فقه القرآن المجلد 2

اشارة

شماره کتابشناسی ملی : ایران

سرشناسه : گریوانی، خلیل

عنوان و نام پديدآور : فقه القرآن راوندی/قطب الدين راوندى

وضعیت نشر : كتابخانه آيت الله مرعشى نجفى، قم

توصیفگر : قطب راوندی ، سعید بن هبةالله ، -573ق .

توصیفگر : کتاب فقه القرآن راوندی

توصیفگر : فقه

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثاني

تأليف الفقيه المحدث المفسر الأديب قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي المتوفى سنة 573 ه

كتاب القضايا

الحكم بين الناس

قال الله تعالى يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ (1) .أخبر الله بأنه نادى داود أن افصل بين المختلفين من الناس و المتنازعين بِالْحَقِّ بوضع الأشياء مواضعها على ما أمرك الله به.و الخليفة هو المدبر للأمور من قبل غيره بدلا من تدبيره.و قيل معناه جعلناك خليفة لمن كان قبلك من رسلنا ثم أمره (1) فالآية تدل على أن القضاء جائز بين المسلمين و ربما كان واجبا فإن لم يكن واجبا فربما كان مستحبا و تدل عليه آيات كثيرة

باب الحث على الحكم بالعدل و المدح عليه و ذكر عقوبة من يكون بخلافه

قال الله سبحانه وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ (2)

و قال تعالى فَإِنْ جاؤُكَ

فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (3)

ص: 5


1- أي بعد ان أثبت له مقام الخلافة للأنبياء عليهم السلام،أمره بالحكم بين الناس.
2- سورة المائدة:49.
3- سورة ص:26.

فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (1)

و قال تعالى وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ (2)

و قال تعالى فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (3) .

و قد ذم الله من دعي إلى الحكم فأعرض عنه فقال وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (4) .

و مدح قوما دعوا إليه فأجابوا فقال إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا (5)

و قال تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (6)

و قال تعالى وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (7)

و في موضع آخر وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ (8) و في موضع آخر وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (9) .و قال الحسن هي عامة في بني إسرائيل و غيرهم من المسلمين.

وَ رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلاَثِ فِي الْكُفَّارِ خَاصَّةً. و قال الشعبي نزل الكافرون في هذه الأمة و الظالمون في اليهود و الفاسقون في النصارى.

ص: 6


1- سورة المائدة:42.
2- سورة الأنبياء:78.
3- سورة النساء:65.
4- سورة النور:48.
5- سورة النور:51.
6- سورة النساء:58.
7- سورة المائدة:47.
8- سورة المائدة:45.
9- سورة المائدة:44.

و الأولى أن يقال هي عامة في من حكم بغير ما أنزل الله فإن كان مستحلا لذلك معتقدا أنه هو الحق فإنه يكون كافرا بلا خلاف فأما من لم يكن كذلك و هو يحكم بغير ما أنزل الله فإنه يدخل تحت الآيتين الأخريين (1).

فصل

وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع الْحُكْمُ حُكْمَانِ حُكْمُ اللَّهِ وَ حُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ وَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (2) وَ أَشْهَدُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لَقَدْ حَكَمَ فِي الْفَرَائِضِ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ (3) ثُمَّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ص مَنْ حَكَمَ فِي الدِّرْهَمَيْنِ بِحُكْمِ جَوْرٍ ثُمَّ أَجْبَرَ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ قِيلَ كَيْفَ يُجْبِرُ عَلَيْهِ قَالَ يَكُونُ لَهُ سَوْطٌ وَ سِجْنٌ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ فَإِنْ دَخَلَ بِحُكُومَتِهِ وَ إِلاَّ ضَرَبَهُ (4) بِسَوْطِهِ وَ حَبَسَهُ فِي سِجْنِهِ (5).

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِيَّاكُمْ أَنْ يُحَاكِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِلَى أَهْلِ الْجَوْرِ وَ لَكِنِ انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ يَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ قَضَائِنَا فَاجْعَلُوهُ بَيْنَكُمْ فَإِنِّي جَعَلْتُهُ قَاضِياً فَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ (6).

ص: 7


1- انظر الأقوال حول الآيات الثلاث الدّر المنثور 286/2.
2- سورة المائدة:50.
3- البرهان في تفسير القرآن 478/1،و الزيادة منه.
4- في م«فان رضى بحكومته فان ضربه».و في المصدر قريب منه.
5- وسائل الشيعة 18/18 و هو فيه ليس ذيلا للحديث السابق.
6- وسائل الشيعة 4/18.

فصل

وَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَوْلُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ (1) قَالَ يَا أَبَا بَصِيرٍ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ عَلِمَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ حُكَّاماً يَجُورُونَ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَعْنِ حُكَّامَ الْعَدْلِ وَ لَكِنَّهُ عَنَى حُكَّامَ الْجَوْرِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَدَعَوْتَهُ إِلَى حَاكِمِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَأَبَى عَلَيْكَ إِلاَّ أَنْ يُرَافِعَكَ إِلَى حُكَّامِ أَهْلِ الْجَوْرِ لِيَقْضُوا لَهُ كَانَ مِمَّنْ حَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ (2) الْآيَةَ (3).

وَ قَالَ : إِيَّاكُمْ أَنْ يُحَاكِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِلَى أَهْلِ الْجَوْرِ. الخبر (4).

وَ قَالَ : لَمَّا وَلَّى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع شُرَيْحاً الْقَضَاءَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُنْفِذَ الْقَضَاءَ حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ (5) وَ قَالَ لَهُ قَدْ جَلَسْتَ مَجْلِساً لاَ يَجْلِسُهُ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ شَقِيٌّ (6).

ثُمَّ قَالَ : إِنَّ عَلِيّاً ع اشْتَكَى عَيْنَهُ فَعَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص فَإِذَا عَلِيٌّ يَصِيحُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ أَ جَزَعاً أَمْ وَجَعاً يَا عَلِيُّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجِعْتُ وَجَعاً قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ قَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ إِذَا نَزَلَ لِيَقْبِضَ

ص: 8


1- سورة البقرة:188.
2- سورة النساء:59.
3- تهذيب الأحكام 219/6.
4- من لا يحضره الفقيه 2/3.
5- تهذيب الأحكام 217/6.
6- تهذيب الأحكام 217/6.

رُوحَ الْفَاجِرِ أَنْزَلَ مَعَهُ سَفُّوداً (1) مِنْ نَارٍ فَيَنْزِعُ رُوحَهُ بِهِ فَتَضِجُّ جَهَنَّمُ فَاسْتَوَى عَلِيٌّ جَالِساً فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعِدْ عَلَيَّ حَدِيثَكَ فَقَدْ أَنْسَانِي وَجَعِي مَا قُلْتَ فَهَلْ يُصِيبُ ذَلِكَ أَحَداً مِنْ أُمَّتِكَ قَالَ نَعَمْ حُكَّاماً جَائِرِينَ وَ آكِلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَ شَاهِدَ الزُّورِ (2).

باب ما يجب أن يكون القاضي عليه

قال الله تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (3) .أمر تعالى الحكام بين الناس أن يحكموا بالعدل لا بالجور و نعم الشيء شيئا يعظكم الله به من أداء الأمانة.

وَ رُوِيَ عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَ مَا عِنْدَهُ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ وَ أُمِرَتِ الْأَئِمَّةُ بِالْعَدْلِ وَ أُمِرَتِ النَّاسُ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ (4).

و قال تعالى وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ إلى قوله وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ (5) أي أعطيناه إصابة الحكم بالحق و فصل الخطاب هو قوله البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه.

ص: 9


1- السفود..بتشديد الفاء-الحديدة التي يشوى بها اللحم-صحاح اللغة(سفد).
2- تهذيب الأحكام 224/6.
3- سورة النساء:58.
4- من لا يحضره الفقيه 3/3 مع اختلاف يسير.
5- سورة ص:17-20.

ثم قال وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ هذا خطاب من الله لنبيه ع و صورته صورة الاستفهام و معناه الإخبار بما كان من قصة داود من الحكومة بين الخصمين و تنبيهه على موضع تركه بعض ما يستحب له أن يفعله.و النبأ الخبر بما يعظم حاله و الخصم هو المدعي على غيره حقا من الحقوق المتنازع له فيه و يعبر به عن الواحد و الاثنين و الجمع بلفظ واحد لأن أصله المصدر و لذلك قال إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ لأنه أراد المدعي و المدعى عليه و من معهما فلا يمكن أن يتعلق به في أن أقل الجمع اثنان لما قال خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ لأنه أراد بذلك الفريقين أي نحن فريقان خصمان أي يقول ما يقول خصمان لأنهما كان ملكين و لم يكونا خصمين و لا بغى أحدهما على الآخر و إنما هو على المثل. فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ معناه و لا تجاوز الحق و لا تجر و لا تسرف في حكمك بالميل مع أحدنا على صاحبه و أرشدنا إلى قصد الطريق الذي هو طريق الحق و وسطه.

فصل

ثم حكى سبحانه ما قال أحد الخصمين لصاحبه فقال إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها (1) قال وهب يعني أخي في ديني و قال المفسرون إنه كنى بالنعاج عن تسع و تسعين امرأة كانت له و أن الآخر له امرأة واحدة و قال الحسن لم يكن له تسع و تسعون نعجة و إنما هو على وجه المثل و قال أبو مسلم أراد النعاج بأعيانها و هو الظاهر غير أنه خلاف أقوال المفسرين.

ص: 10


1- سورة ص:23.

و قال هما خصمان من ولد آدم و لم يكونا ملكين و إنما فزع منهما لأنهما دخلا عليه في غير الوقت المعتاد و هو الظاهر.و معنى أَكْفِلْنِيها قال ابن عباس أنزل لي عنها و قال أبو عبيدة ضمها إلي و قال آخرون أي اجعلني كفيلا بها أي ضامنا لأمرها و منه قوله وَ كَفَّلَها زَكَرِيّا (1) .ثم قال وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ أي غلبني في المخاطبة و قهرني و قال أبو عبيدة صار أعز مني.فقال له داود لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ و معناه إن كان الأمر على ما تدعيه لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه فأضاف السؤال إلى المفعول به.و قال أصحابنا موضع الخطيئة أنه قال للخصم لَقَدْ ظَلَمَكَ من غير أن يسأل خصمه عن دعواه و في أدب القضاء أن لا يحكم بشيء و لا يقول حتى يسأل خصمه من دعوى خصمه فما أجاب به حكم بذلك و هذا ترك الندب.و الشرط الذي ذكرناه لا بد منه لأنه لا يجوز أن يخبر النبي ع أن الخصم ظلم صاحبه قبل العلم بذلك على وجه القطع و إنما يجوز مع تقدير و بالشرط الذي ذكرناه فروي أن الملكين غابا من بين يديه فظن داود أن الله تعالى اختبره بهذه الحكومة و معنى الظن هنا العلم كأنه قال و علم داود و قيل إنما ظن ظنا قويا و هو الظاهر.و فَتَنّاهُ أي بحق أضافه الله إلى نفسه أي اختبرناه و قرئ فتناه بالتخفيف أي الملكين فتناه بهما.و قيل إنه كان خطب امرأة كان أوريا بن حنان خطبها و لم يعلم ذلك فكان دخل في سومه فاختاروه عليه فعاتبه الله على ذلك.

ص: 11


1- سورة آل عمران:37.

و أولى الوجوه أنه ترك الندب فيما يتعلق بأدب القضاء.و قرأ ابن مسعود و لي نعجة أنثى واحدة و وصفها بأنثى إشعارا بأنها ضعيفة مهينة.يسأل فيقال في قوله لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ كيف يكون السائل ظالما.الجواب أنه لم يسأله سؤال خضوع إنما غالبه فمعنى السؤال هاهنا حمل على سؤال مطالبة و لو سأله التفضل ما عازه عليها

و قد بينا أن الحكمة في قوله وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ اسم تقع على العلم و العقل و صواب الرأي و صحة العزم و الحزم (1).و فَصْلَ الْخِطابِ قطع الأمور بين المتخاصمين و الخطاب نزاع في الخطوب و هو يفصل ذلك لحكمته.و قيل إنما كان كناية عن قوله البينة على المدعي و اليمين على من أنكر لأن بذلك يقع الفصل بين الخصوم.

فصل

و قوله تعالى وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ (2) فقد قال الجبائي إن الله أوحى إلى سليمان بما نسخ به حكم داود الذي كان يحكم به قبل ذلك و لم يكن ذلك عن اجتهاد.و هذا هو الصحيح عندنا و يقوي ذلك قوله فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ يعني علمنا الحكومة في ذلك التي هي مصلحة الوقت سليمان.

ص: 12


1- بين المعقوفين مشوش في نسخة م و نقل كما في ج.
2- سورة الأنبياء:78-79.

و قوله إِذْ يَحْكُمانِ أي طلبا الحكم في ذلك و لم يبتدئا بعد.و قصته

أَنَّ زَرْعاً أَوْ كَرْماً وَقَعَتْ فِيهِ الْغَنَمُ لَيْلاً فَأَكَلَتْهُ فَحَكَمَ دَاوُدُ بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ لِأَنَّ الشَّرْعَ كَانَ وَرَدَ بِذَلِكَ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَثْبُتِ الْحُكْمُ فَقَالَ سُلَيْمَانُ لِأَبِيهِ إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ الْآنَ بِغَيْرِ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ وَ مَا ذَاكَ قَالَ يُدْفَعُ الْكَرْمُ إِلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ وَ يُدْفَعُ الْغَنَمُ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ فَيُصِيبُ مِنْهَا حَتَّى إِذَا عَادَ الْكَرْمُ كَمَا كَانَ دَفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ حَقَّهُ ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُمَا ع (1). فعلى هذا ينبغي أن يكون الحاكم حكيما عالما بالناسخ و المنسوخ عارفا بالكتاب و السنة عاقلا بصيرا بوجوه الإعراب يثق من نفسه يتولى القضاء و الفصل بين الناس

باب كيفية الحكم بين أهل الكتاب

قد ذكرنا من قبل كثيرا مما يتعلق بهذا الباب و هاهنا نذكر ما يكون تفصيلا لتلك الجملة أو جملة لذلك التفصيل اعلم أن الله تعالى خاطب نبيه ص فقال وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ (2) التقدير و أنزلنا إليك يا محمد أن احكم بينهم و إنما كرر الأمر بالحكم بينهم لأمرين

ص: 13


1- وسائل الشيعة 208/19.
2- سورة المائدة:48.

أحدهما أنهما حكمان أمر بهما جميعا لأن اليهود احتكموا إليه في زنا المحصن ثم احتكموا إليه في قتيل كان منهم ذكره أبو علي و هو المروي عن أبي جعفر ع (1).الثاني أن الأمر الأول مطلق و الثاني دل على أنه منزل.

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ الْحَسَنُ تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إِذَا تَرَافَعُوا إِلَى الْحُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْقُرْآنِ وَ شَرِيعَةِ الْإِسْلاَمِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَ الْأَمْرُ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ. و قال أبو علي نسخ ذلك التخيير بالحكم بين أهل الكتاب أو الإعراض عنهم و الترك

قال تعالى فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (2) .

و الكتاب في قوله وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ المراد به القرآن مُصَدِّقاً نصب على الحال مصدق ما بين يديه من الكتاب يعني التوراة و الإنجيل و ما فيهما من التوحيد لله و عدله و الدلالة على نبوتك و الحكم بالرجم و القود و غيرهما و فيه دلالة على أن ما حكى الله أنه كتبه عليهم في التوراة حكم يلزمنا العمل به لأنه جعل القرآن مصدقا لذلك و شاهدا.و قال مجاهد مُهَيْمِناً صفة للنبي ع و الأول أقوى لأجل حرف العطف و لو قال بلا واو لجاز.و لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عادلا عما جاءك من الحق و لا يدل ذلك على أنه ع اتبع أهواءهم لأنه مثل قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (3) و لا يدل ذلك على أن الشرك كان وقع منه.

ص: 14


1- انظر القصة في تفسير البرهان 472/1 عن الباقر عليه السلام.
2- سورة المائدة:42.
3- سورة الزمر:65.

لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً قال مجاهد شريعة القرآن لجميع الناس لو آمنوا به و قال آخرون إنه شريعة التوراة و شريعة الإنجيل و شريعة القرآن و المعنى بقوله مِنْكُمْ أمة نبينا و أمم الأنبياء قبله على تغليب المخاطب على الغائب فبين تعالى أن لكل أمة شريعة غير شريعة الآخرين لأنها تابعة للمصالح فلا يمكن حمل الناس على شريعة واحدة مع اختلاف المصالح قال تعالى وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً (1) .

فصل

ثم قال تعالى أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ (2) قال مجاهد إنها كناية عن اليهود لأنهم كانوا إذا وجب الحكم على ضعفائهم ألزموهم إياه و إذا وجب على أقويائهم لم يأخذوهم به. وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً أي فصلا بين الحق و الباطل من غير محاباة لأنه لا يجوز للحاكم أن يحابي في الحكم بأن يعمل على ما يهواه بدلا مما يوجبه العدل و قد يكون حكم أحسن من حكم بأن يكون أولى منه و أفضل و كذا لو حكم بحق يوافق هواه كان ما يخالف هواه أحسن مما يوافقه.

و قال تعالى في وصف اليهود سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (3) أي هؤلاء يقبلون الكذب و يكثر أكلهم السحت و هو الحرام.فخير الله نبيه ع في الحكم بين اليهود في زنا المحصن و في قتيل قتل من اليهود.

ص: 15


1- سورة النحل:93.
2- سورة المائدة:50.
3- سورة المائدة:42.

و في اختيار الحكام و الأئمة الحكم بين أهل الذمة إذا احتكموا إليهم قولان أحدهما أنه حكم ثابت و التخيير حاصل ذهب إليه جماعة و هو المروي عندهم عن علي ع و الظاهر في رواياتنا (1) و قال الحسن إنه منسوخ بقوله وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ (2) فنسخ الاختيار و أوجب الحكم بينهم بالقسط. وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللّهِ (3) أي الحكم بالرجم و القود. ثم قال تعالى إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (4) نهى الله نبيه ع أن يكون خصيما لمن كان مسلما أو معاهدا في نفسه أو ماله أي لا تخاصم عنه.و الخطاب و إن توجه إلى النبي ص فالمراد به أمته

باب نوادر من الأحكام :

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَكِيمٍ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ لِي كُلُّ مَجْهُولٍ فَفِيهِ الْقُرْعَةُ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ الْقُرْعَةَ (5) تُخْطِئُ وَ تُصِيبُ فَقَالَ كُلُّ مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ فَلَيْسَ بِمُخْطِئٍ (6) قَالَ تَعَالَى فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (7) .

ص: 16


1- انظر وسائل الشيعة 338/18 فما بعد.
2- سورة المائدة:49.
3- سورة المائدة:43.
4- سورة النساء:105.
5- الزيادة من المصدر و ج.
6- تهذيب الأحكام 240/6.
7- سورة الصافّات:141.

وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ : دَخَلَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ (1) وَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع فَسَأَلاَهُ عَنْ شَاهِدٍ وَ يَمِينٍ قَالَ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ قَضَى بِهِ عَلِيٌّ ع عِنْدَكُمْ بِالْكُوفَةِ فَقَالاَ هَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ قَالَ وَ أَيْنَ وَجَدْتُمُوهُ خِلاَفَ الْقُرْآنِ فَقَالاَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (2) فَقَالَ لَهُمَا أَبُو جَعْفَرٍ ع فَقَوْلُهُ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ هُوَ أَنْ لاَ تَقْبَلُوا شَهَادَةَ وَاحِدٍ وَ يَمِيناً قَالاَ لاَ (3).

وَ قَالَ الرِّضَا ع إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع كَيْفَ تَقْضُونَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَ هُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ جَعْفَرٌ أَنْتُمْ تَقْضُونَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ شَهَادَةَ مِائَةٍ قَالَ لاَ نَفْعَلُ قَالَ بَلَى يَشْهَدُ مِائَةٌ لاَ يُعْرَفُ فَتُرْسِلُونَ وَاحِداً يَسْأَلُ عَنْهُمْ ثُمَّ تُجِيزُونَ شَهَادَتَهُمْ بِقَوْلِهِ (4) ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقَتْلُ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَاءِ فَكَيْفَ يَجُوزُ فِي الْقَتْلِ شَاهِدَانِ وَ الزِّنَاءُ لاَ يَجُوزُ فِيهِ إِلاَّ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ فَقَالَ الصَّادِقُ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ وَاحِدٌ وَ الزِّنَاءَ فِعْلاَنِ فَمِنْ ثَمَّ لاَ نُجَوِّزُ إِلاَّ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ عَلَى الرَّجُلِ شَاهِدَانِ وَ عَلَى الْمَرْأَةِ شَاهِدَانِ.

وَ سُئِلَ ع عَنِ الْبَيِّنَةِ إِذَا أُقِيمَتْ عَلَى الْحَقِّ أَ يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِقَوْلِ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إِذَا لَمْ يَعْرِفْهُمْ قَالَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ الْأَخْذُ بِهَا بِظَاهِرِ الْحُكْمِ الْوِلاَيَاتُ وَ التَّنَاكُحُ وَ الْمَوَارِيثُ وَ الذَّبَائِحُ وَ الشَّهَادَاتُ فَإِذَا كَانَ ظَاهِرُهُ ظَاهِراً مَأْمُوناً جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَ لاَ يُسْأَلُ عَنْ بَاطِنِهِ (5) فَقَدِ اخْتَصَمَ

ص: 17


1- كذا في الأصل.و في المصدر«عبد الرحمن بن الحجاج»و«بن عتيبة».
2- سورة الطلاق:2.
3- تهذيب الأحكام 273/6 و الزيادة ليست فيه.و للحديث ذيل يراجع المصدر بشأنه.
4- تهذيب الأحكام 296/6 مع اختلاف في بعض الألفاظ و ليس فيه بقية الحديث.
5- تهذيب الأحكام 288/6 و الزيادة منه.

رَجُلاَنِ إِلَى دَاوُدَ ع فِي بَقَرَةٍ فَجَاءَ هَذَا بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهَا لَهُ وَ جَاءَ هَذَا بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهَا لَهُ قَالَ فَدَخَلَ دَاوُدُ الْمِحْرَابَ فَقَالَ يَا رَبِّ إِنَّهُ قَدْ أَعْيَانِي أَنْ أَحْكُمَ بَيْنَ هَذَيْنِ فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي تَحْكُمُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ اخْرُجْ فَخُذِ الْبَقَرَةَ مِنَ الَّذِي فِي يَدِهِ فَادْفَعْهَا إِلَى الْآخَرِ وَ اضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ فَضَجَّتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ ذَلِكَ وَ قَالُوا جَاءَ هَذَا بِبَيِّنَةٍ وَ جَاءَ هَذَا بِبَيِّنَةٍ وَ كَانَ أَحَقُّهُمَا بِإِعْطَائِهِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ فَأَخَذَهَا مِنْهُ وَ ضَرَبَ عُنُقَهُ فَأَعْطَاهُ هَذَا (1) فَقَالَ دَاوُدُ يَا رَبِّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ضَجُّوا مِمَّا حَكَمْتُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ الَّذِي كَانَتِ الْبَقَرَةُ فِي يَدِهِ لَقِيَ أَبَا الْآخَرِ فَقَتَلَهُ وَ أَخَذَ الْبَقَرَةَ مِنْهُ فَإِذَا جَاءَكَ مِثْلُ هَذَا فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا تَرَى وَ لاَ تَسْأَلْنِي أَنْ أَحْكُمَ حَتَّى يَوْمِ الْحِسَابِ (2).

فصل

وَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع مَا يَقُولُ فِي النِّكَاحِ فُقَهَاؤُكُمْ قُلْتُ يَقُولُونَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَقَالَ كَذَبُوا لَعَنَهُمُ اللَّهُ هَوَّنُوا وَ اسْتَخَفُّوا بِعَزَائِمِ اللَّهِ وَ فَرَائِضِهِ وَ شَدَّدُوا وَ عَظَّمُوا مَا هَوَّنَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ فِي الطَّلاَقِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَأَجَازُوا الطَّلاَقَ بِلاَ شَاهِدٍ وَ الشَّهَادَةُ فِي النِّكَاحِ لَمْ يَجِئْ عَنِ اللَّهِ فِي عَزِيمَةٍ فَقَدْ نَدَبَ فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَ يُسْتَحَلُّ الْفَرْجُ وَ إِنْ لَمْ يَشْهَدُوا وَ إِنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الشَّاهِدَيْنِ تَأْدِيباً وَ نَظَراً لِئَلاَّ يُنْكَرَ الْوَلَدُ وَ الْمِيرَاثُ. وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ قبل الشهادة وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ بعد الشهادة (3)

ص: 18


1- الزيادة من المصدر.
2- تهذيب الأحكام 288/6 و الذيل و أصل الحديث هنا جاء في التهذيب في حديثين.
3- من لا يحضره الفقيه 57/3.

باب الزيادات

"ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ اخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فِيمَا اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ مِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ فَكُلُّ فِرْقَةٍ زَعَمَتْ أَنَّهُمْ أَوْلَى بِدِينِهِ فَقَالَ ع كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ (1) فَغَضِبُوا وَ قَالُوا مَا نَرْضَى لِقَضَائِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ أَيْ أَ فَبَعْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَ الْحُجَجِ تَطْلُبُونَ دِيناً غَيْرَ دِينِ اللَّهِ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً (2) فَالطَّوْعُ لِأَهْلِ السَّمَاوَاتِ خَاصَّةً وَ أَمَّا أَهْلُ الْأَرْضِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ طَوْعاً وَ مِنْهُمْ مَنِ اسْتَسْلَمَ كَرْهاً أَيْ فَرَقاً (3) مِنَ السَّيْفِ.

مسألة

"وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ نَبِيَّهُ ع بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (4) وَ هَذَا التَّخْيِيرُ ثَابِتٌ فِي الشَّرْعِ لِلْأَئِمَّةِ وَ الْحُكَّامِ. و قول من قال إنه منسوخ بقوله تعالى وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ (5) لا يصح لأن المعنى وَ إِنْ تُعْرِضْ عن الحكم بينهم فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً فدع النظر بينهم إن شئت وَ إِنْ حَكَمْتَ أي و إن اخترت أن تحكم بينهم فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ بما في القرآن و شريعة الإسلام.ثم قرع اليهود بقوله وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ و يرضون بك حكما و هم

ص: 19


1- الزيادة من ج.
2- سورة آل عمران:83.
3- أي خوفا و خشية.
4- سورة المائدة:42.
5- سورة المائدة:49.

تركوا الحكم بالتوراة جرأة على الله و إنما طلبوا بذلك الرخصة و ما هم بمؤمنين بحكمك أنه من عند الله.

مسألة

و قوله تعالى إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ (1) لا يدل على أن نبينا ص كان متعبدا بشرع موسى ع لأن الله هو الذي أوجب ذلك بوحي أنزله عليه لا بالرجوع إلى التوراة فصار ذلك شرعا له و إن وافق ما في التوراة.و نبه بذلك اليهود على صحة نبوته من حيث أخبر ع عما في التوراة من غوامض العلم ما التبس على كثير منهم و قد عرفوا أنه لم يقرأ كتابهم.و قوله تعالى لِلَّذِينَ هادُوا أي تابوا من الكفر و قيل لليهود و اللام فيه يتعلق بيحكم أي يقضي بإقامة التوراة النبيون الذين كانوا من وقت موسى إلى وقت عيسى ع لهم و فيما بينهم

ص: 20


1- سورة المائدة:44.

كتاب المكاسب

وجوه المكاسب

قال الله تعالى وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (1) .فقد جعل الله لخلقه من المعيشة ما يتمكنون به من التقدير (2) و أمرهم بالتصرف في ذلك من وجوه الحلال دون الحرام فليس لأحد أن يتكسب بما حظره الله و لا يطلب رزقه من حيث حرمه.و المعايش جمع معيشة و هي طلب أسباب الرزق مدة الحياة فقد يطلبها الإنسان لنفسه بالتصرف و التكسب و قد يطلب له فإن أتاه أسباب الرزق من غير طلب فذلك العيش الهنيء

باب في تفصيل ما أجملناه

قوله تعالى وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ من في موضع النصب عطفا على قوله

ص: 21


1- سورة الحجر:19-20.
2- في ج«من العبادة».

مَعايِشَ و المراد به العبيد و الإماء و الدواب و الأنعام و العرب لا تجعل من إلا في الناس خاصة و غيرهم من العلماء فلما كان مع الدواب المماليك حسن حينئذ.و يجوز أن يكون من في موضع خفض نسقا على الكاف و الميم في لكم و إن كان الظاهر المخفوض قلما يعطف على المضمر المخفوض.و يجوز أن يكون في موضع رفع لأن الكلام قد تم قبله و يكون التقدير و لكم فيها مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ (1) أي ليس شيء إلا و هو قادر من جنسه على ما لا نهاية له و لست أنزل من ذلك الشيء إلا ما هو مصلحة لهم في الدين و ينفعهم دون ما يكون مفسدة لهم و يضرهم.و صدر الآية إشارة إلى

قَوْلِهِ ع اطْلُبُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الْأَرْضِ فَإِنَّهُ تَعَالَى بَسَطَهَا وَ جَعَلَ لَهَا طُولاً وَ عَرْضاً وَ طَرَحَ فِيهَا جِبِالاً ثَابِتَةً وَ أَعْلاَماً يُهْتَدَى بِهَا وَ أَخْرَجَ مِنْهَا النَّبَاتَ فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ وَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُوزَنُ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ النُّحَاسِ وَ الْحَدِيدِ وَ غَيْرِهَا (2).

فصل

وَ قَالَ الصَّادِقُ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً أَيْ سَعَةً فِي الرِّزْقِ وَ الْمَعَاشِ وَ حُسْنَ الْخُلُقِ فِي الدُّنْيَا وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً (3) رِضْوَانُ اللَّهِ وَ الْجَنَّةُ فِي الْآخِرَةِ.

ص: 22


1- سورة الحجر:21.
2- تفسير البرهان 202/1 بمضمونه.
3- سورة البقرة:201.

و قال تعالى وَ لَقَدْ مَكَّنّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ (1) أخبر تعالى على وجه الامتنان على خلقه بأصناف نعمه أنه مكن عباده في الأرض من التصرف فيها من سكناها و زراعتها و جعل لهم فيها ما يعيشون به مما أنبت لهم من الحبوب و الثمرات و غيرها و المعيشة و صلة من جهة مكسب المطعم و المشرب و الملبس إلى ما فيه الحياة.و التمكين إعطاء ما يصح معه الفعل مع ارتفاع المنع لأن الفعل كما يحتاج إلى القدرة فقد يحتاج إلى آلة و إلى دلالة و إلى سبب كما يحتاج إلى (2) رفع المنع و التمكين عبارة عن جميع ذلك.

و قال تعالى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (3) المراد به الإباحة لأنه تعالى لا يريد المباحات من الأكل و الشرب و غيرهما. وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ (3) أي لا تتعدوا فيه فتأكلوه على وجه حرمه الله فمتى طغيتم فيه و أكلتموه على وجه الحرام نزل عليكم غضبي.

فصل

و

قال بعض المفسرين إن قوله تعالى يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً (4) إشارة إلى ما ذكره النبي ع تفصيلا لتلك الجملة و هو قوله إذا مر الإنسان بالثمرة جاز له أن يأكل منها بقدر كفايته و لا يحمل منها شيئا على حال و لذلك قال تعالى بعده وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ .

ص: 23


1- سورة الأعراف:10.
2- الزيادة من ج.
3- سورة طه:81.
4- سورة البقرة:168.

وَ كَانَ لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع ضَيْعَةً فِيهَا كُرُومٌ وَ فَوَاكِهُ فَأَتَاهُ [آتٍ] وَقْتَ الْإِدْرَاكِ لِيَشْتَرِيَهَا فَقَالَ ع إِنِّي أَبِيعُهَا مَشْرُوطَةً أَنْ تَجْعَلَ مِنْ أَرْبَعِ جَوَانِبِ الْحَائِطِ مَدْخَلاً لِيَأْكُلَ كُلُّ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهَا مِقْدَارَ مَا يَشْتَهِيهِ فَإِنِّي لاَ يُمْكِنُنِي أَنْ أَبِيعَ الْقَدْرَ الَّذِي يَأْكُلُهُ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهَا فَاشْتَرَاهَا عَلَى مَا يُرِيدُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَ أَحْفَظَهُ لِئَلاَّ يَحْمِلَ شَيْئاً وَ يُخْرِجَ.

و قد بين الله الحلال فقال وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ (1) يعني بحب الحصيد حب البر و الشعير و كل ما يحصد لأن من شأنه أن يحصد أي خلقنا ما ذكرناه من حب النبت الحصيد و الطلع النضيد رزقا لهم و غذاء و كل رزق فهو من الله إما بفعلنا أو فعل سببه (2).و لما كانت المكاسب و ما يجري مجراها تنقسم إلى المباحات و المكروهات و المحظورات لم يكن بد من تميزها

باب المكاسب المحظورة و المكروهة

اعلم أن تقلد الأمر من قبل السلطان الجائر إذا تمكن معه من إيصال الحق إلى مستحقه جائز.يدل عليه بعد الإجماع المتردد و السنة الصحيحة

قول الله تعالى حكاية عن يوسف ع قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (3)

ص: 24


1- سورة ق:9-11.
2- في ج«اما أن يفعله أو يفعل سببه».
3- سورة يوسف:55.

طلب ذلك إليه ليحفظه عمن لا يستحقه و يوصله إلى الوجوه التي يجب صرف الأموال إليها و لذلك رغب إلى الملك فيه لأن الأنبياء لا يجوز أن يرغبوا في جمع أموال الدنيا إلا لما قلناه فقوله حَفِيظٌ أي حافظ للمال عمن لا يستحقه عليهم بالوجوه التي يجب صرفه إليها.و متى علم الإنسان أو غلب على ظنه أنه لا يتمكن من جميع ذلك فلا يجوز له التعرض له على حال.

وَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ كَسْبِ الْمُغَنِّيَاتِ قَالَ الَّتِي تُدْعَى إِلَى الْعَرَائِسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَ الَّتِي يَدْخُلُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ حَرَامٌ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (1) .

وَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنِ الْإِجَارَةِ قَالَ صَالِحٌ لاَ بَأْسَ بِهِ إِذَا نَصَحَ قَدْرَ طَاقَتِهِ فَقَدْ آجَرَ مُوسَى ع نَفْسَهُ وَ اشْتَرَطَ فَقَالَ إِنْ شِئْتَ ثَمَانِياً وَ إِنْ شِئْتَ عَشْراً فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ (2) .

وَ عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع الرَّجُلُ يَتَّجِرُ فَإِنْ هُوَ آجَرَ نَفْسَهُ [أُعْطِيَ مَا يُصِيبُ فِي تِجَارَةٍ فَقَالَ لاَ يُؤَاجِرْ نَفْسَهُ وَ لَكِنْ يَسْتَرْزِقُ اللَّهَ تَعَالَى وَ يَتَّجِرُ فَإِنَّهُ إِذَا آجَرَ نَفْسَهُ] فَقَدْ حَظَرَ عَلَى نَفْسِهِ الرِّزْقَ (3). و لا تنافي بينهما لأن الخبر الأول محمول على ضرب من الكراهية و الوجه في كراهة ذلك أنه لا يأمن أن لا ينصحه في عمله فيكون مأثوما و قد نبه على ذلك في الخبر الأول بقوله لا بأس إذا نصح قدر طاقته.

ص: 25


1- سورة لقمان:6.و الحديث في الاستبصار 62/3 عن ابى جعفر الباقر عليه السلام.
2- سورة القصص:27.و الحديث في من لا يحضره الفقيه 173/3.
3- الاستبصار 55/3،و الزيادة منه.

فصل

وَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنِ الْغُلُولِ (1) فَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ غُلَّ مِنَ الْإِمَامِ فَهُوَ سُحْتٌ وَ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَ شِبْهِهِ سُحْتٌ وَ السُّحْتُ (2) أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أُجُورُ الْفَوَاجِرِ وَ ثَمَنُ الْخَمْرِ وَ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ وَ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيِّنَةِ وَ أَمَّا الرِّشَا فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَ بِرَسُولِهِ (3).

وَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ص فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ (4) قَالَ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ (5).

وَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُ قَالَ : السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ وَ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَ عَسِيبُ الْفَحْلِ وَ كَسْبُ الْحَجَّامِ وَ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَ ثَمَنُ الْخَمْرِ وَ ثَمَنُ الْمَيْتَةِ وَ حُلْوَانُ (6) الْكَاهِنِ (7)وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ.

وَ قَالَ مَسْرُوقٌ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ قَالَ

ص: 26


1- الغلول-بضم الغين-الخيانة في المغنم و السرقة من الغنيمة قبل القسمة..و كل من خان في شيء خفية فقد غل،و سميت غلولا لان الأيدي فيها مغلولة،أي ممنوعة مجعول فيها غل،و هو الحديدة التي تجمع يد الاسير الى عنقه-النهاية لابن الأثير 380/3.
2- السحت في اللغة بمعنى القطع و الاستئصال،يقال سحت اللّه الكافر بعذاب إذا استأصله، و المال السحت كل حرام يلزم آكله العار،و سمى سحتا لانه لا بقاء له-معجم مقاييس اللغة 143/3.
3- الكافي 126/5.
4- سورة المائدة:42.
5- مجمع البيان 196/3.
6- حلوان الكاهن بضم الحاء و سكون اللام:الاجرة التي تعطى اياه،و اشتقاقه من الحلاوة-الفائق للزمخشريّ 304/1.
7- مجمع البيان 196/3.

ذَلِكَ الْكُفْرُ وَ عَنِ السُّحْتِ فَقَالَ الرَّجُلُ يَقْضِي لِغَيْرِهِ الْحَاجَةَ فَيُهْدِي لَهُ الْهَدِيَّةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (1) هَذَا إِذَا كَانَ مُسْتَحِلاًّ لِذَلِكَ (2). و قال الخليل السحت القبيح الذي فيه العار نحو ثمن الكلب و الخمر و أصل السحت الاستيصال.

وَ عَنِ الصَّادِقِ ع فِي قَوْلِهِ أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ أَنَّهُ قَالَ ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْتِ (3).

وَ قَالَ : أَرْبَعَةٌ لاَ تَجُوزُ فِي أَرْبَعَةٍ الْخِيَانَةُ وَ الْغُلُولُ وَ السَّرِقَةُ وَ الرِّبَا لاَ تَجُوزُ فِي حَجٍّ وَ لاَ عُمْرَةٍ وَ لاَ جِهَادٍ وَ لاَ صَدَقَةٍ (4).

وَ قَالَ : لاَ تَصْلُحُ [شِرَاءُ] السَّرِقَةِ وَ الْخِيَانَةِ إِذَا عُرِفَتْ (5). و الآية تدل على جميع ذلك بعمومها.

فصل

أما قوله تعالى وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً (6) فهو نهي عن إكراه الأمة على الزناء إنها نزلت على سبب فوقع النهي عن المعين على تلك الصفة.

ص: 27


1- سورة المائدة:44.
2- وسائل الشيعة 314/17.
3- تفسير البرهان 474/1.
4- من لا يحضره الفقيه 161/3.
5- الكافي 228/5.
6- سورة النور:33.

"قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ حِينَ أَكْرَهَ أَمَتَهُ مُسَيْكَةَ عَلَى هَذَا (1). و هذا نهي عام لكل مكلف أن يكره أمته على الزناء طلبا لكسبها بالزناء.و قوله إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً صورته صورة الشرط و ليس بشرط و إنما ذكر لعظم الإفحاش في الإكراه على ذلك.و مهور البغايا محرمة كرهن أو لم يكرهن.و قوله تعالى وَ مَنْ يُكْرِهْهُنَّ يعني على الفاحشة فَإِنَّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ أي لهن غَفُورٌ رَحِيمٌ (2) إن وقع منها مكرهة في ذلك الوزر على المكره.

وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ص إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (3) قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمَيْسِرُ فَقَالَ كُلُّ مَا يُقَامَرُ بِهِ حَتَّى الْكِعَابُ وَ الْجَوْزُ قِيلَ فَمَا الْأَنْصَابُ قَالَ مَا ذَبَحُوهُ لآِلِهَتِهِمْ قِيلَ فَمَا الْأَزْلاَمُ قَالَ قِدَاحُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا (4).

وَ نَهَى ع أَنْ يُؤْكَلَ مَا تَحْمِلُ النَّمْلَةُ بِفِيهَا وَ قَوَائِمِهَا (5). و قال تعالى وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللّهُ يَرْزُقُها وَ إِيّاكُمْ (6) أي لا تحمل رزقها للادخار و قيل أي لا تدخره لغد.

ص: 28


1- اسباب النزول للواحدى ص 220.
2- سورة النور:33.
3- سورة المائدة:90.
4- الكافي 122/5.
5- الكافي 307/5.
6- سورة العنكبوت:60.

و روي أن الحيوان أجمع من البهائم و الطير و نحوها لا تدخر القوت لغدها إلا ابن آدم و النملة و الفأرة بل تأكل منها كفايتها فقط.و نزلت الآية من أولها يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْبُدُونِ (1) إلى هاهنا في أهل مكة المؤمنين منهم فإنهم قالوا يا رسول الله ليس لنا بالمدينة أموال و لا منازل فمن أين المعاش فأنزل الله الآية (2).

فصل

و قوله تعالى لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ (3) معناه لتختبرن ما يفعل بكم من الفقر و شدة العسر و بما تؤمرون من الزكوات و الإنفاق في سبيل الله في أموالكم كما تختبرون بالعبادات في أنفسكم و إنما فعله لتصبروا فسماه بلوى مجازا لأن حقيقته لا تجوز على الله.

و كفى للمكلفين واعظا بقوله تعالى لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ (4) فإن أرض سبإ كانت من أطيب البقاع لم يجعل الله فيها شيئا من هوام الأرض نحو البق و البراغيث و لا العقرب و لا غيرها من المؤذيات و كان الغريب إذا دخل أرضهم و في ثيابه قمل مات.فهذه آية و الآية الثانية أن المرأة كانت تأخذ على رأسها مكيلا فتملأ بالفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا.

ص: 29


1- سورة العنكبوت:56.
2- مجمع البيان 290/4.
3- سورة آل عمران:186.
4- سورة سبأ:15.

ثم فسر الآية فقال جَنَّتانِ أي هي جنتان من عن يمين الوادي و شماله ثم قال كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ المراد به الإباحة و إن كان لفظه لفظ الأمر بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ليس فيها سبخة فأعرضوا عن ذلك فلم يشكروا الله فجازاهم تعالى على ذلك بأن سلبهم نعمة كانت بها و أرسل عليهم سيل العرم و قد كانت تجتمع مياه و سيول في هذا الوادي و سدوه بالحجارة و القاربين الجبلين فجعلوا له أبوابا يأخذون الماء منه بمقدار الحاجة ما شاءوا فلما تركوا أمر الله بعث عليهم جرذا فنقبته فأغرق عليهم جنتهم و أفسد أرضهم.

ثم قال وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ و إنما سماهما بعد ذلك أيضا جنتين ازدواجا للكلام ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ فالأكل جناء الثمر الذي يؤكل و الخمط شجر له ثمر مر.ثم قال ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا ثم من الله تعالى عليهم بما يذكر بعد فظهر فيما بينهم المحاسدة فكان كما قال فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أي أهلكناهم و ألهمنا الناس أحاديثهم ليعتبروا بها

باب المكاسب المباحة :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ قَوْماً مِنَ الصَّحَابَةِ لَمَّا نَزَلَ وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (1) أَغْلَقُوا الْأَبْوَابَ وَ أَقْبَلُوا عَلَى الْعِبَادَةِ وَ قَالُوا قَدْ كُفِينَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ص فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى مَا صَنَعْتُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تَكَفَّلَ اللَّهُ لَنَا بِأَرْزَاقِنَا فَأَقْبَلْنَا عَلَى الْعِبَادَةِ فَقَالَ ع إِنَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَجِبِ اللَّهُ لَهُ عَلَيْكُمْ بِالطَّلَبِ (2)

ص: 30


1- سورة الطلاق:3.
2- من لا يحضره الفقيه 192/3.

طَلَبُ الْحَلاَلِ فَرِيضَةٌ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ.

وَ قَالَ : مَلْعُونٌ مَنْ أَلْقَى كَلَّهُ عَلَى النَّاسِ (1).

و قال الله تعالى وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَ هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أي ثقل على وليه هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ (2)

وَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع امْرَأَةٌ دَفَعَتْ إِلَى زَوْجِهَا مَالاً مِنْ مَالِهَا لِيَعْمَلَ بِهِ وَ قَالَتْ لَهُ حِينَ دَفَعَتْهُ إِلَيْهِ أَنْفِقْ مِنْهُ فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَادِثٌ فَمَا أَنْفَقْتَ مِنْهُ لَكَ حَلاَلٌ طَيِّبٌ وَ إِنْ حَدَثَ بِي حَادِثٌ فَهُوَ لَكَ حَلاَلٌ فَقَالَ أَعِدْ عَلَيَّ يَا سَعِيدُ الْمَسْأَلَةَ فَلَمَّا ذَهَبْتُ أُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ عَلَيْهِ اعْتَرَضَ فِيهَا صَاحِبُهَا وَ كَانَ صَاحِبُهَا مَعِي فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا قَدْ أَوْصَتْ بِذَلِكَ إِلَيْكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ اللَّهِ فَحَلاَلٌ طَيِّبٌ ثُمَّ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (3) يَعْنِي بِذَلِكَ أَمْوَالَهُنَّ الَّتِي فِي أَيْدِيهِنَّ مِمَّا يَمْلِكْنَ (4).

وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِرَجُلٍ أَنْتَ وَ مَالُكَ لِأَبِيكَ ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لاَ يَجِبُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ إِلاَّ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مِمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (5) .

و قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ (6) .

ص: 31


1- الكافي 72/5.
2- سورة النحل:76.
3- سورة النساء:4.
4- الكافي 136/5،و الزيادة منه،و ليس فيه«يعنى»الخ.
5- الاستبصار 48/3.
6- سورة الأحزاب:53.

نهاهم عن دخول دار النبي ع بغير إذن إلى طعام غير منتظرين بلوغ الطعام و غير نصب على الحال و إن الطعام إذا بلغ حال النضج ثم قال وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا أي إذا دعيتم إلى الطعام فادخلوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا أي تفرقوا و لا تستأنسوا بطول الحديث و إنما منعوا من الاستيناس لأجل طول الجلوس ثم بين أن الاستيناس بطول الجلوس يؤذي النبي و أنه يستحيي من الحاضرين فيسكت على مضض و مشقة.

فصل

أما قوله تعالى لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ (1) إلى آخر الآية.فقد قال ابن عباس ليس في مؤاكلتهم حرج لأنهم كانوا يتحرجون من ذلك.قال الفراء كانت الأنصار تتحرج من ذلك لأنهم كانوا يقولون الأعمى لا يبصر فيأكل جيد الطعام دونه و الأعرج لا يتمكن من الجلوس و المريض يضعف عن المأكل.و قال مجاهد أي ليس عليكم في الأكل من بيوت من سمي على جهة حمل قراباتكم إليهم تستتبعونهم في ذلك حرج.و قال الزهري ليس عليهم حرج في أكلهم من بيوت الغزاة إذا خلفوهم فيها بإذنهم.و قيل كان المخلف في المنزل المأذون له في الأكل فيجوز لئلا يزيد

ص: 32


1- سورة النور:61.

على مقدار المأذون له فيها.و قال الجبائي الآية منسوخة بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ (1)

وَ يَقُولُ النَّبِيُّ ع لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ (2). و الذي روي عن أهل البيت ع أنه لا بأس بالأكل لهؤلاء من بيوت من ذكره الله بغير إذنهم قدر حاجتهم من غير إسراف و هم عشرة (3).و قوله وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ قال الفراء لما نزل قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً (4) ترك الناس مؤاكلة الصغير و الكبير ممن أذن الله في الأكل معه فقال تعالى و ليس عليكم في أنفسكم و في عيالكم أن تأكلوا معهم إلى قوله أَوْ صَدِيقِكُمْ أي بيوت صديقكم أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أي بيوت عبيدكم و أموالهم.

"وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَى ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ هُوَ الْوَكِيلُ وَ مَنْ جَرَى مَجْرَاهُ. و قال مجاهد و الضحاك هو ما ملكه الرجل نفسه في بيته.و قال قتادة معنى قوله أَوْ صَدِيقِكُمْ لأنه لا بأس في الأكل من بيت صديقه بغير إذن.و قوله تعالى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً قيل يدخل فيه أصحاب الآفات على التغليب للمخاطب كقولهم أنت و زيد قمتما و قال ابن عباس معناه لا بأس أن يأكل الغني مع الفقير في بيته و قال الضحاك

ص: 33


1- سورة الأحزاب:53.
2- مستدرك الوسائل 146/3.
3- انظر تفسير البرهان 152/3 فما بعد.
4- سورة البقرة:188.

هم قوم من العرب كان الرجل منهم يتحرج أن يأكل وحده و كانوا من كنانة.و قال أبو صالح كانوا إذا نزل بهم ضيف تحرجوا أن يأكلوا إلا معه فأباح الله الأكل مفردا و مجتمعا.و الأولى حمل ذلك على عمومه و أنه يجوز الأكل وحدانا و جماعا

باب التصرف في أموال اليتامى

قال الله عز و جل وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَعْنَتَكُمْ (1) .معنى الآية الأذن لهم فيما كانوا يتحرجون منه من مخالطة الأيتام في الأموال من المأكل و المشرب و المسكن و نحو ذلك فأذن الله لهم في ذلك إذا تحروا الإصلاح بالتوفير على الأيتام في قول الحسن و غيره و هو المروي في أخبارنا.و قوله فَإِخْوانُكُمْ أي فهم إخوانكم خالطتموهم أو لم تخالطوهم وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَعْنَتَكُمْ الإعنات الحمل على مشقة لا تطاق ثقلا و معناه التذكر بالنعمة في التوسعة على ما توجبه الحكمة مع القدرة على التضييق الذي فيه أعظم المشقة.

وَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي يَدِهِ مَالٌ لِأَيْتَامٍ فَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَيَمُدُّ يَدَهُ فَيَأْخُذُهُ وَ يَنْوِي أَنْ يَرُدَّهُ قَالَ لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ إِلاَّ الْقَصْدَ وَ لاَ يُسْرِفْ فَإِنْ كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ لاَ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ

ص: 34


1- سورة البقرة:220.

فَهُوَ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً (1) .

وَ عَنْ سَمَاعَةَ عَنِ الصَّادِقِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (2) قَالَ مَنْ كَانَ يَلِي شَيْئاً مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَا يُقِيمُهُ فَهُوَ يَتَقَاضَى أَمْوَالَهُمْ وَ يَقُومُ فِي ضَيْعَتِهِمْ فَلْيَأْكُلْ بِقَدَرٍ وَ لاَ يُسْرِفْ فَإِنْ كَانَ ضَيْعَتُهُمْ لاَ تَشْغَلُهُ عَمَّا يُعَالِجُ لِنَفْسِهِ فَلاَ يَرْزَأَنَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئاً (3).

وَ سُئِلَ ع عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ قَالَ يَعْنِي الْيَتَامَى إِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَلِي الْأَيْتَامَ فِي حَجْرِهِ فَلْيُخْرِجْ مِنْ مَالِهِ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مَا تَخْرُجُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ فَيُخَالِطُهُمْ وَ يَأْكُلُونَ جَمِيعاً وَ لاَ يَرْزَأَنَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئاً إِنَّمَا هِيَ النَّارُ (4). أي ما يضيعه منه.

وَ قَالَ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْقُوتُ وَ إِنَّمَا عَنَى الْوَصِيَّ وَ الْقَيِّمَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ (5).

وَ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَقَالَ ذَلِكَ رَجُلٌ يَحْبِسُ نَفْسَهُ عَنِ الْمَعِيشَةِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا كَانَ يُصْلِحُ لَهُمْ أَمْوَالَهُمْ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلاً فَلاَ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئاً قَالَ قُلْتُ أَ رَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ قَالَ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِمْ وَ تُخْرِجُ مِنْ مَالِكَ قَدْرَ مَا يَكْفِيكَ ثُمَّ تُنْفِقُهُ قُلْتُ أَ رَأَيْتَ إِنْ كَانُوا يَتَامَى صِغَاراً وَ كِبَاراً وَ بَعْضُهُمْ أَعْلَى كِسْوَةً مِنْ بَعْضٍ وَ بَعْضُهُمْ آكَلُ مِنْ بَعْضٍ وَ مَالُهُمْ جَمِيعاً فَقَالَ أَمَّا الْكِسْوَةُ فَعَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ

ص: 35


1- سورة البقرة:219.و الحديث في الكافي 128/5.
2- سورة النساء:5.
3- تهذيب الأحكام 340/6.
4- تهذيب الأحكام 340/6،و الزيادة منه.
5- الكافي 130/5.

ثَمَنُ كِسْوَتِهِ وَ أَمَّا الطَّعَامُ فَاجْعَلُوهُ جَمِيعاً فَإِنَّ الصَّغِيرَ يُوشِكُ أَنْ يَأْكُلَ مِثْلَ الْكَبِيرِ (1).

باب من يجبر الإنسان على نفقته

الذين يجب لهم النفقة بنص القرآن منهم الولد لقوله تعالى وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ (2) يعني خشية الفقر فلو لا أن على الوالد نفقة الولد ما قتله خشية الفقر.و هذا الخطاب متوجه إلى الأغنياء الذين يخافون الفقر إن أنفقوا على أولادهم أموالهم فقال تعالى لهم لا تقتلوا أولادكم فإني أرزقهم كما رزقتكم و خاطب الفقراء بالآية الأخرى فقال تعالى وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ فإني أرزقهم و إياكم (3).فصح أن نفقة الولد على الوالد واجبة سواء كان له مال أو حرفة و صناعة أو أي حيلة يحصل بها ما يقوته و يتبلغ هو به.

و قول الله لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ (4) يمنع من الإضرار به.

أما قوله تعالى فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (5) فإنه تعالى أراد به المطلقات دون الزوجات بدلالة أنه تعالى أوجب الأجرة بشرط الرضاع إلا إذا كانت ناشزا لا تستحق منه النفقة و لأنه تعالى سماه أجرة و النفقة لا تسمى بذلك.و أما وجوب نفقة الوالد على الولد فعلى كل ولد أن ينفق على والده في

ص: 36


1- الكافي 130/5 و الزيادة منه.
2- سورة الإسراء:31.
3- سورة الأنعام:151.
4- سورة البقرة:233.
5- سورة الطلاق:6.

الجملة و على الوالدة أيضا هذا إذا كان له يسار و ما يجري مجراه و الدليل على هذا قوله تعالى وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (1) فعلى هذا إن احتاج الوالد و لا ينفق الولد عليه يجوز للوالد حينئذ أن يأخذ من مال ولده قدر ما يحتاج إليه من غير إسراف بل على طريق القصد.فأما من كان له أولاد صغار فلا يجوز له أن يأخذ شيئا من أموالهم إلا قرضا على نفسه و أما الوالدة فلا يجوز لها أن تأخذ من ولدها شيئا على حال إلا على سبيل القرض على نفسها.و المرأة لا يجوز لها أن تأخذ من بيت زوجها من غير إذنه إلا المأدوم فإن ذلك مباح لها أن تتصرف فيه ما لم يؤد إلى ضرر.و يجبر الرجل على نفقة ستة ولده و والديه و جده و جدته من الطرفين و زوجته و المملوك أيضا.و يستحب له النفقة على الآخرين من ذوي أرحامه.و إذا كان للولد مال و لم يكن لوالده شيء جاز له أن يأخذ منه ما يحج به حجة الإسلام فأما حجة التطوع فلا يجوز له إلا بإذنه

باب السبق و الرماية

قال الله تعالى وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ (2) .

فَقَالَ النَّبِيُّ ص أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ثَلاَثاً. و وجه الدلالة أن الله أمر بإعداد الرمي و رباط الخيل للحرب و لقاء العدو

ص: 37


1- سورة لقمان:15.
2- سورة الأنفال:60.

و الإعداد لا يكون إلا بالتعلم و النهاية في التعلم المسابقة في ذلك ليكد كل واحد نفسه في بلوغ النهاية و الحذف فيه فكان في ضمن الآية دليل على ما قلناه.

و قال تعالى حكاية عن ولد يعقوب يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ (1) فأخبر بالمسابقة.

وَ قَالَ النَّبِيُّ ص لاَ سَبْقَ إِلاَّ فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ (2). بسكون الباء و فتحها فالسكون مصدر و بالفتح الفرض المخرج في المسابقة فأحل ع السبق و أباحه في هذه الثلاثة.

" وَ سُئِلَ أَنَسٌ هَلْ كُنْتُمْ تُرَاهِنُونَ فَقَالَ نَعَمْ. و لا خلاف في جوازه و إنما الخلاف في أعيان المسائل.فإذا تقرر جواز ذلك في الجملة فالكلام فيما يجوز المسابقة عليه و ما لا يجوز.فما تضمنه الخبر من النصل و الحافر و الخف ضربان أحدهما نشابة و هي للعجم و الآخر السهم و هو للعرب و المزاريق و هي الردينيات و الرماح و السيوف كل ذلك من النصل و يجوز المسابقة عليه بعوض لقوله تعالى وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ الآية.و أما الخف فالإبل يجوز المسابقة عليها لقوله فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ (3) فالركاب الإبل و كذا المسابقة على الخيل فجائز لقوله و من رباط الخيل (4) و قوله مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ و عليه الإجماع

ص: 38


1- سورة يوسف:17.
2- وسائل الشيعة 349/13.
3- سورة الحشر:6.
4- سورة الأنفال:60.

باب الزيادات

قوله تعالى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ (1) .

رَكِبَ عَلِيٌّ ع يَوْماً دُلْدُلَ لِيَخْرُجَ إِلَى مَوْضِعٍ فَأَتَى مَسْجِدَ الْكُوفَةِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجَ وَ كَانَ مُنْفَرِداً فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ رَأَى رَجُلاً هُنَاكَ فَقَالَ احْفَظْهَا لِأَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا خَرَجْتُ أَعْطَيْتُكَ شَيْئاً فَأَخَذَ الرَّجُلُ اللِّجَامَ مِنْ رَأْسِ الْبَغْلَةِ وَ مَضَى فَلَمَّا خَرَجَ ع مِنَ الصَّلاَةِ فَإِذَا بِقَنْبَرٍ وَ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ حَوْلَ الْبَغْلَةِ وَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا اللِّجَامُ فَقَالَ ع سُبْحَانَ اللَّهِ إِنِّي أَخَذْتُ دِرْهَمَيْنِ لِأَدْفَعَهُمَا إِلَيْهِ فَدَفَعَهُمَا إِلَى قَنْبَرَ لِيَشْتَرِيَ بِهِمَا لِجَاماً فَلَمَّا دَخَلَ قَنْبَرُ أَوَّلَ السُّوقِ فَإِذَا الرَّجُلُ بَاعَهُ بِدِرْهَمَيْنِ قُرَاضَةً فَلَمَّا عَادَ أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى النَّاسِ وَ قَالَ لاَ تَتَعَرَّضُوا لِلْحَرَامِ وَ لاَ تَأْكُلُوا مَالَ غَيْرِكُمْ غَصْباً فَتُحْرَمُوا فِي يَوْمِكُمْ مِقْدَارَ ذَلِكَ مِنْ رِزْقِكُمْ وَ كُلُّ مَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْحَرَامِ وَ لاَ يَأْخُذُ فَاللَّهُ يَرْزُقُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِقْدَارَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ حَلاَلاً طَيِّباً قَالَ تَعَالَى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ .

ص: 39


1- سورة طه:81.

كتاب المتاجر

في جواز التجارة

قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (1) .نهى الله عن أكل الأموال بالباطل و استثنى المتاجر من ذلك و جعلها حقا يخرج به مستعملها من الباطل.و قيل في معناه قولان أحدهما

قَالَ السُّدِّيُّ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالرِّبَا وَ الْقِمَارِ وَ الْبَخْسِ وَ الظُّلْمِ وَ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع الثاني قال الحسن بغير استحقاق من طريق الأعواض.و كان الرجل يتحرج أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما أنزلت هذه الآية إلى أن نسخ ذلك بقوله تعالى في سورة النور لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ

ص: 40


1- سورة النساء:29.

إلى قوله تعالى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً (1) .و الأول أقوى لأن ما أكل على وجه مكارم الأخلاق فليس هو أكلا بالباطل و قيل معناه التجاوز و الأخذ من غير وجهه و لذلك قال تعالى بَيْنَكُمْ .و قوله تعالى إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً فيه دلالة على بطلان من حرم الكسب لأن الله حرم أكل الأموال بالباطل و أحله بالتجارة على طريق المكاسب و مثله قوله وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا (2) .و قوله تعالى عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ قيل في معنى التراضي بالتجارة قولان أحدهما إمضاء البيع بالتفرق أو التخاير بعد العقد في قول شريح و الشعبي و ابن سيرين

لِقَوْلِهِ ع الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا (3). أو يكون بيع خيار و ربما قالوا أو يقول أحدهما للآخر اختر و هو مذهبنا.الثاني إمضاء البيع بالعقد على قول مالك بن أنس و أبي حنيفة بعلة رده إلى عقد النكاح و لا خلاف أنه لا خيار فيه بعد الافتراق و قيل معناه إذا تغابنوا فيه مع التراضي فإنه جائز.ثم قال تعالى وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أي لا تهلكوها بترك التجارة و بارتكاب الآثام و العدوان في أكل الأموال بالباطل و غيره وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً الإشارة إلى أكل الأموال بالباطل.و قوله تعالى إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً من رفع فالمعنى إلا أن يقع و من نصب فمعناه إلا أن تكون الأموال تجارة أي أموال تجارة و حذف المضاف و يكون الاستثناء منقطعا و يجوز أن يكون التقدير إلا أن تكون التجارة تجارة و الرفع أقوى لأنه أدل على الاستثناء فإن التحريم لأكل المال بالباطل على الإطلاق

ص: 41


1- سورة النور:61.
2- سورة البقرة:275.
3- الكافي 170/5.

باب آداب التجارة

قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (1) فندب تعالى إلى الإنفاق من طيب الاكتساب و نهى عن طلب الخبيث للمعيشة به و الإنفاق فمن لم يتفقه لم يميز بين العقود الصحيحة و الفاسدة و لم يعرف فرق ما بين الحلال و الحرام من الكسب فلم يكن مجتنبا للخبيث من الأعمال.و ينبغي للتاجر إذا عامله مؤمن ألا يربح عليه إلا في حال الضرورة و يقنع بما لا بد له من اليسير مع الاضطرار أيضا.

قال تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (2) أمر الله نبيه ع أن يأخذ مع الناس بالعفو و هو التساهل فيما بينه و بينهم و أن يترك الاستقصاء عليهم في ذلك و هذا يكون في مطالبة الحقوق الواجبة لله و للناس و في غيرها و هو في معنى الخبر

عَنِ النَّبِيِّ ع رَحِمَ اللَّهُ سَهْلَ الْقَضَاءِ سَهْلَ الاِقْتِضَاءِ بَائِعاً وَ مُشْتَرْياً. و لا ينافي ذلك أن لصاحب الحق و الديون و غيرها استيفاء الحق و ملازمة صاحبه حتى يستوفيه لأن ذلك مندوب إليه دون أن يكون واجبا. وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ أي المعروف و هو كل ما حسن في العقل فعله أو في الشرع وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ أمر بالإعراض عن السفيه الذي إن بايعه

ص: 42


1- سورة البقرة:267.
2- سورة الأعراف:199.

أو شاراه سفه عليه (1) و آذاه

وَ إِلَى هَذَا أَشَارَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بِقَوْلِهِ لِأَهْلِ السُّوقِ كُلَّ بُكْرَةٍ يَغْتَدِي إِلَيْهِمْ تَبَرَّكُوا بِالسُّهُولَةِ وَ اقْتَرِبُوا مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَ تَنَاهَوْا عَنِ الْيَمِينِ وَ جَانِبُوا الْكَذِبَ وَ الظُّلْمَ وَ لاَ تَقْرَبُوا الرِّبَا وَ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ .. وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ وَ إِيَّاكُمْ وَ مُخَالَطَةَ السَّفِلَةِ وَ هُوَ الَّذِي لاَ يُبَالِي بِمَا قَالَ وَ مَا قِيلَ لَهُ وَ لاَ تُعَامِلُوا إِلاَّ مَنْ يَشَاءُ فِي خَيْرٍ قَالَ تَعَالَى وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (2) .

فصل

قال الله تعالى وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ (3) و لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان.

وَ كَانَ ع يَقُولُ زِنْ يَا وَزَّانُ وَ أَرْجِحْ. فلهذا أمرنا أن لا نأخذ إلا ناقصا و أن لا نعطي إلا راجحا.

وَ قَالَ النَّبِيُّ ص مَنْ بَاعَ وَ اشْتَرَى فَلْيَحْفَظْ خَمْسَ خِصَالٍ وَ إِلاَّ فَلاَ يَشْتَرِي وَ لاَ يَبِيعُ الرِّبَا وَ الْحَلْفَ وَ كِتْمَانَ الْعَيْبِ وَ الْمَدْحَ إِذَا بَاعَ وَ الذَّمَّ إِذَا اشْتَرَى (4).

قال الله تعالى أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا (5) و قال وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ (6) .

ص: 43


1- ليست الزيادة في ج.
2- وسائل الشيعة 284/12.
3- سورة الإسراء:35.
4- وسائل الشيعة 284/12.
5- سورة البقرة:275.
6- سورة البقرة:224.

و قال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (1) فلا ينبغي تزيين متاعه بأن يرى جيده و يكتم رديه و لقوله تعالى وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ (2) فالغلول الخيانة لأنه يجري في الملك على خفي من غير الوجه الذي يحل كالغلل و هو دخول الماء في خلل الشجر و إنما خصت الخيانة بالصفة دون السرقة لأنه يجري إليها بسهولة لأنها مع عقد الأمانة.

وَ قَالَ النَّبِيُّ ع حِينَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يَبِيعُ التَّمْرَ وَ كَانَ يَخْلُطُ الرَّدِيءَ بِالْجَيِّدِ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا (3). و لا يجوز أن يشوب اللبن بالماء لأن العيب لا يتبين فيه.

وَ عَنْ إِسْحَاقَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الرَّجُلِ يَبْعَثُ إِلَى الرَّجُلِ يَقُولُ لَهُ ابْتَعْ لِي ثَوْباً فَيَطْلُبُ لَهُ فِي السُّوقِ فَيَكُونُ عِنْدَهُ مِثْلَ مَا يَجِدُ لَهُ فِي السُّوقِ فَيُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لاَ يَقْرَبَنَّ هَذَا وَ لاَ يُدَنِّسْ نَفْسَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (4) وَ إِنْ كَانَ مَا عِنْدَهُ خَيْراً مِمَّا يَجِدُ لَهُ فِي السُّوقِ فَلاَ يُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِهِ إِلاَّ بِإِعْلاَمِهِ ذَلِكَ (5). و كذلك من باع لغيره شيئا فلا يشتريه لنفسه و إن زاد في ثمنه على ما يطلب في الحال إلا بعلم من صاحبه و إذن من جهته.

ص: 44


1- سورة الأنفال:27.
2- سورة آل عمران:161.
3- انظر وسائل الشيعة 208/12-211 فقيه أحاديث بهذا المضمون لا بهذا اللفظ.
4- سورة الأحزاب:72.
5- تهذيب الأحكام 352/6 مع اختلاف يسير.

و لا يجوز للرجل أن يدخل في سوم أخيه فقد عاتب الله نبيه داود فقال إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها (1) الآية.و إذا تعسر عليه نوع من التجارة فليتحول منه إلى غيره

باب أحكام الربا

قال الله تعال اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ (1) .أصل الربا الزيادة من قولهم ربا الشيء يربو إذا زاد و الربا هو الزيادة على رأس المال في جنسه أو مماثله و ذلك كالزيادة على مقدار الدين للزيادة في الأجل أو كإعطاء درهم بدرهمين أو دينار بدينارين.و المنصوص عليه تحريم التفاضل في ستة أشياء الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الملح و قيل الزبيب

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِيهَا مِثْلاً بِمِثْلٍ يَداً بِيَدٍ مَنْ زَادَ وَ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى. فهذه الستة أشياء لا خلاف بينهم في حصول الربا فيها و باقي الأشياء عند الفقهاء مقيس عليها و فيها خلاف بينهم.و عندنا أن الربا في كل ما يؤكل و يوزن إذا كان الجنس واحدا منصوصا عليه و العموم يتناول كل ذلك و لا يحتاج إلى قياس.و الربا محرم متوعد عليه كبيرة موبقة بلا خلاف بهذه الآية و بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا (2) و بقوله فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا

بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (3) .أما قوله لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ قال ابن عباس إن قيامهم على هذه الصفة يكون يوم القيامة إذا قاموا من قبورهم و يكون ذلك أمارة على أنهم آكلة الربا.و قوله يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ مثل لا حقيقة عند الجبائي على وجه النسبة بحال من تغلب عليه المرة السوداء فتضعف نفسه و نسب إلى الشيطان مجازا لما كان عند وسوسته.ثم قال ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا معناه ذلك العقاب لهم بسبب قولهم إنما البيع الذي لا ربا فيه مثل البيع الذي فيه الربا.

ص: 45


1- سورة البقرة:275.
2- سورة البقرة:278.
3- سورة ص:23.

بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (1) .أما قوله لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ قال ابن عباس إن قيامهم على هذه الصفة يكون يوم القيامة إذا قاموا من قبورهم و يكون ذلك أمارة على أنهم آكلة الربا.و قوله يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ مثل لا حقيقة عند الجبائي على وجه النسبة بحال من تغلب عليه المرة السوداء فتضعف نفسه و نسب إلى الشيطان مجازا لما كان عند وسوسته.ثم قال ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا معناه ذلك العقاب لهم بسبب قولهم إنما البيع الذي لا ربا فيه مثل البيع الذي فيه الربا.

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا حَلَّ دَيْنُهُ عَلَى غَرِيمِهِ يُطَالِبُهُ بِهِ قَالَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ لَهُ زِدْنِي فِي الْأَجَلِ وَ أَزِيدُكَ فِي الْمَالِ فَيَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ وَ يَعْمَلاَنِ بِهِ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ هَذَا رِبًا قَالُوا هُمَا سَوَاءٌ يَعْنُونَ بِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ حَالَ الْبَيْعِ وَ الزِّيَادَةَ فِيهِ بِسَبَبِ الْأَجَلِ عِنْدَ مَحَلِّ الدَّيْنِ سَوَاءٌ فَذَمَّهُمُ اللَّهُ وَ أَوْعَدَهُمْ وَ خَطَّأَهُمْ. و قال بعضهم إنهم قالوا الزيادة على رأس المال بعد تصييره على جهة الدين كالزيادة عليه في ابتداء البيع و ذلك خطأ لأن أحدهما محرم و الآخر مباح و هو أيضا منفصل منه في العقد لأن الزيادة في أحدهما لتأخير الدين و في الآخر لأجل البيع.و الفرق بين البيع و الربا أن البيع ببدل لأن الثمن فيه بدل المثمن و الربا ليس كذلك و إنما هو زيادة من غير بدل للتأخير في الأجل أو زيادة في الجنس.و قد أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ

ص: 46


1- سورة البقرة:279.

أي له ما أكل و ليس عليه رد ما سلف إذا لم يكن علم أنه حرام.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع مَنْ أَدْرَكَ الْإِسْلاَمَ وَ تَابَ مِمَّا كَانَ عَمِلَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَضَعَ اللَّهُ عَنْهُ مَا سَلَفَ فَمَنِ ارْتَكَبَ رِبًا بِجَهَالَةٍ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ مَحْظُورٌ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى شَيْءٌ وَ مَتَى عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَ تَمَكَّنَ مِنْ عَمَلِهِ فَكُلُّ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إِلَى صَاحِبِهِ. و قال السدي في معنى قوله فَلَهُ ما سَلَفَ له ما أكله و ليس عليه رد ما سلف فأما من لم يقبض بعد فلا يجوز له أخذه و له رأس المال.و يحتمل أن يكون أراد فَلَهُ ما سَلَفَ يعني من الربا المأخوذ دون العقاب الذي استحقه.و قوله وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ معناه في جواز العفو عنه إن لم يتب وَ مَنْ عادَ لأكل الربا بعد التحريم فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ لأن ذلك لا يصدر إلا عن كافر لأن مستحل الربا كافر بالإجماع.

فصل

و الوعيد في الآية متوجهة إلى من أربى و إن لم يأكله و إنما ذكر الله اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لأنها نزلت في قوم كانوا يأكلونه فوصفهم بصفتهم فحكمها ثابت في جميع من أربى و الآية الأخرى التي ذكرناها تبين ما قلناه و عليه أيضا الإجماع.و قيل الوجه في تحريم الربا أن فيه تعطيل المعايش و الأجلاب فالتاجر إذا وجد المربي و من يعطيه دراهم فضلا بدراهم لا يقرض

وَ قَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّمَا شُدِّدَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا لِئَلاَّ يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنِ اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ

ص: 47

قَرْضاً أَوْ رِفْداً (1).

ثم قال تعالى يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ (2) المحق نقصان الشيء حالا بعد حال قال البلخي محقه في الدنيا بسقوط عدالته و الحكم بفسقه و تسميته به.

و قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً (3) قيل في تحريم الربا خاصة مع ما في قوله أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا (4) و غير ذلك قولان أحدهما التصريح بالنهي عنه بعد الإخبار بتحريمه لما في ذلك من تصريف الحظر له و شدة التحذير منه.الثاني لتأكيد النهي عن هذا الضرب منه الذي يجري على الأضعاف المضاعفة و قيل في معناه هاهنا قولان أحدهما للمضاعفة بالتأخير أجلا بعد أجل كما أخر أجلا عن أجل إلى غيره زيد عليه زيادة على المال الثاني أي تضاعفون به أموالكم.و الربا المنهي عنه قال عطا و مجاهد هو ربا الجاهلية و هو الزيادة على أصل المال للتأخير عن الأجل الحال و يدخل فيه كل زيادة محرمة في المعاملة من جهة المضاعفة.و وجه تحريم الربا هو المصلحة التي علم الله تعالى فإن ذلك يدعو إلى العدل و يحض عليه و يدعو أيضا إلى مكارم الأخلاق بالإقراض و إنظار المعسر من غير زيادة.

ص: 48


1- في الوسائل 422/12 فما بعد أحاديث بهذا المعنى.
2- سورة البقرة:276.
3- سورة آل عمران:130.
4- سورة البقرة:275.

و معنى لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا لا تزيدوا على رأس المال و ليس المراد النهي عن الأكل فقط و إنما جاز ذلك لأنه معلوم المراد.و قوله تعالى أَضْعافاً مُضاعَفَةً حال للربا و الأضعاف جمع ضعف و الربا مصدر كأنه قال لا تزيدوا زيادة متكررة.و قد بين رسول الله ص أن قليل الربا حرام ككثيره.

وَ سُئِلَ الصَّادِقُ ع عَنْ قَوْلِهِ يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ وَ قِيلَ قَدْ أَرْبَى مَنْ يَأْكُلُ الرِّبَا يَرْبُو مَالُهُ قَالَ أَيُّ مَحْقٍ أَمْحَقُ مِنْ دِرْهَمِ رِبًا يَمْحَقُ الدِّينَ وَ إِنْ تَابَ مِنْهُ ذَهَبَ مَالُهُ وَ افْتَقَرَ (1).

باب البيع بالنقد و النسيئة و الشرط في العقود

البيع نقدا و نسيئة جائز لأن قول الله عز و جل وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ يتناوله على كل الوجوه فمن باع شيئا و لم يذكر فيه ثمنه نقدا و لا نسيئة كان الثمن حالا.فإن ذكر أن يكون الثمن آجلا فلا يخلو إما أن يكون أجلا مجهولا مثل قدوم الحاج و إدراك الغلات فالبيع باطل على هذا و إن كان الأجل معينا كان البيع صحيحا و الأجل على ما ذكر و الذي يدل على هذا الفصل و التفصيل قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى (2) .و كذلك إذا باع بنسيئة و لم يذكر الأجل أصلا كان البيع أيضا باطلا لأن الله اعتبر في هذه الآية الأجل و أن يكون ذلك الأجل مسمى معينا.

ص: 49


1- وسائل الشيعة 424/12.
2- سورة البقرة:282.

و الآية تدل على صحة اشتراء السلف و صحة بيع النسيئة بشرط تعيين أجلهما.و لا بد من حضور الثمن و المثمن و لا يجوز تأخير الثمن عن وقت وجوبه لزيادة فيه لأنه ربا على ما ذكرناه و لا بأس بتعجيله بنقصان شيء منه لقوله تعالى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا (1) .

فصل

و قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ عام في كل بيع شرعي.ثم اعلم أن البيع هو انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي على ما يقتضيه الشرع.و هو على ثلاثة أضرب بيع عين مرئية و بيع موصوف في الذمة و بيع خيار الرؤية.فأما بيع الأعيان المرئية فهو أن يبيع إنسان عبدا حاضرا أو ثوبا حاضرا أو عينا من الأعيان حاضرة فيشاهد البائع و المشتري ذلك فهذا بيع صحيح بلا خلاف.و أما بيع الموصوف في الذمة فهو أن يسلمه في شيء موصوف إلى أجل معلوم و يذكر الصفات المقصودة فهذا أيضا صحيح بلا خلاف.و أما بيع خيار الرؤية فهو بيع الأعيان الغائبة و هو أن يبتاع شيئا لم يره مثل أن يقول بعتك هذا الثوب الذي في كمي أو الثوب الذي في الصندوق و ما أشبه ذلك فيذكر جنس المبيع فيتميز من غير جنسه و يذكر الصفة و لا فرق بين أن يكون البائع رآه و المشتري لم يره أو يكون المشتري رآه و البائع لم

ص: 50


1- الزيادة من م.

يره أو لم يرياه معا فإذا عقد البيع ثم رأى المبيع فوجده على ما وصفه كان البيع ماضيا و إن وجده بخلافه كان له رده و فسخ العقد.و لا بد من ذكر الجنس و الصفة فمتى لم يذكرهما أو واحدا منهما لم يصح البيع و متى شرط المشتري خيار الرؤية لنفسه كان جائزا فإذا رآه بالصفة التي ذكرها لم يكن له الخيار و إن وجده مخالفا كان له الخيار هذا إذا لم يكن رآه و إن كان قد رآه فلا وجه لشرط الرؤية لأنه عالم به قبل الرؤية.

و قوله تعالى إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ يدل أيضا على أكثر ما ذكرناه.

فصل

و قوله تعالى إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يدل على صحة السلف في جميع المبيعات و إنما يجوز ذلك إذا جمع شرطين تميز الجنس من غيره مع تحديده بالوصف و الثاني ذكر الأجل فيه فإذا اختل شيء منهما لم يصح السلف و هو بيع مخصوص.و كل شيء لا يتحدد بالوصف مثل روايا الماء و الخبز و اللحم لم يصح السلف فيه لأن ذلك لا يمكن تحديده بوصف لا يختلط به سواه و قال بعض أصحابنا إنه جائز و الأول أظهر.و كل شرط يوافق شريعة الإسلام اعتبره المشتري فإنه يلزم لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

وَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ.

وَ عَنْ فُضَيْلٍ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَا الشَّرْطُ فِي الْحَيَوَانِ قَالَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ شَرَطَ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ وَ يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ خَاصَّةً فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ حَدَثاً قُلْتُ فَمَا الشَّرْطُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ قَالَ

ص: 51

الْبَيِّعَانِ فِي الْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَإِذَا افْتَرَقَا فَلاَ خِيَارَ بَعْدَ الرِّضَا مِنْهُمَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَا إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ (1).

وَ قَالَ ع لاَ بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْمَتَاعِ [إِذَا وَصَفْتَ الطُّولَ وَ الْعَرْضَ (2) إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَ فِي الْحَيَوَانِ] (3) إِذَا وَصَفْتَ أَسْنَانَهَا (4). و قوله تعالى وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ (5) يختص بهذا النوع من المبايعة

باب في أشياء تتعلق بالمبايعة و نحوها

الاحتكار يكون في ستة أشياء الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الملح.و هو حبسها من البيع و لا يجوز ذلك و بالناس حاجة و لا يوجد غيره في البلد فإذا ضاق الطعام و لا يوجد إلا عند من احتكره كان للسلطان أن يجبره على بيعه و لم يكرهه على سعر بعينه إذا باع هو على التقريب من سعر الوقت فإن كان سعر الغلة مثلا عشرين منا بدينار فلا يمكن أن يبيع خمسة أمنان بدينار و يجبره على ما هو مقاربة للعشرين.و قد بينها رسول الله ص لقوله تعالى وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ

وَ قَالَ ع عَلاَمَةُ رِضَا اللَّهِ فِي خَلْقِهِ عَدْلُ سُلْطَانِهِمْ وَ رُخْصُ أَسْعَارِهِمْ

ص: 52


1- الكافي 170/5 بمضمونه.
2- إلى هنا في رواية في الكافي 199/5.
3- الزيادة من م.
4- الكافي 220/5.
5- سورة البقرة:282.

[وَ عَلاَمَةُ غَضَبِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ جَوْرُ سُلْطَانِهِمْ وَ غَلاَءُ أَسْعَارِهِمْ] (1). و على هذا قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف ع له يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ (2) .

وَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ص قوما [قَوْمٌ] فَشَكَوْا إِلَيْهِ سُرْعَةَ نَفَادِ طَعَامِهِمْ فَقَالَ تَكِيلُونَ أَمْ تَهِيلُونَ (3) فَقَالُوا نَهِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَعْنُونَ الْجِزَافَ فَقَالَ ع لَهُمْ كِيلُوا وَ لاَ تَهِيلُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ (4).

وَ رُوِيَ أَنَّ مَنْ أَهَانَ بِالْمَأْكُولِ أَصَابَهُ الْمَجَاعَةُ.

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِذَا أَصَابَتْكُمْ مَجَاعَةٌ فَأَعِينُوا بِالزَّبِيبِ (5). و قوله تعالى وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ (6) معناه لو كنت عالما بما يكون من أحوال الدنيا لاشتريت في الرخص و بعت في الغلاء وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ أي الفقر.فإن قيل فهل اطلع نبيه على الغيب.قلنا على الإطلاق لا لأن الله تعالى يقول وَ ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ (7) و المعنى و لكن الله اجتبى رسوله بأعلامه كثيرا من الغائبات.

ص: 53


1- الكافي 162/5 و الزيادة منه و من م.
2- سورة يوسف:88.
3- كل شيء ارسلته ارسالا من رمل او تراب أو طعام و نحوه قلت هلته أهيله هيلا فانهال أى جرى و انصب..و أهلت الدقيق لغة في هلت-صحاح اللغة 1855/5.
4- الكافي 167/5.
5- المصدر السابق 308/5.
6- سورة الأعراف:188.
7- سورة آل عمران:179.

وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِذَا حَدَّثْتُمْ بِشَيْءٍ فَسَلُونِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيثِهِ إِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنِ الْقِيلِ وَ الْقَالِ وَ فَسَادِ الْمَالِ وَ كَثْرَةِ السُّؤَالِ فَقَالُوا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَيْنَ هَذَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ (1) وَ قَالَ وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِياماً (2) وَ قَالَ لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (3) ثُمَّ قَالَ لاَ تُمَانِعُوا قَرْضَ الْخَمِيرِ وَ الْجُبُنِّ فَإِنَّ مَنْعَهُ يُورِثُ الْفَقْرَ.

وَ قَالَ عَلِيٌّ ع مَنْ بَاعَ الطَّعَامَ نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ (4).

وَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ع مَنِ اشْتَرَى الْحِنْطَةَ زَادَ مَالُهُ وَ مَنِ اشْتَرَى الدَّقِيقَ ذَهَبَ نِصْفُ مَالِهِ وَ مَنِ اشْتَرَى الْخُبْزَ ذَهَبَ مَالُهُ وَ ذَلِكَ لِمَنْ يَقْدِرُ وَ لاَ يَفْعَلُ (5).

فصل

و قوله تعالى أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (6) المعنى أعطوا الواجب وافيا غير ناقص و يدخل الوفاء في الكيل و الذرع و العدد و المخسر المعرض للخسران في رأس المال يقال أخسر يخسر إذا جعله يخسر في ماله و هو نقيض أربحه و القسطاس الميزان نهاهم

ص: 54


1- سورة النساء:113.
2- سورة النساء:4.
3- سورة المائدة:104.و الحديث في تهذيب الأحكام 231/7،و ليس فيه الذيل المذكور هنا.
4- وسائل الشيعة 99/12.
5- الكافي 166/5 بهذا المعنى عن الصادق عليه السلام و ليس بلفظه.
6- سورة الشعراء:181-182.

الله أن يكونوا من المخسرين.و قال تعالى وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ (1) نهاهم أن يبخسوا الناس فيما يكيلونه أو يزنونه و قال لهم إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ أي برخص السعر و حذرهم الغلاء في قول ابن عباس.و قال تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (2) هدد الله بهذا الخطاب كل من بخس غيره حقه و نقصه ماله من مكيل و موزون فالبائع و المشتري مخاطبان بهذا لأن الكيل و وزن المتاع على البائع فتوفية ذلك عليه و وزن الثمن على المشتري فإن لم يحسنا ذلك لم يتعرضا له و ليول كل واحد منهما ما عليه غيره و أجرته عليه و الكيال و وزان الأمتعة يعينان البائع فأجرتهما عليه و الناقد و وزان الذهب و الفضة يعينان المشتري فأجرتهما عليه.و التطفيف التنقيص على وجه الخيانة في الكيل أو الوزن و لفظة المطففين صفة ذم لا يطلق على من طفف شيئا يسيرا إلى أن يصير إلى حال يتفاحش و في الناس من قال لا يطلق حتى يطفف أقل ما يجب فيه القطع في السرقة لأن ما يقطع فيه فهو كثير.

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ كَيْلاً إِلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَأَحْسَنُوا الْكَيْلَ. ثم قال تعالى اَلَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ أي أخذوا ما عليهم وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ فإن بعض المفسرين يجعلهم فعلا في موضع رفع بمعنى الفاعل و الباقون يجعلونه في موضع نصب و هو الصحيح.

ص: 55


1- سورة هود:84.
2- سورة المطففين:1.

فصل

و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ (1) يدل على أنه إذا كان لرجل مال فيه عيب و أراد بيعه وجب عليه أن يبين للمشتري عيبه و لا يكتمه أو يتبرأ إليه من العيوب و الأحوط الأول.قال تعالى وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ أي و لا تخونوا أماناتكم و عمومه يدل على أكثر مسائل البيع فإن لم يبين البائع العيب الذي في المبيع و اشتراه إنسان فوجد به العيب كان المشتري بالخيار إن شاء رضي به و إن شاء رده بالعيب و استرجع الثمن و إن شاء أخذ الأرش.و إن اختار فسخ البيع و رد المبيع فإن لم يكن حصل من جهة المبيع نماء رده و استرجع الثمن و إن حصل نماء و فائدة فلا يخلو أن يكون كسبا من جهته أو نتاجا و ثمرة فإن كان كسبا مثل أن كسب بعمله أو بتجارته أو يوهب له شيء أو يصطاد أو يحتطب فإنه يرد المعيب و لا يرد الكسب

لِقَوْلِ النَّبِيِّ ع الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ. و الخراج اسم للفائدة و الغلة التي تحصل من جهة المبيع و معنى الخبر أن الخراج لمن يكون المال يتلف من ملكه و لما كان المبيع إن تلف يتلف من ملك المشتري لأن الضمان انتقل إليه كان الخراج له و النتاج و الثمرة أيضا للمشتري و إن حصل من المبيع نماء قبل القبض كان ذلك للبائع إذا أراد الرد بالعيب لأن ضمانه على الظاهر من الخبر على البائع هاهنا.و لا يجوز لكافر أن يشتري عبدا مسلما و لا يثبت ملكه عليه لقوله تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (2) .

ص: 56


1- سورة الأنفال:27.
2- سورة النساء:141.

و لا يجوز بيع رباع مكة و لا إجارته لقوله تعالى سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ (1)

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع اشْتَرُوا وَ إِنْ كَانَ غَالِياً فَإِنَّ الرِّزْقَ يَنْزِلُ مَعَ الشِّرَاءِ (2).

وَ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمْ يَأْذَنْ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فِي تِجَارَةٍ حَتَّى ضَمِنَ لَهُ إِقَالَةَ النَّادِمِ وَ إِنْظَارَ الْمُعْسِرِ وَ أَخْذَ الْحَقِّ وَ إِعْطَاءَ الْحَقِّ (3). و قيل في قوله تعالى أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا يحتمل إحلال الله البيع معنيين أحدهما أن يكون إحلال بيع يعقده البيعان عن تراض منهما و كانا جائزي الأمر و هذا لا يصح لأن الله لما أحل البيع و حرم الربا و قد يتراضيان بما يؤدي إلى الربا و لا يصح ذلك.و الثاني أن يكون أحل الله البيع المشروع فيكون من العام الذي أراد به الخاص فبين النبي ص ما أحله الله و ما حرمه أو يكون داخلا فيهما فأصل البيع كله مباح إلا ما نهى النبي ع و ما فارق ذلك من البيوع التي لا ربا فيها أبحناه بما وصفنا من إباحة الله البيع.و نظيره قولنا إن السلم مخصوص من خبر النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان و لا يكون داخلا في عمومه.و من هذا الجنس ما أمر الله به من قتال المشركين كافة و قوله تعالى حَتّى

يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (1) فلم يدخل أهل الكتاب في عموم النهي أمرنا فيها بقتال المشركين

ص: 57


1- سورة الحجّ:25.
2- تهذيب الأحكام 4/7.
3- الكافي 151/5 مع اختلاف يسير.

يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (1) فلم يدخل أهل الكتاب في عموم النهي أمرنا فيها بقتال المشركين

فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَا حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ. و أذن في السلف علمنا أن هذا لا يدخل في عموم الأول

باب الرهن و أحكامه

قال الله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (2) الرهن في اللغة الثبات و الدوام و في الشريعة اسم لما يجعل وثيقة في دين و هو جائز بالإجماع و السنة و الكتاب.قال الله تعالى فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ تقديره و الوثيقة رهن و يجوز فعليه رهن مقبوضة.

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ النَّبِيَّ ص رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ عَلَى شَعِيرٍ أَخَذَهُ لِأَهْلِهِ (3). قيل و إنما عدل عن أصحابه إلى يهودي لئلا يلزمه منه بالإبراء فإنه لم يأمن أن استقرض من بعضهم إن يبرئه منه و ذلك يدل على أن الإبراء يصح من غير قبول المبرئ.و عقد الرهن يحتاج إلى إيجاب و قبول و قبض برضا الراهن.و ليس الرهن بواجب و إنما هو وثيقة جعلت إلى رضا المتعاقدين و يجوز في السفر و الحضر.و الدين الذي يجوز أخذ الرهن به هو كل دين ثابت في الذمة مثل الثمن

ص: 58


1- سورة التوبة:29.
2- سورة البقرة:283.
3- مستدرك الوسائل 494/2 بمضمونه.

و الأجرة و المهر و العوض في الخلع و أرش الجناية و قيمة المتلف كل ذلك يجوز أخذ الرهن به.و في الدية على العاقلة يجوز بعد الحول و قبل الحول لا يجوز فإن لم يقبض المرهون لم ينعقد الرهن لأن الله جعل من شرط صحة الرهن أن تكون مقبوضة قال تعالى فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ .و الرهن و الرهان (1) كلاهما جمع واحدهما رهن كجبل و جبال و سقف و سقف و لا يعرف في الأسماء فعل و فعل غير هذين و لو قلنا الرهن جمع الجمع لأن فعالا و فعالا كثير لكان أقيس.و يجوز أخذ الرهن في الحضر مع وجود الكاتب لما قدمنا أن النبي ص اشترى طعاما نسيئة و رهن فيه درعا.و لما أمر تعالى بالإشهاد في السلم بقوله وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ سنة و احتياطا أمر بالرهن احتياطا أيضا إذا لم يوجد كاتب و لا شهيد.و إنما أورد ذكر كون السفر فيه و شرط الكلام به إما لأن تلك الحال التي نزلت الآية فيها كانت على تلك الصفة و إما لأن فقدان البينة على الأغلب في حال السفر لا لأنه شرط في صحته.

فصل

ثم قال تعالى فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ (2) فبين سبحانه بهذا أن الإشهاد و الكتابة في المداينة و الرهن ليس بواجب على ما ذكرناه و إنما هو على جهة الاحتياط معناه إن ائتمنه فلم يقبض منه رهنا فليؤد الذي

ص: 59


1- بضم الراء في الأول و كسره في الثاني.
2- سورة البقرة:283.

اؤتمن الأمانة يعني على الذي عليه الدين بأن يؤدي إليه حقه في محله و يؤدي الأمانة كما وثق به و اعتقد فيه أي ليقض دينه الذي أمنه عليه و الائتمان افتعال من الأمن يقال أمنه و ائتمنه. وَ لْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ أن يظلمه أو يخونه و هو وثق به و ائتمنه و لم يرتهن منه شيئا.و قرأ ابن عباس و مجاهد وَ لَمْ تَجِدُوا كِتَاباً يعني ما تكتبون فيه من طرس و غيره.و إذا ارتهن صاحب الدين و أشهد فقد أكد الاحتياط و لا بأس أن يكون الرهن أكثر قيمة من المال الذي عليه أو أقل ثمنا منه أو مساويا له لأن عموم اللفظ يتناوله على الأحوال.و إنما قلنا إن الأحوط هو الإشهاد مع التمكن و إن استوثق من ماله رهنا لأن إن اختلفا في مقدار المبلغ الذي الرهن لأجله كان على المرتهن البينة فإن لم يكن له بينة فعلى صاحب الرهن اليمين و كذا إذا اختلفا في متاع فقال الذي عنده إنه رهن و قال صاحب المتاع إنه وديعة كان على المدعي لكونه رهنا البينة بأنه رهن و قد روي أن القول قول المرتهن مع يمينه لأنه أمينه و البينة على الراهن ما لم يستغرق الرهن ثمنه.و من أدل الدليل على أن الإشهاد و الارتهان يصح اجتماعهما قوله تعالى بعد هذا وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ يعني بعد تحملها وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ إنما أضاف إلى القلب مجازا لأنه على الكتمان و إلا فالإثم هو الحي و قالت عائشة الصامت عن الحق كالناطق بالباطل و كاتم الشهادة كشاهد الزور. وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ يعني بما تسترونه و بما تكتمونه.و إنما ذكر تعالى بعد ذلك وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ لأن المعنى فيه كتمان الشهادة و يحتمل أن يريد جميع الأحكام التي تقدمت خوفهم الله من العمل بخلافه

ص: 60

باب الوديعة

اعلم أن الوديعة حكم في الشريعة

لقوله تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (1) و قال تعالى فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ (2) .و الوديعة مشتقة من ودع يدع إذا استقر و سكن يقال أودعته أودعه إذا أقررته و أسكنته.

وَ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ص كَانَتْ عِنْدَهُ وَدَائِعُ بِمَكَّةَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ أَوْدَعَهَا أُمَّ أَيْمَنَ وَ أَمَرَ عَلِيّاً ع بِرَدِّهَا عَلَى أَصْحَابِهَا (3). فإذا ثبت ذلك فالوديعة أمانة لا ضمان على المودع ما لم يفرط

وَ قَالَ النَّبِيُّ ص لَيْسَ عَلَى الْمُودَعِ ضَمَانٌ (4). فأما قوله تعالى وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ يعني به النصارى لأنهم لا يستحلون أموال من خالفهم وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ يعني اليهود لأنهم يستحلون مال كل من خالفهم في حل السبت إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً (5) على رأسه بالتقاضي و المطالبة قائما بالإجماع و الملازمة و الفرق بين تأمنه بقنطار و على قنطار أن معنى الباء إلصاق الأمانة و معنى على استعلاء الأمانة و هما متعاقبان في هذا الموضع لتقارب المعنى كما يقال مررت به و عليه.

ص: 61


1- سورة النساء:58.
2- سورة البقرة:283.
3- مستدرك الوسائل 504/2.
4- المصدر السابق 506/2.
5- سورة آل عمران:75.

و يمكن أن تكون الفائدة أن هؤلاء لا يؤدون الأمانة لاستحلالهم ذلك لقوله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ (1) و سائر الفرق و إن كان منهم من لا يؤدي الأمانة لا يستحلها.و قال جماعة قالت اليهود ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل لأنهم مشركون و ادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم و هم يعلمون أن هذا هو الكذب على الله.فإذا ثبت ذلك فالوديعة جائزة من الطرفين من جهة المودع متى شاء أن يستردها فعل و من جهة المودع متى شاء أن يردها فعل فإذا ردها على المودع أو على وكيله فلا شيء عليه و إن ردها على الحاكم أو على ثقته مع القدرة على الدفع إلى المودع أو إلى وكيله فعليه الضمان.فإن لم يقدر على المودع و لا على وكيله فلا يخلو إما أن يكون له عذر أو لم يكن له عذر فإن لم يكن له عذر برده فعليه الضمان و إن كان له عذر برده على الحاكم أو على ثقته فلا ضمان عليه.

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ وَ صَاحِبُ الْبِضَاعَةِ مُؤْتَمَنَانِ (2). و كل ما كان من وديعة و لم تكن مضمونة فلا تلزم.و رد الوديعة واجب متى طلبها صاحبها و هو متمكن من ردها و ليس عليه في ردها ضرر يؤدي إلى تلف النفس أو المال سواء كان المودع كافرا أو مسلما

باب العارية

هي أيضا جائزة بدليل الكتاب و السنة فالكتاب

قوله تعالى تَعاوَنُوا عَلَى

الْبِرِّ وَ التَّقْوى (1) و العارية من البر.و يدل عليه أيضا قوله تعالى وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ (2)

ص: 62


1- سورة آل عمران:75.
2- من لا يحضره الفقيه 304/3.

الْبِرِّ وَ التَّقْوى (1) و العارية من البر.و يدل عليه أيضا قوله تعالى وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ (2)

"فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ هُوَ تَرْجُمَانُ الْقُرْآنِ إِنَّ الْمَاعُونَ الْعَوَارِي.

وَ رُوِيَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ ص اسْتَعَارَ مِنْهُ أَدْرُعاً فَقَالَ أَ غَصْباً يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ع لاَ بَلْ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً مُؤَدَّاةً (1). و لا خلاف بين الأمة في جواز ذلك و إنما اختلفوا في مسائل منها.و إذا ثبت جواز العارية فاعلم أنها أمانة غير مضمونة إلا أن يشرط صاحبها فإن شرط ضمانها كانت مضمونة.و الذهب و الفضة إذا استعيرا فهما مضمونان شرط فيهما ذلك أم لم يشرط.و متى تعدى المستعير في العواري كانت مضمونة سواء شرط أو لم يشرط

باب الإجارات

قوله تعالى قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (2) يدل على صحة الإجارة زائدا على السنة و الإجماع من أن كل ما يستباح بعقد العارية يجوز أن يستباح بعقد الإجارة من إجارة الرجل نفسه و عبيده و داره و عقاره بلا خلاف.و الاستيجار طلب الإجارة و هي العقد على ما أمر بالمعاوضة.حكى الله ما قال أبو المرأتين شعيب لموسى إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى

ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ على أن تجعل أجر رعي ماشيتي ثماني سنين صداق ابنتي ثم جعل لموسى كل سخلة تلد على خلاف شية أمها فأوحى الله إليه أن ألق عصاك في الماء إذا شربن فولدن كلهن خلاف شيتهن و جعل الزيادة على المدة الخيار فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ أي هبة منك غير واجبة عليك فقضى موسى أتم الأجلين و أوفاهما.فإذا ثبت ذلك فاعلم أن الإجارة عقد معاوضة و هي من عقود المعاوضات اللازمة كالبيع و الشراء.و الإجارة على ضربين أحدهما ما تكون المدة معلومة و العمل مجهولا مثل أن يقول آجرتك شهرا لتبني و الثاني أن تكون المدة مجهولة و العمل معلوما مثل أن يقول آجرتك لتبني هذه الدار و تخيط هذا الثوب فأما إذا كانت المدة معلومة و العمل معلوما (3) هنا فلا يصح فإنه إذا قال استأجرت اليوم لتخيط قميصي هذا كانت الإجارة باطلة لأنه ربما يخيط قبل مضي النهار فيبقى بعض المدة بلا عمل و ربما لا يفرغ منه بيوم و يحتاج إلى مدة أخرى و يحصل العمل بلا مدة.و البهائم و الحيوان تكترى للركوب و للحمولة و للعمل عليها بدلالة قوله تعالى وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً (4)

ص: 63


1- تهذيب الأحكام 183/7.
2- سورة القصص:26.
3- سورة المائدة:2.
4- سورة الماعون:7.

ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ على أن تجعل أجر رعي ماشيتي ثماني سنين صداق ابنتي ثم جعل لموسى كل سخلة تلد على خلاف شية أمها فأوحى الله إليه أن ألق عصاك في الماء إذا شربن فولدن كلهن خلاف شيتهن و جعل الزيادة على المدة الخيار فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ أي هبة منك غير واجبة عليك فقضى موسى أتم الأجلين و أوفاهما.فإذا ثبت ذلك فاعلم أن الإجارة عقد معاوضة و هي من عقود المعاوضات اللازمة كالبيع و الشراء.و الإجارة على ضربين أحدهما ما تكون المدة معلومة و العمل مجهولا مثل أن يقول آجرتك شهرا لتبني و الثاني أن تكون المدة مجهولة و العمل معلوما مثل أن يقول آجرتك لتبني هذه الدار و تخيط هذا الثوب فأما إذا كانت المدة معلومة و العمل معلوما (1) هنا فلا يصح فإنه إذا قال استأجرت اليوم لتخيط قميصي هذا كانت الإجارة باطلة لأنه ربما يخيط قبل مضي النهار فيبقى بعض المدة بلا عمل و ربما لا يفرغ منه بيوم و يحتاج إلى مدة أخرى و يحصل العمل بلا مدة.و البهائم و الحيوان تكترى للركوب و للحمولة و للعمل عليها بدلالة قوله تعالى وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً (2)

" وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ (3)فَقَالَ الْمَعْنَى لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحُجُّوا أَوْ تكرهوا [تَكْرُوا] الْجِمَالَ لِلرُّكُوبِ وَ الْعَمَلِ.

ص: 64


1- الزيادة من ج.
2- سورة النحل:8.
3- سورة البقرة:198.

فإن آجرها ليركب عليها فلا بد من أن يكون المحمول معلوما و المحمول له و أن يكون المركوب معلوما و الراكب معلوما أما المركوب فيصير معلوما إما بالمشاهدة أو بالصفة فالمشاهدة أن يقول اكتريت منك هذا الجمل شهرا أو اكتريت منك هذا الجمل لأركبه إلى مكة.فأما إذا كان معلوما بالصفة فلا بد من ذكر ثلاثة أشياء الجنس و النوع و الذكورية و الأنوثية أما الجنس فأن يقول جمل حمار بغل دابة و النوع أن يذكر حمار مصري جمل بختي أو عرابي و يقول ناقة أو جمل لأن السير على النوق أطيب منه على الجمل.و أما الراكب فيجب أن يكون معلوما و لا يمكن ذلك إلا بالمشاهدة لأنه لا يوزن ثم هو بالخيار إن شاء ركبه هو أو يركب من يوازنه و يكون في معناه هذا إذا إكراها مطلقا

باب الشركة و المضاربة

أما الشركة فجائزة

لقوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ (1) الآية فجعل سبحانه الغنيمة مشتركة بين الغانمين و بين أهل الخمس و جعل الخمس مشتركا بين أهله.و قال تعالى يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (2) فجعل سبحانه التركة مشتركة بين الورثة.و قال تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ (3) الآية فجعل تعالى

ص: 65


1- سورة الأنفال:41.
2- سورة النساء:11.
3- سورة التوبة:60.

الصدقات مشتركة بين أهلها لأن الواو للتشريك فجعلها مشتركة بين الثمانية الأصناف.و قال سبحانه وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ (1) .

وَ قَالَ النَّبِيُّ ص يَدُ اللَّهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخَاوَنَا (2).

وَ رُوِيَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ شَرِيكاً لِلنَّبِيِّ ع فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا قَدِمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ أَ تَعْرِفُنِي قُلْتُ نَعَمْ كُنْتَ شَرِيكِي وَ كُنْتَ خَيْرَ شَرِيكٍ لاَ تُوَارِي وَ لاَ تُمَارِي (3). و لا خلاف في جواز الشركة بين المسلمين و إن اختلفوا في مسائل من تفصيلها و فروعها.و إذا ثبت هذا فالشركة على ثلاثة أضرب شركة في الأعيان و شركة في المنافع و شركة في الحقوق.فأما الشركة في الأعيان فمن ثلاثة أوجه أحدها بالميراث كاشتراك الورثة في التركة و الثاني بالعقد و هو أن يملك جماعة عينا ببيع أو هبة أو صدقة أو وصية مشتركة و الثالث بالحيازة و هو أن يشتركوا في الاحتطاب و الاصطياد فإذا صار محوزا كان بينهم.و أما الاشتراك في المنافع كالاشتراك في منفعة الوقف و منفعة العين المستأجرة و غيرها.و أما الاشتراك في الحقوق فمثل الاشتراك في حق القصاص و حد القذف و ما أشبه ذلك.و الآيات التي تلوناها تدل بعمومها على جميع ذلك.

ص: 66


1- سورة ص:24.
2- مستدرك الوسائل 500/2.
3- مستدرك الوسائل 500/2.

فصل

و أما ما يجري مجرى الشركة فهو المضاربة يدل على صحتها

قوله تعالى وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ (1) و لم يفصل.و المضاربة و القراض بمعنى و هو أن يدفع الإنسان إلى غيره مالا ليتجر فيه على أن ما يرزق الله من ربح كان بينهما على ما يشرطانه و القراض لغة أهل الحجاز و المضاربة لغة أهل العراق و اشتقاقها من الضرب في المال و التقليب له و اشتقاق القراض من القرض و هو القطع و معناه هاهنا أن رب المال قطع قطعة من ماله فسلمها إلى العامل و قطع له قطعة من الربح.و المضارب بكسر الراء العامل لأنه هو الذي يضرب فيه و يقلبه و ليس لرب المال منه اشتقاق يدل على ذلك

مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ عَلِيٍّ ع أَنَّهُ قَالَ : إِذَا خَالَفَ الْمُضَارِبُ فَلاَ ضَمَانَ هُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ. و الظاهر أنه أراد العامل لأنه إذا كان الخلاف منه فالضمان بالتعدي عليه.و على جوازه دليل الكتاب و السنة و الإجماع فالكتاب ما تلوناه و قوله تعالى فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ (2) و أما الإجماع فلا خلاف فيه و الصحابة كانوا يستعملونه.فإذا ثبت جواز القراض فاعلم أنه لا يجوز إلا بالأثمان من الدراهم و الدنانير و كان أمير المؤمنين ع كره مشاركة اليهودي و النصراني و المجوسي إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً لا يغيب عنها المسلم (3).

ص: 67


1- سورة المزّمّل:20.
2- سورة الجمعة:10.
3- الكافي 286/5 و الزيادة منه.

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لاَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ أَنْ يُشَارِكَ الذِّمِّيَّ وَ لاَ يُبْضِعَهُ بِبِضَاعَةٍ وَ لاَ يُودِعَهُ وَدِيعَةً وَ لاَ يُصَافِيَهُ مَوَدَّةً (1) لِقَوْلِهِ تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ (2) . فإنه عام في جميع ذلك.و قد أشار سبحانه إلى جواز الشركة على جميع ضروبها بقوله ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ (3)

باب الشفعة

قال الله تعالى وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (4) و قد بين مسائل الشفعة و غيرها رسول الله ص

وَ قَدْ قَالَ : الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ. و الكافر لا شفعة له على المسلم.و الدليل عليه قوله لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ (5) و معلوم أنه تعالى إنما أراد أنهم لا يستوون في الأحكام و الظاهر يقتضي العموم إلا ما أخرجه دليل قاهر.فإن قيل أراد في النعيم و العذاب بدلالة قوله تعالى أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ .قلنا معلوم في أصول الفقه أن تخصيص إحدى الجملتين لا يقتضي تخصيص الأخرى و إن كانت متعقبة لها.و الشفعة جائزة في كل شيء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشيء

ص: 68


1- المصدر السابق.
2- سورة الممتحنة:13.
3- سورة الروم:28.
4- سورة النحل:44.
5- سورة الحشر:20.

بين شريكين فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره و إن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم هذا قول المرتضى رضي الله عنه.و قال الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه الأشياء في الشركة على ثلاثة أضرب ما يجب فيه الشفعة متبوعا و ما لا يجب فيه تابعا و لا يجب فيه متبوعا و ما يجب فيه تابعا و لا يجب متبوعا [فأما ما يجب فيه مقصورا متبوعا فالعراض و الأراضي و الراح

لِقَوْلِهِ ع الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ. و أما ما لا يجب فيه تابعا و متبوعا] (1) بحال فكل ما ينقل و يحول غير متصل كالحيوان و النبات و الحبوب و نحو ذلك لا شفعة و في أصحابنا من أوجب الشفعة في ذلك و أما ما يجب فيه تابعا و لا يجب فيه متبوعا فكل ما كان في الأرض من بناء و أصل و هو البناء و الشجر فإن أفرد بالبيع دون الأرض فلا شفعة فيه.و إن بيعت الأرض تبعها هذا الأصل من حيث الشفعة في الأرض أصلا و في هذه على وجه التبع على خلاف فأما ما لم يكن أصلا ثابتا كالزرع و الثمار فإذا دخلت في البيع بالشرط كانت الشفعة واجبة في الأصل دونها.و لا تثبت الشفعة إلا لشريك مخالط فأما الشفعة بالجوار فلا تثبت إلا إذا اشتركا في الطريق أو النهر و لا يشركهما فيه ثالث

باب المزارعة و المساقاة

المزارعة و المخايرة اسمان لعقد واحد و هو استكراء الأرض ببعض ما يخرج منها و الدليل عليه الإجماع و السنة و يمكن الاستدلال عليه أيضا من القرآن بالآيات التي استدللنا بها على صحة الشركة.فإذا ثبت ذلك فالمعاملة على الأصل ببعض ما خرج من نمائها على ثلاثة

ص: 69


1- الزيادة من م.

أضرب معارضة و مزارعة و مساقاة فالمعارضة تصح بلا خلاف بين الأمة و المساقاة أيضا جائزة إلا عند أبي حنيفة وحده و المزارعة على ضربين ضرب باطل بلا خلاف و ضرب مختلف فيه.فالباطل هو أن يشترط لأحدهما شيئا بعينه و لم يجعله مشاعا مثل أن يعقد المزارعة على أن يكون لأحدهما ما يدرك أولا و للآخر ما يتأخر إدراكه أو على أن الشتوي لأحدهما و الصيفي للآخر فهذا باطل بلا خلاف لأنه قد ينمي أحدهما و يهلك الآخر.و الضرب المختلف فيه هو أن يزارعه على سهم مشاع مثل أن يجعل له النصف أو الثلث أو أقل أو أكثر كان ذلك جائزا عندنا و فيه خلاف للفقهاء و إن قال لي منها النصف علم أنه ترك الباقي للعامل كقوله تعالى وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ (1) علم أن ما بقي للأب.و المساقاة هي أن يدفع الإنسان نخله أو كرمه إلى غيره على أن يصلحه و يسقيه و ما يرزق الله من ثمره كانت بينهما على ما يشترطانه و هي جائزة بشرطين مدة معلومة كالإجارة و يكون قدر نصيب العامل معلوما كالقراض.و هي من العقود اللازمة لأنها كالإجارة و تفارق القراض لأنها لا تحتاج إلى مدة و هي تحتاج إليها و المدة فيها كالمدة في الإجارة فما يجوز هناك يجوز هاهنا سواء كان سنة أو سنتين و من خالف هناك خالف هاهنا.و قد ذكرنا أن الآية المتقدمة تدل على جميع ذلك

باب الإفلاس و الحجر

المفلس في الشريعة هو الذي ركبته الديون و ماله لا يفي بقضائها فإذا

ص: 70


1- سورة النساء:11.

جاء غرماؤه إلى الحاكم و سألوه الحجر عليه لئلا ينفق بقية ماله فإنه يجب على الحاكم أن يحجر عليه إذا ثبت عنده ديونهم و أنها حالة غير مؤجلة و أن صاحبهم مفلس لا يفي ماله بقضاء دينهم.فإذا فعل ذلك تعلق بحجره ثلاثة أحكام أحدها أن يتعلق ديونهم بعين المال الذي في يده و الثاني أنه يمنع من التصرف في ماله عنده و الثالث أن كل من وجد من غرمائه عين ماله عنده كان أحق به من غيره.و يمكن أن يستدل من القرآن على أصل الباب على الجملة.و المحجور عليه إنما سمي بذلك لأنه يمنع ماله من التصرف فيه (1).و الحجر على ضربين أحدهما حجر على الإنسان لحق غيره و الثاني حجر عليه لحق نفسه فأما المحجور عليه لحق غيره فهو المفلس لحق الغرماء و المريض محجور عليه في ماله لحق ورثته و فيه خلاف و المكاتب محجور عليه فيما في يده لحق سيده و أما المحجور عليه لحق نفسه فهو الصبي و المجنون و السفيه.و الأصل في الحجر على الصبي قوله تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (2) .و اليتيم من مات أبوه قبل بلوغه و لا يتم بعد حلم و قوله فَإِنْ آنَسْتُمْ أي علمتم فوضع الإيناس موضع العلم و هو إجماع لا خلاف فيه.و قيل في قوله تعالى وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إلى قوله فَإِنْ كانَ الَّذِي

عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ (1) إنه دلالة على تثبيت الحجر لنفسه و قيل إنما دل ذلك على الحجر لو قال ولي المطلوب و كلاهما على الإطلاق لا يصح و قال الفراء يحتمل غير ذلك معناه فليملل ولي الدين الكتاب بالعدل لا بخسران.

ص: 71


1- اصل الحجر في اللغة المنع عن الوصول الى الشيء،و كل ما منعت منه فقد حجرت عليه،و حجر عليه القاضي إذا منعه من التصرف في ماله-لسان العرب(حجر).
2- سورة النساء:6.

عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ (1) إنه دلالة على تثبيت الحجر لنفسه و قيل إنما دل ذلك على الحجر لو قال ولي المطلوب و كلاهما على الإطلاق لا يصح و قال الفراء يحتمل غير ذلك معناه فليملل ولي الدين الكتاب بالعدل لا بخسران.

فصل

فإن قيل كيف يقبل قول المدعي على مبلغ حقه.قلنا أما إذا أكذبه المطلوب فلا و لكن إذا صدقه جاز له أن يمل الكتاب الذي يقع فيه الشهادة بالحق.و الآية إنما نزلت في الدين عند وقوع الديون لا عند تجاحدها.

فصل

اعلم أن الصبي محجور عليه ما لم يبلغ و البلوغ يكون بأحد خمسة أشياء خروج المني و الحيض و الحمل و الإنبات و السن فاثنان منهما ينفرد بهما الإناث و هما الحيض و الحمل و الثلاثة الأخر يشترك فيها الرجال و النساء.و الحمل ليس ببلوغ حقيقة و إنما هو علم على البلوغ لأن الله أجرى العادة أن المرأة لا تحبل حتى يتقدم حيض و الحمل لا يمكن إلا بعد أن ترى المرأة المني لأن الله أخبر أن الولد مخلوق من ماء الرجل و ماء المرأة لقوله تعالى يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ (2) و أراد من صلب الرجل و ترائب المرأة و لقوله تعالى مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ (3) أي أخلاط.

ص: 72


1- سورة البقرة:282.
2- سورة الطارق:7.
3- سورة الإنسان:2.

و الإنبات دليل على البلوغ و الاعتبار بإنبات العانة على وجه الخشونة التي تحتاج إلى الحلق دون ما كان مثل الزغب (1).فأما السن فحده خمس عشرة سنة في الذكور و تسع سنين إلى عشر في الإناث.و قد ذكرنا أن الصبي لا يدفع إليه ماله حتى يبلغ فإذا بلغ و أونس منه الرشد يسلم إليه ماله و إيناس الرشد منه مجموع أمرين أن يكون مصلحا لماله عدلا في دينه و متى كان غير رشيد لا يفك حجره و إن بلغ و صار شيخا.و وقت الاختبار يجب أن يكون قبل البلوغ لقوله تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا فإذا بلغ الصبي فأما أن يسلم إليه ماله أو يحجر و كيفية اختباره مذكورة في كتب الفقه من أرادها فليطلبها منها

باب الغصب

تحريم الغصب معلوم بالكتاب و السنة و الإجماع

قال الله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (2) و الغصب ليس عن تراض.و قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً (3) و من غصب مال اليتيم فقد ظلمه.و قال تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ اَلَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (4) .و الإجماع ثابت على أن الغصب حرام.

ص: 73


1- الزغب الشعيرات الصفر على ريش الفرخ-صحاح اللغة 143/1.
2- سورة النساء:29.
3- سورة النساء:10.
4- سورة المطففين:1-3.

وَ قَالَ النَّبِيُّ ص لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ (1).

وَ قَالَ : حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ (2). فإذا ثبت تحريم الغصب فالأموال على ضربين حيوان و غير حيوان و كلاهما إذا كان قائما يجب رده.

وَ قَالَ النَّبِيُّ ص عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ (3).

وَ قَالَ : لاَ يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ جَادّاً وَ لاَ لاَعِباً مَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا (4). و إن كان تألفا فعليه مثله لقوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (5) إن كان له مثل و إن لم يكن له مثل فعليه قيمته أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف لأنه مأمور برده في كل وقت فوجب عليه قيمته إذا تعذر و الله أعلم

ص: 74


1- مستدرك الوسائل 146/3.
2- من لا يحضره الفقيه 418/4 بمضمونه.
3- مستدرك الوسائل 145/3.
4- نفس المصدر 145/3.
5- سورة البقرة:194.

كتاب النكاح

في استحبابه

قال الله تعالى وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ (1) .هذا خطاب من الله تعالى للمكلفين من الرجال و النساء يأمرهم أن يزوجوا الأيامى اللواتي لهم عليهن ولاية و أن يزوجوا الصالحين المستورين الذين يفعلون الطاعات من المماليك و الإماء إذا كانوا ملكا لهم.و الأيامى جمع أيم و هي المرأة التي لا زوج لها سواء كانت بكرا أو ثيبا و قال قوم الأيم التي مات زوجها و على هذا

قَوْلُهُ ع الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا أَعْنِي الثَّيِّبَ. و قيل إن الأمر بتزويج الأيامى إذا أردن ذلك أمر فرض و الأمر بتزويج الأمة إذا أرادت ندب و كذلك العبد.و معنى قوله إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي لا يمنعوا من النكاح المرأة أو الرجل إذا كانا صالحين لأجل فقرهما و قلة ذات أيديهما فإنهم و إن

ص: 75


1- سورة النور:32.

كانوا كذلك فإن الله يغنيهم من فضله و قال قوم معناه إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله بذلك عن الحرام.فعلى الأول تكون الآية خاصة في الأحرار و على الثاني عامة في الأحرار و المماليك فالنكاح فيه فضل كبير لأنه طريق التناسل و باب التواصل و سبب الألفة و المعونة على العفة و من سنن الإسلام النكاح و ترك التعزب فمن دعته الحاجة إلى النكاح و وجد له طولا فلم يتزوج فقد خالف سنة رسول الله ص.و قد ذكرنا ما حث الله به عباده و دعاه إليه فقال وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ الآية ثم قال وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ أمر تعالى من لا يجد السبيل إلى أن يتزوج بأن لا يجد طولا من المهر و لا يقدر على القيام بما يلزمه لها من النفقة و الكسوة أن يتعفف و لا يدخل في الفاحشة و يصبر حتى يغنيه الله من فضله

باب ما أحل الله من النكاح و ما حرم منه

قال الله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ (1) .هذه الآية على عمومها عندنا في تحريم مناكحة جميع الكفار و ليست منسوخة و لا مخصوصة قال ابن عباس فرق عمر ابن طلحة و حذيفة امرأتيهما اللتين كانتا تحتهما كتابيتين و قال الحسن إنها عامة إلا أنها نسخت بقوله

ص: 76


1- سورة البقرة:121.

تعالى وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (1) و قال ابن جبير هي على الخصوص.و نحن إنما اخترنا ما قلناه أولا لأنه لا دليل على نسخها و لا على خصوصها و سنبين وجه ذلك بعد هذا إن شاء الله تعالى.و أما المجوسية فلا يجوز نكاحها إجماعا و الذمي لا يجوز أن يتزوج مسلمة إجماعا أيضا و قرآنا و أخبارا.و الأمة المملوكة و الجارية تكون مملوكة و غير مملوكة.و الإعجاب يكون بالجمال و يكون بخصال يرغب لها فيها و معنى أعجبني الشيء فرحت به و رضيته و الفرق بين لو أعجبكم و إن أعجبكم أن لو للماضي و إن للمستقبل و كلاهما يصح في معنى الماضي.و لا يجوز نكاح الوثنية إجماعا لأنها تدعو إلى النار كما حكاه الله تعالى.و هذه العلة قائمة في الذمية من اليهود و النصارى فيجب أن لا يجوز نكاحها.و قال السدي في قوله تعالى قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ (2) فالخبيث الكافر و الطيب المؤمن و هو اختيار ابن جرير و قال جماعة الآية عامة أي لا يستوي أهل الطاعة و المعصية لا في المكان و لا في المقدار و لا في الإنفاق و لا في غير ذلك من الوجوه.و في الآية دلالة على جواز نكاح الأمة المؤمنة مع وجود الطول لقوله وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ فكل من عقد على أمة الغير و أعطى سيدها المهر كان العقد ماضيا غير أنه يكون تاركا للأفضل.و لا يجوز له أن يعقد على أمة و عنده حرة إلا برضاها فإن عقد عليها من

ص: 77


1- سورة المائدة:5.
2- سورة المائدة:100.

غير رضاها كان العقد باطلا و إن أمضت الحرة العقد مضى العقد و لم يكن له بعد ذلك اختيار.فأما الآية التي في النساء و هي قوله وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ (1) فإنما هي على التنزيه دون التحريم.

فصل

و قال بعض المفسرين لا يقع اسم المشركات على نساء أهل الكتاب فقد فصل الله تعالى بينهما

في قوله لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ (2)

و في قوله ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ (3) إذ عطف أحدهما على الآخر.و هذا التعليل من هذا الوجه غير صحيح فالمشرك يطلق على الكل لأن من جحد نبوة محمد ص فقد أنكر معجزه فأضافه إلى غير الله و هذا هو الشرك بعينه و هذا ورد للتفخيم كما عطف على الفاكهة النخيل و الرمان مع كونهما منها تخصيصا في قوله تعالى فِيهِما فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمّانٌ (4) .و متى أسلم الزوجان بنيا على النكاح الذي كان جرى بينهما و لا يحتاج إلى تجديده بلا خلاف و إن أسلمت قبله طرفة عين فعند كثير من الفقهاء وقعت الفرقة و عندنا تنتظر عدتها فإن أسلم الزوج تبين أن الفرقة لم تحصل

ص: 78


1- سورة النساء:25.
2- سورة البينة:1.
3- سورة البقرة:105.
4- سورة الرحمن:68.

و رجعت إليه و إن لم يسلم تبين أن الفرقة وقعت حين الإسلام غير (1) أنه لا يمكن من الخلو بها فإن أسلم الزوج و كانت ذمية استباح وطؤها بلا خلاف و إن كانت وثنية انتظر إسلامها ما دامت في العدة فإن أسلمت ثبت عقده عليها و إن لم تسلم بانت منه.فإن قيل كيف يقال للكافر الذي يوحد الله مشرك.الجواب فيه قولان أحدهما أن كفره نعمة الله هي الإسلام و جحده لدين محمد ع كالشرك في عظم الجرم.و الآخر أنه إذا كفر بالنبي ع فقد أشرك فيما لا يكون إلا من عند الله و هو القرآن فزعم أنه من عند غير الله ذكره الزجاج و هذا أقوى (2).فالمحرمات من النساء على ضربين ضرب منهن يحرمن بالنسب و ضرب منهن يحرمن بالسبب و ما عداهما فمباح.و بيان ذلك في الآيات من سورة النساء في قوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِيلاً (3) ثم قال حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إلى آخرها.و الحكمة في هذا الترتيب ظاهرة و نحن نذكر تفصيلها في فصول

ص: 79


1- الزيادة من ج.
2- و اقوى من هذين الجوابين:انهم أشركوا بنص القرآن،أما اليهود فبقوله تعالى «وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ» [سورة التوبة:30]و أمّا النصارى فبقوله سبحانه «وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ» الى قوله «لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ» [التوبة:30]و قوله تعالى «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» [المائدة:17]«ج».
3- سورة النساء:22.

فصل

اعلم أن الله تعالى ابتدأ بتحريم ما نكح الآباء في سورة النساء

ص: 80

و لا يكون ذلك إلا و قد قامت عليهم الحجة بتحريمه من جهة الرسل فالأول اختاره الجبائي و هو الأقوى قال و تكون السلامة مما قد سلف في الإقلاع عنه و قيل إنما استثنى ما قد مضى ليعلم أنه لم يكن مباحا لهم. إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً أي زناء وَ مَقْتاً أي بغضا أي يورث بغض الله و يسمى ولد الرجل من امرأة أبيه المقتي و منهم الأشعث بن قيس و أبو معيط جد الوليد بن عتبة.قال البلخي ليس كل نكاح حرمه الله تعالى زنا لأن الزنا هو فعل مخصوص لا يجري على طريقة لازمة و سنة جارية لذلك لا يقال للمشركين في الجاهلية أولاد زنا و لا لأهل الذمة و المعاهدين أولاد زنا إذا كان عقدا بينهم يتعارفونه. إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً دخلت كان لتدل على أنه كان قبل تلك الحال كذا كان كذا فاحشة (1).و قول المبرد إن كان زائدة غير صحيح لأنها لو كانت زائدة لم تعمل معناه أنه كان فيما مضى أيضا فاحشة و مقتا و كان قد قامت الحجة عليهم بذلك في كل من عقد عليها الأب من النساء أنه يحرم على الابن دخل بها أو لم يدخل بلا خلاف.فإن دخل بها الأب على وجه السفاح فهل (2) يحرم على الابن ففيه خلاف و عموم الآية يقتضي أنها تحرم عليه لأن النكاح يعبر به عن الوطي كما يعبر به عن العقد فيجب أن يحمل عليهما.و امرأة الأب و إن علا تحرم على الابن و إن نزل بلا خلاف

ص: 81


1- الزيادة من م.
2- الزيادة من م.

فصل

ثم

قال تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ (1) الآية.اعلم أن في الناس من اعتقد أن هذه الآية و ما يجري مجراها كقوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ (2) مجملة لا يمكن التعلق بظاهرها في تحريم شيء و إنما يحتاج إلى بيان قالوا لأن الأعيان لا تحرم و لا تحل و إنما يحرم التصرف فيها و التصرف مختلف فيحتاج إلى بيان التصرف المحرم دون التصرف المباح.و الأقوى أنها ليست مجملة لأن المجمل هو ما لا يفهم المراد بعينه بظاهره و ليست هذه الآية كذلك لأن المفهوم من ظاهرها تحريم العقد عليهن و الوطي دون غيرهما من أنواع الفعل فلا يحتاج إلى البيان مع ذلك و كذلك قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ المفهوم منه الأكل و البيع دون النظر إليها أو ما جرى مجراه.كيف و قد تقدم هذه الآية ما يكشف عن أن المراد هاهنا من قوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ فلما قال بعده حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ كان المفهوم أيضا تحريم نكاحهن و يطلب الكلام فيه من أصول الفقه.

فصل

قال ابن عباس حرم الله في هذه الآية سبعا بالنسب و سبعا بالسبب.فالمحرمات من النسب الأمهات و يدخل في ذلك أمهات الأمهات و إن علون و أمهات الآباء كذلك و البنات و يدخل في ذلك بنات الأولاد أولاد البنين و أولاد

ص: 82


1- سورة النساء:23.
2- سورة المائدة:3.

البنات و إن نزلن و الأخوات سواء كن لأب أو لأب و أم و كذا العمات و الخالات و إن علون من جهة الأب كن أو من جهة الأم و بنات الأخ و بنات الأخت و إن نزلن و كل من يقع عليه اسم بنت حقيقة أو مجازا تحرم لقوله تعالى وَ بَناتُكُمْ و كذا من يقع عليه اسم العمة لقوله تعالى وَ عَمّاتُكُمْ و كذلك كل من كان خالته حقيقة و هي أخت أمه أو مجازا و هي أخت جدته أي جدة كانت من قبل أمها فأختها خالته و تحرم عليه لقوله تعالى وَ خالاتُكُمْ .و المحرمات بالسبب الأمهات من الرضاعة و الأخوات أيضا من الرضاعة و كل من يحرم بالنسب يحرم مثله بالرضاع فنص الله من جملتهن على الأمهات و الأخوات بظاهر اللفظ و دل بفحواه على أن من عداهما ممن تحرم بالنسب كهما لأن تلك إذا صارت بالرضاع أما و هذه أختا فالعمة و الخالة يصيران عمة و خالة و كذلك من سواهما

وَ لِذَلِكَ قَالَ ع يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ (1).

فصل

ثم

قال تعالى وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ فأمهات النساء يحرمن بنفس العقد و إن لم يدخل بالبنت على رأي أكثر الفقهاء و به قال ابن عباس و الحسن و عطاء و قالوا هي مبهمة و خصوا التقييد بقوله وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ

وَ رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ ع وَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْأُمِّ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِالْبِنْتِ. و لم يجعلوا قوله مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ راجعا إلى أمهات النساء و قالوا تقدير الكلام حرمت عليكم نساؤكم مطلقا (2) و حرمت عليكم ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم

ص: 83


1- من لا يحضره الفقيه 475/3.
2- الزيادة من م.

اللاتي دخلتم بهن و قالوا أم المرأة تحرم بالعقد مجردا و الربيبة تحرم بشرط الدخول بالأم و هذا هو الصحيح و قال قوم هي من صلبهما جميعا فإن المرأة لا تحرم أمها ما لم يدخل بها أيضا.و الصحيح أن الجملة المقيدة إذا عطفت على الجملة المطلقة لا يجب أن يسري ذلك التقييد إلى الجملة الأولى أيضا و يتحقق هذا من النحو أيضا فقال الزجاج و هو قول سيبويه و المحققين إن الصحيح هو الأول و ذلك أن الموصوفين و إن اتفقا في الإعراب فإنهما إذا اختلف العامل فيهما لم يجز أن يوصفا بصفة جامعة و المثال يجيء من بعد.و الربائب جمع ربيبة و هي بنت الزوجة من غيره و يدخل فيه أولادها و إن نزلن و سميت بذلك لتربيته إياها و معناها مربوبة و يجوز أن تسمى ربيبة سواء تولى تربيتها و كانت في حجره أو لم تكن لأنه إذا تزوج بأمها سمي هو ربيبها و هي ربيبته.و العرب تسمي الفاعلين و المفعولين بما يقع بهم و يوقعونه يقولون هذا مقتول و هذا ذبيح و إن لم يقتل بعد و لم يذبح إذا كان يراد قتله أو ذبحه و كذلك يقولون هذا أضحية لما أعد للتضحية فمن قال لا تحرم بنت الزوجة إلا إذا تربت في حجره فقد أخطأ على ما قلناه.و قوله تعالى مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ قال المبرد اَللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ نعت للنساء اللواتي من أمهات الربائب لا غير قال لإجماع الناس أن الربيبة تحل إذا لم يدخل بأمها و إن من أجاز أن يكون قوله تعالى مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ هو لأمهات نسائكم فيكون معناه أمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فيخرج أن يكون اللاتي دخلتم بهن لأمهات الربائب.قال الزجاج لأن الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا لا يجيز

ص: 84

النحويون مررت بنسائك و هربت من نساء زيد الظريفات على أن تكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء و هؤلاء النساء لأن الأولى جر بالباء و الثانية بالإضافة فكذلك النساء الأولى في الآية جر بإضافة الأمهات إليها و الثانية جر بمن فلا يجوز أن يكون اَللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ صفة للنساء الأولى و الثانية.و قيل أيضا لو جاز أن يكون اَللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ صفة للأولى و الثانية لجاز أن يكون قوله إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ استثناء من جميع المحرمات و في إجماع الجميع على أنه استثناء مما يليه و هو اَلْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ دلالة على أن اَللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ صفة للنساء اللاتي تليها و الدليل الأول أقوى و قال من اعتبر الدخول بالنساء لتحريم أمهاتهن يحتاج أن يقدر أعني فيكون التقدير و أمهات نسائكم أعني اللاتي دخلتم بهن و ليس بنا إلى ذلك حاجة.و الدخول المذكور في الآية قيل فيه قولان أحدهما قال ابن عباس هو الجماع و اختاره الطبري الثاني قال عطا هو الجماع و ما يجري مجراه من المسيس و هو مذهبنا و له تفصيل فإن كان المسيس من شهوة فهو كالجماع فيكون محظورا و إن كان من غير شهوة فنكاح بنتها مكروه و فيه خلاف بين الفقهاء.

فصل

ثم

ص: 85

فقال المشركون في ذلك فنزل وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ .فأما حلائل الأبناء من الرضاع فمحرمات

لِقَوْلِهِ ع يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. و إنما سميت المرأة حليلة لأمرين لأنها تحل معه في الفراش و لأنه يحل له وطؤها.

فصل

ثم عطف عليه فقال تعالى وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أي و حرم عليكم الجمع بينهما لأن أن مع صلتها في حكم المصدر و هذا يقتضي تحريم الجمع بينهما في عقد واحد و تحريم الجمع بينهما في الوطي سيما بملك اليمين فإذا وطئ إحداهما لم يحل له الأخرى حتى تخرج تلك من ملكه و هو قول الحسن و أكثر المفسرين و الفقهاء.و من أجاز الجمع بينهما في الوطء على ما ذهب إليه داود و قوم من أهل الظاهر فقد أخطأ في الأختين و كذا في الربيبة و أم الزوجة لأن قوله وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ يدخل فيه المملوكة و المعقود عليها و كذا قوله مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ يتناول الجميع و كذا قوله وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ عام في الجميع على كل حال في العقد و الوطي و إنما أخرجنا جواز ملكها بدلالة الإجماع.و لا يعارض ذلك قوله تعالى أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ لأن الغرض بهذه الآية مدح من يحفظ فرجه إلا عن الزوج أو ما ملكت الأيمان فأما كيفية ذلك فليس فيه.و يمكن الجمع بينهما بأن يقال أو ما ملكت أيمانهم إلا على وجه الجمع بين الأم و البنت أو الأختين.

ص: 86

و قوله تعالى إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ استثناء منقطع لكن ما قد سلف لا يؤاخذكم الله به الآن و قد دخلتم في الإسلام و تركتم ما فعلتم في الجاهلية و ليس المراد أن ما سلف حال النهي يجوز استدامته بلا خلاف.و قيل إن إلا بمعنى سوى و موضع أَنْ تَجْمَعُوا رفع تقديره حرمت عليكم الأشياء و الجمع بين الأختين فإنهما يحرمان على وجه الجمع دون الانفراد سواء اجتمع العقدان أو افترقا و كان ذلك لبني إسرائيل حلالا فإن خلفت إحداهما الأخرى جاز.و يمكن الاستدلال بهذه الآية على أنه لا يصح أن يملك واحدة من ذوات الأنساب المحرمات و من الرضاع أيضا لأن التحريم عام

بِقَوْلِهِ ع يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. فهو دليل على أنه لا يصح ملكهن من جهة الرضاع و إن كان فيه خلاف.و أما المرأة التي وطئها بلا تزويج و لا ملك فليس في الآية ما يدل على أنه يحرم وطء أمها و بنتها لأن قوله تعالى وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ و قوله مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ يتضمن إضافة الملك إما بالعقد أو بملك اليمين فلا يدخل فيه من وطئ من لا يملك وطؤها غير أن قوما من أصحابنا ألحقوا ذلك بالموطوءة بالعقد و الملك بالسنة و الأخبار المروية في ذلك و فيه خلاف بين الفقهاء.ثم قال إِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً أخبر سبحانه أنه كان غفورا حيث لم يؤاخذهم بما فعلوه من نكاح المحرمات و إنما عفا لهم عما سلف.

فصل

ثم

قال تعالى وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ (1)

ص: 87


1- سورة النساء:24.

قيل في معناه ثلاثة أقوال أحدها و هو الأقوى أن المراد به ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم من سبي من كان لها زوج لأن بيعها طلاقها

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ طَلاَقُ الْأَمَةِ سِتٌّ سَبْيُهَا وَ بَيْعُهَا وَ عِتْقُهَا وَ هِبَتُهَا وَ مِيرَاثُهَا وَ طَلاَقُ زَوْجِهَا (1). الثالث أن المحصنات العفائف إلا ما ملكت أيمانكم بالنكاح أو اليمين ملك استمتاع بالمهر أو ملك استخدام بثمن الأمة و أصل الإحصان المنع.و الإحصان على أربعة أقسام أحدها بالزوجية كقوله وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ الثاني بالإسلام كقوله فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ (2) الثالث بالعقد (3) كقوله وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ (4) الرابع يكون بالجزية كقوله وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (5) .قال البلخي و الآية دالة على أن نكاح المشركين ليس بزنى لأن قوله تعالى وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إذا كان المراد به ذوات الأزواج من أهل الحرب بدلالة قوله إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ بسبي فلا خلاف أنه لا يجوز وطي المسبية بعد استبرائها بحيضة. و قوله كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ نصب على المصدر من غير فعله و فيه معناه كأنه قال حرم الله ذلك كتابا من الله أو كتب كتابا و عن الزجاج أنه نصب على جهة الأمر و يكون عَلَيْكُمْ مفسرا و المعنى الزموا كتاب الله و على الإغراء

ص: 88


1- كذا في النسختين و قد حذف منهما القول الثاني.
2- سورة النساء:25.
3- في ج«بالعفة».
4- سورة النور:4.
5- سورة المائدة:5.

و العامل محذوف لأن عليكم لا يعمل فيما قبله.

"وَ قَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ النِّسَاءِ سَبْعاً بِالنَّسَبِ وَ سَبْعاً بِالسَّبَبِ وَ تَلاَ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ وَ السَّابِعَةُ مِنْ مُحَرَّمَاتِ السَّبَبِ قَوْلُهُ وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ وَ هِيَ امْرَأَةُ الْأَبِ سَوَاءً دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ زَوْجَاتُ الْأَجْدَادِ وَ إِنْ عَلَوْا مِنَ الطَّرَفَيْنِ.

باب مقدار ما يحرم من الرضاع و أحكامه ما وراء ذوات المحارم القرابية

أما الرضاع فإن الله سمى

بقوله تعالى وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ (1) أمهات للحرمة.و لا يحرم عندنا الرضاع إلا ما نبت اللحم و شد العظم و إنما يعتبر أقل ذلك بخمس عشرة رضعة متوالية لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى أو برضاع يوم و ليلة لا يفصل بينهما برضاع امرأة أخرى.و في أصحابنا من روى تحريم ذلك بعشر رضعات و ذلك محمول على شدة الكراهة في ذلك.و متى دخل من الرضاع رضاع امرأة أخرى بطل حكم ما تقدم و حرم الشافعي بخمس رضعات و لم يعتبر التوالي و إنما اختار خمس الرضعات

"لِمَا رَوَتِ عَائِشَةُ أَنَّ عَشْرَ رَضَعَاتٍ كَانَتْ مُحَرِّمَةً فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ. و هذا يدل على ما نذهب إليه من خمس عشرة رضعة لأن النسخ كما توهم الشافعي أنه بالنقصان فإنه يكون بالزيادة و إنما ذهبنا إلى الزيادة للتفصيل الوارد عن الصادق ع

ص: 89


1- سورة النساء:23.

و حرم أبو حنيفة بقليله و كثيره و في أصحابنا من ذهب إليه و المراد به الكراهية.و اللبن عندنا للفحل لأنه بفعله ثار و نزل و معناه إذا أرضعت امرأة بلبن فحل لها صبيانا كثيرين من أمهات شتى فإنهم جميعهم يصيرون أولاد الفحل و يحرمون على جميع أولاده الذين ينتسبون إليه ولادة و رضاعا و يحرمون على أولاد المرضعة الذين ولدتهم فأما من أرضعته بلبن غير هذا الفحل فإنهم لا يحرمون عليهم.ثم اعلم أن كل أنثى انتسبت إليها باللبن فهي أمك لقوله تعالى وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ فالتي أرضعتك أو أرضعت امرأة أرضعتك أو رجلا أرضعت بلبانه من زوجته أو أم ولده كلها على ما ذكرناه فهي أمك من الرضاعة و كذا كل امرأة ولدت امرأة أرضعتك أو ولدت رجلا أرضعت بلبنه فهي أمك من الرضاعة.

فصل

و قوله تعالى وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ يعني بنات المرضعة و هن ثلاثا الصغيرة الأجنبية التي أرضعتها أمك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أو مع ولد قبلك أو بعدك و الثانية أختك [لأمك دون أبيك و هي التي أرضعتها أمك بلبان رجل غير أبيك و الثالثة أخيك] (1) لأبيك دون أمك و هي التي أرضعتها زوجة أبيك بلبن أبيك و أم الرضاعة و أخت الرضاعة لو لا الرضاعة لم تحرما فالرضاعة سبب تحريمهما.و كل من تحرم بالنسب من اللاتي مضى ذكرهن تحرم أمثالهن بالرضاع

ص: 90


1- الزيادة من ج.

لِقَوْلِ النَّبِيِّ ص إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ. فثبت بهذا الخبر أن السبع المحرمات بالنسب على التفصيل الذي ذكره الله محرمات بالرضاع.و الكلام في الرضاع في ثلاثة فصول أحدها مدة الرضاع و قد اختلف فيها فقال أكثر أهل العلم لا يحرم إلا ما كان في مدة الحولين فأما ما كان بعده فلا يحرم بحال و هو مذهبنا و به قال الشافعي و محمد و أبو يوسف.و ثانيها قدر الرضاع الذي يحرم و قد ذكرناه الآن.و ثالثها كيفية الرضاع فعند أصحابنا لا يحرم إلا ما وصل إلى الجوف من الثدي في المجرى المعتاد الذي هو الفم و أما ما يؤجر أو يسعط أو يحقن به فلا يحرم بحال.

فصل

ثم اعلم أن هذه الجملة على ضربين تحريم أعيان و تحريم جمع.فأما تحريم الأعيان فنسب و سبب فالنسب قد مضى ذكره و السبب على ضربين رضاع و مصاهرة فالرضاع بيناه أيضا و تحريم المصاهرة و إن قدمنا الكلام عليه فنذكرها هنا أيضا مجموعا مفصلا.فاعلم أنهن أربع أمهات الزوجات و كل من يقع عليها اسم أم حقيقة أو مجازا و إن علون فالكل يحرمن لقوله تعالى أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ .و الثانية الربيبة و هي كل من كان نسلها و كذا ولد الربيب و نسله فإنه يحرم بالعقد تحريم جمع فإن دخل بها حرمن عليه كلهن تحريم تأبيد لقوله

ص: 91

وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ إلى قوله فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ .و الثالثة حلائل الأبناء فإذا تزوج امرأة حرمت على والده بنفس العقد وحدها دون أمهاتها و بناتها لقوله وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ و أمهاتها و أولادها ليس حلائله.و الرابعة زوجات الآباء يحرمن دون أمهاتهن و دون نسلهن من غيره و لقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ .

فصل

ثم

ص: 92

من أخوات هذه المسألة إجماع الطائفة فإنه مفض إلى العلم.و إنما قلنا إن إجماعهم حجة لأن في إجماع الإمامية قول الإمام الذي دلت العقول على أن كل زمان لا يخلو من رئيس معصوم لا يجوز عليه الخطأ في قول و لا فعل فمن هذا الوجه كان إجماعهم حجة و دلالة قاطعة و هذه الطريقة واضحة مشروحة في غير موضع من كتبنا.فإن استدل المخالف بظواهر آيات القرآن مثل قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ بعد ذكر المحرمات.قلنا هذه الظواهر يجوز أن يرجع عنها بالأدلة كما رجعتم أنتم عنها في تحريم نكاح المرأة على عمتها و خالتها مع جواز ذلك عندنا على بعض الوجوه على ما نذكره.على أن النساء اللاتي يعلم تحريمهن بالسنة إنما حرمت كل واحد منهن على رجل بعينه بسبب من قبله و أمر من أموره و إلا كانت هي قبل ذلك على أصل الإباحة و لو لا حصول ما حصل لما حرمت البتة فسقط سؤالهم.فأما إذا زنى رجل بامرأة حرمت على ابنه و الدليل عليه قوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ و لفظ النكاح يقع على الوطي و العقد معا على ما ذكرناه فكأنه قال لا تعقدوا على من عقد عليه آباؤكم و لا تطئوا من وطئوهن.و الدليل على جواز نكاح العمة و الخالة و عنده بنت الأخ و بنت الأخت إجماع الطائفة و كذا نكاح المرأة و عنده عمتها و خالتها إذا رضيتا فإنه يدل عليه عموم قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ لأنه عام في جميعهن و من ادعى نسخه فعليه الدلالة و خبر الواحد لا ينسخ به القرآن

ص: 93

باب ضروب النكاح

قال الله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (1) و قال تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ (2) .أما الآية الأولى فقد قيل في معناه أربعة أقوال أحدها أحل لكم ما دون الخمس أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح.الثاني أحل لكم ما وراء ذوات المحارم من أقاربكم و نحوها من المحرمات بالسبب.الثالث ما وراء ذلكم مما ملكت أيمانكم.الرابع ما وراء ذوات المحارم إلى الأربع أن تبتغوا بأموالكم نكاحا أو ملك يمين.و هذا الوجه أولى لأنه حمل الآية على عمومها في جميع ما ذكره الله في كتابه أو على لسان نبيه.ثم اعلم أن أحكام النكاح تشتمل على ذكر أقسامه و شروطه و ما يلزم بالعقد و ما يلزم بالفرقة.فأقسامه على ثلاثة أقسام نكاح دوام و هو غير مؤجل و نكاح متعة و هو مؤجل و نكاح بملك اليمين.و أما شرائط الأنكحة الواجبة فالإيجاب و القبول و المهر أو الأجر أو الثمن أو ما يقوم مقامها و كون المتعاقدين متكافئين في الدين في نكاح الدوام

ص: 94


1- سورة النساء:24.
2- سورة النساء:3.

و أن تكون الزوجة و الأمة من غير ذوات المحارم و نحو ذلك مما لا يصح مع عدمه من الشروط.و ما يلزم بالعقد فهي المهر و القسمة و النفقات و لحوق الأولاد و ما يلزم بالفرقة نذكره.و ما روي من تحليل الرجل جاريته لمؤمن لا يخرج عن تلك الأقسام الثلاثة التي هي من ضروب النكاح.و جارية الغير إذا تزوجت بإذن سيدها فنكاحها صحيح قال الله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ (1) فمدح من حفظ فرجه إلا عن زوجته أو ملك اليمين.و النكاح يستحب لقوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ فعلق النكاح باستطابتها و ما هذه صورته فهو غير واجب خلافا لداود.و الناس ضربان ضرب مشته للجماع و قادر على النكاح و ضرب لا يشتهيه فالمشتهي يستحب له أن يتزوج و الذي لا يشتهي فالمستحب أن لا يتزوج لقوله تعالى وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً (2) فمدحه على كونه حصورا و هو الذي لا يشتهي النساء لأنه لا يجعل سبب ذلك (3) و لا يجيء شهوته بل يميتها بكثرة الصوم و قال قوم الذي يمكنه أن يأتي النساء و لكن لا يفعل

باب ذكر النكاح الدائم

قال الله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ فندب تعالى عباده إلى

ص: 95


1- سورة المؤمنون:5-6.
2- سورة آل عمران:39.
3- أي تهيج شهوته بالاكل و الشرب«ج».

التزويج و أجمع المسلمون على أن التزويج مندوب إليه لجميع الأمة و إن اختلفوا في وجوبه لمحمد ص.و أما قوله وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ (1) فاختلف المفسرون في سبب نزوله على ستة أقوال أحدها

"مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْيَتِيمَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَ جَمَالِهَا وَ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا صَدَاقَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَ أُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ مِمَّا سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ إِلَى أَرْبَعٍ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً مِنْ سِوَاهُنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ . و مثل هذا ذكر في تفسير أصحابنا و قالوا إنها متصلة بقوله وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ الآية و به قال الحسن و المبرد.الثاني

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَتَزَوَّجُ الْأَرْبَعَ وَ الْخَمْسَ وَ السِّتَّ وَ الْعَشْرَ وَ يَقُولُ مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ كَمَا تَزَوَّجَ فُلاَنٌ فَإِذَا فَنِيَ مَالُهُ مَالَ عَلَى مَالِ الْيَتِيمَةِ فَأَنْفَقَهُ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزُوا الْأَرْبَعَ لِئَلاَّ يَحْتَاجُوا إِلَى أَخْذِ مَالِ الْيَتِيمَةِ وَ إِنْ خَافُوا ذَلِكَ مَعَ الْأَرْبَعِ (2) أَيْضاً أَنْ يَقْتَصِرُوا عَلَى وَاحِدَةٍ. الثالث قال جماعة كانوا يشددون في أموال اليتامى و لا يشددون في أموال النساء ينكح أحدهم النسوة و لا يعدل بينهن فقال تعالى كما تخافون أن لا تعدلوا في اليتامى فخافوا في النساء فانكحوا واحدة إلى الأربع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة.

ص: 96


1- سورة النساء:3.
2- الزيادة من ج.

الرابع قال مجاهد إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى معناه إن تحرجتم من ولاية اليتامى و أكل أموالهم إيمانا و تصديقا فكذلك تحرجوا من الزناء و انكحوا النكاح المباح من واحدة إلى أربع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة.الخامس قال الحسن إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا في اليتيمة المرباة في حجركم فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مما أحل لكم من يتامى قراباتكم مَثْنى وَ ثُلاثَ الآية و به قال الجبائي و قال الخطاب متوجه إلى ولي اليتيمة إذا أراد أن يتزوجها فإنه إذا كان هو وليها كان له أن يزوجها قبل البلوغ و له أن يزوجها.السادس قال الفراء المعنى إن كنتم تتحرجون من مؤاكلة اليتامى فتحرجوا من جمعكم بين اليتائم ثم لا تعدلون بينهن.

فصل

أما

ص: 97

جمع لذكران الأيتام و إناثهم في هذا المعنى.و قال الحسين بن علي المغربي معنى ما طابَ أي ما بلغ من النساء كما يقال طابت الثمرة أي بلغت و المراد المنع من تزويج اليتيمة قبل البلوغ لئلا يجري عليها الظلم فإن البالغة تختار لنفسها.و قيل معنى ما طابَ لَكُمْ ما حل لكم من النساء و من أحل لكم منهن دون من حرم عليكم و إنما قال ما طابَ لأن ما مصدرية و قيل إن ما هاهنا للجنس كقولك ما عندك فالجواب رجل و امرأة و قيل لما كان المكان مكان إبهام جاءت ما لما فيها من الإبهام و لم يقل من طاب و إن كان من العقلاء و نحوهم من العلماء و ما لغير العقلاء لأن المعنى انكحوا الطيب أي الحلال لأنه ليس كل النساء حلالا لأن الله حرم كثيرا منهن بقوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ الآية هذا قول الفراء و قال مجاهد فانكحوا النساء نكاحا طيبا و قال المبرد ما هاهنا للجنس و كذا قوله أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ معناه أي ملك أيمانكم.و معنى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ أي فلينكح كل واحد منكم مثنى و ثلاث و رباع لما قال وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً (1) معناه فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة.و قوله تعالى مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ بدل من ما طابَ و موضعه النصب و تقديره اثنتين اثنتين و ثلاثا ثلاثا و أربعا أربعا و الواو على هذا بمعنى أو و قد تقع هذه الألفاظ على الذكر و الأنثى فوقوعها على الأنثى مثل الآية التي نحن في تفسيرها و وقوعها على الذكر قوله أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ (2) لأن المراد به الجناح و هو مذكر.

ص: 98


1- سورة النور:4.
2- سورة الفاطر:1.

و قوله مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ معناه اثنتين اثنتين و ثلاثا ثلاثا و أربعا أربعا فلا يقال إن هذا يؤدي إلى جواز نكاح تسع كما توهمه بعض الزيدية فإن اثنين و ثلاثا و أربعا تسع لما ذكرناه فإن من قال دخل القوم البلد مثنى و ثلاث و رباع لا يقتضي الأعداد في الدخول و لكن لهذا العدد لفظا موضوعا و هو تسع فالعدول عنه إلى مثنى و ثلاث و رباع نوع من العي جل كلامه تعالى عن ذلك.

وَ قَالَ الصَّادِقُ ع لاَ يَحِلُّ لِمَاءِ الرَّجُلِ أَنْ يَجْرِيَ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَرْحَامٍ مِنَ الْحَرَائِرِ (1). و لعمومه بقوله إن الاقتصار في نكاح المتعة على أربعة أولى (2) و إن ورد أنهن بمنزلة الإماء و في الإماء يجوز الجمع بين أكثر من أربع في ملك اليمين.

فصل

و قوله فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي فإن خفتم ألا تعدلوا في ما زاد على الواحدة فانكحوا واحدة.و قرأ أبو جعفر المدني بالرفع و تقديره فواحدة كافية كما قال تعالى فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ (3) .و من استدل من الزيدية بهذه الآية على أن نكاح التسع جائز فقد أخطأ لأن المعنى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى إن أمنتم الجور و أما ثلاث إن لم تخافوا ذلك و أما رباع إن أمنتم ذلك فيهن بدلالة قوله تعالى فَإِنْ

خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً لأن معناه فإن خفتم في الثنتين فانكحوا واحدة ثم قال فإن خفتم في الواحدة أيضا فما ملكت أيمانكم على أن مثنى لا تصلح إلا لاثنين اثنين على التفريق في قول الزجاج فتقدير الآية فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث بدلا من مثنى و رباع من ثلاث فلا حاجة إلى أن يقال الواو بمعنى أو و لو قال أو لظن أنه ليس لصاحب مثنى ثلاث و لا لصاحب الثلاث رباع.و قال الفارسي إن مثنى و ثلاث و رباع حال من قوله ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ فهو كقولك جئتك راكبا و ماشيا و راكبا و منحدرا تريد أنك جئته في كل حال من هذه الأحوال و لست تريد أنك جئته و هذه الأحوال لك في وقت واحد.و من استدل بقوله تعالى فَانْكِحُوا على وجوب التزويج من حيث إن الأمر شرعا يقتضي الوجوب فقد أخطأ لأن ظاهر الأمر و إن اقتضى الإيجاب في الشرع فقد ينصرف عنه بدليل و قد قام الدليل على أن التزويج ليس بواجب على أن الغرض بهذه الآية النهي عن العقد على من يخاف أن لا يعدل بينهن.

ص: 99


1- وسائل الشيعة 399/14.
2- في المصدر السابق 448/14 أحاديث بهذا المعنى.
3- سورة البقرة:282.

خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً لأن معناه فإن خفتم في الثنتين فانكحوا واحدة ثم قال فإن خفتم في الواحدة أيضا فما ملكت أيمانكم على أن مثنى لا تصلح إلا لاثنين اثنين على التفريق في قول الزجاج فتقدير الآية فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث بدلا من مثنى و رباع من ثلاث فلا حاجة إلى أن يقال الواو بمعنى أو و لو قال أو لظن أنه ليس لصاحب مثنى ثلاث و لا لصاحب الثلاث رباع.و قال الفارسي إن مثنى و ثلاث و رباع حال من قوله ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ فهو كقولك جئتك راكبا و ماشيا و راكبا و منحدرا تريد أنك جئته في كل حال من هذه الأحوال و لست تريد أنك جئته و هذه الأحوال لك في وقت واحد.و من استدل بقوله تعالى فَانْكِحُوا على وجوب التزويج من حيث إن الأمر شرعا يقتضي الوجوب فقد أخطأ لأن ظاهر الأمر و إن اقتضى الإيجاب في الشرع فقد ينصرف عنه بدليل و قد قام الدليل على أن التزويج ليس بواجب على أن الغرض بهذه الآية النهي عن العقد على من يخاف أن لا يعدل بينهن.

فصل

ثم قال تعالى ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا فأشار بهذا إلى العقد على الواحدة مع الخوف من الجور فيما زاد عليها و الاقتصار على ما ملكت أيمانكم أي هو أقرب إلى أن لا تجوروا و لا تميلوا يقال منه عال يعول إذا مال و جار.و ما قاله قوم من أن معناه أن لا يفترقوا فهو خطأ و كذا قول من زعم أن معناه أن لا يكثر عيالكم لأنه يقال عال يعيل إذا احتاج و أعال يعيل إذا كثر عياله.على أنه لو كان المراد القول الثالث لما أباح الواحدة و ما شاء من ملك

ص: 100

اليمين لأنه أريد في العيال من أربع حرائر و الصحيح أن عال الرجل عياله يعولهم أي مانهم و منه

قَوْلُهُ ع ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ (1).

باب الصداق و أحكامه

قال الله تعالى وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً (2) أي أعطوهن مهورهن ديانة و هبة من الله لهن و نحلة نصب على المصدر.

"عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُخَاطَبُ بِهِ الْأَزْوَاجُ أَمَرَهُمْ بِإِعْطَاءِ الْمَهْرِ كَمَلاً إِذَا دُخِلَ بِهَا لِمَنْ سَمَّى لَهَا فَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّهَا إِذَا طُلِّقَتْ فَإِنَّ لَهَا نِصْفَ الْمُسَمَّى إِذَا طَلَّقَهَا وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا الْمَهْرَ فَلَهَا الْمُتْعَةُ فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْراً فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ. و قال أبو صالح هذا خطاب للأولياء لأن الرجل منهم كان إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك و أنزل هذه الآية.و ذكر المعتمر بن سليمان أن أناسا كان أحدهم يعطي هذا الرجل منهم أخته و يأخذ أخت الرجل و لا يكون بينهما المهر فيشير بهذا إلى نكاح الشغار فنهى الله عن ذلك.و الظاهر يدل على الأول.ثم خاطب الله الأزواج بقوله تعالى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً لأن أناسا كانوا يتأثمون أن يرجع أحدهم في شيء مما ساق إلى امرأته فأنزل الله هذه الآية عن ابن عباس.و قال أبو صالح المعني به الأولياء و المعنى إن طابت لكم أنفسهن بشيء

ص: 101


1- وسائل الشيعة 302/6.
2- سورة النساء:4.

من المهر و من لتبيين الجنس فلو وهبت له المهر نحلة لجاز و كان حلالا بلا خلاف.

فصل

و الأصل في الصداق كتاب الله و سنة رسوله ص فالكتاب قوله تعالى وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً (1) و قوله فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً (2) و قال وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ (3) .

وَ قَالَ النَّبِيُّ ص أَدُّوا الْعَلاَئِقَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْعَلاَئِقُ قَالَ مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ. و عليه الإجماع و يسمى المهر صداقا و أجرة و فريضة.فإن قيل كيف سماه الله نحلة و هو عوض عن النكاح.فالجواب أنه مشتق من الانتحال الذي هو التدين يقال فلان ينتحل مذهب كذا فكان قوله تعالى نِحْلَةً معناه تدينا.و قيل إنه في الحقيقة نحلة من الله لها لأن حظ الاستمتاع لكل واحد منهما بصاحبه كحظ الآخر.و قيل وجه ثالث و هو أن الصداق كان للأولياء في شرع من قبلنا بدلالة قول شعيب حين زوج موسى ابنته عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ

عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ (1) فكان معنى قوله تعالى نِحْلَةً أي إن الله أعطاهن هذا في شريعة محمد ع.فإذا ثبت هذا فالمستحب أن لا يعرى نكاح عن ذكر مهر لأنه إذا عقد مطلقا ضارع الموهوبة و ذلك يختص بالنبي ص فلذلك يستحب ذكره و لئلا يرى الجاهل فيظن أنه يعرى عن المهر و لأن فيه قطعا لمواد الخصومة.و متى ترك ذكر المهر و عقد النكاح بغير ذلك فالنكاح صحيح إجماعا لقوله تعالى لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً تقديره و لم تفرضوا لهن فريضة لأنه معطوف على قوله ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ بدلالة قوله وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ .و هذه المتعة واجبة للمرأة التي طلقها قبل الدخول و لم يسم لها مهرا.ثم قال مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ فإن كان المهر مسمى و أعطاها المهر ثم طلقها فالمتعة مستحبة قال الله تعالى وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (2) .

ص: 102


1- سورة النساء:4.
2- سورة النساء:24.
3- سورة البقرة:237.

عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ (1) فكان معنى قوله تعالى نِحْلَةً أي إن الله أعطاهن هذا في شريعة محمد ع.فإذا ثبت هذا فالمستحب أن لا يعرى نكاح عن ذكر مهر لأنه إذا عقد مطلقا ضارع الموهوبة و ذلك يختص بالنبي ص فلذلك يستحب ذكره و لئلا يرى الجاهل فيظن أنه يعرى عن المهر و لأن فيه قطعا لمواد الخصومة.و متى ترك ذكر المهر و عقد النكاح بغير ذلك فالنكاح صحيح إجماعا لقوله تعالى لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً تقديره و لم تفرضوا لهن فريضة لأنه معطوف على قوله ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ بدلالة قوله وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ .و هذه المتعة واجبة للمرأة التي طلقها قبل الدخول و لم يسم لها مهرا.ثم قال مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ فإن كان المهر مسمى و أعطاها المهر ثم طلقها فالمتعة مستحبة قال الله تعالى وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (2) .

فصل

و الصداق عندنا غير مقدر فكل ما يصح أن يكون ثمنا لمبيع أو أجرة لمكتر صح أن يكون صداقا قليلا كان أو كثيرا و فيه خلاف.و الكثير أيضا لا حد له عندنا

لقوله تعالى وَ إِنْ .. آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً (3) و القنطار ملء مسك ثور ذهبا أو سبعون ألفا و هو إجماع لقصة عمر مع المرأة التي حجته فقال كل أحد أفقه من عمر حتى النساء أفقه من عمر.

ص: 103


1- سورة القصص:27.
2- سورة البقرة:241.
3- سورة النساء:20.

و كل ما له قيمة في الإسلام و تراضى عليه الزوجان ينعقد به النكاح و يصير به مهرا إلا أن السنة المحمدية خمسمائة درهم قيمتها خمسون دينارا.و روى أصحابنا أن الإجارة مدة لا يجوز أن يكون صداقا لأنه كان يختص بموسى ع و يجوز أن يكون المهر تعليم شيء من القرآن

باب المتعة و أحكامها

قال الله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً (1) قال الحسن هو النكاح و قال ابن عباس و السدي هو المتعة إلى أجل مسمى و هو مذهبنا لأن لفظ الاستمتاع إذا أطلق لا يستفاد به في الشرع إلا العقد المؤجل و إن كان في أصل الوضع معناه الانتفاع و لا خلاف أن الشيء إذا كان له وضع و عرف شرعي يجب حمله على العرف دون الوضع لأنه صار حقيقة و الوضع مجازا و الحكم للطارئ أ لا ترى أنهم يقولون فلان يقول بالمتعة و فلان لا يقول بالمتعة و لا يريدون إلا العقد المخصوص.و لا ينافي ذلك قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ (2) لأنا نقول إن هذه زوجة و لا يلزم أن يلحقها جميع أحكام الزوجات من الميراث و الطلاق و الإيلاء و الظهار و اللعان لأن أحكام الزوجات تختلف أ لا ترى أن المرتدة تبين بغير طلاق و كذا المرتد عندنا و الكتابية لا ترث و أما العدة فإنها يلحقها عندنا و يلحق به الولد أيضا في هذا النكاح فلا شنعة بذلك.

ص: 104


1- سورة النساء:24.
2- سورة المؤمنون:5-6.

و لو لم تكن زوجة لما جاز أن يضم ما ذكر في هذه السورة إلى ما في تلك الآية و إن ذلك جائز لأنه لا تنافي بينهما فيكون التقدير إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم أو ما استمتعتم به منهن و قد استقام الكلام.

فصل

وَ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ قَرَءُوا فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (1). و ذلك صريح بما قلناه على أنه لو كان المراد به عقد النكاح الدائم لوجب لها جميع المهر بنفس العقد لأنه قال تعالى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يعني مهورهن عند أكثر المفسرين و ذلك غير واجب بلا خلاف و إنما يجب الأجر بكماله في عقد المتعة بنفس العقد.و لا يعترض هذا بقوله تعالى وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً (2) لأن آية الصدقة مطلقة و هذه مقيدة بما قبلها مع أنه فصل سبحانه فقال وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ .و في أصحابنا من قال قوله أُجُورَهُنَّ يدل على أنه تعالى أراد المتعة لأن المهر لا يسمى أجرا بل سماه الله تعالى صدقة و نحلة.و هذا ضعيف لأن الله سمى المهر أجرا في قوله فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (3) و في قوله وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (4) و من حمل ذلك كله على المتعة كان مرتكبا لما يعلم خلافه.

ص: 105


1- انظر الدّر المنثور 129/2 فما بعدها.
2- سورة النساء:4.
3- سورة النساء:25.
4- سورة المائدة:5.

و من حمل لفظ الاستمتاع على الانتفاع فقد أبعد لأنه لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم من لا ينتفع بها شيء من المهر فقد علمنا أنه لو طلقها قبل الدخول للزمه نصف المهر فإن خلا بها خلوة تامة لزمه جميع المهر عند كثير من الفقهاء و إن لم يلتذ و لم ينتفع.

فصل

وَ أَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي يَرْوُونَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ع نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ (1). فهو خبر واحد لا يترك له ظاهر القرآن و مع ذلك يختلف لفظه و روايته فتارة يروون أنه نهى عنها في عام خيبر و تارة يروون أنه نهى عنها في عام الفتح و قد طعن أيضا في طريقه بما هو معروف.و أدل دليل على ضعفه

"قَوْلُ عُمَرَ مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ أَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَ مُعَاقِبٌ عَلَيْهِمَا (2). فأخبر أن هذه المتعة كانت على عهد رسول الله ص و أنه هو الذي نهى عنها لضرب من الرأي.فإن قالوا إنما نهى لأن النبي ع كان نهى عنها.قلنا لو كان كذلك لكان يقول متعتان كانتا على عهد رسول الله فنهى عنهما و أنا أنهى عنهما أيضا فكان يكون آكد في باب المنع فلما لم يقل ذلك دل على أن التحريم لم يكن صدر عن النبي ص و صح ما قلناه.

وَ قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ عَلِيٌّ ع لَوْ لاَ أَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ مَا زَنَى إِلاَّ شَقِيٌّ (3).

ص: 106


1- انظر سنن الترمذي 429/3.
2- الغدير 210/6 عن سنن البيهقيّ 206/7 و لفظه«و اعاتب عليهما».
3- الدّر المنثور 140/2.و بمضمونه حديث عن ابى جعفر الباقر عليه السلام،انظر الاستبصار 141/3.

"وَ ذَكَرَ الْبَلْخِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ع وَ نَحْنُ شَبَابٌ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لاَ نَسْتَخْصِي قَالَ لاَ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ (1).

و قوله تعالى وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ (2) قال السدي و قوم من أصحابنا (3) معناه لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من استئناف عقد آخر بعد انقضاء المدة التي تراضيتم عليها فتزيدها في الأجر و تزيدك في المدة (4).

فصل

فإذا ثبت أن النكاح المتعة جائز و هو النكاح المؤجل و قد سبق إلى القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الأحوال عند المخالفين و قد أثبتوا في كتبهم منهم أمير المؤمنين ع و ابن مسعود و مجاهد و عطا و قد رووا عن جابر و سلمة بن الأكوع و أبي سعيد الخدري و المغيرة بن شعبة و ابن جبير و ابن جريح أنهم كانوا يفتون بها و ادعاؤهم الاتفاق على حظر المتعة باطل.و قد ذكرنا أن الحجة لنا بعد الإجماع من القرآن قوله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً و لفظ الاستمتاع و التمتع و إن كان واقعا

ص: 107


1- مسند أحمد بن حنبل 432/1.
2- سورة النساء:24.
3- انظر الدّر المنثور 140/2.
4- قال الصغانى في العباب:قيل لسعد بن أبي وقاص«رض»:ان فلانا ينهى عن المتعة. فقال:متعنا مع رسول اللّه عليه السلام و فلان كافر بالعرش-أى و هو مقيم بعرش مكّة و هى بيوتها القديمة لم يسلم و لم يهاجر.كأنّه قال كافر بالعروش،و هو جمع عريش،و هو خيمة من خشب و ثمام.قال الصغانى:فلان هو معاوية بن أبى سفيان«ج».

على الالتذاذ و الانتفاع في أصل اللغة فقد صار بعرف الشرع مخصوصا بهذا العقد المعين لا سيما إذا أضيف إلى النساء و لا يفهم من قول القائل متعة النساء إلا هذا العقد المخصوص كما أن لفظ الظهار اختص في عرف الشرع بهذا الحكم المخصوص و إن كانت في اللغة مشتركة فكأنه قال إذا عقدتم عليهن هذا العقد المخصوص فآتوهن أجورهن.و لفظة اِسْتَمْتَعْتُمْ لا تعدو وجهين إما أن يراد بها الانتفاع و الالتذاذ الذي هو أصل موضوع اللغة أو العقد المؤجل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع فلا يجوز أن يكون هو الوجه الأول لأمرين أحدهما أنه لا خلاف بين محصلي من تكلم في أصول الفقه في أن لفظ القرآن إذا ورد و هو محتمل لأمرين أحدهما أصل اللغة و الآخر عرف الشرع أنه يجب حمله على عرف الشرع و لهذا حملوا كلهم لفظ صلاة و زكاة و صيام و حج على العرف الشرعي دون اللغوي.و الأمر الآخر أنه لا خلاف في أن المهر لا يجب بالالتذاذ لأن رجلا لو وطئ امرأته و لم يلتذ لوطئها لأن نفسه عافتها و كرهتها أو لغير ذلك من الأسباب لكان دفع جميع المهر واجبا و إن كان الالتذاذ مرتفعا فعلمنا أن الاستمتاع في الآية إنما أريد به العقد المخصوص دون غيره.

فصل

و مما يبين ذلك و يقويه قوله تعالى وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ و معناه على ما روي عن آل محمد ع أن تزيدها أنت في الأجر و تزيدك هي في الأجل (1).

ص: 108


1- انظر تفسير البرهان 360/1.

و ما يقوله مخالفونا من أن المراد به رفع الجناح في الإبراء و النقصان أو الزيادة في المهر أو ما يستقر بتراضيهما من النفقة ليس بصحيح لأنا نعلم أن العفو و الإبراء مسقط للحقوق بالعقول و من الشرع ضرورة لا بهذه الآية و الزيادة في المهر كالهبة و الهبة أيضا معلومة لا من هذه الآية و أن التراضي مؤثر في النفقات و ما أشبهها فحمل الآية و الاستفادة بها ما ليس بمستفاد قبلها و لا معلوم هو الأولى فالحكم الذي ذكرناه مستفاد بالآية غير معلوم قبلها فيجب أن يكون أولى.

فصل

ص: 109

اللفظة على الأمرين من العفة و الإحصان الذي يتعلق به الرجم لم يكن بعيدا.فإن قيل كيف يحمل لفظة الإحصان في الآية على ما يقتضي الرجم و عندكم أن المتعة لا تحصن.قلنا قد ذهب أكثر أصحابنا إلى أنها تحصن و إنما لا تحصن إذا كانت المتمتع بها يغيب عنها في أكثر الأوقات و الغائب عن زوجته في النكاح الدائم لا يكون بحكم المحصن في الرجم.و بعد فإذا كانت لفظة مُحْصِنِينَ تليق بالنكاح الدائم المؤبد رددنا ذلك إليه كما أنا رددنا لفظة الاستمتاع إلى النكاح المؤجل لما كانت تليق به فكأنه تعالى أحل النكاح على الإطلاق و ابتغاءه بالأموال ثم فصل منه المؤبد بذكر الإحصان و المؤجل بذكر الاستمتاع.و موضع أَنْ تَبْتَغُوا نصب على البدل من ما أو على حذف اللام بأن يكون تقديره لأن تبتغوا و من قرأ وَ أُحِلَّ بالضم جاز في محل أن الرفع و النصب و معنى أَنْ تَبْتَغُوا أن تطلبوا و تلتمسوا بأموالكم إما شراء بثمن أو نكاحا مؤجلا أو مؤبدا عن ابن عباس. مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ أي متزوجين غير زانين و أعفة غير زناة و قال الزجاج المسافح و المسافحة الزانيان غير ممتنعين من أحد فإذا كانت تزني بواحد فهي ذات خدن فحرم الله الزناء على وجه السفاح الذي ذكرناه و اتخاذ الصديق الذي بيناه

باب العقد على الإماء و أحكامه

ص: 110

قال الله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ (1) معناه و من لم يجد منكم طولا و الطول هو الغنى مأخوذ من الطول فشبه الغنى به لأن به ينال معالي الأمور و قيل الطول هو الهوى (2) قال جابر إذا هوي الأمة التي للغير فله أن يتزوجها بأن كان ذا يسار و الأول هو الصحيح و هو المروي عن أبي جعفر ع (3).المعنى من لم يستطع زيادة في المال و سعة يبلغ بها نكاح الحرة فلينكح أمة أي من لم يقدر على شيء مما يصلح لنكاح الحرائر من المهر و النفقة فلينكح مما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات أي من فتيات المسلمين لا من فتيات غيركم و هم المخالفون في الدين كاليهود و النصارى و المجوس و غيرهم فإن مهور الإماء أقل و مئونتهن أخف في العادة.و المراد به إماء الغير لأنه لا يجوز أن يتزوج الرجل بأمة نفسه إجماعا و طولا مفعول به و على قول جابر من أنه من الهوى مفعول له.و العنت في قوله تعالى لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ على هذا المراد به الحد لأنه إذا هواها خشي أن يواقعها فيحد فيتزوجها.و الفتاة الشابة و الفتاة الأمة و إن كانت عجوزا لأنها كالصغيرة في أنها لا توقر توقير الحرة و الفتوة حالة الحداثة يقال أفتى الفقيه لأنه في مسألة حادثة.

فصل

و في الآية دلالة على أنه لا يجوز نكاح الأمة الكتابية لأنه قيد جواز العقد على الإماء بكونهن مؤمنات و قال أبو حنيفة يجوز ذلك لأن التقييد هو على

ص: 111


1- سورة النساء:25.
2- و فسر الطول بالمهر في حديث عن الصادق عليه السلام-انظر تفسير البرهان 361/1.
3- مجمع البيان 33/2.

جهة الندب دون التحريم و الأول أقوى لأنه الظاهر و ما قاله عدول عن الظاهر.و منهم من قال إن تأويل من فتياتكم المؤمنات الكتابيات دون المشركات من عبدة الأوثان بدلالة الآية في المائدة و هي قوله تعالى وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (1) و هذا ليس بشيء لأن الكتابية لا تسمى مؤمنة.و من أجاز العقد على الكتابية له أن يقول آية المائدة مخصوصة بالحرائر منهن دون الإماء.و ظاهر الآية يقتضي أن من وجد المهر للحرة و نفقتها و لا يخاف العنت لا يجوز له تزويج الأمة و إنما يجوز العقد عليها مع عدم الطول و الخوف من العنت و هو مذهب الشافعي غير أن أكثر أصحابنا قالوا ذلك على وجه الأفضل لا لأنه لو عقد عليها و هو غني كان العقد باطلا و هو قول أبي حنيفة و قووا ذلك بقوله تعالى وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ (2) .إلا أن من شرط صحة العقد على الأمة عند أكثر الفقهاء ألا يكون عنده حرة و هو مذهبنا إلا أن ترضى الحرة بأن يتزوج عليها أمة فإن أذنت كان العقد صحيحا عندنا و متى عقد عليها بغير إذن الحرة كان العقد باطلا و روى أصحابنا أن الحرة تكون بالخيار بين أن تفسخ عقد الأمة كما يكون لها الخيار أن تفسخ عقد نفسها و الأول أظهر لأنه إذا كان العقد باطلا لا يحتاج إلى فسخه.فأما تزويج الحرة على الأمة فلا يجوز إلا بإذن الحرة فإن لم تعلم الحرة بذلك كان لها أن تفسخ نكاح نفسها أو نكاح الأمة و في الناس من قال في عقده على الحرة طلاق الأمة

وَ عَنِ النَّبِيِّ ع الْحَرَائِرُ صَلاَحُ الْبَيْتِ

ص: 112


1- سورة المائدة:5.
2- سورة البقرة:221.

وَ الْإِمَاءُ هَلاَكُ الْبَيْتِ.

فصل

ثم

ص: 113

قال تعالى وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ قيل فيه قولان أحدهما كلكم ولد آدم الثاني كلكم على الإيمان.و يجوز أن تكون الأمة أفضل من الحرة و أكثر ثوابا عند الله و في ذلك تسلية لمن يعقد على الأمة إذا جوز أن يكون أكثر ثوابا عند الله مع اشتراكهم بأنهم ولد آدم و في ذلك صرف عن التعاير في الأنساب.و من كره نكاح الأمة قال إن الولد منها يكون مملوكا و لذلك أنكر و عندنا أن هذا ليس بصحيح لأن الولد عندنا يلحق بالحرية في كلا الطرفين إلا أن يشترط.و قوله تعالى فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ أي اعقدوا عليهن بإذن أهلهن و في ذلك دلالة واضحة على أنه لا يجوز نكاح الأمة بغير إذن وليها الذي هو مالكها.و قوله تعالى وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ معناه أعطوا مالكهن مهورهن لأن مهر الأمة لسيدها و قيل تقديره فآتوا مواليهن فحذف المضاف و قيل إنما قال و آتوهن لأنهن و ما في أيديهن لمواليهن فيكون الأداء إليهن بحضور مواليهن أداء إلى الموالي.و قوله تعالى بِالْمَعْرُوفِ و هو ما وقع عليه العقد و التراضي.و قوله تعالى مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ يعني بالعقد عليهن دون السفاح معهن وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فالخدن الصديق يكون للمرأة يزني بها سرا و السفاح ما ظهر من الزناء أي غير زانيات جهرا و لا سرا و لا يحرم في الجاهلية ما خفي من الزناء و إنما يحرم ما ظهر منه قال الله تعالى وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ (1) أي حرم الزناء سرا و علانية.

فصل

قوله تعالى فَإِذا أُحْصِنَّ من قرأ بالضم معناه تزوجن و من فتح الهمزة فمعناه أسلمن و قال الحسن يحصنها الإسلام و الزوج.و لا خلاف أنه يجب عليها نصف الحد إذا زنت سواء كانت ذات زوج أو لم تكن.و قوله مِنَ الْعَذابِ أي من الحد لقوله وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما (2) و يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ (3) .و لا رجم على الإماء لأن الرجم لا ينتصف.و قوله ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ إشارة إلى نكاح الأمة عند عدم الطول لمن خشي العنت أي الزناء و المشقة و الضرر لغلبة الشهوة. وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ معناه و صبركم عن نكاح الإماء و عن الزناء خير لكم.و يدل على أن الإحصان يعبر به عن الخيرية قوله تعالى في أول الآية وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ و لا شك أنه أراد بها الحرائر و العفائف لأن اللاتي لهن أزواج لا يمكن العقد عليهن على أن في الناس من قال إن المحصنات هنا المراد بها الحرائر دون العفائف لأن العقد على المرأة الفاجرة ينعقد و إن كان مكروها لأن قوله اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً

أَوْ مُشْرِكَةً (1) منسوخ بالإجماع و يمكن أن يخص بالعفائف على الأفضل دون الوجوب.و ذكر الطبري أن في الآية تقديما و تأخيرا لأن التقدير و من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات مما ملكت أيمانكم أي فلينكح مما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات بعضكم من بعض و الله أعلم بإيمانكم (2) و هو مليح.

ص: 114


1- سورة الأنعام:151.
2- سورة النور:2.
3- سورة النور:8.

أَوْ مُشْرِكَةً (1) منسوخ بالإجماع و يمكن أن يخص بالعفائف على الأفضل دون الوجوب.و ذكر الطبري أن في الآية تقديما و تأخيرا لأن التقدير و من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات مما ملكت أيمانكم أي فلينكح مما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات بعضكم من بعض و الله أعلم بإيمانكم (2) و هو مليح.

فصل

ثم

قال تعالى يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال الجبائي في الآية دلالة على أن ما ذكر في الآيتين من تحريم النكاح و تحليله قد كان على من قبلنا من الأمم لقوله وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أي في الحلال و الحرام.و قال الرماني لا يدل ذلك على اتفاق الشريعة و إن كنا على طريقتهم في الحلال و الحرام كما لا يدل عليه و إن كنا على طريقتهم في الإسلام و هذا أقوى و مثله قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (3) و اللام في لِيُبَيِّنَ لإرادة التبيين و الأصل أن يبين كما زيدت في لا أبا لك لتأكيد الإضافة. وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ أي يقبل توبتكم من استحلالهم ما هو حرام عليهم من حلائل الآباء و الأبناء وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ قيل هم اليهود

ص: 115


1- سورة النور:3.
2- مجمع البيان:35/2.
3- سورة البقرة:183.

لأنهم يحلون نكاح الأخت من الأب و قيل المجوس أي يريدون أن يعدلوا عن الاستقامة و يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ في نكاح الإماء لأن الإنسان خلق ضعيفا في أمر النساء

باب نفقات الزوجات و المرضعات و أحكامها

قال الله تعالى وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ (1) أي لا تعطوا النساء و الصبيان أموالكم التي تملكونها فتسلطونهم عليها فيفسدوها و يضيعوها و لكن ارزقوهم أنتم منها إن كانوا ممن يلزمكم نفقتهم و اكسوهم.

و قال تعالى اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ (2) و فيه دليلان على وجوب ذلك أحدهما قوله قَوّامُونَ و القوام على الغير هو المتكفل بأمره من نفقة و كسوة و غير ذلك و الثاني قوله وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ يعني أنفقوا عليهن من أموالهم.

و قال تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا أي في النفقة فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ (3) يعني لا تكثروا من تمونونه فلو لا أن النفقة واجبة و المئونة عليه ما حذره بكثرتها عليه.و قال تعالى قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ (4) يعني من الحقوق التي لهن على الأزواج من الكسوة و النفقة و المهر و غير ذلك.

ص: 116


1- سورة النساء:5.
2- سورة النساء:34.
3- سورة النساء:3.
4- سورة الأحزاب:50.

و قال تعالى وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1) و المولود له الزوج فقد أخبر تعالى أن عليه رزقها و كسوتها.

فصل

و قوله تعالى قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ قال قوم معناه قد علمنا مصلحة ما أخذنا على المؤمنين في أزواجهم و ما فرضناه عليهم مصلحة لهم في أديانهم من المهر و الحصر بعدد محصور من النفقة و الكسوة و القسمة بين الأزواج و غير ذلك من الحقوق و مما ملكت أيمانهم أن لا يقع لهم الملك إلا بوجوه معلومة و وضعنا أكثر ذلك منك و أبحنا لك امرأة وهبت نفسها لك و إنما خصصناك على علم منا بالمصلحة فيه من غير محاباة.و عندنا أن النكاح بلفظ الهبة لا يصح و إنما كان ذلك للنبي ع خاصة و قال قوم يصح غير أنه يلزم المهر إذا دخل بها و إنما جاز بلا مهر للنبي ع خاصة و الذي يبين صحة ما قلناه قوله تعالى إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (2) فبين أن هذا الضرب من النكاح خاص له ع دون غيره من المؤمنين.و متى اجتمع عند الرجل حرة و أمة بالزوجية كان للحرة يومان و للأمة يوم و في رواية للحرة ليلتان و للأمة المزوجة ليلة فإن كانت ملك بيمين فلا قسمة لها و التسوية بينهن في النفقة و الكسوة أفضل و لا بأس أن يفضل بعضهم على بعض فيهما.و إذا كان له زوجة يبيت عندها ليلة في كل أربع ليالي و إن كانت عنده حرتان جاز أن يبيت عند واحدة ثلاث ليالي و عند الأخرى ليلة.

ص: 117


1- سورة البقرة:223.
2- سورة الأحزاب:50.

فصل

و قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا (1) الآية فقد فرض الله على نبيه ص أن يخير نساءه بين المقام معه على ما يكون من أحوال الدنيا و بين مفارقته بالطلاق و تعجيل المنافع فقد روي في سببه أن كل واحدة من نسائه طلبت شيئا منه فلم يقدر على ذلك لأنه لما خيره الله تعالى في ملك الدنيا فاختار الآخرة فأمره الله بتخيير النساء فاخترنا الله و رسوله (2).و روي في سبب ذلك أن بعض نسائه طلبت منه حلقة من ذهب فصاغ لها حلقة من فضة و طلاها بالزعفران فقالت لا أريد إلا من ذهب فاغتم لذلك النبي ع فنزلت الآية فصبرن على الفاقة و الضر فأراد الله تعالى أن يكافئهن في الحال فأنزل لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ (3) الآية ثم نسخت بعد مدة بقوله إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ يعني أعطيت مهورهن لأن النكاح لا ينفك من المهر.و الإيتاء قد يكون بالأداء و قد يكون بالالتزام و أحللنا لك ما ملكت يمينك من الإماء أن تجمع منهن ما شئت و أحللنا لك بنات عمك أن تعقد عليهن و تعطيهن مهرهن ثم قال وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ يعني و أحللنا لك المرأة إذا وهبت نفسها لك إذا أردتها و رغبت فيها.

"[عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ تَحِلُّ لَكَ امْرَأَةٌ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَ إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا إِلاَّ لِلنَّبِيِّ ع خَاصَّةً] (4).

ص: 118


1- سورة الأحزاب:28.
2- اسباب النزول ص 242.
3- سورة الأحزاب:52.
4- الزيادة من م.

فصل

و قوله تعالى وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ (1) هو أمر ورد في صورة الخبر كقوله وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (2) .و إنما قلنا ذلك لأمرين أحدهما أن تقديره و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين في حكم الله الذي أوجبه على عباده فحذف للدلالة عليه.و الثاني أنه وقع موقع ليرضعن تصرفا في الكلام مع دفع الإشكال و لو كان خبرا لكان كذبا لوجودنا و الوالدات يرضعن أكثر من حولين و أقل منهما و قال بعضهم هو على ظاهره خبر.فإن قيل إن الخبر يوجب[...] (3)و الإجماع أن الوالدة بالخيار.الجواب أنه في تقدير حق للوالدات أن يرضعن حولين.و قال الأصم ذلك في المطلقات لوروده عقيبه و لقوله وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ و الزوجة يلزم لها النفقة إذا كانت تطيع على كل حال و لا التباس على أنها عامة و لا يمتنع أن يبين للرضاع زيادة حق على حق الزوجية.و قال أبو مسلم هو أمر و حكم من الله على النساء بإرضاع أولادهن و على أزواجهن إقامة رزقهن و كسوتهن.و قال الزجاج في قوله تعالى بِالْمَعْرُوفِ أي بما تعرفون أنه عدل على

ص: 119


1- سورة البقرة:233.
2- سورة آل عمران:97.
3- كلمة لم نتبينها.

قدر الإمكان و يدل على هذا التأويل قوله تعالى لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَها (1) لأنه خبر في تقدير النهي و بدل أي لا يكلف الزوج من النفقة أكثر من الإمكان على قدر حاله و ما يتسع له لأن الوسع ما يتسع له الرجل و لا يتحرج به و يصير إلى الضيق من أجله.

وَ نَظَرَ الصَّادِقُ ع إِلَى أُمِّ إِسْحَاقَ تُرْضِعُ أَحَدَ ابْنَيْهَا فَقَالَ لاَ تُرْضِعِيهِ مِنْ ثَدْيٍ وَاحِدٍ وَ أَرْضِعِيهِ مِنْ كِلَيْهِمَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا طَعَاماً وَ الْآخَرُ شَرَاباً (2).

فصل

و في الآية بيان لأمرين أحدهما مندوب و الآخر فرض.فالمندوب هو أن يجعل الرضاع تمام الحولين لأن ما نقص عنه يدخل به الضرر على المرتضع.و الفرض أن مدة الحولين التي تستحق المرضعة الأجر فيها و لا تستحق فيما زاد عليه و هو الذي بينه الله تعالى بقوله فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فثبتت المدة التي يستحق فيها الأجرة على ما أوجبه الله تعالى في هذه الآية.و إنما قال تعالى حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ و إن كانت التثنية تأتي على استيفاء السنتين لوقع التوهم من أنه على طريقة التغليب كقولهم سرنا يوم الجمعة و إن كان السير في بعضه و قد يقال أقمنا حولين و إن كانت الإقامة في حول و بعض من الحول الثاني فهو لرفع الإبهام الذي يعرض في الكلام.فإن قيل هل يلزم الحولين في كل مولود.قيل فيه خلاف

ص: 120


1- سورة الأنعام:152.
2- وسائل الشيعة 176/15.

قال ابن عباس لا لأنه يعتبر ذلك بقوله وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (1) فإن ولدت المرأة لستة أشهر فحولين كاملين و إن ولدت لسبعة أشهر فثلاثة و عشرون شهرا [و إن ولدت لتسعة أشهر واحد و عشرون شهرا يطلب لذلك التكملة لثلاثين شهرا] (2) في الحمل و الفصال الذي يسقط به الفرض و على هذا يدل أخبارنا لأنهم رووا أن ما نقص عن أحد و عشرين شهرا فهو جور على الصبي.و قال الثوري هو لازم في كل ولد إذا اختلف والداه رجعا إلى الحولين من غير نقصان و لا زيادة لا يجوز لهما غير ذلك.و الرضاع بعد الحولين لا حكم له في التحريم عندنا و به قال ابن عباس و أكثر العلماء.و قوله وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ إنه يجب على الأب إطعام أم الولد و كسوتها ما دامت في الرضاعة اللازمة إذا كانت مطلقة عند أكثر المفسرين.

فصل

أما

قوله تعالى لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها فله تقديران أحدهما لا تضارر ما لم يسم فاعله أي لا ينزع الولد منها و يسترضع امرأة أخرى مع إجابتها إلى الرضاع بأجرة المثل و لا مولود له و هو الوالد أي لا تضارر والدة بأن لا تمتنع هي من الإرضاع بأجرة المثل.و الثاني أن وزنه تفاعل أي لا تضارر والدة بولدها أي لا تترك المطلقة إرضاع ولدها غيضا على أبيه فتضر بولدها لأن الوالدة أشفق على ولدها من الأجنبية و هو اختيار الزجاج قال لا تضر بولدها في رضاع و لا غذاء و لا حفظ

ص: 121


1- سورة الاحقاف:25.
2- الزيادة من ج.

فيكون ضار بمعنى أضر و معنى و لا مولود له بولده أي لا يضر الوالد على أم الولد من جهة النفقة و تفقده و حفظه.و يجوز أن تكون المضارة من الوالدين بسبب الولد و نهيا عنه لأن في تضارهما إضرارا بالولد و قال أبو مسلم المضارة و المعاسرة واحدة لقوله تعالى وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى و تعاسرهما أن تعلو المرأة في التماس النفقة و منعها الوالد أوسط ما يكفيها كأنه قيل لا تضر والدة الزوج بولدها و كذا فرض الوالد

وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَيْ لاَ يُتْرَكُ جِمَاعُهَا خَوْفَ الْحَمْلِ لِأَجْلِ وَلَدِهَا الْمُرْتَضِعِ وَ لاَ تَمْنَعُ نَفْسَهَا مِنَ الْأَبِ خَوْفَ الْحَمْلِ فَيُضِرَّ ذَلِكَ بِالْأَبِ (1). و إذا قرئ لاَ تُضَارُّ بالرفع فهو في لفظ الخبر و معناه الأمر و المعنى لا تضارر و والدة على هذا فاعلة لا غير و إذا قرئ بفتح الراء فهو نهي مجزوم اللفظ و التقدير لا يضارره أو لا تضارره.

فصل

و قوله تعالى وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ معناه عليه كما ذكر من قبل من النفقة و من ترك المضارة و قيل الوارث الولد و قيل الوالدة و الأول أقوى.و روي في أخبارنا أن على الوارث كائنا من كان النفقة (2) و هو ظاهر القرآن و به قال جماعة و قال بعض المفسرين إن على كل وارث نفقة الرضاع الأقرب فالأقرب يؤخذ به و أما نفقة ما بعد الرضاع فعندنا تلزم الوالدين و إن عليا النفقة على الولد و إن نزل و لا تلزم غيرهم و قال قوم تلزم العصبة دون الأم و الإخوة

ص: 122


1- تفسير البرهان 224/2.
2- انظر تفسير البرهان 225/2.

من الأم و قيل على الوارث من الرجال و النساء على قدر النصيب من الميراث و عموم الآية يقتضيه غير أنا خصصناه بدليل.و قال أبو حنيفة و أصحابه على الوارث ممن كان ذا رحم محرم دون من كان ذا رحم ليس من المحرم كابن العم و ابن الأخت فأوجبوا على ابن الأخت و لم يوجبوها على ابن العم و إن كان وارثه في تلك الحال و كذا العم و ابن العم و قال سفيان و على الوارث أي الباقي من أبويه و هذا مثل ما قلناه.

فصل

و

قوله تعالى فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما الفصال الفطام لانفصال المولود عن الاغتذاء بثدي أمه إلى غيره من الأقوات و هذا الفصال في الآية المراد به فصال قبل الحولين لأن المدة التي هي تمام الحولين معلومة إذا تنازعا رجعا إليه فأما بعد الحولين فلا يجب على واحد منهما اتباع الآخر في دعائه.و قال ابن مهر إيزد في تفسيره إذا اتفق الوالد و المرضعة على أن يريا الصواب فطام المولود قبل انقضاء الحولين و استشارا غيرهما كيلا يقع عليهما غلط فيضرا به إن فطماه فجائز أن يفعلاه و الظاهر أنه مع شرط الفصال قبل الحولين تراضي الوالدين و استشارة الغير فيه و جوز أبو مسلم أن يكون المراد بالفصال مفصاله بين الوالد و الوالدة أن تراضيا بالافتراق و تسليم الولد حتى تسترضعه من يختار و هو بعيد.و قد قال تعالى وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ (1) و معناه منعنا موسى ع من قبل رده إلى أمه و بغضناهن إليه كان ذلك كالمنع بالنهي لا أن هناك

ص: 123


1- سورة القصص:12.

نهيا بالفعل فلما أحضر فرعون أمه سألها كيف ارتضع منك و لم يرتضع من غيرك فقالت لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتي صبيا إلا ارتضع مني يدل هذا على أن لبن الأم أنفع بالولد من لبن غيرها.

"وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى انْفِصَالٍ فَلاَ حَرَجَ إِذَا سَلَّمْتُمْ أُجْرَةَ الْأُمِّ أَوِ الظِّئْرِ. و قال مجاهد أجرة الأم بمقدار ما ارتضعت أجرة المثل و قال سفيان أجرة المسترضعة.و عندنا أن الأب متى وجد من ترضع الولد بأربعة دراهم و قالت الأم لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فإن له أن ينزعه منها قال تعالى وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (1) إلا أن الأصلح له أن يترك مع أمه.و آتيتم بالمد من الإعطاء و أتيتم بالقصر من الإتيان و التقدير إذا سلمتم ما أتيتم نقده فحذف المضاف ثم المضاف إليه و بِالْمَعْرُوفِ يتعلق بأتيتم أو بسلمتم و الآية تدل على أنه تعالى أتاه إذا ضمن أن يعطيه فإذا سلم قيل سلم ما آتاه و العامل في إذا معنى لا جناح عليكم أي إذا استرضعتم و آتيتم الأجرة أمنتم فإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم أي لأولادكم.و في الآية دلالة على أن الولادة بستة أشهر تصح لأنه إذا ضم إلى الحولين كان ثلاثين شهرا و روي ذلك عن علي ع (2) و عن ابن عباس.

فصل

و

قوله تعالى وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ (3) فيه دلالة

ص: 124


1- سورة الطلاق:6.
2- وسائل الشيعة 117/15.
3- سورة آل عمران:44.

على أنهم حين ولادتها تشاحوا في الذي تحضنها و تكفل تربيتها فقال زكريا أنا أولى لأن خالتها عندي و قال القوم نحن أولى لأنها بنت إمامنا و كان عمران إمام الجماعة فألقوا الأقلام أيهم أولى بكفالتها فألقوها بالماء تلقاء الجرية فاستقبلت عصا زكريا جرية الماء مصعدة و انحدرت أقلام الباقين فقرعهم زكريا.فإذا ثبت ذلك فاعلم أن الأم أولى بالولد من الأب مدة الرضاع فإذا خرج عن حد الرضاع كان الوالد أحق به منها إذا كان حرا و كان الولد ذكرا فإن كان أنثى فهي أحق بها إلى سبع سنين ما لم تتزوج فإذا تزوجت كان الوالد أحق بها إلا أن تكون مملوكا.و لا تسترضع كافرة و لا زانية لقوله تعالى وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً (1) فإن كان الوالد مات كانت الأم أحق به من الوصي سواء كان الولد ذكرا أو أنثى إلى أن يبلغ.و قال تعالى وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ (2) أي إنها تضعف ضعفا بحملها الولد إلى أن تضعه فلا تزال تزداد ضعفا على حسب تزايده في بطنها وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ (3) أي في انقضاء عامين بعد الوضع و ظاهر الآية يدل على جواز أحد و عشرين شهرا فإنها في عامين.و قوله تعالى وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (4) أي أمرناه بأن يحسن إلى والديه إحسانا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً أي كانت تحمله لمشقة في بطنها مدة الحمل و وضعته بمشقة في حال الولادة و أرضعته مدة الرضاع.

ص: 125


1- سورة الأعراف:58.
2- سورة لقمان:14.
3- في ج«فانها عامين».
4- سورة الاحقاف:15.

ثم تبين أن أقل مدة الحمل و كمال مدة الرضاع ثلاثون شهرا فنبه بتلك الآية على ما يستحقه الوالدان من حيث إنهما يكفلانه و يربيانه

باب في ذكر ملك الأيمان

قال الله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ (1) .اعلم أن الإماء يستباح وطؤهن بإحدى ثلاثة أشياء العقد عليهن بإذن أهلهن و بتحليل مالكهن الرجل من وطئهن و إباحته له و إن لم يكن هناك عقد و بأن يملكهن فيستبيح وطأهن بملك الأيمان.و إنما يملكهن بوجوه معلومة من الشرى و الهبة و الإرث و السبي و لا بأس أن يجمع الرجل بين أختين في الملك لكنه لا يجمع بينهما في الوطء لأن حكم الجمع بينهما في الوطء حكم الجمع بينهما في العقد فمتى ملك أختين و وطئ منهما واحدة لم يجز له وطئ الأخرى حتى تخرج تلك من ملكه بالبيع أو الهبة أو غيرهما.و يجوز أن يملك أمه و أمها فمتى وطئ إحداهما حرمت الأخرى عليه أبدا.و قوله تعالى قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ (2) قد تكلمنا عليه من قبل و كذلك في قوله تعالى إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ (3) .و ملك اليمين في الآيات المراد به الإماء لأن الذكور من المماليك لا خلاف

ص: 126


1- سورة المؤمنون:5-6. (2-3) سورة الأحزاب:50.

في وجوب حفظ الفرج منهم لأن الله عنى بالفروج في قوله وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ فروج الرجال خاصة بدلالة قوله إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ استثنى من الحافظين لفروجهم من لا يحفظ فرجه عن زوجته أو ما ملكت يمينه من الإماء على ما أباحه الله له.و كل ما لم يجز الجمع بينهما في العقد فلا يجوز الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين.و إنما قيل للجارية ملك يمين و لم يقل في الدار ملك يمين لأن ملك الجارية أخص من ملك الدار إذ له نقض بنية الدار و ليس له نقض بنية الجارية و له عارية الدار و ليس له عارية الجارية فلذلك خص الملك في الأمة

باب ما يحرم النظر إليه منهن و ما يحل

خاطب الله نبيه ع

فقال يا محمد قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ (1) عن عورات النساء و ما يحرم النظر إليه أي قل لهم يغضوا من نظرهم فلا ينظروا إلى ما يحرم فوجب الغض على العموم حيث حذف المفعول ثم خص من وجه آخر بإيراد من فمن للتبعيض لأن غض البصر إنما يجب في بعض المواضع.و كل موضع ذكر في القرآن حفظ الفروج فهو الزناء إلا في هذا الموضع لأن المراد به الستر حتى لا ينظر إليها أحد

قَالَ الصَّادِقُ ع لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَرْجِ أُخْتِهِ وَ لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى فَرْجِ أَخِيهَا (2). و قال قوم من المفسرين العورة من النساء ما عدا الوجه و الكفين فأمروا

ص: 127


1- سورة النور:30.
2- تفسير عليّ بن إبراهيم 101/2.

بغض البصر عن عوراتهن و قيل العورة من الرجل العانة إلى مستغلظ الفخذ من أعلى الركبة و هو العورة من الإماء و الحرة عورة من قرنها إلى قدمها قالوا و يدل على أن الوجه و الكفين و القدمين كلها ليست بعورة من الحرة أن لها كشف ذلك في الصلاة.و قوله تعالى وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ أمر منه تعالى أن يحفظ الرجال فروجهم عن الحرام و أن يحفظوها عن إبدائها.ثم أمر المؤمنات أيضا بغض أبصارهن عن عورات الرجال و ما لا يحل لهن النظر إليه و أمرهن أن يحفظن فروجهن إلا من أزواجهن على ما أباحه الله و يحفظن أيضا إظهارها بحيث ينظر إليها و نهاهن عن إبداء زينتهن إلا ما ظهر منها.

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْنِي الْقُرْطَيْنِ وَ الْقِلاَدَةَ وَ السِّوَارَ وَ الْخَلْخَالَ وَ الْمِعْضَدَ وَ النَّحْرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إِظْهَارُ ذَلِكَ فَأَمَّا الشَّعْرُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُبْدِيَهُ إِلاَّ لِزَوْجِهَا. و الزينة المنهي عن إبدائها زينتان فالظاهرة الثياب و الخفية الخلخالان و السواران في قول ابن مسعود و قال إبراهيم الظاهر الذي أبيح الثياب فقط و قال الحسن الوجه و الثياب و قال قوم كل ما ليس بعورة يجوز إظهاره و الأحوط قول ابن مسعود.

فصل

ثم

ص: 128

نساء المؤمنين دون نساء المشركين سواء كن ذميات أو غيرهن فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن إلا إذا كانت أمة.و قوله أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ يعني الإماء فإنه لا بأس بإظهار الزينة لهؤلاء المذكورين لأنهم محارم.و قوله تعالى أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ قال ابن عباس هو الذي يتبعك ليصيب من طعامك و لا حاجة له في النساء و هو الأبله و قيل هو العنين و قيل هو المجنون و قال مجاهد هو الطفل الذي لا أرب له في النساء و قيل هو الشيخ الهم و الإربة الحاجة.و قوله تعالى أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ يعني الصغار الذين لم يراهقوا فإنه يجوز إبداء الزينة لهم إذا لم يطلعوا بعد على الاستلذاذ و التمتع بهن و لم يروا العورات عورات لصغرهم.و لم يقل أو أعمامهن أو إخوانهن لأن أولادهن ليسوا ذوي محرم لهن فلعلهم إذا رأوا زينتهن بأن يظهرنها لهم يصفونها لبنيهم فيفتتنوا.

فصل

اعلم أن

ص: 129

فإن أصحابنا رووا في تفسير الآية أن المراد به الإماء دون الذكران من المماليك على ما تقدم.و يجوز للرجل إذا أراد أن يتزوج بامرأة أن ينظر إلى محاسنها و إذا اشترى جارية جاز له أن ينظر إليها و يمكن الاستدلال عليه بقوله تعالى وَ كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ (1) و روي أنه نظر إلى ساقها و كان عليه الشعر فساءه ذلك فعمل له النورة و الزرنيخ (2).

فصل

و

قوله تعالى لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا (3) نهى الله المؤمنين أن يدخلوا بيوتا لا يملكونها و هي ملك غيرهم إلا بعد أن يستأذنوا و الاستيناس الإيذان فالمعنى حتى تستأنسوا بالإذن و قال مجاهد حتى يستأنسوا بالتنحنح و الكلام الذي يقوم مقام الاستئذان و قد بين تعالى ذلك بقوله وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا (4) قال عطاء و هو واجب في أمه و أخته و سائر أهله لئلا يهجم على عورتهم.و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ (5) يقول الله مروا عبيدكم و إماءكم أن يستأذنوا عليكم إذا أرادوا الدخول إلى مواضع خلواتكم.قال ابن عباس الآية في النساء و الرجال من العبيد و قال غيره الاستئذان واجب على كل بالغ

ص: 130


1- سورة النمل:44.
2- نور الثقلين 92/4.
3- سورة النور:27.
4- سورة النور:59.
5- سورة النور:58.

في كل حال و على الأطفال في هذه الأوقات الثلاثة بظاهر الآية ففي ذلك دلالة على أنه يجوز أن يؤمر الصبي الذي يعقل لأنه أمره بالاستئذان و قال آخرون ذلك أمر للآباء أن يأخذوا الأولاد بذلك.و فسر تعالى الأوقات فقال مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ لأن الغالب على الناس أن يتعروا في خلواتهم في هذه الأوقات.ثم بين أنه ليس عليكم و لا عليهم أن يدخلوا عليكم من غير إذن يعني الذين لم يبلغوا الحلم و هو المراد بقوله طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ أي هم طوافون ثم قال وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا فقد صار حكمهم حكم الرجال.و قوله تعالى وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ (1) يعني المسنات اللاتي يقعدن عن الحيض و عن التزويج و إنما ذكر القواعد لأن الشابة يلزمها من الستر أكثر مما يلزم العجوز و العجوز لا يجوز لها أن تبدي عورة لغير محرم كالساق و الشعر و الذراع

باب اختيار الأزواج و من يتولى العقد عليهن

قال الله تعالى يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ (2) فهذا يدل على أن المؤمنين أكفاء في عقد النكاح كما أنهم متكافئون في الدماء فمتى خطب المؤمن إلى غيره بنته و بذل لها من الصداق السنة المحمدية و كان

ص: 131


1- سورة النور:60.
2- سورة الحجرات:13.

عنده يسار بقدر ما يقول بأمرها و الإنفاق عليها و كان مرضيا غير مرتكب لجور فلم يزوجه كان عاصيا لله و يكره أن يتزوج متظاهرا بالفسق.و استدل المرتضى على أن الرجل إذا أراد أن يتزوج ينبغي أن يطلب ذوات الدين و الأبوات و الأصول الكريمة و يجتنب من لا أصل له بقوله تعالى وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (1) فقال يجوز أن يكون للثياب هاهنا معنى آخر غير ما قالوه و هو أن الله سمى الأزواج لباسا فقال تعالى هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ (2) و اللباس و الثياب هنا بمعنى واحد فكأنه سبحانه أمر أن يستطهر النساء أي يختارهن طاهرات من دنس الكفر و درن العيب لأنهن مظان الاستيلاد و مضام الأولاد.

وَ عَنِ الصَّادِقِ ع زَوِّجُوا الْأَحْمَقَ وَ لاَ تُزَوِّجُوا الْحَمْقَاءَ فَإِنَّ الْأَحْمَقَ قَدْ يَنْجُبُ وَ الْحَمْقَاءَ لاَ تَنْجُبُ (3)وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً (4) .

فصل

و قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ إلى قوله وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ (5) .

ص: 132


1- سورة المدّثّر:4.
2- سورة البقرة:187.
3- من لا يحضره الفقيه 561/3.
4- سورة الأعراف:58.و النكد العسر الممتنع من اعطاء الخير على وجه البخل، و المعنى الأرض السبخة التي خبث ترابها لا يخرج ريعها الا شيئا قليلا لا ينتفع به-انظر مجمع البيان 431/2.
5- سورة الممتحنة:10.

سبب نزول هذه الآية أن المهادنة لما وقعت بين النبي ع و بين قريش بالحديبية فرت بعدها امرأة من المشركين و خرجت إلى رسول الله مسلمة فجاء زوجها و قال ردها علي فنزلت فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ (1) .و ما جرى للنساء ذكر و إنما ضمن أن يرد الرجال فأمر الله أن تمتحن المهاجرة بالشهادتين فإن كانت مؤمنة رد صداقها و لا ترد هي عليه إذ هي لا تحل له و لا هو يحل لها و هذا في القرآن للتوكيد وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ حكم آخر أي كما ليس للمؤمنة أن تكون مع الكافر فكذلك أنتم أيها المؤمنون لا تبغوا نكاح الكافرات إن لم يؤمن.ثم قال تعالى وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا أي إن ارتدت مسلمة فلحقت بأهل المعاهدة فلكم أن تطالبوا أهلها أو وليها من الكفار أو يردوا عليكم ما أنفقتم في صداقها و لهم أن يطالبوكم بمثل ذلك فأما رد المؤمنة على الكافر فلم يجز البتة في حكم الله تعالى.و في هذه الآية أحكام كثيرة منها ما هو باق و منها ما قد سقط و كثير من الناس يدعون [النسخ فيما قد سقط كامتحان المهاجرة و رد الصداق على الكافر] (2) و ليس في شيء من ذلك نسخ و إنما هي أحكام تبعت الهجرة و الهدنة التي كانت فلما انقضى زالت تلك الأحكام و ما كان كذلك لم يكن نسخا.و قال الحسن معنى قوله تعالى وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ اقطعوا عصمة الكفار و لا تتمسكوا بها قال كان في صدر الإسلام تكون المسلمة تحت الكافر و الكافرة تحت المسلم فنسخت هذه الآية ذلك و هذا ليس بنسخ على الحقيقة لأن الله لم يأمر بالأول فيكون نهيه عنه نسخا و إنما كان للأول بقاء على الحالة

ص: 133


1- اسباب النزول للواحدى ص 282.
2- الزيادة من ج.

الأولة غيرته الشريعة بحكم هذه الآية كما غيرت كثيرا من سنن الجاهلية.

فصل

أما

قوله تعالى اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ (1) فمعناه أحل لكم العقد على المحصنات يعني العفائف من المؤمنات و الحرائر منهن و لا يدل على تحريم من ليس بعفيفة و لا أمة لأن ذلك دليل الخطاب و قد تقدم أنه لو عقد على أمه أو من ليست بعفيفة صح العقد و الأولى تجنبه و آخر الآية ينطق بأن المراد الحرائر و هو قوله إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ لأن ذلك يتأتى في الحرائر و مهور الإماء يعطى أربابهن كما قدمنا.فإن قيل كيف قال اليوم أحل لكم تلك النساء أ تراهن قبل ذلك اليوم كن محرمات.قلنا المراد استقرار الشرع و انتهاء التحريم و إعلام الأمن (2) من أن تحرم محصنة بعد اليوم و عندنا لا يجوز العقد على الكتابية نكاح الدوام لقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ على ما قدمناه و لقوله وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ .فإذا ثبت ذلك قلنا في قوله وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ تأويلان أحدهما أن يكون المراد بذلك اللاتي أسلمن منهن و المراد بقوله وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ من كن في الأصل مؤمنات و ولدن على الإسلام.

ص: 134


1- سورة المائدة:5.
2- أي هذا اعلام من اللّه تعالى للمسلمين أن يأمنوا تحريم المحصنات بعد اليوم«ج».

و قيل إن قوما كانوا يتحرجون من العقد على الكافرة إذا أسلمت فبين تعالى أنه لا حرج في ذلك و لذا أفردهن بالذكر.و الثاني أن يختص ذلك بنكاح المتعة أو ملك اليمين لأن وطأهما بعقد المتعة جائز عندنا

عَلَى أَنَّهُ رَوَى أَبُو الْجَارُودِ عَنِ الْبَاقِرِ ع أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْآيَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ .

باب في النهي عن خطبة النساء المعتدات بالتصريح و جوازها بالتعريض

اعلم أن المرأة إذا كانت في عدة زوجها يجب عليها الامتناع من التزويج بغيره فإذا انقضت عدتها حلت للخطاب

ص: 135

و لما تقدم ذكر عدة النساء و جواز الرجعة فيها للأزواج عقبه ببيان حال غير الأزواج فقال وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أي لا حرج و لا ضيق عليكم يا معشر الرجال فيما عرضتم به من خطبة النساء المعتدات و لا تصرحوا به و ذلك بأن تذكروا ما يدل على رغبتكم فيها.و قوله تعالى فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ فهو كلام يوهم أنه يريد نكاحها فكأنه إحالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض فالتعريض أن يذكر شيئا يدل به على شيء لم يذكره كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلم عليك و أنظر إلى وجهك الكريم و الكناية أن يذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له و يسمى التلويح لأنه يلوح فيه ما يريده.و المستدرك بقوله وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا مضمر تقديره علم الله أنكم ستذكروهن فاذكروهن و لكن لا تواعدوهن سرا و السر وقع كناية عن النكاح و حرف الاستثناء يتعلق ب لا تُواعِدُوهُنَّ أي لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة أي لا تواعدوهن إلا بالتعريض أو لا تواعدوهن إلا بأن تعفوا و لا يجوز أن يكون استثناء منقطعا من سِرًّا لأدائه إلى قولك لا تواعدوهن إلا التعريض و قيل لا تواعدوهن في السر فالمواعدة في السر عبارة عن المواعدة بما يستهجن.و ذكر العزم مبالغة في النهي عن عقد النكاح في العدة لأن العزم على الفعل يتقدمه فإذا نهي عنه كان عن الفعل أنهى و معناه و لا تعزموا عقد عقدة النكاح من عزم الأمر و عزم عليه و الله يعلم ما في أنفسكم من العزم على ما يجوز فاحذروه و لا تعزموا عليه.فإن عزم إنسان على خطبة امرأة معتدة قبل انقضاء العدة و واعدها بالتصريح فقد فعل مكروها و لا يحرم العقد عليها بعد العدة فرخص له التعريض بذلك و لا كراهة فيه.

ص: 136

فصل

و اختلف في معناه فقيل التعريض و هو أن يقول الرجل للمعتدة إني أريد النكاح فإني أريد امرأة من صفتها كذا و كذا فيذكر بعض الصفات التي هي عليها عن ابن عباس و قيل هو أن يقول إنك لنافقة (1) و إنك لموافقة لي و إنك لمعجبة جميلة و إن قضى الله شيئا كان عن القاسم بن محمد و عن الشعبي و قيل هو كل ما كان من الكلام دون عقد النكاح عن ابن زيد.

أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ أي أسررتم و أضمرتم في أنفسكم من نكاحهن بعد مضي عدتهن و قيل هو إسرار العزم دون إظهاره و التعريض إظهاره عن مجاهد و ابن زيد. عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ برغبتكم فيهن خوفا منكم أن يسبقكم إليهن غيركم فأباح لكم ذلك وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا فيه أقوال أحدها أن معناه لا تواعدوهن في السر لأنها أجنبية و المواعدة في السر تدعو إلى ما لا يحل.و ثانيها أن معناه الزناء عن الحسن و إبراهيم و قتادة فقالوا كان الرجل يدخل على المرأة من أجل الزنية و هو معرض بالنكاح فنهوا عن ذلك.و ثالثها أنه العهد على الامتناع من تزويج غيرك عن ابن عباس و ابن جبير.و رابعها هو أن يقول لها إني ناكحك فلا تفوتيني بنفسك عن مجاهد.و خامسها أن السر هو الجماع و معناه لا تصفوا أنفسكم بكثرة الجماع و لا تذكروه عن جماعة.و سادسها أنه إسرار عقد النكاح في السر عن عبد الرحمن بن زيد.

ص: 137


1- من النفاق في المتاع.

و يجمع هذه الأقوال

مَا رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ ع لاَ تُصَرِّحُوا لَهُنَّ النِّكَاحَ وَ التَّزْوِيجَ قَالَ وَ مِنَ السِّرِّ أَنْ يَقُولَ لَهَا مَوْعِدُكِ بَيْتُ فُلاَنٍ. إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً يعني التعريض الذي أباحه الله تعالى و إلا بمعنى لكن لأن ما قبله هو المنهي عنه و ما بعده هو المأذون فيه و تقديره و لكن قولوا قولا معروفا. وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ أي لا تبيتوا النكاح و لا تعقدوا عقد النكاح في العدة و لم يرد به النهي عن العزم على النكاح بعد العدة لأنه أباحه بقوله أَوْ أَكْنَنْتُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ أي حتى تنقضي العدة.

فصل

ص: 138

و لا يجوز لها العقد على نفسها و كذا البكر لا يجوز لها أن تعقد على نفسها (1) إلا بإذن أبيها فإن عقدت كان العقد موقوفا على رضاء الأب فإن عضلها أبوها و هو أن لا يزوج بنته البكر بالأكفاء إذا خاطبوها كان لها العقد على نفسها و إن لم يرض بذلك الأب.و قال المرتضى يجوز عقد المرأة التي تملك أمرها على نفسها بغير ولي قال و الدليل عليه قوله تعالى فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فأضاف عقد النكاح إليها و الظاهر أنها تتولاه و أيضا قوله فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا فأضاف تعالى التراجع و هو عقد مستقل إليهما و الظاهر أنهما يتوليانه و أيضا قوله فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ فأباح فعلها في نفسها من غير اشتراط الولي قال و لا يجوز أن يحمل اشتراط المعروف على تزويج الولي لها و ذلك أنه تعالى إنما رفع الجناح عنها في فعلها بنفسها بالمعروف و عقد الولي عليها لا يكون فعلا منها في نفسها و أيضا فقوله فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ (2) فأضاف العقد إليهن و نهى الأولياء عن معارضتهن قال و الظاهر أنهن يتولينه فأما من ذهب إلى الأول فيمكنه أن يخصص هذه الآيات كلها و يحملها على بعض ما قدمناه و يكون معه إجماع الطائفة و الأخبار التي رووها عنهم ع

باب ما يستحب فعله عند العقد و آداب الخلوة

يستحب أن يستخير الله تعالى من أراد عقدة النكاح

فإن الله تعالى يقول

ص: 139


1- الزيادة من ج.
2- سورة النساء:32.

وَ سْئَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ .و أن يتابع المراسم الشرعية في ذلك و قد قال تعالى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ (1)

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَى قَوْلِهِ حَرْثٌ لَكُمْ مُزْدَرَعُ أَوْلاَدِكُمْ كَأَنَّهُ قِيلَ مُحْتَرَثٌ لَكُمْ وَ إِنَّمَا الْحَرْثُ الزَّرْعُ فِي الْأَصْلِ. و قال الزجاج أي نساؤكم ذات حرث لكم فأتوا لموضع حرثكم أنى شئتم و قيل الحرث كناية عن النكاح على وجه التشبيه.و معنى أَنّى شِئْتُمْ من أين شئتم في قول قتادة و الربيع و قال مجاهد معناه كيف شئتم و قال الضحاك معناه متى شئتم فخطأه جميع أهل التفسير و أهل اللغة بأن قالوا أنى لا يكون إلا بمعنى من أين كما قال تعالى أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ (2) و قال بعضهم معناه من أي وجه و استشهد ببيت الكميت أنى و من أين آبك طرب من حيث لا صبوة و لا ريب (3).

و هذا لا شاهد فيه لأنه يجوز أن يكون أتى به لاختلاف اللفظين كما يقولون متى كان هذا و أي وقت كان و يجوز أن يكون بمعنى كيف.و تأول مالك و قال أَنّى شِئْتُمْ يفيد جواز إتيان النساء في الدبر و رواه عن نافع عن ابن عمر و به قال بعض أصحابنا و خالف في ذلك جميع الفقهاء و المفسرين و قالوا هذا لا يجوز من وجوه أحدها أن الدبر ليس بحرث لأنه لا يكون منه الولد و هذا ليس بشيء لأنه لا يمتنع أن تسمى النساء حرثا لأنه يكون منهن الولد ثم يبيح الوطء

ص: 140


1- سورة البقرة:223.
2- سورة آل عمران:37.
3- الهاشميات للكميت ص 41.

فيما لا يكون منه الولد و هذا ليس بدليل لأنه لا خلاف أنه يجوز الوطء بين الفخذين و إن لم يكن هناك ولد.و ثانيها قالوا قال الله فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ و هو الفرج و هذا أيضا لا دلالة فيه لأن قوله مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ معناه من حيث أباح الله لكم أو من الجهة التي شرعها الله لكم على ما حكيناه عن الزجاج و يدخل في ذلك الموضعان على أنهم قد أجمعوا على أن الآية الثانية ليست بناسخة للأولى.و ثالثها قالوا إن معناه من أين شئتم أي ائتوا الفرج من أين شئتم و ليس في ذلك إباحة لغير الفرج و هذا أيضا ضعيف لأن من ذهب إلى كراهيته دون حظره لا يسلم أن معناه ائتوا الفرج بل معناه عنده ائتوا النساء و ائتوا الحرث من أين شئتم و يدخل فيه جميع ذلك.و رابعها قالوا قوله تعالى في المحيض قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ فإذا حرم للأذى بالدم فالأذى بالنجو أعظم منه و هذا ليس بشيء لأن هذا حمل الشيء على غيره من غير علة على أنه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله قُلْ هُوَ أَذىً غير النجاسة بل المراد أن في ذلك مفسدة و لا يجب أن يحمل على ذلك إلا بدليل موجب للعلم على أن الأذى بمعنى النجاسة حاصل في البول و دم الاستحاضة و مع هذا فليس بمنهي عن الوطء في الفرج.

فصل

و يقال إن هذه الآية نزلت ردا على اليهود فإنهم يقولون إذا أتى الرجل المرأة من خلف في قبلها خرج الولد أحول فأكذبهم الله تعالى في ذلك ذكره ابن عباس و جابر و رواه أصحابنا أيضا و قال الحسن أنكرت اليهود

ص: 141

إتيان المرأة قائمة و باركة فأنزل الله إباحته بعد أن يكون في الفرج.و مع هذا السبب الذي روي لا يمتنع أن يكون ذلك أيضا مباحا لأن غاية ما في السبب أن يطابقه الآية فأما أن لا يفيد غيره فلا يجب عند أكثر المحصلين.و قوله تعالى وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ أي سموا الله في أنفسكم عند الجماع و سلوه أن يرزقكم ولدا ذكرا سويا ليس في خلقه زيادة و لا نقصان و قيل ائتوا النساء في موضع الولادة لا في أحشاشهن و قيل هذا على العموم أي قدموا الأعمال الصالحة التي أمر الله بها عباده و رغبهم فيها لتكون ذخرا عند الله.فإذا وجه اتصال قوله وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ بما قبله أنه لما قدم الأمر بعده أشياء قال قدموا لأنفسكم بالطاعة فيما أمرتم به و اتقوا مجاوزة الحد فيما بين لكم و في ذلك الحث على العمل بالواجب الذي عرفوه و التحذير من مخالفة ما ألزموه (1).

فصل

و قد خاطب الله نبيه ع

بقوله تعالى تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ (2)

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ طَلاَقِهِنَّ وَ إِمْسَاكِهِنَّ. و قال مجاهد معناه تعزل من شئت من نسائك فلا تأتيها و تأتي من شئت من نسائك.و ليس هذا مسقطا للقسم بينهن لأنه إذا كان عند الرجل أربع نسوة يجب عليه أن يبيت عند كل واحدة ليلة و يسوي بينهن في القسمة و لا يلزمه إذا بات عند كل واحدة أن يجامعها بل هو مخير في ذلك و على هذا قوله تعالى وَ لَنْ

تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ (1) فإن هذا في المودة و المحبة و قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً (2) في القسمة.و قوله تعالى وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ قال قتادة كان نبي الله ص يقسم بين أزواجه فأحل الله له ترك ذلك و قيل و من طلبت إصابته ممن كنت عزلت عن ذلك من نسائك.و قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ (3) لا يخرج من الآية وطء المتمتع بها لأنها زوجة عندنا و إن خالف حكمها حكم المزوجة على الدوام في أحكام كثيرة كما أن حكم الزوجات على الدوام أيضا مختلف.و ذكره تعالى هذه الأوصاف من قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ و مدحه عليها يكفي و يغني عن الأمر بها فيها من الترغيب كما قال الله تعالى إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (4) مع تحريم وطئها على وجوه لتحريم وطء الزوجة و الأمة في حال الحيض و وطئ زيد جاريته إذا كان قد زوجها من عمرو أو كانت في عدة من زوج و تحريم وطء المظاهرة غير المشروطة بالوطء قبل الكفارة لأن المراد بذلك على ما يصح مما بينه الله و رسوله في غير هذا الموضع و حذف لأنه معلوم و هي من الأمور العارضة في هذه الوجوه.و أيضا فإن من وطئ الزوجة أو الأمة في حال الحيض و النفاس فلا

ص: 142


1- هذا الفصل و ما قبله مأخوذ من تفسير التبيان 222/2-225 مع تغيير يسير في بعض التعابير.
2- سورة الأحزاب:51.

تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ (1) فإن هذا في المودة و المحبة و قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً (2) في القسمة.و قوله تعالى وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ قال قتادة كان نبي الله ص يقسم بين أزواجه فأحل الله له ترك ذلك و قيل و من طلبت إصابته ممن كنت عزلت عن ذلك من نسائك.و قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ (3) لا يخرج من الآية وطء المتمتع بها لأنها زوجة عندنا و إن خالف حكمها حكم المزوجة على الدوام في أحكام كثيرة كما أن حكم الزوجات على الدوام أيضا مختلف.و ذكره تعالى هذه الأوصاف من قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ و مدحه عليها يكفي و يغني عن الأمر بها فيها من الترغيب كما قال الله تعالى إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (4) مع تحريم وطئها على وجوه لتحريم وطء الزوجة و الأمة في حال الحيض و وطئ زيد جاريته إذا كان قد زوجها من عمرو أو كانت في عدة من زوج و تحريم وطء المظاهرة غير المشروطة بالوطء قبل الكفارة لأن المراد بذلك على ما يصح مما بينه الله و رسوله في غير هذا الموضع و حذف لأنه معلوم و هي من الأمور العارضة في هذه الوجوه.و أيضا فإن من وطئ الزوجة أو الأمة في حال الحيض و النفاس فلا

ص: 143


1- سورة النساء:129.
2- سورة النساء:3.
3- سورة المعارج:29-30.
4- سورة المؤمنون:6.

يلزمه اللوم من حيث كانت زوجة أو ملك يمين و إنما يستحق اللوم على وجه آخر.و وراء بمعنى غير أي من طلب سوى الزوجة و الأمة فهو عاد و العادون الذين يتعدون الحلال إلى الحرام.و الاستمناء باليد محرم إجماعا لقوله تعالى إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ و هذا وراء ذلك و عنه ع ملعون سبعة و ذكر فيها الناكح كفه

باب الزيادات :

سُئِلَ الصَّادِقُ ع عَنِ الرَّجُلِ يُوَاقِعُ أَهْلَهُ أَ يَنَامُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ قَالَ اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها (1) فَلاَ يَدْرِي مَا يَطْرُقُهُ مِنَ الْبَلِيَّةِ إِذَا فَرَغَ فَلْيَغْتَسِلْ (2).

وَ قَالَ : مَنْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ غَمَّضَ بَصَرَهُ لَمْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ بَصَرُهُ حَتَّى يُزَوِّجَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ (3).

وَ قِيلَ لَهُ ع هَلْ يُمَتِّعُ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ نَعَمْ وَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً إِلَى قَوْلِهِ ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً (4) .

وَ كَانَ عَلِيٌّ ع يَكْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الشَّابَّةِ مِنَ النِّسَاءِ وَ قَالَ أَتَخَوَّفُ

ص: 144


1- سورة الزمر:42.
2- وسائل الشيعة 501/1 مع اختلاف يسير.
3- من لا يحضره الفقيه 437/3.
4- سورة التحريم:3.و انظر من لا يحضره الفقيه 366/3.

أَنْ يُعْجِبَنِي صَوْتُهَا فَيَدْخُلَ عَلَيَّ مِنَ الْإِثْمِ أَكْثَرَ مِمَّا أَطْلُبُ مِنَ الْأَجْرِ (1).

وَ قَالَ النَّبِيُّ ص مِنْ سَعَادَةِ الرَّجُلِ أَنْ لاَ تَحِيضَ ابْنَتُهُ فِي بَيْتِهِ (2) وَ فِي رِوَايَةٍ أَنْ تَحِيضَ ابْنَتُهُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا.

وَ رَوَى صَفْوَانُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ ابْنَةِ شُعَيْبٍ يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (3) قَالَ قَالَ لَهَا شُعَيْبٌ هَذَا قَوِيٌّ قَدْ عَرَفْتِيهِ بِرَفْعِ الصَّخْرَةِ الْأَمِينُ مِنْ أَيْنَ عَرَفْتِيهِ قَالَتْ يَا أَبَتِ إِنِّي مَشَيْتُ قُدَّامَهُ فَقَالَ امْشِي مِنْ خَلْفِي فَإِنْ ضَلَلْتُ فَأَرْشِدِينِي إِلَى الطَّرِيقِ فَإِنَّا قَوْمٌ لاَ نَنْظُرُ فِي أَدْبَارِ النِّسَاءِ (4). و اعلم أن بنت الربيب و هو ابن الزوجة لا يصح لزوج أمه أن ينكح ابنته و ليس هذا حملا على الربيبة بل الدلالة عليه من الكتاب هو أن الله تعالى ذكر في جملة المحرمات وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ (5) و أجمعت الأمة على أن قوله وَ رَبائِبُكُمُ إنما أراد به بنات نسائكم و هذا يقتضي تحريم كل من يتناوله هذا الاسم من بناتهن و إن سفلن و بعدن و قد علمنا أن بنت ابن الزوجة ولدها فإن بنات الصلب و بنات البنين و البنات أولاد فتقتضي هذه الجملة تحريم من يقع عليه اسم بنت لزوجة الرجل

ص: 145


1- الكافي 535/5.
2- وسائل الشيعة:41/14.
3- سورة القصص:26.
4- وسائل الشيعة 145/14.
5- سورة النساء:23.

كتاب الطلاق

اشارة

كل آية من القرآن فيها ذكر الطلاق و هي كثيرة يعلم منها جواز الطلاق.و معنى الطلاق حل عقدة النكاح لأن المرأة تكون في حظر من النكاح فإذا طلقت تطلقت (1).و للطلاق أقسام و شرائط لا بد من معرفتها ليتم الغرض و نحن نذكر جميع ذلك على سبيل الجملة أولا ثم نتبع الأدلة من الكتاب و السنة على التفصيل إن شاء الله تعالى ثم نذكر ما يلحق بالطلاق و ما يؤثر في بعض أنواع الطلاق و ما يكون كالسبب للطلاق و نبين جميع ذلك في أبواب بعون الله تعالى

ص: 146


1- قال ابن فارس:الطاء و اللام و القاف أصل صحيح مطرد واحد،و هو يدلّ على التخلية و الإرسال،يقال انطلق الرجل ينطلق انطلاقا-معجم مقاييس اللغة 420/3.

باب أقسام الطلاق و شرائطه

وجوه الطلاق عشرة و هي على ضربين ثلاثة منها لا تحتاج إلى العدة و هي طلاق التي لم يدخل بها و التي دخل بها و لم تبلغ المحيض و لا في سنها من تحيض و الآيسة من المحيض و لا يكون في سنها من تحيض.و السبعة الباقية لا بد من اعتبار العدة بعدها و هي الطلاق التي لم تبلغ المحيض و في سنها من تحيض و طلاق الآيسة من المحيض و في سنها من تحيض و المستقيمة الحيض و الحاملة المستبين حملها و المستحاضة و طلاق الغائب عن زوجته و طلاق الغلام و العبد.و أما شرائطه فعلى ضربين عام في سائر أنواعه و خاص في بعضه فالعام خمسة أن يكون الرجل غير زائل العقل و يكون مريدا للطلاق غير مكره عليه و لا مجبر و يكون طلاقه بمحضر من شاهدين مسلمين و يتلفظ بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه عند العجز.و الخاص يراعى في المدخول بها غير غائب عنها مدة مخصوصة و هو اثنان أن لا تكون المرأة حائضا أو في طهر لم يقربها فيه إذا لم يكن بها حبل.و نحن نتكلم على هذه الأصول فصلا فصلا إن شاء الله تعالى

فصل في طلاق التي لم يدخل بها

ص: 147

قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ (1) .خاطب الله تعالى بهذه الآية المؤمنين بأنه إذا نكح واحد منهم مؤمنة نكاحا صحيحا ثم طلقها قبل أن يمسها يعني قبل أن يدخل بها فإنه لا عدة عليها منه و يجوز لها أن تتزوج بغيره في الحال و أمرهم أن يمتعوها و يسرحوها سراحا جميلا إلى بيت أهلها و أن يخليها تخلية حسنة إن كانت في بيت أهلها.و هذه المتعة واجبة إن كان لم يسم لها مهرا و إن كان سمى مهرا لزمه نصف المهر و إن لم يبين لها صداقا متعها على قدر عسره و يسره و هو السراح الجميل و هذا مثل قولنا سواء.و روى أصحابنا أنه يمتعها إن كان موسرا فبدابة أو مملوك و إن كان متوسطا فبثوب و ما أشبهه و إن كان فقيرا فبخاتم و ما أشبهه (2).و قال سعيد بن المسيب إن هذه الآية نسخت بإيجاب نصف المهر المذكور في البقرة و الصحيح الأول أنه لا ناسخ و لا منسوخ في ذلك و لكل آية من هذه الآية حكم ثابت لأنا اتفقنا على أن بضع حرة لا تحل بغير مهر أو عوض و النكاح من دون ذكر المهر ينعقد و يصح فإن طلقها قبل أن يجامعها فإنه لا يخلو من أن يكون سمى لها مهرا أو لم يسم فإن لم يسم لها مهرا وجب عليه أن يمتعها على ما ذكرناه بالآية التي قدمناها و بقوله تعالى وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (3) .و يمكن أن يقال إن الإشارة بهذه الآية إلى المتعة الواجبة التي قدمناها أو بما قبل هذه الآية من قوله حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ إلى المتعة المستحبة على ما ذكرنا.

ص: 148


1- سورة الأحزاب:49.
2- في ذلك أحاديث عن الأئمّة عليهم السلام،انظر وسائل الشيعة 55/15-59.
3- سورة البقرة:241.

و المراد بالقراءتين تماسوهن أو تَمَسُّوهُنَّ الجماع بلا خلاف و إنما قال تَعْتَدُّونَها فخاطب الرجال لأن العدة حق للزوج ربما استبرأ من أن يلحق به من ليس من صلبه أو يلحق بغيره من هو من صلبه قال الجرجاني أصله أنهم كانوا يقولون فيما توفر عددا عددته فاعتد أي وفرته عليه فاسترفأه كما يقال كلته فاكتال و زنته فاتزن.و مما يوضح ما ذكرناه قوله تعالى لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (1) المفروض من صداقها داخل في دلالة الآية و إن لم يذكر لأن التقدير ما لم تمسوهن ممن قد فرضتم لهن أو لم تفرضوا لهن فريضة لأن أو تنبئ عنه إذ لو كان على الجمع لكان بالواو.و الفريضة المذكورة في الآية الصداق بلا خلاف لأنه يجب بالعقد للمرأة فهو فرض بوجوبه بالعقد و متعة التي لم يدخل بها و قد روي أيضا أنها لكل مطلقة و ذلك على وجه الاستحباب.و مَتاعاً حال من قوله قَدَرُهُ و العامل فيه الظرف و يجوز أن يكون مصدرا و العامل وَ مَتِّعُوهُنَّ .و يحتمل نصب حَقًّا أيضا على وجهين أحدهما أن يكون حالا من قوله بِالْمَعْرُوفِ و العامل فيه معنى عرف حقا الثاني على التأكيد لجملة الخبر كأنه قيل أخبركم به حقا.و إنما خص التي لم يدخل بها بالذكر في رفع الجناح دون المدخول بها في الذكر و إن كان حكمها واحدا لأمرين أحدهما لإزالة الشك في الحرج على هذا المطلق و الثاني لأن له أن يطلق أي وقت شاء و ليس كذلك حكم المدخول

ص: 149


1- سورة البقرة:236.

بها لأنه يجب أن يطلقها للعدة على ما نذكره.و في الآية دلالة على أن هذا العقد بغير مهر صحيح (1) لأنه لو لم يصح لما جاز فيه الطلاق و لا وجبت فيه المتعة.ثم قال و إن طلقتموهن من قبل أن تماسوهن الآية و قد قدمنا أن الآية الأولى متضمنة حكم من لم يدخل بها و لم يسم لها مهرا إذا طلقها و هذه تضمنت حكم التي فرض لها صداق إذا طلقت قبل الدخول و أحد الحكمين غير الآخر.و قال جميع أهل التأويل إنه إذا طلق الرجل من سمى لها مهرا معلوما قبل أن يدخل بها فإنه يستقر لها نصف المهر فإن كانت ما قبضت شيئا وجب على الزوج تسليم نصف المهر فإن كانت تسلمت جميع المهر وجب عليها رد نصفه و يستقر لها النصف الآخر. إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ معناه من يصح عفوها من الحرائر البالغات غير المولى عليها لفساد عقلها فيترك ما يجب لها من نصف الصداق.و قوله تعالى أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ قال مجاهد و حسن و علقمة إنه الولي و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع (2) غير أنه لا ولاية لأحد عندنا إلا للأب أو الجد مع وجود الأب على البكر و غير البالغة و أما من عداهما فلا ولاية إلا بتولية من المرأة و روي عن علي ع أنه الزوج (3) و الأول هو المذهب و هو أظهر فمن جعل العقد للزوج قال تقديره الذي بيده عقدة نكاحه و من جعله للولي قال تقديره الذي بيده عقدة نكاحها و من جعل العفو للزوج قال له أن يعفو عن جميع نصفه و من جعله للولي قال

ص: 150


1- احترز بهذا عن النكاح المنقطع فانه لا يصحّ بدون ذكر المهر«ه».
2- تفسير البرهان 229/1.
3- الدّر المنثور 293/1.

أصحابنا له أن يعفو عن بعضه و ليس له أن يعفو عن جميعه فإن امتنعت المرأة لم يكن لها ذلك إذا اقتضت المصلحة ذلك عن أبي عبد الله ع و اختار الجبائي أن يكون المراد به الزوج قال لأنه ليس للولي أن يهب مال المرأة.و قوله تعالى وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى خطاب للزوج و المرأة جميعا في قول ابن عباس و قيل للزوج وحده و إنما جمع لأنه لكل زوج و قول ابن عباس أقوى لأنه العموم.و إنما كان العفو أقرب للتقوى من وجهين أحدهما لاتقاء ظلم كل واحد صاحبه ما يجب من حقه الثاني أنه أدعى إلى اتقاء معاصي الله للرغبة فيما رغب فيه بالعفو عما له و تقدير فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ أي فعليكم نصف ما فرضتم

فصل في طلاق التي دخل بها و لم تبلغ المحيض و لا تكون في سنها من تحيض

قال الله تعالى وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ بعد قوله وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ (1) للصغار و تقديره و اللائي لم يحضن لا عدة عليهن و حذف لدلالة الكلام عليه و هذا التقدير أولى من أن يقال تقديره و اللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر لأن قوله إِنِ ارْتَبْتُمْ في الأولى يخرج من الفائدة (2).فعلى هذا إذا أراد الرجل أن يطلق امرأة قد دخل بها و لم تكن قد بلغت

ص: 151


1- سورة الطلاق:4.
2- لانه يصير التقدير اللائى لم يئسن من المحيض فعدتهن ثلاثة أشهر و اللائى لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر،فلا يبقى فرق بين المسترابة و غيرها«ه».

مبلغ النساء و لا مثلها في السن قد بلغ ذلك و حد ذلك دون تسع سنين فليطلقها أي وقت شاء فإذا طلقها فقد بانت منه في الحال و لا عدة عليها و حكم الآيسة من المحيض و مثلها لا تحيض حكم التي لم تبلغ مبلغ النساء في أنه متى طلقها لا عدة عليها و قد بانت منه في الحال و يطلقها أي وقت شاء و حد ذلك للهاشمية ستون سنة و للأجنبية خمسون سنة فصاعدا.و قال المرتضى على الآيسة من المحيض و الذي لم يبلغه العدة على كل حال من غير مراعاة الشرط الذي حكيناه عن أصحابنا قال و الذي يدل على صحة هذا القول قوله وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ و هذا صريح في الآيسات من المحيض و اللائي لم يبلغن عدتهن الأشهر على كل حال لأن قوله وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ معناه و اللائي لم يحضن كذلك قال و إذا كانت هذه عدة المرتاب بها فغير المرتاب بها أولى بذلك.ثم قال فإن قيل كيف يدعون أن الظاهر يقتضي إيجاب العدة على من ذكرتم على كل حال و في الآية شرط و هو قوله إِنِ ارْتَبْتُمْ الجواب أول ما نقوله أن الشرط المذكور في الآية لا ينفع من خالف من أصحابنا لأنه غير مطابق لما يشرطونه و إنما يكون نافعا لهم الشرط لو قال تعالى إن مثلهن لا تحيض في الآيسات و في اللائي لم يبلغن المحيض إذا كان مثلهن تحيض و إذا لم يقل تعالى ذلك و قال إِنِ ارْتَبْتُمْ و هو غير الشرط الذي يشرطه أصحابنا فلا منفعة لهم فيه.و ليس يخلو قوله تعالى إِنِ ارْتَبْتُمْ من أن يريد به ما قاله جمهور المفسرين و أهل العلم بالتأويل من أنه تعالى أراد به إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء و غير عالمين بمبلغها فقد رووا ما يقوي ذلك من أن سبب نزول هذه الآية هو

ص: 152

ما ذكرناه من فقد العلم فروى مطرف عن عمرو بن سالم قال قال أبي بن كعب يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم يذكر في الكتاب الصغار و الكبار و أولات الأحمال فأنزل الله تعالى وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ إلى قوله تعالى وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (1) .و كان سبب نزول هذه الآية الارتياب الذي ذكرناه و لا يجوز أن يكون الارتياب بأنها آيسة أو غير آيسة لأنه تعالى قد قطع في الآية على الناس من المحيض بقوله تعالى وَ اللاّئِي يَئِسْنَ و المشكوك في حالها و المرتاب في أنها تحيض أو لا تحيض لا تكون آيسة و المرجع في وقوع الحيض منها أو ارتفاعه إليها و هي المصدقة على ما تخبر به فإذا أخبرت بأن حيضها قد ارتفع قطع عليه و لا معنى للارتياب مع ذلك.و إذا كان المرجع في الحيض إلى النساء و معرفة الرجال به مبنية على إخبار النساء و كانت الريبة المذكورة في الآية منصرفة إلى اليأس من المحيض فكان يجب أن يقول تعالى إن ارتبتم أو ارتبن لأنه حكم يرجع إلى النساء و يتعلق بهن فهن المخاطبات به فلما قال تعالى إِنِ ارْتَبْتُمْ فخاطب الرجال دون النساء علم أن المراد هو الارتياب في العدة و مبلغها (2).ثم قال فإن قيل ما أنكرتم أن يكون الارتياب هاهنا إنما هو بمن تحيض أو لا تحيض ممن هو في سنها على ما يشرطه بعض أصحابكم قلنا هذا يبطل بأنه لا ريب في سن من تحيض مثلها من النساء أو لا تحيض لأن المرجع فيه إلى العادة.ثم إذا كان الكلام مشروطا فالأولى أن يعلق الشرط بما لا خلاف فيه دون ما فيه

ص: 153


1- اسباب النزول ص 290 بهذا المعنى.
2- أي ارتبتم في كيفية عدتهن و انها بالشهور أو الحيض أو الاطهار«ه».

الخلاف و قد علمنا أن من شرط وجوب الإعلام بالشيء و الاطلاع عليه فقد العلم و وقوع الريب فمن يعلم بذلك و يطلع عليه فلا بد إذا من أن يكون ما علقنا نحن الشرط به و جعلنا الريبة واقعة فيه مرادا.و إذا ثبت ذلك لم يجز أن يعلق الشرط بشيء آخر مما ذكروه أو بغيره لأن الكلام مستقل بتعلق الشرط بما ذكرناه أنه لا خلاف فيه و لا حاجة به بعد الاستقلال إلى أمر آخر ألا ترى أنه لو استقل بنفسه لما جاز اشتراطه و كذلك إذا استقل مشروطا بشيء لا خلاف فيه و لا يجب تجاوزه و لا تخطيه إلى غيره.و قد سلم الشيخ أبو جعفر الطوسي رض أن الآية لا تدل على صحة هذا الباب بظاهرها (1) و إنما تبين الأخبار الواردة عن آل محمد ع ذلك منها

مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع ثَلاَثٌ يَتَزَوَّجْنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ الَّتِي لَمْ تَحِضْ وَ مِثْلُهَا لاَ تَحِيضُ قَالَ قُلْتُ وَ مَا حَدُّهَا قَالَ إِذَا أَتَى لَهَا أَقَلُّ مِنْ تِسْعِ سِنِينَ وَ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا وَ الَّتِي قَدْ يَئِسَتْ مِنَ الْمَحِيضِ وَ مِثْلُهَا لاَ تَحِيضُ قَالَ قُلْتُ وَ مَا حَدُّهَا قَالَ إِذَا كَانَ لَهَا خَمْسُونَ سَنَةً (2). و قد تقدم أن قوله وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ محمول على الآيسة من المحيض و في سنها من تحيض و في التي لم تحض و في سنها من تحيض لأن الله تعالى شرط فيه ذلك و قيده بالريبة.و لما كان الخطاب بقوله مِنْ نِسائِكُمْ مع الرجال قال أيضا إِنِ ارْتَبْتُمْ لأن النساء يرجعن في تعرف أحوالهن إلى العلماء و قد ذكرنا تقدير قوله وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ من قبل.

ص: 154


1- انظر التبيان 34/10.
2- تهذيب الأحكام 67/8.

و إذا كانت الآية مجملة فتفصيل ذلك يعلم من أهل التنزيل و التأويل و هم الأئمة المعصومون بعد رسول الله ع و قال تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ (1)

فصل في طلاق الآيسة من المحيض و في سنها من تحيض

بين الله كيفية العدد باختلاف أحوال النساء فقال وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ يعني أن الآيسة من المحيض إذا كانت ترتاب بنفسها و لا تدري أ انقطع حيضها لكبر أو عارض و لا تدرون أنتم أيضا مقدار سنها فعدتها ثلاثة أشهر و هي التي قلنا إن مثلها تحيض لأنها لو كانت في سن من لا تحيض لم يكن معنى للارتياب في سنها فإذا أراد زوجها طلاقها فليصبر عليها ثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك إن شاء.و حكم التي لم تبلغ المحيض و في سنها من تحيض و هي التي كان لها تسع سنين فصاعدا و لم تكن حاضت حكم الآيسة و في سنها من تحيض في جميع ما ذكرناه.و قال قتادة اَللاّئِي يَئِسْنَ الكبار وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ الصغار.و قد ذكرنا أن قوله وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ تقديره و اللائي لم يحضن إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر و حذف لدلالة الكلام الأول عليه.و قال بعض المفسرين إن الله سبحانه لما بين هذه المسائل الأربع على لسان نبيه ص و رواها أهل بيته المعصومون ع و كان قد أشار بهذه الآية إلى مسألة من هذا الفصل و هي الأولى و إلى مسألة من الفصل

ص: 155


1- سورة الرحمن:3-4.

الأول و هي الثانية كان من أعجب الحكم الإلهية و من لطيف الفصاحة و غريب البراعة فعلى هذا لا يكون قوله وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ مشروطا مقيدا بجميع ما قيدت الجملة الأولى به بل يقدر خبر المبتدإ فيه على ما وردت به الأحاديث الصحيحة

فصل في طلاق المستقيمة الحيض

قال الله تعالى وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (1) أمر سبحانه بذلك أنه إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته التي دخل بها و هو غير غائب عنها و هي ممن تحيض حيضا مستقيما فليطلقها و هي طاهر طهرا لم يقربها فيه بجماع و شهد على ذلك شاهدين تطليقة واحدة و لتعتد هي ثلاثة أقراء و هي الأطهار فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد ملكت نفسها و لم يكن له عليها سبيل.فالقرء الطهر عندنا و به قال أكثر الصحابة و التابعين و الفقهاء و المفسرين و أصل القرء في اللغة يحتمل وجهين (2) أحدهما الاجتماع و منه قرأت القرآن لاجتماع حروفه فعلى هذا يقال أقرأت المرأة إذا حاضت في قول الأصمعي و الكسائي فتأويل ذلك اجتماع

ص: 156


1- سورة البقرة:228.
2- قال الراغب الأصبهانيّ:القرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر،و لما كان اسما جامعا للامرين الطهر و الحيض المتعقب له اطلق على كل واحد منهما،لان كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفردت كالمائدة للخوان و للطعام،ثمّ قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به،و ليس القرء اسما للطهر مجردا و لا للحيض مجردا،بدلالة أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها ذات قرء،و كذا الحائض التي استمر بها الدم و النفساء لا يقال لها ذلك-المفردات ص 413.

الدم في الرحم و يجيء على هذا الأصل أن يكون القرء الطهر لاجتماع الدم في جملة البدن هذا قول الزجاج.و الوجه الثاني أن يكون أصل القرء وقت الفعل الذي يجري على عادة في قول أبي عمرو بن العلاء و قال هو يصلح للحيض و الطهر يقال هذا قارئ الرياح أي وقت هبوبها فعلى هذا يكون القرء الحيض لأنه وقت اجتماع الدم في الرحم على العادة المعروفة فيه و يكون الطهر لأنه وقت ارتفاعه على عادة جارية فيه.و استشهد أهل العراق بأشياء على أن المراد الحيض منها

قَوْلُهُ ع فِي مُسْتَحَاضَةٍ سَأَلَتْهُ دَعِي الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ. و استشهد أهل المدينة بقوله تعالى فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أي طهر لم تجامع فيه كما يقال جئت لغرة الشهر و تأوله غيرهم لاستقبال عدتهن و هو الحيض و تدل الآية على ذلك لأن معناه في طهر لم يجامعهن فيه و هو اختيار ابن جرير.و قال أبو مسلم لما أوجب الله على من أراد تطليق امرأته أن يطلقها طاهرة غير مجامعة و أوجب عليها التربص إلى أن ترى ثلاثة قروء نظرنا فكان المراد ثلاثة أطهار لأنه لا خلاف أن السنة في الطلاق أن يكون عند الطهر.فإن قيل الظرف إما مكان أو زمان و القرء ليس واحدا منهما.قلنا الظرف هنا زمان و التقدير مدة انقضاء ثلاثة قروء و القروء جمع القرء.فإن قيل كيف أضاف الثلاثة إلى قروء و هي جمع الكثرة و لم يضفها إلى أقراء و هي جمع القلة.فالجواب عنه أن المعنى في قوله تعالى وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ أي ليتربص كل واحدة من المطلقات ثلاثة أقراء فلما أسند ثلاثة إلى جماعتهن و الواجب على كل واحدة منهن ثلاثة أتى بلفظة قروء ليدل على الكثرة المرادة.

ص: 157

فإن قيل لو كان المراد بالأقراء في الآية الأطهار لوجب استيفاء ثلاثة الأطهار بكمالها كما أن من كانت عدتها بالأشهر وجب عليها ثلاثة أشهر على الكمال و قد أجمعنا على أنه لو طلقها في آخر الطهر الذي ما قربها فيه أنه لا يلزمها أكثر من طهرين آخرين و ذلك دليل على فساد ما قلتموه.قلنا يسمى القرآن الكاملان و بعض الثالث ثلاثة أقراء كما يسمى الشهران و بعض الثالث ثلاثة أشهر في قوله تعالى اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (1) و إنما هو شوال و ذو القعدة و بعض ذي الحجة.و قال بعض الفقهاء إن لفظ الخبر في قوله يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ في تقدير الأمر لأن المعنى فرض عليهن أن يتربصن و الأولى أن يحمل على معنى الخبر لأنه مما لا بد منه و ما حل هذا المحل فالخبر به أولى من الأمر لأن المأمور قد يفعل و قد لا يفعل و المخبر عنه لا بد من كونه و هذا التربص لا بد منه.و هذا لا يحتاج فيه إلى نية و عزم فالمطلقة ربما انقضت عدتها و لم تعتد و ذلك أن تطلق و لا يبلغها الطلاق إلا و قد مضت أيام الأقراء لأن ابتداء عدتها وقت طلاقها من غير صنع منها و لهذا قال قوم ابتداء عدتها وقت سماعها و هذا ليس بصحيح في الطلاق و إنما هو العدة بعد الوفاة إذا سمعت بها لأنها و إن لم تسمع فهي مطلقة و أوجب الله عليها العدة بسبب الطلاق.و كل مطلقة يلزمها هذا التربص إلا من لم يدخل بها ما عدا الآيسة من المحيض و لا يكون في سنها من تحيض و ما عدا التي لم تبلغ المحيض و لا يكون في سنها من تحيض

ص: 158


1- سورة البقرة:197.

فصل في طلاق الحامل المستبين حملها

قال الله تعالى وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (1) .اعلم أن الرجل إذا أراد أن يطلق امرأته و هي حبلى مستبين حملها فليطلقها أي وقت شاء و عدتها أن تضع حملها و إن كان بعد الطلاق بلا فصل و حلت للأزواج سواء كان ما وضعته سقطا أو غير سقط تاما أو غير تام فقد بين الله تعالى بقوله أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ أن عدة الحامل من الطلاق وضع الحمل الذي معها فإن وضعت عقيب الطلاق فقد ملكت نفسها و يجوز لها أن تعقد لغيره على نفسها غير أنه لا يجوز له وطؤها لأن نفاسها كالحيض سواء فإذا طهرت من نفاسها حل له ذلك.و إن كانت حاملا باثنين و وضعت واحدا لم تحل للأزواج حتى تضع جميع الحمل لقوله تعالى أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ .فأما انقطاع الرجعة فقد روى أصحابنا أنها إذا وضعت واحدا انقطع عصمتها من الأول و لا يجوز لها العقد لغيره حتى تضع الآخر.فأما المطلق فإنه إن كان طلقها أول مرة و وضعت واحدا و هي حامل بآخر فليس له أن يراجعها و إنما كانت الرجعة له من غير رضاها قبل الوضع فأما إن أرادا أن يعقدا بمهر جديد قبل وضع الثاني فإنه يجوز ذلك و كذلك بعد التطليقتين إذا كانت المرأة حرة.و قال ابن عباس هذه الآية في المطلقة خاصة لما قلناه

ص: 159


1- سورة الطلاق:4.

فصل في طلاق المستحاضة و طلاق الغائب عن زوجته و طلاق الغلام و العبد

قال الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ (1) هذه الآية بعمومها يتناولها كما يتناول غيرها مما نذكره.و أما المستحاضة إذا كانت مطلقة و تعرف أيام حيضها فلتعتد بالأقراء فإن لم تعرف أيام حيضها اعتبرت صفة الدم و اعتدت أيضا بالأقراء فإن اشتبه عليها دم الحيض بدم الاستحاضة و لم يكن لها سبيل إلى الفرق بينهما اعتبرت عادة نسائها في الحيض فتعتد على عادتهن في الأقراء فإن لم يكن لها نساء أو كن مختلفات العادة اعتدت بثلاثة أشهر و قد بانت منه.و أما طلاق الغائب عن زوجته فإن خرج إلى السفر و هي في طهر لم يقربها فيه بجماع طلقها أي وقت شاء و متى كانت طاهرا طهرا قد قربها فيه فلا يطلقها حتى يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها و يكون عدتها ثلاثة أشهر.و الغلام إذا طلق و كان ممن يحسن الطلاق و قد أتى عليه عشر سنين فصاعدا جاز طلاقه فإن لم يحسن الطلاق فإنه لا يجوز طلاقه و لا يجوز لوليه أن يطلق عنه إلا أن يكون قد بلغ و كان فاسد العقل فإنه و الحال على ما ذكرناه جاز طلاق الولي عنه.و العبد إذا تزوج فلا يخلو إما أن يكون مولاه زوجه جاريته فالفراق بينهما بيده و ليس للزوج طلاق على حال و متى عقد الرجل لعبده على أمة غيره بإذنه

ص: 160


1- سورة الطلاق:1.

كان الطلاق بيد العبد و كذلك إن عقد على حرة.و هذا كله مما بينه رسول الله ص لقوله تعالى وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ

باب بيان شرائط الطلاق

فأول ما نقول في ذلك أن تعليق الطلاق بجزء من أجزاء المرأة أي جزء كان لا يقع به طلاق و دليلنا بعد الإجماع

قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ (1) فجعل الطلاق واقعا بما يتناوله اسم النساء و اليد و الرجل لا يتناولهما هذا الاسم بغير شبهة.و لا يطعن على ما ذكرنا بقوله تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ (2) و بقوله فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (3) و إن عبر بها عن جميع البدن لأن ذلك مجاز و كلامنا على الحقائق لقول الله مخاطبا لنبيه ع و المراد به أمته و معناه إذا أردتم طلاق النساء كما قال إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ (4) و النبي ع داخل تحت هذا الخطاب و هذه مسألة فيها خلاف.و قال قوم تقديره يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم النساء فعلى هذا يجوز أن يكون النبي ع خارجا من الحكم و يجوز أن يكون حكمه حكمهم كخطاب الرئيس الذي يدخل فيه الأتباع و أجمعت الأمة أن حكم النبي حكم

ص: 161


1- سورة الطلاق:1.
2- سورة المسد:1.
3- سورة الشورى:3.
4- سورة المائدة:6.

أمته في الطلاق.و الطلاق في الشرع قد ذكرنا أنه عبارة عن تخلية المرأة على عقدة من عقد النكاح بأن يقول أنت طالق يخاطبها أو يقول هذه طالق و يشير إليها أو يقول فلانة بنت فلان طالق.و عندنا لا يقع الطلاق إلا بهذا اللفظ المخصوص و لا يقع الطلاق بشيء من كنايات الطلاق أراد به الطلاق أو لم يرد و فيه خلاف.و من شرط وقوع الطلاق عندنا أن يكون الرجل ثابت العقل مريدا للطلاق غير مكره عليه و يتلفظ بما قدمناه و فحوى قوله تعالى إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ يدل على جميل ذلك و يكون بمحضر من شاهدي عدل لقوله وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ على ما نذكره.و إن كانت مدخولا بها غير حامل و يكون الزوج حاضرا غير غائب فلا بد من أن تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع لقوله فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ و معناه أن يطلقها و هي طاهر في طهر لا جماع فيه معها و يستوفي باقي الشروط أي طلقوهن مستقبلات لعدتهن كقولك أتيته لليلة بقيت من المحرم أي مستقبلا لها.

فصل

و في قراءة رسول الله ص في قبل عدتهن و إذا طلقت المرأة في الطهر الذي ذكرناه طلقت مستقبلة لعدتها و المراد أن يطلقن في طهر لم يجامعهن فيه ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن قاله ابن عباس و مجاهد و الحسن و ابن سيرين و قتادة و الضحاك و السدي.فمتى طلقها و قصد به إيقاع الطلاق على ما ذكرناه وقع تطليقة واحدة و هو أملك برجعتها ما لم تخرج من العدة فإن خرجت قبل أن يراجعها كان كواحد من الخطاب.

ص: 162

و متى تلفظ بثلاث تطليقات مع الشرائط كلها وقعت واحدة و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا يقع الثلاث و في أصحابنا من يقول متى تلفظ بالثلاث لا يقع شيء و ذلك محمول على أنه إذا لم يحصل جميع شرائط الطلاق و العمل على ما قدمناه.و متى طلقها في الحيض و الحال ما ذكرناه فلا يقع طلاقها لأنه خلاف المأمور به و هو منهي عنه و النهي يدل على فساد المنهي عنه و عند الفقهاء أنه يقع الطلاق و إن كان بدعة.و لم يبين المفسرون معنى اللام في قوله لِعِدَّتِهِنَّ و كيف صار هذا اللفظ عبارة عما فسروه به من أن المراد طاهر من غير جماع و القول في ذلك أن اللام لام العلة و السبب.فإن قيل علة الفعل ما يولد عنه يعني الفعل يتولد من العلة و لم يتولد الطلاق من العدة و إنما تولد من إيثار الزوج مفارقة المرأة.و الجواب أن ذلك يحتاج إلى بيان لأن في الكلام حذفا و إيجازا كأنه قال تعهدوا بطلاقهن هذه الحالة لأجل عدتهن أي ليعتددن في الوقت لأن ابتداء عدتها الطهر الذي طلق فيه ثم أحصوا عدتها أي احفظوا أقراءها و إن مضت الثلاثة منها و لم تراجعوهن فلا سبيل إلى المراجعة من بعد.و مثل هذا اللام قوله أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (1)

وَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ع صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَ أَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ (2). و قال أبو علي المرزوقي اللام في قوله لِعِدَّتِهِنَّ ظرف للطلاق بمنزلة

ص: 163


1- سورة الإسراء:78.
2- وسائل الشيعة 185/7.

وقت له و الدليل عليه قوله تعالى لِأَوَّلِ الْحَشْرِ (1) فجعل له أولا.و قيل العدة هنا الحيض و المعنى فطلقوهن قبل الحيض.و إحصاء العدة حفظ وقت الطلاق ثم أيام الطهر و الحيض إلى أن يقع البينونة.

فصل

ثم

قال تعالى وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ (2) غلظ الله أمر المطلقين بالوعيد أي لا تخروجهن زمان العدة لأنه لا يجوز إخراجها من بيتها و أمر المطلقات ألا يخرجن باختيار أنفسهن قبل انقضاء عدتهن.و عندنا و عند جميع الفقهاء يجب عليه السكنى و النفقة و الكسوة إذا كانت المطلقة رجعية و إن كانت بائنة فلا نفقة لها و لا سكنى و قال عطا و الضحاك و قتادة لا يجوز أن تخرج من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا عند الفاحشة و قال الحسن و عامر و الشعبي و مجاهد و ابن زيد الفاحشة هاهنا الزناء تخرج لإقامة الحد و قال ابن عباس الفاحشة البذاء على أهله و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع (3).و قال قتادة الفاحشة هو النشوز و قال ابن عمر هو خروجها قبل انقضاء العدة و في رواية عن ابن عباس أن كل معصية لله ظاهرة فهي فاحشة.و قوله تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يعني ما تقدم ذكره من كيفية الطلاق و العدة و ترك إخراجها من بيتها إلا عند الفاحشة حدود الله فالحدود نهايات تمنع أن يدخل في الشيء ما ليس منه أو يخرج عنه ما هو منه فقد بين الله بالأمر و النهي الحدود وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ أي من يتجاوز حدود الله فقد فعل ما يستحق به العقاب و يحرم معه الثواب.

ص: 164


1- سورة الحشر:2.
2- سورة الطلاق:1.
3- تفسير البرهان 345/4.

ثم قال لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً أي يغير رأي الزوج في محبة الطلاق فيكون تطليقه على ما أمر الله به يملك الرجعة فيما بين الواحدة و الثانية و ما بين الثانية و الثالثة إذا لم يكن خلعا على الحرة المطلقة التي دخل بها و قد ذكرناها.و قال الضحاك أي لعل الله يحدث بعد ذلك أمر الرجعة في العدة و قيل معناه لعل الله يحدث بعد ذلك شهوة المراجعة. فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (1) قيل أي إذا بلغن إلى القرء الثالث و ذلك قرب انقضاء عدتهن و معناه إذا قاربن أجلهن الذي هو الخروج من عدتهن لأنه لا يجوز أن يكون المراد فإذا انقضى أجلهن لأنه عند انقضاء أجلهن لا يملك رجعتها و قد ملكت نفسها و قد بانت منه بواحدة ثم تتزوج من شاءت هو أو غيره و إنما المعنى إذا قاربن الخروج من عدتهن فأمسكوهن بأن تراجعوهن بمعروف بما يجب لها من النفقة و الكسوة و المسكن و حسن الصحبة أو فارقوهن بمعروف بأن تتركوهن حتى يخرجن من العدة و المعروف عند الفراق الصداق أو المتعة و حسن الثناء.

فصل

ثم

قال تعالى وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فالإشهاد عندنا شرط في وقوع الطلاق لأن ظاهر الأمر بذلك يقتضيه و الأمر شرعا على الإيجاب إلا إذا دل دليل على كونه ندبا فمتى طلق الرجل و لم يشهد شاهدين ممن ظاهره الإسلام كان طلاقه غير واقع و إن أشهد رجلا بعد آخر و لم يشهدهما في مكان واحد لم يقع أيضا طلاق فإن طلق بمحضر رجلين مسلمين و لم يقل لهما اشهدا وقع طلاقه

ص: 165


1- سورة الطلاق:2.

و جاز لهما أن يشهدا بذلك.و شهادة النساء لا تقبل في الطلاق و متى فقدا لم يقع الطلاق.فإن قيل ما الدليل على صحة جميع ما ذكرتم.قلنا الحجة لنا بعد الإجماع قوله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ إلى قوله وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فأمر تعالى فيه بالإشهاد و ظاهر الأمر في عرف الشرع كما قدمنا يقتضي الوجوب فليس لهم أن يحملوا ذلك هاهنا على الاستحباب لفقد الدليل عليه.و لا يخلو قوله وَ أَشْهِدُوا من أن يكون راجعا إلى الطلاق كأنه قال إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن و أشهدوا أو أن يكون راجعا إلى الفرقة أو إلى الرجعة التي عبر تعالى عنها بالإمساك.و لا يجوز أن يرجع ذلك إلى الفرقة التي ليست هاهنا شيئا يوقع و يفعل و إنما هو العدول عن الرجعة و إنما يكون مفارقا لها بأن لا يراجعها فتبين بالطلاق السابق على أن أحدا لا يوجب في هذه الفرقة الشهادة و ظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب.و لا يجوز أن يرجع الأمر بالشهادة إلى الرجعة لأن أحدا لا يوجب فيها الإشهاد و إنما هو يستحب فيها فثبت أن الأمر بالإشهاد راجع إلى الطلاق.فإن قيل كيف يرجع إلى الطلاق مع بعد ما بينهما.قلنا إذا لم يلق إلا بالطلاق وجب عوده إليه مع قرب و بعد.فإن قيل أي فرق بينكم في حملكم هذا الشرط على الطلاق و هو بعيد منه في اللفظ و هو مجاز و عدول عن الحقيقة و بيننا إذا حملنا الأمر بالإشهاد هاهنا على الاستحباب ليعود إلى الرجعة القريبة منه في ترتيب الكلام.قلنا حمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب خروج عن عرف الشرع

ص: 166

بلا دليل و رد الشرط إلى ما بعد عنه إذا لم يلق بما قرب ليس بعدول عن الحقيقة و لا استعمال التوسع و التجوز في القرآن و الخطاب كله مملوء من ذلك قال الله تعالى إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ وَ تُسَبِّحُوهُ (1) و التسبيح و هو متأخر في اللفظ لا يليق إلا بالله دون رسوله.ثم قال وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ (2) أي لوجه الله خالصا لا للمشهود له و لا للمشهود عليه و لا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحق و دفع الظلم. ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ أي ذلكم الحث على إقامة الشهادة لوجه الله و لأجل القيام بالقسط يوعظ به وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ جملة اعتراضية.

فصل

و قد فسرنا الآيات المتصلة بها إلى

قوله تعالى أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ (3) يقول الله مخاطبا لمن طلق زوجته بأمره أن يسكنها حيث يسكن هو و قد بينا أن السكنى و النفقة يجبان للرجعية بلا خلاف أما البينونة فلا سكنى لها و لا نفقة عندنا إلا إذا كانت حبلى و هو مذهب الحسن

وَ قَدْ رَوَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ : لاَ نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ (4). و قال الشافعي و مالك لها السكنى بلا نفقة و قال أهل العراق لها السكنى

ص: 167


1- سورة الفتح:8.
2- سورة الطلاق:2.
3- سورة الطلاق:6.
4- البت:القطع،و المبتوتة هنا بمعنى المقطوعة عن حبل النكاح،لانها بائنة لا يمكن الرجوع الا بنكاح جديد،فكأن عصمة الزوجية انقطعت تماما بينها و بين زوجها-انظر النهاية لابن الأثير 92/1.

و النفقة معا و به قال ابن مسعود و عمر.و قوله مِنْ وُجْدِكُمْ أي ملككم قاله السدي و قال ابن زيد هو إذا قال صاحب المسكن لا أنزل هذه في بيتي و ليس من وجده و يجوز له حينئذ أن ينقلها إلى غيره.و الوجد ملك ما يجده المالك له و ذلك أنه قد يملك المالك ما يغيب عنه و قد يملك ما هو حاضر له فذلك وجده.و يحتمل وجها آخر و هو أن يكون أسكنوهن أمرا بالإنفاق عليهن أي نزلوهن منزلة أنفسكم من وجدكم و لينفق كل واحد عليهن على قدر غناه و فقره.و لفظ الإسكان و الإحلال و الإنزال على ما قلنا يستعمل كثيرا في هذا المعنى يقال أحلني فلان من نعمته محل نفسه أي أشركني فيها حتى شاطرنيها و ذلك أولى لأن الأمر بالسكنى قد تقدم من قوله لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ .ثم قال وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ معناه لا تدخلوا الضرر عليهن بالتقصير في النفقة و السكنى و الكسوة و حسن العشرة و تضيقوا عليهن في السكنى و النفقة ليخرجن أي لا تؤذوهن فتحوجوهن إلى الخروج أمر الله بالسعة.و قد تكون المضارة من واحد كما يقال طارقت النعل و يمكن أن يكون هاهنا من كل واحد منهما لصاحبه.و التضييق قد يكون في الرزق و في المكان و في الأمر. وَ إِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ أمر من الله بالإنفاق على الحامل المطلقة إذا كانت مبتوتة و لا خلاف في ذلك و إنما يجب أن ينفق عليها بسبب ما في بطنها و إنما يسقط نفقتها بالوضع

ص: 168

باب عدة المتوفى عنها زوجها و عدة المطلقة على اختلاف أحوالها

قال الله تعالى وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً (1) .أمر تعالى أن يكون عدة كل متوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرة أيام سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها حرة كانت أو أمة لأن الله لم يخص.فإن كانت حبلى فعدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل أو مضي أربعة الأشهر و العشرة أيام و هو المروي عن أمير المؤمنين ع (2) و وافقنا في الأمة الأصم و خالف باقي الفقهاء في ذلك و قالوا عدة الأمة نصف عدة الحرة شهران و خمسة أيام و إليه ذهب قوم من أصحابنا.و قالوا في عدة الحامل إنها بوضع الحمل و عندنا أن وضع الحمل يختص عدة المطلقة.و الذي يجب على المعتدة في عدة الوفاة اجتنابها الزينة و الكحل و الإثمد و ترك النقلة عن المنزل في قول ابن عباس و قال الحسن إن الواجب عليها الامتناع من الزوج لا غير و عندنا أنه يجوز لها أن تبيت في الدار التي مات فيها زوجها حيث شاءت و عليها الحداد إذا كانت حرة و إن كانت أمة فليس عليها حداد و الحداد هو ترك الزينة و أكل ما فيه الرائحة الطيبة و شمه.فإن احتج مخالفنا في هذا بظاهر قوله تعالى وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ

يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (1) و أنه عام في المتوفى عنها زوجها و في غيرها عارضناهم بقوله وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ الآية و أنه عام في الحامل و غيرها ثم لو كانت آياتهم التي ذكروها عامة الظاهر جاز أن نخصها بدليل و هو إجماعنا الإمامية و فيه الحجة.

ص: 169


1- سورة البقرة:234.
2- وسائل الشيعة 419/15.

يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (1) و أنه عام في المتوفى عنها زوجها و في غيرها عارضناهم بقوله وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ الآية و أنه عام في الحامل و غيرها ثم لو كانت آياتهم التي ذكروها عامة الظاهر جاز أن نخصها بدليل و هو إجماعنا الإمامية و فيه الحجة.

فصل

و قوله اَلَّذِينَ رفع بالابتداء و يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ صلة الذين و يَذَرُونَ أَزْواجاً عطف عليه و خبر الذين قيل فيه أربعة أقوال أحدها أن كون الجملة على تقدير و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا أزواجهم يتربصن.الثاني يتربصن بعدهم أي يتربصن أزواجهم بعدهم.الثالث أن يكون الضمير في يتربصن لما عاد إلى مضاف في المعنى كان بمنزلته على تقدير يتربصن أزواجهم هذا قول الزجاج و الأول قول أبي العباس و الثاني قول الأخفش و نظيره قول الزجاج أن يقول إذا مات و خلف ابنتين ترثان الثلثين بالفرض المعنى ترث ابنتاه الثلثين.الرابع أن يعدل عن الإخبار عن الزوج لأن المعنى عليه و الفائدة فيه ذهب إليه الكسائي و الفراء و أنكره أبو العباس و الزجاج لأنه لا يكون مبتدأ لا خبر له و لا خبر إلا عن مخبر عنه و يَذَرُونَ أَزْواجاً أي يتركونها.فإن قيل كيف قال وَ عَشْراً و إنما العدة بالأيام و الليالي و لذلك لم يجز أن يقول عشرا من الرجال و النساء.قيل لتغليب الليالي على الأيام إذا اجتمعت في التاريخ و غيره لأن ابتداء

ص: 170


1- سورة الطلاق:4.

شهور الأهلة الليالي عند طلوع الهلال فلما كانت أوائل غلبت لأن الأوائل أقوى من الثواني و لا يقدح هذا في قولهم إذا اختلط الذكر و الأنثى كان الغلبة للذكر.قال ابن المسيب و أبو العالية إنما زاد الله تعالى هذه العشرة على أربعة أشهر لأن فيها ينفخ الروح على الولد.و معنى التربص أن تحبس نفسها عن الأزواج و تترك الزينة و الطيب.

فصل

و هذه الآية التي قدمناها ناسخة لقوله تعالى وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ (1) و إن كانت هذه مقدمة عليها في التلاوة.و لا خلاف في نسخ العدة سنة كاملة إلا أن أبا حذيفة قال العدة أربعة أشهر و عشرا و ما زاد على الحول يثبت بالوصية و النفقة فإن امتنع الورثة من ذلك كان لها أن تتصرف في نفسها.و أما حكم الوصية عندنا فباق لم ينسخ و إن كان على وجه الاستحباب و حكي عن الحسن أنها منسوخة بآية الميراث فلا وصية لوارث و هذا فاسد لأن آية الميراث لا تنافي الوصية فلا يجوز أن تكون ناسخة لها.فمن نصب وَصِيَّةً فالتقدير فليوصوا وصية و الرفع أي فعليهم وصية أو لأزواجهم وصية و قيل لا يجوز غير الرفع لأنه لا يمكن الوصية بعد الوفاة و لأن الفرض كان لهن وصوا أو لم يوصوا قال الرماني و هذا غلط لأن المعنى و الذين يحضرهم الوفاة منكم و لذلك قال تعالى يُتَوَفَّوْنَ على لفظ الحال الذي يتطاول.

ص: 171


1- سورة البقرة:240.

و أما قوله الفرض كان لهن و إن لم يوصوا فقد قال قتادة و السدي إنما كان لهن بالوصية على أنه لو كان على ما زعم لم ينكر أن يوجبه الله على الورثة إن فرط الزوج في الوصية.و مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ كأنه قال متعوهن متاعا في مساكنهن لا إخراجا و يجوز أن تكون الإقامة في مساكنهن.قال الحسن فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ دليل على سقوط النفقة و السكنى بالخروج لأنه إنما جعل لهن ذلك بالإقامة إلى الحول فإن خرجن قبله بطل الحق الذي وجب بالإقامة.و إنما احتاج إلى هذا التخريج من يوجب النفقة للمعتدة عن الوفاة فأما من قال لا نفقة لها و لا سكنى فلا يحتاج إلى ذلك و هو مذهبنا لأن المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ولدها الذي في بطنها.و قد قدمنا أن الرجل إذا طلق زوجته قبل الدخول بها ما لم يكن عليها منه عدة و كذلك التي لم تبلغ المحيض و مثلها لا تحيض إذا طلقها و حد ذلك ما دون تسع السنين لم يكن عليها منه عدة و إن دخل بها و كذلك إن كانت آيسة و مثلها لا تحيض فليس عليها من عدة إذا طلقها إن كانت مدخولا بها و الدليل على هاتين المسألتين من القرآن ما ذكرناه من قبل.و يمكن أن يستدل بقوله تعالى وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ (1) الآية على أن لا عدة على من لم يدخل بها و قد صرح تعالى بذلك في قوله يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تماسوهن

ص: 172


1- سورة البقرة:237.

فما لكم عليهن من عدة تعتدونها (1).فأما من طلق من تحيض حيضا مستقيما فعدتها ثلاثة أطهار لقوله تعالى وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (2) و إنما أطلق سبحانه الكلام هاهنا إطلاقا و لم يقيد لأن الأغلب في العادة أن تكون المرأة مستقيمة الحيض و ما سوى هذه الحالة يكون نادرا.و إذا طلقها و هي حامل فعدتها أن تضع حملها لقوله تعالى وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (3) .و الآيسة من المحيض و في سنها من تحيض و التي لا تحيض و في سنها من تحيض فعدة كل واحدة منهما إذا كانت حرة ثلاثة أشهر إذا طلقها زوجها و قد بينا حكمها من قبل يدل عليه قوله وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ الآية.و الحرة إذا كانت تحت مملوك فعدتها مثل عدتها إذا كانت تحت حر لا يختلف الحكم فيه لأن الله تعالى لم يفصل في كتابه بين الحالتين.و الأمة إذا كانت تحت حر و طلقها فعدتها قرءان إن كانت ممن تحيض و إن كانت لا تحيض و مثلها تحيض فعدتها خمسة و أربعون يوما و استدل عليه بعض المفسرين بقوله فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ (4) و قال هذا على العموم.هذا كله إذا كانت الحرة و الأمة مدخولا بها.و الأمة إذا كانت أم ولد و توفي عنها زوجها فعدتها مثل عدة الحرة و إن

ص: 173


1- سورة الأحزاب:49.
2- سورة البقرة:228.
3- سورة الطلاق:4.
4- سورة النساء:25.

كانت مملوكة ليست أم ولد فعدتها شهران و خمسة أيام.و التي لم يدخل بها إذا مات عنها الزوج فعدتها أربعة أشهر و عشرا لعموم قوله تعالى وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً (1) و يجب على ورثته أن يعطوها المهر كملا و يستحب لها أن تترك نصف المهر و إن لم تفعل كان لها المهر كله

باب كيفية الطلاق الثلاث و حكم المراجعة و التراجع و العضل

قوله تعالى اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ (2) يدل على صحة قولنا الطلاق الثلاث لا يقع بلفظ واحد فإنه تعالى لم يرد بذلك الخبر لأنه لو أراده لكان كذبا و إنما أراد الأمر فكأنه تعالى قال طلقوهن مرتين و يجري مجرى قوله وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (3) و المراد يجب أن تؤمنوه و المرتان لا تكون إلا واحدة بعد واحدة و من جمع الطلاقين في كلمة واحدة [لا يكون مطلقا مرتين كما أن من أعطى درهمين مرة واحدة] (4) لم يعطها مرتين.فإن قيل العدد إذا ذكر عقيب الاسم لم يقتض التفريق مثاله إذا قال له علي مائة درهم مرتان و إذا ذكر العدد عقيب فعل اقتضى التفريق مثاله إذا دخل الدار مرتين فاضربه ضربتين و العدد في الآية عقيب اسم لا فعل.

ص: 174


1- سورة البقرة:234.
2- سورة البقرة:229.
3- سورة آل عمران:97.
4- الزيادة من ج.

قلنا قد بينا أن قوله اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ معناه طلقوا مرتين و العدد عقيب فعل لا اسم صريح.فإن قيل إذا كان الثلاث لا تقع فأي معنى لقوله تعالى لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً و إنما المراد أنك إذا خالفت السنة في الطلاق و جمعت بين الثلاث و تعديت ما حده الله تعالى لم تأمن أن تتوق نفسك إلى المراجعة فلا تتمكن منها.قلنا قوله لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً مجمل غير مبين فمن أين أنه أراد ما ذكرتم و الظاهر غير دال على هذا الأمر الذي يحدثه الله و الأشبه بالظاهر أن يكون ذلك الأمر الذي يحدثه الله متعلقا بقوله وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ لأنه قال تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فيشبه أن يكون المراد لا تدري ما يحدثه الله من عقاب يعجله الله في الدنيا على من تعدى حدوده و هذا أشبه مما ذكروه و أقل الأحوال أن يكون الكلام يحتمله فسقط تعلقهم.و قيل يتعلق قوله لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً بالنهي عن إخراجهن من بيوتهن لعله يبدو له في المراجعة و هذا أيضا يحتمل فمن أين أن المراد ما ذكره.

فصل

و أبان سبحانه

بقوله اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ عدد الطلاق لأنه كان في صدر الإسلام بغير عدد قال قتادة كان الرجل يطلق امرأته في صدر الإسلام ما شاء من واحدة إلى عشر و يراجعها في العدة فنزل قوله تعالى اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ يعني طلقتين. فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ فبين أن عدد الطلاق ثلاثة فقوله مَرَّتانِ إخبار عن طلقتين بلا خلاف و اختلفوا في الثالث

"فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ

ص: 175

أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ. و قال غيره فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ التطليقة الثالثة و هو الأقوى.و قيل في قوله اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ قولان أحدهما ما قاله ابن عباس و مجاهد أن معناه البيان عن تفصيل الطلاق في السنة و هو أنه إذا أراد طلاقها ينبغي أن يطلقها في طهر لم يقربها فيه بجماع تطليقة واحدة ثم يتركها حتى تخرج من العدة.و الثاني ما قاله عروة و قتادة أن معناه البيان عن عدد الطلاق الذي يوجب البينونة مما لا يوجبها.و في الآية بيان أنه ليس بعد التطليقتين إلا الفرقة البائنة و قال الزجاج في الآية حذف لأن التقدير عدد الطلاق الذي يملك فيها الرجعة مرتان بدلالة قوله فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ و المرتان هما دفعتان.و معنى قوله فَإِمْساكٌ أي فالواجب عليه إمساك و الإمساك خلاف الإطلاق قال الزجاج ظاهره خبر و معناه أمر كأنه قال فليمسكها بعد ذلك بمعروف أي بما يعرف به إقامة الحق في إمساك المرأة أو تخلية سبيلها بوجه حسن.و قوله بِمَعْرُوفٍ أي على وجه جميل سائغ في الشريعة لا على وجه الإضرار بهن.و قوله أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ قيل فيه قولان أحدهما أنها الطلقة الثالثة

وَ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ ص فَقَالَ اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ فَأَجَابَهُ ع أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ (1) . و قال السدي و الضحاك هو ترك المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة و هو المروي

ص: 176


1- الدّر المنثور 277/1.

عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع (1).و التسريح مأخوذ من السرح و هو الانطلاق.و قد ذكرنا أن أصحابنا استدلوا بهذه الآية على أن الطلاق الثلاث لا تقع بمرة لأنه تعالى قال اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ ثم ذكر الثالثة على الخلاف في أنه قوله أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ أو قوله فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ .و من طلق بلفظ واحد فلا يكون أتى بالمرتين و لا بالثالثة كما أنه لما أوجب في اللعان أربع شهادات فلو أتى بلفظ واحد لما وقع موقعه و كما لو رمى بسبع حصيات في الجمار دفعة واحدة لم يكن مجزيا له فكذا الطلاق و متى ادعوا في ذلك خبرا فعليهم أن يذكروه لنتكلم عليه.

فصل

أما

قوله فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فالمعنى فيه التطليقة الثالثة على ما روي عن أبي جعفر ع (2) و به قال الضحاك و السدي و الجبائي و النظام و غيرهم.و قال مجاهد هو تفسير لقوله أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ فإنه التطليقة الثالثة و هو اختيار الطبري.و قوله فَإِنْ طَلَّقَها يعني الزوج إن بانت منه بأن يختار أن يراجعها في الثالث فَلا تَحِلُّ لَهُ أي فلا يجوز نكاحها و لا جماعها حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ أي حتى تتزوج زوجا آخر فيطؤها ذلك الزوج لأن المراد بالنكاح التزويج هاهنا الجماع لا التزويج و إن كان الأصل في النكاح التزوج لأنهم أجمعوا على أنه

ص: 177


1- تهذيب الأحكام 25/8-27.
2- تفسير البرهان 223/1.

إن تزوجت و لم تجامع لم تحل لنكاح الزوج الأول.و أهل المدينة اختلفوا في النكاح أ أصله الجماع أم التزويج و عند أكثر الكوفيين أن أصله الجماع و تسمية التزويج به كما يسمى الشيء باسم ما هو من سببه (1).و صفة الزوج الذي تحل المرأة للزوج الأول أن يكون بالغا و يعقد عليها عقدا صحيحا دائما و يذوق عسيلتها (2) بأن يطأها و تذوق عسيلته بلا خلاف بين أهل العلم.و لا يجوز لأحد أن يتزوجها في العدة فأما العقود الفاسدة أو عقود الشبهة فإنها لا تحل للزوج الأول و متى وطئها بعقد صحيح في زمان يحرم فيه وطؤها مثل أن تكون حائضا أو محرمة أو معتكفة فإنها تحل للأول لأن الوطء يدخل في نكاح صحيح و إنما حرم الوطء لأمر طارئ عليه.هذا عند أكثر أهل العلم و قال مالك الوطء في الحيض لا يحل للأول و إن وجب به المهر كله و العدة.ثم قال تعالى فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ بين سبحانه أن الزوج الثاني إن طلقها فلا حرج على الزوج الأول إذا خرجت هي من عدة الزوج الثاني و رأيا أمارة الخير بينهما و ظنا الصلاح لأنفسهما بعد ذلك في التزويج أن يتراجعا بعقد مستأنف.

ص: 178


1- قال ابن فارس:النون و الكاف و الحاء أصل واحد،و هو البضاع،و نكح ينكح، و امرأة ناكح في بنى فلان اي ذات زوج منهم،و النكاح يكون العقد دون الوطء،يقال نكحت تزوجت و انكحت غيرى-معجم مقابيس اللغة 475/5.
2- في الجماع العسيلة شبهت تلك اللذة بالعسل،و صغرت بالهاء لان الغالب على العسل التأنيث.و يقال انما أنث لانه أراد به العسلة و هي القطعة منه،كما يقال للقطعة من الذهب ذهبة.قال الصغانى:و قيل ان العسيلة مصغرة ماء الرجل نفسه،و النطفة تسمى عسيلة«ه».

و موضع أَنْ يَتَراجَعا خفض عند الخليل و تقديره في أن يتراجعا و قال الزجاج موضعه النصب و موضع إن الثانية نصب بلا خلاف يظن و إنما جاز حذف في من أَنْ يَتَراجَعا لطولها بالصلة و لو كان مصدرا لم يجز.و قوله تعالى فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا يدل على أن الوطء في عقد الشبهة لا يحل للزوج الأول لأن الطلاق لا يلحق نكاح الشبهة و إنما جعل الظن شرطا لأنه في المستقبل فلا يحصل العلم به و معناه إن عرفا من أخلاقهما و طرائقهما ما يقوي في ظنونهما أنهما يقومان بحدود الله تعالى.

فصل

و

قوله تعالى اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ (1) يدل على صحة المراجعة بعد التطليقة الأولى و قبل انقضاء العدة و كذلك يدل على صحة المراجعة بعد التطليقة الثانية قبل انقضاء العدة من غير اعتبار رضا المرأة إذا لم يكن خلعا لأنه تعالى قال فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ و هو المراجعة و لم يعتبر رضاها.و التراجع الذي ذكره الله تعالى في قوله فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا (2) هو أن يتعاقدا بعد العدة من موت الزوج الثاني أو طلاقه بمهر جديد و عقد مستأنف و رضاها لا بد منه هاهنا لأنه الآن خاطب من الخطاب و هي أجنبية و قد أشار إليه بقوله أَنْ يَتَراجَعا و اعتبر هاهنا في التراجع فعليهما و ما اعتبر في التراجع هناك بقوله فَإِمْساكٌ إلا فعله.ثم قال تعالى وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا (3) و المعنى إذا بلغن قرب انقضاء

ص: 179


1- سورة البقرة:229.
2- سورة البقرة:230.
3- سورة البقرة:231.

عدتهن لأن بعد انقضاء العدة ليس له إمساك و الإمساك أيضا هاهنا هو المراجعة قبل انقضاء العدة و به قال ابن عباس و الحسن و مجاهد و قتادة و على هذا يقال لمن دنا من البلد فلان بلغ البلد.و المراد بالمعروف هاهنا الحق الذي يدعو إليه العقل أو الشرع للمعرفة بصحته خلاف المنكر الذي يزجر عنه العقل أو السمع لاستحالة المعرفة بصحته فما يجوز المعرفة بصحته معروف و ما لا يجوز المعرفة بصحته منكر و المراد به هاهنا أن يمسكها على الوجه الذي أباحه له من القيام بما يجب لها من النفقة و حسن العشرة و غير ذلك و لا يقصد الإضرار بها.

فصل

و قوله تعالى وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا معناه لا تراجعونهن لا لرغبة فيهن بل لطلب الإضرار بهن إما في تطويل العدة أو طلب المعاداة أو غير ذلك فإنه غير جائز.و يجوز أن يكون المراد بالمضارة التضييق عليها في العدة في النفقة و المسكن كما قال أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أي المراجعة للضرر فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ (1) فالإشارة إلى الإمساك ضرارا. وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُواً يعني ما ذكره من الأحكام في النكاح و الطلاق مما يجوز فيه المراجعة و ما لهم على النساء من التربص حتى يفيئوا أو يوقعوه مما ليس لهم و غير ذلك أي لا يتركوا العمل بحدود الله فيكونوا مقصرين كما يقول للرجل الذي لا يقوم بما يكلفه و يتوانى فيه إنما أنت لاعب.

ص: 180


1- سورة الطلاق:6.

و روي عن أبي الدرداء و أبي موسى كان الرجل يطلق أو يعتق ثم يقول إنما كنت لاعبا [فأعلم الله أن فرائضه لا يجوز اللعب فيها

وَ لِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ ص مَنْ طَلَّقَ لاَعِباً أَوْ أَعْتَقَ لاَعِباً] (1) فَقَدْ جَازَ عَلَيْهِ. لأن الحاكم يجب عليه الحكم على ظاهر الشرع إذا شهد البينة.و الأولى أن يكون المراد لا تستخفوا بآيات الله و فروضه وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُواً أي ذات استهزاء بها و هذا توكيد كأنه قال اعملوا عليها و لا تستهينوا بها.

فصل

ثم

قال تعالى وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ (2) .قال قتادة و الحسن إن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار حين عضل أخته أن ترجع إلى الزوج الأول فإنه كان طلقها و خرجت من العدة ثم أرادا أن يجتمعا بعقد آخر على نكاح آخر فمنعه من ذلك فنزلت الآية فيه و قال السدي نزلت في جابر بن عبد الله عضل بنت عم له (3).و الوجهان لا يصحان على مذهبنا لأن عندنا أنه لا ولاية للأخ و لا لابن العم عليها و إنما هي وليه نفسها فلا تأثير لعضلهما و الوجه في ذلك أن تحمل الآية على المطلقين لأنه خطاب لهم بقوله تعالى وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فكأنه قال لا تعضلوهن بأن تراجعوهن عند قرب انقضاء عدتهن و لا رغبة لكم فيهن و إنما تريدون الإضرار بهن فإن ذلك مما لا يسوغ في الدين و الشرع كما قال في الأولى

ص: 181


1- الزيادة من م.
2- سورة البقرة:232.
3- اسباب النزول للواحدى ص 50-51.

وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا (1) .و لا يطعن على ذلك بقوله أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ لأن المعنى فيه من يصير أزواجهن كما أنهم لا بد لهم من ذلك إذا حملوا على الزوج الأول لأن بعد انقضاء العدة لا يكون زوجا و يكون المراد من كان أزواجهن فما لهم إلا مثل ما عليهم.و يجوز أن يحمل العضل في الآية على الجبر و الحيلولة بينهن و بين التزويج دون ما يتعلق بالولاية لأن العضل هو الحبس و المنع و الضيق (2) و هذا الوجه حسن و تقدير أن ينكحن من أن ينكحن فمحل أن جر عند الخليل و نصب عند سيبويه.و إنما قال ذلك و لم يقل ذلكم كما تقدم من قوله طَلَّقْتُمُ لأن تقديره ذلك يا محمد أو يا أيها القبيل. يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ و إنما خص المؤمن بالوعظ لأنه ينتفع به فنسب إليه كما قال هُدىً لِلْمُتَّقِينَ و لأنه أولى بالاتعاظ.

فصل

قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ (3) .اختلفوا في معنى ذلك

ص: 182


1- هذا الكلام مأخوذ من مجمع البيان 332/1.
2- العضل هو الشدة و الالتواء في الامر،و عليه تتفرع المعاني المذكورة في الكتاب- انظر معجم مقاييس اللغة 345/4.
3- سورة النساء:19.

فقال الزهري و الجبائي و غيرهما هو أن يحبس الرجل المرأة عنده لا حاجة له إليها و ينتظر موتها حتى يرثها فنهى الله عن ذلك و هو المروي عن أبي جعفر ع (1).و قال الحسن و مجاهد معناه ما كان يعمله أهل الجاهلية من أن الرجل إذا مات و ترك امرأته قال ابنه من غيرها أو وليه ورثت امرأته كما ورثت ماله فألقى عليها رداءه أنها امرأته على العقد الذي كان مع أبيها و لا يعطيها شيئا و إن شاء زوجها و أخذ صداقها روى ذلك أبو الجارود عن الباقر ع قال أبو مجلث ثم كان هو بالميراث أولى بها من ولي نفسها (2).أما قوله تعالى وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ قيل فيمن عني بهذا النهي أربعة أقوال أحدها قال ابن عباس هو الزوج أمره الله بتخلية سبيلها إذا لم يكن لها فيه حاجة و لا يمسكها إضرارا بها حتى تفتدي ببعض مالها.الثاني قال الحسن هو الوارث نهي عن منع المرأة من التزويج كما يفعله الجاهلية على ما بيناه.الثالث قال مجاهد المراد الولي الرابع قال ابن يزيد المطلق يمنعها من التزويج كما كانت قريش تفعل في الجاهلية ينكح الرجل منهم المرأة الشريفة فإذا لم توافقه فارقها أن لا تتزوج إلا بإذنه و يشهد عليها بذلك و يكتب كتابا فإذا خطبها خاطب فإن أعطته و أرضته أذن لها و إن لم تعطه عضلها فنهى الله عن ذلك.و الأول أظهر الأقاويل و العضل هو التضييق بالمنع من التزويج.

ص: 183


1- انظر تفسير البرهان 355/1.
2- تفسير البرهان 355/1.

و قوله تعالى إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ قيل فيه قولان أحدهما ما قال الحسن أنه يعني به الزناء و قال إنه إذا اطلع منها على ريبة فله أخذ الفدية الثاني قال ابن عباس هو النشوز و الأولى حمل الآية على كل معصية لأن العموم يقتضي ذلك و هو المروي عن أبي جعفر ع (1).و قوله لا تَعْضُلُوهُنَّ يحتمل أن يكون جزما بالنهي و يحتمل أن يكون نصبا بالعطف على أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً و يقرأ بهذا التقدير عبد الله و لا أن تعضلوهن بإثبات أن.و قيل في سبب نزول هذه الآية

إِنَّ أَبَا قَيْسِ بْنَ الْأَسْلَتِ لَمَّا مَاتَ عَنْ زَوْجَتِهِ كَبْشَةَ بِنْتِ مَعْنِ بْنِ عَاصِمٍ (2) أَرَادَ ابْنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ ص فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لاَ أَنَا وَرِثْتُ زَوْجِي وَ لاَ أَنَا تُرِكْتُ فَأُنْكَحَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ غَيْرُهُ (3).

فصل

ثم أمر الله سبحانه المؤمنين بأداء حقوقهن التي أوجبها عليهم من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان

فقال وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أي خالطوهن و خالقوهن من العشرة التي هي المصاحبة فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً يعني في إمساكهن على كره منكم خير كثيرا من ولد يرزقكم أو عطفكم عليهن بعد الكراهية و الهاء في فيه يحتمل أن

ص: 184


1- تفسير البرهان 355/1.
2- كذا في النسختين،و في المصدر«كبيثة بنت معمر بن معبد»،و هو غير صحيح- انظر الإصابة 383/4.
3- تفسير البرهان 355/1.

يرجع إلى قوله شَيْئاً و يحتمل أن يعود إلى الذي تكرهونه. وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ المعنى إن أردتم تخلية المرأة سواء استبدلت مكانها أو لم تستبدل و إنما خص الله الاستبدال بالنهي لأن مع الاستبدال قد يتوهم جواز الاسترجاع لما أعطي من حيث إن الثانية تقوم مقام الأولى فيكون لها ما أعطته الأولى فيبين الله إن ذلك لا يجوز.و معنى قوله تعالى وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ليس ما أعطيتموهن موقوفا على التمسك بهن دون تخليتهن فيكون إذا أردتم الاستبدال جاز لكم أخذه بل هو تمليك صحيح لا يجوز الرجوع فيه و المراد بذلك ما أعطي المرأة مهرا لها و يكون دخل بها فأما إذا لم يدخل بها و طلقها جاز له أن يسترجع نصف ما أعطاها فأما ما أعطاها على وجه الهبة فظاهر الآية يقتضي أنه لا يجوز الرجوع في شيء منه لكن علمنا بالسنة أن ذلك سائغ له و لو كان مكروها.و القنطار المال الكثير قيل هو دية الإنسان و قيل هو ملء جلد ثور ذهبا. وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ قال السدي و ابن زيد هذه الآية منسوخة بقوله إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ (1) الآية و الصحيح أنها محكمة ليست منسوخة إذ لا يتنافى حكما الآيتين لأن الزوج يجوز له أن يأخذ الفدية من المختلعة لأن النشوز فيها هو في حكم المكره و في الآية الأخرى الزوج مختار للاستبدال فلا حاجة إلى نسخ إحداهما بالأخرى.و الإفضاء في الآية كناية عن الجماع قال ابن عباس و مجاهد و السدي و قيل إنه الخلوة و إن لم يجامع فليس له أن يسترجع نصف المهر مع الجماع و مع الدخول في الثيب و أما البكر فإن خلا بها و وجدت بخاتم ربها من بعد فلها نصف المهر و كلتا الروايتين رواهما أصحابنا و اختلفوا فيه و الأول أقوى

ص: 185


1- سورة البقرة:229.

لأن الإفضاء كناية عن الجماع.و قوله تعالى وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً قيل هذا الميثاق قوله فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ و هو المروي عن أبي جعفر ع (1) و قال مجاهد هو كلمة النكاح التي يستحل بها الفرج (2) و هذا الكلام و إن كان ظاهره الاستفهام فالمراد به التهديد و التوبيخ

باب ما يجب على المرأة في عدتها

نستدل أولا على أن عدة الحامل وضعها ثم نشرع في ذكره.إن قيل ما حجتكم على أن عدة المطلقة إذا كانت حاملا هي وضعها الحمل دون الأقراء فإن احتججتم

بقوله وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (3) عورضتم بعموم قوله وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (4) .الجواب عنه أنه لا خلاف بين العلماء في أن آية وضع الحمل عامة في المطلقة و غيرها و أنها ناسخة لما تقدمها و مما يكشف عن ذلك أن قوله وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إنما هو في عدة غير الحامل فإن من استبان حملها لا يقال فيها لا يحل لها أن تكتم ما خلق الله في رحمها و إذا كانت هذه خاصة (5) في غير الحوامل لم يعارض أنه الوضع و هي عامة في كل حامل من مطلقة و غيرها.

ص: 186


1- تفسير البرهان 355/1.
2- هذا التفسير أيضا مرويّ عن ابى جعفر الباقر عليه السلام-انظر المصدر السابق.
3- سورة الطلاق:4.
4- سورة البقرة:228.
5- الزيادة من ج.

و قيل في معنى قوله تعالى وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ثلاثة أقوال أحدها قال إبراهيم الحيض و ثانيها قال قتادة الحبل و ثالثها قال ابن عمر هو الحبل و الحيض و به قال الحسن و هو الأقوى لأنه أعم (1) و إنما لم يحل لهن الكتمان لظلم الزوج بمنعه المراجعة في قول ابن عباس و قال قتادة لنسبة الولد إلى غير والده كفعل الجاهلية.ثم شرط بقوله إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أي من كانت مؤمنة فهذه صفتها لا أنه يلزم المؤمنة دون غيرها و خرج ذلك مخرج التهديد.ثم قال وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ يعني أزواجهن أحق برجعتهن و ذلك يختص الرجعيات و إن كان أول الآية عاما في جميع المطلقات الرجعية و البائنة و يسمى الزوج بعلا لأنه عال على المرأة بملكه لزوجيتها.و قوله تعالى وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ قال الضحاك لهن من حسن العشرة المعروف على أزواجهن مثل ما عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لهم و قال ابن عباس لهن على أزواجهن من التصنيع و البر بهن مثل ما لأزواجهن عليهن و قال الطبري على أزواجهن ترك مضارتهن كما أن ذلك عليهن لأزواجهن.ثم قال وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ أي فضيلة منها الطاعة و منها أنه يملك التخلية و منها زيادة الميراث على قسم المرأة و الجهاد هذا قول مجاهد و قتادة و قال ابن عباس منزلة في الأخذ عليها بالعضل في المعاملة حتى قال ما أحب أن أستوفي منها جميع حقي ليكون لي عليها الفضيلة و الدرجة و المنزلة.و قيل إن في الآية نسخا لأن التي لم يدخل بها لا عدة عليها بلا خلاف إذا طلقت قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ إلى قوله فَما لَكُمْ

عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها (1) و لأن الحامل عدتها وضع ما في بطنها لقوله تعالى وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (2) .

ص: 187


1- و هو المروى عن الصادق عليه السلام-انظر مجمع البيان 376/1.

عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها (1) و لأن الحامل عدتها وضع ما في بطنها لقوله تعالى وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (2) .

فصل

و جاء في التفسير أن الذي حرم على المرأة كتمانه مما خلق الله في رحمها هو الولد و هو أن تكون حبلى فتكتم الحبل لتطلق فتتزوج زوجا تؤثره و نهيت عن ذلك لأمرين أحدهما أنها تلحق الولد بغير والده كما ذكرناه.و الثاني أنها تمنع الزوج فسخه في المراجعة لأن عدة الحوامل وضع الحمل فهي أبعد مدى من مدة القرء

و يقويه قوله هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ (3) و أنكر أبو علي على إبراهيم قوله إنه المحيض و قال لا يكون إلا الحبل لأن الدم لا يكون حيضا حتى يخرج من الرحم و إذا خرج فليس في الرحم و أمر الله تعالى أن لا يكتمن ما خلق الله في أرحامهن.و قال محمد بن جرير المراد الحبل و الحيض هاهنا و لا معنى لصرف المعنى إلى أحدهما كأن الغرض نهيهن عما يكون سببا لمنع حق الزوج من مراجعتها في العدة إن أراد و كل واحد منهما كالآخر لأن بوضع الحمل تنقضي العدة كما تنقضي بانقضاء القرء.الثالث قال علي بن عيسى أن كتمت الحبل محبة لفراقه ثم علم به ردها صاغرة عقوبة لما كتمته.و قال عبد الجبار الآية تدل على بقاء الزوجية بعد الطلاق الرجعي ما دامت

ص: 188


1- سورة الأحزاب:49.
2- سورة الطلاق:4.
3- سورة آل عمران:6.

في العدة فلهذا سماهم بعولا و لأن للطلاق تأثيرا يزال بالرد ما بقيت العدة.و إن الرجعة تصح من دون الإشهاد و إنما أمر الله فيها بالإشهاد احتياطا و سنة لأن الرجل كان قد أشهد على طلاقها فإذا راجع قبل انقضاء العدة و لم يشهد فإن أنكرت المرأة المراجعة بعد انقضاء العدة و لم يكن للرجل بينة على المراجعة و كان لها بينة على الطلاق فرق الحاكم بينهما على ظاهر الشرع فالاحتياط هو الإشهاد في المراجعة و يصح من دونه لأنه تعالى جعلها حقا للبعل.و له أن يراجع بغير رضاء منها لأن الله جعله أحق بذلك و يدل الظاهر على أن له الرجعة في كل مطلقة يلزمها العدة و لا يكون تطليقا ثانيا.و قال تعالى في موضع آخر يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ فلما أمر بالتطليق و أن يكون بعدة تحصى بين تعالى في هذه الآية العدة ما هي فقال ثَلاثَةَ قُرُوءٍ و قال في آيات أخر بيان العدد كلها على ما ذكرناه.و قد ذكرنا من قبل أنه تعالى إنما قال ثَلاثَةَ قُرُوءٍ و لم يقل ثلاثة أقراء على جمع القليل لأنه لما كانت كل مطلقة مستقيمة الحيض على ما ذكرناه يلزمها هذا دخله معنى الكثرة فأتى ببناء الكثرة للإشعار بذلك فالقروء كثيرة إلا أنها ثلاثة ثلاثة في القسمة

باب ما يكون كالسبب للطلاق

و هو على ضربين النشوز و الشقاق و لكل واحد منهما حكم دون حكم الآخر.

ص: 189

أما النشوز فقد قال الله تعالى وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ (1) و هو أن يكره الرجل المرأة (2) و تريد المرأة المقام معه و تكره مفارقته و يريد الرجل طلاقها فتقول له لا تفعل إني أكره أن يشمت بي فكل ما يلزمك من نفقة و غيرها لي فهو لك و أعطيك أيضا من مالي شيئا معلوما و دعني على حالتي فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما على هذا الصلح.و معنى الآية إن امرأة علمت من زوجها كراهة بنفسه عنها إلى غيرها و ارتفاعا بها عنها إما لبغضه و إما لكراهية منه شيئا منها إما دمامتها و إما سنها و كبرها أو غير ذلك. أَوْ إِعْراضاً يعني انصرافا بوجهه أن يبغض منافعه التي كانت لها منه فَلا جُناحَ و لا حرج عليهما أن يصطلحا بينهما صلحا بأن تترك المرأة له يومها أو تضع عنه بعض ما يجب لها من نفقة أو كسوة أو غير ذلك تستعطفه بذلك و تستديم المقام في حباله و التمسك بالعقد الذي بينه و بينها من النكاح.ثم قال تعالى وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ و معناه الصلح بترك بعض الحق استدامة للخدمة و تمسكا بعقد النكاح خير من طلب الفرقة و قال بعض المفسرين الصلح خير من النشوز و الإعراض و الأول أشبه.هذا إذا كان بطيبة من نفسها فإن لم يكن كذلك فلا يجوز له إلا ما يسوغ في الشرع من القيام بالكسوة و النفقة و القسمة و إلا يطلق و نحو هذه الجملة روى مخالفونا عن علي ع و عن عمر و ابن عباس و عائشة و ابن جبير و جماعة.

ص: 190


1- سورة النساء:128.
2- النشوز بمعنى الارتفاع و طلب العلو،و يكون بين الزوجين للكراهة التي تحدث بينهما،فنشوز المرأة استعصاؤها على زوجها،و نشوز الزوج استعصاؤه عليها و ضربها و جفاها و الإضرار بها-لسان العرب(نشز).

"وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ خَشِيَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ أَنْ يُطَلِّقَهَا رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَتْ لاَ تُطَلِّقْنِي وَ أَجْلِسْنِي مَعَ نِسَائِكَ وَ لاَ تَقْسِمْ لِي فَنَزَلَتْ وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً (1) .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع هِيَ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمَةَ فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا شَابَّةً فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا فَأَبَتِ الْأُولَى أَنْ تُقِرَّ عَلَى ذَلِكَ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً حَتَّى إِذَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِهَا يَسِيراً قَالَ إِنْ شِئْتِ رَاجَعْتُكِ وَ صَبَرْتِ عَلَى الْأَثَرَةِ وَ إِنْ شِئْتِ تَرَكْتُكِ حَتَّى يَخْلُوَ أَجَلُكِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ وَ فَعَلَ بِهَا مِثْلَ مَا فَعَلَهُ أَوَّلاً فَقَالَتْ رَاجِعْنِي وَ أَصْبِرُ عَلَى الْأَثَرَةِ فَرَاجَعَهَا فَذَلِكَ الصُّلْحُ الَّذِي بَلَغَنَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً (2) . وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ أي أحضرت أنفس كل واحد من الرجل و المرأة الشح بحقه قبل صاحبه فشح المرأة بترك حقها من النفقة و الكسوة و القسمة و غير ذلك و شح الرجل إنفاقه على التي لا يريدها.و إن قيل و إن امرأة ليس فيه أن الرجل نشز على امرأة و الخوف ليس معه يقين.قلنا عنه جوابان أحدهما أن الخوف في الآية بمعنى العلم تقديره و إن امرأة علمت.و الثاني أنها لا تخاف النشوز من الرجل إلا و قد بدا منه ما يدل على النشوز و الإعراض من أمارات ذلك.ثم نفى الله أن يقدر أحد على التسوية بين النساء في حبهن لأن ذلك تابع لما فيه من الشهوة و ميل الطبع و ذلك من فعل الله و ليس بذلك نفي القدرة على التسوية و النفقة و الكسوة.

ص: 191


1- انظر مجمع البيان 120/2.
2- تفسير عليّ بن إبراهيم 154/1 و انظر أيضا أسباب النزول للواحدى ص 120.

ثم قال وَ إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ المعنى أن الزوجين اللذين تقدم ذكرهما متى أبى كل واحد منهما مصالحة الآخر بأن تطالب المرأة نصيبها من النفقة و القسمة و حسن العشرة و يمتنع الزوج من إجابتها إلى ذلك لميله إلى الأخرى و يتفرقا حينئذ بالطلاق فإن الله يغني كل واحد بفضله.

فصل

ثم

قال تعالى اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ (1) أي إنهم يقومون بأمرهن و بتأديبهن فدلت الآية على أنه يجب على الرجل أن يدبر أمر المرأة و أن ينفق عليها لأن فضله و إنفاقه معا علة لكونه قائما عليها مستحقا لطاعتها فالصالحات مطيعات لله و لأزواجهن حافظات لما غاب عنه أزواجهن من ماله و ما يجب من رعايته و حاله و ما يلزم من صيانتها نفسها لله. وَ اللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ النشوز هاهنا معصية الزوج و أصله الرفع على الزوج من قولهم هو على نشز من الأرض أي ارتفاع و النشوز يكون من قبل المرأة على زوجها خاصة و الشقاق بينهما. فَعِظُوهُنَّ فإن رجعن و إلا ف اُهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ

وَ عَنِ الْبَاقِرِ ع هَجْرُ الْمُضَاجَعَةِ هُوَ أَنْ يُحَوِّلَ ظَهْرَهُ إِلَيْهَا (2). و قال ابن جبير هو هجر الجماع و قال بعضهم اهجروهن اربطوهن بالهجار أي الحبل و هذا تعسف في التأويل و يضعفه قوله فِي الْمَضاجِعِ و لا يكون الرباط في المضاجع.فأما الضرب فإنه غير مبرح بلا خلاف

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع هُوَ

ص: 192


1- سورة النساء:34.
2- تفسير البرهان 367/1.

بِالسِّوَاكِ (1). فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فلا تطلبوا العلل في ضربهن و سوء معاشرتهن.ثم قال وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها (2) و يجعلا الأمر إليهما على ما يريان من الصلاح [فإن رأيا من الصلاح الجمع بينهما جمعا و لم يستأذنا و لم يكن لهما مخالفتهما و إن رأيا من الصلاح] (3) التفريق بينهما لم يفرقا حتى يستأذنا فإن استأذناهما و رضيا بالطلاق فرقا بينهما و إن رأى أحد الحكمين التفريق و الآخر الجمع لم يكن لذاك حكم حتى يصطلحا على أمر واحد إما جمع و إما تفريق و معنى الآية أي إن علمتم و الأولى و الأصح أن يحمل على خلاف الأمن لأنه لو علم الشقاق يقينا لم يحتج إلى الحكمين فإن أريد به الظن كان قريبا مما قلناه.و الشقاق الخلاف و العداوة و الحكم السلطان الذي يترافعان إليه قاله جماعة و قال قوم هنا وكيلان و عندنا أنهما حكمان و الضمير في بينهما عائد إلى الحكمين أي إذا أرادا إصلاحا في أمر الزوجين يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما قاله ابن عباس و ابن جبير

باب ما يؤثر في أنواع الطلاق

و هو أيضا على ضربين الخلع و المباراة و هما يؤثران في كيفية الطلاق فإن كل واحد منهما متى حصل مع الطلاق كانت التطليقة بائنة.أما الخلع فإنه يكون من جهة المرأة خاصة و يجب إذا قالت المرأة لزوجها

ص: 193


1- تفسير البرهان 367/1.
2- سورة النساء:35.
3- الزيادة من ج.

إن لم تطلقني لأوطئن فراشك من تكرهه فمتى سمع منها هذا القول أو علم هذا من حالها و إن لم تنطق به وجب عليه خلعها و قد سمى الله تعالى في كتابه الخلع افتداء

فقال فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ (1) و الفدية العوض الذي تبذله المرأة لزوجها تفتدي نفسها منه به و هذا هو الخلع في الشرع و إنما استعمل هذا (2) في الزوجين لأن كل واحد منهما لباس لصاحبه.و الأصل في الخلع الكتاب و السنة قال تعالى وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ (3) الآية.فإذا أراد خلعها اقترح عليها شيئا معلوما تعطيه سواء كان ذلك مثل المهر الذي أعطاها أو أكثر منه أو أنقص حسبما يختاره أي ذلك فعل جاز و حل له ما يأخذ منها فإذا تقرر بينهما على شيء معلوم طلقها بعد ذلك و تكون تطليقة بائنة لا يملك رجعتها إلا أن ترجع المرأة فيما بذلته من مالها قبل العدة (4) فإن رجعت في شيء من ذلك في العدة كان له الرجوع أيضا في بعضها ما لم تخرج من العدة فإذا خرجت من العدة لم يلتفت إليها إذا رجعت فيما بذلته و لم يكن عليها أيضا رجعة فإن أراد كان بعقد جديد.أما قوله تعالى وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أي إلا أن يظنا و من ضم الياء من يُخَافَا فتقديره أن لا يخافا على أن لا يقيما حدود الله و قال أبو علي الفارسي خاف يتعدى إلى مفعول واحد و ذلك المفعول يكون تارة أن و صلتها و تارة غيرها و لا يلزم همزة سؤال من قال ينبغي

ص: 194


1- سورة البقرة:229.
2- أي اسم«الخلع»أطلق على هذا الطلاق لان الزوج كأنّه يخلع لباسه عن بدنه اذ يطلق زوجته.
3- سورة البقرة:229.
4- أي قبل انقضاء العدة.

أن يكون فإن خيفا و كذا لا يلزم من خالفه لم لم يقل فإن خافا لأمرين أحدهما أن يكون الصرف من الغيبة إلى الخطاب كما قال اَلْحَمْدُ لِلّهِ ثم قال إِيّاكَ نَعْبُدُ و قال ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (1) و الآخر يكون الخطاب في قوله فَإِنْ خِفْتُمْ مصروفا إلى الولاة و الفقهاء الذين يقومون بأمور الكافة.فإن قيل كيف قال فَلا جُناحَ عَلَيْهِما و إنما الإباحة لأخذ الفدية.قيل لأنه لو خص بالذكر لأوهم أنها عاصية فإن كانت الفدية له جائزة فبين الإذن لهما لئلا يوهم أنه كالربا المحرم على الأخذ و المعطي.و ذكر الفراء أنه كقوله تعالى يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ (2) و إنما هو من الملح دون العذب مجاز للاتساع و هذا هو الذي يليق بمذهبنا لأن الذي يبيح الخلع عندنا هو ما لولاه لكانت المرأة به عاصية فهما اشتركا في أن لا يكون عليهما جناح إذا كانت تعطي ما قد يفي عن الزوج فيه الإثم فاشتركت فيه لأنها إذا أعطت ما يطرح الإثم احتاجت هي إلى مثل ذلك أي إنها نفت [عن] (3) نفسها الإثم بأن افتدت لأنها لو أقامت على النشوز و الإضرار لأثمت و كان عليها في النشوز جناح فخرجت عنه بالافتداء.و أما المباراة فهي أن تكون الكراهية من جهة الرجل و المرأة معا من كل واحد منهما لصاحبه و لم يختص ذلك واحد منهما فمتى عرفا ذلك من حالهما أو قالت المرأة لزوجها أنا أكره المقام معك و أنت تكره المقام معي أيضا فباريني أو يقول الرجل مثل ذلك على أن تعطيني كيت و كيت و يكون ذلك دون المهر

ص: 195


1- سورة الروم:39.
2- سورة الرحمن:22.
3- زيادة يقتضيها السياق.

فإذا بذلته ذلك من نفسها طلقها حينئذ تطليقة و تكون بائنة على ما ذكرناه لأن المباراة ضرب من الخلع و الفرق بينهما ما ذكرناه و الآية تدل عليهما.و الخلع بالفدية على ثلاثة أوجه أحدها أن تكون المرأة عجوزا و دميمة فيضاريها لتفتدي به نفسها فهذا لا يحل له الفداء لقوله وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ (1) الآية.الثاني أن يرى الرجل امرأته على فاحشة فيضاريها لتفتدي في خلعها فهذا يجوز و هو معنى قوله وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (2) .الوجه الثالث أن يخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ لسوء خلق أو قلة نفقة من غير ظلم أو نحو ذلك فتجوز الفدية خلعا كان أو مباراة على ما فصلناه

باب ما يلحق بالطلاق

و هو أيضا على ضربين يوجب التحريم و إن لم تقع الفرقة و ضرب يوجب البينونة مثل الطلاق فالقسم الأول الظهار و الإيلاء و القسم الثاني اللعان و الارتداد و نحن نفرد لكل واحد منهما فصلا مفردا إن شاء الله تعالى

فصل في الظهار

قال الله تعالى اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ

إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ (1) هذه الآية نزلت في خولة بنت ثعلبة (2) و زوجها أوس أخو عبادة بن الصامت في قول قتادة و كان مجادلتها إياه مراجعتها في أمر زوجها و كان ظاهر منها و هي تقول كبرت سني و دق عظمي و إن أوسا تزوجني و أنا شابة غنية فلما علت سني ظاهر مني و رسول الله ص ساكت لا يجيبها لأنه لم يكن نزل عليه وحي في ذلك و لا حكم ثم قالت إلى الله أشكو حالي فلي صبية إن ضممتهم إلي جاعوا و إن ضمهم إليه ضاعوا فعاودت النبي ع فسألته رخصة (3).إن قيل لم قال وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما بعد قوله قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ .قلنا ليس ذلك تكريرا لأن أحد المسموعين غير الآخر و الأول ما حكته عن زوجها من الظهار و الثاني ما كان يجري بينهما و بين النبي ع من الكلام في ذلك.قال ابن عباس هو أول من ظاهر في الإسلام فكان الرجل في الجاهلية إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي حرمت عليه كما هو في الإسلام فأنزل الله في قصة الظهار الآيات و لا خلاف أن الحكم عام في جميع من يظاهر و إن نزلت الآية في سبب.و قال صاحب النظم إن بعض المفسرين قال ليس قولهم أنت علي كظهر أمي مأخوذا من الظهر الذي هو العضو لأنه لو كان من ذلك لكان البطن أولى به من الظهر بل إنما هو من قولهم ظهر علي كذا إذا ملكه و كما

ص: 196


1- سورة النساء:20.
2- سورة النساء:19.

إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ (1) هذه الآية نزلت في خولة بنت ثعلبة (2) و زوجها أوس أخو عبادة بن الصامت في قول قتادة و كان مجادلتها إياه مراجعتها في أمر زوجها و كان ظاهر منها و هي تقول كبرت سني و دق عظمي و إن أوسا تزوجني و أنا شابة غنية فلما علت سني ظاهر مني و رسول الله ص ساكت لا يجيبها لأنه لم يكن نزل عليه وحي في ذلك و لا حكم ثم قالت إلى الله أشكو حالي فلي صبية إن ضممتهم إلي جاعوا و إن ضمهم إليه ضاعوا فعاودت النبي ع فسألته رخصة (3).إن قيل لم قال وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما بعد قوله قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ .قلنا ليس ذلك تكريرا لأن أحد المسموعين غير الآخر و الأول ما حكته عن زوجها من الظهار و الثاني ما كان يجري بينهما و بين النبي ع من الكلام في ذلك.قال ابن عباس هو أول من ظاهر في الإسلام فكان الرجل في الجاهلية إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي حرمت عليه كما هو في الإسلام فأنزل الله في قصة الظهار الآيات و لا خلاف أن الحكم عام في جميع من يظاهر و إن نزلت الآية في سبب.و قال صاحب النظم إن بعض المفسرين قال ليس قولهم أنت علي كظهر أمي مأخوذا من الظهر الذي هو العضو لأنه لو كان من ذلك لكان البطن أولى به من الظهر بل إنما هو من قولهم ظهر علي كذا إذا ملكه و كما

ص: 197


1- سورة المجادلة:2.
2- في بعض نصوص الحديث«خويلة»،انظر الإصابة 282/4.
3- اسباب النزول للواحدى ص 273.

يقولون نزل عنها إذا طلقها يقولون ظهر عليها إذا ملكها و علاها بالزوجية و ملك النكاح فكأنه قال ملكي إياك حرام علي كما أن ملكها علي حرام (1).و كان أهل الجاهلية إذا قال الرجل منهم لامرأته أنت علي كظهر أمي بانت منه و طلقت و في شريعة الإسلام لا تبين المرأة إلا أنه لا يجوز له وطؤها بل يحرم.و هو ينقسم إلى قسمين قسم يجب فيه الكفارة قبل المواقعة و هو أنه إذا تلفظ بالظهار و لا يعلقه بشرط أو علقه بشرط غير الوطي ثم حصل ذلك الشرط.و القسم الثاني أن يقول أنت علي كظهر أمي إن واقعتك فإنه لا تجب الكفارة هنا عليه إلا بعد المواقعة.و الظهار لا يقع إلا على المدخول بها و شروطه كشروط الطلاق سواء من كون المرأة في طهر لم يقربها فيه بجماع و يكون بمحضر شاهدين و يقصد التحريم و لا يكون على الغضب و لا على الإجبار فإن اختل شيء من ذلك لم يقع به ظهار.و معنى قوله اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ أي الذين يقولون لنسائهم أنتن علي كظهر أمي و معناه إن ظهركن علي حرام كظهر أمي فقال الله ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ أي ليست أزواجهم أمهاتهم على الحقيقة و ليس أمهاتهم على الحقيقة إلا اللائي ولدنهم من الأم و جداته و إلا اللائي أرضعنهم.

ص: 198


1- قال ابن منظور:و أصله(أى الظهار)مأخوذ من الظهر،و انما خصوا الظهر دون البطن و الفخذ و الفرج-و هذه أولى بالتحريم-لان الظهر موضع الركوب،و المرأة مركوبة إذا غشيت،فكأنّه إذا قال«أنت على كظهر أمى»أراد:ركوبك للنكاح على حرام كركوب امى للنكاح،فأقام الظهر مقام الركوب لانه مركوب،و أقام الركوب مقام النكاح لان الناكح راكب،هذا من لطيف الاستعارات للكناية-لسان العرب(ظهر).

ثم أخبر أن القائل لهذا يقول منكرا قبيحا و كذبا.ثم قال وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ يعني الذين يقولون هذا القول الذي حكيناه ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا اختلفوا في معنى العود فقال طاوس الذين كانوا يظاهرون في الجاهلية ثم عادوا في الإسلام إلى مثل ذلك فظاهروا و قال قتادة العود هو العزم على عودها و قال قوم فيه تقديم و تأخير و تقديره و الذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فإن لم يجد فصيام شهرين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ثم يعودون لما قالوا و قال آخرون معناه ثم يعودون لنقض ما قالوا.و الذي هو مذهبنا أن العود المراد به الوطء أو بعض القول فالذي قاله فإنه لا يجوز له الوطء إلا بعد الكفارة إذا كان الظهار مطلقا.و جعل الأخفش لِما قالُوا من صلة فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فالمعنى الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون فتحرير رقبة أي عليهم تحرير رقبة لما قالوا يعني لأجل ما قالوا و هذا أيضا حسن.و قال أحمد بن يحيى معناه الذين يعودون لتحليل ما حرموه فقد عادوا فيه و هو في موضعه لا حاجة إلى تقديم و تأخير.و الأقاويل كلها متقاربة لأن من عزم على غشيانها فقد عاد.ثم بين تعالى كيفية الكفارة فقال فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فإن أول ما يلزمه من الكفارة عتق رقبة و التحرير هو أن يجعل الرقبة المملوكة حرة بالعتق بأن يقول المالك إنه حر.و الرقبة ينبغي أن تكون مؤمنة أو في حكم المؤمن سواء كان ذكرا أو أنثى صغيرة أو كبيرة إذا كانت صحيحة الأعضاء فإن الإجماع واقع على أنه يقع الإجزاء بها.

ص: 199

و تحرير الرقبة واجب في الظهار المطلق قبل المجامعة أو في المشروط بغير الوطي كأن يقول إن فعلت كذا فأنت علي كظهر أمي فإذا فعله وجب عليه الكفارة أيضا قبل الوطي لقوله فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا أي من قبل أن يجامعها فيماسا و هو قول ابن عباس و قال الحسن يكره للمظاهر أن يقبل و الذي يقتضيه الظاهر أن لا يقربها بجماع و لا بمماسة شهوة. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الرقبة و عجز عنها فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ و التتابع عند العلماء أن يوالي بين أيام الشهرين الهلاليين أو يصوم ستين يوما إن بدأ من نصف شهر و نحوه لا يفطر بينهما فإن أفطر بعد أن صام شهرا و من الثاني بعضه و لو يوما فقد أخطأ إلا أنه يبني فإن أفطر قبله لعذر بنى أيضا و إن أفطر من غير عذر استأنف.فمن لم يقدر على الصوم فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً يعطي عندنا لكل مسكين نصف صاع فإن لم يقدر أعطاه مدا.و قال بعض المفسرين التحرير واجب قبل المجامعة لنص القرآن في الظهار المطلق و لم يذكر الله في الطعام و لكن أجمعت الأمة على أنه قبل التماس و يمكن أن يقال إن الآية تدل على جميع ذلك لأن الثاني هاهنا بدل من الأول و الثالث من الثاني.و متى نوى بلفظ الظهار الطلاق لم يقع به طلاق.و الإطعام لا يجوز إلا للمسكين

فصل في الإيلاء

ص: 200

قال الله تعالى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) .اعلم أن الإيلاء لا يقع إلا بعد الدخول بها و متى آلى بغير اسم الله أو حلف بالطلاق أو ما أشبهه أن لا يطأها فليطأها و ليس عليه كفارة.و لا خلاف بين أهل التأويل أن معنى يؤلون يحلفون و الإيلاء في الآية الحلف على اعتزال النساء و ترك جماعهن على وجه الإضرار بهن و كأنه قيل الذين يؤلون أن يعتزلوا النساء تربص أربعة أشهر.فإذا حلف الرجل أن لا يجامع زوجته كانت المرأة بالخيار إن شاءت صبرت عليه أبدا و إن شاءت خاصمته إلى الحاكم فإن استعدت عليه (2) أنظره الحاكم بعد رفعها إليه أربعة أشهر ليرتئي في أمرها فإن كفر و راجع و إلا خيره الحاكم بعد ذلك بين أن يكفر و يعود أو يطلق فإن أقام على الإضرار بها حبسه الحاكم و ضيق عليه في المطعم و المشرب حتى يفيء إلى أمر الله فيكفر و يرجع أو يطلق.و اليمين التي يكون بها الرجل موليا هي اليمين بالله أو بشيء من صفاته التي لا يشركه فيها غيره على وجه لا يقع موقع اللغو الذي لا فائدة فيه و هو المروي عن علي ع و قال جماعة هو في الجماع و غيره من الإضرار نحو الحلف أن لا يكلمها.و قوله حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ أي حتى يرجع من الخطإ إلى الصواب.فإن قيل ما الذي يكون به المولي فائيا.قيل عندنا يكون فائيا بأن يجامع و به قال ابن عباس و قال الحسن يكون فائيا بالعزم في حال القدرة إلا أنه ينبغي أن يشهد عليه فيه و هذا عندنا يكون للمضطر الذي لا يقدر على الجماع.و يجب عندنا على الفائي كفارة و به قال ابن عباس و جماعة و لا عقوبة

ص: 201


1- سورة البقرة:226-227.
2- أي شكته الى الحاكم.

عليه و هو المروي عنهما ع (1) و قال الحسن لا كفارة عليه لقوله تعالى فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فإنه ليس فيه أن يتبعه بكفارة.و متى حلف أنه لا يجامع أقل من أربعة أشهر لا يكون موليا لأن الإيلاء على أربعة أشهر أو أكثر و لا يجوز له وطؤها في تلك المدة و إن لم يجب عليه أحكام الإيلاء الأخر.و متى حلف أنه لا يقربها و هي مرضعة خوفا من أن تحبل فيضر ذلك بولدها لا يلزمه حكم الإيلاء على ما ذكرناه آنفا.و يجوز أن يكون في الآية تقديم و تأخير و يكون تقديره للذين يؤلون تربص أربعة أشهر من نسائهم و يجوز أن يكون معناه للذين يؤلون من أجل نسائهم.و الفقهاء جعلوا من متعلقة بالإيلاء حتى إذا استعملوها معه قالوا آلى من امرأته إذا حلف الحلف الموصوف و قال أبو مسلم هي متعلقة باللام في لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ كما يقولون لك مني النصرة و المعونة و الصحيح أن الإيلاء يستغني عن من و المعروف آلى عن امرأته و الأحسن من هذا كله أن يكون من هاهنا للتبعيض أي من آلى من جملة نسائه على واحدة أو على بعضهن أو على جميعهن و قال النحويون اللام يفيد الاستحقاق كما يقول اللعن للكفار.و قوله مِنْ نِسائِهِمْ يتعلق بالظرف كما يقول لك مني نصرة و لك مني معونة أي للمولين من نسائهم تربص أربعة أشهر و ليس من يتعلق يؤلون لأن اللغة يحكم أن يقال آلى على امرأته و قول القائل آلى فلان من امرأته وهم إنما توهمه من هذه الآية لما سمع الله تعالى يقول لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ظن أن من

ص: 202


1- انظر وسائل الشيعة 535/15.

يتعلق بيؤلون فكرروا في كتاب الإيلاء آلى من امرأته و الصواب ما ذكرته

فصل في اللعان

قال الله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ (1) .إذا قذف الرجل امرأته بالفجور و ادعى أنه رأى معها رجلا يفجر بها مشاهدة و لم يقم به أربعة من الشهود كان عليه ملاعنتها و كذلك إذا انتفى من ولد زوجة له في حباله أو بعد فراقها مدة الحمل و معنى الآية أن من رمى زوجته بالزناء تلاعنا إذا لم تكن صماء أو خرساء إذا لم يكن له شهود أربعة.و الملاعنة أن يبدأ الرجل فيحلف بالله أنه صادق فيما رماها به و يحتاج أن يقول أشهد بالله إني لصادق لأن شهادته أربع مرات تقوم مقام أربعة شهود في دفع الحد عنه ثم يشهد الخامسة أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ فيما رماها به و إذا جحدت المرأة ذلك شهدت أربع شهادات إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ فيما رماها به و تشهد الخامسة أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ .ثم يفرق بينهما و لا يجتمعان أبدا كما فرق رسول الله ص بين هلال بن أمية و زوجته و قضى أن الولد لها و لا يدعى لأب و لا ترمى هي و لا يرمى ولدها.و عند أصحابنا أنه لا لعان بينهما ما لم يدخل بها و اللعان عندنا يحصل بتمام اللعان من غير حكم الحاكم و تمام اللعان إنما يكون إذا تلاعن الرجل و المرأة جميعا على ما ذكرنا

ص: 203


1- سورة النور:6.

فصل في الارتداد

قال الله تعالى وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ (1)

و قال سبحانه وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ (1) .استدل بعض المفسرين بمجموع الآيتين على أن المرتد عن الإسلام تبين عنه امرأته لعموم الآيتين.و عندنا أن المرتد على ضربين فإن كان مسلما ولد على فطرة الإسلام فقد بانت منه امرأته في الحال و قسم ماله بين ورثته و وجب عليه القتل من غير أن يستتاب و تعتد زوجته عدة المتوفى عنها زوجها.و إن كان المرتد ممن كان أسلم عن كفر ثم ارتد استتيب فإن عاد كان عقد زوجته ثابتا و إن لم يرجع كان عليه القتل و إن هرب إلى دار الحرب تعتد زوجته ثلاثة أشهر.و الأولى أن نقول إن هذا الحكم يعلم بالسنة قال الله تعالى وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ و قال تعالى ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ فتدل الآيتان عليه جملة أو من فحوى كل واحدة من الآيتين

باب الزيادات

إنما خص الله المؤمنات

في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ

الْمُؤْمِناتِ (2) لئلا ينكح المؤمنون إلا كل مؤمنة عفيفة

ص: 204


1- سورة البقرة:221.
2- سورة البقرة:217.

الْمُؤْمِناتِ (1) لئلا ينكح المؤمنون إلا كل مؤمنة عفيفة

كَمَا قَالَ ع تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ. فيجب أن يتنزه عن مزاوجة الفواسق و الفواجر و الكوافر.و فائدة ثم في قوله ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ نفي التوهم عمن عسى تفاوت الحكم بين أن يطلقها و هي قريبة العهد من النكاح و بين أن يبعد عهدها من النكاح و يتراخى بها المدة في حبالة الزوج ثم يطلقها.و قرئ تعتدونها مخففا أي تعتدون فيها و المراد بالاعتداء ما في قوله وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا (2) .و العامل في الظرف من قوله إِذا نَكَحْتُمُ ما يتعلق به لكم و التقدير إذا نكحتم المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ لم يثبت لكم عليهن عدة.و السراح الجميل هو دفع المتعة بحسب الميسرة و العشرة بغير جفوة و لا أذية.

وَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ : كُنْتُ قَاعِداً عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ إِنِّي قُلْتُ يَوْمَ أَتَزَوَّجُ فُلاَنَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَ اذْهَبْ وَ تَزَوَّجْهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِالنِّكَاحِ قَبْلَ الطَّلاَقِ وَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ (3).

مسألة

إن قيل قد أمر الله بطلاق العدة في

قوله تعالى فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (4) فكيف تقدمون أنتم طلاق السنة على طلاق العدة.قلنا إن طلاق السنة أيضا طلاق العدة الذي ذكره الله إلا أن أصحابنا قد اصطلحوا على أن يسموا الطلاق الذي لا يزاد عليه [بعد المراجعة طلاق

ص: 205


1- سورة الأحزاب:49.
2- سورة البقرة:231.
3- وسائل الشيعة 289/15 مع اختلاف يسير.
4- سورة الطلاق:1.

السنة و الطلاق الذي يزاد عليه] (1) شرط المراجعة طلاق العدة و مما يعضده

مَا رَوَى بُكَيْرُ بْنُ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ قَالَ : الطَّلاَقُ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَلَى طُهْرٍ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَ يُشْهِدَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى تَطْلِيقِهِ ثُمَّ هُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَمْضِ ثَلاَثَةُ قُرُوءٍ فَهَذَا الطَّلاَقُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ فِي سُنَّتِهِ وَ كُلُّ الطَّلاَقِ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ (2).

وَ عَنْ حَرِيزٍ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ طَلاَقِ السُّنَّةِ فَقَالَ عَلَى طُهْرٍ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَ لاَ يَجُوزُ الطَّلاَقُ إِلاَّ بِشَاهِدَيْنِ وَ الْعِدَّةِ وَ هُوَ قَوْلُهُ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ الْآيَةَ (3).

مسألة

عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ قَالَ لَوْ كَانَ لِي عَلَيْهِ سُلْطَانٌ لَأَوْجَعْتُ رَأْسَهُ وَ قُلْتُ اللَّهُ أَحَلَّهَا لَكَ فَمَنْ حَرَّمَهَا عَلَيْكَ إِنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ كَذَّبَ فَزَعَمَ أَنَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ حَرَامٌ وَ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ طَلاَقٌ وَ لاَ كَفَّارَةٌ فَقُلْتُ يَقُولُ اللَّهُ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ (4) فَجَعَلَ عَلَيْهِ فِيهِ الْكَفَّارَةَ فَقَالَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ جَارِيَتَهُ مَارِيَةَ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَقْرَبَهَا وَ إِنَّمَا جَعَلَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ فِي الْحَلْفِ وَ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ فِي التَّحْرِيمِ (5). و هذا إشارة إلى الإيلاء.

ص: 206


1- الزيادة من ج.
2- وسائل الشيعة 280/15.
3- المصدر السابق 181/15.
4- سورة التحريم:1.
5- وسائل الشيعة 292/15.

مسألة

فإن قيل إن أخلعت الزوجة في مرضها بأكثر من مهر مثلها هل يصح ذلك أم لا و إن صح فهل يكون ذلك من صلب مالها أم لا.قلنا الخلع على هذا صحيح لأن المرض لا يبطل المخالعة بمهر المثل أو أكثر منه و يكون ذلك من صلب مالها

لقوله تعالى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ و لم يفرق بين حال المرض و غيره فوجب حمله على عمومه إلا أن يدل دليل.

مسألة

فإن قيل كيف عدي

قوله لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ بمن و هو معدى بعلى.قلنا قد ضمن في هذا القسم المخصوص معنى البعد فكأنه قيل يبعدون من نسائهم مؤلين أو مقسمين و يجوز أن يراد لهم من نسائهم تربص أربعة أشهر كقولك لي منك كذا.و الإيلاء من المرأة أن يقول و الله لا أقربك أربعة أشهر فصاعدا أو لا أقربك على الإطلاق و لا يكون فيما دون أربعة أشهر.فإن قيل كيف موقع الفاء في قوله تعالى فَإِنْ فاؤُ .قيل موقع صحيح لأن قوله فَإِنْ فاؤُ وَ إِنْ عَزَمُوا تفصيل لقوله لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ و التفصيل يعقب المفصل كما تقول أنا نزيلكم هذا الشهر فإن أحمدتكم أقمت عندكم إلى آخره و إلا لم أقم إلا ريثما أتحول.

مسألة

ص: 207

بهن التي تحيض و اللفظ مطلق في تناول الجنس صالح لكله و بعضه فجاء في أحد ما يصلح له كالاسم المشترك.و في ذكر الأنفس هاهنا تهييج لهن على التربص و زيادة بعث و ذلك أن أنفس النساء طوامح إلى الرجال فأمرن أن يقمعن أنفسهن و يغلبنها على الطموح و يجبرنها على التربص.و في قوله تعالى تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لأنهن يستنكفن هناك فلم يحتج إلى ذكر أنفسهن.

مسألة

فإن قيل هل يصح الإيلاء من الذمي قلنا يصح منه ذلك

ص: 208

كتاب العتق و أنواعه

عتق النبي ص زيدا

قال الله تعالى وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ (1) .هذه الآية نزلت في زيد بن حارثة و كان النبي ص أعتقه (2).و إنعام الله عليه الذي ذكره الله في الآية هو الإسلام و قد وفقه له و إنعام النبي ع عتقه.خاطب الله محمدا فقال اذكر حين تقول للذي أنعم الله عليه بالهداية إلى الإيمان و أنعمت عليه بالعتق أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ أي احبسها و لا تطلقها لأن زيدا جاء إلى النبي ع مخاصما زوجته زينب بنت جحش على أن يطلقها فوعظه النبي و قال له لا تطلقها و اتق الله في مفارقتها. وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ فالذي أخفى في نفسه أنه إن طلقها زيد تزوجها و خشي من إظهار هذا للناس و كان الله أمره بتزوجها إذا طلقها زيد. فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً أي لما طلق زيد امرأته أذن الله لنبيه في

ص: 209


1- سورة الأحزاب:37.
2- انظر أسباب النزول للواحدى ص 237.

تزويجها و أراد بذلك نسخ ما كان عليه الجاهلية من تحريم زوجة الدعي و هو قوله تعالى لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ .فهذه الآية تدل على أن في العتق فضلا كثيرا و ثوابا جزيلا ألا ترى أنه تعالى كنى عنه بقوله أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ .و يستحب عتق المؤمن المستبصر فإن الإنعام عليه أحسن.و لا عتق إلا ما أريد به وجه الله.و العتق لا يصح و لا يقع بغير نية.و كل آية تنطق بتحرير الرقبة في الكفارات فإنها تدل على جواز العتق بل على فضله و أنه من أكرم الإحسان و أفضل الإنعام و لا خلاف في جوازه و الفضل فيه بين الأمة.و العتق على ضربين واجب و ندب و يدخل كلا وجهيه تحت قوله تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ (1) فالأمر بالعدل على وجه الإيجاب و بالإحسان على وجه الندب.فإن قال كل عبد أملكه فهو حر لا يقع به عتق و إن ملك في المستقبل إلا أن يجعل ذلك نذرا على نفسه.و إذا قال كل عبد لي قديم فهو حر فمن كان أتى له ستة أشهر من مماليكه صار حرا قضى به أمير المؤمنين ع و تلا قوله تعالى وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (2) و قد ثبت أن العرجون إنما ينتهي إلى الشبه بالهلال في تقويه و ضئولته بعد ستة أشهر من أخذ الثمرة منه

ص: 210


1- سورة النحل:90.
2- سورة يس:39.

باب من إذا ملك العتق في الحال

قال الله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ (1) الآية يستدل بذلك بعد الإجماع و السنة على أنه متى ملك الإنسان أحد والديه أو ولده ذكرا كان أو أنثى أو أخته أو عمته أو خالته أو واحدة من المحرمات عليه في النكاح من ذوي أرحامه انعتقوا في الحال و لم يثبت لهم معه استرقاق على حال.و كل من ذكرناه من المحرمات من جهة النسب فإن استرقاقهم لا يثبت فإنهم إذا كانوا من جهة الرضاع لا يثبت استرقاقهم أيضا لأن التحريم عام

لِقَوْلِهِ ع يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ (2). على أنه لا يصح ملكهن من جهة الرضاع.

و قوله وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ يدل فحوى هذه الآية على تحريم البنات و العمات و الخالات و بنات الأخ و بنات الأخت من الرضاع على ما تقدم في كتاب النكاح.

و قوله تعالى وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً إلى قوله وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (3) فيه دلالة على أن البنوة و العبودية لا تجتمعان و أنه إذا ملك الإنسان ابنه عتق عليه.

ص: 211


1- سورة النساء:23.
2- انظر وسائل الشيعة 293/14.
3- سورة مريم 88-93.

و يستحب للإنسان إذا ملك من سواهم من ذوي أرحامه أن يعتقه فإن ملك أخاه أو ابن أخيه و ابن أخته أو عمه أو خاله و غيرهم من الرجال فلا بأس و الأولى عتقه

باب من يصح ملكه و من لا يصح

قال الله تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (1) يدل بعمومه على أن الكافر إذا اشترى عبدا مسلما فالبيع باطل و كذلك إن أسلم مملوك لذمي لا يقر عنده بل يباع من مسلم و يعطى ثمنه الذمي.و لا بأس أن يشتري الإنسان ما يسبيه الظالمون إذا كانوا مستحقين للسبي و لا بأس أن يشتري من أهل الحرب أولادهم و يجوز وطء من هذه صفتها و إن كان فيه الخمس لمستحقيه لم يصل إليهم لأنهم جعلوا شيعتهم من ذلك في حل و سعة.و كل من قامت البينة على عبوديته سواء كان بالغا أو لم يكن جاز تملكه و كذا من أقر على نفسه بالعبودية و كان بالغا و الدليل على جميع ذلك كل آية تدل على صحة الإقرار و البينة.و الله تعالى بين وجه حكمته في إباحة الاسترقاق بقوله اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ (2) بأن جعلنا بعضهم أغنياء و بعضهم فقراء و بعضهم موالي و بعضهم عبيدا و إماء و بعضهم مرضى و بعضهم أصحاء بحسب ما علمنا من مصالحهم.

ص: 212


1- سورة النساء:141.
2- سورة الإسراء:21.

وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ فذلك أولى أن يرغب فيه فقد يكون كثير من المماليك خيرا من ساداتهم و إن كانوا جميعا مسلمين و كذا الفقير و الغني جميعه نوع من التكليف

باب بيع أمهات الأولاد

أم الولد هي التي تلد من مولاها سواء كان ما وضعته تاما أو غير تام و إن أسقطت نطفة و يجوز بيعها بعد وفاة أولادها و الدليل عليه

قول الله تعالى وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا (1) و هذا عام في أمهات الأولاد و غيرهن.فإن قيل قد أجمعنا على أن قوله وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ مشروط بالملك فإن بيع ما لا يملكه لا يجوز.قلنا الملك باق في أم الولد بلا خلاف لأن وطأها مباح له و لا وجه لإباحته إلا بملك اليمين.و يدل عليه أيضا أنه لا خلاف في جواز عتقها بعد الولد و لو لم يكن الملك لما جاز العتق و كذلك أجمعوا على أن قاتلها لا يجب عليه الدية و إنما يجب عليه قيمتها إذا كانت دون دية الحرة أو مثلها و كذلك يجوز مكاتبتها و أن يأخذ سيدها ما كاتبها عليه عوضا عن رقبتها و هذا كله يدل على بقاء الملك.و حمل ذلك على الرهن و أن ملك الشيء المرهون هو باق للراهن و إن لم يجز بيعه فذلك قياس و نحن لا نقول به.على أنهم إذا سلموا بقاء الملك في أمهات الأولاد فبقاؤه يقتضي استمرار أحكامه و إذا ادعوا فيه النقصان طولبوا بالدلالة و لم يجدوها على أنه لو سلمنا

ص: 213


1- سورة البقرة:275.

نقصان الملك تبرعا لجاز أن نحمله على أنه لا يجوز بيعها مع ولدها و هذا ضرب من النقصان.

و يدل على ذلك أيضا قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ (1) و قد علمنا أن للمولى أن يطأ أم ولده و إنما يطؤها بملك اليمين لأنه لا عقد هاهنا و إذا جاز أن يطأها بالملك جاز أن يبيعها بعد وفاة ولدها كما جاز ذلك في سائر جواريه

باب الولاء

قال الله تعالى فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ (2) و المراد بمواليكم مماليككم الذين أنتم بهم أولى و هذا المعنى فيهم على العموم فيكون الولاء للمعتق الذي أنعم عليه بأن أعتقه تبرعا لا في واجب كما قال تعالى في حق زيد.و لهذا نقول الولاء إنما يثبت في العتق الذي ليس بواجب بل يكون على سبيل التبرع و أما إن كان العتق في أمر واجب ككفارة ظهاره أو كفارة قتل أو إفطار في شهر رمضان أو نذر أو يمين أو ما أشبه ذلك من جهات الواجب فإن الولاء يرتفع منه و المعتق سائبة لا ولاء للمعتق عليه فلا يدخل تحت الآية لأن العتق على سبيل التبرع هو الإنعام و الإحسان عليه و إليه و إلى ذلك أشار سبحانه بقوله وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ (3) .و لو لا النصوص من أئمة الهدى ع في هذا المعنى لما كان لأحد أن يتكلم في مثله من القرآن (4).

ص: 214


1- سورة المؤمنون:5-6.
2- سورة الأحزاب:5.
3- سورة الأحزاب:37.
4- انظر وسائل الشيعة 38/16-39.

و ولاء المعتق في واجب لمن تضمن جريرته خاصة و ميراثه له إذا لم يكن له ذو رحم مسلم حر سواء كان المتضمن لحدثه معتقه أو سواه فقوله وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ (1) منسوخ فيمن لا قرابة له دون من ليس له أحد منهم.و إن لم يتضمن جريرته أحد فولاؤه للإمام و حدثه الخطأ المحض بالشهادة عليه.و ليس للولاء قسم آخر سوى هذه الثلاثة فإن توفي هذا المعتق و له زوجة فلها الربع و الباقي لسيده الذي أعتقه تطوعا أو يرد إلى ضامن جريرته أو إلى الإمام إذا أعتق في واجب و لم يضمن جريرته أحد

باب أن المملوك لا يملك شيئا

قال الله تعالى ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ (2) في هذه الآية دلالة على أن المملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقا لأن قوله مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ليس المراد به نفي القدرة لأنه قادر و إنما المراد أنه لا يملك التصرف في الأموال و ذلك عام في جميع ما يملك و يتصرف فيه.فإن ملكه مولاه شيئا ملك التصرف فيه بجميع ما أباح له سيده و أراده فإن أصيب العبد في نفسه بما يستحق به الأرش كان له ذلك و حل له التصرف فيه و ليس له رقبة المال على وجه

باب المكاتبة

قال الله تعالى وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ

عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً (1) و معناه أن للإنسان إذا كان له أمة أو عبد يطلب المكاتبة و هي أن يقوم على نفسه و ينجم عليه [ليؤدي قيمة نفسه إليه فإنه يستحب لسيده أن يجيبه إلى ذلك و يساعده عليه] (2) لدلالة قوله فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً و هذا أمر ترغيب عند الفقهاء و أما عند الطبري و عمر بن دينار و عطاء هو واجب عليه إذا طلب.و المكاتبة على ضربين مشروط و مطلق.فصورة الكتابة المطلقة أن يقول الإنسان لعبده أو أمته قد كاتبتك على أن تعطيني كذا و كذا دينارا أو درهما في نجوم معلومة (3) على أنك إذا أديت ذلك فأنت حر فيرضى العبد و يكاتبه عليه و يشهد بذلك على نفسه فمتى أدى مال الكتابة في النجوم التي سماها صار حرا فإن عجز عن أداء ذلك ينعتق بحساب ما أدى و يبقى مملوكا بحساب ما بقي عليه.و إن كانت الكتابة مشروطة و هي أن يقول لعبده في حال المكاتبة متى عجزت عن أداء قيمتك فأنت رد في الرق و لي جميع ما أخذت منك فمتى عجز عن ذلك و حد العجز هو أن يؤخر نجما إلى نجم أو يعلم من حاله أنه لا يقدر على أداء ثمنه فإنه يرجع رقا و جاز لمولاه رده إلى الرق.و قوله تعالى إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً الخير الذي يعلم منه هو القوة على التكسب بحيث يحصل به مال الكتابة و قال الحسن معناه إن علمتم منهم صدقا و قال ابن عباس و عطا إن علمتم لهم مالا و قال ابن عمر إن علمتم فيهم قدرة على التكسب قال لأنه إذا لم يقدر على ذلك أطعمني أوساخ أيدي الناس

ص: 215


1- سورة النساء:33.
2- سورة النحل:75.

عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً (1) و معناه أن للإنسان إذا كان له أمة أو عبد يطلب المكاتبة و هي أن يقوم على نفسه و ينجم عليه [ليؤدي قيمة نفسه إليه فإنه يستحب لسيده أن يجيبه إلى ذلك و يساعده عليه] (2) لدلالة قوله فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً و هذا أمر ترغيب عند الفقهاء و أما عند الطبري و عمر بن دينار و عطاء هو واجب عليه إذا طلب.و المكاتبة على ضربين مشروط و مطلق.فصورة الكتابة المطلقة أن يقول الإنسان لعبده أو أمته قد كاتبتك على أن تعطيني كذا و كذا دينارا أو درهما في نجوم معلومة (3) على أنك إذا أديت ذلك فأنت حر فيرضى العبد و يكاتبه عليه و يشهد بذلك على نفسه فمتى أدى مال الكتابة في النجوم التي سماها صار حرا فإن عجز عن أداء ذلك ينعتق بحساب ما أدى و يبقى مملوكا بحساب ما بقي عليه.و إن كانت الكتابة مشروطة و هي أن يقول لعبده في حال المكاتبة متى عجزت عن أداء قيمتك فأنت رد في الرق و لي جميع ما أخذت منك فمتى عجز عن ذلك و حد العجز هو أن يؤخر نجما إلى نجم أو يعلم من حاله أنه لا يقدر على أداء ثمنه فإنه يرجع رقا و جاز لمولاه رده إلى الرق.و قوله تعالى إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً الخير الذي يعلم منه هو القوة على التكسب بحيث يحصل به مال الكتابة و قال الحسن معناه إن علمتم منهم صدقا و قال ابن عباس و عطا إن علمتم لهم مالا و قال ابن عمر إن علمتم فيهم قدرة على التكسب قال لأنه إذا لم يقدر على ذلك أطعمني أوساخ أيدي الناس

ص: 216


1- سورة النور:33.
2- الزيادة من ج.
3- النجوم المعلومة هي الدفعات التي يتوافقان على اعطاء المال فيها،فان النجم الوقت المضروب،و يقال نجمت المال إذا أديته نجوما.

فصل

و لا يجوز للسيد أن يكاتب عبده حتى يكون عاقلا فإن كان مجنونا لم يجز مكاتبته

لقوله تعالى فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً و الخير الكسب و الأمانة لأنه تعالى قال وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ و المجنون لا ابتغاء له.و المكاتبة مشتقة من الكتب و هو الضم و الجمع لأنه ضم أجل إلى أجل في عقد المعاوضة على ذلك.و دليل جوازها قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ فأمر بالكتابة.فإذا ثبت هذا فمتى دعا العبد سيده إلى مكاتبته و الحال ما ذكرناه في الآية فالمستحب له أن يجيبه إلى ذلك و ليس بواجب سواء دعاه إلى ذلك بقيمة مثله أو أقل أو أكثر.و اختلفوا في الأمر بالكتابة مع طلب المملوك لذلك و علم مولاه أن فيه خيرا فقال عطا هو فرض و قال مالك و الثوري و ابن زيد هو على الندب و هو مذهبنا.و قوله تعالى وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ (1) أمر من الله أن يعطي السيد مكاتبه من ماله الذي أنعم الله عليه بأن يحط عنه شيئا منه

وَ رَوَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُ قَالَ : يَحُطُّ عَنْهُ رُبُعُ مَالِ الْكِتَابَةِ (2).

ص: 217


1- سورة النور:33.
2- الدّر المنثور 46/5،و في حديث آخر فيه عن ابن عبّاس عنه عليه السلام قوله: امر اللّه السيّد أن يدع للمكاتب الربع من ثمنه.

و قال سفيان أحب أن يعطيه الربع أو أقل و ليس بواجب و قال ابن عباس أمره بأن يضع عنه من مال الكتابة شيئا و قال الحسن حثه الله على معونته و قال قوم المعنى آتوهم سهمهم يا أرباب الأموال من الصدقة التي ذكرها في قوله وَ فِي الرِّقابِ و يكون السيد داخلا تحت عموم الخطاب أيضا و هو مذهبنا.

فصل

و المسلم إذا كان له عبد كافر فكاتبه لا تصح الكتابة

لقوله تعالى إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً و هذا لا خير فيه و لقوله وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ و هذا ليس من أهلها لأن ذلك من الصدقة و ليس الكافر من أهلها.و روي أنه كان لحويطب بن عبد العزى مملوك يقال له الصبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى فنزلت الآية (1).و لا تنعقد عندنا إلا بأجل و متى كانت بغير أجل معلوم كانت باطلة و كذلك لا بد أن يكون العوض معلوما فإن لم يعين كانت باطلة (2).و أقل ما يجزي فيه أجل واحد عندنا و عند بعضهم أجلان.فإن قيل يجب أن تكون الكتابة جائزة بمال معجل و مؤجل كما يجوز البيع بمال معجل و مؤجل إذ لم يذكر الله في واحد منهما أجلا.قلنا لفظ الكتابة يدل على التأجيل في ذلك إذ لو كانت معجلة لم تكتب ففارقت البيع على أن الكتابة في الآية مجملة لا لها من بيان و قد بينها رسول الله ص على ما ذكرنا لقوله وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ

ص: 218


1- اسباب النزول للواحدى ص 219.
2- الزيادة من م.

باب التدبير

و القرآن يدل عليه على سبيل العموم من آية العتق لأنه جنس من أجناس العتق مع أنه نوع من الوصية.و التدبير (1) هو أن يقول الرجل لمملوكه عبده أو أمته أنت رق في حياتي و حر بعد وفاتي فإذا نوى و قال ذلك ثبت له التدبير و هو بمنزلة الوصية يجوز للمدبر نقضه ما دام فيه الروح فمتى لم ينقضه و مات كان المدبر من الثلث.و التدبير ليس بعتق مشروط لأن العتق بالشرط لا يصح على ما قدمنا و إنما هو وصية بالعتق منصوص عليه مطلق أن يعلقه بموت مطلق فيقول إذا مت فأنت حر و المقيد أن يقيد الموت بشيء يخرج به عن إطلاق فيقول إن مت من مرضي هذا أو في سفري هذا فأنت حر.و أي تدبير كان فإذا مات السيد نظرت فإذا احتمله الثلث عتق كله فإن لم يكن له سواه عتق ثلثه إذا لم يكن عليه دين و دبره فرارا من الدين فإن دبره و عليه دين فرارا منه لم يصح تدبيره فإن دبره ثم استدان بعد ذلك صح التدبير على ما ذكرنا.و صريح التدبير أن يقول إذا مت فأنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق غير أنه لا بد فيه من النية لوجه الله تعالى و سمي مدبرا عن العتق عن دبر حياة سيده يقال دبر عبده تدبيرا إذا علق عتقه لوفاته

ص: 219


1- التدبير تحرير العبد دبر وفاة المولى،أي بعد وفاته،فالمولى مدبر(بتشديد الدال و كسره)و العبد مدبر(بتشديد الدال و فتحه).

باب الزيادات

أما قول الله تعالى وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ فمعناه أنعم تعالى عليه بالإسلام الذي هو أعظم النعم و بتوفيقك لعتقه و محبته وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ (1) بما وفقك الله فيه فهو منقلب في نعمة الله و نعمة رسوله و هو زيد بن حارثة.و في هذا إشارة إلى أن المستحب أن لا يعتق الإنسان إلا من أغنى نفسه و يقدر على اكتساب ما يحتاج إليه.و من أعتق صبيا فالأفضل أن يجعل له شيئا يعينه به على معيشته و ينعم به عليه لأن النعمة إذا أتمت فهي نعمة.و من نذر أن يعتق رقبة مؤمنة غير معينة جاز له أن يعتق صبيا لم يبلغ الحلم مولودا بين مؤمنين أو بحكمه.

مسألة

و قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ الذين مبتدأ فيكون محله رفعا أو يكون منصوبا بفعل مضمر يفسره فَكاتِبُوهُمْ (2) كقولك زيدا فاضربه و دخلت الفاء في ذلك لتضمنه معنى الشرط.و الكتاب و المكاتبة كالعتاب و المعاتبة و هو أن يقول الإنسان لمملوكه كاتبتك على ألف درهم فإذا أداها عتق على ما ذكرناه و معناه كتبت لك على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت بالمال و وفيته في أجله و كتبت على نفسك أن تفي لي بذلك أو كتبت عليك الوفاء بالمال و كتبت علي العتق.

ص: 220


1- سورة الأحزاب:37.
2- سورة النور:33.

و يجوز عقد الكتابة على خدمته في مدة معلومة و على عمل معلوم موقت مثل حفر بئر في مكان بعينه معلومة الطول و العرض كما يجوز على مال لعموم قوله تعالى فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فإنه يتناول جميع ذلك إذ لم يخصص سبحانه مقدار الذي يكاتب عليه و لا جنسه

ص: 221

كتاب الأيمان و النذور و الكفارات

اليمن ما هي

اليمين المنعقدة هي أن يحلف الإنسان بالله تعالى أو بشيء من أسمائه أي اسم كان (1).و لا ينعقد إلا بالنية فمتى تجرد عن النية كان لغوا

قال الله تعالى لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ (2) .و النية إنما يراعى فيها نية المستحلف إذا كان محقا بالظاهر فإذا كان مبطلا على الحقيقة فيما يقول كانت النية نية الحالف.أخبر تعالى أنه لا يؤاخذ بلغو اليمين و لغو اليمين أن يسبق لسانه بغير عقيدة بقلبه كأنه أراد أن يقول لا و الله فقال بلى و الله.و اختلفوا في لغو اليمين في هذه الآية فقال ابن عباس هو ما يجري على اللسان عادة لا و الله و بلى و الله من غير عقد على يمين يقطع بها قال أو

ص: 222


1- قال ابن فارس:سمى الحلف يمينا لان المتحالفين كأنّ أحدهما يصفق بيمينه على يمين صاحبه-معجم مقاييس اللغة 159/6.
2- سورة المائدة:89.

يظلم بها أحد و هو المروي عنهما ع (1) و قال الحسن هي يمين الظان و هو يرى أنه كما حلف فلا إثم عليه و لا كفارة و عن طاوس أنها يمين الغضبان لا يؤاخذ منها بالحنث و قال زيد بن أسلم هو قول الرجل أعمى الله بصري أو أهلك الله مالي فيدعو على نفسه قال تعالى وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ (2) .و أصل اللغو الكلام الذي لا فائدة فيه و كل يمين جرت مجرى ما لا فائدة فيه حتى صارت بمنزلة ما لم يقع فهي لغو و لا شيء فيها يقال لغا يلغو إذا تكلم بما لا فائدة فيه و اللغو في اللغة ما لم يعتد به.و الصحيح أن لغو اليمين هو الحلف على وجه الغلط من غير قصد مثل قول القائل لا و الله و بلى و الله على سبق اللسان.و لا كفارة في لغو اليمين عند أكثر المفسرين و الفقهاء.و قوله تعالى عَقَّدْتُمُ و عقدتم بالتخفيف و التشديد المراد بها تأكيد الأيمان حتى يكون بمنزلة العقد المؤكد أو يكون المراد أنكم عقدتموها على شيء خلافا لليمين اللغو التي ليست معقودة على شيء لأن الفقهاء يسمون اليمين على المستقبل يمينا معقودة و هي التي يتأتى فيها البر و الحنث و يجب فيها الكفارة.و اليمين على الماضي عندهم ضربان لغو و غموس فاللغو كقول القائل و الله ما فعلت كذا في شيء يظن أنه لم يفعله أو و الله لقد فعلت كذا في شيء يظن أنه فعله فهذه اليمين لا مؤاخذة فيها و أما الغموس (3) فهي اليمين على

ص: 223


1- تفسير البرهان 495/1.
2- سورة يونس:11.
3- قال ابن منظور:اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الاثم ثمّ في النار،و قيل هى التي لا استثناء فيها.و قيل هي اليمين الكاذبة التي تقتطع بها الحقوق،و سميت غموسا لغمسها صاحبها في الاثم ثمّ في النار-لسان العرب(غمس).

الماضي إذا وقعت كذبا كقول القائل و الله ما فعلت و هو يعلم أنه قد فعله فهذه اليمين كفارتها الاستغفار بشرطه لا غير

باب في أقسام الأيمان و أحكامها

ص: 224

قريبا من عاهد عداه بعلى كما يعدى بها عاهد قال تعالى وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ (1) و التقدير يؤاخذكم بالذي عاقدتم عليه ثم حذف الراجع فقال عاقدتم الأيمان .و يجوز أن تكون ما مصدرية فيمن قرأ عقدتم بالتخفيف و التشديد فلا يقتضي راجعا كما لا يقتضيه في قوله تعالى بِما كانُوا يَكْذِبُونَ و القراءات الثلاث يجب العمل بها على الوجوه الثلاثة لأن القراءتين فصاعدا إذا صحت فالعمل بها واجب لأنها بمنزلة الآيتين و الآيات على ما ذكرنا في قوله تعالى يَطْهُرْنَ و يطهرن .

فصل

و اليمين على ثلاثة أقسام أحدها عقدها طاعة و حلها معصية فهذا يتعلق بحنثها كفارة بلا خلاف كقوله و الله لا أشرب خمرا و لا أقتل نفسا ظلما.و الثاني عقدها معصية و حلها طاعة كقوله و الله لا أصلي و لا أصوم فإذا حنث بالصلاة و الصوم فلا كفارة عندنا عليه.و الثالث أن يكون عقدها مباحا و حلها مباحا كقوله و الله لا ألبس هذا الثوب فمتى حنث تعلق به الكفارة إذا لم يكن لبسه أولى و كذا إذا حلف أنه لا يشرب من لبن عنز له و لا يأكل من لحمها و ليس به حاجة إلى ذلك لم يجز له شرب لبنها و لا لبن أولادها و لا أكل لحومهن فإن أكل أو شرب مع ارتفاع الحاجة كانت عليه الكفارة و إن أكل أو شرب لحاجة فليس عليه شيء.فعلى هذا تكون الأيمان على ضربين أحدهما ما لا كفارة عليه و الثاني

ص: 225


1- سورة الفتح:10.

يجب فيها الكفارة فما لا كفارة فيه هو اليمين على الماضي إذا كان كاذبا فيه و إن كان آثما مثل أن يحلف أنه ما فعل و كان فعل أو حلف أنه فعل و ما كان فعل فهاتان لا كفارة فيهما عندنا و عند أكثر الفقهاء.و كذلك إذا حلف على مال لتقطيعه فليس له أن يقتطع و لا كفارة عليه و يلزمه الخروج مما حلف عليه و التوبة و هي اليمين الغموس.و منها أن يحلف على أمر فعل أو ترك و كان خلاف ما حلف عليه أولى من المقام عليه فليخالف و لا كفارة عليه عندنا و ما فيه كفارة فهو أن يحلف على أن يفعل أو يترك و كان الوفاء به واجبا أو ندبا أو كان فعله و تركه سواء فمتى حالف كان عليه الكفارة.

فصل

ص: 226

و قوله مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ فيه قولان أحدهما الخبز و اللحم دون الأدم لأن أفضله الخبز و اللحم و التمر و أوسطه الخبز و الزيت أو السمن و أدونه الخبز و الملح.الثاني أوسطه في المقدورات فكنت تشبع أهلك أو لا تشبعهم بحسب اليسر و العسر فتقدير ذلك هذا قول ابن عباس و عندنا يلزمه أن يعطي كل مسكين مدين و قال قوم يكفيه مد و روي ذلك في أخبارنا (1) فالأول للمغني الواجد و الثاني لمن دونه في الغنى.و قوله أَوْ كِسْوَتُهُمْ فالذي رواه أصحابنا أنه ثوبان لكل واحد مئزر و قميص و عند الضرورة قميص (2) و قال الحسن ثوب.و قوله أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فالرقبة التي تجزي في هذه الكفارة كل رقبة كانت سليمة من العاهة صغيرة كانت أو كبيرة مؤمنة كانت أو كافرة و المؤمنة أفضل لأن الآية مبهمة مطلقة و فيه خلاف و ما قلناه قول أكثر المفسرين من الحسن و غيره و معنى تحرير رقبة جعلها حرة و هذه الثلاثة الأشياء بلا خلاف و عندنا أيضا واجبة على التخيير و قال قوم الواجب منها واحد لا بعينه.و الكفارة قبل الحنث لا تجزي و فيه خلاف. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ أي فكفارته صيام ثلاثة أيام و حد من ليس بواجد هو من ليس عنده ما يفضل عن قوته و قوت عياله يومه و ليلته كما ذكرناه في باب الصوم.و صوم هذه الأيام الثلاثة متتابع و يقويه قراءة ابن مسعود و أبي صيام ثلاثة أيام متتابعات .

ص: 227


1- انظر الكافي 452/7-453.
2- انظر المصدر السابق.

وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَمَّنْ قَالَ وَ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَفِ [بِهِ] قَالَ كَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مُدّاً مُدّاً دَقِيقٍ أَوْ حِنْطَةٍ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةً إِذَا لَمْ يَجِدْ شَيْئاً (1) قُلْتُ مَا حَدُّ مَنْ لَمْ يَجِدْ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَسْأَلُ فِي كَفِّهِ وَ هُوَ يَجِدُ قَالَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ مِنْ قُوتِ عِيَالِهِ فَهُوَ لاَ يَجِدُ (2).

"وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كُلُّ صِيَامٍ فِي الْقُرْآنِ مُتَتَابِعٌ إِلاَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ. ثم قال ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ أي حنثتم وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ أي احفظوها من أن تحلفوا بها و معناه لا تحلفوا و قيل معناه احفظوها من الحنث و هو الأقوى لأن الحلف مباح إلا في معصية بلا خلاف و قيل مكروه في حال الصدق و إنما الواجب ترك الحنث و ذلك يدل على أن اليمين في المعصية غير منعقدة لأنها لو انعقدت للزم حفظها و إذا لم تنعقد لم تلزمه كفارة على ما بيناه

باب حفظ اليمين

[انعقاد اليمين]

اعلم أن من حلف بالله أنه يفعل قبيحا أو يترك واجبا لم تنعقد يمينه و لم تلزمه كفارة إذا فعل ما حلف أنه لا يفعله أو لم يفعل ما حلف أنه يفعله و الدليل عليه أن انعقاد اليمين حكم شرعي بغير شبهة و قد علمنا بالإجماع انعقاد اليمين إذا كانت على طاعة أو مباح فإذا تعلقت بمعصية فلا إجماع و لا دليل يوجب العلم على انعقادها فوجب نفي انعقادها لانتفاء دليل شرعي عليه.

ص: 228


1- إلى هنا في الكافي 453/7.
2- هذا الذيل في حديث في الكافي 452/7 عن ابى إبراهيم(موسى بن جعفر) عليه السلام،و ظاهر السياق هنا انه حديث واحد.

و الذي يكشف عن صحة ما ذكرناه أن الله تعالى أمرنا بقوله وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ (1) بأن نحفظ أيماننا و نقيم عليها كقوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) فاليمين المنعقد هي التي يجب حفظها و الوفاء بها و لا خلاف أن اليمين على المعصية بخلافه فيجب أن تكون غير منعقدة و إذا لم تنعقد فلا كفارة فيها.

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقُ ع لاَ تَحْلِفُوا بِاللَّهِ صَادِقِينَ وَ لاَ كَاذِبِينَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ (3) ثُمَّ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ وَ مَنْ لَمْ يَصْدُقْ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ وَ مَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ وَ مَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ (4). و لو حلف الرجل أن لا يحك أنفه لابتلي به (5).فقوله تعالى وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ يدل على أن الحلف صادقا مكروه و في حال الكذب محظور لأن اللفظ الواحد يجوز أن يراد به معنيان مختلفان.

فصل

و قوله تعالى وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا (6) أي لا تجعلوا اليمين بالله مبتذلة في كل حق و باطل لأن تبروا في الحلف فيها و تبقوا الإثم

ص: 229


1- سورة المائدة:89.
2- سورة المائدة:1.
3- سورة البقرة:224.
4- هذا الحديث مقطع في الكافي 434/7 و 438،و في من لا يحضره الفقيه 362/3 في حديثين.
5- هذه الجملة في حديث عن الصادق عليه السلام-من لا يحضره الفقيه 362/3.
6- سورة البقرة:224.

فيها و هو المروي عن عائشة لأنها قالت لا تحلفوا به و إن بررتم (1) و به قال الجبائي و هو المروي عن أئمتنا ع (2).و أصله على هذا معترض بالبذل لا تبذل يمينك في كل حق و باطل و قيل في معناه قولان آخران أحدهما أن العرضة علة كأنه قيل لا تجعلوا اليمين بالله علة مانعة من البر و التقوى من حيث تعمدوا لتعتلوا بها و تقولوا قد حلفنا بالله و لم تحلفوا به هذا قول الحسن و أصله في هذا الوجه الاعتراض به بينكم و بين البر و التقوى للامتناع منهما لأنه قد يكون المعترض بين شيئين مانعا من وصول أحدهما إلى الآخر فالعلة مانعة لهذا المعترض و قيل العرضة المعترض قال الشاعر فلا تجعليني عرضة للوائم (3).

الثاني عرضة حجة كأنه قيل لا تجعلوا اليمين بالله حجة في المنع أن تبروا و تتقوا بأن تكونوا قد سلف منكم يمين ثم يظهر أن غيرها خير منها فافعلوا الذي هو خير و لا تحتجوا بما سلف من اليمين.و الأصل في هذين القولين واحد لأنه منع من جهة الاعتراض بعلة أو حجة.و قيل إن أصل عرضة قوة فكأنه قيل و لا تجعلوا الحلف بالله قوة لأيمانكم في ألا تبروا و على هذا يكون الأصل العرض لأن بالقوة يتصرف في العرض و الطول فالقوة عرضة لذلك فتقدير أول هذين القولين لا تجعل الله مانعا من

ص: 230


1- الدّر المنثور 268/1 بلفظ«لا تحلفوا باللّه و ان نذرتم».
2- انظر تفسير البرهان 216/1.
3- استشهد به في الكشّاف بلفظ«و لا تجعلونى عرضة للوائم»،و قال في شرح شواهده: قيل البيت لابى تمام،و في ديوان أبى تمام: متى كان سمعى عرضة للوائم و كيف صغت للعاذلين غرائمى انظر الكشّاف 517/4.

البر و التقوى باعتراضك به حالفا و تقدير ثانيهما لا تجعل الله بما تحلف به دائما باعتراضك بالحلف من كل حق و باطل لتكون من البررة و الأتقياء.و قيل في معنى قوله أَنْ تَبَرُّوا ثلاثة أقوال أحدها لأن تبروا على معنى الإثبات الثاني أن يكون على معنى لدفع أن تبروا أو لترك أن تبروا الثالث على تقدير ألا تبروا و حذفت لا لأنه في معنى القسم كقول إمرئ القيس فقلت يمين الله أبرح قاعدا و لو قطعوا رأسي لديك و أوصالي.

أي لا أبرح هذا قول أبي عبيد و أنكر هذا أبو العباس لأنه لما كان معه أن بطل أن يكون جواب القسم.و في موضع أَنْ تَبَرُّوا ثلاثة أقوال أحدها أن موضعه الخفض فحذف اللام عن الخليل و الكسائي.الثاني موضعه النصب قال سيبويه لما حذف الخافض وصل الفعل و هو القياس.الثالث قال قوم موضعه الرفع على أن يكون التقدير أن تبروا و تتقوا فتصلحوا بين الناس أولى و حذف أولى لأنه معلوم المعنى أجازه الزجاج.و قال بعض المفسرين فعلى هذا إذا حلف أن لا يعطي زيدا من معروفه ثم رأى أن بره خير أعطاه و نقض يمينه (1).و عندنا لا كفارة عليه وجوبا و إن كفر كان ندبا و إنما جاز ذلك لأنه لا يخلو من أن يكون حلف يمينا جائزة أو غير جائزة فإن كانت جائزة فهي مقيدة بأن لا يرى ما هو خير فليس في هذا مناقضة للجائز و إن كانت غير جائزة فنقضها غير مكروه.ثم قال لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ

قُلُوبُكُمْ (1) أي لا يلزمكم كفارة في الدنيا و لا عقوبة في الآخرة على اليمين التي تقع منكم لغوا على ما ذكرناه.

ص: 231


1- هذا الفصل إلى هنا مأخوذ من التبيان 225/2-228.

قُلُوبُكُمْ (1) أي لا يلزمكم كفارة في الدنيا و لا عقوبة في الآخرة على اليمين التي تقع منكم لغوا على ما ذكرناه.

فصل

و من حلف أن يؤدب غلامه بالضرب جاز له تركه و لا يلزمه الكفارة قال الله تعالى وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (2) على أنه يمكنه التورية و إن كان حلف مثلا أن يضربه مائة على ما أمره الله تعالى وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ (3) .و من حلف أن لا يكلم زيدا حينا وقع على ستة أشهر و الدليل عليه بعد إجماع الطائفة قوله تعالى تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها (4) روي عن ابن عباس أن المراد به ستة أشهر و هذا مروي عن أئمتنا ع (5).و قيل إن الاستدلال عليه من القرآن أن يقال إن اسم الحين يقع في القرآن على أشياء مختلفة يقع على الزمان كله في قوله سبحانه فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ (6) و إنما أراد زمان الصباح و المساء كله و مما يقع عليه اسم الحين أيضا من قوله تعالى وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (7)فالمراد به وقت مبهم

ص: 232


1- سورة البقرة:225.
2- سورة البقرة:237.
3- سورة ص:44.و الضغث-بكسر الضاد-قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس -انظر صحاح اللغة 285/1.
4- سورة إبراهيم:25.
5- روى ذلك في أحاديث عن الصادق عليه السلام-انظر تفسير البرهان 311/2.
6- سورة الروم:17.
7- سورة يونس:98.

"وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ هُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. و مما يقع عليه اسم الحين أيضا أربعون سنة قال الله تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (1) فذكر المفسرون أنه تعالى أراد أربعين سنة (2).و مع اشتراك اللفظ لا بد من دلالة في حمله على البعض لما روت الإمامية عن أئمتها ع أنه ستة أشهر و أجمعوا عليه كان ذلك حجة في حمله على ما ذكرنا و الله أعلم بالصواب

باب أقسام النذور و العهود و أحكامها

قال الله تعالى وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ (3) فالآية تدل على أن بالنذر يلزم الشيء كما يلزم بإلزام الله لأنه قرنه بالإنفاق الذي أمر الله تعالى به فقال أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ (4) و قال الزجاج يريد ما تصدقتم من فرض لأنه في ذكر الزكاة المفروضة أ لا ترى إلى قوله بعده وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ .قال ابن جرير الظالم هنا من أنفق ماله رياء و سمعة و قيل المراد بالظالم هاهنا من أنفق ماله لا كما أمر الله بوضع الصدقة في غير موضعه لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه و المعتدي في الصدقة كمانعها و الوفاء بالنذر واجب إذا كان في طاعة الله.

ص: 233


1- سورة الإنسان:1.
2- انظر المفردات للراغب ص 138.
3- سورة البقرة:270.
4- سورة البقرة:267.

و النذر عقد فعل شيء من البر على النفس بشرط كأن يقول إن عافى الله مريضي تصدقت بكذا لله و هو من الخوف لأنه يعقد على نفسه مخافة التقصير فيه

و قال تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) .قال الزجاج العقود أبلغ من العهود لأن العهد يكون على استيثاق و غيره و العقد لا يكون إلا العهد الذي أخذ على استيثاق فكأنه قال العقود التي أحكم عقدها أوفوا بها.

"وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى طَاعَةٍ وَجَبَ الْوَفَاءُ وَ إِنْ كَانَ عَلَى مَعْصِيَةٍ لَمْ يَجُزِ الْوَفَاءُ بِهَا وَ إِذَا كَانَ عَلَى مُبَاحٍ جَازَ الْوَفَاءُ. و لم يجب عندنا [أن] يكون كما ذكرنا في باب اليمين على الطاعة و المباح و المعصية قال الله تعالى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ (2) و قال وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا (3) و أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ (4) و قال وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللّهَ (5) و قال وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَ كانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْؤُلاً (6) .و قال الشيخ أبو جعفر في المبسوط النذر ضربان أحدهما نذر لجاج و غضب و صورته صورة اليمين إما أن يمنع نفسه به فعلا أو يوجب عليها فعل شيء فالمنع أن يقول إن دخلت الدار فمالي صدقة و الإيجاب أن يقول إن لم أدخل الدار فمالي صدقة فإذا وجد شرط نذره فهو بالخيار بين الوفاء به و بين كفارة اليمين.

ص: 234


1- سورة المائدة:1.
2- سورة الإنسان:7.
3- سورة البقرة:177.
4- سورة النحل:91.
5- سورة التوبة:75.
6- سورة الأحزاب:15.

و الضرب الثاني نذر التبرر و الطاعة و هو على ضربين إما أن يعلقه بجزاء أو يطلق فالجزاء إما إسداء نعمة كقولك إن رزقني الله ولدا فلله علي أن أتصدق بمالي و إما دفع نقمة مثل أن تقول إن نجاني الله من البحر فلله علي أن أصوم كذا فإذا وجد شرط نذره لزمه الوفاء (1).و المطلق أن يقول لله علي أن أتصدق بمالي أو أحج أو أصوم و نحو هذا نذر طاعة ابتداء بغير جزاء فعندنا أنه يلزمه و قيل لا يتعلق به حكم لأن ثعلبا قال النذر عند العرب وعد بشرط و الأول أصح عندنا.

فصل

و اعلم أن النذر هو أن تقول إن كان كذا فلله علي كذا من صوم و غيره أو تعتقد أنه متى كان شيئا فلله علي كذا وجب عليك الوفاء به عند حصول ذلك الشيء و متى لم تقل لله و لم تعتقده لله كنت مخيرا في الوفاء به و تركه.و المعاهدة أن تقول عاهدت الله أو تعتقد ذلك أنه متى كان كذا فعلي كذا فمتى حصل شرطه وجب عليك الوفاء به و كذا إن لم تقل لله و لم تعتقده كان مستحبا الوفاء به.و إنما يكون للنذر و العهد تأثير إذا صدرا عن نية.

وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْبَاقِرَ أَوِ الصَّادِقَ ع عَنِ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ مَالَهَا هَدْياً وَ كُلَّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرّاً إِنْ كَلَّمَتْ أُخْتَهَا أَبَداً قَالَ تُكَلِّمُهَا وَ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إِنَّ هَذَا وَ شِبْهَهُ مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ (2) قَالَ تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ (3) .

ص: 235


1- انظر المبسوط 246/6،و قد نقله المؤلّف هنا بتغيير و تلخيص.
2- من لا يحضره الفقيه 360/3.
3- سورة النور:21.

و قال المرتضى لا ينعقد النذر حتى يكون معقودا بشرط متعلق به كأن يقول لله علي أن أصوم أو أتصدق إن قدم فلان و لو قال لله علي أن أصوم من غير شرط يتعلق به لم ينعقد نذره قال و الدليل عليه أن معنى النذر في القرآن (1) يكون متعلقا بشرط و متى لم يتعلق بشرط لم يستحق هذا الاسم و إذا لم يكن ناذرا إذا لم يشترط لم يلزمه الوفاء لأن الوفاء إنما يلزم متى ثبت الاسم و المعنى.قال فأما استدلالهم بقوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و بقوله أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ فليس بصحيح لأنا لا نسلم أنه مع التعري من الشرط يكون عقدا و عهدا و إنما تناولت الآيتان ما يستحق اسم العقد و العهد فعليهم أن يدلوا عليه (2).و الاحتياط فيما قدمناه من أنه يجب الوفاء و إن كان مطلقا.و القائل إذا نذر فقال لله علي أن أصوم كل خميس فإنه يجب عليه صومه أبدا لأنه أيضا في معنى المشروط كأنه قال إن عشت.

فصل

و أما

قوله تعالى وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ (3) فما بمعنى الذي و ما بعدها صلتها و العائد إليها الهاء في قوله يَعْلَمُهُ .و النذر عقد الشيء على النفس في فعل شيء من البر بشرط أو غيره بأن يقول لله علي كذا إن كان كذا و لله علي كذا. فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ أي يجازي عليه فدل بذكر العلم على تحقيق الخبر إيجازا للكلام.

ص: 236


1- كذا في النسختين،و في المصدر«فى اللغة».
2- الانتصار ص 163 مع تغيير في بعض العبارات.
3- سورة البقرة:270.

و قوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أمرهم بالإتمام بالوفاء لما لزمهم و العقود هي التي يتعاقدها الناس بينهم أو يعقدها المرء على نفسه كعقد الأيمان و عقد النكاح و عقد الشركة و عقد البيع و عقد العهد و عقد الحلف.و قال بعض المفسرين أراد الوفاء بالنذور فيما يجوز الوفاء به أي أوفوا بالعقود الصحيحة لأنه لا يلزم أحدا أن يفي بعقد فاسد كالنذر في قتل مؤمن ظلما و غصب ماله.و قيل في قوله تعالى وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ (1) هي النذور في المعاصي.و قوله يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (2) الوفاء بالنذر هو أن يفعل ما نذر عليه و قد ذكرنا أن النذر عقد على فعل على وجه البر بوقوع أمر يخاف أن لا يقع.و كفارة النذر مثل كفارة الظهار فإن لم يقدر كان عليه كفارة اليمين و المعني به أنه إذا فات الوقت الذي نذر فيه صار بمنزلة الحنث و الله أعلم بالصواب

باب أقسام العهد

قال الله تعالى وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ (1) اعلم أن من عاهد الله أن يفعل واجبا أو ندبا أو ما يكون به مطيعا وجب عليه الوفاء به فإن لم يفعل كان عليه الكفارة و كذلك إن عاهد على أن لا يفعل قبيحا أو لا يترك واجبا أو ندبا ثم فعل القبيح أو ترك الطاعة وجب عليه أيضا الكفارة.أمر الله تعالى عباده بأن يفوا بعهده إذا عاهدوا عليه و كذلك قوله وَ أَوْفُوا

بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (2) أي مسئولا عنه للجزاء عليه فحذف عنه لأنه مفهوم.و الآية أمر منه تعالى بالوفاء بالعهود التي تحسن و متى عقد عاقد على ما لا يجوز نقض ذلك العقد الفاسد.و قد يجب الشيء للنذر و العهد و الوعد به و إنما يجب عند العقد و العهد الذي يجب الوفاء به هو كل فعل حسن إذا عقد عليه و عاهد الله ليفعلنه بالعزم عليه فإنه يصير واجبا عليه و لا يجوز له خلافه كما ذكرناه فأما إذا رأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير فلا كفارة عليه و هذا يجوز فيما كان ينبغي أن يشرط فأما إذا أطلقه و هو لا يأمن أن يكون غيره خيرا فقد أساء بإطلاق العقد عليه.ثم قال وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها (3) و هذا نهي منه تعالى عن حنث الأيمان بعد عقدها و توكيدها و في الآية دلالة على أن اليمين على المعصية غير منعقدة لأنها لو كانت منعقدة لما جاز نقضها و أجمعوا على أنه يجب نقضها و لا يجوز الوفاء به.و قد مدح الله المؤمنين فقال وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ (3) أي محافظون ما يعاهدون عليه و المراعاة قيام الداعي بإصلاح ما يتولاه و قال تعالى وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ (4) و قال وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ (5) .

ص: 237


1- سورة النحل:91.
2- سورة البقرة:168.
3- سورة الإنسان:7.

بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (1) أي مسئولا عنه للجزاء عليه فحذف عنه لأنه مفهوم.و الآية أمر منه تعالى بالوفاء بالعهود التي تحسن و متى عقد عاقد على ما لا يجوز نقض ذلك العقد الفاسد.و قد يجب الشيء للنذر و العهد و الوعد به و إنما يجب عند العقد و العهد الذي يجب الوفاء به هو كل فعل حسن إذا عقد عليه و عاهد الله ليفعلنه بالعزم عليه فإنه يصير واجبا عليه و لا يجوز له خلافه كما ذكرناه فأما إذا رأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير فلا كفارة عليه و هذا يجوز فيما كان ينبغي أن يشرط فأما إذا أطلقه و هو لا يأمن أن يكون غيره خيرا فقد أساء بإطلاق العقد عليه.ثم قال وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها (2) و هذا نهي منه تعالى عن حنث الأيمان بعد عقدها و توكيدها و في الآية دلالة على أن اليمين على المعصية غير منعقدة لأنها لو كانت منعقدة لما جاز نقضها و أجمعوا على أنه يجب نقضها و لا يجوز الوفاء به.و قد مدح الله المؤمنين فقال وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ (3) أي محافظون ما يعاهدون عليه و المراعاة قيام الداعي بإصلاح ما يتولاه و قال تعالى وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ (4) و قال وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ (5) .

ص: 238


1- سورة الإسراء:34.
2- سورة النحل:91.
3- سورة المؤمنون:8.
4- سورة الأحزاب:15.
5- سورة التوبة:75.

و إنما صح أن يعاهد الله من لا يعرفه لأنه إذا وصفه بأخص صفاته جاز أن يعرف عهده إليه فلذلك جاز أن يكون غير عارف و قال تعالى وَ بِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا (1)

باب الكفارات

أما كفارة اليمين فقد قال الله تعالى فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ (2) أي الثلاثة التي هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فعل فقد أجزأ مخير فيها و متى عجز عن جميعها كان عليه صيام ثلاثة أيام متتابعات.

وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ قَالَ ثَوْبٌ وَ عَنْ إِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِيناً الْجَمْعُ لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ يُعْطَاهُ قَالَ لاَ وَ لَكِنْ يُعْطِي إِنْسَاناً إِنْسَاناً كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْتُ يُعْطِيهَا الرَّجُلُ مَرْأَتَهُ إِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ قَالَ نَعَمْ (3).

وَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع هُوَ كَمَا يَكُونُ[إِنَّهُ يَكُونُ]فِي الْبَيْتِ مَنْ يَأْكُلُ أَكْثَرَ مِنَ الْمُدِّ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَأْكُلُ أَقَلَّ مِنَ الْمُدِّ فَبَيَّنَ ذَلِكَ وَ إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ لَهُمْ إِدَاماً وَ الْإِدَامُ أَدْنَاهُ الْمِلْحُ وَ أَوْسَطُهُ الْخَلُّ وَ الزَّيْتُ وَ أَرْفَعُهُ اللَّحْمُ (4). و الكفارة فعالة من الكفر و هو الستر و التغطية أي الذي يستر هذا الذنب

ص: 239


1- سورة الأنعام:152.
2- سورة المائدة:89.
3- هذا المضمون ورد في حديثين عن ابى الحسن عليه السلام-انظر تفسير البرهان 496/1.
4- الاستبصار 53/4 مع اختلاف في بعض الألفاظ.

و هو الحنث في اليمين المعقود عليها حتى يزول عنه العقاب.و الضمير في قوله فَكَفّارَتُهُ يعود إلى الذنب بالحنث بأنه مدلول عنه و قال أبو علي الفارسي أي كفارة ما عقدتم عليه لأن الكفارة أوجبت بالتنزيل فيما عقد عليه دون اليمين التي لم يعقد عليها و المعقود عليه دون ما كان موقوفا على الحنث و البر دون ما لم يكن كذلك.و قال الزجاج أي فكفارة المؤاخذة فيه إذا حنث أن يطعم عشرة مساكين ذكورا كانوا أو إناثا أو مختلطين.و المراد بالرقبة واحد من المماليك و الأصل في ذلك العنق و ما حولها و أريد هاهنا جملة البدن لأنه شبه المملوك بالأسير الذي يشد رقبته فإذا أطلق فك عن رقبته فكذا المملوك إذا أعتق و قال الحسن كل مملوك كالآخر في الجواز فيجوز الكافر أيضا لأن الآية مبهمة.و خير الله الحالف بين هذه الثلاثة و فيه تفاوت لأن إشباع عشرة لا يفي بثمن الرقبة و الله العالم بوجه الحكمة في تسوية هذا بذاك و كذلك الكسوة ثمنها دون الرقبة بكثير و قال الزجاج أكثرها نفعا أفضلها عند الله فإن كان الناس في جدب لا يقدرون على المأكول فالإطعام أفضل لأن به قوام الحياة و إلا فالإعتاق أو الكسوة أفضل.

فصل

و كفارة قتل الخطإ واجبة سواء أخذ أولياء المقتول الدية من العاقلة أو من القاتل أو تصدقوا

قال الله تعالى وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (1) و سواء كان المقتول مؤمنا بين المؤمنين أو مؤمنا و قومه كافرون و القاتل لا يعرف إيمانه و الظاهر أنه مباح الدم أو مؤمنا و قومه معاهدون.

ص: 240


1- سورة النساء:94.

و قيل إن الكفارة أيضا واجبة إذا كان المقتول كافرا بين قوم معاهدين لعموم قوله وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (1) .و اختلفوا في وجوب الكفارة على القاتل عمدا إذا قبل منه الدية أو عفي عنه فقال قوم عليه الدية و لا كفارة و منهم من قال عليه كفارة واجبة كوجوبها في قتل الخطإ لأنها وجبت في الخطإ بالقتل و هو حاصل في العمد.و عندنا كفارة قتل العمد عتق رقبة و إطعام ستين مسكينا و صيام شهرين متتابعين بعد رضاء أولياء المقتول بالدية أو العفو عنه.

فصل

فإن قيل ما تقولون في الكفارة أ هي عقوبة.قلنا الصحيح أن يقال الكفارة للظهار و الوطء في نهار شهر رمضان في الحضر و غير ذلك أنها تقع موقع العقوبة لما ثبت وجوبها إلا فيما يعظم فيه المأثم فأما إن كان عقوبة فيما سواه فكلا و هذا بين لأن تحريم الأكل في نهار شهر رمضان في حال الحضر تكليف فإذا أكل و كفر بعده فإنه على التكفير يستحق المثوبة و ما هذا حاله معدود في النعم فكيف يكون عقوبة و الله أعلم بالصواب

باب الزيادات

قوله تعالى بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ أي بتعقيدكم الأيمان و هو توثيقها بالقصد و النية و المعنى و لكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم فحذف وقت المؤاخذة لأنه كان معلوما عندهم أو بنكث ما عقدتم فحذف المضاف.

ص: 241


1- سورة المائدة:89.

فَكَفّارَتُهُ أي فكفارة حنثه و نكثه و الكفارة فعلة من شأنها أن تكفر الخطيئة أي تسترها.

مسألة

و قوله تعالى أَوْ كِسْوَتُهُمْ عطف على محل من أوسط و وجهه أن من أوسط بدل من الإطعام و البدل هو المقصود و لذلك كان المبدل منه في حكم المنحي.و الكسوة ثوب يغطي العورة و معنى أو التخيير و إيجاب أحد الكفارات الثلاث على الإطلاق فإنها كلها واجبة على سبيل التخيير بأيتها أخذ المكفر فقد أصاب.و قوله ذلِكَ أي المذكور كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ و لو قيل تلك كفارة أيمانكم لكان صحيحا على معنى تلك الأشياء أو لتأنيث الكفارة. وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ أي لا تحنثوا أراد الأيمان لله الحنث فيها معصية و قيل احفظوها كيف حلفتم بها و لا تنسوها تهاونا بها كَذلِكَ أي مثل ذلك البيان يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ أي أعلام شريعته.

مسألة

ص: 242

و سمي المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين

كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ (1). أي على شيء مما يحلف عليه.و قوله أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا عطف بيان لأيمانكم أي للأمور المحلوف عليها التي هي البر و التقوى و الإصلاح بين الناس.

مسألة

فإن قيل بم تعلقت اللام في قوله لِأَيْمانِكُمْ .قلت بالفعل أي و لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم حجازا و يجوز أن يكون اللام للتعليل و يتعلق أَنْ تَبَرُّوا بالفعل أو بالعرضة أي لا تجعلوا الله لأجل أيمانكم عرضة لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به و لذلك ذم من أنزل فيه وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ (2) بأشنع المذام و جعل كونه حلافا مقدمتها و أن تبروا علة للنهي أي إرادة أن تبروا و تتقوا و تصلحوا لأن الحلاف مجترئ على الله غير معظم له فلا يكون متقيا و لا يثق به الناس فلا يدخلونه في وسائطهم و إصلاح ذات بينهم. لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ (3) أي لا يلزمكم الكفارة بلغو اليمين الذي لا قصد معه و لكن يعاقبكم بما اقترفته قلوبكم من إثم القصد إلى الكذب في اليمين و هو أن يحلف على ما يعلم أنه خلاف ما يقوله

ص: 243


1- الدّر المنثور 268/1.
2- سورة القلم:10.
3- سورة البقرة:225.

كتاب الصيد و الذباحة

في إباحة الصيد

قال الله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (1) أباح سبحانه صيد البحر مطلقا لكل أحد و أباح صيد البر إلا في حال الإحرام و في الحرم.و قال تعالى يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً (2) .

و قال إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا (3) أي إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا الصيد الذي نهيتكم عنه أن تحلوه و أنتم حرم بمعنى لا حرج عليكم في اصطياده إن شئتم حينئذ لأن السبب المحرم قد زال لأن معناه الإباحة و إن كانت هذه الصورة مشتركة بينها و بين الأمر و الله أعلم

باب أحكام الصيد

أما الذي أحله بقوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ فهو على ما قاله المفسرون

ص: 244


1- سورة المائدة:96.
2- سورة البقرة:168.
3- سورة المائدة:2.

الطري منه و أما العتيق فلا خلاف في كونه حلالا.و إذا حل صيد البحر حل صيد الأنهار لأن العرب تسمي النهر بحرا

و منه قوله تعالى ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ (1) و الأغلب على البحر هو الذي يكون ماؤه ملحا لكن إذا أطلق دخل فيه الأنهار بلا خلاف.و قوله وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ يعني طعام البحر و في معناه قولان أحدهما ما قذف به ميتا و الثاني أنه المملوح و اختار الرماني الأول و قال إنه بمنزلة ما صيد منه و ما لم يصد منه فعلى هذا تصح الفائدة في الكلام و الذي يقتضيه مذهبنا و يليق به القول الثاني و يكون قوله صَيْدُ الْبَحْرِ المراد به ما أخذ طريا.و قوله وَ طَعامُهُ ما كان منه مملوحا لأن ما يقذف البحر ميتا لا يجوز عندنا أكله لغير المحرم و لا للمحرم إلا إذا قذف به البحر حيا و تحضره أنت فيجوز لك أكله و إن لم تكن صدته و قال الزجاج معنى قوله وَ طَعامُهُ ما ينبت بمائه من الزرع و النبات.و قوله مَتاعاً لَكُمْ مصدر بدل قوله أُحِلَّ لَكُمْ على أنه قد متعكم متاعا أي منفعة للمقيم و المسافر. وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً يقتضي ظاهره تحريم الصيد في حال الإحرام و أكل ما صاده غيره و هو مذهبنا (2).و صيد السمك إخراجه من الماء حيا على أي وجه كان و ما يصيده غير المسلم لا يؤكل إلا ما شوهد و لا يوثق بقوله إنه صاده حيا.

فصل

و قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ

مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ (1) .هذه أبين آية في كتاب الله في الاصطياد و أكل الصيد لأنها أفادت جواز تعليم الجوارح للاصطياد و أكل ما يصيد الكلب و يقتل إذا كان معلما لأنه لو لم يقتله لما جاز أكله حتى يذكى معلما كان أو غير معلم فمعنى الآية يسألك يا محمد أصحابك أي شيء أحل لهم أكله من المطاعم فقل لهم أحل لكم الطيبات أي ما يستلذ منها و هو حلال و أحل لكم أيضا مع ذلك صيد ما علمتم من الجوارح و هي الكواسب من سباع الطير و البهائم.و لا يجوز أن يستباح عندنا أكل شيء مما اصطاده الجوارح و السباع سوى الكلب إلا ما أدرك ذكاته.و قوله وَ ما عَلَّمْتُمْ تقديره و صيد ما علمتم فحذف لدلالة الكلام عليه لأن القوم كانوا سألوا النبي ص حين أمرهم بقتل الكلاب مما يحل لهم اتخاذه منها و صيده فأنزل الله فيما سألوه عنه هذه الآية (2) فاستثنى ع كلاب الصيد و كلاب الماشية و كلاب الحرث مما أمر بقتله و أذن في اتخاذ ذلك.

ص: 245


1- سورة الروم:41.
2- هذا الباب إلى هنا مأخوذ من التبيان 28/4.

مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ (1) .هذه أبين آية في كتاب الله في الاصطياد و أكل الصيد لأنها أفادت جواز تعليم الجوارح للاصطياد و أكل ما يصيد الكلب و يقتل إذا كان معلما لأنه لو لم يقتله لما جاز أكله حتى يذكى معلما كان أو غير معلم فمعنى الآية يسألك يا محمد أصحابك أي شيء أحل لهم أكله من المطاعم فقل لهم أحل لكم الطيبات أي ما يستلذ منها و هو حلال و أحل لكم أيضا مع ذلك صيد ما علمتم من الجوارح و هي الكواسب من سباع الطير و البهائم.و لا يجوز أن يستباح عندنا أكل شيء مما اصطاده الجوارح و السباع سوى الكلب إلا ما أدرك ذكاته.و قوله وَ ما عَلَّمْتُمْ تقديره و صيد ما علمتم فحذف لدلالة الكلام عليه لأن القوم كانوا سألوا النبي ص حين أمرهم بقتل الكلاب مما يحل لهم اتخاذه منها و صيده فأنزل الله فيما سألوه عنه هذه الآية (2) فاستثنى ع كلاب الصيد و كلاب الماشية و كلاب الحرث مما أمر بقتله و أذن في اتخاذ ذلك.

فصل

و اختلفوا في الجوارح التي ذكرت في الآية

"فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْجَوَارِحُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ هُوَ كُلُّ مَا عُلِّمَ الصَّيْدَ فَيَتَعَلَّمُهُ بَهِيمَةً كَانَ أَوْ طَائِراً وَ الْفَهْدُ وَ الْبَازِي مِنَ الْجَوَارِحِ وَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَيْضاً (3).

ص: 246


1- سورة المائدة:4.
2- انظر أسباب النزول للواحدى ص 127.
3- وسائل الشيعة 223/6.

و قال قوم عنى بذلك الكلاب خاصة دون غيرها من السباع و هو ما رواه أصحابنا عنهما ع (1) فأما ما عدا الكلب مما أدرك ذكاته فهو مباح و إلا فلا يحل له أكله و بهذا يجمع بين الروايتين و يقوي قولنا قوله سبحانه مُكَلِّبِينَ و ذلك مشتق من الكلب أي في هذه الحال يقال رجل مكلب و كلاب إذا كان صاحب صيد بالكلاب و في ذلك دليل على أن صيد الكلب الذي لم يعلم حرام إذا لم يدرك ذكاته.و قوله تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ معناه تؤدبون الجوارح فتعلمونهن طلب الصيد لكم مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ من التأديب الذي أدبكم به.و قيل صفة المعلم أن يجيبه إذا دعاه و يطلب الصيد إذا أرسله عليه و لا يفر منه و لا يأكل ما يصيده على العادة بل يمسكه إلى أن يلحقه صاحبه فيطعمه منه ما يريده فإن أكل منه على العادة فغير معلم و صيده حرام إلا أن يذكى فإنه إنما أمسكه على نفسه و هو الذي يدل عليه أخبارنا غير أنا نعتبر أن يكون أكل الكلب للصيد دائما فأما إذا كان نادرا فلا بأس بأكل ما أكل منه.و قال قوم لا حد لتعلم الكلاب فإذا فعل ما قلنا فهو معلم و قد دل على ذلك رواية أصحابنا لأنهم رووا أنه إذا أخذ كلب مجوسي فعلمه في الحال فاصطاد به جاز أكل ما يقتله (2).و قد بينا أن صيد غير الكلب لا يحل أكله إلا ما أدرك ذكاته فلا يحتاج أن يراعى كيف يعلمه و لا أكله منه و من أجاز ذلك أجاز أكل ما أكل منه البازي و الصقر ذهب إليه ابن عباس و قال يعلم البازي و هو أن يرجع إلى صاحبه.و قال قوم تعليم كل جارحة من البهائم و الطير واحد و هو أن يشلى على

ص: 247


1- الاستبصار 72/4.
2- انظر الأحاديث في ذلك وسائل الشيعة 227/16.

الصيد فيستشلي (1) و يأخذ الصيد و يدعوه صاحبه فيجيبه فإذا كان كذلك كان معلما و إن أكل ثلثه.و قوله فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ يقوي قول من قال ما أكل منه الكلب لا يجوز أكله لأنه أمسك على نفسه.و من شرط استباحة ما يقتله الكلب أن يكون صاحبه سمى عند إرساله فإن لم يسم عمدا لم يحل أكله إلا إذا أدرك ذكاته و حده أن يجده تتحرك عينه أو أذنه أو ذنبه فيذكيه حينئذ بفري الحلقوم و الأوداج.فصل و اختلفوا في من التي في قوله تعالى مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ فقال قوم هي زائدة لأن جميع ما يمسكه فهو مباح و تقديره فكلوا ما أمسكن عليكم (2) و يجرون ذلك مجرى قوله يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (3) و أنكر قوم ذلك و قالوا من للتبعيض كما يقال أكلت من الطعام تريد أكلت شيئا من الطعام.و الأقوى أن تكون من للتبعيض في الآية لأن ما يمسكه الكلب من الصيد لا يجوز أكل جميعه لأن في جملته ما هو حرام من الدم و الفرث و الغدد و الطحال و المرارة و المشيمة و الفرج و القضيب و الأنثيين و النخاع و العلباء و ذات الأشاجع و الحدق و الخرزة تكون في الدماغ فإذا قال فكلوا مما أمسكن عليكم أفاد ذلك بعض ما أمسكن و هو الذي أباح الله أكله من اللحم و غيره.

ص: 248


1- استشلاه و اشلاه أي استنقذه،و كل من دعوته حتّى تخرجه و تنجيه من موضع هلكة فقد استشليته و اشتليته-صحاح اللغة(شلا).
2- الزيادة من ج.
3- سورة البقرة:271.

و قوله وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ صريح في وجوب التسمية عند الإرسال و هو قول ابن عباس.و قوله أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ يدل على أن الكلب متى غاب عن العين مع الصيد ثم رآه ميتا لا يجوز أكله لأنه يجوز أن يكون مات من غير قتل الكلب له و متى أخذ الكلب الصيد و مات في يده من غير أن يجرحه لم يجز أكله و فحوى الآية يدل على هذا أيضا.و عموم الآية يدل على أن من لا يؤكل ذبيحته من أجناس الكفار لا يؤكل صيده فأما الاصطياد بكلابه المعلمة إذا صاد المسلم بها فجائز

باب ما يحرم من الصيد

يحرم أكل الأرنب و الضب و من صيد البحر الجري و المارماهي و كل ما لا فلس له من السمك و الدليل عليه الإجماع المتردد.فإن استدل المخالف

بقوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (1) و قال ظاهر الآية يقتضي أن جميع صيد البحر حلال و كذا صيد البر إلا على المحرم خاصة.الجواب أن قوله أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ لا يتناول ظاهره الخلاف في هذه المسألة لأن الصيد مصدر صدت و هو يجري مجرى الاصطياد الذي هو فعل الصائد و إنما يسمى الوحش و ما جرى مجراه صيدا مجازا أو على وجه الخلاف لأنه محل للاصطياد سمي باسمه و إذا كان كلامنا في تحريم لحم الصيد فلا دلالة في إباحة الصيد لأن الصيد غير المصيد.

ص: 249


1- سورة المائدة:96.

فإن قيل قوله وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ يقتضي أنه أراد المصيد دون الصيد لأن لفظة الطعام لا تليق إلا بما ذكرناه دون المصدر.قلنا أ و لا روي عن الحسن البصري في قوله وَ طَعامُهُ أنه أراد به البر و الشعير و الحبوب التي تسقى بذلك فعلى هذا سقط السؤال ثم لو سلمنا أن لفظة الطعام ترجع إلى لحوم ما يخرج من حيوان البحر لكان لنا أن نقول قوله وَ طَعامُهُ يقتضي أن يكون ذلك اللحم مستحقا في الشريعة لاسم الطعام لأن ما هو محرم في الشريعة لا يسمى بالإطلاق فيه طعاما كالخنزير و الميتة فمن ادعى في شيء مما عددنا تحريمه أنه طعام في عرف الشريعة فليدل على ذلك و أنه يتعذر عليه.

فصل

و صيد أهل الكتاب محرم لا يحل أكله و كذلك ذبائحهم

قال الله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ (1) و هذا نص في موضع الخلاف لأن من ذكرناه من الكفار لا يرون التسمية على الذبائح فرضا و لا سنة فهم لا يسمون الله عند إرسال الكلب إلى الصيد و قد أوجبه الله بقوله وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ و كذلك لا يسمون على ذبائحهم و لو سموا لكانوا مسمين لغير الله لأنهم لا يعرفون الله بكفرهم و هذه الجملة تقتضي تحريم ذبائحهم و صيدهم.فإن قيل هذا يقتضي أن لا يحل ذباحة الصبي لأنه غير عارف بالله.قلنا ظاهر الآية يقتضي ذلك و إنما أدخلناه فيمن يجوز ذباحته بدليل و لأن الصبي و إن لم يكن عارفا فليس بكافر و لا معتقد أن الله غير مستحق للعبادة على

ص: 250


1- سورة الأنعام:121.

الحقيقة و إنما هو خال من المعرفة فجاز أن يجري مجرى العارف متى ذبح و تلفظ بالتسمية و هذا كله موجود في الكفار.فإن اعترض علينا بقوله اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ (1) و ادعى أن الطعام يدخل فيه ذبائح أهل الكتاب و صيدهم.فالجواب عن ذلك أن أصحابنا يحملون قوله وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ على ما يؤكل من حبوب و غيرها و هذا تخصيص لا محالة لأن ما صنعوه طعاما من ذبائحهم يدخل تحت اللفظة و لا يجوز إخراجه إلا بدليل.فإذا قلنا نخصصه بقوله وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ قيل لنا ليس أنتم بأن تخصوا آياتنا بعموم آيتكم بأولى منا إذا خصصنا الآية التي تعلقتم بها لعموم ظاهر الآية التي استدللنا بها.و الذي يجب أن نبينه في الفرق بين الأمرين أنه قد ثبت وجوب التسمية عند إرسال الكلب و عند الذبيحة و أن من تركها عامدا لا يكون مذكيا و لا يجوز أكل صيده و ذبيحته على وجه من الوجوه و كل من ذهب إلى هذا المذهب من الأمة يذهب إلى تخصيص قوله وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ و إن ذبائحهم لا تدخل تحته و التفرقة بين الأمرين خلاف الإجماع.و لا يلزم على ما ذكرنا أن أصحاب أبي حنيفة يوافقونا على وجوب التسمية لأنا نرى وجوب التسمية مع الذكر على كل حال و عند أصحاب أبي حنيفة أنه جائز أن يترك التسمية من أداه اجتهاده إلى ذلك إذا استفتى هذه حاله و الإمامية يذهبون إلى أن التسمية مع الذكر لا تسقط بحال من الأحوال.فإن قيل على هذه الطريقة التي تعتمدونها من الجمع بين المسألتين ما

ص: 251


1- سورة المائدة:5.

أنكرتم من مخالفكم أن يعكس هذه الطريقة عليكم و يقول قد ثبت أن التسمية غير واجبة أو يشير إلى مسألة قد دل الدليل على صحتها عنده ثم يقول و كل من ذهب إلى هذا الحكم يذهب إلى عموم قوله تعالى وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ و التفرقة بين الأمرين خلاف الإجماع.قلنا الفرق بيننا ظاهر لأنا إذا بنينا على مسألة ضمنا عهدة صحتها و نفي الشبهة عنها و مخالفنا إذا بنى على مسألة مثل أن التسمية غير واجبة أو غير ذلك من المسائل لا يمكنه أن يصحح ما بنى عليه و لا أن يورد حجة قاطعة واضحة بيننا و بين من يتعاطى ذلك و نحن إذا بنينا على مسألة دللنا على صحتها بما لا يمكن دفعه بهذا على التفصيل يخرجه الاعتبار

باب الذبح

الذكاة حكم شرعي و المذكي إذا استقبل القبلة بتوجيه الذبيحة إليها أيضا و سمى الله تعالى يكون مذكيا بيقين فقد صرحوا بأن من ذبح يجب أن يكون مستقبلا و لا يناقضه قولهم ينبغي أن يوجه الذبيحة إلى القبلة فمن لم يستقبل بها القبلة متعمدا لم يجز أكل ذبيحته و إن فعله ناسيا لم يكن به بأس لأن هذا أيضا مما يجب أن يفعل على ما يمكن.

و قوله تعالى فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (1) لم يذكر الله في هذه الآية ذبحا و لكن الأمة أجمعت على أن المراد أنه مباح لكم أكل لحوم ما ذكر اسم الله على تذكيته.و يجب استقبال القبلة عند الذبح مع إمكان ذلك على ما ذكرناه لأن من ذبح غير مستقبل القبلة عامدا قد أتلف الروح و حل الموت في الذبيحة و حلول

ص: 252


1- سورة الأنعام:118.

الموت يوجب أن يكون ميتة و يدخل تحت قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (1) إذ لم تقم دلالة على حصول الذكاة المشروعة فيستحق هذا الاسم.و لا يجوز أن يتولى الذباحة غير المسلمين لما ذكرناه من الأدلة

"وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَنْفَعُ الاِسْمُ فِي الشِّرْكِ وَ لاَ يَضُرُّ النِّسْيَانُ فِي الْمِلَّةِ. و هذا إشارة إلى أن ذبائح المشركين و من ضارعهم و إن ذكروا اسم الله عليها لا يجوز أكلها و أن تذكية أهل الحق العارفين بالله المعترفين بتوحيده و عدله لا بأس بها و إن ترك ذكر اسم الله عليها نسيانا.و معنى قوله تعالى إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ لا تأكلوا إلا ما ذكر اسم الله عليه إن كنتم مؤمنين على ما ذكرنا و ليس المراد إن كنتم مؤمنين فكلوا مما ذكر اسم الله البتة لأن المؤمن لا يخرج من أن يكون مؤمنا و إن لم يأكل اللحم قط.فبان أن المراد النهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه و الأمر باعتبار تحليل أكل ما ذكر اسم الله عليه حقيقة يدل على ذلك قوله وَ ما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (2) و هذا كأنه إنكار على من يرى أنه لا يجوز أكل ما ذكر اسم الله عليه فقيل ما الذي يمنعكم من أكله و كان المشركون ينكرون على المسلمين أن يأكلوا ما قتلوه و يمتنعوا من أكل ما قتله الله فأعلم تعالى أنه أحل ما ذكر اسم الله عليه و حرم غيره من الميتة و ذبيحة المشرك و من بحكمه و قد فصل المحرمات من المأكولات في قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ .و إذا ذبحت الذبيحة فلم يخرج الدم و لم يتحرك شيء منها لم يجز أكلها لأنها ميتة ماتت خوفا على ما روي

ص: 253


1- سورة المائدة:3.
2- سورة الأنعام:119.

باب ما يحل أو يكره لحمه

قال الله تعالى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ (1) قال قوم أحلت لكم بهيمة الأنعام الوحشية من الضباء و البقر و الحمر غير المستحلين اصطيادها وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ (2) من قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ (3) و الأقوى أن يحمل على عمومه في جميع ما حرمه الله في كتابه.و قال قوم أراد بهيمة الأنعام أجنة الأنعام التي توجد في بطون أمهاتها إذا ذكيت الأمهات و هي ميتة و عندنا أنه إذا ذبح شاة أو غيرها و وجد في بطنها جنين فإن كان قد أشعر أو أوبر و لم يلجه الروح فذكاته ذكاة أمه و إن لم يكن تاما لم يجز أكله على حال و إن كان فيه روح وجبت تذكيته ليحل أكله يدل عليه الخبر إذا روي بالنصب ذكاة أمه (4).و الأنعام على الإطلاق مقصورة على الإبل و البقر و الغنم لأن الله فصل في سورة الأنعام ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ و لم يذكر إلا هذه الثلاثة.و قال عبد الجبار ما يصاد ليس من الأنعام لأنه تعالى قال فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (5) فدل هذا على أن المقتول الذي جعل جزاؤه مثله من النعم ليس

ص: 254


1- سورة الأنعام:1.
2- نص الآية «إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» .
3- سورة المائدة:3.
4- يريد الجملة المروية«فذكاته-أى الجنين في البطن-ذكاة أمه»راجع وسائل الشيعة 270/16.
5- سورة المائدة:95.

من النعم ثم عارض نفسه بقوله غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ و أجاب بأن ذلك ليس باستثناء و المراد به سوى الصيد المحرم على المحرم فكأنه تعالى بين أن المحلل و المحرم فيه غير الأمر بالإحرام و هو الصيد و هو بيان أمر ثالث سوى ما يحل من الأنعام و يحرم.و قال تعالى يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً (1) و إنما جمع الوصفين لاختلاف الفائدتين إذ وصفه بأنه حلال يفيد أنه طلق و وصفه بأنه طيب يفيد أنه مستلذ إما في العاجل أو الآجل. وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ أي آثاره و أعماله نزل لما حرم أهل الجاهلية من البحيرة و السائبة و الوصيلة فنهى الله عما كانوا يفعلونه و أمر المؤمنين بخلافه (2).و الإذن في الحلال يدل على حظر الحرام على اختلاف ضروبه و أنواعه فحملها على العموم أولى.و المآكل و المنافع في الأصل للناس فيها ثلاثة أقوال فقال قوم هي على الحظر و قال آخرون هي على الإباحة و منهم من قال بعضها على الحظر و بعضها على الإباحة و هذه الآية دالة على إباحة المأكل إلا ما دل الدليل على حظره.و قال تعالى وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ (3) و هي الإبل و البقر و الغنم أي خلقها لمنافعكم.

فصل

و اعلم أن لحوم الخيل و البغال و الحمير مكروهة غير محرمة و بعضها أشد

ص: 255


1- سورة البقرة:168.
2- انظر أسباب النزول للواحدى ص 29.
3- سورة النحل:5.

كراهية من بعض

و يستدل على ذلك بقوله قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ الآية (1).و حرم سائر الفقهاء لحوم الحمر الأهلية و احتجوا عليه بقوله تعالى وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً (2) و أنه تعالى أخبر أنها للركوب و الزينة لا للأكل و الجواب لهم أنها و إن كانت للركوب و الزينة فلا يمتنع أن يكون لغير ذلك أيضا أ لا ترى قول القائل أعطيتك هذا الثوب لتلبسه فلا يمنعه من جواز بيعه أو هبته و الانتفاع به من وجوه شتى و لأن المقصود بالخيل و الحمير الركوب و الزينة و ليس أكل لحومها مقصودا منها ثم إنه لا يمنع من الحمل على الحمير و الخيل و إن لم يذكر الحمل و إنما خص الركوب و الزينة بالذكر.و أكثر الفقهاء يجيزون أكل لحوم الخيل و لا يعملون بمضمون الآية ذكر الركوب و الزينة خاصة

"وَ قَدْ رَوَوْا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ لُحُومِ الْحَمِيرِ كَيْلاَ يَقِلَّ الظَّهْرُ. و ذلك النهي محمول على الكراهة للقرينة

باب ما حلل من الميتة و ما حرم من المذكى

اعلم أن العلم بتحليل ذلك أو تحريمه هو السمع و ليس للعقل فيه مجال فإن وردت العبارة الشرعية بتحريم ما له صفة المباح في العقل امتنع منه و إن أباحت الشريعة ما كان محظورا قيل به و قد نطق الكتاب بتحريم الميتة قال الله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ و أطلقت الأمة القول بتحريم الميتة ثم أجمعت على أن إطلاق قولها بالتحريم و ما ورد به نص الكتاب مخصوص غير محمول على عمومه و شموله و إن اختلفوا فيما هو مباح منها.

ص: 256


1- سورة الأنعام:145.
2- سورة النحل:8.

و الميتة هي كل حيوان صامت مات أو على (1) وجه الذكاة و الذكاة مع الإمكان على ثلاثة أضرب الإبل إذا نحرت من غير تعمد ترك التسمية و السمك و الجراد إذا اصطيدا

لِقَوْلِهِ ع وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ ذَكَاتِهِمَا فَقَالَ صَيْدُهُ ذَكَاتُهُ (2). و ما سوى ذلك مما يعمل فيه الذكاة إذا ذبح و لم يتعمد ترك التسمية على ما ذكرناه في نحر الإبل.فإن قيل ما معنى قولكم مع التمكن من أي شيء تحرزتم به.قلنا نتحرز بذلك من الجمل و البقر و ما جرى مجراهما إذا صال شيء منها أو تردى في بئر و لم يتمكن من تذكيته فإن الأمر ورد بأن ينفح (3) بالرماح أو يرمى بالسهام أو يضرب بالسيوف حتى يموت فتلك ذكاته و إن وقع في غير منحره أو مذبحه و تحرزنا أيضا عما نذكره فأما إذا رمينا صيدا و قد سمينا فأصاب السهم فقتله فإنه لا خلاف بين الأمة في ذكاته و إن لم يقع في مذبحه و كذا ما يقتله الكلب المعلم.

وَ قَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع أُحِلَّ مِنَ الْمَيْتَةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ الصُّوفُ وَ الشَّعْرُ وَ الْوَبَرُ وَ الْبَيْضُ وَ النَّابُ وَ الْقَرْنُ وَ الظِّلْفُ وَ الْإِنْفَحَةُ وَ اللَّبَنُ وَ الْعَظْمُ (4). فالمباح من الميتة عندنا هذه العشرة و الدليل على ذلك إجماع الإمامية على القول بصحته و الفتوى به و يدل عليه قوله تعالى قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ

إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ (1) الآية و لا يجوز الحكم بتحريم شيء سوى ما ذكر في الآية إلا بدليل و لا دليل مقطوع به على تحريم شيء مما عددناه.و أما المحظور من المذكى فالمجمع عليه عشر أشياء أيضا الدم و الخصيتين و القضيب و الرحم و المثانة و الغدد و الطحال و المرارة و النخاع و ذات الأشاجع و هي موضع الذبح و مجمع العروق و الدليل على ذلك إجماع الطائفة و الأخبار المتواترة عن أئمة الهدى ع في ذلك.فأما

ص: 257


1- كذا في النسختين،و الظاهر أن الصحيح«لا على وجه الذكاة».
2- ورد ذلك في حديث عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام-انظر وسائل الشيعة 297/16.
3- نفحه بالرمح او السيف:تناوله من بعيد-صحاح اللغة 412/1.
4- الوسائل 363/16 مع اختلاف يسير.

إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ (1) الآية و لا يجوز الحكم بتحريم شيء سوى ما ذكر في الآية إلا بدليل و لا دليل مقطوع به على تحريم شيء مما عددناه.و أما المحظور من المذكى فالمجمع عليه عشر أشياء أيضا الدم و الخصيتين و القضيب و الرحم و المثانة و الغدد و الطحال و المرارة و النخاع و ذات الأشاجع و هي موضع الذبح و مجمع العروق و الدليل على ذلك إجماع الطائفة و الأخبار المتواترة عن أئمة الهدى ع في ذلك.فأما

مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع أَنَّهُ قَالَ : حُرِّمَ مِنَ الشَّاةِ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ الدَّمُ وَ الْخُصْيَتَانِ وَ الْقَضِيبُ وَ الْمَثَانَةُ وَ الْغُدَدُ وَ الطِّحَالُ وَ الْمَرَارَةُ (2). فإنه لا يبطل التجاوز إلى العشرة و لو كان لازما للزم من يقل بدليل الخطاب لأن عندهم أن الحكم إذا علق بصفة دل انتفاء الصفة عن غيره على انتفاء الحكم.فهذا مذهب فاسد لأنه غير ممتنع أن يتناول دليل التحريم سبعة أشياء و يأتي دليل آخر على زيادة عليها كما قلناه في مواضع من العبادات الموجب منها و المحظور قال الله تعالى أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ (3) فأوجب بهذا اللفظ علينا فعلهما و لم يمنع من إيجاب عبادات أخر بأدلة غير هذا.و كذا قال تعالى قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ثم حرم أشياء أخر بالكتاب و غيره فلم يمتنع قوله قُلْ لا أَجِدُ من القول بتحريم أشياء أخر و قد ورد خبر بتحريم أربعين شيئا من المذكى و نحن نحملها على الكراهية لقرينة تدل عليه و نعدل عن تحريمها للإجماع على تحريم تلك العشرة التي ذكرناها فقط

ص: 258


1- سورة الأنعام:145.
2- الكافي 253/6 و الزيادة منه.
3- سورة البقرة:43.

باب الزيادات

قد ذكرنا أنه لا يحل أكل ما قتله غير الكلب المعلم عندنا من ذوات الأربع و الطيور

قال الله تعالى وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ (1) لأنه لو لم نقل مكلبين لدخل في الكلام كل جارح من ذي ناب و ظفر و لما أتى بلفظة مُكَلِّبِينَ و هي تخص الكلاب بلا خلاف بين أهل اللغة علمنا أنه لم يرد بالجوارح جميع ما يستحق هذا الاسم و إنما أراد الجوارح (2) من الكلاب خاصة و يجري ذلك مجرى قولهم ركب القوم نهارهم مبقرين محمرين فإنه لا يحمل و إن كان اللفظ الأول عام الظاهر إلا على ركوب البقر و الحمير.و ليس لأحد أن يقول المكلب في الآية المراد به المفري للجارح الممرن له و المغري فيدخل فيه الكلب و غيره لأنه لا يعرف عن أحد من أهل اللغة العربية أن المكلب هو المغري و المفري بل نصوا في كتبهم على أن المكلب صاحب الكلاب على أنا لو سلمنا أنها قد استعملت في التعليم و التمرين فذلك مجاز و حمل القرآن على الحقيقة أولى من حمله على المجاز ما أمكن.على أن قوله تعالى وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ يعني أن يكرر و يقول مكلبين لأن من حمل لفظة مكلبين على التعليم لا بد من أن يلزمه التكرار و إذا جعلنا ذلك مختصا بالكلاب أفاد فائدة أخرى لأنه يبان أن هذا الحكم يتعلق بالكلاب دون غيرها.

مسألة

رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع مَرَّ بِسُوقِ الْقَصَّابِينَ فَنَهَاهُمْ عَنْ بَيْعِ أَشْيَاءَ

ص: 259


1- سورة المائدة:4.
2- الزيادة من ج.

مِنْهَا الطِّحَالُ فَقِيلَ مَا الْكَبِدُ وَ الطِّحَالُ إِلاَّ سَوَاءً فَقَالَ ع لَهُ كَذَبْتَ ايتِنِي بِتَوْرَيْنِ مِنْ مَاءٍ (1) أُنَبِّئْكَ بِخِلاَفِ مَا تَقُولُ فَأُتِيَ بِطِحَالٍ وَ كَبِدٍ وَ تَوْرَيْنِ مِنْ مَاءٍ فَقَالَ شُقَّ الْكَبِدَ مِنْ وَسَطِهِ وَ الطِّحَالَ مِنْ وَسَطِهِ وَ اجْعَلْهُمَا فِي الْمَاءِ جَمِيعاً فَفَعَلَ فَلَمْ يَنْقُصْ مِنَ الْكَبِدِ شَيْئاً وَ صَارَ الطِّحَالُ كُلُّهُ دَماً وَ هِيَ جِلْدٌ وَ عُرُوقٌ فَقَالَ هَذَا لَحْمٌ وَ هَذَا دَمٌ (2). و قال تعالى فيه تبيان لكل شيء (3) و قال وَ ما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (4) فالقرآن يدل على جميع ذلك جملة و السنة تفصيلا.

مسألة

قوله وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ عطف على الطيبات إذا كانت ما موصولة و يجوز أن يكون وَ ما عَلَّمْتُمْ كلاما مستأنفا و جعل ما شرطية و جعل جوابها فَكُلُوا .و المكلب مؤدب الكلاب و اشتق من لفظه فإن استعمل في غيره من السباع فهو كالمجاز فالأولى حمله على الحقيقة

ص: 260


1- التور-بفتح التاء و سكون الواو-اناء من صفر أو حجارة كالاجانة قد يتوضأ منه -لسان العرب(تور).
2- الكافي 253/6 مع اختلاف في الفاظ.
3- في سورة النحل 89 قوله تعالى «وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ». .
4- سورة العنكبوت:43.

كتاب الأطعمة و الأشربة

الحلال هو الجائز من الأفعال

مأخوذ من أنه طلق لم يعقد بحظر و المباح مثله.و ليس كل حسن حلالا لأن أفعاله تعالى حسنة و لا يقال إنها حلال إذ الحلال إطلاق في الأفعال لمن يجوز عليه المنع.و قد دللنا على إباحة المآكل إلا ما دل الدليل على حظره

و قد استدل بقوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (1) على أن الأشياء التي يصح أن ينتفع بها و لم تجر مجرى المحظورات من العقل خلقت في الأصل مباحة قد أطلق لكل أحد أن يتناولها و يستنفع بها كالماء من البحر و الحطب و نحوه من البر فليست على هذا الوجه على العموم بل هو مخصوص.و قيل معناه خلقها لأجلكم و لانتفاعكم به في دنياكم و دينكم بالنظر إليها

ص: 261


1- سورة البقرة:29.

باب ما أباحه الله من الأطعمة

قال الله تعالى يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ (1) الطيب في الأصل خلاف الخبيث و هو على ثلاثة أقسام الطيب المستلذ و الطيب الجائز و الطيب الطاهر و الأصل واحد و هو المستلذ إلا أنه وصف به الطاهر و الجائز تشبيها إذ ما يزجر عنه العقل أو الشرع كالذي يتكد هذه النفس في الصرف عنه و ما يدعو إليه بخلاف ذلك فالطيب الحلال و الطيب النظيف.و اختلفوا في معنى الطيبات في الآية فقال البلخي هو ما يستطاب و يستلذ و قال الطبري و غيره هو الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح و الأول أولى لأن الثاني يؤول تقديرا إلى ما لا فائدة فيه و هو يسألونك ما الذي هو حلال لهم فقيل الذي هو حلال لكم هو الحلال و هذا لا معنى له.و إذا كان المراد بالذي أحل المستلذ حسن أن يقال إن الأشياء التي حرمت غير مستلذة لأنه لا يميل كل أحد إلى الميتة و الدم أيضا ليس من طيبات الرزق فقل لهم الطيبات من المأكولات محللة لكم.و الضمير في يَسْئَلُونَكَ للمؤمنين الذين حرم عليهم ما فصل في الآية الأولى من قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ الآية أي يسألونك تفصيل المحللات فقل أحل لكم الطيبات قال أبو علي كل ما لم يجر ذكره في آيات التحريم كله حلال.و قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ و نحوه قوله يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً إلا أن تلك الآية خطاب للمؤمنين

ص: 262


1- سورة المائدة:4.

و هذه خطاب لجميع الناس يعني أن من آمن بالله لا يحل و لا يحرم إلا بأمره و من امتنع من أكل ما أحل الله فقد خالف أمره و الله أحل المستلذ.فقوله كُلُوا يحتمل أن يكون إباحة و تخييرا و أمرا على الإيجاب أو الندب فالأمر في وقت الحاجة إليه إذ لا يجوز لأحد أن يترك ذلك حتى يموت مختارا مع إمكان تناوله.و الإذن على أن أكل المستلذ مما ملكتم و هو الحلال مباح لكم و في الآية دلالة على النهي عن أكل الخبيث في قول بعض المفسرين كأنه قيل كلوا من الطيب دون الخبيث كما لو قال كلوا من الحلال لكان ذلك دالا على حظر الحرام و هذا صحيح فيما له ضد قبيح مفهوم فأما غير ذلك فلا يدل على قبح ضده لأن قول القائل كل من مال زيد لا يدل على أن المراد تحريم ما عداه لأنه قد يكون الغرض البيان لهذا خاصة و ذكر الشرط هاهنا إنما هو على وجه المظاهرة في الحجاج.قال سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ و التحريم هو العقد على ما لا يجوز فعله للعبد و التحليل حل ذلك العقد و ذلك كتحريم السبب بالعقد على أهله فلا يجوز لهم العمل فيه و تحليله تحليل ذلك العقد و ذلك يجوز لهم الآن العمل فيه. وَ لا تَعْتَدُوا إلى ما حرم عليكم و اعتداء الحد مجاوزة الحكمة إلى ما نهى عنه الحكيم و زجر عنه إما بالعقل أو بالسمع.ثم قال تعالى وَ كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً و الرزق هو ما للحي الانتفاع به و ليس لغيره معه منه.فإن قيل إذا كان الرزق لا يكون إلا حلالا فلم قال الله تعالى حَلالاً طَيِّباً قلنا ذكر ذلك على وجه التأكيد كقوله وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً (1)

ص: 263


1- سورة النساء:164.

و الطيب قد يكون مستلذا و قد أطلق في موضع آخر فقال وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (1) .ثم اعلم أن الطيب يقع على الحلال كقوله يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ (2) و يقع على الطاهر كقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (3) و يقع على ما لا أذى فيه كما يقال زمان طيب و مكان طيب للذي لا حر فيه و لا برد و يقع على ما يستطاب من المأكول يقال هذا طعام طيب لما تستطيبه النفس و لا تنفر منه.

فصل

ثم

قال تعالى اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ (4) أي ما تستطيبونه و لا تستخبثونه فردهم إلى عادتهم و لا يمنع أن يقال المراد به ما لا أذى فيه من المباح الذي ليس بمحرم فكأنهم لما سألوه عن الحلال فقال هو ما لا يستحق المدح و الذم بتناوله و ذلك عام في جميع المباحات سواء علمت كذلك عقلا أو شرعا.و من اعتبر العرف و العادة اعتبر عرف أهل الترف و الغنى و المكنة الذين كانوا في القرى و الأمصار على عهد النبي ص حال الإخبار دون من كان من أهل البوادي من جفاة العرب.فإذا قيل عادتهم مختلفة قلنا اعتبرنا العام الشائع دون الشاذ النادر.و قوله تعالى وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ مبتدأ و خبر و ذلك يخص عند أكثر أصحابنا بالحبوب لأنها المباحة من أطعمة أهل الكتاب فأما ذبائحهم و كل مائع يباشرونه بأيديهم فإنه ينجس و لا يحل استعماله.و تذكيتهم لا تصح لأن من شرط صحتها التسمية لقوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا

مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (1) و هؤلاء لا يذكرون اسم الله عليه و إذا ذكروا قصدوا بذلك اسم من أبد شرع موسى أو عيسى ع أو اتخذ عيسى أو عزيرا ابنا و كذب محمدا ع و ذلك غير الله عز و جل و قد حرمه الله بقوله وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ (2) . وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أي إنه حلال لهم سواء قبلوه أو لم يقبلوه و قيل حلال للمسلم بذله لهم و لو كان محرما لما جاز للمسلم بذله إياهم.و قوله فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (3) الذكر المأمور به هو قول بسم الله و قيل كل اسم يختص الله به أو صفة تختصه كقول بسم الله الرحمن أو باسم القديم أو باسم القادر لنفسه أو باسم العالم لنفسه و ما جرى مجرى ذلك فالأول مجمع على جوازه و الظاهر يقتضي جواز غيره و لقوله تعالى قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (4) و هذا يقتضي مخالفة المشركين في أكلهم ما لم يذكر اسم الله عليه فأما ما لم يذكر عليه اسم الله سهوا أو نسيانا من المؤمنين فإنه يجوز أكله على كل حال.و الاسم إنما يكون لمسمى مخصوص بالقصد و ذلك مفتقر إلى معرفته و اعتقاده و الكفار على مذهبنا لا يعرفون الله فكيف يصح منهم تسميته تعالى فلا يجوز أكل ذبائح الكفار لهذا.ثم قال وَ ما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (5) أي لم لا تأكلوا و بينهما فرق لأن لم لا تفعل أعم من حيث إنه يكون لحال يرجع إلى غيره

ص: 264


1- سورة البقرة:3.
2- سورة المؤمنون:51.
3- سورة النساء:43.
4- سورة المائدة:5.

مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (1) و هؤلاء لا يذكرون اسم الله عليه و إذا ذكروا قصدوا بذلك اسم من أبد شرع موسى أو عيسى ع أو اتخذ عيسى أو عزيرا ابنا و كذب محمدا ع و ذلك غير الله عز و جل و قد حرمه الله بقوله وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ (2) . وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أي إنه حلال لهم سواء قبلوه أو لم يقبلوه و قيل حلال للمسلم بذله لهم و لو كان محرما لما جاز للمسلم بذله إياهم.و قوله فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (3) الذكر المأمور به هو قول بسم الله و قيل كل اسم يختص الله به أو صفة تختصه كقول بسم الله الرحمن أو باسم القديم أو باسم القادر لنفسه أو باسم العالم لنفسه و ما جرى مجرى ذلك فالأول مجمع على جوازه و الظاهر يقتضي جواز غيره و لقوله تعالى قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (4) و هذا يقتضي مخالفة المشركين في أكلهم ما لم يذكر اسم الله عليه فأما ما لم يذكر عليه اسم الله سهوا أو نسيانا من المؤمنين فإنه يجوز أكله على كل حال.و الاسم إنما يكون لمسمى مخصوص بالقصد و ذلك مفتقر إلى معرفته و اعتقاده و الكفار على مذهبنا لا يعرفون الله فكيف يصح منهم تسميته تعالى فلا يجوز أكل ذبائح الكفار لهذا.ثم قال وَ ما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (5) أي لم لا تأكلوا و بينهما فرق لأن لم لا تفعل أعم من حيث إنه يكون لحال يرجع إلى غيره

ص: 265


1- سورة الأنعام:121.
2- سورة البقرة:173.
3- سورة الأنعام:118.
4- سورة الإسراء:110.
5- سورة الأنعام:119.

و أما ما لك لا تفعل فحال يرجع إليه و المعنى أي شيء لكم في أن لا تأكلوا و قيل ما منعكم أن تأكلوا لأن ما لك أن تفعل و ما لك لا تفعل بمعنى و اختار الزجاج الأول. وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ يعني ما ذكره في مواضع من قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ الآية و غيرها. إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ معناه إلا إذا خفتم على نفوسكم الهلاك من الجوع و ترك التناول فحينئذ يجوز لكم تناول ما حرمه الله في قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ .و اختلفوا في مقدار ما يسوغ تناوله حينئذ له فعندنا لا يجوز أن يتناول إلا ما يمسك الرمق و من الناس من قال يجوز له أن يشبع منه إذا اضطر إليه و أن يحمل معه منها حتى يجد ما يأكل.قال و في الآية دلالة على أن ما يكره عليه من هذه الأجناس يجوز أكله لأن المكره يخاف على نفسه مثل المضطر.

فصل

و قال تعالى قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) .أمر الله نبيه ع أن يقول لهؤلاء الكفار إنه لا يجد فيما أوحى الله إليه شيئا محرما إلا هذه الثلاثة و قيل إنه خص هذه الأشياء الثلاثة بذكر التحريم مع أن غيرها محرم مما ذكره تعالى في المائدة كالمنخنقة و الموقوذة

ص: 266


1- سورة الأنعام:145.و في النسختين «إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .

لأن جميع ذلك يقع عليه اسم الميتة و في حكمها فبين هناك بالتفصيل و هنا على الجملة.و أجود من ذلك أن يقال خص الله هذه الثلاثة تعظيما لتحريمها و بين ما عداها في موضع آخر.و قيل إنه تعالى خص هذه الأشياء بنص القرآن و ما عداه بوحي غير القرآن.و قيل إن ما عداه حرم فيما بعد بالمدينة و السورة مكية.و الدم المسفوح هو المصبوب و إنما خص المسفوح بالذكر لأن ما يختلط منه باللحم مما لا يمكن تخليصه منه لقلته معفو مباح و قال قوم إنما قال مسفوحا لأن الكبد يشبه الدم الجامد و إن لم يكن دما فليس بحرام فذكر المسفوح ليبين الحلال من الحرام فأما الطحال فإنه إذا ثقب و طرح في الماء فيسيل كله لأنه دم و هو حرام.و قوله أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فإنه و إن خص لحمه بالذكر هنا فإن جميع ما يكون منه من الشحم و الجلد و الشعر محرم. فَإِنَّهُ رِجْسٌ يعني ما تقدم ذكره و لذلك كنى عنه بكناية الذكر و الرجس كل مستقذر منفور عنه.و قوله أَوْ فِسْقاً عطف على قوله أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ و المراد بالفسق ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ و كان ابن عباس و عائشة يتعلقان بظاهر هذه الآية في إباحة لحوم الحمير.و ثم قال فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ قيل فيه قولان أحدهما غير طالب بأكله التلذذ و الثاني غير قاصد لتحليل ما حرمه الله و روى أصحابنا أن المراد به الخارج على الإمام العادل و قطاع الطريق فإنهم لا يرخصون ذلك على كل حال.

ص: 267

وَ لا عادٍ أي لا يعتدي بتجاوز ذلك إلى ما حرمه الله و الضرورة التي تبيح أكل الميتة هي خوف التلف على النفس من الجوع.و قد استدل قوم بهذه الآية على إباحة ما عدا هذه الأشياء المذكورة و هذا ليس بشيء لأن هنا محرمات كثيرة غيرها كالسباع و كل ذي ناب و كل ذي مخلب و غير ذلك من البهائم و المسوخ مثل الفيلة و القردة.و يمكن أن يستدل بهذه الآية على تحريم الانتفاع بجلد الميتة فإنه داخل تحت التعدي.

فصل

و قوله تعالى وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ (1) أخبر تعالى أنه حرم على اليهود في أيام موسى ع كل ذي ظفر

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّهُ كُلُّ مَا لَيْسَ بِمُنْفَرِجِ الْأَصَابِعِ كَالْإِبِلِ وَ النَّعَامِ وَ الْبَطِّ وَ الْإِوَزِّ. و أخبر تعالى أيضا أنه كان حرم عليهم شحوم البقر و الغنم مما في أجوافهما و استثنى من ذلك بقوله إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما فإنه لم يحرمه و استثنى أيضا ما على الحوايا من الشحم فإنه لم يحرمه و استثنى أيضا من جملة ما حرم ما اختلط بعظم و هو شحم الجنب و الألية لأنه على العصعص.و هذه الأشياء و إن كانت محرمة في شرع موسى ع فقد نسخ الله تحريمها و أباحها على لسان محمد ص.ثم قال تعالى ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ معناه أنا حرمنا ذلك عليهم عقوبة لهم على بغيهم.

ص: 268


1- سورة الأنعام:146.

فإن قيل كيف يكون التكليف عقابا و هو تابع للمصلحة و مع ذلك فهو تعريض للثواب.قلنا إنما سماه عقوبة لأن عظيم ما أتوه من المعاصي اقتضى تحريم ذلك فيه عقوبة و تعيين المصلحة و حصول اللطف و لو لا جرمهم لما اقتضت المصلحة ذلك. وَ إِنّا لَصادِقُونَ يعني فيما أخبر به من أن ذلك عقوبة لأوائلهم و مصلحة لمن بعدهم إلى وقت النسخ و الصحيح أن تحريم ذلك لما كان مصلحة عند هذا الإقدام منهم جاز أن نقول حرم عليهم بظلمهم لما روي أن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه

باب الأطعمة المحظورة

قال الله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ (1) الآية بين تعالى في هذه الآية ما استثناه في قوله أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ (2) فهذا مما تلاه علينا فقال سبحانه مخاطبا للمكلفين حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ و هي كل ما فارقته الحياة من دواب البر و طيره بغير تذكية

وَ اسْتَثْنَى النَّبِيُّ ص مِنْهَا السَّمَكَ وَ الْجَرَادَ فَقَالَ مَيْتَتَانِ مُبَاحَتَانِ (3). ثم قال تعالى وَ الدَّمُ أي حرم عليكم الدم فقيل إنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر و يشوونها و يأكلونها فأعلم الله أن الدم المسفوح أي

ص: 269


1- سورة المائدة:3.
2- سورة المائدة:1.
3- هذا المضمون مرويّ عن طريق العامّة-انظر معجم مفهرس الفاظ الحديث 301/6.

المصبوب حرام فأما اللحم المتلطخ بالدم و ما يرى أنه منه مثل الكبد فهو مباح و أما الطحال فهو الدم المسفوح على ما ذكرناه و إنما شرطنا في الدم الحرام ما كان مسفوحا لأنه تعالى بين ذلك في الآية الأخرى فقال تعالى أَوْ دَماً مَسْفُوحاً (1) .ثم قال وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ أي حرم عليكم لحم الخنزير أهليه و بريه فالميتة و الدم مخرجهما في الظاهر مخرج العموم و المراد بهما الخصوص و لحم الخنزير مخصوص ظاهره مع أن كل ما كان من الخنزير حرام كلحمه من الشحم و الجلد و غير ذلك فالمراد به العموم.و قوله تعالى وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ أي و حرم عليكم ما أهل لغير الله به أي ما ذبح للأصنام و الأوثان مما يقرب به من الذبح لغير الله أو رفع الصوت عليه بغير اسم الله حرام.و كل ما حرم أكله مما عددناه يحرم بيعه و ملكه و التصرف فيه.و الخنزير يقع على المذكر و المؤنث.و في الآية دلالة على أن ذبائح كل من لم يذكر اسم الله عليه حرام سواء كان كافرا أو من دان بالتجسم و الصورة أو قال بالجبر و التشبيه أو خالف الحق فعندنا لا يجوز أكل ذبيحته.و قد قدمنا أن التسمية على الذبيحة واجبة فإن تركها ناسيا لم يكن به بأس.

فصل

ثم قال تعالى وَ الْمُنْخَنِقَةُ قال السدي هي التي تدخل رأسها بين شعبتين

ص: 270


1- سورة الأنعام:145.

من شجرة فتختنق و تموت و قال الضحاك هي التي تختنق و تموت و قال قتادة هي التي تموت في خناقها و قال كان أهل الجاهلية يخنقونها ثم يأكلونها.و الأولى حمل الآية على عمومها في جميع ذلك سواء كان بشيء من قبلها أو من قبل غيرها لأنه تعالى وصفها بالمنخنقة و لو كان الأمر على ما ذكره قتادة فقط لقال و المخنوقة.و قوله تعالى وَ الْمَوْقُوذَةُ يعني التي تضرب حتى تموت. وَ الْمُتَرَدِّيَةُ التي تقع من جبل أو تقع في بئر فتموت فإن وقعت في شيء من ذلك و يعلم أنها لم تمت بعد و لم يقدر على موضع ذكاته جاز أن تطعن و تضرب بالسكين في غير المذبح حتى تبرد ثم تؤكل. وَ النَّطِيحَةُ و هي التي تنطح أو ينطح.فإن قيل كيف تكون بمعنى المنطوحة و قد ثبت فيها الهاء و فعيل إذا كان بمعنى مفعول لا يثبت فيه الهاء مثل عين كحيل و كف خضيب.قلنا اختلف في ذلك فقال البصريون أثبت في النطيحة الهاء لأنها جعلت كالاسم مثل الطويلة فوجه التأويل النطيحة أي معنى الناطحة و يكون المعنى حرمت عليكم الناطحة التي تموت من نطاحها و قال بعض الكوفيين إنما يحذف هاء الفعيل بمعنى المفعول إذا كان مع الموصوف فأما إذا كان منفردا فلا بد من إثبات الهاء فيقال رأيت قتيله.و القول بأن النطيحة بمعنى المنطوحة هو قول أكثر المفسرين لأنهم أجمعوا على تحريم الناطحة و المنطوحة إذا ماتتا.و قوله وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ أي و حرم عليكم ما أكل السبع بمعنى ما قتله السبع قاله ابن عباس و هو فريسة السبع إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ إلا ما أدركتم ذكاته فذكيتموها من هذه الأشياء التي وصفها و موضع ما نصب بالاستثناء.

ص: 271

و اختلف في الاستثناء إلى ما ذا يرجع فقال قوم يرجع إلى جميع ما تقدم ذكره من قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إلا ما لا يقبل الذكاة من لحم الخنزير و الدم و هو الأقوى و هو المروي عن علي ع و ابن عباس قال و هو أن تدركه يتحرك رجله أو ذنبه أو تطرف عينه و هو المروي عنهما ع.و قال آخرون هو استثناء من التحريم لأنه من المحرمات لأن الميتة لا ذكاة لها و لا الخنزير قالوا و المعنى حرمت عليكم الميتة و الدم و سائر ما ذكر إلا ما ذكيتم مما أحله الله تعالى له بالتذكية فإنه حلال لكم.و سئل مالك عن الشاة يخرق جوفها السبع حتى يخرج أمعاؤها فقال لا أرى أن تذكى و لا تؤكل أي شيء يذكى منها.و قال كثير من الفقهاء إنه يراعى إن يلحق و فيه حياة مستقره فيذكى فيجوز أن يؤكل فأما ما يعلم أنه لا حياة فيه مستقرة فلا يجوز بحال.

فصل

فإن قيل فما وجه تكرير

ص: 272

و قال السدي إن ناسا من العرب كان يأكلون جميع ذلك و لا يعدونه ميتا إنما يعدون الميتة التي تموت من الوجع.فإن قيل قد جاء في البقرة وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ و في المائدة و في الأنعام و في النحل وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فما وجه ذلك.قلنا الأصل ما جاء في سورة البقرة لأن الباء التي يتعدى بها الفعل بمنزلة جزء منه تقول ذهبت بزيد و أذهبته و ما يتعدى إليه الفعل باللام لا يتنزل منه اللام منزلة الجزء منه فالباء أحق بالتقديم لأن معنى أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ذبح لغير الله أي سمي عليه بعض الآلهة إن لم يكن الذابح ممن يعرف الله فيسميه.فالأصل ما هو في البقرة ثم لما كان الإهلال بالمذبوح لا يستنكر إلا إذا كان ما عدا الأصل فتقديم المستنكر أولى أ لا ترى أنهم يقدمون المفعول إذا كانوا ببيانه أعنى (1) فيقولون ضرب عمرا زيد فلهذا بدئ في البقرة ثم قدم في المواضع الثلاثة الاسم و هو ذكر المستنكر في غير الله.و التذكية هي فري الأوداج و الحلقوم إذا كانت فيه حياة و لا يكون بحكم الميت و الذكاة في اللغة تمام الشيء فالمعنى على هذا في قوله تعالى إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ أي ما أدركتم ذبحه على التمام.

فصل

ثم قال تعالى وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ فالنصب الحجارة التي كانوا يعبدونها و هي الأوثان واحدها نصاب و يجوز أن يكون واحدا و الجمع أنصاب (2).

ص: 273


1- أعنى:أشدّ عناية«ج».
2- قال ابن منظور:النصب و النصب-بفتح النون و سكون الصاد في الأول و ضم النون و الصاد في الثاني-كل ما عبد من دون اللّه تعالى و الجمع أنصاب،و قال الزجاج.

و الفرق بين هذا و بين ما أهل به لغير الله أن المراد ما يصدق به تقربا إلى الأنصاب و المراد بالأول ما ذبحه الكافر أو من سمى غير الله عند ذبحه على ما ذكرناه لأي شيء ذبحه من بيع أو إضافة أو تصدق.و قال ابن جريح النصب ليست أصناما و إنما كانت حجارة تنصب إذا ذبحوا لآلهتهم جعلوا اللحم على الحجارة و نضجوا الدم على ما أقبل من البيت فقال المسلمون عظمت الجاهلية البيت بالدم فنحن أحق أن نعظمه فأنزل الله تعالى لَنْ يَنالَ اللّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها (1) الآية (2).و قوله وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ أي و حرم عليكم الاستقسام بالأزلام و هي سهام كانت الجاهلية يطلبون قسم الأرزاق بها و يتفألون بها في أسفارهم و ابتداءات أمورهم و به قال ابن عباس.و قال مجاهد هي سهام العرب و كعاب فارس و الروم (3).و الأنصاب الأصنام و إنما قيل لها ذلك لأنها كانت تنصب للعبادة لها قال تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ (4) .و الميسر القمار و عن أبي جعفر ع يدخل فيه الشطرنج و النرد

ص: 274


1- سورة الحجّ:37.
2- النصب-بضمتين-جمع واحدها نصاب،قال و جائز أن يكون واحدا و جمعه أنصاب- لسان العرب(نصب).
3- قال الازهرى:الازلام كانت لقريش في الجاهلية مكتوب عليها أمر و نهى و افعل و لا تفعل،قد زلمت و سويت و وضعت في الكعبة يقوم بها سدنة البيت،فإذا أراد رجل سفرا او نكاحا أتى السادن فقال اخرج لي زلما،فيخرجه و ينظر إليه،فإذا خرج قدح الامر مضى على ما عزم عليه و ان خرج قدح النهى قعد عما أراده،و ربما كان مع الرجل زلمان وضعهما في قرابه فإذا أراد الاستقسام أخرج احدهما-لسان العرب(زلم).
4- سورة المائدة:90.

حتى اللعب بالجوز (1).

وَ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُ قَالَ : الشِّطْرَنْجُ مَيْسِرُ الْعَجَمِ. و الأزلام القداح و هي سهام كانوا يجلبونها للقمار.قال الأصمعي كان الجزور يقسمونه على ثمانية و عشرين جزءا و ذكرت أسماؤها مفصلة و هي عشرة منها ذوات الحظوظ سبعة.ثم قال رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فوصفها بذلك يدل على تحريمها.

فصل

أما قوله تعالى كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ (2) فقد كان سبب نزول هذه الآية أن اليهود أنكروا تحليل النبي ص لحوم الإبل فبين الله أنها كانت محللة لإبراهيم و ولده إلى أن حرمها إسرائيل على نفسه و هو يعقوب نذر إن برأ من النسا أن يحرم أحب الطعام و الشراب إليه و هي لحوم الإبل و ألبانها فلما برأ وفى بنذره فحاجهم النبي ص بالتوراة فلم يجسروا أن يحضروها لعلمهم بصدق محمد ص (3).فإن قيل كيف يجوز للإنسان أن يحرم شيئا و هو لا يعلم ما له فيه من المصلحة مما له فيه المفسدة.قلنا يجوز ذلك إذا أذن الله له في ذلك و أعلمه و كان الله أذن لإسرائيل في هذا النذر و لذلك نذر فأما غير الأنبياء و الأوصياء فلا يجوز لهم مثل ذلك

ص: 275


1- مجمع البيان 239/2.
2- سورة آل عمران:93.
3- انظر أسباب النزول للواحدى ص 75.

باب الأشربة المباحة و المحظورة

قال الله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ (1) قال أكثر المفسرين الخمر عصير العنب الني إذا اشتد و قال جمهور أهل المدينة كل ما أسكر كثيره فهو خمر و هو الظاهر في رواياتنا.و اشتقاقه في اللغة من قولهم خمرت الشيء أي سترته لأنها تغطي على العقل.و كل ما أسكر على اختلاف أنواعه حرام قليله و كثيره لاشتراكهما في المعنى إذ يجري عليهما أجمع جميع أحكام الخمر.و قوله تعالى قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ فالمنافع التي في الخمر ما كانوا يأخذونه في أثمانها و ربح تجارتها و ما فيها من اللذة بتناولها أي فلا يغتروا بالمنافع التي فيها فضررها أكثر من نفعها.قال الحسن و هذه الآية تدل على تحريم الخمر لأنه مع ذكر أن فيها إثما و قد حرم الله الإثم في قوله قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ (2) على أنه تعالى قد وصفها بأن فيها إثما كبيرا و الإثم الكبير محرم بلا خلاف.و قال قوم المعنى أن الإثم بشرب هذه و القمار بهذا أكبر و أعظم لأنهم كانوا إذا سكروا وثب بعضهم على بعض و قاتل بعضهم بعضا.قال قتادة و إنما يدل على تحريمها الآية التي في المائدة من قوله إِنَّمَا

الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (1) أخبر الله تعالى أن هذه الأشياء رجس من عمل الشيطان ثم أمرنا باجتنابها بأن قال فَاجْتَنِبُوهُ أي كونوا على جانب منها أي في ناحية.ففي الآية دلالة على تحريم الخمر و على تحريم هذه الأشياء من أربعة أوجه أحدها أنه وصفها بأنها رجس و الرجس و النجس بلا خلاف محرم.الثاني نسبها إلى عمل الشيطان و ذلك لا يكون إلا محرما.الثالث أنه تعالى أمرنا باجتنابه و الأمر يقتضي الإيجاب شرعا.الرابع أنه جعل الفوز و الفلاح في اجتنابه.و الهاء في قوله فَاجْتَنِبُوهُ راجعة إلى عمل الشيطان.

ص: 276


1- سورة البقرة:219.
2- سورة الأعراف:33.

الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (1) أخبر الله تعالى أن هذه الأشياء رجس من عمل الشيطان ثم أمرنا باجتنابها بأن قال فَاجْتَنِبُوهُ أي كونوا على جانب منها أي في ناحية.ففي الآية دلالة على تحريم الخمر و على تحريم هذه الأشياء من أربعة أوجه أحدها أنه وصفها بأنها رجس و الرجس و النجس بلا خلاف محرم.الثاني نسبها إلى عمل الشيطان و ذلك لا يكون إلا محرما.الثالث أنه تعالى أمرنا باجتنابه و الأمر يقتضي الإيجاب شرعا.الرابع أنه جعل الفوز و الفلاح في اجتنابه.و الهاء في قوله فَاجْتَنِبُوهُ راجعة إلى عمل الشيطان.

فصل

ثم قال تعالى إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (2) قيل هل هاهنا مع ما بعدها بمنزلة الأمر أي انتهوا.و سبب نزول هذه الآية أن سعد بن أبي وقاص لاقى رجلا من الأنصار و قد كانا شربا الخمر فضربه بلحي جمل (3).و قيل إنه لما نزلت قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى (4) قال رجل اللهم بين لنا في هذه الخمر بيانا شافيا فنزلت هذه الآية.

ص: 277


1- سورة المائدة:90.
2- سورة المائدة:91.
3- تفسير البرهان 500/1 بتفصيل.
4- سورة النساء:43.

معناه الشيطان إنما يريد إيقاع العداوة و البغضاء بينهم بالإغراء المزين لهم ذلك حتى إذا سكروا زال عقولهم و أقدموا من المكاره و القبائح ما كانت تمنعهم منه عقولهم.و قال قتادة كان الرجل يقامر في ماله و أهله فيقمر و يبقى سليبا حزينا فيكسبه ذلك العداوة و البغضاء.و قوله وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ أي يمنعكم من الذكر لله بالتعظيم و الشكر على آلائه لما في ذلك من الدعاء إلى الصلاح و استقامة الحال في الدين و الدنيا.و قوله تعالى فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ صيغته الاستفهام و معناه النهي و إنما جاز ذلك لأنه إذا ظهر قبح الفعل للمخاطب صار في منزلة من نهي عنه فإذا قيل له أ تفعله بعد ما قد ظهر من أمره صار في محل من عقد عليه بإقراره.فإن قيل ما الفرق بين انتهوا عن شرب الخمر و بين لا تشربوا الخمر.قلنا الفرق بينهما أنه إذا قال انتهوا دل ذلك على أنه مريد لأمر ينافي شرب الخمر و صيغة النهي تدل على كراهة الشرب لأنه قد ينصرف عن الشرب إلى أحد أشياء مباحة و ليس كذلك المأمور به لأنه لا ينصرف عنه إلا إلى محظور و المنهي عنه قد ينصرف عنه إلى غير مفروض.ثم قال وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (1) لما أمر سبحانه باجتناب الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام أمر بطاعته في ذلك و في غيره من أوامره ثم أمر بالحذر و هو امتناع القادر من الشيء لما فيه من الضرر و الخوف و هو توقع الضرر الذي لا يؤمن كونه. فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ الوعيد فَاعْلَمُوا أنكم قد استحققتم العذاب لتوليكم عما أدى رسولنا من البلاغ المبين.

ص: 278


1- سورة المائدة:92.

و الخمر محرمة على لسان كل نبي و في كل كتاب نزل و أن تحريمها لم يكن متجددا فإذا انقلبت الخمر خلا بنفسها أو بفعل آدمي إذا طرح فيها ما ينقلب إلى الخل حلت.ثم قال لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا (1)

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّهُ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ الصَّحَابَةُ كَيْفَ بِمَنْ مَاتَ مِنْ إِخْوَانِنَا وَ هُوَ يَشْرَبُهَا مِنْ قَبْلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ وَ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ إِذَا لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِتَحْرِيمِهَا وَ قَدْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ عَامِلِينَ لِلصَّالِحَاتِ ثُمَّ يَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ وَ جَمِيعَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. و الصحيح أن معناه ليس على المؤمنين إثم و لا حرج في أكل طيبات الدنيا إذا أكلوها من الحلال و دل على هذا المعنى بقوله إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا و تكرار الاتقاء إنما حسن لأن الأول المراد به اتقاء المعاصي الثاني الاستمرار على الاتقاء الثالث اتقاء مظالم العباد.

فصل

أما قوله تعالى وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ إلى قوله وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً (2) قال قوم ممن لا يؤبه بهم استدلوا بهذه الآية على تحليل النبيذ بأن قالوا امتن الله علينا و عدد من جملة نعمه علينا أن خلق الله لنا الثمار التي نتخذ منها السكر و الرزق الحسن و هو سبحانه و تعالى لا يمتن بما هو محرم.و هذا لا دلالة لهم فيه لأمور

ص: 279


1- سورة المائدة:93.
2- سورة النحل:66-67.

أحدها أن المفسرين على خلاف هذا و لم يقل أحد منهم هو ما حرم من العثرات و إنما ذكروا في معناه تتخذون منه ما حل طعمه من شراب أو غيره.الثاني أنه لو أراد بذلك تحليل السكر لما كان لقوله وَ رِزْقاً حَسَناً معنى لأن ما أحله و أباحه فهو أيضا رزق حسن.فإن قيل فلم فرق بين الرزق الحسن و بينه و الكل شيء واحد.قلنا الوجه فيه أنه تعالى خلق هذه الثمار لتنتفعوا بها فاتخذتم أنتم منها ما هو حرام عليكم و تركتم ما هو رزق حسن.و أما وجه المنة فبالأمرين معا ثابتة لأن ما أباحه و أحله فالمنة به ظاهرة ليعجل الانتفاع به و ما حرمه فوجه النعمة فيه أنه إذا حرم علينا و أوجب الامتناع ضمن في مقابلته الثواب الذي هو أعظم النعمة فهو نعمة على كل حال.و يؤكد ذلك قوله وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (1) و قوله فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها (2) و نحوه قولنا إن خلق نار جهنم نعمة من الله على العباد.الثالث أن السكر إذا كان مشتركا بين السكر و الطعم وجب أن يتوقف فيه و لا يحمل على أحدهما إلا بدليل و ما ذكرناه مجمع على أنه مراد و ما ذكر ليس عليه دليل.و السكر في اللغة على أربعة أقسام (3) أحدها ما أسكر و الثاني ما طعم من

ص: 280


1- سورة البلد:10.
2- سورة الشمس:8.
3- قال الصغانى في العباب السكر:نبيذ التمر،و في التنزيل«تتخذون منه سكرا،«هذا قيل لهم قبل أن يحرم عليهم الخمر،و السكر خمر الاعاجم،و يقال لما يسكر السكر،و منه حديث النبيّ عليه السلام«حرمت الخمرة بعينها و السكر من كل شراب»هكذا رواه احمد ابن محمّد بن حنبل[المسند]و الاثبات.و قال ابن عبّاس:السكر حرم من ثمره قبل أن يحرم و هو الخمر،و الرزق الحسن ما أحل من ثمره من الاعناب و التمور.و قال أبو عبيدة.

الطعام كما قال الشاعر جعلت عين الأكرمين سكرا (1).

أي طعما الثالث المصدر من قولك سكر سكرا و أصله انسداد المجاري بما يلقى فيها و منه السكر و هو القسم الرابع (2).على أنه كان يقتضي أن يكون كل ما أسكر منه يكون حلالا و ذلك خلاف الإجماع لأنهم يقولون القدر الذي لا يسكر هو المباح و كان يلزم على ذلك أن يكون الخمر مباحا و ذلك لا يقوله أحد من المسلمين و يلزم أن يكون النقيع حلالا و ذلك خلاف الإجماع

باب بيان تحريم الخمر :

حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ قَالَ : سَأَلَ الْمَهْدِيُّ الْخَلِيفَةُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ ع عَنِ الْخَمْرِ أَ هِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يَعْرِفُونَ النَّهْيَ عَنْهَا وَ لاَ يَعْرِفُونَ التَّحْرِيمَ لَهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ هِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ هِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَبَا الْحَسَنِ فَقَالَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ (3)

ص: 281


1- رواية التبيان«عيب الاكرمين».و في اللسان«جعلت اعراض الكرام سكرا».
2- من قوله«و السكر في اللغة»إلى هنا منقول من التبيان 401/6 مشوها،و فيه: الثالث السكون،قال الشاعر«و جعلت عين الحرور تسكر»،و الرابع المصدر.
3- و أشدّ السكر الطعام جعلت اعراض الكرام سكرا،أي جعلت دمهم طعما لك. و قال الزجاج:هذا بالخمر أشبه منه بالطعام،و المعنى يتخمر بأعراض الكرام،و هو أبين ممّا يقال للذى يتبرك في أعراض الناس.و قال بعض المفسرين:السكر الخل في التنزيل و هذا شيء لا يعرفه أهل اللغة«منه».

فَأَمَّا قَوْلُهُ ما ظَهَرَ مِنْها فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ الزِّنَاءَ الْمُعْلِنَ وَ نَصْبَ الرَّايَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَرْفَعُهَا الْفَوَاجِرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ ما بَطَنَ فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ مَا نَكَحَ مِنَ الْآبَاءِ فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ ص إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ زَوْجَةٌ وَ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا تَزَوَّجَهَا ابْنُهُ مِنْ بَعْدِهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ أُمَّهُ فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ الْإِثْمَ فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْخَمْرَةَ بِعَيْنِهَا وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما (1) فَإِنَّمَا عَنَى بِالْإِثْمِ حَرَاماً عَظِيماً وَ قَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى أَخْبَثَ الْأَسْمَاءِ رِجْساً ثُمَّ قَالَ ع إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَحَسَّ الْقَوْمُ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَ عَلِمُوا أَنَّ الْإِثْمَ مِمَّا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةٌ أُخْرَى وَ هِيَ قَوْلُهُ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (2) وَ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَشَدَّ مِنَ الْأُولَى وَ أَغْلَظَ فِي التَّحْرِيمِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِآيَةٍ أُخْرَى وَ كَانَتْ أَغْلَظَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَ الثَّانِيَةِ وَ أَشَدَّ وَ هِيَ قَوْلُهُ إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (3) فَأَمَرَ بِاجْتِنَابِهَا وَ فَسَّرَ عِلَلَهَا الَّتِي لَهَا وَ مِنْ أَجْلِهَا حَرَّمَهَا ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى تَحْرِيمَهَا وَ كَشَفَهُ فِي الْآيَةِ الرَّابِعَةِ مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيِ

ص: 282


1- سورة البقرة:216.و إلى هنا ينتهى الحديث عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام كما في الكافي 406/6 مع اختلاف في ألفاظ يسيرة.
2- سورة المائدة:91.
3- سورة المائدة:92.

الْمُتَقَدِّمَةِ بِقَوْلِهِ قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ قَالَ فِي الْآيَةِ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ فَخَبَّرَ أَنَّ الْإِثْمَ فِي الْخَمْرِ وَ غَيْرِهَا وَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَفْرِضَ فَرِيضَةً أَنْزَلَهَا شَيْئاً بَعْدَ شَيْءٍ حَتَّى يُوَطِّنَ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهَا وَ يَسْكُنُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَ نَهْيِهِ فِيهَا وَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَ وَجْهِ التَّدْبِيرِ وَ الصَّوَابِ لَهُمْ لِيَكُونُوا أَقْرَبَ إِلَى الْأَخْذِ بِهَا وَ أَقَلَّ لِنِفَارِهِمْ مِنْهَا فَقَالَ الْمَهْدِيُّ هَذِهِ وَ اللَّهِ فَتْوَى هَاشِمِيَّةٌ (1).

فصل

وَ رُوِيَ أَنَّهُ شَرِبَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ الْخَمْرَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَحُدَّهُ فَقَالَ لَهُ قُدَامَةُ إِنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيَّ الْحَدُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا (2) فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع فَأَتَى الْمَسْجِدَ وَ فِيهِ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَرَكْتَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى قُدَامَةَ فِي شُرْبِهِ الْخَمْرَ فَقَالَ تَلاَ عَلَيَّ آيَةً وَ تَلاَهَا عُمَرُ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع لَيْسَ قُدَامَةُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَ لاَ مِنْ سِلْكِ سَبِيلِهِ فِي ارْتِكَابِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْتَحِلُّونَ حَرَاماً فَارْدُدْ قُدَامَةَ وَ اسْتَتِبْهُ مِمَّا قَالَ فَإِنْ تَابَ فَأَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَ إِنْ لَمْ يَتُبْ فَاقْتُلْهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْمِلَّةِ فَعَرَفَ قُدَامَةُ الْخَبَرَ فَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ (3). و الآية إنما أنزلت في القوم الذين حرموا على أنفسهم اللحوم و سلكوا طريق الترهب كعثمان بن مظعون و غيره فبين الله لهم أنه لا جناح في تناول المباح مع اجتناب المحرمات أي ليس عليهم إثم و خروج فيما طعموا من الحلال

ص: 283


1- الكافي 406/4 في رواية مرسلة غير الرواية السابقة مع اختلاف في ألفاظ.
2- سورة المائدة:93.
3- انظر تفسير البرهان 500/1.

و هذه اللفظة صالحة للأكل و الشرب.و قوله ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا أي اتقوا شربها بعد التحريم ثُمَّ اتَّقَوْا أي دانوا على الاتقاء فالاتقاء الأول من الشرب و الاتقاء الثاني هو الدوام عليه و الاتقاء الثالث اتقاء جميع المعاصي و ضم الإحسان إليه.و قال الله تعالى وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ مِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَ أَطَعْنا (1)

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع الْمِيثَاقُ هُوَ مَا بَيَّنَ لَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ تَحْرِيمِ كُلِّ مَسَاءٍ وَ كَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَ نَصْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع إِمَاماً لِلْخَلْقِ كَافَّةً (2). و تحريم الفقاع لا يعلل بالسكر و إنما تحريمه مثل لحم الخنزير و الدم.

فصل

و قد أباح الله تعالى الماء الذي هو أذل موجود و أعز مفقود

و قد قال تعالى وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (3) و قال هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ (4) أخبر تعالى أنه الذي ينزل من السماء ماء يعني غيثا و مطرا لمنافع خلقه فينبت بذلك الماء هذه الأشياء التي عددها.و قال تعالى وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً إلى أن قال يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ (5) من أصفر و أبيض و أحمر مع

ص: 284


1- سورة المائدة:7.
2- تفسير البرهان 454/1 بمضمونه.
3- سورة الأنبياء:30.
4- سورة النحل:10.
5- سورة النحل:68.

أنها تأكل الحامض و المر فيجعله الله تعالى عسلا حلوا لذيذا فيه شفاء للناس.و أكثر المفسرين على أن الهاء راجعة إلى العسل و هو الشراب الذي ذكر أن فيه شفاء من كثير من الأمراض و إنما قال مِنْ بُطُونِها و هو خارج من فيها لأن العسل يخلقه الله في بطن النحل ثم يخرجه إلى فيه ثم يخرجه من فيه و لو قال من فيها لظن أنها تلقيه من فيها و ليس بخارج من البطن.و قال الرضي في كتاب مجاز القرآن أن العسل عند المحققين من العلماء غير خارج من بطون النحل و إنما تنقله بأفواهها من مساقطه و مواقعه من أوراق الأشجار و أصناف النبات (1) لأنه يسقط كسقوط الندى في أماكن مخصوصة و على أوصاف معلومة و النحل ملهمة بتتبع تلك المساقط و تعهد تلك المواقع (2) فتنقل العسل بأفواهها إلى المواضع المعدة لها قال تعالى يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها و المراد من جهة بطونها و جهة بطونها أفواهها و هذا من غوامض البيان و شرائف الكلام (3).

وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع اشْرَبُوا مَاءَ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ الْبَدَنَ وَ يَدْفَعُ الْأَسْقَامَ قَالَ تَعَالَى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ (4) .

وَ جَاءَ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ وَجَعَ الْبَطْنِ فَقَالَ ع أَ لَكَ زَوْجَةٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ اسْتَوْهِبْ مِنْهَا دِرْهَماً مِنْ صَدَاقِهَا بِطِيبَةِ نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا وَ اشْتَرِ بِهِ عَسَلاً وَ اسْكُبْ عَلَيْهِ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ ثُمَّ اشْرَبْهُ فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرَأَ فَسُئِلَ ع عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً

فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (1) وَ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ (2) وَ قَالَ وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً (3) فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْبَرَكَةُ وَ الشِّفَاءُ وَ الْهَنِيءُ وَ الْمَرِيءُ رَجَوْتُ فِيهِ لَكَ الشِّفَاءَ (4).

ص: 285


1- في المصدر«و أضغاث النبات».
2- الزيادة من المصدر.
3- تلخيص البيان ص 193.
4- سورة الأنفال:11.و الحديث في الكافي 387/6.

فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (1) وَ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ (2) وَ قَالَ وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً (3) فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْبَرَكَةُ وَ الشِّفَاءُ وَ الْهَنِيءُ وَ الْمَرِيءُ رَجَوْتُ فِيهِ لَكَ الشِّفَاءَ (4).

باب الزيادات

[في إنفحة الميتة ]

قال الشافعي إنفحة (5) الميتة نجسة لا يحل الانتفاع بها و عندنا و عند أبي حنيفة هي طاهرة و بذلك نصوص عن أئمة الهدى ع (6) يؤيد ذلك قوله تعالى كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً (7) و هذا عام إلا ما أخرجه الدليل و لا دليل على تحريم الإنفحة من الميتة و لا نجاستها من كتاب و سنة و لا إجماع.و يؤكد ذلك

مَا ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ : كُنْتُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ ع إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ وَ قَالَ لِي مَنْ أَنْتَ فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ تَعْرِفُ مُحَمَّداً الْبَاقِرَ قُلْتُ نَعَمْ فَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ قَالَ هَيَّأْتُ أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً أَسْأَلُهُ عَنْهَا فَمَا كَانَ مِنْ حَقٍّ أَخَذْتُهُ وَ مَا كَانَ مِنْ بَاطِلٍ تَرَكْتُهُ قَالَ أَبُو حَمْزَةَ فَقُلْتُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُ مَا بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ الْفَرْقَ مَا بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ

ص: 286


1- سورة النساء:4.
2- سورة النحل:69.
3- سورة ق:9.
4- وسائل الشيعة 75/17 مع اختلاف في بعض الألفاظ.
5- الانفحة-بكسر الهمزة و فتح الفاء مخففة-كرش الحمل أو الجدى ما لم يأكل،فإذا أكل فهو كرش،و كذلك المنفحة بكسر الميم.و الانفحة لا تكون الا لذى كرش،و هو شيء يستخرج من بطن ذيه،اصفر يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن-لسان العرب(نفح).
6- انظر وسائل الشيعة 1088/2-1090.
7- سورة البقرة:168.

قَالَ أَنْتُمْ قَوْمٌ لاَ تُطَاقُونَ فَمَا انْقَطَعَ كَلاَمُهُ حَتَّى أَقْبَلَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ حَوْلَهُ أَهْلُ خُرَاسَانَ وَ غَيْرُهُمْ يَسْأَلُونَهُ عَنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ فَقَالَ لِلرَّجُلِ مَنْ أَنْتَ فَقَالَ أَنَا قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ الْبَصْرِيُّ قَالَ أَنْتَ فَقِيهُ الْبَصْرَةِ قَالَ نَعَمْ أَخْبِرْنِي عَنِ الْجُبُنِّ فَتَبَسَّمَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ قَالَ رَجَعَتْ مَسَائِلُكَ إِلَى هَذَا فَقَالَ ضَلَّتْ عَنِّي فَقَالَ ع لاَ بَأْسَ بِهِ فَقَالَ رُبَّمَا جُعِلَتْ فِيهِ إِنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ قَالَ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ إِنَّ الْإِنْفَحَةَ لَيْسَ لَهَا عُرُوقٌ وَ لَيْسَ فِيهَا دَمٌ وَ لَيْسَ لَهَا عَظْمٌ إِنَّمَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ وَ إِنَّمَا الْإِنْفَحَةُ بِمَنْزِلَةِ دَجَاجَةٍ مَيْتَةٍ أُخْرِجَتْ مِنْهَا بَيْضَةٌ فَهَلْ تُؤْكَلُ تِلْكَ الْبَيْضَةُ قَالَ لاَ وَ لاَ آمُرُ بِأَكْلِهَا فَقَالَ ع وَ لِمَ فَقَالَ لِأَنَّهَا مِنَ الْمَيْتَةِ قَالَ لَهُ فَإِنْ حُضِنَتْ تِلْكَ الْبَيْضَةُ فَخَرَجَتْ مِنْهَا دَجَاجَةٌ أَ تَأْكُلُهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا حَرَّمَ عَلَيْكَ الْبَيْضَةَ وَ أَحَلَّ لَكَ الدَّجَاجَةَ كَذَلِكَ الْإِنْفَحَةُ مِثْلُ الْبَيْضَةِ فَاشْتَرِ الْجُبُنَّ مِنْ أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْمُصَلِّينَ وَ لاَ تَسْأَلْ عَنْهُ (1).

مسألة

قوله تعالى كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ (2) أي كل المطعومات أو كل أنواع الطعام و الحل مصدر حل الشيء كما يقال عز الرجل عزا و ذلت الدابة ذلا و لذا استوى في الوصف به المذكر و المؤنث و الواحد و الجمع قال تعالى لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ (3) .و المعنى كل الطعام لم يزل حلالا لهم من قبل إنزال التوراة و تحريم ما حرم

ص: 287


1- الكافي 256/6،و قد اختصر الحديث هنا و اضفنا إليه ما لا بدّ منه من المصدر و هي الجمل الموضوعة ما بين المعقوفتين.
2- سورة آل عمران:93.
3- سورة الممتحنة:10.

عليهم منها لظلمهم و بغيهم لم يحرم منها شيء قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل على نفسه فتبعوه على تحريمه.و هو رد على اليهود و تكذيب لهم حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نزل فيهم من قوله فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ (1) الآية و في قوله وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ (2) فقالوا لسنا بأول من حرمت عليه و ما هو إلا تحريم قديم و كانت محرمة على نوح و على إبراهيم و من بعده و هلم جرا إلى أن انتهى التحريم إلينا و غرضهم تكذيب شهادة الله تعالى عليهم بالبغي و الظلم و أكل الربا فقال تعالى قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ

ص: 288


1- سورة النساء:160.
2- سورة الأنعام:146.

كتاب الوقوف و الصدقات

الحث على الوقف و الصدقة

قال الله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ (1) .لما نزلت هذه الآية عمد كثير من الصحابة إلى نفائس أموالهم فتصدقوا بها زيادة على الزكوات الواجبة

كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي حَائِطاً وَ قَدْ جَعَلْتُهُ صَدَقَةً فَقَالَ اجْعَلْهُ صَدَقَةً عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِكَ فَجَعَلَهُ بَيْنَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (2). و قد ورد في القرآن آي كثيرة تحث على الوقوف و الصدقات بظواهرها قال الله تعالى وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ (3) و هو أمر بالطاعات و القربات.فإن قيل ما أنكرتم من فساد الاستدلال بذلك من جهة أن الخير لا نهاية له و محال أن يوجب الله تعالى علينا ما لا يصح أن نفعله و إذا لم يصح إيجاب الجميع فليس البعض بذلك أولى من البعض و بطل الاستدلال بالآية.

ص: 289


1- سورة آل عمران:92.
2- الدّر المنثور 194/2.
3- سورة الحجّ:77.

قلنا لا شبهة في أن إيجاب ما لا يتناهى لا يصح غير أنا نفرض المسألة فنقول قد ثبت أن من وقف و تصدق على بعض فقراء المؤمنين يكون فاعلا للخير و فعل المرة صحيح غير محال فيجب تناول الآية له و هكذا يفرض في كل مسألة و موضع استدلالنا بعموم هذه الآية و أمثالها على استحباب شيء من العبادات أو وجوب شيء من القربات هو أن نعين على ما يصح تناول الإيجاب و الاستحباب له ثم ندخله في عموم الآية

باب كيفية الوقف و أحكامه

قال الله تعالى وَ أَقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً (1) نزلت حين وقف بعض الأنصار نخيلا و سمى تعالى ذلك قرضا تلطفا في القول لأن الله تعالى من حيث إنه يجازيهم على ذلك بالثواب فكأنه استقرض منهم لرد عوضه.و إنما قال حسنا أي على وجه لا يكون فيه وجه من وجوه القبح.و ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ (2) أي ما تعطوا الفقراء و المساكين تجدوا ثوابه و جزاءه.ثم اعلم أن وجوه العطايا ثلاثة اثنان منها في الحياة و واحد بعد الوفاة فالذي بعد الوفاة هو الوصية و لها كتاب مفرد نذكره فيما بعد إن شاء الله و أما اللذان في حال الحياة فهما الهبة و الوقف و للهبة باب مفرد يجيء بعد هذا.و أما الوقف فهو تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة و جمعه وقوف و أوقاف وقفت يقال و لا يقال أوقفت إلا شاذا نادرا و يقال حبست و أحبست.

ص: 290


1- سورة الحديد:18.
2- سورة البقرة:110.

فإذا وقف شيئا من أملاكه زال ملكه عنه إذا قبض الموقوف عليه أو من يتولى عنه و إن لم يقبض لم يخص الوقف و لم يلزم فهذان شرطان في صحة الوقف فمتى لم يقبض الوقف و لم يخرجه من يده أو وقف ما لا يملكه كان الوقف باطلا فإذا قبض الوقف فلا يجوز الرجوع له فيه بعد ذلك و لا التصرف فيه ببيع و لا هبة و لا غيرها و لا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه.

فصل

وَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ : لاَ أَحْبِسُ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ (1). فلا يدل على حظر الوقف أو كراهيته و إنما المعنى في ذلك أحد أمرين أحدهما أراد حبس الزانية التي ذكرها الله

في قوله فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (2) فإن الله نسخ هذا الحكم

عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ع بِقَوْلِهِ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَ تَغْرِيبُ عَامٍ وَ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَ الرَّجْمُ. و الثاني أراد الحبس الذي كان يفعله الجاهلية في نفي السائبة و البحيرة و الوصيلة و لا حام قال الله تعالى ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ (3) فالسائبة هي الناقة تلد عشرة بطون كلها إناث فتسيب تلك الناقة فلا تركب و لا تحلب إلا لضيف و البحيرة هي ولدها الذي تجيء به في البطن الحادي عشر فإن كان أنثى بحروا أذنها أي شقوها فهي البحيرة.و أما الوصيلة فهي الشاة تلد خمس بطون في كل بطن اثنان فإذا ولدت البطن السادس ذكرا و أنثى قيل وصلت أخاها فما يلد بعد ذلك يكون حلالا

ص: 291


1- الدّر المنثور 129/2.
2- سورة النساء:15.
3- سورة المائدة:103.

للذكور و حراما على الإناث و أما الحام فهو الفحل ينتج من صلبه عشرة أبطن فكان لا يركب.و كذا يحمل على الوجهين ما روي عن شريح أنه قال جاء محمد بإطلاق الحبس.

فصل

يجوز وقف الأراضي و العقار و الرقيق و الماشية و السلاح و كل عين يبقى بقاء متصلا و يمكن الانتفاع بها فأما إذا كانت في الذمة أو كانت مطلقة و هو أن يقول وقفت فرسا أو عبدا فإن ذلك لا يجوز لأنه لا يمكن الانتفاع به ما لم يتعين و لا يمكن تسليمه و لا القبض.و يجوز وقف المشاع كما يصح بتعدد ألفاظ الوقف مثل تصدقت و وقفت و حبست و سبلت و حرمت و أبدت فإذا قال تصدقت بداري أو بكذا لم ينصرف إلى الوقف لأن التصدق يحتمل الوقف و يحتمل صدقة التمليك المتطوع بها و يحتمل الصدقة المفروضة فإذا قرنه بقرينة تدل على الوقف انصرف إلى الوقف و زال الاحتمال.و القرينة أن تقول تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة أو قال صدقة لا تباع و لا توهب و لا تورث لأن هذه كلها لا تصرف إلا إلى الوقف.و إذا قال حبست أو سبلت رجع إلى الوقف و صار صريحا فيه لأن الشرع ورد بهما

قَالَ النَّبِيُّ ص لِعُمَرَ حَبِّسِ الْأَصْلَ وَ سَبِّلِ الثَّمَرَةَ. و عرف الشرع آكد من عرف العادة.و الأقوى عندنا أن صريح الوقف عندنا قول واحد و هو وقفت لا غير و به

ص: 292

يحكم بالوقف فأما غيره من الألفاظ فلا يحكم به إلا بدليل.و لا يجوز أن يقف شيئا على حمل هذه الجارية و لم ينفصل الحمل بعد و لا ينتقض بالوقف على أولاد الأولاد ما تناسلوا لأن الاعتبار بما ولد فإذا صح في حقه صح في حق الباقين على وجه التبع لهم.و إذا وقف دارا و قبض فإنه يزول ملك الواقف كما يزول بالبيع و ينتقل إلى الموقوف عليه و هو الصحيح و قال قوم ينتقل إلى الله تعالى و إنما قلنا ذلك لأنه يثبت عليه اليد و ليس فيه أكثر من أنه لا يملك بيعه على كل حال و إنما يملك بيعه على وجه عندنا و هو إذا خيف على الوقف الخراب أو كان بأربابه حاجة شديدة أو لا يقدرون على القيام به أو يخاف وقوع خلاف بينهم يؤدي إلى فساد يجوز لهم بيعه و مع عدم ذلك كله لا يجوز.و الوقف على المساجد و ما فيه صلاح المؤمنين إنما يصح إن كانت هذه الأشياء لا تملك لأن الوقف عليها لمصالح المسلمين فالوقف عليها وقف على المسلمين و المسلمون يملكون.فإن وقف إنسان شيئا على قومه و لم يسمهم كان ذلك وقفا على جماعة أهل لغته من الذكور دون الإناث لقوله تعالى لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ فدل على أن لفظ القوم لا يقع على النساء.

فصل

العمرى نوع من الهبات يفتقر في صحتها إلى إيجاب و قبول و يقتضي لزومها إلى قبض كسائر الهبات.و هي مشتقة من العمر و صورتها أن يقول الرجل لآخر أعمرتك هذه الدار أو جعلتها لك عمرك أو هي لك ما حييت.

ص: 293

و هذا عقد جائز فإن قال هذه الدار لك عمرك و لعقبك من بعدك فإنه جائز و إنما هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها.و أما إذا أطلق ذلك و لم يذكر العقب فإن العمرى يصح و يكون للمعمر حياته فإذا مات رجع إلى المعمر أو إلى ورثته إن كان مات و هو الصحيح و لا فرق عندنا سواء علقه بموت المعمر أو المعمر.و الرقبى جائزة عندنا و صورتها صورة العمرى إلا أن اللفظ يختلف و من أصحابنا من قال الرقبى أن تقول جعلت خدمة هذا العبد لك مدة حياتك أو مدة حياتي و هي مأخوذة من رقبة العبد

باب الهبة و أحكامها

الهبة جائزة لكتاب الله و للسنة فالكتاب

قوله تعالى تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (1) و الهبة من البر و قوله تعالى لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ إلى قوله وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ (2) .و السنة أكثر من أن تحصى.و الهبة و الصدقة و الهدية بمعنى واحد غير أنه إذا قصد الثواب و التقرب بالهبة إلى الله سميت صدقة و إذا قصد بها التودد و المواصلة سميت هدية.و كان النبي ص يقبل الهدية و يأكلها و لا يقبل الصدقة و لا يأكلها.

ص: 294


1- سورة المائدة:2.
2- سورة البقرة:177.

فإذا ثبت هذا فإنه لا يلزم شيء منها إلا بالقبض.

فصل

الهبات على ثلاثة أصناف هبة لمن هو فوق الواهب و هبة لمن هو دونه و هبة لمن هو مثله و يقتضي كل واحد منها الثواب (1) عندنا على بعض الوجوه.و صدقة التطوع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الأحكام و من شرطها الإيجاب و القبول و لا يلزم إلا بالقبض أو ما يجري مجراه.[و كل من له الرجوع في الهبة له الرجوع في الصدقة] (2).و إذا كان لإنسان في ذمة رجل مال فوهبه له كان ذلك إبراء بلفظ الهبة و قال قوم من شرط صحته قبوله و هذا حسن لأن في إبرائه من الحق الذي عليه منه عليه و لا يجبر على قبول المنة و قال آخرون إنه يصح شاء من عليه الحق أو أبى لقوله فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ (3) فاعتبر مجرد الصدقة و لم يعتبر القبول و قال الله تعالى وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا (4) فأسقط الدية لمجرد التصدق و لم يعتبر القبول و هذا أيضا قوي ظاهر

ص: 295


1- المراد بالثواب هاهنا العوض،اما انه يقتضى الثواب فلما روى أبو هريرة عن النبيّ عليه السلام انه قال«الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها»،و اما اقتصار الثواب على بعض الوجوه فهو أن الواجب اما أن يطلق أو يشرط الثواب،فان أطلق اقتضى أن يشبه قدر ما يكون ثوابا لمثله في العبادة،و ان شرط الثواب فان كان الثواب مجهولا صح إجماعا،و ان كان معلوما ففيه خلاف-و هذا خلاصة كلام الشيخ في المبسوط.
2- الزيادة من ج.
3- سورة البقرة:280.
4- سورة النساء:92.

باب الزيادات

قوله تعالى وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ (1) .فالبر العطف و الإحسان و هو مصدر و قد يكون بمعنى البار أي الواسع الإحسان و أصله من الاتساع.بين سبحانه أن البر كله ليس في الصلاة و إنما هي مصلحة من المصالح الدينية و التقدير و لكن البر بر من آمن بالله أي لكن ذا البر من آمن بالله أي صدق بالله و يدخل فيه جميع ما لا يتم معرفة الله إلا به. وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ بمعنى القيامة و إن الملائكة عباد الله و الكتب المنزلة و أنبياءه كلهم. وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ أي حب المال و الإيتاء حب الله و هذا أبلغ.و ذَوِي الْقُرْبى قرابة المعطي و قيل قرابة الرسول ع

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْمَالِ حُقُوقٌ سِوَى الزَّكَاةِ وَ يَدْخُلُ فِيهَا مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ الْإِنْسَانُ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ مِنَ الْوُقُوفِ وَ الصَّدَقَاتِ وَ الْهِبَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الْبِرِّ قَالَ وَ لاَ يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ. و إنما خص هؤلاء لأن الغالب أنه لا يوجد الاضطرار إلا في هؤلاء و لئلا يظن أنه مستحق الزكاة الواجبة لا يجوز أن يعطى ما يتصدق به تطوعا و الآية تعمها.

ص: 296


1- سورة البقرة:177.

و شرائط الوقوف شيئان أن يخرج الوقف من يده و يقبضه الموقوف عليه أو من يتولى عنه و يكون ملكا للواقف.و الوقف و الصدقة شيء واحد و لا يصحان إلا بالقربة إلى الله تعالى.و الوقف لا بد أن يكون مؤبدا

ص: 297

كتاب الوصايا

الوصية ما هي

الوصية مشتقة من وصاء النبت إذا اتصل بعضه ببعض و كل وصية أمر و ليس كل أمر وصية فعلى هذا معنى الوصية وصل الأمر بمثله أو بغيره مما يؤكد قال أبو علي النحوي كأن الموصي وصل جل أمره بالموصى إليه فقال وصى فلان و أوصى إذا وصل تصرف ما قبل الموت بما يكون بعد الموت و التوصية أبلغ من الإيصاء لأنها لمرار كثيرة.

و الأصل في ذلك الكتاب و السنة أما الكتاب فقد قال الله تعالى يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ فذكر هاهنا الوصية في أربعة مواضع أحدها قوله فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ الثاني في فرض الزوج قال الله تعالى فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ الثالث في فرض الزوجة قال فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ الرابع قوله فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ (1) فثبت بذلك أن الوصية لها حكم في الشرع.

ص: 298


1- سورة النساء:11-12.

فإذا ثبت هذا فالناس في الوصية على ثلاثة أضرب منهم من لا تصح له الوصية بحال و هو الكافر الذي لا رحم له مع الميت و عند المخالف الوارث.و الثاني من تصح له الوصية بلا خلاف مثل الأجانب فإنه يستحب لهم الوصية و عندنا الوارث تصح له الوصية أيضا.و الثالث من هو مختلف فيه و هو على ضربين منهم الأقرباء الذين لا يرثونه بوجه مثل ذوي الأرحام عند من لم يورث ذوي الأرحام مثل بنت الأخ و بنت العم و الخالة و العمة و الضرب الآخر يورثون لكن ربما يكون معهم من يحجبهم مثل الأخت مع الأب و الولد فإنه يستحب أن يوصي لهم و ليس بواجب.و عندنا أن الوصية لهؤلاء كلهم مستحبة

باب الحث على الوصية

قال الله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (1) معنى كتب فرض إلا أنه هاهنا معناه الحث و الترغيب دون الفرض و الإيجاب.و في الآية دلالة على أن الوصية للوارث جائزة لأنه تعالى قال لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ و الوالدان وارثان بلا خلاف إذا كانا مسلمين حرين غير قاتلين عمدا و ظلما و من خص الآية بالكافرين فقد قال قولا بلا دليل و من ادعى نسخ الآية فلا نسلم له ذلك بلا دليل.و بمثل ما قلناه قال محمد بن جرير الطبري سواء فإن ادعوا الإجماع على

ص: 299


1- سورة البقرة:180.

نسخها كان ذلك دعوى باطلة و نحن نخالف في ذلك و قد خالف في نسخها طاوس فإنه خصها بالكافرين لمكان الخبر و لم يحملها على النسخ و قد قال أبو مسلم محمد بن بحر إن هذه الآية مجملة و آية المواريث مفصلة و ليست نسخا فمع هذا الخلاف كيف يدعى الإجماع على نسخها.و من ادعى نسخها

بِقَوْلِهِ ع لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ (1). فقد أبعد لأن هذا أولا خبر واحد لا يجوز نسخ القرآن به إجماعا و لو سلمنا الخبر لجاز أن نحمله على أنه لا وصية لوارث فيما زاد على الثلث لأنا لو خلينا و ظاهر الآية لأجزنا الوصية بجميع ما يملك للوالدين و الأقربين (2).و أما من قال إن الآية منسوخة بأنه للوارث فقوله أيضا بعيد من الصواب لأن الشيء إنما ينسخ غيره إذا لم يمكن الجمع بينهما فأما إذا لم يكن بينهما تناف و لا تضاد بل يمكن الجمع بينهما فلا يجب حمل الآية على النسخ و لا تنافي بين ذكر ما فرض الله للوالدين و غيرهما من الميراث و بين الأمر للوصية لهم على جهة الخصوص فلم يجب حمل الآية على النسخ.و قول من قال حصول الإجماع على أن الوصية ليست فرضا يدل على أنها منسوخة باطل أيضا لأن إجماعهم على أنها لا تفيد الفرض لا يمنع من كونها مندوبا إليها و مرغبا فيها و لأجل ذلك كانت الوصية للأقربين الذين ليسوا بوارثين ثابتة بالآية و لم يقل أحد إنها منسوخة في حيزهم.و من قال إن النسخ في الآية ما يتعلق بالوالدين و هو قول الحسن فقد قال قولا ينافي ما قاله مدعو نسخ الآية على كل حال و مع ذلك فليس الأمر على ما قال لأنه لا دليل على دعواه.

ص: 300


1- مسند أحمد بن حنبل 186/4.
2- ذكر المرتضى الحديث المروى عن النبيّ«ص»بشأن الوصية للوارث و تكلم في طرقه و الرد عليه-راجع الانتصار ص 309-310.

و قال طاوس إذا أوصى لغير ذي قرابته لم تجز وصيته و قال الحسن ليست الوصية إلا للأقربين و هذا الذي قالاه عندنا و إن كان غير صحيح فهو مبطل قول من يدعي نسخ الآية و إنما قلنا إنه ليس بصحيح لأن الوصية لغير الوالدين و الأقربين عندنا جائزة و لا خلاف بين الفقهاء في جوازها.و الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث إجماعا و الأفضل أن تكون بأقل من الثلث

لِقَوْلِهِ ع وَ الثُّلُثُ كَثِيرٌ (1). و أحق من وصي له من كان أقرب للميت إذا كانوا فقراء و إن كانوا أغنياء فقال الحسن هم أحق بها و قال ابن مسعود الأحق بها الأحوج فالأحوج من القرابة.

فصل

و قوله تعالى إِنْ تَرَكَ خَيْراً يعني مالا و اختلفوا في مقدار مال الذي يستحق الوصية عنده فقال الزهري كل ما وقع عليه اسم مال من قليل أو كثير و قال إبراهيم النخعي ألف درهم إلى خمسمائة.

وَ رُوِيَ أَنَّ عَلِيّاً ع دَخَلَ عَلَى مَوْلًى لَهُ فِي مَرَضِهِ وَ لَهُ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتُّمِائَةٍ فَقَالَ أَ لاَ أُوصِي فَقَالَ ع لاَ إِنَّمَا قَالَ سُبْحَانَهُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً وَ لَيْسَ لَكَ كَثِيرُ مَالٍ. و بهذا يؤخذ لأن قوله ع عندنا حجة.و الوصية مرفوعة بكتب و يجوز أن تكون مبتدأ و خبره للوالدين و الجملة في موضع رفع على الحكاية بمنزلة قيل لكم الوصية للوالدين.و في إعراب إذا و العامل فيه قولان أحدهما كتب على معنى إذا حضر أحدكم الموت أي عند المرض و الوجه الآخر قال الزجاج لأنه رغب

ص: 301


1- وسائل الشيعة 363/13 من حديث عن أبي الحسن موسى عليه السلام.

في حال صحته أن يوصي فتقديره كتب عليكم الوصية للوالدين و الأقربين بالمعروف في حال الصحة قائلين إذا حضرنا الموت فلفلان كذا.و المعروف هو الذي لا يجوز أن ينكر و لا حيف فيه و لا جور.و الحضور وجود الشيء بحيث يمكن أن يدرك و ليس معناه في الآية إذا حضره الموت أي إذا عاين الموت لأنه في تلك الحال في شغل عن الوصية لكن المعنى كتب عليكم أن توصوا و أنتم قادرون على الوصية فيقول الإنسان إذا حضرني الموت يعني إذا أنا مت فلفلان كذا.و الحق هو الذي لا يجوز إنكاره و قيل ما علم صحته سواء كان قولا أو فعلا أو اعتقادا و هو مصدر حق يحق حقا و انتصب في الآية على المصدر و تقديره أحق حقا و قد استعمل على وجه الصفة بمعنى ذي الحق كما وصف بالعدل.و قوله بِالْمَعْرُوفِ معناه بالشيء الذي يعرف ذو و التمييز أنه لا حيف فيه و لا جور على قدر التركة و حال الموصى له و قيل معنى المعروف بالحق الذي لا يجوز أن ينكر و قيل أي لا يوصي بماله للغني و يدع الفقير.

"وَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخَلِّ فَالْأَخَلِّ. أي للأحوج فالأحوج على ما قدمناه.و معنى حضره الموت حضرته أماراته و مقدماته.

فصل

ثم

ص: 302

إنما يكون لوصية الموصي فأما أمر الله بالوصية فلا يقدر هو و لا غيره أن يبدله.قال الرماني و هذا باطل لأن ذكر الله للوصية إنما هو لوصية الموصي فكأنه قيل كتب عليكم وصية مفروضة عليكم فالهاء تعود إلى الوصية المفروضة التي يفعلها الموصي.و قوله فَمَنْ بَدَّلَهُ فالتبديل هو تغيير الشيء عن الحق فيه و البدل هو وضع شيء مكان آخر.و من أوصى وصية في ضرار فبدلها الوصي لم يأثم بذلك

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ أَوْصَى فِي ضِرَارٍ لَمْ تُجَزْ وَصِيَّتُهُ لِقَوْلِهِ غَيْرَ مُضَارٍّ . و الوصي إذا بدل الوصية لم ينقص من أجر الموصي شيء كما لو لم يبدلها لأنه لا يجازى أحد على عمل غيره لكن يجوز أن يلحقه منافع الدعاء و الإحسان الواصل إلى الموصى له على غير وجه الأجر له.و في الآية دلالة على بطلان قول من يقول إن الوصي أو الوارث إذا لم يقض دين الميت فإنه يؤخذ به في قبره أو في الآخرة إذ لا إثم عليه في تبديل غيره فأما إن قضى عنه من غير أن أوصى به فإن الله تعالى يتفضل بإسقاط العقاب عنه إن شاء الله.ثم قال تعالى فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (1) لما حذر في الآية الأولى الوصي من تبديل أمر الوصية و أوعده أن يجاوز ما أمر به أعقب ذلك بما للوصي أن يفعله فيما جعل إليه من الوصية لأن الأولى كالعموم و هذا تخصيص له فكأنه قال ليس للوصي أن يبدل أمر الوصية بعد سماعه إلا أن يخاف من الموصي أنه أمر بغير المعروف مخالفا لأمر الله فحينئذ للوصي أن يبدل و يصلح لأنه رد إلى أمر الله.

ص: 303


1- سورة البقرة:182.

و قال المرتضى لا تصح الوصية في حال الصحة و المرض جميعا بأكثر من الثلث و كذلك كل تمليك يستحق لموت المملك و إذا أوصى الإنسان بأكثر من الثلث يرد إلى الثلث على ما نذكره.

فصل

فإن قيل كيف

قال تعالى فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ لما قد وقع و الخوف إنما يكون لما لم يقع.قلنا فيه قولان أحدهما أنه خاف أن يكون قد زل في وصيته فالخوف للمستقبل و ذلك الخوف هو أن يظهر ما يدل على أنه قد زل لأنه من جهة غالب الظن.و الثاني لما اشتمل على الواقع و لم يقع جاز فيه خلاف ذلك فيأمره بما فيه الصلاح و ما وقع رده إلى العدل بعد موته.و الجنف الجور و هو الميل عن الحق قال الحسن هو أن يوصي في غير القرابة قال فمن أوصى لغير قرابته رد إلى أن يجعل للقرابة الثلثان و لمن أوصى له الثلث و هذا باطل عندنا لأن الوصية لا يجوز صرفها عمن أوصى له و إنما قال الحسن ذلك لقوله إن الوصية للقرابة واجبة و عندنا أن الأمر بخلافه على ما بيناه.و إذا خان الموصي في وصيته فللوصي أن يردها إلى العدل و هو المروي عن أبي عبد الله ع (1).و قال قوم أي فمن خاف من موص في حال مرضه الذي يريد أن يوصي فيه و يعطي بعضا و يضر ببعض فلا إثم أن يشير عليه بالحق و يرده إلى الصواب و يشرع

ص: 304


1- تفسير البرهان 179/1.

بالإصلاح بين الموصي و الورثة و الموصى له حتى يكون الكل راضين و لا يحصل حيف و لا ظلم و يكون ذا صلح بينهم يريد فيما يخاف من حدوث الخلاف فيه فيما بعده و يكون قوله فَمَنْ خافَ على ظاهره فيكون الخوف مترقبا غير واقع و هذا قريب أيضا غير أن الأول أصوب.و إنما قيل للمتوسط بالإصلاح ليس عليه إثم و لم يقل فله الأجر على الإصلاح لأن المتوسط إنما يجري أمره في الغالب على أن ينقص صاحب الحق بعض حقه بسؤاله إياه فاحتاج أن يبين الله تعالى لنا أنه لا إثم عليه في ذلك إذا قصد الإصلاح.و الضمير في قوله بَيْنَهُمْ عائد إلى الموصى له و من ينازعه لأن الكلام عليه و قيل يعود إلى الوالدين و الأقربين و قوله فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ قد ذكرنا أن الضمير عائد إلى المصلح المذكور في من و قيل الضمير عائد إلى الوصي.و الحيف في الوصية على جهة الخطإ لأنه لا يدري أنه لا يجوز و الإثم أن يتعمد ذلك روي ذلك عن الباقر ع و قيل الحيف بأن يوصي أكثر من الثلث أو يوصي بمال في المعصية أو إنفاق في غير مرضاة الله فإن ذلك كله يرد و لا ينفذ.فأما أن يوصي الرجل لابن بنته و له أولاد أو يوصي لزوج بنته و له أولاد فلا يجوز رده على وجه عندنا و كذا إن وصى للبعيد دون القريب لا ترد وصيته

باب الوصية للوارث و غيره من القرابات و أحكام الأوصياء

الوصية للوارث جائزة بدلالة

ص: 305

قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ (1) و هذا نص في موضع الخلاف على ما قدمناه و قولهم إن هذه الآية منسوخة من غير دليل على نسخها لا يغني شيئا.

و أيضا قوله تعالى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (2) و هذا عام في الأقارب و الأجانب فمن خص به الأجانب دون الأقارب فقد عدل عن الظاهر بغير دليل.فإن قالوا إن الآية منسوخة بآية المواريث الجواب أن النسخ إنما يكون إذا تنافى العمل بموجبهما و لا تنافي بين آية الوصية و آية المواريث و العمل بمقتضاهما سائغ فكيف يجوز أن يدعى النسخ في ذلك مع فقد التنافي و لا يجوز أن ينسخ بما يقتضي الظن كتاب الله الذي يوجب العمل و إذا كنا لا نخصص كتاب الله بأخبار الآحاد فالأولى أن لا ننسخه بها.و قال تعالى وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (3) عن ابن عباس أن الخطاب بقوله فَارْزُقُوهُمْ متوجه إلى من حضرته الوفاة و أراد الوصية فإنه ينبغي لهم أن يوصوا لمن لا يرث من الأقرباء بشيء من أموالهم إن كانوا أغنياء و يعتذرون إليه إن كانوا فقراء و رزق الإنسان غيره يكون على معنى التمليك.ثم قال تعالى وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (4) قيل في معنى الآية أربعة أقوال أحدها النهي عن الوصية بما يجحف بالورثة و يضر بهم

ص: 306


1- سورة البقرة:180.
2- سورة النساء:11.
3- سورة النساء:8.
4- سورة النساء:9.

الثاني قال الحسن كان الرجل يكون عند الميت يقول له أوص بأكثر من الثلث من مالك فنهاه الله عن ذلك.الثالث قال ابن عباس إنه خطاب لولي اليتيم يأمره بأداء الأمانة فيه و القيام بحفظه كما لو خاف على مخلفيه إذا كانوا ضعافا و أحب أن يفعل بهم مثل ذلك.الرابع قال ميثم هي في حرمان ذوي القربى أن يوصي لهم بأن يقول الحاضر للوصية لا توص لأقاربك و وفر على ورثتك.و معنى الآية أنه ينبغي للمؤمن الذي لو ترك ذرية ضعافا بعد موته خاف عليهم الفقر و الضياع أن يخش على ورثة غيره من الفقر و الضياع و لا يقول لمن يحضر وصيته أن يوصي بما يضر بورثته و ليتق الإضرار بورثة المؤمن.

فصل

ثم خوف الله تعالى الأوصياء و أوعدهم

بقوله إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً (1) و إنما علق سبحانه الوعيد في الآية بمن يأكل أموال اليتامى ظلما لأنه قد يأكله على وجه الاستحقاق بأن يأخذ الوصي منه و غيره أجرة المثل على ما قلناه أو يأكل منه بالمعروف على ما فسرناه أو يأخذه قرضا على نفسه.فإن قيل إذا أخذه قرضا على نفسه أو أجرة المثل على ما قلناه فلا يكون أكل مال اليتيم و إنما أكل مال نفسه.قلنا ليس الأمر على ذلك لأنه يكون أكل مال اليتيم لكنه على وجه التزم عوضه في ذمته أو استحقه بالعمل في ماله فلم يخرج بذلك من استحقاق الاسم بأنه مال اليتيم و لو سلم ذلك لجاز أن يكون المراد بذلك ضربا من

ص: 307


1- سورة النساء:10.

التأكيد و بيانا لأنه لا يكون أكل مال اليتيم لا ظلما و ظلما نصب على المصدر و أكل مال اليتيم (1) و غصبه يتساويان في توجه الوعيد إليه.و قال تعالى وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ (2) نهى سبحانه جميع المكلفين أن يتصرفوا في أموال اليتامى بل يحفظوا على اليتيم ماله و يثمروه على ما لا يشك أنه أصلح له فأما بغير ذلك فلا يجوز لأحد التصرف فيه و إنما خص اليتيم بذلك و إن كان التصرف في مال الغير بغير إذنه لا يجوز أيضا لأن اليتيم إلى ذلك أحوج و الطمع في ذلك أكثر. حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ أي حتى يبلغ الحلم و قيل حتى يبلغ كمال العقل و يؤنس منه الرشد.و قال تعالى وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ (3) هذا خطاب لأوصياء اليتامى أمرهم الله بأن يعطوا اليتامى أموالهم إذا بلغوا الحلم و أونس منهم الرشد و سماهم يتامى بعد البلوغ مجازا

لِأَنَّهُ ع قَالَ : لاَ يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ. و قيل كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم و يجعلون مكانه الرديء قال لهم لا تتبدلوا الخبيث بالطيب أي لا تستبدلوا ما حرمه الله عليكم من أموالهم بما أحله لكم من أموالكم وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ أي لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم فتأكلوهما جميعا فأما خلط مال اليتيم بمال نفسه إذا لم يظلمه فلا بأس به.قال الحسن لما نزلت هذه الآية كرهوا مخالطة اليتامى فشق ذلك عليهم فأنزل الله وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ

وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَعْنَتَكُمْ (1) و هو المروي عنهما ع.و قال في سورة الأنعام وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ (2) المراد بالقرب التصرف فيه على ما قدمناه و إنما خص اليتيم لأنه لما كان لا يدفع عن نفسه و لا له والد يدفع عنه و كان الطمع في ماله أقوى تأكد النهي في التصرف في ماله إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي يحفظه عليه إلى أن يكبر أو بتثميره بالتجارة

ص: 308


1- الزيادة من ج.
2- سورة الأنعام:152.
3- سورة النساء:2.

وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَعْنَتَكُمْ (1) و هو المروي عنهما ع.و قال في سورة الأنعام وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ (2) المراد بالقرب التصرف فيه على ما قدمناه و إنما خص اليتيم لأنه لما كان لا يدفع عن نفسه و لا له والد يدفع عنه و كان الطمع في ماله أقوى تأكد النهي في التصرف في ماله إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي يحفظه عليه إلى أن يكبر أو بتثميره بالتجارة

باب ما على وصي اليتيم

قال الله تعالى وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ (3) قال ابن جبير يعني بأموالكم أموالهم كما قال وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ (4) قال و هم اليتامى لا تؤتوهم أموالهم و ارزقوهم فيها و اكسوهم.و الأولى حمل الآية على الأمرين لأن العموم يقتضي ذلك فلا يجوز أن يعطى السفيه الذي يفسد المال و لا اليتيم الذي لم يبلغ و لا الذي بلغ و لم يؤنس منه الرشد و لا أن يوصى إلى سفيه و لا يخص بعض دون بعض فالموصي إذا كان عاقلا حرا ثابت العقل لا يوصي إلى سفيه و لا إلى فاسق و لا إلى عبد لأنه لا يملك مع سيده شيئا بل يختار لوصيته عاقلا مسلما عدلا حكيما و إنما تكون إضافة مال اليتيم

ص: 309


1- سورة البقرة:220.
2- سورة الأنعام:152.
3- سورة النساء:5.
4- سورة النساء:29.

إلى من له القيام بأمرهم على ضرب من المجاز أو لأنه لا يعطى الأولياء ما يخصهم لمن هو سفيه.و يجري ذلك مجرى قول القائل لواحد يا فلان أكلتم أموالكم بينكم بالباطل فيخاطب الواحد بخطاب الجميع و يريد به أنك و أصحابك أكلتم و التقدير في الآية لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي بعضها لكم و بعضها لهم فتضيعوها.و معنى قوله وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً أي يا معشر ولاة السفهاء قولوا للسفهاء إن صلحتم و رشدتم سلمنا إليكم أموالكم و قال الزجاج علموهم مع إطعامكم إياهم و كسوتهم أمر دينهم.و في الآية دلالة على جواز الحجر على اليتيم إذا بلغ و لم يؤنس منه الرشد لأنه منع تعالى من دفع المال إلى السفهاء و فيها أيضا دلالة على وجوب الوصية إذا كان الورثة سفهاء لأن ترك الوصية بمنزلة إعطاء المال في حال الحياة إلى من هو سفيه.و إنما سمي الناقص العقل سفيها و إن لم يكن عاصيا لأن السفه هو خفة الحلم.

فصل

ثم

قال تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (1) هذا خطاب لأولياء اليتامى أمر الله أن يختبروا عقول اليتامى في أفهامهم و صلاحهم في أديانهم و إصلاح أموالهم.

و قوله حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ معناه حتى يبلغوا الحد الذي يقدر على مجامعة النساء و ينزل و ليس المراد الاحتلام لأن في الناس من لا يحتلم أو يتأخر احتلامه.

ص: 310


1- سورة النساء:6.

و في المفسرين من قال إذا كمل عقله و أونس منه الرشد سلم إليه ماله و هو الأقوى و منهم من قال لا يسلم إليه حتى يكمل له خمس عشرة سنة إذا كان عاقلا لأن هذا حكم شرعي و بكمال العقل يلزمه المعارف لا غير. فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً أي وجدتم منهم صلاحا و عقلا و دينا و إصلاح المال فادفعوا إليهم أموالهم و الأقوى أن يحمل على أن المراد به العقل و إصلاح المال هو المروي عن أبي جعفر ع (1) للإجماع على أن من يكون كذلك لا يجوز عليه الحجر في ماله و إن كان فاجرا في دينه فإذا كان ذلك إجماعا فكذلك إذا بلغ و له مال في يدي وصي أبيه أو في يد حاكم قد ولي ماله وجب عليه أن يسلم إليه ماله إذا كان عاقلا مصلحا لماله و إن كان فاسقا في دينه.و في الآية دلالة على جواز الحجر على العاقل إذا كان مفسدا في ماله من حيث إنه إذا كان عند البلوغ يجوز منعه المال إذا كان مفسدا له فكذلك في حال كمال العقل إذا صار بحيث يفسد المال جاز الحجر عليه و هو المشهور في أخبارنا.ثم قال وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا خطاب لأولياء اليتيم أيضا أي لا تأكلوها بغير ما أباحه الله لكم و لا مبادرة منهم ببلوغهم و إيناس الرشد منهم حذرا أن يبلغوا فيلزمهم ردها إليهم و موضع أَنْ يَكْبَرُوا نصب بالمبادرة و المعنى لا تأكلوها مبادرة كبرهم.و من كان من ولاة أموال اليتامى غنيا فليستعفف بماله عن أكلها و من كان فقيرا فليأكل بالقرض و هو المروي عن أبي جعفر ع أ لا ترى أنه قال فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ .و قال الحسن يأخذ ما سد الجوعة و وارى العورة و لا قضاء عليه و لم يوجب أجرة المثل قال لأن أجرة المثل ربما كان أكثر من قدر الحاجة و الظاهر في

ص: 311


1- تفسير البرهان 345/1.

أخبارنا أن له أجرة المثل سواء كان قدر كفايته أو لم يكن.و اختلفوا في هل للفقير من أولياء اليتيم أن يأكل من ماله هو و عياله فقال بعضهم ليس له ذلك لقوله فَلْيَأْكُلْ فخصه بالأكل و قال غيره له ذلك لأن قوله بِالْمَعْرُوفِ يقتضي أن يأكل هو و عياله على ما جرت به العادة في أمثاله.و قال إن كان المال واسعا كان له أن يأخذ قدر كفايته له لمن يلزمه نفقته من غير إسراف و إن كان قليلا كان له أجرة المثل لا غير و إنما لم يجعل له أجرة المثل إذا كان المال كثيرا لأنه ربما كان أجرة المثل أكثر من نفقته من غير إسراف و إن كان قليلا كان له أجرة المثل من نفقته بالمعروف على ما قلناه من أن له أجرة المثل سقط بهذا الاعتبار.ثم أمر الأولياء أن يحتاطوا لأنفسهم أيضا بالإشهاد عليهم إذا دفعوا إليهم أموالهم لئلا يقع منهم جحودهم و يكون أبعد من التهمة و سواء كان ذلك في أيديهم أو استقرضوه دينا على أنفسهم فإن الإشهاد يقتضيه الاحتياط و ليس بواجب وَ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بإيصال الحق إلى صاحبه.و ولي اليتيم المأمور بابتلائه هو الذي جعل إليه القيام به من وصي أو حاكم أو أمين ينصبه الحاكم و أصحابنا إنما أجازوا الاستقراض من مال اليتيم إذا كان مليا

باب الوصية المبهمة :

ص: 312

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قَالَ جُزْءٌ مِنْ عَشَرَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً (1) وَ كَانَتِ الْجِبَالُ عَشْرَةَ أَجْبُلٍ (2).

وَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ هَمَّامٍ الْكِنْدِيِّ عَنِ الرِّضَا ع فِي الرَّجُلِ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قَالَ الْجُزْءُ مِنْ سَبْعَةٍ قَالَ تَعَالَى لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (3) . و الوجه في الجمع بينهما أن يحمل الجزء على أنه يجب أن ينفذ في واحد من العشرة و يستحب للورثة أن ينفذوا في واحد من السبعة.

وَ عَنْ صَفْوَانَ وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ سَأَلْنَا الرِّضَا ع عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى لَكَ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ وَ لاَ نَدْرِي السَّهْمَ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ فَقَالَ لَيْسَ عِنْدَكُمْ فِيمَا بَلَغَكُمْ عَنْ جَعْفَرٍ وَ لاَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ فِيهَا شَيْءٌ قُلْنَا لَهُ مَا سَمِعْنَا أَصْحَابَنَا يَذْكُرُونَ شَيْئاً مِنْ هَذَا عَنْ آبَائِكَ فَقَالَ السَّهْمُ وَاحِدٌ (4) مِنْ ثَمَانِيَةٍ فَقُلْنَا فَكَيْفَ وَاحِدٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فَقَالَ أَ مَا تَقْرَءُونَ كِتَابَ اللَّهِ قُلْتُ إِنِّي لَأَقْرَؤُهُ وَ لَكِنْ لاَ أَدْرِي أَيُّ مَوْضِعٍ هُوَ فَقَالَ قَوْلُ اللَّهِ إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (5) ثُمَّ عَقَدَ بِيَدِهِ ثَمَانِيَةً (6). و إذا أوصى إنسان لغيره بكثير من ماله أو نذر أن يتصدق بمال كثير فالكثير ثمانون فما زاد لقول الله تعالى لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ (7) و كانت ثمانين موطنا.

ص: 313


1- سورة البقرة:260.
2- وسائل الشيعة 443/13 و فيه«عشرة اجبال».
3- وسائل الشيعة 447/13.و الآية في سورة الحجر:44.
4- الزيادة من المصدر.
5- سورة التوبة:60.
6- وسائل الشيعة 448/13.
7- سورة التوبة:25.

و الأحسن أن يقيد الكلام فيقول المال الكثير ثمانون درهما إلا إذا كان مضافا إلى جنس فإذا يكون منه خاصة.

وَ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ ذَلِكَ السُّدُسُ (1).

وَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ رَجُلاً أَوْصَى إِلَيَّ بِشَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ اصْرِفْ إِلَى الْحَجِّ فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ سُبُلِهِ أَعْظَمَ مِنَ الْحَجِّ (2).

وَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ سَأَلْتُ الْعَسْكَرِيَّ ع بِالْمَدِينَةِ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِمَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ سَبِيلُ اللَّهِ شِيعَتُنَا (3). ذكر أبو جعفر بن بابويه رحمة الله عليه الوجه في الجمع بين الخبرين أن المعنى في ذلك أن يعطي المال لرجل من الشيعة ليحج به فقد انصرف في الوجهين معا و سلم الخبران من التناقض (4) و هذا وجه حسن.على أنه إن أوصى إنسان بثلث ماله في سبيل الله و لم يسم أخرج في معونة المجاهدين لأهل الضلال فإن لم يحضر مجاهد في سبيل الله يصرف أكثره في فقراء آل محمد ع و مساكينهم و أبناء سبيلهم ثم يصرف ما بقي بعد ذلك في معونة الفقراء و المساكين و أبناء السبيل عامة و في جميع وجوه البر.و إن أوصى إنسان لأولاده شيئا و قال هو بينهم على كتاب الله كان لِلذَّكَرِ

مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ و إن أبهم و لم يبين كيفية القسمة بينهم أصلا كان بينهم بالسوية.و إذا أوصى المسلم للفقراء كان ذلك لفقراء المسلمين و إن أوصى الكافر كان ذلك لفقراء أهل ذمته

ص: 314


1- وسائل الشيعة 450/13 بمضمونه.
2- من لا يحضره الفقيه 206/4 مع اختصار هنا.
3- من لا يحضره الفقيه 206/4.
4- من لا يحضره الفقيه 207/4 و نقل الكلام هنا بالمعنى.

مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ و إن أبهم و لم يبين كيفية القسمة بينهم أصلا كان بينهم بالسوية.و إذا أوصى المسلم للفقراء كان ذلك لفقراء المسلمين و إن أوصى الكافر كان ذلك لفقراء أهل ذمته

فَقَدْ حَدَّثَ أَبُو طَالِبٍ [عَنْ] (1)عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ : كَتَبَ الْخَلِيلُ بْنُ هَاشِمٍ إِلَى ذِي الرِّئَاسَتَيْنِ وَ هُوَ وَالِي نَيْسَابُورَ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْمَجُوسِ مَاتَ وَ أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَأَخَذَهُ قَاضِي نَيْسَابُورَ فَجَعَلَهُ فِي فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ [فَكَتَبَ الْخَلِيلُ إِلَى ذِي الرِّئَاسَتَيْنِ بِذَلِكَ] (2) فَسَأَلَ الْمَأْمُونَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَيْسَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ فَسَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا ع فَقَالَ إِنَّ الْمَجُوسِيَّ لَمْ يُوصِ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِقْدَارُ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ فَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَاءِ الْمَجُوسِ (3) إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ .

باب الوصية التي يقال لها راحة الموت

قال الله تعالى وَ وَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ (4) أي وصى إبراهيم و يعقوب ع بنيهما بلزوم شريعة إبراهيم التي هي الإسلام و قالا إن الله رضيه لكم دينا فلا تفارقوه ما عشتم.

وَ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ جَمَعَ وُلْدَهُ وَ أَسْبَاطَهُ وَ قَالَ إِنَّ الْإِسْلاَمَ دِينُ اللَّهِ

ص: 315


1- كذا في ج و ليس في م و لا في المصدر.
2- الزيادة من المصدر.
3- وسائل الشيعة 414/13،و ليس فيه الاستشهاد بالآية ذيلا.
4- سورة البقرة:132.

الَّذِي تَعَبَّدَكُمْ بِهِ فَاَلْزَمُوهُ وَ لاَ تَعْدِلُوا عَنْهُ وَ لَوْ نُشِرْتُمْ بِالْمَنَاشِيرِ وَ قُرِضْتُمْ بِالْمَقَارِيضِ وَ أُحْرِقْتُمْ بِالنَّارِ. وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي جعل هذه الوصية بقيت في عقبه يذكرونها و كان في وصيته يا بني عليكم أن تظهروا كل حسنة وجدتم من غيركم و أن تستروا كل سيئة و فاحشة و إياكم أن تشيعوها.و قوله فَلا تَمُوتُنَّ و إن كان على لفظ النهي فما نهوا عن الموت و إنما نهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام لئلا يصادفهم الموت عليه و تقديره لا تتعرضوا للموت على ترك الإسلام بفعل الكفر و مثله في كلام العرب لا أرينك هاهنا فالنهي للمتكلم في اللفظ و إنما هو في الحقيقة للمخاطب فكأنه قال لا تتعرض لأن أراك بكونك هاهنا. وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ جملة في موضع الحال أي لا تموتن إلا مسلمين.و اقتصروا على تفعلة في مصدر وصى فقالوا وصى توصية و رفضوا تفعيلا لئلا تجتمع ثلاث ياءات و معنى وصى أمر و عهد و الفرق بينهما أن الأمر يحصل بلفظ الأمر [و لو مرة و الوصية وصل لفظة الأمر بمثله] (1) أو بغيره مما يؤكده على ما قدمنا.

وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مَنْ أَوْصَى وَ لَمْ يَحِفْ وَ لَمْ يُضَارَّ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ (2) وَ مَنْ لَمْ يُوصِ عِنْدَ مَوْتِهِ لِذِي قَرَابَتِهِ مِمَّنْ لاَ يَرِثُ فَقَدْ خَتَمَ عَمَلَهُ بِمَعْصِيَةٍ (3) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ

خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (1) .

ص: 316


1- الزيادة من ج.
2- من لا يحضره الفقيه 182/4.
3- في المصدر السابق ورد هذا اللفظ في حديث عن الصادق عليه السلام و ليس فيه «ممن لا يرث».

خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (1) .

وَ قَالَ النَّبِيُّ ص الْوَصِيَّةُ تَمَامُ مَا نَقَصَ عَنِ الزَّكَاةِ وَ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ وَصِيَّتَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَانَ نَقْصاً فِي مُرُوَّتِهِ وَ عَقْلِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الْوَصِيَّةُ قَالَ إِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَنَّ الْقَوْلَ كَمَا حَدَّثَ اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي وَ عُدَّتِي صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ آنِسْ فِي قَبْرِي وَحْشَتِي وَ اجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْداً يَوْمَ أَلْقَاكَ (2).

وَ قَالَ الصَّادِقُ ع وَ تَصْدِيقُ هَذَا فِي سُورَةِ مَرْيَمَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (3) وَ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ (4).

باب من تجوز شهادته في الوصية و شرائط الوصية

من شرط الوصية أن يشهد الموصى عليه تعيين عدلين لئلا يعترض فيه الورثة فإن لم يشهد و أمكن الوصي إنفاذ الوصية جاز له إنفاذها على ما أوصى به إليه

قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ (5)

قَالَ حَمْزَةُ بْنُ حُمْرَانَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ

ص: 317


1- سورة البقرة:180.
2- وسائل الشيعة 353/13 مع اختلاف في الفاظ.
3- سورة مريم:87.
4- وسائل الشيعة 354/3 في ذيل الحديث السابق.
5- سورة المائدة:106.

اللَّذَانِ مِنْكُمْ مُسْلِمَانِ وَ اللَّذَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ فَطَلَبَ رَجُلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ يُشْهِدُهُمَا عَلَى وَصِيَّتِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمَيْنِ فَلْيُشْهِدْ عَلَى وَصِيَّتِهِ رَجُلَيْنِ ذِمِّيَّيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَرْضِيَّيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِهِمَا (1).

وَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الصَّادِقِ ع قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ الْآيَةَ قَالَ اللَّذَانِ مِنْكُمْ مُسْلِمَانِ وَ اللَّذَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَمِنَ الْمَجُوسِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص شَبَّهَ الْمَجُوسَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْجِزْيَةِ قَالَ وَ إِذَا مَاتَ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ فَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمَيْنِ أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى وَ لا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّهِ إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ قال و ذلك إن ارتاب ولي الميت في شهادتهما. فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً أي شهدا بالباطل فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَ مَا اعْتَدَيْنا إِنّا إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ فإذا فعل ذلك نقض شهادة الأولين و جازت شهادة الآخرين لقول الله عز و جل ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ (2) .

فصل

و قد تقدم بيان هذه الآية في باب الشهادة و نزيدها إيضاحا هاهنا فنقول

إن قوله اِثْنانِ ارتفع على أنه خبر للمبتدإ الذي هو شَهادَةُ بَيْنِكُمْ أو

ص: 318


1- وسائل الشيعة 392/13.
2- المصدر السابق.

على أنه فاعل شَهادَةُ بَيْنِكُمْ على معنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان و إِذا حَضَرَ ظرف للشهادة و حِينَ الْوَصِيَّةِ بدل منه.و حضور الموت مشارفته و ظهور أمارات بلوغ الأجل و قيل مِنْكُمْ أي من أقاربكم و مِنْ غَيْرِكُمْ أي من أجانبكم فعلى هذا معناه إن وقع الموت في السفر و لم يكن معكم أحد من عشيرتكم فاستشهدوا أجنبيين على الوصية و جعل الأقارب أولى لأنهم أعلم بأحوال الميت و بما هو أصلح و هم له أنصح و الأصح ما قدمناه أن قوله مِنْكُمْ أي من المسلمين و مِنْ غَيْرِكُمْ أي من أهل الذمة.و قوله إِنِ ارْتَبْتُمْ اعتراض بين القسم و المقسم عليه أي إن اتهمتموهما فحلفوهما و الضمير في به للقسم و في كان للمقسم له يعني لا يستدل بصحة القسم بالله عرضا من الدنيا أي لا يحلف بالله كاذبين لأجل المال و لو كان من يقسم له قريبا منا.و قوله شَهادَةَ اللّهِ أي الشهادة التي أمر الله بتعظيمها و حفظها.و قوله تَحْبِسُونَهُما تقفونهما و تصيرونهما للحلف من بعد الصلاة و قيل اللام في الصلاة للجنس و القصد بالتحليف على أثرها أن تكون الصلاة لطفا في النطق بالصدق و ناهية عن الكذب فإن اطلع على أنهما فعلا ما أوجب إثما فاستوجبا أن يقال لهما إنهما من الآثمين.فشاهدان آخران من الذين جني عليهم و هم أهل الميت و اَلْأَوْلَيانِ اللاحقان بالشهادة لقرابتهما و معرفتهما و ارتفاعهما على هما الأوليان كأنه قيل و من هما فقيل الأوليان و قيل هما بدل من الضمير في يَقُومانِ أو من آخران و قرئ الأولين على أنه وصف للذين استحق عليهم.و معنى الأولية التقدم على الأجانب في الشهادة لكونهم أحق بها ذلك

ص: 319

الذي يقدم من بيان الحكم أدنى أن تأتوا بالشهادة على نحو تلك الحادثة أن تكرر أيمان شهود آخرين بعد أيمانهم فيفتضحوا بظهور كذبهم كما جرى في قصة بديل على ما تقدم.و يجوز شهادة النساء عند عدم الرجال فإن لم تحضر إلا امرأة جازت شهادتها في ربع الوصية فإن حضرت اثنتان جازت شهادتهما في النصف و الثلاث في النصف و الربع و الأربع في كل الوصية إذا كانت بالثلث فما دونه و العدالة معتبرة في المواضع كلها

باب نادر :

عَنْ سَلْمَى مَوْلاَةِ وَلَدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع (1) كُنْتُ عِنْدَهُ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَعْطُوا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ هُوَ الْأَفْطَسُ سَبْعِينَ دِينَاراً قُلْتُ أَ تُعْطِي رَجُلاً حَمَلَ عَلَيْكَ بِالشَّفْرَةِ قَالَ وَيْحَكَ أَ مَا تَقْرَءِينَ الْقُرْآنَ قُلْتُ بَلَى قَالَ أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى (2)اَلَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (3) .

وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ : سَأَلَهُ أَبِي وَ أَنَا حَاضِرٌ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى (4) قَالَ الاِحْتِلاَمُ قَالَ فَقَالَ يَحْتَلِمُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَ نَحْوِهَا فَقَالَ لَمَّا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً كُتِبَ لَهُ الْحَسَنَاتُ وَ كُتِبَتْ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ وَ جَازَ أَمْرُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً فَقَالَ وَ مَا السَّفِيهُ فَقَالَ الَّذِي يَشْتَرِي الدِّرْهَمَ بِأَضْعَافِهِ قَالَ وَ مَا

ص: 320


1- في المصدر«عن سالمة مولاة أم ولد كانت لابى عبد اللّه».
2- سورة الرعد:21.
3- تفسير البرهان 289/2.
4- سورة القصص:14.

الضَّعِيفُ فَقَالَ الْأَبْلَهُ (1).

وَ عَنِ الْعِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الْيَتِيمَةِ مَتَى يُدْفَعُ إِلَيْهَا مَالُهَا قَالَ إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهَا لاَ تُفْسِدُ وَ لاَ تُضَيِّعُ فَسَأَلْتُهُ إِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ فَقَالَ إِذَا تَزَوَّجَتْ فَقَدِ انْقَطَعَ مُلْكُ الْوَصِيِّ عَنْهَا (2).

وَ قَالَ : إِذَا بَلَغَ الْغُلاَمُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ كُتِبَتْ لَهُ الْحَسَنَةُ وَ كُتِبَتْ عَلَيْهِ السَّيِّئَةُ وَ عُوقِبَ فَإِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَكَذَلِكَ وَ ذَلِكَ أَنَّهَا تَحِيضُ لِتِسْعِ سِنِينَ (3) وَ لاَ يُدْخَلُ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا تِسْعُ سِنِينَ أَوْ عَشَرَةُ سِنِينَ.

و قوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ (4) يمكن أن يقال إن المعنى للآية أن للرجال و للنساء نصيبا مما اكتسبوا و هو الثلث من أموالهم الذي يصح لهم أن يوصوا به في صدقة أو صلة إن أشرفوا على الموت فإذا وصوا بثلث من أموالهم يجب أن يمضي و ينفذ ذلك فإنه نصيبهم

باب الإقرار

إقرار الحر البالغ الثابت العقل غير المولى عليه جائز على نفسه للكتاب و السنة أما الكتاب

فقوله تعالى أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ (5) أي فليقر وليه بالحق غير زائد و لا ناقص و هو العدل.

ص: 321


1- وسائل الشيعة 430/13.
2- المصدر السابق 432/13.
3- الكافي 69/7 و ليس فيه الذيل المذكور هنا.
4- سورة النساء:32.
5- سورة البقرة:282.

و أيضا قوله تعالى كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (1) و الشهادة على النفس هو الإقرار بما عليها.

و قوله فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ (2) و قوله فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا (3) و آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ (4) و الإقرار و الاعتراف واحد.

و أيضا قوله أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى (5)

و قوله أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ (6) .و لا يجوز أن يكون الجواب في مثل هذا إلا ببلى و لو قال نعم كان إنكارا و لم يكن إقرارا و يكون تقديره نعم لست ربنا و لم يأتنا نذير و لهذا يقول الفقهاء إذا قال رجل لآخر أ ليس لي عليك ألف درهم فقال بلى كان إقرارا و إن قال نعم لم يكن إقرارا و معناه ليس لك علي

باب الزيادات :

رَوَى السَّكُونِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يُوصِي بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَقَالَ السَّهْمُ وَاحِدٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ الْآيَةَ (7).

وَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ السَّهْمَ وَاحِدٌ مِنْ سِتَّةٍ (8).

ص: 322


1- سورة النساء:135.
2- سورة الملك:11.
3- سورة غافر:11.
4- سورة التوبة:12.
5- سورة الأعراف:172.
6- لفظ«بلى»جواب كلام مقرون بالنفى،و«نعم»جواب كلام مقرون بالاثبات«م».
7- الكافي 41/7.
8- وسائل الشيعة 449/13.

و الحديثان متفقان لا تناقض بينهما فتمضى الوصية على ما يظهر من مراد الموصي فمتى أوصى بسهم من سهام الزكاة كان السهم واحدا من ثمانية و متى أوصى بسهم من سهام المواريث فالسهم واحد من ستة.

وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَزْيَدٍ صَاحِبِ السَّابِرِيِّ قَالَ : أَوْصَى إِلَيَّ رَجُلٌ بِتَرِكَتِهِ وَ أَمَرَنِي أَنْ أَحُجَّ بِهَا عَنْهُ فَنَظَرْتُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا شَيْءٌ يَسِيرٌ لاَ يَكُونُ لِلْحَجِّ فَسَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ وَ فُقَهَاءَ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالُوا تَصَدَّقْ بِهَا عَنْهُ فَلَمَّا لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ فِي الطَّوَافِ سَأَلْتُهُ فَقَالَ هَذَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي الْحِجْرِ فَسَلْهُ فَدَخَلْتُ الْحِجْرَ فَإِذَا هُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ فَقُلْتُ أَوْصَى إِلَيَّ رَجُلٌ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ بِتَرِكَتِهِ فَلَمْ تَكْفِ فَسَأَلْتُ مَنْ عِنْدَنَا مِنَ الْفُقَهَاءِ فَقَالُوا تَصَدَّقْ بِهَا فَقَالَ ع مَا صَنَعْتَ قُلْتُ تَصَدَّقْتُ بِهَا عَنْهُ فَقَالَ ضَمِنْتَ إِلاَّ أَنْ لاَ يَكُونَ مَبْلَغَ مَا يُحَجُّ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ كَانَ لاَ يَبْلُغُ مَا يُحَجُّ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ ضَمَانٌ وَ إِنْ كَانَ بَلَغَ مَا يُحَجُّ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَأَنْتَ ضَامِنٌ (1).

وَ سُئِلَ ع أَيْضاً عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِحَجَّةٍ فَجَعَلَهَا وَصِيُّهُ فِي نَسَمَةٍ فَقَالَ يَغْرَمُهَا وَصِيُّهُ وَ يَجْعَلُهَا فِي حَجَّةٍ كَمَا أَوْصَى بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (2) .

ص: 323


1- من لا يحضره الفقيه 207/4 مع تغيير و اختصار هنا.
2- الكافي 22/7.

كتاب المواريث

تركة الميت لأقاربه

قال الله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (1) فجعل تعالى تركة الميت لأقاربه من الرجال و النساء على سهام بينها في موضع آخر من كتابه و سنة نبيه ع فينبغي أن يعرف السهام على حقائقها في مواضعها.و نسلك في عملها طريق المعرفة بها دون غيره ليحصل للإنسان فهمها و يستقر لها الحكم فيها على يقين إن شاء الله تعالى

باب كيفية ترتيب نزول المواريث

اعلم أن الجاهلية كانوا يتوارثون بالحلف و النصرة و أقروا على ذلك في

ص: 324


1- سورة النساء:7.

صدر الإسلام

في قوله تعالى وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ (1) ثم نسخ مع وجود ذوي الأنساب بسورة الأنفال في قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (2) .و كانوا يتوارثون بعد ذلك بالإسلام و الهجرة فروي أن النبي ص آخى بين المهاجرين و الأنصار لما قدم المدينة فكان يرث المهاجري من الأنصاري و الأنصاري من المهاجري و لا يرث وارثه الذي كان له بمكة و إن كان مسلما لقوله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا (3) .ثم نسخت هذه الآية بالقرابة و الرحم و النسب و الأسباب بقوله وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً (4) فبين تعالى أن أولي الأرحام أولى من المهاجرين إلا أن يكون وصية و لقوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ الآية.ثم قدر ذلك في سورة النساء في ثلاث آيات و هي أمهات أحكام المواريث ذكر الله فيها أصول الفرائض و هي سبع عشرة فريضة فذكر في قوله يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ثلاثا في الأولاد و ثلاثا في الأبوين و اثنتين في الزوج و اثنتين في المرأة و اثنتين في الأخوات من الأم و ذكر في آخر هذه السورة في قوله تعالى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ الآية أربعا في الإخوة و أخوات من الأب و الأم أو الأب

ص: 325


1- سورة النساء:33.
2- سورة الأنفال:75.
3- سورة الأنفال:72.
4- وسائل الشيعة 415/17.

مع عدمهم من الأب و الأم و ذكر واحدة و هي تمام السبع عشرة فريضة في قوله وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ

فصل في بيان ذلك

ذكر تعالى أولا فرض ثلاثة من الأولاد جعل للبنت النصف و لبنتين فصاعدا الثلثين و إن كانوا ذكورا و إناثا فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ

ثم بين ذكر الوالدين في قوله وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ذكر أن لكل واحد من الأبوين السدس مع الولد بالفرض فإن لم يكن ولد فللأم الثلث و الباقي للأب و إن كان إخوة من الأب و الأم أو من الأب فلأمه السدس و الباقي للأب هذه الآية الأولى.

ثم قال وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ فذكر في صدر الآية حكمهم و ذكر في آخرها حكم الكلالة من الأم ذكر في أولها حكم الزوج و الزوجة و أن للزوج النصف إذا لم يكن ثم ولد فإن كان ولد فله الربع و أن للزوجة الربع إذا لم يكن ولد فإن كان ولد فلها الثمن ثم عقب بكلالة الأم فقال إن كان له أخ من أم أو أخت منها فله أو لها السدس و إن كانوا اثنتين فصاعدا فلهم الثلث.

وَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَ إِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (1). و أيضا فإن الله لما ذكر أنثى و ذكرا و جعل لهما الثلث و لم يفصل أحدهما

ص: 326


1- سورة النساء:12.

عن الآخر ثبت أنهما يأخذان بالرحم و ذكر في قوله يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (1) في آخر سورة النساء (2) يذكر فيها أربعة أحكام ذكر أن للأخت من الأب و الأم إذا كانت واحد فلها النصف و إن ماتت و هي لم يكن لها ولد و لها أخ فالأخ يأخذ الكل و إن كانتا اثنتين فصاعدا فلهما أو لهن الثلثان وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فإن لم يكن أخ و لا أخت من الأب و الأم فحكم الأخت الواحدة من الأب و الأخ من الأب و حكم الأختين فصاعدا من الأب و حكم الإخوة و الأخوات معا من الأب حكم الإخوة و الأخوات من الأب و الأم على ما ذكرناه.

"وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ تَعَلَّمَ سُورَةَ النِّسَاءِ وَ عَلِمَ مَنْ يَحْجُبُ وَ مَنْ لاَ يَحْجُبُ فَقَدْ عَلِمَ الْفَرَائِضَ.

باب ما يستحق به المواريث و ذكر سهامها

قد بين الله في كتابه أن الميراث يستحق بشيئين سبب و نسب و بين أيضا أن النسب على ضربين نسب الولد للصلب و من يتقرب بهم و نسب الوالدين و من يتقرب بهما فقال يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ (3) و هذا عام في الولد و ولد الولد و إن نزلوا و قال وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (3)

و قال إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ (4) الآية

و قال وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ الآية (5).

ص: 327


1- سورة النساء:176.
2- كذا و الصحيح:فى آخر سورة النساء.
3- سورة النساء:11.
4- سورة النساء:176.
5- سورة النساء:12.

و كذا بين تعالى أن السبب على ضربين الزوجية و الولاء فقال وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ

و قال فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ فإنه يدل على أن معتق زيد إذا مات و لم يخلف نسيبا كان مولاه أولى به من كل أحد فيكون ميراثه له و كذا يدل على ولاء الإمامة فإن ميراث من لا وارث له كان للنبي ع و هو لمن قام مقامه خلفا عن سلف.

و قال تعالى وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ (1) فإنه يدل على ولاء تضمن الجريرة على ما تقدم.و يمنع كفر الوارث و رقه على بعض الوجوه و قتله عمدا ظلما من الميراث من جهة السبب و النسب معا.و من تأمل هذه الآيات علم أن سهام المواريث ستة النصف و الربع و الثمن و الثلثان و الثلث و السدس و إنما صارت سهام المواريث من ستة أسهم لا يزيد عليها لأن أهل المواريث الذين يرثون و لا يسقطون ستة الأبوان و الابن و البنت و الزوج و الزوجة و قيل إن الإنسان خلق من ستة أشياء و هو قول الله تعالى وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (2) الآية لمصلحة رآها الله تعالى في ذلك

باب ذكر ذوي السهام

نبدأ بذوي الأسباب الذين هم الزوجان ثم نعقبه بذكر ذوي الأنساب

قال الله تعالى وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ بين سبحانه أن للزوج

ص: 328


1- سورة النساء:33 و لفظة«عاقدت»على قراءة في الآية.
2- سورة المؤمنون:12.

النصف مع عدم الولد و ولد الولد و إن نزلوا و هو السهم الأعلى له و له الربع مع وجود الولد.

و قال وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ بين أيضا أن لها الربع مع عدم الولد و كذلك الزوجات فإن لها الثمن مع وجود الولد و ولد الولد و إن نزلوا و كذلك الزوجين و الثلاث و الأربع و هو السهم الأدنى لهن.فإذا اجتمع واحد مع الزوجين مع ذوي الأنساب أخذ هو نصيبه و الباقي لهم و إذا انفرد أحد الزوجين فإن كان هو الزوج يأخذ فرضه المسمى و الباقي يرد عليه أيضا على بعض الروايات على كل حال و إن كان زوجة تأخذ هي نصيبها و الباقي لبيت المال و في زمان الغيبة يرد إليها أيضا الباقي و لا يرثان إلا بعد وفاء الدين كله و إعطاء ثلث الوصية.

فصل

و أما ذوو الأنساب فأقواهم قرابة الولد و لذلك بدأ الله بذكر سهامه

فقال تعالى يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ و سبب نزول هذه الآية قيل فيه قولان أحدهما

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ السُّدِّيُّ إِنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَكُونُوا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَ الْبَنَاتِ وَ الْبَنِينَ الصِّغَارَ وَ لاَ يُوَرِّثُونَ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَ وَ طَاعَنَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ وَ أَعْلَمَهُمْ كَيْفِيَّةَ الْمِيرَاثِ.

"وَ قَالَ عَطَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ ابْنِ جَرِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الْوَلَدَ وَ الْوَالِدَيْنِ لِلْوَصِيَّةِ فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ.

"وَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : كُنْتُ عَلِيلاً مُدْنِفاً فَعَادَنِي النَّبِيُّ ص وَ نَضَحَ الْمَاءَ عَلَى وَجْهِي فَأَفَقْتُ وَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَعْمَلُ فِي مَالِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ (1).

ص: 329


1- انظر الدّر المنثور 125/2.

"وَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ فَنُسِخَ بِهَذِهِ الْآيَةِ. و قرئ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ بفتح الصاد و كسرها و الكسر أقوى لقوله مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فتقدم ذكر الميت و ذكر المفروض مما ترك و من فتحها فلأنه ليس لميت معين و إنما هو شائع في الجميع.و معنى يُوصِيكُمُ اللّهُ فرض عليكم لأن الوصية من الله فرض كما قال وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ (1) يعني فرض عليكم ذكره الزجاج.و إنما لم يعد قوله يُوصِيكُمُ إلى قوله مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بنصب اللفظ لأنه كالقول في حكاية الجملة بعده و التقدير قال الله تعالى في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين و لأن الفرض بالآية الفرق بين الموصي و الموصى له في نحو أوصيت زيدا بعمرو

فصل في ميراث الولد

اعلم أن قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ عام في كل ولد يتركه الميت و أن المال بينهم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ و كذا حكم البنت و البنتين لها و لهما النصف و الثلثان على كل حال إلا من خصه الدليل من الرق و الكفر و القتل الظلم على ما ذكرناه فإنه لا خلاف أن الكافر و القاتل عمدا على سبيل الظلم و المملوك على بعض الوجوه لا يرثون و إن كان القاتل خطأ ففيه خلاف و عندنا يرث من المال دون الدية و المسلم عندنا يرث الكافر و فيه خلاف و العبد لا

ص: 330


1- سورة الأنعام:151.

يرث لأنه لا يملك شيئا و يورث إذا لم يكن غيره وارث في درجته بشرط أن تكون التركة أكثر من قيمته أو مثلها.و المرتد لا يرث و ميراثه لورثته المسلمين و هو قول علي ع (1) و قال ابن المسيب نرثهم و لا يرثونا و ما يروونه

عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ : لاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ (2). فإذا صح فمعناه لا يرث كل واحد منهما من صاحبه و إنا نقول المسلم يرث الكافر و الكافر لا يرث المسلم و لم يثبت حقيقة التوارث بينهما فلا يكون كلامنا مخالفا لذلك.و قوله تعالى فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فالظاهر في هذا يقتضي أن البنتين لا يستحقان الثلثين و إنما يستحق الثلثان إذا كن فوق اثنتين لكن أجمعت الأمة أن حكم البنتين حكم من زاد عليهما من البنات فتركنا له الظاهر.و قال أبو العباس المبرد و اختاره إسماعيل بن إسحاق القاضي إن في الآية دليلا على أن للبنتين الثلثين أيضا لأنه قال لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ و أول العدد ذكر و أنثى و للذكر الثلثان من ستة و للأنثى الثلث علم من فحوى ذلك أن للبنتين الثلثين و إن كان بالتلويح ثم أعلم الله بعده أن ما فوق البنتين لهن الثلثان أيضا بالتصريح ليكون في باب البلاغة على الأقصى و هذا حسن.و قوله وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ يدل على أن فاطمة ع كانت مستحقة للميراث لأنه عام في كل بنت و الخبر المدعى أن الأنبياء لا يورثون خبر ما عمل به الراوي أيضا لأنه ورث ابنته مع أنه خبر واحد لا يترك له عموم الآية لأنه معلوم لا يترك بمظنون

ص: 331


1- وسائل الشيعة 384/17.
2- المصدر السابق 377/17.

فصل في ميراث الوالدين

ثم

قال وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ (1) لا خلاف في ذلك و كذا إن كان واحد من الأبوين مع الولد كان له السدس بالفرض بلا خلاف.ثم ننظر فإن كان الولد ذكرا كان الباقي للولد واحدا كان أو أكثر بلا خلاف و كذلك إن كانوا ذكورا و إناثا فالمال بينهم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ و إن كانت بنتا كان لها النصف و لأحد الأبوين السدس أو لهما السدسان و الباقي عندنا يرد على البنت و الأبوين أو أحدهما على قدر سهامهما أيهما كان لأن قرابتهما سواء.و من خالفنا يقول إن كان أحد الأبوين أبا كان الباقي له لأنه عصبة و إن كانت أما ففيهم من يقول بالرد على البنت و الأم و فيهم من يقول الباقي في بيت المال و إنما رددنا عليهم لعموم قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (2) و هاهنا هما متساويان لأن البنت تتقرب بنفسها إلى الميت و كذا الأبوان و الخبر المدعى في أن ما أبقت الفرائض فلأولي عصبة ذكر (3) خبر ضعيف و له مع ذلك وجه لا يخص به عموم القرآن.و قوله فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فمفهومه أن الباقي للأب فليس فيه خلاف.فإن كان في الفريضة زوج كان له النصف و للأم الثلث بالظاهر و ما بقي فللأب

ص: 332


1- سورة النساء:11.
2- سورة الأنفال:75.
3- الجامع الصحيح للترمذي 419/4 بمضمونه،وسائل الشيعة 432/17 قريب منه.

و من قال للأم ثلث ما بقي فقد ترك الظاهر و بمثل ما قلناه قال ابن عباس.و إن كان بدل الزوج زوجة كان الأمر مثل ذلك للزوجة الربع و للأم الثلث و الباقي للأب و به قال ابن عباس و ابن سيرين.ثم قال فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ففي أصحابنا من يقول إنما يكون لها السدس إذا كان هناك أب لأن التقدير فإن لم يكن له ولد و ورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة و ورثه أبواه فلأمه السدس.و منهم من قال إن لها السدس بالفرض مع وجود الإخوة سواء كان هناك أب أو لم يكن و به قال جميع الفقهاء غير أنا نقول إن كان هناك أب كان الباقي للأب فإن لم يكن أب كان الباقي ردا على الأم.و لا يرث أحد من الإخوة و الأخوات مع الأم شيئا سواء كانوا من قبل أب و أم أو من قبل أب أو من قبل أم على حال لأن الأم أقرب منهم بدرجة.و لا يحجب عندنا من الإخوة إلا من كان من قبل الأب و الأم أو من قبل الأب فأما من كان منهم من قبل الأم فحسب فإنه لا يحجب على حال.و لا يحجب أقل من أخوين أو أخ و أختين أو أربع أخوات بشريطة أن لم يكونوا كفارا و لا رقا و لا قاتلين ظلما فأما أخ و أخت أو أختان فلا يحجبان و كذلك ثلاث أخوات لا يحجبن علي حال و خالفنا جميع الفقهاء في ذلك.فأما الأخوان فإنه لا خلاف أنه يحجب بهما الأم عن الثلث إلى السدس إلا ما قال ابن عباس إنه لا يحجب بأقل من ثلاثة لقوله تعالى فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ قال و الثلاثة أقل الجمع.و حكي عن ابن عباس أيضا أن ما يحجب الإخوة من سهم الأم من الثلث إلى السدس يأخذه الإخوة دون الأب و ذلك خلاف ما أجمعت عليه الأمة لأنه لا خلاف أن أحدا من الإخوة لا يستحق مع الأبوين شيئا.

ص: 333

و إنما قلنا إن الأخوين يحجبان للإجماع و أيضا فإنه يجوز وضع لفظ الجمع في موضع التثنية إذا اقترنت به دلالة كما قال إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما على أن أقل الجمع اثنان.فإن قيل لم حجبت الأم الإخوة من غير أن يرثوا مع الأب.قلنا قال قتادة معونة للأب لأنه يقوم بنفقتهم و نكاحهم دون الأم و هذا بعينه رواه أصحابنا و هو دال على أن الإخوة من الأم لا يحجبون لأن الأب لا يلزمه نفقتهم على حال.و إن كان الإخوة كفارا أو مماليك أو قاتلين ظلما لا يحجبون الأم أيضا مع وجود الأب و فقده و كذلك إن كانا اثنين و كان أحد الأخوين كافرا أو رقا أو قاتلا ظلما كذلك فإن الأم لا تحجب.و قوله لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً معناه لا تعلمون أيهم أقرب نفعا في الدين و الدنيا و الله يعلمه فافهموه على ما بينه من تعلم المصلحة فيه.و قال بعضهم الأب يجب عليه نفقة الابن إذا احتاج إليها و كذلك الابن يجب عليه نفقة الأب مع الحاجة فهما في النفع في هذا الباب سواء لا تدرون أيهم أقرب نفعا و قيل لا تدرون أيكم يموت قبل صاحبه فينتفع الآخر بماله.و قوله فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ نصب على الحال من قوله لِأَبَوَيْهِ و تقديره فيثبت لهؤلاء الورثة ما ذكرناه مفروضا فريضة مؤكدة كقوله يُوصِيكُمُ اللّهُ هذا قول الزجاج و قال غيره هو نصب على المصدر من يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فرضا مفروضا و يجوز أن يكون نصبا على التمييز أي فلأمه السدس فريضة كما يقال هو لك صدقة أو هبة.و إنما يقال في تثنية الأب و الأم أبوان تغليبا للفظ الأب و لا يلزم على ذلك في ابن و ابنة لأنه هاهنا يوهم

ص: 334

فصل في ميراث الزوجين

و إن كنا قدمنا القول فيه فإنا نتكلم على ذلك أيضا هاهنا لنسق القرآن.لا خلاف أن للزوج نصف ما تتركه الزوجة إذا لم يكن لها ولد فإن كان لها ولد فله الربع بلا خلاف سواء كان ولدها منه أو من غيره و إن كان ولد لا يرث لكونه مملوكا أو كافرا أو قاتلا عمدا ظالما فلا يحجب الزوج من النصف إلى الربع و وجوده كعدمه.و كذلك حكم الزوجة لها الربع إذا لم يكن للزوج ولد على ما قلناه في الزوجة في أنه سواء كان منها أو من غيرها فإن كان لها ولد كان لها الثمن.و لا خلاف أن ما تستحقه الزوجة إن كانت واحدة فهو لها و إن كانت ثنتين أو ثلاثا أو أربعا لم يكن لهن أكثر من ذلك و لا يستحق الزوج أقل من الربع في حال من الأحوال و لا الزوجة أقل من الثمن على وجه من الوجوه و لا يدخل عليهما النقصان و كذا الأبوان لا ينقصان في حال من الأحوال لأن العول عندنا باطل على ما نذكره.و ولد الولد و إن نزل يقوم مقام الولد للصلب في حجب الزوجين من الفرض الأعلى إلى الأدون.و كل من ذكر الله له فرضا فإنما يستحقه إذا أخرج من التركة الكفن و الدين و الوصية فإن استغرق الدين المال لم تنفذ الوصية و لا ميراث و إن بقي نفذت الوصية ما لم يزد على ثلث ما يبقى بعد الدين فإن زادت ردت إلى الثلث.فإن قيل كيف قدم الوصية على الدين في هذه الآية و في التي قبلها مع أن الدين يتقدم عليها بلا خلاف.

ص: 335

قلنا لأن أو لا يوجب الترتيب و إنما هي لأحد الشيئين فكأنه قال من بعد أحد هذين مفردا أو مضموما إلى الآخر كقولهم جالس الحسن أو ابن سيرين أي جالس أحدهما مفردا أو مضموما إلى الآخر (1) و يجب البدأة بالدين بعد الكفن لأنه مثل رد الوديعة التي يجب ردها على صاحبها فكذا حال الدين وجب رده أولا ثم تكون الوصية بعده ثم الميراث.و مثل ما قلناه اختاره الطبري و الجبائي و هو المعتمد عليه في تأويل الآية

فصل في ميراث كلالة الأم

ثم قال تعالى وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ يعني من الأم بلا خلاف.و كلالة نصبها يحتمل أمرين أحدهما على أنه مصدر وقع موقع الحال و تكون كان تامة و تقديره يورث متكلل النسب كلالة و الثاني أن يكون خبر كان ناقصة و تقديره و إن كان رجل وارث كلالة فرجل اسم كان و يورث صفته و كلالة خبره و الأول هو الوجه لأن يورث هو الذي اقتضى ذكر الكلالة كما تقول يورث هذا الرجل كلالة بخلاف من يورث ميراث الصلب و يورث كلالة عصبة و غير عصبة.و اختلفوا في معنى الكلالة فقال قوم هو من عدا الولد و الوالد

"وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ الْكَلاَلَةَ مَا عَدَا الْوَلَدِ. و ورث الإخوة من الأم السدس مع الأبوين و هو خلاف إجماع أهل الأعصار و قال ابن زيد الميت يسمى كلالة و قال قوم الكلالة هو الميت الذي لا ولد له و لا والد.و عندنا أن الكلالة هم الإخوة و الأخوات فمن ذكره الله في هذه الآية هو

ص: 336


1- الزيادة من ج.

من كان من قبل الأم و من ذكر في آخر السورة هو من قبل الأب و الأم أو من قبل الأب.و أصل الكلالة الإحاطة و منه الإكليل لإحاطته بالرأس و الكلالة لإحاطتها بالنسب الذي هو الولد و الوالد و قال أبو مسلم أصلها من كل إذا أعيا فكأنه يتناول الميراث من بعد على كلال و إعياء و قال الحسين بن علي المغربي أصله عندي ما تركه الإنسان وراء ظهره مأخوذا من كلالة و هو مصدر الأكل و هو الظهر تقول ولائي فلان أكله على وزن أظله أي ظهره.و هذه الاسم تعرفه العرب و تخبره عن جملة النسب و الوراثة و لا خلاف أن الإخوة و الأخوات من الأم يتساوون في الميراث.و إنما قال وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ و لم يقل لهما و قد قال قبله وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ لرفع الإبهام و لو ثنى لكان حسنا كما يقول من كان له أخ أو أخت فليصله و يجوز فليصلها و يجوز أيضا فليصلهما فالأول يرد الكناية على الأخ و الثاني على الأخت و الثالث عليهما كل ذلك حسن.و قوله تعالى غَيْرَ مُضَارٍّ نصب على الحال و يجوز أن يكون مفعولا به. تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ أي هذه تفصيلات الله لفرائضه لأن أصل الحد هو الفصل.و قال ابن إلياس المعنى تلك حدود طاعة الله.فإن قيل إذا كان ما تقدم ذكره دل على أنها حدود الله فما الفائدة في هذا القول.قلنا عنه جوابان أحدهما أنه للتأكيد و الثاني أن الوجه في إعادته ما علق به من الوعد و الوعيد

ص: 337

فصل في ميراث كلالة الأب

قال الله تعالى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ (1) إلى آخرها.روى البراء بن عازب أن هذه الآية آخر ما نزلت بالمدينة و قال غيره نزلت في مسير كان فيه رسول الله ص (2).و اختلفوا في سبب نزولها فقال سعيد بن المسيب سئل النبي ع عن الكلالة فقال أ ليس قد بين الله ذلك فنزلت الآية

وَ قَالَ جَابِرٌ اشْتَكَيْتُ وَ عِنْدِي تِسْعُ أَخَوَاتٍ لِي أَوْ سَبْعٌ فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ع فَنَفَخَ فِي وَجْهِي فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لاَ أُوصِي لِأَخَوَاتِي بِالثُّلُثَيْنِ قَالَ أَحْسِنْ قُلْتُ بِالشَّطْرِ قَالَ أَحْسِنْ ثُمَّ خَرَجَ وَ تَرَكَنِي وَ رَجَعَ إِلَيَّ وَ قَالَ يَا جَابِرُ إِنِّي لاَ أَرَاكَ مَيِّتاً مِنْ وَجَعِكَ هَذَا وَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ لِأَخَوَاتِكَ فَجَعَلَ لَهُنَّ الثُّلُثَيْنِ قَالَ وَ كَانَ جَابِرٌ يَقُولُ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيَّ. و عن قتادة أن أصحاب رسول الله همهم شأن الكلالة فأنزل الله هذه الآية (3).و معنى يَسْتَفْتُونَكَ يسألونك يا محمد أن تفتيهم في الكلالة قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ في الكلالة فحذف أن اختصارا لما دل الجواب عليه و الاستفتاء و الاستقصاء واحد.و قوله تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ معناه مات إنسان ليس له ولد

ص: 338


1- سورة النساء:176.
2- الدّر المنثور 250/2-251.
3- التبيان 408/3.

ذكر و لا أنثى وَ لَهُ أُخْتٌ يعني و للميت أخت لأبيه و أمه أو لأبيه فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ و الباقي عندنا رد عليه أيضا سواء كان هناك عصبة أو لم يكن و قال جميع الفقهاء إن الباقي للعصبة.و إن لم يكن عصبة هناك و هم العم و بنو العم و أولاد الأخ فمن قال بالرد على ذوي الأرحام رد الباقي على الأخت و هو اختيار الجبائي و أكثر أهل العلم و هو يرثها إن لم يكن لها ولد يعني إن كانت الأخت هي الميتة و لها أخ من أب و أم أو من أب فالمال كله له بلا خلاف إذا لم يكن لها ولد سواء كان ذكرا أو أنثى لأنه تعالى قال وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ و البنت بلا خلاف ولد و الدليل على صحة تسمية البنت بالولد قوله يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ثم فسر الأولاد فقال لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .فإن كان للأخت ولد ذكر فالمال كله له بلا خلاف و يسقط الأخ و إن كان بنتا كان لها النصف بالتسمية بلا خلاف و الباقي عندنا رد عليها لأنها أقرب دون الأخ.ثم قال فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ يعني إن كانت الأختان اثنتين فلهما الثلثان و هذا لا خلاف فيه و الباقي على ما بيناه من الأخت الواحدة عندنا رد عليهما دون عصبته و دون ذوي الأرحام و إذا كان هناك عصبة رد الفقهاء الباقي عليهم.فإن كانت إحدى الأختين لأب و أم و أخرى لأب فالواجب للأب و الأم النصف بلا خلاف و الباقي رد عليها عندنا لأنها مجمع السببين و لا شيء للأخت للأب لأنها انفردت بسبب واحد و عند الفقهاء لها السدس يكمله الثلثين و الباقي على ما بيناه من الخلاف. وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يعني إن كان الورثة إخوة رجالا و نساء للأب و الأم فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بلا خلاف

ص: 339

و إن كان الذكور منهم للأب و الأم و الإناث للأب انفرد الذكور بجميع المال بلا خلاف و إن كان الإناث للأب و الأم و الذكور للأب كان للإناث الثلثان بالتسمية بلا خلاف و الباقي عندنا رد عليهن لما بيناه من اجتماع السببين لهن.و عند جماعة الفقهاء أن الباقي للإخوة من الأب لأنهم عصبة

وَ يَرْوُونَ خَبَراً ضَعِيفاً عَنْهُ ع أَنَّهُ قَالَ : مَا اتَّفَقَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَي عَصَبَةٍ ذَكَرٍ (1). و قد قلنا ما عندنا في خبر العصبة.و يمكن أن يحمل خبر العصبة مع تسليمه على من مات و خلف زوجا أو زوجة و أخا لأب و أم و أخا لأب أو ابن أخ لأب و أم و ابن أخ لأم أو ابن عم لأب و أم و ابن عم لأب قال للزوج سهمه المسمى و الباقي لمن يجتمع كلالة الأب و الأم دون من يتفرد بكلالة الأب

وَ قَالَ عُمَرُ (2) سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص عَنِ الْكَلاَلَةِ فَقَالَ يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ (3).

باب في مسائل شتى

إذا تركت امرأة زوجها و أبويها فللزوج النصف و للأم الثلث كاملا و ما بقي فللأب

قال الله تعالى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ (4)

ص: 340


1- وسائل الشيعة 432/17 قريب منه.
2- الدّر المنثور 249/2.
3- المراد بآية الصيف قوله تعالى في آخر سورة النساء[الآية 175] «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ» الى تمام الآية،و سميت آية الصيف لان اللّه سبحانه أنزل في الكلالة إحداهما في الشتاء و هي التي في أول سورة النساء و الأخرى في الصيف و هي التي في آخرها«ن».
4- سورة النساء:11.

فجعل الله للأم الثلث كاملا إذا لم يكن ولد و لا إخوة.و من الدليل على أن لها الثلث في جميع المال أن جميع من خالفنا لم يقولوا لها السدس في هذه الفريضة إنما قالوا للأم ثلث ما بقي و ثلث ما بقي هو السدس فأحبوا أن لا يخالفوا الكتاب فأثبتوا لفظ الكتاب و خالفوا حكمه و ذلك تمويه.

وَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع فَسَأَلَهُ عَنِ امْرَأَةٍ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَ أَخَوَيْهَا وَ أُخْتَهَا لِأُمِّهَا (1) فَقَالَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ وَ لِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ سَهْمَانِ وَ لِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ [السُّدُسُ] (2) سَهْمٌ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ فَإِنَّ فَرَائِضَ زَيْدٍ وَ فَرَائِضَ الْعَامَّةِ عَلَى غَيْرِ هَذَا يَقُولُونَ لِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ (3) تَصِيرُ مِنْ سِتَّةٍ تَعُولُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ لِمَ قَالُوا ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ فَقَالَ ع فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْأُخْتِ أَخاً قَالَ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ السُّدُسُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع فَمَا لَكُمْ نَقَضْتُمُ الْأَخَ إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَجُّونَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ بِأَنَّ اللَّهَ سَمَّى لَهَا النِّصْفَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمَّى لِلْأَخِ الْكُلَّ وَ الْكُلُّ أَكْثَرُ مِنَ النِّصْفِ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْأُخْتِ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ قَالَ فِي الْأَخِ وَ هُوَ يَرِثُها يَعْنِي جَمِيعَ مَالِهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَلاَ تُعْطُونَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْجَمِيعَ فِي بَعْضِ فَرَائِضِهِمْ شَيْئاً وَ تُعْطُونَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُ النِّصْفَ تَامّاً وَ يَقُولُونَ (4) فِي زَوْجٍ وَ أُمٍّ وَ إِخْوَةٍ لِأُمٍّ وَ أُخْتٍ لِأَبٍ فَيُعْطُونَ الزَّوْجَ النِّصْفَ وَ الْأُمَّ السُّدُسَ وَ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثَ وَ الْأُخْتَ مِنَ الْأَبِ النِّصْفَ فَيَجْعَلُونَهَا مِنْ تِسْعَةٍ وَ هِيَ سِتَّةٌ تَعُولُ إِلَى

ص: 341


1- كذا في النسختين،و في المصدر«تركت زوجها و اخوتها لامها و اختا لابيها».
2- الزيادة من المصدر.
3- لان فيها النصف و الثلث،و قوله«تعول الى ثمانية»لان للاخوة من الام سهمين و للاخت من الأب ثلاثة أسهم و كذا للزوج فتصير ثمانية«ج».
4- كذا في النسختين،و في المصدر«فقال له الرجل:و كيف تعطى الاخت النصف و لا يعطى الذكر لو كانت هي ذكرا شيئا؟قال:يقولون».

تِسْعَةٍ (1) فَقَالَ كَذَلِكَ يَقُولُونَ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ع فَإِنْ كَانَتِ الْأُخْتُ أَخاً لِأَبٍ قَالَ الرَّجُلُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ [فَقَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع] (2) فَمَا تَقُولُ فَقَالَ لَيْسَ (3) لِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ وَ الْأُمِّ وَ لاَ لِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ وَ لاَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ مَعَ الْأُمِّ شَيْءٌ (1).

باب من يرث بالقرابة دون الفرض

قال الله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (2) بين سبحانه أن أولى الناس بالميت أقربهم إليه و الآية بعمومها تتناول الميراث و غيره.و من يرث بالقرابة ستة فأقواهم قرابة الولد للصلب لا يرث معه أحد سواء يتقرب به أو بغيره إلا ذوي السهام المذكورين من قبل من الأبوين و الزوجين ثم ولد الولد و إن نزلوا ثم الأب ثم من يتقرب به من ولده أو أبويه ثم من يتقرب بالأم دونها (3) و دون ولدها.و مما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى في سورة الأحزاب وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ

مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (4) .بين سبحانه أن من كان قرباه أقرب فهو أحق بالميراث من الأبعد و ظاهر ذلك يمنع أن يرث مع البنت و الأم أحد من الإخوة و الأخوات لأن البنت و الأم أقرب من الإخوة و الأخوات و كذلك يمنع أن يرث مع الأخت أحد من العمومة و العمات و أولادهم لأنها أقرب.و الخبر المروي في هذا الباب أن ما أثبت الفرائض فلأولي عصبة ذكر (5) خبر واحد مطعون على سنده لا يترك لأجله ظاهر القرآن الذي بين فيه أن أولي الأرحام الأقرب منهم أولى من الأبعد في كتاب الله من المؤمنين المؤاخين و المهاجرين فقد روي أنهم كانوا يتوارثون بالهجرة و المؤاخاة الأولة حتى نزلت هذه الآية.و الاستثناء منقطع في قوله إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا معناه لكن أن فعلتم معروفا من الوصية يعرف صوابه فهو حسن و لا يجوز أن تكون القرابة مشركين لقوله لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ (6) .و قد أجاز كثير من الفقهاء الوصية للقرابات الكفار و عندنا أن ذلك جائز للوالدين و الولد.و من يحتمل أمرين أحدهما أن تكون دخلت لأولى أي بعضهم أولى ببعض من المؤمنين و الثاني أن يكون التقدير و أولي الأرحام من المؤمنين و المهاجرين أولى بالميراث.

ص: 342


1- وسائل الشيعة 482/17.
2- سورة الأنفال:75.
3- أي يرث الاخوال بشرط عدم الام و أولادها«ه».
4- ثلاثة للزوج و واحد للام و اثنان لكلالتها و ثلاثة للاخت من الأب فالمجموع تسعة«ج».
5- الزيادة من المصدر.
6- لانه ليس بذى نصف و قرابة ممنوعة بالام فلا وجه لثوريثه،و لا يلزم على هذا كلالة الام لأنّها ذات نصف بخلاف الأخ للاب«ه».

مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (1) .بين سبحانه أن من كان قرباه أقرب فهو أحق بالميراث من الأبعد و ظاهر ذلك يمنع أن يرث مع البنت و الأم أحد من الإخوة و الأخوات لأن البنت و الأم أقرب من الإخوة و الأخوات و كذلك يمنع أن يرث مع الأخت أحد من العمومة و العمات و أولادهم لأنها أقرب.و الخبر المروي في هذا الباب أن ما أثبت الفرائض فلأولي عصبة ذكر (2) خبر واحد مطعون على سنده لا يترك لأجله ظاهر القرآن الذي بين فيه أن أولي الأرحام الأقرب منهم أولى من الأبعد في كتاب الله من المؤمنين المؤاخين و المهاجرين فقد روي أنهم كانوا يتوارثون بالهجرة و المؤاخاة الأولة حتى نزلت هذه الآية.و الاستثناء منقطع في قوله إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا معناه لكن أن فعلتم معروفا من الوصية يعرف صوابه فهو حسن و لا يجوز أن تكون القرابة مشركين لقوله لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ (3) .و قد أجاز كثير من الفقهاء الوصية للقرابات الكفار و عندنا أن ذلك جائز للوالدين و الولد.و من يحتمل أمرين أحدهما أن تكون دخلت لأولى أي بعضهم أولى ببعض من المؤمنين و الثاني أن يكون التقدير و أولي الأرحام من المؤمنين و المهاجرين أولى بالميراث.

ص: 343


1- سورة الأحزاب:6.
2- وسائل الشيعة 423/17.
3- سورة الممتحنة:1.

فصل

و يدل على ذلك أيضا عموم قوله تعالى وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ (1) فظاهر الخطاب يقتضي تحريم تمني ما فضل الله به بعض على بعض فلا يجوز لرجل أن يتمنى إن كان امرأة و لا للمرأة أن تتمنى لو كانت رجلا بخلاف ما فعله الله تعالى لأنه تعالى لا يفعل من الأشياء إلا ما هو الأصلح فيكون تمنى ما يكون مفسدة (2).ثم اعلم أن الله أخبر عن أحوال المؤمنين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة و عن أحوال الأنصار بقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا (3) .فقال أُولئِكَ يعني المهاجرين و الأنصار بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ثم أخبر عن الذين آمنوا و لم يهاجروا من مكة إلى المدينة فقال ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ .قيل نفى ولاية القرابة عنهم لأنهم كانوا يتوارثون بالهجرة و النصرة دون الرحم في قول ابن عباس و قيل إنه نفى الولاية التي يكونون بها يدا واحدة في الحل و العقد فنفى عن هؤلاء ما أثبته للأولين حتى يهاجروا و قيل نسخ ذلك بقوله وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ (4) .

ص: 344


1- سورة النساء:32.
2- أي يكون تمنى خلاف ما فعل اللّه تعالى«ه».
3- سورة الأنفال:72.
4- سورة التوبة:71.

ثم قال وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ففي الآية دلالة على أن من كان قرباه أقرب إلى الميت كان أولى بالميراث سواء كان عصبة أو لم يكن أو تسمية أو لم يكن لأن مع كونه أقرب تبطل التسمية.و هذه الآية نسخت حكم التوارث بالنصرة و الهجرة على ما قدمناه فإنهم كانوا لا يورثون الأعراب من المهاجرين على ما ذكر في الآيات الأول.و من قال الولاية في الآيات الأولة ولاية النصرة دون الميراث نقول ليست ناسخة لهما بل هما محكمتان.قال مجاهد في هذه الآيات الثلاث ذكر ما والى به رسول الله ص بين المهاجرين و الأنصار في الميراث ثم نسخ ذلك بآخرها من قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ .و قال ابن الزبير نزلت في العصبات كان الرجال يعاقد الرجل يقول ترثني و أرثك فنزلت وَ أُولُوا الْأَرْحامِ إلى آخرها

باب في مسائل شتى :

رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تَرَكَ خَالَتَيْهِ وَ مَوَالِيهِ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ الْمَالُ بَيْنَ الْخَالَتَيْنِ (1). و لا يرث الموالي مع أحد من القرابات شيئا و إن كان بعيدا لأن الله تعالى قد ذكرهم و فرض لهم و أخبر أنهم أولى في هذه الآية و لم يذكر الموالي.

وَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْمُخَالِفُونَ أَنَّ مَوْلًى لِحَمْزَةَ تُوُفِّيَ وَ أَنَّ النَّبِيَّ ص

ص: 345


1- من لا يحضره الفقيه 304/4.

أَعْطَى بِنْتَ حَمْزَةَ النِّصْفَ وَ أَعْطَى وَرَثَةَ الْمَوْلَى الْبَاقِيَ (1). فهو خبر واحد و مع التسليم نقول لعل ذلك كان شيئا قبل نزول الفرائض فنسخ (2).فقد فرض الله للحلفاء في كتابه فقال وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ (3) و لكنه نسخ ذلك بقول وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (4) .فمتى خلف أحد من ذوي الأرحام و ترك مولاه المنعم أو المنعم عليه فالمال لنسيبه و ليس للموالي شيء فإنه تعالى يقول وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً (5) يعني الوصية لهم بشيء أو هبة الورثة لهم من الميراث شيئا

باب ذكر من يرث بالفرض و القرابة

قال الله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (6) .اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فقال قوم إن أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث فنزلت هذه الآية ردا لقولهم.

ص: 346


1- المصدر السابق.
2- بآية أولى الارحام«ج».
3- سورة النساء:33.
4- سورة الأنفال:75.
5- سورة الأحزاب:6.
6- سورة النساء:7.

و قال الزجاج كانت العرب لا يورثون إلا من طاعن بالرماح و ذاد عن الحريم فزلت هذه الآية ردا عليهم و بين أن للرجال و النساء نصيبا في مال الميت قليلا كان المال أو كثيرا لكيلا يتوهم أنه إذا قل كان الرجال أولى به أو خالف حكمه حكم الكثير (1).و نَصِيباً مَفْرُوضاً نصيب على الحال أي لهم نصيب حالة أن الله فرضه.و في الآية دليل على بطلان القول بالعصبة لأن الله تعالى فرض الميراث للرجال و النساء فلو جاز أن يقال النساء لا يرثن في موضع لجاز لآخرين أن يقولوا و الرجال لا يرثون.ثم قال وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ (2) هذه الآية عندنا محكمة غير منسوخة و به قال ابن عباس و جماعة و المخاطب بقوله فَارْزُقُوهُمْ الورثة أمروا بأن يرزقوا المذكورين إذا كانوا لا سهم لهم في الميراث و قال آخرون إنما يتوجه إلى من حضرته الوفاة و أراد الوصية فإنه ينبغي له أن يوصي لمن لا يرثه من هؤلاء المذكورين بشيء من ماله و الوجه الأول.

"وَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى لَهُمْ بِشَيْءٍ أُنْفِذَتْ وَصِيَّتُهُ وَ إِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ أَرْضَخُوا لَهُمْ فَإِنْ كَانُوا صِغَاراً قَالَ وَلِيُّهُمْ إِنِّي لَسْتُ أَمْلِكُ هَذَا الْمَالَ وَ لَيْسَ لِي إِنَّمَا هُوَ لِلصِّغَارِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ الَّذِي لاَ يَرِثُ الْمَذْكُورِينَ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَ يَقُولُ إِنَّ هَذَا لِقَوْمٍ غُيَّبٍ أَوْ يَتَامَى صِغَارٍ وَ لَكُمْ فِيهِ حَقٌّ وَ لَسْنَا نَمْلِكُ أَنْ نُعْطِيَكُمْ مِنْهُ.

"وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ قَوْلَهُ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا

اكْتَسَبْنَ نَزَلَ فِي الْمِيرَاثِ. فإن كان كذلك و إلا فالعموم أيضا يتناوله.

ص: 347


1- انظر مجمع البيان 10/2.
2- سورة النساء:8.

اكْتَسَبْنَ نَزَلَ فِي الْمِيرَاثِ. فإن كان كذلك و إلا فالعموم أيضا يتناوله.

فصل

و قال تعالى وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ (1) معنى الآية جعلنا الميراث لكل من هو مولى الميت و الموالي المذكورون في الآية قال مجاهد هم العصبة و قال قوم هم الورثة و هو أقواهما و التقدير و لكم جعلنا ورثة مما ترك الوالدان و الأقربون و قيل تقديره و لكل مال تركه ميت جعلنا موالي أي قوما يرثونه فيملكون مما ترك الوالدان و الأقربون و قال الجبائي أي لكل شيء وارث هو أولى به من غيره يسمى الوارث مولى من هذه الجهة.ثم استأنف فقال وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أي عقدتم أَيْمانُكُمْ أراد بذلك عقد المصاهرة و المناكحة.

و قال الله تعالى وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ (2) اختار الطبري أن يكون المراد به آيات الفرائض قال لأن الصداق ليس مما كتب الله للنساء إلا بالنكاح فما لم تنكح فلا صداق لها عند أحد. وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ أي [و في المستضعفين و اليتامى الصغار من الذكور و الإناث لأنهم كانوا لا يورثون الصغار من الذكور حتى يبلغوا فأمرهم أن يؤتوا المستضعفين من الولدان] (3) حقوقهم من الميراث.

ص: 348


1- سورة النساء:33.
2- سورة النساء:127.
3- الزيادة من م.

قال ابن جبير قوله تعالى وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ يعني قوله يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (1) .و قد ذكرنا أن الجاهلية لا يورثون المرأة و لا المولود حتى يكبر فأنزل الله آية الميراث في أول النساء و هو معنى قوله اَللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ (2) أي ترغبون فيهن عن ابن سيرين و قيل أي ترغبون أن تنكحوهن.

فصل

أما قوله وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (3) فإن المخالفين استدلوا بهذه الآية على أن البنت لا تجوز المال دون بني العم و العصبة قالوا لأن زكريا طلب وليا و لم يطلب ولية و هذا ليس بشيء لأن زكريا إنما طلب وليا لوجوه غير ذلك منها أن الله تعالى كان وعده أنه يرزقه ولدا رضيا فسأل الله إنجاح ذلك.و قيل إنما طلب وليا لأن من طباع البشر الرغبة في الذكور دون الإناث من الأولاد فلذلك طلب الذكر على أنه قيل إن لفظ الولي يقع على الذكر و الأنثى فلا نسلم أنه طلب الذكر بل الذي يقتضي الظاهر أنه طلب ولدا سواء كان ذكرا أو أنثى.و اعلم أن أكثر الخلاف بيننا و بين مخالفينا و معظمه في الفرائض و المواريث على ثلاثة أشياء العصبة و العول و الرد و نحن نبين بعد هذا أن الحق في

ص: 349


1- سورة النساء:176.
2- سورة النساء:127.
3- سورة مريم:5.

هذه الأصول معنا كما في جميع المواضع فإذا ثبت ذلك استغنينا عن التطويل بتعيين المسائل.و قد استدللنا على أمهات مسائل المواريث من الكتاب و فروعها لا يحتمل هذا الموضع ذكرها غير أنا نعقد هاهنا جملة تدل على صحة المذهب فنقول الميراث بالفرض لا يجتمع فيه إلا من كان قرباه واحدة إلى الميت مثل البنت و البنات مع الوالدين أو أحدهما فإنه متى انفرد واحد منهم أخذ المال كله بعضه بالفرض و الباقي بالرد و إذا اجتمعا أخذ كل واحد منهم ما سمي له و الباقي يرد عليهم إن فضل على قدر سهامهم و إن نقص لمزاحمة الزوج أو الزوجة لهم كان النقص داخلا على البنت أو البنات دون الأبوين أو أحدهما و دون الزوج و الزوجة.و لا يجتمع مع الأولاد و لا مع الوالدين و لا مع أحدهما أحد ممن يتقرب بهما كالكلالتين فإنهما لا يجتمعان مع الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا و لا مع الوالدين و لا مع أحدهما أبا كان أو أما بل يجتمع كلالة الأب و كلالة الأم فكلالة الأم إن كان واحدا كان له السدس و إن كان اثنين فصاعدا كان لهم الثلث لا ينقصون منه و الباقي لكلالة الأب فإن زاحمهم الزوج أو الزوجة دخل النقص على كلالة الأب دون كلالة الأم.و لا يجتمع كلالة الأب مع كلالة الأب و الأم فإن اجتمعا كان المال كله لكلالة الأب و الأم دون كلالة الأب ذكرا كان أو أنثى.و من يرث بالقرابة دون الفرض لا يجتمع إلا من كانت قرباه واحدة و أسبابه و درجته متساوية فعلى هذا لا يجتمع مع الولد الصلب ولد الولد ذكرا كان ولد الصلب أو أنثى لأنه أقرب بدرجة.

ص: 350

و كذلك لا يجتمع مع الأبوين و لا مع أحدهما ممن يتقرب بهما من الإخوة و الأخوات و الجد و الجدة على حال و لا يجتمع الجد و الجدة مع الولد الصلب و لا مع ولد الولد و إن نزلوا.و يجتمع الأبوان مع ولد الولد و إن نزلوا لأنهم بمنزلة الولد للصلب إذا لم يكن ولد الصلب.و الجد و الجدة يجتمعان مع الإخوة و الأخوات لأنهم في درج و الجد من قبل الأب بمنزلة الأخ من قبله و الجدة من قبله بمنزلة الأخت من قبله و الجد من قبل الأم بمنزلة الأخ من قبلها و الجدة من قبلها بمنزلة الأخت من قبلها.و أولاد الإخوة و الأخوات يقاسمون الجد و الجدة لأنهم بمنزلة آبائهم و آباء و الجد و الجدة و أمهاتهم يقاسمون الإخوة و أخوات أيضا.و لا يجتمع مع الجد و الجدة من يتقرب بهما من العم و العمة و الخال و الخالة و لا الجد الأعلى و لا الجدة العليا.و على هذا تجري جملة المواريث فإن فروعها لا تنحصر و الآيات التي قدمناها تدل على جميع ذلك من ظاهرها و من فحواها

باب بطلان القول بالعصبة و العول و كيفية الرد

الذي يدل على صحة مذهبنا و بطلان مذهبهم في العصبة زائدا على إجماع الطائفة الذي هو حجة

قوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ (1) و هذا نص في موضع الخلاف لأن الله صرح بأن للرجال من الميراث نصيبا و أن للنساء أيضا نصيبا و لم يخص

ص: 351


1- سورة النساء:7.

موضعا دون موضع فمن خص في بعض المواريث الرجال دون النساء فقد خالف ظاهر هذه الآية.و أيضا فإن توريث الرجال دون النساء مع المواساة في القربى و الدرجة من أحكام الجاهلية و قد نسخ الله بشريعة نبينا محمد ص أحكام الجاهلية و ذم من أقام عليها و استمر على العمل بها بقوله أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً (1) .و ليس لهم أن يقولوا إنا نخص الآية التي ذكرتموها بالسنة و ذلك أن السنة التي لا تقتضي العلم القاطع لا يخص [بها القرآن كما لا ينسخه بها و إنما يجوز بالسنة أن تخص] (2) أو تنسخ إذا كانت تقتضي العلم اليقين و لا خلاف في أن الأخبار المروية في توريث العصبة أخبار آحاد لا توجب علما و أكثر ما تقتضيه غلبة الظن على أن أخبار التعصيب معارضة بأخبار كثيرة يروونها في إبطال أن يكون الميراث بالعصبة و أن يكون بالقربى و الرحم و إذا تعارضت الأخبار رجعنا إلى ظاهر الكتاب.فإن قيل إذا كنتم تستدلون على أن العمات يرثن مع العمومة و بنات العم يرثن مع بني العم و ما أشبه ذلك من المسائل بقوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ الآية ففي هذه الآية حجة عليكم في موضع آخر لأنا نقول لكم ألا ورثتم العم أو ابن العم مع البنت بظاهر هذه الآية و كيف خصصتم النساء دون الرجال بالميراث في بعض المواضع و خالفتم ظاهر الآية فألا ساغ لمخالفكم مثل ما قلتموه.قلنا لا خلاف أن قوله لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ أن

ص: 352


1- سورة المائدة:50.
2- الزيادة من ج.

المراد به مع الاستواء في القرابة و الدرج أ لا ترى أنه لا يورث ولد الولد ذكورا أو إناثا مع ولد للصلب لعدم التساوي في الدرجة و القرابة و إن كانوا يدخلون تحت التسمية بالرجال و النساء و إذا كانت الدرجة و القرابة مراعاتين فالعم أو ابنه لا يساوي البنت في القربى و الدرجة و هو أبعد منها كثيرا و ليس كذلك العمومة و العمات و بنات العم و بنو العم لأن درجة هؤلاء واحدة و قرباهم متساوية و المخالف يورث الرجال منهم دون النساء فظاهر الآية حجة عليه و فعله مخالف لها و ليس كذلك قولنا في المسائل التي وقعت الإشارة إليها فالفرق واضح فليتأمل.

فصل

أما العول فإنه اسم يدخل في الفرائض في المواضع التي ينقص فيها المال عن السهام المفروضة منها فالذي يذهب إليه الإمامية أن المال إذا ضاق عن سهام الورثة قدم ذو السهام المولدة من الأبوين و الزوجين على البنات و الأخوات من الأب و الأم أو من الأب و جعل الفاضل من السهام لهن.و قال المخالف إن المال إذا ضاق عن سهام الورثة قسم بينهم على قدر سهامهم كما يفعل في الديون و الوصايا إذا ضاقت التركة عنها.و الذي يدل على صحة ما نذهب إليه بعد الإجماع أن المال إذا ضاق عن السهام كمرأة ماتت و خلفت ابنتين و أبوين و الزوج و المال يضيق عن الثلثين و السدس و الربع فنحن بين أمرين إما أن ندخل النقص على كل واحد من هذه السهام أو ندخلها على بعضها و قد أجمعت الأمة على أن البنتين هاهنا منقوصتان بلا خلاف فيجب أن يعطي الأبوين السدسين و الزوج الربع و يجعل ما بقي للبنتين و نخصهما بالنقص لأنهما منقوصتان بالإجماع و ما عداهما ما

ص: 353

وقع إجماع على نقصه من سهامه و لا قام دليل على ذلك.فظاهر الكتاب يقتضي أن له سهما معلوما فيجب أن نوفيه إياه و نجعل النقص لاحقا بمن أجمعوا على نقصه و قد استدل على ذلك بعض أصحابنا من القرآن و عليه اعتراضات كثيرة فأضربنا عنه.

فصل

و أما الرد فعندنا أن الفاضل عن فرض ذوي السهام من الورثة يرد على أصحاب السهام بقدر سهامهم و لا رد على الزوجين كمن خلف بنتا و أبا فللبنت بالتسمية النصف و للأب بالتسمية السدس و ما بقي بعد ذلك و هو ثلث المال رد عليهم بقدر أنصبائهما فللبنت ثلاثة أرباعه و للأب ربعه.و يمكن أن يستدل عليه

ص: 354

و الجواب عن ذلك أن النصف إنما وجب لها بالتسمية لأنها أخت و الزيادة إنما تأخذها لمعنى آخرها و هو الرد بالرحم و ليس يمتنع أن ينضاف سبب إلى آخر مثال ذلك الزوج إذا كان ابن عم و لا وارث معه فإنه يرث بالزوجية النصف و النصف الآخر عندنا لأجل القرابة و عند مخالفينا لأجل العصبة و لم يجب إذا كان الله تعالى قد سمى النصف له مع فقد الولد أن لا يزاد على ذلك لأنا قد بينا أن النصف قد يستحق بسبب آخر و هو الرد فاختلف السببان

باب بيان أن فرض البنتين الثلثان

إن سأل سائل عن

قوله تعالى فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ (1) فقال من أين تقولون إن فرض البنتين هو الثلثان و قوله فَوْقَ اثْنَتَيْنِ يتضمن بأن الثلثين سهم من زاد على البنتين دون البنتين.الجواب أن الله تعالى لما علمنا الفرائض و قال يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (2) نبه بذلك أولا على أن لكل ذكر حظ كل أنثيين لأن اللام التي في كلتا الكلمتين للجنس تفيد ما ذكرنا فلما بين لنا ذلك علمنا أن للابن سهم البنتين بهذا التصريح و علمنا أيضا أن للبنتين الثلثين بهذا البلوغ.و إنما قلنا ذلك لأنه إذا اجتمع ابن و بنت و كان للابن الثلثان و للبنت الثلث هاهنا علم من ذلك أن للبنتين الثلثين فكفى هذا النص في بيان فريضة البنتين و لم يحتج لأجل ذلك إلى غيره.

ص: 355


1- سورة النساء:12.
2- سورة النساء:11.

و ليس لأحد أن يقول إنما يتمشى لكم ذلك لو كان الثلثان في كل موضع نصيب الابن مع وجود البنتين و الثلاث فصاعدا أيضا كما كان مع بنت واحدة و ذلك لأن أول العدد على ظاهر القرآن ذكر و أنثى و للذكر الثلثان فلا اعتبار بما سواه من الأحوال لأن الدرجة الأولى هي التي يبنى عليها و اللفظ يقتضي ذلك.و يمكن أن يستدل على ذلك بوجه آخر و هو أن يقال إن الله تعالى بين نصيب الولد الذكر سهمين و ذكر الأنثيين و بين فرضهما من فحواه و بين فرض من فوق اثنتين من البنات بعده فدلت الآية على سهم البنتين كما ذكرناه من فحواها و دلت على حظ من زاد عليهما من الثلاث و الأربع فصاعدا من حيث ظاهر اللفظ و التصريح ليكون في باب الفصاحة أبلغ و من التكرار أبعد.و أما قوله فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ فقد علمنا به أن الثلثين فرض يسمى لمن زاد على البنتين أيضا كما أن هذه التسمية تتصور مع فقد جنس البنتين من الثلثين فرض لهما بالنص الأول إلا أن هذه التسمية إنما تتصور مع فقد جنس البنتين من الصلب.و كذا قوله وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ لأنه ليس للبنت الواحدة و لا للاثنتين فصاعدا مع وجود ابن فما زاد فرض مسمى بل يكون الميراث بينهما لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ و مثاله قوله تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ فسمى سبحانه للأخت الواحدة من الأب و الأم أو من الأب النصف و للأختين منه الثلثين.و إنما يصح ذلك شريطة فقد أحد من الإخوة فصاعدا أ لا ترى إلى قوله تعالى بعده وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قد أسقط

ص: 356

فيه الاعتبار الأول و أثبت لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فيه إذا كانوا رجالا و نساء.و استدل بعض الفقهاء على أن للبنتين الثلثين من هذه الآية و حمل ذاك على هذا و ليس ذلك بشيء.و ما أوردت أنا آية الكلالة في هذا الموضع للدلالة و إنما هي على طريق المثال و التمثيل جائز و ليس بقياس يدل عليه

مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي الرَّجُلِ يَرْمِي الصَّيْدَ وَ هُوَ يَؤُمُّ الْحَرَمَ فَتُصِيبُهُ الرَّمْيَةُ فَيَتَحَامَلُ بِهَا حَتَّى يَدْخُلَ الْحَرَمَ فَيَمُوتُ قَالَ ع لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ نَصَبَ شَبَكَةً فِي الْحِلِّ فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَاضْطَرَبَ حَتَّى دَخَلَ الْحَرَمَ فَمَاتَ فِيهِ قُلْتُ هَذَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْقِيَاسِ قَالَ لاَ إِنَّمَا شَبَّهْتُ لَكَ شَيْئاً بِشَيْءٍ (1). و ليس لأحد أن يقول ألزمت نفسك في إيراد هذا الجواب بهذا التطويل شيئا ليس يلزمك و قد أمكنك رد السائل بأن لو دفعته بإبطال دليل الخطاب و ذلك لأن هذه الآية مظنة للنصوص على المواريث مفصلة في أصولها غير مجملة ليست آية من القرآن بهذا التفصيل في المعنى.و لو أجبت السائل بذلك لكان دفعا بالراح و لم يكن مغنيا بل يلزمني مع ذلك إيراد النص على ذلك من الآية أو من موضع آخر من الكتاب أو السنة و الاشتغال بالأحسن أولى مع أن دليل الخطاب و إن كان المرتضى يمنع منه و هو قوي و كلامه لا غبار عليه فإن الشيخ المفيد كان يقول به و ينصره و الشيخ أبو جعفر الطوسي كان متوقفا فيه.فإن قيل إن ما استدللتم به ضرب من القياس و أنتم لا تقولون به.قلنا هذا كلام من لا يعرف دلالة النص و لا حكم القياس و ذلك لأنه لا

ص: 357


1- وسائل الشيعة 225/9.

خلاف بين الفقهاء المحصلين أن الخطاب الذي يستقل بنفسه و يمكن معرفة المراد به على أربعة أقسام أولها ما وضع في أصل اللغة لما أريد به و كان صريحا فيه سواء كان خاصا أو عاما فمتى خاطب الحكيم به يعلم المراد بظاهره.و ثانيها ما يفهم به المراد بفحواه لا بصريحه و ليست دلالة هذا الضرب في القوة يقصر عن الضرب الأول و في الوجهين ربما يحتاج إلى قرينة.و ثالثها تعليق الحكم بصفة الشيء فإنه يدل على أن ما عداه بخلافه على ما يدل و إن كان فيه خلاف على ما أشرنا إليه.و رابعها ما يدل فائدته عليه لا صريحه و لا فحواه و لا دليله.على أن الروايات عن أئمة الهدى ع الذين كان فيهم التنزيل و من عندهم التفسير و التأويل متظافرة في أن الثلثين فرض البنتين و كلامهم كله من رسول الله ص وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى .فعلمنا ذلك منهم ع و أجمعت الطائفة المحقة على صحتها فإذا أضفنا كتاب الله إليه فتلك دلالة تنضاف إلى دلالة و إلا ففي إجماع الإمامية كفاية.

فصل

وَ مِنْ شُجُونِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيَّ ذَكَرَ أَنَّ الْفَهْفَكِيَّ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيَّ ع فَقَالَ مَا بَالُ الْمَرْأَةِ الْمِسْكِينَةِ الضَّعِيفَةِ تَأْخُذُ سَهْماً وَاحِداً وَ يَأْخُذُ الرَّجُلُ الْقَوِيُّ سَهْمَيْنِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ع لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا جِهَادٌ وَ لاَ نَفَقَةٌ وَ لاَ مَعْقُلَةٌ إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي قَدْ كَانَ قِيلَ لِي

ص: 358

إِنَّ ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ فَأَقْبَلَ ع عَلَيَّ وَ قَالَ نَعَمْ هَذِهِ مَسْأَلَةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَ الْجَوَابُ مِنَّا وَاحِدٌ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَاحِداً (1).

وَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ قَدْ سَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِنَانٍ لِمَ صَارَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَقَالَ لِمَا جُعِلَ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ (2).

وَ قَالَ الرِّضَا ع إِعْطَاءُ النِّسَاءِ نِصْفَ مَا يُعْطَى الرِّجَالُ مِنَ الْمِيرَاثِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ أَخَذَتْ وَ الرَّجُلُ يُعْطِي فَلِذَلِكَ وُفِّرَ عَلَى الرِّجَالِ وَ لِأَنَّ الْأُنْثَى فِي عِيَالِ الذَّكَرِ إِنِ احْتَاجَتْ وَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُولَهَا وَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَعُولَ الرَّجُلَ وَ لاَ تُؤْخَذُ بِنَفَقَتِهِ إِنِ احْتَاجَ فَوُفِّرَ عَلَى الرَّجُلِ لِذَلِكَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ (3) .

باب أن القاتل خطأ يرث المقتول من التركة لا من الدية

يدل عليه ظواهر آيات المواريث كلها مثل

قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (4) .فإذا عورضنا بقاتل العمد فهو يخرج بدليل قاطع لم يثبت مثله في قاتل الخطإ.و يمكن أن يقوى ذلك أيضا بأن الخاطئ معذور فلا يجب أن يحرم

ص: 359


1- كشف الغمّة 299/3.
2- وسائل الشيعة 438/17.
3- عيون أخبار الرضا 96/2،و الآية في سورة النساء:34.
4- سورة النساء:11.

الميراث الذي يحرمه القاتل ظلما على سبيل العقوبة.فإن احتج المخالف بقوله وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ (1) فإن كان القاتل خطأ وارثا لما وجب عليه تسليم الدية.فالجواب عن ذلك أن وجوب تسليم الدية على القاتل إلى أهله لا يدل على أنه لا يرث ما دون هذه الدية من تركته لأنه لا تنافي بين الميراث و بين تسليم الدية و أكثر ما في ذلك أن لا يرث من الدية التي يجب عليه تسليمها شيئا و إلى هذا نذهب

باب أن المسلم يرث الكافر

جميع ظواهر آيات المواريث دالة على أن المسلم يرث الكافر لأن قوله يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يعم المسلم و الكافر و كذلك آية ميراث الأزواج و الزوجات و الكلالتين.و ظواهر هذه الآيات كلها تقتضي أن الكافر كالمسلم في الميراث فلما أجمعت الأمة على أن الكافر لا يرث المسلم أخرجناه بهذا الدليل الموجب للعلم.و نفي ميراث المسلم من الكافر تحت الظاهر كميراث المسلم من المسلم و لا يجوز أن يرجع عن هذا الظاهر بأخبار الآحاد التي يروونها لأنها توجب الظن و لا يخص بها و لا يرجع عما يوجب العلم من ظواهر الكتاب.و ربما عول بعض المخالفين لنا في هذه المسائل على أن المواريث بنيت على النصرة و الولاء بدلالة قوله تعالى وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا (2) فقطع بذلك الميراث بين المسلم المهاجر و بين المسلم الذي

ص: 360


1- سورة النساء:92.
2- سورة الأنفال:73.

لم يهاجر إلى أن نسخ ذلك بانقطاع الهجرة بعد الفتح فلذلك يرث الذكور من العصبة دون الإناث لنفي العقد و النصرة عن النساء و لذلك لا يرث القاتل عمدا ظلما و لا العبد لنفي النصرة.و هذا ضعيف جدا لأنا أولا لا نسلم أن المواريث بنيت على النصرة و المعونة لأن النساء يرثن و كذا الأطفال و لا نصرة هاهنا و علة ثبوت المواريث غير معلومة على التفصيل و إن كنا نعلم على سبيل الجملة أنها للمصلحة.و بعد فإن النصرة مبذولة من المسلم للكافر في الواجب على الحق كما أنها مبذولة للمسلم بهذه الشروط

باب أن ولد الولد ولد و إن نزل

الدليل على ذلك بعد الإجماع

قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ و هذا يدخل فيه الولد للصلب و ولد الولد و لا خلاف أن مع أولاد الابن للوالدين السدسين.و لا اعتبار بخلاف بعض أصحاب الحديث من أصحابنا لأن الإجماع عندنا إنما كان حجة لكون المعصوم فيه و من خالف فيه معلوم أنه ليس بمعصوم فلا يعتد بخلافه و لا ينعكس ذلك علينا لأنا لا نعلم أن كل من قال بما قلناه ليس بمعصوم لتجويز أن يكون بعض علماء الأمة الذي لا يعرف نسبه و لا ولادته إماما.فإن قيل لا نسلم أن ولد الولد ولد حقيقة.قلنا هذا خلاف القرآن لأن الله تعالى قال وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ (1) و لا خلاف أن امرأة ولد الولد يحرم نكاحها و وطؤها سواء كان

ص: 361


1- سورة النساء:23.

ولد ابن أو ولد بنت و إن نزلوا ببطون كثيرة لا خلاف بين الأمة في ذلك و إنما شرط في الآية بقوله اَلَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ لئلا يتوهم أن ولد الدعي الذي تبناه به يحرم عليه نكاح زوجته إذا فارقها فإن هذا الحكم يختص الولد للصلب و إن نزلوا.

و قال تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ (1) و لا خلاف أن من عقد عليه إنسان فإن الجد لا يجوز العقد عليها و إن علا و إذا كان الجد أبا في هذا الموضع فولد الولد يكون ولدا قال تعالى مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ (2) .

و قال تعالى نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ (3) و لا خلاف أنه عنى بذلك الحسن و الحسين ع لأنه لم يحضر المباهلة غيرهما من الأبناء.و أيضا فلو أن إنسانا وصى بثلث ماله لولد رسول الله ص و لولد علي ع كان يجب أن لا تصح الوصية لأن أولادهما للصلب ليسوا بموجودين و ولد الولد على هذا المذهب ليس بولد و كذا لو وقف وقفا عليهم كان يجب أن لا يصح الوقف لمثل ما قلناه و كل ذلك باطل بالاتفاق.فإن قيل لو كان ولد الولد ولدا على الحقيقة لوجب أن يكون المال بينهم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إذا كان ابن بنت و بنت ابن و المذهب بخلافه.قلنا في أصحابنا من ذهب إلى ذلك و كان المرتضى ينصره و نحن إذا قلنا بخلافه نقول لو خلينا و الظاهر لقلنا بذلك و لكن أجمعت الأمة على خلافه فإن مخالفينا لا يورثون ولد البنت مع ولد الابن شيئا أصلا و أصحابنا يقولون إن كل واحد يأخذ نصيب من يتقرب به

لِقَوْلِهِ ع وَلَدُ

ص: 362


1- سورة النساء:22.
2- سورة الحجّ:78.
3- سورة آل عمران:61.

الْوَلَدِ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلَدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ. فولد الابن يقوم مقام الابن ذكرا كان أو أنثى و ولد البنت يقوم مقام البنت و يأخذ نصيبها ذكرا كان أو أنثى و إذا أقمناهم مقام آبائهم و أمهاتهم فكان هم أولاد للصلب لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .على أنه لو كان ميراث ولد الولد بالرحم و القرابة لأدى إلى أنه إذا ترك بدرجتين عن ولد الصلب أن يكون المال للأخ دونه و إذا نزل ثلاث درج أن يكون المال للعم دونه إذا نزل بأربع درج أن يكون الميراث لابن العم دونه و أن يكون ولد الولد يقاسم الأخ و كل ذلك فاسد فكان يؤدي إلى أن يكون ولد الأخ لا يقاسم الجد و ولد ولد الأخ مع العم يكون المال للعم و ذلك باطل

باب الزيادات

أما قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ فمعناه يعهد إليكم و يأمركم في شأن ميراث أولادكم بما هو العدل و المصلحة و هذا إجمال تفصيله لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (1) .فإن قيل هلا قيل للأنثيين مثل حظ الذكر.قلنا بدأ ببيان حظ الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك و لأنهم كانوا يورثون الذكور دون الإناث و هو السبب لورود الآية فقيل كفى الذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث فلا يتمادى في حظهن حتى يحرمن مع إدلائهن من القرابة بمثل ما يدلون به و تقديره للذكر منهم فحذف الراجع إليه لأنه مفهوم كقولهم السمن منوان بدرهم.

ص: 363


1- سورة النساء:11.

مسألة

أول من يتقرب إلى الميت بنفسه الولد و الوالدان

قال تعالى يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ثم قال وَ لِأَبَوَيْهِ إلى قوله عَلِيماً حَكِيماً فقدم الولد و الوالدين على جميع ذوي الأرحام لقربهم من الميت و أخر من سواهم من الأهل عن رتبتهم في القربى و جعل لكل واحد منهم نصيبا سماه له و بينه لنزول الشبهة عمن عرفه في استحقاقه.

مسألة

و قوله وَ لِأَبَوَيْهِ الضمير للميت و ما بعده بدله بتكرير العامل و الإبدال و التفصيل بعد الإجمال تأكيد و تشديد.فإن قيل كيف يصح أن يتناول الإخوة الأخوين و الجمع خلاف التثنية.قلنا الإخوة يفيد الجمعية المطلقة بغير كمية و التثنية كالتثليث و التربيع في إفادة الكمية و هذا موضع الدلالة على الجمع المطلق فدل بالإخوة عليه.

مسألة

ص: 364

من ذي قرابتي و يجوز أن يكون صفة كالفقاقة للأحمق.فإن جعلتها اسما للقرابة في الآية فانتصابها على أنه مفعول له أي يورث لأجل الكلالة أو يورث غيره لأجلها فإن جعلت يورث على البناء للمفعول من أورث فالرجل حينئذ هو الوارث لا الموروث و كلالة حال أو مفعول به إذا قرئ يورث على البناء للفاعل بالتخفيف و التشديد

ص: 365

كتاب الحدود

اشارة

الحد في أصل اللغة المنع و حد العاصي سمي به لأنه شيء يمنعه عن المعاودة و الحدود في الشريعة معروفة موضوعة للعصاة لا يجوز أن يتجاوز عنها و قد أمر الله بها في أشياء مخصوصة و نحن نذكر جميع وجوهها و جميع أحكامها بابا بابا إن شاء الله تعالى.

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ ع أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ بِالسَّوْطِ وَ بِنِصْفِ السَّوْطِ وَ بِبَعْضِ السَّوْطِ يَعْنِي الْحُدُودَ إِذَا أُتِيَ بِغُلاَمٍ أَوْ جَارِيَةٍ لَمْ يُدْرِكَا لَمْ يَكُنْ يُبْطِلُ حَدّاً مِنْ حُدُودِ اللَّهِ قِيلَ لَهُ كَيْفَ كَانَ يَضْرِبُ بِبَعْضِهِ قَالَ كَانَ يَأْخُذُ السَّوْطَ بِيَدِهِ مِنْ وَسَطِهِ فَيَضْرِبُ بِهِ أَوْ مِنْ ثُلُثِهِ فَيَضْرِبُ عَلَى قَدْرِ أَسْنَانِهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُهُمْ بِالسَّوْطِ وَ لاَ يُبْطِلُ حَدّاً مِنْ حُدُودِ اللَّهِ (1).

وَ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ ع إِنَّ اللَّهَ حَدَّ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تَنْقُصُوهَا وَ سَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ وَ لَمْ يَسْكُتْ عَنْهَا نِسْيَاناً لَهَا فَلاَ تَتَكَلَّفُوهَا رَحْمَةً

ص: 366


1- الكافي 176/7 مع اختلاف في بعض الألفاظ.

مِنَ اللَّهِ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا (1). [و المريض إذا وجب عليه حد دون هلاكه يؤخذ دقاق فيضرب عليه لمرة أو مرتين

قال الله تعالى وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ] (2) .

فصل

قال الله تعالى وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (3) شرع الله تعالى في بدو الإسلام إذا زنت الثيب أن تحبس حتى تموت و البكر أن تؤذى و توبخ حتى تتوب ثم نسخ هذا الحكم فأوجب على الثيب الرجم و على البكر جلد مائة.

وَ رَوَى عِبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ : خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (4) الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَ تَغْرِيبُ عَامٍ وَ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَ الرَّجْمُ (5). و قيل المراد بالآية الأولى الثيب و بالثانية البكر بدلالة أنه أضاف النساء إلينا في الأولى فقال وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فكانت إضافة زوجية لأنه لو أراد غير الزوجات لقال من النساء و لا فائدة للزوجية هاهنا إلا أنها ثيب.و قال أكثر المفسرين إن هذه الآية منسوخة لأنه كان الفرض الأول أن

ص: 367


1- من لا يحضره الفقيه 75/4.
2- الزيادة من م،و الآية في سورة ص:44.
3- سورة النساء:15.
4- الآية في سورة النساء:15 «أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً». .
5- مسند أحمد بن حنبل 313/5.

المرأة إذا زنت و قامت عليها البينة بذلك أربعة شهود أن تحبس في البيت أبدا حتى تموت ثم نسخ ذلك بالرجم في المحصنين و الجلد في البكرين.

فصل

و قوله أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَى السَّبِيلِ أَنَّهُ الْجَلْدُ لِلْبِكْرِ مِائَةٌ وَ لِلثَّيِّبِ الْمُحْصَنِ الرَّجْمُ. و قوله يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ أي بالفاحشة فحذف الباء كما يقولون أتيت أمرا عظيما أي بأمر عظيم.و قال أبو مسلم وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ هي المرأة تخلو بالمرأة في الفاحشة المذكورة عنهن أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً بالتزويج و و الاستغناء بالنكاح و هذا خلاف ما عليه المفسرون لأنهم متفقون على أن الفاحشة المذكورة في الآية هي الزنا و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع (1).

وَ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي قَالَ النَّبِيُّ ص قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَ تَغْرِيبُ عَامٍ وَ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الْجَلْدُ ثُمَّ الرَّجْمُ (2). قال الحسن و قتادة إذا جلد البكر فإنه ينفى سنة و هو مذهبنا و قال الجبائي النفي يجوز من طريق اجتهاد الإمام و أما من وجب عليه الجلد و الرجم فإنه يجلد أولا ثم يرجم و أكثر الفقهاء على أنهما لا يجتمعان في الشيخ الزاني المحصن أيضا.و ثبوت الرجم معلوم من جهة التواتر لا يختلج فيه شك (3) و لا اعتداد بخلاف الخوارج فيه.

ص: 368


1- انظر تفسير البرهان 353/1.
2- مستدرك الوسائل 226/3.
3- لانه عليه السلام رجم ماعز بن مالك الاسلمى حين أقر بالزنا أربع مرّات عند النبيّ عليه السلام و قال:يا رسول اللّه قد زنيت فطهرنى«ه».

و أما قوله وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما (1) المعنى بقوله اللذان فيه ثلاثة أقوال أقواها ما قال الحسن و عطا إنهما الرجل و المرأة و قال السدي و ابن زيد هما البكران من الرجال و النساء و قال مجاهد هما الرجلان الزانيان.قال الرماني قول مجاهد لا يصح لأنه لو كان كذلك لكان للتثنية معنى لأنه إنما يجيء الوعد و الوعيد بلفظ الجمع لأنه لكل واحد منهم أو بلفظ الواحد لدلالته على الجنس الذي يعمهم جميعهم و أما التثنية فلا فائدة فيها و الأول أظهر.و قال أبو مسلم هما الرجلان يخلوان في الفاحشة بينهما.و الذي عليه جمهور المفسرين أن الفاحشة هي الزنا هاهنا و أن الحكم المذكور في هذه الآية منسوخ بالحد المفروض في سورة النور و بعضهم قال نسخها الحدود بالرجم أو الجلد.و قوله تعالى فَآذُوهُما قيل في معناه قولان أحدهما قول ابن عباس و هو التعيير باللسان و الضرب بالنعال و قال مجاهد هو التوبيخ.فإن قيل كيف ذكر الأذى بعد الحبس.قلنا فيه ثلاثة أوجه أحدها قول الحسن إن هذه الآية نزلت أولا ثم أمر بأن يوضع في التلاوة بعد مكان الأذى أولا ثم الحبس ثم بعد ذلك نسخ الحبس بالجلد أو الرجم.الثاني قال السدي إنه في البكرين خاصة دون الثيبين و الأولى في الثيبين دون البكرين.الثالث قول الفراء إن هذه الآية نسخت الأولى.

ص: 369


1- سورة النساء:16.

و قال الجبائي في الآية دلالة على نسخ القرآن بالسنة المقطوع بها لأنها نسخت بالرجم أو الجلد و الرجم ثبت بالسنة و من خالف في ذلك يقول هذه الآية نسخت بالجلد في الزنا و أضيف إليه الرجم زيادة لا نسخا و لم يثبت نسخ القرآن بالسنة.و أما الأذى المذكور في الآية فليس بمنسوخ فإن الزاني يؤذى و يوبخ على فعله و يذم و إنما لا يقتصر عليه فزيد في الأذى إقامة الحد عليه و إنما نسخ الاقتصار عليه.

وَ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عُمَرَ فَقَالَتْ إِنِّي فَجَرْتُ فَأَقِمْ عَلَيَّ حَدَّ اللَّهِ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا وَ كَانَ عَلِيٌّ ع حَاضِراً فَقَالَ لَهُ سَلْهَا كَيْفَ فَجَرْتِ قَالَتْ كُنْتُ فِي فَلاَةٍ مِنَ الْأَرْضِ أَصَابَنِي عَطَشٌ شَدِيدٌ فَرُفِعَتْ لِي خَيْمَةٌ فَأَتَيْتُهَا فَأَصَبْتُ فِيهَا أَعْرَابِيّاً فَسَأَلْتُهُ الْمَاءَ فَأَبَى عَلَيَّ أَنْ يَسْقِيَنِي إِلاَّ أَنْ أُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِي فَوَلَّيْتُ مِنْهُ هَارِبَةً فَاشْتَدَّ فِيَّ الْعَطَشُ حَتَّى غَارَتْ عَيْنَايَ وَ [ذَهَبَ لِسَانِي] فَلَمَّا بَلَغَ مِنِّي [الْعَطَشُ] أَتَيْتُهُ فَسَقَانِي وَ وَقَعَ عَلَيَّ فَقَالَ عَلِيٌّ ع هَذِهِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (1) هَذِهِ غَيْرُ بَاغِيَةٍ وَ لاَ عَادِيَةٍ فخلا [فَخَلَّى] سَبِيلَهَا (2).

فصل

أما قوله اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (3) الآية فإن حكم الزنا لا يثبت إلا بشيئين أحدهما بإقرار الفاعل بذلك على نفسه مع كمال عقله من غير إجبار

ص: 370


1- سورة البقرة:173.
2- من لا يحضره الفقيه 35/4 و الزيادتان منه.
3- سورة النور:2.

أربع مرات في أربع مجالس فلو أقر بالوطي في الفرج أربعا حكم له بالزنا و إن أقر أقل من ذلك كان عليه التعزير.و الثاني قيام البينة بالزنا و هو أن يشهد أربعة عدول على مكلف بأنه وطئ امرأة ليس بينها و بينه عقد و لا شبهة عقد و شاهدوا وطئها في الفرج فإذا شهدوا كذلك قبلت شهادتهم و حكم عليه بالزنا و وجب عليه ما يجب على فاعليه من أي قسم كان على ما ذكرناه.أمر الله في هذه الآية أن يجلد الزاني و الزانية إذا لم يكونا محصنين كل واحد منهما مائة جلدة و إذا كانا محصنين أو أحدهما كان على المحصن الرجم بلا خلاف.و عندنا أنه يجلد أولا مائة جلدة ثم يرجم و في أصحابنا من خص ذلك بالشيخ و الشيخة إذا زنيا و كانا محصنين كما ذكرناه فأما إذا كانا شابين محصنين لم يكن عليهما غير الرجم و هو قول مسروق.و الإحصان الذي يوجب الرجم هو أن يكون له زوج يغدو إليها و يروح على وجه الدوام و كان حرا فأما العبد فلا يكون محصنا و كذا الأمة لا تكون محصنة و إنما عليهما نصف الحد خمسون جلدة.و الحر متى كان عنده زوجة سواء كانت حرة أو أمة يتمكن من وطئها مخلى بينه و بينها أو كانت هذه أمة يطأها بملك اليمين فإنه متى زنى وجب عليه الرجم.و من كان غائبا عن زوجته شهرا فصاعدا أو كان محبوسا أو هي محبوسة هذه المدة فلا إحصان و من كان محصنا على ما قدمناه و قد ماتت زوجته أو طلقها بطل إحصانه.

فصل

و قد استدل بعض المفسرين على الرجم حيث يجب الرجم و على القتل

ص: 371

حيث يجب القتل في الزنا من الكتاب

فإن الله تعالى وضع قوله وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً (1) في الأنعام و بني إسرائيل بين قوله وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ (2) و قوله وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ (3) إشارة إلى ذلك لأن الحق الذي يستباح به قتل النفس في الشريعة الكفر بعد الإيمان و قود النفس الحرام و الزنا بعد الإحصان.و ما ذكرنا من أنه يجمع على الزاني المحصن الجلد و الرجم يبدأ بالجلد و يثنى بالرجم و دليلنا عليه إجماع الطائفة المحقة فإنه لا خلاف في استحقاق المحصن الرجم و إنما الخلاف في استحقاق الجلد.و الذي يدل على استحقاقه إياه قوله تعالى اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ و المحصن يدخل تحت هذا الاسم فيجب أن يكون مستحقا للجلد فكأنه تعالى قال اجلدوهما لأجل زناهما و إذا كان الزنا علة لاستحقاق الحد وجب في المحصن كما وجب في غيره و استحقاقه الرجم غير مناف لاستحقاقه الجلد لأن استحقاق الحدين لا يتنافى و اجتماع الاستحقاقين لا يتناقض و لا تحمل هذه الآية على الإنكار لأنه تخصيص بغير دليل.و الخطاب بهذه الآية و إن كان متوجها إلى الجماعة فالمراد به الأمة بلا خلاف لأن إقامة الحد ليس لأحد إلا للإمام أو لمن نصبه الإمام.فإذا كان الذي من وجب عليه الرجم قد قامت عليه بينة كان أول من يرجمه الشهود ثم الإمام ثم الناس و إن كان قد وجب عليه بإقراره على نفسه كان أول من يرجمه الإمام ثم الناس (2).

ص: 372


1- سورة الإسراء:32. (2-3) سورة الأنعام:151.
2- الزيادة من م.

و ليس كل وطي حرام زنا لأنه قد يطأ في الحيض و النفاس و هو حرام و لا يكون زنا و كذا لو وجد امرأة على فراشه فظنها زوجته أو أمته فوطئها لم يكن ذلك زنا لأنه شبهة

عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ إِذَا وَطِئَهَا مِنْ غَيْرِ تَحَرُّزٍ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ سِرّاً وَ عَلَيْهَا جَهْراً. و يمكن الجمع بين الروايتين.

فصل

قوله

وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ (1) معناه لا تمنعكم الرحمة من إقامة الحد و قال الحسن لا يمنعكم ذلك من الجلد الشديد أي إن كنتم تصدقون بما وعد الله و توعد عليه و تقرون بالبعث و النشور و لا يأخذكم فيما ذكرناه الرأفة و لا يمنعكم من إقامة الحد على ما ذكرناه فمن وجب عليه الجلد فاجلدوه مائة جلدة كأشد ما يكون من الجلد و يفرق الضرب على بدنه و يبقى الوجه و الرأس و الفرج.و الرجم يكون بأحجار صغار و يكون الرجم من وراء المرجوم لئلا يصيب وجهه من ذلك شيء.و ينبغي أن يشعر الناس بالحضور ثم يجلد بمحضر منهم لينزجروا عن مواقعة مثله قال تعالى وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .قال عكرمة الطائفة رجلان فصاعدا و قال قتادة و الأزهري هم ثلاثة فصاعدا و قال ابن زيد أقله أربعة و قال الجبائي من زعم أن الطائفة أقل من ثلاثة فقد غلط من جهة اللغة و قال ليس لأحد أن يقيم الحد إلا الأئمة و ولاتهم و من خالف فيه فقد غلط كما أنه ليس للشاهد أن يقيم الحد.و قد دخل المحصن في حكم الآية بلا خلاف و كان سيبويه يذهب إلى أن

ص: 373


1- سورة النور:2.

التأويل فيما فرض عليكم الزانية و الزاني و لو لا ذلك لنصب بالأمر و قال المبرد إذا رفعته ففيه معنى الجزاء و لذلك دخل الفاء في الخبر و التقدير التي تزني و الذي يزني و معناه من زنى فاجلدوا فيكون على ذلك عاما في الجنس. ثم قال اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً إلى قوله وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (1) قيل المراد بقوله يَنْكِحُ يجامع و المعنى أن الزاني لا يزني إلا بزانية و الزانية لا يزني بها إلا زان و جملة ما في هذه الآية تحريم الزنا.و قال الحسن رجم النبي ص الثيب و أراد عمر أن يكتبه في آخر المصحف ثم تركه لئلا يتوهم أنه من القرآن (2).و قال قوم إنه من القرآن و إن ذلك منسوخ التلاوة دون الحكم.

وَ عَنْ عَلِيٍّ ع أَنَّ الْمُحْصَنَ يُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَةٍ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ يُرْجَمُ بِالسُّنَّةِ وَ أَنَّهُ أُمِرَ بِذَلِكَ (3).

فصل

و مما يكشف عن ذلك قوله تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إلى قوله يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا (4) .قال ابن عباس أي أرسلوا بهم في قصة زان محصن فقالوا لهم إن أفتاكم محمد بالجلد فخذوه و إن أفتاكم بالرجم فلا تقبلوه لأنهم كانوا قد صرفوا حكم

ص: 374


1- سورة النور:3.
2- الدّر المنثور 19/5.
3- مستدرك الوسائل 222/3.
4- سورة المائدة:41.

الحد الذي في التوراة إلى جلد أربعين و تسويد الوجه و الإشهار على حمار.

وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّ امْرَأَةً مِنْ خَيْبَرَ فِي شَرَفٍ مِنْهُمْ زَنَتْ وَ هِيَ مُحْصَنَةٌ فَكَرِهُوا رَجْمَهَا فَأَرْسَلُوا إِلَى يَهُودِ الْمَدِينَةِ يَسْأَلُونَ مُحَمَّداً طَمَعاً أَنْ يَكُونَ أَتَى بِرُخْصَةٍ فَسَأَلُوا فَقَالَ هَلْ تَرْضَوْنَ بِقَضَائِي فَقَالُوا نَعَمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرَّجْمَ فَأَبَوْهُ فَقَالَ جِبْرِيلُ سَلْهُمْ عَنِ ابْنِ صُورِيَا ثُمَّ اجْعَلْهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ ع تَعْرِفُونَ ابْنَ صُورِيَا قَالُوا نَعَمْ هُوَ أَعْلَمُ يَهُودِيٍّ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَتَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى الرَّجْمَ عَلَى مَنْ أُحْصِنَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا نَعَمْ وَ الَّذِي ذَكَرْتَنِي لَوْ لاَ مَخَافَتِي مِنْ رَبِّ التَّوْرَاةِ أَنْ يُهْلِكَنِي إِنْ كَتَمْتُ مَا اعْتَرَفْتُ لَكَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (1) فَقَامَ ابْنُ صُورِيَا وَ سَأَلَهُ أَنْ يَذْكُرَ الْكَثِيرَ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَأَعْرَضَ ع عَنْ ذَلِكَ (2). قال أهل التفسير سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ قابلون له كما يقال لا تسمع من فلان أي لا تقبل منه.و قيل قال المنافقون لليهود إن أمركم محمد بالجلد فخذوه و اجلدوا و إن أمركم بالرجم فلا تقبلوا و سلوه عن ذلك لقوله لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ (3) الآية نهى الله نبيه ع أن يحزنه الذين يتبادرون في الكفر من المنافقين و من اليهود.و رفع قوله سَمّاعُونَ فيه قولان قال سيبويه هو ابتداء و الخبر مِنَ الَّذِينَ

هادُوا الثاني قال الزجاج هو رفع على أنه خبر مبتدإ و تقديره المنافقون هم اليهود سماعون للكذب و في معناه قولان أحدهما سماعون كلامك للكذب عليك سماعون كلامك لقوم آخرين لم يأتوك ليكذبوا عليك إذا رجعوا إليهم أي هم عيون عليك و قيل إنهم كانوا رسل أهل خيبر و أهل خيبر لم يحضروا فلهذا جالسوك

ص: 375


1- سورة المائدة:15.
2- نور الثقلين 629/1.
3- سورة آل عمران:176.

هادُوا الثاني قال الزجاج هو رفع على أنه خبر مبتدإ و تقديره المنافقون هم اليهود سماعون للكذب و في معناه قولان أحدهما سماعون كلامك للكذب عليك سماعون كلامك لقوم آخرين لم يأتوك ليكذبوا عليك إذا رجعوا إليهم أي هم عيون عليك و قيل إنهم كانوا رسل أهل خيبر و أهل خيبر لم يحضروا فلهذا جالسوك

باب غير المسلم يفجر بالمسلم :

رَوَى جَعْفَرُ بْنُ رِزْقِ اللَّهِ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ بَعَثَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيِّ ع مَنْ سَأَلَهُ عَنْ نَصْرَانِيٍّ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ فَلَمَّا أُخِذَ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَسْلَمَ فَأَجَابَ ع أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ أَنْ يُضْرَبَ حَتَّى يَمُوتَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ (1) .

باب الحد في اللواط و السحق

قال الله تعالى وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ قال محمد بن بحر هذه الآية في الساحقات و قوله وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما في أهل اللواط.و أجمع السلف و الخلف ما عداه على أن الآيتين في الزناة و الزواني و أن هذين الحكمين كانا في أول الإسلام ثم نسخا بحكم الجلد و الرجم.ثم اعلم أن اللوطي إذا أوقب في الدبر يجب فيه القتل من غير مراعاة

ص: 376


1- من لا يحضره الفقيه 37/4 و الآية في سورة غافر:84.

للإحصان فيه و الذي يقوي ذلك أن الحدود إنما وضعت في الشريعة للزجر عن فعل الفواحش و الجنايات و كلما كان الفعل أفحش كان الزجر أقوى و لا خلاف في أن اللواط أفحش من الزنا و الكتاب ينطق بذلك فيجب أن يكون الزجر أقوى و ليس هذا بقياس و لكنه ضرب من الاستدلال و ربما قيل إن اللواط أفحش من الزنا لأنه إصابة لفرج لا يستباح إصابته و ليس كذلك الزنا.على أنه ليس يلزمنا تعليل الأحكام الشرعية فمتى نص الله على حكم في كتابه أو على لسان نبيه ع فنحن نتلقاه بالقبول.

وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَ هِشَامٍ وَ حَفْصٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ نِسْوَةٌ فَسَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ عَنِ السَّحْقِ فَقَالَ حَدُّهَا حَدُّ الزَّانِي فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ بَلَى فَقَالَتْ وَ أَيْنَ فَقَالَ هُنَّ أَصْحَابُ الرَّسِّ (1). فإذا ساحقت المرأة أخرى وجب على كل واحدة منهما مائة جلدة حدا و إن كانتا محصنتين كان على كل واحدة منهما الرجم.و يثبت الحكم فيه بقيام البينة و هي شهادة أربعة عدول أو إقرار المرأة على نفسها أربع مرات دفعة بعد أخرى من غير إكراه مع كمال عقلها.و أما اللواط و هو الفجور بالذكران فيثبت فيه الحد بإقرار المرء على نفسه فاعلا كان أو مفعولا أربع مرات على ما ذكرناه أو قيام البينة يشهدون على الفاعل و المفعول به في الفعل و يدعون المشاهدة كالميل في المكحلة كما هو في الزنا.و من ثبت عليه حكم اللواط بفعله الإيقاب كان حده أحد خمسة أشياء إما يرمى من مكان عال أو يرمى عليه جدار أو يضرب رقبته أو يرجم أو

ص: 377


1- وسائل الشيعة 425/18.

يحرق بالنار و إن أقيم عليه الحد بأحد الأربعة ثم يحرق جاز ذلك تغليظا و تشديدا للعقوبة و تعظيما لها.و الجامع بين الفاجرين يجب عليه ثلاثة أرباع حد الزاني

باب الحد في شرب الخمر

من شرب شيئا من المسكر قليلا أو كثيرا وجب عليه الحد ثمانون جلدة حد المفتري.و قد ذكرنا في باب تحريم الخمر

أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ شَرِبَ الْخَمْرَ فَلَمَّا أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَحُدَّهُ قَالَ لَهُ قُدَامَةُ لاَ يَجِبْ عَلَيَّ الْحَدُّ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع أَقِمْ عَلَى قُدَامَةَ الْحَدَّ فَلَمْ يَدْرِ عُمَرُ كَيْفَ يَحُدُّهُ فَقَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَشِرْ عَلَيَّ فِي حَدِّهِ فَقَالَ حُدَّهُ ثَمَانِينَ إِنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ إِذَا شَرِبَهَا سَكِرَ وَ إِذَا سَكِرَ هَذَى وَ إِذَا هَذَى افْتَرَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً (1) فَجَلَدَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ (2). و قد كان عثمان بن عفان يرى في حد شرب الخمر أربعين جلدة فشرب بعض أقاربه في عهده و شهد عليه شاهدا عدل فأشار إلى أمير المؤمنين ع بضربه فضربه بدرة لها رأسان أربعين جلدة فكانت ثمانين (3).

ص: 378


1- سورة النور:4.
2- تهذيب الأحكام 93/10.
3- الكافي 215/7،صحيح مسلم 131/3.

و ليس هذا الحد حملا على حد القذف و لم يكن ما ذكره لعمر اجتهادا من علي ع و إنما أومى إلى بعض ما سمعه من النبي ص في وجه ذلك.و من شرب الخمر مستحلا لها حل دمه إذا استتيب كما هو الواجب و لم يتب فإن تاب أقيم عليه حد الشرب.و شارب المسكر يجلد عريانا على ظهره و كتفيه.

وَ أُتِيَ بِرَجُلٍ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ ص قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَ أَقَرَّ بِذَلِكَ فَقِيلَ لِمَ شَرِبْتَهَا وَ هِيَ مُحَرَّمَةٌ قَالَ أَسْلَمْتُ وَ مَنْزِلِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَ يَسْتَحِلُّونَهَا وَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهَا حَرَامٌ فَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع ابْعَثُوا مَنْ يَدُورُ بِهِ عَلَى مَجَالِسِ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ فَمَنْ تَلاَ عَلَيْهِ آيَةَ التَّحْرِيمِ فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ تَلاَ عَلَيْهِ آيَةَ التَّحْرِيمِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فَفُعِلَ بِالرَّجُلِ مَا قَالَهُ فَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَقَالَ سَلْمَانُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع لَقَدْ أَرْشَدْتَهُمْ فَقَالَ ع إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُجَدِّدَ تَأْكِيدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيَّ وَ فِيهِمْ أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (1) .

باب الحد في السرقة

قال الله تعالى وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (2) ظاهر الآية يقتضي وجوب القطع على كل من يكون سارقا أو سارقة لأن الألف و اللام إن دخلا

ص: 379


1- الكافي 249/7 بمضمونه،و الآية في سورة يونس:35.
2- سورة المائدة:38.

على الأسماء المشتقة أفادا الاستغراق إذا لم يكن للعهد دون تعريف الجنس على ما ذهب إليه قوم و قد دل على ذلك في كتب أصول الفقه.فأما من قال القطع لا يجب إلا على من كان سارقا مخصوصا من مكان مخصوص مقدارا مخصوصا و ظاهر الآية لا ينبئ عن تلك الشروط فيجب أن تكون الآية مجملة مفتقرة إلى بيان فقوله فاسد لأن ظاهر الآية يقتضي وجوب القطع على كل من يسمى سارقا و إنما يحتاج إلى معرفة الشروط ليخرج من جملتهم من لا يجب قطعه فأما من يقطع فإنما نقطعه بالظاهر و الآية مجملة فيمن لا يجب قطعه دون من يجب قطعه فسقط ما قالوه.و قال ابن جرير الظاهر يوجب أن يقطع من سرق كائنا من كان إلا أنه

صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ع أَنَّهُ قَالَ : الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً (1). و قوله فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما أمر من الله بقطع أيدي السارق و السارقة و المعنى أيمانهما و إنما جمعت الأيدي لأن كل شيء من شيئين فتثنيته بلفظ الجمع كما قال تعالى فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما و يمكن أن يقال إن في جمع أيديهما هنا إشارة إلى من سرق و ليس له اليمنى بل كانت قطعت في القصاص أو غير ذلك و كان له اليسرى قطعت له اليسرى.و نحن إنما اعتبرنا قطع الأيمان لإجماع المفسرين عليه و

لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَ السَّارِقُونَ وَ السَّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا .

فصل

و كيفية القطع عندنا يجب من أصول الأصابع الأربعة و يترك الإبهام و الكف و هو المشهور عن أمير المؤمنين ع و قال أكثر الفقهاء إنه يقطع من

ص: 380


1- سنن النسائى 72/8.

المفصل من الكف و الساعد و قالت الخوارج يقطع من الكف.و أما الرجل فعندنا تقطع الأصابع الأربع من مشط مسقط القدم و يترك الإبهام و العقب دليلنا إنما قلناه مجمع على وجوب قطعه و ما قالوه ليس عليه دليل.و اليد يقع على جميع اليد إلى الكتف و لا يجب قطعه إليه بلا خلاف إلا ما حكيناه عمن لا يعتد به و قد

استدل عليه قوم من أصحابنا بقوله فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ (1) قالوا إنما يكتبونه بالأصابع و المعتمد ما قلناه.على أنه يمكن أن يستدل على ذلك بقوله وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ (2) و معلوم بإجماع المفسرين على أن النور ما كان في أكثر من أربع أصابع موسى ع.و يستدل على وجه آخر على أنه يجب قطع يد السارق من أصول الأصابع و يبقى له الراحة و الإبهام و في السرقة الثانية يجب قطع رجله من صدر القدم و يبقى له العقب.و هو أنا نقول إن الله أمر بقطع يد السارق بظاهر الكتاب و اسم اليد يقع على هذا العضو من أوله إلى آخره و يتناول كل بعض منه أ لا ترى أنهم يسمون من عالج شيئا بأصابعه أنه قد فعل شيئا بيده قال تعالى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ و آية الطهارة تتضمن التسمية باليد إلى المرفق فإذا وقع اسم اليد على هذه المواضع كلها و أمر الله بقطع يد السارق و لم ينضم إلى ذلك بيان مقطوع عليه في موضع القطع وجب الاقتصار على أقل ما يتناوله الاسم لأن القطع و الإتلاف محظور عقلا فإذا أمر الله تعالى به و لا بيان وجب الاقتصار

ص: 381


1- سورة البقرة:79.
2- سورة النمل:12.

على أقل ما يتناوله الاسم و أقل ما يتناوله الاسم مما وقع الخلاف فيه هو ما ذهب إليه الإمامية.فإن قيل هذا يقتضي أن يقتصر على قطع أطراف الأصابع و لا يوجب أن يقطع من أصولها.قلنا الظاهر يقتضي ذلك و الإجماع منع منه

وَ قَدْ رَوَى النَّاسُ كُلُّهُمْ أَنَّ عَلِيّاً ع قَطَعَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الْحَالِ وَ لاَ مُنَازِعٌ وَ كَانَ ع يَقُولُ إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ تُدْرِكَهُ التَّوْبَةُ فَيَحْتَجُّ عَلَيَّ عِنْدَ اللَّهِ أَنِّي لَمْ أَدَعْ لَهُ مِنْ كَرَائِمِ بَدَنِهِ مَا يَرْكَعُ بِهِ وَ يَسْجُدُ (1). و إذا اشترك نفسان أو جماعة في سرقة ما يبلغ النصاب من حرز قطع جميعهم لأن قوله وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ظاهره يقتضي أن القطع إنما وجب بالسرقة المخصوصة و كل واحد من الجماعة يستحق هذا الاسم فيجب أن يستحق القطع.

فصل

و النصاب الذي يتعلق القطع به قيل فيه ستة أقوال أولها مذهبنا و هو ربع دينار و به قال الشافعي و الأوزاعي

لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ (2). الثاني ثلاثة دراهم و هو قيمة المجن ذهب إليه مالك بن أنس.الثالث خمسة دراهم

رَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ع وَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالاَ لاَ يُقْطَعُ إِلاَّ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ. و هو اختيار أبي علي قال لأنه بمنزلة

ص: 382


1- تفسير البرهان 471/1.
2- سنن النسائى 72/8.

من منع خمسة دراهم من الزكاة فإنه فاسق.الرابع قال الحسن يقطع في درهم لأن ما دونه تافه.الخامس قال أبو حنيفة خمسة دراهم و قد روى أصحابه لأنه كان قيمة المجن.السادس قال أصحاب الظاهر يقطع في القليل و الكثير.و لا يقطع إلا من سرق من حرز و الحرز مختلف فلكل شيء حرز يعتبر فيه حرز مثله في العادة و حده أصحابنا بأنه كل موضع لم يكن لغيره الدخول إليه و التصرف فيه إلا بإذنه فهو حرز قال الجبائي الحرز أن يكون في بيت أو دار يغلق عليه و له من يراعيه و يحفظه.و من سرق من غير حرز لا يجب عليه القطع قال الرماني لأنه لا يسمى سارقا حقيقة و إنما يقال ذلك مجازا كما يقال سارق كلمة أو معنى في شعر لأنه لا يطلق على هذا الاسم سارق على كل حال و قال داود يقطع إذا سرق من غير حرز.فعلى هذا السارق الذي يجب عليه القطع هو الذي يسرق من حرز ربع دينار فصاعدا أو ما قيمته كذلك و يكون كامل العقل و الشبهة عنه مرتفعة حرا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا.و إذا سرق نفسان فصاعدا ما قيمته ربع دينار من حرز وجب عليهما القطع فإن انفرد كل واحد منهما ببعضه لم يجب عليهما القطع لأنه قد نقص عن المقدار الذي يجب فيه القطع و كان عليهما التعزير و يمكن أن يستدل عليه من الآية.و من ترك القياس العقلي الذي هو جائز و هو الأصول و اشتغل بالقياس الشرعي الذي هو محظور و هو الفروع إذ لا دليل على ثبوته في الشرع و إن

ص: 383

جاز خبط خبط عشواء فلينظروا إلى الملحد الملهد (1) أعمى البصر و البصيرة ضل عن حكمة الله بجهله فرآها مناقضة ثم نظم خبث عقيدته لصفاقة وجهه و قلة مبالاته بالدين فقال (2)يد بخمس مئين من عسجد فديت ما بالها قطعت في ربع دينار

تناقض ما لنا إلا السكوت له نعوذ بالله مولانا من النار (3).

و قد كان الأئمة المعصومون ع كشفوا وجه الحكمة في ذلك و رووا عن جدهم النبي الأمي ص ما هو دواء العليل و شفاء الغليل و نظم السيد الإمام الكبير أبو الرضا الراوندي قدس الله سره مجيبا لذلك المعري الله قومها تقويم خمس مئي

و قد هذى المعري أيضا فقال هذا النبي الذي جبريل جادله

فأجبته و قلت يا من تحمل خسرانا و ما ربحا

فصل

أما قوله تعالى فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ (4) فإنه

ص: 384


1- أي المزرى بالشريعة،قال أبو زيد:ألهدت به أزريت به«ج».
2- يريد به ابا العلاء أحمد بن عبد اللّه بن سليمان المعرى المتوفّى سنة 449.
3- انباه الرواة 75/1 و روايته«بخمس ميئ»و«و ان نعوذ بمولانا».
4- سورة المائدة:39.

سبحانه أخبر أن من تاب و ندم على ما كان منه من فعل الظلم بالسرقة و غيرها فإن الله يقبل توبته بإسقاط العقاب بها عن المعصية التي تاب عنها.فعلى هذا لو تاب السارق قبل أن يرفع إلى الإمام و ظهر ذلك منه ثم قامت عليه البينة فإنه لا يقطع غير أنه يطالب بالسرقة و إن تاب بعد قيام البينة عليه وجب قطعه على كل حال.

وَ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَأَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ ع أَ تَقْرَأُ شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَقَالَ قَدْ وَهَبْتُ يَدَكَ لِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ الْأَشْعَثُ أَ تُبْطِلُ حَدّاً مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَالَ وَ مَا يُدْرِيكَ مَا هَذَا إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ (1) فَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ بِسَرِقَةٍ فَذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ إِنْ شَاءَ عَفَا وَ إِنْ شَاءَ عَاقَبَ (2). و لا يقطع حتى يقر بالسرقة مرتين و أنه سرق من حرز و كان نصابا فإن رجع ضمن السرقة و لم يقطع و قال الفقهاء إذا قامت البينة على السارق يجب قطعه على كل حال فإن كان تاب كان قطعه امتحانا و إن لم يكن تاب كان عقوبة و جزاء.و متى قطع فإنه لا يسقط عنه رد السرقة سواء كانت باقية أو هالكة فإن كانت باقية ردها بلا خلاف و إن كانت هالكة رد عندنا قيمتها و قال أبو حنيفة و أصحابه لا يجب عليه القطع و الغرامة معا فإن قطع سقطت عنه الغرامة و إن غرم سقط القطع.و من سرق بعد قطع اليد دفعه ثانية على ما ذكرناه قطعت رجله اليسرى

ص: 385


1- سورة التوبة:112.
2- الاستبصار 252/4.

حتى يكون من خلاف فإن سرق ثالثة حبس عندنا أبدا فإن سرق في الحبس قتل و لا يعتبر ذلك أحد من الفقهاء.فظاهر الآية يقتضي وجوب قطع العبد و الأمة لتناول اسم السارق و السارقة لهما إذا سرقا و صح ذلك عليهما بالبينة دون الإقرار.و قوله تعالى جَزاءً بِما كَسَبا معناه استحقاقا على فعلهما نَكالاً مِنَ اللّهِ أي عقوبة منه على ما فعلاه و قال مجاهد الحد كفارة و هذا غير صحيح لأن الله دل على معنى الأمر بالتوبة (1) و إنما يتوب المذنب عن ذنبه و الحد من فعل غيره و أيضا فمتى كان مصرا كان إقامة الحد عليه عقوبة و العقوبة لا تكفر الخطيئة كما لا يستحق بها الثواب و التوبة التي يسقط الله العقاب عندها هي الندم على ما مضى من القبيح أو الإخلال بالواجب و العزم على ترك الرجوع إلى مثله في القبح.فإن قيل قوله فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ (2) هل فعل الصلاح شرط في قبول التوبة أم لا فإن لم يكن شرطا فلم علق الغفران بمجموعهما.قيل له لا خلاف في أن التوبة متى حصلت على شرائطها فإن الله يقبلها و يسقط العقاب و إن لم يعمل بعدها عملا صالحا غير أنه إذا تاب و بقي بعد التوبة فإن لم يعمل العمل الصالح عاد إلى الإصرار لأنه لا يخلو في كل حال من واجب عليه و أما إن مات عقيب التوبة من غير فعل صلاح فإن الرحمة بإسقاط العقاب تلحقه بلا خلاف.على أن قوله تعالى وَ أَصْلَحَ يمكن أن يكون إشارة إلى العزم على ترك

ص: 386


1- أي دل بقوله تعالى «فَمَنْ تابَ» على معنى الامر بالتوبة،لانه خبر بمعنى الامر، اى توبوا فأصلحوا،فلو كان الحدّ كفّارة لم يبق ذنب حتّى يتوب منه«ج».
2- سورة المائدة:39.

المعاودة مع الندم و قال بعض المفسرين معناه و أصلح أمره بالتفصي عن التبعات و رد السرقة و هذا من شرائط صحة التوبة فيه. و أما رفع قوله وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فإنه عند سيبويه رفع على تفسير فرض فيهما يتلى عليكم حكم السارق و السارقة و قيل معناه الجزاء و تقديره من سرق فاقطعوه و له صدر الكلام.قال الفراء و لو أراد سارقا بعينه لكان النصب الوجه و يفارق ذلك قولهم زيدا فاضربه لأنه ليس فيه معنى الجزاء و المقصود واحد بعينه و ليس القصد بالسارق واحدا بعينه و إنما هو كقولك من سرق فاقطعوا يده فهو في حكم الجزاء و الجزاء له صدر الكلام و قال الزجاج هو القول المختار.و أجمع العلماء على أن القطع لا يجب على السارق إلا بعد أن يأخذ المال الذي لغيره من دون إذنه من حرز و هو لا يستحقه

باب حد المحارب

قال الله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ (1) الآية.من جرد السلاح في مصر أو غيره و هو من أهل الريبة على كل حال كان محاربا و له خمسة أحوال فإن قتل و لم يأخذ المال وجب على الإمام أن يقتله و ليس لأولياء المقتول العفو عنه و لا للإمام و إن قتل و أخذ المال فإنه يقطع بالسرقة و يرد المال ثم يقتل بعد ذلك و يصلب و إن أخذ المال و لم يقتل و لم يجرح قطع ثم نفي عن البلد فإن جرح و لم يأخذ المال و لم يقتل وجب أن يقتص منه ثم ينفى بعد ذلك و إن لم يجرح و لم يأخذ المال وجب أن ينفى من البلد الذي

ص: 387


1- سورة المائدة:33.

فعل فيه ذلك إلى غيره على ما قدمناه.و هذا التفصيل يدل عليه قوله تعالى أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ و اللص أيضا محارب.و قد أخبر الله في هذه الآية بحكم من يجهر بذلك مغالبا بالسلاح ثم أتبعه بحكم من يأتيه في خفاء في قوله وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ الآية.و من سرق حرا فباعه وجب عليه القطع لأنه من المفسدين في الأرض.و دم اللص الذي يدخل على الإنسان فيدفعه عن نفسه فيؤدي إلى قتل اللص هدر و لم يكن له قود و لا دية

باب الحد في الفرية

قال الله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً (1) قال سعيد بن جبير هذه الآية نزلت في عائشة و قال الضحاك في جميع نساء المؤمنين و هذا أولى لأنه أعم فائدة لأن الأولى أيضا يدخل تحته و إن كان يجوز أن يكون سبب نزولها في عائشة لكن لا تقصر الآية على سببها.قال الحسن يجلد هذا القاذف و عليه ثيابه و هو قول أبي جعفر ع (2).و يجلد الرجل قائما و المرأة قاعدة و قال إبراهيم يرمى عنه ثيابه و عندنا إنما يرمى عنه ثيابه إذا كان الحد في الزنا و كان وجد عريانا فإن وجد و عليه ثيابه في الزنا يجلد و عليه ثيابه قائما على كل حال.فإن مات من يجلد من الضرب لم يكن عليه قود و لا دية.

ص: 388


1- سورة النور:4.
2- انظر الكافي 205/7.

فإذا قال الرجل أو المرأة كافرين كانا أو مسلمين حرين أو عبدين بعد أن يكونا بالغين لغيره من المسلمين البالغين الأحرار يا زاني أو يا لائط أو معناه معنى هذا الكلام بأي لغة كانت بعد أن يكون عارفا لموضوعها و بفائدة اللفظ وجب عليه الحد ثمانون و هو حد القاذف.فإن قال قد لطت بفلان كان عليه حدان حد للمواجهة و حد لمن نسبه إليه و الآية تدل على جميع ذلك.و قوله وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ذكرنا في كتاب الشهادات بيانه.و الحد حق المقذوف لأنه لا يزول بالتوبة.و قال بعض المفسرين و الفقهاء إذا كان القاذف عبدا أو أمة كان الحد أربعين جلدة و روى أصحابنا أن هذا الحد ثمانون في الحر و العبد و المسلم و الكافر و ظاهر العموم يقتضي ذلك و به قال عمر بن عبد العزيز و القاسم بن عبد الرحمن.و يثبت الحد في القذف بشهادة شاهدين مسلمين عدلين أو بإقرار القاذف على نفسه مرتين بأنه قذف و لا يكون الحد فيه كما هو في شرب الخمر و في الزنا في الشدة بل يكون دون ذلك.و قد ذكرنا أن القاذف لا يجرد على حال.و العفو عن القاذف في جميع الأحوال إلى المقذوف أ لا ترى أنه لو قال لغيره يا ابن الزانية كانت المطالبة إلى الأم إن كانت حية و إن كانت ميتة و لها وليان أو أكثر و عفا بعضهم أو أكثرهم كان لمن بقي منهم المطالبة بإقامة الحد عليه على الكمال.

فصل

و القذف على الإطلاق يكون بالزنا و ما في معناه و يكون بغير ذلك و المراد

ص: 389

في الآية قذفهن بالزنا بسببين أحدهما ذكر المحصنات عقيب آية الزواني و الثاني اشتراط أربعة شهداء.و القذف بالزنا أن يقول العاقل البالغ لمحصنة أو لمحصن يا ولد الزنا أو ما قدمناه ففيه الحد و القذف لغير الزنا أن يقول يا آكل الربا يا شارب الخمر يا فاسق يا عاض بظر أمه يا يهودي يا نصراني.فعليه إذا كان المقذوف على ظاهر العدالة التعزير و هو ما دون الحد و قال الفقهاء لا يبلغ به أدنى حد العبيد و قال أبو يوسف يبلغ به تسعة و تسعون و للإمام أن يعزر إلى تسعة و تسعين.و شروط إحصان القذف الحرية و البلوغ و الإسلام و زاد بعضهم العقل و العفة فمتى قال إنسان لمسلم أمك زانية و كانت أمه كافرة أو أمة كان عليه الحد تاما لحرمة ولدها المسلم الحر و إن قال لغيره من المماليك أو الكفار يا ابن الزاني أو يا ابن الزانية و كان أبوا المقذوف مسلمين أو حرين كان عليه الحد أيضا كاملا لأن الحد لمن لو واجهه بالقذف لكان له الحد تاما.ثم قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ (1) أي أبعدوا من رحمة الله في الدنيا بإقامة الحدود عليهم و رد الشهادة و في الآخرة بأليم العقاب.و هذا وعيد عام لجميع المكلفين في قول ابن عباس و من قال الوعيد خاص فيمن قذف عائشة فقوله لا يصح لأن الآية إذا نزلت في سبب لم يجب قصرها عليه كآية اللعان و آية الظهار و متى حملت على العموم دخل من قذفها في جملتهم.و إذا لم يكن المقذوف محصنا يعزر القاذف و لا يحد.

ص: 390


1- سورة النور:23.

و قال الفقهاء أشد الضرب ضرب التعزير ثم ضرب الزنا ثم ضرب من شرب الخمر ثم ضرب القاذف

باب الزيادات

إن قيل كيف قال يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ (1) و المتوفى و الموت واحد.قلنا يجوز أن يراد حتى يتوفاهن ملائكة الموت كقوله اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ (2) أو حتى يأخذهن الموت.و اَللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ أي يرهقنها يقال أتى الفاحشة و جاءها و غشيها و رهقها و الفاحشة الزنا لزيادتها في القبح على كثير من القبائح.و قيل نزلت هذه الآية في الساحقات و ما بعدها في اللواطين.

مسألة

و قوله اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا (3) الجلد ضرب الجلد كما يقال جلد ظهره و رأسه.و هذا حكم من ليس بمحصن من الزناة و الزواني فإن المحصن حكمه الرجم.و شرائط الإحصان عند أبي حنيفة ست الإسلام و الحرية و العقل و البلوغ و التزوج بنكاح صحيح و الدخول و عند الشافعي الإسلام ليس بشرط.فإن قيل اللفظ يقتضي تعليق الحكم بجميع الزناة و الزواني لأن قوله

ص: 391


1- سورة النساء:15.
2- سورة النحل:28.
3- سورة النور:2.

اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي عام في المحصن و غير المحصن.قلنا هما يدلان على جنسين دلالة مطلقة و الجنسية قائمة في الكل و البعض جميعا فأيهما قصد المتكلم فلا يطلق إلا عليه كما يفعل بالاسم المشترك و إنما ابتدئ هنا بذكر النساء و في آية السرقة بالرجال للتغليب و لأن الحد بالجلد إنما يجب على الرجل الشاب غير المحصن إذا زنى و طاوعته المرأة فإن أكرهها و غصب فرجها فإنه يجب ضرب عنقه البتة.

مسألة

و قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ (1) الآية الذي يقتضيه ظاهرها أن يكون الجمل الثلاث بمجموعهن جزاء الشرط كأنه قيل و من قتل المحصنات فاجلدوهم و ردوا شهادتهم و فسقوهم أي فاجمعوا لهم الجلد و الرد و التفسيق إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا .

مسألة

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي الْقُرْآنِ رَجْمٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ قَالَ الشَّيْخُ وَ الشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهْوَةَ (2). و قد ذكرنا في كتاب الصوم كيفية ذلك في باب النسخ.

مسألة

وَ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ قَالَ : إِنَّ عَبَّادَ الْمَكِّيَّ سَأَلَ الصَّادِقَ ع عَنْ

ص: 392


1- سورة النور:4.
2- من لا يحضره الفقيه 26/4.

رَجُلٍ زَنَى وَ هُوَ مَرِيضٌ فَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ خَافُوا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ مَا تَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ أَوْ أَمَرَكَ إِنْسَانٌ أَنْ تَسْأَلَ عَنْهَا فَقَالَ إِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ أَمَرَنِي أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أُتِيَ بِرَجُلٍ أَحْبَنَ (1) قَدِ اسْتَسْقَى بَطْنُهُ وَ بَدَتْ عُرُوقُ فَخِذَيْهِ وَ قَدْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مَرِيضَةٍ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ فَأُتِيَ بِعُرْجُونٍ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَضَرَبَهُ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَ ضَرَبَهَا بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَ خَلَّى سَبِيلَهُمَا وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (2)وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ (3) .

ص: 393


1- الحبن-بفتح الحاء و الباء-عظم البطن من الاستسقاء،و رجل أحبن المبتلى بهذا المرض-النهاية لابن الأثير 335/1.
2- سورة ص:44.
3- من لا يحضره الفقيه 28/4.

كتاب الديات

اشارة

اعلم أن القتل على ثلاثة أضرب عمد محض و يجب فيه القود أو الدية على ما بينته و خطأ محض و خطأ شبيه العمد و فيهما الدية لا غير و في كل واحد منهما يجب على القاتل الكفارة بعد أخذ الدية أو العفو على ما ذكرناه في باب الكفارة

باب القتل العمد و أحكامه

قال الله تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها (1) الآية.فالعمد المحض هو كل من قتل غيره و كان بصيرا بالغا كامل العقل بحديد أو بغيره إذا كان قاصدا بذلك القتل أو يكون فعله مما قد جرت العادة بحصول الموت عنده يجب عليه القود و لا يستقاد منه إلا بحديد و إن كان قتل هو

ص: 394


1- سورة النساء:93.

صاحبه بغير الحديد و لا يمكن من تقطيع أعضائه و إن كان هو فعل ذلك بصاحبه بل يؤمر بضرب رقبته.و يستوي في القاتل جميع ذلك ذكرا كان أو أنثى حرا كان أو مملوكا مسلما كان أو كافرا.و ليس لأولياء المقتول إلا نفسه و ليس لهم مطالبته بالدية فإن فادى القاتل نفسه بمال جزيل و رضوا به جاز.أخبر الله تعالى في هذه الآية أن من يقتل مؤمنا متعمدا يعني قاصدا إلى قتله أن جزاءه جهنم خالدا مؤبدا فيها و غضب الله عليه و قد بينا أن غضب الله هو إرادة عقابه و الاستخفاف به و لعنه معناه أبعده من رحمته.

وَ سَأَلَ سَمَاعَةُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ قَالَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً عَلَى دِينِهِ وَ لِإِيمَانِهِ فَذَاكَ الْمُتَعَمِّدُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً قُلْتُ فَالرَّجُلُ يَقَعُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الرَّجُلِ شَيْءٌ فَيَضْرِبُهُ بِسَيْفِهِ فَيَقْتُلُهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ الْمُتَعَمِّدَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ (1). و إن كان قتله متعمدا لغضب أو لسبب شيء من الدنيا فإن توبته أن يقاد منه و هذا حد من الله و التوبة منه مع الاستسلام.و إن لم يكن علم به أحد و انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم فإن عفوا عنه و لم يقتلوه و أعطاهم الدية أو عفوه عن الدية أيضا أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستين مسكينا كفارة و توبة إلى الله تعالى.

فصل

و اختلفوا في صفة قتل العمد قال قوم لا يكون قتل العمد إلا ما كان بحديد

ص: 395


1- تهذيب الأحكام 164/10.

و إليه ذهب أبو حنيفة و أصحابه و الشافعي في رواية.و قال آخرون إن من قصد قتل غيره بما يقتل مثله في غالب العادة سواء كان بحديدة حادة كالسلاح أو مثقلة من حديد أو خنق أو سم أو إحراق أو تغريق أو ضرب بالعصا أو الحصى حتى يموت فإن جميع ذلك عمد يوجب القود و به قال الشافعي و أصحابه و اختاره الطبري و هو مذهبنا على ما ذكرناه و قد أمر الله تعالى بذلك في قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى (1) .فإن قيل كيف قال كُتِبَ عَلَيْكُمُ بمعنى فرض و الأولياء مخيرون بين القصاص و العفو.قلنا عنه جوابان أحدهما أنه فرض عليكم ذلك إن اختار أولياء المقتول القصاص و الفرض قد يكون مضيقا و قد يكون مخيرا فيه و الثاني فرض عليكم ترك مجاوزة ما حد لكم إلى التعدي فيما لم يجعل لكم و القصاص الأخذ من الجاني مثل ما جنى و ذلك لأنه مال لجنايته.

فصل

و قال بعض المفسرين إن هذه الآية منسوخة بقوله وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ (2) قال جعفر بن مبشر ليس هذا عندي كذلك لأنه تعالى إنما أخبرنا أنه كتبها على اليهود قلنا و ليس في ذلك ما يوجب أنه فرض علينا لأن شريعتهم منسوخة بشريعتنا.و الذي نقوله نحن أن هذه الآية ليست منسوخة لأن ما تضمنته معمول

ص: 396


1- سورة البقرة:178.
2- سورة المائدة:45.

عليه و لا ينافي قوله اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ لأن تلك عامة و هذه خاصة و يمكن بناء تلك على هذه و لا تناقض و لا يحتاج إلى أن ينسخ إحداهما بالأخرى.و قال قتادة نزلت هذه الآية لأن قوما من أهل الجاهلية كانت لهم جولة على غيرهم فكانوا يتعدون في ذلك فلا يرضون بالعبد إلا الحر و لا المرأة إلا الرجل فنهاهم الله بهذه الآية عن مثل ذلك.و يجوز قتل العبد بالحر و الأنثى بالذكر إجماعا و لقوله وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً و لقوله اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ و قوله في هذه الآية اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى لا يمنع من ذلك لأنه تعالى لم يقل و لا يقتل الأنثى بالذكر و لا العبد بالحر و إذا لم يكن ذلك في الظاهر فما تضمنته الآية معمول به و ما قلناه مثبت بما تقدم من الأدلة.و أما قتل الحر بالعبد فعندنا لا يجوز و به قال الشافعي و أهل المدينة و قال أهل العراق يجوز.و لا يقتل الوالد بالولد عندنا و عند أكثر الفقهاء و قال مالك يقتل به على بعض الوجوه.و أما قتل الوالدة بالولد فعندنا تقتل به و عند جميع الفقهاء أنها جارية مجرى الأب.و أما قتل الولد بالوالد فيجوز إجماعا و لا يقتل مولى بعبده.

و يجوز قتل الجماعة بواحد إجماعا و لقوله وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً إلا أن عندنا يرد أولياء المقتول فاضل الدية و عندهم لا يرد شيء على حال.و إذا اشترك بالغ مع طفل أو مجنون في قتل فعندنا لا يسقط القود عن البالغ و به قال الشافعي و قال أهل العراق يسقط.

فصل

ثم

ص: 397

عفت المنازل لو تركت حتى درست و العفو عن المعصية ترك العقاب عليها.و العفو عن القتل يكون على وجهين أحدهما أن يعفو أولياء المقتول عن القاتل و يصفحوا عنه و لا يطلبون منه شيئا إما للتقرب إلى الله تعالى و إما لغرض من الأغراض.و الثاني أن يكون العفو ترك القود بقبول الدية إذا بذل القاتل و رضي به أولياء المقتول.و أولياء المقتول كل من يرث الدية إلا الزوج و الزوجة ليس لهما غير سهمهما من الدية إن قبلها الأولياء أو العفو عنه بمقدار ما يصيبهما من الميراث و ليس لهما المطالبة بالقود و أما من سواهما من الأولياء فلهم المطالبة بالقود و لهم الرضا بالدية.و لهم العفو على الاجتماع و الانفراد ذكرا كان أو أنثى فإن اختلفوا فبعض عفا عن القاتل و بعض طلب القود و بعض رضي بالدية كان للذي يطلب القود أن يقتل القاتل إذا رد على الذي طلب الدية ماله منها و رد على أولياء القاتل سهم من عفا عنه.و قال أبو حنيفة إذا كان للمقتول ولد صغار و كبار فللكبار أن يقتلوا و احتج بقاتل علي ع و قال غيره لا يجوز حتى يبلغ الصغار و عندنا أن لهم ذلك إذا ضمنوا حصة الصغار من الدية إذا بلغوا و لم يرضوا بالقصاص.و قال الزجاج معنى قوله فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ أي من ترك قتله و رضي منه بالدية و هو قاتل متعمد للقتل فقد عفي له بأن ديته و رضي منه بالدية و هو من العفو الذي هو الصفح و ترك المؤاخذة بالذنب فمعنى عفي له صفح عنه بأن لا يؤاخذ بما يستحقه عليه من القصاص و القتل.و قيل العفو الترك كما قدمناه و استدل

بِقَوْلِ النَّبِيِّ ص

ص: 398

عَفَوْتُ عَنْكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ. أي تركتها و أصل العفو محو الأثر.و هذا العفو كما ذكرناه على ضربين أحدهما عفو عن دم القاتل و عن الدية جميعا و الآخر عفو عن الدم و الرضا بالدية و هو المراد بالآية.و المراد بقوله مِنْ أَخِيهِ أي من القاتل عفا ولي المقتول عن دمه الذي له من جهة أخيه المقتول و المراد بقوله شَيْءٌ الدم فالهاء في قوله مِنْ أَخِيهِ يعود إلى أخي المقتول في قول الحسن و قال الآخرون تعود إلى أخ القاتل.فإن قيل كيف يجوز أن يعود على أخي القاتل و هو في تلك الحال فاسق.قيل عن ذلك ثلاثة أجوبة أحدها أنه أراد إخوة النسب لا في الدين كما قال وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً (1) الثاني أن القاتل قد يتوب و يدخل في الجملة غير التائب على وجه التغليب الثالث تعريفه بذلك على أنه كان أخاه قبل أن قتله كما قال إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ (2) يعني الذين كانوا أزواجهن.

فصل

قوله تعالى فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ يعني العافي و على المعفو عنه أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ و به قال ابن عباس و الحسن و هو المروي عن أبي عبد الله ع (3) و قال قوم هما عن المعفو عنه.و دية القصاص في قود النفس ألف دينار أو عشرة آلاف درهم أو مائة من مسان الإبل أو مائتان من البقر أو ألف شاة أو ما شاكله فهذه الستة أصل

ص: 399


1- سورة الأعراف:65.
2- سورة البقرة:232.
3- تهذيب الأحكام 178/10.

في نفس الدية و ليس بعضها بدلا من بعض و هذا كما نقول في زكاة الفطرة إنها تجب صاع من أحد الأجناس الستة الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط فإن كل واحد منها أصل فيها و ليس بعضها بدلا من بعض.و لا يجبر القاتل عمدا على الدية فإن رضي فهي عليه في ماله فإن لم يقبل أولياء المقتول الدية فأدى القاتل نفسه بأضعاف الدية فلا بأس بقبوله. فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ أي فعليه اتباع الأخ العافي بمعروف. وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ أي يتبعه بالحمد و الشكر و الثناء و يؤدي إليه الدية بإحسان أي على وجه جميل.و قال الزجاج قيل على الولي العافي اتباع القاتل بالمطالبة للدية و على القاتل أداء الدية بإحسان و قال و جائز أن يكون الاتباع بالمعروف و الأداء بالإحسان جميعا على القاتل.و جاء في التفسير أن الأداء بإحسان أن يكون منجما و لا يذهب شيء من الدية و الاتباع بالمعروف أن يقبضها برفق و قال أبو مسلم أي على قاتل العمد الذي يرضى منه ولي المقتول بالدية و يعفو له عن القود أن يتبع ما أمره الله في إعطاء الولي ما يصالحه عليه و يرضى به منه و يحتمل بالمعروف أن يكون صفة لأمر الله أن يكون ما يتعارفه العرب بينها من دية القتلى بينهم إذا أرادوا الإصلاح و حقن الدماء.و يؤخذ دية العمد نسيئة و قد حث الله كل واحد منهما على الإحسان فليؤد المطلوب إلى الطالب إن استطاع بتعجيل و ليرفق الطالب في طلب الدية.و أنكر بعض أهل اللغة أن يكون العفو في الآية بمعنى الإعطاء كما قاله البصري إن الضمير في أَخِيهِ يرجع إلى أخي المقتول الذي يرث دمه و الأخ المراد به في النسب بذل له من دم أخيه شيء يعطي عفوا أي الدية في سهولة و ذلك لأنه لو كان من الإعطاء لقيل فمن أعطي له و ليس في الكلام

ص: 400

عفي له منه بمعنى أعطاه عفوا إنما يقال أعفى له بكذا إذا أعطاه و إنما هو عفو ولي المقتول عن دية القاتل.و قوله القاتل لا يكون أخا المقتول إلا في النسب ليس بصحيح لأنه يمكن أن يكون القاتل عمدا و المقتول مسلمين.قال ابن مهرإيزد الصحيح أن الضمير في أَخِيهِ للقاتل الذي عفي له القصاص و أخوه ولي المقتول و الضمير في إِلَيْهِ أيضا له أي يؤدي القاتل الدية إلى الولي العافي بِإِحْسانٍ أي من غير مطل و لا أذى.

فصل

ص: 401

المعنيان جميعا حسنان و نظير هذه الآية قولهم القتل أنفى للقتل.و إنما خص الله بالخطاب أولي الألباب لأنهم المكلفون المأمورون و من ليس بعاقل لا يصح تكليفه فعلى هذا متى كان القاتل غير بالغ و حده عشر سنين فصاعدا أو يكون مع بلوغه زائل العقل إما أن يكون مجنونا أو مئوفا فإن قتلهما و إن كان عمدا فحكمه حكم الخطإ.

فصل

قوله تعالى وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ (1) يعني إلا بالقود أو الكفر أو ما يجري مجراهما فإن قتله كذلك حق و ليس بظلم. وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ (2) أي فلا يسرف القاتل في القتل و جاز أن يضمر و إن لم يجر له ذكر لأن الحال يدل عليه و يكون تقييده بالإسراف جاريا مجرى قوله في أكل مال اليتيم وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً و إن لم يجز أن يأكل منه على الاقتصاد فكذلك لا يمتنع أن يقال للقاتل الأول لا تسرف في القتل لأنه يكون بقتله مسرفا فلا يسرف لأن من قتل مظلوما كان منصورا بأن يقتص له وليه و السلطان إن لم يكن له ولي فيكون هذا رد القاتل عن القتل.و الآخر أن يكون في يُسْرِفْ ضمير الولي أي لا يسرف الولي في القتل فإسرافه فيه أن يقتل غير من قتل أو يقتل أكثر من قاتل وليه أي فلا يسرف الولي فإنه منصور بقتل قاتل وليه و الاقتصاص منه.و السلطان الذي جعله الله للولي قال ابن عباس هو القود أو العفو أو الدية.

ص: 402


1- سورة الأنعام:151 و الاسراء:33.
2- سورة الإسراء:33.

فصل

ص: 403

و يمكن أن يستدل أيضا على من خالف في قتل الجماعة بواحد بقوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (1) و القاتلون إذا كانوا جماعة فكلهم معتدون فيجب أن يعاملوا ما عاملوا به القتيل.فإن قالوا إن الله تعالى يقول اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ و اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ (2) و هذا ينفي أن يؤخذ نفسان بنفس و حران بحر.قلنا المراد بالنفس و الحر هاهنا الجنس لا العدد فكأنه تعالى قال إن جنس النفوس يؤخذ بجنس النفوس و كذا جنس الأحرار فالواحد و الجماعة يدخلون في ذلك.فإن قيل قد ثبت أن الجماعة إذا اشتركوا في سرقة نصاب لم يلزم كل واحد منهم قطع و إن كان كل واحد منهم إذا انفرد بسرقته لزمه القطع فأي فرق بين ذلك و بين القتل مع الاشتراك قلنا الذي نذهب إليه و إن خالفنا فيه الجماعة أنه إذا اشترك نفسان في سرقة شيء من حرز و كان قيمة المسروق ربع دينار و يكون أيديهما عليه فإنه يجب عليهما القطع معا و قد سوينا بين القتل و القطع و لهذه المسألة تفصيل ذكر في بابه.

فصل

و اختلف أهل التأويل في قوله مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً (3) .

ص: 404


1- سورة البقرة:194.
2- سورة المائدة:45.
3- سورة المائدة:32.

قال الزجاج معناه أنه بمنزلة من قتل الناس جميعا في أنهم خصومه في قتل ذلك الإنسان.قال الحسن معناه تعظيم الوزر و الإثم.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَنْ قَتَلَ نَفْساً فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ عِنْدَ الْمَقْتُولِ وَ مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ عِنْدَ الْمُسْتَقِيدِ. و قال ابن زيد معناه أنه يجب من القتل و القود مثل ما يجب عليه لو قتل الناس جميعا و معنى مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً من نجاها من الهلاك مثل الغرق و الحرق.و قيل من عفا عن دمها و قد وجب القود عليها و قيل معناه من زجر عن قتلها بما فيه حياتها على وجه يفتدي به فيها بأن يعظم تحريم قتلها كما حرمه الله على نفسه فلم يقدم عليه فقد حيي الناس بسلامتهم منه و ذلك إحياؤه إياها و هو اختيار الطبري.و الله هو المحيي للخلق لا يقدر عليه غيره و إنما قال أحياها على وجه المجاز يعني نجاها من الهلاك كما حكى عن نمرود أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ فاستبقى واحدا و قتل الآخر.و القول في ذلك أن يقال إن الله تعالى شبه قاتل النفس بقاتل جميع الناس و منجيها بمنجي جميع الناس و تشبيه الشيء بالشيء يكون من وجوه حقيقة و مجازا فيجب أن ينظر في التشبيه هاهنا بما ذا يتعلق فلا يجوز أن يكون شبه الفعل بالفعل لأن قتل واحد لا يشبه قتل اثنين فلا بد من أن يكون التشبيه في المعنى.و لا يجوز أن يقال شبه الإثم بالإثم و العقاب بالعقاب لأن الذي يحاسب على الفتليل و القطمير و يتمدح بأنه لا يظلم مثقال حبة من خردل يمنع غناه

ص: 405

و حكمته و عدله أن يساوي في العقاب بين قاتل نفس واحدة و بين قاتل نفسين فكيف من قتل نوع الناس فإذا التشبيه مجاز و المراد به تهويل أمر القتل و مبالغة في الزجر عنه و أنه يستحق في الدنيا من كل مؤمن البراءة و اللعنة و العداوة كما لو تعرض له نفسه بالقتل لا يستحق كل ذلك منه لكون المؤمنين يدا واحدة على من سواهم.

وَ قَدْ قَضَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع فِي رَجُلٍ اتُّهِمَ بِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْساً فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ قَتَلَ وَ جَاءَ آخَرُ فَأَقَرَّ أَنَّ الَّذِي قَتَلَ هُوَ دُونَ صَاحِبِهِ وَ رَجَعَ الْأَوَّلُ عَنْ إِقْرَارِهِ أَنَّهُ درأ [دُرِئَ] عَنْهُمَا الْقَوَدُ وَ الدِّيَةُ وَ دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الدِّيَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ هَذَا إِنْ قَتَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْيَا هَذَا (1). و الأولياء هم الوراث من الرجال فمن الأولاد الذكور و من الأقارب من كان ذكرا من قبل الأب

باب القتل الخطإ المحض

قال الله تعالى وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا (2) .اعلم أن النفي هاهنا متعلق بالجواز في دين الله و حكمه أي لا يجوز ذلك في حكم الله و الظاهر إخبار بانتفاء الجواز و يتضمن النفي أي فلا تفعلوه و لدخول كان إفادة أن هذا ليس حكما حادثا بل لم يزل حكم الله على هذا.و قد ذكر الله تعالى في هذه الآية ديتين و ثلاث كفارات.ذكر الدية و الكفارة بقتل المؤمن في دار الإسلام فقال وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً

خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ .و ذكر الكفارة دون الدية بقتل المؤمن في دار الحرب في صف المشركين إذا حضر معهم الصف فقتله مسلم ففيه الكفارة دون الدية فقال فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لأن قوله وَ إِنْ كانَ كناية عن المؤمن الذي تقدم ذكره.ثم ذكر الدية و الكفارة بقتل المؤمن في دار المعاهدين فقال وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ .و عند المخالف أن ذلك كناية عن الذي في دار الإسلام و ما قلناه أليق بسياق الآية لأن الكنايات كلها في كان عن المؤمن فلا ينبغي أن يصرفها إلى غيره بلا دليل.و معناه لم يأذن الله و لا أباح لمؤمن أن يقتل مؤمنا فيما عهده إليه لأنه لو أباحه أو أذن فيه لما كان خطأ و التقدير إلا أن يقتله خطأ فإن حكمه كذا ذهب إليه قتادة.و قوله إِلاّ خَطَأً استثناء منقطع في قول أكثر المفسرين و تقدير الآية إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ و ليس ذلك فيما جعله الله له و إجماع أن قتل المؤمن لا يجوز لا عمدا و لا خطأ فالتقدير غير جائز في حكم الله أن يقتل مؤمن مؤمنا لكن إن وقع عليه غلط فأخطأ في مقصده و فعل هذا المحظور فعليه كذا و كذا.

ص: 406


1- وسائل الشيعة 107/19 و ما هنا نقل بالمعنى.
2- سورة النساء:92.

خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ .و ذكر الكفارة دون الدية بقتل المؤمن في دار الحرب في صف المشركين إذا حضر معهم الصف فقتله مسلم ففيه الكفارة دون الدية فقال فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لأن قوله وَ إِنْ كانَ كناية عن المؤمن الذي تقدم ذكره.ثم ذكر الدية و الكفارة بقتل المؤمن في دار المعاهدين فقال وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ .و عند المخالف أن ذلك كناية عن الذي في دار الإسلام و ما قلناه أليق بسياق الآية لأن الكنايات كلها في كان عن المؤمن فلا ينبغي أن يصرفها إلى غيره بلا دليل.و معناه لم يأذن الله و لا أباح لمؤمن أن يقتل مؤمنا فيما عهده إليه لأنه لو أباحه أو أذن فيه لما كان خطأ و التقدير إلا أن يقتله خطأ فإن حكمه كذا ذهب إليه قتادة.و قوله إِلاّ خَطَأً استثناء منقطع في قول أكثر المفسرين و تقدير الآية إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ و ليس ذلك فيما جعله الله له و إجماع أن قتل المؤمن لا يجوز لا عمدا و لا خطأ فالتقدير غير جائز في حكم الله أن يقتل مؤمن مؤمنا لكن إن وقع عليه غلط فأخطأ في مقصده و فعل هذا المحظور فعليه كذا و كذا.

فصل

ص: 407

للإيمان و ظاهر ذلك يقتضي أن تكون بالغة ليحكم لها بالإيمان و ذلك في ماله خاصة. وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ يؤديها عنه عاقلته إلى أولياء المقتول. إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا أولياء المقتول على من لزمته دية قتلهم فيعفو عنه فحينئذ يسقط عنهم و موضع أن من قوله إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا نصب لأن المعنى فعليه ذلك إلا في حال التصدق ثم حذفت في و قيل إلا حال التصدق و أصله إلا على أن تصدقوا ثم سقط على و يعمل فيه ما قبله على معنى الحال أو هو مصدر وقع موقع الحال و يجوز في سبب النزول كل ما قيل.و الذي يعول عليه أن ما تضمنته الآية حكم من قتل خطأ.و قال ابن عباس و الحسن الرقبة المؤمنة لا تكون إلا بالغة قد آمنت و صامت و صلت فأما الطفل فإنه لا يجزي و لا الكافر و قال عطا كل رقبة ولدت في الإسلام فهي تجزي و الأول أقوى لأن المؤمن على الحقيقة لا يطلق إلا على بالغ عاقل مظهر للإيمان ملتزم لوجوب الصلاة و الصوم إلا أنه لا خلاف أن المولود بين مؤمنين يحكم له بالإيمان فهذا الإجماع ينبغي أن يجري في كفارة قتل الخطإ فأما الكافر و المولود بين كافرين فإنه لا يجزي بحال.و دية قتل الخطإ يلزم العاقلة و العاقلة يرجع بها على القاتل إن كان له مال فإن لم يكن له مال فلا شيء للعاقلة عليه و متى كان للقاتل مال و لم يكن للعاقلة مال ألزم في ماله الدية خاصة.و لا يلزم العاقلة من دية الخطإ إلا ما قامت به البينة فأما ما يقر به القاتل فليس عليهم منه شيء و يلزم القاتل ذلك في ماله خاصة.و تستأدى دية الخطإ في ثلاث سنين.و العاقلة هم الذين يرثون دية القاتل إن لو قتل و لا يلزم من لا يرث من ديته شيئا.

ص: 408

و الدية المسلمة إلى أهل القتيل هي المدفوعة إليهم موفرة غير منقصة حقوق أهلها منها إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا معناه يتصدقوا و هو في قراءة أبي فأدغمت التاء في الصاد لقرب مخرجهما.

فصل

و قوله تعالى فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (1) يعني إن كان هذا القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم هم أعداء لكم مشركون و هو مؤمن فعلى قاتله تحرير رقبة مؤمنة.و اختلفوا في معناه فقال قوم إذا كان القتيل في عداد الأعداء و هو مؤمن بين أظهرهم لم يهاجر فمن قتله فلا دية له و عليه تحرير رقبة مؤمنة لأن الدية ميراث و أهله كفار لا يرثونه هذا قول ابن عباس.و قال آخرون بل عنى به من أهل الحرب من تقدم دار الإسلام ثم يرجع إلى دار الحرب فإذا مر بهم جيش من أهل الإسلام فهرب قومه و أقام ذلك المسلم بينهم فقتله المسلمون و هم يحسبونه كافرا.ثم قال وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ معناه إن كان القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم بينكم و بينهم أيها المؤمنون ميثاق أو عهد أي عهد و ذمة و ليسوا أهل حرب لكم فدية مسلمة إلى أهله يلزم عاقلة قاتله و تحرير رقبة مؤمنة على القاتل كفارة لقتله.و اختلفوا في صفة هذا القتيل الذي هو من قوم بيننا و بينهم ميثاق أ هو مؤمن

ص: 409


1- سورة النساء:93.

أو كافر فقال قوم هو كافر إلا أنه يلزم قاتله ديته لأن له و لقومه عهدا ذهب إليه ابن عباس و قال آخرون بل هو مؤمن فعلى قاتله ديته يؤديها إلى قومه من المشركين لأنهم أهل ذمة و هو المروي في أخبارنا إلا أنهم قالوا تعطى ديته ورثته المسلمين دون الكفار.و الميثاق العهد و المراد به هاهنا الذمة و غيرها من العهود.و الخطأ هو أن يريد شيئا فيصيب غيره.و الدية الواجبة في قتل الخطإ مائة من الإبل إن كانت العاقلة من أهل الإبل.و قال ابن مهرإيزد هو أن يكون المقتول مؤمنا [من قوم معاهدين و ذكر ابن إسحاق أنه يجوز أن لا يكون مؤمنا] (1) و لأجل المهادنة و الميثاق وجبت الدية و الكفارة.

فصل

أما دية أهل الذمة فقال قوم هي دية المسلم سواء ذهب إليه ابن مسعود و اختاره أبو حنيفة و قال قوم هي على النصف من دية المسلم و قال قوم هي على الثلث من دية المسلم ذهب إليه الشافعي و قال إنها أربعة آلاف.و أما دية المجوسي فلا خلاف أنها ثمانمائة درهم و كذلك عندنا دية اليهودي و النصراني و الأنثى منهم أربعمائة درهم و الدليل عليه إجماع الطائفة.فإن احتج المخالف بقوله وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ثم قال وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ و ظاهر الكلام يقتضي أن الدية واحدة.قلنا هذا السؤال ساقط على قول من يقول هذا القتيل الذي هو من قوم

ص: 410


1- الزياد من ج.

بينكم و بينهم ميثاق هو مؤمن و معناه إن كان القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم بينكم و بينهم ميثاق أي ذمة و عهد و ليسوا من أهل حرب لكم فدية مسلمة إلى أهله لأنهم أهل الذمة و أما على قول من يقول إن هذا القتيل كافر فلا شبهة في أن ظاهر الكلام لا يقتضي التساوي في مبلغ الدية و إنما يقتضي التساوي في وجوب الدية على سبيل الجملة.و في تقديم تحرير الرقبة على الدية في صدر الآية و تقديم الدية على تحرير الرقبة في آخر الآية خبيئة لطيفة و كذلك في قوله إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا إشارة حسنة و الأحسن أن تكون الكناية في كان من قوله فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ للقتيل دون أن يكون للمؤمن لأن قوله وَ هُوَ مُؤْمِنٌ يمنع من ذلك.و كذا الكناية في كان من قوله وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ للمقتول لأن المقتول يقع على المؤمن و الكافر فإن كان القتيل من هؤلاء الكافرين كافرا فديته دية الكافر و إن كان مؤمنا فديته دية المؤمن هذا هو المذهب و يجوز أن يكون كان تامة في أول الآية من قوله وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً أي ما وقع قتل مؤمن لمؤمن إلا قتلا خطأ.

فصل

ثم قال تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ (1) اختلفوا في معناه فقال قوم يعني فمن لم يجد الرقبة المؤمنة كفارة عن قتله المؤمن خطأ لإعساره فعليه صيام شهرين متتابعين و قال آخرون فمن لم يجد الدية فعليه صوم شهرين عن الدية و الرقبة و قال مسروق تأويل الآية فمن لم يجد رقبة مؤمنة و لا دية يسلمها إلى أهله فعليه صوم شهرين متتابعين.

ص: 411


1- سورة النساء:92.

و الأول هو الصحيح لأن دية قتل الخطإ على العاقلة و الكفارة على القاتل بإجماع الأمة على ذلك.و صفة التتابع في الصوم أن يتابع الشهرين لا يفصل بينهما بإفطار يوم على ما قدمناه في باب الكفارة.ثم قال تَوْبَةً مِنَ اللّهِ و هو نصب على القطع (1) و معناه رخصة من الله لكم إلى التيسير عليكم بتخفيفه ما خفف عنكم من فرض تحرير رقبة مؤمنة بإيجاب صوم شهرين متتابعين.قال الجبائي إنما قال تَوْبَةً مِنَ اللّهِ لأنه تعالى بهذه الكفارة التي يلزمها يدرأ العقاب و الذم عن القاتل لأنه يجوز أن يكون عاصيا في السبب و إن لم يكن عاصيا في القتل من حيث إنه رمى في موضع هو منهي عنه و إن لم يقصد القتل و هذا ليس بشيء لأن الآية عامة في كل قاتل خطأ و ما ذكره ربما اتفق في الآحاد.و إلزام دية الخطإ للعاقلة ليس هو مؤاخذة البريء بالسقيم فإن ذلك ليس بعقوبة بل هو حكم شرعي تابع للمصالح و لو خلينا و العقل ما أوجبناه و قد قيل إن ذلك على وجه المواساة و المعاونة. ثم قال وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها و استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن مرتكب الكبيرة يخلد في نار جهنم و أنه إذا قتل مؤمنا يستحق الخلود فيها و لا يعفى عنه.و لنا أن نقول لهم ما أنكرتم أن يكون المراد بالآية الكفار و من لا ثواب له أصلا فأما من يستحق الثواب فلا يجوز أن يكون مرادا بالخلود في النار أصلا و قد استوفى الكلام فيه أصحابنا في الأصول.

ص: 412


1- الكوفيون يسمون الحال قطعا«ج».

و قد ذكر جماعة من المفسرين أن الآية متوجهة إلى من يقتل مؤمنا تعصبا لإيمانه و ذلك لا يكون إلا كافرا.و قال علي بن موسى القمي إن التقدير في الآية من يقتل مؤمنا لدينه و الوعيد ورد على هذا الوجه لأنه إذا قتله لأجل أنه مؤمن فقد كفر.

فصل

أما قوله يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا (1) فقد قال أبو جعفر ع نزلت في أمر بني النضير و بني قريظة (2).قال قتادة إنما كان ذلك في قتيل بينهم قالوا إن أفتاكم محمد بالدية فاقتلوه و إن أفتاكم بالقود فاحذروه فلما أرادوا الانصراف تعلقت قريظة بالنضير قالوا يا أبا القاسم و كرهوا أن يقولوا يا محمد لئلا يوافق ذلك ما في كتبهم من ذكره هؤلاء إخواننا بنو النضير إذا قتلوا منا قتيلا لا يعطون القود منهم و أعطونا سبعين وسقا من تمر و إن أخذوا الدية أخذوا منا مائة و أربعين وسقا و كذا جراحاتنا على انصاف جراحاتهم فأنزل الله وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (3) أي فاحكم بينهم بالسواء فقالوا لا نرضى بقضائك فأنزل الله أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) .ثم قال تعالى وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ (5) شاهدا لك فيما

ص: 413


1- سورة المائدة:41.
2- روى ذلك في حديث طويل-انظر يجمع البيان 193/2.
3- سورة المائدة:42.
4- سورة المائدة:50.
5- سورة المائدة:43.

يخالفونك ثم فسر ما فيها من حكم الله فقال وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ الآية. فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني بني النضير لما قالوا لا نرضى بحكمك

باب القتل الخطإ و شبيه العمد

اعلم أن القتل على ثلاثة أضرب عمد محض و هو أن يكون عامدا بآلة يقتل غالبا كالسيف و السكين و الحجر الثقيل عامدا في قصده و هو أن يقصد قتله بذلك فمتى كان عامدا في قصده عامدا في فعله فهو العمد المحض قال تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ (1) .و الثاني خطأ محض و هو ما لم يشبه شيئا من العمد بأن يكون مخطئا في فعله مخطئا في قصده مثل أن رمى طائرا فأصاب إنسانا فقد أخطأ في الأمرين قال الله تعالى وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (2) .الثالث عمد الخطإ أو شبه العمد و المعنى واحد و هو أن يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده فأما كونه عامدا في فعله فهو أن يعمد إلى ضربه لكنه بآلة لا تقتل غالبا كالسوط و العصا الخفيفة و الخطأ في القصد أن يكون قصده تأديبا و زجره و تعليمه لكنه إن مات منه فهو عامد في فعله مخطئ في قصده. و يمكن أن يستدل على هذا النوع من القتل أيضا بقوله وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً الآية فالخطأ شبيه العمد هو أن يعالج الطبيب غيره بما

ص: 414


1- سورة النساء:93.
2- سورة النساء:92.

قد جرت العادة بحصول النفع عنده أو بفصده فيؤدي ذلك إلى الموت فإن هذا و ما قدمناه يحكم فيه بالخطإ شبيه العمد و يلزم فيه الدية مغلظة و لا قود فيه على حال.و الدية فيه تلزم القاتل بنفسه في ماله خاصة و إن لم يكن له مال استسعي فيها أو يكون في ذمته إلى أن يوسع الله عليه و الدية في ذلك مائة من الإبل أثلاثا و هذه الدية تستأدى في سنتين.و على هذا القاتل بعد إعطاء الدية كفارة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد كان عليه صيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا كما على قاتل الخطإ المحض لأن الآية أيضا دالة عليه.و كفارة قتل العمد بعد العفو له ببدل أو بلا بدل هذه الثلاثة و الدليل عليه بعد الإجماع السنة فإن لم يقدروا على ذلك تصدقوا بما استطاعوا و صاموا ما قدروا عليه

باب ديات الجوارح و الأعضاء و القصاص فيها

قال الله تعالى وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ (1) .هذا و إن كان إخبارا من الله تعالى أنه مما كتب على اليهود في التوراة فإنه لا خلاف أن ذلك ثابت في شرعنا و ذلك لأنه إذا صح بالقرآن أو بالسنة أن حكما من الأحكام كان ثابتا في شريعة من كان قبل نبينا من الأنبياء ع

ص: 415


1- سورة المائدة:45.

و لا يثبت نسخه لا قرآنا و لا سنة فإنه يجب العمل به.يقول الله عز و جل فرضنا على اليهود الذين تقدم ذكرهم في التوراة أن النفس بالنفس و معناه إذا قتلت نفس نفسا أخرى متعمدا فإنه يستحق عليه القود إذا كان القاتل عاقلا مميزا و كان المقتول مكافئا للقاتل إما أن يكونا مسلمين حرين أو كافرين أو مملوكين فأما أن يكون القاتل حرا مسلما و المقتول كافرا أو مملوكا فإن عندنا لا يقتل به و فيه خلاف بين الفقهاء و إن كان القاتل مملوكا أو كافرا و المقتول مثله أو فوقه فإنه يقتل بلا خلاف.و يراعى في قصاص الأعضاء ما يراعى في قصاص النفس من التكافؤ و متى لم يكونا متكافئين فلا قصاص على الترتيب الذي رتبناه في النفس سواء و فيه أيضا خلاف.و يراعى في الأعضاء التساوي أيضا فلا يقلع العين اليمنى باليسرى و لا يقطع اليمين باليسار و لا يقطع الناقصة بالكاملة فمن قطع يمين غيره و كانت يمين القاطع شلاء قال أبو علي يقال له إن شئت قطعت يمينه الشلاء أو تأخذ دية يدك و قد ورد في أخبارنا أن يساره تقطع إذا لم يكن للقاطع يمين.

وَ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ : دِيَةُ الْيَدِ إِذَا قُطِعَتْ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ فَمَا كَانَ جُرُوحاً دُونَ الاِصْطِلاَمِ (1) فَ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (2) . و في هذا إشارة إلى أن الحكم بذلك أو بغيره ليس إلا إلى حجة الله أو من يأمره الحجة.فأما عين الأعور فإنها تقلع بالعين الذي يقلعها سواء كانت المقلوعة عوراء أو لم تكن فإن قلعت العوراء كان فيها كمال الدية إذا كانت خلقة أو ذهبت

ص: 416


1- أي لم يقطع عضو تام،و الاصطلام الاستيصال.
2- من لا يحضره الفقيه 130/4.

بآفة من الله تعالى أو تقلع إحدى عيني القالع و يلزمه مع ذلك نصف الدية و فيه خلاف.

فصل

و قوله تعالى وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ التقدير أوجبنا أن النفس تقتل إذا قتلت نفسا بغير حق و فرضنا عليهم أن الجروح قصاص.و ظاهر هذه الآية لا يقتضي أنا متعبدون بهذه الأحكام لأنها حكاية عن أمة أنه فرض عليهم ذلك إلا أن العلماء مجمعون على أنا أيضا بهذه الأحكام متعبدون لا بهذه الآية بل بالآية التي في سورة البقرة و هي مجارية لهذه و لا يجب من الاتفاق في كثير من المتعبدات أن تكون الشريعتان واحدة بعينها.و معنى اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ تقتل النفس بسبب قتل النفس قيل و ذلك مجمل و له بيان طويل و فيه تخصيص.و معنى اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ تقلع العين لمن قلع عينا بغير حق.و كذا إن قطع أنفه أو أذنه أو قلع أو كسر سنا له أو جرحه بجراحة يفعل به مثله و هذا معنى قوله وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ لأن القصاص أن يتبع به فعله فيفعل مثل فعله و معناها ذات قصاص أي يقاص الجارح قصاصا.و تفاصيل هذه الأحكام بكتب الفقه أولى لكنا نذكر ألفاظا يسيرة.

فصل

و أما الجروح فإنه يقتص منها إذا كان الجارح مكافئا للمجروح على ما بيناه في النفس فيقتص بمثل جراحته الموضحة بالموضحة و الهاشمة بالهاشمة و المنقلة بالمنقلة و لا قصاص في المأمومة و هي التي تبلغ أم الرأس و لا الجائفة

ص: 417

و هي التي تبلغ الجوف لأن في القصاص منهما تضريرا بالنفس.و لا ينبغي أن يقتص الجراح بعد أن يندمل من المجروح فإذا اندمل اقتص حينئذ من الجارح و إن سرت إلى النفس كان فيها القود.و كسر العظم لا قصاص فيه و إنما فيه الدية.و كل جارحة كانت ناقصة فإذا قطعت كان فيها حكومة و لا يقتص بها الجارحة الكاملة كيد شلاء و عين لا تبصر و سن سوداء متآكلة فإن في جميع ذلك حكومة لا تبلغ دية تلك الجارحة و قد روينا في هذه الأشياء مقدرا و هو ثلث دية العضو الصحيح.و العين تقلع بالعين و إن تفاوتتا في الصغر و الكبر و الحسن و القبح و زيادة البصر إلا أن تكون عمياء.

فصل

ص: 418

فإن قيل هل يكفر الذنب إلا التوبة أو اجتناب الكبيرة.قلنا على مذهبنا لا يجوز أن يكفر الذنب شيء من أفعال الخير و يجوز أن يتفضل الله بإسقاط (1) عقابها كما

قَالَ ع مَنْ يَعْفُ يَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ (2). و قوله فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ من لصاحب الحق و الذي له أن يطلب القصاص و الضمير في به لحقه يقول ولي المقتول و من جرح أو أصيب عضو منه إن عفا واحد منهم عن حقه و لم يطالب بالقصاص أو الدية فهو أي فعله ذلك و تركه لحقه كفارة له أي يكفر الله له ذنوبه فلا يؤاخذه بها و قال ابن عباس إنه كفارة للحامي أي يسقط عنه الولي و المخرج القود و القصاص عن القاتل و الجارح فالأول أوجه.

فصل

و أما قوله وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ إلى قوله وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ (3) العفو في الآية المراد به ما يتعلق بالإساءة إلى نفوسهم الذي له الاختصاص بها فمتى عفوا عنها كانوا ممدوحين و أما ما يتعلق بحقوق الله و حدوده فليس للإمام تركها و لا العفو عنها و لا يجوز له عن المرتد و عمن يجري مجراه. وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها يحتمل أن يكون المراد ما جعل الله لنا الاقتصاص منه من النفس بالنفس و العين بالعين الآية فإن المجني عليه له أن يفعل بالجاني مثل ذلك من غير زيادة و سماه سيئة للازدواج كما قال وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ (4) .

ص: 419


1- إلى هنا تنتهى نسخة«ج»من جامعة طهران.
2- مستدرك الوسائل 87/2.
3- سورة الشورى:39-40.
4- سورة النحل:126.

ثم مدح العافي بما له أن يفعله فقال فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ أي فجزاؤه عليه و هو سبحانه يثيبه على ذلك إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ أي لم أرغبكم في العفو عن الظالم لأني أحبه بل لأني أحب الإحسان و العفو.ثم أخبر أن من انتصر بعد أن تعدي عليه فليس عليه سبيل قال قتادة بَعْدَ ظُلْمِهِ فيما يكون فيه القصاص بين الناس في النفس أو الأعضاء أو الجرح فأما غير ذلك فلا يجوز أن يفعل بمن ظلمه.و قال قوم إن له أن ينتصر على يد سلطان عادل بأن يحمله إليه و يطالبه بأخذ حقه منه لأن السلطان هو الذي يقيم الحدود و يأخذ من الظالم للمظلوم.

فصل

و قوله تعالى وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً (1) .فأول ما يكون الجنين نطفة و فيها عشرون دينارا و يصير علقة و فيها أربعون دينارا و فيما بينهما بحساب ذلك ثم يصير مضغة و فيها سبعون دينارا ثم يصير عظما و فيه ثمانون دينارا ثم يصير صورة بلا روح مكسوا عليها اللحم خلقا سويا شق له العينان و الأذنان و الأنف قبل أن تلجه الروح و فيه مائة دينار ثم تلجه الروح و فيه دية كاملة و بذلك قضى أمير المؤمنين ع و قرأ الآية (2).

قوله يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ (3) قال قوم

ص: 420


1- سورة المؤمنون:12-14.
2- انظر تفسير البرهان 111/3.
3- سورة الحجّ:5.

أراد به جميع الخلق لأن النطفة التي خلقهم الله تعالى منها تكون من الغذاء و الغذاء يكون من التراب و الماء فكان أصلهم كلهم التراب ثم أحاله بالتدريج إلى النطفة ثم أحال النطفة علقة و هي القطع من الدم جامدة ثم أحال العلقة مضغة و هي شبيه قطعة من اللحم ممضوغة و المضغة مقدار ما يمضغ من اللحم فخلقه تامة الخلق و غير تامة و قيل متصورة و غير متصورة و هو السقط.

ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ بنبات الأسنان و الشعر و أعضاء العقل و الفهم و قيل خلقا آخر أي ذكرا و أنثى.و جاء في الأثر أن الصحابة اختلفوا في الموءودة ما هي و هل الاعتزال وأد و هل إسقاط المرأة جنينها وأد

قَالَ عَلِيٌّ ع إِنَّهَا لاَ تَكُونُ مَوْءُودَةً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْبَارَاتُ السَّبْعُ فَقَالَ عُمَرُ صَدَقْتَ (1). و أراد أمير المؤمنين ع بالبارات السبع طبقات الخلق السبع المثبتة في قوله وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ الآية فعنى سبحانه ولادته ميتا فأشار علي ع أنه إذا استهل بعد الولادة ثم دفن فقد وئد و قصد بذلك أن يدفع قول من توهم أن الحامل إذا أسقطت جنينها قبل أن تلجه الروح بالتداوي فقد وأدته

باب الزيادات

اعلم أن الحر لا يقتل بالعبد أخذا بقوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى و هي مفسرة لما أبهم في قوله اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ لأن تلك واردة لحكاية ما كتب في التوراة على أهلها و هذه خوطب بها المسلمون و كتب عليهم فيها.و روي أنه كان بين حنين دماء في الجاهلية فأقسموا لنقتلن الاثنين بالواحد و الحر بالعبد فتحاكموا إلى رسول الله ص حين جاء الإسلام فنزلت و أمرهم أن يتساووا.

ص: 421


1- الدّر المنثور 320/6.

و قوله فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ كقولك سير يريد بعض السير و لا يصح أن يكون شيء في معنى المفعول به لأن عفا لا يتعدى إلى المفعول به إلا بواسطة.و أخوه هو ولي المقتول و ذكره بلفظ الإخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية و الإسلام.فإن قيل إن عفا يتعدى بعن لا باللام فما وجه قوله فَمَنْ عُفِيَ لَهُ .قلنا يتعدى بعن إلى الجاني و إلى الذنب فيقال عفوت عن فلان و عن ذنبه قال تعالى عَفَا اللّهُ عَنْكَ (1)

و قال عَفَا اللّهُ عَنْها (2) فإن تعدى إلى الذنب قيل عفوت لفلان عما جنى كما يقال تجاوزت له عنه و على هذا فما في الآية كأنه قيل فمن عفا له من جنايته فاستغنى عن ذكر الجناية.فإن قيل هنا فسرت عفا بترك جنى يكون شيء في معنى المفعول به.قلنا لأن عفا الشيء إذا تركه ليس يثبت و لكن أعفاه ذمته

قَوْلُهُ ع أَعْفُوا اللِّحَى. فإن قيل فقد ثبت قولهم عفا الشيء إذا نحاه فإن له فهلا فعلت معناه فمن عفا له من أخيه شيء.قلنا عبارة قلقة في مكانها و العفو في الجنايات عبارة مشهورة في الشرع فلا نعدل عنها.

مسألة

قوله وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (3) عرف القصاص و نكر الحياة لأن المعنى

ص: 422


1- سورة التوبة:43.
2- سورة المائدة:101.
3- سورة البقرة:179.

و لكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة و ذلك أنهم كانوا يقتلون بالواحد الجماعة كما قاد مهلهل بأخيه كليب حتى كاد يفنى بكر بن وائل فلما جاء الإسلام فشرع القصاص كانت فيه حياة أي حياة أو نوع من الحياة و هي الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل و قرئ ذلكم في القصص حيوة أي مما قص عليكم من حكم القتل و القصاص.

مسألة

و قوله وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ (1) أي بإحدى ثلاث إلا بأن يكفر أو يقتل مؤمنا عمدا أو يزني بعد إحصان.

وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً أي غير راكب واحدة منهن فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً على العاقل في الاقتصاص منه فَلا يُسْرِفْ الولي أي فلا يقتل غير القاتل و قيل الإسراف المثلة و قرئ فَلا يُسْرِفْ بالرفع على أنه خبر في معنى الأمر و فيه مبالغة ليست في الأمر و قرئ بالتاء على خطاب الولي أو قتل المظلوم. إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً الضمير إما للولي يعني حسبه أن الله ناصره بأن أوجب له القصاص فلا يسترد على ذلك و بأن الله نصره بمعونة السلطان و بإظهار المؤمنين على استيفاء الحق فلا يقع ما وراء حقه أما المظلوم لأن الله ناصره حيث أوجب القصاص بقتله و بنصره و في الآخرة بالثواب و أما الذي يقتله الولي بغير الحق و يسرف في قتله فإنه منصور بإيجاب القصاص على المسرف.

ص: 423


1- سورة الإسراء:33.

مسألة

و أما قوله مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ فتقديره بغير قتل نفس أَوْ فَسادٍ عطف على نفس بمعنى أو بغير فساد و هو الشرك أو قطع الطريق.فإن قيل كيف شبه الواحد بالجمع و جعل حكمه حكمهم.قلنا لأن كل إنسان مدلى بما يدلي به الآخر و ثبوت الحرمة فإذا قتل فقد أهين و تركت حرمته و على العكس فلا فرق بين الواحد و الجمع في ذلك. ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ أي بعد ما كتبنا عليهم لَمُسْرِفُونَ في القتل لا يبالون بعظمته.

مسألة

سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْقَسَامَةِ فِي الْقَتْلِ فَكَانَ بَدْؤُهَا مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَدْ وُجِدَ أَنْصَارِيٌّ قُتِلَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَتَلَتِ الْيَهُودُ صَاحِبَنَا قَالَ لِيُقْسِمْ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلاً [عَلَى أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ] (1) فَقَالُوا نُقْسِمُ عَلَى مَا لَمْ نَرَ فَقَالَ لِيُقْسِمِ الْيَهُودُ قَالُوا مَنْ يُصَدِّقُ الْيَهُودَ فَقَالَ أَنَا أُؤَدِّي دِيَةَ صَاحِبِكُمْ إِنَّ اللَّهَ (2) حَكَمَ فِي الدِّمَاءِ مَا لَمْ يَحْكُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ لِتَعْظِيمِهِ الدِّمَاءَ. فاليمين على المدعى عليه في سائر الحقوق و في الدم على المدعي (3) كما ترى.

ص: 424


1- الزيادة من المصدر.
2- في المصدر«فقلت له:كيف الحكم فيها؟فقال:ان اللّه..».
3- تهذيب الأحكام 167/10 مع اختلاف في الفاظ و جمل.

مسألة

وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً (1) أي ما صح و لا استقام و لا لاق بحاله أن يقتل مؤمنا ابتداء غير قصاص إلا خطأ أي إلا على وجه الخطإ و انتصب خطأ على أنه مفعول له أي ما ينبغي له أن يقتله لعله من العلل إلا للخطإ وحده و يجوز أن يكون حالا بمعنى لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطإ و أن يكون صفة مصدرا إلا قتلا خطأ. وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فعليه تحرير رقبة و التحرير الإعتاق و الرقبة عبارة عن النسمة كما عبر عنها بالرأس يقال فلان يملك كذا رأسا من الرءوس.فإن قيل على من يجب الدية أو الرقبة.قلنا على القاتل إلا أن الرقبة في ماله على كل حال و الدية إن كان أقر هو على نفسه بذلك فعلى ماله أيضا على الأحوال و إن كان بإقامة البينة عليه بذلك فالدية يتحملها عنه العاقلة فإن لم يكن له عاقلة أو كانوا و لم يكن لهم مال ففي ماله و إن لم يكن يستسعى و إن لم يكن ففي بيت المال. إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا عليه بالدية و معناه العفو.فإن قيل بم يتعلق أَنْ يَصَّدَّقُوا و ما محله.قلنا يتعلق بعليه أو بتسليمه كأنه قيل و يجب عليه الدية أو تسليمها إلا حين تتصدقون عليه و محلها النصب على الظرف بتقدير خلاف الزمان كقولهم اجلس ما دام زيد جالسا و يجوز أن يكون حالا من أهله بمعنى ألا يتصدقن.

مسألة

قوله وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ (2) المعطوفات

ص: 425


1- سورة النساء:92.
2- سورة المائدة:45.

كلها قرئت منصوبة و مرفوعة و الرفع للعطف على محل أن النفس لأن المعنى و كتبنا عليهم النفس بالنفس إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا و إما لأن معنى الجملة التي هي قوله اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ ما يقع عليه الكتب كما يقع عليه القراءة.و كذلك قال الزجاج لو قرئ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ بالكسر لكان صحيحا أو الاستئناف و المعنى فرضنا عليهم فيها أن النفس مأخوذة بالنفس مقتولة بها إذا قتلها بغير حق.و كذلك العين مفقوءة بالعين و الأنف مجدوع بالأنف و الأذن مقطوعة بالأذن و السن مقلوعة بالسن و الجروح ذات قصاص و هو المقاصة و معناه ما يمكن فيه القصاص و يعرف المساواة.

مسألة

إن قيل في قوله تعالى وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (1) أ هم محمودون على الانتصار.قلنا نعم لأن من أخذ الحق غير متعد حد الله و لم يسرف في القتل إن كان ولي الدم أو رد على سفيه محاماة على عرضه فهو مطيع و كل مطيع محمود على أن كلتا التعليلين الأولى و جزاؤها سيئة لأنها تسوء من ينزل به.و المعنى أنه يجب إذا قوبلت الإساءة أن يقابل بمثلها من غير زيادة فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ بينه و بين خصمه بالعفو فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ عدة مبهمة لا يقاس أمرها في العظم لأنه لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ دلالة على أن (2).لا يكاد مؤمن فيه تجاوز بالسيئة خصوصا في حال الحرب و التهاب الحمية و الله أعلم بالصواب

ص: 426


1- سورة الشورى:39.
2- كلمة لا تقرأ في م.

باب فيما يحتاج إليه الناظر في هذا الكتاب

اعلم أن القرآن على ثلاثة أقسام مما استدللنا به أحدها ما هو مجمل لا ينبئ الظاهر عن المراد به تفصيلا مثل قوله تعالى أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ (1)

و قوله وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (2)

و قوله فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (3) و ما أشبه ذلك فإن تفصيل أعداد الصلاة و عدد ركعاتها و تفصيل مناسك الحج و شروطه و مقادير النصاب في الزكاة لا يمكن استخراجه إلا ببيان النبي ع و وحي من جهة الله تعالى فتكلف القول في ذلك خطأ و ممنوع منه و يمكن أن تكون الأخبار متناولة له قال الله تعالى وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (4) .و ثانيها ما كان لفظه مشتركا بين معنيين فما زاد عليهما و يمكن أن يكون كل واحد منهما مرادا فإنه لا ينبغي أن يقدم أحد فيقول هذا مراد الله منه إلا بقول معصوم ع بل ينبغي أن يقول إن الظاهر يحتمل الأمور و كل واحد يجوز أن يكون مرادا على التفصيل و متى كان اللفظ المشترك بين شيئين أو ما زاد عليهما و دل الدليل على أنه لا يجوز أن يريد إلا وجها واحدا جاز أن يقال إنه المراد.و ثالثها يكون ظاهره مطابقا لمعناه فكل من عرف اللغة التي خوطب بها

ص: 427


1- سورة البقرة:43.
2- سورة آل عمران:97.
3- سورة المعارج:24.
4- سورة النحل:44.

عرف معناها مثل قوله تعالى وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ (1) و مثل قوله قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ (2) و غير ذلك.و لا ينبغي لأحد أن ينظر في تفسير آية لا ينبئ ظاهرها عن المراد مفصلا أن يقلد أحدا من المفسرين إلا أن يكون التأويل مجمعا عليه فيجب اتباعه لمكان الإجماع الذي هو حجة لأن من المفسرين من حمدت طرائقه و مدحت مذاهبه في التأويل كابن عباس و الحسن و قتادة و مجاهد و غيرهم و منهم من ذمت مذاهبه كأبي صالح و السدي و الكلبي.هذا في الطبقة الأولة فأما المتأخرون فكل واحد منهم نصر مذهبه و تأول على ما يطابق أصله فلا يجوز لأحد أن يقلد أحدا منهم بل ينبغي أن يرجع إلى الأدلة الصحيحة إما العقلية أو الشرعية من إجماع عليه أو نقل متواتر به عمن يجب اتباع قوله و لا يقبل في ذلك خبر واحد و خاصة إذا كان مما طريقه العلم.و متى كان التأويل مما يحتاج إلى شاهد من اللغة فلا يقبل من الشاهد إلا ما كان معلوما بين أهل اللغة سائغا بينهم و لا يجعل الشاذ النادر شاهدا على كتاب الله و ينبغي أن يتوقف فيه و يذكر ما يحتمله و لا يقطع على المراد منه بعينه و يحتاط في ذلك كله فإن كل آخذ بالاحتياط غير زال عن الشرائط.

فصل

ثم اعلم أن الله سبحانه أغنانا بفضله في الشرعيات عن أن نستخرج أحكامها بالمقاييس و الاجتهادات التي تصيب مرة و تخطئ أخرى بل بين جميع ما يحتاج إليه المكلفون في تكليفهم عقلا و شرعا و وقفهم عليه في كتابه و على لسان

ص: 428


1- سورة الإسراء:33.
2- سورة التوحيد:1.

نبيه و حججه عليه و عليهم السلام فلا حاجة مع ذلك إلى تعسف و تكلف.و الفقيه ينبغي أن يكون كيسا فلا يختلجه بعد العلم شك على حاله فإن من ألطافنا الخاصة ما يروونه آل محمد عنه ص في أشياء كثيرة يعلم وجوبها إجماع أنها من السنن كغسل من مس ميتا من الناس بعد البرد و قيل التطهير فإنه يعلم بالإجماع الذي هو حجة وجوب ذلك فإذا قال ع إن ذلك سنة (1) فإن معناه أن وجوبه يعلم بالسنة لا بالكتاب.و كذلك إذا قال ع غسل يوم الجمعة واجب و علم بالإجماع كونه مستحبا يعلم أن المراد به شدة التأكيد في استحبابه.و كذلك إذا علم من الأثر النبوي علما مقطوعا على صحته أن الأغسال الواجبة هي غسل الجنابة و غسل الحيض و الاستحاضة و النفاس و غسل مس الميت على ما ذكرناه و تغسيل الأموات فقط و غسل من رأى أثر المني على ثيابه التي لا يستعملها إلا هو بأن لم يذكر احتلاما.ثم ورد عنه ص بطريقة أهل بيته ع أن من ترك صلاتي الكسوف و الخسوف متعمدا و قد احترق القرصان يجب عليه القضاء مع الغسل فلا يوهمنه نظم هذا الكلام أن غسل قاضي هذه الصلاة على هذا الوجه واجب مع تقدم علمه بكونه مستحبا غير واجب بتفصيل من النصوص و إنما تثبت بإيراد هذه المسألة على أخواتها.و اعلم أن جميع كلامهم ع الوارد في الأصول رموز و إشارات كيلا يرى أحد أنه تعليم بل تقويم و أكثر ما فيه أنه تنبيه فإن كلامهم ع في فروع الفقه بيان و إيضاح كي لا يتورط أحد في القياس و قد أبى أكثر

ص: 429


1- عبارة لا تقرأ واضحا في م.

الناس إلا خلاف ما أشاروا إليه فسكتوا عن العقليات و تكلموا في الشرعيات.و قد وفيت بعون الله بما شرطت في صدر الكتاب و الله سبحانه ينفعني.و أسأل الناظر فيه أن لا يخليني من صالح دعائه فقد كفته مئونة الدأب و صعوبة الطلب و فسرت له ما خلته ملتبس على من يقتبس.و الحمد لله وحده و الصلاة على خير خلقه محمد و آله من بعده

ص: 430

موضوعات الكتاب

(كتاب القضايا)

الحث على الحكم بالعدل و المدح عليه 5

حكم الجاهلية و حكم الجور 7

ما يجب أن يكون القاضي عليه 9

قصة داود النبيّ عليه السلام في الحكم 10

كيفية الحكم بين أهل الكتاب 13

حكم النبيّ«ص»فى قضايا لليهود 15

باب نوادر من الاحكام 16

باب الزيادات 19

(كتاب المكاسب)

الكلام حول آيات في الرزق 21

ص: 431

المكاسب المحظورة و المكروهة 24

بيع الغلول و السحت 26

اكراه أهل الجاهلية البنات على البغاء 27

أنواع المكاسب المباحة 30

الاكل من بيوت أصناف ذكروا في الآيات 32

التصرف في أموال اليتامى 34

من يجبر الإنسان على نفقته 36

باب السبق و الرماية 37

باب الزيادات 39

(كتاب المتاجر)

الحث على التجارة و الكسب 40

في آداب التجارة 42

في أحكام الربا 45

البيع بالنقد و النسيئة و الشرط في العقود 49

معنى البيع و أنواعه 50

الشروط المعتبرة في البيع 51

أشياء تتعلق بالمبايعة و نحوها 52

وفاء الكيل و ذمّ المطففين 55

في الرهن و أحكامه 58

أداء الأمانة 59

باب الوديعة 61

ص: 432

باب العارية 62

باب الاجارة 63

باب الشركة و المضاربة 65

باب الشفعة 68

باب المزارعة و المساقاة 69

باب الافلاس و الحجر 70

باب الغصب 73

(كتاب النكاح)

الحث على النكاح 75

ما أحل اللّه من النكاح و ما حرم منه 76

بعض أحكام النساء التي يراد تزويجهن 78

المحرمات من النسب و السبب 82

حرمة نكاح الامهات 83

حرمة نكاح حلائل الابناء 85

حرمة الجمع بين الأختين 86

مقدار ما يحرم من الرضاع و أحكامه 89

تحريم جمع بعض النساء في النكاح 91

ضروب النكاح 94

ذكر النكاح الدائم 95

تعدّد الزوجات 97

باب الصداق و أحكامه 101

باب المتعة و أحكامها 104

العقد على الإماء و أحكامه 110

ص: 433

العقد على الإماء و أحكامه 110

لا يجوز نكاح الأمة الكتابية 111

نفقات الزوجات و المرضعات و أحكامها 116

في مدة الرضاع 119

الام أولى بالولد مدة الرضاع 125

في ذكر ملك الايمان 126

ما يحرم النظر إليه من النساء و ما يحل 127

النهي عن اظهار النساء زينتهن 128

غض الابصار عن النظر الى الاجانب 129

اختيار الازواج و من يتولى العقد عليهن 131

النهي عن خطبة النساء المعتدات 135

من بيده عقدة النكاح 138

ما يستحب فعله عند العقد و آداب الخلوة 139

القسم بين الزوجات 142

باب الزيادات 144

(كتاب الطلاق)

أقسام الطلاق و شرائطه 147

في طلاق التي لم يدخل بها 147

في طلاق التي دخل بها و لم تبلغ المحيض 151

في طلاق الآيسة من المحيض 155

في طلاق المستقيمة الحيض 156

طلاق الحامل المستبين حملها 159

طلاق المستحاضة و من غاب عنها الزوج 160

ص: 434

بيان شرائط الطلاق 161

الاشهاد عند الطلاق 165

السكنى و النفقة للرجعية 167

عدة المتوفى عنها زوجها و عدة المطلقة 169

كيفية الطلاق الثلاث 174

لو أراد الرجوع بعد الطلاق الثالث 177

عضل النساء 182

أداء حقوق النساء 184

ما يجب على المرأة في عدتها 186

ما يكون كالسبب للطلاق 189

الرجال قوامون على النساء 192

ما يؤثر في أنواع الطلاق 193

باب ما يلحق بالطلاق 196

في الظهار 196

في الايلاء 200

في اللعان 203

في الارتداد 204

باب الزيادات 204

(كتاب العتق و أنواعه)

قصة زيد بن حارثة 209

من إذا ملك العتق في الحال 211

من يصحّ ملكه و من لا يصحّ 212

ص: 435

بيع أمّهات الاولاد 213

باب الولاء 214

ان المملوك لا يملك شيئا 215

باب المكاتبة 215

شرط العقل في الكتابة 217

باب التدبير 219

باب الزيادات 220

(كتاب الايمان و النذور و الكفّارات)

معنى اليمين و بعض شروطه 222

أقسام اليمين و أحكامه 224

حفظ اليمين 228

ابتذال اليمين 229

أقسام النذور و العهود و أحكامها 233

كيفية النذر 235

أقسام العهد 237

باب الكفّارات 239

هل الكفّارة عقوبة 241

باب الزيادات 241

(كتاب الصيد و الذباحة)

أحكام الصيد 244

ما هي الجوارح 246

ص: 436

ما يحرم من الصيد 249

صيد أهل الكتاب 250

باب الذبح 252

ما يحل أو يكره لحمه 254

لحوم الخيل و البغال و الحمير 255

ما حلل من الميتة و ما حرم من المذكى 256

باب الزيادات 259

(كتاب الاطعمة و الاشربة)

معنى الحلال و اباحة المآكل 261

ما أباحه اللّه من المطاعم 262

طعام أهل الكتاب 264

حرمة الميتة و الدم و لحم الخنزير 266

الاطعمة المحظورة 269

المنخنقة و النطيحة و غيرهما 270

الاشربة المباحة و المحظورة 276

حرمة الخمر و الميسر 277

بيان تحريم الخمر 281

قصة قدامة بن مظعون 283

إباحة الماء و أنّه شفاء 285

باب الزيادات 286

(كتاب الوقوف و الصدقات)

الحث على الوقوف و الصدقات 289

ص: 437

كيفية الوقف و أحكامه 290

ما يوقف من الأموال 292

أحكام العمرى 293

الهبة و أحكامها 294

أصناف الهبات 295

باب الزيادات 296

(كتاب الوصايا)

الحث على الوصية 299

مقدار الذي يستحق الوصية عنده 301

أحكام تبديل الوصية 302

الوصية للوارث و غيره من القرابات 305

بعض ما يتعلق بالأوصياء 307

ما على وصي اليتيم 309

بلوغ اليتيم 310

الوصية المبهمة 312

الوصية التي يقال لها راحة الموت 315

من تجوز شهادته في الوصية 317

باب الإقرار 321

باب الزيادات 322

(كتاب المواريث)

كيفية ترتيب نزول المواريث 324

ما يستحق به المواريث و ذكر سهامها 327

ص: 438

ذكر ذوي السهام 328

في قرابة الولد 329

في ميراث الولد 330

في ميراث الوالدين 332

في ميراث الزوجين 335

في ميراث كلالة الام 336

في ميراث كلالة الأب 338

في مسائل شتّى 340

من يرث بالقرابة دون الفرض 342

من يرث بالفرض و القرابة 346

بطلان القول بالعصبة و العول 351

معنى العول 353

بيان ان فرض البنتين الثلثان 355

القاتل خطأ يرث المقتول من التركة لا الدية 359

المسلم يرث الكافر 360

ولد الولد ولد و ان نزل 361

باب الزيادات 363

(كتاب الحدود)

معنى الحدّ و كيفية اجرائه 366

حد الزانية البكر و الثيب 367

ثبوت حكم الزنا 370

الرجم و القتل في الزنا 371

ص: 439

شروط اجراء الحدّ 373

غير المسلم يفجر بالمسلم 376

الحد في اللواط و السحق 376

الحد في شرب الخمر 378

الحد في السرقة 379

كيفية القطع 380

النصاب الذي يتعلق القطع به 382

حد المحارب 387

الحد في الفرية 388

باب الزيادات 391

(كتاب الديات)

القتل العمد و أحكامه 394

صفة قتل العمد 395

في العفو عن القتل 397

موجبات قتل النفس المحرمة 402

المرأة إذا قتلت رجلا 403

القتل الخطأ المحض 406

حكم من قتل مؤمنا خطأ 407

في دية أهل الذمّة 410

صيام شهرين بدل الكفّارة 411

قصة بنى النضير و بنى قريضة 413

القتل الخطأ و شبيه العمد 414

ص: 440

ديات الجوارح و الأعضاء و القصاص فيها 415

كيفية الاقتصاص في الجروح 417

التصدق في القصاص 418

العفو أو الجزاء بالمثل 419

مراتب خلقة الإنسان 420

باب الزيادات 421

ما يحتاج إليه الناظر في هذا الكتاب 427

عدم الحاجة الى المقاييس و الاجتهادات الباطلة 428

ص: 441

مصادر التحقيق

1-الاتقان في علوم القرآن

تأليف جلال الدين السيوطي.مطبعة البابي الحلبيّ بالقاهرة 1370 ه

2-أحكام القرآن

تأليف أبي بكر محمّد بن علي الجصاص.مطبعة عبد الرحمن محمّد بالقاهرة

3-أساس البلاغة

تأليف جار اللّه الزمخشريّ.مطبعة دار الكتب بالقاهرة 1341 ه

4-أسباب النزول

تأليف عليّ بن أحمد الواحدى النيسابوريّ.طبعة دار الكتب العلمية ببيروت

5-الاستبصار فيما اختلف من الاخبار

تأليف شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسيّ،تحقيق السيّد حسن الخرسان مطبعة النجف بالنجف 1375 ه

ص: 442

6-أسد الغابة في معرفة الصحابة

تأليف عزّ الدين ابن الأثير الجزري.طبعة اسماعيليان بطهران

7-الإصابة في تمييز الصحابة

تأليف ابن حجر العسقلاني.مطبعة مصطفى محمّد بالقاهرة 1358 ه

8-أعيان الشيعة

تأليف السيّد محسن الأمين العاملي.مطبعة الترقي ببيروت

9-أمل الآمل

تأليف الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ،تحقيق السيّد أحمد الحسيني مطبعة الآداب بالنجف 1385 ه

10-انباه الرواة

تأليف جمال الدين القفطي،تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم.مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة 1369 ه

11-الانتصار

تأليف الشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوى البغداديّ.المطبعة الحيدريّة بالنجف 1391 ه

12-الانوار الساطعة

تأليف الشيخ آقابزرگ الطهرانيّ،تحقيق علي نقي المنزوي.طبعة دار الكتاب العربي ببيروت 1972 م

13-البرهان في تفسير القرآن

تأليف السيّد هاشم البحرانيّ.مطبعة آفتاب بطهران

ص: 443

14-التاج الجامع للأصول

تأليف الشيخ منصور على ناصف.مطبعة البابي الحلبيّ بالقاهرة 1351 ه

15-التاريخ

تأليف أبى جعفر محمّد بن جرير الطبريّ،تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم طبعة دار المعارف بالقاهرة

16-تبصرة المتعلمين

تأليف العلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهر،تحقيق السيّد أحمد الحسيني و الشيخ هادى اليوسفى.طبعة مجمع الذخائر الإسلامية بقم

17-التبيان في تفسير القرآن

تأليف شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسيّ،تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي.مطبعة النعمان بالنجف

18-تفسير القرآن الكريم

تأليف عليّ بن إبراهيم القمّيّ.مطبعة النجف بالنجف 1386 ه

19-تفسير القرآن الكريم

تأليف أبي جعفر محمّد بن جرير الطبريّ.المطبعة الاميرية بالقاهرة 1323 ه

20-تكملة الرجال

تأليف الشيخ عبد النبيّ الكاظمى،تحقيق السيّد محمّد صادق بحر العلوم.

مطبعة الآداب بالنجف

21-تنقيح المقال في أحوال الرجال

تأليف الشيخ عبد اللّه المامقاني.الطبعة الحجرية بالنجف 1349 ه

ص: 444

22-تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس

تأليف محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي.طبعة عبد الحميد أحمد حنفى بالقاهرة 1382 ه

23-تهذيب الأحكام

تأليف شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسيّ،تحقيق السيّد حسن الخرسان طبعة دار الكتب الإسلامية بطهران 1390 ه

24-الثقات و العيون

تأليف الشيخ آقابزرگ الطهرانيّ،تحقيق على نقي المنزوى.طبعة دار الكتاب العربي ببيروت 1392 ه

25-الجرح و التعديل

تأليف ابن أبي حاتم الرازيّ.مطبعة دار المعارف العثمانية بحيدرآباد 1371 ه

26-الحيوان

تأليف أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ،تحقيق عبد السلام محمّد هارون مطبعة البابي الحلبيّ بالقاهرة

27-الدّر المنثور في التفسير بالمأثور

تأليف جلال الدين السيوطي.مطبعة محمّد أمين دمج ببيروت

28-ديوان الراونديّ

شعر أبي الرضا فضل اللّه الحسيني الراونديّ،تحقيق السيّد جلال الدين المحدث الأرمويّ.مطبعة المجلس بطهران 1374 ه

29-الذريعة الى تصانيف الشيعة

تأليف الشيخ آقابزرگ الطهرانيّ.طبعة النجف و طهران

ص: 445

30-روضات الجنّات

تأليف السيّد محمّد باقر الخونساري،تحقيق الشيخ أسد اللّه اسماعيليان.

مطبعة الحيدري بطهران 1390 ه

31-رياض العلماء

تأليف الميرزا عبد اللّه أفندي الأصبهانيّ.مخطوط

32-السنن

تأليف أبي عبد الرحمن بن شعيب النسائى.مطبعة البابي الحلبيّ بالقاهرة 1383 ه

33-السنن

تأليف محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي،تحقيق أحمد محمّد شاكر.

طبعة المكتبة الإسلامية ببيروت

34-شهداء الفضيلة

تأليف الشيخ عبد الحسين الامينى.مطبعة الغري بالنجف الأشرف 1355 ه

35-صحاح اللغة

تأليف إسماعيل بن حماد الجوهريّ،تحقيق أحمد عبد الغفور عطار.مطابع دار الكتاب العربى بالقاهرة

36-الصحيح

تأليف محمّد بن إسماعيل البخاري.مطابع الشعب بالقاهرة

37-الصحيح

تأليف مسلم بن الحجاج القشيري،تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي.طبعة دار احياء التراث العربي ببيروت

ص: 446

38-عيون أخبار الرضا

تأليف الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ.المطبعة الحيدريّة بالنجف 1390 ه

39-الغدير في الكتاب و السنة و الأدب

تأليف الشيخ عبد الحسين الامينى.مطبعة الحيدري بطهران

40-الفائق في غريب الحديث

تأليف جار اللّه الزمخشري،تحقيق على محمّد البجاوى و محمّد أبو الفضل إبراهيم.مطبعة البابى الحلبيّ بالقاهرة،الطبعة الثانية

41-الكافي

تأليف ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني،تحقيق على أكبر الغفارى.

مطبعة الحيدري بطهران

42-الكشّاف في تفسير القرآن الكريم

تأليف جار اللّه الزمخشريّ.مطبعة البابى الحلبيّ بالقاهرة 1385 ه

43-كشف الغمّة

تأليف الوزير عليّ بن عيسى الاربلى.طبعة قم

44-الكنى و الألقاب

تأليف الشيخ عبّاس القمّيّ.المطبعة الحيدريّة بالنجف 1389 ه

45-لباب النقول في أسباب النزول

تأليف جلال الدين السيوطي.طبعة القاهرة بهامش الاتقان

ص: 447

46-لسان العرب

تأليف ابن منظور الافريقى.مطبعة دار صادر ببيروت 1388 ه

47-لسان الميزان

تأليف الشيخ شهاب الدين ابن حجر العسقلانى.طبعة حيدرآباد 1329 ه

48-المبسوط في فقه الإماميّة

تأليف شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسيّ،تحقيق السيّد محمّد تقى الكشفى.مطبعة الحيدرى بطهران 1387 ه

49-مجمع البحرين

تأليف الشيخ فخر الدين الطريحى،تحقيق السيّد احمد الحسيني.مطبعة الآداب بالنجف 1381 ه

50-مجمع البيان في تفسير القرآن

تأليف ابى على الفضل بن الحسن الطبرسيّ.المطبعة الإسلامية بطهران

51-مستدرك وسائل الشيعة

تأليف الميرزا حسين النوريّ.طبعة المكتبة الإسلامية بطهران

52-المسند

تأليف الامام أحمد بن حنبل الشيباني.طبعة المكتب الإسلامي ببيروت

53-معجم الألفاظ القرآني

تنظيم الهيئة المصرية للتأليف.طبعة القاهرة 1390 ه

54-معجم البلدان

تأليف ياقوت الحموى.مطبعة دار صادر ببيروت 1388 ه

ص: 448

55-معجم رجال الحديث

تأليف الامام السيّد أبى القاسم الخوئي.مطبعة الآداب بالنجف 1390 ه

56-المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوى

تنظيم جماعة من العلماء.مكتبة بريل بليدن 1936 م

57-معجم مقاييس اللغة

تأليف ابى الحسين أحمد بن فارس،تحقيق عبد السلام محمّد هارون.

مطبعة البابى الحلبيّ بالقاهرة 1389 ه

58-مفردات ألفاظ القرآن

تأليف الراغب الأصبهانيّ،تحقيق نديم مرعشلي.مطبعة التقدّم العربى 1392 ه

59-من لا يحضره الفقيه

تأليف الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ،تحقيق على أكبر الغفاري.مطبعة الحيدرى بطهران 1392 ه

60-نزهة الناظر في الجمع بين الاشباه و النظائر

تأليف الشيخ يحيى بن سعيد الحلّيّ،تحقيق السيّد احمد الحسيني و الشيخ نور الدين الواعظى.مطبعة الآداب بالنجف 1386 ه

61-نور الثقلين

تأليف الشيخ عبد عليّ بن جمعة الحويزى،تحقيق السيّد هاشم الرسولي.

المطبعة العلمية بقم 1383 ه

62-النهاية في غريب الحديث

تأليف ابن الأثير الجزري،تحقيق طاهر احمد الزاوى و محمود محمد

ص: 449

الطناحى.مطبعة الحلبيّ بالقاهرة 1383 ه

63-نهج البلاغة

تأليف الشريف الرضى محمّد بن الحسين الموسوى البغداديّ،تحقيق محمّد محيى الدين عبد الحميد.مطبعة الاستقامة بالقاهرة

64-وسائل الشيعة

تأليف الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ،تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربانى.المطبعة الإسلامية بطهران

65-وقعة صفّين

تأليف نصر بن مزاحم المنقريّ،تحقيق عبد السلام محمّد هارون.مطبعة المدنيّ بالقاهرة 1382 ه

66-الهاشميات

شعر الكميت بن زيد الأسدى.طبعة القاهرة

ص: 450

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.