ص :2

حدّثنی بذلک فخار بن معد الموسوی الأودی الشاعر و سألت عنه النقیب أبا جعفر یحیی بن أبی زید العلوی فقال لی هو عمر فقلت له أ یثنی علیه أمیر المؤمنین ع هذا الثناء فقال نعم أما الإمامیّة فیقولون إن ذلک من التقیة و استصلاح أصحابه و أما الصالحیون (1) من الزیدیة فیقولون إنّه أثنی علیه حقّ الثناء و لم یضع المدح إلاّ فی موضعه و نصابه و أما الجارودیة (2) من الزیدیة فیقولون إنّه کلام قاله فی أمر عثمان أخرجه مخرج الذم له و التنقص (3) لأعماله کما یمدح الآن الأمیر المیت فی أیّام الأمیر الحیّ بعده فیکون ذلک تعریضا به.

فقلت له إلاّ أنّه لا یجوز التعریض و الاستزادة للحاضر بمدح الماضی إلاّ إذا کان ذلک المدح صدقا لا یخالطه ریب و لا شبهة فإذا اعترف أمیر المؤمنین بأنه أقام السنة و ذهب نقی الثوب قلیل العیب و أنّه أدی إلی اللّه طاعته و اتقاه بحقه فهذا غایة ما یکون من المدح و فیه إبطال قول من طعن علی عثمان بن عفان .

فلم یجبنی بشیء و قال هو ما قلت لک.

فأما الراوندیّ فإنه قال فی الشرح إنّه ع مدح بعض أصحابه بحسن السیرة و إن الفتنة هی التی وقعت بعد رسول اللّه ص من الاختیار و الأثرة.

و هذا بعید لأن لفظ أمیر المؤمنین یشعر إشعارا ظاهرا بأنّه یمدح والیا ذا رعیة و سیرة أ لا تراه کیف یقول فلقد قوم الأود و داوی العمد و أقام السنة و خلف الفتنة و کیف یقول أصاب خیرها و سبق شرها و کیف یقول أدی إلی اللّه طاعته و کیف یقول رحل و ترکهم فی طرق متشعبة .

ص :4

و هذا الضمیر و هو الهاء و المیم فی قوله ع و ترکهم هل یصحّ أن یعود إلاّ إلی الرعایا و هل یسوغ أن یقال هذا الکلام لسوقة من عرض الناس و کل من مات قبل وفاة النبیّ ص کان سوقة لا سلطان له فلا یصحّ أن یحمل هذا الکلام علی إرادة أحد من الذین قتلوا أو ماتوا قبل وفاة النبیّ ص کعثمان بن مظعون أو مصعب بن عمیر أو حمزة بن عبد المطلب أو عبیدة بن الحارث و غیرهم من الناس و التأویلات الباردة الغثة لا تعجبنی علی أن أبا جعفر محمّد بن جریر الطبریّ قد صرّح أو کاد یصرح بأن المعنی بهذا الکلام عمر

3039

قَالَ اَلطَّبَرِیُّ لَمَّا مَاتَ عُمَرُ بَکَتْهُ النِّسَاءُ فَقَالَتْ إِحْدَی نَوَادِبِهِ وَا حُزْنَاهْ عَلَی عُمَرَ حُزْناً انْتَشَرَ حَتَّی مَلَأَ الْبَشَرَ (1) وَ قَالَتْ اِبْنَةُ أَبِی حَثْمَةَ وَا عُمَرَاهْ أَقَامَ الْأَوَدَ وَ أَبْرَأَ الْعَمَدَ وَ أَمَاتَ الْفِتَنَ وَ أَحْیَا السُّنَنَ خَرَجَ نَقِیَّ الثَّوْبِ بَرِیئاً مِنَ الْعَیْبِ (2) .

3040

1- قَالَ اَلطَّبَرِیُّ فَرَوَی صَالِحُ بْنُ کَیْسَانَ عَنِ اَلْمُغِیرَةِ بْنِ شُعْبَةَ (3) قَالَ لَمَّا دُفِنَ عُمَرُ أَتَیْتُ عَلِیّاً ع وَ أَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ مِنْهُ فِی عُمُرَ شَیْئاً فَخَرَجَ یَنْفُضُ رَأْسَهُ وَ لِحْیَتَهُ وَ قَدِ اغْتَسَلَ وَ هُوَ مُلْتَحِفٌ بِثَوْبٍ لاَ یَشُکُّ أَنَّ الْأَمْرَ یَصِیرُ إِلَیْهِ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ اِبْنَ الْخَطَّابِ لَقَدْ صَدَقَتْ اِبْنَةُ أَبِی حَثْمَةَ ذَهَبَ بِخَیْرِهَا وَ نَجَا مِنْ شَرِّهَا أَمَا وَ اللَّهِ مَا قَالَتْ وَ لَکِنْ قُوِّلَتْ

.

و هذا کما تری یقوی الظنّ أن المراد و المعنی بالکلام إنّما هو عمر بن الخطّاب .

ص :5

قوله فلقد قوم الأود أی العوج أود الشیء بالکسر یأود أودا أی أعوج و تأود العود یتأود.

و العمد انفضاخ (1) سنام البعیر و منه یقال للعاشق عمید القلب و معموده.

قوله أصاب خیرها أی خیر الولایة و جاء بضمیرها و لم یجر ذکرها لعادة العرب فی أمثال ذلک کقوله تعالی حَتّٰی تَوٰارَتْ بِالْحِجٰابِ (2) .

و سبق شرها

أی مات أو قتل قبل الأحداث و الاختلاط الذی جری بین المسلمین .

قوله و اتقاه بحقه أی بأداء حقه و القیام به.

فإن قلت و أی معنی فی قوله و اتقاه بأداء حقه و هل یتقی الإنسان اللّه بأداء الحق إنّما قد تکون التقوی علة فی أداء الحق فأما أن یتقی بأدائه فهو غیر معقول.

قلت أراد ع أنّه اتقی اللّه و دلنا علی أنّه اتقی اللّه بأدائه حقه فأداء الحق علة فی علمنا بأنّه قد اتقی اللّه سبحانه.

ثمّ ذکر أنّه رحل و ترک الناس فی طرق متشعبة متفرقة فالضال لا یهتدی فیها و المهتدی لا یعلم أنّه علی المنهج القویم و هذه الصفات إذا تأملها المنصف و أماط عن نفسه الهوی علم أن أمیر المؤمنین ع لم یعن بها إلاّ عمر لو لم یکن قد روی لنا توقیفا و نقلا أن المعنی بها عمر فکیف و قد رویناه عمن لا یتهم فی هذا الباب

3041

أُتِیَ عُمَرُ بِمَالٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَوْ حَبَسْتَ مِنْ هَذَا الْمَالِ فِی بَیْتِ الْمَالِ لِنَائِبَةٍ تَکُونُ أَوْ أَمْرٍ یَحْدُثُ فَقَالَ کَلِمَةٌ مَا عَرَضَ بِهَا إِلاَّ شَیْطَانٌ کَفَانِی حُجَّتَهَا وَ وَقَانِی فِتْنَتَهَا أَعْصِی اللَّهَ الْعَامَ مَخَافَةَ قَابِلٍ أَعِدَّ لَهُمْ تَقْوَی اللَّهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ مَنْ یَتَّقِ اللّٰهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ یَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لاٰ یَحْتَسِبُ (1) .

3042

اسْتَکْتَبَ أَبُو مُوسَی الْأَشْعَرِیُّ نَصْرَانِیّاً فَکَتَبَ إِلَیْهِ عُمَرُ اعْزِلْهُ وَ اسْتَعْمِلْ بَدَلَهُ حَنِیفِیّاً فَکَتَبَ لَهُ أَبُو مُوسَی إِنَّ مِنْ غِنَائِهِ وَ خَیْرِهِ وَ خِبْرَتِهِ کَیْتَ وَ کَیْتَ فَکَتَبَ لَهُ عُمَرُ لَیْسَ لَنَا أَنْ نَأْتَمِنَهُمْ وَ قَدْ خَوَّنَهُمُ اللَّهُ وَ لاَ أَنْ نَرْفَعَهُمْ وَ قَدْ وَضَعَهُمُ اللَّهُ وَ لاَ أَنْ نَسْتَنْصِحَهُمْ فِی الدِّینِ وَ قَدْ وَتَرَهُمُ اَلْإِسْلاَمُ وَ لاَ أَنْ نُعِزَّهُمْ وَ قَدْ أَمَرَنَا بِأَنْ یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ .

فَکَتَبَ أَبُو مُوسَی إِنَّ الْبَلَدَ لاَ یَصْلُحُ إِلاَّ بِهِ فَکَتَبَ إِلَیْهِ عُمَرُ مَاتَ اَلنَّصْرَانِیُّ وَ السَّلاَمُ.

3043

وَ کَتَبَ إِلَی مُعَاوِیَةَ إِیَّاکَ وَ الاِحْتِجَابَ دُونَ النَّاسِ وَ ائْذَنْ لِلضَّعِیفِ وَ أَدْنِهِ حَتَّی یَنْبَسِطَ لِسَانُهُ وَ یَجْتَرِئَ قَلْبُهُ وَ تَعَهَّدِ الْغَرِیبَ (2) فَإِنَّهُ إِذَا طَالَ حَبْسُهُ وَ دَامَ إِذْنُهُ ضَعُفَ قَلْبُهُ وَ تَرَکَ حَقَّهُ.

3044

عَزَلَ عُمَرُ زِیَاداً عَنْ کِتَابَةِ أَبِی مُوسَی الْأَشْعَرِیِّ فِی بَعْضِ قَدَمَاتِهِ عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُ عَنْ عَجْزٍ أَمْ عَنْ خِیَانَةٍ فَقَالَ لاَ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَ لَکِنِّی أَکْرَهُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَی الْعَامَّةِ فَضْلَ عَقْلِکَ.

ص :7

وَ قَالَ إِنِّی وَ اللَّهِ لاَ أَدَعُ حَقّاً لِلَّهِ لِشِکَایَةٍ تَظْهَرُ وَ لاَ لِضِبٍّ یَحْتَمِلُ وَ لاَ مُحَابَاةً لِبَشَرٍ وَ إِنَّکَ وَ اللَّهِ مَا عَاقَبْتَ مَنْ عَصَی اللَّهَ فِیکَ بِمِثْلِ أَنْ تُطِیعَ اللَّهَ فِیهِ.

3045

وَ کَتَبَ إِلَی سَعْدِ بْنِ أَبِی وَقَّاصٍ یَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِی أَهْیَبَ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً حَبَّبَهُ إِلَی خَلْقِهِ فَاعْتَبِرْ مَنْزِلَتَکَ مِنَ اللَّهِ بِمَنْزِلَتِکَ مِنَ النَّاسِ وَ اعْلَمْ أَنَّ مَا لَکَ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلُ مَا لِلَّهِ عِنْدَکَ.

3046

وَ سَأَلَ رَجُلاً عَنْ شَیْءٍ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ فَقَالَ قَدْ شَقَیْنَا إِنْ کُنَّا لاَ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ إِذَا سُئِلَ أَحَدُکُمْ عَمَّا لاَ یَعْلَمُ فَلْیَقُلْ لاَ أَدْرِی.

3047

وَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِکِ [عَلَی الْمِنْبَرِ]

(1) أَنْصِفُونَا یَا مَعْشَرَ الرَّعِیَّةِ تُرِیدُونَ مِنَّا سِیرَةَ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ وَ لَمْ تَسِیرُوا فِی أَنْفُسِکُمْ وَ لاَ فِینَا سِیرَةَ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ یُعِینَ کُلاًّ عَلَی کُلٍّ.

3048

وَ دَخَلَ عُمَرُ عَلَی ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فَوَجَدَ عِنْدَهُ لَحْماً عَبِیطاً مُعَلَّقاً (2) فَقَالَ مَا هَذَا اللَّحْمُ قَالَ اشْتَهَیْتُ فَاشْتَرَیْتُ فَقَالَ أَ وَ کُلَّمَا اشْتَهَیْتَ شَیْئاً أَکَلْتَهُ کَفَی بِالْمَرْءِ سَرَفاً أَنْ أَکَلَ کُلَّ مَا اشْتَهَاهُ.

3049

مَرَّ عُمَرُ عَلَی مَزْبَلَةٍ فَتَأَذَّی بِرِیحِهَا أَصْحَابُهُ فَقَالَ هَذِهِ دُنْیَاکُمُ الَّتِی تَحْرِصُونَ عَلَیْهَا.

ص :8

3050

وَ مِنْ کَلاَمِهِ لِلْأَحْنَفِ یَا أَحْنَفُ مَنْ کَثُرَ ضَحِکُهُ قَلَّتْ هَیْبَتُهُ وَ مَنْ مَزَحَ اسْتُخِفَّ بِهِ وَ مَنْ أَکْثَرَ مِنْ شَیْءٍ عُرِفَ بِهِ وَ مَنْ کَثُرَ کَلاَمُهُ کَثُرَ سَقَطُهُ وَ مَنْ کَثُرَ سَقَطُهُ قَلَّ حَیَاؤُهُ وَ مَنْ قَلَّ حَیَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ.

3051

وَ قَالَ لاِبْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ یَا بُنَیَّ اتَّقِ اللَّهَ یَقِکَ وَ أَقْرِضِ اللَّهَ یَجْزِکَ وَ اشْکُرْهُ یَزِدْکَ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لاَ مَالَ لِمَنْ لاَ رِفْقَ لَهُ وَ لاَ جَدِیدَ لِمَنْ لاَ خَلَقَ لَهُ وَ لاَ عَمَلَ لِمَنْ لاَ نِیَّةَ لَهُ.

3052

وَ خَطَبَ یَوْمَ اسْتُخْلِفَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَیْسَ فِیکُمْ أَحَدٌ أَقْوَی عِنْدِی مِنَ الضَّعِیفِ حَتَّی آخُذَ الْحَقَّ لَهُ وَ لاَ أَضْعَفَ مِنَ الْقَوِیِّ حَتَّی آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ.

3053

وَ قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ یَا عَبْدَ اللَّهِ أَنْتُمْ أَهْلُ رَسُولِ اللَّهِ وَ آلُهُ وَ بَنُو عَمِّهِ فَمَا تَقُولُ مَنْعَ قَوْمِکُمْ مِنْکُمْ قَالَ لاَ أَدْرِی عِلَّتَهَا وَ اللَّهِ مَا أَضْمَرْنَا لَهُمْ إِلاَّ خَیْراً قَالَ اللَّهُمَّ غَفْراً إِنَّ قَوْمَکُمْ کَرِهُوا أَنْ یَجْتَمِعَ لَکُمُ النُّبُوَّةُ وَ الْخِلاَفَةُ فَتَذْهَبُوا فِی السَّمَاءِ شَمَخاً وَ بَذَخاً وَ لَعَلَّکُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَبَا بَکْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَخَّرَکُمْ أَمَا إِنَّهُ لَمْ یَقْصِدْ ذَلِکَ وَ لَکِنْ حَضَرَ أَمْرٌ لَمْ یَکُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحْزَمُ مِمَّا فَعَلَ وَ لَوْ لاَ رَأَیُ أَبِی بَکْرٍ فِیَّ لَجَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْأَمْرِ نَصِیباً وَ لَوْ فَعَلَ مَا هَنَّأَکُمْ مَعَ قَوْمِکُمْ إِنَّهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْکُمْ نَظَرَ الثَّوْرِ إِلَی جَازِرِهِ.

3054

وَ کَانَ یَقُولُ لَیْتَ شِعْرِی مَتَی أَشْفَی مِنْ غَیْظِی أَ حِینَ أَقْدِرُ فَیُقَالُ لِی لَوْ عَفَوْتَ أَمْ حِینَ أَعْجَلُ فَیُقَالُ لَوْ صَبَرْتَ.

3055

وَ رَأَی أَعْرَابِیّاً یُصَلِّی صَلاَةً خَفِیفَةً فَلَمَّا قَضَاهَا قَالَ اللَّهُمَّ زَوِّجْنِی الْحُورَ الْعِینَ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ أَسَأْتَ النَّقْدَ وَ أَعْظَمْتَ الْخِطْبَةَ.

3056

وَ قِیلَ لَهُ کَانَ النَّاسُ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ یَدْعُونَ عَلَی مَنْ ظَلَمَهُمْ فَیُسْتَجَابُ لَهُمْ وَ لَسْنَا نَرَی

ص :9

ذَلِکَ الْآنَ قَالَ لِأَنَّ ذَلِکَ کَانَ الْحَاجِزَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الظُّلْمِ وَ أَمَّا الْآنَ فَ اَلسّٰاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَ اَلسّٰاعَةُ أَدْهیٰ وَ أَمَرُّ .

3057

وَ مِنْ کَلاَمِهِ مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهَمَةِ فَلاَ یَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ وَ مَنْ کَتَمَ سِرَّهُ کَانَتِ الْخِیَرَةُ بِیَدِهِ.

ضَعْ أَمْرَ أَخِیکَ عَلَی أَحْسَنِهِ حَتَّی یَأْتِیَکَ مِنْهُ مَا یَغْلِبُکَ وَ لاَ تَظُنَّ بِکَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِیکَ اَلْمُسْلِمِ شَرّاً وَ أَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِی الْخَیْرِ مَحْمِلاً.وَ عَلَیْکَ بِإِخْوَانِ الصِّدْقِ وَ کَیِّسِ أَکْیَاسِهِمْ فَإِنَّهُمْ زِینَةٌ فِی الرَّخَاءِ وَ عُدَّةٌ عِنْدَ الْبَلاَءِ وَ لاَ تَتَهَاوَنَنَّ بِالْخَلْقِ فَیُهِینَکَ اللَّهُ وَ لاَ تَعْتَرِضْ بِمَا لاَ یَعْنِیکَ وَ اعْتَزِلْ عَدُوَّکَ وَ تَحَفَّظْ مِنْ خَلِیلِکَ إِلاَّ الْأَمِینَ فَإِنَّ الْأَمِینَ مِنَ النَّاسِ لاَ یُعَادِلُهُ شَیْءٌ وَ لاَ تَصْحَبِ الْفَاجِرَ فَیُعَلِّمَکَ مِنْ فُجُورِهِ وَ لاَ تُفْشِ إِلَیْهِ (1) سِرَّکَ وَ اسْتَشِرْ فِی أَمْرِکَ أَهْلَ التَّقْوَی وَ کَفَی بِکَ عَیْباً أَنْ یَبْدُوَ لَکَ مِنْ أَخِیکَ مَا یَخْفَی عَلَیْکَ مِنْ نَفْسِکَ وَ أَنْ تُؤْذِیَ جَلِیسَکَ بِمَا تَأْتِی مِثْلَهُ.

وَ قَالَ ثَلاَثٌ یُصْفِینَ لَکَ الْوُدَّ فِی قَلْبِ أَخِیکَ أَنْ تَبْدَأَهُ بِالسَّلاَمِ إِذَا لَقِیتَهُ وَ أَنْ تَدْعُوَهُ بِأَحَبِّ أَسْمَائِهِ إِلَیْهِ وَ أَنْ تُوَسِّعَ لَهُ فِی الْمَجْلِسِ.

وَ قَالَ أُحِبُّ أَنْ یَکُونَ الرَّجُلُ فِی أَهْلِهِ کَالصَّبِیِّ وَ إِذَا أُصِیخَ إِلَیْهِ کَانَ رَجُلاً.

3058

بَیْنَا عُمَرُ ذَاتَ یَوْمٍ إِذَا رَأَی شَابّاً یَخْطُرُ بِیَدَیْهِ فَیَقُولُ أَنَا ابْنُ بَطْحَاءِ مَکَّةَ کُدَیِّهَا وَ کَدَاهَا (2) فَنَادَاهُ عُمَرُ فَجَاءَ فَقَالَ إِنْ یَکُنْ لَکَ دِینٌ فَلَکَ کَرَمٌ وَ إِنْ یَکُنْ لَکَ عَقْلٌ فَلَکَ مُرُوءَةٌ وَ إِنْ یَکُنْ لَکَ مَالٌ فَلَکَ شَرَفٌ وَ إِلاَّ فَأَنْتَ وَ الْحِمَارُ سَوَاءٌ.

ص :10

3059

وَ قَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْمُهَاجِرِینَ لاَ تُکْثِرُوا الدُّخُولَ عَلَی أَهْلِ الدُّنْیَا وَ أَرْبَابِ الْإِمْرَةِ وَ الْوَلاَیَةِ فَإِنَّهُ مُسْخِطَةٌ لِلرَّبِّ وَ إِیَّاکُمْ وَ الْبِطْنَةَ فَإِنَّهَا مَکْسَلَةٌ عَنِ الصَّلاَةِ وَ مَفْسَدَةٌ لِلْجَسَدِ مُورِثَةٌ لِلسَّقَمِ وَ إِنَّ اللَّهَ یُبْغِضُ الْحِبْرَ السَّمِینَ وَ لَکِنْ عَلَیْکُمْ بِالْقَصْدِ فِی قُوتِکُمْ فَإِنَّهُ أَدْنَی مِنَ الْإِصْلاَحِ وَ أَبْعَدُ مِنَ السَّرَفِ وَ أَقْوَی عَلَی عِبَادَةِ اللَّهِ وَ لَنْ یَهْلِکَ عَبْدٌ حَتَّی یُؤْثِرَ شَهْوَتَهُ عَلَی دِینِهِ.

وَ قَالَ تَعَلَّمُوا أَنَّ الطَّمَعَ فَقْرٌ وَ أَنَّ الْیَأْسَ غِنًی وَ مَنْ یَئِسَ مِنْ شَیْءٍ اسْتَغْنَی عَنْهُ وَ التُّؤَدَةُ فِی کُلِّ شَیْءٍ خَیْرٌ إِلاَّ مَا کَانَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ.

وَ قَالَ مَنِ اتَّقَی اللَّهَ لَمْ یَشْفِ اللَّهُ غَیْظَهُ وَ مَنْ خَافَ اللَّهَ لَمْ یَفْعَلْ مَا یُرِیدُ وَ لَوْ لاَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ لَکَانَ غَیْرَ مَا تَرَوْنَ.

وَ قَالَ إِنِّی لَأَعْلَمُ أَجْوَدَ النَّاسِ وَ أَحْلَمَ النَّاسِ أَجْوَدُهُمْ مَنْ أَعْطَی مَنْ حَرَمَهُ وَ أَحْلَمُهُمْ مَنْ عَفَا عَمَّنْ ظَلَمَهُ.

وَ کَتَبَ إِلَی سَاکِنِی الْأَمْصَارِ أَمَّا بَعْدُ فَعَلِّمُوا أَوْلاَدَکُمُ الْعَوْمَ (1) وَ الْفُرُوسِیَّةَ رَوُّوهُمْ مَا سَارَ مِنَ الْمَثَلِ وَ حَسُنَ مِنَ الشِّعْرِ.

وَ قَالَ لاَ تَزَالُ اَلْعَرَبُ أَعِزَّةً مَا نَزَعَتْ فِی الْقَوْسِ وَ نَزَتْ (2) فِی ظُهُورِ الْخَیْلِ وَ قَالَ وَ هُوَ یَذْکُرُ النِّسَاءَ أَکْثِرُوا لَهُنَّ مِنْ قَوْلِ لاَ فَإِنَّ نَعَمْ مَفْسَدَةٌ تُغْرِیهِنَّ عَلَی الْمَسْأَلَةِ.

وَ قَالَ مَا بَالُ أَحَدِکُمْ یَثْنِی الْوِسَادَةَ عِنْدَ امْرَأَةٍ مُعَزِّبَةٍ (3) إِنَّ الْمَرْأَةَ لَحْمٌ عَلَی وَضَمٍ إِلاَّ مَا ذُبَّ عَنْهُ.

ص :11

وَ کَتَبَ إِلَی أَبِی مُوسَی أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلنَّاسِ نَفْرَةً عَنْ سُلْطَانِهِمْ فَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ یُدْرِکَنِی وَ إِیَّاکَ عَمْیَاءُ مَجْهُولَةٌ وَ ضَغَائِنُ مَحْمُولَةٌ وَ أَهْوَاءُ مُتَّبَعَةٌ وَ دُنْیَا مُؤْثِرَةٌ أَقِمِ الْحُدُودَ وَ اجْلِسْ لِلْمَظَالِمِ وَ لَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَ إِذَا عَرَضَ لَکَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ وَ الْآخَرُ لِلدُّنْیَا فَابْدَأْ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ فَإِنَّ الدُّنْیَا تَفْنَی وَ الْآخِرَةَ تَبْقَی وَ کُنْ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی حَذَرٍ وَ اجْفُ الْفُسَّاقَ وَ اجْعَلْهُمْ یَداً وَ یَداً وَ رِجْلاً وَ رِجْلاً وَ إِذَا کَانَتْ بَیْنَ القَبَائِلِ نَائِرَةُ (1) یَا لِفُلاَنٍ یَا لِفُلاَنٍ فَإِنَّمَا تِلْکَ نَجْوَی اَلشَّیْطَانِ فَاضْرِبْهُمْ بِالسَّیْفِ حَتَّی یَفِیئُوا إِلیٰ أَمْرِ اللّٰهِ وَ تَکُونَ دَعْوَاهُمْ إِلَی اللَّهِ وَ إِلَی اَلْإِسْلاَمِ وَ قَدْ بَلَغَنِی أَنَّ ضَبَّةً تَدْعُو یَا لِضَبَّةَ وَ إِنِّی وَ اللَّهِ أَعْلَمُ أَنَّ ضَبَّةً مَا سَاقَ اللَّهُ بِهَا خَیْراً قَطُّ وَ لاَ مُنِعَ بِهَا مِنْ سُوءٍ قَطُّ فَإِذَا جَاءَکَ کِتَابِی هَذَا فَانْهَکْهُمْ (2) ضَرْباً وَ عُقُوبَةً حَتَّی یُفَرِّقُوا إِنْ لَمْ یَفْقَهُوا وَ الْصَقْ بِغِیلاَنَ بْنِ خَرَشَةَ مِنْ بَیْنِهِمْ وَ عُدْ مَرْضَی اَلْمُسْلِمِینَ وَ اشْهَدْ جَنَائِزَهُمْ وَ افْتَحْ لَهُمْ بَابَکَ وَ بَاشِرْ أُمُورَهُمْ بِنَفْسِکَ فَإِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ غَیْرَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَکَ أَثْقَلَهُمْ حِمْلاً وَ قَدْ بَلَغَنِی أَنَّهُ فَشَا لَکَ وَ لِأَهْلِ بَیْتِکَ هَیْئَةٌ فِی لِبَاسِکَ وَ مَطْعَمِکَ وَ مَرْکَبِکَ لَیْسَ لِلْمُسْلِمِینَ مِثْلُهَا فَإِیَّاکَ یَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَیْسٍ أَنْ تَکُونَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِیمَةِ الَّتِی مَرَّتْ بِوَادٍ خَصِیبٍ فَلَمْ یَکُنْ لَهَا هِمَّةٌ إِلاَّ السِّمَنَ وَ إِنَّمَا حَظُّهَا مِنَ السِّمَنِ لِغَیْرِهَا وَ اعْلَمْ أَنَّ لِلْعَامِلِ مَرَدّاً إِلَی اللَّهِ فَإِذَا زَاغَ الْعَامِلُ زَاغَتْ رَعِیَّتُهُ وَ إِنَّ أَشْقَی النَّاسِ مَنْ شَقِیَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَ رَعِیَّتُهُ وَ السَّلاَمُ.

3060

وَ خَطَبَ عُمَرُ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُوصِیکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ الَّذِی یَبْقَی وَ یَفْنَی مَا سِوَاهُ وَ الَّذِی بِطَاعَتِهِ یَنْفَعُ أَوْلِیَاءَهُ وَ بِمَعْصِیَتِهِ یَضُرُّ أَعْدَاءَهُ إِنَّهُ لَیْسَ لِهَالِکٍ هَلَکَ عُذْرٌ فِی تَعَمُّدِ ضَلاَلَةٍ حَسِبَهَا هُدًی وَ لاَ تَرْکِ حَقٍّ حَسِبَهُ ضَلاَلَةً قَدْ ثَبَتَتِ الْحُجَّةُ وَ وَضَحَتِ الطُّرُقُ وَ انْقَطَعَ الْعُذْرُ وَ لاَ حُجَّةَ لِأَحَدٍ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَلاَ إِنَّ أَحَقَّ مَا تَعَاهَدَ بِهِ الرَّاعِی

ص :12

رَعِیَّتَهُ أَنْ یَتَعَاهَدَهُمْ بِالَّذِی لِلَّهِ تَعَالَی عَلَیْهِمْ فِی وَظَائِفِ دِینِهِمُ الَّذِی هَدَاهُمْ بِهِ وَ إِنَّمَا عَلَیْنَا أَنْ نَأْمُرَکُمْ بِالَّذِی أَمَرَکُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَ نَنْهَاکُمْ عَمَّا نَهَاکُمُ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعْصِیَتِهِ وَ أَنْ نُقِیمَ أَمْرَ اللَّهِ فِی قَرِیبِ النَّاسِ وَ بَعِیدِهِمْ وَ لاَ نُبَالِی عَلَی مَنْ قَالَ الْحَقَّ لِیَتَعَلَّمَ الْجَاهِلُ وَ یَتَّعِظَ الْمُفْرِطُ وَ یَقْتَدِیَ الْمُقْتَدِی وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ أَقْوَاماً یَتَمَنَّوْنَ فِی أَنْفُسِهِمْ وَ یَقُولُونَ نَحْنُ نُصَلِّی مَعَ الْمُصَلِّینَ وَ نُجَاهِدُ مَعَ الْمُجَاهِدِینَ أَلاَ إِنَّ الْإِیمَانَ لَیْسَ بِالتَّمَنِّی وَ لَکِنَّهُ بِالْحَقَائِقِ إِلاَّ مَنْ قَامَ عَلَی الْفَرَائِضِ وَ سَدَّدَ نِیَّتَهُ وَ اتَّقَی اللَّهَ فَذَلِکُمُ النَّاجِی وَ مَنْ زَادَ اجْتِهَاداً وَجَدَ عِنْدَ اللَّهِ مَزِیداً.

وَ إِنَّمَا الْمُجَاهِدُونَ الَّذِینَ جَاهَدُوا أَهْوَاءَهُمْ وَ الْجِهَادُ اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ أَلاَ إِنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ وَ قَدْ یُقَاتِلُ أَقْوَامٌ لاَ یُرِیدُونَ إِلاَّ الذِّکْرَ وَ قَدْ یُقَاتِلُ أَقْوَامٌ لاَ یُرِیدُونَ إِلاَّ الْأَجْرَ وَ إِنَّ اللَّهَ یَرْضَی مِنْکُمْ بِالْیَسِیرِ وَ أَثَابَکُمْ عَلَی الْیَسِیرِ الْکَثِیرَ.

الْوَظَائِفَ الْوَظَائِفَ أَدُّوهَا تُؤَدِّکُمْ إِلَی اَلْجَنَّةِ وَ السُّنَّةَ السَّنَةَ الْزَمُوهَا تُنْجِکُمْ مِنَ الْبِدْعَةِ.

تَعَلَّمُوا وَ لاَ تَعْجَزُوا فَإِنَّ مَنْ عَجَزَ تَکَلَّفَ وَ إِنَّ شِرَارَ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَ إِنَّ الاِقْتِصَادَ فِی السُّنَّةِ خَیْرٌ مِنَ الاِجْتِهَادِ فِی الضَّلاَلَةِ فَافْهَمُوا مَا تُوعَظُونَ بِهِ فَإِنَّ الْحَرِیبَ مَنْ حُرِبَ (1) دِینُهُ وَ إِنَّ السَّعِیدَ مَنْ وُعِظَ بِغَیْرِهِ.

وَ قَالَ وَ عَلَیْکُمْ بِالسَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ قَضَی لَهُمَا بِالْعِزَّةِ وَ إِیَّاکُمْ وَ التَّفَرُّقَ وَ الْمَعْصِیَةَ فَإِنَّ اللَّهَ قَضَی لَهُمَا بِالذِّلَّةِ.

أَقُولُ قَوْلِی هَذَا وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِیمَ لِی وَ لَکُمْ.

3061

بَعَثَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ أَیَّامَ اَلْقَادِسِیَّةِ إِلَی عُمَرَ قُبَاءَ کِسْرَی وَ سَیْفَهُ وَ مِنْطَقَتَهُ

ص :13

وَ سَرَاوِیلَهُ وَ تَاجَهُ وَ قَمِیصَهُ وَ خُفَّیْهِ فَنَظَرَ عُمَرُ فِی وُجُوهِ الْقَوْمِ عِنْدَهُ فَکَانَ أَجْسَمَهُمْ وَ أَمَدَّهُمْ قَامَةً سُرَاقَةُ بْنُ مَالِکِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِیُّ فَقَالَ یَا سُرَاقُ قُمْ فَالْبَسْ قَالَ سُرَاقَةُ طَمِعْتُ فِیهِ فَقُمْتُ فَلَبِسْتُ فَقَالَ أَدْبِرْ فَأَدْبَرْتُ وَ قَالَ أَقْبِلْ فَأَقْبَلْتُ فَقَالَ بَخْ بَخْ أَعْرَابِیٌّ مِنْ بَنِی مُدْلِجٍ عَلَیْهِ قَبَاءُ کِسْرَی وَ سَرَاوِیلُهُ وَ سَیْفُهُ وَ مِنْطَقَتُهُ وَ تَاجُهُ وَ خُفَّاهُ رُبَّ یَوْمٍ یَا سُرَاقُ لَوْ کَانَ فِیهِ دُونَ هَذَا مِنْ مَتَاعِ کِسْرَی وَ آلِ کِسْرَی لَکَانَ شَرَفاً لَکَ وَ لِقَوْمِکِ انْزِعْ فَنَزَعْتُ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّکَ مَنَعْتَ هَذَا نَبِیَّکَ وَ رَسُولَکَ وَ کَانَ أَحَبَّ إِلَیْکَ مِنِّی وَ أَکْرَمَ وَ مَنَعْتَهُ أَبَا بَکْرٍ وَ کَانَ أَحَبَّ إِلَیْکَ مِنِّی وَ أَکْرَمَ ثُمَّ أَعْطَیْتَنِیهِ فَأَعُوذُ بِکَ أَنْ تَکُونَ أَعْطَیْتَنِیهِ لِتَمْکُرَ بِی ثُمَّ بَکَی حَتَّی رَحِمَهُ مَنْ کَانَ عِنْدَهُ.

وَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَقْسَمْتُ عَلَیْکَ لَمَّا بِعْتَهُ ثُمَّ قَسَمْتَهُ قَبْلَ أَنْ تُمْسِیَ فَمَا أَدْرَکَهُ الْمَسَاءُ إِلاَّ وَ قَدْ بِیعَ وَ قُسِمَ ثَمَنُهُ عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ .

3062

1- جِیءَ بِتَاجِ کِسْرَی إِلَی عُمَرَ فَاسْتَعْظَمَ النَّاسُ قِیمَتَهُ لِلْجَوَاهِرِ الَّتِی کَانَتْ عَلَیْهِ فَقَالَ إِنَّ قَوْماً أَدَّوْا هَذَا لَأُمَنَاءُ فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّکَ عَفَفْتَ فَعَفَوْا وَ لَوْ رَتَعْتَ لَرَتَعُوا (1) .

3063

کَانَ عُمَرُ یَعُسُّ لَیْلاً فَنَزَلَتْ رِفْقَةٌ مِنَ التُّجَّارِ بِالْمُصَلَّی فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هَلْ لَکَ أَنْ تَحْرُسَهُمُ اللَّیْلَةَ مِنَ السَّرَقِ فَبَاتَا یَحْرُسَانِهِمْ وَ یُصَلِّیَانِ مَا کَتَبَ اللَّهُ لَهُمَا فَسَمِعَ عُمَرُ بُکَاءَ صَبِیٍّ فَأَصْغَی نَحْوَهُ فَطَالَ بُکَاؤُهُ فَتَوَجَّهَ إِلَیْهِ فَقَالَ لِأُمِّهِ اتَّقِی اللَّهَ وَ أَحْسِنِی إِلَی صَبِیِّکِ ثُمَّ عَادَ إِلَی مَکَانِهِ فَسَمِعَ بُکَاءَهُ فَعَادَ إِلَی أُمِّهِ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِکَ ثُمَّ عَادَ إِلَی مَکَانِهِ فَسَمِعَ بُکَاءَهُ فَأَتَی أُمَّهُ فَقَالَ وَیْحَکِ إِنِّی لَأَرَاکِ أُمَّ سَوْءٍ لاَ أَرَی ابْنَکِ یَقِرُّ مُنْذُ اللَّیْلَةَ فَقَالَتْ یَا عَبْدَ اللَّهِ لَقَدْ آذَیْتَنِی مُنْذُ اللَّیْلَةَ إِنِّی أُرِیغُهُ

ص :14

عَلَی الْفِطَامِ فَیَأْبَی قَالَ وَ لِمَ قَالَتْ لِأَنَّ عُمَرَ لاَ یَفْرِضُ لِرَضِیعٍ وَ إِنَّمَا یَفْرِضُ لِلْفَطِیمِ قَالَ وَ کَمْ لَهُ قَالَتْ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً قَالَ وَیْحَکِ لاَ تَعْجَلِیهِ فَصَلَّی الْفَجْرَ وَ مَا یَسْتَبِینُ النَّاسُ قِرَاءَتَهُ مِنْ غَلَبَةِ الْبُکَاءِ عَلَیْهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ یَا بُؤْساً لِعُمَرِکُمْ کَمْ قَتَلَ مِنْ أَوْلاَدِ اَلْمُسْلِمِینَ فَطَلَبَ مُنَادِیاً فَنَادَی أَلاَ لاَ تَعْجَلُوا صِبْیَانَکُمْ عَنِ الرَّضَاعِ وَ لاَ تَفْطِمُوا قَبْلَ أَوَانِ الْفِطَامِ فَإِنَّا نَفْرِضُ لِکُلِّ مَوْلُودٍ فِی اَلْإِسْلاَمِ .

وَ کَتَبَ بِذَلِکَ إِلَی سَائِرِ الْآفَاقِ (1) .

3064

مَرَّ عُمَرُ بِشَابٍّ مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ هُوَ ظَمْآنُ فَاسْتَسْقَاهُ فَخَاضَ لَهُ عَسَلاً فَرَدَّهُ وَ لَمْ یَشْرَبْ وَ قَالَ إِنِّی سَمِعْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ یَقُولُ أَذْهَبْتُمْ طَیِّبٰاتِکُمْ فِی حَیٰاتِکُمُ الدُّنْیٰا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِهٰا (2) فَقَالَ الْفَتَی إِنَّهَا وَ اللَّهِ لَیْسَتْ لَکَ فَاقْرَأْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا قَبْلَهَا وَ یَوْمَ یُعْرَضُ الَّذِینَ کَفَرُوا عَلَی اَلنّٰارِ أَذْهَبْتُمْ طَیِّبٰاتِکُمْ فِی حَیٰاتِکُمُ الدُّنْیٰا أَ فَنَحْنُ مِنْهُمْ فَشَرِبَ وَ قَالَ کُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ .

3065

وَ أَوْصَی عُمَرُ حِینَ طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ مَنْ یَسْتَخْلِفُهُ اَلْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الشُّورَی فَقَالَ أُوصِیکَ بِتَقْوَی اللَّهِ لاَ شَرِیکَ لَهُ وَ أُوصِیکَ بِالْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ خَیْراً أَنْ تَعْرِفَ لَهُمْ سَابِقَتَهُمْ وَ أُوصِیکَ بِالْأَنْصَارِ خَیْراً اقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَ تَجَاوَزْ عَنْ مُسِیئِهِمْ وَ أُوصِیکَ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَیْراً فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْعَدُوِّ وَ جُبَاةُ الْفَیْءِ لاَ تَحْمِلْ فَیْئَهُمْ إِلَی غَیْرِهِمْ إِلاَّ عَنْ فَضْلٍ مِنْهُمْ وَ أُوصِیکَ بِأَهْلِ الْبَادِیَةِ خَیْراً فَإِنَّهُمْ أَصْلُ اَلْعَرَبِ وَ مَادَّةُ اَلْإِسْلاَمِ أَنْ یُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِی أَمْوَالِهِمْ فَیُرَدَّ عَلَی فُقَرَائِهِمْ وَ أُوصِیکَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ خَیْراً أَنْ تُقَاتِلَ

ص :15

مِنْ وَرَائِهِمْ وَ لاَ تُکَلِّفَهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ إِذَا أَدَّوْا مَا عَلَیْهِمْ لِلْمُسْلِمِینَ طَوْعاً أَوْ عَنْ یَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ .

وَ أُوصِیکَ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ شِدَّةِ الْحَذَرِ مِنْهُ وَ مَخَافَةِ مَقْتِهِ أَنْ یَطَّلِعَ مِنْکَ عَلَی رِیبَةٍ وَ أُوصِیکَ أَنْ تَخْشَی اللَّهَ فِی النَّاسِ وَ لاَ تَخْشَی النَّاسَ فِی اللَّهِ وَ أُوصِیکَ بِالْعَدْلِ فِی الرَّعِیَّةِ وَ التَّفَرُّغِ لِحَوَائِجِهِمْ وَ ثُغُورِهِمْ وَ أَلاَّ تُعِینَ غَنِیَّهُمْ عَلَی فَقِیرِهِمْ فَإِنَّ فِی ذَلِکَ بِإِذْنِ اللَّهِ سَلاَمَةً لِقَلْبِکَ وَ حَطّاً لِذُنُوبِکَ وَ خَیْراً فِی عَاقِبَةِ أَمْرِکَ وَ أُوصِیکَ أَنْ تَشْتَدَّ فِی أَمْرِ اللَّهِ وَ فِی حُدُودِهِ وَ الزَّجْرِ عَنْ مَعَاصِیهِ عَلَی قَرِیبِ النَّاسِ وَ بَعِیدِهِمْ وَ لاَ تَأْخُذَکَ الرَّأْفَةُ وَ الرَّحْمَةُ فِی أَحَدٍ مِنْهُمْ حَتَّی تَنْتَهِکَ مِنْهُ مِثْلَ جُرْمِهِ وَ اجْعَلِ النَّاسَ عِنْدَکَ سَوَاءً لاَ تُبَالِ عَلَی مَنْ وَجَبَ الْحَقُّ لاَ تَأْخُذْکَ فِی اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ وَ إِیَّاکَ وَ الْأَثَرَةَ وَ الْمُحَابَاةَ فِیمَا وَلاَّکَ اللَّهُ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ فَتَجُورَ وَ تَظْلِمَ وَ تَحْرِمَ نَفْسَکَ مِنْ ذَلِکَ مَا قَدْ وَسِعَهُ اللَّهُ عَلَیْکَ فَإِنَّکَ فِی مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الدُّنْیَا وَ أَنْتَ إِلَی الْآخِرَةِ جَدٌّ قَرِیبٌ فَإِنْ صَدَقْتَ فِی دُنْیَاکَ عِفَّةً وَ عَدْلاً فِیمَا بَسَطَ لَکَ اقْتَرَفْتَ رِضْوَاناً وَ إِیمَاناً وَ إِنْ غَلَبَکَ الْهَوَی اقْتَرَفْتَ فِیهِ سَخَطَ اللَّهِ وَ مَقْتَهُ.

وَ أُوصِیکَ أَلاَّ تُرَخِّصَ لِنَفْسِکَ وَ لاَ لِغَیْرِکَ فِی ظُلْمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ .

وَ اعْلَمْ أَنِّی قَدْ أَوْصَیْتُکَ وَ خَصَصْتُکَ وَ نَصَحْتُ لَکَ أَبْتَغِی بِذَلِکَ وَجْهَ اللَّهِ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَ دَلَلْتُکَ عَلَی مَا کُنْتُ دَالاًّ عَلَیْهِ نَفْسِی فَإِنْ عَمِلْتَ بِالَّذِی وَعَظْتُکَ وَ انْتَهَیْتَ إِلَی الَّذِی أَمَرْتُکَ أَخَذْتَ مِنْهُ نَصِیباً وَافِراً وَ حَظّاً وَافِیاً وَ إِنْ لَمْ تَقْبَلْ ذَلِکَ وَ لَمْ تَعْمَلْ وَ لَمْ تَتْرُکْ مَعَاظِمَ الْأُمُورِ عِنْدَ الَّذِی یَرْضَی اللَّهُ بِهِ سُبْحَانَهُ عَنْکَ یَکُنْ ذَاکَ بِکَ انْتِقَاصاً وَ یَکُنْ رَأْیُکَ فِیهِ مَدْخُولاً فَالْأَهْوَاءُ مُشْتَرَکَةٌ وَ رَأْسُ الْخَطِیئَةِ إِبْلِیسُ الدَّاعِی إِلَی کُلِّ هَلَکَةٍ قَدْ أَضَلَّ الْقُرُونَ السَّالِفَةَ قَبْلَکَ وَ أَوْرَدَهُمُ اَلنَّارَ وَ لَبِئْسَ الثَّمَنُ أَنْ یَکُونَ حَظُّ امْرِئٍ مِنْ دُنْیَاهُ مُوَالاَةَ عَدُوِّ اللَّهِ الدَّاعِی إِلَی مَعَاصِیهِ اِرْکَبِ الْحَقَّ وَ خُضْ إِلَیْهِ الْغَمَرَاتِ وَ کُنْ وَاعِظاً لِنَفْسِکَ.

ص :16

وَ أَنْشُدُکَ لَمَّا تَرَحَّمْتَ إِلَی جَمَاعَةِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ أَجْلَلْتَ کَبِیرَهُمْ وَ رَحِمْتَ صَغِیرَهُمْ وَ قَرَّبْتَ عَالِمَهُمْ لاَ تَضْرِبْهُمْ فَیَذِلُّوا وَ لاَ تَسْتَأْثِرْ عَلَیْهِمْ بِالْفَیْءِ فَتُغْضِبَهُمْ وَ لاَ تَحْرِمْهُمْ عَطَایَاهُمْ عِنْدَ مَحَلِّهَا فَتُفْقِرَهُمْ وَ لاَ تُجَمِّرْهُمْ (1) فِی الْبُعُوثِ فَتَقْطَعَ نَسْلَهُمْ وَ لاَ تَجْعَلِ الْأَمْوَالَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیَاءِ مِنْهُمْ وَ لاَ تُغْلِقْ بَابَکَ دُونَهُمْ فَیَأْکُلَ قَوِیُّهُمْ ضَعِیفَهُمْ.

هَذِهِ وَصِیَّتِی إِیَّاکَ وَ أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَیْکَ وَ أَقْرَأُ عَلَیْکَ السَّلاَمَ وَ اللّٰهُ عَلیٰ کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ .

3066

وَ خَطَبَ عُمَرُ فَقَالَ لاَ یَبْلُغُنِی أَنَّ امْرَأَةً تَجَاوَزَ صَدَاقُهَا صَدَاقَ زَوْجَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلاَّ ارْتَجَعْتُ ذَلِکَ مِنْهَا فَقَامَتْ إِلَیْهِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ وَ اللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِکَ لَکَ إِنَّهُ تَعَالَی یَقُولُ وَ آتَیْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلاٰ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً (2) فَقَالَ عُمَرُ أَ لاَ تَعْجَبُونَ مِنْ إِمَامٍ أَخْطَأَ وَ امْرَأَةٍ أَصَابَتْ نَاضَلَتْ إِمَامَکُمْ فَنَضَلَتْهُ (3) .

3067

وَ کَانَ یَعُسُّ لَیْلَةً فَمَرَّ بِدَارٍ سَمِعَ فِیهَا صَوْتاً فَارْتَابَ وَ تَسَوَّرَ فَرَأَی رَجُلاً عِنْدَ امْرَأَةٍ وَ زِقَّ خَمْرٍ فَقَالَ یَا عَدُوَّ اللَّهِ أَ ظَنَنْتَ أَنَّ اللَّهَ یَسْتُرُکَ وَ أَنْتَ عَلَی مَعْصِیَتِهِ فَقَالَ لاَ تَعْجَلْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنْ کُنْتُ أَخْطَأْتُ فِی وَاحِدَةٍ فَقَدْ أَخْطَأْتَ فِی ثَلاَثٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ لاٰ تَجَسَّسُوا (4) وَ قَدْ تَجَسَّسْتَ وَ قَالَ وَ أْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ أَبْوٰابِهٰا (5)

ص :17

وَ قَدْ تَسَوَّرْتَ وَ قَالَ فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُیُوتاً فَسَلِّمُوا (1) وَ مَا سَلَّمْتَ فَقَالَ هَلْ عِنْدَکَ مِنْ خَیْرٍ إِنْ عَفَوْتُ عَنْکَ قَالَ نَعَمْ وَ اللَّهِ لاَ أَعُودُ فَقَالَ اذْهَبْ فَقَدْ عَفَوْتُ عَنْکَ.

3068

وَ خَطَبَ یَوْماً فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ مَا الْجَزَعُ مِمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَ مَا الطَّمَعُ فِیمَا لاَ یُرْجَی وَ مَا الْحِیلَةُ فِیمَا سَیَزُولُ وَ إِنَّمَا الشَّیْءُ مِنْ أَصْلِهِ وَ قَدْ مَضَتْ قَبْلَکُمُ الْأُصُولُ وَ نَحْنُ فُرُوعُهَا فَمَا بَقَاءُ الْفَرْعِ بَعْدَ ذَهَابِ أَصْلِهِ.

إِنَّمَا النَّاسُ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا أَغْرَاضٌ تَنْتَبِلُ فِیهِمُ الْمَنَایَا نُصْبَ الْمَصَائِبِ فِی کُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقٌ وَ فِی کُلِّ أَکْلَةٍ غَصَصٌ لاَ تَنَالُونَ نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَی وَ لاَ یَسْتَقْبِلُ مُعَمَّرٌ مِنْ عُمُرِهِ یَوْماً إِلاَّ بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ وَ هُمْ أَعْوَانُ الْحُتُوفِ عَلَی أَنْفُسِهِمْ فَأَیْنَ الْمَهْرَبُ مِمَّا هُوَ کَائِنٌ مَا أَصْغَرَ الْمُصِیبَةَ الْیَوْمَ مَعَ عِظَمِ الْفَائِدَةِ غَداً وَ مَا أَعْظَمَ خَیْبَةَ الْخَائِبِ وَ خُسْرَانَ الْخَاسِرِ یَوْمَ لاٰ یَنْفَعُ مٰالٌ وَ لاٰ بَنُونَ إِلاّٰ مَنْ أَتَی اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ .

و أکثر الناس روی هذا الکلام لعلی ع و قد ذکره صاحب نهج البلاغة و شرحناه فیما سبق.

3069

حُمِلَ مِنَ اَلْعِرَاقِ إِلَی عُمَرَ مَالٌ فَخَرَجَ هُوَ وَ مَوْلَی لَهُ فَنَظَرَ إِلَی الْإِبِلِ فَاسْتَکْثَرَهَا فَجَعَلَ یَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ یُکَرِّرُهَا وَ یُرَدِّدُهَا وَ جَعَلَ مَوْلاَهُ یَقُولُ هَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَ رَحْمَتِهِ وَ یُکَرِّرُهَا وَ یُرَدِّدُهَا.

فَقَالَ عُمَرُ کَذَبْتَ لاَ أُمَّ لَکَ أَظُنُّکَ ذَهَبْتَ إِلَی أَنَّ هَذَا هُوَ مَا عَنَاهُ سُبْحَانَهُ

ص :18

بِقَوْلِهِ قُلْ بِفَضْلِ اللّٰهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِکَ فَلْیَفْرَحُوا وَ إِنَّمَا ذَلِکَ الْهُدَی أَ مَا تَسْمَعُهُ یَقُولُ هُوَ خَیْرٌ مِمّٰا یَجْمَعُونَ (1) وَ هَذَا مِمَّا یَجْمَعُونَ.

3070

وَ رَوَی اَلْأَحْنَفُ بْنُ قَیْسٍ قَالَ قَدِمْنَا عَلَی عُمَرَ بِفَتْحٍ عَظِیمٍ نُبَشِّرُهُ بِهِ فَقَالَ أَیْنَ نَزَلْتُمْ قُلْنَا فِی مَکَانِ کَذَا فَقَامَ مَعَنَا حَتَّی انْتَهَیْنَا إِلَی مُنَاخِ رِکَابِنَا وَ قَدْ أَضْعَفَهَا الْکَلاَلُ وَ جَهَدَهَا السَّیْرُ فَقَالَ هَلاَّ اتَّقَیْتُمُ اللَّهَ فِی رِکَابِکُمْ هَذِهِ أَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ لَهَا عَلَیْکُمْ حَقّاً هَلاَّ أَرَحْتُمُوهَا هَلاَّ حَلَلْتُمْ بِهَا فَأَکَلَتْ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَقُلْنَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّا قَدِمْنَا بِفَتْحٍ عَظِیمٍ فَأَحْبَبْنَا التَّسَرُّعَ إِلَیْکَ وَ إِلَی اَلْمُسْلِمِینَ بِمَا یَسُرُّهُمْ.

فَانْصَرَفَ رَاجِعاً وَ نَحْنُ مَعَهُ فَأَتَی رَجُلٌ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ فُلاَناً ظَلَمَنِی فَأَعْدِنِی (2) عَلَیْهِ فَرَفَعَ فِی السَّمَاءِ دِرَّتَهُ وَ ضَرَبَ بِهَا رَأْسَهُ وَ قَالَ تَدَعُونَ عُمَرَ وَ هُوَ مُعَرِّضٌ لَکُمْ حَتَّی إِذَا شُغِلَ فِی أَمْرِ اَلْمُسْلِمِینَ أَتَیْتُمُوهُ أَعْدِنِی أَعْدِنِی فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ یَتَذَمَّرُ فَقَالَ عُمَرُ عَلَیَّ بِالرَّجُلِ فَجِیءَ بِهِ فَأَلْقَی إِلَیْهِ الْمِخْفَقَةَ (3) فَقَالَ اقْتَصَّ قَالَ بَلْ أَدَعُهُ لِلَّهِ وَ لَکَ قَالَ لَیْسَ کَذَلِکَ بَلْ تَدَعُهُ إِمَّا لِلَّهِ وَ إِرَادَةِ مَا عِنْدَهُ وَ إِمَّا تَدَعُهُ لِی قَالَ أَدَعُهُ لِلَّهِ قَالَ انْصَرِفْ ثُمَّ جَاءَ حَتَّی دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَ نَحْنُ مَعَهُ فَصَلَّی رَکْعَتَیْنِ خَفِیفَتَیْنِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ یَا اِبْنَ الْخَطَّابِ کُنْتَ وَضِیعاً فَرَفَعَکَ اللَّهُ وَ کُنْتَ ضَالاًّ فَهَدَاکَ اللَّهُ وَ کُنْتَ ذَلِیلاً فَأَعَزَّکَ اللَّهُ ثُمَّ حَمَلَکَ عَلَی رِقَابِ النَّاسِ فَجَاءَ رَجُلٌ یَسْتَعْدِیکَ عَلَی مَنْ ظَلَمَهُ فَضَرَبْتَهُ مَا ذَا تَقُولُ لِرَبِّکَ غَداً فَجَعَلَ یُعَاتِبُ نَفْسَهُ مُعَاتَبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ خَیْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ.

ص :19

3071

وَ ذَکَرَ أَبُو عُبَیْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ فِی غَرِیبِ الْحَدِیثِ أَنَّ رَجُلاً أَتَی عُمَرَ یَسْأَلُهُ وَ یَشْکُو إِلَیْهِ الْفَقْرَ فَقَالَ هَلَکْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ أَ هَلَکْتَ وَ أَنْتَ تَنِثُّ نَثِیثَ الْحَمِیتِ (1) أَعْطُوهُ فَأَعْطَوْهُ رُبَعَةً (2) مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ تَبِعَهَا ظِئْرَاهَا ثُمَّ أَنْشَأَ یُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ لَقَدْ رَأَیْتُنِی وَ أُخْتاً لِی نَرْعَی عَلَی أَبَوَیْنَا نَاضِحاً (3) لَنَا قَدْ أَلْبَسَتْنَا أُمُّنَا نُقْبَتَهَا (4) وَ زَوَّدَتْنَا یَمْنَتَیْهَا هَبِیداً (5) فَنَخْرُجُ بِنَاضِحِنَا فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَلْقَیْتُ النُّقْبَةَ إِلَی أُخْتِی وَ خَرَجْتُ أَسْعَی عُرْیَانَ فَنَرْجِعُ إِلَی أُمِّنَا وَ قَدْ جَعَلَتْ لَنَا لَفِیتَةً (6) مِنْ ذَلِکَ الْهَبِیدِ فَیَا خِصْبَاهُ.

3072

1,14- وَ رَوَی اِبْنُ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَی عُمَرَ فِی أَوَّلِ خِلاَفَتِهِ وَ قَدْ أُلْقِیَ لَهُ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ عَلَی خَصَفَةٍ (7) فَدَعَانِی إِلَی الْأَکْلِ فَأَکَلْتُ تَمْرَةً وَاحِدَةً وَ أَقْبَلَ یَأْکُلُ حَتَّی أَتَی عَلَیْهِ ثُمَّ شَرِبَ مِنْ جَرٍّ (8) کَانَ عِنْدَهُ وَ اسْتَلْقَی عَلَی مِرْفَقِةٍ لَهُ وَ طَفِقَ یَحْمَدُ اللَّهَ یُکَرِّرُ ذَلِکَ ثُمَّ قَالَ مِنْ أَیْنَ جِئْتَ یَا عَبْدَ اللَّهِ قُلْتُ مِنَ اَلْمَسْجِدِ قَالَ کَیْفَ خَلَّفْتَ اِبْنَ عَمِّکَ فَظَنَنْتُهُ یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قُلْتُ خَلَّفْتُهُ یَلْعَبُ مَعَ أَتْرَابِهِ قَالَ لَمْ أَعْنِ ذَلِکَ إِنَّمَا عَنَیْتُ عَظِیمَکُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ قُلْتُ خَلَّفْتُهُ یَمْتَحُ بِالْغَرْبِ (9) عَلَی نَخِیلاَتٍ مِنْ فُلاَنٍ وَ هُوَ یَقْرَأُ اَلْقُرْآنَ قَالَ یَا عَبْدَ اللَّهِ عَلَیْکَ دِمَاءُ الْبُدْنِ إِنْ کَتَمْتَنِیهَا هَلْ بَقِیَ فِی نَفْسِهِ

ص :20

شَیْءٌ مِنْ أَمْرِ الْخِلاَفَةِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَ یَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص نَصَّ عَلَیْهِ قُلْتُ نَعَمْ وَ أَزِیدُکَ سَأَلْتُ أَبِی عَمَّا یَدَّعِیهِ فَقَالَ صَدَقَ فَقَالَ عُمَرُ لَقَدْ کَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی أَمْرِهِ ذَرْوٌ (1) مِنْ قَوْلٍ لاَ یُثْبِتُ حُجَّةً وَ لاَ یَقْطَعُ عُذْراً وَ لَقَدْ کَانَ یَرْبَعُ فِی أَمْرِهِ وَقْتاً مَا وَ لَقَدْ أَرَادَ فِی مَرَضِهِ أَنْ یُصَرِّحَ بِاسْمِهِ فَمَنَعْتُ مِنْ ذَلِکَ إِشْفَاقاً وَ حِیطَةً عَلَی اَلْإِسْلاَمِ لاَ وَ رَبِّ هَذِهِ الْبَنِیَّةِ لاَ تَجْتَمِعُ عَلَیْهِ قُرَیْشٌ أَبَداً وَ لَوْ وَلِیَهَا لاَنْتَقَضَتْ عَلَیْهِ اَلْعَرَبُ مِنْ أَقْطَارِهَا فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنِّی عَلِمْتُ مَا فِی نَفْسِهِ فَأَمْسَکَ وَ أَبَی اللَّهُ إِلاَّ إِمْضَاءَ مَا حُتِمَ.

ذَکَرَ هَذَا الْخَبَرَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِی طَاهِرٍ صَاحِبُ کِتَابِ تَارِیخِ بَغْدَادَ فِی کِتَابِهِ مُسْنَداً.

.

3073

ابْتَنَی أَبُو سُفْیَانَ دَاراً بِمَکَّةَ فَأَتَی أَهْلُهَا عُمَرَ فَقَالُوا إِنَّهُ قَدْ ضَیَّقَ عَلَیْنَا الْوَادِیَ وَ أَسَالَ عَلَیْنَا الْمَاءَ فَأَتَاهُ عُمَرُ فَقَالَ خُذْ هَذَا الْحَجَرَ فَضَعْهُ هُنَاکَ وَ ارْفَعْ هَذَا وَ اخْفِضْ هَذَا فَفَعَلَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَذَلَّ أَبَا سُفْیَانَ بِأَبْطَحِ مَکَّةَ .

3074

وَ قَالَ عُمَرُ وَ اللَّهِ لَقَدْ لاَنَ قَلْبِی فِی اللَّهِ حَتَّی لَهُوَ أَلْیَنُ مِنَ الزُّبْدِ وَ لَقَدِ اشْتَدَّ قَلْبِی فِی اللَّهِ حَتَّی لَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الْحَجَرِ.

3075

کَانَ عُمَرُ إِذَا أَتَاهُ الْخَصْمَانِ بَرَکَ عَلَی رُکْبَتَیْهِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ أَعِنِّی عَلَیْهِمَا فَإِنَّ کُلاًّ مِنْهُمَا یُرِیدُنِی عَنْ دِینِی.

ص :21

3076

وَ خَطَبَ عُمَرُ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا کُنَّا نَعْرِفُکُمْ وَ اَلنَّبِیُّ ص بَیْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ یَنْزِلُ الْوَحْیُ وَ إِذْ یُنْبِئُنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِکُمْ أَلاَ وَ إِنَّ اَلنَّبِیَّ ص قَدِ انْطَلَقَ وَ الْوَحْیَ قَدِ انْقَطَعَ وَ إِنَّمَا نَعْرِفُکُمْ بِمَا یَبْدُو مِنْکُمْ مَنْ أَظْهَرَ خَیْراً ظَنَنَّا بِهِ خَیْراً وَ أَحْبَبْنَاهُ عَلَیْهِ وَ مَنْ أَظْهَرَ شَرّاً ظَنَنَّا بِهِ شَرّاً وَ أَبْغَضْنَاهُ عَلَیْهِ سَرَائِرُکُمْ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ رَبِّکُمْ أَلاَ إِنَّهُ قَدْ أَتَی عَلَیَّ حِینٌ وَ أَنَا أَحْسَبُ أَنَّهُ لاَ یَقْرَأُ اَلْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلاَّ یُرِیدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَ قَدْ خُیِّلَ إِلَیَّ بِأَخَرَةٍ أَنَّ رِجَالاً قَدْ قَرَءُوهُ یُرِیدُونَ بِهِ مَا عِنْدَ النَّاسِ فَأَرِیدُوا اللَّهَ بِقِرَاءَتِکُمْ وَ أَرِیدُوا اللَّهَ بِأَعْمَالِکُمْ.

أَلاَ وَ إِنِّی لاَ أُرْسِلُ عُمَّالِی إِلَیْکُمْ أَیُّهَا النَّاسُ لِیَضْرِبُوا أَبْشَارَکُمْ وَ لاَ لِیَأْخُذُوا أَمْوَالَکُمْ وَ لَکِنْ أُرْسِلُهُمْ إِلَیْکُمْ لِیُعَلِّمُوکُمْ دِینَکُمْ وَ سُنَّتَکُمْ فَمَنْ فَعَلَ بِهِ سِوَی ذَلِکَ فَلْیَرْفَعْهُ إِلَیَّ لِأَقْتَصَّ لَهُ فَقَدْ رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقْتَصُّ مِنْ نَفْسِهِ.

أَلاَ لاَ تَضْرِبُوا اَلْمُسْلِمِینَ فَتُذِلُّوهُمْ وَ لاَ تَمْنَعُوهُمْ حُقُوقَهُمْ فَتُفْقِرُوهُمْ وَ لاَ تُنْزِلُوهُمُ الْغِیَاضَ فَتُضَیِّعُوهُمْ.

3077

وَ قَالَ مَرَّةً قَدْ أَعْیَانِی أَهْلُ اَلْکُوفَةِ إِنِ اسْتَعْمَلْتُ عَلَیْهِمْ لَیِّناً اسْتَضْعَفُوهُ وَ إِنِ اسْتَعْمَلْتُ عَلَیْهِمْ شَدِیداً شَکَوْهُ وَ لَوَدِدْتُ أَنِّی وَجَدْتُ رَجُلاً قَوِیّاً أَمِیناً أَسْتَعْمِلُهُ عَلَیْهِمْ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَنَا أَدُلُّکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی الرَّجُلِ الْقَوِیِّ الْأَمِینِ قَالَ مَنْ هُوَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ قَاتَلَکَ اللَّهُ وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتَ اللَّهَ بِهَا لاَ هَا اللَّهِ لاَ أَسْتَعْمِلُهُ عَلَیْهَا وَ لاَ عَلَی غَیْرِهَا وَ أَنْتَ فَقُمْ فَاخْرُجْ فَمُذْ الْآنَ لاَ أُسَمِّیکَ إِلاَّ الْمُنَافِقَ فَقَامَ الرَّجُلُ وَ خَرَجَ.

3078

وَ کَتَبَ إِلَی سَعْدِ بْنِ أَبِی وَقَّاصٍ أَنْ شَاوِرْ طُلَیْحَةَ بْنَ خُوَیْلِدٍ وَ عَمْرَو بْنَ مَعْدِیکَرِبَ فَإِنَّ کُلَّ صَانِعٍ أَعْلَمُ بِصَنْعَتِهِ وَ لاَ تُوَلِّهِمَا مِنْ أَمْرِ اَلْمُسْلِمِینَ شَیْئاً .

ص :22

3079

وَ غَضِبَ عُمَرُ عَلَی بَعْضٍ عُمَّالِهِ فَکَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ عُمَرَ فِی أَنْ تَسْتَرْضِیهِ لَهُ فَکَلَّمَتْهُ فِیهِ فَغَضِبَ وَ قَالَ وَ فِیمَ أَنْتِ مِنْ هَذَا یَا عَدُوَّةَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْتِ لُعْبَةٌ نَلْعَبُ بِکِ وَ تُفَرَّکِینَ (1) .

3080

وَ مِنْ کَلاَمِهِ أَشْکُو إِلَی اللَّهِ جَلَدَ الْخَائِنِ وَ عَجْزَ الثِّقَةِ.

3081

قَالَ عَمْرُو بْنُ مَیْمُونٍ لَقَدْ رَأَیْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَبْلَ أَنْ یُصَابَ بِأَیَّامٍ وَاقِفاً عَلَی حُذَیْفَةَ بْنِ الْیَمَانِ وَ عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ وَ هُوَ یَقُولُ لَهُمَا أَ تَخَافَانِ أَنْ تَکُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لاَ تُطِیقُهُ فَقَالاَ لاَ إِنَّمَا حَمَّلْنَاهَا أَمْراً هِیَ لَهُ مُطِیقَةٌ فَأَعَادَ عَلَیْهِمَا الْقَوْلَ انْظُرَا أَنْ تَکُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لاَ تُطِیقُهُ فَقَالاَ لاَ فَقَالَ عُمَرُ إِنْ عِشْتُ لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ اَلْعِرَاقِ لاَ یَحْتَجْنَ بَعْدِی إِلَی رَجُلٍ أَبَداً فَمَا أَتَتْ عَلَیْهِ رَابِعَةٌ حَتَّی أُصِیبَ.

3082

کَانَ عُمَرُ إِذَا اسْتَعْمَلَ عَامِلاً کَتَبَ عَلَیْهِ کِتَاباً وَ أَشْهَدَ عَلَیْهِ رَهْطاً مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ أَلاَّ یَرْکَبَ بِرْذَوْناً وَ لاَ یَأْکُلَ نِقْیاً (2) وَ لاَ یَلْبَسَ رَقِیقاً وَ لاَ یُغْلَقَ بَابُهُ دُونَ حَاجَاتِ اَلْمُسْلِمِینَ ثُمَّ یَقُولُ اللَّهُمَّ اشْهَدْ.

3083

وَ اسْتَعْمَلَ عُمَرُ اَلنُّعْمَانَ بْنَ عَدِیِّ بْنِ نَضْلَةَ عَلَی مَیْسَانَ فَبَلَغَهُ عَنْهُ الشَّعْرُ الَّذِی قَالَهُ وَ هُوَ وَ مَنْ مُبْلِغُ الْحَسْنَاءِ أَنَّ حَلِیلَهَا

ص :23

فَإِنْ کُنْتَ نَدْمَانِی فَبِالْأَکْبَرِ اسْقِنِی

فَکَتَبَ إِلَیْهِ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ حم تَنْزِیلُ الْکِتٰابِ مِنَ اللّٰهِ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ غٰافِرِ الذَّنْبِ وَ قٰابِلِ التَّوْبِ شَدِیدِ الْعِقٰابِ ذِی الطَّوْلِ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ إِلَیْهِ الْمَصِیرُ (1) أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِی قَوْلُکَ لَعَلَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ یَسُوءُهُ الْبَیْتَ وَ أَیْمُ اللَّهِ إِنَّهُ لَیَسُوءُنِی فَاقْدَمْ فَقَدْ عَزَلْتُکَ.

فَلَمَّا قَدِمَ عَلَیْهِ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ اللَّهِ مَا شَرِبْتُهَا قَطُّ وَ إِنَّمَا هُوَ شِعْرٌ طَفَحَ عَلَی لِسَانِی وَ إِنِّی لَشَاعِرٌ.

فَقَالَ عُمَرُ أَظُنُّ ذَاکَ وَ لَکِنْ لاَ تَعْمَلُ لِی عَلَی عَمَلٍ أَبَداً.

3084

اسْتَعْمَلَ عُمَرُ رَجُلاً مِنْ قُرَیْشٍ عَلَی عَمَلٍ فَبَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ اِسْقِنِی شَرْبَةً تُرَوِّی عِظَامِی وَ اسْقِ بِاللَّهِ مِثْلَهَا اِبْنَ هِشَامٍ فَأَشْخَصَهُ إِلَیْهِ وَ فَطَنَ الْقُرَشِیُّ فَضَمَّ إِلَیْهِ بَیْتاً آخَرَ فَلَمَّا مَثُلَ بَیْنَ یَدَیْهِ قَالَ لَهُ أَنْتَ الْقَائِلُ اِسْقِنِی شَرْبَةً تُرَوِّی عِظَامِی قَالَ نَعَمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَهَلاَّ أَبْلَغَکَ الْوَاشِی مَا بَعْدَهُ قَالَ مَا الَّذِی بَعْدَهُ قَالَ عَسَلاً بَارِداً بِمَاءِ غَمَامٍ إِنَّنِی لاَ أُحِبُّ شُرْبَ الْمُدَامِ قَالَ آللَّهَ آللَّهَ ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ إِلَی عَمَلِکَ.

ص :24

3085

قَالَ عُمَرُ أَیُّمَا عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِی ظَلَمَ أَحَداً ثُمَّ بَلَغَتْنِی مَظْلِمَتُهُ فَلَمْ أُغَیِّرْهَا فَأَنَا الَّذِی ظَلَمْتُهُ.

3086

وَ قَالَ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَیْسٍ وَ قَدْ قَدِمَ عَلَیْهِ فَاحْتَبَسَهُ عِنْدَهُ حَوْلاً یَا أَحْنَفُ إِنِّی قَدْ خَبَّرْتُکَ وَ بَلَوْتُکَ فَرَأَیْتُ عَلاَنِیَتَکَ حَسَنَةً وَ أَنَا أَرْجُو أَنْ تَکُونَ سَرِیرَتُکَ مِثْلَ عَلاَنِیَتِکَ وَ إِنْ کُنَّا لَنُحَدِّثُ أَنَّهُ إِنَّمَا یُهْلِکَ هَذِهِ الْأُمَّةَ کُلُّ مُنَافِقٍ عَلِیمٍ.

3087

وَ کَتَبَ عُمَرُ إِلَی سَعْدِ بْنِ أَبِی وَقَّاصٍ أَنَّ مَتَرْسْ (1) بِالْفَارِسِیَّةِ هُوَ الْأَمَانُ فَمَنْ قُلْتُمْ لَهُ ذَلِکَ مِمَّنْ لاَ یَفْقُهُ لِسَانَکُمْ فَقَدْ أَمَّنْتُمُوهُ.

3088

وَ قَالَ لِأَمِیرٍ مِنْ أُمَرَاءِ اَلشَّامِ کَیْفَ سِیرَتُکَ کَیْفَ تَصْنَعُ فِی اَلْقُرْآنِ وَ الْأَحْکَامِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَحْسَنْتَ اذْهَبْ فَقَدْ أَقْرَرْتُکَ عَلَی عَمَلِکَ فَلَمَّا وَلِیَ رَجَعَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی رَأَیْتُ الْبَارِحَةَ رُؤْیَا أَقُصُّهَا عَلَیْکَ رَأَیْتُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ یَقْتَتِلاَنِ وَ مَعَ کُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُنُودٌ مِنَ الْکَوَاکِبِ فَقَالَ فَمَعَ أَیِّهِمَا کُنْتَ قَالَ مَعَ الْقَمَرِ فَقَالَ قَدْ عَزَلْتُکَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ وَ النَّهٰارَ آیَتَیْنِ فَمَحَوْنٰا آیَةَ اللَّیْلِ وَ جَعَلْنٰا آیَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً (2) .

3089

کَانَ عُمَرُ جَالِساً فِی اَلْمَسْجِدِ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ وَیْلٌ لَکِ یَا عُمَرُ مِنَ اَلنَّارِ فَقَالَ قَرِّبُوهُ إِلَیَّ فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ لِمَ قُلْتَ لِی مَا قُلْتَ قَالَ تَسْتَعْمِلُ عُمَّالَکَ وَ تَشْتَرِطُ عَلَیْهِمْ

ص :25

ثُمَّ لاَ تَنْظُرُ هَلْ وَفَوْا لَکَ بِشُرُوطٍ أَمْ لاَ قَالَ وَ مَا ذَاکَ قَالَ عَامِلُکَ عَلَی مِصْرَ اشْتَرَطْتَ عَلَیْهِ فَتَرَکَ مَا أَمَرْتَهُ بِهِ وَ ارْتَکَبَ مَا نَهَیْتَهُ عَنْهُ ثُمَّ شَرَحَ لَهُ کَثِیراً مِنْ أَمْرِهِ فَأَرْسَلَ عُمَرُ رَجُلَیْنِ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُمَا انْتَهِیَا إِلَیْهِ فَاسْأَلاَ عَنْهُ فَإِنْ کَانَ کَذَبَ عَلَیْهِ فَأَعْلِمَانِی وَ إِنْ رَأَیْتُمَا مَا یَسُوءُکُمَا فَلاَ تُمَلِّکَاهُ مِنْ أَمْرِهِ شَیْئاً حَتَّی تَأْتِیَا بِهِ فَذَهَبَا فَسَأَلاَ عَنْهُ فَوَجَدَاهُ قَدْ صَدَقَ عَلَیْهِ فَجَاءَا إِلَی بَابِهِ فَاسْتَأْذَنَا عَلَیْهِ فَقَالَ حَاجِبُهُ إِنَّهُ لَیْسَ عَلَیْهِ الْیَوْمَ إِذْنٌ قَالاَ لَیَخْرُجَنَّ إِلَیْنَا أَوْ لَنُحْرِقَنَّ عَلَیْهِ بَابَهُ وَ جَاءَ أَحَدُهُمَا بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ فَدَخَلَ الْآذِنُ فَأَخْبَرَهُ فَخَرَجَ إِلَیْهِمَا قَالاَ إِنَّا رَسُولاَ عُمَرَ إِلَیْکَ لِتَأْتِیَهُ قَالَ إِنَّ لَنَا حَاجَةً تُمْهِلاَنِنِی لِأَتَزَوَّدَ قَالاَ إِنَّهُ عَزَمَ عَلَیْنَا أَلاَّ نُمْهِلَکَ فَاحْتَمَلاَهُ فَأَتَیَا بِهِ عُمَرَ فَلَمَّا أَتَاهُ سَلَّمَ عَلَیْهِ فَلَمْ یَعْرِفْهُ وَ قَالَ مَنْ أَنْتَ وَ کَانَ رَجُلاً أَسْمَرَ فَلَمَّا أَصَابَ مِنْ رِیفِ مِصْرَ ابْیَضَّ وَ سَمِنَ فَقَالَ أَنَا عَامِلُکَ عَلَی مِصْرَ أَنَا فُلاَنٌ قَالَ وَیْحَکَ رَکِبْتَ مَا نَهَیْتُ عَنْهُ وَ تَرَکْتَ مَا أَمَرْتُ بِهِ وَ اللَّهِ لَأُعَاقِبَنَّکَ عُقُوبَةً أَبْلَغَ إِلَیْکَ فِیهَا ائْتُونِی بِکِسَاءٍ مِنْ صُوفٍ وَ عَصاً وَ ثَلاَثِمِائَةِ شَاةٍ مِنْ غَنَمِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ الْبَسْ هَذِهِ الدُّرَّاعَةَ (1) فَقَدْ رَأَیْتُ أَبَاکَ وَ هَذِهِ خَیْرٌ مِنْ دُرَّاعَتِهِ وَ خُذْ هَذِهِ الْعَصَا فَهِیَ خَیْرٌ مِنْ عَصَا أَبِیکَ وَ اذْهَبْ بِهَذِهِ الشِّیَاهِ فَارْعَهَا فِی مَکَانِ کَذَا وَ ذَلِکَ فِی یَوْمٍ صَائِفٍ وَ لاَ تَمْنَعِ السَّابِلَةَ مِنْ أَلْبَانِهَا شَیْئاً إِلاَّ آلَ عُمَرَ فَإِنِّی لاَ أَعْلَمُ أَحَداً مِنْ آلِ عُمَرَ أَصَابَ مِنْ أَلْبَانِ غَنَمِ الصَّدَقَةِ وَ لُحُومِهَا شَیْئاً.

فَلَمَّا ذَهَبَ رَدَّهُ وَ قَالَ أَ فَهِمْتَ مَا قُلْتُ فَضَرَبَ بِنَفْسِهِ الْأَرْضَ وَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لاَ أَسْتَطِیعُ هَذَا فَإِنْ شِئْتَ فَاضْرِبْ عُنُقِی قَالَ فَإِنْ رَدَدْتُکَ فَأَیَّ رَجُلٍ تَکُونُ قَالَ وَ اللَّهِ لاَ یَبْلُغُکَ بَعْدَهَا إِلاَّ مَا تُحِبُّ فَرَدَّهُ فَکَانَ نِعْمَ الرَّجُلُ وَ قَالَ عُمَرُ وَ اللَّهِ

ص :26

لاَ أَنْزَعَنَّ فُلاَناً مِنَ الْقَضَاءِ حَتَّی أَسْتَعْمِلَ عِوَضَهُ رَجُلاً إِذَا رَآهُ الْفَاجِرُ فَرِقَ.

3090

وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَیْدَةَ قَالَ بَیْنَا عُمَرُ یَعُسُّ ذَاتَ لَیْلَةٍ انْتَهَی إِلَی بَابٍ مُتَجَافٍ وَ امْرَأَةٍ تُغَنِّی نِسْوَةً هَلْ مِنْ سَبِیلٍ إِلَی خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا أَمْ هَلْ سَبِیلٌ إِلَی نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ فَقَالَ عُمَرُ أَمَّا مَا عِشْتُ فَلاَ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ وَ هُوَ نَصْرُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ عُلاَبِطٍ الْبَهْزِیُّ السُّلَمِیُّ فَأَبْصَرَهُ وَ هُوَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً وَ أَصْبَحِهِمْ وَ أَمْلَحِهِمْ حُسْناً فَأَمَرَ أَنْ یُطَمَّ (1) شَعْرُهُ فَخَرَجَتْ جَبْهَتُهُ فَازْدَادَ حُسْناً فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اذْهَبْ فَاعْتَمَّ فَاعْتَمَّ فَبَدَتْ وَفْرَتُهُ (2) فَأَمَرَ بِحَلْقِهَا فَازْدَادَ حُسْناً فَقَالَ لَهُ فَتَنْتَ نِسَاءَ اَلْمَدِینَةِ یَا اِبْنَ حَجَّاجٍ لاَ تُجَاوِرْنِی فِی بَلْدَةٍ أَنَا مُقِیمٌ بِهَا ثُمَّ سَیَّرَهُ إِلَی اَلْبَصْرَةِ .

فَرَوَی اَلْأَصْمَعِیُّ قَالَ أَبْرَدَ عُمَرُ بَرِیداً إِلَی عُتْبَةِ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ بِالْبَصْرَةِ فَأَقَامَ بِهَا أَیَّاماً ثُمَّ نَادَی مُنَادِی عُتْبَةَ مَنْ أَرَادَ أَنْ یَکْتُبَ إِلَی أَهْلِهِ بِالْمَدِینَةِ أَوْ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ شَیْئاً فَلْیَکْتُبْ فَإِنَّ بَرِیدَ اَلْمُسْلِمِینَ خَارِجٌ.

فَکَتَبَ النَّاسُ وَ دَسَّ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ کِتَاباً فِیهِ لِعَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ سَلاَمٌ عَلَیْکَ أَمَّا بَعْدُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَعَمْرِی لَئِنْ سَیَّرْتَنِی أَوْ حَرَمْتَنِی

ص :27

ظَنَنْتَ بِیَ الظَّنَّ الَّذِی لَیْسَ بَعْدَهُ

فَقَالَ عُمَرُ أَمَّا وُلِّیَ وِلاَیَةً فَلاَ وَ أَقْطَعَهُ أَرْضاً بِالْبَصْرَةِ وَ دَاراً.

فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ رَکِبَ رَاحِلَتَهُ وَ لَحِقَ بِالْمَدِینَةِ .

3091

وَ ذَکَرَ اَلْمُبَرَّدُ مُحَمَّدُ بْنُ یَزِیدَ الثُّمَالِیُّ قَالَ کَانَ (1) عُمَرُ أَصْلَعَ فَلَمَّا حَلَقَ وَفْرَةَ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ (2) قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ شَاعِراً تَضِنُّ اِبْنَ خَطَّابٍ عَلَیَّ بِجُمَّةٍ

3092

مُحَمَّدُ بْنُ سَعِیدٍ قَالَ بَیْنَا یَطُوفُ عُمَرُ فِی بَعْضِ سِکَکِ اَلْمَدِینَةِ إِذْ سَمِعَ امْرَأَةً تَهْتِفُ مِنْ خِدْرِهَا هَلْ مِنْ سَبِیلٍ إِلَی خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا أَمْ هَلْ سَبِیلٌ إِلَی نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ

ص :28

إِلَی فَتًی مَاجِدِ الْأَعْرَاقِ مُقْتَبِلٍ

فَقَالَ عُمَرُ أَلاَ لاَ أَدْرِی مَعِی رَجُلاً یَهْتِفُ بِهِ الْعَوَاتِقُ فِی خُدُورِهِنَّ-عَلَیَّ بِنَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ فَأُتِیَ بِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهاً وَ عَیْناً وَ شَعْراً فَأَمَرَ بِشَعْرِهِ فَجُزَّ فَخَرَجَتْ لَهُ وَجْنَتَانِ کَأَنَّهُ قَمَرٌ فَأَمَرَهُ أَنْ یَعْتَمَّ فَاعْتَمَّ فَفَتَنَ النِّسَاءَ بِعَیْنَیْهِ فَقَالَ عُمَرُ لاَ وَ اللَّهِ لاَ تُسَاکِنُنِی بِأَرْضٍ أَنَا بِهَا قَالَ وَ لِمَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ هُوَ مَا أَقُولُ لَکَ فَسَیَّرَهُ إِلَی اَلْبَصْرَةِ .

وَ خَافَتِ الْمَرْأَةُ (1) الَّتِی سَمِعَ عُمَرُ مِنْهَا مَا سَمِعَ أَنْ یَبْدُرَ إِلَیْهَا مِنْهُ شَیْءٌ فَدَسَّتْ إِلَیْهِ أَبْیَاتاً قُلْ لِلْأَمِیرِ الَّذِی تَخْشَی بَوَادِرَهُ فَبَکَی عُمَرُ وَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی قَیَّدَ الْهَوَی بِالتَّقْوَی.

وَ أَتَتْهُ یَوْماً أُمُّ نَصْرٍ حِینَ اشْتَدَّتْ عَلَیْهَا غَیْبَةُ ابْنِهَا فَتَعَرَّضَتْ لِعُمَرَ بَیْنَ الْأَذَانِ وَ الْإِقَامَةِ فَقَعَدَتْ لَهُ عَلَی الطَّرِیقِ فَلَمَّا خَرَجَ یُرِیدُ الصَّلاَةَ هَتَفَتْ بِهِ وَ قَالَتْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَأُجَاثِیَنَّکَ (2) غَداً بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَأُخَاصِمَنَّکَ إِلَیْهِ یَبِیتُ عَاصِمٌ وَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَی

ص :29

جَانِبَیْکَ وَ بَیْنِی وَ بَیْنَ ابْنِیَ الْفَیَافِی وَ الْقِفَارُ وَ الْمَفَاوِزُ وَ الْجِبَالُ قَالَ مَنْ هَذِهِ قِیلَ أُمُّ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ فَقَالَ یَا أُمَّ نَصْرٍ إِنَّ عَاصِماً وَ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ تَهْتِفْ بِهِمَا الْعَوَاتِقُ مِنْ وَرَاءِ الْخُدُورِ.

وَ یُرْوَی أَنَّ نَصْرَ بْنَ الْحَجَّاجِ لَمَّا سَیَّرَهُ عُمَرُ إِلَی اَلْبَصْرَةِ نَزَلَ بِهَا عَلَی مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّلَمِیِّ وَ کَانَ خَلِیفَةَ أَبِی مُوسَی عَلَیْهَا وَ کَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ جَمِیلَةٌ فَهَوِیَتْ نَصْراً وَ هَوِیَهَا فَبَیْنَا الشَّیْخُ جَالِسٌ وَ نَصْرٌ عِنْدَهُ إِذْ کَتَبَ فِی الْأَرْضِ شَیْئاً فَقَرَأَتْهُ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ أَنَا وَ اللَّهِ فَقَالَ مُجَاشِعٌ مَا قَالَ لَکِ قَالَتْ إِنَّهُ قَالَ مَا أَصْفَی لَقْحَتَکُمْ هَذِهِ فَقَالَ مُجَاشِعٌ إِنَّ الْکَلِمَةَ الَّتِی قُلْتَ لَیْسَتْ أُخْتاً لِهَذَا الْکَلاَمِ عَزَمْتُ عَلَیْکَ لَمَّا أَخْبَرْتِنِی قَالَتْ إِنَّهُ قَالَ مَا أَحْسَنَ سَوَارُ ابْنَتِکُمْ هَذِهِ قَالَ وَ لاَ هَذِهِ فَإِنَّهُ کَتَبَ فِی الْأَرْضِ فَرَأَی الْخَطَّ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَوَضَعَهُ عَلَیْهِ ثُمَّ أَحْضَرَ غُلاَماً مِنْ غِلْمَانِهِ فَقَالَ اقْرَأْ فَقَرَأَهُ وَ إِذَا هُوَ أَنَا وَ اللَّهِ أُحِبُّکِ فَقَالَ هَذِهِ لِهَذِهِ اعْتَدِّی أَیَّتُهَا الْمَرْأَةُ وَ تَزَوَّجْهَا یَا ابْنَ أَخِی إِنْ أَرَدْتَ.

ثُمَّ غَدَا عَلَی أَبِی مُوسَی فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَبُو مُوسَی أُقْسِمُ مَا أَخْرَجَهُ عُمَرُ عَنِ اَلْمَدِینَةِ مِنْ خَیْرٍ ثُمَّ طَرَدَهُ إِلَی فَارِسَ وَ عَلَیْهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِی الْعَاصِ الثَّقَفِیُّ فَنَزَلَ عَلَی دِهْقَانَةٍ فَأَعْجَبَهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَیْهِ فَبَلَغَ خَبَرُهَا عُثْمَانَ فَبَعَثَ إِلَیْهِ أَنِ اخْرُجْ عَنْ أَرْضِ فَارِسَ فَإِنَّکَ لَمْ تَخْرُجْ عَنِ اَلْمَدِینَةِ وَ اَلْبَصْرَةِ مِنْ خَیْرٍ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَئِنْ أَخْرَجْتُمُونِی لَأَلْحَقَنَّ بِبِلاَدِ الشِّرْکِ فَکَتَبَ بِذَلِکَ إِلَی عُمَرَ فَکَتَبَ أَنْ جَزُّوا شَعْرَهُ وَ شَمِّرُوا قَمِیصَهُ وَ أَلْزِمُوهُ الْمَسَاجِدَ.

3093

وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَیْدَةَ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ لَیْلاً یَعُسُّ فَإِذَا نِسْوَةٌ یَتَحَدَّثْنَ وَ إِذَا هُنَّ

ص :30

یَقُلْنَ أَیُّ فِتْیَانِ اَلْمَدِینَةِ أَصْبَحُ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ أَبُو ذُؤَیْبٍ وَ اللَّهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ عُمَرُ سَأَلَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ مِنْ بَنِی سُلَیْمٍ وَ إِذَا هُوَ ابْنُ عَمِّ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ فَحَضَرَ فَإِذَا هُوَ أَجْمَلُ النَّاسِ وَ أَمْلَحُهُمْ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَیْهِ قَالَ أَنْتَ وَ اللَّهِ ذِئْبُهَا یُکَرِّرُهَا وَ یُرَدِّدُهَا لاَ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لاَ تُجَامِعُنِی بِأَرْضٍ أَبَداً.

فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنْ کُنْتَ لاَ بُدَّ مَسِیرِی فَسَیِّرْنِی حَیْثُ سَیَّرْتَ ابْنَ عَمِّی نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ فَأَمَرَ بِتَسْیِیرِهِ إِلَی اَلْبَصْرَةِ فَأُشْخِصَ إِلَیْهَا.

3094

خَطَبَ عُمَرُ فِی اللَّیْلَةِ الَّتِی دُفِنَ فِیهَا أَبُو بَکْرٍ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی نَهَجَ سَبِیلَهُ وَ کَفَانَا بِرَسُولِهِ فَلَمْ یَبْقَ إِلاَّ الدُّعَاءُ وَ الاِقْتِدَاءُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی ابْتَلاَنِی بِکُمْ وَ ابْتَلاَکُمْ بِی وَ أَبْقَانِی فِیکُمْ بَعْدَ صَاحِبِی وَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَزِلَّ أَوْ أَضِلَّ فَأُعَادِیَ لَهُ وَلِیّاً أَوْ أُوَالِیَ لَهُ عَدُوّاً أَلاَ إِنِّی وَ صَاحِبِی کَنَفَرٍ ثَلاَثَةٍ قَفَلُوا مِنْ طَیْبَةَ فَأَخَذَ أَحَدُهُمْ مُهْلَةً إِلَی دَارِهِ وَ قَرَارِهِ فَسَلَکَ أَرْضاً مُضِیئَةً مُتَشَابِهَةَ الْأَعْلاَمِ فَلَمْ یَزِلَّ عَنِ الطَّرِیقِ وَ لَمْ یُحْرَمِ السَّبِیلَ حَتَّی أَسْلَمَهُ إِلَی أَهْلِهِ ثُمَّ تَلاَهُ الْآخَرُ فَسَلَکَ سَبِیلَهُ وَ اتَّبَعَ أَثَرَهُ فَأَفْضَی إِلَیْهِ وَ لَقِیَ صَاحِبَهُ ثُمَّ تَلاَهُمَا الثَّالِثُ فَإِنْ سَلَکَ سَبِیلَهُمَا وَ اتَّبَعَ أَثَرَهُمَا أَفْضَی إِلَیْهِمَا وَ لاَقَاهُمَا وَ إِنْ زَلَّ یَمِیناً أَوْ شِمَالاً لَمْ یُجَامِعْهُمَا أَبَداً.

أَلاَ وَ إِنَّ اَلْعَرَبَ جَمَلٌ أَنِفٌ (1) قَدْ أُعْطِیتُ خِطَامَهُ أَلاَ وَ إِنِّی حَامِلُهُ عَلَی الْمَحَجَّةِ وَ مُسْتَعِینٌ بِاللَّهِ عَلَیْهِ.

أَلاَ وَ إِنِّی دَاعٍ فَأَمِّنُوا اللَّهُمَّ إِنِّی شَحِیحٌ فَسَخِّنِی اللَّهُمَّ إِنِّی غَلِیظٌ فَلَیِّنِّی اللَّهُمَّ إِنِّی ضَعِیفٌ فَقَوِّنِی اللَّهُمَّ أَوْجِبْ لِی بِمُوَالاَتِکَ وَ مُوَالاَةِ أَوْلِیَائِکَ وَلاَیَتَکَ وَ مَعُونَتَکَ وَ أَبْرِئْنِی

ص :31

مِنَ الْآفَاتِ بِمُعَادَاةِ أَعْدَائِکَ وَ تَوَفَّنِی مَعَ الْأَبْرَارِ وَ لاَ تَحْشُرْنِی فِی زُمْرَةِ الْأَشْقِیَاءِ اللَّهُمَّ لاَ تُکْثِرْ لِی مِنَ الدُّنْیَا فَأَطْغَی وَ لاَ تُقْلِلْ لِی فَأَشْقَی فَإِنَّ مَا قَلَّ وَ کَفَی خَیْرٌ مِمَّا کَثُرَ وَ أَلْهَی.

3095

وَفَدَ عَلَی عُمَرَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ مِنْهُمْ جَرِیرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ بِجَفْنَةٍ قَدْ صُبِغَتْ بِخَلٍّ وَ زَیْتٍ وَ قَالَ خُذُوا فَأَخَذُوا أَخْذاً ضَفِیفاً فَقَالَ مَا بَالُکُمْ تَقْرَمُونَ (1) قَرْمَ الشَّاةِ الْکَسِیرَةِ أَظُنُّکُمْ تُرِیدُونَ حُلْواً وَ حَامِضاً وَ حَارّاً وَ بَارِداً ثُمَّ قَذْفاً فِی الْبُطُونِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُدَهْمِقَ (2) لَکُمْ لَفَعَلْتُ وَ لَکِنَّا نَسْتَبْقِی مِنْ دُنْیَانَا مَا نَجِدُهُ فِی آخِرَتِنَا وَ لَوْ شِئْنَا أَنْ نَأْمُرَ بِصِغَارِ الضَّأْنِ فَتُسْمَطُ (3) وَ لَبَأْتُ الْخُبْزَ فَیُخْبَزُ وَ نَأْمُرُ بِالزَّبِیبِ فَیُنْبَذُ لَنَا (4) فِی الْأَسْعَانِ (5) حَتَّی إِذَا صَارَ مِثْلَ عَیْنِ الْیَعْقُوبِ (6) أَکَلْنَا هَذَا وَ شَرِبْنَا هَذَا لَفَعَلْتُ وَ اللَّهِ إِنِّی مَا أَعْجِزُ عَنْ کَرَاکِرَ (7) وَ أَسْنِمَةٍ وَ صَلاَئِقَ (8) وَ صِنَابٍ (9) لَکِنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَالَ لِقَوْمٍ عَیَّرَهُمْ أَمْراً فَعَلُوهُ أَذْهَبْتُمْ طَیِّبٰاتِکُمْ فِی حَیٰاتِکُمُ الدُّنْیٰا (10) وَ إِنِّی نَظَرْتُ فِی هَذَا الْأَمْرِ

ص :32

فَجَعَلْتُ إِنْ أَرَدْتُ الدُّنْیَا أَضْرَرْتُ بِالْآخِرَةِ وَ إِنْ أَرَدْتُ الْآخِرَةَ أَضْرَرْتُ بِالدُّنْیَا وَ إِذَا کَانَ الْأَمْرُ هَکَذَا فَأَضِرُّوا بِالْفَانِیَةِ.

3096

خَرَجَ عُمَرُ یَوْماً إِلَی اَلْمَسْجِدِ وَ عَلَیْهِ قَمِیصٌ فِی ظَهْرِهِ أَرْبَعُ رِقَاعٍ فَقَرَأَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی قَوْلِهِ وَ فٰاکِهَةً وَ أَبًّا (1) فَقَالَ مَا الْأَبُّ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّکَلُّفُ وَ مَا عَلَیْکَ یَا اِبْنَ الْخَطَّابِ أَلاَّ تَدْرِیَ مَا الْأَبُّ.

3097

وَ جَاءَ قَوْمٌ مِنَ اَلصَّحَابَةِ إِلَی حَفْصَةَ فَقَالُوا لَوْ کَلَّمْتَ أَبَاکَ فِی أَنْ یُلَیِّنَ مِنْ عَیْشِهِ لَعَلَّهُ أَقْوَی لَهُ عَلَی النَّظَرِ فِی أُمُورِ اَلْمُسْلِمِینَ فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ إِنَّ نَاساً مِنْ قَوْمِکَ کَلَّمُونِی فِی أَنْ أُکَلِّمَکَ فِی أَنْ تُلَیِّنَ مِنْ عَیْشِکَ فَقَالَ یَا بُنَیَّةِ غَشَشْتِ أَبَاکِ وَ نَصَحْتِ لِقَوْمِکَ.

3098

1,14- وَ رَوَی سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا وُلِّیَ عُمَرُ قَعَدَ عَلَی رِزْقِ أَبِی بَکْرٍ الَّذِی کَانَ فَرَضَهُ لِنَفْسِهِ فَاشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ فَاجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ مِنْهُمْ عَلِیٌّ وَ عُثْمَانُ وَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ وَ قَالُوا لَوْ قُلْنَا (2) لِعُمَرَ یَزِیدُ فِی رِزْقِهِ فَقَالَ عُثْمَانُ إِنَّهُ عُمَرُ فَهَلُمُّوا فَلْنَسْتَبِنْ (3) مَا عِنْدَهُ مِنْ وَرَاءِ وَرَاءِ نَأْتِی حَفْصَةَ فَنُکَلِّمُهَا وَ نَسْتَکْتِمُهَا أَسْمَاءَنَا فَدَخَلُوا عَلَیْهَا وَ سَأَلُوهَا أَنْ تُکَلِّمَهُ وَ لاَ تُخْبِرَهُ بِأَسْمَاءِ مَنْ أَتَاهَا إِلاَّ أَنْ یَقْبَلَ فَلَقِیَتْ عُمَرَ فِی ذَلِکَ فَرَأَتِ الْغَضَبَ فِی وَجْهِهِ وَ قَالَ مَنْ أَتَاکِ قَالَتْ لاَ سَبِیلَ إِلَی ذَلِکَ فَقَالَ لَوْ عَلِمْتُ مَنْ هُمْ لَسُؤْتُ أَوْجُهَهُمْ أَنْتَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُمْ نَشَدْتُکَ اللَّهَ مَا أَفْضَلُ مَا اقْتَنَی رَسُولُ اللَّهِ ص فِی بَیْتِکَ مِنَ الْمَلْبَسِ قَالَتْ ثَوْبَانِ مُمْشَقَانِ (4) کَانَ یَلْبَسُهُمَا لِلْوَفْدِ وَ یَخْطُبُ

ص :33

فِیهِمَا فِی الْجُمَعِ قَالَ فَأَیُّ طَعَامٍ نَالَهُ عِنْدَکَ أَرْفَعُ قَالَتْ خَبَزْنَا مَرَّةً خُبْزَةَ شَعِیرٍ فَصَبَبْتُ عَلَیْهَا وَ هِیَ حَارَّةٌ أَسْفَلَهَا عُکَّةً (1) لَنَا کَانَ فِیهَا سَمْنٌ وَ عَسَلٌ فَجَعَلْتُهَا هَشَّةً حُلْوَةً دَسِمَةً فَأَکَلَ مِنْهَا فَاسْتَطَابَهَا قَالَ فَأَیُّ مَبْسَطٍ کَانَ یَبْسُطُ عِنْدَکَ أَوْطَأُ قَالَتْ کِسَاءٌ ثَخِینٌ کُنَّا نَرْقَعُهُ فِی الصَّیْفِ فَنَجْعَلُهُ ثَخِیناً فَإِذَا کَانَ الشِّتَاءُ بَسَطْنَا نِصْفَهُ وَ تَدَثَّرْنَا بِنِصْفِهِ قَالَ فَأَبْلِغِیهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَدَّرَ فَوَضَعَ الْفُضُولَ مَوَاضِعَهَا وَ تَبَلَّغَ مَا أَبَرَّ وَ إِنِّی قَدَّرْتُ فَوَ اللَّهِ لَأَضَعَنَّ الْفُضُولَ مَوَاضِعَهَا وَ لَأَتَبَلَّغَنَّ مَا أُبِرُّ حَبَّةً

.

3099

14- وَفَدَ عَلَی عُمَرَ وَفْدٌ فِیهِ رِجَالُ النَّاسِ مِنَ الْآفَاقِ فَوَضَعَ لَهُمْ بُسُطاً مِنْ عَبَاءٍ وَ قَدَّمَ إِلَیْهِمْ طَعَاماً غَلِیظاً فَقَالَتْ لَهُ ابْنَتُهُ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّهُمْ وُجُوهُ النَّاسِ وَ کِرَامُ اَلْعَرَبِ فَأَحْسِنْ کَرَامَتَهُمْ فَقَالَ یَا حَفْصَةُ أَخْبِرِینِی بِأَلْیَنِ فِرَاشٍ فَرَشْتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَطْیَبِ طَعَامٍ أَکَلَهُ عِنْدَکَ قَالَتْ أَصَبْنَا کِسَاءً مُلَبَّداً عَامَ خَیْبَرَ فَکُنْتُ أَفْرُشُهُ لَهُ فَیَنَامُ عَلَیْهِ وَ إِنِّی رَفَعْتُهُ لَیْلَةً فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مَا کَانَ فِرَاشِی اللَّیْلَةَ قُلْتُ فِرَاشُکَ کُلَّ لَیْلَةٍ إِلاَّ أَنِّی اللَّیْلَةَ رَفَعْتُهُ لَکَ لِیَکُونَ أَوْطَأَ فَقَالَ أَعِیدِیهِ لِحَالَتِهِ الْأُولَی فَإِنَّ وِطَاءَتَهُ مَنَعَتْنِی اللَّیْلَةَ مِنَ الصَّلاَةِ.

وَ کَانَ لَنَا صَاعٌ مِنْ دَقِیقٍ سُلْتٍ (2) فَنَخَلْتُهُ یَوْماً وَ طَبَخْتُهُ لَهُ وَ کَانَ لَنَا قَعْبٌ مِنْ سَمْنٍ فَصَبَبْتُهُ عَلَیْهِ فَبَیْنَا هُوَ ع یَأْکُلُ إِذْ دَخَلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَقَالَ أَرَی سَمْنَکُمْ قَلِیلاً وَ إِنَّ لَنَا لَقَعْباً مِنْ سَمْنٍ قَالَ ع فَأَرْسِلْ فَأْتِ بِهِ فَجَاءَ بِهِ فَصَبَّهُ عَلَیْهِ فَأَکَلَ فَهَذَا أَطْیَبُ طَعَامٍ أَکَلَهُ عِنْدِی رَسُولُ اللَّهِ ص .

فَأَرْسَلَ عُمَرُ عَیْنَیْهِ بِالْبُکَاءِ وَ قَالَ لَهَا وَ اللَّهِ لاَ أَزِیدُهُمْ عَلَی ذَلِکَ الْعَبَاءِ وَ ذَلِکَ الطَّعَامِ

ص :34

شَیْئاً وَ هَذَا فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ هَذَا طَعَامُهُ

.

3100

لَمَّا قَدِمَ عُتْبَةُ بْنُ مَرْثَدٍ أَذْرَبِیجَانَ أُتِیَ بِالْخَبِیصِ (1) فَلَمَّا أَکَلَهُ وَجَدَ شَیْئاً حُلْواً طَیِّباً فَقَالَ لَوْ صَنَعْتَ مِنْ هَذَا لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَجَعَلَ لَهُ خَبِیصاً فِی مَنْقَلَیْنِ عَظِیمَیْنِ وَ حَمَلَهُمَا عَلَی بَعِیرَیْنِ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَقَالَ عُمَرُ مَا هَذَا قَالُوا الْخَبِیصُ (2) فَذَاقَهُ فَوَجَدَهُ حُلْواً فَقَالَ لِلرَّسُولِ وَیْحَکَ أَ کُلُّ اَلْمُسْلِمِینَ عِنْدَکُمْ یَشْبَعُ مِنْ هَذَا قَالَ لاَ قَالَ فَارْدُدْهُمَا ثُمَّ کَتَبَ إِلَی عُتْبَةَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَبِیصَکَ الَّذِی بَعَثْتَهُ لَیْسَ مِنْ کَدِّ أَبِیکَ وَ لاَ مِنْ کَدِّ أُمِّکَ أَشْبِعِ اَلْمُسْلِمِینَ مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِی رَحْلِکَ وَ لاَ تَسْتَأْثِرْ فَإِنَّ الْأَثَرَةَ شَرٌّ وَ السَّلاَمُ.

3101

وَ رَوَی عُتْبَةُ بْنُ مَرْثَدٍ أَیْضاً قَالَ قَدِمْتُ عَلَی عُمَرَ بِحَلْوَاءَ مِنْ بِلاَدِ فَارِسَ فِی سِلاَلٍ عِظَامٍ فَقَالَ مَا هَذِهِ قُلْتُ طَعَامٌ طَیِّبٌ أَتَیْتُکَ بِهِ قَالَ وَیْحَکَ وَ لِمَ خَصَصْتَنِی بِهِ قُلْتُ أَنْتَ رَجُلٌ تَقْضِی حَاجَاتِ النَّاسِ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَحْبَبْتُ إِذَا رَجَعْتَ إِلَی مَنْزِلِکَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَی طَعَامٍ طَیِّبٍ فَتُصِیبَ مِنْهُ فَتَقْوَی عَلَی الْقِیَامِ بِأَمْرِکَ فَکَشَفَ عَنْ سَلَّةٍ مِنْهَا فَذَاقَ فَاسْتَطَابَ فَقَالَ عَزَمْتُ عَلَیْکَ یَا عُتْبَةُ إِذَا رَجَعْتَ إِلاَّ رَزَقْتَ کُلَّ رَجُلٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ مِثْلَهُ قُلْتُ وَ الَّذِی یُصْلِحُکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَوْ أَنْفَقْتُ عَلَیْهِ أَمْوَالَ قَیْسٍ کُلَّهَا لَمَا وَسِعَ ذَلِکَ قَالَ فَلاَ حَاجَةَ لِی فِیهِ إِذًا ثُمَّ دَعَا بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِیدٍ وَ لَحْمٍ غَلِیظٍ وَ خُبْزٍ خَشِنٍ فَقَالَ کُلْ ثُمَّ جَعَلَ یَأْکُلُ أَکْلاً شَهِیّاً وَ جَعَلْتُ أَهْوَی إِلَی الْبَضْعَةِ الْبَیْضَاءِ أَحْسَبُهَا سَنَاماً وَ إِذَا هِیَ عَصَبَةٌ وَ أَهْوَی إِلَی الْبَضْعَةِ مِنَ اللَّحْمِ أَمْضُغُهَا

ص :35

فَلاَ أُسِیغُهَا وَ إِذَا هِیَ مِنْ عِلْبَاءِ الْعُنُقِ (1) فَإِذَا غَفَلَ عَنِّی جَعَلْتُهَا بَیْنَ الْخِوَانِ وَ الْقَصْعَةِ فَدَعَا بِعُسٍّ (2) مِنْ نَبِیذٍ کَادَ یَکُونُ خَلاًّ فَقَالَ اشْرَبْ فَلَمْ أَسْتَطِعْهُ وَ لَمْ أُسْغِهِ أَنْ أَشْرَبَ فَشَرِبَ ثُمَّ نَظَرَ إِلَیَّ وَ قَالَ وَیْحَکَ إِنَّهُ لَیْسَ بِدَرْمَکِ (3) اَلْعِرَاقِ وَ وَدَکِهِ (4) وَ لَکِنْ مَا تَأْکُلُهُ أَنْتَ وَ أَصْحَابُکَ.

ثُمَّ قَالَ اسْمَعْ إِنَّا نَنْحَرُ کُلَّ یَوْمٍ جَزُوراً فَأَمَّا أَوْرَاکُهَا وَ وَدَکُهَا وَ أَطَائِبُهَا فَلِمَنْ حَضَرَنَا مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ أَمَّا عُنُقُهَا فَلِآلِ عُمَرَ وَ أَمَّا عِظَامُهَا وَ أَضْلاَعُهَا فَلِفُقَرَاءِ اَلْمَدِینَةِ نَأْکُلُ مِنْ هَذَا اللَّحْمِ الْغَثِّ وَ نَشْرَبُ مِنْ هَذَا النَّبِیذِ الْخَاثِرِ (5) وَ نَدَعُ لَیِّنَ الطَّعَامِ لِیَوْمٍ تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّٰا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ کُلُّ ذٰاتِ حَمْلٍ حَمْلَهٰا .

3102

حَضَرَ عِنْدَ عُمَرَ قَوْمٌ مِنَ اَلصَّحَابَةِ فَأَثْنَوْا عَلَیْهِ وَ قَالُوا وَ اللَّهِ مَا رَأَیْنَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ رَجُلاً أَقْضَی مِنْکَ بِالْقِسْطِ وَ لاَ أَقْوَلَ بِالْحَقِّ وَ لاَ أَشَدَّ عَلَی الْمُنَافِقِینَ مِنْکَ إِنَّکَ لَخَیْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص .

فَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِکٍ کَذَبْتُمْ وَ اللَّهِ أَبُو بَکْرٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ خَیْرُ أُمَّتِهِ رَأَیْنَا أَبَا بَکْرٍ .

فَقَالَ عُمَرُ صَدَقَ عَوْفٌ وَ اللَّهِ وَ کَذَبْتُمْ لَقَدْ کَانَ أَبُو بَکْرٍ وَ اللَّهِ أَطْیَبَ مِنْ رِیحِ الْمِسْکِ وَ أَنَا أَضَلُّ مِنْ بَعِیرِ أَهْلِی.

3103

لَمَّا أَتَی عُمَرَ الْخَبَرُ بِنُزُولِ رُسْتُمَ اَلْقَادِسِیَّةَ کَانَ یَخْرُجُ فَیَسْتَخْبِرُ الرُّکْبَانَ کُلَّ یَوْمٍ عَنْ أَهْلِ اَلْقَادِسِیَّةِ مِنْ حِینَ یُصْبِحُ إِلَی انْتِصَافِ النَّهَارِ ثُمَّ یَرْجِعُ إِلَی أَهْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ الْبَشِیرُ بِالْفَتْحِ

ص :36

لَقِیَهُ کَمَا یَلْقَی الرُّکْبَانَ مِنْ قَبْلُ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ فَجَعَلَ یَقُولُ یَا عَبْدَ اللَّهِ إِیهٍ حَدِّثْنِی فَیَقُولُ لَهُ هَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ وَ عُمَرُ یَحُثُّ مَعَهُ وَ یَسْأَلُهُ وَ هُوَ رَاجِلٌ وَ الْبَشِیرُ یَسِیرُ عَلَی نَاقَتِهِ وَ لاَ یَعْرِفُهُ فَلَمَّا دَخَلَ اَلْمَدِینَةَ إِذَا النَّاسُ یُسَلِّمُونَ عَلَیْهِ بِاسْمِهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ وَ یُهَنِّئُونَهُ فَنَزَلَ الرَّجُلُ وَ قَالَ هَلاَّ أَخْبَرْتَنِی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ رَحِمَکَ اللَّهُ وَ جَعَلَ عُمَرُ یَقُولُ لاَ عَلَیْکَ یَا ابْنَ أَخِی لاَ عَلَیْکَ یَا ابْنَ أَخِی.

3104

وَ رَوَی أَبُو الْعَالِیَةِ الشَّامِیُّ قَالَ قَدِمَ عُمَرُ اَلْجَابِیَةَ عَلَی جَمَلٍ أَوْرَقَ (1) تَلُوحُ صُلْعَتُهُ لَیْسَ عَلَیْهِ قَلَنْسُوَةٌ تَصِلُ رِجْلاَهُ بَیْنَ شُعْبَتَیْ رَحْلِهِ بِغَیْرِ رِکَابٍ وِطَاؤُهُ کِسَاءٌ أَنْبَجَانِیٌّ (2) کَثِیرُ الصُّوفِ وَ هُوَ وِطَاؤُهُ إِذَا رَکِبَ وَ فِرَاشُهُ إِذَا نَزَلَ وَ حَقِیبَتُهُ نَمِرَةٌ مَحْشُوَّةٌ لِیفاً هِیَ حَقِیبَتُهُ إِذَا رَکِبَ وَ وِسَادَتُهُ إِذَا نَزَلَ وَ عَلَیْهِ قَمِیصٌ مِنْ کَرَابِیسَ (3) قَدْ دَسِمَ وَ تَخَرَّقَ جَیْبُهُ فَقَالَ ادْعُوا إِلَیَّ رَأْسَ الْقَرْیَةِ فَدَعَوْهُ لَهُ فَقَالَ اغْسِلُوا قَمِیصِی هَذَا وَ خَیِّطُوهُ وَ أَعِیرُونِی قَمِیصاً رَیْثَمَا یَجِفُّ قَمِیصِی فَأَتَوْهُ بِقَمِیصِ کَتَّانٍ فَعَجِبَ مِنْهُ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا کَتَّانٌ قَالَ وَ مَا الْکَتَّانُ فَأَخْبَرُوهُ فَلَبِسَهُ ثُمَّ غُسِلَ قَمِیصُهُ وَ أُتِیَ بِهِ فَنَزَعَ قَمِیصَهُمْ وَ لَبِسَ قَمِیصَهُ فَقَالَ لَهُ رَأْسُ الْقَرْیَةِ أَنْتَ مَلِکُ اَلْعَرَبِ وَ هَذِهِ بِلاَدٌ لاَ یَصْلُحُ بِهَا رُکُوبُ الْإِبِلِ فَأُتِیَ بِبِرْذَوْنٍ (4) فَطُرِحَتْ عَلَیْهِ قَطِیفَةٌ بِغَیْرِ سَرْجٍ فَرَکِبَهُ فَهَمْلَجَ (5) تَحْتَهُ فَقَالَ لِلنَّاسِ احْبِسُوا فَحَبَسُوهُ فَقَالَ مَا کُنْتُ أَظُنُّ النَّاسَ یَرْکَبُونَ اَلشَّیْطَانَ قَبْلَ هَذَا قَدِّمُوا لِی جَمَلِی فَجِیءَ بِهِ فَنَزَلَ عَنِ الْبِرْذَوْنِ وَ رَکِبَهُ.

ص :37

3105

قَدِمَ عُمَرُ اَلشَّامَ فَلَقِیَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَ عُظَمَاءُ تِلْکَ الْأَرْضِ فَقَالَ وَ أَیْنَ أَخِی قَالُوا مَنْ هُوَ قَالَ أَبُو عُبَیْدَةَ قَالُوا سَیَأْتِیکَ الْآنَ فَجَاءَ أَبُو عُبَیْدَةَ عَلَی نَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ بِحَبْلٍ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ وَ رَدَّ لَهُ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ انْصَرِفُوا عَنَّا فَسَارَ مَعَهُ حَتَّی أَتَی مَنْزِلَهُ فَنَزَلَ عَلَیْهِ فَلَمْ یَرَ فِیهِ إِلاَّ سَیْفاً وَ تُرْساً فَقَالَ لَهُ لَوِ اتَّخَذْتَ مَتَاعَ الْبَیْتِ قَالَ حَسْبِی هَذَا یَبْلُغُنِی الْمَقِیلَ.

3106

وَ رَوَی طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا قَدِمَ اَلشَّامَ عُرِضَتْ لَهُ مَخَاضَةٌ (1) فَنَزَلَ عَنْ بَعِیرِهِ وَ نَزَعَ جُرْمُوقَیْهِ (2) فَأَمْسَکَهُمَا بِیَدِهِ وَ خَاضَ الْمَاءَ وَ زِمَامُ بَعِیرِهِ فِی یَدِهِ الْأُخْرَی فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَیْدَةَ لَقَدْ صَنَعْتَ الْیَوْمَ صَنِیعاً عَظِیماً عِنْدَ أَهْلِ هَذِهِ الْأَرْضِ فَصَکَّ فِی صَدْرِهِ وَ قَالَ لَوْ غَیْرُکَ قَالَهَا یَا أَبَا عُبَیْدَةَ إِنَّکُمْ کُنْتُمْ أَذَلَّ النَّاسِ وَ أَحْقَرَ النَّاسِ وَ أَقَلَّ النَّاسِ فَأَعَزَّکُمُ اللَّهُ بِالْإِسْلاَمِ فَمَهْمَا تَطْلُبُوا الْعِزَّ بِغَیْرِهِ یُرْجِعْکُمْ إِلَی الذُّلِّ.

3107

وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ صَاحِبُ اَلْوَاقِدِیِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ یَوْماً عَلَی اَلْمِنْبَرِ لَقَدْ رَأَیْتُنِی وَ مَا لِی مِنْ أَکَالٍ (3) یَأْکُلُهُ النَّاسُ إِلاَّ أَنَّ لِی خَالاَتٍ مِنْ بَنِی مَخْزُومٍ فَکُنْتُ أَسْتَعْذِبُ (4) لَهُنَّ الْمَاءَ فَیَقْبِضْنَ لِیَ الْقَبَضَاتِ مِنَ الزَّبِیبِ فَلَمَّا نَزَلَ قِیلَ لَهُ مَا أَرَدْتَ بِهَذَا قَالَ وَجَدْتُ فِی نَفْسِی بَأْواً (5) فَأَرَدْتُ أَنْ أُطَأْطِئَ مِنْهَا.

ص :38

3108

وَ مِنْ کَلاَمِ عُمَرَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَهْدَی إِلَیَّ عُیُوبِی.

3109

قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَی عُمَرَ وَ کَانَ وَالِیاً لِمِصْرَ فَقَالَ لَهُ فِی کَمْ سِرْتَ قَالَ فِی عِشْرِینَ قَالَ عُمَرُ لَقَدْ سِرْتَ سَیْرَ عَاشِقٍ فَقَالَ عَمْرٌو إِنِّی وَ اللَّهِ مَا تَأَبَّطَتْنِی الْإِمَاءُ وَ لاَ حَمَلَتْنِی فِی غُبَّرَاتِ الْمَآلِی فَقَالَ عُمَرُ وَ اللَّهِ مَا هَذَا بِجَوَابِ الْکَلاَمِ الَّذِی سَأَلْتُکَ عَنْهُ وَ إِنَّ الدَّجَاجَةَ لَتَفْحَصُ فِی الرَّمَادِ فَتَضَعُ لِغَیْرِ الْفَحْلِ وَ إِنَّمَا تُنْسَبُ الْبَیْضَةُ إِلَی طَرْقِهَا فَقَامَ عَمْرٌو مُرْبَدَّ الْوَجْهِ.

قلت المآلی خرق سود یحملها النوائح و یسرن بها بأیدیهن عند اللطم و أراد خرق الحیص هاهنا و شبهها بتلک و أنکر عمر فخره بالأمهات و قال إن الفخر للأب الذی إلیه النسب و سألت النقیب أبا جعفر عن هذا الحدیث فی عمر فقال إن عمرا فخر علی عمر لأن أم الخطاب زنجیة و تعرف بباطحلی تسمی صهاک فقلت له و أم عمرو النابغة أمة من سبایا العرب فقال أمه عربیة من عنزة سبیت فی بعض الغارات فلیس یلحقها من النقص عندهم ما یلحق الإماء الزنجیات فقلت له أ کان عمرو یقدم علی عمر بمثل ما قلت قال قد یکون بلغه عنه قول قدح فی نفسه فلم یحتمله له و نفث بما فی صدره منه و إن لم یکن جوابا مطابقا للسؤال و قد کان عمر مع خشونته یحتمل نحو هذا فقد جبهه الزبیر مرة و جعل یحکی کلامه یمططه و جبهه سعد بن أبی وقاص أیضا فأغضی عنه

3110

وَ مَرَّ یَوْماً فِی السُّوقِ عَلَی نَاقَةٍ لَهُ فَوَثَبَ غُلاَمٌ مِنْ بَنِی ضَبَّةَ فَإِذَا هُوَ خَلْفَهُ فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ فَقَالَ فَمِمَّنْ أَنْتَ قَالَ ضَبِّیٌّ قَالَ جَسُورٌ وَ اللَّهِ فَقَالَ الْغُلاَمُ عَلَی الْعَدُوِّ قَالَ عُمَرُ وَ عَلَی الصَّدِیقِ أَیْضاً مَا حَاجَتُکَ فَقَضَی حَاجَتَهُ ثُمَّ قَالَ دَعِ الْآنَ لَنَا ظَهْرَ رَاحِلَتِنَا.

ص :39

3111

وَ مِنْ کَلاَمِ عُمَرَ اخْشَعْ عِنْدَ الْقُبُورِ إِذَا نَظَرْتَ إِلَیْهَا وَ اسْتَعْصِ عِنْدَ الْمَعْصِیَةِ وَ ذُلَّ عِنْدَ الطَّاعَةِ وَ لاَ تَبْذُلَنَّ کَلاَمَکَ إِلاَّ عِنْدَ مَنْ یَشْتَهِیهِ وَ یَتَّخِذُهُ غَنَماً وَ لاَ تَسْتَعِنْ عَلَی حَاجَتِکَ إِلاَّ بِمَنْ یُحِبُّ نَجَاحَهَا لَکَ وَ آخِ الْإِخْوَانَ عَلَی التَّقْوَی وَ شَاوِرْ فِی أَمْرِکَ کُلِّهِ وَ إِذَا اشْتَرَی أَحَدُکُمْ بَعِیراً فَلْیَشْتَرِهِ جَسِیماً فَإِنْ أَخْطَأَتْهُ النَّجَابَةُ لَمْ یُخْطِئْهُ السُّوقُ.

3112

أَوْفَدَ بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ وَ هُوَ عَلَی اَلْعِرَاقِ رَجُلاً إِلَی عَبْدِ الْمَلِکِ فَسَأَلَهُ عَنْ بِشْرٍ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هُوَ اللَّیِّنُ فِی غَیْرِ ضَعْفٍ الشَّدِیدُ فِی غَیْرِ عُنْفٍ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِکِ ذَاکَ الْأَحْوَذِیُّ (1) اِبْنُ حَنْتَمَةَ (2) الَّذِی کَانَ یَأْمَنُ عِنْدَهُ الْبَرِیءُ وَ یَخَافُهُ السَّقِیمُ وَ یُعَاقِبُ عَلَی الذَّنْبِ وَ یَعْرِفُ مَوْضِعَ الْعُقُوبَةِ لاَ بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ .

3113

أَذِنَ عُمَرُ یَوْماً لِلنَّاسِ فَدَخَلَ شَیْخٌ کَبِیرٌ یَعْرَجُ وَ هُوَ یَقُودُ نَاقَةً رَجِیعاً (3) یُجَاذِبُهَا حَتَّی وَقَفَ بَیْنَ ظَهْرَانَیِ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ وَ إِنَّکَ مُسْتَرْعًی وَ إِنَّا رَعِیَّةٌ

فَقَالَ عُمَرُ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ مَنْ أَنْتَ قَالَ عَمْرُو بْنُ بَرَّاقَةَ قَالَ وَیْحَکَ فَمَا مَنَعَکَ أَنْ تَقُولَ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ (4) ثُمَّ قَرَأَهَا إِلَی آخِرِهَا وَ أَمَرَ بِنَاقَتِهِ فَقُبِضَتْ وَ حَمَلَهُ عَلَی غَیْرِهَا وَ کَسَاهُ وَ زَوَّدَهُ.

ص :40

3114

بَیْنَا عُمَرُ یَسِیرُ فِی طَرِیقِ مَکَّةَ یَوْماً إِذَا بِالشَّیْخِ بَیْنَ یَدَیْهِ یَرْتَجِزُ وَ یَقُولُ مَا إِنْ رَأَیْتُ کَفَتَی اَلْخَطَّابِ أَبَرَّ بِالدِّینِ وَ بِالْأَحْسَابِ بَعْدَ اَلنَّبِیِّ صَاحِبِ الْکِتَابِ.

فَطَعَنَهُ عُمَرُ بِالسَّوْطِ فِی ظَهْرِهِ فَقَالَ وَیْلَکَ وَ أَیْنَ اَلصِّدِّیقُ قَالَ مَا لِی بِأَمْرِهِ عِلْمٌ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ أَمَا إِنَّکَ لَوْ کُنْتَ عَالِماً ثُمَّ قُلْتَ هَذَا لَأَوْجَعْتُ ظَهْرَکَ.

3115

قَالَ زَیْدُ بْنُ أَسْلَمَ کُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ وَ قَدْ کَلَّمَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِی اَلْحَطِیئَةِ وَ کَانَ مَحْبُوساً فَأَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ ثُمَّ أَنْشَدَهُ مَا ذَا تَقُولُ لِأَفْرَاخٍ بِذِی مَرَخٍ

فَبَکَی عُمَرُ لَمَّا قَالَ لَهُ مَا ذَا تَقُولُ لِأَفْرَاخٍ فَکَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بَعْدَ ذَلِکَ یَقُولُ مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ وَ لاَ أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ أَتْقَی مِنْ رَجُلٍ یَبْکِی خَوْفاً مِنْ حَبْسِ (1) اَلْحَطِیئَةِ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ لِغُلاَمِهِ یَرْفَأَ عَلَیَّ بِالْکُرْسِیِّ فَجَلَسَ عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ عَلَیَّ بِالطَّسْتِ فَأُتِیَ بِهَا ثُمَّ قَالَ عَلَیَّ بِالْمِخْصَفِ لاَ بَلْ عَلَیَّ بِالسِّکِّینِ فَأُتِیَ بِهَا فَقَالَ لاَ بَلْ عَلَیَّ بِالْمُوسَی فَإِنَّهَا أَوْجَی فَأُتِیَ بِمُوسَی ثُمَّ قَالَ أَشِیرُوا عَلَیَّ فِی الشَّاعِرِ فَإِنَّهُ یَقُولُ الْهُجْرَ وَ یَنْسُبُ بِالْحَرَمِ وَ یَمْدَحُ النَّاسَ وَ یَذُمُّهُمْ بِغَیْرِ مَا فِیهِمْ وَ مَا أَرَانِی إِلاَّ قَاطِعاً لِسَانَهُ فَجَعَلَ اَلْحَطِیئَةُ یَزِیدُ خَوْفاً فَقَالَ مَنْ حَضَرَ إِنَّهُ لاَ یَعُودُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ أَشَارُوا إِلَیْهِ قُلْ لاَ أَعُودُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ النَّجَاءَ النَّجَاءَ فَلَمَّا وَلَّی نَادَاهُ یَا حَطِیئَةُ فَرَجَعَ مَرْعُوباً فَقَالَ کَأَنِّی بِکَ یَا حَطِیئَةُ

ص :41

عِنْدَ فَتًی مِنْ قُرَیْشٍ قَدْ بَسَطَ لَکَ نُمْرُقَةً وَ کَسَرَ لَکَ أُخْرَی ثُمَّ قَالَ غَنِّنَا یَا حَطِیئَةُ فَطَفِقْتَ تُغَنِّیهِ بِأَعْرَاضِ النَّاسِ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لاَ أَعُودُ وَ لاَ یَکُونُ ذَلِکَ.

قَالَ زَیْدُ بْنُ أَسْلَمَ ثُمَّ رَأَیْتُ اَلْحَطِیئَةَ یَوْماً بَعْدَ ذَلِکَ عِنْدَ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَدْ بَسَطَ لَهُ نُمْرُقَةً وَ کَسَرَ لَهُ أُخْرَی ثُمَّ قَالَ تُغَنِّینَا یَا حَطِیئَةُ وَ هُوَ یُغَنِّیهِ فَقُلْتُ یَا حَطِیئَةُ أَ مَا تَذْکُرُ قَوْلَ عُمَرَ لَکَ فَفَزِعَ وَ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ ذَلِکَ الْمَرْءَ أَمَا لَوْ کَانَ حَیّاً مَا فَعَلْنَا هَذَا قَالَ فَقُلْتُ لِعُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَمِعْتُ أَبَاکَ یَذْکُرُ کَذَا فَکُنْتَ أَنْتَ ذَلِکَ الْفَتَی.

3116

کَانَ عُمَرُ یُصَادِرُ خَوَنَةَ الْعُمَّالِ فَصَادَرَ أَبَا مُوسَی الْأَشْعَرِیَّ وَ کَانَ عَامِلَهُ عَلَی اَلْبَصْرَةِ وَ قَالَ لَهُ بَلَغَنِی أَنَّ لَکَ جَارِیَتَیْنِ وَ أَنَّکَ تُطْعِمُ النَّاسَ مِنْ جَفْنَتَیْنِ وَ أَعَادَهُ بَعْدَ الْمُصَادَرَةِ إِلَی عَمَلِهِ.

وَ صَادَرَ أَبَا هُرَیْرَةَ وَ أَغْلَظَ عَلَیْهِ وَ کَانَ عَامِلَهُ عَلَی اَلْبَحْرَیْنِ فَقَالَ لَهُ أَ لاَ تَعْلَمُ أَنِّی اسْتَعْمَلْتُکَ عَلَی اَلْبَحْرَیْنِ وَ أَنْتَ حَافٍ لاَ نَعْلَ فِی رِجْلِکَ وَ قَدْ بَلَغَنِی أَنَّکَ بِعْتَ أَفْرَاساً بِأَلْفٍ وَ سِتِّمِائَةِ دِینَارٍ قَالَ أَبُو هُرَیْرَةَ کَانَتْ لَنَا أَفْرَاسٌ فَتَنَاتَجَتْ فَقَالَ قَدْ حَبَسْتُ لَکَ رِزْقَکَ وَ مَئُونَتَکَ وَ هَذَا فَضْلٌ قَالَ أَبُو هُرَیْرَةَ لَیْسَ ذَلِکَ لَکَ قَالَ بَلَی وَ اللَّهِ وَ أُوجِعُ ظَهْرَکَ ثُمَّ قَامَ إِلَیْهِ بِالدِّرَّةِ فَضَرَبَ ظَهْرَهُ حَتَّی أَدْمَاهُ ثُمَّ قَالَ ائْتِ بِهَا فَلَمَّا أَحْضَرَهَا قَالَ أَبُو هُرَیْرَةَ سَوْفَ أَحْتَسِبُهَا عِنْدَ اللَّهِ قَالَ عُمَرُ ذَاکَ لَوْ أَخَذْتَهَا مِنْ حِلٍّ وَ أَدَّیْتَهَا طَائِعاً أَمَا وَ اللَّهِ مَا رَجَتْ فِیکَ أُمَیْمَةُ أَنْ تُجْبِیَ أَمْوَالَ هَجَرَ وَ اَلْیَمَامَةِ وَ أَقْصَی اَلْبَحْرَیْنِ لِنَفْسِکَ لاَ لِلَّهِ وَ لاَ لِلْمُسْلِمِینَ وَ لَمْ تَرْجُ فِیکَ أَکْثَرَ مِنْ رَعِیَّةِ الْحُمْرِ وَ عَزَلَهُ.

وَ صَادَرَ اَلْحَارِثَ بْنَ وَهْبٍ أَحَدَ بَنِی لَیْثٍ بَکْرِ بْنِ کِنَانَةَ وَ قَالَ لَهُ مَا قِلاَصٌ وَ أَعْبُدٌ بِعْتَهَا بِمِائَةِ دِینَارٍ قَالَ خَرَجْتُ بِنَفَقَةٍ لِی فَاتَّجَرْتُ فِیهَا قَالَ وَ إِنَّا وَ اللَّهِ مَا بَعَثْنَاکَ لِلتِّجَارَةِ

ص :42

أَدِّهَا قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لاَ أَعْمَلُ لَکَ بَعْدَهَا قَالَ أَنَا وَ اللَّهِ لاَ أَسْتَعْمِلُکَ بَعْدَهَا ثُمَّ صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ الْأُمَرَاءِ إِنَّ هَذَا الْمَالَ لَوْ رَأَیْنَا أَنَّهُ یَحِلُّ لَنَا لَأَحْلَلْنَاهُ لَکُمْ فَأَمَّا إِذْ لَمْ نَرَهُ یَحِلُّ لَنَا وَ ظَلَفْنَا (1) أَنْفُسَنَا عَنْهُ فَاظْلِفُوا عَنْهُ أَنْفُسَکُمْ فَإِنِّی وَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ لَکُمْ مَثَلاً إِلاَّ عَطْشَانَ وَرَدَ اللُّجَّةَ وَ لَمْ یَنْظُرِ الْمَاتِحَ فَلَمَّا رَوِیَ غَرِقَ.

3117

وَ کَتَبَ عُمَرُ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ هُوَ عَامِلُهُ فِی مِصْرَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لَکَ مَالٌ مِنْ إِبِلٍ وَ غَنَمٍ وَ خَدَمٍ وَ غِلْمَانٍ وَ لَمْ یَکُنْ لَکَ قَبْلَهُ مَالٌ وَ لاَ ذَلِکَ مِنْ رِزْقِکَ فَأَنَّی لَکَ هَذَا وَ لَقَدْ کَانَ لِی مِنَ السَّابِقِینَ الْأَوَّلِینَ مَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنْکَ وَ لَکِنِّی اسْتَعْمَلْتُکَ لِغَنَائِکَ فَإِذَا کَانَ عَمَلُکَ لَکَ وَ عَلَیْنَا بِمَ نُؤْثِرُکَ عَلَی أَنْفُسِنَا فَاکْتُبْ إِلَیَّ مِنْ أَیْنَ مَالُکَ وَ عَجِّلْ وَ السَّلاَمُ.

فَکَتَبَ إِلَیْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَرَأْتُ کِتَابَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ لَقَدْ صَدَقَ فَأَمَّا مَا ذَکَرَهُ مِنْ مَالِی فَإِنِّی قَدِمْتُ بَلْدَةً الْأَسْعَارُ فِیهَا رَخِیصَةٌ وَ الْغَزْوُ فِیهَا کَثِیرٌ فَجَعَلْتُ فُضُولَ مَا حَصَلَ لِی مِنْ ذَلِکَ فِیمَا ذَکَرَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ اللَّهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَوْ کَانَتْ خِیَانَتُکَ لَنَا حَلاَلاً مَا خُنَّاکَ حَیْثُ ائْتَمَنْتَنَا فَأَقْصِرْ عَنَّا عَنَاکَ فَإِنَّ لَنَا أَحْسَاباً إِذَا رَجَعْنَا إِلَیْهَا أَغْنَتْنَا عَنِ الْعَمَلِ لَکَ وَ أَمَّا مَنْ کَانَ لَکَ مِنَ السَّابِقِینَ الْأَوَّلِینَ فَهَلاَّ اسْتَعْمَلْتَهُمْ فَوَ اللَّهِ مَا دَقَقْتُ لَکَ بَاباً.

فَکَتَبَ إِلَیْهِ عُمَرُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی لَسْتُ مِنْ تَسْطِیرِکَ وَ تَشْقِیقِکَ الْکَلاَمَ فِی شَیْءٍ إِنَّکُمْ مَعْشَرَ الْأُمَرَاءِ أَکَلْتُمُ الْأَمْوَالَ وَ أَخْلَدْتُمْ إِلَی الْأَعْذَارِ فَإِنَّمَا تَأْکُلُونَ النَّارَ وَ تُورِثُونَ الْعَارَ وَ قَدْ وَجَّهْتُ إِلَیْکَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لِیُشَاطِرَکَ عَلَی مَا فِی یَدَیْکَ وَ السَّلاَمُ.

ص :43

فَلَمَّا قَدِمَ إِلَیْهِ مُحَمَّدٌ اتَّخَذَ لَهُ طَعَاماً وَ قَدَّمَهُ إِلَیْهِ فَأَبَی أَنْ یَأْکُلَ فَقَالَ مَا لَکَ لاَ تَأْکُلُ طَعَامَنَا قَالَ إِنَّکَ عَمِلْتَ لِی طَعَاماً هُوَ تَقْدِمَةٌ لِلشَّرِّ وَ لَوْ کُنْتَ عَمِلْتَ لِی طَعَامَ الضَّیْفِ لَأَکَلْتُهُ فَأَبْعِدْ عَنِّی طَعَامَکَ وَ أَحْضِرْ لِی مَالَکَ فَلَمَّا کَانَ الْغَدُ وَ أَحْضَرَ مَالَهُ جَعَلَ مُحَمَّدٌ یَأْخُذُ شَطْراً وَ یُعْطِی عَمْراً شَطْراً فَمَا رَأَی عَمْرٌو مَا حَازَ مُحَمَّدٌ مِنَ الْمَالِ قَالَ یَا مُحَمَّدُ أَقُولُ قَالَ قُلْ مَا تَشَاءُ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ یَوْماً کُنْتَ فِیهِ وَالِیاً لاِبْنِ الْخَطَّابِ وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَیْتُهُ وَ رَأَیْتُ أَبَاهُ وَ إِنَّ عَلَی کُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبَاءَةٌ قُطْوَانِیَّةٌ مُؤْتَزِراً بِهَا مَا تَبْلُغُ مَأْبِضَ رُکْبَتَیْهِ (1) وَ عَلَی عُنُقِ کُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبٍ وَ إِنَّ اَلْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ لَفِی مُزَرَّرَاتِ الدِّیبَاجِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ إِیهاً یَا عَمْرُو فَعُمَرُ وَ اللَّهِ خَیْرٌ مِنْکَ وَ أَمَّا أَبُوکَ وَ أَبُوهُ فَفِی اَلنَّارِ وَ وَ اللَّهِ لَوْ لاَ مَا دَخَلْتَ فِیهِ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ لَأَلْفَیْتَ مُعْتَلَفاً شَاةً یَسُرُّکَ غَزْرُهَا وَ یَسُوءُکَ بَکْؤُهَا قَالَ صَدَقْتَ فَاکْتُمْ عَلَیَّ قَالَ أَفْعَلُ.

3118

جَاءَتْ سُرِّیَّةٌ لِعُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِلَی عُمَرَ تَشْکُوهُ فَقَالَتْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ لاَ تُعْذِرُنِی مِنْ أَبِی عِیسَی قَالَ وَ مَنْ أَبُو عِیسَی قَالَتْ ابْنُکَ عُبَیْدُ اللَّهِ قَالَ وَیْحَکَ وَ قَدْ تَکَنَّی بِأَبِی عِیسَی وَ دَعَاهُ وَ قَالَ إِیهاً اکْتَنَیْتَ بِأَبِی عِیسَی فَحَذِرَ وَ فَزِعَ فَأَخَذَ یَدَهُ فَعَضَّهَا حَتَّی صَاحَ ثُمَّ ضَرَبَهُ وَ قَالَ وَیْلَکَ هَلْ لِعِیسَی أَبٌ أَ مَا تَدْرِی مَا کُنِّیَ اَلْعَرَبُ أَبُو سَلَمَةَ أَبُو حَنْظَلَةَ أَبُو عُرْفُطَةَ أَبُو مُرَّةَ .

3119

کَانَ عُمَرُ إِذَا غَضِبَ عَلَی بَعْضِ أَهْلِهِ لَمْ یَشْتَفِ حَتَّی یَعَضَّ یَدَهُ وَ کَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ کَذَلِکَ.

3120

یُقَالُ إِنَّهُ لَمْ یَلِ وَلاَیَةً مِنْ وُلْدِ عُمَرَ وَالٍ عَادِلٌ.

ص :44

3121

وَ قَالَ مَالِکُ بْنُ أَنَسٍ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَفْرَغَ کُلَّ عَدْلٍ فِی وُلْدِهِ فَلَمْ یَعْدِلْ بَعْدَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِی وَلاَیَةٍ وَلِیَهَا.

3122

کَانَ عُمَرُ وَ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْوُلاَةِ إِذَا أَخَذُوا الْعُصَاةَ نَزَعُوا عَمَائِمَهُمْ وَ أَقَامُوهُمْ لِلنَّاسِ حَتَّی جَاءَ زِیَادٌ فَضَرَبَهُمْ بِالسِّیَاطِ فَجَاءَ مُصْعَبٌ فَحَلَقَ مَعَ الضَّرْبِ فَجَاءَ بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ فَکَانَ یَصْلِبُ تَحْتَ الْإِبْطَیْنِ وَ یَضْرِبُ الْأَکُفَّ بِالْمَسَامِیرِ فَکَتَبَ إِلَی بَعْضِ الْجُنْدِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِهِ یَسْتَزِیرُونَهُ وَ یَتَشَوَّقُونَهُ وَ قَدْ أَخْرَجَهُ بِشْرٌ إِلَی اَلرَّیِّ فَکَتَبَ إِلَیْهِمْ لَوْ لاَ مَخَافَةُ بِشْرٍ أَوْ عُقُوبَتُهُ

فَلَمَّا جَاءَ اَلْحَجَّاجُ قَالَ کُلُّ هَذَا لَعِبٌ فَقَتَلَ الْعُصَاةَ بِالسَّیْفِ.

3123

14- زَیْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِیهِ قَالَ خَلاَ عُمَرُ لِبَعْضِ شَأْنِهِ وَ قَالَ أَمْسِکْ عَلَیَّ الْبَابَ فَطَلَعَ اَلزُّبَیْرُ فَکَرِهْتُهُ حِینَ رَأَیْتُهُ فَأَرَادَ أَنْ یَدْخُلَ فَقُلْتُ هُوَ عَلَی حَاجَةٍ فَلَمْ یَلْتَفِتْ إِلَیَّ وَ أَهْوَی لِیَدْخُلَ فَوَضَعْتُ یَدِی فِی صَدْرِهِ فَضَرَبَ أَنْفِی فَأَدْمَاهُ ثُمَّ رَجَعَ فَدَخَلْتُ عَلَی عُمَرَ فَقَالَ مَا بِکَ قُلْتُ اَلزُّبَیْرُ .

فَأَرْسَلَ إِلَی اَلزُّبَیْرِ فَلَمَّا دَخَلَ جِئْتُ فَقُمْتُ لِأَنْظُرَ مَا یَقُولُ لَهُ فَقَالَ مَا حَمَلَکَ عَلَی مَا صَنَعْتَ أَدْمَیْتَنِی لِلنَّاسِ فَقَالَ اَلزُّبَیْرُ یَحْکِیهِ وَ یُمَطِّطُ فِی کَلاَمِهِ أَدْمَیْتَنِی أَ تَحْتَجِبُ عَنَّا یَا اِبْنَ الْخَطَّابِ فَوَ اللَّهِ مَا احْتَجَبَ مِنِّی رَسُولُ اللَّهِ وَ لاَ أَبُو بَکْرٍ فَقَالَ عُمَرُ کَالْمُعْتَذِرِ إِنِّی کُنْتُ فِی بَعْضِ شَأْنِی.

قَالَ أَسْلَمُ فَلَمَّا سَمِعْتُهُ یَعْتَذِرُ إِلَیْهِ یَئِسْتُ مِنْ أَنْ یَأْخُذَ لِی بِحَقِّی مِنْهُ.

ص :45

فَخَرَجَ اَلزُّبَیْرُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ اَلزُّبَیْرُ وَ آثَارُهُ مَا تَعْلَمُ فَقُلْتُ حَقِّی حَقُّکَ

.

3124

1- وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ فِی کِتَابِ اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنِّی لَأُمَاشِی عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِی سِکَّةٍ مِنْ سِکَکِ اَلْمَدِینَةِ إِذْ قَالَ لِی یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ مَا أَرَی صَاحِبَکَ إِلاَّ مَظْلُوماً فَقُلْتُ فِی نَفْسِی وَ اللَّهِ لاَ یَسْبِقُنِی بِهَا فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَارْدُدْ إِلَیْهِ ظُلاَمَتَهُ فَانْتَزَعَ یَدَهُ مِنْ یَدِی وَ مَضَی یُهَمْهِمُ سَاعَةً ثُمَّ وَقَفَ فَلَحِقْتُهُ فَقَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ مَا أَظُنُّهُمْ مَنَعَهُمْ عَنْهُ إِلاَّ أَنَّهُ اسْتَصْغَرَهُ قَوْمُهُ فَقُلْتُ فِی نَفْسِی هَذِهِ شَرٌّ مِنَ الْأُولَی فَقُلْتُ وَ اللَّهِ مَا اسْتَصْغَرَهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ حِینَ أَمَرَاهُ أَنْ یَأْخُذَ بَرَاءَةً مِنْ صَاحِبِکَ (1) .

فَأَعْرَضَ عَنِّی وَ أَسْرَعَ فَرَجَعْتُ عَنْهُ

.

3125

وَ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ قُلْتُ لِعُمَرَ لَقَدْ أَکْثَرْتَ التَّمَنِّیَ لِلْمَوْتِ حَتَّی خَشِیتُ أَنْ یَکُونَ عَلَیْکَ غَیْرَ سَهْلٍ عِنْدَ أَوَانِهِ فَمَا ذَا سَئِمْتَ مِنْ رَعِیَّتِکَ أَنْ تُعِینَ صَالِحاً أَوْ تَقُومَ فَاسِداً.

قَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ إِنِّی قَائِلٌ قَوْلاً فَخُذْهُ إِلَیْکَ کَیْفَ لاَ أُحِبُّ فِرَاقَهُمْ وَ فِیهِمْ مَنْ هُوَ فَاتِحٌ فَاهُ لِلشَّهْوَةِ مِنَ الدُّنْیَا إِمَّا لِحَقَ ٍّ لاَ یَنُوءُ بِهِ وَ إِمَّا لِبَاطِلٍ لاَ یَنَالُهُ وَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَنْ أَسْأَلَ عَنْکُمْ لَبَرِئْتُ مِنْکُمْ فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ مِنِّی بَلاَقِعَ وَ لَمْ أَقُلْ مَا فَعَلَ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ.

3126

جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَی عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ زَوْجِی یَصُومُ

ص :46

النَّهَارَ وَ یَقُومُ اللَّیْلَ وَ إِنِّی أَکْرَهُ أَنْ أَشْکُوَهُ وَ هُوَ یَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَقَالَ نِعْمَ الزَّوْجُ زَوْجُکِ فَجَعَلَتْ تُکَرِّرُ عَلَیْهِ الْقَوْلَ وَ هُوَ یُکَرِّرُ عَلَیْهَا الْجَوَابَ.

فَقَالَ لَهُ کَعْبُ بْنُ سُورٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّهَا تَشْکُو زَوْجَهَا فِی مُبَاعَدَتِهِ إِیَّاهَا عَنْ فِرَاشِهِ فَفَطَنَ عُمَرُ حِینَئِذٍ وَ قَالَ لَهُ قَدْ وَلَّیْتُکَ الْحُکْمَ بَیْنَهُمَا.

فَقَالَ کَعْبٌ عَلَیَّ بِزَوْجِهَا فَأُتِیَ بِهِ فَقَالَ إِنَّ زَوْجَتَکَ هَذِهِ تَشْکُوکَ قَالَ فِی طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ قَالَ لاَ قَالَتِ الْمَرْأَةُ أَیُّهَا الْقَاضِی الْحَکِیمُ رَشَدُهُ

فَقَالَ زَوْجُهَا زَهَّدَنِی فِی فَرْشِهَا وَ فِی الْحَجَلِ

قَالَ کَعْبٌ إِنَّ لَهَا حَقّاً عَلَیْکَ یَا رَجُلُ تُصِیبُهَا مِنْ أَرْبَعٍ لِمَنْ عَقَلَ فَأَعْطِهَا ذَاکَ وَ دَعْ عَنْکَ الْعِلَلَ.

فَقَالَ لِعُمَرَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنیٰ وَ ثُلاٰثَ وَ رُبٰاعَ فَلَهُ ثَلاَثَةُ أَیَّامٍ وَ لَیَالِیهِنَّ یَعْبُدُ فِیهَا رَبَّهُ وَ لَهَا یَوْمٌ وَ لَیْلَةٌ.

فَقَالَ عُمَرُ وَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ مِنْ أَیِّ أَمْرَیْکَ أَعْجَبُ أَ مِنْ فَهْمِکَ أَمْرَهُمَا أَمْ مِنْ حُکْمِکَ بَیْنَهُمَا اذْهَبْ فَقَدْ وَلَّیْتُکَ قَضَاءَ اَلْبَصْرَةِ .

3127

وَ رَوَی زَیْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِیهِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ هُوَ یَطُوفُ بِاللَّیْلِ

ص :47

فَنَظَرَ إِلَی نَارِ شَرْقِیِّ حَرَّةِ الْمَدِینَةِ فَقَالَ إِنَّ هَؤُلاَءِ الرَّکْبَ لَمْ یَنْزِلُوا هَاهُنَا إِلاَّ اللَّیْلَةَ ثُمَّ أَهْوَی (1) لَهُمْ فَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّی دَنَوْنَا فَسَمِعْنَا تَضَاغِیَ (2) الصِّبْیَانِ وَ بُکَاءَهُمْ.

فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَیْکُمْ یَا أَصْحَابَ الضَّوْءِ هَلْ نَدْنُو مِنْکُمْ وَ احْتَبَسْنَا قَلِیلاً فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ ادْنُوا بِسَلاَمٍ فَأَقْبَلْنَا حَتَّی وَقَفْنَا عَلَیْهَا فَقَالَ مَا یُبْکِی هَؤُلاَءِ الصِّبْیَانِ قَالَتْ الْجُوعُ قَالَ فَمَا هَذَا الْقِدْرُ عَلَی النَّارِ قَالَتْ مَاءٌ أُعَلِّلُهُمْ بِهِ قَالَ انْتَظِرِینِی فَإِنِّی بَالِغُکِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ خَرَجَ یُهَرْوِلُ وَ أَنَا مَعَهُ حَتَّی جِئْنَا دَارَ الدَّقِیقِ وَ کَانَتْ دَاراً یُطْرَحُ فِیهَا مَا یَجِیءُ مِنْ دَقِیقِ اَلْعِرَاقِ وَ مِصْرَ وَ قَدْ کَانَ کَتَبَ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ أَبِی مُوسَی حِینَ أَمْحَلَتِ السَّنَةُ الْغَوْثَ الْغَوْثَ احْمِلُوا إِلَیَّ أَحْمَالَ الدَّقِیقِ وَ اجْعَلُوا فِیهَا جَمَائِدَ الشَّحْمِ فَجَاءَ إِلَی عَدْلٍ مِنْهَا فَطَأْطَأَ ظَهْرَهُ ثُمَّ قَالَ احْمِلْهُ عَلَی ظَهْرِی یَا أَسْلَمُ فَقُلْتُ أَنَا أَحْمِلُهُ عَنْکَ فَنَظَرَ إِلَیَّ وَ قَالَ أَنْتَ تَحْمِلُ عَنِّی وِزْرِی یَوْمَ الْقِیَامَةِ لاَ أَبَا لَکَ قُلْتُ لاَ قَالَ فَاحْمِلْهُ عَلَی ظَهْرِی إِذًا فَفَعَلْتُ وَ خَرَجَ بِهِ یُدْلِجُ (3) وَ أَنَا مَعَهُ حَتَّی أَلْقَاهُ عِنْدَ الْمَرْأَةِ.

ثُمَّ قَالَ لِی ذُرَّ (4) عَلَیَّ ذُرُورَ الدَّقِیقِ لاَ یَتَعَرَّدُ وَ أَنَا أَخْزِرُ (5) ثُمَّ أَخَذَ الْمِسْوَاطَ (6) یَخْزِرُ ثُمَّ جَعَلَ یَنْفُخُ تَحْتَ الْبُرْمَةِ وَ أَنَا أَنْظُرُ إِلَی الدُّخَانِ یَخْرُجُ مِنْ خَلَلِ لِحْیَتِهِ وَ یَقُولُ لاَ تَعْجَلْ حَتَّی یَنْضَجَ ثُمَّ قَالَ أَلْقِ عَلَیَّ مِنَ الشَّحْمِ فَإِنَّ الْقَفَارَ یُوجِعُ الْبَطْنَ.

ص :48

ثُمَّ أَنْزَلَ الْقِدْرَ وَ قَالَ لِلْمَرْأَةِ لاَ تَعْجَلِی لاَ تُعْطِیهِمْ حَارّاً وَ أَنَا أَسْطَحُ لَکَ فَجَعَلَ یَسْطَحُ بِالْمِسْوَاطِ وَ یُبَرِّدُ طَعَامَهُمْ حَتَّی إِذَا شَبِعُوا تَرَکَ عِنْدَهَا الْفَضْلَ ثُمَّ قَالَ لَهَا ائْتِی أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ غَداً فَإِنَّکِ عَسَیْتِ أَنْ تَجِدِینِی قَرِیباً مِنْهُ فَأُشَفَّعُ لَکِ بِخَیْرٍ وَ هِیَ تَقُولُ مَنْ أَنْتَ یَرْحَمُکَ اللَّهُ وَ تَدْعُو لَهُ وَ تَقُولُ أَنْتَ أَوْلَی بِالْخِلاَفَةِ مِنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَیَقُولُ قُولِی خَیْراً یَرْحَمُکِ اللَّهُ لاَ یَزِیدُ عَلَی هَذَا.

ثُمَّ انْصَرَفَ حَتَّی إِذَا کَانَ قَرِیباً جَلَسَ فَأَقْعَی وَ جَعَلَ یَسْمَعُ طَوِیلاً حَتَّی سَمِعَ التَّضَاحُکَ مِنْهَا وَ مِنَ الصِّبْیَانِ وَ أَنَا أَقُولُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ فَرَغْتُ مِنْ هَذِهِ وَ لَکَ شُغُلٌ فِی غَیْرِهَا وَ یَقُولُ لاَ تُکَلِّمْنِی حَتَّی إِذَا هَدَأَ حِسُّهُمْ قَامَ فَتَمَطَّی وَ قَالَ وَیْحَکَ إِنِّی سَمِعْتُ الْجُوعَ أَسْهَرَهُمْ فَأَحْبَبْتُ أَلاَّ أَبْرَحَ حَتَّی أَسْمَعَ الشِّبَعَ أَنَامَهُمْ.

3128

وَ مِنْ کَلاَمِهِ الرِّجَالُ ثَلاَثَةٌ الْکَامِلُ وَ دُونَ الْکَامِلِ وَ لاَ شَیْءَ فَالْکَامِلُ ذُو الرَّأْیِ یَسْتَشِیرُ النَّاسَ فَیَأْخُذُ مِنْ آرَاءِ الرِّجَالِ إِلَی رَأْیِهِ وَ دُونَ الْکَامِلُ مَنْ یَسْتَبِدُّ بِهِ وَ لاَ یَسْتَشِیرُ وَ لاَ شَیْءَ مَنْ لاَ رَأْیَ لَهُ وَ لاَ یَسْتَشِیرُ.

وَ النِّسَاءُ ثَلاَثٌ تُعِینُ أَهْلَهَا عَلَی الدَّهْرِ وَ لاَ تُعِینُ الدَّهْرَ عَلَی أَهْلِهَا وَ قَلَّمَا تَجِدُهَا وَ امْرَأَةٌ وِعَاءٌ لِلْوَلَدِ لَیْسَ فِیهَا غَیْرُهُ وَ الثَّالِثَةُ غُلٌّ قَمِلٌ (1) یَجْعَلُهُ اللَّهُ فِی رَقَبَةِ مَنْ یَشَاءُ وَ یَفُکُّهُ إِذَا شَاءَ.

3129

لَمَّا أَخْرَجَ عُمَرُ اَلْحَطِیئَةَ مِنْ حَبْسِهِ قَالَ لَهُ إِیَّاکَ وَ الشِّعْرَ قَالَ لاَ أَقْدِرُ عَلَی تَرْکِهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَأْکَلَةُ عِیَالِی وَ نَمْلَةٌ تَدِبُّ عَلَی لِسَانِی قَالَ فَشَبِّبْ بِأَهْلِکَ وَ إِیَّاکَ

ص :49

وَ کُلَّ مِدْحَةٍ مُجْحِفَةٍ قَالَ وَ مَا الْمُجْحِفَةُ قَالَ تَقُولُ إِنَّ بَنِی فُلاَنٍ خَیْرٌ مِنْ بَنِی فُلاَنٍ امْدَحْ وَ لاَ تُفَضِّلْ أَحَداً قَالَ أَنْتَ وَ اللَّهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَشْعَرُ مِنِّی.

3130

1,14,15- وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ فِی اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجْتُ أُرِیدُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَلَقِیتُهُ رَاکِباً حِمَاراً وَ قَدِ ارْتَسَنَهُ بِحَبْلٍ أَسْوَدَ فِی رِجْلَیْهِ نَعْلاَنِ مَخْصُوفَتَانِ وَ عَلَیْهِ إِزَارٌ وَ قَمِیصٌ صَغِیرٌ وَ قَدِ انْکَشَفَتْ مِنْهُ رِجْلاَهُ إِلَی رُکْبَتَیْهِ فَمَشَیْتُ إِلَی جَانِبِهِ وَ جَعَلْتُ أَجْذِبُ الْإِزَارَ وَ أُسَوِّیهِ عَلَیْهِ کُلَّمَا سَتَرْتُ جَانِباً انْکَشَفَ جَانِبٌ فَیَضْحَکُ وَ یَقُولُ إِنَّهُ لاَ یُطِیعُکَ حَتَّی جِئْنَا اَلْعَالِیَةَ فَصَلَّیْنَا ثُمَّ قَدَّمَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَیْنَا طَعَاماً مِنْ خُبْزٍ وَ لَحْمٍ وَ إِذَا عُمَرُ صَائِمٌ فَجَعَلَ یَنْبِذُ (1) إِلَیَّ طَیِّبَ اللَّحْمِ وَ یَقُولُ کُلْ لِی وَ لَکَ ثُمَّ دَخَلْنَا حَائِطاً فَأَلْقَی إِلَیَّ رِدَاءَهُ وَ قَالَ اکْفِنِیهِ وَ أَلْقَی قَمِیصَهُ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ جَلَسَ یَغْسِلُهُ وَ أَنَا أَغْسِلُ رِدَاءَهُ ثُمَّ جَفَفْنَاهُمَا وَ صَلَّیْنَا الْعَصْرَ فَرَکِبَ وَ مَشَیْتُ إِلَی جَانِبِهِ وَ لاَ ثَالِثَ لَنَا.

فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی فِی خِطْبَةٍ فَأَشِرْ عَلَیَّ قَالَ وَ مَنْ خَطَبْتَ قُلْتُ فُلاَنَةَ ابْنَةَ فُلاَنٍ قَالَ النَّسَبُ کَمَا تُحِبُّ وَ کَمَا قَدْ عَلِمْتَ وَ لَکِنْ فِی أَخْلاَقِ أَهْلِهَا دِقَّةٌ (2) لاَ تَعْدَمُکَ أَنْ تَجِدَهَا فِی وُلْدِکَ قُلْتُ فَلاَ حَاجَةَ لِی إِذًا فِیهَا قَالَ فَلِمَ لاَ تَخْطُبُ إِلَی ابْنِ عَمِّکَ یَعْنِی عَلِیّاً قُلْتُ أَ لَمْ تَسْبِقْنِی إِلَیْهِ قَالَ فَالْأُخْرَی قُلْتُ هِیَ لاِبْنِ أَخِیهِ قَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ صَاحِبَکُمْ إِنْ وَلِیَ هَذَا الْأَمْرَ أَخْشَی عُجْبَهُ بِنَفْسِهِ أَنْ یَذْهَبَ بِهِ فَلَیْتَنِی أَرَاکُمْ بَعْدِی قُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ صَاحِبَنَا مَا قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ مَا غَیَّرَ وَ لاَ بَدَّلَ وَ لاَ أَسْخَطَ رَسُولَ اللَّهِ ص أَیَّامَ صُحْبَتِهِ لَهُ.

ص :50

قَالَ فَقَطَعَ عَلَیَّ الْکَلاَمَ فَقَالَ وَ لاَ فِی ابْنَةِ أَبِی جَهْلٍ لَمَّا أَرَادَ أَنْ یَخْطُبَهَا عَلَی فَاطِمَةَ .

قُلْتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (1) وَ صَاحِبُنَا لَمْ یَعْزِمْ عَلَی سَخَطِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ لَکِنَّ الْخَوَاطِرَ الَّتِی لاَ یَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَی دَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَ رُبَّمَا کَانَ مِنَ الْفَقِیهِ فِی دِینِ اللَّهِ الْعَالِمِ الْعَامِلِ بِأَمْرِ اللَّهِ.

فَقَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ یَرِدُ بُحُورَکُمْ فَیَغُوصُ فِیهَا مَعَکُمْ حَتَّی یَبْلُغَ قَعْرَهَا فَقَدْ ظَنَّ عَجْزاً أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَکَ خُذْ فِی غَیْرِهَا.

ثُمَّ أَنْشَأَ یَسْأَلُنِی عَنْ شَیْءٍ مِنْ أُمُورِ الْفُتْیَا وَ أُجِیبُهُ فَیَقُولُ أَصَبْتَ أَصَابَ اللَّهُ بِکَ أَنْتَ وَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ

.

3131

أَشْرَفَ عَبْدُ الْمَلِکِ عَلَی أَصْحَابِهِ وَ هُمْ یَتَذَاکَرُونَ سِیرَةَ عُمَرَ فَغَاظَهُ ذَلِکَ وَ قَالَ إِیهاً عَنْ ذِکْرِ سِیرَةِ عُمَرَ فَإِنَّهَا مَزْرَاةٌ عَلَی الْوُلاَةِ مَفْسَدَةٌ لِلرَّعِیَّةِ.

3132

1- قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ کُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فَتَنَفَّسَ نَفَساً ظَنَنْتُ أَنَّ أَضْلاَعَهُ قَدِ انْفَرَجَتْ فَقُلْتُ مَا أَخْرَجَ هَذَا النَّفَسَ مِنْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِلاَّ هَمٌّ شَدِیدٌ قَالَ إِی وَ اللَّهِ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ إِنِّی فَکَّرْتُ فَلَمْ أَدْرِ فِیمَنْ أَجْعَلُ هَذَا الْأَمْرَ بَعْدِی ثُمَّ قَالَ لَعَلَّکَ تَرَی صَاحِبَکَ لَهَا أَهْلاً قُلْتُ وَ مَا یَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِکَ مَعَ جِهَادِهِ وَ سَابِقَتِهِ وَ قَرَابَتِهِ وَ عِلْمِهِ قَالَ صَدَقْتَ وَ لَکِنَّهُ امْرُؤٌ فِیهِ دُعَابَةٌ قُلْتُ فَأَیْنَ أَنْتَ عَنْ طَلْحَةَ قَالَ ذُو الْبَأْوِ (2) وَ بِإِصْبَعِهِ الْمَقْطُوعَةِ قُلْتُ فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ رَجُلٌ ضَعِیفٌ لَوْ صَارَ الْأَمْرُ إِلَیْهِ لَوَضَعَ خَاتَمَهُ فِی یَدِ امْرَأَتِهِ قُلْتُ فَالزُّبَیْرُ قَالَ شَکِسٌ لَقِسٌ (3) یُلاَطِمُ فِی النَّقِیعِ فِی صَاعٍ

ص :51

مِنْ بُرٍّ قُلْتُ فَسَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ قَالَ صَاحِبُ سِلاَحٍ وَ مِقْنَبٍ (1) قُلْتُ فَعُثْمَانُ قَالَ أَوَّهْ ثَلاَثاً وَ اللَّهِ لَئِنْ وَلِیَهَا لَیَحْمِلَنَّ بَنِی أَبِی مُعَیْطٍ عَلَی رِقَابِ النَّاسِ ثُمَّ لَتَنْهَضُ اَلْعَرَبُ إِلَیْهِ.

ثُمَّ قَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ إِنَّهُ لاَ یَصْلُحُ لِهَذَا الْأَمْرِ إِلاَّ خَصِیفُ (2) الْعُقْدَةِ قَلِیلُ الْغِرَّةِ لاَ تَأْخُذُهُ فِی اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ ثُمَّ یَکُونُ شَدِیداً مِنْ غَیْرِ عُنْفٍ لَیِّناً مِنْ غَیْرِ ضَعْفٍ سَخِیّاً مِنْ غَیْرِ سَرَفٍ مُمْسِکاً مِنْ غَیْرِ وَکَفٍ (3) قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَ کَانَتْ وَ اللَّهِ هِیَ صِفَاتُ عُمَرَ .

قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیَّ بَعْدَ أَنْ سَکَتَ هُنَیْهَةً وَ قَالَ أَجْرَؤُهُمْ وَ اللَّهِ إِنْ وَلِیَهَا أَنْ یَحْمِلَهُمْ عَلَی کِتَابِ رَبِّهِمْ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِمْ لَصَاحِبُکَ أَمَا إِنَّ وَلِیَّ أَمْرِهِمْ حَمَلَهُمْ عَلَی الْمَحَجَّةِ الْبَیْضَاءِ وَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ

.

3133

وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ کُنْتُ عِنْدَ أَبِی یَوْماً وَ عِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ النَّاسِ فَجَرَی ذِکْرُ الشِّعْرِ فَقَالَ مَنْ أَشْعَرُ اَلْعَرَبِ فَقَالُوا فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ فَطَلَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَسَلَّمَ وَ جَلَسَ فَقَالَ عُمَرُ قَدْ جَاءَکُمُ الْخَبِیرُ مَنْ أَشْعَرُ النَّاسِ یَا عَبْدَ اللَّهِ قَالَ زُهَیْرُ بْنُ أَبِی سَلْمَی قَالَ فَأَنْشِدْنِی مِمَّا تَسْتَجِیدُهُ لَهُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّهُ مَدَحَ قَوْماً مِنْ غَطَفَانَ یُقَالُ لَهُمْ بَنُو سِنَانٍ فَقَالَ لَوْ کَانَ یَقْعُدُ فَوْقَ الشَّمْسِ مِنْ کَرَمٍ

ص :52

مُحَسَّدُونَ عَلَی مَا کَانَ مِنْ نِعَمٍ

لاَ یَنْزِعُ اللَّهُ مِنْهُمْ مَا لَهُ حُسِدُوا.

فَقَالَ عُمَرُ وَ اللَّهِ لَقَدْ أَحْسَنَ وَ مَا أَرَی هَذَا الْمَدْحَ یَصْلُحُ إِلاَّ لِهَذَا الْبَیْتِ مِنْ هَاشِمٍ لِقَرَابَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَفَّقَکَ اللَّهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَلَمْ تَزَلْ مُوَفَّقاً فَقَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ أَ تَدْرِی مَا مَنَعَ النَّاسَ مِنْکُمْ قَالَ لاَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ لَکِنِّی أَدْرِی قَالَ مَا هُوَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ کَرِهَتْ قُرَیْشٌ أَنْ تَجْتَمِعَ لَکُمُ النُّبُوَّةُ وَ الْخِلاَفَةُ فَیَجْخِفُوا جَخْفاً (1) فَنَظَرَتْ قُرَیْشٌ لِنَفْسِهَا فَاخْتَارَتْ وَ وَفَّقَتْ فَأَصَابَتْ (2) .

فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ أَ یُمِیطُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَنِّی غَضَبَهُ فَیَسْمَعُ قَالَ قُلْ مَا تَشَاءُ قَالَ أَمَّا قَوْلُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ قُرَیْشاً کَرِهَتْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَالَ لِقَوْمٍ ذٰلِکَ بِأَنَّهُمْ کَرِهُوا مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأَحْبَطَ أَعْمٰالَهُمْ (3) .

وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنَّا کُنَّا نَجْخِفُ فَلَوْ جَخَفْنَا بِالْخِلاَفَةِ جَخَفْنَا بِالْقَرَابَةِ وَ لَکِنَّا قَوْمٌ أَخْلاَقُنَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ص الَّذِی قَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ إِنَّکَ لَعَلیٰ خُلُقٍ عَظِیمٍ (4) وَ قَالَ لَهُ وَ اخْفِضْ جَنٰاحَکَ لِمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (5) .

وَ أَمَّا قَوْلُکَ فَإِنَّ قُرَیْشاً اخْتَارَتْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ وَ رَبُّکَ یَخْلُقُ مٰا یَشٰاءُ وَ یَخْتٰارُ مٰا کٰانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ (6) وَ قَدْ عَلِمْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ لِذَلِکَ مَنِ اخْتَارَ فَلَوْ نَظَرَتْ قُرَیْشٌ مِنْ حَیْثُ نَظَرَ اللَّهُ لَهَا لَوَفَّقَتْ وَ أَصَابَتْ قُرَیْشٌ .

فَقَالَ عُمَرُ عَلَی رِسْلِکَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ أَبَتْ قُلُوبُکُمْ یَا بَنِی هَاشِمٍ إِلاَّ غِشّاً فِی أَمْرِ قُرَیْشٍ لاَ یَزُولُ وَ حِقْداً عَلَیْهَا لاَ یَحُولُ فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ مَهْلاً یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ

ص :53

لاَ تَنْسُبْ هَاشِماً إِلَی الْغِشِّ فَإِنَّ قُلُوبَهُمْ مِنْ قَلْبِ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِی طَهَّرَهُ اللَّهُ وَ زَکَّاهُ وَ هُمْ أَهْلُ الْبَیْتِ الَّذِینَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی لَهُمْ إِنَّمٰا یُرِیدُ اللّٰهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً (1) وَ أَمَّا قَوْلُکَ حِقْداً فَکَیْفَ لاَ یَحْقِدُ مَنْ غُصِبَ شَیْئَهُ وَ یَرَاهُ فِی یَدِ غَیْرِهِ.

فَقَالَ عُمَرُ أَمَّا أَنْتَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ فَقَدْ بَلَغَنِی عَنْکَ کَلاَمٌ أَکْرَهُ أَنْ أُخْبِرَکَ بِهِ فَتَزُولَ مَنْزِلَتُکَ عِنْدِی قَالَ وَ مَا هُوَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَخْبِرْنِی بِهِ فَإِنْ یَکُ بَاطِلاً فَمِثْلِی أَمَاطَ الْبَاطِلَ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنْ یَکُ حَقّاً فَإِنَّ مَنْزِلَتِی عِنْدَکَ لاَ تَزُولُ بِهِ.

قَالَ بَلَغَنِی أَنَّکَ لاَ تَزَالُ تَقُولُ أُخِذَ هَذَا الْأَمْرُ مِنْکَ حَسَداً وَ ظُلْماً قَالَ أَمَّا قَوْلُکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ حَسَداً فَقَدْ حَسَدَ إِبْلِیسُ آدَمَ فَأَخْرَجَهُ مِنَ اَلْجَنَّةِ فَنَحْنُ بَنُو آدَمَ الْمَحْسُودُ.

وَ أَمَّا قَوْلُکَ ظُلْماً فَأَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ یَعْلَمُ صَاحِبَ الْحَقِّ مَنْ هُوَ.

ثُمَّ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ لَمْ تَحْتَجَّ اَلْعَرَبُ عَلَی اَلْعَجَمِ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ وَ احْتَجَّتْ قُرَیْشٌ عَلَی سَائِرِ اَلْعَرَبِ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ ص فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ سَائِرِ قُرَیْشٍ .

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ قُمِ الْآنَ فَارْجِعْ إِلَی مَنْزِلِکَ فَقَامَ فَلَمَّا وَلَّی هَتَفَ بِهِ عُمَرُ أَیُّهَا الْمُنْصَرِفُ إِنِّی عَلَی مَا کَانَ مِنْکَ لَرَاعٍ حَقَّکَ.

فَالْتَفَتَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ إِنَّ لِی عَلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ عَلَی کُلِّ اَلْمُسْلِمِینَ حَقّاً بِرَسُولِ اللَّهِ ص فَمَنْ حَفِظَهُ فَحَقَّ نَفْسِهِ حَفِظَ وَ مَنْ أَضَاعَهُ فَحَقَّ نَفْسِهِ أَضَاعَ ثُمَّ مَضَی.

ص :54

فَقَالَ عُمَرُ لِجُلَسَائِهِ وَاهاً لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا رَأَیْتُهُ لاَحَی أَحَداً قَطُّ إِلاَّ خَصَمَهُ.

3134

14- لَمَّا تُوُفِّیَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ رَأْسُ الْمُنَافِقِینَ فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص جَاءَ ابْنُهُ وَ أَهْلُهُ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ص أَنْ یُصَلِّیَ عَلَیْهِ فَقَامَ بَیْنَ یَدَیِ الصَّفِّ یُرِیدُ ذَلِکَ فَجَاءَ عُمَرُ فَجَذَبَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَ قَالَ أَ لَمْ یَنْهَکَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَی الْمُنَافِقِینَ فَقَالَ إِنِّی خُیِّرْتُ فَاخْتَرْتُ فَقِیلَ لِی اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاٰ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللّٰهُ لَهُمْ (1) وَ لَوْ أَنِّی أَعْلَمُ أَنِّی إِذَا زِدْتُ عَلَی السَّبْعِینَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ ثُمَّ صَلَّی رَسُولُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ مَشَی مَعَهُ وَ قَامَ عَلَی قَبْرِهِ.

فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ جُرْأَةِ عُمَرَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمْ یَلْبَثِ النَّاسُ إِلاَّ أَنْ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَی وَ لاٰ تُصَلِّ عَلیٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً وَ لاٰ تَقُمْ عَلیٰ قَبْرِهِ (2) فَلَمْ یُصَلِّ ع بَعْدَهَا عَلَی أَحَدٍ مِنَ الْمُنَافِقِینَ (3)

.

و

3135

14- رَوَی أَبُو هُرَیْرَةَ قَالَ کُنَّا قُعُوداً حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی نَفَرٍ فَقَامَ مِنْ بَیْنِ أَظْهُرِنَا فَأَبْطَأَ عَلَیْنَا وَ خَشِینَا أَنْ یُقْطَعَ دُونَنَا فَقُمْنَا وَ کُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ فَخَرَجْتُ أَبْتَغِیهِ حَتَّی أَتَیْتُ حَائِطاً (4) لِلْأَنْصَارِ لِقَوْمٍ مِنْ بَنِی النَّجَّارِ فَلَمْ أَجِدْ لَهُ بَاباً إِلاَّ رَبِیعاً فَدَخَلْتُ فِی جَوْفِ الْحَائِطِ وَ الرَّبِیعُ الْجَدْوَلُ فَدَخَلْتُ مِنْهُ بَعْدَ أَنِ احْتَفَرْتُهُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ أَبُو هُرَیْرَةَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ مَا شَأْنُکَ قُلْتُ کُنْتَ بَیْنَ أَظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَنَّا فَخَشِینَا أَنْ تَقْتَطِعَ دُونَنَا فَفَزِعْنَا وَ کُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ فَأَتَیْتُ هَذَا الْحَائِطَ فَاحْتَفَرْتُهُ کَمَا یَحْتَفِرُ الثَّعْلَبُ وَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِی.

ص :55

فَقَالَ یَا أَبَا هُرَیْرَةَ اذْهَبْ بِنَعْلَیَّ هَاتَیْنِ فَمَنْ لَقِیتَهُ وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ یَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُسْتَیْقِناً بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَخَرَجْتُ فَکَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِیتُ عُمَرُ فَقَالَ مَا هَذَانِ النَّعْلاَنِ قُلْتُ نَعْلاَ رَسُولِ اللَّهِ ص بَعَثَنِی بِهِمَا وَ قَالَ مَنْ لَقِیتَهُ یَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُسْتَیْقِناً بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ .

فَضَرَبَ عُمَرُ فِی صَدْرِی فَخَرَرْتُ لاِسْتِی وَ قَالَ ارْجِعْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص .

فَأَجْهَشْتُ بِالْبُکَاءِ رَاجِعاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَا بَالُکَ قُلْتُ لَقِیتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِی بَعَثْتَنِی بِهِ فَضَرَبَ صَدْرِی ضَرْبَةً خَرَرْتُ لاِسْتِی وَ قَالَ ارْجِعْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ .

فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا عُمَرُ فَقَالَ مَا حَمَلَکَ یَا عُمَرُ عَلَی مَا فَعَلْتَ فَقَالَ عُمَرُ أَنْتَ بَعَثْتَ أَبَا هُرَیْرَةَ بِکَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَلاَ تَفْعَلْ فَإِنِّی أَخْشَی أَنْ یَتَّکِلَ النَّاسُ عَلَیْهَا فَیَتْرُکُوا الْعَمَلَ خَلِّهِمْ یَعْمَلُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص خَلِّهِمْ یَعْمَلُونَ

. و

3136

14- رَوَی أَبُو سَعِیدٍ الْخُدْرِیُّ قَالَ أَصَابَتِ النَّاسَ مَجَاعَةٌ فِی غَزَاةِ تَبُوکَ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَذَبَحْنَا نَوَاضِحَنَا (1) وَ أَکَلْنَا شَحْمَهَا وَ لَحْمَهَا فَقَالَ افْعَلُوا فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا قَلَّ الظَّهْرُ وَ لَکِنْ ادْعُهُمْ بِفَضَلاَتِ أَزْوَادِهِمْ فَاجْمَعْهَا ثُمَّ ادْعُ لَهُمْ عَلَیْهَا بِالْبَرَکَةِ لَعَلَّ اللَّهَ یَجْعَلُ فِی ذَلِکَ خَیْراً

ص :56

فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص ذَلِکَ فَأَکَلَ الْخَلْقُ الْکَثِیرُ مِنْ طَعَامٍ قَلِیلٍ وَ لَمْ تُذْبَحِ النَّوَاضِحُ

.

و

3137

14- رَوَی اِبْنُ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَتَی رَسُولَ اللَّهِ ص یَذْکُرُ لَهُ ذَنْباً أَذْنَبَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی فِی أَمْرِهِ وَ أَقِمِ الصَّلاٰةَ طَرَفَیِ النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّیْلِ إِنَّ الْحَسَنٰاتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئٰاتِ ذٰلِکَ ذِکْریٰ لِلذّٰاکِرِینَ (1) فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لِی خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً.

فَضَرَبَ عُمَرُ صَدْرَهُ بِیَدِهِ وَ قَالَ لاَ وَ لاَ نُعْمَی عَیْنٍ بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً

.

3138

14- وَ کَانَ عُمَرُ یَقُولُ وَافَقَنِی رَبِّی فِی ثَلاَثٍ قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِیمَ مُصَلًّی فَنَزَلَتْ وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِیمَ مُصَلًّی (2) .

وَ قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَکَ یَدْخُلُ عَلَیْهِنَّ الْبَرُّ وَ الْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ یَحْتَجِبْنَ فَنَزَلَتْ آیَةُ الْحِجَابِ .

وَ تَمَالَأَ عَلَیْهِ نِسَاؤُهُ غَیْرَةً فَقُلْتُ لَهُ عَسیٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَکُنَّ أَنْ یُبْدِلَهُ أَزْوٰاجاً خَیْراً مِنْکُنَّ (3) فَنَزَلَتْ بِهَذَا اللَّفْظِ (4) .

3139

14- وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فُضِّلَ عُمَرُ النَّاسَ بِأَرْبَعٍ بِرَأْیِهِ فِی أُسَارَی بَدْرٍ فَنَزَلَ اَلْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ مٰا کٰانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ أَسْریٰ حَتّٰی یُثْخِنَ فِی الْأَرْضِ (5) وَ بِرَأْیِهِ فِی حِجَابِ نِسَاءِ اَلنَّبِیِّ ص فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَی وَ إِذٰا سَأَلْتُمُوهُنَّ

ص :57

مَتٰاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ (1) وَ بِدَعْوَةِ اَلنَّبِیِّ ص اللَّهُمَّ أَیِّدِ اَلْإِسْلاَمَ بِأَحَدِ الرَّجُلَیْنِ وَ بِرَأْیِهِ فِی أَبِی بَکْرٍ کَانَ أَوَّلَ مَنْ بَایَعَهُ (2) .

3140

1- وَ رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ کُنْتُ آکُلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص حَیْساً (3) قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ آیَةُ الْحِجَابِ وَ مَرَّ عُمَرُ فَدَعَاهُ فَأَکَلَ فَأَصَابَتْ یَدُهُ إِصْبَعِی فَقَالَ حِسَّ (4) لَوْ أَطَاعَ فِیکُنَّ مَا رَأَتْکُنَّ عَیْنٌ فَنَزَلَتْ آیَةُ الْحِجَابِ (5)

.

3141

14- جَاءَ عُیَیْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَ اَلْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ إِلَی أَبِی بَکْرٍ فَقَالاَ یَا خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ عِنْدَنَا أَرْضاً سَبِخَةً لَیْسَ فِیهَا کَلَأٌ وَ لاَ مَنْفَعَةٌ فَإِنْ رَأَیْتَ أَنْ تُقْطِعَنَاهَا لَعَلَّنَا نَحْرُثَهَا أَوْ نَزْرَعَهَا وَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ یَنْفَعَ بِهَا بَعْدَ الْیَوْمِ فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنَ النَّاسِ اَلْمُسْلِمِینَ مَا تَرَوْنَ قَالُوا لاَ بَأْسَ فَکَتَبَ لَهُمَا بِهَا کِتَاباً وَ أَشْهَدَ فِیهِ شُهُوداً وَ عُمَرُ مَا کَانَ حَاضِراً فَانْطَلَقَا إِلَیْهِ لِیَشْهَدَ فِی الْکِتَابِ فَوَجَدَاهُ قَائِماً یَهْنَأُ (6) بَعِیراً فَقَالاَ إِنَّ خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص کَتَبَ لَنَا هَذَا الْکِتَابَ وَ جِئْنَاکَ لِتَشْهَدَ عَلَی مَا فِیهِ أَ فَتَقْرَؤُهُ أَمْ نَقْرَؤُهُ عَلَیْکَ قَالَ أَ عَلَی الْحَالِ الَّتِی تَرَیَانِ إِنْ شِئْتُمَا فَاقْرَآهُ وَ إِنْ شِئْتُمَا فَانْتَظِرَا حَتَّی أَفْرُغَ.

قَالاَ بَلْ نَقْرَؤُهُ عَلَیْکَ فَلَمَّا سَمِعَ مَا فِیهِ أَخَذَهُ مِنْهُمَا ثُمَّ تَفَلَ فِیهِ فَمَحَاهُ فَتَذَامَرَا وَ قَالاَ مَقَالَةً سَیِّئَةً.

ص :58

فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص کَانَ یَتَأَلَّفُکُمَا وَ اَلْإِسْلاَمُ یَوْمَئِذٍ ذَلِیلٌ وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَدْ أَعَزَّ اَلْإِسْلاَمَ فَاذْهَبَا فَاجْهَدَا جَهْدَکُمَا لاَ رَعَی اللَّهُ عَلَیْکُمَا إِنْ رَعَیْتُمَا.

فَذَهَبَا إِلَی أَبِی بَکْرٍ وَ هُمَا یَتَذَمَّرَانِ فَقَالاَ وَ اللَّهِ مَا نَدْرِی أَنْتَ أَمِیرٌ أُمْ عُمَرُ فَقَالَ بَلْ هُوَ لَوْ شَاءَ کَانَ.

وَ جَاءَ عُمَرُ وَ هُوَ مُغْضَبٌ حَتَّی وَقَفَ عَلَی أَبِی بَکْرٍ فَقَالَ أَخْبِرْنِی عَنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِی أَقْطَعْتَهَا هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ أَ هِیَ لَکَ خَاصَّةً أَمْ بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ عَامَّةً فَقَالَ بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ عَامَّةً قَالَ فَمَا حَمَلَکَ عَلَی أَنْ تَخُصَّ بِهَا هَذَیْنِ دُونَ جَمَاعَةِ اَلْمُسْلِمِینَ قَالَ اسْتَشَرْتُ الَّذِینَ حَوْلِی فَأَشَارُوا بِذَلِکَ فَقَالَ أَ فَکُلُّ اَلْمُسْلِمِینَ أَوْسَعَتْهُمْ مَشُورَةٌ وَ رِضًا فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ فَلَقَدْ کُنْتُ قُلْتُ لَکَ إِنَّکَ أَقْوَی عَلَی هَذَا الْأَمْرِ مِنِّی لَکِنَّکَ غَلَبْتَنِی

.

3142

1- لَمَّا کَتَبَ اَلنَّبِیُّ ص کِتَابَ الصُّلْحِ فِی اَلْحُدَیْبِیَةِ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ سُهَیْلِ بْنِ عَمْرٍو کَانَ فِی الْکِتَابِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ إِلَی قُرَیْشٍ لاَ یُرَدُّ وَ مَنْ خَرَجَ مِنَ اَلْمُشْرِکِینَ إِلَی اَلنَّبِیِّ ص یُرَدُّ عَلَیْهِمْ فَغَضِبَ عُمَرُ وَ قَالَ لِأَبِی بَکْرٍ مَا هَذَا یَا أَبَا بَکْرٍ أَ یُرَدُّ اَلْمُسْلِمُونَ إِلَی اَلْمُشْرِکِینَ ثُمَّ جَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَجَلَسَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لَسْتَ رَسُولَ اللَّهِ حَقّاً قَالَ بَلَی قَالَ وَ نَحْنُ اَلْمُسْلِمُونَ حَقّاً قَالَ نَعَمْ قَالَ وَ هُمُ اَلْکَافِرُونَ حَقّاً قَالَ نَعَمْ قَالَ فَعَلاَمَ نُعْطِی الدَّنِیَّةَ فِی دِینِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَفْعَلُ مَا یَأْمُرُنِی بِهِ وَ لَنْ یُضَیِّعَنِی.

فَقَامَ عُمَرُ مُغْضَباً وَ قَالَ لَوْ أَجِدُ أَعْوَاناً مَا أَعْطَیْتُ الدَّنِیَّةَ أَبَداً وَ جَاءَ إِلَی أَبِی بَکْرٍ

ص :59

فَقَالَ لَهُ یَا أَبَا بَکْرٍ أَ لَمْ یَکُنْ وَعَدَنَا أَنَّنَا سَنَدْخُلُ مَکَّةَ فَأَیْنَ مَا وَعَدَنَا بِهِ فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ أَ قَالَ لَکَ إِنَّهُ الْعَامَ یَدْخُلُهَا قَالَ لاَ قَالَ فَسَیَدْخُلُهَا فَقَالَ فَمَا هَذِهِ الصَّحِیفَةُ الَّتِی کُتِبَتْ وَ کَیْفَ نُعْطِی الدَّنِیَّةَ مِنْ أَنْفُسِنَا فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ یَا هَذَا الْزَمْ غَرْزَهُ (1) فَوَ اللَّهِ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ إِنَّ اللَّهَ لاَ یُضَیِّعُهُ.

فَلَمَّا کَانَ یَوْمُ الْفَتْحِ وَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِفْتَاحَ اَلْکَعْبَةِ قَالَ ادْعُوا لِی عُمَرَ فَجَاءَ فَقَالَ هَذَا الَّذِی کُنْتُ وَعَدْتُکُمْ بِهِ (2)

.

3143

14- لَمَّا قُتِلَ اَلْمُشْرِکُونَ یَوْمَ بَدْرٍ أُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَسِیراً فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِیهِمْ أَبَا بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ یَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاَءِ بَنُو الْعَمِّ وَ الْعَشِیرَةُ وَ الْإِخْوَانُ وَ أَرَی أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدْیَةَ فَیَکُونَ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ قُوَّةً لَنَا عَلَی اَلْمُشْرِکِینَ وَ عَسَی أَنْ یَهْدِیَهُمُ اللَّهُ بَعْدَ الْیَوْمِ فَیَکُونُوا لَنَا عُذْراً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَا تَقُولُ أَنْتَ یَا عُمَرُ قَالَ أَرَی أَنْ تُمَکِّنَنِی مِنْ فُلاَنٍ قَرِیبٍ لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ وَ تُمَکِّنَ عَلِیّاً مِنْ عَقِیلٍ فَیَضْرِبَ عُنُقَهُ وَ تُمَکِّنَ حَمْزَةَ مِنْ أَخِیهِ فَیَضْرِبَ عُنُقَهُ حَتَّی یَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَیْسَ فِی قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِکِینَ اقْتُلْهُمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ صَنَادِیدُهُمْ وَ قَادَتُهُمْ فَلَمْ یَهْوَ رَسُولُ اللَّهِ مَا قَالَهُ عُمَرُ .

قَالَ عُمَرُ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص فَوَجَدْتُهُ قَاعِداً وَ أَبُو بَکْرٍ وَ هُمَا یَبْکِیَانِ فَقُلْتُ مَا یُبْکِیکُمَا حَدِّثَانِی فَإِنْ وَجَدْتُ بُکَاءً بَکَیْتُ وَ إِلاَّ تَبَاکَیْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَبْکِی لِأَخْذِ الْفِدَاءِ لَقَدْ عُرِضَ عَلَیَّ عَذَابُکُمْ أَدْنَی مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ لِشَجَرَةٍ قَرِیبَةٍ مِنْهُ.

ص :60

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَکَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَقُولُ کِدْنَا أَنْ یُصِیبَنَا شَرٌّ فِی مُخَالَفَةِ عُمَرَ

.

3144

وَ قَالَ عُمَرُ فِی خِلاَفَتِهِ لَئِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَأَسِیرَنَّ فِی الرَّعِیَّةِ حَوْلاً فَإِنِّی أَعْلَمُ أَنَّ لِلنَّاسِ حَوَائِجَ تَقْتَطِعُ دُونِی أَمَّا عُمَّالُهُمْ فَلاَ یَرْفَعُونَهَا إِلَیَّ وَ أَمَّا هُمْ فَلاَ یَصِلُونَ إِلَیَّ أَسِیرُ إِلَی اَلشَّامِ فَأُقِیمُ بِهَا شَهْرَیْنِ ثُمَّ أَسِیرُ إِلَی اَلْجَزِیرَةِ فَأُقِیمُ بِهَا شَهْرَیْنِ ثُمَّ أَسِیرُ إِلَی مِصْرَ فَأُقِیمُ بِهَا شَهْرَیْنِ ثُمَّ أَسِیرُ إِلَی اَلْبَحْرَیْنِ فَأُقِیمُ بِهَا شَهْرَیْنِ ثُمَّ أَسِیرُ إِلَی اَلْکُوفَةِ فَأُقِیمُ بِهَا شَهْرَیْنِ ثُمَّ إِلَی اَلْبَصْرَةِ فَأُقِیمُ بِهَا شَهْرَیْنِ وَ اللَّهِ لَنِعْمَ الْحَوْلُ هَذَا.

3145

وَ قَالَ أَسْلَمُ بَعَثَنِی عُمَرُ بِإِبِلٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِلَی الْحِمَی فَوَضَعْتُ جِهَازِی عَلَی نَاقَةٍ مِنْهَا کَرِیمَةٍ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أُصْدِرَهَا قَالَ اعْرِضْهَا عَلَیَّ فَعَرَضْتُهَا عَلَیْهِ فَرَأَی مَتَاعِی عَلَی نَاقَةٍ حَسْنَاءَ فَقَالَ لاَ أُمَّ لَکَ عَمَدْتَ إِلَی نَاقَةٍ تُغْنِی أَهْلَ بَیْتٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ فَهَلاَّ ابْنَ لَبُونٍ (1) بَوَّالٍ أَوْ نَاقَةٍ شَصُوصٍ (2) .

3146

وَ قِیلَ لِعُمَرَ إِنَّ هَاهُنَا رَجُلاً مِنَ الْأَحْبَارِ نَصْرَانِیّاً لَهُ بَصَرٌ بِالدِّیوَانِ لَوِ اتَّخَذْتَهُ کَاتِباً فَقَالَ لَقَدِ اتَّخَذْتُ إِذًا بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ.

3147

قَالَ وَ قَدْ خَطَبَ النَّاسَ وَ الَّذِی بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ جَمَلاً هَلَکَ ضَیَاعاً بِشَطِّ الْفُرَاتِ خَشِیتُ أَنْ یَسْأَلَ اللَّهُ عَنْهُ آلَ الْخَطَّابِ .

ص :61

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَیْدِ بْنِ أَسْلَمَ یَعْنِی بِآلِ الْخَطَّابِ نَفْسَهُ مَا یَعْنِی غَیْرَهَا.

3148

وَ کَتَبَ إِلَی أَبِی مُوسَی أَنَّهُ لَمْ یَزَلْ لِلنَّاسِ وُجُوهٌ مِنَ الْأَمْرِ فَأَکْرِمْ مَنْ قِبَلَکَ مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ وَ بِحَسْبُ اَلْمُسْلِمَ الضَّعِیفَ مِنْ بَیْنِ الْقَوْمِ أَنْ یُنْصَفَ فِی الْحُکْمِ وَ فِی الْقَسْمِ.

3149

أَتَی أَعْرَابِیٌّ عُمَرَ فَقَالَ إِنَّ نَاقَتِی بِهَا نَقَباً وَ دَبَراً فَاحْمِلْنِی فَقَالَ لَهُ وَ اللَّهِ مَا بِبَعِیرِکَ مِنْ نَقَبٍ (1) وَ لاَ دَبَرٍ (2) فَقَالَ أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ وَ لاَ دَبَرٍ فَاغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ إِنْ کَانَ فَجَرَ فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِی ثُمَّ دَعَاهُ فَحَمَلَهُ.

3150

جَاءَ رَجُلٌ إِلَی عُمَرَ وَ کَانَتْ بَیْنَهُمَا قَرَابَةٌ یَسْأَلُهُ فَزَبَرَهُ (3) وَ أَخْرَجَهُ فَکُلِّمَ فِیهِ وَ قِیلَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ زَبَرْتَهُ وَ أَخْرَجْتَهُ قَالَ إِنَّهُ سَأَلَنِی مِنْ مَالِ اللَّهِ فَمَا مَعْذِرَتِی إِذَا لَقِیتُهُ مَلِکاً خَائِناً فَلَوْ سَأَلَنِی مِنْ مَالِی ثُمَّ بَعَثَ إِلَیْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ.

ص :62

3151

وَ کَانَ یَقُولُ فِی عُمَّالِهِ اللَّهُمَّ إِنِّی لَمْ أَبْعَثْهُمْ لِیَأْخُذُوا أَمْوَالَ اَلْمُسْلِمِینَ وَ لاَ لِیَضْرِبُوا أَبْشَارَهُمْ مَنْ ظَلَمَهُ أَمِیرُهُ فَلاَ إِمْرَةَ عَلَیْهِ دُونِی.

3152

بَیْنَا عُمَرُ ذَاتَ لَیْلَةٍ یَعُسُّ سَمِعَ صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ سَطْحٍ وَ هِیَ تَنْشُدُ تَطَاوَلَ هَذَا اللَّیْلُ وَ ازْوَرَّ جَانِبُهُ فَقَالَ عُمَرُ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ مَا ذَا صَنَعْتَ یَا عُمَرُ بِنَسَاءِ اَلْمَدِینَةِ ثُمَّ جَاءَ فَضَرَبَ عَلَی حَفْصَةَ ابْنَتِهِ فَقَالَتْ مَا جَاءَ بِکَ فِی هَذِهِ السَّاعَةِ قَالَ أَخْبِرِینِی کَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ الْمُغَیَّبَةُ عَنْ بَعْلِهَا قَالَتْ أَقْصَاهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ کَتَبَ إِلَی أُمَرَائِهِ فِی جَمِیعِ النَّوَاحِی أَلاَّ تُجَمَّرَ (1) الْبُعُوثُ وَ أَلاَّ یَغِیبَ رَجُلٌ عَنْ أَهْلِهِ أَکْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (2) .

3153

وَ رَوَی أَسْلَمُ قَالَ کُنْتُ مَعَ عُمَرَ وَ هُوَ یَعُسُّ بِالْمَدِینَةِ إِذْ سَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ لِبِنْتِهَا قُومِی یَا بُنَیَّةِ إِلَی ذَلِکَ اللَّبَنِ بَعْدَ الْمَشْرِقَیْنِ فَامْذَقِیهِ (3) قَالَتْ أَ وَ مَا عَلِمْتِ مَا کَانَ مِنْ عَزْمَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ بِالْأَمْسِ قَالَتْ وَ مَا هُوَ قَالَتْ إِنَّهُ أَمَرَ مُنَادِیاً فَنَادَی أَلاَّ یُشَابَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ قَالَتْ فَإِنَّکِ بِمَوْضِعٍ لاَ یَرَاکِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ لاَ مُنَادِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ قَالَتْ

ص :63

وَ اللَّهِ مَا کُنْتُ لِأُطِیعَهُ فِی الْمَلَأِ وَ أَعْصِیَهُ فِی الْخَلاَءِ وَ عُمَرُ یَسْمَعُ ذَلِکَ فَقَالَ یَا أَسْلَمُ اعْرِفِ الْبَابَ ثُمَّ مَضَی فِی عُسِّهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ یَا أَسْلَمُ امْضِ إِلَی الْمَوْضِعِ فَانْظُرْ مَنِ الْقَائِلَةُ وَ مَنِ الْمَقُولُ لَهَا وَ هَلْ لَهُمَا مِنْ بَعْلٍ قَالَ أَسْلَمُ فَأَتَیْتُ الْمَوْضِعَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا الْجَارِیَةُ أَیِّمٌ وَ إِذَا الْمُتَکَلِّمِةُ بِنْتٌ لَهَا لَیْسَ لَهُمَا رَجُلٌ.

فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُهُ فَجَمَعَ عُمَرُ وُلْدَهُ وَ قَالَ هَلْ یُرِیدُ أَحَدٌ أَنْ یَتَزَوَّجَ فَأُزَوِّجَهُ امْرَأَةً صَالِحَةً فَتَاةً وَ لَوْ کَانَ فِی أَبِیکُمْ حَرَکَةٌ إِلَی النِّسَاءِ لَمْ یَسْبِقْهُ أَحَدٌ إِلَیْهَا فَقَالَ عَاصِمٌ ابْنُهُ أَنَا فَبَعَثَ إِلَی الْجَارِیَةِ فَزَوَّجَهَا ابْنَهُ عَاصِماً فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتاً هِیَ الْمُکَنَّاةُ أُمَّ عَاصِمٍ وَ هِیَ أُمُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ بْنِ مَرْوَانَ .

3154

حَجَّ عُمَرُ فَلَمَّا کَانَ بِضَجْنَانَ (1) قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ الْمُعْطِی مَا یَشَاءُ لِمَنْ یَشَاءُ أَذْکُرُ وَ أَنَا أَرْعَی إِبِلَ اَلْخَطَّابِ بِهَذَا الْوَادِی فِی مِدْرَعَةِ صُوفٍ وَ کَانَ فَظّاً یَتْعَبُنِی إِذَا عَمِلْتُ وَ یَضْرِبُنِی إِذَا قَصَّرْتُ وَ قَدْ أَمْسَیْتُ الْیَوْمَ وَ لَیْسَ بَیْنِی وَ بَیْنَ اللَّهِ أَحَدٌ ثُمَّ تَمَثَّلَ لاَ شَیْءَ مِمَّا یُرَی تَبْقَی بَشَاشَتُهُ

ص :64

3155

وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ سِیرِینَ أَنَّ عُمَرَ فِی آخِرِ أَیَّامِهِ اعْتَرَاهُ نِسْیَانٌ حَتَّی کَانَ یَنْسَی عَدَدَ رَکَعَاتِ الصَّلاَةِ فَجَعَلَ أَمَامَهُ رَجُلاً یُلَقِّنُهُ فَإِذَا أَوْمَی إِلَیْهِ أَنْ یَقُومَ أَوْ یَرْکَعَ فَعَلَ.

3156

وَ سَمِعَ عُمَرُ مُنْشِداً یُنْشِدُ قَوْلَ طَرْفَةَ فَلَوْ لاَ ثَلاَثٌ هُنَّ مِنْ عِیشَةِ الْفَتَی

فَقَالَ وَ أَنَا لَوْ لاَ ثَلاَثٌ هُنَّ مِنْ عِیشَةِ الْفَتَی لَمْ أَحْفِلْ مَتَی قَامَ عُوَّدِی أَنْ أُجَاهِدَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ أَنْ أَضَعَ وَجْهِی فِی التُّرَابِ لِلَّهِ وَ أَنْ أُجَالِسَ قَوْماً یَلْتَقِطُونَ طَیِّبَ الْقَوْلِ کَمَا یُلْتَقَطُ طَیِّبُ التَّمْرِ.

3157

وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَیْدَةَ قَالَ کَانَ عُمَرُ رُبَّمَا یَأْخُذُ بِیَدِ الصَّبِیِّ فَیَقُولُ ادْعُ لِی فَإِنَّکَ لَمْ تُذْنِبْ بَعْدُ-

3158

وَ کَانَ عُمَرُ کَثِیرَ الْمُشَاوَرَةِ کَانَ یُشَاوِرُ فِی أُمُورِ اَلْمُسْلِمِینَ حَتَّی الْمَرْأَةَ.

3159

3- وَ رَوَی یَحْیَی بْنُ سَعِیدٍ قَالَ أَمَرَ عُمَرُ اَلْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیٍّ ع أَنْ یَأْتِیَهُ

ص :65

فِی بَعْضِ الْحَاجَةِ فَلَقِیَ اَلْحُسَیْنُ ع عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ مِنْ أَیْنَ جَاءَ قَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَی أَبِی فَلَمْ یَأْذَنْ لِی فَرَجَعَ اَلْحُسَیْنُ وَ لَقِیَهُ عُمَرُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ مَا مَنَعَکَ یَا حُسَیْنُ أَنْ تَأْتِیَنِی قَالَ قَدْ أَتَیْتُکَ وَ لَکِنْ أَخْبَرَنِی ابْنُکَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ یُؤْذَنْ لَهُ عَلَیْکَ فَرَجَعْتُ فَقَالَ عُمَرُ وَ أَنْتَ عِنْدِی مِثْلُهُ وَ هَلْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ عَلَی الرَّأْسِ غَیْرُکُمْ

.

3160

قَالَ عُمَرُ یَوْماً وَ النَّاسُ حَوْلَهُ وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی أَ خَلِیفَةٌ أَنَا أَمْ مَلِکٌ فَإِنْ کُنْتُ مَلِکاً فَقَدْ وَرَطْتُ فِی أَمْرٍ عَظِیمٍ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ بَیْنَهُمَا فَرْقاً وَ إِنَّکَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَعَلَی خَیْرٍ قَالَ کَیْفَ قَالَ (1) إِنَّ الْخَلِیفَةَ لاَ یَأْخُذُ إِلاَّ حَقّاً وَ لاَ یَضَعُهُ إِلاَّ فِی حَقٍّ وَ أَنْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ کَذَلِکَ وَ الْمَلِکُ یَعْسِفُ النَّاسَ وَ یَأْخُذُ مَالَ هَذَا فَیُعْطِیهِ هَذَا فَسَکَتَ عُمَرُ وَ قَالَ أَرْجُو أَنْ أَکُونَهُ.

3161

وَ رَوَی مَالِکٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ تَعَلَّمَ سُورَةَ اَلْبَقَرَةِ فِی اثْنَتَیْ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمَّا خَتَمَهَا نَحَرَ جَزُوراً.

3162

وَ رَوَی أَنَسٌ قَالَ کَانَ یُطْرَحُ لِعُمَرَ کُلَّ یَوْمٍ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ فَیَأْکُلُهُ حَتَّی حَشَفَهُ.

3163

وَ رَوَی یُوسُفُ بْنُ یَعْقُوبَ الْمَاجِشُونُ قَالَ قَالَ لِی اِبْنُ شِهَابٍ وَ لِأَخٍ لِی وَ ابْنِ عَمٍّ لَنَا وَ نَحْنُ صِبْیَانٌ أَحْدَاثٌ لاَ تَحْتَقِرُوا أَنْفُسَکُمْ لِحَدَاثَةِ أَسْنَانِکُمْ فَإِنَّ عُمَرَ کَانَ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْأَمْرُ الْمُعْضَلُ دَعَا الصِّبْیَانَ فَاسْتَشَارَهُمْ یَبْتَغِی حِدَّةَ (2) عُقُولِهِمْ.

ص :66

3164

وَ رَوَی اَلْحَسَنُ قَالَ کَانَ رَجُلٌ لاَ یَزَالُ یَأْخُذُ مِنْ لِحْیَةِ عُمَرَ شَیْئاً فَأَخَذَ یَوْماً مِنْ لِحْیَتِهِ فَقَبَضَ عَلَی یَدِهِ فَإِذَا فِیهَا بِشَیْءٍ فَقَالَ إِنَّ الْمَلَقَ مِنَ الْکَذِبِ ثُمَّ عَلاَهُ بِالدِّرَّةِ.

3165

انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ عُمَرَ فَاسْتَرْجَعَ (1) وَ قَالَ کُلُّ مَا سَاءَکَ فَهُوَ مُصِیبَةٌ.

3166

وَقَفَ أَعْرَابِیٌّ عَلَی عُمَرَ فَقَالَ لَهُ یَا اِبْنَ خَطَّابٍ جُزِیتَ اَلْجَنَّةْ اُکْسُ بُنَیَّاتِی وَ أُمَّهُنَّهْ أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّهْ فَقَالَ عُمَرُ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ یَکُونُ مَا ذَا قَالَ إِذًا أَبَا حَفْصٍ لَأَمْضِیَنَّهْ فَقَالَ إِذَا مَضَیْتَ یَکُونُ مَا ذَا قَالَ تَکُونُ عَنْ حَالِی لَتَسْأَلَنَّهْ فَبَکَی عُمَرُ ثُمَّ قَالَ لِغُلاَمِهِ أَعْطِهِ قَمِیصِی هَذَا لِذَلِکَ الْیَوْمِ لاَ لِشِعْرِهِ وَ اللَّهِ مَا أَمْلِکُ ثَوْباً غَیْرَهُ.

3167

وَ رَوَی اِبْنُ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ لِی عُمَرُ لَیْلَةً أَنْشِدْنِی لِشَاعِرِ الشُّعَرَاءِ قُلْتُ وَ مَنْ هُوَ قَالَ زُهَیْرٌ الَّذِی یَقُولُ

ص :67

إِذَا ابْتَدَرَتْ قَیْسُ بْنُ عَیْلاَنَ غَایَةً

مِنَ الْمَجْدِ مَنْ یَسْبِقْ إِلَیْهَا یُسَوَّدِ (1) .

فَأَنْشَدْتُهُ حَتَّی بَرَقَ الْفَجْرُ فَقَالَ إِیهاً الْآنَ اقْرَأْ یَا عَبْدَ اللَّهِ قُلْتُ مَا أَقْرَأُ قَالَ سُورَةَ اَلْوَاقِعَةِ .

3168

سَمِعَ عُمَرُ صَوْتَ بُکَاءٍ فِی بَیْتٍ فَدَخَلَ وَ بِیَدِهِ الدِّرَّةُ فَمَالَ عَلَیْهِمْ ضَرْباً حَتَّی بَلَغَ النَّائِحَةَ فَضَرَبَهَا حَتَّی سَقَطَ خِمَارُهَا ثُمَّ قَالَ لِغُلاَمِهِ اضْرِبِ النَّائِحَةَ وَیْلَکَ اضْرِبْهَا فَإِنَّهَا نَائِحَةٌ لاَ حُرْمَةَ لَهَا لِأَنَّهَا لاَ تَبْکِی بِشَجْوِکُمْ إِنَّهَا تُهَرِیقُ دُمُوعُهَا عَلَی أَخْذِ دَرَاهِمِکُمْ إِنَّهَا تُؤْذِی أَمْوَاتَکُمْ فِی قُبُورِهِمْ وَ أَحْیَاءَکُمْ فِی دُورِهِمْ إِنَّهَا تَنْهَی عَنِ الصَّبْرِ وَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَ تَأْمُرُ بِالْجَزَعِ وَ قَدْ نَهَی اللَّهُ عَنْهُ.

3169

وَ مِنْ کَلاَمِهِ مَنِ اتَّجَرَ فِی شَیْءٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ یُصِبْ فِیهِ فَلْیَتَحَوَّلْ عَنْهُ إِلَی غَیْرِهِ.

3170

وَ مِنْ کَلاَمِهِ لَوْ کُنْتُ تَاجِراً لَمَا اخْتَرْتُ عَلَی الْعِطْرِ شَیْئاً إِنْ فَاتَنِی رِبْحُهُ لَمْ یَفُتْنِی رِیحُهُ.

3171

وَ مِنْ کَلاَمِهِ تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا.

3172

وَ مِنْ کَلاَمِهِ تَعَلَّمُوا الْمِهْنَةَ فَإِنَّهُ یُوشِکُ أَحَدُکُمْ أَنْ یَحْتَاجَ إِلَی مِهْنَتِهِ.

3173

وَ مِنْ کَلاَمِهِ مَکْسَبَةٌ فِیهَا بَعْضُ الدَّنَاءَةِ خَیْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ.

3174

وَ مِنْ کَلاَمِهِ أَعْقَلُ النَّاسِ أَعْذَرُهُمْ لَهُمْ.

3175

رَأَی عُمَرُ نَاساً یَتَّبِعُونَ أُبَیَّ بْنَ کَعْبٍ فَرَفَعَ عَلَیْهِ الدِّرَّةَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ اتَّقِ اللَّهَ قَالَ فَمَا هَذِهِ الْجُمُوعُ خَلْفَکَ یَا اِبْنَ کَعْبٍ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهَا فِتْنَةٌ لِلْمَتْبُوعِ مَذَلَّةٌ لِلتَّابِعِ.

3176

جَاءَ رَجُلٌ إِلَی عُمَرَ فَقَالَ إِنَّ بِنْتاً لِی وَارَیْتُهَا فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ فَاسْتَخْرَجْنَاهَا قَبْلَ أَنْ

ص :68

تَمُوتَ فَأَدْرَکَتْ مَعَنَا اَلْإِسْلاَمَ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ قَارَفَتْ حَدّاً مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَأَخَذَتِ الشَّفْرَةَ لِتَذْبَحَ نَفْسَهَا فَأَدْرَکْنَاهَا وَ قَدْ قَطَعَتْ بَعْضَ أَوْدَاجِهَا فَدَاوَیْنَاهَا حَتَّی بَرَئَتْ وَ تَابَتْ تَوْبَةً حَسَنَةً وَ قَدْ خَطَبَهَا قَوْمٌ أَ فَأُخْبِرُهُمْ بِالَّذِی کَانَ مِنْ شَأْنِهَا فَقَالَ عُمَرُ أَ تَعْمِدُ إِلَی مَا سَتَرَهُ اللَّهُ فَتُبْدِیهِ وَ اللَّهِ لَئِنْ أَخْبَرْتَ بِشَأْنِهَا أَحَداً لَأَجْعَلَنَّکَ نَکَالاً لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ أَنْکِحْهَا نِکَاحَ الْعَفِیفَةِ السَّلِیمَةِ.

3177

14- أَسْلَمَ غَیْلاَنُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِیُّ مِنْ عَشْرِ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِیُّ ص اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعاً وَ طَلِّقْ سِتّاً فَلَمَّا کَانَ عَلَی عَهْدِ عُمَرَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ الْأَرْبَعَ وَ قَسَمَ مَالَهُ بَیْنَ بَنِیهِ فَبَلَغَ ذَلِکَ عُمَرَ فَأَحْضَرَهُ فَقَالَ لَهُ إِنِّی لَأَظُنُّ اَلشَّیْطَانَ فِیمَا یَسْتَرِقُ مِنَ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِکَ فَقَذَفَهُ فِی نَفْسِکَ وَ لَعَلَّکَ لاَ تَمْکُثُ إِلاَّ قَلِیلاً وَ أَیْمُ اللَّهِ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَکَ وَ لَتَرْجِعَنَّ فِی مَالِکَ أَوْ لَأُوَرِّثَنَّهُنَّ مِنْکَ وَ لآَمُرَنَّ بِقَبْرِکَ فَیُرْجَمَ کَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِی رَغَالٍ .

3178

وَ قَالَ عُمَرُ إِنَّ الْجَزْفَ فِی الْمَعِیشَةِ أَخْوَفُ عِنْدِی عَلَیْکُمْ مِنَ الْعِیَالِ إِنَّهُ لاَ یَبْقَی مَعَ الْفَسَادِ شَیْءٌ وَ لاَ یَقِلُّ مَعَ الْإِصْلاَحِ شَیْءٌ.

3179

وَ کَانَ عُمَرُ یَقُولُ أَدِّبُوا الْخَیْلَ وَ انْتَضِلُوا وَ اقْعُدُوا فِی الشَّمْسِ وَ لاَ یُجَاوِرَنَّکُمُ الْخَنَازِیرُ وَ لاَ تَقْعُدُوا عَلَی مَائِدَةٍ یُشْرَبُ عَلَیْهَا الْخَمْرُ أَوْ یُرْفَعُ عَلَیْهَا الصَّلِیبُ وَ إِیَّاکُمْ وَ أَخْلاَقَ اَلْعَجَمِ وَ لاَ یَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ (1) أَنْ یَدْخُلَ الْحَمَّامَ إِلاَّ مُؤْتَزِراً وَ لاَ لاِمْرَأَةٍ أَنْ تَدْخُلَ الْحَمَّامَ إِلاَّ مِنْ سَقَمٍ فَإِذَا وَضَعَتِ الْمَرْأَةُ خِمَارَهَا فِی غَیْرِ بَیْتِ زَوْجِهَا فَقَدْ هَتَکَتِ السِّتْرَ بَیْنَهَا وَ بَیْنَ اللَّهِ تَعَالَی.

ص :69

وَ کَانَ یَکْرَهُ أَنْ یَتَزَیَّا الرِّجَالُ بِزِیِّ النِّسَاءِ وَ أَلاَّ یَزَالَ الرَّجُلُ یُرَی مُکْتَحِلاً مُدَّهِناً وَ أَنْ یَحُفَّ لِحْیَتَهُ وَ شَارِبَهُ کَمَا تَحُفُّ الْمَرْأَةُ.

3180

سَمِعَ عُمَرُ سَائِلاً یَقُولُ مَنْ یُعَشِّی السَّائِلَ فَقَالَ عَشُّوا سَائِلَکُمْ ثُمَّ جَاءَ إِلَی دَارِ إِبِلِ (1) الصَّدَقَةِ یُعَشِّیهَا فَسَمِعَ صَوْتَهُ مَرَّةً أُخْرَی مَنْ یُعَشِّی السَّائِلَ فَقَالَ أَ لَمْ آمُرْکُمْ أَنْ تُعَشُّوهُ فَقَالُوا قَدْ عَشَّیْنَاهُ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ عُمَرُ وَ إِذَا مَعَهُ جِرَابٌ مَمْلُوءٌ خُبْزاً فَقَالَ إِنَّکَ لَسْتَ سَائِلاً إِنَّمَا أَنْتَ تَاجِرٌ تَجْمَعُ لِأَهْلِکَ فَأَخَذَ بِطَرَفِ الْجِرَابِ فَنَبَذَهُ بَیْنَ یَدَیِ الْإِبِلِ.

3181

وَ قَالَ عُمَرُ مَنْ مَزَحَ اسْتُخِفَّ بِهِ وَ قَالَ أَ تَدْرُونَ لِمَ سُمِّیَ الْمِزَاحُ مِزَاحاً لِأَنَّهُ أَزَاحَ النَّاسَ عَنِ الْحَقِّ.

3182

وَ مِنْ کَلاَمِهِ لَنْ یُعْطَی أَحَدٌ بَعْدَ الْکُفْرِ بِاللَّهِ شَرّاً مِنْ زَوْجَةٍ حَدِیدَةِ اللِّسَانِ سَیِّئَةِ الْخُلُقِ عَقِیمٍ وَ لَنْ یُعْطَی أَحَدٌ بَعْدَ الْإِیمَانِ بِاللَّهِ خَیْراً مِنْ زَوْجَةٍ کَرِیمَةٍ وَدُودٍ وَلُودٍ حَسَنَةِ الْخُلُقِ.

3183

وَ کَانَ یَقُولُ إِنَّ شَقَاشِقَ الْکَلاَمِ مِنْ شَقَاشِقِ اللِّسَانِ فَأَقِلُّوا مَا اسْتَطَعْتُمْ.

3184

وَ نَظَرَ إِلَی شَابٍّ قَدْ نَکَسَ رَأْسَهُ خُشُوعاً فَقَالَ یَا هَذَا ارْفَعْ رَأْسَکَ فَإِنَّ الْخُشُوعَ لاَ یَزِیدُ عَلَی مَا فِی الْقَلْبِ فَمَنْ أَظْهَرَ لِلْخَلْقِ خُشُوعاً فَوْقَ مَا فِی قَلْبِهِ فَإِنَّمَا أَظْهَرَ نِفَاقاً.

3185

وَ مِنْ کَلاَمِهِ إِنَّ أَحَبَّکُمْ إِلَیْنَا مَا لَمْ نَرَکُمْ أَحْسَنُکُمْ أَسْمَاءً فَإِذَا رَأَیْنَاکُمْ فَأَحَبُّکُمْ إِلَیْنَا أَحْسَنُکُمْ أَخْلاَقاً فَإِذَا بَلَوْنَاکُمْ فَأَحَبُّکُمْ إِلَیْنَا أَعْظَمُکُمْ أَمَانَةً وَ أَصْدَقُکُمْ حَدِیثاً.

3186

وَ کَانَ یَقُولُ لاَ تَنْظُرُوا إِلَی صَلاَةِ امْرِئٍ وَ لاَ صِیَامِهِ وَ لَکِنِ انْظُرُوا إِلَی عَقْلِهِ وَ صِدْقِهِ.

ص :70

3187

وَ مِنْ کَلاَمِهِ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَ حَکَمَتَهُ (1) وَ قَالَ لَهُ انْتَعِشْ نَعَشَکَ اللَّهُ فَهُوَ فِی نَفْسِهِ صَغِیرٌ وَ فِی أَعْیُنِ النَّاسِ عَظِیمٌ وَ إِذَا تَکَبَّرَ وَ عَتَا وَهَضَهُ (2) اللَّهُ إِلَی الْأَرْضِ وَ قَالَ اخْسَأْ خَسَأَکَ اللَّهُ فَهُوَ فِی نَفْسِهِ عَظِیمٌ وَ فِی أَعْیُنِ النَّاسِ حَقِیرٌ حَتَّی یَکُونَ عِنْدَهُمْ أَحْقَرَ مِنَ الْخِنْزِیرِ.

3188

وَ قَالَ الْإِنْسَانُ لاَ یَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ لِثَلاَثٍ وَ لاَ یَتْرُکُهُ لِثَلاَثٍ لاَ یَتَعَلَّمُهُ لِیُمَارِیَ بِهِ وَ لاَ لِیُبَاهِیَ بِهِ وَ لاَ لِیُرَائِیَ بِهِ وَ لاَ یَتْرُکُهُ حَیَاءً مِنْ طَلَبِهِ وَ لاَ زَهَادَةً فِیهِ وَ لاَ رِضًا بِالْجَهْلِ بَدَلاً مِنْهُ.

3189

وَ قَالَ تَعَلَّمُوا أَنْسَابَکُمْ تَصِلُوا أَرْحَامَکُمْ.

3190

وَ قَالَ إِنِّی لاَ أَخَافُ عَلَیْکُمْ أَحَدَ الرَّجُلَیْنِ مُؤْمِناً قَدْ تَبَیَّنَ إِیمَانُهُ وَ کَافِراً قَدْ تَبَیَّنَ کُفْرُهُ وَ لَکِنْ أَخَافُ عَلَیْکُمْ مُنَافِقاً یَتَعَوَّذُ بِالْإِیمَانِ وَ یَعْمَلُ بِغَیْرِهِ.

3191

وَ مِنْ کَلاَمِهِ إِنَّ الرَّجْفَ (3) مِنْ کَثْرَةِ الزِّنَاءِ وَ إِنَّ قُحُوطَ الْمَطَرِ مِنْ قُضَاةِ السَّوْءِ وَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ.

3192

وَ قَالَ فِی النِّسَاءِ اسْتَعِینُوا عَلَیْهِنَّ بِالْعُرْیِ فَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ إِذَا کَثُرَتْ ثِیَابُهَا وَ حَسُنَتْ زِینَتُهَا أَعْجَبَهَا الْخُرُوجُ.

3193

وَ مِنْ کَلاَمِهِ إِنَّ الْجِبْتَ السِّحْرُ وَ إِنَّ الطَّاغُوتَ اَلشَّیْطَانُ وَ إِنَّ الْجُبْنَ وَ الشَّجَاعَةَ غَرَائِزُ تَکُونُ فِی الرِّجَالِ یُقَاتِلُ الشُّجَاعُ عَمَّنْ لاَ یَعْرِفُ وَ یَفِرُّ الْجَبَانُ عَنْ أُمِّهِ وَ إِنَّ کَرَمَ الرَّجُلِ دِینُهُ وَ حَسَبَ الرَّجُلِ خُلُقُهُ وَ إِنْ کَانَ فَارِسِیّاً أَوْ نَبَطِیّاً.

3194

وَ قَالَ تَفَهَّمُوا اَلْعَرَبِیَّةَ فَإِنَّهَا تَشْحَذُ الْعَقْلَ وَ تَزِیدُ فِی الْمُرُوءَةِ.

3195

وَ قَالَ النِّسَاءُ ثَلاَثٌ امْرَأَةٌ هَیِّنَةٌ لَیِّنَةٌ عَفِیفَةٌ وَدُودٌ وَلُودٌ تُعِینُ بَعْلَهَا عَلَی الدَّهْرِ وَ لاَ تُعِینُ الدَّهْرَ عَلَی بَعْلِهَا وَ قَلَّمَا تَجِدُهَا وَ أُخْرَی وِعَاءٌ لِلْوَلَدِ لاَ تَزِیدُ عَلَی ذَلِکَ شَیْئاً وَ الثَّالِثَةُ غُلٌّ قَمِلٌ یَجْعَلُهُ اللَّهُ فِی عُنُقِ مَنْ یَشَاءُ وَ یَنْزِعُهُ إِذَا شَاءَ.

ص :71

وَ الرِّجَالُ ثَلاَثَةٌ رَجُلٌ عَاقِلٌ یُورِدُ الْأُمُورَ وَ یُصْدِرُهَا فَیُحْسِنُ إِیرَاداً وَ إِصْدَاراً وَ آخَرُ یُشَاوِرُ الرِّجَالَ وَ یَقِفُ عِنْدَ آرَائِهِمْ وَ الثَّالِثُ حَائِرٌ بَائِرٌ لاَ یَأْتَمِرُ رُشْداً وَ لاَ یُطِیعُ مُرْشِداً.

3196

وَ قَالَ مَا یَمْنَعُکُمْ إِذَا رَأَیْتُمُ السَّفِیهَ یَخْرِقُ أَعْرَاضَ النِّسَاءِ أَنْ تُعَرِّبُوا (1) عَلَیْهِ قَالُوا نَخَافُ لِسَانَهُ قَالَ ذَاکَ أَدْنَی أَلاَّ تَکُونُوا شُهَدَاءَ.

3197

وَ رَأَی رَجُلاً عَظِیمَ الْبَطْنِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ بَرَکَةٌ مِنَ اللَّهِ.

3198

وَ قَالَ إِذَا رُزِقْتَ مَوَدَّةً مِنْ أَخِیکَ فَتَشَبَّثْ بِهَا مَا اسْتَطَعْتَ.

3199

وَ قَالَ لِقَوْمٍ یَحْصُدُونَ الزَّرْعَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مَا أَخْطَأَتْ أَیْدِیکُمْ رَحْمَةً لِفُقَرَائِکُمْ فَلاَ تَعُودُوا فِیهِ.

3200

وَ قَالَ مَا ظَهَرَتْ قَطُّ نِعْمَةٌ عَلَی أَحَدٍ إِلاَّ وَجَدْتَ لَهُ حَاسِداً وَ لَوْ أَنَّ امْرَأً کَانَ أَقْوَمَ مِنْ قِدْحٍ لَوَجَدْتَ لَهُ غَامِزاً.

3201

وَ قَالَ إِیَّاکُمْ وَ الْمَدْحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ.

3202

وَ قَالَ لِقَبِیصَةَ بْنِ ذُؤَیْبٍ أَنْتَ رَجُلٌ حَدِیثُ السِّنِّ فَصِیحُ اللِّسَانِ وَ إِنَّهُ یَکُونُ فِی الرَّجُلِ تِسْعَةُ أَخْلاَقٍ حَسَنَةٌ وَ خُلُقٌ وَاحِدٌ سَیِّئٌ فَیَغْلِبُ الْوَاحِدُ التِّسْعَةَ فَتَوَقَّ عَثَرَاتِ (2) السَّیِّئَاتِ.

3203

وَ قَالَ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الْغَیِّ أَنْ یُؤْذِیَ جَلِیسَهُ أَوْ یَتَکَلَّفَ مَا لاَ یَعْنِیهِ أَوْ یَعِیبَ النَّاسَ بِمَا یَأْتِی مِثْلَهُ وَ یُظْهِرَ لَهُ مِنْهُمْ مَا یَخْفَی عَلَیْهِمْ مِنْ نَفْسِهِ.

3204

وَ قَالَ احْتَرِسُوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ.

3205

وَ قَالَ فِی خُطْبَةٍ لَهُ لاَ یُعْجِبَنَّکُمْ مِنَ الرَّجُلِ طَنْطَنَتُهُ وَ لَکِنْ مَنْ أَدَّی الْأَمَانَةَ وَ کَفَّ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ فَهُوَ الرَّجُلُ.

3206

وَ قَالَ الرَّاحَةُ فِی مُهَاجَرَةِ خُلَطَاءِ السَّوْءِ.

ص :72

3207

وَ قَالَ إِنَّ لُؤْماً بِالرَّجُلِ أَنْ یَرْفَعَ یَدَیْهِ مِنَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَصْحَابِهِ.

3208

وَ أَثْنَی رَجُلٌ عَلَی رَجُلٍ عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ أَ عَامَلْتَهُ قَالَ لاَ قَالَ أَ صَحِبْتَهُ فِی السَّفَرِ قَالَ لاَ قَالَ فَأَنْتَ إِذًا الْقَائِلُ مَا لاَ یَعْلَمُ.

3209

وَ قَالَ لَأَنْ أَمُوتَ بَیْنَ شُعْبَتَیْ رَحْلِی أَسْعَی فِی الْأَرْضِ أَبْتَغِی مِنْ فَضْلِ اللَّهِ کَفَافٍ وَجْهِی أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ غَازِیاً.

3210

وَ کَانَ عُمَرُ قَاعِداً وَ الدِّرَّةُ مَعَهُ وَ النَّاسُ حَوْلَهُ إِذْ أَقْبَلَ اَلْجَارُودُ الْعَامِرِیُّ فَقَالَ رَجُلٌ هَذَا سَیِّدُ رَبِیعَةَ فَسَمِعَهَا عُمَرُ وَ مَنْ حَوْلَهُ وَ سَمِعَهَا اَلْجَارُودُ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ خَفَقَهُ بِالدِّرَّةِ فَقَالَ مَا لِی وَ لَکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ وَیْلَکَ سَمِعْتَهَا قَالَ وَ سَمِعْتُهَا فَمَهْ قَالَ خَشِیتُ أَنْ تُخَالِطَ الْقَوْمَ وَ یُقَالَ هَذَا أَمِیرٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُطَأْطِئَ مِنْکَ.

3211

وَ قَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ یَصِلَ أَبَاهُ فِی قَبْرِهِ فَلْیَصِلْ إِخْوَانَ أَبِیهِ مِنْ بَعْدِهِ.

3212

وَ قَالَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ أَنْ یَکُونَ إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِرَأْیِهِ فَمَنْ قَالَ إِنِّی عَالِمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ وَ مَنْ قَالَ إِنِّی فِی اَلْجَنَّةِ فَهُوَ فِی اَلنَّارِ .

3213

وَ خَرَجَ لِلْحَجِّ فَسَمِعَ غِنَاءَ رَاکِبٍ یُغَنِّی وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَقِیلَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ لاَ تَنْهَاهُ عَنِ الْغِنَاءِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ دَعُوهُ فَإِنَّ الْغِنَاءَ زَادُ الرَّاکِبِ.

3214

وَ قَالَ یُثْغِرُ (1) الْغُلاَمُ لِسَبْعٍ وَ یَحْتَلِمُ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ یَنْتَهِی طُولُهُ لِإِحْدَی وَ عِشْرِینَ وَ یَکْمُلُ عَقْلُهُ لِثَمَانٍ وَ عِشْرِینَ وَ یَصِیرُ رَجُلاً کَامِلاً لِأَرْبَعِینَ.

ص :73

3215

14- وَ رَوَی سَعِیدُ بْنُ الْمُسَیَّبِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا صَدَرَ مِنَ الْحَجِّ فِی الشَّهْرِ الَّذِی قُتِلَ فِیهِ کَوَّمَ کَوْمَةً مِنْ بَطْحَاءَ وَ أَلْقَی عَلَیْهَا طَرَفَ ثَوْبِهِ ثُمَّ اسْتَلْقَی عَلَیْهَا وَ رَفَعَ یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ کَبِرَتْ سِنِّی وَ ضَعُفَتْ قُوَّتِی وَ انْتَشَرَتْ (1) رَعِیَّتِی فَاقْبِضْنِی إِلَیْکَ غَیْرَ مُضَیِّعٍ وَ لاَ مُفْرِطٍ.

ثُمَّ قَدِمَ اَلْمَدِینَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضْتُ لَکُمُ الْفَرَائِضَ وَ سَنَنْتُ لَکُمُ السُّنَنَ وَ تَرَکْتُکُمْ عَلَی الْوَاضِحَةِ إِلاَّ أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ یَمِیناً وَ شِمَالاً إِیَّاکُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ آیَةِ الرَّجْمِ وَ أَنْ یَقُولَ قَائِلٌ لاَ نَجِدُ ذَلِکَ حَدّاً فِی کِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ رَجَمَ وَ رَجَمْنَا بَعْدَهُ وَ لَوْ لاَ أَنْ یَقُولَ النَّاسُ إِنَّ اِبْنَ الْخَطَّابِ أَحْدَثَ آیَةً فِی کِتَابِ اللَّهِ لَکَتَبْتُهَا وَ لَقَدْ کُنَّا نَقْرَؤُهَا وَ الشَّیْخُ وَ الشَّیْخَةُ إِذَا زَنَیَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّی طُعِنَ

.

3216

1- دُفِعَ إِلَی عُمَرَ صَکٌّ (2) مَحَلُّهُ فِی شَعْبَانَ فَقَالَ أَیُّ شَعْبَانَ الَّذِی مَضَی أَمِ الَّذِی نَحْنُ فِیهِ ثُمَّ جَمَعَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَالَ ضَعُوا لِلنَّاسِ تَارِیخاً یَرْجِعُونَ إِلَیْهِ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ اکْتُبُوا عَلَی تَارِیخِ اَلرُّومِ فَقِیلَ إِنَّهُ یَطُولُ وَ إِنَّهُ مَکْتُوبٌ مِنْ عَهْدِ ذِی الْقَرْنَیْنِ وَ قَالَ قَائِلٌ بَلِ اکْتُبُوا عَلَی تَارِیخِ اَلْفُرْسِ [فَقِیلَ إِنَّ اَلْفُرْسَ]

(3) کُلَّمَا قَامَ مَلِکٌ طَرَحُوا مَا کَانَ قَبْلَهُ فَقَالَ عَلِیٌّ ع اُکْتُبُوا تَارِیخَکُمْ مُنْذُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ دَارِ الشِّرْکِ إِلَی دَارِ النُّصْرَةِ وَ هِیَ دَارُ الْهِجْرَةِ فَقَالَ عُمَرُ نِعْمَ مَا أَشَرْتَ بِهِ فَکَتَبَ لِلْهِجْرَةِ بَعْدَ مُضِیِّ سَنَتَیْنِ وَ نِصْفٍ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ (4)

.

ص :74

3217

قَالَ الْمُؤَرِّخُونَ إِنَّ عُمَرَ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ قِیَامَ رَمَضَانَ فِی جَمَاعَةٍ وَ کَتَبَ بِهِ إِلَی الْبُلْدَانِ وَ أَقَامَ الْحَدَّ فِی الْخَمْرِ ثَمَانِینَ وَ أَحْرَقَ بَیْتَ رُوَیْشِدٍ الثَّقَفِیِّ وَ کَانَ نَبَّاذاً وَ أَقَامَ فِی عَمَلِهِ بِنَفْسِهِ وَ أَوَّلُ مَنْ حَمَلَ الدِّرَّةَ وَ أَدَّبَ بِهَا وَ قِیلَ بَعْدَهُ کَانَتْ دِرَّةُ عُمَرَ أَهْیَبَ مِنْ سَیْفِ اَلْحَجَّاجِ .

وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتَحَ الْفُتُوحَ فَتَحَ اَلْعِرَاقَ کُلَّهُ اَلسَّوَادَ وَ اَلْجِبَالَ وَ أَذْرَبِیجَانَ وَ کَوَّرَ اَلْبَصْرَةَ وَ کَوَّرَ اَلْکُوفَةَ وَ اَلْأَهْوَازَ وَ فَارِسَ وَ فَتَحَ اَلشَّامَ کُلَّهَا مَا خَلاَ أَجْنَادَیْنُ فَإِنَّهَا فُتِحَتْ فِی خِلاَفَةِ أَبِی بَکْرٍ وَ فُتِحَ کُوَرُ اَلْجَزِیرَةِ وَ اَلْمَوْصِلُ وَ مِصْرُ وَ اَلْإِسْکَنْدَرِیَّةُ وَ قَتَلَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ وَ خَیْلُهُ عَلَی اَلرَّیِّ .

وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ مَسَحَ السَّوَادَ وَ وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَی الْأَرْضِ وَ الْجِزْیَةَ عَلَی جَمَاجِمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِیمَا فَتَحَهُ مِنَ الْبُلْدَانِ وَ بَلَغَ خَرَاجُ اَلسَّوَادِ فِی أَیَّامِهِ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَ عِشْرِینَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِالْوَافِیَةِ وَ هِیَ وَزْنُ الدِّینَارِ مِنَ الذَّهَبِ وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ مَصَّرَ الْأَمْصَارَ وَ کَوَّفَ اَلْکُوفَةَ (1) وَ بَصَّرَ اَلْبَصْرَةَ وَ أَنْزَلَهَا اَلْعَرَبَ وَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَقْضَی الْقُضَاةَ فِی الْأَمْصَارِ وَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِینَ وَ کَتَبَ النَّاسَ عَلَی قَبَائِلِهِمْ وَ فَرَضَ لَهُمُ الْأَعْطِیَةَ وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ قَاسَمَ الْعُمَّالَ وَ شَاطَرَهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَ کَانَ یَسْتَعْمِلُ قَوْماً وَ یَدَعُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ لِبَصَرِهِمْ بِالْعَمَلِ وَ قَالَ أَکْرَهُ أَنْ أُدَنِّسَ هَؤُلاَءِ بِالْعَمَلِ وَ هُوَ الَّذِی هَدَمَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ زَادَ فِیهِ وَ أَدْخَلَ دَارَ اَلْعَبَّاسِ فِیمَا زَادَ وَ هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ اَلْیَهُودَ مِنَ اَلْحِجَازِ وَ أَجْلاَهُمْ عَنْ جَزِیرَةِ الْعَرَبِ إِلَی اَلشَّامِ وَ هُوَ الَّذِی فَتَحَ اَلْبَیْتَ الْمُقَدَّسَ وَ حَضَرَ الْفَتْحَ بِنَفْسِهِ وَ هُوَ الَّذِی أَخَّرَ اَلْمَقَامَ إِلَی مَوْضِعِهِ الْیَوْمَ وَ کَانَ مُلْصَقاً بِالْبَیْتِ وَ حَجَّ بِنَفْسِهِ خِلاَفَتَهُ کُلَّهَا إِلاَّ السَّنَةَ الْأُولَی فَإِنَّهُ اسْتَخْلَفَ عَلَی الْحَجِّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَ هُوَ

ص :75

الَّذِی جَاءَ بِالْحَصَی مِنَ اَلْعَقِیقِ فَبَسَطَهُ فِی مَسْجِدِ الْمَدِینَةِ وَ کَانَ النَّاسُ إِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ مِنَ السُّجُودِ نَفَضُوا أَیْدِیَهُمْ.

3218

وَ رَوَی أَبُو هُرَیْرَةَ قَالَ قَدِمْتُ عَلَی عُمَرَ مِنْ عِنْدِ أَبِی مُوسَی بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ لِی بِمَا ذَا قَدِمْتَ قُلْتُ بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَکَ إِنَّکَ یَمَانٍ أَحْمَقُ وَیْحَکَ إِنَّمَا قَدِمْتَ بِثَمَانِینَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّمَا قَدِمْتُ بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَعَلَ یَعْجَبُ وَ یُکَرِّرُهَا فَقَالَ وَیْحَکَ وَ کَمْ ثَمَانُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَعَدَدْتُ مِائَةَ أَلْفٍ وَ مِائَةَ أَلْفٍ حَتَّی بَلَغْتُ ثَمَانِیَةً فَاسْتَعْظَمَ ذَلِکَ وَ قَالَ أَ طَیِّبٌ هُوَ وَیْحَکَ قُلْتُ نَعَمْ فَبَاتَ عُمَرُ لَیْلَتَهُ تِلْکَ أَرِقاً حَتَّی إِذَا نُودِیَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ مَا نِمْتَ هَذِهِ اللَّیْلَةَ قَالَ وَ کَیْفَ أَنَامُ وَ قَدْ جَاءَ النَّاسَ مَا لَمْ یَأْتِهِمْ مِثْلُهُ مُنْذُ قَامَ اَلْإِسْلاَمُ فَظَنَّتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا دَاهِیَةٌ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ مَالٌ جَمٌّ حَمَلَهُ أَبُو مُوسَی قَالَتْ فَمَا بَالُکَ قَالَ مَا یُؤْمِنُنِی لَوْ مِتُّ وَ هَذَا الْمَالُ عِنْدِی لَمْ أَضَعْهُ فِی حَقِّهِ فَخَرَجَ یُصَلِّی الصُّبْحَ وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُمْ قَدْ رَأَیْتُ فِی هَذَا الْمَالِ رَأْیاً فَأَشِیرُوا عَلَیَّ رَأَیْتُ أَنْ أَکِیلَهُ لِلنَّاسِ بِالْمِکْیَالِ قَالُوا لاَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ لاَ بَلْ أَبْدَأُ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ بِأَهْلِهِ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ فَبَدَأَ بِبَنِی هَاشِمٍ ثُمَّ بِبَنِی الْمُطَّلِبِ ثُمَّ بِعَبْدِ شَمْسٍ وَ نَوْفَلَ ثُمَّ بِسَائِرِ بُطُونِ قُرَیْشٍ .

قَسَمَ عُمَرُ مُرُوطاً بَیْنَ نِسَاءِ اَلْمَدِینَةِ فَبَقِیَ مِرْطٌ (1) جَیِّدٌ لَهُ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ أَعْطِ هَذَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِی عِنْدَکَ یَعْنُونَ أُمَّ کُلْثُومٍ ابْنَةَ عَلِیٍّ ع

ص :76

فَقَالَ أُمُّ سَلِیطٍ أَحَقُّ بِهِ فَإِنَّهَا مِمَّنْ بَایَعَ رَسُولَ اللَّهِ ص وَ کَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا (1) [الْقِرَبَ]

(2) یَوْمَ أُحُدٍ .

3219

وَ رَوَی زَیْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِیهِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ إِلَی السُّوقِ فَلَحِقَتْهُ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هَلَکَ زَوْجِی وَ تَرَکَ صِبْیَةً صِغَاراً لاَ یَنْضَحُونَ کُرَاعاً (3) لاَ زَرْعَ لَهُمْ وَ لاَ ضَرْعَ وَ قَدْ خَشِیتُ عَلَیْهِمُ الضَّیْعَةَ وَ أَنَا ابْنَةُ خُفَافِ بْنِ أَسْمَاءَ الْغِفَارِیِّ وَ قَدْ شَهِدَ أَبِی اَلْحُدَیْبِیَةَ فَوَقَفَ عُمَرُ مَعَهَا وَ لَمْ یَمْضِ وَ قَالَ مَرْحَباً بِنَسِیبٍ قَرِیبٍ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَی بَعِیرٍ ظَهِیرٍ (4) کَانَ مَرْبُوطاً فِی الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَیْهِ غِرَارَتَیْنِ مَلَأَهُمَا طَعَاماً وَ جَعَلَ بَیْنَهُمَا نَفَقَةً وَ ثِیَاباً ثُمَّ نَاوَلَهَا خِطَامَهُ وَ قَالَ اقْتَادِیهِ فَلَنْ یَفْنَی هَذَا حَتَّی یَأْتِیَکُمُ اللَّهُ بِخَیْرٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ لَقَدْ أَکْثَرْتَ لَهَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ ثَکِلَتْکَ أُمُّکَ وَ اللَّهِ لَکَأَنِّی أَرَی أَبَا هَذِهِ وَ أَخَاهَا وَ قَدْ حَاصَرَا حِصْناً فَافْتَتَحَاهُ فَافْتَرَقْنَا ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَقْرِئُ سُهْمَانَنَا فِیهِ.

3220

وَ رَوَی اَلْأَوْزَاعِیُّ أَنَّ طَلْحَةَ تَبِعَ عُمَرَ لَیْلَةً فَرَآهُ دَخَلَ بَیْتاً ثُمَّ خَرَجَ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَهَبَ طَلْحَةُ إِلَی ذَلِکَ الْبَیْتِ فَرَأَی امْرَأَةً عَمْیَاءَ مُقْعَدَةً فَقَالَ لَهَا مَا بَالُ رَجُلٍ أَتَاکَ اللَّیْلَةَ قَالَتْ إِنَّهُ رَجُلٌ یَتَعَاهَدُنِی مُنْذُ کَذَا وَ کَذَا یَأْتِینِی بِمَا یُصْلِحُنِی فَقَالَ طَلْحَةُ ثَکِلَتْکَ أُمُّکَ یَا طَلْحَةُ تُرِیدُ تَتَّبِعُ عُمَرَ .

3221

14- خَرَجَ عُمَرُ إِلَی اَلشَّامِ حَتَّی إِذَا کَانَ بِبَعْضِ الطَّرِیقِ لَقِیَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ أَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَقَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ ادْعُ لِیَ اَلْمُهَاجِرِینَ فَدَعَاهُمْ فَسَأَلَهُمْ فَاخْتَلَفُوا عَلَیْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَ لاَ نَرَی أَنْ

ص :77

تَرْجِعَ عَنْهُ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ مَعَکَ بَقِیَّةُ النَّاسِ وَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ لاَ نَرَی أَنْ تَقْدِمَهُمْ عَلَی هَذَا الْوَبَاءِ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّی ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ ادْعُ لِیَ اَلْأَنْصَارَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَاخْتَلَفُوا عَلَیْهِ اخْتِلاَفَ اَلْمُهَاجِرِینَ فَقَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ ادْعُ لِی مَنْ کَانَ مِنْ مَشِیخَةِ قُرَیْشٍ مِنْ مُهَاجَرَةِ اَلْفَتْحِ فَدَعَاهُمْ فَقَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ نَرَی أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَ لاَ تَقْدِمَهُمْ عَلَی هَذَا الْوَبَاءِ فَنَادَی عُمَرُ فِی النَّاسِ إِنِّی مُصْبِحٌ عَلَی ظَهْرٍ فَأَصْبَحُوا عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَ فِرَاراً مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَی فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَیْرُکَ قَالَهَا یَا أَبَا عُبَیْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَی قَدَرِ اللَّهِ أَ رَأَیْتَ لَوْ کَانَ لَکَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِیاً لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَ الْأُخْرَی جَدْبَةٌ أَ لَیْسَ إِنْ رَعَیْتَ الْخَصِبَةَ رَعَیْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَ إِنْ رَعَیْتَ الْجَدْبَةَ رَعَیْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ کَانَ مُتَغَیِّباً فِی بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِی مِنْ هَذَا عِلْماً سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَیْهِ وَ إِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَ أَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ فَحَمِدَ عُمَرُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ انْصَرَفَ إِلَی اَلْمَدِینَةِ .

3222

1,14- وَ رَوَی اِبْنُ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ إِلَی اَلشَّامِ فِی إِحْدَی خَرَجَاتِهِ فَانْفَرَدَ یَوْماً یَسِیرُ عَلَی بَعِیرِهِ فَاتَّبَعْتُهُ فَقَالَ لِی یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ أَشْکُو إِلَیْکَ اِبْنَ عَمِّکَ سَأَلْتُهُ أَنْ یَخْرُجَ مَعِی فَلَمْ یَفْعَلْ وَ لَمْ أَزَلْ أَرَاهُ وَاجِداً فِیمَ تَظُنُّ مَوْجِدَتَهُ قُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّکَ لَتَعْلَمُ قَالَ أَظُنُّهُ لاَ یَزَالُ کَئِیباً لِفَوْتِ الْخِلاَفَةِ (1) قُلْتُ هُوَ ذَاکَ إِنَّهُ یَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرَادَ الْأَمْرَ لَهُ فَقَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ وَ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْأَمْرَ لَهُ فَکَانَ مَا ذَا إِذَا لَمْ یُرِدِ اللَّهُ تَعَالَی ذَلِکَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَرَادَ أَمْراً (2) وَ أَرَادَ

ص :78

اللَّهُ غَیْرَهُ فَنَفَذَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَی وَ لَمْ یَنْفُذْ مُرَادُ رَسُولِهِ أَ وَ کُلَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ص کَانَ إِنَّهُ أَرَادَ إِسْلاَمَ عَمِّهِ وَ لَمْ یُرِدْهُ اللَّهُ فَلَمْ یُسْلِمْ.

وَ قَدْ رُوِیَ مَعْنَی هَذَا الْخَبَرِ بِغَیْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَ هُوَ قَوْلُهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَرَادَ أَنْ یُذَکِّرَهُ لِلْأَمْرِ فِی مَرَضِهِ فَصَدَدْتُهُ عَنْهُ خَوْفاً مِنَ الْفِتْنَةِ وَ انْتِشَارِ أَمْرِ اَلْإِسْلاَمِ فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ مَا فِی نَفْسِی وَ أَمْسَکَ وَ أَبَی اللَّهُ إِلاَّ إِمْضَاءَ مَا حُتِمَ

.

3223

1- وَ حَدَّثَنِی اَلْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّینِیُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَی ظَهْرِ کِتَابٍ أَنَّ عُمَرَ نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ فَقَامَ لَهَا وَ قَعَدَ وَ تَرَنَّحَ لَهَا وَ تَقَطَّرَ (1) وَ قَالَ لِمَنْ عِنْدَهُ مَعْشَرَ الْحَاضِرِینَ مَا تَقُولُونَ فِی هَذَا الْأَمْرِ فَقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْتَ الْمَفْزَعُ وَ الْمَنْزَعُ فَغَضِبَ وَ قَالَ یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِیداً (2) ثُمَّ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ إِنِّی وَ إِیَّاکُمْ لَنَعْلَمُ ابْنَ بَجْدَتِهَا وَ الْخَبِیرَ بِهَا قَالُوا کَأَنَّکَ أَرَدْتَ اِبْنَ أَبِی طَالِبٍ قَالَ وَ أَنَّی یُعْدَلُ بِی عَنْهُ وَ هَلْ طَفَحَتْ حُرَّةٌ مِثْلَهُ قَالُوا فَلَوْ دَعَوْتَ بِهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ هَیْهَاتَ إِنَّ هُنَاکَ شَمْخاً مِنْ هَاشِمٍ وَ أَثَرَةً مِنْ عِلْمٍ وَ لَحْمَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص یُؤْتَی وَ لاَ یَأْتِی فَامْضُوا بِنَا إِلَیْهِ فَانْقَصَفُوا نَحْوَهُ (3) وَ أَفْضَوْا إِلَیْهِ فَأَلِفُوهُ فِی حَائِطٍ لَهُ عَلَیْهِ تُبَّانٌ (4) وَ هُوَ یَتَرَکَّلُ (5) عَلَی مِسْحَاتِهِ وَ یَقْرَأُ أَ یَحْسَبُ الْإِنْسٰانُ أَنْ یُتْرَکَ سُدیً (6) إِلَی آخِرِ السُّورَةِ وَ دُمُوعُهُ تَهْمِی عَلَی خَدَّیْهِ فَأَجْهَشَ النَّاسُ لِبُکَائِهِ فَبَکَوْا ثُمَّ سَکَتَ وَ سَکَتُوا فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ تِلْکَ الْوَاقِعَةِ فَأَصْدَرَ جَوَابَهَا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا

ص :79

وَ اللَّهِ لَقَدْ أَرَادَکَ الْحَقُّ وَ لَکِنْ أَبَی قَوْمُکَ فَقَالَ یَا أَبَا حَفْصٍ خَفِّضْ عَلَیْکَ مِنْ هُنَا وَ مِنْ هُنَا إِنَّ یَوْمَ الْفَصْلِ کٰانَ مِیقٰاتاً (1) فَوَضَعَ عُمَرُ إِحْدَی یَدَیْهِ عَلَی الْأُخْرَی وَ أَطْرَقَ إِلَی الْأَرْضِ وَ خَرَجَ کَأَنَّمَا یَنْظُرُ فِی رَمَادٍ

.

قلت أجدر بهذا الخبر أن یکون موضوعا و فیه ما یدلّ علی ذلک من کون عمر أتی علیا یستفتیه فی المسألة و الأخبار کثیرة بأنّه ما زال یدعوه إلی منزله و إلی المسجد و أیضا فإن علیا لم یخاطب عمر منذ ولی الخلافة بالکنیة و إنّما کان یخاطبه بإمرة المؤمنین هکذا تنطق کتب الحدیث و کتب السیر و التواریخ کلها.

و أیضا فإن هذا الخبر لم یسند إلی کتاب معین و لا إلی راو معین بل ذکر ذلک أنّه قرأه علی ظهر کتاب فیکون مجهولا و الحدیث المجهول غیر الصحیح.

فأما ثناء عمر علی أمیر المؤمنین فصحیح غیر منکر و فی الروایات منه الکثیر الواسع و لکنا أنکرنا هذا الخبر بعینه خاصّة

3224

1,14- وَ قَدْ رُوِیَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَیْضاً قَالَ دَخَلْتُ عَلَی عُمَرَ یَوْماً فَقَالَ یَا اِبْنَ الْعَبَّاسِ لَقَدْ أَجْهَدَ هَذَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِی الْعِبَادَةِ حَتَّی نَحَلَتْهُ رِیَاءً قُلْتُ مَنْ هُوَ فَقَالَ هَذَا ابْنُ عَمِّکَ یَعْنِی عَلِیّاً قُلْتُ وَ مَا یَقْصِدُ بِالرِّیَاءِ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ یُرَشِّحُ نَفْسَهُ بَیْنَ النَّاسِ لِلْخِلاَفَةِ قُلْتُ وَ مَا یَصْنَعُ بِالتَّرْشِیحِ قَدْ رَشَّحَهُ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ص فَصَرَفْتَ عَنْهُ قَالَ إِنَّهُ کَانَ شَابّاً حَدَثاً فَاسْتَصْغَرَتِ اَلْعَرَبُ سِنَّهُ وَ قَدْ کَمُلَ الْآنَ أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی لَمْ یَبْعَثْ نَبِیّاً إِلاَّ بَعْدَ الْأَرْبَعِینَ قُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَمَّا أَهْلُ الْحِجَی وَ النُّهَی فَإِنَّهُمْ مَا زَالُوا یَعُدُّونَهُ کَامِلاً مُنْذُ رَفَعَ اللَّهُ مَنَارَ اَلْإِسْلاَمِ وَ لَکِنَّهُمْ یَعُدُّونَهُ مَحْرُوماً مَجْدُوداً فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ سَیَلِیهَا بَعْدَ هِیَاطٍ وَ مِیَاطٍ (2) ثُمَّ تَزِلُّ فِیهَا قَدَمُهُ وَ لاَ یَقْضِی مِنْهَا أَرَبَهُ وَ لَتَکُونَنَّ شَاهِداً ذَلِکَ یَا عَبْدَ اللَّهِ ثُمَّ یَتَبَیَّنُ الصُّبْحُ لِذِی عَیْنَیْنِ وَ تَعْلَمُ اَلْعَرَبُ صِحَّةَ رَأْیِ اَلْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ

ص :80

الَّذِینَ صَرَفُوهَا عَنْهُ بَادِئَ بَدْءٍ فَلَیْتَنِی أَرَاکُمْ بَعْدِی یَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ الْحِرْصَ مَحْرَمَةٌ وَ إِنَّ دُنْیَاکَ کَظِلِّکَ کُلَّمَا هَمَمْتَ بِهِ ازْدَادَ عَنْکَ بُعْداً.

نَقَلْتُ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَمَالِی أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِیبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ

.

3225

1,14- وَ نَقَلْتُ مِنْهُ أَیْضاً مَا رَوَاهُ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَبَرَّمَ عُمَرُ بِالْخِلاَفَةِ فِی آخِرِ أَیَّامِهِ وَ خَافَ الْعَجْزَ وَ ضَجِرَ مِنْ سِیَاسَةِ الرَّعِیَّةِ فَکَانَ لاَ یَزَالُ یَدْعُو اللَّهَ بِأَنْ یَتَوَفَّاهُ فَقَالَ لِکَعْبِ الْأَحْبَارِ یَوْماً وَ أَنَا عِنْدَهُ إِنِّی قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْهَدَ إِلَی مَنْ یَقُومُ بِهَذَا الْأَمْرِ وَ أَظُنُّ وَفَاتِی قَدْ دَنَتْ فَمَا تَقُولُ فِی عَلِیٍّ أَشِرْ عَلَیَّ فِی رَأْیِکَ وَ اذْکُرْنِی مَا تَجِدُونَهُ عِنْدَکُمْ فَإِنَّکُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَمْرَنَا هَذَا مَسْطُورٌ فِی کُتُبِکُمْ فَقَالَ أَمَّا مِنْ طَرِیقِ الرَّأْیِ فَإِنَّهُ لاَ یَصْلُحُ إِنَّهُ رَجُلٌ مَتِینُ الدِّینِ لاَ یُغْضِی عَلَی عَوْرَةٍ وَ لاَ یَحْلُمُ عَنِ زَلَّةٍ وَ لاَ یَعْمَلُ بِاجْتِهَادِ رَأْیِهِ وَ لَیْسَ هَذَا مِنْ سِیَاسَةِ الرَّعِیَّةِ فِی شَیْءٍ وَ أَمَّا مَا نَجِدُهُ فِی کُتُبِنَا فَنَجِدُهُ لاَ یَلِی الْأَمْرَ وَ لاَ وَلَدُهُ وَ إِنْ وَلِیَهُ کَانَ هَرْجٌ شَدِیدٌ قَالَ کَیْفَ ذَاکَ قَالَ لِأَنَّهُ أَرَاقَ الدِّمَاءَ فَحَرَّمَهُ اللَّهُ الْمُلْکَ إِنَّ دَاوُدَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ یَبْنِیَ حِیطَانَ بَیْتِ الْمَقْدِسِ أَوْحَی اللَّهُ إِلَیْهِ إِنَّکَ لاَ تَبْنِیهِ لِأَنَّکَ أَرَقْتَ الدِّمَاءَ وَ إِنَّمَا یَبْنِیهِ سُلَیْمَانُ فَقَالَ عُمَرُ أَ لَیْسَ بِحَقٍّ أَرَاقَهَا قَالَ کَعْبٌ وَ دَاوُدُ بِحَقٍّ أَرَاقَهَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ فَإِلَی مَنْ یُفْضِی الْأَمْرُ تَجِدُونَهُ عِنْدَکُمْ قَالَ نَجِدُهُ یَنْتَقِلُ بَعْدَ صَاحِبِ الشَّرِیعَةِ وَ الاِثْنَیْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَی أَعْدَائِهِ الَّذِینَ حَارَبَهُمْ وَ حَارَبُوهُ وَ حَارَبَهُمْ عَلَی الدِّینِ فَاسْتَرْجَعَ عُمَرُ مِرَاراً وَ قَالَ أَ تَسْتَمِعُ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مَا یُشَابِهُ هَذَا سَمِعْتُهُ یَقُولُ لَیَصْعَدَنَّ بَنُو أُمَیَّةَ عَلَی مِنْبَرِی وَ لَقَدْ أُرِیتُهُمْ فِی مَنَامِی یَنْزُونَ عَلَیْهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ وَ فِیهِمْ أُنْزِلَ وَ مٰا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنٰاکَ إِلاّٰ فِتْنَةً لِلنّٰاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی اَلْقُرْآنِ (1)

.

ص :81

3226

وَ قَدْ رَوَی اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ فِی اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ مَا یُنَاسِبُ هَذَا عَنِ اَلْمُغِیرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ قَالَ لِی عُمَرُ یَوْماً یَا مُغِیرَةُ هَلْ أَبْصَرْتَ بِهَذِهِ عَیْنِکَ الْعَوْرَاءِ مُنْذُ أُصِیبَتْ قُلْتُ لاَ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَیُعْوِرَنَّ بَنُو أُمَیَّةَ اَلْإِسْلاَمَ کَمَا أُعْوِرَتْ عَیْنُکَ هَذِهِ ثُمَّ لَیُعْمِیَنَّهُ حَتَّی لاَ یُدْرَی أَیْنَ یَذْهَبُ وَ لاَ أَیْنَ یَجِیءُ قُلْتُ ثُمَّ مَا ذَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ ثُمَّ یَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَی بَعْدَ مِائَةٍ وَ أَرْبَعِینَ أَوْ بَعْدَ مِائَةٍ وَ ثَلاَثِینَ وَفْداً کَوَفْدِ الْمُلُوکِ طَیِّبَةً رِیحُهُمْ یُعِیدُونَ إِلَی اَلْإِسْلاَمِ بَصَرَهُ وَ شَتَاتَهُ قُلْتُ مَنْ هُمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ حِجَازِیٌّ وَ عِرَاقِیٌّ وَ قَلِیلاً مَا کَانَ وَ قَلِیلاً مَا دَامَ.

3227

1- وَ رَوَی أَبُو بَکْرٍ الْأَنْبَارِیُّ فِی أَمَالِیهِ أَنَّ عَلِیّاً ع جَلَسَ إِلَی عُمَرَ فِی اَلْمَسْجِدِ وَ عِنْدَهُ نَاسٌ فَلَمَّا قَامَ عَرَضَ وَاحِدٌ بِذِکْرِهِ وَ نَسَبَهُ إِلَی التِّیهِ وَ الْعُجْبِ فَقَالَ عُمَرُ حَقٌّ لِمِثْلِهِ أَنْ یَتِیهَ وَ اللَّهِ لَوْ لاَ سَیْفُهُ لَمَا قَامَ عَمُودُ اَلْإِسْلاَمِ وَ هُوَ بَعْدُ أَقْضَی الْأُمَّةِ وَ ذُو سَابِقَتِهَا وَ ذُو شَرَفِهَا فَقَالَ لَهُ ذَلِکَ الْقَائِلُ فَمَا مَنَعَکُمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَنْهُ قَالَ کَرِهْنَاهُ عَلَی حَدَاثَةِ السِّنِّ وَ حُبِّهِ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

.

قلت سألت النقیب أبا جعفر یحیی بن محمّد بن أبی زید و قد قرأت علیه هذه الأخبار فقلت له ما أراها إلاّ تکاد تکون دالة علی النصّ و لکنی أستبعد أن یجتمع الصحابة علی دفع نص رسول اللّه ص علی شخص بعینه کما استبعدنا من الصحابة علی ردّ نصه علی الکعبة و شهر رمضان و غیرهما من معالم الدین فقال لی رحمه اللّه أبیت إلاّ میلا إلی المعتزلة ثم قال إن القوم لم یکونوا یذهبون فی الخلافة إلی أنّها من معالم الدین و أنّها جاریة مجری العبادات الشرعیة کالصلاة و الصوم و لکنهم کانوا یجرونها مجری الأمور الدنیویة و یذهبون (1) لهذا مثل تأمیر الأمراء و تدبیر الحروب و سیاسة الرعیة و ما کانوا یبالون فی أمثال هذا من مخالفة نصوصه ص إذا رأوا المصلحة فی

ص :82

غیرها أ لا تراه کیف نص علی إخراج أبی بکر و عمر فی جیش أسامة و لم یخرجا لما رأیا أن فی مقامهما مصلحة للدولة (1) و للملة و حفظا للبیضة و دفعا للفتنة و قد کان رسول اللّه ص یخالف و هو حی فی أمثال ذلک فلا ینکره و لا یری به بأسا أ لست تعلم

3228

14- أَنَّهُ نَزَلَ فِی غَزَاةِ بَدْرٍ مَنْزِلاً عَلَی أَنْ یُحَارِبَ قُرَیْشاً فِیهِ فَخَالَفَتْهُ اَلْأَنْصَارُ وَ قَالَتْ لَهُ لَیْسَ الرَّأْیُ فِی نُزُولِکَ هَذَا الْمَنْزِلَ فَاتْرُکْهُ وَ انْزِلْ فِی مَنْزِلِ کَذَا فَرَجَعَ إِلَی آرَائِهِمْ وَ هُوَ الَّذِی قَالَ لِلْأَنْصَارِ عَامَ قَدِمَ إِلَی اَلْمَدِینَةِ لاَ تُؤَبِّرُوا النَّخْلَ فَعَمِلُوا عَلَی قَوْلِهِ فَحَالَتْ نَخْلُهُمْ فِی تِلْکَ السَّنَةِ وَ لَمْ تُثْمِرْ حَتَّی قَالَ لَهُمْ أَنْتُمْ أَعْرَفُ بِأَمْرِ دُنْیَاکُمْ وَ أَنَا أَعْرَفُ بِأَمْرِ دِینِکُمْ وَ هُوَ الَّذِی أَخَذَ الْفِدَاءَ مِنْ أُسَارَی بَدْرٍ فَخَالَفَهُ عُمَرُ فَرَجَعَ إِلَی تَصْوِیبِ رَأْیِهِ بَعْدَ أَنْ فَاتَ الْأَمْرُ وَ خَلَصَ الْأَسْرَی وَ رَجَعُوا إِلَی مَکَّةَ وَ هُوَ الَّذِی أَرَادَ أَنْ یُصَالِحَ اَلْأَحْزَابَ عَلَی ثُلُثِ تَمْرِ اَلْمَدِینَةِ لِیَرْجِعُوا عَنْهُ فَأَتَی سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَخَالَفَاهُ فَرَجَعَ إِلَی قَوْلِهِمَا وَ قَدْ کَانَ قَالَ لِأَبِی هُرَیْرَةَ اخْرُجْ فَنَادِ فِی النَّاسِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصاً بِهَا قَلْبُهُ دَخَلَ اَلْجَنَّةَ فَخَرَجَ أَبُو هُرَیْرَةَ فَأَخْبَرَ عُمَرَ بِذَلِکَ فَدَفَعَهُ فِی صَدْرِهِ حَتَّی وَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ فَقَالَ لاَ تَقُلْهَا فَإِنَّکَ إِنْ تَقُلْهَا یَتَّکِلُوا عَلَیْهَا وَ یَدَعُوا الْعَمَلَ فَأَخْبَرَ أَبُو هُرَیْرَةَ رَسُولَ اللَّهِ ص بِذَلِکَ فَقَالَ لاَ تَقُلْهَا وَ خَلِّهِمْ یَعْمَلُونَ فَرَجَعَ إِلَی قَوْلِ عُمَرَ

. و قد أطبقت الصحابة إطباقا واحدا علی ترک کثیر من النصوص لما رأوا المصلحة فی ذلک کإسقاطهم سهم ذوی القربی و إسقاط سهم المؤلّفة قلوبهم و هذان الأمران أدخل فی باب الدین منهما فی باب الدنیا و قد عملوا بآرائهم أمورا لم یکن لها ذکر فی الکتاب (2) و السنة کحد الخمر فإنهم عملوه اجتهادا و لم یحد رسول اللّه ص شاربی الخمر و قد شربها الجم الغفیر فی زمانه بعد نزول آیة التحریم و لقد کان أوصاهم فی مرضه

ص :83

أن أخرجوا نصاری نجران من جزیرة العرب فلم یخرجوهم حتّی مضی صدر من خلافة عمر و عملوا فی أیام أبی بکر برأیهم فی ذلک باستصلاحهم و هم الذین هدموا المسجد بالمدینة و حولوا المقام بمکّة و عملوا بمقتضی ما یغلب فی ظنونهم من المصلحة و لم یقفوا مع موارد النصوص حتّی اقتدی بهم الفقهاء من بعد فرجح کثیر منهم القیاس علی النصّ حتّی استحالت الشریعة و صار أصحاب القیاس أصحاب شریعة جدیدة.

قال النقیب و أکثر ما یعملون بآرائهم فیما یجری مجری الولایات و التأمیر و التدبیر و تقریر قواعد الدولة و ما کانوا یقفون مع نصوص الرسول ص و تدبیراته إذا رأوا المصلحة فی خلافها کأنهم کانوا یقیدون نصوصه المطلقة بقید غیر مذکور لفظا و کأنهم کانوا یفهمونه من قرائن أحواله و تقدیر ذلک القید افعلوا کذا إن رأیتموه مصلحة.

قال و أمّا مخالفتهم له فیما هو محض الشرع و الدین و لیس بمتعلق بأمور الدنیا و تدبیراتها فإنّه یقل جدا نحو أن یقول الوضوء شرط فی الصلاة فیجمعوا علی ردّ ذلک و یجیزوا الصلاة من غیر وضوء أو یقول صوم شهر رمضان واجب فیطبقوا علی مخالفة ذلک و یجعلوا شوالا عوضا عنه فإنّه بعید إذ لا غرض لهم فیه و لا یقدرون علی إظهار مصلحة عثروا علیها خفیت عنه ص و القوم الذین کانوا قد غلب علی ظنونهم أن العرب لا تطیع علیا ع فبعضها للحسد و بعضها للوتر و الثأر و بعضها لاستحداثهم سنه و بعضها لاستطالته علیهم و رفعه عنهم و بعضها کراهة اجتماع النبوّة و الخلافة فی بیت واحد و بعضها للخوف من شدة وطأته و شدته فی دین اللّه و بعضها خوفا لرجاء تداول قبائل العرب الخلافة إذا لم یقتصر بها علی بیت مخصوص علیه فیکون رجاء کل حی لوصولهم إلیها ثابتا مستمرا و بعضها ببغضه لبغضهم من قرابته

ص :84

لرسول اللّه ص و هم المنافقون من الناس و من فی قلبه زیغ من أمر النبوّة فأصفق الکل إصفاقا واحدا علی صرف الأمر عنه لغیره و قال رؤساؤهم إنا خفنا الفتنة و علمنا أن العرب لا تطیعه و لا تترکه و تأولوا عند أنفسهم النصّ و لا ینکر النصّ و قالوا إنّه النصّ و لکن الحاضر یری ما لا یری الغائب و الغائب قد یترک لأجل المصلحة الکلیة و أعانهم علی ذلک مسارعة الأنصار إلی ادعائهم الأمر و إخراجهم سعد بن عبادة من بیته و هو مریض لینصبوه خلیفة فیما زعموا و اختلط الناس و کثر الخبط و کادت الفتنة أن تشتعل (1) نارها فوثب رؤساء المهاجرین فبایعوا أبا بکر و کانت فلتة کما قال قائلهم و زعموا أنهم أطفئوا بها نائرة الأنصار فمن سکت من المسلمین و أغضی و لم یتعرض فقد کفاهم أمر نفسه و من قال سرا أو جهرا إن فلانا قد کان رسول اللّه ص ذکره أو نص علیه أو أشار إلیه أسکتوه فی الجواب بأنا بادرنا إلی عقد البیعة مخافة الفتنة و اعتذروا عنده ببعض ما تقدم إمّا أنّه حدیث السن أو تبغضه العرب لأنّه وترها و سفک دماءها أو لأنّه صاحب زهو و تیه أو کیف تجتمع النبوّة و الخلافة فی مغرس واحد بل قد قالوا فی العذر ما هو أقوی من هذا و أوکد قالوا أبو بکر أقوی علی هذا الأمر منه لا سیما و عمر یعضده و یساعده و العرب تحب أبا بکر و یعجبها لینه و رفقه و هو شیخ مجرب للأمور لا یحسده أحد و لا یحقد علیه أحد و لا یبغضه أحد و لیس بذی شرف فی النسب فیشمخ علی الناس بشرفه و لا بذی قربی من الرسول ص فیدل بقربه و دع ذا کله فإنّه فضل مستغنی عنه قالوا لو نصبنا علیا ع ارتد الناس عن الإسلام و عادت الجاهلیة کما کانت فأیما أصلح فی الدین الوقوف مع النصّ المفضی إلی ارتداد الخلق و رجوعهم إلی الأصنام و الجاهلیة أم العمل بمقتضی الأصلح و استبقاء الإسلام و استدامة العمل بالدین و إن کان فیه مخالفة النصّ.

ص :85

قال رحمه اللّه و سکت الناس عن الإنکار فإنهم کانوا متفرقین فمنهم من هو مبغض شانئ لعلی ع فالذی تمّ من صرف الأمر عنه هو قرة عینه و برد فؤاده و منهم ذو الدین و صحة الیقین إلاّ أنّه لما رأی کبراء الصحابة قد اتفقوا علی صرف الأمر عنه ظنّ أنهم إنّما فعلوا ذلک لنص سمعوه من رسول اللّه ص ینسخ ما قد کان سمعه من النصّ علی أمیر المؤمنین ع لا سیما ما

3229

رَوَاهُ أَبُو بَکْرٍ مِنْ قَوْلِ اَلنَّبِیِّ ص الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَیْشٍ . فإن کثیرا من الناس توهموا أنّه ناسخ للنص الخاص و إن معنی الخبر أنکم مباحون فی نصب إمام من قریش من أی بطون قریش کان فإنّه یکون إماما.

و أکد أیضا فی نفوسهم رفض النصّ الخاص ما سمعوه

3230

مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص مَا رَآهُ اَلْمُسْلِمُونَ حَسَناً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ.

و

3231

قَوْلِهِ ع سَأَلْتُ اللَّهَ أَلاَّ یَجْمَعَ أُمَّتِی عَلَی ضَلاَلٍ فَأَعْطَانِیهَا فَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِعَاقِدِی الْبَیْعَةِ.

و قالوا هؤلاء أعرف بأغراض رسول اللّه ص من کل أحد فأمسکوا و کفوا عن الإنکار و منهم فرقة أخری و هم الأکثرون أعراب و جفاة و طغام أتباع کل ناعق یمیلون مع کل ریح فهؤلاء مقلدون لا یسألون و لا ینکرون و لا یبحثون و هم مع أمرائهم و ولاتهم لو أسقطوا عنهم الصلاة الواجبة لترکوها فلذلک أمحق النصّ و خفی و درس و قویت کلمة العاقدین لبیعة أبی بکر و قواها زیادة علی ذلک اشتغال علی و بنی هاشم برسول اللّه ص و إغلاق بابهم علیهم و تخلیتهم الناس یعملون ما شاءوا و أحبوا من غیر مشارکة لهم فیما هم فیه لکنهم أرادوا استدراک ذلک بعد ما فات و هیهات الفائت لا رجعة له.

و أراد علی ع بعد ذلک نقض البیعة فلم یتم له ذلک و کانت العرب لا تری

ص :86

الغدر و لا تنقض البیعة صوابا کانت أو خطأ و قد قالت له الأنصار و غیرها أیها الرجل لو دعوتنا إلی نفسک قبل البیعة لما عدلنا بک أحدا و لکنا قد بایعنا فکیف السبیل إلی نقض البیعة بعد وقوعها.

قال النقیب و ممّا جرأ عمر علی بیعة أبی بکر و العدول عن علی مع ما کان یسمعه من الرسول ص فی أمره أنّه أنکر مرارا علی الرسول ص أمورا اعتمدها فلم ینکر علیه رسول اللّه ص إنکاره بل رجع فی کثیر منها إلیه و أشار علیه بأمور کثیرة نزل القرآن فیها بموافقته فأطمعه ذلک فی الإقدام علی اعتماد کثیر من الأمور التی کان یری فیها المصلحة ممّا هی خلاف النصّ و ذلک نحو إنکاره علیه فی الصلاة علی عبد اللّه بن أبی المنافق و إنکاره فداء أساری بدر و إنکاره علیه تبرج نسائه للناس و إنکاره قضیة الحدیبیة و إنکاره أمان العبّاس لأبی سفیان بن حرب و إنکاره واقعة أبی حذیفة بن عتبة و إنکاره أمره بالنداء

3232

مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ اَلْجَنَّةَ .

و إنکاره أمره بذبح النواضح و إنکاره علی النساء بحضرة رسول اللّه ص هیبتهن له دون رسول اللّه ص إلی غیر ذلک من أمور کثیرة تشتمل علیها کتب الحدیث و لو لم یکن إلاّ إنکاره

3233

14- قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی مَرَضِهِ ائْتُونِی بِدَوَاةٍ وَ کَتِفٍ أَکْتُبْ لَکُمْ مَا لاَ تَضِلُّونَ بَعْدِی وَ قَوْلَهُ مَا قَالَ وَ سُکُوتَ رَسُولِ اللَّهِ ص عَنْهُ وَ أَعْجَبُ الْأَشْیَاءِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِکَ الْیَوْمَ حَسْبُنَا کِتَابُ اللَّهِ فَافْتَرَقَ الْحَاضِرُونَ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ فِی الدَّارِ فَبَعْضُهُمْ یَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ بَعْضُهُمْ یَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَ قَدْ کَثُرَ اللَّغَطُ وَ عَلَتِ الْأَصْوَاتُ قُومُوا عَنِّی فَمَا یَنْبَغِی لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ عِنْدَهُ هَذَا التَّنَازُعُ

.

فهل بقی للنبوة مزیة أو فضل إذا کان الاختلاف قد وقع بین القولین و میل

ص :87

المسلمون بینهما فرجح قوم هذا و قوم هذا فلیس ذلک دالا علی أن القوم سووا بینه و بین عمر و جعلوا القولین مسألة خلاف ذهب کل فریق إلی نصرة واحد منهما کما یختلف اثنان من عرض المسلمین فی بعض الأحکام فینصر قوم هذا و ینصر ذاک آخرون فمن بلغت قوته و همته إلی هذا کیف ینکر منه أنّه یبایع أبا بکر لمصلحة رآها و یعدل عن النصّ و من الذی کان ینکر علیه ذلک و هو فی القول الذی قاله للرسول ص فی وجهه غیر خائف من الأنصار و لا ینکر علیه أحد لا رسول اللّه ص و لا غیره و هو أشدّ من مخالفة النصّ فی الخلافة و أفظع و أشنع قال النقیب علی أن الرجل ما أهمل أمر نفسه بل أعد أعذارا و أجوبة و ذلک لأنّه قال لقوم عرضوا له بحدیث النصّ أن رسول اللّه ص رجع عن ذلک بإقامته أبا بکر فی الصلاة مقامه و أوهمهم أن ذلک جار مجری النصّ علیه بالخلافة و قال یوم السقیفة أیکم یطیب نفسا أن یتقدم قدمین قدمهما رسول اللّه ص فی الصلاة ثمّ أکد ذلک بأن قال لأبی بکر و قد عرض علیه البیعة أنت صاحب رسول اللّه ص فی المواطن کلها شدتها و رخائها رضیک لدیننا أ فلا نرضاک لدنیانا.

ثمّ عاب علیا بخطبته بنت أبی جهل فأوهم أن رسول اللّه ص کرهه لذلک و وجد علیه و أرضاه

3234

عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَرَوَی حَدِیثاً افْتَعَلَهُ وَ اخْتَلَقَهُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ إِنَّ آلَ أَبِی طَالِبٍ لَیْسُوا لِی بِأَوْلِیَاءَ إِنَّمَا وَلِیِّیَ اللّٰهُ وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِینَ .

فجعلوا ذلک کالناسخ

3235

لِقَوْلِهِ ص مَنْ کُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا مَوْلاَهُ.

قلت للنقیب أ یصحّ النسخ فی مثل هذا أ لیس هذا نسخا للشیء قبل تقضی وقت فعله فقال سبحان اللّه من أین تعرف العرب هذا و أنی لها أن تتصوره فضلا عن أن تحکم بعدم جوازه فهل یفهم حذاق الأصولیین هذه المسألة فضلا عن حمقی العرب هؤلاء قوم ینخدعون بأدنی شبهة و یستمالون بأضعف (1) سبب و تبنی الأمور معهم علی ظواهر

ص :88

النصوص و أوائل الأدلة و هم أصحاب جهل و تقلید لا أصحاب تفضیل و نظر.

قال ثمّ أکد حسن ظنّ الناس بهم أنهم أطلقوا أنفسهم عن الأموال و زهدوا فی متاع الدنیا و زخرفها و سلکوا مسلک الرفض لزینتها و الرغبة عنها و القناعة بالطفیف النزر منها و أکلوا الخشن و لبسوا الکرابیس و لما ألقت إلیهم الدنیا أفلاذ کبدها و فرقوا الأموال علی الناس و قسموها بینهم و لم یتدنسوا منها بقلیل و لا کثیر فمالت إلیهم القلوب و أحبتهم النفوس و حسنت فیهم الظنون و قال من کان فی نفسه شبهة منهم أو وقفه فی أمرهم لو کان هؤلاء قد خالفوا النصّ لهوی أنفسهم لکانوا أهل الدنیا و لظهر علیهم المیل إلیها و الرغبة فیها و الاستئثار بها و کیف یجمعون علی أنفسهم مخالفة النصّ و ترک لذات الدنیا و مآربها فیخسروا الدنیا و الآخرة و هذا لا یفعله عاقل و القوم عقلاء ذوو الباب و آراء صحیحة فلم یبق عند أحد شک فی أمرهم و لا ارتیاب لفعلهم و ثبتت العقائد علی ولایتهم و تصویب أفعالهم و نسوا لذة الرئاسة و أن أصحاب الهمم العالیة لا یلتفون إلی المأکل و المشرب و المنکح و إنّما یریدون الرئاسة و نفوذ الأمر کما قال الشاعر و قد رغبت عن لذة المال أنفس و ما رغبت عن لذة النهی و الأمر.

قال رحمه اللّه و الفرق بین الرجلین و بین الثالث ما أصیب به الثالث و قتل تلک القتلة و خلعه الناس و حصروه و ضیقوا علیه بعد أن توالی إنکارهم أفعاله و جبهوه فی وجهه و فسقوه و ذلک لأنّه استأثر هو و أهله بالأموال و انغمسوا فیها و استبدوا بها فکانت طریقته و طریقتهم مخالفة لطریق الأولین فلم تصبر العرب علی ذلک و لو کان عثمان سلک طریق عمر فی الزهد و جمع الناس و ردع الأمراء و الولاة عن الأموال و تجنب استعمال أهل بیته و وفر أعراض الدنیا و ملاذها و شهواتها علی الناس زاهدا فیها تارکا لها معرضا عنها لما ضره شیء قط و لا أنکر علیه أحد قط و لو حول الصلاة من

ص :89

الکعبة إلی بیت المقدس بل لو أسقط عن الناس إحدی الصلوات الخمس و اقتنع منهم بأربع و ذلک لأن همم الناس مصروفة إلی الدنیا و الأموال فإذا وجدوها سکتوا و إذا فقدوها هاجوا و اضطربوا أ لست تری رسول اللّه ص کیف قسم غنائم هوازن علی المنافقین و علی أعدائه الذین یتمنون قتله و موته و زوال دولته فلما أعطاهم أحبوه إمّا کلهم أو أکثرهم و من لم یحبه منهم بقلبه جامله و داراه و کف عن إظهار عداوته و الإجلاب علیه و لو أن علیا صانع أصحابه بالمال و أعطاه الوجوه و الرؤساء لکان أمره إلی الانتظام و الاطراد أقرب و لکنه رفض جانب التدبیر الدنیوی و آثر لزوم الدین و تمسک بأحکام الشریعة و الملک أمر آخر غیر الدین فاضطرب علیه أصحابه و هرب کثیر منهم إلی عدوه.

و قد ذکرت فی هذا الفصل خلاصة ما حفظته عن النقیب أبی جعفر و لم یکن إمامی المذهب و لا کان یبرأ من السلف و لا یرتضی قول المسرفین من الشیعة و لکنه کلام أجراه علی لسانه البحث و الجدل بینی و بینه علی أن العلوی لو کان کرامیا لا بدّ أن یکون عنده نوع من تعصب و میل علی الصحابة و إن قل.

و لنرجع إلی ذکر کلام عمر من خطبته و سیرته.

3236

کَتَبَ عُمَرُ إِلَی أَبِی مُوسَی لَمَّا اسْتَعْمَلَهُ قَاضِیاً وَ بَعَثَهُ إِلَی اَلْعِرَاقِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عُمَرَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَیْسٍ سَلاَمٌ عَلَیْکَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِیضَةٌ مُحْکَمَةٌ وَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِیَ إِلَیْکَ فَإِنَّهُ لاَ یَنْفَعُ تَکَلَّمْ بِحَقٍّ لاَ نَفَادَ لَهُ آسِ (1) بَیْنَ النَّاسِ فِی وَجْهِکَ وَ عَدْلِکَ وَ مَجْلِسِکَ حَتَّی لاَ یَطْمَعَ شَرِیفٌ فِی

ص :90

حَیْفِکَ (1) وَ لاَ یَیْأَسَ ضَعِیفٌ مِنْ عَدْلِکَ الْبَیِّنَةُ عَلَی مَنِ ادَّعَی وَ الْیَمِینُ عَلَی مَنْ أَنْکَرَ وَ الصُّلْحُ جَائِزٌ بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ إِلاَّ صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً لاَ یَمْنَعَنَّکَ قَضَاءٌ قَضَیْتَهُ الْیَوْمَ فَرَاجَعْتَ فِیهِ عَقْلَکَ وَ هُدِیتَ فِیهِ لِرُشْدِکَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَی الْحَقِّ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِیمٌ وَ مُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَیْرٌ مِنَ التَّمَادِی فِی الْبَاطِلِ الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِیمَا تَلَجْلَجَ (2) فِی صَدْرِکَ مِمَّا لَیْسَ فِی کِتَابٍ وَ لاَ سُنَّةٍ ثُمَّ اعْرِفِ الْأَشْبَاهَ وَ الْأَمْثَالَ وَ قِسِ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِکَ وَ اعْمِدْ إِلَی أَقْرَبِهَا إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ وَ اجْعَلْ لِمَنِ ادَّعَی حَقّاً غَائِباً أَوْ بَیِّنَةً أَمَداً یَنْتَهِی إِلَیْهِ فَإِنْ أَحْضَرَ بَیِّنَتَهُ أَخَذْتَ لَهُ بِحَقِّهِ وَ إِلاَّ اسْتَحْلَلْتَ عَلَیْهِ الْقَضِیَّةَ فَإِنَّهُ أَنْفَی لِلشَّکِّ وَ أَجْلَی لِلْعَمَی اَلْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْضٍ إِلاَّ مَجْلُوداً فِی حَدٍّ أَوْ مُجَرَّباً عَلَیْهِ شَهَادَةُ زُورٍ أَوْ ظَنِیناً (3) فِی وَلاَءٍ أَوْ نَسَبٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ تَوَلَّی مِنْکُمُ السَّرَائِرَ وَ دَرَأَ عَنْکُمْ (4) بِالْبَیِّنَاتِ وَ الْأَیْمَانِ الشُّبُهَاتِ إِیَّاکَ وَ الْغَلَقَ (5) وَ الضَّجَرَ وَ التَّأَذِّیَ بِالْخُصُومِ وَ التَّنَکُّرَ عِنْدَ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِی مَوَاطِنِ الْحَقِّ یُعْظِمُ اللَّهُ بِهِ الْأَجْرَ وَ یُحْسِنُ بِهِ الذُّخْرَ فَمَنْ صَحَّتْ نِیَّتُهُ وَ أَقْبَلَ عَلَی نَفْسِهِ کَفَاهُ اللَّهُ مَا بَیْنَهُ وَ بَیْنَ النَّاسِ وَ مَنْ تَخَلَّقَ لِلنَّاسِ بِمَا یَعْلَمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْهُ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ نَفْسِهِ شَانَهُ اللَّهُ فَمَا ظَنُّکَ بِثَوَابِ اللَّهِ فِی عَاجِلِ رِزْقِهِ وَ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ وَ السَّلاَمُ.

ذکر هذه الرسالة أبو العبّاس محمّد بن یزید المبرد فی کتاب الکامل (6) و أطراها فقال إنّه جمع فیها جمل الأحکام و اختصرها بأجود الکلام و جعل الناس بعده یتخذونه إماما فلا یجد محق عنها معدلا و لا ظالم عن حدودها محیصا.

ص :91

3237

14- وَ کَتَبَ عُمَرُ إِلَی عُمَّالِهِ یُوصِیهِمْ فَقَالَ فِی جُمْلَةِ الْکِتَابِ ارْتَدُوا وَ ائْتَزِرُوا وَ انْتَعِلُوا وَ أَلْقُوا الْخِفَافَ وَ السَّرَاوِیلاَتِ وَ أَلْقُوا الرُّکَبَ (1) وَ انْزُوا نَزْواً عَلَی الْخَیْلِ وَ اخْشَوْشِنُوا وَ عَلَیْکُمْ بِالْمَعَدِّیَّةِ أَوْ قَالَ وَ تَمَعْدَدُوا وَ ارْمُوا الْأَغْرَاضَ وَ عَلِّمُوا فِتْیَانَکُمُ الْعَوْمَ وَ الرِّمَایَةَ وَ ذَرُوا التَّنَعُّمَ وَ زِیَّ اَلْعَجَمِ وَ إِیَّاکُمْ وَ الْحَرِیرَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص نَهَی عَنْهُ وَ قَالَ لاَ تَلْبَسُوا مِنَ الْحَرِیرِ إِلاَّ مَا کَانَ هَکَذَا وَ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ

.

3238

وَ کَتَبَ إِلَی بَعْضِ عُمَّالِهِ إِنَّ أَسْعَدَ الرُّعَاةِ مَنْ سَعِدَتْ بِهِ رَعِیَّتُهُ وَ إِنَّ أَشْقَی الرُّعَاةِ مَنْ شَقِیَتْ بِهِ رَعِیَّتُهُ فَإِیَّاکَ أَنْ تَزِیغَ فَتَزِیغُ رَعِیَّتُکَ فَیَکُونَ مَثَلُکَ عِنْدَ اللَّهِ مَثَلَ الْبَهِیمَةِ رَأَتِ الْخُضْرَةَ فِی الْأَرْضِ فَرَعَتْ فِیهَا تَبْغِی السِّمَنَ وَ حَتْفُهَا فِی سِمَنِهَا.

3239

وَ کَتَبَ إِلَی أَبِی مُوسَی وَ هُوَ بِالْبَصْرَةِ بَلَغَنِی أَنَّکَ تَأْذَنُ لِلنَّاسِ الْجَمَّاءَ (2) الْغَفِیرَ فَإِذَا جَاءَکَ کِتَابِی هَذَا فَأْذَنْ لِأَهْلِ الشَّرَفِ وَ أَهْلِ اَلْقُرْآنِ وَ التَّقْوَی وَ الدِّینِ فَإِذَا أَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ فَأْذَنْ لِلْعَامَّةِ وَ لاَ تُؤَخِّرْ عَمَلَ الْیَوْمِ لِغَدٍ فَتَتَدَاکَّ عَلَیْکَ الْأَعْمَالُ فَتَضِیعَ وَ إِیَّاکَ وَ اتِّبَاعَ الْهَوَی فَإِنَّ لِلنَّاسِ أَهْوَاءً مُتَّبَعَةً وَ دُنْیَا مُؤْثَرَةً وَ ضَغَائِنَ مَحْمُولَةً وَ حَاسِبْ نَفْسَکَ فِی الرَّخَاءِ قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ فَإِنَّهُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِی الرَّخَاءِ قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ کَانَ مَرْجِعُهُ إِلَی الرِّضَا وَ الْغِبْطَةِ وَ مَنْ أَلْهَتْهُ حَیَاتُهُ وَ شَغَلَتْهُ أَهْوَاؤُهُ عَادَ أَمْرُهُ إِلَی النَّدَامَةِ وَ الْحَسْرَةِ إِنَّهُ لاَ یُقِیمُ أَمْرَ اللَّهِ فِی النَّاسِ إِلاَّ خَصِیفُ الْعُقْدَةِ (3) بَعِیدُ الْقَرَارَةِ لاَ یَحْنَقُ عَلَی جَرَّةٍ وَ لاَ یَطَّلِعُ النَّاسُ مِنْهُ عَلَی عَوْرَةٍ وَ لاَ یَخَافُ فِی الْحَقِّ لَوْمَةَ لاَئِمٍ الْزَمْ أَرْبَعَ خِصَالٍ یَسْلَمْ لَکَ دِینُکَ وَ تُحِیطُ بِأَفْضَلِ حَظِّکَ إِذَا حَضَرَ الْخَصْمَانِ فَعَلَیْکَ بِالْبَیِّنَاتِ الْعُدُولِ وَ الْأَیْمَانِ الْقَاطِعَةِ ثُمَّ ائْذَنْ

ص :92

لِلضَّعِیفِ حَتَّی یَنْبَسِطَ لِسَانُهُ وَ یَجْتَرِئَ قَلْبُهُ وَ تَعَاهَدِ الْغَرِیبَ فَإِنَّهُ إِذَا طَالَ حَبْسُهُ تَرَکَ حَاجَتَهُ وَ انْصَرَفَ إِلَی أَهْلِهِ وَ احْرِصْ عَلَی الصُّلْحِ مَا لَمْ یَبْنِ لَکَ الْقَضَاءَ وَ السَّلاَمُ عَلَیْکَ.

3240

وَ کَانَ رَجُلٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ لاَ یَزَالُ یُهْدِی لِعُمَرَ فَخِذَ جَزُورٍ إِلَی أَنْ جَاءَ ذَاتَ یَوْمٍ مَعَ خَصْمٍ لَهُ فَجَعَلَ فِی أَثْنَاءِ الْکَلاَمِ یَقُولُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ افْصِلِ الْقَضَاءَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ کَمَا یَفْصِلُ فَخِذُ الْجَزُورِ.

قَالَ عُمَرُ فَمَا زَالَ یُرَدِّدُهَا حَتَّی خِفْتُ عَلَی نَفْسِی فَقَضَیْتُ عَلَیْهِ وَ کَتَبْتُ إِلَی عُمَّالِی أَمَّا بَعْدُ فَإِیَّاکُمْ وَ الْهَدَایَا فَإِنَّهَا مِنَ الرُّشَی ثُمَّ لَمْ أَقْبَلْ لَهُ هَدِیَّةً فِیمَا بَعْدُ وَ لاَ لِغَیْرِهِ.

3241

وَ کَانَ عُمَرُ یَقُولُ اکْتُبُوا عَنِ الزَّاهِدِینَ فِی الدُّنْیَا مَا یَقُولُونَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَکَّلَ بِهِمْ مَلاَئِکَةً وَاضِعَةً أَیْدِیَهُمْ عَلَی أَفْوَاهِهِمْ فَلاَ یَتَکَلَّمُونَ إِلاَّ بِمَا هَیَأَهُ اللَّهُ لَهُمْ.

3242

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ قَالَ کَانَ عُمَرُ یَقُولُ جَرِّدُوا اَلْقُرْآنَ وَ لاَ تُفَسِّرُوهُ وَ أَقِلُّوا الرِّوَایَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَنَا شَرِیکُکُمْ.

وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ کَانَ عُمَرُ إِذَا أَرَادَ أَنْ یَنْهَی النَّاسَ عَنْ شَیْءٍ جَمَعَ أَهْلَهُ فَقَالَ إِنِّی عَسَیْتُ أَنْ أَنْهَی النَّاسَ عَنْ کَذَا وَ إِنَّ النَّاسَ یَنْظُرُونَ إِلَیْکُمْ نَظَرَ الطَّیْرِ إِلَی اللَّحْمِ وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ لاَ أَجِدُ أَحَداً مِنْکُمْ یَفْعَلُ إِلاَّ أَضْعَفْتُ عَلَیْهِ الْعُقُوبَةَ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ کَانَ عُمَرُ شَدِیداً عَلَی أَهْلِ الرَّیْبِ وَ فِی حَقِّ اللَّهِ صَلِیباً حَتَّی یَسْتَخْرِجَهُ وَ لَیِّناً سَهْلاً فِیمَا یَلْزَمُهُ حَتَّی یُؤَدِّیَهُ وَ بِالضَّعِیفِ رَحِیماً.

ص :93

3243

وَ رَوَی زَیْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِیهِ أَنَّ نَفَراً مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ کَلَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالُوا کَلِّمْ لَنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدْ وَ اللَّهِ أَخْشَانَا حَتَّی لاَ نَسْتَطِیعُ أَنْ نُدِیمَ إِلَیْهِ أَبْصَارَنَا فَذَکَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَهُ ذَلِکَ فَقَالَ أَ وَ قَدْ قَالُوا ذَلِکَ وَ اللَّهِ لَقَدْ لِنْتُ لَهُمْ حَتَّی تَخَوَّفْتُ اللَّهَ فِی أَمْرِهِمْ وَ قَدْ تَشَدَّدْتُ عَلَیْهِمْ حَتَّی خِفْتُ اللَّهَ فِی أَمْرِهِمْ وَ أَنَا وَ اللَّهِ أَشَدُّ فَرَقاً لِلَّهِ مِنْهُمْ لِی.

3244

وَ رَوَی جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ یَا خَلِیفَةَ اللَّهِ قَالَ خَالَفَ اللَّهُ بِکَ قَالَ جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاکَ قَالَ إِذَنْ یُهِینُکَ اللَّهُ.

3245

1- وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ اسْتَشَارَ عُمَرُ فِی أَمْرِ الْمَالِ کَیْفَ یَقْسِمُهُ فَقَالَ لَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع تَقْسِمُ کُلَّ سَنَةٍ مَا اجْتَمَعَ مَعَکَ مِنَ الْمَالِ وَ لاَ تُمْسِکْ مِنْهُ شَیْئاً وَ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرَی مَالاً کَثِیراً یَسَعُ النَّاسَ وَ إِنْ لَمْ یُحْصَوْا حَتَّی یُعْرَفَ مَنْ أَخَذَ مِمَّنْ لَمْ یَأْخُذْ خَشِیتُ أَنْ یَنْتَشِرَ الْأَمْرُ فَقَالَ اَلْوَلِیدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِیرَةِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ جِئْتُ اَلشَّامَ فَرَأَیْتُ مُلُوکَهَا قَدْ دَوَّنُوا دِیوَاناً وَ جَنَّدُوا جُنُوداً وَ فَرَضُوا لَهُمْ أَرْزَاقاً فَأَخَذَ بِقَوْلِهِ فَدَعَا عَقِیلَ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَ جُبَیْرَ بْنَ مُطْعِمٍ وَ کَانُوا نُسَّابَ قُرَیْشٍ وَ قَالَ اکْتُبُوا النَّاسَ عَلَی مَنَازِلِهِمْ فَکَتَبُوا فَبَدَءُوا بِبَنِی هَاشِمٍ ثُمَّ أَتْبَعُوهُمْ أَبَا بَکْرٍ وَ قَوْمَهُ ثُمَّ عُمَرَ وَ قَوْمَهُ عَلَی تَرْتِیبِ الْخِلاَفَةِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَیْهِ قَالَ وَدِدْتُ أَنَّهُ کَانَ هَکَذَا لَکِنِ ابْدَأْ بِقَرَابَةِ اَلنَّبِیِّ ص الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ حَتَّی تَضَعُوا عُمَرَ حَیْثُ وَضَعَهُ اللَّهُ .

3246

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ جَاءَتْ بَنُو عَدِیٍّ إِلَی عُمَرَ فَقَالُوا لَهُ یَا عُمَرُ أَنْتَ خَلِیفَةُ رَسُولِ اللَّهِ

ص :94

ص قَالَ أَوْ خَلِیفَةُ أَبِی بَکْرٍ وَ أَبُو بَکْرٍ خَلِیفَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالُوا وَ ذَاکَ فَلَوْ جَعَلْتَ نَفْسَکَ حَیْثُ جَعَلَکَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ فَقَالَ بَخْ بَخْ یَا بَنِی عَدِیٍّ أَرَدْتُمُ الْأَکْلَ عَلَی ظَهْرِی وَ أَنْ أَذْهَبَ حَسَنَاتِی لَکُمْ لاَ وَ اللَّهِ وَ لَوْ کَتَبْتُمْ آخِرَ النَّاسِ إِنَّ لِی صَاحِبَیْنِ سَلَکَا طَرِیقاً فَإِنْ أَنَا خَالَفْتُهُمَا خُولِفَ بِی وَ اللَّهِ مَا أَدْرَکْنَا الْفَضْلَ فِی الدُّنْیَا إِلاَّ بِمُحَمَّدٍ وَ لاَ نَرْجُو مَا نَرْجُو مِنَ الْآخِرَةِ وَ ثَوَابِهَا إِلاَّ بِمُحَمَّدٍ ص فَهُوَ شَرَفُنَا وَ قَوْمُهُ أَشْرَفُ اَلْعَرَبِ ثُمَّ الْأَقْرَبُ مِنْهُ فَالْأَقْرَبُ وَ مَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَ أَنْ نَلْقَاهُ ثُمَّ لاَ نُفَارِقُهُ إِلَی آدَمَ إِلاَّ آبَاءً یَسِیرَةً وَ اللَّهِ لَئِنْ جَاءَتِ اَلْأَعَاجِمُ بِالْأَعْمَالِ وَ جِئْنَا بِغَیْرِ عَمَلٍ فَإِنَّهُمْ أَوْلَی بِمُحَمَّدٍ ص مِنَّا یَوْمَ الْقِیَامَةِ لاَ یَنْظُرَنَّ رَجُلٌ إِلَی قَرَابَتِهِ وَ لْیَعْمَلْ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ فَإِنَّ مَنْ قَصُرَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ یُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ.

3247

وَ رَوَی اَلسَّائِبُ بْنُ یَزِیدَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ یَقُولُ وَ اللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ لَهُ فِی هَذَا الْمَالِ حَقٌّ أُعْطِیَهُ أَوْ مُنِعَهُ وَ مَا أَحَدٌ أَحَقَّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ عَبْدٌ مَمْلُوکٌ وَ مَا أَنَا فِیهِ إِلاَّ کَأَحَدِکُمْ وَ لَکِنَّا عَلَی مَنَازِلِنَا مِنْ کِتَابِ اللَّهِ وَ قَسْمِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَالرَّجُلُ وَ بَلاَؤُهُ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ الرَّجُلُ وَ غَنَاؤُهُ وَ الرَّجُلُ وَ حَاجَتُهُ وَ اللَّهِ لَئِنْ بَقِیتُ لَیَأْتِیَنَّ الرَّاعِی بِجَبَلِ صَنْعَاءَ حَظَّهُ مِنَ الْمَالِ وَ هُوَ مَکَانَهُ.

3248

وَ رَوَی نَافِعٌ مَوْلَی آلِ الزُّبَیْرِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَیْرَةَ یَقُولُ رَحِمَ اللَّهُ اِبْنَ حَنْتَمَةَ (1) لَقَدْ رَأَیْتُهُ عَامَ الرَّمَادَةِ وَ إِنَّهُ لَیَحْمِلُ عَلَی ظَهْرِهِ جِرَابَیْنِ وَ عُکَّةُ زَیْتٍ فِی یَدِهِ وَ إِنَّهُ لَیَعْتَقِبُ (2) هُوَ وَ أَسْلَمُ فَلَمَّا رَآنِی قَالَ مِنْ أَیْنَ یَا أَبَا هُرَیْرَةَ قُلْتُ قَرِیباً فَأَخَذْتُ

ص :95

أَعْقِبُهُ فَحَمَلْنَاهُ حَتَّی انْتَهَیْنَا إِلَی ضِرَارٍ فَإِذَا صِرْمٌ (1) مِنْ نَحْوِ عِشْرِینَ بَیْتاً مِنْ مُحَارِبٍ فَقَالَ عُمَرُ مَا أَقْدَمَکُمْ قَالُوا الْجَهْدُ وَ أَخْرَجُوا لَنَا جِلْدَ الْمَیْتَةِ مَشْوِیّاً کَانُوا یَأْکُلُونَهُ وَ رِمَّةَ الْعِظَامِ مَسْحُوقَةً کَانُوا یَسْتَفُّونَهَا فَرَأَیْتُ عُمَرَ طَرَحَ رِدَاءَهُ ثُمَّ بَرَزَ فَمَا زَالَ یَطْبَخُ لَهُمْ حَتَّی شَبِعُوا وَ أَرْسَلَ أَسْلَمَ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَجَاءَ بِأَبْعِرَةٍ فَحَمَلَهُمْ عَلَیْهَا ثُمَّ أَنْزَلَهُمُ الْجَبَّانَةَ ثُمَّ کَسَاهُمْ وَ کَانَ یَخْتَلِفُ إِلَیْهِمْ وَ إِلَی غَیْرِهِمْ حَتَّی کَفَی اللَّهُ ذَلِکَ.

3249

وَ رَوَی رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ أُتِیَ بِمَالٍ فَجَعَلَ یَقْسِمُ بَیْنَ النَّاسِ فَازْدَحَمُوا عَلَیْهِ فَأَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ یُزَاحِمُ النَّاسَ حَتَّی خَلَصَ إِلَیْهِ فَعَلاَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وَ قَالَ إِنَّکَ أَقْبَلْتَ لاَ تَهَابَنَّ سُلْطَانَ اللَّهِ فِی الْأَرْضِ فَأَحْبَبْتُ بِأَنْ أُعْلِمَکَ أَنَّ سُلْطَانَ اللَّهِ لاَ یَهَابُکَ.

3250

وَ قَالَتِ اَلشِّفَاءُ ابْنَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَ رَأَتْ فِتْیَاناً مِنَ النُّسَّاکِ یَقْتَصِدُونَ فِی الْمَشْیِ وَ یَتَکَلَّمُونَ رُوَیْداً مَا هَؤُلاَءِ فَقِیلَ نُسَّاکٌ فَقَالَتْ کَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ النَّاسِکُ حَقّاً وَ کَانَ إِذَا تَکَلَّمَ أَسْمَعَ وَ إِذَا مَشَی أَسْرَعَ وَ إِذَا ضَرَبَ أَوْجَعَ.

3251

أَعَانَ عُمَرُ رَجُلاً عَلَی حَمْلِ شَیْءٍ فَدَعَا لَهُ الرَّجُلُ وَ قَالَ نَفَعَکَ بَنُوکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ بَلْ أَغْنَانِی اللَّهُ عَنْهُمْ.

3252

وَ مِنْ کَلاَمِهِ الْقُوَّةُ فِی الْعَمَلِ أَلاَّ یُؤَخِّرَ عَمَلَ الْیَوْمِ لِغَدٍ وَ الْأَمَانَةُ أَلاَّ تُخَالِفَ سَرِیرَتُکَ عَلاَنِیَتَکَ وَ التَّقْوَی بِالتَّوَقِّی وَ مَنْ یَتَّقِ اللَّهَ یَقِهِ.

ص :96

3253

وَ قَالَ عُمَرُ کُنَّا نَعُدُّ الْمُقْرِضَ بَخِیلاً إِنَّمَا کَانَتِ الْمُوَاسَاةُ.

3254

أَتَی رَهْطٌ إِلَی عُمَرَ فَقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ کَثُرَ الْعِیَالُ وَ اشْتَدَّتِ الْمَئُونَةُ فَزِدْنَا فِی أَعْطَیَاتِنَا (1) فَقَالَ فَعَلْتُمُوهَا جَمَعْتُمْ بَیْنَ الضَّرَائِرِ وَ اتَّخَذْتُمُ الْخَدَمَ مِنْ مَالِ اللَّهِ أَمَا لَوَدِدْتُ أَنِّی وَ إِیَّاکُمْ فِی سَفِینَتَیْنِ فِی لُجَّةِ الْبَحْرِ تَذْهَبُ بِنَا شَرْقاً وَ غَرْباً فَلَنْ یَعْجِزَ النَّاسُ أَنْ یُوَلُّوا رَجُلاً مِنْهُمْ فَإِنِ اسْتَقَامَ اتَّبَعُوهُ وَ إِنْ جَنِفَ قَتَلُوهُ فَقَالَ طَلْحَةُ وَ مَا عَلَیْکَ لَوْ قُلْتَ وَ إِنِ اعْوَجَّ عَزَلُوهُ فَقَالَ الْقَتْلُ أَرْهَبُ لِمَنْ بَعْدَهُ احْذَرُوا فَتَی قُرَیْشٍ فَإِنَّهُ کَرِیمُهَا الَّذِی لاَ یَنَامُ إِلاَّ عَلَی الرِّضَا وَ یَضْحَکُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَ یَتَنَاوَلُ مَا فَوْقَهُ مِنْ تَحْتِهِ.

3255

وَ کَانَ یَقُولُ فِی آخِرِ أَیَّامِهِ عِنْدَ تَبَرُّمِهِ بِالْأَمْرِ وَ ضَجْرِهِ مِنَ الرَّعِیَّةِ اللَّهُمَّ مَلُّونِی وَ مَلِلْتُهُمْ وَ أَحْسَسْتُ مِنْ نَفْسِی وَ أَحَسُّوا مِنِّی وَ لاَ أَدْرِی بِأَیِّنَا یَکُونُ اللَّوْتُ (2) وَ قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ لَهُمْ قَتِیلاً مِنْهُمْ فَاقْبِضْنِی إِلَیْکَ.

3256

وَ ذَکَرَ قَوْمٌ مِنَ اَلصَّحَابَةِ لِعُمَرَ رَجُلاً فَقَالُوا فَاضِلٌ لاَ یَعْرِفُ الشَّرَّ قَالَ ذَاکَ أَوْقَعُ لَهُ فِیهِ.

3257

وَ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ عَلَی عَمَلٍ (3) فَقَدِمَ مِنْهُ بِمَالٍ فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا یَا عُتْبَةُ قَالَ مَالٌ خَرَجْتُ بِهِ مَعِی وَ تَجَرْتُ فِیهِ قَالَ وَ مَا لَکَ تُخْرِجُ الْمَالَ مَعَکَ إِلَی هَذَا الْوَجْهِ فَأَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ فَصَیَّرَهُ فِی بَیْتِ الْمَالِ فَلَمَّا قَامَ عُثْمَانُ قَالَ لِأَبِی سُفْیَانَ

ص :97

إِنَّکَ إِنْ طَلَبْتَ مَا أَخَذَهُ عُمَرُ مِنْ عُتْبَةَ رَدَدْتُهُ عَلَیْکَ (1) فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْیَانَ إِیَّاکَ وَ مَا هَمَمْتَ بِهِ إِنَّکَ إِنْ خَالَفْتَ صَاحِبَکَ قَبْلَکَ سَاءَ رَأْیُ النَّاسِ فِیکَ إِیَّاکَ أَنْ تَرُدَّ عَلَی مَنْ کَانَ قَبْلَکَ فَیَرُدَّ عَلَیْکَ مَنْ بَعْدَکَ (2) .

3258

وَ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ أَیْضاً أَنَّ هِنْداً بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِیعَةَ قَامَتْ إِلَی عُمَرَ فَسَأَلَتْهُ أَنْ یُقْرِضَهَا مِنْ بَیْتِ الْمَالِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ تَتَّجِرُ فِیهَا وَ تَضْمَنُهَا فَخَرَجَتْ بِهَا إِلَی بِلاَدِ کَلْبٍ فَبَاعَتْ وَ اشْتَرَتْ وَ بَلَغَهَا أَنَّ أَبَا سُفْیَانَ قَدْ أَتَی مُعَاوِیَةَ یَسْتَمِیحُهُ وَ مَعَهُ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ أَبِی سُفْیَانَ فَعَدَلَتْ إِلَیْهِ مِنْ بِلاَدِ کَلْبٍ وَ کَانَ أَبُو سُفْیَانَ قَدْ طَلَّقَهَا فَقَالَ مُعَاوِیَةُ مَا أَقْدَمَکَ یَا أُمَّهْ قَالَتْ النَّظَرُ إِلَیْکَ یَا بُنَیُّ إِنَّهُ عُمَرُ وَ إِنَّمَا یَعْمَلُ لِلَّهِ وَ قَدْ أَتَاکَ أَبُوکَ فَخَشِیتُ أَنْ تُخْرِجَ إِلَیْهِ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ وَ أَهْلُ ذَلِکَ هُوَ وَ لَکِنْ لاَ یَعْلَمُ عُمَرُ مِنْ أَیْنَ أُعْطِیتَهُ فَیُؤَنِّبُوکَ وَ یُؤَنِّبُکَ وَ لاَ تَسْتَقْبِلُهَا أَبَداً فَبَعَثَ مُعَاوِیَةُ إِلَی أَبِیهِ وَ أَخِیهِ مِائَةَ دِینَارٍ وَ کَسَاهُمَا وَ حَمَلَهُمَا فَسَخِطَهَا عُمَرُ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ لاَ تَسْخَطْهَا فَإِنَّهَا عَطَاءٌ لَمْ تَغِبْ عَنْهُ هِنْدٌ وَ رَجَعَ هُوَ وَ ابْنُهُ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَسَأَلَهُ عُمَرُ بِکَمْ أَجَازَکَ مُعَاوِیَةُ فَقَالَ بِمِائَةِ دِینَارٍ فَسَکَتَ عُمَرُ (3) .

3259

وَ رَوَی اَلْأَحْنَفُ قَالَ أَتَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَیْرٍ عُمَرَ وَ هُوَ یُقْرِضُ النَّاسَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَقْرِضْ لِی فَلَمْ یَلْتَفِتْ إِلَیْهِ فَنَخَسَهُ فَقَالَ عُمَرُ حِسَّ (4) وَ أَقْبَلَ عَلَیْهِ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَیْرٍ وَ کَانَ أَبُوهُ اسْتُشْهِدَ یَوْمَ حُنَیْنٍ فَقَالَ یَا یَرْفَأُ أَعْطِهِ سِتَّمِائَةٍ فَأَعْطَاهُ سِتَّمِائَةٍ فَلَمْ یَقْبَلْهَا وَ رَجَعَ إِلَی عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ یَا یَرْفَأُ أَعْطِهِ

ص :98

سِتَّمِائَةِ حُلَّةٍ فَأَعْطَاهُ فَلَبِسَ الْحُلَّةَ الَّتِی کَسَاهُ عُمَرُ وَ رَمَی مَا کَانَ عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُ خُذْ ثِیَابَکَ هَذِهِ فَلْتَکُنْ فِی مِهْنَةِ أَهْلِکَ وَ هَذِهِ لِزِینَتِکَ.

3260

وَ رَوَی إِیَاسُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِیهِ قَالَ مَرَّ عُمَرُ فِی السُّوقِ وَ مَعَهُ الدِّرَّةُ فَخَفَقَنِی خَفْقَةً فَأَصَابَ طَرَفَ ثَوْبِی وَ قَالَ أَمِطْ (1) عَنِ الطَّرِیقِ فَلَمَّا کَانَ فِی الْعَامِ الْمُقْبِلِ لَقِیَنِی فَقَالَ یَا سَلَمَةُ أَ تُرِیدُ الْحَجَّ قُلْتُ نَعَمْ فَأَخَذَ بِیَدِی وَ انْطَلَقَ بِی إِلَی مَنْزِلِهِ فَأَعْطَانِی سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَ قَالَ اسْتَعِنْ بِهَا عَلَی حَجِّکَ وَ اعْلَمْ أَنَّهَا بِالْخَفْقَةِ الَّتِی خَفَقْتُکَ فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا ذَکَرْتُهَا قَالَ وَ أَنَا مَا نَسِیتُهَا.

3261

وَ خَطَبَ عُمَرُ فَقَالَ أَیَّتُهَا الرَّعِیَّةُ إِنَّ لَنَا عَلَیْکُمْ حَقّاً النَّصِیحَةَ بِالْغَیْبِ وَ الْمُعَاوَنَةَ عَلَی الْخَیْرِ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ حِلْمٍ أَحَبَّ إِلَی اللَّهِ وَ لاَ أَعَمَّ نَفْعاً مِنْ حِلْمِ إِمَامٍ وَ رِفْقِهِ وَ لَیْسَ مِنْ جَهْلٍ أَبْغَضَ إِلَی اللَّهِ مِنْ جَهْلِ إِمَامٍ وَ خَرَفِهِ (2) أَیُّهَا الرَّعِیَّةُ إِنَّهُ مَنْ یَأْخُذُ بِالْعَافِیَةِ مِنْ بَیْنِ ظَهْرَانَیْهِ فَوَّتَهُ اللَّهُ الْعَافِیَةَ مِنْ فَوْقِهِ.

3262

1,14- وَ رَوَی اَلرَّبِیعُ بْنُ زِیَادٍ قَالَ قَدِمْتُ عَلَی عُمَرَ بِمَالٍ مِنَ اَلْبَحْرَیْنِ فَصَلَّیْتُ مَعَهُ الْعِشَاءَ ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَیْهِ فَقَالَ مَا قَدِمْتَ بِهِ قُلْتُ خَمْسُمِائَةٍ أَلْفٍ قَالَ وَیْحَکَ إِنَّمَا قَدِمْتَ بِخَمْسِینَ أَلْفاً قُلْتُ بَلْ خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ قَالَ کَمْ یَکُونُ ذَلِکَ قُلْتُ مِائَةُ أَلْفٍ وَ مِائَةُ أَلْفٍ وَ مِائَةُ أَلْفٍ حَتَّی عَدَدْتُ خَمْساً فَقَالَ إِنَّکَ نَاعِسٌ ارْجِعْ إِلَی بَیْتِکَ ثُمَّ اغْدُ عَلَیَّ فَغَدَوْتُ عَلَیْهِ فَقَالَ مَا جِئْتَ بِهِ قُلْتُ مَا قُلْتُهُ لَکَ قَالَ کَمْ هُوَ قُلْتُ خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ قَالَ أَ طَیِّبٌ هُوَ قُلْتُ نَعَمْ لاَ أَعْلَمُ إِلاَّ ذَلِکَ فَاسْتَشَارَ اَلصَّحَابَةَ فِیهِ فَأُشِیرَ عَلَیْهِ بِنَصْبِ الدِّیوَانِ فَنَصَبَهُ وَ قَسَّمَ الْمَالَ بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ فَفَضَلَتْ عِنْدَهُ فَضْلَةٌ

ص :99

فَأَصْبَحَ فَجَمَعَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارَ وَ فِیهِمْ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ قَالَ لِلنَّاسِ مَا تَرَوْنَ فِی فَضْلٍ فَضَلَ عِنْدَنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ فَقَالَ النَّاسُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّا شَغَلْنَاکَ بِوَلاَیَةِ أُمُورِنَا عَنْ أَهْلِکَ وَ تِجَارَتِکَ وَ صَنْعَتِکَ فَهُوَ لَکَ فَالْتَفَتَ إِلَی عَلِیٍّ فَقَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ قَالَ قَدْ أَشَارُوا عَلَیْکَ قَالَ فَقُلْ أَنْتَ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَجْعَلُ یَقِینَکَ ظَنّاً فَلَمْ یَفْهَمْ عُمَرُ قَوْلَهُ فَقَالَ لَتَخْرُجَنَّ مِمَّا قُلْتَ قَالَ أَجَلْ وَ اللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ مِنْهُ أَ تَذْکُرُ حِینَ بَعَثَکَ رَسُولُ اللَّهِ ص سَاعِیاً (1) فَأَتَیْتَ اَلْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَمَنَعَکَ صَدَقَتَهُ فَکَانَ بَیْنَکُمَا شَیْءٌ فَجِئْتُمَا إِلَیَّ وَ قُلْتُمَا انْطَلِقْ مَعَنَا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَجِئْنَا إِلَیْهِ فَوَجَدْنَاهُ خَاثِراً (2) فَرَجَعْنَا ثُمَّ غَدَوْنَا عَلَیْهِ فَوَجَدْنَاهُ طَیِّبَ النَّفْسِ فَأَخْبَرْتَهُ بِالَّذِی صَنَعَ اَلْعَبَّاسُ فَقَالَ لَکَ یَا عُمَرُ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِیهِ فَذَکَرْنَا لَهُ مَا رَأَیْنَا مِنْ خُثُورِهِ فِی الْیَوْمِ الْأَوَّلِ وَ طِیبِ نَفْسِهِ فِی الْیَوْمِ الثَّانِی فَقَالَ إِنَّکُمْ أَتَیْتُمْ فِی الْیَوْمِ الْأَوَّلِ وَ قَدْ بَقِیَ عِنْدِی مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ دِینَارَانِ فَکَانَ مَا رَأَیْتُمْ مِنْ خُثُورِی لِذَلِکَ وَ أَتَیْتُمْ فِی الْیَوْمِ الثَّانِی وَ قَدْ وَجَّهْتُهُمَا فَذَاکَ الَّذِی رَأَیْتُمْ مِنْ طِیبِ نَفْسِی أُشِیرُ عَلَیْکَ أَلاَّ تَأْخُذَ مِنْ هَذَا الْفَضْلِ شَیْئاً وَ أَنْ تَفُضَّهُ عَلَی فُقَرَاءِ اَلْمُسْلِمِینَ فَقَالَ صَدَقْتَ وَ اللَّهِ لَأَشْکُرَنَّ لَکَ الْأُولَی وَ الْأَخِیرَةَ

.

3263

14,1- وَ رَوَی أَبُو سَعِیدٍ الْخُدْرِیُّ قَالَ حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ أَوَّلَ حَجَّةٍ حَجَّهَا فِی خِلاَفَتِهِ فَلَمَّا دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ الْحَرَامَ دَنَا مِنَ اَلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ وَ اسْتَلَمَهُ وَ قَالَ إِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّکَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَ لاَ تَنْفَعُ وَ لَوْ لاَ أَنِّی رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص قَبَّلَکَ وَ اسْتَلَمَکَ لَمَا قَبَّلْتُکَ وَ لاَ اسْتَلَمْتُکَ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ بَلَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّهُ لَیَضُرُّ وَ یَنْفَعُ وَ لَوْ عَلِمْتَ تَأْوِیلَ ذَلِکَ مِنْ کِتَابِ اللَّهِ لَعَلِمْتَ أَنَّ الَّذِی أَقُولُ لَکَ کَمَا أَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلیٰ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ

ص :100

بِرَبِّکُمْ قٰالُوا بَلیٰ (1) فَلَمَّا أَشْهَدَهُمْ وَ أَقَرُّوا لَهُ أَنَّهُ الرَّبُّ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنَّهُمُ الْعَبِیدُ کَتَبَ مِیثَاقَهُمْ فِی رَقٍّ ثُمَّ أَلْقَمَهُ هَذَا الْحَجَرَ وَ إِنَّ لَهُ لَعَیْنَیْنِ وَ لِسَاناً وَ شَفَتَیْنِ تَشْهَدُ لِمَنْ وَافَاهُ بِالْمُوَافَاةِ فَهُوَ أَمِینُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی هَذَا الْمَکَانِ فَقَالَ عُمَرُ لاَ أَبْقَانِیَ اللَّهُ بِأَرْضٍ لَسْتَ بِهَا یَا أَبَا الْحَسَنِ

.

قلت قد وجدنا فی الآثار و الأخبار فی سیرة عمر أشیاء تناسب قوله فی هذا الحجر الأسود کما أمر بقطع الشجرة التی بویع رسول اللّه ص تحتها بیعة الرضوان فی عمرة الحدیبیة لأن المسلمین بعد وفاة رسول اللّه ص کانوا یأتونها فیقیلون تحتها فلما تکرر ذلک أوعدهم عمر فیها ثمّ أمر بها فقطعت.

3264

وَ رَوَی اَلْمُغِیرَةُ بْنُ سُوَیْدٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عُمَرَ فِی حَجَّةٍ حَجَّهَا فَقَرَأَ بِنَا فِی الْفَجْرِ أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بِأَصْحٰابِ الْفِیلِ (2) وَ لِإِیلاٰفِ قُرَیْشٍ (3) فَلَمَّا فَرَغَ رَأَی النَّاسَ یُبَادِرُونَ إِلَی مَسْجِدٍ هُنَاکَ فَقَالَ مَا بَالُهُمْ قَالُوا مَسْجِدٌ صَلَّی فِیهِ اَلنَّبِیُّ ص وَ النَّاسُ یُبَادِرُونَ إِلَیْهِ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ هَکَذَا هَلَکَ أَهْلُ الْکِتَابِ قَبْلَکُمْ اتَّخَذُوا آثَارَ أَنْبِیَائِهِمْ بِیَعاً مَنْ عَرَضَتْ لَهُ صَلاَةٌ فِی هَذَا الْمَسْجِدِ فَلْیُصَلِّ وَ مَنْ لَمْ تَعْرِضْ لَهُ صَلاَةٌ فَلْیَمْضِ.

3265

وَ أَتَی رَجُلٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ إِلَی عُمَرَ فَقَالَ إِنَّا لَمَّا فَتَحْنَا اَلْمَدَائِنَ أَصَبْنَا کِتَاباً فِیهِ عِلْمٌ مِنْ عُلُومِ اَلْفُرْسِ وَ کَلاَمٌ مُعْجَبٌ فَدَعَا بِالدِّرَّةِ فَجَعَلَ یَضْرِبُهُ بِهَا ثُمَّ قَرَأَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ (4) وَ یَقُولُ وَیْلَکَ أَ قَصَصٌ أَحْسَنُ مِنْ کِتَابِ اللَّهِ إِنَّمَا هَلَکَ

ص :101

مَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ لِأَنَّهُمْ أَقْبَلُوا عَلَی کُتُبِ عُلَمَائِهِمْ وَ أَسَاقِفَتِهِمْ وَ تَرَکُوا اَلتَّوْرَاةَ وَ اَلْإِنْجِیلَ حَتَّی دَرَسَا وَ ذَهَبَ مَا فِیهِمَا مِنَ الْعِلْمِ.

3266

وَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَی عُمَرَ فَقَالَ إِنَّ ضُبَیْعاً التَّمِیمِیَّ لَقِیَنَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَجَعَلَ یَسْأَلُنَا عَنْ تَفْسِیرِ حُرُوفٍ مِنَ اَلْقُرْآنِ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَمْکِنِّی مِنْهُ فَبَیْنَا عُمَرُ یَوْماً جَالِسٌ یُغَدِّی النَّاسَ إِذْ جَاءَهُ اَلضُبَیْعُ وَ عَلَیْهِ ثِیَابٌ وَ عِمَامَةٌ فَتَقَدَّمَ فَأَکَلَ حَتَّی إِذَا فَرَغَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا مَعْنَی قَوْلِهِ تَعَالَی وَ الذّٰارِیٰاتِ ذَرْواً فَالْحٰامِلاٰتِ وِقْراً (1) قَالَ وَیْحَکَ أَنْتَ هُوَ فَقَامَ إِلَیْهِ فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَیْهِ فَلَمْ یَزَلْ یَجْلِدُهُ حَتَّی سَقَطَتْ عِمَامَتُهُ فَإِذَا لَهُ ضَفِیرَتَانِ فَقَالَ وَ الَّذِی نَفْسُ عُمَرَ بِیَدِهِ لَوْ وَجَدْتُکَ مَحْلُوقاً لَضَرَبْتُ رَأْسَکَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَجُعِلَ فِی بَیْتٍ ثُمَّ کَانَ یُخْرِجُهُ کُلَّ یَوْمٍ فَیَضْرِبُهُ مِائَةً فَإِذَا بَرَأَ أَخْرَجَهُ فَضَرَبَهُ مِائَةً أُخْرَی ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَی قَتَبٍ وَ سَیَّرَهُ إِلَی اَلْبَصْرَةِ وَ کَتَبَ إِلَی أَبِی مُوسَی یَأْمُرُهُ أَنْ یُحَرِّمَ عَلَی النَّاسِ مُجَالَسَتَهُ وَ أَنْ یَقُومَ فِی النَّاسِ خَطِیباً ثُمَّ یَقُولَ إِنَّ ضُبَیْعاً قَدِ ابْتَغَی الْعِلْمَ فَأَخْطَأَهُ فَلَمْ یَزَلْ وَضِیعاً فِی قَوْمِهِ وَ عِنْدَ النَّاسِ حَتَّی هَلَکَ وَ قَدْ کَانَ مِنْ قَبْلُ سَیِّدَ قَوْمِهِ.

3267

وَ قَالَ عُمَرُ عَلَی اَلْمِنْبَرِ أَلاَ إِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْیِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ أَعْیَتْهُمُ الْأَحَادِیثُ أَنْ یَحْفَظُوهَا فَأَفْتَوْا بِآرَائِهِمْ فَضَلُّوا وَ أَضَلُّوا أَلاَ إِنَّا نَقْتَدِی وَ لاَ نَبْتَدِی وَ نَتَّبِعُ وَ لاَ نَبْتَدِعُ إِنَّهُ مَا ضَلَّ مُتَمَسِّکٌ بِالْأَثَرِ.

3268

وَ رَوَی زَیْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِیهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ یَقُولُ فِی الْحَجِّ فِیمَ الرَّمْلاَنُ (2) الْآنَ وَ الْکَشْفُ عَنِ الْمَنَاکِبِ وَ قَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ اَلْإِسْلاَمَ وَ نَفَی الْکُفْرَ وَ أَهْلَهُ وَ مَعَ ذَلِکَ لاَ نَدَعُ شَیْئاً کُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص .

ص :102

3269

مَرَّ عُمَرُ بِرَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ فَرَدَّ عَلَیْهِ فَقَالَ مَا اسْمُکَ قَالَ جَمْرَةُ قَالَ أَبُو مَنْ قَالَ أَبُو شِهَابٍ قَالَ مِمَّنْ قَالَ مِنَ اَلْحَرْقَةِ قَالَ وَ أَیْنَ مَسْکَنُکَ قَالَ بِحَرَّةِ النَّارِ قَالَ بِأَیِّهَا قَالَ بِذَاتِ لَظًی فَقَالَ وَیْحَکَ أَدْرِکْ أَهْلَکَ فَقَدِ احْتَرَقُوا فَمَضَی عَلَیْهِمْ فَوَجَدَهُمْ قَدِ احْتَرَقُوا.

3270

وَ رَوَی اَللَّیْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ أُتِیَ عُمَرُ بِفَتًی أَمْرَدَ قَدْ وُجِدَ قَتِیلاً مُلْقًی عَلَی وَجْهِ الطَّرِیقِ فَسَأَلَ عَنْ أَمْرِهِ وَ اجْتَهَدَ فَلَمْ یَقِفْ لَهُ عَلَی خَبَرٍ فَشَقَّ عَلَیْهِ فَکَانَ یَدْعُو وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ أَظْفِرْنِی بِقَاتِلِهِ حَتَّی إِذَا کَانَ رَأْسَ الْحَوْلِ أَوْ قَرِیباً مِنْ ذَلِکَ وُجِدَ طِفْلٌ مَوْلُودٌ مُلْقًی فِی مَوْضِعِ ذَلِکَ الْقَتِیلِ فَأُتِیَ بِهِ عُمَرُ فَقَالَ ظَفِرْتُ بِدَمِ الْقَتِیلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی فَدَفَعَ الطِّفْلَ إِلَی امْرَأَةٍ وَ قَالَ لَهَا قُومِی بِشَأْنِهِ وَ خُذِی مِنَّا نَفَقَتَهُ وَ انْظُرِی مَنْ یَأْخُذُهُ مِنْکَ فَإِذَا وَجَدْتِ امْرَأَةً تُقَبِّلُهُ وَ تَضُمُّهُ إِلَی صَدْرِهَا فَأَعْلِمِینِی مَکَانَهَا فَلَمَّا شَبَّ الصَّبِیُّ جَاءَتْ جَارِیَةٌ فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ إِنَّ سَیِّدَتِی بَعَثَتْنِی إِلَیْکِ لِتَبْعَثِی إِلَیْهَا بِهَذَا الصَّبِیِّ فَتَرَاهُ وَ تَرُدُّهُ إِلَیْکِ قَالَتْ نَعَمْ اذْهَبِی بِهِ إِلَیْهَا وَ أَنَا مَعَکِ فَذَهَبَتْ بِالصَّبِیِّ حَتَّی دَخَلَتْ عَلَی امْرَأَةٍ شَابَّةٍ فَأَخَذَتِ الصَّبِیَّ فَجَعَلَتْ تُقَبِّلُهُ وَ تَفْدِیهِ وَ تَضُمُّهُ إِلَیْهَا وَ إِذَا هِیَ بِنْتُ شَیْخٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَجَاءَتِ الْمَرْأَةُ وَ أَخْبَرَتْ عُمَرَ فَاشْتَمَلَ عَلَی سَیْفِهِ وَ أَقْبَلَ إِلَی مَنْزِلِهَا فَوَجَدَ أَبَاهَا مُتَّکِئاً عَلَی الْبَابِ فَقَالَ لَهُ مَا الَّذِی تَعْلَمُ مِنْ حَالِ ابْنَتِکَ قَالَ أَعْرَفُ النَّاسِ بِحَقِّ اللَّهِ وَ حَقِّ أَبِیهَا مَعَ حُسْنِ صَلاَتِهَا وَ صِیَامِهَا وَ الْقِیَامِ بِدِینِهَا فَقَالَ إِنِّی أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ إِلَیْهَا وَ أُزَیِّدَهَا رَغْبَةً فِی الْخَیْرِ فَدَخَلَ الشَّیْخُ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ ادْخُلْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَدَخَلَ وَ أَمَرَ أَنْ یَخْرُجَ کُلُّ مَنْ فِی الدَّارِ إِلاَّ أَبَاهَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنِ الصَّبِیِّ فَلَجْلَجَتْ فَقَالَ لَتَصْدُقِینِی ثُمَّ انْتَضَی السَّیْفَ فَقَالَتْ عَلَی رِسْلِکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَوَ اللَّهِ لَأَصْدُقَنَّکَ إِنَّ عَجُوزاً کَانَتْ تَدْخُلُ عَلَیَّ فَاتَّخَذْتُهَا أُمّاً وَ کَانَتْ تَقُومُ فِی أَمْرِی بِمَا تَقُومُ بِهِ الْوَالِدَةُ وَ أَنَا لَهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنْتِ

ص :103

فَمَکَثْتُ کَذَلِکَ حِیناً ثُمَّ قَالَتْ إِنَّهُ قَدْ عَرَضَ لِی سَفَرٌ وَ لِی بِنْتٌ أَتَخَوَّفُ عَلَیْهَا بَعْدِی الضَّیْعَةَ وَ أَنَا أُحِبُّ أَنْ أَضُمَّهَا إِلَیْکِ حَتَّی أَرْجِعَ مِنْ سَفَرِی ثُمَّ عَمَدَتْ إِلَی ابْنٍ لَهَا أَمْرَدَ فَهَیَّأَتْهُ وَ زَیَّنَتْهُ کَمَا تُزَیَّنُ الْمَرْأَةُ وَ أَتَتْنِی بِهِ وَ لاَ أَشُکُّ أَنَّهُ جَارِیَةٌ فَکَانَ یَرَی مِنِّی مَا تَرَی الْمَرْأَةُ مِنَ الْمَرْأَةِ فَاغْتَفَلَنِی یَوْماً وَ أَنَا نَائِمَةٌ فَمَا شَعَرْتُ بِهِ حَتَّی عَلاَنِی وَ خَالَطَنِی فَمَدَدْتُ یَدِی إِلَی شَفْرَةٍ کَانَتْ عِنْدِی فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ أَمَرْتُ بِهِ فَأُلْقِیَ حَیْثُ رَأَیْتَ فَاشْتَمَلْتُ مِنْهُ عَلَی هَذَا الصَّبِیِّ فَلَمَّا وَضَعْتُهُ أَلْقَیْتُهُ فِی مَوْضِعِ أَبِیهِ هَذَا وَ اللَّهِ خَبَرُهُمَا عَلَی مَا أَعْلَمْتُکَ فَقَالَ عُمَرُ صَدَقْتِ بَارَکَ اللَّهُ فِیکِ ثُمَّ أَوْصَاهَا وَ وَعَظَهَا وَ خَرَجَ وَ کَانَ عُمَرُ یَقُولُ لَوْ أَدْرَکْتُ عُرْوَةَ وَ عَفْرَاءَ لَجَمَعْتُ بَیْنَهُمَا.

3271

ذَکَرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ یَوْماً عُمَرَ فَتَرَحَّمَ عَلَیْهِ وَ قَالَ مَا رَأَیْتُ أَحَداً أَتْقَی مِنْهُ وَ لاَ أَعْمَلَ بِالْحَقِّ مِنْهُ لاَ یُبَالِی عَلَی مَنْ وَقَعَ الْحَقُّ مِنْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ إِنِّی لَفِی مَنْزِلِی بِمِصْرَ ضُحًی إِذْ أَتَانِی آتٍ فَقَالَ قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَا عُمَرَ غَازِیَیْنِ فَقُلْتُ أَیْنَ نَزَلاَ قَالَ فِی مَوْضِعِ کَذَا لِأَقْصَی مِصْرَ وَ قَدْ کَانَ عُمَرُ کَتَبَ إِلَیَّ إِیَّاکَ وَ أَنْ یَقْدَمَ عَلَیْکَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی فَتُجِیزَهُ أَوْ تَحْبُوهُ بِأَمْرٍ لاَ تَصْنَعُهُ بِغَیْرِهِ فَأَفْعَلَ بِکَ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ فَضِقْتُ ذَرْعاً بِقُدُومِهِمَا وَ لاَ أَسْتَطِیعُ أَنْ أُهْدِیَ لَهُمَا وَ لاَ أَنْ آتِیَهُمَا فِی مَنْزِلِهِمَا خَوْفاً مِنْ أَبِیهِمَا فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَعَلَی مَا أَنَا عَلَیْهِ وَ إِذَا قَائِلٌ یَقُولُ هَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بِالْبَابِ وَ أَبُو سَرْوَعَةَ یَسْتَأْذِنَانِ عَلَیْکَ فَقُلْتُ یَدْخُلاَنِ فَدَخَلاَ وَ هُمَا مُنْکَسِرَانِ فَقَالاَ أَقِمْ عَلَیْنَا حَدَّ اللَّهِ فَإِنَّا أَصَبْنَا اللَّیْلَةَ شَرَاباً فَسَکَرْنَا فَزَبَرْتُهُمَا وَ طَرَدْتُهُمَا وَ قُلْتُ ابْنُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ آخَرُ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ أَخْبَرْتُ أَبِی إِذَا قَدِمْتُ عَلَیْهِ أَنَّکَ لَمْ تَفْعَلْ فَعَلِمْتُ أَنِّی إِنْ لَمْ أُقِمْ عَلَیْهِمَا الْحَدَّ غَضِبَ عُمَرُ وَ عَزَلَنِی فَنَحْنُ عَلَی مَا نَحْنُ عَلَیْهِ

ص :104

إِذْ دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقُمْتُ إِلَیْهِ وَ رَحَّبْتُ بِهِ وَ أَرَدْتُ أَنْ أُجْلِسَهُ فِی صَدْرِ مَجْلِسِی فَأَبَی عَلَیَّ وَ قَالَ إِنَّ أَبِی نَهَانِی أَنْ أَدْخُلَ عَلَیْکَ إِلاَّ أَلاَّ أَجِدَ مِنَ الدُّخُولِ بُدّاً وَ إِنِّی لَمْ أَجِدْ مِنَ الدُّخُولِ عَلَیْکَ بُدّاً إِنَّ أَخِی لاَ یُحْلَقُ عَلَی رُءُوسِ النَّاسِ أَبَداً فَأَمَّا الضَّرْبُ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَکَ قَالَ وَ کَانُوا یُحْلَقُونَ مَعَ الْحَدِّ فَأَخْرَجْتُهُمَا إِلَی صَحْنِ الدَّارِ وَ ضَرَبْتُهُمَا الْحَدَّ وَ دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِأَخِیهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَی بَیْتٍ مِنَ الدَّارِ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَ حَلَقَ أَبَا سَرْوَعَةَ وَ اللَّهِ مَا کَتَبْتُ إِلَی عُمَرَ بِحَرْفٍ مِمَّا کَانَ وَ إِذَا کِتَابُهُ قَدْ وَرَدَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی الْعَاصِی ابْنِ الْعَاصِی عَجِبْتُ لَکَ یَا ابْنَ الْعَاصِی وَ لِجُرْأَتِکَ عَلَیَّ وَ مُخَالَفَتِکَ عَهْدِی أَمَا إِنِّی خَالَفْتُ فِیکَ أَصْحَابَ بَدْرٍ وَ مَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنْکَ وَ اخْتَرْتُکَ وَ أَنْتَ الْخَامِلُ وَ قَدَّمْتُکَ وَ أَنْتَ الْمُؤَخَّرُ وَ أَخْبَرَنِی النَّاسُ بِجُرْأَتِکَ وَ خِلاَفِکَ وَ أَرَاکَ کَمَا أَخْبَرُوا وَ مَا أَرَانِی إِلاَّ عَازِلُکَ فَمُسِیءٌ عَزْلُکَ وَیْحَکَ تَضْرِبُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُمَرَ فِی دَاخِلِ بَیْتِکَ وَ تَحْلِقُ رَأْسَهُ فِی دَاخِلِ بَیْتِکَ وَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ فِی هَذَا مُخَالَفَتِی وَ إِنَّمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَجُلٌ مِنْ رَعِیَّتِکَ تَصْنَعُ بِهِ مَا تَصْنَعُ بِغَیْرِهِ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ وَ لَکِنْ قُلْتَ هُوَ وَلَدُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ قَدْ عَرَفْتَ أَلاَّ هَوَادَةَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ عِنْدِی فِی حَقٍّ یَجِبُ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِذَا جَاءَکَ کِتَابِی هَذَا فَابْعَثْ بِهِ فِی عَبَاءَةٍ عَلَی قَتَبٍ حَتَّی یَعْرِفَ سُوءَ مَا صَنَعَ قَالَ فَبَعَثْتُ بِهِ کَمَا قَالَ أَبُوهُ وَ أَقْرَأْتُ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ کِتَابَ أَبِیهِمَا وَ کَتَبْتُ إِلَی عُمَرَ کِتَاباً أَعْتَذِرُ فِیهِ وَ أَخْبَرْتُهُ أَنِّی ضَرَبْتُهُ فِی صَحْنِ الدَّارِ وَ حَلَفْتُ بِاللَّهِ الَّذِی لاَ یُحْلَفُ بِأَعْظَمَ مِنْهُ أَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِی أُقِیمُ فِیهِ الْحُدُودَ عَلَی اَلْمُسْلِمِ وَ اَلذِّمِّیِّ وَ بَعَثْتُ بِالْکِتَابِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَکَرَ أَسْلَمُ مَوْلَی عُمَرَ قَالَ قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بِأَخِیهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَی أَبِیهِمَا فَدَخَلَ عَلَیْهِ فِی عَبَاءَةٍ وَ هُوَ لاَ یَقْدِرُ عَلَی الْمَشْیِ مِنْ مَرْکَبِهِ فَقَالَ یَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَعَلْتَ وَ فَعَلْتَ السِّیَاطَ السِّیَاطَ فَکَلَّمَهُ

ص :105

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ أُقِیمَ عَلَیْهِ الْحَدُّ مَرَّةً فَلَمْ یَلْتَفِتْ إِلَیْهِ وَ زَبَرَهُ فَأَخَذَتْهُ السِّیَاطُ وَ جَعَلَ یَصِیحُ أَنَا مَرِیضٌ وَ أَنْتَ وَ اللَّهِ قَاتِلِی فَلَمْ یَرِقَّ لَهُ حَتَّی اسْتَوْفَی الْحَدَّ وَ حَبَسَهُ ثُمَّ مَرِضَ شَهْراً وَ مَاتَ.

3272

14,1- وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ قَالَ خَطَبَ عُمَرُ أُمَّ کُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِیٍّ ع فَقَالَ لَهُ إِنَّهَا صَغِیرَةٌ فَقَالَ زَوِّجْنِیهَا یَا أَبَا الْحَسَنِ فَإِنِّی أَرْصُدُ مِنْ کَرَامَتِهَا مَا لاَ یَرْصُدُهُ أَحَدٌ فَقَالَ أَنَا أَبْعَثُهَا إِلَیْکَ فَإِنْ رَضِیتَهَا زَوَّجْتُکَهَا فَبَعَثَهَا إِلَیْهِ بِبُرْدٍ وَ قَالَ لَهَا قُولِی هَذَا الْبَرْدُ الَّذِی ذَکَرْتُهُ لَکَ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِکَ فَقَالَ قُولِی لَهُ قَدْ رَضِیتُهُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْکَ وَ وَضَعَ یَدَهُ عَلَی سَاقِهَا فَقَالَتْ لَهُ أَ تَفْعَلُ هَذَا لَوْ لاَ أَنَّکَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ لَکَسَرْتُ أَنْفَکَ ثُمَّ جَاءَتْ أَبَاهَا فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ وَ قَالَتْ بَعَثْتَنِی إِلَی شَیْخِ سُوءٍ قَالَ مَهْلاً یَا بُنَیَّةِ إِنَّهُ زَوْجُکِ فَجَاءَ عُمَرُ إِلَی مَجْلِسِ اَلْمُهَاجِرِینَ فِی اَلرَّوْضَةِ وَ کَانَ یَجْلِسُ فِیهَا اَلْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ فَقَالَ رَفِّئُونِی (1) رَفِّئُونِی قَالُوا بِمَا ذَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ تَزَوَّجْتُ أُمَّ کُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ کُلُّ سَبَبٍ وَ نَسَبٍ وَ صِهْرٍ یَنْقَطِعُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِلاَّ سَبَبِی وَ نَسَبِی وَ صِهْرِی

.

3273

وَ کَتَبَ عُثْمَانُ إِلَی أَبِی مُوسَی إِذَا جَاءَکَ کِتَابِی هَذَا فَأَعْطِ النَّاسَ أَعْطَیَاتِهِمْ وَ احْمِلْ مَا بَقِیَ إِلَیَّ فَفَعَلَ وَ جَاءَ زَیْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِالْمَالِ فَوَضَعَهُ بَیْنَ یَدَیْ عُثْمَانَ فَجَاءَ ابْنٌ لِعُثْمَانَ فَأَخَذَ مِنْهُ أُسْتَانْدَانَةً مِنْ فِضَّةٍ فَمَضَی بِهَا فَبَکَی زَیْدٌ قَالَ عُثْمَانُ مَا یُبْکِیکَ قَالَ أَتَیْتُ عُمَرَ مِثْلَ مَا أَتَیْتُکَ بِهِ فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَأَخَذَ دِرْهَماً فَأَمَرَ بِهِ فَانْتُزِعَ مِنْهُ حَتَّی أَبْکَی

ص :106

الْغُلاَمَ وَ أَنَّ ابْنَکَ قَدْ أَخَذَ هَذِهِ فَلَمْ أَرَ أَحَداً قَالَ شَیْئاً فَقَالَ عُثْمَانُ إِنَّ عُمَرَ کَانَ یَمْنَعُ أَهْلَهُ وَ قَرَابَتَهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ أَنَا أُعْطِی أَهْلِی وَ أَقَارِبِی ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ لَنْ تَلْقَی مِثْلَ عُمَرَ .

3274

وَ رَوَی إِسْمَاعِیلُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ قِیلَ لِعُثْمَانَ أَ لاَ تَکُونُ مِثْلَ عُمَرَ قَالَ لاَ أَسْتَطِیعُ أَنْ أَکُونَ مِثْلَ لُقْمَانَ الْحَکِیمِ .

3275

ذَکَرَتْ عَائِشَةُ عُمَرَ فَقَالَتْ کَانَ أَجْوَدَنَا نَسِیجَ وَحْدِهِ قَدْ أَعَدَّ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا.

3276

جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ بَعْدَ أَنْ صَلَّی النَّاسُ عَلَی عُمَرَ فَقَالَ إِنْ کُنْتُمْ سَبَقْتُمُونِی بِالصَّلاَةِ عَلَیْهِ فَلاَ تَسْبِقُونِی بِالثَّنَاءِ عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ نِعْمَ أَخُو اَلْإِسْلاَمِ کُنْتَ یَا عُمَرُ جَوَاداً بِالْحَقِّ بَخِیلاً بِالْبَاطِلِ تَرْضَی حِینَ الرِّضَا وَ تَسْخَطُ حِینَ السَّخَطِ لَمْ تَکُنْ مَدَّاحاً وَ لاَ مِعْیَاباً طَیِّبَ الطَّرْفِ عَفِیفَ الطَّرْفِ.

3277

وَ رَوَی جُوَیْرِیَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ عَلَی عُمَرَ حِینَ أُصِیبَ فَرَأَیْتُهُ قَدْ عَصَّبَ بَطْنَهُ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَ الدَّمُ یَسِیلُ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ أَوْصِنَا فَقَالَ عَلَیْکُمْ بِکِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّکُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا اتَّبَعْتُمُوهُ فَأَعَدْنَا الْقَوْلَ عَلَیْهِ ثَانِیَةً أَوْصِنَا قَالَ أُوصِیکُمْ بِالْمُهَاجِرِینَ فَإِنَّ النَّاسَ سَیُکْثِرُونَ وَ یُقِلُّونَ وَ أُوصِیکُمْ بِالْأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ شُعَبُ اَلْإِسْلاَمِ الَّذِی لَجَأَ إِلَیْهِ وَ أُوصِیکُمْ بِالْأَعْرَابِ فَإِنَّهُمْ أَصْلُکُمُ الَّذِی لَجَأْتُمْ إِلَیْهِ وَ مَأْوَاکُمْ وَ أُوصِیکُمْ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ عَهْدُ نَبِیِّکُمْ وَ رِزْقُ عِیَالِکُمْ قُومُوا عَنِّی.

ص :107

فَلَمْ أَحْفَظْ مِنْ کَلاَمِهِ إِلاَّ هَذِهِ الْکَلِمَاتِ.

3278

1- وَ رَوَی عَمْرُو بْنُ مَیْمُونٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ وَ هُوَ یَقُولُ وَ قَدْ أَشَارَ إِلَی السِّتَّةِ وَ لَمْ یُکَلِّمْ أَحَداً مِنْهُمْ إِلاَّ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ عُثْمَانَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ فَقَالَ لِمَنْ کَانَ عِنْدَهُ إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَی رَجُلٍ فَمَنْ خَالَفَ فَلْتُضْرَبْ رَقَبَتُهُ ثُمَّ قَالَ إِنْ یُوَلُّوهَا اَلْأَجْلَحَ (1) یَسْلُکْ بِهِمُ الطَّرِیقَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ فَمَا یَمْنَعُکَ مِنَ الْعَهْدِ إِلَیْهِ قَالَ أَکْرَهُ أَنْ أَتَحَمَّلَهَا حَیّاً وَ مَیِّتاً

.

وَ بِالسَّیْرِ فِیکُمْ کَیْفَ أَسِیرُ فَرَبِّی الْمُسْتَعَانُ فَإِنَّ عُمَرَ لَمْ یُصْبِحْ یَثِقُ بِقُوَّةٍ وَ لاَ حِیلَةٍ إِنْ لَمْ یَتَدَارَکْهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَ عَوْنِهِ (1) .

أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَلاَّنِی أَمْرَکُمْ وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنْفَعَ مَا لَکُمْ وَ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ یُعِینَنِی عَلَیْهِ وَ أَنْ یَحْرُسَنِی عِنْدَهُ کَمَا حَرَسَنِی عِنْدَ غَیْرِهِ وَ أَنْ یُلْهِمَنِی الْعَدْلَ فِی قَسْمِکُمْ کَالَّذِی أَمَرَ بِهِ فَإِنِّی امْرُؤٌ مُسْلِمٌ وَ عَبْدٌ ضَعِیفٌ إِلاَّ مَا أَعَانَ اللَّهُ وَ لَنْ یُغَیِّرَ الَّذِی وَلِیتُ مِنْ خِلاَفَتِکُمْ مِنْ خُلُقِی شَیْئاً إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِنَّمَا الْعَظَمَةُ لِلَّهِ وَ لَیْسَ لِلْعِبَادِ مِنْهَا شَیْءٌ فَلاَ یَقُولَنَّ أَحَدُکُمْ إِنَّ عُمَرَ تَغَیَّرَ مُنْذُ وَلِیَ وَ إِنِّی أَعْقِلُ الْحَقَّ مِنْ نَفْسِی وَ أَتَقَدَّمُ وَ أُبَیِّنُ لَکُمْ أَمْرِی فَأَیُّمَا رَجُلٍ کَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ أَوْ ظُلِمَ مَظْلِمَةً أَوْ عَتَبَ عَلَیْنَا فِی خُلُقٍ فَلْیُؤْذِنِّی فَإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْکُمْ فَعَلَیْکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ فِی سِرِّکُمْ وَ عَلاَنِیَتِکُمْ وَ حُرُمَاتِکُمْ وَ أَعْرَاضِکُمْ وَ أَعْطُوا الْحَقَّ مِنْ أَنْفُسِکُمْ وَ لاَ یَحْمِلُ بَعْضُکُمْ بَعْضاً عَلَی أَلاَّ تَتَحَاکَمُوا إِلَیَّ فَإِنَّهُ لَیْسَ بَیْنِی وَ بَیْنَ أَحَدٍ هَوَادَةٌ وَ أَنَا حَبِیبٌ إِلَی صَلاَحِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیَّ عَنَتُکُمْ وَ أَنْتُمْ أُنَاسٌ عَامَّتُکُمْ حَضَرَ فِی بِلاَدِ اللَّهِ وَ أَهْلُ بَلَدٍ لاَ زَرْعٌ فِیهِ وَ لاَ ضَرْعٌ إِلاَّ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ إِلَیْهِ وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ وَعَدَکُمُ کَرَامَةً کَبِیرَةً وَ أَنَا مَسْئُولٌ عَنْ أَمَانَتِی وَ مَا أَنَا فِیهِ وَ مَطْلَعٌ عَلَی مَا یَحْضُرُنِی بِنَفْسِی إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَکِلُهُ إِلَی أَحَدٍ وَ لاَ أَسْتَطِیعُ مَا بَعُدَ مِنْهُ إِلاَّ بِالْأُمَنَاءِ وَ أَهْلِ النُّصْحِ مِنْکُمْ لِلْعَامَّةِ وَ لَسْتُ أَحْمِلُ أَمَانَتِی إِلَی أَحَدٍ سِوَاهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (2) .

3281

وَ خَطَبَ عُمَرُ مَرَّةً أُخْرَی فَقَالَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَ الصَّلاَةِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص

ص :109

أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ [بَعْضَ]

(1) الطَّمَعِ فَقْرٌ وَ إِنَّ بَعْضَ الْیَأْسِ غِنًی وَ إِنَّکُمْ تَجْمَعُونَ مَا لاَ تَأْکُلُونَ وَ تُؤَمِّلُونَ مَا لاَ تُدْرِکُونَ وَ أَنْتُمْ مُؤَجَّلُونَ فِی دَارِ غُرُورٍ وَ قَدْ کُنْتُمْ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص تُؤْخَذُونَ بِالْوَحْیِ وَ مَنْ أَسَرَّ شَیْئاً أُخِذَ بِسَرِیرَتِهِ وَ مَنْ أَعْلَنَ شَیْئاً أُخِذَ بِعَلاَنِیَتِهِ فَأَظْهِرُوا لَنَا حُسْنَ أَخْلاَقِکُمْ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ فَإِنَّهُ مَنْ أَظْهَرَ لَنَا قَبِیحاً وَ زَعَمَ أَنَّ سَرِیرَتَهُ حَسَنَةٌ لَمْ نُصَدِّقْهُ وَ مَنْ أَظْهَرَ لَنَا عَلاَنِیَةً حَسَنَةً ظَنَنَّا [بِهِ حَسَناً]

(2) وَ اعْلَمُوا أَنَّ بَعْضَ الشُّحِّ شُعْبَةٌ مِنَ النِّفَاقِ فَ أَنْفِقُوا خَیْراً لِأَنْفُسِکُمْ وَ مَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

أَیُّهَا النَّاسُ أَطِیبُوا مَثْوَاکُمْ وَ أَصْلِحُوا أُمُورَکُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّکُمْ وَ لاَ تُلْبِسُوا نِسَاءَکُمُ الْقَبَاطِیَّ (3) فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ یَشِفَّ (4) فَإِنَّهُ یَصِفُ.

أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی لَوَدِدْتُ أَنْ أَنْجُوَ کَفَافاً لاَ لِی وَ لاَ عَلَیَّ إِنِّی لَأَرْجُو إِنْ عُمِّرْتُ فِیکُمْ یَسِیراً أَوْ کَثِیراً أَنْ أَعْمَلَ فِیکُمْ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ أَلاَّ یَبْقَی أَحَدٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ وَ إِنْ کَانَ فِی بَیْتِهِ إِلاَّ أَتَاهُ حَقُّهُ وَ نَصِیبُهُ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَ إِنْ لَمْ یَعْمَلْ إِلَیْهِ نَفْسُهُ وَ لَمْ یَنْصِبْ إِلَیْهِ بَدَنُهُ فَأَصْلِحُوا أَمْوَالَکُمُ الَّتِی رَزَقَکُمُ اللَّهُ فَقَلِیلٌ فِی رِفْقٍ خَیْرٌ مِنْ کَثِیرٍ فِی عُنْفٍ.

وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْقَتْلَ حَتْفٌ مِنَ الْحُتُوفِ یُصِیبُ الْبَرَّ وَ الْفَاجِرَ وَ الشَّهِیدُ مَنِ احْتَسَبَ نَفْسَهُ وَ إِذَا أَرَادَ أَحَدُکُمْ بَعِیراً فَلْیَعْمِدْ إِلَی الطَّوِیلِ الْعَظِیمِ فَلْیَضْرِبْهُ بِعَصَاهُ فَإِنْ وَجَدَهُ حَدِیدَ الْفُؤَادِ فَلْیَشْتَرِهِ (5) .

3282

وَ خَطَبَ عُمَرُ مَرَّةً أُخْرَی فَقَالَ

ص :110

إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اسْتَوْجَبَ عَلَیْکُمُ الشُّکْرَ وَ اتَّخَذَ عَلَیْکُمُ الْحُجَجَ فِیمَا آتَاکُمْ مِنْ کَرَامَةِ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ مِنْ غَیْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْکُمْ وَ لاَ رَغْبَةٍ مِنْکُمْ فِیهِ إِلَیْهِ فَخَلَقَکُمْ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی وَ لَمْ تَکُونُوا شَیْئاً لِنَفْسِهِ وَ عِبَادَتِهِ وَ کَانَ قَادِراً أَنْ یَجْعَلَکُمْ لِأَهْوَنِ خَلْقِهِ عَلَیْهِ فَجَعَلَکُمْ عَامَّةَ خَلْقِهِ وَ لَمْ یَجْعَلْکُمْ لِشَیْءٍ غَیْرِهِ وَ سَخَّرَ لَکُمْ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَیْکُمْ نِعَمَهُ ظٰاهِرَةً وَ بٰاطِنَةً وَ حَمَلَکُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّبٰاتِ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ثُمَّ جَعَلَ لَکُمْ سَمْعاً وَ بَصَراً وَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَیْکُمْ نِعَمٌ عَمَّ بِهَا بَنِی آدَمَ وَ مِنْهَا نِعَمٌ اخْتَصَّ بِهَا أَهْلَ دِینِکُمْ ثُمَّ صَارَتْ تِلْکَ النِّعَمُ خَوَاصُّهَا فِی دَوْلَتِکُمْ وَ زَمَانِکُمْ وَ طَبَقَتِکُمْ وَ لَیْسَ مِنْ تِلْکَ النِّعَمِ نِعْمَةٌ وَصَلَتْ إِلَی امْرِئٍ خَاصَّةً إِلاَّ لَوْ قَسَمْتُمْ مَا وَصَلَ مِنْهَا بَیْنَ النَّاسِ کُلِّهِمْ أَتْعَبَهُمْ شُکْرُهَا وَ فَدَحَهُمْ حَقُّهَا إِلاَّ بِعَوْنِ اللَّهِ مَعَ الْإِیمَانِ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَأَنْتُمْ مُسْتَخْلَفُونَ فِی الْأَرْضِ قَاهِرُونَ لِأَهْلِهَا قَدْ نَصَرَ اللَّهُ دِینَکُمْ فَلَمْ تُصْبِحْ أُمَّةٌ مُخَالِفَةً لِدِینِکُمْ إِلاَّ أُمَّتَیْنِ أُمَّةً مُسْتَعْبِدَةً لِلْإِسْلاَمِ وَ أَهْلِهِ یَتَّجِرُونَ لَکُمْ تَسْتَصْفُونَ (1) مَعَایِشَهُمْ وَ کَدَائِحَهُمْ وَ رَشْحَ جِبَاهِهِمْ عَلَیْهِمُ الْمَئُونَةُ وَ لَکُمُ الْمَنْفَعَةُ وَ أُمَّةً تَنْتَظِرُ وَقَائِعَ اللَّهِ وَ سَطَوَاتِهِ فِی کُلِّ یَوْمٍ وَ لَیْلَةٍ قَدْ مَلَأَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ رُعْباً فَلَیْسَ لَهُمْ مَعْقِلٌ یَلْجَئُونَ إِلَیْهِ وَ لاَ مَهْرَبٌ یَتَّقُونَ بِهِ قَدْ دَهَمَتْهُمْ جُنُودُ اللَّهِ وَ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِمْ مَعَ رَفَاغَةِ (2) الْعَیْشِ وَ اسْتِفَاضَةِ الْمَالِ وَ تَتَابُعِ الْبُعُوثِ وَ سَدِّ الثُّغُورِ بِإِذْنِ اللَّهِ فِی الْعَافِیَةِ الْجَلِیلَةِ الْعَامَّةِ الَّتِی لَمْ تَکُنِ الْأُمَّةُ عَلَی أَحْسَنَ مِنْهَا مُنْذُ کَانَ اَلْإِسْلاَمُ وَ اللَّهُ الْمَحْمُودُ مَعَ الْفُتُوحِ الْعِظَامِ فِی کُلِّ بَلَدٍ فَمَا عَسَی أَنْ یَبْلُغَ شُکْرَ الشَّاکِرِینَ وَ ذِکْرَ الذَّاکِرِینَ وَ اجْتِهَادَ الْمُجْتَهِدِینَ مَعَ هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِی لاَ یُحْصَی عَدَدُهَا وَ لاَ یُقَدَّرُ قَدْرُهَا وَ لاَ یُسْتَطَاعُ أَدَاءُ حَقِّهَا إِلاَّ بِعَوْنِ اللَّهِ وَ رَحْمَتِهِ وَ لُطْفِهِ فَنَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِی أَبْلاَنَا هَذَا أَنْ یَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ وَ الْمُسَارَعَةَ إِلَی مَرْضَاتِهِ وَ اذْکُرُوا عِبَادَ اللَّهِ بَلاَءَ اللَّهِ عِنْدَکُمْ وَ اسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَ فِی مَجَالِسِکُمْ مَثْنَی وَ فُرَادَی فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَالَ لِمُوسَی

ص :111

أَخْرِجْ قَوْمَکَ مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَی النُّورِ وَ ذَکِّرْهُمْ بِأَیّٰامِ اللّٰهِ (1) وَ قَالَ لِمُحَمَّدٍ ص وَ اذْکُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِیلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِی الْأَرْضِ (2) فَلَوْ کُنْتُمْ إِذْ کُنْتُمْ مُسْتَضْعَفِینَ مَحْرُومِینَ خَیْرَ الدُّنْیَا عَلَی شُعْبَةٍ مِنَ الْحَقِّ تُؤْمِنُونَ بِهَا وَ تَسْتَرِیحُونَ إِلَیْهَا مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ وَ بِدِینِهِ وَ تَرْجُونَ الْخَیْرَ فِیمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَ لَکِنَّکُمْ کُنْتُمْ أَشَدَّ النَّاسِ عِیشَةً وَ أَعْظَمَ النَّاسِ بِاللَّهِ جَهَالَةً فَلَوْ کَانَ هَذَا الَّذِی ابْتَلاَکُمْ بِهِ لَمْ یَکُنْ مَعَهُ حَظٌّ فِی دُنْیَاکُمْ غَیْرَ أَنَّهُ ثِقَةٌ لَکُمْ فِی آخِرَتِکُمُ الَّتِی إِلَیْهَا الْمَعَادُ وَ الْمُنْقَلَبُ وَ أَنْتُمْ مِنْ جَهْدِ الْمَعِیشَةِ عَلَی مَا کُنْتُمْ عَلَیْهِ کُنْتُمْ أَحْرِیَاءَ أَنْ تَشُحُّوا عَلَی نَصِیبِکُمْ مِنْهُ وَ أَنْ تُظْهِرُوهُ عَلَی غَیْرِهِ فَبَلْهَ (3) أَمَا إِنَّهُ قَدْ جَمَعَ لَکُمْ فَضِیلَةَ الدُّنْیَا وَ کَرَامَةَ الْآخِرَةِ أَوْ لِمَنْ شَاءَ أَنْ یَجْمَعَ ذَلِکَ مِنْکُمْ فَأُذَکِّرُکُمُ اللَّهَ الْحَائِلَ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ إِلاَّ مَا عَرَفْتُمْ حَقَّ اللَّهِ وَ عَمِلْتُمْ لَهُ وَ سَیَّرْتُمْ أَنْفُسَکُمْ عَلَی طَاعَتِهِ وَ جَمَعْتُمْ مَعَ السُّرُورِ بِالنِّعَمِ خَوْفاً لِزَوَالِهَا وَ انْتِقَالِهَا وَ وَجِلاً مِنْ تَحْوِیلِهَا فَإِنَّهُ لاَ شَیْءَ أَسْلَبُ لِلنِّعْمَةِ مِنْ کُفْرَانِهَا وَ إِنَّ الشُّکْرَ أَمْنٌ لِلْغِیَرِ وَ نَمَاءٌ لِلنِّعْمَةِ وَ اسْتِجْلاَبٌ لِلزِّیَادَةِ وَ هَذَا عَلِیٌّ فِی أَمْرِکُمْ وَ نَهْیِکُمْ وَاجِبٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

3283

وَ رَوَی أَبُو عُبَیْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّی فِی کِتَابِ مَقَاتِلِ الْفُرْسَانِ قَالَ کَتَبَ عُمَرُ إِلَی سَلْمَانَ بْنِ رَبِیعَةَ الْبَاهِلِیِّ أَوْ إِلَی اَلنُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ أَنَّ فِی جُنْدِکَ رَجُلَیْنِ مِنَ اَلْعَرَبِ عَمْرَو بْنَ مَعْدِیکَرِبَ وَ طُلَیْحَةَ بْنَ خُوَیْلِدٍ فَأَحْضِرْهُمَا النَّاسَ وَ أَدِّبْهُمَا وَ شَاوِرْهُمَا فِی الْحَرْبِ وَ ابْعَثْهُمَا فِی الطَّلاَئِعِ وَ لاَ تُوَلِّهِمَا عَمَلاً مِنْ أَعْمَالِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ إِذَا وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا فَضَعْهُمَا حَیْثُ وَضَعَا أَنْفُسَهُمَا قَالَ وَ کَانَ عَمْرٌو ارْتَدَّ وَ طُلَیْحَةُ تَنَبَّأَ.

ص :112

3284

وَ رَوَی أَبُو عُبَیْدَةَ أَیْضاً فِی هَذَا الْکِتَابِ قَالَ قَدِمَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِیکَرِبَ وَ اَلْأَجْلَحُ بْنُ وَقَّاصٍ الْفَهْمِیُّ عَلَی عُمَرَ فَأَتَیَاهُ وَ بَیْنَ یَدَیْهِ مَالٌ یُوزَنُ فَقَالَ مَتَی قَدِمْتُمَا قَالاَ یَوْمَ الْخَمِیسِ قَالَ فَمَا حَبَسَکُمَا عَنِّی قَالاَ شَغَلَنَا الْمَنْزِلُ یَوْمَ قَدِمْنَا ثُمَّ کَانَتِ اَلْجُمُعَةُ ثُمَّ غَدَوْنَا عَلَیْکَ الْیَوْمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وَزْنِ الْمَالِ نَحَّاهُ وَ أَقْبَلَ عَلَیْهِمَا فَقَالَ هِیهِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِیکَرِبَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هَذَا اَلْأَجْلَحُ بْنُ وَقَّاصٍ الشَّدِیدُ الْمِرَّةِ الْبَعِیدُ الْغِرَّةِ الْوَشِیکُ الْکَرَّةِ وَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ مِثْلَهُ حِینَ الرِّجَالِ صَارِعٌ وَ مَصْرُوعٌ وَ اللَّهِ لَکَأَنَّهُ لاَ یَمُوتُ فَقَالَ عُمَرُ لِلْأَجْلَحِ وَ أَقْبَلَ عَلَیْهِ وَ قَدْ عُرِفَ الْغَضَبُ فِی وَجْهِهِ هِیهِ یَا أَجْلَحُ فَقَالَ اَلْأَجْلَحُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ تَرَکْتُ النَّاسَ خَلْفِی صَالِحِینَ کَثِیراً نَسْلُهُمْ دَارَّةً أَرْزَاقُهُمْ خِصْبَةً بِلاَدُهُمْ أَجْرِیَاءَ عَلَی عَدُوِّهِمْ فَاکْلَأْ عَدُوَّهُمْ عَنْهُمْ فَسَیُمَتِّعُ اللَّهُ بِکَ فَمَا رَأَیْنَا مِثْلَکَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَکَ فَقَالَ مَا مَنَعَکَ أَنْ تَقُولَ فِی صَاحِبِکَ مِثْلَ مَا قَالَ فِیکَ قَالَ مَا رَأَیْتُ مِنْ وَجْهِکَ قَالَ أَصَبْتَ أَمَا إِنَّکَ لَوْ قُلْتَ فِیهِ مِثْلَ الَّذِی قَالَ فِیکَ لَأَوْجَعْتُکُمَا ضَرْباً وَ عُقُوبَةً فَإِذْ تَرَکْتُکَ لِنَفْسِکَ فَسَأَتْرُکُهُ لَکَ وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ لَوْ سَلَّمْتُ لَکُمْ حَالَکُمْ وَ دَامَتْ عَلَیْکُمْ أُمُورُکُمْ أَمَا إِنَّهُ سَیَأْتِی عَلَیْکَ یَوْمٌ تَعَضُّهُ وَ یَنْهَشُکَ وَ تَهِرُّهُ وَ یَنْبَحُکَ وَ لَسْتَ لَهُ یَوْمَئِذٍ وَ لَیْسَ لَکَ فَإِنْ لاَ یَکُنْ بَعْدَکُمْ فَمَا أَقْرَبَهُ مِنْکُمْ.

3285

لَمَّا أُسِرَ اَلْهُرْمُزَانُ صَاحِبُ اَلْأَهْوَازِ وَ تُسْتَرَ وَ حُمِلَ إِلَی عُمَرَ حُمِلَ وَ مَعَهُ رِجَالٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ فِیهِمُ اَلْأَحْنَفُ بْنُ قَیْسٍ وَ أَنَسُ بْنُ مَالِکٍ فَأَدْخَلُوهُ فِی اَلْمَدِینَةِ فِی هَیْئَتِهِ وَ عَلَیْهِ تَاجُهُ الذَّهَبُ وَ کِسْوَتُهُ فَوَجَدُوا عُمَرَ نَائِماً فِی جَانِبِ اَلْمَسْجِدِ فَجَلَسُوا عِنْدَهُ یَنْتَظِرُونَ انْتِبَاهَهُ فَقَالَ اَلْهُرْمُزَانُ أَیْنَ عُمَرُ فَقَالُوا هُوَ ذَا قَالَ وَ أَیْنَ حُرَّاسُهُ وَ حُجَّابُهُ قَالُوا لاَ حَارِسَ لَهُ وَ لاَ حَاجِبَ قَالَ فَیَنْبَغِی أَنْ یَکُونَ هَذَا نَبِیّاً قَالُوا إِنَّهُ یَعْمَلُ عَمَلَ الْأَنْبِیَاءِ.

ص :113

فَاسْتَیْقَظَ عُمَرُ فَقَالَ اَلْهُرْمُزَانُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ لاَ أُکَلِّمُهُ حَتَّی لاَ یَبْقَی عَلَیْهِ مِنْ حِلْیَتِهِ شَیْءٌ فَرَمَوْا بِالْحِلْیَةِ وَ أَلْبَسُوهُ ثَوْباً ضَعِیفاً فَقَالَ عُمَرُ یَا هُرْمُزَانُ کَیْفَ رَأَیْتَ وَبَالَ الْغَدْرِ وَ قَدْ کَانَ صَالَحَ اَلْمُسْلِمِینَ مَرَّةً ثُمَّ نَکَثَ فَقَالَ یَا عُمَرُ إِنَّا وَ إِیَّاکُمْ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ کُنَّا نَغْلِبُکُمْ إِذْ لَمْ یَکُنِ اللَّهُ مَعَکُمْ وَ لاَ مَعَنَا فَلَمَّا کَانَ اللَّهُ مَعَکُمْ غَلَبْتُمُونَا قَالَ فَمَا عُذْرُکَ فِی انْتِقَاضِکَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قَالَ أَخَافُ إِنْ قُلْتُ أَنْ تَقْتُلَنِی قَالَ لاَ بَأْسَ عَلَیْکَ فَأَخْبِرْنِی فَاسْتَسْقَی مَاءً فَأَخَذَهُ وَ جَعَلَتْ یَدُهُ تَرْعَدُ قَالَ مَا لَکَ قَالَ أَخَافُ أَنْ تَقْتُلَنِی وَ أَنَا أَشْرَبُ قَالَ لاَ بَأْسَ عَلَیْکَ حَتَّی تَشْرَبَهُ فَأَلْقَاهُ مِنْ یَدِهِ فَقَالَ مَا بَالُکَ أَعِیدُوا عَلَیْهِ الْمَاءَ وَ لاَ تَجْمَعُوا عَلَیْهِ بَیْنَ الْقَتْلِ وَ الْعَطَشِ قَالَ کَیْفَ تَقْتُلُنِی وَ قَدْ أَمَّنْتَنِی قَالَ کَذَبْتَ قَالَ لَمْ أَکْذِبْ فَقَالَ أَنَسٌ صَدَقَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ وَیْحَکَ یَا أَنَسُ أَنَا أُؤَمِّنُ قَاتِلَ مَجْزَأَةَ بْنِ ثَوْرٍ وَ اَلْبَرَاءِ بْنِ مَالِکٍ وَ اللَّهِ لَتَأْتِیَنِّی بِالْمَخْرَجِ أَوْ لَأُعَاقِبَنَّکَ قَالَ إِنَّکَ قُلْتَ لاَ بَأْسَ عَلَیْکَ حَتَّی تُخْبِرَنِی وَ لاَ بَأْسَ عَلَیْکَ حَتَّی تَشْرَبَ وَ قَالَ لَهُ نَاسٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ مِثْلَ قَوْلِ أَنَسٍ فَأَقْبَلَ عَلَی اَلْهُرْمُزَانِ فَقَالَ تَخْدَعُنِی وَ اللَّهِ لاَ تَخْدَعُنِی إِلاَّ أَنْ تُسْلِمَ فَأَسْلَمَ فَفَرَضَ لَهُ أَلْفَیْنِ وَ أَنْزَلَهُ اَلْمَدِینَةَ .

3286

بَعَثَ عُمَرُ عُمَیْرَ بْنَ سَعِیدٍ الْأَنْصَارِیَّ عَامِلاً عَلَی حِمْصٍ فَمَکَثَ حَوْلاً لاَ یَأْتِیهِ خَبَرُهُ ثُمَّ کَتَبَ إِلَیْهِ بَعْدَ حَوْلٍ إِذَا أَتَاکَ کِتَابِی هَذَا فَأَقْبِلْ وَ احْمِلْ مَا جَبَیْتَ مِنْ مَالِ اَلْمُسْلِمِینَ فَأَخَذَ عُمَیْرٌ جِرَابَهُ وَ جَعَلَ فِیهِ زَادَهُ وَ قَصْعَتَهُ وَ عَلَّقَ أَدَاتَهُ وَ أَخَذَ عَنَزَتَهُ (1) وَ أَقْبَلَ مَاشِیاً مِنْ حِمْصٍ حَتَّی دَخَلَ اَلْمَدِینَةَ وَ قَدْ شَحَبَ لَوْنُهُ وَ اغْبَرَّ وَجْهُهُ وَ طَالَ شَعْرُهُ فَدَخَلَ عَلَی عُمَرَ فَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ مَا شَأْنُکَ یَا عُمَیْرُ قَالَ مَا تَرَی مِنْ شَأْنِی أَ لَسْتَ تَرَانِی صَحِیحَ الْبَدَنِ ظَاهِرَ الدَّمِ مَعِی الدُّنْیَا أَجُرُّهَا بِقَرْنَیْهَا قَالَ وَ مَا مَعَکَ فَظَنَّ عُمَرُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ

ص :114

بِمَالٍ قَالَ مَعِی جِرَابِی أَجْعَلُ فِیهِ زَادِی وَ قَصْعَتِی آکُلُ فِیهَا وَ أَغْسِلُ مِنْهَا رَأْسِی وَ ثِیَابِی وَ أَدَاتِی أَحْمِلُ فِیهَا وَضُوئِی وَ شَرَابِی وَ عَنَزَتِی أَتَوَکَّأُ عَلَیْهَا وَ أُجَاهِدُ بِهَا عَدُوّاً إِنْ عَرَضَ لِی قَالَ عُمَرُ أَ فَجِئْتَ مَاشِیاً قَالَ نَعَمْ لَمْ یَکُنْ لِی دَابَّةٌ قَالَ أَ فَمَا کَانَ فِی رَعِیَّتِکَ أَحَدٌ یَتَبَرَّعُ لَکَ بِدَابَّةٍ تَرْکَبُهَا قَالَ مَا فَعَلُوا وَ لاَ سَأَلْتُهُمْ ذَلِکَ قَالَ عُمَرُ بِئْسَ اَلْمُسْلِمُونَ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِهِمْ قَالَ عُمَیْرٌ اتَّقِ اللَّهَ یَا عُمَرُ وَ لاَ تَقُلْ إِلاَّ خَیْراً قَدْ نَهَاکَ اللَّهُ عَنِ الْغِیبَةِ وَ قَدْ رَأَیْتُهُمْ یُصَلُّونَ قَالَ عُمَرُ فَمَا ذَا صَنَعْتَ فِی إِمَارَتِکَ قَالَ وَ مَا سُؤَالُکَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنِّی لَوْ لاَ أَخْشَی أَنْ أُعْمَلَ مَا أَخْبَرْتُکَ أَتَیْتُ الْبَلَدَ فَجَمَعْتُ صُلَحَاءَ أَهْلِهِ فَوَلَّیْتُهُمْ جِبَایَتَهُ وَ وَضَعَهُ فِی مَوَاضِعِهِ وَ لَوْ أَصَابَکَ مِنْهُ شَیْءٌ لَأَتَاکَ قَالَ أَ فَمَا جِئْتَ بِشَیْءٍ قَالَ لاَ فَقَالَ جَدِّدُوا لِعُمَیْرٍ عَهْداً قَالَ إِنَّ ذَلِکَ لَشَیْءٌ لاَ أَعْمَلُهُ بَعْدُ لَکَ وَ لاَ لِأَحَدٍ بَعْدَکَ وَ اللَّهِ مَا کِدْتُ أَسْلَمُ بَلْ لَمْ أَسْلَمْ قُلْتُ لِنَصْرَانِیٍّ مُعَاهَدٍ أَخْزَاکَ اللَّهُ فَهَذَا مَا عَرَّضْتَنِی لَهُ یَا عُمَرُ إِنَّ أَشْقَی أَیَّامِی لَیَوْمَ صَحِبْتُکَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ فِی الاِنْصِرَافِ فَأَذِنَ لَهُ وَ مَنْزِلُهُ بِقُبَاءَ بَعِیداً عَنِ اَلْمَدِینَةِ فَأَمْهَلَهُ عُمَرُ أَیَّاماً ثُمَّ بَعَثَ رَجُلاً یُقَالُ لَهُ اَلْحَارِثُ فَقَالَ انْطَلِقْ إِلَی عُمَیْرِ بْنِ سَعْدٍ وَ هَذِهِ مِائَةُ دِینَارٍ فَإِنْ وَجَدْتَ عَلَیْهِ أَثَراً فَأَقْبِلْ عَلَیَّ بِهَا وَ إِنْ رَأَیْتَ حَالاً شَدِیدَةً فَادْفَعْ إِلَیْهِ هَذِهِ الْمِائَةَ فَانْطَلَقَ اَلْحَارِثُ فَوَجَدَ عُمَیْراً جَالِساً یَفْلِی قَمِیصاً لَهُ إِلَی جَانِبِ حَائِطٍ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ فَقَالَ عُمَیْرٌ انْزِلْ رَحِمَکَ اللَّهُ فَنَزَلَ فَقَالَ مِنْ أَیْنَ جِئْتَ قَالَ مِنَ اَلْمَدِینَةِ قَالَ کَیْفَ تَرَکْتَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ صَالِحاً قَالَ کَیْفَ تَرَکْتَ اَلْمُسْلِمِینَ قَالَ صَالِحِینَ قَالَ أَ لَیْسَ عُمَرُ یُقِیمُ الْحُدُودَ قَالَ بَلَی ضَرَبَ ابْناً لَهُ عَلَی فَاحِشَةٍ فَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ فَقَالَ عُمَیْرُ اللَّهُمَّ أَعِنْ عُمَرَ فَإِنِّی لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ شَدِیداً حُبُّهُ لَکَ قَالَ فَنَزَلَ بِهِ ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ وَ لَیْسَ لَهُمْ إِلاَّ قُرْصٌ مِنْ شَعِیرٍ کَانُوا یَخُصُّونَهُ کُلَّ یَوْمٍ بِهِ وَ یَطْوُونَ حَتَّی نَالَهُمُ الْجُهْدُ فَقَالَ لَهُ عُمَیْرٌ إِنَّکَ قَدْ أَجَعْتَنَا فَإِنْ رَأَیْتَ أَنْ تَتَحَوَّلَ عَنَّا فَافْعَلْ فَأَخْرَجَ اَلْحَارِثُ الدَّنَانِیرَ فَدَفَعَهَا إِلَیْهِ وَ قَالَ بَعَثَ بِهَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَاسْتَغْنِ بِهَا فَصَاحَ وَ قَالَ رُدَّهَا لاَ حَاجَةَ لِی فِیهَا فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ خُذْهَا

ص :115

ثُمَّ ضَعْهَا فِی مَوْضِعِهَا فَقَالَ مَا لِی شَیْءٌ أَجْعَلُهَا فِیهِ فَشَقَّتْ أَسْفَلَ دِرْعِهَا (1) فَأَعْطَتْهُ خِرْقَةً فَشَدَّهَا فِیهَا ثُمَّ خَرَجَ فَقَسَمَهَا کُلَّهَا بَیْنَ أَبْنَاءِ الشُّهَدَاءِ وَ الْفُقَرَاءِ فَجَاءَ اَلْحَارِثُ إِلَی عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ عُمَیْراً ثُمَّ لَمْ یَلْبَثْ أَنْ هَلَکَ فَعَظُمَ مَهْلَکُهُ عَلَی عُمَرَ وَ خَرَجَ مَعَ رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مَاشِینَ إِلَی بَقِیعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ لَیَتَمَنَّیَنَّ کُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أُمْنِیَّتَهُ فَکُلُّ وَاحِدٍ تَمَنَّی شَیْئاً وَ انْتَهَتِ الْأُمْنِیَّةُ إِلَی عُمَرَ فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّ لِی رَجُلاً مِثْلَ عُمَیْرِ بْنِ سَعْدٍ أَسْتَعِینُ بِهِ عَلَی أُمُورِ اَلْمُسْلِمِینَ .

لَیْسَ مِنَ الْعَقْلِ أَنْ یَکُونَ فَرْشُهُ لِبْداً وَ مُرَقَّعَتُهُ طَبَرِیَّةً.

وَ قَالَ مَنْ یَئِسَ مِنْ شَیْءٍ اسْتَغْنَی عَنْهُ وَ عِزُّ الْمُؤْمِنِ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ.

وَ قَالَ لاَ یَقُومُ بِأَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ لاَ یُصَانِعُ وَ لاَ یُصَارِعُ وَ لاَ یَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ.

وَ قَالَ لاَ تُضَعِّفُوا هِمَّتَکُمْ فَإِنِّی لَمْ أَرَ شَیْئاً أَقْعَدَ بِرَجُلٍ عَنْ مَکْرُمَةٍ مِنْ ضَعْفِ هِمَّتِهِ.

3288

وَ وَعَظَ رَجُلاً فَقَالَ لاَ تُلْهِکَ النَّاسُ عَنْ نَفْسِکَ فَإِنَّ الْأُمُورَ إِلَیْکَ تَصِلُ دُونَهُمْ وَ لاَ تَقْطَعِ النَّهَارَ سَادِراً فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ عَلَیْکَ فَإِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ فَإِنِّی لَمْ أَرَ شَیْئاً أَشَدَّ طَلَباً وَ لاَ أَسْرَعَ إِدْرَاکاً مِنْ حَسَنَةٍ حَدِیثَةٍ لِذَنْبٍ قَدِیمٍ.

3289

وَ قَالَ احْذَرْ مِنْ فَلَتَاتِ السِّبَابِ وَ کُلِّ مَا أَوْرَثَکَ النَّبْزَ (1) وَ أَعْلَقَکَ اللَّقَبَ فَإِنَّهُ إِنْ یَعْظُمْ بَعْدَهُ شَأْنُکَ یَشْتَدَّ عَلَی ذَلِکَ نَدَمُکَ.

وَ قَالَ کُلُّ عَمَلٍ کَرِهْتَ مِنْ أَجْلِهِ الْمَوْتَ فَاتْرُکْهُ ثُمَّ لاَ یَضُرُّکَ مَتَی مِتَّ.

وَ قَالَ أَقْلِلْ مِنَ الدَّیْنِ تَعِشْ حُرّاً وَ أَقْلِلْ مِنَ الذُّنُوبِ یَهُنْ عَلَیْکَ الْمَوْتُ وَ انْظُرْ فِی أَیِّ نِصَابٍ تَضَعُ وُلْدَکَ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ.

وَ قَالَ تَرْکُ الْخَطِیئَةِ أَسْهَلُ مِنْ مُعَالَجَةِ التَّوْبَةِ.

وَ قَالَ احْذَرُوا النِّعْمَةَ حَذَرَکُمُ الْمَعْصِیَةَ وَ هِیَ أَخَفُّهُمَا عَلَیْکُمْ عِنْدِی.

وَ قَالَ احْذَرُوا عَاقِبَةَ الْفَرَاغِ فَإِنَّهُ أَجْمَعُ لِأَبْوَابِ الْمَکْرُوهِ مِنَ السُّکْرِ.

وَ قَالَ أَجْوَدُ النَّاسِ مَنْ یَجُودُ عَلَی مَنْ لاَ یَرْجُو ثَوَابَهُ وَ أَحْلَمُهُمْ مَنْ عَفَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ وَ أَبْخَلُهُمْ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلاَمِ وَ أَعْجَزُهُمْ مَنْ عَجَزَ فِی دُعَائِهِ.

وَ قَالَ رُبَّ نَظْرَةٍ زَرَعَتْ شَهْوَةً وَ رُبَّ شَهْوَةٍ أَوْرَثَتْ حُزْناً دَائِماً.

ص :117

وَ قَالَ ثَلاَثُ خِصَالٍ مَنْ لَمْ تَکُنَّ فِیهِ لَمْ یَنْفَعْهُ الْإِیمَانُ حِلْمٌ یَرُدُّ بِهِ جَهْلَ الْجَاهِلِ وَ وَرَعٌ یَحْجُزُهُ عَنِ الْمَحَارِمِ وَ خُلُقٌ یُدَارِی بِهِ النَّاسَ.

قَالَ فَأَخْبِرْنِی عَنِ الْحَرْبِ قَالَ مِرَّةُ الْمَذَاقِ إِذَا قَلَّصَتْ عَنْ سَاقٍ مَنْ صَبَرَ فِیهَا عُرِفَ وَ مَنْ ضَعُفَ عَنْهَا تَلَفَ وَ إِنَّهَا لَکَمَا قَالَ الشَّاعِرُ اَلْحَرْبُ أَوَّلَ مَا تَکُونُ فَتِیَّةٌ

قَالَ فَأَخْبِرْنِی عَنِ السِّلاَحِ قَالَ سَلْ عَمَّا شِئْتَ مِنْهُ قَالَ الرُّمْحُ قَالَ أَخُوکَ وَ رُبَّمَا خَانَکَ قَالَ النَّبْلُ قَالَ مَنَایَا تُخْطِئُ وَ تُصِیبُ قَالَ التُّرْسُ قَالَ ذَاکَ الْمِجَنُّ وَ عَلَیْهِ تَدُورُ الدَّوَائِرُ قَالَ الدِّرْعُ قَالَ مَشْغَلَةٌ لِلرَّاکِبِ (1) مَتْعَبَةٌ لِلرَّاجِلِ وَ إِنَّهَا لَحِصْنٌ حَصِینٌ قَالَ السَّیْفُ قَالَ هُنَاکَ قَارَعَتْ أُمُّکَ الْهَبَلَ قَالَ بَلْ أُمُّکَ قَالَ بَلْ أُمِّی وَ الْحُمَّی أَضْرَعَتْنِی (2) لَکَ (3) .

3291

14,1- عَرَضَ سُلَیْمَانُ بْنُ رَبِیعَةَ الْبَاهِلِیُّ جُنْدَهُ بِأَرْمِینِیَةَ فَکَانَ لاَ یَقْبَلُ مِنَ الْخَیْلِ إِلاَّ عَتِیقاً فَمَرَّ عَمْرُو بْنُ مَعْدِیکَرِبَ بِفَرَسٍ غَلِیظٍ فَرَدَّهُ وَ قَالَ هَذَا هَجِینٌ قَالَ عَمْرٌو إِنَّهُ لَیْسَ بِهَجِینٍ وَ لَکِنَّهُ غَلِیظٌ قَالَ بَلْ هُوَ هَجِینٌ فَقَالَ عَمْرٌو إِنَّ الْهَجِینَ لَیَعْرِفُ الْهَجِینَ فَکَتَبَ بِکَلِمَتِهِ إِلَی عُمَرَ فَکَتَبَ إِلَیْهِ أَمَّا بَعْدُ یَا اِبْنَ مَعْدِیکَرِبَ فَإِنَّکَ الْقَائِلُ لِأَمِیرِکَ مَا قُلْتَ فَإِنَّهُ بَلَغَنِی أَنَّ عِنْدَکَ سَیْفاً تُسَمِّیهِ اَلصَّمْصَامَةَ وَ أَنَّ عِنْدِی سَیْفاً أُسَمِّیهِ مُصَمِّماً وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ وَضَعْتُهُ بَیْنَ أُذُنَیْکَ لاَ یُقْلِعُ حَتَّی یَبْلُغَ قَحْفَکَ.

ص :119

وَ کَتَبَ إِلَی سُلَیْمَانَ بْنِ رَبِیعَةَ یَلُومُهُ فِی حِلْمِهِ عَنْهُ فَلَمَّا قَرَأَ عَمْرٌو الْکِتَابَ قَالَ مَنْ تَرَوْنَهُ یَعْنِی قَالُوا أَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ هَدَّدَنِی بِعَلِیٍّ وَ اللَّهِ وَ قَدْ کَانَ صَلَّی بِنَارِهِ مَرَّةً فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَفْلَتَ مِنْ یَدِهِ بِجُرَیْعَةِ (1) الذَّقَنِ وَ ذَلِکَ حِینَ ارْتَدَّتْ مَذْحِجٌ وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَمَّرَ عَلَیْهَا فَرْوَةَ بْنَ مُسَیْکٍ الْمُرَادِیَّ فَأَسَاءَ السِّیرَةَ وَ نَابَذَ عَمْرَو بْنَ مَعْدِیکَرِبَ فَفَارَقَهُ فِی کَثِیرٍ مِنْ قَبَائِلِ مَذْحِجٍ فَاسْتَجَاشَ فَرْوَةُ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ ص فَأَرْسَلَ خَالِدَ بْنَ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ فِی سَرِیَّةٍ وَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ بَعْدَهُ فِی سَرِیَّةٍ ثَانِیَةٍ وَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ ع فِی سَرِیَّةٍ ثَالِثَةٍ وَ کَتَبَ إِلَیْهِمْ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْکُمْ أَمِیرُ مَنْ مَعَهُ فَإِذَا اجْتَمَعْتُمْ فَعَلِیٌّ أَمِیرٌ عَلَی الْکُلِّ فَاجْتَمَعُوا بِمَوْضِعِ مِنْ أَرْضِ اَلْیَمَنِ یُقَالُ لَهُ کَسَرُ فَاقْتَتَلُوا هُنَاکَ وَ صَمَدَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِیکَرِبَ لِعَلِیٍّ ع وَ کَانَ یَظُنُّ أَنْ لاَ یَثْبُتَ لَهُ أَحَدٌ مِنْ شُجْعَانِ اَلْعَرَبِ فَثَبَتَ لَهُ فَعَلاَ عَلَیْهِ وَ عَایَنَ مِنْهُ مَا لَمْ یَکُنْ یَحْتَسِبُهُ فَفَرَّ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ هَارِباً نَاجِیاً بِحُشَاشَةِ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ کَادَ یَقْتُلُهُ وَ فَرَّ مَعَهُ رُؤَسَاءُ مَذْحِجٍ وَ فُرْسَانُهُمْ وَ غَنِمَ اَلْمُسْلِمُونَ أَمْوَالَهُمْ وَ سُبِیَتْ ذَلِکَ الْیَوْمَ رَیْحَانَةُ بِنْتُ مَعْدِیکَرِبَ أُخْتُ عَمْرٍو فَأَدَّی خَالِدُ بْنُ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ فِدَاءَهَا مِنْ مَالِهِ فَأَصَابَهُ عَمْرٌو أَخُوهَا اَلصَّمْصَامَةَ فَلَمْ یَزَلْ یَنْتَقِلُ فِی بَنِی أُمَیَّةَ وَ یَتَدَاوَلُونَهُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّی صَارَ إِلَی بَنِی الْعَبَّاسِ فِی أَیَّامِ اَلْمَهْدِیِّ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَنْصُورِ أَبِی جَعْفَرٍ

.

3292

14- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ رَوَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِی زَیْدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سَوْدَةَ اللَّیْثِیِّ قَالَ صَلَّیْتُ الصُّبْحَ مَعَ عُمَرَ فَقَرَأَ سُبْحَانَ وَ سُورَةً مَعَهَا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُمْتُ مَعَهُ فَقَالَ أَ حَاجَةٌ قُلْتُ حَاجَةٌ قَالَ فَالْحَقْ فَلَحِقْتُ فَلَمَّا دَخَلَ أَذِنَ فَإِذَا هُوَ عَلَی رُمَالِ (1) سَرِیرٍ لَیْسَ فَوْقَهُ شَیْءٌ فَقُلْتُ نَصِیحَةٌ قَالَ مَرْحَباً بِالنَّاصِحِ غُدُوّاً وَ عَشِیّاً قُلْتُ عَابَتْ أُمَّتُکَ أَوْ قَالَ رَعِیَّتُکَ عَلَیْکَ أَرْبَعاً قَالَ فَوَضَعَ عُودَ الدِّرَّةِ ثُمَّ ذَقَنَ عَلَیْهَا هَکَذَا رَوَی اِبْنُ قُتَیْبَةَ وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَوَضَعَ رَأْسَ دِرَّتِهِ فِی ذَقَنِهِ وَ وَضَعَ أَسْفَلَهَا عَلَی فَخِذِهِ وَ قَالَ هَاتِ قَالَ ذَکَرُوا أَنَّکَ حَرَّمْتَ الْمُتْعَةَ فِی أَشْهُرِ الْحَجِّ وَ زَادَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ هِیَ حَلاَلٌ وَ لَمْ یُحَرِّمْهَا (2) رَسُولُ اللَّهِ ص وَ لاَ أَبُو بَکْرٍ فَقَالَ أَجَلْ إِنَّکُمْ إِذَا اعْتَمَرْتُمْ فِی أَشْهُرِ حَجِّکُمْ رَأَیْتُمُوهَا مُجْزِئَةً عَنْ حَجِّکُمْ فَقَرِعَ حَجُّکُمْ وَ کَانَتْ قَابِیَةً قَوْبَ عَامِهَا وَ الْحَجُّ بَهَاءٌ مِنْ بَهَاءِ اللَّهِ وَ قَدْ أُصِبْتُ قَالَ وَ ذَکَرُوا أَنَّکَ حَرَّمْتَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ وَ قَدْ کَانَ رُخْصَةً مِنَ اللَّهِ نَسْتَمْتِعُ بِقُبْضَةٍ وَ نُفَارِقُ عَنْ ثَلاَثٍ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَحَلَّهَا فِی زَمَانِ ضَرُورَةٍ وَ رَجَعَ النَّاسُ إِلَی السَّعَةِ ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ أَحَداً مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ عَادَ إِلَیْهَا وَ لاَ عَمِلَ بِهَا فَالْآنَ مَنْ شَاءَ نَکَحَ بِقُبْضَةٍ وَ فَارَقَ عَنْ ثَلاَثٍ بِطَلاَقٍ وَ قَدْ أُصِبْتُ.

وَ قَالَ ذَکَرُوا أَنَّکَ أَعْتَقْتَ الْأَمَةَ إِذَا وَضَعَتْ ذَا بَطْنِهَا بِغَیْرِ عَتَاقَةِ سَیِّدِهَا قَالَ أَلْحَقْتُ حُرْمَةً بِحُرْمَةٍ وَ مَا أَرَدْتُ إِلاَّ الْخَیْرَ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.

قَالَ وَ شَکَوْا مِنْکَ عُنْفَ السِّیَاقِ وَ نَهْرَ الرَّعِیَّةِ قَالَ فَنَزَعَ الدِّرَّةَ ثُمَّ مَسَحَهَا حَتَّی أَتَی عَلَی سُیُورِهَا وَ قَالَ وَ أَنَا زَمِیلُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی غَزَاةِ قَرْقَرَةِ الْکُدْرِ

ص :121

فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَأُرْتِعُ فَأُشْبِعُ وَ أَسْقِی فَأَرْوِی وَ إِنِّی لِأَضْرِبُ الْعَرُوضَ وَ أَزْجُرُ الْعَجُولَ وَ أُؤَدِّبُ قَدْرِی وَ أَسُوقُ خَطْوَتِی وَ أَرُدُّ اللَّفُوتَ وَ أَضُمُّ الْعَنُودَ وَ أُکْثِرُ الضَّجَرَ وَ أُقِلُّ الضَّرْبَ وَ أُشْهِرُ بِالْعَصَا وَ أَدْفَعُ بِالْیَدِ وَ لَوْ لاَ ذَلِکَ لَأَعْذَرْتُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَکَانَ مُعَاوِیَةُ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِیثِ یَقُولُ کَانَ وَ اللَّهِ عَالِماً بِرَعِیَّتِهِ (1)

.

قال ابن قتیبة رملت السریر و أرملته إذا نسجته بشریط من خوص أو لیف.

و ذقن علیها أی وضع علیها ذقنه یستمع الحدیث.

و قوله فقرع حجکم أی خلت أیّام الحجّ من الناس و کانوا یتعوذون من قرع الفناء و ذلک ألا یکون علیه غاشیة و زوار و من قرع المراح و ذلک ألا یکون فیه إبل.

و القابیة قشر البیضة إذا خرج منها الفرخ.

و القوب الفرخ قال الکمیت لهن و للمشیب و من علاه من الأمثال قابیة و قوب.

أراد أن النساء ینفرن من ذی الشیب و یفارقنه کما یفارق الفرخ البیضة فلا یعود إلیها بعد خروجه منها أبدا

3293

وَ رُوِیَ عَنْ عُمَرَ إِنَّکُمْ إِذَا رَأَیْتُمُ الْعُمْرَةَ فِی أَشْهُرِ الْحَجِّ کَافِیَةً مِنَ الْحَجِّ خَلَتْ مَکَّةُ مِنَ الْحُجَّاجِ فَکَانَتْ کَبَیْضَةٍ فَارَقَهَا فَرْخُهَا. قوله إنّی لأرتع فأشبع و أسقی فأروی مثل مستعار من رعیت الإبل أی إذا أرتعت الإبل أی أرسلتها ترعی ترکتها حتّی تشبع و إذا سقیتها ترکتها حتّی تروی.

و قوله أضرب العروض العروض الناقة تأخذ یمینا و شمالا و لا تلزم المحجة یقول أضربها حتّی تعود إلی الطریق و مثله قوله و أضم العنود.

و العجول البعیر یند عن الإبل یرکب رأسه عجلا و یستقبلها.

ص :122

قوله و أؤدب قدری أی قدر طاقتی.

و قوله و أسوق خطوتی أی قدر خطوتی.

و اللفوت البعیر یلتفت یمینا و شمالا و یروغ.

و قوله و أکثر الزجر و أقل الضرب أی أنّه یقتصر من التأدیب فی السیاسة علی ما یکتفی به حتّی یضطر إلی ما هو أشدّ منه و أغلظ.

و قوله و أشهر بالعصا و أدفع بالید یرید أنّه یرفع العصا یرهب بها و لا یستعملها و لکنه یدفع بیده.

قوله و لو لا ذلک لأعذرت أی لو لا هذا التدبیر و هذه السیاسة لخلفت بعض ما أسوق و یقال أعذر الراعی الشاة و الناقة إذا ترکها و الشاة العذیرة و عذرت هی إذا تخلفت عن الغنم.

قال ابن قتیبة و هذه أمثال ضربها و أصلها فی رعیة الإبل و سوقها و إنّما یرید بها حسن سیاسته للناس فی الغزاة التی ذکرها یقول فإذا کنت أفعل کذا فی أیام رسول اللّه ص مع طاعة الناس له و تعظیمهم إیاه فکیف لا أفعله بعده.

و عندی أن ابن قتیبة غالط فی هذا التأویل و لیس فی کلام عمر ما یدلّ علی ذلک و لیس عمر فی غزاة قرقرة الکدر یسوس الناس و لا یأمرهم و لا ینهاهم و کیف و رسول اللّه ص حاضر بینهم و لا کان فی غزاة قرقرة الکدر حرب و لا ما یحتاج فیه إلی السیاسة و هل کان لعمر أو لغیر عمر و رسول اللّه ص حی أن یرتع فیشبع و یسقی فیروی و هل تکون هذه الصفات و ما بعدها إلاّ للرئیس الأعظم و الذی اراده عمر ذکر حاله فی خلافته رادا علی عمران بن سوادة فی قوله إن الرعیة یشکون منک عنف السیاق و شدة النهر فقال لیشکون فو اللّه إنّی لرفیق بهم و مستقص فی سیاستهم

ص :123

و لا ناهک لهم عقوبة و إنّی لأقنع بالهیبة و التهویل علیهم و لا أعمل العصا حیث یمکننی الاکتفاء بالید و إنّی أرد الشارد منهم و أعدل المائل إلی غیر ذلک من الأمور التی عددها و أحسن فی تعدیدها.

و إنّما ذکر قوله أنا زمیل رسول اللّه ص فی غزاة قرقرة الکدر علی عادة العرب فی الافتخار وقت المنافرة و عند ما تجیش النفس و یحمی القلب کما

3294

کَانَ عَلِیٌّ ع یَقُولُ وَقْتَ الْحَاجَةِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَ أَخُو رَسُولِهِ .

فیذکر أشرف أحواله و المزیة التی اختص بها عن غیره

3295

14- وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِی غَزَاةِ قَرْقَرَةِ الْکُدْرِ أَرْدَفَ عُمَرَ مَعَهُ عَلَی بَعِیرِهِ فَکَانَ عُمَرُ یَفْخَرُ بِهَا وَ یَذْکُرُهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَیْهَا .

3296

وَ فِی حَدِیثِ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَقِیلَ لَهُ أَ لاَ تَتَوَضَّأْ فَقَالَ لَوْ لاَ التَّنَطُّسُ مَا بَالَیْتُ أَلاَّ أَغْسِلَ یَدَیَّ (1) .

قال أبو عبید القاسم بن سلام قال ابن علیة التنطس التقذر و قال الأصمعی هو المبالغة فی التطهر فکل من أدق النظر فی الأمور فاستقصی علمها فهو متنطس و منه قیل للطبیب النطاسی و النطیس لدقة علمه بالطب .

3297

وَ فِی حَدِیثِ عُمَرَ حِینَ سَأَلَ الْأُسْقُفُّ عَنِ الْخُلَفَاءِ فَحَدَّثَهُ حَتَّی إِذَا انْتَهَی إِلَی الرَّابِعِ فَقَالَ صَدْعٌ مِنْ حَدِیدٍ وَ قَالَ عُمَرُ وَا دَفْرَاهُ (2) .

قال أبو عبیدة قال الأصمعی کان حماد بن سلمة یقول صدأ من حدید و هذا أشبه بالمعنی لأن الصدأ له دفر و هو النتن و الصدع لا دفر له و قیل للدنیا أم دفر لما فیها من الدواهی و الآفات فأما الذفر بالذال المعجمة و فتح الفاء فهو الریح الذکیة من طیب أو نتن.

ص :124

و عندی فی هذا الحدیث کلام و الأظهر أن الروایة المشهورة هی الصحیحة و هی قوله صدع من حدید و لکن بفتح الدال و هو ما کان من الوعول بین العظیم و الشخت فإن ثبتت الروایة بتسکین الدال فغیر ممتنع أیضا یقال رجل صدع إذا کان ضربا من الرجال لیس برهل و لا غلیظ.

و رابع الخلفاء هو علیّ بن أبی طالب ع و أراد بالأسقف مدحه.

و قول عمر وا دفراه إشارة إلی نفسه کأنّه استصغر نفسه و عابها بالنسبة إلی ما وصفه الأسقف من مدح الرابع و إطرائه.

فأما تأویل أبی عبیدة فإنه ظنّ أن الرابع عثمان و جعل رسول اللّه ص معدودا من الجملة لیصح کون عثمان رابعا و جعل الدفر و النتن له و صرف اللفظ عن الروایة المشهورة إلی غیرها فقال صدأ حدید لیطابق لفظه النتن علی ما یلیق بها فغیر خاف ما فیه من التعسف و رفض الروایة المشهورة.

و أیضا فإن رسول اللّه ص لا یجوز إدخاله فی لفظ الخلفاء لأنّه لیس بخلیفة لأن الخلیفة من یخلف غیره و رسول اللّه ص مستخلف الناس کلهم و لیس بخلیفة لأحد.

3298

وَ فِی حَدِیثِ عُمَرَ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ لَوْ أَنَّ لِی مَا فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً لاَفْتَدَیْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ (1) .

قال أبو عبید هو موضع الاطلاع من إشراف إلی انحدار أو من انحدار إلی إشراف و هو من الأضداد فشبه ما أشرف علیه من أمر الآخرة.

ص :125

3299

وَ فِی حَدِیثِ عُمَرَ حِینَ بَعَثَ حُذَیْفَةَ وَ اِبْنَ حُنَیْفٍ إِلَی السَّوَادِ فَفَلَجَا الْجِزْیَةَ عَلَی أَهْلِهِ (1) .

قال أبو عبید فلجا أی قسما بالفلج و أصله من الفلج و هو المکیال الذی یقال له الفلج لأن خراجهم کان طعاما.

3300

وَ فِی حَدِیثِ عُمَرَ حِینَ قَالَ لَهُ حُذَیْفَةُ إِنَّکَ تَسْتَعِینُ بِالرَّجُلِ الَّذِی فِیهِ وَ بَعْضُهُمْ یَرْوِیهِ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ فَقَالَ أَسْتَعْمِلُهُ لِأَسْتَعِینَ بِقُوَّتِهِ ثُمَّ أَکُونُ عَلَی قُفَّانِهِ (2) .

قال أبو عبید عن الأصمعی قُفَّانُ کلِّ شیء جماعه و استقصاء معرفته یقول أکون علی تتبع أمره حتّی أستقصی عمله و أعرفه.

قال أبو عبید و لا أحسب هذه الکلمة عربیة و إنّما أصلها قبان و منه قول العامّة فلان قبان علی فلان إذا کان بمنزلة الأمین علیه و الرئیس الذی یتتبع أمره و یحاسبه و به سمی هذا المیزان الذی یقال له القبان.

3301

وَ فِی حَدِیثِ عُمَرَ حِینَ قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ وَ قَدْ شَاوَرَهُ فِی شَیْءٍ فَأَعْجَبَهُ کَلاَمُهُ نِشْنِشَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْشَنَ هَکَذَا الرِّوَایَةُ وَ أَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ فَیَقُولُونَ شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ (3) .

و الشنشنة فی بعض الأحوال قد تکون بمعنی المضغة أو القطعة تقطع من اللحم و القول المشهور أن الشنشنة مثل الطبیعة و السجیة فأراد عمر أنی أعرف فیک مشابه من أبیک فی رأیه و یقال إنّه لم یکن لقرشی مثل رأی العبّاس .

قال و قد قال أبو عبیدة معمر بن المثنی یجوز شنشنة و نشنشة و غیره ینکر نشنشة.

ص :126

3302

وَ فِی حَدِیثِ عُمَرَ یَوْمَ السَّقِیفَةِ قَالَ وَ قَدْ کُنْتُ زَوَّرْتُ فِی نَفْسِی قَالَةً أَقُومُ بِهَا بَیْنَ یَدَیْ أَبِی بَکْرٍ فَلَمْ یَتْرُکْ أَبُو بَکْرٍ شَیْئاً مِمَّا زَوَّرْتُهُ إِلاَّ تَکَلَّمَ بِهِ.

قال أبو عبید التزویر إصلاح الکلام و تهیئته کالتزویق (1) .

3303

وَ فِی حَدِیثِ عُمَرَ حِینَ ضَرَبَ الرَّجُلَ الَّذِی أَقْسَمَ عَلَی أُمِّ سَلَمَةَ ثَلاَثِینَ سَوْطاً کُلُّهَا تَبْضَعُ وَ تَحْدُرُ (2) .

قال أبو عبید أی تشق و تورم حدر الجلد یحدره و أحدره غیره.

3304

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِ بَیْتِ الْمَقْدِسِ إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ وَ إِذَا أَقَمْتَ فَاحْذِمْ (3) .

قال أبو عبیدة الحذم بالحاء المهملة الحدر فی الإقامة و قطع التطویل و أصله فی المشی و هو الإسراع فیه و أن یکون مع هذا کأنّه یهوی بیده إلی خلفه و الجذم بالجیم أیضا القطع و کذلک الخذم بالخاء المعجمة.

3305

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لاَ یُقِرُّ رَجُلٌ أَنَّهُ کَانَ یَطَأُ جَارِیَتَهُ إِلاَّ أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا فَمَنْ شَاءَ فَلْیُمْسِکْهَا وَ مَنْ شَاءَ فَلْیُرْسِلْهَا.

قال أبو عبید هکذا الروایة بالسین المهملة و المعروف أنّه الإرشال بالشین المعجمة و لعله حول الشین إلی السین کما یقال سمت العاطش أی شمته

3306

وَ فِی حَدِیثِهِ کَذَبَ عَلَیْکُمُ الْحَجُّ کَذَبَ عَلَیْکُمُ الْعُمْرَةُ کَذَبَ عَلَیْکُمُ الْجِهَادُ ثَلاَثَةُ أَسْفَارٍ کَذَبَتْ عَلَیْکُمْ (4) .

ص :127

قال أبو عبید معنی کذب علیکم الإغراء أی علیکم به و کان الأصل فی هذا أن یکون نصبا و لکنه جاء عنهم بالرفع شاذا علی غیر قیاس و ممّا یحقق أنّه مرفوع قول الشاعر کذبت علیک لا تزال تقوفنی کما قاف آثار الوثیقة قائف فقوله کذبت علیک إنّما أغراه بنفسه أی علیک بی فجعل نفسه فی موضع رفع أ لا تراه قد جاء بالباء فجعلها اسمه.

و قال معقر بن حمار البارقی و ذبیانیة وصت بنیها بأن کذب القراطف و القروف (1) فرفع و الشعر مرفوع و معناه علیکم بالقراطف و القروف و القراطف القطف واحدها قرطف و القروف الأوعیة.

و ممّا یحقق الرفع أیضا قول عمر کذبت علیکم قال أبو عبید و لم أسمع النصب فی هذا إلاّ حرفا کان أبو عبید یحکیه عن أعرابی نظر إلی ناقة نضو (2) لرجل فقال کذب علیک البزر و النوی (3) لم أسمع فی هذا نصبا غیر هذا الحرف.

قال و العرب تقول للمریض کذب علیک العسل (4) بالرفع أی علیک به.

و فی حدیثه ما یمنعکم إذا رأیتم الرجل یخرق أعراض الناس ألا تعربوا علیه قالوا نخاف لسانه قال ذاک ألا تکونوا شهداء (5) .

قال أبو عبید ألا تعربوا أی ألا تفسدوا علیه کلامه و تقبحوه له.

3307

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ نَهَی عَنِ الْفَرَسِ فِی الذَّبِیحَةِ (6) .

ص :128

قال أبو عبید قیل فی تفسیره أن ینتهی بالذبح إلی النخاع و هو عظم فی الرقبة و ربما فسر النخاع بأنّه المخ الذی فی فقار الصلب متصلا بالقفا فنهی أن ینتهی بالذبح إلی ذلک.

و قیل فی تفسیره أیضا أن یکسر رقبة الذبیحة قبل أن تبرد و یؤکد هذا التفسیر

3308

قَوْلُهُ فِی تَمَامِ الْحَدِیثِ وَ لاَ تَعْجَلُوا الْأَنْفُسَ حَتَّی تَزْهَقَ.

3309

وَ فِی حَدِیثِهِ حِینَ أَتَاهُ رَجُلٌ یَسْأَلُهُ أَیَّامَ الْمَحْلِ فَقَالَ لَهُ هَلَکْتُ وَ أَهْلَکْتُ فَقَالَ عُمَرُ أَ هَلَکْتَ وَ أَنْتَ تَنِثُّ نَثِیثَ الْحَمِیتِ أَعْطُوهُ رُبَعَةً مِنَ الصَّدَقَةِ فَخَرَجَتْ یَتْبَعُهَا ظِئْرَاهَا (1) .

قال أبو عبید قد روی تمث بالمیم (2) و المحفوظ بالنون و تنث أی ترشح و تعرق من سمنک و کثرة لحمک.

و الحمیت النحی و فیه الرب أو السمن أو نحوها و الربعة ما ولد فی أول النتاج و الذکر ربع.

3310

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَی اَلْمَسْجِدِ لِلاِسْتِسْقَاءِ فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَلَمْ یَزِدْ عَلَی الاِسْتِغْفَارِ حَتَّی نَزَلَ فَقِیلَ إِنَّکَ لَمْ تَسْتَسْقِ فَقَالَ لَقَدِ اسْتَسْقَیْتُ بِمَجَادِیحِ السَّمَاءِ (3) .

قال أبو عبید جعل الاستغفار استسقاء تأول فیه قوله تعالی اِسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کٰانَ غَفّٰاراً یُرْسِلِ السَّمٰاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرٰاراً (4) و المجادیح جمع مجدح و هو النجم الذی کانت العرب تزعم أنّها تمطر به و یقال مجدح بضم المیم و إنّما قال عمر ذلک علی أنّها کلمة جاریة علی ألسنة العرب لیس علی تحقیق الأنواء و لا التصدیق بها

ص :129

و هذا شبیه بقول ابن عبّاس فی رجل جعل أمر امرأته بیدها فقالت له أنت طالق ثلاثا فقال خطأ اللّه نوءها ألا طلقت نفسها ثلاثا لیس هذا دعاء منه ألا تمطر إنّما ذلک علی الکلام المقول.

و ممّا یبین أن عمر أراد إبطال الأنواء و التکذیب بها قوله لقد استسقیت بمجادیح السماء التی یستسقی بها الغیث فجعل الاستغفار هو المجادیح لا الأنواء.

3311

وَ فِی حَدِیثِهِ وَ هُوَ یَذْکُرُ حَالَ صِبَاهُ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ لَقَدْ رَأَیْتُنِی مَرَّةً وَ أُخْتاً لِی نَرْعَی عَلَی أَبَوَیْنَا نَاضِحاً لَنَا قَدْ أَلْبَسَتْنَا أُمُّنَا نُقْبَتَهَا وَ زَوَّدَتْنَا یُمَیْنَتَیْهَا مِنَ الْهَبِیدِ فَنَخْرُجُ بِنَاضِحِنَا فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَلْقَیْتُ النُّقْبَةَ إِلَی أُخْتِی وَ خَرَجْتُ أَسْعَی عُرْیَانَ فَنَرْجِعُ إِلَی أُمِّنَا وَ قَدْ جَعَلَتْ لَنَا لَفِیتَةً مِنْ ذَلِکَ الْهَبِیدِ فَیَا خِصْبَاهُ (1) .

قال أبو عبید الناضح البعیر الذی یسنی علیه فیسقی به الأرض و الأنثی ناضحة و هی السانیة أیضا و الجمع سوان و قد سنت تسنو و لا یقال ناضح لغیر المستسقی.

و النقبة أن تؤخذ القطعة من الثوب قدر السراویل فیجعل لها حجزة مخیطة من غیر نیفق (2) و تشد کما تشد حجزة السراویل فإذا کان لها نیفق و ساقان فهی سراویل.

و قال و الذی وردت به الروایة زودتنا یمینتیها و الوجه فی الکلام أن یکون یمینتیها بالتشدید لأنّه تصغیر یمین بلا هاء و إنّما قال یمینتیها و لم یقل یدیها و لا کفیها لأنّه لم یرد أنّها جمعت کفیها ثمّ أعطتنا بهما و إنّما أراد أنّها أعطت کل واحد کفا کفا بیمینها فهاتان یمینان.

الهبید حبّ الحنظل زعموا أنّه یعالج حتّی یمکن أکله و یطیب.

ص :130

و اللفیتة ضرب من الطبیخ کالحساء.

3312

وَ فِی حَدِیثِهِ إِذَا مَرَّ أَحَدُکُمْ بِحَائِطٍ فَلْیَأْکُلْ مِنْهُ وَ لاَ یَتَّخِذْ ثِبَاناً (1) .

قال أبو عبید هو الوعاء الذی یحمل فیه الشیء فإن حملته بین یدیک فهو ثبان و أن جعلته فی حِضْنک فهی خُبْنة.

3313

وَ فِی حَدِیثِهِ لَوْ أَشَاءُ لَدَعَوْتُ بِصِلاَءٍ وَ صِنَابٍ وَ صَلاَئِقَ وَ کَرَاکِرَةَ وَ أَسْنِمَةٍ وَ أَفْلاَذٍ (2) .

قال أبو عبید الصلاء الشواء و الصناب الخردل بالزبیب و الصلائق الخبز الرقیق و من رواه سلائق بالسین أراد ما یسلق من البقول و غیرها و الکراکر کراکر الإبل و الأفلاذ جمع فلذ و هو القطعة من الکبد.

3314

وَ فِی حَدِیثِهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ یُدَهْمَقَ لِی لَفَعَلْتُ (3) .

قال أبو عبید دهمقت الطعام إذا لینته و رققته و طیبته.

3315

وَ فِی حَدِیثِهِ لَئِنْ بَقِیتُ لَأُسَوِّیَنَّ بَیْنَ النَّاسِ حَتَّی یَأْتِیَ الرَّاعِی حَقَّهُ فِی صُفْنِهِ لَمْ یَعْرَقْ جَبِینُهُ (4) .

الصفن خریطة للراعی فیها طعامه و ما یحتاج إلیه و روی بفتح الصاد و یقال أیضا فی صفینه.

ص :131

3316

وَ فِی حَدِیثِهِ لَئِنْ بَقِیتُ إِلَی قَابِلٍ لَیَأْتِیَنَّ کُلُّ مُسْلِمٍ حَقَّهُ حَتَّی یَأْتِیَ الرَّاعِی بِسَرْوِ حِمْیَرٍ لَمْ یَعْرَقْ جَبِینُهُ (1) .

السرو مثل الخیف و هو ما انحدر عن الجبل و ارتفع عن المسیل.

3317

وَ فِی حَدِیثِهِ لَئِنْ عِشْتُ إِلَی قَابِلٍ لَأَلْحَقَنَّ آخِرَ النَّاسِ بِأَوَّلِهِمْ حَتَّی یَکُونُوا بَبَّاناً وَاحِداً (2) .

قال أبو عبید قال ابن مهدی یعنی شیئا واحدا و لا أحسب هذه الکلمة عربیة و لم أسمعها فی غیر هذا الحدیث.

3318

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ أَلاَ إِنَّ الْأُسَیْفِعَ (3) أُسَیْفِعَ جُهَیْنَةَ (4) رَضِیَ مِنْ دِینِهِ وَ أَمَانَتِهِ بِأَنْ یُقَالَ سَابِقُ الْحَاجِّ أَوْ قَالَ سَبَقَ الْحَاجَّ فَادَّانَ مُعْرِضاً فَأَصْبَحَ قَدْ رِینَ بِهِ فَمَنْ کَانَ لَهُ عَلَیْهِ دَیْنٌ فَلْیَغْدُ بِالْغَدَاةِ فَلْنَقْسِمْ مَالَهُ بَیْنَهُمْ بِالْحِصَصِ (5) .

قوله فادان معرضا أی استدان معرضا و هو الذی یعترض الناس فیستدین ممن أمکنه و کل شیء أمکنک من عرضه فهو معرض لک کقوله و البحر معرضا و السدیر (6) .

و رین بالرجل إذا وقع فیما لا یمکنه الخروج منه.

ص :132

3319

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لِمَوْلاَهُ أَسْلَمَ وَ رَآهُ یَحْمِلُ مَتَاعَهُ عَلَی بَعِیرٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ فَهَلاَّ نَاقَةً شَصُوصاً أَوْ ابْنَ لَبُونٍ بَوَّالاً (1) .

الشصوص التی قد ذهب لبنها و وصف ابن اللبون بالبول و إن کانت کلها تبول إنّما أراد لیس عنده سوی البول أی لیس عنده ممّا ینتفع به من ظهر و لا له ضرع فیحلب لا یزید علی أنّه بوال فقط.

3320

وَ فِی حَدِیثِهِ حِینَ قِیلَ لَهُ إِنَّ النِّسَاءَ قَدِ اجْتَمَعْنَ یَبْکِینَ عَلَی خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ فَقَالَ وَ مَا عَلَی نِسَاءِ بَنِی الْمُغِیرَةِ أَنْ یَسْفِکْنَ مِنْ دُمُوعِهِنَّ عَلَی أَبِی سُلَیْمَانَ مَا لَمْ یَکُنْ نَقْعٌ وَ لاَ لَقْلَقَةٌ (2) .

قیل النقع هاهنا طعام المأتم و الأشبه أن النقع رفع الصوت و اللقلقة مثله.

3321

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ سَلْمَانَ بْنَ رَبِیعَةَ الْبَاهِلِیَّ شَکَا إِلَیْهِ عَامِلاً مِنْ عُمَّالِهِ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ حَتَّی أَنْهَجَ (3) .

قال أبو عبید أی أصابه النفس و البهر من الإعیاء.

3322

وَ فِی حَدِیثِهِ حِینَ قَدِمَ عَلَیْهِ أَحَدُ بَنِی ثَوْرٍ فَقَالَ لَهُ هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ فَقَالَ نَعَمْ أَخَذْنَا رَجُلاً مِنَ اَلْعَرَبِ کَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ فَقَدَّمْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ فَقَالَ فَهَلاَّ أَدْخَلْتُمُوهُ جَوْفَ بَیْتٍ فَأَلْقَیْتُمْ إِلَیْهِ کُلَّ یَوْمٍ رَغِیفاً ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ لَعَلَّهُ یَتُوبُ أَوْ یُرَاجِعُ اللَّهُمَّ لَمْ أَشْهَدْ وَ لَمْ آمُرْ وَ لَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِی (4) .

ص :133

یقال هل من مغربة خبر بکسر الراء و یروی بفتحها و أصله البعد و منه شأو مغرب.

3323

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ آللَّهِ لَیَضْرِبَنَّ أَحَدُکُمْ أَخَاهُ بِمِثْلِ آکِلَةِ اللَّحْمِ ثُمَّ یَرَی أَنَّهُ لاَ أُقِیدُهُ وَ اللَّهِ (1) لَأُقِیدَنَّهُ (2) .

قال أبو عبید آکلة اللحم عصا محددة.

3324

وَ فِی حَدِیثِهِ أَعْضَلَ بِی (3) أَهْلُ اَلْکُوفَةِ مَا یَرْضَوْنَ بِأَمِیرٍ (4) وَ لاَ یَرْضَاهُمْ أَمِیرٌ. هو من العضال و هو الداء و الأمر الشدید الذی لا یقوم له صاحبه (5) .

3325

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ خَطَبَ فَذَکَرَ الرِّبَا فَقَالَ إِنَّ مِنْهُ أَبْوَاباً لاَ تَخْفَی عَلَی أَحَدٍ مِنْهَا السَّلَمُ فِی السِّنِّ وَ أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ وَ هِیَ مُغْضِفَةٌ وَ لَمَّا تَطِبْ وَ أَنْ یُبَاعَ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ نَسَاءً (6) .

قال أبو عبید السلم فی السن أن یسلف الرجل فی الرقیق و الدوابّ و غیرها من الحیوان لأنّه لیس له حدّ معلوم.

و المغضفة المتدلیة فی شجرها و کل مسترخ أغضف أی تکون غیر مدرکة.

3326

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ أَلاَ لاَ تُغَالُوا فِی صَدَاقِ النِّسَاءِ فَإِنَّ الرَّجُلَ یُغَالِی بِصَدَاقِ الْمَرْأَةِ حَتَّی یَکُونَ ذَلِکَ لَهَا فِی قَلْبِهِ عَدَاوَةً تَقُولُ جَشِمْتُ إِلَیْکَ عَرَقَ الْقِرْبَةِ (7) .

ص :134

قال معناه تکلفت لک حتّی عرقت عرق القربة و عرقها سیلان مائها

3327

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ رُفِعَ إِلَیْهِ غُلاَمٌ ابْتَهَرَ جَارِیَةً فِی شِعْرِهِ فَقَالَ انْظُرُوا إِلَیْهِ فَلَمْ یُوجَدْ أَنْبَتَ فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ (1) .

قال أبو عبید ابتهرها أی قذفها بنفسه فقال فعلت بها.

3328

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَضَی فِی الْأَرْنَبِ بِحُلاَّنٍ إِذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ (2) .

قال الحلان الجدی.

3329

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ حَجَّةٌ هَاهُنَا ثُمَّ احْدِجْ هَاهُنَا حَتَّی تَفْنَی (3) .

قال یأمر بحجة الإسلام لا غیر ثمّ بعدها الغزو فی سبیل اللّه.

حتی تفنی أی حتّی تهرم.

3330

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ سَافَرَ فِی عَقِبِ رَمَضَانَ وَ قَالَ إِنَّ الشَّهْرَ قَدْ تَسَعْسَعَ فَلَوْ صُمْنَا بَقِیَّتَهُ (4) .

قال أبو عبید السین مکررة مهملة و العین مهملة أی أدبر و فنی.

3331

وَ فِی حَدِیثِهِ وَ قَدْ سَمِعَ رَجُلاً خَطَبَ فَأَکْثَرَ فَقَالَ إِنَّ کَثِیراً مِنَ الْخُطَبِ مِنْ شَقَاشِقِ اَلشَّیْطَانِ (5) .

الواحدة شقشقة و هو ما یخرج من شدق الفحل عند نزوانه شبیهة بالرئة و الشیطان

ص :135

لا شقشقة له إنّما هذا مثل لما یدخل فی الخطب من الکلام المکذوب و تزویر الباطل.

3332

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَدِمَ مَکَّةَ فَأَذَّنَ أَبُو مَحْذُورَةَ فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ لَهُ أَ مَا خَشِیتَ یَا أَبَا مَحْذُورَةَ أَنْ یَنْشَقَّ مُرَیْطَاؤُکَ (1) .

قال المریطاء ما بین السرة إلی العانة و یروی بالقصر.

3333

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَذْیِ فَقَالَ هُوَ الْفِطْرُ وَ فِیهِ الْوُضُوءُ (2) .

قال سماه فطرا (3) من قولهم فطرت الناقة فطرا إذا حلبتها بأطراف الأصابع فلا یخرج اللبن إلاّ قلیلا و کذلک المذی و لیس المنی کذلک لأنّه یخرج منه مقدار کثیر.

3334

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِّ الْأَمَةِ الزَّانِیَةِ فَقَالَ إِنَّ الْأَمَةَ أَلْقَتْ فَرْوَةَ رَأْسِهَا مِنْ وَرَاءِ الدَّارِ (4) .

قال الفروة جلدة الرأس و هذا مثل إنّما أراد أنّها ألقت القناع و ترکت الحجاب و خرجت إلی حیث لا یمکنها أن تمتنع من الفجور نحو رعایة الغنم فکأنّه یری أن لا حدّ علیها.

3335

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ أُتِیَ بِشَارِبٍ فَقَالَ لَأَبْعَثَنَّکَ إِلَی رَجُلٍ لاَ تَأْخُذُهُ فِیکَ هَوَادَةٌ فَبَعَثَ بِهِ إِلَی مُطِیعِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَدَوِیِّ (5) فَقَالَ إِذَا أَصْبَحْتَ غَداً فَاضْرِبْهُ الْحَدَّ فَجَاءَ عُمَرُ

ص :136

وَ هُوَ یَضْرِبُهُ ضَرْباً شَدِیداً فَقَالَ قَتَلْتَ الرَّجُلَ کَمْ ضَرَبْتَهُ قَالَ سِتِّینَ قَالَ أَقِصَّ عَنْهُ بِعِشْرِینَ (1) .

قال معناه اجعل شدة هذا الضرب قصاصا بالعشرین التی بقیت من الحدّ فلا تضربه إیاها.

3336

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَذَکَرَ لَهُ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ قَدْ کَثُرَتْ فِی أَرْضِهِمْ فَقَالَ لاَ یُؤْسَرُ أَحَدٌ فِی اَلْإِسْلاَمِ بِشَهَادَةِ (2) الزُّورِ فَإِنَّا لاَ نَقْبَلُ إِلاَّ الْعُدُولَ (3) .

قال لا یؤسر لا یحبس و منه الأسیر المسجون.

3337

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ جَدَبَ السَّمْرَ بَعْدَ عَتَمَةٍ (4) .

جدبه (5) أی عابه و وصمه.

و مثل هذا الحدیث فی کراهیته السمر

3338

حَدِیثُهُ الْآخَرُ أَنَّهُ کَانَ یَنِشَّ النَّاسَ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِالدِّرَّةِ وَ یَقُولُ انْصَرِفُوا إِلَی بُیُوتِکُمْ (6) .

قال هکذا روی بالشین المعجمة و قیل إن الصحیح ینس بالسین المهملة و الأظهر أنّه ینوش الناس بالواو من التناوش قال تعالی وَ أَنّٰی لَهُمُ التَّنٰاوُشُ (7) .

3339

وَ فِی حَدِیثِهِ هَاجِرُوا وَ لاَ تَهَجَّرُوا وَ اتَّقُوا الْأَرْنَبَ أَنْ یَحْذِفَهَا أَحَدُکُمْ بِالْعَصَا وَ لَکِنْ لِیُذَکِّ لَکُمُ الْأَسَلُ الرِّمَاحُ وَ النُّبْلُ (8) .

ص :137

3340

قَالَ رَوَاهُ زِرُّ بْنُ حُبَیْشٍ قَالَ قَدِمْتُ اَلْمَدِینَةَ فَخَرَجْتُ فِی یَوْمِ عِیدٍ فَإِذَا رَجُلٌ مُتَلَبِّبٌ أَعْسَرُ أَیْسَرُ یَمْشِی مَعَ النَّاسِ کَأَنَّهُ رَاکِبٌ وَ هُوَ یَقُولُ کَذَا وَ کَذَا فَإِذَا هُوَ عُمَرُ یَقُولُ هَاجِرُوا وَ أَخْلِصُوا الْهِجْرَةَ وَ لاَ تَهَجَّرُوا.

و لا تشبهوا بالمهاجرین علی غیر صحة منکم کقولک تحلم الرجل و لیس بحلیم و تشجع و لیس بشجاع.

و الذکاة الذبح و الأسل أعم من الرماح و أکثر ما یستعمل فی الرماح خاصّة.

و المتلبب المتحزم بثیابه.

و فلان أعسر یسر یعمل بکلتا یدیه و الذی جاء فی الروایة أیسر بالهمزة.

3341

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ أَفْطَرَ فِی رَمَضَانَ وَ هُوَ یَرَی أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ ثُمَّ نَظَرَ فَإِذَا الشَّمْسُ طَالِعَةٌ فَقَالَ لاَ نَقْضِیهِ مَا تَجَانَفْنَا فِیهِ الْإِثْمَ (1) .

یقول لم نتعمد فیه الإثم و لا ملنا إلیه و الجنف المیل.

3342

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ عَلَی فِرَاشِهِ هَبَنَهُ الْمَوْتُ عِنْدِی مَنْزِلَةً حِینَ (2) لَمْ یَمُتْ شَهِیداً فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَی فِرَاشِهِ وَ أَبُو بَکْرٍ عَلِمْتُ أَنَّ مَوْتَ الْأَخْیَارِ عَلَی فُرُشِهِمْ (3) .

هبنه أی طأطأه و حط من قدره.

3343

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْجِنِّ لَقِیَهُ فَقَالَ هَلْ لَکَ أَنْ تُصَارِعَنِی فَإِنْ صَرَعْتَنِی

ص :138

عَلَّمْتُکَ آیَةً إِذَا قَرَأْتَهَا حِینَ تَدْخُلُ بَیْتَکَ لَمْ یَدْخُلْهُ شَیْطَانٌ فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ عُمَرُ وَ قَالَ لَهُ إِنِّی أَرَاکَ ضَئِیلاً شَخِیتاً کَأَنَّ ذِرَاعَیْکَ ذِرَاعَا کَلْبٍ أَ فَهَکَذَا أَنْتُمْ کُلُّکُمْ أَیُّهَا الْجِنُّ أَمْ أَنْتَ مِنْ بَیْنِهِمْ فَقَالَ إِنِّی مِنْ بَیْنِهِمْ لَضَلِیعٌ فَعَاوِدْنِی فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ الْإِنْسِیُّ فَقَالَ أَ تَقْرَأُ آیَةَ الْکُرْسِیِّ فَإِنَّهُ لاَ یَقْرَؤُهَا أَحَدٌ إِذَا دَخَلَ بَیْتَهُ إِلاَّ خَرَجَ اَلشَّیْطَانُ مِنْهُ وَ لَهُ خَبَجٌ کَخَبَجِ الْحِمَارِ (1) .

3344

قَالَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَ قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْإِنْسِ فَلَقِیَهُ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ ثُمَّ ذَکَرَ الْحَدِیثَ فَقِیلَ لَهُ هُوَ عُمَرُ فَقَالَ وَ مَنْ عَسَی أَنْ یَکُونَ إِلاَّ عُمَرُ . الشخیت النحیف الجسم و مثله الشخت.

و الضلیع العظیم (2) الخلق.

و الخبج الضراط.

3345

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ کَانَ یَطُوفُ بِالْبَیْتِ وَ هُوَ یَقُولُ رَبَّنٰا آتِنٰا فِی الدُّنْیٰا حَسَنَةً وَ فِی الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ (3) مَا لَهُ هِجِّیرَی غَیْرَهَا (4) .

قال هجیری الرجل دأبه و دیدنه و شأنه (5) .

و مثلها من

3346

قَوْلِ عُمَرَ لَوْ أُطِیقُ الْأَذَانَ مَعَ الْخُلَیْقَی لَأَذَّنْتُ.

و مثلها من

3347

قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ لاَ رِدِّیدَی فِی الصَّدَقَةِ (6) . أی لا ترد.

و مثلها قول العرب کانت بینهم رمیا أی مراماة ثمّ حجزت بینهم حجیزی أی محاجزة.

ص :139

و فی حدیثه حین قال للرجل الذی وجد منبوذا فأتاه به فقال عسی الغویر أبؤسا (1) قال عریفه یا أمیر المؤمنین إنّه و إنّه (2) فأثنی علیه خیرا و قال فهو حر ولاؤه لک (3) .

الأبؤس جمع بأس (4) و المثل قدیم مشهور و مراد عمر لعلک أنت صاحب هذا المنبوذ کأنّه اتهمه و ساء ظنه فیه فلما أثنی علیه عریفه أی کفیله قال له هذا المنبوذ حر و ولاؤه لک لأنّه بإنقاذه إیاه من الهلکة کأنّه أعتقه.

3348

وَ فِی حَدِیثِهِ إِنَّ قُرَیْشاً تُرِیدُ أَنْ تَکُونَ مُغْوِیَاتٍ لِمَالِ اللَّهِ (5) .

هکذا یروی بالتخفیف و الکسر و المعروف مغویات بتشدید الیاء و فتحها واحدتها مغواة و هی حفرة کالزبیة تحفر للذئب و یجعل فیها جدی فإذا نظر إلیها الذئب سقط یریده فیصاد و لهذا قیل لکل مهلکة مغواة.

3349

وَ فِی حَدِیثِهِ فَرِّقُوا عَنِ الْمَنِیَّةِ وَ اجْعَلُوا الرَّأْسَ رَأْسَیْنِ وَ لاَ تُلِثُّوا بِدَارِ مُعْجِزَةٍ وَ أَصْلِحُوا مَثَاوِیَکُمْ وَ أَخِیفُوا الْهَوَامَّ قَبْلَ أَنْ تُخِیفَکُمْ وَ اخْشَوْشِنُوا وَ اخْشَوْشِبُوا وَ تَمَعْدَدُوا (6) .

ص :140

قال فرقوا عن المنیة و اجعلوا الرأس رأسین أی إذا أراد أحدکم أن یشتری شیئا من الحیوان کمملوک أو دابة فلا یغالین به فإنّه لا یدری ما یحدث فیه و لکن لیجعل ثمنه فی رأسین و إن کان کل واحد منهما دون الأول فإن مات أحدهما بقی الآخر.

و قوله و لا تلثوا بدار معجزة فالإلثاث الإقامة أی لا تقیموا ببلد یعجزکم فیه الرزق و لکن اضطربوا فی البلاد للکسب.

و هذا شبیه

3350

بِحَدِیثِهِ الْآخَرِ إِذَا اتَّجَرَ أَحَدُکُمْ فِی شَیْءٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ یُرْزَقْ مِنْهُ فَلْیَدَعْهُ.

و المثاوی المنازل جمع مثوی.

و أخیفوا الهوام أی اقتلوا ما یظهر فی دورکم من الحیات و العقارب لتخافکم فلا تظهر.

و اخشوشنوا أمر بالخشونة فی العیش و مثله اخشوشبوا بالباء أراد ابتذال النفس فی العمل و الاحتفاء فی المشی لیغلظ الجلد و یجسو.

و تمعددوا قیل إنّه من الغلظ أیضا یقال للغلام إذا أنبت و غلظ قد تمعدد.

و قیل أراد تشبهوا بمعد بن عدنان و کانوا أهل قشف و غلظ فی المعاش أی دعوا التنعم و زی العجم .

3351

وَ قَدْ جَاءَ عَنْهُ فِی حَدِیثٍ آخَرَ مِثْلِهِ عَلَیْکُمْ بِاللِّبْسَةِ الْمَعَدِّیَّةِ.

3352

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ کَتَبَ إِلَی خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ أَنَّهُ بَلَغَنِی أَنَّکَ دَخَلْتَ حَمَّاماً بِالشَّامِ وَ أَنَّ مَنْ بِهَا مِنَ اَلْأَعَاجِمِ أَعَدُّوا لَکُمْ دُلُوکاً عُجِنَ بِخَمْرٍ وَ إِنِّی أَظُنُّکُمْ آلَ الْمُغِیرَةِ ذَرْوَ النَّارِ (1) .

ص :141

الدلوک ما یتدلک به کالسحور و الفطور و نحوهما.

و ذرو النار خلق النار و یروی ذرء النار بالهمزة من ذرأ اللّه الناس أی صورهم و أوجدهم.

3353

وَ فِی حَدِیثِهِ امْلِکُوا الْعَجِینَ فَإِنَّهُ أَحَدُ الرَّیْعَیْنِ (1) .

ملکت العجین أجدت عجنه.

و الریع الزیادة و الریع الثانی ما یزید عند خبزه فی التنّور

3354

1- وَ فِی حَدِیثِهِ حِینَ طُعِنَ فَدَخَلَ عَلَیْهِ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَرَآهُ مُغْتَمّاً بِمَنْ یَسْتَخْلِفُ بَعْدَهُ فَذَکَرَ عُثْمَانَ فَقَالَ کَلَّفَ بِأَقَارِبِهِ (2) قَالَ فَعَلِیٌّ قَالَ فِیهِ دُعَابَةٌ قَالَ فَطَلْحَةُ قَالَ لَوْ لاَ بَأْوٌ فِیهِ (3) قَالَ فَالزُّبَیْرُ قَالَ وَعِقَةٌ لَقِسٌ (4) قَالَ فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ أَوْهِ ذَکَرْتَ رَجُلاً صَالِحاً وَ لَکِنَّهُ ضَعِیفٌ وَ هَذَا الْأَمْرُ لاَ یَصْلُحُ لَهُ إِلاَّ اللَّیِّنُ مِنْ غَیْرِ ضَعْفٍ وَ الْقَوِیُّ مِنْ غَیْرِ عُنْفٍ (5) قَالَ فَسَعِدَ (6) قَالَ ذَاکَ یَکُونُ فِی مِقْنَبٍ مِنْ مَقَانِبِکُمْ (7)

.

قوله کلف بأقاربه أی شدید الحب لهم.

و الدعابة المزاح.

ص :142

و البأو الکبر و العظمة.

و قوله وعقة لقس و یروی ضبیس و معناه کله الشراسة و شد الخلق و خبث النفس.

و المقنب جماعة من الفرسان.

3355

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ عَامَ الرَّمَادَةِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَجْعَلَ مَعَ کُلِّ أَهْلِ بَیْتٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ مِثْلَهُمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لاَ یَهْلِکُ عَلَی نِصْفِ شِبَعِهِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ لَوْ فَعَلْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا کُنْتَ فِیهَا ابْنَ ثَأَدَاءَ.

قال یرید أن الإنسان إذا اقتصر علی نصف شبعه لم یهلک جوعا و ابن ثَأَدَاءَ (1) بفتح الهمزة ابن الأمة (2) .

3356

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَرَأَ فِی صَلاَةِ الْفَجْرِ بِالنَّاسِ سُورَةَ یُوسُفَ فَلَمَّا انْتَهَی إِلَی قَوْلِهِ تَعَالَی إِنَّمٰا أَشْکُوا بَثِّی وَ حُزْنِی إِلَی اللّٰهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللّٰهِ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ (3) بَکَی حَتَّی سُمِعَ نَشِیجُهُ (4) .

النشیج صوت البکاء یردده الصبیّ فی صدره و لا یخرجه.

3357

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ أُتِیَ فِی نِسَاءٍ أَوْ إِمَاءٍ سَاعِیَاتٍ (5) فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ فَأَمَرَ بِأَوْلاَدِهِنَّ أَنْ یَقُومُوا عَلَی آبَائِهِمْ فَلاَ یُسْتَرَقُّوا (6) .

ص :143

المساعاة زنا الإماء خاصّة (1) قضی عمر فی أولادهن فی الجاهلیة أن یسومن علی آبائهم بدفع الآباء قیمتهم إلی سادات الإماء و یصیر الأولاد أحرارا لاحقی النسب بآبائهم.

3358

وَ فِی حَدِیثِهِ لَیْسَ عَلَی عَرَبِیٍّ مِلْکٌ وَ لَسْنَا بِنَازِعِینَ مِنْ یَدِ رَجُلٍ شَیْئاً أَسْلَمَ عَلَیْهِمْ وَ لَکِنَّا نُقَوِّمُهُمُ الْمِلَّةَ خَمْساً مِنَ الْإِبِلِ (2) .

قال کانت العرب تسبی بعضها بعضا فی الجاهلیة فیأتی الإسلام و المسبی فی ید الإنسان کالمملوک له فقضی عمر فی مثل هذا أن یرد حرا إلی نسبه و تکون قیمته علی نفسه یؤدیها إلی الذی سباه لأنّه أسلم و هو فی یده و قیمته کائنا ما کان خمس من الإبل (3) .

قوله و الملّة أی تقوم ملة الإنسان و شرعها.

3359

وَ فِی حَدِیثِهِ لَمَّا ادَّعَی اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَیْسٍ رِقَابَ أَهْلِ نَجْرَانَ لِأَنَّهُ کَانَ سَبَاهُمْ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ وَ اسْتَعْبَدَهُمْ تَغَلُّباً فَصَارُوا کَمَمَالِیکِهِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا أَبَوْا عَلَیْهِ فَخَاصَمُوهُ عِنْدَ عُمَرَ فِی رِقَابِهِمْ فَقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّمَا کُنَّا لَهُ عَبِیدَ مَمْلَکَةٍ وَ لَمْ نَکُنْ عَبِیدَ قِنٍّ فَتَغَیَّظَ عُمَرُ عَلَیْهِ وَ قَالَ أَرَدْتَ أَنْ تَتَغَفَّلَنِی (4) .

یعنی أردت غفلتی.

ص :144

و عبد قن ملک و ملک أبواه و عبد مملکة بفتح اللام و ضمها من غلب علیه و استعبد و کان فی الأصل حرا فقضی عمر فیهم أن صیرهم أحرارا بلا عوض لأنّه لیس بسباء (1) علی الحقیقة.

3360

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَضَی فِی وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِغُرَّةٍ (2) .

قال هو الرجل یزوج رجلا آخر مملوکة لإنسان آخر علی أنّها حرة فقضی عمر أن یغرم الزوج لمولی الأمة غرة أی عبدا أو أمة و یکون ولده حرا ثمّ یرجع الرجل الزوج علی من غره بما غرم.

3361

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ رَأَی جَارِیَةً مُتَکَمْکِمَةً فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالُوا أَمَةُ آلِ فُلاَنٍ فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ ضَرَبَاتٍ وَ قَالَ یَا لَکْعَاءُ أَ تَشَبَّهِینَ بِالْحَرَائِرِ (3) .

قال متکمکمة لابسة قناع أصله من الکمة و هی کالقلنسوة و الأصل مکممة فأعاد الکاف کما قالوا کفکف فلان عن کذا و تصرصر الباب.

و لکعاء و لکاع بالکسر و البناء شتم للأمة و للرجل یقال یا لکع.

3362

وَ فِی حَدِیثِهِ وَرِّعِ اللِّصَّ وَ لاَ تُرَاعِهِ (4) .

یقول ادفعه إذا رأیته فی منزلک و اکففه بما استطعت و لا تنتظر فیه شیئا و کل

ص :145

شیء کففته فقد ورعته و کل ما تنتظره فأنت تراعیه و المعنی أنّه رخص فی الإقدام علی اللصّ بالسلاح و نهی أن یمسک عنه نائما.

3363

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ إِنَّ ابْنَ عَمِّی شُجَّ مُوضِحَةً فَقَالَ أَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَی أَمْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِیَةِ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِیَةِ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّا لاَ نَتَعَاقَلُ الْمُضَغَ بَیْنَنَا (1) .

قال سماها مضغا استصغارا لها و لأمثالها کالسن و الإصبع.

قال و مثل ذلک لا تحمله العاقلة عند کثیر من الفقهاء و کذلک کل ما کان دون الثلث.

3364

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ لَمَّا حَصَّبَ اَلْمَسْجِدَ قَالَ لَهُ فُلاَنٌ لِمَ فَعَلْتَ قَالَ هُوَ أَغْفَرُ لِلنُّخَامَةِ وَ أَلْیَنُ فِی الْمَوْطِئِ (2) .

أغفر لها أستر لها.

و حصب المسجد فرشه بالحصباء و هی رمل فیه حصی صغار.

3365

14- وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ اَلْحَارِثَ بْنَ أَوْسٍ سَأَلَهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَیْتِ ثُمَّ تَنْفِرُ مِنْ غَیْرِ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الصَّدْرِ إِذَا کَانَتْ حَائِضاً فَنَهَاهُ عُمَرُ عَنْ ذَلِکَ فَقَالَ اَلْحَارِثُ کَذَلِکَ أَفْتَانِی رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ عُمَرُ أَرِبَتْ یَدَاکَ أَ تَسْأَلُنِی وَ قَدْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص کَیْ أُخَالِفَهُ (3)

.

قال دعا علیه بقطع الیدین من قولک قطعت الشاة إربا إربا (4) .

ص :146

3366

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً یَتَعَوَّذُ مِنَ الْفِتَنِ فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ مِنَ الضَّفَاطَةِ أَ تَسْأَلُ رَبَّکَ أَلاَّ یَرْزُقَکَ مَالاً وَ وَلَداً (1) .

قال أراد قوله تعالی إِنَّمٰا أَمْوٰالُکُمْ وَ أَوْلاٰدُکُمْ فِتْنَةٌ (2) و الضفاطة الحمق و ضعف العقل رجل ضفیط أی أحمق.

3367

وَ فِی حَدِیثِهِ مَا بَالُ رِجَالٍ لاَ یَزَالُ أَحَدُهُمْ کَاسِراً وِسَادَةً عِنْدَ امْرَأَةٍ مُغْزِیَةٍ یَتَحَدَّثُ إِلَیْهَا وَ تَتَحَدَّثُ إِلَیْهِ عَلَیْکُمْ بِالْجَنْبَةِ فَإِنَّهَا عَفَافٌ إِنَّمَا النِّسَاءُ لَحْمٌ عَلَی وَضَمٍ إِلاَّ مَا ذُبَّ عَنْهُ (3) .

قال مغزیة قد غزا زوجها فهو غائب عنها أغزت المرأة إذا کان بعلها غازیا و کذلک أغابت فهی مغیبة.

و علیکم بالجنبة أی الناحیة یقول تنحوا عنهن و کلموهن من خارج المنزل و الوضم الخشبة أو الباریة یجعل علیها اللحم.

قال و هذا مثل

3368

حَدِیثِهِ الْآخَرِ أَلاَ لاَ یَدْخُلَنَّ رَجُلٌ عَلَی امْرَأَةٍ وَ إِنْ قِیلَ حَمُوهَا أَلاَ حَمُوهَا الْمَوْتُ (4) .

قال دعا علیها فإذا کان هذا رأیه فی أبی الزوج و هو محرم لها فکیف بالغریب

3369

وَ فِی حَدِیثِهِ إِنَّ بَیْعَةَ أَبِی بَکْرٍ کَانَتْ فَلْتَةً وَقَی اللَّهُ شَرَّهَا فَلاَ بَیْعَةَ إِلاَّ عَنْ مَشُورَةٍ وَ أَیُّمَا رَجُلٍ بَایَعَ رَجُلاً عَنْ غَیْرِ مَشُورَةٍ فَلاَ یُؤَمَّرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا تَغِرَّةَ أَنْ یُقْتَلاَ (5) .

قال التغرة التغریر غررت بالقوم تغریرا و تغرة کقولک حللت الیمین تحلیلا

ص :147

و تحلة و مثله فی المضاعف کثیر أی أن فی ذلک تغریرا بأنفسهما و تعریضا لهما أن یقتلا.

3370

وَ فِی حَدِیثِهِ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَ اللَّهُ حَکَمَتَهُ وَ قَالَ انْتَعِشْ نَعَشَکَ اللَّهُ وَ إِذَا تَکَبَّرَ وَ عَدَا طَوْرَهُ وَهَصَهُ اللَّهُ إِلَی الْأَرْضِ (1) .

قال وهصه أی کسره و عدا طوره أی قدره.

3371

وَ فِی حَدِیثِهِ حُجُّوا بِالذُّرِّیَّةِ لاَ تَأْکُلُوا أَرْزَاقَهَا وَ تَذَرُوا أَرْبَاقَهَا فِی أَعْنَاقِهَا (2) .

قال أراد بالذریة هنا النساء و لم یرد الصبیان لأنّه لا حج علیهم.

و الأرباق جمع ربق و هو الحبل.

3372

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ وَقَفَ بَیْنَ الْحَرَّتَیْنِ وَ هُمَا دَارَانِ لِفُلاَنٍ فَقَالَ شَوَی (3) أَخُوکَ حَتَّی إِذَا أَنْضَجَ رَمَّدَ (4) .

هذا مثل یضرب للرجل یصنع معروفا ثمّ یفسده.

3373

وَ فِی حَدِیثِهِ السَّائِبَةُ وَ الصَّدَقَةُ لِیَوْمِهِمَا (5) .

قال السائبة المعتق.

ص :148

و لیومهما لیوم القیامة الذی فعل ما فعله لأجله.

3374

وَ فِی حَدِیثِهِ لاَ تَشْتَرُوا رَقِیقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ خَرَاجٍ یُؤَدِّی بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَ أَرْضَهُمْ فَلاَ تَتَنَازَعُوهَا وَ لاَ یُقِرَّنَّ أَحَدُکُمْ بِالصَّغَارِ بَعْدَ إِذْ نَجَّاهُ اللَّهُ.

قال کره أن یشتری أرضهم المسلمون و علیها خراج فیصیر الخراج منتقلا إلی المسلم و إنّما منع من شراء رقیقهم لأن جزیتهم تکثر علی حسب کثرة رقیقهم فإذا ابتیع رقیقهم قلت جزیتهم و إذا أقلت جزیتهم یقل بیت المال.

3375

وَ فِی حَدِیثِهِ فِی قُنُوتِ الْفَجْرِ وَ إِلَیْکَ نَسْعَی وَ نَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَکَ وَ نَخْشَی عَذَابَکَ إِنَّ عَذَابَکَ بِالْکُفَّارِ مُلْحِقٌ (1) .

قال حفد العبد مولاه یحفد أی خدم و منه قوله تعالی بَنِینَ وَ حَفَدَةً (2) أی خدما.

و ملحق اسم فاعل بمعنی لاحق من الحق و هو لغة فی لحق یقال لحقت زیدا و ألحقته بمعنی.

3376

وَ فِی حَدِیثِهِ لاَ تَشْتَرُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ إِلاَّ یَداً بِیَدٍ هَاءَ وَ هَاءَ إِنِّی أَخَافُ عَلَیْکُمُ الرَّمَاءَ (3) .

قال الرماء الزیادة و هو بمعنی الربا یقال أرمیت علی الخمسین أی زدت علیها.

ص :149

3377

وَ فِی حَدِیثِهِ مَنْ لَبَّدَ أَوْ عَقَصَ أَوْ ضَفَرَ فَعَلَیْهِ الْحَلْقُ (1) .

قال التلبید أن تجعل فی رأسک شیئا من صمغ أو عسل یمنع من أن یقمل.

و العقص و الضفر فتل الشعر و نسجه

3378

وَ فِی حَدِیثِهِ مَا تَصَعَّدَتْنِی خُطْبَةٌ (2) کَمَا تَصَعَّدَتْنِی خِطْبَةُ النِّکَاحِ (3) .

قال معناه ما شق علی و أصله من الصعود و هی العقبة المنکرة قال تعالی سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (4) .

3379

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لِمَالِکِ بْنِ أَوْسٍ یَا مَالِکُ إِنَّهُ قَدْ دَفَّتْ عَلَیْنَا مِنْ قَوْمِکَ دَافَّةٌ وَ قَدْ أَمَرْنَا لَهُمْ بِرَضْخٍ فَاقْسِمْهُ فِیهِمْ (5) .

قال الدافة جماعة تسیر سیرا لیس بالشدید.

3380

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ سَأَلَ جَیْشاً فَقَالَ هَلْ ثَبَتَ لَکُمُ الْعَدُوُّ قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ بَکِیئَةٍ (6) .

قال البکیئة القلیلة اللبن.

3381

14- وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ فِی مُتْعَةِ الْحَجِّ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص فَعَلَهَا وَ أَصْحَابُهُ وَ لَکِنْ کَرِهْتُ أَنْ یَظَلُّوا بِهِنَّ مُعْرِسِینَ تَحْتَ الْأَرَاکِ ثُمَّ یُلَبُّونَ بِالْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ (7)

.

ص :150

قال المعرس الذی یغشی امرأته قال کره أن یحل الرجل من عمرته ثمّ یأتی النساء ثمّ یهل بالحج.

3382

وَ فِی حَدِیثِهِ نِعْمَ الْمَرْءُ صُهَیْبٌ لَوْ لَمْ یَخَفِ اللَّهَ لَمْ یَعْصِهِ.

قال المعنی أنّه لا یترک المعصیة خوف العقاب بل یترکها لقبحها فلو کان لا یخاف عقوبة اللّه لترک المعصیة.

3383

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ أُتِیَ بِسَکْرَانَ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ لِلْمَنْخِرَیْنِ لِلْمَنْخِرَیْنِ أَ صِبْیَانُنَا صِیَامٌ وَ أَنْتَ مُفْطِرٌ.

قال معناه الدعاء علیه کقولک کبه اللّه للمنخرین و کقولهم للیدین و للفم.

3384

14- وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَامَ أَبُو بَکْرٍ فَتَلاَ هَذِهِ الْآیَةَ فِی خُطْبَتِهِ إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ (1) قَالَ عُمَرُ فَعَقِرْتُ حَتَّی وَقَعْتُ إِلَی الْأَرْضِ (2)

.

قال یقال للرجل إذا بهت و بقی متحیرا دهشا قد عقر و مثله بعل و خرق.

3385

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ کَتَبَ إِلَی أَبِی عُبَیْدَةَ وَ هُوَ بِالشَّامِ حِینَ وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ أَنَّ اَلْأُرْدُنَّ أَرْضٌ غَمِقَةٌ وَ أَنَّ اَلْجَابِیَةَ أَرْضٌ نَزِهَةٌ فَأَظْهِرْ بِمَنْ مَعَکَ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ إِلَی اَلْجَابِیَةِ (3) .

ص :151

قال الغمقة الکثیرة الأنداء و الوباء و النزهة البعیدة من ذلک.

3386

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِهِمْ فِی کَلاَمٍ کَلَّمَهُ بِهِ بَلْ تَحُوسُکَ فِتْنَةٌ (1) .

قال معناه تخالطک و تحثک علی رکوبها قال و تحوس مثل تجوس بالجیم قال تعالی فَجٰاسُوا خِلاٰلَ الدِّیٰارِ (2) .

3387

وَ فِی حَدِیثِهِ حِینَ ذَکَرَ الْجَرَادَ فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدَنَا مِنْهُ قَفْعَةً أَوْ قَفْعَتَیْنِ (3) .

قال القفعة شیء شبیه بالزنبیل لیس بالکبیر یعمل من خوص لیس له عری و هو الذی یسمی القفة.

3388

1- وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ أُذَیْنَةَ الْعَبْدِیَّ أَتَاهُ یَسْأَلُهُ فَقَالَ إِنِّی حَجَجْتُ مِنْ رَأْسِ هَزٍّّ أَوْ خَازَکَ أَوْ بَعْضِ هَذِهِ الْمَزَالِفِ فَمِنْ أَیْنَ أَعْتَمِرُ فَقَالَ ائْتِ عَلِیّاً فَاسْأَلْهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مِنْ حَیْثُ ابْتَدَأْتَ (4) .

قال رأس هز أو خازک موضعان من ساحل فارس و المزالف کل قریة تکون بین البر و بلاد الریف و هی المزارع أیضا کالأنبار و عین التمر و الحیرة .

3389

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ نَهَی عَنِ الْمُکَایَلَةِ (5) .

قال معناه مکافأة الفعل القبیح بمثله.

ص :152

3390

وَ فِی حَدِیثِهِ لَیْسَ الْفَقِیرُ الَّذِی لاَ مَالَ لَهُ إِنَّمَا الْفَقِیرُ الْأَخْلَقُ الْکَسْبِ (1) .

قال أراد الرجل الذی لا یرزأ فی ماله و لا یصاب بالمصائب و أصله أن یقال للجبل المصمت الذی لا یؤثر فیه شیء أخلق و صخرة خلقاء إذا کانت کذلک فأراد عمر أن الفقر الأکبر إنّما هو فقر الآخرة لمن لم یقدم من ماله لنفسه شیئا یثاب علیه هناک و هذا نحو

3391

قَوْلِ اَلنَّبِیِّ ص لَیْسَ الرَّقُوبُ (2) الَّذِی لاَ یَبْقَی لَهُ وَلَدٌ إِنَّمَا الرَّقُوبُ الَّذِی لَمْ یُقَدِّمْ مِنْ وُلْدِهِ أَحَداً.

فهذا ما لخصته من غریب کلام عمر من کتاب أبی عبید .

فأما ما ذکره ابن قتیبة من غریب حدیثه فی کتابه فأنا ألخص منه ما أنا ذاکره.

قال ابن قتیبة فمن غریب

3392

1- حَدِیثِ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَیْکُمْ أَنْ یُؤْخَذَ الرَّجُلُ اَلْمُسْلِمُ الْبَرِیءُ عِنْدَ اللَّهِ فَیُدْسَرَ کَمَا یُدْسَرُ الْجَزُورُ وَ یُشَاطُ لَحْمُهُ کَمَا یُشَاطُ لَحْمُ الْجَزُورِ یُقَالُ عَاصٍ وَ لَیْسَ بِعَاصٍ فَقَالَ عَلِیٌّ ع فَکَیْفَ ذَاکَ وَ لَمَّا تَشْتَدَّ الْبَلِیَّةُ وَ تَظْهَرِ الْحَمِیَّةُ وَ تُسْبَی الذُّرِّیَّةُ وَ تَدُقُّهُمُ الْفِتَنُ دَقَّ الرَّحَی بِثِفَالِهَا (3) .

قال ابن قتیبة یدسر أی یدفع و

3393

مِنْهُ حَدِیثُ اِبْنِ عَبَّاسٍ لَیْسَ فِی الْعَنْبَرِ زَکَاةٌ إِنَّمَا هُوَ شَیْءٌ یَدْسُرُهُ الْبَحْرُ (4) .

و یشاط لحمه أی یقطع و یبضع و الأصل فی الإشاطة الإحراق فاستعیر

3394

وَ فِی الْحَدِیثِ أَنَّ زَیْدَ بْنَ حَارِثَةَ قَاتَلَ یَوْمَ مُؤْتَةَ حَتَّی شَاطَ فِی رِمَاحِ الْقَوْمِ.

و الثفال جلدة تبسط تحت الرحی فیقع علیها الدقیق.

ص :153

3395

وَ فِی حَدِیثِ عُمَرَ الْقَسَامَةُ (1) تُوجِبُ الْعَقْلَ وَ لاَ تُشِیطُ الدَّمَ (2) .

قال ابن قتیبة العقل الدیة یقول إذا حلفت فإنما تجب الدیة لا القود و

3396

قَدْ رُوِیَ عَنِ اِبْنِ الزُّبَیْرِ وَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ أَنَّهُمَا أَقَادَا بِالْقَسَامَةِ.

3397

وَ فِی حَدِیثِهِ لاَ تُفْطِرُوا حَتَّی تَرَوُا اللَّیْلَ یَغْسِقُ عَلَی الظِّرَابِ (3) .

قال یغسق أی یظلم.

و الظراب جمع ظرب و هو ما کان دون الجبل و إنّما خص الظراب بالذکر لقصرها أراد أن ظلمة اللیل تقرب من الأرض.

3398

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ رَجُلاً کُسِرَ مِنْهُ عَظْمٌ فَأَتَی عُمَرَ یَطْلُبُ الْقَوَدَ فَأَبَی أَنْ یَقْتَصَّ لَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ فَکَاسِرْ عَظْمِی إِذَنْ کَالْأَرْقَمِ إِنْ یُقْتَلْ یَنْقَمْ وَ إِنْ یُتْرَکْ یَلْقَمْ فَقَالَ عُمَرُ هُوَ کَالْأَرْقَمِ (4) .

قال کانت الجاهلیة تزعم أن الجن یتصور بعضهم فی صورة الحیات و أن من قتل حیة منها طلبت الحیة بالثأر فربما مات أو أصابه خبل فهذا معنی قوله إن یقتل ینقم و معنی یلقم یقول إن ترکته أکلک و هذا مثل یضرب للرجل یجتمع علیه أمران من الشر لا یدری کیف یصنع فیهما و نحوه قولهم هو کالأشقر إن تقدم عقر و إن تأخر نحر.

ص :154

قال و إنّما لم یقده لأنّه یخاف من القصاص فی العظم الموت و لکن فیه الدیة.

و فی حدیثه أنّه أتی مسجد قباء فرأی فیه شیئا من غبار و عنکبوت فقال لرجل ائتنی بجریدة و اتق العواهن قال فجئته بها فربط کمیه بوذمة ثمّ أخذ الجریدة فجعل یتتبع بها الغبار (1) .

قال الجریدة السعفة و جمعها جرید.

و العواهن السعفات التی یلین القلبة و القلبة جمع قلب و أهل نجد یسمون العواهن الحوانی و إنّما نهاه عنها إشفاقا علی القلب أن یضر به قطعها.

و الوذمة سیر من سیور الدلو یکون بین آذان الدلو و العراقی.

3399

وَ فِی حَدِیثِهِ أَلاَ لاَ تَضْرِبُوا اَلْمُسْلِمِینَ فَتُذِلُّوهُمْ وَ لاَ تَمْنَعُوهُمْ حُقُوقَهُمْ فَتُکَفِّرُوهُمْ وَ لاَ تُجْمِرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ (2) .

قال التجمیر ترک الجیش فی مغازیهم لا یقفلون.

3400

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ أُتِیَ بِمُرُوطٍ فَقَسَمَهَا بَیْنَ نِسَاءِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ رَفَعَ مِرْطاً بَقِیَ إِلَی أُمِّ سَلِیطٍ الْأَنْصَارِیَّةِ وَ قَالَ إِنَّهَا کَانَتْ تَزْفِرُ الْقِرَبَ یَوْمَ أُحُدٍ تَسْقِی اَلْمُسْلِمِینَ .

قال تزفرها تحملها و منه زفر اسم رجل کان یحمل الأثقال.

ص :155

3401

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ أَعْطُوا مِنَ الصَّدَقَةِ مَنْ أَبْقَتْ لَهُ السَّنَةُ غَنَماً وَ لاَ تُعْطُوا مَنْ أَبَقَتْ لَهُ السَّنَةُ غَنَمَیْنِ (1) .

قال السنة هاهنا الأزمنة و منه قوله تعالی وَ لَقَدْ أَخَذْنٰا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِینَ (2) .

3402

قَالَ وَ کَانَ عُمَرُ لاَ یُجِیزُ نِکَاحاً فِی عَامِ سَنَةٍ یَقُولُ لَعَلَّ الضَّیْعَةَ تَحْمِلُهُمْ عَلَی أَنْ یَنْکِحُوا غَیْرَ الْأَکْفَاءِ.

وَ کَانَ أَیْضاً لاَ یَقْطَعُ سَارِقاً فِی عَامِ سَنَةٍ.

و قوله غنما أی قطعة من الغنم یقال لفلان غنمان أی قطعتان من الغنم و أراد عمر أن من له قطعتان غنی لا یعطی من الصدقة شیئا لأنّها لم تکن قطعتین إلاّ لکثرتها.

3403

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ انْکَفَأَ لَوْنُهُ فِی عَامِ الرَّمَادَةِ حِینَ قَالَ لاَ آکُلُ سَمْناً وَ لاَ سَمِیناً وَ أَنَّهُ اتَّخَذَ أَیَّامَ کَانَ یُطْعِمُ النَّاسَ قَدَحاً فِیهِ فَرْضٌ فَکَانَ یَطُوفُ عَلَی الْقِصَاعِ فَیَغْمِزُ الْقَدَحَ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغِ الثَّرِیدَةُ الْفَرْضَ قَالَ فَانْظُرْ مَا ذَا یَفْعَلُ (3) بِصَاحِبِ الطَّعَامِ (4) .

قال انکفأ تغیر عن حاله و أصله الانقلاب من کفأت الإناء.

و سمی عام الرمادة من قولهم أرمد الناس إذا جهدوا و الرمد الهلاک.

و القدح السهم و الفرض الحز جعل عمر هذا الحز علامة لعمق الثرید فی الصحفة.

ص :156

3404

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ یَسَارٍ قَالَ قُلْتُ لِلْوَلِیدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ رُوِیَ لِی أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ وَدِدْتُ أَنِّی سَلِمْتُ مِنَ الْخِلاَفَةِ کَفَافاً لاَ عَلَیَّ وَ لاَ لِی فَقَالَ کَذَبَتِ (1) الْخَلِیفَةُ یَقُولُ هَذَا فَقُلْتُ أَ وَ کَذَبَتْ فَأَفْلَتَ مِنْهُ بِجُرَیْعَةِ الذَّقَنِ (2) .

قال یقال خلص من خصمه کفافا أی کف کل واحد منهما علی صاحبه فلم ینل أحدهما من الآخر شیئا (3) .

و أفلت فلان بجریعة ذقن أی أن نفسه قد صارت فی فیه و جریعة تصغیر جرعة.

قلت و إنّما استعظم الولید ذلک لأن بنی أمیّة کانوا یرون أن من ولی الخلافة فقد وجبت له الجنة و لهذا خطب هشام یوم ولی فقال الحمد لله الذی أنقذنی من النار بهذا المقام

3405

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ سِمَاکَ بْنَ حَرْبٍ قَالَ رَأَیْتُ عُمَرَ فَرَأَیْتُ رَجُلاً أَرْوَحَ کَأَنَّهُ رَاکِبٌ وَ النَّاسُ یَمْشُونَ کَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ بَنِی سَدُوسٍ (4) .

قال الأروح الذی تتدانی عقباه و تتباعد صدور قدمیه یقال أروح بین الروح و الأفحج الذی تتدانی صدور قدمیه و تتباعد عقباه و تتفحج ساقاه و الأوکع الذی یمیل إبهام رجله علی أصابعه حتّی یزول فیری شخص أصلها خارجا و هو الوکع و منه أمة وکعاء و بنو سدوس فخذ من بنی شیبان و الطول أغلب علیهم.

ص :157

3406

وَ فِی حَدِیثِهِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ دَعَانِی فَإِذَا حَصِیرٌ بَیْنَ یَدَیْهِ عَلَیْهِ الذَّهَبُ مَنْثُورٌ نَثْرَ الْحَثَا فَأَمَرَنِی بِقَسْمِهِ (1) .

قال الحثا التبن (2) مقصور قال الراجز یهجو رجلا و یأکل التمر و لا یلقی النوی و لا یواری فرجه إذا اصطلی کأنّه غرارة ملأی حثا (3) .

3407

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ النِّسَاءُ ثَلاَثٌ فَهَیِّنَةٌ لَیِّنَةٌ عَفِیفَةٌ مُسْلِمَةٌ تُعِینُ أَهْلَهَا عَلَی الْعَیْشِ وَ لاَ تُعِینُ الْعَیْشَ عَلَی أَهْلِهَا وَ أُخْرَی وِعَاءٌ لِلْوَلَدِ وَ أُخْرَی غُلٌّ قَمِلٌ یَضَعُهُ اللَّهُ فِی عُنُقِ مَنْ یَشَاءُ وَ یَفُکُّهُ عَمَّنْ یَشَاءُ وَ الرِّجَالُ ثَلاَثَةٌ رَجُلٌ ذُو رَأْیٍ وَ عَقْلٍ وَ رَجُلٌ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ أَتَی ذَا رَأْیٍ فَاسْتَشَارَهُ وَ رَجُلٌ حَائِرٌ بَائِرٌ لاَ یَأْتَمِرُ رُشْداً وَ لاَ یُطِیعُ مُرْشِداً (4) .

قال البائر الهالک قال تعالی وَ کُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (5) و الأصل فی قوله غل قمل أنهم کانوا یغلون بالقد و علیه الشعر فیقمل علی الرجال.

و لا یأتمر رشدا أی لا یأتی برشد من ذات نفسه یقال لمن فعل الشیء من غیر مشاورة قد ائتمر و بئس ما ائتمرت لنفسک قال النمر بن تولب و اعلمن أن کل مؤتمر مخطئ فی الرأی أحیانا.

3408

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ خَرَجَ لَیْلَةً فِی شَهْرِ رَمَضَانَ وَ النَّاسُ أَوْزَاعٌ فَقَالَ إِنِّی لَأَظُنُّ لَوْ جَمَعْنَاهُمْ عَلَی قَارِئٍ وَاحِدٍ کَانَ أَفْضَلَ فَأَمَرَ أُبَیَّ بْنَ کَعْبٍ فَأَمَّهُمْ ثُمَّ خَرَجَ لَیْلَةً وَ هُمْ

ص :158

یُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ فَقَالَ نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَ الَّتِی یَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِی یَقُومُونَ (1) .

قال الأوزاع الفرق یرید أنهم کانوا یصلون فرادی (2) یقال وزعت المال بینهم أی فرقته.

و قوله و التی ینامون عنها أفضل یرید صلاة آخر اللیل فإنها خیر من صلاة أوله.

3409

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ص تَذَاکَرُوا الْوَتْرَ فَقَالَ أَبُو بِکْرٍ أَمَّا أَنَا فَأَبْدَأُ بِالْوَتْرِ وَ قَالَ عُمَرُ لَکِنِّی أُوتِرُ حِینَ یَنَامُ الضَّفْطَی (3) .

قال هو جمع ضفیط و هو الرجل الجاهل الضعیف الرأی.

و منه ما

3410

1- رُوِیَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ لَمْ یَطْلُبِ النَّاسُ بِدَمِ عُثْمَانَ لَرُمُوا بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ فَقِیلَ أَ تَقُولُ هَذَا وَ أَنْتَ عَامِلٌ لِفُلاَنٍ فَقَالَ إِنَّ فِیَّ ضَفَطَاتٌ وَ هَذِهِ إِحْدَی ضَفَطَاتِی (4)

.

3411

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ فِی وَصِیَّتِهِ إِنْ تُوُفِّیتُ وَ فِی یَدِی صِرْمَةُ ابْنِ الْأَکْوَعِ فَسُنَّتُهَا سُنَّةُ ثَمْغٍ (5) .

ص :159

قال الصرمة هاهنا قطعة من النخل و یقال للقطعة الخفیفة من الإبل صرمة و یقال لصاحبها مصرم و لعله قیل للمقل مصرم من هذا.

و ثمغ مال کان لعمر و وقفه.

3412

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ اَلشَّامَ تَفَحَّلَ لَهُ أُمَرَاءُ اَلشَّامِ (1) . قال أی اخشوشنوا له فی الزی و اللباس و المطعم تشبها به و أصله من الفحل لأن التصنع فی اللباس و القیام علی النفس إنّما هو عندهم للإناث لا للفحول.

3413

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَدِمَ مَکَّةَ فَسَأَلَ مَنْ یَعْلَمُ مَوْضِعَ اَلْمَقَامِ وَ کَانَ السَّیْلُ احْتَمَلَهُ مِنْ مَکَانِهِ فَقَالَ اَلْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِی وَدَاعَةَ السَّهْمِیُّ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ کُنْتُ قَدَّرْتُهُ وَ ذَرَعْتُهُ بِمِقَاطٍ عِنْدِی (2) .

قال المقاط الحبل و جمعه مقط.

3414

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِی قَتَلَ الظَّبْیَ وَ هُوَ مُحْرِمٌ خُذْ شَاةً مِنَ الْغَنَمِ فَتَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا وَ اسْقِ إِهَابَهَا (3) .

قال الإهاب الجلد.

و اسقه أی اجعله سقاء لغیرک کما تقول اسقنی عسلا أی اجعله لی سقاء و أقد بی خیلا أی أعطنی خیلا أقودها و اسقنی إبلا أعطنی إبلا أسوقها.

ص :160

و قالت بنو تمیم للحجاج أقبرنا صالحا یعنون صالح بن عبد الرحمن و کان قتله و صلبه فسألوه أن یمکنهم من دفنه.

3415

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ ذُکِرَ عِنْدَهُ التَّمْرُ وَ الزَّبِیبُ أَیُّهُمَا أَفْضَلُ وَ یُرْوَی أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلطَّائِفِ الْحَبَلَةُ أَفْضَلُ أَمِ النَّخْلَةُ فَأَرْسَلَ إِلَی أَبِی حَثْمَةَ الْأَنْصَارِیِّ فَقَالَ إِنَّ هَؤُلاَءِ اخْتَلَفُوا فِی التَّمْرِ وَ الزَّبِیبِ أَیُّهُمَا أَفْضَلُ.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی وَ جَاءَ أَبُو عَمْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِیُّ فَقَالَ أَبُو حَثْمَةَ لَیْسَ الصَّقْرُ فِی رُءُوسِ الرَّقْلِ الرَّاسِخَاتِ فِی الْوَحْلِ الْمُطْعِمَاتِ فِی الْمَحْلِ تَعِلَّةَ الصَّبِیِّ وَ قِرَی الضَّیْفِ وَ بِهِ یَحْتَرِشُ الضَّبُّ فِی الْأَرْضِ الصَّلْعَاءِ کَزَبِیبٍ إِنْ أَکَلْتَهُ ضَرِسْتَ وَ إِنْ تَرَکْتَهُ غَرِثْتَ.

وَ فِی الرِّوَایَةِ الْأُخْرَی فَقَالَ أَبُو عَمْرَةَ الزَّبِیبُ إِنْ آکُلُهُ أَضْرَسُ وَ إِنْ أَتْرُکُهُ أَغْرَثُ لَیْسَ کَالصَّقْرِ فِی رُءُوسِ الرَّقْلِ الرَّاسِخَاتِ فِی الْوَحَلِ وَ الْمُطْعِمَاتِ فِی الْمَحْلِ خُرْفَةَ الصَّائِمِ وَ تُحْفَةَ الْکَبِیرِ وَ صُمْتَةَ الصَّغِیرِ وَ خُرْسَةَ مَرْیَمَ وَ یُحْتَرَشُ بِهِ الضِّبَابُ مِنَ الصَّلْعَاءِ (1) .

قال الحبلة بفتح الحاء و تسکین الباء الأصل من الکرم

3416

وَ فِی الْحَدِیثِ أَنَّ نُوحاً لَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِینَةِ غَرَسَ الْحَبَلَةَ.

و کانت لأنس بن مالک حبلة تحمل کذا و کان یسمیها أم العیال فأما الحبلة بالضم فثمر العضاه.

3417

14- وَ مِنْهُ الْحَدِیثُ کُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ الْحَبَلَةُ وَ وَرَقُ السَّمُرِ .

و الحبلة بالضم أیضا ضرب من الحلی یجعل فی القلائد شبه بورق العضاه لأنّه یصاغ علی صورته.

و أغرث أجوع و الغرث الجوع.

ص :161

و الصقر عسل الرطب.

و الرَّقْل جمع رقلة و هی النخلة الطویلة.

و قوله خرفة الصائم اسم لما یخترف أی یجتنی و نسبها إلی الصائم لأنّهم کانوا یحبون أن یفطروا علی التمر.

و قوله و صمتة الصغیر لأن الصغیر کان إذا بکی عندهم سکتوه به و تعلة الصبیّ نحوه من التعلیل.

و خُرْسة مریم الخرسة ما تطعمه النفساء عند ولادتها أشار إلی قوله تعالی وَ هُزِّی إِلَیْکِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسٰاقِطْ عَلَیْکِ رُطَباً جَنِیًّا (1) فأما الخرس بغیر هاء فهو الطعام الذی یصنع لأجل الولادة کالإعذار للختان و النقیعة للقادم و الوکیرة للبناء.

و یحترش به الضب أی یصطاده یقال إن الضب یعجب بالتمر و الحارش صائد الضباب.

و الصلعاء الصحراء التی لا نبات بها کرأس الأصلع.

3418

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لِلسَّائِبِ وَرِّعْ عَنِّی بِالدِّرْهَمِ وَ الدِّرْهَمَیْنِ (2) .

قال أی کف الخصوم عنی فی قدر الدرهم و الدرهمین بأن تنظر فی ذلک و تقضی فیه بینهم و تنوب عنی و کل من کففته فقد ورعته و منه الورع فی الدین إنّما هو الکف عن المعاصی و منه

3419

حَدِیثُ عُمَرَ لاَ تَنْظُرُوا إِلَی صَلاَةِ الرَّجُلِ وَ صِیَامِهِ وَ لَکِنْ مَنْ إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ وَ إِذَا اؤْتُمِنَ أَدَّی وَ إِذَا أَشْفَی وَرِعَ أَیْ إِذَا أَشْرَفَ عَلَی الْمَعْصِیَةِ کَفَّ عَنْهَا.

ص :162

3420

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ لِیَنْکِحِ الرَّجُلُ مِنْکُمْ لُمَتَهُ مِنَ النِّسَاءِ وَ لْتَنْکِحِ الْمَرْأَةُ لُمَتَهَا مِنَ الرِّجَالِ (1) . قال لمة الرجل من النساء مثله فی السن و منه

3421

15- مَا رُوِیَ أَنَّ فَاطِمَةَ ع خَرَجَتْ فِی لُمَةٍ مِنْ نِسَائِهَا [تَتَوَطَّأُ ذَیْلَهَا]

(2) حَتَّی دَخَلَتْ عَلَی أَبِی بَکْرٍ (3) .

و أراد عمر بن الخطّاب لا تنکح الشابة الشیخ الکبیر و لا ینکح الشاب العجوز و کان سبب هذه الخطبة أن شابة زوجها أهلها شیخا فقتلته.

3422

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ یَشْکُو إِلَیْهِ النِّقْرِسَ فَقَالَ کَذَبَتْکَ الظَّهَائِرُ (4) .

قال الظهائر جمع ظهیرة و هی الهاجرة و وقت زوال الشمس.

و کذبتک أی علیک بها و هی کلمة معناها الإغراء یقولون کذبک کذا أی علیک به.

و

3423

مِنْهُ الْحَدِیثُ الْمَرْفُوعُ الْحِجَامَةُ عَلَی الرِّیقِ فِیهَا شِفَاءٌ وَ بَرَکَةٌ فَمَنِ احْتَجَمَ فِی یَوْمِ الْخَمِیسِ وَ یَوْمِ الْأَحَدِ کَذَبَاکَ (5) .

أی علیک بهما و إنّما أمر عمر صاحب النقرس أن یبرز للحر فی الهاجرة و یمشی حافیا و یبتذل نفسه لأن ذلک یذهب النقرس.

3424

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ یَدُلُّنِی عَلَی نَسِیجِ وَحْدِهِ فَقَالَ أَبُو مُوسَی مَا نَعْلَمُهُ غَیْرَکَ فَقَالَ مَا هِیَ إِلاَّ إِبِلٌ مَوَقَّعٌ ظُهُورُهَا (6) .

قال معنی قوله نسیج وحده أی لا عیب فیه و لا نظیر له أصله من الثوب النفیس لا ینسج علی منواله غیره.

ص :163

و البعیر الموقع الذی یکثر آثار الدبر بظهره لکثرة ما یرکب و أراد عمر أنا کلنا مثل ذلک فی العیب.

3425

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ الطَّبِیبَ الْأَنْصَارِیَّ سَقَاهُ لَبَناً حِینَ طُعِنَ فَخَرَجَ مِنَ الطَّعْنَةِ أَبْیَضُ یَصْلِدُ (1) .

قال أی یبرق و لم یتغیر لونه

3426

1- وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ نَادِبَةَ عُمَرَ قَالَتْ وَا عُمَرَاهْ أَقَامَ الْأَوَدَ وَ شَفَی الْعَمَدَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع أَمَا وَ اللَّهِ مَا قَالَتْهُ وَ لَکِنْ قُوِّلَتْهُ (2) .

و العمد ورم و دبر یکون فی ظهر البعیر و أراد علی ع أنه کأنّما ألقی هذا الکلام علی لسانها لصحته و صدقه.

3427

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَی اَلْیَمَنِ فَوَفَدَ إِلَیْهِ وَ عَلَیْهِ حُلَّةٌ مُشْتَهِرَةٌ وَ هُوَ مُرَجَّلٌ دَهِینٌ فَقَالَ أَ هَکَذَا بَعَثْنَاکَ ثُمَّ أَمَرَ بِالْحُلَّةِ فَنُزِعَتْ عَنْهُ وَ أُلْبِسَ جُبَّةَ صُوفٍ ثُمَّ سَأَلَ عَنْ وَلاَیَتِهِ فَلَمْ یَذْکُرْ إِلاَّ خَیْراً فَرَدَّهُ عَلَی عَمَلِهِ ثُمَّ وَفَدَ إِلَیْهِ بَعْدَ ذَلِکَ فَإِذَا أَشْعَثُ مُغْبَرٌّ عَلَیْهِ أَطْلاَسٌ فَقَالَ وَ لاَ کُلُّ هَذَا إِنَّ عَامِلَنَا لَیْسَ بِالشَّعِثِ وَ لاَ الْعَافِی کُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ ادَّهِنُوا إِنَّکُمْ لَتَعْلَمُونَ الَّذِی أَکْرَهُ مِنْ أَمْرِکُمْ (3) .

قال ثیاب أطلاس أی وسخة و منه قیل للذئب أطلس.

ص :164

و العافی الطویل الشعر یقال عفی وبر البعیر إذا طال و

3428

مِنْهُ الْحَدِیثُ الْمَرْفُوعُ أَمَرَ أَنْ تُعْفَی اللِّحَی وَ تُحْفَی الشَّوَارِبُ.

3429

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لِلرَّجُلِ أَ مَا تَرَانِی لَوْ شِئْتُ أَمَرْتُ بِشَاةٍ فَتِیَّةٍ سَمِینَةٍ [أَوْ قَنِیَّةٍ]

(1) فَأُلْقِیَ عَنْهَا صُوفُهَا ثُمَّ أَمَرْتُ بِدَقِیقٍ فَنُخِلَ فِی خِرْقَةٍ فَجُعِلَ مِنْهُ خُبْزٌ مُرَقَّقٌ وَ أَمَرْتُ بِصَاعٍ مِنْ زَبِیبٍ فَجُعِلَ فِی سَعْنٍ حَتَّی یَکُونَ کَدَمِ الْغَزَالِ (2) .

قال السعن قربة أو إداوة ینتبذ فیها و تعلق بجذع.

3430

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ رَأَی رَجُلاً یَأْنِحُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ بَرَکَةٌ مِنَ اللَّهِ قَالَ بَلْ هُوَ عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ یُعَذِّبُکَ بِهِ (3) .

قال یأنح یصوت و هو ما یعتری الإنسان السمین من البهر إذا مشی أنح یأنح أنوحا.

3431

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ لَمَّا دَنَا مِنَ اَلشَّامِ وَ لَقِیَهُ النَّاسُ جَعَلُوا یَتَرَاطَنُونَ فَأَشْکَعَهُ ذَلِکَ وَ قَالَ لِأَسْلَمَ مَوْلاَهُ إِنَّهُمْ لَمْ یَرَوْا عَلَی صَاحِبِکَ بِزَّةَ قَوْمٍ غَضِبَ اللَّهُ (4) عَلَیْهِمْ.

قال أشکعه أغضبه قال أراد أنهم لم یتحاموا عنه اللغط و الکلام بالفارسیة و النبطیة بحضرته لأنّهم لم یروه بعین الإمارة و السلطان کما یرون أمراءهم لأنّهم لم یروا علیه بزة الأمراء و زیهم.

ص :165

3432

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ عَامِلاً عَلَی اَلطَّائِفِ کَتَبَ إِلَیْهِ إِنَّ رِجَالاً مِنْهُمْ کَلَّمُونِی فِی خَلاَیَا لَهُمْ أَسْلَمُوا عَلَیْهَا وَ سَأَلُونِی أَنْ أَحْمِیَهَا لَهُمْ فَکَتَبَ إِلَیْهِ عُمَرُ إِنَّهَا ذُبَابُ غَیْثٍ فَإِنْ أَدَّوْا زَکَاتَهُ فَاحْمِهِ لَهُمْ (1) .

قال الخلایا موضع النحل التی تعسل الواحدة خلیة و أراد بقوله إنها ذباب غیث أنّها تعیش بالمطر لأنّها تأکل ما ینبت عنه فإذا لم یکن غیث فقدت ما تأکل فشبهها بالسائم من النعم لا مئونة علی صاحبها منها و أوجب فیها الزکاة.

3433

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ الْأَخْرَمِ قَالَ کَانَ بَیْنَ الْحَیِّ وَ بَیْنَ عَدِیِّ بْنِ حَاتِمٍ تَشَاجُرٌ فَأَرْسَلُونِی إِلَی عُمَرَ فَأَتَیْتُهُ وَ هُوَ یُطْعِمُ النَّاسَ مِنْ کُسُورِ إِبِلٍ وَ هُوَ قَائِمٌ مُتَوَکِّئٌ عَلَی عَصًا مُؤْتَزِرٌ إِلَی أَنْصَافِ سَاقَیْهِ خِدَبٌّ مِنَ الرِّجَالِ کَأَنَّهُ رَاعِی غَنَمٍ وَ عَلَیَّ حُلَّةٌ ابْتَعْتُهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَسَلَّمْتُ عَلَیْهِ فَنَظَرَ إِلَیَّ بِذَنَبِ عَیْنِهِ وَ قَالَ لِی أَ مَا لَکَ مِعْوَزٌ قُلْتُ بَلَی قَالَ فَأَلْقِهَا فَأَلْقَیْتُهَا وَ أَخَذْتُ مِعْوَزاً ثُمَّ لَقِیتُهُ فَسَلَّمْتُ فَرَدَّ عَلَیَّ السَّلاَمَ (2) .

قال کسور (3) الإبل أعضاؤها.

و الخدب العظیم الجافی و کأنّه راعی غنم یرید فی الجفاء و البذاذة و خشونة الهیئة و اللبسة.

و المعوز الثوب الخلق و المیم مکسورة و إنّما ترک ردّ السلام علیه أولا لأنّه أشهر الحلّة فأدبه بترک ردّ السلام فلما خلعها و لبس المعوز رده علیه.

ص :166

3434

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ ذَکَرَ فِتْیَانَ قُرَیْشٍ وَ سَرَفَهُمْ فِی الْإِنْفَاقِ فَقَالَ لَحِرْفَةُ أَحَدِهِمْ أَشَدُّ عَلَیَّ مِنْ عَیْلَتِهِ (1) .

قال الحرفة هاهنا أن یکون الرجل لا یتجر و لا یلتمس الرزق فیکون محدودا لا یرزق إذا طلب و منه قیل فلان محارف و العیلة الفقر.

3435

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ مَا مَالُکَ قَالَ أَقْرُنٌ لِی وَ آدِمَةٌ فِی الْمَنِیئَةِ قَالَ قَوِّمْهَا وَ زَکِّهَا (2) .

قال الأقرن جمع قرن و هی جعبة من جلود تکون للصیادین یشق منها جانب لیدخلها الریح فلا یفسد الریش.

و آدمة جمع أدیم کجریب و أجربة.

و المنیئة الدباغ و إنّما أمره بتزکیتها لأنّها کانت للتجارة.

3436

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ أَبَا وَجْزَةَ السَّعْدِیَّ قَالَ شَهِدْتُهُ یَسْتَقِی فَجَعَلَ یَسْتَغْفِرُ فَأَقُولُ أَ لاَ یَأْخُذُ فِیمَا خَرَجَ لَهُ وَ لاَ أَشْعُرُ أَنَّ الاِسْتِسْقَاءَ هُوَ الاِسْتِغْفَارُ فَقَلَدَتْنَا السَّمَاءُ قَلْداً کُلَّ خَمْسَ عَشْرَةَ لَیْلَةً حَتَّی رَأَیْتُ الْأَرْنَبَةَ یَأْکُلُهَا صِغَارُ الْإِبِلِ مِنْ وَرَاءِ حِقَاقِ الْعُرْفُطِ (3) .

قال فقلدتنا مطرتنا لوقت معین و منه قلد الحمی و قلد الزرع سقیه لوقت و هو وقت الحاجة.

و قال رأیت الأرنب یحتملها السیل حتّی تتعلق بالعرفط و هو شجر ذو شوک و زاد فی الأرنب هاء کما قالوا عقرب و عقربة و حقاق العرفط صغارها و قیل الأرنب

ص :167

ضرب من النبت لا یکاد یطول فأراد أنّه طال بهذا المطر حتّی أکلته صغار الإبل من وراء شجر العرفط.

3437

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ مَا وَلِیَ أَحَدٌ إِلاَّ حَامَی (1) عَلَی قَرَابَتِهِ وَ قَرَی فِی عَیْبَتِهِ وَ لَنْ یَلِیَ النَّاسَ قُرَشِیٌّ عَضَّ عَلَی نَاجِذِهِ (2) .

قال حامی علیهم عطف علیهم و قری فی عیبته أی اختان و أصل قری جمع.

3438

وَ فِی حَدِیثِهِ لَنْ تَخُورَ قُوًی مَا کَانَ صَاحِبُهَا یَنْزِعُ وَ یَنْزُو (3) .

یخور یضعف و النزع فی القوس و النزو علی الخیل.

3439

وَ رُوِیَ أَنَّ عُمَرَ کَانَ یَأْخُذُ بِیَدِهِ الْیُمْنَی أُذُنَهُ الْیُسْرَی ثُمَّ یَجْمَعُ جَرَامِیزَهُ وَ یَثِبُ فَکَأَنَّمَا خُلِقَ عَلَی ظَهْرِ فَرَسِهِ.

3440

وَ فِی حَدِیثِهِ تَعَلَّمُوا السُّنَّةَ وَ الْفَرَائِضَ وَ اللَّحْنَ کَمَا تَتَعَلَّمُونَ اَلْقُرْآنَ (4) .

قال اللحن هاهنا اللغة و النحو .

3441

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ مَرَّ عَلَی رَاعٍ فَقَالَ یَا رَاعِی عَلَیْکَ بِالظَّلَفِ [مِنَ الْأَرْضِ]

(5) لاَ تُرَمِّضْ فَإِنَّکَ رَاعٍ وَ کُلُّ رَاعٍ مَسْئُولٌ (6) .

قال الظلف المواضع الصلبة أمره أن یرعی غنمه فیها و نهاه أن یرمض و هو أن یرعی غنمه فی الرمضاء و هی تشتد جدا فی الدهاس و الرمل و تخف فی الأرض الصلبة.

ص :168

3442

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ رَجُلاً قَرَأَ عَلَیْهِ حَرْفاً فَأَنْکَرَهُ فَقَالَ مَنْ أَقْرَأَکَ هَذَا قَالَ أَبُو مُوسَی فَقَالَ إِنَّ أَبَا مُوسَی لَمْ یَکُنْ مِنْ أَهْلِ الْبَهْشِ (1) .

قال البهش المقل الرطب فإذا یبس فهو الخشل و أراد أن أبا موسی لیس من أهل الحجاز لأن المقل بالحجاز نبت و القرآن نزل بلغة الحجاز .

3443

14- وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ أَبِی مُعَیْطٍ لَمَّا قَالَ لِلنَّبِیِّ ص أَ أُقْتَلُ مِنْ بَیْنِ قُرَیْشٍ فَقَالَ عُمَرُ حَنَّ قِدْحٌ لَیْسَ مِنْهَا (2)

.

قال هذا مثل یضرب للرجل یدخل نفسه فی القوم و لیس منهم و القدح أحد قداح المیسر و کانوا یستعیرون القدح یدخلونه فی قداحهم یتیمنون به و یثقون بفوزه.

3444

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ أَهْلَ اَلْکُوفَةِ لَمَّا أَوْفَدُوا اَلْعِلْبَاءَ بْنَ الْهَیْثَمِ السَّدُوسِیَّ إِلَیْهِ فَرَأَی عُمَرُ هَیْئَتَهُ رِثَّةً وَ أَعْجَبَهُ کَلاَمُهُ وَ عَمَلُهُ قَالَ لِکُلِّ أُنَاسٍ فِی حَمِیلِهِمْ خَیْرٌ.

قال هذا مثل و المراد أنهم سودوه علی معرفة منهم بما فیه من الخلال المحمودة و المعنی أن خبره فوق منظره.

3445

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنَ الْقُطْنِیَّةِ الزَّکَاةَ (3) .

قال هی الحبوب کالعدس و الحمص و فی أخذ الزکاة منها خلاف بین الفقهاء.

ص :169

3446

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ کَانَ یَقُولُ لِلْخَارِصِ (1) إِذَا وَجَدْتَ قَوْماً قَدْ خَرَفُوا فِی حَائِطِهِمْ فَانْظُرْ قَدْرَ مَا تَرَی أَنَّهُمْ یَأْکُلُونَهُ فَلاَ تَخْرُصْهُ (2) .

قال خرفوا فیه أی نزلوا فیه أیّام اختراف الثمرة.

3447

وَ فِی حَدِیثِهِ إِذَا أَجْرَیْتَ الْمَاءَ عَلَی الْمَاءِ جَزَی عَنْکَ (3) .

قال یرید صب الماء علی البول فی الأرض فإنّه یطهر المکان و لا حاجة إلی غسله و جزی قضی و أغنی من قوله تعالی لاٰ تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئاً (4) فإن أدخلت الألف قلت أجزأک و همزت و معناه کفاک.

3448

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لاَ یُعْطَی مِنَ الْمَغَانِمِ شَیْءٌ حَتَّی تُقْسَمَ إِلاَّ لِرَاعٍ وَ الدَّلِیلِ غَیْرَ مُولِیهِ (5) .

قال الراعی هاهنا الطلیعة لأنّه یرعی القوم أی یحفظهم.

و قوله غیر مولیه أی غیر معطیه شیئا لا یستحقه.

3449

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ یُقَاتِلُ رِیَاءً وَ سُمْعَةً وَ مِنْهُمْ مَنْ یُقَاتِلُ وَ هُوَ یَنْوِی الدُّنْیَا وَ مِنْهُمْ مَنْ أَلْجَمَهُ الْقِتَالُ فَلَمْ یَجِدْ بُدّاً وَ مِنْهُمْ مَنْ یُقَاتِلُ صَابِراً مُحْتَسِباً أُولَئِکَ هُمُ الشُّهَدَاءُ. قال ألجمه القتال أی رهقه و غشیه فلم یجد مخلصا.

ص :170

3450

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَی أَبِی عُبَیْدَةَ رَسُولاً فَقَالَ لَهُ حِینَ رَجَعَ فَکَیْفَ رَأَیْتَ أَبَا عُبَیْدَةَ قَالَ رَأَیْتُ بَلَلاً مِنْ عَیْشٍ فَقَصِّرْ مِنْ رِزْقِهِ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَیْهِ وَ قَالَ لِلرَّسُولِ حِینَ قَدِمَ کَیْفَ رَأَیْتَهُ قَالَ رَأَیْتُهُ حَفُوفاً قَالَ رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عُبَیْدٍ بَسَطْنَا لَهُ فَبَسَطَ وَ قَبَضْنَا لَهُ فَقَبَضَ (1) .

قال الحفوف و الحفف واحد و هو ضیق العیش و شدته یقال ما علیهم حفف و لا ضفف أی ما علیهم أثر عوز و الشظف مثل الحفف.

3451

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ رُئِیَ فِی الْمَنَامِ فَسُئِلَ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ ثَلَّ عَرْشِی (2) لَوْ لاَ أَنِّی صَادَفْتُ رَبِّی رَحِیماً.

قال ثل عرشه أی هدم.

3452

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِی مَرْیَمَ الْحَنَفِیِّ لَأَنَا أَشَدُّ بُغْضاً لَکَ مِنَ الْأَرْضِ لِلدَّمِ قَالُوا کَانَ عُمَرُ عَلَیْهِ غَلِیظاً کَانَ قَاتِلَ زَیْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَخِیهِ فَقَالَ أَ یَنْقُصُنِی ذَلِکَ مِنْ حَقِّی شَیْئاً قَالَ لاَ قَالَ فَلاَ ضَیْرَ (3) .

قال هذا مثل لأن الأرض لا یغوص فیها الدم کما یغوص الماء فهذا بغض الأرض له و یقال إن دم البعیر تنشفه الأرض وحده

3453

وَ فِی حَدِیثِهِ إِنَّ اللَّبَنَ یُشَبَّهُ عَلَیْهِ (4) .

ص :171

قال معناه أن الطفل ربما نزع به الشبه إلی الظئر من أجل لبنها فلا تسترضعوا إلاّ من ترضون أخلاقها.

3454

وَ فِی حَدِیثِهِ اغْزُوا وَ الْغَزْوُ حُلْوٌ خُضْرٌ قَبْلَ أَنْ یَکُونَ ثُمَاماً ثُمَّ یَکُونُ رُمَاماً ثُمَّ یَکُونُ حُطَاماً (1) .

قال هذا مثل و الثُّمام نبت ضعیف.

و الرُّمام بالضم و الرمیم واحد مثل طوال و طویل.

و الحُطام یبس النبت إذا تکسر و معنی الکلام أنّه أمرهم بالغزو حین عزائمهم قویة و بواعثهم إلیه شدیدة فإن مع ذلک یکون الظفر قبل أن یهی و یضعف فیکون کالثمام الضعیف ثمّ کالرمیم ثمّ یکون حطاما فیذهب.

3455

وَ فِی حَدِیثِهِ إِذَا انْتَاطَتِ الْمَغَازِی وَ اشْتَدَّتِ الْعَزَائِمُ وَ مَنَعَتِ الْغَنَائِمُ أَنْفُسَهَا فَخَیْرُ غَزْوِکُمُ الرِّبَاطُ.

قال انتاطت بعدت و النطیء البعید.

و اشتدت العزائم صعبت و منعت الغنائم أنفسها فخیر غزوکم الرباط فی سبیل اللّه.

3456

14- وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ وَضَعَ یَدَهُ فِی کُشْیَةِ (2) ضَبٍّ وَ قَالَ إِنَّ اَلنَّبِیَّ ص لَمْ یُحَرِّمْهُ وَ لَکِنْ (3) قَذِرَهُ

.

قال کشیة الضب شحم بطنه.

ص :172

و قوله وضع أی أکل منه.

3457

وَ فِی حَدِیثِهِ لاَ أُوتَی بِأَحَدٍ انْتَقَصَ مِنْ سُبُلِ اَلْمُسْلِمِینَ إِلَی مَثَابَاتِهِ شَیْئاً إِلاَّ فَعَلْتُ بِهِ کَذَا (1) .

قال المثابات هاهنا المنازل یثوب أهلها إلیها أی یرجعون و المراد من اقتطع شیئا من طریق المسلمین و أدخله فی داره.

3458

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ کَرِهَ النِّیرَ (2) .

قال هو علم الثوب و أظنه کرهه إذا کان حریرا.

3459

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ انْکَسَرَتْ قُلُوصٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَجَفَنَهَا (3) .

قال اتخذ منها جفنة من طعام و أجمع علیه (4) .

3460

وَ فِی حَدِیثِهِ عَجِبْتُ لِتَاجِرِ هَجَرَ وَ رَاکِبِ الْبَحْرِ (5) .

قال عجب کیف یختلف إلی هجر مع شدة وبائها و کیف یرکب البحر مع الخطار بالنفس.

3461

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ قَالَ لَیْلَةً لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِی مَسِیرٍ لَهُ أَنْشِدْنَا لِشَاعِرِ الشُّعَرَاءِ قَالَ وَ مَنْ

ص :173

هُوَ قَالَ الَّذِی لَمْ یُعَاظِلْ بَیْنَ الْقَوْلِ وَ لَمْ یَتَّبِعْ حُوشِیَّ الْکَلاَمِ قَالَ وَ مَنْ هُوَ قَالَ زُهَیْرٌ فَجَعَلَ یُنْشِدُ إِلَی أَنْ بَرَقَ الصُّبْحُ (1) .

قال هو مأخوذ من تعاظل الجراد إذا رکب بعضه بعضا.

و حوشی الکلام وحشیه.

3462

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ نَائِلاً مَوْلَی عُثْمَانَ قَالَ سَافَرْتُ مَعَ مَوْلاَیَ وَ عُمَرَ فِی حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَکَانَ عُمَرُ وَ عُثْمَانُ وَ اِبْنُ عُمَرَ لِفّاً وَ کُنْتُ أَنَا وَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ فِی شَبَبَةٍ مَعَنَا لِفّاً فَکُنَّا نَتَمَازَحُ وَ نَتَرَامَی بِالْحَنْظَلِ فَمَا یَزِیدُنَا عُمَرُ عَلَی أَنْ یَقُولَ لَنَا کَذَاکَ لاَ تَذْعَرُوا عَلَیْنَا فَقُلْنَا لِرَیَاحِ بْنِ الْعَتْرَفِ (2) لَوْ نَصَبْتَ لَنَا نَصْبَ اَلْعَرَبِ فَقَالَ [أَقُولُ]

(3) مَعَ عُمَرَ فَقُلْنَا افْعَلْ وَ إِنْ نَهَاکَ فَانْتَهِ فَفَعَلَ وَ لَمْ یَقُلْ عُمَرُ شَیْئاً حَتَّی إِذَا کَانَ فِی وَجْهِ السَّحَرِ نَادَاهُ یَا رَیَاحُ إِنَّهَا[إِیهاً]

اکْفُفْ فَإِنَّهَا سَاعَةُ ذِکْرٍ (4) .

قال لِفّا أی حزبا و فرقة.

و شببة جمع شاب مثل کاتب و کتبة و کاذب و کذبة و کافر و کفرة.

و قوله کذاک أی حسبکم.

و قوله لا تذعروا علینا أی لا تنفروا إبلنا.

و نصب العرب غناء لهم یشبه الحداء إلاّ أنّه أرق منه.

3463

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ کَتَبَ فِی الصَّدَقَةِ إِلَی بَعْضِ عُمَّالِهِ کِتَاباً فِیهِ وَ لاَ تَحْبِسِ النَّاسَ أَوَّلَهُمْ عَلَی آخِرِهِمْ فَإِنَّ الرَّجْنَ لِلْمَاشِیَةِ عَلَیْهَا شَدِیدٌ وَ لَهَا مُهْلِکٌ وَ إِذَا وَقَفَ الرَّجُلُ عَلَیْکَ غَنَمَهُ فَلاَ تَعْتَمْ مِنْ غَنَمِهِ وَ لاَ تَأْخُذْ مِنْ أَدْنَاهَا وَ خُذِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَوْسَطِهَا وَ إِذَا وَجَبَ عَلَی

ص :174

الرَّجُلِ سِنٌّ لَمْ تَجِدْهَا فِی إِبِلِهِ فَلاَ تَأْخُذْ إِلاَّ تِلْکَ السِّنَّ مِنْ شَرْوَی إِبِلِهِ أَوْ قِیمَةَ عَدْلٍ وَ انْظُرْ ذَوَاتَ الدَرِّ وَ الْمَاخِضَ فَتَنَکَّبْ عَنْهَا فَإِنَّهَا ثِمَالُ حَاضِرِیهِمْ (1) .

قال الرجن الحبس رجن بالمکان أقام به و مثله دجن بالدال.

و لا تعتم لا تختر اعتام اعتیاما أی اختار.

من شروی إبله أی من مثلها.

و ذوات الدر ذوات اللبن.

و الماخض الحامل.

و ثمال حاضریهم عصمتهم و غیاثهم و حاضریهم من یسکن الحضر.

3464

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ کَانَ یَلْقُطُ النَّوَی مِنَ الطَّرِیقِ وَ النِّکْثَ فَإِذَا مَرَّ بِدَارِ قَوْمٍ أَلْقَاهَا فِیهَا وَ قَالَ لِیَأْکُلْ هَذَا دَاجِنَتُکُمْ وَ انْتَفِعُوا بِبَاقِیهِ (2) .

قال الداجنة ما یعلفه الناس فی منازلهم من الشاة و الدجاج و الطیر.

و النِّکْث الخیوط الخَلَق من صوف أو شعر أو وبر.

3465

وَ فِی حَدِیثِهِ ثَلاَثٌ مِنَ الْفَوَاقِرِ جَارٌ مُقَامَةٌ إِنْ رَأَی حَسَنَةً دَفَنَهَا وَ إِنْ رَأَی سَیِّئَةً أَذَاعَهَا وَ امْرَأَةٌ إِنْ دَخَلْتَ عَلَیْهَا لَسَنَتْکَ وَ إِنْ غِبْتَ عَنْهَا لَمْ تَأْمَنْهَا وَ إِمَامٌ إِنْ أَحْسَنْتَ لَمْ یَرْضَ عَنْکَ وَ إِنْ أَسَأْتَ قَتَلَکَ (3) .

ص :175

قال الفواقر الدواهی واحدتها فاقرة لأنّها تکسر فقار الظهر.

و لسنتک أخذتک بلسانها.

3466

وَ فِی حَدِیثِهِ فِی خُطْبَةٍ لَهُ مَنْ أَتَی هَذَا اَلْبَیْتَ لاَ یَنْهَرُهُ إِلَیْهِ غَیْرُهُ رَجَعَ وَ قَدْ غُفِرَ لَهُ.

قال ینهره یدفعه یرید من حج لا ینوی بالحج إلاّ الطاعة غفر له.

3467

وَ فِی حَدِیثِهِ اللَّبَنُ لاَ یَمُوتُ.

قال قیل فی معناه أن اللبن إذا أخذ من میتة لم یحرم و کل شیء أخذ من الحیّ فلم یحرم فإنّه إن أخذ من المیت لم یحرم.

و قیل فی معناه إن رضع الطفل من امرأة میتة حرم علیه من أولادها و قرابتها من یحرم علیها منها لو کانت حیة.

و قیل معناه أن اللبن إذا انفصل من الضرع فأوجر به الصبیّ أو أدم به أو دیف له فی دواء و سقیه فإنّه إن لم یسم فی اللغة رضاعا إلاّ أنّه یحرم به ما یحرم بالرضاع فقال اللبن لا یموت أی لا یبطل عمله بمفارقة الثدی.

3468

وَ فِی حَدِیثِهِ مِنْ حَظِّ الْمَرْءِ نِفَاقُ أَیِّمِهِ وَ مَوْضِعُ خُفِّهِ (1) .

قال الأیم التی لا بعل لها و الخف الإبل کما تسمی الحمر و البغال حافرا و البقر و الغنم ظلفا یرید من حظ الإنسان أن یخطب إلیه و یتزوج بناته و أخواته و أشباههن فلا یبرن

ص :176

و من حظه أیضا أن ینفق إبله حتّی ینتابه التجار و غیرهم فیبتاعوها فی مواضعها یستطرقونه لا یحتاج أن یعرضها علیهم.

3469

وَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّ اَلْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَأَلَهُ عَنِ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ إِمْرُؤُ الْقَیْسِ سَابِقُهُمْ خَسَفَ لَهُمْ عَیْنَ الشِّعْرِ فَافْتَقَرَ عَنْ مَعَانٍ عُورٍ أَصَحَّ بَصَرٍ (1) .

قال خسف لهم من الخسیف و هی البئر تحفر فی حجارة فیخرج منها ماء کثیر و جمعها خسف.

و قوله افتقر أی فتح و هو من الفقیر و الفقیر فم القناة.

و قوله عن معان عور یرید أن إمرأ القیس من الیمن و الیمن لیست لهم فصاحة نزار فجعل معانیهم عورا و فتح إمرؤ القیس عنها أصح بصر

أَحَقُّ أَنْ یَهَبْنَ ثُمَّ قَالَ أَیْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَ تَهَبْنَنِی وَ لاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ ص قُلْنَ نَعَمْ أَنْتَ أَغْلَظُ وَ أَفَظُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ مَا لَقِیَکَ اَلشَّیْطَانُ قَطُّ سَالِکاً فَجّاً إِلاَّ سَلَکَ فَجّاً غَیْرَ فَجِّکَ أَخْرَجَاهُ فِی اَلصَّحِیحَیْنِ

. و قد روی فی فضله من غیر الصحاح أحادیث

3472

مِنْهَا أَنَّ السَّکِینَةَ لَتَنْطِقُ عَلَی لِسَانِ عُمَرَ .

و

3473

مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی ضَرَبَ بِالْحَقِّ عَلَی لِسَانِ عُمَرَ وَ قَلْبِهِ.

و

3474

مِنْهَا أَنَّ بَیْنَ عَیْنَیْ عُمَرَ مَلَکاً یُسَدِّدُهُ وَ یُوَفِّقُهُ.

و

3475

مِنْهَا لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِیکُمْ لَبُعِثَ عُمَرُ .

و

3476

مِنْهَا لَوْ کَانَ بَعْدِی نَبِیٌّ لَکَانَ عُمَرُ .

و

3477

مِنْهَا لَوْ نَزَلَ إِلَی الْأَرْضِ عَذَابٌ لَمَا نَجَا مِنْهُ إِلاَّ عُمَرُ .

و

3478

مِنْهَا مَا أَبْطَأَ عَنِّی جِبْرِیلُ إِلاَّ ظَنَنْتُ أَنَّهُ بُعِثَ إِلَی عُمَرَ .

و

3479

مِنْهَا سِرَاجُ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ عُمَرُ .

و

3480

14- مِنْهَا أَنَّ شَاعِراً أَنْشَدَ اَلنَّبِیَّ ص شِعْراً فَدَخَلَ عُمَرُ فَأَشَارَ اَلنَّبِیُّ ص إِلَی الشَّاعِرِ أَنِ اسْکُتْ فَلَمَّا خَرَجَ عُمَرُ قَالَ لَهُ عُدْ فَعَادَ فَدَخَلَ عُمَرُ فَأَشَارَ اَلنَّبِیُّ ص بِالسُّکُوتِ مَرَّةً ثَانِیَةً فَلَمَّا خَرَجَ عُمَرُ سَأَلَ الشَّاعِرُ رَسُولَ اللَّهِ ص عَنِ الرَّجُلِ فَقَالَ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ هُوَ رَجُلٌ لاَ یُحِبُّ الْبَاطِلَ

.

و

3481

مِنْهَا أَنَّ اَلنَّبِیَّ ص قَالَ وُزِنْتُ بِأُمَّتِی فَرَجَحْتُ وَ وُزِنَ أَبُو بَکْرٍ بِهَا فَرَجَحَ وَ وُزِنَ عُمَرُ بِهَا فَرَجَحَ ثُمَّ رَجَحَ ثُمَّ رَجَحَ.

ص :178

و قد رووا فی فضله حدیثا کثیرا غیر هذا و لکنا ذکرنا الأشهر و قد طعن أعداؤه و مبغضوه فی هذه الأحادیث فقالوا لو کان محدثا و ملهما لما اختار معاویة الفاسق لولایة الشام و لکن اللّه تعالی قد ألهمه و حدثه بما یواقع من القبائح و المنکرات و البغی و التغلب علی الخلافة و الاستئثار بمال الفیء و غیر ذلک من المعاصی الظاهرة قالوا و کیف لا یزال الشیطان یسلک فجا غیر فجه و قد فر مرارا من الزحف فی أحد و حنین و خیبر و الفرار من الزحف من عمل الشیطان و إحدی الکبائر الموبقة.

قالوا و کیف یدعی له أن السکینة تنطق علی لسانه أ تری کانت السکینة تلاحی رسول اللّه ص یوم الحدیبیة حتی أغضبه.

قالوا و لو کان ینطق علی لسانه ملک أو بین عینیه ملک یسدده و یوفقه أو ضرب اللّه بالحق علی لسانه و قلبه لکان نظیرا لرسول اللّه ص بل کان أفضل منه لأنّه ص کان یؤدی الرسالة إلی الأمة عن ملک من الملائکة و عمر قد کان ینطق علی لسانه ملک و زید ملکا آخر بین عینیه یسدده و یوفقه فهذا الملک الثانی ممّا قد فضل به علی رسول اللّه ص و قد کان حکم فی أشیاء فیخطئ فیها حتّی یفهمه إیاها علیّ بن أبی طالب و معاذ بن جبل و غیرهما حتّی قال لو لا علی لهلک عمر و لو لا معاذ لهلک عمر و کان یشکل علیه الحکم فیقول لابن عبّاس غص یا غواص فیفرج عنه فأین کان الملک الثانی المسدد له و أین الحق الذی ضرب به علی لسان عمر و معلوم أن رسول اللّه ص کان ینتظر فی الوقائع نزول الوحی و عمر علی مقتضی هذه الأخبار لا حاجة به إلی نزول ملک علیه لأن الملکین معه فی کل وقت و کل حال ملک ینطق علی لسانه و ملک آخر بین عینیه یسدده و یوفقه و قد عززا بثالث و هی السکینة فهو إذا أفضل من رسول اللّه ص .

ص :179

و قالوا و الحدیث الذی مضمونه لو لم أبعث فیکم لبعث عمر فیلزم أن یکون رسول اللّه ص عذابا علی عمر و أذی شدیدا له لأنّه لو لم یبعث لبعث عمر نبیا و رسولا و لم تعلم رتبة أجل من رتبة الرسالة فالمزیل لعمر عن هذه الرتبة التی لیس وراءها رتبة ینبغی ألا یکون فی الأرض أحد أبغض إلیه منه.

قالوا و أمّا کونه سراج أهل الجنة فیقتضی أنّه لو لم یکن تجلی عمر لکانت الجنة مظلمة لا سراج لها.

قالوا و کیف یجوز أن یقال لو نزل العذاب لم ینج منه إلاّ عمر و اللّه تعالی یقول وَ مٰا کٰانَ اللّٰهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ (1) .

قالوا و کیف یجوز أن یقال إن النبیّ ص کان یسمع الباطل و یحبه و یشهده و عمر لا یسمع الباطل و لا یشهده و لا یحبه أ لیس هذا تنزیها لعمر عما لم ینزه عنه رسول اللّه ص .

قالوا و من العجب أن یکون النبیّ ص أرجح من الأمة یسیرا و کذلک أبو بکر و یکون عمر أرجح منهما کثیرا فإن هذا یقتضی أن یکون فضله أبین و أظهر من فضل أبی بکر و من فضل رسول اللّه ص .

و الجواب أنّه لیس یجب فیمن کان محدثا ملهما أن یکون محدثا ملهما فی کل شیء بل الاعتبار بأکثر أفعاله و ظنونه و آرائه و لقد کان عمر کثیر التوفیق مصیب الرأی فی جمهور أمره و من تأمل سیرته علم صحة ذلک و لا یقدح فی ذلک أن یختلف ظنه فی القلیل من الأمور.

و أمّا الفرار من الزحف فإنّه لم یفر إلاّ مُتَحَیِّزاً إِلیٰ فِئَةٍ (2) و قد استثنی اللّه تعالی ذلک فخرج به عن الإثم.

ص :180

و أمّا باقی الأخبار فالمراد بالملک فیها الأخبار عن صحة ظنه و صدق فراسته و هو کلام یجری مجری المثل فلا یقدح فیه ما ذکروه.

و أما

3482

قَوْلُهُ ص لَوْ نَزَلَ إِلَی الْأَرْضِ عَذَابٌ لَمَا نَجَا مِنْهُ إِلاَّ عُمَرُ .

فهو کلام قاله عقیب أخذ الفدیة من أساری بدر فإن عمر لم یشر علیه و نهاه عنه فأنزل اللّه تعالی لَوْ لاٰ کِتٰابٌ مِنَ اللّٰهِ سَبَقَ لَمَسَّکُمْ فِیمٰا أَخَذْتُمْ عَذٰابٌ عَظِیمٌ (1) و إذا کان القرآن قد نطق بذلک و شهد لم یلتفت إلی طعن من طعن فی الخبر.

3483

وَ أَمَّا قَوْلُهُ ع سِرَاجُ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ عُمَرُ .

فمعناه سراج القوم الذین یستحقون الجنة من أهل الدنیا أیّام کونهم فی الدنیا مع عمر أی یستضیئون بعلمه کما یستضاء بالسراج.

و أمّا حدیث منع الشاعر فإن رسول اللّه ص خاف أن یذکر فی شعره ما یقتضی الإنکار فیعنف به عمر و کان شدید الغلظة فأراد النبیّ ص أن ینکر هو علی الشاعر أن قال فی شعره ما یقتضی ذلک علی وجه اللطف و الرفق و کان ع رءوفا رحیما کما قال اللّه تعالی (2) .

و أمّا حدیث الرجحان فالمراد به الفتوح و ملک البلاد و تأویله أنّه ع أری فی منامه ما یدلّ علی أنّه یفتح اللّه علیه بلادا و علی أبی بکر مثله و یفتح علی عمر أضعاف ذلک و هکذا وقع.

و اعلم أن من تصدی للعیب وجده و من قصر همته علی الطعن علی الناس انفتحت

ص :181

له أبواب کثیرة و السعید من أنصف من نفسه و رفض الهوی و تزود التقوی و بالله التوفیق

فَقَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ إِنَّکَ رِجْسٌ وَ إِنَّ هَذَا الْکِتَابَ لاٰ یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ فَقُمْ فَتَوَضَّأْ فَقَامَ فَأَصَابَ مَاءً ثُمَّ أَخَذَ اَلْکِتَابَ فَقَرَأَ طه مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَیْکَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقیٰ إِلاّٰ تَذْکِرَةً لِمَنْ یَخْشیٰ إِلَی قَوْلِهِ إِنَّنِی أَنَا اللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنَا فَاعْبُدْنِی وَ أَقِمِ الصَّلاٰةَ لِذِکْرِی فَقَالَ عُمَرُ دُلُّونِی عَلَی مُحَمَّدٍ فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ قَوْلَ عُمَرَ وَ رَأَی مِنْهُ الرِّقَّةَ خَرَجَ مِنَ الْبَیْتِ فَقَالَ أَبْشِرْ یَا عُمَرُ فَإِنِّی لَأَرْجُو أَنْ تَکُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص لَیْلَةَ الْخَمِیسِ لَکَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلاَمَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ قَالَ وَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِی الدَّارِ الَّتِی فِی أَصْلِ اَلصَّفَا فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّی أَتَی الدَّارَ وَ عَلَی الْبَابِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ وَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمَّا رَأَی النَّاسُ عُمَرَ قَدْ أَقْبَلَ کَأَنَّهُمْ وَجَدُوا وَ قَالُوا قَدْ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ حَمْزَةُ قَدْ جَاءَ عُمَرُ فَإِنْ یُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَیْراً یُسَلِّمْ وَ إِنْ یُرِدْ غَیْرَ ذَلِکَ کَانَ قَتْلُهُ عَلَیْنَا هَیِّناً قَالَ وَ اَلنَّبِیُّ ص مِنْ دَاخِلِ الْبَیْتِ یُوحَی إِلَیْهِ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ص کَلاَمَ الْقَوْمِ فَخَرَجَ مُسْرِعاً حَتَّی انْتَهَی إِلَی عُمَرَ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ وَ حَمَائِلِ سَیْفِهِ وَ قَالَ مَا أَنْتَ مُنْتَهِیاً یَا عُمَرُ حَتَّی یُنْزِلَ اللَّهُ بِکَ یَعْنِی مِنَ الْخِزْیِ وَ النَّکَالِ مَا أَنْزَلَ بِالْوَلِیدِ بْنِ الْمُغِیرَةِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا عُمَرُ اللَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلاَمَ بِعُمَرَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّکَ رَسُولُ اللَّهِ فَکَبَّرَ أَهْلُ الدَّارِ وَ مَنْ کَانَ عَلَی الْبَابِ تَکْبِیرَةً سَمِعَهَا مَنْ کَانَ فِی اَلْمَسْجِدِ مِنَ اَلْمُشْرِکِینَ (1)

.

و قد روی أن عمر کان موعودا و مبشرا بما وصل إلیه من قبل أن یظهر أمر الإسلام

3485

قَرَأْتُ فِی کِتَابٍ مِنْ تَصَانِیفِ أَبِی أَحْمَدَ الْعَسْکَرِیِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ عَسِیفاً (2) مَعَ اَلْوَلِیدِ بْنِ الْمُغِیرَةِ إِلَی اَلشَّامِ فِی تِجَارَةٍ لِلْوَلِیدِ وَ عُمَرُ یَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِیَ عَشْرَةَ سَنَةً فَکَانَ یَرْعَی

ص :183

لِلْوَلِیدِ إِبِلَهُ وَ یَرْفَعُ أَحْمَالَهُ وَ یَحْفَظُ مَتَاعَهُ فَلَمَّا کَانَ بِالْبَلْقَاءِ لَقِیَهُ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ اَلرُّومِ فَجَعَلَ یَنْظُرُ إِلَیْهِ وَ یُطِیلُ النَّظَرَ لِعُمَرَ ثُمَّ قَالَ أَظُنُّ اسْمَکَ یَا غُلاَمُ عَامِراً أَوْ عِمْرَانَ أَوْ نَحْوَ ذَلِکَ قَالَ اسْمِی عُمَرُ قَالَ اکْشِفْ عَنْ فَخِذَیْکَ فَکَشَفَ فَإِذَا عَلَی أَحَدِهِمَا شَامَةٌ سَوْدَاءُ فِی قَدْرِ رَاحَةِ الْکَفِّ فَسَأَلَهُ أَنْ یَکْشِفَ عَنْ رَأْسِهِ فَکَشَفَ فَإِذَا هُوَ أَصْلَعُ فَسَأَلَهُ أَنْ یَعْتَمِلَ بِیَدِهِ فَاعْتَمَلَ فَإِذَا أَعْسَرُ (1) أَیْسَرُ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ مَلِکُ اَلْعَرَبِ وَ حَقِّ مَرْیَمَ الْبَتُولِ قَالَ فَضَحِکَ عُمَرُ مُسْتَهْزِئاً قَالَ أَ وَ تَضْحَکُ وَ حَقِّ مَرْیَمَ الْبَتُولِ إِنَّکَ مَلِکُ اَلْعَرَبِ وَ مَلِکُ اَلرُّومِ وَ مَلِکُ اَلْفُرْسِ فَتَرَکَهُ عُمَرُ وَ انْصَرَفَ مُسْتَهِیناً بِکَلاَمِهِ وَ کَانَ عُمَرُ یُحَدِّثُ بَعْدَ ذَلِکَ وَ یَقُولُ تَبِعَنِی ذَلِکَ الرُّومِیُّ وَ هُوَ رَاکِبٌ حِمَاراً فَلَمْ یَزَلْ مَعِی حَتَّی بَاعَ اَلْوَلِیدُ مَتَاعَهُ وَ ابْتَاعَ بِثَمَنِهِ عِطْراً وَ ثِیَاباً وَ قَفَلَ إِلَی اَلْحِجَازِ وَ الرُّومِیُّ یَتْبَعُنِی لاَ یَسْأَلُنِی حَاجَةً وَ یُقَبِّلُ یَدِی کُلَّ یَوْمٍ إِذَا أَصْبَحْتُ کَمَا تُقَبَّلُ یَدُ الْمَلِکُ حَتَّی خَرَجْنَا مِنْ حُدُودِ اَلشَّامِ وَ دَخَلْنَا فِی أَرْضِ اَلْحِجَازِ رَاجِعِینَ إِلَی مَکَّةَ فَوَدَّعَنِی وَ رَجَعَ وَ کَانَ اَلْوَلِیدُ یَسْأَلُنِی عَنْهُ فَلاَ أُخْبِرُهُ وَ لاَ أَرَاهُ إِلاَّ هَلَکَ وَ لَوْ کَانَ حَیّاً لَشَخَصَ إِلَیْنَا.

بِنْتِ عُمَیْسٍ فَقَالَتْ یَقْتُلُکَ رَجُلٌ مِنَ اَلْعَجَمِ وَ إِنِّی أَفْکَرْتُ فِیمَنْ أَسْتَخْلِفُ ثُمَّ رَأَیْتُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ یَکُنْ لِیُضِیعَ دِینَهُ وَ خِلاَفَتَهُ الَّتِی بَعَثَ بِهَا رَسُولَهُ .

3487

14- وَ رَوَی اِبْنُ شِهَابٍ قَالَ کَانَ عُمَرُ لاَ یَأْذَنُ لِصَبِیٍّ قَدِ احْتَلَمَ فِی دُخُولِ اَلْمَدِینَةِ حَتَّی کَتَبَ اَلْمُغِیرَةُ وَ هُوَ عَلَی اَلْکُوفَةِ یَذْکُرُ لَهُ غُلاَماً صَنَعاً عِنْدَهُ وَ یَسْتَأْذِنُهُ فِی دُخُولِ اَلْمَدِینَةِ وَ یَقُولُ إِنَّ عِنْدَهُ أَعْمَالاً کَثِیرَةً فِیهَا مَنَافِعُ لِلنَّاسِ إِنَّهُ حَدَّادٌ نَقَّاشٌ نَجَّارٌ فَأَذِنَ لَهُ أَنْ یُرْسِلَ بِهِ إِلَی اَلْمَدِینَةِ وَ ضَرَبَ عَلَیْهِ اَلْمُغِیرَةُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِی کُلِّ شَهْرٍ فَجَاءَ إِلَی عُمَرَ یَوْماً یَشْتَکِی إِلَیْهِ الْخَرَاجَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَا ذَا تُحْسِنُ مِنَ الْأَعْمَالِ فَعَدَّ لَهُ الْأَعْمَالَ الَّتِی یُحْسِنُ فَقَالَ لَهُ لَیْسَ خَرَاجُکَ بِکَثِیرٍ فِی کُنْهِ عَمَلِکَ هَذَا هُوَ الَّذِی رَوَاهُ أَکْثَرُ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ لَهُ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ إِنَّهُ جَهَرَ بِکَلاَمٍ غَلِیظٍ وَ اتَّفَقُوا کُلُّهُمْ عَلَی أَنَّ الْعَبْدَ انْصَرَفَ سَاخِطاً یَتَذَمَّرُ فَلَبِثَ أَیَّاماً ثُمَّ مَرَّ بِعُمَرَ فَدَعَاهُ فَقَالَ قَدْ حَدَّثْتُ أَنَّکَ تَقُولُ لَوْ أَشَاءُ لَصَنَعْتُ رَحًی تَطْحَنُ بِالرِّیحِ فَالْتَفَتَ الْعَبْدُ عَابِساً سَاخِطاً إِلَی عُمَرَ وَ مَعَ عُمَرَ رَهْطٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ لَأَصْنَعَنَّ لَکَ رَحًی یَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَا فَلَمَّا وَلَّی أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَی الرَّهْطِ فَقَالَ أَ لاَ تَسْمَعُونَ إِلَی الْعَبْدِ مَا أَظُنُّهُ إِلاَّ أَوْعَدَنِی آنِفاً فَلَبِثَ لَیَالِیَ ثُمَّ اشْتَمَلَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عَلَی خَنْجَرٍ ذِی رَأْسَیْنِ نِصَابُهُ فِی وَسَطِهِ فَکَمَنَ فِی زَاوِیَةٍ مِنْ زَوَایَا اَلْمَسْجِدِ فِی غَلَسِ السَّحَرِ فَلَمْ یَزَلْ هُنَالِکَ حَتَّی جَاءَ عُمَرُ یُوقِظُ النَّاسَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ کَمَا کَانَ یَفْعَلُ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ وَثَبَ عَلَیْهِ فَطَعَنَهُ ثَلاَثَ طَعَنَاتٍ إِحْدَاهُنَّ تَحْتَ السُّرَّةِ قَدْ خَرَقَتِ الصِّفَاقَ (1) وَ هِیَ الَّتِی قَتَلَتْهُ ثُمَّ انْحَازَ إِلَی أَهْلِ اَلْمَسْجِدِ فَطَعَنَ فِیهِمْ مَنْ یَلِیهِ حَتَّی طَعَنَ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً سِوَی عُمَرَ ثُمَّ انْتَحَرَ بِخَنْجَرِهِ فَقَالَ عُمَرُ حِینَ أَدْرَکَهُ النَّزْفُ قُولُوا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَلْیُصَلِّ بِالنَّاسِ ثُمَّ غَلَبَهُ النَّزْفُ فَأُغْمِیَ عَلَیْهِ

ص :185

فَاحْتُمِلَ حَتَّی أُدْخِلَ بَیْتَهُ ثُمَّ صَلَّی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِالنَّاسِ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَ عُمَرَ وَ هُوَ مُغْمًی عَلَیْهِ لَمْ یَزَلْ فِی غَشْیَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّی أَسْفَرَ فَلَمَّا أَسْفَرَ أَفَاقَ فَنَظَرَ فِی وُجُوهِ مَنْ حَوْلَهُ وَ قَالَ أَ صَلَّی النَّاسُ فَقِیلَ نَعَمْ فَقَالَ لاَ إِسْلاَمَ لِمَنْ تَرَکَ الصَّلاَةَ ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ وَ صَلَّی ثُمَّ قَالَ اخْرُجْ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ فَاسْأَلْ مَنْ قَتَلَنِی فَجِئْتُ حَتَّی فَتَحْتُ بَابَ الدَّارِ فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ فَقُلْتُ مَنْ طَعَنَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالُوا طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ غُلاَمُ اَلْمُغِیرَةِ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَدَخَلْتُ فَإِذَا عُمَرُ یَنْظُرُ إِلَی الْبَابِ یَسْتَأْنِی خَبَرَ مَا بَعَثَنِی لَهُ فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ زَعَمَ النَّاسُ أَنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو لُؤْلُؤَةَ غُلاَمُ اَلْمُغِیرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَ أَنَّهُ طَعَنَ رَهْطاً ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یَجْعَلْ قَاتِلِی یُحَاجُّنِی عِنْدَ اللَّهِ بِسَجْدَةٍ سَجَدَهَا لَهُ قَطُّ مَا کَانَتِ اَلْعَرَبُ لِتَقْتُلَنِی ثُمَّ قَالَ أَرْسِلُوا إِلَی طَبِیبٍ یَنْظُرُ جُرْحِی فَأَرْسَلُوا إِلَی طَبِیبٍ مِنَ اَلْعَرَبِ فَسَقَاهُ نَبِیذاً فَخَرَجَ مِنَ الْجُرْحِ فَاشْتَبَهَ عَلَیْهِمُ الدَّمُ بِالنَّبِیذِ ثُمَّ دَعَوْا طَبِیباً آخَرَ فَسَقَاهُ لَبَناً فَخَرَجَ اللَّبَنُ مِنَ الطَّعْنَةِ صَلْداً أَبْیَضَ فَقَالَ الطَّبِیبُ اعْهَدْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَهْدَکَ فَقَالَ لَقَدْ صَدَقَنِی وَ لَوْ قَالَ غَیْرَ ذَلِکَ لَکَذَبَ فَبَکَی عَلَیْهِ الْقَوْمُ حَتَّی أَسْمَعُوا مِنْ خَارِجِ الدَّارِ فَقَالَ لاَ تَبْکُوا عَلَیْنَا أَلاَ وَ مَنْ کَانَ بَاکِیاً فَلْیَخْرُجْ فَإِنَّ اَلنَّبِیَّ ص قَالَ إِنَّ الْمَیِّتَ لَیُعَذَّبُ بِبُکَاءِ أَهْلِهِ عَلَیْهِ

.

3488

وَ رُوِیَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِی یَقُولُ لَقَدْ طَعَنَنِی أَبُو لُؤْلُؤَةَ طَعْنَتَیْنِ وَ مَا أَظُنُّهُ إِلاَّ کَلْباً حَتَّی طَعَنَنِی الثَّالِثَةَ.

3489

وَ رُوِیَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَرَحَ عَلَی أَبِی لُؤْلُؤَةَ بَعْدَ أَنْ طَعَنَ النَّاسَ خَمِیصَةً (1) کَانَتْ عَلَیْهِ فَلَمَّا حَصَلَ فِیهَا نَحَرَ نَفْسَهُ فَاحْتَزَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَأْسَهُ وَ اجْتَمَعَ اَلْبَدْرِیُّونَ وَ أَعْیَانُ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ بِالْبَابِ فَقَالَ عُمَرُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ اخْرُجْ إِلَیْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ أَ عَنْ مَلَإٍ مِنْکُمْ

ص :186

کَانَ هَذَا الَّذِی أَصَابَنِی فَخَرَجَ یَسْأَلُهُمْ فَقَالَ الْقَوْمُ لاَ وَ اللَّهِ وَ لَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ زَادَ فِی عُمُرِهِ مِنْ أَعْمَارِنَا.

3490

وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ کَانَ أَبِی یَکْتُبُ إِلَی أُمَرَاءِ الْجُیُوشِ لاَ تَجْلِبُوا إِلَیْنَا مِنَ الْعُلُوجِ أَحَداً جَرَتْ عَلَیْهِ الْمَوَاسِی فَلَمَّا طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ قَالَ مَنْ بِی قَالُوا غُلاَمُ اَلْمُغِیرَةِ قَالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَکُمْ لاَ تَجْلِبُوا إِلَیْنَا مِنَ الْعُلُوجِ أَحَداً فَغَلَبْتُمُونِی.

3491

14,1- وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ الْبُخَارِیُّ فِی صَحِیحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَیْمُونٍ قَالَ إِنِّی (1) لَقَائِمٌ مَا بَیْنِی وَ بَیْنَ عُمَرَ إِلاَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِیبَ وَ کَانَ إِذَا مَرَّ بَیْنَ الصَّفَّیْنِ قَالَ اسْتَوُوا حَتَّی إِذَا لَمْ یَرَ بَیْنَنَا (2) خَلَلاً تَقَدَّمَ فَکَبَّرَ وَ رُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ یُوسُفَ أَوِ اَلنَّحْلِ فِی الرَّکْعَةِ الْأُولَی [أَوْ نَحْوَ ذَلِکَ فِی الرَّکْعَةِ الثَّانِیَةِ]

(3) حَتَّی یَجْتَمِعَ النَّاسُ فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ کَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ یَقُولُ قَتَلَنِی أَوْ أَکَلَنِی الْکَلْبُ وَ ذَلِکَ حِینَ طَعَنَهُ الْعِلْجُ بِسِکِّینٍ ذَاتِ طَرَفَیْنِ لاَ یَمُرُّ عَلَی أَحَدٍ یَمِیناً وَ لاَ شِمَالاً إِلاَّ طَعَنَهُ حَتَّی طَعَنَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً مَاتَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ (4) فَلَمَّا رَأَی ذَلِکَ رَجُلٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ طَرَحَ عَلَیْهِ بُرْنُساً فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ وَ تَنَاوَلَ عُمَرُ بِیَدِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ فَمَنْ یَلِی عُمَرَ فَقَدْ رَأَی الَّذِی رَأَی وَ أَمَّا نَوَاحِی اَلْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لاَ یَدْرُونَ غَیْرَ أَنَّهُمْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ فَهُمْ یَقُولُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَصَلَّی عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاَةً خَفِیفَةً فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِی فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ غُلاَمُ اَلْمُغِیرَةِ قَالَ الصَّنَعُ قَالَ نَعَمْ

ص :187

قَالَ قَاتَلَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفاً الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یَجْعَلْ مَنِیَّتِی (1) بِیَدِ رَجُلٍ یَدَّعِی اَلْإِسْلاَمَ وَ قَدْ کُنْتَ أَنْتَ وَ أَبُوکَ تُحِبَّانِ أَنْ یَکْثُرَ الْعُلُوجُ وَ کَانَ اَلْعَبَّاسُ أَکْثَرُهُمْ رَقِیقاً فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَعَلْنَا (2) أَیْ قَتَلْنَاهُمْ قَالَ کَذَبْتَ بَعْدَ أَنْ تَکَلَّمُوا بِلِسَانِکُمْ وَ صَلُّوا قِبْلَتَکُمْ وَ حَجُّوا حَجَّکُمْ فَاحْتُمِلَ إِلَی بَیْتِهِ وَ انْطَلَقْنَا مَعَهُ وَ کَانَ النَّاسُ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِیبَةٌ قَبْلَ یَوْمِئِذٍ فَقَائِلٌ یَقُولُ لاَ بَأْسَ عَلَیْهِ وَ قَائِلٌ یَقُولُ أَخَافُ عَلَیْهِ فَأُتِیَ بِنَبِیذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ ثُمَّ أُتِیَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَیِّتٌ فَدَخَلَ النَّاسُ یُثْنُونَ عَلَیْهِ وَ جَاءَ [رَجُلٌ]

(3) شَابٌّ فَقَالَ أَبْشِرْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ بِبُشْرَی اللَّهِ لَکَ صُحْبَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ وَ قَدَمٌ فِی اَلْإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ثُمَّ وُلِّیتَ فَعَدَلْتَ ثُمَّ الشَّهَادَةُ فَقَالَ عُمَرُ وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِکَ کُلَّهُ کَانَ کَفَافاً لاَ عَلَیَّ وَ لاَ لِی فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا رِدَاؤُهُ (4) یَمَسَّ الْأَرْضَ فَقَالَ رُدُّوا عَلَیَّ الْغُلاَمَ فَرَدُّوهُ فَقَالَ یَا ابْنَ أَخِی ارْفَعْ ثَوْبَکَ فَإِنَّهُ أَبْقَی لِثَوْبِکَ وَ أَتْقَی لِرَبِّکَ یَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ انْظُرْ مَا عَلَیَّ مِنْ دَیْنٍ فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَ ثَمَانِینَ أَلْفاً أَوْ نَحْوَهُ فَقَالَ إِنْ وَفَی بِهِ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَ إِلاَّ فَسَلْ فِی بَنِی عَدِیِّ بْنِ کَعْبٍ فَإِنْ لَمْ تَفِ بِهِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِی قُرَیْشٍ وَ لاَ تَعْدُهُمْ إِلَی غَیْرِهِمْ وَ أَدِّ عَنِّی هَذَا الْمَالَ انْطَلِقْ إِلَی عَائِشَةَ فَقُلْ لَهَا یَقْرَأُ عَلَیْکَ السَّلاَمَ عُمَرُ وَ لاَ تَقُلْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنِّی الْیَوْمَ لَسْتُ لِلْمُؤْمِنِینَ أَمِیراً وَ قُلْ یَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ یُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَیْهِ فَمَضَی وَ سَلَّمَ وَ اسْتَأْذَنَ وَ دَخَلَ عَلَیْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْکِی فَقَالَ یَقْرَأُ عَلَیْکَ عُمَرُ السَّلاَمَ وَ یَسْتَأْذِنُ أَنْ یُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَیْهِ فَقَالَتْ کُنْتُ أُرِیدُهُ لِنَفْسِی یَعْنِی الْمَوْضِعَ وَ لَأُوثِرَنَّهُ الْیَوْمَ عَلَی نَفْسِی فَلَمَّا أَقْبَلَ قِیلَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ قَدْ جَاءَ قَالَ ارْفَعُونِی فَأَسْنِدُوهُ إِلَی رَجُلٍ مِنْهُمْ قَالَ یَا عَبْدَ اللَّهِ مَا لَدَیْکَ قَالَ الَّذِی تُحِبُّ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ أَذِنَتْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا کَانَ شَیْءٌ أَهَمَّ إِلَیَّ مِنِ

ص :188

ذَلِکَ إِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلْنِی ثُمَّ سَلِّمْ عَلَیْهَا وَ قُلْ یَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَإِنْ أَذِنَتْ لِی فَأَدْخِلُونِی وَ إِنْ رَدَّتْنِی فَرُدُّونِی إِلَی مَقَابِرِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ ادْفِنُونِی بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ وَ جَاءَتِ ابْنَتُهُ حَفْصَةُ وَ النِّسَاءُ مَعَهَا قَالَ فَلَمَّا رَأَیْنَاهَا قُمْنَا فَوَلَجَتْ عَلَیْهِ فَبَکَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً وَ اسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ فَوَلَجَتْ بَیْتاً دَاخِلاً لَهُمْ فَسَمِعْنَا بُکَاءَهَا مِنَ الْبَیْتِ الدَّاخِلِ فَقَالَ أَوْصِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ اسْتَخْلِفْ فَقَالَ مَا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ أَوْ قَالَ الرَّهْطِ الَّذِینَ تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ هُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَسَمَّی عَلِیّاً وَ عُثْمَانَ وَ اَلزُّبَیْرَ وَ طَلْحَةَ وَ سَعْداً وَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَ قَالَ یَشْهَدُکُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَ لَیْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَیْءٌ کَهَیْئَةِ التَّعْزِیَةِ لَهُ فَإِنْ أَصَابَتِ الْإِمَارَةُ (1) سَعْداً فَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِکَ وَ إِلاَّ فَلْیَسْتَعِنْ بِهِ أَیُّکُمْ أُمِّرَ فَإِنِّی لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَ لاَ عَنْ خِیَانَةٍ ثُمَّ قَالَ أُوصِی الْخَلِیفَةَ مِنْ بَعْدِی بِالْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ أَنْ یَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَ یَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَ أُوصِیهِ بِالْأَنْصَارِ خَیْراً اَلَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدّٰارَ وَ الْإِیمٰانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَنْ یَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَ أَنْ یَعْفُوَ عَنْ مُسِیئِهِمْ وَ أُوصِیهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَیْراً فَإِنَّهُمْ رِدْءُ اَلْإِسْلاَمِ وَ جُبَاةُ الْأَمْوَالِ وَ غَیْظُ الْعَدُوِّ أَلاَّ یَأْخُذَ مِنْهُمْ إِلاَّ فَضْلَهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ وَ أُوصِیهِ بِالْأَعْرَابِ خَیْراً فَإِنَّهُمْ أَصْلُ اَلْعَرَبِ وَ مَادَّةُ اَلْإِسْلاَمِ أَنْ یُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِی أَمْوَالِهِمْ وَ یُرَدَّ عَلَی فُقَرَائِهِمْ وَ أُوصِیهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَ ذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ یُوفِیَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَ أَنْ یُقَاتِلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ وَ أَلاَّ یُکَلَّفُوا إِلاَّ طَاقَتَهُمْ.

قَالَ فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِی فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَ قَالَ یَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ أَدْخِلُوهُ فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَالِکَ مَعَ صَاحِبَیْهِ (2)

.

ص :189

3492

وَ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَتَی عُمَرَ حِینَ طُعِنَ فَقَالَ احْفَظْ عَنِّی ثَلاَثاً فَإِنِّی أَخَافُ أَلاَّ یُدْرِکَنِی النَّاسُ أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَقْضِ فِی الْکَلاَلَةِ وَ لَمْ أَسْتَخْلِفْ عَلَی النَّاسِ وَ کُلُّ مَمْلُوکٍ لِی عَتِیقٌ فَقُلْتُ لَهُ أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ صَاحَبْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص فَأَطَلْتَ صُحْبَتَهُ وَ وَلَّیْتَ أَمْرَ اَلْمُسْلِمِینَ فَقَوِیتَ عَلَیْهِ وَ أَدَّیْتَ الْأَمَانَةَ قَالَ أَمَّا تَبْشِیرُکَ لِی بِالْجَنَّةِ فَوَ اللَّهِ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَوْ أَنَّ لِیَ الدُّنْیَا بِمَا فِیهَا لاَفْتَدَیْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ مَا أَمَامِی قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ مَا الْخَبَرُ وَ أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ أَمْرِ اَلْمُسْلِمِینَ فَلَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِکَ کَانَ کَفَافاً لاَ عَلَیَّ وَ لاَ لِی وَ أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَهُوَ ذَلِکَ.

3493

وَ رَوَی مَعْمَرٌ عَنِ اَلزُّهْرِیِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَی أَبِی فَقُلْتُ سَمِعْتُ النَّاسَ یَقُولُونَ مَقَالَةً وَ آلَیْتُ أَنْ أَقُولَهَا لَکَ زَعَمُوا أَنَّکَ غَیْرُ مُسْتَخْلِفٍ وَ أَنَّهُ لَوْ کَانَ لَکَ رَاعِی إِبِلٍ أَوْ غَنَمٍ ثُمَّ جَاءَکَ وَ تَرَکَهَا رَأَیْتَ أَنَّهُ قَدْ ضَیَّعَ فَرِعَایَةُ النَّاسِ أَشَدُّ فَوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَحْفَظُ دِینَهُ إِنْ لَمْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمْ یَسْتَخْلِفْ وَ إِنِ اسْتَخْلَفْتُ فَإِنَّ أَبَا بَکْرٍ قَدِ اسْتَخْلَفَ فَوَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ ذَکَرَ رَسُولَ اللَّهِ وَ أَبَا بَکْرٍ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ یَکُنْ یَعْدِلُ بِرَسُولِ اللَّهِ ص أَحَداً وَ أَنَّهُ غَیْرُ مُسْتَخْلِفٍ.

3494

وَ رُوِیَ أَنَّهُ قَالَ وَ قَدْ أَذِنَتْ لَهُ عَائِشَةُ فِی أَنْ یُدْفَنَ فِی بَیْتِهَا إِذَا مِتُّ فَاسْتَأْذِنُوهَا مَرَّةً ثَانِیَةً فَإِنْ أَذِنَتْ وَ إِلاَّ فَاتْرُکُوهَا فَإِنِّی أَخْشَی أَنْ تَکُونَ أَذِنَتْ لِی لِسُلْطَانِی فَاسْتَأْذَنُوهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَذِنَتْ.

2)

-عبد الرحمن:أ فتجعلونه إلیّ،و اللّه علیّ ألا آلوا عن أفضلکم؟قالا:نعم،فأخذ بید أحدهما فقال: لک قرابة من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و القدم فی الإسلام ما قد علمت؛فاللّه علیک لئن أمرتک لتعدلنّ!و إن أمرت عثمان لتسمعنّ و لتطیعن!ثم خلا بالآخر فقال مثل ذلک؛فلما أخذ المیثاق قال: ارفع یدک یا عثمان،فبایعه،فبایع له علیّ،و ولج أهل الدار فبایعوه».

ص :190

3495

وَ رَوَی عُمَرُ بْنُ مَیْمُونٍ قَالَ لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ دَخَلَ عَلَیْهِ کَعْبُ الْأَحْبَارِ فَقَالَ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَلاٰ تَکُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِینَ (1) قَدْ أَنْبَأْتُکَ أَنَّکَ شَهِیدٌ فَقَالَ مِنْ أَیْنَ لِی بِالشَّهادَةِ وَ أَنَا بِجَزِیرَةِ الْعَرَبِ .

3496

وَ رَوَی اِبْنُ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ وَ جِئْتُهُ بِخَبَرِ أَبِی لُؤْلُؤَةَ أَتَیْتُهُ وَ الْبَیْتُ مَلْآنُ فَکَرِهْتُ أَنْ أَتَخَطَّی رِقَابَهُمْ وَ کُنْتُ حَدِیثَ السِّنِّ فَجَلَسْتُ وَ هُوَ مُسَجًّی وَ جَاءَ کَعْبُ الْأَحْبَارِ وَ قَالَ لَئِنْ دَعَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ لِیُبْقِیَهُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ حَتَّی یَفْعَلَ فِیهَا کَذَا وَ کَذَا حَتَّی ذَکَرَ الْمُنَافِقِینَ فِیمَنْ ذَکَرَ فَقُلْتُ أَبْلِغْهُ مَا تَقُولُ قَالَ مَا قُلْتُ إِلاَّ وَ أَنَا أُرِیدُ أَنْ تُبْلِغَهُ فَتَشَجَّعْتُ وَ قُمْتُ فَتَخَطَّیْتُ رِقَابَهُمْ حَتَّی جَلَسْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَ قُلْتُ إِنَّکَ أَرْسَلْتَنِی بِکَذَا إِنَّ عَبْدَ اَلْمُغِیرَةِ قَتَلَکَ وَ أَصَابَ مَعَکَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ إِنْسَاناً وَ إِنَّ کَعْباً هَاهُنَا وَ هُوَ یَحْلِفُ بِکَذَا فَقَالَ ادْعُو إِلَیَّ کَعْباً فَدُعِیَ فَقَالَ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ کَذَا قَالَ لاَ وَ اللَّهِ لاَ أَدْعُو وَ لَکِنْ شَقِیَ عُمَرُ إِنْ لَمْ یَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ.

3497

وَ رَوَی اَلْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا طُعِنَ أُغْمِیَ عَلَیْهِ طَوِیلاً فَقِیلَ إِنَّکُمْ لَمْ تُوقِظُوهُ بِشَیْءٍ مِثْلِ الصَّلاَةِ إِنْ کَانَتْ بِهِ حَیَاةٌ فَقَالُوا الصَّلاَةَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ الصَّلاَةَ قَدْ صَلَّیْتَ فَانْتَبَهَ فَقَالَ الصَّلاَةُ لاَهَا اللَّهِ لاَ أَتْرُکُهَا لاَ حَظَّ فِی اَلْإِسْلاَمِ لِمَنْ تَرَکَ الصَّلاَةَ فَصَلَّی وَ إِنَّ جُرْحَهُ لَیَنْثَعِبْ (2) دَماً.

3498

1- وَ رَوَی اَلْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ أَیْضاً قَالَ لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ یَأْلَمُ وَ یَجْزَعُ فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَ لاَ وَ کُلُّ ذَلِکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَ هُوَ عَنْکَ رَاضٍ وَ صَحِبْتَ أَبَا بَکْرٍ وَ أَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ وَ فَارَقَکَ وَ هُوَ عَنْکَ رَاضٍ ثُمَّ صَحِبْتَ اَلْمُسْلِمِینَ فَأَحْسَنْتَ إِلَیْهِمْ وَ فَارَقْتَهُمْ وَ هُمْ عَنْکَ رَاضُونَ

ص :191

قَالَ أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَبِی بَکْرٍ فَذَلِکَ مِمَّا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَیَّ وَ أَمَّا مَا تَرَی مِنْ جَزَعِی فَوَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ لِی بِمَا فِی الْأَرْضِ ذَهَباً لاَفْتَدَیْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ وَ فِی رِوَایَةٍ لاَفْتَدَیْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ وَ فِی رِوَایَةٍ الْمَغْرُورُ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ لَوْ أَنَّ لِی مَا عَلَی ظَهْرِهَا مِنْ صَفْرَاءَ وَ بَیْضَاءَ لاَفْتَدَیْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ وَ فِی رِوَایَةٍ فِی الْإِمَارَةِ عَلَیَّ تُثْنِی یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ قُلْتُ وَ فِی غَیْرِهَا قَالَ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّی خَرَجْتُ مِنْهَا کَمَا دَخَلْتُ فِیهَا لاَ حَرَجَ وَ لاَ وِزْرَ وَ فِی رِوَایَةٍ لَوْ کَانَ لِی مَا طَلَعَتْ عَلَیْهِ الشَّمْسُ لاَفْتَدَیْتُ بِهِ مِنْ کَرْبِ سَاعَةٍ یَعْنِی الْمَوْتَ کَیْفَ وَ لَمْ أُرِدِ النَّاسَ بَعْدُ وَ فِی رِوَایَةٍ لَوْ أَنَّ لِیَ الدُّنْیَا وَ مَا فِیهَا لاَفْتَدَیْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ مَا أَمَامِی قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ مَا الْخَبَرُ.

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَسَمِعْنَا صَوْتَ أُمِّ کُلْثُومٍ وَا عُمَرَاهْ وَ کَانَ مَعَهَا نِسْوَةٌ یَبْکِینَ فَارْتَجَّ الْبَیْتُ بُکَاءً فَقَالَ عُمَرُ وَیْلُمِّ عُمَرَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ یَغْفِرْ لَهُ فَقُلْتُ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَرْجُو أَلاَّ تَرَاهَا إِلاَّ مِقْدَارَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا (1) إِنْ کُنْتَ مَا عَلِمْنَا لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ سَیِّدِ اَلْمُسْلِمِینَ تَقْضِی بِالْکِتَابِ وَ تَقْسِمُ بِالسَّوِیَّةِ.

فَأَعْجَبَهُ قَوْلِی فَاسْتَوَی جَالِساً فَقَالَ أَ تَشْهَدُ لِی بِهَذَا یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ فَکَعَعْتُ أَیْ جَبُنْتُ فَضَرَبَ عَلِیٌّ ع بَیْنَ کَتِفَیَّ وَ قَالَ اِشْهَدْ .

وَ فِی رِوَایَةٍ لِمَ تَجْزَعُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ کَانَ إِسْلاَمُکَ عِزّاً وَ إِمَارَتُکَ فَتْحاً وَ لَقَدْ مَلَأْتَ الْأَرْضَ عَدْلاً فَقَالَ أَ تَشْهَدُ لِی بِذَلِکَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فَکَأَنَّهُ کَرِهَ الشَّهَادَةَ فَتَوَقَّفَ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع قُلْ نَعَمْ وَ أَنَا مَعَکَ فَقَالَ نَعَمْ.

وَ فِی رِوَایَةٍ أَنَّهُ قَالَ مَسِسْتُ جِلْدَهُ وَ هُوَ مُلْقًی فَقُلْتُ جِلْدٌ لاَ تَمَسُّهُ اَلنَّارُ أَبَداً فَنَظَرَ إِلَیَّ نَظْرَةً جَعَلْتُ أَرْثِی لَهُ مِنْهَا قَالَ وَ مَا عِلْمُکَ بِذَلِکَ قُلْتُ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ الْحَدِیثَ فَقَالَ لَوْ أَنَّ لِی مَا فِی الْأَرْضِ لاَفْتَدَیْتُ

ص :192

بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أَلْقَاهُ أَوْ أَرَاهُ.

وَ فِی رِوَایَةٍ قَالَ فَأَنْکَرْنَا الصَّوْتَ وَ إِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ قِیلَ طُعِنَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَانْصَرَفَ النَّاسُ وَ هُوَ فِی دَمِهِ مُسَجًّی لَمْ یُصَلِّ الْفَجْرَ بَعْدُ فَقِیلَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ الصَّلاَةَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ لاَهَا اللَّهِ إِذَنْ لاَ حَظَّ لاِمْرِئٍ فِی اَلْإِسْلاَمِ ضَیَّعَ صَلاَتَهُ ثُمَّ وَثَبَ لِیَقُومَ فَانْثَعَبَ جُرْحُهُ دَماً فَقَالَ هَاتُوا لِی عِمَامَةً فَعَصَبَ بِهَا جُرْحَهُ ثُمَّ صَلَّی وَ ذَکَرَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَ قَالَ ضَعْ خَدِّی إِلَی الْأَرْضِ یَا عَبْدَ اللَّهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَلَمْ أَعُجْ بِهَا وَ ظَنَنْتُ أَنَّهَا اخْتِلاَسٌ مِنْ عَقْلِهِ فَقَالَهَا مَرَّةً أُخْرَی ضَعْ خَدِّی إِلَی الْأَرْضِ یَا بُنَیَّ فَلَمْ أَفْعَلْ فَقَالَ الثَّالِثَةَ ضَعْ خَدِّی إِلَی الْأَرْضِ لاَ أُمَّ لَکَ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مُجْتَمِعُ الْعَقْلِ وَ لَمْ یَمْنَعْهُ أَنْ یَضَعَهُ هُوَ إِلاَّ مَا بِهِ مِنَ الْغَلَبَةِ فَوَضَعْتُ خَدَّهُ إِلَی الْأَرْضِ حَتَّی نَظَرْتُ إِلَی أَطْرَافِ شَعْرِ لِحْیَتِهِ خَارِجَةً مِنْ أَضْعَافِ التُّرَابِ وَ بَکَی حَتَّی نَظَرْتُ إِلَی الطِّینِ قَدْ لَصِقَ بِعَیْنِهِ فَأَصْغَیْتُ أُذُنِی لِأَسْمَعَ مَا یَقُولُ فَسَمِعْتُهُ یَقُولُ یَا وَیْلَ عُمَرَ وَ وَیْلُ أُمِّ عُمَرَ إِنْ لَمْ یَتَجَاوَزِ اللَّهُ عَنْهُ.

وَ قَدْ جَاءَ فِی رِوَایَةٍ أَنَّ عَلِیّاً ع جَاءَ حَتَّی وَقَفَ عَلَیْهِ فَقَالَ مَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَیَّ أَنْ أَلْقَی اللَّهَ بِصَحِیفَتِهِ مِنْ هَذَا الْمُسَجَّی

.

3499

وَ رُوِیَ عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِینَ قَالَتْ سَمِعْتُ أَبِی یَقُولُ فِی دُعَائِهِ اللَّهُمَّ قَتْلاً فِی سَبِیلِکَ وَ وَفَاةً فِی بَلَدِ نَبِیِّکَ قُلْتُ وَ أَنَّی یَکُونُ هَذَا قَالَ یَأْتِی بِهِ اللَّهُ إِذَا شَاءَ.

3500

وَ یُرْوَی أَنَّ کَعْباً کَانَ یَقُولُ لَهُ نَجِدُکَ فِی کُتُبِنَا تَمُوتُ شَهِیداً فَیَقُولُ کَیْفَ لِی بِالشَّهادَةِ وَ أَنَا فِی جَزِیرَةِ الْعَرَبِ .

3501

وَ رَوَی اَلْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِیکَرِبَ قَالَ لَمَّا أُصِیبَ عُمَرُ دَخَلَتْ عَلَیْهِ حَفْصَةُ ابْنَتُهُ فَنَادَتْ یَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ وَ یَا صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ وَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ لاِبْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ أَجْلِسْنِی فَلاَ صَبْرَ لِی عَلَی مَا أَسْمَعُ فَأَسْنَدَهُ إِلَی صَدْرِهِ فَقَالَ لَهَا إِنِّی أُحَرِّجُ عَلَیْکِ

ص :193

بِمَا لِی عَلَیْکِ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَنْدُبِینِی بَعْدَ مَجْلِسِکِ هَذَا فَأَمَّا عَیْنُکِ فَلَنْ أَمْلِکَهَا إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ مَیِّتٍ یُنْدَبُ عَلَیْهِ بِمَا لَیْسَ فِیهِ إِلاَّ الْمَلاَئِکَةُ تَمْقُتُهُ.

3502

وَ رَوَی اَلْأَحْنَفُ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ یَقُولُ إِنَّ قُرَیْشاً رُءُوسُ النَّاسِ لَیْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ یَدْخُلُ مِنْ بَابٍ إِلاَّ دَخَلَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ فَلَمَّا أُصِیبَ عُمَرُ أَمَرَ صُهَیْباً أَنْ یُصَلِّیَ بِالنَّاسِ ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ وَ یُطْعِمَهُمْ حَتَّی یَجْتَمِعُوا عَلَی رَجُلٍ فَلَمَّا وُضِعَتِ الْمَوَائِدُ کَفَّ النَّاسُ عَنِ الطَّعَامِ فَقَالَ اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص مَاتَ فَأَکَلْنَا بَعْدَهُ وَ مَاتَ أَبُو بَکْرٍ فَأَکَلْنَا بَعْدَهُ وَ إِنَّهُ لاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنَ الْأَکْلِ ثُمَّ مَدَّ یَدَهُ فَأَکَلَ مِنَ الطَّعَامِ فَعَرَفْتُ قَوْلَ عُمَرَ .

و یروی کثیر من الناس الشعر المذکور فی الحماسة و یزعم أن هاتفا من الجن هتف به و هو جزیت عن الإسلام خیرا و بارکت

و الأکثرون یروونها لمزرد أخی الشماخ و منهم من یرویها للشماخ نفسه

ص :194

حتی قال له أبو بکر إن اللّه وعده بذلک و سیفعله و تلا علیه ما تلا فأیقن عند ذلک بموته و إنّما ظنّ أن موته یتأخر عن ذلک الوقت لا أنّه منع من موته.

ثمّ سأل (1) قاضی القضاة نفسه فقال فإن قیل فلم قال لأبی بکر عند قراءة الآیة کأنّی لم أسمعها و وصف نفسه بأنّه أیقن بالوفاة.

و أجاب بأن قال لما کان الوجه فی ظنه ما أزال أبو بکر الشبهة فیه جاز أن یتیقن ثمّ سأل نفسه عن سبب یقینه فیما لا یعلم إلاّ بالمشاهدة.

و أجاب بأن قرینة الحال عند سماع الخبر أفادته الیقین و لو لم یکن فی ذلک إلاّ خبر أبی بکر و ادعاؤه لذلک و الناس مجتمعون لحصل الیقین.

و قوله کأنّی لم أقرأ هذه الآیة أو لم أسمعها تنبیه علی (2) ذهوله عن الاستدلال بها لا أنّه علی الحقیقة لم یقرأها و لم یسمعها و لا یجب فیمن ذهب عن بعض أحکام الکتاب ألا یعرف القرآن لأن ذلک لو دل لوجب ألا یحفظ القرآن إلا من یعرف جمیع أحکامه ثمّ ذکر أن حفظ القرآن کله غیر واجب و لا یقدح الإخلال به فی الفضل.

و حکی عن الشیخ أبی علی أن أمیر المؤمنین ع لم یحط علمه بجمیع الأحکام و لم یمنع ذلک من فضله و استدلّ بما روی من

3503

قَوْلِهِ

کُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص حَدِیثاً نَفَعَنِی اللَّهُ بِهِ مَا شَاءَ أَنْ یَنْفَعَنِی وَ إِذَا حَدَّثَنِی غَیْرُهُ أَحْلَفْتُهُ فَإِنْ حَلَفَ لِی صَدَّقْتُهُ وَ حَدَّثَنِی أَبُو بَکْرٍ وَ صَدَقَ أَبُو بَکْرٍ . و ذکر أنّه لم یعرف أی موضع یدفن فیه رسول اللّه ص حتی رجع إلی ما رواه أبو بکر و ذکر قصة الزبیر فی موالی صفیة و أن أمیر المؤمنین ع أراد أن یأخذ میراثهم کما أن علیه أن یحمل عقلهم حتّی أخبره عمر بخلاف ذلک من أن المیراث للأب و العقل علی العصبة.

ص :196

ثم سأل نفسه فقال کیف یجوز ما ذکرتم علی أمیر المؤمنین ع مع

3504

قَوْلِهِ

سَلُونِی قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِی .

3505

1- وَ قَوْلِهِ إِنَّ هَاهُنَا عِلْماً جَمّاً یُومِئُ إِلَی قَلْبِهِ .

3506

وَ قَوْلِهِ

لَوْ ثُنِیَتْ لِیَ الْوِسَادَةُ لَحَکَمْتُ بَیْنَ أَهْلِ اَلتَّوْرَاةِ بِتَوْرَاتِهِمْ وَ بَیْنَ أَهْلِ اَلْإِنْجِیلِ بِإِنْجِیلِهِمْ وَ بَیْنَ أَهْلِ اَلزَّبُورِ بِزَبُورِهِمْ وَ بَیْنَ أَهْلِ اَلْقُرْآنِ بِقُرْآنِهِمْ .

3507

وَ قَوْلِهِ

کُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ أُجِبْتُ وَ إِذَا سَکَتُّ ابْتُدِئْتُ .

و أجاب عن ذلک بأن هذا إنّما یدلّ علی عظم المحل فی العلم من غیر أن یدلّ علی الإحاطة بالجمیع.

و حکی عن أبی علی استبعاده ما روی من قوله لو ثنیت الوسادة قال لأنّه لا یجوز أن یصف نفسه بأنّه یحکم بما لا یجوز و معلوم أنّه ع لا یحکم بین الجمیع إلاّ بالقرآن ثنیت له الوسادة أو لم تثن و هذا یدلّ علی أن الخبر موضوع.

فاعترض الشریف المرتضی فقال لیس یخلو خلاف عمر فی وفاة رسول اللّه ص من أن یکون علی سبیل الإنکار لموته علی کل حال و الاعتقاد بأن الموت لا یجوز علیه علی کل وجه أو یکون منکرا لموته فی تلک الحال من حیث لم یظهر دینه علی الدین کله و ما أشبه ذلک ممّا قال صاحب الکتاب أنّها کانت شبهة فی تأخر موته عن تلک الحال.

فإن کان الوجه الأوّل فهو ممّا لا یجوز خلاف العقلاء فی مثله و العلم بجواز الموت علی سائر البشر لا یشک فیه عاقل و العلم من دینه ع بأنّه سیموت کما مات من قبله ضروری و لیس یحتاج فی مثل هذا إلی الآیات التی تلاها أبو بکر من قوله تعالی إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ و ما أشبهها و إن کان خلافه علی الوجه الثانی تأول ما فیه أن هذا الخلاف لا یلیق بما احتج به أبو بکر من قوله تعالی إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ لأنّه لم ینکر علی هذا جواز الموت و إنّما خالف فی تقدمه و قد کان یجب أن یقول له و أی حجة فی هذه الآیات علی

ص :197

من جوز علیه ص الموت فی المستقبل و أنکره فی هذه الحال و بعد فکیف دخلت الشبهة البعیدة علی عمر من بین سائر الخلق و من أین زعم أنّه لا یموت حتّی یقطع أیدی رجال و أرجلهم و کیف حمل معنی قوله تعالی لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ و قوله وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً علی أن ذلک لا یکون فی المستقبل بعد الوفاة و کیف لم یخطر هذا إلاّ لعمر وحده و معلوم أن ضعف الشبهة إنّما یکون من ضعف الفکرة و قلة التأمل و البصیرة و کیف لم یوقن بموته لما رأی ما علیه أهل الإسلام من اعتقاد موته و ما رکبهم من الحزن و الکآبة لفقده و هلا دفع بهذا الیقین ذلک التأویل البعید فلم یحتج إلی موقف و معرف و قد کان یجب إن کانت هذه شبهة أن یقول فی حال مرض رسول اللّه ص و قد رأی جزع أهله و أصحابه و خوفهم علیه من الوفاة حتّی یقول أسامة بن زید معتذرا من تباطئه (1) عن الخروج فی الجیش الذی کان رسول اللّه ص یکرر و یردد الأمر حینئذ بتنفیذه لم أکن لأسأل عنک الرکب ما هذا الجزع و الهلع و قد أمنکم اللّه من موته بکذا فی وجه کذا و لیس هذا من أحکام الکتاب التی یعذر من لا یعرفها علی ما ظنه صاحب الکتاب (2) .

قلت الذی قرأناه و رویناه من کتب التواریخ یدلّ علی أن عمر أنکر موت رسول اللّه ص من الوجهین المذکورین أنکر أولا أن یموت إلی یوم القیامة و اعتقد عمر أنه یعمر کما یعتقد کثیر من الناس فی الخضر فلما حاجه أبو بکر بقوله تعالی إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ (3) و بقوله أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ (4) رجع عن ذلک الاعتقاد.

و لیس یرد علی هذا ما اعترض به المرتضی لأن عمر ما کان یعتقد استحالة الموت علیه کاستحالة الموت علی البارئ تعالی أعنی الاستحالة الذاتیة بل اعتقد استمرار حیاته إلی یوم

ص :198

القیامة مع کون الموت جائزا فی العقل علیه و لا تناقض فی ذلک فإن إبلیس یبقی حیا إلی یوم القیامة مع کون موته جائزا فی العقل و ما أورده أبو بکر علیه لازم علی أن یکون نفیه للموت علی هذا أوجه.

و أمّا الوجه الثانی فهو أنّه لما دفعه أبو بکر عن ذلک الاعتقاد وقف مع شبهة أخری اقتضت عنده أن موته یتأخر و إن لم یکن إلی یوم القیامة و ذلک أنّه تأول قوله تعالی هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدیٰ وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ (1) فجعل الضمیر عائدا علی الرسول لا علی الدین و قال إن رسول اللّه ص لم یظهر بعد علی سائر الأدیان فوجب أن تستمر حیاته إلی أن یظهر علی الأدیان بمقتضی الوعد الذی لا یجوز علیه الخلف و الکذب فحاجه أبو بکر من هذا المقام فقال له إنّما أراد لیظهر دینه و سیظهره فیما بعد و لم یقل لیظهره الآن فمن ثمّ قال له و لو أراد لیظهر الرسول ص علی الدین کله لکان الجواب واحدا لأنّه إذا ظهر دینه فقد أظهره هو.

فأما قول المرتضی رحمه اللّه و کیف دخلت هذه الشبهة علی عمر من بین الخلق فهکذا تکون الخراطر[الخواطر]

و الشبه و الاعتقادات تسبق إلی ذهن واحد دون غیره و کیف دخلت الشبهة علی جماعة منعوا الزکاة و احتجوا بقوله تعالی وَ صَلِّ عَلَیْهِمْ إِنَّ صَلاٰتَکَ سَکَنٌ لَهُمْ (2) دون غیرهم من قبائل العرب و کیف دخلت الشبهة علی أصحاب الجمل و صفین دون غیرهم و کیف دخلت الشبهة علی خوارج النهروان دون غیرهم و هذا باب واسع فأما قوله و من أین زعم أنّه لا یموت حتّی تقطع أیدی رجال و أرجلهم فإن الذی

ص :199

ذکره المؤرخون أنّه قال ما مات رسول اللّه ص و إنّما غاب عنا کما غاب موسی عن قومه و سیعود فتقطع أیدی رجال و أرجلهم ممن أرجف بموته و هذه الروایة تخالف ما ذکره المرتضی .

فأما قوله و کیف حمل معنی قوله لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ و قوله وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (1) علی أن ذلک لا یکون فی المستقبل فقد بینا الشبهة الداخلة علیه فی ذلک و کونه ظنّ أن ذلک یکون معجلا علی الفور و کذلک قوله وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ ... وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (2) فإنه ظنّ أن هذا العموم یدخل فیه رسول اللّه ص لأنّه سید المؤمنین و سید الصالحین أو أنّه لفظ عام و المراد به رسول اللّه وحده کما ورد فی کثیر من آیات القرآن مثل ذلک فظن أن هذا الاستخلاف فی جمیع الأرض و تبدیل الخوف بالأمن إنّما هو علی الفور لا علی التراخی و لیست هذه الشبهة بضعیفة جدا کما ظنّ المرتضی بل هی موضع نظر.

فأما قوله کیف لم یؤمن بموته لما رأی من کآبة الناس و حزنهم فلأن الناس یبنون الأمر علی الظاهر و عمر نظر فی أمر باطن دقیق فاعتقد أن الرسول لم یمت و إنّما ألقی شبهه علی غیره کما ألقی شبه عیسی علی غیره فصلب و عیسی قد رفع و لم یصلب و اعلم أن أول من سن لأهل الغیبة من الشیعة القول بأن الإمام لم یمت و لم یقتل و إن کان فی الظاهر و فی مرأی العین قد قتل أو مات إنّما هو عمر و لقد کان یجب علی المرتضی و طائفته أن یشکروه علی ما أسس لهم من هذا الاعتقاد.

ص :200

فأما قوله فهلا قال فی مرض رسول اللّه ص لما رأی جزعهم لموته قد أمنکم اللّه من موته فغیر لازم لأن الشبهة لا تجب أن تخطر بالبال فی کل الأوقات فلعله قد کان فی ذلک الوقت غافلا عنها مشغول الذهن بغیرها و لو صح للمرتضی هذا لوجب أن یدفع و یبطل کل ما یتجدد و یطرأ علی الناس من الشبهة فی المذاهب و الآراء فنقول کیف طرأت علیهم هذه الشبهات الآن و لم تطرأ علیهم من قبل و هذا من اعتراضات المرتضی الضعیفة علی أنا قد ذکرنا نحن فی الجزء الأول من هذا الکتاب ما قصده عمر بقوله إن رسول اللّه لم یمت و قلنا فیه قولا شافیا لم نسبق إلیه فلیعاود ثمّ قال المرتضی فأما ما روی عن أمیر المؤمنین ع من خبر الاستحلاف فی الأخبار فلا یدلّ علی عدم علم أمیر المؤمنین بالحکم لأنّه یجوز أن یکون استحلافه لیرهب المخبر و یخوفه من الکذب علی النبیّ ص لأن العلم بصحة الحکم الذی یتضمنه الخبر لا یقتضی صدق المخبر و أیضا فلا تاریخ لهذا الحدیث (1) و یمکن أن یکون استحلافه ع للرواة (2) إنّما کان فی حیاة رسول اللّه ص و فی تلک الحال لم یکن محیطا بجمیع الأحکام.

فأما حدیث الدفن و إدخاله فی باب أحکام الدین التی یجب معرفتها فطریف و قد یجوز أن یکون أمیر المؤمنین ع سمع من النبیّ ص فی باب الدفن مثل ما سمعه أبو بکر و کان عازما علی العمل به حتّی روی أبو بکر ما رواه فعمل بما کان یعلمه لا من طریق أبی بکر و ظنّ الناس أن العمل لأجله و یجوز أن یکون رسول اللّه ص خیر وصیه ع فی موضع دفنه و لم یعین له موضعا بعینه فلما روی أبو بکر ما رواه رأی موافقته فلیس فی هذا دلالة علی أنّه ع استفاد حکما لم یکن عنده.

ص :201

و أمّا موالی صفیة فحکم اللّه فیهم ما أفتی به أمیر المؤمنین ع و لیس سکوته حیث سکت عند عمر رجوعا عما أفتی به و لکنه کسکوته عن کثیر من الحق تقیة و مداراة للقوم.

و أما

3508

قَوْلُهُ ع

سَلُونِی قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِی .

3509

وَ قَوْلُهُ

إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً .

إلی غیر ذلک فإنّه لا یدلّ علی عظم المحل فی العلم فقط علی ما ظنه صاحب الکتاب بل هو قول واثق بنفسه آمن من أن یسأل عما لا یعلمه و کیف یجوز أن یقول مثله علی رءوس الأشهاد و ظهور المنابر سلونی قبل أن تفقدونی و هو یعلم أن کثیرا من أحکام الدین یعزب (1) عنه و أین کان أعداؤه و المنتهزون لفرصته و زلته عن سؤاله عن مشکل المسائل و غوامض الأحکام و الأمر فی هذا ظاهر.

فأما استبعاد أبی علی لما روی عنه ع من قوله لو ثنیت لی الوسادة للوجه الذی ظنه فهو البعید فإنّه لم یفطن لغرضه ع و إنّما أراد أنی کنت أقاضیهم إلی کتبهم الدالة علی البشارة بنبیّنا ص و صحة شرعه فأکون حاکما حینئذ علیهم بما تقتضیه کتبهم من هذه الشریعة و أحکام هذا القرآن و هذا من جلیل الأغراض و عظیمها (2)

اعتذر قاضی القضاة عن هذا فقال إنّه لیس فی الخبر أنّه أمر برجمها مع علمه بأنها حامل لأنّه لیس ممن یخفی علیه هذا القدر و هو أن الحامل لا ترجم حتّی تضع و إنّما ثبت عنده زناها فأمر برجمها علی الظاهر و إنّما قال ما قال فی معاذ لأنّه نبهه علی أنّها حامل.

ثمّ سأل (1) نفسه فقال فإن قیل إذا لم تکن منه معصیة فکیف یهلک لو لا معاذ و أجاب بأنّه لم یرد لهلک من جهة العذاب و إنّما أراد أنّه کان یجری بقوله قتل من لا یستحق القتل و یجوز أن یرید بذلک تقصیره فی تعرف حالها لأن ذلک لا یمتنع أن یکون بخطیئة و إن صغرت.

اعترض المرتضی علی هذا الاعتذار فقال لو کان (2) الأمر علی ما ظننته لم یکن تنبیه معاذ له علی هذا الوجه بل کان یجب أن ینبهه بأن یقول له هی حامل و لا یقول له إن کان لک سبیل علیها فلا سبیل لک علی ما فی بطنها لأن هذا قول من عنده أنّه أمر برجمها مع العلم بحملها و أقل ما یجب لو کان الأمر کما ظنه صاحب الکتاب أن یقول لمعاذ ما ذهب علی أن الحامل لا ترجم و إنّما أمرت برجمها لفقد علمی بحملها فکان ینفی بهذا القول عن نفسه الشبهة و فی إمساکه عنه مع شدة الحاجة إلیه دلیل علی صحة قولنا و قد کان یجب أیضا أن یسأل عن الحمل لأنّه أحد الموانع من الرجم فإذا علم انتفاءه و ارتفاعه أمر بالرجم و صاحب الکتاب قد اعترف بأن ترک المسألة عن ذلک تقصیر و خطیئة و ادعی أنّها صغیرة و من أین له ذلک و لا دلیل یدلّ عنده فی غیر الأنبیاء ع أن معصیة بعینها صغیرة.

فأما إقراره بالهلاک لو لا تنبیه معاذ فإنه یقتضی التعظیم و التفخیم لشأن الفعل و لا یلیق ذلک إلاّ بالتقصیر الواقع إمّا فی الأمر برجمها مع العلم بأنها حامل أو ترک البحث عن ذلک

ص :203

و المسألة عنه و أی لوم علیه فی أن یجری بقوله قتل من لا یستحق القتل إذا لم یکن ذلک عن تفریط منه و لا تقصیر (1) .

قلت أما ظاهر لفظ معاذ فیشعر بما قاله المرتضی و لم یمتنع أن یکون عمر لم یعلم أنّها حامل و أن معاذا قد کان من الأدب أن یقول له حامل یا أمیر المؤمنین فعدل عن هذا اللفظ بمقتضی أخلاق العرب و خشونتهم فقال له إن کان لک علیها سبیل فلا سبیل لک علی ما فی بطنها فنبهه علی العلة و الحکم معا و کان الأدب أن ینبهه علی العلة فقط.

و أمّا عدول عمر عن أن یقول أنا أعلم أن الحامل لا ترجم و إنّما أمرت برجمها لأنّی لم أعلم أنّها حامل فلأنّه إنّما یجب أن یقول مثل هذا من یخاف من اضطراب حاله أو نقصان ناموسه و قاعدته أن لم یقله و عمر کان أثبت قدما فی ولایته و أشدّ تمکنا من أن یحتاج إلی الاعتذار بمثل هذا.

و أمّا قول المرتضی کان یجب أن یسأل عن الحمل لأنّه أحد الموانع من الرجم فکلام صحیح لازم و لا ریب إن ترک السؤال عن ذلک نوع من الخطإ و لکن المرتضی قد ظلم قاضی القضاة لأنّه زعم أنّه ادعی أن ذلک صغیرة ثمّ أنکر علیه ذلک و من أین له ذلک و أی دلیل دل علی أن هذه المعصیة صغیرة و قاضی القضاة ما ادعی أن ذلک صغیرة بل قال لا یمتنع أن یکون ذلک خطیئة و إن صغرت و العجب أنّه حکی لفظ قاضی القضاة بهذه الصورة ثمّ قال إنّه ادعی أنّها صغیرة و بین قول القائل لا یمتنع أن یکون صغیرة و قوله هی صغیرة لا محالة فرق عظیم.

و أمّا قول عمر لو لا معاذ لهلک عمر فإن ظاهر اللفظ یشعر بما یریده المرتضی و ینحو إلیه و لا یمتنع أن یکون المقصود به ما ذکره قاضی القضاة و إن کان مرجوحا فإن القائل خطأ

ص :204

قد یقول هلکت لیس یعنی به العقاب یوم القیامة بل لوم الناس و تعنیفهم إیاه علی ترک الاحتراس و إهمال التثبت

علی لهلک عمر دلنا علی أنّه کان تأثم و تحرج بوقوع الأمر بالرجم و أنّه ممّا لا یجوز و لا یحل و إلاّ فلا معنی لهذا الکلام و أمّا ذکر الغم فأی غم کان یلحقه إذا فعل ما له أن یفعله و لم یکن منه تفریط و لا تقصیر لأنّه إذا کان جنونها لم یعلم به فکانت المسألة عن حالها و البحث لا یجبان علیه فأی وجه لتألمه و توجعه و استعظامه لما فعله و هل هذا إلاّ کرجم المشهود علیه بالزناء فی أنّه لو ظهر للإمام بعد ذلک براءة ساحته لم یجب أن یندم علی فعله و یستعظمه لأنّه وقع صوابا مستحقا.

و أمّا قوله إنّه کان لا یمتنع فی الشرع أن یقام الحدّ علی المجنون و تأوله الخبر المروی علی أنّه یقتضی زوال التکلیف دون الأحکام فإن أراد أنّه لا یمتنع فی العقل أن یقام علی المجنون ما هو من جنس الحدّ بغیر استخفاف و لا إهانة فذلک صحیح کما یقام علی التائب و أمّا الحدّ فی الحقیقة و هو الذی تضمنه الاستخفاف و الإهانة فلا یجوز إلاّ علی المکلفین و مستحقی العقاب و بالجنون قد أزیل التکلیف فزال استحقاق العقاب الذی تبعه الحدّ.

و قوله لا یمتنع أن یرجع فیما هذه حاله من المشتبه إلی غیره فلیس هذا من المشتبه الغامض بل یجب أن یعرفه العوام فضلا عن العلماء علی أنا قد بینا أنّه لا یجوز أن یرجع الإمام فی جلی و لا مشتبه من أحکام الدین إلی غیره.

و قوله إن الخطأ فی ذلک لا یعظم فیمنع من صحة الإمامة اقتراح بغیر حجة لأنّه إذا اعترف بالخطإ فلا سبیل للقطع علی أنّه صغیر (1) .

قلت لو کان قد نقل أن أمیر المؤمنین قال له أ ما علمت لکان قول المرتضی قویا ظاهرا إلاّ أنّه لم ینقل هذه الصیغة بعینها و المعروف المنقول أنه

3512

قَالَ لَهُ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ .

فرجع عن رجمها و یجوز أن یکون أشعره بالعلة

ص :206

و الحکم معا لأن هذا الموضع أکثر اشتباها من حدیث رجم الحامل فغلب علی ظنّ أمیر المؤمنین أنه لو اقتصر علی قوله أنّها مجنونة لم یکن ذلک دافعا لرجمها فأکده بروایة الحدیث و اعتذار قاضی القضاة بالغم جید و قول المرتضی أی غم کان یلحقه إذا فعل ما له أن یفعله لیس بإنصاف و لا مثل هذا یقال فیه أنّه فعل ما له أن یفعله و لا یقال فی العرف لمن قتل إنسانا خطأ أنّه فعل ما له أن یفعله و المرجوم فی الزناء إذا ظهر للإمام بعد قتله براءة ساحته قد یغتم بقتله غما کثیرا بالطبع البشری و یتألم و إن لم یکن آثما و لیس من توابع الإثم و لوازمه.

و قول المرتضی لم یجب أن یندم علی ما فعله کلام خارج عما هو بصدده لأنّه لم یجر ذکر للندم و إنّما الکلام فی الغم و لا یلزم أن یکون کل مغتم نادما.

و أمّا اعتراضه علی قاضی القضاة فی قوله لا یمتنع فی الشرع أن ترجم المجنونة فلما اشتبه علی عمر الأمر سأل غیره عنه بقوله إن أردت الحدّ الحقیقی فمعلوم و إن أردت ما هو جنس الحدّ فمسلم فلیس بجید لأن هذا إنّما یکون طعنا علی عمر بتقدیر ثلاثة أمور أحدها أن یکون النبیّ ص قد قال أقیموا الحدّ علی الزانی بهذا اللفظ أعنی أن یکون فی لفظ النصّ ذکر الحدّ و ثانیها أن یکون الحدّ فی اللغة العربیة أو فی عرف الشرع الذی یتفاهمه الصحابة هو العقوبة المخصوصة التی یقارنها الاستخفاف و الإهانة و ثالثها ألا یصحّ إهانة المجنون و الاستخفاف به و أن یعلم عمر ذلک فإذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة ثمّ أمر عمر بأن یقام الحدّ علی المجنونة فقد توجه الطعن و معلوم أنّه لم تجتمع هذه الأمور الثلاثة فإنّه لیس فی القرآن و لا فی السنة ذکر الحدّ بهذا اللفظ و لا الحدّ فی اللغة العربیة هو العقوبة التی یقارنها الاستخفاف و الإهانة و لا عرف الشرع و مواضعه الصحابة یشتمل علی ذلک و إنّما هذا شیء استنبطه المتکلمون المتأخرون بأذهانهم و أفکارهم ثمّ بتقدیر تسلیم هذین المقامین لم قال إن المجنون

ص :207

لا یصحّ علیه الاستخفاف و الإهانة فمن الجائز أن یصحّ ذلک علیه و إن لم یتألم بالاستخفاف و الإهانة کما یتألم بالعقوبة و إذا صح علیه أن یألم بالعقوبة صح علیه أن یألم بالاستخفاف و الإهانة لأن الجنون لا یبلغ و إن عظم مبلغا یبطل تصور الإنسان لإهانته و لاستخفافه و بتقدیر ألا یصحّ علی المجنون الاستخفاف و الإهانة من أین لنا أن عمر علم أن ذلک لا یصحّ علیه فمن الممکن أن یکون ظنّ أن ذلک یصحّ علیه لأن هذا مقام اشتباه و التباس.

فأما قوله قد بینا أنّه لا یجوز أن یرجع الإمام أصلا إلی غیره فهو مبنی علی مذهبهم و قواعدهم و قوله معترضا علی کلام قاضی القضاة أن الخطأ فی ذلک قد لا یعظم لیمنع من صحة الإمامة أن هذا اقتراح بغیر حجة لأنّه إذا اعترف بالخطإ فلا سبیل إلی القطع علی أنّه صغیر غیر لازم لأن قاضی القضاة لم یقطع بأنّه صغیر بل قال لا یمتنع و إذا جاز أن یکون صغیرا لم نکن قاطعین علی فساد الإمامة به.

فإن قال المرتضی کما أنکم لا تقطعون علی أنّه صغیر فتکون الإمامة مشکوکا فیها قیل له الأصل عدم الکبیر فإذا حصل الشک فی أمر هل هو صغیر أم کبیر تساقط التعارض و رجعنا إلی الأصل و هو عدم کون ذلک الخطإ کبیرا فلا یمنع ذلک من صحة الإمامة

و بما روی أنّه تسور علی قوم و وجدهم علی منکر فقالوا له إنک أخطأت من جهات تجسست و قال اللّه تعالی وَ لاٰ تَجَسَّسُوا (1) و دخلت بغیر إذن و لم تسلم (2) .

أجاب قاضی القضاة فقال علمنا بتقدم عمر فی العلم و فضله فیه ضروری فلا یجوز أن یقدح فیه بأخبار أحادیث غیر مشهورة و إنّما أراد فی المشهور أن المستحب الاقتداء برسول اللّه ص و أن المغالاة فیها لیس بمکرمة ثمّ عند التنبیه علم أن ذلک مبنی علی طیب النفس فقال ما قاله علی جهة التواضع لأن من أظهر الاستفادة من غیره و إن قل علمه فقد تعاطی الخضوع و نبه علی أن طریقته أخذ الفائدة أینما وجدها و صیر نفسه قدوة فی ذلک و أسوة و ذلک حسن من الفضلاء و أمّا حدیث التجسس فإن کان فعله فقد کان له ذلک لأن للإمام أن یجتهد فی إزالة المنکر بهذا الجنس من الفعل و إنّما لحقه علی ما (3) یروی فی الخبر الخجل لأنّه لم یصادف الأمر علی ما ألقی إلیه فی إقدامهم علی المنکر اعترض المرتضی علی هذا الجواب فقال له أما تعویلک علی العلم الضروری بکونه من أهل العلم و الاجتهاد فذلک إذا صح لم ینفعک لأنّه قد یذهب علی من هو بهذه الصفة کثیر من الأحکام حتّی ینبه علیها و یجتهد فیها و لیس العلم الضروری ثابتا بأنّه عالم بجمیع أحکام الدین فیکون قاضیا علی هذه الأخبار فأما تأوله الحدیث و حمله علی الاستحباب فهو دفع للعیان لأن المروی أنّه منع من ذلک و حظره حتّی قالت المرأة ما قالت و لو کان غیر حاظر للمغالاة لما کان فی الآیة حجة و لا کان لکلام المرأة موقع و لا کان یعترف لها بأنها أفقه منه بل کان الواجب أن یرد علیها و یوبخها و یعرفها أنّه ما حظر لذلک و إنّما تکون

ص :209

الآیة حجة علیه لو کان حاظر مانعا فأما التواضع فلا یقتضی إظهار القبیح و تصویب الخطإ و لو کان الأمر علی ما توهمه صاحب الکتاب لکان هو المصیب و المرأة مخطئة فکیف یتواضع بکلام یوهم أنّه المخطئ و هی المصیبة فأما التجسس فهو محظور بالقرآن و السنة و لیس للإمام أن یجتهد فیما یؤدی إلی مخالفة الکتاب و السنة و قد کان یجب إن کان هذا عذرا صحیحا أن یعتذر به إلی من خطأه فی وجهه و قال له إنک أخطأت السنة من وجوه فإنّه بمعاذیر نفسه أعلم من صاحب الکتاب و تلک الحال حال تدعو إلی الاحتجاج و إقامة العذر (1) .

قلت قصاری هذا الطعن أن عمر اجتهد فی حکم أو أحکام فأخطأ فلما نبه علیها رجع و هذا عند المعتزلة و أکثر المسلمین غیر منکر و إنّما ینکر أمثال هذا من یبطل الاجتهاد و یوجب عصمة الإمام فإذا هذا البحث ساقط علی أصول المعتزلة و الجواب عنه غیر لازم علینا

المال و للإمام أن یدفع ذلک علی قدر ما یراه و هذا الفعل قد فعله من قبله و من بعده و لو کان منکرا لما استمر علیه أمیر المؤمنین ع و قد ثبت استمراره علیه و لو کان ذلک طعنا لوجب إذا کان یدفع إلی الحسن و الحسین و إلی عبد اللّه بن جعفر و غیرهم من بیت المال شیئا أن یکون فی حکم الخائن و کل ذلک یبطل ما قالوه لأن بیت المال إنّما یراد لوضع الأموال فی حقوقها ثمّ الاجتهاد و إلی المتولی للأمر فی الکثرة و القلة.

فأما أمر الخمس فمن باب الاجتهاد و قد اختلف الناس فیه فمنهم من جعله حقا لذوی القربی و سهما مفردا لهم علی ما یقتضیه ظاهر الآیة و منهم من جعله حقا لهم من جهة الفقر و أجراهم مجری غیرهم و إن کانوا قد خصوا بالذکر کما أجری الأیتام و إن خصوا بالذکر مجری غیرهم فی أنهم یستحقون بالفقر و الکلام فی ذلک یطول فلم یخرج عمر بما حکم به عن طریقة الاجتهاد و من قدح فی ذلک فإنما یقدح فی الاجتهاد الذی هو طریقة الصحابة .

فأما اقتراضه من بیت المال فإن صح فهو غیر محظور بل ربما کان أحوط إذا کان علی ثقة من رده بمعرفة الوجه الذی یمکنه منه الرد و قد ذکر الفقهاء ذلک و قال أکثرهم أن الاحتیاط فی مال الأیتام و غیرهم أن یجعل فی ذمّة الغنی المأمون لبعده عن الخطر و لا فرق بین أن یقرض الغیر أو یقترضه لنفسه و من بلغ فی أمره أن یطعن علی عمر بمثل هذه الأخبار مع ما یعلم من سریرته و تشدده فی ذات اللّه و احتیاطه فیما یتصل بملک اللّه و تنزهه عنه حتّی فعل بالصبی الذی أکل من تمر الصدقة واحدة ما فعل و حتّی کان یرفع نفسه عن الأمر الحقیر و یتشدد علی کل أحد حتّی علی ولده فقد أبعد فی القول.

اعترض المرتضی فقال أما تفصیل الأزواج فإنّه لا یجوز لأنّه لا سبب فیهن

ص :211

یقتضی ذلک و إنّما یفضل الإمام فی العطاء ذوی الأسباب المقتضیة لذلک مثل الجهاد و غیره من الأمور العام نفعها للمسلمین .

و قوله إن لهن حقا فی بیت المال صحیح إلاّ أنّه لا یقتضی تفضیلهن علی غیرهن و ما عیب بدفع حقهن إلیهن و إنّما عیب بالزیادة علیه و ما یعلم أن أمیر المؤمنین ع استمر علی ذلک و إن کان صحیحا کما ادعی فالسبب الداعی إلی الاستمرار علیه هو السبب الداعی إلی الاستمرار علی جمیع الأحکام فأما تعلقه بدفع أمیر المؤمنین إلی الحسن و الحسین و غیرهما شیئا من بیت المال فعجب لأنّه لم یفضل هؤلاء فی العطیة فیشبه ما ذکرناه فی الأزواج و إنّما أعطاهم حقوقهم و سوی بینهم و بین غیرهم.

فأما الخمس فهو للرسول و لأقربائه علی ما نطق به القرآن و إنّما عنی تعالی بقوله وَ لِذِی الْقُرْبیٰ وَ الْیَتٰامیٰ وَ الْمَسٰاکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ (1) من کان من آل الرسول خاصّة لأدلة کثیرة لا حاجة بنا إلی ذکرها هاهنا و

3513

قَدْ رَوَی سُلَیْمُ بْنُ قَیْسٍ الْهِلاَلِیُّ قَالَ سَمِعْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع یَقُولُ

نَحْنُ وَ اللَّهِ الَّذِینَ عَنَی اللَّهُ بِذِی الْقُرْبَی قَرَنَهُمُ اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَ نَبِیِّهِ ص فَقَالَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلیٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُریٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبیٰ وَ الْیَتٰامیٰ وَ الْمَسٰاکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ (2) کُلُّ هَؤُلاَءِ مِنَّا خَاصَّةً وَ لَمْ یَجْعَلْ لَنَا سَهْماً فِی الصَّدَقَةِ أَکْرَمَ اللَّهُ تَعَالَی نَبِیَّهُ وَ أَکْرَمَنَا أَنْ یُطْعِمَنَا أَوْسَاخَ مَا فِی أَیْدِی النَّاسِ .

3514

وَ رَوَی یَزِیدُ بْنُ هَرِمٍ قَالَ کَتَبَ نَجْدَةُ إِلَی اِبْنِ عَبَّاسٍ یَسْأَلُهُ عَنِ الْخُمُسِ لِمَنْ هُوَ فَکَتَبَ إِلَیْهِ کَتَبْتَ تَسْأَلُنِی عَنِ الْخُمُسِ لِمَنْ هُوَ وَ إِنَّا کُنَّا نَزْعُمُ أَنَّهُ لَنَا فَأَبَی قَوْمُنَا عَلَیْنَا ذَلِکَ فَصَبَرْنَا عَلَیْهِ.

قال و أمّا الاجتهاد الذی عول علیه فلیس عذرا فی إخراج الخمس عن أهله فقد أبطلناه.

ص :212

و أمّا الاقتراض من بیت المال فهو ممّا یدعو إلی الریبة و من کان من التشدد و التحفظ و التقشف علی الحدّ الذی ذکره کیف تطیب نفسه بالاقتراض من بیت المال و فیه حقوق و ربما مست الحاجة إلی الإخراج منها و أی حاجة لمن کان جشب المأکل خشن الملبس یتبلغ بالقوت إلی اقتراض الأموال.

فأما حکایته عن الفقهاء أن الاحتیاط أن یحفظ مال الأیتام فی ذمّة الغنی المأمون فذلک إذا صح لم یکن نافعا له لأن عمر لم یکن غنیا و لو کان غنیا لما اقترض فقد خرج اقتراضه عن أن یکون من باب الاحتیاط و إنّما اشترط (1) الفقهاء مع الأمانة الغنی لئلا تمس الحاجة إلیه فلا یمکن ارتجاعه و لهذا قلنا إن اقتراضه لحاجته إلی المال لم یکن صوابا و حسن نظر للمسلمین (2) .

قلت أما قوله لا یجوز للإمام أن یفضل فی العطاء إلاّ لسبب یقتضی ذلک کالجهاد فلیست أسباب التفضیل مقصورة علی الجهاد وحده فقد یستحق الإنسان التفضیل فی العطاء علی غیره لکثرة عبادته أو لکثرة علمه أو انتفاع الناس به فلم لا یجوز أن یکون عمر فضل الزوجات لذلک.

و أیضا فإن اللّه تعالی فرض لذوی القربی من رسول اللّه ص نصیبا فی الفیء و الغنیمة لیس إلاّ لأنّهم ذوو قرابته فقط فما المانع من أن یقیس عمر علی ذلک ما فعله فی العطاء فیفضل ذوی قرابة رسول فی ذلک علی غیرهم لیس إلاّ لأنّهم ذوو قرابته و الزوجات و إن لم یکن لهن قربی النسب فلهن قربی الزوجیة و کیف یقول المرتضی ما جاز أن یفضل أحدا إلاّ بالجهاد و قد فضل الحسن و الحسین علی کثیر من أکابر المهاجرین و الأنصار و هما صبیان ما جاهدا و لا بلغا الحلم بعد و أبوهما أمیر المؤمنین

ص :213

موافق علی ذلک راض به غیر منکر له و هل فعل عمر ذلک إلاّ لقربهما من رسول اللّه ص .

و نحن نذکر ما فعله عمر فی هذا الباب مختصرا نقلناه من کتاب أبی الفرج عبد الرحمن بن علیّ بن الجوزی المحدث فی أخبار عمر و سیرته.

3515

رَوَی أَبُو الْفَرَجِ عَنْ أَبِی سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ اسْتَشَارَ عُمَرُ اَلصَّحَابَةَ بِمَنْ یَبْدَأُ فِی الْقَسْمِ وَ الْفَرِیضَةِ فَقَالُوا ابْدَأْ بِنَفْسِکَ فَقَالَ بَلْ أَبْدَأُ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ ذَوِی قَرَابَتِهِ فَبَدَأَ بِالْعَبَّاسِ قَالَ اِبْنُ الْجَوْزِیِّ وَ قَدْ وَقَعَ الاِتِّفَاقُ عَلَی أَنَّهُ لَمْ یَفْرِضْ لِأَحَدٍ أَکْثَرَ مِمَّا فَرَضَ لَهُ.

وَ رُوِیَ أَنَّهُ فَرَضَ لَهُ اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفاً وَ هُوَ الْأَصَحُّ ثُمَّ فَرَضَ لِزَوْجَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ص لِکُلِّ وَاحِدَةٍ عَشَرَةَ آلاَفٍ وَ فَضَّلَ عَائِشَةَ عَلَیْهِنَّ بِأَلْفَیْنِ فَأَبَتْ فَقَالَ ذَلِکَ بِفَضْلِ مَنْزِلَتِکِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَإِذَا أَخَذْتِ فَشَأْنَکِ وَ اسْتَثْنَی مِنَ الزَّوْجَاتِ جُوَیْرِیَةَ وَ صَفِیَّةَ وَ مَیْمُونَةَ فَفَرَضَ لِکُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِتَّةَ آلاَفِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص کَانَ یَعْدِلُ بَیْنَنَا فَعَدَلَ عُمَرُ بَیْنَهُنَّ وَ أَلْحَقَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثِ بِسَائِرِهِنَّ ثُمَّ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِینَ الَّذِینَ شَهِدُوا بَدْراً لِکُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةَ آلاَفٍ وَ لِمَنْ شَهِدَهَا مِنَ اَلْأَنْصَارِ لِکُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ (1) .

وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّهُ فَرَضَ لِکُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ أَوِ مِنَ اَلْأَنْصَارِ أَوْ مِنْ غَیْرِهِمْ مِنَ القَبَائِلِ خَمْسَةَ آلاَفِ ثُمَّ فَرَضَ لِمَنْ شَهِدَ أُحُداً وَ مَا بَعْدَهَا إِلَی اَلْحُدَیْبِیَةِ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ ثُمَّ فَرَضَ لِکُلِّ مَنْ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ بَعْدَ اَلْحُدَیْبِیَةِ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ ثُمَّ فَرَضَ لِکُلِّ مَنْ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَلْفَیْنِ وَ خَمْسَمِائَةٍ وَ أَلْفَیْنِ وَ أَلْفاً

ص :214

وَ خَمْسَمِائَةٍ وَ أَلْفاً وَاحِداً إِلَی مِائَتَیْنِ وَ هُمْ أَهْلُ هَجَرَ وَ مَاتَ عُمَرُ عَلَی ذَلِکَ (1) .

3516

2,3- قَالَ اِبْنُ الْجَوْزِیِّ وَ أَدْخَلَ عُمَرُ فِی أَهْلِ بَدْرٍ مِمَّنْ لَمْ یَحْضُرْ بَدْراً أَرْبَعَةً وَ هُمُ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَیْنُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ سَلْمَانُ فَفَرَضَ لِکُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةَ آلاَفٍ .

3517

2,3- قَالَ اِبْنُ الْجَوْزِیِّ وَ رَوَی اَلسُّدِّیُّ أَنَّ عُمَرَ کَسَا أَصْحَابَ اَلنَّبِیِّ ص فَلَمْ یَرْتَضِ فِی الْکِسْوَةِ مَا یَسْتَصْلِحُهُ لِلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَیْنِ ع فَبَعَثَ إِلَی اَلْیَمَنِ فَأُتِیَ لَهُمَا بِکِسْوَةٍ فَاخِرَةٍ فَلَمَّا کَسَاهُمَا قَالَ الْآنَ طَابَتْ نَفْسِی

.

3518

قَالَ اِبْنُ الْجَوْزِیِّ فَأَمَّا مَا اعْتَمَدَهُ فِی النِّسَاءِ فَإِنَّهُ جَعَلَ نِسَاءَ أَهْلِ بَدْرٍ عَلَی خَمْسِمِائَةٍ وَ نِسَاءَ مَنْ بَعْدَ بَدْرٍ إِلَی اَلْحُدَیْبِیَةِ عَلَی أَرْبَعِمِائَةٍ وَ نِسَاءَ مَنْ بَعْدَ ذَلِکَ عَلَی ثَلاَثِمِائَةٍ وَ جَعَلَ نِسَاءَ أَهْلِ اَلْقَادِسِیَّةِ عَلَی مِائَتَیْنِ مِائَتَیْنِ ثُمَّ سَوَّی بَیْنَ النِّسَاءِ بَعْدَ ذَلِکَ.

و لو لم یدلّ علی تصویب عمر فیما فعله إلاّ إجماع الصحابة و اتفاقهم علیه و ترک الإنکار لذلک کان کافیا.

فأما الخمس و الخلاف فیه فإنها مسألة اجتهادیة و الذی یظهر لنا فیه و یغلب (2) عندنا من أمرها أن الخمس حقّ صحیح ثابت و أنّه باق إلی الآن علی ما یذهب إلیه الشافعی و أنّه لم یسقط بموت رسول اللّه ص و لکنا لا نری ما یعتقده المرتضی من أن الخمس لآل الرسول ص و أن الأیتام أیتامهم و المساکین مساکینهم و ابن السبیل منهم لأنّه علی خلاف ما یقتضیه ظاهر الآیة و العطف و یمکن أن یحتج علی ذلک بأن قوله تعالی فی سورة الحشر لِلْفُقَرٰاءِ اَلْمُهٰاجِرِینَ یبطل هذا القول لأن هذه اللام لا بدّ أن تتعلق بشیء و لیس قبلها ما تتعلق به أصلا إلاّ أن تجعل بدلا من اللام التی قبلها فی قوله مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلیٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُریٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ

ص :215

وَ لِذِی الْقُرْبیٰ وَ الْیَتٰامیٰ وَ الْمَسٰاکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ (1) و لیس یجوز أن تکون بدلا من اللام فی فَلِلّٰهِ و لا من اللام فی قوله وَ لِلرَّسُولِ فبقی أن تکون بدلا من اللام فی قوله و لِذِی الْقُرْبیٰ أما الأول فتعظیما له سبحانه و أمّا الثانی فلأنّه تعالی قد أخرج رسوله من الفقراء بقوله وَ یَنْصُرُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ و لأنّه یجب أن یرفع رسول اللّه ص عن التسمیة بالفقیر و أمّا الثالث فإما أن یفسر هذا البدل و ما عطف علیه المبدل منه أو یفسر هذا البدل وحده دون ما عطف علیه المبدل منه و الأول لا یصحّ لأن المعطوف علی هذا البدل لیس من أهل القری و هم الأنصار أ لا تری کیف قال سبحانه لِلْفُقَرٰاءِ اَلْمُهٰاجِرِینَ الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیٰارِهِمْ (2) الآیة ثمّ قال سبحانه وَ الَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدّٰارَ وَ الْإِیمٰانَ مِنْ قَبْلِهِمْ (3) و هم الأنصار و إن کان الثانی صار تقدیر الآیة أن الخمس لله و للرسول و لذی القربی الذین وصفهم اللّه و نعتهم بأنهم هاجروا و أخرجوا من دیارهم و للأنصار فیکون هذا مبطلا لما یذهب إلیه المرتضی فی قصر الخمس علی ذوی القربی.

و یمکن أن یعترض هذا الاحتجاج فیقال لم لا یجوز أن یکون قوله وَ الَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدّٰارَ وَ الْإِیمٰانَ لیس بعطف و لکنه کلام مبتدأ و موضع اَلَّذِینَ رفع بالابتداء و خبره یُحِبُّونَ .

و أیضا فإن هذه الحجة لا یمکن التمسک بها فی آیة الأنفال و هو قوله تعالی وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ (4) .

فأما روایة سلیم بن قیس الهلالی فلیست بشیء و سلیم معروف المذهب و یکفی فی ردّ روایته کتابه المعروف بینهم المسمی کتاب سلیم .

ص :216

علی أنی قد سمعت من بعضهم من یذکر أن هذا الاسم علی غیر مسمی و أنّه لم یکن فی الدنیا أحد یعرف بسلیم بن قیس الهلالی و أن (1) الکتاب المنسوب إلیه منحول موضوع لا أصل له و إن کان بعضهم یذکره فی اسم الرجال و الروایة المذکورة عن ابن عبّاس فی کتابه إلی نجدة الحروریّ صحیحة ثابتة و لیس فیها ما یدلّ علی مذهب المرتضی من أن الخمس کله لذوی القربی لأن نجدة إنّما سأله عن خمس الخمس لا عن الخمس کله.

و ینبغی أن یذکر فی هذا الموضع اختلاف الفقهاء فی الخمس

3519

14- أَمَّا أَبُو حَنِیفَةَ فَعِنْدَهُ أَنَّ قِسْمَةَ الْخُمُسِ کَانَتْ فِی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص عَلَی خَمْسَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ سَهْمٌ لِذَوِی قُرْبَاهُ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ وَ بَنِی الْمُطَّلِبِ دُونَ بَنِی عَبْدِ شَمْسٍ وَ نَوْفَلَ اسْتَحَقُّوهُ حِینَئِذٍ بِالنُّصْرَةِ وَ الْمُظَاهَرَةِ لِمَا رُوِیَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَ جُبَیْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُمَا قَالاَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص هَؤُلاَءِ إِخْوَتُکَ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ لاَ نُنْکِرُ فَضْلَهُمْ لِمَکَانِکَ الَّذِی جَعَلَکَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَ رَأَیْتَ إِخْوَانَنَا بَنِی الْمُطَّلِبِ أَعْطَیْتَهُمْ وَ حَرَمْتَنَا وَ إِنَّمَا نَحْنُ وَ هُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ ص إِنَّهُمْ لَمْ یُفَارِقُونَا فِی جَاهِلِیَّةٍ وَ لاَ إِسْلاَمٍ إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَ بَنُو الْمُطَّلِبِ شَیْءٌ وَاحِدٌ وَ شَبَّکَ بَیْنَ أَصَابِعِهِ وَ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ لِیَتَامَی اَلْمُسْلِمِینَ وَ مَسَاکِینِهِمْ وَ أَبْنَاءِ السَّبِیلِ مِنْهُمْ

. و أما بعد رسول اللّه ص فسهمه ساقط بموته و کذلک سهم ذوی القربی و إنّما یعطون لفقرهم فهم أسوة سائر الفقراء و لا یعطی أغنیاؤهم فیقسم الخمس إذن علی ثلاثة أسهم الیتامی و المساکین و ابن السبیل.

و أما الشافعی فیقسم الخمس عنده بعد وفاة رسول اللّه ص علی خمسة أسهم سهم لرسول اللّه ص یصرف إلی ما کان یصرفه إلیه رسول اللّه ص أیام حیاته من مصالح المسلمین کعدة الغزاة من الکراع و السلاح

ص :217

و نحو ذلک و سهم لذوی القربی من أغنیائهم و فقرائهم یقسم بینهم لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ من بنی هاشم و بنی المطلب و الباقی للفرق الثلاث.

و أما مالک بن أنس فعنده أن الأمر فی هذه المسألة مفوض إلی اجتهاد الإمام إن رأی قسمه بین هؤلاء و إن رأی أعطاه بعضهم دون بعض و إن رأی الإمام غیرهم أولی و أهم فغیرهم.

و بقی الآن البحث عن معنی قوله سبحانه و تعالی فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ و ما المراد بسهم اللّه سبحانه و کیف یقول الفقهاء الخمس مقسوم خمسة أقسام و ظاهر الآیة یدلّ علی ستة أقسام فنقول یحتمل أن یکون معنی قوله سبحانه فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ لرسول اللّه کقوله وَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ یُرْضُوهُ (1) أی و رسول اللّه أحق و مذهب أبی حنیفة و الشافعی یجیء علی هذا الاحتمال.

و یحتمل أن یرید بذکره إیجاب سهم سادس یصرف إلی وجه من وجوه القرب و مذهب أبی العالیة یجیء علی هذا الاحتمال لأنّه یذهب إلی أن الخمس یقسم ستة أقسام أحدها سهمه تعالی یصرف إلی رتاج الکعبة

3520

14- وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص کَانَ یَأْخُذُ الْخُمُسَ فَیَضْرِبُ بِیَدِهِ فِیهِ فَیَأْخُذُ مِنْهُ قَبْضَةً فَیَجْعَلُهَا لِلْکَعْبَةِ وَ یَقُولُ سَهْمُ اللَّهِ تَعَالَی ثُمَّ یَقْسِمُ مَا بَقِیَ عَلَی خَمْسَةِ أَقْسَامِ .

و قال قوم سهم اللّه لبیت اللّه .

و یحتمل احتمالا ثالثا و هو أن یراد بقوله فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ أن من حقّ الخمس أن یکون متقربا به إلیه سبحانه لا غیر ثمّ خص من وجوه القرب هذه الخمسة تفضیلا لها

ص :218

علی غیرها کقوله وَ جِبْرِیلَ وَ مِیکٰالَ (1) و مذهب مالک یجیء علی هذا الاحتمال و

3521

قَدْ رُوِیَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ کَانَ عَلَی سِتَّةٍ لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ سَهْمَانِ وَ سَهْمٌ لِأَقَارِبِهِ وَ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ لِلثَّلاَثَةِ حَتَّی قُبِضَ ع فَأَسْقَطَ أَبُو بَکْرٍ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ وَ قَسَمَ الْخُمُسَ کَلَّهُ عَلَی ثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ وَ کَذَلِکَ فَعَلَ عُمَرُ .

3522

وَ رُوِیَ أَنَّ أَبَا بَکْرٍ مَنَعَ بَنِی هَاشِمٍ الْخُمُسَ وَ قَالَ إِنَّمَا لَکُمْ أَنْ نُعْطِیَ فَقِیرَکُمْ وَ نُزَوِّجَ أَیِّمَکُمْ وَ نُخْدِمَ مَنْ لاَ خَادِمَ لَهُ مِنْکُمْ وَ أَمَّا الْغَنِیُّ مِنْکُمْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ سَبِیلٍ غَنِیٍّ لاَ یُعْطَی شَیْئاً وَ لاَ یَتِیمٌ مُوسِرٌ.

3523

وَ قَدْ رُوِیَ عَنْ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ ع مِثْلُ ذَلِکَ قَالَ لَیْسَ لَنَا أَنْ نَبْنِیَ مِنْهُ الْقُصُورَ وَ لاَ أَنْ نَرْکَبَ مِنْهُ الْبَرَاذِینَ. فأما مذهب الإمامیّة فإن الخمس کله للقرابة.

و

3524

یَرْوُونَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع أَنَّهُ قَالَ

أَیْتَامُنَا وَ مَسَاکِینُنَا . فإن صح عنه ذلک فقوله عندنا أولی بالاتباع و إنّما الکلام فی صحته.

فأما اقتراض عمر من بیت المال ثمانین ألفا فلیس بمعروف و المعروف المشهور أنّه کان یظلف (2) نفسه عن الدرهم الواحد منه.

3525

وَ قَدْ رَوَی اِبْنُ سَعْدٍ فِی کِتَابِ اَلطَّبَقَاتِ أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ فَقَالَ إِنَّ قَوْماً یَقُولُونَ إِنَّ هَذَا الْمَالَ حَلاَلٌ لِعُمَرَ وَ لَیْسَ کَمَا قَالُوا لاَهَا اللَّهِ إِذَنْ أَنَا أُخْبِرُکُمْ بِمَا أَسْتَحِلُّ مِنْهُ یَحِلُّ لِی مِنْهُ حُلَّتَانِ حُلَّةٌ فِی الشِّتَاءِ وَ حُلَّةٌ فِی الْقَیْظِ وَ مَا أَحُجُّ عَلَیْهِ وَ أَعْتَمِرُ مِنَ الظَّهْرِ وَ قُوتِی وَ قُوتُ أَهْلِی کَقُوتِ رَجُلٍ مِنْ قُرَیْشٍ لَیْسَ بِأَغْنَاهُمْ وَ لاَ أَفْقَرِهِمْ ثُمَّ أَنَا بَعْدُ رَجُلٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ یُصِیبُنِی مَا أَصَابَهُمْ (3) .

ص :219

3526

وَ رَوَی اِبْنُ سَعْدٍ أَیْضاً أَنَّ عُمَرَ کَانَ إِذَا احْتَاجَ أَتَی إِلَی صَاحِبِ بَیْتِ الْمَالِ فَاسْتَقْرَضَهُ فَرُبَّمَا عَسُرَ عَلَیْهِ الْقَضَاءُ فَیَأْتِیهِ صَاحِبُ بَیْتِ الْمَالِ فَیَتَقَاضَاهُ فَیَحْتَالُ لَهُ وَ رُبَّمَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ فَقَضَاهُ وَ لَقَدِ اشْتَکَی مَرَّةً فَوَصَفَ لَهُ الطَّبِیبُ الْعَسَلَ فَخَرَجَ حَتَّی صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ وَ فِی بَیْتِ الْمَالِ عُکَّةٌ (1) فَقَالَ إِنْ أَذِنْتُمْ لِی فِیهَا أَخَذْتُهَا وَ إِلاَّ فَهِیَ عَلَیَّ حَرَامٌ فَأَذِنُوا لَهُ فِیهَا ثُمَّ قَالَ إِنَّ مَثَلِی وَ مَثَلَکُمْ کَقَوْمٍ سَافَرُوا فَدَفَعُوا نَفَقَاتِهِمْ إِلَی رَجُلٍ مِنْهُمْ لِیُنْفِقَ عَلَیْهِمْ فَهَلْ یَحِلُّ لَهُ أَنْ یَسْتَأْثِرَ مِنْهَا بِشَیْءٍ.

3527

1- وَ رَوَی اِبْنُ سَعْدٍ أَیْضاً قَالَ مَکَثَ عُمَرُ زَمَاناً لاَ یَأْکُلُ مِنْ مَالِ اَلْمُسْلِمِینَ شَیْئاً حَتَّی أَصَابَتْهُ خَصَاصَةٌ فَأَرْسَلَ إِلَی أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَاسْتَشَارَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ قَدْ شَغَلْتُ نَفْسِی بِأَمْرِکُمْ فَمَا الَّذِی یَصْلُحُ أَنْ أُصِیبَهُ مِنْ مَالِکُمْ فَقَالَ عُثْمَانُ کُلْ وَ أَطْعِمْ وَ کَذَلِکَ قَالَ سَعِیدُ بْنُ زَیْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَیْلٍ فَتَرَکَهُمَا وَ أَقْبَلَ عَلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ قَالَ غَدَاءً وَ عَشَاءً قَالَ أَصَبْتَ وَ أَخَذَ بِقَوْلِهِ (2) .

و

3528

1- رَوَی أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِیُّ فِی کِتَابِ سِیرَةِ عُمَرَ عَنْ نَائِلَةَ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ جَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ لَمَّا انْتَهَی إِلَیْهِ فَتْحُ اَلْقَادِسِیَّةِ وَ دِمَشْقَ فَقَالَ إِنِّی کُنْتُ امْرَأً تَاجِراً یُغْنِی اللَّهُ عِیَالِی بِتِجَارَتِی وَ قَدْ شَغَلْتُمُونِی عَنِ التِّجَارَةِ بِأَمْرِکُمْ فَمَا تَرَوْنَ أَنَّهُ یَحِلُّ لِی مِنْ هَذَا الْمَالِ فَقَالَ الْقَوْمُ فَأَکْثَرُوا وَ عَلِیٌّ ع سَاکِتٌ فَقَالَ عُمَرُ مَا تَقُولُ أَنْتَ یَا أَبَا الْحَسَنِ قَالَ مَا أَصْلَحَکَ وَ أَصْلَحَ عِیَالَکَ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَیْسَ لَکَ مِنْ هَذَا الْمَالِ غَیْرُهُ فَقَالَ الْقَوْلُ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَ أَخَذَ بِهِ (3)

.

3529

وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَیْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَ عُبَیْدَ اللَّهِ ابْنَیْ عُمَرَ مَرَّا بِأَبِی مُوسَی وَ هُوَ عَلَی اَلْعِرَاقِ وَ هُمَا مُقْبِلاَنِ مِنْ أَرْضِ فَارِسَ فَقَالَ مَرْحَباً بِابْنَیْ أَخِی

ص :220

لَوْ کَانَ عِنْدِی شَیْءٌ وَ بَلَی قَدِ اجْتَمَعَ هَذَا الْمَالُ عِنْدِی فَخُذَاهُ وَ اشْتَرِیَا بِهِ مَتَاعاً فَإِذَا قَدِمْتُمَا فَبِیعَاهُ وَ لَکُمَا رِبْحُهُ وَ أَدِّیَا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ رَأْسَ الْمَالِ فَفَعَلاَ فَلَمَّا قَدِمَا عَلَی عُمَرَ بِالْمَدِینَةِ أَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَ کُلُّ أَوْلاَدِ اَلْمُهَاجِرِینَ یَصْنَعُ بِهِمْ أَبُو مُوسَی مِثْلَ ذَلِکَ فَقَالاَ لاَ قَالَ فَإِنَّ عُمَرَ یَأْبَی أَنْ یُجِیزَ ذَلِکَ وَ جَعَلَ قَرْضاً.

3530

وَ رُوِیَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ کَانَ مُعَیْقِیبٌ عَلَی بَیْتِ الْمَالِ لِعُمَرَ فَکَسَحَ عُمَرُ بَیْتَ الْمَالِ یَوْماً وَ أَخْرَجَهُ إِلَی اَلْمُسْلِمِینَ فَوَجَدَ مُعَیْقِیبٌ فِیهِ دِرْهَماً فَدَفَعَهُ إِلَی اِبْنِ عُمَرَ قَالَ مُعَیْقِیبٌ ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَی بَیْتِی فَإِذَا رَسُولُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ یَدْعُونِی فَجِئْتُ فَإِذَا الدِّرْهَمُ فِی یَدِهِ فَقَالَ وَیْحَکَ یَا مُعَیْقِیبُ أَ وَجَدْتَ عَلَیَّ فِی نَفْسِکَ شَیْئاً قُلْتُ وَ مَا ذَاکَ قَالَ أَرَدْتَ أَنْ تُخَاصِمَنِی أُمَّةَ مُحَمَّدٍ فِی هَذَا الدِّرْهَمِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ (1) .

3531

وَ رَوَی عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ وَ کَانَ خَازِنَ عُمَرَ فَقَالَ إِنَّ عِنْدَنَا حِلْیَةً مِنْ حِلْیَةِ جَلُولاَءَ وَ آنِیَةً مِنْ فِضَّةٍ فَانْظُرْ مَا تَأْمُرُ فِیهَا قَالَ إِذَا رَأَیْتَنِی فَارِغاً فَآذِنِّی فَجَاءَهُ یَوْماً فَقَالَ إِنِّی أَرَاکَ الْیَوْمَ فَارِغاً فَمَا تَأْمُرُ بِتِلْکَ الْحِلْیَةِ قَالَ ابْسُطْ لِی نَطْعاً فَبَسَطَهُ ثُمَّ أَتَی بِذَلِکَ الْمَالِ فَصَبَّ عَلَیْهِ فَرَفَعَ یَدَیْهِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّکَ ذَکَرْتَ هَذَا الْمَالَ فَقُلْتَ زُیِّنَ لِلنّٰاسِ حُبُّ الشَّهَوٰاتِ مِنَ النِّسٰاءِ وَ الْبَنِینَ وَ الْقَنٰاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ (2) ثُمَّ قُلْتَ لِکَیْلاٰ تَأْسَوْا عَلیٰ مٰا فٰاتَکُمْ وَ لاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاکُمْ (3) -اَللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نَسْتَطِیعُ إِلاَّ أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَیَّنْتَ لَنَا اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُکَ أَنْ تَضَعَهُ فِی حَقِّهِ وَ أَعُوذُ بِکَ مِنْ شَرِّهِ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَسَمَهُ بَیْنَ النَّاسِ فَجَاءَهُ ابْنُ بِنْتٍ لَهُ فَقَالَ یَا أَبَتَاهْ هَبْ لِی مِنْهُ خَاتَماً فَقَالَ اذْهَبْ إِلَی أُمِّکَ تَسْقِکَ سَوِیقاً فَلَمْ یُعْطِهِ شَیْئاً (4) .

3532

وَ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ أُمَّ کُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِی بَکْرٍ فَأَرْسَلَ فِیهَا إِلَی

ص :221

عَائِشَةَ فَقَالَتْ الْأَمْرُ إِلَیْهَا فَقَالَتْ أُمُّ کُلْثُومٍ لاَ حَاجَةَ لِی فِیهِ قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ وَیْلَکِ أَ تَرْغَبِینَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ قَالَتْ نَعَمْ إِنَّهُ یُغْلِقُ بَابَهُ وَ یَمْنَعُ خَیْرَهُ وَ یَدْخُلُ عَابِساً وَ یَخْرُجُ عَابِساً فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ أَنَا أَکْفِیکَ فَأَتَی عُمَرَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ بَلَغَنِی خَبَرٌ أُعِیذُکَ بِاللَّهِ مِنْهُ قَالَ مَا هُوَ قَالَ خَطَبْتَ أُمَّ کُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِی بَکْرٍ قَالَ نَعَمْ أَ فَتُرْغِبُ بِی عَنْهَا أَمْ تُرْغِبُ بِهَا عَنِّی قَالَ لاَ وَاحِدَةٌ وَ لَکِنَّهَا حَدِثَةٌ نَشَأَتْ تَحْتَ کَنَفِ أُمِّ الْمُؤْمِنِینَ فِی لِینٍ وَ رِفْقٍ وَ فِیکَ غِلْظَةٌ وَ نَحْنُ نَهَابُکَ وَ لاَ نَسْتَطِیعُ أَنْ نَرُدَّکَ عَنْ خُلُقٍ مِنْ أَخْلاَقِکَ فَکَیْفَ بِهَا إِنْ خَالَفَتْکَ فِی شَیْءٍ فَسَطَوْتَ بِهَا کُنْتَ قَدْ خَلَّفْتَ أَبَا بَکْرٍ فِی وَلَدِهِ بِغَیْرِ مَا یَحِقُّ عَلَیْکَ قَالَ فَکَیْفَ لِی بِعَائِشَةَ وَ قَدْ کَلَّمْتُهَا فِیهَا قَالَ أَنَا لَکَ بِهَا وَ أَدُلُّکَ عَلَی خَیْرٍ مِنْهَا أُمِّ کُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ تَعَلَّقْ مِنْهَا بِسَبَبٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَصَرَفَهُ عَنْهَا إِلَی أُمِّ کُلْثُومٍ بِنْتِ فَاطِمَةَ .

3533

وَ رَوَی عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ قَالَ بَعَثَ إِلَیَّ عُمَرُ عِنْدَ الْهَاجِرَةِ أَوْ قَالَ عِنْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَأَتَیْتُهُ فَوَجَدْتُهُ جَالِساً فِی اَلْمَسْجِدِ فَقَالَ یَا بُنَیَّ إِنِّی لَمْ أَکُنْ أَرَی شَیْئاً مِنْ هَذَا الْمَالِ یَحِلُّ لِی قَبْلَ أَنْ أَلِیَ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَ مَا کَانَ أُحَرِّمُ عَلَیَّ مِنْهُ حِینَ وَلَّیْتُهُ فَعَادَ أَمَانَتِی وَ إِنِّی کُنْتُ أَنْفَقْتُ عَلَیْکَ مِنْ مَالِ اللَّهِ شَهْراً وَ لَسْتُ بِزَائِدِکَ عَلَیْهِ وَ قَدْ أَعْطَیْتُکَ تَمْرِی بِالْعَالِیَةِ فَبِعْهُ وَ خُذْ ثَمَنَهُ ثُمَّ ائْتِ رَجُلاً مِنْ تُجَّارِ قَوْمِکَ فَکُنْ إِلَی جَانِبِهِ فَإِذَا ابْتَاعَ شَیْئاً فَاسْتَشْرِکْهُ وَ أَنْفِقْ مَا تُرْبِحُهُ عَلَیْکَ وَ عَلَی أَهْلِکَ قَالَ فَذَهَبْتُ فَفَعَلْتُ (1) .

3534

وَ رَوَی اَلْحَسَنُ الْبَصْرِیُّ أَنَّ عُمَرَ کَانَ یَمْشِی یَوْماً فِی سِکَّةٍ مِنْ سِکَکِ اَلْمَدِینَةِ إِذْ صَبِیَّةٌ تَطِیشُ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ تَقْعُدُ مَرَّةً وَ تَقُومُ أُخْرَی مِنَ الضَّعْفِ وَ الْجَهْدِ فَقَالَ عُمَرُ مَا بَالُ هَذِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ أَ مَا تَعْرِفُ هَذِهِ قَالَ لاَ قَالَ إِنَّهَا إِحْدَی بَنَاتِکَ

ص :222

فَأَنْکَرَ عُمَرُ ذَلِکَ فَقَالَ هَذِهِ ابْنَتِی مِنْ فُلاَنَةَ قَالَ وَیْحَکَ وَ مَا صَیَّرَهَا إِلَی مَا أَرَی قَالَ مَنْعُکَ [مَا عِنْدَکَ]

(1) قَالَ أَنَا مَنَعْتُکَ مَا عِنْدِی فَمَا الَّذِی مَنَعَکَ أَنْ تَطْلُبَ لِبَنَاتِکَ مَا یَکْسِبُ الْأَقْوَامُ (2) لِبَنَاتِهِمْ أَنَّهُ وَ اللَّهِ مَا لَکَ عِنْدِی غَیْرُ سَهْمِکَ فِی اَلْمُسْلِمِینَ وَسَعَکَ أَوْ عَجَزَ عَنْکَ وَ کِتَابُ اللَّهِ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ (3) .

3535

وَ رَوَی سَعِیدُ بْنُ الْمُسَیَّبِ قَالَ کَتَبَ عُمَرُ لَمَّا قَسَمَ الْعَطَاءَ وَ فَضَّلَ مَنْ فَضَّلَ لِلْمُهَاجِرِینَ الَّذِینَ شَهِدُوا بَدْراً خَمْسَةَ آلاَفٍ وَ کَتَبَ لِمَنْ لَمْ یَشْهَدْ بَدْراً أَرْبَعَةَ آلاَفِ فَکَانَ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ أَبِی سَلَمَةَ الْمَخْزُومِیُّ وَ أُسَامَةُ بْنُ زَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ هُوَ الَّذِی کَانَ یَکْتُبُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَیْسَ مِنْ هَؤُلاَءِ أَنَّهُ وَ أَنَّهُ یُطْرِیهِ وَ یُثْنِی عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَیْسَ لَهُ عِنْدِی إِلاَّ مِثْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَتَکَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ وَ طَلَبَ الزِّیَادَةَ وَ عُمَرُ سَاکِتٌ فَلَمَّا قَضَی کَلاَمَهُ قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ اکْتُبْهُ عَلَی خَمْسَةِ آلاَفٍ وَ اکْتُبْنِی عَلَی أَرْبَعَةِ آلاَفٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ أُرِیدُ هَذَا فَقَالَ عُمَرُ وَ اللَّهِ لاَ أَجْتَمِعُ أَنَا وَ أَنْتَ عَلَی خَمْسَةِ آلاَفِ قُمْ إِلَی مَنْزِلِکَ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ کَئِیباً .

3536

وَ قَالَ أَبُو وَائِلٍ اسْتَعْمَلَنِی اِبْنُ زِیَادٍ عَلَی بَیْتِ الْمَالِ بِالْکُوفَةِ فَأَتَانِی رَجُلٌ بِصَکٍّ یَقُولُ فِیهِ أَعْطِ صَاحِبَ الْمَطْبَخِ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقُلْتُ لَهُ مَکَانَکَ وَ دَخَلْتُ عَلَی اِبْنِ زِیَادٍ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ بِالْکُوفَةِ عَلَی الْقَضَاءِ وَ بَیْتِ الْمَالِ وَ اسْتَعْمَلَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَیْفٍ عَلَی سَقْیِ اَلْفُرَاتِ وَ اسْتَعْمَلَ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ عَلَی الصَّلاَةِ وَ الْجُنْدِ فَرَزَقَهُمْ کُلَّ یَوْمٍ شَاةً وَاحِدَةً فَجَعَلَ نِصْفَهَا وَ سِقْطَهَا وَ أَکَارِعَهَا لِعَمَّارٍ لِأَنَّهُ کَانَ عَلَی الصَّلاَةِ وَ الْجُنْدِ وَ جَعَلَ لاِبْنِ مَسْعُودٍ رُبُعَهَا وَ لاِبْنِ حُنَیْفٍ رُبُعَهَا ثُمَّ قَالَ إِنَّ مَالاً یُؤْخَذُ مِنْهُ کُلَّ یَوْمٍ شَاةٌ إِنَّ ذَلِکَ فِیهِ لَسَرِیعٌ فَقَالَ اِبْنُ زِیَادٍ ضَعِ الْمِفْتَاحَ فَاذْهَبْ حَیْثُ شِئْتَ.

ص :223

3537

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ سَلَمَةَ بْنَ قَیْسٍ الْأَشْجَعِیَّ إِلَی طَائِفَةٍ مِنَ اَلْأَکْرَادِ کَانُوا عَلَی الشِّرْکِ فَخَرَجَ إِلَیْهِمْ فِی جَیْشٍ سَرَّحَهُ مَعَهُ مِنَ اَلْمَدِینَةِ فَلَمَّا انْتَهَی إِلَیْهِمْ دَعَاهُمْ إِلَی اَلْإِسْلاَمِ أَوِ إِلَی أَدَاءِ الْجِزْیَةِ فَأَبَوْا فَقَاتَلَهُمْ فَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَیْهِمْ فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَ سَبَی الذُّرِّیَّةَ وَ جَمَعَ الرِّثَّةَ (1) وَ وَجَدَ حِلْیَةً وَ فُصُوصاً وَ جَوَاهِرَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ أَ تَطِیبُ أَنْفُسُکُمْ أَنْ نَبْعَثَ بِهَذَا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنَّهُ غَیْرُ صَالِحٍ لَکُمْ وَ إِنَّ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ لَمَئُونَةً وَ أَثْقَالاً قَالُوا نَعَمْ قَدْ طَابَتْ أَنْفُسُنَا فَجَعَلَ تِلْکَ الْجَوَاهِرَ فِی سَفَطٍ وَ بَعَثَ بِهِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ قَالَ لَهُ سِرْ فَإِذَا أَتَیْتَ اَلْبَصْرَةَ فَاشْتَرِ رَاحِلَتَیْنِ فَأَوْقِرْهُمَا زَاداً لَکَ وَ لِغُلاَمِکَ وَ سِرْ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ فَفَعَلْتُ فَأَتَیْتُ عُمَرَ وَ هُوَ یُغَدِّی النَّاسَ قَائِماً مُتَّکِئاً عَلَی عَصًا کَمَا یَصْنَعُ الرَّاعِی وَ هُوَ یَدُورُ عَلَی الْقِصَاعِ فَیَقُولُ یَا یَرْفَأُ زِدْ هَؤُلاَءِ لَحْماً زِدْ هَؤُلاَءِ خُبْزاً زِدْ هَؤُلاَءِ مَرَقَةً فَجَلَسْتُ فِی أَدْنَی النَّاسِ فَإِذَا طَعَامٌ فِیهِ خُشُونَةُ طَعَامِیَ الَّذِی مَعِی أَطْیَبُ مِنْهُ فَلَمَّا فَرَغَ أَدْبَرَ فَاتَّبَعْتُهُ فَدَخَلَ دَاراً فَاسْتَأْذَنْتُ وَ لَمْ أُعْلِمْ حَاجِبَهُ مَنْ أَنَا فَأَذِنَ لِی فَوَجَدْتُهُ فِی صُفَّةٍ جَالِساً عَلَی مِسْحٍ مُتَّکِئاً عَلَی وِسَادَتَیْنِ مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّتَیْنِ لِیفاً وَ فِی الصُّفَّةِ عَلَیْهِ سِتْرٌ مِنْ صُوفٍ فَنَبَذَ إِلَیَّ إِحْدَی الْوِسَادَتَیْنِ فَجَلَسْتُ عَلَیْهَا فَقَالَ یَا أُمَّ کُلْثُومٍ أَ لاَ تُغَدُّونَنَا فَأُخْرِجَ إِلَیْهِ خُبْزَةٌ بِزَیْتٍ فِی عُرْضِهَا مِلْحٌ لَمْ یُدَقَّ فَقَالَ یَا أُمَّ کُلْثُومٍ أَ لاَ تَخْرُجِینَ إِلَیْنَا تَأْکُلِینَ مَعَنَا فَقَالَتْ إِنِّی أَسْمَعُ عِنْدَکَ حِسَّ رَجُلٍ قَالَ نَعَمْ وَ لاَ أَرَاهُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ قَالَ فَذَاکَ حِینَ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَمْ یَعْرِفْنِی فَقَالَتْ لَوْ أَرَدْتَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَی الرِّجَالِ لَکَسَوْتَنِی کَمَا کَسَا اَلزُّبَیْرُ امْرَأَتَهُ وَ کَمَا کَسَا طَلْحَةُ امْرَأَتَهُ قَالَ أَ وَ مَا یَکْفِیکِ أَنَّکِ أُمُّ کُلْثُومٍ ابْنَةُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ زَوْجَةُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَتْ إِنَّ ذَاکَ عَنِّی لَقَلِیلُ الْغَنَاءِ قَالَ کُلْ فَلَوْ کَانَتْ رَاضِیَةً لَأَطْعَمْتُکَ أَطْیَبَ مِنْ هَذَا فَأَکَلْتُ قَلِیلاً وَ طَعَامِیَ الَّذِی مَعِی أَطْیَبُ مِنْهُ

ص :224

وَ أَکَلَ فَمَا رَأَیْتُ أَحَداً أَحْسَنَ أَکْلاَ مِنْهُ مَا یَتَلَبَّسُ طَعَامُهُ بِیَدِهِ وَ لاَ فَمِهِ ثُمَّ قَالَ اسْقُونَا فَجَاءُوا بِعُسٍّ مِنْ سُلْتٍ (1) فَقَالَ أَعْطِ الرَّجُلَ فَشَرِبْتُ قَلِیلاً وَ إِنَّ سَوِیقِیَ الَّذِی مَعِی لَأَطْیَبُ مِنْهُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَشَرِبَهُ حَتَّی قَرَعَ الْقِدْحُ جَبْهَتَهُ ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَطْعَمَنَا فَأَشْبَعَنَا وَ سَقَانَا فَأَرْوَانَا إِنَّکَ یَا هَذَا لَضَعِیفُ الْأَکْلِ ضَعِیفُ الشُّرْبِ فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ لِی حَاجَةً قَالَ مَا حَاجَتُکَ قُلْتُ أَنَا رَسُولُ سَلَمَةِ بْنِ قَیْسٍ فَقَالَ مَرْحَباً بِسَلَمَةَ وَ رَسُولِهِ فَکَأَنَّمَا خَرَجْتَ مِنْ صُلْبِهِ حَدِّثْنِی عَنِ اَلْمُهَاجِرِینَ کَیْفَ هُمْ قُلْتُ کَمَا تُحِبُّ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مِنَ السَّلاَمَةِ وَ الظَّفَرِ وَ النَّصْرِ عَلَی عَدُوِّهِمْ قَالَ کَیْفَ أَسْعَارُهُمْ قُلْتُ أَرْخَصُ أَسْعَارٍ قَالَ کَیْفَ اللَّحْمُ فِیهِمْ فَإِنَّهُ شَجَرَةُ اَلْعَرَبِ وَ لاَ تَصْلُحُ اَلْعَرَبُ إِلاَّ عَلَی شَجَرَتِهَا قُلْتُ الْبَقَرَةُ فِیهِمْ بِکَذَا وَ الشَّاةُ فِیهِمْ بِکَذَا ثُمَّ سِرْنَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ حَتَّی لَقِینَا عَدُوَّنَا مِنَ اَلْمُشْرِکِینَ فَدَعَوْنَاهُمْ إِلَی الَّذِی أَمَرْتَ بِهِ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ فَأَبَوْا فَدَعَوْنَاهُمْ إِلَی الْخَرَاجِ فَأَبَوْا فَقَاتَلْنَاهُمْ فَنَصَرَنَا اللَّهُ عَلَیْهِمْ فَقَتَلْنَا الْمُقَاتِلَةَ وَ سَبَیْنَا الذُّرِّیَّةَ وَ جَمَعْنَا الرِّثَّةَ (2) فَرَأَی سَلَمَةُ فِی الرِّثَّةِ حِلْیَةً فَقَالَ لِلنَّاسِ إِنَّ هَذَا لاَ یَبْلُغُ فِیکُمْ شَیْئاً أَ فَتَطِیبُ أَنْفُسُکُمْ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ قَالُوا نَعَمْ ثُمَّ اسْتَخْرَجْتُ سَفَطِی (3) فَفَتَحْتُهُ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَی تِلْکَ الْفُصُوصِ مِنْ بَیْنِ أَحْمَرَ وَ أَخْضَرَ وَ أَصْفَرَ وَثَبَ وَ جَعَلَ یَدَهُ فِی خَاصِرَتِهِ یَصِیحُ صِیَاحاً عَالِیاً وَ یَقُولُ لاَ أَشْبَعَ اللَّهُ إِذَنْ بَطْنَ عُمَرَ یُکَرِّرُهَا فَظَنَّ النِّسَاءُ أَنِّی جِئْتُ لِأَغْتَالَهُ فَجِئْنَ إِلَی السِّتْرِ فَکَشَفْنَهُ فَسَمِعْنَهُ یَقُولُ لَفَّ مَا جِئْتَ بِهِ یَا یَرْفَأُ جَأْ عُنُقَهُ (4) قَالَ فَأَنَا أُصْلِحُ سَفَطِی وَ یَرْفَأُ یَجَأُ عُنُقِی ثُمَّ قَالَ النَّجَاءَ النَّجَاءَ قُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ انْزِعْ بِی فَاحْمِلْنِی فَقَالَ یَا یَرْفَأُ أَعْطِهِ رَاحِلَتَیْنِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ

ص :225

فَإِذَا لَقِیتَ أَفْقَرَ إِلَیْهِمَا مِنْکَ فَادْفَعْهُمَا إِلَیْهِ وَ قَالَ أَظُنُّکَ سَتُبْطِئُ أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ تَفَرَّقَ اَلْمُسْلِمُونَ فِی مَشَاتِیهِمْ قَبْلَ أَنْ یُقْسَمَ هَذَا فِیهِمْ لَأَفْعَلَنَّ بِکَ وَ بِصَاحِبِکَ الفَاقِرَةَ (1) .

قَالَ فَارْتَحَلْتُ حَتَّی أَتَیْتُ إِلَی سَلَمَةَ بْنِ قَیْسٍ فَقُلْتُ مَا بَارَکَ اللَّهُ فِیمَا اخْتَصَصْتَنِی بِهِ اقْسِمْ هَذَا فِی النَّاسِ قَبْلَ أَنْ تُصِیبَنِی وَ إِیَّاکَ فَاقِرَةٌ فَقَسَمَهُ فِیهِمْ فَإِنَّ الْفَصَّ لَیُبَاعُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَ بِسِتَّةٍ وَ هُوَ خَیْرٌ مِنْ عِشْرِینَ أَلْفاً (2) .

و جملة الأمر أن عمر لا یجوز أن یطعن فیه بمثل هذا و لا ینسب إلی شره و حبّ للمال فإن طریقته فی التعفف و التقشف و خشونة العیش و الزهد أظهر من کل ظاهر و أوضح من کل واضح و حاله فی ذلک معلومة و علی کل تقدیر سواء کان یفعل ذلک دینا أو ورعا کما هو الظاهر من حاله أو کان یفعل ذلک ناموسا و صناعة و ریاء و حیلة کما تزعم الشیعة فإنه عظیم لأنّه إمّا أن یکون علی غایة الدین و التقی أو یکون أقوی الناس نفسا و أشدهم عزما و کلا الأمرین فضیلة.

و الذی ذکره المحدّثون و أرباب السیر أن عمر لما طعن و احتمل فی دمه إلی بیته و أوصی بما أوصی قال لابنه عبد اللّه انظروا ما علی من دین فحسبوه فوجدوه ستمائة و ثمانین ألف درهم هکذا ورد فی الأخبار أنّها کانت دیونا للمسلمین و لم تکن من بیت المال فقال عمر انظر یا عبد اللّه فإن وفی به مال آل عمر فأده من أموالهم و إلاّ فسل فی بنی عدی بن کعب فإن لم تف به أموالهم فسل فی قریش و لا تعدهم إلی غیرهم فهکذا وردت الروایة فلذلک قال قاضی القضاة فإن صح فالعذر کذا و کذا لأنّه لم یثبت عنده صحة اقتراضه هذا المقدار من بیت المال.

3538

وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ عُمَرَ کَانَ لَهُ نَخْلٌ بِالْحِجَازِ غَلَّتُهُ کُلَّ سَنَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفاً یُخْرِجُهَا فِی

ص :226

النَّوَائِبِ وَ الْحُقُوقِ وَ یَصْرِفُهَا إِلَی بَنِی عَدِیِّ بْنِ کَعْبٍ إِلَی فُقَرَائِهِمْ وَ أَرَامِلِهِمْ وَ أَیْتَامِهِمْ رَوَی ذَلِکَ اِبْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ فأما قول المرتضی أی حاجة بخشن العیش و جشب المأکل إلی اقتراض الأموال فجوابه أن المتزهد المتقشف قد یضیق علی نفسه و یوسع علی غیره إمّا من باب التکرم و الإحسان أو من باب الصدقة و ابتغاء الثواب و قد یصل رحمه و إن قتر علی نفسه.

3539

وَ قَدْ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ أَنَّ عُمَرَ دَفَعَ إِلَی أُمِّ کُلْثُومٍ بِنْتِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع صَدَاقَهَا یَوْمَ تَزَوَّجَهَا أَرْبَعِینَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. فلعل هذا الاقتراض من الناس کان لهذا الوجه و لغیره من الوجوه التی قل أن یخلو أحد منها

3541

14- وَ قَالَ ع لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَیَّةَ لَمَّا أَتَاهُ بِالسَّارِقِ وَ أَمَرَ بِقَطْعِهِ فَقَالَ هُوَ لَهُ یَعْنِی مَا سَرَقَ هَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِیَنِی بِهِ .

فلا یمتنع من عمر ألا یحب أن تکمل الشهادة و ینبه الشاهد علی ألا یشهد و قال إنّه جلد الثلاثة من حیث صاروا قذفه و إنّه لیس حالهم و قد شهدوا کحال من لم تتکامل الشهادة علیه لأن الحیلة فی إزالة الحدّ عنه و لما تتکامل الشهادة علیه ممکنة بتلقین و تنبیه غیره و لا حیلة فیما قد وقع من الشهادة فلذلک حدهم.

قال و لیس فی إقامة الحدّ علیهم من الفضیحة ما فی تکامل الشهادة علی المغیرة لأنّه یتصور بأنّه زان و یحکم بذلک و لیس کذلک حال الشهود لأنّهم لا یتصورون بذلک و إن وجب فی الحکم أن یجعلوا فی حکم القذفة.

و حکی عن أبی علی أن الثلاثة کان القذف قد تقدم منهم للمغیرة بالبصرة لأنهم صاحوا به من نواحی المسجد بأنا نشهد أنک زان فلو لم یعیدوا الشهادة لکان یحدهم لا محالة فلم یمکن فی إزالة الحدّ عنهم ما أمکن فی المغیرة .

و حکی عن أبی علی فی جواب اعتراضه عن نفسه بما روی عن عمر أنه کان إذا رآه یقول لقد خفت أن یرمینی اللّه عزّ و جلّ بحجارة من السماء أن هذا الخبر غیر صحیح و لو کان حقا لکان تأویله التخویف و إظهار قوة الظنّ لصدق القوم الذین شهدوا علیه لیکون ردعا له و ذکر أنّه غیر ممتنع أن یحب ألا یفتضح لما کان متولیا للبصرة من قبله.

ثمّ أجاب عن سؤال من سأله عن امتناع زیاد من الشهادة و هل یقتضی الفسق أم لا فإن قال لا نعلم أنّه کان یتمم الشهادة و لو علمنا ذلک لکان حیث ثبت فی الشرع أن له

ص :228

السکوت لا یکون طعنا و لو کان ذلک طعنا و قد ظهر أمره لأمیر المؤمنین ع لما ولاه فارس و لما ائتمنه علی أموال الناس و دمائهم.

اعترض المرتضی فقال إنّما نسب إلی تعطیل الحدّ من حیث کان فی حکم الثابت و إنّما بتلقینه لم تکمل الشهادة لأن زیادا ما حضر إلاّ لیشهد بما شهد به أصحابه و قد صرّح بذلک کما صرحوا قبل حضورهم و لو لم یکن هذا لما شهد القوم قبله و هم لا یعلمون هل حاله فی ذلک الحکم کحالهم لکنه أحجم فی الشهادة لما رأی کراهیة متولی الأمر لکمالها و تصریحه بأنّه لا یرید أن یعمل بموجبها.

و من العجائب أن یطلب الحیلة فی دفع الحدّ عن واحد و هو لا یندفع إلاّ بانصرافه إلی ثلاثة فإن کان درء الحدّ و الاحتیال فی دفعه من السنن المتبعة فدرؤه عن ثلاثة أولی من درئه عن واحد.

و قوله إن دفع الحدّ عن المغیرة ممکن و دفعه عن ثلاثة و قد شهدوا غیر ممکن طریف لأنّه لو لم یلقن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة لاندفع الحدّ عن الثلاثة و کیف لا تکون الحیلة ممکنة فیما ذکره.

و قوله إن المغیرة یتصور بصورة زان لو تکاملت الشهادة و فی هذا من الفضیحة ما لیس فی حدّ الثلاثة غیر صحیح لأن الحکم فی الأمرین واحد لأن الثلاثة إذا حدوا یظن بهم الکذب و إن جوز أن یکونوا صادقین و المغیرة لو تکاملت الشهادة علیه بالزناء لظن به ذلک مع التجویز لأن یکون الشهود کذبه و لیس فی أحد إلاّ ما فی الآخر.

3542

14- وَ مَا رُوِیَ عَنْهُ ع مِنْ أَنَّهُ أُتِیَ بِسَارِقٍ فَقَالَ لَهُ لاَ تُقِرَّ .

إن کان صحیحا لا یشبه ما نحن فیه لأنّه لیس فی دفع الحدّ عن السارق إیقاع غیره فی المکروه.

و قصة المغیرة تخالف هذا لما ذکرناه.

ص :229

فأما

3543

قَوْلُهُ ع هَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِیَنِی بِهِ.

فلا یشبه کل ما نحن فیه لأنّه بین أن ذلک القول یسقط الحدّ لو تقدم و لیس فیه تلقین یوجب إسقاط الحدّ.

فأما ما حکاه عن أبی علی من أن القذف من الثلاثة کان قد تقدم و أنهم لو لم یعیدوا الشهادة لکان یحدهم لا محالة فغیر معروف و الظاهر المروی خلافه و هو أنّه حدهم عند نکول زیاد عن الشهادة و أن ذلک کان السبب فی إیقاع الحدّ بهم و تأوله (1) علیه لقد خفت أن یرمینی اللّه بحجارة من السماء لا یلیق بظاهر الکلام لأنّه یقتضی التندم و التأسف علی تفریط وقع و لم یخاف أن یرمی بالحجارة و هو لم یدرأ الحدّ عن مستحق له و لو أراد الردع و التخویف للمغیرة لأتی بکلام یلیق بذلک و لا یقتضی إضافة التفریط إلی نفسه و کونه والیا من قبله لا یقتضی أن یدرأ عنه الحدّ و یعدل به إلی غیره.

و أمّا قوله إنا ما کنا نعلم أن زیادا کان یتمم الشهادة فقد بینا أن ذلک کان معلوما بالظاهر و من قرأ ما روی فی هذه القصة علم بلا شک أن حال زیاد کحال الثلاثة فی أنّه إنّما حضر للشهادة و إنّما عدل عنها لکلام عمر .

و قوله إن الشرع یبیح السکوت لیس بصحیح لأن الشرع قد حظر کتمان الشهادة.

فأما استدلاله علی أن زیادا لم یفسق بالإمساک عن الشهادة بتولیه أمیر المؤمنین ع له فارس فلیس بشیء یعتمد لأنّه لا یمتنع أن یکون قد تاب بعد ذلک و أظهر توبته لأمیر المؤمنین ع فجاز أن یولیه و قد کان بعض أصحابنا یقول فی قصة المغیرة شیئا طیبا و إن کان معتملا فی باب الحجة کان یقول إن زیادا إنّما امتنع من التصریح بالشهادة المطلوبة فی الزناء و قد شهد بأنّه شاهده بین شعبها الأربع و سمع نفسا عالیا فقد صح علی المغیرة بشهادة الأربع جلوسه منها مجلس الفاحشة إلی غیر ذلک

ص :230

من مقدمات الزناء و أسبابه فهلا ضم عمر إلی جلد الثلاثة تعزیر هذا الذی قد صح عنده بشهادة الأربعة ما صح من الفاحشة مثل تعریک أذنه أو ما یجری مجراه من خفیف التعزیر و یسیره و هل فی العدول عن ذلک حتّی عن لومه و توبیخه و الاستخفاف به إلاّ ما ذکروه من السبب الذی یشهد الحال به (1) قلت أما المغیرة فلا شک عندی أنّه زنی بالمرأة و لکنی لست أخطئ عمر فی درء الحدّ عنه و إنّما أذکر أولا قصته من کتابی أبی جعفر محمّد بن جریر الطبریّ و أبی الفرج علیّ بن الحسن الأصفهانی لیعلم أن الرجل زنی بها لا محالة ثمّ أعتذر لعمر فی درء الحدّ عنه.

3544

قَالَ اَلطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ (2) وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ یَعْنِی سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَلَّی عُمَرُ أَبَا مُوسَی اَلْبَصْرَةَ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَشْخَصَ إِلَیْهِ اَلْمُغِیرَةَ بْنَ شُعْبَةَ وَ ذَلِکَ لِأَمْرٍ بَلَغَهُ عَنْهُ قَالَ اَلطَّبَرِیُّ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ یَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی قَالَ کَانَ اَلْمُغِیرَةُ یُخَالِفُ إِلَی أُمِّ جَمِیلٍ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِی هِلاَلِ بْنِ عَامِرٍ وَ کَانَ لَهَا زَوْجٌ مِنْ ثَقِیفٍ هَلَکَ قَبْلَ ذَلِکَ یُقَالُ لَهُ اَلْحَجَّاجُ بْنُ عُبَیْدٍ وَ کَانَ اَلْمُغِیرَةُ وَ کَانَ أَمِیرَ اَلْبَصْرَةِ یَخْتَلِفُ إِلَیْهَا سِرّاً فَبَلَغَ ذَلِکَ أَهْلَ اَلْبَصْرَةِ فَأَعْظَمُوهُ فَخَرَجَ اَلْمُغِیرَةُ یَوْماً مِنَ الْأَیَّامِ إِلَی الْمَرْأَةِ فَدَخَلَ عَلَیْهَا وَ قَدْ وَضَعُوا عَلَیْهِمَا الرَّصَدَ فَانْطَلَقَ الْقَوْمُ الَّذِینَ شَهِدُوا عِنْدَ عُمَرَ فَکَشَفُوا السِّتْرَ فَرَأَوْهُ قَدْ وَاقَعَهَا فَکَتَبُوا بِذَلِکَ إِلَی عُمَرَ وَ أَوْفَدُوا إِلَیْهِ بِالْکِتَابِ أَبَا بَکْرَةَ فَانْتَهَی أَبُو بَکْرَةَ إِلَی اَلْمَدِینَةِ وَ جَاءَ إِلَی بَابِ عُمَرَ فَسَمِعَ صَوْتَهُ وَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُ حِجَابٌ فَقَالَ أَبُو بَکْرَةَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ لَقَدْ جِئْتَ لِشَرٍّ قَالَ إِنَّمَا جَاءَ بِهِ اَلْمُغِیرَةُ ثُمَّ قَصَّ عَلَیْهِ الْقِصَّةَ وَ عَرَضَ عَلَیْهِ الْکِتَابَ فَبَعَثَ أَبَا مُوسَی عَامِلاً وَ أَمَرَهُ

ص :231

أَنْ یَبْعَثَ إِلَیْهِ اَلْمُغِیرَةَ فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو مُوسَی اَلْبَصْرَةَ وَ قَعَدَ فِی الْإِمَارَةِ أَهْدَی إِلَیْهِ اَلْمُغِیرَةُ عَقِیلَةَ وَ قَالَ إِنَّنِی قَدْ رَضِیتُهَا لَکَ فَبَعَثَ أَبُو مُوسَی بِالْمُغِیرَةِ إِلَی عُمَرَ .

3545

وَ قَالَ اَلطَّبَرِیُّ وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِیُّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مَالِکِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ قَدِمَ اَلْمُغِیرَةُ عَلَی عُمَرَ فَتَزَوَّجَ فِی طَرِیقِهِ امْرَأَةً مِنْ بَنِی مُرَّةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إِنَّکَ لَفَارِغُ الْقَلْبِ شَدِیدُ الشَّبَقِ طَوِیلُ الْغُرْمُولِ ثُمَّ سَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ فَقِیلَ (1) لَهُ یُقَالُ لَهَا اَلرَّقْطَاءُ کَانَ زَوْجُهَا مِنْ ثَقِیفٍ وَ هِیَ مِنْ بَنِی هِلاَلٍ .

3546

قَالَ اَلطَّبَرِیُّ وَ کَتَبَ إِلَیَّ اَلسَّرِیُّ عَنْ شُعَیْبٍ عَنْ سَیْفٍ أَنَّ اَلْمُغِیرَةَ کَانَ یُبْغِضُ أَبَا بَکْرَةَ وَ کَانَ أَبُو بَکْرَةَ یُبْغِضُهُ وَ یُنَاغِی (2) کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَ یُنَافِرُهُ عِنْدَ کُلِّ مَا یَکُونُ مِنْهُ وَ کَانَا مُتَجَاوِرَیْنِ بِالْبَصْرَةِ بَیْنَهُمَا طَرِیقٌ وَ هُمَا فِی مَشْرَبَتَیْنِ مُتَقَابِلَتَیْنِ فَهُمَا فِی دَارَیْهِمَا فِی کُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا کُوَّةٌ مُقَابِلَةَ الْأُخْرَی فَاجْتَمَعَ إِلَی أَبِی بَکْرَةَ نَفَرٌ یَتَحَدَّثُونَ فِی مَشْرَبَتِهِ فَهَبَّتْ رِیحٌ فَفَتَحَتْ بَابَ الْکُوَّةِ فَقَامَ أَبُو بَکْرَةَ لِیَصْفِقَهُ (3) فَبَصُرَ بِالْمُغِیرَةِ وَ قَدْ فَتَحَتِ الرِّیحُ بَابَ الْکُوَّةِ الَّتِی فِی مَشْرَبَتِهِ وَ هُوَ بَیْنَ رِجْلَیِ امْرَأَةٍ فَقَالَ لِلنَّفَرِ قُومُوا فَانْظُرُوا فَقَامُوا فَنَظَرُوا ثُمَّ قَالَ اشْهَدُوا قَالُوا وَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُمُّ جَمِیلٍ إِحْدَی نِسَاءِ بَنِی عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَقَالُوا إِنَّمَا رَأَیْنَا أَعْجَازاً وَ لاَ نَدْرِی الْوُجُوهَ فَلَمَّا قَامَتْ صَمَّمُوا وَ خَرَجَ اَلْمُغِیرَةُ إِلَی الصَّلاَةِ فَحَالَ أَبُو بَکْرَةَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الصَّلاَةِ وَ قَالَ لاَ تُصَلِّ بِنَا وَ کَتَبُوا إِلَی عُمَرَ بِذَلِکَ وَ کَتَبَ اَلْمُغِیرَةُ إِلَیْهِ أَیْضاً فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَی أَبِی مُوسَی فَقَالَ یَا أَبَا مُوسَی إِنِّی مُسْتَعْمِلُکَ وَ إِنِّی بَاعِثُکَ إِلَی الْأَرْضِ الَّتِی قَدْ بَاضَ بِهَا اَلشَّیْطَانُ وَ فَرَّخَ فَالْزَمْ مَا تَعْرِفُ وَ لاَ تَسْتَبْدِلْ فَیَسْتَبْدِلِ اللَّهُ بِکَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَعِنِّی بِعِدَّةٍ مِنْ

ص :232

أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَإِنِّی وَجَدْتُهُمْ فِی هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ کَالْمِلْحِ لاَ یَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلاَّ بِهِ قَالَ عُمَرُ فَاسْتَعِنْ بِمَنْ أَحْبَبْتَ فَاسْتَعَانَ بِتِسْعَةٍ وَ عِشْرِینَ رَجُلاً مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِکٍ وَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَیْنٍ وَ هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ وَ خَرَجَ أَبُو مُوسَی بِهِمْ حَتَّی أَنَاخَ بِالْبَصْرَةِ فِی اَلْمِرْبَدِ وَ بَلَغَ اَلْمُغِیرَةَ أَنَّ أَبَا مُوسَی قَدْ أَنَاخَ بِالْمِرْبَدِ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا جَاءَ أَبُو مُوسَی زَائِراً وَ لاَ تَاجِراً وَ لَکِنَّهُ جَاءَ أَمِیراً فَإِنَّهُمْ لَفِی ذَلِکَ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَی حَتَّی دَخَلَ عَلَیْهِمْ فَدَفَعَ إِلَی اَلْمُغِیرَةِ کِتَاباً مِنْ عُمَرَ إِنَّهُ لَأَوْجَزُ کِتَابٍ کَتَبَ بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَرْبَعُ کَلِمٍ عَزَلَ فِیهَا وَ عَاتَبَ وَ اسْتَحَثَّ وَ أَمَّرَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِی نَبَأٌ عَظِیمٌ فَبَعَثْتُ أَبَا مُوسَی فَسَلِّمْ مَا فِی یَدَیْکَ إِلَیْهِ وَ الْعَجَلَ.

کَتَبَ إِلَی أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی قَدْ بَعَثْتُ أَبَا مُوسَی أَمِیراً عَلَیْکُمْ لِیَأْخُذَ لِضَعِیفِکُمْ مِنْ قَوِیِّکُمْ وَ لِیُقَاتِلَ بِکُمْ عَدُوَّکُمْ وَ لِیَدْفَعَ عَنْ ذِمَّتَکُمْ وَ لِیَجْبِیَ (1) لَکُمْ فَیْئَکُمْ وَ لِیَقْسِمَ فِیکُمْ وَ لِیَحْمِیَ (2) لَکُمْ طُرُقَکُمْ.

فَأَهْدَی إِلَیْهِ اَلْمُغِیرَةُ وَلِیدَةً مِنْ مُوَلَّدَاتِ اَلطَّائِفِ تُدْعَی عَقِیلَةَ وَ قَالَ إِنِّی قَدْ رَضِیتُهَا لَکَ وَ کَانَتْ فَارِهَةً وَ ارْتَحَلَ اَلْمُغِیرَةُ وَ أَبُو بَکْرَةَ وَ نَافِعُ بْنُ کَلَدَةَ وَ زِیَادٌ وَ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ الْبَجَلِیُّ حَتَّی قَدِمُوا عَلَی عُمَرَ فَجَمَعَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ اَلْمُغِیرَةِ فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ سَلْ هَؤُلاَءِ الْأَعْبُدَ کَیْفَ رَأَوْنِی مُسْتَقْبِلَهُمْ أَمْ مُسْتَدْبِرَهُمْ وَ کَیْفَ رَأَوُا الْمَرْأَةَ وَ عَرَفُوهَا فَإِنْ کَانُوا مُسْتَقْبِلِیَّ فَکَیْفَ لَمْ أَسْتَتِرْ وَ إِنْ کَانُوا مُسْتَدْبِرِیَّ فَبِأَیِّ شَیْءٍ اسْتَحَلُّوا النَّظَرَ إِلَیَّ فِی مَنْزِلِی عَلَی امْرَأَتِی وَ اللَّهِ مَا أَتَیْتُ إِلاَّ امْرَأَتِی فَبَدَأَ بِأَبِی بَکْرَةً فَشَهِدَ عَلَیْهِ أَنَّهُ رَآهُ بَیْنَ رِجْلَیْ أُمِّ جَمِیلٍ وَ هُوَ یُدْخِلُهُ وَ یُخْرِجُهُ قَالَ عُمَرُ کَیْفَ رَأَیْتَهُمَا قَالَ مُسْتَدْبِرَهُمَا قَالَ کَیْفَ اسْتَثْبَتَّ رَأْسَهَا قَالَ تَجَافَیْتُ فَدَعَا بِشِبْلِ بْنِ مَعْبَدٍ فَشَهِدَ مِثْلَ ذَلِکَ وَ قَالَ اسْتَقْبَلْتُهُمَا وَ اسْتَدْبَرْتُهُمَا وَ شَهِدَ نَافِعٌ بِمِثْلِ شَهَادَةِ أَبِی بَکْرَةَ وَ لَمْ یَشْهَدْ زِیَادٌ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِمْ قَالَ

ص :233

رَأَیْتُهُ جَالِساً بَیْنَ رِجْلَیِ امْرَأَةٍ وَ رَأَیْتُ قَدَمَیْنِ مَرْفُوعَتَیْنِ تَخْفِقَانِ وَ اسْتَیْنِ مَکْشُوفَتَیْنِ وَ سَمِعْتُ حَفْزاً شَدِیداً (1) قَالَ عُمَرُ فَهَلْ رَأَیْتَهُ فِیهَا کَالْمِیلِ فِی الْمُکْحُلَةِ قَالَ لاَ قَالَ فَهَلْ تَعْرِفُ الْمَرْأَةَ قَالَ لاَ وَ لَکِنْ أُشْبِهُهَا فَأَمَرَ عُمَرُ بِالثَّلاَثَةِ فَجُلِدُوا الْحَدَّ وَ قَرَأَ فَإِذْ لَمْ یَأْتُوا بِالشُّهَدٰاءِ فَأُولٰئِکَ عِنْدَ اللّٰهِ هُمُ الْکٰاذِبُونَ (2) فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَخْزَاکُمْ فَصَاحَ بِهِ عُمَرُ اسْکُتْ أَسْکَتَ اللَّهُ نَأْمَتَکَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ تَمَّتِ الشَّهَادَةُ لَرَجَمْتُکَ بِأَحْجَارِکَ. فهذا ما ذکره الطبریّ .

3547

وَ أَمَّا أَبُو الْفَرَجِ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ الْأَصْفَهَانِیُّ فَإِنَّهُ ذَکَرَ فِی کِتَابِ اَلْأَغَانِی (3) أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ کَانَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ هُوَ أَمِیرُ اَلْبَصْرَةِ یَخْتَلِفُ سِرّاً إِلَی امْرَأَةٍ مِنْ ثَقِیفٍ یُقَالُ لَهَا اَلرَّقْطَاءُ فَلَقِیَهُ أَبُو بَکْرَةَ یَوْماً فَقَالَ لَهُ أَیْنَ تُرِیدُ قَالَ أَزُورُ آلَ فُلاَنٍ فَأَخَذَ بِتَلاَبِیبِهِ وَ قَالَ إِنَّ الْأَمِیرَ یُزَارُ وَ لاَ یَزُورُ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ حَدَّثَنِی بِحَدِیثِهِ جَمَاعَةٌ ذَکَرَ أَسْمَاءَهُمْ بِأَسَانِیدَ مُخْتَلِفَةٍ لاَ نَرَی الْإِطَالَةَ بِذِکْرِهَا أَنَّ اَلْمُغِیرَةَ کَانَ یَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْإِمَارَةِ وَسَطَ النَّهَارِ فَکَانَ أَبُو بَکْرَةَ یَلْقَاهُ فَیَقُولُ لَهُ أَیْنَ یَذْهَبُ الْأَمِیرُ فَیَقُولُ لَهُ إِلَی حَاجَةٍ فَیَقُولُ حَاجَةِ مَا ذَا إِنَّ الْأَمِیرَ یُزَارُ وَ لاَ یَزُورُ.

قَالُوا وَ کَانَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِی یَأْتِیهَا جَارَةً لِأَبِی بَکْرَةَ فَقَالَ فَبَیْنَا أَبُو بَکْرَةَ فِی غُرْفَةٍ لَهُ مَعَ أَخَوَیْهِ نَافِعٍ وَ زِیَادٍ وَ رَجُلٍ آخَرَ یُقَالُ لَهُ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ وَ کَانَتْ غُرْفَةُ جَارَتِهِ تِلْکَ مُحَاذِیَةً غُرْفَةَ أَبِی بَکْرَةَ فَضَرَبَتِ الرِّیحُ بَابَ غُرْفَةِ الْمَرْأَةِ فَفَتَحَتْهُ فَنَظَرَ الْقَوْمُ فَإِذَا هُمْ بِالْمُغِیرَةِ یَنْکِحُهَا فَقَالَ أَبُو بَکْرَةَ هَذِهِ بَلِیَّةٌ قَدِ ابْتُلِیتُمْ بِهَا فَانْظُرُوا فَنَظَرُوا حَتَّی أَثْبَتُوا (4)

ص :234

فَنَزَلَ أَبُو بَکْرَةَ فَجَلَسَ حَتَّی خَرَجَ عَلَیْهِ اَلْمُغِیرَةُ مِنْ بَیْتِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَکْرَةَ إِنَّهُ قَدْ کَانَ مِنْ أَمْرِکَ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَاعْتَزِلْنَا فَذَهَبَ اَلْمُغِیرَةُ وَ جَاءَ لِیُصَلِّیَ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ فَمَنَعَهُ أَبُو بَکْرَةَ وَ قَالَ لاَ وَ اللَّهِ لاَ تُصَلِّی بِنَا وَ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ فَقَالَ النَّاسُ دَعُوهُ فَلْیُصَلِّ إِنَّهُ الْأَمِیرُ وَ اکْتُبُوا إِلَی عُمَرَ فَکَتَبُوا إِلَیْهِ فَوَرَدَ کِتَابُهُ أَنْ یَقْدَمُوا عَلَیْهِ جَمِیعاً اَلْمُغِیرَةُ وَ الشُّهُودُ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ قَالَ اَلْمَدَائِنِیُّ فِی حَدِیثِهِ فَبَعَثَ عُمَرُ بِأَبِی مُوسَی وَ عَزَمَ عَلَیْهِ أَلاَّ یَضَعَ کِتَابَهُ مِنْ یَدِهِ حَتَّی یُرَحِّلَ اَلْمُغِیرَةَ .

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ قَالَ عَلِیُّ بْنُ هَاشِمٍ فِی حَدِیثِهِ إِنَّ أَبَا مُوسَی قَالَ لِعُمَرَ لَمَّا أَمَرَهُ أَنْ یُرَحِّلَ اَلْمُغِیرَةَ مِنْ وَقْتِهِ أَ وَ خَیْرٌ مِنْ ذَلِکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ نَتْرُکُهُ فَیَتَجَهَّزُ ثَلاَثاً ثُمَّ یَخْرُجُ.

قَالُوا فَخَرَجَ أَبُو مُوسَی حَتَّی صَلَّی صَلاَةَ الْغَدَاةِ بِظَهْرِ اَلْمِرْبَدِ وَ أَقْبَلَ إِنْسَانٌ فَدَخَلَ عَلَی اَلْمُغِیرَةِ فَقَالَ إِنِّی رَأَیْتُ أَبَا مُوسَی قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْغَدَاةَ وَ عَلَیْهِ بُرْنُسٌ وَ هَا هُوَ فِی جَانِبِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ إِنَّهُ لَمْ یَأْتِ زَائِراً وَ لاَ تَاجِراً قَالُوا وَ جَاءَ أَبُو مُوسَی حَتَّی دَخَلَ عَلَی اَلْمُغِیرَةِ وَ مَعَهُ صَحِیفَةٌ مِلْءَ یَدِهِ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ أَمِیرٌ فَأَعْطَاهُ أَبُو مُوسَی الْکِتَابَ فَلَمَّا ذَهَبَ یَتَحَرَّکُ عَنْ سَرِیرِهِ قَالَ لَهُ مَکَانَکَ تَجَهَّزْ ثَلاَثاً.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ قَالَ آخَرُونَ إِنَّ أَبَا مُوسَی أَمَرَهُ أَنْ یَرْحَلَ مِنْ وَقْتِهِ فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ قَدْ عَلِمْتُ مَا وُجِّهْتُ لَهُ فَأَلاَّ تَقَدَّمْتَ وَ صَلَّیْتَ فَقَالَ مَا أَنَا وَ أَنْتَ فِی هَذَا الْأَمْرِ إِلاَّ سَوَاءً فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ إِنِّی أُحِبُّ أَنْ أُقِیمَ ثَلاَثاً لِأَتَجَهَّزَ فَقَالَ أَبُو مُوسَی قَدْ عَزَمَ عَلَیَّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ أَلاَّ أَضَعَ عَهْدِی مِنْ یَدِی إِذَا قَرَأْتُهُ حَتَّی أُرْحِلَکَ إِلَیْهِ قَالَ إِنْ شِئْتَ شَفَّعْتَنِی وَ أَبْرَرْتَ قَسَمَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ بِأَنْ تُؤَجِّلَنِی إِلَی الظُّهْرِ وَ تُمْسِکَ الْکِتَابَ فِی یَدِکَ.

قَالُوا فَلَقَدْ رُئِیَ أَبُو مُوسَی مُقْبِلاً وَ مُدْبِراً وَ أَنَّ الْکِتَابَ فِی یَدِهِ مُعَلَّقٌ بِخَیْطٍ فَتَجَهَّزَ اَلْمُغِیرَةُ وَ بَعَثَ إِلَی أَبِی مُوسَی بِعَقِیلَةَ جَارِیَةٍ عَرَبِیَّةٍ مِنْ سَبْیِ اَلْیَمَامَةِ مِنْ

ص :235

بَنِی حَنِیفَةَ وَ یُقَالُ إِنَّهَا مُوَلَّدَةُ اَلطَّائِفِ وَ مَعَهَا خَادِمٌ وَ سَارَ اَلْمُغِیرَةُ حِینَ صَلَّی الظُّهْرَ حَتَّی قَدِمَ عَلَی عُمَرَ .

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَزْمٍ فِی حَدِیثِهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَیْهِ لَقَدْ شَهِدَ عَلَیْکَ بِأَمْرٍ إِنْ کَانَ حَقّاً لَأَنْ تَکُونَ مِتَّ قَبْلَ ذَلِکَ کَانَ خَیْراً لَکَ.

3548

1- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ قَالَ أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فَجَلَسَ لَهُ عُمَرُ وَ دَعَا بِهِ وَ بِالشُّهُودِ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَکْرَةَ فَقَالَ أَ رَأَیْتَهُ بَیْنَ فَخِذَیْهَا قَالَ نَعَمْ وَ اللَّهِ لَکَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی تَشْرِیمِ جُدَرِیٍّ بِفَخِذَیْهَا قَالَ اَلْمُغِیرَةُ لَقَدْ أَلْطَفْتَ النَّظَرَ قَالَ أَبُو بَکْرَةَ لَمْ آلُ أَنْ أُثْبِتَ مَا یُخْزِیکَ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ عُمَرُ لاَ وَ اللَّهِ حَتَّی تَشْهَدَ لَقَدْ رَأَیْتَهُ یَلِجُ فِیهَا کَمَا یَلِجُ الْمِرْوَدُ فِی الْمُکْحُلَةِ قَالَ نَعَمْ أَشْهَدُ عَلَی ذَلِکَ فَقَالَ عُمَرُ أَذْهَبَ عَنْکَ مُغِیرَةُ ذَهَبَ رُبُعُکَ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ یُقَالُ إِنَّ عَلِیّاً ع هُوَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ دَعَا نَافِعاً فَقَالَ عَلاَمَ تَشْهَدُ قَالَ عَلَی مِثْلِ شَهَادَةِ أَبِی بَکْرَةَ فَقَالَ عُمَرُ لاَ حَتَّی تَشْهَدَ أَنَّکَ رَأَیْتَهُ یَلِجُ فِیهَا وُلُوجَ الْمِرْوَدِ فِی الْمُکْحُلَةِ قَالَ نَعَمْ حَتَّی بَلَغَ قُذَذَهُ (1) فَقَالَ أَذْهَبَ عَنْکَ مُغِیرَةُ ذَهَبَ نِصْفُکَ ثُمَّ دَعَا الثَّالِثَ وَ هُوَ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ فَقَالَ عَلاَمَ تَشْهَدُ قَالَ عَلَی مِثْلِ شَهَادَةِ صَاحِبَیَّ فَقَالَ أَذْهَبَ عَنْکَ مُغِیرَةُ ذَهَبَ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِکَ قَالَ فَجَعَلَ اَلْمُغِیرَةُ یَبْکِی إِلَی اَلْمُهَاجِرِینَ وَ بَکَی إِلَی أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِینَ حَتَّی بَکَیْنَ مَعَهُ قَالَ وَ لَمْ یَکُنْ زِیَادٌ حَضَرَ ذَلِکَ الْمَجْلِسَ فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ یُنَحَّی الشُّهُودُ الثَّلاَثَةُ وَ أَلاَّ یُجَالِسَهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ وَ انْتَظَرَ قُدُومَ زِیَادٍ فَلَمَّا قَدِمَ جَلَسَ فِی اَلْمَسْجِدِ وَ اجْتَمَعَ رُءُوسُ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ قَالَ اَلْمُغِیرَةُ وَ کُنْتُ قَدْ أَعْدَدْتُ کَلِمَةً أَقُولُهَا فَلَمَّا رَأَی عُمَرُ زِیَاداً مُقْبِلاً قَالَ إِنِّی لَأَرَی رَجُلاً لَنْ یُخْزِیَ اللَّهُ عَلَی لِسَانِهِ رَجُلاً مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ

.

ص :236

3549

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ فِی حَدِیثِ أَبِی زَیْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ عَنِ اَلسَّرِیِّ عَنْ عَبْدِ الْکَرِیمِ بْنِ رُشَیْدٍ عَنْ أَبِی عُثْمَانَ النَّهْدِیِّ أَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ عِنْدَ عُمَرَ تَغَیَّرَ [الثَّالِثُ]

لِذَلِکَ لَوْنُ عُمَرَ ثُمَّ جَاءَ الثَّانِی فَشَهِدَ فَانْکَسَرَ لِذَلِکَ انْکِسَاراً شَدِیداً ثُمَّ جَاءَ فَشَهِدَ فَکَانَ الرَّمَادُ نُثِرَ عَلَی وَجْهِ عُمَرَ فَلَمَّا جَاءَ زِیَادٌ جَاءَ شَابٌّ یَخْطُرُ بِیَدَیْهِ فَرَفَعَ عُمَرُ رَأْسَهُ إِلَیْهِ وَ قَالَ مَا عِنْدَکَ أَنْتَ یَا سَلْحَ الْعُقَابِ وَ صَاحَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِیُّ صَیْحَةً تَحْکِی صَیْحَةَ عُمَرَ قَالَ عَبْدُ الْکَرِیمِ بْنُ رُشَیْدٍ لَقَدْ کِدْتُ أَنْ یُغْشَی عَلَیَّ لِصَیْحَتِهِ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ فَکَانَ اَلْمُغِیرَةُ یُحَدِّثُ قَالَ فَقُمْتُ إِلَی زِیَادٍ فَقُلْتُ لاَ مَخْبَأً لِعِطْرٍ بَعْدَ عَرُوسٍ یَا زِیَادُ أُذَکِّرُکَ اللَّهَ وَ أُذَکِّرُکَ مَوْقِفَ اَلْقِیَامَةِ وَ کِتَابَهُ وَ رَسُولَهُ أَنْ تَتَجَاوَزَ إِلَی مَا لَمْ تَرَ ثُمَّ صِحْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ هَؤُلاَءِ قَدِ احْتَقَرُوا دَمِی فَاللَّهَ اللَّهَ فِی دَمِی قَالَ فَتَرَنَّقَتْ عَیْنَا زِیَادٍ وَ احْمَرَّ وَجْهُهُ وَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَمَّا أَنْ أَحُقَّ مَا حَقَّ الْقَوْمُ فَلَیْسَ عِنْدِی وَ لَکِنِّی رَأَیْتُ مَجْلِساً قَبِیحاً وَ سَمِعْتُ نَفَساً حَثِیثاً وَ انْتِهَاراً وَ رَأَیْتُهُ مُتَبَطِّنَهَا فَقَالَ عُمَرُ أَ رَأَیْتَهُ یُدْخِلُ وَ یُخْرِجُ کَالْمِیلِ فِی الْمُکْحُلَةِ قَالَ لاَ.

3550

1- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ رَوَی کَثِیرٌ مِنَ الرُّوَاةِ أَنَّهُ قَالَ رَأَیْتُهُ رَافِعاً بِرِجْلَیْهَا وَ رَأَیْتُ خُصْیَتَیْهِ مُتَرَدِّدَتَیْنِ بَیْنَ فَخِذَیْهَا وَ سَمِعْتُ حَفْزاً شَدِیداً وَ سَمِعْتُ نَفَساً عَالِیاً فَقَالَ عُمَرُ أَ رَأَیْتَهُ یُدْخِلُهُ وَ یُخْرِجُهُ کَالْمِیلِ فِی الْمُکْحُلَةِ قَالَ لاَ فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُ أَکْبَرُ قُمْ یَا مُغِیرَةُ إِلَیْهِمْ فَاضْرِبْهُمْ فَجَاءَ اَلْمُغِیرَةُ إِلَی أَبِی بَکْرَةَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِینَ وَ ضَرَبَ الْبَاقِینَ.

وَ رَوَی قَوْمٌ أَنَّ الضَّارِبَ لَهُمُ الْحَدَّ لَمْ یَکُنِ اَلْمُغِیرَةُ وَ أَعْجَبَ عُمَرَ قَوْلُ زِیَادٍ وَ دَرَأَ الْحَدَّ عَنِ اَلْمُغِیرَةِ فَقَالَ أَبُو بَکْرَةَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ أَشْهَدُ أَنَّ اَلْمُغِیرَةَ فَعَلَ کَذَا وَ کَذَا فَهَمَّ عُمَرُ بِضَرْبِهِ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع إِنْ ضَرَبْتَهُ رَجَمْتُ صَاحِبَکَ وَ نَهَاهُ عَنْ ذَلِکَ.

ص :237

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ یَعْنِی إِنْ ضَرَبَهُ تَصِیرُ شَهَادَتُهُ شَهَادَتَیْنِ فَیُوجِبُ بِذَلِکَ الرَّجْمَ عَلَی اَلْمُغِیرَةِ .

قَالَ فَاسْتَتَابَ عُمَرُ أَبَا بَکْرَةَ فَقَالَ إِنَّمَا تَسْتَتِیبُنِی لِتَقْبَلَ شَهَادَتِی قَالَ أَجَلْ قَالَ فَإِنِّی لاَ أَشْهَدُ بَیْنَ اثْنَیْنِ مَا بَقِیتُ فِی الدُّنْیَا قَالَ فَلَمَّا ضَرَبُوا الْحَدَّ قَالَ اَلْمُغِیرَةُ اللَّهُ أَکْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَخْزَاکُمْ فَقَالَ عُمَرُ اسْکُتْ أَخْزَی اللَّهُ مَکَاناً رَأَوْکَ فِیهِ.

قَالَ وَ أَقَامَ أَبُو بَکْرَةَ عَلَی قَوْلِهِ وَ کَانَ یَقُولُ وَ اللَّهِ مَا أَنْسَی قَطُّ فَخِذَیْهَا وَ تَابَ الاِثْنَانِ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا وَ کَانَ أَبُو بَکْرَةَ بَعْدَ ذَلِکَ إِذَا طُلِبَ إِلَی شَهَادَةٍ قَالَ اطْلُبُوا غَیْرِی فَإِنَّ زِیَاداً أَفْسَدَ عَلَیَّ شَهَادَتِی

.

3551

وَ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ رَوَی إِبْرَاهِیمُ بْنُ سَعِیدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ لَمَّا ضُرِبَ أَبُو بَکْرَةَ أَمَرَتْ أُمُّهُ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ وَ جَعَلَ جِلْدَهَا عَلَی ظَهْرِهِ قَالَ إِبْرَاهِیمُ فَکَانَ أَبِی یَقُولُ مَا ذَاکَ إِلاَّ مِنْ ضَرْبٍ شَدِیدٍ.

3552

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ فَحَدَّثَنَا اَلْجَوْهَرِیُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ یَحْیَی بْنِ زَکَرِیَّا عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ کَانَتِ اَلرَّقْطَاءُ الَّتِی رُمِیَ بِهَا اَلْمُغِیرَةُ تَخْتَلِفُ إِلَیْهِ فِی أَیَّامِ إِمَارَتِهِ اَلْکُوفَةَ فِی خِلاَفَةِ مُعَاوِیَةَ فِی حَوَائِجِهَا فَیَقْضِیهَا لَهَا.

3553

1- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ حَجَّ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِکَ مَرَّةً فَوَافَقَ اَلرَّقْطَاءَ بِالْمَوْسِمِ فَرَآهَا وَ کَانَ اَلْمُغِیرَةُ یَوْمَئِذٍ هُنَاکَ فَقَالَ عُمَرُ لِلْمُغِیرَةِ وَیْحَکَ أَ تَتَجَاهَلُ عَلَیَّ وَ اللَّهِ مَا أَظُنُّ أَبَا بَکْرَةَ کَذَبَ عَلَیْکَ وَ مَا رَأَیْتُکَ إِلاَّ خِفْتُ أَنْ أُرْمَی بِحِجَارَةٍ مِنَ السَّمَاءِ.

قَالَ وَ کَانَ عَلِیٌّ ع بَعْدَ ذَلِکَ یَقُولُ إِنْ ظَفِرْتُ بِالْمُغِیرَةِ لَأَتْبَعْتُهُ الْحِجَارَةَ .

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ یَهْجُو اَلْمُغِیرَةَ وَ یَذْکُرُ هَذِهِ الْقِصَّةَ لَوْ أَنَّ اللُّؤْمَ یُنْسَبُ کَانَ عَبْداً قَبِیحَ الْوَجْهِ أَعْوَرَ مِنْ ثَقِیفٍ

ص :238

تَرَکْتُ الدِّینَ وَ اَلْإِسْلاَمَ لَمَّا

.

3554

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ أَنَّ اَلْمُغِیرَةَ لَمَّا شَخَصَ إِلَی عُمَرَ فِی هَذِهِ الْوَقْعَةِ رَأَی فِی طَرِیقِهِ جَارِیَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَخَطَبَهَا إِلَی أَبِیهَا فَقَالَ لَهُ وَ أَنْتَ عَلَی هَذِهِ الْحَالِ قَالَ وَ مَا عَلَیْکَ إِنْ أَبْقَ (1) فَهُوَ الَّذِی تُرِیدُ وَ إِنْ أُقْتَلْ تَرِثُنِی فَزَوَّجَهُ.

3555

وَ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ قَالَ اَلْوَاقِدِیُّ کَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِی مُرَّةَ تَزَوَّجَهَا بِالرَّقَمِ (2) فَلَمَّا قَدِمَ بِهَا عَلَی عُمَرَ قَالَ إِنَّکَ لَفَارِغُ الْقَلْبِ طَوِیلُ الشَّبَقِ.

فهذه الأخبار کما تراها تدلّ متأملها علی أن الرجل زنی بالمرأة لا محالة و کل کتب التواریخ و السیر تشهد بذلک و إنّما اقتصرنا نحن منها علی ما فی هذین الکتابین.

3556

وَ قَدْ رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ أَنَّ اَلْمُغِیرَةَ کَانَ أَزْنَی النَّاسِ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ فَلَمَّا دَخَلَ فِی اَلْإِسْلاَمِ قَیَّدَهُ اَلْإِسْلاَمُ وَ بَقِیَتْ عِنْدَهُ مِنْهُ بَقِیَّةٌ ظَهَرَتْ فِی أَیَّامِ وِلاَیَتِهِ اَلْبَصْرَةَ .

3557

وَ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ فِی کِتَابِ اَلْأَغَانِی عَنِ اَلْجَاحِظِ أَبِی عُثْمَانَ عَمْرِو بْنِ بَحْرٍ قَالَ کَانَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَیْسٍ وَ جَرِیرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِیُّ یَوْماً مُتَوَافِقِینَ بِالْکُنَاسَةِ فِی نَفَرٍ وَ طَلَعَ عَلَیْهِمْ أَعْرَابِیٌّ فَقَالَ لَهُمُ اَلْمُغِیرَةُ دَعُونِی أُحَرِّکُهُ قَالُوا لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ لِلْأَعْرَابِ جَوَاباً یُؤْثِرُ قَالَ لاَ بُدَّ قَالُوا فَأَنْتَ أَعْلَمُ فَقَالَ لَهُ یَا أَعْرَابِیُّ أَ تَعْرِفُ اَلْمُغِیرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَالَ نَعَمْ أَعْرِفُهُ أَعْوَرَ زَانِیاً فَوَجَمَ ثُمَّ تَجَلَّدَ فَقَالَ أَ تَعْرِفُ اَلْأَشْعَثَ بْنَ قَیْسٍ قَالَ نَعَمْ ذَاکَ رَجُلٌ لاَ یَعْرَی قَوْمُهُ قَالَ وَ کَیْفَ ذَاکَ قَالَ لِأَنَّهُمْ حَاکَةٌ.

قَالَ فَهَلْ تَعْرِفُ جَرِیرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ کَیْفَ لاَ أَعْرِفُ رَجُلاً لَوْلاَهُ مَا عُرِفَتْ عَشِیرَتُهُ فَقَالُوا قَبَّحَکَ اللَّهُ فَإِنَّکَ شَرُّ جَلِیسٍ هَلْ تُحِبُّ أَنْ یُوَقَرَ لَکَ بَعِیرُکَ هَذَا مَالاً وَ تَمُوتَ

ص :239

أَکْرَمَ اَلْعَرَبِ مَوْتَةً قَالَ فَمَنْ یُبَلِّغُهُ إِذَنْ أَهْلِی فَانْصَرَفُوا عَنْهُ فَتَرَکُوهُ (1) .

3558

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ رَوَی عَلِیُّ بْنُ سُلَیْمَانَ الْأَخْفَسُ قَالَ خَرَجَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ عَلَی اَلْکُوفَةِ وَ مَعَهُ اَلْهَیْثَمُ بْنُ التَّیِّهَانِ النَّخَعِیُّ غِبَّ مَطَرٍ یَسِیرٍ فِی ظَهْرِ اَلْکُوفَةِ وَ اَلنَّجَفِ فَلَقِیَ اِبْنَ لِسَانِ الْحُمَّرَةِ أَحَدَ بَنِی تَیْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَ هُوَ لاَ یَعْرِفُ اَلْمُغِیرَةَ وَ لاَ یَعْرِفُهُ اَلْمُغِیرَةُ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَیْنَ أَقْبَلْتَ یَا أَعْرَابِیُّ قَالَ مِنَ اَلسَّمَاوَةِ قَالَ کَیْفَ تَرَکْتَ الْأَرْضَ خَلْفَکَ قَالَ عَرِیضَةً (2) أَرِیضَةً قَالَ فَکَیْفَ کَانَ الْمَطَرُ قَالَ عَفَی الْأَثَرَ وَ مَلَأَ الْحُفَرَ قَالَ فَمَنْ أَنْتَ قَالَ مِنْ بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ کَیْفَ عِلْمُکَ بِهِمْ قَالَ إِنْ جَهِلْتُهُمْ لَمْ أَعْرِفْ غَیْرَهُمْ قَالَ فَمَا تَقُولُ فِی بَنِی شَیْبَانَ قَالَ سَادَتُنَا وَ سَادَةُ غَیْرِنَا قَالَ فَمَا تَقُولُ فِی بَنِی ذُهْلٍ قَالَ سَادَةٌ نَوْکَی قَالَ فَقَیْسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ قَالَ إِنْ جَاوَرْتَهُمْ سَرَقُوکَ وَ إِنِ ائْتَمَنْتَهُمْ خَانُوکَ قَالَ فَبَنُو تَیْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ رِعَاءُ النَّقَدِ (3) وَ عَرَاقِیبُ الْکِلاَبِ قَالَ فَبَنِی یَشْکُرَ قَالَ صَرِیحٌ تَحْسَبُهُ مَوْلًی.

قَالَ هِشَامُ بْنُ الْکَلْبِیِّ لِأَنَّ فِی أَلْوَانِهِمْ حُمْرَةً قَالَ فَعِجْلٌ قَالَ أَحْلاَسُ (4) الْخَیْلِ قَالَ فَعَبْدُ (5) الْقَیْسِ قَالَ یُطْعِمُونَ الطَّعَامَ وَ یَضْرِبُونَ الْهَامَ قَالَ فَعَنَزَةُ قَالَ لاَ تَلْتَقِی بِهِمُ الشَّفَتَانِ لُؤْماً قَالَ فَضُبَیْعَةُ أَضْجَمَ قَالَ جَدْعاً وَ عَقْراً (6) قَالَ فَأَخْبِرْنِی عَنِ النِّسَاءِ قَالَ النِّسَاءُ أَرْبَعٌ رَبِیعٌ مُرْبِعٌ وَ جَمِیعٌ مُجْمِعٌ وَ شَیْطَانٌ سَمَعْمَعٌ وَ غُلٌّ لاَ یُخْلَعُ قَالَ فَسِّرْ قَالَ أَمَّا الرَّبِیعُ الْمُرْبِعُ فَالَّتِی إِذَا نَظَرْتَ إِلَیْهَا سَرَّتْکَ وَ إِذَا أَقْسَمْتَ عَلَیْهَا بَرَّتْکَ وَ أَمَّا الَّتِی هِیَ جَمِیعٌ مُجْمِعٌ فَالْمَرْأَةُ تَتَزَوَّجُهَا وَ لَهَا نَسَبٌ فَیَجْتَمِعُ نَسَبُهَا إِلَی نَسَبِکَ وَ أَمَّا الشَّیْطَانُ السَّمَعْمَعُ فَالْکَالِحَةُ فِی وَجْهِکَ إِذَا دَخَلْتَ الْمُوَلْوِلَةُ فِی أَثَرِکَ

ص :240

إِذَا خَرَجْتَ وَ أَمَّا الْغُلُّ الَّذِی لاَ یُخْلَعُ فَبِنْتُ عَمِّکَ السَّوْدَاءُ الْقَصِیرَةُ الْفَوْهَاءُ الدَّمِیمَةُ الَّتِی قَدْ نَثَرَتْ لَکَ بَطْنَهَا إِنْ طَلَّقْتَهَا ضَاعَ وُلْدُکَ وَ إِنْ أَمْسَکْتَهَا فَعَلَی جَدْعِ أَنْفِکَ قَالَ (1) اَلْمُغِیرَةُ بَلْ أَنْفِکَ قَالَ فَمَا تَقُولُ فِی أَمِیرِکَ اَلْمُغِیرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ أَعْوَرُ زَانٍ فَقَالَ اَلْهَیْثَمُ بْنُ الْأَسْوَدِ فَضَّ اللَّهُ فَاکَ وَیْلَکَ إِنَّهُ الْأَمِیرُ اَلْمُغِیرَةُ قَالَ إِنَّهَا کَلِمَةٌ تُقَالُ فَانْطَلَقَ بِهِ اَلْمُغِیرَةُ إِلَی مَنْزِلِهِ وَ عِنْدَهُ یَوْمَئِذٍ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَ سِتُّونَ أَوْ سَبْعُونَ أَمَةً وَ قَالَ وَیْحَکَ هَلْ یَزْنِی الْحُرُّ وَ عِنْدَهُ مِثْلُ هَؤُلاَءِ ثُمَّ قَالَ لَهُنَّ ارْمِینَ إِلَیْهِ بِحُلِیِّکُنَّ (2) فَفَعَلْنَ فَخَرَجَ بِمِلْءِ کِسَائِهِ ذَهَباً وَ فِضَّةً (3) .

و إنّما أوردنا هذین الخبرین لیعلم السامع أن الخبر بزناه کان شائعا مشهورا مستفیضا بین الناس و لأنهما یتضمنان أدبا و کتابنا هذا موضوع للأدب.

و إنّما قلنا إن عمر لم یخطئ فی درء الحدّ عنه لأن الإمام یستحب له ذلک و إن غلب علی ظنه أنّه قد وجب الحدّ علیه

3559

1- رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیّاً ع أُتِیَ بِرَجُلٍ قَدْ وَجَبَ عَلَیْهِ الْحَدُّ فَقَالَ أَ هَاهُنَا شُهُودٌ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَأْتُونِی بِهِمْ إِذَا أَمْسَیْتُمْ وَ لاَ تَأْتُونِی إِلاَّ مُعْتِمِینَ فَلَمَّا أَعْتَمُوا جَاءُوهُ فَقَالَ لَهُمْ نَشَدْتُ اللَّهَ رَجُلاً مَا لِی عِنْدَهُ مِثْلُ هَذَا الْحَدِّ إِلاَّ انْصَرَفَ قَالَ فَمَا بَقِیَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ ذَکَرَ هَذَا الْخَبَرَ أَبُو حَیَّانَ فِی کِتَابِ اَلْبَصَائِرِ فِی الْجُزْءِ السَّادِسِ مِنْهُ

.

و الخبر المشهور الذی کاد یکون متواترا

3560

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ.

و من تأمل المسائل الفقهیّة فی باب الحدود علم أنّها بنیت علی الإسقاط عند أدنی سبب و أضعفه أ لا تری أنّه لو أقر بالزناء ثمّ رجع عن إقراره قبل إقامة الحدّ أو فی وسطه قبل رجوعه و خلی سبیله.

ص :241

و قال أبو حنیفة و أصحابه یستحب للإمام أن یلقن المقر الرجوع و یقول له تأمل ما تقول لعلک مسستها أو قبلتها و یجب علی الإمام أن یسأل الشهود ما الزناء و کیف هو و أین زنی و بمن زنی و متی زنی و هل رأوه وطئها فی فرجها کالمیل فی المکحلة فإذا ثبت کل ذلک سأل عنهم فلا یقیم الحدّ حتّی یعدلهم القاضی فی السر و العلانیة و لا یقام الحدّ بإقرار الإنسان علی نفسه حتّی یقر أربع مرّات فی أربعة مجالس کلما أقر رده القاضی و إذا تمّ إقراره سأله القاضی عن الزناء ما هو و کیف هو و أین زنی و بمن زنی و متی زنی.

قال الفقهاء و یجب أن یبتدئ الشهود برجمه إذا تکاملت الشهادة فإن امتنعوا من الابتداء برجمه سقط الحدّ.

قالوا و لا حدّ علی من وطئ جاریة ولده أو ولد ولده و إن قال علمت أنّها علی حرام و إن وطئ جاریة أبیه أو أمه أو أخته و قال ظننت أنّها تحل لی فلا حدّ علیه و من أقر أربع مرّات فی مجالس مختلفة بالزناء بفلانة فقالت هی بل تزوجنی فلا حدّ علیه و کذلک إن أقرت المرأة بأنّه زنی بها فلان فقال الرجل بل تزوجتها فلا حدّ علیها قالوا و إذا شهد الشهود بحد متقادم من الزناء لم یمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل شهادتهم إذا کان حدّ الزناء و إن شهدوا أنّه زنی بامرأة و لا یعرفونها لم یحد لم تقبل شهادتهم إذا کان حدّ الزناء و إن شهدوا أنّه زنی بامرأة و لا یعرفونها لم یحد و إن شهد اثنان أنّه زنی بامرأة بالکوفة و آخران أنّه زنی بالبصرة درئ الحدّ عنهما جمیعا و إن شهد أربعة علی رجل أنّه زنی بامرأة بالنخیلة عند طلوع الشمس من یوم کذا و کذا و أربعة شهدوا بهذه المرأة عند طلوع الشمس ذلک الیوم بدیر هند درئ الحدّ عنه و عنها و عنهم جمیعا و إن شهد أربعة علی شهادة أربعة بالزناء لم یحد المشهود علیه.

ص :242

و هذه المسائل کلها مذهب أبی حنیفة و یوافقه الشافعی فی کثیر منها و من تأملها علم أن مبنی الحدود علی الإسقاط بالشبهات و إن ضعفت.

فإن قلت کل هذا لا یلزم المرتضی لأن مذهبه فی فروع الفقه مخالف لمذهب الفقهاء قلت ذکر محمّد بن النعمان و هو شیخ المرتضی الذی قرأ علیه فقه الإمامیّة فی کتاب المقنعة أن الشهود الأربعة إن تفرقوا فی الشهادة بالزناء و لم یأتوا بها مجتمعین فی وقت فی مکان واحد سقط الحدّ عن المشهود علیه و وجب علیهم حدّ القذف.

قال و إذا أقر الإنسان علی نفسه بالزناء أربع مرّات علی اختیار منه للإقرار وجب علیه الحدّ و إن أقر مرة أو مرتین أو ثلاثا لم یجب علیه الحدّ بهذا الإقرار و للإمام أن یؤدبه بإقراره علی نفسه حسب ما یراه فإن کان أقر علی امرأة بعینها جلد حدّ القذف.

قال و إن جعل فی الحفرة لیرجم و هو مقر علی نفسه بالزناء ففر منها ترک و لم یرد لأن فراره رجوع عن الإقرار و هو أعلم بنفسه.

قال و لا یجب الرجم علی المحصن الذی یعده الفقهاء محصنا و هو من وطئ امرأة فی نکاح صحیح و إنّما الإحصان عندنا من له زوجة أو ملک یمین یستغنی بها عن غیرها و یتمکن من وطئها فإن کانت مریضة لا یصل إلیها بنکاح أو صغیرة لا یوطأ مثلها أو غائبة عنه أو محبوسة لم یکن محصنا بها و لا یجب علیه الرجم.

قال و نکاح المتعة لا یحصن عندنا و إذا کان هذا مذهب الإمامیّة فقد اتفق قولهم و أقوال الفقهاء فی سقوط الرجم بأدنی سبب و الذی رواه أبو الفرج الأصفهانی أن زیادا لم یحضر فی المجلس الأول و أنّه حضر فی مجلس ثان فلعل إسقاط الحدّ کان لهذا.

ثمّ نعود إلی تصفح ما اعترض به المرتضی کلام قاضی القضاة .

ص :243

أما قوله کان الحدّ فی حکم الثابت فإن اللّه تعالی لم یوجب الحدّ إلاّ إذا کان ثابتا و لم یوجبه إذا کان فی حکم الثابت و یسأل عن معنی قوله فی حکم الثابت هل المراد بذلک أنّه قریب من الثبوت و إن لم یثبت حقیقة أم المراد أنّه قد ثبت و تحقّق فإن أراد الثانی قیل له لا نسلم أنّه ثبت لأن الشهادة لم تتم و قد اعترف المرتضی بذلک و أقر بأن الشهادة لم تکمل و لکنه نسب ذلک إلی تلقین عمر و إن أراد الأول قیل له لیس یکفی فی وجوب الحدّ أن یکون قریبا إلی الثبوت لأنّه لو کفی ذلک لحد الإنسان بشهادة ثلاثة من الشهود.

و أمّا قوله إن عمر لقنه و کره أن یشهد فلا ریب أن الأمر وقع کذلک و قد قلنا إن هذا جائز بل مندوب إلیه و روینا عن أمیر المؤمنین ما رویناه و ذکرنا قول الفقهاء فی ذلک و إنهم استحبوا أن یقول القاضی للمقر بالزناء تأمل ما تقوله لعلک مسستها أو قبلتها.

فأما قول المرتضی إنّه درأ الحدّ عن واحد و کان درؤه عن ثلاثة أولی فقد أجاب قاضی القضاة عنه بأنّه ما کان یمکن دفعه عنهم فأما قول المرتضی بل قد کان یمکن دفعه عنهم بألا یلقن الرابع الامتناع من الشهادة فقد أجاب قاضی القضاة عنه بأن الزناء و وسم الإنسان به أعظم و أشنع و أفحش من أن یوسم بالکذب و الافتراء و عقوبة الزانی أعظم من عقوبة الکاذب القاذف عند اللّه تعالی فی دار التکلیف یبین ذلک أن اللّه تعالی أوجب جلد ثلاثة من المسلمین لتخلیص واحد شهد الثلاثة علیه بالزناء فلو لم یکن هذا المعنی ملحوظا فی نظر الشارع لما أوجبه فکیف یقول المرتضی لیس لأحد الأمرین إلاّ ما فی الآخر.

و أمّا خبر السارق الذی رواه قاضی القضاة و قول المرتضی فی الاعتراض علیه لیس فی دفع الحدّ عن السارق إیقاع غیره فی المکروه و قصة المغیرة تخالف هذا فلیس بجید

ص :244

لأن فی دفع الحدّ عن السارق إضاعة مال المسلم الذی سرق السارق فی زمانه و فیه أیضا إغراء أهل الفساد بالسرقة لأنّهم إذا لم یقم الحدّ علیهم لمکان الجحود أقدموا علی سرقة الأموال فلو لم یکن عنایة الشارع بالدماء أکثر من عنایته بغیره من الأموال و الأبشار لما قال للمکلف لا تقر بالسرقة و لا بالزناء و لما رجح واحدا علی ثلاثة و هان فی نظره أن تضرب أبشارهم بالسیاط و هم ثلاثة حفظا لدم واحد.

و أمّا حدیث صفوان و قول المرتضی فلا یشبه کل ما نحن فیه لأن الرسول ص بین أن ذلک القول یسقط الحدّ لو تقدم و لیس فیه تلقین یوجب إسقاط الحدّ.

فجوابه أن قاضی القضاة لم یقصد بإیراد هذا الخبر إلاّ تشیید قول عمر أری وجه رجل لا یفضح اللّه به رجلا من المسلمین لأن عمر کره فضیحة المغیرة کما کره رسول اللّه ص فضیحة السارق الذی قال صفوان هو له

3561

وَ قَالَ ع هَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِیَنِی بِهِ.

أی هلا قلت ذلک قبل أن تحضره فلم یفتضح بین الناس فإن قولک هو له و إن درأ الحدّ إلاّ أنّه لا یدرأ الفضیحة.

فأما ما حکاه قاضی القضاة عن أبی علی من أن القذف قد کان تقدم منهم و هم بالبصرة فقد ذکرنا فی الخبر ما یدلّ علی ذلک فبطل قول المرتضی أن ذلک غیر معروف و أن الظاهر المروی خلافه.

و أمّا قول عمر للمغیرة ما رأیتک إلاّ خفت أن یرمینی اللّه بحجارة من السماء فالظاهر أن مراده ما ذکره قاضی القضاة من التخویف و إظهار قوة الظنّ بصدق الشهود لیکون ردعا له و لذلک ورد فی الخبر ما أظن أبا بکرة کذب علیک تقدیره أظنه لم یکذب و لو کان کما قال المرتضی ندما و تأسفا علی تفریط (1) وقع لأقام الحدّ علیه و لو بعد حین و من الذی کان یمنعه من ذلک لو أراده.

ص :245

و قوله لم یخاف أن یرمی بالحجارة و هو لم یدرأ الحدّ عن مستحق له جوابه أن هذا القول یجری مجری التهویل و التخویف للمغیرة کیلا یقدم علی أن یعرض نفسه لشبهه فیما بعد.

فأما قول قاضی القضاة أنه غیر ممتنع أن یحب ألا یفتضح لما کان متولیا للبصرة من قبله و قول المرتضی معترضا علیه إن کونه والیا من قبله لا یقتضی أن یدرأ عنه الحدّ فغیر لازم لأن قاضی القضاة ما جعل کونه والیا من قبله مقتضیا أن یدرأ عنه الحدّ و إنّما قاله فی جواب من أنکر علی عمر محبته لدرء الحدّ عنه فقال إنّه غیر قبیح و لا یحرم محبة درء الحدّ عنه لأنّه وال من قبله فجعل الولایة للبصرة مسوغة لمحبة عمر لدفع الحدّ عنه لا مسوغة لدفع الحدّ عنه و بین الأمرین فرق واضح.

و أمّا قول المرتضی إن الشرع حظر کتمان الشهادة فصحیح فیما عدا الحدود فأما فی الحدود فلا و قد ورد

3562

فِی الْخَبَرِ الصَّحِیحِ مَنْ رَأَی عَلَی أَخِیهِ شَیْئاً مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ وَ سَتَرَ سَتَرَهُ اللَّهُ یَوْمَ یَفْتَضِحُ الْمُجْرِمُونَ.

فأما قول المرتضی هب أن الحدّ سقط أ ما اقتضت الحال تأدیب المغیرة بنوع من أنواع التعزیر و إن خف فکلام لازم لا جواب عنه و لو فعله عمر لبرئ من التهمة براءة الذئب من دم یوسف و ما أدری کیف فاته ذلک مع تشدده فی الدین و صلابته فی السیاسة و لعله کان له مانع عن اعتماد ذلک لا نعلمه

مائة قضیة و أنّه کان یفضل فی القسمة و العطاء و قد سوی اللّه تعالی بین الجمیع و أنّه قال فی الأحکام من جهة الرأی و الحدس (1) و الظنّ.

أجاب قاضی القضاة عن ذلک فقال مسائل الاجتهاد یسوغ فیها الاختلاف و الرجوع عن رأی إلی رأی بحسب الأمارات و غالب الظنّ و قد (2) ذکر أن ذلک طریقة أمیر المؤمنین ع فی أمّهات الأولاد و مقاسمة الجد مع الإخوة و مسألة الحرام.

قال و إنّما الکلام فی أصل القیاس و الاجتهاد فإذا ثبت ذلک خرج من أن یکون طعنا و قد ثبت أن أمیر المؤمنین ع کان یولی من یری خلاف (3) رأیه کابن عبّاس و شریح و لا یمنع زیدا و ابن مسعود من الفتیا مع الاختلاف بینه و بینهما.

فأما ما روی من السبعین قضیة فالمراد به فی مسائل من الجد لأن مسألة واحدة لا یوجد فیها سبعون قضیة مختلفة و لیس فی ذلک عیب بل یدلّ علی سعة علمه.

و قال قد صح فی زمان الرسول ص مثل ذلک لأنّه لما شاور فی أمر الأسری أبا بکر أشار ألا یقتلهم و أشار عمر بقتلهم فمدحهما جمیعا فما الذی یمنع من کون القولین صوابا من المجتهدین و من الواحد فی حالین.

و بعد فقد ثبت أن اجتهاد الحسن ع فی طلب الإمامة کان بخلاف اجتهاد الحسین ع لأنّه سلم الأمر و تمکنه أکثر من تمکن الحسین ع و لم یمنع ذلک من کونهما ع مصیبین.

ص :247

اعترض المرتضی هذا الجواب فقال (1) لا شک أن التلون فی الأحکام و الرجوع من قضاء إلی قضاء إنّما یکون عیبا و طعنا إذا أبطل الاجتهاد الذی یذهبون إلیه فأما لو ثبت لم یکن ذلک عیبا فأما الدعوی علی أمیر المؤمنین ع أنه تنقل فی الأحکام و رجع من مذهب إلی آخر فإنها غیر صحیحة و لا نسلمه (2) و نحن ننازعه فیها (3) و هو لا ینازعنا فی تلون صاحبه و تنقله فلم یشتبه الأمران.

و أظهر ما روی فی ذلک خبر أمّهات الأولاد و قد بینا فیما سلف من الکتاب ما فیه و قلنا إن مذهبه فی بیعهن کان واحدا غیر مختلف و إن کان قد وافق عمر فی بعض الأحوال لضرب من الرأی فأما تولیته لمن یری خلاف رأیه فلیس ذلک لتسویغه الاجتهاد الذی یذهبون إلیه بل لما بیناه من قبل أنّه ع کان غیر متمکن من اختیاره و أنّه یجری أکثر الأمور مجراها المتقدم للسیاسة و التدبیر و هذا السبب فی أنّه لم یمنع من خالفه فی الفتیا.

فأما قوله إن السبعین قضیة لم تکن فی مسألة واحدة و إنّما کانت فی مسائل من الجد فکلا الأمرین واحد فیما قصدناه لأن حکم اللّه تعالی لا یختلف فی المسألة الواحدة و المسائل فأما أمر الأساری فإن صح فإنّه لا یشبه أحکام الدین المبنیة علی العلم و الیقین لأنّه لا سبیل لأبی بکر و عمر إلی المشورة فی أمر الأساری إلاّ من طریق الظنّ و الحسبان و أحکام الدین معلومة و إلی العلم بها سبیل.

و ما ادعاه من اجتهاد الحسن بخلاف اجتهاد الحسین لیس علی ما ظنه لأن ذلک لم یکن عن اجتهاد و ظنّ بل کان عن علم و یقین فمن أین له أنهما عملا علی الظنّ فما نراه اعتمد علی حجة و من أین له أن تمکن الحسن کان أکثر من تمکن الحسین

ص :248

علی أن هذا لو کان علی ما قاله لم یحسن من هذا التسلیم و من ذاک القتال لأن المقاتل قد یکون مغررا ملقیا بیدیه إلی التهلکة و المسالم مضیعا للأمر مفرطا و إذا کان عند صاحب الکتاب التسلیم و القتال إنّما کانا عن ظنّ و أمارات فلیس یجوز أن یغلب علی الظنّ بأن الرأی فی القتال مع ارتفاع أمارات التمکن و لا أن یغلب فی الظنّ المسالمة مع قوة أمارات التمکن (1) .

قلت أما القول فی صحة الاجتهاد و بطلانه فله مواضع غیر هذا الموضع و کذلک القول فی تقیة الإمام و استصلاحه و فعله ما لا یسوغ لضرب من السیاسة و التدبیر.

و أمّا مسائل الجد فلم یعترض المرتضی قول قاضی القضاة فیها و أما قاضی القضاة فقد استبعد بل أحال أن تکون مسألة واحدة بعینها تحتمل سبعین حکما مختلفة فحمل الحدیث علی أن عمر أفتی فی باب میراث الأجداد و الجدات بسبعین فتیا فی سبعین مسألة مختلفة الصور و ذلک دلیل علی علمه و فقهه و تمکنه من البحث فی تفاریع المسائل الشرعیة هذا هو جواب قاضی القضاة فکیف یعترض بقوله کلا الأمرین واحد فیما قصدناه لأن حکم اللّه لا یختلف فی المسألة الواحدة و المسائل المتعدّدة أ لیس هذا اعتراض من ظنّ أن قاضی القضاة قد اعترض بتناقض أحکامه و لکن لا فی مسألة بعینها بل فی مسائل من باب میراث الجد و لم یقصد قاضی القضاة ما ظنه و الوجه أن یعترض قاضی القضاة فیقال إن الرواة کلهم اتفقوا علی أن عمر تلون تلونا شدیدا فی الجد مع الإخوة کیف یقاسمهم و هی مسألة واحدة فقضی فیها بسبعین قضیة فأخرجوا الروایة مخرج التعجب من تناقض فتاویه و لم یخرج أحد من المحدثین الروایة مخرج المدح له بسعة تفریعه فی الفقه و المسائل فلا یجوز صرف الروایة عن الوضع الذی وردت علیه.

ص :249

و قول قاضی القضاة کیف تحتمل مسألة واحدة سبعین وجها جوابه أنّه لم یقع الأمر بموجب ما توهمه بل المراد أن قوما تحاکموا إلیه فی هذه المسألة مثلا الیوم فأفتی فیها بفتیا نحو أن یقول فی جد و بنت و أخت للبنت النصف و الباقی بین الجد و الأخت لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ و هو قول زید بن ثابت ثم یتحاکم إلیه بعد أیّام فی هذه المسألة بعینها قد وضعت لقوم آخرین فیقول للبنت النصف و للجد السدس و الباقی للأخت و هو المذهب المحکی عن علی ع و ذلک بأن یتغلب علی ظنه ترجیح هذه الفتیا علی ما کان أفتی به من قبل ثمّ تقع هذه المسألة بعینها بعد شهر آخر فیفتی فیها بفتیا أخری فیقول للبنت النصف و الباقی بین الجد و الأخت نصفین و هو مذهب ابن مسعود ثم تقع المسألة بعینها بعد شهر آخر فیقضی فیها بالفتیا الأولی و هی مذهب زید بأن یعود ظنه مترجحا متغلبا لمذهب زید ثم تقع المسألة بعینها بعد وقت آخر فیفتی فیها بقول علی ع و هکذا لا تزال المسألة بعینها تقع و أقواله فیها تختلف و هی ثلاثة لا مزید علیها إلاّ أنّه لا یزال یفتی فیها فتاوی مختلفة إلی أن توفی فأحصیت فکانت سبعین فتیا.

فأما احتجاج قاضی القضاة بقصة أسری بدر فجید و أمّا ما اعترض به المرتضی فلیس بجید لأن المسألة من باب الشرع و هو قتل الأسری أو تخلیتهم بالفداء و القتل و إراقة الدم من أهم المسائل الشرعیة و قد علم من الشارع شدة العنایة بأمر الدنیا فإن کانت أحکام الشرع لا یجوز أن تتلقی و أن یفتی فیها إلاّ بطریق معلومة و أن الظنّ و الاجتهاد لا مدخل له فی الشرع کما یذهب إلیه المرتضی فکیف جاز من رسول اللّه ص أن یشاور فی أحکام شرعیة من لا طریق له إلی العلم و إنّما قصاری أمره الظنّ و الاجتهاد و الحسبان و کیف مدحهما جمیعا و قد اختلفا و لا بدّ أن یکون أحدهما مخطئا.

ص :250

و أمّا قول المرتضی من أین لقاضی القضاة أن ما اعتمده الحسن و الحسین من الکف و الإقدام کان عن الاجتهاد فجید و جواب صحیح علی أصول الإمامیّة لأنّه لیس بمستحیل أن یعتمدا ذلک بوصیة سابقة من أبیهما ع .

و أمّا قوله لقاضی القضاة کلامک مضطرب لأنک أسندت ما اعتمداه إلی الاجتهاد ثمّ قلت و قد کان تمکن الحسن أکثر من تمکن الحسین ع و هذا یؤدی إلی أن أحدهما غرر بنفسه و الآخر فرط فی تسلیم حقه فلیس بجید و الذی أراده قاضی القضاة الدلالة علی جواز الاجتهاد و أنّه طریقة المسلمین کلهم و أهل البیت ع و أومأ إلی ما اعتمده الحسن من تسلیم الأمر إلی معاویة و ما اعتمده الحسین من منازعة یزید الخلافة فعملا فیها بموجب اجتهادهما و ما غلب علی ظنونهما من المصلحة و قد کان تمکن الحسن ع فی الحال الحاضرة أکثر من تمکن الحسین ع فی حاله الحاضرة لأن جند الحسن کان حوله و مطیفا به و هم کما روی مائة ألف سیف و لم یکن مع الحسین ع ممن یحیط به و یسیر بمسیره إلی العراق إلا دون مائة فارس و لکن ظنهما فی عاقبة الأمر و مستقبل الحال کان مختلفا فکان الحسن یظن خذلان أصحابه عند اللقاء و الحرب و کان الحسین ع یظن نصرة أصحابه عند اللقاء و الحرب فلذلک أحجم أحدهما و أقدم الآخر فقد بان أن قول قاضی القضاة غیر مضطرب و لا متناقض

یشرع فیقول هذا القول و لأنّه یوهم مساواة الرسول ص فی الأمر و النهی و أن اتباعه أولی من اتباع رسول اللّه ص .

أجاب قاضی القضاة فقال أنّه إنّما عنی (1) بقوله و أنا أنهی عنهما و أعاقب علیهما کراهته لذلک و تشدده فیه من حیث نهی رسول اللّه ص عنهما بعد أن کانتا فی أیامه منبها بذلک علی حصول النسخ فیهما و تغیر الحکم لأنا نعلم أنّه کان متبعا للرسول متدینا بالإسلام فلا یجوز أن نحمل قوله علی خلاف ما تواتر من حاله و حکی عن أبی علی أن ذلک بمنزلة أن یقول إنّی أعاقب من صلی إلی بیت المقدس و إن کان صلی إلی بیت المقدس فی حیاة رسول اللّه ص و اعتمد فی تصویبه علی کف الصحابة عن النکیر عنه و ادعی أن أمیر المؤمنین ع أنکر علی ابن عبّاس إحلال المتعة و روی عن النبیّ ص تحریمهما فأما متعة الحجّ فإنما أراد ما کانوا یفعلون من فسخ الحجّ لأنّه کان یحصل لهم عنده التمتع و لم یرد بذلک التمتع الذی یجری مجری تقدم العمرة و إضافة الحجّ إلیها بعد ذلک لأنّه جائز لم یقع فیه قبح.

اعترض المرتضی هذا الکلام (2) فقال ظاهر الخبر المروی عن عمر فی المتعتین یبطل هذا التأویل لأنّه قال متعتان کانتا علی عهد رسول اللّه ص أنا أنهی عنهما و أعاقب علیهما فأضاف النهی إلی نفسه و لو کان الرسول نهی عنهما لأضاف النهی إلیه فکان آکد و أولی فکان یقول فنهی عنهما أو نسخهما و أنا من بعده أنهی عنهما و أعاقب علیهما و لیس یشبه ما ذکره من الصلاة إلی بیت المقدس أن نسخ

ص :252

الصلاة إلی بیت المقدس معلوم ضرورة من دینه ص و لیس کذلک المتعة علی أنّه لو قال إن الصلاة إلی بیت المقدس کانت فی أیام النبیّ ص جائزة و أنا الآن أنهی عنها لکان قبیحا شنیعا مثل ما استقبحنا من القول الأوّل و لیس هذا القول منه ردا علی الرسول ص لأنّه لا یمتنع أن یکون استحسن حظرها فی أیامه لوجه لم یکن فیما تقدم و اعتقد أن الإباحة فی أیام رسول اللّه ص کان لها شرط لم یوجد فی أیامه

3563

14- وَ قَدْ رُوِیَ عَنْهُ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَعْنَی فَقَالَ إِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ الْمُتْعَةَ لِلنَّاسِ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ النِّسَاءُ یَوْمَئِذٍ قَلِیلَةٌ . و لذلک

3564

14- رُوِیَ عَنْهُ فِی مُتْعَةِ الْحَجِّ أَنَّهُ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص فَعَلَهَا وَ أَصْحَابُهُ وَ لَکِنْ کَرِهْتُ أَنْ یَظَلُّوا بِهَا مُعْرِسِینَ تَحْتَ الْأَرَاکِ ثُمَّ یَرْجِعُوا بِالْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ

.

و أما (1) اعتماده علی الکف عن النکیر فقد تقدم أنّه لیس بحجة إلاّ علی شرائط شرحناها علی أنه

3565

قَدْ رُوِیَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ بَعْدَ نَهْیِهِ عَنِ الْمُتْعَةِ لاَ أُوتَی بِأَحَدٍ تَزَوَّجَ مُتْعَةً إِلاَّ عَذَّبْتُهُ بِالْحِجَارَةِ. و لو کنت تقدمت فیها لرجمت و ما وجدنا أحدا أنکر علیه هذا القول لأن المتمتع عندهم لا یستحق الرجم و لم یدلّ ترک النکیر علی صوابه.

فأما ادعاؤه علی أمیر المؤمنین ع أنه أنکر علی ابن عبّاس إحلالها فالأمر بخلافه و عکسه فقد روی عنه ع من طرق کثیرة أنّه کان یفتی بها و ینکر علی محرمها و الناهی عنها و

3566

رَوَی عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ الْهَمْدَانِیُّ عَنْ حُبَیْشِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع یَقُولُ

لَوْ لاَ مَا سَبَقَ مِنِ اِبْنِ الْخَطَّابِ فِی الْمُتْعَةِ مَا زَنَی إِلاَّ شَقِیٌّ .

و

3567

رَوَی أَبُو بَصِیرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِیٍّ الْبَاقِرَ ع یَرْوِی عَنْ جَدِّهِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع

لَوْ لاَ مَا سَبَقَنِی بِهِ اِبْنُ الْخَطَّابِ مَا زَنَی إِلاَّ شَقِیٌّ .

و قد أفتی بالمتعة

ص :253

جماعة من الصحابة و التابعین کعبد اللّه بن عبّاس و عبد اللّه بن مسعود و جابر بن عبد اللّه الأنصاری و سلمة بن الأکوع و أبی سعید الخدری و سعید بن جبیر و مجاهد و غیر ما ذکرناه ممن یطول ذکره فأما سادة أهل البیت ع و علماؤهم فأمرهم واضح فی الفتیا بها کعلی بن الحسین زین العابدین و أبی جعفر الباقر ع و أبی عبد اللّه الصادق ع و أبی الحسن موسی الکاظم و علی بن موسی الرضا ع و ما ذکرنا من فتیا من أشرنا إلیه من الصحابة بها یدلّ علی أوضح بطلان ما ذکره صاحب الکتاب من ارتفاع النکیر لتحریمها لأن مقامهم علی الفتیا بها نکیر فأما متعة الحجّ فقد فعلها النبیّ ص و الناس أجمع من بعده و الفقهاء فی أعصارنا هذه لا یرونها خطأ بل صوابا.

فأما قول صاحب الکتاب إن عمر إنّما أنکر فسخ الحجّ فباطل لأن ذلک أولا لا یسمی متعة و لأن ذلک ما فعل فی أیام النبیّ ص و لا فعله أحد من المسلمین بعده و إنّما هو من سنن الجاهلیة فکیف یقول عمر متعتان کانتا علی عهد رسول اللّه ص و کیف یغلظ و یشدد فیما لم یفعل و لا فعل (1) .

قلت لا شبهة أن الظاهر من کلام عمر إضافة النهی إلی نفسه لکنا یجب علینا أن نترک ظاهر اللفظ إذا علمنا من قائله ما یوجب صرف اللفظ عن الظاهر کما یعتمده کل أحد فی القرائن المقترنة بالألفاظ و المعلوم من حال عمر أنه لم یکن یدعی أنّه ناسخ لشریعة

ص :254

الرسول ص و أنّه کان متدینا بالإسلام و تابعا للرسول الذی جاء به فوجب أن یحمل کلامه علی أنّه أراد أنهما کانتا ثمّ حرمتا ثمّ أنا الآن أعاقب من فعلهما لأنّه قد کان بلغه عن قوم من المسلمین بعد علمهم بالتحریم و قول المرتضی لعله کان اعتقد أن الإباحة أیام رسول اللّه ص کانت مشروطة بشرط لم یوجد فی أیامه قول یبطل طعنه فی عمر و یمهد له عذرا و یصیر المسألة اجتهادیة.

و أمّا طعنه فی الاحتجاج علی تصویب عمر بترک الإنکار علیه و قوله فهلا أنکروا علیه قوله لا أری أحدا یستمتع إلاّ رجمته فلیس بطعن مستقیم و إنّما یکون طعنا صحیحا لو کان أتی بمتمتع فأمر برجمه فأما أن ینکروا علیه وعیده و تهدیده لا لإنسان معین بل کلاما مطلقا و قولا کلیا یقصد به حسم المادة فی المتعة و تخویف فاعلها فإنّه لیس بمحل للإنکار علیه و ما زالت الأئمة و الصالحون یتوعدون بأمر لیس فی نفوسهم فعله علی طریق التأدیب و التهذیب علی أن قوما من الفقهاء قد أوجبوا إقامة الحدّ علی المتمتع فلا یمتنع أن یکون عمر ذاهبا إلی هذا المذهب.

فأما ما رواه عن أمیر المؤمنین ع و عن الطاهرین من أولاده من تحلیل المتعة فلسنا فی هذا المقام نناکره فی ذلک و ننازعه فیها و المسألة فقهیة من فروع الشریعة و لیس کتابنا موضوعا لذکره و لا الموضع الذی نحن فیه یقتضی الحجاج فیها و البحث فی تحلیلها و تحریمها و إنّما الموضع موضع الکلام فی حال عمر و ما نقل عنه من الکلمة هل یقتضی ذلک الطعن فی دینه أم لا.

فأما متعة الحجّ فقد اعتذر لنفسه و قال ما قدمنا ذکره من أن الحجّ بهاء من بهاء اللّه و أن التمتع یکسفه و یذهب نوره و رونقه و أنهم یظلون معرسین تحت الأراک ثمّ

ص :255

یهلون بالحج و رءوسهم تقطر و إذا کان قد اعتذر لنفسه فقد کفانا مئونة الاعتذار

بالرضا بمن یختاره و لا یجب القدح فی الأفعال بالظنون بل یجب حملها علی ظاهر الصحة دون الاحتمال کما یجب مثله فی غیرها و یجب إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضی حسن الظنّ به أن یحمل فعله علی ما یطابقها و قد علمنا أن حال عمر و ما کان علیه من النصیحة للمسلمین منع من صرف أمره فی الشوری إلی الأغراض التی یظنها أعداؤه فلا یصحّ لهم أن یقولوا کان مراده فی الشوری بأن یجعل الأمر إلی الفرقة التی فیها عبد الرحمن عند الخلاف أن یتم الأمر لعثمان لأنّه لو کان هذا مراده لم یکن هناک ما یمنعه من النصّ علی عثمان کما لم یمنع ذلک أبا بکر لأن أمره إن لم یکن أقوی من أمر أبی بکر لم ینقص عنه و لیس ذلک بدعة لأنّه إذا جاز فی غیر الإمام إذا اختار أن یفعل ذلک بأن ینظر فی أماثل القوم فیعلم أنهم عشرة ثمّ ینظر فی العشرة فیعلم أن أمثلهم خمسة ثمّ ینظر فی واحد من الخمسة فما الذی یمنع من مثله فی الإمام و هو فی هذا الباب أقوی اختیارا لأن له أن یختار واحدا بعینه.

ثمّ ذکر أنّه إنّما حصره فی الجماعة الذین انتهی إلیهم الفضل و جعله شوری بینهم ثمّ بین أن الانتقال من الستة إلی الأربعة و من الأربعة إلی الثلاثة لا یکون متناقضا لأن الأقوال مختلفة و لیست واحدة و لو کانت أیضا واحدة لکان کالرجوع و للإمام أن یرجع فی مثل ذلک لأنّه فی حکم الوصیة.

قال و قولهم أنّه کان یعلم أن عثمان و علیا لا یجتمعان و أن عبد الرحمن یمیل إلی عثمان قلة دین لأن الأمور المستقبلة لا تعلم و إنّما یحصل فیها أمارة قال و الأمارات توجب أنّه لم یکن فیهم حرص شدید علی الإمامة بل الغالب من حالهم طلب الاتفاق و الائتلاف و الاسترواح إلی قیام الغیر بذلک و إنّما جعل عمر الأمر إلی عبد الرحمن عند الاختلاف لعلمه بزهده فی الأمر و أنّه لأجل ذلک أقرب أن یتثبت لأن الراغب

ص :257

عن الشیء یحصل له من التثبت ما لا یحصل للراغب فیه و من کانت هذه حاله کان القوم إلی الرضا به أقرب.

و حکی عن أبی علی أن المخادعة إنّما تظن بمن قصده فی الأمور طریق الفساد و عمر بریء من ذلک.

قال و الضعف الذی وصف به عبد الرحمن إنّما أراد به الضعف عن القیام بالإمامة لا ضعف الرأی و لذلک ردّ الاختیار و الرأی إلیه و حکی عن أبی علی ضعف ما روی من أمره بضرب أعناق القوم إذا تأخروا عن البیعة و أن ذلک لو صح لأنکره القوم و لم یدخلوا فی الشوری بهذا الشرط ثمّ تأوله إذ سلم صحته علی أنهم إن تأخروا عن البیعة علی سبیل شق العصا و طلب الأمر من غیر وجهه و قال و لا یمتنع أن یقول ذلک علی طریق التهدید و إن بعد عنده أن یقدموا علیه کما قال تعالی لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ .

اعترض المرتضی هذا الکلام فقال إن الذی رتبه عمر فی قصة الشوری من ترتیب العدد و اتفاقه و اختلافه یدلّ أولا علی بطلان مذهب أصحاب الاختیار فی عدد العاقدین للإمامة و أنّه یتم بعقد واحد لغیره برضا أربعة و أنّه لا یتم بدون ذلک فإن قصة الشوری تصرح بخلاف هذا الاعتبار فهذا أحد وجوه المطاعن فیها.

و من جملتها أنّه وصف کل واحد منهم بوصف زعم أنّه یمنع من الإمامة ثمّ جعل الأمر فیمن له تلک الأوصاف

3568

1- وَ قَدْ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلْوَاقِدِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزُّهْرِیِّ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ لاَ أَدْرِی مَا أَصْنَعُ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص وَ ذَلِکَ قَبْلَ أَنْ یُطْعَنَ فَقُلْتُ وَ لِمَ تَهْتَمُّ وَ أَنْتَ تَجِدُ مَنْ تَسْتَخْلِفُهُ

ص :258

عَلَیْهِمْ قَالَ أَ صَاحِبُکُمْ یَعْنِی عَلِیّاً قُلْتُ نَعَمْ هُوَ لَهَا أَهْلٌ فِی قَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ صِهْرِهِ وَ سَابِقَتِهِ وَ بَلاَئِهِ قَالَ إِنَّ فِیهِ بَطَالَةً (1) وَ فُکَاهَةً فَقُلْتُ فَأَیْنَ أَنْتَ مِنْ طَلْحَةَ قَالَ فَأَیْنَ الزَّهْوُ وَ النَّخْوَةُ قُلْتُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ عَلَی ضَعْفٍ فِیهِ قُلْتُ فَسَعْدٌ قَالَ ذَاکَ صَاحِبُ مِقْنَبٍ (2) وَ قِتَالٍ لاَ یَقُومُ بِقَرْیَةٍ لَوْ حَمَلَ أَمْرَهَا قُلْتُ فَالزُّبَیْرُ قَالَ وَعِقَةٌ لَقِسٌ (3) مُؤْمِنُ الرِّضَا کَافِرُ الْغَضَبِ شَحِیحٌ وَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لاَ یَصْلُحُ إِلاَّ لِقَوِیٍّ فِی غَیْرِ عُنْفٍ رَفِیقٍ فِی غَیْرِ ضَعْفٍ وَ جَوَادٍ فِی غَیْرِ سَرَفٍ قُلْتُ فَأَیْنَ أَنْتَ مِنْ عُثْمَانَ قَالَ لَوْ وَلِیَهَا لَحَمَلَ بَنِی أَبِی مُعَیْطٍ عَلَی رِقَابِ النَّاسِ وَ لَوْ فَعَلَهَا لَقَتَلُوهُ (4)

.

3569

1- وَ قَدْ یُرْوَی مِنْ غَیْرِ هَذَا الطَّرِیقِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَصْحَابِ اَلشُّورَی رُوحُوا إِلَیَّ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَیْهِمْ قَالَ قَدْ جَاءَنِی کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ یَهُزُّ عِفْرِیتَهُ یَرْجُو أَنْ یَکُونَ خَلِیفَةً أَمَّا أَنْتَ یَا طَلْحَةُ أَ فَلَسْتَ الْقَائِلَ إِنْ قُبِضَ اَلنَّبِیُّ ص أَنْکِحُ أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ مُحَمَّداً أَحَقَّ بِبَنَاتِ أَعْمَامِنَا مِنَّا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی فِیکَ وَ مٰا کٰانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّٰهِ وَ لاٰ أَنْ تَنْکِحُوا أَزْوٰاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً (5) وَ أَمَّا أَنْتَ یَا زُبَیْرُ فَوَ اللَّهِ مَا لاَنَ قَلْبُکَ یَوْماً وَ لاَ لَیْلَةً وَ مَا زِلْتَ جِلْفاً (6) جَافِیاً وَ أَمَّا أَنْتَ یَا عُثْمَانُ فَوَ اللَّهِ لَرَوْثَةٌ (7) خَیْرٌ مِنْکَ وَ أَمَّا أَنْتَ یَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَإِنَّکَ رَجُلٌ عَاجِزٌ تُحِبُّ قَوْمَکَ جَمِیعاً وَ أَمَّا أَنْتَ یَا سَعْدُ فَصَاحِبُ عَصَبِیَّةٍ وَ فِتْنَةٍ وَ أَمَّا أَنْتَ یَا عَلِیُّ فَوَ اللَّهِ لَوْ وُزِنَ إِیمَانُکَ بِإِیمَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَرَجَحَهُمْ فَقَامَ عَلِیٌّ مَوَلِّیاً یَخْرُجُ فَقَالَ عُمَرُ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَعْلَمُ مَکَانَ رَجُلٍ لَوْ وَلَّیْتُمُوهُ

ص :259

أَمْرَکُمْ لَحَمَلَکُمْ عَلَی الْمَحَجَّةِ الْبَیْضَاءِ قَالُوا مَنْ هُوَ قَالَ هَذَا الْمُوَلِّی مِنْ بَیْنِکُمْ قَالُوا فَمَا یَمْنَعُکَ مِنْ ذَلِکَ قَالَ لَیْسَ إِلَی ذَلِکَ سَبِیلٌ

.

3570

1- وَ فِی خَبَرٍ آخَرَ رَوَاهُ اَلْبَلاذِرِیُّ فِی تَارِیخِهِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا خَرَجَ أَهْلُ اَلشُّورَی مِنْ عِنْدِهِ قَالَ إِنْ وَلَّوْهَا اَلْأَجْلَحُ (1) سَلَکَ بِهِمُ الطَّرِیقَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَمَا یَمْنَعُکَ مِنْهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ أَکْرَهُ أَنْ أَتَحَمَّلَهَا حَیّاً وَ مَیِّتاً

.

فوصف کما تری کل واحد من القوم بوصف قبیح یمنع من الإمامة ثمّ جعلها فی جملتهم حتّی کان تلک الأوصاف تزول فی حال الاجتماع و نحن نعلم أن الذی ذکره إن کان مانعا من الإمامة فی کل واحد علی الانفراد فهو مانع من الاجتماع مع أنّه وصف علیا ع بوصف لا یلیق به و لا ادعاه عدو قط بل هو معروف بضده من الرکانة و البعد عن المزاح و الدعابة و هذا معلوم ضرورة لمن سمع أخباره ع و کیف یظن به ذلک

3571

1- وَ قَدْ رُوِیَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ کَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیٌّ ع إِذَا أَتَی هِبْنَا أَنْ نَبْتَدِئَهُ بِالْکَلاَمِ .

و هذا لا یکون إلاّ من شدة التزمت و التوقر و ما یخالف الدعابة و الفکاهة.

و ممّا تضمنته قصة الشوری من المطاعن أنّه قال لا أتحملها حیا و میتا و هذا إن کان علة عدوله عن النصّ إلی واحد بعینه فهو قول متلمس متخلص لا یفتات علی الناس فی آرائهم ثمّ نقض هذا بأن نص علی ستة من بین العالم کله ثمّ رتب العدد ترتیبا مخصوصا یؤول إلی أن اختیار عبد الرحمن هو المقدم و أی شیء یکون من التحمل أکثر (2) من هذا و أی فرق بین أن یتحملها بأن ینص علی واحد بعینه و بین أن یفعل ما فعله من الحصر و الترتیب.

ص :260

و من جملة المطاعن أنّه أمر بضرب الأعناق إن تأخروا عن البیعة أکثر من ثلاثة أیّام و معلوم أنهم بذلک لا یستحقون القتل لأنّهم إذا کانوا إنّما کلفوا أن یجتهدوا آراءهم فی اختیار الإمام فربما طال زمان الاجتهاد و ربما قصر بحسب ما یعرض فیه من العوارض فأی معنی للأمر بالقتل إذا تجاوزوا الأیّام الثلاثة ثمّ أنّه أمر بقتل من یخالف الأربعة و من یخالف العدد الذی فیه عبد الرحمن و کل ذلک ممّا لا یستحق به القتل.

فأما تضعیف أبی علی لذکر القتل فلیس بحجة مع أن جمیع من روی قصة الشوری روی ذلک و قد روی الطبریّ [ذلک]

(1) فی تاریخه و غیره.

فأما تأوله الأمر بالقتل علی أن المراد به إذا تأخروا علی طریق شق العصا و طلب الأمر من غیر وجهه فبعید من الصواب لأنّه لیس فی ظاهر الخبر ذلک و لأنّهم إذا شقوا العصا و طلبوا الأمر من غیر وجهه من أول یوم وجب أن یمنعوا و یقاتلوا فأی معنی لضرب الأیّام الثلاثة أجلا.

فأما تعلقه بالتهدید فکیف یجوز أن یتهدد الإنسان علی فعل بما لا یستحقه و إن علم أنّه لا یعزم علیه.

فأما قوله تعالی لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ (2) فیخالف ما ذکر لأن الشرک یستحق به إحباط الأعمال و لیس یستحق بالتأخیر عن البیعة القتل.

فأما ادعاء صاحب الکتاب أن الجماعة دخلوا فی الشوری علی سبیل الرضا و أن عبد الرحمن أخذ علیهم العهد أن یرضوا بما یفعله فمن قرأ قصة الشوری علی وجهها و عدل عما تسوله النفس من بناء الأخبار علی المذاهب علم أن الأمر بخلاف ما ذکر

3572

1- وَ قَدْ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ عَنْ أَشْیَاخِهِ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع قَالَ حِینَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ بَعْدَ خِطَابِهِ لِلْجَمَاعَةِ بِمَا تَقَدَّمَ ذِکْرُهُ لِقَوْمٍ کَانُوا مَعَهُ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ إِنْ طَمِعَ فِیکُمْ قَوْمُکُمْ لَمْ تُؤَمَّرُوا أَبَداً وَ تَلَقَّاهُ اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

ص :261

فَقَالَ یَا عَمِّ عَدَلْتَ عَنَّا قَالَ وَ مَا عِلْمُکَ قَالَ قَرَنَ بِی عُثْمَانَ وَ قَالَ کُونُوا مَعَ الْأَکْثَرِ وَ إِنْ رَضِیَ رَجُلاَنِ رَجُلاً وَ رَجُلاَنِ رَجُلاً فَکُونُوا مَعَ الَّذِینَ فِیهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَسَعْدٌ لاَ یُخَالِفُ ابْنَ عَمِّهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صِهْرُ عُثْمَانَ لاَ یَخْتَلِفَانِ فَیُوَلِّیهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عُثْمَانَ أَوْ یُوَلِّیهَا عُثْمَانُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَلَوْ کَانَ الْآخَرَانِ مَعِی لَمْ یَنْفَعَانِی بَلْهَ أَنِّی لاَ أَرْجُو إِلاَّ أَحَدَهُمَا فَقَالَ لَهُ اَلْعَبَّاسُ لَمْ أَدْفَعْکَ عَنْ شَیْءٍ إِلاَّ رَجَعْتَ إِلَیَّ مُسْتَأْخِراً أَشَرْتُ عَلَیْکَ عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنْ تَسْأَلَهُ فِیمَنْ هَذَا الْأَمْرُ فَأَبَیْتَ وَ أَشَرْتُ عَلَیْکَ عِنْدَ وَفَاتِهِ أَنْ تُعَاجِلَ الْأَمْرَ فَأَبَیْتَ وَ أَشَرْتُ عَلَیْکَ حِینَ سَمَّاکَ عُمَرُ فِی اَلشُّورَی أَلاَّ تَدْخُلَ مَعَهُمْ فَأَبَیْتَ فَاحْفَظْ عَلَیَّ وَاحِدَةً کُلَّمَا عَرَضَ عَلَیْکَ الْقَوْمُ فَقُلْ لاَ إِلاَّ أَنْ یُوَلُّوکَ وَ احْذَرْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ فَإِنَّهُمْ لاَ یَبْرَحُونَ یَدْفَعُونَنَا عَنْ هَذَا الْأَمْرِ حَتَّی یَقُومَ لَنَا بِهِ غَیْرُنَا وَ غَیْرُهُمْ وَ أَیْمُ اللَّهِ لاَ تَنَالُهُ إِلاَّ بِشَرٍّ لاَ یَنْفَعُ مَعَهُ خَیْرٌ فَقَالَ عَلِیٌّ ع أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ بَقِیَ عُمَرُ لَأَذْکُرَنَّهُ مَا أَتَی إِلَیْنَا وَ لَئِنْ مَاتَ لَیَتَدَاوَلُنَّهَا بَیْنَهُمْ وَ لَئِنْ فَعَلُوا لَیَجِدَنَّنِی حَیْثُ یَکْرَهُونَ ثُمَّ تَمَثَّلَ حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ عَشِیَّةً .

فَالْتَفَتَ فَرَأَی أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِیَّ فَکَرِهَ مَکَانَهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لاَ تَرُعْ أَبَا حَسَنٍ (1)

.

قال المرتضی فإن قال قائل أی معنی لقول العبّاس إنی دعوتک إلی أن تسأل رسول اللّه ص فیمن هذا الأمر من قبل وفاته أ لیس هذا مبطلا لما تدعونه من النصّ.

قلنا غیر ممتنع أن یرید العبّاس سؤاله عمن یصیر الأمر إلیه و ینتقل إلی یدیه

ص :262

لأنّه قد یستحقه من لا یصل إلیه و قد یصل إلی من لا یستحقه و لیس یمتنع أن یرید إنّما کنا نسأله ص إعادة النصّ قبل الموت لیتجدد و یتأکد و یکون لقرب العهد إلیه بعیدا من أن یطرح.

فإن قیل أ لیس قد أنکرتم علی صاحب الکتاب من التأویل بعینه فیما استعمله من الروایة عن أبی بکر من قوله لیتنی کنت سألت رسول اللّه ص هل للأنصار فی هذا الأمر حقّ.

قلنا إنّما أنکرناه فی ذلک الخبر لأنّه لا یلیق به من حیث قال فکنا لا ننازعه أهله و هذا قول من لا علم له بأنّه لیس للأنصار حق فی الإمامة و من کان یرجع فی أن لهم حقا فی الأمر أو لا حقّ لهم فیه إلی ما یسمعه مستأنفا و لیس هذا فی الخبر الذی ذکرناه (1) .

و

3573

1- رَوَی اَلْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْکَلْبِیُّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ فِی إِسْنَادِهِ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع شَکَا إِلَی اَلْعَبَّاسِ مَا سَمِعَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ کُونُوا مَعَ الثَّلاَثَةِ الَّذِینَ فِیهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ قَالَ وَ اللَّهِ لَقَدْ ذَهَبَ الْأَمْرُ مِنَّا قَالَ وَ کَیْفَ قُلْتَ ذَلِکَ یَا ابْنَ أَخِی قَالَ إِنَّ سَعْداً لاَ یُخَالِفُ ابْنَ عَمِّهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ نَظِیرُ عُثْمَانَ وَ صِهْرُهُ فَأَحَدُهُمَا یَخْتَارُ لِصَاحِبِهِ لاَ مَحَالَةَ وَ إِنْ کَانَ اَلزُّبَیْرُ وَ طَلْحَةُ مَعِی فَلَنْ أَنْتَفِعَ بِذَلِکَ إِذَا کَانَ اِبْنُ عَوْفٍ فِی الثَّلاَثَةِ الْآخَرِینَ

.

قال ابن الکلبی عبد الرحمن زوج أم کلثوم بنت عقبة بن أبی معیط و أمها أروی بنت کریز و أروی أم عثمان فلذلک قال صهره.

3574

1- وَ فِی رِوَایَةِ اَلطَّبَرِیِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ دَعَا عَلِیّاً ع فَقَالَ عَلَیْکَ عَهْدُ اللَّهِ

ص :263

وَ مِیثَاقُهُ لَتَعْمَلَنَّ بِکِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ وَ سِیرَةِ الْخَلِیفَتَیْنِ فَقَالَ أَرْجُو أَنْ أَفْعَلَ وَ أَعْمَلَ بِمَبْلَغِ عِلْمِی وَ طَاقَتِی (1) .

و

3575

1- فِی خَبَرٍ آخَرَ عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ لِعَلِیٍّ ع هَلُمَّ یَدَکَ خُذْهَا بِمَا فِیهَا عَلَی أَنْ تَسِیرَ فِینَا بِسِیرَةِ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَقَالَ آخُذُهَا بِمَا فِیهَا عَلَی أَنْ أَسِیرَ فِیکُمْ بِکِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ جُهْدِی فَتَرَکَ یَدَهُ وَ قَالَ هَلُمَّ یَدَکَ یَا عُثْمَانُ أَ تَأْخُذُهَا بِمَا فِیهَا عَلَی أَنْ تَسِیرَ فِینَا بِسِیرَةِ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ قَالَ نَعَمْ قَالَ هِیَ لَکَ یَا عُثْمَانُ وَ فِی رِوَایَةِ اَلطَّبَرِیِّ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ مِثْلَ قَوْلِهِ لِعَلِیٍّ فَقَالَ نَعَمْ فَبَایَعَهُ فَقَالَ عَلِیٌّ ع خُتُونَةٌ حَنَّتْ دَهْراً (2) وَ فِی خَبَرٍ آخَرَ نَفَعَتِ الْخُتُونَةُ یَا اِبْنَ عَوْفٍ لَیْسَ هَذَا أَوَّلَ یَوْمٍ تَظَاهَرْتُمْ فِیهِ عَلَیْنَا فَصَبْرٌ جَمِیلٌ وَ اللّٰهُ الْمُسْتَعٰانُ عَلیٰ مٰا تَصِفُونَ وَ اللَّهِ مَا وَلَّیْتَ عُثْمَانَ إِلاَّ لِیَرُدَّ الْأَمْرَ إِلَیْکَ وَ اللَّهُ کُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ وَ فِی غَیْرِ رِوَایَةِ اَلطَّبَرِیِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ لَهُ لَقَدْ قُلْتُ ذَلِکَ لِعُمَرَ فَقَالَ ع أَ وَ لَمْ یَکُنْ ذَلِکَ کَمَا قُلْتَ وَ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ لاَ تَجْعَلَنَّ یَا عَلِیُّ عَلَی نَفْسِکَ سَبِیلاً فَإِنِّی نَظَرْتُ وَ شَاوَرْتُ النَّاسَ فَإِذَا هُمْ لاَ یَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ فَقَامَ عَلِیٌّ ع وَ هُوَ یَقُولُ سَیَبْلُغُ الْکِتَابُ أَجَلَهُ (3) وَ فِی رِوَایَةِ اَلطَّبَرِیِّ أَنَّ النَّاسَ لَمَّا بَایَعُوا عُثْمَانَ تَلَکَّأَ عَلِیٌّ ع فَقَالَ عُثْمَانُ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّمٰا یَنْکُثُ عَلیٰ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفیٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَیْهُ اللّٰهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً

ص :264

عَظِیماً (1) فَرَجَعَ عَلِیٌّ ع حَتَّی بَایَعَهُ وَ هُوَ یَقُولُ خُدْعَةٌ وَ أَیُّ (2) خُدْعَةٍ (3)

.

3576

1- وَ رَوَی اَلْبَلاذُرِیُّ فِی کِتَابِهِ عَنِ اِبْنِ الْکَلْبِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی مِخْنَفٍ فِی إِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ عَلِیّاً ع لَمَّا بَایَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عُثْمَانَ کَانَ قَائِماً فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَایِعْ وَ إِلاَّ ضَرَبْتُ عُنُقَکَ وَ لَمْ یَکُنْ یَوْمَئِذٍ مَعَ أَحَدٍ سَیْفٌ غَیْرَهُ فَخَرَجَ عَلِیٌّ مُغْضَباً فَلَحِقَهُ أَصْحَابُ اَلشُّورَی فَقَالُوا لَهُ بَایِعْ وَ إِلاَّ جَاهَدْنَاکَ فَأَقْبَلَ مَعَهُمْ یَمْشِی حَتَّی بَایَعَ عُثْمَانَ

.

قال المرتضی فأی رضا هاهنا و أی إجماع و کیف یکون مختارا من تهدد بالقتل و بالجهاد و هذا المعنی و هو حدیث ضرب العنق لو روته الشیعة لتضاحک المخالفون منه و تغامزوا و قالوا هذا من جملة ما تدعونه من المحال و تروونه من الأحادیث و قد أنطق اللّه به رواتهم و أجراه علی أفواه ثقاتهم

3577

1- وَ لَقَدْ تَکَلَّمَ اَلْمِقْدَادُ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ بِکَلاَمٍ طَوِیلٍ یُفَنِّدُ فِیهِ مَا فَعَلُوهُ مِنْ بَیْعَةِ عُثْمَانَ وَ عُدُولِهِمْ بِالْأَمْرِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی أَنْ قَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ یَا مِقْدَادُ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنِّی خَائِفٌ عَلَیْکَ الْفِتْنَةَ ثُمَّ إِنَّ اَلْمِقْدَادَ قَامَ فَأَتَی عَلِیّاً فَقَالَ أَ تُقَاتِلُ فَنُقَاتِلَ مَعَکَ فَقَالَ عَلِیٌّ فَبِمَنْ أُقَاتِلُ وَ تَکَلَّمَ أَیْضاً عَمَّارٌ فِیمَا رَوَاهُ أَبُو مِخْنَفٍ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ أَیْنَ تَصْرِفُونَ هَذَا الْأَمْرَ عَنْ بَیْتِ نَبِیِّکُمْ تُحَوِّلُونَهُ هَاهُنَا مَرَّةً وَ هَاهُنَا مَرَّةً أَمَا وَ اللَّهِ مَا أَنَا بِآمِنٍ أَنْ یَنْزِعَهُ اللَّهُ مِنْکُمْ فَیَضَعَهُ فِی غَیْرِکُمْ کَمَا انْتَزَعْتُمُوهُ مِنْ أَهْلِهِ وَ وَضَعْتُمُوهُ فِی غَیْرِ أَهْلِهِ فَقَالَ لَهُ هِشَامُ بْنُ الْوَلِیدِ یَا اِبْنَ سُمَیَّةَ لَقَدْ عَدَوْتَ طَوْرَکَ وَ مَا عَرَفْتَ قَدْرَکَ وَ مَا أَنْتَ وَ مَا رَأَتْهُ قُرَیْشٌ لِأَنْفُسِهَا إِنَّکَ لَسْتَ فِی شَیْءٍ مِنْ أَمْرِهَا وَ إِمَارَتِهَا فَتَنَحَّ عَنْهَا وَ تَکَلَّمَتْ قُرَیْشٌ بِأَجْمَعِهَا وَ صَاحَتْ بِعَمَّارٍ وَ انْتَهَرَتْهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا زَالَ أَعْوَانُ الْحَقِّ قَلِیلاً

.

3578

1- رَوَی أَبُو مِخْنَفٍ أَیْضاً أَنَّ عَمَّاراً قَالَ هَذَا الْبَیْتَ ذَلِکَ الْیَوْمَ

ص :265

یَا نَاعِیَ اَلْإِسْلاَمِ قُمْ فَانْعَهُ

قَدْ مَاتَ عُرْفٌ وَ أَتَی مُنْکَرٌ

أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ لِی أَعْوَاناً لَقَاتَلْتُهُمْ وَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع لَئِنْ قَاتَلْتَهُمْ بِوَاحِدٍ لَأَکُونَنَّ ثَانِیاً فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا أَجِدُ عَلَیْهِمْ أَعْوَاناً وَ لاَ أُحِبُّ أَنْ أَعْرِضَکُمْ لِمَا لاَ تُطِیقُونَ . و

3579

1- رَوَی أَبُو مِخْنَفٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَی عَلِیٍّ ع وَ کُنْتُ حَاضِراً بِالْمَدِینَةِ یَوْمَ بُویِعَ عُثْمَانُ فَإِذَا هُوَ وَاجِمٌ کَئِیبٌ فَقُلْتُ مَا أَصَابَ قَوْمٌ صَرَفُوا هَذَا الْأَمْرَ عَنْکُمْ فَقَالَ صَبْرٌ جَمِیلٌ فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّکَ لَصَبُورٌ قَالَ فَأَصْنَعُ مَا ذَا قُلْتُ تَقُومُ فِی النَّاسِ خَطِیباً فَتَدْعُوهُمْ إِلَی نَفْسِکَ وَ تُخْبِرُهُمْ أَنَّکَ أَوْلَی بِالنَّبِیِّ ص بِالْعَمَلِ وَ السَّابِقَةِ وَ تَسْأَلُهُمُ النَّصْرَ عَلَی هَؤُلاَءِ المُتَظَاهِرِینَ عَلَیْکَ فَإِنْ أَجَابَکَ عَشَرَةٌ مِنْ مِائَةٍ شَدَّدْتَ بِالْعَشَرَةِ عَلَی الْمِائَةِ فَإِنْ دَانُوا لَکَ کَانَ مَا أَحْبَبْتَ وَ إِنْ أَبَوْا قَاتَلْتَهُمْ فَإِنْ ظَهَرْتَ عَلَیْهِمْ فَهُوَ سُلْطَانُ اللَّهِ آتَاهُ نَبِیَّهُ ص وَ کُنْتَ أَوْلَی بِهِ مِنْهُمْ إِذْ ذَهَبُوا بِذَلِکَ فَرَدَّهُ اللَّهُ إِلَیْکَ وَ إِنْ قُتِلْتَ فِی طَلَبِهِ فَقُتِلْتَ شَهِیداً وَ کُنْتَ أَوْلَی بِالْعُذْرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَی فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ فَقَالَ ع أَ وَ تَرَاهُ کَانَ تَابِعِی مِنْ کُلِّ مِائَةٍ عَشَرَةٌ قُلْتُ لَأَرْجُو ذَلِکَ قَالَ لَکِنِّی لاَ أَرْجُو وَ لاَ وَ اللَّهِ مِنَ الْمِائَةِ اثْنَیْنِ وَ سَأُخْبِرُکَ مِنْ أَیْنَ ذَلِکَ إِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا یَنْظُرُونَ إِلَی قُرَیْشٍ فَیَقُولُونَ هُمْ قَوْمُ مُحَمَّدٍ ص وَ قَبِیلَتُهُ وَ إِنَّ قُرَیْشاً تَنْظُرُ إِلَیْنَا فَتَقُولُ إِنَّ لَهُمْ بِالنُّبُوَّةِ فَضْلاً عَلَی سَائِرِ قُرَیْشٍ وَ إِنَّهُمْ أَوْلِیَاءُ هَذَا الْأَمْرِ دُونَ قُرَیْشٍ وَ النَّاسِ وَ إِنَّهُمْ إِنْ وُلُّوهُ لَمْ یَخْرُجْ هَذَا السُّلْطَانُ مِنْهُمْ إِلَی أَحَدٍ أَبَداً وَ مَتَی کَانَ فِی غَیْرِهِمْ تَدَاوَلْتُمُوهُ بَیْنَکُمْ فَلاَ وَ اللَّهِ لاَ تَدْفَعُ قُرَیْشٌ إِلَیْنَا هَذَا السُّلْطَانَ طَائِعَةً أَبَداً قُلْتُ أَ فَلاَ أَرْجِعُ إِلَی الْمِصْرِ فَأُخْبِرُ النَّاسَ بِمَقَالَتِکَ هَذِهِ وَ أَدْعُوَ النَّاسَ إِلَیْکَ فَقَالَ یَا جُنْدَبُ لَیْسَ هَذَا زَمَانَ ذَلِکَ فَرَجَعْتُ فَکُلَّمَا ذَکَرْتُ لِلنَّاسِ شَیْئاً مِنْ فَضْلِ عَلِیٍّ زَبَرُونِی

ص :266

وَ نَهَرُونِی حَتَّی رُفِعَ ذَلِکَ مِنْ أَمْرِی لِلْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ فَبَعَثَ إِلَیَّ فَحَبَسَنِی

.

قال و هذه الجملة التی أوردناها قلیل من کثیر فی أن الخلاف کان واقما و الرضا کان مرتفعا و الأمر إنّما تمّ بالحیلة و المکر و الخداع و أول شیء مکر به عبد الرحمن أنه ابتدأ فأخرج نفسه من الأمر لیتمکن من صرفه إلی من یرید و لیقال أنّه لو لا إیثاره الحق و زهده فی الولایة لما أخرج نفسه منها ثمّ عرض علی أمیر المؤمنین ع ما یعلم أنّه لا یجیب إلیه و لا تلزمه الإجابة إلیه من السیر فیهم بسیرة الرجلین و علم أنّه ع لا یتمکن من أن یقول إن سیرتهما لا تلزمنی لئلا ینسب إلی الطعن علیهما و کیف یلزم سیرتهما و کل واحد منهما لم یسر بسیرة الآخر بل اختلفا و تباینا فی کثیر من الأحکام هذا بعد

3580

1- أَنْ قَالَ لِأَهْلِ اَلشُّورَی وَثِّقُوا إِلَیَّ مِنْ أَنْفُسِکُمْ بِأَنَّکُمْ تَرْضَوْنَ بِاخْتِیَارِی إِذَا أَخْرَجْتُ نَفْسِی فَأَجَابُوهُ عَلَی مَا رَوَاهُ أَبُو مِخْنَفٍ بِإِسْنَادِهِ إِلَی مَا عَرَضَ عَلَیْهِمْ إِلاَّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع فَإِنَّهُ قَالَ أَنْظُرُ لِعِلْمِهِ بِمَا یَجُرُّ هَذَا الْمَکْرُ حَتَّی أَتَاهُمْ أَبُو طَلْحَةَ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِمَا عَرَضَ وَ مَا جَاءَ بِهِ الْقَوْمُ إِیَّاهُ إِلاَّ عَلِیّاً فَأَقْبَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ یَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ لَکَ وَ لِلْمُسْلِمِینَ فَمَا بَالُکَ تَخَافُهُ وَ قَدْ عَدَلَ بِالْأَمْرِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَنْ یَتَحَمَّلَ الْمَأْثَمَ لِغَیْرِهِ فَأَحْلَفَ عَلِیٌّ ع عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِمَا عَرَضَ أَلاَّ یَمِیلَ إِلَی الْهَوَی وَ أَنْ یُؤْثِرَ الْحَقَّ وَ یَجْتَهِدَ لِلْأُمَّةِ وَ لاَ یُحَابِیَ ذَا قَرَابَةٍ فَحَلَفَ لَهُ

.

و هذا غایة ما یتمکن (1) منه أمیر المؤمنین ع فی الحال لأن عبد الرحمن لما أخرج نفسه من الأمر و ظنت به الجماعة الخیر و فوضت (2) إلیه الاختیار لم یقدر أمیر المؤمنین ع علی أن یخالفهم و ینقض ما اجتمعوا علیه فکان أکثر ما تمکن منه أن أحلفه و صرّح بما یخافه من جهته من المیل إلی الهوی و إیثار القرابة غیر أن ذلک کله لم یغن شیئا.

ص :267

قال و أمّا قول صاحب الکتاب أن دخوله فی الشوری دلالة علی أنّه لا نص علیه بالإمامة و لو کان علیه نص لصرح به فی تلک الحال و کان ذکره أولی من ذکر الفضائل و المناقب فإن المانع من ذکر النصّ کونه یقتضی تضلیل من تقدم علیه و تفسیقهم و لیس کذلک تعدید المناقب و الفضائل.

و أمّا دخوله ع فی الشوری فلو لم یدخل فیها إلاّ لیحتج بما احتج به من مقاماته و فضائله و درایته (1) و وسائله إلی الإمامة و بالأخبار الدالة عندنا علیها علی النصّ و الإشارة بالإمامة إلیه لکان غرضا صحیحا و داعیا قویا و کیف لا یدخل فی الشوری و عندهم أن واضعها قد أحسن النظر للمسلمین و فعل ما لم یسبق إلیه من التحرز للدین.

فأول ما کان یقال له لو امتنع منها إنک مصرح بالطعن علی واضعها و علی جماعة المسلمین بالرضا بها و لیس طعنک إلاّ لأنک تری أن الأمر لک و أنک أحق به فیعود الأمر إلی ما کان ع یخافه من تفرق الکلمة (2) و وقوع الفتنة (3) .

قال و فی أصحابنا القائلین بالنص من یقول إنّه ع إنّما دخل فی الشوری لتجویزه أن ینال الأمر منها و علیه أن یتوصل إلی ما یلزمه القیام به من کل وجه یظن أن یوصله إلیه.

قال و قول صاحب الکتاب إن التقیة لا یمکن أن یتعلق بها لأن الأمر لم یکن استقر لواحد طریف لأن الأمر و إن لم یکن فی تلک الحال مستقرا لأحد فمعلوم أن الإظهار بما یطعن فی المتقدمین من ولاة الأمر لا یمکن منه و لا یرضی به و کذلک

ص :268

الخروج ممّا یتفق أکثرهم علیه و یرضی جمهورهم به و لا یقرون أحدا علیه بل یعدونه شذوذا عن الجماعة و خلافا علی الأمة.

فأما قوله إن الأفعال لا یقدح فیها بالظنون بل یجب أن تحمل علی ظاهر الصحة و إن الفاعل إذا تقدمت له حالة تقتضی حسن الظنّ به یجب أن تحمل أفعاله علی ما یطابقها فإنا متی سلّمنا له بهذه المقدّمة لم یتم قصده فیها لأن الفعل إذا کان له ظاهر وجب أن یحمل علی ظاهره إلاّ بدلیل یعدل بنا عن ظاهره کما یجب مثله فی الألفاظ و قد بینا أن ظاهر الشوری و ما جری فیها یقتضی ما ذکرناه للأمارات اللائحة و الوجوه الظاهرة فما عدلنا عن ظاهر إلی محتمل بل المخالف هو الذی یسومنا أن نعدل عن الظاهر فأما الفاعل و ما تقدم له من الأحوال فمتی تقدم للفاعل حالة تقتضی أن یظن به الخیر من غیر علم و لا یقین فلا بدّ أن یؤثر فیها و یقدح أن یری له حالة أخری تقتضی ظنّ القبیح به لدلالة ظاهرها علی ذلک و لیس لنا أن نقضی بالأولی علی الثانیة و هما جمیعا مظنونتان لأن ذلک بمنزلة أن یقول قائل اقضوا بالثانیة علی الأولی و لیس کذلک إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضی بالخیر منه ثمّ تلیها حالة تقتضی ظنّ القبیح به لأنا حینئذ نقتضی بالعلم علی الظنّ و نبطل حکمه لمکان العلم و إذا صحت هذه الجملة فما تقدمت لمن ذکر حالة تقتضی العلم بالخیر و إنّما تقدم ما یقتضی حسن الظنّ فلیس لنا إلاّ نسیء الظنّ به عند ظهور أمارات سوء الظنّ لأن کل ذلک مظنون غیر معلوم.

و قوله لو أراد ذلک ما منعه من أن ینص علی عثمان مانع کما لم یمنع ذلک أبا بکر من النصّ علیه فلیس بشیء لأنّه قد فعل ما یقوم مقام النصّ علی من أراد إیصاله إلیه و صرفه عمن أراد أن یصرفه عنه من غیر شناعة التصریح و حتّی لا یقال فیه ما قیل فی أبی بکر و یراجع فی قصته کما روجع أبو بکر و لم یتعسف أبعد الطریقین و غرضه یتم من أقربهما.

ص :269

قال فأما بیان صاحب الکتاب أن الانتقال من الستة إلی الأربعة فی الشوری و من الأربعة إلی الثلاثة لا یکون تناقضا فهو ردّ علی من زعم أن ذلک تناقض و لیس من هذا الوجه طعنا بل قد بینا وجوه المطاعن و فصلناها.

و أمّا قوله إن الأمور المستقبلة لا تعلم و إنّما یحصل فیها أمارة ردا علی من قال إن عمر کان یعلم أن علیا ع و عثمان لا یجتمعان و أن عبد الرحمن یمیل إلی عثمان فکلام فی غیر موضعه لأن المراد بذلک الظنّ لا العلم و إن عبر عن الظنّ بالعلم علی طریقه فی الاستعمال معروفة لا یتناکرها المتکلمون و لعلّ صاحب الکتاب قد استعمل العلم فی موضع الظنّ فیما لا یحصی کثرة من کتابه هذا و غیره و قد بینا فیما ذکرناه من

3581

1- رِوَایَةِ اَلْکَلْبِیِّ عَنْ أَبِی مِخْنَفٍ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع أَوَّلُ مَنْ سَبَقَ إِلَی هَذَا الْمَعْنَی فِی قَوْلِهِ لِلْعَبَّاسِ شَاکِیاً إِلَیْهِ ذَهَبَ وَ اللَّهِ الْأَمْرُ مِنَّا لِأَنَّ سَعْداً لاَ یُخَالِفُ ابْنَ عَمِّهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صِهْرُ عُثْمَانَ فَأَحَدُهُمَا مُخْتَارٌ لِصَاحِبِهِ لاَ مَحَالَةَ وَ إِنْ کَانَ اَلزُّبَیْرُ وَ طَلْحَةُ مَعِی فَلَنْ أَنْتَفِعَ بِذَلِکَ إِذَا کَانَ اِبْنُ عَوْفٍ فِی الثَّلاَثَةِ الْآخَرِینَ

. فأما قوله إن عبد الرحمن کان زاهدا فی الأمر و الزاهد أقرب إلی التثبت فقد بینا وجه إظهاره الزهد فیه و أنّه جعله الذریعة إلی مراده.

فأما قول صاحب الکتاب إن الضعف الذی وصفه به إنّما أراد به الضعف عن القیام بالإمامة لا ضعف الرأی فهب أن الأمر کذلک أ لیس قد جعله أحد من یجوز أن یختار للإمامة و یفوض إلیه مع ضعفه عنها و هذا بمنزلة أن یصفه بالفسق ثمّ یدخله فی جملة القوم لأن الضعف عن الإمامة مانع منها کما أن الفسق کذلک.

ص :270

قلت الکلام فی الشوری و المطاعن فیها طویل جدا و قد ذکرت من ذلک فی کتبی الکلامیة و تعلیقاتی ما قاله الناس و ما لم أسبق إلیه و لا یحتمل هذا الکتاب الإطالة باستقصاء ذلک لأنّه لیس بکتاب حجاج و نظر و لکنی أذکر منه نکتا یسیرة فأقول إن کانت أفعال عمر و أقواله قد تناقضت فی واقعة الشوری کما زعم المرتضی رحمه اللّه فکذلک أفعال أمیر المؤمنین إن کان منصوصا علیه کما تقوله الإمامیّة قد تناقضت أیضا أما أولا فإن کان منصوصا علیه فکیف أدخل نفسه فی الشوری المبنیة علی صحة الاختیار و عدم النصّ أ لیس هذا إیهاما ظاهرا لأکثر المسلمین خصوصا الضعفة منهم و من لا نظر له فی دقائق الأمور عنده أنّه غیر منصوص علیه فکیف یجوز له إضلال المکلفین و أن یوقع فی نفوسهم عدم النصّ مع کون النصّ کان حاصلا.

و أمّا عذر المرتضی عن هذا بأنّه دخل فی الشوری لیتمکن من الاحتجاج علی أهل الشوری بمقاماته و فضائله فیقال له قد کان الدهر الأطول مخالطا لأهل الشوری و غیرهم مجتمعا معهم فی المسجد و غیره من مواطن کل یوم بل کل ساعة فلا یجوز أن یقال دخل لیضمه و إیاهم أو یظلهم سقف فیتمکن بذلک من ذکر مقاماته و فضائله بینهم لأن العاقل لا یجوز أن یرتکب أمرا یوهم القبیح لیفعل فعلا قد کان من قبله بثلاث عشرة سنة متمکنا من أن یفعله من غیر أن یرتکب ذلک الأمر الموهم للقبیح و لیت شعری من الذی کان یمنعه أیام أبی بکر و عمر من أن یذکر مقاماته و فضائله و یفتخر بها و لم أنفک ع من ذکر فضائله و الفخر بمناقبه فی تلک المدة الطویلة و قد کان عمر و هو المعروف المشهور بالغلظة و الفظاظة یذکر فضائله و یعترف بها فلست أری لعذر المرتضی أصلا بهذا الوجه أو معنی.

ص :271

فأما عذره الثانی عن دخوله فی الشوری بقوله لو لم یدخل فیها لقیل له إنک قد طعنت علی واضع الشوری و لیس ذلک إلاّ لأنک تری الأمر لک فلیس بعذر جید لأنّه لو امتنع من الدخول فیها علی وجه الزهد و قلة الالتفات إلی الولایة و الإعراض عن السلطان و الإمرة لما نسبه أحد إلی ما ذکره المرتضی أصلا و لقال الناس رجل زاهد لا یرید الدنیا و لا یرغب فی الرئاسة ثمّ ما المانع من أن یقول لعمر و هو حی نشدتک اللّه لا تدخلنی فیها فإنی لا أریدها و لا أوثرها أ تراه کان فی جواب هذا الکلام یأمر بقتله و یقول له إنّما امتناعک لأنک تدعی أن رسول اللّه ص نص علیک فلا تری أخذ الأمر من جهتی و تولیه من طریقی و إنّما تریده بمحض النصّ الأول لا غیر ما أظن أن عاقلا یخطر له أن ذلک کان یکون فهذا العذر بارد لا معنی له کالعذر الأول.

فأما عذره الثالث و هو قوله إنّه کان یجب علیه أن یتوصل إلی القیام بالأمر بکل طریق لأنّه یلزمه القیام به فعذر جید لا بأس به.

و أمّا ثانیا فیقال للمرتضی هب إنا نزلنا عن الدخول فی الشوری هلا عرض للجماعة و هم مجتمعون و هو یعد لهم مناقبه و فضائله بذکر النصّ و ذلک بأن یکنی عنه کنایة لطیفة فیقول لهم قد کان من رسول اللّه ص بالأمس فی حقی ما تعلمون أ تراهم کانوا فی جواب هذه الکلمة یقتلونه ما أظن أنهم کانوا یجتمعون علی ذلک و لا بدّ لو عرض بشیء من ذلک کان من کلام یدور بینهم فی المعنی نحو أن یقولوا إن ذلک النصّ رجع عنه رسول اللّه ص أو یقولوا رأی المسلمون ترکه للمصلحة أو یجری بینه و بینهم جدال و نزاع و لم یکن هناک خلیفة یخاف جانبه و إنّما کان مجلس مناظرة و بحث و لم یستقر الأمر لأحد.

و قول المرتضی إنّه و إن کان کذلک إلاّ أنهم کانوا لا یرضون أن یطعن فی المتقدمین

ص :272

منهم و یکرهون منه ذلک و لا یقرونه علیه و یعدونه شذوذا له عن الجماعة و خلافا للأمة قول صحیح إذا کان القائل یقوله علی وجه شق العصا و المنابذة و کشف القناع و إذا قاله علی وجه الاستعطاف لهم و الإذکار بما عساهم نسوة و حسن التلطف و الرفق بهم و الاستمالة لهم و تذکیرهم حقوق رسول اللّه ص و میثاقه الذی واثقهم به فإنّه لا یقع منهم فی مقابلة ذلک قتله و لا قطع عضو من أعضائه و لا إقامة الحدّ علیه و أقصی ما فی الباب أنهم کانوا یردون ذلک علیه بکلام مثل کلامه و یجیبونه بجواب یناسب جوابه و یدفعونه عما یرومه بوجه من وجوه الدفع إن کانوا مقیمین علی الإصرار علی غصب الحق منه.

و أمّا ثالثا فإن کان ع کما تقوله الإمامیّة منصوصا علیه فما الذی منعه لما قال له عبد الرحمن أبایعک علی أن تسیر فینا بسیرة الشیخین أن یقول نعم فإنّه لو قال نعم لبایعه عبد الرحمن و وصل إلی الأمر الذی یلزمه القیام به و إلی الحال التی کان یتوصل بکل طریق إلی الوصول إلیها.

و قول المرتضی إن سیرتهما کانت مختلفة لأن أحدهما حکم بکثیر ممّا حکم الآخر بضده لیس بجید لأن السیرة التی کان عبد الرحمن یطلبها ذلک الیوم هو الأمر الکلی فی إیالة الرعیة و سیاستهم و جبایة الفیء و ظلف الوالی نفسه و أهله عنه و صرفه إلی المسلمین و رم الأمور و جمع العمّال و قهر الظلمة و إنصاف المظلومین و حمایة البیضة و تسریب الجیوش إلی بلاد الشرک هذه هی السیرة التی کان عبد الرحمن یشترطها و هی التی طلبها الناس بعد ذلک فقالوا لمعاویة فی آخر أیامه و لعبد الملک و لغیرهما و صاحوا بهم تحت المنابر نطلب سیرة العمرین و لم یریدوا فی الأحکام و الفتاوی الشرعیة نحو القول فی الجد مع الإخوة

ص :273

و القول فی الکلالة و القول فی أمّهات الأولاد فما أعلم الذی منع أمیر المؤمنین ع من أن یقول لعبد الرحمن نعم فیأخذها ثمّ کان إذا أخذها أقدر الناس علی هذه السیرة و أقواهم علیها فوا عجبا بینا هو یطلب الخلافة أشدّ الطلب فإذا هو ناکص عنها و قد عرضت علیه علی أمر هو قیم به و لهذا کان الرأی عندی أن یدخل فیها حینئذ و من الذی کان یناظره بعد ذلک و یجادله فیقول قد أخللت بشیء من سیرة أبی بکر و عمر کلا إن السیف لضاربه و الأمر لمالکه و الرعیة أتباع و الحکم لصاحب السلطان منهم.

و من العجب أن یقول المرتضی إنّه لأجل التقیة وافق علی الرضا بالشوری فهلا اتقی القوم و قد ذکروا له سیرة الشیخین فأباها و کرهها و من کان یخاف علی نفسه أن لو أظهر الزهد فی الخلافة و الرغبة عن الدخول فی أمر الشوری کیف لم یخف علی نفسه و قد ذکرت له سیرة الشیخین فترکها و لم یوافق علیها و قال لا بل علی أن أجتهد رأیی.

و أمّا قول المرتضی إنّه وصف القوم بصفات تمنع من الإمامة ثمّ عینهم للإمامة فنقول فی جوابه أن تلک الصفات لا تمنع من الإمامة بالکلیة بل هی صفات تنقص فی الجملة أی لو لم تکن هذه الصفات فیهم لکانوا أکمل أ لا تری أنّه قال فی عبد الرحمن رجل صالح علی ضعف فیه فذکر أن فیه ضعفا یسیرا لأنّه لو کان یری ضعفه مانعا من الإمامة لقال ضعیف عنها جدا أو لا یصلح لها لضعفه و کذلک قوله فی أمیر المؤمنین فیه فکاهة لأن ذلک لا یمنع من الإمامة و لا زهو طلحة و نخوته و لا ما وصف به الزبیر من أنّه شدید السخط وقت غضبه و أنّه بخیل و لا تولیه الأقارب علی رقاب الناس إذا لم یکونوا فساقا و أقوی عیب ذکره ما عاب به سعدا فی قوله صاحب

ص :274

مقنب و قتال لا یقوم بقریة لو حمل أمرها و یجوز أن یکون قال ذلک علی سبیل المبالغة فی استصلاحه لأن یکون صاحب جیش یقاتل به بین یدی الإمام و أنّه لیس له دربة و نظر فی تدبیر البلاد و الأطراف و جبایة أموالها أ لا تراه کیف قال لا یقوم بقریة و یجوز أن یلی الخلافة من هذه حاله و یستعین فی أمر العباد و البلاد و جبایة الأموال بالکفاة الأمناء فأما الروایة الأخری التی قال فیها لعثمان لروثة خیر منک فهی من روایات الشیعة و لسنا نعرفها من کتب غیرهم.

فأما قوله کیف قال لا أتحملها حیا و میتا فحصر الخلافة فی العدد المخصوص ثمّ رتبها ذلک الترتیب إلی أن آلت إلی اختیار عبد الرحمن وحده فنقول فی جوابه أنّه کان یحب ألا یستقل وحده بأمر الخلافة و أن یشارکه فی ذلک غیره من صلحاء المهاجرین لیکون أعذر عند اللّه تعالی و عند الناس و إذا کان قد وضع الشوری علی ذلک الوضع المخصوص فلم یتحملها استقلالا بل شرکه فیها غیره فهو أقل لتحمله أمرها لو کان عین علی واحد بعینه.

و أمّا حدیث القتل فلیس مراده إلاّ شق العصا و مخالفة الجماعة و التوثب علی الأمر مغالبة.

و قول المرتضی لو کان ذلک من أول یوم لوجب أن یمنع فاعله و یقاتل فأی معنی لضرب الأیّام الثلاثة أجلا فإنّه یقال له إن الأجل المذکور لم یضرب لقتل من یشق العصا و إنّما ضرب لإبرامهم الأمر و فصله قبل أن تتطاول الأیّام بهم و یتسامع من بعد عن دار الهجرة أن الخلیفة قد قتل و أنهم مضطربون إلی الآن لم یقیموا لأنفسهم خلیفة بعده فیطمع أهل الفساد و الدعارة (1) و لا یؤمن وقوع الفتن

ص :275

و لا یؤمن أیضا أن یسترد الروم و فارس بلادا قد کان الإسلام استولی علیها لأن عدم الرئیس مطمع للعدو فی ملکه و رعیته.

فأما الأخبار و الآثار التی ذکرها المرتضی فی مبایعة علی ع لعثمان و أنّه کان مکرها علیها أو کالمکره و أن الرضا کان مرتفعا و الخلاف کان واقعا فکلام فی غیر موضعه لأن قاضی القضاة لم ینح بکلامه هذا النحو و لا قصد هذا القصد لیناقضه بما رواه و أسنده من الأخبار و الآثار و لا هذا الموضع من کتاب المغنی موضع الکلام فی بیعة عثمان و صحتها و وقوع الرضا بها فیطعن المرتضی فی ذلک بما رواه من الأخبار و الآثار الدالة علی تهضم القوم لأمیر المؤمنین ع و أصحابه و شیعته و تهددهم و إنّما الرضا الذی أشار إلیه قاضی القضاة فهو رضا أمیر المؤمنین ع بأن یکون فی جملة أهل الشوری لأن هذا الباب من کتاب المغنی هو باب نفی المطاعن عن عمر و قد تقدم ذکر کثیر منها.

ثمّ انتهی إلی هذا الطعن و هو حدیث الشوری فذکر قاضی القضاة أن الشوری مما طعن بها علیه و ادعی أنّها کانت خطأ من أفعاله لأنّها لا نص و لا اختیار أ لا تراه کیف قال فی أول الطعن فخرج بها عن النصّ و الاختیار فنقول فی الجواب لو کانت خطأ لما دخل علی ع فیها و لا رضی بها فدخوله فیها و رضاه بها دلیل علی أنّها لم تکن خطأ و أین هذا من بیعة عثمان حتی یخلط أحد البابین بالآخر.

فأما دعواه أن عمر عمل هذا الفعل حیلة لیصرف الأمر عن علی ع من حیث علم أن عبد الرحمن صهر عثمان و أن سعدا ابن عم عبد الرحمن فلا یخالفه فجعل

ص :276

الصواب فی الثلاثة الذین یکون فیهم عبد الرحمن فنقول فی جوابه إن عمر لو فعل ذلک و قصده لکان أحمق الناس و أجهلهم لأنّه من الجائز ألا یوافق سعد ابن عمه لعداوة تکون بینهما خصوصا من بنی العم و یمکن أن یستمیل علی ع سعدا إلی نفسه بطریق آمنة بنت وهب و بطریق حمزة بن عبد المطلب و بطریق الدین و الإسلام و عهد الرسول ص و من الجائز أن یعطف عبد الرحمن علی علی ع لوجه من الوجوه و یعرض عن عثمان أو یبدو من عثمان فی الأیّام الثلاثة أمر یکرهه عبد الرحمن فیترکه و یمیل إلی علی ع و من الجائز أن یموت عبد الرحمن فی تلک الأیّام أو یموت سعد أو یموت عثمان أو یقتل واحد منهم فیخلص الأمر لعلی ع و من الجائز أن یخالف أبو طلحة أمره له أن یعتمد علی الفرقة التی فیها عبد الرحمن و لا یعمل بقوله و یمیل إلی جهة علی ع فتبطل حیلته و تدبیره.

ثمّ هب أن هذا کله قد أسقطناه من الذی أجبر عمر و أکرهه و قسره علی إدخال علی ع فی أهل الشوری و إن کان مراده کما زعم المرتضی صرف الأمر بالحیلة فقد کان یمکنه أن یجعل الشوری فی خمسة و لا یذکر علیا ع فیهم أ تراه کان یخاف أحدا لو فعل ذلک و من الذی کان یجسر أن یراجعه فی هذا أو غیره و حیث أدخله من الذی أجبره علی أن یقول إن ولیها ذلک لحملهم علی المحجة البیضاء و حملهم علی الصراط المستقیم و نحو ذلک من المدح قد کان قادرا ألا یقول ذلک و الکلام الغث البارد لا أحبه.

فأما قوله إن عبد الرحمن فعل ما فعل من إخراج نفسه من الإمامة حیلة لیسلم الأمر إلی عثمان و یصرفه عن علی ع فکلام بعضه صحیح و بعضه غیر صحیح أما الصحیح منه فمیل عبد الرحمن إلی جهة عثمان و انحرافه عن علی ع قلیلا

ص :277

و لیس هذا بمخصوص بعبد الرحمن بل قریش قاطبة کانت منحرفة عنه.

و أمّا الذی هو غیر صحیح فقوله أنّه أخرج نفسه منها لذلک فإن هذا عندی غیر صحیح لأنّه قد کان یمکنه ألا یخرج نفسه منها و یبلغ غرضه بأن یتجاوز هو و ابن عمه إلی عثمان و یدع علیا و طلحة و الزبیر طائفة أخری فیولی المسلمون الأمر الطائفة التی فیها عبد الرحمن بمقتضی نص عمر علی ذلک ثمّ یعتمد عبد الرحمن بعد ذلک ما یشاء إن شاء ولیها هو أو أحد الرجلین فأی حاجة کانت به إلی أن یخرج نفسه منها لیبلغ غرضا قد کان یمکنه الوصول إلیه بدون ذلک.

و أیضا فإن کان غرضه ذلک فإنّه من رجال الدنیا قد کان لا محالة و لم یکن من رجال الآخرة و من هو من رجال الدنیا و محبیها کیف تسمح نفسه بترک الخلافة لیعطیها غیره و هلا واطأ سعدا ابن عمه و طلحة صدیقه علی أن یولیاه الخلافة و قد قال عمر کونوا مع الثلاثة الذین فیهم عبد الرحمن لا سیما و طلحة منحرف عن علی ع و عثمان لأنهما ابنا عبد مناف و کذلک سعد و عبد الرحمن منحرفان عنهما لذلک أیضا و لما اختصا به من صهر رسول اللّه ص و الصحیح أن عبد الرحمن أخرج نفسه منها لأنّه استضعف نفسه عن تحمل أثقالها و کلفها و کره أن یدخل فیها فیقصر عن عمر و یراه الناس بعین النقص و لا یستطیع أن یقوم بما کان عمر یقوم به و کان عبد الرحمن غنیا موسرا کثیر المال و شیخا قد ذهب عنه ترف الشباب فنفض عنها یده استغناء عنها و کراهیة لخلل یدخل علیه إن ولیها.

و أمّا میله عن علی ع فقد کان منه بعض ذلک و الطباع لا تملک و الحسد مستقر فی نفوس البشر لا سیما إذا انضاف إلیه ما یقتضی الازدیاد فی الأمور.

فأما تنزیه المرتضی لعلی ع عن الفکاهة و الدعابة فحق و لقد کان

ص :278

ع علی قدم عظیمة من الوقار و الجد و السمت العظیم و الهدی الرصین و لکنه کان طلق الوجه سمح الأخلاق و عمر کان یرید مثله من ذوی الفظاظة و الخشونة لأن کل واحد یستحسن طبع نفسه و لا یستحسن طبع من یباینه فی الخلق و الطبع و أنا أعجب من لفظة عمر إن کان قالها إن فیه بطالة (1) و حاش لله أن یوصف علی ع بذلک و إنّما یوصف به أهل الدعابة و اللهو و ما أظن عمر إن شاء اللّه قالها و أظنها زیدت فی کلامه و إن الکلمة هاهنا لدالة علی انحراف شدید.

فأما قول أمیر المؤمنین ع للعباس و لغیره ذهب الأمر منا إن عبد الرحمن لا یخالف ابن عمه فلیس معناه أن عمر قصد ذلک و إنّما معناه أن من سوء الاتفاق أن وقع الأمر هکذا و یوشک ألا یصل إلینا حیث قد اتفق فیه هذه النکتة.

فأما قول قاضی القضاة إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضی حسن الظنّ وجب أن یحمل فعله علی ما یطابقها و اعتراض المرتضی علیه بقوله إن ذلک إنّما یجب إذا کان الخیر معلوما منه فیما تقدم لا مظنونا و متی کان مظنونا ثمّ وجدنا له فعلا یظن به القبیح لم یکن لنا أن نقضی بالسابق علی اللاحق فنقول فی جوابه أن الإنسان إذا کان مشهورا بالصلاح و الخیر و تکرر منه فعل ذلک مدة طویلة ثمّ رأیناه قد وقعت منه حرکة تنافی ذلک فیما بعد فإنّه یجب علینا أن نحملها علی ما یطابق أحواله الأولی ما وجدنا لها محملا لأن أحواله الأولی کثیرة و هذه حالة مفردة شاذة و إلحاق القلیل بالکثیر و حمله علیه أولی من نقض الکثیر بالقلیل و قد کانت أحوال عمر مدة عشرین سنة منتظمة فی إصلاح الرعیة و مناصحة الدین و هذا معلوم منه ضرورة أعنی ظاهر أحواله فإذا وقعت عنه حالة واحدة و هی

ص :279

قصة الشوری فیها شبهة ما وجب أن نتأولها ما وجدنا لها فی الخیر محملا و نلحقها بتلک الأحوال الکثیرة التی تکررت منه فی الأزمان الطویلة و لا یجوز أن نضع الید علیها و نقول هذه لا غیرها و نقبحها و نهجنها و نسد أبواب هذه التأویلات عنها ثمّ نحمل أفعاله الکثیرة المتقدمة کلها علیها فی التقبیح و التهجین فهذا خلاف الواجب فقد بان صحة ما ذکره قاضی القضاة لأنّه لا حاجة بنا فی القضاء بالسابق علی اللاحق إلاّ أن یکون خیره معلوما و علم علما یقینا فإن الظنّ الغالب کاف فی هذا المقام علی الوجه الذی ذکرناه.

و أمّا قوله عن عمر أنه بلغ ما فی نفسه من إیصال الأمر إلی من أراد و صرفه عمن أراد من غیر شناعة بالتصریح و حتّی لا یقال فیه ما قیل فی أبی بکر أو یراجع فی نصه کما روجع أبو بکر و لأی حال یتعسف أبعد الطریقین و غرضه یتم من أقربهما فقد قلنا فی جوابه ما کفی و بینا أن عمر لو أراد ما ذکر لصرف الأمر عمن یرید صرفه عنه و نص علی من یرید إیصال الأمر إلیه و لم یبال بأحد فقد عرف الناس کلهم کیف کانت هیبته و سطوته و طاعة الرعیة له حتّی أن المسلمین أطاعوه أعظم من طاعتهم رسول اللّه ص فی حیاته و نفوذ أمره فیهم أعظم من نفوذ أمره ع فمن الذی کان یجسر أو یقدر أن یراجعه فی نصه أو یراده أو یلفظ عنده أو غائبا عنه بکلمة تنافی مراده و أی شیء ضر أبا بکر من مراجعة طلحة له حیث نص لیقول المرتضی خاف عمر من أن یراجع کما روجع أبو بکر و قد سمع الناس ما قال أبو بکر لطلحة لما راجعه فإنّه أخزاه و جبهه حتّی دخل فی الأرض و قام من عنده و هو لا یهتدی إلی الطریق و أین کانت هیبة الناس لأبی بکر من هیبتهم لعمر فلقد کان أبو بکر و هو خلیفة یهابه و هو رعیة و سوقة بین یدیه و کل أفاضل الصحابة کان یهابه و هو بعد لم یل الخلافة حتّی أن الشیعة تقول إن النبیّ ص یهابه فمن

ص :280

کانت هذه حاله و هو رعیة و سوقة فکیف یکون و هو خلیفة قد ملک مشارق الأرض و مغاربها و خطب له علی مائة ألف منبر و لو أراد عمر أن یخطب بالخلافة لأبی هریرة لما خالفه أحد من الناس أبدا فکیف یقول المرتضی لما ذا یتعسف عمر أبعد الطریقین و غرضه یتم من أقربهما.

و العجب منه کیف یقول خاف شناعة التصریح فمن لم یخف عندهم شناعة المخالفة لرسول اللّه ص و هو یعلم أن المسلمین یعلمون أنّه مخالف لله تعالی و لرسوله قائم فی مقام لم یجعله اللّه تعالی له کیف یخاف شناعة التصریح باسم عثمان لو کان یرید استخلافه إن هذا لأعجب من العجب

لیس بقائم فی فعل عمر لم یمتنع أن یدوم علیه و إذا کان فیه الدعاء إلی الصلاة و التشدد فی حفظ القرآن فما الذی یمنع أن یعمل به.

فأما أمر الخراج فأصله السنة لأن النبیّ ص بین أن لمن یتولی الأمر ضربا من الاختیار فی الغنیمة و لذلک فصل بین الرجال و الأموال فجعل الاختیار فی الرجال إلی الإمام فی القتل و الاسترقاق و المفاداة و فصل بینه و بین المال و إن کان الجمیع غنیمة.

ثمّ ذکر أن الغنیمة لم تضف إلی الغانمین إضافة الملک و إنّما المراد أن لهم فی ذلک من الاختصاص و الحق ما لیس لغیرهم فإذا عرض ما یقتضی تقدیم أمر آخر جاز للإمام أن یفعله و رأی عمر فی أمر السواد الاحتیاط للإسلام بأن یقر فی أیدیهم علی الخراج الذی وضعه و إن کان فی الناس من یقول فعل ذلک برضا الغانمین و بأن عوض و یدلّ علی صحة فعله إجماع الأمة و رضاهم به و لما أفضی الأمر إلی أمیر المؤمنین ع ترکه علی جملته و لم یغیره.

ثمّ ذکر فی الجزیة أن طریقها الاجتهاد فإن الخبر المروی فی هذا الباب لیس بمقطوع به و لا معناه معلوم.

اعترض المرتضی هذا الجواب فقال أما التراویح فلا شبهة أنّها بدعة و

3582

قَدْ رُوِیَ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ الصَّلاَةَ بِاللَّیْلِ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً بِدْعَةٌ وَ صَلاَةَ الضُّحَی بِدْعَةٌ أَلاَ فَلاَ تَجْتَمِعُوا لَیْلاً فِی شَهْرِ رَمَضَانَ فِی النَّافِلَةِ وَ لاَ تُصَلُّوا صَلاَةَ الضُّحَی فَإِنَّ قَلِیلاً فِی سُنَّةٍ خَیْرٌ مِنْ کَثِیرٍ فِی بِدْعَةٍ أَلاَ وَ إِنَّ کُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ وَ کُلُّ ضَلاَلَةٍ سَبِیلُهَا فِی اَلنَّارِ .

ص :282

3583

وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ لَیْلاً فَرَأَی الْمَصَابِیحَ فِی اَلْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا هَذَا فَقِیلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا لِصَلاَةِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ بِدْعَةٌ فَنِعْمَتِ الْبِدْعَةُ. فاعترف کما تری بأنها بدعة و

3584

قَدْ شَهِدَ اَلرَّسُولُ ص أَنَّ کُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ.

3585

1,2- وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع لَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَیْهِ بِالْکُوفَةِ فَسَأَلُوهُ أَنْ یَنْصِبَ لَهُمْ إِمَاماً یُصَلِّی بِهِمْ نَافِلَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ زَجَرَهُمْ وَ عَرَّفَهُمْ أَنَّ ذَلِکَ خِلاَفُ السُّنَّةِ فَتَرَکُوهُ وَ اجْتَمَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَ قَدَّمُوا بَعْضَهُمْ فَبَعَثَ إِلَیْهِمْ ابْنَهُ اَلْحَسَنَ ع فَدَخَلَ عَلَیْهِمُ الْمَسْجِدَ وَ مَعَهُ الدِّرَّةُ فَلَمَّا رَأَوْهُ تَبَادَرُوا الْأَبْوَابَ وَ صَاحُوا وَا عُمَرَاهْ

.

قال فأما ادعاؤه أن قیام شهر رمضان کان فی أیام الرسول ص ثم ترکه فمغالطة منه لأنا لا ننکر قیام شهر رمضان بالنوافل علی سبیل الانفراد و إنّما أنکرنا الاجتماع علی ذلک فإن ادعی أن الرسول ص صلاها جماعة فی أیامه فإنها مکابرة ما أقدم علیها أحد و لو کان کذلک ما قال عمر إنها بدعة و إن أراد غیر ذلک فهو ممّا لا ینفعه لأن الذی أنکرناه غیره.

قال و الذی ذکره من أن فیه التشدد فی حفظ القرآن و المحافظة علی الصلاة لیس بشیء لأن اللّه تعالی و رسوله بذلک أعلم و لو کان کما قاله لکانا یسنان هذه الصلاة و یأمران بها و لیس لنا أن نبدع فی الدین بما نظن أن فیه مصلحة لأنّه لا خلاف فی أن ذلک لا یسوغ و لا یحل.

و أمّا أمر الخراج فهو خلاف لنص القرآن لأن اللّه تعالی جعل الغنیمة فی وجوه مخصوصة فمن خالفها فقد أبدع و لیس للإمام و لا لغیره أن یجتهد فیخالف النصّ فبطل قوله أنّه رأی من الاحتیاط للإسلام أن یقر فی أیدیهم علی الخراج لأن خلاف النصّ

ص :283

لا یکون من الاحتیاط و رسوله أعلم بالاحتیاط منه و لو کان لرضا الغانمین عن ذلک أو عوضهم منه علی ما ادعاه صاحب الکتاب لوجب أن یظهر ذلک و یعلم و ما عرفنا فی ذلک شیئا و لا نقله الناقلون.

و أمّا ما ادعاه من الإجماع فمعوله فیه علی ترک النکیر و قد تقدم الکلام علیه و تکرر و کذلک قد تقدم الکلام فی وجه إقرار أمیر المؤمنین ع ما أقره من أحکام القوم و ما ادعاه أن خبر الجزیة غیر معلوم و لا مقطوع به فهب أن ذلک مسلم علی ما فیه أ لیس من مذهبه أن أخبار الآحاد فی الشریعة یعمل بها و إن لم تکن معلومة فهلا عمل عمر بالخبر المروی فی هذا الباب و عدل عن اجتهاده الذی أداه إلی مخالفة اللّه تعالی (1) .

(2)

أما کون صلاة التراویح بدعة و إطلاق عمر علیها هذا اللفظ فإن لفظ البدعة یطلق علی مفهومین أحدهما ما خولف به الکتاب و السنة مثل صوم یوم النحر و أیام التشریق فإنه و إن کان صوما إلاّ أنّه منهی عنه.

و الثانی ما لم یرد فیه نص بل سکت عنه ففعله المسلمون بعد وفاة رسول اللّه ص فإن أرید بکون صلاة التراویح بدعة المفهوم الأول فلا نسلم أنّها بدعة بهذا التفسیر و الخبر الذی رواه المرتضی غیر معروف و لا یمکنه أن یسنده إلی کتاب من کتب المحدثین و لو قدر علی ذلک لأسنده و لعله من أخبار أصحابه من محدثی الإمامیّة و الأخباریین منهم و الألفاظ التی فی آخر الحدیث و هی

3586

کُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ وَ کُلُّ ضَلاَلَةٍ

ص :284

فِی اَلنَّارِ .

مرویة مشهورة و لکن علی تفسیر البدعة بالمفهوم الأول و قول عمر إنها لبدعة خبر مرویّ مشهور و لکن أراد به البدعة بالتفسیر الثانی و الخبر الذی رواه أمیر المؤمنین ع ینفرد هو و طائفته بنقله و المحدّثون لا یعرفون ذلک و لا یثبتونه.

فأما إنکاره أن تکون نافلة شهر رمضان صلاها رسول اللّه ص فی جماعة فإنکار لست أرتضیه لمثله فإن کتب المحدثین مشحونة بروایة ذلک و قد ذکره أحمد بن حنبل فی مسنده غیر مرة بعدة طرق و رواه الفقهاء ذکره الطحاوی فی کتاب إختلاف الفقهاء و ذکره أبو الطیب الطبریّ الشافعی فی شرحه کتاب المزنی و قد ذکره المتأخرون أیضا

3587

14- ذَکَرَهُ اَلْغَزَّالِیُّ فِی کِتَابِ إِحْیَاءِ عُلُومِ الدِّینِ وَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص صَلَّی التَّرَاوِیحَ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ فِی جَمَاعَةٍ لَیْلَتَیْنِ أَوْ ثَلاَثاً ثُمَّ تَرَکَ وَ قَالَ أَخَافُ أَنْ یُوجَبَ عَلَیْکُمْ .

3588

14- وَ أَجَازَ لِیَ اَلشَّیْخُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِیِّ بْنِ الْجَوْزِیِّ بِرِوَایَتِهِ عَنْ شَیْخِهِ مُحَمَّدِ بْنِ نَاصِرٍ عَنْ شُیُوخِهِ وَ رِجَالِهِ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص صَلَّی نَافِلَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِی جَمَاعَةٍ یَأْتَمُّونَ بِهِ لَیَالِیَ ثُمَّ لَمْ یَخْرُجْ وَ قَامَ فِی بَیْتِهِ وَ صَلَّی النَّاسُ فُرَادَی بَقِیَّةَ أَیَّامِهِ وَ أَیَّامَ أَبِی بَکْرٍ وَ صَدْراً مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ فَخَرَجَ عُمَرُ لَیْلَةً فَرَأَی النَّاسَ أَوْزَاعاً یُصَلُّونَ فِی اَلْمَسْجِدِ فَقَالَ لَوْ جَمَعْتُهُمْ عَلَی إِمَامٍ فَأَمَرَ أُبَیَّ بْنَ کَعْبٍ أَنْ یُصَلِّیَ بِهِمْ فَصَلَّی بِهِمْ تِلْکَ اللَّیْلَةَ ثُمَّ خَرَجَ فَرَآهُمْ مُجْتَمِعِینَ إِلَی أُبَیِّ بْنِ کَعْبٍ یُصَلِّی بِهِمْ فَقَالَ بِدْعَةٌ وَ نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ إِمَّا أَنَّهَا لِفَضْلٍ وَ الَّتِی یَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ

.

قال یعنی قیام آخر اللیل فإنّه أفضل من قیام أوله.

و أمّا قول قاضی القضاة أن فی التراویح فائدة و هی التشدد فی حفظ القرآن و الدعاء إلی الصلاة و اعتراض المرتضی إیاه بقوله اللّه أعلم بالمصلحة و لیس لنا أن نسن ما لم یسنه

ص :285

اللّه و رسوله فإنه یقال له أ لیس یجوز للإنسان أن یخترع من النوافل صلوات مخصوصة بکیفیات مخصوصة و أعداد رکعات مخصوصة و لا یکون ذلک مکروها و لا حراما نحو أن یصلی ثلاثین رکعة بتسلیمة واحدة و یقرأ فی کل رکعة منها سورة من قصار المفصل أ فیقول أحد إن هذا بدعة لأنّه لم یرد فیه نص و لا سبق إلیه المسلمون من قبل فإن قال هذا یسوغ فإنّه داخل تحت عموم ما ورد فی فضل صلاة النافلة قیل له و التراویح جائزة و مسنونة لأنّها داخلة تحت عموم ما ورد فی فضل صلاة الجماعة.

فإن قال کیف تکون نافلة و هی جماعة قیل له قد رأینا کثیرا من النوافل تصلی جماعة نحو صلاة العید و صلاة الکسوف و صلاة الاستسقاء و صلاة الجنازة إذا لم یتعین للمصلی بأن یقوم غیره مقامه فیها.

فأما ما أشار إلیه قاضی القضاة من التشدد فی حفظ القرآن فهو أنه

3589

رُوِیَ أَنَّ عُمَرَ أُتِیَ بِسَارِقٍ فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ فَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الْقَطْعَ فِی السَّرِقَةِ وَ لَوْ عَلِمْتُ لَمْ أَسْرِقْ فَأَحْلَفَهُ عَلَی ذَلِکَ وَ سَنَّ التَّرَاوِیحَ جَمَاعَةً لِیَتَکَرَّرَ سَمَاعُ اَلْقُرْآنِ عَلَی أَسْمَاعِ اَلْمُسْلِمِینَ .

و قد اختلف الفقهاء أیما أفضل فی نافلة شهر رمضان الاجتماع علیها أم صلاتها فرادی فقال قوم الجماعة أفضل لأن الاجتماع برکة و له فضیلة و لو لا فضیلته لم یسن فی المکتوبة و لأنّه ربما یکسل فی الانفراد و ینشط عند مشاهدة الجمع.

و قال قوم الانفراد أفضل لأنّها سنة لیست من الشعائر کالعیدین فإلحاقها بتحیة المسجد أولی و قد جرت العادة بأن یدخل المسجد جمع معا ثمّ لم یصلوا التحیة بالجماعة.

و روی القائلون بهذا القول

3590

عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ فَضْلُ صَلاَةِ الْمُتَطَوِّعِ فِی بَیْتِهِ عَلَی صَلاَةِ الْمُتَطَوِّعِ فِی الْمَسْجِدِ کَفَضْلِ صَلاَةِ الْمَکْتُوبَةِ فِی الْمَسْجِدِ عَلَی صَلاَتِهِ فِی الْبَیْتِ.

ص :286

و

3591

قَدْ رُوِیَ عَنْهُ ع أَنَّ أَفْضَلَ النَّوَافِلِ رَکْعَتَانِ یُصَلِّیهِمَا اَلْمُسْلِمُ فِی زَاوِیَةِ بَیْتِهِ لاَ یَعْلَمُهُمَا إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ.

قالوا و لأنّها إذا صلیت فرادی کانت الصلاة أبعد من الریاء و التصنع و بالجملة الاختلاف فی أیهما أفضل فأما تحریم الصلاة و لزوم الإثم بفعلها فمما لم یذهب إلیه إلاّ الإمامیّة

3592

1- وَ قَدْ رَوَی الرُّوَاةُ أَنَّ عَلِیّاً ع خَرَجَ لَیْلاً فِی شَهْرِ رَمَضَانَ فِی خِلاَفَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَرَأَی الْمَصَابِیحَ فِی الْمَسَاجِدِ وَ اَلْمُسْلِمُونَ یُصَلُّونَ التَّرَاوِیحَ فَقَالَ نَوَّرَ اللَّهُ قَبْرَ عُمَرَ کَمَا نَوَّرَ مَسَاجِدَنَا .

و الشیعة یروون هذا الخبر و لکن بحمل اللفظ علی معنی آخر.

فأما حدیث الخراج فقد ذکره أرباب علم الخراج و الکتاب و ذکره الفقهاء أیضا فی کتبهم و ذکره أرباب السیرة و أصحاب التاریخ قال قدامة بن جعفر فی کتاب الخراج اختلف الفقهاء فی أرض العنوة فقال بعضهم تخمس ثمّ تقسم أربعة أخماس علی الذین افتتحوها و قال بعضهم ذلک إلی الإمام إن رأی أن یجعلها غنیمة لیخمسها و یقسم الباقی کما فعل رسول اللّه ص بخیبر فذلک إلیه و إن رأی أن یجعلها فیئا فلا یخمسها و لا یقسمها بل تکون موقوفة علی سائر المسلمین کما فعل عمر بأرض السواد و أرض مصر و غیرهما ممّا افتتحه عنوة فعلی الوجهین جمیعا فیهما قدوة و متبع لأن النبیّ ص قسم خیبر و صیرها غنیمة و أشار الزبیر بن العوام علی عمر فی مصر و بلاد الشام بمثل ذلک و هو مذهب مالک بن أنس و جعل عمر السواد و غیره فیئا موقوفا علی المسلمین من کان منهم حاضرا فی وقته و من أتی بعده و لم یقسمه و هو رأی رآه علیّ بن أبی طالب ع و معاذ بن جبل و أشارا علیه و به کان یأخذ سفیان بن سعید و ذلک رأی من جعل الخیار إلی الإمام فی تصییر أرض العنوة غنیمة أو فیئا راجعا للمسلمین فی کل سنة.

ص :287

قال قدامة رحمه اللّه فأما ما فعله رسول اللّه ص من تصییره خیبر غنیمة فإنّه ع اتبع فیه آیة محکمة و هی قوله تعالی وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبیٰ وَ الْیَتٰامیٰ وَ الْمَسٰاکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ (1) فهذه آیة الغنیمة و هی لأهلها دون الناس و بها عمل رسول اللّه ص و أمّا الآیة التی عمل بها عمر و ذهب إلیها علی ع و معاذ بن جبل فیما أشارا علیه به فهی قوله تعالی مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلیٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُریٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبیٰ وَ الْیَتٰامیٰ وَ الْمَسٰاکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ إلی قوله لِلْفُقَرٰاءِ اَلْمُهٰاجِرِینَ وَ الَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدّٰارَ وَ الْإِیمٰانَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ الَّذِینَ جٰاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ (2) انتهت ألفاظ قدامة .

3593

وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ أَنَّ عُمَرَ هَمَّ أَنْ یَقْسِمَ أَرْضَ اَلسَّوَادِ بَیْنَ الْغَانِمِینَ کَمَا یَقْسِمُ الْغَنَائِمَ ثُمَّ قَالَ فَکَیْفَ بِالْآجَامِ وَ مَنَاقِعِ الْمِیَاهِ وَ الغِیَاضِ وَ الْهَضْبِ الْمُرْتَفَعِ وَ الْغَائِطِ الْمُنْخَفِضِ وَ کَیْفَ یَصْنَعُ هَؤُلاَءِ بِالْمَاءِ وَ قِسْمَتِهِ بَیْنَهُمْ أَخَافُ أَنْ یَضْرِبَ بَعْضُهُمْ وُجُوهَ بَعْضٍ ثُمَّ جَمَعَ الْغَانِمِینَ فَقَالَ لَهُمْ ذَلِکَ فَرَضُوا أَنْ تَقِرَّ الْأَرْضُ حَبِیساً لَهُمْ یُوَلُّونَهَا مَنْ تَرَاضَوْا عَلَیْهِ ثُمَّ یَقْتَسِمُونَ غَلَّتَهَا کُلَّ عَامٍ فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ إِنِّی قَدِ اجْتَهَدْتُ وَ قَدْ قَضَیْتُ مَا عَلَیَّ اللَّهُمَّ إِنِّی أُشْهِدُکَ عَلَیْهِمْ فَاشْهَدْ.

فأما قول قاضی القضاة إن النبیّ ص جعل لمتولی أمر الأمة ضربا من الاختیار فی الغنیمة و ما ذکره من الفرق بین الرجال و الأموال و ما ذکره من أن الغانمین لیسوا مالکی الغنیمة ملکا صریحا و إنّما هو ضرب من الاختصاص فکله جید لا کلام علیه و لم یعترضه المرتضی بشیء و لا تعرض له.

و أمّا قول قاضی القضاة إنّه روی أن عمر فعل ما فعل برضا الغانمین و بأن عوضهم

ص :288

عنه و إنکار المرتضی وقوع ذلک و قوله أنّه لم ینقل فقد بینا أن الطبریّ ذکر فی تاریخه أن عمر فعل ذلک برضا الغانمین و بعد أن جمعهم و قال لهم ما استصلحه و ما أدی إلیه اجتهاده فرضوا به و أشهدوا اللّه علیهم و الحاضرین.

و قد ذکر کثیر من الفقهاء أن عمر عوض الغانمین عن أرض السواد و وقفه علی مصالح المسلمین و هذا ما رواه الشافعی و ذکر حدیث التعریض أبو الحسن علیّ بن حبیب الماوردی فی کتاب الحاوی فی الفقه و ذکره أیضا أبو الطیب طاهر بن عبد اللّه الطبریّ فی شرح المزنی .

و أمّا تعلق قاضی القضاة بإجماع المسلمین فتعلق صحیح و طعن المرتضی فیه بالتقیة و موافقة الإمام المعصوم علی الباطل طعن یسمج التعلق به و للبحث فیه سبح طویل.

و أمّا أمر الجزیة فطریقه الاجتهاد و للإمام أن یری فیه رأیه بمشاورة الصلحاء و الفقهاء و قد قال قاضی القضاة إن الخبر الذی ذکره المرتضی و ذکر أنّه مرفوع و هو علی کل حالم دینار خبر مظنون غیر معلوم و اعتراض المرتضی علیه بقوله هب أن الأمر کذلک أ لستم تزعمون أن خبر الواحد معمول علیه فی الفروع فهلا عمل عمر بهذا الخبر و إن کان خبر واحد اعتراض لیس بلازم لأنّه إذا کان خبر واحد عندنا لم یلزم أن یکون أیضا خبر واحد عند عمر بل من الجائز أن یکون مفتعلا بعد وفاة عمر و لو کان قد ثبت أن عمر سمع هذا الخبر من واحد أو اثنین من الصحابة ثمّ لم یعمل به کان الاعتراض لازما و لکن ذلک ممّا لم یثبت

ص :289

ص :290

الطعن الرابع.

ما ذکروه من أنّه منع من المغالاة فی صدقات النساء،و الجواب عن ذلک 208-210

الطعن الخامس:

ما ذکروه من أنّه کان یعطی من بیت المال ما لا یجوز،و الجواب عن ذلک 210-227

الطعن السادس:

ما ذکروه من أنّه عطل حدّ اللّه فی المغیرة بن شعبة،و الجواب عن ذلک 227-246

الطعن السابع:

ما ذکروه من أنّه کان یتلوّن فی الأحکام،و الجواب عن ذلک 246-251

الطعن الثامن:

ما ذکروه من قوله فی المتعة،و الجواب عن ذلک 251-256

الطعن التاسع:

ما روی عنه فی قصة الشوری،و کونه خرج بها عن الاختیار و النصّ جمیعا،و الجواب عن ذلک 256-281

الطعن العاشر:

ما ذکروه من قولهم:إنّه أبدع فی الدین ما لا یجوز،و الجواب عن ذلک 281-289

ص :292