلاة لم يبعث اللَّه به نبيّاً، ولا بعث محمّد بن عبداللَّه المصطفي- صلوات

اللَّه وسلامه عليه- لدعاء الناس إليه، وهي قطب الإسلام وعماد الدين، وقد زعم أنّ هذا القدر أقلّ الواجب، وهي الصّلاة التي بعث بها النبيّ عليه الصّلاة والسلام، وما عداها آداب وسنن.

ويحكي أنّ السلطان يمين الدولة وأمين الملّة أباالقاسم محمود بن سبكتكين، كان علي مذهب أبي حنيفة، وكان مولعاً بعلم الحديث، وكان ندماؤه وجلساؤه يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع، وكان استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 208

يستفسر الأحاديث، فوجد الأحاديث أكثرها موافقاً لمذهب الشافعي، فوقع في خلده حبّه، فجمع الفقهاء من الفريقين في المرو، والتمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين علي الآخر، فوقع الإتفاق علي أن يصلّوا بين يديه ركعتين علي مذهب الشافعي وركعتين علي مذهب أبي حنيفة، لينظر فيه السلطان ويتفكّر فيه ويختار ما هو أحسن.

فصلّي القفّال المروزي من أصحاب الشافعي بطهارة مسبغة وشرائط معتبرة من الطهارة والستر واستقبال القبلة، وأتي بالأركان والهيئات والسنن والآداب والفرائض علي وجه الكمال والتمام، وكان صلاة لا يجوّز الشافعي دونها.

ثمّ صلّي ركعتين علي ما يجوّز أبو حنيفة، فلبس جلد كلب مدبوغ ولطخ ربعه بالنجاسة، وتوضّأ بنبيذ التمر، وكان في صميم الصيف بالمفازة، فاجتمع عليه الذباب والبعوض، وكان وضوءه معكوساً منكوساً، ثمّ استقبل القبلة وأحرم بالصلاة من غير نيّة، وأتي بالتكبير بالفارسيّة، ثمّ قرأ آية بالفارسيّة «دو برك سبز» ثمّ نقر نقرتين كنقرات الديك، من غير فصل ومن غير ركوع، وتشهّد وضرط في آخره من غير سلام.

وقال: أيّها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة.

فقال السلطان: إن لم تكن هذه صلاة أبي حنيفة لقتلتك؛ لأنّ مثل هذه الصلاة لا يجوّزها ذو دين.

وأنكرت الحنفيّة أن يكون هذه صلاة أبي حنيفة.

وأمر القفّال بإحضار كتب العراقيّين.

وأمر السلطان نصرانيّاً كاتباً يقرأ المذهبين

جميعاً.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 209

فوجدت الصّلاة علي مذهب أبي حنيفة علي ما حكاه القفال.

فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة وتمسّك بمذهب الشافعيّ.

ولو عرضت الصلاة التي جوّزها أبو حنيفة علي العامّي لامتنع من قبولها» .

وكذلك جاء في كتاب (السيف المسلول في ضرب القفال والمقفول)، فإنّه وإنْ حاول صاحبه في بدء الأمر تكذيب القصّة، لكنّه اضطرّ إلي الإقرار بثبوتها، وهذه عباراته:

«يقول أضعف عباد اللَّه القوي علم اللَّه بن عبدالرزاق الحنفي أصلح اللَّه حاله وحقّق آماله: كنت أسمع من أفواه الرجال قصّة المروزي القفال مع السلطان محمود الغزنوي المغتال، في تحويله بالشعبذة والإحتيال وتنقيله عمّا كان عليه من سنيّ الأحوال، من مذهب الإمام أبي حنيفة الأعظم إلي مذهب الإمام محمّد بن إدريس المحترم، ولمّا كانت القصّة مشتملة علي قبايح شنيعة وشنائع فظيعة لا تليق به، بل يستحيل أن تصدر عمّن له حظّ قليل من الأخلاق الرضيّة والآداب المرضيّة، بل من له أدني رائحة من طيب الإسلام فضلًا عمّن يعدّه جمع من العلماء الأعلام، كنت كذّبتها وما صدّقتها وخطّأتها وما صوّبتها وقلت: حاشاه حاشاه! أين هذا وأين علمه وتقواه، مطهّر جنابه من هذه الأنجاس، منزّه لسانه عن لوث هذه الأدناس، شأنه أجلّ من أن يكون معروفاً بهذي الفضائح ومشهوراً بتلك القبائح، من البطالات المزخرفة والخرافات المستطرفة، واضحوكات المضحكة ومهملات المتمسخرة، وتكلّمات المجانين وحكايات المغمورين، وخطابات المسحورين وهذيانات المحمومين، هزل لا فصل، جهل لا فضل، وكنت علي ذلك برهة من الزمان استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 210

ومدّة من الأكوان» .

ثمّ قال بعد هذا كلّه:

«حتّي وقفت علي تاريخ اليافعي من أعيان مقلّدي الشافعي، فرأيته قد ذكر القصّة علي ما شاعت في الخافقين،

نقلًا عن الكتاب المسمّي بمغيث الخلق لإمام الحرمين، فظهر أنّ القصة واقعة وأنّ الحكاية علي ما هي شائعة، ليس في صدقها ريب ولا فيها من الافتراء شوب، فلمّا عرفت أنّ هذا اليقين لا يستراب زدتُ تحيّراً وقلت: إنّ هذا لشي ءٌ عجابٌ، وأعجب من هذا، أنّ هؤلاء الذين عدّوّا أجلّاء الشافعيّة عظماء، ذكروا القصّة تبجّحاً وافتخاراً، وأوردوا الحكاية تبهّجاً وابتشاراً، كما يدلّ علي ذلك عباراتهم ويجلو ما هنالك إشاراتهم» .

ترجمة القفّال المروزي … ص: 210

هذا، وإليك طرفاً من ترجمة أبي بكر القفال، المتوفي سنة 417، وفضائله ومحامده في كتب تراجم الرجال والتاريخ: فقد قال ابن خلّكان في (وفيات الأعيان):

«أبوبكر عبداللَّه بن أحمد بن عبداللَّه الفقيه الشافعي المعروف بالقفال المروزي، كان وحيد زمانه فقهاً وحفظاً، وورعاً وزهداً، له في مذهب الإمام الشافعي من الآثار ماليس لغيره من أبناء عصره، وتخاريجه كلّها جيّدة وإلزاماته لازمة، واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به، منهم الشيخ أبو علي السبخي والقاضي حسين بن محمّد، وقد تقدّم ذكرهما، والشّيخ أبو محمّد الجويني والد إمام الحرمين، وسيأتي ذكرهما إن شاء اللَّه تعالي وغيرهم، وكلّ واحد من استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 211

هؤلاء صار إماماً يشار إليه، ولهم التصانيف النافعة ونشروا علمه في البلاد، وأخذ عنهم أئمّة كبار أيضاً» «1» .

وقال ابن جماعة في (طبقات فقهاء الشافعية):

«عبداللَّه بن أحمد بن عبداللَّه المروزي، الإمام الجليل، أبوبكر القفال الصغير، شيخ طريقة خراسان، وإنّما قيل له القفال لأنّه كان يعمل الأقفال في ابتداء أمره، وبرع في صناعتها حتّي صنع قفلًا بالآلة ومفتاحه وزن أربع حبّات، فلمّا كان ابن ثلاثين سنة أحسّ من نفسه ذكاء فأقبل علي الفقه، فاشتغل به علي الشيخ أبي زيد وغيره، فصار إماما

يقتدي به فيه، وتفقّه عليه خلق من أهل خراسان، وسمع الحديث، وحدّث وأملي.

قال الفقيه ناصر العمري: لم يكن في زمان أبي بكر القفال أفقه منه، ولا يكون بعده مثله، وكنّا نقول: إنّه ملك في صورة إنسان.

وقال الحافظ أبوبكر السمعاني في أماليه: أبوبكر القفال وحيد زمانه فقهاً وحفظاً وورعاً وزهداً، وله في المذاهب من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره، وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي التي حملها عنه أصحابه أمتن طريقة وأكثرها تحقيقاً، رحل إليه الفقهاء من البلاد وتخرّج به أئمّة» «2» .

وقال اليافعي في (مرآة الجنان):

«الإمام أبوبكر القفال المروزي، عبداللَّه بن أحمد شيخ الشافعية بخراسان، حذق في صنعته حتّي عمل قفلًا بمفتاحه وزن أربع حبّات، فلمّا صار ابن ثلاثين سنة، أحسّ بنفسه ذكاءً وحبّب اللَّه إليه الفقه، فاشتغل به فشرع __________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 3: 46/ 331.

(2) طبقات الشافعية لابن جماعة، وانظر: لابن قاضي شهبة 1: 186 برقم 144.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 212

فيه، وهو صاحب طريقة الخراسانيّين في الفقه، عاش تسعين سنة.

قال ناصر العمري: لم يكن في زمانه أفقه منه ولا يكون بعده، كنّا نقول:

إنّه ملك في صورة آدمي.

قلت: وهو القفال المتقدم ذكره مع السلطان محمود الملقّب بيمين الدولة وأمين الملّة ابن ناصر الدين سبكتكين، وله ذكر في صلاته علي مذهب الشافعي فقهاً والمجزية علي مذهب أبي حنيفة القصّة المتقدم ذكرها في سنة عشرة وأربعمائة.

قالوا: وكان وحيد زمانه فقهاً وحفظاً وورعاً وزهداً، واشتغل عليه خلق كثير منهم الأئمة الكبار: القاضي حسين والشيخ أبومحمّد الجويني وابنه إمام الحرمين والشيخ أبو علي السنجي وغيرهم، وكلّ واحد من هؤلاء صار إماماً يشار إليه، ولهم التصانيف النافعة، وأخذ عنهم الأئمة كبار أيضاً» «1»

.

وإليك كلمات الشيخ علي القاري في الطعن والذم لهذا الفقيه الكبير …

«ثمّ رأيت بعض أصحابنا إنّه أفاد في هذه الحكاية ما أجاد حيث قال:

وما أقبح صلاة هذا المصلّي وأشنعها وما أسوء ضرطته وأفظعها، لقد لبس ثوب الخلاعة وارتدي برداء الشناعة، وأصمّ بضرطته الأسماع، وأتي بما تنفر عنه الطباع، وفعل فعل السفلة الخفاف، واستخفّ بالدين غاية الإستخفاف، فضلّ به عن سواء الصراط، والتحق بالأراذل والأسقاط بصلاته هذه وختمها بالضراط.

لقد ساعدته استه كلّ المساعدة، وباعدته عن الحياء والدين كلّ المباعدة؛ أمّا عن الدين فظاهر لأرباب اليقين، لأنّه تعمّد الحدث في حال __________________________________________________

(1) مرآة الجنان وعبرة اليقظان 3: 24 حوادث السنة 417.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 213

مناجاته لربّ العالمين، وأمّا عن الحياء فذلك شي ء لا ينكره أحد من العقلاء، فواعجباه! كيف أقدم هذا الذي ينسب إلي العلم علي هذا الفعل القبيح، بحضرة جماعة منهم السلطان، فصيّر نفسه ضحكة لأهل الزمان بأمر الشيطان، ثمّ مع هذا ظنّ أنّ ضرطته هذه له نافعة وإنّما هي له عن رتبة العقلاء واضعة، إذ لو فعل مثل ذلك أحد من العوام لقيل إنّه ملحد مستخفّ بالإسلام، بل من ترك الصلاة رأساً أهون في مقام القبائح من هذه السيّئة المشتملة علي الفضائح، إذ هي الشناعة العظمي والداهية الدَّهياء.

وإنّما حمله علي ذلك اتّباع الهوي لأجل أغراض الدنيا، فليته حين مات مات فعله هذا معه ولم يذكر، ولم يكتب في الدفاتر ولم يُسطر، لكنّه اثبت في التواريخ واشتهر، وتشدّق به من لا خلاق له وافتخر، فلو عرفوا ما فيه من أنّ الشناعة راجعة إليهم لما ذكروا مثل هذا فيما لديهم، ولكن كما قال سبحانه «أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً فإنّ

اللَّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء» فنعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، ونستغفره من زلل في أقلامنا وخطل في أقوالنا» .

ثمّ إنّ فتاوي أبي حنيفة في أحكام الصّلاة هذه التي حكاها القفال، مذكورة في سائر الكتب أيضاً، فالسيوطي مثلًا يقول في رسالته (جزيل المواهب في اختلاف المذاهب) في بيان فضائل مذهب الشافعي:

«ومنها: كثرة الإحتياط في مذهبه وقلّته في مذهب غيره، فمن ذلك الإحتياط في العبادات وأعظمها شأناً الصلاة، ومن أدّي صلاته علي مذهب الشافعي كان علي يقين من صحّتها، ومن أدّاها علي مذهب مخالفه وقع الخلاف في صحّة صلاته من وجوه: إجازتهم الوضوء بنبيذ التمر، وتطهير

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 214

البدن والثوب عن النجاسات بالمايعات، وأجازوا الصلاة في جلد الكلب المذبوح من غير دباغ، و أجازوا الوضوء بغير نيّة ولا ترتيب وأسقطوه في مسّ الفرج والملامسة، وأجازوا الصّلاة علي ذرق الحمام ومع قدر الدرهم من النجاسات الجامدة، وتلطّخ ربع الثوب من البول ومع كشف بعض العورة، وأبطلوا تعيين التكبير والقراءة، وأجازوا القرآن منكوساً، وبالفارسيّة، وأسقطوا وجوب الطّمأنينة في الركوع والسجود والإعتدال من الركوع والقعود بين السجدتين، والتشهّد والصلاة علي النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم في الصلاة، مع الخروج عنها بالحدث.

وأبطلنا نحن الصّلاة في هذه الوجوه، وأوجبنا الإعادة علي من صلّي خلف واحد من هؤلاء» .

وابن تيمية الذي له الباع الطويل في تكذيب الحقائق وإنكار الثوابت، قد نصَّ علي صحّة ما نسب إلي أبي حنيفة، وأن هذه الصلاة ينكرها جمهور أهل السّنة، ففي (منهاج السنة):

«وأمّا ما ذكره من الصّلاة التي يجيزها أبوحنيفة وفعلها عند بعض الملوك حتّي رجع عن مذهبه، فليس بحجّة علي فساد مذهب أهل السنّة،

لأنّ أهل السنّة يقولون إنّ الحقّ لا يخرج عنهم، لا يقولون إنّه لا يخطي أحد منهم، وهذه الصّلاة ينكرها جمهور أهل السنّة، كمالك والشافعي وأحمد، والملك الذي ذكره هو محمود بن سبكتكين، وإنّما رجع إلي ما ظهر عنده أنّه من سنّة النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم، وكان من خيار الملوك وأعدلهم، وكان من أشدّ الناس قياماً علي أهل البدع لاسيّما الرافضة» «1» .

__________________________________________________

(1) منهاج السنة 3: 430.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 215

بين الشافعي وتلامذة أبي حنيفة … ص: 215

ولو أنّ أحداً من الحنفيّة جوّز لنفسه الطعن والتشنيع علي هؤلاء الأئمة والتكذيب لهم، فليس له أن يقدم علي تكذيب الشافعيّ نفسه، لأنّه أحد أركان الدين عند أهل السنّة كلّهم، وقد جاء في غير واحد من الكتب طعن الشافعي علي أبي حنيفة وأصحابه وفتاواه، فالسبكي يروي في (طبقات الشافعية) عن إمامه الشافعي أنّه قال:

«كتب مطرف بن مازن إلي هارون الرشيد: إن أردت اليمن لا يفسد عليك ولا يخرج من يديك، فأخرج عنه محمّد بن إدريس- وذكر أقواماً من الطالبيّين- قال: فبعث إليَّ حمّاد البربري، فاوثِقْتُ بالحديد حتّي قدمنا علي هارون بالرقّة. قال: دخلت علي هارون. قال: فاخرجت من عنده. قال:

وقدمت ومعي خمسون ديناراً. قال: ومحمّد بن الحسن يومئذ بالرقّة. قال:

فأنفقت تلك الخمسين ديناراً علي كتبهم. قال: فوجدت مثلهم ومثل كتبهم مثل رجل كان عندنا يقال له فروخ وكان يحمل الدهن في زقّ له، فكان إذا قيل له عندك فرستان؟ قال: نعم. فإن قيل عندك زنبق؟ قال: نعم، فإذا قيل له:

أرني- وللزق رؤوس كثيرة- فيخرج من تلك الرؤوس وإنّما هي من واحدة، وكذلك وجدت كتاب أبي حنيفة، إنّما يقولون كتاب اللَّه وسنّة نبيّه عليه السلام، وإنّما هم

مخالفون له» «1» .

قال السبكي:

«قال- أي الشافعي-: فسمعت ما لا احصيه محمّد بن الحسن يقول: إن __________________________________________________

(1) طبقات الشافعية 2: 121- 122 مع اختلافٍ يسير.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 216

بايعكم الشافعي، فما عليكم من حجازي كلفة بعده، فجئت يوماً فجلست إليه وأنا من أشدّ النّاس همّاً وغمّاً من سخط أميرالمؤمنين، وزادي قد نفد.

قال: فلمّا أن جلست إليه، أقبل محمّد بن الحسن يطعن علي أهل دار الهجرة.

فقلت: علي من تطعن، علي البلد أم علي أهله؟ واللَّه لئن طعنت علي أهله، إنّما تطعن علي أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار، وإن طعنت علي البلدة، فإنّها بلدتهم التي دعا لهم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أن يبارك لهم في صاعهم ومدّهم، وحرّمها كما حرّم إبراهيم مكّة لا يقصد صيدها، فعلي أيّهم تطعن؟

فقال: معاذ اللَّه أن أطعن علي أحد منهم أو علي بلدته، وإنّما أطعن علي حكم من أحكامه.

فقلت له: وما هو؟

قال: اليمين مع الشاهد.

فقلت له: ولم طعنت؟

قال: فإنّه مخالف لكتاب اللَّه.

فقلت له: فكلّ خبر يأتيك مخالفاً لكتاب اللَّه أيسقط؟

قال: فقال لي: كذا يجب.

فقلت له: ما تقول في الوصيّة للوالدين؟ فتفكّر ساعة.

فقلت له: أجب.

فقال: لا يجوز.

قال: فقلت له: فهذا مخالف لكتاب اللَّه؟ لم قلت إنّه لا يجوز؟

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 217

قال: فقال: لأنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: لا وصيّة للوالدين.

قال: فقلت له: أخبرني عن شاهدين حتم من اللَّه لا غيره؟

قال: فماذا تريد من ذا؟

قال: فقلت له: لئن زعمت أنّ الشاهدين حتم من اللَّه لا غيره، كان ينبغي لك أن تقول إذا زنا زان فشهد عليه شاهدان إن كان محصناً رجمته وإن كان غير محصن جلدته.

قال: فإن قلت لك ليس هو

حتم من اللَّه؟

قال: قلت له إذا لم يكن حتماً من اللَّه فتنزل كلّ الأحكام منازله، في الزنا أربعاً وفي غيره شاهدين، وفي غيره رجلًا وامرأتين، وإنّما أعني في القتل لا يجوز إلّاشاهدين، فلما رأيت قتلًا وقتلًا أعني بشهادة الزنا وأعني بشهادة القتل، فكان هذا قتلًا وهذا قتلًا، غير أنّ أحكامهما مختلفة، فكذلك كلّ حكم تنزله حيث أنزله اللَّه منها بأربع، ومنها بشاهدين، ومنها برجل وامرأتين، ومنها بشاهد واليمين، فرأيتك تحكم بدون هذا.

قال: وما أحكم بدون هذا؟

قال: فقلت له: ما تقول في الرجل والمرأة إذا اختلفا في متاع البيت؟

فقال: أصحابي يقولون فيه ما كان للرجال فهو للرجال، وما كان للنساء فهو للنساء.

قال: فقلت: أبكتاب اللَّه هذا أم بسنّة رسول اللَّه؟

قال: فقلت له: فما تقول في الرجلين إذا اختلفا في الحائط؟

فقال: في قول أصحابنا إذا لم يكن لهم بيّنة ينظر إلي العقد من أين هو فأحكم لصاحبه.

قال: فقلت له: أبكتاب اللَّه هذا أم بسنّة رسول اللَّه؟

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 218

فقلت: ما تقول في رجلين بينهما خصومة فيختلفان، لمن تحكم إذا لم يكن لهم بيّنة؟

قال: أنظر إلي معاقده من أيّ وجه هو فأحكم له.

قلت له: بكتاب اللَّه تعالي قلت هذا أم بسنّة رسول اللَّه؟

قال: فقلت له: فما تقول في ولادة المرأة إذا لم يكن يحضرها إلّاامرأة واحدة وهي القابلة ولم يكن غيرها؟

قال: فقال: الشهادة جائزة بشهادة القابلة وحدها نقبلها.

قال: فقلت له: قلت هذا بكتاب اللَّه أم بسنّة رسول اللَّه؟

قال: ثمّ قلت له: من كانت هذه أحكامه فلا يطعن علي غيره.

قال: ثمّ قلت له: أتعجب من حكم حكم به رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وحكم به أبوبكر وعمر، وحكم به عليّ بن أبي طالب بالعراق،

وقضي به شريح؟

ورجل من ورائي يكتب ألفاظي وأنا لا أعلم.

قال: فأدخل علي هارون وقرأه عليه.

قال فقال لي هرثمة بن أعين: كان متّكياً فاستوي جالساً وقال: اقرءه علَيّ ثانياً.

قال: فأنشأ هارون يقول: صدق اللَّه ورسوله، صدق اللَّه ورسوله، صدق اللَّه ورسوله، قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: تعلّموا من قريش ولا تعلّموها، قدّموا قريشاً ولا تؤخّروها، ما أنكر أن يكون محمّد بن إدريس أعلم من محمّد بن الحسن» «1» .

__________________________________________________

(1) طبقات الشافعية 2: 122- 124.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 219

وقد روي ياقوت الحموي هذه المناظرة في (معجم الادباء) وجاء في نقله أنْ قال الشافعي لمحمد:

«وأمّا كتابك الذي ذكرت أنّك وضعته علي أهل المدينة، فكتابك من بعد بسم اللَّه الرحمن الرحيم خطأ إلي آخره، قلت في شهادة القابلة كذا وكذا وهو خطأ، وقلت في مسألة الحامل كذا وكذا وهو خطأ، وقلت في مسألة كذا كذا وكذا وهو خطأ، فاصفرّ محمّد بن الحسن ولم يُحرِ جواباً» «1» .

وأورد الفخر الرازي هذه المناظرة في (رسالته) في ترجيح مذهب الشافعي «2» .

وحكي شاه ولي اللَّه طرفاً منها في رسالته (الإنصاف) قال:

«مثاله ما بلغنا أنّه دخل- أي الشافعي- علي محمّد بن الحسن وهو يطعن علي أهل المدينة في قضائهم بالشاهد الواحد مع اليمين ويقول: هذا زيادة علي كتاب اللَّه.

فقال الشافعي: أثبت عندك إنّه لا تجوز الزيادة علي كتاب اللَّه بخبر الواحد؟

قال: نعم.

قال: فلم قلت إنّ الوصيّة للوارث لا تجوز لقوله صلّي اللَّه عليه وسلّم:

ألا لا وصيّة لوارث وقد قال اللَّه تعالي: «كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت» الآية.

__________________________________________________

(1) معجم الادباء 5: 195.

(2) مناقب الإمام الشافعي: 88- 91.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 220

وأورد

عليه أشياء من هذا القبيل فانقطع كلام محمّد بن الحسن» «1» .

وفي كتاب (معدن اليواقيت الملتمعة في مناقب الأئمة الأربعة):

«قال الشافعي: لمّا حبست في دار العامة، ضاق قلبي في الحبس، وكنت لا أري أحداً أستأنس به إلّامحمّد بن الحسن، وكنت أميل إليه لفقهه، وآمل أن يشفع لي عند السلطان، فحضر يوماً وأقبل يذمّ المدينة ويضع من أهلها ويعظّم أصحابه ويرفع من أقدارهم، وذكر أنّه وضع علي أهل المدينة كتاباً، وزعم أنّه لو وجد أحداً في الدنيا ينقض منه حرفاً أو يردّ عليه منه شيئاً- تبلّغني إليه الإبل- لسرت إليه وناظرته.

قال الشافعي: فرأيت وجوه أولاد المهاجرين والأنصار إنّها تسوّد لما سمعوا من ذمّ المدينة وأهلها، ورأيت أصحاب محمّد بن الحسن وإنّ وجوههم لتشرق ببياض ممّا سمعوا من مدح أصحابهم. قال: فبقيت بين أمرين: بين أن اجيب عن كلامه وابيّض وجوه أولاد المهاجرين والأنصار ويزداد به علَيّ غضب السلطان، وبين أن أسكت عن ذلك رجاء أن يكون محمّد بن الحسن شفيعاً لي عند السلطان، فاخترت رضا اللَّه عزّ وجلّ في ذلك الموضع، فجثوت بين يديه ثمّ قلت:

يا أباعبداللَّه! أراك أصبحت تهجو المدينة وتذمّ أهلها، فإن كنت أردتها، فإنّها حرم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ودار هجرته، وبها نزل الوحي، ومنها خلق النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم وبه طابت، وبها روضة من رياض الجنّة، وقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم: المدينة لا يدخلها الدجّال والطاعون، والمدينة علي كلّ ثقب من أثقابها ملك شاهر سيفه. ولئن كنت أردت أهلها،

__________________________________________________

(1) الانصاف في بيان اسباب الاختلاف: 41- 42.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 221

فهم أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأصهاره وأنصاره الذين مَهَّدوا الإيمان وحفظوا

الوحي وجمعوا السنن. وإن كنت أردت من بعدهم فهم أبناؤهم والتابعون بعدهم، وهم الأخيار من هذه الامّة. ولئن كنت أردت من القوم رجلًا واحداً وهو مالك بن أنس فما عليك لو سمّيت من أردت، ولم تذكر المدينة كما ذكرت.

فقال: ما أردت إلّامالك بن أنس.

قال: فقلت: قد نظرت في كتابك هذا، فإذا- بعد بسم اللَّه الرحمن الرحيم- خطأ كلّه.

قال: فما ذاك؟

قلت له: قلتَ فيه: قال أهل المدينة. ولست تخلو في قولك قال أهل المدينة: من أن يكون أردت جميع علماء أهل المدينة، أو تكون أردت بقولك قال أهل المدينة مالك بن أنس وأردت انفراده؛ فإن كنت أردت بقولك قال أهل المدينة جميع أهل المدينة فقد أخطأت، لأنّ علماء أهل المدينة لم يقفوا علي ما حكيت عنهم، وإن كنت أردت به مالك بن أنس علي انفراده وجعلته أهل المدينة، فقد أخطأت، لأنّ بالمدينة من علمائها من يري استتابة مالك فيما خالفه فيه، فأيّ الأمرين قصدت له فقد أخطأت.

قال: قصدت ذمّ القائلين بالشاهد مع اليمين، لأنّهم قالوا بخلاف كتاب اللَّه عزّ وجلّ.

قال: فقلت له: وأين خالف الكتاب؟

فقال: قال اللَّه تعالي: «واستشهدوا شهيدين من رجالكم» وقال سبحانه: «ذوي عدل منكم» فقالوا: شاهداً واحداً.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 222

فقال: فقلت له: أخبرني عن قوله عزّ وجلّ: «واستشهدوا شهيدين من رجالكم» أحتم، ولا يجوز أقلّ من شاهدين أم ذلك ليس بحَتْم؟

قال: بل هو حتم، ولا يجوز أقلّ من شاهدين.

فقلت: إن كان ما قلت كما قلت، فقد خالفت أنت وصاحبك الكتاب.

قال: وأين خالفنا الكتاب؟

فقلت له: ما تقول في شهادة القابلة وحدها علي انفرادها علي الولادة؟

فقال: شهادتها وحدها جائزة.

فقلت له: قد أجزت شهادة امرأة واحدة لا شاهد معها، قد خالفت الكتاب.

وقلت

في رجلين تداعيا جداراً ولا بيّنة لهما: إنّ الجدار من يليه أنصاف اللبن ومعاقد القمط.

وقلت في متاع البيت يدّعيه الزوجان: ما كان يصلح للرجال فهو للرجل، وما كان يصلح للنساء فهو للمرأة.

وقلت في الزقوق إذا ادّعاها صاحب الحانوت وساكنه: إن كانت منفصلة غير مستمرّة فهي للساكن، وإن كانت متّصلة مستمرّة فهي لربّ الحانوت.

فقضيت للمدّعي في هذه الصور بغير بيّنة ولا يمين، ثمّ أنكرت علينا الشاهد واليمين وهو سنّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وقول عليّ بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه، وقول الحكّام عندنا بالحجاز، وأنت تقول هذا برأيك وتردّ علينا السنّة.

قال: وذكرت أشياء ممّا خالفنا وترك السنن وقلت له: خالفت أنت في كتابك هذا في سبعين موضعاً كتاب اللَّه تعالي علي قولك، ثمّ حكيتها له قولًا

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 223

قولًا، منها كذا ومنها كذا.

قال: فتغيّر وجه محمّد بن الحسن وانقطع، فتبيّن لأهل المجلس ذلك وأسرّ به أكثر من حضرنا من أهل الحجاز، وابيضّت وجوه أولاد المهاجرين والأنصار بما سمعوا في دار الهجرة من نصرة الحقّ، وكان علي الدار يومئذ هرثمة، فكتب الخبر وبعث به إلي هارون.

قال الشافعي: وتوقّعت البلاء، فلمّا قري ء الخبر علي هارون الرشيد قال:

وما ينكر لرجل من بني عبد مناف أن يقطع محمّد بن الحسن.

قال: فبعث إليّ هارون الرشيد بألف دينار، وبعث إليّ المأمون بخمسمائة دينار وقال: أحبّ أن تجعل انقطاعك إليّ.

قال: فجاءني هرثمة وأخبرني برضا أميرالمؤمنين، وأقرأ علَيّ منه السلام ووضع المال الذي أمر به هارون بين يديّ ثمّ قال: لولا أنّ الخليفة لا يساوي لأمرت لك بمثلها وقد أمرت لك بأربعمائة دينار.

قال الشافعي: جزاك اللَّه عنّا خيراً، لولا أنّي لا أقبل جائزة إلّالمن هو فوقي

لقبلت جائزتك.

فردّ الشافعي جائزة هرثمة وقبل جائزةهارون الرشيد، ثمّ جعل يصرّه صرّة فيقسمه في أهل مكّة والقرشيّين الذين بالحضرة، فما انصرف إلي منزله إلّا بأقلّ من مائة» .

وقال الرازي في تلك الرسالة:

«المسألة السادسة: قال الشافعي: قلت لمحمّد بن الحسن: زعمتم أنّه لا يجوز أن يدعو الرجل في صلاته إلّابما في القرآن إمّا مجملًا وإما مفصّلًا، ثمّ رأينا أنّ طلب جميع الخيرات في الدنيا والآخرة والإستعاذة من جميع شرور

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 224

الدنيا والآخرة مذكورة في القرآن، فما معني قولكم لا يدعو الرجل إلّابما في القرآن؟ ألا تري إنّ إبراهيم عليه السلام قال: «واجنبني وبَنيّ أن نعبد الأصنام» وقال: «وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم باللَّه واليوم الآخر» فطلب خيرات الدنيا والآخرة، وقال موسي عليه السلام: «ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالًا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس علي اموالهم واشدد علي قلوبهم» وقال زكريّا عليه السّلام: «فهب لي من لدنك وليّاً» وقال سليمان عليه السّلام: «هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي» وقال نوح عليه السّلام لقومه: «استغفروا ربّكم إنّه كان غفّاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً» وقال تعالي: «زيّن للنّاس حبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث» وقال تعالي

«وهو الذي أنشأ جنّات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع» الآية.

فقال الشافعي: لو أنّ الرجل قال: اللهمّ هب لي خيلًا أركبها وفاكهة آكلها وامرأة أتزوّج بها، فكلّ ذلك مذكور في القرآن، فما معني قولكم لا يجوز أن يدعو إلّابما في القرآن؟

قال: فسكت محمّد ولم يذكر جواباً.

قلت: والذي يؤكّد

هذا الكلام، أنّهم جوّزوا قراءة الفاتحة بالفارسيّة وقالوا: المقصود هو المعني وذلك لا يختلف فكذا ههناك، المقصود من الدعاء طلب هذه الأشياء ولا يتفاوت ذلك بأن يذكر بالعربية أو بالفارسية وكذا ههنا المقصود من ههنا طلب هذه الأشياء، طلب أعيانها ومنافعها، وإذا كانت بأسرها مذكورة في قوله تعالي «ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 225

وقنا عذاب النار» فالقول بأنّ طلب هذه الأشياء لا يجوز مع القول بجواز قراءة الفاتحة بالمعني كالمتناقض.

ثمّ قال الشافعي: وقد دعا النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم لقوم وسمّاهم بأسمائهم ونسبهم إلي قبائلهم، وهذا كله يدلّ علي أنّ المحرّم من الكلام إنّما هو كلام الناس بعضهم بعضاً في حوائجهم، فأمّا إذا دعا ربّه وسأله حاجته فهذا لا أعلم أحداً من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم اختلف فيه، وقد صحّ عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أنه قال: وأمّا السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء، فإنّه قمن أن يستجاب لكم. ولم يخصّ رسول اللَّه دعاءً دون دعاء» «1» .

وفيها أيضاً:

«المسألة الخامسة: روي الربيع أنّه جرت مناظرة بين الشافعي وبين محمّد بن الحسن في باب الماء، فقال: زعمت أنّ فارةً إن وقعت في بئر فماتت، نزح منها عشرون دلواً ويطهر البئر، أرأيت شيئاً قط ينجس كلّه فيخرج بعضه فتذهب النجاسة عن الباقي؟

فقال: إنّما أخذنا بهذا المذهب لورود الأثر فيه. قلنا: ههنا تركتم هذا القياس اليقيني بسبب هذا الأثر، ثم تركتم النصّ الصريح في مسألة المصراة بسبب قياس ضعيفٍ! وذلك عجيبٌ جدّاً حيث يترك القياس اليقيني بسبب أثر ضعيف اتفق المحدّثون علي ضعفه، ويترك النص الصريح الذي أجمع المحدثون علي صحّته بسبب

قياس ضعيف.

ثمّ قال الشافعي لمحمّد بن الحسن: وزعمت أنّك إذا أدخلت يدك في __________________________________________________

(1) مناقب الإمام الشافعي: 276- 278.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 226

بئر لتتوضّأ بها إنّ ماء البئر ينجس كلّه ولا يطهر البئر حتّي ينزح الماء بالكليّة، وإنْ سقطت فيه نجاسة ميتة، طهر بعشرين دلواً أو ثلاثين دلواً، فهل يعقل أنْ يقال إنّ البئر ينجس بدخول اليد التي لا نجاسة عليها أكثر ممّا ينجس بسبب وقوع النجاسة فيه؟

قلت: والإلزام أظهر فيما إذا فرضنا أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم كان محدثاً، فأدخل يده المباركة في البئر أنه ينجس ماء البئر عندهم بالكليّة، ولا يطهر إلّابأن ينزح الماء بالكليّة، وتمام التقرير معلوم» «1» .

وفيها أيضاً:

«المسألة الثانيه عشرة: روي أنّ محمّد بن الحسن قال للشافعي يوماً:

بلغني أنّك تخالفنا في مسائل الغصب.

قال الشافعي: فقلت له: أصلحك اللَّه، إنّما هو شي ء أتكلّم به في المناظرة.

قال: فناظرني.

قلت: إنّي اجلّك عن المناظرة.

فقال: لابدّ منه.

ثمّ قال: ما تقول في رجل غصب ساجةً، وبني عليها جداراً وأنفق عليه ألف دينار، فجاء صاحب الساجة وأقام شاهدين علي أنّها ملكه؟

فقال الشافعي: قلت: أقول لصاحب الساجة ترضي أن نأخذ قيمتها؟ فإن رضي وإلّا قلعت البناء ودفعت ساجته إليه.

قال محمّد بن الحسن: فما تقول في رجل غصب لوحاً من خشب __________________________________________________

(1) مناقب الإمام الشافعي: 275- 276.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 227

فأدخله في سفينة، ووصلت السفينة إلي لجّة البحر، فأتي صاحب اللّوح بشاهدين عدلين أنها ملكه، أكنت تنزع اللّوح من السفينة؟

قلت: لا.

قال: اللَّه أكبر، تركت قولك.

ثمّ قال: ما تقول في رجل غصب خيطاً من إبريسم، فمُزّق بطنه وخاط بذلك الأبريسم تلك الجراحة، فجاء صاحب الخيط بشاهدين عدلين أنّ هذا

الخيط مغصوب منه، أكنت تنزع الخيط من بطنه؟

قلت: لا.

قال: اللَّه أكبر تركت قولك. وقال أصحابه: تركت قولك.

قال الشافعي: فقلت: لا تعجلوا، أرأيت لو كان اللّوح لوح نفسه، ثمّ أراد أن ينزع ذلك اللّوح من السفينة حال كونها في لجّة البحر، أيباح له ذلك أم محرم؟

قال: بل يحرم.

قلت: أفرأيت لو كان الخيط خيط نفسه، وأراد أن ينزعه من بطنه ويقتل نفسه، أمباح له ذلك أم محرّم؟

قال: بل محرّم.

قلت: أرأيت لو جاء مالك الساجة وأراد أن يهدم البناء وينزعها، أمحرّم له ذلك أم مباح؟

قال: بل مباح.

قال الشافعي: يرحمك اللَّه، فكيف تقيس مباحاً علي محرّم؟!

فقال محمّد: فكيف تصنع بصاحب السفينة؟

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 228

فقلت له: آمره أن يسيرها إلي أقرب السواحل، ثمّ أقول له: إنزع اللّوح وادفعه إليه.

فقال محمّد بن الحسن: قد قال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

قال الشافعي: ومن ضرّه؟ هو الذي ضرّ نفسه.

ثمّ قال الشافعي: ما تقول في رجل من الأشراف غصب جارية لرجل من الزنج في غاية الرذالة، ثمّ أولدها عشرة كلّهم قضاة سادات أشراف خطباء، فأتي صاحب الجارية بشاهدين عدلين علي أنّ هذه الجارية التي هي امّ هؤلاء الأولاد كانت مملوكة له، ماذا تعمل؟

فقال محمّد بن الحسن: أحكم بأنّ أولئك الأولاد مماليك لذلك الرجل.

فقال الشافعي: فقلت: أنشدك اللَّه، أيّ هذين أعظم ضرراً، أن تقلع الساجة وتردّها إلي مالكها، أو تحكم بردّ الجارية إلي مولاها وتحكم برقّ هؤلاء الأولاد؟

فانقطع محمّد بن الحسن» «1» .

وفيها أيضاً:

«المسألة الثالثه عشرة: قال محمّد بن الحسن للشافعي في مسألة العارية:

أنتم لا تعرفون معني حديث صفوان، وذلك، لأنّ العارية هناك إنّما صارت مضمونة، لأنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال:

عارية مضمونة.

قال الشافعي: فقلت: من استعار الساعة عارية وبشرط أن يضمنها، هل يضمن؟

قال محمّد: لا.

__________________________________________________

(1) مناقب الإمام الشافعي: 284- 286.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 229

قال الشافعي: فقلت: إنّما أنت تسخر من هؤلاء الذين عندك. وفي رواية أخري ما تقول في الشي ء الذي لا يكون مضموناً لو ضمنه هل يصير مضموناً عليه. قال محمد: لا. قال الشافعي: فقلت له: إنما تخدع هؤلاء!. والحاصل أنّ ما لا يكون مضموناً في الأصل لا يصير مضموناً بشرط الضمان، كالوديعة وغيرها من الأمانات» «1» .

وفيها أيضاً:

«وحكي الشافعي عن أبي يوسف أنّه قال لأرمينّ الليلة أهل المدينة بقاصمة الظهر في اليمين والشاهد، فقال رجل: وماذا تقول؟

قال أبويوسف: أتمسّك بقوله تعالي: «واستشهدوا شهيدين من رجالكم» .

فقال الرجل: لو سألوك عن الشاهدين اللذين أمر اللَّه تعالي بقبول شهادتهما؟

فقال أبو يوسف: هما عدلان مسلمان.

قال الشافعي: فقلت: لو قالوا لكم فأجزت شهادة أهل الذمّة في الحقوق وقد قال اللَّه تعالي: «من رجالكم» وقال: «ممّن ترضون من الشهداء» ؟

قال: فتفكّر ساعة ثمّ قال: هم في الحماقة أشدّ من أن يهتدوا إلي ذلك.

فقلت: أنت إنّما تحتجّ علي ضعفاء الناس» «2» .

أقول:

فهذه موارد من ردود الشافعي علي فتاوي أبي حنيفة، ونماذج من __________________________________________________

(1) مناقب الإمام الشافعي: 286- 287.

(2) مناقب الإمام الشافعي: 293.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 230

مناظراته مع تلامذته … ومن أراد التوسّع في هذا الباب فليرجع إلي (كتاب الردّ علي محمّد بن الحسن) من مصنفات الشافعي، كما ذكروه له بتراجمه كما في (معجم الادباء) وغيره.

الغزالي وأبو حنيفة … ص: 230

ومن الأعلام الذين ردّوا وشنّعوا علي أبي حنيفة في فقهه وفتاواه هو:

أبو حامد الغزالي، الذي يكفي في الوقوف علي مقامه ومعرفة شأنه ومنزلته

عند القوم: مباهاة النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم به، فيما رواه الدميري في (حياة الحيوان) بالسند الصحيح عن الشيخ الإمام العارف باللَّه أبي الحسن الشاذلي إنّه قال: «رأيت النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم في المنام وقد باهي موسي وعيسي: في امّتكما حبر هكذا- وأشار إلي الغزالي-.

وقال الشيخ الإمام العارف باللَّه الاستاد ركن الشريعة والحقيقة أبوالعبّاس المرسي- وقد ذكر الغزالي فشهد له بالصدّيقيّة العظمي-: وحسبك من باهي النبي به موسي وعيسي، وشهد له الصدّيقون بالصدّيقيّة العظمي» «1» .

فمن ذلك قوله في (المنخول) في كتاب الفتوي:

«الفصل الرابع: في التنصيص علي مشاهير المجتهدين من الصحابة والتابعين وغيرهم، ولا خفاء بأمر الخلفاء الراشدين، إذ لا يصلح للإمامة إلّا مفت، وكذا كلّ من أفتي في زمنهم، كالعبادلة وزيد بن ثابت، ومعاوية قلّده الشافعي في مسألة، وأصحاب الشوري قيل إنّهم كانوا مفتين؛ لأنّ عمر جعل الأمر فيما بينهم، فدلّ علي صلاح كلّ واحد له.

__________________________________________________

(1) حياة الحيوان للدميري 1: 370.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 231

قال القاضي: وهذا فيه نظر، إذ ما من واحد إلّاوشبّب عمر فيه بشي ء لمّا أن عرض عليه؛ فقال في طلحة: صاحب ختر وانْهٍ واستكبارٍ، وفي الزبير:

إنّه صاحب المدّ والصاع، وفي سعدٍ: إنّه صاحب مقنب، وفي عليّ: إنّ فيه دعابة، وفي عثمان: إنّه كلف بأقاربه، فلا يتلقّي حكم اجتهادهم من هذا المأخذ.

وأبوهريرة لم يكن مفتياً فيما قاله القاضي، وكان من الرواة.

والضابط عندنا فيه أنّ كلّ من علمنا قطعاً أنّه يتصدّي للفتوي في أعصارهم ولم يمنع عنه، فهو من المجتهدين، ولمن لم يتصدّ له قطعاً فلا، ومن تردّدنا في ذلك في حقّه تردّدنا في صفته، وقد انقسمت الصحابة إلي متنسّكين لا يعتنون بالعلم وإلي

معتنين به، وأصحاب العمل منهم لم يكن لهم مرتبة الفتوي، والذين يعلمون وأفتوا فهم المفتون، ولا مطمع في عدّ آحادهم بعد ذكر الضابط، وهو الضابط أيضاً في التابعين، وللشافعي في الحسن البصري كلام.

وأمّا مالك، فكان من المجتهدين، نعم له زلل في الإسترسال علي المصالح، وتقديم عمل علماء المدينة، وله وجه كما ذكرناه من قبل.

وأمّا أبو حنيفة، فلم يكن مجتهداً، لأنّه كان لا يعرف اللغة، وعليه يدلّ قوله: لو رماه بأبوقبيس، وكان لا يعرف الأحاديث؛ ولهذا عزي بقبول الأحاديث الضعيفة وردّ الصحيح منها، ولم يكن فقيه النفس بل كان يتكايس لا في محلّه علي مناقضة مآخذ الاصول» «1» .

وذكر في (المنخول) في كتاب الترجيح:

__________________________________________________

(1) المنخول في علم الاصول: 469- 471.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 232

«الباب الثاني: في ترجيح بعض الأقيسة المتعارضة علي البعض، وممّا لابدّ من تقديمه علي الخوض في ترجيح المقاييس، فصل ذكره القاضي في ترتيب النظر في قواعدالأقيسة، فقال: النظر فيها ينقسم إلي ما لا يتفاوت في نفسه وإلي المتفاوت في نفسه وإلي المتفاوت؛ وعني بالمتفاوت ما يتفاوت فيه نظر النظّار ويتعارض فيه الخواطر. قال: والنظر الذي لا يتفاوت ينقسم إلي ما يقع في مرتبة البديهي، كعلمنا أنّ المخنق والقتال بالمثقل عامد للقتل، ومن أضمر خلافه يُسَفَّهُ في عقله، وإلي ما يقع في مرتبة النظري، كعلمنا بوجوب القصاص عليه، فإنّ من علم مقصود الشارع من القصاص في الحقن والعصمة استبان بأدني نظر علي القطع إيجاب القصاص، ولا ينبغي أن يتماري فيه، وكذلك علمنا بأنّ العقوبات الرادعة عن الفواحش شُرِعت زجراً عنها، وإذا تجمّعت أسبابها من ارتكاب الفاحشة مع تمحّض التحريم ومسيس الحاجة إلي الزجر فلابدّ منه، كعلمنا بأنّ العدول إذا شهدوا

علي الزنا فلا يسقط الحدّ بقول المشهود عليه: صدقوا، كما قاله أبو حنيفة، وكعلمنا بأنّ الحدّ لا يتعلّق إلّا بفاحشة، ولكن الشرع تولّي بيانه فإنّا لا ندركه بأفهامنا، وقد خصّصها بتغييب الحشفة واستثني مقدّماته من معانقة وتقبيل ومماسّة منها، وعلمنا بأنّ أقلّ مراتب موجب العقوبة أن يتمحّض تحريمه، فالوطي ء بالشبهة لا يوجب الحدّ، وإشارته إلي الذي صادف امرأة علي فراشه ظنّها حليلته القديمة.

قال: فهذه جهة لا يتفاوت فيها نظر العقلاء، ولا اكتراث بمخالفة أبي حنيفة، فإنّي أقطع بخطائه في تسعة أعشار مذاهبه التي خالف فيها خصومه، فإنّه أتي فيها بالزلل في قواعد اصوليّة يترقّي القول فيها عن مظانّ الظنون، كتقديمه القياس علي الخبر ورجوعه إلي الإستحسان الذي لا مستند له،

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 233

وزعمه أنّ الزيادة علي النصّ نسخ في مسائل ذكرناه، وتمسكه بمسائل شاذّه في خرم القواعد، فليس الكلام معه فيها مظنّة النظر في المظنونات، والعشر الباقي يستوي فيه قدمه وقدم خصومه ولعلّهم يرجّحون عليه» «1» .

وفي (المنخول) أيضاً:

«قال الشافعي: من استحسن فقد شرّع، ولابدّ أوّلًا من بيان حقيقة الإستحسان، وقد قال قائلون من أصحاب أبي حنيفة: الإستحسان مذهب لا دليل عليه.

وهذا كفر من قائله وممّن يجوّز التمسّك به بلا حاجة فيه إلي دليل» «2» .

وفيه:

«قال أبو حنيفة: لا يجري القياس في الحدود و … والمقدّرات والرخص، ثمّ أفحش القياس في درء الحدود في السرقة والقصاص حتّي أبطل قاعدة الشرع، وفي إثباتها حتّي أوجب الحدّ في شهود الزوايا، وأوجب قطع السرقة بشهادة شاهدين يشهد أحدهما علي أنّه سرق بقرة بيضاء ويشهد الآخر علي بقرة سوداء، لاحتمال أنّ البقرة كانت ملمّعة، وقاس غير الجماع علي الجماع في الصوم

في إيجاب الكفّارة، والخطاء في قتل الصيد علي العمد في إيجاب الجزاء مع اختصاص النصّ بالعمد، وقدّر نزح ماء البئر عند نجاسته بثلاثين دلواً قياساً، ولا ينفعهم قولهم إنّا قلّدنا الأوزاعي، فإنّهم أبوا عن تقليد الصحابة في مسائل فكيف قلّدوه؟ وقدّروا العفو عن النجاسة بربع الثوب والمسح علي الرأس بربعه، وقاسوا في الرخص سائر النجاسات علي __________________________________________________

(1) المنخول من علم الاصول: 438- 439.

(2) المنخول: 374- 375.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 234

مقدار ما عفي عنه علي محلّ النَّجْو رخصة، فقد خبطوا هذه الاصول» «1» .

وجاء في آخر كتاب (المنخول):

«إنّ أباحنيفة نزق حمام ذهنه في تصوير المسائل وتقرير المذاهب، فكثر خبطه لذلك، ولهذا استنكف أبو يوسف ومحمّد عن اتّباعه في ثلثي مذهبه، لما رأيا فيه من كثرة الخبط والخلط والتورّط في المتناقضات، وصرف الشافعي ذهنه إلي انتخاب المذاهب وتقديم الأظهر فالأظهر، وأقدم عليه بقريحة وقّادة وفطنة منقادة وعقل ثاقب ورأي صائب، بعد الإستظهار بعلم الاصول والإستمداد من جملة أركان النظر في المعقول والمنقول، فيستبان علي القطع أنّه أبعد عن الزلل والخطأ ممّن اشتغل بالتمهيد، وتشوّش الأمر عليه في روم التأسيس والتقعيد.

وعلي الجملة، إذا قدم مذهب أبي حنيفة علي مذهب أبي بكر لتأخّره وشدّة اعتنائه بالنخل، فاعتبار التأخّر في نسبة الشافعي إلي أبي حنيفة ومن قبله أبين وأوضح» «2» .

ثمّ قال:

«المسلك الثالث أن نستقري مذاهب الأئمة، ليتبيّن تقديم الشافعي علي القطع:

فأمّا مالك، فقد استرسل علي المصالح إسترسالًا جرّه ذلك إلي قتل ثلث الامّة لاستصلاح ثلثيها، وإلي القتل في التعزير والضرب بمجرّد التّهم، إلي غيره ممّا أومأنا إليه في أثناء الكتاب …

__________________________________________________

(1) المنخول: 385- 386.

(2) المنخول: 496.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3،

ص: 235

وأمّا أبو حنيفة، فقد قلّب الشريعة ظهراً لبطن وشوّش مسلكها وغيّر نظامها» «1» .

إلي أن قال:

«ولا يخفي فساد مذهبه في تفاصيل الصلاة، والقول في تفاصيلها يطول، وثمرة خبطه بيّن فيما عاد إليه أقلّ الصلاة عنده، وإذا عرض أقلّ صلاته علي كلّ عامي جلف كاعٍّ امتنع عن اتّباعه، فإنّ من انغمس في مستنقع نبيذ، وخرج في جلد كلب مدبوغ، ولم ينو، وأحرم للصلاة مبدّلًا صيغة التكبير بترجمته تركيّاً كان أو هنديّاً، ويقتصر في قراءة القرآن علي ترجمة قوله «مدهامّتان» ثمّ يترك الركوع وينقر نقرتين لا قعود بينهما، ولا يقرأ التشهّد، ثمّ يحدث عمداً في آخر صلاته بدلًا عن التسليم، ولو انفلت منه أو سبقت له حدث يعيد الوضوء في أثناء صلاته، ويحدث بعده عمداً فإنّه لم يكن قاصداً في حدثه الأوّل، تحلّل عن صلاته علي الصحّة.

والذي ينبغي أن يقطع به كلّ ذي دين: أنّ مثل هذه الصلاة لا يبعث اللَّه بها نبيّاً، وما بعث محمّد بن عبداللَّه صلوات اللَّه عليه بدعاء الناس إليه، وهي قطب الإسلام وعماد الدين، وقد زعم أنّ هذا القدر أقلّ الواجب فهي الصلاة التي بعث بها النبيّ وما عداها آداب وسنن.

وأمّا الصوم، فقد استأصل ركنه وردّه إلي نصفه، حيث لم يشترط تقديم النيّة.

وأمّا الزكاة، فقد قضي أنّها علي التراخي، فيجوز تأخيرها وإن كانت الحاجة ماسّة، وأعين المساكين إليها ممتدّة، ثمّ زعم أنّها تسقط بموته قبل __________________________________________________

(1) المنخول: 499- 500.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 236

أدائها، وكان قد جاز له التأخير، وهل هذا إلّاإبطال غرض الشارع من مراعاة حقّ المساكين.

ثمّ عكس هذا في الحجّ الذي لا ترتبط به حاجة مسلم، وزعم أنّه علي الفور.

فهذا صنيعه في العبادات.

وأمّا العقوبات، فقد

أبطل مقاصدها وخرم أصولها وقواعدها، فإنّ ممّا رام الشرع عصمة الدماء والفروج والأموال، وقد هدم قاعدة القصاص بالقتل بالمثقل، فمهّد التخنيق والتغريق والقتل بأنواع المثقلات ذريعة إلي درء القصاص، ثمّ زاد عليه حتّي ناكر الحسّ والبديهة وقال: لم يقصد قتله وهو شبه عمد.

وليت شعري كيف يجد العاقل من نفسه أن يعتقد مثل ذلك تقليداً، لولا فرط الغباوة وشدّة الخذلان؟!

وأمّا الفروج، فإنّه مهّد ذرائع أسقط الحدّ بها، مثل الإجارة ونكاح الامّهات، وزعم أنّها دارئة للحدّ، ومن يبغ البغاء بمؤمنة كيف يعجز عن استيجارها، ومن عذيرنا من ذلك؟

ثمّ دقّق نظره منعكساً في إيجاب الحدّ في مسألة شهود الزوايا، زاعماً إنّي تفطّنت لدقيقة وهي انزحافهم في زنية واحدة علي الزوايا، ثمّ قال: لو شهد عليه أربعة عدول بالزنا فأقرّ مرّة واحدة سقط الحدّ عنه، ثمّ أوجب الحدّ في الوطي بالشبهة إذا صادف أجنبيّة علي فراشه فظنّ أنّها حليلته القديمة، وأقلّ موجبات العقوبات ما تمحّض تحريمه، والذاهل المخطي لا يوصف فعله بالتحريم.

وأمّا الأموال، فإنّه زعم أنّ الغصب فيها مع أدني تغيير مزيل ملك المالك عنها، كطحن الحنطة وشيّ الشاة» «1» .

__________________________________________________

(1) المنخول: 500- 502.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 237

إلي أن قال:

«ثمّ أردف جميع قواعد الشريعة بأصل هدم به شرع محمّد صلّي اللَّه عليه قطعاً حيث قال: شهود الزور إذا شهدوا كاذبين علي نكاح زوجة الغير وقضي به القاضي بخطأ، حلّت الزوجة للمشهود له وإن كان عالماً بالتزوير، وحرمت علي الأوّل بينه وبين اللَّه تعالي» «1» .

قال:

«ولولا شدّة الغباوة وقلّة الدراية وتدرّب القلوب علي اتّباع التقليد والمألوف، لما اتّبع مثل هذا المتصرّف في الشرع من سلم حسّه فضلًا عمّن يشتدّ نظره، ولهذا اشتدّ المطعن

والملعن من سلف الأئمة فيه، إلي أن اتّهموه برومه خرم الشرع، وهو الذي قطع به القاضي أبوبكر في قوله في مسألة المثقل قال: من زعم أنّ القاتل لم يتعمّد القتل به إن لم يعلم نقيضه فليس من العقلاء وإن علمه فقد رام خرم الدين» «2» .

أقول:

هكذا يتكلّم الغزالي في أبي حنيفة، ثمّ بالتالي يلعنه بصراحةٍ، وإذا علمنا أنّ الغزالي يمنع من لعن المسلم، بل لا يجوّز لعن يزيد بن معاوية، عرفنا حال أبي حنيفة عنده! وهذه عباراته علي ما في (تاريخ ابن خلّكان) وغيره من كتب أكابرهم الأعيان:

«لا يجوز لعن المسلم أصلًا، ومن لعن مسلماً فهو الملعون، وقد قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: المسلم ليس بلعّان، وكيف يجوز لعن المسلم __________________________________________________

(1) المنخول: 503.

(2) المنخول: 503- 504.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 238

ولا يجوز لعن البهائم وقد ورد النهي عن ذلك؟ وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنصّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم، ويزيد صحّ إسلامه وما صحّ قتله الحسين رضي اللَّه عنه ولا أمره ولا رضاه بذلك، ومهما لم يصحّ ذلك منه لا يجوز أن يظنّ ذلك به، فإنّ إساءة الظنّ أيضاً بالمسلم حرام وقد قال اللَّه تعالي: «إجتنبوا كثيراً من الظنِّ إنّ بعض الظنّ إثمٌ» وقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ اللَّه تعالي حرّم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظنّ به ظنّ السوء، ومن زعم أنّ يزيد أمر بقتل الحسين أو رضي به فينبغي أن يعلم به غاية حماقته، فإنّ من قُتِلَ من الأكابر والوزراء والسلاطين في عصره لو أراد أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله ومن الذي رضي به ومن الذي كرهه، لم يقدر علي

ذلك وإن كان قد قتل في جواره وزمانه وهو يشاهده، فكيف لو كان في بلد بعيد وفي زمن بعيد وقد انقضي عليه قريب من أربع مائة سنة في مكان بعيد، وقد تطرّق التقصير في الواقعة فكثرت فيها الأحاديث من الجوانب؟، فهذا أمر لا يعرف حقيقته أصلًا، وإذا لم يعرف وجب إحسان الظنّ بكلّ مسلم، ومع هذا، فلو ثبت علي مسلم أنّه قتل مسلماً فمذهب أهل الحقّ أنّه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر، بل هو معصية، وربّما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم يجز لعنته فكيف من تاب عن قتل، وبم يعرف أنّ قاتل الحسين رضي اللَّه عنه مات قبل التوبة «وهو الذي يقبل التوبة عن عباده» .

فإذاً لا يجوز لعن أحد ممّن مات من المسلمين، ومَنْ لعنه كان فاسقاً عاصياً للَّه تعالي، ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصياً بالإجماع، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة لم لم تلعن إبليس ويقال للّاعن:

لمن لعنت؟ ومن أين عرفت أنّه مطرود ملعون؟ والملعون هو المبعد من اللَّه استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 239

تعالي، وذلك غيب لا يعرف إلّافي مَنْ مات كافراً، فإنّ ذلك علم بالشرع، وأمّا الترحّم عليه فهو جائز، بل مستحب، بل هو داخل في قولنا في كلّ صلاة:

اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات فإنّه كان مؤمناً. واللَّه أعلم» «1» .

كتاب المنخول للغزالي … ص: 239

ثم إنّ بعضهم لمّا رأي هذا الطعن والذمّ الشديد من إمامهم الغزالي في أبي حنيفة في كتاب المنخول، ولم يتمكن من تكذيب الغزالي، إضطرّ إلي نفي نسبة الكتاب المذكور إليه، فقال بأنّه ليس من تصانيف الغزالي صاحب إحياء العلوم، بل هو تأليف محمود الغزالي المعتزلي.

ولكنّ هذه المحاولة

أيضاً للدفاع والحماية عن أبي حنيفة لا تجدي نفعاً، فالكتاب للغزالي قطعاً … وقد ذكره له كبار العلماء والمؤرخين المشاهير، كابن خلّكان، واليافعي، بترجمة الغزالي في عداد مصنّفاته «2» .

كما اعترف الملّا علي القاري بذلك في كتابه المؤلَّف ردّاً علي إمام الحرمين فقال:

«ثمّ رأيت الإمام الكردري صنّف تصنيفاً في الردّ علي الغزالي فيما نقل عنه أنّه ذكر في كتابه المنخول طعناً في أبي حنيفة وأصحابه الفحول، ولعلّه كان في أيّام جهالته وزمان حيرته ومبدأ ضلالته، قبل أن يدخل في طريق الأولياء وتصنيفه الإحياء، علي ما تدلّ عليه ترجمته للإمام الأعظم مع سائر العلماء» .

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 3: 288- 289.

(2) وفيات الأعيان 4: 218، مرآة الجنان 3: 137.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 240

وقال الحافظ الزين العراقي في (شرح ألفيّة الحديث):

«اختلف في التعديل والجرح هل يقبلان أو أحدهما من غير ذكر أسبابهما أم لا يقبلان إلّامفسَّراً، علي أربعة أقوال؟» ثمّ قال:

«القول الثاني عكس القول الأوّل: إنّه يجب بيان سبب العدالة ولا يجب بيان سبب الجرح، لأنّ أسباب العدالة يكثر التصنّع فيها، فيبني المعدّلون علي الظاهر. حكاه صاحب المحصول وغيره، ونقله إمام الحرمين في البرهان والغزالي في المنخول تبعاً له عن القاضي أبي بكر» ثمّ قال بعد ذكر القول الثالث:

«والقول الرابع عكسه، إنّه لا يجب ذكر سبب واحدٍ منهما، إذا كان الجارح أو المعدّل عالماً بصيراً، وهو اختيار القاضي أبي بكر ونقله عن الجمهور فقال: قال الجمهور من أهل العلم: إذا جرح من لا يعرف الجرح، يجب الكشف عن ذلك، ولم يوجبوا ذلك علي أهل العلم بهذا الشأن. قال:

والذي يقوي عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح

عالماً، كما لا يجب استفسار المعدّل عمّا به صار عنده المزكّي عدلًا. إلي آخر كلامه.

وممّن حكاه عن القاضي أبي بكر الغزالي في المستصفي خلاف ما حكاه عنه في المنخول» .

وذكر ابن جماعة كتاب المنخول بترجمة الغزالي في عداد مصنّفاته «1» ، وحكي بترجمة القاضي الحسين بن الحسن السعدي المقدسي الأصل __________________________________________________

(1) طبقات الشافعية لابن جماعة- ترجمة الغزالي استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 241

الدمياطي، عن الحافظ الدمياطي أنّه قرأ عليه المنخول للغزالي «1» .

ونقل الحافظ السيوطي في رسالته في الإجتهاد- (جزيل المواهب)- كلاماً عن الغزالي في المنخول قائلًا: «قال الغزالي في المنخول: الإجتهاد ركن عظيم في الشريعة … » .

هذا، وإنّ عدّةً من الأعلام يروون بالأسانيد كتاب (المنخول) للغزالي، فقد قال الشيخ تاج الدين الدهان المكّي الحنفي في كتاب (كفاية المتطلع لما ظهر وخفي من غالب مرويّات شيخنا العلّامة الحسن بن علي العجيمي) ما نصّه:

«كتاب المستصفي والمنخول، للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمّد بن محمّد بن محمّد الغزالي الشافعي: أخبر بهما عن الشيخ صفي الدين أحمد بن محمّد القشاشي والشهاب أحمد بن محمّد الخفاجي، عن العلّامة شمس الدين محمّد بن أحمد الرملي، عن أبي الفضائل عبدالحق بن محمّد السنباطي، عن الشيخ الزاهد شرف الدين أبي الفتح محمّد بن الزين أبي بكر ابن الحسين المراغي قال: أخبرنا بهما جماعة أعلاهم الحافظ بهاء الدين عبداللَّه بن محمّد بن خليل العثماني المكي إذناً، عن الرضي إبراهيم بن محمّد الطبري المكي قال: أخبرنا أبوالحسن علي ابن المقيّر البغدادي إذناً قال: أخبرنا أبوالعبّاس أحمد بن طاهر الميهني قالا: أخبرنا بهما مؤلّفهما الإمام حجّة الإسلام أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي الطوسي. فذكرهما» «2» .

__________________________________________________

(1) طبقات الشافعية لابن جماعة-

ترجمة القاضي حسين بن الحسن الدمياطي (2) كفاية المتطّلع- مخطوط.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 242

ثمّ إنّه ممّا يبطل دعوي كون (المنخول) لمحمود المعتزلي وجود الردود الكثيرة علي المعتزلة فيه:

فقد جاء في (المنخول):

«مسألة: لا يستدرك حسن الأفعال وقبحها بمسالك العقول، بل يتوقف دركها علي الشرع المنقول، إذ الحسن عندنا ما حسّنه الشرع بالحثّ عليه، والقبيح ما قبّح بالزجر عنه والذمّ عليه، وقد خالف في ذلك المعتزلة والكراميّة والرافضة … » «1» .

وفيه:

«مسألة: صيغة النفي إذا اتّصل بالجنس لم يقتض الإجمال كقوله: لا عمل إلّابالنيّة ولا صيام ولا صلاة، وزعمت المعتزلة أنّها مجملة من حيث أنّه يتردّد بين نفي العمل حسّاً وبين نفيه حكماً وهذه جهالة … » «2» .

وفيه:

«الأمر قسم من أقسام الكلام، وأصل الكلام ممّا أنكره المعتزلة، فلابدّ من تقديمه، والكلام فيه في ثلاثة فصول: الفصل الأوّل في إثباته عليهم، فالكلام عندنا معني قائم بالنفس علي حقيقة وخاصيّة يتميّز بها عمّا عداها، وأمّا العبارات فإنّها تسمّي كلاماً مجازاً أو حقيقة؟ تردّد فيه شيخنا أبوالحسن وهو متلقّي من اللغة، وأنكرت المعتزلة جنس الكلام وزعمت أنّه فعل حركات مخصوصة وأصوات مقطوعة، وزعموا أنّ الباري سبحانه متكلّم بمعني أنّه فاعل للكلام، والدليل علي إثباته ثلاثة مسالك … » «3» .

__________________________________________________

(1) المنخول: 8.

(2) المنخول: 77.

(3) المنخول: 98- 99.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 243

وفيه:

«مسألة: عند المعتزلة المأمور يخرج عن كونه مأموراً حالة الامتثال وحدوث الفعل المطلوب، لأنّ الأمر طلب والكائن لا يطلب، كما قالوا يخرج عن كونه مقدوراً، لأنّ القدرة لا تتعلّق بالموجود، وخالفهم أصحابنا في مسألتين وبنوا الأمر علي القدرة» «1» .

وفيه:

«قال شيخنا أبوالحسن:

المعدوم مأمور علي تقدير الوجود، إذ عنده ثبت الكلام القديم وثبت كون الباري آمراً أزلًا، وأبي المعتزلة وقالوا: الأمر طلب فكيف يتوجّه علي المعدوم … » «2» .

وفيه:

«قالت المعتزلة: لا يخصّص عموم القرآن بأخبار الآحاد، فإنّ الخبر لا يقطع بأصله بخلاف القرآن. وقال الفقهاء: يخصّص به- إلي أن قال- والمختار أنّه يخصّص، لعلمنا أنّ الصحابة كانوا يقبلون حديثاً نصّاً ينقل لهم الصدّيق في تخصيص عموم القرآن … » «3» .

وفيه:

«القول في أفعال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، ولا يتوصّل إلي ذلك إلّا بذكر مقدّمة في عصمة الأنبياء عن المعاصي، وهي منقسمة إلي الصغائر والكبائر، وقد تقرّر بمسلك النقل كونهم معصومين عن الكبائر، وأمّا الصغائر،

__________________________________________________

(1) المنخول: 122- 123.

(2) المنخول: 124.

(3) المنخول: 174.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 244

ففيه تردّد العلماء، والغالب علي الظنّ وقوعه، وإليه يشير بعض الآثار والحكايات، هذا كلام في وقوعه، أمّا جوازه فقد أطبقت المعتزلة علي وجوب عصمته عليه السلام عقلًا عن الكبائر، تعويلًا علي أنّه يورث التنفير وهو مناقض لغرض النبوّة، وهذا يبطل بكون الحرب سجالًا بينه وبين الكفّار، وبه اعتصم بعض اليهود في تكذيبه.

والمختار ما ذكره القاضي وهو أنّه لا يجب عقلًا عصمتهم، إذ لا يستبان استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا بنظر، وليس مناقضاً لمدلول المعجزة، فإنّ مدلوله صدق اللّهجة فيما يخبر عن اللَّه تعالي، فلا جرم لا يجوز وقوع الكذب فيما يخبر به عن اللَّه تعالي؛ لا عمداً ولا سهواً، ومعني التنفير باطل، فإنّا نجوّز أن ينبّي ء اللَّه تعالي كافراً ويؤيّده بالمعجزة، والمعتزلة يأبون ذلك أيضاً» «1» .

أقول:

وإذ وقفت علي كلمات الشّافعي وغيره في أبي حنيفة، فهلمّ لننظر إلي كلمات سائر الأئمة فيه،

وقد أوردها الحافظ الخطيب البغدادي بترجمته من (تاريخ بغداد) «2» .

أبو حنيفة في تاريخ الخطيب … ص: 244

وقد قال الخطيب بعد أن أورد عن جماعةٍ من الأئمة المدح لأبي حنيفة:

«والمحفوظ عند نقلة الحديث من الأئمة المتقدمين- وهؤلاء المذكورون منهم- في أبي حنيفة خلاف ذلك، وكلامهم فيه كثير، لُامور شنيعةٍ

__________________________________________________

(1) المنخول: 123- 124.

(2) ترجمة أبي حنيفة في تاريخ بغداد 13: 323- 454.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 245

حفظت عليه، متعلّق بعضها باصول الديانات وبعضها بالفروع، ونحن ذاكروها بمشية اللَّه عزوجل، ومعتذرون إلي من وقف عليها وكره سماعها، بأنّ أبا حنيفة عندنا مع جلالة قدره اسوة غيره من العلماء الذين دوّنّا ذكرهم في هذا الكتاب، وأوردنا أخبارهم وحكينا أقوال الناس فيهم علي تباينها، واللَّه الموفق للصواب» «1» .

أقول:

وهذه أسماء الأئمة الذين ذكر الخطيب آرائهم في أبي حنيفة، فهم:

ابن عيينة، وابن المبارك، وأبو يحيي الحماني، وابن عيّاش، وأحمد الخزاعي، والقاسم بن معن، ومالك بن أنس، ومحمّد بن إدريس الشافعي، والأوزاعي، ومسعر بن كدام، وإسرائيل، ومعمر، والفضيل بن عياض، وأبو يوسف، وأيّوب، وسفيان، وأبو مطيع الحكم بن عبداللَّه، ويزيد بن هارون، وأبو عاصم النبيل، وعبداللَّه بن داود الخريبي، وعبداللَّه بن يزيد المقري، وشداد بن حكيم، ومكي بن إبراهيم، ووكيع، والنضر بن شميل، ويحيي بن سعيد القطان، وأبو عبيد، والحسن بن عثمان العاضي، ويزيد بن ذريع، وجعفر بن ربيع، وإبراهيم بن عكرمة القزويني، وعلي بن عاصم، والحكم بن هشام، وعبدالرزاق، والحسن بن محمّد الليثي، ويحيي بن أيّوب، وحفص بن عبدالرحمن، وزافر بن سليمان، وأسد بن عمرو، والحسن بن عمارة، ويحيي ابن فضيل، وأبوالجويرية، وزائدة، ويزيد الكميت، وعلي بن حفص البزاز، ومليح بن وكيع، ومحمّد بن عبدالرحمن المسعودي، ويوسف السمتي،

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد

13: 370.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 246

وخارجة بن مصعب، وقيس بن الربيع، وحجر بن عبدالجبّار، وحفص بن حمزة القرشي، والحسن بن زياد، وجعفر بن عون العمري، وعبداللَّه بن رجا الغداني، ومحمّد بن عبداللَّه الأنصاري، وعبداللَّه بن عباب، وحجر بن عبداللَّه الحضرمي، وابن وهب العابد، وابن عائشة» .

قال الخطيب:

«ذكر القوم الذين ردّوا علي أبي حنيفة: أيّوب السختياني، وجرير بن حازم، وهمام بن يحيي، وفلان وفلان، فعدّد خمسة وثلاثين رجلًا، العجب أنّ فيهم عبداللَّه بن المبارك وحفص بن غياث، وهذان من أصحاب أبي حنيفة؛ أمّا عبداللَّه بن المبارك فأخذ العلم عنه واشتهر بذلك، وأمّا حفص بن غياث فمن مشهوري أصحابه والآخذين عن أصحابه» «1» .

ثمّ إنّ الخطيب جعل يروي بالأسانيد كلمات القوم في أبي حنيفة، كروايته عن الحميدي قال: «حدّثنا حمزة بن الحارث بن عمير عن أبيه قال:

سمعت رجلًا يسأل أبا حنيفة في المسجد الحرام:

عن رجل قال: أشهد أنّ الكعبة حقّ، ولكن لا أدري هل هي هذه التي بمكّة أم لا؟ فقال: مؤمن حقّاً. وسأله عن رجل قال: أشهد أنّ محمّد بن عبداللَّه نبيّ، ولكن لا أدري هو الذي قبره بالمدينة أم لا؟ فقال: مؤمن حقّاً.

وقال الحميدي: ومن قال هذا فقد كفر» «2» .

وروي بإسناده عن يحيي بن حمزة- وسعيد يسمع-: «أن أبا حنيفة قال: لو أنّ رجلًا عبد هذه النعل يتقرّب بها إلي اللَّه لم أر بذلك بأساً. فقال __________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 13: 370.

(2) تاريخ بغداد 13: 372.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 247

سعيد: هذا الكفرصراحاً» «1» .

وجاء في (تاريخ بغداد) قول الخطيب في أبي حنيفة:

«إنّه كان مذهبه مذهب جهم» «2» .

وقوله:

«وأمّا القول بخلق القرآن

فقد قيل: إنّ أباحنيفة لم يكن يذهب إليه، المشهور إنّه كان يقوله واستتيب منه» «3» .

وذكر الروايات في من حكي عن أبي حنيفة القول بخلق القرآن وأطال، فروي أشياء منها: «كان أبو حنيفة في مجلس عيسي بن موسي فقال: القرآن مخلوق. فقال: أخرجوه فإن تاب وإلّا فاضربوا عنقه» «4» .

والقول يخلق القرآن كفرٌ، كما هو في أسفارهم مذكور وعلي ألسنتهم مشهور …

وروي بإسناده عن شريك بن عبداللَّه- قاضي الكوفة-: «إن أبا حنيفة استتيب من الزندقة مرّتين» .

وعن عبداللَّه بن أحمد بن حنبل- إجازةً- حدثني أبو معمر قال: قيل لشريك: «ممّ استتبتم أبا حنيفة؟ قال: من الكفر» .

وعن معاذ بن معاذ ويحيي بن سعيد: سمعنا سفيان يقول: «استتيب أبو

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 13: 374.

(2) تاريخ بغداد 13: 381.

(3) تاريخ بغداد 13: 383.

(4) تاريخ بغداد 13: 386.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 248

حنيفة من الكفر مرتين. وقال يعقوب: مراراً» .

وعن أبي بكر ابن أبي داود السجستاني أنه قال يوماً لأصحابه: «ما تقولون في مسألةٍ اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟

فقالوا له: يا أبا بكر، لا تكون مسألة أصحّ من هذه.

فقال: هؤلاء كلّهم اتفقوا علي تضليل أبي حنيفة» «1» .

أقول:

ومن هنا تري أن عارفهم الرّباني الشيخ عبدالقادر الجيلاني يقول في كتابه (غنية الطالبين) إن أبا حنيفة مرجئ والحنفيّة مرجئة، فيخرجهم عن الإسلام بمقتضي الحديث في صحيح الترمذي، وهذا كلامه:

«عن عبداللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ بني إسرائيل افترقوا علي إحدي وسبعين فرقة كلّها في النّار إلّافرقة واحدة، وستفترق امّتي علي ثلاثة وسبعين فرقة كلّها في النّار إلّاواحدة.

قالوا: يا رسول اللَّه! وما تلك الواحدة؟ قال صلّي اللَّه عليه وسلّم: من كان علي مثل ما أنا عليه وأصحابي» .

فقال:

«فأصل ثلاث وسبعين فرقة عشر: أهل السنّة والخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة والمشبّهة والجهميّة والضراريّة والنجاريّة والكلابيّة، فأهل __________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 13: 394.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 249

السنّة طائفة واحدة» .

ثمّ قال:

«أمّا المرجئة، ففرقها اثنا عشر فرقة: الجهمية والصالحيّة والشمريّة واليونسيّة واليونانيّة والنجاريّة والغيلانيّة والشبيهيّة والحنفيّة والمعاذيّة والمريسيّة والكرامية» .

ثمّ قال:

«أمّا الحنفيّة، فهم أصحاب أبي حنيفة نعمان بن ثابت، زعم أنّ الإيمان هو المعرفة والإقرار باللَّه ورسوله وبما جاء به من عنده جملة، علي ما ذكره البرهوقي في كتاب الشجرة» .

وقد تألّم الشيخ علي القاري من هذا الكلام بشدّةٍ فقال في (شرح الفقه الأكبر):

«وأمّا ما وقع في الغنية للشيخ عبدالقادر الجيلاني رضي اللَّه عنه، عند ذكر الفرق الغير الناجية حيث قال: ومنهم القدريّة، وذكر أصنافاً منهم ثمّ قال:

ومنهم الحنفيّة وهم أصحاب أبي حنيفة نعمان بن ثابت، زعم أنّ الإيمان هو المعرفة والإقرار باللَّه ورسوله وبما جاء من عنده جملة علي ما ذكره البرهوقي في كتاب الشجرة، فهو اعتقاد فاسد وقول كاسد، مخالف لاعتقاده في الفقه الأكبر … » «1» .

أما ابن قتيبة، فقد ذكر في عداد المرجئة القاضي أبا يوسف واستاده أبا حنيفة واستاد أستاده أعني حماداً، وكذا رفيقه أعني محمّداً، وذلك في (كتاب المعارف) حيث قال:

__________________________________________________

(1) شرح الفقه الأكبر للقاري: 119.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 250

«أسماء المرجئة: إبراهيم التيمي، عمرو بن مرّة، أبوذر الهمداني، طلق ابن حبيب، حمّاد بن أبي سليمان، أبو حنيفة الفقيه، عبدالعزيز بن أبي رواد، ابنه عبدالحميد، خارجة

بن مصعب، عمر بن قيس الماصر، أبو معاوية الضرير، يحيي بن زكريا، ابن أبي زائدة، أبو يوسف صاحب الرأي، محمّد بن الحسن، محمّد بن السائب، مسعر بن كدام» «1» .

وعن السليماني القول بكون أبي حنيفة من المرجئة كما في كتاب (ميزان الإعتدال):

«أمّا مسعر بن كدام فحجّة إمام، ولا عبرة بقول السليماني: كان من المرجئة مسعر وحمّاد بن أبي سليمان والنعمان وعمرو بن مرّة وعبدالعزيز بن أبي رواد وأبو معاوية وعمر بن ذر، وسرد جماعة. قلت: الإرجاء مذهب لعدّة من جلّة من العلماء لا ينبغي التحامل علي قائله» «2» .

وقال ابن الجوزي في (تلبيس ابليس) عن المرجئة:

«قالت المرجئة: إنّ من أقرّ بالشهادتين وأتي بكلّ المعاصي لم يدخل النّار أصلًا، وخالفوا الأحاديث الصحاح في إخراج الموحّدين من النّار. قال ابن عقيل: ما أشبه أن يكون واضع الإرجاء زنديقاً، فإنّ صلاح العالم بإثبات الوعيد واعتقاد الجزاء، والمرجئة لمّا لم يمكنهم جحد الصانع- لما فيه من نفور الناس ومخالفتهم- أسقطوا فائدة الإثبات وهي الحسبة والمراقبة، وهدموا سياسة الشرع، فهم شرّ طائفة علي الإسلام» «3» .

__________________________________________________

(1) المعارف لابن قتيبة: 625.

(2) ميزان الاعتدال 6: 409/ 8476.

(3) تلبيس ابليس: 97.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 251

والأفظع من ذلك كلّه ما رواه الحافظ الخطيب البغدادي مسنداً إلي أبي إسحاق الفزاري أنّه قال: «كنت آتي أبا حنيفة أسأله عن الشي ء من أمر الغزو، فسألته عن مسألة فأجاب فيها.

فقلت له: إنّه يروي عن النبيّ كذا وكذا.

قال: دعنا من هذا.

وقال: وسألته يوماً آخر عن مسألة فأجاب فيها.

فقلت له: إن هذا يروي عن النبيّ فيه كذا وكذا.

فقال: حُكّ هذا بذَنَبِ خنزير» «1» .

ولهذه الامور وغيرها، فقد أطال الخطيب البغدادي الكلام بترجمة أبي

حنيفة، فذكر:

«ما قاله العلماء في أمر رأيه والتحذير عنه» وبدأ بالطعن علي من قال بالرأي، وما ورد من الأخبار فيه، وأورد السباب، وأنّه دجّال، وأنّه ما ولد في الإسلام مولود أضرّ منه.

وهكذا سعي الخطيب في ذكر عيوب أبي حنيفة والحطّ عليه والطعن فيه … بما لا يمكن تأويله وتوجيهه وحمله، وقد اعتذر قبل أن يشرع في ذلك بأن قال: «قد سقنا عن أيّوب السنحتياني وسفيان الثوري وابن عيينة وأبي بكر ابن عيّاش وغيرهم من الأئمّة أخباراً كثيرة تتضمّن تقريظ أبي حنيفة والمدح له والثناء عليه. والمحفوظ عند نقلة الحديث من الأئمة المتقدّمين وهؤلاء المذكورين منهم في أبي حنيفة خلاف ذلك وكلامهم فيه كثير، لُامور شنيعةٍ حفظت عليه» .

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 13: 401.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 252

وقال الشيخ عبدالحق الدهلوي في (تحصيل الكمال) في ترجمة أبي حنيفة في ذكر مسنده الذي جمعه أبوالمؤيّد الخوارزمي: «ورتّبه علي أبواب الفقه وذبّ عنه ما تكلّم فيه بعض النّاس، خصوصاً الخطيب البغدادي المتعصّب المكابر مع هذا الإمام العظيم الشأن، ولقد ناقض هذا الرجل المكابر نفسه في ما ذكر من المطاعن والعيوب، وتهافت كلامه في ذلك وتساقط من القلوب» .

بين أبي حنيفة وسفيان الثوري … ص: 252

إلّاأنّ هذا لا يجدي نفعاً، وقد ذكر البخاري في (التاريخ الصغير):

«حدّثنا نعيم بن حمّاد قال: حدّثنا الفزاري قال: كنت عند سفيان، فنعي النعمان فقال: الحمد للَّه. كان ينقض الإسلام عروة عروة، ما ولد في الإسلام أشأم منه» «1» .

واضطرّ بعض الأعلام لأنْ ينصحوا الناس بعدم الإصغاء لمثل هذه القضايا، فيقول السبكي:

«فإيّاك ثمّ إيّاك أن تصغي إلي ما اتّفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري، أو بين مالك وابن أبي ذئب، أو بين أحمد

بن صالح والنسائي، أو بين أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي، وهلمّ جرّاً إلي زمان الشيخ عزّالدين بن عبدالسلام والشيخ تقي الدين ابن الصلاح.

فإنّك إن اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك» «2» .

__________________________________________________

(1) التاريخ الصغير للبخاري 2: 93.

(2) طبقات الشافعية للسبكي 2: 278 ترجمة الحارث بن اسد المحاسبي.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 253

لكن ليس بين سفيان وأبي حنيفة فحسب، فهذا الحميدي شيخ البخاري يقول فيه كما نقل البخاري حيث قال:

«قال أبو حنيفة: قدمت مكّة فأخذت من الحجّام ثلاث سنن: لمّا قعدت بين يديه قال لي: استقبل الكعبة، فبدأ بشقّ رأسي الأيمن، وبلغ إلي العظمين.

قال الحميدي: فرجل ليس عنده سنن من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأصحابه في المناسك وغيرها، كيف يقلّد في أحكام اللَّه في المواريث والفرائض والزكاة والصلاة وامور الإسلام» «1» .

ذكره البخاريّ في الضعفاء … ص: 253

والبخاري نفسه … ذكر أبا حنيفة في الضعفاء … قال الرازي في (رسالته):

«وأمّا البخاري، فقد ذكر الشافعي في تاريخه الكبير فقال في باب الميم:

محمّد بن إدريس الشافعي القرشي، مات سنة أربع ومائتين، ثمّ إنّه ما ذكره في باب الضعفاء، مع علمه بأنّه كان قد روي شيئاً كثيراً من الحديث.

ولو كان من الضعفاء في هذا الباب لذكره، كما ذكر أبا حنيفة في هذا الباب» .

أبو حنيفة في كتاب المنتظم لابن الجوزي … ص: 253

وابن الجوزي أيضاً أورد كلمات الأئمة في ذم أبي حنيفة، ففي (المنتظم):

__________________________________________________

(1) التاريخ الصغير للبخاري 2: 41.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 254

بإسناده المتصل إلي سعيد بن أبي مريم إنّه قال: سألت يحيي بن معين عن أبي حنيفة قال: لا يكتب حديثه.

وإلي عبداللَّه بن علي بن عبداللَّه المديني قال: سألت أبي عن أبي حنيفة فضعّفه جدّاً وقال: روي خمسين حديثاً أخطأ فيها.

وإلي أبي حفص عمرو بن علي قال: أبو حنيفة ليس بحافظ، مضطرب الحديث، واهي الحديث.

وقال أبوبكر ابن أبي داود: جميع ما روي أبو حنيفة من الحديث مائة وخمسون حديثاً أخطأ- أو قال غلط- في نصفها «1» .

وتكلّم في أبي حنيفة جماعة آخرون من الأئمة، قال الذهبي في (ميزان الإعتدال):

«النعمان بن ثابت بن زوطي، أبو حنيفة الكوفي، إمام أهل الرأي، ضعّفه النسائي من جهة حفظه وابن عدي وآخرون، وترجم له الخطيب في فصلين من تاريخه، واستنوع كلام الفريقين معدّليه ومضعّفيه» «2» .

وفي (الميزان) أيضاً:

«إسماعيل بن حمّاد بن النعمان بن ثابت الكوفي، عن أبيه عن جدّه، قال ابن عدي ثلاثتهم ضعفاء» «3» .

وقال المناوي بشرح حديث «إذا طلعت الثريا أمن الزرع من العاهة» في (فيض القدير):

__________________________________________________

(1) المنتظم في تاريخ الامم 8: 134-

135.

(2) ميزان الاعتدال 7: 37- 38/ 9099.

(3) ميزان الاعتدال 1: 382/ 867.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 255

«وفيه شعيب بن أيّوب الصريفني، أورده الذهبي في الضعفاء، وقال أبوداود: أخاف اللَّه في الرواية عنه. والنعمان بن ثابت الإمام، أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي: عامّة ما يرويه غلط وتصحيف وزيادات، وله أحاديث صالحة» «1» .

تكلّم أحمد في أبي حنيفة … ص: 255

وأحمد بن حنبل أيضاً تكلّم في أبي حنيفة، وأوضح ذلك البيهقي، قال الرازي في الثناء علي الشافعي:

«الحجّة الثالثة: إنّ أكابر علماء الحديث أقرّوا له بالفضل والقوّة في هذا العلم. روي أنّ أحمد بن حنبل سئل: هل كان الشافعي صاحب حديث؟ فقال:

إي واللَّه كان صاحب حديث، وكرّرها ثلاثاً.

وروينا أنّه سمع الموطأ عليه وقال: إنّه ثبت فيه.

وسئل أحمد بن حنبل عن مالك فقال: حديث صحيح ورأي ضعيف.

وسئل عن الأوزاعي فقال كذلك.

وسئل عن الشافعي فقال: حديث صحيح ورأي قويّ.

وسئل عن أبي فلان، فقال: لا رأي ولا حديث.

قال البيهقي: وإنّما قال أحمد عن مالك ذلك، لأنّه كان يترك الحديث الصحيح لعمل أهل المدينة.

وإنّما قال عن الأوزاعي ذلك، لأنّه كان يحتجّ بالمقاطيع والمراسيل في بعض المسائل ثمّ يقيس عليها.

__________________________________________________

(1) فيض القدير- شرح الجامع الصغير 1: 399.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 256

وإنّما قال في الشافعي ذلك؛ لأنّه كان لا يري الاحتجاج إلّابالحديث الصحيح ثمّ يقيس الفروع عليها.

وإنّما قال في أبي فلان ذلك، لأنّه كان يقبل المجاهيل والمقاطيع والمراسيل وما وقع إليه من حديث بلده وإن كان ضعيفاً يترك القياس لأجله، وما رفع إليه من أحاديث سائر البلاد وإن كان صحيحاً لم يقبله بل عدل إلي الاستحسان والقياس» .

جهله بعلم الحديث وطلبه الرئاسة … ص: 256

والسبب في ذلك كلّه جهله بعلم الحديث واصوله وقواعده، وطلبه لعلم الفقه حبّاً للدنيا وطلباً للرياسة والشهرة، كما ذكر فيما روي بالإسناد عن أبي يوسف قال:

«قال أبو حنيفة: لمّا أردت طلب العلم جعلت أتخيّر العلوم وأسأل عن عواقبها.

فقيل لي: تعلّم القرآن.

فقلت: إذا تعلّمت القرآن وحفظته فما يكون آخره؟

قالوا: تجلس في المجلس بالمسجد ويقرأ عليك الصبيان والأحداث، ثمّ لا تلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك

أو يساويك في الحفظ فيذهب رياستك.

قلت: فإن سمعت الحديث وكتبته حتّي لم يكن في الدنيا أحفظ منّي؟

قالوا: إذا كبرت وضعفت حدّثت واجتمع عليك الأحداث والصبيان، ثمّ لا يأمن أن تغلط فيرموك بالكذب، فيصير عاراً عليك في عقبك.

فقلت: لا حاجة لي في هذا.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 257

ثمّ قلت: أتعلّم النحو، فقلت: إذا حفظت النحو والعربيّة ما يكون آخر أمري؟

قالوا: تقعد مُعلِّماً فأكبر رزقك ديناران أو ثلاثة.

قلت: وهذا لا عاقبة له.

قلت: فإن نظرت في الشعر، فلم يكن أحد أشعر منّي ما يكون أمري؟

قالوا: تمدح هذا، فيهب لك أو يحملك علي دابّة ويخلع عليك خلعة، وإن حرمك هجوته فصرت تقذف المحصنات.

فقلت: لا حاجة لي في هذا.

قلت: فإن نظرت في الكلام ما يكون آخره؟

قالوا: لا يسلم من نظر في الكلام من مشنّعات الكلام، فيرمي بالزندقة، فإمّا أن يؤخذ فيقتل وإمّا أن يسلم فيكون مذموماً ملوماً.

قلت: فإن تعلّمت الفقه؟

قالوا: تُسئل وتفتي الناس وتطلب للقضاء وإن كنت شابّاً.

قلت: ليس في العلوم شي ء أنفع من هذا. فلزمت الفقه وتعلّمته» «1» .

فظهر أن الرجل لم يتعلّم القرآن والحديث والكلام، ولو صرفنا النظر عن علم الكلام واعتذرنا له بترك غيره من علمائهم هذا العلم أيضاً، كالشافعي الذي ذمّ الكلام بشدّةٍ، فما العذر في ترك القرآن والحديث؟

فضل علم الحديث … ص: 257

قال الكرماني في (شرح البخاري):

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 13: 331.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 258

«أمّا بعد؛ فإنّ علم الحديث بعد القرآن هو أفضل العلوم وأعلاها وأجلّ المعارف وأسناها، من حيث أنّه به يعلم مراد اللَّه تعالي من كلامه، ومنه يظهر المقاصد من أحكامه؛ لأنّ أحكام القرآن جلّها بل كلّها كليّات، والمعلوم منه ليس إلّاامور إجماليّات، كقوله: «أقيموا الصّلاة وآتوا الزكاة» ، فإنّ

السنّة هي المُعرِّفة بجزئيّاتها، كمقادير أوقات الصلاة وأعداد ركعاتها وكميّاتها وكيفيّاتها وفرائضها ونوافلها وهيئآتها وآدابها وأوضاعها وصفاتها، وهي الموضحة لمعضلاتها كأقدار نصب الزكاة وأنواع ما يجب فيها وأوقات الأداء، ومن وجبت عليه وما وجب منها وهلمّ جرّاً.

ولذلك كان أعلي العلماء قدراً وأنورهم بدراً وأفخمهم خطراً وأنبلهم شأناً وأعظمهم عند اللَّه منزلة ومنزلًا وأكرمهم مكانة ومكاناً: حملة السنّة النبويّة وناقلوا أخبارها وحفظة الأحاديث وعاقلوا أسرارها ومحقّقوا ألفاظها وأرباب رواياتها ومدقّقوا معانيها وأصحاب درايتها، وهم الطائفة المنصورة المشيدة لمباني الحقّ والمسالك، ولن يزالوا ظاهرين عليه حتّي يأتي أمر اللَّه وهم علي ذلك» «1» .

وما أكثر الأحاديث في فضل رواية الحديث، وقد روي في (كنز العمال):

«اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي، يروون أحاديثي وسنّتي ويعلّمونها الناس. طس عن علي.

رحمة اللَّه علي خلفائي. قيل: ومن خلفاؤك يا رسول اللَّه؟ قال الذين يحييون سنّتي ويعلّمونها الناس. أبو نصر السجزي في الإبانة وابن عساكر عن __________________________________________________

(1) الكواكب الدراري في شرح البخاري- مقدّمة الكتاب.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 259

الحسن بن علي» «1» .

ذمّ طلب الشهرة … ص: 259

وما أكثر الأحاديث أيضاً في ذمّ طلب الشهرة والرياسة. روي في (كنزالعمال):

«إحذروا الشهوة الخفيّة: العالم يُحبّ أن يجلس إليه. فر عن أبي هريرة.

من ابتغي العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يقبل أفئدةالناس إليه، فإلي النّار. ك هب عن كعب بن مالك.

من تعلّم علماً ممّا يبتغي به وجه اللَّه، لا يتعلّمه إلّاليصيب عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنّة يوم القيامة. حم ده ك عن أبي هريرة.

من تعلّم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله اللَّه جهنّم. ه عن أبي هريرة.

من تعلّم

صرف الكلام ليسبي به قلوب الناس، لم يقبل اللَّه منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلًا. د عن أبي هريرة.

لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء أو لتماروا به السفهاء أو لتصرفوا وجوه الناس إليكم، فمن فعل ذلك فهو في النار. ه عن حذيفة.

لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا لتحبروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنّار النّار. ه حب ك عن جابر.

من تعلّم العلم لغير اللَّه فليتبوّأ مقعده من النّار. ت عن ابن عمر.

من تعلّم العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به __________________________________________________

(1) كنز العمال 10: 221/ 29167 و 10: 229/ 29209.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 260

وجوه الناس إليه، أدخله اللَّه النّار. ت عن كعب بن مالك.

من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء في المجالس، لم يرح رائحة الجنّة. طب عن معاذ.

من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يكاثر به العلماء أو يصرف وجوه الناس، فليتبوّأ مقعده من النّار. أبو نعيم في المعرفة كر عن أنس.

من طلب علماً ليباهي به الناس فهو في النّار. ابن عساكر عن ام سلمة» «1» .

ذمّ حبّ الرئاسة … ص: 260

هذا، وقد حمل أبا حنيفة حبّ الجاه وخدمة السلطان الجائر من أجل الوصول إلي الأغراض الدنيوية الدنيئة، علي أن يحاول إفحام الامام أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام في مسائل، لكي يسقط من أعين الناس، وقد حكي هو الخبر عن ذلك كما في كتاب (جامع مسانيد أبي حنيفة) لقاضي القضاة الخوارزمي حيث جاء فيه:

«أبو حنيفة، قال: جعفر بن محمّد أفقه من رأيت، ولقد بعث إليّ أبو جعفر المنصور أنّ النّاس قد فتنوا بجعفر بن محمّد، فهيّي ء له مسائل شداداً، فلخّصت أربعين

مسألة وبعثت بها إلي المنصور بالحيرة، ثمّ أبرد إليّ، فوافيته علي سريره وجعفر بن محمّد عن يمينه، فوجدت من جعفر هيبة لم أجدها من المنصور، فأجلسني.

__________________________________________________

(1) كنز العمال 10: 185- 202. الأحاديث: 28965، 29015، 29020، 29021، 29022، 29032، 29033، 29035، 29036، 29056، 29057.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 261

ثمّ التفت إلي جعفر قائلًا: يا أباعبداللَّه! هذا أبو حنيفة.

فقال: نعم أعرفه.

ثمّ قال المنصور: سله ما بدا لك يا أبا حنيفة.

فجعلت أسأله ويجيب الإجابة الحسنة، ويفحم، حتّي أجاب عن أربعين مسألة، فرأيته أعلم النّاس باختلاف الفقهاء، فلذلك أحكم أنّه أفقه من رأيت.

أخرجه الحافظ طلحة، عن أبي العباس أحمد بن محمّد، عن جعفر بن محمّد بن الحسين، عن أبي نجيح إبراهيم بن محمّد، عن الحسن بن زياد، عن أبي حنيفة» «1» .

رأي الفيروزآبادي في أبي حنيفة … ص: 261

وفي المتأخرين من العلماء أيضاً من يطعن في أبي حنيفة بشدّة بل يكفّره بصراحة، كالفيروزآبادي صاحب القاموس، وهذا ما حمل الشيخ علي القاري علي أن يقول في (رسالته):

«وقد أبدع صاحب القاموس، حيث ترك المروة والناموس، وأطنب في وصف ابن عربي إلي حدّ يعتقد الجاهل أنّه أفضل الخلائق، وطعن في إمام الأئمة ومقتدي الامّة مولانا أبي حنيفة بل قيل: وكفّره، لكنّه أنكره، مع علمه بأنّ علم الإمام ملأ الخافقين، وعلمه وزهده اشتهر بين الثقلين، ومن المعلوم عند صاحب الدين علي وجه اليقين أنّ قلامة ظفر الإمام خير من ملأ الأرض من مثل ابن عربي فيما بين الأنام.

ولم ينكر علي ابن عربي في: أنّه يبيح المكث للجنب والحائض في __________________________________________________

(1) جامع مسانيد أبي حنيفة 1: 222- 223.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 262

المسجد، مصادمة لقوله عليه السلام: لا احلّ المسجد لجنب ولا حائض، وفي

قوله: الرياضة إذا كملت اختلط ناسوت صاحبها باللاهوت، مع أنّه عين مذهب النصاري، وفي قوله: مات فرعون طاهراً مطهّراً، مع كونه معارضاً للآيات والأحاديث الواضحات كما بيّنته في رسالة مستقلّة، وقد قال صلّي اللَّه عليه وسلّم: من ترك الصلاة ثلاثة أيّام عامداً متعمّداً دخل النّار خالداً مخلّداً، وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي خلف، علي ما رواه الإمام أحمد وغيره، ونقل الجزري وابن عبدالسلام والسبكي عنه إنّه يقول بقدم العالم، وبتحليل كلّ فرج من بني آدم، وأمثال ذلك ممّا هو كفر صريح وليس له تأويل صحيح» .

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 263

محمّد بن إدريس الشافعي … ص: 263

اشارة

وقد عدّوا في الطبقة الثالثة مسند الشّافعي، ولم يجعلوه من الصحاح الستّة، لكونه يجمع بين الصحيح والسقيم، والصدق والكذب، والغثّ والسمين …

وقد أخرج مسلم وغيره عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: من روي حديثاً يري أنّه كذب فهو أحد الكاذبين «1» .

وعليه، فلا اعتبار بكتاب الشافعي ورواياته وفتاواه عند القوم، وإنّه ليشمله كلّ ما ذكر في كتبهم من الذمّ لرواية الأخبار المكذوبة، من الأحاديث وكلمات العلماء، كابن الجوزي في (تلبيس إبليس).

مضافاً إلي تكلّم ابن معين في الشافعي وجرحه بصراحة، قال الذهبي- فيمن لا يضرّه قدح القادحين-:

«ومنهم محمّد بن إدريس الشافعي، الإمام الذي سارت الركبان بفضائله ومعارفه، فهو حافظ ثبت نادر الغلط، حتّي أنّ أبازرعة قال: ما عند الشافعي حديث غلط فيه. وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي قط حديثاً أخطأ فيه. وقد روي أنّ ابن معين قال فيه: ليس بثقة … » «2» .

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم 1: 10.

(2) ميزان الاعتدال، سير أعلام النبلاء 10: 47- 48.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 264

تكلّم ابن معين فيه … ص: 264

وقد ذكر السبكي تكلُّم ابن معين في الشافعي في كلامٍ له في تكلّم الأئمّة بعضهم في بعض … كما تقدّم نصّه سابقاً.

وقال القاضي أبواليمن في (مختار تاريخ بغداد) بعد ذكر اعتذار الخطيب من إيراد مطاعن أبي حنيفة: «ما اتفق قول الخطيب في هذا الفصل وفعله، بل اختلفا وتباينا، فإنّه قال: نحن معتذرون بأنّ أباحنيفة … ولِمَ لم يذكر عند ذكره أخبار محمّد بن إدريس الشافعي في هذا الكتاب بعض ما قاله فيه الناس، هل أورد الحسن ولم يورد القبيح، ولا حكي عن يحيي بن معين ما قاله فيه ممّا لا نستجيز نحن- بحمد اللَّه- تسطيره، ونعم ما

فعل الخطيب في ذلك الإمام الجليل القدر أعني الشافعي … » .

فمن هذا الكلام يظهر أنّ ابن معين قال القبيح في حقّ الشافعي.

ثمّ إنّ ابن معين ينصّ علي أنّ كلّ من تكلّم هو فيه فهو كذّاب … فقد «قال هارون بن بشير الرازي: رأيت يحيي بن معين استقبل القبلة رافعاً يديه يقول: اللّهمّ إن كنت تكلّمت في رجلٍ ليس هو عندي كذّاباً فلا تغفر لي» «1» .

ومن هذا الكلام يفهم أنّه ما تكلّم في أحدٍ وكذّبه إلّابعد ثبوت ذلك عنده.

ترجمة ابن معين … ص: 264

وكما يفهم من هذا الكلام شدّة ورعه وقوّة علمه، كذلك تجد

__________________________________________________

(1) تهذيب الأسماء واللغات 2: 157.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 265

التصريحات بحقّه من سائر العلماء الأعلام:

قال النووي:

«هو إمام الحديث في زمانه والمعوَّل عليه فيه …

روي عنه: أحمد بن حنبل وزهير بن حرب ومحمّد بن يحيي الذهلي ومحمّد بن سعد وأبو زرعة الرازي والدمشقي وأبو حاتم والبخاري ومسلم وأبو داود … وخلائق لا يحصون.

وأجمعوا علي إمامته وتوثيقه وحفظه وجلالته وتقدّمه في هذا الشأن واضطلاعه فيه.

قال الخطيب: كان إماماً ربّانيّاً عالماً حافظاً ثبتاً متقناً.

قال أحمد بن حنبل: السماع من يحيي بن معين شفاء لما في الصدور.

وقال علي بن المديني: ما رأيت في الناس مثله.

وقال أحمد بن حنبل: يحيي بن معين رجل خلقه اللَّه لهذا الشأن، يظهر كذب الكذّابين، وكلّ حديث لا يعرفه يحيي ليس بحديث.

وقال عباس الدوري: رأيت أحمد بن حنبل في مجلس روح بن عبادة يسأل يحيي بن معين عن أشياء، يقول له: يا أبازكريا، كيف حديث كذا وكذا؟

كيف حديث كذا وكذا؟ يستثبته في أحاديث سمعوها، فكلّ ما قال يحيي كتبه أحمد.

وقال هارون بن بشير الرازي: رأيت يحيي بن معين استقبل

القبلة رافعاً يده يقول: اللّهمّ إن كنت تكلّمت في رجل ليس هو عندي كذّاباً فلا تغفر لي.

وقال يحيي: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاً ما علّقناه.

وروينا عن أحمد بن عقبة قال: سمعت يحيي بن معين يقول: كتبت استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 266

بيدي هذه ستمائة ألف حديث. قال ابن عقبة: وأظنّ المحدّثين كتبوا له ستمائة ألف وستمائة ألف.

وقال محمّد بن عبداللَّه: خلّف يحيي من الكتب مائة قمطراً وأربعة عشر قمطراً وأربعة حباب مملوءة كتباً.

وقال علي بن المديني: ما أعلم أحداً كتب من الحديث ما كتب يحيي ابن معين …

وذكر ابن أبي حاتم- في أوّل كتابه الجرح والتعديل- بإسناده عن أبي عبيد القاسم بن سلّام قال: انتهي العلم إلي أربعة: أحمد بن حنبل ويحيي بن معين- وهو أكتبهم- وعلي بن المديني وأبي بكر ابن أبي شيبة …

وأحواله وفضائله- رضي اللَّه عنه- غير منحصرة. واتفقوا علي أنّه توفّي بمدينة رسول اللَّه وغسّل علي السرير الذي غسّل عليه رسول اللَّه، وحمل علي السرير الذي حمل عليه رسول اللَّه. ونودي عليه: هذه جنازة يحيي بن معين ذابّ الكذب عن رسول اللَّه، والناس يبكون، واجتمعوا في جنازته خلق لا يحصون، ودفن بالبقيع» «1» .

وقال السمعاني:

«كان إماماً ربانيّاً عالماً حافظاً ثبتاً متقناً مرجوعاً إليه في الجرح والتعديل …

روي عنه من رفقائه: أحمد بن حنبل وأبو خيثمة ومحمّد بن إسحاق الصّغاني ومحمّد بن إسماعيل البخاري وأبو داود السجستاني وعبداللَّه بن أحمد بن حنبل وغيرهم.

__________________________________________________

(1) تهذيب الأسماء واللغات 2/ 156- 159.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 267

وانتهي علمُ العلماء إليه حتّي قال أحمد بن حنبل: هاهنا رجل خلقه اللَّه لهذا الشأن، يظهر كذب الكذّابين- يعني: يحيي بن

معين.

وقال علي بن المديني: لا نعلم أحداً من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب يحيي بن معين.

قال أبو حاتم الرازي: إذا رأيت البغدادي يحبّ أحمد بن حنبل فاعلم أنّه صاحب سنّة، وإذا رأيته يبغض يحيي بن معين فاعلم أنّه كذّاب.

… مات لسبع ليالٍ بقين من ذي الحجّة سنة 233» «1» .

وقال الذهبي:

«هو الإمام الحافظ الجهبذ شيخ المحدّثين … أحد الأعلام …

قال عبدالرحمن بن أبي حاتم: سئل أبي عن يحيي فقال: إمام.

وقال النسائي: أبو زكريا أحد الأئمّة في الحديث ثقة مأمون.

وقال محمّد بن هارون الفلّاس: إذا رأيت الرجل يقع في يحيي بن معين فاعلم أنّه كذّاب يصنع الحديث، وإنّما يبغضه لما يبيّن من أمر الكذّابين.

قال حنبل: سمعت أبا عبداللَّه يقول: كان أعلمنا بالرجال يحيي بن معين … » «2» .

هذا، وتوجد ترجمة يحيي بن معين في الكتب التالية أيضاً:

1- الطبقات الكبري 7: 354.

2- تاريخ بغداد 14: 177.

3- وفيات الأعيان 6: 139.

__________________________________________________

(1) الأنساب 5: 154.

(2) سير أعلام النبلاء 11: 71- 96.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 268

4- تهذيب الكمال 31: 543.

5- تذكرة الحفّاظ 2: 429.

6- تهذيب التهذيب 11: 280.

7- النجوم الزاهرة 2: 273.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 269

أحمد بن حنبل … ص: 269

اشارة

قال السبكي في وصف مسند أحمد بترجمته:

«وألّف مسنده، وهو أصل من اصول هذه الامّة.

قال الإمام الحافظ أبو موسي محمّد بن أبي بكر المديني رضي اللَّه عنه:

هذا الكتاب- يعني مسند الإمام أبي عبداللَّه أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني قدّس اللَّه روحه- أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، انتقي من حديث كثير ومسموعات وافرة، فجعل إماماً ومعقداً وعند التنازع ملجأ مسنداً، علي ما أخبرنا والدي وغيره: أنا المبارك بن عبدالجبار،

أنا الحسين كتب إليهما من بغداد قال: أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي قراءة عليه، أنا أبو عبداللَّه ابن محمّد بن محمّد بن حمدان بن عمر ابن بطة قراءةً عليه، ثنا أبو حفص عمير بن محمّد محمد بن رجاء، ثنا موسي بن حمدون البزار قال: قال لنا حنبل بن إسحاق: جمعنا عمّي يعني الإمام أحمد لي ولصالح ولعبداللَّه وقرأ علينا المسند وما سمعه منه- يعني تامّاً- غيرنا، وقال لنا:

إنّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلّا ليس بحجّة.

وقال عبداللَّه بن أحمد: كتب أبي عشرة ألف ألف حديث، لم يكتب استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 270

سواداً في بياض إلّاحفظه.

وقال عبداللَّه أيضاً: قلت لأبي: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنّة عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يرجع إليه.

وقال أيضاً: خرّج أبي المسند من سبع مأة ألف حديث.

قال أبو موسي المديني: ولم يخرج إلّاعمّن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته، ثمّ ذكر بإسناده إلي عبداللَّه بن الإمام أحمد قال:

سألت أبي عن عبدالعزيز بن أبان فقال: لم أخرج عنه في المسند شيئاً، لمّا حدّث بحديث المواقيت تركته» «1» .

«قال أبو موسي: ومن الدليل علي أنّ ما أودعه الإمام أحمد مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً، ولم يورد فيه إلّاما صحّ سنده: ما أخبرنا أبو علي الحدّاد قال: أنا أبو نعيم قال: أنا ابن الحسين وأنا ابن المذهب قالا: أنا القطيعي ثنا عبداللَّه قال: حدّثني

أبي، ثنا محمّد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التيّاح قال: سمعت أبازرعة يحدّث عن أبي هريرة عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال:

إنّه يهلك امّتي هذا الحيّ من قريش.

قالوا: فما تأمرنا يا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم؟

قال: لو أنّ الناس اعتزلوهم.

قال عبداللَّه: قال لي أبي- في مرضه الذي مات فيه-: إضرب علي هذا الحديث، فإنّه خلاف الأحاديث عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، يعني قوله:

__________________________________________________

(1) طبقات الشافعية 2: 31.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 271

إسمعوا وأطيعوا.

وهذا مع ثقة رجال إسناده حيث شذّ لفظه من الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه، فكان دليلًا علي ما قلناه» «1» .

وفي كتاب (مناقب احمد) للنهرواني المدني: «قال ابن عساكر «أمّا بعد، فإنّ حديث المصطفي به يعرف سبل الإسلام والهدي، ويبني عليه أكثر الأحكام، ويؤخذ منه معرفة الحلال والحرام، وقد دوّن جماعة من الأيمّة ما وقع إليهم من حديثه عليه السلام، فكان أكبر الكتب التي جمعت فيه هو المسند عظيم الشأن والقدر، مسند الإمام أحمد وهو كتاب نفيس يرغب في سماعه وتحصيله ويرحل إليه، إذ كان مصنّفه الإمام أحمد، المقدم في معرفة هذا الشأن، والكتاب كبير القدر والحجم مشهور عند أرباب العلم، يبلغ أحاديثه ثلاثين ألفاً سوي المعاد وسوي ما ألحق به ابنه عبداللَّه من أعالي الأسناد، وكان مقصود الإمام في جمعه أن يرجع إليه في الاعتبار من بلغه أو رواه.

وقال ابن الجوزي: صحّ عند الإمام أحمد من الأحاديث سبع مائة ألف وخمسين ألفاً- والمراد بهذه الأعداد الطرق، أخرج منها مسنده المشهور الذي تلقته الامّة بالقبول والتكريم وجعله حجّة يرجع إليه ويعوّل عند الإختلاف عليه.

قال حنبل بن إسحاق: جمعنا عمّي لي ولصالح ولعبداللَّه وقرأ علينا المسند

وما سمعه منه تامّاً غيرنا ثمّ قال لنا:

هذا الكتاب قد جمعته وانتخبته من أكثر من سبع مائة ألف وخمسين __________________________________________________

(1) طبقات الشافعية 2: 32.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 272

ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه فذاك وإلّا فليس بحجّة.

وكان يكره وضع الكتب فقيل له في ذلك، فقال: قد عملت هذا المسند إماماً إذا اختلف الناس في سنّةٍ من سنن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم رجعوا إليه» .

وعلي أساس هذه المدائح يتّضح صحّة احتجاج أهل الحق بالأحاديث المخرجة في (مسند أحمد بن حنبل) وإلزام القوم بها …

القول بأنّ في مسنده موضوعات … ص: 272

لكن بعض العلماء ذهب إلي أنّ في مسند أحمد أحاديث موضوعة، قال المناوي:

«وقال العراقي: وجود الضعيف في مسند أحمد محقّق، بل فيه أحاديث موضوعة، فجمعتها في جزء» «1» .

فوضع ابن حجر في ردّه كتاب (القول المسدّد في الذبّ عن المسند).

قول أحمد بأنّ قتال صفّين فتنة … ص: 272

وأحمد نفسه عندنا مطعون فيه، لأنّ القول بأنّ قتال أميرالمؤمنين عليه السلام الفئة الباغية قتال فتنة، تخطئة للإمام عليه السلام في جهاده وردّ عليه، وهذا نصب للعداء وعناد صريح له، … وقد حكي ذلك عنه ابن تيميّة حيث قال:

__________________________________________________

(1) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1: 26.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 273

«ومذهب أكثر العلماء إنّ قتال البغاة لا يجوز، إلّاأنْ يبتدؤا الإمام بالقتال، كما فعلت الخوارج مع علي، فإنّ قتاله الخوارج متفق عليه بين العلماء ثابت بالأحاديث الصحيحة عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم. بخلاف قتال صفين، فإنّ أولئك لم يبتدؤا بالقتال، بل امتنعوا عن مبايعته، ولهذا كان أئمّة السنّة كمالك وأحمد وغيرهما يقولون: إنّ قتاله للخوارج مأمور به، وأمّا قتال الجمل وصفّين فهو قتال فتنة، فلو قال قوم: نحن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ولا ندفع زكاتنا إلي الإمام ونقوم بواجبات الإسلام، لم يجز للإمام قتالهم عند أكثر العلماء، كأبي حنيفة وأحمد. وأبوبكر الصدّيق إنّما قال مانعي الزكاة، لأنّهم امتنعوا من أدائها مطلقاً، وإلّا فلو قال: نحن نؤدّيها بأيدينا ولا ندفعها إلي أبي بكر لم يجز قتالهم عند الأكثرين كأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهما، ولهذا كان علماء الأمصار علي أنّ القتال كان قتال فتنة، وكان من قعد عنه أفضل ممّن قاتل فيه، وهذا مذهب مالك وأحمد بن حنبل والأوزاعي بل والثوري … » «1» .

يقول هذا، والحال أنّ

الشيخ عبدالعزيز الدهلوي صاحب كتاب (التحفة) ينصّ- وتبعاً لغيره من أكابر القوم- علي أنّ مذهب أهل السنّة هو أنّ الإمام عليه السلام كان في حروبه علي الحقّ وكان مصيباً فيها.

وأيضاً، فقد نصّ غير واحدٍ منهم علي وجوب متابعة أهل البيت عليهم السلام وإطاعتهم، وأنّ الفلاح والنجاح في الآخرة منوط بالإهتداء بهديهم والتمسّك بهم، وأنّ من تخلّف عنهم فهو هالك خاسر … وهذه الكلمات تقتضي الحكم علي أحمد بن حنبل بالخروج عن أهل السنّة والوقوع في دركات الهلاك والضلال.

__________________________________________________

(1) منهاج السنّة 4: 436- 437.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 274

وأيضاً: فإنّ القول المذكور ردّ علي اللَّه والرسول، للأحاديث المستفيضة الدالّة علي كون الإمام عليه السلام مأموراً بتلك الحروب …

وإنّ واحداً من هذه الوجوه ليكفي لسقوط آراء أحمد وفتاواه عن الإعتبار وبطلان القول بإمامته في الفقه والحديث … نعم، لقد نصّ أبو جعفر ابن جرير الطبري وصرّح بهذه الحقيقة، فيما نقل عنه ياقوت الحموي حيث قال:

«فلمّا قدم- يعني الطبري- إلي بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها، تعصّب عليه أبو عبداللَّه ابن الجصّاص وجعفر بن عرفة والبياضي، وقصده الحنابلة، فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم الجمعة، وعن حديث الجلوس علي العرش، فقال أبو جعفر: أمّا أحمد بن حنبل فلا يُعدّ خلافه، فقالوا له: فقد ذكره العلماء في الإختلاف: فقال: ما رأيته روي عنه، ولا رأيت له أصحاباً يعوَّل عليهم. وأمّا حديث الجلوس علي العرش فمحال.

سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس» «1»

وكذا الخطيب البغدادي، فيما نقل عنه أبوالمؤيّد الخوارزمي، فإنّه بعد أنْ حكي عن أحمد «إنّه سئل عن النظر في كتب أبي حنيفة أيجوز؟ فقال: لا» جعل يردّ عليه

بوجوه، فقال:

«الثالث: إنّ الخطيب قد طعن في أحمد أكثر من هذا فقال: قدوثّق أحمد ابن حنبل حريز بن عثمان فقال: هو ثقة ثقة، وحريز كان يبغض أميرالمؤمنين عليّاً، ولا فرق بينه وبين من يبغض أبابكر وعمر. ثمّ قال الخطيب: وكان حريز كذّاباً فاسقاً، وروي عنه ابن عيّاش أنّه قال: هذا الذي يروي عن النبي صلّي اللَّه __________________________________________________

(1) معجم الادباء 5: 253.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 275

عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي خطأ. قال ابن عيّاش: قلت: فما هو؟ قال: سمعت الوليد بن عبدالملك يرويه علي المنبر فيقول: علي منّي بمنزلة قارون بن موسي. ثمّ أكّد الخطيب هذه الشناعة علي أحمد فقال: بلغني عن يزيد بن هارون أنّه قال: رأيت ربّ العزّة في النوم فقال: يا يزيد، تكتب عن حريز بن عثمان؟ فقلت: يا ربّ ما علمت عليه إلّا خيراً، فقال: لاتكتب عنه فإنّه يسبّ عليّاً. وهذه حكايته عن أحمد أنّه طعن في أميرالمؤمنين، وقصد الخطيب به تنفير القلوب عنه، فلذلك جاز أن يكون مقصوده في حكايته الطعن عليه في أبي حنيفة تنفير قلوب أصحابه عنه» «1» .

وكذا أبو علي الكرابيسي، فقد ذكر السبكي بترجمته: «الحسين بن علي ابن يزيد، أبو علي الكرابيسي، كان إماماً جليلًا جامعاً بين الفقه والحديث، تفقّه أوّلًا علي مذهب أهل الرأي، ثمّ تفقّه للشافعي وسمع منه الحديث ومن يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق ويعقوب بن إبراهيم وغيرهم …

قال الخطيب: حديث الكرابيسي يعزّ جدّاً، وذلك أنّ أحمد بن حنبل كان يتكلّم فيه بسبب مسألة اللفظ، وهو أيضاً يتكلّم في أحمد، فتجنّب الناس الأخذ عنه لهذا السبب.

قلت: كان أبو علي الكرابيسي من متكلّمي

أهل السنّة، استاذاً في علم الكلام، كما هو استاذ في الحديث والفقه وله كتاب المقالات. قال ابن الخطيب الإمام فخرالدين في كتاب غاية المرام: علي كتابه في المقالات معوّل المتكلّمين في معرفة الخوارج وسائر أهل الأهواء» «2» .

__________________________________________________

(1) جامع مسانيد أبي حنيفة 1: 67- 68.

(2) طبقات الشافعية 2: 117- 118.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 277

الملحقات … ص: 277

اشارة

* مسائل فقهيّة

* القياس * الاستحسان * تكفير بعضهم لبعض استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 281

1) مسائل فقهيّة … ص: 281

اشارة

حاول البعض التشنيع علي الإماميّة لِما يروونه ويذهبون إليه في عدّةٍ من الأحكام الشرعيّة، ونحن نذكر تلك المسائل ونتكلَّم حولها علي ضوء روايات الفريقين:

حكم الشطرنج … ص: 281

فمن ذلك: أنه طعن في مذهب أهل البيت عليهم السلام و فقه الإماميّة، لذهابهم إلي حرمة الشّطرنج، وكأنّه يزعم أنّ جوازه من ضروريّات الإسلام!!

والحال أنّ الأحاديث المرويّة بطرق أهل السنّة في ذمّ الشطرنج، ولعن من لعب الشطرنج، كثيرة:

روي الشيخ علي المتقي في (كنز العمّال):

«ملعون من لعب الشطرنج، والناظر إليها كالآكل للحم الخنزير. عبدان وأبو موسي وابن حزم، عن حبة بن مسلم»

«ملعون من لعب بالشطرنج. الديلمي عن أنس»

«إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام والشطرنج والنرد وما كان من هذه، فلا تسلّموا عليهم، وإن سلّموا عليكم فلا تردّوا عليهم. الديلمي عن أبي هريرة»

«ألا إنّ أصحاب الشاه في النّار، الذين يقولون قتلت واللَّه شاهك.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 282

الديلمي عن ابن عبّاس»

«إنّ للَّه تعالي في كلّ يوم ثلاثمائة وستّين نظرة لا ينظر فيها إلي صاحب الشاه يعني الشطرنج. الديلمي عن واثلة»

«للَّه تبارك وتعالي لوح ينظر فيه في كلّ يوم ثلاثمائة وستّين نظرة يرحم بها عباده ليس لأهل الشاه فيها نصيب. الخرائطي في مساوي الأخلاق، عن واثلة عن علي»

«النرد والشطرنج من الميسر. ش وابن المنذر وابن أبي حاتم ق»

«عن علي أنّه مرّ علي قوم يلعبون الشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، لأنْ يمسّ أحدكم جمراً حتّي يطفي ء خير له من أن يمسّها.

ش وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذمّ الملاهي وابن المنذر وابن أبي حاتم ق»

«يأتي علي الناس زمان يلعبون

بها، ولا يلعب بها إلّاكلّ جبّار، والجبّار في النّار. يعني الشطرنج، ولا يوقّر فيه الكبير ولا يرحم فيه الصغير، يقتل بعضهم بعضاً علي الدنيا، قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، يمشي الصالح فيهم مستخفياً، أولئك شرار خلق اللَّه، لا ينظر اللَّه إليهم يوم القيامة. الديلمي عن علي» «1»

فمن قال بجواز الشطرنج من أهل السنّة، فقد خالف الحكم الإلهي وعارض الأحاديث النبويّة المتفق عليها بين المسلمين …

وهل تظنّ أنّ للشافعي وأتباعه القائلين بجواز الشطرنج حجّة يتمسّكون بها أو دليلًا يتشبّثون به؟ لا واللَّه، بل لقد أفتوا بذلك بمحض الرأي والتخمين،

__________________________________________________

(1) كنز العمّال 15: 215- 218/ 40636، 40644، 40652- 40657.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 283

تلاعباً بالدين وتخريباً لشريعة سيّد المرسلين …

ومن العجب أنّهم يروون عن عمر بن الخطّاب الذمّ الشديد لأصحاب الرأي، فياليتهم- إذ خالفوا أهل البيت النبوي- أطاعوا في هذه المسألة خليفتهم، ففي (إزالة الخفا) عن سعيد بن المسيّب قال:

«قام عمر بن الخطّاب في النّاس فقال: أيّها الناس، ألا إنّ أصحاب الرأي أعداء السنّة، أعيتهم الأحاديث أنْ يحفظوها وتفلّتت منهم أن يعوها، واستحيوا إذا سألهم الناس أنْ يقولوا لاندري، فعاندوا السنن برأيهم، فضلّوا وأضلّوا كثيراً … » .

حكم العَبَث في الصَّلاة … ص: 283

وقالت الإماميّة بجواز العبث في الصلاة، وأنّ مسّ الذكر غير ناقض للوضوء وغير مبطلٍ لها، وبذلك أخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام «1» .

وقد شنّع بعض المخالفين علي هذه الفتوي، وجَعَل يستهزأ بفقهاء الطائفة المحقّة ويطعن في كتبها وأخبارها ورواتها …

ولم يظهر لتشنيعهم وجه أصلًا، وذلك لأنّه:

إن كان المراد: كون لمس الذكر والعبث به في أثناء الصلاة فعلًا مخلّاً بها، فبطلان هذا التوهّم وفساده واضح جدّاً،

علي أنّ القوم قالوا بعدم منافاة الأكثر من ذلك من الأفعال للصّلاة …

وإن كان المراد: منافاة هذا الفعل للخضوع والخشوع، فإنّ الخضوع والخشوع، ليس من الواجبات في الصلاة، وقد نصَّ في (الأشباه والنظائر)

__________________________________________________

(1) وسائل الشيعة، كتاب الطهارة، الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 284

علي أنّه «لا يستحبّ إعادتها- أي الصلاة- لترك الخشوع» «1» وقال شارحه الحموي: «إذ لا شكَّ في عدم بطلانها مع عدم الخشوع» «2» .

وإن كان المراد: أنّ الطهارة تنتقض بمسّ الذكر، فتفسد الصلاة لذلك، فهذا مندفع: بأنّ المرويّ عندهم عن أميرالمؤمنين وجماعةٍ من الأصحاب، وهو قول إمامهم الأعظم وأتباعه وجماعة من الفقهاء: عدم انتقاض الوضوء بمسّ الذكر.

روي في (كنز العمال):

«عن قيس بن السكن: أنّ عليّاً وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وأباهريرة، لا يرون من مسّ الذكر وضوء وقالوا: لا بأس به. (عب)

عن ابن عبّاس: أنّه كان لا يري في مسّ الذكر وضوء. (ص)

عن حذيفة قال: ما ابالي مسست ذكري أو طرف أنفي.

عن أبي الدرداء: أنّه سُئل عن مسّ الذكر، فقال: إنّما هو بضعة منك. (ص)

عن إبراهيم: أنّه سُئل عن مسّ الذكر، فقال: كان يكره أن يقال إنّ في المؤمن عضواً نجساً. (ص)

عن ابن مسعود: أنّه سئل عن مسّ الذكر، فقال: إنّما هو بضعة منك. (ص)

عن ابن مسعود: قال: ما ابالي أذكري أمسست أو اذني. (ص)

عن عليّ قال: ما ابالي أمسست ذكري أو طرف اذني. (ص)» «3» .

وفي (مصنف ابن أبي شيبة) في من كان لا يري في مسّ الذكر وضوء:

__________________________________________________

(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم: 169.

(2) شرح الأشباه والنظائر للحموي 2: 35/ 48 كتاب الصّلاة، الفن الثاني، في الفوائد.

(3) كنز العمّال 9: 500- 508/

27149، 27180، 27181، 27183، 27184، 27185، 27186.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 285

«ثنا وكيع عن سفيان عن أبي قبيس عن هذيل: أنّ أخاه ابن شرحبيل سأل ابن مسعود فقال: إنّي أحكّ فأُفضي بيدي إلي فرجي. فقال ابن مسعود:

إن علمت أنّ منك بضعة نجسة فاقطعها.

ثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس قال: سأل رجل سعداً عن مسّ الذكر، فقال: إن علمت أنّ منك بضعة نجسة فاقطعها.

ثنا ابن فضيل عن حسين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبدالرحمان عن حذيفة بن اليمان أنّه قال: ما ابالي مسست ذكري أو اذني.

ثنا ابن فضيل عن الأعمش عن المنهال عن قيس بن سكن قال: قال عبداللَّه: ما ابالي مسست ذكري أو اذني أو إبهامي أو أنفي.

ثنا ابن الفضيل عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله» «1» .

وفي (المصنّف) أيضاً:

«ثنا محمّد بن عدي عن حميد عن الحسن أنّ عمران بن حصين قال: ما ابالي إيّاه مسست أو بطن فخذي. يعني ذكره.

ثنا جرير، عن قابوس، عن أبيه قال: سُئل عليّ عن الرجل يمسّ ذكره قال: لا بأس به» «2» .

«ثنا ابن عليّة، عن أبي حمزة، عن إبراهيم قال: قال حذيفة: ما ابالي مسسته أو طرف أنفي.

__________________________________________________

(1) المصنّف لابن أبي شيبة 1: 164 من كان لا يري فيه وضوء.

(2) المصنّف لابن أبي شيبة 1: 164- 165.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 286

وقال عليّ: ما ابالي مسسته أم طرف اذني» «1» .

«ثنا وكيع، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي امامة: أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم سئل عن مسّ الذكر فقال: هل هو إلّاخدرة.

ثنا حسين بن علي، ثنا زائدة، عن

إبراهيم بن مهاجر، عن عبدالرحمن ابن علقمة، عن عبداللَّه: أنّه سئل عن مسّ الذكر فقال: لا بأس به» «2» .

بل في (البحر الرائق):

«وفي شرح الآثار للطحاوي: لا نعلم أحداً من الصحابة أفتي بالوضوء من مسّ الذكر إلّاابن عمر، وقد خالفه في ذلك أكثرهم، وأسند عن ابن عيينة أنّه عدّ جماعة لم يكونوا يعرفون الحديث- يعني حديث بسرة- ومن رأيناه يحدّث به عنهم سخرنا منه» «3» .

وفي (كتاب الآثار) لمحمد بن حسن تلميذ أبي حنيفة:

«باب الوضوء من مسّ الذكر: محمّد قال: أخبرنا أبو حنيفة، عن حمّاد، عن إبراهيم، عن عليّ بن أبي طالب في مسّ الذكر أنّه قال: ما ابالي أمسسته أو طرف أنفي.

قال محمّد: وهو قول أبي حنيفة وبه نأخذ.

محمّد قال: أخبرنا أبو حنيفة، عن حمّاد، عن إبراهيم أنّ ابن مسعود سُئل عن الوضوء من مسّ الذكر فقال: إن كان نجساً فاقطعه. يعني إنّه لا بأس به» «4» .

وقال ابن عبدالبرّ في (الإستذكار) لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمّنه __________________________________________________

(1) المصنّف لابن أبي شيبة 1: 165.

(2) المصنف لابن أبي شيبة 1: 165.

(3) البحر الرائق في شرح كنز الدقائق 1: 44.

(4) كتاب الآثار لمحمد بن حسن الشيباني 1: 35- 36/ 22- 23.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 287

الموطّأ من معاني الرأي والآثار:

«أمّا أهل العراق، فجمهور علمائهم علي أن لا وضوء في مسّ الذكر، وعلي ذلك مضي أسلافهم بالكوفة والبصرة، روي ذلك عن عليّ بن أبي طالب وعبداللَّه ابن مسعود وعمّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وعبداللَّه بن عبّاس وأبي الدرداء وعمران بن الحصين، لم يختلف عن هؤلاء في ذلك، واختلف في ذلك عن أبي هريرة وسعد بن أبي وقّاص، فروي عنهما

القولان جميعاً، وبإسقاط الوضوء منه قال ربيعة بن أبي عبدالرحمن وسفيان الثوري وشريك والحسن بن حي وأبوحنيفة وأصحابه وعبداللَّه بن الحسن.

ذكر عبدالرزاق عن الثوري قال: دعاني وابن جريج بعض امرائهم فسألنا عن مسّ الذكر، فقال ابن جريج: يتوضّأ من مسّ الذكر. وقلت أنا: لا وضوء علي من مسّ ذكره، فلمّا اختلفنا قلت لابن جريج: أرأيت لو أنّ رجلًا وضع يده في منيّ؟ قال: يغسل يده. قلت: فأيّما أنجس المني أم الذكر؟ قال:

المني. قلت: وكيف هذا؟ قال: ما ألقاها علي لسانك إلّاشيطان.

قال أبو عمرو: يقول الثوري: إذا لم يجب الوضوء من مسّ المنيّ فأحري أن لا يجب من مسّ الذكر، وإذا لم يجب من النجس فأحري أن لا يجب من الطاهر.

وإنّما ساغت المناظرة وجازت المعارضة عنده في هذه المسألة، لاختلاف الأثر فيها عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم واختلاف الصحابة رحمهم اللَّه ومن بعدهم في ذلك، ولو كان فيها أثر لا معارض له ولا مطعن له، لسلّم الجميع له وقالوا به، ومن ذهب مذهب العراقيّين في مسّ الذكر من أهل الحديث ضعّف الأحايث الواردة عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم في إيجاب استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 288

الوضوء منه، وعلّلها ولم يثبت شيئاً منها.

وقد حكي عن أبي زرعة عن ابن معين أنّه قال: أيّ إسناد رواية مالك في حديث بسرة، لولا أن قاتل طلحة في الطريق.

قال أبو عمرو: المسقط للوضوء من مسّ الذكر أحسن أسانيده: ما رواه مسدد وغيره، عن ملازم بن عمرو، عن عبداللَّه بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي قال:

قدمنا علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فجاء رجل كأنّه بدوي فقال:

يا رسول اللَّه!

ما تري في مسّ الرجل ذكره بعد ما يتوضّأ؟ فقال: وهل هو إلّا بضعة منك.

ورواه أيّوب بن عتبة قاضي اليمامة، عن قيس بن طلق، عن أبيه عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم.

ورواه هشام بن حسان وشعبة والثوري وابن عيينة وجرير الرازي عن محمّد بن جابر اليماني عن قيس بن طلق عن أبيه مثله» «1» .

وإنْ كان المراد: أنّ العبث بالذكر يحرّك الشهوة ويسبّب الإنعاظ في الصلاة، فهو ممّا يضحك عليه الثكلان، إذ لا يدلّ علي هذا الزعم لفظٌ من ألفاظ الحديث، ومن ادّعي فعليه البيان، بل إنّ لفظ «العبث» يدلّ علي عدم وقوع الفعل لحصول غرضٍ مقصود، لأنّ العبث هو الفعل الذي لا لذّة فيه، كما نصّ عليه في (السراج الوهّاج) حيث قال:

«العبث هو كلّ لعبٍ لا لذّة فيه، فأمّا الذي فيه لذّة فهو لعب» .

__________________________________________________

(1) الإستذكار الجامع لمذاهب علماء الأقطار 3: 37- 39/ 2580- 2591، كتاب الطهارة، باب الوضوء من مسّ الفرج.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 289

هذا، ولكن الأمر فوق ذلك، كما نصّ عليه النووي في (شرح مسلم) فإنّه قال:

«لو صار المني في وسط الذكر وهو في صلاة، فأمسك بيده علي ذكره فوق حائل، فلم يخرج المني حتّي سلّم من صلاته، صحّت صلاته، فإنّه ما زال متطهّراً حتّي خرج» «1» .

وبعد هذا كلّه، فلو كان للتشنيع وجه، لتوجّه إلي أعاظم أئمّة القوم وأكابر شيوخهم وحفّاظهم، كعبدالرزاق وابن أبي شيبة ومحمّد بن الحسن الشيباني والدارقطني والنسائي وأبي داود والطحاوي وعلي بن المديني والفلاس وأحمد بن حنبل وابن حبان وسعيد بن منصور وابن مندة وأبي نعيم وابن الأثير والسيوطي والمتقي والقاري وزين الدين الحنفي وغيرهم …

وإلي كبار التابعين، كسعيد بن

جبير وإبراهيم …

وإلي أجلّة الصحابة، كسعد وعمّار.

وإلي شخص رسول اللَّه … والعياذ باللَّه.

وذلك … لأنّ أكابر المحدّثين يروون بأسانيدهم عن التابعين عن الصحابة عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم جواز مسّ الذكر في الصلاة:

فقد أخرج ابن أبي شيبة:

«ثنا ملازم بن عمرو، عن عبداللَّه بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي قال: خرجنا وفداً حتّي قدمنا علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فبايعناه فصلّينا معه، فجاء رجل فقال: يا رسول اللَّه! ما تري في مسّ __________________________________________________

(1) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج 3: 220.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 290

الذكر في الصلاة؟ فقال: وهل هو إلّابضعة- أو مضغة- منك» «1» .

وأخرج أيضاً:

«ثنا ابن فضيل ووكيع، عن مسعر، عن عمير بن سعد: كنت جالساً في مجلس فيه عمّار بن ياسر، فسئل عن مسّ الذكر في الصلاة فقال: ما هو إلّا بضعة منك، وإنّ لكفّك موضعاً غيره» «2» .

وأخرج:

«ثنا عبدالوهّاب الثقفي، عن عبداللَّه بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير قال: سألته عن مسّ الذكر في الصلاة، فقال: ما ابالي مسسته أو أنفي.

ثنا ابن فضيل، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: لا بأس أن يمسّ الرجل ذكره في الصلاة» «3» .

وأخرج النسائي:

«أخبرنا هناد، عن ملازم بن عمرو قال: نا عبداللَّه بن بدر، عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه قال: خرجنا وفداً حتّي قدمنا علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فبايعناه وصلّينا معه، فلمّا قضي الصلاة جاء رجل كأنّه بدوي فقال:

يا رسول اللَّه! ما تري في رجل مسّ ذكره في الصلاة؟ قال: وهل هو إلّامضغة منك- أو

بضعة- منك» «4» .

وأخرج الدارقطني:

__________________________________________________

(1) المصنّف لابن أبي شيبة 1: 165.

(2) المصدر 1: 164.

(3) المصنّف 1: 165.

(4) سنن النسائي 1: 101 باب ترك الوضوء من ذلك.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 291

«حدّثنا عبداللَّه بن محمّد بن عبدالعزيز قال: نا محمّد بن زياد بن فروة البلدي أبو روح قال: نا ملازم بن عمرو قال: نا عبداللَّه بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي قال: خرجنا وفداً إلي نبيّ اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حتّي قدمنا عليه فبايعناه وصلّينا معه، فجاء رجل كأنّه بدويّ قال: فقال: يا رسول اللَّه! ما تري في مسّ الرجل ذكره في الصلاة؟ فقال: وهل هي إلّابضعة منه أو بعضه. كذا قال أبو روح» «1» .

وأخرج أحمد:

«حدّثنا بشر بن موسي، ثنا أبو زكريّا السلحيني، ثنا محمّد بن جابر، عن قيس بن طلق عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه! إنّي أكون في الصلاة فأمسّ ذكري بيدي. فقال: إنّما هو بضعة منك.

حدّثنا إبراهيم بن علي، ثنا يحيي بن يحيي، أنا محمّد بن جابر، عن قيس ابن طلق عن أبيه قال: كنت قاعداً عند رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فسأله رجل فذكر مثله» .

وأخرج:

«حدّثنا الحسين بن الكميت، ثنا معلي بن مهدي، أنا أيوب بن جابر، حدّثني أخي محمّد بن جابر، عن قيس بن طلق عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه! الرجل يمسّ ذكره في الصلاة؟ قال: لا بأس به إنّما هو بضعة منك» .

«حدّثنا موسي بن داود قال: ثنا محمّد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه قال: كنت جالساً عند النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم فسأله رجل فقال:

مسست

ذكري أو الرجل يمسّ ذكره في الصلاة عليه الوضوء؟ قال: لا، إنّما

__________________________________________________

(1) سنن الدارقطني 1: 149/ 17 كتاب الطهارة، باب ما روي في لمس القبل …

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 292

هو بضعة منك» «1» .

«حدّثنا قران بن تمام، عن محمّد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه قال: قال رجل: يا رسول اللَّه! أيتوضّأ أحدنا إذا مسّ ذكره في الصلاة؟ قال:

هل هو إلّامنك أو بضعة منك» «2» .

وفي (اسد الغابة):

«جري الحنفي، روي حديثه حكيم بن سلمة فقال: عن رجل من بني حنيفة يقال له جري أنّ رجلًا أتي النبي فقال: يا رسول اللَّه! إنّي ربّما أكون في الصلاة فيقع يدي علي فرجي، فقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّما ربّما كان ذلك، إمض في صلاتك. أخرجه ابن مندة وأبو نعيم» «3» .

وروي في (كنز العمال):

«مسند طلق بن علي: خرجنا وفداً حتّي قدمنا علي نبيّ اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فبايعناه فصلّينا معه، فجاء رجل فقال: يا رسول اللَّه! ما تري في مسّ الذكر في الصلاة؟ فقال: وهل هو إلّابضعة منك. عب ش» أي رواه عبدالرزاق في الجامع وابن أبي شيبة في المصنّف.

وأيضاً فيه:

«وهل هو إلّابضعة منك. حب» أي رواه ابن حبّان في صحيحه.

«عن طلق: إنّ رجلًا قال: يا رسول اللَّه! إنّ أحدنا يكون في صلاة، فيحتكّ فتصيب يده ذكره. قال: فذكره لا بأس به إنّه كبعض جسدك. حب» أي __________________________________________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 4: 600/ 15857.

(2) مسند أحمد بن حنبل 4: 601/ 15860.

(3) اسد الغابة في معرفة الصحابة 1: 334/ 732.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 293

رواه ابن حبان في صحيحه

عن طلق.

«لا بأس، إنّما هو جذبة منك. عبدالرزاق عن أبي امامة»

«إنّ رجلًا قال: يا رسول اللَّه، مسست ذكري وأنا اصلّي؟ قال:

فذكره» «1» .

وفي (كنز العمال) أيضاً:

«مسند علي بن قيس بن أبي حازم قال: قال رجل لسعد: إنّه مسّ ذكره وهو في الصلاة. قال: إنّما هو بضعة منك. ص ش» «2» أي رواه سعيد بن منصور في سننه وابن أبي شيبة في المصنّف.

إزاحة وهم … ص: 293

هذا، ولا يتوهمنَّ أحد عدم صحّة هذا الحديث، فقد أخرجه ابن حبّان في (صحيحه) وقد ذكر الحافظ السيوطي في أوائل كتابه (جمع الجوامع):

«ورمزت للبخاري خ ولمسلم م ولابن حبّان حب وللحاكم في المستدرك ك وللضياء المقدسي في المختارة ض. وجميع ما في هذه الكتب الخمسة صحيح، فالعزو إليها معلَّم بالصحّة، سوي ما في المستدرك من المتعقّب فانبّه عليه» «3» .

وأيضاً، فهو من أحاديث (مسند أحمد) الذي يعدّونه أصلًا من اصول الإسلام، وقد أخرجه فيه بعدّة طرق كلّها صحيح علي اصولهم يقيناً.

__________________________________________________

(1) كنز العمّال 9: 507/ 27182 و 9: 339/ 26331 و 9: 482/ 26333.

(2) كنز العمّال 9: 507/ 27178.

(3) جمع الجوامع- مقدّمة الكتاب.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 294

وأيضاً، فقد أخرجه الترمذي باختصار في (صحيحه) وصرّح بأنّه أحسن شي ء يروي في هذا الباب، وهذه عبارته:

«باب ترك الوضوء من مسّ الذكر:

حدّثنا هنّاد، نا ملازم بن عمرو، عن عبداللَّه بن بدر، عن قيس بن طلق ابن علي الحنفي عن أبيه عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: وهل هو إلّا مضغة منه أو بضعة.

وفي الباب عن أبي أمامة.

قال أبو عيسي: وقد روي من غير واحدٍ من أصحاب النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم وبعض

التابعين أنّهم لم يرو الوضوء من مسّ الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك. وهذا الحديث أحسن شي ء روي في هذا الباب.

وقد روي هذا الحديث أيّوب بن عتبة ومحمّد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه. وقد تكلّم بعض أهل الحديث في محمّد بن جابر وأيّوب بن عتبة، وحديث ملازم بن عمرو عن عبداللَّه بن بدر أصح وأحسن» «1» .

ولا يتوهمنَّ أحد كذلك: أنّ الحديث غير معمول به، لأنّ كلّ حديث صحيح فهو- باعتراف النووي في (شرح مسلم) وابن حجر العسقلاني في (شرح النخبة)- واجب العمل بالإجماع «2» .

علي أنّ الظاهر من (الصواقع) و (التحفة) هو التشنيع علي الإماميّة بمجرَّد روايتهم الخبر في جواز المسّ ونسبتهم ذلك إلي أئمّة أهل البيت عليهم السلام … فيندفع ذلك: بأنّ القوم أنفسهم يروون ذلك في امّهات كتبهم __________________________________________________

(1) صحيح الترمذي 1: 131/ 85، كتاب الطهارة باب 62.

(2) شرح نخبة الفكر: 47، خبر الواحد في الإصطلاح.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 295

ويصحّحونه، سواء عملوا به أو لا.

علي أنّ هذا الحديث معمول به ومفتي به عندهم يقيناً، كما لا يخفي علي من راجع كتب الحنفيّة في الفقه والاصول.. وهذا نصّ كلام زين الدين الحنفي المصري في كتاب (البحر الرائق):

«قوله: ومسّ ذكر بالرفع عطف علي المنفي، أي لا ينقض الوضوء مسّ الذّكر، وكذا مسّ الدبر والفرج مطلقاً، خلافاً للشافعي، فإنّ المسّ لواحد من الثلاثة ناقض للوضوء إذا كان بباطن الأصابع.

واستدلّ النووي له في شرح المهذّب بما روت بسرة بنت صفوان أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضّأ. وهذا حديث حسن، رواه مالك في الموطّأ وأبو داود والترمذي وابن ماجة بأسانيد صحيحة.

ولنا: ما

رواه الجماعة، أصحاب السنن- إلّاابن ماجة- عن ملازم بن عمرو عن عبداللَّه بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: أنّه سُئل عن الرجل يمسّ ذكره في الصلاة، فقال: هل هو إلّا بضعة منك.

وقد رواه ابن حبّان في صحيحه.

قال الترمذي: هذا الحديث أحسن شي ء يروي في هذا الباب وأصحّ.

ورواه الطحاوي أيضاً وقال: هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ومتنه.

فهذا حديث صحيح معارض لحديث بسرة بنت صفوان.

ويرجّح حديث طلق علي حديث بسرة بأنّ حديث الرجال أقوي، لأنّهم أحفظ للعلم وأضبط، ولهذا جعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل، وقد

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 296

أسند الطحاوي إلي ابن المديني أنّه قال: حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة، وعن عمرو بن علي الفلاس أنّه قال: حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة بنت صفوان.

وقول النووي في شرح المهذّب: أنّ حديث طلق اتّفق الحفّاظ علي ضعفه، لا يخفي ما فيه، إذ قد علمت ما قاله الترمذي وغيره أنّ حديث بسرة ضعّفه جماعة حتّي قال يحيي بن معين: ثلاثة أحاديث لم تصحّ عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم منها حديث مسّ الذكر.

وقول النووي أيضاً- ترجيحاً لحديث بسرة- بأنّ حديث طلق منسوخ، لأنّ قدومه علي النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم كان في السنة الاولي من الهجرة ورسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يبني مسجده، وراوي حديث بسرة أبوهريرة، وإنّما قدم أبو هريرة علي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم سنة سبع من الهجرة، فغير لازم، لأنّ ورود طلق إذ ذاك ثمّ رجوعه لا ينفي عوده بعد ذلك، وهم قد رووا عنه حديثاً ضعيفاً: من مسّ ذكره فليتوضّأ وقالوا: سمع

من النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم الناسخ والمنسوخ، ولأنّ حديث طلق غير قابل للنسخ، لأنّه صدر علي سبيل التعليل، فإنّه عليه الصلاة والسلام ذكر أنّ الذكر قطعة لحم فلا تأثير لمسّه في الانتفاض، وهذا المعني لا يقبل النسخ، كذا في معراج الدراية.

وقول النووي أيضاً: إنّ حديث طلق محمول علي المسّ فوق حائل لأنّه قال: سألت عن مسّ الذكر في الصلاة، والظاهر أنّ الإنسان لا يمسّ ذكره في الصلاة بلا حائل، مردود، بأنّ تعليله صلّي اللَّه عليه وسلّم بقوله هل هو إلّا بضعة منك يأبي الحمل، والبضعة بفتح الموحّدة القطعة من اللّحم» «1» .

__________________________________________________

(1) البحر الرائق في شرح كنز الدقائق 1: 43- 44.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 297

وفي (كشف الأسرار):

«وعن يحيي بن معين أنّه قال: ثلاثةمن الأخبار لا تصحّ عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: خبر مسّ الذكر، ووقعت هذه المسألة في زمن عبدالملك بن مروان فشاور الصحابة، فأجمع من بقي منهم علي أنّه لا وضوء فيه وقالوا: ندع كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت؟

يعنون بسرة بنت صفوان.

ومعني قولهم كتاب ربّنا: إنّ اللَّه تعالي بيّن الأحداث وما كانت نجسة من دم حيض وغايط ومني، وشرّع الاستنجاء بالماء بقوله «فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا» والإستنجاء بالماء لا يتصوّر إلّابمسّ الفرجين، فلمّا ثبت بالنص أنّه من التطهير لم يجز أنْ يجعل حدثاً بمثل هذا الخبر.

وأمّا السنّة: فما روي عن قيس بن طلق عن أبيه أنّه قال: قلت: يا رسول اللَّه! أفي مسّ الذكر وضوء؟ فقال: لا.

وروت عائشة رضي اللَّه عنها أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم سئل عن مسّ الذكر، فقال: ما ابالي مسسته أم مسست أنفي.

فنبّه

علي العلّة وهو أنّه عضو طاهر.

وعن أبي أيّوب الأنصاري رضي اللَّه عنه: سألت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فقلت: مسست ذكري وأنا في الصلاة، فقال: لا بأس به» «1» .

وقال الشيخ علي القاري في (شرح الوقاية):

«ولنا: ما رواه الجماعة- إلّاابن ماجة- عن قيس بن طلق عن أبيه عن __________________________________________________

(1) كشف الأسرار في شرح اصول البزدوي 2: 569- 570. باب تقسيم الراوي الذي جعل خبره حجةً.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 298

النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: أنّه سئل عن الرجل يمسّ ذكره في الصلاة، فقال:

هل هو إلّابضعة منك. قال الترمذي: هذا الحديث أحسن شي ء يروي في الباب، واجيب: بأنّ المراد به المسّ بحائل، ورُدَّ: بأنّ تعليله عليه الصلاة والسلام يأبي ذلك، والبضعة بفتح الموحّدة القطعة من اللحم» .

وقال عبدالعلي الأنصاري في (فواتح الرحموت) بشرح «خبر الواحد فيما يتكرّر ويعمّ البلوي كخبر ابن مسعود في مسّ الذكر لا يثبت الوجوب … »

قال:

«خبر الواحد فيما يتكرّر وقوعه ويعمّ البلوي، كخبر ابن مسعود في مسّ الذكر أنّه ينقض الوضوء رواه مالك وأحمد، ورواه بسرة أيضاً بلفظ: إذا مسّ أحدهم ذكره فليتوضّأ، ورواه أبو هريرة أيضاً بلفظ: إذا أفضي أحدكم بيده إلي ذكره ليس بينه وبينها حجاب فليتوضّأ، رواه الشافعي والدارقطني، وممّن يري من الصحابة الإنتقاض بالمسّ: عبداللَّه بن عمر وأبو أيّوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبوهريرة وأميرالمؤمنين عمر، علي ما هو المشهور، فعلي هذا في كونه من الباب نظر.

فإنْ قلت: فما يصنع الحنفيّة في حكمهم بعدم الإنتقاض؟

قلت: إنّ الرواية عن أبي هريرة لم تصحّ، فإنّ في سنده يزيد بن عبدالملك، وهو مضعف. كذا في فتح القدير.

ولم يصحّ الرواية عن ابن مسعود

كما قال الشيخ عبدالحق.

وأمّا حديث بسرة- مع كونه مضعفاً أيضاً عند بعض أهل الحديث- ففي سنده عن عروة عن بسرة، ولم يلاق عروة بسرة، فهو منقطع، فلا يعارض ما رواه أبو داود والنسائي وابن حبان والترمذي- وقال أحسن شي ء يروي في استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 299

هذا الباب- عن طلق عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وأصحابه وسلّم: أنّه سئل عن الرجل يمسّ ذكره في الصلاة فقال: هل هو إلّاقطعة منك.

وقد تأيّد قولنا بعدم الإنتقاض بما ثبت عن أميرالمؤمنين علي وعمّار وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقّاص، فإنّهم لا يرون النقض منه. كذا في فتح القدير» «1» .

فإنْ لم يكف ما نقلناه عن هؤلاء الأعلام في الفقه والاصول من الحنفيّة، ذكرنا كلام إمامهم محمّد بن الحسن الشيباني في كتابه (الموطّأ) بشرح الشيخ علي القاري، وهذا نصّه:

«باب الوضوء من مسّ الذكر، أي باب ما ورد في إثباته ونفيه:

أخبرنا مالك، حدّثنا إسماعيل بن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص، عن مصعب بن سعد، زاد يحيي بن وقّاص ومصعب هذا سمع أباه وعليّاً وابن عمر، وروي عنه سماك بن حرب وغيره قال: كنت أمسك المصحف (أي آخذه) علي سعد (أي لأجل قرائته غيباً أو نظراً، وهو ابن وقّاص) فاحتككت (أي ماتحت إزاري) فقال: لعلّك مسست (بكسر السين الاولي وتفتح أي لمست) بكفّ يدك ذكرك (أي من غير حائل)؟ فقلت: نعم، فقال: قم فتوضّأ.

قال: فقمت فتوضّأت ثمّ رجعت.

وفيه: أنّه يحتمل أن يراد به الوضوء اللغوي وهو غسل اليد، دفعاً لشبهة ملاقاة النجاسة.

أخبرنا مالك، أخبرني (أي وحدي) ابن شهاب (أي الزهري) عن سالم ابن عبداللَّه (هو القرشي

العدوي المدني أحد فقهاء المدينة، من سادات __________________________________________________

(1) فواتح الرحموت- شرح مسلّم الثبوت- ط مع المستصفي 2: 128.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 300

التابعين وعلمائهم وثقاتهم، مات بالمدينة سنة ست ومائة) عن أبيه (أي عبداللَّه ابن عمر ابن الخطّاب، شهد الخندق وما بعدها من المشاهد، وكان من أهل العلم والورع والزهد. قال جابر بن عبداللَّه: ما منّا أحد إلّامالت به الدنيا ومال بها إلّاعمر وابنه عبداللَّه. وقال نافع: ما مات ابن عمر حتّي أعتق ألف إنسان أو زاد) روي عنه خلق كثير أنّه كان يغتسل ثمّ يتوضّأ، فقال له (أي قال سالم ابنه): أما يجزيك الغسل (أي ما يكفيك) لاسيّما مع سبق الوضوء الذي هو السنّة من الوضوء (أي الكائن بعد الغسل) فإنّ الجزء يندرج في الكل؟ قال:

بلي (أي يجزي) ولكنّي أحياناً أمسّ ذكري ونحوه، فإنّه إذا غسله حال الإستنجاء يجوز به الإكتفاء) فأتوضّأ (أي لذلك المسّ).

قال محمّد: لا وضوء (أي لازم) في مسّ الذكر (أي علي أيّ وجه كان) وهو قول أبي حنيفة رحمه اللَّه (أي خلافاً للشافعي فإنّه يقول: ينتقض بالمسّ بباطن كفّه دون ظاهره من غير حائل سواء كان بشهوة أم بغيرها) وهو المشهور (عن أحمد) والراجح (من مذهب مالك إن مسّه بشهوة انتقض وإلّا فلا، وأقوي أدلّتهم) ما رواه مالك (وأخذه الأربعة) والحاكم عن بسرة بنت صفوان مرفوعاً: من مسّ ذكره فيتوضّأ. وفي ذلك (أي في دفعه) آثار كثيرة (أي أخبار شهيرة) مرفوعة وموقوفة وبها نأخذ لقوّتها وكثرتها فإنّها بلغت ستّة عشر حديثاً:

منها: قال محمّد: أخبرنا أيّوب بن عتبة التميمي قاضي اليمامة (وهو عزيز الحجاز) عن قيس بن طلق (وهو طلق بن علي يكني أباعلي الحنفي اليماني ويقال

له طلق بن تمامة) روي عنه ابنه قيس أنّ أباه (وهو من الصحابة) حدّثه أنّ رجلًا سأل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم عن رجل مسّ ذكره استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 301

أيتوضّأ؟ قال (أي له): هل هو (أي ذكرك) إلّابضعة (بفتح الموحّدة أي قطعة) من جسدك (أي فحكمه حكم سائر الأعضاء حيث لم ينتقض الوضوء شي ء من الأجزاء).

قال محمّد: أخبرنا طلحة بن عمر والمكّي، أخبرنا عطاء بن رباح (بفتح الراء فموحّدة، من أجلّ الفقهاء تابعي مكّي. قال الأوزاعي: مات يوم مات وهو أرضي أهل الأرض عند النّاس. وقال أحمد بن حنبل: العلم خزائن يقسمه اللَّه لمن أحبّ لو كان يخصّ بالعلم أحداً لكان بنسب النبي صلّي اللَّه عليه وسأله وسلّم أولي كان عطاء حبشيّاً، إنتهي. وكان جعد الشعر أسود أفطس أشل أعور ثمّ عمي، مات سنة عشرة ومائة وله ثمان وثمانون سنة.

سمع ابن عبّاس وأباهريرة وغيرهما من الصحابة وروي عنه جماعة) عن ابن عبّاس قال في مسّ الذكر إن كانت (خطاب عام) في الصلاة (والجملة حالية والمعني) قال (في جواب هذا السؤال وأعاد قال لطول المقال) ما ابالي مسسته (في نسخة أمسسته أي ذكري) أو مسست أنفي (حيث لا تفاوت بينهما لا في الصلاة ولا في غيرها).

قال محمّد: أخبرنا إبراهيم بن محمّد المدني (وفي نسخة: محمّد بن المدني وهو بفتحتين منسوب إلي المدينة السكينة) أخبرنا صالح مولي التوئمة (بفتح فسكون فهمزة) عن ابن عبّاس قال: قال: ليس في مسّ الذكر وضوء واجب أو نقض وضوء.

قال: أخبرنا إبراهيم بن محمّد المدني، أخبرنا الحارث بن أبي ذباب (بضمّ الذال المعجمة وبالموحّدتين) أنّه سمع سعيد بن المسيّب (بفتح الياء أشهر من كسرها، وهو من سادات

التابعين، جمع بين الفقه والحديث والزهد

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 302

والورع والعبادة) يقول: ليس في مسّ الذكر وضوء.

قال: أخبرنا أبوالعوّام (بتشديد الواو) البصري (بكسر الباء أفصح من فتحها في النسخة عكس العلم) قال: سأل رجل عطاء بن أبي رباح قال:

يابامحمّد! (لا تكتب الهمزة وتقرأ، هذه كنية لعطاء بن أبي رباح) رجل مسّ فرجه (أي ذكره) أو دبره بعد ما توضّأ (وكذا إذا اغتسل)؟ قال رجل من القوم (أي قبل جواب عطاء): إنّ ابن عبّاس كان يقول: إن كنت تستنجسه (أي تعتقد نجاسة ذاته) فاقطعه فإنّه لا يجوز لك الصلاة مع وجوده. قال عطاء بن رباح:

هذا واللَّه قول ابن عبّاس (أي بلا شكّ ولا شبهة فهذا من باب المطابقة في الجواب إذا كان علي وجه الصواب).

قال محمّد: أخبرنا أبو حنيفة رحمه اللَّه عن حمّاد (أي ابن أبي سليمان، كوفيّ يعدّ من التابعين، سمع جماعة من الصحابة، روي عنه شعبة والثوري وغيرهما، وكان أعلم الناس برأي إبراهيم النخعي، مات سنة عشرين ومائة) عن إبراهيم النخعي (بفتح النون والخاء المعجمة وهو من أجلّاء التابعين) عن علي بن أبي طالب في مسّ الذكر قال: ما ابالي مسسته أو طرف أنفي (أي حيث هما عضوان طاهران وفي حقّ المسّ مستويان).

قال محمّد: أخبرنا أبو حنيفة رحمه اللَّه عن حمّاد عن إبراهيم أنّ ابن مسعود سُئل عن الوضوء (أي عن تجديده) من مسّ الذكر (أي ذكره)؟ فقال:

إن كان (أي ذكرك) في زعمك نجساً (بفتح الجيم هو المشهور عند الفقهاء ويراد عين النجاسة بخلاف كسرها فإنّه المتنجّس عندهم وهما مصدران في أصل اللّغة) فاقطعه (أي لا تترك له وجوداً).

قال محمّد: أخبرنا مِحِلّ (بكسر الميم والحاء المهملة كسحل اسم

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 303

جماعة من المحدّثين) الضبّي (بتشديد الموحّدة) عن إبراهيم النخعي في مسّ الذكر في الصلاة هل يبطلها بسبب نقض الوضوء منه؟ قال: إنّما هو بضعةمنك (أي قطعة منك كسائر أعضائك).

قال محمّد: أخبرنا سلّام (بتشديد اللّام) بن سليم (بالتصغير) الحنفي (منسوب إلي أبي حنيفة رحمه اللَّه بحذف الزوائد كالفرضي) عن منصور بن المعتمر (بكسر الميم الثانية) عن أبي قيس عن أرقم بن شرحبيل (بضمّ ففتح فسكون فكسر موحّدة فسكون تحتيّة) قال: قلت لعبداللَّه بن مسعود: إنّي أحكّ جسدي (أي أحياناً) وأنا في الصلاة فأمسّ (بفتح الميم أي فألمس) ذكري (أي بعذر بي) فهل ينقض وضوئي؟ فقال: إنّما هو بضعة منك (أي كما سبق في الحديث مرفوعاً).

قال محمّد: أخبرنا سلّام بن سليم عن المنصور بن المعتمر عن السدوسي (بفتح فضمّ، نسبة إلي سدوس بن شيبان، وبضمّتين إلي سدوس بن أصبع بن أبي عبيد بن ربيعة بن نضر بن سعد بن نبهان الطائي، وليس في العرب سدوس بالضم غيره، ذكره السيوطي) عن البراء بن قيس قال: سألت حذيفة بن اليمان (بكسر النون من غير ياء في آخره، وهو صاحب سرّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، روي عنه عمر و علي رضي اللَّه عنه وغيرهما من الصحابة والتابعين، مات بالمدائن وبها قبره، سنة خمس وثلاثين بعد قتل عثمان بأربعين ليلة) عن الرجل مسّ الذكر؟ فقال: إنّما هو (أي مسّه ذكره) كمسّه رأسه.

قال محمّد: أخبرنا مِسْعَرْ (بكسر الميم وفتح العين) بن كدام (بكسر الكاف) عن عمير بن سعد النخعي قال: كنت في مجلس (أي في أهل استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 304

مجلس) فيه عمّار بن ياسر (وهو عنسي مولي بني مخزوم،

وكان من المهاجرين الأوّلين وشهد المشاهد كلّها، قُتل بصفّين وكان مع عليّ سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، روي عنه جماعة منهم علي رضي اللَّه عنه) فذُكر (بصيغة المجهول أي فذكر بعض أهل ذلك المجلس) مسّ الذكر (أي هل ينقض الوضوء أم لا) فقال (أي للسائل): إنّما هو بضعة منك وإنّ لكفّك لموضعاً غيره. دلّ علي أنّ الإحتياط في عدم مسّه.

قال محمّد: أخبرنا مِسعر بن كدام، عن إياد (بكسر الهمزة) ابن لقيط (بفتح فكسر) عن البراء بن قيس قال: قال حذيفة بن اليمان في مسّ الذكر مثل أنفك. فعنه روايتان في الحكم يتفقان.

قال محمّد: أخبرنا مِسعر بن كدام حدّثنا قابوس عن أبي ظبيان (بفتح الظاء المعجمة) عن عليّ بن أبي طالب قال: ما ابالي إيّاه (أي الذكر) مسست أو أنفي أو اذني.

قال محمّد: أخبرنا أبو كدينة (بضمّ الكاف وفتح الدال المهملة) يحيي ابن المهلّب (بتشديد اللام المفتوحة) عن أبي إسحاق الشيباني عن أبي قبيس ابن عبدالرحمن بن ثروان (بفتح المثلّثة وسكون الراء) عن علقمة (وهو ابن أبي علقمة بلال مولي عائشة امّ المؤمنين، روي عن أنس بن مالك وعن امّه وعنه مالك بن أنس وغيره) عن قيس قال: جاء رجل إلي عبداللَّه بن مسعود قال: إنّي مسست ذكري وأنا في الصلاة. قال عبداللَّه: أفلا قطعته إن كنت تزعم أنّه نجس العين فإنّ وجوده مانع لصحّة الصلاة. ثمّ قال (أي عبداللَّه): وهل ذكرك إلّاكسائر جسدك (أي عضو من أعضائك فلا تتفاوت في مسّ أجزائك).

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 305

قال محمّد: أخبرنا يحيي بن المهلّب، عن إسماعيل بن خالد، عن قيس ابن أبي حازم قال: جاء رجل إلي سعد بن أبي وقّاص (أحد

العشرة المبشّرة) قال: أيحلّ لي أن أمسّ ذكري وأنا في الصلاة؟ فقال: إن علمت أنّ منك (أي من جملة أعضائك) بضعة نجسة فاقطعها.

قال: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: حدّثني جرير بن عثمان، عن حبيب ابن عبيد، عن أبي الدرداء (أي أحد أكابر الصحابة وزهّادهم) أنّه سُئل عن مسّ الذكر فقال: إنّما هو بضعة منك» «1» .

ولا يتوهمنَّ أحد الفرق بين «العبث بالذكر في الصّلاة» الوارد في أخبار القوم و «مسّ الذكر في الصلاة» الوارد في (الإستبصار) من كتبنا، فإنّ «العبث» هو اللعب والعمل بلا فائدة، كما في (المصباح المنير) وغيره من كتب اللغة …

بل ليس مراد السائل من «المسّ» إلّا «العبث» وممّا يشهد بذلك الخبر التالي في (تهذيب الأحكام) من كتب أصحابنا الإماميّة:

«محمّد بن علي بن محبوب، عن العباس بن معروف، عن عبداللَّه بن مغيرة قال: حدّثني أبوالقاسم معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:

قلت له: الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة. قال: وما له فعل؟ قلت:

عبث به حتّي مسّ بيده. قال: لا بأس» «2» .

__________________________________________________

(1) شرح موطأ محمّد بن الحسن الشيباني للشيخ علي القاري- باب الوضوء من مسّ الذكر.

(2) تهذيب الأحكام للشيخ أبي جعفر الطوسي 2: 333/ 1373، كتاب الصلاة، باب كيفيّة الصلاة …

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 306

حكم الرجل يضمّ الجارية إليه في الصلاة … ص: 306

وشُنّع بعضهم علي الإماميّة روايتهم عدم البأس بأنْ يضمّ الرجل الجارية إليه في الصلاة، وذكر الخبر التالي:

«في الوافي، نقلًا من الاصول، عن مسمع، قال: سألت أباالحسن عليه السلام فقلت: أكون اصلّي فتمرّ بي الجارية، فربّما ضممتها إليَّ. قال: لا بأس … » «1» .

أقول:

وهذا التشنيع أيضاً في غير محلّه، وإنّما نشأ من الغلط في فهم

الرّواية، لأنّه قد ظنّ أنّ «الجارية» هي المرأة أو خصوص «الأمة» الكبيرة، وأنّ «الضمّ» المذكور في الرواية بمعني «المعانقة والتقبيل» وغير ذلك ممّا يفعله الرجل مع حليلته … وليس المقصود ذلك قطعاً …

أمّا «الجارية» ففي (الصحاح) و (مجمع البحار) وغيرهما من كتب اللغة:

«الصبيّة ومن لم تبلغ الحلم من النساء» «2» .

وأمّا «ضمّ الجارية» فالمراد منه حملها في أثناء الصّلاة، وبذلك باب في كتاب البخاري، حيث قال: «باب إذا حمل جارية صغيرة علي عنقه في الصلاة» فأخرج فيه الحديث أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول اللَّه … «3» .

__________________________________________________

(1) الوافي للشيخ محمّد محسن الكاشاني 8: 892/ 7329- 6، كتاب الصلاة، باب الضحك والعبث.

(2) صحاح اللغة 6: 2398 مادّة صبا.

(3) صحيح البخاري 1: 137/ باب 106: إذا حمل جارية صغيرة …

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 307

وأخرجه مسلم في كتابه كذلك «1» .

وكذا تجد هذا الحديث وما بمعناه في سائر الكتب، كمسند أحمد، وموطّأ مالك، وفي السنن لأبي داود والنسائي، وفي المصابيح والمشكاة وغيرها … وقد رواه صاحب (جامع الاصول) عن أكثرها حيث قال:

«أبو قتادة: إنّ رسول اللَّه كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.

وفي رواية: رأيت النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص علي عاتقه، فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها. أخرجه البخاري ومسلم.

وأخرج الموطّأ وأبو داود والنسائي الاولي.

وفي اخري لأبي داود ومسلم: بينا نحن جلوس في المسجد إذ خرج علينا رسول اللَّه صلّي

اللَّه عليه وسلّم يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وامّها زينب بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم- وهي صبيّة- علي عنقه، فصلّي رسول اللَّه وهي علي عاتقه، يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام حتّي قضي صلاته، يفعل ذلك بها.

وفي اخري له قال: بينا نحن ننتظر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في الظهر والعصر وقد دعاه بلال إلي الصلاة، إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت بنته علي عنقه، فقام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في مصلّاه وقمنا خلفه، وهي في مكانها الذي هي فيه. قال: فكبّر فكبّرنا، حتّي إذا أراد رسول __________________________________________________

(1) صحيح مسلم 1: 385/ 543، كتاب المساجد، الباب 9.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 308

اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أن يركع أخذها فوضعها، ثمّ ركع وسجد حتّي إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردّها في مكانها، فما زال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يصنع بها ذلك في كلّ ركعة حتّي فرغ من صلاته.

وأخرج النسائي أيضاً الرواية التي لأبي داود قبل هذه» «1» .

وقد أجاب الحفّاظ عن التوهّمات التي تعترض هذا الحديث والحكم به:

قال النووي بشرحه: «قوله: رأيت النبي …

هذا يدلّ لمذهب الشافعي ومن وافقه أنّه يجوز حمل الصبي والصبيّة وغيرهما من الحيوان الطاهر في صلاة الفرض وصلاة النفل، ويجوز ذلك للإمام والمأموم والمنفرد.

وحمله أصحاب مالك علي النافلة ومنعوا جواز ذلك في الفريضة.

وهذا التأويل فاسد؛ لأنّ قوله يؤمّ النّاس صريح أو كالصريح في أنّه كان في الفريضة.

وادّعي بعض المالكيّة أنّه منسوخ وبعضهم أنّه خاصّ بالنبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم، وبعضهم أنّه كان لضرورة.

وكلّ هذه الدعاوي باطلة مردودة، فإنّه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها، بل الحديث

صحيح صريح في جواز ذلك وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع؛ لأنّ الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفوّ عنه لكونه في معدته، وثياب الأطفال وأجسادهم علي الطهارة، ودلائل الشرع متظاهرة علي هذا، والأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلّت أو تفرّقت، وفعل النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم هذا بياناً للجواز وتنبيهاً به علي هذه القواعد التي ذكرها.

__________________________________________________

(1) جامع الاصول 5: 524- 525/ 3749، الفرع الثامن.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 309

وهذا يرد ما ادّعاه الإمام أبو سليمان الخطابي أنّ هذا الفعل يشبه أن يكون كان بغير تعمد لحملها في الصلاة، لكنّها كانت تتعلق به صلّي اللَّه عليه وسلّم فلم يدفعها، وإذا قام بقيت معه. قال: ولا يتوهّم أنّه حملها أو وضعها مرّة بعد اخري عمداً، لأنّه عمل كثير وشغل القلب وإذا كان علم الخميصة شغله فكيف لا يشغله، هذا كلام الخطابي.

وهو باطل ودعوي مجرّدة، وممّا يردّه قوله في صحيح مسلم: فإذا قام حملها. وقوله: فإذا رفع من السجود أعادها. وقوله في رواية غير مسلم: خرج علينا حاملًا أمامة فصلّي، وذكر الحديث.

وأمّا قضيّة الخميصة، فلأنّها تشغل القلب بلا فائدة، وحمل أمامة لا يسلّم أنّه يشغل القلب، وإن شغله فتترتّب عليه فوائد وبيان قواعد ممّا ذكرنا وغيره، فاحتمل ذلك الشغل لهذه الفوائد بخلاف الخميصة.

فالصواب الذي لا معدل عنه: أنّ الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه علي هذه القواعد فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلي يوم الدين، واللَّه أعلم» «1» .

وابن حجر العسقلاني اقتفي أثر النووي، فقال في (فتح الباري):

«قوله: فإذا سجد وضعها كذا لمالك أيضاً، ورواه مسلم من طريق عثمان ابن أبي سليمان ومحمّد بن عجلان، والنسائي من طريق الزبيدي، وأحمد من

طريق ابن جريج، وابن حبّان من طريق أبي العميس، كلّهم عن عامر بن عبداللَّه شيخ مالك فقالوا: إذا ركع وضعها، ولأبي داود من طريق المقبري عن عمرو بن سليم: حتّي إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثمّ ركع وسجد حتّي إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردّها في مكانها.

__________________________________________________

(1) شرح صحيح مسلم 5: 32- 33، كتاب المساجد، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 310

وهذا صريح في أنّ فعل الحمل والوضع كان منه لا منها.

بخلاف ما أوّله الخطابي حيث قال: يشبه أن تكون الصبية كانت قد أَلِفَتْه فإذا سجد تعلّقت بأطرافه والتزمته فينهض من سجوده فتبقي محمولة كذلك إلي أن يركع فيرسلها. قال: هذا وجهه عندي.

وقال ابن دقيق العيد: من المعلوم أنّ لفظ حمل لا يساوي لفظ وضع في اقتضاء فعل الفاعل، لأنّا نقول فلان حمل كذا ولو كان غيره حمله بخلاف وضع، فعلي هذا فالفعل الصادر منه هو الوضع لا الرفع فيقلّ العمل. قال: وقد كنت أحسب هذا حسناً، إلي أن رأيت في بعض طرقه الصحيحة: فإذا أقام أعادها.

قلت: وهي رواية لمسلم، ورواية أبي داود التي قدّمناها أصرح في ذلك وهي: ثمّ أخذها فرّدها في مكانها. ولأحمد من طريق ابن جريج: وإذا قام حملها فوضعها علي رقبته.

قال القرطبي: اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، والذي أحوجهم إلي ذلك أنّه عمل كثر، فروي ابن القاسم عن مالك أنه كان في النافلة، وهو تأويل بعيد، فإنّ ظاهر الأحاديث أنّه كان في فريضة، وسبقه إلي استبعاد ذلك المازري وعياض، لما ثبت في مسلم: رأيت النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم يؤمّ الناس وأمامة علي عاتقه.

قال المازري: إمامته بالناس في النافلة ليست بمعهودة» .

ثمّ

قال ابن حجر:

«قال القرطبي: وروي عبداللَّه بن يوسف التنيسي عن مالك أنّ الحديث منسوخ.

قلت: روي ذلك الإسماعيلي عقب روايته للحديث من طريقه، لكنّه غير صريح ولفظه: قال التنيسي: قال مالك: من حديث النبيّ صلّي اللَّه عليه استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 311

وسلّم ناسخ ومنسوخ وليس العمل علي هذا.

وقال ابن عبداللَّه: لعلّه نسخ بتحريم العمل في الصلاة، وتعقّب بأنّ النسخ لا يثبت بالإحتمال، وبأنّ هذه القصّة كانت بعد قوله صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ في الصلاة لشغلًا؛ لأنّ ذلك كان قبل الهجرة، وهذه القصّة كانت بعد الهجرة قطعاً بمدّة مديدة.

وذكر عياض عن بعضهم: إنّ ذلك كان من خصائصه صلّي اللَّه عليه وسلّم لكونه كان معصوماً من أن تبول وهو حاملها، ورُدّ: بأنّ الأصل عدم الإختصاص، وبأنّه لا يلزم من ثبوت الاختصاص في أمر ثبوته في غيره بغير دليل، ولا مدخل للقياس في مثل ذلك» «1» .

من فتاوي القوم في الباب … ص: 311

لكنّ العجيب أنّ للقوم فتاوي بجواز تقبيل المرأة في حال الصلاة وعدم فسادها به، وكذا النظر إلي فرجها بشهوةٍ … فقد جاء في (فتح القدير):

«ولو قبّلت المصلّي ولم يشتهها لم تفسد- أي الصلاة- كذا في الخلاصة» «2» .

وفي (السراج الوهّاج):

«عن أبي يوسف: إذا كانت هي تصلّي فقبّلها رجل لا تفسد صلاتها لعدم الفعل منها» .

__________________________________________________

(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 1: 469 باب إذا حمل جاريةً صغيرة …

(2) فتح القدير لابن الهمام 1: 351.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 312

وفي (البحر الرائق):

«وأمّا قولهم- كما في الخانية والخلاصة- لو كانت المرأة هي المصلّية دونه، فقبّلها، فسدت، بشهوةٍ أو بغير شهوة. ولو كان هو المصلّي فقبّلته ولم يشتهها، فصلاته تامّة.

فمشكل.

إذ ليس من المصلّي فعل في الصورتين، فمقتضاه عدم الفساد فيهما.

وإن جعلنا تمكينه من الفعل بمنزلة فعله اقتضي الفساد فيهما، وهو الظاهر، علي اعتبار أنّ العمل الكثير ما لو نظر إليه الناظر لتيقّن أنّه ليس في الصّلاة أو ما استفحشه المصلّي» «1» .

وفي (فتح القدير):

«ولو رأي فرج المطلقة رجعياً بشهوةٍ يصير مراجعاً ولا تفسد في رواية، وهو المختار» «2» .

بل في (البحر الرائق):

«لو جامعها فيما دون الفرج من غير إنزال، بخلاف النظر إلي فرجها بشهوة فإنّه لا يفسد علي المختار كما في الخلاصة» «3» .

وفي (السراج الوهاج):

«وإنْ قبّلت المصلّي امرأته ولم يقبّلها هو فصلاته تامّة، وإنْ قبّلها هو بشهوةٍ أو بغير شهوةٍ، فسدت صلاته. وفي الفتاوي: لا تفسد إلّاإذا قبّلها بشهوة» .

__________________________________________________

(1) البحر الرائق 2: 12- 13.

(2) فتح القدير لابن الهمام 1: 351.

(3) البحر الرائق 2: 12.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 315

2) القياس … ص: 315

أوّل من قاس إبليس … ص: 315

قال الشعراني في كتاب (لواقح الأنوار) بترجمة الإمام أبي عبداللَّه جعفر ابن محمّد الصادق عليه السلام:

«ودخل عليه أبو حنيفة فقال له: يا أبا حنيفة، بلغني أنّك تقيس، لا تفعل، فإنّ أوّل من قاس إبليس» «1» .

وقال الفخر الرازي في (مناقب الشافعي):

«والعجب أنّ أبا حنيفة رحمة اللَّه عليه كان تعويله علي القياس، وخصومه كانوا يذمّونه بسبب كثرة القياسات. ونقل أنّ جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام أورد عليه الدلائل الكثيرة في إبطال القياس، ثمّ إنّه رحمه اللَّه مع أنه أفني عمره في العمل بالقياس، وكان ممتحناً فيما بين الناس بهذا السبب، لم ينقل عنه ولا عن أحدٍ من أصحابه أنّه صنّف في إثبات القياس ورقةً، ولا أنّه ذكر في تقريره شبهة فضلًا

عن حجّة، ولا أنّه أجاب عن دليل لخصومه في إنكار القياس» «2» .

وقال شاه ولي اللَّه الدهلوي في (الإنصاف):

«عن ابن سيرين قال: أوّل من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر

__________________________________________________

(1) لواقح الانوار في طبقات الأخيار- ترجمة الإمام أبي عبداللَّه جعفر الصادق عليه السلام.

(2) مناقب الإمام الشافعي: 158.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 316

إلّا بالمقاييس.

وعن الحسن أنّه تلا هذه الآية: «خلقتني من نارٍ وخلقته من طين» وقال: قاس إبليس وهو أوّل من قاس.

وعن الشعبي قال: واللَّه لئن أخذتم بالمقاييس لتحرمنَّ الحلال ولتحلنّ الحرام» «1» .

وقال السيوطي في (الدر المنثور):

«أخرج أبو نعيم في الحلية والديلمي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: أوّل من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال اللَّه له: اسجد لآدم، فقال: «أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ» قال جعفر: فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه اللَّه تعالي يوم القيامة بإبليس لأنّه تبعه بالقياس» «2» .

وفي (كتاب الوسائل إلي مسامرة الأوائل):

«وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: أوّل من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلّابالمقاييس» «3» .

وروي المتقي في (كنز العمال):

«من قال في الدين برأيه فقد اتّهمني. أبو نعيم عن جابر.

لا تقيسوا الدين فإنّ الدين لا يقاس، وأوّل من قاس إبليس. الديلمي عن علي» «4» .

__________________________________________________

(1) حجة اللَّه البالغة 1: 121.

(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 3: 425 والآية في سورة الأعراف: 12.

(3) الوسائل إلي مسامرة الأوائل: 116.

(4) كنز العمال 1: 208/ 1048- 1049.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 317

وفيه:

«تعمل هذه الامّة برهة بكتاب اللَّه، ثمّ تعمل برهة

بسنّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، ثمّ تعمل بالرأي، فإذا عملوا بالرأي فقد ضلّوا وأضلّوا. عن أبي هريرة» «1» .

من الأخبار والآثار في ذمّ القياس … ص: 317

وأخرج البخاري:

«باب ما يذكر من ذمّ الرأي وتكلّف القياس وقول اللَّه «ولا تَقْفُ ما ليس لك به علمٌ» .

حدّثنا سعيد بن تليد قال: حدّثني ابن وهب قال: حدّثني عبدالرحمان ابن شريح وغيره عن أبي الأسود عن عروة قال: حجّ علينا عبداللَّه بن عمرو فسمعته يقول: سمعت النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: إنّ اللَّه لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعاً، ولكن ينزعه عنهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقي ناس جهّال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلّون ويضلّون.

فحدّثت عائشة زوج النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم أنّ عبداللَّه بن عمرو حجّ بعد فقالت: يا ابن اختي إنطلق إلي عبداللَّه فاستثبت لي منه الذي حدّثتني عنه، فجئته فسألته فحدّثني به كنحو ما حدّثني، فأتيت عائشة فأخبرتها، فعجبت فقالت: واللَّه لقد حفظ عبداللَّه بن عمرو» «2» .

وأخرج ابن ماجة:

__________________________________________________

(1) كنز العمال 1: 180/ 915.

(2) صحيح البخاري 9: 123/ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة …

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 318

«حدّثنا سويد بن سعيد، ثنا ابن أبي الرجال، عن عبدالرحمان بن عمرو الأوزاعي، عن عبده ابن أبي لبابة عن عبداللَّه بن عمرو بن العاص، رضي اللَّه عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلًا حتّي نشأ فيهم المولودون وأبناء سبايا الامم فقالوا بالرأي، فضلّوا وأضلّوا» «1» .

كلام الفخر الرازي في ذمّ القياس … ص: 318

ولقد أطال الفخر الرازي الكلام في ذمّ الرأي والقياس بنقل الروايات وحكم بكون الحنفية من الضالّين والمضلّين، فقال في (مناقب الشافعي):

«الفصل الرابع: في بيان أنّ تلقيب الإنسان بأنّه من أصحاب الرأي ليس من ألقاب الشرف والمدح، ويدلّ عليه القرآن والأخبار والآثار المقبولة:

أمّا القرآن فقوله تعالي: «إنّ الظنّ لا يغني

من الحقّ شيئاً» . وقوله: «ولا تَقْفُ ما ليس لك به عِلْمٌ» . وقوله: «لا تُقدّموا بين يدي اللَّه ورسوله» .

الثاني: قوله تعالي: «لو كنّا نسمع أو نعقل» قدّم السمع علي الرأي في كونه سبباً للخلاص عن السعير.

فإن قالوا: هذا معارض بقوله: «إنّ في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع» فقدّم القلب الذي هو معدن الفهم والرأي علي السمع.

قلنا: المراد هاهنا العقل الذي هو شرط التكليف.

الثالث: قوله تعالي: «يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم» أطيعوا اللَّه إشارة للكتاب، والرسول إشارة للسنّة، واولي __________________________________________________

(1) سنن ابن ماجة 1: 21/ 56. المقدّمة. باب اجتناب الرأي والقياس.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 319

الأمر إشارة للإجماع. ثمّ قال: «فإن تنازعتم في شي ء فردّوه إلي اللَّه والرسول» إشارة إلي القياس.

فاللَّه تعالي أخبر عن جميع الدلائل، وجعل جواز التمسّك به مشروطاً بعدم وجدان سائر الدلائل علي ما بيّنّا ذلك في كتاب التفسير الكبير، وهذا يدلّ علي أنّ أصحاب الحديث أعلي شأناً من أصحاب الرأي.

ويقرب منه قوله صلّي اللَّه عليه وسلّم لمعاذ حين بعثه إلي اليمن: بم تحكم؟ قال: بكتاب اللَّه. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنّة رسول اللَّه. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد برأيي. فقال: الحمد للَّه الذي وفّق رسول رسول اللَّه لما يرتضيه رسول اللَّه.

والإستدلال به عين ما تقدّم.

وأمّا الأخبار والأحاديث الكثيرة فناطقة بذلك:

أحدها: ما روي عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: من قال في ديننا برأيه فاقتلوه.

وثانيها: ما روي أنّ عمر قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ اللَّه لا ينزع العلم انتزاعاً من أهله ولكن ينزعه بقبض العلماء، فإذا

لم يبق عالم اتّخذ النّاس رؤساء جهّالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا.

وجه الإستدلال به أنّ الفتوي بغير علم هي الجواب بالرأي.

وثالثها: ما روي عوف بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: تفترق امّتي علي بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة علي امّتي قوم يفتون النّاس برأيهم.

ورابعها: روي أبو هريرة عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم إنّه قال: يعمل استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 320

هذه الامّة برهة بالرأي، فإذا فعلوا ذلك فقد ضلّوا.

وخامسها: روي جابر عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم إنّه قال: من تكلّم في الدّين برأيه فقد اتّهمني.

وأمّا الآثار فكثير منها ناطق بذلك:

قال عمر بن الخطّاب: إتّهموا الرأي في الدين، فإنّ الرأي المأخوذ عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إنّما كان صواباً، لأنّ اللَّه تعالي كان يريه إيّاه، ودعوا ما تكلّف وظنّ، فإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً.

وعنه: إيّاكم ومجالسة أصحاب الرأي فإنّهم أعداء الدين، قالوا برأيهم فضلّوا وأضلّوا كثيراً.

وقال ابن عبّاس: إيّاكم والرأي، فإنّ اللَّه تعالي ردّ الرأي علي الملائكة إذ قالوا: «أتجعل فيها من يفسد فيها» قال تعالي: «إنّي أعلم ما لا تعلمون» يعني لا اطّلاع لكم علي أسرار أفعالي وأحكامي، فاتركوا الأقيسة.

وقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم: «وأن احكم بينهم بما أنزل اللَّه» ولم يقل بما رأيت.

وسُئل عن نبيّ فقال: لا أدري، فقال الرجل: قل فيها برأيك. فقال: إنّي أخاف أن أقول برأيي فتزلّ قدم بعد ثبوتها.

وقال ابن مسعود: يذهب خياركم ولا تجدون منهم خلفاً، ثمّ يجي ء قوم يفتشون الامور برأيهم فينهدم الإسلام.

وعن عمر بن عبدالعزيز، إنّه كتب إلي النّاس: لا رأي لأحد مع سنّة سنّها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم.

وكان الشعبي

يقول في أصحاب الرأي: ما قالوا برأيهم فبُل عليه، وما

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 321

حدّثوك عمّن كان قبلهم من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فخذ به.

وروي: أنّ أبا سلمة بن عبدالرحمن والحسين البصري التقيا، فقال أبوسلمة: يا حسين! قيل لي أنّك تحدّث النّاس برأيك، إتّق اللَّه واتّق رأيك.

وعن جعفر الصادق ابن محمّد الباقر إنّه قال: من وكّل إلي نفسه أخذ برأيه.

وقد روي: من أخذ برأيه وكّل إلي نفسه.

وعن الحسن البصري: إنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: إنّ المؤمن من أخذ دينه عن اللَّه تعالي، وإنّ المنافق يصيب رأياً فيأخذ دينه عنه.

وقال ابن المبارك: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه قال: ما زال أمر بني إسرائيل مستقيماً حتّي كثرت فيهم أبناء السبايا، فوضعوا فيهم الرأي فأهلكوهم.

وقال اللّيث بن سعد: جئت ابن شهاب يوماً بشي ء من الرأي، فقبض وجهه كالكاره، ثمّ جئته يوماً آخر بأحاديث من السنن فتهلّل وجهه وقال: إذا جئتني ائتني بهذا.

وقال الشعبي: إنّما هلكتم لأنّكم تركتم الآثار وأخذتم بالمقاييس.

وقال ابن سيرين: أوّل من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلّا بالمقاييس.

وقال أيضاً: ما حدّثوك من أصحاب محمّد فاقبله، وما حدّثوك عن رأيهم فألقه في الحش.

وكان الثوري يقول: من قال برأيه فقل رأيي مثل رأيكم، إنّما العلم بالآثار.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 322

وذكر عند عبدالرحمن بن مهدي قوم من أهل البدع، فقال: لا يقبل اللَّه إلّا ما كان مبنيّاً علي الأثر والسنّة، ثمّ قرأ: «ورهبانيّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم» .

واعلم: إنّ أقوال الصحابة والتابعين في ذمّ الرأي كثيرة، ولنكتف بهذا القدر من الروايات، ونحن ننقلها من كتاب الإنتصار لأصحاب الحديث، من تصانيف الشيخ أبي المظفّر السمعاني.

فإن قيل: هذه

الروايات معارضة بروايات اخر عن الصحابة، تدلّ علي أنّهم كانوا قائلين بالرأي:

قال أبوبكر الصدّيق: أقول في الكلالة برأيي.

وقال ابن مسعود في المفوّضة: أقول فيها برأيي.

والجواب: إنّ الصدّيق إنّما قال في الكلالة برأيه ثمّ قال بعده: فإن يك صواباً فمن اللَّه، وإن يك خطأ فمنّي ومن الشيطان، وهذا يدلّ علي أنّه كان كالخائف من الرأي.

ونحن نفرّق بين هذه الروايات فنقول: الروايات التي ذكرناها تدلّ علي أنّه يجب الحذر عن الرأي، والتي ذكرتموها تدلّ علي أنّه يجوز استعمال الرأي عند الضرورة الشديدة، بشرط الحذر والإحتراز عن مخالفة النصوص، وعلي جميع التقديرات، فإنّه يخرج منه أنّ كون الإنسان صاحباً للحديث خير من أن يكون صاحب الرأي.

وأمّا الوجوه العقليّة في بيان تقديم النصّ علي القياس والرأي، فكثيرة:

أحدها: أنّ التمسّك بالنصّ محمود عند جميع الطوائف، وأمّا التمسّك بالقياس فمذموم عند البعض دون البعض، والشي ء الذي يكون محموداً عند

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 323

الكلّ خير من الذي أقصي درجاته أن لا يكون مذموماً.

وثانيها: أنّ الحديث أصل والرأي فرع، والأصل خير من الفرع. وأيضاً الحديث بمنزلة الماء في الطهارات والرأي بمنزلة التراب، فكما كان الماء مقدّماً علي التراب في طهوريّة الظواهر، كان الحديث مقدّماً علي الرأي في طهوريّة البواطن، ومثل من قدّم الرأي علي الحديث كمثل من قدّم التراب علي الماء.

وثالثها: قال بعض العلماء: الماء نوعان: ما نزل من السماء وما نبع من الأرض؛ فالماء النازل من السماء يكون في طعم واحد من اللذّة والطيب، وعلي لون واحد من الصفاء والنقاء، وجوهر واحد في الطهارة والنظافة، فكذا العلم النازل من السماء يكون طاهراً نقيّاً عن شوائب الشبهات وممازجة الكدورات والظلمات، وأمّا الذي نبع من الأرض فإنّه يختلف لونه

وطعمه ورائحته وطبعه بحسب اختلاف المعادن، تارة يكون طيّباً وتارة يكون منتناً، وتارة يكون لطيفاً واخري يكون كثيفاً، وكذا العلم الذي يظهر من القياس والرأي، تارة يكون فاسداً باطلًا وتارة يكون نافعاً، لكن كيف كان، فإنّ النفع فيه قليل» .

وكان غرض الرازي من كلّ ذلك ذم الحنفيّة وتقديم الشافعيّة، لأنّه قد قال من قبل:

«إعلم أنّ أتباع الشافعي ملقّبون عند جمهور الخلف بأنّهم أصحاب الحديث، وأتباع أبي حنيفة ملقّبون عند جمهور الخلف بأنّهم أصحاب الرأي، وذلك يوجب رجحان مذهب الشافعي.

بيان المقام الأوّل من وجوه، الأوّل: إنّ جميع الفرق لو حضروا في استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 324

محفل واحد، ثمّ قام إنسان وذكر أصحاب الحديث بمدح أو بذمّ، فإنّه يتسارع إلي فهم كلّ أحد أنّ المراد بذلك الكلام أصحاب الشافعي، وذلك يدلّ علي اتّفاق الكلّ علي أنّهم هم المختصّون بهذا اللقب، وأمّا أصحاب أبي حنيفة فإنّهم المختصّون بأنّهم أصحاب الرأي، والدليل عليه ما ذكرناه بعينه.

ثمّ نقول: إنّهم معترفون بأنّهم هم المخصوصون بهذا اللّقب بل يفتخرون به.

وبيان أنّ الأمر كذلك كالمعلوم بالضرورة فلا حاجة فيه إلي الإستدلال» .

وذكر الرازي في بيان عدم صدق لقب أصحاب الحديث علي الحنفيّة:

«أمّا أصحاب أبي حنيفة، فهم في غاية البعد عن هذا اللقب، لأنّهم لمّا كان مذهبهم أنّ القياس مقدّم علي الخبر، فكيف يليق بهم هذا اللقب، لقولهم إنّا نقبل المراسيل والمجاهيل، بل نقول هذا الكلام بالعكس أولي، لأنّ صاحب الشي ء هو الذي يكون مشفقاً عليه كثير الإجتهاد في صلاحه، والمشفق علي الأخبار النبويّة هو الراغب في صونها عن الآفات والأخطار، فإنّ الشافعي إنّما لم يقبل المراسيل والمجاهيل لغاية حرصه علي صون الأخبار عن الأكاذيب، وذلك من

أدلّ الدلائل علي أنّه بهذا اللقب الشريف أولي.

والعجب أنّ أباحنيفة قبل روايات المجاهيل وقبل المراسيل ثمّ قال: لا أقبل الحديث الصحيح إذا كان مخالفاً للقياس، ولا أقبل الحديث الصحيح في الواقعة التي يعمّ بها البلوي، ولا أقبل الحديث الصحيح الذي يكون راوي الفرع قاطعاً بصحّته وراوي الأصل غير حافظ للرواية عنه.

فليت شعري- إذن- أكان هذا الخبر أولي أم خبر مجهول لا يعرف حاله ولا صفته» .

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 325

كلام ابن الجوزي في ذمّ القياس … ص: 325

هذا، وقد ذكر ابن الجوزي تلبيس إبليس علي الفقهاء بالأخذ بالقياس وغيره، حيث قال في كلامٍ طويل:

«ذكر تلبيسه علي الفقهاء: كان الفقهاء في قديم الزمان هم أهل القرآن والحديث، فما زال الأمر يتناقص حتّي قال المتأخّرون: يكفينا أن نعرف آيات الأحكام من القرآن، وأن نعتمد علي الكتب المشهورة في الحديث كسنن أبي داود ونحوها، ثمّ أهونوا بهذا الأمر أيضاً وصار أحدهم يحتجّ بآية لا يعرف معناها وبحديث لا يدري أصحيح هو أم لا، وربّما اعتمد علي قياس يعارضه حديث صحيح ولا يعلم، وإنّما الفقه استخراج من الكتاب والسنّة فكيف يستخرج من شي ء لا يعرف، ومن القبيح تعليق حكم علي حديث لا يدري أصحيح هو أم لا؟

ولقد كانت معرفة هذا تصعب، ويحتاج الإنسان إلي السفر الطويل والتعب الكثير حتّي يعرف، فيصنّف الكتب ويقرّر السّنن ويعرف الصحيح من السقيم، ولكن غلب المتأخرين الكسل بمرّة عن أن يطالعوا علم الحديث، حتّي إنّني رأيت بعض الأكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه عن ألفاظ الصحاح:

لا يجوز أن يكون رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال هذا، ورأيته يحتجّ في مسألة فيقول: دليلنا: ما روي بعضهم أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال كذا،

ويجعل الجواب عن حديث صحيح قد احتجّ به خصمه أن يقول: هذا الحديث لا يعرف.

وهذا كلّه خيانة علي الإسلام.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 326

ومن تلبيس إبليس علي الفقهاء: أنّ جلّ اعتمادهم علي تحصيل علم الجدل يطلبون بزعمهم تصحيح الدليل علي الحكم والاستنباط لدقائق الشرع وعلل المذاهب، ولو صحّت هذه الدعوي منهم لتشاغلوا بجميع المسائل، وإنّما يتشاغلون بالمسائل الكبار ليتّسع فيها الكلام، فيقدم المناظر بذلك عند الناس في خصام النظر فيهم أحدهم بترتيب المجادلة والتفتيش عن المناقضات طلباً للمفاخرة والمباهلة، وربّما لم يعرف الحكم في مسألة صغيرة يعمّ بها البلوي.

ومن تلبيسه عليهم: إدخالهم في الجدل كلام الفلاسفة، واعتمادهم علي تلك الأوضاع.

ومن ذلك: إيثارهم للقياس علي الحديث المستدلّ به في المسألة، ليتّسع لهم المجال في النظر، وإن استدلّ أحدهم بالحديث هجن، ومن الأدب تقديم الاستدلال بالحديث.

ومن ذلك: أنّهم جعلوه جلّ اشتغالهم ولم يمزجوه بما يرقّق القلوب من قراءة القرآن وسماع الحديث وسيرة الرسول صلّي اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، ومعلوم أنّ القلوب لا تخشع بتكرار إزالة النجاسة والماء المتغيّر، وهي محتاجة إلي التذكار والمواعظ لتنهض لطلب الآخرة، ومسائل الخلاف وإن كانت في علوم الشرع إلّاأنّها لا تنهض بكلّ المطلوب، ومن لم يطلع علي أسرار سير السلف وحال الذي تمذهب له، لم يمكنه سلوك طريقهم.

وينبغي أن يعلم أنّ الطبع لصّ، فإذا ترك مع أهل هذا الزمان سرق من طباعهم فصار مثلهم، وإذا نظر في سير القدماء فزاحمهم وتأدّب بأخلاقهم.

وقد كان بعض السلف يقول: حديث يرقّ له قلبي أحبّ إليّ من مائة قضيّة من استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 327

قضايا شريح، وإنّما قال هذا، لأنّ رقّة القلب مقصودة ولها أسباب.

ومن ذلك: أنّهم اقتصروا علي علم المناظرة،

وأعرضوا عن حفظ المذهب وباقي علوم الشرع، فتري الفقيه المفتي يسئل عن آية أو حديث لا يدري، وهذا عين التقصير، فأين الفقه من التقصير.

ومن ذلك: أنّ المجادلة إنّما وضعت لتبيين الصواب، وقد كان مقصود السلف المناصحة بإظهار الحق، وقد كانوا ينتقلون من دليل إلي دليل، وإذا خفي علي أحدهم شي ء نبّهه الآخر، لأنّ المقصود كان إظهار الحقّ، فصار هؤلاء إذا قاس الفقيه علي أصل لفقيه بعلّة يظنّها فقيل له: ما الدليل علي أنّ الحكم في الأصل معلّل بهذه العلّة؟ فقال: هذا الذي يظهر لي، فإن ظهر لكم ما هو أولي من ذلك فاذكروه. قال المعترض: لا يلزمني ذلك، ولقد صدق في أنّه لا يلزمه، ولكن فيما ابتدع من الجدل، بل في باب النصح وإظهار الحقّ يلزمه.

ومن ذلك: أنّ أحدهم يتبيّن له الصواب مع خصمه ولا يرجع، ويضيق صدره كيف ظهر الحقّ مع خصمه، وربّما اجتهد في ردّه مع علمه أنّه الحقّ، وهذا من أقبح القبيح؛ لأنّ المناظرة إنّما وضعت لبيان الحقّ، وقد قال الشافعي: ما ناظرت أحداً فباليت مع من كانت الحجّة؛ إن كانت معه صرت إليه.

ومن ذلك: إنّ طلبهم الرياسة بالمناظرة يثير الكامن في النفس من حبّ الرياسة، فإذا رأي أحدهم في كلامه ضعفاً يوجب قهر خصمه له خرج إلي المكابرة، وإن رأي خصمه قد استطال عليه بلفظة ظهرت حميّة الكبر، فقابل ذلك بالسبّ، فصارت المجادلة مجالدة.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 328

ومن ذلك: ترخّصهم في الغيبة بحجّة الحكاية عن المناظر، فيقول أحدهم: تكلّمت مع فلان فما قال شيئاً، ويتكلّم بما يوجب التشفّي من غرض خصمه بتلك الحجّة.

ومن ذلك: أنّ إبليس لبّس عليهم بأنّ الفقه هو وحده علم الشرع ليس ثَمّ غيره، فإن

ذُكِر لهم محدّث قالوا: ذاك لا يفهم شيئاً، وينسون أنّ الحديث هو الأصل، فإن ذكر لهم كلام يَلين به القلب قالوا: ذا كلام الوعّاظ.

ومن ذلك: إقدامهم علي الفتوي وما بلغوا مرتبتها، وربّما أفتوا بالمخالف للمنصوص، ولو توقّفوا في المشكلات كان أولي، وفي الحديث مرفوعاً إلي عبدالرحمان بن أبي ليلي قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وما منهم من يحدّث حديثاً إلّاودّ أنّ أخاه كفاه الحديث، ولا يُسئَل عن فتيا إلّاودَّ أنّ أخاه كفاه الفتيا.

وقد روينا عن إبراهيم النخعي: أنّ رجلًا سأله عن مسألة، فقال: ما وجدت من تسأله غيري؟

وعن مالك بن أنس إنّه قال: ما أفتيت حتّي سألت سبعين شيخاً هل يرون لي أن أُفتي؟ فقالوا: نعم. فقيل له: لو نهوك؟ قال: لو نهوني انتهيت.

وقال رجل لأحمد بن حنبل: إنّي حلفت ولا أدري كيف حلفت؟ فقال:

ليتك إذا دريت كيف حلفت دريت كيف أفتيك.

وإنّما كانت هذه سجيّة السلف، لخشيتهم اللَّه عزّ وجلّ وخوفهم منه، ومن نظر في سيرتهم تأدّب.

ومن تلبيس إبليس علي الفقهاء: مخالطتهم للُامراء والسلاطين ومداهنتم وترك الإنكار عليهم مع القدرة علي ذلك، وربّما رخّصوا لهم ما لا رخصة فيه استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 329

لينالوا من دنياهم، فيقع بذلك الفساد لثلاثة:

الأوّل: الأمير، فيقول: لولا أنّي علي صواب لأنكر علَيّ الفقيه، وكيف لا أكون مصيباً وهو يأكل من مالي.

والثاني: العامي، فإنّه يقول: لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله، فإنّ فلاناً الفقيه لا يزال عنده.

والثالث: الفقيه، يفسد دينه بذلك.

وقد لبّس إبليس عليهم في الدخول علي السلطان فيقول: إنّما تدخل لتشفع في مسلم، وينكشف هذا التلبيس بأنّه لو دخل غيره يشفع لما أعجبه ذلك، ولربّما

قدح في ذلك الشخص لينفرد بالسلطان، ويلبّس عليه إبليس في أخذ أموالهم فيقول: لك فيه حقّ، ومعلوم إنّها إن كانت حراماً لم يحل له منها شي ء، وإن كانت من شبهة فتركها أولي، وإن كانت من مباحٍ جاز له الأخذ بمقدار مكانه من الدين، لا علي وجه انفاقه في مقام الرعونة، وربّما اقتدي العوام بظاهر فعله واستباحوا ما لا يستباح.

وقد تلبّس إبليس علي قوم من العلماء، فيقطعون عن السلطان إقبالًا علي التعبّد والدين، فزيّن لهم غيبة من يدخل علي السلطان من العلماء، فيجتمع اثنان: غيبة الناس ومدح النفس.

وفي الجملة، الدخول علي السلطان خطر عظيم، لأنّ النيّة قد تحسن في أوّل الدخول، ثمّ تتغيّر بإكرامهم وإنعامهم أو بالطمع فيهم، ولا يتماسك عن مداهنتم وترك الإنكار عليهم، وقد كان سفيان الثوري يقول: ما أخاف من إهانتهم لي، إنّما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم.

وقد كان علماء السلف يبعدون عن الامراء، لما يظهر من جورهم،

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 330

فيطلبهم الامراء لحاجتهم إليهم في الفتاوي والولايات، فنشأ أقوام قويت رغبتهم في الدنيا فتعلّموا العلوم التي تصلح للُامراء وحملوها إليهم لينالوا من دنياهم، ويدلّك علي أنّهم قصدوا بالعلوم الامراء: أنّ الامراء كانوا قديماً يميلون إلي سماع الحجج في الاصول، فأظهر النّاس علم الكلام، ثمّ مال بعض الامراء إلي المناظرة في الفقه، فمال الناس إلي الجدل، ثمّ مال بعض الامراء إلي المواعظ، فمال خلق كثير من المتعلّمين إليها، ولمّا كان جمهور العوام يميلون إلي القصص كثر القصّاص وقلّ الفقهاء.

ومن تلبيس إبليس علي الفقهاء: أنّ أحدهم يأكل من وقف المدرسة المبنيّة علي المتشاغلين بالعلم، فيمكث فيها سنين فلا يتشاغل ويقنع بما قد عرف أو ينتهي في العلم، فلا يبقي له

في الوقف حظّ، لأنّه إنّما جعل لمن يتعلّم، إلّاأن يكون ذلك الشخص معيداً أو مدرّساً فإنّ شغله دائم.

ومن ذلك ما يحكي عن بعض عوام المتفقهة من الإنبساط في المنهيّات؛ فبعضهم يلبس الحرير ويتختّم بالذهب ويحال علي المكس فيأخذ، إلي غير ذلك من المعاصي، وسبب انبساط هؤلاء يختلف: فمنهم من يكون فاسد العقيدة في أصل الدين، فهو يتفقه فيشهر نفسه أو ليأخذ من الوقف أو ليرؤس أو ليناظر، ومنهم من عقيدته صحيحة لكن يغلبه الهوي وحبّ الشهوات وليس عنده صارف عن ذلك، لأنّ نفس الجدل والمناظرة تتحرّك إلي الكبر والعجب، وإنّما يتقوّم الإنسان بالرياضة ومطالعة سير السلف، وأكثر القوم في بعد عن هذا، وليس عندهم إلّاما يعين الطبع علي سموحه، فحينئذ يسرح الهوي بلا رادّ.

ومنهم من يلبس عليه إبليس: بأنّك عالم وفقيه ومفت، والعلم يدفع عن استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 331

أربابه وهيهات، فإنّ العلم أولي أن يحاجّه ويضاعف عذابه كما ذكرنا في حقّ القرّاء، وقد قال البصري: إنّما الفقيه من يخشي اللَّه عزّ وجلّ.

قال ابن عقيل: رأيت فقيهاً خراسانيّاً عليه حرير وخواتيم ذهب، فقلت له:

ما هذا؟ فقال: خلع السلطان وكمد الأعداء. فقلت: بل هو شماتة الأعداء بك إن كنت مسلماً؛ لأنّ إبليس عدوّك، فإذا بلغ منك مبلغاً ألبسك ما يسخط الشرع فقد أشمته بنفسك، وهل خلع السلطان إلّاسائقة لنهي الرحمان يا مسكين! خلع عليك السلطان فانخلعت به من الإيمان، وقد كان ينبغي أن يخلع عنك السلطان لباس الفسق ويلبسك لباس التقوي، رماكم اللَّه بخزيه حيث هوّنتم أمره، ليتك قلت: هذه رعونات الطبع والهوي، والآن تمّت محنتك، لأنّ عذرك دليل علي فساد باطنك.

ومن تلبيسه عليهم: أن يُحسّن لهم ازدراء الوعّاظ ويمنعهم من الحضور

عندهم، فيقولون: من هؤلاء؟ هؤلاء قصّاص، ومراد الشيطان أن لا يحضروا في موضع يلين فيه القلب ويخشع، والقصّاص لا يذمّون من حيث هذا الاسم؛ لأنّ اللَّه تعالي قال: «نحن نقصّ عليك أحسن القصص» وقال: «فاقصص القصص» وإنّما ذمّ القصاص لأنّ الغالب منهم الاقتناع منهم بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد، ثمّ غالبهم يخلط فيما يورده، وربّما اعتمد علي ما أكثره محال، فأمّا إذا كان القصص صدقاً ويوجب وعظاً فهو ممدوح، وقد كان أحمد بن حنبل يقول: ما أحوج الناس إلي قاصّ صدوق» «1» .

فهذه حالات علماء القوم وفقهائهم، العاملين بالرأي والقياس وغيرهم.

__________________________________________________

(1) تلبيس ابليس: 137- 142.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 332

كلام ابن عربي في ذمّ القياس … ص: 332

وتكلّم غوثهم الأعظم ابن عربي في الأخذ بالرأي والعمل بالقياس، حيث قال في (الفتوحات):

«قال اللَّه تعالي لنبيّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: «لتحكم بين النّاس بما أراك اللَّه» ولم يقل: بما رأيت، بل عتبه سبحانه وتعالي لما حرّم علي نفسه باليمين في قضيّة عائشة وحفصة، فقال تعالي: «يا أيّها النبيّ لم تحرّم ما أحلّ اللَّه لك تبتغي مرضات أزواجك» فكان هذا ممّا أرته نفسه، فهذا يدلّك أنّ قوله تعالي:

«بما أراك اللَّه» إنّه ما يوحي به إليه لا ما يراه في رأيه، فلو كان الدين بالرأي لكان رأي النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم أولي من رأي كلّ ذي رأي، فإذا كان هذا حال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم فيما أرته نفسه، فكيف رأي من ليس بمعصوم ومن الخطأ أقرب إليه من الإصابة؟ فدل أن الاجتهاد الذي ذكره رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إنّما هو في طلب الدليل علي تعيين الحكم في المسألة الواقعة لا في تشريع حكم في النازلة،

فإنّ ذلك شرع لم يأذن به اللَّه.

ولقد أخبرني القاضي عبدالوهّاب الأزدي الإسكندري بمكّة سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال: رأيت رجلًا من الصالحين بعد موته في المنام فسألته: ما رأيت؟ فذكر أشياء منها قال: ولقد أريت كتباً موضوعة وكتباً مرفوعة، فسألت: ما هذه الكتب المرفوعة؟ فقيل لي: هذه كتب الحديث.

فقلت: وما هذه الكتب الموضوعة؟ فقيل لي: هذه كتب الرأي، حتّي يُسئَل عنها أصحابها، فرأيت الأمر فيه شدّة.

إعلم- وفّقك اللَّه- إنّ الشريعة هي المحجّة البيضاء، محجّة السعداء،

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 333

وطريق السعادة، من مشي عليها نجا ومن تركها هلك، فإنّ رسول اللَّه صلوات اللَّه عليه وسلّم لمّا نزل عليه قوله تعالي: «وأنّ هذا صراطي مستقيماً» خطّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في الأرض خطّاً وخطّ خطوطاً عن جانبي الخطّ يميناً وشمالًا ثم وضع اصبعه علي الخط وقال تالياً: «وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السُّبُل» وأشار إلي تلك الخطوط التي خطّها عن يمين الخط ويساره «فتفرّق بكم عن سبيله» وأشار إلي الخط المستقيم.

ولقد أخبرني بمدينة سلا- مدينة بالمغرب علي شاطئ البحر المحيط يقال لها منقطع التراب وليس وراءها أرض- رجل من الصالحين الأكابر من عامّة النّاس قال: رأيت في النوم محجّة بيضاء مستوية عليها نور سهلة، ورأيت عن يمين تلك المحجّة وشمالها خنادق وشعاباً وأودية كلّها شوك، لا تنسلك لضيقها وتوعّر مسالكها وكثرة شوكها والظلمة التي فيها، ورأيت جميع الناس يخبطون فيها عشوا ويتركون المحجّة البيضاء السهلة، وعلي المحجّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ونفر قليل معه يسير وهو ينظر إلي من خلفه، وإذا في الجماعة- متأخّر عنها لكنّه عليها- الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن قرقور المحدّث- كان سيّداً فاضلًا في الحديث،

اجتمعت بابنه- فكان يفهم عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم إنّه يقول له: ناد في النّاس بالرجوع الي الطريق، فكان ابن قرقور يرفع صوته ويقول في ندائه ولا من داع ولا من مستدع: هلمّوا إلي الطريق هلمّوا. قال: فلا يجيبه أحد ولا يرجع إلي الطريق أحد.

واعلم: إنّه لمّا غلبت الأهواء علي النفوس وطلبت العلماء المراتب عند الملوك، تركوا المحجّة البيضاء، وجنحوا إلي التأويلات البعيدة ليمشّوا أغراض الملوك فيما لهم فيه هوي نفس، ليستندوا في ذلك إلي أمر شرعي، مع كون استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 334

الفقيه ربّما لا يعتقد ذلك ويفتي به، وقد رأينا منهم جماعة علي هذا من قضاتهم وفقهائهم.

ولقد أخبرني الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وقد وقع بيني وبينه في مثل هذا كلام، فنادي بمملوك وقال: جئني بالحرمدان. فقلت له: ما شأن الحرمدان؟ قال: أنت تنكر علي ما يجري في بلدي ومملكتي من المنكرات والظلم، وأنا- واللَّه- أعتقد مثل ما تعتقد أنت فيه من أنّ ذلك كلّه منكر، ولكن واللَّه- يا سيّدي- ما منه منكر إلّا بفتوي فقيه، وخطّ يده عندي بجواز ذلك، فعليهم لعنة اللَّه، ولقد أفتاني فقيه هو فلان- وعَيَّن لي أفضل فقيه عنده في بلده في الدين والتقشّف- بأنّه لا يجب علَيّ صوم شهر رمضان هذا بعينه، بل الواجب علَيّ شهر في السنة، والإختيار لي فيه أيّ شهر شئت من شهور السنة. قال السلطان: فلعنته في باطني ولم أظهر له ذلك وهو فلان، وسمّاه لي، رحم اللَّه جميعهم.

فلتعلم: أنّ الشيطان قد مكّنه اللَّه من حضرة الخيال وجعل له سلطاناً فيها، فإذا رأي الفقيه يميل إلي هوي يعرف أنّه يردي عند اللَّه زيّن

له سوء عمله بتأويل غريب يمهّد له فيه وجهاً يحسّنه في نظره ويقول له: إنّ الصدر الأوّل قد دانوا اللَّه بالرأي، وقاس العلماء في الأحكام واستنبطوا العلل للأشياء وطردوها، وحكموا في المسكوت عنه بما حكموها به في المنصوص عليه للعلّة الجامعة بينهما، والعلّة من استنباطه، فإذا مهّد له هذا السبيل جنح إلي نيل هواه وشهوته بوجه شرعيّ في زعمه، فلا يزال هكذا فعله في كلّ ما له أو لسلطانه فيه هوي نفس، ويردّ الأحاديث النبويّة ويقول: لو أنّ هذا الحديث يكون صحيحاً وإن كان صحيحاً يقول: لو لم يكن له خبر آخر يعارضه وهو

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 335

ناسخ له لقال به الشافعي، إن كان هذا الفقيه شافعياً، أو لقال به أبو حنيفة إن كان هذا الرجل حنفيّاً، وهكذا قول أتباع هؤلاء الأئمة كلّهم، ويرون أنّ الحديث والأخذ به مضلّة، وأنّ الواجب تقليد هؤلاء الأئمة وأمثالهم فيما حكموا وإن عارضت أقوالهم الأخبار النبويّة، فالأولي الرجوع إلي أقاويلهم وترك الأخذ بالأخبار والكتاب والسنة.

فإذا قلت لهم: قد روينا عن الشافعي- رضي اللَّه عنه- أنّه قال: إذا أتاكم الحديث يعارض قولي فاضربوا بقولي الحائط وخذوا بالحديث فإنّ مذهبي الحديث، وقد روينا عن أبي حنيفة إنّه قال لأصحابه: حرام علي كلّ من أفتي بكلامي ما لم يعرف دليلي، وما روينا شيئاً من هذا عن أبي حنيفة إلّامن طريق الحنفيّين، ولا عن الشافعي إلّامن طريق الشافعيّة، وكذلك المالكيّة والحنابلة، فإذا جادلتهم في مجال الكلام هربوا وسكتوا.

وقد جري لنا هذا معهم هذا مراراً بالمغرب وبالمشرق، فما منهم أحد علي مذهب من يزعم أنّه علي مذهبه.

فقد انتسخت الشريعة بالأهواء وإن كانت الأخبار موجودة مسطرة في الكتب الصحاح، وكتب التواريخ بالتجريح والتعديل

موجودة، والأسانيد محفوظة مصونة من التغيير والتبديل، ولكن إذا ترك العمل بها واشتغل الناس بالرأي ودانوا أنفسهم بفتاوي المتقدمين مع معارضة الأخبار الصحاح لها، فلا فرق بين عدمها ووجودها إذا لم يبق لها حكم عندهم، وأيّ نسخ أعظم من هذا. وإذا قلت لأحدهم في ذلك شيئاً يقول لك: هذا هو المذهب، وهو- واللَّه- كاذب، فإنّ صاحب المذهب قال له إذا عارض الخبر كلامي فخذ بالحديث واترك كلامي في الحش، فإنّ مذهبي الحديث، فلو أنصف لكان علي مذهب استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 336

الشافعي من ترك كلام الشافعي للحديث المعارض، فاللَّه يأخذ بيد الجميع» «1» .

كلام وليّ اللَّه الدهلوي في ذمّ القياس … ص: 336

وقال شاه ولي اللَّه الدهلوي في (الإنصاف):

«ولا ينبغي أن يردّ حديثاً أو أثراً تطابق عليه كلام القوم، لقاعدة استخرجها هو أو أصحابه، كردّ حديث المصراة وكإسقاط سهم ذوي القربي، فإن رعاية الحديث أوجب من رعاية تلك القاعدة المخرجة، وإلي هذا المعني أشار الشافعي حيث قال:

مهما قلت من قول أو أصّلت من أصل فبلغكم عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم خلاف ما قلت، فالقول ما قاله صلّي اللَّه عليه وسلّم.

ومن شواهد ما نحن فيه ما صدّر به الإمام أبو سليمان الخطابي كتابه معالم السنن» ، حيث قال: رأيت أهل العلم في زماننا قد حصلوا حزبين وانقسموا إلي فرقتين: أصحاب حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، وكلّ واحدة منهما لا تتميّز عن اختها في الحاجة ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة؛ لأنّ الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع، وكلّ بناء لم يوضع علي قاعدة وأساس فهو منهار، وكلّ أساس خلا عن بناء وعمارة فهو قفر وخراب.

ووجدت

هذين الفريقين- علي ما بينهم من التداني في المحلّين والتقارب في المنزلتين، وعموم الحاجة من بعضهم إلي بعض، وشمول الفاقة اللّازمة لكلّ منهم إلي صاحبه- إخواناً متهاجرين، وعلي سبيل الحقّ بلزوم __________________________________________________

(1) الفتوحات المكية: 5: 100- 102.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 337

التناصر والتعاون غير متظاهرين.

فأمّا هذه الطبقة الذين هم أهل الحديث والأثر، فإنّ الأكثرين إنّما وكدهم الروايات وجمع الطرق وطلب الغريب والشاذّ من الحديث الذي أكثره موضوع أو مقلوب؛ لا يراعون المتون ولا يتفهّمون المعاني ولا يستنبطون سرّها ولا يستخرجون ركازها وفقهها، وربّما عابوا الفقهاء وتناولوهم بالطعن وادّعوا عليهم مخالفة السنن، ولا يعلمون أنّهم عن مبلغ ما اوتوه من العلم قاصرون وبسوء القول فيهم آثمون.

وأمّا الطبقة الاخري وهم أهل الفقه والنظر، فإنّ أكثرهم لا يعرّجون من الحديث إلّاعلي أقلّه، ولا يكادون يميّزون صحيحه من سقيمه، ولا يعرفون جيّده من رديّه، ولا يعبئون بما بلغهم منه أن يحتجّوا به علي خصومهم، إذا وافق مذاهبهم التي ينتحلونها ووافق آرائهم التي يعتقدونها، وقد اصطلحوا علي مواضعة بينهم في قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع إذا كان ذلك قد اشتهر عندهم وتعاورته الألسن فيما بينهم، من غير ثبت فيه أو يقين علم به، فكان ذلك ضلة من الرأي و غبنا فيه.

وهؤلاء- وفّقنا اللَّه وإيّاهم- لو حكي لهم عن واحد من رؤساء مذاهبهم وزعماء نحلهم قول يقوله باجتهاده من قبل نفسه، طلبوا فيه الثقة واستبرؤا له العهدة.

فتجد أصحاب مالك لا يعتمدون من مذهبه إلّاما كان من رواية ابن القاسم وأشهب وضربائهما من تلاد أي قدماء أصحابه، فإذا جاءت رواية عبداللَّه بن عبدالحكم وأضرابه لم يكن عندهم طائلًا.

وتري أصحاب أبي حنيفة رحمه اللَّه تعالي لا يقبلون من الرواية عنه إلّا

استخراج

المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 338

ما حكاه أبو يوسف ومحمّد بن الحسن والعليّة من أصحابه والأجلّة من تلامذته، فإن جاءهم عن الحسن بن زياد اللؤلؤي وذويه رواية قول بخلافه، لم يقبلوه ولم يعتمدوه.

وكذلك نجد أصحاب الشافعي، إنّما يعوّلون في مذهبه علي رواية المزني والربيع بن سليمان المرادي، فإذا جاءت رواية حرملة والجيزي وأمثالهما، لم يلتفتوا إليها ولم يعتدوا بها في أقاويله.

وعلي هذا عادةكلّ فرقة من العلماء في أحكام مذاهب أئمّتهم واستاذتهم.

فإذا كان هذا دأبهم وكانوا لا يقنعون في أمر هذه الفروع ورواياتها عن هؤلاء الشيوخ إلّابالوثيقة والتثبّت، فكيف يجوز لهم أن يتساهلوا في الأمر الأهم والخطب الأعظم، وأن يتواكلوا في الرواية والنقل عن إمام الأئمّة ورسول ربّ العزّة الواجب حكمه، اللّازمة طاعته، الذي يجب علينا التسليم لحكمه والإنقياد لأمره، من حيث لا نجد في أنفسنا حرجاً ممّا قضاه ولا في صدورنا غلّاً من شي ء أبرمه وأمضاه؟!

أرأيتم إذا كان الرجل يتساهل في أمر نفسه ويسامح غرمائه في حقّه، فيأخذ منهم الزيف ويغضي لهم عن العيب، هل يجوز له أن يفعل ذلك في حقّ غيره إذا كان نائباً عنه، كوليّ الضعيف ووصيّ اليتيم ووكيل الغائب؟

وهل يكون ذلك منه إذا فعله إلّاخيانة للعهد وإخفاراً للذمّة؟

فهذا هو ذاك إمّا عيان حس وإمّا عيان مثل.

ولكن أقواماً عساهم استوعروا طريق الحقّ واستطالوا المدّة في درك الخطّ وأحبّوا عجالة النيل، فاختصروا طريق العلم واقتصروا علي نتف استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 339

وحروف منتزعة من معاني اصول الفقه سمّوها عللًا، وجعلوها شعاراً لأنفسهم في الترسّم برسم العلم، واتخذوها جنّة عند لقاء خصومهم، ونصبوها دريئة للخوض والجدال يتناظرون بها ويتلاطمون عليها وعند التصادر عنها قد حكم للغالب بالحذق والتبريز، فهو الفقيه

المذكور في عصره والرئيس المعظّم في بلده ومصره.

هذا، وقد دسّ لهم الشيطان حيلة لطيفة وبلغ منهم مكيدة بليغة فقال لهم: هذا الذي في أيديكم علم قصير وبضاعة مزجاة لا تفي بمبلغ الحاجة والكفاية، فاستعينوا عليه بالكلام وصِلُوه بمقطّعات منه واستظهروا باصول المتكلّمين، يتّسع لكم مذهب الخوض ومجال النظر، فصدّق عليهم إبليس ظنّه وأطاعه كثير منهم واتّبعوه إلّافريقاً من المؤمنين، فياللرجال والعقول، أين يُذهب وأنّي يخدعهم الشيطان عن حظّهم وموضع رشدهم، واللَّه المستعان.

إنتهي كلام الخطابي» «1» .

وقال شاه ولي اللَّه الدهلوي في رسالته (عقد الجيد في الاجتهاد والتقليد) أيضاً:

«فما ذهب إليه ابن حزم حيث قال: التقليد حرام ولا يحلّ لأحد أن يأخذ قول أحد غير رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بلا برهان- ونقل كلاماً طويلًا عنه ثمّ قال-: إنّما يتمّ فيمن له ضرب من الإجتهاد ولو في مسألة واحدة، وفيمن ظهر عليه ظهوراً بيّناً أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم أمر بكذا ونهي عن هذا وأنّه ليس بمنسوخ، إمّا بأن يتتبّع الأحاديث وأقوال المخالف والموافق في المسألة فلا يجد لها نسخاً، أو بأن يري جمّاً غفيراً من المتبحّرين __________________________________________________

(1) الانصاف في بيان أسباب الاختلاف: 63- 67.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 340

في العلم يذهبون إليه، ويري المخالف له لا يحتجّ إلّابقياس أو استنباط أو نحو ذلك، فحينئذٍ لا سبب لمخالفة حديث النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم إلّا نفاق خفي أو حمق جلي.

وهذا هو الذي أشار إليه الشيخ عزّالدين بن عبدالسلام حيث قال: ومن عجب العجيب: أنّ الفقهاء المقلّدين يقف أحدهم علي ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعاً، وهو مع ذلك يقلّده فيه ويترك من شهد الكتاب والسنّة والأقيسة الصحيحة لمذهبهم،

جموداً علي تقليد إمامه، بل يتحيّل لدفع ظاهر الكتاب والسنّة ويتأوّلهما بالتأويلات البعيدة الباطلة» .

وذكر شاه ولي اللَّه في (الإنصاف) أيضاً ما نصّه:

«وممّن نظم البلقيني في سلك المجتهدين المطلقين المنتسبين، تلميذه الولي أبو زرعة، فقال: قلت مرّة لشيخنا الإمام البلقيني: ما تقصير بالشيخ تقي الدين السبكي عن الإجتهاد وقد استكمل إليه؟ وكيف يقلّد؟ قال: ولم أذكره هو- أي شيخه البلقيني- استحياء منه، لما أردت أن ارتّب علي ذلك. فسكت.

فقلت: فما عندي أنّ الإمتناع من ذلك إلّاللوظائف التي قدرت للفقهاء علي المذاهب الأربعة، وإنّ من خرج عن ذلك واجتهد لم ينله شي ء من ذلك، وحرم ولاية القضاء وامتنع الناس من استفتائه ونسب إليه البدعة.

فتبسّم ووافقني علي ذلك، إنتهي.

قلت: أمّا أنا فلا أعتقد أنّ المانع لهم من الإجتهاد ما أشار إليه، حاشا منصبهم العليّ علي ذلك، وأن يتركوا الإجتهاد مع قدرتهم عليه لغرض القضاء والأسباب، هذا ما لا يجوز لأحدٍ أن يعتقده فيهم، وقد تقدّم أنّ الراجح عند الجمهور وجوب الإجتهاد في مثل ذلك.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 341

كيف ساغ للولي نسبتهم إلي ذلك ونسبة البلقيني إلي موافقته علي ذلك» «1» .

كلام ابن دحية في ذمّ القياس … ص: 341

وقال ذوالنسبين ابن دحية في كتاب (شرح أسماء النبي):

«وقد كره الآن جماعة من أهل الرأي والمتصرّفة حبس الشعر وقالوا:

لأنّه علامة للجند، وكذلك كره جماعة منهم التختّم في اليمين لمّا تختّمت الروافض في اليمين.

وهذا ليس بشي ء، لأنّه ردّ للسنّة الثابتة عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقد جاء الوجهان عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وهما تختّم في اليمين وفي الشمال، فقولهم فيه أنّهم تنزّهوا عنه بسبب الروافض، وفي الشعر لئلّا يتشبّه بالجند، فهذا تغيير للسنّة الثابتة

عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بدون دليل يرجع إليه، وهو باطل بالإجماع، ولا يدّعون قياساً، إذ لا أصل لهم في ذلك يختصّ بما نحن فيه، ولو كان لبطل أيضاً، فإنّ القياس في مقابل السنّة الثابتة باطل، وإنّما يرجع إليه عند عدمها، هل هذا إلّامحض العناد والتقليد المخالف للسنّة الثابتة والقرآن المجيد؟!

قال مالك: لا يحلّف القاضي المدّعي عليه إلّاأن يثبت المدّعي مخالطة بينه وبين المدّعي عليه.

وقال ابن أبي رقد: ولا يمين حتّي تثبت الخلطة وبذلك قضي حكّام المدينة.

__________________________________________________

(1) الانصاف في بيان سبب الاختلاف: 73- 74.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 342

فاعجبوا- رحمكم اللَّه- لهذا الكلام المخالف لسيّد الأنام، ثبت باتفاق في الصحيحين من حديث علقمة بن وائل عن أبيه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلي النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقال الحضرمي: يا رسول اللَّه! إنّ هذا قد غلبني علي أرض لي كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم للحضرمي: ألك بيّنة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه. قال: يا رسول اللَّه! إنّ الرجل فاجر لا يبالي علي ما حلف عليه وليس يتورّع من شي ء. فقال: ليس لك منه إلّا ذلك، الحديث بطوله.

وفي حديث منصور عن أبي وائل، عن عبداللَّه بن مسعود، عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إنّه قال: شاهداك أو يمينه.

مقتضي هذا الحديث الصحيح يدلّ دلالة ظاهرة أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم سمع هذه الدعوي ولم يشترط علي المدّعي فيها شرطاً، ولو أنّ مدّعياً في هذا العصر حضر إلي قاضٍ من مقلّدي المذاهب، وأمره علي أن لا يدّعي إلّاهكذا، لأخرج من بين يديه وقيل له حرّر

دعواك: أين موضع هذه الأرض؟ وكم مساحتها طولًا وعرضاً؟ مع ما يشترطون من الشرائط، أتري الشارع صلّي اللَّه عليه وسلّم تسامح في الأحكام أم وكّل الخلق بعده إلي من ينقّح شرعه من الأنام؟

وهذه واحدة ينبغي لذوي العقول أن يعلموا منها أنّ كلّ أحد يؤثر أن يسمع ما يقول ولا يردّ حوادث الفروع إلي الاصول.

واخري: أنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم لم يقل: هل بينكما خلطة أو معاشرة، أم أنت من البادية وهو من الحاضرة.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 343

ولو أنّ بعض المقلّدين حكم بمذهب من مذاهب الماضين لأخرج هذا المدّعي بغير حقّ، إلّاأن يثبت الخلطة بين المتداعيين وقال: هذا خبرٌ واحدٌ خرج عن ظاهره لأجل الإستصلاح والإستحسان، وهما عند الصحابة والتابعين مهجوران، ولم يمت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حتّي ترك الشريعة بيضاء نقيّة ولم يُبْقِ منها لخالف بعده بقيّة، وأكمل اللَّه الدين ثمّ توفّي محمّداً سيّد المهتدين، ولكن طال الامّة فترك ما ينبغي أن يكون عليه المعتمد.

فاللَّه تعالي يرشد سلاطين المسلمين أن يتمسّكوا بكتاب ربّ العالمين وبالسنّة الثابتة عن سيّد المرسلين ويعضّوا عليها بالنواجذ، ولا يمكّنوا أن يأخذ بخلافهما أحد، هذا ما وجب ذكره من النصيحة في الدين، والحمد للَّه ربّ العالمين.

فحكم أهل الرأي بخلاف ما حكم به رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وقد قال اللَّه جلّ وعلا: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي اللَّه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم» وذكر البخاري في صحيحه في كتاب الحيل، باب إذا غصب جارية فزعم أنّها ماتت فقضي بقيمة الجارية الميتة ثمّ وجدها صاحبها فهي له ويرد القيمة ولا تكون القيمة ثمناً:

وقال بعض الناس- وهو أبو حنيفة-: الجارية للغاصب لأخذه

القيمة.

وفي هذا احتيال لمن اشتهي جارية رجل لا يبيعها فغصبها واعتلّ بأنّها ماتت حتّي يأخذ ربّها قيمتها فيطيب للغاصب جارية غيره، وقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم: أموالكم عليكم حرام، ولكلّ غادرٍ لواءٌ يوم القيامة.

حدّثنا أبو نعيم قال: ثنا شيبان، عن يحيي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: لا تنكح الأيّم حتّي تُستأمر،

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 344

ولا تنكح البكر حتّي تُستأذن. قالوا: كيف إذنها؟ قال: تسكت.

وقال بعض الناس- يعني أباحنيفة- إن احتال إنسان بشاهدي زورٍ علي تزويج امرأة ثيّب بأمرها فأثبت القاضي نكاحها إيّاه والزوج يعلم أنّه لم يتزوّجها قط، فإنّه يسعه هذا النكاح ولا بأس بالمقام له معها.

حدّثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ذكوان عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: البكر تستأذن. قلت: إنّ البكر تستحي. فقال: إذنها صماتها.

وقال بعض الناس: إن هوي إنسان جارية ثيّبة أو بكراً فاحتال فجاء بشاهدي زورٍ علي أنّه تزوّجها فرضيت الثيّبة فقبل القاضي شهادة الزور والزوج يعلم بطلان ذلك، حلّ له الوطء.

… ولو تتبّعنا أقوال أهل الرأي والفروع لخرجنا عن غرضنا في هذا المجموع.

فلنرجع إلي حديث من ايِّد بالوحي والتنزيل وعصم من التغيير والتبديل، فليس لأحد مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قول.

قال عبداللَّه بن عبّاس صاحب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وابن عمّه: هي سنّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وكتاب اللَّه عزّ وجلّ، فمن قال بعد برأيه فلا أدري أمن حسناته أم سيّئاته.

وقال أبو عمرو الشعبي- وقد أدرك من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أكثر من خمس مائة، فيما ذكره أبوبكر

ابن أبي خيثمة-: ما حدّثوك عن أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فخذ به، وما حدّثوك برأيهم فبل عليه» «1» .

__________________________________________________

(1) المستكفي في شرح أسماء النبي المصطفي- مخطوط.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 345

كلام الغزالي في ذمّ القياس … ص: 345

وللغزالي أيضاً كلمات في ذمّ علماء أهل السنّة العاملين بالآراء والتابعين للأهواء، ففي كتاب العلم من (إحياء العلوم):

«الباب الرّابع: في سبب إقبال الخلق علي علم الخلاف، وتفصيل آفات المناظرة والجدل وشرّ إباحتها:

إعلم أنّ الخلافة بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم تولّاها الخلفاء الراشدون رضي اللَّه عنهم، وكانوا أئمة وعلماء باللَّه، فقهاء في أحكامه وكانوا مستقلّين بالفتاوي في الأقضية، وكانوا لا يستعينون بالفقهاء إلّانادراً في وقايع لا يستغني فيها عن المشاورة، فتفرّع العلماء لعلم الآخرة وتجرّدوا لها، وكانوا يتدافعون الفتاوي وما يتعلّق بأحكام الخلق من الدنيا، وأقبلوا علي اللَّه تعالي بكنه اجتهادهم كما نقل من سيرهم.

فلمّا أفضت الخلافة بعدهم إلي أقوام تولّوها بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوي والأحكام، اضطرّوا إلي الاستعانة بالفقهاء وإلي استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم في مجاري أحكامهم، وكان قد بقي من علماء التابعين من هو مستمرّ علي الطراز الأوّل وملازم صفوا الدين ومواظب علي سمت علماء السلف، فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا، واضطرّ الخلفاء إلي الإلحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات، فرأي أهل تلك الأعصار عزّ عن العلماء وإقبال الأئمّة والولاة عليهم مع إعراضهم عنهم، فاشرأبوا لطلب العلم توصّلًا إلي نيل العزّ ودرك الجاه من قبل الولاة، فأكبّوا علي علم الفتاوي وعرضوا أنفسهم علي الولاة وتعرّفوا إليهم، وطلبوا الولايات والصّلات منهم،

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 346

فمنهم من حُرِم ومنهم من انجح، والمنجح لم يخل عن ذُلّ الطلب ومهانة الابتذال.

فأصبح الفقهاء- بعد أن كانوا مطلوبين- طالبين، وبعد أن كانوا أعزّة بالإعراض عن السلاطين، أذلّة بالإقبال عليهم، إلّامن وفّقه اللَّه تعالي في كلّ عصر من علماء دينه، وقد كان أكثر الإقبال في تلك الأعصار علي علم الفتاوي والأقضية، لشدّة الحاجة إليها في الولايات والحكومات.

ثمّ ظهر بعدهم من الصدور والامراء من يسمع مقالات النّاس في قواعد العقائد، ومالت نفسه إلي سماع الحجج فيها، فعلم رغبته إلي المناظرة والمجادلة في الكلام، فأكبّ النّاس علي علم الكلام وأكثروا فيه التصانيف، ورتّبوا فيه طرق المجادلات واستخرجوا فنون المناقضات في المقالات، وزعموا أنّ غرضهم الذبّ عن دين اللَّه تعالي والنضال عن السنّة وقمع المبتدعة، كما زعم من قبلهم أنّ غرضهم الاستقلال بفتاوي الدين وتقلّد أحكام المسلمين، إشفاقاً علي خلق اللَّه ونصيحة لهم.

ثمّ ظهر بعد ذلك من الصدور من لم يستصوب الخوض في الكلام ولا فتح باب المناظرة فيه، لما كان قد تولّد من فتح بابه من التعصّبات الفاحشة والخصومات الفاشية المفضية إلي إهراق الدماء وتخرّب البلاد، ومالت نفسه إلي المناظرة في الفقه وبيان الأولي من مذاهب الشافعي وأبي حنيفة رضي اللَّه عنهما علي الخصوص، فترك الناس الكلام وفنون العلم وأقبلوا علي المسائل الخلافيّة بين الشافعي وأبي حنيفة رضي اللَّه عنهما علي الخصوص، وتساهلوا في الخلاف مع مالك وسفيان وأحمد بن حنبل وغيرهم، وزعموا أنّ غرضهم استنباط دقائق الشرع وتقرير علل المذهب وتمهيد اصول الفتاوي، وأكثروا فيها التصنيفات والإستنباطات، ورتّبوا فيها أنواع المجادلات والتصنيفات، وهم استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 347

مستمرّون عليه إلي الآن، ولسنا ندري ما الذي يحدث اللَّه تعالي فيما بعدنا من الأعصار، فهذا هو الباعث علي الإكباب علي الخلافيّات والمناظرات لا غير، ولو مالت نفوس أرباب الدنيا

إلي الخلاف مع إمام آخر من الأئمّة، أو إلي علم آخر من العلوم، لمالوا أيضاً معهم، ولم يسكتوا عن التعلّل بأنّ ما اشتغلوا به علم الدين، وزعموا أن لا مطلب لهم سوي التقرّب إلي ربّ العالمين، واللَّه أعلم» «1» .

الكلام في حديث معاذ … ص: 347

هذا، وقد نص الأئمة علي بطلان ما رووه عن معاذ بن جبل في الإجتهاد والعمل بالرأي.

قال الذهبي في (الميزان):

«الحارث بن عمرو الثقفي، ابن أخي المغيرة، عن رجال، عن معاذ، بحديث الإجتهاد، قال البخاري: لا يصحّ حديثه.

قلت: تفرّد به أبو عون محمّد بن عبيداللَّه الثقفي عنه، وما روي عن الحارث غير أبي عون، فهو مجهول.

وقال الترمذي: ليس إسناده عندي بمتّصل» «2» .

وفي كتاب (المغني):

«الحارث بن عمرو، عن رجال، عن معاذ. قال البخاري: لايصحّ __________________________________________________

(1) إحياء علوم الدين 1: 41- 42/ كتاب العلم، الباب الرابع.

(2) ميزان الاعتدال 2: 175/ 1637.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 348

حديثه» «1» .

وفي (مرقاة الصعود) للسيوطي في شرح هذا الحديث:

«قال الحافظ جمال الدين المزي: الحارث بن عمرو لا يعرف إلّابهذا الحديث.

قال البخاري: لا يصحّ حديثه ولا يعرف» .

وفي (تذهيب التهذيب):

«الحارث بن عمرو الثقفي ابن أخي المغيرة بن شعبة، عن اناس من أهل حمص عن معاذ، وعنه أبو عون محمّد بن عبيداللَّه الثقفي: حديث أجتهد رأيي. قال البخاري: لا يصحّ» «2» .

وفي (الكاشف):

«الحارث بن عمرو ابن أخ للمغيرة بن شعبة عن اناس من أهل حمص، عن معاذ، وعنه أبو عون محمّد الثقفي في الاجتهاد. قال البخاري: لا يصحّ» «3» .

وفي (التقريب):

«الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة الثففي، ويقال ابن عون مجهول. من السادسة» «4» .

وهذا نصّ كلام الترمذي:

__________________________________________________

(1) المغني في الضعفاء 1: 225/ 1242.

(2) تذهيب التهذيب تهذيب التهذيب 2: 132.

(3) الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستة 1: 150/ 875.

(4) تقريب التهذيب 1: 143.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 349

«باب ما جاء في القاضي كيف يقضي: حدّثنا هناد، ثنا وكيع، عن شعبة، عن أبي عون، عن الحارث بن عمرو، عن رجال من أصحاب معاذ، عن معاذ:

أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بعث معاذ إلي اليمن فقال: كيف تقضي؟

فقال: أقضي بما في كتاب اللَّه. قال: فإن لم يكن في كتاب اللَّه؟ قال: فبسنّة رسول اللَّه. قال: إن لم يكن في سنّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم؟ قال:

أجتهد رأيي. قال: الحمد للَّه الذي وفّق لرسول رسول اللَّه.

حدّثنا محمّد بن بشار، ثنا محمّد بن جعفر وعبدالرحمان بن مهدي قالا:

ثنا شعبة، عن أبي عون، عن الحارث بن عمرو ابن أخ للمغيرة بن شعبة، عن اناس من أهل حمص، عن معاذ عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم بنحوه.

هذا حديث لا نعرفه إلّا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتّصل، وأبو عون الثقفي اسمه محمّد بن عبيداللَّه» «1» .

وقال ابن حزم- وهو شيخ الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين- في (المحلّي):

«وحديث معاذ الذي فيه: أجتهد برأيي ولا آلو، لا يصحّ، لأنّه لم يروه إلّا الحارث بن عمرو، وهو مجهول الحال لا يدري من هو، عن رجال من أهل حمص لم يسمّهم، عن معاذ» «2» .

بل في (مرقاة الصعود) عن الجوزقاني:

«هذا حديث باطل، رواه جماعة عن شعبة، وقد تصفّحت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألت من لقيته من أهل العلم بالنقل __________________________________________________

(1) صحيح الترمذي 3: 616- 617/ 1327- 1328 كتاب

الأحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي.

(2) المحلّي في الفقه 1: 62.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 350

عنه، فلم أجد له طريقاً غير هذا، والحارث بن عمرو هذا مجهول، وأصحاب معاذ من حمص لا يعرفون، ومثل هذا الإسناد لا يعتمد عليه في أصل من اصول الشريعة.

فإن قيل: إنّ الفقهاء قاطبة أوردوه في كتبهم واعتمدوا عليه!

قيل: هذا طريقه، والخلف قلّد فيه السلف، فإن أظهروا طريقاً غير هذا ممّا يثبت عند أهل النقل رجعنا إلي قولهم، وهذا ممّا لا يمكنهم البتّة» .

وإليك كلمة شاه ولي اللَّه في (حجة اللَّه البالغة) بعد كلامٍ له:

«وإذا تحقّقت هذه المقدّمة، اتّضح عندك أنّ أكثر المقاييس التي يفتخر بها القوم، ويتطاولون لأجلها علي معشر أهل الحديث، يعود وبالًا عليهم من حيث لا يعلمون» «1» .

إنكار الإمام الصادق علي أبي حنيفة برواية ابن شبرمة … ص: 350

وروي كمال الدين الدميري، إنكار الإمام أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام علي أبي حنيفة العمل بالقياس، قال:

«قال ابن شبرمة: دخلت أنا وأبو حنيفة علي جعفر بن محمّد الصادق رضي اللَّه عنه.

فقلت: هذا رجل فقيه من أهل العراق.

فقال: لعلّه الذي يقيس الدين برأيه، أهو نعمان بن ثابت، ولم أعرف __________________________________________________

(1) حجة اللَّه البالغة 1: 131.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 351

اسمه إلّاذلك اليوم؟

فقال له أبو حنيفة: نعم أنا ذاك، أصلحك اللَّه.

فقال له جعفر: إتّق اللَّه ولا تقس الدين برأيك، فإنّ أوّل من قاس برأيه إبليس، إذ قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين، فأخطأ بقياسه وضلّ.

ثمّ قال له: أتحسن أن تقيس رأسك من جسدك؟

قال: لا.

قال جعفر رضي اللَّه عنه: فأخبرني لما جعل اللَّه الملوحة في العينين والمرارة في الاذنين والماء في المنخرين والعذوبة في الشفتين؟ لأيّ شي ء جعل

اللَّه ذلك؟

قال: لا أدري.

قال جعفر رضي اللَّه عنه: إنّ اللَّه خلق العينين فجعلهما شحمتين، وخلق الملوحة فيهما منّاً منه علي ابن آدم، ولولا ذلك لذابتا فذهبتا، وجعل المرارة في الاذنين منّاً منه عليه، ولولا ذلك لهجمت الدوابّ فأكلت دماغه، وجعل الماء في المنخرين ليصعد منه النفس وينزل ويجد منه الرائحة الطيّبة من الرائحة الرديّة، وجعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذّة المطعم والمشرب.

ثمّ قال لأبي حنيفة: أخبرني عن كلمة أوّلها شرك وآخرها إيمان ما هي؟

قال: لا أدري.

قال جعفر رضي اللَّه عنه: كلمة لا إله إلّااللَّه، فلو قال: لا إله ثمّ سكت كان شركاً.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 352

ثمّ قال: ويحك! أيّما أعظم عنداللَّه إثماً: قتل النفس التي حرّم اللَّه عزّ وجلّ بغير حقّ أو الزنا؟

قال: بل قتل النفس.

فقال جعفر رضي اللَّه عنه: إنّ اللَّه تعالي قبل في قتل النفس شهادة شاهدين ولم يقبل في الزنا إلّاأربعة، فأنّي يقوم لك القياس.

ثمّ قال: أيّما أعظم عند اللَّه: الصوم أو الصلاة؟

قال: الصلاة.

قال: فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟

إتّق اللَّه يا عبداللَّه ولا تقس الدين برأيك، فإنّا نقف غداً ومن خالفنا بين يدي اللَّه فنقول: قال اللَّه تعالي وقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وتقول أنت وأصحابك: سمعنا ورأينا، فيفعل اللَّه تعالي بنا وبكم ما شاء» «1» .

ترجمة ابن شبرمة … ص: 352

هذا، ولا بأس بالتعرض لترجمة ابن شبرمة بإيجاز:

قال النووي في (تهذيب الأسماء واللّغات):

«عبداللَّه بن شبرمة، التابعي، مذكور في المهذّب في أوّل نكاح المشرك هو:

أبو شبرمة، عبداللَّه بن شبرمة بن الطفيل بن حسان المنذر بن ضرار بن عمرو بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر

بن سعد ابن ضبة الضبي، الكوفي التابعي، فقيه أهل الكوفة، روي عن الشعبي __________________________________________________

(1) حياة الحيوان 2: 4.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 353

وابن سيرين وآخرين.

روي عنه: السفيانان وشعبة ووهيب وغيرهم.

اتفقوا علي توثيقه والثناء عليه بالجلالة، وكان قاضياً لأبي جعفر المنصور علي سواد الكوفة. وقال الثوري: مفتينا ابن أبي ليلي وابن شبرمة. وقال: وكان ابن شبرمة عفيفاً عاقلًا فقيهاً يشبه النسّاك، ثقة في الحديث، شاعراً حسن الخلق، جواداً.

توفّي سنة أربع وأربعين ومائة» «1» .

وقال الذهبي في (الكاشف):

«عبداللَّه بن شبرمة الضبي، قاضي الكوفة وفقيهها، عن أنس بن مالك وأبي الطفيل وأبي وائل.

وعنه: عبداللَّه بن المبارك وعبدالوارث التنوري وطائفة.

وثّقه أحمد وأبو حاتم، توفي 144» «2» .

وفي حاشية الكاشف: «قال أبو معمر بن عبدالوارث: ما رأيت أحداً أسرع جواباً من ابن شبرمة، ما كان الرجل يتمّ المسألة حتّي يرميه بالجواب.

قال الثوري: جالس ابن سيرين بواسط، استشهد به البخاري في الصحيح، ويروي عنه في الأدب» .

وقال اليافعي في وفيات سنة 144:

«وفيها توفّي فقيه الكوفة: أبو شبرمة عبداللَّه بن شبرمة الضبي القاضي، روي عن أنس والتابعين، وكان عفيفاً عارفاً عاقلًا، يشبه النسّاك، شاعراً

__________________________________________________

(1) تهذيب الاسماء واللغات 1: 271/ 307.

(2) الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستة 2: 91/ 2797.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 354

جواداً» «1» .

وقال ابن حجر:

«عبداللَّه بن شبرمة- بضمّ المعجمة وسكون الموحّدة وضمّ الراء- ابن الطفيل بن حسان الضبي، أبو شبرمة الكوفي القاضي، ثقة، فقيه، من الخامسة، مات سنة أربع وأربعين» «2» .

هذا، ولا يتوهّم أن الدميري يخدش في صحّة الخبر، بل إنّ محاولته للجواب بزعمه عن أسئلة الامام مثبتة له ولبلادة أبي حنيفة، فيقول الدميري:

«والجواب في أنّ

الزناء لا يقبل فيه الأربعة طلباً للستر، وفي الحائض لا تقضي الصّلاة دفعاً للمشقّة، لأنّ الصّلاة تتكرّر في اليوم واللّيلة خمس مرّات، بخلاف الصوم فإنّه في السنة مرّة، واللَّه أعلم» «3» .

فمقصود الدميري- كالرازي في رسالة (مناقب الشافعي)- ليس إلّاإظهار عجز أبي حنيفة عن الجواب، ويشهد بذلك ما حكاه عن ابن خلكان تأييداً لرواية ابن شبرمة قبلها في هذا الباب حيث قال:

«وذكر ابن خلكان في ترجمة جعفر الصادق إنّه سأل أباحنيفة: ما تقول في محرم كسر رباعية ظبي؟

فقال: يا ابن بنت رسول اللَّه! لا أعلم ما فيه.

فقال: إنّ الظبي لا يكون رباعياً وهي ثني أبداً.

كذا حكاه كشاجم في كتاب المصائد والمطارد.

__________________________________________________

(1) مرآة الجنان 1: 233- وفيات السنة 144.

(2) تقريب التهذيب 1: 422/ 372.

(3) حياة الحيوان 2: 4.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 355

وقال الجوهري في مادة سنن في قول الشاعر في وصف الإبل:

فجاءت كسن الظبي لم أر مثلها سناء فتيل أو حلوبة جائع أي هي ثنيات، لأنّ الثني هو الذي يلقي ثنية، والظبي لا رباعيّة له فهو ثني أبداً.

وقال ابن شبرمة … » «1» .

وهذا أصل ألفاظ ابن خلكان:

«وحكي كشاجم في كتاب المصائد والمطارد: أنّ جعفر المذكور سأل أبا حنيفة فقال: ما تقول في محرم كسر رباعية ظبي؟

فقال: يا ابن رسول اللَّه! ما أعلم فيه.

فقال له: أنت تتداهي ولا تعلم أنّ الظبي لا يكون له رباعية، وهي ثني أبداً» «2» .

ورواه اليافعي أيضاً:

«وذكر بعض المؤرخين إنّه- يعني جعفر الصادق عليه السلام- سأل أبا حنيفة فقال: ما تقول في محرم كسر رباعيّة ظبي؟

فقال: يا ابن رسول اللَّه! ما أعلم ما فيه؟

فقال له: أنت تتداهي ولا تعلم أنّ الظبي

لا يكون له رباعية وهو ثني أبداً؛ يعني من الدهاء: قوّة الفهم وجودة النظر» «3» .

__________________________________________________

(1) حياة الحيوان 2: 4.

(2) وفيات الأعيان 1: 328/ 131.

(3) مرآة الجنان 1: 328.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 356

تحريم أهل البيت العمل بالقياس … ص: 356

وكما علم من الكلمات السابقة إنكار الإمام الصادق عليه السلام وتحريمه القياس في الشريعة، فقد صرّح غير واحدٍ منهم باشتهار هذا المعني عن أهل البيت كلّهم عليهم السلام، وممّن نصّ علي ذلك: العبري الفرغاني بشرح قول القاضي البيضاوي: «نقل الإماميّة إنكاره- أي القياس- عن العترة.

قلنا: معارض بنقل الزيديّة» فإنّه قال:

«والحقّ أنّه قد اشتهر من أهل البيت كالباقر والصادق وغيرهما من الأئمّة- رضوان اللَّه عليهم- إنكار القياس، كما اشتهر من أبي حنيفة والشافعي ومالك القول بوجوب العمل به» «1» .

وأمّا عمل الحنفيّة بالقياس وبعدهم عن الحديث، فمشهور جدّاً ولا ينكره أحد أبداً:

قال الفخر الرازي في (رسالته) في ترجيح مذهب الشافعي: «وأمّا أصحاب الرأي، فإنّ أمرهم في باب الخبر والقياس عجيب، فتارة يرجّحون القياس علي الخبر وتارة بالعكس؛ أمّا الأوّل، فهو أنّ مذهبنا أنّ التصرية سبب مثبت للرد وعندهم ليس كذلك، ودليلنا: ما اخرج في الصحيحين عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: لا تُصرّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو يخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثاً، إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردّها، وردّ معها صاعاً من تمر.

واعلم: أنّ الخصوم لمّا لم يجدوا لهذا الخبر تأويلًا البتّة، بسبب أنّه __________________________________________________

(1) شرح المنهاج في الاصول للعبري الفرغاني- مخطوط، وانظر شرح شمس الدين الاصفهاني 2: 654- 655.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 357

مفسّر في محلّ الخلاف، اضطرّوا إلي أن يطعنوا في أبي هريرة وقالوا: إنّه كان متساهلًا

في الرواية وما كان فقيهاً، والقياس علي خلاف هذا الخبر، لأنّه يقتضي تقدير خيار العيب بالثلث، ويقتضي تقويم اللّبن بصاع من تمر من غير زيادة ولا نقصان، ويقتضي إثبات عوض في مقابلة لبن حادث بعد العقد، وهذه الأحكام مخالفة للأصول، فوجب ردّ ذلك الخبر لأجل القياس.

هذا كلامهم في ترجيح القياس علي الخبر، أمّا كلامهم في ترجيح الخبر علي القياس الجلي فهو من وجوه:

أحدها: إنّ انتقاض الطهارة بسبب القهقهة في الصلاة أمر يأباه القياس الظاهر، ثمّ إنّهم أثبتوا ذلك بسبب خبر ضعيف ما قبله أحد من علماء الحديث.

وثانيها: وهو أعجب من الأوّل، إنّهم يقدّمون عمل الصحابة علي القياس الجلي، بل علي الدليل المستفاد من نصّ القرآن.

أمّا الأوّل: فلأنّه إذا وقعت عصفورة في بئر وتفسّخت قالوا ينزح منها عشرة أدل ويصير الباقي طاهراً، وصريح العقل يشهد بدفع هذا الحكم، لأنّ ماء البئر شي ء متشابه الأجزاء، فكيف يعقل أن يكون نزح بعض ذلك الماء سبباً لصيرورة الباقي طاهراً، فعند هذا قالوا إنّما حكمنا بذلك لأنّه نقل هذا المذهب عن بعض الصحابة.

وأمّا الثاني: فإنّ البائنة في مرض الموت، صريح كتاب اللَّه يقتضي إنّها ليست زوجة له، لأنّها لو كانت زوجة لكان إذا ماتت يجب أن يرث عنها لقوله تعالي: «ولكم نصف ما ترك أزواجكم» الآية، وبالإجماع الزوج لا يرث منها، فثبت إنّها ليست زوجة له، وإذا ثبت هذا، وجب أن لا ترث هي منه، لأنّ الربع استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 358

نصيب الزوجات، فمنع أن يكون شي ء منه نصيباً لهذه البائنة، لدليل ظاهر من كتاب اللَّه تعالي في هذه المسألة. ثمّ إنّهم قالوا إنّها ترث بدليل أنّ عثمان بن عفّان قضي بذلك في حقّ تماضر زوجة

عبدالرحمن بن عوف، والعجب أنّ ابن عوف وابن الزبير كانا مخالفين لعثمان في هذه الفتوي ثمّ إنّهم قدّموا فتوي عثمان في هذه المسألة علي ظاهر كتاب اللَّه تعالي.

فثبت أنّهم تارة يقدّمون القياس علي الخبر، وتارة يقدّمون عمل بعض الصحابة علي الكتاب، وتارة يعكسون الأمر في هذه الأبواب، وذلك يدلّ علي أنّ طريقتهم غير مبنيّة علي قانون مستقيم، أنشد بعضهم:

دين النبيّ محمّد آثار نعم المطيّة للفتي الأخبار

ولربّما غلط الفتي سبل الهدي والشمس واضحة لها أنوار

لا تغفلنّ عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهار»

العبري من الحنفية … ص: 358

هذا، والعبري الفرغاني من علماء الحنفيّة، وقال بعضهم: كان مدرّساً متقناً لمذهب الحنفي والشافعي كليهما، قال اليافعي بترجمته:

«سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، فيها توفّي الإمام العلّامة قاضي القضاة عبيداللَّه بن محمّد العبيدي الفرغاني، الحنفي، البارع العلّامة المناظر، يضرب بذكائه ومناظراته المثل، كان إماماً بارعاً متقناً، خرج به الأصحاب، يعرف المذهبين الحنفي والشافعي، أقرأهما وصنّف فيهما، وأمّا الاصول والمعقول فتفردّ فيهما بالإمامة، وله تصانيف منها شرح الغاية في الفقه في مذهب الشافعي، وشرح الطوالع، وشرح المصباح، وشرح المنهاج للبيضاوي، وغير

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 359

ذلك من التصانيف والأمالي والتعاليق، وولي تبريز وأعمالها إلي أن توفّي، وكان استاذ الاستاذين في وقته» «1» .

وقال ابن حجر:

«عبيداللَّه بن محمّد الهاشمي الحسيني الفرغاني الشريفي المعروف بالعبري- بكسر المهملة وسكون الموحّدة- كان عارفاً بالأصلين، وشرح مصنّفات القاضي ناصرالدين البيضاوي المنهاج والمطالع والغاية في الفقه والمصباح، وسكن سلطانيّة ثمّ تبريز وولي قضاءها، ذكره الأسنوي في طبقات الشافعيّة ويقال: إنّه كان يقرأ المذهبين وكان أوّلًا حنفيّاً. وذكره الذهبي في المشتبه في العبري فقال: عالم كبير في وقتنا وتصانيفه سائرة.

ومات في شهر رجب سنة 643.

قلت: رأيت

بخط بعض فضلاء العجم أنه مات في غرّة ذي الحجّة منها- وهو أثبت- ووصفه فقال:

هو الشريف المرتضي قاضي القضاة، كان مطاعاً عند السلاطين، مشهوراً في الآفاق، مشاراً إليه في جميع الفنون، ملاذاً للضعفاء، كثير التواضع والإنصاف، ومال في أوخر عمره إلي الإشتغال في العلوم الدينيّة، وشرح كتاب المصابيح في المسجد الجامع بحضرة الخاص والعام، بعبارات عذبة فصيحة قريبة من الأفهام، وكانت وفاته بتبريز» «2» .

وقال ابن جماعة في (طبقات الشافعية):

«عبيداللَّه بن محمّد الشريف برهان الدين الحسيني الفرغاني المعروف __________________________________________________

(1) مرآة الجنان 4: 230.

(2) الدرر الكامنة بأعيان المائة الثامنة 2: 433/ 2560.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 360

بالعبري، قاضي تبريز، كان جامعاً لعلوم شتّي من الأصلين والمعقولات، وله تصانيف مشهورة، وسكن السلطانيّة مدّة ثمّ انتقل إلي تبريز، وشرح كتب البيضاوي: المنهاج والغايةالقصوي والمصباح والمطالع، ذكره الأسنوي في طبقاته لكن قال الحافظ الزين العراقي في ذيل العبر: كان حنفيّاً يقرأ مذهب أبي حنيفة والشافعي، وصنّف فيهما. وقال الذهبي في المشتبه: النبيل العبري عالم كبير في وقتنا، توفي بتبريز في رجب سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، والعبري- بكسر العين المهملة وسكون الباء الموحّدة- لا أدري نسبة إلي ماذا» .

وقال ابن قاضي شهبة:

«عبيداللَّه بن محمد بن الشريف برهان الدين الحسيني الفرغاني، المعروف بالعبري، قاضي تبريز، كان جامعاً لعلومٍ شتّي من الأصلين والمعقولات، وله تصانيف مشهورة. وسكن السلطانيّة مدةً، ثم انتقل إلي تبريز، وشرح كتب البيضاوي: المنهاج، والغاية القصوي، والمصباح، والطوالع.

ذكره الإسنوي في طبقاته.

لكنْ قال الحافظ زين الدين العراقي في ذيل العبر: كان حنفيّاً، يقري ء مذهب أبي حنيفة والشافعي، وصنّف فيهما … توفي سنة 743» «1» .

وأمّا الإماميّة فيتّبعون السنّة المكرَّمة، فإنّ أحكام الشّريعة المطهّرة

عندهم متّخذة من الأخبار الواصلة إليهم من أئمّة العترة المعصومين، ومن هنا قال ابن تيميّة مشنّعاً عليهم:

__________________________________________________

(1) طبقات الشافعيّة 3: 183 برقم 597.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 361

«وأمّا الفقه، فهم من أبعد النّاس عن الفقه، وأصل دينهم في الشريعة هي مسائل ينقلونها عن بعض علماء أهل البيت، كعليّ بن الحسين وابنه أبي جعفر وابنه جعفر بن محمّد، وهؤلاء رضي اللَّه عنهم من أئمّة الدين وسادات المسلمين، لكن لا ينظرون في الإسناد إليهم هل يثبت النقل إليهم أم لا؟ فإنّه لا معرفة لهم بصناعة الحديث والأسناد.

ثمّ إنّ الواحد من هؤلاء إذا قال قولًا لا يطلب دليله من الكتاب والسنّة ولا ما يعارضه، ولا يردّون ما تنازع فيه المسلمون إلي اللَّه والرسول كما أمر اللَّه به ورسوله، بل قد أصّلوا لهم ثلاثة اصول: أحدها: أنّ هؤلاء معصومون.

والثاني: أنّ كلّما يقولون فإنّه نقل عن النبي. والثالث: إنّ إجماع العترةحجّة وهؤلاء هم العترة، فصاروا لذلك لا ينظرون إلي دليل ولا تعليل … وإنْ كانت المسألة ممّا انفردوا بها اعتمدوا علي الاصول الثلاثة التي فيها من الجهل والضلال ما لا يخفي» «1» .

فتاوي تُوُهّم كونها قياسا … ص: 361

ثمّ إنّ بعض أهل السنّة توهّم استناد الإماميّة في بعض الفتاوي الفقهيّة إلي القياس … ولكنْ لا علاقة لشي ء منها بالقياس أصلًا، وما ذكره بهذه المناسبة كلّه سخيف موهون:

فإنّ الحكم بتطهير الأرض لخشبة الأقطع وأسفل العصا وأسفل الرمح ونحوها، ليس من قبيل القياس الذي هو دأب أهل الخلاف والوسواس، بل منشأ هذا الحكم كما لا يخفي علي الممارس للأخبار المتفحّص للآثار، هو

__________________________________________________

(1) منهاج السنة 6: 380.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 362

الأحاديث المأثورة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام، الدالّة بالعموم والإطلاق

علي تطهير الأرض للمتنجّسات بالأقذار:

فمنها: ما عن المعلّي بن خنيس قال: «سألت الصادق عليه السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ علي الطريق فيسيل منه الماء، أمرُّ عليه حافياً؟

فقال: أليس ورائه شي ء جاف؟ قلت: بلي. قال: لا بأس، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «1» .

وعن محمّد الحلبي في الموثّق قال: «نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر، فدخلت علي الصادق عليه السلام، فقال: أين نزلتم؟ فقلت: نزلنا في دار فلان. فقال: إنّ بينكم وبين المسجد زقاقاً قذراً، أو قلنا له: إنّ بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً، فقال: لا بأس، الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «2» .

ومنها: ما في مستطرفات السرائر نقلًا عن نوادر أحمد بن أبي نصر عن المفضّل بن عمر، عن محمّد بن علي الحلبي، عن الصادق عليه السلام قال:

«قلت له: إنّ طريقي إلي المسجد في زقاق يبال فيه، فربّما مررت فيه وليس علَيّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته، فقال: أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ فقلت: بلي. قال: لا بأس، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً. قلت: فأطأ علي الروث الرطب؟! قال: لا بأس، أنا واللَّه ربّما وطأت عليه ثمّ اصلّي ولا أغسله» «3» .

وفي الحسن أو الصحيح عن محمّد بن مسلم قال: «كنت مع الباقر عليه __________________________________________________

(1) الكافي 3: 39/ 5، كتاب الطهارة، باب: الرجل يطأ علي العذرة …

(2) المصدر نفسه 3: 38/ 3.

(3) كتاب السرائر في الفقه. المستطرفات 3: 555.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 363

السلام، إذ مرّ علي عذرة يابسة فوطأ عليه فأصاب ثوبه، فقلتُ: جعلت فداك! وطأت علي عذرة فأصابت ثوبك. فقال عليه السلام: أليست يابسة؟ فقلت:

بلي. قال: لا بأس، إنّ الأرض يطهّر بعضها

بعضاً» «1» .

فما تكرّر من قولهم عليهم السلام في هذه الأخبار إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً، معناه علي ما أفاده الأعلام: أنّ بعضها يطهّر ما تنجّس ببعض، وإنّما أسند إلي البعض مجازاً كما يقال الماء مطهّر للبول أي لنجاسة البول، فالمطهّر- بصيغة اسم المفعول- ما ينجّس بالبعض لا نفس البعض، وهذا بالإطلاق يدلّ علي تطهير الأرض لكلّ ما ينجس، خرج منه ما أخرجه الدليل وبقي الباقي علي حاله.

وأمّا التعميم لكلّ ما يوطأ به من الخفّ والنعل وخشبة الأقطع، فمع قطع النظر عن دلالة هذا القول عليه، يدلّ عليه إطلاق صحيحة الأحول أيضاً:

روي ثقة الإسلام في الصحيح عن الأحول عن الصادق عليه السلام قال:

«في الرجل يطأ علي الموضع الذي ليس بنظيف ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً؟ قال:

لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً ونحو ذلك» «2» .

وهكذا إطلاق موثّقة الحلبي السابقة.

فإنّ هذين الخبرين يدلّان علي طهارة ما يوطأ به، أعمّ من أن يكون أسفل القدم أو غيره، وهذا الفقيه الكبير، الشيخ يوسف البحراني- الذي لا يختلف في جلالة فضله وعظمة شأنه من الأخباريّة اثنان، وتصفه بفضائل ومدائح عظيمة الشأن باهرة البرهان- قد أقرّ بإمكان استفادةهذا الحكم من __________________________________________________

(1) الكافي 3: 38/ 2.

(2) الكافي 3: 38/ 1.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 364

الأحاديث، حيث قال في (الحدائق) مشيراً إلي صحيحة الأحول وموثّقة الحلبي:

«والظاهر أنّه إلي إطلاق هذين الخبرين استند من عمّم الحكم في كلّ ما يوطأ به من خفّ أو نعل ولو من خشب مثل خشبة الأقطع» .

وقال أيضاً: «ربّما أمكن شمول الحكم لها- أي خشبة الأقطع- من حيث قوله عليه السلام في جملة من الأخبار المتقدّمة: إنّ الأرض يطهّر

بعضها بعضاً، بل ربّما استفيد منه تطهير أسفل العصا والرمح … » «1» .

فهيهات ثمّ هيهات أن يطعن في مثل هذه الأحكام المستندة إلي أحاديث المعصومين الكرام بأنها مبنيّة علي الرأي والقياس، ويرمي الأمر الواضح الجلي بالإرتياب والإلتباس، ولكن حبّ المماراة يحدو علي هذه العظائم، والاستبداد بالرأي يوقع في هذه المقاحم.

وهكذا الحكم بطهارة ما لا ينقل ولا يحوّل، نحو الأبواب والأخشاب والأوتاد والأشجار والثمار التي علي الشجر، بتجفيف الشمس إيّاها، وجهه أوضح من الشمس وليس بقياس، ولا يقول بكونه قياساً إلّامن لا يعرف معني القياس، ولم يجتن من شجرة التحقيق ثمراً، ولم يصب من التدقيق عيناً ولا أثراً، فإنّ هذا الحكم مستند إلي عموم الأحاديث الواردة في هذا الباب، الشاملة لنحو الأخشاب والأبواب.

قال في (الحدائق)- بعد ذكر رواية أبي بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام قال: يا أبابكر! ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر- ما هذا لفظه:

«وهي- كما تري- ظاهرة في القول المشهور من طهارة الأرض والحصر

__________________________________________________

(1) الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة 5: 455.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 365

والبواري وما لا ينقل ولا يحوّل، وهي وإن كانت مطلقة بالنسبة إلي ما زاد علي ذلك، إلّاأنّه لابدّ من تقييدها بما ذكروه، وأنّ ما ينقل ويحوّل لابدّ من غسله بالأدلّة الكثيرة، وكذلك بالنسبة إلي النجاسة بجميع النجاسات.

وبالجملة، فإنّها ظاهرة الدلالة علي القول المشهور، وإن أمكن تطرّق المناقشة إلي الطهارة فيها بالتأويل المتقدّم، إلّاأنّه خلاف الظاهر» .

وقال بعد كلام: «ويعضد هذه الرواية أيضاً ما في الفقه الرضوي حيث قال عليه السلام: ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شي ء من النجاسات مثل البول وغيره طهر منها، وأمّا الثياب فإنّها لا تطهر إلّابالغسل،

وهي ظاهرة تمام الظهور في القول المشهور» «1» .

ولقد وضح الصبح لذي عينين ولم يبق مجال لرواج البهت والمين، حيث أسفر الحقّ إسفاراً ووضح الأمر جهاراً، فكيف يمكن للمنصف الذي لم يردعه رمص التعصّب عن إدراك الحقيقة، والبصير الناقد الذي لم يعتره ريب في الامور الواضحة التي هي بالإذعان حقيقة، أن يقول إنّ هذا الحكم الذي يدلّ عليه الأحاديث بالظهور ويشير إليه روايات أهل العصمة من غير حجاب مستور، مبني علي القياس الممنوع والدليل الفاسد المردوع.

ولعمري، إنّ من يرمي هذا الحكم بالقياس مع اندراجه في عموم الأحاديث المأثورة عن هداة الناس، ورعاتهم وحفّاظهم عن وسواس الخنّاس، كيف لا يتوقّي من اتّساع الخرق عليه بلزوم الحكم بالقياس علي جلّ الجزئيّات التي حكم عليها الأصحاب لانسلاكها في الإطلاقات والعمومات.

وأعجب من ذلك كلّه زعم هذا القائل وادّعاء هذا المجادل: أنّ منع __________________________________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 438- 439.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 366

العلّامة الحلّي من إخراج الرواشن والأجنحة إلي الطرق النافذة إذا استلزمت الإشراف علي جاره وضرّ به وإن لم تضرّ بالمارّة، من باب القياس، وهذا أعجب من كلّ عجيب وأغرب من كلّ غريب.

وليت شعري أيّة مناسبة ومشابهة للقياس بذلك، إنّما هو مستند إلي الأحاديث الدالّة علي عدم جواز التصرّف في ملك الغير بغير إذنه، والطريق يصير ملكاً للمسلمين كلّهم بإحيائهم إيّاه وكذا قراره وهواؤه، فالمنع من التصرّف فيه بإخراج الرواشن والأجنحة كيف يكون من القياس الموجب للجناح؟ وهذا واضح بيّن صراح.

وأمّا تصريح العلّامة بأنّه لا يعرف نصّاً من الخاصّة والعامّة في هذا الباب، وإنّما أفتي بما أفتي عن الإجتهاد، فمعناه واضح صحيح كما لا يخفي علي أهل السداد، لأنّ مراده قدّس اللَّه روحه- كما ينادي به

ألفاظه جهاراً- أنّه لم يجد نصّاً علي هذه المسألة بخصوصها من العامّة والخاصّة، لا أنّه لم يجد عليها دليلًا من الكتاب والسنّة أصلًا وقاله بمحض الرأي والتشهّي، وكيف يظنّ به ذلك- العياذ باللَّه منه- مع أنّه يصرّح بأنّه إنّما صار إلي ما أفتي به عن الإجتهاد، والإجتهاد- كما فسّره هو وغيره من العلماء- هو استنباط الأحكام من القرآن والسنّة الغرّاء، فقد ظهر أنّه ادّعي العلّامة أنّ هذا الحكم مستنبط من الكتاب والسنّة، وإنّما نفي كونه وارداً في النصوص بالخصوص.

وكيف يظنّ بالعلّامة الحلّي رحمه اللَّه أنّه عمل بالقياس أو حكم بمحض الرأي، مع أنّه قد صرّح رحمه اللَّه في كتبه ومصنّفاته بتحريم ذلك وعدم جوازه وثبت تحريمه بضرورة دين الإماميّة، ولم يختلف في عدم جوازه منهم اثنان، واللَّه الهادي والمستعان والعاصم من المجازفة والعدوان.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 367

وأمّا مسألة العوض في الخلع إذا كان معيّناً ثمّ ظهر معيباً، فما قال فيها العالم الربّاني ذو النّور الشعشعاني والمجد الصمداني الشهيد الثاني، فوجهه غير خفيّ علي القاصي والداني، فإنّ استحسانه- رحمه اللَّه- تعيّن أخذ الأرش في صورة فوات الوصف، نشأ نظراً إلي الحديث المشهور والنصّ المأثور من أنّه لا ضرر ولا ضرار، وغيره من الأحاديث الدالّة علي عدم جواز التسلّط علي ملك الغير المأثورة عن المعصومين الأخيار، خرج منها ما أخرجه الدليل وبقي الباقي علي حاله. وأيضاً يؤيّده أصل عدم التسلّط وعدم ثبوت اختيار المطالبة بالمثل والقيمة، أمّا أخذ الأرش فصار إليه لمكان الدليل عليه، ولم يزد عليه من المطالبة بالقيمة أو المثل لعدم ثبوت ذلك عنده.

وأمّا حكم المحقّق الحلّي بإجزاء أذان المنفرد إذا أراد الجماعة، فذلك أيضاً غير مبنيّ علي القياس المذموم والرأي الملوم،

فإنّ القياس هو تعدية الحكم من جزئيّ إلي جزئيّ آخر، والأمر هاهنا ليس كذلك، بل مبني هذا الحكم في الواقع هو أصل عدم لزوم الإعادة، والحكم بصحّة الأفعال الواقعة علي نهج الشرع واعتبارها، حتّي يظهر دليل علي عدم اعتبارها، فإنّ المنفرد الذي أذّن لنفسه ثمّ أراد الجماعة، قد وقع منه الأذان صحيحاً، فعدم اعتبار ذلك الأذان والحكم بإعادته يحتاج إلي دليل يدلّ عليه.

و كون إرادة الجماعة موجبة للإعادة، غير ثابت عند من يقول بعدم لزوم الإعادة، لأنّ الرواية الواردة بذلك ضعيفة السند، وقد عارضها خبر أبي مريم الأنصاري قال: صلّي بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا إقامة فقال: إنّ قميصي كثيف فهو يجزي أن لا يكون علَيّ إزار ولا رداء، وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك، إنتهي. وظاهره استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 368

ترتّب الإجزاء علي مجرّد سماع الأذان من غير مدخليّة لما عدا ذلك كما أفيد.

وأمّا الإستدلال بالأولويّة، فهو تأييد لذلك الدليل الدالّ علي الاجتزاء، مع أنّه لو بنينا الحكم علي هذا أيضاً لم يكن فيه شنعة، لأنّ الإستدلال بالأولويّة ممّا قد ثبت حجيّته بالدلائل القاطعة والبراهين الصادعة، وهو ليس من القياس المذموم في شي ء.

وأمّا المسألة الأخيرة التي نقلها البعض عن الذكري، فالمنقول منها في غاية السقم والغلط، حيث ترك فيه صورة المسألة ونقل الحكم فقط وقطع العبارة من غير موضع القطع، فكان كمن ألغي الأصل وأخذ بالفرع، ونحن ننقل أوّلًا عبارة الذكري وبعد ذلك نبيّن بطلان توهّم كونه مبنيّاً علي القياس.

قال في (الذكري): لو أحسّ في أثناء القراءة بداخل، لم يستحبّ له تطويل القراءة لحصول الغرض بإدراكه في الركوع، ولو قلنا

باشتراط إدراك تكبير الركوع فلا بأس بتطويل القراءة بل يستحبّ، وهل يكره تطويلها علي القول بإدراكه راكعاً؟ قال الفاضل: لا يكره، لما روي عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله قال: إنّي أحياناً أكون في الصلاة فأفتتح السورة اريد أن أتمّها فأسمع بكاء صبيّ فأتجوّز في صلاتي مخافة أن تفتتن امّه. فإذا جاز الإختصار رعاية لحقّ الطفل، جازت الزيادة رعاية لحقّ اللّاحق، ويتأكّد زوال الكراهة لعلمه أنّه لا يلحق بتطويل الركوع، بل يستحب هنا تطويل القراءة «1» .

وهذا الحكم مستند حقيقةً إلي ظهور عدم دليل علي كراهة التطويل، وأما الإستدلال بالحديث فتأييد لذلك، مع أنّه يرجع عند التحقيق والتأمّل إلي تنقيح المناط، وهو غير القياس الذي جوّزته العامّة الراكبة متن الإختباط الناكبة

__________________________________________________

(1) ذكري الشيعة في أحكام الشريعة 4: 453.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 369

عن سويّ الصراط.

ثمّ نقول لهذا المعترض: إنّ هذه المسألة حكم بها العلّامة الحلّي، لأنّ المراد بالفاضل هو رحمه اللَّه تعالي.

وهو من أشهر علماء أهل الحق الذين منعوا العمل بالظن وبالغوا في حظره وتحريمه والتشنيع علي مجوّزيه.

فلزم عليك أن ترجع عمّا كنت فيه من الإتهام علي الأعلام، لقصور الفهم وقلّة التدرّب وتتوب عنه، وتشمر عن ساق الجدّ في إبطال ما تفوّهت به وسطّرته.

هذا ما سطرناه في توجيه هذه المسائل والإشارة والتلميح إلي الدلائل، وليس المقصود اختيارها وترجيحها جزماً، ونصرتها وتصحيحها حتماً، فإنّها مسائل خلافيّة بعضها للنظر فيه مجال، لكن الغرض إبطال قول من قال إنّها مبنيّة علي القياس والرأي والضلال، والعياذ باللَّه المتعال من التفوّه بهذه الأقوال.

رجوع ابن الجنيد عن القول بالقياس … ص: 369

وتلخّص: إنّ مذهب الإماميّة الإثني عشريّة هو حرمة القياس وعدم جواز استعماله في الدين.

نعم، كان أبو علي الإسكافي- المعروف بابن الجنيد- يقول بالقياس في أوّل

الأمر، ثمّ رجع عنه وتركه، كما نصَّ علي ذلك كبار علماء الطائفة:

قال الشيخ والد الشيخ بهاء الدين العاملي: «ابن الجنيد كان يعمل بالقياس ثمّ رجع عنه» «1» .

__________________________________________________

(1) هداية الأبرار: 306.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 370

وقال الشيخ محمّد حسين صاحب (الفصول): «وإنْ ظنّ غلبة العلّة بحدس وشبهه فهو مستنبط العلّة، وقد أطبق أصحابنا علي عدم حجيّته، إلّاابن الجنيد، فإنّه قال بحجيّته علي ما حكي عنه في أوائل الأمر ثمّ رجع عنه، وبطلانه في مثل زماننا يعدّ من ضروريّات المذهب عند المحصّلين» «1» .

وقال السيّد الطباطبائي: «اختلف علماء الإسلام في حجيّة ما عدا القياس المستنبط بالطريق الأولي، والقياس المنصوص العلّة في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة، وهو القياس المستنبط علّته، علي قولين، الأوّل: إنّه حجّة كظاهر الكتاب وهو لمعظم العامّة، وحكي أيضاً عن ابن الجنيد من قدماء الإماميّة.

الثاني: ليس بحجّة، وهو للذريعة والعدّة والغنية والمعارج ويب ونهج الحق ويه ودي وشرحه والمنية والزبدة والمعالم وغاية المأمول والوافية. وبالجملة، عليه معظم الإماميّة كلّهم إذ حكي عن ابن الجنيد الرجوع عمّا كان عليه، وهو المعتمد» «2» .

وقال الشيخ أبوالقاسم القمي في كتاب (قوانين الاصول): «وأمّا الأوّل، فذهب الأصحاب كافة عدا ابن الجنيد من قدمائنا في أوّل أمره وبعض العامة إلي حرمة العمل به، وذهب الآخرون إلي جوازه» .

وهم ودفع … ص: 370

ثمّ إنّه ذكر المولوي عبدالعزيز الدهلوي في كتاب (التحفة) اسم «أبو نصر هبة اللَّه بن الحسين» وزعم أنّه من علماء الإماميّة، ونسب إليه القول __________________________________________________

(1) الفصول الغرويّة في الاصول الفقهيّة (حجري): 382- 383.

(2) مفاتيح الاصول: 659 (حجري)

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 371

بالقياس، ثمّ أضاف في هامش كتابه في هذا الموضع ما نصّه:

«هبة اللَّه بن الحسين

بن هبة اللَّه بن رطبة السواري ظهيرالدين، كان من علماء الإماميّة، أخذ عن أبيه وسمع من محمّد القمي وأبي جعفر بن أبي القاسم الطبري. روي عن علي بن يحيي، كان علي رأس الستمائة. ذكره ابن أبي طي، وهو من محدّثي الشيعة وصاحب رجالهم. لسان الميزان» .

وتحقيق المطلب هو: إنّه لا يوجد بين علماء الإماميّة من اسمه «هبةاللَّه ابن الحسين» وكنيته «أبو نصر» فضلًا عن أن يقول بالقياس أو لا يقول به، ودعوي اتّحاده مع الذي نقله في الهامش عن لسان الميزان لابن حجر العسقلاني باطلة جدّاً … علي أنّ جملة «وهو من محدّثي الشيعة وصاحب رجالهم» غير موجودة في لسان الميزان، وهذا نصّ عبارته:

«هبة اللَّه بن الحسين بن هبة اللَّه بن رطبة السواري ظهيرالدين أبو طاهر.

كان من علماء الإماميّة. أخذ عن أبيه وسمع عن محمّد بن علي القمي وأبي جعفر بن أبي القاسم الطبري وغيرهما. روي عنه علي بن يحيي بن علي الحلي والحسن ابن صبيح الحائري وآخرون. وكان علي رأس الستمائة. ذكره ابن أبي طي» «1» .

فأين الكنية «أبو نصر» ؟

وأين الجملة: «وهو من محدِّثي الشيعة وصاحب رجالهم» ؟

بين المثبتين والمنكرين من أهل السنّة … ص: 371

ثمّ إنّ المثبتين للقياس من أهل السنّة يشنّعون علي المنكرين له __________________________________________________

(1) لسان الميزان 7: 252/ 8983.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 372

ويذمّونهم الذمّ الشديد، حتّي جاء في (شرح البخاري) لابن الملقّن أنّه: «قال المزني: فوجدنا بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أئمّة الدين فهموا عن اللَّه تعالي وما انزل إليهم وعن الرسول ما أوجب عليهم، ثمّ الفقهاء إلي اليوم هلمّ جرّاً استعملوا المقاييس والنظائر في أمر دينهم، فإذا ورد ما لم ينصّ عليه نظروا، فإنْ وجدوه مشبّهاً لما سبق الحكم فيه

من الشارع أجروا حكمه عليه، وإنْ كان مخالفاً له فرّقوا بينه وبينه، فكيف يجوز لأحدٍ إنكار القياس؟ ولا ينكر ذلك إلّامن أعمي اللَّه قلبه وحبّب إليه مخالفة الجماعة» .

وإذا كان هذا حال المنكرين للقياس، فهلمّ معي لنري من هم المنكرون له؟

قال الحافظ ابن حجر في (شرح البخاري) نقلًا عن ابن بطّال:

«أوّل من أنكر القياس إبراهيم النظّام وتبعه بعض المعتزلة، وممّن ينسب إلي الفقه داود بن علي، وما اتّفق عليه الجماعة هو الحجّة، فقد قاس الصحابة ومن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار، وباللَّه التوفيق» «1» .

ثمّ قال ابن حجر:

«وتعقّب بعضهم الأوليّة التي ادّعاها ابن بطّال: بأنّ إنكار القياس ثبت عن ابن مسعود من الصحابة، ومن التابعين عن عامر الشعبي من فقهاء الكوفة، وعن محمّد بن سيرين والحسن من فقهاء البصرة، وذلك مشهور عنهم، نقله ابن عبدالبر، ومن قبله الدارمي وغيره عنهم وعن غيرهم» «2» .

__________________________________________________

(1) فتح الباري في شرح البخاري 13: 253.

(2) المصدر نفسه 13: 253.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 373

ومن المنكرين للقياس: أبو بكر أحمد بن أبي عاصم النبيل، قال ابن حجر في (لسان الميزان):

«أبوبكر ابن أبي عاصم، عن عبدالجبّار بن العلاء العطّار، وعنه عبداللَّه ابن محمّد بن جعفر شيخ أبي نعيم. قال ابن القطّان: لا أعرفه، كذا قال، وهو إمام ثقة حافظ مصنّف لا يجهل مثله انتهي كلام شيخنا.

وهو: أحمد بن عمر وبن أبي عاصم النبيل، واسم أبي عاصم الضحاك ابن مخلد الشيباني …

وله الرحلة الواسعة والتصانيف الكثيرة في الأبواب.

روي عنه: محمّد بن حسان، وأبو أحمد الغسّاني وأحمد بن بندار الشعار وأحمد بن المفيد السمسار، وآخرون.

قال أبو سعد ابن الأعرابي في طبقات النسّاك: سمعت إنّه كان

يذكر أنّه يحفظ لشقيق البلخي ألف مسألة، وكان من حفّاظ الحديث والفقه، وكان يذهب إلي القول للقول بترك القياس.

قال أبو نعيم الحافظ: كان ظاهري المذهب، ولي القضاء بعد صالح بن أحمد، وترجم له موسي ومات في ربيع الآخر سنة 287» «1» .

ومنهم: داود الظاهري كما عرفت، وهو من كبار الأئمة، فقد قال السبكي في (الطبقات) بترجمته:

«داود بن علي بن خلف بن سليمان البغدادي الإصبهاني، إمام أهل الظاهر، ولد سنة مائتين وقيل سنة اثنتين ومائتين، وكان أحد أئمة المسلمين وهداتهم، وله في فضل الشافعي رحمه اللَّه مصنّفات، سمع سليمان بن حرب __________________________________________________

(1) لسان الميزان 7: 592- 593/ 9669 وفي ط 7: 20.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 374

والقعنبي وعمرو ابن مرزوق ومحمّد بن كثير العبدي ومسدداً وأبا ثور وإسحاق ابن راهويه، رحل إليه إلي نيسابور، فسمع منه المسند والتفسير، وجالس الأئمة وصنّف الكتب.

قال أبوبكر الخطيب: كان إماماً ورعاً ناسكاً زاهداً … » «1» .

وقال ابن خلّكان:

«أبو سليمان داود بن علي بن خلف الإصبهاني، الإمام المشهور المعروف بالظاهري، كان زاهداً متقلّلًا كثير الورع، أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وأبي ثور، كان من أكثر الناس تعصّباً للإمام الشافعي رضي اللَّه عنه، وصنّف في فضائله والثناء عليه كتابين، وكان صاحب مذهب مستقلّ، وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهريّة، وكان ولده أبوبكر محمّد علي مذهبه، وسيأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالي، وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد. وقيل: إنّه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر» «2» .

ومنهم: ابن حزم الأندلسي، الذي قال ابن خلكان بترجمته:

«كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنّة، بعد أن كان شافعيّ المذهب، فانتقل إلي

أهل الظاهر، وكان متقناً في علوم جمّة، عاملًا بعلمه زاهداً في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك، متواضعاً ذا فضائل وتواليف كثيرة …

قال ابن بشكوال في حقّه: كان أبو محمّد أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم أهل الإسلام وأوسعهم معرفة، مع توسّعه في علم اللسان ووفور حظّه __________________________________________________

(1) طبقات الشافعية الكبري 2: 284/ 66.

(2) وفيات الأعيان 2: 255/ 223.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 375

من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار، أخبر ولده أبو رافع الفضل إنّه اجتمع عنده بخطّ أبيه من تواليفه نحو أربعمائة مجلّد يشتمل علي قريب من ثمانين ألف ورقة.

وقال الحافظ أبو عبداللَّه محمّد بن فتوح: ما رأيت مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدّين» «1» .

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 3: 325/ 448.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 379

3) الإستحسان … ص: 379

حقيقة الإستحسان … ص: 379

لا يخفي أن موارد فتاوي القوم علي خلاف الكتاب والسنّة، بل إتّباعاً للهوي، كثيرة لا تحصي …

ومع ذلك، فإنّ من جملة أدلّتهم هو «الإستحسان» وهو ليس إلّاالحكم بما تهواه الأنفس، ولا شاهد عليه من الكتاب والسنّة، ومن هنا قال الشافعي بأنّ الإستحسان تشريع محض كما حكاه شارح (مختصر الاصول):

«الإستحسان: قال الحنفيّة والحنابلة يكون دليلًا، وأنكره غيرهم.

قال الشافعي: من استحسن فقد شرّع، يعني من أثبت حكماً بأنّه مستحسن عنده من غير دليل من قبل الشارع فهو الشارع لذلك الحكم، لأنّه لم يأخذه من الشارع، وهو كفر أو كبيرة» «1» .

فقال الكرماني في حاشيته (النقود والردود):

«قوله: فهو الشارع، أي الواضع، وإثبات الحكم من تلقاء نفسه بلا دليل كفر إن اعتقد جوازه له، أو كبيرة إن لم يعتقد الجواز» .

وقال الدهلوي في

(الإنصاف) في بيان موارد مخالفة الشافعي:

«ومنها: إنّه رأي قوماً من الفقهاء يخلطون الرأي الذي لم يسوّغه الشرع بالقياس الذي أثبته، فلا يميّزون واحداً منهما من الآخر، ويسمّونه تارة

__________________________________________________

(1) شرح مختصر الاصول 2: 459.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 380

بالاستحسان، وأعني بالرأي أن ينصب مظنّة حرج أو مصلحة علّة لحكم، وإنّما القياس أن تخرج العلّة من الحكم المنصوص ويدار عليها الحكم، فأبطل هذا النوع أتمّ إبطال وقال: من استحسن فإنّه أراد أن يكون شارعاً؛ حكاه ابن الحاجب في مختصر الاصول.

مثاله: رشد اليتيم أمر خفي، فأقاموا مظنّة الرشد- وهو بلوغ خمس وعشرين سنة- مقامه وقالوا: إذا بلغ اليتيم هذا العمر سلّم إليه ماله، قالوا: هذا إستحسان، والقياس أن لا يسلم إليه.

وبالجملة، فلمّا رأي الشافعي في صنيع الأوائل مثل هذه الامور أخذ الفقه من الرأس، فأسّس الاصول وفرّع الفروع، وصنّف الكتب، فأجاد وأفاد واجتمع عليها الفقهاء» «1» .

أقول:

فبمثل هذه الكلمات يعرف حال أبي حنيفة وغيره ممّن يستعمل الاستحسان في الدين!

وكذلك قال الدهلوي في كتابه (حجة اللَّه البالغة).

فتأمّل حتّي يأتيك اليقين، ولا تكن ممّن يضلّ عن الدين بتسويلات الشياطين، واللَّه الموفّق والمعين.

الإستحسان من أسباب تحريف الدين … ص: 380

وهذه عبارة الدهلوي في بيان أسباب تحريف الدين:

__________________________________________________

(1) الانصاف في بيان اسباب الاختلاف: 44- 45.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 381

«ومنها: الإستحسان، وحقيقته أن يري رجل الشارع يضرب لكلّ حكمة مظنّة مناسبة، ويراه يعقد التشريع، فيختلس بعض ما ذكرنا من أسرار التشريع، فيشرع للنّاس حسبما عقل من المصلحة، كما أنّ اليهود رأوا أنّ الشارع إنّما أمر بالحدود زجراً عن المعاصي للإصلاح، ورأوا أنّ الرجم يورث اختلافاً وتقاتلًا بحيث يكون في ذلك أشدّ الفساد، واستحسنوا تحميم الوجه والجلد، فبين النبيّ صلّي

اللَّه عليه وآله وسلّم أنّه تحريف ونبذ لحكم اللَّه المنصوص في التوراة بآرائهم» «1» .

وقال الغزالي في (المنخول) في كتاب القياس:

«الباب السادس في الاستحسان: قال الشافعيّ: من استحسن فقد شرّع.

ولابدّ أوّلًا من بيان حقيقة الاستحسان، وقد قال قائلون من أصحاب أبي حنيفة: الاستحسان مذهب لا دليل عليه، وهذا كفر من قائله وممّن يجوّز التمسّك به، فلا حاجة فيه إلي دليل.

وقال قائلون: هو معني خفي مقيس لا عبارة عنه، وهذا أيضاً هوس، فإنّ معاني الشرع إذا لاحت في العقول انطلقت الألسن بالتعبير عنها، فما لا عبارة عنه لا يعقل.

والصحيح في ضبط الإستحسان ما ذكره الكرخي، وقد قسّمه أربعة أقسام:

منها: إتّباع الحديث وترك القياس، كما فعلوا في مسألة القهقهة ونبيذ التمر.

ومنها: إتّباع قول الصحابي علي خلاف القياس، كما قالوا في تقدير

__________________________________________________

(1) حجة اللَّه البالغة 1: 121.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 382

اجرة ردّ العبد الآبق بأربعين درهماً، اتّباعاً لابن عبّاس، وتقدير ما يحطّ عن قيمة العبد إذا ساوي دية الحرّ أو زاد بعشرة، اتّباعاً لابن مسعود.

ومنها: إتّباع عادات النّاس وما يطّرد به عرفهم، كمصيرهم إلي أنّ المعاطاة صحيحة؛ لأنّ الأعصار لا تنفك عنه، ويغلب علي الظنّ جريانه في عصر الرسول.

ومنها: إتّباع معني خفي هو أخصّ بالمقصود وأمسّ له من المعني الجلي.

فنقول: أمّا اتّباع الخبر تقديماً له علي القياس فواجب عندنا، وأبو حنيفة لم يفت به في مسألة المصراة والعرايا وخيار المتبايعين، فلم يستحسنوا اتّباع هذه الأحاديث مع اتّفاق أئمة الحديث علي صحّتها وضعف حديث القهقهة.

وأمّا قول الصحابي إذا خالف القياس، فهو متّبع عندنا، وخالف أبو حنيفة في مسألة تغليظ الدية مع ما نقل فيه من الصحابة، وتقدير ابن عبّاس اجرة الآبق بأربعين يحتمل

أن يكون بحكم مصالحة أو مصلحة اقتضاها نزاع في تلك الحال، وقول ابن مسعود في قيمة العبد يلتفت إلي قياس الدية ومراعاتها، وتقديره في الحطّ ملاحظة لنصاب السرقة فإنّه عظيم في الشرع يظهر التفاوت به فلذلك لم نتّبعه.

وأمّا دعواه بأنّ عمل النّاس متّبع في المعاطاة؛ لأنّ الأعصار فيه تتقارب، تحكّم؛ فإنّا نعلم أنّ العقود الفاسدة والربويّات في عصرنا أكثر منه في ابتداء الإسلام وصفوته، وعوام الناس لا مبالاة بإجماعهم حتّي يتمسّك بعملهم.

وأمّا اتّباع المعني الخفي إذا كان أخصّ، فهو متّبع، لأنّ الجلي الذي لا يمسّ المقصود باطل معه إذ هو مقدّم عليه، ولكن أباحنيفة لم يفت بموجبه استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 383

حتّي أتي بالعجائب والآيات وسمّاه استحساناً فقال: يجب الحدّ علي من شهد عليه أربعة بالزناء في أربع زوايا كلّ واحد يشهد علي زاوية. وقال: لعلّه كان ينزحف في زنية واحدة في الزوايا، وأيّ استحسان في سفك دم مسلم بمثل هذا الخيال، مع أنّه لو خصّص كلّ واحد شهادته بزمان وتقاربت الأزمنة واحتمل استدامة الزنا في مثلها لا حدّ، وذلك أغلب في العرف من شغل زوايا البيت بزناء واحد، فهذا وأمثاله من الإستحسانات باطلة، وما استند إلي مأخذ ممّا ذكرناه صحيح فهو مقول به» «1» .

__________________________________________________

(1) المنخول للغزالي: 374- 377.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 387

4) تكفير بعضهم بعضا … ص: 387

* قد عرفت آنفاً أنّ أكابر الأساطين من أهل السنّة يكفّرون أباحنيفة النعمان، فقد نقل ذلك الحافظ الخطيب عن الحميدي- شيخ البخاري- وعن سعيد بن المسيّب وغيرهما …

* وأنّ الشيخ عبدالقادر الجيلاني قال بضلال الحنفيّة، وأنّهم من الفرق الهالكة في النّار …

* وأنّ الغزالي قال في (المنخول) بكفر أبي حنيفة وضلالته …

* وأنّ القاضي العضد والكرماني

صرّحا بأنّ القول بالإستحسان من الكبائر أو من أسباب الكفر، وأنّ الشافعي قال: من استحسن فقد شرّع …

* وأنّ الثوري قال: بأنّ أباحنيفة قد نقض الإسلام عروةً عروة، وأنّه لم يولد في الإسلام أشأم منه …

* وأنّ قصّةصلاة القفال أيضاً تشتمل علي تكفير أبي حنيفة وأتباعه، فكان حكاية ذلك سبباً لتكفير عليم اللَّه بن عبدالرزاق المكي الحنفي في كتابه (السيف المسلول) الغزاليَّ وإمام الحرمين، إذ قال في جواب اليافعي: «وأمّا رابعاً: فلأنّكم حكمتم بمقتضي قولكم هذه الصلاة لا يجوّزها ذو دين: أنّ الإمام لا دين له، وأنّ ما ذهب إليه باطل. وفي هذا إنكار الإجماع وهو كفر» .

* وقال القاري في كتابه في جواب رسالة إمام الحرمين: «ثمّ اعلم أنّي كنت أظنّ أنّ الرسالة المصنوعة إنّما تكون علي إمام الحرمين موضوعة، لكنْ استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 388

رأيت في بعض الكتب أنّه ذكرها اليافعي في كتابه (مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقلّب أحوال الإنسان) إلّاأنّ ما حسبوه شراباً كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً، أو كدواء لا يزيد العليل إلّاداء، وقد قال اللَّه عزّ وجلّ «وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون» وقال عزّ وجلّ: «ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون» وقال سبحانه: «يريدون ليطفئوا نور اللَّه بأفواههم ويأبي اللَّه إلّاأن يتمّ نوره ولو كره الكافرون» .* وكلام القاري في جواب صلاة القفال صريح في تكفير القفال …

* وقال الفخر الرازي في رسالته في ترجيح مذهب الشافعي في ذكر فتاوي الحنفيّة: «مسألة: يجوز عندهم الخروج من الصلاة بالضراط وسائر الأحداث، والدليل علي بطلانه ما ذكرنا من أنّ الرسول صلّي اللَّه عليه وسلّم لم يفعل ذلك، فوجب أنْ يجب علينا أنْ لا

نفعله، لقوله تعالي: «فاتّبعوه» . ثمّ نقول: إنّ أحداً من فسّاق المسلمين لا يفعل ذلك، ولو فعل أحد ذلك لقالوا إنّه ملحد قد استخفّ بالدين والشرع، بل عندهم أنّ ترك الصلاة أهون بكثير من الصلاة المشتملة علي هذه الفضائح» .

* وابن قتيبة عدّ أباحنيفة وأبايوسف ومحمّد بن الحسن في المرجئة «1» ، والمرجئة- كما في الأحاديث الكثيرة عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- زنادقة ملحدون.

* وقد صرّح الذهبي بكون حمّادٍ من المرجئة «2» .

* وقال يحيي بن معين في محمّد بن الحسن: جهمي كذّاب ومبطل __________________________________________________

(1) كتاب المعارف: 625.

(2) ميزان الاعتدال 2: 364- 365/ 2256.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 389

مرتاب «1» .

* وقال أبوالمؤيّد الخوارزمي (في جامع المسانيد) بضلال سفيان الثوري ومحمّد بن عبدالرحمن بن أبي ليلي وشريك والحسن بن صالح، ونسبهم إلي مذهب الخوارج.

* وذكر في كتاب (الدرّ المختار) أشعارٌ لابن المبارك في مدح أبي حنيفة منها قوله:

«فلعنة ربّنا أعداد رملٍ علي من ردّ قول أبي حنيفة» «2»

وهذه اللعنة تتوجّه إلي الشافعي وأتباعه … بل إنّها تشمل محمّد بن الحسن والقاضي أبا يوسف أيضاً، لأنّهما ردّا علي كثيرٍ من أقوال أبي حنيفة.

* وكفّر الفضلي- وهو من الأئمّة المشاهير- الشافعيّة، علي ما نقل عنه شمس الدين القهستاني في كتاب (جامع الرموز) فقد جاء فيه: «[ولا] للمسلم نكاح امرأة [كافرة غير كتابية] كالوثنيّة والمجوسيّة والمرتدّة، كما أشار إليه، فلا يجوز به الوطي كما بملك اليمين. وفيه إشارة إلي أنّه يصحّ نكاح صابئية، قوم من النصاري يعظّمون الكواكب كتعظيم المسلمين الكعبة، وإلي أنّه لا يصحّ نكاح كتابيّة، قوم يعبدونها كعبادة الكافرين الأوثان، والأوّل قوله والثاني قولهما، فالخلاف بينهما لفظيّ كما

تري، وإلي أنّه لا يصحّ نكاح المعتزلة، لأنّها كافرة عندنا، وإلي أنّه لا يصحّ نكاح الشافعيّة، لأنّها صارت كافرة بالاستثناء، علي ما روي عن الفضلي، ومنهم من قال نتزوّج بناتهم، الكلّ في __________________________________________________

(1) انظر الضعفاء الكبير للعقيلي 4: 52/ 1606، الكامل في ضعفاء الرجال 6: 2183.

(2) الدر المختار 1: 68.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 390

المحيط. ولعلّ ترك التعرّض بمثله أولي، فإنّهم متأوّلون في ذلك كما بُيّن في محلّه» .

* وقال أبو شكور السلمي الحنفي بكفر الأشاعرة، وأخرجهم من أهل السنّة والجماعة عندما قال في (التمهيد في بيان التوحيد): «قال أهل السنّة والجماعة: إنّ اللَّه تعالي لم يزل خالقاً موصوفاً بهذه الصفة وسائر الصفات من صفات الفعل، وقالت الأشعريّة والكراميّة: ما لم يخلق الخلق لم يكن خالقاً، وهذا كفر» .

* ونقل شهاب الدين الكازروني في (رسالة علم الباري) عن الغزالي أنّه قال: «الكفر تكذيب الرسول في شي ء ممّا جاء به ضرورةً، فالأشعري يكفّر الحنبلي بإثباته الفوق واليد والاستواء، لأنّه تكذيب «ليس كمثله شي ء» والحنبلي الأشعريَّ بنفيها، لأنّه تكذيب صريح للنصوص» .

* وتكلّم ابن حجر المكّي في (شرح الشمائل) في ابن تيميّة وابن القيّم، وجعلهما من الظالمين والجاحدين، وصرّح بأنّهما يثبتان الجهة والجسميّة للباري تعالي، ووصفهما بسوء الإعتقاد وقول الزور والكذب، وبالضلال والبهتان ثمّ قال في حقّهما: «قبّحهما اللَّه وقبّح من قال بقولهما» ، وأيضاً، فقد نصَّ علي أنّ اعتقادهما كفر عند الأكثرين.

* وقول ابن تيميّه بقدم العرش- وهو كفر محض- مذكور في (شرح العقائد) للدواني.

* وفي (تاريخ اليافعي) أنّه قد نودي في دمشق وغيره أنّ من كان علي عقيدة ابن تيميّة فدمه وماله حلال «1» .

__________________________________________________

(1) مرآة الجنان 4: 180.

استخراج المرام من استقصاء الافحام،

ج 3، ص: 391

* وقال ابن حجر العسقلاني في (الدرر الكامنة) إنّهم قالوا في ابن تيميّة: زنديق، ومنافق «1» .

* وقد تناول ابن حجر المكّي ابن تيميّة بالتضليل في سائر مؤلَّفاته، ففي (الجوهر المنظّم في زيارة القبر المعظّم):

«فإن قلت: كيف تحكي الإجماع السابق علي مشروعيّة الزيارة والسفر إليها وطلبهما، وابن تيميّة من متأخّري الحنابلة منكر لمشروعيّة ذلك كلّه، كما رواه السبكي في حطّه، وأطال- أعني ابن تيميّة- في الاستدلال لذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع، بل زعم حرمةالسفر لها إجماعاً، وأنّه لا تقصر فيه الصلاة، وأنّ جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة، وتبعه بعض من تأخّر عنه من أهل مذهبه.

قلت: مَن ابن تيميّة حتّي ينظر إليه أو يعوّل في شي ء من امور الدين عليه؟ وهل هو إلّاكما قال جماعة من الأئمة- الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتّي أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعزّ ابن جماعة-: عبد أضلّه اللَّه وأغواه وألبسه رداء الخزي وأرداه، وبوّأه من قوّة الإفتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان؟!

ولقد تصدّي شيخ الإسلام وعالم الأنام المجمع علي جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته التقي السبكي- قدّس اللَّه روحه ونوّر ضريحه- للردّ عليه في تصنيف مستقل، أفاد فيه وأجاد فأصاب وأوضح بباهر حججه طريق الثواب، فشكر اللَّه مسعاه وأفاض عليه شآبيب رحمته ورضاه.

ومن عجائب الوجود ما تجاسر عليه بعض الحنابلة، فغبر في وجوه __________________________________________________

(1) الدرر الكامنة 1: 155.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 392

مخدّراته الحسان التي لم يطمثهنّ إنس قبله ولا جان، وأتي بما دلّ علي جهله وأظهر به عوار غباوته وعدم فضله، فليته إذا جهل استحيي من ربّه وعساه إذا فرّط وأفرط رجع إلي لبّه، لكن إذا غلبت الشقاوة

واستحكمت الغباوة فعياذاً بك اللّهمّ من ذلك، وضرعة إليك في أن تديم لنا سلوك أعظم المسالك.

هذا، وما وقع من ابن تيميّة ممّا ذكر- وإن كان عثرة لا تقال أبداً، ومصيبة يستمرّ عليه شؤمها دواماً وسرمداً- ليس بعجيب، فإنّه سوّلت له نفسه وهواه وشيطانه إنّه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب، وما دري المحروم أنّه أتي بأقبح المعائب، إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة، وتدارك علي أئمّتهم- سيّما الخلفاء الراشدين- باعتراضات سخيفة شهيرة، وأتي من نحو هذه الخرافات بما يمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع، حتّي تجاوز إلي الجناب الأقدس المنزّه عن كلّ نقص، والمستحقّ لكلّ كمال أنفس، فنسب إليه العظائم والكبائر، وخرق سياج عظمته وكبرياء جلالته بما أظهره للعامة علي المنابر، من دعوي الجهة والتجسيم وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدّمين والمتأخرين، حتّي قام عليه علماء عصره، وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره، فحبسه إلي أن مات وخمدت تلك البدع، فزالت تلك الظلمات، ثمّ انتصر له أتباع لم يرفع اللَّه لهم رأساً، ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً، بل «ضربت عليهم الذلّة والمسكنة وباؤوا بغضب من اللَّه ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» » .* وكفَّر بعض فقهاء اليمن فقهاء زبيد، كما ذكر اليافعي في (مرآة الجنان):

«وفقهاء جبال اليمن مخالفون لفقهاء تهامتها، كما ذكر ابن سمرة أنّه وقع استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 393

في زمان صاحب البيان تكفير من بعض فقهاء الجبال لفقهاء زبيد، هذا كلّه لانطوائهم علي الجمود، وعدولهم عن الطريق المحمود» «1» .

* وقال الحنفيّة بكفر البخاري، كما في كتاب (فصول الإحكام في أصول الأحكام):

«ذكر أبو سهل بن عبداللَّه، وهو أبو سهل الكبير، عن كثير من السلف رحمهم اللَّه

أنّ من قال القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال الإيمان مخلوق فهو كافر. وحكي أنّه وقعت هذه المسألة بفرغانة، فاتي بمحضر منها إلي أئمة بخارا فكتب فيه الشيخ الإمام أبوبكر بن حامد والشيخ الإمام أبو حفص الزاهد والشيخ الإمام أبوبكر الإسماعيلي رحمهم اللَّه: أنّ الإيمان غير مخلوق، ومن قال بخلقه فهو كافر، وقد خرج كثير من الناس من بخارا منهم محمّد بن إسماعيل صاحب الجامع بسبب قولهم الإيمان مخلوق» .

* ومضر وكهمس وأحمد الهجيمي، كفّرهم القوم، لما ذهبوا إليه واعتقدوه من العقائد الفاسدة.

* وكذلك مقاتل بن سليمان.

* ونعيم بن حماد.

وهو من كبار علماء القوم ومن مشايخ البخاري وأبي داود والترمذي وابن ماجة، من مشاهير المجسّمة، وقد حكي الحافظ ابن الجوزي عنه القول بإثبات الوجه والأعضاء للباري عزّوجلّ «2» .

* وابن مندة أيضاً من القائلين بالجهة، بل لقد ردّ اليافعي شهادة الذهبي __________________________________________________

(1) مرآة الجنان 3: 249- 250.

(2) دفع شبه التشبيه: 152 تحقيق حسن السقّاف.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 394

ببراءته من التجسيم وقال بأنّها شهادة علي أمرٍ باطل.

* وصرّح اليافعي بأنّ مذهب المتأخّرين من الحنابلة هو القول بالجهة وبالصوت والحروف في كلامه تعالي، فقد ذكر اليافعي بعد ما أورده عن ابن سمرة أنّ يحيي بن أبي الخير صاحب كتاب البيان- وهو شافعي المذهب- كان ينتصر للحنابلة:

«أمّا ما ذكر من كون عقيدته حنبليّة، فصحيح بالنسبة إلي الحنابلة المتأخرين، حاشي الإمام أحمد والمتقدمين منهم، وقد أوضحت ذلك وأشبعت الكلام فيه في كتاب المرهم، وإليه أشرت بقولي:

وفي حشوٍ مات كسوفان أظلما هما جهة وأحرف حاشا ابن حنبل أعني: أنّ ذلك مذهب الحشويّة بعد أن استقرّت البدور لأئمّة كلّ مذهب، وذكرت أنّ بدور المذاهب الثلاثة

أنارت، وأنّه حصل في بدور مذهب كسوفان مظلمان، وهما ما ذكرت من القول بالجهة والحرف والصوت في كلام اللَّه تعالي.

أمّا ما ذكرت من كون الإمام أحمد والمتقدّمين من أصحابه براء ممّا ادّعاه المتأخرون منهم، فممّن نصّ علي ذلك بعض الحنابلة وهو الإمام أبوالفرج ابن الجوزي، حتّي ذكر أنّهم صاروا سبَّةَ علي المذهب باعتقادهم الذي يتوهّم غيرهم أنّه مذهب أحمد، وليس العجب من حنابلة الفروع وإنّما العجب من شافعيّة الفروع كصاحب البيان المذكور، ومن تابعه من أهل الجبال» «1» .

أقول: القول بجسمية الباري وإثبات الجهة والمكان له، وإنكار صفاته __________________________________________________

(1) مرآة الجنان وعبرة اليقظان 3: 247.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 395

الأزلية، موجب للكفر بالإجماع كما في (التحفة الاثني عشرية) «1» .

وكما قال الحنابلة بقدم الحرف والصوت، فقد قالوا بقدم جلد كلام اللَّه أيضاً كما في (المواقف):

«ثمّ قال الحنابلة كلامه تعالي حرف وصوت يقومان بذاته وإنّه قديم، وقد بالغوا فيه حتّي قال بعضهم جهلًا: الجلد والغلاف قديمان» «2» .

* وابن حبّان، وهو من كبار أئمة القوم في الفقه والحديث والجرح والتعديل، قالوا بكفره، لبعض عقائده «3» .

* وكذا الحكيم الترمذي، قال المناوي في (فيض القدير):

«قال السّلمي: نفوه من ترمذ وشهدوا عليه بالكفر، بسبب تفضيله الولاية علي النبوّة، وإنّما مراده ولاية النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم» «4» .

وفي (مفتاح كنز الدراية):

«قال السّلمي: نفوه من ترمذ بسبب تاليفه كتاب ختم الولاية وكتاب علل الشريعة وقالوا: زعم أنّ للأولياء خاتماً وأنّه يفضّل الولاية علي النبوّة، واحتجّ بقوله عليه السلام: يغبطهم النبيّون والشهداء، وقال: لو لم يكونوا أفضل منهم لم يغبطوهم … » «5» .

وفي (لسان الميزان):

«وممّا أنكر عليه أنّه كان

يفضّل الولاية علي النبوّة، ويحتجّ بحديث:

__________________________________________________

(1) التحفة الاثنا عشرية: 141- 142.

(2) شرح المواقف في علم الكلام 3: 128.

(3) ميزان الاعتدال 6: 99/ 7352، لسان الميزان 6: 9/ 7233 ترجمة ابن حبان.

(4) فيض القدير- شرح الجامع الصغير 1: 116.

(5) مفتاح كنز دراية المجموع- مخطوط.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 396

يغبطهم النبيّون، قال: لو لم يكونوا أفضل لما غبطوهم» «1» .

* وصاحب (قوت القلوب) كفّروه ونقلوا عنه قوله:

«ليس علي المخلوقين أضرّ من الخالق» ففي (ميزان الاعتدال):

«محمّد بن عليّ بن عطيّة، أبوطالب المكي، الزاهد الواعظ، صاحب القوت حدّث عن عليّ بن أحمد المصيصي والمفيد، وكان مجتهداً في العبادة، وحدّث عنه عبدالعزيز الأزجي وغيره.

قال الخطيب: ذكر في القوت أشياء منكرة في الصفات، وكان من أهل الجبل ونشأ بمكّة، قال لي أبوطالب العلّاف: إنّ أباطالب وعظ ببغداد وخلط في كلامه وحفظ عنه أنّه قال: ليس علي المخلوقين أضرّ من الخالق، فبدّعوه وهجروه، فبطل الوعظ، مات سنة ست وسبعين وثلاثمائة» «2» .

* وفي القوم جماعة- كالسهيلي وابن قتيبة وغيرهما- يقولون بوجود السّفاح في نسب نبيّنا صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم. وقد قال عدّة من الأعلام- كالحافظ مغلطاي والقطب الحلبي ومحمد بن يوسف الشامي- بأنّ من يقول هذا فهو كافر وخارج من جماعة المسلمين.

* ومنهم من يقول بكفر مجوّز المتعة، كما في كتاب (التمهيد في بيان التوحيد):

«وأمّا المتعة، فكانت مباحة ثمّ نسخت بآية النكاح، واجتمعت الامّة علي نسخها، ومن أباح يصير كافراً» .

* والشيخ علي القاري قال في (شرح الشمائل) بكفر من قرأ الشعر

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 6: 393/ 7888.

(2) ميزان الاعتدال 6: 266- 267/ 7982.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 397

المتضمّن أنّ هجرة

النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كانت فراراً، فقد ذكر بعد نقل قول سلمة بن الأكوع «مررت علي رسول اللَّه منهزماً» :

«فقال العلماء: قوله «منهزماً» حال من ابن الأكوع كما صّح الخبر بانهزامه، ولم يرد أنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم انهزم، إذ لم يقل أحد من الصحابة أنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم انهزم في موطن من المواطن، ومن ثمّ أجمع المسلمون علي أنّه لا يجوز عليه الإنهزام، فمن زعم أنّه انهزم في موطن من مواطن الحرب، ادّب تأديباً عظيماً لائقاً بعظم جريمته، إلّاأن يقوله علي جهة التنقيص، فإنّه يكفر فيقتل، ما لم يتب علي الأصح عندنا ومطلقاً عند مالك وجماعة من أصحابنا، وبالغ بعضهم فنقل فيه الإجماع، بل لو أطلق ذلك قتل عندهم، علي ما أشار إليه بعض محقّقيهم، إنتهي.

فما وقع لبعض سلاطين ماوراء النهر- وهو عبيداللَّه خان- في بيته المشهور المنسوب إلي الملّا جامي، حيث جعل هجرته صلّي اللَّه عليه وسلّم من مكّة إلي المدينة فراراً، أقبح من ذلك كلّه، فالحذر الحذر من التلفّظ ببيته علي وجه الاستحسان، فإنّه كفر صريح عند العلماء الأعيان العارفين بالمعاني والبيان» .

وفي (الشفاء) عن القاضي أبي عبداللَّه بن مرابط المالكي:

«من قال إنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم هزم، يستتاب، فإن تاب وإلّا فيقتل، لأنّه تنقّص، إذ لا يجوز ذلك عليه في خاصّته، إذ هو علي بصيرة من أمره ويقين من عصمته» «1» .

__________________________________________________

(1) الشفا في بيان حقوق المصطفي 2: 482- 483.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 399

الخاتمة … ص: 399

اشارة

* حديث الحوض * ممّا ورد عن أئمّة أهل البيت في الصحابة

* من نوادر الأخبار في أمر الخلافة

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 403

حديث الحوض … ص: 403

حديث الحوض وضرورة الاعتقاد به … ص: 403

قال العلّامة الحلّي رحمه اللَّه:

«المطلب الخامس، فيما رواه الجمهور في حقّ الصحابة.

روي الحميدي، في الجمع بين الصحيحين، في مسند سهل بن سعد، في الحديث الثامن والعشرين، من المتّفق عليه، قال: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: أنا فرطكم علي الحوض، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردنَّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثمّ يحال بيني وبينهم.

قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبي عياش- وأنا احدّثهم- هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلًا يقول؟ قال: فقلت: نعم. قال: أشهد علي أبي سعيد الخدري سمعته يزيد: إنّهم من امّتي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي» «1» .

قال:

«وروي الحميدي، في الجمع بين الصحيحين، من المتّفق عليه، في الحديث الستين، من مسند عبداللَّه بن عباس قال: إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: ألا وإنّه سيجاء برجال من امّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد

__________________________________________________

(1) نهج الحق وكشف الصدق: 314.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 404

الصالح «وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلمّا توفّيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علي كلّ شي ء شهيد* إنْ تعذّبهم فإنّهم عبادك» فيقال لي: فإنّهم لم يزالوا مرتدّين علي أعقابهم منذ فارقتهم» «1» .

وفي الجمع بين الصّحيحين أيضاً، في الحديث السابع والستّين بعد المأتين من المتّفق عليه، في مسند أبي هريرة، من عدّة طرق، قال قال النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: بينا

أنا قائم، إذا زمرة، حتّي إذا عرفتهم، خرج رجل بيني وبينهم فقال: هلمّوا، فقلت: إلي أين؟ فقال: إلي النار واللَّه. قلت: ما شأنهم؟

قال: إنّهم ارتدّوا بعدك علي أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلّامثل همل النعم» «2» .

وقال الشيخ الصدوق رحمه اللَّه:

«اعتقادنا في الحوض:

إنّه حقّ، وأنّ عرضه مابين أيلة وصنعاء، وهو للنبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وأنّ فيه من الأباريق عدد نجوم السماء، وأنّ الساقي عليه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، يسقي منه أوليائه ويذود عنه أعدائه، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً. وقال النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: ليختلج قوم من أصحابي دوني وأنا علي الحوض فيؤخذ بهم ذات الشمال، فانادي يا رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» «3» .

وفي تفسير الشيخ عليّ بن إبراهيم القمي، في قوله تعالي: «يا أيّها

__________________________________________________

(1) نهج الحق وكشف الصدق: 314.

(2) نهج الحق وكشف الصدق: 314.

(3) الاعتقادات: 65/ 20.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 405

الرسول بلّغ ما انزل إليك … » :

«قال: نزلت هذه الآية في منصرف رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من حجّة الوداع، وحجّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم حجّة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة، وكان من قوله بمني أن حمد اللَّه وأثني عليه ثمّ قال:

أيّها الناس إسمعوا قولي فاعقلوه عنّي، فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا.

ثمّ قال: هل تعلمون أيّ يوم أعظم حرمة؟

قال النّاس: هذا اليوم.

قال: فأيّ شهر؟

قال النّاس: شهرنا هذا.

قال: وأيّ بلد أعظم حرمة؟

قالوا: بلدنا هذا.

قال: فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا

إلي يوم تلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت أيّها النّاس؟

قالوا: نعم.

قال: اللّهمّ اشهد.

ثمّ قال: ألا وكلّ مأثرةٍ أو بدع كانت في الجاهليّة، أو دم أو مال فهو تحت قدميّ هاتين، ليس أحد أكرم من أحد إلّابالتقوي، ألا هل بلّغت؟

قالوا: نعم.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 406

قال: اللّهمّ اشهد.

ثمّ قال: ألا وكلّ ربا في الجاهليّة فهو موضوع، وأوّل موضوع منه ربا للعبّاس بن عبدالمطّلب، ألا وكلّ دم كان في الجاهليّة فهو موضوع وأوّل دم موضوع منه دم ربيعة، ألا هل بلّغت؟

قالوا: نعم.

قال: اللّهمّ اشهد.

ثمّ قال: ألا، وإنّ الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ولكنّه راض بما تحتقرون من أعمالكم، ألا وإنّه إذا اطيع فقد عبد، ألا أيّها النّاس، إنّ المسلم أخو المسلم حقّاً، ولا يحلّ لامرء مسلم دم امرئ مسلم وماله إلّاما أعطي بطيبة نفس منه، وإنّي امرت أن اقاتل النّاس حتّي يقولوا لا إله إلّااللَّه، فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم وأموالهم لابحقّها وحسابهم علي اللَّه، ألا هل بلّغت أيّها النّاس؟

قالوا: نعم.

قال: اللّهمّ اشهد.

ثمّ قال: أيّها النّاس، إحفظوا قولي لتنتفعوا به بعدي وافهموه تنتعشوا، ألا لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف علي الدنيا، فإن أنتم فعلتم ذلك ولتفعلنّ، لتجدوني في كثيبة بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف، ثمّ التفت عن يمينه فسكت ساعة ثمّ قال: إن شاء اللَّه أو عليّ بن أبي طالب.

ثمّ قال: ألا وإنّي قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بها لن تضلّوا: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّي يردا

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 407

عليّ الحوض، ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا، ومن خالفهما فقد هلك،

ألا هل بلّغت؟

قالوا: نعم.

قال: اللّهمّ اشهد.

ثمّ قال: ألا، واللَّه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدّعون عنّي، فأقول ربّ أصحابي، فيقال: يا محمّد إنّهم قد أحدثوا بعدك وغيّروا سنّتك، فأقول:

سحقاً سحقاً … » «1» .

الكلام في فقه الحديث … ص: 407

ويقع البحث في معني الحديث، والمراد من «الإرتداد» ، ومن هم «المرتدّون» ؟

إنّ للإرتداد معنيين، عام وخاص، أمّا العام فهو المعني اللّغوي، أي الإعراض عن الشي ء والرجوع عنه، وهو يشمل جميع أنواع الإرتداد، سواء كان الإرتداد عن الإسلام أو الإرتداد عن الإيمان أو الإرتداد عن الأخلاق الحسنة والعادات الجميلة وأمثال ذلك.

وأمّا الإرتداد الخاص، فهو الإرتداد الشرعي، أي: الرجوع عن الإسلام واختيار الكفر، الموجب لجريان أحكام الكفّار في دار الدنيا علي الشخص.

وحمل حديث الحوض- لكونه مقيّداً بقوله «علي أعقابهم» - علي الإرتداد الشرعي غير جائز، فهو محمول- لا محالة- علي المعني العام، الشامل للإرتداد الشّرعي وغيره، فهو بهذا المعني يجتمع مع الإسلام الظاهري __________________________________________________

(1) تفسير القمي 1: 172.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 408

ولا منافاة بينهما.

ولمّا كان الواقع من أكثر الصّحابة هو الإرتداد الشرعي، والإرتداد عمّا كانوا عليه علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم، أمكن حمل حديث الحوض علي كلا المعنيين.

فمتي اطلق عنوان الارتداد علي أهل السقيفة وشاركهم غيرهم من المرتدّين ممّن لم يصل إلي حدّ الكفر، فالمراد الرجوع عن أصل الدين وواقعه، الذي يجتمع مع الإسلام الظاهري، ومتي اطلق عليهم أو علي من يماثلهم فقط، احتمل إرادة المعني الخاص واحتمل إرادة المعني العام، وإرادة الإرتداد الشرعي من لفظ «المرتدين» في «حديث الحوض» لا تستلزم كونه نصّاً في هذا المعني، لأنّ جعل هذا اللّفظ نصّاً في كفر أصحاب هذا الحديث أمر، وتطبيقه عليهم أمر آخر، ولا ملازمة

بين الأمرين.

وبما ذكرنا ظهر: عدم جواز حمل الإرتداد في حديث الحوض علي خصوص الإرتداد الشرعي- فلا يدخل في المراد منه من لم يصل إلي هذا الحدّ- وجواز حمله علي المعني العام الشامل للمعني الخاص، فيكون لفظ «الارتداد» في الحديث المذكور نظير لفظ «الدابة» مثلًا، فإنّه موضوع في الأصل ل «ما يدبّ علي الأرض» والمنقول في العرف إلي «ما له ظهر يركب من الحيوانات» فكان مستعملًا في كلا المعنيين، لكنْ لم يجز حمله في بعض الموارد إلّاعلي المعني العام وإن كان المعني الخاص داخلًا فيه، كما في قولهم: «الدابّة ما يدبّ علي الأرض» فإنّه لا يصحّ أن يراد منه خصوص «ما يركب من الحيوانات» بل المراد هو المعني العام، وإنْ كان شاملًا للمعني الخاص ويثبت له من الحكم ما ثبت للعام.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 409

ولفظ «الإرتداد» في حديث الحوض كذلك، فإنّه وإنْ لم يجز حمله علي المعني الخاص، وتجب إرادة المعني العام منه، لكنّ المعني الخاص داخل في المعني العام.

وإذا تبيّن معني «الارتداد» المراد في حديث الحوض، تبيّن مَن «المرتدون» فيه …

فإنّ المراد منهم كلّ الذين رجعوا عن الإسلام وأنكروا الشهادتين أو إحداهما، وكلّ الذين نقضوا ما عاهدوا عليه اللَّه ورسوله وإن كانوا يشهدون الشهادتين بألسنتهم.

نقد تمحّلات القوم في معني الحديث … ص: 409

فلا وجه لأن يحمل الحديث علي خصوص الذين ارتدّوا عن الإسلام وأنكروا رسالة النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، كما في كلام بعضهم كابن روزبهان، حيث قال:

«ما روي من الجمع بين الصحيحين: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقال له: لا تدري ما أحدثوا بعدك. فاتّفق العلماء أنّ هذا في أهل الردّة الذين ارتدّوا بعد وفاة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وهم كانوا

أصحابه في حياته ثمّ ارتدّوا بعده. ويدلّ عليه الأحاديث والأخبار التي سنذكر بعد هذا.

ولا شكّ أنّ هذا لم يرد في شأن جميع أصحاب محمّد صلّي اللَّه عليه وسلّم بالاجماع، لأنّ فيهم من لم يتغيّر ولم يبدّل بعده بلا خلاف، فهو من أهل النجاة بلا نزاع.

فإنْ اريد به من بدّل بعض التبديل ولم يبلغ الإرتداد، فليس في الأصحاب استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 410

إلّا من بدّل بعض التبديل، فيرجع الوعيد إلي الأكثر، فلزم أن لا يهتدي بمحمّدٍ صلّي اللَّه عليه وسلّم إلّانفر معدود في كلّ عصرٍ من الأعصار، وهذا ينافي ما ذكره رسول اللَّه من كثرة امّته يوم القيامة، وإنّه يباهي بهم الامم، كما ورد في صحاح الأحاديث.

وإنْ اريد به التبديل إلي حدّ الكفر فهو عين المدّعي.

فلزم من هذه المقدّمات إنّ هذا الحديث وأمثاله في هذا الباب واردة في شأن أهل الردّة كما قاله العلماء» «1» .

فكما أنّ أحداً من علماء الإماميّة لا يقول بأنّ المراد من حديث الحوض خصوص أهل السقيفة وأتباعهم، كذلك لا يجوز حمل الحديث وتنزيله علي خصوص المرتدين عن الإسلام كمسيلمة وأصحابه، بل الحديث عام ينطبق علي هؤلاء وهؤلاء، وأنّ جميعهم يستحقّون النار مخلَّدون في الجحيم والعذاب الأليم.

هذا، وربّما قال بعض أهل السنّة بأنّ في بعض ألفاظ الحديث أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال: «فأقول: اصيحابي اصيحابي، فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين علي أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسي: «كنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم- إلي قوله- العزيز الحكيم» » .

(قال): وتعبيره ب «اصيحابي اصيحابي» ثمّ تلاوته الآية المباركة، يتضمّن معني الشّفاعة لأصحابه.

(قال): واللّفظ المذكور وارد من طرق الإماميّة أيضاً، فهم ملزمون بذلك.

__________________________________________________

(1) إبطال نهج

الحق ط ضمن: دلائل الصدق 3: 400- 401.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 411

ويردّه:

أوّلًا: هذا اللفظ غير واردٍ في طرق أصحابنا الإماميّة أصلًا.

وثانياً: إنّ الاستدلال إنّما هو بما جاء في صحاح القوم خالياً من ذكر تلك الآية المباركة.

وثالثاً: إنّه لو فرض وجود الآية المباركة في رواية أصحابنا، فالآية غير مفيدة لمطلوب القوم، ولا يتمّ لهم إلزامنا، لما ذكره علماؤنا في تفسيرها:

قال أبو علي الطبرسي:

«في هذا تسليم الأمر إلي مالكه وتفويضه إلي مدبّره وتبرٍّ من أن يكون إليه شي ء من امور قومه، كما يقول الواحد منّا إذا تبرّء من تدبير أمر من الامور ويريد تفويضه إلي غيره: هذا الأمر لا مدخل لي فيه، فإنْ شئت فافعله وإنْ شئت فاتركه، مع علمه وقطعه علي أنّ أحد الأمرين لا يكون منه» «1» .

وقال السيّد المرتضي علم الهدي:

«مسألة: فإن قيل: فما معني قوله تعالي حاكياً عن عيسي عليه السلام «إنْ تعذّبهم فإنّهم عبادك وإنْ تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم» ؟ وكيف يجوز هذا القول مع علمه عليه السلام بأنّه لا يغفر للكفّار؟

الجواب: قلنا المعني بهذا الكلام تفويض الأمر إلي مالكه وتسليمه إلي مدبّره والتبرّي من أن يكون إليه شي ء من امور قومه، وعلي هذا يقول أحدنا إذا أراد أن يتبرّء من تدبير أمر من الامور ويسلم منه ويفوّض أمره إلي غيره:

هذا الأمر لا مدخل لي فيه، فإنْ شئت أن تفعله وإن شئت أن تتركه، مع علمه وقطعه علي أن أحد الأمرين لابدّ أن يكون منه، وإنّما حسن منه ذلك لما

__________________________________________________

(1) مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 539.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 412

أخرج كلامه مخرج التفويض والتسليم» «1» .

وعلي

الجملة، فإنّ أصحابنا يستدلّون بهذه الأحاديث علي ارتداد الصّحابة بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بالمعني العام، وأنّهم في الآخرة من أصحاب النار وبئس المصير، فهي تدلّ علي بطلان ما أسّسه القوم من عدالة الصّحابة أجمعين … ومن هنا، فقد ذكرها العلّامة تحت عنوان «ما رواه الجمهور في حقّ الصّحابة» كما تقدّم.

وروي الشيخ محمد باقر المجلسي رحمه اللَّه في كتاب (بحار الأنوار) عن كتاب الكافي:

«عن أبان عن الفضيل عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ الناس لمّا صنعوا ما صنعوا، إذ بايعوا أبابكر، لم يمنع أميرالمؤمنين من أن يدعو إلي نفسه إلّانظراً للناس وتخوّفاً عليهم أن يرتدّوا عن الإسلام، فيعبدوا الأوثان ولا يشهدوا أن لا إله إلّااللَّه وأنّ محمّداً رسول اللَّه وكان الأحب إليه أن يقرّهم علي ما صنعوا من أن يرتدّوا عن الإسلام، وإنّما هلك الذين ركبوا ما ركبوا، فأمّا من لم يصنع ذلك ودخل فيما دخل فيه الناس علي غير علم ولاعداوة لأميرالمؤمنين، فإن ذلك لايكفره ولا يخرجه من الإسلام، فلذلك كتم علي أمره وبايع مكرهاً حيث لم يجد أعواناً» «2» .

ثمّ قال:

«بيان- قوله عليه السلام: من أن يرتدّوا عن الإسلام. أي عن ظاهره والتكلّم بالشهادتين، فإبقاؤهم علي ظاهر الإسلام كان صلاحاً للُامّة، ليكون أو

__________________________________________________

(1) تنزيه الأنبياء والأئمّة: 104.

(2) الكافي 8: 295/ 454.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 413

لأولادهم طريق إلي قبول الحق وإلي الدخول في الإيمان في كرور الأزمان، وهذا لا ينافي ما مرّ وسيأتي أنّ الناس ارتدّوا إلّاثلاثة، لأنّ المراد فيها ارتدادهم عن الدين واقعاً، وهذا محمول علي بقائهم علي صورة الإسلام وظاهره، وإن كانوا في أكثر الأحكام الواقعيّة في حكم الكفّار،

وخصّ هذا بمن لم يسمع النص علي أميرالمؤمنين عليه السلام ولم يبغضه ولم يعاده، فإن من فعل شيئاً من ذلك فقد أنكر قول النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم وكفر ظاهراً أيضاً، ولم يبق له شي ء من أحكام الإسلام ووجب قتله» «1» .

فكلامه- رحمه اللَّه- صريحٌ في دلالة الحديث علي ارتداد عموم الصحابة بالمعني العام للإرتداد كما تقدَّم، …

ثمّ إنّ بعض المتعصّبين من القوم ذكر وجوهاً حاول بها تنزيل حديث الحوض علي الصحابة الذين هم شيعة أميرالمؤمنين عليه السلام، أعني:

المقداد بن الأسود الكندي، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وأمثالهم …

ولمّا كانت هذه الدعوي في غاية الغرابة والسخافة، كان من اللّازم إيراد تلك الوجوه والنظر فيها بالتفصيل:

الوجه الأوّل عن كتاب سليم بن قيس الهلالي، أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال: «ليجيئنّ قوم من أصحابي … » «2» وهذا اللفظ آبٍ عن التطبيق علي أهل الردّة، لأنّ المراد من «الأصحاب» إمّا المعني اللغوي، المفهوم عند العرف العام __________________________________________________

(1) بحارالأنوار 28: 255.

(2) كتاب سليم بن قيس: 163.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 414

وهو المصاحب الملازم، أو المعني الشرعي المشروط بالموت علي الإسلام.

أمّا بالمعني الأوّل فلا يصحّ إطلاقه علي أهل الردّة، لأنّهم كانوا من أهل الخلاف والشقاق ومن أرباب العداوة والنفاق، وما كانوا يجالسون رسول اللَّه فضلًا عن أن يصاحبوه، بل كانوا يكيدون له المكائد، وقد قصدوا قتله غير مرّة، كما في مفتريات الإماميّة، ففي تفسير العيّاشي عن عبدالصمد بن بشير عن الصادق عليه السلام: «قال: تدرون مات النبي صلّي اللَّه عليه وآله أو قتل؟

إنّ اللَّه يقول «أَفإن ماتَ أوْ قُتلَ انقلبْتم عَلي أَعْقابِكُم» فسمّ قبل الموت، أنهما سقتاه قبل الموت.

فقلنا: إنّهما وأبوهما شرّ من

خلق اللَّه.

وعن الحسين بن المنذر، قال:

«سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول اللَّه «أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُمْ» القتل أم الموت؟ فقال: يعني أصحابه الذين فعلوا ما فعلوا» «1» .

وكما يروونه في قضيّة العقبة عند عودته صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من تبوك، كرواية الطبرسي إذ قال:

«وفي كتاب دلائل النبوة للشيخ أبي بكر أحمد البيهقي: أخبرنا أبو عبداللَّه الحافظ- وذكر الإسناد مرفوعاً إلي أبي الأسود- عن عروة قال: لمّا رجع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قافلًا من تبوك إلي المدينة، حتي إذا كان ببعض الطريق، مكر به ناس من أصحابه، فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق أرادوا آنْ يسلكوها معه، فأخبر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله خبرهم فقال: من شاء منكم أنّ يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم.

__________________________________________________

(1) تفسير العياشي 1: 200.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 415

فأخذ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي، إلّا النفر الذين أرادوا المكر به، استعدّوا وتلثّموا، وأمر رسول اللَّه حذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر، فمشيا معه مشياً، وأمر عمّاراً أنْ يأخذ بزمام الناقة وأخذ حذيفة يسوقها، فبيناهم يسيرون إذ سمعوا ركزة القوم من ورائهم قد غشوه، فغضب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم، وأمر حذيفة أنْ يردّهم، فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم وضربها ضرباً بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلمّثون، فرعّبهم اللَّه حين أبصروا حذيفة، وظنّوا أنّ مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتي خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتي أدرك رسول اللَّه، فلمّا أدركه قال: إضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمّار.

فأسرعوا وخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبي: يا حذيفة، هل

عرفت من هؤلاء الرهط- أو الركب- أحداً؟ فقال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وكانت ظلمة الليل غشيتهم وهم متلثّمون. فقال صلّي اللَّه عليه وآله:

هل علمتم ما شأن الركب وما أرادوا؟ فقالا: لا يا رسول اللَّه. قال: فإنّهم مكروا ليسيروا معي، حتي إذا أظلمّت بي العقبة طرحوني منها. قالا: أفلا تأمر بهم- يا رسول اللَّه- إذا جاءك الناس فتضرب أعناقهم؟ قال: أكره أنْ يتحدّث الناس ويقولون: إن محمداً قد وضع يده في أصحابه. فسمّاهم لهما وقال: اكتماهم.

وفي كتاب أبان بن عثمان: قال الأعمش: وكانوا اثني عشر، سبعة من قريش» «1» .

__________________________________________________

(1) مجمع البيان 5: 68 بتفسير الآية 74 من سورة التوبة، عن الزجاج والواقدي والكلبي. والقصة مشروحة في كتاب الواقدي، إعلام الوري بأعلام الهدي 1: 245- 246 ط مؤسسة آل البيت. دلائل النبوة للبيهقي 5: 259، البداية والنهاية 5: 20.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 416

ورواية شيخ مشايخهم الصدوق بالإسناد:

«عن حذيفة بن اليمان أنه قال: الذين نفروا برسول اللَّه ناقته في منصرفه من تبوك أربعة عشر: أبو الشرور، وأبو الدواهي، وأبو المعازف، وأبوه، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة، وأبو الأعور، والمغيرة، وسالم مولي أبي حذيفة، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأبو موسي الأشعري، وعبدالرحمن بن عوف. وهم الذين أنزل اللَّه عزّ وجلّ فيهم «وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ» » «1» .

وما في تفسير الإمام الحسن العسكري وغيره من كتبهم، ممّا أورده صاحب البحار، وترجمه إلي الفارسيّة في كتابه حياة القلوب.

وعلي الجملة، فإنّ الحديث المذكور لا يشمل هؤلاء، بناءً علي الاصول الموضوعة عند الإماميّة.

وأمّا بالمعني الثاني، فمن البديهي أيضاً أن لا يكون المقصود هم الأصحاب بالمعني الثاني، فإنّه غير صادق علي

المرتدّين الذين حرّقوا بيت بنت سيّد المرسلين، وحرّقوا آيات القرآن المبين، وبدّلوا شعائر الدين وسلكوا مسلك إبليس اللّعين.

وإذا كان «الأصحاب» في الحديث لا يراد منهم المعني الأوّل ولا المعني الثاني، فلا محالة يكون المراد من «الأصحاب» الجماعة المتّصفون بالإحداث، وهم المشهورون عند الإماميّة بالمناقب والمحامد، مثل صدّيق الإماميّة أعني أباذر، وأخوهم الأكبر أعني سلمان المحمّدي، وعمّار، وحذيفة، وابن مسعود، وخزيمة ذي الشهادتين، وعامر بن واثلة، وسعد بن عبادة، والعبّاس __________________________________________________

(1) الخصال: 470، باب الأربعة عشر.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 417

عمّ أشرف الناس صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وأبنائه …

فهؤلاء هم المقصودون بالحديث، لا الذين توهّم المجلسي وأمثاله.

نقد الوجه الأوّل إنّ حصر مفهوم «الأصحاب» في المعنيين المذكورين هو: إمّا علي اصول الإماميّة، وإمّا علي اصول جمهور العامّة.

فإن كان علي اصول الإماميّة، فما الدليل علي قولهم بذلك؟ إنّهم لا يقولون بانحصار معني هذه الكلمة في المعنيين، بل إنّ كلمة «الصاحب» لا تدلّ إطلاقاً علي مدح أبداً، وهذا هو العمدة، ولذا صحّ إطلاقها عندهم علي أهل الردّة وسائر أهل النّار من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، ومن هنا تراهم يناقشون في دلالة آية الغار علي حسن حال أبي بكر من جهة وصفه ب «الصاحب» ، وقد أخذوا ذلك من المعصوم عليه السلام كما في بعض الأخبار «1» .

وإنْ كان دعوي حصر مفهوم «الصاحب» في المعنيين بناءً علي اصول أهل السنّة، فذكر مبناهم أمام الإماميّة في مقام الإلزام دليل علي قلّة الفهم!! فإنّه إذا كانت الكلمة منحصرةً في المعنيين، ولا شي ء منهما بصادقٍ علي الشيخين، فما الملزم للإماميّة بأنْ لا يقولوا بانطباق الحديث عليهما؟

وعلي الجملة، فإنّ الإماميّة لا يرون انحصار معني الكلمة في المعنيين المزبورين،

فلا يكون حديث الحوض آبياً عن الإنطباق علي الخلفاء وعلي المرتدّين، بل يصدق علي هؤلاء وهؤلاء ويطابق أحوالهم جميعاً، والمراد من __________________________________________________

(1) انظر: البرهان في تفسير القرآن 2: 777 ط مؤسّسة البعثة.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 418

«الإصحاب» هنا مطلق المصاحبين، ولا دلالة لمجرّد الصحبة علي الشرف والفضيلة الدينيّة … فإنّ كلّ من كان يصاحب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ويجالسه في الظاهر يصدق عليه عنوان «الصاحب» ؛ كافراً كان أو مسلماً، مؤمناً كان أو منافقاً، معادياً كان أو مخلصاً، فلا منافاة بين «الصحبة» و «الردة» ، ولا منافاة بين «الصحبة» و «المكر والخديعة والدسيسة لقتل رسول اللَّه» في «العقبة» وغيرها.

ثمّ إنّ ما زعمه من كون الأخبار في سعي القوم في قتل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- ولاسيّما قصّة «العقبة» - أخباراً مفتريات، فالأصل فيه قولهم بأنّ الخلفاء وأتباعهم كانوا من الصحابة المخلصين لرسول اللَّه، الواصلين إلي أقصي مدارج الإيمان والتقوي والعرفان، ممّا هو أوّل الكلام عند الإماميّة، ومن الطبيعي أنْ لا يقول الخصم بصحّة ما يدلّ علي بطلان مذهبه!!

الوجه الثاني إنّ حديث الحوض يشتمل علي قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «يا رب أصحابي» مرّةً أو مرّتين، وهذا ظاهر في الشفاعة لهم، ومن الواضح أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم سوف لا يشفع في القيامة للظالمين والغاصبين والكفرة والمرتدّين، فلا يعمّ حديث الحوض أهل السّقيفة وأتباعهم.

نقد هذا الوجه ويرد عليه بعد التسليم بدلالة ذلك علي الشفاعة، إنّ الشّفاعة الممنوعة في حقّ الظالمين والغاصبين والمرتدّين، هي الشفاعة التي ترتجي فيها

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 419

الإجابة، والغرض منها تخليص المشفوع له من العذاب وإنقاذه من الهلكة، وهكذا

شفاعة في حقّ أصحاب حديث الحوض غير ثابتة، بل الشفاعة- المفروض صدورها منه صلّي اللَّه عليه وآله في حقّ هؤلاء- الغرض منها تفضيحهم علي رؤس الأشهاد وإظهار شناعة حالهم لأهل القيامة والمعاد.

إنّ من له أدني إلمام بالأحاديث النبويّة وأقلّ تأمّل في الآيات القرآنيّة، ليعلم بأنّ الأنبياء والأوصياء قد تصدر منهم امور توهم عدم إطّلاعهم علي الامور الواقعيّة والحقائق كما هي، لكنّ الغرض من ذلك شي ء آخر، ويترتّب عليه مصلحة عظمي، كما في سؤال موسي عليه السلام من اللَّه أن ينظر إليه، فإنّه كان يعلم باستحالة ذلك، لكنّه أراد أن يسمع النّاس الإستحالة من اللَّه، كما قال السيّد المرتضي في كتاب (تنزيه الأنبياء) إذ جاء فيه الكلام علي قوله تعالي: «ولمّا جاء موسي لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربّ أرني أنظر إليك» قال:

«أولي ما اجيب به عن هذه الآية أنْ يكون موسي عليه السلام لم يسأل الرؤية لنفسه وإنّما سألها لقومه، فقد روي أن قومه طلبوا ذلك منه، فأجابهم بأنّ الرؤية لا تجوز عليه تعالي، فلجّوا به وألحّوا عليه في أن يسأل اللَّه تعالي أن يريهم نفسه، وغلب في ظنّه أنّ الجواب إذا ورد من جهته جلّت عظمته كانت أحسم للشبهة وأنفي لها، واختار السبعين الذين حضروا الميقات ليكون المسألة بمحضر منهم فيعرفوا ما يرد من الجواب، فسأله عليه السلام علي ما نطق به القرآن، واجيب بما يدلّ علي أنّ الرؤية لا تجوز عليه عزّوجلّ» «1» .

وكما في قول اللَّه عزّ وجلّ لإبراهيم عليه السلام- لمّا طلب منه أن يريه كيف يحيي الموتي : «أولم تؤمن» مع أنّه عليه السلام كان أفضل أهل __________________________________________________

(1) تنزيه الأنبياء والأئمّة: 75.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 420

الإيمان،

واللَّه أعلم بحاله، لكنّ الغرض من طلبه، ومن سؤاله تعالي منه عن إيمانه، شي ء آخر اريد بيانه للناس، وقد نبّه علي ذلك المفسّرون بتفسير الآية المباركة … قال البيضاوي:

«قال له ذلك وقد علم أنّه أعرق الناس في الإيمان، ليجيب بما أجاب فيعلم السامعون غرضه» «1» .

هذا، وإنّ بعض ألفاظ حديث الحوض ظاهر فيما ذكرناه، ومن ذلك: ما أخرجه مسلم:

«حدّثنا يونس بن عبدالأعلي الصّدفي: أخبرنا عبداللَّه بن وهب، أخبرني عمرو- وهو ابن الحارث- إنّ بكيراً حدّثه عن القاسم بن عبّاس الهاشمي، عن عبداللَّه بن رافع مولي امّ سلمة عن امّ سلمة زوج النبي أنّها قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ولم أسمع ذلك من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فلمّا كان يوماً من ذلك والجارية تمشّطني، فسمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: أيّها الناس، فقلت للجارية: استأخري عنّي، قالت: إنّما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إنّي من الناس، فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّي لكم فرط علي الحوض، فإيّاي لا يأتينّ أحدكم فيذبّ عنّي كما يذبّ البعير الضالّ، فأقول: فبم هذا؟ فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً» «2» .

فإنّ السؤال في هذا الحديث غير محمول علي الإستفهام الحقيقي قطعاً، وإنّما يحمل علي إظهار إحداث القوم من بعده، وأنّ ذلك سبب ذودهم عنه __________________________________________________

(1) تفسير البيضاوي 1: 136.

(2) صحيح مسلم 4: 1795/ 2295.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 421

صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وذلك:

أوّلًا: لأنّ ذبَّ القوم عن رسول اللَّه وسوقهم إلي جهنّم يكون بأمر من اللَّه تعالي، فلا وجه لسؤاله عن السبب إلّاتفضيح القوم وهتك أستارهم.

وثانياً: لأنّ النبي صلّي اللَّه عليه

وآله وسلّم كان علي علمٍ بسبب ذود القوم عنه، كما هو مفاد هذا الحديث أيضاً، فلا يكون سؤاله عن السبب إلّا لمصلحةٍ، وإلّا لزم اللّغو، وتلك المصلحة ليست إلّاإظهار ارتداد القوم وإحداثهم الموجب للدخول في النار.

وعلي هذا أيضاً يحمل قوله- في بعض الألفاظ- «أصحابي أصحابي» .

وممّا يشهد بما ذكرناه- من عدم استحقاق القوم للشفاعة الحقيقيّة، وأنّ قول رسول اللَّه ذلك إنّما هو لتفضيحهم في يوم القيامة- أخبارٌ مرويّة في كتب أهل السنّة:

منها: ما رواه السمهودي في (جواهر العقدين) قال:

«أخبرني الشيخ الإمام العلّامة المحقق شيخ المالكيّة في زمنها شهاب الدين أحمد بن يونس القسطنطيني المغربي، نزيل الحرمين الشريفين- في مجاورته بالمدينة النبويّة سنة خمس وسبعين وثمانمأة- أنّ بعض مشائخه الأثبات ممّن يثق به أخبره: أنّ شخصاً من أعيان المغاربة عزم علي التوجّه من بلاده إلي الحجّ قال: فأحضر إليه شخص من أهل الثروة مبلغاً- أظنّه قال إنّه مائة دينار- وقال له: إذا وصلت إلي المدينة النبويّة، فاسأل عن شخص من الأشراف يكون صحيح النسب فتدفع إليه ذلك، عسي أن يكون لي بذلك وصلة بجدّه صلّي اللَّه عليه وسلّم.

قال: فلمّا رجع إليهم ذلك المغربي أخبر: أنّه قدم المدينة وسأل عن أشرافها.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 422

فقيل: إنّ نسبهم صحيح غير أنّهم من الشيعة الذين يسبّون.

قال: فكرهت دفع ذلك لأحدٍ منهم.

قال: ثمّ جلس إلي واحد منهم وقال: جلست إليه فسألت عن مذهبه.

فقال: شيعي.

فقلت له: لو كنت من أهل السنّة لدفعت إليك مبلغاً عندي.

قال: فشكي فاقة وشدّة حاجة، يسألني شيئاً منه.

فقلت له: لا سبيل إلي أن أعطيك شيئاً منه. فذهب عنّي.

قال: فلمّا نمت تلك الليلة، رأيت أنّ القيامة قامت والناس يجوزون علي الصراط، فأردت

أن أجوز، فأمرت فاطمة رضي اللَّه عنها بمنعي، فصرت أستغيث فلا أجد مغيثاً، حتّي أقبل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فاستغثت به وقلت:

يا رسول اللَّه، فاطمة تمنعني الجواز علي الصراط.

فالتفت إليها صلّي اللَّه عليه وسلّم وقال: لم منعت هذا؟

فقالت: لأنّه منع ولدي رزقه.

قال: فالتفت وقال: قد قالت إنّك منعت ولدها رزقه؟

فقلت: واللَّه يا رسول اللَّه، ما منعته إلّاأنّه يسبّ الشيخين رضي اللَّه عنهما!

فالتفتت فاطمة رضي اللَّه عنها إلي الشيخين وقالت لهما: أتؤاخذان ولدي بذلك؟

فقالا: لا بل سامحناه بذلك.

قال: فالتفتت إليّ وقالت: فما أدخلك بين ولدي وبين الشيخين؟

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 423

فانتبهت فزعاً، فأخذت المبلغ وجئت به إلي ذلك الشريف فدفعت له … » «1» .

وذكر أبوالعبّاس القرطبي في (شرح صحيح مسلم) بشرح حديث صلاة النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم علي عبداللَّه بن أبي سلول: أنّ الاستغفار علي قسمين، فمنه حقيقي، ومنه غير حقيقي وإنّما يكون لغرضٍ آخر، قال:

«وقوله عليه السلام: إنّي خيّرت، مشكل، مع قوله تعالي: «ما كان للنبيّ والذين آمنوا أنْ يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربي» الآية، نزلت بعد موت أبي طالب حين قال عليه السلام: واللَّه لأستغفرنّ لك ما لم انه عنك، وهذا يفهم منه النهي عن الإستغفار لمن مات كافراً، وهو متقدّم علي الآية التي فهم منها التخيير.

والجواب عن الإشكال: إنّ المنهي عنه في هذه الآية استغفار مرجوّ الإجابة، حتّي يكون مقصوده تحصيل المغفرة لهم كما فعل بأبي طالب، فإنّه إنّما استغفر له كما استغفر إبراهيم لأبيه علي جهة أن يجيبهما اللَّه فيغفر للمدعوّ لهما، وفي هذا الإستغفار استأذن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم ربّه في أن يأذن له فيه لُامّه فلم يؤذن

له فيه، فهذا النوع هو الذي تناوله منع اللَّه تعالي ونهيه.

وأمّا الاستغفار لأولئك المنافقين الذين خيّر فيه استغفار لساني، علم النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أنّه لايقع ولا ينفع وغايته لو وقع تطييب قلوب بعض الأحياء من قرابات المستغفر لهم، فانفصل المنهي عنه من المخيّر فيه وارتفع الإشكال والحمد للَّه» «2» .

__________________________________________________

(1) جواهر العقدين 1: 269/ ق 2.

(2) المفهم- شرح صحيح مسلم 2: 641.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 424

وقوله: إنّه لو كان أهل السقيفة وأتباعهم كفّاراً مخلَّدين في النّار، فلا يشفعُ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لهم، لعدم جواز الشفاعة للكفّار، لكنّه سيشفع لهم، فليسوا بكفّار …

كلامٌ ساقط، إذ قد عرفت أنّ الحديث لو دلَّ علي الشفاعة فالغرض منها تفضيح القوم لا الشفاعة الواقعيّة.

علي أنّ هذا الكلام يدلُّ علي جهل هذا القائل بروايات قومه، الصّريحة في شفاعة النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم للكفّار يوم القيامة، إلّاأنّها لا تقبل:

«أخرج ابن مردويه عن عبدالرحمن بن ميمون: إنّ كعباً رضي اللَّه عنه دخل يوماً علي عمر بن الخطّاب، فقال له عمر: حدّثني إلي ما ينتهي شفاعة محمّد صلّي اللَّه عليه وسلّم يوم القيامة، فقال كعب رضي اللَّه عنه: قد أخبرك اللَّه في القرآن إنّ اللَّه يقول: «ما سلككم في سقر» إلي قوله «المصلّين» قال كعب رضي اللَّه عنه: فيشفع يومئذٍ حتّي يبلغ من لم يصلّ صلاةً قط، ولم يطعم مسكيناً قط، ولم يؤمن ببعث قط، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير» «1» .

وكذلك رووا عن سائر الأنبياء … ففي البخاري:

«عن أبي هريرة عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: يلقي إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلي وجه آزر

قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصيني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول: يا رب، إنّك وعدتني أنْ لا تخزيني يوم يبعثون؟ فأيّ خزي أخزي من أبي الأبعد، فيقول اللَّه: إنّي حرّمت __________________________________________________

(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 8: 337.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 425

الجنّة علي الكافرين» «1» .

وإذا كان القوم يروون في صحاحهم مثل هذا الحديث الدالّ علي شفاعة النبي لكافرٍ حقيقي بزعمهم، ولابدّ وأن يكون لمصلحة، فأيّ مانع من أن يشفع لأصحابه بقوله «أصحابي أصحابي» لمصلحةٍ تقتضي ذلك؟

علي أنّ غير واحدٍ من أعلام القوم قالوا- في مقام الجواب عن استدلال أصحابنا بحديث الحوض علي سوء حال الصحابة في الآخرة- بأنّ حديث الحوض وارد بحقّ الكفّار والمرتدّين، فإذا كان يدلّ علي الشفاعة، فستكون للكفّار والمرتدّين … فكيف يقال بأنّها محرّمة في حقّ الكفّار والمرتدّين؟

والحاصل: إنّ هذه الشفاعة إن كانت حقيقيّة فلا تكون للكفّار وأهل الردّة، وإنْ كانت ظاهريّة- ولمصلحةٍ اخري- فلا يأبي حديث الحوض عن الشمول لأهل السقيفة وأنصارهم …

الوجه الثالث إنّ تصغير لفظ «أصحابي» - كما ورد في كتاب سليم وبعض كتب الإماميّة- لمّا لم يكن من أجل تقليل عدد الأصحاب يقيناً، فالمراد منه الإشفاق والإستعطاف، نظير قولهم: يا بُنيّ، وأمثاله … فالشيخان وأحزابهما يقعون في القيامة موقع الاستعطاف … فكيف يروي الإماميّة مثل هذا الحديث، ثمّ يقولون بخلود الشيخين وأتباعهما في النار؟

وإذا كانوا يروون عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أنّ شفاعته لا تنال __________________________________________________

(1) صحيح البخاري 4: 277.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 426

من آذي أهل بيته وذرّيّته … فإنّ مقتضي اللّفظ المذكور في حديث الحوض أنّ القوم لم يكونوا قد آذوا أهل بيته،

فيبطل كلّ ما يروونه ويزعمونه في باب إيذاء الصحابة لأهل بيت النبي.

نقد الوجه الثالث إنّ أساس هذا الوجه ورود لفظ «اصيحابي» في رواية أصحابنا الإماميّة، وهذا افتراء محض، فاللّفظ المذكور غير وارد في شي ء من رواياتنا، ودعوي وجوده في خبر كتاب سليم كاذبة، فنسخة كتاب سليم الموجودة عندنا- وهي نسخة قديمة جدّاً- هي بلفظ «أصحابي» وكذا الخبر في كتاب (البحار) نقلًا عن كتاب سليم … لكنّ القوم من عادتهم الكذب والإفتراء، وقد تقدّم في الكتاب التنبيه علي موارد من هذا القبيل كثيرة.

وعلي فرض وجود لفظ «اصيحابي» في روايات أهل الحق، فغاية ما يدّعي هو دلالة هذا اللّفظ علي الشفقة والعطف من النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بالنسبة إلي القوم، فيكون مآل هذا الوجه إلي الوجه السابق، وقد عرفت أنْ لا مانع من ذلك، لكونه لمصلحة تفضيح القوم وظهور سوء حالهم وعدم شمول الشفاعة لهم.

هذا، وقد تكرّر من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم تفضيح المشايخ علي رؤس الأشهاد في الدنيا، وكان ذلك منه في مواطن عديدة معهم، من أشهرها قضيّة إبلاغ سورة براءة، هذه القضيّة التي رواها أئمّة القوم وكبار حفّاظهم أمثال:

الترمذي، وأحمد، وعبداللَّه بن أحمد، والطبري، والبغوي، والنيسابوري، والنسائي، والسهيلي، والثعلبي، والحاكم، وابن مردويه، وابن استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 427

أبي شيبة، وابن حبّان، وعبدالرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي عوانة، والطبراني، والدارقطني، والبيهقي، وابن حجر العسقلاني، والقسطلاني، والعيني، وابن كثير … وغيرهم …

وهذا أحد ألفاظه كما أخرجه النسائي قال:

«أخبرنا العبّاس بن محمّد الدوري، قال: حدّثنا أبو نوح قراءةً، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن زيد بن بثيع، عن عليّ رضي اللَّه عنه:

إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بعث ببراءة إلي أهل مكة مع أبي بكر، ثمّ أتبعه بعلي، فقال له: خذ الكتاب فامض به إلي مكة، قال: فلحقته فأخذت الكتاب منه، فانصرف أبوبكر- وهو كئيب- فقال: يا رسول اللَّه، أنزل فيَّ شي ء؟ قال: لا، إلّاأنّي امرت أن ابلّغه أنا أو رجل من أهل بيتي.

أخبرنا زكريّا بن يحيي قال: حدّثنا عبداللَّه بن عمر قال: حدّثنا أسباط، عن فطر، عن عبداللَّه بن شريك، عن عبداللَّه بن رقيم، عن سعد، قال: بعث رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أبابكر ببراءة، حتّي إذا كان ببعض الطريق، أرسل عليّاً فأخذها منه، ثمّ سار بها، فوجد أبوبكر في نفسه فقال: قال رسول اللَّه: إنّه لا يؤدّي عنّي إلّاأنا أو رجل منّي» «1» .

وتلخص: أنْ لا منافاة بين إظهار الشفقة، وطلب الرحمة، لمصلحة الإعلان عن خسران القوم وخلودهم في العذاب الأليم … وما ذكره من أنّ الشفاعة لا تكون للمخلَّدين في الجحيم، مردود بما جاء في شرح الحديث من كتب أصحابه، فإنّهم لمّا ادّعوا أنّ المراد من حديث الحوض هم المرتدّون الذين حاربهم أبوبكر، نصّوا علي موت هؤلاء المرتدّين علي الكفر … قال ابن حجر:

__________________________________________________

(1) خصائص علي: 114/ 77.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 428

«هم الذين ارتدّوا علي عهد أبي بكر، فقاتلهم أبوبكر حتّي قتلوا وماتوا علي الكفر» «1» .

وقال الكرماني: «سحقاً، أي بعداً، وكرّر للتأكيد، وهو نصب علي المصدر، وهذا مشعر بأنّهم مرتدّون عن الدين، لأنّه يشفع للعصاة ويهتمّ بأمرهم ولا يقول لهم مثل ذلك» «2» .

الوجه الرابع كلمة «لا تدري» - في حديث الحوض- نصٌّ في نفي علم النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم بإحداث الأصحاب في الدين

من بعده، ولا أحد من المسلمين يجوّز الكذب علي اللَّه، تعالي اللَّه عن ذلك علوّاً كبيراً، لكنّ عدم علم النبي ينافي ما ثبت بالضرورة من مذهب الإماميّة من أنّه كان عالماً بأحوال الغاصبين- الكلّيّة والجزئيّة- وأنّه قد أخبر أهل بيته الطاهرين بجميع تلك الحقائق.

فلو كان المراد من «الأصحاب» في «حديث الحوض» هم «أهل السقيفة» عاد المحذور، واللّازم باطل عند جميع المليّين، فالملزوم مثله.

والروايات الموضوعة في كتبهم لإثبات الدعوي المذكورة، كثيرة جدّاً.

نقد هذا الوجه أوّلًا: مذهب الإماميّة أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يعلم جميع ما في هذا العالم وأحوال أهله مطلقاً، وفي كتب أهل السنّة أيضاً تصريحاتٌ __________________________________________________

(1) فتح الباري في شرح البخاري 11: 324، كتاب الرقاق، باب الحشر.

(2) الكواكب الدراري في شرح البخاري 23: 67، كتاب الرقاق، باب الحوض.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 429

بهذا الإعتقاد.

ففي (حاشية شرح عقائد العضدي) للشيخ محسن الكشميري:

«واعلم أنّ المراد الرؤية في عالم التكليف، فلا يشكل بما روي أنّه عليه السلام رأي ليلة المعراج جميع الامّة في عالم الأرواح والمثال، ولا بأنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في قبره حيّ يري جميع الامّة» «1» .

وفي (المواهب اللدنيّة):

«قد روي ابن المبارك عن سعيد بن المسيّب: ليس يوم إلّاويعرض علي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أعمال امّته غدوةً وعشيّةً، فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم» «2» .

وفي (جامع مسانيد أبي حنيفة) بعد أنْ أورد ما حكاه الخطيب عن أحمد ابن الحسن الترمذي أنّه قال:

«رأيت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في المنام فقلت له: يا رسول اللَّه، ما تري ما فيه الناس من الإختلاف؟ قال: في أيّ شي ء؟ قلت: فيما بين أبي حنيفة

ومالك والشافعي. فقال: أمّا أبو حنيفة فلا أعرفه، وأمّا مالك فكتب العلم، وأمّا الشافعي فمنّي وإليّ» .

قال الخوارزمي:

«صحّ في الحديث أنّه يعرض علي رسول اللَّه أعمال امّته يوم الإثنين والخميس فكيف لا يعرفه؟ وإنّه عليه السلام يعرف كلّ برٍّ وفاجر تعرض __________________________________________________

(1) الحاشية علي شرح العقائد- تعريف الصحابي.

(2) شرح المواهب اللدنيّة بالمنح المحمّديّة 5: 337، القسم الرابع: ما اختصّ «ص» به من الفضائل والكرامات.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 430

أعماله عليه، فكيف لا يعرف أبا حنيفة وأعمال أكثر امّته علي مذهبه؟ … » «1» .

وثانياً: إنّ ما ذكره معارَض بأنّه إذا كان نفي علم النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بارتداد القوم، دليلًا علي عدم انطباق الحديث علي أهل السقيفة وأصحابهم، فإنّه يكون دليلًا كذلك علي عدم انطباقه علي سلمان وأبي ذكر وعمّار وغيرهم أيضاً، لأنّ أعمال هؤلاء أيضاً معروضة عليه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فهو عالم بأحوالهم، فيلزم الكذب في «إنّك لا تدري» .

بل إنّ مقتضي أحاديث عرض أعمال الامّة عليه، عدم انطباق حديث الحوض علي أحدٍ من أفرادها مطلقاً، وإلّا لزم الكذب في حديث الحوض …

وثالثاً: إنّ الصحيح رفع اليد عن ظهور «لا تدري» في نفي العلم، وحمله علي ظاهره غير صحيح قطعاً، لدلالة نفس حديث الحوض علي علمه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بارتداد القوم من بعده؛ فلا يأخذ بظاهر كلمة «لا تدري» إلّا الجاهل الغبي، أو المتعصّب المفتري!

ورابعاً: إنّ المعاني المحتملة في لفظ «لا تدري» في «حديث الحوض» عديدة:

منها: أنْ يكون الإستفهام في «إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» إنكاريّاً، أي: ألا تعلم بارتداد هؤلاء وما أحدثوا في الدين من بعدك؟ فهؤلاء لا يستحقّون الشفاعة منك،

بل هم في العذاب خالدون.

ومنها: أنْ يكون المراد نفي درايته بحسب الظاهر، أي: إنّ ظواهر الأحوال تقتضي أنْ لا تعلم بما كان منهم، لخروجك من هذا العالم قبل وقوع تلك الامور.

__________________________________________________

(1) جامع مسانيد أبي حنيفة 1: 64.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 431

ومنها: أنْ يكون المراد نفي الدراية بالإدراك الظاهري، أي: إنّك لم تر بعينك ما صنعوا، وإنْ كنت عالماً به بإعلام اللَّه تعالي.

ومنها: أن يكون المراد سلب دراية النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بذلك بحسب معتقد بعض الحاضرين، كما عليه جماعة أهل السنّة المنكرين لعلم النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بالامور تفصيلًا، فيسلب دراية النبي بذلك حسب معتَقدهم تقبيحاً لهذا الإعتقاد.

ومنها: حمل سلب الدراية ونفي العلم علي المبالغة، أي: إنّك تشفع لهؤلاء القوم وكأنّك لا تدري بأحوالهم من بعدك؟

ومنها: أنْ يكون المعني: إنّك لا تدري كما ندري، إذ لا ريب في أنّ علم اللَّه تعالي أوسع وأفضل من علم من سواه حتّي الأنبياء.

وبعد ورود هذه الإحتمالات كيف يكون الكلام نصّاً في جهل النبي؟

وكيف يكون الحديث نصّاً في جهله بما سيكون من بعده وهو دليلٌ علي علمه بذلك؟

وإذا كان نصّاً في جهله مع ذلك، لزوم تجويز الكذب علي اللَّه، وهذا ما لا يتفوّه به مسلم كما قال، فافهم!!

لكنّ أهل السنّة يجوّزون جميع القبائح علي اللَّه، تعالي اللَّه عن ذلك علوّاً كبيراً … فيكون صدور الكذب جائزاً عليه …

مضافاً إلي تصريح بعضهم بجواز الكذب عليه … فقد جاء في (شرح العقائد العضديّة) للدواني ما نصّه:

«واعلم أنّ بعض العلماء ذهب إلي أنّ الخلف في الوعيد جائز علي اللَّه تعالي، وممّن صرّح به الواحدي في التفسير الوسيط في قوله تعالي في سورة

استخراج المرام

من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 432

النساء: «ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم» الآية حيث قال: والأصل في هذا أنّ اللَّه تعالي يجوز أن يخلف في الوعيد، وإن كان لا يجوز أن يخلف في الوعد، وبهذا اوردت السنّة من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فيما أخبرنا أبوبكر أحمد بن محمّد الأصفهاني السنجري، حدّثنا عبداللَّه بن محمّد الأصفهاني وزكريّا بن يحيي الساجي وأبو حفص جعفر السّلمي وأبو يعلي الموصلي قالوا: حدّثنا هدية بنت خالد، حدّثنا سهيل بن أبي حرم، حدّثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: من وعده اللَّه تعالي علي عمله ثواباً فهو منجز له ومن أوعده علي عمله عقاباً فهو بالخيار.

وأخبرنا أبوبكر، ثنا محمّد بن عبداللَّه بن حمزة، حدّثنا أحمد بن الخليل، حدّثنا الأصمعي قال: جاء عمرو بن عبيد إلي عمرو بن العلاء قال: يا أبا عمرو، أيخلف اللَّه ما وعده؟ قال: لا. قال: أفرأيت من أوعده اللَّه تعالي علي عمله عقاباً إنّه يخلف اللَّه تعالي وعيده فيه؟ فقال أبو عمرو: من العجمة أتيت أباعثمان، إنّ الوعد غير الوعيد، إنّ العرب لا تعدّ عيباً ولا خلفاً أن تعد شرّاً ثمّ لا تفعل، بل تري ذلك كرماً وفضلًا، وإنّما الخلف المحال أن تعد خيراً ثمّ لا تفعله. قال: فوجد هذا في العرب؟ قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:

وإنّي إذا أوعدته أو وعدته لمخلف ميعادي ومنجز موعدي والذي ذكره أبو عمرو مذهب الكرام، ومستحسن عند كلّ أحد خلف الوعيد كما قال السري الموصلي:

إذا وعد السرّاء أنجز وعده وإن أوعد الضرّاء فالعفو مانعه وأحسن يحيي بن معاذ في هذا المعني حيث قال: الوعد والوعيد حقّ؛

استخراج المرام من

استقصاء الافحام، ج 3، ص: 433

فالوعد حقّ العباد علي اللَّه تعالي، إذ ضمن لهم إذا فعلوا ذلك أن يعطيهم كذا، ومن أولي بالوفاء من اللَّه تعالي؟ والوعيد حقّه علي العباد إذ قال لا تفعلوا كذا فإنّي اعذّبكم، ففعلوا، فإن شاء عفا وإن شاء أخذ لأنّه حقّه، وأولاهما العفو والكرامة لأنّه غفور رحيم» .

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 437

ممّا ورد عن أهل البيت في الصّحابة … ص: 437

اشارة

الحديث الأوّل في قوله تعالي: «فأمّا الذين آمنوا فيعلمون أنّه الحق … » «1» :

قال علي بن إبراهيم: «حدّثني أبي، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن المعلّي بن خنيس، عن أبي عبداللَّه عليه السلام: إنّ هذا المثل ضربه اللَّه لأميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب؛ فالبعوضة أميرالمؤمنين وما فوقها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والدليل علي ذلك قوله: «فأمّا الذين آمنوا فيعلمون أنّه الحقّ من ربّهم» يعني أميرالمؤمنين كما أخذ رسول اللَّه الميثاق عليهم «وأمّا الذين كفروا فيقولون ماذا أراد اللَّه بهذا مثلًا يضلّ به كثيراً ويهدي به كثيراً» فردّ اللَّه عليهم فقال: «وما يضلّ به إلّاالفاسقين* الذين ينقضون عهد اللَّه من بعد ميثاقه» في علي «ويقطعون ما أمر اللَّه به أنْ يوصل» يعني من صلة أميرالمؤمنين والأئمّة عليهم السلام «ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون» «2» .

الحديث الثاني في قوله تعالي: «وإذْ أخذنا ميثاقكم … » «3» :

قال علي بن إبراهيم:

«وأمّا قوله: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ» الآية.

__________________________________________________

(1) سورة البقرة، الآية 25.

(2) تفسير علي بن إبراهيم القمّي 1: 35.

(3) سورة البقرة، الآية 63.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 438

وإنما نزلت في أبي ذر- رحمه اللَّه- وعثمان

بن عفان. وكان سبب ذلك:

لمّا أمر عثمان بنفي أبي ذر إلي الربذة، دخل عليه أبوذر وكان عليلًا متوكئاً علي عصاه، وبين يدي، عثمان مأة ألف درهم قد حملت اليه من بعض النواحي، وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون أن يقسمها فيهم.

فقال أبوذر لعثمان: ما هذا المال؟

فقال عثمان: مأة ألف درهم حملت إليّ من بعض النواحي، اريد أضم إليها مثلها، ثم أري فيها رأيي.

فقال أبوذر: يا عثمان أيّما أكثر مأة ألف درهم أو أربعة دنانير؟

فقال عثمان: بل مأة ألف درهم.

قال: أما تذكر أنا وأنت وقد دخلنا علي رسول اللَّه عشياً، فرأيناه كئيباً حزيناً فسلّمنا عليه فلم يرد علينا السلام، فلما أصبحنا أتيناه فرأيناه ضاحكاً مستبشراً، فقلنا له بآبائنا وامهّاتنا، دخلنا إليك البارحة فرأيناك كئيباً حزيناً، ثم عدنا إليك اليوم فرأيناك فرحاً مستبشراً.

فقال: نعم كان قد بقي عندي من في ء المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها، وخفت أن يدركني الموت وهي عندي، وقد قسمتها اليوم واسترحت منها.

فنظر عثمان إلي كعب الأخبار وقال له: يا أبا إسحاق: ما تقول في رجل أديّ زكاة ماله المفروضة، هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيئاً؟

فقال: لا، ولو اتّخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شي ء.

فرفع أبوذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يابن اليهودية الكائرة ما أنت والنظر في احكام المسلمين، قول اللَّه أصدق من قولك حيث قال «والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَي عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَي بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 439

كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ» فقال عثمان: يا أباذر إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك، ولولا

صحبتك لرسول اللَّه لقتلتك، فقال: كذبت يا عثمان. أخبرني حبيبي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فقال: لا يفتنونك يا أباذر ولا يقتلونك، وأما عقلي فقد بقي منه ما أحفظه حديثاً سمعته من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فيك وفي قومك، فقال: وما سمعت من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في وفي قومي؟ قال: سمعت يقول إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثون رجلًا صيّروا مال اللَّه دولًا، وكتاب اللَّه دخلًا وعباده خولًا والفاسقين حزباً والصالحين حرباً، فقال عثمان: يا معشر أصحاب محمد، هل سمع أحد منكم هذا من رسول اللَّه؟ فقالوا: لا ما سمعنا هذا من رسول اللَّه.

فقال عثمان: ادع علياً. فجاء أمير المؤمنين عليه السلام. فقال له عثمان: يا أبا الحسن انظر ما يقول هذا الشيخ الكذّاب. فقال أمير المؤمنين: مه يا عثمان، لا تقل كذّاب فإني سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذر. فقال أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: صدق أبوذر وقد سمعنا هذا من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

فبكي أبوذر عند ذلك فقال: ويلكم، كلّكم قد مدّ عنقه إلي هذا المال، ظنتم أني أكذب علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، ثم نظر إليهم فقال:

من خيركم؟ فقالوا: من خيرنا؟ فقال: أنا. فقالوا: أنت تقول إنك خيرنا؟ قال:

نعم خلفت حبيبي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في هذه الجبة وهو عني راض، وأنتم قد أحدثتم أحداثاً كثيرة واللَّه سائلكم عن ذلك ولا يسألني.

فقال عثمان: يا أباذر أسألك بحق رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله

وسلّم إلّا ما أخبرتني عن شي ء أسألك عنه. فقال أبوذر: واللَّه لو لم تسألني بحق محمد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أيضاً لأخبرتك.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 440

فقال: أيّ البلاد أحبّ إليك أن تكون فيها؟ فقال: مكة حرم اللَّه وحرم رسول اللَّه، أعبد اللَّه فيها حتي يأتيني الموت.

فقال: لا ولا كرامة لك.

قال: المدينة حرم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

قال: لا ولا كرامة لك.

فسكت أبوذر.

فقال عثمان: أيّ البلاد أبغض إليك أن تكون فيها؟ قال: الربذة التي كنت فيها علي غير دين الاسلام.

فقال عثمان: سر إليها.

فقال أبوذر: قد سألتني فصدقتك، وأنا اسألك فاصدقني.

قال: نعم.

قال: أخبرني لو بعثتني في بعث من أصحابك إلي المشركين فأسروني فقالوا: لا نفديه إلّابثلث ما تملك.

قال: كنت أفديك.

قال: فان قالوا لا نفديه إلّابنصف ما تملك.

قال: كنت أفديك.

قال: فإن قالوا لا نفديه إلّابكلّ ما تملك.

قال: كنت أفديك.

قال أبوذر: اللَّه أكبر قال حبيبي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يوماً: يا أباذر وكيف أنت إذا قيل لك أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها؟ فتقول: مكة حرم اللَّه وحرم رسوله أعبداللَّه فيها حتي يأتيني الموت. فيقال لك: لا ولا كرامة لك. فتقول: فالمدينة حرم رسول اللَّه. فيقال لك: لا ولا كرامة لك. ثم يقال لك:

فايّ البلاد أبغض إليك أن تكون فيها؟ فتقول: الربذة التي كنت فيها علي غير دين استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 441

الاسلام فيقال لك: سر إليها. فقلت: وإن هذا لكائن؟ فقال: إي والذي نفسي بيده إنه لكائن. فقلت: يا رسول اللَّه أفلا أضع سيفي هذا علي عاتقي فأضرب به قدماً قدماً؟ قال: لا إسمع واسكت ولو لعبد حبشي. وقد أنزل اللَّه فيك وفي

عثمان آية. فقلت: وما هي يا رسول اللَّه. فقال: قوله تعالي «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ* ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَي تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَي أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» » «1» .

الحديث الثالث في قوله تعالي: «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا … » «2» .

قال علي بن إبراهيم: «نزلت في الثاني. ويقال: في معاوية» .

والعيّاشي عن الصادق: «فلان وفلان» .

وفي (الصافي): «تشمل عامّة المنافقين وإنْ نزلت خاصة» «3» .

الحديث الرابع في قوله تعالي: «فمن يكفر بالطّاغوت … » «4» .

قال القمي: «هم الذين غصبوا آل محمد حقّهم» «5» .

__________________________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم القمّي 1: 52- 54.

(2) سورة البقرة، الآية 204.

(3) الصّافي في تفسير القرآن 1: 220.

(4) سورة البقرة، الآية 256.

(5) تفسير القمي، عنه الصافي 1: 261.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 442

الحديث الخامس في قوله تعالي: «ألم تر إلي الذين يزكّون … » «1» .

قال علي بن إبراهيم: «هم الذين سمّوا أنفسهم بالصدّيق والفاروق وذي النورين … » «2» .

الحديث السادس في قوله تعالي: «إنّ الذين يكفرون باللَّه ورسله … » «3» .

قال القمي: «هم الذين أقرّوا برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وأنكروا أمير المؤمنين عليه السلام» «4» .

الحديث السابع في قوله تعالي: «إنّ الذين آمنوا ثمّ كفروا … » «5» .

القمي: «نزلت في الذين آمنوا برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله إقراراً

لا تصديقاً، ثم كفروا لمّا كتبوا الكتاب فيما بينهم أن لا يردّوا الأمر في أهل بيته أبداً، فلمّا نزلت الولاية وأخذ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله الميثاق عليهم لأمير المؤمنين عليه السلام آمنوا إقراراً لا تصديقاً، فلمّا قضي رسول اللَّه كفروا

__________________________________________________

(1) سورة النساء، الآية 49.

(2) الصّافي 1: 424.

(3) سورة النساء، الآية 150.

(4) الصّافي 1: 477.

(5) سورة النساء، الآية 137.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 443

فازدادوا كفراً.

والعياشي عن الباقر عليه السلام قال: هما والثالث والرابع وعبدالرحمن وطلحة، وكانوا سبعة (الحديث) وذكر فيه مراتب إيمانهم وكفرهم.

وعن الصادق عليه السلام: نزلت في فلان وفلان وفلان، آمنوا برسول اللَّه في أوّل الأمر، ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية، حيث قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام، حيث قالوا له بأمر اللَّه وأمر رسوله فبايعوه، ثم كفروا حيث مضي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، فلم يقرّوا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شي ء» «1» .

الحديث الثامن في قوله تعالي: « … فإنْ يكفر بها هؤلاء … » «2» .

قال علي بن إبراهيم: «يعني: أصحابه وقريش ومن أنكروا بيعة أمير المؤمنين عليه السلام «فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ» يعني شيعة أمير المؤمنين عليه السلام» «3» .

الحديث التاسع في قوله تعالي: « … لتفسدنَّ في الأرض مرّتين … » «4» .

__________________________________________________

(1) تفسير الصّافي 1: 473.

(2) سورة الأنعام، الآية 89.

(3) تفسير القمي 1: 209- 210.

(4) سورة الإسراء، الآية 4.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 444

قال في (الصافي): «وفي الكافي والعيّاشي عن الصّادق عليه السلام أنّه فسّر الإفسادتين بقتل علي بن أبي طالب

عليه السلام وطعن الحسن عليه السلام، والعلّو الكبير بقتل الحسين عليه السلام، والعباد أولي بأس، بقومٍ يبعثهم اللَّه قبل خروج القائم، فلا يدعون وتراً لآل محمد إلّاقتلوه، ووعد اللَّه بخروج القائم عليه السلام وردّ الكرّة عليهم بخروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب، حين كان الحجة القائم بين أظهرهم.

وزاد العياشي: ثم يملكهم الحسين عليه السلام حتي بلغ حاجباه إلي عينيه.

والعياشي عنه عليه السلام: أوّل من يكرّ إلي الدنيا الحسين بن علي ويزيد بن معاوية وأصحابه، فيقتلهم حذو القذة بالقذة. ثم تلا هذه الآية «ثمّ رددنا … » .

وفي روايةٍ اخري للعياشي عن الباقر عليه السلام: إن العباد أولي بأس هم القائم وأصحابه عليهم السلام.

والقمّي: «وَقَضَيْنَا إِلَي بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ» أي أعلمناهم ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل، وخاطب اللَّه امّة محمد صلّي اللَّه عليه وآله فقال:

«لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ» يعني فلاناً وفلاناً ولأصحابهما ونقضهم العهد «وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً» ما ادّعوه من الخلافة «فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا» يعني يوم الجمل «بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» يعني أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه … » «1» .

__________________________________________________

(1) تفسير الصافي 3: 179.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 445

الحديث الحادي عشر

في قوله تعالي: «قل أعوذ بربّ … » «1» : «قال: الفلق جبٌّ في جهنّم يتعوّذ أهل النار من شدّة حرّه، فسأل اللَّه أن يأذن له أنْ يتنفّس، فأذن له فتنفّس فأحرق جهنم.

قال: وفي ذلك الجبّ صندوق من نارٍ يتعوّذ أهل الجبّ من حرّ ذلك الصندوق، وهو التابوت، وفي ذلك التابوت ستة من الأوّلين وستة من الآخرين.

فأمّا الستّة من الأوّلين: فابن آدم الذي قتل أخاه، ونمرود إبراهيم الذي ألقي إبراهيم في

النار، وفرعون موسي والسّامري الذي اتخذ العجل، والذي هوّد اليهود، والذي نصّر النصاري.

وأمّا الستة من الآخرين، فهو الأوّل والثاني والثالث والرابع وصاحب الخوارج وابن ملجم» «2» .

الحديث الحادي عشر

في قوله تعالي: « … أو كظلمات في بحر لجّيّ … » «3» .

في (تفسير الصافي): «وفي الكافي عن الصادق عليه السلام: «أَوْ كَظُلُمَاتٍ» قال: الأول وصاحبه «يَغْشَاهُ مَوْجٌ» الثالث «من فوقه موج ظلمات» الثاني «بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ» معاوية لعنه اللَّه، وفتن بني امية «إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ»

__________________________________________________

(1) سورة الفلق، الآية 1.

(2) تفسير القمي 2: 449.

(3) سورة النور، الآية 40.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 446

المؤمن في ظلمة فتنتهم «لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً» إماماً من ولد فاطمة عليها السلام «فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ» يوم القيامة.

والقمي عنه عليه السلام: «أَوْ كَظُلُمَاتٍ» فلان وفلان «فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ» يعني نعثل «مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ» طلحة والزبير «بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ» معاوية ويزيد لعنهم اللَّه وفتن بني اميّة «إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ» في ظلمة فتنتهم «لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً» يعني إماماً من ولد فاطمة عليها السلام «فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ» فما له من إمام يمشي بنوره كما في قوله تعالي «يَسْعَي نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ … » … » «1» .

الحديث الثاني عشر

في (البحار) عن (الأمالي) قال:

«ابن موسي، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير

عن ابن عبّاس قال: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كان جالساً ذات يوم، إذ أقبل الحسن، فلمّا رآه بكي ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا بني، فما زال يدنيه حتّي

أجلسه علي فخذه اليمني، ثمّ أقبل الحسين، فلمّا رآه بكي ثمّ قال:

إليَّ إليَّ يا بني، فما زال يدنيه حتّي أجلسه علي فخذه اليسري، ثمّ أقبلت فاطمة، فلمّا رآها بكي، ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا بنيّة، فأجلسها بين يديه، ثمّ أقبل أميرالمؤمنين عليه السلام، فلمّا رآه بكي ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا أخي، فما زال يدنيه حتّي أجلسه إلي جنبه الأيمن.

__________________________________________________

(1) تفسير الصافي 3: 438.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 447

فقال له الصحابة: يا رسول اللَّه، ما تري واحداً من هؤلاء إلّابكيت، أوما فيهم من تسترّ برؤيته؟

فقال صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: والذي بعثني بالنبوّة واصطفاني علي جميع البريّة: إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق علي اللَّه عزّ وجلّ، وما علي وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم:

أمّا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولي كلّ مسلم، وإمام كلّ مؤمن وقائد كلّ تقيّ، وهو وصيّي وخليفتي علي أهلي وامّتي؛ في حياتي وبعد موتي، محبّه محبّي ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت امّتي مرحومة وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة، وإنّي بكيت حين أقبل لأنّي ذكرت غدر الامّة به بعدي، حتّي إنّه ليزال عن مقعدي وقد جعله اللَّه له بعدي، ثمّ لا يزال الأمر به حتّي يضرب علي قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور، شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن وهدي للناس وبيّنات من الهدي والفرقان.

وأمّا ابنتي فاطمة، فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسيّة، متي قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر نورها لملائكة

السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول اللَّه عزّ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلي أمتي فاطمة سيّدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها علي عبادتي، اشهدكم أنّي قد أمنت شيعتها من النار، وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي؛ كأنّي بها

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 448

وقد دخل الذلّ بيتها وانتهكت حرمتها وغصبت حقّها ومنعت إرثها وكسر جنبها واسقطت جنينها وهي تنادي: يا محمّداه فلا تجاب وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال محزونة مكروبة باكية تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة وتتذكّر فراقي اخري، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن، ثمّ تري نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيّام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها اللَّه تعالي ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إنّ اللَّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك علي نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين، ثمّ يبتدئ بها الوجع فتمرض، فيبعث اللَّه عزّ وجلّ إليها مريم بنت عمران تمرّضها وتؤنسها في علّتها، فتقول عند ذلك:

يا رب، إنّي قد سئمت الحياة، وتبرّمت بأهل الدنيا، فألحقني بأبي.

فيلحقها اللَّه عزّ وجلّ بي، فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليَّ محزونة مكروبةً مغمومة مغصوبةً مقتولةً، فأقول عند ذلك: اللّهمّ العن من ظلمها وعاقب من غصبها وذّلّل من أذلّها وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّي ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين» «1» .

الحديث الثالث عشر

الطوسي في (الأمالي) بإسناده:

عن ابن عباس قال: «لمّا حضرت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم الوفاة بكي حتّي بلّت دموعه لحيته، فقيل: يا رسول اللَّه،

ما يبكيك؟ فقال:

__________________________________________________

(1) بحارالأنوار 43: 172- 173 و 28: 37- 40.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 449

أبكي لذرّيّتي وما يصنع بهم شرار امّتي من بعدي، كأنّي بفاطمة بنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي: يا أبتاه يا أبتاه، فلا يعينها أحد من امّتي، فسمعت ذلك فاطمة عليها السلام فبكت، فقال لها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: لا تبكينّ يا بنيّة، فقالت: لست أبكي لما يصنع بي بعدك، ولكنّي أبكي لفراقك يا رسول اللَّه، فقال لها: أبشري يا بنت محمّد بسرعة اللّحاق، فإنّك أوّل من يلحق بي من أهل بيتي» «1» .

الحديث الرابع عشر

في (البحار) عن عبدالرحمان بن أبي ليلي قال:

قال أبي: دفع النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم الراية يوم خيبر إلي علي ابن أبي طالب عليه السلام، ففتح اللَّه عليه، وأوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنّه مولي كلّ مؤمنٍ ومؤمنة. وقال عليه السلام له: أنت منّي وأنا منك، وقال له:

تقاتل علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل، وقال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي. وقال له: أنا سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت، وقال له: أنت العروة الوثقي، وقال له: أنت تبيّن لهم ما اشتبه عليهم بعدي، وقال له: أنت إمام كلّ مؤمن ومؤمنةٍ بعدي، وقال له: أنت الذي أنزل فيه «وأذان من اللَّه ورسوله إلي الناس يوم الحج الأكبر» ، وقال له: أنت الآخذ بسنّتي والذابُّ عن ملّتي، وقال له: أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض وأنت معي، وقال له: أنا عند الحوض وأنت معي، وقال له: أنا أوّل من يدخل الجنّة وأنت بعدي تدخلها والحسن والحسين وفاطمة. وقال له: إنّ اللَّه أوحي إليَّ بأن أقوم بفضلك فقمت

__________________________________________________

(1) الأمالي للشيخ الطوسي: 188/ 316.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 450

به في الناس وبلّغتهم ما أمرني اللَّه بتبليغه، وقال له: اتّق الضغائن التي في صدور من لا يظهرها إلّابعد موتي … » «1» .

الحديث الخامس عشر

في (البحار): «عن أبي سعيد الخدري قال: أخبر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم عليّاً عليه السلام بما يلقي بعده، فبكي عليّ عليه السلام وقال:

يا رسول اللَّه، أسألك بحقّي عليكم وحقّ قرابتي وحقّ صحبتي لما دعوت اللَّه عزّ وجلّ أنْ يقبضني إليه، فقال رسول اللَّه: أتسألني أنْ أدعو ربّي لأجلٍ مؤجّل؟ قال: فعلي ما اقاتلهم؟ قال: علي الإحداث في الدين» «2» .

الحديث السادس عشر

الصدوق في كتاب (الامالي):

عن عليّ قال: «بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، إذ التفت إلينا فبكي.

فقلت: ما يبكيك يا رسول اللَّه؟

فقال: أبكي ممّا يصنع بكم بعدي.

فقلت: وما ذاك يا رسول اللَّه؟

قال: أبكي من ضربتك علي القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعنة الحسن في الفخذ والسمّ الذي يسقي، وقتل الحسين.

قال: فبكي أهل البيت جميعاً.

__________________________________________________

(1) بحارالأنوار 28: 45 و 37: 192.

(2) بحارالأنوار 28: 47 و 34: 334.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 451

فقلت: يا رسول اللَّه، ما خلقنا ربّنا إلّاللبلاء.

قال: أبشر يا علي، فإنّ اللَّه عزّ وجلّ قد عهد إليّ أنّه لا يحبّك إلّامؤمن ولا يبغضك إلّامنافق» «1» .

الحديث السابع عشر

رواه الشيخ الطوسي في (الأمالي) عن قيس بن سعد بن عبادة قال:

«سمعت عليّ بن أبي طالب يقول: أنا أوّل من يجثو بين يدي اللَّه عزّ وجلّ يوم القيامة للخصومة» «2» .

الحديث الثامن عشر

في (كتاب سليم بن قيس) قال: «سمعت سلمان الفارسي قال:

«لما أن قبض

النبي وصنع الناس ما صنعوا، جاءهم أبو بكر و عمر وأبو عبيدة بن الجراح فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجة علي فقالوا: يا معشر الأنصار، قريش أحق بالأمر منكم، لأن رسول اللَّه من قريش، والمهاجرون خير منكم، لأن اللَّه بدأ بهم في كتابه وفضَّلهم وقد قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: الأئمة من قريش.

قال سلمان: فأتيت علياً عليه السلام وهو يغسِّل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، وقد كان رسول اللَّه أوصي علياً أن لا يلي غسله غيره، فقال: يا رسول اللَّه، فمن يعينني علي ذلك؟ فقال: جبرائيل. فكان علي لا يريد عضواً

__________________________________________________

(1) كتاب الامالي للشيخ الصدوق: 1975، المجلس 28 رقم 2.

(2) كتاب الأمالي للشيخ الطوسي: 85 المجلس 3 رقم 128.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 452

إلا قلِّب له.

فلما غسَّله وحنَّطه وكفَّنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فتقدَّم علي عليه السلام وصفَفْنا خلفه وصلّي عليه، وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ اللَّه ببصرها.

ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار؛ فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون، حتي لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلّاصلّي عليه.

قال سلمان الفارسي: فأخبرت علياً عليه السلام- وهو يغسِّل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله- بما صنع القوم، وقلت: إن أبا بكر الساعة لعَلي منبر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة وإنهم ليبايعونه بيديه جميعاً، بيمينه وشماله!

فقال علي عليه السلام: يا سلمان، وهل تدري من أوّل من بايعه علي منبر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله؟ قلت: لا، إلّاأني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أوّل من بايعه المغيرة بن شعبة، ثم بشير بن سعيد ثم أبو عبيدة

الجراح، ثم عمر بن الخطاب، ثم سالم مولي أبي حذيفة ومعاذ بن جبل.

قال عليه السلام: لست أسألك عن هؤلاء، ولكن هل تدري من أوّل من بايعه حين صعد المنبر؟ قلت: لا، ولكني رأيت شيخاً كبيراً يتوكَّأ علي عصاه، بين عينيه سجّادة شديدة التشمير، صعد المنبر أوّل من صعد وخرَّ وهو يبكي ويقول: الحمد للَّه الذي لم يمتني حتي رأيتك في هذا المكان، ابسط يدك.

فبسط يده فبايعه، ثم قال: يوم كيوم آدم! ثم نزل فخرج من المسجد.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 453

فقال علي عليه السلام: يا سلمان، أتدري من هو؟ قلت: لا، لقد ساءتني مقالته كأنَّه شامت بموت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله.

قال علي عليه السلام: فإن ذلك إبليس لعنه اللَّه.

أخبرني رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: إن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله إياي يوم غدير خم بأمر اللَّه، وأخبرهم بأني أولي بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب. فأقبل إلي إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا: إن هذه الامّة أمة مرحومة معصومة، فمالك ولا لنا عليهم سبيل، وقد اعلموا مفزعهم وإمامهم بعد نبيِّهم.

فانطلق إبليس كئيباً حزيناً.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: أخبرني رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله بعد ذلك وقال: يبايع الناس أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقّنا وحجّتنا. ثم يأتون المسجد فيكون أوّل من يبايعه علي منبري إبليس في صورة شيخ كبير مشمَّر يقول كذا وكذا. ثم يخرج فيجمع أصحابه وشياطينه وأبالسته فيخرّون سجَّداً فيقولون: يا سيِّدنا، يا كبيرنا، أنت الذي أخرجت آدم من الجنة. فيقول: أيَّ أمة لن تضلَّ بعد نبيّها؟ كلّا، زعمتم أن ليس لي عليهم سلطان ولا سبيل؟ فكيف رأيتموني

صنعت بهم حين تركوا ما أمرهم اللَّه به من طاعته وأمرهم به رسول اللَّه، وذلك قوله تعالي «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ» «1» .

__________________________________________________

(1) كتاب سليم بن قيس: 143- 145، الطبعة المحققة في مجلَّد واحد.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 454

الحديث التاسع عشر

في (تفسير الإمام الحسن العسكري) في حديثٍ طويل: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:

«يا علي، إنّ أصحاب موسي اتّخذوا بعده عجلًا وخالفوا خليفته، وستتّخذ امّتي بعدي عجلًا ثم عجلًا ثم عجلًا ويخالفونك، وأنت خليفتي علي هؤلاء يضاهون أولئك في اتّخاذهم العجل، ألا فمن وافقك وأطاعك فهو معنا في الرفيع الأعلي، ومن اتّخذ العجل بعدي وخالفك ولم يتب، فاولئك مع الذين اتّخذوا العجل زمان موسي عليه السلام ولم يتوبوا، في نار جهنّم خالدين مخلَّدين» «1» .

الحديث العشرون في (كشف الغمة) عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري:

«قال: دخلت فاطمة عليها السلام علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- وهو في سكرات الموت- فانكبّت عليه تبكي، ففتح عينه وأفاق ثمّ قال: يا بنيّة، أنت المظلومة بعدي وأنت المستضعفة بعدي، فمن آذاك فقد آذاني، ومن غاضك فقد غاضني، ومن سرّك فقد سرّني، ومن تركك فقد تركني، ومن جفاك فقد جفاني، ومن وصلك فقد وصلني، ومن قطعك فقد قطعني، ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن ظلمك فقد ظلمني، لأنّك منّي وأنا منك، وأنت بضعة منّي وروحي التي بين جنبيّ.

ثمّ قال: إلي اللَّه أشكو ظالميك من امّتي.

__________________________________________________

(1) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 409.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 455

ثمّ دخل الحسن والحسين، فانكبّا علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وهما يبكيان ويقولان: أنفسنا لنفسك

الفداء يا رسول اللَّه. فذهب علي لينحّيهما عنه، فرفع رأسه إليه ثمّ قال: دعهما- يا أخي- يشمّاني وأشمّهما، ويتزوّدان وأتزوّد منهما، فإنّهما مقتولان بعدي ظلماً وعدواناً. فلعنة اللَّه علي من يقتلهما.

ثمّ قال: يا علي، أنت المظلوم بعدي، وأنا خصم لمن أنت خصمه يوم القيامة» «1» .

الحديث الحادي والعشرون في كتاب (المحتضر) للحسن بن سليمان، بإسناده إلي سعيد بن جبير:

عن ابن عبّاس قال: «كان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ذات يوم جالساً، إذ أقبل الحسن، فلمّا رآه بكي ثمّ قال: إليَّ يا بنيّ، فما زال يدنيه حتّي أجلسه علي فخذه اليسري، ثمّ أقبلت فاطمة، فلمّا رآها بكي ثمّ قال: إليّ يا بنيّة، فما زال يدنيها حتّي أجلسها بين يديه، ثمّ أقبل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، فلمّا رآه بكي، ثمّ قال: إليّ يا أخي، فما زال بدنيه حتّي أجلسه إلي جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول اللَّه، ما تري أحداً من هؤلاء إلّابكيت؟

قال: يا ابن عبّاس: لو أنّ الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين اجتمعوا علي بغضه ولن يفعلوا يعذّبهم اللَّه بالنار.

قلت: يا رسول اللَّه، هل يبغضه أحد؟

__________________________________________________

(1) كشف الغمة في معرفة الأئمّة 1: 497.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 456

فقال: يا ابن عبّاس، نعم يبغضه قوم، يذكرون أنّهم من امّتي، لم يجعل اللَّه لهم في الإسلام نصيباً.

يا ابن عبّاس: إنّ من علامة بغضهم له تفضيل من هو دونه عليه، والذي بعثني بالحق نبيّاً، ما خلق اللَّه نبيّاً أكرم عليه منّي، وما خلق وصيّاً أكرم عليه من وصيّي علي.

قال ابن عبّاس: فلم أزل له كما أمرني رسول اللَّه ووصّاني بمودّته، وإنّه لأكبر عمل عنده.

قال ابن عبّاس، ثمّ قضي من الزمان، وحضرت رسول اللَّه صلّي

اللَّه عليه وآله وسلّم الوفاة، فحضرته فقلت له: فداك أبي وامّي يا رسول اللَّه، قد دنا أجلك، فما تأمرني؟

فقال: يا ابن عبّاس، خالف من خالف عليّاً ولا تكوننّ له ظهيراً ولا وليّاً.

قلت: يا رسول اللَّه، فَلِمَ لا تأمر الناس بترك مخالفته؟

قال: فبكي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم حتّي اغمي عليه.

ثمّ قال: يا ابن عبّاس، سبق الكتاب فيهم وعلم ربّي، والذي بعثني بالحق نبيّاً، لا يخرج أحد ممّن خالفه وأنكر حقّه من الدنيا حتّي يغيّر اللَّه ما به من نعمة.

يا ابن عبّاس: إن أردت وجه اللَّه ولقائه وهو عنك راض فاسلك طريق عليّ بن أبي طالب، ومل معه حيثما مال، وارض به إماماً، وعاد من عاداه ووال من والاه.

يا ابن عبّاس: إحذر أن يدخلك شك فيه، فإن الشكّ في علي كفر» «1» .

__________________________________________________

(1) المحتضر: 130.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 457

الحديث الثاني والعشرون روي في (الكافي) بإسناده عن عيسي بن المستفاد أبي موسي الضرير، قال:

«حدّثني موسي بن جعفر عليهما السلام قال: قلت لأبي عبداللَّه: أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتب الوصيّة ورسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقرَّبون عليهم السلام شهودٌ؟ قال: فأطرق طويلًا ثمّ قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله الأمر، نزلت الوصيّة من عند اللَّه كتاباً مسجّلًا، نزل به جبرئيل مع امناء اللَّه تبارك وتعالي من الملائكة، فقال جبرئيل: يا محمّد مر بإخراج مَن عندك إلّاوصيّك، ليقبضها منّا وتشهدنا بدفعك إيّاها إليه ضامناً لها- يعني عليّاً عليه السلام- فأمر النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله بإخراج من كان في البيت ماخلا عليّاً عليه السلام؛ وفاطمة فيما

بين الستر والباب، فقال جبرئيل: يا محمّد، ربّك يقرئك السلام ويقول: هذا كتاب ما كنت عهدت إليك وشرطت عليك وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي وكفي بي يا محمّد شهيداً، قال: فارتعدت مفاصل النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله، فقال: يا جبرئيل ربّي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام صدق عزَّ وجلَّ وبرَّ، هات الكتاب، فدفعه إليه وأمره بدفعه إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: إقرأه، فقرأه حرفاً حرفاً، فقال: يا عليُّ! هذا عهد ربّي تبارك وتعالي إليَّ وشرطه عليَّ وأمانته، وقد بلّغت ونصحت وأدَّيت، فقال عليٌّ عليه السلام وأنا أشهد لك ج بأبي وأمّي أنت ج بالبلاغ والنصيحة والتصديق علي ما قلت ويشهد لك به استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 458

سمعي وبصري ولحمي ودمي، فقال جبرئيل عليه السلام: وأنا لكما علي ذلك من الشاهدين، فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: يا عليٌّ أخذت وصيّتي وعرفتها وضمنت للَّه ولي الوفاء بما فيها؟ فقال عليٌّ عليه السلام: نعم بأبي أنت وامّي، عليَّ ضمانها وعلي اللَّه عوني وتوفيقي علي أدائها، فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: يا عليٌّ إنّي اريد أن اشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة، فقال عليٌّ عليه السلام نعم أشهد، فقال النبيُّ صلّي اللَّه عليه وآله: إنَّ جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران معهما الملائكة المقرَّبون لُاشهدهم عليك، فقال: نعم ليشهدوا وأنا- بأبي أنت وامّي- اشهدهم، فأشهدهم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله.

وكان فيما اشترط عليه النبيُّ بأمر جبرئيل عليه السلام فيما أمر اللَّه عزَّوجلَّ أن قال له: يا عليُّ، تفي بما فيها من موالاة من والي اللَّه ورسوله والبراءة والعداوة لمن عادي اللَّه ورسوله والبراءة منهم،

علي الصبر منك جوج علي كظم الغيظ وعلي ذهاب حقّي وغصب خمسك وانتهاك حرمتك؟ فقال:

نعم يا رسول اللَّه.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لقد سمعت جبرئيل عليه السلام يقول للنبيّ: يا محمّد عرّفه أنّه يُنتهك الحرمة وهي حرمة اللَّه وحرمة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، وعلي أن تُخضب لحيته من رأسه بدم عبيط.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتّي سقطت علي وجهي وقلت: نعم قبلت ورضيت، وإن انتهكت الحرمة وعُطّلت السنن ومزّق الكتاب وهدّمت الكعبة وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط صابراً محتسباً أبداً حتّي أقدم عليك.

ثمَّ دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله فاطمة والحسن والحسين وأعلمهم استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 459

مثل ما أعلم أمير المؤمنين، فقالوا مثل قوله فختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب، لم تمسّه النار ودفعت إلي أمير المؤمنين عليه السلام.

فقلت لأبي الحسن عليه السلام: بأبي أنت وامّي ألا تذكر ما كان في الوصيّة؟ فقال: سنن اللَّه وسنن رسوله، فقلت: أكان في الوصيّة توثّبهم وخلافهم علي أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: نعم واللَّه شيئاً شيئاً، وحرفاً حرفاً، أما سمعت قول اللَّه عزَّ وجلَّ: «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَي وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْ ءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» ؟ واللَّه لقد قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله لأمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام: أليس قد فهمتما ما تقدّمت به إليكما وقبلتماه؟

فقالا: بلي وصبرنا علي ما ساءنا وغاظنا» «1» .

الحديث الثالث والعشرون عن أبي عبداللَّه عليه السّلام قال:

«لما اخرج علي عليه السلام ملبّباً، وقف عند قبر النبي صلّي اللَّه عليه وآله فقال: «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي

وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي» ، قال: فخرجت يد من قبر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله يعرفون أنها يده وصوت يعرفون أنه صوته نحو أبي بكر: يا هذا «أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا» » «2» .

الحديث الرابع والعشرون في كتاب (كامل الزيارات): «وبهذا الإسناد عن عبداللَّه بن بكير

__________________________________________________

(1) الكافي 1: 281- 283.

(2) كتاب الاختصاص: 275.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 460

الأرجاني قال:

صحبت أبا عبداللَّه عليه السلام في طريق مكة إلي المدينة، فنزلنا منزلًا يقال له عسفان، ثم مررنا بجبل أسود عن يسار الطريق موحش، فقلت له:

يا ابن رسول اللَّه، ما أوحش هذا الجبل! ما رأيت في الطريق مثل هذا.

فقال لي: يا ابن بكير، أتدري أيّ جبلٍ هذا؟

قلت: لا.

قال: هذا جبل يقال له الكمد، وهو علي وادٍ من أودية جهنم، وفية قتلة أبي الحسين، استودعهم فيه، تجري من تحتهم حياة جهنم من الغسلين والصديد والحميم، وما يخرج من جب الجوي، وما يخرج من الفلق، وما يخرج من اثام، وما يخرج من طينة الخبال، وما يخرج من جهنم، وما يخرج من لظي ومن الحطمة، وما يخرج من سقر، وما يخرج من الحميم، وما يخرج من الهاوية، وما يخرج من السعير.

وما مررت بهذا الجبل في سفري فوقفت به إلّارأيتهما يستغيثان إليّ، وإني لأنظر الي قتلة أبي وأقول لهما: هؤلاء فعلوا ما أسّستما، لم ترحمونا إذ ولّيتم، وقتلتمونا وحرمتمونا، ووثبتم علي حقّنا، واستبددتم بالأمر دوننا، فلا رحم اللَّه من يرحمكما، ذوقا وبال ما قدّمتما، وما اللَّه بظلّام للعبيد، وأشدهما تضرّعاً واستكانة الثاني، فربما وقفت عليهما ليتسلّي عني بعض ما في قلبي، وربما طويت الجبل الذي هما فيه، وهو جبل الكمد.

قال: قلت له:

جعلت فداك، فإذا طويت الجبل فما تسمع؟

قال: أسمع أصواتهما يناديان: عرّج علينا نكلّمك فإنا نتوب، وأسمع من الجبل صارخاً يصرخ بي: أجبهما، وقل لهما: «اخسؤوا فيها ولاتكلّمون» .

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 461

قال: قلت له: جعلت فداك ومن معهم؟

قال: كلّ فرعون عتي علي اللَّه وحكي اللَّه عنه فعاله، وكلّ من علّم العباد الكفر.

فقلت: من هم.

قال: نحو بولس الذي علّم اليهود أن يد اللَّه مغلولة، ونحو نسطور الذي علّم النصاري أن المسيح ابن اللَّه، وقال لهم: هم ثلاثة، ونحو فرعون موسي الذي قال: أنا ربّكم الأعلي، ونحو نمرود الذي قال: قهرت أهل الأرض وقتلت من في السماء، وقاتل أمير المؤمنين عليه السلام، وقاتل فاطمة ومحسن، وقاتل الحسن والحسين عليهما السلام، فأما معاوية وعمرو فما يطمعان في الخلاص، ومعهم كلّ من نصب لنا العداوة، وأعان علينا بلسانه ويده وماله.

قلت له: جعلت فداك، فأنت تسمع ذا كلّه ولا تفزع.

قال: يابن بكير، إن قلوبنا غير قلوب الناس، إنا مطيعون مصفّون مصطفون، نري ما لا يري الناس ونسمع ما لا يسمعون، وإن الملائكة تنزل علينا في رحالنا وتتقلب في فرشنا، وتشهد طعامنا، وتحضر موتانا، وتأتينا بأخبار ما يحدث قبل أن يكون، وتصلّي معنا وتدعو لنا، وتلقي علينا أجنحتها، وتتقلّب علي أجنحتها صبياننا، وتمنع الدواب أن تصل إلينا، وتأتينا مما في الأرضين من كلّ نبات في زمانه، وتسقينا من ماء كلّ أرض نجد ذلك في آنيتنا.

وما من يوم ولا ساعة ولا وقت صلاة إلا وهي تنبّهنا لها، وما من ليلة تأتي علينا إلّاوأخبار كلّ أرض عندنا وما يحدث فيها، وأخبار الجن وأخبار

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 462

أهل الهوي من الملائكة، وما من ملك يموت في الأرض ويقوم

غيره إلّاأتانا خبره، وكيف سيرته في الذين قبله، وما من أرض من ستة أرضين إلي السابعة إلّا ونحن نؤتي بخبرهم.

فقلت: جعلت فداك، فأين منتهي هذا الجبل؟

قال: إلي الأرض السادسة، وفيها جهنم، علي وادٍ من أوديته، عليه حفظة أكثر من نجوم السماء وقطر المطر، وعدد ما في البحار وعدد الثري، قد وكّل كلّ ملك منهم بشي ء وهو مقيم عليه لا يفارقه.

قلت: جعلت فداك، إليكم جميعاً يلقون الأخبار؟

قال: لا، إنما يلقي ذلك إلي صاحب الأمر، وإنا لنحمل ما لا يقدر العباد علي الحكومة فيه فنحكم فيه، فمن لم يقبل حكومتنا جبرته الملائكة علي قولنا، وأمرت الذين يحفظون ناحيته أن يقسروه علي قولنا، وإن كان من الجن من أهل الخلاف والكفر، أوثقته وعذّبته حتّي يصير إلي ما حكمنا به.

قلت: جعلت فداك، فهل يري الإمام ما بين المشرق والمغرب.

فقال: يابن بكير، فكيف يكون حجة اللَّه علي ما بين قطريها وهو لا يراهم ولا يحكم فيهم؟ وكيف يكون حجة علي قوم غيّب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليه؟ وكيف يكون مؤدّياً عن اللَّه وشاهداً علي الخلق وهو لا يراهم؟

وكيف يكون حجة عليهم وهو محجوب عنهم، وقد حيل بينهم وبينه أن يقوم بأمر ربّه فيهم، واللَّه يقول: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ» يعني به من علي الأرض والحجة من بعد النبي صلّي اللَّه عليه وآله يقوم مقام النبي.

وهو الدليل علي ما تشاجرت فيه الامّة، والآخذ بحقوق الناس، والقائم بأمر اللَّه، والمنصف لبعضهم من بعض، فإذا لم يكن معهم من ينفذ قوله، وهو

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 463

يقول: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ» ، فأيّ آية في الآفاق غيرنا أراها اللَّه أهل الآفاق، وقال: «مَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا

هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا» ، فأيّ آية أكبر منّا.

واللَّه إن بني هاشم وقريشاً لتعرف ما أعطانا اللَّه، ولكن الحسد أهلكهم كما أهلك إبليس، وإنهم ليأتوننا إذا اضطرّوا وخافوا علي أنفسهم، فيسألونا فنوضّح لهم فيقولون: نشهد أنكم أهل العلم، ثم يخرجون فيقولون: ما رأينا أضلّ ممن اتّبع هؤلاء ويقبل مقالتهم.

قلت: جعلت فداك، أخبرني عن الحسين عليه السلام لو نبش كانوا يجدون في قبره شيئاً؟

قال: يابن بكير، ما أعظم مسائلك! الحسين عليه السلام مع أبيه وامّه وأخيه الحسن، في منزل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، يحبون كما يحبي ويرزقون كما يرزق، فلو نبش في أيّامه لوجد، وأمّا اليوم فهو حيّ عند ربّه ينظر إلي معسكره، وينظر إلي العرش متي يؤمر أن يحمله، وإنه لعلي يمين العرش متعلّق، يقول: يا رب أنجزلي ما وعدتني.

وإنه لينظر إلي زوّاره، وهو أعرف بهم وبأسماء آبائهم وبدرجاتهم وبمنزلتهم عند اللَّه من أحدكم بولده وما في رحله، وإنه ليري من يبكيه فيستغفر له رحمة له ويسأل أباه الإستغفار له، ويقول: لو تعلم أيّها الباكي ما اعدّ لك لفرحت أكثر مما جزعت، فيستغفر له كلّ من سمع بكائه من الملائكة في السماء وفي الحائر، وينقلب وما عليه من ذنب» «1» .

__________________________________________________

(1) كامل الزيارات: 539- 544.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 464

الحديث الخامس والعشرون في كتاب (سليم بن قيس): «إنّه لمّا قتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، بكي ابن عبّاس بكاءاً شديداً ثمّ قال: ما بقيت هذه الامّة بعد نبيّها، اللّهمّ إنّي اشهدك إنّي لعليّ بن أبي طالب وولده وليّ، ولعدوّه عدوّ، ومن عدوّ ولده بريّ، وإنّي سلم لأمرهم.

ولقد دخلت علي ابن عمّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بذي

قار فأخرج لي صحيفة وقال لي: يا ابن عبّاس، هذه صحيفة أملاها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وخطّي بيدي.

قال: فقلت: يا أميرالمؤمنين إقرأها عليّ.

فقرأها، فإذا فيها كلّ شي ء منذ قبض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وكيف يقتل الحسين ومن يقتله ومن ينصره ومن يستشهد معه، وبكي بكاء شديداً وأبكاني، وكان فيما قرأه كيف يصنع به، وكيف تستشهد فاطمة، وكيف يستشهد الحسين، وكيف تغدر به الامّة، فلمّا قرأ مقتل الحسين ومن يقتل أكثر البكاء، ثمّ أدرج الصحيفة وفيها ما كان وما يكون إلي يوم القيامة.

وكان فيما قرأ أمر أبي بكر وعمر وعثمان، وكم يملك كلّ إنسان منهم، وكيف يقع علي عليّ بن أبي طالب، ووقعة الجمل، ومسير عائشة وطلحة والزبير، ووقعة صفين ومن يقتل بها، ووقعة النهروان وأمر الحكمين، وملك معاوية ومن يقتل من الشيعة، وما يصنع الناس بالحسن، وأمر يزيد بن معاوية، حتّي انتهي إلي قتل الحسين، فسمعت ذلك، فكان كما قرأ ولم ينقص، ورأيت خطّه في الصحيفة لم يتغيّر … » «1» .

__________________________________________________

(1) كتاب سليم بن قيس 2: 915.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 465

بحوثٌ حول الأحاديث المذكورة … ص: 465

هذه الأحاديث طرفٌ من الأحاديث الكثيرة جدّاً، المرويّة بالأسانيد في كتبنا المشتهرة، المتضمّنة علم النبي الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بما سيقع من بعده، وما سيصنعه أصحابه الذين كانوا من حوله، وما صدر منهم في حقّ بضعته الطاهرة، وسائر عترته وأهل بيته الكرام، وأنّه قد أخبرهم بذلك كلّه.

وقد اشتملت هذه الروايات علي أنّ شفاعته يوم القيامة سوف لا تشمل أولئك الذين آذوا أهل بيته وعادوهم في دار الدنيا، فلو أنّ «حديث الحوض» دلَّ علي شفاعته صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فإنّها سوف لا تنال من

خالف وصيّته في أهل بيته، ونقض العهد معه في السير علي منهاجه والعمل بتعاليمه.

فهذه هي عقيدة الإماميّة، وهذه رواياتهم …

إلّاأنّ مضامين غير واحدٍ من هذه الأخبار الواردة من طرقنا، موجودة في روايات أهل السنّة، كما أنّ بعضها يشتمل علي بحوثٍ وفوائد ينبغي بيانها …

فنقول:

معني حديث: فالبعوضة أميرالمؤمنين … ص: 465

لقد جاء في الحديث الأوّل عن (تفسير القمي) عن أبي عبداللَّه الصّادق عليه السلام، بتفسير قوله تعالي: «إنّ اللَّه لا يستحيي أنْ يضرب مثلًا مّا بعوضة فما فوقها … » إنّ «البعوضة» أميرالمؤمنين عليه السلام، و «ما فوقها» هو رسول استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 466

اللَّه، صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فما معني هذا التفسير الذي ربّما ذكره بعض المخالفين للتعريض بالأئمّة الأطهار والروايات المرويّة عنهم؟

إنّ معني الحديث واضح لا سترة فيه لمن له أدني معرفة بفنون العربيّة.

وبيان ذلك هو: إنّ «البعوضة» ضرب اللَّه المثل بها لأميرالمؤمنين، و «ما فوقها» ضرب اللَّه المثل به لرسول اللَّه، فهذا معني الخبر كما يدلّ عليه السياق، ولأجل السّياق اختصر الكلام، فكانت العبارة: فالبعوضة لأميرالمؤمنين، وما فوقها لرسول اللَّه … ثمّ حذفت اللّام الجارّة، وكانت الجملة: فالبعوضة أميرالمؤمنين …

وحذف اللّام في مثل المقام شائع في كلام العرب، وقد صرّح به علماء العربيّة:

قال في (مجمع البيان): «تقول العرب: لاه أبوك، تريد للَّه أبوك، قال ذوالإصبع العدواني:

لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني أي: تسوسني.

قال سيبويه: حذفوا لام الإضافة واللّام الاخري، ولا ينكر بقاء عمل اللّام بعد حذفها، فقد حكي سيبويه من قولهم: اللَّه لأخرجنّ، يريدون واللَّه، ومثل ذا كثير» «1» .

وعلي هذا، فإن لفظ «أميرالمؤمنين» في الرواية مجرور..، وذلك قرينة علي حذف اللّام، فاستبصر ولا تكن من

الغافلين …

فالمعني: إنّ اللَّه تعالي ضرب مثلًا بالبعوضة لأميرالمؤمنين، أنّ المراد من __________________________________________________

(1) مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 28.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 467

البعوضة هو أميرالمؤمنين! وضرب مثلًا بما فوقها لرسول اللَّه، لا أنّ ما فوقها هو رسول اللَّه!

ويدلّ علي هذا المعني قوله عليه السلام في الخبر: إنّ هذا المثل ضربه اللَّه لأميرالمؤمنين، فعليّ عليه السلام هو الذي ضرب له هذا المثل، أعني مثل البعوضة، لا أنّه المضروب به المثل في هذا الكلام.

نعم، بناء علي كون خطبة البيان من كلام أميرالمؤمنين- كما عليه المولوي عبدالعزيز الدهلوي، صاحب (التحفة الإثني عشرية) «1» وغيره من علماء أهل السنّة، حتّي أنّ بعضهم كتب عليه شرحاً سمّاه خلاصة الترجمان في تأويل خطبة البيان- فقد جاء فيها: «أنا البعوضة التي ضرب اللَّه بها المثل مثلًا» ، وحينئذٍ يلزم علي القائلين بأنّها من كلامه عليه السلام تفسيرها علي وجهٍ صحيح مقبول.

علي أنّ لهذا التمثيل نظائر في كتب القوم، فقد رووا عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أنّه شبّه الإمام الحسن أو الإمام الحسين بالبقّة وهي البعوضة، قال الدميري:

«وقد ذكر النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم البق في حديثٍ رواه الطبراني بإسنادٍ جيّد عن أبي هريرة قال: سمعت اذناي وأبصرت عيناي هاتان رسول اللَّه وهو آخذ بيديه جميعاً حسناً أو حسيناً، وقدماه علي قدمي رسول اللَّه وهو يقول:

خرقة خرقة ترقَّ عين بقّة

فيرقي الغلام، فتقع قدماه علي صدر رسول اللَّه.

__________________________________________________

(1)

التحفة الاثني عشريّة: 4 و 228.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 468

ثمّ قال: افتح فاك، ثمّ قبّله ثمّ قال: اللّهمّ من أحبّه فإنّي احبّه.

ورواه البزّار ببعض هذه الألفاظ.

والخرقة الضعيف المتقارب الخطوة، ذكر ذلك له رسول اللَّه علي

سبيل المداعبة والتأنيس، وترقّ معناه إصعد، وعين بقّة كناية عن صغر العين، مرفوع علي أنّه خبر مبتدء محذوف» «1» .

ورووا عنه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم تشبيه نفسه الشريفة للحسنين عليهما السلام بالجمل، رواه الشهاب الدولت آبادي في (هداية السعداء) عن كتاب (شرف النبوّة) قال «قال جابر بن عبداللَّه: دخلت علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وهو يمشي علي أربع والحسن والحسين علي ظهره وهو يقول:

نعم الجمل جملكما ونعم الراكبان أنتما» «2» .

وفي (المصابيح):

«قال ابن عبّاس: جاء رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وهو حامل الحسن علي عاتقه، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال: نعم الراكب هو» «3» .

بل لقد رووا عن اللَّه سبحانه أنّه شبّه نفسه بالدجاجة!! قال السيوطي:

«أخرج أحمد في الزهد عن خالد بن ثابت الربعي قال: لمّا قتل فجرة بني إسرائيل يحيي بن زكريّا، أوحي اللَّه إلي نبيّ من أنبيائهم أن قل لبني إسرائيل: إلي متي تجترؤن علي أنْ تعصوا أمري وتقتلوا رسلي، حتّي متي أضمّكم في كنفي كما تضمّ الدجاجة أولادها في كنفها فتجترون عليَّ؟ اتّقوا

__________________________________________________

(1) حياة الحيوان 1: 217- 218.

(2) هداية السعداء- مخطوط.

(3) مصابيح السنّة 4: 196/ 4836.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 469

لأخذكم بكلّ دم كان بين بني آدم ويحيي بن زكريّا، واتّقوا أنْ أضرب عنكم وجهي، فإنّي إنْ صرفت عنكم وجهي لم اقبل عليكم إلي يوم القيامة» «1» .

بل لقد رووا عن شيخهم الأكبر ابن عربي أنّه قال: «رأيت ربّي علي صورة فرس» !! … وحكاه الشيخ علاء الدين السمناني في (أربعينه) والشيخ الكاشفي في (رشحاته)!!

تكذيب الحديث الثاني لاشتماله علي نفي أبي ذر … ص: 469

وكذَّب بعضهم الحديث الثاني- بسبب اشتماله علي نفي عثمان أباذر الغفاري رضي اللَّه

عنه من المدينة المنوّرة- مدّعياً أنّ هذا من مفتريات الإماميّة وموضوعاتهم.

لكنّ نفي أبي ذر من المدينة المنوّرة من الامور الثابتة في التاريخ، وإنكاره عناد محض وتعصّب، فالواقدي روي القضيّة في (تاريخه) كما في (الشافي) وغيره، وكذا سبط ابن الجوزي في (تذكرته)، وأحمد بن عبدالعزيز الجوهري روي الخبر ومكالمة أميرالمؤمنين وعقيل والحسن والحسين عليهم السلام معه لدي خروجه، وروي القصّة أيضاً: جمال الدين المحدّث الشيرازي في (روضة الأحباب).

وتجد الخبر في (المعارف) و (وفيات الأعيان) و (تاريخ الخميس) و (حياة الحيوان) و (شرح الجامع الصغير) للعلقمي وغيرها.

وروي الخبر شاه وليّ اللَّه الدهلوي والد صاحب التحفة في كتاب (إزالة الخفا في سيرة الخلفا).

__________________________________________________

(1) الدر المنثور 5: 492.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 470

وقد أخبر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أباذر بذلك … وهذا أيضاً موجود في روايات القوم وكتبهم المعتبرة، أمثال (جامع عبدالرزاق) و (مسند أحمد) و (مسند أبي يعلي) و (فتح الباري) و (جمع الجوامع) و (الجامع الصغير) و (كنز العمال).

ففي (فتح الباري):

«ولأحمد وأبي يعلي من طريق أبي الحرث عن أبي الأسود عن عمّه عن أبي ذر قال: إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال له:

كيف تصنع إذا اخرجت من المسجد النبوي؟

قال: آتي الشام.

قال: كيف تصنع إذا اخرجت منها؟

قال: أعود إليه.

قال: كيف تصنع إذا اخرجت منه؟

قال: أضرب بسيفي.

قال صلّي اللَّه عليه وسلّم: ألا أدلّك علي ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشداً؟ تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك.

وعند أحمد أيضاً من طريق شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، عن أبي ذر نحوه» «1» .

وفي (مسند أحمد بن حنبل):

«عن عبدالرّحمان بن غنم عن أبي ذر قال: كنت أخدم

النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، ثمّ آتي المسجد إذا أنا فرغت من عملي فأضطجع فيه، فأتاني النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم يوماً وأنا مضطجع فغمزني برجله فاستويت جالساً

__________________________________________________

(1) فتح الباري- شرح صحيح البخاري 3: 213.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 471

فقال:

يا أباذر، كيف تصنع إذا اخرجت منها؟

فقلت: أرجع إلي مسجد النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم وإلي بيتي.

قال: فكيف تصنع إذا اخرجت منها؟

قال: إذاً آخذ بسيفي فأضرب به من يخرجني.

فجعل النبي يضرب يده علي منكبه فقال: غفراً يا أباذر- ثلاثاً- بل تنقاد معهم حيث قادوك وتنساق معهم حيث ساقوك ولو عبداً أسود.

قال أبوذر: فلمّا نفيت إلي الربذة واقيمت الصلاة فتقدّم عبد أسود كان فيها علي نعم الصدقة … » «1» .

وفي (كنز العمّال): «عن طاوس قال: قال النبي لأبي ذر: مالي أراك لقّابقّا كيف بك إذا أخرجوك من المدينة؟

قال: آتي الأرض المقدّسة.

قال: فكيف بك إذا أخرجوك منها؟

قال: آتي المدينة.

قال: فكيف بك إذا أخرجوك منها؟

قال: آخذ سيفي فأضرب به.

قال: لا ولكن إسمع وأطع وإن كان عبداً أسود.

فلمّا خرج أبوذر إلي الربذة، وجد بها غلاماً لعثمان أسود، فأذّن وأقام ثمّ قال: تقدّم يا أباذر. قال: لا، إنّ رسول اللَّه أمرني أن أسمع واطيع وإن كان عبداً أسود.

__________________________________________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 6: 177/ 20784.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 472

فتقدّم فصلّي خلفه. عب» «1» أي رواه عبدالرزاق في جامعه.

وفي (شرح الجامع الصغير) لنورالدين علي العزيزي:

«جندب بن جنادة الغفاري، كنيته أبوذر طريد امّتي، أي: مطرودها، يطردونه، يعيش وحده، ويموت وحده، واللَّه يبعثه يوم القيامة وحده» «2» .

اضطراب القوم في تبرير صنيع عثمان … ص: 472

ومن العجب دفاع بعضهم عن عثمان وتبريره صنيعه: بأنّ أباذر كان يستحقّ الإجلاء عن المدينة، لأنّه كان

يتجاسر علي عثمان، قال: «أمّا نفي بعض الصحابة كأبي ذر، فلأنّه كان يتجاسر عليه، ويجيبه بالكلام الخشن، وكان ذلك يؤدّي إلي ذهاب هيبته وتقليل حرمته» «3» .

أمّا أوّلًا: فهذا الكلام دليلٌ علي أنّ عثمان لم يكن له حرمة عند خلّص المؤمنين من أصحاب رسول ربّ العالمين، كأبي ذر وسلمان وعمّار وأمثالهم.

وأمّا ثانياً: فمن أين ثبت أنّ تجاسره علي عثمان وتكلّمه معه بكلامٍ خشن كان غير جائز؟ إنّه لابدّ من إثبات ذلك بالكتاب والسنّة، حتّي يجوز ما فعله عثمان!!

وأمّا ثالثاً: فإنّ القول بأنّ نفي عثمان أباذر كان علي حقٍّ، ردّ صريح علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، بل تكذيب لكلامه، لأنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ذكر طرد أبي ذر من المدينة في مقام المدح له- كما في (الجامع __________________________________________________

(1) كنز العمّال 5: 782/ 14376 و 12: 256/ 34926.

(2) السراج المنير في شرح الجامع الصغير 2: 464.

(3) تحصيل الكمال في أسماء رجال المشكاة، لعبدالحق الدهلوي. ترجمة أبي ذر.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 473

الصغير) وغيره- فلو كان إخراجه بحقٍّ فأين موضع المدح؟

وهذا من موارد تقديم القوم خلفائهم علي رسول اللَّه!!

وأمّا رابعاً: فإنّه كيف الجمع بين هذه القصّة، وذلك التعظيم والتجليل الذي يذكرونه للصحابة عامّةً، ويحرّمون تحقيرهم والتنكيل فيهم والطعن عليهم، وينفون عنهم أيّة منقصة، ويذمّون بل يكفّرون كلّ من ناقش في عدالتهم؟

فعجيب أمر هؤلاء، إنّهم إذا أرادوا تثبيت الخلافة البكريّة جعلوا يبالغون في مدح الصحابة أقصي المبالغة، ثمّ لمّا رأوا الصّحابة يطعنون في عثمان وخلافته رموهم بالقبيح وأفتوا باستحقاقهم للهتك والضرب والطّرد … !!

وأفرط بعضهم- كالشيخ ولي اللَّه الدهلوي في (إزالة الخفا)- في ذمّ أبي ذر- دفاعاً عن عثمان- فاتّهمه بأنّه قد أوجد ثلمة

في القواعد الشرعيّة المقرّرة، فلذا نفاه عثمان!!

فهكذا يتّهم أباذر … وينسي كلّ ما يقولونه في فضل الصحابة، وما يرويه الفريقان في فضل أبي ذر خاصّة؟ والحال أنّهم إذا سمعوا مثل هذا الكلام من بعض الإماميّة ولو بحقّ معاوية وعمرو بن العاص، أقاموا الدنيا وأقعدوها، لكونهما من الصحابة!!

لكنّ البعض الآخر يجعل السبب في طرد أبي ذر «تزهيده الناس في الدنيا» ؟! ففي (تاريخ الخميس): «قال ابن خلّكان وغيره … نفي أباذر الغفاري إلي الربذة، لأنّه كان يزهّد الناس في الدنيا … » «1» .

__________________________________________________

(1) تاريخ الخميس 2: 259.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 474

وهكذا في كتاب (حياة الحيوان) «1» .

سبحان اللَّه!! أصبح «تزهيد الناس في الدنيا» مجوّزاً للهتك وللطّرد من مدينة المصطفي؟!

أفهكذا يعتذر لخليفة المسلمين فيما أتي به مع هذا الصحابي العظيم؟!

رواية أبي الليث السمرقندي في فضل أبي ذر الغفاري … ص: 474

ومن التأييدات الإلهيّة والألطاف الربّانيّة: الرواية التالية التي يرويها الفقيه أبوالليث السمرقندي بأسانيده، وهذا نصّها:

«حدّثني عبدالوهّاب بن محمّد الفضلاني بسمرقند بإسناده عن محمّد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة، عن أبيه قال: قال عبداللَّه ابن مسعود رضي اللَّه عنه:

لمّا خرج النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم إلي غزوة تبوك صحبه رجال من المنافقين، وكانوا يتخلّفون عنه الرجال والرجلان فيقولون: يا رسول اللَّه، تخلّف فلان فيقول صلّي اللَّه عليه وسلّم: دعوه؛ فمن يك فيه خير فسيلحقه اللَّه بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم اللَّه منه.

فقالوا: يا رسول اللَّه، تخلّف أبوذر.

فقال: فإن يك فيه خير فسيلحقه اللَّه بكم.

وكان أبوذر تخلّف، لأنّه أبطأ بعيره فتلوم بعيره فلمّا أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله علي ظهره، ثمّ رجع يتبع أثر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ماشياً حاملًا علي ظهره في

شدّة الحرّ وحده.

__________________________________________________

(1) حياة الحيوان 1: 76.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 475

فقالوا: يا رسول اللَّه، أقبل إلينا رجل يمشي وحده.

فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: ليكن يا أباذر.

فلمّا تأمّله الناس قالوا: يا رسول اللَّه، هذا واللَّه أبوذر.

فدمعت عينا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وقال: رحم اللَّه أباذر، يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده.

قال محمّد بن إسحاق: فحدّثني بريدة بن سفيان الأسلمي عن محمّد بن كعب رضي اللَّه عنهم قال: لمّا سار أبوذر رضي اللَّه عنه إلي الربذة في عهد عثمان رضي اللَّه عنه وأصابه بها قدره، ولم يكن معه إلّاامرأته وغلامه، فأوصي إليهما أن اغسلاني وكفّناني، ثمّ ضعاني علي قارعة الطريق، فأوّل ركب يمرّ عليكم فقولوا: هذا أبوذر صاحب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فأعينونا علي دفنه.

فلمّا مات فعلا به ذلك، ثمّ وضعاه علي قارعة الطريق.

فأقبل عبداللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه في رهط من العراق، فلمّا رآهم الغلام قام إليهم فقال: هذا أبوذر صاحب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فأعينونا علي دفنه.

فأقبل ابن مسعود رضي اللَّه عنه وهو يبكي رافعاً صوته ثمّ قال: صدق رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك.

ثمّ واروه ومضوا وهو يحدّثهم بما قال رسول اللَّه في مسيره إلي تبوك.

وعن أبان بن مسلم عن أبيه عن أبي ذر الغفاري رضي اللَّه عنه: أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: سيصيبك بعدي بلاء.

قال: قلت: في اللَّه؟

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 476

قال: في اللَّه.

قلت: فمرحباً بأمر اللَّه.

قال: يا أباذر، إسمع وأطع ولو صلّيت خلف أسود.

فلمّا توفّي رسول اللَّه واستخلف أبوبكر رضي اللَّه عنه، دعاه فحباه وبكي فقال: قد سمعت قول رسول

اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فيك، فأعوذ باللَّه أن أكون صاحبك- يعني أعوذ باللَّه أن يصيبك البلاء بسببي أو في زماني-.

فلمّا توفّي أبوبكر رضي اللَّه عنه وولّي عمر، دعاه وأثني عليه وقال: قد سمعت قول رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فيك، فأعوذ باللَّه أن يصيبك البلاء بسببي أو في زماني.

فلمّا توفّي عمر رضي اللَّه عنه وولّي عثمان رضي اللَّه عنه، قال عبداللَّه ابن عبّاس رضي اللَّه عنه: كنت قاعداً عند عثمان رضي اللَّه عنه فاستأذن أبوذر رضي اللَّه عنه.

فقلت: يا أميرالمؤمنين، هذا أبوذر يستأذن.

قال: ائذن له إن شئت.

قال: فأذنت له.

فدخل حتّي جلس فقال له عثمان: أنت الذي تزعم أنّك خير من أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما؟

قال: ما قلت هذا.

قال: أنا أقيم عليك البيّنة.

قال أبوذر نضر اللَّه وجهه: لا أدري ما بيّنتك، وقد علمت كيف قلت.

قال: كيف قلت؟

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 477

قال: قلت: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم الذي يأخذ بالعهد الذي تركته عليه حتّي يلحقني، وكلّكم قد أصاب من الدنيا غيري.

قال عثمان رضي اللَّه عنه: إلحق بمعاوية، فأخرجه إلي الشام.

فلمّا قدم إلي الشام، أخذ يعلّم النّاس، فأبكي عيونهم وأحزن صدورهم، وكان فيما يقول: لا يبيتنّ أحدكم وفي بيته دينار ولا درهم إلّاشي ء ينفقه في سبيل اللَّه أو يعدّه لغريم. فأبكي معاوية والناس، فبعث إليه بألف دينار، فأراد أن يخالف قوله فعله وسريرته علانيته، فأخذ الألف وقسّمه كلّه فلم يبق عنده شي ء.

فدعي معاوية الرسول في اليوم الثاني فقال له: إذهب إلي أبي ذر وقل له: إنّما أرسلني بالألف دينار إلي غيرك فأخطأت، فجاءه الرسول وقال له:

أنقذني من عذاب معاوية، فإنّما أرسلني بالألف إلي غيرك

فأخطأت به فدفعته إليك. فقال للرّسول: إقرأ معاوية منّي السلام وقل له: ما أصبح عندنا من دنانيرك شي ء، فإن أردتها فأنظرنا ثلاثة أيّام نجمعها لك.

فلمّا رأي معاوية أنّ فعله يصدّق قوله كتب إلي عثمان رضي اللَّه عنه: إن كان لك بالشام حاجة فأرسل إلي أبي ذر واستدعه.

قال: فكتب عثمان رضي اللَّه عنه أن إلحق بي.

قال: فقدم أبوذر وعثمان في المسجد، فأقبل حتّي سلّم عليه، فردّ عليه السلام وقال له:

كيف أنت يا أباذر؟

قال: بخير.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 478

ثمّ خرج عثمان رضي اللَّه عنه فقال له: يا أباذر حدّثنا عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم.

قال: نعم حدّثني حبيبي أنّ في الإبل صدقة، وفي الزرع صدقة، وفي الدرهم صدقة، وفي الشاة صدقة، ومن بات وفي بيته دينار أو درهم لا يعدّه لغريمه أو ينفقه في سبيل اللَّه فهو كنز يكوي به يوم القيامة.

قالوا: يا أباذر، إتّق اللَّه وانظر ما تحدّث، فإنّ هذه الأموال قد فشت في الناس.

فقال: أما تقرؤن القرآن «والذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللَّه فبشّرهم بعذاب أليم» فمكث ليلتين أو ثلاثاً.

فأرسل إليه عثمان رضي اللَّه عنه فقال: إلحق بالربذة. وهي قرية خربة.

فخرج إلي الربذة، فوجدهم يؤمّهم أسود، فقيل لأبي ذر: تقدّم، فأبي وصلّي خلف الأسود وقال: صدق اللَّه ورسوله، قال لي: إسمع وأطع وإن صلّيت خلف الأسود.

ومكث هناك حتّي مات رحمه اللَّه» «1» .

وفي هذه الأخبار فوائد:

منها: قول رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «رحم اللَّه أباذر … » فإنّه دليل علي أنّ موت أبي ذر كذلك، الواقع بأمر عثمان، يعدّ من مناقبه ومآثره، فيكون إخراجه ظلماً له وجوراً عليه.

ومنها: قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم

لأبي ذر: «سيصيبك بعدي … »

وقوله في الجواب: « … فمرحباً بأمر اللَّه … » فإنّه نصّ قاطع علي مزيد جور

__________________________________________________

(1) تنبيه الغافلين لأبي الليث السمرقندي: 585 وما بعدها.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 479

عثمان وظلمه وعدوانه، وكون أبي ذر علي الحق والصّواب.

ومنها: كلام الشيخين مع أبي ذر، واستعاذتهما باللَّه من أنْ يصيبه بلاءٌ بسببهما أو في زمانهما … مشيرين إلي كلام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فإنّه دليلٌ آخر علي ثبوت الكلام المذكور عن النبي، ومظلوميّة أبي ذر، وظلم عثمان.

لقد صدر من عثمان ما احترز من وقوعه الشيخان، فيالها من وقاحةٍ شديدة، وقلّة حياءٍ، وشدّة قسوة!!

ومنها: صدور أنواعٍ من الفسق والفجور من معاوية بن أبي سفيان …

كلام أميرالمؤمنين في نفي أبي ذر … ص: 479

هذا، وقال أميرالمؤمنين عليه السلام في هذه القصّة كلاماً يعرف به حال عثمان وحزبه، فقد قال الحافظ سبط ابن الجوزي:

«روي الشّعبي عن أبي أراكة قال: لمّا نفي أبوذر إلي الربذة كتب إليه عليّ رضي اللَّه عنه: أمّا بعد؛ يا أباذر، فإنّك غضبت للَّه تعالي فارج من غضبت له، إنّ القوم خافوك علي دنياهم وخفتهم علي دينك فاترك لهم ما خافوك عليه واهرب منهم لما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلي ما منعتهم وما أغناك عمّا منعوك، وستعلم من الرابح غداً، فلو أنّ السماوات والأرض كانتا رتقاً علي عبد ثمّ اتّقي اللَّه لجعل له منها مخرجاً.

لا يؤنسنّك إلّاالحقّ ولايوحشنّك إلّاالباطل.

ولو قبلت دنياهم لأحبّوك، ولو رضيت منها لأحقّوك، إنتهي» «1» .

__________________________________________________

(1) تذكرة خواصّ الامّة: 143.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 480

وما بعد ذلك الكلام الصّريح والحقّ الصّحيح المجاهر بأسرار الأشرار والهاتك لعوار أئمّة النار، الموسع عليهم خرقهم الموهي لهم رتقهم، المضيّق عليهم مجالهم القاطع

لهم مقالهم، مطمع لطامع ولا تمويه لمموّه ولا حيلة لمحتال ولا مناص لهارب ولا ملجأ لملتج.

أوما تراه كيف يصرّح بالتشنيع الصريح والتعنيف العنيف والتغليظ العظيم والتنديد الشديد والطعن الكبير علي عثمان؟ وكيف يظهر رداءة فعله وبلوغه كلّ مبلغ من الشناعة والفظاعة وعظم المحلّ عند أهل الدين ووقعه كلّ موقع من القبح في نفوس أهل اليقين؟ ويبدي إنّه لقد عزّ ذلك الفعل عليه سلام اللَّه عليه وأنّ أباذر رضي اللَّه عنه كان في ذلك مظلوماً ملهوفاً منجوداً مكروباً بلا استحقاق ولا علّة، بل كان الباعث علي ذلك لهم هو غضبه للَّه تعالي، وكان الحامل لهم علي نفيه وإخراجه وتهوينه وتوهينه هو الخوف علي الدنيا.

وأيضاً: يظهر أنّ أباذر خاف من هؤلاء علي دينه، وما بعد ذلك ستر ولا حجاب في كون عثمان من الخارجين عن دين الإسلام، وكونه وأتباعه ممّن يخافهم المؤمن علي دينه، وهذا أشنع المعائب وأفظع المثالب.

وأيضاً: قوله عليه السلام «ستعلم من الرابح غداً» يصرّح جهاراً وينادي رافعاً عقيرته بأنّ عثمان وأتباعه ليسوا غداً برابحين، ولا هم في أعمالهم وأفعالهم من الصالحين، فيحشرون يوم القيامة كالحين ويساقون إلي جهنّم حايرين خاسرين كافرين طالحين.

وأيضاً: قوله عليه السلام «لا يوحشنّك إلّاالباطل» يوضح إيضاحاً ويوحي إيحاء إلي أنّ عثمان ومن معه من الأعوان والخوّان هم أصحاب استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 481

الباطل، ينبغي أن يستوحش منهم المؤمن الكامل وينفر منهم المسلم الفاضل.

وأيضاً: قوله عليه السلام «لو أنّ السماوات والأرض … » صريح وأيّ صريح في أنّ أباذر لم يعمل إلّابمقتضي التقوي وما سلك إلّاسبيل الرّشد والهدي، وعثمان وأتباعه من أهل الضلال والهوي، وهم وإن ضيّقوا عليه الأمر حتّي كأنّهم بزعمهم رتقوا عليه السّماوات والأرض فلم يدعوا

له من ملجأ ولا مناص ولم يبقوا له حيلة إلي خلاص، لكن اللَّه يجعل لأبي ذر- لورعه وتقواه وانقطاعه إلي اللَّه ومتاركته لما سواه- فرجاً وحيّاً ومخرجاً سريعاً، ويخلّصه من الضيق إلي السّعة وينقله من الضنك والقشف إلي الدعة.

وبالجملة: فقد وضح الصّبح لذي عينين وانشقّ دجي ضلال البهت والمين، وظهر ظلم عثمان وفسقه بل كفره ونفاقه وجوره وظلمه وتعسّفه وعناده ومخالفته للَّه ورسوله وتهتّكه حرمة المؤمنين والصحابة، وعدم مراعاته الإيمان والإسلام والفضل والمدح والثناء الذي يأثرونه من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم علي بصير وعامه ومهتد وتائه.

تفسير «العروة الوثقي» ب «علي» … ص: 481

وجاء في الحديث الرابع تفسير «العروة الوثقي» بمولانا أميرالمؤمنين «علي» عليه الصلاة والسلام …

وقد زعم بعضهم أنّ هذا التفسير تحريف للكتاب الكريم، في حين أنّهم يروون عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم توصيف الشيخين ب «العروة الوثقي» ، ففي (الدرّ المنثور) بتفسير الآية المذكورة:

«وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 482

وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، فإنّهما حبل اللَّه الممدود، فمن تمسّك بهما فقد تمسّك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها» «1» .

فمن المحرّف للكتاب؟

علي أنّه قد نقلنا فيما تقدّم عن كتبهم رواياتٍ كثيرة تضمّنت آياتٍ قرآنيّة كثيرةٍ غير موجودة في القرآن.

مظلوميّة الزهراء عليها السلام … ص: 482

وما جاء في الحديث الثالث عشر من مظلوميّة الزهراء عليها الصّلاة والسلام، فهو وارد في كتب القوم أيضاً، وإنْ كانوا في الأغلب يتجنّبون من نقل مثل هذه الأخبار:

قال سبط ابن الجوزي بترجمة الزهراء الطاهرة من (تذكرته):

«قال الشعبي: لمّا منعت ميراثها لاثت خمارها علي رأسها- أي عصبت، يقال: لاث العمامة علي رأسه يلوثها لوثاً أي عصبها، وقيل: اللّوث الإسترخاء؛ فعلي هذا يكون معني لاثت أي أرخت- وحمدت اللَّه وأثنت عليه ووصفت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بأوصاف، فكان ممّا قالت:

كان كلّما فغرت فاغرة من المشركين أو نجم قرن من الشيطان وطئ صماخه بأخمصه وأخمد لهيبه بسيفه وكسر قرنه بعزمته، حتّي إذا اختار اللَّه له دار أنبيائه ومقرّ أصفيائه وأحبّائه، أطلعت الدنيا رأسها إليكم فوجدتكم لها مستجيبين، ولغرورها ملاحظين، هذا والعهد قريب والمدي غير بعيد، والجرح لمّا يندمل، فأنّي تؤفكون وكتاب اللَّه بين أظهركم.

__________________________________________________

(1) الدر المنثور 2: 23.

استخراج المرام من استقصاء

الافحام، ج 3، ص: 483

يا ابن أبي قحافة، أتَرِث أباك ولا أرث أبي؟ دونكها مرحولة مذمومة، فنعم الحاكم الحق والموعد القيامة «لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» ثمّ أومأت إلي قبر النبي وقالت:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكبر النوب إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها واغتيل أهلك لمّا اغتالك الترب وقد رزينا بما لم يرزه أحد من البريّة لا عجم ولا عرب ثمّ إنّها اعتزلت القوم، ولم تزل تندب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حتّي لحقت به» «1» .

حديث الضغائن في صدور الأقوام … ص: 483

وما جاء في الحديث الخامس عشر الذي رواه الشيخ المجلسي عن كتاب الأمالي من حديث الضغائن في صدور الأقوام … رواه كبار أئمّة القوم بأسانيدهم في أشهر كتبهم أيضاً:

فقد أخرج أبو يعلي والبزّار بسندٍ- صحّحه الحاكم وابن حبان والذهبي- عن عليّ بن أبي طالب قال: «بينا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة، إذ أتينا علي حديقة.

فقلت: يا رسول اللَّه، ما أحسنها من حديقة.

قال: لك في الجنّة أحسن منها.

ثمّ مررنا باخري فقلت: يا رسول اللَّه ما أحسنها من حديقة.

قال: لك في الجنّة أحسن منها.

__________________________________________________

(1) تذكرة خواص الأمة: 317- 318.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 484

ثمّ مررنا باخري فقلت: يا رسول اللَّه ما أحسنها من حديقة.

قال: لك في الجنّة أحسن منها.

حتّي مررنا بسبع حدائق، كلّ ذلك أقول: ما أحسنها، ويقول: لك في الجنّة أحسن منها.

فلمّا خلا له الطريق اعتنقني ثمّ أجهش باكياً.

قال قلت: يا رسول اللَّه ما يبكيك؟

قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلّامن بعدي.

قال قلت: يا رسول اللَّه، في سلامة من ديني؟

قال: في سلامة من دينك» «1»

حديث: أنا أوّل من يجثو بين يدي اللَّه … ص: 484

والحديث الثامن عشر في أنّ عليّاً عليه السلام أوّل من يجثو بين يدي اللَّه يوم القيامة للخصومة، حديث متَّفق عليه، فإنّ البخاري رواه في غير موضع من (صحيحه) وهذه ألفاظه في كتاب المغازي:

«حدّثني محمّد بن عبداللَّه الرقاشي قال: حدّثنا معتمر قال: سمعت أبي يقول: حدّثنا أبو مجلز عن قيس بن عباد عن عليّ بن أبي طالب إنّه قال: أنا أوّل من يجثو بين يدي الرحمان للخصومة يوم القيامة» «2» .

فكيف يزعم بعض القوم أنّ هذا المعني من مفتريات الإماميّة؟

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 9: 118، وهو

في المستدرك 3: 139 منقوصاً!

(2) صحيح البخاري 5: 183.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 485

حديث: عليّ قسيم الجنّة والنار … ص: 485

ثمّ إنّ من المناقب الثابتة لأميرالمؤمنين عليه السلام أنّه قسيم الجنّة والنار، لكنّ القوم- لشدّة عنادهم لأميرالمؤمنين- يحاولون ردّ هذه المنقبة التي تعدّ من خصائص الإمام.

فمنهم: من يكذّب بها، كالشيخ عبدالعزيز الدهلوي صاحب (التحفة الإثني عشرية).

ومنهم: من يناقش في صحّتها، بزعم المنافاة بينها وبين حديث «أنا أوّل من يجثو بين يدي اللَّه للخصومة» .

أو يبطلها بدعوي استلزامها لأفضليّة الإمام من النبي عليه وآله السلام.

لكنّ الحديث ثابت لا ريب فيه، والحديث المذكور لا ينافيه، وقد رواه ثقات القوم بأسانيدهم المتّصلة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام وغيرهم:

قال الحافظ السمهودي: «قال الجمال الزرندي: قال المأمون لعليّ الرضا: بأيّ وجهٍ جدّك عليّ بن أبي طالب قسيم الجنّة والنار؟

فقال: يا أميرالمؤمنين، ألم ترو عن أبيك عن عبداللَّه بن عبّاس قال:

سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: حبّ عليّ إيمان وبغضه كفر؟ فقال:

بلي. قال الرضا: فقسمة الجنّة والنّار علي حبّه. فقال المأمون: لا أبقاني اللَّه بعدك يا أباالحسن، أشهد أنّك وارث علم رسول اللَّه.

قال أبوالصّلت عبدالسلام بن صالح الهروي: فلمّا رجع الرضا إلي بيته، قلت له: يا ابن رسول اللَّه، ما أحسن ما أجبت به أميرالمؤمنين؟ فقال: يا أبا الصلت، إنّما كلّمته من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدّث عن أبيه عن استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 486

عليّ قال قال رسول اللَّه: أنت قسيم الجنّة والنّار، فيوم القيامة تقول للنّار هذا لي وهذا لك» «1» .

فهل رأي هذا الحديث عن هذا الإمام المعصوم من يكذّب به أو يناقش فيه؟

هذا، ومن رواته: أبو داود الطيالسي، والزمخشري، والدارقطني، والديلمي، وشاذان الفضلي،

والسيوطي، وابن الأثير، والقاضي عياض، والمناوي، والمتقي …

قال ابن حجر المكي في (الصواعق):

«أخرج الدارقطني: إنّ عليّاً قال للستّة الذين جعل عمر الأمر شوري بينهم كلاماً طويلًا من جملته: انشدكم باللَّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه:

يا علي، أنت قسيم النّار والجنّة يوم القيامة، غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا.

ومعناه ما رواه غيره عن عليّ الرضا أنّه قال له: أنت قسيم الجنّة والنّار، فيوم القيامة تقول للنار: هذا لي وهذا لك» «2» .

وفي (كنز العمال) وهو ترتيب (جمع الجوامع):

«عن علي: أنا قسيم النار. شاذان الفضلي في ردّ الشمس» «3» .

وفي (كنوز الحقائق):

«عليّ قسيم النّار. طيا» «4» . أي: رواه أبو داود الطيالسي.

وفي (الشفاء) في فصل إخباره صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم عن المغيّبات:

__________________________________________________

(1) جواهر العقدين 2 ق 2: 429.

(2) الصواعق المحرقة 2: 369.

(3) كنز العمال 13: 151/ 36475.

(4) كنوز الحقائق- حرف العين، ط هامش الجامع الصغير.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 487

«وأخبر بملك بني اميّة، وولاية معاوية ووصّاه، واتّخاذ بني اميّة مال اللَّه دولًا، وخروج ولد العبّاس بالرايات السود، وملكهم أضعاف ما ملكوا، وخروج المهدي، وما ينال أهل بيته وتقتيلهم وتشريدهم، وقتل علي، وأنّ أشقاها الذي يخضب هذه من هذه، أي لحيته من رأسه، وأنّه قسيم النّار؛ يدخل أولياءه الجنّة وأعدائه النار» «1» .

وفي (النهاية الأثيرية):

«وفي حديث علي رضي اللَّه عنه: أنا قسيم النّار والجنّة. أراد: إنّ الناس فريقان، فريق معي، فهم علي هدي، وفريق عليَّ، فهم علي ضلال، فنصف معي في الجنّة، ونصف عليَّ في النار. وقسيم فعيل بمعني فاعل، كالجليس والسمير. قيل: أراد بهم الخوارج، وقيل: كلّ من قاتله» «2» .

وفي (الفائق):

«علي: أنا قسيم النّار. أي: مقاسمها ومساهمها، يعني: إنّ أصحابه علي شطرين، مهتدون وضالّون، فكأنّه قاسم النّار إيّاهم، فشطر لها وشطر معه في الجنّة» «3» .

وفي (المودّة في القربي):

«المودّة التاسعة: في أنّ مفاتيح الجنّة والنّار بيد عليّ رضي اللَّه عنه، عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ اللَّه تعالي أعطاني مفاتيح الجنّة والنّار فقال: قل إلي عليّ قولًا تخرج من تشاء

__________________________________________________

(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفي 1: 338.

(2) النهاية في غريب الحديث والأثر 4: 54 «قسم» .

(3) الفائق في غريب الحديث 3: 195 «قسم» .

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 488

وتدخل من تشاء.

وعن زيد بن أسلم رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم لعليّ: يا علي، بخ بخ، من مثلك والملائكة تشتاق إليك والجنّة لك، إنّه إذا كان يوم القيامة ينصب لي منبر من نور، ولإبراهيم منبر من نور، ولك منبر من نور فتجلس عليه، وإذا مناد ينادي: بخ بخ من وصيٍّ بين حبيب وخليل، ثمّ اوتي بمفاتيح الجنّة والنّار فأدفعها إليك.

وعن ابن عبّاس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم:

يا ابن عبّاس، عليك بعليّ، فإنّ الحقّ علي لسانه، وإنّ النفاق يجانبه، وإنّ هذا قفل الجنّة ومفتاحها وقفل النّار ومفتاحها؛ به يدخلون الجنّة وبه يدخلون النّار.

وعن جابر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إذا كان يوم القيامة، يأتيني جبرئيل وميكائيل بخزنتين من المفاتيح، خزنة من مفاتيح الجنّة وخزنة من مفاتيح النار، علي مفاتيح الجنّة أسماء المؤمنين من شيعة محمّد وعليّ، وعلي مفاتيح النّار أسماء المبغضين من أعدائه، فيقولان لي: يا أحمد،

هذا مبغضك وهذا محبّك، فأودعها إلي عليّ بن أبي طالب فيحكم فيهم بما يريد، فوالذي قسّم الأرزاق لا يدخل مبغضه الجنّة، ولا محبّه النّار أبداً» «1» .

هذا، ولا يخفي سقوط المعني الذي ذكره ابن الأثير أمام كلام الإمام الرضا عليه السلام في المعني الحقيقي للحديث … وكذلك في ألفاظ الحديث كما في رواية القاضي عياض وغيره.

ثمّ إنّ في بعض ألفاظ الحديث زيادةً جليلةً، رواها العاصمي بسنده في __________________________________________________

(1) انظر: كتاب ينابيع المودّة: المودّة في القربي- المودّة التاسعة 2: 311/ 888.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 489

(زين الفتي) حيث قال:

«أخبرنا الحسين بن محمّد البستي قال: حدّثنا عبداللَّه بن أبي منصور بن عدي قال: حدّثنا محمّد قال: حدّثنا محمّد قال: حدّثنا محمّد قال: حدّثني حميد عن أنس عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم:

ينادي يوم القيامة لعليّ بن أبي طالب أربعة مناد ويسمّونه بأربعة أسماء، يا عليّ بن أبي طالب، جعلت الميزان بيدك فرجّح من شئت واخفض من شئت. ويا أسد اللَّه، جعلت حوض محمّد بيدك فاسق من شئت واحبس من شئت. ويا سيف اللَّه علي أعدائه إذهب إلي الصراط فاحبس عليها من شئت وجوّز من شئت. ويا وليّ اللَّه إذهب إلي باب الجنّة فأدخل من شئت واصرف عنها من شئت، فإنّه لايدخلها إلّامن أحبّك بقلبه. قلت: ومن هذا أخذ الشاعر قوله:

قسيم النار والجنّة عليٌّ سيّد الامّة» «1»

ثمّ إنّه لا عجب من جهل الكابلي والدهلوي وأتباعهما بمناقب أهل البيت أو إنكارهم لها، إذ لا ارتباط بينهم وبين الأئمّة الطاهرين عليهم السلام، لكنّ العجب جهلهم بمناقب مشايخهم وعدم اطّلاعهم علي موضوعات أسلافهم …

وإذا كان عنادهم لأهل البيت يحملهم علي إنكار مناقبهم، أو المناقشة

في مداليلها ومعانيها- كقول بعضهم بأنّ حديث قسيم الجنّة والنّار باطل لاستلزامه أفضليّة عليّ من النبيّ- فماذا يقولون في معني الحديث الموضوع لمشايخهم في هذا الباب؟

__________________________________________________

(1) زين الفتي بتفسير سورة هل أتي 2: 404/ 527.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 490

فقد قال الحكيم الترمذي في (نوادر الاصول):

«حدّثنا الفضل بن محمّد قال: حدّثنا الحسن بن أيّوب الدمشقي قال:

قرأت علي عبداللَّه بن صالح المصري قال: حدّثني سليم بن عبداللَّه الأيلي قال:

حدّثني ابن جريج، عن عطاء عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم:

إذا كان يوم القيامة نادي مناد ليقم أهل اللَّه، فيقوم أبوبكر الصدّيق وعمر الفاروق وعثمان ذوالنورين وعليّ بن أبي طالب.

فيقال لأبي بكر: قم علي باب الجنّة فأدخل فيها من شئت برحمة اللَّه وردّ منها من شئت بقدرة اللَّه.

ويقال لعمر: قم عند الميزان فثقّل ميزان من شئت برحمة اللَّه وأخفف ميزان من شئت بقدرة اللَّه.

ويقال لعثمان: خذ هذه العصا فذد بها الناس عن الحوض.

ويقال لعلي: إلبس هذه الحلّة فإنّي خبّأتها لك منذ خلقت السماوات والأرض إلي اليوم.

ولذلك قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: أرحم امّتي بامّتي أبوبكر، وأقواهم في دين اللَّه عمر، وأصدقهم حياء عثمان بن عفّان رضي اللَّه عنهم.

فهذا الحديث الأوّل يبيّن منازل القوم أنّهم أهل اللَّه وخاصّته وأنّه يكشف ذلك لأهل الموقف غداً يظهره عليهم عند خلقه، وأنّ الرحمة حظّها من الناس أبوبكر، وأنّ الحقّ حظّه من الناس عمر، فلذلك يقوم أبوبكر عند باب الجنّة، ويقوم عمر عند الميزان. بيّن هذا القول عن الرجلين أن كليهما كانا قد استويا للَّه وكانا في قبضته، فلا يرحمان إلّامن يرحم ولا يخيّبان إلّامن استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3،

ص: 491

يخيب، وهذا من الأمانة، فإذا صار الأمين بحال يستكمل الأمانة فوّض إليه، فيكون مشيّته قد وافقت مشيّة اللَّه التي ائتمنه.

فهؤلاء قوم قد صاروا امناء اللَّه، ووقفت قلوبهم بين يديه رافضين لمشيّتهم، فلذلك قال أهل اللَّه. والأهل والآل بمعني واحد يؤولون إليه أي يرجعون إليه في كلّ شي ء فيبرز لأهل الموقف، فينقادهم بقلوبهم وضمائرهم التي كانت فيما بينهم. وبيّن اللَّه كرامة لهم وتنويهاً بأسمائهم في ذلك الجمع، فكان الغالب علي أبي بكر الرحمة في أيّام الحياة، والغالب علي عمر القيام بالحقّ وتعزيزه، فكأنّهما كانا ممّن هو في قبضته يستعمله، فاستعمل هذا بالرحمة وهذا بالحقّ، فإذا كان يوم القيامة وقف هذا عند باب الجنّة، وهذا عند الميزان» «1» .

ولا يخفي أنّ واضعه إنّما ذكر إسم أميرالمؤمنين عليه السلام ليروّج باطله علي عوام الناس، ويخدع به المستضعفين، إلّاأنّه لم يذكر ما وضعه لأولئك، فأين لبس الحلّة من ذلك المقام الرّفيع الذي وضعه لهم؟ ومن هنا يظهر: أنّه كما غصب القوم الخلافة من الإمام عليه السلام فسمّوا بالخلفاء، كذلك سعي أولياؤهم لأنْ يغصبوا مناقب الإمام وألقابه ويجعلوها لهم!!

لكنّ المحبّ الطبري أورد هذا الحديث الموضوع في (الرياض النضرة) فجعل فضيلة الإمام عليه السلام لعثمان! وهذا نصّ روايته:

«ذكر اختصاص كلّ واحدٍ منهم يوم القيامة بخصوصيّة شريفة:

عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: ينادي منادٍ يوم القيامة من تحت العرش:

__________________________________________________

(1) نوادر الاصول: 205.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 492

أين أصحاب محمّد؟

فيؤتي بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

فيقال لأبي بكر: قف علي باب الجنّة، فأدخل من شئت برحمة اللَّه تعالي ودع من شئت بعلم اللَّه تعالي.

ويقال لعمر بن الخطّاب: قف عند الميزان فثقّل من

شئت برحمة اللَّه تعالي وخفّف من شئت بعلم اللَّه تعالي.

ويكسي عثمان حلّتين ويقال له: إلبسهما فإنّي خلقتهما وادّخرتهما حين أنشأت خلق السماوات والأرض.

ويعطي عليّ بن أبي طالب عصا من عوسج، من الشجرة التي غرسها اللَّه تعالي بيده في الجنّة فيقال: ذد الناس عن الحوض.

فقال بعض أهل العلم: لقد واسا اللَّه تعالي بينهم في الفضل والكرامة.

رواه ابن غيلان» «1» .

وحاصل الكلام في هذا المقام:

إنّ حديث: أنا قسيم الجنّة والنّار، هو من الأحاديث الثابتة، ومن أنكره فهو جاهل أو متعصّب، ومن ناقش فيه من جهة استلزامه الأفضليّة من رسول اللَّه بزعمه، فمناقشته مردودة عليه …

وأيضاً: فإنّ كلام الكابلي، الدهلوي وأتباعهما يدلّ علي كذب واختلاق ما رواه الحكيم الترمذي والمحبّ الطبري … إذ لا مناص لهم من الإلتزام بلوازم كلامهم.

__________________________________________________

(1) الرياض النضرة 1: 54.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 495

من نوادر الأخبار في أمر الخلافة … ص: 495

قال الراغب الإصفهاني في (المحاضرات):

«عن ابن عبّاس رضي اللَّه عنهما قال:

كنت أسير مع عمر بن الخطّاب في ليلة، وعمر علي بغلة وأنا علي فرس، فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب.

فقال: أما واللَّه يا بني عبدالمطّلب، لقد كان علي فيكم أولي بهذا الأمر منّي ومن أبي بكر.

فقلت في نفسي: لا أقالني اللَّه إنْ أقلت، فقلت: أنت تقول ذاك يا أميرالمؤمنين، وأنت وصاحبك اللذان وثبتما وانتزعتما منّا الأمر دون الناس؟

فقال: إليكم يا بني عبدالمطّلب، أمّا إنّكم أصحاب عمر بن الخطّاب.

فتأخّرت وتقدّم هنيئةً.

فقال: سر لا سرت.

فقال: أعد علَيَّ كلامك.

فقلت: إنّما ذكرت شيئاً ورددت عليك جوابه، ولو سكتَّ لسكتنا.

فقال: أما واللَّه ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوةٍ، ولكن استصغرناه وخشينا أنْ لا تجتمع عليه العرب، وقريش مواتروه.

قال: فأردت أن أقول: كان رسول اللَّه يبعثه في الكتيبة

فينطح كبشها ولم يستصغره، فتستصغره أنت وصاحبك.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 496

فقال: لاجرم فكيف تري واللَّه ما نقطع أمراً دونه، ولا نعمل شيئاً حتّي نستأذنه» «1» .

وروي الزبير بن بكار في (الموفقيات) باللفظ الآتي:

«عن عبداللَّه بن عبّاس قال: إنّي لُاماشي عمر بن الخطّاب في سكّةٍ من سكك المدينة، إذ قال لي:

يا ابن عبّاس! ما أري صاحبك إلّامظلوماً.

فقلت في نفسي: واللَّه لا يسبقنّي بها، فقلت:

يا أميرالمؤمنين! فاردد إليه ظلامته.

فانتزع يده من يدي ومضي يهمهم ساعةً، ثمّ وقف فلحقته.

فقال يا ابن عبّاس! ما أظنّهم منعهم إلّاأنّهم استصغروا سنّه.

فقلت في نفسي: هذه شرّ من الاولي.

فقلت: واللَّه ما استصغره اللَّه ورسوله حين أمره أن يأخذ براءة من صاحبك.

فأعرض عنّي وأسرع. ورجعت عنه» .

وروي الحافظ الزرندي في (نظم درر السمطين):

«عن نبيط بن شريط قال: خرجت مع علي بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه ومعنا عبداللَّه بن عبّاس، فلمّا صرنا إلي بعض حيطان الأنصار وجدنا عمر بن الخطّاب جالساً وحده ينكت في الأرض.

فقال له علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه: ما أجلسك يا أميرالمؤمنين هاهنا وحدك؟

__________________________________________________

(1) محاضرات الادباء 2: 478/ علي بن أبي طالب، من فضائله.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 497

قال: لأمر همّني.

فقال له علي: أفتريد أحدنا؟

فقال عمر: إن كان فعبداللَّه.

قال: فخلا معه عبداللَّه، ومضيت مع علي وأبطأ علينا ابن عبّاس، ثمّ لحق بنا.

فقال له علي: ما وراءك؟

فقال: يا أبا الحسن! اعجوبة من عجائب أميرالمؤمنين اخبرك بها واكتم علَيّ.

قال: لمّا أن وَلّيت، لرأيت عمر ينظر إليك وإلي أثرك ويقول: آه آه.

فقلت: بم تتأوّه يا أميرالمؤمنين؟

قال: من أجل صاحبك يا ابن عبّاس، وقد اعطي ما لم يعط أحد من آل رسول

اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، ولولا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر يعني الخلافة أحد سواه.

قلت: يا أميرالمؤمنين! وما هنّ؟

قال: كثرة دعابته، وبغض قريش له، وصغر سنّه.

فقال له عليّ: فما رددت؟

قال: داخلني ما يداخل ابن العمّ لابن عمّه.

فقلت: يا أميرالمؤمنين! أمّا كثرة دعابته، فقد كان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يداعب ولا يقول إلّاحقّاً، ويقول للصبيّ ما يعلم أنّه يستميل به قلبه أو يسهل علي قلبه. وأمّا بغض قريش له، فواللَّه ما يبالي ببغضهم، بعد أن جاهدهم في اللَّه حتّي أظهر اللَّه دينه، فقصم أقرانها وكسر آلهتها وأثكل نساءها في اللَّه. وأمّا صغر سنّه، فلقد علمت أنّ اللَّه تعالي حيث أنزل علي رسول اللَّه استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 498

صلّي اللَّه عليه وسلّم «براءة من اللَّه ورسوله» وجّه بها صاحبه ليبلغ عنه، فأمر اللَّه تعالي أن لا يبلغ عنه إلّارجل منه، فوجّهه في أثره وأمره أن يؤذن ببراءة، فهل استصغر اللَّه تعالي سنّه؟

فقال عمر: أمسك عليّ واكتم واكتم، فإنْ سمعتها من غيرك لم أنم بين لابيتها» «1» .

هذا، وفي حديث رواه بدرالدين محمّد بن عبداللَّه الشبلي «2» في كتاب (آكام المرجان) عن عبداللَّه بن مسعود ما يدلُّ علي عدم رضا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم باستخلاف الشيخين … وهذا نصّ الحديث كما رواه الشبلي بإسناده عن طريق جمع من الأكابر في كلام له حيث قال:

«وقد ورد ما يدلّ علي أنّ ابن مسعود حضر ليلة اخري بمكّة غير ليلة الحجون.

فقال أبو نعيم: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا محمّد بن عبداللَّه الحضرمي، حدّثنا علي بن الحسين بن أبي بردة البجلي، حدّثنايحيي بن يعلي الأسلمي، عن حرب بن صبيح، حدّثنا

سعيد بن مسلم، عن أبي مرّة الصنعاني، عن أبي عبداللَّه الجدلي، عن عبداللَّه بن مسعود قال:

استتبعني رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ليلة الجنّ فانطلقت حتّي بلغنا أعلا مكّة، فخطّ علَيّ خطّاً وقال: لا تبرح، ثمّ انصاع في الجبال، فرأيت الرجال ينحدرون عليه من رؤوس الجبال حتّي حالوا بيني وبينه، فاخترطت السيف وقلت: لأضربنّ حتّي أستنقذ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، ثمّ ذكرت قوله: لا تبرح حتّي آتيك.

__________________________________________________

(1) نظم درر السمطين: 132 فصل في ذكر آثارٍ عن الصحابة في حقّه.

(2) توجد ترجمته في الدرر الكامنة 3: 487 وغيرها. توفي سنة 769.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 499

قال: فلم أزل كذلك حتّي أضاء الفجر، فجاء النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم وأنا قائم فقال: ما زلت علي حالك؟

قلت: لو مكثت شهراً ما برحت حتّي تأتيني، ثمّ أخبرته بما أردت أن أصنع.

فقال: لو خرجت ما التقيت وأنا وأنت إلي يوم القيامة، ثمّ شبك أصابعه في أصابعي وقال: إنّي وعدت أن تؤمن بي الجنّ والإنس؛ فأمّا الإنس فقد آمنت بي وأمّا الجنّ فقد رأيت، وما أظنّ أجلي إلّاوقد اقترب.

قلت: يا رسول اللَّه! ألا تستخلف أبابكر.

فأعرض عنّي، فرأيت أنّه لم يوافقه.

قلت: يا رسول اللَّه! ألا تستخلف عمر؟

فأعرض عنّي فرأيت أنّه لم يوافقه.

قلت: يا رسول اللَّه! ألا تستخلف عليّاً؟

قال: ذلك والذي لا إله غيره لو بايعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنّة أكتعين» «1» .

ورواه الحافظ سبط ابن الجوزي في كتاب (تذكرة خواصّ الامّة) عن أحمد بن حنبل بإسناده عن عبداللَّه بن مسعود كذلك، قال:

«قد روي الإمام أحمد عن عبدالرزاق عن أبيه عن مينا عن عبداللَّه بن مسعود قال: كنت مع النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم ليلة وفد الجن،

فتنفّس، فقلت: يا مالك يا رسول اللَّه؟

قال: نعيت إليَّ نفسي، يا ابن مسعود.

__________________________________________________

(1) آكام المرجان في أحكام الجان: 51.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 500

قلت: استخلف.

قال: ومن؟

قلت: أبوبكر.

قال: فسكت. ثمّ مضي ساعة، ثمّ تنفّس، فقلت: ما شأنك بأبي وامّي يا رسول اللَّه؟

قال: نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود.

قلت: استخلف.

قال: من؟

قلت: عمر.

فسكت، ثمّ مضي ساعة ثمّ تنفّس.

قلت: ما شأنك؟

قال: نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود.

قلت: فاستخلف.

قال: من؟

قلت: علي.

قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلون الجنّة أكتعين» .

وأخرجه الطبراني وابن عساكر بإسنادهما عن مينا كذلك- كما في مجمع الزوائد «1» وبترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق-، و «مينا ابن أبي مينا» من التابعين- إن لم تكن له صحبة- وقد أخرج عنه الترمذي في صحيحه، وقد اتّهم بالتشيّع، بل وكذّب، لروايته مثل هذا الحديث.

__________________________________________________

(1)

مجمع الزوائد 5: 185.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 505

الفهارس العامة … ص: 505

اشارة

* الآيات * الأحاديث والآثار

* الأشعار

* الأعلام المترجمين * المصادر

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 507

فهرس الآيات … ص: 507

اتجعل فيها من يفسد فيها ج 3/ 320

اجتنبوا كثيراً من الظنِّ انّ بعض الظنّ اثمٌ ج 3/ 238

احسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون ج 1/ 11

اخسؤوا فيها ولاتكلّمون ج 3/ 460

ادعوني أستجب لكم ج 2/ 415

اذا السماء انشقّت ج 3/ 177

اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الي ذكر اللَّه ج 1/ 137، 138

اذْ ذهب مغاضباً ج 1/ 243

اذ قال ابراهيم لابيه آزر أتتّخذ أصناماً ج 1/ 296

اذ قال لابيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ج 1/ 316

استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرّة ج 2/ 420

استغفروا ربّكم انّه كان غفّاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ج 3/ 224

اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيل ج 2/ 60

افان ماتَ أوْ قُتلَ انقلبْتم عَلي أَعْقابِكُم ج 3/ 414

افلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء اللَّه لهي الناس جميعاً ج 1/ 153- ج 2/ 53

افمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً فانّ اللَّه يضلّ من يشاء ج 3/ 213

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 508

اقتربت السّاعة وانشقّ القمر ج 1/ 290

اقيموا الصّلاة وآتوا الزكاة ج 3/ 258

اكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ج 3/ 459

الّا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي ج 1/ 244

الذين قال لهم النّاس انّ النّاس قد جمعوا لكم ج 1/ 156

الذين يحملون العرش ومن حوله ج 1/ 157

الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانية ج 2/ 440

الذي يراك حين تقوم وتقلّبك في الساجدين ج 1/ 308، 313، 316

الرحمن علي

العرش استوي ج 1/ 214- ج 3/ 185

الزّانية والزّاني ج 2/ 458

الطلاق مرّتان ج 2/ 43

اللَّه خالق كلّ شي ء ج 1/ 337

اللَّه لا اله الّا هو الحيُّ القَيُّومُ ج 1/ 440

الم تر الي الذين يزكّون ج 3/ 442

الم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل ج 2/ 308، 309

النّار يُعرضون عليها غدوّاً وعشيّاً ويوم تقوم الساعة ج 1/ 271

انا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين ج 3/ 316

انّ الذين آمنوا ثم كفروا ج 3/ 442

انّ الذين آمنوا والذين هادوا والصّابئون والنّصاري ج 1/ 160

انّ الذين يكفرون باللَّه ورسله ج 3/ 442

انّ الذين يؤذون اللَّه ورسوله لعنهم اللَّه ج 1/ 303- ج 2/ 121- ج 3/ 176

انّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً ج 3/ 318

انّ اللَّه عنده علم الساعة وينزّل الغيث ج 2/ 45

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 509

انّ اللَّه لا يستحيي أنْ يضرب مثلًا مّا بعوضة فما فوقها ج 3/ 465

انّ اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ج 2/ 415

انّ اللَّه لعن الكافرين وأعدّ لهم سعيراً ج 2/ 60

انّ اللَّه ليس بظلّامٍ للعبيد ج 1/ 338

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَي وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ج 3/ 459

ان تتّبعون الّا ظنّاً وان أنتم الّا تخرصون ج 2/ 444

ان تعذّبهم فانّهم عبادك وان تغفر لهم فانّك ج 1/ 355- ج 3/ 411

انّ في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع ج 3/ 318

انّك لعلي خُلُقٍ عظيم ج 1/ 173

انّما المشركون نَجَسٌ ج 1/ 308، 310، 314، 317

انّما وليّكم اللَّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ج 2/ 266، 439

انّما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء ج 2/

508، 510

ان هذان لساحران ج 1/ 142، 149، 150، 151، 160

انّهم أصحاب الجحيم ج 2/ 415

انّي أراك وقومك في ضلال مبين ج 1/ 318

انّي أعلم ما لا تعلمون ج 3/ 320

انّي سقيم ج 2/ 422

او كظلمات في بحر لجّيّ ج 3/ 445

اولئكَ هم الوارثون ج 1/ 364

اولم تؤمن ج 3/ 419

براءة من اللَّه ورسوله ج 3/ 498

بل فعله كبيرهم هذا ج 2/ 422

بل هو آيات بيّنات في صدور الذين اوتوا العلم ج 2/ 383، 385

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 510

تري الذين كذبوا علي اللَّه وجوههم مسوّدة ج 1/ 417

تنزيل العزيز الرّحيم ج 1/ 161

ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن انّ اللَّه معنا ج 1/ 71

ثمّ استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللارض ج 1/ 261

ثمّ أوحينا اليك أن اتّبع ملّة ابراهيم حنيفاً ج 2/ 434

ثمّ جاءكم رسول مصدّقاً لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه ج 1/ 160، 265

ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها ج 2/ 76

ثُمّ نُفِخ فيه اخري ج 1/ 267، 277

جعل السقاية في رحل أخيه ج 2/ 308

حافظوا علي الصّلوات والصّلاة الوسطي ج 1/ 134، 135، 136، 137

حتّي تستأنسوا وتسلّموا علي أهلها ج 1/ 153- ج 2/ 52

خلقكم وما تعملون ج 1/ 337

ذلك ظنّ الذين كفروا فويل للذين كفروا من النّار ج 1/ 351

ذوي عدل منكم ج 3/ 221

ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ج 3/ 224

ربّنا انّك آتيت فرعون وملاه زينة وأموالًا في الحياة الدنيا ج 3/ 224

زيّن للنّاس حبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير ج 3/ 224

سلام عليك سأستغفر لك ربّي ج 1/ 318

سلام قولًا من ربّ رحيم ج 3/

37

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ ج 3/ 463

شاهدين علي أنفسهم بالكفر ج 1/ 261

صلّوا عليه وسلّموا تسليماً ج 1/ 328

ضربت عليهم الذلّة والمسكنة وباؤوا بغضب من اللَّه ذلك ج 3/ 392

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 511

عسي أنْ يبعثك ربّك مقاماً محموداً ج 2/ 213

غير المغضوب عليهم ولا الضالّين ج 2/ 339

فاتّبعوه ج 3/ 388

فاذا نُفخ في الصور ج 1/ 272

فاذا نُقِر في الناقور ج 1/ 268، 275، 276

فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ج 2/ 454

فاقصص القصص ج 3/ 331

فامّا الذين آمنوا فيعلمون أنّه الحقّ من ربّهم ج 3/ 437

فان تنازعتم في شي ء فردّوه الي اللَّه والرسول ج 3/ 319

فانْ يكفر بها هؤلاء ج 3/ 443

فصعق من في السماوات ومن في الارض ج 1/ 267

فقاتلوا التي تبغي حتّي تفي ء الي أمر اللَّه ج 3/ 189

فقدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ج 3/ 443

فقولا له قولًا ليّناً ج 1/ 318

فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للَّه تبرّأ منه ج 1/ 315، 316- ج 2/ 417، 420

فما استمتعتم ج 3/ 201

فمن يعمل سوء يُجزَ به ج 2/ 165

فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً ج 1/ 344

فمن يكفر بالطاغوت ج 3/ 441

فنفخنا فيه من روحنا ج 1/ 277

فهب لي من لدنك وليّاً ج 3/ 224

فهل أنتم منتهون ج 2/ 509

في ظللٍ من الغمام ج 2/ 173

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 512

فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا ج 3/ 297

قال الذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبلَ أنْ يرتدَّ اليكَ طَرْفُكَ ج 2/ 246

قال أولم تؤمن قال بلي ج 2/ 246

قد خسر الذين قتلوا أولادهم ج 2/ 342

قل أعوذ

بربّ الفلق ج 3/ 445

قل حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم ج 2/ 500

قل فيهما اثم كبير ج 2/ 500

قل هذه سبيلي أدعو الي اللَّه علي بصيرة أنا ومن اتّبعني ج 1/ 176- ج 2/ 13

قل يا أيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ج 2/ 498، 501

كتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت ج 3/ 219

كلّ حزب بما لديهم فرحون ج 1/ 11

كنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ج 3/ 410

لئن لم تنته لارجمنّك ج 1/ 318

لا تجعل مع اللَّه الهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولًا ج 2/ 75

لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً ج 1/ 330

لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتّي تستأنسوا ج 1/ 152

لا تدركه الابصارُ وهو يُدركُ الابصارَ ج 2/ 44، 46، 49

لا تُطِعْ كُلَّ حلّاف مهين همّاز ج 1/ 374

لا تُقدّموا بين يدي اللَّه ورسوله ج 3/ 318

لا تقل لهما افٍّ ولا تنهرهما ج 1/ 318

لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ج 2/ 112

لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون ج 1/ 259

لا يكلّف اللَّه نفساً الّا وسعها ج 1/ 338

لتحكم بين النّاس بما أراك اللَّه ج 3/ 332

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 513

لتفسدنَّ في الارض مرّتين ج 3/ 443

لقد رأي من آيات ربّه الكبري ج 2/ 45

لكلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ج 3/ 483

لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون … ج 1/ 142

لو أنّ لي بكم قوّة أو آوي الي ركنٍ شديدٍ ج 2/ 23

لو شاء اللَّه ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شي ء ج 2/ 443، 447

لو كنّا نسمع أو نعقل ج 3/ 318

لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم

أعين لا يبصرون بها ولهم آذانٌ ج 1/ 356

ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ج 3/ 388

ليس كمثله شي ء ج 3/ 390

ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم الّا في كتاب ج 2/ 187، 188

ما سلككم في سقر ج 3/ 424

ما كان استغفار ابراهيم لابيه ج 1/ 316

ما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا ج 1/ 300، 302، 323- ج 2/ 415- ج 3/ 423

ما كذب الفؤاد ما رأي ج 2/ 48

ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ج 1/ 295

ما نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا ج 3/ 463

ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين ج 1/ 296

مثل نوره كمشكاة ج 1/ 157- ج 2/ 54

مُدهامّتان ج 3/ 207

ملّة أبيكم ابراهيم ج 1/ 199

ممّن ترضون من الشهداء ج 3/ 229

من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم ج 2/ 415

من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ج 2/ 75

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 514

من يطع الرسول فقد أطاع اللَّه ج 2/ 458

نحن نقصّ عليك أحسن القصص ج 3/ 331

نزلًا من غفور رحيم ج 3/ 38

نساؤكم حرثٌ لكم ج 2/ 204

نعبد الهك واله آبائك ابراهيم واسماعيل ج 1/ 319

واتّبعت ملّة آبائي ابراهيم واسماعيل واسحاق ج 1/ 199

واتممناها بعشر ج 1/ 244

واجنبني وبَنيّ أن نعبد الاصنام ج 3/ 224

واذ أخذ اللَّه ميثاق النبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ج 1/ 160، 265

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكم ج 3/ 437، 441

واذ قال ابراهيم لابيه آزر ج 1/ 315، 317، 323

واذ قال ابراهيم لابيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناماً ج

1/ 296

وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم باللَّه واليوم الآخر ج 3/ 224

واستشهدوا شهيدين من رجالكم ج 3/ 221

والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ج 2/ 246

والذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّاتهم بايمان ألحقنا بهم ذرّيّاتهم ج 1/ 375

والذين اتّبعوهم باحسان رضي اللَّه عنهم ج 1/ 328

والذين قال لهم النّاس انّ النّاس قد جمعوا لكم ج 2/ 53

والذين يكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا ج 3/ 438

واللّذان يأتيانها منكم ج 2/ 458

والليل اذا يغشي ج 1/ 164، 165

والمقيمين الصلاة ج 1/ 160

والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة ج 1/ 149، 150

واله آبائي ابراهيم واسماعيل ج 1/ 312

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 515

وامّا الذين كفروا فيقولون ماذا أراد اللَّه بهذا مثلًا يضلّ به كثيراً ج 3/ 437

وانا اخترتك ج 1/ 161

وان احكم بينهم بما أنزل اللَّه ج 3/ 320

وانّا لنحن الصافّون وانّا لنحن المسبّحون ج 1/ 263

وانذر عشيرتك الاقربين ج 2/ 321

وانْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ج 2/ 449، 450- ج 3/ 189

وانْ منكم الّا واردها ج 3/ 155

وانّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السُّبُل ج 3/ 333

وانّ يوماً عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون ج 1/ 172

وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون ج 3/ 388

وتقلّبك في الساجدين ج 1/ 306، 307، 311، 313، 314، 317، 319، 320، 321

وجادلهم بالتي هي أحسن ج 1/ 318

ورهبانيّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم ج 3/ 322

وصلِّ عليهم انّ صلاتك سَكَنٌ لهم ج 1/ 328

وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم يظنّون باللَّه غير الحقّ ظنّ الجاهليّة ج 1/ 350

وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ج 2/ 146

وقضي ربّك ج 2/ 53

وقضي ربّك ألّا تعبدوا الّا ايّاه وبالوالدين احساناً ج

1/ 155، 318

وقضيْنَا إِلَي بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ ج 3/ 444

وكان الانسان أكثر شي ء جدلًا ج 2/ 437، 446

وكلّ انسان ألزمناه طائره في عنقه ج 2/ 75

وكنّا نخوض مع الخائضين ج 1/ 69

وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلمّا توفّيتني كنت أنت الرقيب عليهم ج 3/ 404

ولا الذين يموتون وهم كفّار ج 1/ 301

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 516

ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللَّه عليه ج 2/ 432

ولا تجعل مع اللَّه الهاً آخر فتلقي في جهنّم ملوماً مدحوراً ج 2/ 75، 77

ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيلِ اللَّه أمواتاً بل أحياءٌ عند ربّهم يُرزقون ج 1/ 271

ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ اخري ج 1/ 185، 363، 365، 375- ج 2/ 202- ج 3/ 144

ولا تصلّ علي أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقم علي قبره ج 2/ 420

ولا تَقْفُ ما ليس لك به علمٌ ج 3/ 317، 318

ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون ج 2/ 70

ولقد رآه نزلةً اخري ج 2/ 47

ولقدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتَّبَعُوهُ ج 3/ 453

ولقد وصّينا الذين اوتوا الكتاب ج 2/ 53

ولكم نصف ما ترك أزواجكم ج 3/ 357

ولمّا جاء موسي لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربّ أرني أنظر اليك ج 3/ 419

وليحملنّ أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم ج 1/ 361

وما آتاكم الرسول فخذوه ج 2/ 456

وما اوتيتم من العلم الّا قليلًا ج 1/ 200

وما أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ ج 3/ 462

وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ ولا محدّث ج 1/ 400

وما تشاؤون الّا أن يشاءَ اللَّهُ ج 2/ 225

وما كان استغفار ابراهيم لابيه الّا عن موعدة ج 1/ 301، 302 315،- ج 2/ 414، 416

وما كان

لرسول أن يأتي بآية الّا باذن اللَّه ج 1/ 233

وما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ج 1/ 299

وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضي اللَّه ورسوله أمراً ج 3/ 343

وما كنّا له مقرنين ج 2/ 244

وما كنّا معذّبين حتّي نبعث رسولًا ج 1/ 298

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 517

وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره الّا في كتاب ج 1/ 247، 249

ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللَّه ج 1/ 71

ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ج 3/ 441

ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ج 3/ 441

ومن ثمرات النخيل والاعناب تتّخذون منه سكراً ج 2/ 499

ومن ذرّيّته داود وسليمان ج 1/ 319

ومن قُتِل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً ج 2/ 100

ومن ورائهم برزخٌ الي يوم يُبعثون ج 1/ 273

ومن يتّق اللَّه يجعل له مخرجاً ج 2/ 241

ومن يرد فيه بالحادٍ بظلمٍ نذقه من عذاب أليم ج 2/ 167

ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ج 1/ 162

ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها ج 2/ 156- ج 3/ 432

ونريد أنْ نمنَّ علي الَّذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمّةً ج 1/ 183

ونفختُ فيه من روحي ج 1/ 273، 277

ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الارض ج 1/ 265

ونكتب ما قدّموا وآثارهم ج 1/ 342

وواعدنا موسي ثلاثين ليلة ج 1/ 244

وورث سليمان داود ج 2/ 437

ووصّينا الذين اوتوا الكتاب ج 1/ 156

وهمُّواْ بِمَا لَمْ ينالوا ج 3/ 416

وهو الذي أنشأ جنّات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع ج 3/ 224

وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ج 3/ 238

ويطعمون الطعام علي حبّه ج 2/ 439

ويعذّب

المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ج 1/ 350

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 518

ويوم ينفخ في الصور ج 1/ 268، 279

هب لي ملكاً لا ينبغي لاحد من بعدي ج 3/ 224

هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتّبعون الّا الظنّ ج 2/ 443

هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ج 1/ 331

يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ج 3/ 459

يا أبت لِمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً ج 1/ 318

يا أيّها الذين آمنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ج 3/ 187

يا أيّها الذين آمنوا انّما الخمر والميسر ج 2/ 499، 504، 510

يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول وأولي الامر منهم ج 1/ 186- ج 3/ 18

يا أيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري ج 2/ 499، 507

يا أيّها الرسول بلّغ ما انزل اليك ج 3/ 404

يا أيّها المدّثّر ج 2/ 476

يا أيّها النبيّ لم تحرّم ما أحلّ اللَّه لك تبتغي مرضات أزواجك ج 3/ 332

يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده ج 2/ 424

يرثني ويرث من آل يعقوب ج 2/ 437

يريدون ليطفئوا نور اللَّه بأفواههم ويأبي اللَّه الّا أن يتمّ نوره ج 3/ 388

يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس ج 2/ 500، 507

يقولون ربّنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ج 1/ 328

يمحو اللَّه ما يشاء ويثبت وعنده امّ الكتاب ج 1/ 233، 234، 237، 238، 239، 240، 252، 253

يوم نبطش البطشة الكبري ج 2/ 454

يوم يُنْفَخ في الصور ج 1/ 267، 269، 275، 276، 278

يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة ج 1/ 277

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3،

ص: 519

فهرس الأحاديث والآثار … ص: 519

ابشر يا علي، فانّ اللَّه عزّ وجلّ قد عهد اليّ أنّه لا يحبّك الّا مؤمن ج 3/ 451

ابكي لذرّيّتي وما يصنع بهم شرار امّتي من بعدي ج 3/ 449

ابكي من ضربتك علي القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعنة الحسن ج 3/ 450

ابوبكر يقضي ديني وينجز موعدي ج 3/ 91

ابو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه ج 1/ 39

اتّق الضغائن التي في صدور من لا يظهرها الّا بعد موتي ج 3/ 450

اتّق اللَّه ولا تقس الدين برأيك، فانّ أوّل من قاس برأيه ابليس ج 3/ 351

اتّهموا الرأي في الدين ج 3/ 320

اجعل بين أذانك واقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله ج 3/ 18

اجعلوا حجّكم عمرة ج 3/ 31

احتفظوا بكتبكم فانّكم سوف تحتاجون اليها ج 1/ 26

احذروا الشهوة الخفيّة: العالم يُحبّ أن يجلس اليه ج 3/ 259

اخبرني جبرئيل سيّد الملائكة قال: قال اللَّه تعالي سيّد السادات: ج 1/ 203

اخطأ الكاتب، انّما هي: حتّي تستأذنوا ج 1/ 153

ادعي لي أبابكر أباك وأخاك حتّي أكتب كتاباً ج 2/ 469

اذا أفضي أحدكم بيده الي ذكره ليس بينه وبينها حجاب فليتوضّأ ج 3/ 198

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 520

اذا بلغ آل أبي العاص ثلاثون رجلًا صيّروا مال اللَّه دولًا ج 3/ 439

اذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد ج 3/ 10

اذا جمع اللَّه الخلائق يوم القيامة، أذن لُامّة محمّد (ص) بالسجود ج 1/ 362

اذا خرجت اللعنة من فيّ صاحبها نظرت ج 2/ 156

اذا كان يوم القيامة دفع اللَّه الي كلّ مسلم يهوديّاً أو نصرانيّاً فيقول: … ج 1/ 367

اذا كان يوم القيامة نادي مناد ليقم أهل اللَّه، فيقوم أبوبكر الصدّيق … ج 3/ 490

اذا كان

يوم القيامة، يأتيني جبرئيل وميكائيل بخزنتين من المفاتيح ج 3/ 488

اذا كتب أحدكم كتاباً فليزيّنه فانّه أنجح للحاجة ج 3/ 19

اذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الازلام والشطرنج والنرد ج 2/ 231- ج 3/ 281

اذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضّأ ج 3/ 197، 199

اذهب فاغسله وكفّنه وواره، غفر اللَّه له ورحمه ج 2/ 468

اربعة نجباء امناء اللَّه علي حلاله وحرامه ج 1/ 42

ارحم امّتي بامّتي أبوبكر ج 3/ 490

استأذنت ربّي في زيارة قبر امّي فأذن لي ج 1/ 304

اشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة امام جائر ج 2/ 63

اشهد أنّ الحقّ مع عليّ ولكن مالت الدنيا بأهلها ج 2/ 89

اشهد أنّ رسول اللَّه (ص) كذلك كان يقرؤها، وكذلك انزلت ولكن ج 1/ 152

اصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ج 1/ 395

اظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس ج 1/ 154- ج 2/ 53

اعطوا الاجير أجره قبل أن يجفّ عرقه ج 3/ 18

اعطوا السائل وان جاء علي فرس ج 3/ 18

اعمار امّتي مابين الستّين الي السبعين ج 1/ 374

افضل النّاس عند اللَّه منزلة يوم القيامة امام عادل رفيق ج 2/ 63

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 521

اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ج 3/ 482

اقضاكم علي ج 1/ 18

اقضانا علي ج 1/ 15

اقضاهم علي ج 1/ 15

اقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم الّا الحدود ج 3/ 17، 18

اكتبوا، فانّكم لا تحفظون الّا بالكتاب ج 1/ 26

اكتبوا، فانّكم لا تحفظون حتّي تكتبوا ج 1/ 26

اكره أنْ يتحدّث الناس ويقولون: ان محمداً قد وضع يده في أصحابه ج 3/ 415

الائمة من قريش ج 3/ 451

الا انّ أصحاب الشاه في النار ج 2/ 232- ج 3/ 281

الا، انّكم تحدّثون أنّي أكذب علي رسول اللَّه

ج 2/ 184

الا انّكم تحدّثون أنّي أكذب علي رسول اللَّه (ص) لتهتدوا وأضل ج 2/ 186

الا انّها ستكون فتنة ج 3/ 18

الا أدلّك علي ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشداً؟ ج 3/ 470

الا لا وصيّة لوارث ج 3/ 219

الا، واللَّه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدعّون عنّي ج 3/ 407

الا وانّه سيجاء برجال من امّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ج 3/ 403

الا وانّي قد تركت فيكم أمرين ان أخذتم بها لن تضلّوا: كتاب اللَّه وعترتي ج 3/ 406

الآيات بعد المائتين ج 3/ 52

البكر تستأذن. قلت: انّ البكر تستحي. فقال: اذنها صماتها ج 3/ 344

التزقت الواو بالصاد وأنتم تقرؤونها: وقضي ربّك ج 1/ 155

الّتي تسمّون سورة التّوبة هي سورة العذاب، واللَّه ما تركت أحداً ج 1/ 118

الحقّ لن يزال مع علي وعليّ مع الحق لن يختلفا ولن يتفرقا؟ قالت: نعم ج 2/ 89

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 522

الحقّ مع ذا، الحقّ مع ذا؛ يعني عليّاً ج 2/ 88

الحقّ مع عليّ وعليّ مع الحقّ، لن يزولا حتّي يردا عليّ الحوض ج 2/ 96

الحمد للَّه الذي وفّق رسول رسول اللَّه لما يرتضيه رسول اللَّه ج 3/ 319، 349

الحياء حسن الخلق، والمؤمن غِرّ كريم، والمنافق خب لئيم ج 3/ 19

الرجل علي دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ج 3/ 17

السلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة اللَّه وبركاته، السلام عليك يا مولانا ج 2/ 174

السلطان ظلّ اللَّه في الارض يأوي اليه كلُّ مظلوم من عباده ج 2/ 63

الصلاة مثني ج 3/ 153

الطيرة في الفرس والمرأة والدار ج 2/ 189

العلماء امناء الرسل علي عباد اللَّه ج 2/ 273

القدريّة مجوس هذه الامّة؛ ان مرضوا فلا تعودوهم ج 2/ 224- ج

3/ 13

القضاة ثلاثة ج 2/ 64

القه علي بلال فألقاه عليه، فأذّن بلال ج 3/ 15

الك بيّنة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه ج 3/ 342

اللَّه تعالي يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا في جنّة ج 1/ 270

اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق اليك، فجاء علي بن أبي طالب ج 2/ 176

اللّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك علي آل سعد بن عبادة ج 1/ 331

اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي ج 3/ 258

اللّهمّ اشهد لهم، اللّهمّ قد بلّغت، هذا أخي وابن عمّي ج 2/ 144

اللّهمّ انصر من نصر عليّاً، اللّهمّ أكرم من أكرم عليّاً ج 2/ 144

اللهمّ ان كنت كتبت عليّ شقاوة أو ذنباً فامحه ج 1/ 236

اللّهمّ اهد قلبه وثبّت لسانه ج 1/ 18- ج 2/ 92

اللّهمّ أركسهما في الفتنة ركساً، اللّهمّ دعّهما الي النّار دعّاً ج 1/ 333

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 523

اللّهمّ أعزّ الاسلام بأحبّ هذين الرجلين اليك: بأبي جهل أو بعمر ج 2/ 496

اللّهمّ أعزّ عمر بالاسلام، لانّ الاسلام يُعِزّ ولا يُعز ج 2/ 497

اللّهمّ أعنه وأعن به، وارحمه وارحم به، وانصره وانصر به ج 2/ 144

اللّهمّ حوالينا ولا علينا، فانحدرت السحابة عن رأسه ج 2/ 454

اللّهمّ عليك بمعاوية وأشياعه، وعمرو بن العاص وأشياعه ج 2/ 107

اللَّه وليّي وأنا وليّك ومعادي من عاداك ومسالم لمن سالمك ج 2/ 144

الم تر الي الذين يزكّون ج 3/ 442

المدينة لا يدخلها الدجّال والطاعون ج 3/ 220

المرء علي دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ج 3/ 19

المسلم ليس بلعّان ج 3/ 237

المهدي من عترتي من ولد فاطمة ج 1/ 193

المهديّ منّي أجلي الجبهة ج 1/ 193

الم يكن أعلم الناس ج 1/ 15

المؤمن غرّ كريم والفاجر

خبّ لئيم ج 3/ 17

المؤمن لا يزني حين يزني وهو مؤمن ج 2/ 457

النرد والشطرنج من الميسر ج 2/ 232

الهاني الصفق بالاسواق ج 2/ 29

اليَّ اليَّ يا بني، فما زال يدنيه حتّي أجلسه علي فخذه اليمني ج 3/ 446

اليس قد فهمتما ما تقدّمت به اليكما وقبلتماه؟ ج 3/ 459

اما انّك ستلقي بعدي جهداً. قال: في سلامة من ديني ج 2/ 94

امّا بعد، فانّي أنكحت أبا العاص ابن الربيع فحدّثني وصدقني ج 2/ 448

امّا عليّ بن أبي طالب، فانّه أخي وشقيقي وصاحب الامر بعدي ج 3/ 447

اما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلون الجنّة أكتعين ج 3/ 500

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 524

اما واللَّه يا بني عبدالمطّلب، لقد كان علي فيكم أولي بهذا الامر مني ج 3/ 495

امّتي ثلاثة أثلاث: فثلث يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عقاب ج 1/ 361

امرت أن ابلّغه أنا أو رجل من أهل بيتي ج 3/ 427

امر رسول اللَّه (ص) علي بن أبي طالب بقتال الناكثين و … ج 2/ 83

امرني رسول اللَّه (ص) بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين ج 2/ 83

انا اقاتل علي تنزيل القرآن وعلي يقاتل علي تأويله ج 2/ 87

انا أوّل الانبياء خلقاً وآخرهم بعثاً ج 1/ 262

انا أوّل من تنشقّ عنه الارض وأنت معي ج 3/ 449

انا أوّل من سأل رسول اللَّه (ص) عن هذا، فقلت: يا رسول اللَّه ج 2/ 47

انا أوّل من يجثو بين يدي الرحمان للخصومة يوم القيامة ج 3/ 484

انا أوّل من يجثو بين يدي اللَّه عزّ وجلّ يوم القيامة للخصومة ج 3/ 451

انا أوّل من يدخل الجنّة وأنت بعدي تدخلها والحسن والحسين وفاطمة ج 3/ 449

انّ ابن امّ مكتوم رجل أعمي، فاذا

أذّن فكلوا واشربوا حتّي يؤذّن بلال ج 2/ 203

انّ اخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق ج 2/ 28

انا سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت ج 3/ 449

انا عند الحوض وأنت معي ج 3/ 449

انا فرطكم علي الحوض، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً ج 3/ 403

انا قسيم النار ج 3/ 486

انا قسيم النّار والجنّة ج 3/ 487

انّ الارض يطهّر بعضها بعضاً ج 3/ 362

انّ البرّ ليس بايجاف الخيل والابل، فعليكم بالسكينة ج 3/ 163

انّ الحذر لا يردّ القدر ج 1/ 244

انّ الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ج 3/ 32

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 525

ان العباد أولي بأس هم القائم وأصحابه عليهم السلام ج 3/ 444

انّ القبر الذي جلست عنده قبر آمنة، وانّي استأذنت ربّي في زيارتها ج 1/ 300

انّ اللَّه اتخذني خليلًا كما اتخذ ابراهيم خليلًا ج 3/ 45

انّ اللَّه اتّخذني خليلًا، وانّ قصري في الجنّة وقصر ابراهيم في الجنّة ج 3/ 49

انّ اللَّه أوحي اليَّ بأن أقوم بفضلك ج 3/ 449

انّ اللَّه تبارك وتعالي لم يدع شيئاً يحتاج اليه الامّة الّا أنزله في كتابه ج 1/ 12

انّ اللَّه تعالي أعطاني مفاتيح الجنة والنّار فقال: قل الي عليّ قولًا تخرج من تشاء ج 3/ 487

انّ اللَّه خلق الارواح قبل الاجساد بألفي عام ج 1/ 262

انّ اللَّه عزّ وجلّ لم يبعث نبيّاً قبلي الّا كان في امّته من بعده مرجئة ج 2/ 226

انّ اللَّه لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعاً ج 3/ 317

انّ اللَّه ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه ج 2/ 202- ج 3/ 144

انّ اللَّه مع القاضي ما لم يجر ج 2/ 64

انّ الملائكة تقول لروح المؤمن:

صلّي اللَّه عليك وعلي جسدك ج 1/ 331

انّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه ج 2/ 202- ج 3/ 143

انّ المؤمن من أخذ دينه عن اللَّه تعالي، وانّ المنافق يصيب رأياً ج 3/ 321

انا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ج 1/ 13

انا واللَّه هكذا سمعت رسول اللَّه يقرأ، ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ «ما خلق» فلا اتابعهم ج 1/ 164

انا وهذا حجّة يوم القيامة. يعني عليّاً ج 2/ 93

انّ أبابكر الصدّيق وعمر بن الخطّاب أو ناساً من أصحاب ج 2/ 511

انّ أحقّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب اللَّه ج 2/ 453

انّ أسماء ولدت محمّد بن أبي بكر بالبيداء ج 1/ 402

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 526

انّ أشدّ أهل النّار عذاباً يوم القيامة، من قتل نبيّاً أو قتله نبي وامام جائر ج 2/ 63

انّ بلالًا يؤذّن بليل، فكلوا واشربوا حتّي يؤذّن ابن ام مكتوم ج 2/ 203

انّ بني اسرائيل اختلفوا، لم يزل اختلافهم بينهم حتّي بعثوا حكمين ج 2/ 106

انّ بني اسرائيل افترقوا علي احدي وسبعين فرقة كلّها في النّار الّا فرقة ج 3/ 248

انت الآخذ بسنّتي والذابُّ عن ملّتي ج 3/ 449

انت الذي أنزل فيه (وأذان من اللَّه ورسوله الي الناس … ) ج 3/ 449

انت العروة الوثقي ج 3/ 449

انت امام كلّ مؤمن ومؤمنةٍ بعدي ج 3/ 449

انت أخي في الاسلام وابنتك تصلح لي ج 2/ 413

انت أخي في دين اللَّه وكتابه، وهي لي حلال ج 2/ 412

انت تبيّن لهم ما اشتبه عليهم بعدي ج 3/ 449

انت قسيم الجنّة والنّار، فيوم القيامة تقول للنّار هذا لي وهذا لك ج 3/ 486

انت منّي بمنزلة هارون من موسي ج 3/ 449

انت منّي وأنا

منك ج 3/ 449

انت ورثت رسول اللَّه أم أهله؟ ج 3/ 195

انت وليّي في الدنيا ووليّي في الآخرة ج 3/ 100

انتهينا، انّها تذهب المال وتذهب العقل ج 2/ 509

انّ ثلاثة في بني اسرائيل: أبرص وأقرع وأعمي، بدا للَّه أنْ يبتليهم ج 1/ 241

انّ جبرئيل عليه السلام أذّن في بيت المقدس ليلة الاسراء وأقام ج 3/ 16

انّ خليلي (ص) قال: يا علي، انّك ستقدم علي اللَّه وشيعتك راضين ج 2/ 142

انّ رجلًا منكم يقاتل الناس علي تأويل القرآن كما قاتلتهم علي تنزيله ج 2/ 87

انّ رسول اللَّه (ص) كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت زينب ج 3/ 306

انّ رسول اللَّه (ص) نهي عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر ج 3/ 201

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 527

انزل اللَّه هذا الحرف علي لسان نبيّكم: ووصّي ربّك ألّا تعبدوا الّا اياه … ج 1/ 155

انّ سعيد بن جبير كان يأتمّ بعلي بن الحسين ج 1/ 38

انّ شأن الاذان أعظم من ذاك. أذّن جبرئيل عليه الصلاة والسلام ج 3/ 16

انّ عثمان ادخل حفرته وانّه لكافر باللَّه ج 3/ 118

ان علمت أنّ منك بضعة نجسة فاقطعها ج 3/ 285

انّ عمر قيل له: سورة التّوبة. قال: هي الي العذاب أقرب ج 1/ 119

انّ عمرةً في رمضان تعدل حجّة ج 3/ 157

انّ في القرآن لحناً وستقيمه العرب بألسنتها ج 1/ 143

انّ فيك مثلًا من عيسي، أبغضته اليهود حتّي بهتوا امّه، وأحبّته ج 2/ 145

انّ فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها ج 1/ 143

انّك تقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله ج 2/ 92

انّك رسولي الي خلقي وانّ عليّاً وليّ المؤمنين … ج 1/ 259

انّكم تسمّونها سورة التوبة، واللَّه ما

تركت أحداً الّا نالت منه ج 1/ 119

انّ لكلّ امّة مجوساً وانّ مجوس هذه الامّة القدريّة ج 3/ 13

انّ للَّه تبارك لوحاً ينظر فيه في كلّ يوم ثلاثمائة وستّين نظرة ج 2/ 232

انّ للَّه تعالي في كلّ يوم ثلاثمائة وستّين نظرة لا ينظر فيها ج 3/ 282

انّما الطيرة في المرأة والدابّة والدار ج 2/ 188

انّما خيّرني اللَّه فقال … وسأزيده علي السبعين ج 2/ 420

انّما هي خطأ من الكاتب: حتّي تستأذنوا وتسلّموا ج 1/ 152- ج 2/ 52

انّما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ج 2/ 180

انّ محمّداً صلّي اللَّه عليه وسلّم رأي ربّه مرّتين، مرّة ببصره ومرّة بفؤاده ج 2/ 49

انّ محمّد بن أبي بكر بايع عليّاً عليه السلام علي البراءة من أبيه ج 1/ 404

انّ ملكاً من ملوك بني اسرائيل أخذ رجلًا فخيّره ج 2/ 512

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 528

انّ منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله ج 2/ 85

انّ موت الفجأة سخطة علي المؤمنين ج 3/ 145

انّ ولد الزنا شرّ الثلاثة ج 2/ 185

انّها الفاضحة، ما زالت تنزل فيهم وتنال منهم حتّي خشينا أن لا تدع ج 1/ 119

انّه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحي اليه، وهو نائم في المسجد الحرام ج 2/ 460

انّ هذا الامر في قريش، لا يعاديهم أحد الّا كبّه اللَّه علي وجهه ج 2/ 208

انّ هذا المثل ضربه اللَّه لاميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب؛ فالبعوضة ج 3/ 437

انّ هذا أوّل من آمن بي، وهو أوّل من يصافحني يوم القيامة، وهذا ج 2/ 93

انّ هذه امّة مرحومة، عذابها بأيديها ج 1/ 362

انّه سيلحد فيه رجل من قريش، لو أنّ ذنوبه توزن

بذنوب الثقلين ج 2/ 167

انّه كان في بني اسرائيل ملكان أخوان علي مدينتين ج 1/ 249

انّه كان يبغض عثمان أبغضه اللَّه عزّ وجلّ ج 2/ 497، 498

انّه كان يقرأ: ووصي ربّك ويقول: أمر ربّك، انّهما واوان التصقت احداهما ج 2/ 53

انّه لا يؤدّي عنّي الّا أنا أو رجل منّي ج 3/ 427

انّهم ألصقوا احدي الواوين بالصاد فصارت قافاً ج 1/ 161

انّه مرّ علي قومٍ يلعبون الشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها ج 2/ 232

انّه مرّ علي قوم يلعبون بالشطرنج، فوثب عليهم فقال: أما واللَّه ج 2/ 232

انّهم ليعلمون الآن ما كنت أقول لهم حق ج 3/ 146

انّهم يبكون عليها وانّها تعذَّب في قبرها ج 3/ 145

انّي استأذنت ربّي في زيارة قبر امّي فأذن لي ج 1/ 299

انّي سألت ربّي عزّ وجلّ في الاستغفار لُامّي فلم يأذن لي ج 1/ 299

انّي لست آكل ممّا تذبحون علي أنصابكم ج 2/ 427

انّي لكم فرط علي الحوض ج 3/ 420

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 529

انّ يوم الثلاثاء يوم الدم ج 3/ 12

انّ يونس دعا قومه، فلمّا أبوا أن يجيبوه وعدهم العذاب ج 1/ 242

اوتاد الارض وأعلام الدين أربعة ج 1/ 41

اوّل ثلمة في الاسلام مخالفة عليّ ج 2/ 94

اوّل من قاس أمر الدين برأيه ابليس ج 3/ 316

اوّل من يصافحه الحق عمر ج 3/ 49

اوّل من يكرّ الي الدنيا الحسين بن علي ج 3/ 444

اهتزّ العرش لموت سعد بن معاذ ج 3/ 147

اهتزّ العرش لوفاة سعد بن معاذ ج 3/ 147

اهتزّ عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ ج 3/ 147

ايّاكم والزنج فانّه خلق مشوّه ج 3/ 102

ايّكم يقرأ علي قرائة عبداللَّه؟ ج 1/ 165

اين أصحاب

محمّد؟ ج 3/ 492

ايّها الناس اسمعوا قولي فاعقلوه عنّي، فانّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد ج 3/ 405

بايع محمّد بن أبي بكر علي البراءة من الثاني ج 1/ 404

بل كلّ شي ء في كتاب اللَّه وسنّة نبيّه صلّي اللَّه عليه وآله ج 1/ 12

بلي واللَّه، انّي لاستغفر لابي كما استغفر ابراهيم لابيه ج 1/ 302

بينا أنا قائم، اذا زمرة، حتّي اذا عرفتهم، خرج رجل بيني ج 3/ 404

بينا أهل الجنّة في مجلس لهم، اذ لمع لهم نور غلب علي نور الجنّة ج 3/ 38

بينا أهل الجنّة في نعيمهم، اذْ سطع لهم نور، فرفعوا رؤسهم، فاذا الرب ج 3/ 36

تحشر هذه الامّة علي ثلاثة أصناف ج 1/ 361

تحشر هذه الامّة يوم القيامة علي ثلاثة أصناف ج 1/ 361

تعلّموا من قريش ولا تعلّموها، قدّموا قريشاً ولا تؤخّروها ج 3/ 218

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 530

تعمل هذه الامّة برهة بكتاب اللَّه، ثمّ تعمل برهة بسنّة رسول اللَّه (ص) ج 3/ 317

تعيبَ علي قوم يونس يوم عاشورا ج 1/ 243

تفترق امّتي علي بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة علي امّتي قوم ج 3/ 319

تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ج 2/ 83

تقاتل علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل ج 3/ 449

تكثر لكم الاحاديث من بعدي، فاذا روي لكم حديث فأعرضوه ج 2/ 455

تكون بين النّاس فرقة واختلاف، فيكون هذا وأصحابه علي الحقّ ج 2/ 93

تكون خلافة النبوّة ثلاثين سنة ثمّ تصير ملكاً ج 3/ 190

ثلاث فيهنّ البركة: البيع الي أجل والمقارضة واخلاص البر بالشعير ج 3/ 43

ثلاثة لا يقبل اللَّه لهم شهادة أن لا اله الّا اللَّه، فذكر منهم: الامام الجائر ج 2/ 63

ثلاثة لا يكلّمهم اللَّه يوم القيامة ولا

يزكّيهم ولهم عذاب أليم ج 1/ 418

جئت أسألك عن آية من كتاب اللَّه كيف كان رسول اللَّه (ص) يقرؤها ج 1/ 151

جاء رجل من أهل الشام، فسبّ عليّاً عند ابن عبّاس فحصبه ابن عبّاس ج 2/ 121

حبّبوا اللَّه الي الناس يحبّكم اللَّه ج 3/ 47

حبّ عليّ ايمان وبغضه كفر ج 3/ 485

حبّك الشي ء يعمي ويصم ج 3/ 19

حدّثني حبيبي وقرّة عيني رسول اللَّه … فمن قالها دخل حصني ج 1/ 24

خذوا هذه الواو واجعلوها هاهنا ج 1/ 156

خذيها واشترطي لهم الولاء، فانّما الولاء لمن أعتق ج 3/ 196

خلق اللَّه التربة يوم السبت ج 2/ 479، 484

دعانا رجل من الانصار قبل أنْ تحرم الخمر، فتقدّم عبدالرحمن ج 2/ 501

دعوه؛ فمن يك فيه خير فسيلحقه اللَّه بكم ج 3/ 474

ذاك أخوك ابليس، وصدقك أنّ القاتل والمقتول منهم في النار ج 1/ 436

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 531

ذاك من خير البريّة، ولا يشكّ فيه الّا كافر ج 2/ 145

ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبداللَّه (ع) فقال أبو عبداللَّه (ع): ج 1/ 403

رآه بقلبه ولم يره بعينه ج 2/ 48

رأيت رسول اللَّه (ص) ضرب فخذ علي بن أبي طالب وصدره ج 2/ 143

رأي رجلًا يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطاناً ج 3/ 19

رحم اللَّه أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده ج 3/ 475

رحم اللَّه عليّاً، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار ج 2/ 88، 93

رحمة اللَّه علي خلفائي ج 3/ 258

سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: أكون اصلّي فتمرّ بي الجارية ج 3/ 306

سألت رسول اللَّه: ما الايمان؟ قال: معرفة بالقلب واقرار باللّسان ج 1/ 24

سألت عليّ بن أبي طالب: لم لم يكتب

في براءة بسم اللَّه الرحمن الرحيم ج 1/ 118

سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ج 2/ 119

ستفتح عليكم الآفاق، وستفتح عليكم مدينة يقال لها قزوين ج 3/ 44

ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم ج 3/ 191

ستكون فتنة، يكون القاعد فيها خيراً من القائم ج 2/ 74

سيصيبك بعدي بلاء ج 3/ 475

سيكون بين يدي السّاعة فرقة واختلاف، فيكون هذا- مشيراً الي عليّ ج 2/ 94

سيكون من بعدي فتنة، فاذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ج 2/ 89

شاهداك أو يمينه ج 3/ 342

شرار العلماء الذين يأتون الامراء، وخيار الامراء الذين يأتون العلماء ج 2/ 273

شيطان يتبع شيطانه ج 3/ 17

صدق أبوبكر ج 2/ 504

صنفان من امّتي لعنهم اللَّه علي لسان سبعين نبيّاً: القدريّة والمرجئة ج 2/ 226

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 532

صنفان من امّتي ليس لهما في الاسلام نصيب: المرجئة والقدرية ج 3/ 18

ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك الّا من بعدي ج 3/ 484

طيّبت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ثمّ طاف علي نسائه بعد ذلك ج 3/ 159

عارية مضمونة ج 3/ 228

عبادتي عند عبادة جدّي كعبادة جدّي عند عبادة رسول اللَّه (ص) ج 2/ 439

علماء الارض ثلاثة ج 1/ 17

علي الاحداث في الدين ج 3/ 450

عليٌّ امام البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله ج 2/ 143

علي أخي ووزيري ووارثي ج 1/ 419

عليّ أعلم الناس بالسنّة ج 1/ 15

علي باب حطّة، من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً ج 2/ 69

علي بن أبي طالب باب حطّة فمن دخل منه كان مؤمناً ج 2/ 142

عليّ مع القرآن والقرآن مع علي، لا يفترقان حتّي يردا عليَّ الحوض

ج 2/ 92

علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتّي يردا علي الحوض ج 2/ 90، 93

عليَّ نذر أنْ لا اكلّم ابن الزبير أبداً ج 2/ 150

عن ابن عبّاس رضي اللَّه عنه في قوله (يمحو اللَّه ما يشاء ويثبت) قال: … ج 1/ 233

عن ابن عبّاس (يمحو اللَّه ما يشاء ويثبت) قال: من أحد الكتابين ج 1/ 238

فأملي عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف ج 1/ 419

فمن يكفر بالطّاغوت ج 3/ 441

قتلوا بما قتلوا من شيعتي وعمّالي بلا ذنب كان منهم اليهم ج 2/ 130

قد أحسنتم وأجملتم، أري شيئاً من لحن ج 1/ 143

قد شهدت اللّعن ولم أشهد الاستغفار ج 2/ 105

قد عرفنا اللَّه والرسول، فمن أولوا الامرالذين قرن اللَّه طاعتهم بطاعتك؟ … ج 1/ 186

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 533

قرأت سورة الاحزاب علي النّبيّ، فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها ج 1/ 116

قلت لابن عبّاس: سورة التّوبة. قال: التّوبة! بل هي الفاضحة ج 1/ 119

كان المسلمون لا ينظرون الي أبي سفيان ولا يقاعدونه ج 2/ 476

كان أهل الجاهليّة يقولون: الطيرة في المرأة والدّار والدّابّة ج 2/ 187

كانت سورة الاحزاب تقرء في زمان النّبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم مائتي آية ج 1/ 116

كانت سورة الاحزاب مثل سورة البقرة أو أطول، وكانت فيها آية الرّجم ج 1/ 116

كان رسول اللَّه اذا أراد أن يحرم، تطيّب بأطيب ما يجد ج 3/ 159

كان عليّ علي الحق، من اتّبعه اتّبع الحق ومن تركه ترك الحق ج 2/ 89

كان عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر لا يرضيان أن يعصي اللَّه ج 1/ 403

كان فيمن قبلكم رجل يأتي وكر طائر كلّما أفرخ يأخذ فرخه ج 1/

245

كان مع أميرالمؤمنين عليه السلام خمسة نفر من قريش ج 1/ 403

كأنّي باحداكنّ قد نبحها كلاب الحوأب، وايّاك أن تكوني هي ج 2/ 117

كأنّي قد دعيت فأجبت، وانّي قد تركت فيكم الثقلين ج 1/ 13

كأيّن تعدّ سورة الاحزاب؟ ج 1/ 115

كتاب اللَّه فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم ج 1/ 12

كتبها الكاتب وهو ناعس ج 1/ 154

كثير النوا وسالم بن أبي حفصة وأبو الجارود كذّابون مكذّبون كفّار ج 2/ 8

كذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك ج 2/ 142

كنّا في زمن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم لا نعدل بأبي بكر أحداً ج 2/ 451

كنّا نتحدّث أنّ أقضي أهل المدينة علي ج 1/ 15

كنّا نعدّك من خيار بني عبدالمطّلب، حتّي بلغ ابنك السوء ففرّق بيننا ج 2/ 135

كنّا نعرف المنافقين ببغضهم عليّاً ج 2/ 142

كنّا نقرأ سورة نشبّهها باحدي المسبّحات ج 1/ 118

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 534

كنّا نقرأ سورة نشبّهها في الطّول والشدّة ببراءة فأنسيتها ج 1/ 117

كنت أطيّب رسول اللَّه ثمّ يطوف علي نسائه ج 3/ 159

كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين ج 1/ 262

كيف أنتم اذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم ج 1/ 194

كيف بك اذا أخرجوك من المدينة؟ ج 3/ 471

كيف بك اذا نبحتك كلاب الحوأب؟ ج 2/ 118

لا أبقاني اللَّه بعدك يا أباالحسن، أشهد أنّك وارث علم رسول اللَّه ج 3/ 485

لا أبقاني اللَّه بعدك يا علي ج 1/ 15

لا تخونوا اللَّه ورسوله ج 2/ 397

لا تُصرّوا الابل والغنم ج 3/ 356

لا تضرّك الفتنة ج 3/ 192

لا تظهر الشماتة لاخيك فيرحمه اللَّه ويبتليك ج 3/ 19

لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء أو لتماروا به السفهاء ج 3/ 259

لا

تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ج 3/ 259

لا تغيّروها فانّ العرب ستغيّرها- أو قال: ستعربها- بألسنتها ج 1/ 144

لا تقطعوا اللّحم بالسكّين ج 3/ 12

لا تقولوا في عثمان الّا خيراً ج 1/ 159

لا تقيسوا الدين فانّ الدين لا يقاس، وأوّل من قاس ابليس ج 3/ 316

لا تنقضي الدنيا حتّي يملك العرب رجل من أهل بيتي ج 1/ 194

لا تنكح الايّم حتّي تُستأمر ج 3/ 343

لا تؤذوا الاحياء بسبب الاموات، واللَّه عزّ وجلّ يقول: (انّ الذين يؤذون اللَّه ج 1/ 304

لا حليم الّا ذو عثرة، ولا حكيم الّا ذو تجربة ج 3/ 19

لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ج 3/ 228

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 535

لُاقرّنّ عينك بتفسيرها، ولُاقرّنّ عين امّتي بعدي بتفسيرها ج 1/ 235

لا نسلّم علي أصحاب النردشير والشطرنج ج 2/ 232

لا نورّث ما تركناه صدقة ج 2/ 436- ج 3/ 194

لانْ يمسّ أحدكم جمراً حتّي يطفي ء خير له من أن يمسّها ج 3/ 282

لا وضوء علي من نام قائماً أو قاعداً ج 2/ 240

لا يبرمنّ أحدٌ منكم أمراً حتّي يشاور ج 3/ 101

لا يبغض عليّاً مؤمن ولا يحبّه منافق ج 2/ 142

لا يحبّ عليّاً منافق ولا يبغضه مؤمن ج 2/ 142

لا يدخل الجنّة ولد الزنا ولا ولده ولا ولد ولده ج 1/ 374، 375

لا يزداد الامر الّا شدّة، ولا الدنيا الّا ادباراً ج 3/ 50

لا يقولنّ أحدكم قد أخذت القرآن كلّه ج 1/ 115

لا يمشي أحدكم في نعلٍ واحدٍ ج 2/ 186

لا ينبغي لقومٍ فيهم أبوبكر أن يؤمّهم غيره ج 2/ 495

لا ينفع الحذر من القدر، ولكن اللَّه يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر ج 1/ 236

لا

يؤنسنّك الّا الحقّ ولايوحشنّك الّا الباطل ج 3/ 479

لرباط يوم في اللَّه من وراء عورة المسلمين محتسباً من غير شهر رمضان ج 3/ 44

لعن اللَّه الخمر، واللَّه لا أشرب شيئاً يذهب بعقلي ج 2/ 503

لعن المؤمن كقتله ج 2/ 156

لك في الجنّة أحسن منها ج 3/ 483

لكلّ امّة مجوس، ومجوس هذه الامّة الذين يقولون لا قدر ج 2/ 224

لكلّ أحد منزل في الجنّة ومنزل في النّار ج 1/ 365

للسائل حقّ وان جاء علي فرس ج 3/ 17

للَّه تبارك وتعالي لوح ينظر فيه في كلّ يوم ثلاثمائة وستّين نظرة يرحم ج 3/ 282

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 536

لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين ج 1/ 306

لم أزل أُنقل من أصلاب الطاهرين الي أرحام الطاهرات ج 1/ 308

لم يبعث اللَّه نبيّاً آدم ومن بعده الّا أخذ عليه العهد في محمّد ج 1/ 160

لم يزل أمر بني اسرائيل معتدلًا حتّي نشأ فيهم المولودون ج 3/ 318

لم يكذب ابراهيم النبي قط الّا ثلاث كذبات ج 2/ 422

لو أنّ الملائكة المقرّبين والانبياء المرسلين اجتمعوا علي بغضه ج 3/ 455

لو أنّ عبداً عَبَدَ اللَّه مثل ما أقام نوح في قومه، وكان له مثل احد ذهباً ج 2/ 144

لو علم النّاس ما في القول بالبداء من الاجر ما فتروا عن الكلام فيه ج 1/ 231

لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف ج 1/ 144

لو كان المملي من هُذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا ج 1/ 143

لولا آية في كتاب اللَّه لاخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن ج 1/ 239

لولا آية في كتاب اللَّه لانبأتك بما هو كائن الي يوم القيامة

ج 1/ 239

لولا آية في كتاب اللَّه لحدّثتكم بما يكون الي يوم القيامة ج 1/ 240

لولا أن تقول فيك طوائف من امّتي ما قالت النصاري في المسيح ج 2/ 95

لولا أن عمر نهي عن المتعة ما زنا الّا شقي ج 3/ 201

لولا علي لهلك عمر ج 1/ 15

لو لم يبق من الدنيا الّا يوم واحد لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتّي يبعث ج 1/ 194

لو لم يبق من الدهر الّا يوم لبعث اللَّه رجلًا من أهل بيتي يملؤها عدلًا ج 1/ 193

لو ملكت كما ملكوا لصنعت بمصحفهم مثل الذي صنعوا بمصحفي ج 1/ 166

ليت شعري أيّتكنّ تنبحها كلاب الحوأب ج 2/ 116

ليت شعري أيّتكنّ صاحبة الجمل الادبب ج 2/ 115

ليجيئنّ أقوام من امّتي بمثل الجبال ذنوباً فيغفرها اللَّه لهم ج 1/ 360

ليجيئنّ قوم من أصحابي ج 3/ 413

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 537

ليختلج قوم من أصحابي دوني وأنا علي الحوض ج 3/ 404

ليذادنّ رجال من أصحابي يوم القيامة عن حوضي ج 1/ 395

ليس في جنّة عدنٍ منزل أفضل ولا أشرف ولا أقرب من العرش من ج 1/ 418

ليس في مسّ الذكر وضوء واجب أو نقض وضوء ج 3/ 301

ليس يعذّب في القبر كلّ ميّت، وانّما يعذّب من جملتهم من محّض الكفر ج 1/ 270

ليضربنّكم رجل علي تأويل القرآن كما ضربتكم علي تنزيله ج 2/ 86

ليكوننَّ من امّتي قوم يستحلّون الحرير والخمر والمعازف ج 2/ 456

ليلة اسري برسول اللَّه (ص) من مسجد الكعبة، انّه جاءه ثلاثة نفر ج 2/ 459

لينهض كلّ رجل الي كفوه، ونهض رسول اللَّه (ص) الي عثمان ج 3/ 100

ما ابالي أمسست ذكري أو طرف اذني ج 3/ 284

ما ابالي مسسته أم

مسست أنفي ج 3/ 297

ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذر ج 3/ 439

ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي ج 3/ 176

ما تقرؤون ثلثها. يعني سورة التوبة ج 1/ 119

ما تقرؤون ربعها. يعني براءة ج 1/ 118

ما خلت الارض من بعد نوح من شعبة يدفع اللَّه بهم عن أهل الارض ج 1/ 310

ما دعا عبدٌ قط بهذه الدعوات الّا وسّع اللَّه عليه في معيشته ج 1/ 237

ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّي نشأ له عبداللَّه ج 2/ 135

ما عبد اللَّه بمثل البداء ج 1/ 231

ما عُظِّم اللَّه بمثل البداء ج 1/ 231

ما فرغ من تنزيل براءة حتّي ظننّا أنّه لم يبق منّا أحد الّا تنزل فيه ج 1/ 119

ما من أمرٍ يختلف فيه اثنان الّا وله أصلٌ في كتاب اللَّه عزّ وجلّ ج 1/ 12

ما من أهل بيتٍ الّا ومنهم نجيب من أنفسهم، وأنجب النجباء من أهل بيت ج 1/ 404

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 538

ما من شي ء الّا وفيه كتاب أو سنّة ج 1/ 12

ما منعك أن تخرجي معنا؟ ج 3/ 158

ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ ج 3/ 157

ما من نبيّ بعثه اللَّه في امّةٍ قبلي الّا كان له من امّته حواريّون ج 2/ 42

ما وجدتم في كتاب اللَّه عزّ وجلّ، فالعمل لكم به لا عذر لكم في تركه ج 1/ 394

ما يبغض عليّاً الّا كافر ج 2/ 145

ما يمنعكم من الكتاب؟ انّكم لن تحفظوا حتّي تكتبوا ج 1/ 26

مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ج 2/ 81

محبّك محبّي ومبغضك مبغضي ج 2/ 142

مرحباً برسول اللَّه، انّي امرأة مصبية، وليس أحد من أوليائي

حاضراً ج 1/ 410

مع أيّ الفريقين قاتلت فقتلت، ففي لظي ج 2/ 165

ملعون من لعب الشطرنج ج 3/ 281

ملعون من لعب بالشطرنج ج 2/ 231

ممّن أنت؟ قلت: من أهل العراق. قال: من أيّهم؟ … ج 1/ 164

من آذي عليّاً فقد آذاني ج 2/ 82، 143

من ابتغي العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء ج 3/ 259

من أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ اللَّه ج 2/ 143

من أخذ برأيه وكّل الي نفسه ج 3/ 321

من أطاعني فقد أطاع اللَّه عزّ وجلّ، ومن عصاني فقد عصي اللَّه ج 2/ 92

من أطاعني فقد أطاع اللَّه، ومن عصاني فقد عصي اللَّه، ومن أطاع عليّاً ج 2/ 82

من أطعم شارب الخمر لقمة سلّط اللَّه علي جسده حيّة وعقرباً ج 2/ 511

من بكَّر وابتكر ج 3/ 183

من تعلّم العلم لغير اللَّه فليتبوّأ مقعده من النّار ج 3/ 259

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 539

من تعلّم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء ج 3/ 259

من تعلّم العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء ج 3/ 259

من تعلّم صرف الكلام ليسبي به قلوب الناس ج 3/ 259

من تعلّم علماً ممّا يبتغي به وجه اللَّه ج 3/ 259

من تكلّم بالفارسيّة زادت في خبّه ونقصت من مروّته ج 3/ 100

من تكلّم في الدّين برأيه فقد اتّهمني ج 3/ 320

من حسد عليّاً فقد حسدني، ومن حسدني فقد كفر ج 2/ 143

من روي حديثاً يري أنّه كذب فهو أحد الكاذبين ج 3/ 263

من روي عنّي حديثاً يري أنّه كذب فهو أحد الكاذبين ج 2/ 229

من سبّ عليّاً فقد سبّني ج 2/ 120

من سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ

اللَّه تعالي ج 2/ 120

من شغله القرآن عن ذكري ج 3/ 18

من طلب علماً ليباهي به الناس فهو في النّار ج 3/ 260

من طلب قضاء المسلمين حتّي يناله ثمّ غلب عدله جوره، فله النار ج 2/ 64

من عزّي مصاباً فله مثل أجره ج 3/ 18، 42

من فارق عليّاً فارقني، ومن فارقني فارق اللَّه ج 2/ 92

من فارقك يا علي فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق اللَّه ج 2/ 92

من فارقني فقد فارق اللَّه ومن فارقك فقد فارقني ج 2/ 82

من قال في ديننا برأيه فاقتلوه ج 3/ 319

من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ج 3/ 41

من كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النّار ج 2/ 98

من كنت مولاه فعلي مولاه ج 2/ 174

من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ج 2/ 180

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 540

من لعب بالميسر ثمّ قام يصلّي، فمثله مثل الذي يتوضّأ بالقيح ج 2/ 232

من مات مريضاً مات شهيداً ووقّي فتنة القبر ج 3/ 43

من وعده اللَّه تعالي علي عمله ثواباً فهو منجز له ومن أوعده علي عمله ج 3/ 432

من وكّل الي نفسه أخذ برأيه ج 3/ 321

من يعمل سوء يجز به في الدنيا أو في الآخرة ج 2/ 165

موت الفجأة تخفيف علي المؤمنين وسخطة علي الكافرين ج 3/ 145

نحن ولد عبدالمطّلب سادة أهل الجنّة: أنا وحمزة وجعفر وعليّ و … ج 1/ 194

نزل نبيّ من الانبياء تحت شجرة، فلدغته نملة ج 2/ 423

نظر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم الي عليّ بن أبي طالب ج 2/ 143

نعم الجمل جملكما ونعم الراكبان أنتما ج 3/ 468

نعم الراكب هو ج 3/ 468

والذي بعثني بالنبوّة واصطفاني علي

جميع البريّة ج 3/ 447

والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، انّه لعهد النبي الامّي صلّي اللَّه عليه وسلّم ج 2/ 142

والذي لا اله غيره لو بايعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنّة أكتعين ج 3/ 499

واللَّه انّه لرأي رأيته وأخطأ رأيي، انّ علي بن أبي طالب اعطي ثلاثاً ج 2/ 78

واللَّه لان اقتل خارجاً منها بشبر أحبُّ اليَّ من أن اقتل فيها ج 2/ 138

واللَّه، لقد اعطي عليّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ج 1/ 15

وانّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها في الطّول والشّدّة ببراءة ج 1/ 117

وانّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها لتذكّركم زيارتها خيراً ج 1/ 299

وأمّا السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء ج 3/ 225

وصلتك رحم وجزاك اللَّه خيراً ج 2/ 468

وكّلني رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بحفظ زكاة رمضان ج 1/ 440

وكيف تأمرونني أن أقرأ علي قرائة زيد بن ثابت ج 1/ 162

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 541

ولا مهدي الّا عيسي بن مريم ج 3/ 50

وما يشكّ فيه الّا كافر أو منافق ج 2/ 145

ومن زعم أنّ محمداً رأي ربّه فقد أعظم الفرية علي اللَّه ج 2/ 46

وهل هو الّا بضعة- أو مضغة- منك ج 3/ 290

ويل للناس منك وويل لك من النّاس ج 2/ 159

هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره ومخذول من خذله ج 2/ 80

هل رأي محمّد ربّه؟ فقال: ج 2/ 45

هل رأي محمّد ربّه؟ فقال: رآه رآه رآه، حتّي انقطع صوته ج 2/ 45

هل نفعت أباطالب بشي ءٍ، فانّه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم ج 2/ 467

هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً؟ ثمّ قال: انّهم الآن يسمعون ما أقول ج 3/ 146

هو أعلم من بقي بالمناسك

ج 1/ 16

هو خاصف النعل بالحجرة ج 2/ 87

هو خطأ من الكاتب انّما هو تستأذنوا وتسلّموا ج 1/ 153

هو غلط من الكاتب ج 1/ 160

هي خطأ من الكاتب، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة … ج 1/ 157

هي خطأ من الكتّاب ج 1/ 160

هؤلاء حفّاظ الدين وامناء أبي علي حلاله وحرامه ج 1/ 42

يا ابن أخي هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتاب ج 1/ 150

يا ابن عبّاس، عليك بعليّ، فانّ الحقّ علي لسانه ج 3/ 488

يا ابن عبّاس عليك بعليّ فانّ الحقّ علي لسانه وانّ النفاق يجانبه ج 2/ 96

يا ام سلمة، هذا- واللَّه- قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي ج 2/ 83

يا أبا بكر، أفي كتاب اللَّه أن ترثك ابنتك ولا أرث أبي؟ ج 3/ 195

يا أبا حنيفة، بلغني أنّك تقيس، لا تفعل، فانّ أوّل من قاس ابليس ج 3/ 315

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 542

يا أباذر، وكيف أنت اذا قيل لك أي البلاد أحب اليك أن تكون فيها؟ ج 3/ 440

يا أنس، انظر من علي الباب؟ فقلت: اللّهمّ اجعله رجلًا من الانصار ج 2/ 176

يا أيّها الناس عليكم بالسكينة ج 3/ 163

يا بريدة أتبغض عليّاً؟ فقلت: نعم. قال: لا تبغضه ج 2/ 389

يا بلال قم فناد بالصّلاة ج 2/ 472

يا بنيّة، أنت المظلومة بعدي وأنت المستضعفة بعدي ج 3/ 454

يا حميراء: لا تجزعي منها، فان وَيْسَك وويحك رحمة ج 3/ 47

يا سليم، انّ أوصيائي أحد عشر رجلًا من ولدي، أئمّة هداة مهديون ج 1/ 419

يا عبّاس يا عم، ألا اعطيك، ألا أمنحك، ألا أحبوك، ألا أفعل بك عشر خصال ج 3/ 11

يا علي! انّ الحقّ معك والحقّ علي

لسانك وفي قلبك وبين عينيك ج 2/ 90

يا علي، انّ أصحاب موسي اتّخذوا بعده عجلًا وخالفوا خليفته ج 3/ 454

يا علي، أنت المظلوم بعدي ج 3/ 455

يا علي، بخ بخ، من مثلك والملائكة تشتاق اليك والجنّة لك ج 3/ 488

يا علي، طوبي لمن أحبّك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك ج 2/ 143

يا علي لو أنّ امّتي أبغضوك، لكبّهم اللَّه علي مناخرهم في النّار ج 2/ 144

يا علي من فارقني فقد فارق اللَّه، ومن فارقك يا علي فقد فارقني ج 2/ 93

يا عليُّ! هذا عهد ربّي تبارك وتعالي اليَّ وشرطه عليَّ وأمانته ج 3/ 457

يا عمّار! ان رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره ج 2/ 91

يا معشر المسلمين أُعزل عن نسخ المصاحف و يتولّاها رجل- واللَّه- ج 1/ 162

يأتي علي الناس زمان الصابر علي دينه كالقابض علي الجمر ج 2/ 490

يأتي علي الناس زمان يلعبون بها ج 3/ 282

يأتي علي الناس زمانٌ يلعبون بها، ولا يلعب بها الّا كلّ جبّار ج 2/ 232

يأتي عليك مع امداد أهل اليمن أويس بن عامر من مراد ثمّ قرن ج 1/ 196

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 543

يبعث اللَّه العلماء فيقول: انّي لم أضع علمي فيكم الّا لعلمي بكم ج 3/ 101

يجي ء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها اللَّه ج 1/ 363

يرحم اللَّه عمر، واللَّه ما حدّث رسول اللَّه انّ اللَّه ليعذّب المؤمن ببكاء ج 3/ 144

يعمل هذه الامّة برهة بالرأي، فاذا فعلوا ذلك فقد ضلّوا ج 3/ 320

يكون بين الناس فرقة واختلاف، فيكون هذا وأصحابه علي الحق ج 2/ 89

يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد ج 3/ 19

يكونون قدرية

ثمّ يكونون زنادقة ثمّ يكونون مجوساً ج 3/ 14

يلقي ابراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلي وجه آزر قترة وغبرة ج 3/ 424

يلقي ابراهيم أباه فيقول: يا رب انّك وعدتني ألّا تخزني يوم يبعثون ج 2/ 413

يلي رجل من أهل بيتي يواطي ء اسمه اسمي ج 1/ 194

ينادي منادٍ يوم القيامة من تحت العرش ج 3/ 491

ينادي يوم القيامة لعليّ بن أبي طالب أربعة مناد ويسمّونه بأربعة أسماء ج 3/ 489

ينزل اللَّه تعالي في آخر ثلاث ساعات يبقين من اللّيل ج 1/ 234

يوشك أن تبقي حتّي تلقي ولداً لي من الحسين يقال له محمّد ج 1/ 20

يوم الخميس وما يوم الخميس ج 1/ 38

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 545

فهرس الأشعار … ص: 545

آمين آمين لا أرضي بواحدة حتّي اضيف إليها ألف آمينا ج 1/ 101

اخترت عاراً علي نار مؤجّجة أنّي يقوم لها خلق من الطّين ج 2/ 133

إذا وعد السرّاء أنجز وعده وإن أوعد الضرّاء فالعفو مانعه ج 3/ 432

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها واغتيل أهلك لمّا اغتالك الترب ج 3/ 483

إنّ السري إذا سري فبنفسه وابن السرّي إذا سري أسراهما ج 1/ 103

إنّي اجِلّ قدرك أن اسمي مؤنته ومن كناك فقد سماك للعرب ج 1/ 199

إنّي لأكتم من علمي جواهره كي لا يري الحقّ ذوجهل فيفتننا ج 2/ 377

أضربكم ولو أري عليّاً عمّمته أبيض مشرفيّا ج 2/ 128

ألم تر أنّ اللَّه أعطاك سورة تري كلّ ملك دونها يتذبذب ج 1/ 279

أمرتهم أمري بمنعرج اللّوي فلم تبيّنوا الرشد إلّاضحي الغد ج 2/ 103

تحيّي بالسلامة ام بكر وهل لك بعد رهطك من سلام ج 2/ 503

ترك الامور التي يخشي عواقبها للَّه أجمل في الدنيا وفي الدين ج 2/ 133

خرقة

خرقة ترقَّ عين بقّة ج 3/ 467

دين النبيّ محمّد آثار نعم المطيّة للفتي الأخبار ج 3/ 358

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 546

سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس ج 3/ 274

فالشبل من ذاك الهِزَبر وإنّما تلد الاسود الضاريات اسودا ج 1/ 84

فجاءت كسن الظبي لم أر مثلها سناء فتيل أو حلوبة جائع ج 3/ 355

فلا تعدل بأهل البيت خلقاً فأهل البيت هم أهل السعاده ج 2/ 397

فلعنة ربّنا أعداد رملٍ علي من ردّ قول أبي حنيفة ج 3/ 389

فليس حياة الدين بالسيف والقنا فأقلام أهل العلم أمضي من السيف ج 1/ 98

فهذا الخلف الحجّة قد أيّده اللَّه هداه منهج الحقّ وآتاه سجاياه ج 1/ 192

قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكبر النوب ج 3/ 483

قسيم النار والجنّة عليٌّ سيّد الامّة ج 3/ 489

لا تغفلنّ عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهار ج 3/ 358

لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني ج 3/ 466

لقد نطحناهم غداة الجمعين نطحاً شديداً لا كنطح الصورين ج 1/ 275

لمّا أتي خبر الزبير تواضعت سور المدينة ج 1/ 273

لم أر كاليوم أخا خوان أعجب من مكفّر الأيمان ج 2/ 134

لم تزل في ضمائر الكون تختار لك الامّهات والآباء ج 1/ 310

لو شهدت جمل مقامي ومشهدي بصفّين يوم شاب منها الذوائب ج 2/ 206

لولا ابن جعدة لم يفتح قهندركم ولا خراسان حتّي ينفخ الصور ج 1/ 268

ما آن للسّرداب أن يلد الذي كلّمتموه بجهلكم ما آنا ج 1/ 204

وإنّي إذا أوعدته أو وعدته لمخلف ميعادي ومنجز موعدي ج 3/ 432

وإن يك سيّرها مصعب فإنّي إلي مصعب متعب ج 2/

171

وفي حشوٍ مات كسوفان أظلما هما جهة وأحرف حاشا ابن حنبل ج 3/ 394

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 547

وقد رزينا بما لم يرزه أحد من البريّة لا عجم ولا عرب ج 3/ 483

وكاين بالقليب قليب بدر من الفتيان والشرب الكرام ج 2/ 507

ولربّما غلط الفتي سبل الهدي والشمس واضحة لها أنوار ج 3/ 358

ومن قوم إذا ذكروا عليّاً يفصّلون الصّلاة علي السحاب ج 2/ 295

هذي المزايا بعض ما حُلّي بها وحُبِي من الخيرات والبركات ج 2/ 441

هو البحر لا بل دون ما علمه البحر هو البدر لا بل دون طلعته البدر ج 1/ 84

يالك من قنبرة بمعمر خلا لك الجوّ فبيضي واصفري ج 2/ 139، 141

يخبرنا رسول اللَّه بأن سنحيي فكيف حياة أصلاء وهام ج 2/ 504

يعتق مكحولًا لصون دينه كفّارة للَّه عن يمينه ج 2/ 134

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 549

فهرس الأعلام المترجمين … ص: 549

ابان بن أبي عياش فيروز ج 1/ 427

ابراهيم بن بشار ج 3/ 77

ابراهيم بن عمر الصنعاني ج 1/ 430

ابراهيم بن محمّد الأسلمي ج 3/ 78

ابراهيم بن مهاجر ج 1/ 382

ابن أبي حازم ج 3/ 173

ابن أبي داود السجستاني ج 2/ 330

ابن أبي ذئب ج 3/ 172

ابن أبي شيبة ج 2/ 270

ابن الجزري الشافعي ج 2/ 394

ابن شهاب الزّهري ج 2/ 271

ابن شهرآشوب السروي ج 1/ 50

ابن عبدالبر ج 2/ 68

ابن عساكر ج 2/ 105

ابن معين ج 3/ 264

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 550

ابو إسرائيل الملائي ج 1/ 382

ابوالخطّاب عمر بن الحسن ابن دحية ج 2/ 391

ابوالعالية ج 2/ 239

ابوالفتح الكراجكي ج 1/ 49

ابوالفتح محمّد بن عبدالكريم بن أحمد الشهرستاني ج 1/ 210

ابو الفرج ابن الجوزي الحنبلي ج 1/

414

ابوالوليد أحمد بن عبدالرحمن البسري ج 3/ 81

ابو برزة الأسلمي ج 2/ 159

ابو بكر ابن أبي عاصم ج 3/ 373

ابو جعفر ابن بابويه ج 1/ 47

ابو جعفر الطوسي ج 1/ 49

ابو جعفر الكليني ج 1/ 46

ابو حفص ابن شاهين ج 2/ 13

ابو حمزة الثمالي ج 1/ 39

ابو حنيفة النعمان بن ثابت ج 3/ 205

ابو داود السجستاني ج 3/ 7

ابو سالم محمّد بن طلحة بن محمّد القرشي العدوي الشافعي ج 1/ 201

ابو صالح باذام ج 2/ 278

ابو عبدالرحمن محمّد بن الحسين السلمي الصوفي ج 2/ 349

ابو موسي الأشعري ج 2/ 67

ابو هريرة ج 2/ 181

ابيّ بن كعب ج 2/ 55

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 551

احمد بن إسماعيل، أبو حذافة السهمي ج 3/ 80

احمد بن حنبل ج 3/ 269

احمد بن صالح، أبو جعفر، المصري ج 3/ 61

احمد بن عبدالرحمن بن وهب ج 3/ 80

احمد بن محمّد بن أيّوب صاحب المغازي ج 3/ 81

احمد بن محمّد بن عبد ربّه ج 2/ 122

اسحاق بن راهويه ج 2/ 262

اسد بن عمرو ج 3/ 70

اسماعيل بن أبي أويس ج 3/ 81

اسماعيل بن حمّاد بن النعمان بن ثابت الكوفي ج 3/ 254

اسماعيل بن عبدالرحمان بن أبي ذئب ج 2/ 290

الأصبغ بن نباته ج 1/ 37

انس بن مالك ج 2/ 174

ايّوب بن جابر بن سيّار ج 3/ 82

بهاء الدين العاملي ج 2/ 9

ثابت بن موسي الضبّي ج 3/ 83

ثوبان بن إبراهيم ج 3/ 60

جابان ج 1/ 382

جابر بن يزيد الجعفي ج 1/ 40

جبارة بن المغلس ج 3/ 83

جعفر بن الزبير ج 3/ 84

جعفر بن سعد بن سمرة ج 3/ 9

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 552

جعفر بن محمّد بن علي

ج 2/ 399

جمال الدين عطاء اللَّه ابن السيّد غياث الدين فضل اللَّه ج 1/ 187

جويبر بن سعيد ج 2/ 276

الحارث الهمداني ج 1/ 37

الحارث بن عمران ج 3/ 85

الحارث بن عمرو الثقفي ج 3/ 347

الحارث بن عمير البصري ج 3/ 86

الحاكم النّيسابوري ج 2/ 324

حبيب بن أبي حبيب المصري كاتب مالك بن أنس ج 3/ 86

الحسنُ البَصري ج 2/ 223

الحسن بن الحسين النوبختي ج 1/ 46

الحسن بن علي بن شبيب المعمري ج 3/ 73

الحسن بن عمارة الكوفي ج 3/ 87

الحسن بن محبوب السرّاد ج 1/ 45

الحسن بن مدرك الطحّان ج 3/ 88

حصين بن عمر الأحمسي ج 3/ 89

الحكم بن عبداللَّه، أبو مطيع البلخي ج 3/ 59

الحكم بن عبداللَّه بن خطّاف أبو سلمة ج 3/ 45

حمران بن أعين ج 1/ 43

حمزة بن أبي حمزة الجزري ج 3/ 89

حيدر علي الفيض آبادي ج 1/ 72، 73

خارجة بن مصعب ج 3/ 90

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 553

خالد بن عمرو القرشي ج 3/ 90

خالد بن يزيد الدمشقي ج 3/ 91

داود الزبرقاني الرقاشي ج 3/ 92

داود بن المحبر ج 3/ 93

داود بن علي بن خلف بن سليمان البغدادي الإصبهاني ج 3/ 373

الذهلي ج 2/ 380

روح بن عبادة ج 2/ 263

الزبير بن بكّار ج 3/ 67

زيد بن أسلم ج 2/ 247

زيد بن ثابت ج 2/ 59

السدّي الكبير ج 1/ 45- ج 2/ 290

السرّي بن إسماعيل الكوفي ج 3/ 94

سعد بن طريف الإسكاف ج 3/ 94

سعيد بن بشير ج 2/ 304

سعيد بن جبير ج 1/ 38

سعيد بن سنان الحمصي ج 3/ 95

سعيد بن عبدالجبّار الزبيدي ج 3/ 95

سفيان بن عيينة ج 2/ 254

سلم بن إبراهيم الوراق ج 3/ 96

سلم بن

عبدالرحمن النخعي ج 3/ 96

سليمان بن أبي كريمة ج 3/ 41

سليم بن قيس الهلالي ج 1/ 416

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 554

سُنيد بن داود ج 2/ 268

السيّد المرتضي ج 1/ 48

السيّد محمّد قلي ج 1/ 80

السيّد مير حامد حسين ج 1/ 79

السيّد ناصر حسين ج 1/ 103

سيف بن محمّد الكوفي ج 3/ 97

سيف بن هارون البرجمي ج 3/ 98

الشيخ المفيد ج 1/ 47

الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري ج 1/ 101

الشيخ نصيرالدين الطوسي ج 1/ 51

صالح بن أبي الأخضر ج 3/ 98

صبّاح بن محمّد البجلي ج 3/ 99

الضحّاك بن مزاحم ج 2/ 241

ضرار بن صرد ج 3/ 99

طلحة بن زيد ج 3/ 99

عامر بن صالح بن عبداللَّه ج 3/ 101

عباد بن راشد البصري ج 3/ 102

عباد بن كثير الثقفي ج 3/ 102

عبدالحق بن سيف الدين الدهلوي ج 1/ 184

عبدالرحمان بن محمّد بن إدريس، ابن أبي حاتم، الحنظلي الرازي ج 2/ 320

عبدالرحمن بن أحمد الجامي ج 1/ 183

عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ج 2/ 250

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 555

عبدالرحمن بن عبداللَّه بن عمر بن حفص ج 3/ 107

عبدالرحمن بن قيس الضبّي ج 3/ 108

عبدالرحمن بن هاني ج 3/ 108

عبدالرحيم بن زيد العمي ج 3/ 109

عبدالرحيم بن هارون الغساني ج 3/ 109

عبدالرزّاق بن همام ج 2/ 260

عبدالعزيز بن أبان ج 3/ 110

عبدالعزيز بن ماجشون ج 3/ 172

عبدالقادر بن محمّد بن محمّد ج 2/ 486

عبدالكريم بن أبي المخارق ج 1/ 382

عبدالكريم بن مالك الجزري ج 1/ 382

عبداللَّه بن إبراهيم الغفاري ج 3/ 103

عبداللَّه بن أبي أويس ج 3/ 107

عبداللَّه بن أبي نجيح ج 2/ 283

عبداللَّه بن الزبير ج 2/ 114

عبداللَّه بن خراش ج 3/

103

عبداللَّه بن زياد المخزومي ج 3/ 104

عبداللَّه بن سعيد المقبري ج 3/ 105

عبداللَّه بن شبرمة ج 3/ 352

عبداللَّه بن شريك العامري ج 3/ 105

عبداللَّه بن صالح أبو صالح كاتب الليث ج 3/ 106

عبداللَّه بن عمر ج 2/ 195

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 556

عبداللَّه بن عمرو بن العاص ج 2/ 205

عبداللَّه بن محمّد العدوي ج 3/ 106

عبداللَّه بن مسعود ج 2/ 31

عبداللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري ج 2/ 109، ج 3/ 69

عبداللَّه بن معاذ الصنعاني ج 3/ 106

عبدالملك الأصمعي ج 3/ 110

عبدالوهاب بن الضحاك الحمصي العرضي ج 3/ 47، 111

عبدالوهّاب بن علي الشعراني ج 1/ 176

عبدالوهّاب بن مجاهد ج 3/ 111

عبد بن حميد ج 2/ 266

عبيداللَّه بن زجر ج 3/ 112

عبيداللَّه بن عبدالكريم، أبو زرعة الرازي ج 2/ 365

عبيداللَّه بن محمّد العبيدي الفرغاني، الحنفي ج 3/ 358

عبيد بن القاسم الأسدي ج 3/ 112

عثمان بن أبي شيبة ج 2/ 307

عثمان بن عبدالرحمن ج 3/ 113

عثمان بن فائد ج 3/ 114

عطاء بن أبي رباح ج 2/ 231

عطاء بن أبي سلمة الخراساني ج 2/ 237

عطاء بن عجلان ج 3/ 114

عطيّة بن سعد العوفي ج 2/ 242

عطيّة بن سفيان الثقفي ج 3/ 115

عكرمة مولي ابن عبّاس ج 2/ 216، ج 3/ 115

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 557

العلّامة الحلّي ج 1/ 52

العلاء بن خالد الواسطي ج 3/ 115

العلاء بن زيد الثقفي ج 3/ 116

العلاء بن مسلمة بن عثمان ج 3/ 116

علي بن أبي طلحة ج 2/ 298

علي بن المجاهد الكابلي ج 3/ 117

علي بن المديني ج 2/ 364

علي بن عبداللَّه بن جعفر بن الحسن، الحافظ ج 2/ 364

علي بن محمّد المالكي المكي ج 1/ 191

عماد الدين

حفيد برهان الدين صاحب الهداية ج 2/ 41

عمارة بن جوين العبدي ج 3/ 117

عمر بن صبح الخراساني ج 3/ 119

عمر بن هارون البلخي ج 3/ 120

عمرو بن جابر أبو زرعة الحضرمي ج 3/ 121

عمرو بن خالد القرشي ج 3/ 121

عمرو بن واقد الدمشقي ج 3/ 122

عنبسة بن عبدالرحمن ج 3/ 123

عيسي بن أبان ج 2/ 192

عيسي بن ميمون ج 2/ 285

الفخر ابن الخطيب صاحب التصانيف ج 2/ 345

الفضل بن عيسي بن أبان الرقاشي ج 3/ 38

قاسم بن عبداللَّه بن عمر ج 3/ 123

قتادة بن دعامة السدوسي ج 2/ 244

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 558

القطّان ج 2/ 402

القفّال المروزي ج 3/ 210

كثير بن عبداللَّه بن عمرو ج 3/ 124

كميل بن زياد ج 1/ 38

ليث بن أبي سليم ج 2/ 280

مالك بن أنس ج 3/ 169

مبارك بن حسان ج 3/ 127

مبشّر بن عبيد الحمصي ج 3/ 131

مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني ج 2/ 399

مجاهد بن جبر ج 2/ 213

محمّد بن إبراهيم بن المنذر، أبوبكر النيسابوري ج 2/ 329

محمّد بن أحمد بن أيّوب بن الصّلت بن شنبوذ ج 2/ 55

محمّد بن إدريس أبو حاتم الرازي ج 2/ 373

محمّد بن إدريس الشافعي ج 3/ 263

محمّد بن إسحاق بن عكاشة ج 3/ 126

محمّد بن إسحاق صاحب السيرة ج 3/ 65

محمّد بن الحسن الهمداني ج 3/ 127

محمّد بن الحسن بن محمّد بن زياد بن هارون أبو بكر النقّاش ج 2/ 334

محمّد بن السّائب الكلبي ج 2/ 294

محمّد بن الفرات ج 3/ 125

محمّد بن الفضل بن عطيّة المروزي ج 3/ 130

محمّد بن بشّار- بندار ج 3/ 126

محمّد بن جرير الطبري ج 2/ 314

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص:

559

محمّد بن حسن بن زبالة ج 3/ 124

محمّد بن حميد بن حبان الرازي ج 3/ 128

محمّد بن خالد الواسطي ج 3/ 128

محمّد بن سعيد المصلوب ج 3/ 129

محمّد بن عبدالرحمن القشيري ج 3/ 125

محمّد بن عبداللَّه بن أبي سبره ج 3/ 130

محمّد بن عبداللَّه بن عبدالحكم ج 3/ 72

محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ج 3/ 66

محمّد بن عمر الواقدي ج 3/ 63

محمّد بن محمّد بن محمود البخاري المعروف بخواجة پارسا ج 1/ 182

محمّد بن مسلم ج 1/ 41

محمّد بن يزيد بن ماجة الربعي ج 3/ 35

محمّد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي ج 1/ 188

محمّد بن يوسف بن واقد، أبو عبداللَّه الفريابي ج 2/ 306

محيي الدين أبو محمّد بن أبي الوفا القرشي ج 2/ 486

مُرّة بن شراحيل ج 2/ 249

معاوية بن عمّار ج 1/ 42

معروف بن خرّبوذ ج 1/ 44

معلّي بن عبدالرحمن الواسطي ج 3/ 131

مقاتل بن حيّان ج 2/ 286

مقاتل بن سليمان ج 1/ 222- ج 2/ 288- ج 3/ 132

مقاتل بن سليمان الخراساني ج 1/ 222

موسي بن عبدالعزيز ج 3/ 12

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 560

الميرزا حسين النوري ج 1/ 99

مينا بن أبي مينا ج 3/ 132

نصر بن حمّاد الورّاق ج 3/ 132

نضر بن كثير، أبو سهل البصري ج 3/ 133

نعيم بن حمّاد ج 1/ 222- ج 3/ 66

نفيع بن الحارث النخعي، أبو داود الأعمي ج 3/ 133

نوح بن أبي مريم ج 3/ 135

نهشل بن سعيد الورداني ج 3/ 134

وكيع بن الجرّاح ج 2/ 258

وليّ اللَّه عبدالرحيم الدهلوي ج 1/ 203

الوليد بن عبداللَّه الهمداني ج 3/ 136

الوليد بن محمّد الموقري صاحب الزهري ج 3/ 136

هارون بن هارون ج 3/ 135

هبة اللَّه

بن الحسين بن هبة اللَّه بن رطبة السواري ج 3/ 371

هشام بن الحكم ج 1/ 41

يحيي بن العلاء البجلّي ج 3/ 137

يحيي بن عمرو بن مالك النكري ج 3/ 137

يزيد بن عياض ج 3/ 138

يعقوب بن الوليد ج 3/ 138

يوسف بن إبراهيم التميمي ج 3/ 139

يوسف بن عبداللَّه ج 2/ 68

يوسف سبط أبي الفرج ابن الجوزي ج 1/ 189، 414

يونس بن حباب الأسدي ج 3/ 139

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 561

فهرس مصادر الكتاب … ص: 561

1- آكام المرجان في أحكام الجان، للشبلي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408.

2- اتحاف الوري بأخبار امّ القري، لابن فهد المكّي.

3- الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، منشورات مكتبة الشريف الرضي، قم 1363 ه. ش.

4- الاحتجاج علي أهل اللجاج، للطبرسي، مطبعة الباقري، قم، 1413.

5- احسن الوديعة في تراجم أشهر مشاهير الشيعة، للسيد محمد مهدي الإصفهاني، النجف الأشرف.

6- احكام القرآن، لأبي بكر الجصّاص، دار الفكر، بيروت.

7- احياء علوم الدين، للغزالي، دار الندوة الجديدة، بيروت.

8- اخبار أصبهان، لأبي نعيم الإصفهاني، ليدن 1934 م.

9- اختيار معرفة الرجال/ رجال الكشي، للشيخ الطوسي، جامعة الإلهيات والمعارف الإسلامية، مشهد، إيران.

10- الأربعين في إمامة أمير المؤمنين، لجمال الدين المحدّث الشيرازي، مطبعة الأمير 1418.

11- ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري، لشهاب الدين القسطلاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

12- ازالة الخفا في سيرة الخلفا، لولي اللَّه الدهلوي، لاهور پاكستان 1396.

13- الإستذكار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، لابن عبد البر، مؤسّسة الرسالة، القاهرة، 1413.

14- الإستيعاب في معرفة الاصحاب، لابن عبد البر، دار الجيل، بيروت، 1412.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 562

15- اسد الغابة في معرفة الصّحابة، لابن الأثير، دار الفكر، بيروت، 1409.

16- اسرار التنزيل، للفخر الرازي، دار واسط، العراق.

17- الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة،

لعلي القاري، المكتب الإسلامي، بيروت 1406. اً

18- الأسماء والصفات، لأبي بكر البيهقي، دار الجيل، بيروت.

19- اسني المطالب بمناقب علي بن أبي طالب، لابن الجزري، مكتبة أمير المؤمنين (ع)، إصفهان.

20- الأشباه والنظائر، لابن نجيم، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406.

21- الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت.

22- الاصول، لشمس الدين السرخسي، دار المعرفة، بيروت.

23- اصول الفقه (متن كشف الأسرار)، للبزدوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418.

24- الأعلام، لخير الدين الزركلي، ار العلم للملايين، بيروت 1984 م.

25- الإعلام بسيرة النبي عليه السلام، للزرندي، مخطوط.

26- اعيان الشيعة، للسيد محسن الأمين العاملي، دار التعارف، بيروت 1403.

27- الاكتفاء في مناقب الخلفاء، للوصّابي اليمني، مخطوط.

28- الإكمال في الرجال، لابن ماكولا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411.

29- الإمامة والسياسة، لابن قتيبة، مؤسّسة الوفاء، بيروت، 1401.

30- انباء الغمر بأبناء العمر، لابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية 1406.

31- الأنساب، لأبي سعد السمعاني، دار الفكر، بيروت، 1419.

32- انساب الأشراف، للبلاذري، مؤسّسة الأعلمي، بيروت.

33- انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون/ السيرة الحلبية، لنور الدين الحلبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

34- الإنصاف في بيان سبب الاختلاف، لوليّ اللَّه الدهلوي، دار النفائس، بيروت 1414.

35- انوار التنزيل، تفسير، للبيضاوي البابي الحلبي، 1388.

36- الأوائل، لأبي هلال العسكري، دار الكتب العلمية، بيروت 1407.

37- بحر العلوم/ تفسير، لأبي الليث السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت 1413.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 563

38- بحار الأنوار من أخبار الأئمة الأطهار، للشيخ محمد باقر المجلسي، مؤسّسة الوفاء، بيروت 1403.

39- البحر الرائق في شرح كنز الدقائق، لابن نجيم، المطبعة العربية، لاهور.

40- البداية والنهاية، تاريخ، لابن كثير، دار الفكر، بيروت، 1402.

41- البدور السافرة عن امور الآخرة، للسيوطي، مؤسّسة الكتب الثقافية، بيروت 1411.

42- البرهان في تفسير القرآن،

للسيد هاشم البحراني، مؤسّسة البعثة، قم.

43- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي، دار الفكر، بيروت، 1399.

44- البيان في أخبار صاحب الزمان، للكنجي الشافعي، ط مع كفاية الطالب، دار إحياء تراث أهل البيت، طهران 1404.

45- تاج العروس في شرح القاموس للزبيدي، دار صادر، بيروت.

46- تاريخ الإسلام، للذهبي، دار الكتاب العربي، بيروت 1990 م.

47- تاريخ الامم والملوك، للطبري، دار سويدان، بيروت، 1387.

48- تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت.

49- تاريخ الخلفاء، للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408.

50- تاريخ الخميس، للديار بكري، مؤسّسة شعبان للنشر والتوزيع، بيروت.

51- تاريخ دمشق، لابن عساكر، دار الفكر، بيروت 1416.

52- التاريخ الصغير، للبخاري، دار المعرفة، بيروت، 1406.

53- التاريخ الكبير، للبخاري، دار الفكر العربي، بيروت 1407.

54- تاريخ الكوفة، للسيد حسين البراقي، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

55- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، للسيد حسن الصدر، الأعلمي، بيروت.

56- تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405.

57- تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، المكتبة العلمية، المدينة المنورة 1401، المكتبة العلمية، بيروت 1404.

58- تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق، للزيلعي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1420.

59- تحصيل الكمال/ أسماء رجال المشكاة، لعبد الحق الدهلوي، ط مع شرح استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 564

المشكاة، بالهند.

60- التحفة الاثني عشرية، لعبد العزيز الدهلوي، لاهور، پاكستان.

61- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت 1399.

62- تذكرة الحفاظ، للذهبي، دار احياء التراث العربي، بيروت.

63- تذكرة الموضوعات، لمحمد طاهر الهندي، دار إحياء التراث العربي، 1415.

64- تذكرة خواص الامّة في معرفة الأئمة، لسبط ابن الجوزي، مؤسّسة أهل البيت، بيروت، 1401.

65- التذكرة في أحوال الموتي وامور الآخرة، للقرطبي، دار الفكر، بيروت، 1405.

66- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، للمنذري، دار الفكر، بيروت،

1401.

67- تصحيح الاعتقاد، للشيخ المفيد البغدادي، (ضمن مصنفات الشيخ المفيد) المؤتمر العالمي، قم 1413.

68- تطهير الجنان واللسان، لابن حجر المكّي، شركة الطباعة الفنية، القاهرة 1385.

69- التفسير لعلي بن إبراهيم القمي، دار الكتاب، قم 1404.

70- التفسير المنسوب إلي الإمام العسكري، مدرسة الامام المهدي (ع)، قم.

71- تفسير الجلالين، مصطفي البابي الحلبي، مصر، 1388.

72- تفسير القرآن، للعيّاشي، المكتبة العلمية الاسلامية، طهران.

73- تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، دار طيبة، الرياض، 1418.

74- تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، 1417.

75- التقييد والإيضاح لما اطلق أو اغلق من كتاب ابن الصّلاح، للزين العراقي، مؤسّسة الكتب الثقافية، بيروت 1418.

76- تكملة نجوم السماء، للكشميري، مكتبة البصيرتي، قم.

77- تلبيس إبليس، لابن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414.

78- التلويح في شرح التوضيح، دار الأرقم، بيروت، 1419.

79- التمهيد في بيان التوحيد، للكشي الحنفي، كابل، أفغانستان.

80- تنبيه الغافلين، دار ابن كثير، دمشق، 1415.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 565

81- تنزيه الأنبياء والأئمة، للسيد المرتضي الموسوي، مكتبة الشريف الرضي، قم.

82- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، لابن عرّاق الكناني، دار الكتب العلمية، بيروت 1401.

83- التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح، للبدر الزركشي، مكتبة الرشد 1424.

84- التوشيح في شرح الجامع الصحيح، للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت 1420.

85- تهافت الفلاسفة، للغزالي، دار المشرق، بيروت، 1990 م.

86- تهذيب الأحكام، للشيخ الطوسي، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1364.

87- تهذيب الأسماء واللغات، للنووي، دار الكتب العلمية، بيروت.

88- تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، دار الفكر بيروت، 1405.

89- تهذيب الكمال للمزي، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1405.

90- جامع الأحاديث، للسيوطي، دار الفكر، بيروت 1414.

91- الجامع لأحكام القرآن/ تفسير، للقرطبي، دار الكتب العلمية، بيروت 1408.

92- جامع الاصول، لابن الأثير، دار الفكر، بيروت، 1403.

93- الجامع الصحيح، للترمذي، دار إحياء

التراث العربي، بيروت.

94- الجامع الصغير، للسيوطي، دار الفكر، بيروت 1401.

95- جامع مسانيد أبي حنيفة، للخوارزمي، دار الكتب العلمية، بيروت.

96- الجمع بين الصحيحين، للحميدي، دار ابن حزم، بيروت، 1419.

97- جوامع الجامع، تفسير، لأبي علي الطبرسي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1420.

98- جواهر العقدين في فضل الشرفين، السمهودي، مطبعة العاني، بغداد، 1405.

99- الجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة، لعبد القادر القرشي، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1413.

100- حاشية علي الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستة، للبدخشاني، مخطوط.

101- حجة اللَّه البالغة، لوليّ اللَّه الدهلوي، المكتبة السلفية، لاهور پاكستان.

102- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، للشيخ يوسف البحراني، دار الكتب الاسلامية، قم، 1378.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 566

103- حسن المحاضرة بمحاسن مصر والقاهرة، للسيوطي، عيسي البابي، القاهرة.

104- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الإصفهاني، دار الكتب العربي، بيروت، ط 4، 1405 ه.

105- حياة الحيوان، للدميري، منشورات مكتبة الشريف الرضي، قم، 1406.

106- خصائص علي، للنسائي، دار الثقلين للطباعة والنشر، قم، 1419.

107- الخصال، للشيخ أبي جعفر ابن بابويه الصدوق القمي، منشورات جماعة المدرسين، قم.

108- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، للمحبّي، دار صادر، بيروت.

109- خلاصة الأقوال في علم الرجال، للعلّامة الحلي، المطبعة الحيدرية، النجف، 1381.

110- الدر المختار، للحصكفي الحنفي، 1302.

111- الدر المصون، تفسير، لابن السّمين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414.

112- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي، دار الفكر، بيروت 1403.

113- الدرج المنيفة في الآباء الشريفة (ضمن الرسائل العشر)، لجلال الدين السيوطي، حيدرآباد 1334.

114- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

115- دلائل الصدق، للمظفر، دار المعلّم للطباعة، القاهرة 1396.

116- ذكري الشيعة في أحكام الشريعة، للشيخ محمد بن مكي الشهيد الأول، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، قم،

1419.

117- ربيع الأبرار، للزمخشري، منشورات مكتبة الشريف الرضي، قم، 1410.

118- الرجال، للشيخ أبي جعفر الطوسي، المطبعة الحيدرية، النجف.

119- الرجال، لأبي العباس النجاشي، منشورات جماعة المدرسين، قم.

120- رسالة الردّ علي الرّافضة، ليوسف الواسطي، مخطوط.

121- الروض الانف، شرح سيرة ابن هشام، لأبي القاسم السهيلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1412.

122- روض المناظر/ تاريخ، لابن الشحنة الحنفي، ط مع مروج الذهب 1303.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 567

123- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، للشيخ محمد تقي المجلسي، المطبعة العلمية، قم، 1399.

124- الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشّرة، للمحبّ الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت.

125- ريحانة الأدب في المعروفين بالكنية واللقب، للشيخ التبريزي، طهران.

126- زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيّم، دار الفكر، بيروت، مؤسّسة الرسالة ومكتبة المنار الاسلامية 1408.

127- زين الفتي في تفسير سورة هل أتي للعاصمي، مجمع إحياء الثقافة الاسلامية، قم 1418.

128- سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد، للصالحي الدمشقي، دار الكتب العلمية، بيروت 1414.

129- السرائر في الفقه، لابن إدريس الحلّي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1411.

130- السراج المنير في شرح الجامع الصغير، لعلي العزيزي، دار الفكر بيروت.

131- سرّ العالمين، (مجموعة رسائل الإمام الغزالي) دار الكتب العلمية، بيروت، 1409.

132- السنن، لأبي داود، دار ابن حزم، بيروت، 1418.

133- السنن، للنسائي، دار الفكر، بيروت، 1348.

134- السنن، لابن ماجة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419.

135- السنن، للدارقطني، دار المحاسن للطباعة، القاهرة، 1386.

136- السنن الكبري، للبيهقي، دار الفكر بيروت.

137- سير أعلام النبلاء للذهبي، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1405.

138- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، دار ابن كثير، بيروت 1406.

139- شرح الأشباه والنظائر، للحموي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405.

140- شرح الألفية في الحديث/ فتح المغيث، للزين

العراقي، مكتبة السنّة، القاهرة 1408.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 568

141- شرح السنّة، للبغوي، دار الفكر، بيروت، 1414.

142- شرح العقائد العضدية، للدواني، ط في كتاب (الشيخ محمد عبدة بين الفلاسفة والمتكلّمين، بتعاليق الدكتور سليمان دنيا) دار إحياء الكتب العربية، عيسي البابي الحلبي، القاهرة 1377.

143- شرح الفقه الأكبر، لعلي القاري، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416.

144- شرح المصابيح، للتوربشتي، مخطوط.

145- شرح المواقف في علم الكلام، للجرجاني، مطبعة السعادة، القاهرة، 1325.

146- شرح المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، للزرقاني المالكي، دار المعرفة، بيروت 1414.

147- شرح الموطّأ، للزرقاني المالكي، دار المعرفة، بيروت 1409.

148- شرح تجريد الاعتقاد، للقوشجي، حجري، ايران.

149- شرح شرح نخبة الفكر، لأبي علي القالي، دار الأرقم، بيروت.

150- شرح مختصر ابن الحاجب في علم الاصول، للإيجي، مطبعة حسن حلمي، 1307.

151- شرح نخبة الفكر/ نزهة النظر، لابن حجر العسقلاني، دار الخير، 1414.

152- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1378.

153- الشفا بتعريف حقوق المصطفي، للقاضي عياض، مؤسّسة علوم القرآن، دار الفيحاء، عمان، 1407.

154- شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور، للشيخ أبي الفضل الطهراني، قم.

155- الصافي في تفسير القرآن، للشيخ محمد محسن الكاشاني، مؤسّسة الأعلمي، بيروت.

156- صحاح اللغة وتاج العربية، للجوهري، دار العلم للملايين، بيروت، 1407.

157- الصحيح، لمسلم بن الحجاج، دار الفكر، بيروت، 1398.

158- الصحيح، للبخاري، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

159- صفة الصفوة لابن الجوزي، دار المعرفة، بيروت 1406.

160- الصواعق المحرقة، لابن حجر المكي، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1417.

161- الصواقع الموبقة، لنصر اللَّه الكابلي، مخطوط.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 569

162- الضعفاء الكبير، لأبي جعفر العقيلي، دار الكتب العلمية، بيروت 1404.

163- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.

164- طبقات الشافعية، للأسنوي، دار الكتب العلمية،

بيروت، 1407.

165- طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة الأسدي، عالم الكتب، بيروت 1407.

166- طبقات الشافعية الكبري، للسبكي، دار إحياء الكتب العربية، بيروت.

167- الطبقات الكبري، لابن سعد كاتب الواقدي، دار صادر، بيروت.

168- طبقات أعلام الشيعة، للشيخ آغا بزرگ الطهراني، دار الكتاب العربي، بيروت 1390.

169- العبر في خبر من غبر، للذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405.

170- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، للفاسي المكي، مؤسّسة الرسالة، بيروت 1406.

171- العقد الفريد، لابن عبد ربّه، دار الكتاب العربي، بيروت، 1403.

172- علوم الحديث، مقدمة ابن الصلاح، مكتبة الفارابي، جامعة دمشق، 1404.

173- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، لبدر الدين العيني الحنفي، دار الفكر، بيروت.

174- العناية في شرح الهداية، للبابرتي، ط مع فتح القدير لابن الهمام.

175- العواصم من القواصم، لابن العربي المالكي، بتعاليق محب الدين الخطيب، القاهرة.

176- عيون الأثر في المغازي والسير، لابن سيّد الناس، مكتبة دار التراث المدينة المنورة، دار ابن كثير، دمشق، 1413.

177- عيون أخبار الرضا، لأبي جعفر ابن بابويه الصدوق القمي، انتشارات جهان، طهران.

178- غاية النهاية في طبقات القرّاء، لابن الجزري، مكتبة الخانجي، القاهرة 1351.

179- الغدير في الكتاب والسنة والأدب، للشيخ عبد الحسين الأميني، مركز الغدير للراسات الاسلامية، قم.

180- غرائب القرآن، تفسير، لنظام الدين النيسابوري، دار الكتب العلمية،

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 570

بيروت، 1416.

181- غرر الفوائد ودرر القلائد/ الأمالي للسيد المرتضي دار الكتاب العربي، بيروت، 1387 ه.

182- غريب القرآن، للسجستاني، دار طلاب، دمشق، 1993 م.

183- الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، دار المعرفة، بيروت.

184- فتح الباري في شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

185- فتح الباقي في شرح ألفيّة العراقي، دار الكتب العلمية، بيروت.

186- فتح القدير في الفقه الحنفي، لابن الهمام الحنفي، دار

إحياء التراث العربي.

187- فتح القدير/ تفسير، للشوكاني عالم الكتب، بيروت.

188- الفتوحات المكية، لابن عربي الاندلسي.

189- الفرج بعد الشدّة، للتنوخي، منشورات مكتبة الشريف الرضي، قم، 1364 ه ش.

190- فردوس الأخبار، للديلمي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407.

191- الفصول الغروية في الاصول الفقهية، للشيخ محمد حسين الاصفهاني الحائري، حجري، ايران.

192- الفصول المهمة في أصول الأئمة، للشيخ الحرّ العاملي، مؤسّسة المعارف الإسلامية للإمام الرضا، ايران، 1418.

193- الفصول المهمة في معرفة الأئمة، لابن الصبّاغ المالكي، دار الأضواء، بيروت 1409.

194- الفضل الجلي في ترجمة السيد محمد قلي، للسيد صدر الأفاضل، مقدّمة تشييد المطاعن، ط پاكستان.

195- الفوائد الرضوية بترجمة علماء الإمامية، للشيخ عباس القمي، إيران.

196- فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر الكتبي، دار صادر، بيروت 1973 م.

197- فواتح الرحموت، شرح مسلّم الثبوت للأنصاري الهندي، ط مع المستصفي للغزالي.

198- الفهرست، لأبي جعفر الطوسي، مؤسّسة نشر الفقاهة، قم، 1417.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 571

199- الفهرست، للنديم، مطبعة مروي، طهران.

200- فيض القدير في شرح الجامع الصغير، للمناوي، دار الفكر، بيروت، 1391.

201- قاموس الرجال، للشيخ محمد تقي التستري، منشورات جماعة المدرسين، قم.

202- الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستة، للذهبي، دار الفكر، بيروت، 1418.

203- الكافي، لأبي جعفر الكليني، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1391.

204- كامل الزيارات، للشيخ ابن قولويه، النجف الأشرف 1356.

205- الكامل في الضعفاء لابن عدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1418 ه، 1997 م.

206- كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار، للكفوي، مخطوط.

207- كتاب الآثار، لمحمد بن الحسن الشيباني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413.

208- كتاب الإختصاص، للشيخ المفيد البغدادي، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

209- كتاب الألف والباء في المحاضرات، للبلوي، عالم الكتب، بيروت 1405.

210- كتاب الأمالي، لأبي جعفر ابن بابويه الصدوق القمي، مؤسّسة

البعثة، قم 1417.

211- كتاب الأمالي، للشيخ الطوسي، مؤسّسة البعثة، قم 1414.

212- كتاب التوحيد، لأبي جعفر ابن بابويه القمّي الملقب بالصدوق، مكتبة الصدوق، طهران.

213- كتاب الثقات، لابن حبان، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، 1393.

214- كتاب الخراج، للقاضي أبي يوسف، دار المعرفة، بيروت، 1399.

215- كتاب الغيبة، للشيخ أبي جعفر الطوسي، مؤسّسة المعارف الاسلامية، قم 1411.

216- كتاب سليم بن قيس الهلالي، مطبعة الهادي، قم، 1415.

217- الكشاف في تفسير القرآن، للزمخشري، دار العبيكان، الرياض، 1418.

218- كشف الأسرار، شرح أصول البزدوي، لعبد العزيز البخاري، دار الكتاب العربي، بيروت، 1418.

219- كشف الحجب والأستار عن الكتب والأسفار، للسيد إعجاز حسين الكنتوري، منشورات مكتبة السيد المرعشي، قم.

220- كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون، لحاج خليفة، دار إحياء التراث العربي،

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 572

بيروت.

221- كشف الغمة في معرفة الأئمة، للشيخ الإربلي، ار الأضواء، بيروت 1405.

222- كشف اللبس في حديث ردّ الشمس، للسيوطي.

223- الكشف والبيان، تفسير، لأبي إسحاق الثعلبي، دار احياء التراث العربي.

224- كفاية المتطلّع، لتاج الدين الدهّان، مخطوط.

225- الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1409.

226- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، لعلي المتقي الهندي، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1405.

227- كنوز الحقائق، للمناوي البابي الحلبي، القاهرة.

228- الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، للكرماني، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1401.

229- اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، للسيوطي، دار المعرفة، بيروت، 1403.

230- اللباب في علوم الكتاب، تفسير، لعمر بن عادل الحنبلي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419.

231- لسان الميزان لابن حجر العسقلاني، دار احياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1416 ه.

232- لواقح الأنوار في طبقات الأخيار، للشعراني، ار العلم للجميع، القاهرة 1374.

233- المآثر والآثار بترجمة رجال دولة القاجار، طهران.

234- مجمع بحار الأنوار في غرائب

التنزيل ولطائف الأخبار، لمحمد طاهر الفتني الهندي.

235- مجمع البيان في تفسير القرآن، لأبي علي الطبرسي، رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية، طهران، 1417.

236- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لأبي بكر الهيثمي، دار الكتب العلمية، بيروت 1408.

237- مجمع الوسائل في شرح الشمائل، للقاري، دار المعرفة، بيروت.

238- مجموعة رسائل الإمام الغزالي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 573

239- محاضرات الأدباء، للراغب الإصفهاني، مكتبة الشريف الرضي، قم.

240- المحتضر، للشيخ حسن بن سليمان الحلّي، مكتبة الشريف الرضي، قم.

241- المحلّي في الفقه، لابن حزم الاندلسي، دار الآفاق الجديدة، بيروت.

242- مختصر التحفة الاثني عشر، للآلوسي، المكتبة السلفية، القارهة 1373.

243- مدارج النبوّة، للشيخ عبد الحق الدهلوي، طبعة الهند.

244- مدارك التنزيل، تفسير، للنسفي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415.

245- مرآة الجنان وعبرة اليقظان، لليافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417.

246- المراجعات، للسيد عبد الحسين شرف الدين، قم.

247- مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح، للقاري، دار الفكر، بيروت، 1414.

248- مروج الذهب، للمسعودي، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1966 م.

249- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، للشيخ النوري الطبرسي، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، قم ايران.

250- المستدرك علي الصحيحين، للحاكم النيسابوري، دارالفكر، بيروت، 1398.

251- المستصفي في علم الاصول، للغزالي، مكتبة الشريف الرضي، قم.

252- المستظرف من كلّ فنٍ مستطرف، للابشيهي، دار إحياء التراث العربي.

253- المستكفي في أسماء النبي المصطفي، لابن دحية الاندلسي، مخطوط.

254- المسند، لأحمد بن حنبل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1414.

255- المسند، لأبي يعلي الموصلي، دار الثقافة العربية، دمشق 1412.

256- مشارق الأنوار علي صحاح الآثار، للقاضي عياض، دار الفكر 1418.

257- مشرق الشمسين، للشيخ بهاء الدين العاملي، ط حجري، ايران.

258- مصباح السنة، للبغوي، دار المعرفة، بيروت 1407.

259- مصفي المقال في مصنّفي علم الرجال، للشيخ آغا بزرگ الطهراني، النجف

الأشرف.

260- المصنف، لابن أبي شيبة، الدار السلفية، بومباي، الهند.

261- مطالب السئول في مناقب آل الرسول، لابن طلحة الشافعي، مؤسّسة البلاغ، بيروت، 1419.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 574

262- المعارف، لابن قتيبة، منشورات مكتبة الشريف الرضي، قم، 1415.

263- معالم التنزيل، تفسير، للبغوي، دار الفكر، بيروت، 1405.

264- معالم السنن، للخطابي، دار الكتب العلمية 1416.

265- معاني الأخبار، لأبي جعفر ابن بابويه الصدوق القمي، دار المعرفة، بيروت، 1399.

266- معجم الادباء، لياقوت الحموي، دار الفكر، بيروت، 1400.

267- المعجم الأوسط، للطبراني، دار الحديث، القاهرة، 1417.

268- معجم الشيوخ، للذهبي، مكتبة الصديق، الطائف، 1408.

269- المعجم الكبير، للطبراني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1414.

270- المعجم المختص، للذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413.

271- معجم المؤلفين، لعمر رضا كحّالة، دار الكتب العلمية، بيروت 1957 م.

272- معجم رجال الفكر والأدب منذ ألف عام في النجف الأشرف، للشيخ محمد هادي الأميني، النجف الأشرف.

273- المغني في الضعفاء، للذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418.

274- مفاتيح الاصول، للسيد محمد المجاهد الطباطبائي، حجري، ايران.

275- مفاتيح الغيب، تفسير، للفخر الرازي، المطبعة البهيّة المصرية، بالقاهرة.

276- المفاتيح في شرح المصابيح، للخلخالي، مخطوط.

277- مفتاح النجا في مناقب آل العبا، للبدخشاني، مخطوط.

278- مفتاح كنز دراية المسموع، لتاج الدين الدّهان، مخطوط.

279- المفهم في شرح صحيح مسلم، للقرطبي، دار ابن كثير ودار الكلب الطيّب 1417.

280- المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة علي الألسنة، للسخاوي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1417.

281- المقنع، لأبي عمرو الداني، دار الفكر، دمشق، 1403.

282- المكاشفات، حاشية نفحات الانس، للمودودي.

283- الملل والنحل للشهرستاني، دار المعرفة، بيروت.

284- مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب، دار الأضواء، بيروت، 1412.

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 575

285- مناقب الإمام الشافعي، للفخر الرازي، الكلّيات الازهرية، القاهرة 1406.

286- المنتخب من السياق لتاريخ

نيسابور، لعبد الغافر الفارسي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1409.

287- المنتظم في تاريخ الأمم، لابن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1412.

288- منتهي المقال في علم الرجال، لأبي علي الحائري، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1416.

289- المنح المكيّة، شرح القصيدة الهمزية، لابن حجر المكي، المطبعة البهية، مصر 1304.

290- المنخول في علم الاصول، للغزالي، دار الفكر، دمشق، 1400.

291- منهاج السنة النبوية، لابن تيميّة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1420.

292- منهاج العابدين إلي الجنة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1409.

293- المنهاج في شرح صحيح مسلم الحجاج، للنووي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407.

294- منهج المقال في علم الرجال، للإسترابادي، الطبعة الحجرية، ايران.

295- المنهل الرويّ في علم اصول حديث النبي، لابن جماعة، دار الفكر، دمشق، 1406.

296- المواقف في علم الكلام، للقاضي الإيجي، دار الجيل، بيروت 1417.

297- المواهب اللدنيّة بالمنح المحمدية، لشهاب الدين القسطلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416.

298- مودة القربي، للسيّد علي الهمداني، موجود في ينابيع المودّة.

299- الموضوعات، لابن الجوزي، دار الفكر، بيروت، 1421.

300- الموطّأ، لمالك بن أنس، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بتعاليق محمد فؤاد عبد الباقي، 1370.

301- الميزان، للشعراني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418.

302- ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، دار المعرفة، بيروت.

303- الناسخ والمنسوخ، للنحّاس، مؤسّسة الكتب الثقافية، بيروت 1409.

304- نزل الأبرار بما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار، للبدخشاني، شركة الكتبي،

استخراج المرام من استقصاء الافحام، ج 3، ص: 576

بيروت 1413.

305- نزهة الخواطر، للندوي الهندي، حيدرآباد، الهند، 1382.

306- نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض، للخفاجي، دار الفكر، بيروت.

307- نظم درر السمطين، للزرندي، مكتبة نينوي طهران.

308- نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار، للسيد علي الميلاني، قم.

309- نوادر الاصول، للحكيم الترمذي، دار الجيل، بيروت، 1412.

310- نهاية العقول، للفخر الرازي، مخطوط.

311-

النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، دار الكتب العلمية، بيروت.

312- نهج الحق وكشف الصدق، للعلّامة الحلي، دار الهجرة، قم.

313- الوافي، للشيخ محمد محسن الكاشاني، مكتبة الإمام أمير المؤمنين، اصفهان، 1406.

314- الوافي بالوفيات، للصفدي، دار النشر فرانزشتايز، 1962 م.

315- وسائل الشيعة في مسائل الشريعة، للشيخ الحرّ العاملي، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، قم ايران.

316- وفيات الأعيان لابن خلكان، دار صادر، بيروت، 1398.

317- هداية الأبرار، للشيخ حسين العاملي، بغداد، 1977 م.

318- هداية السعداء، لملك العلماء الهندي، مخطوط.

319- الهداية في الفقه، للمرغيناني، شركة ومكتبة البابي الحلبي وأولاده بمصر.

320- هدي الساري، مقدمة فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

321- هدية الأحباب في المعروفين بالكني والألقاب، للشيخ عباس القمي، طهران.

322- هدية العارفين في أسماء المصنفين، لإسماعيل باشا، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

323- ينابيع المودة لذوي القربي، للقندوزي الحنفي، دار الاسوة، قم 1416.

324- اليواقيت والجواهر، للشعراني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.