ص :2

و حسرت إلیها الکعاب

کشفت عن وجهها حرصا علی حضور البیعة و الکعاب الجاریة التی قد نهد ثدیها کعبت تکعب بالضم.

قوله حتی انقطع النعل و سقط الرداء شبیه

3594

بِقَوْلِهِ فِی الْخُطْبَةِ الشِّقْشِقِیَّةِ

حَتَّی لَقَدْ وُطِئَ ,3اَلْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَایَ

(1)

.

و قد تقدم ذکر بیعته ع بعد قتل عثمان و إطباق الناس علیها و کیفیة الحال فیها و شرح شرحا یستغنی عن إعادته

ص :4

وَ أَصْبَحَتْ مَسَاکِنُهُمْ أَجْدَاثاً وَ أَمْوَالُهُمْ مِیرَاثاً لاَ یَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ وَ لاَ یَحْفِلُونَ مَنْ بَکَاهُمْ وَ لاَ یُجِیبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ فَاحْذَرُوا الدُّنْیَا فَإِنَّهَا غَدَّارَةٌ غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ مُعْطِیَةٌ مَنُوعٌ مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ لاَ یَدُومُ رَخَاؤُهَا وَ لاَ یَنْقَضِی عَنَاؤُهَا وَ لاَ یَرْکُدُ بَلاَؤُهَا .

عتق من کل ملکة

هو مثل

3595

قَوْلُهُ ع

اَلتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا .

أی کل ذنب موبق یملک الشیطان فاعله و یستحوذ علیه فإن تقوی اللّه تعتق منه و تکفر عقابه و مثله قوله و نجاة من کل هلکة .

قوله ع و العمل ینفع أی اعملوا فی دار التکلیف فإن العمل یوم القیامة غیر نافع.

قوله ع و الحال هادئة أی ساکنة لیس فیها ما فی أحوال الموقف من تلک الحرکات الفظیعة نحو تطایر الصحف و نطق الجوارح و عنف السیاق إلی النار .

قوله ع و الأقلام جاریة یعنی أن التکلیف باق و أن الملائکة الحفظة تکتب أعمال العباد بخلاف یوم القیامة فإنه یبطل ذلک و یستغنی عن الحفظة لسقوط التکلیف .

قوله عمرا ناکسا یعنی الهرم من قوله تعالی وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَکِّسْهُ فِی الْخَلْقِ (1) لرجوع الشیخ الهرم إلی مثل حال الصبیّ الصغیر فی ضعف العقل و البنیة

ص :6

و الموت الخالس المختطف و الطیات جمع طیة بالکسر و هی منزل السفر و الواتر القاتل و الوتر بالکسر الذحل .

و أعلقتکم حبائله جعلتکم معتلقین فیها و یروی قد علقتکم بغیر همز.

و تکنفتکم غوائله

أحاطت بکم دواهیه و مصائبه و أقصدتکم أصابتکم.

و المعابل نصال عراض الواحدة معبلة بالکسر.

و عدوته بالفتح ظلمه و نبوّته مصدر نبا السیف إذا لم یؤثر فی الضریبة .

و یوشک بالکسر یقرب و تغشاکم تحیط بکم.

و الدواجی الظلم الواحدة داجیة و الظلل جمع ظلة و هی السحاب و الاحتدام الاضطرام و الحنادس الظلمات.

و إرهاقه مصدر أرهقته أی أعجلته و یروی إزهاقه بالزای.

و الأطباق جمع طبق و هذا من باب الاستعارة أی تکاثف ظلماتها طبق فوق طبق.

و یروی و جشوبة مذاقه بالجیم و الباء و هی غلظ الطعام .

و النجی القوم یتناجون و الندی القوم یجتمعون فی النادی .

و احتلبوا درتها فازوا بمنافعها کما یحتلب الإنسان اللبن.

و هذه الخطبة من محاسن خطبه ع و فیها من صناعة البدیع ما هو ظاهر للمتأمل مِنْهَا فِی صِفَةِ الزُّهَّادِ کَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ الدُّنْیَا وَ لَیْسُوا مِنْ أَهْلِهَا فَکَانُوا فِیهَا کَمَنْ لَیْسَ مِنْهَا

ص :7

عَمِلُوا فِیهَا بِمَا یُبْصِرُونَ وَ بَادَرُوا فِیهَا مَا یَحْذَرُونَ تَقَلَّبُ أَبْدَانُهُمْ بَیْنَ ظَهْرَانَیْ أَهْلِ الآْخِرَةِ وَ یَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْیَا یُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ وَ هُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْیَائِهِمْ .

بین ظهرانی أهل الآخرة

بفتح النون و لا یجوز کسرها و یجوز بین ظهری أهل الآخرة لو روی و المعنی فی وسطهم .

قوله ع کانوا قوما من أهل الدنیا و لیسوا من أهلها أی هم من أهلها فی ظاهر الأمر و فی مرأی العین و لیسوا من أهلها لأنّه لا رغبة عندهم فی ملاذها و نعیمها فکأنهم خارجون عنها.

قوله عملوا فیها بما یبصرون أی بما یرونه أصلح لهم و یجوز أن یرید أنهم لشدة اجتهادهم قد أبصروا المآل فعملوا فیها علی حسب ما یشاهدونه من دار الجزاء و هذا

3596

کَقَوْلِهِ ع

لَوْ کُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ یَقِیناً .

قوله ع و بادروا فیها ما یحذرون أی سابقوه یعنی الموت.

قوله ع تقلب أبدانهم هذا محمول تارة علی الحقیقة و تارة علی المجاز أما الأول فلأنهم لا یخالطون إلاّ أهل الدین و لا یجالسون أهل الدنیا و أمّا الثانی فلأنهم لما استحقوا الثواب کان الاستحقاق بمنزلة وصولهم إلیه فأبدانهم تتقلب بین ظهرانی أهل الآخرة أی بین ظهرانی قوم هم بمنزلة أهل الآخرة لأن المستحق للشیء نظیر لمن فعل به ذلک الشیء.

ثمّ قال هؤلاء الزهاد یرون أهل الدنیا إنّما یستعظمون موت الأبدان و هم أشدّ استعظاما لموت القلوب و قد تقدم من کلامنا فی صفات الزهاد و العارفین ما فیه کفایة

ص :8

و لا تبکی علی بدر و لکن

و کان عبد اللّه بن زمعة شیعة لعلی ع و من أصحابه و من ولد عبد اللّه هذا أبو البختری القاضی و هو وهب بن وهب بن کبیر بن عبد اللّه بن زمعة قاضی الرشید هارون بن محمّد المهدیّ و کان منحرفا عن علی ع و هو الذی أفتی الرشید ببطلان الأمان الذی کتبه لیحیی بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب ع و أخذه بیده فمزقه.

و قال أمیة بن أبی الصلت یرثی قتلی بدر و یذکر زمعة بن الأسود عین بکی لنوفل و لعمرو ثم لا تبخلی علی زمعه (1) .

نوفل بن خویلد من بنی أسد بن عبد العزی و یعرف بابن العدویة قتله علی ع و عمرو أبو جهل بن هشام قتله عوف بن عفراء و أجهز علیه عبد اللّه بن مسعود قوله ع و جلب أسیافهم أی ما جلبته أسیافهم و ساقته إلیهم و الجلب المال المجلوب و جناة الثمر ما یجنی منه و هذه استعارة فصیحة

ص :11

ناطقا و إذا دعاه داع إلی الکلام نطق اللسان بما فی ضمیر صاحبه .

و تنشبت عروقه أی علقت و روی انتشبت و الروایة الأولی أدخل فی صناعة الکلام لأنّها بإزاء تهدلت و التهدل التدلی و قد أخذ هذه الألفاظ بعینها أبو مسلم الخراسانیّ فخطب بها فی خطبة مشهورة من خطبه

نحوه قال نکسوا رءوسکم و غضوا أبصارکم فإن أول مرکب صعب فإذا یسر اللّه عزّ و جلّ فتح قفل تیسر (1) ثمّ نزل.

و خطب مصعب بن حیان أخو مقاتل بن حیان خطبة نکاح فحصر فقال لقنوا موتاکم لا إله إلاّ اللّه فقالت أم الجاریة عجل اللّه موتک أ لهذا دعوناک (2) .

و خطب مروان بن الحکم فحصر فقال اللّهمّ إنا نحمدک و نستعینک و لا نشرک بک.

و لما حصر عبد اللّه بن عامر بن کریز علی المنبر بالبصرة و کان خطیبا شق علیه ذلک فقال له زیاد بن أبیه و کان خلیفته أیها الأمیر لا تجزع فلو أقمت علی المنبر عامة من تری أصابهم أکثر ممّا أصابک فلما کانت الجمعة تأخر عبد اللّه بن عامر و قال زیاد للناس إن الأمیر الیوم موعوک فقیل لرجل من وجوه أمراء القبائل قم فاصعد المنبر فلما صعد حصر فقال الحمد لله الذی یرزق هؤلاء و بقی ساکتا فأنزلوه و أصعدوا آخر من الوجوه فلما استوی قائما قابل بوجهه الناس فوقعت عینه علی صلعة (3) رجل فقال أیها الناس إن هذا الأصلع قد منعنی الکلام اللّهمّ فالعن هذه الصلعة فأنزلوه و قالوا لوازع الیشکری قم إلی المنبر فتکلم فلما صعد و رأی الناس قال أیها الناس إنّی کنت الیوم کارها لحضور الجمعة و لکن امرأتی حملتنی علی إتیانها و أنا أشهدکم أنّها طالق ثلاثا فأنزلوه فقال زیاد لعبد اللّه بن عامر کیف رأیت قم الآن فاخطب الناس (4) .

ص :14

و قال سهل بن هارون دخل قطرب النحوی علی المخلوع (1) فقال یا أمیر المؤمنین کانت عدتک أرفع من جائزتک و هو یتبسم فاغتاظ الفضل بن الربیع (2) فقلت له إن هذا من الحصر و الضعف و لیس من الجلد و القوّة أ ما تراه یفتل أصابعه و یرشح جبینه (3) .

و دخل معبد بن طوق العنبری علی بعض الأمراء فتکلم و هو قائم فأحسن فلما جلس تلهیع (4) فی کلامه فقال له ما أظرفک قائما و أموقک (5) قاعدا قال إنّی إذا قمت جددت و إذا قعدت هزلت فقال ما أحسن ما خرجت منها (6) .

3599

14- وَ کَانَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ الْمِنْقَرِیُّ وَ اَلزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَسَأَلَ ع عَمْراً عَنِ اَلزِّبْرِقَانِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمَانِعٌ لِحَوْزَتِهِ مُطَاعٌ فِی أَدَانِیهِ (7) فَقَالَ اَلزِّبْرِقَانُ حَسَدَنِی یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ عَمْرٌو یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَزَمِرُ (8) الْمُرُوءَةِ ضَیِّقُ الْعَطَنِ لَئِیمُ الْخَالِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَی وَجْهِ عَمْرٍو فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ رَضِیتُ فَقُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتُ وَ غَضِبْتُ فَقُلْتُ أَقْبَحَ مَا عَلِمْتُ وَ مَا کَذَبْتُ فِی الْأُولَی وَ لَقَدْ صَدَقْتُ فِی الْأُخْرَی فَقَالَ ع إِنَّ مِنَ الْبَیَانِ لَسِحْراً

(9)

.

و قال خالد بن صفوان ما الإنسان لو لا اللسان إلاّ صورة ممثلة أو بهیمة مهملة

ص :15

و قال ابن أبی الزناد کنت کاتبا لعمر بن عبد العزیز فکان یکتب إلی عبد الحمید بن عبد الرحمن بن زید بن الخطّاب فی المظالم فیراجعه فکتب إلیه إنّه یخیل إلی أنی لو کتبت إلیک أن تعطی رجلا شاة لکتبت إلی أ ضأنا أم معزا فإذا کتبت إلیک بأحدهما کتبت إلی أ ذکرا أم أنثی و إذا کتبت إلیک بأحدهما کتبت إلی صغیرا أم کبیرا فإذا کتبت إلیک فی مظلمة فلا تراجعنی و السلام (1) .

و أخذ المنصور هذا فکتب إلی سلم بن قتیبة عامله بالبصرة یأمره بهدم دور من خرج مع إبراهیم بن عبد اللّه بن الحسن و عقر نخلهم فکتب إلیه بأیهما أبدأ بالدور أم بالنخل (2) یا أمیر المؤمنین فکتب إلیه لو قلت لک بالنخل لکتبت إلی بما ذا أبدأ بالشهریز أم بالبرنی (3) و عزله و ولی محمّد بن سلیمان (4) .

و خطب عبد اللّه بن عامر مرة فأرتج علیه و کان ذلک الیوم یوم الأضحی فقال لا أجمع علیکم عیا و لؤما من أخذ شاة من السوق فهی له و ثمنها علی.

و خطب السفاح أول یوم صعد فیه المنبر فأرتج علیه فقام عمه داود بن علی فقال أیها الناس إن أمیر المؤمنین یکره أن یتقدم قوله فیکم فعله و لأثر الأفعال أجدی علیکم من تشقیق المقال و حسبکم کتاب اللّه علما فیکم و ابن عم رسول اللّه ص خلیفة علیکم.

قال الشاعر

ص :16

و ما خیر من لا ینفع الدهر عیشه

و قال أحیحة بن الجلاح و الصمت أجمل بالفتی

ص :17

افترقت لأنّها تولدت من أغذیة مختلفة المنبت من العذوبة و الملوحة و ذلک لأن النطفة لا تتولد من غذاء بعینه بل من مجموع الأغذیة و تلک الأغذیة لا یمکن أن تکون کلها من أرض سبخة محضة فی السبخیة لأن هذا من الاتفاقات التی یعلم عدم وقوعها کما یعلم أنّه لا یجوز أن یتفق أن یکون أهل بغداد فی وقت بعینه علی کثرتهم لا یأکلون ذلک الیوم إلاّ السکباج خاصّة و أیضا فإن الأرض السبخة أو التی الغالب علیها السبخیة لا تنبت الأقوات أصلا و إن أرید الثانی و هو أن یکون طین آدم ع مختلطا فی جوهره مختلفا فی طبائعه فلم کان زید الأحمق یتولد من الجزء السبخی و عمرو العاقل یتولد من الجزء العذبی و کیف یؤثر اختلاف طین آدم من ستة آلاف سنة فی أقوام یتوالدون الآن.

و الذی أراه أن لکلامه ع تأویلا باطنا و هو أن یرید به اختلاف النفوس المدبرة للأبدان و کنی عنها بقوله مبادئ طینهم و ذلک أنّها لما کانت الماسکة للبدن من الانحلال العاصمة له من تفرق العناصر صارت کالمبدإ و کالعلة له من حیث إنها کانت علة فی بقاء امتزاجه و اختلاط عناصره بعضها ببعض و لذلک إذا فارقت عند الموت افترقت العناصر و انحلت الأجزاء فرجع اللطیف منها إلی الهواء و الکثیف إلی الأرض.

و قوله کانوا فلقة من سبخ أرض و عذبها و حزن تربة و سهلها تفسیره أن البارئ جلّ جلاله لما خلق النفوس خلقها مختلفة فی ماهیتها فمنها الزکیة و منها الخبیثة و منها العفیفة و منها الفاجرة و منها القویة و منها الضعیفة و منها الجریئة المقدّمة و منها الفشلة الذلیلة (1) إلی غیر ذلک من أخلاق (2) النفوس المختلفة المتضادة.

ثمّ فسر ع و علل تساوی قوم فی الأخلاق و تفاوت آخرین فیها فقال

ص :19

إن نفس زید قد تکون مشابهة أو قریبة من المشابهة لنفس عمرو فإذا هما فی الأخلاق متساویتان أو متقاربتان و نفس خالد قد تکون مضادة لنفس بکر أو قریبة من المضادة فإذا هما فی الأخلاق متباینتان أو قریبتان من المباینة.

و القول باختلاف النفوس فی ماهیاتها هو مذهب أفلاطون و قد اتبعه علیه جماعة من أعیان الحکماء و قال به کثیر من مثبتی النفوس من متکلمی الإسلام .

و أما أرسطو و أتباعه فإنهم لا یذهبون إلی اختلاف النفوس فی ماهیتها و القول الأوّل عندی أمثل .

ثمّ بین ع اختلاف آحاد الناس فقال منهم من هو تام الرواء لکنه ناقص العقل و الرواء بالهمز و المد المنظر الجمیل و من أمثال العرب تری الفتیان کالنخل و ما یدریک ما الدخل.

و قال الشاعر عقله عقل طائر و هو فی خلقة الجمل.

و قال أبو الطیب و ما الحسن فی وجه الفتی شرف له إذا لم یکن فی فعله و الخلائق (1) .

و قال الآخر و ما ینفع الفتیان حسن وجوههم

ص :20

و من شعر الحماسة لقومی أرعی للعلا من عصابة

و منه أیضا و کاثر بسعد إن سعدا کثیرة قوله ع و ماد القامة قصیر الهمة قریب من المعنی الأول إلاّ أنّه خالف بین الألفاظ فجعل الناقص بإزاء التام و القصیر بإزاء الماد و یمکن أن یجعل المعنیان مختلفین و ذلک لأنّه قد یکون الإنسان تام العقل إلاّ أن همته قصیرة و قد رأینا کثیرا من الناس کذلک فإذن هذا قسم آخر من الاختلاف غیر الأول.

قوله ع و زاکی العمل قبیح المنظر یرید بزکاء أعماله حسنها و طهارتها فیکون قد أوقع الحسن بإزاء القبیح و هذا القسم موجود فاش بین الناس.

قوله و قریب القعر بعید السبر أی قد یکون الإنسان قصیر القامة و هو مع ذلک داهیة باقعة و المراد بقرب قعره تقارب ما بین طرفیه فلیست بطنه بمدیدة

ص :21

و لا مستطیلة و إذا سبرته و اختبرت ما عنده وجدته لبیبا فطنا لا یوقف علی أسراره و لا یدرک باطنه و من هذا المعنی قول الشاعر (1) تری الرجل النحیف فتزدریه

3600

وَ قِیلَ لِبَعْضِ الْحُکَمَاءِ مَا بَالُ الْقَصَّارِ مِنَ النَّاسِ أَدْهَی وَ أحذق قَالَ لِقُرْبِ قُلُوبِهِمْ مِنْ أَدْمِغَتِهِمْ.

و من شعر الحماسة إلا یکن عظمی طویلا فإننی

و من شعر الحماسة أیضا و هو تمام البیتین المقدم ذکرهما فما عظم الرجال لهم بفخر

قوله ع و معروف الضریبة منکر الجلیبة الجلیبة هی الخلق الذی

ص :22

یتکلفه الإنسان و یستجلبه مثل أن یکون جبانا بالطبع فیتکلف الشجاعة أو شحیحا بالطبع فیتکلف الجود و هذا القسم أیضا عام فی الناس.

ثمّ لما فرغ من الأخلاق المتضادة ذکر بعدها ذوی الأخلاق و الطباع المتناسبة المتلائمة فقال و تائه القلب متفرق اللب و هذان الوصفان متناسبان لا متضادان.

ثمّ قال و طلیق اللسان حدید الجنان و هذان الوصفان أیضا متناسبان و هما متضادان للوصفین قبلهما فالأولان ذمّ و الآخران مدح

ص :23

المصیبة أیضا الناس حتّی استوی الخلائق کلهم فیها فهی مصیبة خاصّة بالنسبة و عامة بالنسبة.

و مثل قوله حتی صرت مسلیا عمن سواک قول الشاعر رزئنا أبا عمر و لا حی مثله

و قال آخر أقول للموت حین نازله

و لی فی هذا المعنی کتبته إلی صدیق غاب عنی من جملة أبیات و قد کنت أخشی من خطوب غوائل

و قال إسحاق بن خلف یرثی بنتا له (1) أمست أمیمة معمورا بها الرجم

ص :25

للموت عندی أیاد لست أکفرها

أحیا سرورا و بی ممّا أتی ألم.

و قال آخر فلو أنّها إحدی یدی رزیتها

و قال آخر أ جاری ما أزداد إلاّ صبابة

و قال آخر لتغد المنایا حیث شاءت فإنها

قوله ع و لکان الداء مماطلا أی مماطلا بالبرء أی لا یجیب إلی الإقلاع .

و الإبلال الإفاقة

ص :26

بِکَ لَوْ کَانَ ذَلِکَ رَجَعْتَ إِلَی مَنْزِلِی فَأَعْرَسْتَ بِبَعْضِ نِسَائِکَ فَتَبَسَّمَ ع وَ تَتَامَّ بِهِ وَجَعُهُ وَ هُوَ مَعَ ذَلِکَ یَدُورُ عَلَی نِسَائِهِ حَتَّی اسْتَعَزَّ (1) بِهِ وَ هُوَ فِی بَیْتِ مَیْمُونَةَ فَدَعَا نِسَاءَهُ فَاسْتَأْذَنَهُنَّ أَنْ یُمَرَّضَ فِی بَیْتِی فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَیْنَ رَجُلَیْنِ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدُهُمَا اَلْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَ رَجُلٍ آخَرَ تَخُطُّ قَدَمَاهُ فِی الْأَرْضِ عَاصِباً رَأْسَهُ حَتَّی دَخَلَ بَیْتَهُ قَالَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فَحَدَّثْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ بِهَذَا الْحَدِیثِ فَقَالَ أَ تَدْرِی مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ قُلْتُ لاَ قَالَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ لَکِنَّهَا کَانَتْ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَذْکُرَهُ بِخَیْرٍ وَ هِیَ تَسْتَطِیعُ قَالَتْ ثُمَّ غُمِرَ (2) رَسُولُ اللَّهِ ص وَ اشْتَدَّ بِهِ الْوَجَعُ فَقَالَ أَهْرِیقُوا عَلَیَّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ آبَارٍ شَتَّی حَتَّی أَخْرُجَ إِلَی النَّاسِ فَأَعْهَدَ إِلَیْهِمْ قَالَتْ فَأَقْعَدْتُهُ فِی مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ وَ صَبَبْنَا عَلَیْهِ الْمَاءَ حَتَّی طَفِقَ یَقُولُ بِیَدِهِ حَسْبُکُمْ حَسْبُکُمْ

(3)

.

قلت المخضب المرکن (4) .

و

3603

14- رَوَی عَطَاءٌ عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ جَاءَنِی رَسُولُ اللَّهِ ص حِینَ بَدَأَ بِهِ مَرَضُهُ فَقَالَ اخْرُجْ فَخَرَجْتُ إِلَیْهِ فَوَجَدْتُهُ مَوْعُوکاً قَدْ عَصَّبَ رَأْسَهُ فَقَالَ خُذْ بِیَدِی فَأَخَذْتُ بِیَدِهِ حَتَّی جَلَسَ عَلَی اَلْمِنْبَرِ ثُمَّ قَالَ نَادِ فِی النَّاسِ فَصِحْتُ فِیهِمْ فَاجْتَمَعُوا إِلَیْهِ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْکُمُ اللَّهَ إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّی حُقُوقٌ مِنْ بَیْنِ أَظْهُرِکُمْ فَمَنْ کُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْراً فَهَذَا ظَهْرِی فَلْیَسْتَقِدْ مِنْهُ وَ مَنْ کُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضاً فَهَذَا عِرْضِی فَلْیَسْتَقِدْ مِنْهُ وَ مَنْ کُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالاً فَهَذَا مَالِی فَلْیَأْخُذْ مِنْهُ وَ لاَ یَقُلْ رَجُلٌ إِنِّی أَخَافُ الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ أَلاَ وَ إِنَّ الشَّحْنَاءَ لَیْسَتْ مِنَ طَبِیعَتِی وَ لاَ مِنْ شَأْنِی أَلاَ وَ إِنَّ أَحَبَّکُمْ إِلَیَّ مَنْ أَخَذَ مِنِّی حَقّاً

ص :28

إِنْ کَانَ لَهُ أَوْ حَلَّلَنِی فَلَقِیتُ اللَّهَ وَ أَنَا طَیِّبُ النَّفْسِ وَ قَدْ أَرَانِیَ أَنَّ هَذَا غَیْرُ مُغْنٍ عَنِّی حَتَّی أَقُومَ فِیکُمْ بِهِ مِرَاراً ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّی الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ فَجَلَسَ عَلَی اَلْمِنْبَرِ فَعَادَ لِمَقَالَتِهِ الْأُولَی فِی الشَّحْنَاءِ وَ غَیْرِهَا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِی عِنْدَکَ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ إِنَّا لاَ نُکَذِّبُ قَائِلاً وَ لاَ نَسْتَحْلِفُهُ عَلَی یَمِینٍ فِیمَ کَانَتْ لَکَ عِنْدِی قَالَ أَ تَذْکُرُ یَا رَسُولَ اللَّهِ یَوْمَ مَرَّ بِکَ الْمِسْکِینُ فَأَمَرْتَنِی فَأَعْطَیْتُهُ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ قَالَ أَعْطِهِ یَا فَضْلُ فَأَمَرْتُهُ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ مَنْ کَانَ عِنْدَهُ شَیْءٌ فَلْیُؤَدِّهِ وَ لاَ یَقُلْ فُضُوحُ الدُّنْیَا فَإِنَّ فُضُوحَ الدُّنْیَا أَهْوَنُ مِنْ فُضُوحِ الْآخِرَةِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِی ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ غَلَلْتُهَا فِی سَبِیلِ اللَّهِ قَالَ وَ لِمَ غَلَلْتَهَا قَالَ کُنْتُ مُحْتَاجاً إِلَیْهَا قَالَ خُذْهَا مِنْهُ یَا فَضْلُ ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ مَنْ خَشِیَ مِنْ نَفْسِهِ شَیْئاً فَلْیَقُمْ أَدْعُو لَهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی لَکَذَّابٌ وَ إِنِّی لِفَاحِشٌ وَ إِنِّی لَنَئُومٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ صِدْقاً وَ صَلاَحاً (1) وَ أَذْهِبْ عَنْهُ النَّوْمَ إِذَا أَرَادَ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی لَکَذَّابٌ وَ إِنِّی لَمُنَافِقٌ وَ مَا شَیْءٌ أَوْ قَالَ وَ إِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلاَّ وَ قَدْ جِئْتُهُ (2) فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ فَضَحْتَ نَفْسَکَ أَیُّهَا الرَّجُلُ فَقَالَ اَلنَّبِیُّ ص یَا اِبْنَ الْخَطَّابِ فُضُوحُ الدُّنْیَا أَهْوَنُ مِنْ فُضُوحِ الْآخِرَةِ اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ صِدْقاً وَ إِیمَاناً وَ صَیِّرْ أَمْرَهُ إِلَی خَیْرٍ

(3)

.

و

3604

14- رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ نَعَی إِلَیْنَا نَبِیُّنَا وَ حَبِیبُنَا نَفْسَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ جَمَعَنَا فِی بَیْتِ أُمِّنَا عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَیْنَا وَ شَدَّدَ (4) وَ دَمَعَتْ عَیْنُهُ وَ قَالَ مَرْحَباً بِکُمْ حَیَّاکُمُ اللَّهُ رَحِمَکُمُ اللَّهُ آوَاکُمُ اللَّهُ حَفِظَکُمُ اللَّهُ رَفَعَکُمُ اللَّهُ نَفَعَکُمُ اللَّهُ

ص :29

وَفَّقَکُمُ اللَّهُ رَزَقَکُمُ اللَّهُ هَدَاکُمُ اللَّهُ نَصَرَکُمُ اللَّهُ سَلَّمَکُمُ اللَّهُ تَقَبَّلَکُمُ اللَّهُ أُوصِیکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ أَوْصَی اللَّهُ بِکُمْ وَ أَسْتَخْلِفُهُ عَلَیْکُمْ إِنِّی لَکُمْ مِنْهُ نَذِیرٌ وَ بَشِیرٌ أَلاَّ تَعْلُوا عَلَی اللَّهِ فِی عِبَادِهِ وَ بِلاَدِهِ فَإِنَّهُ قَالَ لِی وَ لَکُمْ تِلْکَ الدّٰارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا لِلَّذِینَ لاٰ یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَ لاٰ فَسٰاداً وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ (1) فَقُلْنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَتَی أَجَلُکَ قَالَ قَدْ دَنَا الْفِرَاقُ وَ الْمُنْقَلَبُ إِلَی اللَّهِ وَ إِلَی سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی وَ الرَّفِیقِ الْأَعْلَی وَ جَنَّةِ الْمَأْوَی وَ الْعَیْشِ الْمُهَنَّا قُلْنَا فَمَنْ یَغْسِلُکَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَهْلِیَ الْأَدْنَی فَالْأَدْنَی قُلْنَا فَفِیمَ نُکَفِّنُکَ قَالَ فِی ثِیَابِی هَذِهِ إِنْ شِئْتُمْ أَوْ فِی بَیَاضِ مِصْرَ أَوْ حُلَّةٍ یَمَنِیَّةٍ قُلْنَا فَمَنْ یُصَلِّی عَلَیْکَ فَقَالَ إِذَا غَسَّلْتُمُونِی وَ کَفَّنْتُمُونِی فَضَعُونِی عَلَی سَرِیرِی فِی بَیْتِی هَذَا عَلَی شَفِیرِ قَبْرِی ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّی سَاعَةً فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ یُصَلِّی عَلَیَّ جَلِیسِی وَ حَبِیبِی وَ خَلِیلِی جَبْرَائِیلُ ثُمَّ مِیکَائِیلُ ثُمَّ إِسْرَافِیلُ ثُمَّ مَلَکُ الْمَوْتِ مَعَ جُنُودِهِ مِنَ الْمَلاَئِکَةِ ثُمَّ ادْخُلُوا عَلَیَّ فَوْجاً فَوْجاً فَصَلُّوا عَلَیَّ وَ سَلِّمُوا وَ لاَ تُؤْذُونِی بِتَزْکِیَةٍ وَ لاَ ضَجَّةٍ وَ لاَ رَنَّةٍ وَ لْیَبْدَأْ بِالصَّلاَةِ عَلَیَّ رِجَالُ أَهْلِ بَیْتِی ثُمَّ نِسَاؤُهُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ بَعْدُ وَ أَقْرِءُوا أَنْفُسَکُمْ مِنِّی السَّلاَمَ وَ مَنْ غَابَ مِنْ أَهْلِی فَأَقْرِءُوهُ مِنِّی السَّلاَمَ وَ مَنْ تَابَعَکُمْ بَعْدِی عَلَی دِینِی فَأَقْرِءُوهُ مِنِّی السَّلاَمَ فَإِنِّی أُشْهِدُکُمْ أَنِّی قَدْ سَلَّمْتُ عَلَی مَنْ بَایَعَنِی عَلَی دِینِی مِنَ الْیَوْمِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ قُلْنَا فَمَنْ یُدْخِلُکَ قَبْرَکَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَهْلِی مَعَ مَلاَئِکَةِ کَثِیرَةٍ یَرَوْنَکُمْ وَ لاَ تَرَوْنَهُمْ

(2)

.

قلت العجب لهم کیف لم یقولوا له فی تلک الساعة فمن یلی أمورنا بعدک لأن ولایة الأمر أهم من السؤال عن الدفن و عن کیفیة الصلاة علیه و ما أعلم ما أقول فی هذا المقام

3605

14- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِیُّ وَ رَوَی سَعِیدُ بْنُ جُبَیْرٍ قَالَ کَانَ اِبْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ یَقُولُ

ص :30

یَوْمُ الْخَمِیسِ وَ مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ ثُمَّ یَبْکِی حَتَّی تَبُلَّ دُمُوعُهُ الْحَصْبَاءَ فَقُلْنَا لَهُ وَ مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ قَالَ یَوْمَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَجَعُهُ فَقَالَ ائْتُونِی بِاللَّوْحِ وَ الدَّوَاةِ أَوْ قَالَ بِالْکَتِفِ وَ الدَّوَاةِ أَکْتُبْ لَکُمْ مَا لاَ تَضِلُّونَ بَعْدِی فَتَنَازَعُوا فَقَالَ اخْرُجُوا وَ لاَ یَنْبَغِی عِنْدَ نَبِیٍّ أَنْ یُتَنَازَعَ قَالُوا مَا شَأْنُهُ أَهْجَرَ (1) اسْتَفْهِمُوهُ فَذَهَبُوا یُعِیدُونَ عَلَیْهِ فَقَالَ دَعُونِی فَمَا أَنَا فِیهِ خَیْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِی إِلَیْهِ ثُمَّ أَوْصَی بِثَلاَثٍ قَالَ أَخْرِجُوا اَلْمُشْرِکِینَ مِنْ جَزِیرَةِ الْعَرَبِ وَ أَجِیزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوٍ مِمَّا کُنْتُ أُجِیزُهُمْ وَ سَکَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ عَمْداً أَوْ قَالَهَا وَ نَسِیتُهَا (2)

. و

3606

14,1- رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی وَجَعِهِ الَّذِی تُوُفِّیَ فِیهِ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ یَا أَبَا الْحَسَنِ کَیْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئاً فَأَخَذَ اَلْعَبَّاسُ بِیَدِهِ وَ قَالَ أَ لاَ تَرَی أَنَّکَ بَعْدَ ثَلاَثٍ عَبْدُ الْعَصَا إِنِّی لَأَعْرِفُ الْمَوْتَ فِی وُجُوهِ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاذْهَبْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَسَلْهُ فِیمَنْ یَکُونُ هَذَا الْأَمْرُ فَإِنْ کَانَ فِینَا عَلِمْنَا ذَلِکَ وَ إِنْ کَانَ فِی غَیْرِنَا وَصَّی بِنَا فَقَالَ عَلِیٌّ أَخْشَی أَنْ أَسْأَلَهُ فَیَمْنَعَنَاهَا فَلاَ یُعْطِیَنَاهَا النَّاسُ أَبَداً

(3)

.

و

3607

14- رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ أُغْمِیَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ الدَّارُ مَمْلُوءَةٌ مِنَ النِّسَاءِ أُمُّ سَلَمَةَ وَ مَیْمُونَةُ وَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَیْسٍ وَ عِنْدَنَا عَمُّهُ اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَجْمَعُوا عَلَی أَنْ یَلُدُّوهُ فَقَالَ اَلْعَبَّاسُ لاَ أَلُدُّهُ فَلُدُّوهُ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ مَنْ صَنَعَ بِی هَذَا قَالُوا عَمُّکَ قَالَ لَنَا هَذَا دَوَاءٌ جَاءَنَا مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَ أَشَارَ إِلَی أَرْضِ اَلْحَبَشَةِ قَالَ فَلِمَ فَعَلْتُمْ ذَلِکَ فَقَالَ اَلْعَبَّاسُ خَشِینَا یَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ یَکُونَ بِکَ ذَاتُ الْجَنْبِ فَقَالَ إِنَّ ذَلِکَ

ص :31

لَدَاءٌ مَا کَانَ اللَّهُ لِیَقْذِفَنِی بِهِ لاَ یَبْقَی أَحَدٌ فِی الْبَیْتِ إِلاَّ لُدَّ إِلاَّ عَمِّی قَالَ فَلَقَدْ لُدَّتْ مَیْمُونَةُ وَ إِنَّهَا لَصَائِمَةٌ لِقَسَمِ رَسُولِ اللَّهِ ص عُقُوبَةً لَهُمْ بِمَا صَنَعُوا

.

3608

14- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَدْ وَرَدَتْ رِوَایَةٌ أُخْرَی عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَدَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ ص فِی مَرَضِهِ فَقَالَ لاَ تَلُدُّونِّی فَقُلْنَا کَرَاهِیَةَ الْمَرِیضِ لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ لاَ یَبْقَی أَحَدٌ إِلاَّ لُدَّ غَیْرُ اَلْعَبَّاسِ عَمِّی فَإِنَّهُ لَمْ یَشْهَدْکُمْ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ الَّذِی تَوَلَّی اللَّدُودَ (1) بِیَدِهِ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَیْسٍ

(2)

.

قلت العجب من تناقض هذه الروایات فی إحداها أن العبّاس لم یشهد اللدود فلذلک أعفاه رسول اللّه ص من أن یلد و لد من کان حاضرا و فی إحداها أن العبّاس حضر لده ع و فی هذه الروایة التی تتضمن حضور العبّاس فی لده کلام مختلف فیها أن العبّاس قال لا ألده ثمّ قال فلد فأفاق فقال من صنع بی هذا قالوا عمک إنّه قال هذا دواء جاءنا من أرض الحبشة لذات الجنب فکیف یقول لا ألده ثمّ یکون هو الذی أشار بأن یلد و قال هذا دواء جاءنا من أرض الحبشة لکذا.

و سألت النقیب أبا جعفر یحیی بن أبی زید البصری عن حدیث اللَّدُود فقلت أ لَدَّ علیّ بن أبی طالب ذلک الیوم فقال معاذ اللّه لو کان لَدَّ لذکرت عائشة ذلک فیما تذکره و تنعاه علیه قال و قد کانت فاطمة حاضرة فی الدار و ابناها معها أ فتراها لَدَّتْ أیضا و لَدَّ الحسن و الحسین کلا و هذا أمر لم یکن و إنّما هو حدیث ولده من ولده تقربا إلی بعض الناس و الذی کان أن أسماء بنت عمیس أشارت بأن یلد و قالت هذا دواء جاءنا من أرض الحبشة جاء به جعفر بن أبی طالب و کان بعلها

ص :32

و ساعدتها علی تصویب ذلک و الإشارة به میمونة بنت الحارث فلد رسول اللّه ص فلما أفاق أنکره و سأل عنه فذکر له کلام أسماء و موافقة میمونة لها فأمر أن تلد الامرأتان لا غیر فلدتا و لم یجر غیر ذلک و الباطل لا یکاد یخفی علی مستبصر.

و

3609

14- رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ کَثِیراً مَا کُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ یَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ یَقْبِضْ نَبِیّاً حَتَّی یُخَیِّرَهُ فَلَمَّا احْتُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ ص کَانَ آخِرُ کَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْهُ بَلِ الرَّفِیقُ الْأَعْلَی فَقُلْتُ إِذاً وَ اللَّهِ لاَ یَخْتَارُنَا وَ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِکَ مَا کَانَ یَقُولُهُ مِنْ قَبْلُ

(1)

.

و

3610

14,1- رَوَی اَلْأَرْقَمُ بْنُ شُرَحْبِیلَ قَالَ سَأَلْتُ اِبْنَ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هَلْ أَوْصَی رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ لاَ قُلْتُ فَکَیْفَ کَانَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ فِی مَرَضِهِ ابْعَثُوا إِلَی عَلِیٍّ فَادْعُوهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَوْ بَعَثْتَ إِلَی أَبِی بَکْرٍ وَ قَالَتْ حَفْصَةُ لَوْ بَعَثْتَ إِلَی عُمَرَ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ جَمِیعاً هَکَذَا لَفْظُ الْخَبَرِ عَلَی مَا أَوْرَدَهُ اَلطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ وَ لَمْ یَقُلْ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَیْهِمَا قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص انْصَرِفُوا فَإِنْ تَکُنْ لِی حَاجَةٌ أَبْعَثْ إِلَیْکُمْ فَانْصَرَفُوا وَ قِیلَ لِرَسُولِ اللَّهِ الصَّلاَةُ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَکْرٍ أَنْ یُصَلِّیَ بِالنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ أَبَا بَکْرٍ رَجُلٌ رَقِیقٌ فَمُرْ عُمَرَ فَقَالَ مُرُوا عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ مَا کُنْتُ لِأَتَقَدَّمَ وَ أَبُو بَکْرٍ شَاهِدٌ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَکْرٍ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ص خِفَّةً فَخَرَجَ فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَکْرٍ حَرَکَتَهُ تَأَخَّرَ فَجَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ ص ثَوْبَهُ فَأَقَامَهُ مَکَانَهُ وَ قَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَرَأَ مِنْ حَیْثُ انْتَهَی أَبُو بَکْرٍ

(2)

.

قلت عندی فی هذه الواقعة کلام و یعترضنی فیها شکوک و اشتباه إذا کان قد

ص :33

أراد أن یبعث إلی علی لیوصی إلیه فنفست عائشة علیه فسألت أن یحضر أبوها و نفست حفصة علیه فسألت أن یحضر أبوها ثمّ حضرا و لم یطلبا فلا شبهة أن ابنتیهما طلبتاهما هذا هو الظاهر

3611

وَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدِ اجْتَمَعُوا کُلُّهُمْ عِنْدَهُ انْصَرِفُوا فَإِنْ تَکُنْ لِی حَاجَةٌ بَعَثْتُ إِلَیْکُمْ.

قول من عنده ضجر و غضب باطن لحضورهما و تهمة للنساء فی استدعائهما فکیف یطابق هذا الفعل و هذا القول ما روی من أن عائشة قالت لما عین علی أبیها فی الصلاة أن أبی رجل رقیق فمر عمر و أین ذلک الحرص من هذا الاستعفاء و الاستقالة و هذا یوهم صحة ما تقوله الشیعة من أن صلاة أبی بکر کانت عن أمر عائشة و إن کنت لا أقول بذلک و لا أذهب إلیه إلاّ أن تأمل هذا الخبر و لمح مضمونه یوهم ذلک فلعل هذا الخبر غیر صحیح و أیضا ففی الخبر ما لا یجیزه أهل العدل و هو أن یقول مروا أبا بکر ثم یقول عقیبه مروا عمر لأن هذا نسخ الشیء قبل تقضی وقت فعله.

فإن قلت قد مضی من الزمان مقدار ما یمکن الحاضرین فیه أن یأمروا أبا بکر و لیس فی الخبر إلاّ أنّه أمرهم أن یأمروه و یکفی فی صحة ذلک مضی زمان یسیر جدا یمکن فیه أن یقال یا أبا بکر صل بالناس قلت الإشکال ما نشأ من هذا الأمر بل من کون أبی بکر مأمورا بالصلاة و إن کان بواسطة ثمّ نسخ عنه الأمر بالصلاة قبل مضی وقت یمکن فیه أن یفعل الصلاة فإن قلت لم قلت فی صدر کلامک هذا إنّه أراد أن یبعث إلی علی لیوصی إلیه و لم لا یجوز أن یکون بعث إلیه لحاجة له قلت لأن مخرج کلام ابن عبّاس هذا المخرج أ لا تری أن الأرقم بن شرحبیل الراوی لهذا الخبر قال سألت ابن عبّاس هل أوصی رسول اللّه ص فقال لا فقلت فکیف کان فقال إن رسول اللّه ص قال فی مرضه

ص :34

ابعثوا إلی علی فادعوه فسألته المرأة أن یبعث إلی أبیها و سألته الأخری أن یبعث إلی أبیها فلو لا أن ابن عبّاس فهم من قوله ص ابعثوا إلی علی فادعوه أنه یرید الوصیة إلیه لما کان لإخبار الأرقم بذلک متصلا بسؤاله عن الوصیة معنی و

3612

14- رَوَی اَلْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَمُوتُ وَ عِنْدَهُ قَدَحٌ فِیهِ مَاءٌ یُدْخِلُ یَدَهُ فِی الْقَدَحِ ثُمَّ یَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّی عَلَی سَکْرَةِ الْمَوْتِ

(1)

.

و

3613

14- رَوَی عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَوْمَ مَوْتِهِ فِی حَجْرِی فَدَخَلَ عَلَیَّ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِی بَکْرٍ فِی یَدِهِ مِسْوَاکٌ أَخْضَرُ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَیْهِ نَظَراً عَرَفْتُ أَنَّهُ یُرِیدُهُ فَقُلْتُ لَهُ أَ تُحِبُّ أَنْ أُعْطِیَکَ هَذَا الْمِسْوَاکَ قَالَ نَعَمْ فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ حَتَّی أَلَنْتُهُ ثُمَّ أَعْطَیْتُهُ إِیَّاهُ فَاسْتَنَّ بِهِ کَأَشَدِّ مَا رَأَیْتُهُ یَسْتَنُّ بِسِوَاکٍ قَبْلَهُ ثُمَّ وَضَعَهُ وَ وَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَثْقُلُ فِی حَجْرِی فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فِی وَجْهِهِ فَإِذَا بَصَرُهُ قَدْ شَخَصَ وَ هُوَ یَقُولُ بَلِ الرَّفِیقَ الْأَعْلَی مِنَ اَلْجَنَّةِ فَقُلْتُ لَقَدْ خُیِّرْتَ فَاخْتَرْتَ وَ الَّذِی بَعَثَکَ بِالْحَقِّ وَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص

(2)

.

قال الطبریّ و قد وقع الاتفاق علی أنّه کان یوم الإثنین من شهر ربیع الأوّل و اختلف فی أی الأثانین کان فقیل للیلتین خلتا من الشهر و قیل لاثنتی عشرة (3) خلت من الشهر و اختلف فی تجهیزه أی یوم کان فقیل یوم الثلاثاء الغد من وفاته و قیل إنّما دفن بعد وفاته بثلاثة أیّام اشتغل القوم عنه بأمر البیعة.

3614

14- وَ قَدْ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ مَا یَدُلُّ عَلَی ذَلِکَ عَنْ زِیَادِ بْنِ کُلَیْبٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ النَّخَعِیِّ أَنَّ

ص :35

أَبَا بَکْرٍ جَاءَ بَعْدَ ثَلاَثٍ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدِ ارْبَدَّ بَطْنُهُ فَکَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَ قَبَّلَ عَیْنَیْهِ وَ قَالَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی طِبْتَ حَیّاً وَ طِبْتَ مَیِّتاً

(1)

.

قلت و أنا أعجب من هذا هب أن أبا بکر و من معه اشتغلوا بأمر البیعة فعلی بن أبی طالب و العبّاس و أهل البیت بما ذا اشتغلوا حتّی یبقی النبیّ ص مسجی بینهم ثلاثة أیّام بلیالیهن لا یغسلونه و لا یمسونه.

فإن قلت الروایة التی رواها الطبریّ فی حدیث الأیّام الثلاثة إنّما کانت قبل البیعة لأن لفظ

3615

14- الْخَبَرِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ وَ أَنَّهُ لَمَّا قُبِضَ اَلنَّبِیُّ ص کَانَ أَبُو بَکْرٍ غَائِباً فَجَاءَ بَعْدَ ثَلاَثٍ وَ لَمْ یَتَجَرَّأْ أَحَدٌ أَنْ یَکْشِفَ عَنْ وَجْهِهِ ع حَتَّی ارْبَدَّ بَطْنُهُ فَکَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَ قَبَّلَ عَیْنَیْهِ وَ قَالَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی طِبْتَ حَیّاً وَ طِبْتَ مَیِّتاً ثُمَّ خَرَجَ إِلَی النَّاسِ فَقَالَ مَنْ کَانَ یَعْبُدُ مُحَمَّداً فَإِنَّ مُحَمَّداً قَدْ مَاتَ

.

الحدیث بطوله قلت لعمری إن الروایة هکذا أوردها و لکنها مستحیلة لأن أبا بکر فارق رسول اللّه ص و هو حی و مضی إلی منزله بالسنح فی یوم الإثنین و هو الیوم الذی مات فیه رسول اللّه ص لأنّه رآه بارئا صالح الحال هکذا روی الطبریّ فی کتابه و بین السنح و بین المدینة نصف فرسخ بل هو طائفة من المدینة فکیف یبقی رسول اللّه ص میتا یوم الإثنین و یوم الثلاثاء و یوم الأربعاء لا یعلم به أبو بکر و بینهما غلوة ثلاثة أسهم و کیف یبقی طریحا بین أهله ثلاثة أیّام لا یجترئ أحد منهم أن یکشف عن وجهه و فیهم علیّ بن أبی طالب و هو روحه بین جنبیه و العبّاس عمه القائم مقام أبیه و ابنا فاطمة و هما کولدیه و فیهم فاطمة بضعة منه أ فما کان فی هؤلاء من یکشف عن وجهه و لا من یفکر فی جهازه و لا من یأنف له من

ص :36

انتفاخ بطنه و اخضرارها و ینتظر بذلک حضور أبی بکر لیکشف عن وجهه أنا لا أصدق ذلک و لا یسکن قلبی إلیه و الصحیح أن دخول أبی بکر إلیه و کشفه عن وجهه و قوله ما قال إنّما کان بعد الفراغ من البیعة و أنهم کانوا مشتغلین بها کما ذکر فی الروایة الأخری.

و بقی الإشکال فی قعود علی ع عن تجهیزه إذا کان أولئک مشتغلین بالبیعة فما الذی شغله هو فأقول یغلب علی ظنی إن صح ذلک أن یکون قد فعله شناعة علی أبی بکر و أصحابه حیث فاته الأمر و استؤثر علیه به فأراد أن یترکه ص بحاله لا یحدث فی جهازه أمرا لیثبت عند الناس أن الدنیا شغلتهم عن نبیهم ثلاثة أیّام حتّی آل أمره إلی ما ترون و قد کان ع یتطلب الحیلة فی تهجین أمر أبی بکر حیث وقع فی السقیفة ما وقع بکل طریق و یتعلق بأدنی سبب من أمور کان یعتمدها و أقوال کان یقولها فلعل هذا من جملة ذلک أو لعله إن صح ذلک (1) فإنما ترکه ص بوصیة منه إلیه و سر کانا یعلمانه فی ذلک.

فإن قلت فلم لا یجوز أن یقال إن صح ذلک إنّه (2) أخر جهازه لیجتمع رأیه و رأی المهاجرین علی کیفیة غسله و تکفینه و نحو ذلک من أموره قلت لأن الروایة الأولی تبطل هذا الاحتمال و هی

3616

قَوْلُهُ ص لَهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ یُغَسِّلُنِی أَهْلِی الْأَدْنَی مِنْهُمْ فَالْأَدْنَی وَ أُکَفَّنُ فِی ثِیَابِی أَوْ فِی بَیَاضِ مِصْرَ أَوْ فِی حُلَّةٍ یَمَنِیَّةٍ.

3617

14,1- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَمَّا الَّذِینَ تَوَلَّوْا غُسْلَهُ فَعَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ اَلْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَ قُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَ أُسَامَةُ بْنُ زَیْدٍ وَ شُقْرَانُ مَوْلَی رَسُولِ اللَّهِ ص

ص :37

وَ حَضَرَ أَوْسُ بْنُ خَوَلِیٍّ أَحَدُ اَلْخَزْرَجِ فَقَالَ لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ أَنْشُدُکَ اللَّهَ یَا عَلِیُّ وَ حَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ کَانَ أَوْسٌ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُ اُدْخُلْ فَدَخَلَ فَحَضَرَ غُسْلَهُ ع وَ صَبَّ الْمَاءَ عَلَیْهِ أُسَامَةُ وَ شُقْرَانُ وَ کَانَ عَلِیٌّ ع یُغَسِّلُهُ وَ قَدْ أَسْنَدَهُ إِلَی صَدْرِهِ وَ عَلَیْهِ قَمِیصُهُ یَدْلُکُهُ مِنْ وَرَائِهِ لاَ یُفْضِی بِیَدِهِ إِلَی بَدَنِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ کَانَ اَلْعَبَّاسُ وَ ابْنَاهُ اَلْفَضْلُ وَ قُثَمُ یُسَاعِدُونَهُ عَلَی قَلْبِهِ مِنْ جَانِبٍ إِلَی جَانِبِ

(1)

.

3618

14- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِی غُسْلِهِ هَلْ یُجَرَّدُ (2) أَمْ لاَ فَأَلْقَی اللَّهُ عَلَیْهِمُ السِّنَةَ حَتَّی مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَ ذَقَنُهُ عَلَی صَدْرِهِ ثُمَّ کَلَّمَهُمْ مُتَکَلِّمٌ مِنْ نَاحِیَةِ الْبَیْتِ لاَ یُدْرَی مَنْ هُوَ غَسَلُوا اَلنَّبِیَّ وَ عَلَیْهِ ثِیَابُهُ فَقَامُوا إِلَیْهِ فَغَسَّلُوهُ وَ عَلَیْهِ قَمِیصُهُ فَکَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِی مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَلَهُ إِلاَّ نِسَاؤُهُ

(3)

.

قلت حضرت عند محمّد بن معد العلوی فی داره ببغداد و عنده حسن بن معالی الحلی المعروف بابن الباقلاوی و هما یقرءان هذا الخبر و هذه الأحادیث من تاریخ الطبریّ فقال محمّد بن معد لحسن بن معالی ما تراها قصدت بهذا القول قال حسدت أباک علی ما کان یفتخر به من غسل رسول اللّه ص فضحک محمد فقال هبها استطاعت أن تزاحمه فی الغسل هل تستطیع أن تزاحمه فی غیره من خصائصه.

3619

14- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِیُّ ثُمَّ کُفِّنَ ص فِی ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ ثَوْبَیْنِ صُحَارِیَّیْنِ (4) وَ بُرْدٍ حِبَرَةٍ (5) أُدْرِجَ (6) فِیهَا إِدْرَاجاً وَ لُحِدَ لَهُ عَلَی عَادَةِ أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْهُ وَضَعُوهُ عَلَی سَرِیرِهِ (7) .

ص :38

وَ اخْتَلَفُوا فِی دَفْنِهِ فَقَالَ قَائِلٌ نَدْفِنُهُ فِی مَسْجِدِهِ وَ قَالَ قَائِلٌ نَدْفِنُهُ فِی اَلْبَقِیعِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَ قَالَ أَبُو بَکْرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ مَا قُبِضَ نَبِیٌّ إِلاَّ وَ دُفِنَ حَیْثُ قُبِضَ فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِی تُوُفِّیَ فِیهِ فَحُفِرَ لَهُ تَحْتَهُ

.

قلت کیف اختلفوا فی موضع دفنه و

3620

قَدْ قَالَ لَهُمُ فَضَعُونِی عَلَی سَرِیرِی فِی بَیْتِی هَذَا عَلَی شَفِیرِ قَبْرِی.

و هذا تصریح بأنّه یدفن فی البیت الذی جمعهم فیه و هو بیت عائشة فإما أن یکون ذلک الخبر غیر صحیح أو یکون الحدیث الذی تضمن أنهم اختلفوا فی موضع دفنه و أن أبا بکر روی لهم أنّه قال الأنبیاء یدفنون حیث یموتون غیر صحیح لأن الجمع بین هذین الخبرین لا یمکن.

و أیضا فهذا الخبر ینافی ما ورد فی موت جماعة من الأنبیاء نقلوا من موضع موتهم إلی مواضع أخر و قد ذکر الطبریّ بعضهم فی أخبار أنبیاء بنی إسرائیل .

و أیضا فلو صح هذا الخبر لم یکن مقتضیا إیجاب دفن النبیّ ص حیث قبض لأنّه لیس بأمر بل هو إخبار محض اللّهمّ إلاّ أن یکونوا فهموا من مخرج لفظه ع و من مقصده أنّه أراد الوصیة لهم بذلک و الأمر بدفنه حیث یقبض.

3621

14- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ دَخَلَ (1) النَّاسُ فَصَلَّوْا عَلَیْهِ أَرْسَالاً حَتَّی إِذَا فَرَغَ الرِّجَالُ أُدْخِلَ النِّسَاءُ حَتَّی إِذَا فَرَغَ النِّسَاءُ أُدْخِلَ الصِّبْیَانُ ثُمَّ أُدْخِلَ الْعَبِیدُ وَ لَمْ یَؤُمَّهُمْ (2) إِمَامٌ ثُمَّ دُفِنَ ع وَسَطَ اللَّیْلِ مِنْ لَیْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ (3) .

3622

14- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَدْ رَوَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ ص حَتَّی سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِی فِی جَوْفِ اللَّیْلِ لَیْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ

(4)

.

ص :39

قلت و هذا أیضا من العجائب لأنّه إذا مات یوم الإثنین وقت ارتفاع الضحی کما ذکر فی الروایة و دفن لیلة الأربعاء وسط اللیل فلم یمض علیه ثلاثة أیّام کما ورد فی تلک الروایة.

و أیضا فمن العجب کون عائشة و هو فی بیتها لا تعلم بدفنه حتّی سمعت صوت المساحی أ تراها أین کانت و قد سألت عن هذا جماعة فقالوا لعلها کانت فی بیت یجاور بیتها عندها نساء کما جرت عادة أهل المیت و تکون قد اعتزلت بیتها و سکنت ذلک البیت لأن بیتها مملوء بالرجال من أهل رسول اللّه ص و غیرهم من الصحابة و هذا قریب و یحتمل أن یکون.

3623

14,1- قَالَ اَلطَّبَرِیُّ وَ نَزَلَ فِی قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع وَ اَلْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَ قُثَمُ أَخُوهُ وَ شُقْرَانُ مَوْلاَهُمْ وَ قَالَ أَوْسُ بْنُ خَوَلِیٍّ لِعَلِیٍّ ع أَنْشُدُکَ اللَّهَ یَا عَلِیُّ وَ حَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ لَهُ اِنْزِلْ فَنَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ وَ أَخَذَ شُقْرَانُ قَطِیفَةً کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَلْبَسُهَا فَقَذَفَهَا مَعَهُ فِی الْقَبْرِ وَ قَالَ لاَ یَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ

(1)

.

قلت من تأمل هذه الأخبار علم أن علیا ع کان الأصل و الجملة و التفصیل فی أمر رسول اللّه ص و جهازه أ لا تری أن أوس بن خولی لا یخاطب أحدا من الجماعة غیره و لا یسأل غیره فی حضور الغسل و النزول فی القبر ثم انظر إلی کرم علی ع و سجاحة أخلاقه و طهارة شیمته کیف لم یضن بمثل هذه المقامات الشریفة عن أوس و هو رجل غریب من الأنصار فعرف له حقه و أطلبه (2) بما طلبه فکم بین هذه السجیة الشریفة و بین قول من قال لو استقبلت من أمری ما استدبرت

ص :40

ما غسل رسول اللّه ص إلا نساؤه و لو کان فی ذلک المقام غیره من أولی الطباع الخشنة و أرباب الفظاظة و الغلظة و قد سأل أوس ذلک لزجر و انتهر و رجع خائبا.

3624

14- قَالَ اَلطَّبَرِیُّ وَ کَانَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ یَدَّعِی أَنَّهُ أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْداً بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ یَقُولُ لِلنَّاسِ إِنَّنِی أَخَذْتُ خَاتَمِی فَأَلْقَیْتُهُ فِی اَلْقَبْرِ وَ قُلْتُ إِنَّ خَاتَمِی قَدْ سَقَطَ مِنِّی وَ إِنَّمَا طَرَحْتُهُ عَمْداً لِأَمَسَّ رَسُولَ اللَّهِ ص فَأَکُونَ آخِرَ النَّاسِ بِهِ عَهْداً (1)

.

3625

1,14- قَالَ اَلطَّبَرِیُّ فَرَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ اعْتَمَرْتُ مَعَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع فِی زَمَانِ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ فَنَزَلَ عَلَی أُخْتِهِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِی طَالِبٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ رَجَعَ وَ قَدْ سُکِبَ لَهُ غُسْلٌ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ دَخَلَ عَلَیْهِ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَقَالُوا یَا أَبَا الْحَسَنِ جِئْنَاکَ نَسْأَلُکَ عَنْ أَمْرٍ نُحِبُّ أَنْ تُخْبِرَنَا بِهِ فَقَالَ أَظُنُّ اَلْمُغِیرَةَ یُحَدِّثُکُمْ-أَنَّهُ أَحْدَثُ النَّاسُ عَهْداً بِرَسُولِ اللَّهِ ص قَالُوا أَجَلْ عَنْ ذَا جِئْنَا نَسْأَلُکَ قَالَ کَذَبَ أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْداً بِرَسُولِ اللَّهِ ص قُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ کَانَ آخِرَنَا خُرُوجاً مِنْ قَبْرِهِ

(2)

.

قلت بحق ما عاب أصحابنا رحمهم اللّه المغیرة و ذموه و انتقصوه فإنّه کان علی طریقة غیر محمودة و أبی اللّه إلاّ أن یکون کاذبا علی کل حال لأنّه إن لم یکن أحدثهم بالنبی عهدا فقد کذب فی دعواه أنّه أحدثهم به عهدا و إن کان أحدثهم به عهدا کما یزعم فقد اعترف بأنّه کذب فی قوله لهم سقط خاتمی منی و إنّما ألقاه عمدا و أین المغیرة و رسول اللّه ص لیدعی القرب منه و أنّه أحدث الناس عهدا به

ص :41

و قد علم اللّه تعالی و المسلمون أنه لو لا الحدث الذی أحدث و القوم الذین صحبهم فقتلهم غدرا و اتخذ أموالهم ثمّ التجأ إلی رسول اللّه ص لیعصمه لم یسلم و لا وطئ حصا المدینة .

3626

14- قَالَ اَلطَّبَرِیُّ وَ قَدِ اخْتُلِفَ فِی سِنِّ رَسُولِ اللَّهِ ص فَالْأَکْثَرُونَ أَنَّهُ کَانَ ابْنَ ثَلاَثٍ وَ سِتِّینَ سَنَةً وَ قَالَ قَوْمٌ ابْنَ خَمْسٍ وَ سِتِّینَ سَنَةً وَ قَالَ قَوْمٌ ابْنَ سِتِّینَ .

فهذا ما ذکره الطبریّ فی تاریخه (1) .

3627

14,1- وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ حَبِیبٍ فِی أَمَالِیهِ قَالَ تَوَلَّی غُسْلَ اَلنَّبِیِّ ص عَلِیٌّ ع وَ اَلْعَبَّاسُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَ کَانَ عَلِیٌّ ع یَقُولُ بَعْدَ ذَلِکَ مَا شَمِمْتُ أَطْیَبَ مِنْ رِیحِهِ وَ لاَ رَأَیْتُ أَضْوَأَ مِنْ وَجْهِهِ حِینَئِذٍ وَ لَمْ أَرَهُ یَعْتَادُ فَاهُ مَا یَعْتَادُ أَفْوَاهُ الْمَوْتَی قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِیبٍ فَلَمَّا کَشَفَ الْإِزَارَ عَنْ وَجْهِهِ بَعْدَ غُسْلِهِ انْحَنَی عَلَیْهِ فَقَبَّلَهُ مِرَاراً وَ بَکَی طَوِیلاً وَ قَالَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی طِبْتَ حَیّاً وَ طِبْتَ مَیِّتاً انْقَطَعَ بِمَوْتِکَ مَا لَمْ یَنْقَطِعْ بِمَوْتِ أَحَدٍ سِوَاکَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَ الْأَنْبَاءِ وَ أَخْبَارِ السَّمَاءِ خُصِّصْتَ حَتَّی صِرْتَ مُسَلِّیاً عَمَّنْ سِوَاکَ وَ عُمِّمْتَ حَتَّی صَارَتِ الْمُصِیبَةُ فِیکَ سَوَاءً وَ لَوْ لاَ أَنَّکَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ وَ نَهَیْتَ عَنِ الْجَزَعِ لَأَنْفَدْنَا عَلَیْکَ مَاءَ الشُّئُونِ وَ لَکِنْ أَتَی مَا لاَ یُدْفَعُ أَشْکُو إِلَیْکَ کَمَداً وَ إِدْبَاراً مُخَالِفَیْنِ وَ دَاءَ الْفِتْنَةِ فَإِنَّهَا قَدْ اسْتَعَرَّتْ نَارُهَا وَ دَاؤُهَا الدَّاءُ الْأَعْظَمُ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی اذْکُرْنَا عِنْدَ رَبِّکَ وَ اجْعَلْنَا مِنْ بَالِکَ وَ هَمِّکَ ثُمَّ نَظَرَ إِلَی قَذَاةٍ فِی عَیْنِهِ فَلَفَظَهَا بِلِسَانِهِ ثُمَّ رَدَّ الْإِزَارَ عَلَی وَجْهِهِ .

ص :42

3628

وَ قَدْ رَوَی کَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ نُدْبَةَ فَاطِمَةَ ع أَبَاهَا یَوْمَ مَوْتِهِ وَ بَعْدَ ذَلِکَ الْیَوْمِ وَ هِیَ أَلْفَاظٌ مَعْدُودَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْهَا یَا أَبَتَاهْ جَنَّةُ الْخُلْدِ مَثْوَاهُ یَا أَبَتَاهْ عِنْدَ ذِی اَلْعَرْشِ مَأْوَاهُ یَا أَبَتَاهْ کَانَ جَبْرَئِیلُ یَغْشَاهُ یَا أَبَتَاهْ لَسْتُ بَعْدَ الْیَوْمِ أَرَاهُ.

و من الناس من یذکر أنّها کانت تشوب هذه الندبة بنوع من التظلم و التألم لأمر یغلبها و اللّه أعلم بصحة ذلک

3629

15- وَ اَلشِّیعَةُ تَرْوِی أَنَّ قَوْماً مِنَ اَلصَّحَابَةِ أَنْکَرُوا بُکَاءَهَا الطَّوِیلَ وَ نَهَوْهَا عَنْهُ وَ أَمَرُوهَا بِالتَّنَحِّی عَنْ مُجَاوَرَةِ اَلْمَسْجِدِ إِلَی طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ اَلْمَدِینَةِ .

و أنا أستبعد ذلک و الحدیث یدخله الزیادة و النقصان و یتطرق إلیه التحریف و الافتعال و لا أقول أنا فی أعلام المهاجرین إلا خیرا

ص :43

الشواهد

هاهنا یرید بها الحواس و سماها شواهد إمّا لحضورها شهد فلان کذا أی حضره أو لأنّها تشهد علی ما تدرکه و تثبته عند العقل کما یشهد الشاهد بالشیء و یثبته عند الحاکم.

و المَشَاهِد هاهنا المجالس و النوادی یقال حضرت مشهد بنی فلان أی نادیهم و مجتمعهم.

ثمّ فسر اللفظة الأولی و أبان عن مراده بها بقوله وَ لاَ تَرَاهُ النَّوَاظِرُ و فسر اللفظة الثانیة و أبان عن مرادها فقال و لا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ .

ثمّ قال الدال علی قدمه بحدوث خلقه و بحدوث خلقه علی وجوده هذا مشکل لأن لقائل أن یقول إذا دل علی قدمه بحدوث خلقه فقد دخل فی جملة المدلول کونه موجودا لأن القدیم هو الموجود و لم یزل فأی حاجه إلی أن یعود فیقول و بحدوث خلقه علی وجوده.

و لمجیب أن یجیب علی طریقة شیوخنا أصحاب أبی هاشم فیقول لا یلزم من الاستدلال بحدوث الأجسام علی أنّه لا بدّ من محدث قدیم کونه موجودا لأن عندهم أن الذات المعدومة قد تتصف بصفات ذاتیة و هی معدومة فلا یلزم من کون صانع العالم عندهم عالما قادرا حیا أن یکون موجودا بل لا بدّ من دلالة زائدة علی أن له صفة الوجود و هی و الدلالة التی یذکرونها من أن کونه قادرا عالما تقتضی تعلقه بالمقدور و المعلوم و کل ذات متعلقة فإن عدمها یخرجها عن التعلق کالإرادة فلو کان تعالی معدوما لم یجز أن یکون متعلقا فحدوث الأجسام إذا قد دل علی أمرین من وجهین مختلفین أحدهما أنّه لا بدّ من صانع له و هذا هو المعنی بقدمه.

ص :45

و الثانی أن هذا الصانع له صفة لأجلها یصحّ علی ذاته أن تکون قادرة عالمة و هذا هو المعنی بوجوده.

فإن قلت أ یقول أصحاب شیخکم أبی هاشم إن الذات المعدومة التی لا أول لها تسمی قدیمة قلت لا و البحث فی هذا بحث فی اللفظ لا فی المعنی.

و المراد بقوله ع الدال بحدوث الأشیاء علی قدمه أی علی کونه ذاتا لم یجعلها جاعل و لیس المراد بالقدم هاهنا الوجود لم یزل بل مجرد الذاتیة لم یزل.

ثمّ یستدل بعد ذلک بحدوث الأشیاء علی أن له صفة أخری لم تزل زائدة علی مجرد الذاتیة و تلک الصفة هی وجوده فقد اتضح المراد الآن.

فإن قلت فهل لهذا الکلام مساغ علی مذهب البغدادیین قلت نعم إذا حمل علی منهج التأویل بأن یرید بقوله و بحدوث خلقه علی وجوده أی علی صحة إیجاده له فیما بعد أی إعادته بعد العدم یوم القیامة لأنّه إذا صح منه تعالی إحداثه ابتداء صح منه إیجاده ثانیا علی وجه الإعادة لأن الماهیة قابلة للوجود و العدم و القادر قادر لذاته فأما من روی بحدوث خلقه علی وجوده فإنّه قد سقطت عنه هذه الکلف کلها و المعنی علی هذا ظاهر لأنّه تعالی دل المکلفین بحدوث خلقه علی أنّه جواد منعم و مذهب أکثر المتکلّمین أنّه خلق العالم جودا و إنعاما و إحسانا إلیهم .

قوله ع و باشتباههم علی أن لا شبه له هذا دلیل صحیح و ذلک لأنّه إذا ثبت أن جسما ما محدث ثبت أن سائر الأجسام محدثة لأن الأجسام متماثلة و کل ما صح علی الشیء صح علی مثله و کذلک إذا ثبت أن سوادا ما أو بیاضا ما محدث ثبت أن سائر السوادات و البیاضات محدثة لأن حکم الشیء حکم مثله و السواد فی معنی

ص :46

کونه سوادا غیر مختلف و کذلک البیاض فصارت الدلالة هکذا الذوات التی عندنا یشبه بعضها بعضا و هی محدثة فلو کان الباری سبحانه یشبه شیئا منها لکان مثلها و لکان محدثا لأن حکم الشیء حکم مثله لکنه تعالی لیس بمحدث فلیس بمشابه لشیء منها فقد صح إذا قوله ع و باشتباههم علی أن لا شبه له .

قوله ع الذی صدق فی میعاده لا یجوز ألا یصدق لأن الکذب قبیح عقلا و الباری تعالی یستحیل منه من جهة الداعی و الصارف أن یفعل القبیح.

قوله ع و ارتفع عن ظلم عباده هذا هو مذهب أصحابنا المعتزلة و عن أمیر المؤمنین ع أخذوه و هو أستاذهم و شیخهم فی العدل و التوحید فأما الأشعریة فإنها و إن کانت تمتنع عن إطلاق القول بأن اللّه تعالی یظلم العباد إلاّ أنّها تعطی المعنی فی الحقیقة لأن اللّه عندهم یکلف العباد ما لا یطیقونه بل هو سبحانه عندهم لا یکلفهم إلاّ ما لا یطیقونه بل هو سبحانه عندهم لا یقدر علی أن یکلفهم ما یطیقونه و ذلک لأن القدرة عندهم مع الفعل فالقاعد غیر قادر علی القیام و إنّما یکون قادرا علی القیام عند حصول القیام و یستحیل عندهم أن یوصف الباری تعالی بإقدار العبد القاعد علی القیام و هو مع ذلک مکلف له أن یقوم و هذا غایة ما یکون من الظلم سواء أطلقوا هذه اللفظة علیه أو لم یطلقوها .

ثمّ أعاد الکلام الأول فی التوحید تأکیدا فقال حدوث الأشیاء دلیل علی قدمه و کونها عاجزة عن کثیر من الأفعال دلیل علی قدرته و کونها فانیة دلیل علی بقائه.

فإن قلت أما الاستدلال بحدوث الأشیاء علی قدمه فمعلوم فکیف یکون الاستدلال علی الأمرین الأخیرین

ص :47

قلت إذا شارکه سبحانه بعض الموجودات فی کونه موجودا و افترقا فی أن أحدهما لا یصحّ منه فعل الجسم و لا الکون و لا الحیاة و لا الوجود المحدث و یصحّ ذلک من الموجودات القدیمة دل علی افتراقهما فی أمر لأجله صح من القدیم ذلک و تعذر ذلک علی المحدث و ذلک الأمر هو الذی یسمی من کان علیه قادرا و ینبغی أن تحمل لفظة العجز هاهنا علی المفهوم اللغوی و هو تعذر الإیجاد لا علی المفهوم الکلامی.

و أمّا الاستدلال الثانی فینبغی أن یحمل الفناء هاهنا علی المفهوم اللغوی و هو تغیر الصفات و زوالها لا علی المفهوم الکلامی فیصیر تقدیر الکلام لما کانت الأشیاء التی بیننا تتغیر و تتحول و تنتقل من حال إلی حال و علمنا أن العلة المصحّحة لذلک کونها محدثة علمنا أنّه سبحانه لا یصحّ علیه التنقل و التغیر لأنّه لیس بمحدث ثمّ قال واحد لا بعدد لأن وحدته ذاتیة و لیست صفة زائدة علیه و هذا من الأبحاث الدقیقة فی علم الحکمة و لیس هذا الکتاب موضوعا لبسط القول فی أمثاله.

ثمّ قال دائم لا بأمد لأنّه تعالی لیس بزمانی و داخل تحت الحرکة و الزمان و هذا أیضا من دقائق العلم الإلهی و العرب دون أن تفهم هذا أو تنطق به و لکن هذا الرجل کان ممنوحا من اللّه تعالی بالفیض المقدس و الأنوار الربانیة.

ثمّ قال قائم لا بعمد لأنّه لما کان فی الشاهد کل قائم فله عماد یعتمد علیه أبان ع تنزیهه تعالی عن المکان و عما یتوهمه الجهلاء من أنّه مستقر علی عرشه بهذه اللفظة و معنی القائم هاهنا لیس ما یسبق إلی الذهن من أنّه المنتصب بل ما تفهمه من قولک فلان قائم بتدبیر البلد و قائم بالقسط .

ثمّ قال تتلقاه الأذهان لا بمشاعرة أی تتلقاه تلقیا عقلیا لیس کما یتلقی الجسم الجسم بمشاعره و حواسه و جوارحه و ذلک لأن تعقل الأشیاء و هو حصول صورها

ص :48

فی العقل بریئة من المادة و المراد بتلقیه سبحانه هاهنا تلقی صفاته لا تلقی ذاته تعالی لأن ذاته تعالی لا تتصورها العقول و سیأتی إیضاح أن هذا مذهبه ع.

ثمّ قال و تشهد له المرائی لا بِمُحَاضَرَةٍ المرائی جمع مرئی و هو الشیء المدرک بالبصر یقول المرئیات تشهد بوجود الباری لأنّه لو لا وجوده لما وجدت و لو لم توجد لم تکن مرئیات و هی شاهدة بوجوده لا کشهادتها بوجود الأبصار لأنّها شهدت بوجود الأبصار لحضورها فیها و أمّا شهادتها بوجود الباری فلیست بهذه الطریق بل بما ذکرناه و الأولی أن یکون المرائی هاهنا جمع مرآة بفتح المیم من قولهم هو حسن فی مرآة عینی یقول إن جنس الرؤیة یشهد بوجود الباری من غیر محاضرة منه للحواس .

قوله ع لم تحط به الأوهام إلی قوله ع و إلیها حاکمها هذا الکلام دقیق و لطیف و الأوهام هاهنا هی العقول یقول إنّه سبحانه لم تحط به العقول أی لم تتصور کنه ذاته و لکنه تجلی للعقول بالعقول و تجلیه هاهنا هو کشف ما یمکن أن تصل إلیه العقول من صفاته الإضافیة و السلبیة لا غیر و کشف ما یمکن أن تصل إلیه العقول من أسرار مخلوقاته فأما غیر ذلک فلا و ذلک لأن البحث النظری قد دل علی أنا لم نعلم منه سبحانه إلاّ الإضافة و السلب أما الإضافة فکقولنا عالم قادر و أمّا السلب فکقولنا لیس بجسم و لا عرض و لا یری فأما حقیقة الذات المقدّسة المخصوصة من حیث هی هی فإن العقل لا یتصورها و هذا مذهب الحکماء و بعض المتکلّمین من أصحابنا و من غیرهم.

ثمّ قال و بالعُقُول امتنع من العُقُول أی و بالعقول و بالنظر علمنا أنّه تعالی یمتنع أن تدرکه العقول.

ثمّ قال و إلی العقول حکم العقول أی جعل العقول المدعیة أنّها أحاطت

ص :49

به و أدرکته کالخصم له سبحانه ثمّ حاکمها إلی العقول السلیمة الصحیحة النظر فحکمت له سبحانه علی العقول المدعیة لما لیست أهلا له.

و اعلم أن القول بالحیرة فی جلال ذات الباری و الوقوف عند حدّ محدود لا یتجاوزه العقل قول ما زال فضلاء العقلاء قائلین به

و ممّا قلته أیضا فی قصور العقل عن معرفته سبحانه و تعالی فیک یا أُعْجُوبَةَ الکونِ و لی فی هذا المعنی فیک یا أُغْلُوطَةَ الفِکْر

و قلت أیضا فی المعنی أفنیت خمسین عاما معملا نظری

و لی أیضا حبیبی أنت لا زید و عمرو

ص :51

فهل بعد الممات بک اتصال

و من شعری أیضا فی المعنی و کنت أنادی به لیلا فی مواضع مقفرة خالیة من الناس بصوت رفیع و أَجْدَحُ قلبی أیّام کنت مالکا أمری مطلقا من قیود الأهل و الولد و علائق الدنیا یا مدهش الألباب و الفطن

ص :52

و الکل أنت فکیف یدرکه

بعض و أنت السر فی العلن.

و ممّا قلته فی المعنی ناجیته و دعوته اکشف عن عشا أعجبنی هذا المعنی فنقلته إلی لفظ آخر فقلت حبیبی أنت من دون البرایا

و لی فی هذا المعنی أیضا قد حار فی النفس جمیع الوری

و لی أیضا فی الرد علی الفلاسفة الذین عللوا حرکة الفلک بأنّه أراد استخراج الوضع أولا لیتشبه بالعقل المجرد فی کماله و أن کل ما له بالقوة فهو خارج إلی الفعل تحیر أرباب النهی و تعجبوا

ص :53

و قیل لمن قال اختیارا فما الذی

و لی أیضا فی الرد علی من زعم أن النبیّ ص رأی اللّه سبحانه بالعین و هو الذی أنکرته عائشة و العجب لقوم من أرباب النظر جهلوا ما أدرکته امرأة من نساء العرب عجبت لقوم یزعمون نبیهم

و المقطعات التی نظمتها فی إجلال الباری سبحانه عن أن تحیط به العقول کثیرة موجودة فی کتبی و مصنفاتی فلتلمح من مظانها و غرضنا بإیراد بعضها أن لها هنا تشییدا لما قاله أمیر المؤمنین ع علی فی هذا الباب .

قوله ع لیس بذی کبر إلی قوله و عظم سلطانا معناه أنّه تعالی یطلق علیه من أسمائه الکبیر و العظیم و قد ورد بهما القرآن العزیز و لیس المراد بهما ما یستعمله الجمهور من قولهم هذا الجسم أعظم و أکبر مقدارا من هذا الجسم بل المراد عظم شأنه و جلالة سلطانه .

و الفلج النصرة و أصله سکون العین و إنّما حرکه لیوازن بین الألفاظ و ذلک

ص :54

لأن الماضی منه فلج الرجل علی خصمه بالفتح و مصدره الفلج بالسکون فأما من روی و ظهور الفلج بضمتین فقد سقط عنه التأویل لأن الاسم من هذا اللفظ الفلج بضم أول الکلمة فإذا استعملها الکاتب أو الخطیب جاز له ضم الحرف الثانی.

و صادعا بهما مظهرا مجاهدا و أصله الشق.

و الأمراس الحبال و الواحد مرس بفتح المیم و الراء مِنْهَا فِی صِفَةِ [عَجِیبِ]

خَلْقِ أَصْنَافٍ مِنَ الْحَیَوَانِ:

وَ لَوْ فَکَّرُوا فِی عَظِیمِ الْقُدْرَةِ وَ جَسِیمِ النِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَی الطَّرِیقِ وَ خَافُوا عَذَابَ الْحَرِیقِ وَ لَکِنِ الْقُلُوبُ عَلِیلَةٌ وَ الْبَصَائِرُ مَدْخُولَةٌ أَ لاَ یَنْظُرُونَ إِلَی صَغِیرِ مَا خَلَقَ کَیْفَ أَحْکَمَ خَلْقَهُ وَ أَتْقَنَ تَرْکِیبَهُ وَ فَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ سَوَّی لَهُ الْعَظْمَ وَ الْبَشَرَ انْظُرُوا إِلَی النَّمْلَةِ فِی صِغَرِ جُثَّتِهَا وَ لَطَافَةِ هَیْئَتِهَا لاَ تَکَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ وَ لاَ بِمُسْتَدْرَکِ الْفِکَرِ کَیْفَ دَبَّتْ عَلَی أَرْضِهَا وَ صُبَّتْ عَلَی رِزْقِهَا تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَی جُحْرِهَا وَ تُعِدُّهَا فِی مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِی حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَ فِی وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَکْفُولٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا لاَ یُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ وَ لاَ یَحْرِمُهَا الدَّیَّانُ وَ لَوْ فِی الصَّفَا الْیَابِسِ وَ الْحَجَرِ الْجَامِسِ وَ لَوْ فَکَّرْتَ فِی مَجَارِی أَکْلِهَا [وَ]

فِی عُلْوِهَا وَ سُفْلِهَا وَ مَا فِی الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِیفِ بَطْنِهَا وَ مَا فِی الرَّأْسِ مِنْ عَیْنِهَا وَ أُذُنِهَا لَقَضَیْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً وَ لَقِیتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً

ص :55

فَتَعَالَی الَّذِی أَقَامَهَا عَلَی قَوَائِمِهَا وَ بَنَاهَا عَلَی دَعَائِمِهَا لَمْ یَشْرَکْهُ فِی فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ وَ لَمْ یُعِنْهُ عَلَی خَلْقِهَا قَادِرٌ وَ لَوْ ضَرَبْتَ فِی مَذَاهِبِ فِکْرِکَ لِتَبْلُغَ غَایَاتِهِ مَا دَلَّتْکَ الدَّلاَلَةُ إِلاَّ عَلَی أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ لِدَقِیقِ تَفْصِیلِ کُلِّ شَیْءٍ وَ غَامِضِ اخْتِلاَفِ کُلِّ حَیٍّ وَ مَا الْجَلِیلُ وَ اللَّطِیفُ وَ الثَّقِیلُ وَ الْخَفِیفُ وَ الْقَوِیُّ وَ الضَّعِیفُ فِی خَلْقِهِ إِلاَّ سَوَاءٌ وَ کَذَلِکَ السَّمَاءُ وَ الْهَوَاءُ وَ الرِّیَاحُ وَ الْمَاءُ فَانْظُرْ إِلَی الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النَّبَاتِ وَ الشَّجَرِ وَ الْمَاءِ وَ الْحَجَرِ وَ اخْتِلاَفِ هَذَا اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ تَفَجُّرِ هَذِهِ الْبِحَارِ وَ کَثْرَةِ هَذِهِ الْجِبَالِ وَ طُولِ هَذِهِ الْقِلاَلِ وَ تَفَرُّقِ هَذِهِ اللُّغَاتِ وَ الْأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَاتِ فَالْوَیْلُ لِمَنْ أَنْکَرَ الْمُقَدِّرَ وَ جَحَدَ الْمُدَبِّرَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ کَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ وَ لاَ لاِخْتِلاَفِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ وَ لَمْ یَلْجَئُوا إِلَی حُجَّةٍ فِیمَا ادَّعَوْا وَ لاَ تَحْقِیقٍ لِمَا [دَعَوْا]

أَوْعَوْا وَ هَلْ یَکُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَیْرِ بَانٍ أَوْ جِنَایَةٌ مِنْ غَیْرِ جَانٍ .

مدخولة

معیبة و فلق شق و خلق و البشر ظاهر الجلد .

قوله ع و صُبَّتْ علی رزقها قیل هو علی العکس أی و صب رزقها علیها و الکلام صحیح و لا حاجة فیه إلی هذا و المراد کیف همت حتّی انصبت علی رزقها انصبابا أی انحطت علیه و یروی و ضنت علی رزقها بالضاد المعجمة و النون أی بخلت و جحرها بیتها .

ص :56

قوله ع و فی وِرْدِها لصَدَرِها أی تجمع فی أیّام التمکن من الحرکة لأیّام العجز عنها و ذلک لأن النمل یظهر صیفا و یخفی فی شدة الشتاء لعجزه عن ملاقاة البرد .

قوله ع رزقها وفقها (1) أی بقدر کفایتها و یروی مکفول برزقها مرزوقة بوفقها .

و اَلْمَنَّانُ من أسماء اللّه تعالی العائد إلی صفاته الفعلیة أی هو کثیر المن و الإنعام علی عباده.

و الدیان المجازی للعباد علی أفعالهم قال تعالی إِنّٰا لَمَدِینُونَ (2) أی مجزیون و الحجر الجامس الجامد و الشراسیف أطراف الأضلاع المشرفة علی البطن

بطن الأرض فتخرجها إلی ظهرها لتنثرها (1) و تعید إلیها جفوفها و یمر بها النسیم فینفی عنها اللخن و الفساد.

ثمّ ربما بل فی الأکثر تختار ذلک العمل لیلا لأن ذلک أخفی و فی القمر لأنّها فیه أبصر فإن کان مکانها ندیا و خافت أن تنبت الحبة نقرت موضع القطمیر (2) من وسطها لعلمها أنّها من ذلک الموضع تنبت و ربما فلقت الحبة نصفین فأما إن کان الحب من حبّ الکزبرة فإنها تَفْلِقُهُ أَرْبَاعاً لأن أنصافَ حبِّ الکُزْبُرَةِ تنبت من بین جمیع الحبوب فهی من هذا الوجه مجاوزة لفطنة جمیع الحیوانات حتّی ربما کانت فی ذلک أحزم من کثیر من الناس و لها مع لطافة شخصها و خفة وزنها فی الشم و الاسْتِروَاحِ ما لیس لشیء فربما أکل الإنسان الجراد أو بعض ما یشبه الجراد فیسقط من یده الواحدة أو صدر واحدة و لیس بقربه ذرة و لا له عهد بالذر فی ذلک المنزل فلا یلبث أن تقبل ذرة قاصدة إلی تلک الجرادة فترومها و تحاول نقلها و جرها إلی جحرها فإذا أعجزتها بعد أن تبلی عذرا مضت إلی جحرها راجعة فلا یلبث ذلک الإنسان أن یجدها قد أقبلت و خلفها کالخیط الأسود الممدود حتّی یتعاون علیها فیحملنها فاعجب من صدق الشم لما لا یشمه الإنسان الجائع ثمّ انظر إلی بعد الهمة و الجرأة علی محاولة نقل شیء فی وزن جسمها مائة مرة و أکثر من مائة مرة بل أضعاف أضعاف المائة و لیس شیء من الحیوان یحمل ما یکون أضعاف وزنه مرارا کثیرة غیرها.

فإن قال قائل (3) فمن أین علمتم أن التی حاولت نقل الجرادة فعجزت هی التی أخبرت صواحباتها من الذر و أنّها التی کانت علی مقدمتهن قیل له لطول التجربة و لأنا لم نر قط ذرة حاولت جر جرادة فعجزت عنها ثمّ

ص :58

رأیناها راجعة إلاّ رأینا معها مثل ذلک و إن کنا لا نفصل فی مرأی العین بینها و بین أخواتها فإنّه لیس یقع فی القلب غیر الذی قلنا فدلنا ذلک علی أنّها فی رجوعها عن الجرادة أنّها إنّما کانت لأشباهها کالرَّائِدِ الذی لا یکذب أهله قال أبو عثمان و لا ینکر قولنا إن الذرة توحی إلی أخواتها بما أشرنا إلیه إلاّ من یکذب القرآن فإنه تعالی قال فی قصة سلیمان قٰالَتْ نَمْلَةٌ یٰا أَیُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسٰاکِنَکُمْ لاٰ یَحْطِمَنَّکُمْ سُلَیْمٰانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لاٰ یَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضٰاحِکاً مِنْ قَوْلِهٰا (1) فهل بعد هذا ریب أو شک فی أن لها قولا و بیانا و تمییزا.

فإن قلت فلعلها مکلفة و مأمورة و منهیة و مطیعة و عاصیة قیل هذا سؤال جاهل و ذلک أنّه لا یلزم أن یکون کل ذی حس و تمییز مکلفا مأمورا منهیا مطیعا عاصیا لأن الإنسان غیر البالغ الحلم قد یحفظ القرآن و کثیرا من الآثار و ضروبا من الأخبار و یشتری و یبیع و یخدع الرجال و یسخر بالمعلمین و هو غیر مکلف و لا مأمور و لا منهی و لا عاص و لا مطیع فلا یلزم ممّا قلناه فی الذرة أن تکون مکلفة (2) .

قال أبو عثمان و من عجیب ما سمعته من أمر النملة ما حدّثنی به بعض المهندسین عن رجل معروف بصنعة الأسطرلابات (3) أنّه أخرج طوقا من صفر أو قال من حدید من الکیر و قد أحماه فرمی به علی الأرض لیبرد فاشتمل الطوق علی نملة فأرادت أن تنفر یمنة فلقیها وهج النار فأخذت یسرة فلقیها وهج النار فمضت قدما فکذاک فرجعت إلی خلفها فکذلک فرجعت إلی وسط الدائرة فوجدها قد ماتت فی موضع رجل البرکار (4) من الدائرة و هذا من العجائب.

قال أبو عثمان و حدّثنی أبو عبید اللّه الأفوه و ما کنت أقدم علیه فی زمانه من مشایخ

ص :59

المعتزلة إلا القلیل قال قد کنت ألقی من الذر و النمل فی الرطب یکون عندی و فی الطعام عنتا کثیرا و ذلک لأنّی کنت لا أستقذر النملة و لا الذرة ثمّ وجدت الواحدة منهما إذا وقعت فی قارورة بان أو زئبق أو خیری فسد ذلک الدهن و زنخ فقذرتها و نفرت منها و قلت أخلق بطبیعتها أن تکون فاسدة خبیثة و کنت أری لها عضا منکرا فأقول إنها من ذوات السموم و لو أن بدن النملة زید فی أجزائه حتّی یلحق ببدن العقرب ثمّ عضت إنسانا لکانت عضتها أضر علیه من لسعة العقرب.

قال فاتخذت عند ذلک لطعامی منملة و قیرتها و صببت فی خندقها الماء و وضعت سلة الطعام علی رأسها فغبرت أیاما أکشف رأس السلة بعد ذلک و فیها ذر کثیر و وجدت الماء فی الخندق علی حاله فقلت عسی أن یکون بعض الصبیان أنزلها و أکل ممّا فیها و طال مکثها فی الأرض و قد دخلها الذر ثمّ أعیدت علی تلک الحال و تکلمت فی ذلک و تعرفت الحال فیه فعرفت البراءة فی عذرهم و الصدق فی خبرهم فاشتد تعجبی و ذهبت بی الظنون و الخواطر کل مذهب فعزمت علی أن أرصدها و أحرسها و أتثبت فی أمری و أتعرف شأنی فإذا هی بعد أن رامت الخندق فامتنع علیها ترکته جانبا و صعدت فی الحائط ثمّ مرت علی جذع السقف فلما صارت محاذیة للسلة أرسلت نفسها فقلت فی نفسی انظر کیف اهتدت إلی هذه الحیلة و لم تعلم أنّها تبقی محصورة.

ثمّ قلت و ما علیها أن تبقی محصورة بل أی حصار علی ذرة و قد وجدت ما تشتهی.

قال أبو عثمان و من أعاجیب الذرة أنّها لا تعرض لجعل و لا لجرادة و لا لخنفساء و لا لبنت وردان ما لم یکن بها حبل أو عقر أو قطع رجل أو ید فإن وجدت بها من ذلک أدنی علة وثبت علیها حتّی لو أن حیة بها ضربة أو خرق أو خدش ثمّ کانت من

ص :60

ثعابین مصر لوثب علیها الذر حتّی یأکلها و لا تکاد الحیة تسلم من الذر إذا کان بها أدنی عقر.

قال أبو عثمان و قد عذب اللّه بالذر و النمل أمما و أمما و أخرج أهل قری من قراهم و أهل دروب من دروبهم.

و حدّثنی بعض من أصدق خبره قال سألت رجلا کان ینزل ببغداد فی بعض الدروب التی فی ناحیة باب الکوفة التی جلا أهلها عنها لغلبة النمل و الذر علیها فسألته عن ذلک فقال و ما تصنع بالحدیث امض معی إلی داری التی أخرجنی منها النمل قال فدخلتها معه فبعث غلامه فاشتری رءوسا من الرأسین لیتغذی بها فانتقلنا هربا من النمل فی أکثر من عشرین مکانا ثمّ دعا بطست ضخمة و صب فیها ماء صالحا ثمّ فرق عظام الرءوس فی الدار و معه غلمانه فکان کلما اسود منها عظم لکثرة النمل و اجتماعه علیه و ذلک فی أسرع الأوقات أخذه الغلام ففرغه فی الطست بعود ینثر به ما علیه فی جوف الطست فما لبثنا مقدار ساعة من النهار حتّی فاضت الطست نملا فقال کم تظن أنی فعلت مثل هذا قبل الجلاء طمعا فی أن أقطع أصلها فلما رأیت عددها إمّا زائدا و إمّا ثابتا و جاءنا ما لا یصبر علیه أحد و لا یمکن معه مقام خرجت عنها.

قال أبو عثمان و عذب عمر بن هبیرة سعید بن عمرو الحرشی بأنواع العذاب فقیل له إن أردت ألا یفلح أبدا فمرهم فلینفخوا فی دبره النمل ففعلوا فلم یفلح بعدها (1) .

ص :61

قال أبو عثمان و من الحیوان أجناس یشبه الإنسان فی العقل و الرویة و النظر فی العواقب و الفکر فی الأمور مثل النمل و الذر و الفأر و الجرذان و العنکبوت و النحل-إلا أن النحل لا یدخر من الطعم إلاّ جنسا واحدا و هو العسل (1) .

قال و زعم البقطری أنک لو أدخلت نملة فی جحر ذر لأکلتها حتّی تأتی علی عامتها و ذکر أنّه قد جرب ذلک.

قال و زعم صاحب المنطق أن الضبع تأکل النمل أکلا ذریعا لأنّها تأتی قریة النمل وقت اجتماع النمل علی باب القریة فتلحس ذلک النمل کله بلسانها بشهوة شدیدة و إرادة قویة.

قال و ربما أفسدت الأرضة علی أهل القری منازلهم و أکلت کل شیء لهم فلا تزال کذلک حتّی ینشأ فی تلک القری النمل فیسلط اللّه عزّ و جلّ ذلک النمل علی تلک الأرضة حتّی تأتی علی آخرها علی أن النمل بعد ذلک سیکون له أذی إلاّ أنّه دون أذی الأرضة بعیدا و ما أکثر ما یذهب النمل أیضا من تلک القری حتّی یتم لأهلها السلامة من النوعین جمیعا.

قال و قد زعم بعضهم أن تلک الأرضة بأعیانها تستحیل نملا و لیس فناؤها لأکل النمل لها و لکن الأرضة نفسها تستحیل نملا فعلی قدر ما یستحیل منها یری الناس النقصان فی عددها و مضرتها علی الأیّام (2) .

قال أبو عثمان و کان ثمامة یری أن الذر صغار النمل و نحن نراه نوعا آخر کالبقر و الجوامیس.

قال و من أسباب هلاک النمل نبات أجنحته و قال الشاعر و إذا استوت للنمل أجنحة حتی یطیر فقد دنا عطبه.

ص :62

و کان فی کتاب عبد الحمید إلی أبی مسلم لو أراد اللّه بالنملة صلاحا لما أنبت لها جناحا فیقال إن أبا مسلم لما قرأ هذا الکلام فی أوّل الکتاب لم یتم قراءته و ألقاه فی النار و قال أخاف إن قرأته أن ینخب قلبی.

قال أبو عثمان و یقتل النمل بأن یصب فی أفواه بیوتها القطران و الکبریت الأصفر و أن یدس فی أفواهها الشعر علی أنا قد جربنا ذلک فوجدناه باطلا.

فأما الحکماء فإنهم لا یثبتون للنمل شراسیف و لا أضلاعا و یجب إن صح قولهم أن یحمل کلام أمیر المؤمنین ع علی اعتقاد الجمهور و مخاطبة العرب بما تتخیله و تتوهمه حقا و کذلک لا یثبت الحکماء للنمل آذانا بارزة عن سطوح رءوسها و یجب إن صح ذلک أن نحمل کلام أمیر المؤمنین ع علی قوة الإحساس بالأصوات فإنّه لا یمکن الحکماء إنکار وجود هذه القوّة للنمل و لهذا إذا صیح علیهن هربن.

و یذکر الحکماء من عجائب النمل أشیاء منها أنّه لا جلد له و کذلک کل الحیوان المخرز.

و منها أنّه لا یوجد فی صقلیة نمل کبار أصلا.

و منها أن النمل بعضه ماش و بعضه طائر.

و منها أن حراقة النمل إذا أضیف إلیها شیء من قشور البیض و ریش هدهد و علقت علی العضد منعت من النوم قوله ع و لو ضربت فی مذاهب فکرک لتبلغ غایاته أی غایات فکرک و ضربت بمعنی سرت و المذاهب الطرق قال تعالی وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِی

ص :63

الْأَرْضِ

(1)

و هذا الکلام استعارة.

قال لو أمعنت النظر لعلمت أن خالق النملة الحقیرة هو خالق النخلة الطویلة لأن کل شیء من الأشیاء تفصیل جسمه و هیئته تفصیل دقیق و اختلاف تلک الأجسام فی أشکالها و ألوانها و مقادیرها اختلاف غامض السبب فلا بدّ للکل من مدبر یحکم بذلک الاختلاف و یفعله علی حسب ما یعلمه من المصلحة .

ثمّ قال و ما الجلیل و الدقیق فی خلقه إلاّ سواء لأنّه تعالی قادر لذاته لا یعجزه شیء من الممکنات .

ثمّ قال فانظر إلی الشمس و القمر إلی قوله و الألسن المختلفات هذا هو الاستدلال بإمکان الأعراض علی ثبوت الصانع و الطرق إلیه أربعة أحدها الاستدلال بحدوث الأجسام.

و الثانی الاستدلال بإمکان الأعراض و الأجسام.

و الثالث الاستدلال بحدوث الأعراض.

و الرابع الاستدلال بإمکان الأعراض.

و صورة الاستدلال هو أن کل جسم یقبل للجسمیة المشترکة بینه و بین سائر الأجسام ما یقبله غیره من الأجسام فإذا اختلفت الأجسام فی الأعراض فلا بدّ من مخصص خصص هذا الجسم بهذا العرض دون أن یکون هذا العرض لجسم آخر و یکون لهذا الجسم عرض غیر هذا العرض لأن الممکنات لا بدّ لها من مرجح یرجح أحد طرفیها علی الآخر فهذا هو معنی قوله فانظر إلی الشمس و القمر و النبات و الشجر و الماء و الحجر و اختلاف هذا اللیل و النهار و تفجر هذه البحار و کثرة هذه الجبال و طول هذه القلال و تفرق هذه اللغات و الألسن المختلفات أی أنّه یمکن أن تکون هیئة

ص :64

الشمس و ضوءها و مقدارها حاصلا لجرم القمر و یمکن أن یکون النبات الذی لا ساق له شجرا و الشجر ذو الساق نباتا و یمکن أن یکون الماء صلبا و الحجر مائعا و یمکن أن یکون زمان اللیل مضیئا و زمان النهار مظلما و یمکن ألا تکون هذه البحار متفجرة بل تکون جبالا و یمکن ألا تکون هذه الجبال الکبیرة کبیرة و یمکن ألا تکون هذه القلال طویلة و کذلک القول فی اللغات و اختلافها و إذا کان کل هذا ممکنا فاختصاص الجسم المخصوص بالصفات و الأعراض و الصور المخصوصة لا یمکن أن یکون لمجرد الجسمیة لتماثل الأجسام فیها فلا بدّ من أمر زائد و ذلک الأمر الزائد هو المعنی بقولنا صانع العالم .

ثمّ سفه آراء المعطلة و قال إنهم لم یعتصموا بحجة و لم یحققوا ما وعوه أی لم یرتبوا العلوم الضروریة ترتیبا صحیحا یفضی بهم إلی النتیجة التی هی حقّ.

ثمّ أخذ فی الرد علیهم من طریق أخری و هی دعوی الضرورة و قد اعتمد علیها کثیر من المتکلّمین فقال نعلم ضرورة أن البناء لا بدّ له من بان.

ثمّ قال و الجنایة لا بدّ لها من جان و هذه کلمة ساقته إلیها القرینة و المراد عموم الفعلیة لا خصوص الجنایة أی مستحیل أن یکون الفعل من غیر فاعل و الذین ادعوا الضرورة فی هذه المسألة من المتکلّمین استغنوا عن الطرق الأربع التی ذکرناها و أمیر المؤمنین ع اعتمد أولا علی طریق واحدة ثمّ جنح ثانیا إلی دعوی الضرورة و کلا الطریقین صحیح وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِی الْجَرَادَةِ إِذْ خَلَقَ لَهَا عَیْنَیْنِ حَمْرَاوَیْنِ وَ أَسْرَجَ لَهَا

ص :65

حَدَقَتَیْنِ قَمْرَاوَیْنِ وَ جَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِیَّ وَ فَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِیَّ وَ جَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِیَّ وَ نَابَیْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ وَ مِنْجَلَیْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ یَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فِی زَرْعِهِمْ وَ لاَ یَسْتَطِیعُونَ ذَبَّهَا وَ لَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ حَتَّی تَرِدَ الْحَرْثَ فِی نَزَوَاتِهَا وَ تَقْضِیَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا وَ خَلْقُهَا کُلُّهُ لاَ یُکَوِّنُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً فَتَبَارَکَ اَللَّهُ الَّذِی یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ کَرْهاً وَ یُعَفِّرُ لَهُ خَدّاً وَ وَجْهاً وَ یُلْقِی إِلَیْهِ بِالطَّاعَةِ [إِلَیْهِ]

سِلْماً وَ ضَعْفاً وَ یُعْطِی لَهُ الْقِیَادَ رَهْبَةً وَ خَوْفاً فَالطَّیْرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِهِ أَحْصَی عَدَدَ الرِّیشِ مِنْهَا وَ النَّفَسِ وَ أَرْسَی قَوَائِمَهَا عَلَی النَّدَی وَ الْیَبَسِ وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَ أَحْصَی أَجْنَاسَهَا فَهَذَا غُرَابٌ وَ هَذَا عُقَابٌ وَ هَذَا حَمَامٌ وَ هَذَا نَعَامٌ دَعَا کُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ وَ کَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ وَ أَنْشَأَ السَّحَابَ الثِّقَالَ فَأَهْطَلَ دِیَمَهَا وَ عَدَّدَ قِسَمَهَا فَبَلَّ الْأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا وَ أَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا .

قوله و أسرج لها حدقتین أی جعلهما مضیئتین کما یضیء السراج و یقال حدقة قمراء أی منیرة کما یقال لیلة قمراء أی نیرة بضوء القمر.

و بهما تقرض أی تقطع و الراء مکسورة.

و المنجلان رجلاها شبههما بالمناجل لعوجهما و خشونتهما .

و یرهبها یخافها و نزواتها وثباتها و الجدب المحل

ص :66

أصهب إلی البیاض ثمّ یصفر و تتلون فیه خطوط إلی السواد ثمّ یصیر فیه خطوط سود و بیض ثمّ یبدو حجم جناحه ثمّ یستقل فیموج بعضه فی بعض (1) .

قال أبو عثمان و یزعم قوم أن الجراد (2) قد یرید الخضرة و دونه النهر الجاری فیصیر بعضه جسرا لبعض حتّی یعبر إلی الخضرة و أن ذلک حیلة منها.

و لیس کما زعموا و لکن الزحف الأول من الدباء یرید الخضرة فلا یستطیعها إلاّ بالعبور إلیها فإذا صارت تلک القطعة فوق الماء طافیة صارت لعمری أرضا للزحف الثانی الذی یرید الخضرة فإن سموا ذلک جسرا استقام فأما أن یکون الزحف الأول مهد للثانی و مکن له و آثره بالکفایة (3) فهذا ما لا یعرف و لو أن الزحفین جمیعا أشرفا علی النهر و أمسک أحدهما عن تکلف العبور حتّی یمهد له الآخر لکان لما قالوه وجه (4) .

قال أبو عثمان و لعاب الجراد سم علی الأشجار لا یقع علی شیء إلاّ أحرقه.

فأما الحکماء فیذکرون فی کتبهم أن أرجل الجراد تقلع الثآلیل و أنّه إذا أخذت منه اثنتا عشرة جرادة و نزعت رءوسها و أطرافها و جعل معها قلیل آس یابس و شربت للاستسقاء کما هی نفعت نفعا بینا و أن التبخر بالجراد ینفع من عسر البول و خاصّة فی النساء و أن أکله ینفع من تقطیره و قد یبخر به للبواسیر و ینفع أکله من لسعة العقرب.

و یقال إن الجراد الطوال إذا علق علی من به حمی الربع نفعه

ص :68

حقیقته تعالی و السجعة الأخری تعطی هذا المعنی أیضا من غیر زیادة علیه و هی قوله ع و لا إیاه عنی من شبهه و لهذا قال شیوخنا إن المشبه لا یعرف اللّه و لا تتوجه عباداته و صلواته إلی اللّه تعالی لأنّه یعبد شیئا یعتقده جسما أو یعتقده مشابها لبعض هذه الذوات المحدثة و العبادة تنصرف إلی المعبود بالقصد فإذا قصد بها غیر اللّه تعالی لم یکن قد عبد اللّه سبحانه و لا عرفه و إنّما یتخیل و یتوهم أنّه قد عرفه و عبده و لیس الأمر کما تخیل و توهم.

و ثالثها قوله ع و لا صمده من أشار إلیه أی أثبته فی جهة کما تقول الکرامیة الصمد فی اللغة العربیة السیّد و الصمد أیضا الذی لا جوف له و صار التصمید فی الاصطلاح العرفی عبارة عن التنزیه و الذی قال ع حقّ لأن من أشار إلیه أی أثبته فی جهة کما تقوله الکرامیة فإنه ما صمده لأنّه ما نزهه عن الجهات بل حکم علیه بما هو من خواص الأجسام و کذلک من توهمه سبحانه أی من تخیل له فی نفسه صورة أو هیئة أو شکلا فإنّه لم ینزهه عما یجب تنزیهه عنه .

و رابعها قوله کل معروف بنفسه مصنوع هذا الکلام یجب أن یتأول و یحمل علی أن کل معروف بالمشاهدة و الحس فهو مصنوع و ذلک لأن الباری سبحانه معروف من طریقین إحداهما من أفعاله و الأخری بنفسه و هی طریقة الحکماء الذین بحثوا فی الوجود من حیث هو وجود فعلموا أنّه لا بدّ من موجود واجب الوجود فلم یستدلوا علیه بأفعاله بل أخرج لهم البحث فی الوجود أنّه لا بدّ من ذات یستحیل عدمها من حیث هی هی.

فإن قلت کیف یحمل کلامه علی أن کل معروف بالمشاهدة و الحس فهو مصنوع و هذا یدخل فیه کثیر من الأعراض کالألوان و إذا دخل ذلک فسدت علیه الفقرة الثانیة

ص :70

و هی قوله ع و کل قائم فیما سواه معلول لأنّها للأعراض خاصّة فیدخل أحد مدلول الفقرتین فی الأخری فیختل النظم قلت یرید ع بالفقرة الأولی کل معروف بنفسه من طریق المشاهدة مستقلا بذاته غیر مفتقر فی تقومه إلی غیره فهو مصنوع و هذا یختص بالأجسام خاصّة و لا یدخل الألوان و غیرها من الأعراض فیه لأنّها متقومة بمحالها.

و خامسها قوله و کلُّ قائمٍ فی سِوَاهُ معلولٌ أی و کل شیء یتقوم بغیره فهو معلول و هذا حقّ لا محالة کالأعراض لأنّها لو کانت واجبة لاستغنت فی تقومها عن سواها لکنها مفتقرة إلی المحل الذی یتقوم به ذواتها فإذا هی معلولة لأن کل مفتقر إلی الغیر فهو ممکن فلا بدّ له من مؤثر .

و سادسها قوله فاعل لا باضطراب آلة هذا لبیان الفرق بینه و بیننا فإننا نفعل بالآلات و هو سبحانه قادر لذاته فاستغنی عن الآلة.

و سابعها قوله مقدر لا بجول فکرة هذا أیضا للفرق بیننا و بینه لأنا إذا قدرنا أجلنا أفکارنا و ترددت بنا الدواعی و هو سبحانه یقدر الأشیاء علی خلاف ذلک.

و ثامنها قوله غنیٌّ لا بِاستفادَةٍ هذا أیضا للفرق بیننا و بینه لأن الغنی منا من یستفید الغنی بسبب خارجی و هو سبحانه غنی بذاته من غیر استفادة أمر یصیر به غنیا و المراد بکونه غنیا أن کل شیء من الأشیاء یحتاج إلیه و أنّه سبحانه لا یحتاج إلی شیء من الأشیاء أصلا.

و تاسعها قوله لا تصحبه الأوقات هذا بحث شریف جدا و ذلک لأنّه سبحانه لیس بزمان و لا قابل للحرکة فذاته فوق الزمان و الدهر أما المتکلمون فإنهم یقولون

ص :71

إنّه تعالی کان و لا زمان و لا وقت و أمّا الحکماء فیقولون إن الزمان عرض قائم بعرض آخر و ذلک العرض الآخر قائم بجسم معلول لبعض المعلولات الصادرة عنه سبحانه فالزمان عندهم و إن کان لم یزل إلاّ أن العلة الأولی لیست واقعة تحته و ذلک هو المراد بقوله لا تصحبه الأوقات إن فسرناه علی قولهم و تفسیره علی قول المتکلّمین أولی.

و عاشرها قوله و لا ترفده الأدوات رفدت فلانا إذا أعنته و المراد الفرق بیننا و بینه لأننا مَرْفُودُونَ بالأدوات و لولاها لم یصحّ منا الفعل و هو سبحانه بخلاف ذلک.

و حادی عشرها قوله سبق الأوقات کونه إلی آخر الفصل هذا تصریح بحدوث العالم.

فإن قلت ما معنی قوله و العدم وجوده و هل یسبق وجوده العدم مع کون عدم العالم فی الأزل لا أول له قلت لیس یعنی بالعدم هاهنا عدم العالم بل عدم ذاته سبحانه أی غلب وجود ذاته عدمها و سبقها فوجب له وجود یستحیل تطرق العدم إلیه أَزَلاً و أبدا بخلاف الممکنات فإن عدمها سابق بالذات علی وجودها و هذا دقیق بِتَشْعِیرِهِ الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لاَ مَشْعَرَ لَهُ وَ بِمُضَادَّتِهِ بَیْنَ الْأُمُورِ عُرِفَ أَنْ لاَ ضِدَّ لَهُ وَ بِمُقَارَنَتِهِ بَیْنَ الْأَشْیَاءِ عُرِفَ أَنْ لاَ قَرِینَ لَهُ ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ وَ الْوُضُوحَ بِالْبُهْمَةِ وَ الْجُمُودَ بِالْبَلَلِ وَ الْحَرُورَ بِالصَّرَدِ [بِالصَّرْدِ]

ص :72

مُؤَلِّفٌ بَیْنَ مُتَعَادِیَاتِهَا مُقَارِنٌ بَیْنَ مُتَبَایِنَاتِهَا مُقَرِّبٌ بَیْنَ مُتَبَاعِدَاتِهَا مُفَرِّقٌ بَیْنَ مُتَدَانِیَاتِهَا لاَ یُشْمَلُ بِحَدٍّ وَ لاَ یُحْسَبُ بِعَدٍّ وَ إِنَّمَا تَحُدُّ الْأَدَوَاتُ أَنْفُسَهَا وَ تُشِیرُ الآْلاَتُ إِلَی نَظَائِرِهَا .

المشاعر

الحواس (1) قال بلعاء بن قیس و الرأس مرتفع فیه مشاعره یهدی السبیل له سمع و عینان.

قال بجعله تعالی المشاعر عرف أن لا مشعر له و ذلک لأن الجسم لا یصحّ منه فعل الأجسام و هذا هو الدلیل الذی یعول علیه المتکلمون فی أنّه تعالی لیس بجسم.

ثمّ قال و بمضادته بین الأمور عرف أن لا ضد له و ذلک لأنّه تعالی لما دلنا بالعقل علی أن الأمور المتضادة إنّما تتضاد علی موضوع تقوم به و تحله کان قد دلنا علی أنّه تعالی لا ضد له لأنّه یستحیل أن یکون قائما بموضوع یحله-کما تقوم المتضادات بموضوعاتها.

ثمّ قال و بمقارنته بین الأشیاء عرف أن لا قرین له و ذلک لأنّه تعالی قرن بین العرض و الجوهر بمعنی استحالة انفکاک أحدهما عن الآخر و قرن بین کثیر من الأعراض نحو ما یقوله أصحابنا فی حیاتی القلب و الکبد و نحو الإضافات التی یذکرها الحکماء کالبنوة و الأبوة و الفوقیة و التحتیة و نحو کثیر من العلل و المعلولات و الأسباب و المسببات فیما رکبه فی العقول من وجوب هذه المقارنة و استحالة انفکاک أحد الأمرین

ص :73

عن الآخر علمنا أنّه لا قرین له سبحانه لأنّه لو قارن شیئا علی حسب هذه المقارنة لاستحال انفکاکه عنه فکان محتاجا فی تحقّق ذاته تعالی إلیه و کل محتاج ممکن فواجب الوجود ممکن هذا محال .

ثمّ شرع فی تفصیل المتضادات فقال ضاد النور بالظلمة و هما عرضان عند کثیر من الناس و فیهم من یجعل الظلمة عدمیة.

قال و الوضوح بالبهمة یعنی البیاض و السواد.

قال و الجمود بالبلل یعنی الیبوسة و الرطوبة.

قال و الحرور بالصرد یعنی الحرارة و البرودة و الحرور هاهنا مفتوح الحاء یقال إنّی لأجد لهذا الطعام حرورا و حرورة فی فمی أی حرارة و یجوز أن یکون فی الکلام مضاف محذوف أی و حرارة الحرور بالصرد و الحرور هاهنا یکون الریح الحارة و هی باللیل کالسموم بالنهار و الصرد البرد.

ثمّ قال و إنّه تعالی مؤلف بین هذه المتباعدات المتعادیات المتباینات و لیس المراد من تألیفه بینها جمعه إیاها فی مکان واحد کیف و ذلک مستحیل فی نفسه بل هو سبحانه مؤلف لها فی الأجسام المرکبة حتّی خلع منها صورة مفردة هی المزاج ألا تری أنّه جمع الحار و البارد و الرطب و الیابس فمزجه مزجا مخصوصا حتّی انتزع منه طبیعة مفردة لیست حارة مطلقة و لا باردة مطلقة و لا رطبة مطلقة و لا یابسة مطلقة و هی المزاج و هو محدود عند الحکماء بأنّه کیفیة حاصلة من کیفیات متضادة و هذا هو محصول کلامه ع بعینه.

و العجب من فصاحته فی ضمن حکمته کیف أعطی کل لفظة من هذه اللفظات ما یناسبها و یلیق بها فأعطی المتباعدات لفظة مقرب لأن البعد بإزاء القرب

ص :74

و أعطی المتباینات لفظة مقارن لأن البینونة بإزاء المقارنة و أعطی المتعادیات لفظة مؤلف لأن الائتلاف بإزاء التعادی.

ثمّ عاد ع فعکس المعنی فقال مفرق بین متدانیاتها فجعل الفساد بإزاء الکون و هذا من دقیق حکمته ع و ذلک لأن کل کائن فاسد فلما أوضح ما أوضح فی الکون و الترکیب و الإیجاد أعقبه بذکر الفساد و العدم فقال مفرق بین متدانیاتها و ذلک لأن کل جسم مرکب من العناصر المختلفة الکیفیات المتضادة الطبائع فإنّه سیئول إلی الانحلال و التفرق .

ثمّ قال لا یشمل بحد و ذلک لأن الحدّ الشامل ما کان مرکبا من جنس و فصل و الباری تعالی منزه عن ذلک لأنّه لو شمله الحدّ علی هذا الوجه یکون مرکبا فلم یکن واجب الوجود و قد ثبت أنّه واجب الوجود و یجوز أن یعنی به أنّه لیس بذی نهایة فتحویه الأقطار و تحده.

ثمّ قال و لا یحسب بعد یحتمل أن یرید لا تحسب أزلیته بعد أی لا یقال له منذ وجد کذا و کذا کما یقال للأشیاء المتقاربة العهد و یحتمل أن یرید به أنّه لیس مماثلا للأشیاء فیدخل تحت العدد کما تعد الجواهر و کما تعد الأمور المحسوسة.

ثمّ قال و إنّما تحد الأدوات أنفسها و تشیر الآلات إلی نظائرها هذا یؤکد معنی التفسیر الثانی و ذلک لأن الأدوات کالجوارح إنّما تحد و تقدر ما کان مثلها من ذوات المقادیر و کذلک إنّما تشیر الآلات و هی الحواس إلی ما کان نظیرا لها فی الجسمیة و لوازمها و الباری تعالی لیس بذی مقدار و لا جسم و لا حال فی جسم فاستحال أن تحده الأدوات و تشیر إلیه الآلات

ص :75

مَنَعَتْهَا مُنْذُ الْقِدْمَةَ وَ حَمَتْهَا قَدُ الْأَزَلِیَّةَ وَ جَنَّبَتْهَا لَوْلاَ التَّکْمِلَةَ بِهَا تَجَلَّی صَانِعُهَا لِلْعُقُولِ وَ بِهَا امْتَنَعَ عَنْ نَظَرِ الْعُیُونِ وَ لاَ یَجْرِی [تَجْرِی]

عَلَیْهِ [اَلْحَرَکَةُ وَ السُّکُونُ]

اَلسُّکُونُ وَ الْحَرَکَةُ وَ کَیْفَ یَجْرِی عَلَیْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ وَ یَعُودُ فِیهِ مَا هُوَ أَبْدَاهُ وَ یَحْدُثُ فِیهِ مَا هُوَ أَحْدَثَهُ إِذاً لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ وَ لَتَجَزَّأَ کُنْهُهُ وَ لاَمْتَنَعَ مِنَ الْأَزَلِ مَعْنَاهُ وَ لَکَانَ لَهُ وَرَاءٌ إِذْ وُجِدَ لَهُ أَمَامٌ وَ لاَلْتَمَسَ التَّمَامَ إِذْ لَزِمَهُ النُّقْصَانُ وَ إِذاً لَقَامَتْ آیَةُ الْمَصْنُوعِ فِیهِ وَ لَتَحَوَّلَ دَلِیلاً بَعْدَ أَنْ کَانَ مَدْلُولاً عَلَیْهِ وَ خَرَجَ بِسُلْطَانِ الاِمْتِنَاعِ مِنْ أَنْ یُؤَثِّرَ فِیهِ مَا یُؤَثِّرُ فِی غَیْرِهِ .

قد اختلف الرواة فی هذا الموضع من وجهین أحدهما قول من نصب القدمة و الأزلیة و التکملة فیکون نصبها عنده علی أنّها مفعول ثان و المفعول الأول الضمائر المتصلة بالأفعال و تکون منذ و قد و لو لا فی موضع رفع بأنها فاعلة و تقدیر الکلام أن إطلاق لفظة منذ علی الآلات و الأدوات یمنعها عن کونها قدیمة لأن لفظة منذ وضعت لابتداء الزمان کلفظة من لابتداء المکان و القدیم لا ابتداء له و کذلک إطلاق لفظة قد علی الآلات و الأدوات تحمیها و تمنعها من کونها أزلیة لأن قد لتقریب الماضی من الحال تقول قد قام زید فقد دل علی أن قیامه قریب من الحال التی أخبرت فیها

ص :76

بقیامه و الأزلی لا یصحّ ذلک فیه و کذلک إطلاق لفظة لو لا علی الأدوات و الآلات یجنبها التکملة و یمنعها من التمام المطلق لأن لفظة لو لا وضعت لامتناع الشیء لوجود غیره کقولک لو لا زید لقام عمرو فامتناع قیام عمرو إنّما هو لوجود زید و أنت تقول فی الأدوات و الآلات و کل جسم ما أحسنه لو لا أنّه فان و ما أتمه لو لا کذا فیکون المقصد و المنحی بهذا الکلام علی هذه الروایة بیان أن الأدوات و الآلات محدثة ناقصة و المراد بالآلات و الأدوات أربابها.

الوجه الثانی قول من رفع القدمة و الأزلیة و التکملة فیکون کل واحد منها عنده فاعلا و تکون الضمائر المتصلة بالأفعال مفعولا أولا و منذ و قد و لو لا مفعولا ثانیا و یکون المعنی أن قدم الباری و أزلیته و کماله منعت الأدوات و الآلات من إطلاق لفظة منذ و قد و لو لا علیه سبحانه لأنّه تعالی قدیم کامل و لفظتا منذ و قد لا یطلقان إلاّ علی محدث لأن إحداهما لابتداء الزمان و الأخری لتقریب الماضی من الحال و لفظة لو لا لا تطلق إلاّ علی ناقص فیکون المقصد و المنحی بهذا الکلام علی هذه الروایة بیان قدم الباری تعالی و کماله و أنّه لا یصحّ أن یطلق علیه ألفاظ تدلّ علی الحدوث و النقص.

قوله ع بها تجلی صانعها للعقول و بها امتنع عن نظر العیون أی بهذه الآلات و الأدوات التی هی حواسنا و مشاعرنا و بخلقه إیاها و تصویره لها تجلی للعقول و عرف لأنّه لو لم یخلقها لم یعرف و بها امتنع عن نظر العیون أی بها استنبطنا استحالة کونه مرئیا بالعیون لأنا بالمشاعر و الحواس کملت عقولنا و بعقولنا استخرجنا الدلالة علی أنّه لا تصح رؤیته فإذن بخلقه الآلات و الأدوات لنا عرفناه عقلا و بذلک

ص :77

أیضا عرفنا أنّه یستحیل أن یعرف بغیر العقل و أن قول من قال إنا سنعرفه رؤیة و مشافهة بالحاسة باطل .

قوله ع لا تجری علیه الحرکة و السکون هذا دلیل أخذه المتکلمون عنه ع فنظموه فی کتبهم و قرروه و هو أن الحرکة و السکون معان محدثة فلو حلت فیه لم یخل منها و ما لم یخل من المحدث فهو محدث.

فإن قلت إنّه ع لم یخرج کلامه هذا المخرج و إنّما قال کیف یجری علیه ما هو أجراه و هذا نمط آخر غیر ما یقرره المتکلمون قلت بل هو هو بعینه لأنّه إذا ثبت أنّه هو الذی أجری الحرکة و السکون أی أحدثهما لم یجز أن یجریا علیه لأنهما لو جریا علیه لم یخل إمّا أن یجریا علیه علی التعاقب و لیسا و لا واحد منهما بقدیم أو یجریا علیه علی أن أحدهما قدیم ثمّ تلاه الآخر و الأول باطل بما یبطل به حوادث لا أول لها و الثانی باطل بکلامه ع و ذلک لأنّه لو کان أحدهما قدیما معه سبحانه لما کان أجراه لکن قد قلنا أنّه أجراه أی أحدثه و هذا خلف محال و أیضا فإذا کان أحدهما قدیما معه لم یجز أن یتلوه الآخر لأن القدیم لا یزول بالمحدث.

ثمّ قال ع إذا لتفاوتت ذاته و لتجزأ کنهه و لامتنع من الأزل معناه هذا تأکید لبیان استحالة جریان الحرکة و السکون علیه تقول لو صح علیه ذلک لکان محدثا و هو معنی قوله لامتنع من الأزل معناه و أیضا کان ینبغی أن تکون ذاته منقسمة لأن المتحرک الساکن لا بدّ أن یکون متحیزا و کل متحیز جسم و کل جسم منقسم أبدا و فی هذا إشارة إلی نفی الجوهر الفرد .

ص :78

ثم قال ع و لکان له وراء إذا وجد له أمام هذا یؤکد ما قلناه إنّه إشارة إلی نفی الجوهر الفرد یقول لو حلته الحرکة لکان جرما و حجما و لکان أحد وجهیه غیر الوجه الآخر لا محالة فکان منقسما و هذا الکلام لا یستقیم إلاّ مع نفی الجوهر الفرد لأن من أثبته یقول یصحّ أن تحله الحرکة و لا یکون أحد وجهیه غیر الآخر فلا یلزم أن یکون له وراء و أمام.

ثمّ قال ع و لا التمس التمام إذ لزمه النقصان هذا إشارة إلی ما یقوله الحکماء من أن الکون عدم و نقص و الحرکة وجود و کمال فلو کان سبحانه یتحرک و یسکن لکان حال السکون ناقصا قد عدم عنه کماله فکان ملتمسا کماله بالحرکة الطارئة علی السکون و واجب الوجود یستحیل أن یکون له حالة نقصان و أن یکون له حالة بالقوة و أخری بالفعل.

قوله ع إذا لقامت آیة المصنوع فیه و ذلک لأن آیة المصنوع کونه متغیرا منتقلا من حال إلی حال لأنا بذلک استدللنا علی حدوث الأجسام فلو کان تعالی متغیرا متحرکا منتقلا من حال إلی حال لتحقّق فیه دلیل الحدوث فکان مصنوعا و قد ثبت أنّه الصانع المطلق سبحانه.

قوله ع و لتحول دلیلا بعد أن کان مدلولا علیه یقول إنا وجدنا دلیلنا علی الباری سبحانه أنما هو الأجسام المتحرکة فلو کان الباری متحرکا لکان دلیلا علی غیره و کان فوقه صانع آخر صنعه و أحدثه لکنه سبحانه لا صانع له و لا ذات فوق ذاته فهو المدلول علیه و المنتهی إلیه.

قوله ع و خرج بسلطان الامتناع من أن یؤثر فیه ما أثر فی غیره فی هذا الکلام یتوهم سامعه أنّه عطف علی قوله لتفاوتت و لتجزأ و لامتنع

ص :79

و لکان له و لالتمس و لقامت و لتحول و لیس کذلک لأنّه لو کان معطوفا علیها لاختل الکلام و فسد لأنّها کلها مستحیلات علیه تعالی و المراد لو تحرک لزم هذه المحالات کلها.

و قوله و خرج بسلطان الامتناع لیس من المستحیلات علیه بل هو واجب له و من الأمور الصادقة علیه فإذا فسد أن یکون معطوفا علیها وجب أن یکون معطوفا علی ما کان مدلولا علیه و تقدیر الکلام کان یلزم أن یتحول الباری دلیلا علی غیره بعد أن کان مدلولا علیه و بعد أن خرج بسلطان الامتناع من أن یؤثر فیه ما أثر فی غیره و خروجه بسلطان الامتناع المراد به وجوب الوجود و التجرید و کونه لیس بمتحیز و لا حال فی المتحیز فهذا هو سلطان الامتناع الذی به خرج عن أن یؤثر فیه ما أثر فی غیره من الأجسام و الممکنات اَلَّذِی لاَ یَحُولُ وَ لاَ یَزُولُ وَ لاَ یَجُوزُ عَلَیْهِ الْأُفُولُ لَمْ یَلِدْ فَیَکُونَ مَوْلُوداً وَ لَمْ یُولَدْ فَیَصِیرَ مَحْدُوداً جَلَّ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَبْنَاءِ وَ طَهُرَ عَنْ مُلاَمَسَةِ النِّسَاءِ لاَ تَنَالُهُ الْأَوْهَامُ فَتُقَدِّرَهُ وَ لاَ تَتَوَهَّمُهُ الْفِطَنُ فَتُصَوِّرَهُ وَ لاَ تُدْرِکُهُ الْحَوَاسُّ فَتُحِسَّهُ وَ لاَ تَلْمِسُهُ الْأَیْدِی فَتَمَسَّهُ وَ لاَ یَتَغَیَّرُ بِحَالٍ وَ لاَ یَتَبَدَّلُ فِی الْأَحْوَالِ وَ لاَ تُبْلِیهِ اللَّیَالِی وَ الْأَیَّامُ وَ لاَ یُغَیِّرُهُ الضِّیَاءُ وَ الظَّلاَمُ .

هذا الفصل کله واضح مستغن عن الشرح إلاّ قوله ع لَمْ یَلِدْ

ص :80

فیکون مولودا

لأن لقائل أن یقول کیف یلزم من فرض کونه والدا أن یکون مولودا فی جوابه أنّه لیس معنی الکلام أنّه یلزم من فرض وقوع أحدهما وقوع الآخر و کیف و آدم والد و لیس بمولود و إنّما المراد أنّه یلزم من فرض صحة کونه والدا صحة کونه مولودا و التالی محال و المقدم محال و إنّما قلنا إنّه یلزم من فرض صحة کونه والدا صحة کونه مولودا لأنّه لو صح أن یکون والدا علی التفسیر المفهوم من الوالدیة و هو أن یتصور من بعض أجزائه حی آخر من نوعه علی سبیل الاستحالة لذلک الجزء کما نعقله فی النطفة المنفصلة من الإنسان المستحیلة إلی صورة أخری حتّی یکون منها بشر آخر من نوع الأول لصح علیه أن یکون هو مولودا من والد آخر قبله و ذلک لأن الأجسام متماثلة فی الجسمیة و قد ثبت ذلک بدلیل عقلی واضح فی مواضعه التی هی أملک به و کل مثلین فإن أحدهما یصحّ علیه ما یصحّ علی الآخر فلو صح کونه والدا یصحّ کونه مولودا.

و أمّا بیان أنّه لا یصحّ کونه مولودا فلأن کل مولود متأخر عن والده بالزمان و کل متأخر عن غیره بالزمان محدث فالمولود محدث و الباری تعالی قد ثبت أنّه قدیم و أن الحدوث علیه محال فاستحال أن یکون مولودا و تمّ الدلیل وَ لاَ یُوصَفُ بِشَیْءٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ وَ لاَ بِالْجَوَارِحِ وَ الْأَعْضَاءِ وَ لاَ بِعَرَضٍ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَ لاَ بِالْغَیْرِیَّةِ وَ الْأَبْعَاضِ وَ لاَ یُقَالُ لَهُ حَدٌّ وَ لاَ نِهَایَةٌ وَ لاَ انْقِطَاعٌ وَ لاَ غَایَةٌ وَ لاَ أَنَّ الْأَشْیَاءَ تَحْوِیهِ فَتُقِلَّهُ أَوْ تُهْوِیَهُ أَوْ أَنَّ شَیْئاً یَحْمِلُهُ فَیُمِیلَهُ

ص :81

أَوْ یُعَدِّلَهُ [یَعْدِلَهُ]

لَیْسَ فِی الْأَشْیَاءِ بِوَالِجٍ وَ لاَ عَنْهَا بِخَارِجٍ یُخْبِرُ لاَ بِلِسَانٍ وَ لَهَوَاتٍ وَ یَسْمَعُ لاَ بِخُرُوقٍ وَ أَدَوَاتٍ یَقُولُ وَ لاَ یَلْفِظُ وَ یَحْفَظُ وَ لاَ یَتَحَفَّظُ وَ یُرِیدُ وَ لاَ یُضْمِرُ یُحِبُّ وَ یَرْضَی مِنْ غَیْرِ رِقَّةٍ وَ یُبْغِضُ وَ یَغْضَبُ مِنْ غَیْرِ مَشَقَّةٍ یَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ کَوْنَهُ کُنْ فَیَکُونُ لاَ بِصَوْتٍ یَقْرَعُ وَ لاَ بِنِدَاءٍ یُسْمَعُ وَ إِنَّمَا کَلاَمُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَ مَثَّلَهُ لَمْ یَکُنْ مِنْ قَبْلِ ذَلِکَ کَائِناً وَ لَوْ کَانَ قَدِیماً لَکَانَ إِلَهاً ثَانِیاً .

فی هذا الفصل مباحث أولها أن الباری سبحانه لا یوصف بشیء من الأجزاء أی لیس بمرکب لأنّه لو کان مرکبا لافتقر إلی أجزائه و أجزاؤه لیست نفس هویته و کل ذات تفتقر هویتها إلی أمر من الأمور فهی ممکنة لکنه واجب الوجود فاستحال أن یوصف بشیء من الأجزاء.

و ثانیها أنّه لا یوصف بالجوارح و الأعضاء کما یقول مثبتو الصورة و ذلک لأنّه لو کان کذلک لکان جسما و کل جسم ممکن و واجب الوجود غیر ممکن.

و ثالثها أنّه لا یوصف بعرض من الأعراض کما یقوله الکرامیة لأنّه لو حله العرض لکان ذلک العرض لیس بأن یحل فیه أولی من أن یحل هو فی العرض لأن معنی

ص :82

الحلول حصول العرض فی حیز المحل تبعا لحصول المحل فیه فما لیس بمتحیز لا یتحقّق فیه معنی الحلول و لیس بأن یجعل محلا أولی من أن یجعل حالا.

و رابعها أنّه لا یوصف بالغیریة و الأبعاض أی لیس له بعض و لا هو ذو أقسام بعضها غیرا للبعض الآخر و هذا یرجع إلی البحث الأول .

و خامسها أنّه لا حدّ له و لا نهایة أی لیس ذا مقدار و لذلک المقدار طرف و نهایة لأنّه لو کان ذا مقدار لکان جسما لأن المقدار من لوازم الجسمیة و قد ثبت أنّه تعالی لیس بجسم.

و سادسها أنّه لا انقطاع لوجوده و لا غایة لأنّه لو جاز علیه العدم فی المستقبل لکان وجوده الآن متوقفا علی عدم سبب عدمه و کل متوقف علی الغیر فهو ممکن فی ذاته و الباری تعالی واجب الوجوب فاستحال علیه العدم و أن یکون لوجوده انقطاع أو ینتهی إلی غایة یعدم عندها.

و سابعها أن الأشیاء لا تحویه فتقله أی ترفعه أو تهویه أی تجعله هاویا إلی جهة تحت لأنّه لو کان کذلک لکان ذا مقدار أصغر من مقدار الشیء الحاوی له لکن قد بینا أنّه یستحیل علیه المقادیر فاستحال کونه محویا.

و ثامنها أنّه لیس یحمله شیءٌ فَیُمِیلُهُ إلی جانب أو یعدله بالنسبة إلی جمیع الجوانب لأن کل محمول مقدر و کل مقدر جسم و قد ثبت أنّه لیس بجسم.

و تاسعها أنّه لیس فی الأشیاء بِوَالِجٍ أی داخل و لا عنها بخارج هذا مذهب الموحدین و الخلاف فیه مع الکَرَّامِیَّة و المُجَسِّمَةِ و ینبغی أن یفهم قوله ع و لا عنها بخارج أنه لا یرید سلب الولوج فیکون قد خلا من النقیضین لأن ذلک محال بل المراد بکونه لیس خارجا عنها أنّه لیس کما یعتقده کثیر من الناس أن الفلک الأعلی المحیط لا یحتوی علیه و لکنه ذات موجودة متمیزة بنفسها قائمة

ص :83

بذاتها خارجة عن الفلک فی الجهة العلیا بینها و بین الفلک بعد إمّا غیر متناه علی ما یحکی عن ابن الهیصم أو متناه علی ما یذهب إلیه أصحابه و ذلک أن هذه القضیة و هی قولنا الباری خارج عن الموجودات کلها علی هذا التفسیر لیست مناقضة للقضیة الأولی و هی قولنا الباری داخل العالم لیکون القول بخلوه عنهما قولا بخلوه عن النقیضین أ لا تری أنّه یجوز أن تکون القضیتان کاذبتین معا بألا یکون الفلک المحیط محتویا علیه و لا یکون حاصلا فی جهة خارج الفلک و لو کانت القضیتان متناقضتین لما استقام ذلک و هذا کما تقول زید فی الدار زید فی المسجد فإن هاتین القضیتین لیستا متناقضتین لجواز ألا یکون زید فی الدار و لا فی المسجد فإن هاتین لو تناقضتا لاستحال الخروج عن النقیضین لکن المتناقض زید فی الدار زید لیس فی الدار و الذی یستشنعه العوام من قولنا الباری لا داخل العالم و لا خارج العالم غلط مبنی علی اعتقادهم و تصورهم أن القضیتین تتناقضان و إذا فهم ما ذکرناه بان أنّه لیس هذا القول بشنیع بل هو سهل و حقّ أیضا فإنّه تعالی لا متحیز و لا حال فی المتحیز و ما کان کذلک استحال أن یحصل فی جهة لا داخل العالم و لا خارج العالم و قد ثبت کونه غیر متحیز و لا حال فی المتحیز من حیث کان واجب الوجود فإذن القول بأنّه لیس فی الأشیاء بوالج و لا عنها بخارج صواب و حق .

و عاشرها أنّه تعالی یخبر بلا لسان و لهوات و ذلک لأن کونه تعالی مخبرا هو کونه فاعلا للخبر کما أن کونه ضاربا هو کونه فاعلا للضرب فکما لا یحتاج فی کونه ضاربا إلی أداة و جارحة یضرب بها کذلک لا یحتاج فی کونه مخبرا إلی لسان و لهوات یخبر بها.

و حادی عشرها أنّه تعالی یسمع بلا حروف و أدوات و ذلک لأن الباری سبحانه حی لا آفة به و کل حی لا آفة به فواجب أن یسمع المسموعات و یبصر المبصرات

ص :84

و لا حاجة به سبحانه إلی حروف و أدوات کما نحتاج نحن إلی ذلک لأنا أحیاء بحیاة تحلنا و الباری تعالی حی لذاته فلما افترقنا فیما به کان سامعا و مبصرا افترقنا فی الحاجة إلی الأدوات و الجوارح.

و ثانی عشرها أنه یقول و لا یتلفظ هذا بحث لفظی و ذلک لأنّه قد ورد السمع بتسمیته قائلا و قد تکرر فی الکتاب العزیز ذکر هذه اللفظة نحو قوله إِذْ قٰالَ اللّٰهُ یٰا عِیسیٰ (1) وَ قٰالَ اللّٰهُ إِنِّی مَعَکُمْ (2) و لم یرد فی السمع إطلاق کونه متلفظا علیه و فی إطلاقه إیهام کونه ذا جارحة فوجب الاقتصار علی ما ورد و ترک ما لم یرد.

و ثالث عشرها أنّه تعالی یحفظ و لا یتحفظ أما کونه یحفظ فیطلق علی وجهین أحدهما أنّه یحفظ بمعنی أنّه یحصی أعمال عباده و یعلمها و الثانی کونه یحفظهم و یحرسهم من الآفات و الدواهی و أمّا کونه لا یتحفظ فیحتمل معنیین أحدهما أنّه لا یجوز أن یطلق علیه أنّه یتحفظ الکلام أی یتکلف کونه حافظا له و محیطا و عالما به کالواحد منا یتحفظ الدرس لیحفظه فهو سبحانه حافظ غیر متحفظ و الثانی أنّه لیس بمتحرز و لا مشفق علی نفسه خوفا أن تبدر إلیه بادرة من غیره.

و رابع عشرها أنّه یرید و لا یضمر أما کونه مریدا فقد ثبت بالسمع نحو قوله تعالی یُرِیدُ اللّٰهُ بِکُمُ الْیُسْرَ (3) و بالعقل لاختصاص أفعاله بأوقات مخصوصة و کیفیات مخصوصة جاز أن تقع علی خلافها فلا بدّ من مخصص لها بما اختصت به و ذلک کونه مریدا و أمّا کونه لا یضمر فهو إطلاق لفظی لم یأذن فیه الشرع و فیه إیهام کونه ذا قلب لأن الضمیر فی العرف اللغوی ما استکن فی القلب و الباری لیس بجسم.

ص :85

و خامس عشرها أنّه یحب و یرضی من غیر رقة و یبغض و یغضب من غیر مشقة و ذلک لأن محبته للعبد إرادته أن یثیبه و رضاه عنه أن یحمد فعله و هذا یصحّ و یطلق علی الباری لا کإطلاقه علینا لأن هذه الأوصاف یقتضی إطلاقها علینا رقة القلب و الباری لیس بجسم و أمّا بغضه للعبد فإرادة عقابه و غضبه کراهیة فعله و وعیده بإنزال العقاب به و فی الأغلب إنّما یطلق ذلک علینا و یصحّ منا مع مشقة تنالنا من إزعاج القلب و غلیان دمه و الباری لیس بجسم .

و سادس عشرها أنّه یقول لما أراد کونه کُنْ فَیَکُونُ من غیر صوت یقرع و نداء یسمع هذا مذهب شیخنا أبی الهذیل و إلیه یذهب الکرامیة و أتباعها من الحنابلة و غیرهم و الظاهر أن أمیر المؤمنین ع أطلقه حملا علی ظاهر لفظ القرآن فی مخاطبة الناس بما قد سمعوه و أنسوا به و تکرر علی أسماعهم و أذهانهم فأما باطن الآیة و تأویلها الحقیقی فغیر ما یسبق إلی أذهان العوام فلیطلب من موضعه.

و سابع عشرها أن کلامه سبحانه فعل منه أنشأه و مثله لم یکن من قبل ذلک کائنا و لو کان قدیما لکان إلها ثانیا هذا هو دلیل المعتزلة علی نفی المعانی القدیمة التی منها القرآن و ذلک لأن القدم عندهم أخص صفات الباری تعالی أو موجب عن الأخص فلو أن فی الوجود معنی قدیما قائما بذات الباری لکان ذلک المعنی مشارکا للباری فی أخص صفاته و کان یجب لذلک المعنی جمیع ما وجب للباری من الصفات نحو العالمیة و القادریة و غیرهما فکان إلها ثانیا.

فإن قلت ما معنی قوله ع و مثله قلت یقال مثلت له کذا تمثیلا إذا صورت له مثاله بالکتابة أو بغیرها فالباری مثل القرآن لجبریل ع بالکتابة فی اللوح المحفوظ فأنزله علی محمد ص .

ص :86

و أیضا یقال مثل زید بحضرتی إذا حضر قائما و مثلته بین یدی زید أی أحضرته منتصبا فلما کان اللّه تعالی فعل القرآن واضحا بینا کان قد مثله للمکلفین لاَ یُقَالُ کَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ یَکُنْ فَتَجْرِیَ عَلَیْهِ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَاتُ وَ لاَ یَکُونُ بَیْنَهَا وَ بَیْنَهُ فَصْلٌ وَ لاَ لَهُ عَلَیْهَا فَضْلٌ فَیَسْتَوِیَ الصَّانِعُ وَ الْمَصْنُوعُ وَ یَتَکَافَأَ الْمُبْتَدَعُ وَ الْبَدِیعُ خَلَقَ الْخَلاَئِقَ عَلَی غَیْرِ مِثَالٍ خَلاَ مِنْ غَیْرِهِ وَ لَمْ یَسْتَعِنْ عَلَی خَلْقِهَا بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَ أَنْشَأَ الْأَرْضَ فَأَمْسَکَهَا مِنْ غَیْرِ اشْتِغَالٍ وَ أَرْسَاهَا عَلَی غَیْرِ قَرَارٍ وَ أَقَامَهَا بِغَیْرِ قَوَائِمَ وَ رَفَعَهَا بِغَیْرِ دَعَائِمَ وَ حَصَّنَهَا مِنَ الْأَوَدِ وَ الاِعْوِجَاجِ وَ مَنَعَهَا مِنَ التَّهَافُتِ وَ الاِنْفِرَاجِ أَرْسَی أَوْتَادَهَا وَ ضَرَبَ أَسْدَادَهَا وَ اسْتَفَاضَ عُیُونَهَا وَ خَدَّ أَوْدِیَتَهَا فَلَمْ یَهِنْ مَا بَنَاهُ وَ لاَ ضَعُفَ مَا قَوَّاهُ .

عاد ع إلی تنزیه الباری تعالی عن الحدوث فقال لا یجوز أن یوصف به فتجری علیه الصفات المحدثات کما تجری علی کل محدث و روی فتجری علیه صفات المحدثات و هو ألیق لیعود إلی المحدثات ذوات الصفات ما بعده و هو قوله ع و لا یکون بینه و بینها فصل لأنّه لا یحسن أن یعود الضمیر فی قوله و بینها إلی الصفات بل إلی ذوات الصفات.

ص :87

قال لو کان محدثا لجرت علیه صفات الأجسام المحدثة فلم یکن بینه و بین الأجسام المحدثة فرق فکان یستوی الصانع و المصنوع و هذا محال .

ثمّ ذکر أنّه خلق الخلق غیر محتذ لمثال و لا مستفید من غیره کیفیة الصنعة بخلاف الواحد منا فإن الواحد منا لا بدّ أن یحتذی فی الصنعة کالبناء و النجّار و الصانع و غیرها.

قال ع و لم یستعن علی خلقها بأحد من خلقه لأنّه تعالی قادر لذاته لا یعجزه شیء .

ثمّ ذکر إنشاءه تعالی الأرض و أنّه أمسکها من غیر اشتغال منه بإمساکها و غیر ذلک من أفعاله و مخلوقاته لیس کالواحد منا یمسک الثقیل فیشتغل بإمساکه عن کثیر من أموره.

قال و أرساها جعلها راسیة علی غیر قرار تتمکن علیه بل واقفة بإرادته التی اقتضت وقوفها و لأن الفلک یجذبها من جمیع جهاتها کما قیل أو لأنّه یدفعها من جمیع جهاتها أو لأن أحد نصفیها صاعد بالطبع و الآخر هابط بالطبع فاقتضی التعادل وقوفها أو لأنّها طالبة للمرکز فوقفت.

و الأود الاعوجاج و کرر لاختلاف اللفظ.

و التهافت التساقط و الأسداد جمع سد و هو الجبل و یجوز ضم السین.

و استفاض عیونها

بمعنی أفاض أی جعلها فائضة.

و خد أودیتها

أی شقها فلم یهن ما بناه أی لم یضعف

ص :88

هُوَ الظَّاهِرُ عَلَیْهَا بِسُلْطَانِهِ وَ عَظَمَتِهِ وَ هُوَ الْبَاطِنُ لَهَا بِعِلْمِهِ وَ مَعْرِفَتِهِ وَ الْعَالِی عَلَی کُلِّ شَیْءٍ مِنْهَا بِجَلاَلِهِ وَ عِزَّتِهِ لاَ یُعْجِزُهُ شَیْءٌ مِنْهَا طَلَبَهُ وَ لاَ یَمْتَنِعُ عَلَیْهِ فَیَغْلِبَهُ وَ لاَ یَفُوتُهُ السَّرِیعُ مِنْهَا فَیَسْبِقَهُ وَ لاَ یَحْتَاجُ إِلَی ذِی مَالٍ فَیَرْزُقَهُ خَضَعَتِ الْأَشْیَاءُ لَهُ وَ ذَلَّتْ مُسْتَکِینَةً لِعَظَمَتِهِ لاَ تَسْتَطِیعُ الْهَرَبَ مِنْ سُلْطَانِهِ إِلَی غَیْرِهِ فَتَمْتَنِعَ مِنْ نَفْعِهِ وَ ضَرِّهِ وَ لاَ کُفْءَ لَهُ فَیُکَافِئَهُ وَ لاَ نَظِیرَ لَهُ فَیُسَاوِیَهُ هُوَ الْمُفْنِی لَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا حَتَّی یَصِیرَ مَوْجُودُهَا کَمَفْقُودِهَا وَ لَیْسَ فَنَاءُ الدُّنْیَا بَعْدَ ابْتِدَاعِهَا بِأَعْجَبَ مِنْ إِنْشَائِهَا وَ اخْتِرَاعِهَا وَ کَیْفَ وَ لَوِ اجْتَمَعَ جَمِیعُ حَیَوَانِهَا مِنْ طَیْرِهَا وَ بَهَائِمِهَا وَ مَا کَانَ مِنْ مُرَاحِهَا وَ سَائِمِهَا وَ أَصْنَافِ أَسْنَاخِهَا وَ أَجْنَاسِهَا وَ مُتَبَلِّدَةِ أُمَمِهَا وَ أَکْیَاسِهَا عَلَی إِحْدَاثِ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرَتْ عَلَی إِحْدَاثِهَا وَ لاَ عَرَفَتْ کَیْفَ السَّبِیلُ إِلَی إِیجَادِهَا وَ لَتَحَیَّرَتْ عُقُولُهَا فِی عِلْمِ ذَلِکَ وَ تَاهَتْ وَ عَجَزَتْ قُوَاهَا وَ تَنَاهَتْ وَ رَجَعَتْ خَاسِئَةً حَسِیرَةً عَارِفَةً بِأَنَّهَا مَقْهُورَةٌ مُقِرَّةً بِالْعَجْزِ عَنْ إِنْشَائِهَا مُذْعِنَةً بِالضَّعْفِ عَنْ إِفْنَائِهَا .

الظاهر

الغالب القاهر و الباطن العالم الخبیر .

و المُراح بضم المیم النَّعَمُ ترد إلی المُراح بالضم أیضا و هو الموضع الذی تأوی إلیه النَّعم و لیس المراح ضد السائم علی ما یظنه بعضهم و یقول إن عطف أحدهما علی الآخر عطف

ص :89

علی المختلف و المتضاد بل أحدهما هو الآخر و ضدهما المعلوفة و إنّما عطف أحدهما علی الآخر علی طریقة العرب فی الخطابة و مثله فی القرآن کثیر نحو قوله سبحانه لاٰ یَمَسُّنٰا فِیهٰا نَصَبٌ وَ لاٰ یَمَسُّنٰا فِیهٰا لُغُوبٌ (1) .

و أسناخها جمع سنخ بالکسر و هو الأصل و قوله لو اجتمع جمیع الحیوان علی إحداث بعوضة هو معنی قوله سبحانه إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ لَنْ یَخْلُقُوا ذُبٰاباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ (2) .

فإن قلت ما معنی قوله لا تستطیع الهرب من سلطانه إلی غیره فتمتنع من نفعه و ضره و هلا قال من ضره و لم یذکر النفع فإنّه لا معنی لذکره هاهنا قلت هذا کما یقول المعتصم بمعقل حصین عن غیره ما یقدر الیوم فلان لی علی نفع و لا ضر و لیس غرضه إلاّ ذکر الضرر و إنّما یأتی بذکر النفع علی سبیل سلب القدرة عن فلان علی کل ما یتعلق بذلک المعتصم و أیضا فإن العفو عن المجرم نفع له فهو ع یقول إنّه لیس شیء من الأشیاء یستطیع أن یخرج إذا أجرم من سلطان اللّه تعالی إلی غیره فیمتنع من بأس اللّه تعالی و یستغنی عن أن یعفو عنه لعدم اقتداره علیه وَ [إِنَّهُ]

إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ یَعُودُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْیَا وَحْدَهُ لاَ شَیْءَ مَعَهُ کَمَا کَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا کَذَلِکَ یَکُونُ بَعْدَ فَنَائِهَا بِلاَ وَقْتٍ وَ لاَ مَکَانٍ وَ لاَ حِینٍ وَ لاَ زَمَانٍ عُدِمَتْ عِنْدَ ذَلِکَ الآْجَالُ وَ الْأَوْقَاتُ وَ زَالَتِ السِّنُونَ وَ السَّاعَاتُ فَلاَ شَیْءَ

ص :90

إِلاَّ اللّٰهُ الْوٰاحِدُ الْقَهّٰارُ الَّذِی إِلَیْهِ مَصِیرُ جَمِیعِ الْأُمُورِ بِلاَ قُدْرَةٍ مِنْهَا کَانَ ابْتِدَاءُ خَلْقِهَا وَ بِغَیْرِ امْتِنَاعٍ مِنْهَا کَانَ فَنَاؤُهَا وَ لَوْ قَدَرَتْ عَلَی الاِمْتِنَاعِ لَدَامَ بَقَاؤُهَا لَمْ یَتَکَاءَدْهُ صُنْعُ شَیْءٍ مِنْهَا إِذْ صَنَعَهُ وَ لَمْ یَؤُدْهُ مِنْهَا خَلْقُ مَا خَلَقَهُ وَ بَرَأَهُ [بَرَأَهُ وَ خَلَقَهُ]

وَ لَمْ یُکَوِّنْهَا لِتَشْدِیدِ سُلْطَانٍ وَ لاَ لِخَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَ نُقْصَانٍ وَ لاَ لِلاِسْتِعَانَةِ بِهَا عَلَی نِدٍّ مُکَاثِرٍ وَ لاَ لِلاِحْتِرَازِ بِهَا مِنْ ضِدٍّ مُثَاوِرٍ وَ لاَ لِلاِزْدِیَادِ بِهَا فِی مُلْکِهِ وَ لاَ لِمُکَاثَرَةِ شَرِیکٍ فِی شِرْکِهِ وَ لاَ لِوَحْشَةٍ کَانَتْ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ یَسْتَأْنِسَ إِلَیْهَا ثُمَّ هُوَ یُفْنِیهَا بَعْدَ تَکْوِینِهَا لاَ لِسَأَمٍ دَخَلَ عَلَیْهِ فِی تَصْرِیفِهَا وَ تَدْبِیرِهَا وَ لاَ لِرَاحَةٍ وَاصِلَةٍ إِلَیْهِ وَ لاَ لِثِقَلِ شَیْءٍ مِنْهَا عَلَیْهِ لاَ یُمِلُّهُ طُولُ بَقَائِهَا فَیَدْعُوَهُ إِلَی سُرْعَةِ إِفْنَائِهَا وَ لَکِنَّهُ سُبْحَانَهُ دَبَّرَهَا بِلُطْفِهِ وَ أَمْسَکَهَا بِأَمْرِهِ وَ أَتْقَنَهَا بِقُدْرَتِهِ ثُمَّ یُعِیدُهَا بَعْدَ الْفَنَاءِ مِنْ غَیْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَیْهَا وَ لاَ اسْتِعَانَةٍ بِشَیْءٍ مِنْهَا عَلَیْهَا وَ لاَ لاِنْصِرَافٍ مِنْ حَالِ وَحْشَةٍ إِلَی حَالِ اسْتِئْنَاسٍ وَ لاَ مِنْ حَالِ جَهْلٍ وَ عَمًی إِلَی حَالِ عِلْمٍ وَ الْتِمَاسٍ وَ لاَ مِنْ فَقْرٍ وَ حَاجَةٍ إِلَی غِنًی وَ کَثْرَةٍ وَ لاَ مِنْ ذُلٍّ وَ ضَعَةٍ إِلَی عِزٍّ وَ قُدْرَةٍ .

شرع أولا فی ذکر إعدام اللّه سبحانه الجواهر و ما یتبعها و یقوم بها من الأعراض قبل القیامة و ذلک لأن الکتاب العزیز قد ورد به نحو قوله تعالی کَمٰا بَدَأْنٰا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ (1) و معلوم أنّه بدأه عن عدم فوجب أن تکون الإعادة عن عدم أیضا و قال تعالی هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ (2) و إنّما کان أولا لأنّه کان موجودا و لا شیء من

ص :91

الأشیاء بموجود فوجب أن یکون آخرا کذلک هذا هو مذهب جمهور أصحابنا و جمهور المسلمین .

ثمّ ذکر أنّه یکون وحده سبحانه بلا وقت و لا مکان و لا حین و لا زمان و ذلک لأن المکان أما الجسم الذی یتمکن علیه جسم آخر أو الجهة و کلاهما لا وجود له بتقدیر عدم الأفلاک و ما فی حشوها من الأجسام أما الأول فظاهر و أمّا الثانی فلأن الجهة لا تتحقّق إلاّ بتقدیر وجود الفلک لأنّها أمر إضافی بالنسبة إلیه فبتقدیر عدمه لا یبقی للجهة تحقّق أصلا و هذا هو القول فی عدم المکان حینئذ و أمّا الزمان و الوقت و الحین فکل هذه الألفاظ تعطی معنی واحدا و لا وجود لذلک المعنی بتقدیر عدم الفلک لأن الزمان هو مقدار حرکة الفلک فإذا قدرنا عدم الفلک فلا حرکة و لا زمان .

ثمّ أوضح ع ذلک و أکده فقال عدمت عند ذلک الآجال و الأوقات و زالت السنون و الساعات لأن الأجل هو الوقت الذی یحل فیه الدین أو تبطل فیه الحیاة و إذا ثبت أنّه لا وقت ثبت أنّه لا أجل و کذلک لا سنة و لا ساعة لأنّها أوقات مخصوصة .

ثمّ عاد ع إلی ذکر الدنیا فقال بلا قدرة منها کان ابتداء خلقها و بغیر امتناع منها کان فناؤها یعنی أنّها مسخرة تحت الأمر الإلهی.

قال و لو قدرت علی الامتناع لدام بقاؤها لأنّها کانت تکون ممانعة للقدیم سبحانه فی مراده و إنّما تمانعه فی مراده لو کانت قادرة لذاتها و لو کانت قادرة لذاتها و أرادت البقاء لبقیت .

قوله ع لم یتکاءده بالمد أی لم یشق علیه و یجوز لم یتکأده بالتشدید و الهمزة و أصله من العقبة الکئود و هی الشاقة.

ص :92

قال و لم یؤده أی لم یثقله.

ثمّ ذکر أنّه تعالی لم یخلق الدنیا لیشد بها سلطانه و لا لخوفه من زوال أو نقص یلحقه و لا لیستعین بها علی ند مماثل له أو یحترز بها عن ضد محارب له أو لیزداد بها ملکه ملکا أو لیکاثر بها شریکا فی شرکته له أو لأنّه کان قبل خلقها مستوحشا فأراد أن یستأنس بمن خلق .

ثمّ ذکر أنّه تعالی سیفنیها بعد إیجادها لا لضجر لحقه فی تدبیرها و لا لراحة تصله فی إعدامها و لا لثقل شیء منها علیه حال وجودها و لا لملل أصابه فبعثه علی إعدامها .

ثمّ عاد ع فقال إنّه سبحانه سیعیدها إلی الوجود بعد الفناء لا لحاجة إلیها و لا لیستعین ببعضها علی بعض و لا لأنّه استوحش حال عدمها فأحب أن یستأنس بإعادتها و لا لأنّه فقد علما عند إعدامها فأراد بإعادتها استجداد ذلک العلم و لا لأنّه صار فقیرا عند إعدامها فأحب أن یتکثر و یثری بإعادتها و لا لذل أصابه بإفنائها فأراد العز بإعادتها.

فإن قلت إذا کان یفنیها لا لکذا و لا لکذا و کان من قبل أوجدها لا لکذا و لا لکذا ثمّ قلتم إنّه یعیدها لا لکذا و لا لکذا فلأی حال أوجدها أولا و لأی حال أفناها ثانیا و لأی حال أعادها ثالثا خبرونا عن ذلک فإنکم قد حکیتم عنه علیه السلام الحکم و لم تحکوا عنه العلة قلت إنّما أوجدها أولا للإحسان إلی البشر لیعرفوه فإنّه لو لم یوجدهم لبقی مجهولا لا یعرف ثمّ کلف البشر لیعرضهم للمنزلة الجلیلة التی لا یمکن وصولهم إلیها إلاّ بالتکلیف و هی الثواب ثمّ یفنیهم لأنّه لا بدّ من انقطاع التکلیف لیخلص الثواب من مشاق التکالیف و إذا کان لا بدّ من انقطاعه فلا فرق بین انقطاعه بالعدم المطلق

ص :93

أو بتفریق الأجزاء و انقطاعه بالعدم المطلق قد ورد به الشرع و فیه لطف زائد للمکلفین لأنّه أردع و أهیب فی صدورهم من بقاء أجزائهم و استمرار وجودها غیر معدومة.

ثمّ إنّه سبحانه یبعثهم و یعیدهم لیوصل إلی کل إنسان ما یستحقه من ثواب أو عقاب و لا یمکن إیصال هذا المستحق إلاّ بالإعادة و إنّما لم یذکر أمیر المؤمنین ع هذه التعلیلات لأنّه قد أشار إلیها فیما تقدم من کلامه و هی موجودة فی فرش خطبه و لأن مقام الموعظة غیر مقام التعلیل و أمیر المؤمنین ع فی هذه الخطبة یسلک مسلک الموعظة فی ضمن تمجید الباری سبحانه و تعظیمه و لیس ذلک بمظنة التعلیل و الحجاج

ص :94

الإمامیّة تقول هذه العِدَّة هُمُ الأئمةُ الأحد عشر من ولده ع و غیرهم یقول إنّه عنی الأبدال الذین هم أولیاء اللّه فی الأرض و قد تقدم منا ذکر القطب و الأبدال و أوضحنا ذلک إیضاحا جلیا.

قوله ع أسماؤهم فی السماء معروفة أی تعرفها الملائکة المعصومون أعلمهم اللّه تعالی بأسمائهم.

و فی الأرض مجهولة

أی عند الأکثرین لاستیلاء الضلال علی أکثر البشر .

ثمّ خرج إلی مخاطبة أصحابه علی عادته فی ذکر الملاحم و الفتن الکائنة فی آخر زمان الدنیا فقال لهم توقعوا ما یکون من إدبار أمورکم و انقطاع وُصَلِکم جمع وُصْلة.

و استعمال صِغَارکم

أی یتقدم الصغار علی الکبار و هو من علامات الساعة .

قال ذاک حیث یکون احتمال ضربة السیف علی المؤمن أقل مشقة من احتمال المشقة فی اکتساب درهم حلال و ذلک لأن المکاسب تکون قد فسدت و اختلطت و غلب الحرام الحلال فیها.

قوله ذاک حیث یکون المعطی أعظم أجرا من المعطی معناه أن أکثر من یعطی و یتصدق فی ذلک الزمان یکون ماله حراما فلا أجر له فی التصدق به ثمّ أکثرهم یقصد الریاء و السمعة بالصدقة أو لهوی نفسه أو لخطرة من خطراته و لا یفعل الحسن لأنّه حسن و لا الواجب لوجوبه فتکون الید السفلی خیرا من الید العلیا عکس ما ورد فی الأثر و أمّا المعطی فإنّه یکون فقیرا ذا عیال لا یلزمه أن یبحث عن المال أ حرام هو أم حلال فإذا أخذه لیسد به خلته و یصرفه فی قوت عیاله کان أعظم أجرا ممن أعطاه.

ص :96

و قد خطر لی فیه معنی آخر و هو أن صاحب المال الحرام إنّما یصرفه فی أکثر الأحوال و أغلبها فی الفساد و ارتکاب المحظور کما

3630

قَالَ

مَنِ اکْتَسَبَ مَالاً مِنْ نَهَاوِشَ أَذْهَبَهُ اللَّهُ فِی نَهَابِرَ

(1)

.

فإذا أخذه الفقیر منه علی وجه الصدقة فقد فوت علیه صرفه فی تلک القبائح و المحظورات التی کان بعرضته صرف ذلک القدر فیها لو لم یأخذه الفقیر فإذا قد أحسن الفقیر إلیه بکفه عن ارتکاب القبیح و من العصمة ألا یقدر فکان المعطی أعظم أجرا من المعطی .

قوله ع ذاک حیث تسکرون من غیر شراب بل من النَّعْمة بفتح النون و هی غَضَارة العیش و قد قیل فی المثل سکر الهوی أشدّ من سکر الخمر.

قال تحلفون من غیر اضطرار أی تتهاونون بالیمین و بذکر اللّه عزّ و جلّ.

قال و تکذبون من غیر إحراج أی یصیر الکذب لکم عادة و دربة لا تفعلونه لأن آخر منکم قد أحرجکم و اضطرکم بالغیظ إلی الحلف و روی من غیر إحواج بالواو أی من غیر أن یحوجکم إلیه أحد قال ذلک إذا عضکم البلاء کما یعض القتب غارب البعیر هذا الکلام غیر متصل بما قبله و هذه عادة الرضی رحمه اللّه یلتقط الکلام التقاطا و لا یتلو بعضه بعضا و قد ذکرنا هذه الخطبة أو أکثرها فیما تقدم من الأجزاء الأول و قبل هذا الکلام ذکر ما یناله شیعته من البؤس و القنوط و مشقة انتظار الفرج .

قوله ع ما أطول هذا العناء و أبعد هذا الرجاء هذا حکایة کلام شیعته و أصحابه.

ص :97

ثم قال مخاطبا أصحابه الموجودین حوله أیها الناس ألقوا هذه الأزمة التی تحمل ظهورها الأثقال عن أیدیکم هذه کنایة عن النهی عن ارتکاب القبیح و ما یوجب الإثم و العقاب و الظهور هاهنا هی الإبل أنفسها و الأثقال المآثم و إلقاء الأزمة ترک اعتماد القبیح فهذا عمومه و أمّا خصوصه فتعریض بما کان علیه أصحابه من الغدر و مخامرة العدو علیه و إضمار الغل و الغش له و عصیانه و التلوی علیه و قد فسره بما بعده فقال و لا تصدعوا عن سلطانکم أی لا تفرقوا فتذموا غب فعالکم أی عاقبته .

ثمّ نهاهم عن اقتحام ما استقبلوه من فور نار الفتنة و فور النار غلیانها و احتدامها و یروی ما استقبلکم .

ثمّ قال و أمیطوا عن سننها أی تنحوا عن طریقها و خلوا قصد السبیل لها أی دعوها تسلک طریقها و لا تقفوا لها فیه فتکونوا حطبا لنارها.

ثمّ ذکر أنّه قد یهلک المؤمن فی لهبها و یسلم فیه الکافر کما قیل المؤمن ملقی و الکافر موقی .

ثمّ ذکر أن مثله فیهم کالسرج یستضیء بها من ولجها أی دخل فی ضوئها.

و آذان قلوبکم کلمة مستعارة جعل للقلب آذانا کما جعل الشاعر للقلوب أبصارا فقال یدق علی النواظر ما أتاه فتبصره بأبصار القلوب

ص :98

أعورتم

أی انکشفتم و بدت عوراتکم و هی المقاتل تقول أعور الفارس إذا بدت مقاتله و أعورک الصید إذا أمکنک منه .

قوله ع أوحشوا ما کانوا یوطنون أی أوطنوا قبورهم التی کانوا یوحشونها.

قوله ع و اشتغلوا بما فارقوا أی اشتغلوا و هم فی القبور بما فارقوه من الأموال و القینات لأنّها أذی و عقاب علیهم فی قبورهم و لولاها لکانوا فی راحة و یجوز أن یکون حکایة حالهم و هم بعد فی الدنیا أی اشتغلوا أیّام حیاتهم من الأموال و المنازل بما فارقوه و أضاعوا من أمر آخرتهم ما انتقلوا إلیه .

ثمّ ذکر أنهم لا یستطیعون فعل حسنة و لا توبة من قبیح لأن التکلیف سقط و المنازل التی أمروا بعمارتها و المقابر و عمارتها الأعمال الصالحة و قوله ع إن غدا من الیوم قریب کلام یجری مجری المثل قال غد ما غد ما أقرب الیوم من غد و الأصل فیه قول اللّه تعالی إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَیْسَ الصُّبْحُ بِقَرِیبٍ - (1) .

و قوله ع ما أسرع الساعات فی الیوم إلی آخر الفصل کلام شریف وجیز بالغ فی معناه و الفصل کله نادر لا نظیر له

ص :100

أحدها الإیمان الحقیقی و هو الثابت المستقر فی القلوب بالبرهان الیقینی.

الثانی ما لیس ثابتا بالبرهان الیقینی بل بالدلیل الجدلی کإیمان کثیر ممن لم یحقق العلوم العقلیّة و یعتقد ما یعتقده عن أقیسة جدلیة لا تبلغ إلی درجة البرهان و قد سمی ع هذا القسم باسم مفرد فقال إنّه عواری فی القلوب و العواری جمع عاریة أی هو و إن کان فی القلب و فی محل الإیمان الحقیقی إلاّ أن حکمه حکم العاریة فی البیت فإنها بعرضة الخروج منه لأنّها لیست أصلیة کائنة فی بیت صاحبها.

و الثالث ما لیس مستندا إلی برهان و لا إلی قیاس جدلی بل علی سبیل التقلید و حسن الظنّ بالأسلاف و بمن یحسن ظنّ الإنسان فیه من عابد أو زاهد أو ذی ورع و قد جعله ع عواری بین القلوب و الصدور لأنّه دون الثانی فلم یجعله حالا فی القلب و جعله مع کونه عاریة حالا بین القلب و الصدر فیکون أضعف ممّا قبله.

فإن قلت فما معنی قوله إلی أجل معلوم قلت إنّه یرجع إلی القسمین الأخیرین لأن من لا یکون إیمانه ثابتا بالبرهان القطعی قد ینتقل إیمانه إلی أن یصیر قطعیا بأن یمعن النظر و یرتب البرهان ترتیبا مخصوصا فینتج له النتیجة الیقینیة و قد یصیر إیمان المقلد إیمانا جدلیا فیرتقی إلی ما فوقه مرتبته و قد یصیر إیمان الجدلی إیمانا تقلیدیا بأن یضعف فی نظره ذلک القیاس الجدلی و لا یکون عالما بالبرهان فیئول حال إیمانه إلی أن یصیر تقلیدیا فهذا هو فائدة قوله إلی أجل معلوم فی هذین القسمین.

فأما صاحب القسم الأوّل فلا یمکن أن یکون إیمانه إلی أجل معلوم لأن من ظفر بالبرهان استحال أن ینتقل عن اعتقاده لا صاعدا و لا هابطا أما لا صاعدا فلأنّه لیس فوق البرهان مقام آخر و أمّا لا هابطا فلأن مادة البرهان هی المقدمات البدیهیة

ص :102

و المقدمات البدیهیة یستحیل أن تضعف عند الإنسان حتّی یصیر إیمانه جدلیا أو تقلیدیا.

و ثانیها قوله ع فإذا کانت لکم براءة فنقول إنّه ع نهی عن البراءة من أحد ما دام حیا لأنّه و إن کان مخطئا فی اعتقاده لکن یجوز أن یعتقد الحق فیما بعد و إن کان مخطئا فی أفعاله لکن یجوز أن یتوب فلا تحل البراءة من أحد حتّی یموت علی أمر فإذا مات علی اعتقاد قبیح أو فعل قبیح جازت البراءة منه لأنّه لم یبق له بعد الموت حالة تنتظر و ینبغی أن تحمل هذه البراءة التی أشار إلیها ع علی البراءة المطلقة لا علی کل براءة لأنا یجوز لنا أن نبرأ من الفاسق و هو حی و من الکافر و هو حی لکن بشرط کونه فاسقا و بشرط کونه کافرا فأما من مات و نعلم ما مات علیه فإنا نبرأ منه براءة مطلقة غیر مشروطة .

و ثالثها قوله و الهجرة قائمة علی حدها الأول فنقول هذا کلام یختص به أمیر المؤمنین ع و هو من أسرار الوصیة لأن الناس یروون

3631

14- عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ اَلْفَتْحِ فَشَفَعَ عَمُّهُ اَلْعَبَّاسُ فِی نُعَیْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِیِّ أَنْ یَسْتَثْنِیَهُ فَاسْتَثْنَاهُ .

و هذه الهجرة التی یشیر إلیها أمیر المؤمنین ع لیست تلک الهجرة بل هی الهجرة إلی الإمام قال إنها قائمة علی حدها الأول ما دام التکلیف باقیا و هو معنی قوله ما کان لله تعالی فی أهل الأرض حاجة .

و قال الراوندیّ ما هاهنا نافیة أی لم یکن لله فی أهل الأرض من حاجة و هذا لیس بصحیح لأنّه إدخال کلام منقطع بین کلامین متصل أحدهما بالآخر .

ثمّ ذکر أنّه لا یصحّ أن یعد الإنسان من المهاجرین إلاّ بمعرفة إمام زمانه و هو

ص :103

معنی قوله إلا بمعرفة الحجة فی الأرض قال فمن عرف الإمام و أقر به فهو مهاجر .

قال و لا یجوز أن یسمی من عرف الإمام مستضعفا یمکن أن یشیر به إلی آیتین فی القرآن أحدهما قوله تعالی إِنَّ الَّذِینَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلاٰئِکَةُ ظٰالِمِی أَنْفُسِهِمْ قٰالُوا فِیمَ کُنْتُمْ قٰالُوا کُنّٰا مُسْتَضْعَفِینَ فِی الْأَرْضِ قٰالُوا أَ لَمْ تَکُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِیهٰا فَأُولٰئِکَ مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ (1) فالمراد علی هذا أنّه لیس من عرف الإمام و بلغه خبره بمستضعف کما کان هؤلاء مستضعفین و إن کان فی بلده و أهله لم یخرج و لم یتجشم مشقة السفر.

ثانیهما قوله تعالی فی الآیة التی تلی الآیة المذکورة إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ لاٰ یَسْتَطِیعُونَ حِیلَةً وَ لاٰ یَهْتَدُونَ سَبِیلاً فَأُولٰئِکَ عَسَی اللّٰهُ أَنْ یَعْفُوَ عَنْهُمْ (2) فالمراد علی هذا أنّه لیس من عرف الإمام و بلغه خبره بمستضعف کهؤلاء الذین استثناهم اللّه تعالی من الظالمین لأن أولئک کانت الهجرة بالبدن مفروضة علیهم و عفی عن ذوی العجز عن الحرکة منهم و شیعة الإمام ع لیست الهجرة بالبدن مفروضة علیهم بل تکفی معرفتهم به و إقرارهم بإمامته فلا یقع اسم الاستضعاف علیهم.

فإن قلت فما معنی قوله من مستسر الأمة و معلنها و بما ذا یتعلق حرف الجر قلت معناه ما دام لله فی أهل الأرض المستسر منهم باعتقاده و المعلن حاجة فمن علی هذا زائدة فلو حذفت لجر المستسر بدلا من أهل الأرض و من إذا کانت زائدة لا تتعلق نحو قولک ما جاءنی من أحد.

ص :104

و رابعها قوله ع إن أمرنا هذا صعب مستصعب و یروی مستصعب بکسر العین لا یحتمله إلاّ عبد امتحن اللّه تعالی قلبه للإیمان هذه من ألفاظ القرآن العزیز قال اللّه تعالی أُولٰئِکَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللّٰهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْویٰ (1) و هو من قولک امتحن فلان لأمر کذا و جرب و درب للنهوض به فهو مضطلع به غیر وان عنه و المعنی أنهم صبر علی التقوی أقویاء علی احتمال مشاقها و یجوز أن یکون وضع الامتحان موضع المعرفة لأن تحققک الشیء إنّما یکون باختباره کما یوضع الخبر موضع المعرفة فکأنّه قیل عرف اللّه قلوبهم للتقوی فتتعلق اللام بمحذوف أی کائنة له و هی اللام التی فی قولک أنت لهذا الأمر أی مختص به کقوله أعداء من للیعملات علی الوجا و تکون مع معمولها منصوبة علی الحال و یجوز أن یکون المعنی ضرب اللّه قلوبهم بأنواع المحن و التکالیف الصعبة لأجل التقوی أی لتثبت فیظهر تقواها و یعلم أنهم مُتَّقُون لأن حقیقة التقوی لا تعلم إلاّ عند المحن و الشدائد و الاصطبار علیها.

و یجوز أن یکون المعنی أنّه أخلص قلوبهم للتقوی من قولهم امتحن الذهب إذا أذابه فخلص إبریزه من خبثه و نقاه.

و هذه الکلمة قد قالها ع مرارا

3632

وَ وَقَفْتُ فِی بَعْضِ الْکُتُبِ عَلَی خُطْبَةٍ مِنْ جُمْلَتِهَا

إِنَّ قُرَیْشاً طَلَبَتِ السَّعَادَةَ فَشَقِیَتْ وَ طَلَبَتِ النَّجَاةَ فَهَلَکَتْ وَ طَلَبَتِ الْهُدَی فَضَلَّتْ أَ لَمْ یَسْمَعُوا وَیْحَهُمْ قَوْلَهُ تَعَالَی وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ (2) فَأَیْنَ الْمَعْدِلُ وَ الْمَنْزَعُ عَنْ ذُرِّیَّةِ اَلرَّسُولِ الَّذِینَ شَیَّدَ اللَّهُ بُنْیَانَهُمْ فَوْقَ بُنْیَانِهِمْ وَ أَعْلَی رُءُوسَهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ وَ اخْتَارَهُمْ عَلَیْهِمْ أَلاَ إِنَّ الذُّرِّیَّةَ أَفْنَانٌ أَنَا شَجَرَتُهَا وَ دَوْحَةٌ أَنَا سَاقُهَا وَ إِنِّی مِنْ أَحْمَدَ بِمَنْزِلَةِ الضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ کُنَّا

ص :105

ظِلاَلاً تَحْتَ اَلْعَرْشِ قَبْلَ خَلْقِ الْبَشَرِ وَ قَبْلَ خَلْقِ الطِّینَةِ الَّتِی کَانَ مِنْهَا الْبَشَرُ أَشْبَاحاً عَالِیَةً لاَ أَجْسَاماً نَامِیَةً إِنَّ أَمْرَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لاَ یَعْرِفُ کُنْهَهُ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ مَلَکٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِیٌّ مُرْسَلٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِیمَانِ فَإِذَا انْکَشَفَ لَکُمْ سِرٌّ أَوْ وَضَحَ لَکُمْ أَمْرٌ فَاقْبَلُوهُ وَ إِلاَّ فَاسْکُتُوا تَسْلَمُوا وَ رُدُّوا عِلْمَنَا إِلَی اللَّهِ فَإِنَّکُمْ فِی أَوْسَعَ مِمَّا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ .

و خامسها قوله سلونی قبل أن تفقدونی

3633

1- أَجْمَعَ النَّاسُ کُلُّهُمْ عَلَی أَنَّهُ لَمْ یَقُلْ أَحَدٌ مِنَ اَلصَّحَابَةِ وَ لاَ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ سَلُونِی غَیْرُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع ذَکَرَ ذَلِکَ اِبْنُ عَبْدِ الْبِرِّ الْمُحَدِّثُ فِی کِتَابِ اَلْإِسْتِیعَابِ .

و المراد بقوله فلأنا أعلم بطرق السماء منی بطرق الأرض ما اختص به من العلم بمستقبل الأمور و لا سیما فی الملاحم و الدول و قد صدق هذا القول عنه ما تواتر عنه من الأخبار بالغیوب المتکررة لا مرة و لا مائة مرة حتّی زال الشک و الریب فی أنّه إخبار عن علم و أنّه لیس علی طریق الاتفاق و قد ذکرنا کثیرا من ذلک فیما تقدم من هذا الکتاب.

و قد تأوله قوم علی وجه آخر قالوا أراد أنا بالأحکام الشرعیة و الفتاوی الفقهیّة أعلم منی بالأمور الدنیویة فعبر عن تلک بطرق السماء لأنّها أحکام إلهیة و عبر عن هذه بطرق الأرض لأنّها من الأمور الأرضیة و الأول أظهر لأن فحوی الکلام و أوله یدلّ علی أنّه المراد

ص :106

فی مسامعهم طبول و کلامی فی أفئدتهم نصول یا من بالاعتزال یصول ویحک کم تحوم و تجول حول من لا تدرکه العقول کم أقول کم أقول خلوا هذا الفضول.

فارتج المجلس و صرخ الناس و علت الأصوات و طاب الواعظ و طرب و خرج من هذا الفصل إلی غیره فشطح شطح الصوفیة و قال سلونی قبل أن تفقدونی و کررها فقام إلیه الکزی فقال یا سیدی ما سمعنا أنّه قال هذه الکلمة إلاّ علیّ بن أبی طالب ع و تمام الخبر معلوم و أراد الکزی بتمام الخبر

3634

قَوْلُهُ ع

لاَ یَقُولُهَا بَعْدِی إِلاَّ مُدَّعٍ .

فقال الواعظ و هو فی نشوة طربه و أراد إظهار فضله و معرفته برجال الحدیث و الرواة من علیّ بن أبی طالب أ هو علیّ بن أبی طالب بن المبارک النیسابوریّ أم علیّ بن أبی طالب بن إسحاق المروزی أم علیّ بن أبی طالب بن عثمان القیروانیّ أم علیّ بن أبی طالب بن سلیمان الرازیّ و عد سبعة أو ثمانیة من أصحاب الحدیث کلهم علیّ بن أبی طالب فقام الکزی و قام من یمین المجلس آخر و من یسار المجلس ثالث انتدبوا له و بذلوا أنفسهم للحمیة و وطنوها علی القتل.

فقال الکزی أشا یا سیدی فلان الدین أشا صاحب هذا القول هو علیّ بن أبی طالب زوج فاطمة سیدة نساء العالمین ع و إن کنت ما عرفته بعد بعینه فهو الشخص الذی لما آخی رسول اللّه ص بین الأتباع و الأذناب آخی بینه و بین نفسه و أسجل علی أنّه نظیره و مماثله فهل نقل فی جهازکم أنتم من هذا شیء أو نبت تحت خبکم من هذا شیء.

فأراد الواعظ أن یکلمه فصاح علیه القائم من الجانب الأیمن و قال یا سیدی فلان الدین محمّد بن عبد اللّه کثیر فی الأسماء و لکن لیس فیهم من قال له ربّ العزة

ص :108

مٰا ضَلَّ صٰاحِبُکُمْ وَ مٰا غَویٰ وَ مٰا یَنْطِقُ عَنِ الْهَویٰ إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْیٌ یُوحیٰ

(1)

و کذلک علیّ بن أبی طالب کثیر فی الأسماء و لکن لیس فیهم من

3635

قَالَ لَهُ صَاحِبُ الشَّرِیعَةِ أَنْتَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَرُونَ مِنْ مُوسَی إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِیَّ بَعْدِی.

و قد تلتقی الأسماء فی الناس و الکنی

کثیرا و لکن میزوا فی الخلائق.

فالتفت إلیه الواعظ لیکلمه فصاح علیه القائم من الجانب الأیسر و قال یا سیدی فلان الدین حقک تجهله أنت معذور فی کونک لا تعرفه و إذا خفیت علی الغبی فعاذر ألا ترانی مقلة عمیاء.

فاضطرب المجلس و ماج کما یموج البحر و افتتن الناس و تواثبت العامّة بعضها إلی بعض و تکشفت الرءوس و مزقت الثیاب و نزل الواعظ و احتمل حتّی أدخل دارا أغلق علیه بابها و حضر أعوان السلطان فسکنوا الفتنة و صرفوا الناس إلی منازلهم و أشغالهم و أنفذ الناصر لدین اللّه فی آخر نهار ذلک الیوم فأخذ أحمد بن عبد العزیز الکزی و الرجلین اللذین قاما معه فحبسهم أیاما لتطفأ نائرة الفتنة ثمّ أطلقهم

ص :109

وَعِیدُهَا عَمٍ قَرَارُهَا مُظْلِمَةٍ أَقْطَارُهَا حَامِیَةٍ قُدُورُهَا فَظِیعَةٍ أُمُورُهَا وَ سِیقَ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَی اَلْجَنَّةِ زُمَراً قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ وَ انْقَطَعَ الْعِتَابُ وَ زُحْزِحُوا عَنِ اَلنَّارِ وَ اطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدَّارُ وَ رَضُوا الْمَثْوَی وَ الْقَرَارَ الَّذِینَ کَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِی الدُّنْیَا زَاکِیَةً وَ أَعْیُنُهُمْ بَاکِیَةً وَ کَانَ لَیْلُهُمْ فِی دُنْیَاهُمْ نَهَاراً تَخَشُّعاً وَ اسْتِغْفَارًا وَ کَانَ نَهَارُهُمْ لَیْلاً تَوَحُّشاً وَ انْقِطَاعاً فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ مَآباً وَ الْجَزَاءَ ثَوَاباً وَ کٰانُوا أَحَقَّ بِهٰا وَ أَهْلَهٰا فِی مُلْکٍ دَائِمٍ وَ نَعِیمٍ قَائِمٍ فَارْعَوْا عِبَادَ اللَّهِ مَا بِرِعَایَتِهِ یَفُوزُ فَائِزُکُمْ وَ بِإِضَاعَتِهِ یَخْسَرُ مُبْطِلُکُمْ وَ بَادِرُوا آجَالَکُمْ بِأَعْمَالِکُمْ فَإِنَّکُمْ مُرْتَهَنُونَ بِمَا أَسْلَفْتُمْ وَ مَدِینُونَ بِمَا قَدَّمْتُمْ وَ کَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِکُمُ الْمَخُوفُ فَلاَ رَجْعَةً تَنَالُونَ [تُنَالُونَ]

وَ لاَ عَثْرَةً تُقَالُونَ اسْتَعْمَلَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ بِطَاعَتِهِ وَ طَاعَةِ رَسُولِهِ وَ عَفَا عَنَّا وَ عَنْکُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ الْزَمُوا الْأَرْضَ وَ اصْبِرُوا عَلَی الْبَلاَءِ وَ لاَ تُحَرِّکُوا بِأَیْدِیکُمْ وَ سُیُوفِکُمْ فِی هَوَی أَلْسِنَتِکُمْ وَ لاَ تَسْتَعْجِلُوا بِمَا لَمْ یُعَجِّلْهُ اللَّهُ لَکُمْ فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْکُمْ عَلَی فِرَاشِهِ وَ هُوَ عَلَی مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ وَ حَقِّ رَسُولِهِ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ مَاتَ شَهِیداً وَ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَی اللّٰهِ وَ اسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَی مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ وَ قَامَتِ النِّیَّةُ مَقَامَ إِصْلاَتِهِ لِسَیْفِهِ فَإِنَّ لِکُلِّ شَیْءٍ مُدَّةً وَ أَجَلاً .

وظائف حقوقه

الواجبات المؤقتة کالصلوات الخمس و صوم شهر رمضان و الوظیفة ما یجعل للإنسان فی کل یوم أو فی کل شهر أو فی کل سنة من طعام أو رزق

ص :111

و عزیز منصوب لأنّه حال من الضمیر فی أستعینه و یجوز أن یکون حالا من الضمیر المجرور فی حقوقه و إضافة عزیز إلی الجند إضافة فی تقدیر الانفصال لا توجب تعریفه لیمتنع من کونه حالا .

و قاهر أعداءه

حاربهم و روی و قهر أعداءه .

و المعقل ما یعتصم به و ذروته أعلاه .

و امهدوا له

اتخذوا مهادا و هو الفراش و هذه استعارة.

قوله ع فإن الغایة القیامة أی فإن منتهی کل البشر إلیها و لا بدّ منها .

و الأرماس جمع رمس و هو القبر و الإبلاس مصدر أبلس أی خاب و یئس و الإبلاس أیضا الانکسار و الحزن.

و استکاک الأسماع

صممها.

و غم الضریح

ضیق القبر و کربه و الصفیح الحجر و ردمه سده .

و السنن الطریق و القرن الحبل.

و أشراط الساعة علاماتها و أزفت قربت و أفراطها جمع فرط و هم المتقدمون السابقون من الموتی و من روی بإفراطها فهو مصدر أفرط فی الشیء أی قربت الساعة بشدة غلوائها و بلوغها غایة الهول و الفظاعة و یجوز أن تفسر الروایة الأولی بمقدماتها و ما یظهر قبلها من خوارق العادات المزعجة کالدجال و دابة الأرض و نحوهما و یرجع ذلک إلی اللفظة الأولی و هی أشراطها و إنّما یختلف اللفظ.

و الکلاکل جمع کلکل و هو الصدر و یقال للأمر الثقیل قد أناخ علیهم بکلکله أی هدهم و رضهم کما یهد البعیر البارک من تحته إذا أنحی علیه بصدره .

قوله ع و انصرفت الدنیا بأهلها أی ولت و یروی و انصرمت أی انقضت.

ص :112

و الحضن بکسر الحاء ما دون الإبط إلی الکشح .

و الرث الخلق و الغث الهزیل.

و مقام ضنک أی ضیق.

و شدید کلبها أی شرها و أذاها و اللجب الصوت و وقودها هاهنا بضم الواو و هو الحدث و لا یجوز الفتح لأنّه ما یوقد به کالحطب و نحوه و ذاک لا یوصف بأنّه ذاک.

قوله ع عم قرارها أی لا یهتدی فیه لظلمته و لأنّه عمیق جدا و یروی و کأنّ لیلهم نهار و کذلک أختها علی التشبیه .

و المآب المرجع و مدینون مجزیون .

قوله ع فلا رجعة تنالون الروایة بضم التاء أی تعطون یقال أنلت فلانا مالا أی منحته و قد روی تنالون بفتح التاء .

ثمّ أمر أصحابه أن یثبتوا و لا یعجلوا فی محاربة من کان مخالطا لهم من ذوی العقائد الفاسدة کالخوارج و من کان یبطن هوی معاویة و لیس خطابه هذا تثبیطا لهم عن حرب أهل الشام کیف و هو لا یزال یقرعهم و یوبخهم عن التقاعد و الإبطاء فی ذلک و لکن قوما من خاصته کانوا یطلعون علی ما عند قوم من أهل الکوفة و یعرفون نفاقهم و فسادهم و یرومون قتلهم و قتالهم فنهاهم عن ذلک و کان یخاف فرقة جنده و انتثار حبل عسکره فأمرهم بلزوم الأرض و الصبر علی البلاء .

و روی بإسقاط الباء من قوله بأیدیکم و من روی الکلمة بالباء جعلها زائدة و یجوز ألا تکون زائدة و یکون المعنی و لا تحرکوا الفتنة بأیدیکم و سیوفکم فی هوی ألسنتکم فحذف المفعول .

و الإصلات بالسیف مصدر أصلت أی سل.

ص :113

و اعلم أن هذه الخطبة من أعیان خطبه ع و من ناصع کلامه و نادره و فیها من صناعة البدیع الرائقة المستحسنة البریئة من التکلف ما لا یخفی و قد أخذ ابن نباتة الخطیب کثیرا من ألفاظها فأودعها خطبه مثل قوله شدید کلبها عال لجبها ساطع لهبها متغیظ زفیرها متأجج سعیرها بعید خمودها ذاک وقودها مخوف وعیدها عم قرارها مظلمة أقطارها حامیة قدورها فظیعة أمورها فإن هذه الألفاظ کلها اختطفها و أغار علیها و اغتصبها و سمط بها خطبه و شذر بها کلامه.

و مثل قوله هول المطلع و روعات الفزع و اختلاف الأضلاع و استکاک الأسماع و ظلمة اللحد و خیفة الوعد و غم الضریح و ردم الصفیح فإن هذه الألفاظ أیضا تمضی فی أثناء خطبه و فی غضون مواعظه

ص :114

أَیْقِظُوا بِهَا نَوْمَکُمْ وَ اقْطَعُوا بِهَا یَوْمَکُمْ وَ أَشْعِرُوهَا قُلُوبَکُمْ وَ ارْحَضُوا بِهَا ذُنُوبَکُمْ وَ دَاوُوا بِهَا الْأَسْقَامَ وَ بَادِرُوا بِهَا الْحِمَامَ وَ اعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا وَ لاَ یَعْتَبِرَنَّ بِکُمْ مَنْ أَطَاعَهَا أَلاَ فَصُونُوهَا وَ تَصَوَّنُوا بِهَا وَ کُونُوا عَنِ الدُّنْیَا نُزَّاهاً وَ إِلَی الآْخِرَةِ وُلاَّهاً وَ لاَ تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَی وَ لاَ تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْیَا وَ لاَ تَشِیمُوا بَارِقَهَا وَ لاَ تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا وَ لاَ تُجِیبُوا نَاعِقَهَا وَ لاَ تَسْتَضِیئُوا بِإِشْرَاقِهَا وَ لاَ تُفْتَنُوا بِأَعْلاَقِهَا فَإِنَّ بَرْقَهَا خَالِبٌ وَ نُطْقَهَا کَاذِبٌ وَ أَمْوَالَهَا مَحْرُوبَةٌ وَ أَعْلاَقَهَا مَسْلُوبَةٌ أَلاَ وَ هِیَ الْمُتَصَدِّیَةُ الْعَنُونُ وَ الْجَامِحَةُ الْحَرُونُ وَ الْمَائِنَةُ الْخَئُونُ وَ الْجَحُودُ الْکَنُودُ وَ الْعَنُودُ الصَّدُودُ وَ الْحَیُودُ الْمَیُودُ حَالُهَا انْتِقَالٌ وَ وَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ وَ عِزُّهَا ذُلٌّ وَ جِدُّهَا هَزْلٌ وَ عُلْوُهَا سُفْلٌ دَارُ [حَرْبٍ]

حَرَبٍ وَ سَلَبٍ وَ نَهْبٍ وَ عَطَبٍ أَهْلُهَا عَلَی سَاقٍ وَ سِیَاقٍ وَ لَحَاقٍ وَ فِرَاقٍ قَدْ تَحَیَّرَتْ مَذَاهِبُهَا وَ أَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا وَ خَابَتْ مَطَالِبُهَا فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ وَ لَفَظَتْهُمُ الْمَنَازِلُ وَ أَعْیَتْهُمُ الْمَحَاوِلُ فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍ وَ لَحْمٍ مَجْزُورٍ وَ شِلْوٍ مَذْبُوحٍ وَ دَمٍ مَسْفُوحٍ وَ عَاضٍّ عَلَی یَدَیْهِ وَ صَافِقٍ بِکَفَّیْهِ وَ مُرْتَفِقٍ بِخَدَّیْهِ وَ زَارٍ عَلَی رَأْیِهِ وَ رَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ وَ قَدْ أَدْبَرَتِ الْحِیلَةُ وَ أَقْبَلَتِ الْغِیلَةُ وَ لاٰتَ حِینَ مَنٰاصٍ هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ وَ ذَهَبَ مَا ذَهَبَ وَ مَضَتِ الدُّنْیَا لِحَالِ بَالِهَا فَمٰا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمٰاءُ وَ الْأَرْضُ وَ مٰا کٰانُوا مُنْظَرِینَ .

(1)

ص :116

الفاشی

الذائع فشا الخبر یفشو فشوا أی ذاع و أفشاه غیره و تفشی الشیء أی اتسع و الفواشی کل منتشر من المال مثل الغنم السائمة و الإبل و غیرهما و منه الحدیث

3636

ضُمُّوا فَوَاشِیَکُمْ حَتَّی تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ.

فیجوز أن یکون عنی بفشو حمده إطباق الأمم قاطبة علی الاعتراف بنعمته و یجوز أن یرید بالفاشی سبب حمده و هو النعم التی لا یقدر قدرها فحذف المضاف.

قوله و الغالب جنده فیه معنی قوله تعالی فَإِنَّ حِزْبَ اللّٰهِ هُمُ الْغٰالِبُونَ (1) .

قوله و المتعالی جده فیه معنی قوله تعالی وَ أَنَّهُ تَعٰالیٰ جَدُّ رَبِّنٰا (2) و الجد فی هذا الموضع و فی الآیة العظمة .

و التؤام جمع توأم علی فوعل و هو الولد المقارن أخاه فی بطن واحد و قد أتأمت المرأة إذا وضعت اثنین کذلک فهی متئم فإن کان ذلک عادتها فهی متآم و کل واحد من الولدین توأم و هما توأمان و هذا توأم هذا و هذه توأمته و الجمع توائم مثل قشعم و قشاعم و جاء فی جمعه تؤام علی فعال و هی اللفظة التی وردت فی هذه الخطبة و هو جمع غریب لم یأت نظیره إلاّ فی مواضع معدودة و هی عرق العظم یؤخذ عنه اللحم و عراق و شاة ربی للحدیثة العهد بالولادة و غنم رباب و ظئر للمرضعة غیر ولدها و ظؤار و رخل للأنثی من أولاد الضأن و رخال و فریر لولد البقرة الوحشیة و فرار (3) .

و الآلاء النعم.

ص :117

قوله ع مبدع الخلائق بعلمه لیس یرید أن العلم علة فی الإبداع کما تقول هوی الحجر بثقله بل المراد أبدع الخلق و هو عالم کما تقول خرج زید بسلاحه أی خرج متسلحا فموضع الجار و المجرور علی هذا نصب بالحالیة و کذلک القول فی و منشئهم بحکمه و الحکم هاهنا الحکمة.

و منه

3637

قَوْلُهُ ع إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِکْمَةً.

قوله بلا اقتداء و لا تعلیم و لا احتذاء قد تکرر منه ع أمثاله مرارا.

قوله و لا إصابة خطأ تحته معنی لطیف و ذلک لأن المتکلّمین یوردون علی أنفسهم سؤالا فی باب کونه عالما بکل معلوم إذا استدلوا علی ذلک فإنّه علم بعض الأشیاء لا من طریق أصلا لا من إحساس و لا من نظر و استدلال فوجب أن یعلم سائرها لأنّه لا مخصص فقالوا لأنفسهم لم زعمتم ذلک و لم لا یجوز أن یکون فعل أفعاله مضطربة فلما أدرکها علم کیفیة صنعها بطریق کونه مدرکا لها فأحکمها بعد اختلالها و اضطرابها و أجابوا عن ذلک بأنّه لا بدّ أن یکون قبل أن فعلها عالما بمفرداتها من غیر إحساس و یکفی ذلک فی کونه عالما بما لم یتطرق إلیه ثمّ یعود الاستدلال المذکور أولا.

قوله ع و لا حضره ملأ الملأ الجماعة من الناس و فیه معنی قوله تعالی مٰا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لاٰ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ (1) .

قوله یضربون فی غمرة أی یسیرون فی جهل و ضلالة و الضرب السیر السریع.

و الحین الهلاک و الرین الذنب علی الذنب حتّی یسود القلب و قیل الرین

ص :118

الطبع و الدنس یقال ران علی قلبه ذنبه یرین رینا أی دنسه و وسخه و استغلقت أقفال الرین علی قلوبهم تعسر فتحها .

قوله فإنها حقّ اللّه علیکم و الموجبة علی اللّه حقکم یرید أنّها واجبة علیکم فإن فعلتموها وجب علی اللّه أن یجازیکم عنها بالثواب و هذا تصریح بمذهب المعتزلة فی العدل و أن من الأشیاء ما یجب علی اللّه تعالی من باب الحکمة.

قوله و أن تستعینوا علیها بالله و تستعینوا بها علی اللّه یرید أوصیکم بأن تستعینوا بالله علی التقوی بأن تدعوه و تبتهلوا إلیه أن یعینکم علیها و یوفقکم لها و ییسرها و یقوی دواعیکم إلی القیام بها و أوصیکم أن تستعینوا بالتقوی علی لقاء اللّه و محاکمته و حسابه فإنّه تعالی یوم البعث و الحساب کالحاکم بین المتخاصمین وَ تَریٰ کُلَّ أُمَّةٍ جٰاثِیَةً کُلُّ أُمَّةٍ تُدْعیٰ إِلیٰ کِتٰابِهَا (1) فالسعید من استعان علی ذلک الحساب و تلک الحکومة و الخصومة بالتقوی فی دار التکلیف فإنها نعم المعونة وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَیْرَ الزّٰادِ التَّقْویٰ .

و الجنة

ما یستتر به.

قوله و مستودعها حافظ یعنی اللّه سبحانه لأنّه مستودع الأعمال و یدلّ علیه قوله تعالی إِنّٰا لاٰ نُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (2) و لیس ما قاله الراوندیّ من أنّه أراد بالمستودع قلب الإنسان بشیء .

قوله لم تبرح عارضة نفسها کلام فصیح لطیف یقول إن التقوی لم تزل عارضة نفسها علی من سلف من القرون فقبلها القلیل منهم شبهها بالمرأة العارضة نفسها نکاحا علی قوم فرغب فیها من رغب و زهد من زهد و علی الحقیقة لیست

ص :119

هی العارضة نفسها و لکن المکلفین ممکنون من فعلها و مرغبون فیها فصارت کالعارضة.

و الغابر هاهنا الباقی و هو من الأضداد یستعمل بمعنی الباقی و بمعنی الماضی.

قوله ع إذا أعاد اللّه ما أبدی یعنی أنشر الموتی و أخذ ما أعطی و ورث الأرض مالک الملوک فلم یبق فی الوجود من له تصرف فی شیء غیره کما قال لِمَنِ الْمُلْکُ الْیَوْمَ لِلّٰهِ الْوٰاحِدِ الْقَهّٰارِ (1) و قیل فی الأخبار و

3638

الْحَدِیثِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَجْمَعُ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ کُلُّ مَا کَانَ مِنْهُ فِی الدُّنْیَا فَیَجْعَلُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ یَقُولَ هَذَا فِتْنَةُ بَنِی آدَمَ ثُمَّ یَسُوقُهُ إِلَی جَهَنَّمَ فَیَجْعَلُهُ مَکَاوِیَ لِجِبَاهِ الْمُجْرِمِینَ.

و سأل عما أسدی

أی سأل أرباب الثروة عما أسدی إلیهم من النعم فیم صرفوها و فیم أنفقوها .

قوله ع فما أقل من قبلها یعنی ما أقل من قبل التقوی العارضة نفسها علی الناس.

و إذا فی قوله إذا أعاد اللّه ظرف لحاجتهم إلیها لأن المعنی یقتضیه أی لأنّهم یحتاجون إلیها وقت إعادة اللّه الخلق و لیس کما ظنه الراوندیّ أنه ظرف لقوله فما أقل من قبلها لأن المعنی علی ما قلناه و لأن ما بعد الفاء لا یجوز أن یکون عاملا فیما قبلها .

قوله فأهطعوا بأسماعکم أی أسرعوا أهطع فی عدوه أی أسرع و یروی فانقطعوا بأسماعکم إلیها أی فانقطعوا إلیها مصغین بأسماعکم.

قوله و ألظوا بجدکم أی ألحوا و الإلظاظ الإلحاح فی الأمر و منه قول

ص :120

ابن مسعود ألظوا فی الدعاء بیا ذا الجلال و الإکرام و منه الملاظة فی الحرب و یقال رجل ملظ و ملظاظ أی ملحاح و ألظ المطر أی دام.

و قوله بجدکم أی باجتهادکم جددت فی الأمر جدا بالغت و اجتهدت و یروی و واکظوا بحدکم و المواکظة المداومة علی الأمر و قال مجاهد فی قوله تعالی إِلاّٰ مٰا دُمْتَ عَلَیْهِ قٰائِماً (1)قال أی مواکظا .

قوله و أشعروا بها قلوبکم یجوز أن یرید اجعلوها شعارا لقلوبکم و هو ما دون الدثار و ألصق بالجسد منه و یجوز أن یرید اجعلوها علامة یعرف بها القلب التقی من القلب المذنب کالشعار فی الحرب یعرف به قوم من قوم و یجوز أن یرید أخرجوا قلوبکم بها من أشعار البدن أی طهروا القلوب بها و صفوها من دنس الذنوب کما یصفی البدن بالفصاد من غلبة الدم الفاسد و یجوز أن یرید الإشعار بمعنی الإعلام من أشعرت زیدا بکذا أی عرفته إیاه أی اجعلوها عالمة بجلالة موقعها و شرف محلها.

قوله و ارحضوا بها أی اغسلوا و ثوب رحیض و مرحوض أی مغسول.

قال و داووا بها الأسقام یعنی أسقام الذنوب.

و بادروا بها الحمام

عجلوا و اسبقوا الموت أن یدرککم و أنتم غیر متقین.

و اعتبروا بمن أضاع التقوی فهلک شقیا و لا یعتبرن بکم أهل التقوی أی لا تکونوا أنتم لهم معتبرا بشقاوتکم و سعادتهم .

ثمّ قال و صونوا التقوی عن أن تمازجها المعاصی و تصونوا أنتم بها عن الدناءة و ما ینافی العدالة.

و النزه جمع نزیه و هو المتباعد عما یوجب الذم و الولاه جمع واله و هو المشتاق ذو الوجد حتّی یکاد یذهب عقله .

ص :121

ثم شرع فی ذکر الدنیا فقال لا تشیموا بارقها الشیم النظر إلی البرق انتظارا للمطر.

و لا تسمعوا ناطقها

لا تصغوا إلیها سامعین و لا تجیبوا منادیها.

و الأعلاق جمع علق و هو الشیء النفیس و برق خالب و خلب لا مطر فیه.

و أموالها محروبة

أی مسلوبة .

قوله ع ألا و هی المتصدیة العنون شبهها بالمرأة المومس تتصدی للرجال ترید الفجور و تتصدی لهم تتعرض و العنون المتعرضة أیضا عن لی کذا أی عرض.

ثمّ قال و الجامحة الحرون شبهها بالدابّة ذات الجماح و هی التی لا یستطاع رکوبها لأنّها تعثر بفارسها و تغلبه و جعلها مع ذلک حرونا و هی التی لا تنقاد.

ثمّ قال و المائنة الخئون مان أی کذب شبهها بامرأة کاذبة خائنة.

و الجحود الکنود

جحد الشیء أنکره و کند النعمة کفرها جعلها کامرأة تجحد الصنیعة و لا تعترف بها و تکفر النعمة و یجوز أن یکون الجحود من قولک رجل جحد و جحد أی قلیل الخیر و عام جحد أی قلیل المطر و قد جحد النبت إذا لم یطل.

قال و العنود الصدود العنود الناقة تعدل عن مرعی الإبل و ترعی ناحیة.

و الصدود المعرضة صد عنه أی أعرض شبهها فی انحرافها و میلها عن القصد بتلک.

قال و الحَیُود المَیُود حادث الناقة عن کذا تحید فهی حیود إذا مالت عنه.

و مادت تمید فهی میود أی مالت فإن کانت عادتها ذلک سمیت الحیود المیود فی کل حال .

ص :122

قال حالها انتقال یجوز أن یعنی به أن شیمتها و سجیتها الانتقال و التغیر و یجوز أن یرید به معنی أدق و هو أن الزمان علی ثلاثة أقسام ماض و حاضر و مستقبل فالماضی و المستقبل لا وجود لهما الآن و إنّما الموجود أبدا هو الحاضر فلما أراد المبالغة فی وصف الدنیا بالتغیر و الزوال قال حالها انتقال أی أن الآن الذی یحکم العقلاء علیه بالحضور منها لیس بحاضر علی الحقیقة بل هو سیال متغیر فلا ثبوت إذا لشیء منها مطلقا و یروی و حالها افتعال أی کذب و زور و هی روایة شاذة.

قال و وطئتها زلزال الوطأة کالضغطة و منه

3639

قَوْلُهُ ص اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَکَ عَلَی مُضَرَ .

و أصلها موضع القدم و الزلزال الشدة العظیمة و الجمع زلازل.

و قال الراوندیّ فی شرحه یرید أن سکونها حرکة من قولک وطؤ الشیء أی صار وطیئا ذا حال لینة و موضع وطیء أی وثیر و هذا خطأ لأن المصدر من ذلک وطاءة بالمد و هاهنا وطأة ساکن الطاء فأین أحدهما من الآخر.

قال و علوها سفل یجوز ضم أولهما و کسره.

قال دار حرب الأحسن فی صناعة البدیع أن تکون الراء هاهنا ساکنة لیوازی السکون هاء نهب و من فتح الراء أراد السلب حربته أی سلبت ماله .

قال أهلها علی ساق و سیاق یقال قامت الحرب علی ساق أی علی شدة و منه قوله سبحانه یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سٰاقٍ (1) و السیاق نزع الروح یقال رأیت فلانا یسوق أی ینزع عند الموت أو یکون مصدر ساق الماشیة سوقا و سیاقا.

و قال الراوندیّ فی شرحه یرید أن بعض أهلها فی أثر بعض کقولهم ولدت فلانة

ص :123

ثلاثة بنین علی ساق و لیس ما قاله بشیء لأنّهم یقولون ذلک للمرأة إذا لم یکن بین البنین أنثی و لا یقال ذلک فی مطلع التتابع أین کان.

قال ع و لَحَاق و فراق اللام مفتوحة مصدر لحق به و هذا کقولهم الدنیا مولود یولد و مفقود یفقد.

قال ع قد تحیرت مذاهبها أی تحیر أهلها فی مذاهبهم و لیس یعنی بالمذاهب هاهنا الاعتقادات بل المسالک.

و أعجزت مهاربها

أی أعجزتهم جعلتهم عاجزین فحذف المفعول.

و أسلمتهم المعاقل لم تحصنهم.

و لَفَظَتهم

بفتح الفاء رمت بهم و قذفتهم.

و أَعْیَتْهُمُ المحاوِل

أی المطالب .

ثمّ وصف أحوال الدنیا فقال هم فمن ناج معقور أی مجروح کالهارب من الحرب بحشاشة نفسه و قد جرح بدنه.

و لحم مجزور

أی قتیل قد صار جزرا للسباع.

و شِلْو مذبوح

الشِّلْو العُضْو من أعضاء الحیوان المذبوح أو المیت و

3640

فِی الْحَدِیثِ ائْتُونِی بِشِلْوِهَا الْأَیْمَنِ.

و دم مفسوح

أی مسفوک و عاض علی یدیه أی ندما.

و صافِقٍ بِکَفَّیْهِ

أی تعسفا أو تعجبا.

و مرتفق بخدیه

جاعل لهما علی مرفقیه فکرا و هما.

و زارٍ علی رأیه

أی عائب أی یری الواحد منهم رأیا و یرجع عنه و یعیبه و هو البداء الذی یذکره المتکلمون ثمّ فسره بقوله و راجع عن عزمه .

ص :124

فإن قلت فهل یمکن أن یفرق بینهما لیکون الکلام أکثر فائدة قلت نعم بأن یرید بالأول من رأی رأیا و کشفه لغیره و جامعه علیه ثمّ بدا له و عابه و یرید بالثانی من عزم نفسه عزما و لم یظهر لغیره ثمّ رجع عنه و یمکن أیضا بأن یفرق بینهما بأن یعنی بالرأی الاعتقاد کما یقال هذا رأی أبی حنیفة و العزم أمر مفرد خارج عن ذلک و هو ما یعزم علیه الإنسان من أمور نفسه و لا یقال عزم فی الاعتقادات ثمّ قال ع و قد أدبرت الحیلة أی ولت و أقبلت الغیلة أی الشر و منه قولهم فلان قلیل الغائلة أو یکون بمعنی الاغتیال یقال قتله غیلة أی خدیعة یذهب به إلی مکان یوهمه أنّه لحاجة ثمّ یقتله.

قال ع وَ لاٰتَ حِینَ مَنٰاصٍ هذه من ألفاظ الکتاب العزیز (1) قال الأخفش شبهوا لات بلیس و أضمروا فیها اسم الفاعل قال و لا تکون لات إلاّ مع حین و قد جاء حذف حین فی الشعر و منه المثل حنت و لات هنت أی و لات حین حنت و الهاء بدل من الحاء فحذف الحین و هو یریده قال و قرأ بعضهم وَ لاٰتَ حِینُ مَنٰاصٍ بالرفع و أضمر الخبر و قال أبو عبید هی لا و التاء إنّما زیدت فی حین لا فی لا و إن کتبت مفردة و الأصل تحین کما قال فی ألان تلان فزادوا التاء و أنشد لأبی وجزة العاطفون تحین ما من عاطف و المطعمون زمان أین المطعم (2) .

و قال المؤرج زیدت التاء فی لات کما زیدت فی ربت و ثمت.

و المناص المهرب نَاصَ عن قَرنه یَنُوص نَوْصا و مَنَاصا أی لیس هذا وقت الهرب و الفرار.

ص :125

و یکون المَنَاص أیضا بمعنی الملجأ و المفزع أی لیس هذا حین تجد مفزعا و معقلا تعتصم به .

هیهات

اسم للفعل و معناه بعد یقال هیهاتُ زیدٌ فهو مبتدأ و خبر و المعنی یعطی الفعلیة و التاء فی هَیهاتَ مفتوحة مثل کیف و أصلها هاء و ناسٌ یَکْسِرُونَهَا علی کل حال بمنزلة نونِ التثنیة و قال الراجز هیهاتِ من مصبِحِها هیهاتِ هیهاتِ حجر من صنیعات (1) .

و قد تبدل الهاء همزة فیقال أیهات مثل هراق و أراق قال أیهات منک الحیاة أیهاتا (2) .

قال الکسائی فمن کسر التاء وقف علیها بالهاء فقال هیهاهْ و من فتحها وقف إن شاء بالتاء و إن شاء بالهاء.

قوله ع و مضت الدنیا لحالِ بَالِهَا کلمة تقال فیما انقضی و فرط أمره و معناها مضی بما فیه إن کان خیرا و إن کان شرا.

قوله ع فَمٰا بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّمٰاءُ هو من کلام اللّه تعالی و المراد أهل السماء و هم الملائکة و أهل الأرض و هم البشر و المعنی أنهم لا یستحقون أن یتأسف علیهم و قیل أراد المبالغة فی تحقیر شأنهم لأن العرب کانت تقول فی العظیم القدر یموت بکته السماء و بکته النجوم قال الشاعر فالشمس طالعة لیست بکاسفة تبکی علیک نجوم اللیل و القمرا (3) .

فنفی عنهم ذلک و قال لیسوا من یقال فیه مثل هذا القول

3641

وَ تَأَوَّلَهَا اِبْنُ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قِیلَ لَهُ أَ تَبْکِی السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ عَلَی أَحَدٍ فَقَالَ نَعَمْ یَبْکِیهِ مُصَلاَّهُ فِی الْأَرْضِ وَ مَصْعَدُ عَمَلِهِ فِی السَّمَاءِ.

فیکون نفی البکاء عنهما کنایة عن أنّه لم یکن لهم فی الأرض عمل صالح یرفع منهما إلی السماء

ص :126

یجوز أن تسمی هذه الخطبة القاصعة من قولهم قصعت الناقة بجرتها و هو أن تردها إلی جوفها أو تخرجها من جوفها فتملأ فاها فلما کانت الزواجر و المواعظ فی هذه الخطبة مرددة من أولها إلی آخرها شبهها بالناقة التی تقصع الجرة و یجوز أن تسمی القاصعة لأنّها کالقاتلة لإبلیس و أتباعه من أهل العصبیّة من قولهم قصعت القملة إذا هشمتها و قتلتها و یجوز أن تسمی القاصعة لأن المستمع لها المعتبر بها یذهب کبره و نخوته فیکون من قولهم قصع الماء عطشه أی أذهبه و سکنه قال ذو الرمة بیتا فی هذا المعنی فانصاعت الحقب لم تقصع صرائرها و قد تشح فلا ری و لا هیم (1) .

الصرائر جمع صریرة و هی العطش و یجوز أن تسمی القاصعة لأنّها تتضمن تحقیر إبلیس و أتباعه و تصغیرهم من قولهم قصعت الرجل إذا امتهنته و حقرته و غلام مقصوع أی قمیء لا یشب و لا یزداد.

و العصبیّة علی قسمین عصبیة فی اللّه و هی محمودة و عصبیة فی الباطل و هی مذمومة و هی التی نهی أمیر المؤمنین ع عنها و کذلک الحمیة و

3642

جَاءَ فِی الْخَبَرِ الْعَصَبِیَّةُ فِی اللَّهِ تُورِثُ اَلْجَنَّةَ وَ الْعَصَبِیَّةُ فِی اَلشَّیْطَانِ تُورِثُ اَلنَّارَ .

و

3643

جَاءَ فِی الْخَبَرِ الْعَظَمَةُ إِزَارِی وَ الْکِبْرِیَاءُ رِدَائِی فَمَنْ نَازَعَنِی فِیهِمَا قَصَمْتُهُ.

و هذا معنی قوله ع اختارهما لنفسه دون خلقه إلی آخر قوله من عباده .

قال ع ثم اختبر بذلک ملائکته المقربین مع علمه بمضمراتهم و ذلک لأن اختباره سبحانه لیس لیعلم بل لیعلم غیره من خلقه طاعة من یطیع و عصیان من یعصی و کذلک قوله سبحانه وَ مٰا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِی کُنْتَ عَلَیْهٰا إِلاّٰ لِنَعْلَمَ مَنْ یَتَّبِعُ

ص :128

اَلرَّسُولَ مِمَّنْ یَنْقَلِبُ عَلیٰ عَقِبَیْهِ

(1)

النون فی لِنَعْلَمَ نون الجمع لا نون العظمة أی لتصیر أنت و غیرک من المکلفین عالمین لمن یطیع و من یعصی کما أنا عالم بذلک فتکونوا کلکم مشارکین لی فی العلم بذلک.

فإن قلت و ما فائدة وقوفهم علی ذلک و علمهم به قلت لیس بممتنع أن یکون ظهور حال العاصی و المطیع و علم المکلفین أو أکثرهم أو بعضهم به یتضمن لطفا فی التکلیف.

فإن قلت إن الملائکة لم تکن تعلم ما البشر و لا تتصور ماهیته فکیف قال لهم إِنِّی خٰالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ قلت قد کان قال لهم إنّی خالق جسما من صفته کیت و کیت فلما حکاه اقتصر علی الاسم و یجوز أن یکون عرفهم من قبل أن لفظة بشر علی ما ذا تقع ثمّ قال لهم إنّی خالق هذا الجسم المخصوص الذی أعلمتکم أن لفظة بشر واقعة علیه من طین.

قوله تعالی فَإِذٰا سَوَّیْتُهُ أی إذا أکملت خلقه.

فَقَعُوا لَهُ سٰاجِدِینَ

أمرهم بالسجود له و قد اختلف فی ذلک فقال قوم کان قبلة کما الکعبة الیوم قبلة و لا یجوز السجود إلاّ لله و قال آخرون بل کان السجود له تکرمة و محنة و السجود لغیر اللّه غیر قبیح فی العقل إذا لم یکن عبادة و لم یکن فیه مفسدة.

و قوله تعالی وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی أی أحللت فیه الحیاة و أجریت الروح إلیه فی عروقه و أضاف الروح إلیه تبجیلا لها و سمی ذلک نفخا علی وجه الاستعارة لأن العرب تتصور من الروح معنی الریح و النفخ یصدق علی الریح فاستعار لفظة النفخ توسعا.

ص :129

و قالت الحکماء هذا عبارة عن النفس الناطقة.

فإن قلت هل کان إبلیس من الملائکة أم لا قلت قد اختلف فی ذلک فمن جعله منهم احتج بالاستثناء و من جعله من غیرهم احتج بقوله تعالی کٰانَ مِنَ الْجِنِّ و جعل الاستثناء منقطعا و بأن له نسلا و ذرّیة قال تعالی أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّیَّتَهُ أَوْلِیٰاءَ مِنْ دُونِی (1) و الملائکة لا نسل لهم و لا ذرّیة و بأن أصله نار و الملائکة أصلها نور و قد مر لنا کلام فی هذا فی أوّل الکتاب .

قوله فافتخر علی آدم بخلقه و تعصب علیه لأصله کانت خلقته أهون من خلقة آدم ع و کان أصله من نار و أصل آدم ع من طین.

فإن قلت کیف حکم علی إبلیس بالکفر و لم یکن منه إلاّ مخالفة الأمر و معلوم أن تارک الأمر فاسق لا کافر قلت إنّه اعتقد أن اللّه أمره بالقبیح و لم یر أمره بالسجود لآدم ع حکمة و امتنع من السجود تکبرا و ردّ علی اللّه أمره و استخف بمن أوجب اللّه إجلاله و ظهر أن هذه المخالفة عن فساد عقیدة فکان کافرا.

فإن قلت هل کان کافرا فی الأصل أم کان مؤمنا ثمّ کفر قلت أما المرجئة فأکثرهم یقول کان فی الأصل کافرا لأن المؤمن عندهم لا یجوز أن یکفر و أمّا أصحابنا فلما کان هذا الأصل عندهم باطلا توقفوا فی حال إبلیس و جوزوا کلا الأمرین.

ص :130

قوله ع رداء الجبریة الباء مفتوحة یقال فیه جبریة و جبروة و جبروت و جبورة کفروجة أی کبر و أنشدوا فإنک إن عادیتنی غضب الحصا علیک و ذو الجبورة المتغطرف (1) .

و جعله مدحورا أی مطرودا مبعدا دحره اللّه دحورا أی أقصاه و طرده وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ یَخْطَفُ الْأَبْصَارَ ضِیَاؤُهُ وَ یَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُهُ وَ طِیبٍ یَأْخُذُ الْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ الْأَعْنَاقُ خَاضِعَةً وَ لَخَفَّتِ الْبَلْوَی فِیهِ عَلَی الْمَلاَئِکَةِ وَ لَکِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ یَبْتَلِی خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا یَجْهَلُونَ أَصْلَهُ تَمْیِیزاً بِالاِخْتِبَارِ لَهُمْ وَ نَفْیاً لِلاِسْتِکْبَارِ عَنْهُمْ وَ إِبْعَاداً لِلْخُیَلاَءِ مِنْهُمْ فَاعْتَبِرُوا بِمَا کَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِإِبْلِیسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِیلَ وَ جَهْدَهُ الْجَهِیدَ وَ کَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلاَفِ سَنَةٍ لاَ یُدْرَی أَ مِنْ سِنِی الدُّنْیَا أَمْ مِنْ سِنِی الآْخِرَةِ عَنْ کِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِیسَ یَسْلَمُ عَلَی اللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِیَتِهِ کَلاَّ مَا کَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِیُدْخِلَ اَلْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَکاً إِنَّ حُکْمَهُ فِی أَهْلِ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَوَاحِدٌ وَ مَا بَیْنَ اللَّهِ وَ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِی إِبَاحَةِ حِمًی حَرَّمَهُ عَلَی الْعَالَمِینَ .

خَطِفت الشیءَ بکسر الطاء أخطَفُه إذا أخذته بسرعة استلابا و فیه لغة أخری

ص :131

خَطَف بالفتح و یخطَفُ بالفتح و یخطِفُ بالکسر و هی لغة ردیئة قلیلة لا تکاد تعرف و قد قرأ بها یونس فی قوله تعالی یَکٰادُ الْبَرْقُ یَخْطِفُ أَبْصٰارَهُمْ (1) .

و الرُّوَاء بالهمزة و المد المنظر الحسن و العرف الریح الطیبة .

و الخُیَلاَء بضم الخاء و کسرها الکبر و کذلک الخال و المخیلة تقول اختال الرجل و خال أیضا أی تکبر .

و أحبط عمله أبطل ثوابه و قد حبط العمل حبطا بالتسکین و حبوطا و المتکلمون یسمون إبطال الثواب إِحبَاطا و إبطال العقاب تکفیرا.

و جَهده

بفتح الجیم اجتهاده و جده و وصفه بقوله الجهید أی المستقصی من قولهم مرعی جهید أی قد جهده المال الراعی و استقصی رعیة .

و کلامه ع یدلّ علی أنّه کان یذهب إلی أن إبلیس من الملائکة لقوله أخرج منها مَلَکا و الهَوَادَة الموادعة و المصالحة یقول إن اللّه تعالی خلق آدم من طین و لو شاء أن یخلقه من النور الذی یخطف أو من الطیب الذی یعبق لفعل و لو فعل لهال الملائکة أمره و خضعوا له فصار الابتلاء و الامتحان و التکلیف بالسجود له خفیفا علیهم لعظمته فی نفوسهم فلم یستحقوا ثواب العمل الشاق و هذا یدلّ علی أن الملائکة تشم الرائحة کما نشمها نحن و لکن اللّه تعالی یبتلی عباده بأمور یجهلون أصلها اختبارا لهم.

فإن قلت ما معنی قوله ع تمییزا بالاختبار لهم قلت لأنّه میزهم عن غیرهم من مخلوقاته کالحیوانات العجم و أبانهم عنهم و فضلهم علیهم بالتکلیف و الامتحان-

ص :132

قال و نفیا للاستکبار عنهم لأن العبادات خضوع و خشوع و ذلة ففیها نفی الخیلاء و التکبر عن فاعلیها فأمرهم بالاعتبار بحال إبلیس الذی عبد اللّه ستة آلاف سنة لا یدری أ من سنی الدنیا أم من سنی الآخرة و هذا یدلّ علی أنّه قد سمع فیه نصا من رسول اللّه ص مجملا لم یفسره له أو فسره له خاصّة و لم یفسره أمیرُ المؤمنین ع للناس لما یعلمه فی کِتمَانِهِ عنهم من المصلحة.

فإن قلت قوله لا یُدرَی علی ما لم یسم فاعله یقتضی أنّه هو لا یدری قلت إنّه لا یقتضی ذلک و یکفی فی صدق الخبر إذا ورد بهذه الصیغة أن یجهله الأکثرون.

فأما القول فی سنی الآخرة کم هی فاعلم أنّه قد ورد فی الکتاب العزیز آیات مختلفات إحداهن قوله تَعْرُجُ الْمَلاٰئِکَةُ وَ اَلرُّوحُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کٰانَ مِقْدٰارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ (1) .

و الأُخْرَی قوله یُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمٰاءِ إِلَی الْأَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کٰانَ مِقْدٰارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّٰا تَعُدُّونَ (2) .

و الثالثة قوله وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّٰا تَعُدُّونَ (3) .

و أولی ما قیل فیها أن المراد بالآیة الأولی مدة عمر الدنیا و سمی ذلک یوما و قال إن الملائکة لا تزال تعرج إلیه بأعمال البشر طول هذه المدة حتّی ینقضی التکلیف و ینتقل الأمر إلی دار أخری و أمّا الآیتان الأخیرتان فمضمونهما بیان کمیة أیّام الآخرة و هو أن کل یوم منها مثل ألف سنة من سنی الدنیا.

ص :133

فإن قلت فعلی هذا کم تکون مدة عبادة إبلیس إذا کانت ستة آلاف سنة من سنی الآخرة قلت یکون ما یرتفع من ضرب أحد المضروبین فی الآخرة و هو ألفا ألف ألف ثلاث لفظات الأولی منهم مثناة و مائة ألف ألف لفظتان و ستون ألف ألف سنة لفظتان أیضا من سنی الدنیا و لما رأی أمیر المؤمنین ع هذا المبلغ عظیما جدا علم أن أذهان السامعین لا تحتمله فلذلک أبهم القول علیهم و قال لا یدری أ من سنی الدنیا أم من سنی الآخرة .

فإن قلت فإذا کنتم قد رجحتم قول من یقول إن عمر الدنیا خمسون ألف سنة فکم یکون عمرها إن کان اللّه تعالی أراد خمسین ألف سنة من سِنِی الآخرة لأنّه لا یؤمن أن یکون أراد ذلک إذا کانت السنة عنده عبارة عن مدة غیر هذه المدة التی قد اصطلح علیها الناس قلت یکون ما یرتفع من ضرب خمسین ألفا فی ثلاثمائة و ستین ألف من سنی الدنیا و مبلغ ذلک ثمانیة عشر ألف ألف ألف سنة من سنی الدنیا ثلاث لفظات و هذا القول قریب من القول المحکی عن الهند .

3644

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ رِوَایَاتٍ کَثِیرَةً بِأَسَانِیدَ أَوْرَدَهَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلصَّحَابَةِ أَنَّ إِبْلِیسَ کَانَ إِلَیْهِ مُلْکُ السَّمَاءِ وَ مُلْکُ الْأَرْضِ وَ کَانَ مِنْ قَبِیلَةٍ مِنَ الْمَلاَئِکَةِ یُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ وَ إِنَّمَا سُمُّوا الْجِنَّ لِأَنَّهُمْ کَانُوا خُزَّانَ اَلْجِنَانِ وَ کَانَ إِبْلِیسُ رَئِیسَهُمْ وَ مُقَدَّمَهُمْ وَ کَانَ أَصْلُ خَلْقِهِمْ مِنْ نَارِ السَّمُومِ وَ کَانَ اسْمُهُ اَلْحَارِثَ قَالَ وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ الْجِنَّ کَانَتْ فِی الْأَرْضِ وَ أَنَّهُمْ أَفْسَدُوا فِیهَا فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَیْهِمْ إِبْلِیسَ فِی جُنْدٍ مِنَ الْمَلاَئِکَةِ فَقَتَلَهُمْ وَ طَرَدَهُمْ إِلَی جَزَائِرِ الْبِحَارِ ثُمَّ تَکَبَّرُ فِی نَفْسِهِ وَ رَأَی أَنَّهُ قَدْ صَنَعَ شَیْئاً عَظِیماً لَمْ یَصْنَعْهُ غَیْرُهُ قَالَ وَ کَانَ شَدِیدَ الاِجْتِهَادِ فِی الْعِبَادَةِ.

ص :134

وَ قِیلَ کَانَ اسْمُهُ عَزَازِیلَ وَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی جَعَلَهُ حَکَماً وَ قَاضِیاً بَیْنَ سُکَّانِ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ فَدَخَلَهُ الْکِبْرُ وَ الْعُجْبُ لِعِبَادَتِهِ وَ اجْتِهَادِهِ وَ حَکَّمَهُ فِی سُکَّانِ الْأَرْضِ وَ قَضَائِهِ بَیْنَهُمْ فَانْطَوَی عَلَی الْمَعْصِیَةِ حَتَّی کَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَعَ آدَمَ ع مَا کَانَ. قلت و لا ینبغی أن نصدق من هذه الأخبار و أمثالها إلاّ ما ورد فی القرآن العزیز الذی لاٰ یَأْتِیهِ الْبٰاطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لاٰ مِنْ خَلْفِهِ أو فی السنة أو نقل عمن یجب الرجوع إلی قوله و کل ما عدا ذلک فالکذب فیه أکثر من الصدق و الباب مفتوح فلیقل کل أحد فی أمثال هذه القصص ما شاء و اعلم أن کلام أمیر المؤمنین فی هذا الفصل یطابق مذهب أصحابنا فی أن الجنة لا یدخلها ذو معصیة أ لا تسمع قوله فمن بعد إبلیس یسلم علی اللّه بمثل معصیته کلا ما کان اللّه لیدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملکا إن حکمه فی أهل السماء و الأرض لواحد .

فإن قلت أ لیس من قولکم إن صاحب الکبیرة إذا تاب دخل الجنة فهذا صاحب معصیة و قد حکمتم له بالجنة قلت إن التوبة أحبطت معصیته فصار کأنّه لم یعص.

فإن قلت إن أمیر المؤمنین ع إنّما قال فمن ذا بعد إبلیس یسلم علی اللّه بمثل معصیته و لم یقل بالمعصیة المطلقة و المرجئة لا تخالف فی أن من وافی القیامة بمثل معصیة إبلیس لم یکن من أهل الجنة قلت کل معصیة کبیرة فهی مثل معصیته و لم یکن إخراجه من الجنة لأنّه کافر بل لأنّه عاص مخالف للأمر أ لا تری أنّه قال سبحانه قٰالَ فَاهْبِطْ مِنْهٰا فَمٰا یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیهٰا (1) فعلل إخراجه من الجنة بتکبره لا بکفره.

فإن قلت هذا مناقض لما قدمت فی شرح الفصل الأول

ص :135

قلت کلا لأنّی فی الفصل الأول عللت استحقاقه اسم الکفر بأمر زائد علی المعصیة المطلقة و هو فساد اعتقاده و لم أجعل ذلک علة فی خروجه من الجنة و هاهنا عللت خروجه من الجنة بنفس المعصیة فلا تناقض.

فإن قلت ما معنی قول أمیر المؤمنین ع ما کان اللّه لیدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملکا و هل یظن أحد أو یقول إن اللّه تعالی یدخل الجنة أحدا من البشر بالأمر الذی أخرج به هاهنا إبلیس کلا هذا ما لا یقوله أحد و إنّما الذی یقوله المرجئة إنّه یدخل الجنة من قد عصی و خالف الأمر کما خالف الأمر إبلیس برحمته و عفوه و کما یشاء لا أنّه یدخله الجنة بالمعصیة و کلام أمیر المؤمنین ع یقتضی نفی دخول أحد الجنة بالمعصیة لأن الباء للسببیة قلت الباء هاهنا لیست للسببیة کما یتوهمه هذا المعترض بل هی کالباء فی قولهم خرج زید بثیابه و دخل زید بسلاحه أی خرج لابسا و دخل متسلحا أی یصحبه الثیاب و یصحبه السلاح فکذلک قوله ع بأمر أخرج به منها ملکا معناه أن اللّه تعالی لا یدخل الجنة بشرا یصحبه أمر أخرج اللّه به ملکا منها فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ عَدُوَّ اللَّهِ أَنْ یُعْدِیَکُمْ بِدَائِهِ وَ أَنْ یَسْتَفِزَّکُمْ بِنِدَائِهِ وَ أَنْ یُجْلِبَ عَلَیْکُمْ بِخَیْلِهِ وَ رَجِلِهِ [رَجْلِهِ]

فَلَعَمْرِی لَقَدْ فَوَّقَ لَکُمْ سَهْمَ الْوَعِیدِ وَ أَغْرَقَ إِلَیْکُمْ بِالنَّزْعِ الشَّدِیدِ وَ رَمَاکُمْ مِنْ مَکَانٍ قَرِیبٍ فَقَالَ رَبِّ بِمٰا أَغْوَیْتَنِی لَأُزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ (1) قَذْفاً بِغَیْبٍ بَعِیدٍ وَ رَجْماً بِظَنٍّ

ص :136

غَیْرِ مُصِیبٍ صَدَّقَهُ بِهِ أَبْنَاءُ الْحَمِیَّةِ وَ إِخْوَانُ الْعَصَبِیَّةِ وَ فُرْسَانُ الْکِبْرِ وَ اَلْجَاهِلِیَّةِ حَتَّی إِذَا انْقَادَتْ لَهُ الْجَامِحَةُ مِنْکُمْ وَ اسْتَحْکَمَتِ الطَّمَاعِیَةُ مِنْهُ فِیکُمْ فَنَجَمَتِ [فَنَجَمَتْ فِیهِ]

الْحَالُ مِنَ السِّرِّ الْخَفِیِّ إِلَی الْأَمْرِ الْجَلِیِّ اسْتَفْحَلَ سُلْطَانُهُ عَلَیْکُمْ وَ دَلَفَ بِجُنُودِهِ نَحْوَکُمْ فَأَقْحَمُوکُمْ وَلَجَاتِ الذُّلِّ وَ أَحَلُّوکُمْ وَرَطَاتِ الْقَتْلِ وَ أَوْطَئُوکُمْ إِثْخَانَ الْجِرَاحَةِ طَعْناً فِی عُیُونِکُمْ وَ حَزّاً فِی حُلُوقِکُمْ وَ دَقّاً لِمَنَاخِرِکُمْ وَ قَصْداً لِمَقَاتِلِکُمْ وَ سَوْقاً بِخَزَائِمِ الْقَهْرِ إِلَی اَلنَّارِ الْمُعَدَّةِ لَکُمْ فَأَصْبَحَ أَعْظَمَ فِی دِینِکُمْ حَرْجاً وَ أَوْرَی فِی دُنْیَاکُمْ قَدْحاً مِنَ الَّذِینَ أَصْبَحْتُمْ لَهُمْ مُنَاصِبِینَ وَ عَلَیْهِمْ مُتَأَلِّبِینَ فَاجْعَلُوا عَلَیْهِ حَدَّکُمْ وَ لَهُ جِدَّکُمْ فَلَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ فَخَرَ عَلَی أَصْلِکُمْ وَ وَقَعَ فِی حَسَبِکُمْ وَ دَفَعَ فِی نَسَبِکُمْ وَ أَجْلَبَ بِخَیْلِهِ عَلَیْکُمْ وَ قَصَدَ بِرَجِلِهِ سَبِیلَکُمْ یَقْتَنِصُونَکُمْ بِکُلِّ مَکَانٍ وَ یَضْرِبُونَ مِنْکُمْ کُلَّ بَنٰانٍ لاَ تَمْتَنِعُونَ بِحِیلَةٍ وَ لاَ تَدْفَعُونَ بِعَزِیمَةٍ فِی حَوْمَةِ ذُلٍّ وَ حَلْقَةِ ضِیقٍ وَ عَرْصَةِ مَوْتٍ وَ جَوْلَةِ بَلاَءٍ فَأَطْفِئُوا مَا کَمَنَ فِی قُلُوبِکُمْ مِنْ نِیرَانِ الْعَصَبِیَّةِ وَ أَحْقَادِ اَلْجَاهِلِیَّةِ فَإِنَّمَا تِلْکَ الْحَمِیَّةُ تَکُونُ فِی اَلْمُسْلِمِ مِنْ خَطَرَاتِ اَلشَّیْطَانِ وَ نَخَوَاتِهِ وَ نَزَغَاتِهِ وَ نَفَثَاتِهِ وَ اعْتَمِدُوا وَضْعَ التَّذَلُّلِ عَلَی رُءُوسِکُمْ وَ إِلْقَاءَ التَّعَزُّزِ تَحْتَ أَقْدَامِکُمْ وَ خَلْعَ التَّکَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِکُمْ وَ اتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ مَسْلَحَةً بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ عَدُوِّکُمْ إِبْلِیسَ وَ جُنُودِهِ فَإِنَّ لَهُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ جُنُوداً وَ أَعْوَاناً وَ رَجِلاً [رَجْلاً]

وَ فُرْسَاناً وَ لاَ تَکُونُوا کَالْمُتَکَبِّرِ عَلَی ابْنِ أُمِّهِ مِنْ غَیْرِ مَا فَضْلٍ [فُضِّلَ]

جَعَلَهُ اللَّهُ فِیهِ سِوَی مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ اَلْحَسَدِ [اَلْحَسَبِ]

وَ قَدَحَتِ الْحَمِیَّةُ فِی قَلْبِهِ مِنْ نَارِ الْغَضَبِ وَ نَفَخَ اَلشَّیْطَانُ فِی أَنْفِهِ مِنْ رِیحِ الْکِبْرِ الَّذِی أَعْقَبَهُ اللَّهُ بِهِ النَّدَامَةَ وَ أَلْزَمَهُ آثَامَ الْقَاتِلِینَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ .

ص :137

موضع أن یعدیکم نصب علی البدل من عدو اللّه و قال الراوندیّ یجوز أن یکون مفعولا ثانیا و هذا لیس بصحیح لأن حذر لا یتعدی إلی المفعولین و العدوی ما یعدی من جرب أو غیره أعدی فلان فلانا من خلقه أو من علته و هو مجاوزته من صاحبه إلی غیره و

3645

فِی الْحَدِیثِ لاَ عَدْوَی فِی اَلْإِسْلاَمِ .

فإن قلت فإذا کان النبیّ ص قد أبطل أمر العَدْوَی فکیف قال أمیرُ المؤمنین فَاحْذَرُوهُ أَنْ یُعْدِیَکُمْ قلت إن النبیّ ص أبطل ما کانت العرب تزعمه من عَدْوَی الجَرَبِ فی الإبل و غیرها و أمیر المؤمنین ع حذَّرَ المکلفین من أن یتعلموا من إبلیس الکِبْرَ و الحَمِیَّةَ و شبه تعلمهم ذلک منه بالعَدْوَی لاشتراک الأمرین فی الانتقال من أحد الشخصین إلی الآخر.

قوله ع یَسْتَفِزَّکُمْ أی یَسْتَخِفَّکُمْ و هو من ألفاظ القرآن وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ (1) أی أزعجه و استخفه و أطر قلبه و الخیل الخیالة و منه

3646

الْحَدِیثُ یَا خَیْلَ اللَّهِ ارْکَبِی.

و الرَّجْلُ اسم جمع لراجل کرکْب اسم جمع لراکب و صحْب اسم جمع لصاحب و هذه أیضا من ألفاظ القرآن العزیز وَ أَجْلِبْ عَلَیْهِمْ بِخَیْلِکَ وَ رَجْلِکَ (2) و قرئ وَ رَجِلِکَ (3) بکسر الجیم علی أنَّ فَعِلاً بالکسر بمعنی فاعل نحو تَعِب و تَاعِب

ص :138

و معناه و قد تضم الجیم أیضا فیکون مثل قولک رَجُل حَدِث و حدُث و نَدِس و ندُس.

فإن قلت فهل لإبلیس خیل ترکبها جنده قلت یجوز أن یکون ذلک و قد فسره قوم بهذا و الصحیح أنّه کلام خرج مخرج المثل شبهت حاله فی تسلطه علی بنی آدم بمن یُغِیر علی قومٍ بِخَیْلِهِ فیَستأصِلُهُم و قیل بصوتک أی بدعائک إلی القبیح و خیله و رجله کل ماش و راکب من أهل الفساد من بنی آدم قوله و فَوَّقْتُ السهمَ جعلت له فوقا و هو موضع الوتر و هذا کنایة عن الاستعداد و لا یجوز أن یفسر قوله فقد فوَّق لکم سهمَ الوعید بأنه وضع الفوق فی الوَتَر لیرمی به لأن ذلک لا یقال فیه قد فوق بل یقال أَفَقْتُ السهم و أَوْفَقْتُهُ أیضا و لا یقال أَفْوَقْتُهُ و هو من النوادر.

و قوله و أغرق إلیکم بالنزع أی استوفی مد القوس و بالغ فی نزعها لیکون مرماه أبعد و وقع سهامه أشدّ.

قوله و رماکم من مکان قریب لأنّه کما جاء

3647

فِی الْحَدِیثِ یَجْرِی مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَی الدَّمِ وَ یُخَالِطُ الْقَلْبَ.

و لا شیء أقرب من ذلک.

و الباء فی قوله بِمٰا أَغْوَیْتَنِی متعلق بفعل محذوف تقدیره أجازیک بما أغویتنی تزیینی لهم القبیح فما علی هذا مصدریة أی أجازیک بإغوائک لی تزیینی لهم القبیح فحذف المفعول و یجوز أن تکون الباء قسما کأنّه أقسم بإغوائه إیاه لیزینن لهم.

فإن قلت و أی معنی فی أن یُقْسِمَ بِإِغْوَائِهِ و هل هذا ممّا یُقْسَمُ به قلت نعم لأنّه لیس إغواء اللّه تعالی إیاه خلق الغی و الضلال فی قلبه بل تکلیفه

ص :139

إیاه السجود الذی وقع الغی عنده من الشیطان لا من اللّه فصار حیث وقع عنده کأنّه موجب عنه فنسب إلی الباری و التکلیف تعریض للثواب و لذة الأبد فکان جدیرا أن یقسم به و قد أقسم فی موضع آخر فقال فَبِعِزَّتِکَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ (1) فأقسم بالعزة و هاهنا أقسم بالأمر و التکلیف و یجوز فیه وجه ثالث و هو ألا تکون الباء قسما و یقدر قسم محذوف و یکون المعنی بسبب ما کلفتنی فأفضی إلی غوایتی أقسم لأفعلن بهم نحو ما فعلت بی و هو أن أزین لهم المعاصی التی تکون سبب هلاکهم.

فإن قلت لیس هذا نحو ما فعله الباری به لأن الباری أمره بالحسن فأباه و عدل عنه إلی القبیح و الشیطان لا یأمرنا بالحسن فنکرهه و نعدل عنه إلی القبیح فکیف یکون ذلک نحو وَاقَعْتُهُ مع البارِی قلت المشابهة بین الواقعتین فی أن کل واحدة منهما تقع عندها المعصیة لا علی وجه الإجبار و القسر بل علی قصد الاختیار لأن معصیة إبلیس کانت من نفسه و وقعت عند الأمر بالسجود اختیارا منه لا فعلا من الباری و معصیتنا نحن عند التزیین و الوسوسة تقع اختیارا منا لا اضطرارا یضطرنا إبلیس إلیه فلما تشابهت الصورتان فی هذا المعنی حسن قوله بما فعلت بی کذا لأفعلن بهم نحوه.

فإن قلت ما معنی قوله فِی الْأَرْضِ و من أین کان یعلم إبلیس أن آدم سیصیر له ذرّیة فی الأرض قلت أما علمه بذلک فمن قول اللّه تعالی له و للملائکة إِنِّی جٰاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً (2) و أمّا لفظة الأرض فالمراد بها هاهنا الدنیا التی هی دار التکلیف کقوله تعالی

ص :140

وَ لٰکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَی الْأَرْضِ

(1)

لیس یرید به الأرض بعینها بل الدنیا و ما فیها من الملاذِّ و هوی الأنفس.

قوله ع قَذْفاً بِغَیْبٍ بَعِیدٍ أی قال إبلیس هذا القول قذفا بغیب بعید و العرب تقول للشیء المتوهم علی بعد هذا قذف بغیب بعید و القذف فی الأصل رمی الحجر و أشباهه و الغیب الأمر الغائب و هذه اللفظة من الألفاظ القرآنیة قال اللّه تعالی فی کفّار قریش وَ یَقْذِفُونَ بِالْغَیْبِ مِنْ مَکٰانٍ بَعِیدٍ (2) أی یقولون هذا سحر أو هذا من تعلیم أهل الکتاب أو هذه کهانة و غیر ذلک ممّا کانوا یرمونه ع به و انتصب قذفا علی المصدر الواقع موقع الحال و کذلک رجما و قال الراوندیّ انتصبا لأنهما مفعول له و لیس بصحیح لأن المفعول له ما یکون عذرا و علة لوقوع الفعل و إبلیس ما قال ذلک الکلام لأجل القذف و الرجم فلا یکون مفعولا له.

فإن قلت کیف قال ع قذفا مِنْ مَکٰانٍ بَعِیدٍ و رجما بظن غیر مصیب و قد صح ما توهمه و أصاب فی ظنه فإن إغواءه و تزیینه تمّ علی الناس کلهم إلاّ علی المخلصین قلت أما أولا فقد روی و رجما بظن مصیب بحذف غیر و یؤکد هذه الروایة قوله تعالی وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَیْهِمْ إِبْلِیسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّٰ فَرِیقاً (3) و أمّا ثانیا علی الروایة التی هی أشهر فنقول أما قذفا مِنْ مَکٰانٍ بَعِیدٍ فإنه قال ما قال علی سبیل التوهم و الحسبان لأمر مستبعد لا یعلم صحته و لا یظنها و لیس وقوع ما وقع من المعاصی و صحة ما توهمه بمخرج لکون قوله الأول قذفا بغیب بعید و أما رجما بظن غیر مصیب

ص :141

فیجب أن یحمل قوله لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ (1) علی الغوایة بمعنی الشرک أو الکفر و یکون الاستثناء و هو قوله إِلاّٰ عِبٰادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ (2) معناه إلاّ المعصومین من کل معصیة و هذا ظنّ غیر مصیب لأنّه ما أغوی کل البشر الغوایة التی هی الکفر و الشرک إلاّ المعصومین العصمة المطلقة بل أغوی بعضهم کذلک و بعضهم بأن زین له الفسق دون الکفر فیکون ظنه أنّه قادر علی إغواء البشر کافة بمعنی الضلال بالکفر ظنا غیر مصیب .

قوله صدقه به أبناء الحَمِیَّة موضع صدقه جر لأنّه صفة ظنّ و قد روی صدقه أبناء الحمیة من غیر ذکر الجار و المجرور و من رواه بالجار و المجرور کان معناه صدقه فی ذلک الظنّ أبناء الحمیة فأقام الباء مقام فی.

قوله حتی إذا انقادت له الجَامِحَةُ منکم أی الأنفس الجامحة أو الأخلاق الجامحة.

قوله فنجمت فیه الحال أی ظهرت و قد روی فنجمت الحال من السر الخفی من غیر ذکر الجار و المجرور و من رواه بالجار و المجرور فالمعنی فنجمت الحال فی هذا الشأن المذکور بینه و بینکم من الخفاء إلی الجلاء .

و استَفْحَلَ سلطانُهُ قوی و اشتد و صار فَحْلا و استَفْحَلَ جواب قوله حتی إذا .

دلف بجنوده

تقدم بهم.

و الوَلَجَات جمع وَلَجَة بالتحریک و هی موضع أو کهف یستتر فیه المارة من مطر أو غیره.

و أقحموکم أدخلوکم و الورطة الهلکة .

قوله و أوطئوکم إثخان الجراحة أی جعلوکم واطئین لذلک و الإثخان مصدر أثخن فی القتل أی أکثر منه و بالغ حتّی کثف شأنه و صار کالشیء الثخین و معنی

ص :142

إیطاء الشیطان ببنی آدم ذلک إلقاؤه إیاهم فیه و توریطهم و حمله لهم علیه فالإثخان علی هذا منصوب لأنّه مفعول ثان لا کما زعم الراوندیّ أنه انتصب بحذف حرف الخفض.

قوله ع طعنا فی عیونکم انتصب طعنا علی المصدر و فعله محذوف أی فعلوا بکم هذه الأفعال فطعنوکم فی عیونکم طعنا فأما من روی و أوطئوکم لإثخان الجراحة باللام فإنّه یجعل طعنا منصوبا علی أنّه مفعول به أی أوطئوکم طعنا و حزا کقولک أوطأته نارا و أوطأته عشوة و یکون لإثخان الجراحة مفعولا له أی أوطئوکم الطعن لیثخنوا جراحکم و ینبغی أن یکون قصدا و سوقا خالصین للمصدریة لأنّه یبعد أن یکون مفعولا به.

و اعلم أنّه لما ذکر الطعن نسبه إلی العیون و لما ذکر الحز و هو الذبح نسبه إلی الحلوق و لما ذکر الدق و هو الصدم الشدید أضافه إلی المناخر و هذا من صناعة الخطابة التی علمه اللّه إیاها بلا تعلیم و تعلمها الناس کلهم بعده منه.

و الخَزَائِم جمع خزامة و هی حلقة من شعر تجعل فی وتره أنف البعیر فیشد فیها الزمام.

و تقول قد وری الزند أی خرجت ناره و هذا الزند أوری من هذا أی أکثر إخراجا للنار یقول فأصبح الشیطان أضر علیکم و أفسد لحالکم من أعدائکم الذین أصبحتم مناصبین لهم أی معادین و علیهم متألبین أی مجتمعین .

فإن قلت أما أعظم فی الدین حرجا فمعلوم فأی معنی لقوله و أوری فی دنیاکم قدحا و هل یفسد إبلیس أمر الدنیا کما یفسد أمر الدین قلت نعم لأن أکثر القبائح الدینیة مرتبطة بالمصالح و المفاسد الدنیویة أ لا تری أنّه إذا أغری السارق بالسرقة أفسد حال السارق من جهة الدین و حال المسروق منه من جهة الدنیا

ص :143

و کذلک القول فی الغصب و القتل و ما یحدث من مضار الشرور الدنیویة من اختلاط الأنساب و اشتباه النسل و ما یتولد من شرب الخمر و السکر الحاصل عنها من أمور یحدثها السکران خبطا بیده و قذفا بلسانه إلی غیر ذلک من أمثال هذه الأمور و أشباهها .

قوله ع فاجعلوا علیه حدکم أی شباتکم و بأسکم.

و له جِدَّکم

من جددت فی الأمر جدا أی اجتهدت فیه و بالغت.

ثمّ ذکر أنّه فخر علی أصل بنی آدم یعنی أباهم آدم ع حیث امتنع من السجود له و قال أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ .

و وقع فی حسبکم

أی عاب حسبکم و هو الطین فقال إن النار أفضل منه و دفع فی نسبکم مثله و أجلب بخیله علیکم أی جمع خیالته و فرسانه و ألبها.

و یَقْتَنِصُونَکُمْ یَتَصَیَّدُونَکُمْ و البَنَان أطراف الأصابع و هو جمع واحدته بنانة و یجمع فی القلة علی بنانات و یقال بنان مخضب لأن کل جمع لیس بینه و بین واحدة إلاّ الهاء فإنّه یذکر و یوحد .

و الحومة معظم الماء و الحرب و غیرهما و موضع هذا الجار و المجرور نصب علی الحال أی یقتنصونکم فی حومة ذل .

و الجولة الموضع الذی تجول فیه .

و کمن فی قلوبکم استتر و منه الکمین فی الحرب.

و نزغات الشیطان وساوسه التی یفسد بها و نفثاته مثله .

قوله و اعتمدوا وضع التذلل علی رءوسکم و إلقاء التعزز تحت أقدامکم کلام شریف جلیل المحل و کذلک قوله ع و اتخذوا التواضع مسلحة بینکم و بین عدوکم إبلیس و جنوده و المسلحة خیل معدة للحمایة و الدفاع .

ص :144

ثم نهاهم أن یکونوا کقابیل الذی حسد أخاه هابیل فقتله و هما أخوان لأب و أم و إنّما قال ابن أمه فذکر الأم دون الأب لأن الأخوین من الأم أشدّ حنوا و محبة و التصاقا من الأخوین من الأب لأن الأم هی ذات الحضانة و التربیة.

و قوله من غیر ما فضل ما هاهنا زائدة و تعطی معنی التأکید نهاهم ع أن یحسدوا النعم و أن یبغوا و یفسدوا فی الأرض فإن آدم لما أمر ولده بالقربان قرب قابیل شر ماله و کان کافرا و قرب هابیل خیر ماله و کان مؤمنا فتقبل اللّه تعالی من هابیل و أهبط من السماء نارا فأکلته قالوا لأنّه لم یکن فی الأرض حینئذ فقیر یصل القربان إلیه فحسده قابیل و کان أکبر منه سنا ف قٰالَ لَأَقْتُلَنَّکَ قٰالَ هابیل إِنَّمٰا یَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ أی بذنبک و جرمک کان عدم قبول قربانک لانسلاخک من التقوی فقتله فأصبح نادما لا ندم التوبة بل ندم الحیر و رقة الطبع البشری و لأنّه تعب فی حمله کما ورد فی التنزیل أنه لم یفهم ما ذا یصنع به حتّی بعث اللّه الغراب .

قوله ع و ألزمه آثام القاتلین إلی یوم القیامة لأنّه کان ابتدأ بالقتل و من سن سنة شر کان علیه وزرها و وزر من عمل بها إلی یوم القیامة کما أن من سن سنة خیر کان له أجرها و أجر من عمل بها إلی یوم القیامة

3648

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ أَنَّ الرِّوَایَاتِ اخْتَلَفَتْ فِی هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فَرَوَی قَوْمٌ أَنَّ الرَّجُلَیْنِ کَانَا مِنْ بَنِی إِسْرَائِیلَ وَ لَیْسَا مِنْ وُلْدِ آدَمَ لِصُلْبِهِ وَ الْأَکْثَرُونَ خَالَفُوا فِی ذَلِکَ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَکْثَرُونَ فَرَوَی قَوْمٌ أَنَّ الْقُرْبَانَ مِنْ قَابِیلَ وَ هَابِیلَ کَانَ ابْتِدَاءً وَ الْأَکْثَرُونَ قَالُوا بَلْ أَرَادَ آدَمُ ع أَنْ یُزَوِّجَ هَابِیلَ أُخْتَ قَابِیلَ تَوْأَمَتَهُ وَ یُزَوِّجَ

ص :145

قَابِیلَ أُخْتَ هَابِیلَ تَوْأَمَتَهُ فَأَبَی قَابِیلُ لِأَنَّ تَوْأَمَتَهُ کَانَتْ أَحْسَنَ فَأَمَرَهُمَا أَبُوهُمَا بِالْقُرْبَانِ فَمَنْ تُقُبُّلَ قُرْبَانُهُ نَکَحَ الْحَسْنَاءَ فَتُقُبِّلَ قُرْبَانُ هَابِیلَ فَقَتَلَهُ أَخُوهُ کَمَا وَرَدَ فِی اَلْکِتَابِ الْعَزِیزِ.

و

3649

رَوَی اَلطَّبَرِیُّ مَرْفُوعاً أَنَّهُ ص قَالَ مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْماً إِلاَّ کَانَ عَلَی ابْنِ آدَمَ ع الْأَوَّلِ کِفْلٌ مِنْهَا وَ ذَلِکَ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ.

و هَذَا یُشَیِّدُ قولَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِین ع أَلاَ وَ قَدْ أَمْعَنْتُمْ فِی الْبَغْیِ وَ أَفْسَدْتُمْ فِی الْأَرْضِ مُصَارَحَةً لِلَّهِ بِالْمُنَاصَبَةِ وَ مُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِینَ بِالْمُحَارَبَةِ فَاللَّهَ اللَّهَ فِی کِبْرِ الْحَمِیَّةِ وَ فَخْرِ اَلْجَاهِلِیَّةِ فَإِنَّهُ مَلاَقِحُ الشَّنَئَانِ وَ مَنَافِخُ اَلشَّیْطَانِ الَّتِی خَدَعَ بِهَا الْأُمَمَ الْمَاضِیَةَ وَ الْقُرُونَ الْخَالِیَةَ حَتَّی أَعْنَقُوا فِی حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ وَ مَهَاوِی ضَلاَلَتِهِ ذُلُلاً عَنْ سِیَاقِهِ سُلُساً فِی قِیَادِهِ أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فِیهِ وَ تَتَابَعَتِ الْقُرُونُ عَلَیْهِ وَ کِبْراً تَضَایَقَتِ الصُّدُورُ بِهِ أَلاَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِکُمْ وَ کُبَرَائِکُمْ الَّذِینَ تَکَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وَ تَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ وَ أَلْقَوُا الْهَجِینَةَ عَلَی رَبِّهِمْ وَ جَاحَدُوا اللَّهَ عَلَی مَا صَنَعَ بِهِمْ مُکَابَرَةً لِقَضَائِهِ وَ مُغَالَبَةً لِآلاَئِهِ فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ [آسَاسِ]

الْعَصَبِیَّةِ وَ دَعَائِمُ أَرْکَانِ الْفِتْنَةِ وَ سُیُوفُ اعْتِزَاءِ اَلْجَاهِلِیَّةِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لاَ تَکُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَیْکُمْ أَضْدَاداً وَ لاَ لِفَضْلِهِ عِنْدَکُمْ حُسَّاداً

ص :146

وَ لاَ تُطِیعُوا الْأَدْعِیَاءَ الَّذِینَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِکُمْ کَدَرَهُمْ وَ خَلَطْتُمْ بِصِحَّتِکُمْ مَرَضَهُمْ وَ أَدْخَلْتُمْ فِی حَقِّکُمْ بَاطِلَهُمْ وَ هُمْ أَسَاسُ [آسَاسُ]

الْفُسُوقِ وَ أَحْلاَسُ الْعُقُوقِ اتَّخَذَهُمْ إِبْلِیسُ مَطَایَا ضَلاَلٍ وَ جُنْداً بِهِمْ یَصُولُ عَلَی النَّاسِ وَ تَرَاجِمَةً یَنْطِقُ عَلَی أَلْسِنَتِهِمْ اسْتِرَاقاً لِعُقُولِکُمْ وَ دُخُولاً فِی عُیُونِکُمْ وَ نَفْثاً فِی أَسْمَاعِکُمْ فَجَعَلَکُمْ مَرْمَی نَبْلِهِ وَ مَوْطِئَ قَدَمِهِ وَ مَأْخَذَ یَدِهِ فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْمُسْتَکْبِرِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَ صَوْلاَتِهِ وَ وَقَائِعِهِ وَ مَثُلاَتِهِ وَ اتَّعِظُوا بِمَثَاوِی خُدُودِهِمْ وَ مَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ وَ اسْتَعِیذُوا بِاللَّهِ مِنْ لَوَاقِحِ الْکِبْرِ کَمَا تَسْتَعِیذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ .

أمعنتم فی البغی

بَالَغْتُمْ فیه من أمعن فی الأرض أی ذهب فیها بعیدا و مصارحة لله أی مکاشفة.

و المُنَاصَبَةُ المُعَادَاةُ .

و مَلاَقِح الشَّنَئَانِ قال الراوندیّ المَلاَقِحُ هی الفُحُول التی تلقح و لیس بصحیح نص الجوهریّ علی أن الوجه لَوَاقِحُ کما جاء فی القرآن وَ أَرْسَلْنَا الرِّیٰاحَ لَوٰاقِحَ (1) و قال هو من النوادر لأن الماضی رباعی و الصحیح أن ملاقح هاهنا جمع ملقح و هو المصدر من لقحت کضربت مضربا و شربت مشربا و یجوز فتح النون من الشَّنَئان و تسکینها و هو البغض.

و مَنَافِخُ الشَّیطانِ

جمع منفخ و هو مصدر أیضا من نفخ و نفخ الشیطان و نفثه

ص :147

واحد و هو وسوسته و تسویلُهُ و یقال للمتطاول إلی ما لیس له قد نفخ الشیطان فی أنفه.

و

3650

1- فِی کَلاَمِهِ ع یَقُولُهُ لِطَلْحَةَ وَ هُوَ صَرِیعٌ وَ قَدْ وَقَفَ عَلَیْهِ وَ أَخَذَ سَیْفَهُ سَیْفٌ طَالَمَا جَلَی بِهِ الْکَرْبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ لَکِنَّ اَلشَّیْطَانَ نَفَخَ فِی أَنْفِهِ .

قوله و أَعْنَقُوا أسرعوا و فرس مِعْنَاقٌ و السَّیْرُ العَنَق قال الراجز یا ناقُ سِیرِی عَنَقاً فَسِیحاً إلی سلیمانَ فَنَسْتَرِیحَا (1) .

و الحَنَادِسُ الظُّلَمُ.

و المَهَاوِی جمع مَهْواة بالفتح و هی الهُوَّة یتردی الصید فیها و قد تهاوی الصید فی المَهْواة إذا سقط بعضه فی أثر بعض .

قوله ع ذُلُلاً عن سیاقه انتصب علی الحال جمع ذلول و هو السهل المقادة و هو حال من الضمیر فی أَعْنَقُوا أی أسرعوا منقادین لسوقه إیاهم.

و سُلُساً جمع سَلِسٍ و هو السهل أیضا و إنّما قسم ذُلُلاً و سُلُساً بین سِیاقه و قِیاده لأن المستعمل فی کلامهم قدت الفرس فوجدته سلسا أو صعبا و لا یستحسنون سقته فوجدته سلسا أو صعبا و إنّما المستحسن عندهم سقته فوجدته ذلولا أو شموسا.

قوله ع أمرا منصوب بتقدیر فعل أی اعتمدوا أمرا و کبرا معطوف علیه أو ینصب کبرا علی المصدر بأن یکون اسما واقعا موقعه کالعطاء موضع الإعطاء.

و قال الراوندیّ أمراً منصوب هاهنا لأنّه مفعول به و ناصبه المصدر الذی هو سیاقه و قیاده تقول سُقْتُ و قُدْتُ قِیادا و هذا غیر صحیح لأن مفعول هذین المصدرین محذوف تقدیره عن سیاقه إیاهم و قیاده إیاهم و هذا هو معنی الکلام و لو فرضنا مفعول

ص :148

أحد هذین المصدرین أمرا لفسد معنی الکلام و قال الراوندیّ أیضا و یجوز أن یکون أمرا حالا و هذا أیضا لیس بشیء لأن الحال وصف هیئة الفاعل أو المفعول و أمرا لیس کذلک.

قوله ع تَشَابَهَتِ القُلُوبُ فیه أی أن الحمیة و الفخر و الکبر و العصبیّة ما زالت القلوب متشابهة متماثلة فیها.

و تتابعت القرون علیه

جمع قَرْن بالفتح و هی الأُمَّةُ من الناس.

و کبرا تضایقت الصدور به

أی کبر فی الصدور حتّی امتلأت به و ضاقت عنه لکثرته .

ثمّ أمر بالحَذَرِ مِنْ طَاعَةٍ الرؤساء أرباب الحَمِیَّة و فیه إشارة إلی قوله تعالی إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ کُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا السَّبِیلاَ (1) .

و قد کان أمر فی الفصل الأول بالتواضع لله و نهی هاهنا عن التواضع للرؤساء و قد جاء

3651

فِی الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ مَا أَحْسَنَ تَوَاضُعَ الْأَغْنِیَاءِ لِلْفُقَرَاءِ وَ أَحْسَنُ مِنْهُ تَکَبُّرُ الْفُقَرَاءِ عَلَی الْأَغْنِیَاءِ.

الذین تکبروا عن حسبهم

أی جهلوا أنفسهم و لم یفکروا فی أصلهم من النُّطَفِ المستقذَرَة من الطین المنتن قال الشاعر ما بال من أوله نطفة

قوله ع و ألقوا الهَجِینَةَ علی ربهم روی الهجینة علی فعیلة کالطبیعة و الخلیقة و روی الهجنة علی فعلة کالمضغة و اللقمة و المراد بهما الاستهجان من قولک هو یهجن کذا أی یقبحه و یستهجنه أی یستقبحه أی نسبوا ما فی الأنساب

ص :149

من القبح بزعمهم إلی ربهم مثل أن یقولوا للرجل أنت عجمی و نحن عرب فإن هذا لیس إلی الإنسان بل هو إلی اللّه تعالی فأی ذنب له فیه.

قوله و جاحدوا اللّه أی کابروه و أنکروا صنعه إلیهم .

و آساس بالمد جمع أساس.

و اعتزاء الجاهلیة قولهم یا لفلان و سمع أبی بن کعب رجلا یقول یا لفلان فقال عضضت بهن أبیک فقیل له یا أبا المنذر ما کنت فحاشا

3652

قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ مَنْ تَعَزَّی بِعَزَاءِ اَلْجَاهِلِیَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِیهِ وَ لاَ تُکَنُّوا .

قوله فلا تکونوا لنعمة اللّه أضدادا لأن البغی و الکبر یقتضیان زوال النعمة و تبدلها بالنقمة.

قوله و لا تطیعوا الأدعیاء مراده هاهنا بالأدعیاء الذین ینتحلون الإسلام و یبطنون النفاق.

ثمّ وصفهم فقال الذین شربتم بصفوکم کدرهم أی شربتم کدرهم مستبدلین ذلک بصفوکم و یروی الذین ضربتم أی مزجتم و یروی شریتم أی بعتم و استبدلتم .

و الأَحْلاَس جمع حلس و هو کساء رقیق یکون علی ظهر البعیر ملازما له فقیل لکل ملازم أمر هو حلس ذلک الأمر.

و الترجمان بفتح التاء هو الذی یفسر لسانا بلسان غیره و قد تضم التاء و یروی و نثا فی أسماعکم من نث الحدیث أی أفشاه

ص :150

فَلَوْ رَخَّصَ اللَّهُ فِی الْکِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِیهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِیَائِهِ وَ أَوْلِیَائِهِ وَ لَکِنَّهُ سُبْحَانَهُ کَرَّهَ إِلَیْهِمُ التَّکَابُرَ وَ رَضِیَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَ عَفَّرُوا فِی التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَ خَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ کَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِینَ قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَ ابْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَ امْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَ مَخَضَهُمْ [مَحَّصَهُمْ]

بِالْمَکَارِهِ فَلاَ تَعْتَبِرُوا [اَلرِّضَا]

اَلرِّضَی وَ السُّخْطَ بِالْمَالِ وَ الْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَةِ وَ الاِخْتِبَارِ فِی مَوْضِعِ الْغِنَی وَ اَلْإِقْتِدَارِ [اَلْإِقْتَارِ]

فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی أَ یَحْسَبُونَ أَنَّمٰا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مٰالٍ وَ بَنِینَ نُسٰارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْرٰاتِ بَلْ لاٰ یَشْعُرُونَ .

(1)

التکابر

التعاظم و الغرض مقابلة لفظة التواضع لتکون الألفاظ مزدوجة .

و عفر وجهه ألصقه بالعفر.

و خفضوا أجنحتهم

ألانوا جانبهم.

و المخمصة الجوع و المجهدة المشقة و أمیر المؤمنین ع کثیر الاستعمال لمفعل و مفعلة بمعنی المصدر إذا تصفحت کلامه عرفت ذلک.

و محصهم

أی طهرهم و روی مخضهم بالخاء و الضاد المعجمة أی حرکهم و زلزلهم.

ص :151

ثم نهی أن یعتبر رضا اللّه و سخطه بما نراه من إعطائه الإنسان مالا و ولدا فإن ذلک جهل بمواقع الفتنة و الاختبار .

و قوله تعالی أَ یَحْسَبُونَ الآیة دلیل علی ما قاله ع و الأدلة العقلیّة أیضا دلت علی أن کثیرا من الآلام و الغموم و البلوی إنّما یفعله اللّه تعالی للألطاف و المصالح و ما الموصولة فی الآیة یعود إلیها محذوف و مقدر لا بدّ منه و إلاّ کان الکلام غیر منتظم و غیر مرتبط بعضه ببعض و تقدیره نُسٰارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْرٰاتِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ یَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَکْبِرِینَ فِی أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِیَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِینَ فِی أَعْیُنِهِمْ وَ لَقَدْ دَخَلَ مُوسَی بْنُ عِمْرَانَ وَ مَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ ع عَلَی فِرْعَوْنَ وَ عَلَیْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ وَ بِأَیْدِیهِمَا الْعِصِیُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْکِهِ وَ دَوَامَ عِزِّهِ فَقَالَ أَ لاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَیْنِ یَشْرِطَانِ لِی دَوَامَ الْعِزِّ وَ بَقَاءَ الْمُلْکِ وَ هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَ الذُّلِّ فَهَلاَّ أُلْقِیَ عَلَیْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَ جَمْعِهِ وَ احْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَ لُبْسِهِ وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِیَائِهِ حَیْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ یَفْتَحَ لَهُمْ کُنُوزَ الذِّهْبَانِ وَ مَعَادِنَ الْعِقْیَانِ وَ مَغَارِسَ الْجِنَانِ وَ أَنْ یَحْشُرَ مَعَهُمْ طُیُورَ السَّمَاءِ وَ وُحُوشَ الْأَرَضِینَ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلاَءُ وَ بَطَلَ الْجَزَاءُ وَ اضْمَحَلَّتِ الْأَنْبَاءُ وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِینَ أُجُورُ الْمُبْتَلَیْنَ وَ لاَ اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِینَ وَ لاَ لَزِمَتِ الْأَسْمَاءُ مَعَانِیَهَا وَ لَکِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِی قُوَّةٍ فِی عَزَائِمِهِمْ وَ ضَعَفَةً فِیمَا

ص :152

تَرَی الْأَعْیُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ الْقُلُوبَ وَ الْعُیُونَ غِنًی وَ خَصَاصَةً تَمْلَأُ الْأَبْصَارَ وَ الْأَسْمَاعَ أَذًی .

مَدَارِع الصوف

جمع مِدْرعة بکسر المیم و هی کالکساء و تدرع الرجل و تمدرع إذا لبسها و العِصِیِّ جمعُ عَصاً .

و تقول هذا سوار المرأة و الجمع أسورة و جمع الجمع أساورة و قرئ فَلَوْ لاٰ أُلْقِیَ عَلَیْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ (1) و قد یکون جمع أساور قال سبحانه یُحَلَّوْنَ فِیهٰا مِنْ أَسٰاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ (2) قال أبو عمرو بن العلاء أساور هاهنا جمع إسوار و هو السِّوَار.

و الذِّهْبان بکسر الذال جمع ذهب کخرب لذکر الحباری و خربان و العِقْیان الذهب أیضا قوله ع و اضمَحَلَّتِ الأَنْبَاءُ أی تَلاَشَتْ و فَنِیَتْ و الأنْباء جمع نبأ و هو الخبر أی لسقط الوعد و الوعید و بطلا.

قوله ع و لا لزمت الأسماء معانیها أی من یسمی مؤمنا أو مسلما حینئذ فإن تسمیته مجاز لا حقیقة لأنّه لیس بمؤمن إیمانا من فعله و کسبه بل یکون ملجأ إلی الإیمان بما یشاهده من الآیات العظیمة.

و المُبتلَیْنَ بفتح اللام جمع مبتلی کالمعطین و المرتضین جمع معطی و مرتضی .

و الخصاصة الفقر.

ص :153

و هذا الکلام هو ما یقوله أصحابنا بعینه فی تعلیل أفعال الباری سبحانه بالحکمة و المصلحة و أن الغرض بالتکلیف هو التعریض للثواب و أنّه یجب أن یکون خالصا من الإلجاء و من أن یفعل الواجب بوجه غیر وجه وجوبه یرتدع عن القبیح لوجه غیر وجه قبحه.

3653

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ أَنَّ مُوسَی قَدِمَ هُوَ وَ أَخُوهُ هَارُونُ مِصْرَ عَلَی فِرْعَوْنَ لَمَّا بَعَثَهُمَا اللَّهُ تَعَالَی إِلَیْهِ حَتَّی وَقَفَا عَلَی بَابِهِ یَلْتَمِسَانِ الْإِذْنَ عَلَیْهِ فَمَکَثَا سِنِینَ یَغْدُوَانِ عَلَی بَابِهِ وَ یَرُوحَانِ لاَ یَعْلَمُ بِهِمَا وَ لاَ یَجْتَرِئُ أَحَدٌ عَلَی أَنْ یُخْبِرَهُ بِشَأْنِهِمَا وَ قَدْ کَانَا قَالاَ لِمَنْ بِالْبَابِ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّ الْعَالَمِینَ إِلَی فِرْعَوْنَ حَتَّی دَخَلَ عَلَیْهِ بَطَّالٌ لَهُ یُلاَعِبُهُ وَ یُضْحِکُهُ فَقَالَ لَهُ أَیُّهَا الْمَلِکُ إِنَّ عَلَی الْبَابِ رَجُلاً یَقُولُ قَوْلاً عَجِیباً عَظِیماً وَ یَزْعُمُ أَنَّ لَهُ إِلَهاً غَیْرَکَ قَالَ بِبَابِی قَالَ نَعَمْ قَالَ أَدْخِلُوهُ فَدَخَلَ وَ بِیَدِهِ عَصَاهُ وَ مَعَهُ هَارُونُ أَخُوهُ فَقَالَ أَنَا رَسُولُ رَبِّ الْعٰالَمِینَ إِلَیْکَ. و ذکر تمام الخبر.

فإن قلت أی خاصیة فی الصوف و لبسه و لم اختاره الصالحون علی غیره قلت ورد

3654

فِی الْخَبَرِ أَنَّ أَوَّلَ لِبَاسٍ لَبِسَهُ آدَمُ لَمَّا هَبَطَ إِلَی الْأَرْضِ صُوفُ کَبْشٍ قَیَّضَهُ اللَّهُ لَهُ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَذْبَحَهُ فَیَأْکُلَ لَحْمَهُ وَ یَلْبَسَ صُوفَهُ لِأَنَّهُ أُهْبِطَ عُرْیَاناً مِنَ اَلْجَنَّةِ فَذَبَحَهُ وَ غَزَلَتْ حَوَّاءُ صُوفَهُ فَلَبِسَ آدَمُ مِنْهُ ثَوْباً وَ أُلْبِسَ حَوَّاءُ ثَوْباً آخَرَ فَلِذَلِکَ صَارَ شِعَارَ الْأَوْلِیَاءِ وَ انْتُسِبَتْ إِلَیْهِ اَلصُّوفِیَّةُّ .

ص :154

وَ لَوْ کَانَتِ الْأَنْبِیَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لاَ تُرَامُ وَ عِزَّةٍ لاَ تُضَامُ وَ مُلْکٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ وَ تُشَدُّ إِلَیْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ لَکَانَ ذَلِکَ أَهْوَنَ عَلَی الْخَلْقِ فِی الاِعْتِبَارِ وَ أَبْعَدَ لَهُمْ [مِنَ]

فِی الاِسْتِکْبَارِ وَ لَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَکَانَتِ النِّیَّاتُ مُشْتَرَکَةً وَ الْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً وَ لَکِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ یَکُونَ الاِتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَ التَّصْدِیقُ بِکُتُبِهِ وَ الْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَ الاِسْتِکَانَةُ لِأَمْرِهِ وَ الاِسْتِسْلاَمُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً لاَ تَشُوبُهَا [یَشُوبُهَا]

مِنْ غَیْرِهَا شَائِبَةٌ .

تمد نحوه أعناق الرجال

أی لعظمته أی یؤمله المؤملون و یرجوه الراجون و کل من أمل شیئا فقد طمح ببصره إلیه معنی لا صورة فکنی عن ذلک بمد العنق.

و تشد إلیه عقد الرحال

یسافر أرباب الرغبات إلیه یقول لو کان الأنبیاء ملوکا ذوی بأس و قهر لم یمکن إیمان الخلق و انقیادهم إلیهم لأن الإیمان فی نفسه واجب عقلا بل کان لرهبة لهم أو رغبة فیهم فکانت النیات مشترکة هذا فرض سؤال و جواب عنه کأنّه قال لنفسه لم لا یجوز أن یکون إیمانهم علی هذا التقدیر لوجوبه و لخوف ذلک النبیّ أو لرجاء نفع ذلک النبیّ ص فقال لأن النیات تکون حینئذ مشترکة أی یکون المکلف قد فعل الإیمان لکلا الأمرین و کذلک تفسیر قوله و الحسنات مقتسمة قال و لا یجوز أن تکون طاعة اللّه تعالی تعلو إلاّ لکونها طاعة له لا غیر و لا یجوز أن یشوبها و یخالطها من غیرها شائبة .

ص :155

فإن قلت ما معنی قوله لکان ذلک أهون علی الخلق فی الاعتبار و أبعد لهم من الاستکبار قلت أی لو کان الأنبیاء کالملوک فی السطوة و البطش لکان المکلف لا یشق علیه الاعتبار و الانزجار عن القبائح مشقته علیه إذا ترکه لقبحه لا لخوف السیف و کان بعد المکلفین عن الاستکبار و البغی لخوف السیف و التأدیب أعظم من بعدهم عنهما إذا ترکوهما لوجه قبحهما فکان یکون ثواب المکلف إمّا ساقطا و إمّا ناقصا وَ کُلَّمَا کَانَتِ الْبَلْوَی وَ الاِخْتِبَارُ أَعْظَمَ کَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَ الْجَزَاءُ أَجْزَلَ أَ لاَ تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الْأَوَّلِینَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ ص إِلَی الآْخِرِینَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ بِأَحْجَارٍ لاَ تَضُرُّ وَ لاَ تَنْفَعُ وَ لاَ تُبْصِرُ وَ لاَ تَسْمَعُ فَجَعَلَهَا بَیْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِی جَعَلَهُ [اَللَّهُ]

لِلنَّاسِ قِیَاماً ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَجَراً وَ أَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْیَا مَدَراً وَ أَضْیَقِ بُطُونِ الْأَوْدِیَةِ قُطْراً بَیْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ وَ رِمَالٍ دَمِثَةٍ وَ عُیُونٍ وَشِلَةٍ وَ قُرًی مُنْقَطِعَةٍ لاَ یَزْکُو بِهَا خُفٌّ وَ لاَ حَافِرٌ وَ لاَ ظِلْفٌ ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ ع وَ وَلَدَهُ أَنْ یَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وَ غَایَةً لِمُلْقَی رِحَالِهِمْ تَهْوِی إِلَیْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِیقَةٍ وَ مَهَاوِی فِجَاجٍ عَمِیقَةٍ وَ جَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ حَتَّی یَهُزُّوا مَنَاکِبَهُمْ ذُلُلاً یُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ وَ یَرْمُلُونَ عَلَی أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِیلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَ شَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمْ ابْتِلاَءً عَظِیماً وَ امْتِحَاناً شَدِیداً وَ اخْتِبَاراً مُبِیناً وَ تَمْحِیصاً بَلِیغاً جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَ وُصْلَةً إِلَی جَنَّتِهِ

ص :156

وَ لَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ یَضَعَ بَیْتَهُ الْحَرَامَ وَ مَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ بَیْنَ جَنَّاتٍ وَ أَنْهَارٍ وَ سَهْلٍ وَ قَرَارٍ جَمَّ الْأَشْجَارِ دَانِیَ الثِّمَارِ مُلْتَفَّ الْبُنَی مُتَّصِلَ الْقُرَی بَیْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ وَ رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَ أَرْیَافٍ مُحْدِقَةٍ وَ عِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ وَ [زُرُوعٍ]

رِیَاضٍ نَاضِرَةٍ وَ طُرُقٍ عَامِرَةٍ لَکَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَی حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلاَءِ وَ لَوْ کَانَ [اَلْأَسَاسُ]

اَلْإِسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَیْهَا وَ الْأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ وَ یَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَ نُورٍ وَ ضِیَاءٍ لَخَفَّفَ ذَلِکَ مُصَارَعَةَ الشَّکِّ فِی الصُّدُورِ وَ لَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِیسَ عَنِ الْقُلُوبِ وَ لَنَفَی مُعْتَلَجَ الرَّیْبِ مِنَ النَّاسِ وَ لَکِنَّ اللَّهَ یَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ وَ یَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ وَ یَبْتَلِیهِمْ بِضُرُوبِ الْمَکَارِهِ إِخْرَاجاً لِلتَّکَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَ إِسْکَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِی نُفُوسِهِمْ وَ لِیَجْعَلَ ذَلِکَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَی فَضْلِهِ وَ أَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ .

کانت المثوبة

أی الثواب.

و أجزل أکثر و الجزیل العظیم و عطاء جزل و جزیل و الجمع جزال و قد أجزلت له من العطاء أی أکثرت .

و جعله للناس قیاما أی عمادا و فلان قیام أهله أی یقیم شئونهم و منه قوله تعالی وَ لاٰ تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَکُمُ الَّتِی جَعَلَ اللّٰهُ لَکُمْ قِیٰاماً (1) .

و أوعر بقاع الأرض حجرا أی أصعبها و مکان وعر بالتسکین صعب المسلک أو المقام.

ص :157

و أقل نتائق الدنیا مدرا

أصل هذه اللفظة من قولهم امرأة منتاق أی کثیرة الحبل و الولادة و یقال ضیعة منتاق أی کثیرة الریع فجعل ع الضیاع ذوات المدر التی تثار للحرث نتائق و قال إن مکّة أقلها صلاحا للزرع لأن أرضها حجریة.

و القطر الجانب و رمال دمثة سهلة و کلما کان الرمل أسهل کان أبعد عن أن ینبت.

و عیونٍ وَشَلَة

أی قلیلة الماء و الوشل بفتح الشین الماء القلیل و یقال وَشَلَ الماءُ وَشَلاَناً أی قطر.

قوله لا یزکو بها خف أی لا تزید الإبل فیها أی لا تسمن و الخف هاهنا هو الإبل و الحافر الخیل و الحمیر و الظلف الشاة أی لیس حولها مرعی یرعاه الغنم فتسمن .

و أن یثنوا أعطافهم نحوه أی یقصدوه و یحجوه و عطفا الرجل جانباه.

و صار مثابة أی یثاب إلیه و یرجع نحوه مرة بعد أخری و هذه من ألفاظ الکتاب العزیز (1) .

قوله ع لمنتجَعِ أسفارهم أی لنجعتها و النجعة طلب الکلأ فی الأصل ثمّ سمی کل من قصد أمرا یروم النفع منه مُنْتَجَعا.

قوله و غایةً لِمُلْقَی رِحَالِهِم أی صار البیت هو الغایة التی هی الغرض و المقصد و عنده تلقی الرحال أی تحط رحال الإبل عن ظهورها و یبطل السفر لأنّهم قد انتهوا إلی الغایة المقصودة.

ص :158

قوله تهوی إلیه ثمار الأفئدة ثمرة الفؤاد هو سویداء القلب و منه قولهم للولد هو ثمرة الفؤاد و معنی تهوی إلیه أی تتشوقه و تحن نحوه.

و المفاوز هی جمع مفازة الفلاة سمیت مفازة إمّا لأنّها مهلکة من قولهم فوز الرجل أی هلک و أمّا تَفَاؤُلاً بالسلامة و الفوز و الروایة المشهورة من مَفَاوِزِ قِفَارٍ بالإضافة و قد روی قوم من مفاوزَ بفتح الزاء لأنّه لا ینصرف و لم یضیفوا جعلوا قفار صفة.

و السحیقة البعیدة.

و المهاوی المساقط.

و الفجاج جمع فج و هو الطریق بین الجبلین.

قوله ع حتی یهزوا مناکبهم أی یحرکهم الشوق نحوه إلی أن یسافروا إلیه فکنی عن السفر بهز المناکب.

و ذُلُلاً حال إمّا منهم و إمّا من المَنَاکِبِ و واحد المناکب منکِب بکسر الکاف و هو مجمع عظم العضد و الکتف.

قوله و یهللون یقولون لا إله إلاّ اللّه و روی یهلون لله أی یرفعون أصواتهم بالتلبیة و نحوها.

و یرملون

الرمل السعی فوق المشی قلیلا.

شُعْثاً غُبْراً

لا یتعهدون شعورهم و لا ثیابهم و لا أبدانهم قد نَبَذُوا السرابِیل و رموا ثیابهم و قُمْصَانَهم المخیطة.

و شوَّهُوا بإعفاء الشعور

أی غیروا و قبحوا محاسن صورهم بأن أعفوا شعورهم فلم یحلقوا ما فضل منها و سقط علی الوجه و نبت فی غیره من الأعضاء التی جرت العادة بإزالتها عنها.

ص :159

و التَّمْحِیص التطهیر من مَحَّصْتُ الذهبَ بالنار إذا صفیته ممّا یشوبه و التمحیص أیضا الامتحان و الاختبار و المَشَاعر معالم النسک.

قوله و سهل و قرار أی فی مکان سهل یستقر فیه الناس و لا ینالهم من المقام به مشقة.

و جمَّ الأشجار کثیرها و دانیَ الثمار قریبها.

و ملتفَّ البُنَی مُشْتَبَکَ العِمَارة .

و البُرَّة الواحدة من البُرِّ و هو الحنطة.

و الأَرْیَاف جمع ریف و هو الخصب و المرعی فی الأصل و هو هاهنا السواد و المزارع و محدقة محیطة و مغدقة غزیرة و الغدق الماء الکثیر.

و ناضرة ذات نضارة و رونق و حسن .

قوله و لو کانت الإساس (1) یقول لو کانت إساس البیت التی حمل البیت علیها و أحجاره التی رفع بها من زُمُرُّدَة و یَاقُوتَةٍ فالمحمول و المرفوع کلاهما مرفوعان لأنهما صفة اسم کان و الخبر من زمردة و روی بین زمردة و یجوز أن تحمل لفظتا المفعول و هما المحمول و المرفوع ضمیر البیت فیکون قائما مقام اسم الفاعل و یکون موضع الجار و المجرور نصبا و یجوز ألا تحملهما ذلک الضمیر و یجعل الجار و المجرور هو الساد مسد الفاعل فیکون موضعه رفعا.

و روی مضارعة الشک بالضاد المعجمة و معناه مقارنة الشک و دنوه من النفس و أصله من مضارعة القدر إذا حان إدراکها و من مضارعة الشمس إذا دنت للمغیب.

و قال الراوندیّ فی تفسیر هذه الکلمة من مضارعة الشک أی مماثلته و مشابهته و هذا بعید لأنّه لا معنی للمماثلة و المشابهة هاهنا و الروایة الصحیحة بالصاد المهملة.

قوله ع و لنفی معتلج الریب أی اعتلاجه أی و لنفی اضطراب الشک فی القلوب و روی یستعبدهم و یتعبدهم و الثانیة أحسن.

ص :160

و المجاهد جمع مجهدة و هی المشقة.

و أبوابا فُتُحا أی مفتوحة و أسبابا ذُلُلا أی سهلة.

و اعلم أن محصول هذا الفصل أنّه کلما کانت العبادة أشق کان الثواب علیها أعظم و لو أن اللّه تعالی جعل العبادات سهلة علی المکلفین لما استحقوا علیها من الثواب إلاّ قدرا یسیرا بحسب ما یکون فیها من المشقة الیسیرة.

فإن قلت فهل کان البیت الحرام موجودا أیام آدم ع ثم أمر آدم و ولده أن یثنوا أعطافهم نحوه قلت نعم هکذا روی أرباب السیر و أصحاب التواریخ

3655

رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی أَوْحَی إِلَی آدَمَ لَمَّا أَهْبَطَهُ إِلَی الْأَرْضِ أَنَّ لِی حَرَماً حِیَالَ عَرْشِی فَانْطَلِقْ فَابْنِ لِی بَیْتاً فِیهِ ثُمَّ طُفْ بِهِ کَمَا رَأَیْتَ مَلاَئِکَتِی تَحِفُّ بِعَرْشِی فَهُنَالِکَ أَسْتَجِیبُ دُعَاءَکَ وَ دُعَاءَ مَنْ یَحِفُّ بِهِ مِنْ ذُرِّیَّتِکَ فَقَالَ آدَمُ إِنِّی لَسْتُ أَقْوَی عَلَی بِنَائِهِ وَ لاَ أَهْتَدِی إِلَیْهِ فَقَیَّضَ اللَّهُ تَعَالَی لَهُ مَلَکاً فَانْطَلَقَ بِهِ نَحْوَ مَکَّةَ وَ کَانَ آدَمُ فِی طَرِیقِهِ کُلَّمَا رَأَی رَوْضَةً أَوْ مَکَاناً یُعْجِبُهُ سَأَلَ الْمَلَکُ أَنْ یَنْزِلَ بِهِ هُنَاکَ لِیَبْنِی فِیهِ فَیَقُولُ الْمَلَکُ إِنَّهُ لَیْسَ هَاهُنَا حَتَّی أَقْدَمَهُ مَکَّةَ فَبَنَی اَلْبَیْتَ مِنْ خَمْسَةِ جِبَالٍ طُورِ سَیْنَاءَ وَ طُورِ زَیْتُونٍ وَ لُبْنَانٍ وَ اَلْجُودِیِّ وَ بَنَی قَوَاعِدَهُ مِنْ حِرَاءَ فَلَمَّا فَرَغَ خَرَجَ بِهِ الْمَلَکُ إِلَی عَرَفَاتٍ فَأَرَاهُ الْمَنَاسِکَ کُلَّهَا الَّتِی یَفْعَلُهَا النَّاسُ الْیَوْمَ ثُمَّ قَدِمَ بِهِ مَکَّةَ وَ طَافَ بِالْبَیْتِ أُسْبُوعاً ثُمَّ رَجَعَ إِلَی أَرْضِ اَلْهِنْدِ فَمَاتَ.

3656

وَ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ أَنَّ آدَمَ حَجَّ مِنْ أَرْضِ اَلْهِنْدِ إِلَی اَلْکَعْبَةِ أَرْبَعِینَ حِجَّةً عَلَی رِجْلَیْهِ.

ص :161

و

3657

قَدْ رُوِیَ أَنَّ اَلْکَعْبَةَ أُنْزِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ وَ هِیَ یَاقُوتَةٌ أَوْ لُؤْلُؤَةٌ عَلَی اخْتِلاَفِ الرِّوَایَاتِ وَ أَنَّهَا بَقِیَتْ عَلَی تِلْکَ الصُّورَةِ إِلَی أَنْ فَسَدَتِ الْأَرْضُ بِالْمَعَاصِی أَیَّامَ نُوحٍ وَ جَاءَ اَلطُّوفَانُ فَرُفِعَ اَلْبَیْتُ وَ بَنَی إِبْرَاهِیمُ هَذِهِ الْبَنِیَّةَ عَلَی قَوَاعِدِهِ الْقَدِیمَةِ.

و

3658

رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ آدَمَ دَعَا رَبَّهُ فَقَالَ یَا رَبِّ أَ مَا لِأَرْضِکَ هَذِهِ عَامِرٌ یُسَبِّحُکَ وَ یُقَدِّسُکَ فِیهَا غَیْرِی فَقَالَ اللَّهُ إِنِّی سَأَجْعَلُ فِیهَا مِنْ وُلْدِکَ مَنْ یُسَبِّحُ بِحَمْدِی وَ یُقَدِّسُنِی وَ سَأَجْعَلُ فِیهَا بُیُوتاً تُرْفَعُ لِذِکْرِی یُسَبِّحُنِی فِیهَا خَلْقِی وَ یَذْکُرُ فِیهَا اسْمِی وَ سَأَجْعَلُ مِنْ تِلْکَ الْبُیُوتِ بَیْتاً أَخْتَصُّهُ بِکَرَامَتِی وَ أُوثِرُهُ بِاسْمِی فَأُسَمِّیهِ بَیْتِی وَ عَلَیْهِ وَضَعْتُ جَلاَلَتِی وَ خَصَصْتُهُ بِعَظَمَتِی وَ أَنَا مَعَ ذَلِکَ فِی کُلِّ شَیْءٍ أَجْعَلُ ذَلِکَ اَلْبَیْتَ حَرَماً آمِناً یُحَرِّمُ بِحُرْمَتِهِ مَنْ حَوْلَهُ وَ مَنْ تَحْتَهُ وَ مَنْ فَوْقَهُ فَمَنْ حَرَّمَهُ بِحُرْمَتِی اسْتَوْجَبَ کَرَامَتِی وَ مَنْ أَخَافَ أَهْلَهُ فَقَدْ أَبَاحَ حُرْمَتِی وَ اسْتَحَقَّ سَخَطِی وَ أَجْعَلُهُ بَیْتاً مُبَارَکاً یَأْتِیهِ بَنُوکَ شُعْثاً غُبْراً عَلیٰ کُلِّ ضٰامِرٍ ... مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ یَرِجُّونَ بِالتَّلْبِیَةِ رَجِیجاً وَ یَعِجُّونَ بِالتَّکْبِیرِ عَجِیجاً مَنِ اعْتَمَدَهُ لاَ یُرِیدُ غَیْرَهُ وَ وَفَدَ إِلَیَّ وَ زَارَنِی وَ اسْتَضَافَ بِی أَسْعَفْتُهُ بِحَاجَتِهِ وَ حَقٌّ عَلَی الْکَرِیمِ أَنْ یُکْرِمَ وَفْدَهُ وَ أَضْیَافَهُ تَعْمُرُهُ یَا آدَمُ مَا دُمْتَ حَیّاً ثُمَّ تَعْمُرُهُ الْأُمَمُ وَ الْقُرُونُ وَ الْأَنْبِیَاءُ مِنَ وُلْدِکَ أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ وَ قَرْناً بَعْدَ قَرْنٍ.

قَالَ ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ أَنْ یَأْتِیَ إِلَی اَلْبَیْتِ الْحَرَامِ الَّذِی أُهْبِطَ لَهُ إِلَی الْأَرْضِ فَیَطُوفَ بِهِ کَمَا کَانَ یَرَی الْمَلاَئِکَةَ تَطُوفُ حَوْلَ الْعَرْشِ وَ کَانَ اَلْبَیْتُ حِینَئِذٍ مِنْ دُرَّةٍ أَوْ مِنْ یَاقُوتَةٍ فَلَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ تَعَالَی قَوْمَ نُوحٍ رَفَعَهُ وَ بَقِیَ أَسَاسُهُ فَبَوَّأَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِیمَ فَبَنَاهُ .

ص :162

فَاللَّهَ اللَّهَ فِی عَاجِلِ الْبَغْیِ وَ آجِلِ وَخَامَةِ الظُّلْمِ وَ سُوءِ عَاقِبَةِ الْکِبْرِ فَإِنَّهَا مَصْیَدَةُ إِبْلِیسَ الْعُظْمَی وَ مَکِیدَتُهُ الْکُبْرَی الَّتِی تُسَاوِرُ قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ فَمَا تُکْدِی أَبَداً وَ لاَ تُشْوِی أَحَداً لاَ عَالِماً لِعِلْمِهِ وَ لاَ مُقِلاًّ فِی طِمْرِهِ وَ عَنْ ذَلِکَ مَا حَرَسَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِینَ بِالصَّلَوَاتِ وَ الزَّکَوَاتِ وَ مُجَاهَدَةِ الصِّیَامِ فِی الْأَیَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ تَسْکِیناً لِأَطْرَافِهِمْ وَ تَخْشِیعاً لِأَبْصَارِهِمْ وَ تَذْلِیلاً لِنُفُوسِهِمْ وَ تَخْفِیضاً لِقُلُوبِهِمْ وَ إِذْهَاباً لِلْخُیَلاَءِ عَنْهُمْ وَ لِمَا فِی ذَلِکَ مِنْ تَعْفِیرِ عِتَاقِ الْوُجُوهِ بِالتُّرَابِ تَوَاضُعاً وَ الْتِصَاقِ کَرَائِمِ الْجَوَارِحِ بِالْأَرْضِ تَصَاغُراً وَ لُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّیَامِ تَذَلُّلاً مَعَ مَا فِی الزَّکَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ وَ غَیْرِ ذَلِکَ إِلَی أَهْلِ الْمَسْکَنَةِ وَ الْفَقْرِ انْظُرُوا إِلَی مَا فِی هَذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ وَ قَدْعِ طَوَالِعِ الْکِبْرِ .

بلدة وخمة و وخیمة بینة الوخامة أی وبیئة.

مَصْیدة إبلیس

بسکون الصاد و فتح الیاء آلته التی یصطاد بها.

و تَسَاوُرِ قُلُوب الرجال تواثبها و سار إلیه یسور أی وثب و المصدر السور و مصدر تساور المساورة و یقال إن لغضبه سورة و هو سوار أی وثاب معربد.

ص :163

و سورة الشراب وثوبه فی الرأس و کذلک مساورة السموم التی ذکرها أمیر المؤمنین ع .

و ما تکدی ما ترد عن تأثیرها من قولک أکدی حافر الفرس إذا بلغ الکدیة و هی الأرض الصلبة فلا یمکنه أن یحفر.

و لا تشوی أحدا

لا تخطئ المقتل و تصیب غیره و هو الشوی و الشوی الأطراف کالید و الرجل.

قال لا ترد مکیدته عن أحد لا عن عالم لأجل علمه و لا عن فقیر لطمره و الطمر الثوب الخلق .

و ما فی قوله و عن ذلک ما حرس اللّه زائدة مؤکدة أی عن هذه المکاید التی هی البغی و الظلم و الکبر حرس اللّه عباده فعن متعلقة بحرس و قال الراوندیّ یجوز أن تکون مصدریة فیکون موضعها رفعا بالابتداء و خبر المبتدأ قوله لما فی ذلک و قال أیضا یجوز أن تکون نافیة أی لم یحرس اللّه عباده عن ذلک إلجاء و قهرا بل فعلوه اختیارا من أنفسهم و الوجه الأوّل باطل لأن عن علی هذا التقدیر تکون من صلة المصدر فلا یجوز تقدیمها علیه و أیضا فإن لما فی ذلک لو کان هو الخبر لتعلق لام الجر بمحذوف فیکون التقدیر حراسة اللّه لعباده عن ذلک کائنة لما فی ذلک من تعفیر الوجوه بالتراب و هذا کلام غیر مفید و لا منتظم إلاّ علی تأویل بعید لا حاجة إلی تعسفه و الوجه الثانی باطل لأن سیاقة الکلام تدلّ علی فساده أ لا تری قوله تسکینا و تخشیعا و قوله لما فی ذلک من کذا و هذا کله تعلیل الحاصل الثابت لا تعلیل المنفی المعدوم.

ثمّ بین ع الحکمة فی العبادات فقال إنّه تعالی حرس عباده بالصلوات

ص :164

التی افترضها علیهم من تلک المکاید و کذلک بالزکاة و الصوم لیسکن أطرافهم و یخشع أبصارهم فجعل التسکین و التخشیع عذرا و علة للحراسة و نصب اللفظات علی أنّها مفعول له.

ثمّ علل السکون و الخشوع الذی هو علة الحراسة لما فی الصلاة من تعفیر الوجه علی التراب فصار ذلک علة العلة قال و ذلک لأن تعفیر عتاق الوجوه بالتراب تواضعا یوجب هضم النفس و کسرها و تذلیلها.

و عتاق الوجوه کرائمها.

و إلصاق کرائم الجوارح بالأرض کالیدین و الساقین تصاغرا یوجب الخشوع و الاستسلام و الجوع فی الصوم الذی یلحق البطن فی المتن یقتضی زوال الأشر و البطر و یوجب مذلة النفس و قمعها عن الانهماک فی الشهوات و ما فی الزکاة من صرف فواضل المکاسب إلی أهل الفقر و المسکنة یوجب تطهیر النفوس و الأموال و مواساة أرباب الحاجات بما تسمح به النفوس من الأموال و عاصم لهم من السرقات و ارتکاب المنکرات ففی ذلک کله دفع مکاید الشیطان .

و تخفیض القلوب حطها عن الاعتلاء و التیه.

و الخیلاء التکبر و المسکنة أشدّ الفقر فی أظهر الرأیین .

و القمع القهر.

و النواجم جمع ناجمة و هی ما یظهر و یطلع من الکبر و غیره.

و القدع بالدال المهملة الکف قدعت الفرس و کبحته باللجام أی کففته.

و الطوالع کالنواجم

ص :165

وَ لَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِینَ یَتَعَصَّبُ لِشَیْءٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ إِلاَّ عَنْ عِلَّةٍ تَحْتَمِلُ تَمْوِیهَ الْجُهَلاَءِ أَوْ حُجَّةٍ تَلِیطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ غَیْرَکُمْ فَإِنَّکُمْ تَتَعَصَّبُونَ لِأَمْرٍ مَا یُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَ لاَ عِلَّةٌ أَمَّا إِبْلِیسُ فَتَعَصَّبَ عَلَی آدَمَ لِأَصْلِهِ وَ طَعَنَ عَلَیْهِ فِی خِلْقَتِهِ فَقَالَ أَنَا نَارِیٌّ وَ أَنْتَ طِینِیٌّ وَ أَمَّا الْأَغْنِیَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الْأُمَمِ فَتَعَصَّبُوا لِآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ فَقَالُوا نَحْنُ أَکْثَرُ أَمْوٰالاً وَ أَوْلاٰداً وَ مٰا نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ فَإِنْ کَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الْعَصَبِیَّةِ فَلْیَکُنْ تَعَصُّبُکُمْ لِمَکَارِمِ الْخِصَالِ وَ مَحَامِدِ الْأَفْعَالِ وَ مَحَاسِنِ الْأُمُورِ الَّتِی تَفَاضَلَتْ فِیهَا الْمُجَدَاءُ وَ النُّجَدَاءُ مِنْ بُیُوتَاتِ اَلْعَرَبِ وَ یَعَاسِیبِ القَبَائِلِ بِالْأَخْلاَقِ الرَّغِیبَةِ وَ الْأَحْلاَمِ الْعَظِیمَةِ وَ الْأَخْطَارِ الْجَلِیلَةِ وَ الآْثَارِ الْمَحْمُودَةِ فَتَعَصَّبُوا لِخِلاَلِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ وَ الْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ وَ الطَّاعَةِ لِلْبِرِّ وَ الْمَعْصِیَةِ لِلْکِبْرِ وَ الْأَخْذِ بِالْفَضْلِ وَ الْکَفِّ عَنِ الْبَغْیِ وَ الْإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ وَ الْإِنْصَافِ لِلْخَلْقِ وَ الْکَظْمِ لِلْغَیْظِ وَ اجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِی الْأَرْضِ .

قد روی تحتمل بالتاء و روی تحمل و المعنی واحد.

و التمویه التلبیس من موهت النحاس إذا طلیته بالذهب لیخفی.

و لاط الشیء بقلبی یلوط و یلیط أی التصق .

و المترف الذی أطغته النعمة .

ص :166

و تفاضلت فیها أی تزایدت.

و المجداء جمع ماجد و المجد الشرف فی الآباء و الحسب و الکرم یکونان فی الرجل و إن لم یکونا فی آبائه هکذا قال ابن السکیت و قد اعترض علیه بأن المجید من صفات اللّه تعالی قال سبحانه ذُو اَلْعَرْشِ الْمَجِیدُ (1) علی قراءة من رفع و اللّه سبحانه یتعالی عن الآباء و قد جاء فی وصف القرآن المجید قال سبحانه بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِیدٌ (2) .

و النجداء

الشجعان واحدهم نجید و أمّا نجد و نجد بالکسر و الضم فجمعه أنجاد مثل یقظ و أیقاظ.

و بیوتات العرب قبائلها و یعاسیب القبائل رؤساؤها و الیعسوب فی الأصل ذکر النحل و أمیرها.

و الرغیبة الخصلة یرغب فیها.

و الأحلام

العقول و الأخطار الأقدار .

ثمّ أمرهم بأن یتعصبوا لخلال الحمد و عددها و ینبغی أن یحمل قوله ع فإنکم تتعصبون لأمر ما یعرف له سبب و لا علة علی أنّه لا یعرف له سبب مناسب فکیف یمکن أن یتعصبوا لغیر سبب أصلا.

و قیل إن أصل هذه العصبیّة و هذه الخطبة أن أهل الکوفة کانوا قد فسدوا فی آخر خلافة أمیر المؤمنین و کانوا قبائل فی الکوفة فکان الرجل یخرج من منازل قبیلته فیمر بمنازل قبیلة أخری فینادی باسم قبیلته یا للنخع مثلا أو یا لکندة نداء عالیا یقصد به الفتنة و إثارة الشر فیتألب علیه فتیان القبیلة التی مر بها فینادون یا لتمیم

ص :167

و یا لربیعة و یقبلون إلی ذلک الصائح فیضربونه فیمضی إلی قبیلته فیستصرخها فتسل السیوف و تثور الفتن و لا یکون لها أصل فی الحقیقة إلاّ تعرض الفتیان بعضهم ببعض وَ احْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَکُمْ مِنَ الْمَثُلاَتِ بِسُوءِ الْأَفْعَالِ وَ ذَمِیمِ الْأَعْمَالِ فَتَذَکَّرُوا فِی الْخَیْرِ وَ الشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ وَ احْذَرُوا أَنْ تَکُونُوا أَمْثَالَهُمْ فَإِذَا تَفَکَّرْتُمْ فِی تَفَاوُتِ حَالَیْهِمْ فَالْزَمُوا کُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِهِ شَأْنَهُمْ [حَالَهُمْ]

وَ زَاحَتِ الْأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ وَ مُدَّتِ الْعَافِیَةُ بِهِ عَلَیْهِمْ وَ انْقَادَتِ النِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ وَ وَصَلَتِ الْکَرَامَةُ عَلَیْهِ حَبْلَهُمْ مِنَ الاِجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ وَ اللُّزُومِ لِلْأُلْفَةِ وَ التَّحَاضِّ عَلَیْهَا وَ التَّوَاصِی بِهَا وَ اجْتَنِبُوا کُلَّ أَمْرٍ کَسَرَ فِقْرَتَهُمْ وَ أَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ وَ تَشَاحُنِ الصُّدُورِ وَ تَدَابُرِ النُّفُوسِ وَ تَخَاذُلِ الْأَیْدِی .

المثلات

العقوبات.

و ذمیم الأفعال ما یذم منها.

و تفاوت حالیهم اختلافهما و زاحت الأعداء بعدت و له أی لأجله.

و التحاض علیها

تفاعل یستدعی وقوع الحض و هو الحث من الجهتین أی یحث بعضهم بعضا .

و الفقرة واحدة فقر الظهر و یقال لمن قد أصابته مصیبة شدیدة قد کسرت فقرته.

ص :168

و المنة القوّة.

و تضاغن القلوب و تشاحنها واحد و تخاذل الأیدی ألا ینصر الناس بعضهم بعضا وَ تَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ قَبْلَکُمْ کَیْفَ کَانُوا فِی حَالِ التَّمْحِیصِ وَ الْبَلاَءِ أَ لَمْ یَکُونُوا أَثْقَلَ الْخَلاَئِقِ أَعْبَاءً وَ أَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلاَءً وَ أَضْیَقَ أَهْلِ الدُّنْیَا حَالاً اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِیداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَ [جَرَّعُوهُمْ جُرَعَ الْمُرَارِ]

جَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِی ذُلِّ الْهَلَکَةِ وَ قَهْرِ الْغَلَبَةِ لاَ یَجِدُونَ حِیلَةً فِی امْتِنَاعٍ وَ لاَ سَبِیلاً إِلَی دِفَاعٍ حَتَّی إِذَا رَأَی اللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَی الْأَذَی فِی مَحَبَّتِهِ وَ الاِحْتِمَالَ لِلْمَکْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَایِقِ الْبَلاَءِ فَرَجاً فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَکَانَ الذُّلِّ وَ الْأَمْنَ مَکَانَ الْخَوْفِ فَصَارُوا مُلُوکاً حُکَّاماً وَ أَئِمَّةً أَعْلاَماً وَ قَدْ بَلَغَتِ الْکَرَامَةُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ مَا لَمْ تَذْهَبِ الآْمَالُ إِلَیْهِ بِهِمْ .

تدبروا

أی تأملوا و التمحیص التطهیر و التصفیة.

و الأعباء الأثقال واحدها عبء.

و أجهد العباد

أتعبهم .

و الفراعنة العتاة و کل عات فرعون.

و ساموهم سوء العذاب ألزموهم إیاه و هذا إشارة إلی قوله تعالی یَسُومُونَکُمْ سُوءَ

ص :169

الْعَذٰابِ یُذَبِّحُونَ أَبْنٰاءَکُمْ وَ یَسْتَحْیُونَ نِسٰاءَکُمْ وَ فِی ذٰلِکُمْ بَلاٰءٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَظِیمٌ

(1)

.

و المرار بضم المیم شجر مر فی الأصل و استعیر شرب المرار لکل من یلقی شدید المشقة .

و رأی اللّه منهم جد الصبر أی أشده .

و أئمة أعلاما

أی یهتدی بهم کالعلم فی الفلاة فَانْظُرُوا کَیْفَ کَانُوا حَیْثُ کَانَتِ الْأَمْلاَءُ مُجْتَمِعَةً وَ الْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً وَ الْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً وَ الْأَیْدِی مُتَرَادِفَةً وَ السُّیُوفُ مُتَنَاصِرَةً وَ الْبَصَائِرُ نَافِذَةً وَ الْعَزَائِمُ وَاحِدَةً أَ لَمْ یَکُونُوا أَرْبَاباً فِی أَقْطَارِ الْأَرَضِینَ وَ مُلُوکاً عَلَی رِقَابِ الْعَالَمِینَ فَانْظُرُوا إِلَی مَا صَارُوا إِلَیْهِ فِی آخِرِ أُمُورِهِمْ حِینَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَ تَشَتَّتَتِ الْأُلْفَةُ وَ اخْتَلَفَتِ الْکَلِمَةُ وَ الْأَفْئِدَةُ وَ تَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِینَ وَ تَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِینَ وَ قَدْ خَلَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ کَرَامَتِهِ وَ سَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ وَ بَقِیَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِیکُمْ عِبَراً [عِبْرَةً]

لِلْمُعْتَبِرِینَ [مِنْکُمْ ]

.

الأملاء

الجماعات الواحد ملأ.

ص :170

و مترادفة متعاونة البصائر نافذة یقال نفذت بصیرتی فی هذا الخبر أی اجتمع همی علیه و لم یبق عندی تردد فیه لعلمی به و تحقیقی إیاه .

و أقطار الأرضین نواحیها و تشتتت تفرقت .

و تشعبوا صاروا شعوبا و قبائل مختلفین.

و تفرقوا مُتَحَزِّبِین اختلفوا أَحْزَابا و روی متحازبین .

و غَضَارَةُ النِّعمة الطیب اللین منها.

و القصص الحدیث.

یقول انظروا فی أخبار من قبلکم من الأمم کیف کانت حالهم فی العز و الملک لما کانت کلمتهم واحدة و إلی ما ذا آلت حالهم حین اختلفت کلمتهم فاحذروا أن تکونوا مثلهم و أن یحل بکم إن اختلفتم مثل ما حل بهم فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وُلْدِ إِسْمَاعِیلَ وَ بَنِی إِسْحَاقَ وَ بَنِی إِسْرَائِیلَ ع فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ الْأَحْوَالِ وَ أَقْرَبَ اشْتِبَاهَ الْأَمْثَالِ تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِی حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَ تَفَرُّقِهِمْ لَیَالِیَ کَانَتِ اَلْأَکَاسِرَةُ وَ اَلْقَیَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ یَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِیفِ الآْفَاقِ وَ بَحْرِ الْعِرَاقِ وَ خُضْرَةِ الدُّنْیَا إِلَی مَنَابِتِ الشِّیحِ وَ مَهَافِی الرِّیحِ وَ نَکَدِ الْمَعَاشِ فَتَرَکُوهُمْ عَالَةً مَسَاکِینَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَ وَبَرٍ أَذَلَّ الْأُمَمِ دَاراً وَ أَجْدَبَهُمْ قَرَاراً لاَ یَأْوُونَ إِلَی جَنَاحِ دَعْوَةٍ یَعْتَصِمُونَ بِهَا وَ لاَ إِلَی ظِلِّ أُلْفَةٍ یَعْتَمِدُونَ عَلَی عِزِّهَا فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ وَ الْأَیْدِی مُخْتَلِفَةٌ وَ الْکَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ فِی بَلاَءِ أَزْلٍ وَ أَطْبَاقِ جَهْلٍ مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ وَ أَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ وَ أَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ وَ غَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ .

ص :171

لقائل أن یقول ما نعرف أحدا من بنی إسحاق و بنی إسرائیل احتازتهم الأَکَاسرة و القَیَاصرة عن رِیفِ الآفاق إلی البادیة و منابت الشِّیح إلاّ أن یقال یهود خیبر و النضیر و بنی قریظة و بنی قینقاع و هؤلاء نفر قلیل لا یعتد بهم و یعلم من فحوی الخطبة أنهم غیر مرادین بالکلام و لأنّه ع قال ترکوهم إخوان دبر و وبر و هؤلاء لم یکونوا من أهل الوبر و الدبر بل من أهل المدر لأنّهم کانوا ذوی حصون و آطام و الحاصل أن الذین احتازتهم الأکاسرة و القیاصرة من الریف إلی البادیة و صاروا أهل وبر ولد إسماعیل لا بنو إسحاق و بنو إسرائیل و الجواب أنّه ع ذکر فی هذه الکلمات و هی قوله فاعتبروا بحال ولد إسماعیل و بنی إسحاق و بنی إسرائیل المقهورین و القاهرین جمیعا أما المقهورون فبنو إسماعیل و أمّا القاهرون فبنو إسحاق و بنو إسرائیل لأن الأکاسرة من بنی إسحاق ذکر کثیر من أهل العلم أن فارس من ولد إسحاق و القیاصرة من ولد إسحاق أیضا لأن الروم بنو العیص بن إسحاق و علی هذا یکون الضمیر فی أمرهم و تشتتهم و تفرقهم یرجع إلی بنی إسماعیل خاصّة.

فإن قلت فبنو إسرائیل أی مدخل لهم هاهنا قلت لأن بنی إسرائیل لما کانوا ملوکا بالشام فی أیام أجاب الملک و غیره حاربوا العرب من بنی إسماعیل غیر مرة و طردوهم عن الشام و ألجئوهم علی المقام ببادیة الحجاز و یصیر تقدیر الکلام فاعتبروا بحال ولد إسماعیل مع بنی إسحاق و بنی إسرائیل فجاء بهم فی صدر الکلام علی العموم ثمّ خصص فقال الأکاسرة و القیاصرة و هم داخلون فی عموم ولد إسحاق و إنّما لم یخصص عموم بنی إسرائیل لأن العرب لم تکن تعرف ملوک

ص :172

ولد یعقوب فیذکر لهم أسماءهم فی الخطبة بخلاف ولد إسحاق فإنهم کانوا یعرفون ملوکهم من بنی ساسان و من بنی الأصفر .

قوله ع فما أشدّ اعتدال الأحوال أی ما أشبه الأشیاء بعضها ببعض و إن حالکم لشبیهة بحال أولئک فاعتبروا بهم .

قوله یحتازونهم عن الریف یبعدونهم عنه و الریف الأرض ذات الخصب و الزرع و الجمع أریاف و رافت الماشیة أی رعت الریف و قد أرفنا أی صرنا إلی الریف و أرافت الأرض أی أخصبت و هی أرض ریفة بتشدید الیاء.

و بحر العراق

دجلة و الفرات أما الأکاسرة فطردوهم عن بحر العراق و أما القیاصرة فطردوهم عن ریف الآفاق أی عن الشام و ما فیه من المرعی و المنتجع.

قوله ع أربابا لهم أی ملوکا و کانت العرب تسمی الأکاسرة أربابا و لما عظم أمر حذیفة بن بدر عندهم سَمَّوْهُ رَبِّ مَعَدَّ .

و منابت الشیح أرض العرب و الشیح نبت معروف.

و مهافی الریح

المواضع التی تهفو فیها أی تهب و هی الفیافی و الصحاری.

و نکد المعاش

ضیقه و قلته.

و ترکوهم عالة أی فقراء جمع عائل و العائل ذو العیلة و العیلة الفقر قال تعالی وَ إِنْ خِفْتُمْ عَیْلَةً فَسَوْفَ یُغْنِیکُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ (1) قال الشاعر تُعَیِّرُنَا أَنَّنَا عَالَةٌ صَعَالِیکُ نَحْنُ وَ أَنْتُمْ مُلوکُ.

ص :173

نظیره قائد و قادة و سائس و ساسة.

و قوله إخوان دبر و وبر الدبر مصدر دبر البعیر أی عقره القتب و الوبر للبعیر بمنزلة الصوف للضأن و الشعر للمعز.

قوله أَذَلَّ الأُمَمِ دارا لعدم المعاقل و الحصون المنیعة فیها.

و أجدبَهُم قرارا

لعدم الزرع و الشجر و النخل بها و الجَدْبُ المحل .

و لا یَأْوُونَ لا یلتجئون و لا یَنْضَمُّونَ .

و الأزل الضِّیق و أَطْبَاقُ جهل جمع طبق أی جهل متراکم بعضه فوق بعض.

و غارات مَشْنُونَةٌ

متفرقة و هی أصعب الغارات

السنین فوجه إلیهم أخاه الریان بن المنذر و جل من معه من بکر بن وائل فاستاق النَّعَمَ و سَبَی الذَّرَارِیَّ و فی ذلک یقول بعض بنی یشکر لما رأوا رایة النُّعْمَانَ مُقْبِلَةً

فوفدت بنو تمیم إلی النعمان و استعطفوه فرق علیهم و أعاد علیهم السبی و قال کل امرأة اختارت أباها ردت إلیه و إن اختارت صاحبها ترکت علیه فکلهن اخترن آباءهن إلاّ ابنة قیس بن عاصم فإنها اختارت من سباها و هو عمرو بن المشمرخ الیشکری فنذر قیس بن عاصم المنقریّ التمیمی ألا یولد له بنت إلاّ وأدها و الوأد أن یخنقها فی التراب و یثقل وجهها به حتّی تموت ثمّ اقتدی به کثیر من بنی تمیم قال سبحانه وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَیِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (1) أی علی طریق التبکیت و التوبیخ لمن فعل ذلک أو أجازه کما قال سبحانه یٰا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّٰاسِ اتَّخِذُونِی وَ أُمِّیَ إِلٰهَیْنِ مِنْ دُونِ اللّٰهِ (2) .

و من جید شعر الفرزدق قوله فی هجاء جریر أ لم تر أنا بنی دارم

ص :175

أ لسنا الذین تمیم بهم

و

3660

14- فِی الْحَدِیثِ أَنَّ صَعْصَعَةَ بْنَ نَاجِیَةَ بْنِ عِقَالٍ لَمَّا وَفَدَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی کُنْتُ أَعْمَلُ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ عَمَلاً صَالِحاً فَهَلْ یَنْفَعُنِی ذَلِکَ الْیَوْمَ قَالَ ع وَ مَا عَمِلْتَ قَالَ ضَلَلْتُ [أَضْلَلْتُ]

نَاقَتَیْنِ عُشَرَاوَیْنِ (1) فَرَکِبْتُ جَمَلاً وَ مَضَیْتُ فِی بُغَائِهِمَا (2) فَرُفِعَ لِی بَیْتٌ حَرِیدٌ (3) فَقَصَدْتُهُ فَإِذَا شَیْخٌ جَالِسٌ بِفِنَائِهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ النَّاقَتَیْنِ فَقَالَ مَا نَارُهُمَا (4) قُلْتُ مِیسَمُ بَنِی دَارِمٍ قَالَ هُمَا عِنْدِی وَ قَدْ أَحْیَا اللَّهُ بِهِمَا قَوْماً مِنْ أَهْلِکَ مِنْ مُضَرَ فَجَلَسْتُ مَعَهُ لِیُخْرِجَهُمَا إِلَیَّ فَإِذَا عَجُوزٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ کَسْرِ الْبَیْتِ فَقَالَ لَهَا مَا وَضَعَتْ إِنْ کَانَ سُقْباً (5) شَارَکَنَا فِی أَمْوَالِنَا وَ إِنْ کَانَ حَائِلاً (6) وَأَدْنَاهَا فَقَالَتِ الْعَجُوزُ وَضَعْتْ أُنْثَی فْقْلْتُ لَهُ أَ تَبِیعُهَا قَالَ وَ هَلْ تَبِیعُ اَلْعَرَبُ أَوْلاَدَهَا قُلْتُ إِنَّمَا أَشْتَرِی حَیَاتَهَا وَ لاَ أَشْتَرِی رِقَّهَا قَالَ فَبِکَمْ قُلْتُ احْتَکِمْ قَالَ بِالنَّاقَتَیْنِ وَ الْجَمَلِ قُلْتُ أَ ذَاکَ لَکَ عَلَی أَنْ یُبَلِّغَنِی الْجَمَلَ وَ إِیَّاهَا قَالَ بِعْتُکَ فَاسْتَنْقَذْتُهَا

ص :176

مِنْهُ بِالْجَمَلِ وَ النَّاقَتَیْنِ وَ آمَنْتُ بِکَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ قَدْ صَارَتْ لِی سُنَّةٌ فِی اَلْعَرَبِ أَنْ أَشْتَرِیَ کُلَّ مَوْءُودَةٍ بِنَاقَتَیْنِ عُشَرَاوَیْنِ وَ جَمَلٍ فَعِنْدِی إِلَی هَذِهِ الْغَایَةِ ثَمَانُونَ وَ مِائَتَا مَوْءُودَةً قَدْ أَنْقَذْتُهُنَّ قَالَ ع لاَ یَنْفَعُکَ ذَاکَ لِأَنَّکَ لَمْ تَبْتَغِ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَ أَنْ تَعْمَلَ فِی إِسْلاَمِکَ عَمَلاً صَالِحاً تَثِبُ عَلَیْهِ

(1)

.

3661

وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ فِی اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ أَنَّ أَبَا بَکْرٍ قَالَ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ لِقَیْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِیِّ مَا حَمَلَکَ عَلَی أَنْ وَأَدْتَ قَالَ مَخَافَةُ أَنْ یَخْلُفَ عَلَیْهِنَّ مِثْلُکَ.

فَانْظُرُوا إِلَی مَوَاقِعِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَیْهِمْ حِینَ بَعَثَ إِلَیْهِمْ رَسُولاً فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَ جَمَعَ عَلَی دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ کَیْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَیْهِمْ جَنَاحَ کَرَامَتِهَا وَ أَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِیمِهَا وَ الْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِی عَوَائِدِ بَرَکَتِهَا فَأَصْبَحُوا فِی نِعْمَتِهَا غَرِقِینَ وَ فِی خُضْرَةِ عَیْشِهَا فَکِهِینَ [فَاکِهِینَ]

قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ فِی ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ وَ آوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَی کَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ وَ تَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَیْهِمْ فِی ذُرَی مُلْکٍ ثَابِتٍ فَهُمْ حُکَّامٌ عَلَی الْعَالَمِینَ وَ مُلُوکٌ فِی أَطْرَافِ الْأَرَضِینَ یَمْلِکُونَ الْأُمُورَ عَلَی مَنْ کَانَ یَمْلِکُهَا عَلَیْهِمْ وَ یُمْضُونَ الْأَحْکَامَ فِیمَنْ کَانَ یُمْضِیهَا فِیهِمْ لاَ تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ وَ لاَ تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ .

لما ذکر ما کانت العرب علیه من الذل و الضیم و الجهل عاد فذکر ما أبدل اللّه

ص :177

به حالهم حین بعث إلیهم محمّدا ص فعقد علیهم طاعتهم کالشیء المنتشر المحلول فعقدها بملة محمد ص .

و الجداول الأنهر.

و التفت الملّة بهم

أی کانوا متفرقین فالتفت ملة محمد بهم أی جَمَعَتْهُمْ و یقال التَفَّ الحَبْلُ بالحَطَبِ أی جمعه و التف الحطب بالحبل أی اجتمع به.

و فی فی قوله فی عَوَائِدِ بَرَکَتِهَا متعلقة بمحذوف و موضع الجار و المجرور نصب علی الحال أی جمعتهم الملّة کائنة فی عوائد برکتها و العوائد جمع عائدة و هی المنفعة تقول هذا أعود علیک أی أنفع لک و روی و التقت الملّة بالقاف أی اجتمعت بهم من اللقاء و الروایة الأولی أصح.

و أصبحوا فی نعمتها غرقین مبالغة فی وصف ما هم فیه من النعمة.

و فاکهین ناعمین و روی فکهین أی أشرین و قد قرئ بهما فی قوله تعالی وَ نَعْمَةٍ کٰانُوا فِیهٰا فٰاکِهِینَ (1) و قال الأصمعی فاکهین مازحین و المفاکهة الممازحة و من أمثالهم لا تفاکه أمة و لا تبل علی أکمة فأما قوله تعالی فَظَلْتُمْ تَفَکَّهُونَ (2) فقیل تندمون و قیل تعجبون.

و عن فی قوله و عن خُضْرَةِ عَیْشِها متعلقة بمحذوف تقدیره فأصبحوا فاکهین فکاهة صادرة عن خضرة عیشها أی خضرة عیش النعمة سبب لصدور الفکاهة و المزاح عنه .

و تَرَبَّعَتِ الأمورُ بهم أی أقامت من قولک ربع بالمکان أی أقام به.

ص :178

و آوَتْهُمُ الحال

بالمد أی ضمتهم و أنزلتهم قال تعالی آویٰ إِلَیْهِ أَخٰاهُ (1) أی ضمه إلیه و أنزله و یجوز أوتهم بغیر مد أفعلت فی هذا المعنی و فعلت واحد عن أبی زید .

و الکَنَف الجانب و تعطفت الأمور علیهم کنایة عن السیادة و الإقبال یقال قد تعطف الدهر علی فلان أی أقبل حظه و سعادته بعد أن لم یکن کذلک.

و فی ذُرَا ملک بضم الذال أی فی أعالیه جمع ذروة و یکنی عن العزیز الذی لا یضام فیقال لا یغمز له قناة أی هو صلب و القناة إذا لم تلن فی ید الغامز کانت أبعد عن الحطم و الکسر.

و لا تقرع لهم صَفَاةٌ

مثل یضرب لمن لا یطمع فی جانبه لعزته و قوته أَلاَ وَ إِنَّکُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَیْدِیَکُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ وَ ثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللَّهِ الْمَضْرُوبَ عَلَیْکُمْ بِأَحْکَامِ اَلْجَاهِلِیَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ امْتَنَّ عَلَی جَمَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِیمَا عَقَدَ بَیْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ الْأُلْفَةِ الَّتِی [یَتَقَلَّبُونَ]

یَنْتَقِلُونَ فِی ظِلِّهَا وَ یَأْوُونَ إِلَی کَنَفِهَا بِنِعْمَةٍ لاَ یَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقِینَ لَهَا قِیمَةً لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ کُلِّ ثَمَنٍ وَ أَجَلُّ مِنْ کُلِّ خَطَرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ أَعْرَاباً وَ بَعْدَ الْمُوَالاَةِ أَحْزَاباً مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ وَ لاَ تَعْرِفُونَ مِنَ الْإِیمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ تَقُولُونَ اَلنَّارَ وَ لاَ الْعَارَ کَأَنَّکُمْ تُرِیدُونَ أَنْ تُکْفِئُوا اَلْإِسْلاَمَ عَلَی وَجْهِهِ انْتِهَاکاً لِحَرِیمِهِ وَ نَقْضاً لِمِیثَاقِهِ الَّذِی وَضَعَهُ اللَّهُ لَکُمْ حَرَماً فِی أَرْضِهِ وَ أَمْناً بَیْنَ خَلْقِهِ وَ إِنَّکُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَی غَیْرِهِ حَارَبَکُمْ أَهْلُ الْکُفْرِ ثُمَّ لاَ [ جَبْرَائِیلَ ]

جَبْرَائِیلُ

ص :179

وَ لاَ [ مِیکَائِیلَ وَ لاَ مُهَاجِرِینَ وَ لاَ أَنْصَارَ ]

مِیکَائِیلَ وَ لاَ مُهَاجِرُونَ وَ لاَ أَنْصَارٌ یَنْصُرُونَکُمْ إِلاَّ الْمُقَارَعَةَ بِالسَّیْفِ حَتَّی یَحْکُمَ اللَّهُ بَیْنَکُمْ وَ إِنَّ عِنْدَکُمُ الْأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَ قَوَارِعِهِ وَ أَیَّامِهِ وَ وَقَائِعِهِ فَلاَ تَسْتَبْطِئُوا وَعِیدَهُ جَهْلاً بِأَخْذِهِ وَ تَهَاوُناً بِبَطْشِهِ وَ یَأْساً مِنْ بَأْسِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ یَلْعَنِ اَلْقَرْنَ الْمَاضِیَ [اَلْقُرُونَ الْمَاضِیَةَ]

بَیْنَ أَیْدِیکُمْ إِلاَّ لِتَرْکِهِمُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیَ عَنِ الْمُنْکَرِ فَلَعَنَ اللَّهُ السُّفَهَاءَ لِرُکُوبِ الْمَعَاصِی وَ الْحُلَمَاءَ لِتَرْکِ التَّنَاهِی .

نفضتم أیدیکم

کلمة تقال فی اطراح الشیء و ترکه و هی أبلغ من أن تقول ترکتم حبل الطاعة لأن من یخلی الشیء من یده ثمّ ینفض یده منه یکون أشدّ تخلیة له ممن لا ینفضها بل یقتصر علی تخلیته فقط لأن نفضها إشعار و إیذان بشدة الاطراح و الإعراض.

و الباء فی قوله بأحکام الجاهلیة متعلقة ب ثلمتم أی ثلمتم حصن اللّه بأحکام الجاهلیة التی حکمتم بها فی ملة الإسلام .

و الباء فی قوله بنعمة لا یعرف متعلقة ب امتن و فی من قوله فیما عقد متعلقة بمحذوف و موضعها نصب علی الحال و هذا إشارة إلی قوله تعالی لَوْ أَنْفَقْتَ مٰا فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً مٰا أَلَّفْتَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لٰکِنَّ اللّٰهَ أَلَّفَ بَیْنَهُمْ (1) و قوله فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوٰاناً (2) .

و روی تتقلبون فی ظلها .

ص :180

قوله صرتم بعد الهجرة أعرابا الأعراب علی عهد رسول اللّه ص من آمن به من أهل البادیة و لم یهاجر إلیه و هم ناقصو المرتبة عن المهاجرین لجفائهم و قسوتهم و توحشهم و نشئهم فی بعد من مخالطة العلماء و سماع کلام الرسول ص و فیهم أنزل اَلْأَعْرٰابُ أَشَدُّ کُفْراً وَ نِفٰاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّٰ یَعْلَمُوا حُدُودَ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ عَلیٰ رَسُولِهِ (1) و لیست هذه الآیة عامة فی کل الأعراب بل خاصّة ببعضهم و هم الذین کانوا حول المدینة و هم جهینة و أسلم و أشجع و غفار و إلیهم أشار سبحانه بقوله وَ مِمَّنْ حَوْلَکُمْ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ مُنٰافِقُونَ (2) و کیف یکون کل الأعراب مذموما و قد قال تعالی وَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ مَنْ یُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ یَتَّخِذُ مٰا یُنْفِقُ قُرُبٰاتٍ عِنْدَ اللّٰهِ (3) و صارت هذه الکلمة جاریة مجری المثل.

و أنشد الحجاج علی منبر الکوفة قد لفها اللیل بعصلبی (4) أروع خراج من الدوی (5) مهاجر لیس بأعرابی (6) .

و قال عثمان لأبی ذر أخشی أن تصیر بعد الهجرة أعرابیا.

و روی و لا یعقلون من الإیمان .

و قولهم النار و لا العار منصوبتان بإضمار فعل أی ادخلوا النار و لا تلتزموا العار و هی کلمة جاریة مجری المثل أیضا یقولها أرباب الحمیة و الإباء فإذا قیلت فی حقّ کانت صوابا و إذا قیلت فی باطل کانت خطأ.

و أکفأت الإناء و کفأته لغتان أی کببته.

ص :181

قوله ثم لا جبرائیل و لا میکائیل و لا مهاجرین الروایة المشهورة هکذا بالنصب و هو جائز علی التشبیه بالنکرة کقولهم معضلة و لا أبا حسن لها قال الراجز لا هیثم اللیلة للمطی.

و قد روی بالرفع فی الجمیع.

و المقارعة منصوبة علی المصدر و قال الراوندیّ هی استثناء منقطع و الصواب ما ذکرناه و قد روی إلا المقارعة بالرفع تقدیره و لا نصیر لکم بوجه من الوجوه إلاّ المقارعة .

و الأمثال التی أشار إلیها أمیر المؤمنین ع هی ما تضمنه القرآن من أیّام اللّه و نقماته علی أعدائه و قال تعالی وَ ضَرَبْنٰا لَکُمُ الْأَمْثٰالَ (1) .

و التناهی مصدر تناهی القوم عن کذا أی نهی بعضهم بعضا یقول لعن اللّه الماضین من قبلکم لأن سفهاءهم ارتکبوا المعصیة و حلماءهم لم ینهوهم عنها و هذا من قوله تعالی کٰانُوا لاٰ یَتَنٰاهَوْنَ عَنْ مُنکَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مٰا کٰانُوا یَفْعَلُونَ (2) أَلاَ وَ قَدْ قَطَعْتُمْ قَیْدَ اَلْإِسْلاَمِ وَ عَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ وَ أَمَتُّمْ أَحْکَامَهُ أَلاَ وَ قَدْ أَمَرَنِیَ اللَّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْیِ وَ النَّکْثِ وَ الْفَسَادِ فِی الْأَرْضِ فَأَمَّا اَلنَّاکِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ وَ أَمَّا اَلْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ وَ أَمَّا اَلْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ وَ أَمَّا شَیْطَانُ الرَّدْهَةِ فَقَدْ کُفِیتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ وَ رَجَّةُ صَدْرِهِ

ص :182

وَ بَقِیَتْ بَقِیَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْیِ وَ لَئِنْ أَذِنَ اللَّهُ فِی الْکَرَّةِ عَلَیْهِمْ لَأُدِیلَنَّ مِنْهُمْ إِلاَّ مَا یَتَشَذَّرُ فِی أَطْرَافِ الْبِلاَدِ تَشَذُّراً .

قد ثبت

3662

عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ لَهُ ع سَتُقَاتِلُ بَعْدِی اَلنَّاکِثِینَ وَ اَلْقَاسِطِینَ وَ اَلْمَارِقِینَ .

فکان الناکثون أصحاب الجمل لأنهم نکثوا بیعته ع و کان القاسطون أهل الشام بصفین و کان المارقون الخوارج فی النهروان و فی الفرق الثلاث قال اللّه تعالی فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّمٰا یَنْکُثُ عَلیٰ نَفْسِهِ (1) وَ قَالَ وَ أَمَّا الْقٰاسِطُونَ فَکٰانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (2) و

3663

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص یَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ یَمْرُقُونَ مِنَ الدِّینِ کَمَا یَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِیَّةِ یَنْظُرُ أَحَدُکُمْ فِی النَّصْلِ فَلاَ یَجِدُ شَیْئاً فَیَنْظُرُ فِی الْفَوْقِ (3) فَلاَ یَجِدُ شَیْئاً سَبَقَ الْفَرْثَ وَ الدَّمَ.

و هذا الخبر من أعلام نبوّته ص و من أخباره المفصلة بالغیوب .

و أما شیطان الردهة فقد قال قوم إنّه ذو الثدیة صاحب النهروان و رووا فی ذلک خبرا عن النبیّ ص و ممن ذکر ذلک و اختاره الجوهریّ صاحب الصحاح (4) و هؤلاء یقولون إن ذا الثدیة لم یقتل بسیف و لکن اللّه رماه یوم النهروان بصاعقة و إلیها أشار ع بقوله فقد کفیته بصعقة سمعت لها وجبة

ص :183

قلبه

و قال قوم شیطان الردهة أحد الأبالسة المردة من أعوان عدو اللّه إبلیس و رووا فی ذلک خبرا عن النبیّ ص و أنّه کان یتعوذ منه و الردهة شبه نقرة فی الجبل یجتمع فیها الماء و هذا مثل

3664

قَوْلُهُ ع هَذَا أَزَبُّ الْعَقَبَةِ.

أی شیطانها و لعلّ أزب العقبة هو شیطان الردهة بعینه فتارة یرد بهذا اللفظ و تارة یرد بذلک اللفظ و قال قوم شیطان الردهة مارد یتصور فی صورة حیة و یکون علی الردهة و إنّما أخذوا هذا من لفظة الشیطان لأن الشیطان الحیة و منه قولهم شیطان الحماطة و الحماطة شجرة مخصوصة و یقال إنها کثیرة الحیات.

قوله و یتشذر فی أطراف الأرض یتمزق و یتبدد و منه قولهم ذهبوا شذر مذر.

و البقیة التی بقیت من أهل البغی معاویة و أصحابه لأنّه ع لم یکن أتی علیهم بأجمعهم و إنّما وقفت الحرب بینه و بینهم بمکیدة التحکیم.

قوله ع و لئن أذن اللّه فی الکَرَّةِ علیهم أی إن مد لی فی العمر لَأُدِیلَنَّ منهم أی لتکونن الدولة لی علیهم أدلت من فلان أی غلبته و قهرته و صرت ذا دولة علیه

عَلَی اَلْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی اَلْکٰافِرِینَ یُجٰاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّٰهِ وَ لاٰ یَخٰافُونَ لَوْمَةَ لاٰئِمٍ

(1)

ثم قال قاضی القضاة فی المعنی و هذا خبر من اللّه تعالی و لا بدّ أن یکون کائنا علی ما أخبر به و الذین قاتلوا المرتدین هم أبو بکر و أصحابه فوجب أن یکونوا هم الذین عناهم اللّه سبحانه بقوله یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ و ذلک یوجب أن یکونوا علی صواب.

و اعترض المرتضی رحمه اللّه علی هذا الاحتجاج فی الشافی فقال من أین قلت إن الآیة نزلت فی أبی بکر و أصحابه فإن قال لأنّهم الذین قاتلوا المرتدین بعد رسول اللّه ص و لا أحد قاتلهم سواهم قیل له و من الذی سلم لک ذلک أ و لیس أمیر المؤمنین ع قد قاتل الناکثین و القاسطین و المارقین بعد الرسول ص و هؤلاء عندنا مرتدون عن الدین و یشهد بصحة التأویل زائدا علی احتمال القول له

3665

1- مَا رُوِیَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع مِنْ قَوْلِهِ یَوْمَ اَلْبَصْرَةِ وَ اللَّهِ مَا قُوتِلَ أَهْلُ الْآیَةِ حَتَّی الْیَوْمِ وَ تَلاَهَا .

و قد روی عن عمار و حذیفة و غیرهما مثل ذلک.

فإن قال دلیلی علی أنّها فی أبی بکر و أصحابه قول أهل التفسیر قیل له أ و کل أهل التفسیر قال ذلک فإن قال نعم کابر لأنّه قد روی عن جماعة التأویل الذی ذکرناه و لو لم یکن إلاّ ما روی عن أمیر المؤمنین ع و وجوه أصحابه الذین ذکرناهم لکفی و إن قال حجتی قول بعض المفسرین قلنا و أی حجة فی قول البعض و لم صار البعض الذی قال ما ذکرت أولی بالحق من البعض الذی قال ما ذکرنا.

ثمّ یقال له قد وجدنا اللّه تعالی قد نعت المذکورین فی الآیة بنعوت یجب أن

ص :185

تراعیها لنعلم أ فی صاحبنا هی أم فی صاحبک و قد جعله الرسول ص فی خیبر حین فر من فر من القوم عن العدو صاحب هذه الأوصاف

3666

14,1- فَقَالَ لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلاً یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ کَرَّاراً غَیْرَ فَرَّارٍ فَدَفَعَهَا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع .

ثمّ قوله تعالی أَذِلَّةٍ عَلَی اَلْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی اَلْکٰافِرِینَ (1) یقتضی ما ذکرنا لأنّه من المعلوم بلا خلاف حال أمیر المؤمنین ع فی التخاشع و التواضع و ذمّ نفسه و قمع غضبه و أنّه ما رئی قط طائشا و لا متطیرا فی حال من الأحوال و معلوم حال صاحبیکم فی هذا الباب أما أحدهما فإنّه اعترف طوعا بأن له شیطانا یعتریه عند غضبه و أمّا الآخر فکان معروفا بالجد و العجلة مشهورا بالفظاظة و الغلظة و أمّا العزة علی الکافرین فإنما تکون بقتالهم و جهادهم و الانتقام منهم و هذه حال لم یسبق أمیر المؤمنین ع إلیها سابق و لا لحقه فیها لاحق.

ثمّ قال تعالی یُجٰاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّٰهِ وَ لاٰ یَخٰافُونَ لَوْمَةَ لاٰئِمٍ (2) و هذا وصف أمیر المؤمنین المستحق له بالإجماع و هو منتف عن أبی بکر و صاحبه إجماعا لأنّه لا قتیل لهما فی الإسلام و لا جهاد بین یدی الرسول ص و إذا کانت الأوصافُ المراعاة فی الآیة حاصلةً لأمیر المؤمنین ع و غیرَ حاصلةٍ لمن ادَّعَیْتُم لأنّها فیهم علی ضربین ضرب معلوم انتفاؤه کالجهاد و ضرب مختلف فیه کالأوصاف التی هی غیر الجهاد و علی من أثبتها لهم الدلالة علی حصولها و لا بدّ أن یرجع فی ذلک إلی غیر ظاهر الآیة لم یبق فی یده من الآیة دلیل.

هذه جملة ما ذکره المرتضی رحمه اللّه و لقد کان یمکنه التخلص من الاحتجاج بالآیة

ص :186

علی وجه ألطف و أحسن و أصح ممّا ذکره فیقول المراد بها من ارتد علی عهد رسول اللّه ص فی واقعة الأسود العنسی بالیمن فإن کثیرا من المسلمین ضلُّوا به و ارتدُّوا عن الإسلام و ادعوا له النبوّة و اعتقدوا صدقه و القوم الذین یحبهم اللّه و یحبونه القوم الذین کاتبهم رسول اللّه ص و أغراهم بقتله و الفتک به و هم فیروز الدیلمیّ و أصحابه و القصة مشهورة و قد کان له أیضا أن یقول لم قلت إن الذین قاتلهم أبو بکر و أصحابه کانوا مرتدین فإن المرتد من ینکر دین الإسلام بعد أن کان قد تدین به و الذین مَنَعُوا الزَّکَاة لم ینکروا أصل دین الإسلام و إنّما تَأَوَّلُوا فَأَخْطَئُوا لأنّهم تأولوا قول اللّه تعالی خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَکِّیهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَیْهِمْ إِنَّ صَلاٰتَکَ سَکَنٌ لَهُمْ (1) فقالوا إنّما ندفع زکاة أموالنا إلی من صلاته سکن لنا و لم یبق بعد وفاة النبیّ ص من هو بهذه الصفة فسقط عنا وجوب الزکاة لیس هذا من الرِّدَّةِ فی شیء و إنّما سماهم الصحابة أهل الرِّدَةِ علی سبیل المجاز إعظاما لما قالوه و تأولوه.

فإن قیل إنّما الاعتماد علی قتال أبی بکر و أصحابه لمسیلمة و طُلَیْحَةَ اللذَّیْن ادَّعَیَا النبوّةَ و ارتَدَّ بطریقهما کثیرٌ من العرب لا علی قتال مانِعِی الزکاة قیل إن مُسَیْلِمَةَ و طُلَیْحَةَ جَاهَدَهُمَا رسولُ اللّه ص قبل موته بالکتب و الرسل و أنفذ لقتلهما جماعة من المسلمین و أمرهم أن یَفْتِکُوا بهما غِیلة إن أمکنهم ذلک و استنفر علیهما قبائل من العرب و کل ذلک مفصل مذکور فی کتب السیرة و التواریخ فلم لا یجوز أن یکون أولئک النفر الذین بعثهم رسول اللّه ص للفتک بهما هم المعنیون بقوله یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ إلی آخر الآیة و لم یقل فی الآیة یجاهدون

ص :187

فیقتلون و إنّما ذکر الجهاد فقط و قد کان الجهاد من أولئک النفر حاصلا و إن لم یبلغوا الغرض کما کان الجهاد حاصلا عند حصار الطائف و إن لم یبلغ فیه الغرض.

و قد کان له أیضا أن یقول سیاق الآیة لا یدلّ علی ما ظنه المستدل بها من أنّه من یرتدد عن الدین فإن اللّه یأتی بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ یحاربونه لأجل ردته و إنّما الذی یدلّ علیه سیاق الآیة أنه مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ بترک الجهاد مع رسول اللّه ص و سماه ارتدادا علی سبیل المجاز فَسَوْفَ یَأْتِی اللّٰهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ ... یُجٰاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّٰهِ معه عوضا عنکم و کذلک کان کل من خذل النبیّ ص و قعد عن النهوض معه فی حروبه أغناه اللّه تعالی عنه بطائفة أخری من المسلمین جاهدوا بین یدیه.

و أمّا قول المرتضی رحمه اللّه إنها أنزلت فی الناکثین و القاسطین و المارقین الذین حاربهم أمیر المؤمنین ع فبعید لأنّهم لا یطلق علیهم لفظ الردة عندنا و لا عند المرتضی و أصحابه أما اللفظ فبالاتفاق و إن سموهم کفّارا و أمّا المعنی فلأن فی مذهبهم أن من ارتد و کان قد ولد علی فطرة الإسلام بانت امرأته منه و قسم ماله بین ورثته و کان علی زوجته عدة المتوفی عنها زوجها و معلوم أن أکثر محاربی أمیر المؤمنین ع کانوا قد ولدوا فی الإسلام و لم یحکم فیهم بهذه الأحکام.

و قوله إن الصفات غیر متحققة فی صاحبکم فلعمری إن حظ أمیر المؤمنین ع منها هو الحظ الأوفی و لکن الآیة ما خصت الرئیس بالصفات المذکورة و إنّما أطلقها علی المجاهدین و هم الذین یباشرون الحرب فهب أن أبا بکر و عمر ما کانا بهذه الصفات لم لا یجوز أن یکون مدحا لمن جاهد بین أیدیهما من المسلمین و باشر الحرب و هم شجعان المهاجرین و الأنصار الذین فتحوا الفتوح و نشروا الدعوة و ملکوا الأقالیم.

ص :188

و قد استدلّ قاضی القضاة أیضا عن صحة إمامة أبی بکر و أسند هذا الاستدلال إلی شیخنا أبی علی بقوله تعالی سَیَقُولُ لَکَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ شَغَلَتْنٰا أَمْوٰالُنٰا وَ أَهْلُونٰا فَاسْتَغْفِرْ لَنٰا یَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مٰا لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ (1) و قال تعالی فَإِنْ رَجَعَکَ اللّٰهُ إِلیٰ طٰائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوکَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً وَ لَنْ تُقٰاتِلُوا مَعِیَ عَدُوًّا إِنَّکُمْ رَضِیتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخٰالِفِینَ (2) و قال تعالی سَیَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلیٰ مَغٰانِمَ لِتَأْخُذُوهٰا ذَرُونٰا نَتَّبِعْکُمْ یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا کَلاٰمَ اللّٰهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونٰا کَذٰلِکُمْ قٰالَ اللّٰهُ مِنْ قَبْلُ (3) یعنی قوله تعالی لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً وَ لَنْ تُقٰاتِلُوا مَعِیَ عَدُوًّا ثم قال سبحانه قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ سَتُدْعَوْنَ إِلیٰ قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ تُقٰاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِیعُوا یُؤْتِکُمُ اللّٰهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا کَمٰا تَوَلَّیْتُمْ مِنْ قَبْلُ یُعَذِّبْکُمْ عَذٰاباً أَلِیماً (4) فبین أن الذی یدعو هؤلاء المخلفین من الأعراب إلی قتال قوم أولی بأس شدید غیر النبیّ ص لأنّه تعالی قد بین أنهم لا یخرجون معه و لا یقاتلون معه عدوا بآیة متقدمة و لم یدعهم بعد النبیّ ص إلی قتال الکفّار إلا أبو بکر و عمر و عثمان لأن أهل التأویل لم یقولوا فی هذه الآیة غیر وجهین من التأویل فقال بعضهم عنی بقوله سَتُدْعَوْنَ إِلیٰ قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ بنی حنیفة و قال بعضهم عنی فارس و الروم و أبو بکر هو الذی دعا إلی قتال بَنِی حَنِیفَةَ و قتالِ آلِ فَارْسَ و الرُّومِ و دعاهم بعده إلی قتال فارْسَ و الرُّومِ عُمَرُ فإذا کان اللّه تعالی قد بین أنهم بطاعتهم لهما یؤتهم أجرا حسنا و إن تولوا عن طاعتهما یعذبهم عذابا ألیما صح أنهما علی حقّ و أن طاعتهما طاعة لله تعالی و هذا یوجب صحة إمامتهما.

ص :189

فإن قیل إنّما أراد اللّه بذلک أهل الجمل و صفین قیل هذا فاسد من وجهین أحدهما قوله تعالی تُقٰاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ و الذین حاربوا أمیر المؤمنین کانوا علی الإسلام و لم یقاتلوا علی الکفر و الوجه الثانی أنا لا نعرف من الذین عناهم اللّه تعالی بهذا من بقی إلی أیام أمیر المؤمنین ع کما علمنا أنهم کانوا باقین فی أیام أبی بکر .

اعترض المرتضی رحمه اللّه علی هذا الکلام من وجهین أحدهما أنّه نازع فی اقتضاء الآیة داعیا یدعو هؤلاء المخلفین غیر النبیّ ص و ذلک لأن قوله تعالی سَیَقُولُ لَکَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ شَغَلَتْنٰا أَمْوٰالُنٰا وَ أَهْلُونٰا فَاسْتَغْفِرْ لَنٰا یَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مٰا لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ یَمْلِکُ لَکُمْ مِنَ اللّٰهِ شَیْئاً إِنْ أَرٰادَ بِکُمْ ضَرًّا أَوْ أَرٰادَ بِکُمْ نَفْعاً بَلْ کٰانَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِیراً بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ یَنْقَلِبَ اَلرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلیٰ أَهْلِیهِمْ أَبَداً وَ زُیِّنَ ذٰلِکَ فِی قُلُوبِکُمْ وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ کُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (1) .

إنّما أراد به سبحانه الذین تخلفوا عن الحدیبیة بشهادة جمیع أهل النقل و إطباق المفسرین.

ثمّ قال تعالی سَیَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلیٰ مَغٰانِمَ لِتَأْخُذُوهٰا ذَرُونٰا نَتَّبِعْکُمْ یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا کَلاٰمَ اللّٰهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونٰا کَذٰلِکُمْ قٰالَ اللّٰهُ مِنْ قَبْلُ فَسَیَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنٰا بَلْ کٰانُوا لاٰ یَفْقَهُونَ إِلاّٰ قَلِیلاً (2) و إنّما التمس هؤلاء المخلفون أن یخرجوا إلی غنیمة خیبر فمنعهم اللّه تعالی من ذلک و أمر نبیه أن یقول لهم لن تتبعونا إلی هذه الغزاة لأن اللّه تعالی کان حکم من قبل بأن غنیمة خیبر لمن شهد الحدیبیة و أنّه لا حظ لمن لم یشهدها و هذا هو معنی قوله تعالی یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا کَلاٰمَ اللّٰهِ و قوله کَذٰلِکُمْ قٰالَ اللّٰهُ مِنْ قَبْلُ ثم قال تعالی قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ

ص :190

مِنَ اَلْأَعْرٰابِ سَتُدْعَوْنَ إِلیٰ قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ تُقٰاتِلُونَهُمْ أَوْ یُسْلِمُونَ و إنّما أراد أن الرسول سیدعوکم فیما بعد إلی قتال قوم أولی بأس شدید و قد دعاهم النبیّ ص بعد ذلک إلی غزوات کثیرة إلی قوم أولی بأس شدید کمؤتة و حنین و تبوک و غیرهما فمن أین یجب أن یکون الداعی لهؤلاء غیر النبیّ ص مع ما ذکرناه من الحروب التی کانت بعد خیبر .

و قوله إن معنی قوله تعالی کَذٰلِکُمْ قٰالَ اللّٰهُ مِنْ قَبْلُ إنّما أراد به ما بینه فی قوله فَإِنْ رَجَعَکَ اللّٰهُ إِلیٰ طٰائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوکَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً وَ لَنْ تُقٰاتِلُوا مَعِیَ عَدُوًّا بِتَبُوکَ سَنَةَ تسعٍ و آیةُ الفتح نزلت فی سنة ست فکیف یکون قبلها.

و لیس یجب أن یقال فی القرآن بالإرادة و بما یحتمل من الوجوه فی کل موضع دون الرجوع إلی تاریخ نزول الآی و الأسباب التی وردت علیها و تعلقت بها.

و ممّا یبین لک أن هؤلاء المخلفین غیر أولئک لو لم نرجع فی ذلک إلی نقل و تاریخ قوله تعالی فی هؤلاء فَإِنْ تُطِیعُوا یُؤْتِکُمُ اللّٰهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا کَمٰا تَوَلَّیْتُمْ مِنْ قَبْلُ یُعَذِّبْکُمْ عَذٰاباً أَلِیماً (1) فلم یقطع منهم علی طاعة و لا معصیة بل ذکر الوعد و الوعید علی ما یفعلونه من طاعة أو معصیة و حکم المذکورین فی آیة سورة التوبة بخلاف هذه لأنّه تعالی بعد قوله إِنَّکُمْ رَضِیتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخٰالِفِینَ وَ لاٰ تُصَلِّ عَلیٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً وَ لاٰ تَقُمْ عَلیٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ مٰاتُوا وَ هُمْ فٰاسِقُونَ وَ لاٰ تُعْجِبْکَ أَمْوٰالُهُمْ وَ أَوْلاٰدُهُمْ إِنَّمٰا یُرِیدُ اللّٰهُ أَنْ یُعَذِّبَهُمْ بِهٰا فِی الدُّنْیٰا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ کٰافِرُونَ (2) و اختلاف أحکامهم و صفاتهم یدل

ص :191

علی اختلافهم و أن المذکورین فی آیة سورة الفتح غیر المذکورین فی آیة سورة التوبة .

و أمّا قوله لأن أهل التأویل لم یقولوا فی هذه الآیة غیر وجهین من التأویل فذکرهما باطل لأن أهل التأویل قد ذکروا شیئا آخر لم یذکره

3667

لِأَنَّ اَلْمُسَیَّبَ رَوَی عَنْ أَبِی رَوْقٍ عَنِ اَلضَّحَّاکِ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی سَتُدْعَوْنَ إِلیٰ قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ (1) الْآیَةَ قَالَ هُمْ ثَقِیفٌ .

3668

وَ رَوَی هُشَیْمٌ عَنْ أَبِی یُسْرٍ سَعِیدِ بْنِ جُبَیْرٍ قَالَ هُمْ هُوَازِنُ یَوْمَ حُنَیْنٍ .

3669

وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ هُمْ هُوَازِنُ وَ ثَقِیفٌ . فکیف ذکر من أقوال المفسرین ما یوافقه مع اختلاف الروایة عنهم علی أنا لا نرجع فی کل ما یحتمله تأویل القرآن إلی أقوال المفسرین فإنهم ربما ترکوا ممّا یحتمله القول وجها صحیحا و کم استخرج جماعة من أهل العدل فی متشابه القرآن من الوجوه الصحیحة التی ظاهر التنزیل بها أشبه و لها أشدّ احتمالا ممّا لم یسبق إلیه المفسرون و لا دخل فی جملة تفسیرهم و تأویلهم.

و الوجه الثانی سلم فیه أن الداعی هؤلاء المخلفین غیر النبیّ ص و قال لا یمتنع أن یعنی بهذا الداعی أمیر المؤمنین ع لأنّه قاتل بعده الناکثین و القاسطین و المارقین و بشره النبیّ ص بأنه یقاتلهم و قد کانوا أولی بأس شدید بلا شبهة.

قال فأما تعلق صاحب الکتاب بقوله أَوْ یُسْلِمُونَ و أن الذین حاربهم أمیر المؤمنین ع کانوا مسلمین فأول ما فیه أنهم غیر مسلمین عنده و عند أصحابه لأن الکبائر تخرج من الإسلام عندهم کما تخرج عن الإیمان إذ کان الإیمان هو الإسلام

ص :192

علی مذهبهم ثمّ إن مذهبَنَا فی محارِبِی أمیرِ المؤمنین ع معروف لأنّهم عندنا کانوا کُفَّاراً بمحاربتِهِ لوجوه الأول منها أن من حاربه کان مستحلا لقتاله مظهرا أنّه فی ارتکابه علی حقّ و نحن نعلم أن من أظهر استحلال شرب جرعة خمر هو کافر بالإجماع و استحلال دماء المؤمنین فضلا عن أفاضلهم و أکابرهم أعظم من شرب الخمر و استحلاله فیجب أن یکونوا من هذا الوجه کفّارا.

الثانی

3670

أَنَّهُ ع قَالَ لَهُ بِلاَ خِلاَفٍ بَیْنَ أَهْلِ النَّقْلِ حَرْبُکَ یَا عَلِیُّ حَرْبِی وَ سِلْمُکَ سِلْمِی.

و نحن نعلم أنّه لم یرد إلاّ التشبیه بینهما فی الأحکام و من أحکام محاربی النبیّ ص الکفر بلا خلاف.

الثالث

3671

أَنَّ اَلنَّبِیَّ ص قَالَ لَهُ بِلاَ خِلاَفٍ أَیْضاً اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ.

و قد ثبت عندنا أن العداوة من اللّه لا تکون إلاّ للکفار الذین یعادونه دون فساق أهل الملّة.

الرابع قوله إنا لا نعلم ببقاء هؤلاء المخلفین إلی أیام أمیر المؤمنین ع فلیس بشیء لأنّه إذا لم یکن ذلک معلوما و مقطوعا علیه فهو مجوز و غیر معلوم خلافه و الجواز کاف لنا فی هذا الموضع.

و لو قیل له من أین علمت بقاء المخلفین المذکورین فی الآیة علی سبیل القطع إلی أیام أبی بکر لکان یفزع إلی أن یقول حکم الآیة یقتضی بقاءهم حتّی یتم کونهم مدعوین إلی قتال أولی البأس الشدید علی وجه یلزمهم فیه الطاعة و هذا بعینه یمکن أن یقال له و یعتمد فی بقائهم إلی أیام أمیر المؤمنین ع علی ما یوجبه حکم الآیة.

فإن قیل کیف یکون أهل الجمل و صفین کفارا و لم یسر أمیر المؤمنین ع

ص :193

فیهم بسیرة الکفّار لأنّه ما سباهم و لا غنم أموالهم و لا تبع مولیهم قلنا أحکام الکفر تختلف و إن شملهم اسم الکفر لأن فی الکفّار من یقتل و لا یستبقی و فیهم من یؤخذ منه الجزیة و لا یحل قتله إلاّ بسبب طارئ غیر الکفر و منهم من لا یجوز نکاحه علی مذهب أکثر المسلمین فعلی هذا یجوز أن یکون أکثر هؤلاء القوم کفّارا و إن لم یسر فیهم بجمیع سیرة أهل الکفر لأنا قد بینا اختلاف أحکام الکفّار و یرجع فی أن حکمهم مخالف لأحکام الکفّار إلی فعله ع و سیرته فیهم علی أنا لا نجد فی الفساق من حکمه أن یقتل مقبلا و لا یقتل مولیا و لا یجهز علی جریحه إلی غیر ذلک من الأحکام التی سیرها فی أهل البصرة و صفین .

فإذا قیل فی جواب ذلک أحکام الفسق مختلفة و فعل أمیر المؤمنین هو الحجة فی أن حکم أهل البصرة و صفین ما فعله قلنا مثل ذلک حرفا بحرف و یمکن مع تسلیم أن الداعی لهؤلاء المخلفین أبو بکر أن یقال لیس فی الآیة دلالة علی مدح الداعی و لا علی إمامته لأنّه قد یجوز أن یدعو إلی الحق و الصواب من لیس علیهما فیلزم ذلک الفعل من حیث کان واجبا فی نفسه لا لدعاء الداعی إلیه و أبو بکر إنّما دعا إلی دفع أهل الرِّدَّة عن الإسلام و هذا یجب علی المسلمین بلا دعاء داع و الطاعة فیه طاعة لله تعالی فمن أین له أن الداعی کان علی حقّ و صواب و لیس فی کون ما دعا إلیه طاعة ما یدلّ علی ذلک.

و یمکن أیضا أن یکون قوله تعالی سَتُدْعَوْنَ إنّما أراد به دعاء اللّه تعالی لهم بإیجاب القتال علیهم لأنّه إذا دلهم علی وجوب قتال المرتدین و رفعهم عن بیضة الإسلام فقد دعاهم إلی القتال و وجبت علیهم الطاعة و وجب لهم الثواب إن أطاعوا و هذا أیضا تحتمله الآیة.

ص :194

فهذه جملة ما ذکره المرتضی رحمه اللّه فی هذا الموضع و أکثره جید لا اعتراض علیه و قد کان یمکنه أن یقول لو سلّمنا بکل هذا لکان لیس فی قوله لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً الآیة ما یدلّ علی أن النبیّ ص لا یکون هو الداعی لهم إلی القوم أولی البأس الشدید لأنّه لیس فیها إلاّ محض الإخبار عنهم بأنهم لا یخرجون معه و لا یقاتلون العدو معه و لیس فی هذا ما ینفی کونه داعیا لهم کما

3672

أَنَّهُ ع قَالَ

أَبُو لَهَبٍ لاَ یُؤْمِنُ بِی.

لم یکن هذا القول نافیا لکونه یدعوه إلی الإسلام .

و قوله فَاقْعُدُوا مَعَ الْخٰالِفِینَ لیس بأمر علی الحقیقة و إنّما هو تهدید کقوله اِعْمَلُوا مٰا شِئْتُمْ (1) و لا بد للمرتضی و لقاضی القضاة جمیعا من أن یحملا صیغة افعل علی هذا المحمل لأنّه لیس لأحدهما بمسوغ أن یحمل الأمر علی حقیقته لأن الشارع لا یأمر بالقعود و ترک الجهاد مع القدرة علیه و کونه قد تعین وجوبه.

فإن قلت لو قدرنا أن هذه الآیة و هی قوله تعالی قُلْ لِلْمُخَلَّفِینَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ سَتُدْعَوْنَ إِلیٰ قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ أنزلت بعد غزوة تبوک و بعد نزول سورة براءة التی تتضمن قوله تعالی لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً و قدرنا أن قوله تعالی لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً لیس إخبارا محضا کما تأولته أنت و حملت الآیة علیه بل معناه لا أخرجکم معی و لا أشهدکم حرب العدو هل کان یتم الاستدلال قلت لا لأن للإمامیة أن تقول یجوز أن یکون الداعی إلی حرب القوم أولی البأس الشدید مع تسلیم هذه المقدمات کلها هو رسول اللّه ص لأنّه دعاهم إلی حرب الروم فی سریة أسامة بن زید فی صفر من سنة إحدی عشرة لما سیره إلی اَلْبَلْقَاءِ و قال له سِر إلی الروم مقتلِ أبیکَ فَأَوْطِئْهِمِ الخُیُول و حَشِّدْ معه أکثر المسلمین فهذا الجیش قد دعی فیه المخلفون من الأعراب الذین قعدوا عن الجهاد

ص :195

فی غَزَاةِ تَبُوکَ إِلیٰ قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ و لم یخرجوا مع رسول اللّه ص و لا حاربوا معه عدوا.

فإن قلت إذا خرجوا مع أُسَامَةَ فکأنّما خرجوا مع رسول اللّه و إذا حاربوا مع أسامة العدو فکأنّما حاربوا مع رسول اللّه ص و قد کان سبق أنهم لا یخرجون مع رسول اللّه ص و لا یحاربون معه عدوا قلت و إذا خرجوا مع خالد بن الولید و غیره فی أیام أبی بکر و مع أبی عبیدة و سعد فی أیام عمر فکأنّما خرجوا مع رسول اللّه ص و حاربوا العدو معه أیضا.

فإن اعتذرت بأنّه و إن شابه الخروج معه و الحرب معه إلاّ أنّه علی الحقیقة لیس معه و إنّما هو مع امرئ من قبل خلفائه قیل لک و کذلک خروجهم مع أسامة و محاربة العدو معه و إن شابه الخروج مع النبیّ و محاربة العدو معه إلاّ أنّه علی الحقیقة لیس معه و إنّما هو مع بعض أمرائه.

و یمکن أن یعترض الاستدلال بالآیة فیقال لا یجوز حملها علی بنی حنیفة لأنهم کانوا مسلمین و إنّما منعوا الزکاة مع قولهم لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه ص و منع الزکاة لا یخرج به الإنسان عن الإسلام عند المرجئة و الإمامیّة مرجئة و لا یجوز حملها علی فارس و الروم لأنّه تعالی أخبر أنّه لا واسطة بین قتالهم و إسلامهم کما تقول إمّا کذا و إمّا کذا فیقتضی ذلک نفی الواسطة و قتال فارس و الروم بینه و بین إسلامهم واسطة و هو دفع الجزیة و إنّما تنتفی هذه الواسطة فی قتال العرب لأن مشرکی العرب لا تؤخذ منهم الجزیة فالآیة إذن دالة علی أن المخلفین سیدعون إِلیٰ قَوْمٍ أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ الحکم فیهم إمّا قتالهم و إما إسلامهم و هؤلاء هم مشرکو العرب و لم یحارب مشرکی العرب إلا رسول اللّه ص فالداعی لهم إذا هو رسول اللّه و بطل الاستدلال بالآیة

ص :196

أَنَا وَضَعْتُ فِی الصِّغَرِ بِکَلاَکِلِ اَلْعَرَبِ وَ کَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِیعَةَ وَ مُضَرَ وَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِی مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص بِالْقَرَابَةِ الْقَرِیبَةِ وَ الْمَنْزِلَةِ الْخَصِیصَةِ وَضَعَنِی فِی [حَجْرِهِ]

حِجْرِهِ وَ أَنَا وَلَدٌ [وَلِیدٌ]

یَضُمُّنِی إِلَی صَدْرِهِ وَ یَکْنُفُنِی فِی فِرَاشِهِ وَ یُمِسُّنِی جَسَدَهُ وَ یُشِمُّنِی عَرْفَهُ وَ کَانَ یَمْضَغُ الشَّیْءَ ثُمَّ یُلْقِمُنِیهِ وَ مَا وَجَدَ لِی کَذْبَةً فِی قَوْلٍ وَ لاَ خَطْلَةً فِی فِعْلٍ وَ لَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ ص مِنْ لَدُنْ أَنْ کَانَ فَطِیماً أَعْظَمَ مَلَکٍ مِنْ مَلاَئِکَتِهِ یَسْلُکُ بِهِ طَرِیقَ الْمَکَارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ لَیْلَهُ وَ نَهَارَهُ وَ لَقَدْ کُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِیلِ أَثَرَ أُمِّهِ یَرْفَعُ لِی فِی کُلِّ یَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً وَ یَأْمُرُنِی بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ وَ لَقَدْ کَانَ یُجَاوِرُ فِی کُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَ لاَ یَرَاهُ غَیْرِی وَ لَمْ یَجْمَعْ بَیْتٌ وَاحِدٌ یَوْمَئِذٍ فِی اَلْإِسْلاَمِ غَیْرَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ خَدِیجَةَ وَ أَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَی نُورَ الْوَحْیِ وَ الرِّسَالَةِ وَ أَشُمُّ رِیحَ النُّبُوَّةِ وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ اَلشَّیْطَانِ حِینَ نَزَلَ الْوَحْیُ عَلَیْهِ ص فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا اَلشَّیْطَانُ قَدْ أَیِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّکَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَی مَا أَرَی إِلاَّ أَنَّکَ لَسْتَ بِنَبِیٍّ وَ لَکِنَّکَ لَوَزِیرٌ وَ إِنَّکَ لَعَلَی خَیْرٍ .

الباء فی قوله بکلاکل العرب زائدة و الکلاکل الصدور الواحد کلکل و المعنی أنی أذللتهم و صرعتهم إلی الأرض.

ص :197

و نواجم قرون ربیعة و مضر

من نجم منهم و ظهر و علا قدره و طار صیته.

فإن قلت أما قهره لمضر فمعلوم فما حال ربیعة و لم نعرف أنّه قتل منهم أحدا قلت بلی قد قتل بیده و بجیشه کثیرا من رؤسائهم فی صفین و الجمل فقد تقدم ذکر أسمائهم من قبل و هذه الخطبة خطب بها بعد انقضاء أمر النهروان .

و العَرف بالفتح الریح الطیبة و مضغ الشیء یمضغه بفتح الضاد.

و الخَطْلَة فی الفعل الخطأ فیه و إیقاعه علی غیر وجهه .

و حراء اسم جبل بمکّة معروف .

و الرنة الصوت

فَنَکْفِیهِمَا عَنْهُ فَقَالَ اَلْعَبَّاسُ نَعَمْ فَانْطَلَقَا حَتَّی أَتَیَا أَبَا طَالِبٍ فَقَالاَ لَهُ إِنَّا نُرِیدُ أَنْ نُخَفِّفَ عَنْکَ مِنْ عِیَالِکَ حَتَّی یَنْکَشِفَ عَنِ النَّاسِ مَا هُمْ فِیهِ فَقَالَ لَهُمَا إِنْ تَرَکْتُمَا لِی عَقِیلاً فَاصْنَعَا مَا شِئْتُمَا فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلِیّاً فَضَمَّهُ إِلَیْهِ وَ أَخَذَ اَلْعَبَّاسُ جَعْفَراً رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَمَّهُ إِلَیْهِ فَلَمْ یَزَلْ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص حَتَّی بَعَثَهُ اللَّهُ نَبِیّاً فَاتَّبَعَهُ عَلِیٌّ ع فَأَقَرَّ بِهِ وَ صَدَّقَهُ وَ لَمْ یَزَلْ جَعْفَرٌ عِنْدَ اَلْعَبَّاسِ حَتَّی أَسْلَمَ وَ اسْتَغْنَی عَنْهُ

(1)

.

3674

14,1- قَالَ اَلطَّبَرِیُّ وَ حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَیْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَی شِعَابِ مَکَّةَ وَ خَرَجَ مَعَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع مُسْتَخْفِیاً مِنْ عَمِّهِ أَبِی طَالِبٍ وَ مِنْ جَمِیعِ أَعْمَامِهِ وَ سَائِرِ قَوْمِهِ فَیُصَلِّیَانِ الصَّلَوَاتِ فِیهَا فَإِذَا أَمْسَیَا رَجَعَا فَمَکَثَا کَذَلِکَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ یَمْکُثَا.

ثُمَّ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ عَثَرَ عَلَیْهِمَا وَ هُمَا یُصَلِّیَانِ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص یَا اِبْنَ أَخِی مَا هَذَا الَّذِی أَرَاکَ تَدِینُ بِهِ قَالَ یَا عَمِّ هَذَا دِینُ اللَّهِ وَ دِینُ مَلاَئِکَتِهِ وَ دِینُ رُسُلِهِ وَ دِینُ أَبِینَا إِبْرَاهِیمَ أَوْ کَمَا قَالَ بَعَثَنِیَ اللَّهُ بِهِ رَسُولاً إِلَی الْعِبَادِ وَ أَنْتَ یَا عَمِّ أَحَقُّ مَنْ بَذَلْتُ لَهُ النَّصِیحَةَ وَ دَعَوْتُهُ إِلَی الْهُدَی وَ أَحَقُّ مَنْ أَجَابَنِی إِلَیْهِ وَ أَعَانَنِی عَلَیْهِ أَوْ کَمَا قَالَ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ یَا اِبْنَ أَخِی إِنِّی لاَ أَسْتَطِیعُ أَنْ أُفَارِقَ دِینِی وَ دِینَ آبَائِی وَ مَا کَانُوا عَلَیْهِ وَ لَکِنْ وَ اللَّهِ لاَ یَخْلُصُ إِلَیْکَ شَیْءٌ تَکْرَهُهُ مَا بَقِیتُ.

قَالَ اَلطَّبَرِیُّ وَ قَدْ رَوَی هَؤُلاَءِ الْمَذْکُورُونَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ لِعَلِیٍّ ع یَا بُنَیَّ مَا هَذَا الَّذِی أَنْتَ عَلَیْهِ فَقَالَ یَا أَبَتِ إِنِّی آمَنْتُ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ صَدَّقْتُهُ بِمَا

ص :199

جَاءَ بِهِ وَ صَلَّیْتُ لِلَّهِ مَعَهُ قَالَ فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَمَا إِنَّهُ لاَ یَدْعُو إِلاَّ إِلَی خَیْرٍ فَالْزَمْهُ

(1)

.

و

3675

رَوَی اَلطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ أَیْضاً قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَیْنِ التِّرْمِذِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَی قَالَ أَخْبَرَنَا اَلْعَلاَءُ عَنِ اَلْمِنْهَالِ بْنِ عَمِّرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع یَقُولُ

أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَ أَخُو رَسُولِهِ وَ أَنَا الصِّدِّیقُ الْأَکْبَرُ لاَ یَقُولُهَا بَعْدِی إِلاَّ کَاذِبٌ مُفْتَرٍ صَلَّیْتُ قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِینَ

(2)

.

و

3676

فِی غَیْرِ رِوَایَةِ اَلطَّبَرِیِّ

أَنَا الصِّدِّیقُ الْأَکْبَرُ وَ أَنَا الْفَارُوقُ الْأَوَّلُ أَسْلَمْتُ قَبْلَ إِسْلاَمِ أَبِی بَکْرٍ وَ صَلَّیْتُ قَبْلَ صَلاَتِهِ بِسَبْعِ سِنِینَ .

کأنّه ع لم یرتض أن یذکر عمر و لا رآه أهلا للمقایسة بینه و بینه و ذلک لأن إسلام عمر کان متأخرا.

3677

14,1- وَ رَوَی اَلْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ سَأَلْتُ أَبِی عَنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص الذُّکُورِ أَیُّهُمْ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَهُ أَشَدَّ حُبّاً فَقَالَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع فَقُلْتُ لَهُ سَأَلْتُکَ عَنْ بَنِیهِ فَقَالَ إِنَّهُ کَانَ أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ بَنِیهِ جَمِیعاً وَ أَرْأَفَ مَا رَأَیْنَاهُ زَایَلَهُ یَوْماً مِنَ الدَّهْرِ مُنْذُ کَانَ طِفْلاً إِلاَّ أَنْ یَکُونَ فِی سَفَرٍ لِخَدِیجَةَ وَ مَا رَأَیْنَا أَباً أَبَرَّ بِابْنٍ مِنْهُ لِعَلِیٍّ وَ لاَ ابْناً أَطْوَعَ لِأَبٍ مِنْ عَلِیٍّ لَهُ

.

3678

14,1,4,5- وَ رَوَی اَلْحُسَیْنُ بْنُ زَیْدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ ع قَالَ سَمِعْتُ زَیْداً أَبِی ع یَقُولُ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ یَمْضَغُ اللُّحْمَةَ وَ التَّمْرَةَ حَتَّی تَلِینَ وَ یَجْعَلُهُمَا فِی فَمِ عَلِیٍّ ع وَ هُوَ صَغِیرٌ فِی حَجْرِهِ وَ کَذَلِکَ کَانَ أَبِی عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ ع یَفْعَلُ بِی وَ لَقَدْ کَانَ یَأْخُذُ الشَّیْءَ مِنَ الْوَرِکِ وَ هُوَ شَدِیدُ الْحَرَارَةِ فَیُبَرِّدُهُ فِی الْهَوَاءِ أَوْ یَنْفُخُ عَلَیْهِ حَتَّی یَبْرُدَ ثُمَّ یُلْقِمُنِیهِ أَ فَیُشْفِقُ عَلَیَّ مِنْ حَرَارَةِ لُقْمَةٍ وَ لاَ یُشْفِقُ عَلَیَّ مِنَ اَلنَّارِ لَوْ کَانَ أَخِی إِمَاماً بِالْوَصِیَّةِ کَمَا یَزْعُمُ هَؤُلاَءِ لَکَانَ أَبِی أَفْضَی بِذَلِکَ إِلَیَّ وَ وَقَانِی مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ

.

ص :200

3679

1,14- وَ رَوَی جُبَیْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ قَالَ أَبِی مُطْعِمُ بْنُ عَدِیٍّ لَنَا وَ نَحْنُ صِبْیَانٌ بِمَکَّةَ أَ لاَ تَرَوْنَ حُبَّ هَذَا الْغُلاَمِ یَعْنِی عَلِیّاً لِمُحَمَّدٍ وَ اتِّبَاعَهُ لَهُ دُونَ أَبِیهِ وَ اَللاَّتِ وَ اَلْعُزَّی لَوَدِدْتُ أن [أَنَّهُ]

ابْنِی بِفِتْیَانِ بَنِی نَوْفَلٍ جَمِیعاً

.

3680

14,1- وَ رَوَی سَعِیدُ بْنُ جُبَیْرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِکٍ فَقُلْتُ أَ رَأَیْتَ قَوْلَ عُمَرَ عَنِ السِّتَّةِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص مَاتَ وَ هُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ أَ لَمْ یَکُنْ رَاضِیاً عَنْ غَیْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ بَلَی مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ هُوَ رَاضٍ عَنْ کَثِیرٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ وَ لَکِنْ کَانَ عَنْ هَؤُلاَءِ أَکْثَرَ رِضًا فَقُلْتُ لَهُ فَأَیُّ اَلصَّحَابَةِ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَهُ أَحْمَدَ أَوْ کَمَا قَالَ قَالَ مَا فِیهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ وَ قَدْ سَخِطَ مِنْهُ فِعْلاً وَ أَنْکَرَ عَلَیْهِ أَمْراً إِلاَّ اثْنَانِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ أَبُو بَکْرِ بْنُ أَبِی قُحَافَةَ فَإِنَّهُمَا لَمْ یَقْتَرِفَا مُنْذُ أَتَی اللَّهُ بِالْإِسْلاَمِ أَمْراً أَسْخَطَا فِیهِ رَسُولَ اللَّهِ ص

.

أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ ص الَّتِی أَرْضَعَتْهُ تُحَدِّثُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ بَلَدِهَا وَ مَعَهَا زَوْجُهَا وَ ابْنٌ لَهَا تُرْضِعُهُ فِی نِسْوَةٍ مِنْ بَنِی سَعْدِ بْنِ بَکْرٍ یَلْتَمِسْنَ الرَّضَاعَ (1) بِمَکَّةَ فِی سَنَةٍ شَهْبَاءَ (2) لَمْ تُبْقِ شَیْئاً قَالَتْ فَخَرَجْتُ عَلَی أَتَانٍ لَنَا قَمْرَاءَ (3) عَجْفَاءَ وَ مَعَنَا شَارِفٌ (4) لَنَا مَا تَبِضُّ (5) بِقَطْرَةٍ وَ لاَ نَنَامُ لَیْلَنَا أَجْمَعَ مِنَ بُکَاءِ صَبِیِّنا الَّذِی مَعَنَا مِنَ الْجُوعِ مَا فِی ثَدْیَیَّ مَا یُغْنِیهِ وَ لاَ فِی شَارِفِنَا مَا یُغْدِیهِ (6) وَ لَکِنَّا نَرْجُو الْغَیْثَ وَ الْفَرَجَ فَخَرَجْتُ عَلَی أَتَانِی تِلْکَ وَ لَقَدْ أَرَاثَتْ بِالرَّکْبِ ضَعْفاً وَ عَجْفاً (7) حَتَّی شَقَّ ذَلِکَ عَلَیْهِمْ حَتَّی قَدِمْنَا مَکَّةَ نَلْتَمِسُ الرَّضَاعَ (8) فَمَا مِنَّا امْرَأَةٌ إِلاَّ وَ قَدْ عُرِضَ عَلَیْهَا مُحَمَّدٌ ص فَتَأْبَاهُ إِذَا قِیلَ لَهَا إِنَّهُ یَتِیمٌ وَ ذَلِکَ أَنَّا إِنَّمَا کُنَّا نَرْجُو الْمَعْرُوفَ مِنْ أَبِی الصَّبِیِّ فَکُنَّا نَقُولُ یَتِیمٌ مَا عَسَی أَنْ تَصْنَعَ أُمُّهُ وَ جَدُّهُ فَکُنَّا نَکْرَهُهُ لِذَلِکَ فَمَا بَقِیَتِ امْرَأَةٌ ذَهَبَتْ مَعِی إِلاَّ أَخَذْتُ رَضِیعاً غَیْرِی فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا لِلاِنْطِلاَقِ قُلْتُ لِصَاحِبِی وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَکْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَیْنِ صَوَاحِبِی لَمْ آخُذْ رَضِیعاً وَ اللَّهِ لَأَذْهَبَنَّ إِلَی ذَلِکَ الْیَتِیمِ فَلَآخُذَنَّهُ قَالَ لاَ عَلَیْکَ أَنْ تَفْعَلِی وَ عَسَی اللَّهُ أَنْ یَجْعَلَ لَنَا فِیهِ بَرَکَةً فَذَهَبْتُ إِلَیْهِ فَأَخَذْتُهُ وَ مَا یَحْمِلُنِی عَلَی أَخْذِهِ إِلاَّ أَنِّی لَمْ أَجِدْ غَیْرَهُ قَالَتْ فَلَمَّا أَخَذْتُهُ رَجَعْتُ إِلَی رَحْلِی فَلَمَّا وَضَعَتْهُ فِی حَجْرِی أَقْبَلَ عَلَیْهِ ثَدْیَایَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ فَرَضَعَ حَتَّی رَوِیَ وَ شَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتَّی رَوِیَ وَ مَا کُنَّا نَنَامُ قَبْلَ ذَلِکَ مِنْ بُکَاءِ صَبِیِّنَا جُوعاً فَنَامَ وَ قَامَ زَوْجِی إِلَی شَارِفِنَا تِلْکَ فَنَظَرَ إِلَیْهَا فَإِذَا أَنَّهَا حَافِلٌ (9) فَحَلَبَ مِنْهَا مَا شَرِبَ وَ شَرِبْتُ حَتَّی انْتَهَیْنَا رَیّاً وَ شِبَعاً فَبِتْنَا بِخَیْرٍ لَیْلَةً قَالَتْ یَقُولُ

ص :202

صَاحِبِی حِینَ أَصْبَحْنَا أَ تَعْلَمِینَ (1) وَ اللَّهِ یَا حَلِیمَةُ لَقَدْ أَخَذْتِ نَسَمَةً مُبَارَکَةً فَقُلْتُ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَرْجُو ذَلِکَ ثُمَّ خَرَجْنَا وَ رَکِبْتُ أَتَانِی تِلْکَ وَ حَمَلْتُهُ مَعِی عَلَیْهَا فَوَ اللَّهِ لَقَطَعْتُ بِالرَّکْبِ مَا یَقْدِرُ عَلَیْهَا شَیْءٌ مِنْ حَمِیرِهِمْ (2) حَتَّی إِنَّ صَوَاحِبِی لَیَقُلْنَ لِی وَیْحَکِ یَا بِنْتَ أَبِی ذُؤَیْبٍ أَرْبِعِی (3) عَلَیْنَا أَ لَیْسَ هَذِهِ أَتَانَکِ الَّتِی کُنْتِ خَرَجْتِ عَلَیْهَا فَأَقُولُ لَهُنَّ بَلَی وَ اللَّهِ إِنَّهَا لَهِیَ فَیَقُلْنَ وَ اللَّهِ إِنَّ لَهَا لَشَأْناً.

قَالَتْ ثُمَّ قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ بِلاَدِ بَنِی سَعْدٍ وَ مَا أَعْلَمُ أَرْضاً مِنْ أَرْضِ اَلْعَرَبِ أَجْدَبَ مِنْهَا فَکَانَتْ غَنَمِی تَرُوحُ عَلَیَّ حِینَ قَدِمْنَا بِهِ مَعَنَا شِبَاعاً مَلْأَی (4) لَبَناً فَکُنَّا نَحْتَلِبُ وَ نَشْرَبُ وَ مَا یَحْلُبُ إِنْسَانٌ قَطْرَةَ لَبَنٍ وَ لاَ یَجِدُهَا فِی ضَرْعٍ حَتَّی إِنَّ الْحَاضِرَ مِنْ قَوْمِنَا لَیَقُولُونَ لِرُعَاتِهِمْ وَیْلَکُمْ اسْرَحُوا حَیْثُ یَسْرَحُ رَاعِی اِبْنَةِ أَبِی ذُؤَیْبٍ فَیَفْعَلُونَ فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِیَاعاً مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةٍ وَ تَرُوحُ غَنَمِی شِبَاعاً لَبَناً فَلَمْ نَزَلْ نَعْرِفُ مِنَ اللَّهِ الزِّیَادَةَ وَ الْخَیْرَ بِهِ حَتَّی مَضَتْ سَنَتَاهُ وَ فَصَلْتُهُ فَکَانَ یَشِبُّ شَبَاباً لاَ یُشْبِهُ الْغِلْمَانَ فَلَمْ یَبْلُغْ سَنَتَیْهِ (5) حَتَّی کَانَ غُلاَماً جَفْراً (6) فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَی أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ وَ نَحْنُ أَحْرَصُ شَیْءٍ عَلَی مَکْثِهِ فِینَا لِمَا کُنَّا نَرَی مِنْ بَرَکَتِهِ فَکَلَّمْنَا أُمَّهُ وَ قُلْنَا لَهَا لَوْ تَرَکَتِهِ عِنْدَنَا حَتَّی یُغَلَّظُ فَإِنَّا نَخْشَی عَلَیْهِ (7) وَبَاءَ مَکَّةَ فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتَّی رَدَّتْهُ مَعَنَا.

فَرَجَعْنَا بِهِ إِلَی بِلاَدِ بَنِی سَعْدٍ فَوَ اللَّهِ إِنَّهُ لَبَعْدَ مَا قَدِمْنَا بِأَشْهُرٍ مَعَ أَخِیهِ فِی بُهْمٍ (8) لَنَا خَلْفَ بُیُوتِنَا إِذْ أَتَانَا أَخُوهُ یَشْتَدُّ فَقَالَ لِی وَ لِأَبِیهِ هَا هُوَ ذَاکَ أَخِی الْقُرَشِیُّ قَدْ جَاءَهُ

ص :203

رَجُلاَنِ عَلَیْهِمَا ثِیَابُ بَیَاضٍ فَأَضْجَعَاهُ وَ شَقَّا بَطْنَهُ فَهُمَا یَسُوطَانِهِ (1) قَالَتْ فَخَرَجْتُ أَنَا وَ أَبُوهُ نَشْتَدُّ نَحْوَهُ فَوَجَدْنَاهُ قَائِماً (2) مُمْتَقِعاً وَجْهُهُ فَالْتَزَمْتُهُ وَ الْتَزَمَهُ أَبُوهُ وَ قُلْنَا مَا لَکَ یَا بُنَیَّ قَالَ جَاءَنِی رَجُلاَنِ عَلَیْهِمَا ثِیَابٌ بِیضٌ فَأَضْجَعَانِی ثُمَّ شَقَّا بَطْنِی فَالْتَمَسَا فِیهِ شَیْئاً لاَ أَدْرِی مَا هُوَ قَالَتْ فَرَجَعْنَا بِهِ إِلَی خِبَائِنَا وَ قَالَ لِی أَبُوهُ یَا حَلِیمَةُ لَقَدْ خَشِیتُ أَنْ یَکُونَ هَذَا الْغُلاَمُ قَدْ أُصِیبَ فَأَلْحِقِیهِ بِأَهْلِهِ قَالَتْ فَاحْتَمَلْتُهُ حَتَّی قَدِمْتُ بِهِ عَلَی أُمِّهِ فَقَالَتْ مَا أَقْدَمَکِ بِهِ یَا ظِئْرُ وَ قَدْ کُنْتِ حَرِیصَةً عَلَیْهِ وَ عَلَی مَکْثِهِ عِنْدَکِ فَقُلْتُ لَهَا قَدْ بَلَغَ اللَّهُ بِابْنِی وَ قَضَیْتُ الَّذِی عَلَیَّ وَ تَخَوَّفْتُ عَلَیْهِ الْأَحْدَاثَ وَ أَدَّیْتُهُ إِلَیْکَ کَمَا تُحِبِّینَ قَالَتْ أَ تَخَوَّفْتَ عَلَیْهِ اَلشَّیْطَانَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَتْ کَلاَّ وَ اللَّهِ مَا لِلشَّیْطَانِ عَلَیْهِ مِنْ سَبِیلٍ وَ إِنَّ لاِبْنِی شَأْناً أَ فَلاَ أُخْبِرُکِ خَبَرَهُ قُلْتُ بَلَی قَالَتْ رَأَیْتُ حِینَ حَمَلْتُ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنِّی نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ بُصْرَی مِنَ (3) اَلشَّامِ ثُمَّ حَمَلْتُ بِهِ فَوَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ حَمْلاً قَطُّ کَانَ أَخَفَّ وَ لاَ أَیْسَرَ مِنْهُ ثُمَّ وَقَعَ حِینَ وَلَدْتُهُ وَ إِنَّهُ لَوَاضِعٌ یَدَیْهِ بِالْأَرْضِ وَ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَی السَّمَاءِ دَعِیهِ عَنْکِ وَ انْطَلِقِی رَاشِدَةً

(4)

.

3682

قَالَ وَ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهِ وَ یَذْکُرُ مَا جَرَی لَهُ وَ هُوَ طِفْلٌ فِی أَرْضِ بَنِی سَعْدِ بْنِ بَکْرٍ قَالَ لَمَّا وُلِدْتُ اسْتُرْضِعْتُ فِی بَنِی سَعْدٍ فَبَیْنَا أَنَا ذَاتَ یَوْمٍ مُنْتَبَذٌ مِنْ

ص :204

أَهْلِی فِی بَطْنِ وَادٍ مَعَ أَتْرَابٍ لِی مِنَ الصِّبْیَانِ نَتَقَاذَفُ بِالْجِلَّةِ إِذَا أَتَانِی رَهْطٌ ثَلاَثَةٌ مَعَهُمْ طَشْتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةً ثَلْجاً فَأَخَذُونِی مِنْ بَیْنِ أَصْحَابِی فَخَرَجَ أَصْحَابِی هُرَّاباً حَتَّی انْتَهَوْا إِلَی شَفِیرِ الْوَادِی ثُمَّ عَادُوا إِلَی الرَّهْطِ فَقَالُوا مَا أَرَبُکُمْ إِلَی هَذَا الْغُلاَمِ فَإِنَّهُ لَیْسَ مِنَّا هَذَا ابْنُ سَیِّدِ قُرَیْشٍ وَ هُوَ مُسْتَرْضِعٌ فِینَا غُلاَمٌ یَتِیمٌ لَیْسَ لَهُ أَبٌ فَمَا ذَا یَرُدُّ عَلَیْکُمْ قَتْلُهُ وَ مَا ذَا تُصِیبُونَ مِنْ ذَلِکَ وَ لَکِنْ إِنْ کُنْتُمْ لاَ بُدَّ قَاتِلِیهِ فَاخْتَارُوا مِنَّا أَیَّنَا شِئْتُمْ فَاقْتُلُوهُ مَکَانَهُ وَ دَعُوا هَذَا الْغُلاَمَ فَإِنَّهُ یَتِیمٌ.

فَلَمَّا رَأَی الصِّبْیَانُ أَنَّ الْقَوْمَ لاَ یُحِیرُونَ لَهُمْ جَوَاباً انْطَلَقُوا هُرَّاباً مُسْرِعِینَ إِلَی الْحَیِّ یُؤْذِنُونَهُمْ وَ یَسْتَصْرِخُونَهُمْ عَلَی الْقَوْمِ فَعَمَدَ أَحَدُهُمْ فَأَضْجَعَنِی إِضْجَاعاً لَطِیفاً ثُمَّ شَقَّ مَا بَیْنَ مَفْرِقِ صَدْرِی إِلَی مُنْتَهَی عَانَتِی وَ أَنَا أَنْظُرُ إِلَیْهِ فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِکَ حِسّاً ثُمَّ أَخْرَجَ بَطْنِی فَغَسَلَهَا بِذَلِکَ الثَّلْجِ فَأَنْعَمَ غَسْلَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا مَکَانَهَا ثُمَّ قَامَ الثَّانِی مِنْهُمْ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ تَنَحَّ فَنَحَّاهُ عَنِّی ثُمَّ أَدْخَلَ یَدَهُ فِی جَوْفِی وَ أَخْرَجَ قَلْبِی وَ أَنَا أَنْظُرُ إِلَیْهِ فَصَدَعَهُ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهُ مُضْغَةً سَوْدَاءَ فَرَمَاهَا ثُمَّ قَالَ بِیَدِهِ یَمْنَةً (1) مِنْهُ وَ کَأَنَّهُ (2) یَتَنَاوَلُ شَیْئاً فَإِذَا فِی یَدِهِ خَاتَمُ مِنْ نُورٍ تَحَارُ أَبْصَارُ النَّاظِرِینَ دُونَهُ فَخَتَمَ بِهِ قَلْبِی ثُمَّ أَعَادَهُ مَکَانَهُ فَوَجَدْتُ بَرْدَ ذَلِکَ الْخَاتَمِ فِی قَلْبِی دَهْراً ثُمَّ قَالَ الثَّالِثُ لِصَاحِبِهِ تَنَحَّ عَنْهُ فَأَمَرَّ یَدَهُ مَا بَیْنَ مَفْرِقِ صَدْرِی إِلَی مُنْتَهَی عَانَتِی فَالْتَأَمَ ذَلِکَ الشَّقُّ ثُمَّ أَخَذَ بِیَدِی فَأَنْهَضَنِی مِنْ مَکَانِی إِنْهَاضاً لَطِیفاً وَ قَالَ لِلْأَوَّلِ الَّذِی شَقَّ بَطْنِی زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ فَوَزَنَنِی بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ فَقَالَ دَعُوهُ فَلَوْ وَزَنْتُمُوهُ بِأُمَّتِهِ کُلِّهَا لَرَجَحَهُمْ ثُمَّ ضَمُّونِی إِلَی صَدْرِهِمْ وَ قَبَّلُوا رَأْسِی وَ مَا بَیْنَ عَیْنَیَّ وَ قَالُوا یَا حَبِیبَ اللَّهِ لاَ تُرَعْ إِنَّکَ لَوْ تَدْرِی مَا یُرَادُ بِکَ مِنَ الْخَیْرِ لَقَرَّتْ عَیْنَاکَ فَبَیْنَا أَنَا کَذَلِکَ إِذَا أَنَا بِالْحَیِّ قَدْ جَاءُوا بِحَذَافِیرِهِمْ وَ إِذَا أُمِّی وَ هِیَ

ص :205

ظِئْرِی أَمَامَ الْحَیِّ تَهْتِفُ بِأَعْلَی صَوْتِهَا وَ تَقُولُ یَا ضَعِیفَاهْ فَانْکَبَّ عَلَیَّ أُولَئِکَ الرَّهْطُ فَقَبَّلُوا رَأْسِی وَ مَا بَیْنَ عَیْنَیَّ وَ قَالُوا حَبَّذَا أَنْتَ مِنْ ضَعِیفٍ ثُمَّ قَالَتْ ظِئْرِی یَا وَحِیدَاهْ فَانْکَبُّوا عَلَیَّ وَ ضَمُّونِی إِلَی صُدُورِهِمْ وَ قَبَّلُوا رَأْسِی وَ مَا بَیْنَ عَیْنَیَّ ثُمَّ قَالُوا حَبَّذَا أَنْتَ مِنْ وَحِیدٍ وَ مَا أَنْتَ بِوَحِیدٍ إِنَّ اللَّهَ وَ مَلاَئِکَتَهُ مَعَکَ وَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَتْ ظِئْرِی یَا یَتِیمَاهْ اسْتُضْعِفْتَ مِنْ بَیْنِ أَصْحَابِکَ فَقُتِلْتَ لِضَعْفِکَ فَانْکَبُّوا عَلَیَّ وَ ضَمُّونِی إِلَی صُدُورِهِمْ وَ قَبَّلُوا رَأْسِی وَ مَا بَیْنَ عَیْنَیَّ وَ قَالُوا حَبَّذَا أَنْتَ مِنْ یَتِیمٍ مَا أَکْرَمَکَ عَلَی اللَّهِ لَوْ تَعْلَمُ مَا یُرَادُ بِکَ مِنَ الْخَیْرِ قَالَ فَوَصَلَ الْحَیُّ إِلَی شَفِیرِ الْوَادِی فَلَمَّا بَصُرَتْ بِی أُمِّی وَ هِیَ ظِئْرِی نَادَتْ یَا بُنَیَّ أَ لاَ أَرَاکَ حَیّاً بَعْدُ فَجَاءَتْ حَتَّی انْکَبَّتْ عَلَیَّ وَ ضَمَّتْنِی إِلَی صَدْرِهَا فَوَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ إِنِّی لَفِی حَجْرِهَا قَدْ ضَمَّتْنِی إِلَیْهَا وَ إِنَّ یَدِی لَفِی یَدِ بَعْضِهِمْ فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ إِلَیْهِمْ وَ ظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ یُبْصِرُونَهُمْ فَإِذَا هُمْ لاَ یُبْصِرُونَهُمْ فَیَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ إِنَّ هَذَا الْغُلاَمَ قَدْ أَصَابَهُ لَمَمٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الْجِنِّ فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَی کَاهِنِ بَنِی فُلاَنٍ حَتَّی یَنْظُرَ إِلَیْهِ وَ یُدَاوِیَهُ فَقُلْتُ مَا بِی شَیْءٌ مِمَّا یَذْکُرُونَ نَفْسِی سَلِیمَةٌ وَ إِنَّ فُؤَادِی صَحِیحٌ لَیْسَتْ بِی قَلْبَةٌ (1) فَقَالَ أَبِی وَ هُوَ زَوْجُ ظِئْرِی أَ لاَ تَرَوْنَ کَلاَمَهُ صَحِیحاً إِنِّی لَأَرْجُو أَلاَّ یَکُونَ عَلَی ابْنِی بَأْسٌ.

فَاتَّفَقَ الْقَوْمُ عَلَی أَنْ یَذْهَبُوا إِلَی الْکَاهِنِ بِی فَاحْتَمَلُونِی حَتَّی ذَهَبُوا بِی إِلَیْهِ فَقَصُّوا عَلَیْهِ قِصَّتِی فَقَالَ اسْکُتُوا حَتَّی أَسْمَعَ مِنَ الْغُلاَمِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِأَمْرِهِ مِنْکُمْ فَسَأَلَنِی فَقَصَصْتُ عَلَیْهِ أَمْرِی وَ أَنَا یَوْمَئِذٍ ابْنُ خَمْسِ سِنِینَ فَلَمَّا سَمِعَ قَوْلِی وَثَبَ وَ قَالَ یَا لَلْعَرَبِ اقْتُلُوا هَذَا الْغُلاَمَ فَهُوَ وَ اَللاَّتِ وَ اَلْعُزَّی لَئِنْ عَاشَ لَیُبَدِّلَنَّ دِینَکُمْ وَ لَیُخَالِفَنَّ أَمْرَکُمْ وَ لَیَأْتِیَنَّکُمْ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا بِهِ قَطُّ فَانْتَزَعَتْنِی ظِئْرِی مِنْ حَجْرِهِ وَ قَالَتْ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا یَکُونُ مِنْ قَوْلِکَ مَا أَتَیْتُکَ بِهِ

ص :206

ثُمَّ احْتَمَلُونِی فَأَصْبَحْتُ وَ قَدْ صَارَ فِی جَسَدِی أَثَرُ الشَّقِّ مَا بَیْنَ صَدْرِی إِلَی مُنْتَهَی عَانَتِی کَأَنَّهُ الشِّرَاکُ (1) .

و

3683

5,14- رُوِیَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْبَاقِرِ ع سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلاّٰ مَنِ ارْتَضیٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (2) فَقَالَ ع یُوَکِّلُ اللَّهُ تَعَالَی بِأَنْبِیَائِهِ مَلاَئِکَةً یُحْصُونَ أَعْمَالَهُمْ وَ یُؤَدُّونَ إِلَیْهِ تَبْلِیغَهُمُ الرِّسَالَةَ وَ وَکَّلَ بِمُحَمَّدٍ ص مَلَکاً عَظِیماً مُنْذُ فُصِلَ عَنِ الرَّضَاعِ یُرْشِدُهُ إِلَی الْخَیْرَاتِ وَ مَکَارِمِ الْأَخْلاَقِ وَ یَصُدُّهُ عَنِ الشَّرِّ وَ مَسَاوِئِ الْأَخْلاَقِ وَ هُوَ الَّذِی کَانَ یُنَادِیهِ السَّلاَمُ عَلَیْکَ یَا مُحَمَّدُ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ هُوَ شَابٌّ لَمْ یَبْلُغْ دَرَجَةَ الرِّسَالَةِ بَعْدُ فَیَظُنُّ أَنَّ ذَلِکَ مِنَ الْحَجَرِ وَ الْأَرْضِ فَیَتَأَمَّلُ فَلاَ یَرَی شَیْئاً

. و

3684

رَوَی اَلطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِیَّةِ عَنْ أَبِیهِ عَلِیٍّ ع قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ مَا هَمَمْتُ بِشَیْءٍ مِمَّا کَانَ أَهْلُ اَلْجَاهِلِیَّةِ یَعْمَلُونَ بِهِ غَیْرَ مَرَّتَیْنِ کُلَّ ذَلِکَ یَحُولُ اللَّهُ تَعَالَی بَیْنِی وَ بَیْنَ مَا أُرِیدُ مِنْ ذَلِکَ ثُمَّ مَا هَمَمْتُ بِسُوءٍ حَتَّی أَکْرَمَنِیَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ قُلْتُ لَیْلَةً لِغُلاَمٍ مِنْ قُرَیْشٍ کَانَ یَرْعَی مَعِی بِأَعْلَی مَکَّةَ لَوْ أَبْصَرْتَ لِی غَنَمِی حَتَّی أَدْخُلَ مَکَّةَ فَأَسْمُرَ بِهَا کَمَا یَسْمُرُ الشَّبَابُ فَخَرَجْتُ أُرِیدُ ذَلِکَ حَتَّی إِذَا جِئْتُ أَوَّلَ دَارٍ مِنْ دُورِ مَکَّةَ سَمِعْتُ عَزْفاً بِالدَّفِّ (3) وَ الْمَزَامِیرِ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا فُلاَنٌ تَزَوَّجَ ابْنَةَ فُلاَنٍ فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ إِلَیْهِمْ فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَی أُذُنِی فَنِمْتُ فَمَا أَیْقَظَنِی إِلاَّ مَسُّ الشَّمْسِ فَرَجَعْتُ إِلَی صَاحِبِی فَقَالَ مَا فَعَلْتَ فَقُلْتُ مَا صَنَعْتَ شَیْئاً ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ لَیْلَةً أُخْرَی مِثْلَ ذَلِکَ فَقَالَ أَفْعَلُ فَخَرَجْتُ فَسَمِعْتُ حِینَ دَخَلْتُ مَکَّةَ مِثْلَ مَا سَمِعْتُ حِینَ دَخَلْتُهَا تِلْکَ اللَّیْلَةَ فَجَلَسْتُ

ص :207

أَنْظُرُ فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَی أُذُنِی فَمَا أَیْقَظَنِی إِلاَّ مَسُّ الشَّمْسِ فَرَجَعْتُ إِلَی صَاحِبِی فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ ثُمَّ مَا هَمَمْتُ بَعْدَهَا بِسُوءٍ حَتَّی أَکْرَمَنِیَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ (1) .

و

3685

رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ حَبِیبٍ فِی أَمَالِیهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَذْکُرُ وَ أَنَا غُلاَمٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِینَ وَ قَدْ بَنَی اِبْنُ جُدْعَانَ دَاراً لَهُ بِمَکَّةَ فَجِئْتُ مَعَ الْغِلْمَانِ نَأْخُذُ التُّرَابَ وَ الْمَدَرَ فِی حُجُورِنَا فَنَنْقُلُهُ فَمَلَأْتُ حَجْرِی تُرَاباً فَانْکَشَفَتْ عَوْرَتِی فَسَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ فَوْقِ رَأْسِی یَا مُحَمَّدُ أَرْخِ إِزَارَکَ فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ رَأْسِی فَلاَ أَرَی شَیْئاً إِلاَّ أَنِّی أَسْمَعُ الصَّوْتَ فَتَمَاسَکْتُ وَ لَمْ أُرْخِهِ فَکَأَنَّ إِنْسَاناً ضَرَبَنِی عَلَی ظَهْرِی فَخَرَرْتُ لِوَجْهِی وَ انْحَلَّ إِزَارِی فَسَتَرَنِی وَ سَقَطَ التُّرَابُ إِلَی الْأَرْضِ فَقُمْتُ إِلَی دَارِ أَبِی طَالِبٍ عَمِّی وَ لَمْ أَعُدْ.

3686

14,1- وَ أَمَّا حَدِیثُ مُجَاوَرَتِهِ ع بِحِرَاءَ فَمَشْهُورٌ وَ قَدْ وَرَدَ فِی الْکُتُبِ الصِّحَاحِ أَنَّهُ کَانَ یُجَاوِرُ فِی حِرَاءَ مِنْ کُلِّ سَنَةٍ شَهْراً وَ کَانَ یُطْعِمُ فِی ذَلِکَ الشَّهْرِ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمَسَاکِینِ فَإِذَا قَضَی جِوَارَهُ مِنْ حِرَاءَ کَانَ أَوَّلُ مَا یَبْدَأُ بِهِ إِذَا انْصَرَفَ أَنْ یَأْتِیَ بَابَ اَلْکَعْبَةِ قَبْلَ أَنْ یَدْخُلَ بَیْتَهُ فَیَطُوفُ بِهَا سَبْعاً أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِکَ ثُمَّ یَرْجِعُ إِلَی بَیْتِهِ حَتَّی جَاءَتِ السَّنَةُ الَّتِی أَکْرَمَهُ اللَّهُ فِیهَا بِالرِّسَالَةِ فَجَاوَرَ فِی حِرَاءَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَ مَعَهُ أَهْلُهُ خَدِیجَةُ وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ خَادِمٌ لَهُمْ فَجَاءَهُ جِبْرِیلُ بِالرِّسَالَةِ وَ قَالَ ع جَاءَنِی وَ أَنَا نَائِمٌ بِنَمَطٍ فِیهِ کِتَابٌ فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَقْرَأُ فَغَتَّنِی (2) حَتَّی ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ ثُمَّ أَرْسَلَنِی فَقَالَ (3) اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ إِلَی قَوْلِهِ عَلَّمَ الْإِنْسٰانَ

ص :208

مٰا لَمْ یَعْلَمْ

(1)

فَقَرَأْتُهُ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّی فَانْتَبَهْتُ مِنْ نَوْمِی وَ کَأَنَّمَا کُتِبَ فِی قَلْبِی کِتَابٌ .

و ذکر تمام الحدیث.

و أمّا حدیث أن الإسلام لم یجتمع علیه بیت واحد یومئذ إلاّ النبیّ و هو ع و خدیجة

3687

14,1- فَخَبَرُ عَفِیفٍ الْکِنْدِیِّ مَشْهُورٌ وَ قَدْ ذَکَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ لَهُ أَ تَدْرِی مَنْ هَذَا قَالَ لاَ قَالَ هَذَا ابْنُ أَخِی مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ هَذَا ابْنِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا خَدِیجَةُ بِنْتُ خُوَیْلِدٍ زَوْجَةُ مُحَمَّدٍ ابْنِ أَخِی وَ أَیْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَی الْأَرْضِ کُلِّهَا أَحَداً عَلَی هَذَا الدِّینِ غَیْرَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ .

و أمّا رنة الشیطان

3688

1,14- فَرَوَی أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِی مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع قَالَ کُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص صَبِیحَةَ اللَّیْلَةِ الَّتِی أُسْرِیَ بِهِ فِیهَا وَ هُوَ بِالْحِجْرِ یُصَلِّی فَلَمَّا قَضَی صَلاَتَهُ وَ قَضَیْتُ صَلاَتِی سَمِعْتُ رَنَّةً شَدِیدَةً فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ قَالَ أَ لاَ تَعْلَمُ هَذِهِ رَنَّةُ اَلشَّیْطَانِ عَلِمَ أَنِّی أُسْرِیَ بِی اللَّیْلَةَ إِلَی السَّمَاءِ فَأَیِسَ مِنْ أَنْ یُعْبَدَ فِی هَذِهِ الْأَرْضِ .

و

3689

14- قَدْ رُوِیَ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص مَا یُشَابِهُ هَذَا لَمَّا بَایَعَهُ اَلْأَنْصَارُ السَّبْعُونَ لَیْلَةَ الْعَقَبَةِ سُمِعَ مِنَ اَلْعَقَبَةِ صَوْتٌ عَالٍ فِی جَوْفِ اللَّیْلِ یَا أَهْلَ مَکَّةَ هَذَا مُذَمَّمٌ وَ الصُّبَاةُ مَعَهُ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَی حَرْبِکُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِلْأَنْصَارِ أَ لاَ تَسْمَعُونَ مَا یَقُولُ هَذَا أَزَبُّ اَلْعَقَبَةِ یَعْنِی شَیْطَانَهَا وَ قَدْ رُوِیَ أَزْبَبُ اَلْعَقَبَةِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَیْهِ فَقَالَ (2) اسْتَمِعْ یَا عَدُوَّ اللَّهِ أَمَا وَ اللَّهِ لَأَفْرُغَنَّ لَکَ

.

ص :209

و

3690

14,1- رُوِیَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ ع قَالَ کَانَ عَلِیٌّ ع یَرَی مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص قَبْلَ الرِّسَالَةِ الضَّوْءَ وَ یَسْمَعُ الصَّوْتَ وَ قَالَ لَهُ ص لَوْ لاَ أَنِّی خَاتَمُ الْأَنْبِیَاءِ لَکُنْتَ شَرِیکاً فِی النُّبُوَّةِ فَإِنْ لاَ تَکُنْ نَبِیّاً فَإِنَّکَ وَصِیُّ نَبِیٍّ وَ وَارِثُهُ بَلْ أَنْتَ سَیِّدُ الْأَوْصِیَاءِ وَ إِمَامُ الْأَتْقِیَاءِ .

و أمّا خبر الوزارة

3691

14- فَقَدْ ذَکَرَهُ اَلطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع قَالَ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ (1) عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص دَعَانِی فَقَالَ یَا عَلِیُّ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِی أَنْ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ فَضِقْتُ بِذَلِکَ ذَرْعاً وَ عَلِمْتُ أَنِّی مَتَی أُنَادِهِمْ بِهَذَا الْأَمْرِ أَرَ مِنْهُمْ مَا أَکْرَهُ فَصَمَتُّ حَتَّی جَاءَنِی جِبْرِیلُ ع فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّکَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ یُعَذِّبْکَ رَبُّکَ فَاصْنَعْ لَنَا صَاعاً مِنْ طَعَامٍ وَ اجْعَلْ عَلَیْهِ رِجْلَ شَاةٍ وَ امْلَأْ لَنَا عُسّاً مِنْ لَبَنٍ ثُمَّ اجْمَعْ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّی أُکَلِّمَهُمْ وَ أُبَلِّغَهُمْ مَا أُمِرْتُ بِهِ فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِی بِهِ ثُمَّ دَعَوْتُهُمْ وَ هُمْ یَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلاً یَزِیدُونَ رَجُلاً أَوْ یَنْقُصُونَهُ وَ فِیهِمْ أَعْمَامُهُ- أَبُو طَالِبٍ وَ حَمْزَةُ وَ اَلْعَبَّاسُ وَ أَبُو لَهَبٍ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَیْهِ دَعَا بِالطَّعَامِ الَّذِی صَنَعْتُ لَهُمْ فَجِئْتُ بِهِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُ تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَضْعَةً (2) مِنَ اللَّحْمِ فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ أَلْقَاهَا فِی نَوَاحِی الصَّحْفَةِ ثُمَّ قَالَ کُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ فَأَکَلُوا حَتَّی مَا لَهُمْ إِلَی شَیْءٍ مِنْ حَاجَةٍ وَ أَیْمُ اللَّهِ الَّذِی نَفْسُ عَلِیٍّ بِیَدِهِ إِنْ کَانَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَیَأْکُلُ مَا قَدَّمْتُهُ لِجَمِیعِهِمْ ثُمَّ قَالَ اسْقِ الْقَوْمَ یَا عَلِیُّ فَجِئْتُهُمْ بِذَلِکَ الْعُسِّ فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّی رَوَوْا جَمِیعاً وَ أَیْمُ اللَّهِ إِنْ کَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَیَشْرَبُ مِثْلَهُ فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنْ یُکَلِّمَهُمْ بَدَرَهُ أَبُو لَهَبٍ إِلَی الْکَلاَمِ فَقَالَ لَشَدَّ مَا سَحَرَکُمْ صَاحِبُکُمْ فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ وَ لَمْ یُکَلِّمْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ مِنَ الْغَدِ یَا عَلِیُّ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَبَقَنِی

ص :210

إِلَی مَا سَمِعْتَ مِنْ الْقَوْلِ فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ قَبْلَ أَنْ أُکَلِّمَهُمْ فَعُدْ لَنَا الْیَوْمَ إِلَی مِثْلِ مَا صَنَعْتَ بِالْأَمْسِ ثُمَّ اجْمَعْهُمْ لِی فَفَعَلْتُ ثُمَّ جَمَعْتُهُمْ ثُمَّ دَعَانِی بِالطَّعَامِ فَقَرَّبْتُهُ لَهُمْ فَفَعَلَ کَمَا فَعَلَ بِالْأَمْسِ فَأَکَلُوا حَتَّی مَا لَهُمْ بِشَیْءٍ حَاجَةٌ ثُمَّ قَالَ اسْقِهِمْ فَجِئْتُهُمْ بِذَلِکَ الْعُسِّ فَشَرِبُوا مِنْهُ جَمِیعاً حَتَّی رَوَوْا ثُمَّ تَکَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ یَا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّی وَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّ شَابّاً فِی اَلْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا جِئْتُکُمْ بِهِ إِنِّی قَدْ جِئْتُکُمْ بِخَیْرِ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ وَ قَدْ أَمَرَنِی اللَّهُ أَنْ أَدْعُوَکُمْ إِلَیْهِ فَأَیُّکُمْ یُوَازِرُنِی عَلَی هَذَا الْأَمْرِ عَلَی أَنْ یَکُونَ أَخِی وَ وَصِیِّی وَ خَلِیفَتِی فِیکُمْ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ عَنْهَا جَمِیعاً وَ قُلْتُ أَنَا (1) وَ إِنِّی لَأَحْدَثُهُمْ سِنّاً وَ أَرْمَصُهُمْ (2) عَیْناً وَ أَعْظَمُهُمْ بَطْناً وَ أَحْمَشُهُمْ (3) سَاقاً أَنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ أَکُونُ وَزِیرَکَ عَلَیْهِ فَأَعَادَ الْقَوْلَ فَأَمْسَکُوا وَ أَعَدْتُ مَا قُلْتُ فَأَخَذَ بِرَقَبَتِی ثُمَّ قَالَ لَهُمْ هَذَا أَخِی وَ وَصِیِّی وَ خَلِیفَتِی فِیکُمْ فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِیعُوا فَقَامَ الْقَوْمُ یَضْحَکُونَ وَ یَقُولُونَ لِأَبِی طَالِبٍ قَدْ أَمَرَکَ أَنْ تَسْمَعَ لاِبْنِکَ وَ تُطِیعَ

(4)

.

و یدلّ علی أنّه وزیر رسول اللّه ص من نص الکتاب و السنة قول اللّه تعالی وَ اجْعَلْ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی هٰارُونَ أَخِی اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِی وَ أَشْرِکْهُ فِی أَمْرِی (5) و

3692

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص فِی الْخَبَرِ الْمُجْمَعِ عَلَی رِوَایَتِهِ بَیْنَ سَائِرِ فِرَقِ اَلْإِسْلاَمِ أَنْتَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِیَّ بَعْدِی. فأثبت له جمیع مراتب هارون عن موسی فإذن هو وزیر رسول اللّه ص و شاد أزره و لو لا أنّه خاتم النبیین لکان شریکا فی أمره.

ص :211

و

3693

1,14- رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِیُّ أَیْضاً فِی اَلتَّارِیخِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعَلِیٍّ ع یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ بِمَ وَرِثْتَ اِبْنَ عَمِّکَ دُونَ عَمِّکَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع هَاؤُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ حَتَّی اشْرَأَبَّ النَّاسُ وَ نَشَرُوا آذَانَهُمْ ثُمَّ قَالَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِمَکَّةَ وَ هُمْ رَهْطُهُ (1) کُلُّهُمْ یَأْکُلُ الْجَذَعَةَ وَ یَشْرَبُ الْفِرْقَ (2) فَصَنَعَ مُدّاً مِنْ طَعَامٍ حَتَّی أَکَلُوا وَ شَبِعُوا وَ بَقِیَ الطَّعَامُ کَمَا هُوَ کَأَنَّهُ لَمْ یُمَسَّ ثُمَّ دَعَا بِغَمْرٍ (3) فَشَرِبُوا وَ رَوَوْا وَ بَقِیَ الشَّرَابُ کَأَنَّهُ لَمْ یُشْرَبْ ثُمَّ قَالَ یَا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّی بُعِثْتُ إِلَیْکُمْ خَاصَّةً وَ إِلَی النَّاسِ عَامَّةً فَأَیُّکُمْ یُبَایِعُنِی عَلَی أَنْ یَکُونَ أَخِی وَ صَاحِبِی وَ وَارِثِی فَلَمْ یَقُمْ إِلَیْهِ أَحَدٌ فَقُمْتُ إِلَیْهِ وَ کُنْتُ مِنْ أَصْغَرِ الْقَوْمِ فَقَالَ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ ذَلِکَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ کُلَّ ذَلِکَ أَقُومُ إِلَیْهِ فَیَقُولُ اجْلِسْ حَتَّی کَانَ فِی الثَّالِثَةِ فَضَرَبَ بِیَدِهِ عَلَی یَدِی فَعِنْدَ ذَلِکَ وَرِثْتُ اِبْنَ عَمِّی دُونَ عَمِّی

(4)

.

وَ لَقَدْ کُنْتُ مَعَهُ ص لَمَّا أَتَاهُ الْمَلَأُ مِنْ قُرَیْشٍ فَقَالُوا لَهُ یَا مُحَمَّدُ إِنَّکَ قَدِ ادَّعَیْتَ عَظِیماً لَمْ یَدَّعِهِ آبَاؤُکَ وَ لاَ أَحَدٌ مِنْ بَیْتِکَ وَ نَحْنُ نَسْأَلُکَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَیْهِ وَ أَرَیْتَنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّکَ نَبِیٌّ وَ رَسُولٌ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّکَ سَاحِرٌ کَذَّابٌ فَقَالَ ص وَ مَا تَسْأَلُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّی تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَ تَقِفَ بَیْنَ یَدَیْکَ فَقَالَ ص إِنَّ اللّٰهَ عَلیٰ کُلِّ

ص :212

شَیْءٍ قَدِیرٌ فَإِنْ فَعَلَ اللَّهُ لَکُمْ ذَلِکَ أَ تُؤْمِنُونَ وَ تَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّی سَأُرِیکُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَ إِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّکُمْ لاَ تَفِیئُونَ إِلَی خَیْرٍ وَ أَنَّ فِیکُمْ مَنْ یُطْرَحُ فِی الْقَلِیبِ وَ مَنْ یُحَزِّبُ الْأَحْزَابَ ثُمَّ قَالَ ص یَا أَیَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ کُنْتِ تُؤْمِنِینَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الآْخِرِ وَ تَعْلَمِینَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ فَانْقَلِعِی بِعُرُوقِکِ حَتَّی تَقِفِی بَیْنَ یَدَیَّ بِإِذْنِ اللَّهِ [وَ الَّذِی]

فَوَالَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لاَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَ جَاءَتْ وَ لَهَا دَوِیٌّ شَدِیدٌ وَ قَصْفٌ کَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّیْرِ حَتَّی وَقَفَتْ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ ص مُرَفْرِفَةً وَ أَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الْأَعْلَی عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ بِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَی مَنْکِبِی وَ کُنْتُ عَنْ یَمِینِهِ ص فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَی ذَلِکَ قَالُوا عُلُوّاً وَ اسْتِکْبَاراً فَمُرْهَا فَلْیَأْتِکَ نِصْفُهَا وَ یَبْقَی نِصْفُهَا فَأَمَرَهَا بِذَلِکَ فَأَقْبَلَ إِلَیْهِ نِصْفُهَا کَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَ أَشَدِّهِ دَوِیّاً فَکَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالُوا کُفْراً وَ عُتُوّاً فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ فَلْیَرْجِعْ إِلَی نِصْفِهِ کَمَا کَانَ فَأَمَرَهُ ص فَرَجَعَ فَقُلْتُ أَنَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ إِنِّی أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِکَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَی تَصْدِیقاً بِنُبُوَّتِکَ وَ إِجْلاَلاً لِکَلِمَتِکَ فَقَالَ الْقَوْمُ کُلُّهُمْ بَلْ سَاحِرٌ کَذَّابٌ عَجِیبُ السِّحْرِ خَفِیفٌ فِیهِ وَ هَلْ یُصَدِّقُکَ فِی أَمْرِکَ إِلاَّ مِثْلُ هَذَا یَعْنُونَنِی وَ إِنِّی لَمِنْ قَوْمٍ لاَ تَأْخُذُهُمْ فِی اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ سِیمَاهُمْ سِیمَا الصِّدِّیقِینَ وَ کَلاَمُهُمْ کَلاَمُ الْأَبْرَارِ عُمَّارُ اللَّیْلِ وَ مَنَارُ النَّهَارِ مُتَمَسِّکُونَ بِحَبْلِ اَلْقُرْآنِ یُحْیُونَ سُنَنَ اللَّهِ وَ سُنَنَ رَسُولِهِ لاَ یَسْتَکْبِرُونَ وَ لاَ یَعْلُونَ وَ لاَ یَغُلُّونَ وَ لاَ یُفْسِدُونَ قُلُوبَهُمْ فِی اَلْجِنَانِ وَ أَجْسَادَهُمْ فِی الْعَمَلِ .

ص :213

الملأ

الجماعة و لا تفیئون لا ترجعون و من یطرح فی القلیب کعتبة و شیبة ابنی ربیعة بن عبد شمس و عمرو بن هشام بن المغیرة المکنی أبا جهل و غیرهم طرحوا فی قلیب بدر بعد انقضاء الحرب و من یحزب الأحزاب أبو سفیان صخر بن حرب بن أمیّة .

و القصف و القصیف الصوت و سیماهم علامتهم و مثله سیمیاء .

و معنی قوله ع قلوبهم فی الجنان و أجسادهم فی العمل أن قلوبهم ملتذة بمعرفة اللّه تعالی و أجسادهم نصبة بالعبادة .

و أمّا أمر الشجرة التی دعاها رسول اللّه ص فالحدیث الوارد فیها کثیر مستفیض قد ذکره المحدّثون فی کتبهم و ذکره المتکلمون فی معجزات الرسول ص و الأکثرون رووا الخبر فیها علی الوضع الذی جاء فی خطبة أمیر المؤمنین و منهم من یروی ذلک مختصرا أنّه دعا شجرة فأقبلت تخد إلیه الأرض خدا.

3694

14- وَ قَدْ ذَکَرَ اَلْبَیْهَقِیُّ فِی کِتَابِ دَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ حَدِیثَ الشَّجَرَةِ وَ رَوَاهُ أَیْضاً مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ یَسَارٍ فِی کِتَابِ اَلسِّیرَةِ وَ الْمَغَازِی عَلَی وَجْهٍ آخَرَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ کَانَ رُکَانَةُ (1) بْنُ عَبْدِ یَزِیدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَشَدَّ قُرَیْشٍ کُلِّهَا فَخَلاَ یَوْماً بِرَسُولِ اللَّهِ ص فِی بَعْضِ شِعَابِ مَکَّةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص یَا رُکَانَةُ أَ لاَ تَتَّقِی اللَّهَ وَ تَقْبَلَ مَا أَدْعُوکَ إِلَیْهِ قَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِی تَقُولُ حَقٌّ لاَتَّبَعْتُکَ قَالَ أَ فَرَأَیْتَ إِنْ صَرَعْتُکَ أَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا أَقُولُ لَکَ حَقٌّ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقُمْ حَتَّی أُصَارِعَکَ فَقَامَ رُکَانَةُ فَلَمَّا بَطَشَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ص أَضْجَعَهُ لاَ یَمْلِکُ مِنْ نَفْسِهِ شَیْئاً فَقَالَ عُدْ یَا مُحَمَّدُ فَعَادَ فَصَرَعَهُ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ حِینَ (2) تُصْرِعُنِی فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِکَ إِنْ شِئْتَ أَرَیْتُکَهُ إِنِ اتَّقَیْتَ اللَّهَ وَ اتَّبَعْتَ أَمْرِی

ص :214

قَالَ مَا هُوَ قَالَ أَدْعُو لَکَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الَّتِی تَرَاهَا فَتَأْتِی قَالَ فَادْعُهَا فَدَعَاهَا فَأَقْبَلَتْ حَتَّی وَقَفَتْ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ قَالَ ارْجِعِی إِلَی مَکَانِکِ فَرَجَعَتْ إِلَی مَکَانِهَا فَرَجَعَ رُکَانَةُ إِلَی قَوْمِهِ وَ قَالَ یَا بَنِی عَبْدِ مَنَافٍ سَاحِرُوا (1) بِصَاحِبِکُمْ أَهْلَ الْأَرْضِ فَمَا رَأَیْتُ أَسْحَرَ مِنْهُ قَطُّ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِالَّذِی رَأَی وَ الَّذِی صَنَعَ

.

(2)

لطیفة لا یلیق أن یخلو کتابنا هذا عنها و لأن کلامهما بالرسائل و الخطابة أشبه و فی الکتابة أقصد و أدخل و کتابنا هذا موضوع لذکر ذلک و أمثاله.

قال أبو عثمان قالت العثمانیة أفضل الأمة و أولاها بالإمامة أبو بکر بن أبی قحافة لإسلامه علی الوجه الذی لم یسلم علیه أحد فی عصره و ذلک أن الناس اختلفوا فی أول الناس إسلاما فقال قوم أبو بکر و قال قوم زید بن حارثة و قال قوم خباب بن الأرت .

و إذا تفقدنا أخبارهم و أحصینا أحادیثهم و عددنا رجالهم و نظرنا فی صحة أسانیدهم کان الخبر فی تقدم إسلام أبی بکر أعم و رجاله أکثر و أسانیده أصح و هو بذاک أشهر و اللفظ فیه أظهر مع الأشعار الصحیحة و الأخبار المستفیضة فی حیاة رسول اللّه ص و بعد وفاته و لیس بین الأشعار و الأخبار فرق إذا امتنع فی مجیئها و أصل مخرجها التباعد و الاتفاق و التواطؤ و لکن ندع هذا المذهب جانبا و نضرب عنه صفحا اقتدارا علی الحجة و وثوقا بالفلج و القوّة و نقتصر علی أدنی نازل فی أبی بکر و ننزل علی حکم الخصم فنقول إنا وجدنا من یزعم أنّه أسلم قبل زید و خَبَّاب و وجدنا من یزعم أنهما أسلما قبله و أوسط الأمور أعدلها و أقربها من محبة الجمیع و رضا المخالف أن نجعل إسلامهم کان معا إذ الأخبار متکافئة و الآثار متساویة علی ما تزعمون و لیست إحدی القضیتین أولی فی صحة العقل من الأخری ثمّ نستدل علی إمامه أبی بکر بما ورد فیه من الحدیث و بما أبانه به الرسول ص من غیره.

قالوا فمما روی من تقدم إسلامه ما

3695

حَدَّثَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ وَ اِبْنُ مَهْدِیٍّ عَنْ شُعْبَةَ وَ اِبْنِ عُیَیْنَةَ عَنِ اَلْجَرِیرِیِّ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ أَبُو بَکْرٍ أَنَا أَحَقُّکُمْ بِهَذَا الْأَمْرِ یَعْنِی الْخِلاَفَةَ أَ لَسْتُ أَوَّلَ مَنْ صَلَّی.

ص :216

3696

رَوَی عَبَّادُ بْنُ صُهَیْبٍ عَنْ یَحْیَی بْنِ عُمَیْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْکَدِرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِی بِالْهُدَی وَ دِینِ الْحَقِّ إِلَی النَّاسِ کَافَّةً فَقَالُوا کَذَبْتَ وَ قَالَ أَبُو بَکْرٍ صَدَقْتَ.

3697

وَ رَوَی یَعْلَی بْنُ عُبَیْدٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَی اِبْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ مَنْ کَانَ أَوَّلَ النَّاسِ إِسْلاَماً فَقَالَ أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ إِذَا تَذَکَّرْتَ شَجْواً مِنْ أَخِی ثِقَةٍ

وَ قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ سَبَقْتُ إِلَی اَلْإِسْلاَمِ وَ اللَّهُ شَاهِدٌ وَ کُنْتُ حَبِیباً بِالْعَرِیشِ الْمُشَهَّرِ (1) .

وَ قَالَ کَعْبُ بْنُ مَالِکٍ سَبَقْتُ أَخَا تَیْمٍ إِلَی دِینِ أَحْمَدَ وَ کُنْتُ لَدَی الْغَیْرَانِ فِی الْکَهْفِ صَاحِباً (2) .

3698

وَ رَوَی اِبْنُ أَبِی شَیْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِیسَ وَ وَکِیعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ قَالَ اَلنَّخَعِیُّ

أَبُو بَکْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ.

و

3699

14- رَوَی هَیْثَمٌ عَنْ یَعْلَی بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ قَالَ أَتَیْتُ اَلنَّبِیَّ ص وَ هُوَ بِعُکَاظَ فَقُلْتُ مَنْ بَایَعَکَ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ بَایَعَنِی حُرٌّ وَ عَبْدٌ فَلَقَدْ رَأَیْتُنِی یَوْمَئِذٍ وَ أَنَا رَابِعُ اَلْإِسْلاَمِ .

ص :217

قال بعض أصحاب الحدیث یعنی بالحُرِّ أبا بکر و بالعَبْدِ بِلاَلاً .

و

3700

14- رَوَی اَللَّیْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سُلَیْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِی أُمَامَةَ قَالَ حَدَّثَنِی عَمْرُو بْنُ عَنْبَسَةَ أَنَّهُ سَأَلَ اَلنَّبِیَّ ص وَ هُوَ بِعُکَاظَ فَقَالَ لَهُ مَنْ تَبِعَکَ قَالَ تَبِعَنِی حُرٌّ وَ عَبْدٌ أَبُو بَکْرٍ وَ بِلاَلٌ .

و

3701

1- رَوَی عَمْرُو بْنُ إِبْرَاهِیمَ الْهَاشِمِیُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِکِ بْنِ عُمَیْرٍ عَنْ أَسِیدِ بْنِ صَفْوَانَ صَاحِبِ اَلنَّبِیِّ ص قَالَ لَمَّا قُبِضَ أَبُو بَکْرٍ جَاءَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع فَقَالَ رَحِمَکَ اللَّهُ أَبَا بَکْرٍ کُنْتَ أَوَّلَ النَّاسِ إِسْلاَماً .

3702

1- وَ رَوَی عَبَّادٌ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ دِینَارٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ أَبِی زَیْنَبَ عَنْ عِکْرِمَةَ مَوْلَی اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا لَقِیتُ اَلْهَاشِمِیِّینَ قَالُوا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ وَ إِذَا لَقِیتُ الَّذِینَ یَعْلَمُونَ قَالُوا أَبُو بَکْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ

.

قال أبو عثمانَ الجاحظُ قالت العثمانیَّةُ فإن قال قائل فما بالکم لم تذکروا علیّ بن أبی طالب فی هذه الطبقة و قد تعلمون کثرة مُقَدِّمِیهِ و الروایةِ فیه قلنا قد علمنا الروایة الصحیحة و الشهادة القائمة أنّه أسلم و هو حَدِث غَرِیرٌ و طفل صغیر فلم نُکَذِّبِ الناقِلِینَ و لم نَسْتَطِعْ أَنْ نُلْحِقَ إسلامَهُ بِإِسْلاَمِ البالغین لأن المُقَلِّلَ زعم أنّه أسلم و هو ابن خمس سنین و المُکْثِرَ زَعَم أنّه أسلم و هو ابن تسع سنین فالقیاس أن یؤخذ بالأوسط بین الروایتین و بالأمر بین الأمرین و إنّما یعرف حقّ ذلک من باطله بأن نحصی سنیه التی ولی فیها الخلافة و سنی عمر و سنی عثمان و سنی أبی بکر و مُقَام النبیّ ص بالمدینة و مُقَامه بمکّة عند إظهار الدعوة فإذا فعلنا ذلک صح أنّه أسلم و هو ابن سبع سنین فالتاریخ المجمع علیه أنّه قتل ع فی شهر رمضان سنة أربعین .

ص :218

قال شیخنا أبو جعفر الإِسْکافِیُّ (1) لو لا ما غلب علی الناس من الجهل و حبّ التقلید لم نحتج إلی نقض ما احتجَّتْ به العثمانیةُ فقد علم الناس کافة أن الدولة و السلطان لأرباب مقالتهم و عرف کل أحد عُلُوَّ أَقْدَارِ شیوخهم و علمائهم و أمرائهم و ظهور کلمتهم و قهر سلطانهم و ارتفاع التقیة عنهم و الکرامة و الجائزة لمن روی الأخبار و الأحادیث فی فضل أبی بکر و ما کان من تأکید بنی أمیّة لذلک و ما وَلَّدَهُ المُحَدِّثُون من الأحادیث طلبا لما فی أیدیهم فکانوا لا یَأْلُون جُهْداً فی طول ما ملکوا أن یُخْمِلُوا ذکرَ علیٍّ ع و ولدِهِ و یُطفِئُوا نورَهم و یکتموا فضائلهم و مناقبهم و سوابقهم و یحملوا علی شتمهم و سبهم و لعنهم علی المنابر فلم یزل السیف یقطر من دمائهم مع قلة عددهم و کثرة عدوهم فکانوا بین قتیل و أسیر و شرید و هارب و مستخف ذلیل و خائف مترقب حتّی إن الفقیه و المحدث و القاضی و المتکلم لیتقدم إلیه و یتوعد بغایة الإیعاد و أشدّ العقوبة ألا یذکروا شیئا من فضائلهم و لا یرخصوا لأحد أن یطیف بهم و حتّی بلغ من تقیة المحدث أنّه إذا ذکر حدیثا عن علی ع کنی عن ذکره فقال قال رجل من قریش و فعل رجل من قریش و لا یذکر علیا ع و لا یتفوه باسمه.

ثمّ رأینا جمیع المختلفین قد حاولوا نقض فضائله و وجهوا الحیل و التأویلات نحوها من خارجی مارق و ناصب حَنِق و ثابتٍ مُسْتَبْهِمٍ و ناشِئٍ مُعَانِدٍ و منافِقٍ مکذب و عثمانِیٍّ حَسُودٍ یَعْتَرِضُ فیها و یطعن و معتزلیٍّ قد نقض فی الکلام و أبصر علم الاختلاف

ص :219

و عَرَفَ الشُّبَهَ و مواضعَ الطَّعْنِ و ضُرُوبَ التأویل قد التمس الحِیَلَ فی إبطال مناقبه و تأول مشهور فضائله فمرة یتأولها بما لا یحتمل و مرة یقصد أن یضع من قدرها بقیاس منتقض و لا یزداد مع ذلک إلاّ قوة و رفعة و وضوحا و استنارة و قد علمت أن معاویةَ و یزیدَ و من کان بعدهما من بنی مروان أیام مُلْکِهِم و ذلک نحو ثمانین سنة لم یَدَعُوا جُهدا فی حمل الناس علی شتمه و لعنه و إخفاء فضائله و ستر مناقبه و سوابقه

3703

1- رَوَی خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِیُّ عَنْ حُصَیْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِلاَلِ بْنِ یَسَافٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَالِمٍ قَالَ لَمَّا بُویِعَ لِمُعَاوِیَةَ أَقَامَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ خُطَبَاءَ یَلْعَنُونَ عَلِیّاً ع فَقَالَ سَعِیدُ بْنُ زَیْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَیْلٍ أَ لاَ تَرَوْنَ إِلَی هَذَا الرَّجُلِ الظَّالِمِ یَأْمُرُ بِلَعْنِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ .

3704

رَوَی سُلَیْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ اَلْحُرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَخْنَسِ یَقُولُ شَهِدْتُ اَلْمُغِیرَةَ بْنَ شُعْبَةَ خَطَبَ فَذَکَرَ عَلِیّاً ع فَنَالَ مِنْهُ.

3705

رَوَی أَبُو کُرَیْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْمُثَنَّی النَّخَعِیُّ عَنْ رِیَاحِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ بَیْنَمَا اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ بِالْمَسْجِدِ الْأَکْبَرِ وَ عِنْدَهُ نَاسٌ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ قَیْسُ بْنُ عَلْقَمَةَ فَاسْتَقْبَلَ اَلْمُغِیرَةَ فَسَبَّ عَلِیّاً ع .

3706

رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ سَعِیدٍ الْأَصْفَهَانِیُّ عَنْ شَرِیکٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ أَبِیهِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ ع قَالَ قَالَ لِی مَرْوَانُ مَا کَانَ فِی الْقَوْمِ أَدْفَعُ عَنْ صَاحِبِنَا مِنْ صَاحِبِکُمْ قُلْتُ فَمَا بَالُکُمْ تَسُبُّونَهُ عَلَی الْمَنَابِرِ قَالَ إِنَّهُ لاَ یَسْتَقِیمُ لَنَا الْأَمْرُ إِلاَّ بِذَلِکَ.

3707

2,1- رَوَی مَالِکُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِیُّ عَنِ اِبْنِ أَبِی سَیْفٍ قَالَ خَطَبَ مَرْوَانُ وَ اَلْحَسَنُ ع جَالِسٌ فَنَالَ مِنْ عَلِیٍّ ع فَقَالَ اَلْحَسَنُ وَیْلَکَ یَا مَرْوَانُ أَ هَذَا الَّذِی تَشْتِمُ شَرُّ النَّاسِ قَالَ لاَ وَ لَکِنَّهُ خَیْرُ النَّاسِ

.

ص :220

3708

وَ رَوَی أَبُو غَسَّانَ أَیْضاً قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ کَانَ أَبِی یَخْطُبُ فَلاَ یَزَالُ مُسْتَمِرّاً فِی خُطْبَتِهِ حَتَّی إِذَا صَارَ إِلَی ذِکْرِ عَلِیٍّ وَ سَبِّهِ تَقَطَّعَ لِسَانُهُ وَ اصْفَرَّ وَجْهُهُ وَ تَغَیَّرَتْ حَالُهُ فَقُلْتُ لَهُ فِی ذَلِکَ فَقَالَ أَ وَ قَدْ فَطَنْتَ لِذَلِکَ إِنَّ هَؤُلاَءِ لَوْ یَعْلَمُونَ مِنْ عَلِیٍّ مَا یَعْلَمُهُ أَبُوکَ مَا تَبِعَنَا مِنْهُمْ رَجُلٌ.

3709

وَ رَوَی أَبُو عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْیَقْظَانِ قَالَ قَامَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ عُثْمَانَ إِلَی هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ یَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا یَوْمٌ کَانَتِ الْخُلَفَاءُ تَسْتَحِبُّ فِیهِ لَعْنَ أَبِی تُرَابٍ .

3710

وَ رَوَی عَمْرُو بْنُ الْفَنَّادِ [اَلْقَنَّادِ]

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَیْلٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ قَالَ سَبَّ عَدِیُّ بْنُ أَرْطَاةَ عَلِیّاً ع عَلَی الْمِنْبَرِ فَبَکَی اَلْحَسَنُ الْبَصْرِیُّ وَ قَالَ لَقَدْ سُبَّ هَذَا الْیَوْمَ رَجُلٌ إِنَّهُ لَأَخُو رَسُولِ اللَّهِ ص فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ.

3711

وَ رَوَی عَدِیُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ قَالَ کُنْتُ أَنَا وَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ یَزِیدَ جَالِسَیْنِ فِی الْجُمُعَةِ مِمَّا یَلِی أَبْوَابَ کِنْدَةَ فَخَرَجَ اَلْمُغِیرَةُ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ ذَکَرَ مَا شَاءَ أَنْ یَذْکُرَ ثُمَّ وَقَعَ فِی عَلِیٍّ ع فَضَرَبَ إِبْرَاهِیمُ عَلَی فَخِذِی أَوْ رُکْبَتِی ثُمَّ قَالَ أَقْبِلْ عَلَیَّ فَحَدِّثْنِی فَإِنَّا لَسْنَا فِی جُمُعَةٍ أَ لاَ تَسْمَعُ مَا یَقُولُ هَذَا.

3712

وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ الثَّقَفِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِی سَیْفٍ قَالَ قَالَ ابْنٌ لِعَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَیْرِ لِوَلَدِهِ لاَ تَذْکُرْ یَا بُنَیَّ عَلِیّاً إِلاَّ بِخَیْرٍ فَإِنَّ بَنِی أُمَیَّةَ لَعَنُوهُ عَلَی مَنَابِرِهِمْ ثَمَانِینَ سَنَةً فَلَمْ یَزِدْهُ اللَّهُ بِذَلِکَ إِلاَّ رِفْعَةً إِنَّ الدُّنْیَا لَمْ تَبْنِ شَیْئاً قَطُّ إِلاَّ رَجَعَتْ عَلَی مَا بَنَتْ فَهَدَمَتْهُ وَ إِنَّ الدِّینَ لَمْ یَبْنِ شَیْئاً قَطُّ وَ هَدَمَهُ.

3713

وَ رَوَی عُثْمَانُ بْنُ سَعِیدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بْنُ زِیَادٍ عَنْ أَبِی بَکْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِیِّ قَالَ کَانَ دَعِیٌّ لِبَنِی أُمَیَّةَ یُقَالُ لَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لاَ یَزَالُ یَشْتِمُ عَلِیّاً ع

ص :221

فَلَمَّا کَانَ یَوْمُ جُمُعَةٍ وَ هُوَ یَخْطُبُ النَّاسَ قَالَ وَ اللَّهِ إِنْ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ لَیَسْتَعْمِلُهُ وَ إِنَّهُ لَیَعْلَمُ مَا هُوَ وَ لَکِنَّهُ کَانَ خَتَنَهُ وَ قَدْ نَعَسَ سَعِیدُ بْنُ الْمُسَیَّبِ فَفَتَحَ عَیْنَیْهِ ثُمَّ قَالَ وَیْحَکُمْ مَا قَالَ هَذَا الْخَبِیثُ رَأَیْتُ اَلْقَبْرَ انْصَدَعَ وَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَقُولُ کَذَبْتَ یَا عَدُوَّ اللَّهِ.

3714

وَ رَوَی اَلْقَنَّادُ (1) قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِیُّ عَنِ اَلسُّدِّیِّ قَالَ بَیْنَمَا أَنَا بِالْمَدِینَةِ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّیْتِ إِذْ أَقْبَلَ رَاکِبٌ عَلَی بَعِیرٍ فَوَقَفَ فَسَبَّ عَلِیّاً ع فَخَفَّ بِهِ النَّاسُ یَنْظُرُونَ إِلَیْهِ فَبَیْنَمَا هُوَ کَذَلِکَ إِذْ أَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ کَانَ سَبَّ عَبْداً لَکَ صَالِحاً فَأَرِ اَلْمُسْلِمِینَ خِزْیَهُ فَمَا لَبِثَ أَنْ نُفِّرَ بِهِ بَعِیرُهُ فَسَقَطَ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهُ.

3715

وَ رَوَی عُثْمَانُ بْنُ أَبِی شَیْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَی عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِیفَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِیِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَی أُمِّ سَلَمَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ فَقَالَتْ لِی أَ یُسَبُّ رَسُولُ اللَّهِ ص فِیکُمْ وَ أَنْتُمْ أَحْیَاءٌ قُلْتُ وَ أَنَّی یَکُونُ هَذَا قَالَتْ أَ لَیْسَ یُسَبُّ عَلِیٌّ ع وَ مَنْ یُحِبُّهُ.

3716

وَ رَوَی اَلْعَبَّاسُ بْنُ بَکَّارٍ الضَّبِّیُّ قَالَ حَدَّثَنِی أَبُو بَکْرٍ الْهُذَلِیُّ عَنِ اَلزُّهْرِیِّ قَالَ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ لِمُعَاوِیَةَ أَ لاَ تَکُفُّ عَنْ شَتْمِ هَذَا الرَّجُلِ قَالَ مَا کُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّی یَرْبُوَ عَلَیْهِ الصَّغِیرُ وَ یَهْرَمَ فِیهِ الْکَبِیرُ فَلَمَّا وُلِّیَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ کَفَّ عَنْ شَتْمِهِ فَقَالَ النَّاسُ تَرَکَ السُّنَّةَ.

3717

قَالَ وَ قَدْ رُوِیَ عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ إِمَّا مَوْقُوفاً عَلَیْهِ أَوْ مَرْفُوعاً کَیْفَ أَنْتُمْ إِذَا شَمِلَتْکُمْ فِتْنَةٌ یَرْبُو عَلَیْهَا الصَّغِیرُ وَ یَهْرَمُ فِیهَا الْکَبِیرُ یَجْرِی عَلَیْهَا النَّاسُ فَیَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً فَإِذَا غُیِّرَ مِنْهَا شَیْءٌ قِیلَ غُیِّرَتِ السُّنَّةُ.

ص :222

قال أبو جعفر و قد تعلمون أن بعض الملوک ربما أحدثوا قولا أو دینا لهوی فیحملون الناس علی ذلک حتّی لا یعرفوا غیره کنحو ما أخذ الناس الحجاج بن یوسف بقراءة عثمان و ترک قراءة ابن مسعود و أبی بن کعب و توعد علی ذلک بدون ما صنع هو و جبابرة بنی أمیّة و طغاة مروان بولد علی ع و شیعته و إنّما کان سلطانه نحو عشرین سنة فما مات الحجاج حتی اجتمع أهل العراق علی قراءة عثمان و نشأ أبناؤهم و لا یعرفون غیرها لإمساک الآباء عنها و کف المعلمین عن تعلیمها حتّی لو قرأت علیهم قراءة عبد اللّه و أبی ما عرفوها و لظنوا بتألیفها الاستکراه و الاستهجان لإلف العادة و طول الجهالة لأنّه إذا استولت علی الرعیة الغلبة و طالت علیهم أیّام التسلط و شاعت فیهم المخافة و شملتهم التقیة اتفقوا علی التخاذل و التساکت فلا تزال الأیّام تأخذ من بصائرهم و تنقص من ضمائرهم و تنقض من مرائرهم حتّی تصیر البدعة التی أحدثوها غامرة للسنة التی کانوا یعرفونها و لقد کان الحجاج و من ولاه کعبد الملک و الولید و من کان قبلهما و بعدهما من فراعنة بنی أمیّة علی إخفاء محاسن علی ع و فضائله و فضائل ولده و شیعته و إسقاط أقدارهم أحرص منهم علی إسقاط قراءة عبد اللّه و أبی لأن تلک القراءات لا تکون سببا لزوال ملکهم و فساد أمرهم و انکشاف حالهم و فی اشتهار فضل علی ع و ولده و إظهار محاسنهم بوارهم و تسلیط حکم الکتاب المنبوذ علیهم فحرصوا و اجتهدوا فی إخفاء فضائله و حملوا الناس علی کتمانها و سترها و أبی اللّه أن یزید أمره و أمر ولده إلاّ استنارة و إشراقا و حبهم إلاّ شغفا و شدة و ذکرهم إلاّ انتشارا و کثرة و حجتهم إلاّ وضوحا و قوة و فضلهم إلاّ ظهورا و شأنهم إلاّ علوا و أقدارهم إلاّ إعظاما حتّی أصبحوا بإهانتهم إیاهم أعزاء و بإماتتهم ذکرهم أحیاء و ما أرادوا به و بهم من الشر تحول خیرا فانتهی إلینا من ذکر فضائله و خصائصه و مزایاه و سوابقه ما لم یتقدمه السابقون و لا ساواه فیه القاصدون و لا یلحقه الطالبون و لو لا أنّها کانت

ص :223

کالقبلة المنصوبة فی الشهرة و کالسنن المحفوظة فی الکثرة لم یصل إلینا منها فی دهرنا حرف واحد إذا کان الأمر کما وصفناه.

قال فأما ما احتج به الجاحظ بإمامة أبی بکر بکونه أول الناس إسلاما فلو کان هذا احتجاجا صحیحا لاحتج به أبو بکر یوم السقیفة و ما رأیناه صنع ذلک لأنّه أخذ بید عمر و ید أبی عبیدة بن الجراح و قال للناس قد رضیت لکم أحد هذین الرجلین فبایعوا منهما من شئتم و لو کان هذا احتجاجا صحیحا لما قال عمر کانت بیعة أبی بکر فلتة وقی اللّه شرها و لو کان احتجاجا صحیحا لادعی واحد من الناس لأبی بکر الإمامة فی عصره أو بعد عصره بکونه سبق إلی الإسلام و ما عرفنا أحدا ادعی له ذلک علی أن جمهور المحدثین لم یذکروا أن أبا بکر أسلم إلاّ بعد عدة من الرجال منهم علیّ بن أبی طالب و جعفر أخوه و زید بن حارثة و أبو ذرّ الغفاری و عمرو بن عنبسة السلمی و خالد بن سعید بن العاص و خباب بن الأرت و إذا تأملنا الروایات الصحیحة و الأسانید القویة و الوثیقة وجدناها کلها ناطقة بأن علیا ع أول من أسلم.

فأما الروایة عن ابن عبّاس أن أبا بکر أولهم إسلاما فقد روی عن ابن عبّاس خلاف ذلک بأکثر ممّا رووا و أشهر فمن ذلک

3718

1- مَا رَوَاهُ یَحْیَی بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِی عَوَانَةَ وَ سَعِیدُ بْنُ عِیسَی عَنْ أَبِی دَاوُدَ الطَّیَالِسِیِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَیْمُونٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّی مِنَ الرِّجَالِ عَلِیٌّ ع .

و

3719

1- رَوَی اَلْحَسَنُ الْبَصْرِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا عِیسَی بْنُ رَاشِدٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ عِکْرِمَةَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَی الاِسْتِغْفَارَ لِعَلِیٍّ ع فِی اَلْقُرْآنِ

ص :224

عَلَی کُلِّ مُسْلِمٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَی رَبَّنَا اغْفِرْ لَنٰا وَ لِإِخْوٰانِنَا الَّذِینَ سَبَقُونٰا بِالْإِیمٰانِ (1) فَکُلُّ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ عَلِیٍّ فَهُوَ یَسْتَغْفِرُ لِعَلِیٍّ ع .

و

3720

1,14- رَوَی سُفْیَانُ بْنُ عُیَیْنَةَ عَنِ اِبْنِ أَبِی نَجِیحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ السُّبَّاقُ ثَلاَثَةٌ سَبَقَ یُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلَی مُوسَی وَ سَبَقَ صَاحِبُ یس إِلَی عِیسَی وَ سَبَقَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ إِلَی مُحَمَّدٍ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهِمُ السَّلاَمُ .

فهذا قول ابن عبّاس فی سبق علی ع إلی الإسلام و هو أثبت من حدیث الشعبی و أشهر علی أنّه قد روی عن الشعبی خلاف ذلک من حدیث

3721

14,1- أَبِی بَکْرٍ الْهُذَلِیِّ وَ دَاوُدَ بْنِ أَبِی هِنْدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِعَلِیٍّ ع هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِی وَ صَدَّقَنِی وَ صَلَّی مَعِی .

قال فأما الأخبار الواردة بسبقه إلی الإسلام المذکورة فی الکتب الصحاح و الأسانید الموثوق بها فمنها:

3722

14,1- مَا رَوَی شَرِیکُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ الْمُغِیرَةِ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ شَیْءٍ عَلِمْتُهُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنِّی قَدِمْتُ مَکَّةَ مَعَ عُمُومَةٍ لِی وَ نَاسٌ مِنْ قَوْمِی وَ کَانَ مِنْ أَنْفَسِنَا شِرَاءَ عِطْرٍ فَأُرْشِدْنَا (2) إِلَی اَلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَانْتَهَیْنَا إِلَیْهِ وَ هُوَ جَالِسٌ إِلَی زَمْزَمَ فَبَیْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوساً إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَ عَلَیْهِ ثَوْبَانِ أَبْیَضَانِ وَ لَهُ وَفْرَةٌ إِلَی أَنْصَافِ أُذُنَیْهِ جَعْدَةُ أَشَمُّ أَقْنَی أَدْعَجُ الْعَیْنَیْنِ کَثُّ اللِّحْیَةِ بَرَّاقُ الثَّنَایَا أَبْیَضُ تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ کَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَیْلَةَ الْبَدْرِ وَ عَلَی یَمِینِهِ غُلاَمٌ مُرَاهِقٌ أَوْ مُحْتَلِمٌ حَسَنُ الْوَجْهِ تَقْفُوهُمْ امْرَأَةٌ قَدْ سَتَرَتْ مَحَاسِنَهَا حَتَّی قَصَدُوا نَحْوَ اَلْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ وَ اسْتَلَمَهُ الْغُلاَمُ ثُمَّ اسْتَلَمَتْهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ طَافَ بِالْبَیْتِ سَبْعاً وَ الْغُلاَمُ وَ الْمَرْأَةُ یَطُوفَانِ مَعَهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ اَلْحَجَرَ

ص :225

فَقَامَ وَ رَفَعَ یَدَیْهِ وَ کَبَّرَ وَ قَامَ الْغُلاَمُ إِلَی جَانِبِهِ وَ قَامَتِ الْمَرْأَةُ خَلْفَهَا فَرَفَعَتْ یَدَیْهَا وَ کَبَّرَتْ فَأَطَالَ الْقُنُوتَ ثُمَّ رَکَعَ وَ رَکَعَ الْغُلاَمُ وَ الْمَرْأَةُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ وَ رَفَعَ الْغُلاَمُ وَ الْمَرْأَةُ مَعَهُ یَصْنَعَانِ مِثْلَ مَا یَصْنَعُ فَلَمَّا رَأَیْنَا شَیْئاً نُنْکِرُهُ لاَ نَعْرِفُهُ بِمَکَّةَ أَقْبَلْنَا عَلَی اَلْعَبَّاسِ فَقُلْنَا یَا أَبَا الْفَضْلِ إِنَّ هَذَا الدِّینَ مَا کُنَّا نَعْرِفُهُ فِیکُمْ قَالَ أَجَلْ وَ اللَّهِ قُلْنَا فَمَنْ هَذَا قَالَ هَذَا ابْنُ أَخِی هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ هَذَا الْغُلاَمُ ابْنُ أَخِی أَیْضاً هَذَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ زَوْجَةُ مُحَمَّدٍ هَذِهِ خَدِیجَةُ بِنْتُ خُوَیْلِدٍ وَ اللَّهِ مَا عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ یَدِینُ بِهَذَا الدِّینِ إِلاَّ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ

.

3723

14,1- وَ مِنْ حَدِیثِ مُوسَی بْنِ دَاوُدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ عَفِیفِ بْنِ قَیْسٍ الْکِنْدِیِّ وَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ عَفِیفٍ أَیْضاً مَالِکُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ النَّهْدِیُّ وَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْوَرَّاقُ وَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَیْمُونَةَ قَالُوا جَمِیعاً حَدَّثَنَا سَعِیدُ بْنُ جُشَمَ عَنْ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِیِّ عَنْ یَحْیَی بْنِ عَفِیفِ بْنِ قَیْسٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ کُنْتُ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ عَطَّاراً فَقَدِمْتُ مَکَّةَ فَنَزَلْتُ عَلَی اَلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَبَیْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَنْظُرُ إِلَی اَلْکَعْبَةِ وَ قَدْ تَحَلَّقَتِ الشَّمْسُ فِی السَّمَاءِ أَقْبَلَ شَابٌّ کَأَنَّ فِی وَجْهِهِ الْقَمَرَ حَتَّی رَمَی بِبَصَرِهِ إِلَی السَّمَاءِ فَنَظَرَ إِلَی الشَّمْسِ سَاعَةً ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّی دَنَا مِنَ اَلْکَعْبَةِ فَصَفَّ قَدَمَیْهِ یُصَلِّی فَخَرَجَ عَلَی أَثَرِهِ فَتًی کَأَنَّ وَجْهَهُ صَفِیحَةٌ یَمَانِیَّةٌ فَقَامَ عَنْ یَمِینِهِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مُتَلَفِّفَةٌ فِی ثِیَابِهَا فَقَامَتْ خَلْفَهُمَا فَأَهْوَی الشَّابُّ رَاکِعاً فَرَکَعَا مَعَهُ ثُمَّ أَهْوَی إِلَی الْأَرْضِ سَاجِداً فَسَجَدَا مَعَهُ فَقُلْتُ لِلْعَبَّاسِ یَا أَبَا الْفَضْلِ أَمْرٌ عَظِیمٌ فَقَالَ أَمْرٌ وَ اللَّهُ عَظِیمٌ أَ تَدْرِی مَنْ هَذَا الشَّابُّ قُلْتُ لاَ قَالَ هَذَا ابْنُ أَخِی هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَ تَدْرِی مَنْ هَذَا الْفَتَی قُلْتُ لاَ قَالَ هَذَا ابْنُ أَخِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَ تَدْرِی مَنِ الْمَرْأَةُ قُلْتُ لاَ قَالَ هَذِهِ ابْنَةُ خُوَیْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّی هَذِهِ خَدِیجَةُ زَوْجُ مُحَمَّدٍ هَذَا (1) وَ إِنَّ مُحَمَّداً هَذَا یَذْکُرُ أَنَّ إِلَهَهُ إِلَهُ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ أَمَرَهُ بِهَذَا الدِّینِ فَهُوَ عَلَیْهِ کَمَا تَرَی

ص :226

وَ یَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِیٌّ وَ قَدْ صَدَّقَهُ عَلَی قَوْلِهِ عَلِیٌّ ابْنُ عَمِّهِ هَذَا الْفَتَی وَ زَوْجَتُهُ خَدِیجَةُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ کُلِّهَا أَحَداً عَلَی هَذَا الدِّینِ غَیْرَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ قَالَ عَفِیفٌ فَقُلْتُ لَهُ فَمَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ قَالَ نَنْتَظِرُ الشَّیْخَ مَا یَصْنَعُ یَعْنِی أَبَا طَالِبٍ أَخَاهُ

.

و

3724

14,1,15- رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَی وَ اَلْفَضْلُ بْنُ دُکَیْنٍ وَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَطِیَّةَ قَالُوا حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِی نَافِعٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ یَسَارٍ قَالَ کُنْتُ أُوصِی اَلنَّبِیَّ ص فَقَالَ لِی هَلْ لَکَ أَنْ نَعُودَ فَاطِمَةَ قُلْتُ نَعَمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَامَ یَمْشِی مُتَوَکِّئاً عَلَیَّ وَ قَالَ أَمَا إِنَّهُ سَیَحْمِلُ ثِقْلَهَا غَیْرُکَ وَ یَکُونُ أَجْرُهَا لَکَ قَالَ فَوَ اللَّهِ کَأَنَّهُ لَمْ یَکُنْ عَلَیَّ مِنْ ثِقَلِ اَلنَّبِیِّ ص شَیْءٌ فَدَخَلْنَا عَلَی فَاطِمَةَ ع فَقَالَ لَهَا ص کَیْفَ تَجِدِینَکِ قَالَتْ لَقَدْ طَالَ أَسَفِی وَ اشْتَدَّ حُزْنِی وَ قَالَ لِی النِّسَاءُ زَوَّجَکِ أَبُوکِ فَقِیراً لاَ مَالَ لَهُ فَقَالَ لَهَا أَ مَا تَرْضَیْنَ أَنِّی زَوَّجْتُکِ أَقْدَمَ أُمَّتِی سِلْماً وَ أَکْثَرَهُمْ عِلْماً وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً قَالَتْ بَلَی رَضِیتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ : وَ قَدْ رَوَی هَذَا الْخَبَرَ یَحْیَی بْنُ عَبْدِ الْحَمِیدِ وَ عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ قَیْسِ بْنِ الرَّبِیعِ عَنْ أَبِی أَیُّوبَ الْأَنْصَارِیِّ بِأَلْفَاظِهِ أَوْ نَحْوِهَا

.

و

3725

14,1,15- رَوَی عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمَّا زَوَّجَ فَاطِمَةَ دَخَلَ النِّسَاءُ عَلَیْهَا فَقُلْنَ یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ خَطَبَکِ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ فَرَدَّهُمْ عَنْکِ وَ زَوَّجَکِ فَقِیراً لاَ مَالَ لَهُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَیْهَا أَبُوهَا ص رَأَی ذَلِکَ فِی وَجْهِهَا فَسَأَلَهَا فَذَکَرَتْ لَهُ ذَلِکَ فَقَالَ یَا فَاطِمَةُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِی فَأَنْکَحْتُکِ أَقْدَمَهُمْ سِلْماً وَ أَکْثَرَهُمْ عِلْماً وَ أَعْظَمَهُمْ حِلْماً وَ مَا زَوَّجْتُکِ إِلاَّ بِأَمْرٍ مِنَ السَّمَاءِ أَ مَا عَلِمْتِ أَنَّهُ أَخِی فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ

.

ص :227

و

3726

14,1,15- رَوَی عُثْمَانُ بْنُ سَعِیدٍ عَنِ اَلْحَکَمِ بْنِ ظُهَیْرٍ عَنِ اَلسُّدِّیِّ أَنَّ أَبَا بَکْرٍ وَ عُمَرَ خَطَبَا فَاطِمَةَ ع فَرَدَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ص وَ قَالَ لَمْ أُومَرْ بِذَلِکَ فَخَطَبَهَا عَلِیٌّ ع فَزَوَّجَهُ إِیَّاهَا وَ قَالَ لَهَا زَوَّجْتُکِ أَقْدَمَ الْأُمَّةِ إِسْلاَماً

.

و ذکر تمام الحدیث قال و قد روی هذا الخبر جماعة من الصحابة منهم أسماء بنت عمیس و أم أیمن و ابن عبّاس و جابر بن عبد اللّه .

3727

14,1- قَالَ وَ قَدْ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی رَافِعٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِی رَافِعٍ قَالَ أَتَیْتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ أُوَدِّعُهُ فَلَمَّا أَرَدْتُ الاِنْصِرَافَ قَالَ لِی وَ لِأُنَاسٍ مَعِی سَتَکُونُ فِتْنَةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ عَلَیْکُمْ بِالشَّیْخِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَاتَّبِعُوهُ فَإِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ لَهُ أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِی وَ أَوَّلُ مَنْ یُصَافِحُنِی یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ أَنْتَ الصِّدِّیقُ الْأَکْبَرُ وَ أَنْتَ الْفَارُوقُ الَّذِی یُفَرِّقُ بَیْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ وَ أَنْتَ یَعْسُوبُ اَلْمُؤْمِنِینَ وَ الْمَالُ یَعْسُوبُ اَلْکَافِرِینَ وَ أَنْتَ أَخِی وَ وَزِیرِی وَ خَیْرُ مَنْ أَتْرُکُ بَعْدِی تَقْضِی دَیْنِی وَ تُنْجِزُ مَوْعِدِی

.

3728

قَالَ وَ قَدْ رَوَی اِبْنُ أَبِی شَیْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَیْرٍ عَنِ اَلْعَلاَءِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ اَلْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِیِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ یَقُولُ

أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَ أَخُو رَسُولِهِ وَ أَنَا الصِّدِّیقُ الْأَکْبَرُ لاَ یَقُولُهَا غَیْرِی إِلاَّ کَذَّابٌ وَ لَقَدْ صَلَّیْتُ قَبْلَ النَّاسِ سَبْعَ سِنِینَ .

و

3729

1- رَوَتْ مُعَاذَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِیَّةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع یَخْطُبُ عَلَی مِنْبَرِ اَلْبَصْرَةِ وَ یَقُولُ أَنَا الصِّدِّیقُ الْأَکْبَرُ آمَنْتُ قَبْلَ أَنْ یُؤْمِنَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَسْلَمْتُ قَبْلَ أَنْ یُسْلِمَ .

و

3730

رَوَی حَبَّةُ بْنُ جُوَیْنٍ الْعُرَنِیُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِیّاً ع یَقُولُ

أَنَا أَوَّلُ رَجُلٍ أَسْلَمَ

ص :228

مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص : رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّیَالِسِیُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُفْیَانَ الثَّوْرِیِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ کُهَیْلٍ عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَیْنٍ و

3731

14,1- رَوَی عُثْمَانُ بْنُ سَعِیدٍ الْخَرَّازُ (1) عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَرَارٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِی الْجَحَّافِ عَنْ حَکِیمٍ مَوْلَی زَاذَانَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع یَقُولُ صَلَّیْتُ قَبْلَ النَّاسِ سَبْعَ سِنِینَ وَ کُنَّا نَسْجُدُ وَ لاَ نَرْکَعُ وَ أَوَّلُ صَلاَةٍ رَکَعْنَا فِیهَا صَلاَةُ الْعَصْرِ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا قَالَ أُمِرْتُ بِهِ

.

و

3732

14,1- رَوَی إِسْمَاعِیلُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ قَیْسِ بْنِ الرَّبِیعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِیلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّی رَسُولُ اللَّهِ ص یَوْمَ الْإِثْنَیْنِ وَ صَلَّی عَلَیَّ یَوْمَ الثَّلاَثَاءِ بَعْدَهُ .

و فی الروایة الأخری

3733

14,1- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِکٍ اسْتُنْبِئَ اَلنَّبِیُّ ص یَوْمَ الْإِثْنَیْنِ وَ أَسْلَمَ عَلِیٌّ یَوْمَ الثَّلاَثَاءِ بَعْدَهُ .

و

3734

14,1- رَوَی أَبُو رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص صَلَّی أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلاَّهَا غَدَاةَ اَلْإِثْنَیْنِ وَ صَلَّتْ خَدِیجَةُ آخِرَ نَهَارِ یَوْمَهَا ذَلِکَ وَ صَلَّی عَلِیٌّ ع یَوْمَ الثَّلاَثَاءِ غَداً ذَلِکَ الْیَوْمَ .

قال و قد روی بروایات مختلفة کثیرة متعدّدة عن زید بن أرقم و سلمان الفارسیّ و جابر بن عبد اللّه و أنس بن مالک أن علیا ع أول من أسلم و ذکر الروایات و الرجال بأسمائهم و

3735

رَوَی سَلَمَةُ بْنُ کُهَیْلٍ عَنْ رِجَالِهِ الَّذِینَ ذَکَرَهُمُ أَبُو جَعْفَرٍ فِی الْکِتَابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ أَوَّلُکُمْ وُرُوداً عَلَیَّ اَلْحَوْضَ أَوَّلُکُمْ إِسْلاَماً عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ .

و

3736

1,14- رَوَی یَاسِینُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَیْمَنَ عَنْ أَبِی حَازِمٍ مَوْلَی اِبْنِ عَبَّاسٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ

ص :229

قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَ هُوَ یَقُولُ کُفُّوا عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَإِنِّی سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص یَقُولُ (1) فِیهِ خِصَالاً لَوْ أَنَّ خَصْلَةً مِنْهَا فِی جَمِیعِ آلِ الْخَطَّابِ کَانَ أَحَبَّ لِی مِمَّا طَلَعَتْ عَلَیْهِ الشَّمْسُ کُنْتُ ذَاتَ یَوْمٍ وَ أَبُو بَکْرٍ وَ عُثْمَانُ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص نَطْلُبُهُ فَانْتَهَیْنَا إِلَی بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ فَوَجَدْنَا عَلِیّاً مُتَّکِئاً عَلَی نِجَافِ الْبَابِ (2) فَقُلْنَا أَرَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالَ هُوَ فِی الْبَیْتِ رُوَیْدَکُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَسِرْنَا حَوْلَهُ فَاتَّکَأَ عَلَی عَلِیٍّ ع وَ ضَرَبَ بِیَدِهِ عَلَی مَنْکِبِهِ فَقَالَ أَبْشِرْ یَا عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ إِنَّکَ مُخَاصَمٌ وَ إِنَّکَ تَخْصِمُ (3) النَّاسَ بِسَبْعٍ لاَ یُجَارِیکَ أَحَدٌ فِی وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَنْتَ أَوَّلُ النَّاسِ إِسْلاَماً وَ أَعْلَمُهُمْ بِأَیَّامِ اللَّهِ

.

و ذکر الحدیث.

قال و قد روی أبو سعید الخدری عن النبیّ ص مثل هذا الحدیث.

3737

قَالَ رَوَی أَبُو أَیُّوبَ الْأَنْصَارِیُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ صَلَّتِ الْمَلاَئِکَةُ عَلَیَّ وَ عَلَی عَلِیٍّ ع سَبْعَ سِنِینَ وَ ذَلِکَ أَنَّهُ لَمْ یُصَلِّ مَعِی رَجُلٌ فِیهَا غَیْرُهُ.

3738

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَمَّا مَا رَوَاهُ اَلْجَاحِظُ مِنْ قَوْلِهِ ص إِنَّمَا تَبِعَنِی حُرٌّ وَ عَبْدٌ.

فإنه لم یسم فی هذا الحدیث أبا بکر و بلالا و کیف و أبو بکر لم یشتر بلالا إلا بعد ظهور الإسلام بمکّة فلما أظهر بلال إسلامه عذبه أمیة بن خلف و لم یکن ذلک حال إخفاء رسول اللّه ص الدعوة و لا فی ابتداء أمر الإسلام .

ص :230

و قد قیل إنّه ع إنّما عنی بالحُرِّ علیّ بن أبی طالب و بالعبد زید بن حارثة .

3739

1,14- وَ رَوَی ذَلِکَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ وَ قَدْ رَوَی إِسْمَاعِیلُ بْنُ نَصْرٍ الصَّفَّارُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَکْوَانَ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ قَالَ اَلْحَجَّاجُ لِلْحَسَنِ وَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلتَّابِعِینَ وَ ذَکَرَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ مَا تَقُولُ أَنْتَ یَا حَسَنُ فَقَالَ مَا أَقُولُ هُوَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّی إِلَی الْقِبْلَةِ وَ أَجَابَ دَعْوَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ إِنَّ لِعَلِیٍّ مَنْزِلَةً مِنْ رَبِّهِ وَ قَرَابَةً مِنْ رَسُولِهِ وَ قَدْ سَبَقَتْ لَهُ سَوَابِقُ لاَ یَسْتَطِیعُ رَدَّهَا أَحَدٌ فَغَضِبَ اَلْحَجَّاجُ غَضَباً شَدِیداً وَ قَامَ عَنْ سَرِیرِهِ فَدَخَلَ بَعْضَ الْبُیُوتِ وَ أَمَرَ بِصَرْفِنَا.

قَالَ اَلشَّعْبِیُّ وَ کُنَّا جَمَاعَةً مَا مِنَّا إِلاَّ مَنْ نَالَ مِنْ عَلِیٍّ ع مُقَارَبَةً لِلْحَجَّاجِ غَیْرَ اَلْحَسَنِ بْنِ أَبِی الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ

.

3740

1- وَ رَوَی مُحْرِزُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ مَا لَنَا لاَ نَرَاکَ تُثْنِی عَلَی عَلِیٍّ وَ تُقْرِظُهُ قَالَ کَیْفَ وَ سَیْفُ اَلْحَجَّاجِ یَقْطُرُ دَماً إِنَّهُ لَأَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ وَ حَسْبُکُمْ بِذَلِکَ

.

قال فهذه الأخبار.

و أمّا الأشعار المرویة فمعروفة کثیرة منتشرة فمنها قول عبد اللّه بن أبی سفیان بن الحارث بن عبد المطلب مجیبا للولید بن عقبة بن أبی معیط و إن ولی الأمر بعد محمد

و قال خزیمة بن ثابت فی هذا وصی رسول اللّه من دون أهله

ص :231

و قال أبو سفیان بن حرب بن أمیّة بن عبد شمس حین بویع أبو بکر ما کنت أحسب أن الأمر منصرف

و قال أبو الأسود الدؤلی یهدد طلحة و الزبیر و إن علیا لکم مصحر

و قال سعید بن قیس الهمدانی یرتجز بصفین هذا علی و ابن عم المصطفی أول من أجابه فیما روی هو الإمام لا یبالی من غوی.

و قال زفر بن یزید بن حذیفة الأسدی فحوطوا علیا و انصروه فإنّه قال و الأشعار کالأخبار إذا امتنع فی مجیء القبیلین التواطؤ و الاتفاق کان ورودهما حجة فأما قول الجاحظ فأوسط الأمور أن نجعل إسلامهما معا فقد أبطل بهذا ما احتج به لإمامة أبی بکر لأنّه احتج بالسبق و قد عدل الآن عنه.

قال أبو جعفر و یقال لهم لسنا نحتاج من ذکر سبق علی ع إلا مجامعتکم إیانا علی أنّه أسلم قبل الناس و دعواکم أنّه أسلم و هو طفل دعوی غیر مقبولة لا بحجة.

فإن قلتم و دعوتکم أنّه أسلم و هو بالغ دعوی غیر مقبولة إلاّ بحجة

ص :232

قلنا قد ثبت إسلامه بحکم إقرارکم و لو کان طفلا لکان فی الحقیقة غیر مسلم لأن اسم الإیمان و الإسلام و الکفر و الطاعة و المعصیة إنّما یقع علی البالغین دون الأطفال و المجانین و إذا أطلقتم و أطلقنا اسم الإسلام فالأصل فی الإطلاق الحقیقة کیف

3741

وَ قَدْ قَالَ اَلنَّبِیُّ ص أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِی وَ أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَنِی.

3742

وَ قَالَ لِفَاطِمَةَ زَوَّجْتُکِ أَقْدَمَهُمْ سِلْماً أَوْ قَالَ إِسْلاَماً .

فإن قالوا إنّما دعاه النبیّ ص إلی الإسلام علی جهة العرض لا التکلیف.

قلنا قد وافقتمونا علی الدعاء و حکم الدعاء حکم الأمر و التکلیف ثمّ ادعیتم أن ذلک کان علی وجه العرض و لیس لکم أن تقبلوا معنی الدعاء عن وجهه (1) إلاّ لحجة.

فإن قالوا لعله کان علی وجه التأدیب و التعلیم کما یعتمد مثل ذلک مع الأطفال قلنا إن ذلک إنّما یکون إذا تمکن الإسلام بأهله أو عند النشوء علیه و الولادة فیه فأما فی دار الشرک فلا یقع مثل ذلک لا سیما إذا کان الإسلام غیر معروف و لا معتاد بینهم علی أنّه لیس من سنة النبیّ ص دعاء أطفال المشرکین إلی الإسلام و التفریق بینهم و بین آبائهم قبل أن یبلغوا الحلم.

و أیضا فمن شأن الطفل اتباع أهله و تقلید أبیه و المضی علی منشئه و مولده و قد کانت منزلة النبیّ ص حینئذ منزلة ضیق و شدة و وحدة و هذه منازل لا ینتقل إلیها إلاّ من ثبت الإسلام عنده بحجة و دخل الیقین قلبه بعلم و معرفة.

فإن قالوا إن علیا ع کان یألف النبیّ ص فوافقه علی طریق المساعدة له قلنا إنّه و إن کان یألفه أکثر من أبویه و إخوته و عمومته و أهل بیته و لم یکن الإلف لیخرجه عما نشأ علیه و لم یکن الإسلام مما غذی (2) به و کرر علی سمعه

ص :233

لأن الإسلام هو خلع الأنداد و البراءة ممن أشرک بالله و هذا لا یجتمع فی اعتقاد طفل.

و من العجب قولُ اَلْعَبَّاسِ لِعَفِیفِ بْنِ قَیْسٍ نَنْتَظِرُ الشَّیْخَ وَ مَا یَصْنَعُ فَإِذَا کَانَ العَبَّاُس و حمزةُ یَنْتَظِرَانِ أَبَا طَالِبٍ و یصدران عن رأیه فکیف یخالفه ابنه و یؤثر القلة علی الکثرة و یفارق المحبوب إلی المکروه و العز إلی الذل و الأمن إلی الخوف عن غیر معرفة و لا علم بما فیه.

فأما قوله إن المقلل یزعم أنّه أسلم و هو ابن خمس سنین و المکثر یزعم أنّه أسلم و هو ابن تسع سنین فأول ما یقال فی ذلک إن الأخبار جاءت فی سنه ع یوم أسلم علی خمسة أقسام فجعلناه فی قسمین القسم الأوّل الذین قالوا أسلم و هو ابن خمس عشرة سنة

3743

14,1- حَدَّثَنَا بِذَلِکَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِیدٍ الْأَسَدِیُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ بِشْرٍ الْقُرَشِیِّ عَنْ اَلْأَوْزَاعِیِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حَبِیبٍ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ سَأَلْتُ خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ عَنْ إِسْلاَمِ عَلِیٍّ فَقَالَ أَسْلَمَ وَ هُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ لَقَدْ رَأَیْتُهُ یُصَلِّی قَبْلَ النَّاسِ مَعَ اَلنَّبِیِّ ص وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ بَالِغٌ مُسْتَحْکَمُ الْبُلُوغِ .

3744

1- وَ رَوَی عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ اَلْحَسَنِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ هُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً .

القسم الثانی الذین قالوا إنّه أسلم و هو ابن أربع عشرة سنة

3745

1,14- رَوَاهُ أَبُو قَتَادَةَ الْحَرَّانِیُّ عَنْ أَبِی حَازِمٍ الْأَعْرَجِ عَنْ حُذَیْفَةَ بْنِ الْیَمَانِ قَالَ کُنَّا نَعْبُدُ الْحِجَارَةَ وَ نَشْرَبُ الْخَمْرَ وَ عَلِیٌّ مِنْ أَبْنَاءِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً قَائِمٌ یُصَلِّی مَعَ اَلنَّبِیِّ ص لَیْلاً وَ نَهَاراً وَ قُرَیْشٌ یَوْمَئِذٍ تُسَافِهُ رَسُولَ اللَّهِ ص مَا یَذُبُّ عَنْهُ إِلاَّ عَلِیٌّ ع .

ص :234

3746

1- وَ رَوَی اِبْنُ أَبِی شَیْبَةَ عَنْ جَرِیرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ قَالَ أَسْلَمَ عَلِیٌّ وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً .

القسم الثالث الذین قالوا أسلم و هو ابن إحدی عشرة سنة

3747

1- رَوَاهُ إِسْمَاعِیلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِمْعَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع عَنْ أَبِیهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ ع أَنَّ عَلِیّاً حِینَ أَسْلَمَ کَانَ ابْنَ إِحْدَی عَشْرَةَ سَنَةً .

و

3748

1- رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِیَادٍ الْمَدَنِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْبَاقِرِ ع قَالَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ عَلِیٌّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ هُوَ ابْنُ إِحْدَی عَشْرَةَ سَنَةً وَ هَاجَرَ إِلَی اَلْمَدِینَةِ وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَ عِشْرِینَ سَنَةً .

القسم الرابع الذین قالوا إنّه أسلم و هو ابن عشر سنین

3749

1- رَوَاهُ نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ أَوَّلُ ذَکَرٍ آمَنَ وَ صَدَّقَ بِالنُّبُوَّةِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع وَ هُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِینَ ثُمَّ أَسْلَمَ زَیْدُ بْنُ حَارِثَةَ ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو بَکْرٍ وَ هُوَ ابْنُ سِتٍّ وَ ثَلاَثِینَ سَنَةً فِیمَا بَلَغَنَا .

القسم الخامس الذین قالوا إنّه أسلم و هو ابن تسع سنین

3750

1- رَوَاهُ اَلْحَسَنُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْوَرَّاقُ عَنْ سُلَیْمٍ مَوْلَی اَلشَّعْبِیِّ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ هُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِینَ وَ کَانَ لَهُ یَوْمَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص تِسْعٌ وَ عِشْرُونَ سَنَةً .

قال شیخنا أبو جعفر فهذه الأخبار کما تراها فإما أن یکون الجاحظ جهلها أو قصد العناد.

فأما قوله فالقیاس أن نأخذ بأوسط الأمرین من الروایتین فنقول إنّه أسلم و هو ابن سبع سنین فإن هذا تحکم منه و یلزمه مثله فی رجل ادعی قبل رجل عشرة

ص :235

دراهم فأنکر ذلک و قال إنّما یستحق قبلی أربعة دراهم فینبغی أن نأخذ الأمر المتوسط و یلزمه سبعة دراهم و یلزمه فی أبی بکر حیث قال قوم کان کافرا و قال قوم کان إماما عادلا أن نقول أعدل الأقاویل أوسطها و هو منزلة (1) بین المنزلتین فنقول کان فاسقا ظالما و کذلک فی جمیع الأمور المختلف فیها.

فأما قوله و إنّما یعرف حقّ ذلک من باطله بأن نحصی سنی ولایة عثمان و عمر و أبی بکر و سنی الهجرة و مقام النبیّ ص بمکّة بعد الرسالة إلی أن هاجر فیقال له لو کانت الروایات متفقة علی هذه التاریخات لکان لهذا القول مساغ و لکن الناس قد اختلفوا فی ذلک

3751

14- فَقِیلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَقَامَ بِمَکَّةَ بَعْدَ الرِّسَالَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً رَوَاهُ اِبْنُ عَبَّاسٍ .

3752

14- وَ قِیلَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ رُوِیَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَیْضاً . وَ أَکْثَرُ النَّاسِ یَرْوُونَهُ

3753

14- وَ قِیلَ عَشْرَ سِنِینَ رَوَاهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَیْرِ وَ هُوَ قَوْلُ اَلْحَسَنِ الْبَصْرِیِّ وَ سَعِیدِ بْنِ الْمُسَیَّبِ . و اختلفوا فی سن رسول اللّه ص فقال قوم کان ابن خمس و ستین و قیل کان ابن ثلاث و ستین و قیل کان ابن ستین و اختلفوا فی سن علی ع فقیل کان ابن سبع و ستین و قیل کان ابن خمس و ستین و قیل ابن ثلاث و ستین و قیل ابن ستین و قیل ابن تسع و خمسین.

فکیف یمکن مع هذه الاختلافات تحقیق هذه الحال و إنّما الواجب أن یرجع إلی إطلاق قولهم أسلم علی فإن هذا الاسم لا یکون مطلقا إلاّ علی البالغ کما لا یطلق اسم الکافر إلا علی البالغ علی أن ابن إحدی عشرة سنة یکون بالغا و یولد له الأولاد فقد روت الرواة أن عمرو بن العاص لم یکن أسن من ابنه عبد اللّه

ص :236

إلا باثنتی عشرة سنة و هذا یوجب أنّه احتلم و بلغ فی أقل من إحدی عشرة سنة.

و روی أیضا أن محمّد بن عبد اللّه بن العبّاس کان أصغر من أبیه [علی بن]

عبد اللّه بن العبّاس بإحدی عشرة سنة فیلزم الجاحظ أن یکون عبد اللّه بن العبّاس حین مات رسولُ اللّه ص غیرَ مسلمٍ علی الحقیقة و لا مُثَابٍ و لا مُطِیعٍ بالإسلام لأنّه کان یومئذ ابنَ عَشْرِ سِنِینَ

3754

14- رَوَاهُ هُشَیْمٌ عَنْ سَعِیدِ بْنِ جُبَیْرٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِینَ .

قال الجاحظ فإن قالوا فلعله و هو ابن سبع سنین (1) أو ثمانی سنین (2) قد بلغ من فطنته و ذکائه و صحة لبه و صدق حدسه (3) و انکشاف العواقب له و إن لم یکن جرب الأمور و لا فاتح الرجال و لا نازع الخصوم ما یعرف به جمیع ما یحب علی البالغ معرفته و الإقرار به قیل (4) لهم إنّما نتکلم علی ظواهر الأحوال و ما شاهدنا علیه طبائع الأطفال فإنا وجدنا حکم ابن سبع سنین أو ثمان ما لم یعلم باطن أمره و خاصّة طبعه حکم الأطفال و لیس لنا أن نزیل ظاهر حکمه و الذی نعرف من حال أفناء جنسه بلعل و عسی لأنا و إن کنا لا ندری لعله قد کان ذا فضیلة فی الفطنة فلعله قد کان ذا نقص فیها.

هذا علی تجویز أن یکون علیٌّ ع فی الغَیْبِ (5) قد أسلم و هو ابن سبع أو ثمان إسلام البالغ غیر أن الحکم علی مجری أمثاله و أشکاله الذین أسلموا و هم فی مثل سنه إذ کان إسلام هؤلاء عن تربیة الحاضن و تلقین القیم و ریاضة السائس.

فأما عند التحقیق فإنّه لا تجویز لمثل ذلک لأنّه لو کان أسلم و هو ابن سبع

ص :237

أو ثمان و عرف فضل ما بین الأنبیاء و الکَهَنَةِ و فرَّق ما بین الرسلِ و السَّحَرَةِ و فرق ما بین خبر النبیّ و المنجِّمِ و حتّی عرَف کیدَ الأَرِیبِ (1) و موضع الحجة و (2) بعد غور المتنبئ (3) کیف یلبس علی العقلاء و تستمال عقول الدهماء و عرف الممکن فی الطبع من الممتنع و ما یحدث بالاتفاق ممّا یحدث بالأسباب و عرف قدر القوی و غایة الحیلة و منتهی التمویه و الخدیعة و ما لا یحتمل أن یحدثه إلاّ الخالق سبحانه و ما یجوز علی اللّه فی حکمته ممّا لا یجوز و کیف التحفظ من الهوی و الاحتراس من الخداع لکان کونه علی هذه الحال و هذه مع فرط الصبا و الحداثة و قلة التجارب و الممارسة خروجا من العادة و من المعروف ممّا علیه ترکیب هذه الخلقة و لیس یصل أحد إلی معرفة نبی و کذب متنبئ حتّی یجتمع فیه هذه المعارف التی ذکرناها و الأسباب التی وصفناها و فصلناها و لو کان علی ع علی هذه الصفة و معه هذه الخاصیة لکان حجة علی العامّة و آیة تدلّ علی النبوّة و لم یکن اللّه عزّ و جلّ لیخصه بمثل هذه الأعجوبة إلاّ و هو یرید أن یحتج بها و یجعلها قاطعة لعذر الشاهد و حجة علی الغائب و لو لا أن اللّه أخبر عن یحیی بن زکریا أنه آتاه الحکم صبیا و أنّه أنطق عیسی فی المهد ما کانا فی الحُکْم و لا فی المَغِیبِ (4) إلاّ کسائر الرسل و ما علیه جمیع البشر فإذا لم ینطق لعلی ع بذلک قرآن و لا جاء الخبر به مجیء الحجة القاطعة و المشاهدة القائمة فالمعلوم عندنا فی الحکم أن طباعه کطباع عَمَّیْهِ حمزةَ و العبّاسِ و هما أَمَسُّ بمعدنِ جِماعِ الخیر منه أو کطِبَاع جعفر و عقیل من رجال قومه و سادة رهطه و لو أن إنسانا ادعی مثل ذلک لأخیه جعفر أو لِعَمَّیْهِ حمزةَ و العبّاسِ ما کان عندنا فی أمره إلاّ مثل ما عندنا فیه (5) أجاب شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه فقال هذا کله مبنی علی أنّه أسلم و هو ابن سبع أو ثمان و نحن قد بینا أنّه أسلم بالغا ابن خمس عشرة سنة أو ابن أربع عشرة سنة علی

ص :238

أنا لو نزلنا علی حکم الخصوم و قلنا ما هو الأشهر و الأکثر من الروایة و هو أنّه أسلم و هو ابن عشر لم یلزم ما قاله الجاحظ لأن ابن عشر قد یستجمع عقله و یعلم من مبادئ المعارف ما یستخرج به کثیرا من الأمور المعقولة و متی کان الصبیّ عاقلا ممیزا کان مکلفا بالعقلیات و إن کان تکلیفه بالشرعیات موقوفا علی حدّ آخر و غایة أخری فلیس بمنکر أن یکون علی ع و هو ابن عشر قد عقل المعجزة فلزمه الإقرار بالنبوة و أسلم إسلام عالم عارف لا إسلام مقلد تابع و إن کان ما نَسَّقَهُ الجَاحِظُ و عدده من معرفة السحر و النجوم و الفصل بینهما و بین النبوّة و معرفة ما یجوز فی الحکمة ممّا لا یجوز و ما لا یحدثه إلاّ الخالق و الفرق بینه و بین ما یقدر علیه القادرون بالقدرة و معرفة التمویه و الخدیعة و التلبیس و المماکرة شرطا فی صحة الإسلام لما صح إسلام أبی بکر و لا عمر و لا غیرهما من العرب و إنّما التکلیف لهؤلاء بالجمل و مبادئ المعارف لا بدقائقها و الغامض منها و لیس یفتقر الإسلام إلی أن یکون المسلم قد فاتح الرجال و جرب الأمور و نازع الخصوم و إنّما یفتقر إلی صحة الغریزة و کمال العقل و سلامة الفطرة أ لا تری أن طفلا لو نشأ فی دار لم یعاشر الناس بها و لا فاتح الرجال و لا نازع الخصوم ثمّ کمل عقله و حصلت العلوم البدیهیة عنده لکان مکلفا بالعقلیات.

فأما توهمه أن علیا ع أسلم عن تربیة الحاضن و تلقین القیم و ریاضة السائس فلعمری إن محمّدا ص کان حاضنه و قیمه و سائسه و لکن لم یکن منقطعا عن أبیه أبی طالب و لا عن إخوته طالب و عقیل و جعفر و لا عن عمومته و أهل بیته و ما زال مخالطا لهم ممتزجا بهم مع خدمته لمحمد ص فما باله لم یمل إلی الشرک و عبادة الأصنام لمخالطته إخوته و أباه و عمومته و أهله و هم کثیر و محمد ص واحد و أنت تعلم أن الصبیّ إذا کان له أهل ذوو کثرة و فیهم واحد

ص :239

یذهب إلی رأی مفرد لا یوافقه علیه غیره منهم فإنّه إلی ذوی الکثرة أمیل و عن ذی الرأی الشاذ المنفرد أبعد و علی أن علیا ع لم یولد فی دار الإسلام و إنّما ولد فی دار الشرک و رِبِّیَ بینَ المشرکین و شاهد الأصنام و عاین بعینه أهله و رهطه یعبدونها فلو کان فی دار الإسلام لکان فی القول مجال و لقیل إنّه ولد بین المسلمین فإسلامه عن تلقین الظئر و عن سماع کلمة الإسلام و مشاهدة شعاره لأنّه لم یسمع غیره و لا خطر بباله سواه فلما لم یکن ولد کذلک ثبت أن إسلامه إسلام الممیز العارف بما دخل علیه و لو لا أنّه کذلک لما مدحه رسول اللّه ص بذلک و لا أرضی ابنته فاطمة لما وجدت من تزویجه

3755

بِقَوْلِهِ لَهَا زَوَّجْتُکِ أَقْدَمَهُمْ سِلْماً.

و لا قرن إلی

3756

قَوْلِهِ وَ أَکْثَرَهُمْ عِلْماً وَ أَعْظَمَهُمْ حِلْماً.

و الحلم العقل و هذان الأمران غایة الفضل فلو لا أنّه أسلم إسلام عارف عالم ممیز لما ضم إسلامه إلی العلم و الحلم اللذین وصفه بهما و کیف یجوز أن یمدحه بأمر لم یکن مثابا علیه و لا معاقبا به لو ترکه و لو کان إسلامه عن تلقین و تربیة لما افتخر هو ع به (1) علی رءوس الأشهاد و لا خطب علی المنبر و هو بین عدو و محارب و خاذل منافق

3757

فَقَالَ

أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَ أَخُو رَسُولِهِ وَ أَنَا الصِّدِّیقُ الْأَکْبَرُ وَ الْفَارُوقُ الْأَعْظَمُ صَلَّیْتُ قَبْلَ النَّاسِ سَبْعَ سِنِینَ وَ أَسْلَمْتُ قَبْلَ إِسْلاَمِ أَبِی بَکْرٍ وَ آمَنْتُ قَبْلَ إِیمَانِهِ .

فهل بلغکم أن أحدا من أهل ذلک العصر أنکر ذلک أو عابه أو ادعاه لغیره أو قال له إنّما کنت طفلا أسلمت (2) علی تربیة محمد ص ذلک و تلقینه إیاک کما یعلم الطفل الفارسیة و الترکیة منذ یکون رضیعا فلا فخر له فی تعلم ذلک و خصوصا فی عصر قد حارب فیه أهل البصرة و الشام و النهروان و قد اعتورته الأعداء و هجته الشعراء فقال فیه النعمان بن بشیر

ص :240

لقد طلب الخلافة من بعید

و قال فیه أیضا بعض الخوارج دسسنا له تحت الظلام ابن ملجم

و قال عمران بن حطان یمدح قاتله یا ضربة من تقیّ ما أراد بها فلو وجد هؤلاء سبیلا إلی دحض حجة فیما کان یفخر به من تقدم إسلامه لبدءوا بذلک و ترکوا ما لا معنی له.

و قد أوردنا ما مدحه الشعراء به من سبقه إلی الإسلام فکیف لم یرد علی هؤلاء الذین مدحوه بالسبق شاعر واحد من أهل حربه و لقد قال فی أمّهات الأولاد قولا خالف فیه عمر فذکروه بذلک و عابوه فکیف ترکوا أن یعیبوه بما کان یفتخر به ممّا لا فخر فیه عندهم و عابوه بقوله فی أمّهات الأولاد.

ثمّ یقال له خبرنا عن عبد اللّه بن عمر و قد أجازه النبیّ ص یوم الخندق و لم یجزه یوم أحد هل کان یمیز ما ذکرته و هل کان یعلم فرق ما بین النبیّ و المتنبئ و یفصل بین السحر و المعجزة إلی غیره ممّا عددت و فصلت.

فإن قال نعم و تجاسر علی ذلک قیل له فعلی ع بذلک أولی من ابن عمر لأنّه أذکی و أفطن بلا خلاف بین العقلاء و أنی یشک فی ذلک و قد رویتم أنه

ص :241

لم یمیز بین المیزان و العود بعد طول السن و کثرة التجارب و لم یمیز أیضا بین إمام الرشد و إمام الغی فإنّه امتنع من بیعة علی ع و طرق علی الحجاج بابه لیلا لیبایع لعبد الملک کیلا یبیت تلک اللیلة بلا إمام زعم لأنه

3758

رُوِیَ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ مَنْ مَاتَ وَ لاَ إِمَامَ لَهُ مَاتَ مِیتَةً جَاهِلِیَّةً .

و حتّی بلغ من احتِقَارِ الحَجَّاجِ له و استِرْذَالِهِ حالَهُ أن أخرج رجله من الفراش فقال أصفق بیدک علیها فذلک تمییزه بین المیزان و العود و هذا اختیاره فی الأئمة و حال علی ع فی ذکائه و فطنته و توقد حسه و صدق حدسه معلومة مشهورة فإذا جاز أن یصحّ إسلام ابن عمر و یقال عنه إنّه عرف تلک الأمور التی سردها الجاحظ و نسقها و أظهر فصاحته و تشدقه فیها فعلی بمعرفة ذلک أحق و بصحة إسلامه أولی.

و إن قال لم یکن ابن عمر یعلم و یعرف ذلک فقد أبطل إسلامه و طعن فی رسول اللّه ص حیث حکم بصحة إسلامه و أجازه یوم الخندق

3759

لِأَنَّهُ ع کَانَ قَالَ لاَ أُجِیزُ إِلاَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ.

و لذلک لم یجزه یوم أحد .

ثمّ یقال له إن ما نقوله فی بلوغ علی ع الحد الذی یحسن فیه التکلیف العقلی بل یجب و هو ابن عشر سنین لیس بأعجب من مجیء الولد لستة أشهر و قد صحح ذلک أهل العلم و استنبطوه من الکتاب و إن کان خارجا من التعارف و التجارب و العادة و کذلک مجیء الولد لسنتین خارج أیضا عن التعارف و العادة و قد صححه الفقهاء و الناس.

و یروی أن معاذا لما نهی عمر عن رجم الحامل ترکها حتّی ولدت غلاما قد نبتت ثنیتاه فقال أبوه ابنی و ربّ الکعبة فثبت ذلک سنة یعمل بها الفقهاء و قد وجدنا العادة تقضی بأن الجاریة تحیض لاثنتی عشرة سنة و أنّه أقل سن تحیض فیه المرأة و قد

ص :242

یکون فی الأقل نساء یحضن لعشر و لتسع و قد ذکر ذلک الفقهاء و قد قال الشافعی فی اللعان لو جاءت المرأة بحمل و زوجها صبی له دون عشر سنین لم یکن ولدا له لأن من لم یبلغ عشر سنین من الصبیان لا یولد له و إن کان له عشر سنین جاز أن یکون الولد له و کان بینهما لعان إذا لم یقر به.

و قال الفقهاء أیضا إن نساء تِهَامَةَ یَحِضْنَ لتسع سنین لشدة الحرّ ببلادهن.

قال الجاحظ و لو لم یعرف باطل هذه الدعوی من آثر التقوی و تحفظ من الهوی إلاّ بترک علی ع ذکر ذلک لنفسه و الاحتجاج به علی خصمه و قد نازع الرجال و ناوی الأکفاء و جامع أهل الشوری لکان کافیا و متی لم تصح لعلی ع هذه الدعوی فی أیامه و لم یذکرها أهل عصره فهی عن ولده أعجز و منهم أضعف.

و لم ینقل أن علیا ع احتج بذلک فی موقف و لا ذکره فی مجلس و لا قام به خطیبا و لا أدلی به واثقا لا سیما و قد رضیه الرسول ص عندکم مفزعا و معلما و جعله للناس إماما و لا ادعی له أحد ذلک فی عصره کما لم یدعه لنفسه حتّی یقول إنسان واحد الدلیل علی إمامته أن النبیّ ص دعاه إلی الإسلام أو کلفه التصدیق قبل بلوغه لیکون ذلک آیة للناس فی عصره و حجة له و لولده من بعده فهذا کان أشدّ علی طلحة و الزبیر و عائشة من کل ما ادعاه من فضائله و سوابقه و ذکر قرابته (1) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه إن مثل الجاحظ مع فضله و علمه لا یخفی علیه کذب

ص :243

هذه الدعوی و فسادها و لکنه یقول ما یقوله تعصبا و عنادا و قد روی الناس کافة افتخار علی ع بالسبق إلی الإسلام و أن النبیّ ص استنبئ یوم الإثنین و أسلم علی یوم الثلاثاء

3760

وَ أَنَّهُ کَانَ یَقُولُ

صَلَّیْتُ قَبْلَ النَّاسِ سَبْعَ سِنِینَ .

و أنّه ما زال یقول أنا أول من أسلم و یفتخر بذلک و یفتخر له به أولیاؤه و مادحوه و شیعته فی عصره و بعد وفاته و الأمر فی ذلک أشهر من کل شهیر و قد قدمنا منه طرفا و ما علمنا أحدا من الناس فیما خلا استخف بإسلام علی ع و لا تهاون به و لا زعم أنّه أسلم إسلام حدث غریر و طفل صغیر و من العجب أن یکون مثل العبّاس و حمزة ینتظران أبا طالب و فعله لیصدرا عن رأیه ثمّ یخالفه علی ابنه لغیر رغبة و لا رهبة یؤثر القلة علی الکثرة و الذل علی العزة من غیر علم و لا معرفة بالعاقبة و کیف ینکر الجاحظ و العثمانیة أن رسول اللّه ص دعاه إلی الإسلام و کلفه التصدیق.

3761

14,1- وَ قَدْ رُوِیَ فِی الْخَبَرِ الصَّحِیحِ أَنَّهُ کَلَّفَهُ فِی مَبْدَإِ الدَّعْوَةِ قَبْلَ ظُهُورِ کَلِمَةِ اَلْإِسْلاَمِ وَ انْتِشَارِهَا بِمَکَّةَ أَنْ یَصْنَعَ لَهُ طَعَاماً وَ أَنْ یَدْعُوَ لَهُ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَصَنَعَ لَهُ الطَّعَامَ وَ دَعَاهُمْ لَهُ فَخَرَجُوا ذَلِکَ الْیَوْمَ وَ لَمْ یُنْذِرْهُمْ ص لِکَلِمَةٍ قَالَهَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ فَکَلَّفَهُ فِی الْیَوْمِ الثَّانِی أَنْ یَصْنَعَ مِثْلَ ذَلِکَ الطَّعَامِ وَ أَنْ یَدْعُوَهُمْ ثَانِیَةً فَصَنَعَهُ وَ دَعَاهُمْ فَأَکَلُوا ثُمَّ کَلَّمَهُمْ ص فَدَعَاهُمْ إِلَی الدِّینِ وَ دَعَاهُ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ ضَمِنَ لِمَنْ یُوَازِرُهُ مِنْهُمْ وَ یَنْصُرُهُ عَلَی قَوْلِهِ أَنْ یَجْعَلَهُ أَخَاهُ فِی الدِّینِ وَ وَصِیَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَ خَلِیفَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَأَمْسَکُوا کُلُّهُمْ وَ أَجَابَهُ هُوَ وَحْدَهُ وَ قَالَ أَنَا أَنْصُرُکَ عَلَی مَا جِئْتَ بِهِ وَ أُوَازِرُکَ وَ أُبَایِعُکَ فَقَالَ لَهُمْ لَمَّا رَأَی مِنْهُمْ الْخِذْلاَنَ وَ مِنْهُ النَّصْرَ وَ شَاهَدَ مِنْهُمْ الْمَعْصِیَةَ وَ مِنْهُ الطَّاعَةَ وَ عَایَنَ مِنْهُمْ الْإِبَاءَ وَ مِنْهُ الْإِجَابَةَ هَذَا أَخِی وَ وَصِیِّی وَ خَلِیفَتِی مِنْ بَعْدِی فَقَامُوا یَسْخَرُونَ وَ یَضْحَکُونَ وَ یَقُولُونَ لِأَبِی طَالِبٍ أَطِعْ اِبْنَکَ فَقَدْ أَمَّرَهُ عَلَیْکَ

.

فهل یکلف عمل

ص :244

الطعام و دعاء القوم صغیر ممیز و غر غیر عاقل و هل یؤتمن علی سر النبوّة طفل ابن خمس سنین أو ابن سبع و هل یدعی فی جملة الشیوخ و الکهول إلاّ عاقل لبیب و هل یضع رسول اللّه ص یده فی یده و یعطیه صفقة یمینه بالأخوة و الوصیة و الخلافة إلاّ و هو أهل لذلک بالغ حدَّ التکلیف محتمل لولایة اللّه و عداوة أعدائه و ما بال هذا الطفل لم یأنس بأقرانه و لم یلصق بأشکاله و لم یر مع الصبیان فی ملاعبهم بعد إسلامه و هو کأحدهم فی طبقته کبعضهم فی معرفته.

و کیف لم ینزع إلیهم فی ساعة من ساعاته فیقال دعاه داعی الصبا و خاطر من خواطر الدنیا و حملته الغرة و الحداثة علی حضور لهوهم و الدخول فی حالهم بل ما رأیناه إلاّ ماضیا علی إسلامه مصمما فی أمره محققا لقوله بفعله قد صدق إسلامه بعفافه و زهده و لصق برسول اللّه ص من بین جمیع من بحضرته فهو أمینه و ألیفه فی دنیاه و آخرته و قد قهر شهوته و جاذب خواطره صابرا علی ذلک نفسه لما یرجو من فوز العاقبة و ثواب الآخرة و قد ذکر هو ع فی کلامه و خطبه بدء حاله و افتتاح أمره

3762

14,1- حَیْثُ أَسْلَمَ لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ص الشَّجَرَةَ فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ فَقَالَتْ قُرَیْشٌ سَاحِرٌ خَفِیفُ السِّحْرِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع یَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَوَّلُ مَنْ یُؤْمِنُ بِکَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ صَدَّقْتُکَ فِیمَا جِئْتَ بِهِ وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَصْدِیقاً لِنُبُوَّتِکَ وَ بُرْهَاناً عَلَی صِحَّةِ دَعْوَتِکَ .

فهل یکون إیمان قط أصح من هذا الإیمان و أوثق عقدة و أحکم مرة و لکن حنق العثمانیة و غیظهم و عصبیة الجاحظ و انحرافه ممّا لا حیلة فیه ثمّ لینظر المنصف و لیدع الهوی جانبا لیعلم نعمة اللّه علی علی ع بالإسلام حیث أسلم علی الوضع الذی أسلم علیه فإنّه لو لا الألطاف التی خص بها و الهدایة التی منحها لما کان إلاّ کبعض أقارب محمد ص و أهله فقد کان ممازجا له کممازجته و مخالطا له کمخالطة کثیر من أهله و رهطه و لم یستجب منهم

ص :245

أحد له إلاّ بعد حین و منهم من لم یستجب له أصلا فإن جعفرا ع کان ملتصقا به و لم یسلم حینئذ و کان عتبة بن أبی لهب ابن عمه و صهره زوج ابنته و لم یصدقه بل کان شدیدا علیه و کان لخدیجة بنون من غیره و لم یسلموا حینئذ و هم ربائبه (1) و معه فی دار واحدة و کان أبو طالب أباه فی الحقیقة و کافله و ناصره و المحامی عنه و من لولاه لم تقم له قائمة و مع ذلک لم یسلم فی أغلب الروایات و کان العبّاس عمه و صنو أبیه و کالقرین له فی الولادة و المنشإ و التربیة و لم یستجب له إلاّ بعد حین طویل و کان أبو لهب عمه و کدمه و لحمه و لم یسلم و کان شدیدا علیه فکیف ینسب إسلام علی ع إلی الإلف و التربیة و القرابة و اللحمة و التلقین و الحضانة و الدار الجامعة و طول العشرة و الأنس و الخلوة و قد کان کل ذلک حاصلا لهؤلاء أو لکثیر منهم و لم یهتد أحد منهم إذ ذاک بل کانوا بین من (2) جحد و کفر و مات علی کفره و من أبطأ و تأخر و سبق بالإسلام و جاء سکیتا (3) و قد فاز بالمنزلة غیره.

و هل یدلّ تأمل حال علی ع مع الإنصاف إلاّ علی أنّه أسلم لأنّه شاهد الأعلام و رأی المعجزات و شم ریح النبوّة و رأی نور الرسالة و ثبت الیقین فی قلبه بمعرفة و علم و نظر صحیح لا بتقلید و لا حمیة و لا رغبة و لا رهبة إلاّ فیما یتعلق بأمور الآخرة.

قال الجاحظ فلو أن علیا ع کان بالغا حیث أسلم لکان إسلام أبی بکر و زید بن حارثة و خباب بن الأرت أفضل من إسلامه لأن إسلام المُقَتَضَبِ (4) الذی لم یعتد به و لم یعوده و لم یُمَرَّنْ علیه أفضل من إسلام الناشِئِ الذی رُبِّیَ فیه و نشأ و حبب

ص :246

إلیه و ذلک لأن صاحب التربیة یبلغ حیث یبلغ و قد أسقط إلفه عنه مؤنة الرویة و الخاطر و کفاه علاج القلب و اضطراب النفس و زید و خباب و أبو بکر یعانون من کلفة النظر و مؤنة التأمل و مشقة الانتقال من الدین الذی قد طال إلفهم له ما هو غیر خاف و لو کان علی حیث أسلم بالغا مقتضبا کغیره ممن عددنا کان إسلامهم أفضل من إسلامه لأن من أسلم و هو یعلم أن له ظهرا کأبی طالب و ردءا کبنی هاشم و موضعا فی بنی عبد المطلب لیس کالحلیف و المولی و التابع و العسیف (1) و کالرجل من عرض قریش (2) أ و لست تعلم أن قریشا خاصّة و أهل مکّة عامة لم یقدروا علی أذی النبیّ ص ما کان أبو طالب حیا و أیضا فإن أولئک اجتمع علیهم مع فراق الإلف مشقة الخواطر و علی ع کان بحضرة رسول اللّه ص یشاهد الأعلام فی کل وقت و یحضر منزل الوحی فالبراهین له أشدّ انکشافا و الخواطر علی قلبه أقل اعتلاجا و علی قدر الکلفة و المشقة یعظم الفضل و یکثر الأجر (3) .

قال أبو جعفر رحمه اللّه ینبغی أن ینظر أهل الإنصاف هذا الفصل و یقفوا علی قول الجاحظ و الأصمّ فی نصرة العثمانیة و اجتهادهما فی القصد إلی فضائل هذا الرجل و تهجینها فمرة یبطلان معناها و مرة یتوصلان إلی حط قدرها فلینظر فی کل باب اعترضا فیه أین بلغت حیلتهما و ما صنعا فی احتیالهما فی قصصهما و سجعهما أ لیس إذا تأملتها علمت أنّها ألفاظ ملفقة بلا معنی و أنّها علیها شجی و بلاء و إلاّ فما عسی أن تبلغ حیلة الحاسد و یغنی کید الکائد الشانئ (4) لمن قد جل قدره عن النقص و أضاءت فضائله إضاءة الشمس و أین قول الجاحظ من دلائل السماء و براهین الأنبیاء و قد علم

ص :247

الصغیر و الکبیر و العالم و الجاهل ممن بلغه ذکر علی ع و علم مبعث النبیّ ص أن علیا ع لم یولد فی دار الإسلام و لا غذی فی حجر الإیمان و إنّما استضافه رسول اللّه ص إلی نفسه سنة القحط و المجاعة و عمره یومئذ ثمانی سنین فمکث معه سبع سنین حتّی أتاه جبرئیل بالرسالة فدعاه و هو بالغ کامل العقل إلی الإسلام فأسلم بعد مشاهدة المعجزة و بعد إعمال النظر و الفکرة و إن کان قد ورد فی کلامه أنّه صلی سبع سنین قبل الناس کلهم فإنما یعنی ما بین الثمان و الخمس عشرة و لم یکن حینئذ دعوة و لا رسالة و لا ادعاء نبوة و إنّما کان رسول اللّه ص یتعبد علی ملة إبراهیم و دین الحنیفیة و یتحنث و یجانب الناس و یعتزل و یطلب الخلوة و ینقطع فی جبل حراء و کان علی ع معه کالتابع و التلمیذ فلما بلغ الحلم و جاءت النبیّ ص الملائکة و بشرته بالرسالة دعاه فأجابه عن نظر و معرفة بالأعلام المعجزة فکیف یقول الجاحظ إن إسلامه لم یکن مُقْتَضَباً.

و إن کان إسلامه ینقص عن إسلام غیره فی الفضیلة لما کان یمرن علیه من التعبد مع رسول اللّه ص قبل الدعوة لتکونن طاعة کثیر من المکلفین أفضل من طاعة رسول اللّه ص و أمثاله من المعصومین لأن العصمة عند أهل العدل لُطْفٌ یمنع من اختص به من ارتکاب القبیح فمن اختص بذلک اللطف کانت الطاعة علیه أسهل فوجب أن یکون ثوابه أنقص من ثواب من أطاع مع تلک الألطاف.

و کیف یقول الجاحظ إن إسلامه ناقص عن إسلام غیره و قد جاء فی الخبر أنّه أسلم یوم الثلاثاء و استُنْبِئَ النبیُّ ص یوم الإِثْنَیْنِ فمن هذه حاله لم تکثر حجج الرسالة علی سمعه و لا تواترت أعلام النبوّة علی مشاهدته و لا تطاول الوقت علیه لتخف محنته و یسقط ثقل تکلیفه بل بان فضله و ظهر حسن اختیاره لنفسه إذ أسلم فی حال بلوغه و عانی نوازع طبعه و لم یؤخر ذلک بعد سماعه.

ص :248

و قد غمر الجاحظ فی کتابه هذا أن أبا بکر کان قبل إسلامه مذکورا و رئیسا معروفا یجتمع إلیه کثیر من أهل مکّة فینشدون الأشعار و یتذاکرون الأخبار و یشربون الخمر و قد کان سمع دلائل النبوّة و حجج الرسل و سافر إلی البلدان و وصلت إلیه الأخبار و عرف دعوی الکهنة و حیل السحرة و من کان کذلک کان انکشاف الأمور له أظهر و الإسلام علیه أسهل و الخواطر علی قلبه أقل اعتلاجا و کل ذلک عون لأبی بکر علی الإسلام و مسهل إلیه سبیله و لذلک لما قال النبیّ ص أتیت بیت المقدس سأله أبو بکر عن المسجد و مواضعه فصدقه و بان له أمره و خفت مئونته لما تقدم من معرفته بالبیت فخرج إذا إسلام أبی بکر علی قول الجاحظ من معنی المقتضب و فی ذلک رویتم

3763

عَنْهُ ص

أَنَّهُ قَالَ مَا دَعَوْتُ أَحَداً إِلَی اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ وَ کَانَ لَهُ تَرَدُّدٌ وَ نُبُوَّةٌ إِلاَّ مَا کَانَ مِنْ أَبِی بَکْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ یَتَلَعْثَمْ حَتَّی هَجَمَ بِهِ الْیَقِینُ إِلَی الْمَعْرِفَةِ وَ اَلْإِسْلاَمِ .

فأین هذا و إسلام من خلی و عقله و ألجئ إلی نظره مع صغر سنه و اعتلاج الخواطر علی قلبه و نشأته فی ضد ما دخل فیه و الغالب علی أمثاله و أقرانه حبّ اللعب و اللهو فلجأ إلی ما ظهر له من دلائل الدعوة و لم یتأخر إسلامه فیلزمه التقصیر بالمعصیة فقهر شهوته و غالب خواطره و خرج من عادته و ما کان غذی به لصحة نظره و لطافة فکره و غامض فهمه فعظم استنباطه و رجح فضله و شرف قدر إسلامه و لم یأخذ من الدنیا بنصیب و لا تنعم فیها بنعیم حدثا و لا کبیرا و حمی نفسه عن الهوی و کسر شرة حداثته بالتقوی و اشتغل بهم الدین عن نعیم الدنیا و أشغل هم الآخرة قلبه و وجه إلیه رغبته فإسلامه هو السبیل الذی لم یسلم علیه أحد غیره و ما سبیله فی ذلک إلاّ کسبیل الأنبیاء لیعلم أن منزلته من النبیّ ص کمنزلة هارون من موسی و أنّه و إن لم یکن نبیّا فقد کان فی سبیل الأنبیاء سالکا و لمنهاجهم متبعا و کانت حاله کحال إبراهیم ع فإن

ص :249

أهل العلم ذکروا أنّه لما کان صغیرا جعلته أمه فی سرب لم یطلع علیه أحد فلما نشأ و درج و عقل قال لأمه من ربی قالت أبوک قال فمن ربّ أبی فزبرته و نهرته إلی أن طلع من شق السرب فرأی کوکبا ف قٰالَ هٰذٰا رَبِّی فَلَمّٰا أَفَلَ قٰالَ لاٰ أُحِبُّ الْآفِلِینَ فَلَمّٰا رَأَی الْقَمَرَ بٰازِغاً قٰالَ هٰذٰا رَبِّی فَلَمّٰا أَفَلَ قٰالَ لَئِنْ لَمْ یَهْدِنِی رَبِّی لَأَکُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضّٰالِّینَ فَلَمّٰا رَأَی الشَّمْسَ بٰازِغَةً قٰالَ هٰذٰا رَبِّی هٰذٰا أَکْبَرُ فَلَمّٰا أَفَلَتْ قٰالَ یٰا قَوْمِ إِنِّی بَرِیءٌ مِمّٰا تُشْرِکُونَ إِنِّی وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ حَنِیفاً وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ و فی ذلک یقول اللّه جل ثناؤه وَ کَذٰلِکَ نُرِی إِبْرٰاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ (1) و علی هذا کان إسلام الصدیق الأکبر ع لسنا نقول إنّه کان مساویا له فی الفضیلة و لکن کان مقتدیا بطریقه علی ما قال اللّه تعالی إِنَّ أَوْلَی النّٰاسِ بِإِبْرٰاهِیمَ لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ وَ هٰذَا اَلنَّبِیُّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اللّٰهُ وَلِیُّ الْمُؤْمِنِینَ (2) و أمّا اعتلال الجاحظ بأن له ظهرا کأبی طالب و ردءا کبنی هاشم فإنه یوجب علیه أن تکون محنة أبی بکر و بلال و ثوابهما و فضل إسلامهما أعظم مما لرسول اللّه ص لأن أبا طالب ظهره و بنی هاشم ردؤه و حسبک جهلا من معاند لم یستطع حط قدر علی ع إلا بحطه من قدر رسول اللّه ص و لم یکن أحد أشدّ علی رسول اللّه ص من قراباته الأدنی منهم فالأدنی کأبی لهب عمه و امرأة أبی لهب و هی أم جمیل بنت حرب بن أمیّة و إحدی أولاد عبد مناف ثم ما کان من عقبة بن أبی معیط و هو ابن عمه و ما کان من النضر بن الحارث و هو من بنی عبد الدار بن قصی و هو ابن عمه أیضا و غیر هؤلاء ممن یطول تعداده و کلهم کان یطرح الأذی فی طریقه و ینقل أخباره و یرمیه بالحجارة و یرمی الکرش

ص :250

و الفرث علیه و کانوا یؤذون علیا ع کأذاه و یجتهدون فی غمه و یستهزءون به و ما کان لأبی بکر قرابة تؤذیه کقرابة علی و لما کان بین علی و بین النبیّ ص من الاتّحاد و الإلف و الاتفاق أحجم المنافقون بالمدینة عن أذی رسول اللّه ص خوفا من سیفه و لأنّه صاحب الدار و الجیش و أمره مطاع و قوله نافذ فخافوا علی دمائهم منه فاتقوه و أمسکوا عن إظهار بغضه و أظهروا بغض علی ع و شنآنه فقال رسول اللّه ص فی حقه فی

3764

الْخَبَرِ الَّذِی رُوِیَ فِی جَمِیعِ الصِّحَاحِ لاَ یُحِبُّکَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَ لاَ یُبْغِضُکَ إِلاَّ مُنَافِقٌ. و قال کثیر من أعلام الصحابة کما

3765

1- رُوِیَ فِی الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ بَیْنَ الْمُحَدِّثِینَ مَا کُنَّا نَعْرِفُ الْمُنَافِقِینَ إِلاَّ بِبُغْضِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ .

و أین کان ظهر أبی طالب عن جعفر و قد أزعجه الأذی عن وطنه حتّی هاجر إلی بلاد الحبشة و رکب البحر أ یتوهم الجاحظ أن أبا طالب نصر علیا و خذل جعفرا .

قال الجاحظ و لأبی بکر فضیلة فی إسلامه أنّه کان قبل إسلامه کثیر الصدیق عریض الجاه ذا یسار و غنی یعظم لماله و یستفاد من رأیه فخرج من عزّ الغنی و کثرة الصدیق إلی ذل الفاقة و عجز الوحدة و هذا غیر إسلام من لا حراک به و لا عزّ له تابع غیر متبوع لأن من أشدّ ما یبتلی الکریم به السب بعد التحیة و الضرب بعد الهیبة و العسر بعد الیسر ثمّ کان أبو بکر دعیة من دعاة الرسول و کان یتلوه فی جمیع أحواله فکان الخوف إلیه أشدّ و المکروه نحوه أسرع و کان ممن تحسن مطالبته و لا یستحیا من إدراک الثأر عنده لنباهته و بعد ذکره و الحدث الصغیر یزدری و یحتقر لصغر سنه و خمول ذکره (1) .

ص :251

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه أما ما ذکر من کثرة المال و الصدیق و استفاضة الذکر و بعد الصیت و کبر السن فکله علیه لا له و ذلک لأنّه قد علم أن من سیرة العرب و أخلاقها حفظ الصدیق و الوفاء بالذمام و التهیب لذی الثروة و احترام ذی السن العالیة و فی کل هذا ظهر شدید و سند و ثقة یعتمد علیها عند المحن و لذلک کان المرء منهم إذا تمکن من صدیقه أبقی علیه و استحیا منه و کان ذلک سببا لنجاته و العفو عنه علی أن علیّ بن أبی طالب ع إن لم یکن شهره سنه فقد شهره نسبه و موضعه من بنی هاشم و إن لم یستفض ذکره بلقاء الرجال و کثرة الأسفار استفاض بأبی طالب فأنتم تعلمون أنّه لیس تیم فی بعد الصیت کهاشم و لا أبو قحافة کأبی طالب و علی حسب ذلک یعلو ذکر الفتی علی ذی السن و یبعد صیت الحدث علی الشیخ و معلوم أیضا أن علیا علی أعناق المشرکین أثقل إذ کان هاشمیا و إن کان أبوه حامی رسول اللّه ص و المانع لحوزته و علی هو الذی فتح علی العرب باب الخلاف و استهان بهم بما أظهر من الإسلام و الصلاة و خالف رهطه و عشیرته و أطاع ابن عمه فیما لم یعرف من قبل و لا عهد له نظیر کما قال تعالی لِتُنْذِرَ قَوْماً مٰا أُنْذِرَ آبٰاؤُهُمْ فَهُمْ غٰافِلُونَ (1) ثم کان بعد صاحب رسول اللّه ص و مشتکی حزنه و أنیسه فی خلوته و جلیسه و ألیفه فی أیامه کلها و کل هذا یوجب التحریض علیه و معاداة العرب له ثمّ أنتم معاشر العثمانیة تثبتون لأبی بکر فضیلة بصحبة الرسول ص من مکّة إلی یثرب و دخوله معه فی الغار فقلتم مرتبة شریفة و حالة جلیلة إذ کان شریکه فی الهجرة و أنیسه فی الوحشة فأین هذه من صحبة علی ع له فی خلوته و حیث لا یجد أنیسا غیره لیله و نهاره أیّام مقامه بمکّة یعبد اللّه

ص :252

معه سرا و یتکلف له الحاجة جهرا و یخدمه کالعبد یخدم مولاه و یشفق علیه و یحوطه و کالولد یبر والده و یعطف علیه و

3766

14,1,15- لَمَّا سُئِلَتْ عَائِشَةُ مَنْ کَانَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَتْ أَمَّا مِنَ الرِّجَالِ فَعَلِیٌّ وَ أَمَّا مِنَ النِّسَاءِ فَفَاطِمَةُ

.

قال الجاحظ و کان أبو بکر من المفتونین المعذبین بمکّة قبل الهجرة فضربه نوفل بن خویلد المعروف بابن العدویة مرتین حتّی أدماه و شده مع طلحة بن عبید اللّه فی قرن و جعلهما فی الهاجرة عمیر بن عثمان بن مرة بن کعب بن سعد بن تیم بن مرة و لذلک کانا یدعیان القرینین و لو لم یکن له غیر ذلک لکان لحاقه عسیرا و بلوغ منزلته شدیدا و لو کان یوما واحدا لکان عظیما و علیّ بن أبی طالب رافه وادع لیس بمطلوب و لا طالب و لیس أنّه لم یکن فی طبعه الشهامة و النجدة و فی غریزته البسالة فی الشجاعة لکنه لم یکن قد تمت أداته و لا استکملت آلته و رجال الطلب و أصحاب الثأر یغمصون ذا الحداثة و یزدرون بذی الصبا و الغرارة إلی أن یلحق بالرجال و یخرج من طبع الأطفال (1) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه أما القول فممکن و الدعوی سهلة سیما علی مثل الجاحظ فإنه لیس علی لسانه من دینه و عقله رقیب و هو من دعوی الباطل غیر بعید فمعناه نزر و قوله لغو و مطلبه سجع و کلامه لعب و لهو یقول الشیء و خلافه و یحسن القول و ضده لیس له من نفسه واعظ و لا لدعواه حدّ قائم و إلاّ فکیف تجاسر علی القول بأن علیا حینئذ لم یکن مطلوبا و لا طالبا و قد بینا بالأخبار الصحیحة و الحدیث المرفوع المسند أنّه کان یوم أسلم بالغا کاملا منابذا بلسانه و قلبه لمشرکی قریش

ص :253

ثقیلا علی قلوبهم و هو المخصوص دون أبی بکر بالحصار فی الشعب و صاحب الخلوات برسول اللّه ص فی تلک الظلمات المتجرع لغصص المرار من أبی لهب و أبی جهل و غیرهما و المصطلی لکل مکروه و الشریک لنبیه فی کل أذی قد نهض بالحمل الثقیل و بان بالأمر الجلیل و من الذی کان یخرج لیلا من الشعب علی هیئة السارق و یخفی نفسه و یضائل شخصه حتّی یأتی إلی من یبعثه إلیه أبو طالب من کبراء قریش کمطعم بن عدی و غیره فیحمل لبنی هاشم علی ظهره أعدال الدقیق و القمح و هو علی أشدّ خوف من أعدائهم کأبی جهل و غیره لو ظفروا به لأراقوا دمه أ علی کان یفعل ذلک أیام الحصار فی الشعب أم أبو بکر و قد ذکر هو ع حاله یومئذ

3767

فَقَالَ فِی خُطْبَةٍ لَهُ مَشْهُورَةٍ فَتَعَاقَدُوا أَلاَّ یُعَامِلُونَا وَ لاَ یُنَاکِحُونَا وَ أَوْقَدَتِ الْحَرْبُ عَلَیْنَا نِیرَانَهَا وَ اضْطَرُّونَا إِلَی جَبَلٍ وَعِرٍ مُؤْمِنُنَا یَرْجُو الثَّوَابَ وَ کَافِرُنَا یُحَامِی عَنِ الْأَصْلِ وَ لَقَدْ کَانَتِ الْقَبَائِلُ کُلُّهَا اجْتَمَعَتْ عَلَیْهِمْ وَ قَطَعُوا عَنْهُمْ الْمَارَّةَ وَ الْمِیرَةَ فَکَانُوا یَتَوَقَّعُونَ الْمَوْتَ جُوعاً صَبَاحاً وَ مَسَاءً لاَ یَرَوْنَ وَجْهاً وَ لاَ فَرَجاً قَدْ اضْمَحَلَّ عَزْمُهُمْ وَ انْقَطَعَ رَجَاؤُهُمْ.

فمن الذی خلص إلیه مکروه تلک المحن بعد محمد ص إلا علی ع وحده و ما عسی أن یقول الواصف و المطنب فی هذه الفضیلة من تقصی معانیها و بلوغ غایة کنهها و فضیلة الصابر عندها و دامت هذه المحنة علیهم ثلاث سنین حتّی انفرجت عنهم بقصة الصحیفة و القصة مشهورة.

و کیف یستحسن الجاحظ لنفسه أن یقول فی علی ع إنّه قبل الهجرة کان وادعا رافها لم یکن مطلوبا و لا طالبا و هو صاحب الفراش الذی فدی رسول اللّه ص بنفسه و وقاه بمهجته و احتمل السیوف و رضح الحجارة دونه و هل ینتهی الواصف و إن أطنب و المادح و إن أسهب إلی الإبانة عن مقدار هذه الفضیلة و الإیضاح بمزیة هذه الخصیصة.

ص :254

فأما قوله إن أبا بکر عذب بمکّة فإنا لا نعلم أن العذاب کان واقعا إلاّ بعبد أو عسیف (1) أو لمن لا عشیرة له تمنعه فأنتم فی أبی بکر بین أمرین تارة تجعلونه دخیلا ساقطا و هجینا رذیلا مستضعفا ذلیلا و تارة تجعلونه رئیسا متبعا و کبیرا مطاعا فاعتمدوا علی أحد القولین لنکلمکم بحسب ما تختارونه لأنفسکم و لو کان الفضل فی الفتنة و العذاب لکان عمار و خباب و بلال و کل معذب بمکّة أفضل من أبی بکر لأنهم کانوا من العذاب فی أکثر ممّا کان فیه و نزل فیهم من القرآن ما لم ینزل فیه کقوله تعالی وَ الَّذِینَ هٰاجَرُوا فِی اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا (2) قالوا نزلت فی خباب و بلال و نزل فی عمار قوله إِلاّٰ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمٰانِ (3)

3768

14- وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَمُرُّ عَلَی عَمَّارٍ وَ أَبِیهِ وَ أُمِّهِ وَ هُمْ یُعَذَّبُونَ یُعَذِّبَهُمْ بَنُو مَخْزُومٍ لِأَنَّهُمْ کَانُوا حُلَفَاءَهُمْ فَیَقُولُ صَبْراً آلَ یَاسِرٍ فَإِنَّ مَوْعِدَکُمُ اَلْجَنَّةُ .

و کان بلال یقلب علی الرمضاء و هو یقول أحد أحد و ما سمعنا لأبی بکر فی شیء من ذلک ذکرا

3769

1- وَ لَقَدْ کَانَ لِعَلِیٍّ ع عِنْدَهُ یَدٌ غَرَّاءُ إِنْ صَحَّ مَا رَوَیْتُمُوهُ فِی تَعْذِیبِهِ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَوْفَلَ بْنَ خُوَیْلِدٍ وَ عُمَیْرَ بْنَ عُثْمَانَ یَوْمَ بَدْرٍ ضَرَبَ نَوْفَلاً فَقَطَعَ سَاقَهُ فَقَالَ أُذَکِّرُکَ اللَّهَ وَ الرَّحِمَ فَقَالَ قَدْ قَطَعَ اللَّهُ کُلَّ رَحِمٍ وَ صِهْرٍ إِلاَّ مَنْ کَانَ تَابِعاً لِمُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَرَبَهُ أُخْرَی فَفَاضَتْ نَفْسُهُ وَ صَمَدَ لِعُمَیْرِ بْنِ عُثْمَانَ التَّمِیمِیِّ فَوَجَدَهُ یَرُومُ الْهَرَبَ وَ قَدِ ارْتَجَّ عَلَیْهِ الْمَسْلَکُ فَضَرَبَهُ عَلَی شَرَاسِیفِ صَدْرِهِ فَصَارَ نِصْفُهُ الْأَعْلَی بَیْنَ رِجْلَیْهِ

.

و لیس أن أبا بکر لم یطلب بثأره منهما و یجتهد لکنه لم یقدر علی أن یفعل فعل علی ع فبان علی ع بفعله دونه قال الجاحظ و لأبی بکر مراتب لا یشرکه فیها علی و لا غیره و ذلک قبل الهجرة

ص :255

فقد علم الناس أن علیا ع إنّما ظهر فضله و انتشر صیته و امتحن و لقی المشاق منذ یوم بدر و أنّه إنّما قاتل فی الزمان الذی استوفی فیه أهل الإسلام و أهل الشرک و طمعوا فی أن یکون الحرب بینهم سجالا و أعلمهم اللّه تعالی أن اَلْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ و أبو بکر کان قبل الهجرة معذبا و مطرودا مشردا فی الزمان الذی لیس بالإسلام و أهله نهوض و لا حرکة و لذلک قال أبو بکر فی خلافته طوبی لمن مات فی فأفأة الإسلام یقول فی ضعفه (1) .

قال أبو جعفر رحمه اللّه لا أشک أن الباطل خان أبا عثمان و الخطأ أقعده و الخذلان أصاره إلی الحیرة فما علم و عرف حتّی قال ما قال فزعم أن علیا ع قبل الهجرة لم یمتحن و لم یکابد المشاق و أنّه إنّما قاسی مشاق التکلیف و محن الابتلاء منذ یوم بدر و نسی الحصار فی الشعب و ما منی به منه و أبو بکر وادع رافه یأکل ما یرید و یجلس مع من یحب مخلی سربه طیبة نفسه ساکنا قلبه و علی یقاسی الغمرات و یکابد الأهوال و یجوع و یظمأ و یتوقع القتل صباحا و مساء لأنّه کان هو المتوصل المحتال فی إحضار قوت زهید من شیوخ قریش و عقلائها سرا لیقیم به رمق رسول اللّه ص و بنی هاشم و هم فی الحصار و لا یأمن فی کل وقت مفاجأة أعداء رسول اللّه ص له بالقتل کأبی جهل بن هشام و عقبة بن أبی معیط و الولید بن المغیرة و عتبة بن ربیعة و غیرهم من فراعنة قریش و جبابرتها و لقد کان یجیع نفسه و یطعم رسول اللّه ص زاده و یظمئ نفسه و یسقیه ماءه و هو کان المعلل له إذا مرض و المؤنس له إذا استوحش و أبو بکر بنجوة عن ذلک لا یمسه ممّا یمسهم ألم و لم یلحقه ممّا یلحقهم مشقة و لا یعلم بشیء من أخبارهم و أحوالهم إلاّ علی سبیل الإجمال دون التفصیل ثلاث سنین محرمة معاملتهم و مناکحتهم و مجالستهم محبوسین محصورین ممنوعین من الخروج

ص :256

و التصرف فی أنفسهم فکیف أهمل الجاحظ هذه الفضیلة و نسی هذه الخصیصة و لا نظیر لها و لکن لا یبالی الجاحظ بعد أن یسوغ له لفظه و تنسق له خطابته ما ضیع من المعنی و رجع علیه من الخطأ.

فأما قوله و اعلموا أن اَلْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ ففیه إشارة إلی معنی غامض قصده الجاحظ یعنی أن لا فضیلة لعلی ع فی الجهاد لأن الرسول کان أعلمه أنّه منصور و أن العاقبة له و هذا من دسائس الجاحظ و همزاته و لمزاته و لیس بحق ما قاله لأن رسول اللّه ص أعلم أصحابه جملة أن العاقبة لهم و لم یعلم واحدا منهم بعینه أنّه لا یقتل لا علیا و لا غیره و إن صح أنّه کان أعلمه أنّه لا یقتل فلم یعلمه أنّه لا یقطع عضو من أعضائه و لم یعلمه أنّه لا یمسه ألم جراح فی جسده و لم یعلمه أنّه لا یناله الضرب الشدید.

و علی أن رسول اللّه ص قد أعلم أصحابه قبل یوم بدر و هو یومئذ بمکّة أن العاقبة لهم کما أعلم أصحابه بعد الهجرة ذلک فإن لم یکن لعلی و المجاهدین فضیلة فی الجهاد بعد الهجرة لإعلامه إیاهم ذلک فلا فضیلة لأبی بکر و غیره فی احتمال المشاق قبل الهجرة لإعلامه إیاهم بذلک-

3770

14- فَقَدْ جَاءَ فِی الْخَبَرِ أَنَّهُ وَعَدَ أَبَا بَکْرٍ قَبْلَ اَلْهِجْرَةِ بِالنَّصْرِ وَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أُرْسِلْتُ إِلَی هَؤُلاَءِ بِالذَّبْحِ وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی سَیُغْنِمُنَا أَمْوَالَهُمْ وَ یُمْلِکُنَا دِیَارَهُمْ .

فالقول فی الموضعین متساو و متفق.

قال الجاحظ و إن بین المحنة فی الدهر الذی صار فیه أصحاب النبیّ ص مقرنین لأهل مکّة و مشرکی قریش و معهم أهل یثرب أصحاب النخیل و الآطام و الشجاعة و الصبر و المواساة و الإیثار و المحاماة و العدد الدثر و الفعل الجزل و بین الدهر الذی کانوا فیه بمکّة یفتنون و یشتمون و یضربون و یشردون و یجوعون و یعطشون

ص :257

مقهورین لا حراک بهم و أذلاء لا عزّ لهم و فقراء لا مال عندهم و مستخفین لا یمکنهم إظهار دعوتهم لفرقا واضحا و لقد کانوا فی حال أحوجت لوطا و هو نبی إلی أن قال لَوْ أَنَّ لِی بِکُمْ قُوَّةً أَوْ آوِی إِلیٰ رُکْنٍ شَدِیدٍ (1) و

3771

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص عَجِبْتُ مِنْ أَخِی لُوطٍ کَیْفَ قَالَ أَوْ آوِی إِلیٰ رُکْنٍ شَدِیدٍ وَ هُوَ یَأْوِی إِلَی اللَّهِ تَعَالَی.

ثمّ لم یکن ذلک یوما و لا یومین و لا شهرا و لا شهرین و لا عاما و لا عامین و لکن السنین بعد السنین و کان أغلظ القوم و أشدهم محنة بعد رسول اللّه ص أبو بکر لأنّه أقام بمکّة ما أقام رسول اللّه ص ثلاث عشرة سنة و هو أوسط ما قالوا فی مقام النبیّ ص (2) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه ما نری الجاحظ احتج لکون أبی بکر أغلظهم و أشدهم محنة إلاّ بقوله لأنّه أقام بمکّة مدة مقام الرسول ص بها و هذه الحجة لا تخص أبا بکر وحده لأن علیا ع أقام معه هذه المدة و کذلک طلحة و زید و عبد الرحمن و بلال و خباب و غیرهم و قد کان الواجب علیه أن یخص أبا بکر وحده بحجة تدلّ علی أنّه کان أغلظ الجماعة و أشدهم محنة بعد رسول اللّه ص فالاحتجاج فی نفسه فاسد.

ثمّ یقال له ما بالک أهملت أمر مبیت علی ع علی الفراش بمکّة لیلة الهجرة هل نسیته أم تناسیته فإنها المحنة العظیمة و الفضیلة الشریفة التی متی امتحنها الناظر و أجال فکره فیها رأی تحتها فضائل متفرقة و مناقب متغایرة و ذلک

3772

14,1- أَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ الْخَبَرُ عِنْدَ اَلْمُشْرِکِینَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص مُجْمِعٌ عَلَی الْخُرُوجِ مِنْ بَیْنِهِمْ لِلْهِجْرَةِ

ص :258

إِلَی غَیْرِهِمْ قَصَدُوا إِلَی مُعَاجَلَتِهِ وَ تَعَاقَدُوا عَلَی أَنْ یُبَیِّتُوهُ فِی فِرَاشِهِ وَ أَنْ یَضْرِبُوهُ بِأَسْیَافٍ کَثِیرَةٍ بِیَدِ کُلِّ صَاحِبِ قَبِیلَةٍ مِنْ قُرَیْشٍ سَیْفٌ مِنْهَا لِیَضِیعَ دَمُهُ بَیْنَ الشُّعُوبِ وَ یَتَفَرَّقَ بَیْنَ القَبَائِلِ وَ لاَ یَطْلُبَ بَنُو هَاشِمٍ بِدَمِهِ قَبِیلَةً وَاحِدَةً بِعَیْنِهَا مِنْ بُطُونِ قُرَیْشٍ وَ تَحَالَفُوا عَلَی تِلْکَ اللَّیْلَةِ وَ اجْتَمَعُوا عَلَیْهَا فَلَمَّا عَلِمَ رَسُولٌ ص ذَلِکَ مِنْ أَمْرِهِمْ دَعَا أَوْثَقَ النَّاسِ عِنْدَهُ وَ أَمْثَلَهُمْ فِی نَفْسِهِ وَ أَبْذَلَهُمْ فِی ذَاتِ الْإِلَهِ لِمُهْجَتِهِ وَ أَسْرَعَهُمْ إِجَابَةً إِلَی طَاعَتِهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ قُرَیْشاً قَدْ تَحَالَفَتْ عَلَی أَنْ تُبَیِّتَنِی هَذِهِ اللَّیْلَةَ فَامْضِ إِلَی فِرَاشِی وَ نَمْ فِی مَضْجَعِی وَ الْتَفَّ فِی بُرْدِیَ الْحَضْرَمِیِّ لِیَرَوْا أَنِّی لَمْ أَخْرُجْ وَ إِنِّی خَارِجٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

.

فمنعه أولا من التحرز و إعمال الحیلة و صده عن الاستظهار لنفسه بنوع من أنواع المکاید و الجهات التی یحتاط بها الناس لنفوسهم و ألجأه إلی أن یعرض نفسه لظبات السیوف الشحیذة من أیدی أرباب الحنق و الغیظة فأجاب إلی ذلک سامعا مطیعا طیبة بها نفسه و نام علی فراشه صابرا محتسبا واقیا له بمهجته ینتظر القتل و لا نعلم فوق بذل النفس درجة یلتمسها صابر و لا یبلغها طالب و الجود بالنفس أقصی غایة الجود و لو لا أن رسول اللّه ص علم أنّه أهل لذلک لما أهله و لو کان عنده نقص فی صبره أو فی شجاعته أو فی مناصحته لابن عمه و اختیر لذلک لکان من اختاره ص منقوضا فی رأیه مضرا فی اختیاره و لا یجوز أن یقول هذا أحد من أهل الإسلام و کلهم مجمعون علی أن الرسول ص عمل الصواب و أحسن فی الاختیار.

ثمّ فی ذلک إذا تأمله المتأمل وجوه من الفضل منها أنّه و إن کان عنده فی موضع الثقة فإنّه غیر مأمون علیه ألا یضبط السر فیفسد التدبیر بإفشائه تلک اللیلة إلی من یلقیه إلی الأعداء.

و منها أنّه و إن کان ضابطا للسر و ثقة عند من اختاره فغیر مأمون علیه الجبن عند

ص :259

مفاجأة المکروه و مباشرة الأهوال فیفر من الفراش فیفطن لموضع الحیلة و یطلب رسول اللّه ص فیظفر به.

و منها أنّه و إن کان ضابطا للسر شجاعا نجدا فلعله غیر محتمل للمبیت علی الفراش لأن هذا أمر خارج عن الشجاعة إن کان قد قامه مقام المکتوف الممنوع بل هو أشدّ مشقة من المکتوف الممنوع لأن المکتوف الممنوع یعلم من نفسه أنّه لا سبیل له إلی الهرب و هذا یجد السبیل إلی الهرب و إلی الدفع عن نفسه و لا یهرب و لا یدافع.

و منها أنّه و إن کان ثقة عنده ضابطا للسر شجاعا محتملا للمبیت علی الفراش فإنّه غیر مأمون أن یذهب صبره عند العقوبة الواقعة و العذاب النازل بساحته حتّی یبوح بما عنده و یصیر إلی الإقرار بما یعلمه و هو أنّه أخذ طریق کذا فیطلب فیؤخذ فلهذا قال علماء المسلمین إن فضیلة علی ع تلک اللیلة لا نعلم أحدا من البشر نال مثلها إلاّ ما کان من إسحاق و إبراهیم عند استسلامه للذبح و لو لا أن الأنبیاء لا یفضلهم غیرهم لقلنا إن محنة علی أعظم لأنّه قد روی أن إسحاق تلکأ لما أمره أن یضطجع و بکی علی نفسه و قد کان أبوه یعلم أن عنده فی ذلک وقفة و لذلک قال له فَانْظُرْ مٰا ذٰا تَریٰ (1) و حال علی ع بخلاف ذلک لأنّه ما تلکأ و لا تتعتع و لا تغیر لونه و لا اضطربت أعضاؤه و لقد کان أصحاب النبیّ ص یشیرون علیه بالرأی المخالف لما کان أمر به و تقدم فیه فیترکه و یعمل بما أشاروا به کما جری یوم الخندق فی مصانعة الأحزاب بثلث تمر المدینة فإنهم أشاروا علیه بترک ذلک فترکه و هذه کانت قاعدته معهم و عادته بینهم و قد کان لعلی ع أن یعتل بعلة و أن یقف و یقول یا رسول اللّه أکون معک أحمیک من العدو و أذب بسیفی عنک فلست

ص :260

مستغنیا فی خروجک عن مثلی و نجعل عبدا من عبیدنا فی فراشک قائما مقامک یتوهم القوم برؤیته نائما فی بردک أنک لم تخرج و لم تفارق مرکزک فلم یقل ذلک و لا تحبس و لا توقف و لا تلعثم و ذلک لعلم کل واحد منهما ص أن أحدا لا یصبر علی ثقل هذه المحنة و لا یتورط هذه الهلکة إلاّ من خصه اللّه تعالی بالصبر علی مشقتها و الفوز بفضیلتها و له من جنس ذلک أفعال کثیرة

3773

1,14- کَیَوْمَ دَعَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ اَلْمُسْلِمِینَ إِلَی الْمُبَارَزَةِ فَأَحْجَمَ النَّاسُ کُلُّهُمْ عَنْهُ لِمَا عَلِمُوا مِنْ بَأْسِهِ وَ شِدَّتِهِ ثُمَّ کَرَّرَ النِّدَاءَ فَقَامَ عَلِیٌّ ع فَقَالَ أَنَا أَبْرُزُ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّهُ عَمْرٌو قَالَ نَعَمْ وَ أَنَا عَلِیُّ فَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ إِلَیْهِ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ ص بَرَزَ الْإِیمَانُ کُلُّهُ إِلَی الشِّرْکِ کُلِّهِ

.

3774

1,14- وَ کَیَوْمِ أُحُدٍ حَیْثُ حَمَی رَسُولَ اللَّهِ ص مِنْ أَبْطَالِ قُرَیْشٍ وَ هُمْ یَقْصِدُونَ قَتْلَهُ فَقَتَلَهُمْ دُونَهُ حَتَّی قَالَ جَبْرَئِیلُ ع یَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ هِیَ الْمُوَاسَاةُ فَقَالَ إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جِبْرِیلُ وَ أَنَا مِنْکُمَا .

و لو عددنا أیامه و مقاماته التی شری فیها نفسه لله تعالی لأطلنا و أسهبنا قال الجاحظ فإن احتج محتج لعلی ع بالمَبِیتِ علی الفراش فبین الغار و الفراش فرق واضح لأن الغار و صحبة أبی بکر للنبی ص قد نطق به القرآن فصار کالصلاة و الزکاة و غیرهما ممّا نطق به الکتاب و أمر علی ع و نومه علی الفراش و إن کان ثابتا صحیحا إلاّ أنّه لم یذکر فی القرآن و إنّما جاء مجیء الروایات و السیر و هذا لا یوازن هذا و لا یکایله (1) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه هذا فرق غیر مؤثر لأنّه قد ثبت بالتواتر حدیث

ص :261

الفراش فلا فرق بینه و بین ما ذکر فی نص الکتاب و لا یجحده إلاّ مجنون أو غیر مخالط لأهل الملّة أ رأیت کون الصلوات خمسا و کون زکاة الذهب ربع العشر و کون خروج الریح ناقضا للطهارة و أمثال ذلک ممّا هو معلوم بالتواتر حکمه هل هو مخالف لما نص فی الکتاب علیه من الأحکام هذا ممّا لا یقوله رشید و لا عاقل علی أن اللّه تعالی لم یذکر اسم أبی بکر فی الکتاب و إنّما قال إِذْ یَقُولُ لِصٰاحِبِهِ (1) و إنّما علمنا أنه أبو بکر بالخبر و ما ورد فی السیرة و قد قال أهل التفسیر إن قوله تعالی وَ یَمْکُرُ اللّٰهُ وَ اللّٰهُ خَیْرُ الْمٰاکِرِینَ (2) کنایة عن علی ع لأنّه مکر بهم و أول الآیة وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِیُثْبِتُوکَ أَوْ یَقْتُلُوکَ أَوْ یُخْرِجُوکَ وَ یَمْکُرُونَ وَ یَمْکُرُ اللّٰهُ وَ اللّٰهُ خَیْرُ الْمٰاکِرِینَ (3) أنزلت فی لیلة الهجرة و مکرهم کان توزیع السیوف علی بطون قریش و مکر اللّه تعالی هو منام علی ع علی الفراش فلا فرق بین الموضعین فی أنهما مذکوران کنایة لا تصریحا و قد روی المفسرون کلهم أن قول اللّه تعالی وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ (4) أنزلت فی علی ع لیلة المبیت علی الفراش فهذه مثل قوله تعالی إِذْ یَقُولُ لِصٰاحِبِهِ لا فرق بینهما.

قال الجاحظ و فرق آخر و هو أنّه لو کان مبیت علی ع علی الفراش جاء مجیء کون أبی بکر فی الغار لم یکن له فی ذلک کبیر طاعة لأن الناقلین

3775

نَقَلُوا أَنَّهُ ص قَالَ لَهُ نَمْ فَلَنْ یَخْلُصَ إِلَیْکَ شَیْءٌ تَکْرَهُهُ.

و لم ینقل ناقل أنه

ص :262

قال لأبی بکر فی صحبته إیاه و کونه معه فی الغار مثل ذلک و لا قال له أنفق و أعتق فإنک لن تفتقر و لن یصل إلیک مکروه (1) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه هذا هو الکذب الصراح و التحریف و الإدخال فی الروایة ما لیس منها و المعروف المنقول

3776

أَنَّهُ ص قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَاضْطَجِعْ فِی مَضْجَعِی وَ تَغَشَّ بِبُرْدِیَ الْحَضْرَمِیِّ فَإِنَّ الْقَوْمَ سَیَفْقِدُونَنِی وَ لاَ یَشْهَدُونَ مَضْجَعِی فَلَعَلَّهُمْ إِذَا رَأَوْکَ یُسْکِنُهُمُ ذَلِکَ حَتَّی یُصْبِحُوا فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاغْدُ فِی أَدَاءِ أَمَانَتِی.

و لم ینقل ما ذکره الجاحظ و إنّما ولده أبو بکر الأصمّ و أخذه الجاحظ و لا أصل له و لو کان هذا صحیحا لم یصل إلیه منهم مکروه (2)

3777

1,14- وَ قَدْ وَقَعَ الاِتِّفَاقُ عَلَی أَنَّهُ ضُرِبَ وَ رُمِیَ بِالْحِجَارَةِ قَبْلَ أَنْ یَعْلَمُوا مَنْ هُوَ حَتَّی تَضَوَّرَ وَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ رَأَیْنَا تَضَوُّرَکَ فَإِنَّا کُنَّا نَرْمِی مُحَمَّداً وَ لاَ یَتَضَوَّرُ

.

و لأن لفظة المکروه إن کان قالها إنّما یراد بها القتل فهب أنّه أمن القتل کیف یأمن من الضرب و الهوان و من أن ینقطع بعض أعضائه و بأن سلمت نفسه أ لیس اللّه تعالی قال لنبیه بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اللّٰهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّٰاسِ (3) و مع ذلک فقد کسرت رباعیته و شج وجهه و أدمیت ساقه و ذلک لأنّها عصمة من القتل خاصّة و کذلک المکروه الذی أومن علی ع منه و إن کان صح ذلک فی الحدیث إنّما هو مکروه القتل.

ثمّ یقال له و أبو بکر لا فضیلة له أیضا فی کونه فی الغار لأن النبیّ ص قال له لاٰ تَحْزَنْ إِنَّ اللّٰهَ مَعَنٰا و من یکن اللّه معه فهو آمن لا محالة من کل سوء فکیف قلت و لم ینقل ناقل أنّه قال لأبی بکر فی الغار مثل ذلک فکل ما یجیب به عن هذا فهو جوابنا عما أورده فنقول له هذا ینقلب علیک فی النبیّ ص

ص :263

لأن اللّه تعالی وعده بظهور دینه و عاقبة أمره فیجب علی قولک ألا یکون مثابا عند اللّه تعالی علی ما یحتمله من المکروه و لا ما یصیبه من الأذی إذ کان قد أیقن بالسلامة و الفتح فی عدته.

قال الجاحظ و من جحد کون أبی بکر صاحب رسول اللّه ص فقد کفر لأنّه جحد نص الکتاب ثم انظر إلی قوله تعالی إِنَّ اللّٰهَ مَعَنٰا (1) من الفضیلة لأبی بکر لأنّه شریک رسول اللّه ص فی کون اللّه تعالی معه و إنزال السکینة قال کثیر من الناس إنّه فی الآیة مخصوص بأبی بکر لأنّه کان محتاجا إلی السکینة لما تداخله من رقة الطبع البشری و النبیّ ص کان غیر محتاج إلیها لأنّه یعلم أنّه محروس من اللّه تعالی فلا معنی لنزول السکینة علیه و هذه فضیلة ثالثة لأبی بکر .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه إن أبا عثمان یجر علی نفسه ما لا طاقة له به من مطاعن الشیعة و لقد کان فی غنیة عن التعلق بما تعلق به لأن الشیعة تزعم أن هذه الآیة بأن تکون طعنا و عیبا علی أبی بکر أولی من أن تکون فضیلة و منقبة له لأنّه لما قال له لاٰ تَحْزَنْ دل علی أنّه قد کان حزن و قنط و أشفق علی نفسه و لیس هذا من صفات المؤمنین الصابرین و لا یجوز أن یکون حزنه طاعة لأن اللّه تعالی لا ینهی عن الطاعة فلو لم یکن ذنبا لم ینه عنه و قوله إِنَّ اللّٰهَ مَعَنٰا أی إن اللّه عالم بحالنا و ما نضمره من الیقین أو الشک کما یقول الرجل لصاحبه لا تضمرن سوءا و لا تنوین قبیحا فإن اللّه تعالی یعلم ما نسره و ما نعلنه و هذا مثل قوله تعالی وَ لاٰ أَدْنیٰ مِنْ ذٰلِکَ وَ لاٰ أَکْثَرَ إِلاّٰ هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ مٰا کٰانُوا (2) أی هو عالم بهم و أمّا السکینة

ص :264

فکیف یقول إنها لیست راجعة إلی النبیّ ص و بعدها قوله وَ أَیَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهٰا أ تری المؤید بالجنود کان أبا بکر أم رسول اللّه ص .

و قوله إنّه مستغن عنها لیس بصحیح و لا یستغنی أحد عن ألطاف اللّه و توفیقه و تأییده و تثبیت قلبه و قد قال اللّه تعالی فی قصة حنین وَ ضٰاقَتْ عَلَیْکُمُ الْأَرْضُ بِمٰا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللّٰهُ سَکِینَتَهُ عَلیٰ رَسُولِهِ (1) ص.

و أمّا الصحبة فلا تدلّ إلاّ علی المرافقة و الاصطحاب لا غیر و قد یکون حیث لا إیمان کما قال تعالی قٰالَ لَهُ صٰاحِبُهُ وَ هُوَ یُحٰاوِرُهُ أَ کَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَکَ (2) و نحن و إن کنا نعتقد إخلاص أبی بکر و إیمانه الصحیح السلیم و فضیلته التامة إلاّ أنا لا نحتج له بمثل ما احتج به الجاحظ من الحجج الواهیة و لا نتعلق بما یجر علینا دواهی الشیعة و مطاعنها.

قال الجاحظ و إن کان المبیت علی الفراش فضیلة فأین هی من فضائل أبی بکر أیام مکّة من عتق المعذبین و إنفاق المال و کثرة المستجیبین مع فرق ما بین الطاعتین لأن طاعة الشاب الغریر و الحدث الصغیر الذی فی عزّ صاحبه عزه لیست کطاعة الحلیم الکبیر الذی لا یرجع تسوید صاحبه إلی رهطه و عشیرته.

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه أما کثرة المستجیبین فالفضل فیها راجع إلی المجیب

ص :265

لا إلی المجاب علی أنا قد علمنا أن من استجاب لموسی ع أکثر ممن استجاب لنوح ع و ثواب نوح أکثر لصبره علی الأعداء و مقاساة خلافهم و عنتهم و أمّا إنفاق المال فأین محنة الغنی من محنة الفقیر و أین یعتدل إسلام من أسلم و هو غنی إن جاع أکل و إن أعیا رکب و إن عری لبس قد وثق بیساره و استغنی بماله و استعان علی نوائب الدنیا بثروته ممن لا یجد قوت یومه و إن وجد لم یستأثر به فکان الفقر شعاره و فی ذلک قیل الفقر شعار المؤمن و

3778

قَالَ اَللَّهُ تَعَالَی لِمُوسَی یَا مُوسَی إِذَا رَأَیْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلاً فَقُلْ مَرْحَباً بِشِعَارِ الصَّالِحِینَ.

و

3779

فِی الْحَدِیثِ أَنَّ الْفُقَرَاءِ یَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِیَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ.

و

3780

کَانَ اَلنَّبِیُّ ص یَقُولُ

اللَّهُمَّ احْشُرْنِی فِی زُمْرَةِ الْفُقَرَاءِ .

و لذلک أرسل اللّه محمّدا ص فقیرا و کان بالفقر سعیدا فقاسی محنة الفقر و مکابدة الجوع حتّی شد الحجر علی بطنه و حسبک بالفقر فضیلة فی دین اللّه لمن صبر علیه فإنک لا تجد صاحب الدنیا یتمناه لأنّه مناف لحال الدنیا و أهلها و إنّما هو شعار أهل الآخرة.

و أمّا طاعة علی ع و کون الجاحظ زعم أنّها کانت لأن فی عز محمد عزه و عزّ رهطه بخلاف طاعة أبی بکر فهذا یفتح علیه أن یکون جهاد حمزة کذلک و جهاد عبیدة بن الحارث و هجرة جعفر إلی الحبشة بل لعلّ محاماة المهاجرین من قریش علی رسول اللّه ص کانت لأن فی دولته دولتهم و فی نصرته استجداد ملک لهم و هذا یجر إلی الإلحاد و یفتح باب الزندقة و یفضی إلی الطعن فی الإسلام و النبوّة.

قال الجاحظ و علی أنا لو نزلنا إلی ما یریدونه جعلنا الفراش کالغار و خلصت فضائل أبی بکر فی غیر ذلک عن معارض.

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه قد بینا فضیلة المبیت علی الفراش علی فضیلة الصحبة

ص :266

فی الغار بما هو واضح لمن أنصف و نزید هاهنا تأکیدا بما لم نذکره فیما تقدم فنقول إن فضیلة المبیت علی الفراش علی الصحبة فی الغار لوجهین أحدهما أن علیا ع قد کان أنس بالنبی ص و حصل له بمصاحبته قدیما أنس عظیم و إلف شدید فلما فارقه عدم ذلک الأنس و حصل به أبو بکر فکان ما یجده علی ع من الوحشة و ألم الفرقة موجبا زیادة ثوابه لأن الثواب علی قدر المشقة.

و ثانیهما أن أبا بکر کان یؤثر الخروج من مکّة و قد کان خرج من قبل فردا فازداد کراهیة للمقام فلما خرج مع رسول اللّه ص وافق ذلک هوی قلبه و محبوب نفسه فلم یکن له من الفضیلة ما یوازی فضیلة من احتمل المشقة العظیمة و عرض نفسه لوقع السیوف و رأسه لرضخ الحجارة لأنّه علی قدر سهولة العبادة یکون نقصان الثواب

3781

14- قَالَ اَلْجَاحِظُ ثُمَّ الَّذِی لَقِیَ أَبُو بَکْرٍ فِی مَسْجِدِهِ الَّذِی بَنَاهُ عَلَی بَابِهِ فِی بَنِی جُمَحٍ فَقَدْ کَانَ بَنَی مَسْجِداً یُصَلِّی فِیهِ وَ یَدْعُو النَّاسَ إِلَی اَلْإِسْلاَمِ وَ کَانَ لَهُ صَوْتٌ رَقِیقٌ وَ وَجْهٌ عَتِیقٌ وَ کَانَ إِذَا قَرَأَ بَکَی فَیَقِفُ عَلَیْهِ الْمَارَّةُ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ وَ الصِّبْیَانِ وَ الْعَبِیدِ فَلَمَّا أُوذِیَ فِی اللَّهِ وَ مُنِعَ مِنْ ذَلِکَ الْمَسْجِدِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ ص فِی الْهِجْرَةِ فَأَذِنَ لَهُ فَأَقْبَلَ یُرِیدُ اَلْمَدِینَةَ فَتَلَقَّاهُ اَلْکِنَانِیُّ (1) فَعَقَدَ لَهُ جِوَاراً وَ قَالَ وَ اللَّهِ لاَ أَدَعُ مِثْلَکَ یَخْرُجُ مِنْ مَکَّةَ فَرَجَعَ إِلَیْهَا وَ عَادَ لِصَنِیعِهِ فِی الْمَسْجِدِ فَمَشَتْ قُرَیْشٌ إِلَی جَارِهِ اَلْکِنَانِیِّ وَ أَجْلَبُوا عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُ دَعِ الْمَسْجِدَ وَ ادْخُلْ بَیْتَکَ وَ اصْنَعْ فِیهِ مَا بَدَا لَکَ (2)

.

ص :267

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه کیف کانت بنو جمح تؤذی عثمان بن مظعون و تضربه و هو فیهم ذو سطوة و قدر و تترک أبا بکر یبنی مسجدا یفعل فیه ما ذکرتم و أنتم الذین رویتم عن ابن مسعود أنه قال ما صلینا ظاهرین حتّی أسلم عمر بن الخطّاب و الذی تذکرونه من بناء المسجد کان قبل إسلام عمر فکیف هذا.

و أمّا ما ذکرتم من رقة صوته و عتاق وجهه فکیف یکون ذلک

3782

وَ قَدْ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ وَ غَیْرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ رَجُلاً مِنَ اَلْعَرَبِ خَفِیفَ الْعَارِضَیْنِ مَعْرُوقَ الْخَدَّیْنِ غَائِرَ الْعَیْنَیْنِ أَجْنَأَ (1) لاَ یُمْسِکُ إِزَارَهُ فَقَالَتْ مَا رَأَیْتُ أَشْبَهَ بِأَبِی بَکْرٍ مِنْ هَذَا. فلا نراها دلت علی شیء من الجمال فی صفته.

قال الجاحظ و حیث رد أبو بکر جوار الکنانیّ و قال لا أرید جارا سوی اللّه لقی من الأذی و الذل و الاستخفاف و الضرب ما بلغکم و هذا موجود فی جمیع السیر و کان آخر ما لقی هو و أهله فی أمر الغار و قد طلبته قریش و جعلت فیه مائة بعیر کما جعلت فی النبیّ ص فلقی أبو جهل أسماء بنت بکر [أبی بکر]

فسألها فکتمته فلطمها حتّی رمت قرطا کان فی أذنها (2) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه هذا الکلام و هجر السکران سواء فی تقارب المخرج و اضطراب المعنی و ذلک أن قریشا لم تقدر علی أذی النبیّ ص و أبو طالب حی یمنعه فلما مات طلبته لتقتله فخرج تارة إلی بنی عامر و تارة إلی ثقیف و تارة إلی بنی شیبان و لم یکن یتجاسر علی المقام بمکّة إلا مستترا حتّی أجاره مطعم بن عدی ثم خرج إلی المدینة فبذلت فیه مائة بعیر لشدة حنقها علیه حین فاتها فلم تقدر علیه فما بالها بذلت فی أبی بکر مائة بعیر أخری و قد کان ردّ الجوار و بقی بینهم فردا لا ناصر له

ص :268

و لا دافع عنده یصنعون به ما یریدون إمّا أن یکونوا أجهل البریة کلها أو یکون العثمانیة أکذب جیل فی الأرض و أوقحه وجها فهذا ممّا لم یذکر فی سیرة و لا روی فی أثر و لا سمع به بشر و لا سبق الجاحظ به أحد.

قال الجاحظ ثم الذی کان من دعائه إلی الإسلام و حسن احتجاجه حتّی أسلم علی یدیه طلحة و الزبیر و سعد و عثمان و عبد الرحمن لأنّه ساعة أسلم دعا إلی اللّه و إلی رسوله (1) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه ما أعجب هذا القول إذ تدعی العثمانیة لأبی بکر الرفق فی الدعاء و حسن الاحتجاج و قد أسلم و معه فی منزله ابنه عبد الرحمن فما قدر أن یدخله فی الإسلام طوعا برفقه و لطف احتجاجه و لا کرها بقطع النفقة عنه و إدخال المکروه علیه و لا کان لأبی بکر عند ابنه عبد الرحمن من القدر ما یطیعه فیما یأمره به و یدعوه إلیه

3783

14,1- کَمَا رُوِیَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ فَقَدْ اَلنَّبِیُّ ص یَوْماً وَ کَانَ یَخَافُ عَلَیْهِ مِنْ قُرَیْشٍ أَنْ یَغْتَالُوهُ فَخَرَجَ وَ مَعَهُ ابْنُهُ جَعْفَرٌ یَطْلُبَانِ اَلنَّبِیَّ ص فَوَجَدَهُ قَائِماً فِی بَعْضِ شِعَابِ مَکَّةَ یُصَلِّی وَ عَلِیٌّ ع مَعَهُ عَنْ یَمِینِهِ فَلَمَّا رَآهُمَا أَبُو طَالِبٍ قَالَ لِجَعْفَرٍ تَقَدَّمْ وَ صَلِّ جَنَاحَ اِبْنِ عَمِّکَ فَقَامَ جَعْفَرٌ عَنْ یَسَارٍ مُحَمَّدٍ ص فَلَمَّا صَارُوا ثَلاَثَةَ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ تَأَخَّرَ الْأَخَوَانِ فَبَکَی أَبُو طَالِبٍ وَ قَالَ إِنَّ عَلِیّاً وَ جَعْفَراً ثِقَتِی

.

ص :269

فتذکر الرواة أن جعفرا أسلم منذ ذلک الیوم لأن أباه أمره بذلک و أطاع أمره و أبو بکر لم یقدر علی إدخال ابنه عبد الرحمن فی الإسلام حتی أقام بمکّة علی کفره ثلاث عشرة سنة و خرج یوم أحد فی عسکر المشرکین ینادی أنا عبد الرحمن بن عتیق هل من مبارز ثمّ مکث بعد ذلک علی کفره حتّی أسلم عام الفتح و هو الیوم الذی دخلت فیه قریش فی الإسلام طوعا و کرها و لم یجد أحد منها إلی ترک ذلک سبیلا و أین کان رفق أبی بکر و حسن احتجاجه عند أبیه أبی قحافة و هما فی دار واحدة هلا رفق به و دعاه إلی الإسلام فأسلم

3784

14- وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ بَقِیَ عَلَی الْکُفْرِ إِلَی یَوْمِ الْفَتْحِ فَأَحْضَرَهُ ابْنُهُ عِنْدَ اَلنَّبِیِّ ص وَ هُوَ شَیْخٌ کَبِیرٌ رَأْسُهُ کَالثَّغَامَةِ (1) فَنَفَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْهُ وَ قَالَ غَیِّرُوا هَذَا فَخَضِّبُوهُ ثُمَّ جَاءُوا بِهِ مَرَّةً أُخْرَی فَأَسْلَمَ

.

و کان أبو قحافة فقیرا مدقعا سیئ الحال و أبو بکر عندهم کان مثریا فائض المال فلم یمکنه استمالته إلی الإسلام بالنفقة و الإحسان و قد کانت امرأة أبی بکر أم عبد اللّه ابنه و اسمها نملة بنت عبد العزی بن أسعد بن عبد بن ود العامریة لم تسلم و أقامت علی شرکها بمکّة و هاجر أبو بکر و هی کافرة فلما نزل قوله تعالی وَ لاٰ تُمْسِکُوا بِعِصَمِ الْکَوٰافِرِ (2) فطلقها أبو بکر فمن عجز عن ابنه و أبیه و امرأته فهو عن غیرهم من الغرماء أعجز و من لم یقبل منه أبوه و ابنه و امرأته لا برفق و احتجاج و لا خوفا من قطع النفقة عنهم و إدخال المکروه علیهم فغیرهم أقل قبولا منه و أکثر خلافا علیه.

قال الجاحظ و قالت أسماء بنت أبی بکر ما عرفت أبی إلاّ و هو یدین بالدین و لقد رجع إلینا یوم أسلم فدعانا إلی الإسلام فما رمنا حتّی أسلمنا و أسلم أکثر جلسائه و لذلک قالوا من أسلم بدعاء أبی بکر أکثر ممن أسلم بالسیف و لم یذهبوا فی ذلک إلی العدد بل عنوا الکثرة فی القدر لأنّه أسلم علی یدیه خمسة من أهل الشوری

ص :270

کلهم یصلح للخلافة و هم أکفاء علی ع و منازعوه الرئاسة و الإمامة فهؤلاء أکثر من جمیع الناس (1) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه أخبرونا من هذا الذی أسلم ذلک الیوم من أهل بیت أبی بکر إذا کانت امرأته لم تسلم و ابنه عبد الرحمن لم یسلم و أبو قحافة لم یسلم و أخته أم فروة لم تسلم و عائشة لم تکن قد ولدت فی ذلک الوقت لأنّها ولدت بعد مبعث النبیّ ص بخمس سنین و محمّد بن أبی بکر ولد بعد مبعث رسول اللّه ص بثلاث و عشرین سنة لأنّه ولد فی حجة الوداع و أسماء بنت أبی بکر التی قد روی الجاحظ هذا الخبر عنها کانت یوم بعث رسول اللّه ص بنت أربع سنین و فی روایة من یقول بنت سنتین فمن الذی أسلم من أهل بیته یوم أسلم نعوذ بالله من الجهل و الکذب و المکابرة و کیف أسلم سعد و الزبیر و عبد الرحمن بدعاء أبی بکر و لیسوا من رهطه و لا من أترابه و لا من جلسائه و لا کانت بینهم قبل ذلک صداقة متقدمة و لا أنس وکید و کیف ترک أبو بکر عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة لم یدخلهما فی الإسلام برفقه و حسن دعائه و قد زعمتم أنهما کانا یجلسان إلیه لعلمه و طریف حدیثه و ما باله لم یدخل جبیر بن مطعم فی الإسلام و قد ذکرتم أنّه أدبه و خرجه و منه أخذ جبیر العلم بأنساب قریش و مآثرها فکیف عجز عن هؤلاء الذین عددناهم و هم منه بالحال التی وصفنا و دعا من لم یکن بینه و بینه أنس و لا معرفة إلاّ معرفة عیان و کیف لم یقبل منه عمر بن الخطّاب و قد کان شکله و أقرب الناس شبها به فی أغلب أخلاقه و لئن رجعتم إلی الإنصاف لتعلمن أن هؤلاء لم یکن إسلامهم إلاّ بدعاء الرسول ص لهم و علی یدیه أسلموا و لو فکرتم فی حسن التأتی فی الدعاء لیصحن لأبی طالب فی ذلک

ص :271

علی شرکه أضعاف ما ذکرتموه لأبی بکر لأنکم رویتم أن أبا طالب قال لعلی ع یا بنی الزمه فإنّه لن یدعوک إلاّ إلی خیر و قال لجعفر صل جناح ابن عمک فأسلم بقوله و لأجله أصفق بنو عبد مناف علی نصرة رسول اللّه ص بمکّة من بنی مخزوم و بنی سهم و بنی جمح و لأجله صبر بنو هاشم علی الحصار فی الشعب و بدعائه و إقباله علی محمد ص أسلمت امرأته فاطمة بنت أسد فهو أحسن رفقا و أیمن نقیبة من أبی بکر و غیره و إنّما منعه عن الإسلام أن ثبت أنّه لم یسلم إلاّ تقیة و أبو بکر لم یکن له إلاّ ابن واحد و هو عبد الرحمن فلم یمکنه أن یدخله فی الإسلام و لا أمکنه إذ لم یقبل منه الإسلام أن یجعله کبعض مشرکی قریش فی قلة الأذی لرسول اللّه ص و فیه أنزل وَ الَّذِی قٰالَ لِوٰالِدَیْهِ أُفٍّ لَکُمٰا أَ تَعِدٰانِنِی أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِی وَ هُمٰا یَسْتَغِیثٰانِ اللّٰهَ وَیْلَکَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ فَیَقُولُ مٰا هٰذٰا إِلاّٰ أَسٰاطِیرُ الْأَوَّلِینَ (1) و إنّما یعرف حسن رفق الرجل و تأتیه بأن یصلح أولا أمر بیته و أهله ثمّ یدعو الأقرب فالأقرب فإن رسول اللّه ص لما بعث کان أول من دعا زوجته خدیجة ثم مکفوله و ابن عمه علیا ع ثم مولاه زیدا ثم أم أیمن خادمته فهل رأیتم أحدا ممن کان یأوی إلی رسول اللّه ص لم یسارع و هل التاث علیه أحد من هؤلاء فهکذا یکون حسن التأتی و الرفق فی الدعاء هذا و رسول اللّه مقل و هو من جملة عیال خدیجة حین بعثه اللّه تعالی و أبو بکر عندکم کان موسرا و کان أبوه مقترا و کذلک ابنه و امرأته أم عبد اللّه و الموسر فی فطرة العقول أولی أن یتبع من المقتر و إنّما حسن التأتی و الرفق فی الدعاء ما صنعه مصعب بن عمیر لسعد بن معاذ لما دعاه و ما صنع سعد بن معاذ ببنی عبد الأشهل لما دعاهم و ما صنع بریدة بن الحصیب بأسلم لما دعاهم قالوا أسلم بدعائه ثمانون بیتا من قومه

ص :272

و أسلم بنو عبد الأشهل بدعاء سعد فی یوم واحد و أمّا من لم یسلم ابنه و لا امرأته و لا أبوه و لا أخته بدعائه فهیهات أن یوصف و یذکر بالرفق فی الدعاء و حسن التأتی و الأناة قال الجاحظ ثم أعتق أبو بکر بعد ذلک جماعة من المعذبین فی اللّه و هم ست رقاب منهم بلال و عامر بن فهیرة و زنیرة النهدیة و ابنتها و مر بجاریة یعذبها عمر بن الخطّاب فابتاعها منه و أعتقها و أعتق أبا عیسی فأنزل اللّه فیه فَأَمّٰا مَنْ أَعْطیٰ وَ اتَّقیٰ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنیٰ فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْیُسْریٰ (1) إلی آخر السورة.

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه

3785

14- أَمَّا بِلاَلٌ وَ عَامِرُ بْنُ فُهَیْرَةَ فَإِنَّمَا أَعْتَقَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ص رَوَی ذَلِکَ اَلْوَاقِدِیُّ وَ اِبْنُ إِسْحَاقَ وَ غَیْرُهُمَا . و أمّا باقی موالیهم الأربعة فإن سامحناکم فی دعواکم لم یبلغ ثمنهم فی تلک الحال لشدة بغض موالیهم لهم إلاّ مائة درهم أو نحوها فأی فخر فی هذا و أمّا الآیة فإن ابن عبّاس قال فی تفسیرها فَأَمّٰا مَنْ أَعْطیٰ وَ اتَّقیٰ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنیٰ فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْیُسْریٰ أی لأن یعود.

و قال غیره نزلت فی مصعب بن عمیر قال الجاحظ و قد علمتم ما صنع أبو بکر فی ماله و کان ماله أربعین ألف درهم فأنفقه فی نوائب الإسلام و حقوقه و لم یکن خفیف الظهر قلیل العیال و النسل فیکون فاقد جمیع الیسارین بل کان ذا بنین و بنات و زوجة و خدم و حشم و یعول والدیه و ما ولدا و لم یکن النبیّ ص قبل ذلک عنده مشهورا فیخاف العار فی ترک مواساته فکان إنفاقه علی الوجه الذی لا نجد فی غایة الفضل مثله و لقد

3786

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص مَا نَفَعَنِی مَالٌ کَمَا نَفَعَنِی مَالُ أَبِی بَکْرٍ .

ص :273

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه أخبرونا علی أی نوائب الإسلام أنفق هذا المال و فی أی وجه وضعه فإنّه لیس بجائز أن یخفی ذلک و یدرس حتّی یفوت حفظه و ینسی ذکره و أنتم فلم تقفوا علی شیء أکثر من عتقه بزعمکم ست رقاب لعلها لا یبلغ ثمنها فی ذلک العصر مائة درهم و کیف یدعی له الإنفاق الجلیل

3787

14- وَ قَدْ بَاعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص بَعِیرَیْنِ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَی یَثْرِبَ وَ أَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فِی مِثْلِ تِلْکَ الْحَالِ .

و روی ذلک جمیع المحدثین

3788

وَ قَدْ رَوَیْتُمْ أَیْضاً أَنَّهُ کَانَ حَیْثُ کَانَ بِالْمَدِینَةِ غَنِیّاً مُوسِراً.

3789

وَ رَوَیْتُمْ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ هَاجَرَ أَبُو بَکْرٍ وَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ.

3790

وَ قُلْتُمْ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی أَنْزَلَ فِیهِ وَ لاٰ یَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْکُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ یُؤْتُوا أُولِی الْقُرْبیٰ (1) قُلْتُمْ هِیَ فِی أَبِی بَکْرٍ وَ مِسْطَحِ بْنِ أَثَاثَةَ . فأین الفقر الذی زعمتم أنّه أنفق حتّی تخلل بالعباءة

3791

1- وَ رُوِّیتُمْ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَی فِی سَمَائِهِ مَلاَئِکَةً قَدْ تَخَلَّلُوا بِالْعَبَاءَةِ وَ أَنَّ اَلنَّبِیَّ ص رَآهُمْ لَیْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَسَأَلَ جَبْرَائِیلَ عَنْهُمْ فَقَالَ هَؤُلاَءِ مَلاَئِکَةٌ تَأَسَّوْا بِأَبِی بَکْرِ بْنِ أَبِی قُحَافَةَ صَدِیقِکَ فِی الْأَرْضِ فَإِنَّهُ سَیُنْفِقُ عَلَیْکَ مَالَهُ حَتَّی یُخَلِّلَ عَبَاءَهُ فِی عُنُقِهِ .

3792

1,14- وَ أَنْتُمْ أَیْضاً رُوِّیتُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی لَمَّا أَنْزَلَ آیَةَ النَّجْوَی فَقَالَ یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذٰا نٰاجَیْتُمُ اَلرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْوٰاکُمْ صَدَقَةً ذٰلِکَ خَیْرٌ لَکُمْ (2) الْآیَةَ لَمْ یَعْمَلْ بِهَا إِلاَّ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَحْدَهُ . مع إقرارکم بفقره و قلة ذات یده و أبو بکر فی الحال التی ذکرنا من السعة أمسک عن مناجاته فعاتب اللّه المؤمنین فی ذلک فقال أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْوٰاکُمْ صَدَقٰاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تٰابَ اللّٰهُ عَلَیْکُمْ فجعله سبحانه ذنبا یتوب علیهم منه و هو إمساکهم عن تقدیم الصدقة فکیف سخت نفسه بإنفاق أربعین ألفا و أمسک عن مناجاة الرسول و إنّما کان یحتاج فیها إلی إخراج درهمین.

و أمّا ما ذکر من کثرة عیاله و نفقته علیهم فلیس فی ذلک دلیل علی تفضیله لأن

ص :274

نفقته علی عیاله واجبة مع أن أرباب السیرة ذکروا أنّه لم یکن ینفق علی أبیه شیئا و أنّه کان أجیرا لابن جدعان علی مائدته یطرد عنها الذبان.

قال الجاحظ و قد تعلمون ما کان یلقی أصحاب النبیّ ص ببطن مکّة من المشرکین و حسن صنیع کثیر منهم کصنیع حمزة حین ضرب أبا جهل بقوسه ففلق هامته و أبو جهل یومئذ سید البطحاء و رئیس الکفر و أمنع أهل مکّة و قد عرفتم أن الزبیر سل سیفه و استقبل به المشرکین لما أرجف أن محمّدا ص قد قتل و أن عمر بن الخطّاب قال حین أسلم لا یعبد اللّه سرا بعد الیوم و أن سعدا ضرب بعض المشرکین بلحی جمل فأراق دمه فکل هذه الفضائل لم یکن لعلی بن أبی طالب فیها ناقة و لا جمل و قد قال اللّه تعالی لاٰ یَسْتَوِی مِنْکُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ اَلْفَتْحِ وَ قٰاتَلَ أُولٰئِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِینَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قٰاتَلُوا (1) فإذا کان اللّه تعالی قد فضل من أنفق قبل الفتح لأنّه لا هجرة بعد الفتح علی من أنفق بعد الفتح فما ظنکم بمن أنفق من قبل الهجرة و من لدن مبعث النبیّ ص إلی الهجرة و إلی بعد الهجرة (2) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه إننا لا ننکر فضل الصحابة و سوابقهم و لسنا کالإمامیة الذین یحملهم الهوی علی جحد الأمور المعلومة و لکننا ننکر تفضیل أحد من الصحابة علی علیّ بن أبی طالب و لسنا ننکر غیر ذلک و ننکر تعصب الجاحظ للعثمانیة و قصده إلی فضائل هذا الرجل و مناقبه بالرد و الإبطال و أما حمزة فهو عندنا ذو فضل عظیم و مقام جلیل و هو سید الشهداء الذین استشهدوا علی عهد رسول اللّه ص

ص :275

و أمّا فضل عمر فغیر منکر و کذلک الزبیر و سعد و لیس فیما ذکر ما یقتضی کون علی ع مفضولا لهم أو لغیرهم إلاّ قوله و کل هذه الفضائل لم یکن لعلی ع فیها ناقة و لا جمل فإن هذا من التعصب البارد و الحیف الفاحش و قد قدمنا من آثار علی ع قبل الهجرة و ما له إذ ذاک من المناقب و الخصائص ما هو أفضل و أعظم و أشرف من جمیع ما ذکر لهؤلاء علی أن أرباب السیرة یقولون إن الشجّة التی شجها سعد و إن السیف الذی سله الزبیر هو الذی جلب الحصار فی الشعب علی النبیّ ص و بنی هاشم و هو الذی سیر جعفرا و أصحابه إلی الحبشة و سل السیف فی الوقت الذی لم یؤمر المسلمون فیه بسل السیف غیر جائز قال تعالی أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ قِیلَ لَهُمْ کُفُّوا أَیْدِیَکُمْ وَ أَقِیمُوا الصَّلاٰةَ وَ آتُوا الزَّکٰاةَ فَلَمّٰا کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقِتٰالُ إِذٰا فَرِیقٌ مِنْهُمْ یَخْشَوْنَ النّٰاسَ کَخَشْیَةِ اللّٰهِ (1) فتبیّن أن التکلیف له أوقات فمنها وقت لا یصلح فیه سل السیف و منها وقت یصلح فیه و یجب فأما قوله تعالی لاٰ یَسْتَوِی مِنْکُمْ مَنْ أَنْفَقَ فقد ذکرنا ما عندنا من دعواهم لأبی بکر إنفاق المال و أیضا فإن اللّه تعالی لم یذکر إنفاق المال مفردا و إنّما قرن به القتال و لم یکن أبو بکر صاحب قتال و حرب فلا تشمله الآیة و کان علی ع صاحب قتال و إنفاق قبل الفتح أما قتاله فمعلوم بالضرورة و أمّا إنفاقه فقد کان علی حسب حاله و فقره و هو الذی أطعم اَلطَّعٰامَ عَلیٰ حُبِّهِ مِسْکِیناً وَ یَتِیماً وَ أَسِیراً و أنزلت فیه و فی زوجته و ابنیه سورة (2) کاملة من القرآن و هو الذی ملک أربعة دراهم فأخرج منها درهما سرا و درهما علانیة لیلا ثمّ أخرج منها فی النهار درهما سرا و درهما علانیة فأنزل فیه قوله تعالی اَلَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهٰارِ سِرًّا وَ عَلاٰنِیَةً (3) و هو الذی قدم بین یدی نجواه صدقة

ص :276

دون المسلمین کافة و هو الذی تصدق بخاتمه و هو راکع فأنزل اللّه فیه إِنَّمٰا وَلِیُّکُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاٰةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکٰاةَ وَ هُمْ رٰاکِعُونَ (1) .

قال الجاحظ و الحجة العظمی للقائلین بتفضیل علی ع قتله الأقران و خوضه الحرب و لیس له فی ذلک کبیر فضیلة لأن کثرة القتل و المشی بالسیف إلی الأقران لو کان من أشدّ المحن و أعظم الفضائل و کان دلیلا علی الرئاسة و التقدّم لوجب أن یکون للزبیر و أبی دجانة و محمّد بن مسلمة و ابن عفراء و البراء بن مالک من الفضل ما لیس لرسول اللّه ص لأنّه لم یقتل بیده إلاّ رجلا واحدا و لم یحضر الحرب یوم بدر و لا خالط الصفوف و إنّما کان معتزلا عنهم فی العریش و معه أبو بکر و أنت تری الرجل الشجاع قد یقتل الأقران و یجندل الأبطال و فوقه من العسکر من لا یقتل و لا یبارز و هو الرئیس أو ذوی الرأی و المستشیر فی الحرب لأن للرؤساء من الاکتراث و الاهتمام و شغل البال و العنایة و التفقد ما لیس لغیرهم و لأن الرئیس هو المخصوص بالمطالبة و علیه مدار الأمور و به یستبصر المقاتل و یستنصر و باسمه ینهزم العدو و لو لم یکن له إلاّ أن الجیش لو ثبت و فر هو لم یغن ثبوت الجیش کله و کانت الدبرة علیه و لو ضیع القوم جمیعا و حفظ هو لانتصر و کانت الدولة له و لهذا لا یضاف النصر و الهزیمة إلاّ إلیه ففضل أبی بکر بمقامه فی العریش مع رسول اللّه یوم بدر أعظم من جهاد علی ع ذلک الیوم و قتله أبطال قریش .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه لقد أعطی أبو عثمان مقولا و حرم معقولا إن کان

ص :277

یقول هذا علی اعتقاد و جد و لم یذهب به مذهب اللعب و الهزل أو علی طریق التفاصح و التشادق و إظهار القوّة و السلاطة و ذلاقة اللسان و حدة الخاطر و القوّة علی جدال الخصوم أ لم یعلم أبو عثمان أن رسول اللّه ص کان أشجع البشر و أنّه خاض الحروب و ثبت فی المواقف التی طاشت فیها الألباب وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنٰاجِرَ فمنها

3793

14,1- یَوْمَ أُحُدٍ وَ وُقُوفُهُ بَعْدَ أَنْ فَرَّ اَلْمُسْلِمُونَ بِأَجْمَعِهِمْ وَ لَمْ یَبْقَ مَعَهُ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ عَلِیٌّ وَ اَلزُّبَیْرُ وَ طَلْحَةُ وَ أَبُو دُجَانَةَ فَقَاتَلَ وَ رَمَی بِالنَّبْلِ حَتَّی فَنِیَتْ نَبْلُهُ وَ انْکَسَرَتْ سِیَةُ قَوْسِهِ وَ انْقَطَعَ وَتَرُهُ فَأَمَرَ عُکَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ أَنْ یُوتِرَهَا فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ یَبْلُغُ الْوَتَرُ فَقَالَ أَوْتِرْ مَا بَلَغَ قَالَ عُکَّاشَةُ فَوَ الَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ أَوْتَرْتُ حَتَّی بَلَغَ وَ طَوَیْتُ مِنْهُ شِبْراً عَلَی سِیَةِ الْقَوْسِ ثُمَّ أَخَذَهَا فَمَا زَالَ یَرْمِیهِمْ حَتَّی نَظَرْتُ إِلَی قَوْسِهِ قَدْ تَحَطَّمَتْ وَ بَارَزَ أُبَیُّ بْنُ خَلَفٍ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ إِنْ شِئْتَ عَطَفَ عَلَیْهِ بَعْضُنَا فَأَبَی وَ تَنَاوَلَ الْحَرْبَةَ مِنَ اَلْحَارِثِ بْنِ الصِّمَةِ ثُمَّ انْتَقَضَ بِأَصْحَابِهِ کَمَا یَنْتَقِضُ الْبَعِیرُ قَالُوا فَتَطَایَرْنَا عَنْهُ تَطَایُرَ الشَّعَارِیرِ (1) فَطَعَنَهُ بِالْحَرْبَةِ فَجَعَلَ یَخُورُ کَمَا یَخُورُ الثَّوْرُ وَ لَوْ لَمْ یَدُلَّ عَلَی ثَبَاتِهِ حِینَ انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ وَ تَرَکُوهُ إِلاَّ قَوْلُهُ تَعَالَی إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لاٰ تَلْوُونَ عَلیٰ أَحَدٍ وَ اَلرَّسُولُ یَدْعُوکُمْ فِی أُخْرٰاکُمْ

(2)

.

فکونه ع فی أخراهم و هم یصعدون و لا یلوون هاربین دلیل علی أنّه ثبت و لم یفر

3794

14,1- وَ ثَبَتَ یَوْمَ حُنَیْنٍ فِی تِسْعَةٍ مِنْ أَهْلِهِ وَ رَهْطِهِ الْأَدْنَیْنَ وَ قَدْ فَرَّ اَلْمُسْلِمُونَ کُلُّهُمْ وَ النَّفَرُ التِّسْعَةُ مُحْدِقُونَ بِهِ اَلْعَبَّاسُ آخِذٌ بِحَکَمَةِ بَغْلَتِهِ وَ عَلِیٌّ بَیْنَ یَدَیْهِ مُصْلِتٌ سَیْفَهُ وَ الْبَاقُونَ حَوْلَ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص یَمْنَةً وَ یَسْرَةً وَ قَدِ انْهَزَمَ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ وَ کُلَّمَا فَرُّوا أَقْدَمَ هُوَ ص یَمْنَةً وَ یَسْرَةً وَ قَدِ انْهَزَمَ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ وَ کُلَّمَا فَرَّ وَ أَقْدَمَ هُوَ ص وَ صَمَّمَ مُسْتَقْدِماً یَلْقَی السُّیُوفَ وَ النِّبَالَ بِنَحْرِهِ وَ صَدْرِهِ ثُمَّ أَخَذَ کَفّاً مِنَ

ص :278

الْبَطْحَاءِ وَ حَصَّبَ اَلْمُشْرِکِینَ وَ قَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ

. و

3795

1,14- الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ عَنْ عَلِیٍّ ع وَ هُوَ أَشْجَعُ الْبَشَرِ کُنَّا إِذَا اشْتَدَّ الْبَأْسُ وَ حَمِیَ الْوَطِیسُ اتَّقَیْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ لُذْنَا بِهِ .

فکیف یقول الجاحظ إنّه ما خاض الحرب و لا خالط الصفوف و أی فریة أعظم من فریة من نسب رسول اللّه ص إلی الإحجام و اعتزال الحرب ثمّ أی مناسبة بین أبی بکر و رسول اللّه ص فی هذا المعنی لیقیسه و ینسبه إلی رسول اللّه ص صاحب الجیش و الدعوة و رئیس الإسلام و الملّة و الملحوظ بین أصحابه و أعدائه بالسیادة و إلیه الإیماء و الإشارة و هو الذی أحنق قریشا و العرب و وری أکبادهم بالبراءة من آلهتهم و عیب دینهم و تضلیل أسلافهم ثمّ وترهم فیما بعد بقتل رؤسائهم و أکابرهم و حقّ لمثله إذا تنحی عن الحرب و اعتزلها أن یتنحی و یعتزل لأن ذلک شأن الملوک و الرؤساء إذا کان الجیش منوطا بهم و ببقائهم فمتی هلک الملک هلک الجیش و متی سلم الملک أمکن أن یبقی علیه ملکه و إن عطب جیشه فإنّه یستجد جیشا آخر و لذلک نهی الحکماء أن یباشر الملک الحرب بنفسه و خطئوا الإسکندر لما بارز قوسرا ملک الهند و نسبوه إلی مجانبة الحکمة و مفارقة الصواب و الحزم فلیقل لنا الجاحظ أی مدخل لأبی بکر فی هذا المعنی و من الذی کان یعرفه من أعداء الإسلام لیقصده بالقتل و هل هو إلاّ واحد من عرض المهاجرین حکمه حکم عبد الرحمن بن عوف و عثمان بن عفان و غیرهما بل کان عثمان أکثر منه صیتا و أشرف منه مرکبا و العیون إلیه أطمح و العدو إلیه أحنق و أکلب و لو قتل أبو بکر فی بعض تلک المعارک هل کان یؤثر قتله فی الإسلام ضعفا أو یحدث فیه وهنا أو یخاف علی الملّة لو قتل أبو بکر فی بعض تلک الحروب أن تندرس و تعفی آثارها و ینطمس منارها لیقول الجاحظ إن أبا بکر کان حکمه حکم رسول اللّه ص فی مجانبة الحروب و اعتزالها نعوذ بالله من الخذلان و قد علم العقلاء کلهم ممن له

ص :279

بالسیر معرفة و بالآثار و الأخبار ممارسة حال حروب رسول اللّه ص کیف کانت و حاله ع فیها کیف کان و وقوفه حیث وقف و حربه حیث حارب و جلوسه فی العریش یوم جلس و إن وقوفه ص وقوف رئاسة و تدبیر و وقوف ظهر و سند یتعرف أمور أصحابه و یحرس صغیرهم و کبیرهم بوقوفه من ورائهم و تخلفه عن التقدّم فی أوائلهم لأنّهم متی علموا أنّه فی أخراهم اطمأنت قلوبهم و لم تتعلق بأمره نفوسهم فیشتغلوا بالاهتمام به عن عدوهم و لا یکون لهم فئة یلجئون إلیها و ظهر یرجعون إلیه و یعلمون أنّه متی کان خلفهم تفقد أمورهم و علم مواقفهم و آوی کل إنسان مکانه فی الحمایة و النکایة و عند المنازلة فی الکر و الحملة فکان وقوفه حیث وقف أصلح لأمرهم و أحمی و أحرس لبیضتهم و لأنّه المطلوب من بینهم إذ هو مدبر أمورهم و والی جماعتهم أ لا ترون أن موقف صاحب اللواء موقف شریف و أن صلاح الحرب فی وقوفه و أن فضیلته فی ترک التقدّم فی أکثر حالاته فللرئیس حالات الأولی حالة یتخلف و یقف آخرا لیکون سندا و قوة و ردءا و عدة و لیتولی تدبیر الحرب و یعرف مواضع الخلل.

و الحالة الثانیة یتقدم فیها فی وسط الصف لیقوی الضعیف و یشجع الناکص (1) .

و حالة ثالثة و هی إذا اصطدم الفیلقان و تکافح السیفان اعتمد ما تقتضیه الحال من الوقوف حیث یستصلح أو من مباشرة الحرب بنفسه فإنها آخر المنازل و فیها تظهر شجاعة الشجاع النجد و فسالة الجبان المموه.

فأین مقام الرئاسة العظمی لرسول اللّه ص و أین منزلة أبی بکر لیسوی بین المنزلتین و یناسب بین الحالتین.

و لو کان أبو بکر شریکا لرسول اللّه ص فی الرسالة و ممنوحا من اللّه

ص :280

بفضیلة النبوّة و کانت قریش و العرب تطلبه کما تطلب محمّدا ص و کان یدبر من أمر الإسلام و تسریب العساکر و تجهیز السرایا و قتل الأعداء ما یدبره محمد ص لکان للجاحظ أن یقول ذلک فأما و حاله حاله و هو أضعف المسلمین جنانا و أقلهم عند العرب ترة لم یرم قط بسهم و لا سل سیفا و لا أراق دما و هو أحد الأتباع غیر مشهور و لا معروف و لا طالب و لا مطلوب فکیف یجوز أن یجعل مقامه و منزلته مقام رسول اللّه ص و منزلته

3796

14- وَ لَقَدْ خَرَجَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَعَ اَلْمُشْرِکِینَ یَوْمَ أُحُدٍ فَرَآهُ أَبُو بَکْرٍ فَقَامَ مَغِیظاً عَلَیْهِ فَسَلَّ مِنَ السَّیْفِ مِقْدَارَ إِصْبَعٍ یُرِیدُ الْبُرُوزُ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص یَا أَبَا بَکْرٍ شِمْ سَیْفَکَ (1) وَ أَمْتِعْنَا بِنَفْسِکَ .

و لم یقل له و أمتعنا بنفسک إلاّ لعلمه بأنّه لیس أهلا للحرب و ملاقاة الرجال و أنّه لو بارز لقتل.

و کیف یقول الجاحظ لا فضیلة لمباشرة الحرب و لقاء الأقران و قتل أبطال الشرک و هل قامت عمد الإسلام إلا علی ذلک و هل ثبت الدین و استقر إلاّ بذلک أ تراه لم یسمع قول اللّه تعالی إِنَّ اللّٰهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقٰاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفًّا کَأَنَّهُمْ بُنْیٰانٌ مَرْصُوصٌ (2) و المحبة من اللّه تعالی هی إرادة الثواب فکل من کان أشدّ ثبوتا فی هذا الصف و أعظم قتالا کان أحبّ إلی اللّه و معنی الأفضل هو الأکثر ثوابا فعلی ع إذا هو أحبّ المسلمین إلی اللّه لأنّه أثبتهم قدما فی الصف المرصوص لم یفر قط بإجماع الأمة و لا بارزه قرن إلاّ قتله.

أ تراه لم یسمع قول اللّه تعالی وَ فَضَّلَ اللّٰهُ الْمُجٰاهِدِینَ عَلَی الْقٰاعِدِینَ أَجْراً عَظِیماً (3) و قوله إِنَّ اللّٰهَ اشْتَریٰ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ یُقٰاتِلُونَ

ص :281

فِی سَبِیلِ اللّٰهِ فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا فِی اَلتَّوْرٰاةِ وَ اَلْإِنْجِیلِ وَ اَلْقُرْآنِ

(1)

ثم قال سبحانه مؤکدا لهذا البیع و الشراء وَ مَنْ أَوْفیٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللّٰهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بٰایَعْتُمْ بِهِ وَ ذٰلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (2) و قال اللّه تعالی ذٰلِکَ بِأَنَّهُمْ لاٰ یُصِیبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لاٰ نَصَبٌ وَ لاٰ مَخْمَصَةٌ فِی سَبِیلِ اللّٰهِ وَ لاٰ یَطَؤُنَ مَوْطِئاً یَغِیظُ اَلْکُفّٰارَ وَ لاٰ یَنٰالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَیْلاً إِلاّٰ کُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صٰالِحٌ (3) .

فمواقف الناس فی الجهاد علی أحوال و بعضهم فی ذلک أفضل من بعض فمن دلف إلی الأقران و استقبل السیوف و الأسنة کان أثقل علی أکتاف الأعداء لشدة نکایته فیهم ممن وقف فی المعرکة و أعان و لم یقدم و کذلک من وقف فی المعرکة و أعان و لم یقدم إلاّ أنّه بحیث تناله السهام و النبل أعظم غناء و أفضل ممن وقف حیث لا یناله ذلک و لو کان الضعیف و الجبان یستحقان الرئاسة بقلة بسط الکف و ترک الحرب و أن ذلک یشاکل فعل النبیّ ص لکان أوفر الناس حظا فی الرئاسة و أشدهم لها استحقاقا حسان بن ثابت و إن بطل فضل علی ع فی الجهاد لأن النبیّ ص کان أقلهم قتالا کما زعم الجاحظ لیبطلن علی هذا القیاس فضل أبی بکر فی الإنفاق لأن رسول اللّه ص کان أقلهم مالا.

و أنت إذا تأملت أمر العرب و قریش و نظرت السیر و قرأت الأخبار عرفت أنّها کانت تطلب محمّدا ص و تقصد قصده و تروم قتله فإن أعجزها و فاتها طلبت علیا ع و أرادت قتله لأنّه کان أشبههم بالرسول حالا و أقربهم منه قربا و أشدهم عنه دفعا و أنهم متی قصدوا علیا فقتلوه أضعفوا أمر محمد ص و کسروا شوکته إذ کان أعلی من ینصره فی البأس و القوّة و الشجاعة

ص :282

و النجدة و الإقدام و البسالة أ لا تری إلی

3797

14,1- قَوْلِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِیعَةَ یَوْمَ بَدْرٍ وَ قَدْ خَرَجَ هُوَ وَ أَخُوهُ شَیْبَةُ وَ ابْنُهُ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُتْبَةَ فَأَخْرَجَ إِلَیْهِ اَلرَّسُولَ نَفَراً مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَاسْتَنْسَبُوهُمْ فَانْتَسَبُوا لَهُمْ فَقَالُوا ارْجِعُوا إِلَی قَوْمِکُمْ ثُمَّ نَادَوْا یَا مُحَمَّدُ أَخْرِجْ إِلَیْنَا أَکْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا فَقَالَ اَلنَّبِیُّ ص لِأَهْلِهِ الْأَدْنَیْنَ قُومُوا یَا بَنِی هَاشِمٍ فَانْصُرُوا حَقَّکُمُ الَّذِی آتَاکُمُ اللَّهُ عَلَی بَاطِلِ هَؤُلاَءِ قُمْ یَا عَلِیُّ قُمْ یَا حَمْزَةُ قُمْ یَا عُبَیْدَةُ

.

أ لا تری ما جعلت هند بنت عتبة لمن قتله یوم أحد لأنّه اشترک هو و حمزة فی قتل أبیها یوم بدر أ لم تسمع قول هند ترثی أهلها ما کان عن عتبة لی من صبر

و ذلک لأنّه قتل أخاها الولید بن عتبة و شرک فی قتل أبیها عتبة و أمّا عمها شیبة فإن حمزة تفرد بقتله.

3798

14,1- وَ قَالَ جُبَیْرُ بْنُ مُطْعِمٍ لِوَحْشِیٍّ مَوْلاَهُ یَوْمَ أُحُدٍ إِنْ قَتَلْتَ مُحَمَّداً فَأَنْتَ حُرٌّ وَ إِنْ قَتَلْتَ عَلِیّاً فَأَنْتَ حُرٌّ وَ إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ أَمَّا مُحَمَّدٌ فَسَیَمْنَعُهُ أَصْحَابُهُ وَ أَمَّا عَلِیٌّ فَرَجُلٌ حَذِرٌ کَثِیرُ الاِلْتِفَاتِ فِی الْحَرْبِ وَ لَکِنِّی سَأَقْتُلُ حَمْزَةَ فَقَعَدَ لَهُ وَ زَرَقَهُ بِالْحَرْبَةِ فَقَتَلَهُ

.

و لما قلنا من مقاربة حال علی ع فی هذا الباب لحال رسول اللّه ص و مناسبتها إیاها ما وجدناه فی السیر و الأخبار من إشفاق رسول اللّه ص و حذره علیه و دعائه له بالحفظ و السلامة

3799

14,1- قَالَ ص یَوْمَ الْخَنْدَقِ وَ قَدْ بَرَزَ عَلِیٌّ إِلَی عَمْرٍو وَ رَفَعَ یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ بِمَحْضَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اللَّهُمَّ إِنَّکَ أَخَذْتَ مِنِّی

ص :283

حَمْزَةَ

یَوْمَ أُحُدٍ وَ عُبَیْدَةَ یَوْمَ بَدْرٍ فَاحْفَظْ الْیَوْمَ عَلَیَّ عَلِیّاً رَبِّ لاٰ تَذَرْنِی فَرْداً وَ أَنْتَ خَیْرُ الْوٰارِثِینَ (1) وَ لِذَلِکَ ضَنَّ بِهِ عَنْ مُبَارَزَةِ عَمْرٍو حِینَ دَعَا عَمْرٌو النَّاسَ إِلَی نَفْسِهِ مِرَاراً فِی کُلِّهَا یَحْجِمُوَن وَ یُقْدِمُ عَلِیٌّ فَیَسْأَلُ الْإِذْنَ لَهُ فِی الْبِرَازِ حَتَّی قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّهُ عَمْرٌو فَقَالَ وَ أَنَا عَلِیُّ فَأَدْنَاهُ وَ قَبَّلَهُ وَ عَمَّمَهُ بِعِمَامَتِهِ وَ خَرَجَ مَعَهُ خُطُوَاتٍ کَالْمُوَدِّعِ لَهُ الْقَلِقِ لِحَالِهِ الْمُنْتَظِرِ لِمَا یَکُونُ مِنْهُ ثُمَّ لَمْ یَزَلْ ص رَافِعاً یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ مُسْتَقْبِلاً لَهَا بِوَجْهِهِ وَ اَلْمُسْلِمُونَ صُمُوتٌ حَوْلَهُ کَأَنَّمَا عَلَی رُءُوسِهِمُ الطَّیْرَ حَتَّی ثَارَتِ الْغَبَرَةُ وَ سَمِعُوا التَّکْبِیرَ مِنْ تَحْتِهَا فَعَلِمُوا أَنَّ عَلِیّاً قَتَلَ عَمْرواً فَکَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ کَبَّرَ اَلْمُسْلِمُونَ تَکْبِیرَةً سَمِعَهَا مِنْ وَرَاءِ الْخَنْدَقِ مِنْ عَسَاکِرِ اَلْمُشْرِکِینَ

.

3800

1- وَ لِذَلِکَ قَالَ حُذَیْفَةُ بْنُ الْیَمَانِ لَوْ قُسِمَتْ فَضِیلَةُ عَلِیٍّ ع بِقَتْلِ عَمْرٍو یَوْمَ الْخَنْدَقِ بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ بِأَجْمَعِهِمْ لَوَسِعَتْهُمْ .

3801

1- وَ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی وَ کَفَی اللّٰهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتٰالَ قَالَ بِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ

(2)

.

قال الجاحظ علی أن مشی الشجاع بالسیف إلی الأقران لیس علی ما توهمه من لا یعلم باطن الأمر لأن معه فی حال مشیه إلی الأقران بالسیف أمورا أخری لا یبصرها الناس و إنّما یقضون علی ظاهر ما یرون من إقدامه و شجاعته فربما کان سبب ذلک الهوج و ربما کان الغرارة و الحداثة و ربما کان الإحراج و الحمیة و ربما کان لمحبة النفخ و الأحدوثة و ربما کان طباعا کطباع القاسی و الرحیم و السخی و البخیل (3)

ص :284

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه فیقال للجاحظ فعلی أیها کان مشی علیّ بن أبی طالب إلی الأقران بالسیف فأیما قلت من ذلک بانت عداوتک لله تعالی و لرسوله و إن کان مشیه لیس علی وجه ممّا ذکرت و إنّما کان علی وجه النصرة و القصد إلی المسابقة إلی ثواب الآخرة و الجهاد فی سبیل اللّه و إعزاز الدین کنت بجمیع ما قلت معاندا و عن سبیل الإنصاف خارجا و فی إمام المسلمین طاعنا و إن تطرق مثل هذا الوهم علی علی ع لیتطرقن مثله علی أعیان المهاجرین و الأنصار أرباب الجهاد و القتال الذین نصروا رسول اللّه ص بأنفسهم و وقوه بمهجهم و فدوه بأبنائهم و آبائهم فلعل ذلک کان لعلة من العلل المذکورة و فی ذلک الطعن فی الدین و فی جماعة المسلمین .

و لو جاز أن یتوهم هذا فی علی ع و فی غیره لما

3802

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص حِکَایَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَی لِأَهْلِ بَدْرٍ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَکُمْ.

و لا

3803

قَالَ لِعَلِیٍّ ع بَرَزَ الْإِیمَانُ کُلُّهُ إِلَی الشِّرْکِ کُلِّهِ.

و لا قال أوجب طلحة (1) .

و قد علمنا ضرورة من دین الرسول ص تعظیمه لعلی ع تعظیما دینیا لأجل جهاده و نصرته فالطاعن فیه طاعن فی رسول اللّه ص إذ زعم أنّه قد یمکن أن یکون جهاده لا لوجه اللّه تعالی بل لأمر آخر من الأمور التی عددها و بعثه علی التفوه بها إغواء الشیطان و کیده و الإفراط فی عداوة من أمر اللّه بمحبته و نهی عن بغضه و عداوته.

ص :285

أ تری رسول اللّه ص خفی علیه من أمر علی ع ما لاح للجاحظ و العثمانیة فمدحه و هو غیر مستحق للمدح.

قال الجاحظ فصاحب النفس المختارة المعتدلة یکون قتاله طاعة و فراره معصیة لأن نفسه معتدلة کالمیزان فی استقامة لسانه و کفتیه فإذا لم یکن کذلک کان إقدامه طباعا و فراره طباعا (1) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه فیقال له فلعل إنفاق أبی بکر علی ما تزعم أربعین ألف درهم لا ثواب له لأن نفسه ربما تکون غیر معتدلة لأنّه یکون مطبوعا علی الجود و السخاء و لعلّ خروجه مع النبیّ ص یوم الهجرة إلی الغار لا ثواب له فیه لأن أسبابه کانت له مهیجة و دواعیه غالبة محبة الخروج و بغض المقام و لعل رسول اللّه ص فی دعائه إلی الإسلام و إکبابه علی الصلوات الخمس فی جوف اللیل و تدبیره أمر الأمة لا ثواب له فیه لأنّه قد تکون نفسه غیر معتدلة بل یکون فی طباعه الرئاسة و حبها و العبادة و الالتذاذ بها و لقد کنا نعجب من مذهب أبی عثمان أن المعارف ضرورة و أنّها تقع طباعا و فی قوله بالتولد و حرکة الحجر بالطبع حتّی رأینا من قوله ما هو أعجب منه فزعم أنّه ربما یکون جهاد علی ع و قتله المشرکین لا ثواب له فیه لأنّه فعله طبعا و هذا أطرف من قوله فی المعرفة و فی التولد.

قال الجاحظ و وجه آخر أن علیا لو کان کما یزعم شیعته ما کان له بقتل الأقران کبیر فضیلة و لا عظیم طاعة لأنّه قد

3804

رُوِیَ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ لَهُ

ص :286

سَتُقَاتِلُ بَعْدِی اَلنَّاکِثِینَ وَ اَلْقَاسِطِینَ وَ اَلْمَارِقِینَ .

فإذا کان قد وعده بالبقاء بعده فقد وثق بالسلامة من الأقران و علم أنّه منصور علیهم و قاتلهم فعلی هذا یکون جهاد طلحة و الزبیر أعظم طاعة منه (1) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه هذا راجع علی الجاحظ فی النبیّ ص لأن اللّه تعالی قال له وَ اللّٰهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّٰاسِ (2) فلم یکن له فی جهاده کبیر طاعة و کثیر طاعة و

3805

کَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ یَرْوِی عَنْهُ ص اقْتَدُوا بِاللَّذَیْنِ مِنْ بَعْدِی أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ .

فوجب أن یبطل جهادهما و

3806

قَدْ قَالَ لِلزُّبَیْرِ سَتُقَاتِلُ عَلِیّاً وَ أَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ.

فأشعره بذلک أنّه لا یموت فی حیاة رسول اللّه ص و قال فی الکتاب العزیز لطلحة وَ مٰا کٰانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّٰهِ وَ لاٰ أَنْ تَنْکِحُوا أَزْوٰاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ قالوا نزلت فی طلحة فأعلمه بذلک أنّه یبقی بعده فوجب ألا یکون لهما کبیر ثواب فی الجهاد و الذی صح عندنا من الخبر

3807

وَ هُوَ قَوْلُهُ سَتُقَاتِلُ بَعْدِی اَلنَّاکِثِینَ .

أنه قال لما وضعت الحرب أوزارها و دخل الناس فِی دِینِ اللّٰهِ أَفْوٰاجاً و وضعت الجزیة و دانت العرب قاطبة.

قال الجاحظ ثم قصد الناصرون لعلی و القائلون بتفضیله إلی الأقران الذین قتلهم فأطروهم و غلوا فیهم و لیسوا هناک فمنهم عمرو بن عبد ود ترکتموه أشجع من عامر بن الطفیل و عتبة بن الحارث و بسطام بن قیس و قد سمعنا بأحادیث حروب الفجار و ما کان بین قریش و دوس و حلف الفضول فما سمعت لعمرو بن عبد ود ذکرا فی ذلک (3) .

ص :287

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه أمر عمرو بن عبد ود أشهر و أکثر من أن یحتج له فلنتلمح کتب المغازی و السیر و لینظر ما رثته به شعراء قریش لما قتل فمن ذلک ما ذکره محمّد بن إسحاق فی مغازیه قال و قال مسافع بن عبد مناف بن زهرة بن حذافة بن جمح یبکی عمرو بن عبد اللّه بن عبد ود حین قتله علیّ بن أبی طالب ع مبارزة لما جزع المذاد (1) أی قطع الخندق عمرو بن عبد کان أول فارس

و قال هبیرة بن أبی وهب المخزومی یعتذر من فراره عن علیّ بن أبی طالب و ترکه عمرا یوم الخندق و یبکیه

ص :288

لعمرک ما ولیت ظهری محمّدا

و قال هبیرة بن أبی وهب أیضا یرثی عمرا و یبکیه لقد علمت علیا لؤی بن غالب

ص :289

فیا لهف نفسی إن عمرا لکائن

و قال حسان بن ثابت الأنصاری یذکر عمرا أمسی الفتی عمرو بن عبد ناظرا

و قال حسان أیضا لقد شقیت بنو جمح بن عمرو

فهذه الأشعار فیه بل بعض ما قیل فیه (1) .

و أمّا الآثار و الأخبار فموجودة فی کتب السیر و أیّام الفرسان و وقائعهم و لیس

ص :290

أحد من أرباب هذا العلم یذکر عمرا إلا قال کان فارس قریش و شجاعها و إنّما قال له حسان و لقد لقیت غداة بدر عصبة لأنّه شهد مع المشرکین بدرا و قتل قوما من المسلمین ثم فر مع من فر و لحق بمکّة و هو الذی کان قال و عاهد اللّه عند الکعبة ألا یدعوه أحد إلی واحدة من ثلاث إلاّ أجابه و آثاره فی أیام الفجار مشهورة تنطق بها کتب الأیّام و الوقائع و لکنه لم یذکر مع الفرسان الثلاثة و هم عتبة و بسطام و عامر لأنهم کانوا أصحاب غارات و نهب و أهل بادیة و قریش أهل مدینة و ساکنو مدر و حجر لا یرون الغارات و لا ینهبون غیرهم من العرب و هم مقتصرون علی المقام ببلدتهم و حمایة حرمهم فلذلک لم یشتهر اسمه کاشتهار هؤلاء.

و یقال له إذا کان عمرو کما تذکر لیس هناک فما باله

3808

1- لَمَّا جَزِعَ الْخَنْدَقَ (1) فِی سِتَّةِ فُرْسَانٍ هُوَ أَحَدُهُمْ فَصَارَ مَعَ أَصْحَابِ اَلنَّبِیِّ ص عَلَی أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَ هُمْ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَ دَعَاهُمْ إِلَی الْبِرَازِ مِرَاراً لَمْ یَنْتَدِبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِلْخُرُوجِ إِلَیْهِ وَ لاَ سَمَحَ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ حَتَّی وَبَّخَهُمْ وَ قَرَعَهُمُ وَ نَادَاهُمْ أَ لَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا فَإِلَی اَلنَّارِ وَ مَنْ قُتِلَ مِنْکُمْ فَإِلَی اَلْجَنَّةِ أَ فَلاَ یَشْتَاقُ أَحَدُکُمْ إِلَی أَنْ یَذْهَبَ إِلَی اَلْجَنَّةِ أَوْ یُقَدِّمَ عَدُوَّهُ إِلَی اَلنَّارِ فَجَبُنُوا کُلُّهُمْ وَ نَکَلُوا وَ مَلَکُهُمْ الرُّعْبُ وَ الْوَهَلُ فَإِمَّا أَنْ یَکُونَ هَذَا أَشْجَعَ النَّاسِ کَمَا قِیلَ عَنْهُ أَوْ یَکُونَ اَلْمُسْلِمُونَ کُلُّهُمْ أَجْبَنَ اَلْعَرَبِ وَ أَذَلَّهُمْ وَ أَفْشَلَهُمْ وَ قَدْ رَوَی النَّاسُ کُلُّهُمْ الشِّعْرَ الَّذِی أَنْشَدَهُ لَمَّا نَکَلَ الْقَوْمُ بِجَمْعِهِمْ عَنْهُ وَ أَنَّهُ جَالَ بِفَرَسِهِ وَ اسْتَدَارَ وَ ذَهَبَ یَمْنَةً ثُمَّ ذَهَبَ یَسْرَةً ثُمَّ وَقَفَ تُجَاهَ الْقَوْمِ فَقَالَ وَ لَقَدْ بَحَحْتُ مِنَ النِّدَاءِ بِجَمْعِهِمْ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ

ص :291

وَ وَقَفْتُ إِذْ جَبُنَ الْمُشَیِّعُ

فَلَمَّا بَرَزَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ أَجَابَهُ فَقَالَ لَهُ لاَ تَعْجَلَنَّ فَقَدْ أَتَاکَ

.

و لعمری لقد سبق الجاحظ بما قاله بعض جهال الأنصار

3809

14- لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ بَدْرٍ وَ قَالَ فَتًی مِنَ اَلْأَنْصَارِ شَهِدَ مَعَهُ بَدْراً إِنْ قَتَلْنَا إِلاَّ عَجَائِزَ صُلْعاً فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِیُّ ص لاَ تَقُلْ ذَلِکَ یَا ابْنَ أَخِ أُولَئِکَ الْمَلَأُ

.

قال الجاحظ و قد أکثروا فی الولید بن عتبة بن ربیعة قتیله یوم بدر و ما علمنا الولید حضر حربا قط قبلها و لا ذکر فیها (1) .

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه کل من دون أخبار قریش و آثار رجالها وصف الولید بالشجاعة و البسالة و کان مع شجاعته أنّه یصارع الفتیان فیصرعهم و لیس لأنّه لم یشهد حربا قبلها ما یجب أن یکون بطلا شجاعا فإن علیا ع لم یشهد قبل بدر حربا و قد رأی الناس آثاره فیها.

ص :292

قال الجاحظ و قد ثبت أبو بکر مع النبیّ ص یوم أحد کما ثبت علی فلا فخر لأحدهما علی صاحبه فی ذلک الیوم.

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه أما ثباته یوم أحد فأکثر المؤرخین و أرباب السیر ینکرونه

3810

14,1- وَ جُمْهُورُهُمْ یَرْوِی أَنَّهُ لَمْ یَبْقَ مَعَ اَلنَّبِیِّ ص إِلاَّ عَلِیٌّ وَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ وَ أَبُو دُجَانَةَ وَ قَدْ رُوِیَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ وَ لَهُمْ خَامِسٌ وَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ سَادِساً وَ هُوَ اَلْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو .

3811

14,1- وَ رَوَی یَحْیَی بْنُ سَلَمَةَ بْنِ کُهَیْلٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِی کَمْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص یَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ اثْنَانِ قُلْتُ مَنْ هُمَا قَالَ عَلِیٌّ وَ أَبُو دُجَانَةَ

.

و هب أن أبا بکر ثبت یوم أحد کما یدعیه الجاحظ أ یجوز له أن یقول ثبت کما ثبت علی فلا فخر لأحدهما علی الآخر و هو یعلم آثار علی ع ذلک الیوم

3812

14,1- وَ أَنَّهُ قَتَلَ أَصْحَابَ الْأَلْوِیَةِ مِنْ بَنِی عَبْدِ الدَّارِ مِنْهُمْ طَلْحَةُ بْنُ أَبِی طَلْحَةَ الَّذِی رَأَی رَسُولُ اللَّهِ ص فِی مَنَامِهِ أَنَّهُ مُرْدِفٌ کَبْشاً فَأَوَّلَهُ وَ قَالَ کَبْشُ الْکَتِیبَةِ نَقْتُلُهُ فَلَمَّا قَتَلَهُ عَلِیٌّ ع مُبَارَزَةً وَ هُوَ أَوَّلُ قَتِیلٍ قُتِلَ مِنَ اَلْمُشْرِکِینَ ذَلِکَ الْیَوْمَ کَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ قَالَ هَذَا کَبْشُ الْکَتِیبَةِ.

وَ مَا کَانَ مِنْهُ مِنَ الْمُحَامَاةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدْ فَرَّ النَّاسُ وَ أَسْلَمُوهُ فَتَصْمُدَ لَهُ کَتِیبَةٌ مِنَ قُرَیْشٍ فَیَقُولَ یَا عَلِیُّ اکْفِنِی هَذِهِ فَیَحْمِلُ عَلَیْهَا فَیَهْزِمُهَا وَ یَقْتُلُ عَمِیدَهَا حَتَّی سَمِعَ اَلْمُسْلِمُونَ وَ اَلْمُشْرِکُونَ صَوْتاً مِنْ قِبَلِ السَّمَاءِ لاَ سَیْفَ إِلاَّ ذُو الْفَقَارِ وَ لاَ فَتَی إِلاَّ عَلِیٌّ وَ حَتَّی قَالَ اَلنَّبِیُّ ص عَنْ جَبْرَائِیلَ مَا قَالَ

.

أ تکون هذه آثاره و أفعاله ثمّ یقول الجاحظ لا فخر لأحدهما علی صاحبه.

ص :293

رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنٰا وَ بَیْنَ قَوْمِنٰا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفٰاتِحِینَ

(1)

.

قال الجاحظ و

3813

14- لِأَبِی بَکْرٍ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ مَقَامٌ مَشْهُورٌ خَرَجَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَارِساً مُکَفَّراً (2) فِی الْحَدِیدِ یَسْأَلُ الْمُبَارَزَةَ وَ یَقُولُ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتِیقٍ فَنَهَضَ إِلَیْهِ أَبُو بَکْرٍ یَسْعَی بِسَیْفِهِ فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِیُّ ص شِمْ سَیْفَکَ وَ ارْجِعْ إِلَی مَکَانِکَ وَ مَتِّعْنَا بِنَفْسِکَ

(3)

.

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه ما کان أغناک یا أبا عثمان عن ذکر هذا المقام المشهور لأبی بکر فإنه لو تسمعه الإمامیّة لأضافته إلی ما عندها من المثالب لأن قول النبیّ ص ارجع دلیل علی أنّه لا یحتمل مبارزة أحد لأنّه إذا لم یحتمل مبارزة ابنه و أنت تعلم حنو الابن علی الأب و تبجیله له و إشفاقه علیه و کفه عنه لم یحتمل مبارزة الغریب الأجنبی.

و قوله له و متعنا بنفسک إیذان له بأنّه کان یقتل لو خرج و رسول اللّه کان أعرف به من الجاحظ فأین حال هذا الرجل من حال الرجل الذی صلی بالحرب و مشی إلی السیف بالسیف فقتل السادة و القادة و الفرسان و الرجالة.

قال الجاحظ علی أن أبا بکر و إن لم تکن آثاره فی الحرب کآثار غیره فقد بذل الجهد و فعل ما یستطیعه و تبلغه قوته و إذا بذل المجهود فلا حال أشرف من حاله (4) .

ص :294

قال شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه أما قوله إنّه بذل الجهد فقد صدق و أمّا قوله لا حال أشرف من حاله فخطأ لأن حال من بلغت قوته فأعملها فی قتل المشرکین أشرف من حال من نقصت قوته عن بلوغ الغایة أ لا تری أن حال الرجل أشرف فی الجهاد من حال المرأة و حال البالغ الأید أشرف من حال الصبیّ الضعیف.

فهذه جملة ما ذکره الشیخ أبو جعفر محمّد بن عبد اللّه الإسکافی رحمه اللّه فی نقض العثمانیة اقتصرنا علیها هاهنا و سنعود فیما بعد إلی ذکر جملة أخری من کلامه إذا اقتضت الحال ذکره (1)

ص :295

فی رهط من الأنصار ما فعلت نواضحکم یهزأ به فقال أنصبناها فی طلب أبیک یوم بدر .

و الغرب الدلو العظیمة.

قوله أقبل و أدبر أی یقول لی ذلک کما یقال للناضح و قد صرّح العبّاس بن مرداس بهذه الألفاظ فقال أراک إذا أصبحت للقوم ناضحا یقال له بالغرب أدبر و أقبل .

قوله لقد دفعت عنه حتّی خشیت أن أکون آثما یحتمل أن یرید بالغت و اجتهدت فی الدفاع عنه حتّی خشیت أن أکون آثما فی کثرة مبالغتی و اجتهادی فی ذلک و إنّه لا یستحق الدفاع عنه لجرائمه و أحداثه و هذا تأویل من ینحرف عن عثمان و یحتمل أن یرید لقد دفعت عنه حتّی کدت أن ألقی نفسی فی الهلکة و أن یقتلنی الناس الذین ثاروا به فخفت الإثم فی تغریری بنفسی و توریطها فی تلک الورطة العظیمة و یحتمل أن یرید لقد جاهدت الناس دونه و دفعتهم عنه حتّی خشیت أن أکون آثما بما نلت منهم من الضرب بالسوط و الدفع بالید و الإعانة بالقول أی فعلت من ذلک أکثر ممّا یحب

وَ لَکِنَّ الْعِرْقَ نَبُوضٌ (1) وَ الرَّحِمَ عَرُوضٌ وَ إِذَا قَضَیْتَ حَقَّ الْعُمُومَةِ فَلاَ أُبَالِی بَعْدُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ یَعْنِی عُثْمَانَ قَدْ جَاءَنِی مِرَاراً بِحَدِیثِکَ وَ نَاظَرَنِی مُلاَیِناً وَ مُخَاشِناً فِی أَمْرِکَ وَ لَمْ أَجِدْ عَلَیْکَ إِلاَّ مِثْلَ مَا أَجِدُ مِنْکَ عَلَیْهِ وَ لاَ رَأَیْتُ مِنْهُ لَکَ إِلاَّ مِثْلَ مَا أَجِدُ مِنْکَ لَهُ وَ لَسْتَ تُؤْتَی مِنْ قِلَّةِ عِلْمٍ وَ لَکِنْ مِنْ قِلَّةِ قَبُولٍ وَ مَعَ هَذَا کُلِّهِ فَالرَّأْیُ الَّذِی أُودِعُکَ بِهِ أَنْ تُمْسِکَ عَنْهُ لِسَانَکَ وَ یَدَکَ وَ هَمْزَکَ وَ غَمْزَکَ فَإِنَّهُ لاَ یَبْدَؤُکَ مَا لَمْ تَبْدَأْهُ وَ لاَ یُجِیبُکَ عَمَّا لَمْ یَبْلُغْهُ وَ أَنْتَ الْمُتَجَنِّی وَ هُوَ الْمُتَأَنِّی وَ أَنْتَ الْعَائِبُ وَ هُوَ الصَّامِتُ فَإِنْ قُلْتَ کَیْفَ هَذَا وَ قَدْ جَلَسَ مَجْلِساً أَنَا بِهِ أَحَقُّ فَقَدْ قَارَبْتَ وَ لَکِنْ ذَاکَ بِمَا کَسَبَتْ یَدَاکَ وَ نَکَصَ عَنْهُ عُقْبَاکَ لِأَنَّکَ بِالْأَمْسِ الْأَدْنَی هَرْوَلْتَ إِلَیْهِمْ تَظُنُّ أَنَّهُمْ یَحُلُّونَ جِیدَکَ وَ یَخْتِمُونَ إِصْبَعَکَ وَ یَطَئُونَ عَقِبَکَ وَ یَرَوْنَ الرُّشْدَ بِکَ وَ یَقُولُونَ لاَ بُدَّ لَنَا مِنْکَ وَ لاَ مَعْدِلَ لَنَا عَنْکَ وَ کَانَ هَذَا مِنْ هَفَوَاتِکَ الْکُبَرِ وَ هَنَاتِکَ الَّتِی لَیْسَ لَکَ مِنْهَا عُذْرٌ وَ الْآنَ بَعْدَ مَا ثَلَلْتَ عَرْشَکَ بِیَدِکَ وَ نَبَذْتَ رَأْیَ عَمِّکَ فِی الْبَیْدَاءِ یَتَدَهْدَهُ (2) فِی السَّافِیَاءِ (3) خُذْ بِأَحْزَمَ مِمَّا یَتَوَضَّحُ بِهِ وَجْهُ الْأَمْرِ لاَ تُشَارَّ (4) هَذَا الرَّجُلَ وَ لاَ تُمَارِهِ (5) وَ لاَ یَبْلُغَنَّهُ عَنْکَ مَا یَحْنِقُهُ عَلَیْکَ فَإِنَّهُ إِنْ کَاشَفَکَ أَصَابَ أَنْصَاراً وَ إِنْ کَاشَفْتَهُ لَمْ تَرَ إِلاَّ ضِرَاراً وَ لَمْ تَسْتَلِجْ (6) إِلاَّ عِثَاراً وَ اعْرِفْ مَنْ هُوَ بِالشَّامِ لَهُ وَ مَنْ هَاهُنَا حَوْلَهُ مَنْ یُطِیعُ أَمْرَهُ وَ یَمْتَثِلُ قَوْلَهُ لاَ تَغْتَرِرْ بِنَاسٍ یُطِیفُونَ بِکَ وَ یَدَّعُونَ الْحَنْوَ عَلَیْکَ وَ الْحُبَّ لَکَ فَإِنَّهُمْ بَیْنَ مَوْلًی جَاهِلٍ وَ صَاحِبٍ مُتَمَنٍّ وَ جَلِیسٍ یَرْعَی الْعَیْنَ وَ یَبْتَدِرُ الْمَحْضَرَ وَ لَوْ ظَنَّ النَّاسُ بِکَ مَا تَظُنُّ بِنَفْسِکَ لَکَانَ الْأَمْرُ لَکَ وَ الزِّمَامُ فِی یَدِکَ وَ لَکِنْ هَذَا حَدِیثُ یَوْمَ مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَاتَ [فَمَاتَ]

ثُمَّ حُرِمَ الْکَلاَمَ فِیهِ حِینَ مَاتَ فَعَلَیْکَ الْآنَ بِالْعُزُوفِ عَنْ شَیْءٍ عَرَضَکَ

ص :298

لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص فَلَمْ یَتِمَّ وَ تَصَدَّیْتَ لَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَلَمْ یَسْتَقِمْ وَ مَنْ سَاوَرَ الدَّهْرَ غُلِبَ وَ مَنْ حَرَصَ عَلَی مَمْنُوعٍ تَعِبَ فَعَلَی ذَلِکَ فَقَدْ أَوْصَیْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِطَاعَتِکَ وَ بَعَثْتُهُ عَلَی مُتَابَعَتِکَ وَ أَوْجَرْتُهُ مَحَبَّتَکَ وَ وَجَدْتُ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِکَ ظَنِّی بِهِ لَکَ لاَ تُوتِرْ قَوْسَکَ إِلاَّ بَعْدَ الثِّقَةِ بِهَا وَ إِذَا أَعْجَبَتْکَ فَانْظُرْ إِلَی سِیَتِهَا ثُمَّ لاَ تَفُوقُ إِلاَّ بَعْدَ الْعِلْمِ وَ لاَ تُغْرِقُ فِی النَّزْعِ إِلاَّ لِتُصِیبَ الرَّمِیَّةَ وَ انْظُرْ لاَ تَطْرِفْ یَمِینَکَ عَیْنُکَ وَ لاَ تُجِنَّ شِمَالَکَ شَیْنُکَ وَ دَعْنِی بِآیَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ اَلْکَهْفِ وَ قُمْ إِذَا بَدَا لَکَ .

قلت الناس یستحسنون رأی العبّاس لعلی ع فی ألا یدخل فی أصحاب الشوری و أمّا أنا فإنی أستحسنه إن قصد به معنی و لا أستحسنه إن قصد به معنی آخر و ذلک لأنّه إن أجری بهذا الرأی إلی ترفعه علیهم و علو قدره عن أن یکون مماثلا لهم أو أجری به إلی زهده فی الإمارة و رغبته عن الولایة فکل هذا رأی حسن و صواب و إن کان منزعه فی ذلک إلی أنک إن ترکت الدخول معهم و انفردت بنفسک فی دارک أو خرجت عن المدینة إلی بعض أموالک فإنهم یطلبونک و یضربون إلیک آباط الإبل حتّی یولوک الخلافة و هذا هو الظاهر من کلامه فلیس هذا الرأی عندی بمستحسن لأنّه لو فعل ذلک لولوا عثمان أو واحدا منهم غیره و لم یکن عندهم من الرغبة فیه ع ما یبعثهم علی طلبه بل کان تأخره عنهم قرة أعینهم و واقعا بإیثارهم فإن قریشا کلها کانت تبغضه أشدّ البغض و لو عمر عمر نوح و توصل إلی الخلافة بجمیع أنواع التوصل کالزهد فیها تارة و المناشدة بفضائله تارة و بما فعله فی ابتداء الأمر من إخراج زوجته و أطفاله لیلا إلی بیوت الأنصار و بما اعتمده إذ ذاک من تخلفه فی بیته و إظهار أنّه قد انعکف علی جمع القرآن و بسائر أنواع الحیل فیها لم تحصل له إلاّ بتجرید السیف کما فعل فی آخر الأمر و لست ألوم العرب لا سیما قریشا فی بغضها له و انحرافها عنه فإنّه وترها و سفک دماءها و کشف القناع فی منابذتها و نفوس العرب و أکبادهم کما تعلم

ص :299

و لیس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد فی النفوس کما نشاهده الیوم عیانا و الناس کالناس الأول و الطبائع واحدة فأحسب أنک کنت من سنتین أو ثلاث جاهلیا أو من بعض الروم و قد قتل واحد من المسلمین ابنک أو أخاک ثمّ أسلمت أ کان إسلامک یذهب عنک ما تجده من بغض ذلک القاتل و شنآنه کلا إن ذلک لغیر ذاهب هذا إذا کان الإسلام صحیحا و العقیدة محققة لا کإسلام کثیر من العرب فبعضهم تقلیدا و بعضهم للطمع و الکسب و بعضهم خوفا من السیف و بعضهم علی طریق الحمیة و الانتصار أو لعداوة قوم آخرین من أضداد الإسلام و أعدائه.

و اعلم أن کل دم أراقه رسول اللّه ص بسیف علی ع و بسیف غیره فإن العرب بعد وفاته ع عصبت تلک الدماء بعلی بن أبی طالب ع وحده لأنّه لم یکن فی رهطه من یستحق فی شرعهم و سنتهم و عادتهم أن یعصب به تلک الدماء إلاّ بعلی وحده و هذه عادة العرب إذا قتل منها قتلی طالبت بتلک الدماء القاتل فإن مات أو تعذرت علیها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله.

لما قتل قوم من بنی تمیم أخا لعمرو بن هند قال بعض أعدائه یحرض عمرا علیهم (1) من مبلغ عمرا بأن

ص :300

فأمره أن یقتل زرارة بن عدس رئیس بنی تمیم و لم یکن قاتلا أخا الملک و لا حاضرا قتله.

و من نظر فی أیام العرب و وقائعها و مقاتلها عرف ما ذکرناه.

سألت النقیب أبا جعفر یحیی بن أبی زید رحمه اللّه فقلت له إنّی لأعجب من علی ع کیف بقی تلک المدة الطویلة بعد رسول اللّه ص و کیف ما اغتیل (1) و فتک به فی جوف منزله مع تلظی الأکباد علیه.

فقال لو لا أنّه أرغم أنفه بالتراب و وضع خده فی حضیض الأرض لقتل و لکنه أخمل نفسه و اشتغل بالعبادة و الصلاة و النظر فی القرآن و خرج عن ذلک الزی الأول و ذلک الشعار و نسی السیف و صار کالفاتک یتوب و یصیر سائحا فی الأرض أو راهبا فی الجبال و لما أطاع القوم الذین ولوا الأمر و صار أذل لهم من الحذاء ترکوه و سکتوا عنه و لم تکن العرب لتقدم علیه إلاّ بمواطاة من متولی الأمر و باطن فی السر منه فلما لم یکن لولاة الأمر باعث و داع إلی قتله وقع الإمساک عنه و لو لا ذلک لقتل (2) ثمّ أجل بعد معقل حصین.

فقلت له أ حقّ ما یقال فی حدیث خالد فقال إن قوما من العلویة یذکرون ذلک.

ثمّ قال و قد روی أن رجلا جاء إلی زفر بن الهذیل صاحب أبی حنیفة فسأله عما یقول أبو حنیفة فی جواز الخروج من الصلاة بأمر غیر التسلیم نحو الکلام و الفعل الکثیر أو الحدث فقال إنّه جائز قد قال أبو بکر فی تشهده ما قال فقال الرجل

ص :301

و ما الذی قاله أبو بکر قال لا علیک فأعاد علیه السؤال ثانیة و ثالثة فقال أخرجوه أخرجوه قد کنت أحدث أنّه من أصحاب أبی الخطاب .

قلت له فما الذی تقوله أنت قال أنا أستبعد ذلک و إن روته الإمامیّة .

ثمّ قال أما خالد فلا أستبعد منه الإقدام علیه بشجاعته فی نفسه و لبغضه إیاه و لکنی أستبعده من أبی بکر فإنه کان ذا ورع و لم یکن لیجمع بین أخذ الخلافة و منع فدک و إغضاب فاطمة و قتل علی ع حاش لله من ذلک فقلت له أ کان خالد یقدر علی قتله قال نعم و لم لا یقدر علی ذلک و السیف فی عنقه و علی أعزل غافل عما یراد به قد قتله ابن ملجم غیلة و خالد أشجع من ابن ملجم .

فسألته عما ترویه الإمامیّة فی ذلک کیف ألفاظه فضحک و قال کم عالم بالشیء و هو یسائل.

ثمّ قال دعنا من هذا ما الذی تحفظ فی هذا المعنی قلت قول أبی الطیب نحن أدری و قد سألنا بنجد

فاستحسن ذلک و قال لمن عجز البیت الذی استشهدت به قلت لمحمّد بن هانئ المغربی و أوله فی کل یوم أستزید تجاربا کم عالم بالشیء و هو یسائل (1) .

فبارک علی مرارا ثمّ قال نترک الآن هذا و نتمم ما کنا فیه و کنت أقرأ علیه فی ذلک الوقت جمهرة النسب لابن الکلبی فعدنا إلی القراءة و عدلنا عن الخوض عما کان اعترض الحدیث فیه

ص :302

فِرَاشِهِ یُخَادِعُ اَلْمُشْرِکِینَ عَنْهُ لِیَرَوْا أَنَّهُ لَمْ یَبْرَحْ فَلاَ یَطْلُبُوهُ حَتَّی تَبْعُدَ الْمَسَافَةُ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَهُ وَ أَنْ یَتَخَلَّفَ بَعْدَهُ بِمَکَّةَ حَتَّی یُؤَدِّیَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص الْوَدَائِعَ الَّتِی عِنْدَهُ لِلنَّاسِ وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص اسْتَوْدَعَهُ رِجَالٌ مِنْ مَکَّةَ وَدَائِعَ لَهُمْ لِمَا یَعْرِفُونَهُ مِنْ أَمَانَتِهِ وَ أَمَّا أَبُو بَکْرٍ فَخَرَجَ مَعَهُ

.

و سألت النقیب أبا جعفر یحیی بن أبی زید الحسنی رحمه اللّه فقلت إذا کانت قریش قد محصت رأیها و ألقی إلیها إبلیس کما روی ذلک الرأی و هو أن یضربوه بأسیاف من أیدی جماعة من بطون مختلفة لیضیع دمه فی بطون قریش فلا تطلبه بنو عبد مناف فلما ذا انتظروا به تلک اللیلة الصبح

3816

1- فَإِنَّ الرِّوَایَةَ جَاءَتْ بِأَنَّهُمْ کَانُوا تَسَوَّرُوا الدَّارَ فَعَایَنُوا فِیهَا شَخْصاً مُسَجًّی بِالْبُرْدِ الْحَضْرَمِیِّ الْأَخْضَرِ فَلَمْ یَشُکُّوا أَنَّهُ هُوَ فَرَصَدُوهُ إِلَی أَنْ أَصْبَحُوا فَوَجَدُوهُ عَلِیّاً .

و هذا طریف لأنّهم کانوا قد أجمعوا علی قتله تلک اللیلة فما بالهم لم یقتلوا ذلک الشخص المسجی و انتظارهم به النهار دلیل علی أنهم لم یکونوا أرادوا قتله تلک اللیلة فقال فی الجواب

3817

1- لَقَدْ کَانُوا هَمُّوا مِنَ النَّهَارِ بِقَتْلِهِ تِلْکَ اللَّیْلَةَ وَ کَانَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَی ذَلِکَ وَ عَزْمُهُمْ فِی حَقْنِهِ مِنْ بَنِی عَبْدِ مَنَافٍ لِأَنَّ الَّذِینَ مَحَّصُوا هَذَا الرَّأْیَ وَ اتَّفَقُوا عَلَیْهِ اَلنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِی عَبْدِ الدَّارِ وَ أَبُو الْبَخْتَرِیِّ بْنُ هِشَامٍ وَ حَکِیمُ بْنُ حِزَامٍ وَ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ مِنْ بَنِی أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّی وَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَ أَخُوهُ اَلْحَارِثُ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ بْنِ الْمُغِیرَةِ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ مِنْ بَنِی مَخْزُومٍ وَ نَبِیهٌ وَ مُنَبِّهٌ ابْنَا اَلْحَجَّاجِ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ مِنْ بَنِی سَهْمٍ وَ أُمَیَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَ أَخُوهُ أُبَیُّ بْنُ خَلَفٍ هَذَانِ مِنْ بَنِی جُمَحٍ فَنَمَا هَذَا الْخَبَرُ مِنَ اللَّیْلِ إِلَی عُتْبَةَ بْنِ رَبِیعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَلَقِیَ مِنْهُمْ قَوْماً فَنَهَاهُمْ عَنْهُ وَ قَالَ إِنَّ بَنِی عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تُمْسِکُ عَنِ دَمُهُ وَ لَکِنْ صَفِّدُوهُ

ص :304

فِی الْحَدِیدِ وَ احْبِسُوهُ فِی دَارٍ مِنْ دُورِکُمْ وَ تَرَبَّصُوا بِهِ أَنْ یُصِیبَهُ مِنَ الْمَوْتِ مَا أَصَابَ أَمْثَالَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ وَ کَانَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِیعَةَ سَیِّدَ بَنِی عَبْدِ شَمْسٍ وَ رَئِیسَهُمْ وَ هُمْ مِنْ بَنِی عَبْدِ مَنَافٍ وَ بَنُو عَمِّ الرَّجُلِ وَ رَهْطُهُ فَأَحْجَمَ أَبُو جَهْلٍ وَ أَصْحَابُهُ تِلْکَ اللَّیْلَةَ عَنْ قَتْلِهِ إِحْجَاماً ثُمَّ تَسَوَّرُوا عَلَیْهِ وَ هُمْ یَظُنُّونَهُ فِی الدَّارِ فَلَمَّا رَأَوْا إِنْسَاناً مُسَجًّی بِالْبَرْدِ الْأَخْضَرِ الْحَضْرَمِیِّ لَمْ یَشُکُّوا أَنَّهُ هُوَ وَ ائْتَمَرُوا فِی قَتْلِهِ فَکَانَ أَبُو جَهْلٍ یَذْمُرُهُمْ (1) عَلَیْهِ فَیَهِمُّونَ ثُمَّ یُحْجِمُونَ ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ارْمُوهُ بِالْحِجَارَةِ فَرَمَوْهُ فَجَعَلَ عَلِیٌّ یَتَضَوَّرُ مِنْهَا وَ یَتَقَلَّبُ وَ یَتَأَوَّهُ تَأَوُّهاً خَفِیفاً فَلَمْ یَزَالُوا کَذَلِکَ فِی إِقْدَامٍ عَلَیْهِ وَ إِحْجَامٍ عَنْهُ لِمَا یُرِیدُهُ اللَّهُ تَعَالَی مِنْ سَلاَمَتِهِ وَ نَجَاتِهِ حَتَّی أَصْبَحَ وَ هُوَ وَقِیذٌ (2) مِنْ رَمْیِ الْحِجَارَةِ

.

و لو لم یخرج رسول اللّه ص إلی المدینة و أقام بینهم بمکّة و لم یقتلوه تلک اللیلة لقتلوه فی اللیلة التی تلیها و إن شبت الحرب بینهم و بین عبد مناف فإن أبا جهل لم یکن بالذی لیمسک عن قتله و کان فاقد البصیرة شدید العزم علی الولوغ فی دمه.

قلت للنقیب أ فعلم رسول اللّه ص و علی ع بما کان من نهی عتبة لهم قال لا أَنَّهُمَا لم یعلما ذلک تلک اللیلة و إنّما عرفاه من بعد

3818

14- وَ لَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَوْمَ بَدْرٍ لَمَّا رَأَی عُتْبَةَ وَ مَا کَانَ مِنْهُ إِنْ یَکُنْ فِی الْقَوْمِ خَیْرٌ فَفِی صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ .

و لو قدرنا أن علیا ع علم ما قال لهم عتبة لم یسقط ذلک فضیلته فی المبیت لأنّه لم یکن علی ثقة من أنهم یقبلون قول عتبة بل کان ظنّ الهلاک و القتل أغلب.

3819

1,14- وَ أَمَّا حَالُ عَلِیٍّ ع فَلَمَّا أَدَّی الْوَدَائِعَ خَرَجَ بَعْدَ ثَلاَثٍ مِنْ هِجْرَةِ اَلنَّبِیِّ ص

ص :305

فَجَاءَ إِلَی اَلْمَدِینَةِ رَاجِلاً قَدْ تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَصَادَفَ رَسُولَ اللَّهِ ص نَازِلاً بِقُبَاءَ عَلَی کُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ فَنَزَلَ مَعَهُ فِی مَنْزِلِهِ وَ کَانَ أَبُو بَکْرٍ نَازِلاً بِقُبَاءَ أَیْضاً فِی مَنْزِلِ حَبِیبِ بْنِ یِسَافٍ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ هُمَا مَعَهُ مِنْ قُبَاءَ حَتَّی نَزَلَ بِالْمَدِینَةِ عَلَی أَبِی أَیُّوبَ خَالِدِ بْنِ یَزِیدَ الْأَنْصَارِیِّ وَ ابْتَنَی اَلْمَسْجِدَ

.

ص :306

و المسیء یرجی

أی یرجی عوده و إقلاعه.

قبل أن یجمد العمل

استعارة ملیحة لأن المیت یجمد عمله و یقف و یروی یخمد بالخاء من خمدت النار و الأول أحسن.

و ینقطع المهل

أی العمر الذی أمهلتم فیه.

و تصعد الملائکة

لأن الإنسان عند موته تصعد حفظته إلی السماء لأنّه لم یبق لهم شغل فی الأرض .

قوله فأخذ امرؤ ماض یقوم مقام الأمر و قد تقدم شرح ذلک و المعنی أن من یصوم و یصلی فإنما یأخذ بعض قوة نفسه ممّا یلقی من المشقة لنفسه أی عدة و ذخیرة لنفسه یوم القیامة و کذلک من یتصدق فإنّه یأخذ من ماله و هو جار مجری نفسه لنفسه.

و أخذ من حی لمیت

أی من حال الحیاة لحال الموت و لو قال من میت لحی کان جیدا أیضا لأن الحیّ فی الدنیا لیس بحی علی الحقیقة و إنّما الحیاة حیاة الآخرة کما قال اللّه تعالی وَ إِنَّ الدّٰارَ الْآخِرَةَ لَهِیَ الْحَیَوٰانُ (1) .

و روی أمسکها بلجامها بغیر فاء

ص :308

و الأقزام بالزای رذال الناس و سفلتهم و المسموع قزم الذکر و الأنثی و الواحد و الجمع فیه سواء لأنّه فی معنی المصدر قال الشاعر و هم إذا الخیل جالوا فی کتائبها فوارس الخیل لا میل و لا قزم (1) .

و لکنه ع قال أقزام لیوازن بها قوله طغام و قد روی قزام و هی روایة جیدة و قد نطقت العرب بهذه اللفظة و قال الشاعر أحصنوا أمهم من عبدهم تلک أفعال القزام الوکعه (2) .

و جمعوا من کل أوب أی من کل ناحیة.

و تلقطوا من کل شوب

أی من فرق مختلطة.

ثمّ وصف جهلهم و بعدهم عن العلم و الدین فقال ممن ینبغی أن یفقه و یؤدب أی یعلم الفقه و الأدب و یدرب أی یعود اعتماد الأفعال الحسنة و الأخلاق الجمیلة.

و یولی علیه

أی لا یستحقون أن یولوا أمرا بل ینبغی أن یحجر علیهم کما یحجر علی الصبیّ و السفیه لعدم رشده و روی و یولی علیه بالتخفیف و یؤخذ علی یدیه أی یمنع من التصرف .

قوله ع و لا اَلَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدّٰارَ وَ الْإِیمٰانَ ظاهر اللفظ یشعر بأن الأقسام ثلاثة و لیست إلاّ اثنین لأن اَلَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدّٰارَ وَ الْإِیمٰانَ الأنصار و لکنه ع کرر ذکرهم تأکیدا و أیضا فإن لفظة الأنصار واقعة علی کل من کان من الأوس و الخزرج الذین أسلموا علی عهد رسول اللّه ص و اَلَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدّٰارَ

ص :310

وَ الْإِیمٰانَ فی (1) الآیة قوم مخصوصون منهم و هم أهل الإخلاص و الإیمان التام فصار ذکر الخاص بعد العام کذکره تعالی جبریل و میکائیل ثم قال وَ الْمَلاٰئِکَةُ بَعْدَ ذٰلِکَ ظَهِیرٌ (2) و هما من الملائکة و معنی قوله تَبَوَّؤُا الدّٰارَ وَ الْإِیمٰانَ سکنوهما و إن کان الإیمان لا یسکن کما تسکن المنازل لکنهم لما ثبتوا علیه و اطمأنوا سماه منزلا لهم و متبوأ و یجوز أن یکون مثل قوله و رأیت زوجک فی الوغی متقلدا سیفا و رمحا (3) .

ثمّ ذکر ع أن أهل الشام اختاروا لأنفسهم أقرب القوم ممّا یحبونه و هو عمرو بن العاص و کرر لفظة القوم و کان الأصل أن یقول ألا و إن القوم اختاروا لأنفسهم أقربهم ممّا یحبون فأخرجه مخرج قول اللّه تعالی وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ عَلِیمٌ بِذٰاتِ الصُّدُورِ (4) و الذی یحبه أهل الشام هو الانتصار علی أهل العراق و الظفر بهم و کان عمرو بن العاص أقربهم إلی بلوغ ذلک و الوصول إلیه بمکره و حیلته و خدائعه و القوم فی قوله ثانیا أقرب القوم بمعنی الناس کأنّه قال و اخترتم لأنفسکم أقرب الناس ممّا تکرهونه و هو أبو موسی الأشعری و اسمه عبد اللّه بن قیس و الذی یکرهه أهل العراق هو ما یحبه أهل الشام و هو خذلان عسکر العراق و انکسارهم و استیلاء أهل الشام علیهم و کان أبو موسی أقرب الناس إلی وقوع ذلک و هکذا وقع لبلهه و غفلته و فساد رأیه و بغضه علیا ع من قبل.

ثمّ قال أنتم بالأمس یعنی فی واقعة الجمل قد سمعتم أبا موسی ینهی أهل الکوفة

ص :311

عن نصرتی و یقول لهم هذه هی الفتنة التی وعدنا بها فقطعوا أوتار قسیکم و شِیمُوا سیوفَکم أی أغمدوها فإن کان صادقا فما باله سار إلی و صار معی فی الصف و حضر حرب صفّین و کثر سواد أهل العراق و إن لم یحارب و لم یسل السیف فإن من حضر فی إحدی الجهتین و إن لم یحارب کمن حارب و إن کان کاذبا فیما رواه من خبر الفتنة فقد لزمته التهمة و قبح الاختلاف إلیه فی الحکومة و هذا یؤکد صحة إحدی الروایتین فی أمر أبی موسی فإنه قد اختلفت الروایة هل حضر حرب صفّین مع أهل العراق أم لا فمن قال حضر قال حضر و لم یحارب و ما طلبه الیمانیون من أصحاب علی ع لیجعلوه حکما کالأشعث بن قیس و غیره إلاّ و هو حاضر معهم فی الصف و لم یکن منهم علی مسافة و لو کان علی مسافة لما طلبوه و لکان لهم فیمن حضر غناء عنه و لو کان علی مسافة لما وافق علی ع علی تحکیمه و لا کان علی ع ممن یحکم من لم یحضر معه.

و قال الأکثرون إنّه کان معتزلا للحرب بعیدا عن أهل العراق و أهل الشام .

فإن قلت فلم لا یحمل قوله ع فإن کان صادقا فقد أخطأ بسیره غیر مستکره علی مسیره إلی أمیر المؤمنین ع و أهل العراق حیث طلبوه لیفوضوا إلیه أمر الحکومة قلت لو حملنا کلامه ع علی هذا لم یکن لازما لأبی موسی و کان الجواب عنه هینا و ذلک لأن أبا موسی یقول إنّما أنکرت الحرب و ما سرت لأحارب و لا لأشهد الحرب و لا أغری بالحرب و إنّما سرت للإصلاح بین الناس و إطفاء نائرة الفتنة فلیس یناقض ذلک ما رویته عن الرسول من خبر الفتنة و لا ما قلته فی الکوفة فی واقعة الجمل قَطِّعُوا أَوْتَارَ قِسِیِّکُمْ.

ص :312

قوله ع فادفعوا فی صدر عمرو بن العاص بعبد اللّه بن العبّاس یقال لمن یرام کفه عن أمر یتطاول له ادفع فی صدره و ذلک لأن من یقدم علی أمر ببدنه فیدفع دافع فی صدره حقیقة فإنّه یرده أو یکاد فنقل ذلک إلی الدفع المعنوی.

قوله ع و خذوا مهل الأیّام أی اغتنموا سعة الوقت و خذوه مناهبة قبل أن یضیق بکم أو یفوت.

قوله ع و حوطوا قواصی الإسلام ما بعد من الأطراف و النواحی .

ثمّ قال لهم أ لا ترون إلی بلادکم تغزی هذا یدلّ علی أن هذه الخطبة بعد انقضاء أمر التحکیم لأن معاویة بعد أن تمّ علی أبی موسی من الخدیعة ما تمّ استعجل أمره و بعث السرایا إلی أعمال أمیر المؤمنین علی ع .

و تقول قد رمی فلان صفاة فلان إذا دهاه بداهیة قال الشاعر و الدهر یوتر قوسه یرمی صفاتک بالمعابل.

و أصل ذلک الصخرة الملساء لا یؤثر فیها السهام و لا یرمیها الرامی إلاّ بعد أن نبل غیرها یقول قد بلغت غارات أهل الشام حدود الکوفة التی هی دار الملک و سریر الخلافة و ذلک لا یکون إلاّ بعد الإثخان فی غیرها من الأطراف

بْنِ عُذْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ نَاجِیَةَ بْنِ الْجُمَاهِرِ بْنِ الْأَشْعَرِ وَ هُوَ نَبَتُ بْنُ أُدَدَ بْنِ زَیْدِ بْنِ یَشْجُبَ بْنِ عَرِیبِ بْنِ کَهْلاَنَ بْنِ سَبَأَ بْنِ یَشْجُبَ بْنِ یُعْرِبَ بْنِ قَحْطَانَ وَ أُمُّهُ امْرَأَةٌ مِنْ عُکٍّ أَسْلَمَتْ وَ مَاتَتْ بِالْمَدِینَةِ وَ اخْتُلِفَ فِی أَنَّهُ هَلْ هُوَ مِنْ مُهَاجِرَةِ اَلْحَبَشَةِ أَمْ لاَ وَ الصَّحِیحُ أَنَّهُ لَیْسَ مِنْهُمْ وَ لَکِنَّهُ أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی بِلاَدِ قَوْمِهِ فَلَمْ یَزَلْ بِهَا حَتَّی قَدِمَ هُوَ وَ نَاسٌ مِنَ اَلْأَشْعَرِیَّیْنِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَوَافَقَ قُدُومُهُمْ قُدُومَ أَهْلِ السَّفِینَتَیْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ أَصْحَابِهِ مِنْ أَرْضِ اَلْحَبَشَةِ فَوَافَوْا رَسُولَ اللَّهِ ص بِخَیْبَرَ فَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ أَبَا مُوسَی قَدِمَ مِنَ اَلْحَبَشَةِ مَعَ جَعْفَرٍ .

وَ قِیلَ إِنَّهُ لَمْ یُهَاجِرْ إِلَی اَلْحَبَشَةِ وَ إِنَّمَا أَقْبَلَ فِی سَفِینَةٍ مَعَ قَوْمٍ مِنَ اَلْأَشْعَرِیَّیْنِ فَرَمَتِ الرِّیحُ سَفِینَتَهُمْ إِلَی أَرْضِ اَلْحَبَشَةِ وَ خَرَجُوا مِنْهَا مَعَ جَعْفَرٍ وَ أَصْحَابِهِ فَکَانَ قُدُومُهُمْ مَعاً فَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّهُ کَانَ مِنْ مُهَاجِرَةِ اَلْحَبَشَةِ .

قَالَ وَ وَلاَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ مَخَالِیفِ اَلْیَمَنِ زُبَیْدَ وَ وَلاَّهُ عُمَرُ اَلْبَصْرَةَ لَمَّا عَزَلَ اَلْمُغِیرَةَ عَنْهَا فَلَمْ یَزَلْ عَلَیْهَا إِلَی صَدْرِ مِنْ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ فَعَزَلَهُ عُثْمَانُ عَنْهَا وَ وَلاَّهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ کُرَیْزٍ فَنَزَلَ أَبُو مُوسَی اَلْکُوفَةَ حِینَئِذٍ وَ سَکَنَهَا فَلَمَّا کَرِهَ أَهْلُ اَلْکُوفَةِ سَعِیدَ بْنَ الْعَاصِ وَ دَفَعُوهُ عَنْهَا وَلَّوْا أَبَا مُوسَی وَ کَتَبُوا إِلَی عُثْمَانَ یَسْأَلُونَهُ أَنْ یُوَلِّیَهُ فَأَقَرَّهُ عَلَی اَلْکُوفَةِ فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ عَزَلَهُ عَلِیٌّ ع عَنْهَا فَلَمْ یَزَلْ وَاجِداً لِذَلِکَ عَلَی عَلِیٍّ ع حَتَّی جَاءَ مِنْهُ مَا قَالَ حُذَیْفَةُ فِیهِ فَقَدْ رَوَی حُذَیْفَةُ فِیهِ کَلاَماً کَرِهْتُ ذِکْرَهُ وَ اللَّهُ یَغْفِرُ لَهُ (1)

.

قلت الکلام الذی أشار إلیه أبو عمر بن عبد البر و لم یذکره قوله فیه و قد ذکر عنده بالدین أما أنتم فتقولون ذلک و أمّا أنا فأشهد أنّه عدو لله و لرسوله و حرب لهما فی الحیاة الدنیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهٰادُ یَوْمَ لاٰ یَنْفَعُ الظّٰالِمِینَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ

ص :314

سُوءُ الدّٰارِ و کان حذیفة عارفا بالمنافقین أسر إلیه رسول اللّه ص أمرهم و أعلمه أسماءهم.

3821

14- وَ رُوِیَ أَنَّ عَمَّاراً سُئِلَ عَنْ أَبِی مُوسَی فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ فِیهِ مِنْ حُذَیْفَةَ قَوْلاً عَظِیماً سَمِعْتُهُ یَقُولُ صَاحِبُ الْبُرْنُسِ الْأَسْوَدِ ثَمَّ کَلَحَ کُلُوحاً عَلِمْتُ مِنْهُ أَنَّهُ کَانَ لَیْلَةَ الْعَقَبَةِ بَیْنَ ذَلِکَ الرَّهْطِ

.

3822

14- وَ رُوِیَ عَنْ سُوَیْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ کُنْتُ مَعَ أَبِی مُوسَی عَلَی شَاطِئِ اَلْفُرَاتِ فِی خِلاَفَةِ عُثْمَانَ فَرَوَی لِی خَبَراً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ إِنَّ بَنِی إِسْرَائِیلَ اخْتَلَفُوا فَلَمْ یَزَلِ الاِخْتِلاَفُ بَیْنَهُمْ حَتَّی بَعَثُوا حَکَمَیْنِ ضَالَّیْنِ ضَلاَّ وَ أَضَلاَّ مَنِ اتَّبَعَهُمَا وَ لاَ یَنْفَکُّ أَمْرُ أُمَّتِی حَتَّی یَبْعَثُوا حَکَمَیْنِ یَضِلاَّنِ وَ یُضِلاَّنِ مَنْ تَبِعَهُمَا فَقُلْتُ لَهُ احْذَرْ یَا أَبَا مُوسَی أَنْ تَکُونَ أَحَدَهُمَا قَالَ فَخَلَعَ قَمِیصَهُ وَ قَالَ أَبْرَأُ إِلَی اللَّهِ مِنْ ذَلِکَ کَمَا أَبْرَأُ مِنْ قَمِیصِی هَذَا .

فأما ما تعتقده المعتزلة فیه فأنا أذکر ما قاله أبو محمّد بن متویه فی کتاب الکفایة قال رحمه اللّه أما أبو موسی فإنه عظم جرمه بما فعله و أدی ذلک إلی الضرر الذی لم یخف حاله

3823

1- وَ کَانَ عَلِیٌّ ع یَقْنُتُ عَلَیْهِ وَ عَلَی غَیْرِهِ فَیَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ مُعَاوِیَةَ أَوَّلاً وَ عَمْراً ثَانِیاً وَ أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِیَّ ثَالِثاً وَ أَبَا مُوسَی الْأَشْعَرِیَّ رَابِعاً .

3824

رُوِیَ عَنْهُ ع أَنَّهُ کَانَ یَقُولُ فِی أَبِی مُوسَی صُبِغَ بِالْعِلْمِ صِبْغاً وَ سُلِخَ مِنْهُ سَلْخاً .

3825

14- قَالَ وَ أَبُو مُوسَی هُوَ الَّذِی رَوَی عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ کَانَ فِی

ص :315

بَنِی إِسْرَائِیلَ حَکَمَانِ ضَالاَّنِ وَ سَیَکُونُ فِی أُمَّتِی حَکَمَانِ ضَالاَّنِ ضَالٌّ مَنِ اتَّبَعَهُمَا.

وَ أَنَّهُ قِیلَ لَهُ أَ لاَ یَجُوزُ أَنْ تَکُونَ أَحَدَهُمَا فَقَالَ لاَ أَوْ کَلاَماً مَا هَذَا مَعْنَاهُ فَلَمَّا بُلِیَ بِهِ قِیلَ فِیهِ الْبَلاَءُ مُوَکَّلٌ بِالْمَنْطِقِ .

و لم یثبت فی توبته ما ثبت فی توبة غیره

3826

1,2- وَ إِنْ کَانَ اَلشَّیْخُ أَبُو عَلِیٍّ قَدْ ذَکَرَ فِی آخِرِ کِتَابِ اَلْحَکَمَیْنِ أَنَّهُ جَاءَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فِی مَرَضِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ فَقَالَ لَهُ أَ جِئْتَنَا عَائِداً أَمْ شَامِتاً فَقَالَ بَلْ عَائِداً وَ حَدَّثَ بِحَدِیثٍ فِی فَضْلِ الْعِیَادَةِ .

قال ابن متویه و هذه أمارة ضعیفة فی توبته.

انتهی کلام ابن متویه و ذکرته لک لتعلم أنّه عند المعتزلة من أرباب الکبائر و حکمه حکم أمثاله ممن واقع کبیرة و مات علیها.

3827

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَ اخْتُلِفَ فِی تَارِیخِ مَوْتِهِ فَقِیلَ سَنَةَ اثْنَتَیْنِ وَ أَرْبَعِینَ وَ قِیلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ أَرْبَعِینَ وَ قِیلَ سَنَةَ خَمْسِینَ وَ قِیلَ سَنَةَ اثْنَتَیْنِ وَ خَمْسِینَ .

وَ اخْتُلِفَ فِی قَبْرِهِ فَقِیلَ مَاتَ بِمَکَّةَ وَ دُفِنَ بِهَا وَ قِیلَ مَاتَ بِالْکُوفَةِ وَ دُفِنَ بِهَا.

ص :316

و دعائم الإسلام أرکانه.

و الولائج جمع ولیجة و هی الموضع یدخل إلیه و یستتر فیه و یعتصم به.

و عاد الحق إلی نصابه رجع إلی مستقره و موضعه و انزاح الباطل زال و انقطع لسانه انقطع حجته .

عقلوا الدین عقل رعایة

أی عرفوا الدین و علموه معرفة من وعی الشیء و فهمه و أتقنه و وعایة أی وعوا الدین و حفظوه و حاطوه لیس کما یعقله غیرهم عن سماع و روایة فإن من یروی العلم و یسنده إلی الرجال و یأخذه من أفواه الناس کثیر و من یحفظ العلم حفظ فهم و إدراک أصالة لا تقلیدا قلیل تم الجزء الثالث عشر من شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید و یلیه الجزء الرابع عشر

ص :318

239 من کلام له علیه السلام قاله لعبد اللّه بن عبّاس و قد جاءه برسالة من عثمان و هو محصور 296

240 من کلام له علیه السلام اقتصّ فیه ما کان منه بعد هجرة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثمّ لحاقه به 303

241 من خطبة له علیه السلام فی الزهد 307

242 من خطبة له علیه السلام فی شأن الحکمین و ذمّ أهل الشام 309

243 من خطبة له علیه السلام یذکر فیها آل محمّد علیه السلام 317