ص :2

لأنهم إذا فعلوا ذلک فبالحری أن یمور السنان أی یتحرک عن موضع الطعنة فیخرج زالفا و إذا لم یلتووا لم یمر السنان و لم یتحرک عن موضعه فیخرق و ینفذ فیقتل .

و أمرهم بغض الأبصار فی الحرب فإنه أربط للجأش أی أثبت للقلب لأن الغاض بصره فی الحرب أحری ألا یدهش و لا یرتاع لهول ما ینظر .

و أمرهم بإماتة الأصوات و إخفائها فإنه أطرد للفشل و هو الجبن و الخوف و ذلک لأن الجبان یرعد و یبرق و الشجاع صامت .

و أمرهم بحفظ رایتهم ألا یمیلوها فإنها إذا مالت انکسر العسکر لأنّهم إنّما ینظرون إلیها و إلاّ یخلوها من محام عنها و إلاّ یجعلوها بأیدی الجبناء و ذوی الهلع منهم کی لا یخیموا و یجبنوا عن إمساکها .

و الذمار ما وراء الرجل ممّا یحق علیه أن یحمیه و سمی ذمارا لأنّه یجب علی أهله التذمر له أی الغضب .

و الحقائق جمع حاقة و هی الأمر الصعب الشدید و منه قول اللّه تعالی اَلْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ یعنی الساعة .

و یکتنفونها

یحیطون بها و حفافاها جانباها و منه قول طرفة کان جناحی مضرحی تکنفا حفافیه شکا فی العسیب بمسرد (1) أَجْزَأَ امْرُؤٌ قِرْنَهُ وَ آسَی أَخَاهُ بِنَفْسِهِ وَ لَمْ یَکِلْ قِرْنَهُ إِلَی أَخِیهِ فَیَجْتَمِعَ

ص :4

عَلَیْهِ قِرْنُهُ وَ قِرْنُ أَخِیهِ وَ ایْمُ اللَّهِ لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَیْفِ الْعَاجِلَةِ لاَ تَسْلَمُوا [تَسْلَمُونَ]

مِنْ سَیْفِ الآْخِرَةِ وَ أَنْتُمْ لَهَامِیمُ اَلْعَرَبِ وَ السَّنَامُ الْأَعْظَمُ إِنَّ فِی الْفِرَارِ مَوْجِدَةَ اللَّهِ وَ الذُّلَّ اللاَّزِمَ وَ الْعَارَ الْبَاقِیَ وَ إِنَّ الْفَارَّ لَغَیْرُ مَزِیدٍ فِی عُمُرِهِ وَ لاَ مَحْجُوزٍ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ یَوْمِهِ [مَنْ رَائِحٌ]

مَنِ الرَّائِحُ إِلَی اللَّهِ کَالظَّمْآنِ یَرِدُ الْمَاءَ اَلْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ الْعَوَالِی الْیَوْمَ تُبْلَی الْأَخْبَارُ وَ اللَّهِ لَأَنَا أَشْوَقُ إِلَی لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَی دِیَارِهِمْ اللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا الْحَقَّ فَافْضُضْ جَمَاعَتَهُمْ وَ شَتِّتْ کَلِمَتَهُمْ وَ أَبْسِلْهُمْ بِخَطَایَاهُمْ .

من الناس من یجعل هذه الصیغة و هی صیغة الإخبار بالفعل الماضی فی قوله أجزأ امرؤ قرنه فی معنی الأمر کأنّه قال لیجزئ کل امرئ قرنه لأنّه إذا جاز الأمر بصیغة الإخبار فی المستقبل جاز الأمر بصیغة الماضی و قد جاز الأول نحو قوله تعالی وَ الْوٰالِدٰاتُ یُرْضِعْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ (1) فوجب أن یجوز الثانی و من الناس من قال معنی ذلک هلا أجزأ امرؤ قرنه فیکون تحضیضا محذوف الصیغة للعلم بها و أجزأ بالهمزة أی کفی و قرنک مقارنک فی القتال أو نحوه .

و آسی أخاه بنفسه

مؤاساة بالهمز أی جعله أسوة نفسه و یجوز واسیت زیدا بالواو و هی لغة ضعیفة .

و لم یکل قرنه إلی أخیه

أی لم یدع قرنه ینضم إلی قرن أخیه فیصیرا معا فی

ص :5

مقاومة الأخ المذکور و ذلک قبیح محرم مثاله زید و عمرو مسلمان و لهما قرنان کافران فی الحرب لا یجوز لزید أن ینکل عن قرنه فیجتمع قرنه و قرن عمرو علی عمرو .

ثمّ أقسم ع أنهم إن سلموا من الألم النازل بهم لو قتلوا بالسیف فی الدنیا فإنهم لم یسلموا من عقاب اللّه تعالی فی الآخرة علی فرارهم و تخاذلهم و سمی ذلک سیفا علی وجه الاستعارة و صناعة الکلام لأنّه قد ذکر سیف الدنیا فجعل ذلک فی مقابلته .

و اللهامیم السادات الأجواد من الناس و الجیاد من الخیل الواحد لهموم و السنام الأعظم یرید شرفهم و علو أنسابهم لأن السنام أعلی أعضاء البعیر .

و موجدة اللّه غضبه و سخطه .

و یروی و الذل اللاذم بالذال المعجمة و هو بمعنی اللازم أیضا لذمت المکان بالکسر أی لزمته .

ثمّ ذکر أن الفرار لا یزید فی العمر و قال الراجز قد علمت حسناء دعجاء المقل أن الفرار لا یزید فی الأجل .

ثمّ قال لهم أیکم یروح إلی اللّه فیکون کالظمآن یرد الماء .

ثمّ قال الجنة تحت أطراف العوالی و هذا من

1692

قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص

اَلْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّیُوفِ.

و

1693

14- سَمِعَ بَعْضُ اَلْأَنْصَارِ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ یَوْمَ أُحُدٍ اَلْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّیُوفِ وَ فِی یَدِهِ تُمَیْرَاتٌ یَلُوکُهَا فَقَالَ بَخْ بَخْ لَیْسَ بَیْنِی وَ بَیْنَ اَلْجَنَّةِ إِلاَّ هَذِهِ التُّمَیْرَاتُ ثُمَّ قَذَفَهَا مِنْ یَدِهِ وَ کَسَرَ جَفْنَ سَیْفِهِ وَ حَمَلَ عَلَی قُرَیْشٍ فَقَاتَلَ حَتَّی قُتِلَ .

ثمّ قال الیوم تبلی الأخبار هذا من قول اللّه تعالی وَ نَبْلُوَا أَخْبٰارَکُمْ (1) أی نختبر أفعالکم.

ص :6

ثم دعا علی أهل الشام إن ردوا الحق بأن یفض اللّه جماعتهم أی یهزمهم و یشتت أی یفرق کلمتهم و أن یبسلهم بخطایاهم أی یسلمهم لأجل خطایاهم التی اقترفوها و لا ینصرهم أبسلت فلانا إذا أسلمته إلی الهلکة فهو مبسل قال تعالی أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ (1) أی تسلم و قال أُولٰئِکَ الَّذِینَ أُبْسِلُوا بِمٰا کَسَبُوا (2) أی أسلموا للهلاک لأجل ما اکتسبوه من الإثم و هذه الألفاظ کلها لا یتلو بعضها بعضا و إنّما هی منتزعة من کلام طویل انتزعها الرضی رحمه اللّه و اطرح ما عداها إِنَّهُمْ لَنْ یَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ دُونَ طَعْنٍ دِرَاکٍ یَخْرُجُ [مِنْهُ]

مِنْهُمُ النَّسِیمُ وَ ضَرْبٍ یَفْلِقُ الْهَامَ وَ یُطِیحُ الْعِظَامَ وَ یُنْدِرُ السَّوَاعِدَ وَ الْأَقْدَامَ وَ حَتَّی یُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا الْمَنَاسِرُ وَ یُرْجَمُوا بِالْکَتَائِبِ تَقْفُوهَا الْحَلاَئِبُ وَ حَتَّی یُجَرَّ بِبِلاَدِهِمُ الْخَمِیسُ یَتْلُوهُ الْخَمِیسُ وَ حَتَّی تَدْعَقَ الْخُیُولُ فِی نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ وَ بِأَعْنَانِ مَسَارِبِهِمْ وَ مَسَارِحِهِمْ.

[قال الشریف الرضی رحمه اللّه تعالی الدعق الدق أی تدق الخیول بحوافرها أرضهم و نواحر أرضهم متقابلاتها و یقال منازل بنی فلان تتناحر أی تتقابل ]

طعن دراک

أی متتابع یتلو بعضه بعضا و یخرج منه النسیم أی لسعته و من هذا النحو قول الشاعر

ص :7

طعنت ابن عبد القیس طعنة ثائر

فهذا وصف الطعنة بأنها لاتساعها یری الإنسان المقابل لها ببصره ما وراءها و أنّه لو لا شعاع الدم و هو ما تفرق منه لبان منها الضوء و أمیر المؤمنین ع أراد من أصحابه طعنات یخرج النسیم و هو الریح اللینة منهن .

و فلقت الشیء أفلقه بکسر اللام فلقا أی شققته و یطیح العظام یسقطها طاح الشیء أی سقط أو هلک أو تاه فی الأرض و أطاحه غیره و طوحه .

و یندر السواعد

یسقطها أیضا ندر الشیء یندر ندرا أی سقط و منه النوادر و أندره غیره و الساعد من الکوع إلی المرفق و هو الذراع .

و المناسر جمع منسر و هو قطعة من الجیش تکون أمام الجیش الأعظم بکسر السین و فتح المیم و یجوز منسر بکسر المیم و فتح السین و قیل إنها اللغة الفصحی .

و یرجموا

أی یغزوا بالکتائب جمع کتیبة و هی طائفة من الجیش.

تقفوها الحلائب

أی تتبعها طوائف لنصرها و المحاماة عنها یقال قد أحلبوا إذا جاءوا من کل أوب للنصرة و رجل محلب أی ناصر و حالبت الرجل إذا نصرته و أعنته و قال الشاعر (1) أ لهفا بقری سحبل حین أحلبت علینا الولایا و العدو المباسل (2)

ص :8

أی أعانت و نصرت و الخمیس الجیش و الدعق قد فسره الرضی رحمه اللّه و یجوز أن یفسر بأمر آخر و هو الهیج و التنفیر دعق القوم یدعقهم دعقا أی هاج منهم و نفرهم.

و نواحر أرضهم قد فسره رحمه اللّه أیضا و یمکن أن یفسر بأمر آخر و هو أن یراد به أقصی أرضهم و آخرها من قولهم لآخر لیلة فی الشهر ناحرة .

و أعنان مساربهم و مسارحهم جوانبها و المسارب ما یسرب فیه المال الراعی و المسارح ما یسرح فیه و الفرق بین سرح و سرب أن السروح إنّما یکون فی أول النهار و لیس ذلک بشرط فی السروب

عَمَّارٍ .

و

1695

14- رَوَوْا عَنْهُ ص أَنَّ عَمَّاراً جَاءَ یَسْتَأْذِنُ عَلَیْهِ فَقَالَ ائْذَنُوا لَهُ مَرْحَباً بِالطَّیِّبِ الْمُطَیَّبِ

(1)

.

و

1696

14- رَوَی سَلَمَةُ بْنُ کُهَیْلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ النَّبِیَّ ص رَأَی عَمَّاراً وَ هُوَ یَحْمِلُ أَحْجَارَ اَلْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا لَهُمْ وَ لِعَمَّارٍ یَدْعُوهُمْ إِلَی اَلْجَنَّةِ وَ یَدْعُونَهُ إِلَی اَلنَّارِ .

و

1697

رَوَی النَّاسُ کَافَّةً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لَهُ تَقْتُلُکَ الْفِئَةُ الْبَاغِیَةُ (2) .

1698

1- وَ رَوَی نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ فِی کِتَابِ صِفِّینَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ مَالِکِ بْنِ أَعْیَنَ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِیِّ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ نَادَی (3) فِی صِفِّینَ یَوْماً قَبْلَ مَقْتَلِهِ بِیَوْمٍ أَوْ یَوْمَیْنِ أَیْنَ مَنْ یَبْغِی رِضْوَانَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لاَ یَئُوبُ إِلَی مَالٍ وَ لاَ وَلَدٍ فَأَتَتْهُ عِصَابَةٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ اقْصِدُوا بِنَا قَصْدَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ [الَّذِینَ یَتْبَعُونَ دَمَ عُثْمَانَ وَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُوماً وَ اللَّهِ إِنْ کَانَ إِلاَّ ظَالِماً لِنَفْسِهِ الْحَاکِمَ بِغَیْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ]

(4) وَ دَفَعَ عَلِیٌّ ع الرَّایَةَ إِلَی هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِی وَقَّاصٍ وَ کَانَ عَلَیْهِ ذَلِکَ الْیَوْمَ دِرْعَانِ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع کَهَیْئَةِ الْمَازِحِ أَبَا هَاشِمٍ أَ مَا تَخْشَی عَلَی نَفْسِکَ أَنْ تَکُونَ أَعْوَرَ جَبَاناً قَالَ سَتَعْلَمُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ اللَّهِ لَأَلُفَّنَّ بَیْنَ جَمَاجِمِ اَلْعَرَبِ لَفَّ رَجُلٍ یَنْوِی الْآخِرَةَ فَأَخَذَ رُمْحاً فَهَزَّهُ فَانْکَسَرَ ثُمَّ أَخَذَ آخَرَ فَوَجَدَهُ جَاسِیاً فَأَلْقَاهُ ثُمَّ دَعَا بِرُمْحٍ لَیِّنٍ فَشَدَّ بِهِ اللِّوَاءَ

.

(5)

1699

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ لَمَّا دَفَعَ عَلِیٌّ ع الرَّایَةَ إِلَی هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ

ص :10

لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ أَقْدِمْ هَاشِمُ یُکَرِّرُهَا ثُمَّ قَالَ مَا لَکَ یَا هَاشِمُ (1) قَدِ انْتَفَخَ سَحْرُکَ أَ عَوَراً وَ جُبْناً قَالَ مَنْ هَذَا قَالُوا فُلاَنٌ قَالَ أَهْلُهَا وَ خَیْرٌ مِنْهَا إِذَا رَأَیْتَنِی قَدْ صُرِعْتُ فَخُذْهَا ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ شُدُّوا شُسُوعَ نِعَالِکُمْ وَ شُدُّوا أُزُرَکُمْ فَإِذَا رَأَیْتُمُونِی قَدْ هَزَزْتُ الرَّایَةَ ثَلاَثاً فَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَداً مِنْکُمْ لاَ یَسْبِقُنِی إِلَی الْحَمْلَةِ (2) ثُمَّ نَظَرَ إِلَی عَسْکَرِ مُعَاوِیَةَ فَرَأَی جَمْعاً عَظِیماً فَقَالَ مَنْ أُولَئِکَ قِیلَ أَصْحَابُ ذِی الْکَلاَعِ ثُمَّ نَظَرَ فَرَأَی جُنْداً فَقَالَ مَنْ أُولَئِکَ قِیلَ قُرَیْشٌ وَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ فَقَالَ قَوْمِی لاَ حَاجَةَ لِی فِی قِتَالِهِمْ مِنْ عِنْدِ هَذِهِ الْقُبَّةِ الْبَیْضَاءِ قِیلَ مُعَاوِیَةُ وَ جُنْدُهُ قَالَ فَإِنِّی أَرَی دُونَهُمْ أَسْوِدَةً (3) قِیلَ ذَاکَ (4) عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ ابْنَاهُ وَ مَوَالِیهِ فَأَخَذَ الرَّایَةَ فَهَزَّهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْبَثْ (5) قَلِیلاً وَ لاَ تَعْجَلْ فَقَالَ هَاشِمٌ قَدْ أَکْثَرَا لَوْمِی وَ مَا أَقَلاَّ (6)

ص :11

مَعَ ابْنِ عَمِّ أَحْمَدَ الْمُعَلَّی (1)

أَوَّلِ مَنْ صَدَّقَهُ وَ صَلَّی

(2)

.

1700

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِیزِ بْنُ سِیَاهٍ عَنْ حَبِیبِ بْنِ أَبِی ثَابِتٍ قَالَ لَمَّا تَنَاوَلَ هَاشِمٌ الرَّایَةَ جَعَلَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ یُحَرِّضُهُ عَلَی الْحَرْبِ وَ یُقَرِّعُهُ (3) بِالرُّمْحِ وَ یَقُولُ أَقْدِمْ یَا أَعْوَرُ لاَ خَیْرَ فِی أَعْوَرَ لاَ یَأْتِی الْفَزَعَ.

فَیَسْتَحْیِی مِنْ عَمَّارٍ وَ یَتَقَدَّمُ وَ یَرْکُزُ الرَّایَةَ فَإِذَا رَکَزَهَا عَاوَدَهُ عَمَّارٌ بِالْقَوْلِ فَیَتَقَدَّمُ أَیْضاً فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِنِّی لَأَرَی لِصَاحِبِ الرَّایَةِ السَّوْدَاءِ عَمَلاً لَئِنْ دَامَ عَلَی هَذَا لَتُفْنِیَنَّ اَلْعَرَبَ الْیَوْمَ فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً وَ عَمَّارٌ یُنَادِی (4) صَبْراً وَ اللَّهِ إِنَّ اَلْجَنَّةَ (5) تَحْتَ ظِلاَلِ الْبَیْضِ فَکَانَ بِإِزَاءِ هَاشِمٍ وَ عَمَّارٍ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِیُّ وَ لَمْ یَزَلْ عَمَّارٌ بِهَاشِمٍ یَنْخَسُهُ وَ هُوَ یَزْحَفُ بِالرَّایَةِ حَتَّی اشْتَدَّ الْقِتَالُ وَ عَظُمَ وَ الْتَقَی الزَّحْفَانِ وَ اقْتَتَلاَ قِتَالاً لَمْ یَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ وَ کَثُرَتِ الْقَتْلَی فِی الْفَرِیقَیْنِ جَمِیعاً (6) .

1701

1- وَ رَوَی نَصْرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ قَالَ حَدَّثَنِی (7) مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ

ص :12

قَالَ لَمَّا الْتَقَیْنَا بِالْقَوْمِ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ وَجَدْنَاهُمْ خَمْسَةَ صُفُوفٍ قَدْ قَیَّدُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْعَمَائِمِ (1) فَقَتَلْنَا صَفّاً ثُمَّ صَفّاً ثُمَّ خَلَّصْنَا إِلَی الرَّابِعِ مَا عَلَی الْأَرْضِ شَامِیٌّ وَ لاَ عِرَاقِیُّ یُوَلِّی دُبُرَهُ وَ أَبُو الْأَعْوَرِ یَقُولُ إِذَا مَا فَرَرْنَا کَانَ أَسْوَا فِرَارُنَا

قَالَ نَصْرٌ وَ الْتَقَتْ فِی هَذَا الْیَوْمِ هَمْدَانُ اَلْعِرَاقِ بِعُکِّ اَلشَّامِ فَقَالَ قَائِلُهُمْ هَمْدَانُ هَمْدَانُ وَ عُکٌّ عُکٌّ سَتَعْلَمُ الْیَوْمَ مَنِ الْأَرَکُّ (2) وَ کَانَتْ عَلَی عُکٍّ الدُّرُوعُ وَ لَیْسَ عَلَیْهِمْ رَایَاتٌ (3) فَقَالَتْ هَمْدَانُ خَدِّمُوا الْقَوْمَ أَیْ اضْرِبُوا سُوقَهُمْ فَقَالَتْ عُکٌّ ابْرِکُوا بَرْکَ الْکَمَلِ (4) فَبَرَکُوا کَمَا یَبْرُکُ (5) الْجَمَلُ ثُمَّ رَمَوُا الْحَجَرَ وَ قَالُوا لاَ نَفِرُّ حَتَّی یَفِرَّ الْحَکَرُ (6) .

قَالَ نَصْرٌ وَ اقْتَتَلَ النَّاسُ مِنْ لَدُنِ اعْتِدَالِ النَّهَارِ إِلَی صَلاَةِ الْمَغْرِبِ مَا کَانَ صَلاَةُ الْقَوْمِ إِلاَّ التَّکْبِیرَ عِنْدَ مَوَاقِیتِ الصَّلاَةِ.

ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ (7) اَلْعِرَاقِ کَشَفُوا مَیْمَنَةَ أَهْلِ اَلشَّامِ فَطَارُوا فِی سَوَادِ اللَّیْلِ وَ کَشَفَ أَهْلُ اَلشَّامِ مَیْسَرَةَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَاخْتَلَطُوا فِی سَوَادِ اللَّیْلِ وَ تَبَدَّلَتِ الرَّایَاتُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ وَجَدَ أَهْلُ اَلشَّامِ لِوَاءَهُمْ وَ لَیْسَ حَوْلَهُ إِلاَّ أَلْفُ رَجُلٍ فَاقْتَلَعُوهُ وَ رَکَزُوهُ مِنْ

ص :13

وَرَاءِ مَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ وَ أَحَاطُوا بِهِ وَ وَجَدَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ لِوَاءَهُمْ مَرْکُوزاً وَ لَیْسَ حَوْلَهُ إِلاَّ رَبِیعَةُ وَ عَلِیٌّ ع بَیْنَهَا وَ هُمْ مُحِیطُونَ بِهِ وَ هُوَ لاَ یَعْلَمُ مَنْ هُمْ وَ یَظُنُّهُمْ غَیْرَهُمْ فَلَمَّا أَذَّنَ مُؤَذِّنُ عَلِیٍّ ع الْفَجْرَ قَالَ عَلِیٌّ ع یَا مَرْحَباً بِالْقَائِلِینَ عَدْلاً وَ بِالصَّلاَةِ مَرْحَباً وَ أَهْلاً.

ثُمَّ وَقَفَ وَ صَلَّی الْفَجْرَ فَلَمَّا انْفَتَلَ أَبْصَرَ وُجُوهاً لَیْسَتْ بِوُجُوهِ أَصْحَابِهِ بِالْأَمْسِ وَ إِذَا مَکَانُهُ الَّذِی هُوَ فِیهِ مَا بَیْنَ الْمَیْسَرَةِ إِلَی الْقَلْبِ فَقَالَ مَنِ الْقَوْمُ قَالُوا رَبِیعَةُ وَ إِنَّکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَعِنْدَنَا مُنْذُ اللَّیْلَةِ (1) فَقَالَ فَخْرٌ طَوِیلٌ لَکَ یَا رَبِیعَةُ .

ثُمَّ قَالَ لِهَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ خُذِ اللِّوَاءَ فَوَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ مِثْلَ هَذِهِ اللَّیْلَةِ فَخَرَجَ هَاشِمٌ بِاللِّوَاءِ حَتَّی رَکَزَهُ فِی الْقَلْبِ

(2)

.

1702

1,14- قَالَ نَصْرٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ عَبَّی مُعَاوِیَةُ تِلْکَ اللَّیْلَةَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ وَ ثَلاَثَمِائَةٍ مِنْ فَارِسٍ وَ رَاجِلٍ مُعْلِمِینَ (3) بِالْخُضْرَةِ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یَأْتُوا عَلِیّاً ع مِنْ وَرَائِهِ فَفَطِنَتْ لَهُمْ هَمْدَانُ فَوَاجَهُوهُمْ وَ صَمَدُوا إِلَیْهِمْ فَبَاتُوا تِلْکَ اللَّیْلَةَ یَتَحَارَسُونَ وَ عَلِیٌّ ع قَدْ أَفْضَی بِهِ ذَهَابُهُ وَ مَجِیؤُهُ إِلَی رَایَاتِ رَبِیعَةَ فَوَقَفَ بَیْنَهَا وَ هُوَ لاَ یَعْلَمُ وَ یَظُنُّ أَنَّهُ فِی عَسْکَرِ اَلْأَشْعَثِ فَلَمَّا أَصْبَحَ لَمْ یَرَ اَلْأَشْعَثَ وَ لاَ أَصْحَابَهُ وَ رَأَی سَعِیدَ بْنَ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیَّ عَلَی مَرْکَزِهِ فَجَاءَ إِلَی سَعِیدٍ رَجُلٌ مِنْ رَبِیعَةَ یُقَالُ لَهُ زُفَرُ (4) فَقَالَ لَهُ (5) أَ لَسْتَ الْقَائِلَ بِالْأَمْسِ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ رَبِیعَةُ لَتَکُونَنَّ رَبِیعَةُ رَبِیعَةَ وَ هَمْدَانُ هَمْدَانَ فَمَا أَغْنَتْ هَمْدَانُ

ص :14

الْبَارِحَةَ فَنَظَرَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ ع نَظَرَ مُنْکِرٍ وَ نَادَی مُنَادِی عَلِیٍّ ع أَنِ اتَّعِدُوا لِلْقِتَالِ وَ اغْدُوا عَلَیْهِ وَ انْهَدُوا إِلَی عَدُوِّکُمْ فَکُلُّهُمْ تَحَرَّکَ إِلاَّ رَبِیعَةَ لَمْ تَتَحَرَّکْ فَبَعَثَ إِلَیْهِمْ عَلِیٌّ ع أَنِ انْهَدُوا إِلَی عَدُوِّکُمْ فَبَعَثَ إِلَیْهِمْ أَبَا ثَرْوَانَ فَقَالَ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع یُقْرِئُکُمُ السَّلاَمَ وَ یَقُولُ لَکُمْ یَا مَعْشَرَ رَبِیعَةَ مَا لَکُمْ لاَ تَنْهَدُونَ إِلَی عَدُوِّکُمْ وَ قَدْ نَهَدَ النَّاسُ قَالُوا کَیْفَ نَنْهَدُ وَ هَذِهِ الْخَیْلُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِنَا قُلْ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَلْیَأْمُرْ هَمْدَانَ أَوْ غَیْرَهَا بِمُنَاجَزَتِهِمْ لِنَنْهَدَ فَرَجَعَ أَبُو ثَرْوَانَ إِلَی عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرَهُ فَبَعَثَ إِلَیْهِمُ اَلْأَشْتَرُ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ رَبِیعَةَ مَا مَنَعَکُمْ أَنْ تَنْهَدُوا وَ قَدْ نَهَدَ النَّاسُ وَ کَانَ جَهِیرَ الصَّوْتِ وَ أَنْتُمْ أَصْحَابُ کَذَا وَ أَصْحَابُ کَذَا فَجَعَلَ یُعَدِّدُ أَیَّامَهُمْ فَقَالُوا لَسْنَا نَفْعَلُ حَتَّی نَنْظُرَ مَا تَصْنَعُ هَذِهِ الْخَیْلُ الَّتِی خَلْفَ ظُهُورِنَا وَ هِیَ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ قُلْ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَلْیَبْعَثْ إِلَیْهِمْ مَنْ یَکْفِیهِ أَمْرَهُمْ.

وَ رَایَةُ رَبِیعَةَ یَوْمَئِذٍ مَعَ اَلْحُضَیْنِ (1) بْنِ الْمُنْذِرِ فَقَالَ لَهُمُ اَلْأَشْتَرُ فَإِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ یَقُولُ لَکُمْ اِکْفُونِیهَا إِنَّکُمْ لَوْ بَعَثْتُمْ إِلَیْهِمْ طَائِفَةً مِنْکُمْ لَتَرَکُوکُمْ فِی هَذِهِ الْفَلاَةِ وَ فَرُّوا کَالْیَعَافِیرِ (2) فَوَجَّهَتْ حِینَئِذٍ رَبِیعَةُ إِلَیْهِمْ تَیْمَ اللَّهِ وَ اَلنَّمِرَ بْنَ قَاسِطٍ وَ عَنْزَةَ قَالُوا فَمَشَیْنَا إِلَیْهِمْ مُسْتَلْئِمِینَ مُقَنِّعِینَ فِی الْحَدِیدِ وَ کَانَ عَامَّةُ قِتَالِ صِفِّینَ مَشْیاً قَالَ فَلَمَّا أَتَیْنَاهُمْ هَرَبُوا وَ انْتَشَرُوا انْتِشَارَ الْجَرَادِ فَذَکَرْتُ قَوْلَهُ وَ فَرُّوا کَالْیَعَافِیرِ ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَی أَصْحَابِنَا وَ قَدْ نَشِبَ الْقِتَالُ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ قَدِ اقْتَطَعَ أَهْلُ اَلشَّامِ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ بَعْضُهَا مِنْ رَبِیعَةَ فَأَحَاطُوا بِهَا فَلَمْ نَصِلْ إِلَیْهَا حَتَّی حَمَلْنَا عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ فَعَلَوْنَاهُمْ بِالْأَسْیَافِ حَتَّی انْفَرَجُوا لَنَا فَأَفْضَیْنَا إِلَی أَصْحَابِنَا فَاسْتَنْقَذْنَاهُمْ وَ عَرَفْنَاهُمْ تَحْتَ النَّقْعِ بِسِیمَاهُمْ وَ عَلاَمَتِهِمْ وَ کَانَتْ عَلاَمَةُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ بِصِفِّینَ الصُّوفَ الْأَبْیَضَ قَدْ جَعَلُوهُ فِی رُءُوسِهِمْ وَ عَلَی

ص :15

أَکْتَافِهِمْ وَ شِعَارُهُمْ یَا اللَّهُ یَا اللَّهُ یَا أَحَدُ یَا صَمَدُ یَا رَبَّ مُحَمَّدٍ یَا رَحْمَانُ یَا رَحِیمُ وَ کَانَتْ عَلاَمَةُ أَهْلِ اَلشَّامِ خِرَقاً صُفْراً قَدْ جَعَلُوهَا عَلَی رُءُوسِهِمْ وَ أَکْتَافِهِمْ وَ شِعَارُهُمْ نَحْنُ عِبَادُ اللَّهِ حَقّاً حَقّاً یَا لَثَارَاتِ عُثْمَانَ قَالَ نَصْرٌ فَاجْتَلَدُوا بِالسُّیُوفِ وَ عُمُدِ الْحَدِیدِ فَلَمْ یَتَحَاجَزُوا حَتَّی حَجَزَ بَیْنَهُمُ اللَّیْلُ وَ مَا یُرَی رَجُلٌ مِنْ هَؤُلاَءِ وَ مِنْ هَؤُلاَءِ مُوَلِّیاً (1) .

قَالَ نَصْرٌ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ (2) قَالَ کَانُوا عَرَباً یَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ وَ إِنَّهُمْ لَحَدِیثُو عَهْدٍ بِهَا فَالْتَقَوْا فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ فِیهِمْ بَقَایَا تِلْکَ الْحَمِیَّةِ وَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ بَصِیرَةُ الدِّینِ وَ اَلْإِسْلاَمِ فَتَضَارَبُوا وَ اسْتَحْیَوْا مِنَ الْفِرَارِ حَتَّی کَادَتِ الْحَرْبُ تُبِیدُهُمْ وَ کَانُوا إِذَا تَحَاجَزُوا دَخَلَ هَؤُلاَءِ عَسْکَرَ هَؤُلاَءِ فَیَسْتَخْرِجُونَ قَتْلاَهُمْ فَیَدْفِنُونَهُمْ (3) .

قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ فَبَیْنَا عَلِیٌّ ع وَاقِفاً بَیْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ هَمْدَانَ وَ حِمْیَرٍ وَ غَیْرِهِمْ مِنْ أَفْنَاءِ (4) قَحْطَانَ إِذْ نَادَی رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ مَنْ دَلَّ عَلَی أَبِی نُوحٍ الْحِمْیَرِیِّ فَقِیلَ لَهُ قَدْ وَجَدْتَهُ فَمَا ذَا تُرِیدُ قَالَ فَحَسَرَ عَنْ لِثَامِهِ فَإِذَا هُوَ ذُو الْکَلاَعِ الْحِمْیَرِیُّ وَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَ رَهْطِهِ فَقَالَ لِأَبِی نُوحٍ سِرْ مَعِی قَالَ إِلَی أَیْنَ قَالَ إِلَی أَنْ نَخْرُجَ عَنِ الصَّفِّ قَالَ وَ مَا شَأْنُکَ قَالَ إِنَّ لِی إِلَیْکَ لَحَاجَةً فَقَالَ أَبُو نُوحٍ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَسِیرَ إِلَیْکَ إِلاَّ فِی کَتِیبَةٍ قَالَ ذُو الْکَلاَعِ بَلَی فَسِرْ فَلَکَ ذِمَّةُ اللَّهِ وَ ذِمَّةُ رَسُولِهِ

ص :16

وَ ذِمَّةُ ذِی الْکَلاَعِ حَتَّی تَرْجِعَ إِلَی خَیْلِکَ فَإِنَّمَا أُرِیدُ أَنْ أَسْأَلَکَ عَنْ أَمْرٍ فِیکُمْ تَمَارَیْنَا فِیهِ فَسَارَ أَبُو نُوحٍ وَ سَارَ ذُو الْکَلاَعِ فَقَالَ لَهُ إِنَّمَا دَعَوْتُکَ أُحَدِّثُکَ حَدِیثاً حَدَّثَنَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِیماً فِی خِلاَفَةِ (1) عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثُمَّ أَذْکَرْنَاهُ الْآنَ بِهِ فَأَعَادَهُ إِنَّهُ یَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ یَلْتَقِی أَهْلُ اَلشَّامِ وَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ وَ فِی إِحْدَی الْکَتِیبَتَیْنِ الْحَقُّ وَ إِمَامُ الْهُدَی وَ مَعَهُ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ فَقَالَ أَبُو نُوحٍ نَعَمْ وَ اللَّهِ (2) إِنَّهُ لَفِینَا قَالَ نَشَدْتُکَ اللَّهَ أَ جَادٌّ هُوَ عَلَی قِتَالِنَا (3) قَالَ أَبُو نُوحٍ نَعَمْ وَ رَبِّ اَلْکَعْبَةِ لَهُوَ أَشَدُّ عَلَی قِتَالِکُمْ مِنِّی وَ لَوَدِدْتُ أَنَّکُمْ خَلْقٌ وَاحِدٌ فَذَبَحْتُهُ وَ بَدَأْتُ بِکَ قَبْلَهُمْ وَ أَنْتَ ابْنُ عَمِّی (4) قَالَ ذُو الْکَلاَعِ وَیْلَکَ عَلاَمَ تَمَنَّی ذَلِکَ مِنَّا فَوَ اللَّهِ مَا قَطَعْتُکَ فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَکَ قَطُّ وَ إِنَّ رَحِمَکَ لَقَرِیبَةٌ وَ مَا یَسُرُّنِی أَنْ أَقْتُلَکَ قَالَ أَبُو نُوحٍ إِنَّ اللَّهَ قَطَعَ بِالْإِسْلاَمِ أَرْحَاماً قَرِیبَةً وَ وَصَلَ بِهِ أَرْحَاماً مُتَبَاعِدَةً وَ إِنِّی قَاتِلُکَ وَ أَصْحَابَکَ لِأَنَّا عَلَی الْحَقِّ وَ أَنْتُمْ عَلَی الْبَاطِلِ قَالَ ذُو الْکَلاَعِ فَهَلْ تَسْتَطِیعُ أَنْ تَأْتِیَ مَعِی صَفَّ أَهْلِ اَلشَّامِ فَأَنَا لَکَ جَارٌ مِنْهُمْ حَتَّی تَلْقَی عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَتُخْبِرَهُ بِحَالِ عَمَّارٍ وَ جِدِّهِ فِی قِتَالِنَا لَعَلَّهُ أَنْ یَکُونَ صَلَحَ بَیْنَ هَذَیْنِ الْجُنْدَیْنِ

.

قُلْتُ وَا عَجَبَاهُ مِنْ قَوْمٍ یَعْتَرِیهِمُ الشَّکُّ فِی أَمْرِهِمْ لِمَکَانِ عَمَّارٍ وَ لاَ یَعْتَرِیهِمُ الشَّکُّ لِمَکَانِ عَلِیٍّ ع وَ یَسْتَدِلُّونَ عَلَی أَنَّ الْحَقَّ مَعَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ بِکَوْنِ عَمَّارٍ بَیْنَ أَظْهُرِهِمْ وَ لاَ یَعْبَئُونَ بِمَکَانِ عَلِیٍّ ع وَ یَحْذَرُونَ مِنْ

1703

قَوْلِ النَّبِیِّ ص تَقْتُلُکَ الْفِئَةُ الْبَاغِیَةُ.

وَ یَرْتَاعُونَ لِذَلِکَ وَ لاَ یَرْتَاعُونَ

1704

لِقَوْلِهِ ص فِی عَلِیٍّ ع اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.

وَ لاَ

1705

لِقَوْلِهِ لاَ یُحِبُّکَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ

ص :17

وَ لاَ یُبْغِضُکَ إِلاَّ مُنَافِقٌ.

و هذا یدلک علی أن علیا ع اجتهدت قریش کلها من مبدإ الأمر فی إخمال ذکره و ستر فضائله و تغطیة خصائصه حتّی محی فضله و مرتبته من صدور الناس کافة إلاّ قلیلا منهم.

1706

14,1- قَالَ نَصْرٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو نُوحٍ إِنَّکَ رَجُلٌ غَادِرٌ وَ أَنْتَ فِی قَوْمٍ غُدُرٍ وَ إِنْ لَمْ یُرِدِ الْغَدْرَ أَغْدَرُوکَ وَ إِنِّی أَنْ أَمُوتَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَدْخُلَ مَعَ مُعَاوِیَةَ فَقَالَ ذُو الْکَلاَعِ أَنَا جَارٌ لَکَ مِنْ ذَلِکَ أَلاَّ تُقْتَلَ وَ لاَ تُسْلَبَ وَ لاَ تُکْرَهَ عَلَی بَیْعَةٍ وَ لاَ تُحْبَسَ عَنْ جُنْدِکَ وَ إِنَّمَا هِیَ کَلِمَةٌ تُبْلِغُهَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ یُصْلِحَ بِذَلِکَ بَیْنَ هَذَیْنِ الْجُنْدَیْنِ وَ یَضَعَ عَنْهُمُ الْحَرْبَ فَقَالَ أَبُو نُوحٍ إِنِّی أَخَافُ غَدَرَاتِکَ وَ غَدَرَاتِ أَصْحَابِکَ قَالَ ذُو الْکَلاَعِ أَنَا لَکَ بِمَا قُلْتُ زَعِیمٌ قَالَ أَبُو نُوحٍ اللَّهُمَّ إِنَّکَ تَرَی مَا أَعْطَانِی ذُو الْکَلاَعِ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِی فَاعْصِمْنِی وَ اخْتَرْ لِی وَ انْصُرْنِی وَ ادْفَعْ عَنِّی ثُمَّ سَارَ مَعَ ذِی الْکَلاَعِ حَتَّی أَتَی عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ هُوَ عِنْدَ مُعَاوِیَةَ وَ حَوْلَهُ النَّاسُ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ یُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَی الْحَرْبِ فَلَمَّا وَقَفَا عَلَی الْقَوْمِ قَالَ ذُو الْکَلاَعِ لِعَمْرٍو یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَلْ لَکَ فِی رَجُلٍ نَاصِحٍ لَبِیبٍ مُشْفِقٍ یُخْبِرُکَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ فَلاَ یُکَذِّبُکَ قَالَ وَ مَنْ هُوَ قَالَ هُوَ ابْنُ عَمِّی هَذَا وَ هُوَ مِنْ أَهْلِ اَلْکُوفَةِ فَقَالَ عَمْرٌو أَرَی عَلَیْکَ سِیمَا أَبِی تُرَابٍ فَقَالَ أَبُو نُوحٍ عَلَیَّ سِیمَا مُحَمَّدٍ وَ أَصْحَابِهِ وَ عَلَیْکَ سِیمَا أَبِی جَهْلٍ وَ سِیمَا فِرْعَوْنَ فَقَامَ أَبُو الْأَعْوَرِ فَسَلَّ سَیْفَهُ وَ قَالَ لاَ أَرَی هَذَا الْکَذَّابَ اللَّئِیمَ یَسُبُّنَا بَیْنَ أَظْهُرِنَا وَ عَلَیْهِ سِیمَا أَبِی تُرَابٍ فَقَالَ ذُو الْکَلاَعِ أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ بَسَطْتَ یَدَکَ إِلَیْهِ لَأَحْطِمَنَّ أَنْفَکَ بِالسَّیْفِ ابْنُ عَمِّی وَ جَارِی عَقَدْتُ لَهُ ذِمَّتِی وَ جِئْتُ بِهِ إِلَیْکُمْ لِیُخْبِرَکُمْ عَمَّا تَمَارَیْتُمْ فِیهِ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ یَا أَبَا نُوحٍ أُذَکِّرُکَ بِاللَّهِ إِلاَّ مَا صَدَقْتَنَا وَ لَمْ تَکْذِبْنَا أَ فِیکُمْ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ قَالَ أَبُو نُوحٍ مَا أَنَا بِمُخْبِرِکَ حَتَّی تُخْبِرَ لِمَ تَسْأَلُ عَنْهُ وَ مَعَنَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ص عِدَّةٌ غَیْرُهُ وَ کُلُّهُمْ جَادٌّ عَلَی قِتَالِکُمْ فَقَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِنَّ

ص :18

عَمَّاراً تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِیَةُ وَ إِنَّهُ لَیْسَ لِعَمَّارٍ أَنْ یُفَارِقَ الْحَقَّ وَ لَنْ تَأْکُلَ اَلنَّارُ مِنْ عَمَّارٍ شَیْئاً فَقَالَ أَبُو نُوحٍ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ اللَّهُ أَکْبَرُ وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَفِینَا جَادٌّ عَلَی قِتَالِکُمْ فَقَالَ عَمْرٌو اللَّهِ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنَّهُ لَجَادٌّ عَلَی قِتَالِنَا قَالَ نَعَمْ وَ اللَّهِ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَ لَقَدْ حَدَّثَنِی یَوْمَ الْجَمَلِ أَنَّا سَنَظْهَرُ عَلَی أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ وَ لَقَدْ قَالَ لِی أَمْسِ إِنَّکُمْ لَوْ ضَرَبْتُمُونَا حَتَّی تَبْلُغُوا بِنَا سَعَفَاتِ (1) هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَی الْحَقِّ وَ أَنَّکُمْ عَلَی بَاطِلٍ وَ لَکَانَتْ قَتْلاَنَا فِی اَلْجَنَّةِ وَ قَتْلاَکُمْ فِی اَلنَّارِ قَالَ عَمْرٌو فَهَلْ تَسْتَطِیعُ أَنْ تَجْمَعَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ قَالَ نَعَمْ فَرَکِبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ ابْنَاهُ وَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ وَ ذُو الْکَلاَعِ وَ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِیُّ وَ حَوْشَبٌ وَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ وَ انْطَلَقُوا وَ سَارَ أَبُو نُوحٍ وَ مَعَهُ شُرَحْبِیلُ بْنُ ذِی الْکَلاَعِ یَحْمِیهِ حَتَّی انْتَهَی إِلَی أَصْحَابِهِ فَذَهَبَ أَبُو نُوحٍ إِلَی عَمَّارٍ فَوَجَدَهُ قَاعِداً مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مِنْهُمُ اَلْأَشْتَرُ وَ هَاشِمٌ وَ ابْنَا بُدَیْلٍ وَ خَالِدُ بْنُ مَعْمَرٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَجَلٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ .فَقَالَ لَهُمْ (2) أَبُو نُوحٍ إِنَّهُ دَعَانِی ذُو الْکَلاَعِ وَ هُوَ ذُو رَحِمٍ فَقَالَ أَخْبِرْنِی عَنْ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ أَ فِیکُمْ هُوَ فَقُلْتُ لِمَ تَسْأَلُ فَقَالَ أَخْبَرَنِی عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِی إِمْرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ یَلْتَقِی أَهْلُ اَلشَّامِ وَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ وَ عَمَّارٌ مَعَ أَهْلِ الْحَقِّ وَ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِیَةُ فَقُلْتُ نَعَمْ إِنَّ عَمَّاراً فِینَا فَسَأَلَنِی أَ جَادٌّ هُوَ عَلَی قِتَالِنَا فَقُلْتُ نَعَمْ وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَأَجَدُّ مِنِّی فِی ذَلِکَ وَ لَوَدِدْتُ أَنَّکُمْ خَلْقٌ وَاحِدٌ فَذَبَحْتُهُ وَ بَدَأْتُ بِکَ یَا ذَا الْکَلاَعِ فَضَحِکَ عَمَّارٌ وَ قَالَ أَ یَسُرُّکَ ذَلِکَ قَالَ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ أَبُو نُوحٍ أَخْبَرَنِی السَّاعَةَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ تَقْتُلُ عَمَّاراً الْفِئَةُ الْبَاغِیَةُ قَالَ عَمَّارٌ أَ قَرَّرْتَهُ بِذَلِکَ قَالَ نَعَمْ لَقَدْ قَرَّرْتُهُ بِذَلِکَ فَأَقَرَّ

ص :19

فَقَالَ عَمَّارٌ صَدَقَ وَ لَیَضُرَّنَّهُ مَا سَمِعَ وَ لاَ یَنْفَعُهُ قَالَ أَبُو نُوحٍ فَإِنَّهُ یُرِیدُ أَنْ یَلْقَاکَ فَقَالَ عَمَّارٌ لِأَصْحَابِهِ ارْکَبُوا فَرَکِبُوا وَ سَارُوا قَالَ فَبَعَثْنَا إِلَیْهِمْ فَارِساً مِنْ عَبْدِ الْقَیْسِ یُسَمَّی عَوْفَ بْنَ بِشْرٍ فَذَهَبَ حَتَّی إِذَا کَانَ قَرِیباً مِنْهُمْ نَادَی أَیْنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالُوا هَاهُنَا فَأَخْبَرَهُ بِمَکَانِ عَمَّارٍ وَ خَیْلِهِ قَالَ عَمْرٌو قُلْ لَهُ فَلْیَسِرْ إِلَیْنَا قَالَ عَوْفٌ إِنَّهُ یَخَافُ غَدَرَاتِکَ وَ فَجَرَاتِکَ قَالَ عَمْرٌو مَا أَجْرَأَکَ عَلَیَّ وَ أَنْتَ عَلَی هَذِهِ الْحَالِ قَالَ عَوْفٌ جَرَّأَنِی عَلَیْکَ بَصَرِی فِیکَ وَ فِی أَصْحَابِکَ وَ إِنْ شِئْتَ نَابَذْتُکَ الْآنَ عَلَی سَوَاءٍ وَ إِنْ شِئْتَ الْتَقَیْتَ أَنْتَ وَ خُصَمَاؤُکَ وَ أَنْتَ کُنْتَ غَادِراً (1) فَقَالَ عَمْرٌو إِنَّکَ لَسَفِیهٌ وَ إِنِّی بَاعِثٌ إِلَیْکَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِی یُوَاقِفُکَ (2) قَالَ ابْعَثْ مَنْ شِئْتَ فَلَسْتُ بِالْمُسْتَوْحِشِ وَ إِنَّکَ لاَ تَبْعَثُ إِلاَّ شَقِیّاً فَرَجَعَ عَمْرٌو وَ أَنْفَذَ إِلَیْهِ أَبَا الْأَعْوَرِ فَلَمَّا تَوَاقَفَا تَعَارَفَا فَقَالَ عَوْفٌ إِنِّی لَأَعْرِفُ الْجَسَدَ وَ أُنْکِرُ الْقَلْبَ وَ إِنِّی لاَ أَرَاکَ مُؤْمِناً وَ لاَ أَرَاکَ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ اَلنَّارِ قَالَ أَبُو الْأَعْوَرِ یَا هَذَا لَقَدْ أُعْطِیتَ لِسَاناً یُکِبُّکَ اللَّهُ بِهِ عَلَی وَجْهِکَ فِی اَلنَّارِ قَالَ عَوْفٌ کَلاَّ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَتَکَلَّمُ بِالْحَقِّ وَ تَتَکَلَّمُ بِالْبَاطِلِ وَ إِنِّی أَدْعُوکَ إِلَی الْهُدَی وَ أُقَاتِلُکَ عَلَی الضَّلاَلِ (3) وَ أَفِرُّ مِنَ اَلنَّارِ وَ أَنْتَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ ضَالٌّ تَنْطِقُ بِالْکَذِبِ وَ تُقَاتِلُ عَلَی ضَلاَلَةٍ وَ تَشْتَرِی الْعِقَابَ بِالْمَغْفِرَةِ وَ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَی انْظُرْ (4) إِلَی وُجُوهِنَا وَ وُجُوهِکُمْ وَ سِیمَانَا وَ سِیمَاکُمْ وَ اسْمَعْ دَعَوْتَنَا وَ دَعَوْتَکُمْ فَلَیْسَ أَحَدٌ مِنَّا إِلاَّ وَ هُوَ أَوْلَی بِالْحَقِّ وَ بِمُحَمَّدٍ وَ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْکُمْ فَقَالَ أَبُو الْأَعْوَرِ لَقَدْ أَکْثَرْتَ الْکَلاَمَ وَ ذَهَبَ النَّهَارُ وَیْحَکَ ادْعُ أَصْحَابَکَ وَ أَدْعُو أَصْحَابِی وَ لْیَأْتِ أَصْحَابُکَ فِی قِلَّةٍ إِنْ شَاءُوا أَوْ کَثْرَةٍ فَإِنِّی أَجِیءُ مِنْ أَصْحَابِی بِعِدَّتِهِمْ (5) فَإِنْ شَاءَ أَصْحَابُکَ فَلْیَقِلُّوا

ص :20

وَ إِنْ شَاءُوا فَلْیَکْثُرُوا (1) فَسَارَ (2) عَمَّارٌ فِی اثْنَیْ عَشَرَ فَارِساً حَتَّی إِذَا کَانُوا بِالْمَنْصَفِ سَارَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِی اثْنَیْ عَشَرَ فَارِساً حَتَّی اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ الْخَیْلِ (3) خَیْلِ عَمَّارٍ وَ خَیْلِ عَمْرٍو وَ نَزَلَ الْقَوْمُ وَ احْتَبَوْا بِحَمَائِلِ سُیُوفِهِمْ فَتَشَهَّدَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ اسْکُتْ فَلَقَدْ تَرَکْتَهَا وَ أَنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْکَ فَإِنْ شِئْتَ کَانَتْ خُصُومَةً فَیَدْفَعُ حَقُّنَا بَاطِلَکَ وَ إِنْ شِئْتَ کَانَتْ خُطْبَةً فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِفَصْلِ الْخِطَابِ مِنْکَ وَ إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُکَ بِکَلِمَةٍ تَفْصِلُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکَ وَ تُکَفِّرُکَ قَبْلَ الْقِیَامِ وَ تَشْهَدُ بِهَا عَلَی نَفْسِکَ وَ لاَ تَسْتَطِیعُ أَنْ تُکَذِّبَنِی فِیهَا فَقَالَ عَمْرٌو یَا أَبَا الْیَقْظَانِ لَیْسَ لِهَذَا جِئْتُ إِنَّمَا جِئْتُ لِأَنِّی رَأَیْتُکَ أَطْوَعَ أَهْلِ هَذَا الْعَسْکَرِ فِیهِمْ أُذَکِّرُکَ اللَّهَ إِلاَّ کَفَفْتَ سِلاَحَهُمْ وَ حَقَنْتَ دِمَاءَهُمْ وَ حَرَصْتَ (4) عَلَی ذَلِکَ فَعَلاَمَ تُقَاتِلُونَنَا أَ وَ لَسْنَا نَعْبُدُ إِلَهاً وَاحِداً وَ نُصَلِّی إِلَی قِبْلَتِکُمْ وَ نَدْعُو دَعَوْتَکُمْ وَ نَقْرَأُ کِتَابَکُمْ وَ نُؤْمِنُ بِنَبِیِّکُمْ فَقَالَ عَمَّارٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَخْرَجَهَا مِنْ فِیکَ أَنَّهَا لِی وَ لِأَصْحَابِی الْقِبْلَةُ وَ الدِّینُ وَ عِبَادَةُ الرَّحْمَنِ وَ النَّبِیُّ وَ اَلْکِتَابُ مِنْ دُونِکَ وَ دُونِ أَصْحَابِکَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی قَرَّرَکَ لَنَا بِذَلِکَ وَ جَعَلَکَ ضَالاًّ مُضِلاًّ أَعْمَی وَ سَأُخْبِرُکَ عَلَی مَا أُقَاتِلُکَ عَلَیْهِ وَ أَصْحَابَکَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَمَرَنِی أَنْ أُقَاتِلَ اَلنَّاکِثِینَ فَقَدْ فَعَلْتُ وَ أَمَرَنِی أَنْ أُقَاتِلَ اَلْقَاسِطِینَ وَ أَنْتُمْ هُمْ وَ أَمَّا اَلْمَارِقُونَ فَلاَ أَدْرِی أُدْرِکُهُمْ أَوْ لاَ أَیُّهَا الْأَبْتَرُ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ مَنْ کُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِیٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ فَأَنَا مَوْلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ عَلِیٌّ مَوْلاَیَ بَعْدَهُمَا قَالَ عَمْرٌو لِمَ تَشْتِمُنِی یَا أَبَا الْیَقْظَانِ وَ لَسْتُ أَشْتِمُکَ قَالَ عَمَّارٌ وَ بِمَ تَشْتِمُنِی أَ تَسْتَطِیعُ أَنْ تَقُولَ إِنِّی عَصَیْتُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ یَوْماً قَطُّ قَالَ عَمْرٌو إِنَّ فِیکَ لَمَساب (5) سِوَی ذَلِکَ قَالَ عَمَّارٌ إِنَّ الْکَرِیمَ مَنْ أَکْرَمَهُ

ص :21

اللَّهُ کُنْتُ وَضِیعاً فَرَفَعَنِی اللَّهُ وَ مَمْلُوکاً فَأَعْتَقَنِی اللَّهُ وَ ضَعِیفاً فَقَوَّانِی اللَّهُ وَ فَقِیراً فَأَغْنَانِی اللَّهُ قَالَ عَمْرٌو فَمَا تَرَی فِی قَتْلِ عُثْمَانَ قَالَ فَتَحَ لَکُمْ بَابَ کُلِّ سُوءٍ قَالَ عَمْرٌو فَعَلِیٌّ قَتَلَهُ قَالَ عَمَّارٌ بَلِ اللَّهُ رَبُّ عَلِیٍّ قَتَلَهُ وَ عَلِیٌّ مَعَهُ قَالَ عَمْرٌو فَکُنْتَ (1) فِیمَنْ قَتَلَهُ قَالَ کُنْتُ مَعَ مَنْ قَتَلَهُ وَ أَنَا الْیَوْمَ أُقَاتِلُ مَعَهُمْ قَالَ عَمْرٌو فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُ قَالَ عَمَّارٌ إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ یُغَیِّرَ دِینَنَا فَقَتَلْنَاهُ فَقَالَ عَمْرٌو أَ لاَ تَسْمَعُونَ قَدِ اعْتَرَفَ بِقَتْلِ إِمَامِکُمْ فَقَالَ عَمَّارٌ قَدْ قَالَهَا فِرْعَوْنُ قَبْلَکَ لِقَوْمِهِ أَ لاٰ تَسْتَمِعُونَ (2) فَقَامَ أَهْلُ اَلشَّامِ وَ لَهُمْ زَجَلٌ فَرَکِبُوا خُیُولَهُمْ وَ رَجَعُوا وَ قَامَ عَمَّارٌ وَ أَصْحَابُهُ فَرَکِبُوا خُیُولَهُمْ وَ رَجَعُوا وَ بَلَغَ مُعَاوِیَةَ مَا کَانَ بَیْنَهُمْ فَقَالَ هَلَکَتِ اَلْعَرَبُ أَنْ حَرَّکَتْهُمْ خِفَّةُ الْعَبْدِ الْأَسْوَدِ یَعْنِی عَمَّاراً (3) .قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ قَالَ فَخَرَجَتِ (4) الْخُیُولُ إِلَی الْقِتَالِ وَ اصْطَفَّتْ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ وَ تَزَاحَفَ النَّاسُ وَ عَلَی عَمَّارٍ دِرْعٌ بَیْضَاءُ وَ هُوَ یَقُولُ أَیُّهَا النَّاسُ الرَّوَاحَ إِلَی اَلْجَنَّةِ .

فَقَاتَلَ الْقَوْمَ قِتَالاً شَدِیداً لَمْ یَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ وَ کَثُرَتِ الْقَتْلَی حَتَّی إِنْ کَانَ الرَّجُلُ لَیَشُدُّ طُنُبَ فُسْطَاطِهِ بِیَدِ الرَّجُلِ أَوْ بِرِجْلِهِ وَ حَکَی اَلْأَشْعَثُ بَعْدَ ذَلِکَ قَالَ لَقَدْ رَأَیْتُ أَخْبِیَةَ صِفِّینَ وَ أَرْوِقَتَهَا وَ مَا فِیهَا خِبَاءٌ وَ لاَ رِوَاقٌ وَ لاَ فُسْطَاطٌ إِلاَّ مَرْبُوطاً بِیَدِ إِنْسَانٍ أَوْ بِرِجْلِهِ.

قَالَ نَصْرٌ وَ جَعَلَ أَبُو السِّمَاکِ الْأَسَدِیُّ یَأْخُذُ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَ شُفْرَةَ حَدِیدَةٍ فَیَطُوفُ فِی الْقَتْلَی فَإِذَا رَأَی رَجُلاً جَرِیحاً وَ بِهِ رَمَقٌ أَقْعَدَهُ فَیَقُولُ لَهُ مَنْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَإِذَا قَالَ

ص :22

عَلِیٌّ غَسَلَ الدَّمَ عَنْهُ وَ سَقَاهُ مِنَ الْمَاءِ وَ إِنْ سَکَتَ وَجَأَهُ بِالسِّکِّینِ حَتَّی یَمُوتَ وَ لاَ یَسْقِیهِ (1)

.

1707

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ اَلشَّعْبِیَّ یَقُولُ قَالَ اَلْأَحْنَفُ بْنُ قَیْسٍ وَ اللَّهِ إِنِّی إِلَی جَانِبِ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِی الشُّعَیْرَاءِ (2) .

فَتَقَدَّمْنَا حَتَّی دَنَوْنَا مِنْ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ احْمِلْ فِدَاکَ أَبِی وَ أُمِّی فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ یَرْحَمُکَ اللَّهُ یَا أَبَا الْیَقْظَانِ إِنَّکَ رَجُلٌ تَأْخُذُکَ خِفَّةٌ فِی الْحَرْبِ وَ إِنِّی إِنَّمَا أَزْحَفُ بِاللِّوَاءِ زَحْفاً أَرْجُو أَنْ أَنَالَ بِذَلِکَ حَاجَتِی وَ إِنْ خَفَفْتُ لَمْ آمَنِ الْهَلَکَةَ وَ قَدْ کَانَ قَالَ مُعَاوِیَةُ لِعَمْرٍو وَیْحَکَ إِنَّ اللِّوَاءَ الْیَوْمَ مَعَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ وَ قَدْ کَانَ مِنْ قَبْلُ یُرْقِلُ بِهِ إِرْقَالاً وَ إِنْ زَحَفَ بِهِ الْیَوْمَ زَحْفاً إِنَّهُ لَلْیَوْمُ الْأَطْوَلُ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ فَإِنْ زَحَفَ فِی عُنُقٍ (3) مِنْ أَصْحَابِهِ إِنِّی لَأَطْمَعُ أَنْ تَقْتَطِعَ فَلَمْ یَزَلْ بِهِ عَمَّارٌ حَتَّی حَمَلَ فَبَصُرَ بِهِ مُعَاوِیَةُ فَوَجَّهَ إِلَیْهِ حُمَاةَ أَصْحَابِهِ وَ مَنْ یُزَنُّ (4) بِالْبَأْسِ وَ النَّجْدَةِ مِنْهُمْ فِی نَاحِیَةٍ وَ کَانَ فِی ذَلِکَ الْجَمْعِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ مَعَهُ یَوْمَئِذٍ سَیْفَانِ قَدْ تَقَلَّدَ بِأَحَدِهِمَا وَ هُوَ یَضْرِبُ بِالْآخَرِ فَأَطَافَتْ بِهِ خُیُولُ عَلِیٍّ ع وَ جَعَلَ عَمْرٌو یَقُولُ یَا اللَّهُ یَا رَحْمَانُ ابْنِی ابْنِی فَیَقُولُ مُعَاوِیَةُ اصْبِرْ فَلاَ بَأْسَ عَلَیْهِ فَقَالَ عَمْرٌو لَوْ کَانَ یَزِیدُ بْنُ مُعَاوِیَةَ أَ صَبَرْتَ (5) فَلَمْ یَزَلْ حُمَاةُ أَهْلِ اَلشَّامِ تَذُبُّ عَنْ (6) عَبْدِ اللَّهِ حَتَّی نَجَا هَارِباً عَلَی فَرَسِهِ (7) وَ مَنْ مَعَهُ وَ أُصِیبَ هَاشِمٌ فِی الْمَعْرَکَةِ (8) .

ص :23

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ وَ فِی هَذَا الْیَوْمِ قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ أُصِیبَ فِی الْمَعْرَکَةِ وَ قَدْ کَانَ قَالَ حِینَ نَظَرَ إِلَی رَایَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ اللَّهِ إِنَّهَا لَرَایَةٌ قَدْ قَاتَلْتُهَا ثَلاَثَ عَرَکَاتٍ وَ مَا هَذِهِ بِأَرْشَدِهِنَّ ثُمَّ قَالَ نَحْنُ ضَرَبْنَاکُمْ عَلَی تَأْوِیلِهِ ثُمَّ اسْتَسْقَی وَ قَدِ اشْتَدَّ عَطَشُهُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ طَوِیلَةُ الْیَدَیْنِ مَا أَدْرِی أَ عُسٌّ مَعَهَا أَمْ إِدَاوَةٌ فِیهَا ضَیَاحٌ (1) مِنْ لَبَنٍ فَقَالَ حِینَ شَرِبَ اَلْجَنَّةُ تَحْتَ الْأَسِنَّةِ اَلْیَوْمَ أَلْقَی الْأَحِبَّةَ مُحَمَّداً وَ حِزْبَهُ وَ اللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّی یُبْلِغُونَا سَعَفَاتِ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَی الْحَقِّ وَ أَنَّهُمْ عَلَی الْبَاطِلِ ثُمَّ حَمَلَ وَ حَمَلَ عَلَیْهِ اِبْنُ حَوَی السَّکْسَکِیُّ (2) وَ أَبُو الْعَادِیَةِ فَأَمَّا أَبُو الْعَادِیَةِ فَطَعَنَهُ وَ أَمَّا اِبْنُ حَوَی فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ وَ قَدْ کَانَ ذُو الْکَلاَعِ یَسْمَعُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ یَقُولُ إِنَّ النَّبِیَّ ص یَقُولُ لِعَمَّارٍ تَقْتُلُکَ الْفِئَةُ الْبَاغِیَةُ وَ آخِرُ شُرْبِکَ ضَیَاحٌ مِنْ لَبَنٍ فَقَالَ ذُو الْکَلاَعِ لِعَمْرٍو وَیْحَکَ مَا هَذَا قَالَ عَمْرٌو إِنَّهُ سَیَرْجِعُ إِلَیْنَا وَ یُفَارِقُ أَبَا تُرَابٍ وَ ذَلِکَ قَبْلَ أَنْ یُصَابَ عَمَّارٌ فَلَمَّا أُصِیبَ عَمَّارٌ فِی هَذَا الْیَوْمِ أُصِیبَ ذُو الْکَلاَعِ فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِیَةَ وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی بِقَتْلِ أَیِّهِمَا أَنَا أَشَدُّ فَرَحاً وَ اللَّهِ لَوْ بَقِیَ ذُو الْکَلاَعِ حَتَّی یُقْتَلَ عَمَّارٌ لَمَالَ بِعَامَّةِ قَوْمِهِ إِلَی عَلِیٍّ وَ لَأَفْسَدَ عَلَیْنَا أَمْرَنَا (3) .

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ کَانَ لاَ یَزَالُ رَجُلٌ یَجِیءُ فَیَقُولُ لِمُعَاوِیَةَ وَ عَمْرٍو أَنَا قَتَلْتُ عَمَّاراً فَیَقُولُ لَهُ عَمْرٌو فَمَا سَمِعْتَهُ یَقُولُ فَیَخْلِطُ حَتَّی أَقْبَلَ اِبْنُ حَوَی (4)

ص :24

فَقَالَ أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ عَمْرٌو فَمَا کَانَ آخِرُ مَنْطِقِهِ قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ اَلْیَوْمَ أَلْقَی الْأَحِبَّةَ مُحَمَّداً وَ حِزْبَهُ فَقَالَ صَدَقْتَ أَنْتَ صَاحِبُهُ أَمَا وَ اللَّهِ مَا ظَفِرَتْ یَدَاکَ وَ لَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّکَ (1)

.

1708

قَالَ نَصْرٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ قَالَ حَدَّثَنِی إِسْمَاعِیلُ السُّدِّیُّ عَنْ عَبْدِ خَیْرٍ الْهَمْدَانِیِّ قَالَ نَظَرْتُ إِلَی عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ یَوْماً مِنْ أَیَّامِ صِفِّینَ قَدْ رُمِیَ رَمْیَةً فَأُغْمِیَ عَلَیْهِ فَلَمْ یُصَلِّ الظُّهْرَ وَ لاَ الْعَصْرَ وَ لاَ الْمَغْرِبَ وَ لاَ الْعِشَاءَ وَ لاَ الْفَجْرَ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَضَاهُنَّ جَمِیعاً یَبْدَأُ بِأَوَّلِ شَیْءٍ فَاتَهُ ثُمَّ بِالَّتِی تَلِیهَا (2) .

1709

14- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنِ اَلسُّدِّیِّ عَنْ أَبِی حُرَیْثٍ قَالَ أَقْبَلَ غُلاَمٌ لِعَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ اسْمُهُ رَاشِدٌ یَحْمِلُ إِلَیْهِ یَوْمَ قُتِلَ بِشَرْبَةٍ مِنْ لَبَنٍ فَقَالَ عَمَّارٌ أَمَا إِنِّی سَمِعْتُ خَلِیلِی رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِنَّ آخِرَ زَادِکَ مِنَ الدُّنْیَا شَرْبَةُ لَبَنٍ

(3)

.

1710

14- قَالَ نَصْرٌ وَ رَوَی عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنِ اَلسُّدِّیِّ أَنَّ رَجُلَیْنِ بِصِفِّینَ اخْتَصَمَا فِی سَلْبِ عَمَّارٍ وَ فِی قَتْلِهِ فَأَتَیَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ وَیْحَکُمَا اخْرُجَا عَنِّی فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ مَا لِقُرَیْشٍ (4) وَ لِعَمَّارٍ یَدْعُوهُمْ إِلَی اَلْجَنَّةِ وَ یَدْعُونَهُ إِلَی اَلنَّارِ قَاتِلُهُ وَ سَالِبُهُ فِی اَلنَّارِ .

ص :25

قَالَ اَلسُّدِّیُّ فَبَلَغَنِی أَنَّ مُعَاوِیَةَ قَالَ لَمَّا سَمِعَ ذَلِکَ إِنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ أَخْرَجَهُ یَخْدَعُ بِذَلِکَ طَغَامَ أَهْلِ اَلشَّامِ

(1)

.

1711

14- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی الزُّبَیْرِ قَالَ أَتَی حُذَیْفَةَ بْنَ الْیَمَانِ رَهْطٌ مِنْ جُهَیْنَةَ فَقَالُوا لَهُ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص اسْتَجَارَ مِنْ أَنْ تُصْطَلَمَ أُمَّتُهُ (2) فَأُجِیرَ مِنْ ذَلِکَ وَ اسْتَجَارَ مِنْ أَنْ یُذِیقَ (3) أُمَّتَهُ بَعْضَهَا بَأْسَ بَعْضٍ فَمُنِعَ مِنْ ذَلِکَ فَقَالَ حُذَیْفَةُ إِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِنَّ اِبْنَ سُمَیَّةَ لَمْ یُخَیَّرْ بَیْنَ أَمْرَیْنِ قَطُّ إِلاَّ اخْتَارَ أَشَدَّهُمَا یَعْنِی عَمَّاراً فَالْزَمُوا سَمْتَهُ

(4)

.

1712

14,1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ قَالَ حَمَلَ عَمَّارٌ ذَلِکَ الْیَوْمَ عَلَی صَفِّ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ هُوَ یَرْتَجِزُ کَلاَّ وَ رَبِّ اَلْبَیْتِ لاَ أَبْرَحُ أَجِی

قَالَ فَضَرَبَ أَهْلَ اَلشَّامِ حَتَّی اضْطَرَّهُمْ إِلَی الْفِرَارِ (5) .

ص :26

قَالَ نَصْرٌ وَ قَدْ کَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُوَیْدٍ الْحِمْیَرِیُّ مِنْ آلِ ذِی الْکَلاَعِ قَالَ لِذِی الْکَلاَعِ مَا حَدِیثٌ سَمِعْتَهُ مِنِ اِبْنِ الْعَاصِ فِی عَمَّارٍ فَأَخْبَرَهُ فَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ لَیْلاً یَمْشِی فَأَصْبَحَ فِی عَسْکَرِ عَلِیٍّ ع وَ کَانَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ عُبَّادِ اللَّهِ زَمَانَهُ وَ کَادَ أَهْلُ اَلشَّامِ أَنْ یَضْطَرِبُوا لَوْ لاَ أَنَّ مُعَاوِیَةَ قَالَ لَهُمْ إِنَّ عَلِیّاً قَتَلَ عَمَّاراً لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ إِلَی الْفِتْنَةِ ثُمَّ أَرْسَلَ مُعَاوِیَةُ إِلَی عَمْرٍو لَقَدْ أَفْسَدْتَ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ أَ کُلُّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص تَقُولُهُ فَقَالَ عَمْرٌو قُلْتُهَا وَ لَسْتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ وَ لاَ أَدْرِی أَنَّ صِفِّینَ تَکُونُ قُلْتُهَا وَ عَمَّارٌ یَوْمَئِذٍ لَکَ وَلِیٌّ وَ قَدْ رَوَیْتَ أَنْتَ فِیهِ مِثْلَ مَا رَوَیْتُ فَغَضِبَ مُعَاوِیَةُ وَ تَنَمَّرَ لِعَمْرٍو وَ عَزَمَ عَلَی مَنْعِهِ خَیْرَهُ فَقَالَ عَمْرٌو لاِبْنِهِ وَ أَصْحَابِهِ لاَ خَیْرَ فِی جِوَارِ مُعَاوِیَةَ إِنْ تَجَلَّتْ هَذِهِ الْحَرْبُ عَنْهُ لَأُفَارِقَنَّهُ وَ کَانَ عَمْرٌو حَمِیَّ الْأَنْفِ قَالَ (1) تُعَاتِبُنِی أَنْ قُلْتُ شَیْئاً سَمِعْتُهُ

ص :27

وَ أَتْرُکْ لَکَ اَلشَّامَ الَّتِی ضَاقَ رُحْبُهَا

عَلَیْکَ وَ لَمْ یَهْنِکَ بِهَا الْعَیْشُ مِنْ أَجْلِی

فَأَجَابَهُ مُعَاوِیَةُ أَ الْآنَ لَمَّا أَلْقَتِ الْحَرْبُ بَرْکَهَا

قَالَ فَلَمَّا أَتَی عَمْراً شِعْرُ مُعَاوِیَةَ أَتَاهُ فَأَعْتَبَهُ (1) وَ صَارَ أَمْرُهُمَا وَاحِداً.

قَالَ نَصْرٌ ثُمَّ إِنَّ عَلِیّاً ع دَعَا فِی هَذَا الْیَوْمِ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ وَ مَعَهُ لِوَاؤُهُ وَ کَانَ أَعْوَرَ (2) فَقَالَ لَهُ یَا هَاشِمُ (3) حَتَّی مَتَی فَقَالَ هَاشِمٌ لَأَجْهَدَنَّ أَلاَّ أَرْجِعَ إِلَیْکَ أَبَداً فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّ بِإِزَائِکَ ذَا الْکَلاَعِ وَ عِنْدَهُ الْمَوْتُ الْأَحْمَرُ فَتَقَدَّمَ هَاشِمٌ

ص :28

فَلَمَّا أَقْبَلَ قَالَ مُعَاوِیَةُ مَنْ هَذَا الْمُقْبِلُ فَقِیلَ هَاشِمٌ الْمِرْقَالُ فَقَالَ أَعْوَرُ بَنِی زُهْرَةَ قَاتَلَهُ اللَّهُ فَأَقْبَلَ هَاشِمٌ وَ هُوَ یَقُولُ أَعْوَرُ یَبْغِی نَفْسَهُ خَلاَصاً فَحَمَلَ صَاحِبُ لِوَاءِ ذِی الْکَلاَعِ وَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ عُذْرَةَ فَقَالَ یَا أَعْوَرَ الْعَیْنِ وَ مَا بِی مِنْ عَوَرٌ فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَیْنِ فَطَعَنَهُ هَاشِمٌ فَقَتَلَهُ وَ کَثُرَتِ الْقَتْلَی حَوْلَ هَاشِمٍ وَ حَمَلَ ذُو الْکَلاَعِ وَ اخْتَلَطَ النَّاسُ وَ اجْتَلَدُوا فَقُتِلَ هَاشِمٌ وَ ذُو الْکَلاَعِ جَمِیعاً وَ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ اللِّوَاءَ وَ ارْتَجَزَ فَقَالَ یَا هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَالِکٍ

.

1713

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ رَایَةَ أَبِیهِ ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَاشِماً کَانَ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِی قَدَّرَ أَرْزَاقَهُمْ

ص :29

وَ کَتَبَ آثَارَهُمْ وَ أَحْصَی أَعْمَالَهُمْ وَ قَضَی آجَالَهُمْ فَدَعَاهُ اللَّهُ رَبُّهُ فَاسْتَجَابَ لِأَمْرِهِ (1) وَ سَلَّمَ لِأَمْرِهِ وَ جَاهَدَ فِی طَاعَةِ ابْنِ عَمِّ رَسُولِهِ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ أَفْقَهُهُمْ فِی دِینِ اللَّهِ الشَّدِیدُ عَلَی أَعْدَاءِ اللَّهِ الْمُسْتَحِلِّینَ حُرَمَ اللَّهِ الَّذِینَ عَمِلُوا فِی الْبِلاَدِ بِالْجَوْرِ وَ الْفَسَادِ وَ اِسْتَحْوَذَ عَلَیْهِمُ اَلشَّیْطٰانُ فَأَنْسٰاهُمْ ذِکْرَ اللّٰهِ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الْإِثْمَ وَ الْعُدْوَانَ فَحَقَّ عَلَیْکُمْ جِهَادُ مَنْ خَالَفَ اللَّهَ وَ عَطَّلَ حُدُودَهُ وَ نَابَذَ أَوْلِیَاءَهُ جُودُوا بِمُهَجِکُمْ فِی طَاعَةِ اللَّهِ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا تُصِیبُوا الْآخِرَةَ وَ الْمَنْزِلَ الْأَعْلَی وَ الْأَبَدِ الَّذِی لاَ یَفْنَی فَوَ اللَّهِ لَوْ لَمْ یَکُنْ ثَوَابٌ وَ لاَ عِقَابٌ وَ لاَ جَنَّةٌ وَ لاَ نَارٌ لَکَانَ الْقِتَالُ مَعَ عَلِیٍّ أَفْضَلَ مِنَ الْقِتَالِ مَعَ مُعَاوِیَةَ فَکَیْفَ وَ أَنْتُمْ تَرْجُونَ مَا تَرْجُونَ

.

1714

2- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ قَالَ لَمَّا انْقَضَی أَمْرُ صِفِّینَ وَ سَلَّمَ الْحَسَنُ ع الْأَمْرَ إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ وَفَدَتْ عَلَیْهِ الْوُفُودُ أُشْخِصَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ إِلَیْهِ أَسِیراً فَلَمَّا مَثُلَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ عِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هَذَا الْمُخْتَالُ اِبْنُ الْمِرْقَالِ فَدُونَکَ الضَّبَّ الْمُضِبَّ (2) الْمُعَرَّ الْمَفْتُونَ فَاقْتُلْهُ فَإِنَّ الْعَصَا مِنَ الْعُصَیَّةِ وَ إِنَّمَا تَلِدُ الْحَیَّةُ حُیَیَّةً وَ جَزَاءُ السَّیِّئَةِ سَیِّئَةٌ مِثْلُهٰا .

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنْ تَقْتُلْنِی فَمَا أَنَا بِأَوَّلِ رَجُلٍ خَذَلَهُ قَوْمُهُ وَ أَسْلَمَهُ یَوْمَهُ فَقَالَ عَمْرٌو یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَمْکِنِّی مِنْهُ أُشْخِبْ أَوْدَاجَهُ عَلَی أَثْبَاجِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَهَلاَّ کَانَتْ هَذِهِ الشَّجَاعَةُ مِنْکَ یَا اِبْنَ الْعَاصِ فِی أَیَّامِ صِفِّینَ وَ نَحْنُ نَدْعُوکَ إِلَی النِّزَالِ وَ قَدِ ابْتَلَّتْ أَقْدَامُ الرِّجَالِ مِنْ نَقِیعِ الْجِرْیَالِ (3) وَ قَدْ تَضَایَقَتْ بِکَ الْمَسَالِکُ وَ أَشْرَفْتَ مِنْهَا عَلَی الْمَهَالِکِ وَ أَیْمُ اللَّهِ لَوْ لاَ مَکَانُکَ مِنْهُ لَرَمَیْتُکَ بِأَحَدَّ مِنْ وَقْعِ الْأَشَافِی (4) فَإِنَّکَ لاَ تَزَالُ تُکْثِرُ فِی

ص :30

هَوَسِکَ وَ تَخْبِطُ فِی دَهْسِکَ وَ تَنْشِبُ فِی مَرْسِکَ تَخْبَطُ الْعَشْوَاءَ فِی اللَّیْلَةِ الْحَنْدَسِ (1) الظَّلْمَاءِ فَأَمَرَ (2) مُعَاوِیَةُ بِهِ إِلَی الْحَبْسِ فَکَتَبَ عَمْرٌو إِلَی مُعَاوِیَةَ (3) أَمَرْتُکَ أَمْراً حَازِماً فَعَصَیْتَنِی فَبَعَثَ مُعَاوِیَةُ بِالشِّعْرِ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمٍ فَکَتَبَ فِی جَوَابِهِ مِنَ السِّجْنِ مُعَاوِیَّ إِنَّ الْمَرْءَ عَمْراً أَبَتْ لَهُ هَذِهِ رِوَایَةُ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ (4)

.

ص :31

1715

وَ رَوَی أَبُو عُبَیْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَی بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ الْمَرْزُبَانِیُّ أَنَّ مُعَاوِیَةَ لَمَّا تَمَّ لَهُ الْأَمْرُ بَعْدَ وَفَاةِ عَلِیٍّ ع بَعَثَ زِیَاداً عَلَی اَلْبَصْرَةِ وَ ناد [نَادَی]

مُنَادِی مُعَاوِیَةَ أَمِنَ الْأَسْوَدُ وَ الْأَحْمَرُ بِأَمَانِ اللَّهِ إِلاَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ فَمَکَثَ مُعَاوِیَةُ یَطْلُبُهُ أَشَدَّ الطَّلَبِ وَ لاَ یَعْرِفُ لَهُ خَبَراً حَتَّی قَدِمَ عَلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَقَالَ لَهُ أَنَا أَدُلُّکَ عَلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ اکْتُبْ إِلَی زِیَادٍ فَإِنَّهُ عِنْدَ فُلاَنَةَ الْمَخْزُومِیَّةِ فَدَعَا کَاتِبَهُ فَکَتَبَ مِنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی زِیَادِ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاکَ کِتَابِی هَذَا فَاعْمِدْ إِلَی حَیِّ بَنِی مَخْزُومٍ فَفَتِّشْهُ دَاراً دَاراً حَتَّی تَأْتِیَ إِلَی دَارِ فُلاَنَةَ الْمَخْزُومِیَّةِ فَاسْتَخْرِجْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هَاشِمٍ الْمِرْقَالَ مِنْهَا فَاحْلِقْ رَأْسَهُ وَ أَلْبِسْهُ جُبَّةَ شَعْرٍ وَ قَیِّدْهُ وَ غُلَّ یَدَهُ إِلَی عُنُقِهِ وَ احْمِلْهُ عَلَی قَتَبِ بَعِیرٍ بِغَیْرِ وِطَاءٍ وَ لاَ غِذَاءٍ وَ أَنْفِذْ بِهِ إِلَیَّ.

قَالَ اَلْمَرْزُبَانِیُّ فَأَمَّا اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ فَإِنَّهُ قَالَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ قَالَ لِزِیَادٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَی اَلْبَصْرَةِ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمِرْقَالِ فِی بَنِی نَاجِیَةَ بِالْبَصْرَةِ عِنْدَ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ یُقَالُ لَهَا فُلاَنَةَ وَ أَنَا أَعْزِمُ عَلَیْکَ إِلاَّ حَطَطْتَ رَحْلَکَ بِبَابِهَا ثُمَّ اقْتَحَمْتَ الدَّارَ وَ اسْتَخْرَجْتَهُ مِنْهَا وَ حَمَلْتَهُ إِلَیَّ.

فَلَمَّا دَخَلَ زِیَادٌ إِلَی اَلْبَصْرَةِ سَأَلَ عَنْ بَنِی نَاجِیَةَ وَ عَنْ مَنْزِلِ الْمَرْأَةِ فَاقْتَحَمَ الدَّارَ وَ اسْتَخْرَجَ عَبْدَ (1) اللَّهِ مِنْهَا فَأَنْفَذَهُ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَوَصَلَ إِلَیْهِ یَوْمَ الْجُمُعَةِ وَ قَدْ لاَقَی نَصَباً کَثِیراً وَ مِنَ الْهِجِّیرِ مَا غَیَّرَ جِسْمَهُ وَ کَانَ مُعَاوِیَةُ یَأْمُرُ بِطَعَامٍ فَیَتَّخِذُ فِی کُلِّ جُمُعَةٍ لِأَشْرَافِ قُرَیْشٍ وَ لِأَشْرَافِ اَلشَّامِ وَ وُفُودِ اَلْعِرَاقِ فَلَمْ یَشْعُرْ مُعَاوِیَةُ إِلاَّ وَ عَبْدُ اللَّهِ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ قَدْ ذَبُلَ وَ سَهُمَ وَجْهُهُ فَعَرَفَهُ وَ لَمْ یَعْرِفْهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَ تَعْرِفُ هَذَا الْفَتَی قَالَ لاَ قَالَ هَذَا ابْنُ الَّذِی کَانَ یَقُولُ فِی صِفِّینَ أَعْوَرُ یَبْغِی أَهْلَهُ مَحَلاًّ قَدْ عَالَجَ الْحَیَاةَ حَتَّی مَلاَّ لاَ بُدَّ أَنْ یَفُلَّ أَوْ یُفَلاَّ.

قَالَ عَمْرٌو وَ إِنَّهُ لَهُوَ دُونَکَ الضَّبَّ الْمُضِبَّ فَأَشْخِبْ أَوْدَاجَهُ وَ لاَ تُرْجِعْهُ إِلَی أَهْلِ

ص :32

اَلْعِرَاقِ

فَإِنَّهُمْ أَهْلُ فِتْنَةٍ وَ نِفَاقٍ وَ لَهُ مَعَ ذَلِکَ هَوًی یُرْدِیهِ وَ بِطَانَةً تُغْوِیهِ فَوَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَئِنْ أَفْلَتَ مِنْ حَبَائِلِکَ لَیُجَهِّزَنَّ إِلَیْکَ جَیْشاً تَکْثُرُ صَوَاهِلُهُ لِشَرِّ یَوْمٍ لَکَ.

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَ هُوَ فِی الْقَیْدِ یَا ابْنَ الْأَبْتَرِ هَلاَّ کَانَتْ هَذِهِ الحَمَاسَةُ عِنْدَکَ یَوْمَ صِفِّینَ وَ نَحْنُ نَدْعُوکَ إِلَی الْبِرَازِ وَ تَلُوذُ بِشَمَائِلِ الْخَیْلِ کَالْأَمَةِ السَّوْدَاءِ وَ النَّعْجَةِ الْقَوْدَاءِ (1) أَمَا إِنَّهُ إِنْ قَتَلَنِی قَتَلَ رَجُلاً کَرِیمَ المَخْبُرَةِ حَمِیدَ الْمَقْدُرَةِ (2) لَیْسَ بِالْجِبْسِ الْمَنْکُوسِ وَ لاَ الثِّلْبِ (3) الْمَرْکُوسِ فَقَالَ عَمْرٌو دَعْ کَیْتَ وَ کَیْتَ فَقَدْ وَقَعْتَ بَیْنَ لَحْیَیْ لَهْزَمٍ فَرُوسٍ لِلْأَعْدَاءِ یُسْعِطُکَ إِسْعَاطَ الْکَوْدَنِ (4) الْمُلْجَمِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَکْثِرْ إِکْثَارَکَ فَإِنِّی أُعَلِّمُکَ بَطَراً فِی الرَّخَاءِ جَبَاناً فِی اللِّقَاءِ هَیَّابَةً عِنْدَ کَفَاحِ الْأَعْدَاءِ تَرَی أَنْ تَقِیَ مُهْجَتَکَ بِأَنْ تُبْدِیَ سَوْءَتَکَ أَ نَسِیتَ یَوْمَ صِفِّینَ وَ أَنْتَ تُدْعَی إِلَی النِّزَالِ فَتَحِیدُ عَنِ الْقِتَالِ خَوْفاً أَنْ یَغْمِرُکَ رِجَالٌ لَهُمْ أَبْدَانٌ شِدَادٌ وَ أَسِنَّةٌ حِدَادٌ یَنْهَبُونَ السَّرْحَ وَ یُذِلُّونَ الْعَزِیزَ.

قَالَ عُمَرُ لَقَدْ عَلِمَ مُعَاوِیَةُ أَنِّی شَهِدْتُ تِلْکَ الْمَوَاطِنَ فَکُنْتُ فِیهَا کَمَدَرَةِ الشَّوْکِ وَ لَقَدْ رَأَیْتُ أَبَاکَ فِی بَعْضِ تِلْکَ الْمَوَاطِنِ تَخْفِقُ أَحْشَاؤُهُ وَ تُنَقُّ أَمْعَاؤُهُ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لَقِیَکَ أَبِی فِی ذَلِکَ الْمَقَامِ لاَرْتَعَدَتْ مِنْهُ فَرَائِصُکَ وَ لَمْ تَسْلَمْ مِنْهُ مُهْجَتُکَ وَ لَکِنَّهُ قَاتَلَ غَیْرَکَ فَقُتِلَ دُونَکَ.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ أَ لاَ تَسْکُتْ لاَ أُمَّ لَکَ فَقَالَ یَا اِبْنَ هِنْدٍ أَ تَقُولُ لِی هَذَا وَ اللَّهِ لَئِنْ شِئْتُ لَأُعَرِّقَنَّ جَبِینَکَ وَ لَأُقِیمَنَّکَ وَ بَیْنَ عَیْنَیْکَ وَسْمٌ یَلِینُ لَهُ أَخْدَعَاکَ أَ بِأَکْثَرَ مِنَ الْمَوْتِ تُخَوِّفُنِی فَقَالَ مُعَاوِیَةُ أَوْ تَکُفُّ یَا ابْنَ أَخِی وَ أَمَرَ بِهِ إِلَی السِّجْنِ.

فَقَالَ عَمْرٌو وَ ذَکَرَ الْأَبْیَاتَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَ ذَکَرَ الْأَبْیَاتَ أَیْضاً وَ زَادَ فَأَطْرَقَ مُعَاوِیَةُ طَوِیلاً حَتَّی ظَنَّ أَنَّهُ لَنْ یَتَکَلَّمَ ثُمَّ قَالَ

ص :33

أَرَی الْعَفْوَ عَنْ عُلْیَا قُرَیْشٍ وَسِیلَةً

ثُمَّ قَالَ لَهُ أَ تَرَاکَ فَاعِلاً مَا قَالَ عَمْرٌو مِنَ الْخُرُوجِ عَلَیْنَا قَالَ لاَ تَسُلَّ عَنْ عَقِیدَاتِ الضَّمَائِرِ لاَ سِیَّمَا إِذَا أَرَادَتْ جِهَاداً فِی طَاعَةِ اللَّهِ قَالَ إِذَنْ یَقْتُلُکَ اللَّهُ کَمَا قَتَلَ أَبَاکَ قَالَ وَ مَنْ لِی بِالشَّهَادَةِ قَالَ فَأَحْسَنَ مُعَاوِیَةُ جَائِزَتَهُ وَ أَخَذَ عَلَیْهِ مَوْثِقاً أَلاَّ یُسَاکِنَهُ بِالشَّامِ فَیُفْسِدَ عَلَیْهِ أَهْلَهُ.

1716

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنِ اَلسُّدِّیِّ عَنْ عَبْدِ خَیْرٍ الْهَمْدَانِیِّ قَالَ قَالَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ یَوْمَ مَقْتَلِهِ أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَجُلٌ ضَخْمٌ فَلاَ یَهُولَنَّکُمْ مَسْقَطِی إِذَا سَقَطْتُ فَإِنَّهُ لاَ یَفْرُغُ مِنِّی أَقَلُّ مِنْ نَحْرِ جَزُورٍ حَتَّی یَفْرُغَ الْجَزَّارُ مِنْ جَزْرِهَا ثُمَّ حَمَلَ فَصُرِعَ فَمَرَّ عَلَیْهِ رَجُلٌ وَ هُوَ صَرِیعٌ بَیْنَ الْقَتْلَی فَنَادَاهُ اقْرَأْ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ السَّلاَمَ وَ قُلْ لَهُ بَرَکَاتُ اللَّهِ وَ رَحْمَتُهُ عَلَیْکَ (1) یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْشُدُکَ اللَّهَ إِلاَّ أَصْبَحْتَ وَ قَدْ رَبَطْتَ مَقَاوِدَ خَیْلِکَ بِأَرْجُلِ الْقَتْلَی فَإِنَّ الدَّبْرَةَ تُصْبِحُ غَداً لِمَنْ غَلَبَ عَلَی الْقَتْلَی فَأَخْبَرَ الرَّجُلُ عَلِیّاً ع بِمَا قَالَهُ فَسَارَ فِی اللَّیْلِ بِکَتَائِبِهِ حَتَّی جَعَلَ الْقَتْلَی خَلْفَ ظَهْرِهِ فَأَصْبَحَ وَ الدَّبْرَةُ لَهُ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ

(2)

.

1717

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنِ اَلسُّدِّیِّ عَنْ عَبْدِ خَیْرٍ قَالَ قَاتِلُ هَاشِمٍ اَلْحَارِثُ بْنُ الْمُنْذِرِ التَّنُّوخِیُّ حَمَلَ عَلَیْهِ بَعْدَ أَنْ أَعْیَا وَ کَلَّ وَ قَتَلَ بِیَدِهِ فَطَعَنَهُ بِالرُّمْحِ فَشَقَّ بَطْنَهُ فَسَقَطَ وَ بَعَثَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ ع وَ هُوَ لاَ یَعْلَمُ أَقْدِمْ بِلِوَائِکَ فَقَالَ لِلرَّسُولِ انْظُرْ

ص :34

إِلَی بَطْنِی فَإِذَا هُوَ قَدِ انْشَقَّ فَجَاءَ عَلِیٌّ ع حَتَّی وَقَفَ عَلَیْهِ وَ حَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَسْلَمَ قَدْ صُرِعُوا مَعَهُ وَ قَوْمٌ مِنَ الْقُرَّاءِ فَجَزِعَ عَلَیْهِ وَ قَالَ جَزَی اللَّهُ خَیْراً عُصْبَةً أَسْلَمِیَّةً

(1)

.

1718

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ عَنْ أَبِی سَلَمَةَ (2) أَنَّ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ اسْتَصْرَخَ النَّاسَ عِنْدَ الْمَسَاءِ (3) أَلاَ مَنْ کَانَ لَهُ إِلَی اللَّهِ حَاجَةٌ وَ مَنْ کَانَ یُرِیدُ الْآخِرَةَ فَلْیُقْبِلْ (4) فَأَقْبَلَ إِلَیْهِ نَاسٌ کَثِیرٌ شَدَّ بِهِمْ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ مِرَاراً لَیْسَ مِنْ وَجْهٍ یَحْمِلُ عَلَیْهِ إِلاَّ صَبَرُوا لَهُ فَقَاتَلَ قِتَالاً شَدِیداً ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ لاَ یَهُولَنَّکُمْ مَا تَرَوْنَ مِنْ صَبْرِهِمْ فَوَ اللَّهِ مَا تَرَوْنَ مِنْهُمْ إِلاَّ حَمِیَّةَ اَلْعَرَبِ وَ صَبْرَهَا تَحْتَ رَایَاتِهَا وَ عِنْدَ مَرَاکِزِهَا وَ إِنَّهُمْ لَعَلَی الضَّلاَلِ وَ إِنَّکُمْ لَعَلَی الْحَقِّ یَا قَوْمِ اِصْبِرُوا وَ صٰابِرُوا وَ اجْتَمِعُوا وَ امْشُوا بِنَا إِلَی عَدُوِّنَا عَلَی تُؤَدَةٍ رُوَیْداً وَ اذْکُرُوا اللَّهَ وَ لاَ یُسَلِّمَنَّ رَجُلٌ أَخَاهُ وَ لاَ تُکْثِرُوا الاِلْتِفَاتَ وَ اصْمُدُوا صَمْدَهُمْ وَ جَالِدُوهُمْ مُحْتَسِبِینَ حَتّٰی یَحْکُمَ اللّٰهُ بَیْنَنٰا وَ بَیْنَهُمْ وَ هُوَ خَیْرُ الْحٰاکِمِینَ .

قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَبَیْنَا هُوَ وَ عِصَابَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ یُجَالِدُونَ أَهْلَ اَلشَّامِ إِذْ طَلَعَ عَلَیْهِمْ فَتًی شَابٌّ وَ هُوَ یَقُولُ أَنَا ابْنُ أَرْبَابِ مُلُوکِ غَسَّانَ وَ الدَّائِنُ الْیَوْمَ بِدِینِ عُثْمَانَ (5)

ص :35

أَنْبَأَنَا قُرَّاؤُنَا بِمَا کَانَ (1)

أَنَّ عَلِیّاً قَتَلَ اِبْنَ عَفَّانَ .

ثُمَّ شَدَّ لاَ یَنْثَنِی حَتَّی یَضْرِبَ بِسَیْفِهِ ثُمَّ جَعَلَ یَلْعَنُ عَلِیّاً وَ یَشْتِمُهُ وَ یُسْهِبُ فِی ذَمِّهِ فَقَالَ لَهُ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ یَا هَذَا إِنَّ الْکَلاَمَ بَعْدَهُ الْخِصَامُ وَ إِنَّ لَعْنَکَ سَیِّدَ الْأَبْرَارِ بَعْدَهُ عِقَابُ اَلنَّارِ فَاتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّکَ رَاجِعٌ إِلَی رَبِّکَ فَیَسْأَلُکَ عَنْ هَذَا الْمَوْقِفِ وَ عَنْ هَذَا الْمَقَالِ (2) .

قَالَ الْفَتَی إِذَا سَأَلَنِی رَبِّی قُلْتُ قَاتَلْتُ أَهْلَ اَلْعِرَاقِ لِأَنَّ صَاحِبَهُمْ لاَ یُصَلِّی کَمَا ذُکِرَ لِی وَ إِنَّهُمْ لاَ یُصَلُّونَ وَ صَاحِبُهُمْ قَتَلَ خَلِیفَتَنَا وَ هُمْ آزَرُوهُ عَلَی قَتْلِهِ فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ یَا بُنَیَّ وَ مَا أَنْتَ وَ عُثْمَانَ إِنَّمَا قَتَلَهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ الَّذِینَ هُمْ أَوْلَی بِالنَّظَرِ فِی أُمُورِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ إِنَّ صَاحِبَنَا کَانَ أَبْعَدَ الْقَوْمِ عَنْ دَمِهِ وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنَّهُ لاَ یُصَلِّی فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّی مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنَّ أَصْحَابَهُ لاَ یُصَلُّونَ فَکُلُّ مَنْ تَرَی مَعَهُ قُرَّاءُ اَلْکِتَابِ لاَ یَنَامُونَ اللَّیْلَ تَهَجُّداً فَاتَّقِ اللَّهَ وَ اخْشَ عِقَابَهُ وَ لاَ یَغْرُرْکَ مِنْ نَفْسِکَ الْأَشْقِیَاءُ الضَّالُّونَ.

فَقَالَ الْفَتَی یَا عَبْدَ اللَّهِ لَقَدْ دَخَلَ قَلْبِی وَجَلٌ مِنْ کَلاَمِکَ وَ إِنِّی لَأَظُنُّکَ صَادِقاً صَالِحاً وَ أَظُنُّنِی مُخْطِئاً آثِماً فَهَلْ لِی مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ نَعَمْ ارْجِعْ إِلَی رَبِّکَ وَ تُبْ إِلَیْهِ فَإِنَّهُ یَقْبَلُ التَّوْبَةَ ... وَ یَعْفُوا عَنِ السَّیِّئٰاتِ وَ یُحِبُّ التَّوّٰابِینَ وَ یُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ فَرَجَعَ الْفَتَی إِلَی صَفِّهِ مُنْکَسِراً نَادِماً فَقَالَ لَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ خَدَعَکَ الْعِرَاقِیُّ قَالَ لاَ وَ لَکِنْ نَصَحَنِی الْعِرَاقِیُّ (3) .

قَالَ نَصْرٌ وَ فِی قَتْلِ هَاشِمِ وَ عَمَّارٍ تَقُولُ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ لاَ تَعْدَمُوا قَوْماً أَذَاقُوا اِبْنَ یَاسِرٍ شَعُوباً وَ لَمْ یُعْطُوکُمُ بِالْخَزَائِمِ

ص :36

فَنَحْنُ قَتَلْنَا اَلْیَثْرِبِیَّ ابْنَ مِحْصَنٍ

خَطِیبَکُمُ وَ ابْنَیْ بُدَیْلٍ وَ هَاشِمٍ (1)

قَالَ نَصْرٌ أَمَّا اَلْیَثْرِبِیُّ فَهُوَ عَمْرُو بْنُ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِیُّ وَ قَدْ رَثَاهُ اَلنَّجَاشِیُّ شَاعِرُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَقَالَ لَنِعْمَ فَتَی الْحَیَّیْنِ عَمْرُو بْنُ مِحْصَنٍ

ص :37

وَ إِنْ یَقْتُلُوا ابْنَیْ بُدَیْلٍ وَ هَاشِماً

قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ اِبْنُ مِحْصَنٍ مِنْ أَعْلاَمِ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع قُتِلَ فِی الْمَعْرَکَةِ وَ جَزِعَ عَلِیٌّ ع لِقَتْلِهِ.

قَالَ وَ فِی قَتْلِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ یَقُولُ أَبُو الطُّفَیْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ الْکِنَانِیُّ وَ هُوَ مِنَ اَلصَّحَابَةِ وَ قِیلَ إِنَّهُ آخِرُ مَنْ بَقِیَ مِنْ صَحْبِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ شَهِدَ مَعَ عَلِیٍّ صِفِّینَ وَ کَانَ مِنْ مُخْلِصِی اَلشِّیعَةِ یَا هَاشِمَ الْخَیْرِ جُزِیتَ اَلْجَنَّةَ

ص :38

قَالَ نَصْرٌ وَ الْحَوْبَةُ (1) الْقَرَابَةُ یُقَالُ لِی فِی بَنِی فُلاَنٍ حَوْبَةٌ أَیْ قُرْبَی (2) .

قَالَ نَصْرٌ وَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ عُذْرَةَ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ لَقَدْ رَأَیْتُ أُمُوراً کُلُّهَا عَجَبٌ

قَالَ نَصْرٌ وَ قَالَ رَجُلٌ (3) لِعَدِیِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِیِّ وَ کَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع یَا أَبَا طَرِیفٍ أَ لَمْ أَسْمَعْکَ تَقُولُ یَوْمَ الدَّارِ وَ اللَّهِ لاَ تَحْبِقُ فِیهَا عَنَاقٌ حَوْلِیَّةٌ (4) وَ قَدْ رَأَیْتُ مَا کَانَ فِیهَا وَ قَدْ کَانَ فُقِئَتْ عَیْنُ عَدِیٍّ وَ قُتِلَ بَنُوهُ فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ حَبَقَتْ فِی قَتْلِهِ الْعَنَاقُ وَ التَّیْسُ الْأَعْظَمُ (5)

.

1719

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ قَالَ بَعَثَ عَلِیٌّ ع خَیْلاً لِیَحْبِسُوا عَنْ مُعَاوِیَةَ مَادَّتَهُ فَبَعَثَ مُعَاوِیَةُ اَلضَّحَّاکَ بْنَ قَیْسٍ الْفِهْرِیَّ فِی خَیْلٍ إِلَی تِلْکَ الْخَیْلِ فَأَزَالُوهَا

ص :39

وَ جَاءَتْ عُیُونُ عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرُوهُ بِمَا کَانَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ مَا تَرَوْنَ فِیمَا هَاهُنَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَرَی کَذَا وَ قَالَ بَعْضُهُمْ نَرَی کَذَا فَلَمَّا زَادَ الاِخْتِلاَفُ قَالَ عَلِیٌّ ع اغْدُوا إِلَی الْقِتَالِ فَغَادَاهُمْ إِلَی الْقِتَالِ فَانْهَزَمَتْ صُفُوفُ اَلشَّامِ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ ذَلِکَ الْیَوْمَ حَتَّی فَرَّ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ عِشْرِینَ فَرْسَخاً عَنْ مَوْضِعِ الْمَعْرَکَةِ فَقَالَ اَلنَّجَاشِیُّ فِیهِ مِنْ قَصِیدَةٍ أَوَّلُهَا لَقَدْ أَمْعَنْتَ یَا عُتْبُ الْفِرَارَا

وَ قَالَ کَعْبُ بْنُ جُعَیْلٍ وَ هُوَ شَاعِرُ أَهْلِ اَلشَّامِ بَعْدَ رَفْعِ الْمَصَاحِفِ یَذْکُرُ أَیَّامَ صِفِّینَ وَ یُحَرِّضُ مُعَاوِیَةَ مُعَاوِیَّ لاَ تَنْهَضْ بِغَیْرِ وَثِیقَةٍ

ص :40

وَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِکْرُ هَذِهِ الْأَبْیَاتِ بِزِیَادَةٍ عَلَی مَا ذَکَرْنَاهُ الْآنَ (1) .

قَالَ نَصْرٌ وَ هَجَا کَعْبُ بْنُ جُعَیْلٍ عُتْبَةَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ وَ عَیَّرَهُ بِالْفِرَارِ وَ کَانَ کَعْبٌ مِنْ شِیعَةِ مُعَاوِیَةَ لَکِنَّهُ هَجَا عُتْبَةَ تَحْرِیضاً لَهُ فَهَجَاهُ عُتْبَةُ جَوَاباً فَقَالَ لَهُ وَ سُمِّیتَ کَعْباً بِشَرِّ الْعِظَامِ

.

1720

1- قَالَ نَصْرٌ ثُمَّ کَانَتْ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ الْوَقْعَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِوَقْعَةِ الْخَمِیسِ .حَدَّثَنَا بِهَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سُلَیْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ النَّخَعِیِّ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْقَعْقَاعُ بْنُ الْأَبْرَدِ الطُّهَوِیُّ قَالَ وَ اللَّهِ إِنِّی لَوَاقِفٌ قَرِیباً مِنْ عَلِیٍّ ع بِصِفِّینَ یَوْمَ وَقْعَةِ الْخَمِیسِ وَ قَدِ الْتَقَتْ مَذْحِجٌ وَ کَانُوا فِی مَیْمَنَةِ عَلِیٍّ ع وَ عُکٌّ لَخْمٌ وَ جُذَامٌ وَ اَلْأَشْعَرِیُّونَ وَ کَانُوا مُسْتَبْصِرِینَ فِی قِتَالِ عَلِیٍّ ع فَلَقَدْ وَ اللَّهِ رَأَیْتُ ذَلِکَ الْیَوْمَ مِنْ قِتَالِهِمْ وَ سَمِعْتُ مِنْ وَقْعِ السُّیُوفِ عَلَی الرُّءُوسِ وَ خَبْطِ الْخُیُولِ بِحَوَافِرِهَا فِی الْأَرْضِ وَ فِی الْقَتْلَی مَا الْجِبَالُ تَهِدُّ (2) وَ لاَ الصَّوَاعِقُ تَصْعَقُ بِأَعْظَمَ مِنْ هَؤُلاَءِ فِی الصُّدُورِ مِنْ تِلْکَ الْأَصْوَاتِ وَ نَظَرْتُ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ هُوَ قَائِمٌ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَأَسْمَعُهُ یَقُولُ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ اللَّهُمَّ إِلَیْکَ الشَّکْوَی وَ أَنْتَ الْمُسْتَعَانُ ثُمَّ نَهَضَ حِینَ قَامَ قَائِمُ الظَّهِیرَةِ وَ هُوَ یَقُولُ رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنٰا وَ بَیْنَ قَوْمِنٰا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفٰاتِحِینَ وَ حَمَلَ عَلَی النَّاسِ بِنَفْسِهِ وَ سَیْفُهُ مُجَرَّدٌ بِیَدِهِ فَلاَ وَ اللَّهِ مَا حَجَزَ بَیْنَ النَّاسِ ذَلِکَ الْیَوْمَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ فِی قَرِیبٍ مِنْ ثُلُثِ اللَّیْلِ

ص :41

الْأَوَّلِ وَ قُتِلَتْ یَوْمَئِذٍ أَعْلاَمُ اَلْعَرَبِ وَ کَانَ فِی رَأْسِ عَلِیٍّ ع ثَلاَثُ ضَرَبَاتٍ وَ فِی وَجْهِهِ ضَرْبَتَانِ.

قَالَ نَصْرٌ وَ قَدْ قِیلَ إِنَّ عَلِیّاً ع لَمْ یَخْرُجْ قَطُّ وَ قُتِلَ فِی هَذَا الْیَوْمِ خُزَیْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَیْنِ وَ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذِی الْکَلاَعِ الْحِمْیَرِیُّ فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ نَهِیکِ بْنِ یَسَافَ الْأَنْصَارِیُّ یَا لَهْفَ نَفْسِی وَ مَنْ یَشْفِی حَزَازَتَهَا

وَ قَالَ مَالِکُ الْأَشْتَرِ نَحْنُ قَتَلْنَا حَوْشَباً وَ قَالَتْ ضُبَیْعَةُ بِنْتُ خُزَیْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ذِی الشَّهَادَتَیْنِ تَرْثِی أَبَاهَا رَحِمَهُ اللَّهُ عَیْنُ جُودِی عَلَی خُزَیْمَةَ بِالدَّمْعِ

ص :42

لَعَنَ اللَّهُ مَعْشَراً قَتَلُوهُ

وَ رَمَاهُمْ بِالْخِزْیِ وَ الْآفَاتِ

(1)

.

1721

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلْأَعْمَشِ قَالَ کَتَبَ مُعَاوِیَةُ إِلَی أَبِی أَیُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَیْدٍ الْأَنْصَارِیِّ صَاحِبِ مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ کَانَ سَیِّداً مُعَظَّماً مِنْ سَادَاتِ اَلْأَنْصَارِ وَ کَانَ مِنْ شِیعَةِ عَلِیٍّ ع کِتَاباً وَ کَتَبَ إِلَی زِیَادِ بْنِ سُمَیَّةَ وَ کَانَ عَامِلاً لِعَلِیٍّ ع عَلَی بَعْضِ فَارِسَ کِتَاباً ثَانِیاً فَأَمَّا کِتَابُهُ إِلَی أَبِی أَیُّوبَ فَکَانَ سَطْراً وَاحِداً حَاجَیْتُکَ لاَ تَنْسَی الشَّیْبَاءُ أَبَا عُذْرِهَا وَ لاَ قَاتِلَ بِکْرِهَا فَلَمْ یَدْرِ أَبُو أَیُّوبَ مَا هُوَ قَالَ فَأَتَی بِهِ عَلِیّاً ع فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ کَهْفَ الْمُنَافِقِینَ کَتَبَ إِلَیَّ بِکِتَابٍ لاَ أَدْرِی مَا هُوَ قَالَ عَلِیٌّ ع فَأَیْنَ الْکِتَابُ فَدَفَعَهُ إِلَیْهِ فَقَرَأَهُ وَ قَالَ نَعَمْ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَکَ یَقُولُ لاَ تَنْسَی الشَّیْبَاءُ أَبَا عُذْرِهَا وَ الشَّیْبَاءُ الْمَرْأَةُ الْبِکْرُ لَیْلَةَ افْتِضَاضِهَا لاَ تَنْسَی بَعْلَهَا الَّذِی افْتَرَعَهَا أَبَداً وَ لاَ تَنْسَی قَاتِلَ بِکْرِهَا وَ هُوَ أَوَّلُ وَلَدِهَا کَذَلِکَ لاَ أَنْسَی أَنَا قَتْلَ عُثْمَانَ .

وَ أَمَّا الْکِتَابُ الَّذِی کَتَبَهُ إِلَی زِیَادٍ فَإِنَّهُ کَانَ وَعِیداً وَ تَهَدُّداً فَقَالَ زِیَادٌ وَیْلِی عَلَی مُعَاوِیَةَ کَهْفِ الْمُنَافِقِینَ وَ بَقِیَّةِ اَلْأَحْزَابِ یَتَهَدَّدُنِی وَ یَتَوَعَّدُنِی وَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً سُیُوفُهُمْ عَلَی عَوَاتِقِهِمْ یُطِیعُونَهُ (2) فِی جَمِیعِ مَا یَأْمُرُهُمْ بِهِ لاَ یَلْتَفِتُ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَرَاءَهُ حَتَّی یَمُوتَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ ظَفِرَ ثُمَّ خَلَصَ إِلَیَّ لَیَجِدَنَّنِی أَحْمَرَ ضَرَّاباً بِالسَّیْفِ.

قَالَ نَصْرٌ أَحْمَرُ أَیْ مَوْلًی فَلَمَّا ادَّعَاهُ مُعَاوِیَةُ عَادَ عَرَبِیّاً مَنَافِیّاً (3)

.

ص :43

1722

1- قَالَ نَصْرٌ وَ رَوَی عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ أَنَّ مُعَاوِیَةَ کَتَبَ فِی أَسْفَلِ کِتَابِهِ إِلَی أَبِی أَیُّوبَ أَبْلِغْ لَدَیْکَ أَبَا أَیُّوبَ مَأْلُکَةً فَلَمَّا قُرِئَ الْکِتَابُ عَلَی عَلِیٍّ ع قَالَ لَشَدَّ مَا شَحَذَکُمْ مُعَاوِیَةُ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ أَجِیبُوا الرَّجُلَ فَقَالَ أَبُو أَیُّوبَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی مَا أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ شَیْئاً مِنَ الشِّعْرِ یَعْیَا بِهِ الرِّجَالُ إِلاَّ قُلْتُهُ فَقَالَ فَأَنْتَ إِذًا أَنْتَ- .

فَکَتَبَ أَبُو أَیُّوبَ إِلَی مُعَاوِیَةَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّکَ کَتَبْتَ لاَ تَنْسَی الشَّیْبَاءُ أَبَا عُذْرِهَا وَ لاَ قَاتِلَ بِکْرِهَا فَضَرَبْتَهَا مَثَلاً بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَ مَا نَحْنُ وَ قَتْلَ عُثْمَانَ إِنَّ الَّذِی تَرَبَّصَ بِعُثْمَانَ

ص :44

وَ ثَبَّطَ یَزِیدَ بْنَ أَسَدٍ وَ أَهْلَ اَلشَّامِ عَنْ نُصْرَتِهِ لَأَنْتَ وَ إِنَّ الَّذِینَ قَتَلُوهُ لَغَیْرُ اَلْأَنْصَارِ وَ کَتَبَ فِی آخِرِ کِتَابِهِ لاَ تُوعِدَنَّا اِبْنَ حَرْبٍ إِنَّنَا نَفَرٌ

قَالَ فَلَمَّا أَتَی مُعَاوِیَةَ کِتَابُ أَبِی أَیُّوبَ کَسَرَهُ

(1)

.

1723

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ قَالَ حَدَّثَنِی مُجَالِدٌ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ عَنْ زِیَادِ بْنِ النَّضْرِ الْحَارِثِیِّ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ عَلِیٍّ ع صِفِّینَ فَاقْتَتَلْنَا مَرَّةً ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ وَ ثَلاَثَ لَیَالٍ حَتَّی تَکَسَّرَتِ الرِّمَاحُ وَ نَفِدَتِ السِّهَامُ ثُمَّ صِرْنَا إِلَی الْمُسَایَفَةِ فَاجْتَلَدْنَا بِهَا إِلَی نِصْفِ اللَّیْلِ حَتَّی صِرْنَا نَحْنُ وَ أَهْلُ اَلشَّامِ فِی الْیَوْمِ الثَّالِثِ یُعَانِقُ بَعْضُنَا بَعْضاً وَ لَقَدْ قَاتَلْتُ لَیْلَتَئِذٍ بِجَمِیعِ السِّلاَحِ فَلَمْ یَبْقَ شَیْءٌ مِنَ السِّلاَحِ إِلاَّ قَاتَلْتُ بِهِ حَتَّی تَحَاثَیْنَا

ص :45

بِالتُّرَابِ وَ تَکَادَمْنَا بِالْأَفْوَاهِ حَتَّی صِرْنَا قُیَّاماً یَنْظُرُ بَعْضُنَا إِلَی بَعْضٍ مَا یَسْتَطِیعُ أَحَدٌ مِنَ الْفَرِیقَیْنِ أَنْ یَنْهَضَ إِلَی صَاحِبِهِ وَ لاَ یُقَاتِلَ فَلَمَّا کَانَ نِصْفُ اللَّیْلِ مِنَ اللَّیْلَةِ الثَّالِثَةِ انْحَازَ مُعَاوِیَةُ وَ خَیْلُهُ مِنَ الصَّفِّ وَ غَلَبَ عَلِیٌّ ع عَلَی الْقَتْلَی فَلَمَّا أَصْبَحَ أَقْبَلَ عَلَی أَصْحَابِهِ یَدْفِنُهُمْ وَ قَدْ قُتِلَ کَثِیرٌ مِنْهُمْ وَ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِیَةَ أَکْثَرُ وَ قُتِلَ فِیهِمْ تِلْکَ اللَّیْلَةَ شِمْرُ بْنُ أَبْرَهَةَ

(1)

.

1724

1,14- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ جابن [جَابِرٍ]

عَنْ تَمِیمٍ قَالَ وَ اللَّهِ إِنِّی لَمَعَ عَلِیٍّ ع إِذْ أَتَاهُ عَلْقَمَةُ بْنُ زُهَیْرٍ الْأَنْصَارِیُّ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ یَرْتَجِزُ فِی الصَّفِّ بِشِعْرٍ أَ فَأُسْمِعُکَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ إِنَّهُ یَقُولُ إِذَا تَخَازَرْتُ وَ مَا بِی مِنْ خَزَرٍ (2) فَقَالَ عَلِیٌّ اَللَّهُمَّ الْعَنْهُ فَإِنَّ رَسُولَکَ لَعَنَهُ قَالَ عَلْقَمَةُ وَ إِنَّهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ یَرْتَجِزُ بِرَجَزٍ آخَرَ فَأَنْشُدُکَ قَالَ قُلْ فَقَالَ أَنَا الْغُلاَمُ الْقُرَشِیُّ الْمُؤْتَمَنُ

ص :46

أَضْرِبُکُمْ وَ لاَ أَرَی أَبَا حَسَنٍ (1)

کَفَی بِهَذَا حَزَناً مِنَ الْحَزَنِ

فَضَحِکَ عَلِیٌّ ع وَ قَالَ إِنَّهُ لَکَاذِبٌ وَ إِنَّهُ بِمَکَانِی لَعَالِمٌ کَمَا قَالَ الْعَرَبِیُّ غَیْرَ الْوَهِیِّ تَرْقَعِینَ وَ أَنْتِ مُبْصِرَةٌ وَیْحَکُمْ أَرُونِی مَکَانَهُ لِلَّهِ أَبُوکُمْ وَ خَلاَکُمْ ذَمٌّ وَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَوْ شَهِدَتْ جُمْلٌ مَقَامِی وَ مَشْهَدِی (2)

ص :47

وَ قَالَ اَلنَّجَاشِیُّ یَذْکُرُ عَلِیّاً ع وَ جِدَّهُ فِی الْأَمْرِ إِنِّی إِخَالُ عَلِیّاً غَیْرَ مُرْتَدِعٍ

.

1725

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ بَلَغَ اَلنَّجَاشِیَّ أَنَّ مُعَاوِیَةَ تُهَدِّدُهُ فَقَالَ (1) یَا أَیُّهَا الرَّجُلُ الْمُبْدِی عَدَاوَتَهُ

ص :48

وَ لاَ إِخَالُکَ إِلاَّ لَسْتَ مُنْتَهِیاً

قَالَ فَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِیَةَ هَذَا الشِّعْرُ قَالَ مَا أَرَاهُ إِلاَّ قَدْ قَارَبَ (1) .

1726

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ کَانَ یَحْمِلُ عَلَی الْخَیْلِ یَوْماً فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ هَلْ مِنْ فَرَسٍ یَا اِبْنَ ذِی الْجَنَاحَیْنِ قَالَ تِلْکَ الْخَیْلُ فَخُذْ أَیَّتَهَا شِئْتَ فَلَمَّا وَلَّی قَالَ اِبْنُ جَعْفَرٍ إِنْ تُصِبْ أَفْضَلَ الْخَیْلِ تُقْتَلْ فَمَا عَتَمَ أَنْ أَخَذَ أَفْضَلَ الْخَیْلِ فَرَکِبَهُ ثُمَّ حَمَلَ عَلَی فَارِسٍ قَدْ کَانَ دَعَاهُ إِلَی الْبِرَازِ فَقَتَلَهُ الشَّامِیُّ وَ حَمَلَ غُلاَمَانِ آخَرَانِ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ حَتَّی انْتَهَیَا إِلَی سُرَادِقِ مُعَاوِیَةَ فَقُتِلاَ عِنْدَهُ وَ أَقْبَلَتِ الْکَتَائِبُ بَعْضُهَا نَحْوَ بَعْضٍ فَاقْتَتَلَتْ قُیَّاماً فِی الرَّکْبِ لاَ یَسْمَعُ السَّامِعُ إِلاَّ وَقْعَ السُّیُوفِ عَلَی الْبَیْضِ وَ الدَّرَقِ.

وَ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَ جِئْتُمْ إِلَیْنَا تَسْفِکُونَ دِمَاءَنَا

ص :49

إِذَا مَا الْتَقَوْا یَوْماً تَدَارَکَ بَیْنَهُمْ

طِعَانٌ وَ مَوْتٌ فِی الْمَعَارِکِ أَحْمَرُ.

وَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ کَلْبٍ مَعَ مُعَاوِیَةَ یَهْجُو أَهْلَ اَلْعِرَاقِ وَ یُوَبِّخُهُمْ لَقَدْ ضَلَّتْ مَعَاشِرُ مِنْ نِزَارٍ وَ قَالَ أَبُو حَیَّةَ بْنُ غُزَیَّةَ الْأَنْصَارِیُّ وَ هُوَ الَّذِی عَقَرَ الْجَمَلَ یَوْمَ اَلْبَصْرَةِ وَ اسْمُهُ عَمْرٌو سَائِلْ حَلِیلَةَ مَعْبَدٍ عَنْ بَعْلِهَا

ص :50

إِنْ یَصْدُقُوکَ یُخَبِّرُوکَ بِأَنَّنَا

وَ قَالَ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِیُّ أَقُولُ لَمَّا أَنْ رَأَیْتُ الْمَعْمَعَةْ (1) وَ قَالَ اَلنُّعْمَانُ بْنُ جعلان [عَجْلاَن]

الْأَنْصَارِیُّ سَائِلْ بِصِفِّینَ عَنَّا عِنْدَ غُدْوَتِنَا قَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِیُّ

ص :51

تَقُولُ عِرْسِی لَمَّا أَنْ رَأَتْ أَرَقِی

وَ قَالَ حُجْرُ بْنُ عَدِیٍّ الْکِنْدِیُّ یَا رَبَّنَا سَلِّمْ لَنَا عَلِیّاً

.

1727

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ قَالَ اَلْأَحْنَفُ بْنُ قَیْسٍ فِی صِفِّینَ لِأَصْحَابِهِ هَلَکَتِ اَلْعَرَبُ قَالُوا لَهُ وَ إِنْ غَلَبْنَا یَا أَبَا بَحْرٍ قَالَ نَعَمْ قَالُوا وَ إِنَّ غُلِبْنَا قَالَ نَعَمْ قَالُوا وَ اللَّهِ مَا جَعَلْتَ لَنَا مَخْرَجاً فَقَالَ اَلْأَحْنَفُ إِنَّا إِنْ غَلَبْنَاهُمْ لَمْ نَتْرُکْ بِالشَّامِ رَئِیساً إِلاَّ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَ إِنْ غَلَبُونَا لَمْ یَعْرُجْ بَعْدَهَا رَئِیسٌ عَنْ مَعْصِیَةِ اللَّهِ أَبَداً (1) .

1728

1,2- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ ذَکَرَ مُعَاوِیَةُ یَوْماً صِفِّینَ بَعْدَ عَامِ الْجَمَاعَةِ وَ تَسْلِیمِ الْحَسَنِ ع الْأَمْرَ إِلَیْهِ فَقَالَ لِلْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ أَیُّ بَنِی عَمِّکَ

ص :52

کَانَ أَفْضَلَ یَوْمَ صِفِّینَ یَا وَلِیدُ (1) عِنْدَ وَقَدَانِ الْحَرْبِ وَ اسْتِشَاطَةِ لَظَاهَا حِینَ قَاتَلَتِ الرِّجَالُ عَلَی الْأَحْسَابِ قَالَ کُلُّهُمْ قَدْ وَصَلَ کَنَفَیْهَا عِنْدَ انْتِشَارِ وَقْعَتِهَا حَتَّی ابْتَلَّتْ أَثْبَاجُ الرِّجَالِ مِنَ الْجِرْیَالِ بِکُلِّ لَدْنٍ عَسَّالٍ وَ بِکُلِّ عَضْبٍ قَصَّالٍ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَیْتُنَا یَوْماً مِنَ الْأَیَّامِ وَ قَدْ غَشِیَنَا ثُعْبَانٌ فِی مِثْلِ الطَّوْدِ الْأَرْعَنِ قَدْ أَثَارَ قَسْطَلاً حَالَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ الْأُفُقِ وَ هُوَ عَلَی أَدْهَمَ شَائِلِ الْغُرَّةِ یَعْنِی عَلِیّاً ع یَضْرِبُهُمْ بِسَیْفِهِ ضَرْبَ غَرَائِبِ الْإِبِلِ کَاشِراً عَنْ نَابِهِ کَشْرَ الْمُخْدِرِ الْحَرِبِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ نَعَمْ إِنَّهُ کَانَ یُقَاتِلُ عَنْ تِرَةٍ لَهُ وَ عَلَیْهِ

(2)

.

1729

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ أَرْسَلَ عَلِیٌّ ع إِلَی مُعَاوِیَةَ أَنِ ابْرُزْ إِلَیَّ وَ أَعْفِ الْفَرِیقَیْنِ مِنَ الْقِتَالِ فَأَیُّنَا قَتَلَ صَاحِبَهُ کَانَ الْأَمْرُ لَهُ فَقَالَ عَمْرٌو لَقَدْ أَنْصَفَکَ الرَّجُلُ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ أَنَا أُبَارِزُ الشُّجَاعَ الْأَخْرَقَ أَظُنُّکَ یَا عَمْرُو طَمِعْتَ فِیهَا فَلَمَّا لَمْ یُجِبْ قَالَ عَلِیٌّ ع وَا نَفْسَاهْ أَ یُطَاعُ مُعَاوِیَةُ وَ أُعْصَی مَا قَاتَلَتْ أُمَّةٌ قَطُّ أَهْلَ بَیْتِ نَبِیِّهَا وَ هِیَ مُقِرَّةٌ بِنَبِیِّهَا غَیْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثُمَّ إِنَّ عَلِیّاً ع أَمَرَ النَّاسَ أَنْ یَحْمِلُوا عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ فَحَمَلُوا فَنَقَضُوا صُفُوفَ اَلشَّامِ فَقَالَ عَمْرٌو عَلَی مَنْ هَذَا الرَّهَجُ السَّاطِعُ قَالُوا عَلَی ابْنَیْکَ عَبْدِ اللَّهِ وَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ عَمْرٌو یَا وَرْدَانُ قَدِّمْ لِوَائِی فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ مُعَاوِیَةُ أَنَّهُ لَیْسَ عَلَی ابْنَیْکَ بَأْسٌ فَلاَ تَنْقُضِ الصَّفَّ وَ الْزَمْ مَوْقِفَکَ فَقَالَ عَمْرٌو هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ.

اَللَّیْثُ یَحْمِی شِبْلَیْهِ

مَا خَیْرُهُ بَعْدَ ابْنَیْهِ

ثُمَّ تَقَدَّمَ بِاللِّوَاءِ فَأَدْرَکَهُ رَسُولُ مُعَاوِیَةَ فَقَالَ (3) إِنَّهُ لَیْسَ عَلَی ابْنَیْکَ بَأْسٌ فَلاَ تَحْمِلَنَّ

ص :53

فَقَالَ قُلْ لَهُ إِنَّکَ لَمْ تَلِدْهُمَا وَ إِنِّی أَنَا وَلَدْتُهُمَا وَ بَلَغَ مُقَدَّمَ الصُّفُوفِ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ مَکَانَکَ إِنَّهُ لاَ بَأْسَ عَلَی ابْنَیْکَ إِنَّهُمَا فِی مَکَانٍ حَرِیزٍ فَقَالَ أَسْمِعُونِی أَصْوَاتَهُمَا حَتَّی أَعْلَمَ أَ حَیَّانِ هُمَا أَمْ قَتِیلاَنِ وَ نَادَی یَا وَرْدَانُ قَدِّمْ لِوَاءَکَ قِیدَ قَوْسٍ فَقَدَّمَ لِوَاءَهُ فَأَرْسَلَ عَلِیٌّ ع إِلَی أَهْلِ اَلْکُوفَةِ أَنِ احْمِلُوا وَ إِلَی أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ أَنِ احْمِلُوا فَحَمَلَ النَّاسُ مِنْ کُلِّ جَانِبٍ فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً وَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَقَالَ مَنْ یُبَارِزُ فَبَرَزَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَاقْتَتَلاَ سَاعَةً وَ ضَرَبَ الْعِرَاقِیُّ الشَّامِیَّ عَلَی رِجْلِهِ فَأَسْقَطَ قَدَمَهُ فَقَاتَلَ وَ لَمْ یَسْقُطْ إِلَی الْأَرْضِ فَضَرَبَهُ الْعِرَاقِیُّ أُخْرَی فَأَسْقَطَ یَدَهُ فَرَمَی الشَّامِیُّ سَیْفَهُ إِلَی أَهْلِ اَلشَّامِ وَ قَالَ دُونَکُمْ سَیْفِی هَذَا فَاسْتَعِینُوا بِهِ عَلَی قِتَالِ عَدُوِّکُمْ فَاشْتَرَاهُ مُعَاوِیَةُ مِنْ أَوْلِیَائِهِ بِعَشَرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ

(1)

.

1730

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا مَالِکٌ الْجُهَنِیُّ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عَلِیّاً ع مَرَّ عَلَی جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ بِصِفِّینَ مِنْهُمُ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ وَ هُمْ یَشْتِمُونَهُ وَ یَقْصِبُونَهُ (2) فَأُخْبِرَ بِذَلِکَ فَوَقَفَ عَلَی نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ قَالَ اِنْهَدُوا إِلَیْهِمْ وَ عَلَیْکُمُ السَّکِینَةُ وَ الْوَقَارُ وَ سِیمَا الصَّالِحِینَ أَقْرِبْ بِقَوْمٍ مِنَ الْجَهْلِ قَائِدُهُمْ وَ مُؤَدِّبُهُمْ مُعَاوِیَةُ وَ اِبْنُ النَّابِغَةِ وَ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِیُّ (3) وَ اِبْنُ أَبِی مُعَیْطٍ شَارِبُ الْحَرَامِ وَ الْمَحْدُودُ (4) فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ هُمْ أُولاَءِ (5) یَقْصِبُونَنِی وَ یَشْتِمُونَنِی وَ قَبْلَ الْیَوْمِ مَا قَاتَلُونِی وَ شَتَمُونِی وَ أَنَا إِذْ ذَاکَ أَدْعُوهُمْ إِلَی اَلْإِسْلاَمِ وَ هُمْ یَدْعُونَنِی إِلَی عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ لَقَدِیماً مَا عَادَانِی الْفَاسِقُونَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْخَطْبُ الجلل [اَلْجَلِیلُ]

إِنَّ فُسَّاقاً کَانُوا عِنْدَنَا غَیْرَ مَرْضِیِّینَ وَ عَلَی اَلْإِسْلاَمِ

ص :54

وَ أَهْلِهِ مُتَخَوِّفِینَ أَصْبَحُوا وَ قَدْ خَدَعُوا شَطْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ أُشْرِبُوا فِی قُلُوبِهِمْ حُبَّ الْفِتْنَةِ وَ اسْتَمَالُوا أَهْوَاءَهُمْ بِالْإِفْکِ وَ الْبُهْتَانِ وَ نَصَبُوا لَنَا الْحَرْبَ وَ جَدُّوا فِی إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ وَ اللّٰهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ کَرِهَ اَلْکٰافِرُونَ اللَّهُمَّ فَإِنَّهُمْ قَدْ رَدُّوا الْحَقَّ فَافْضُضْ جَمْعَهُمْ وَ شَتِّتْ کَلِمَتَهُمْ وَ أَبْلِسْهُمْ بِخَطَایَاهُمْ فَإِنَّهُ لاَ یَذِلُّ مَنْ وَالَیْتَ وَ لاَ یَعِزُّ مَنْ عَادَیْتَ (1) .

قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ عَلِیٌّ ع إِذَا أَرَادَ الْحَمْلَةَ هَلَّلَ وَ کَبَّرَ ثُمَّ قَالَ مِنْ أَیِّ یَوْمَیَّ مِنَ الْمَوْتِ أَفِرُّ أَ یَوْمَ لَمْ یُقْدَرْ أَوْ یَوْمَ قُدِرَ فَجَعَلَ مُعَاوِیَةُ لِوَاءَهُ الْأَعْظَمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ فَأَمَرَ عَلِیٌّ ع جَارِیَةَ بْنَ قُدَامَةَ السَّعْدِیَّ أَنْ یَلْقَاهُ بِأَصْحَابِهِ وَ أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بَعْدَهُ فِی خَیْلٍ وَ مَعَهُ لِوَاءٌ ثَانٍ فَتَقَدَّمَ حَتَّی خَالَطَ صُفُوفَ اَلْعِرَاقِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع لاِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اِمْشِ نَحْوَ هَذَا اللِّوَاءِ رُوَیْداً حَتَّی إِذَا أَشْرَعْتَ الرِّمَاحَ فِی صُدُورِهِمْ فَأَمْسِکْ یَدَکَ حَتَّی یَأْتِیَکَ أَمْرِی فَفَعَلَ وَ قَدْ کَانَ أَعَدَّ عَلِیٌّ ع مِثْلَهُمْ مَعَ اَلْأَشْتَرِ فَلَمَّا أَشْرَعَ مُحَمَّدٌ الرِّمَاحَ فِی صُدُورِ الْقَوْمِ أَمَرَ عَلِیٌّ ع اَلْأَشْتَرَ أَنْ یَحْمِلَ فَحَمَلَ فَأَزَالَهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ وَ أَصَابَ مِنْهُمْ رِجَالاً وَ اقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالاً شَدِیداً فَمَا صَلَّی مَنْ أَرَادَ الصَّلاَةَ إِلاَّ إِیمَاءً فَقَالَ اَلنَّجَاشِیُّ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ یَذْکُرُ اَلْأَشْتَرَ وَ لَمَّا رَأَیْنَا اللِّوَاءَ الْعُقَابَ (2)

ص :55

کَمَا کَانَ یَفْعَلُ فِی مِثْلِهَا

(1)

.

1731

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُتْبَةَ الْکِنْدِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی شَیْخٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ شَهِدَ مَعَ عَلِیٍّ ع صِفِّینَ قَالَ کَانَ مِنَّا رَجُلٌ یُعْرَفُ بِهَانِئِ بْنِ فَهْدٍ (2) وَ کَانَ شُجَاعاً فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ یَدْعُو إِلَی الْبِرَازِ فَلَمْ یَخْرُجْ إِلَیْهِ أَحَدٌ فَقَالَ هَانِئٌ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا یَمْنَعُکُمْ أَنْ یَخْرُجَ مِنْکُمْ رَجُلٌ إِلَی هَذَا فَوَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَنِّی مَوْعُوکٌ وَ أَنِّی أَجِدُ ضَعْفاً شَدِیداً لَخَرَجْتُ إِلَیْهِ فَمَا رَدَّ أَحَدٌ عَلَیْهِ فَقَامَ وَ شَدَّ عَلَیْهِ سِلاَحَهُ لِیَخْرُجَ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ یَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَنْتَ مَوْعُوکٌ وَعْکَةً شَدِیدَةً فَکَیْفَ تَخْرُجُ قَالَ وَ اللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ وَ لَوْ قَتَلَنِی فَخَرَجَ فَلَمَّا رَآهُ عَرَفَهُ وَ إِذَا الرَّجُلُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ حَضْرَمَوْتَ یُقَالُ لَهُ یَعْمُرُ بْنُ أَسَدٍ الْحَضْرَمِیُّ فَقَالَ یَا هَانِئُ ارْجِعْ فَإِنَّهُ أَنْ یَخْرُجَ إِلَی رَجُلٍ غَیْرِکَ أَحَبُّ إِلَیَّ فَإِنِّی لاَ أُحِبُّ قَتْلَکَ قَالَ هَانِئٌ سُبْحَانَ اللَّهِ أَرْجِعُ وَ قَدْ خَرَجْتُ لاَ وَ اللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ الْیَوْمَ حَتَّی أُقْتَلَ وَ لاَ أُبَالِی قَتَلْتَنِی أَنْتَ أَوْ غَیْرُکَ ثُمَّ مَشَی نَحْوَهُ وَ قَالَ اللَّهُمَّ فِی سَبِیلِکَ وَ نَصْراً لاِبْنِ عَمٍّ رَسُولِکَ وَ اخْتَلَفَا ضَرْبَتَیْنِ فَقَتَلَهُ هَانِئٌ وَ شَدَّ أَصْحَابُ یَعْمُرَ بْنِ أَسَدٍ عَلَی هَانِئٍ فَشَدَّ أَصْحَابُ هَانِئٍ عَلَیْهِمْ فَاقْتَتَلُوا وَ انْفَرَجُوا عَنِ اثْنَیْنِ وَ ثَلاَثِینَ قَتِیلاً ثُمَّ إِنَّ عَلِیّاً ع أَرْسَلَ إِلَی جَمِیعِ الْعَسْکَرِ أَنِ احْمِلُوا فَحَمَلَ النَّاسُ کُلُّهُمْ عَلَی رَایَاتِهِمْ کُلٌّ مِنْهُمْ

ص :56

یَحْمِلُ عَلَی مَنْ بِإِزَائِهِ (1) فَتَجَالَدُوا بِالسُّیُوفِ وَ عُمُدِ الْحَدِیدِ لاَ یُسْمَعُ إِلاَّ صَوْتُ ضَرْبِ الْهَامَاتِ کَوَقْعِ الْمَطَارِقِ عَلَی السَّنَادِینِ وَ مَرَّتِ الصَّلَوَاتُ کُلُّهَا فَلَمْ یُصَلِّ أَحَدٌ إِلاَّ تَکْبِیراً عِنْدَ مَوَاقِیتِ الصَّلاَةِ حَتَّی تَفَانَوْا وَ رَقَّ النَّاسُ وَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَیْنِ الصَّفَّیْنِ لاَ یُعْلَمُ مَنْ هُوَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ أَ خَرَجَ فِیکُمُ الْمُحَلِّقُونَ فَقِیلَ لاَ فَقَالَ إِنَّهُمْ سَیَخْرُجُونَ أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَی مِنَ الْعَسَلِ وَ قُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ لَهُمْ حُمَةٌ کَحُمَةِ الْحَیَّاتِ ثُمَّ غَابَ الرَّجُلُ فَلَمْ یُعْلَمْ مَنْ هُوَ

(2)

.

1732

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنِ اَلسُّدِّیِّ قَالَ اخْتَلَطَ أَمْرُ النَّاسِ تِلْکَ اللَّیْلَةَ وَ زَالَ أَهْلُ الرَّایَاتِ عَنْ مَرَاکِزِهِمْ وَ تَفَرَّقَ أَصْحَابُ عَلِیٍّ ع عَنْهُ فَأَتَی رَبِیعَةَ لَیْلاً فَکَانَ فِیهِمْ وَ تَعَاظَمَ الْأَمْرُ جِدّاً وَ أَقْبَلَ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ یَطْلُبُ عَلِیّاً ع فِی مَوْضِعِهِ الَّذِی تَرَکَهُ فِیهِ فَلَمْ یَجِدْهُ فَطَافَ یَطْلُبُهُ فَأَصَابَهُ بَیْنَ رِمَاحِ رَبِیعَةَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَمَّا إِذْ کُنْتَ حَیّاً فَالْأَمْرُ أُمَمٌ مَا مَشَیْتُ إِلَیْکَ إِلاَّ عَلَی قَتِیلٍ وَ مَا أَبَقَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ لَهُمْ عَمِیداً فَقَاتِلْ حَتَّی یَفْتَحَ اللَّهُ عَلَیْکَ فَإِنَّ فِی النَّاسِ بَقِیَّةً بَعْدُ وَ أَقْبَلَ اَلْأَشْعَثُ یَلْهَثُ جَزَعاً فَلَمَّا رَأَی عَلِیّاً ع هَلَّلَ فَکَبَّرَ وَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ خَیْلٌ کَخَیْلٍ وَ رِجَالٌ کَرِجَالٍ وَ لَنَا الْفَضْلُ عَلَیْهِمْ إِلَی سَاعَتِنَا هَذِهِ فَعُدْ إِلَی مَکَانِکَ الَّذِی کُنْتَ فِیهِ فَإِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا یَظُنُّونَکَ حَیْثُ تَرَکُوکَ وَ أَرْسَلَ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیُّ إِلَی عَلِیٍّ ع إِنَّا مُشْتَغِلُونَ بِأَمْرِنَا مَعَ الْقَوْمِ وَ فِینَا فَضْلٌ فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ نُمِدَّ أَحَداً أَمْدَدْنَاهُ فَأَقْبَلَ عَلِیٌّ ع عَلَی رَبِیعَةَ فَقَالَ أَنْتُمْ دِرْعِی وَ رُمْحِی قَالَ فَرَبِیعَةُ تَفْخَرُ بِهَذَا الْکَلاَمِ إِلَی الْیَوْمِ فَقَالَ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ قَوْماً أَنِسْتُ بِهِمْ وَ کُنْتُ فِی هَذِهِ الْجَوْلَةِ

ص :57

فِیهِمْ لَعَظِیمٌ حَقُّهُمْ وَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَصُبَّرٌ عِنْدَ الْمَوْتِ أَشِدَّاءُ عِنْدَ الْقِتَالِ فَدَعَا عَلِیٌّ ع بِفَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ ص الَّذِی کَانَ یُقَالُ لَهُ اَلْمُرْتَجِزُ فَرَکِبَهُ ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَ الصُّفُوفِ ثُمَّ قَالَ بَلِ الْبَغْلَةَ بَلِ الْبَغْلَةَ فَقُدِّمَتْ لَهُ بَغْلَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ کَانَتِ اَلشَّهْبَاءُ فَرَکِبَهَا ثُمَّ تَعَصَّبَ بِعِمَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ کَانَتْ سَوْدَاءَ ثُمَّ نَادَی أَیُّهَا النَّاسُ مَنْ یَشْرِ نَفْسَهُ اللَّهَ یَرْبَحْ إِنَّ هَذَا لَیَوْمٌ (1) لَهُ مَا بَعْدَهُ إِنَّ عَدُوَّکُمْ قَدْ مَسَّهُ الْقَرْحُ کَمَا مَسَّکُمْ فَانْتَدِبُوا لِنُصْرَةِ دِینِ اللَّهِ فَانْتَدَبَ لَهُ مَا بَیْنَ عَشَرَةِ آلاَفٍ إِلَی اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفاً قَدْ وَضَعُوا سُیُوفَهُمْ عَلَی عَوَاتِقِهِمْ فَشَدَّ بِهِمْ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ وَ هُوَ یَقُولُ دَبُّوا دَبِیبَ النَّمْلِ لاَ تَفُوتُوا .

وَ تَبِعَهُ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ بِلِوَائِهِ وَ هُوَ یَقُولُ أَ بَعْدَ عَمَّارٍ وَ بَعْدَ هَاشِمٍ

وَ حَمَلَ وَ حَمَلَ اَلْأَشْتَرُ بَعْدَهُمَا فِی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ کَافَّةً فَلَمْ یَبْقَ لِأَهْلِ اَلشَّامِ صَفٌّ إِلاَّ انْتَقَضَ وَ أَهْمَدَ أَهْلُ (2) اَلْعِرَاقِ مَا أَتَوْا عَلَیْهِ حَتَّی أَفْضَی الْأَمْرُ إِلَی مِضْرَبِ مُعَاوِیَةَ وَ عَلِیٌّ ع یَضْرِبُ النَّاسَ بِسَیْفِهِ قُدُماً قُدُماً وَ یَقُولُ

ص :58

أَضْرِبُهُمْ وَ لاَ أَرَی مُعَاوِیَةَ

اَلْأَخْزَرَ الْعَیْنِ الْعَظِیمَ الْحَاوِیَةِ هَوَتْ بِهِ اَلنَّارَ أُمَّ هَاوِیَةَ

فَدَعَا مُعَاوِیَةُ بِفَرَسِهِ لِیَنْجُوَ عَلَیْهِ فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِی الرِّکَابِ تَوَقَّفَ وَ تَلَوَّمَ قَلِیلاً ثُمَّ أَنْشَدَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ الْإِطْنَابَةِ أَبَتْ لِی عِفَّتِی وَ أَبَی بَلاَئِی ثُمَّ قَالَ یَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ الْیَوْمَ صَبْرٌ وَ غَداً فَخْرٌ قَالَ صَدَقْتَ إِنَّکَ وَ مَا أَنْتَ فِیهِ کَقَوْلِ الْقَائِلِ (1) مَا عِلَّتِی وَ أَنَا جِلْدُ نَابِلٍ (2) فَثَنَی مُعَاوِیَةُ رِجْلَهُ مِنَ الرِّکَابِ وَ نَزَلَ وَ اسْتَصْرَخَ بِعُکٍّ وَ اَلْأَشْعَرِیِّینَ فَوَقَفُوا دُونَهُ وَ جَالَدُوا عَنْهُ حَتَّی کَرِهَ کُلٌّ مِنَ الْفَرِیقَیْنِ صَاحِبَهُ وَ تَحَاجَزَ النَّاسُ (3) .

ص :59

قَالَ نَصْرٌ جَاءَ رَجُلٌ إِلَی مُعَاوِیَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ صِفِّینَ وَ خُلُوصِ الْأَمْرِ لَهُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ لِی عَلَیْکَ حَقّاً قَالَ وَ مَا هُوَ قَالَ حَقٌّ عَظِیمٌ قَالَ وَیْحَکَ مَا هُوَ قَالَ أَ تَذْکُرُ یَوْماً قَدَّمْتَ فَرَسَکَ لِتَفِرَّ وَ قَدْ غَشِیَکَ أَبُو تُرَابٍ وَ اَلْأَشْتَرُ فَلَمَّا أَرَدْتَ أَنْ تَسْتَوْثِبَهُ وَ أَنْتَ عَلَی ظَهْرِهِ أَمْسَکْتُ بِعِنَانِکَ وَ قُلْتُ لَکَ أَیْنَ تَذْهَبُ إِنَّهُ لَلُؤْمٌ بِکَ أَنْ تَسْمَحَ اَلْعَرَبَ بِنُفُوسِهَا لَکَ شَهْرَیْنِ وَ لاَ تَسْمَحَ لَهَا بِنَفْسِکَ سَاعَةً وَ أَنْتَ ابْنُ سِتِّینَ وَ کَمْ عَسَی أَنْ تَعِیشَ فِی الدُّنْیَا بَعْدَ هَذِهِ السِّنِّ إِذَا نَجَوْتَ فَتَلَوَّمْتَ فِی نَفْسِکَ سَاعَةً ثُمَّ أَنْشَدْتَ شِعْراً لاَ أَحْفَظُهُ ثُمَّ نَزَلْتَ فَقَالَ وَیْحَکَ فَإِنَّکَ لَأَنْتَ هُوَ وَ اللَّهِ مَا أَحَلَّنِی هَذَا الْمَحَلَّ إِلاَّ أَنْتَ وَ أَمَرَ لَهُ بِثَلاَثِینَ أَلْفَ دِرْهَمٍ

.

1733

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنِ اَلنَّخَعِیِّ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَعَرَّضَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِعَلِیٍّ ع یَوْماً مِنْ أَیَّامِ صِفِّینَ وَ ظَنَّ أَنَّهُ یَطْمَعُ مِنْهُ فِی غِرَّةٍ فَیُصِیبُهُ فَحَمَلَ عَلَیْهِ عَلِیٌّ ع فَلَمَّا کَادَ أَنْ یُخَالِطَهُ أَذْرَی نَفْسَهُ عَنْ فَرَسِهِ وَ رَفَعَ ثَوْبَهُ وَ شَغَرَ بِرِجْلِهِ فَبَدَتْ عَوْرَتُهُ فَصَرَفَ ع وَجْهَهُ عَنْهُ وَ ارْتَثَّ (1) وَ قَامَ مُعَفَّراً بِالتُّرَابِ هَارِباً عَلَی رِجْلَیْهِ مُعْتَصِماً بِصُفُوفِهِ فَقَالَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَفْلَتَ الرَّجُلُ فَقَالَ أَ تَدْرُونَ مَنْ هُوَ قَالُوا لاَ قَالَ فَإِنَّهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ تَلْقَانِی بِسَوْءَتِهِ فَصَرَفْتُ وَجْهِی عَنْهُ وَ رَجَعَ عَمْرٌو إِلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالَ مَا صَنَعْتَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَقِیَنِی عَلِیٌّ فَصَرَعَنِی قَالَ احْمَدِ اللَّهَ وَ عَوْرَتَکَ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَظُنُّکَ لَوْ عَرَفْتَهُ لَمَا أَقْحَمْتَ عَلَیْهِ وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ فِی ذَلِکَ أَلاَ لِلَّهِ مِنْ هَفَوَاتِ عَمْرٍو یُعَاتِبُنِی عَلَی تَرْکِی بِرَازِی

ص :60

فَقَدْ لاَقَی أَبَا حَسَنٍ عَلِیّاً

فَغَضِبَ عَمْرٌو وَ قَالَ مَا أَشَدَّ تَعْظِیمَکَ عَلِیّاً (1) أَبَا تُرَابٍ فِی أَمْرِی هَلْ (2) أَنَا إِلاَّ رَجُلٌ لَقِیَهُ ابْنُ عَمِّهِ فَصَرَعَهُ أَ فَتَرَی السَّمَاءَ لِذَلِکَ دَماً قَالَ لاَ وَ لَکِنَّهَا مُعَقِّبَةٌ لَکَ خِزْیاً

(3)

.

1734

17- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ الْأَمْرُ وَ عَظُمَ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ قَالَ مُعَاوِیَةُ لِأَخِیهِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ الْقَ اَلْأَشْعَثَ فَإِنَّهُ إِنْ رَضِیَ رَضِیَتِ الْعَامَّةُ وَ کَانَ عُتْبَةُ فَصِیحاً فَخَرَجَ فَنَادَی اَلْأَشْعَثَ فَقَالَ اَلْأَشْعَثُ سَلُوا مَنْ هُوَ الْمُنَادِی قَالُوا عُتْبَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ قَالَ غُلاَمٌ مُتْرَفٌ وَ لاَ بُدَّ مِنْ لِقَائِهِ فَخَرَجَ إِلَیْهِ فَقَالَ مَا عِنْدَکَ یَا عُتْبَةُ فَقَالَ أَیُّهَا الرَّجُلُ إِنَّ مُعَاوِیَةَ لَوْ کَانَ لاَقِیاً رَجُلاً غَیْرَ عَلِیٍّ لَلَقِیَکَ إِنَّکَ رَأْسُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ سَیِّدُ أَهْلِ اَلْیَمَنِ وَ قَدْ سَلَفَ مِنْ عُثْمَانَ إِلَیْکَ مَا سَلَفَ مِنَ الصِّهْرِ وَ الْعَمَلِ وَ لَسْتَ کَأَصْحَابِکَ أَمَّا اَلْأَشْتَرُ فَقَتَلَ عُثْمَانَ وَ أَمَّا عَدِیٌّ فَحَرَّضَ عَلَیْهِ وَ أَمَّا سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ فَقَلَّدَ عَلِیّاً دِیَتَهُ وَ أَمَّا شُرَیْحٌ وَ زَحْرُ بْنُ قَیْسٍ فَلاَ یَعْرِفَانِ غَیْرَ الْهَوَی وَ إِنَّکَ حَامَیْتَ عَنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ تَکَرُّماً وَ حَارَبْتَ أَهْلَ اَلشَّامِ حَمِیَّةً وَ قَدْ بَلَغْنَا مِنْکَ وَ بَلَغْتَ مِنَّا مَا أَرَدْتَ وَ إِنَّا لاَ نَدْعُوکَ إِلَی تَرْکِ عَلِیٍّ وَ نُصْرَةِ مُعَاوِیَةَ وَ لَکِنَّا نَدْعُوکَ إِلَی الْبَقِیَّةِ الَّتِی فِیهَا صَلاَحُکَ وَ صَلاَحُنَا فَتَکَلَّمَ اَلْأَشْعَثُ فَقَالَ یَا عُتْبَةُ أَمَّا قَوْلُکَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ لاَ یَلْقَی إِلاَّ عَلِیّاً

ص :61

فَلَوْ لَقِیَنِی وَ اللَّهِ لَمَا عَظُمَ عَنِّی وَ لاَ صَغُرَتْ عَنْهُ وَ إِنْ أَحَبَّ أَنْ أَجْمَعَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ عَلِیٍّ فَعَلْتُ وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنِّی رَأْسُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ سَیِّدُ أَهْلِ اَلْیَمَنِ فَإِنَّ الرَّأْسَ الْمُتَّبَعَ وَ السَّیِّدَ الْمُطَاعَ هُوَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ أَمَّا مَا سَلَفَ مِنْ عُثْمَانَ إِلَیَّ فَوَ اللَّهِ مَا زَادَنِی صِهْرُهُ شَرَفاً وَ لاَ عَمَلُهُ عِزّاً وَ أَمَّا عَیْبُکَ أَصْحَابِی فَإِنَّهُ لاَ یُقَرِّبُکَ مِنِّی وَ لاَ یُبَاعِدُنِی عَنْهُمْ وَ أَمَّا مُحَامَاتِی عَنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَمَنْ نَزَلَ بَیْتاً حَمَاهُ وَ أَمَّا الْبَقِیَّةُ فَلَسْتُمْ بِأَحْوَجَ إِلَیْهَا مِنَّا وَ سَتَرَی رَأْیَنَا فِیهَا.

فَلَمَّا عَادَ عُتْبَةُ إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ أَبْلَغَهُ قَوْلَهُ قَالَ لَهُ لاَ تَلْقَهُ بَعْدَهَا فَإِنَّ الرَّجُلَ عَظِیمٌ عِنْدَ نَفْسِهِ وَ إِنْ کَانَ قَدْ جَنَحَ لِلسَّلْمِ وَ شَاعَ فِی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ مَا قَالَهُ عُتْبَةُ لِلْأَشْعَثِ وَ مَا رَدَّهُ اَلْأَشْعَثُ عَلَیْهِ فَقَالَ اَلنَّجَاشِیُّ یَمْدَحُهُ یَا اِبْنَ قَیْسٍ وَ حَارِثٍ وَ یَزِیدَ

ص :62

قَالَ نَصْرٌ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ لَمَّا یَئِسَ مِنْ جِهَةِ اَلْأَشْعَثِ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِنَّ رَأْسَ النَّاسِ بَعْدَ عَلِیٍّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ فَلَوْ کَتَبْتَ إِلَیْهِ کِتَاباً لَعَلَّکَ تُرَقِّقُهُ وَ لَعَلَّهُ لَوْ قَالَ شَیْئاً لَمْ یَخْرُجْ عَلِیٌّ مِنْهُ وَ قَدْ أَکَلَتْنَا الْحَرْبُ وَ لاَ أَرَانَا نَصِلُ إِلَی اَلْعِرَاقِ إِلاَّ بِهَلاَکِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَقَالَ عَمْرٌو إِنَّ اِبْنَ عَبَّاسٍ لاَ یُخْدَعُ وَ لَوْ طَمِعْتُ فِیهِ لَطَمِعْتُ فِی عَلِیٍّ قَالَ مُعَاوِیَةُ عَلَی ذَلِکَ فَاکْتُبْ فَکَتَبَ عَمْرٌو إِلَیْهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الَّذِی نَحْنُ فِیهِ وَ أَنْتُمْ لَیْسَ بِأَوَّلِ أَمْرٍ قَادَهُ الْبَلاَءُ وَ أَنْتَ رَأْسُ هَذَا الْجَمْعِ بَعْدَ عَلِیٍّ فَانْظُرْ فِیمَا بَقِیَ وَ دَعْ مَا مَضَی فَوَ اللَّهِ مَا أَبَقَتْ هَذِهِ الْحَرْبُ لَنَا وَ لاَ لَکُمْ حَیَاةً وَ لاَ صَبْراً فَاعْلَمْ أَنَّ اَلشَّامَ لاَ تَهْلِکُ إِلاَّ بِهَلاَکِ اَلْعِرَاقِ وَ أَنَّ اَلْعِرَاقَ لاَ تَهْلِکُ إِلاَّ بِهَلاَکِ اَلشَّامِ فَمَا خَیْرُنَا بَعْدَ هَلاَکِ أَعْدَادِنَا مِنْکُمْ وَ مَا خَیْرُکُمْ بَعْدَ هَلاَکِ أَعْدَادِکُمْ مِنَّا وَ لَسْنَا نَقُولُ لَیْتَ الْحَرْبُ عَادَتْ وَ لَکِنَّا نَقُولُ لَیْتَهَا لَمْ تَکُنْ وَ إِنَّ فِینَا مَنْ یَکْرَهُ اللِّقَاءَ کَمَا أَنَّ فِیکُمْ مَنْ یَکْرَهُهُ وَ إِنَّمَا هُوَ أَمِیرٌ مُطَاعٌ وَ مَأْمُورٌ مُطِیعٌ أَوْ مُؤْتَمَنٌ مُشَاوِرٌ وَ هُوَ أَنْتَ فَأَمَّا اَلْأَشْتَرُ الْغَلِیظُ الطَّبْعِ الْقَاسِی الْقَلْبِ فَلَیْسَ بِأَهْلٍ أَنْ یُدْعَی فِی الشُّورَی وَ لاَ فِی خَوَاصِّ أَهْلِ النَّجْوَی وَ کَتَبَ فِی أَسْفَلِ الْکِتَابِ طَالَ الْبَلاَءُ وَ مَا یُرْجَی لَهُ آسِی

ص :63

فَلَمَّا وَصَلَ الْکِتَابُ إِلَی اِبْنِ عَبَّاسٍ عَرَضَهُ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَضَحِکَ وَ قَالَ قَاتَلَ اللَّهُ اِبْنَ الْعَاصِ مَا أَغْرَاهُ بِکَ یَا عَبْدَ اللَّهِ أَجِبْهُ وَ لْیَرُدَّ إِلَیْهِ شِعْرَهُ اَلْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ شَاعِرٌ فَکَتَبَ اِبْنُ عَبَّاسٍ إِلَی عَمْرٍو أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی لاَ أَعْلَمُ أَحَداً مِنَ اَلْعَرَبِ أَقَلَّ حَیَاءً مِنْکَ إِنَّهُ مَالَ بِکَ مُعَاوِیَةُ إِلَی الْهَوَی فَبِعْتَهُ دِینَکَ بِالثَّمَنِ الْیَسِیرِ ثُمَّ خَبَطْتَ النَّاسَ فِی عَشْوَةٍ طَمَعاً فِی الدُّنْیَا فَأَعْظَمْتَهَا إِعْظَامَ أَهْلِ الدُّنْیَا ثُمَّ تَزْعُمُ أَنَّکَ تَتَنَزَّهُ عَنْهَا تَنَزُّهَ أَهْلِ الْوَرَعِ فَإِنْ کُنْتَ صَادِقاً فَارْجِعْ إِلَی بَیْتِکِ وَ دَعِ الطَّمَعَ فِی مِصْرَ وَ الرُّکُونَ إِلَی الدُّنْیَا الْفَانِیَةِ وَ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْحَرْبَ مَا مُعَاوِیَةُ فِیهَا کَعَلِیٍّ بَدَأَهَا عَلِیٌّ بِالْحَقِّ وَ انْتَهَی فِیهَا إِلَی الْعُذْرِ وَ بَدَأَهَا مُعَاوِیَةُ بِالْبَغْیِ وَ انْتَهَی فِیهَا إِلَی السَّرَفِ وَ لَیْسَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ فِیهَا کَأَهْلِ اَلشَّامِ بَایَعَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ عَلِیّاً وَ هُوَ خَیْرٌ مِنْهُمْ وَ بَایَعَ أَهْلُ اَلشَّامِ مُعَاوِیَةَ وَ هُمْ خَیْرٌ مِنْهُ وَ لَسْتُ أَنَا وَ أَنْتَ فِیهَا سَوَاءً أَرَدْتُ اللَّهَ وَ أَرَدْتَ مِصْرَ وَ قَدْ عَرَفْتُ الشَّیْءَ الَّذِی بَاعَدَکَ مِنِّی وَ لاَ أَعْرِفُ الشَّیْءَ الَّذِی قَرَّبَکَ مِنْ مُعَاوِیَةَ فَإِنْ تُرِدْ شَرّاً لاَ نَسْبِقُکَ بِهِ وَ إِنْ تُرِدْ خَیْراً لاَ تَسْبِقُنَا إِلَیْهِ وَ السَّلاَمُ.

ثُمَّ دَعَا أَخَاهُ اَلْفَضْلَ فَقَالَ یَا ابْنَ أُمِّ أَجِبْ عَمْراً فَقَالَ اَلْفَضْلُ یَا عَمْرُو حَسْبُکَ مِنْ مَکْرٍ وَ وَسْوَاسٍ

ص :64

قَتْلَی اَلْعِرَاقِ بِقَتْلَی اَلشَّامِ ذَاهِبَةٌ

هَذَا بِهَذَا وَ مَا بِالْحَقِّ مِنْ بَأْسٍ (1) .

ثُمَّ عَرَضَ الشِّعْرَ وَ الْکِتَابَ عَلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ لاَ أَرَاهُ یُجِیبُکَ بَعْدَهَا أَبَداً بِشَیْءٍ إِنْ کَانَ یَعْقِلُ وَ إِنْ عَادَ عُدْتَ (2) عَلَیْهِ فَلَمَّا انْتَهَی الْکِتَابُ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَرَضَهُ عَلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالَ إِنَّ قَلْبَ اِبْنِ عَبَّاسٍ وَ قَلْبَ عَلِیٍّ قَلْبٌ وَاحِدٌ وَ کِلاَهُمَا وُلْدُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ إِنْ کَانَ قَدْ خَشِنَ فَلَقَدْ لاَنَ وَ إِنْ کَانَ قَدْ تَعَظَّمَ أَوْ عَظَّمَ صَاحِبَهُ فَلَقَدْ قَارَبَ وَ جَنَحَ إِلَی السِّلْمِ.

قَالَ نَصْرٌ وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ لَأَکْتُبَنَّ إِلَی اِبْنِ عَبَّاسٍ کِتَاباً أَسْتَعْرِضُ فِیهِ عَقْلَهُ وَ أَنْظُرُ مَا فِی نَفْسِهِ فَکَتَبَ إِلَیْهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّکُمْ مَعْشَرَ بَنِی هَاشِمٍ لَسْتُمْ إِلَی أَحَدٍ أَسْرَعَ بِالْمَسَاءَةِ مِنْکُمْ إِلَی أَنْصَارِ اِبْنِ عَفَّانَ حَتَّی أَنَّکُمْ قَتَلْتُمْ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرَ لِطَلَبِهِمَا دَمَهُ وَ اسْتِعْظَامِهِمَا مَا نِیلَ مِنْهُ فَإِنْ کَانَ ذَلِکَ مُنَافَسَةً لِبَنِی أُمَیَّةَ فِی السُّلْطَانِ فَقَدْ وَلِیَهَا عَدِیٌّ وَ تَیْمٌ فَلِمَ تُنَافِسُوهُمْ وَ أَظْهَرْتُمْ لَهُمُ الطَّاعَةَ وَ قَدْ وَقَعَ مِنَ الْأَمْرِ مَا تَرَی وَ أَکَلَتْ هَذِهِ الْحُرُوبُ بَعْضُهَا بَعْضاً حَتَّی اسْتَوَیْنَا فِیهَا فَمَا یُطْمِعُکُمْ فِینَا یُطْمِعُنَا فِیکُمْ وَ مَا یُؤْیِسُنَا مِنْکُمْ یُؤْیِسُکُمْ مِنَّا وَ لَقَدْ رَجَوْنَا غَیْرَ مَا کَانَ وَ خَشِینَا دُونَ مَا وَقَعَ وَ لَسْتَ مُلاَقِینَا الْیَوْمَ بِأَحَدَّ مِنْ حَدِّ أَمْسِ وَ لاَ غَداً بِأَحَدَّ مِنْ حَدِّ الْیَوْمِ وَ قَدْ قَنِعْنَا بِمَا فِی أَیْدِینَا مِنْ مُلْکِ اَلشَّامِ فَاقْنَعُوا بِمَا فِی أَیْدِیکُمْ مِنْ مُلْکِ اَلْعِرَاقِ وَ أَبْقُوا عَلَی قُرَیْشٍ فَإِنَّمَا بَقِیَ مِنْ رِجَالِهَا سِتَّةٌ رَجُلاَنِ بِالشَّامِ وَ رَجُلاَنِ بِالْعِرَاقِ وَ رَجُلاَنِ بِالْحِجَازِ فَأَمَّا اللَّذَانِ بِالشَّامِ فَأَنَا وَ عَمْرٌو وَ أَمَّا اللَّذَانِ بِالْعِرَاقِ فَأَنْتَ

ص :65

وَ عَلِیٌّ وَ أَمَّا اللَّذَانِ بِالْحِجَازِ فَسَعْدٌ وَ اِبْنُ عُمَرَ فَاثْنَانِ مِنَ السِّتَّةِ نَاصِبَانِ لَکَ وَ اثْنَانِ وَاقِفَانِ فِیکَ وَ أَنْتَ رَأْسُ هَذَا الْجَمْعِ وَ لَوْ بَایَعَ لَکَ النَّاسُ بَعْدَ عُثْمَانَ کُنَّا إِلَیْکَ أَسْرَعَ مِنَّا إِلَی عَلِیٍّ (1) .فَلَمَّا وَصَلَ الْکِتَابُ إِلَی اِبْنِ عَبَّاسٍ أَسْخَطَهُ وَ قَالَ حَتَّی مَتَی یَخْطِبُ اِبْنُ هِنْدٍ إِلَی عَقْلِی وَ حَتَّی مَتَی أُجَمْجِمُ عَلَی مَا فِی نَفْسِی وَ کَتَبَ إِلَیْهِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ (2) أَتَانِی کِتَابُکَ وَ قَرَأْتُهُ فَأَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ سُرْعَتِنَا إِلَیْکَ بِالْمَسَاءَةِ إِلَی أَنْصَارِ اِبْنِ عَفَّانَ وَ کَرَاهَتِنَا لِسُلْطَانِ بَنِی أُمَیَّةَ فَلَعَمْرِی لَقَدْ أَدْرَکْتَ فِی عُثْمَانَ حَاجَتَکَ حِینَ اسْتَنْصَرَکَ فَلَمْ تَنْصُرْهُ حَتَّی صِرْتَ إِلَی مَا صِرْتَ إِلَیْهِ وَ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ فِی ذَلِکَ ابْنُ عَمِّکَ وَ أَخُو عُثْمَانَ وَ هُوَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ وَ أَمَّا طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ فَإِنَّهُمَا أَجْلَبَا عَلَیْهِ وَ ضَیَّقَا خِنَاقَهُ ثُمَّ خَرَجَا یَنْقُضَانِ الْبَیْعَةَ وَ یَطْلُبَانِ الْمُلْکَ فَقَاتَلْنَاهُمَا عَلَی النَّکْثِ کَمَا قَاتَلْنَاکَ عَلَی الْبَغْیِ وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنَّهُ لَمْ یَبْقَ مِنْ قُرَیْشٍ غَیْرُ سِتَّةٍ فَمَا أَکْثَرَ رِجَالَهَا وَ أَحْسَنَ بَقِیَّتَهَا وَ قَدْ قَاتَلَکَ مِنْ خِیَارِهَا مَنْ قَاتَلَکَ وَ لَمْ یَخْذُلْنَا إِلاَّ مَنْ خَذَلَکَ وَ أَمَّا إِغْرَاؤُکَ إِیَّانَا بَعْدِی وَ تَیْمٌ فَإِنَّ أَبَا بَکْرٍ وَ عُمَرَ خَیْرٌ مِنْ عُثْمَانَ کَمَا أَنَّ عُثْمَانَ خَیْرٌ مِنْکَ وَ قَدْ بَقِیَ لَکَ مِنَّا مَا یُنْسِیکَ مَا قَبْلَهُ وَ تَخَافُ مَا بَعْدَهُ وَ أَمَّا قَوْلُکَ لَوْ بَایَعَ النَّاسُ لِی لاَسْتَقَامُوا فَقَدْ بَایَعَ النَّاسُ عَلِیّاً وَ هُوَ خَیْرٌ مِنِّی فَلَمْ یَسْتَقِیمُوا لَهُ وَ مَا أَنْتَ وَ الْخِلاَفَةَ یَا مُعَاوِیَةُ وَ إِنَّمَا أَنْتَ طَلِیقٌ وَ ابْنُ طَلِیقٍ وَ الْخِلاَفَةُ لِلْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ وَ لَیْسَ الطُّلَقَاءُ مِنْهَا فِی شَیْءٍ وَ السَّلاَمُ.

فَلَمَّا وَصَلَ الْکِتَابُ إِلَی مُعَاوِیَةَ قَالَ هَذَا عَمَلِی بِنَفْسِی لاَ أَکْتُبُ وَ اللَّهِ إِلَیْهِ کِتَاباً سَنَةً کَامِلَةً وَ قَالَ

ص :66

دَعَوْتُ اِبْنَ عَبَّاسٍ إِلَی جُلِّ حَظِّهِ

.

1735

1,2,3- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ عَقَدَ مُعَاوِیَةُ یَوْماً مِنْ أَیَّامِ صِفِّینَ الرِّئَاسَةَ عَلَی اَلْیَمَنِ مِنْ قُرَیْشٍ قَصَدَ بِذَلِکَ إِکْرَامَهُمْ وَ رَفْعَ مَنَازِلِهِمْ مِنْهُمْ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ مُحَمَّدٌ وَ عُتْبَةُ ابْنَا أَبِی سُفْیَانَ وَ بُسْرُ بْنُ أَبِی أَرْطَاةَ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ وَ ذَلِکَ فِی الْوَقَعَاتِ الْأُولَی مِنْ صِفِّینَ فَغَمَّ ذَلِکَ أَهْلَ اَلْیَمَنِ وَ أَرَادُوا أَلاَّ یَتَأَمَّرَ عَلَیْهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ مِنْهُمْ فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ کِنْدَةَ یُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ السَّکُونِیُّ فَقَالَ أَیُّهَا الْأَمِیرُ إِنِّی قَدْ قُلْتُ شَیْئاً فَاسْمَعْهُ وَ ضَعْهُ مِنِّی عَلَی النَّصِیحَةِ قَالَ هَاتِ فَأَنْشَدَهُ مُعَاوِیَّ أَحْیَیْتَ فِینَا الْإِحَنَ

ص :67

بِأَنَّا شِعَارَکَ دُونَ الدِّثَارِ

قَالَ فَبَکَی لَهَا مُعَاوِیَةُ وَ نَظَرَ إِلَی وُجُوهِ أَهْلِ اَلْیَمَنِ فَقَالَ أَ عَنْ رِضَاکُمْ یَقُولُ مَا قَالَ قَالُوا لاَ مَرْحَباً بِمَا قَالَ إِنَّمَا الْأَمْرُ إِلَیْکَ فَاصْنَعْ مَا أَحْبَبْتَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنَّمَا خَلَطْتُ بِکُمْ أَهْلَ ثِقَتِی وَ مَنْ کَانَ لِی فَهُوَ لَکُمْ وَ مَنْ کَانَ لَکُمْ فَهُوَ لِی فَرَضِیَ الْقَوْمُ وَ سَکَتُوا فَلَمَّا بَلَغَ أَهْلَ اَلْکُوفَةِ مَقَالُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ لِمُعَاوِیَةَ فِیمَنْ عَقَدَ لَهُ مِنْ رُءُوسِ أَهْلِ اَلشَّامِ (1) قَامَ اَلْأَعْوَرُ الشَّنِّیُّ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّا لاَ نَقُولُ لَکَ کَمَا قَالَ صَاحِبُ أَهْلِ اَلشَّامِ لِمُعَاوِیَةَ وَ لَکِنْ نَقُولُ زَادَ اللَّهُ فِی سُرُورِکَ (2) وَ هَدَاکَ نَظَرْتَ بِنُورِ اللَّهِ فَقَدَّمْتَ رِجَالاً وَ أَخَّرْتَ رِجَالاً عَلَیْکَ أَنْ تَقُولَ وَ عَلَیْنَا أَنْ نَفْعَلَ أَنْتَ الْإِمَامُ فَإِنْ هَلَکْتَ فَهَذَانِ مِنْ بَعْدِکَ یَعْنِی حَسَناً وَ حُسَیْناً ع وَ قَدْ قُلْتُ شَیْئاً فَاسْمَعْهُ قَالَ هَاتِ فَأَنْشَدَهُ أَبَا حَسَنٍ أَنْتَ شَمْسُ النَّهَارِ

ص :68

وَ نَحْنُ الْفَوَارِسُ یَوْمَ اَلزُّبَیْرِ

قَالَ فَلَمْ یَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الرُّؤَسَاءِ إِلاَّ وَ أَهْدَی إِلَی اَلشَّنِّیِّ أَوْ أَتْحَفَهُ

.

1736

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ لَمَّا تَعَاظَمَتِ الْأُمُورُ عَلَی مُعَاوِیَةَ قَبْلَ قَتْلِ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَعَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ بُسْرَ بْنَ أَبِی أَرْطَاةَ وَ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّهُ قَدْ غَمَّنِی مُقَامُ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ مِنْهُمْ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیُّ فِی قَوْمِهِ وَ اَلْأَشْتَرُ فِی قَوْمِهِ وَ اَلْمِرْقَالُ وَ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ وَ قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ فِی اَلْأَنْصَارِ وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ یَمَانِیَّتَکُمْ وَقَتْکُمْ بِأَنْفُسِهَا أَیَّاماً کَثِیرَةً حَتَّی لَقَدِ اسْتَحْیَیْتُ لَکُمْ وَ أَنْتُمْ عِدَّتُهُمْ مِنْ قُرَیْشٍ وَ أَنَا أُحِبُّ أَنْ یَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّکُمْ أَهْلُ غَنَاءٍ وَ قَدْ عَبَّأْتُ لِکُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجُلاً مِنْکُمْ فَاجْعَلُوا ذَلِکَ إِلَیَّ قَالُوا ذَاکَ إِلَیْکَ قَالَ فَأَنَا أَکْفِیکُمْ غَداً سَعِیدَ بْنَ قَیْسٍ وَ قَوْمَهُ وَ أَنْتَ یَا عَمْرُو لِلْمِرْقَالِ أَعْوَرِ بَنِی زُهْرَةَ وَ أَنْتَ یَا بُسْرُ لِقَیْسِ بْنِ سَعِیدٍ وَ أَنْتَ یَا عُبَیْدَ اللَّهِ لِلْأَشْتَرِ وَ أَنْتَ یَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لِأَعْوَرِ طَیِّءٍ یَعْنِی عَدِیَّ بْنَ حَاتِمٍ وَ قَدْ جَعَلْتُهَا نَوْباً فِی خَمْسَةِ أَیَّامٍ لِکُلِّ رَجُلٍ مِنْکُمْ یَوْمٌ فَکُونُوا عَلَی أَعِنَّةِ الْخَیْلِ قَالُوا نَعَمْ فَأَصْبَحَ مُعَاوِیَةُ فِی غَدِهِ فَلَمْ یَدَعْ فَارِساً إِلاَّ حَشَدَهُ ثُمَّ قَصَدَ لِهَمْدَانَ بِنَفْسِهِ وَ ارْتَجَزَ فَقَالَ لَنْ تَمْنَعَ الْحُرْمَةُ بَعْدَ الْعَامِ

ص :69

فَطَعَنَ فِی أَعْرَضِ الْخَیْلِ مَلِیّاً ثُمَّ إِنَّ هَمْدَانَ تَنَادَتْ بِشِعَارِهَا وَ أَقْحَمَ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ فَرَسَهُ عَلَی مُعَاوِیَةَ وَ اشْتَدَّ الْقِتَالُ حَتَّی حَجَزَ بَیْنَهُمُ اللَّیْلُ فَهَمْدَانُ تَذْکُرُ أَنَّ سَعِیداً کَادَ یَقْتَنِصُهُ إِلاَّ أَنَّهُ فَاتَهُ رَکْضاً وَ قَالَ سَعِیدُ فِی ذَلِکَ یَا لَهْفَ نَفْسِی فَاتَنِی مُعَاوِیَةُ فَوْقَ طِمِرٍّ کَالْعُقَابِ هَاوِیَةَ وَ الرَّاقِصَاتُ لاَ یَعُودُ ثَانِیَةً (1) قَالَ نَصْرٌ وَ انْصَرَفَ مُعَاوِیَةُ ذَلِکَ الْیَوْمَ وَ لَمْ یَصْنَعْ شَیْئاً وَ غَدَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِی الْیَوْمِ الثَّانِی فِی حُمَاةِ الْخَیْلِ فَقَصَدَ اَلْمِرْقَالَ وَ مَعَ اَلْمِرْقَالِ لِوَاءُ عَلِیٍّ ع الْأَعْظَمُ فِی حُمَاةِ النَّاسِ وَ کَانَ عَمْرٌو مِنْ فُرْسَانِ قُرَیْشٍ (2) فَارْتَجَزَ عَمْرٌو فَقَالَ لاَ عَیْشَ إِنْ لَمْ أَلْقَ یَوْماً هَاشِماً فَطَعَنَ فِی أَعْرَاضِ الْخَیْلِ مُزْبِداً وَ حَمَلَ اَلْمِرْقَالُ عَلَیْهِ وَ ارْتَجَزَ فَقَالَ لاَ عَیْشَ إِنْ لَمْ أَلْقَ یَوْماً عَمْراً

ص :70

فَطَاعَنَ عَمْراً حَتَّی رَجَعَ وَ انْصَرَفَ الْفَرِیقَانِ بَعْدَ شِدَّةِ الْقِتَالِ وَ لَمْ یَسُرَّ مُعَاوِیَةَ ذَلِکَ وَ غَدَا بُسْرُ بْنُ أَبِی أَرْطَاةَ فِی الْیَوْمِ الثَّالِثِ فِی حُمَاةِ الْخَیْلِ فَلَقِیَ قَیْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِی کُمَاةِ اَلْأَنْصَارِ فَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ بَیْنَهُمَا وَ بَرَزَ قَیْسٌ کَأَنَّهُ فَنِیقٌ مُقْرِمٌ وَ هُوَ یَقُولُ أَنَا اِبْنُ سَعْدٍ زَانَهُ عُبَادَةْ

وَ طَاعَنَ خَیْلَ بُسْرٍ وَ بَرَزَ بُسْرٌ فَارْتَجَزَ وَ قَالَ أَنَا اِبْنُ أَرْطَاةَ الْعَظِیمِ الْقَدْرِ وَ یَطْعُنُ بُسْرٌ قَیْساً وَ یَضْرِبُهُ قَیْسٌ بِالسَّیْفِ فَرَدَّهُ عَلَی عَقِبَیْهِ وَ رَجَعَ الْقَوْمُ جَمِیعاً وَ لِقَیْسٍ الْفَضْلُ وَ تَقَدَّمَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِی الْیَوْمِ الرَّابِعِ لَمْ یَتْرُکْ فَارِساً مَذْکُوراً إِلاَّ جَمَعَهُ وَ اسْتَکْثَرَ مَا اسْتَطَاعَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ إِنَّکَ الْیَوْمَ تَلْقَی أَفْعَی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَارْفُقْ وَ اتَّئِدْ فَلَقِیَهُ اَلْأَشْتَرُ أَمَامَ الْخَیْلِ مُزْبِداً وَ کَانَ اَلْأَشْتَرُ إِذَا أَرَادَ الْقِتَالَ أَزْبَدَ وَ هُوَ یَقُولُ یَا رَبِّ قَیِّضْ لِی سُیُوفَ الْکَفَرَةْ

ص :71

وَ شَدَّ عَلَی الْخَیْلِ خَیْلِ اَلشَّامِ فَرَدَّهَا فَاسْتَحْیَا عُبَیْدُ اللَّهِ وَ بَرَزَ أَمَامَ الْخَیْلِ وَ کَانَ فَارِساً شُجَاعاً وَ قَالَ أَنْعَی اِبْنَ عَفَّانَ وَ أَرْجُو رَبِّی فَحَمَلَ عَلَیْهِ اَلْأَشْتَرُ وَ طَعَنَهُ وَ اشْتَدَّ الْأَمْرُ وَ انْصَرَفَ الْقَوْمُ وَ لِلْأَشْتَرِ الْفَضْلُ فَغَمَّ ذَلِکَ مُعَاوِیَةَ وَ غَدَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ فِی الْیَوْمِ الْخَامِسِ وَ کَانَ رَجَاءُ مُعَاوِیَةَ أَنْ یَنَالَ حَاجَتَهُ فَقَوَّاهُ بِالْخَیْلِ وَ السِّلاَحِ وَ کَانَ مُعَاوِیَةُ یَعُدُّهُ وَلَداً فَلَقِیَهُ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ فِی کُمَاةِ مَذْحِجٍ وَ قُضَاعَةَ فَبَرَزَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَمَامَ الْخَیْلِ وَ قَالَ قُلْ لِعَدِیِّ ٍّ ذَهَبَ الْوَعِیدُ ثُمَّ حَمَلَ فَطَعَنَ النَّاسَ فَقَصَدَهُ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ وَ سَدَّدَ إِلَیْهِ الرُّمْحَ وَ قَالَ أَرْجُو إِلَهِی وَ أَخَافُ ذَنْبِی

فَلَمَّا کَادَ أَنْ یُخَالِطَهُ بِالرُّمْحِ تَوَارَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِی الْعَجَاجِ وَ اسْتَتَرَ بِأَسِنَّةِ أَصْحَابِهِ وَ اخْتَلَطَ الْقَوْمُ ثُمَّ تَحَاجَزُوا وَ رَجَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَقْهُوراً وَ انْکَسَرَ مُعَاوِیَةُ وَ بَلَغَ أَیْمَنَ بْنَ خِزْیَمٍ مَا لَقِیَ مُعَاوِیَةُ وَ أَصْحَابُهُ فَشَمِتَ بِهِمْ وَ کَانَ نَاسِکاً مِنْ أَنْسَکِ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ کَانَ مُعْتَزِلاً لِلْحَرْبِ فِی نَاحِیَةٍ عَنْهَا فَقَالَ

ص :72

مُعَاوِیَّ إِنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ وَحْدَهُ

قَالَ وَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ أَظْهَرَ لِعَمْرٍو شَمَاتَةً وَ جَعَلَ یُقَرِّعُهُ وَ یُوَبِّخُهُ وَ قَالَ لَقَدْ أَنْصَفْتُکُمْ إِذْ لَقِیتُ سَعِیدَ بْنَ قَیْسٍ فِی هَمْدَانَ وَ فَرَرْتُمْ وَ إِنَّکَ لَجَبَانٌ یَا عَمْرُو فَغَضِبَ عَمْرٌو وَ قَالَ فَهَلاَّ بَرَزْتَ إِلَی عَلِیٍّ إِذْ دَعَاکَ إِنْ کُنْتَ شُجَاعاً کَمَا تَزْعُمُ وَ قَالَ تَسِیرُ إِلَی اِبْنِ ذِی یَزَنَ سَعِیدٍ

ص :73

قَالَ وَ إِنَّ اَلْقُرَشِیِّینَ اسْتَحْیَوْا مَا صَنَعُوا وَ شَمِتَ بِهِمُ اَلْیَمَانِیَّةُ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ قَرَّبَکُمْ لِقَاءُ الْقَوْمِ إِلَی الْفَتْحِ وَ لَکِنْ لاَ مَرَدَّ لِأَمْرِ اللَّهِ وَ مِمَّ تَسْتَحْیُونَ إِنَّمَا لَقِیتُمْ کِبَاشَ اَلْعِرَاقِ فَقَتَلْتُمْ مِنْهُمْ وَ قَتَلُوا مِنْکُمْ وَ مَا لَکُمْ عَلَیَّ مِنْ حُجَّةٍ لَقَدْ عَبَأْتُ نَفْسِی لِسَیِّدِهِمْ وَ شُجَاعِهِمْ سَعِیدِ بْنِ قَیْسٍ فَانْقَطَعُوا عَنْ مُعَاوِیَةَ أَیَّاماً فَقَالَ مُعَاوِیَةُ فِی ذَلِکَ (1) لَعَمْرِی لَقَدْ أَنْصَفْتُ وَ النَّصَفُ عَادَتِی

فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْمُ مَا قَالَهُ مُعَاوِیَةُ أَتَوْهُ فَاعْتَذَرُوا إِلَیْهِ وَ اسْتَقَامُوا إِلَیْهِ عَلَی مَا یُحِبُّ (2)

.

1737

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَالُ وَ عَظُمَ الْخَطْبُ أَرْسَلَ مُعَاوِیَةُ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنْ قَدِّمْ عَکّاً وَ اَلْأَشْعَرِیِّینَ إِلَی مَنْ بِإِزَائِهِمْ فَبَعَثَ عَمْرٌو إِلَیْهِ أَنَّ بِإِزَاءِ عَکٍّ هَمْدَانَ (3) فَبَعَثَ إِلَیْهِ مُعَاوِیَةُ أَنْ قَدِّمْ عَکّاً فَأَتَاهُمْ عَمْرٌو فَقَالَ یَا مَعْشَرَ عَکٍّ إِنَّ عَلِیّاً قَدْ عَرَفَ أَنَّکُمْ حَیُّ أَهْلِ اَلشَّامِ فَعَبَّأَ لَکُمْ حَیَّ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ هَمْدَانَ

ص :74

فَاصْبِرُوا وَ هَبُوا إِلَیَّ جَمَاجِمَکُمْ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ فَقَدْ بَلَغَ الْحَقُّ مَقْطَعَهُ فَقَالَ اِبْنُ مَسْرُوقٍ الْعَکِّیُّ أَمْهِلْنِی حَتَّی آتِیَ مُعَاوِیَةَ فَأَتَاهُ فَقَالَ یَا مُعَاوِیَةُ اجْعَلْ لَنَا فَرِیضَةَ أَلْفَیْ رَجُلٍ فِی أَلْفَیْنِ أَلْفَیْنِ وَ مَنْ هَلَکَ فَابْنُ عَمِّهِ مَکَانَهُ لِنُقِرَّ الْیَوْمَ عَیْنَکَ فَقَالَ لَکَ ذَلِکَ فَرَجَعَ اِبْنُ مَسْرُوقٍ إِلَی أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ فَقَالَتْ عَکٌّ نَحْنُ لِهَمْدَانَ ثُمَّ تَقَدَّمَتْ عَکٌّ وَ نَادَی سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ یَا هَمْدَانُ أَنْ تَقَدَّمُوا (1) فَشَدَّتْ هَمْدَانُ عَلَی عَکٍّ رَجَّالَةً فَأَخَذَتِ السُّیُوفُ أَرْجُلَ عَکٍّ فَنَادَی اِبْنُ مَسْرُوقٍ یَا لَعَکُّ ٍّ بَرْکاً کَبَرْکِ الْکُمَّلِ فَبَرَکُوا تَحْتَ الْحَجَفِ فَشَجَرَتْهُمْ (2) هَمْدَانُ بِالرِّمَاحِ وَ تَقَدَّمَ شَیْخٌ مِنْ هَمْدَانَ وَ هُوَ یَقُولُ یَا لَبَکِیلٍ لَخْمُهَا وَ حَاشِدٌ (3)

وَ قَامَ رَجُلٌ مِنْ عَکٍّ فَارْتَجَزَ فَقَالَ تَدْعُونَ هَمْدَانَ وَ نَدْعُو عَکّاً

ص :75

قَالَ فَالْتَقَی الْقَوْمُ جَمِیعاً بِالرِّمَاحِ وَ صَارُوا إِلَی السُّیُوفِ وَ تَجَالَدُوا حَتَّی أَدْرَکَهُمُ اللَّیْلُ فَقَالَتْ هَمْدَانُ یَا مَعْشَرَ عَکٍّ نَحْنُ نُقْسِمُ بِاللَّهِ أَنَّنَا لاَ نَنْصَرِفُ حَتَّی تَنْصَرِفُوا وَ قَالَتْ عَکٌّ مِثْلَ ذَلِکَ فَأَرْسَلَ مُعَاوِیَةُ إِلَی عَکٍّ أَنْ أَبِرُّوا قَسَمَ (1) إِخْوَتِکُمْ وَ هَلُمُّوا فَانْصَرَفَتْ عَکٌّ فَلَمَّا انْصَرَفَتْ انْصَرَفَتْ هَمْدَانُ فَقَالَ عَمْرٌو یَا مُعَاوِیَةُ وَ اللَّهِ لَقَدْ لَقِیَتْ أُسْدٌ أُسْداً لَمْ أَرَ وَ اللَّهِ کَهَذَا الْیَوْمِ قَطُّ لَوْ أَنَّ مَعَکَ حَیّاً کَعَکٍ أَوْ مَعَ عَلِیٍّ حَیٌّ کَهَمْدَانَ لَکَانَ الْفَنَاءُ وَ قَالَ عَمْرٌو فِی ذَلِکَ إِنَّ عَکّاً وَ حَاشِداً وَ بَکِیلاً قَالَ وَ لَمَّا اشْتَرَطَتْ عَکٌّ وَ اَلْأَشْعَرِیُّونَ عَلَی مُعَاوِیَةَ مَا اشْتَرَطُوا مِنَ الْفَرِیضَةِ وَ الْعَطَاءِ فَأَعْطَاهُمْ لَمْ یَبْقَ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ أَحَدٌ فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ إِلاَّ طَمِعَ فِی مُعَاوِیَةَ وَ شَخَصَ (2) بِبَصَرِهِ إِلَیْهِ حَتَّی فَشَا ذَلِکَ فِی النَّاسِ وَ بَلَغَ عَلِیّاً ع فَسَاءَهُ (3) .

ص :76

قَالَ نَصْرٌ وَ جَاءَ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ یَلْتَمِسُ عَلِیّاً ع مَا یَطَأُ إِلاَّ عَلَی قَتِیلٍ أَوْ قَدَمٍ أَوْ سَاعِدٍ فَوَجَدَهُ تَحْتَ رَایَاتِ بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ لاَ تَقُومُ حَتَّی نُقَاتِلَ إِلَی أَنْ نَمُوتَ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع اُدْنُ فَدَنَا حَتَّی وَضَعَ أُذُنَهُ عِنْدَ أَنْفِهِ فَقَالَ وَیْحَکَ إِنَّ عَامَّةَ مَنْ مَعِی الْیَوْمَ یَعْصِینِی وَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ فِیمَنْ یُطِیعُهُ وَ لاَ یَعْصِیهِ .

قَالَ نَصْرٌ وَ جَاءَ اَلْمُنْذِرُ بْنُ أَبِی حَمِیصَةَ الْوَادِعِیُّ وَ کَانَ شَاعِرَ هَمْدَانَ وَ فَارِسَهَا عَلِیّاً ع فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ عَکّاً وَ اَلْأَشْعَرِیِّینَ طَلَبُوا إِلَی مُعَاوِیَةَ الْفَرَائِضَ وَ الْعَطَاءَ فَأَعْطَاهُمْ فَبَاعُوا الدِّینَ بِالدُّنْیَا وَ إِنَّا قَدْ رَضِینَا بِالْآخِرَةِ مِنَ الدُّنْیَا وَ بِالْعِرَاقِ مِنَ اَلشَّامِ وَ بِکَ مِنْ مُعَاوِیَةَ وَ اللَّهِ لَآخِرَتُنَا خَیْرٌ مِنْ دُنْیَاهُمْ وَ لَعِرَاقُنَا خَیْرٌ مِنْ شَامِهِمْ وَ لَإِمَامُنَا أَهْدَی مِنْ إِمَامِهِمْ فَاْسْتَفْتِحْنَا بِالْحَرْبِ وَ ثِقْ مِنَّا بِالنَّصْرِ وَ احْمِلْنَا عَلَی الْمَوْتِ وَ أَنْشَدَهُ إِنَّ عَکّاً سَأَلُوا الْفَرَائِضَ وَ اَلْأَشْعَرَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع حَسْبُکَ اللَّهُ یَرْحَمُکَ اللَّهُ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ عَلَی قَوْمِهِ خَیْراً وَ انْتَهَی شِعْرُهُ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَأَسْتَمِیلَنَّ بِالدُّنْیَا ثِقَاتَ عَلِیٍّ وَ لَأَقْسِمَنَّ فِیهِمُ الْأَمْوَالَ حَتَّی تَغْلِبَ دُنْیَایَ آخِرَتَهُ.

قَالَ نَصْرٌ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَی مَصَافِّهِمْ وَ أَصْبَحَ مُعَاوِیَةُ یَدُورُ فِی أَحْیَاءِ اَلْیَمَنِ وَ قَالَ عِبُّوا إِلَی کُلِّ فَارِسٍ مَذْکُورٍ فِیکُمْ أَتَقَوَّی بِهِ عَلَی هَذَا الْحَیِّ مِنْ هَمْدَانَ

ص :77

فَخَرَجَتْ خَیْلٌ عَظِیمَةٌ فَلَمَّا رَآهَا عَلِیٌّ ع وَ عَرَفَ أَنَّهَا عُیُونُ الرِّجَالِ فَنَادَی یَا لَهَمْدَانٍ فَأَجَابَهُ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع اِحْمِلْ فَحَمَلَ حَتَّی خَالَطَ الْخَیْلَ بِالْخَیْلِ وَ اشْتَدَّ الْقِتَالُ وَ حَطَّمَتْهُمْ هَمْدَانُ حَتَّی أَلْحَقَتْهُمْ بِمُعَاوِیَةَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ مَا لَقِیتُ مِنْ هَمْدَانَ وَ جَزِعَ جَزَعاً شَدِیداً وَ أَسْرَعَ الْقَتْلُ فِی فُرْسَانِ اَلشَّامِ وَ جَمَعَ عَلِیٌّ ع هَمْدَانَ فَقَالَ لَهُمْ یَا مَعْشَرَ هَمْدَانَ أَنْتُمْ دِرْعِی وَ رُمْحِی وَ مِجَنِّی یَا هَمْدَانُ مَا نَصَرْتُمْ إِلاَّ اللَّهَ وَ لاَ أَجَبْتُمْ غَیْرَهُ فَقَالَ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ أَجَبْنَا اللَّهَ وَ أَجَبْنَاکَ وَ نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِی قَبْرِهِ وَ قَاتَلْنَا مَعَکَ مَنْ لَیْسَ مِثْلَکَ فَارْمِنَا حَیْثُ شِئْتَ.

قَالَ نَصْرٌ وَ فِی هَذَا الْیَوْمِ قَالَ عَلِیٌّ ع وَ لَوْ کُنْتُ بَوَّاباً عَلَی بَابِ جَنَّةٍ لَقُلْتُ لِهَمْدَانَ ادْخُلِی بِسَلاَمٍ فَقَالَ عَلِیٌّ ع لِصَاحِبِ لِوَاءِ هَمْدَانَ اِکْفِنِی أَهْلَ حِمْصٍ فَإِنِّی لَمْ أَلْقَ مِنْ أَحَدٍ مَا لَقِیتُ مِنْهُمْ فَتَقَدَّمَ وَ تَقَدَّمَتْ هَمْدَانُ وَ شَدُّوا شِدَّةً وَاحِدَةً عَلَی أَهْلِ حِمْصٍ فَضَرَبُوهُمْ ضَرْباً شَدِیداً مُتَدَارِکاً بِالسُّیُوفِ وَ عُمُدِ الْحَدِیدِ حَتَّی أَلْجَئُوهُمْ إِلَی قُبَّةِ مُعَاوِیَةَ وَ ارْتَجَزَ مِنْ هَمْدَانَ رَجُلٌ عِدَادَهُ فِی أَرْحَبَ فَقَالَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ رِجَالَ حِمْصٍ قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ لَمَّا رُدَّتْ خُیُولُ مُعَاوِیَةَ أَسِفَ فَجَرَّدَ سَیْفَهُ وَ حَمَلَ فِی کُمَاةِ أَصْحَابِهِ فَحَمَلَتْ عَلَیْهِ فَوَارِسُ هَمْدَانَ فَفَازَ مِنْهَا رَکْضاً وَ انْکَسَرَتْ کُمَاتُهُ وَ رَجَعَتْ هَمْدَانُ إِلَی مَرَاکِزِهَا فَقَالَ حُجْرُ بْنُ قَحْطَانَ الْهَمْدَانِیُّ یُخَاطِبُ سَعِیدَ بْنَ قَیْسٍ

ص :78

أَلاَ اِبْنَ قَیْسٍ قَرَّتِ الْعَیْنُ إِذَا رَأَتْ

.

1738

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رِجَالِهِ أَنَّ مُعَاوِیَةَ دَعَا یَوْماً بِصِفِّینَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَکَمِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ اَلْأَشْتَرَ قَدْ غَمَّنِی وَ أَقْلَقَنِی فَاخْرُجْ بِهَذِهِ الْخَیْلِ فِی یَحْصُبَ وَ اَلْکَلاَعِیِّینَ فَالْقَهُ فَقَالَ مَرْوَانُ ادعا [اُدْعُ]

لَهُمَا عَمْراً فَإِنَّهُ شِعَارُکَ دُونَ دِثَارِکَ قَالَ فَأَنْتَ نَفْسِی دُونَ وَرِیدِی قَالَ لَوْ کُنْتُ کَذَلِکَ أَلْحَقْتَنِی بِهِ فِی الْعَطَاءِ وَ أَلْحَقْتَهُ بِی فِی الْحِرْمَانِ وَ لَکِنَّکَ أَعْطَیْتَهُ مَا فِی یَدِکَ وَ مَنَّیْتَهُ مَا فِی یَدِ غَیْرِکَ فَإِنْ غَلَبْتَ طَابَ لَهُ الْمُقَامُ وَ إِنْ غُلِبْتَ خَفَّ عَلَیْهِ الْهَرَبُ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ سَیُغْنِی اللَّهُ عَنْکَ قَالَ أَمَّا إِلَی الْیَوْمِ فَلَمْ یُغْنِ فَدَعَا مُعَاوِیَةُ عَمْراً فَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ إِلَی اَلْأَشْتَرِ فَقَالَ أَمَا إِنِّی لاَ أَقُولُ لَکَ مَا قَالَ مَرْوَانُ قَالَ وَ کَیْفَ تَقُولُهُ وَ قَدْ قَدَّمْتُکَ وَ أَخَّرْتُهُ وَ أَدْخَلْتُکَ وَ أَخْرَجْتُهُ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ إِنْ کُنْتَ فَعَلْتَ لَقَدْ قَدَّمْتَنِی کَافِیاً وَ أَدْخَلْتَنِی نَاصِحاً وَ قَدْ أَکْثَرَ الْقَوْمُ عَلَیْکَ فِی أَمْرِ مِصْرَ وَ إِنْ کَانَ لاَ یُرْضِیهِمْ

ص :79

إِلاَّ رُجُوعُکَ فِیمَا وَثِقْتَ لِی بِهِ مِنْهَا فَارْجِعْ فِیهِ ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ فِی تِلْکَ الْخَیْلِ فَلَقِیَهُ اَلْأَشْتَرُ أَمَامَ الْقَوْمِ وَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَیَلْقَاهُ وَ هُوَ یَرْتَجِزُ وَ یَقُولُ یَا لَیْتَ شِعْرِی کَیْفَ لِی بِعَمْرٍو فَلَمَّا سَمِعَ عَمْرٌو هَذَا الرَّجَزَ فَشَلَ (1) وَ جَبُنَ وَ اسْتَحْیَا أَنْ یَرْجِعَ وَ أَقْبَلَ نَحْوَ الصَّوْتِ وَ قَالَ یَا لَیْتَ شِعْرِی کَیْفَ لِی بِمَالِکٍ

فَغَشِیَهُ اَلْأَشْتَرُ بِالرُّمْحِ فَرَاغَ عَمْرٌو عَنْهُ فَلَمْ یَصْنَعِ الرُّمْحُ شَیْئاً وَ لَوَی عَمْرٌو عِنَانَ فَرَسِهِ وَ جَعَلَ یَدَهُ عَلَی وَجْهِهِ وَ جَعَلَ یَرْجِعُ رَاکِضاً نَحْوَ عَسْکَرِهِ فَنَادَی غُلاَمٌ مِنْ یَحْصُبَ یَا عَمْرُو عَلَیْکَ الْعَفَاءُ مَا هَبَّتِ الصَّبَا یَا آلَ حِمْیَرٍ إِنَّا لَکُمْ مَا کَانَ مَعَکُمْ (2) هَاتُوا اللِّوَاءَ (3) فَأَخَذَهُ وَ تَقَدَّمَ وَ کَانَ غُلاَماً حَدَثاً فَقَالَ

ص :80

إِنْ یَکُ عَمْرٌو قَدْ عَلاَهُ اَلْأَشْتَرُ

فَنَادَی اَلْأَشْتَرُ ابْنَهُ إِبْرَاهِیمَ خُذِ اللِّوَاءَ فَغُلاَمٌ لِغُلاَمٍ وَ تَقَدَّمَ فَأَخَذَ إِبْرَاهِیمُ اللِّوَاءَ وَ قَالَ یَا أَیُّهَا السَّائِلُ عَنِّی لاَ تَرُعْ وَ یَحْمِلُ عَلَی اَلْحِمْیَرِیِّ فَالْتَقَاهُ اَلْحِمْیَرِیُّ بِلِوَائِهِ وَ رُمْحِهِ فَلَمْ یَبْرَحَا یَطْعُنُ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّی سَقَطَ اَلْحِمْیَرِیُّ قَتِیلاً وَ شَمِتَ مَرْوَانُ بِعَمْرٍو وَ غَضِبَ اَلْقَحْطَانِیُّونَ عَلَی مُعَاوِیَةَ وَ قَالُوا تُوَلِّی عَلَیْنَا مَنْ لاَ یُقَاتِلُ مَعَنَا وَلِّ رَجُلاً مِنَّا وَ إِلاَّ فَلاَ حَاجَةَ لَنَا فِیکَ وَ قَالَ شَاعِرُهُمْ مُعَاوِیَّ إِمَّا تَدْعُنَا لِعَظِیمَةٍ

فَقَالَ لَهُمْ مُعَاوِیَةُ وَ اللَّهِ لاَ أُوَلِّی عَلَیْکُمْ بَعْدَ هَذَا الْیَوْمِ إِلاَّ رَجُلاً مِنْکُمْ (1) .

ص :81

1739

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ لَمَّا أَسْرَعَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ فِی أَهْلِ اَلشَّامِ قَالَ لَهُمْ مُعَاوِیَةُ هَذَا یَوْمُ تَمْحِیصٍ وَ إِنَّ لِهَذَا الْیَوْمِ مَا بَعْدَهُ وَ قَدْ أَسْرَعْتُمْ فِی الْقَوْمِ کَمَا أَسْرَعُوا فِیکُمْ فَاصْبِرُوا وَ مُوتُوا کِرَاماً وَ حَرَّضَ عَلِیٌّ ع أَصْحَابَهُ فَقَامَ إِلَیْهِ اَلْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ وَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدِّمْنِی فِی الْبَقِیَّةِ مِنَ النَّاسِ فَإِنَّکَ لاَ تَفْقِدُ لِیَ الْیَوْمَ صَبْراً وَ لاَ نَصْراً أَمَّا أَهْلُ اَلشَّامِ فَقَدْ أَصَبْنَا وَ أَمَّا نَحْنُ فَفِینَا بَعْضُ الْبَقِیَّةِ ائْذَنْ لِی فَأَتَقَّدَمَ فَقَالَ لَهُ تَقَدَّمْ عَلَی اسْمِ اللَّهِ وَ الْبَرَکَةِ فَتَقَدَّمَ وَ أَخَذَ الرَّایَةَ وَ مَضَی بِهَا وَ هُوَ یَقُولُ إِنَّ الرَّجَاءَ بِالْقُنُوطِ یُدْمَغُ

فَمَا رَجَعَ إِلَی عَلِیٍّ ع حَتَّی خَضَبَ سَیْفَهُ دَماً وَ رُمْحَهُ وَ کَانَ شَیْخاً نَاسِکاً عَابِداً وَ کَانَ إِذَا لَقِیَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً یَغْمِدُ سَیْفَهُ وَ کَانَ مِنْ ذَخَائِرِ عَلِیٍّ ع مِمَّنْ قَدْ بَایَعَهُ عَلَی الْمَوْتِ وَ کَانَ عَلِیٌّ ع یَضِنُّ بِهِ عَنِ الْحَرْبِ وَ الْقِتَالِ

(1)

.

1740

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَادَی اَلْأَشْتَرُ یَوْماً أَصْحَابَهُ فَقَالَ أَ مَا مِنْ رَجُلٍ یَشْرِی نَفْسَهُ لِلَّهِ فَخَرَجَ أُثَالُ بْنُ حَجَلٍ بْنِ عَامِرٍ الْمَذْحِجِیُّ فَنَادَی بَیْنَ الْعَسْکَرَیْنِ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ فَدَعَا مُعَاوِیَةُ وَ هُوَ لاَ یَعْرِفُهُ أَبَاهُ حَجَلَ بْنَ عَامِرٍ الْمَذْحِجِیَّ فَقَالَ دُونَکَ الرَّجُلَ قَالَ وَ کان [کَانَا]

مُسْتَبْصِرَیْنِ فِی رَأْیِهِمَا فَبَرَزَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَی صَاحِبِهِ فَبَدَرَهُ بِطَعْنَةٍ وَ طَعَنَهُ الْغُلاَمُ وَ انْتَسَبَا فَإِذَا هُوَ ابْنُهُ فَنَزَلاَ فَاعْتَنَقَ کُلُّ

ص :82

وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَ بَکَیَا فَقَالَ لَهُ الْأَبُ یَا بُنَیَّ هَلُمَّ إِلَی الدُّنْیَا فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ یَا أَبِی هَلُمَّ إِلَی الْآخِرَةِ ثُمَّ قَالَ یَا أَبَتِ وَ اللَّهِ لَوْ کَانَ مِنْ رَأْیِی الاِنْصِرَافُ إِلَی أَهْلِ اَلشَّامِ لَوَجَبَ عَلَیْکَ أَنْ یَکُونَ مِنْ رَأْیِکَ لِی أَنْ تَنْهَانِی وَا سَوْأَتَاهْ فَمَا ذَا أَقُولُ لِعَلِیٍّ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ الصَّالِحِینَ کُنْ عَلَی مَا أَنْتَ عَلَیْهِ وَ أَنَا عَلَی مَا أَنَا عَلَیْهِ فَانْصَرَفَ حَجَلٌ إِلَی صَفِّ اَلشَّامِ وَ انْصَرَفَ ابْنُهُ أُثَالٌ إِلَی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَخَبَّرَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابَهُ وَ قَالَ فِی ذَلِکَ حَجَلٌ إِنَّ حَجْلَ بْنَ عَامِرٍ وَ أُثَالاً فَلَمَّا انْتَهَی شِعْرُهُ إِلَی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ قَالَ أُثَالٌ ابْنُهُ مُجِیباً لَهُ (1) إِنَّ طَعْنِی وَسْطَ الْعَجَاجَةِ حَجْلاً

ص :83

لَمْ أَزَلْ أَنْصُرُ اَلْعِرَاقَ عَلَی اَلشَّامِ

1741

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْکُورِ أَنَّ مُعَاوِیَةَ دَعَا اَلنُّعْمَانَ بْنَ بَشِیرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِیَّ وَ مَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ الْأَنْصَارِیَّ وَ لَمْ یَکُنْ مَعَهُ مِنَ اَلْأَنْصَارِ غَیْرُهُمَا فَقَالَ یَا هَذَانِ لَقَدْ غَمَّنِی مَا لَقِیتُ مِنَ اَلْأَوْسِ وَ اَلْخَزْرَجِ وَاضِعِی سُیُوفِهِمْ عَلَی عَوَاتِقِهِمْ یَدْعُونَ إِلَی النِّزَالِ حَتَّی لَقَدْ جَبَّنُوا أَصْحَابِیَ الشُّجَاعَ مِنْهُمْ وَ الْجَبَانَ وَ حَتَّی وَ اللَّهِ مَا أُسْأَلُ عَنْ

ص :84

فَارِسٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ إِلاَّ قِیلَ قَتَلَهُ اَلْأَنْصَارُ أَمَا وَ اللَّهِ لَأَلْقَیَنَّهُمْ بِحَدِّی وَ حَدِیدِی وَ لَأُعَبِّیَنَّ لِکُلِّ فَارِسٍ مِنْهُمْ فَارِساً یُنْشِبُ فِی حَلْقِهِ وَ لَأَرْمِیَنَّهُمْ بِأَعْدَادِهِمْ مِنْ قُرَیْشٍ رِجَالٍ لَمْ یُغَذِّهِمُ التَّمْرُ وَ الطَّفَیْشَلُ (1) یَقُولُونَ نَحْنُ اَلْأَنْصَارُ قَدْ وَ اللَّهِ آوَوْا وَ نَصَرُوا وَ لَکِنْ أَفْسَدُوا حَقَّهُمْ بِبَاطِلِهِمْ فَغَضِبَ اَلنُّعْمَانُ وَ قَالَ یَا مُعَاوِیَةُ لاَ تَلُومَنَّ اَلْأَنْصَارَ فِی حُبِّ الْحَرْبِ وَ السُّرْعَةِ (2) نَحْوَهَا فَإِنَّهُمْ کَذَلِکَ کَانُوا فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ وَ أَمَّا دُعَاؤُهُمْ إِلَی النِّزَالِ (3) فَقَدْ رَأَیْتُهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص یَفْعَلُونَ ذَلِکَ کَثِیراً وَ أَمَّا لِقَاؤُکَ إِیَّاهُمْ فِی أَعْدَادِهِمْ مِنْ قُرَیْشٍ فَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَقِیَتْ قُرَیْشٌ مِنْهُمْ قَدِیماً فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَرَی فِیهِمْ مِثْلَ ذَلِکَ آنِفاً فَافْعَلْ وَ أَمَّا التَّمْرُ وَ الطَّفَیْشَلُ فَإِنَّ التَّمْرَ کَانَ لَنَا فَلَمَّا (4) ذُقْتُمُوهُ شَارَکْتُمُونَا فِیهِ وَ أَمَّا الطَّفَیْشَلُ فَکَانَ لِلْیَهُودِ فَلَمَّا أَکَلْنَاهُ غَلَبْنَاهُمْ عَلَیْهِ کَمَا غَلَبَتْ قُرَیْشٌ عَلَی السَّخِینَةِ (5) .

ثُمَّ تَکَلَّمَ مَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ فَقَالَ یَا مُعَاوِیَةُ إِنَّ اَلْأَنْصَارَ لاَ تُعَابُ أَحْسَابُهَا وَ لاَ نَجَدَاتُهَا وَ أَمَّا غَمُّهُمْ إِیَّاکَ فَقَدْ وَ اللَّهِ غَمُّونَا وَ لَوْ رَضِینَا مَا فَارَقُونَا وَ لاَ فَارَقْنَا جَمَاعَتَهُمْ وَ إِنَّ فِی ذَلِکَ مَا فِیهِ مِنْ مُبَایَنَةِ الْعَشِیرَةِ وَ لَکِنَّا حَمَلْنَا ذَلِکَ لَکَ وَ رَجَوْنَا مِنْکَ عِوَضَهُ وَ أَمَّا التَّمْرُ وَ الطَّفَیْشَلُ فَإِنَّهُمَا یَجُرَّانِ عَلَیْکَ السَّخِینَةَ وَ الْخُرْنُوبَ.

قَالَ وَ انْتَهَی هَذَا الْکَلاَمُ إِلَی اَلْأَنْصَارِ فَجَمَعَ قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ اَلْأَنْصَارَ ثُمَّ قَامَ فِیهِمْ خَطِیباً فَقَالَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ قَالَ مَا بَلَغَکُمْ وَ أَجَابَهُ عَنْکُمْ صَاحِبَاکُمْ وَ لَعَمْرِی إِنْ غِظْتُمْ

ص :85

مُعَاوِیَةَ الْیَوْمَ لَقَدْ غِظْتُمُوهُ أَمْسِ وَ إِنْ وَتَرْتُمُوهُ فِی اَلْإِسْلاَمِ فَلَقَدْ وَتَرْتُمُوهُ فِی الشِّرْکِ وَ مَا لَکُمْ إِلَیْهِ مِنْ ذَنْبٍ أَعْظَمَ مِنْ نَصْرِ هَذَا الدِّینِ فَجِدُّوا الْیَوْمَ جِدّاً تُنْسُونَهُ بِهِ مَا کَانَ أَمْسِ وَ جِدُّوا غَداً جِدّاً تُنْسُونَهُ بِهِ مَا کَانَ الْیَوْمَ فَأَنْتُمْ مَعَ هَذَا اللِّوَاءِ الَّذِی کَانَ یُقَاتِلُ عَنْ یَمِینِهِ جِبْرِیلُ وَ عَنْ یَسَارِهِ مِیکَائِیلُ وَ الْقَوْمُ مَعَ لِوَاءِ أَبِی جَهْلٍ وَ اَلْأَحْزَابِ فَأَمَّا التَّمْرُ فَإِنَّا لَمْ نَغْرِسْهُ وَ لَکِنْ غَلَبْنَا عَلَیْهِ مَنْ غَرَسَهُ وَ أَمَّا الطَّفَیْشَلُ فَلَوْ کَانَ طَعَامَنَا لَسُمِّینَا بِهِ کَمَا سُمِّیَتْ قُرَیْشٌ بِسَخِینَةَ ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ فِی ذَلِکَ یَا اِبْنَ هِنْدٍ دَعِ التَّوَثُّبَ فِی الْحَرْبِ

فَلَمَّا أَتَی شِعْرُهُ وَ کَلاَمُهُ مُعَاوِیَةَ دَعَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ مَا تَرَی فِی شَتْمِ اَلْأَنْصَارِ قَالَ أَرَی أَنْ تُوعِدَهُمْ وَ لاَ تَشْتِمَهُمْ (1) مَا عَسَی أَنْ تَقُولَ لَهُمْ إِذَا أَرَدْتَ ذَمَّهُمْ فَذُمَّ أَبْدَانَهُمْ وَ لاَ تَذُمَّ أَحْسَابَهُمْ (2) فَقَالَ إِنَّ قَیْسَ بْنَ سَعْدٍ یَقُومُ کُلَّ یَوْمٍ خَطِیباً (3) وَ أَظُنُّهُ وَ اللَّهِ یُفْنِینَا غَداً إِنْ لَمْ یَحْبِسْهُ عَنَّا حَابِسُ الْفِیلِ فَمَا الرَّأْیُ قَالَ الصَّبْرُ وَ التَّوَکُّلُ وَ أَرْسَلَ

ص :86

إِلَی رُءُوسِ اَلْأَنْصَارِ مَعَ عَلِیٍّ فَعَاتَبَهُمْ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یُعَاتِبُوهُ فَأَرْسَلَ مُعَاوِیَةُ إِلَی أَبِی مَسْعُودٍ (1) وَ اَلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَ خُزَیْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَ اَلْحَجَّاجِ بْنِ غَزِیَّةَ وَ أَبِی أَیُّوبَ فَعَاتَبَهُمْ فَمَشَوْا إِلَی قَیْسِ بْنِ سَعْدٍ وَ قَالُوا لَهُ إِنَّ مُعَاوِیَةَ لاَ یُحِبُّ الشَّتْمَ فَکُفَّ عَنْ شَتْمِهِ فَقَالَ إِنَّ مِثْلِی لاَ یَشْتِمُ وَ لَکِنِّی لاَ أَکُفُّ عَنْ حَرْبِهِ حَتَّی أَلْقَی اللَّهَ قَالَ وَ تَحَرَّکَتِ الْخَیْلُ غُدْوَةً فَظَنَّ قَیْسُ أَنَّ فِیهَا مُعَاوِیَةَ فَحَمَلَ عَلَی رَجُلٍ یُشْبِهُهُ فَضَرَبَهُ بِالسَّیْفِ فَإِذَا هُوَ لَیْسَ بِهِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَی آخَرَ یُشْبِهُهُ أَیْضاً فَقَنَّعَهُ بِالسَّیْفِ (2) .

فَلَمَّا تَحَاجَزَ الْفَرِیقَانِ شَتَمَهُ مُعَاوِیَةُ شَتْماً قَبِیحاً وَ شَتَمَ اَلْأَنْصَارَ فَغَضِبَ اَلنُّعْمَانُ وَ مَسْلَمَةُ فَأَرْضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ هَمَّا أَنْ یَنْصَرِفَا إِلَی قَوْمِهِمَا.

ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِیَةَ سَأَلَ اَلنُّعْمَانَ أَنْ یَخْرُجَ إِلَی قَیْسٍ فَیُعَاتِبَهُ وَ یَسْأَلَهُ السِّلْمَ فَخَرَجَ اَلنُّعْمَانُ فَوَقَفَ بَیْنَ الصَّفَّیْنِ وَ نَادَی یَا قَیْسَ بْنَ سَعْدٍ أَنَا اَلنُّعْمَانُ بْنُ بَشِیرٍ فَخَرَجَ إِلَیْهِ وَ قَالَ هِیهِ یَا نُعْمَانُ مَا حَاجَتُکَ قَالَ یَا قَیْسُ إِنَّهُ قَدْ أَنْصَفَکُمْ مَنْ دَعَاکُمْ إِلَی مَا رَضِیَ لِنَفْسِهِ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ إِنَّکُمْ أَخْطَأْتُمْ فِی خَذْلِ عُثْمَانَ یَوْمَ الدَّارِ وَ قَتَلْتُمْ أَنْصَارَهُ یَوْمَ الْجَمَلِ وَ أَقْحَمْتُمْ خُیُولَکُمْ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ بِصِفِّینَ فَلَوْ کُنْتُمْ إِذْ خَذَلْتُمْ عُثْمَانَ خَذَلْتُمْ عَلِیّاً لَکَانَتْ وَاحِدَةٌ بِوَاحِدَةٍ وَ لَکِنَّکُمْ (3) لَمْ تَرْضَوْا أَنْ تَکُونُوا کَالنَّاسِ حَتَّی أَعْلَمْتُمْ فِی الْحَرْبِ وَ دَعَوْتُمْ

ص :87

إِلَی الْبِرَازِ ثُمَّ لَمْ یَنْزِلْ بِعَلِیٍّ حَطَبٌ قَطُّ إِلاَّ هَوَّنْتُمْ عَلَیْهِ الْمُصِیبَةَ وَ وَعَدْتُمُوهُ الظَّفَرَ وَ قَدْ أَخَذَتِ الْحَرْبُ مِنَّا وَ مِنْکُمْ مَا قَدْ رَأَیْتُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِی الْبَقِیَّةِ.

فَضَحِکَ قَیْسٌ وَ قَالَ مَا کُنْتُ أَظُنُّکَ یَا نُعْمَانُ مُحْتَوِیاً عَلَی هَذِهِ الْمَقَالَةِ إِنَّهُ لاَ یَنْصَحُ أَخَاهُ مَنْ غَشَّ نَفْسَهُ وَ أَنْتَ الْغَاشُّ الضَّالُّ الْمُضِلُّ أَمَّا ذِکْرُکَ عُثْمَانَ فَإِنْ کَانَتِ الْأَخْبَارُ تَکْفِیکَ فَخُذْ مِنِّی وَاحِدَةً قَتَلَ عُثْمَانَ مَنْ لَسْتُ خَیْراً مِنْهُ وَ خَذَلَهُ مَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنْکَ وَ أَمَّا أَصْحَابُ اَلْجَمَلِ فَقَاتَلْنَاهُمْ عَلَی النَّکْثِ وَ أَمَّا مُعَاوِیَةُ فَوَ اللَّهِ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَیْهِ اَلْعَرَبُ قَاطِبَةً لَقَاتَلَتْهُ اَلْأَنْصَارُ وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنَّا لَسْنَا کَالنَّاسِ فَنَحْنُ فِی هَذِهِ الْحَرْبِ کَمَا کُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ نَتَّقِی السُّیُوفَ بِوُجُوهِنَا وَ الرِّمَاحَ بِنُحُورِنَا حَتّٰی جٰاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللّٰهِ وَ هُمْ کٰارِهُونَ وَ لَکِنِ انْظُرْ یَا نُعْمَانُ هَلْ تَرَی مَعَ مُعَاوِیَةَ إِلاَّ طَلِیقاً أَوْ أَعْرَابِیّاً أَوْ یَمَانِیّاً مُسْتَدْرَجاً بِغُرُورٍ انْظُرْ أَیْنَ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ وَ اَلتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ الَّذِینَ رَضِیَ اللّٰهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ثُمَّ انْظُرْ هَلْ تَرَی مَعَ مُعَاوِیَةَ أَنْصَارِیّاً غَیْرَکَ وَ غَیْرَ صُوَیْحِبِکَ وَ لَسْتُمَا وَ اللَّهِ بِبَدْرِیَّیْنِ وَ لاَ عَقَبِیَّیْنِ وَ لاَ أُحُدِیَّیْنِ وَ لاَ لَکُمَا سَابِقَةٌ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ لاَ آیَةٌ فِی اَلْقُرْآنِ وَ لَعَمْرِی لَئِنْ شَغَبْتَ عَلَیْنَا لَقَدْ شَغَبَ عَلَیْنَا أَبُوکَ (1)

.

1742

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مَالِکِ بْنِ أَعْیَنَ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ کَانَ فَارِسُ أَهْلِ اَلشَّامِ الَّذِی لاَ یُنَازَعُ عَوْفَ بْنَ مَجْزَأَةَ الْمُرَادِیَّ الْمُکَنَّی أَبَا أَحْمَرَ وَ کَانَ فَارِسُ أَهْلِ اَلْکُوفَةِ اَلْعَکْبَرَ بْنَ جَدِیرٍ الْأَسَدِیَّ فَقَامَ اَلْعَکْبَرُ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ کَانَ

ص :88

مِنْطِیقاً فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ فِی أَیْدِینَا عَهْداً مِنَ اللَّهِ لاَ نَحْتَاجُ فِیهِ إِلَی النَّاسِ قَدِ ظَنَنَّا بِأَهْلِ اَلشَّامِ الصَّبْرَ (1) وَ ظَنُّوا بِنَا فَصَبَرْنَا وَ صَبَرُوا وَ قَدْ عَجِبْتُ مِنْ صَبْرِ أَهْلِ الدُّنْیَا لِأَهْلِ الْآخِرَةِ وَ صَبْرِ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَی أَهْلِ الْبَاطِلِ وَ رَغْبَةِ أَهْلِ الدُّنْیَا (2) ثُمَّ قَرَأْتُ آیَةً مِنْ کِتَابِ اللَّهِ فَعَلِمْتُ أَنَّهُمْ مَفْتُونُونَ (3) الم أَ حَسِبَ النّٰاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ لاٰ یُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللّٰهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْکٰاذِبِینَ (4) فَقَالَ لَهُ ع خَیْراً وَ خَرَجَ النَّاسُ إِلَی مَصَافِّهِمْ وَ خَرَجَ عَوْفُ بْنُ مَجْزَأَةَ الْمُرَادِیُّ نَادِراً مِنَ النَّاسِ وَ کَذَا کَانَ یَصْنَعُ وَ قَدْ کَانَ قَتَلَ نَفَراً مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ مُبَارِزَةً فَنَادَی یَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ هَلْ مِنْ رَجُلٍ عَصَاهُ سَیْفُهُ یُبَارِزُنِی وَ لاَ أَغُرُّکُمْ مِنْ نَفْسِی أَنَا عَوْفُ بْنُ مَجْزَأَةَ (5) فَنَادَی النَّاسُ بِالْعَکْبَرِ فَخَرَجَ إِلَیْهِ مُنْقَطِعاً عَنْ أَصْحَابِهِ لِیُبَارِزَهُ فَقَالَ عَوْفٌ بِالشَّامِ أَمْنٌ لَیْسَ فِیهِ خَوْفٌ

فَقَالَ لَهُ اَلْعَکْبَرُ اَلشَّامُ مَحْلٌ وَ اَلْعِرَاقُ مِمْطَرْ (6)

ص :89

اِبْنُ جَدِیرٍ وَ أَبُوهُ اَلْمُنْذِرْ

اُدْنُ فَإِنِّی فِی الْبِرَازِ قَسْوَرْ (1)

فَاطَّعَنَا فَصَرَعَهُ اَلْعَکْبَرُ وَ قَتَلَهُ وَ مُعَاوِیَةُ عَلَی التَّلِّ فِی وُجُوهِ قُرَیْشٍ وَ نَفَرٍ قَلِیلٍ مِنَ النَّاسِ فَوَجَّهَ اَلْعَکْبَرُ فَرَسَهُ یَمْلَأُ (2) فُرُوجَهُ رَکْضاً وَ یَضْرِبُهُ بِالسَّوْطِ مُسْرِعاً نَحْوَ التَّلِّ فَنَظَرَ مُعَاوِیَةُ إِلَیْهِ فَقَالَ هَذَا الرَّجُلُ مَغْلُوبٌ عَلَی عَقْلِهِ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ فَاسْأَلُوهُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ وَ هُوَ فِی حَمْوِ فَرَسِهِ فَنَادَاهُ فَلَمْ یُجِبْهُ وَ مَضَی مُبَادِراً حَتَّی انْتَهَی إِلَی مُعَاوِیَةَ فَجَعَلَ یَطْعُنُ فِی أَعْرَاضِ الْخَیْلِ وَ رَجَا أَنْ یَنْفَرِدَ بِمُعَاوِیَةَ فَیَقْتُلَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ رِجَالٌ قَتَلَ مِنْهُمْ قَوْماً وَ حَالَ الْبَاقُونَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ مُعَاوِیَةَ بِسُیُوفِهِمْ وَ رِمَاحِهِمْ فَلَمَّا لَمْ یَصِلْ إِلَیْهِ قَالَ أَوْلَی لَکَ یَا اِبْنَ هِنْدٍ (3) أَنَا الْغُلاَمُ الْأَسَدِیُّ وَ رَجَعَ إِلَی صَفِّ اَلْعِرَاقِ وَ لَمْ یُکَلِّمْ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع مَا دَعَاکَ إِلَی مَا صَنَعْتَ لاَ تَلْقَ نَفْسَکَ إِلَی التَّهْلُکَةِ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَرَدْتُ غِرَّةَ اِبْنِ هِنْدٍ فَحِیلَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ وَ کَانَ اَلْعَکْبَرُ شَاعِراً فَقَالَ قَتَلْتُ اَلْمُرَادِیَّ الَّذِی کَانَ بَاغِیاً

ص :90

فَغَادَرْتُهُ یَکْبُو صَرِیعاً لِوَجْهِهِ

قَالَ فَانْکَسَرَ أَهْلُ اَلشَّامِ لِقَتْلِ عَوْفٍ الْمُرَادِیِّ وَ هَدَرَ مُعَاوِیَةُ دَمَ اَلْعَکْبَرِ فَقَالَ اَلْعَکْبَرُ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ یَدِهِ فَأَیْنَ اللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ وَ دِفَاعُهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ (1)

.

1743

قَالَ نَصْرٌ وَ رَوَی عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ حُصَیْنٍ عَنْ أَبِی الْکَنُودِ قَالَ جَزِعَ أَهْلُ اَلشَّامِ عَلَی قَتْلاَهُمْ جَزَعاً شَدِیداً وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ بْنُ خَدِیجٍ قَبَّحَ اللَّهُ مُلْکاً یَمْلِکُهُ الْمَرْءُ بَعْدَ حَوْشَبٍ وَ ذِی الْکَلاَعِ وَ اللَّهِ لَوْ ظَفِرْنَا بِأَهْلِ الدُّنْیَا بَعْدَ قَتْلِهِمَا بِغَیْرِ مَئُونَةٍ مَا کَانَ ظَفَراً وَ قَالَ یَزِیدُ بْنُ أَسَدٍ لِمُعَاوِیَةَ لاَ خَیْرَ فِی أَمْرٍ لاَ یُشْبِهُ آخِرُهُ أَوَّلَهُ لاَ یُدْمَی جَرِیحٌ وَ لاَ یُبْکَی قَتِیلٌ حَتَّی تَنْجَلِیَ هَذِهِ الْفِتْنَةُ فَإِنْ یَکُنِ الْأَمْرُ لَکَ أَدْمَیْتُ

ص :91

وَ بَکَیْتُ عَلَی قَرَارٍ وَ إِنْ یَکُنْ لِغَیْرِکَ فَمَا أَصَبْتُ بِهِ أَعْظَمُ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ یَا أَهْلَ اَلشَّامِ مَا جَعَلَکُمْ أَحَقَّ بِالْجَزَعِ عَلَی قَتْلاَکُمْ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ عَلَی قَتْلاَهُمْ وَ اللَّهِ مَا ذُو الْکَلاَعِ فِیکُمْ بِأَعْظَمَ مِنْ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ فِیهِمْ وَ لاَ حَوْشَبٌ فِیکُمْ بِأَعْظَمَ مِنْ هَاشِمٍ فِیهِمْ وَ مَا عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِیکُمْ بِأَعْظَمَ مِنِ اِبْنِ بُدَیْلٍ فِیهِمْ وَ مَا الرِّجَالُ إِلاَّ أَشْبَاهٌ وَ مَا التَّمْحِیصُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ قَتَلَ مِنَ الْقَوْمِ ثَلاَثَةً قَتَلَ عَمَّاراً وَ کَانَ فَتَاهُمْ وَ قَتَلَ هَاشِماً وَ کَانَ حَمْزَتَهُمْ وَ قَتَلَ اِبْنَ بُدَیْلٍ وَ هُوَ الَّذِی فَعَلَ الْأَفَاعِیلَ وَ بَقِیَ اَلْأَشْتَرُ وَ اَلْأَشْعَثُ وَ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ فَأَمَّا اَلْأَشْعَثُ فَإِنَّمَا حَمَی عَنْهُ (1) مِصْرُهُ وَ أَمَّا اَلْأَشْتَرُ وَ عَدِیٌّ فَغَضِبَا وَ اللَّهِ لِلْفِتْنَةِ (2) أُقَاتِلُهُمَا غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی فَقَالَ مُعَاوِیَةُ بْنُ خَدِیجٍ إِنْ یَکُنِ الرِّجَالُ عِنْدَکَ أَشْبَاهاً فَلَیْسَتْ عِنْدَنَا کَذَلِکَ وَ غَضِبَ وَ قَالَ شَاعِرُ اَلْیَمَنِ یَرْثِی ذَا الْکَلاَعِ وَ حَوْشَباً (3) مُعَاوِیَّ قَدْ نِلْنَا وَ نِیلَتْ سَرَاتُنَا

1744

1- وَ رَوَی نَصْرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُبَیْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ کَعْبٍ قَالَ لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَیْلٍ یَوْمَ صِفِّینَ مَرَّ بِهِ اَلْأَسْوَدُ بْنُ طَهْمَانَ الْخُزَاعِیُّ وَ هُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ فَقَالَ لَهُ عَزَّ عَلَیَّ وَ اللَّهِ مَصْرَعُکَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ شَهِدْتُکَ لَآسَیْتُکَ وَ لَدَافَعْتُ عَنْکَ وَ لَوْ رَأَیْتُ الَّذِی أَشْعَرَکَ (4)

ص :92

لَأَحْبَبْتُ أَلاَّ أُزَایِلَهُ وَ لاَ یُزَایِلَنِی حَتَّی أَقْتُلَهُ أَوْ یُلْحِقَنِی بِکَ ثُمَّ نَزَلَ إِلَیْهِ فَقَالَ رَحِمَکَ اللَّهُ یَا عَبْدَ اللَّهِ وَ اللَّهِ (1) إِنْ کَانَ جَارُکَ لَیَأْمَنُ بَوَائِقَکَ وَ إِنْ کُنْتَ لَمِنَ اَلذّٰاکِرِینَ اللّٰهَ کَثِیراً أَوْصِنِی رَحِمَکَ اللَّهُ قَالَ أُوصِیکَ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ أَنْ تُنَاصِحَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ تُقَاتِلَ مَعَهُ حَتَّی یَظْهَرَ الْحَقُّ أَوْ تَلْحَقَ بِاللَّهِ وَ أَبْلِغْ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَنِّی السَّلاَمَ وَ قُلْ لَهُ قَاتِلْ عَلَی الْمَعْرَکَةِ حَتَّی تَجْعَلَهَا خَلْفَ ظَهْرِکَ فَإِنَّهُ مَنْ أَصْبَحَ وَ الْمَعْرَکَةُ خَلْفَ ظَهْرِهِ کَانَ الْغَالِبَ.

ثُمَّ لَمْ یَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فَأَقْبَلَ أَبُو الْأَسْوَدُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَاهَدَ مَعَنَا عَدُوَّنَا فِی الْحَیَاةِ وَ نَصَحَ لَنَا فِی الْوَفَاةِ (2)

.

1745

1- قَالَ نَصْرٌ وَ قَدْ رُوِیَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ کَلَدَةَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی بَحْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ خَرَجْتُ أَلْتَمِسُ أَخِی سُوَیْداً فِی قَتْلَی صِفِّینَ فَإِذَا رَجُلٌ صَرِیعٌ فِی الْقَتْلَی قَدْ أَخَذَ بِثَوْبِی فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ کَلَدَةَ فَقُلْتُ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَیْهِ رٰاجِعُونَ هَلْ لَکَ فِی الْمَاءِ وَ مَعِی (3) إِدَاوَةٌ فَقَالَ لاَ حَاجَةَ لِی فِیهِ قَدْ أُنْفِذَ فِیَّ السِّلاَحُ وَ خَرَّقَنِی فَلَسْتُ أَقْدِرُ عَلَی الشَّرَابِ هَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّی أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ رِسَالَةً أُرْسِلُکَ بِهَا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِذَا رَأَیْتَهُ فَاقْرَأْ عَلَیْهِ السَّلاَمَ وَ قُلْ لَهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ احْمِلْ جَرْحَاکَ إِلَی عَسْکَرِکَ حَتَّی تَجْعَلَهُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِکَ فَإِنَّ الْغَلَبَةَ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِکَ ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّی مَاتَ فَخَرَجْتُ حَتَّی أَتَیْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ کَلَدَةَ یَقْرَأُ عَلَیْکَ السَّلاَمَ قَالَ وَ أَیْنَ هُوَ قُلْتُ وَجَدْتُهُ وَ قَدْ أَنْفَذَهُ السِّلاَحُ وَ خَرَّقَهُ فَلَمْ یَسْتَطِعْ شُرْبَ الْمَاءِ وَ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّی مَاتَ فَاسْتَرْجَعَ ع فَقُلْتُ قَدْ أَرْسَلَنِی إِلَیْکَ بِرِسَالَةٍ قَالَ وَ مَا هِیَ قُلْتُ إِنَّهُ یَقُولُ احْمِلْ جَرْحَاکَ

ص :93

إِلَی عَسْکَرِکَ وَ اجْعَلْهُمْ وَرَاءَ ظَهْرِکَ فَإِنَّ الْغَلَبَةَ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِکَ فَقَالَ صَدَقَ فَنَادَی مُنَادِیهِ فِی الْعَسْکَرِ أَنِ احْمِلُوا جَرْحَاکُمْ مِنْ بَیْنِ الْقَتْلَی إِلَی مُعَسْکَرِکُمْ فَفَعَلُوا

(1)

.

1746

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنِی عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ أَنَّ أَبْرَهَةَ بْنَ الصَّبَّاحِ الْحِمْیَرِیَّ قَامَ بِصِفِّینَ فَقَالَ وَیْحَکُمْ یَا مَعْشَرَ أَهْلِ اَلْیَمَنِ إِنِّی لَأَظُنُّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ بِفَنَائِکُمْ وَیْحَکُمْ خَلُّوا بَیْنَ الرَّجُلَیْنِ فَلْیَقْتَتِلاَ فَأَیُّهُمَا قَتَلَ صَاحِبَهُ مِلْنَا مَعَهُ جَمِیعاً وَ کَانَ أَبْرَهَةُ مِنْ رُؤَسَاءِ أَصْحَابِ مُعَاوِیَةَ فَبَلَغَ قَوْلُهُ عَلِیّاً ع فَقَالَ صَدَقَ أَبْرَهَةُ وَ اللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِخُطْبَةٍ مُنْذُ وَرَدْتُ اَلشَّامَ أَنَا بِهَا أَشَدُّ سُرُوراً مِنِّی بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ قَالَ وَ بَلَغَ مُعَاوِیَةَ کَلاَمُ أَبْرَهَةَ فَتَأَخَّرَ آخِرَ الصُّفُوفِ وَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ إِنِّی لَأَظُنُّ أَبْرَهَةَ مُصَاباً فِی عَقْلِهِ فَأَقْبَلَ أَهْلُ اَلشَّامِ یَقُولُونَ وَ اللَّهِ إِنَّ أَبْرَهَةَ لَأَکْمَلُنَا دِیناً وَ عَقْلاً وَ رَأْیاً وَ بَأْساً وَ لَکِنَّ الْأَمِیرَ (2) کَرِهَ مُبَارَزَةَ عَلِیٍّ وَ سَمِعَ مَا دَارَ مِنَ الْکَلاَمِ أَبُو دَاوُدَ عُرْوَةُ بْنُ دَاوُدَ الْعَامِرِیُّ وَ کَانَ مِنْ فُرْسَانِ مُعَاوِیَةَ فَقَالَ إِنْ کَانَ مُعَاوِیَةُ کَرِهَ مُبَارَزَةَ أَبِی حَسَنٍ فَأَنَا أُبَارِزُهُ ثُمَّ خَرَجَ بَیْنَ الصَّفَّیْنِ فَنَادَی أَنَا أَبُو دَاوُدَ فَابْرُزْ إِلَیَّ یَا أَبَا حَسَنٍ فَتَقَدَّمَ عَلِیٌّ ع نَحْوَهُ فَنَادَاهُ النَّاسُ ارْجِعْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَنْ هَذَا الْکَلْبِ فَلَیْسَ لَکَ بِخَطَرٍ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا مُعَاوِیَةُ الْیَوْمَ بِأَغْیَظَ لِی مِنْهُ دَعُونِی وَ إِیَّاهُ ثُمَّ حَمَلَ عَلَیْهِ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَهُ قِطْعَتَیْنِ سَقَطَتْ إِحْدَاهُمَا یَمَنِیَّةً وَ الْأُخْرَی شَامِیَّةً فَارْتَجَّ الْعَسْکَرَانِ لِهَوْلِ الضَّرْبَةِ وَ صَرَخَ ابْنُ عَمٍّ لِأَبِی دَاوُدَ وَا سُوءَ صَبَاحَاهْ وَ قَبَّحَ اللَّهُ الْبَقَاءَ بَعْدَ أَبِی دَاوُدَ وَ حَمَلَ عَلَی عَلِیٍّ ع فَطَعَنَهُ فَضَرَبَ الرُّمْحَ فَبَرَّأَهُ ثُمَّ قَنَّعَهُ ضَرْبَةً فَأَلْحَقَهُ بِأَبِی دَاوُدَ وَ مُعَاوِیَةُ

ص :94

وَاقِفٌ عَلَی التَّلِّ یُبْصِرُ وَ یُشَاهِدُ فَقَالَ تَبّاً لِهَذِهِ الرِّجَالِ وَ قُبْحاً أَ مَا فِیهِمْ مَنْ یَقْتُلُ هَذَا مُبَارَزَةً أَوْ غِیلَةً أَوْ فِی اخْتِلاَطِ الْفَیْلَقِ وَ ثَوَرَانِ النَّقْعِ فَقَالَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ ابْرُزْ إِلَیْهِ أَنْتَ فَإِنَّکَ أَوْلَی النَّاسِ بِمُبَارَزَتِهِ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَقَدْ دَعَانِی إِلَی الْبِرَازِ حَتَّی لَقَدِ اسْتَحْیَیْتُ مِنْ قُرَیْشٍ وَ إِنِّی وَ اللَّهِ لاَ أَبْرُزُ إِلَیْهِ مَا جُعِلَ الْعَسْکَرُ بَیْنَ یَدَیِ الرَّئِیسِ إِلاَّ وِقَایَةً لَهُ فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ الْهَوْا عَنْ هَذَا کَأَنَّکُمْ لَمْ تَسْمَعُوا نِدَاءَهُ فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ قَتَلَ حُرَیْثاً وَ فَضَحَ عَمْراً وَ لاَ أَرَی أَحَداً یَتَحَکَّکُ بِهِ إِلاَّ قَتَلَهُ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ لِبُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ أَ تَقُومُ لِمُبَارَزَتِهِ فَقَالَ مَا أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَا مِنْکَ أَمَّا إِذْ بَیَّتُّمُوهُ فَأَنَا لَهُ قَالَ مُعَاوِیَةُ إِنَّکَ سَتَلْقَاهُ غَداً فِی أَوَّلِ الْخَیْلِ وَ کَانَ عِنْدَ بُسْرٍ ابْنُ عَمٍّ لَهُ قَدِمَ مِنَ اَلْحِجَازِ یَخْطُبُ ابْنَتَهُ فَأَتَی بُسْراً فَقَالَ لَهُ إِنِّی سَمِعْتُ أَنَّکَ وَعَدْتَ مِنْ نَفْسِکَ أَنْ تُبَارِزَ عَلِیّاً أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّ الْوَالِیَ مِنْ بَعْدِ مُعَاوِیَةَ عُتْبَةُ ثُمَّ بَعْدَهُ مُحَمَّدٌ أَخُوهُ وَ کُلٌّ مِنْ هَؤُلاَءِ قِرْنُ عَلِیٍّ فَمَا یَدْعُوکَ إِلَی مَا أَرَی قَالَ الْحَیَاءُ خَرَجَ مِنِّی کَلاَمٌ فَأَنَا أَسْتَحْیِی أَنْ أَرْجِعَ عَنْهُ فَضَحِکَ الْغُلاَمُ وَ قَالَ تُنَازِلُهُ یَا بُسْرُ إِنْ کُنْتَ مِثْلَهُ

فَقَالَ بُسْرٌ هَلْ هُوَ إِلاَّ الْمَوْتُ لاَ بُدَّ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ فَغَدَا عَلِیٌّ ع مُنْقَطِعاً مِنْ خَیْلِهِ وَ یَدُهُ فِی یَدِ اَلْأَشْتَرِ وَ هُمَا یَتَسَایَرَانِ رُوَیْداً یَطْلُبَانِ التَّلَّ لِیَقِفَا عَلَیْهِ إِذْ بَرَزَ لَهُ بُسْرٌ مُقَنَّعاً فِی الْحَدِیدِ لاَ یُعْرَفُ فَنَادَاهُ ابْرُزْ إِلَیَّ أَبَا حَسَنٍ فَانْحَدَرَ إِلَیْهِ عَلَی تُؤَدَةٍ غَیْرَ مُکْتَرِثٍ بِهِ

ص :95

حَتَّی إِذَا قَارَبَهُ طَعَنَهُ وَ هُوَ دَارِعٌ فَأَلْقَاهُ إِلَی الْأَرْضِ وَ مَنَعَ الدِّرْعُ السِّنَانَ أَنْ یَصِلَ إِلَیْهِ فَاتَّقَاهُ بُسْرٌ بِعَوْرَتِهِ وَ قَصَدَ أَنْ یَکْشِفَهَا یَسْتَدْفِعُ بَأْسَهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ ع مُسْتَدْبِراً لَهُ فَعَرَفَهُ اَلْأَشْتَرُ حِینَ سَقَطَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هَذَا بُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ وَ عَدُوُّکَ فَقَالَ دَعْهُ عَلَیْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَ بَعْدَ أَنْ فَعَلَهَا فَحَمَلَ ابْنُ عَمِّ بُسْرٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ شَابٌّ عَلَی عَلِیٍّ ع وَ قَالَ أَرْدَیْتَ بُسْراً وَ الْغُلاَمُ ثَائِرُهُ أَرْدَیْتَ شَیْخاً غَابَ عَنْهُ نَاصِرُهُ وَ کُلُّنَا حَامٍ لِبُسْرٍ وَاتِرُهُ.

فَلَمْ یَلْتَفِتْ إِلَیْهِ عَلِیٌّ ع وَ تَلَقَّاهُ اَلْأَشْتَرُ فَقَالَ لَهُ فِی کُلِّ یَوْمٍ رِجْلُ شَیْخٍ شَاغِرَةْ

فَطَعَنَهُ اَلْأَشْتَرُ فَکَسَرَ صُلْبَهُ وَ قَامَ بُسْرٌ مِنْ طَعْنَةِ عَلِیٍّ ع مُوَلِّیاً وَ فَرَّتْ خَیْلُهُ وَ نَادَاهُ عَلِیٌّ ع یَا بُسْرُ مُعَاوِیَةُ کَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنْکَ فَرَجَعَ بُسْرٌ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ ارْفَعْ طَرْفَکَ فَقَدْ أَدَالَ اللَّهُ عَمْراً مِنْکَ قَالَ الشَّاعِرُ فِی ذَلِکَ أَ فِی کُلِّ یَوْمٍ فَارِسٌ تَنْدُبُونَهُ

ص :96

مَتَی تَلْقَیَا الْخَیْلَ الْمُغِیرَةَ صُبْحَةً

قَالَ فَکَانَ بُسْرٌ بَعْدَ ذَلِکَ الْیَوْمِ إِذَا لَقِیَ الْخَیْلَ الَّتِی فِیهَا عَلِیٌّ یَنْتَحِی نَاحِیَةً وَ تَحَامَی فُرْسَانُ اَلشَّامِ بَعْدَهَا عَلِیّاً ع

(1)

.

1747

1,2,3- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلْأَجْلَحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْکِنْدِیِّ عَنْ أَبِی جُحَیْفَةَ قَالَ جَمَعَ مُعَاوِیَةُ کُلَّ قُرَشِیٍّ بِالشَّامِ وَ قَالَ لَهُمْ الْعَجَبُ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ أَنَّهُ لَیْسَ لِأَحَدٍ مِنْکُمْ فِی هَذِهِ الْحَرْبِ فَعَالٌ (2) یَطُولُ بِهَا لِسَانُهُ غَداً مَا عَدَا عَمْراً فَمَا بَالُکُمْ أَیْنَ حَمِیَّةُ قُرَیْشٍ فَغَضِبَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ وَ قَالَ أَیَّ فَعَالٍ تُرِیدُ وَ اللَّهِ مَا نَعْرِفُ فِی أَکْفَائِنَا مِنْ قُرَیْشِ اَلْعِرَاقِ مَنْ یُغْنِی غَنَاءَنَا بِاللِّسَانِ وَ لاَ بِالْیَدِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ بَلَی إِنَّ أُولَئِکَ وَقَوْا عَلِیّاً بِأَنْفُسِهِمْ قَالَ اَلْوَلِیدُ کَلاَّ بَلْ وَقَاهُمْ عَلِیٌّ بِنَفْسِهِ قَالَ وَیْحَکُمْ أَ مَا فِیکُمْ مَنْ یَقُومُ لِقِرْنِهِ مِنْهُمْ مُبَارَزَةً وَ مُفَاخَرَةً فَقَالَ مَرْوَانُ أَمَّا الْبِرَازُ فَإِنَّ عَلِیّاً لاَ یَأْذَنُ لِحَسَنٍ وَ لاَ لِحُسَیْنٍ وَ لاَ لِمُحَمَّدٍ بَنِیهِ فِیهِ وَ لاَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ وَ إِخْوَتِهِ وَ یَصْلَی بِالْحَرْبِ دُونَهُمْ فَلِأَیِّهِمْ نُبَارِزُ وَ أَمَّا الْمُفَاخَرَةُ فَبِمَا ذَا نُفَاخِرُهُمْ بِالْإِسْلاَمِ أَمْ بِالْجَاهِلِیَّةِ فَإِنْ کَانَ بِالْإِسْلاَمِ فَالْفَخْرُ لَهُمْ بِالنُّبُوَّةِ وَ إِنْ کَانَ بِالْجَاهِلِیَّةِ فَالْمُلْکُ فِیهِ لِلْیَمَنِ فَإِنْ قُلْنَا قُرَیْشٌ قَالُوا لَنَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ .

ص :97

فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ الْهَوْا عَنْ هَذَا فَإِنِّی لاَقٍ بِالْغَدَاةِ جَعْدَةَ بْنَ هُبَیْرَةَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ بَخْ بَخْ قَوْمُهُ بَنُو مَخْزُومٍ وَ أُمُّهُ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِی طَالِبٍ کُفْءٌ کَرِیمٌ وَ کَثُرَ الْعِتَابُ وَ الْخِصَامُ بَیْنَ الْقَوْمِ حَتَّی أَغْلَظُوا لِمَرْوَانَ وَ أَغْلَظَ لَهُمْ فَقَالَ مَرْوَانُ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لاَ مَا کَانَ مِنِّی إِلَی عَلِیٍّ ع فِی أَیَّامِ عُثْمَانَ وَ مَشْهَدِی بِالْبَصْرَةِ لَکَانَ لِی فِی عَلِیٍّ رَأْیٌ یَکْفِی امْرَأً ذَا حَسَبٍ وَ دِینٍ وَ لَکِنْ وَ لَعَلَّ وَ نَابَذَ مُعَاوِیَةُ اَلْوَلِیدَ بْنَ عُقْبَةَ دُونَ الْقَوْمِ (1) فَأَغْلَظَ لَهُ اَلْوَلِیدُ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنَّکَ إِنَّمَا تَجْتَرِئُ عَلَیَّ بِنَسَبِکَ مِنْ عُثْمَانَ وَ لَقَدْ ضَرَبَکَ الْحَدَّ وَ عَزَلَکَ عَنِ اَلْکُوفَةِ .ثُمَّ إِنَّهُمْ مَا أَمْسَوْا حَتَّی اصْطَلَحُوا وَ أَرْضَاهُمْ مُعَاوِیَةُ مِنْ نَفْسِهِ وَ وَصَلَهُمْ بِأَمْوَالٍ جَلِیلَةٍ وَ بَعَثَ مُعَاوِیَةُ إِلَی عُتْبَةَ فَقَالَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِی جَعْدَةَ قَالَ أَلْقَاهُ الْیَوْمَ وَ أُقَاتِلُهُ غَداً وَ کَانَ لِجَعْدَةَ فِی قُرَیْشٍ شَرَفٌ عَظِیمٌ وَ کَانَ لَهُ لِسَانٌ وَ کَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَی عَلِیٍّ ع فَغَدَا عَلَیْهِ عُتْبَةُ فَنَادَی أَبَا جَعْدَةَ أَبَا جَعْدَةَ فَاسْتَأْذَنَ عَلِیّاً ع فِی الْخُرُوجِ إِلَیْهِ فَأَذِنَ لَهُ وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ فَقَالَ عُتْبَةُ یَا جَعْدَةُ وَ اللَّهِ مَا أَخْرَجَکَ عَلَیْنَا إِلاَّ حُبُّ خَالِکَ وَ عَمِّکَ عَامِلِ اَلْبَحْرَیْنِ وَ إِنَّا وَ اللَّهِ مَا نَزْعُمُ أَنَّ مُعَاوِیَةَ أَحَقُّ بِالْخِلاَفَةِ مِنْ عَلِیٍّ لَوْ لاَ أَمْرُهُ فِی عُثْمَانَ وَ لَکِنَّ مُعَاوِیَةَ أَحَقُّ بِالشَّامِ لِرِضَا أَهْلِهَا بِهِ فَاعْفُوا لَنَا عَنْهَا فَوَ اللَّهِ مَا بِالشَّامِ رَجُلٌ بِهِ طِرْقٌ (2) إِلاَّ وَ هُوَ أَجَدُّ مِنْ مُعَاوِیَةَ فِی الْقِتَالِ وَ لَیْسَ بِالْعِرَاقِ رَجُلٌ لَهُ مِثْلُ جِدِّ عَلِیٍّ فِی الْحَرْبِ وَ نَحْنُ أَطْوَعُ لِصَاحِبِنَا مِنْکُمْ لِصَاحِبِکُمْ وَ مَا أَقْبَحَ بِعَلِیٍّ أَنْ یَکُونَ فِی قُلُوبِ اَلْمُسْلِمِینَ أَوْلَی النَّاسِ بِالنَّاسِ حَتَّی إِذَا أَصَابَ سُلْطَاناً أَفْنَی اَلْعَرَبَ فَقَالَ جَعْدَةُ أَمَّا حُبِّی لِخَالِی فَلَوْ کَانَ لَکَ خَالٌ مِثْلُهُ لَنَسِیتَ أَبَاکَ وَ أَمَّا اِبْنُ أَبِی سَلَمَةَ فَلَمْ یُصِبْ أَعْظَمَ مِنْ قَدْرِهِ وَ الْجِهَادُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنَ الْعَمَلِ وَ أَمَّا فَضْلُ عَلِیٍّ عَلَی مُعَاوِیَةَ

ص :98

فَهَذَا مَا لاَ یَخْتَلِفُ فِیهِ اثْنَانِ وَ أَمَّا رِضَاکُمُ الْیَوْمَ بِالشَّامِ فَقَدْ رَضِیتُمْ بِهَا أَمْسِ فَلَمْ نَقْبَلْ وَ أَمَّا قَوْلُکَ لَیْسَ بِالشَّامِ أَحَدٌ إِلاَّ وَ هُوَ أَجَدُّ مِنْ مُعَاوِیَةَ وَ لَیْسَ بِالْعِرَاقِ رَجُلٌ مِثْلُ جِدِّ عَلِیٍّ فَهَکَذَا یَنْبَغِی أَنْ یَکُونَ مَضَی بِعَلِیٍّ یَقِینُهُ وَ قَصُرَ بِمُعَاوِیَةَ شَکُّهُ وَ قَصْدُ أَهْلِ الْحَقِّ خَیْرٌ مِنْ جَهْدِ أَهْلِ الْبَاطِلِ وَ أَمَّا قَوْلُکَ نَحْنُ أَطْوَعُ لِمُعَاوِیَةَ مِنْکُمْ لِعَلِیٍّ فَوَ اللَّهِ مَا نَسْأَلُهُ إِنْ سَکَتَ وَ لاَ نَرُدُّ عَلَیْهِ إِنْ قَالَ وَ أَمَّا قَتْلُ اَلْعَرَبِ فَإِنَّ اللَّهَ کَتَبَ الْقَتْلَ وَ الْقِتَالَ فَمَنْ قَتَلَهُ الْحَقُّ فَإِلَی اللَّهِ.

فَغَضِبَ عُتْبَةُ وَ فَحَشَ عَلَی جَعْدَةَ فَلَمْ یُجِبْهُ وَ أَعْرَضَ عَنْهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ جَمَعَ خَیْلَهُ فَلَمْ یَسْتَبِقْ مِنْهَا (1) شَیْئاً وَ جُلُّ أَصْحَابِهِ اَلسُّکُونُ وَ اَلْأَزْدُ وَ اَلصَّدِفُ وَ تَهَیَّأَ جَعْدَةُ بِمَا اسْتَطَاعَ وَ الْتَقَوْا فَصَبَرَ الْقَوْمُ جَمِیعاً وَ بَاشَرَ جَعْدَةُ یَوْمَئِذٍ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ وَ جَزِعَ عُتْبَةُ فَأَسْلَمَ خَیْلَهُ وَ أَسْرَعَ هَارِباً إِلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالَ لَهُ فَضَحَکَ جَعْدَةُ وَ هَزَمَتْکَ لاَ تَغْسِلُ رَأْسَکَ مِنْهَا أَبَداً فَقَالَ وَ اللَّهِ لَقَدْ أَعْذَرْتُ وَ لَکِنْ أَبَی اللَّهُ أَنْ یُدِیلَنَا مِنْهُمْ فَمَا أَصْنَعُ وَ حَظِیَ جَعْدَةُ بَعْدَهَا عِنْدَ عَلِیٍّ ع وَ قَالَ اَلنَّجَاشِیُّ فِیمَا کَانَ مِنْ فُحْشِ عُتْبَةَ عَلَی جَعْدَةَ إِنَّ شَتْمَ الْکَرِیمِ یَا عُتْبَ خَطْبٌ

ص :99

کُلَّ شَیْءٍ تُرِیدُهُ فَهُوَ فِیهِ

وَ قَالَ اَلْأَعْوَرُ الشَّنِّیُّ فِی ذَلِکَ یُخَاطِبُ عُتْبَةَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ مَا زِلْتَ تُظْهِرُ فِی عِطْفَیْکَ أُبَّهَةً

.

1748

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ کَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ

ص :100

یُقَالُ لَهُ اَلْأَصْبَغُ بْنُ ضِرَارٍ الْأَزْدِیُّ مِنْ مَسَالِحِ مُعَاوِیَةَ وَ طَلاَئِعِهِ فَنَدَبَ لَهُ عَلِیٌّ ع اَلْأَشْتَرَ فَأَخَذَهُ أَسِیراً مِنْ غَیْرِ قِتَالٍ فَجَاءَ بِهِ لَیْلاً فَشَدَّهُ وَثَاقاً وَ أَلْقَاهُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ یَنْتَظِرُ بِهِ الصَّبَاحَ وَ کَانَ اَلْأَصْبَغُ شَاعِراً مُفَوِّهاً فَأَیْقَنَ بِالْقَتْلِ وَ نَامَ أَصْحَابُهُ فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَأَسْمَعَ اَلْأَشْتَرَ وَ قَالَ أَلاَ لَیْتَ هَذَا اللَّیْلَ أَصْبَحَ سَرْمَداً

ص :101

قَالَ فَغَدَا بِهِ اَلْأَشْتَرُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ هَذَا رَجُلٌ مِنْ مَسَالِحِ مُعَاوِیَةَ أَصَبْتُهُ أَمْسِ وَ بَاتَ عِنْدَنَا اللَّیْلَ فَحَرَّکَنَا بِشِعْرِهِ وَ لَهُ رَحِمٌ فَإِنْ کَانَ فِیهِ الْقَتْلُ فَاقْتُلْهُ وَ إِنْ سَاغَ لَکَ الْعَفْوُ عَنْهُ فَهَبْهُ لَنَا فَقَالَ هُوَ لَکَ یَا مَالِکُ وَ إِذَا أَصَبْتَ مِنْهُمْ أَسِیراً فَلاَ تَقْتُلْهُ فَإِنَّ أَسِیرَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لاَ یُقْتَلُ .

فَرَجَعَ بِهِ اَلْأَشْتَرُ إِلَی مَنْزِلِهِ وَ خَلَّی سَبِیلَهُ

.

ص :102

اسْتَعِدُّوا لِلْمَسِیرِ إِلَی قَوْمٍ حَیَارَی عَنِ الْحَقِّ لاَ یُبْصِرُونَهُ وَ مُوزَعِینَ بِالْجَوْرِ لاَ یَعْدِلُونَ عَنْهُ [بِهِ]

جُفَاةٍ عَنِ اَلْکِتَابِ نُکُبٍ عَنِ الطَّرِیقِ مَا أَنْتُمْ بِوَثِیقَةٍ یُعْلَقُ بِهَا وَ لاَ زَوَافِرَ [زَوَافِرِ]

عِزٍّ یُعْتَصَمُ إِلَیْهَا لَبِئْسَ حُشَاشُ [حُشَّاشُ]

نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ أُفٍّ لَکُمْ لَقَدْ لَقِیتُ مِنْکُمْ بَرْحاً (1) یَوْماً أُنَادِیکُمْ وَ یَوْماً أُنَاجِیکُمْ فَلاَ أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ النِّدَاءِ وَ لاَ إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ النَّجَاءِ . دفتا المصحف جانباه اللذان یکنفانه و کان الناس یعملونهما قدیما من خشب و یعملونهما الآن من جلد یقول ع لا اعتراض علی فی التحکیم و قول الخوارج حکمت الرجال دعوی غیر صحیحة و إنّما حکمت القرآن و لکن القرآن لا ینطق بنفسه و لا بدّ له ممن یترجم عنه و الترجمان بفتح التاء و ضم الجیم هو مفسر اللغة بلسان آخر و یجوز ضم التاء لضمة الجیم قال الراجز کالترجمان لقی الأنباطا .

ثمّ قال لما دعینا إلی تحکیم الکتاب لم نکن القوم الذین قال اللّه تعالی فی حقهم وَ إِذٰا دُعُوا إِلَی اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ لِیَحْکُمَ بَیْنَهُمْ إِذٰا فَرِیقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (2) بل أجبنا إلی ذلک و عملنا بقول اللّه تعالی فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللّٰهِ وَ الرَّسُولِ (3) و قال معنی ذلک أن نحکم بالکتاب و السنة فإذا عمل الناس بالحق فی هذه الواقعة و اطرحوا الهوی و العصبیّة کنا أحق بتدبیر الأمة و بولایة الخلافة من المنازع لنا علیها

ص :104

فإن قلت إنّه ع لم یقل هکذا و إنّما قال إذا حکم بالصدق فی کتاب اللّه فنحن أولی به و إذا حکم بالسنة فنحن أحق بها .

قلت إنّه رفع نفسه ع أن یصرح بذکر الخلافة فکنی عنها و قال نحن إذا حکم بالکتاب و السنة أولی بالکتاب و السنة و یلزم من کونه أولی بالکتاب و السنة من جمیع الناس أن یکون أولی بالخلافة من جمیع الناس فدل علی ما کنی عنه بالأمر المستلزم له.

فإن قلت إذا کان الرجال الذین یترجمون القرآن و یفسرونه و قد کلفوا أن یحکموا فی واقعة أهل العراق و أهل الشام بما یدلهم القرآن علیه یجوز أن یختلفوا فی تفسیر القرآن و تأویله فیدعی صاحب أهل العراق من تفسیره ما یستدل به علی مراده و یدعی وکیل أهل الشام ما یقابل ذلک و یناقضه بطریق الشبهة التی تمسکوا بها من دم عثمان و من کون الإجماع لم یحصل علی بیعة أمیر المؤمنین ع احتاج الحکمان حینئذ إلی أن یحکم بینهما حکمان آخران و القول فیهما کالقول فی الأول إلی ما لا نهایة له و إنّما کان یکون التحکیم قاطعا للشغب لو کان القرآن ینص بالصریح الذی لا تأویل فیه إمّا علی أمیر المؤمنین ع و إمّا علی معاویة و لا نص صریح فیه بل الذی فیه یحتمل التأویل و التجاذب فما الذی یفید التحکیم و الحال تعود لا محالة جذعة قلت لو تأمل الحکمان الکتاب حق التأمل لوجدا فیه النصّ الصریح علی صحة خلافة أمیر المؤمنین ع لأن فیه النصّ الصریح علی أن الإجماع حجة و معاویة لم یکن مخالفا فی هذه المقدّمة و لا أهل الشام و إذا کان الإجماع حجة فقد وقع الإجماع لما توفی رسول اللّه ص علی أن اختیار خمسة من صلحاء المسلمین لواحد منهم و بیعته توجب لزوم طاعته و صحة خلافته و قد بایع أمیر المؤمنین ع

ص :105

خمسة من صلحاء الصحابة بل خمسون فوجب أن تصح خلافته و إذا صحت خلافته نفذت أحکامه و لم یجب علیه أن یقید بعثمان إلا أن حضر أولیاؤه عنده طائعین له مبایعین ملتزمین لأحکامه ثمّ بعد ذلک یطلبون القصاص من أقوام بأعیانهم یدعون علیهم دم المقتول فقد ثبت أن الکتاب لو تؤمل حقّ التأمل لکان الحق مع أهل العراق و لم یکن لأهل الشام من الشبهة ما یقدح فی استنباطهم المذکور .

ثمّ قال ع فأما ضربی للأجل فی التحکیم فإنما فعلته لأن الأناة و التثبت من الأمور المحمودة أما الجاهل فیعلم فیه ما جهله و أمّا العالم فیثبت فیه علی ما علمه فرجوت أن یصلح اللّه فی ذلک الأجل أمر هذه الأمة المفتونة .

و لا تؤخذ بأکظامها

جمع کظم و هو مخرج النفس یقول کرهت أن أعجل القوم عن التبین و الاهتداء فیکون إرهاقی لهم و ترکی للتنفیس عن خناقهم و عدولی عن ضرب الأجل بینی و بینهم أدعی إلی استفسادهم و أحری أن یرکبوا غیهم و ضلالهم و لا یقلعوا عن القبیح الصادر عنهم .

ثمّ قال أفضل الناس من آثر الحق و إن کرثه أی اشتد علیه و بلغ منه المشقة.

و یجوز أکرثه بالألف علی الباطل و إن انتفع به و أورثه زیادة .

ثمّ قال فأین یتاه بکم أی أین تذهبون فی التیه یعنی فی الحیرة و روی فأنی یتاه بکم .

و من أین أتیتم

أی کیف دخل علیکم الشیطان أو الشبهة و من أی المداخل دخل اللبس علیکم .

ثمّ أمرهم بالاستعداد للمسیر إلی حرب أهل الشام و ذکر أنهم موزعون بالجور

ص :106

أی ملهمون قال تعالی رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ (1) أی ألهمنی أوزعته بکذا و هو موزع به و الاسم و المصدر جمیعا الوزع بالفتح و استوزعت إلیه تعالی شکره فأوزعنی أی استلهمته فألهمنی.

و لا یعدلون عنه لا یترکونه إلی غیره و روی لا یعدلون به أی لا یعدلون بالجور شیئا آخر أی لا یرضون إلاّ بالظلم و الجور و لا یختارون علیهما غیرهما .

قوله جفاة عن الکتاب جمع جاف و هو النابی عن الشیء أی قد نبوا عن الکتاب لا یلائمهم و لا یناسبونه تقول جفا السرج عن ظهر الفرس إذا نبا و ارتفع و أجفیته أنا و یجوز أن یرید أنهم أعراب جفاة أی أجلاف لا أفهام لهم .

قوله نکب عن الطریق أی عادلون جمع ناکب نکب ینکب عن السبیل بضم الکاف نکوبا .

قوله و ما أنتم بوثیقة أی بذی وثیقة فحذف المضاف و الوثیقة الثقة یقال قد أخذت فی أمر فلان بالوثیقة أی بالثقة و الثقة مصدر .

و الزوافر العشیرة و الأنصار و یقال هم زافرتهم عند السلطان للذین یقومون بأمره عنده.

و قوله یعتصم إلیها أی بها فأناب إلی مناب الباء کقول طرفة و إن یلتق الحیّ الجمیع تلاقنی إلی ذروة البیت الرفیع المصمد (2) .

و حشاش النار ما تحش به أی توقد قال الشاعر أ فی أن أحش الحرب فیمن یحشها ألام و فی ألا أقر المخازیا.

ص :107

و روی حشاش بالفتح کالشیاع و هو الحطب الذی یلقی فی النار قبل الجزل و روی حشاش بضم الحاء و تشدید الشین جمع حاش و هو الموقد للنار .

قوله أُفٍّ لَکُمْ من الألفاظ القرآنیة و فیها لغات أف بالکسر و بالضم و بالفتح و أف منونا بالثلاث أیضا و یقال أفا و تفا و هو إتباع له و أفة و تفة و المعنی استقذار المعنی بالتأفیف .

قوله لقد لقیت منکم برحا أی شدة یقال لقیت منهم برحا بارحا أی شدة و أذی قال الشاعر أ جدک هذا عمرک اللّه کلما دعاک الهوی برح لعینک بارح (1) .

و یروی ترحا أی حزنا .

ثمّ ذکر أنّه ینادیهم جهارا طورا و یناجیهم سرا طورا فلا یجدهم أحرارا عند ندائه أی لا ینصرون و لا یجیبون و لا یجدهم ثقاتا و ذوی أمانة عند المناجاة أی لا یکتمون السر.

و النجاء المناجاة مصدر ناجیته نجاء مثل ضاربته ضرابا و صارعته صراعا

ص :108

و لا أطور به لا أقربه و لا تطر حولنا أی لا تقرب ما حولنا و أصله من طوار الدار و هو ما کان ممتدا معها من الفناء.

و قوله ما سمر سمیر یعنی الدهر أی ما أقام الدهر و ما بقی و الأشهر فی المثل ما سمر ابنا سمیر قالوا السمیر الدهر و ابناه اللیل و النهار و قیل ابنا سمیر اللیل و النهار لأنّه یسمر فیهما و یقولون لا أفعله السمر و القمر أی ما دام الناس یسمرون فی لیلة قمراء و لا أفعله سمیر اللیالی أی أبدا قال الشنفری هنالک لا أرجو حیاة تسرنی سمیر اللیالی مبسلا بالجرائر (1) .

قوله و ما أم نجم فی السماء نجما أی قصد و تقدم لأن النجوم تتبع بعضها بعضا فلا بدّ من تقدم و تأخر فلا یزال النجم یقصد نجما غیره و لا یزال النجم یتقدم نجما غیره .

و الخدین الصدیق یقول ع کیف تأمروننی أن أطلب النصر من اللّه بأن أجور علی قوم ولیت علیهم یعنی الذین لا سوابق لهم و لا شرف و کان عمر ینقصهم فی العطاء عن غیرهم .

ثمّ قال ع لو کان المال لی و أنا أفرقه بینهم لسویت فکیف و إنّما هو مال اللّه و فیئه ثمّ ذکر أن إعطاء المال فی غیر حقه تبذیر و إسراف و قد نهی اللّه عنه و أنّه یرفع صاحبه عند الناس و یضعه عند اللّه و أنّه لم یسلک أحد هذه المسلک إلاّ حرمه اللّه ود الذین یتحبب إلیهم بالمال و لو احتاج إلیهم یوما عند عثرة یعثرها لم یجدهم.

ص :110

و اعلم أن هذه مسألة فقهیة و رأی علی ع و أبی بکر فیها واحد و هو التسویة بین المسلمین فی قسمة الفیء و الصدقات و إلی هذا ذهب الشافعی رحمه اللّه و أما عمر فإنه لما ولی الخلافة فضل بعض الناس علی بعض ففضل السابقین علی غیرهم و فضل المهاجرین من قریش علی غیرهم من المهاجرین و فضل المهاجرین کافة علی الأنصار کافة و فضل العرب علی العجم و فضل الصریح علی المولی و قد کان أشار علی أبی بکر أیام خلافته بذلک فلم یقبل و قال إن لم یفضل أحدا علی أحد و لکنه قال إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاکِینِ (1) و لم یخص قوما دون قوم فلما أفضت إلیه الخلافة عمل بما کان أشار به أولا و قد ذهب کثیر من فقهاء المسلمین إلی قوله و المسألة محل اجتهاد و للإمام أن یعمل بما یؤدیه إلیه اجتهاده و إن کان اتباع علی ع عندنا أولی لا سیما إذا عضده موافقة أبی بکر علی المسألة و إن صح الخبر أن رسول اللّه ص سوی فقد صارت المسألة منصوصا علیها لأن فعله ع کقوله

ص :111

اَلْحَکَمَانِ لِیُحْیِیَا مَا أَحْیَا اَلْقُرْآنُ وَ یُمِیتَا مَا أَمَاتَ اَلْقُرْآنُ وَ إِحْیَاؤُهُ الاِجْتِمَاعُ عَلَیْهِ وَ إِمَاتَتُهُ الاِفْتِرَاقُ عَنْهُ فَإِنْ جَرَّنَا اَلْقُرْآنُ إِلَیْهِمْ اتَّبَعْنَاهُمْ وَ إِنْ جَرَّهُمْ إِلَیْنَا اتَّبَعُونَا فَلَمْ آتِ لاَ أَبَا لَکُمْ بُجْراً وَ لاَ خَتَلْتُکُمْ عَنْ أَمْرِکُمْ وَ لاَ لَبَّسْتُهُ عَلَیْکُمْ إِنَّمَا اجْتَمَعَ رَأْیُ مَلَئِکُمْ عَلَی اخْتِیَارِ رَجُلَیْنِ أَخَذْنَا عَلَیْهِمَا أَلاَّ یَتَعَدَّیَا اَلْقُرْآنَ فَتَاهَا عَنْهُ وَ تَرَکَا الْحَقَّ وَ هُمَا یُبْصِرَانِهِ وَ کَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا فَمَضَیَا عَلَیْهِ وَ قَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَیْهِمَا فِی الْحُکُومَةِ بِالْعَدْلِ وَ الصَّمْدِ لِلْحَقِّ سُوءَ رَأْیِهِمَا وَ جَوْرَ حُکْمِهِمَا .

لیس لقائل أن یقول له ع معتذرا عن الخوارج إنهم إنّما ضللوا عامة أمة محمد ص و حکموا بخطئهم و کفرهم و قتلهم بالسیف خبطا لأنّهم وافقوک فی تصویب التحکیم و هو عندهم کفر فلم یؤاخذوهم بذنبک کما قلت لهم و ذلک لأن أمیر المؤمنین ع ما قال هذه المقالة إلاّ لمن رأی منهم استعراض العامّة و قتل الأطفال حتّی البهائم فقد کان منهم قوم فعلوا ذلک و قد سبق منا شرح أفعالهم و وقائعهم بالناس و قالوا إن الدار دار کفر لا یجوز الکف عن أحد من أهلها فهؤلاء هم الذین وجه أمیر المؤمنین ع إلیهم خطابه و إنکاره دون غیرهم من فرق الخوارج

لازم و صحیح لأنّه لو کان صاحب الکبیرة کافرا لما صلی علیه رسول اللّه ص و لا ورثه من المسلم و لا مکنه من نکاح المسلمات و لا قسم علیه من الفیء و لأخرجه عن لفظ الإسلام .

و قد احتجت الخوارج لمذهبها بوجوه منها قوله تعالی وَ لِلّٰهِ عَلَی النّٰاسِ حِجُّ اَلْبَیْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعٰالَمِینَ (1) قالوا فجعل تارک الحجّ کافرا.

و الجواب أن هذه الآیة مجملة لأنّه تعالی لم یبین وَ مَنْ کَفَرَ بما ذا فیحتمل أن یرید تارک الحجّ و یحتمل أن یرید تارک اعتقاد وجوبه علی مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً فلا بدّ من الرجوع إلی دلالة و الظاهر أنّه أراد لزوم الکفر لمن کفر باعتقاد کون الحجّ غیر واجب أ لا تراه فی أول الآیة قال وَ لِلّٰهِ عَلَی النّٰاسِ حِجُّ اَلْبَیْتِ فأنبأ عن اللزوم ثمّ قال وَ مَنْ کَفَرَ بلزوم ذلک و نحن نقول إن من لم یقل لِلّٰهِ عَلَی النّٰاسِ حِجُّ اَلْبَیْتِ فهو کافر.

و منها قوله تعالی إِنَّهُ لاٰ یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکٰافِرُونَ (2) قالوا و الفاسق لفسقه و إصراره علیه آیس من روح اللّه فکان کافرا.

و الجواب أنا لا نسلم أن الفاسق آیس من روح اللّه مع تجویزه تلافی أمره بالتوبة و الإقلاع و إنّما یکون الیأس مع القطع و لیس هذه صفة الفاسق فأما الکافر الذی یجحد الثواب و العقاب فإنّه آیس من روح اللّه لأنّه لا تخطر له التوبة و الإقلاع و یقطع علی حسن معتقده.

و منها قوله تعالی وَ مَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِکَ هُمُ الْکٰافِرُونَ (3) و کل مرتکب للذنوب فقد حکم بغیر ما أنزل اللّه و لم یحکم بما أنزل اللّه.

ص :114

و الجواب أن هذا مقصور علی الیهود لأن ذکرهم هو المقدم فی الآیة قال سبحانه و تعالی سَمّٰاعُونَ لِلْکَذِبِ أَکّٰالُونَ لِلسُّحْتِ (1) ثم قال عقیب قوله هُمُ الْکٰافِرُونَ وَ قَفَّیْنٰا عَلیٰ آثٰارِهِمْ بِعِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ (2) فدل علی أنّها مقصورة علی الیهود .و منها قوله تعالی فَأَنْذَرْتُکُمْ نٰاراً تَلَظّٰی لاٰ یَصْلاٰهٰا إِلاَّ الْأَشْقَی اَلَّذِی کَذَّبَ وَ تَوَلّٰی (3) قالوا و قد اتفقنا مع المعتزلة علی أن الفاسق یصلی النار فوجب أن یسمی کافرا.

و الجواب أن قوله تعالی نٰاراً نکرة فی سیاق الإثبات فلا تعم و إنّما تعم النکرة فی سیاق النفی نحو قولک ما فی الدار من رجل و غیر ممتنع أن یکون فی الآخرة نار مخصوصة لا یصلاها إلاّ الذین کذبوا و تولوا و یکون للفساق نار أخری غیرها.

و منها قوله تعالی وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْکٰافِرِینَ (4) قالوا و الفاسق تحیط به جهنم فوجب أن یکون کافرا.

و الجواب أنّه لم یقل سبحانه و إن جهنم لا تحیط إلاّ بالکافرین و لیس یلزم من کونها محیطة بقوم ألا تحیط بقوم سواهم.

و منها قوله سبحانه یَوْمَ تَبْیَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِینَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ کَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمٰانِکُمْ فَذُوقُوا الْعَذٰابَ بِمٰا کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ (5) قالوا

ص :115

و الفاسق لا یجوز أن یکون ممن ابیضت وجوههم فوجب أن یکون ممن اسودت و وجب أن یسمی کافرا لقوله بِمٰا کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ .

و الجواب أن هذه القسمة لیست متقابلة فیجوز أن یکون المکلفون ثلاثة أقسام بیض الوجوه و سود الوجوه و صنف آخر ثالث بین اللونین و هم الفساق.

و منها قوله تعالی وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضٰاحِکَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ عَلَیْهٰا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهٰا قَتَرَةٌ أُولٰئِکَ هُمُ الْکَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (1) قالوا و الفاسق علی وجهه غبرة فوجب أن یکون من الکفرة و الفجرة.

و الجواب أنّه یجوز أن یکون الفساق قسما ثالثا لا غبرة علی وجوههم و لا هی مسفرة ضاحکة بل علی ما کانت علیه فی دار الدنیا.

و منها قوله تعالی ذٰلِکَ جَزَیْنٰاهُمْ بِمٰا کَفَرُوا وَ هَلْ نُجٰازِی إِلاَّ الْکَفُورَ (2) قالوا و الفاسق لا بدّ أن یجازی فوجب أن یکون کفورا.

و الجواب أن المراد بذلک وَ هَلْ نُجٰازِی بعقاب الاستئصال إِلاَّ الْکَفُورَ لأن الآیة وردت فی قصة أهل سبإ لکونهم استؤصلوا بالعقوبة.

و منها أنّه تعالی قال إِنَّ عِبٰادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطٰانٌ إِلاّٰ مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْغٰاوِینَ (3) و قال فی آیة أخری إِنَّمٰا سُلْطٰانُهُ عَلَی الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ (4) فجعل الغاوی الذی یتبعه مشرکا.

و الجواب أنا لا نسلم أن لفظة إنّما تفید الحصر و أیضا فإنّه عطف قوله

ص :116

وَ الَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ علی قوله اَلَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ فوجب أن یثبت التغایر بین الفریقین و هذا مذهبنا لأن اَلَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ هم الفساق وَ الَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ هم الکفّار.

و منها قوله تعالی وَ أَمَّا الَّذِینَ فَسَقُوا فَمَأْوٰاهُمُ اَلنّٰارُ إلی قوله تعالی وَ قِیلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذٰابَ اَلنّٰارِ الَّذِی کُنْتُمْ بِهِ تُکَذِّبُونَ (1) فجعل الفاسق مکذبا.

و الجواب أن المراد به الذین فسقوا عن الدین أی خرجوا عنه بکفرهم و لا شبهة أن من کان فسقه من هذا الوجه فهو کافر مکذب و لا یلزم منه أن کل فاسق علی الإطلاق فهو مکذب و کافر.

و منها قوله تعالی وَ لٰکِنَّ الظّٰالِمِینَ بِآیٰاتِ اللّٰهِ یَجْحَدُونَ (2) قالوا فأثبت الظالم جاحدا و هذه صفة الکفّار .

و الجواب أن المکلف قد یکون ظالما بالسرقة و الزنا و إن کان عارفا بالله تعالی و إذا جاز إثبات ظالم لیس بکافر و لا جاحد بآیات اللّه تعالی جاز إثبات فاسق لیس بکافر.

و منها قوله تعالی وَ مَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذٰلِکَ فَأُولٰئِکَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ (3) .

و الجواب أن هذه الآیة تدلّ علی أن الکافر فاسق و لا تدلّ علی أن الفاسق کافر.

و منها قوله تعالی فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوٰازِینُهُ فَأُولٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِینُهُ فَأُولٰئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِی جَهَنَّمَ خٰالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ اَلنّٰارُ وَ هُمْ فِیهٰا کٰالِحُونَ أَ لَمْ تَکُنْ آیٰاتِی تُتْلیٰ عَلَیْکُمْ فَکُنْتُمْ بِهٰا تُکَذِّبُونَ (4) .

ص :117

فنص سبحانه علی أن من تخف موازینه یکون مکذبا و الفاسق تخف موازینه فکان مکذبا و کل مکذب کافر.

الجواب أن ذلک لا یمنع من قسم ثالث و هم الذین لا تخف موازینهم و لا تثقل و هم الفساق و لا یلزم من کون کل مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِینُهُ یدخل النار ألا یدخل النار إلا مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِینُهُ .

و منها قوله تعالی هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ فَمِنْکُمْ کٰافِرٌ وَ مِنْکُمْ مُؤْمِنٌ (1) و هذا یقتضی أن من لا یکون مؤمنا فهو کافر و الفاسق لیس بمؤمن فوجب أن یکون کافرا.

و الجواب أن من هاهنا للتبعیض و لیس فی ذکر التبعیض نفی الثالث کما أن قوله وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلیٰ رِجْلَیْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلیٰ أَرْبَعٍ (2) لا ینفی وجود دابة تمشی علی أکثر من أربع کبعض الحشرات ثمّ نعود إلی الشرح قوله ع و من رمی به الشیطان مرامیه أی أضله کأنّه رمی به مرمی بعیدا فضل عن الطریق و لم یهتد إلیها .

قوله و ضرب به تیهه أی حیره و جعله تائها .

ثمّ قال ع یهلک فی رجلان فأحدهما من أفرط حبّه له و اعتقاده فیه حتّی ادعی له الحلول کما ادعت النصاری ذلک فی المسیح ع و الثانی من أفرط بغضه له حتّی حاربه أو لعنه أو برئ منه أو أبغضه هذه المراتب الأربع و البغض أدناها و هو

ص :118

موبق مهلک

1749

وَ فِی الْخَبَرِ الصَّحِیحِ الْمُتَّفَقِ عَلَیْهِ أَنَّهُ لاَ یُحِبُّهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَ لاَ یُبْغِضُهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ.

و حسبک بهذا الخبر ففیه وحده کفایة

بِحَفْرِ بِئْرَیْنِ فَحُفِرَتَا إِحْدَاهُمَا سَرَباً وَ الْأُخْرَی مَکْشُوفَةً وَ أَلْقَی الْحَطَبَ فِی الْمَکْشُوفَةِ وَ فَتَحَ بَیْنَهُمَا فَتْحاً وَ أَلْقَی النَّارَ فِی الْحَطَبِ فَدَخَّنَ عَلَیْهِمْ وَ جَعَلَ یَهْتِفُ بِهِمْ وَ یُنَاشِدُهُمْ لِیَرْجِعُوا إِلَی اَلْإِسْلاَمِ فَأَبَوْا فَأَمَرَ بِالْحَطَبِ وَ النَّارِ فَأُلْقِیَ عَلَیْهِمْ فَأُحْرِقُوا فَقَالَ الشَّاعِرُ لِتَرْمِ بِیَ الْمَنِیَّةُ حَیْثُ شَاءَتْ

قَالَ فَلَمْ یَبْرَحْ ع حَتَّی صَارُوا حُمَماً

.

ثمّ استترت هذه المقالة سنة أو نحوها ثمّ ظهر عبد اللّه بن سبإ و کان یهودیا یتستر بالإسلام بعد وفاة أمیر المؤمنین ع فأظهرها و اتبعه قوم فسموا السَّبَئِیَّةَ (1) و قالوا إن علیا ع لم یمت و إنّه فی السماء و الرعد صوته و البرق صوته و إذا سمعوا صوت الرعد قالوا السلام علیک یا أمیر المؤمنین و قالوا فی رسول اللّه ص أغلظ قول و افتروا علیه أعظم فریة فقالوا کتم تسعة أعشار الوحی فنعی علیهم قولهم الحسن بن علیّ بن محمّد بن الحنفیة رضی اللّه عنه فی رسالته التی یذکر فیها الإرجاء رواها عنه سلیمان بن أبی شیخ عن الهیثم بن معاویة عن عبد العزیز بن أبان عن عبد الواحد بن أیمن المکی قال شهدت الحسن بن علیّ بن محمّد بن الحنفیة یملی هذه الرسالة فذکرها و قال فیها و من قول هذه السبئیة هدینا لوحی ضل عنه الناس و علم خفی عنهم و زعموا أن رسول اللّه ص کتم تسعة أعشار الوحی و لو کتم ص شیئا ممّا أنزل اللّه علیه لکتم شأن امرأة زید و قوله تعالی تَبْتَغِی مَرْضٰاتَ أَزْوٰاجِکَ (2) .

ص :120

ثم ظهر المغیرة بن سعید (1) مولی بجیلة فأراد أن یحدث لنفسه مقالة یستهوی بها قوما و ینال بها ما یرید الظفر به من الدنیا فغلا فی علی ع و قال لو شاء علی لأحیا عادا و ثمود وَ قُرُوناً بَیْنَ ذٰلِکَ کَثِیراً .

1753

5- وَ رَوَی عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِیُّ قَالَ جَاءَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ سَعِیدٍ فَاسْتَأْذَنَ عَلَی أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ وَ قَالَ لَهُ أَخْبِرِ النَّاسَ إِنِّی أَعْلَمُ الْغَیْبَ وَ أَنَا أُطْعِمُکَ اَلْعِرَاقَ فَزَجَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ زَجْراً شَدِیداً وَ أَسْمَعَهُ مَا کَرِهَ فَانْصَرَفَ عَنْهُ فَأَتَی أَبَا هَاشِمٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِیَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِکَ وَ کَانَ أَبُو هَاشِمٍ أَیْداً فَوَثَبَ عَلَیْهِ فَضَرَبَهُ ضَرْباً شَدِیداً أَشْفَی بِهِ عَلَی الْمَوْتِ فَتَعَالَجَ حَتَّی بَرِئَ ثُمَّ أَتَی مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ کَانَ مُحَمَّدٌ سِکِّیتاً (2) فَقَالَ لَهُ کَمَا قَالَ لِلرَّجُلَیْنِ فَسَکَتَ مُحَمَّدٌ فَلَمْ یُجِبْهُ فَخَرَجَ وَ قَدْ طَمِعَ فِیهِ بِسُکُوتِهِ وَ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا هُوَ اَلْمَهْدِیُّ الَّذِی بَشَّرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَنَّهُ قَائِمُ أَهْلِ الْبَیْتِ وَ ادَّعَی أَنَّ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ ع أَوْصَی إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ثُمَّ قَدِمَ اَلْمُغِیرَةُ اَلْکُوفَةَ وَ کَانَ مُشَعْبِذاً فَدَعَا النَّاسَ إِلَی قَوْلِهِ وَ اسْتَهْوَاهُمْ وَ اسْتَغْوَاهُمْ فَاتَّبَعَهُ خَلْقٌ کَثِیرٌ وَ ادَّعَی عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِی خَنَقِ النَّاسِ وَ إِسْقَائِهِمُ السُّمُومَ وَ بَثَّ أَصْحَابَهُ فِی الْأَسْفَارِ یَفْعَلُونَ ذَلِکَ بِالنَّاسِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِنَّا نَخْنِقُ مَنْ لاَ نَعْرِفُ فَقَالَ لاَ عَلَیْکُمْ إِنْ کَانَ مِنْ أَصْحَابِکُمْ عَجَّلْتُمُوهُ إِلَی اَلْجَنَّةِ وَ إِنْ کَانَ مِنْ عَدُوِّکُمْ عَجَّلْتُمُوهُ إِلَی اَلنَّارِ وَ لِهَذَا السَّبَبِ کَانَ اَلْمَنْصُورُ یُسَمِّی مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اَلْخَنَّاقَ وَ یَنْحَلُهُ مَا ادَّعَاهُ عَلَیْهِ اَلْمُغِیرَةُ

.

ثمّ تفاقم أمر الغلاة بعد المغیرة و أمعنوا فی الغلو فادعوا حلول الذات الإلهیة

ص :121

المقدّسة فی قوم من سلالة أمیر المؤمنین ع و قالوا بالتناسخ و جحدوا البعث و النشور و أسقطوا الثواب و العقاب و قال قوم منهم إن الثواب و العقاب إنّما هو ملاذ هذه الدنیا و مشاقها و تولدت من هذه المذاهب القدیمة التی قال بها سلفهم مذاهب أفحش منها قال بها خلفهم حتّی صاروا إلی المقالة المعروفة بالنصیریة (1) و هی التی أحدثها محمّد بن نصیر النمیری و کان من أصحاب الحسن العسکریّ ع و المقالة المعروفة بالإسحاقیة و هی التی أحدثها إسحاق بن زید بن الحارث و کان من أصحاب عبد اللّه بن معاویة بن عبد اللّه بن جعفر بن أبی طالب کان یقول بالإباحة و إسقاط التکالیف و یثبت لعلی ع شرکة مع رسول اللّه ص فی النبوّة علی وجه غیر هذا الظاهر الذی یعرفه الناس

1754

10,11,12- وَ کَانَ مُحَمَّدُ بْنُ نُصَیْرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا فَلَمَّا مَاتَ ادَّعَی وَکَالَةً لاِبْنِ الْحَسَنِ الَّذِی تَقُولُ اَلْإِمَامِیَّةُ بِإِمَامَتِهِ فَفَضَحَهُ اللَّهُ تَعَالَی بِمَا أَظْهَرَهُ مِنَ الْإِلْحَادِ وَ الْغُلُوِّ وَ الْقَوْلِ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ ثُمَّ ادَّعَی أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَ نَبِیٌّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَی وَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا وَ جَحَدَ إِمَامَةَ الْحَسَنِ الْعَسْکَرِیِّ وَ إِمَامَةَ ابْنِهِ وَ ادَّعَی بَعْدَ ذَلِکَ الرُّبُوبِیَّةَ وَ قَالَ بِإِبَاحَةِ الْمَحَارِمِ

.

و للغلاة أقوال کثیرة طویلة عریضة و قد رأیت أنا جماعة منهم و سمعت أقوالهم و لم أر فیهم محصلا و لا من یستحق أن یخاطب و سوف أستقصی ذکر فرق الغلاة و أقوالهم فی الکتاب الذی کنت متشاغلا بجمعه و قطعنی عنه اهتمامی بهذا الشرح و هو الکتاب المسمی بمقالات الشیعة إن شاء اللّه تعالی قوله ع و الزموا السواد الأعظم و هو الجماعة و

1755

قَدْ جَاءَ فِی الْخَبَرِ عَنْ

ص :122

رَسُولِ اللَّهِ ص

هَذِهِ اللَّفْظَةُ الَّتِی ذَکَرَهَا ع وَ هِیَ یَدُ اللَّهِ عَلَی الْجَمَاعَةِ وَ لاَ یُبَالِی بِشُذُوذِ مَنْ شَذَّ.

و جاء فی معناها کثیر نحو

1756

قَوْلِهِ ع

اَلشَّیْطَانُ مَعَ الْوَاحِدِ وَ هُوَ مِنَ الاِثْنَیْنِ أَبْعَدُ.

و

1757

قَوْلِهِ لاَ تَجْتَمِعُ أُمَّتِی عَلَی خَطَإٍ.

و

1758

قَوْلِهِ سَأَلْتُ اللَّهَ أَلاَ تَجْتَمِعَ أُمَّتِی عَلَی خَطَإٍ فَأَعْطَانِیهَا.

و

1759

قَوْلِهِ مَا رَآهُ اَلْمُسْلِمُونَ حَسَناً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ.

و

1760

قَوْلِهِ لاَ تَجْتَمِعُ أُمَّتِی عَلَی ضَلاَلَةٍ وَ سَأَلْتُ رَبِّی أَلاَّ تَجْتَمِعَ أُمَّتِی عَلَی ضَلاَلَةٍ فَأَعْطَانِیهَا وَ لَمْ یَکُنِ اللَّهُ لِیَجْمَعَ أُمَّتِی عَلَی ضَلاَلٍ وَ لاَ خَطَإٍ.

و

1761

قَوْلِهِ ع عَلَیْکُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ.

و

1762

قَوْلِهِ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِیدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ اَلْإِسْلاَمِ عَنْ عُنُقِهِ. و

1763

قَوْلِهِ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مِیتَةً جَاهِلِیَّةً .

و

1764

قَوْلِهِ مَنْ سَرَّهُ بُحْبُوحَةُ اَلْجَنَّةِ فَیَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ.

و الأخبار فی هذا المعنی کثیرة جدا .

ثمّ قال ع من دعا إلی هذا الشعار فاقتلوه یعنی الخوارج و کان شعارهم أنهم یحلقون وسط رءوسهم و یبقی الشعر مستدیرا حوله کالإکلیل.

قال و لو کان تحت عمامتی هذه أی لو اعتصم و احتمی بأعظم الأشیاء حرمة فلا تکفوا عن قتله .

ثمّ ذکر أنه إنّما حکم الحکمان لیحییا ما أحیاه القرآن أی لیجتمعا علی ما شهد القرآن باستصوابه و استصلاحه و یمیتا ما أماته القرآن أی لیفترقا و یصدا و ینکلا عما کرهه القرآن و شهد بضلاله .

و البجر بضم الباء الشر العظیم قال الراجز أرمی علیها و هی شیء بجر

ص :123

أی داهیة .

و لا ختلتکم

أی خدعتکم ختله و خاتله أی خدعه و التخاتل التخادع و لا لبسته علیکم أی جعلته مشتبها ملتبسا ألبست علیهم الأمر ألبسه بالکسر .

و الملأ الجماعة من الناس و الصمد القصد.

قال سبق شرطنا سوء رأیهما لأنا اشترطنا علیهما فی کتاب الحکومة ما لا مضرة علینا مع تأمله فیما فعلاه من اتباع الهوی و ترک النصیحة للمسلمین

ص :124

و قوله لا یندب قتیلهم لیس یرید به من یقتلونه بل القتیل منهم و ذلک لأن أکثر الزنج الذین أشار إلیهم کانوا عبیدا لدهاقین البصرة و بناتها و لم یکونوا ذوی زوجات و أولاد بل کانوا علی هیئة الشطار عزابا فلا نادبة لهم.

و قوله و لا یفقد غائبهم یرید به کثرتهم و أنهم کلما قتل منهم قتیل سد مسده غیره فلا یظهر أثر فقده .

و قوله أنا کاب الدنیا لوجهها مثل الکلمات المحکیة

1765

عَنْ عِیسَی ع أَنَا الَّذِی کَبَبْتُ الدُّنْیَا عَلَی وَجْهِهَا لَیْسَ لِی زَوْجَةٌ تَمُوتُ وَ لاَ بَیْتٌ یَخْرَبُ وِسَادِیَ الْحَجَرُ وَ فِرَاشِیَ الْمَدَرُ وَ سِرَاجِیَ الْقَمَرُ.

أنه من عبد القیس و أنه علی بن محمّد بن عبد الرحیم و أمه أسدیة من أسد بن خزیمة جدها محمّد بن حکیم الأسدی من أهل الکوفة أحد الخارجین مع زید بن علیّ بن الحسین ع علی هشام بن عبد الملک فلما قتل زید هرب فلحق بالری و جاء إلی القریة التی یقال لها ورزنین فأقام بها مدة و بهذه القریة ولد علی بن محمّد صاحب الزنج و بها منشؤه و کان أبو أبیه المسمی عبد الرحیم رجلا من عبد القیس کان مولده بالطالقان فقدم العراق و اشتری جاریة سندیة فأولدها محمّدا أباه.

و کان علی هذا متصلا بجماعة من حاشیة السلطان و خول بنی العبّاس منهم غانم الشطرنجی و سعید الصغیر و بشیر (1) خادم المنتصر و کان منهم معاشه و من قوم من کتاب الدولة یمدحهم و یستمنحهم بشعره و یعلم الصبیان الخط و النحو و النجوم و کان حسن الشعر (2) مطبوعا علیه فصیح اللهجة بعید الهمة تسمو نفسه إلی معالی الأمور و لا یجد إلیها سبیلا و من شعره القصیدة المشهورة التی أولها

ص :127

رأیت المقام علی الاقتصاد

قنوعا به ذلة فی العباد.

و من جملتها إذا النار ضاق بها زندها

و من الشعر المنسوب إلیه و أنا لتصبح أسیافنا

و من شعره فی الغزل و لما تبینت المنازل بالحمی

و من شعره أیضا و إذا تنازعنی أقول لها قری

و قد ذکر المسعودی فی کتابه المسمی مروج الذهب أن أفعال علی بن محمّد صاحب الزنج تدل علی أنّه لم یکن طالبیا و تصدق ما رمی به من دعوته فی النسب لأن ظاهر حاله کان ذهابه إلی مذهب الأزارقة فی قتل النساء و الأطفال و الشیخ الفانی و المریض

ص :128

و قد روی أنّه خطب مرة فقال فی أول خطبته لا إله إلاّ اللّه و اللّه أکبر اللّه أکبر لا حکم إلاّ لله و کان یری الذنوب کلها شرکا (1) .

و من الناس من یطعن فی دینه و یرمیه بالزندقة و الإلحاد و هذا هو الظاهر من أمره لأنّه کان متشاغلا فی بدایته بالتنجیم و السحر و الأصطرلابات.

1766

وَ ذَکَرَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ

(2)

أَنَّ عَلِیَّ بْنَ مُحَمَّدٍ شَخَصَ مِنْ سَامِرَّاءَ وَ کَانَ یُعَلِّمُ الصِّبْیَانَ بِهَا وَ یَمْدَحُ الْکُتَّابَ وَ یَسْتَمِیحُ النَّاسَ فِی سَنَةِ تِسْعٍ وَ أَرْبَعِینَ وَ مِائَتَیْنِ إِلَی اَلْبَحْرَیْنِ فَادَّعَی بِهَا أَنَّهُ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع وَ دَعَا النَّاسَ بِهَجَرَ إِلَی طَاعَتِهِ فَاتَّبَعَهُ جَمَاعَةٌ کَثِیرَةٌ مِنْ أَهْلِهَا وَ اتَّبَعَهُ (3) جَمَاعَةٌ أُخْرَی فَکَانَتْ بِسَبَبِهِ بَیْنَ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ وَ الَّذِینَ أَبَوْهُ عَصَبِیَّةٌ قُتِلَ فِیهَا بَیْنَهُمْ جَمَاعَةٌ فَانْتَقَلَ عَنْهُمْ لَمَّا حَدَثَ ذَلِکَ إِلَی اَلْأَحْسَاءِ وَ ضَوَی (4) إِلَی حَیٍّ مِنْ بَنِی تَمِیمٍ ثُمَّ مِنْ بَنِی سَعْدٍ یُقَالُ لَهُمْ بَنُو الشَّمَّاسِ فَکَانَ بَیْنَهُمْ مُقَامَهُ وَ قَدْ کَانَ أَهْلُ اَلْبَحْرَیْنِ أَحَلُّوهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَحَلَّ النَّبِیِّ ص فِیمَا ذُکِرَ حَتَّی جُبِیَ لَهُ الْخَرَاجُ هُنَالِکَ وَ نَفَذَ حُکْمُهُ فِیهِمْ وَ قَاتَلُوا أَسْبَابَ السُّلْطَانِ لِأَجْلِهِ وَ وُتِرَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ کَثِیرَةٌ فَتَنَکَّرُوا لَهُ فَتَحَوَّلَ عَنْهُمْ إِلَی الْبَادِیَةِ وَ لَمَّا انْتَقَلَ إِلَی الْبَادِیَةِ صَحِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَحْرَیْنِ مِنْهُمْ رَجُلٌ کَیَّالٌ مِنْ أَهْلِ اَلْأَحْسَاءِ یُقَالُ لَهُ یَحْیَی بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْرَقُ مَوْلَی بَنِی دَارِمٍ وَ یَحْیَی بْنُ أَبِی

ص :129

ثَعْلَبٍ وَ کَانَ تَاجِراً مِنْ أَهْلِ هَجَرَ وَ بَعْضُ مَوَالِی بَنِی حَنْظَلَةَ أَسْوَدُ یُقَالُ لَهُ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ وَ کَانَ قَائِدَ جَیْشِهِ حَیْثُ کَانَ بِالْبَحْرَیْنِ .ثُمَّ تَنَقَّلَ فِی الْبَادِیَةِ مِنْ حَیٍّ إِلَی حَیٍّ فَذُکِرَ عَنْهُ أَنَّهُ کَانَ یَقُولُ أُوتِیتُ فِی تِلْکَ الْأَیَّامِ آیَاتٍ مِنْ آیَاتِ إِمَامَتِی مِنْهَا أَنِّی لُقِّیتُ سُوَراً مِنَ اَلْقُرْآنِ لَمْ أَکُنْ أَحْفَظُهَا فَجَرَی بِهَا لِسَانِی فِی سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا سُبْحَانَ وَ اَلْکَهْفُ وَ صَادٌ وَ مِنْهَا أَنِّی أَلْقَیْتُ نَفْسِی عَلَی فِرَاشِی وَ جَعَلْتُ أُفَکِّرُ فِی الْمَوْضِعِ الَّذِی أَقْصِدُ لَهُ وَ أَجْعَلُ مُقَامِی بِهِ إِذَا نَبَتِ الْبَادِیَةُ بِی وَ ضِقْتُ ذَرْعاً بِسُوءِ طَاعَةِ أَهْلِهَا فَأَظَلَّتْنِی سَحَابَةٌ فَبَرَقَتْ وَ رَعَدَتْ وَ اتَّصَلَ صَوْتُ الرَّعْدِ مِنْهَا بِسَمْعِی فَخُوطِبْتُ فَقِیلَ لِی اقْصُدِ اَلْبَصْرَةَ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِی وَ هُمْ یَکْتَنِفُونَنِی إِنِّی أُمِرْتُ بِصَوْتٍ مِنْ هَذَا الرَّعْدِ بِالْمَصِیرِ إِلَی اَلْبَصْرَةِ .وَ ذُکِرَ عَنْهُ أَنَّهُ عِنْدَ مَصِیرِهِ إِلَی الْبَادِیَةِ أُوهِمَ أَهْلُهَا أَنَّهُ یَحْیَی بْنُ عُمَرَ أَبُو الْحُسَیْنِ (1) الْمَقْتُولُ بِنَاحِیَةِ اَلْکُوفَةِ فِی أَیَّامِ اَلْمُسْتَعِینِ فَاخْتَدَعَ بِذَلِکَ قَوْماً مِنْهُمْ حَتَّی اجْتَمَعَ عَلَیْهِ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ فَزَحَفَ بِهِمْ إِلَی مَوْضِعٍ مِنَ اَلْبَحْرَیْنِ یُقَالُ لَهُ اَلرَّدْمُ فَکَانَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ أَهْلِهِ وَقْعَةٌ عَظِیمَةٌ کَانَتِ الدَّبْرَةُ (2) فِیهَا عَلَیْهِ وَ عَلَی أَصْحَابِهِ قُتِلُوا فِیهَا قَتْلاً ذَرِیعاً فَتَفَرَّقَتْ عَنْهُ اَلْعَرَبُ وَ کَرِهَتْهُ وَ تَجَنَّبَتْ صُحْبَتَهُ.

فَلَمَّا تَفَرَّقَتِ اَلْعَرَبُ عَنْهُ وَ نَبَتْ بِهِ الْبَادِیَةُ شَخَصَ عَنْهَا إِلَی اَلْبَصْرَةِ فَنَزَلَ بِهَا فِی بَنِی ضُبَیْعَةَ فَاتَّبَعَهُ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ الْمَعْرُوفُ بِالْمُهَلَّبِیِّ مِنْ وُلْدِ اَلْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِی صُفْرَةَ وَ أَخَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَ اَلْخَلِیلُ وَ غَیْرُهُمْ وَ کَانَ قُدُومُهُ اَلْبَصْرَةَ فِی سَنَةِ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِینَ وَ مِائَتَیْنِ

ص :130

وَ عَامِلُ السُّلْطَانِ بِهَا یَوْمَئِذٍ مُحَمَّدُ بْنُ رَجَاءٍ وَ وَافَقَ ذَلِکَ فِتْنَةَ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ بِالْبِلاَلِیَّةِ وَ اَلسَّعْدِیَّةِ فَطَمِعَ فِی أَحَدِ الْفَرِیقَیْنِ أَنْ یَمِیلَ إِلَیْهِ فَأَرْسَلَ أَرْبَعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ یَدْعُونَ إِلَیْهِ وَ هُمْ مُحَمَّدُ بْنُ سَلْمٍ الْقَصَّابُ الْهَجَرِیُّ وَ بُرَیْشٌ الْقُرَیْعِیُّ وَ عَلِیٌّ الضَّرَّابُ وَ اَلْحُسَیْنُ الصَّیْدَنَانِیُّ وَ هُمُ الَّذِینَ کَانُوا صَحِبُوهُ بِالْبَحْرَیْنِ فَلَمْ یَسْتَجِبْ لَهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَ ثَارَ عَلَیْهِمُ الْجُنْدُ فَتَفَرَّقُوا وَ خَرَجَ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنَ اَلْبَصْرَةِ هَارِباً وَ طَلَبَهُ اِبْنُ رَجَاءٍ فَلَمْ یَقْدِرْ عَلَیْهِ وَ أَخْبَرَ اِبْنُ رَجَاءٍ بِمَیْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ إِلَیْهِ فَأَخَذَهُمْ فَحَبَسَهُمْ وَ حَبَسَ مَعَهُمْ زَوْجَةَ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ ابْنَهُ الْأَکْبَرَ وَ جَارِیَةً لَهُ کَانَتْ حَامِلاً وَ مَضَی عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ لِوَجْهِهِ یُرِیدُ بَغْدَادَ وَ مَعَهُ قَوْمٌ مِنْ خَاصَّتِهِ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ سَلْمٍ وَ یَحْیَی بْنُ مُحَمَّدٍ وَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ وَ بُرَیْشٌ الْقُرَیْعِیُّ فَلَمَّا صَارُوا بِالْبَطِیحَةِ نَذِرَ بِهِمْ بَعْضُ مَوَالِی اَلْبَاهِلِیِّینَ کَانَ یَلِی أَمْرَ اَلْبَطِیحَةِ فَأَخَذَهُمْ وَ حَمَلَهُمْ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عَوْنٍ وَ هُوَ عَامِلُ السُّلْطَانِ بِوَاسِطٍ فَاحْتَالَ لاِبْنِ أَبِی عَوْنٍ حَتَّی تَخَلَّصَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ مِنْ یَدِهِ ثُمَّ صَارَ إِلَی بَغْدَادَ فَأَقَامَ بِهَا سَنَةً وَ انْتَسَبَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِیسَی بْنِ زَیْدٍ وَ کَانَ یَزْعُمُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَیَّامَ مُقَامِهِ بِبَغْدَادَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ آیَاتٌ وَ عَرَفَ مَا فِی ضَمَائِرِ أَصْحَابِهِ وَ مَا یَفْعَلُهُ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَ أَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ یُعَلِّمَهُ حَقِیقَةَ أُمُورٍ کَانَتْ فِی نَفْسِهِ فَرَأَی کِتَاباً یُکْتَبُ لَهُ عَلَی حَائِطٍ وَ لاَ یَرَی شَخْصَ کَاتِبِهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ اسْتَمَالَ بِبَغْدَادَ جَمَاعَةً مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصُّوحَانِیُّ مِنْ وُلْدِ زَیْدِ بْنِ صُوحَانَ الْعَبْدِیِّ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ وَ غُلاَمَانِ لِبَنِی خَاقَانَ (1) وَ هُمَا مُشْرِقٌ وَ رَفِیقٌ فَسَمَّی مُشْرِقاً حَمْزَةَ وَ کَنَّاهُ أَبَا أَحْمَدَ وَ سَمَّی رَفِیقاً جَعْفَراً وَ کَنَّاهُ أَبَا الْفَضْلِ فَلَمَّا انْقَضَی عَامَهُ ذَلِکَ بِبَغْدَادَ عُزِلَ مُحَمَّدُ بْنُ رَجَاءٍ عَنِ اَلْبَصْرَةِ فَوَثَبَتْ رُؤَسَاءُ الْفِتْنَةِ بِهَا مِنَ اَلْبِلاَلِیَّةِ وَ اَلسَّعْدِیَّةِ

ص :131

فَفَتَحُوا الْمَحَابِسَ وَ أَطْلَقُوا مَنْ کَانَ فِیهَا فَتَخَلَّصَ أَهْلُهُ وَ وُلْدُهُ فِیمَنْ تَخَلَّصَ فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِکَ شَخَصَ عَنْ بَغْدَادَ فَکَانَ رُجُوعُهُ إِلَی اَلْبَصْرَةِ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَ خَمْسِینَ وَ مِائَتَیْنِ وَ مَعَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیُّ وَ قَدْ کَانَ لَحِقَ بِهِ وَ هُوَ بِمَدِینَةِ السَّلاَمِ مُشْرِقٌ وَ رَفِیقٌ وَ أَرْبَعَةٌ أُخَرُ مِنْ خَوَاصِّهِ وَ هُمْ یَحْیَی بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلْمٍ وَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ وَ أَبُو یَعْقُوبَ الْمَعْرُوفُ بِجِرْبَانَ فَسَارُوا جَمِیعاً حَتَّی نَزَلُوا بِالْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِبَرْنَخْلَ مِنْ أَرْضِ اَلْبَصْرَةِ فِی قَصْرٍ هُنَاکَ یُعْرَفُ بِقَصْرِ الْقُرَشِیِّ عَلَی نَهَرٍ یُعْرَفُ بِعَمُودِ ابْنِ الْمُنَجِّمِ کَانَ بَنُو مُوسَی بْنِ الْمُنَجِّمِ احْتَفَرُوهُ وَ أَظْهَرَ أَنَّهُ وَکِیلٌ لِوُلْدِ اَلْوَاثِقِ فِی بَیْعِ مَا یَمْلِکُونَهُ هُنَاکَ مِنَ السِّبَاخِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَذَکَرَ عَنْ رَیْحَانِ بْنِ صَالِحٍ أَحَدِ غِلْمَانِ اَلشُّورْجِیِّینَ الزُّنُوجِ وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ صَحِبَهُ مِنْهُمْ قَالَ کُنْتُ مُوَکَّلاً بِغِلْمَانِ مَوْلاَیَ أَنْقُلُ الدَّقِیقَ إِلَیْهِمْ فَمَرَرْتُ بِهِ وَ هُوَ مُقِیمٌ بِقَصْرِ الْقُرَشِیِّ یُظْهِرُ الْوَکَالَةَ لِأَوْلاَدِ اَلْوَاثِقِ فَأَخَذَنِی أَصْحَابُهُ وَ صَارُوا بِی إِلَیْهِ وَ أَمَرُونِی بِالتَّسْلِیمِ عَلَیْهِ بِالْإِمْرَةِ فَفَعَلْتُ ذَلِکَ فَسَأَلَنِی عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِی جِئْتُ مِنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّی أَقْبَلْتُ مِنَ اَلْبَصْرَةِ فَقَالَ هَلْ سَمِعْتَ لَنَا بِالْبَصْرَةِ خَبَراً قُلْتُ لاَ قَالَ فَخَبَرُ اَلْبِلاَلِیَّةِ وَ اَلسَّعْدِیَّةِ قُلْتُ لَمْ أَسْمَعْ لَهُمْ خَبَراً فَسَأَلَنِی عَنْ غِلْمَانِ اَلشُّورْجِیِّینَ وَ مَا یَجْرِی لِکُلِّ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ مِنَ الدَّقِیقِ وَ السَّوِیقِ وَ التَّمْرِ وَ عَمَّنْ یَعْمَلُ فِی الشُّورْجِ مِنَ الْأَحْرَارِ وَ الْعَبِیدِ فَأَعْلَمْتُهُ ذَلِکَ فَدَعَانِی إِلَی مَا هُوَ عَلَیْهِ فَأَجَبْتُهُ فَقَالَ لِی احْتَلْ فِیمَنْ قَدَرْتَ عَلَیْهِ مِنَ الْغِلْمَانِ فَأَقْبِلْ بِهِمْ إِلَیَّ وَ وَعَدَنِی أَنْ یَقُودَنِی عَلَی مَنْ آتِیهِ بِهِ مِنْهُمْ وَ أَنْ یُحْسِنَ إِلَیَّ وَ اسْتَحْلَفَنِی أَلاَّ أُعْلِمَ أَحَداً بِمَوْضِعِهِ وَ أَنْ أَرْجِعَ إِلَیْهِ فَخَلَّی سَبِیلِی فَأَتَیْتُ بِالدَّقِیقِ الَّذِی مَعِی إِلَی غِلْمَانِ مَوْلاَیَ وَ أَخْبَرْتُهُمْ خَبَرَهُ وَ أَخَذْتُ لَهُ الْبَیْعَةَ عَلَیْهِمْ وَ وَعَدْتُهُمْ عَنْهُ بِالْإِحْسَانِ وَ الْغِنَی وَ رَجَعْتُ إِلَیْهِ مِنْ غَدِ ذَلِکَ الْیَوْمِ وَ قَدْ وَافَاهُ رَفِیقُ غُلاَمِ اَلْخَاقَانِیَّةِ (1)

ص :132

وَ قَدْ کَانَ وَجْهُهُ إِلَی اَلْبَصْرَةِ (1) یَدْعُو إِلَیْهِ غِلْمَانَ اَلشُّورْجِ وَ وَافَی إِلَیْهِ صَاحِبٌ لَهُ آخَرُ یُعْرَفُ بِشِبْلِ بْنِ سَالِمٍ (2) قَدْ کَانَ دَعَا إِلَیْهِ قَوْماً مِنْهُمْ أَیْضاً (3) وَ أَحْضَرَ مَعَهُ حَرِیرَةً کَانَ أَمَرَهُ بِابْتِیَاعِهَا لِیَتَّخِذَهَا لِوَاءً فَکَتَبَ فِیهَا بِالْحُمْرَةِ (4) إِنَّ اللّٰهَ اشْتَریٰ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ یُقٰاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّٰهِ (5) الْآیَةَ وَ کَتَبَ اسْمَهُ وَ اسْمَ أَبِیهِ عَلَیْهَا وَ عَلَّقَهَا فِی رَأْسِ مُرْدِیٍّ (6) وَ خَرَجَ وَقْتَ السَّحَرِ مِنْ لَیْلَةِ السَّبْتِ لِلَیْلَتَیْنِ بَقِیَتَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا صَارَ إِلَی مُؤَخَّرِ الْقَصْرِ الَّذِی کَانَ فِیهِ لَقِیَهُ غِلْمَانُ رَجُلٍ مِنَ اَلشُّورْجِیِّینَ یُعْرَفُ بِالْعَطَّارِ مُتَوَجِّهِینَ إِلَی أَعْمَالِهِمْ (7) فَأَمَرَ بِأَخْذِ وَکِیلِهِمْ فَأُخِذَ وَ کُتِّفَ وَ اسْتَضَمَّ غِلْمَانَهُ إِلَی غِلْمَانِهِ وَ کَانُوا خَمْسِینَ غُلاَماً ثُمَّ صَارَ إِلَی الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِالسَّنَائِیِّ فَاتَّبَعَهُ الْغِلْمَانُ الَّذِینَ کَانُوا فِیهِ وَ هُمْ خَمْسُمِائَةِ غُلاَمٍ فِیهِمُ الْغُلاَمُ الْمَعْرُوفُ بِأَبِی حَدِیدٍ وَ أَمَرَ بِأَخْذِ وَکِیلِهِمْ وَ کَتَّفَهُ ثُمَّ مَضَی إِلَی الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِالسِّیرَافِیِّ فَاتَّبَعَهُ مَنْ کَانَ فِیهِ مِنْ غِلْمَانٍ وَ هُمْ مِائَةٌ وَ خَمْسُونَ غُلاَماً مِنْهُمْ زُرَیْقٌ وَ أَبُو الْخَنْجَرِ ثُمَّ صَارَ إِلَی الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِسَبَخَةِ ابْنِ عَطَاءٍ فَأَخَذَ طَرِیفاً وَ صَبِیحاً الْأَعْسَرَ وَ رَاشِداً الْمَغْرِبِیَّ وَ رَاشِداً الْقَرْمَطِیَّ (8) وَ کُلُّ هَؤُلاَءِ مِنْ وُجُوهِ اَلزِّنْجِ وَ أَعْیَانِهِمُ الَّذِینَ صَارُوا قُوَّاداً وَ أُمَرَاءَ فِی جُیُوشِهِمْ وَ أَخَذَ مَعَهُمْ ثَمَانِینَ غُلاَماً.

ثُمَّ أَتَی إِلَی الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِغُلاَمِ سَهْلٍ الطَّحَّانِ فَاسْتَضَافَ مَنْ کَانَ بِهِ مِنَ الْغِلْمَانِ ثُمَّ لَمْ یَزَلْ یَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِکَ فِی یَوْمِهِ حَتَّی اجْتَمَعَ إِلَیْهِ بَشَرٌ کَثِیرٌ مِنَ اَلزِّنْجِ ثُمَّ قَامَ فِیهِمْ

ص :133

آخِرَ اللَّیْلِ خَطِیباً فَمَنَّاهُمْ وَ وَعَدَهُمْ أَنْ یَقُودَهُمْ وَ یُرَئِّسَهُمْ وَ یُمَلِّکَهُمُ الْأَمْوَالَ وَ الضِّیَاعَ وَ حَلَفَ لَهُمْ بِالْأَیْمَانِ الْغَلِیظَةِ أَلاَّ یَغْدِرَ بِهِمْ وَ لاَ یَخْذُلَهُمْ وَ لاَ یَدَعَ شَیْئاً مِنَ الْإِحْسَانِ إِلاَّ أَتَی إِلَیْهِمْ.

ثُمَّ دَعَا وُکَلاَءَهُمْ فَقَالَ قَدْ أَرَدْتُ ضَرْبَ أَعْنَاقِکُمْ لَمَّا کُنْتُمْ تَأْتُونَ إِلَی هَؤُلاَءِ الْغِلْمَانِ الَّذِینَ اسْتَضْعَفْتُمُوهُمْ وَ قَهَرْتُمُوهُمْ وَ فَعَلْتُمْ بِهِمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْکُمْ أَنْ تَفْعَلُوهُ بِهِمْ وَ کَلَّفْتُمُوهُمْ مَا لاَ یُطِیقُونَهُ فَکَلَّمَنِی أَصْحَابِی فِیکُمْ فَرَأَیْتُ إِطْلاَقَکُمْ.

فَقَالُوا لَهُ أَصْلَحَکَ اللَّهُ إِنَّ هَؤُلاَءِ الْغِلْمَانَ أُبَّاقٌ (1) وَ إِنَّهُمْ سَیَهْرَبُونَ مِنْکَ فَلاَ یَبْقَوْنَ عَلَیْکَ وَ لاَ عَلَیْنَا فَخُذْ مِنْ مَوَالِیهِمْ مَالاً وَ أَطْلِقْهُمْ.

فَأَمَرَ الْغِلْمَانَ فَأَحْضَرُوا (2) شُطُوباً ثُمَّ بَطَحَ کُلُّ قَوْمٍ وَکِیلَهُمْ فَضَرَبَ کُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ خَمْسَمِائَةِ شَطْبَةٍ وَ أَحْلَفَهُمْ بِطَلاَقِ نِسَائِهِمْ أَلاَّ یُعْلِمُوا أَحَداً بِمَوْضِعِهِ (3) ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ فَمَضَوْا نَحْوَ اَلْبَصْرَةِ وَ مَضَی رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّی عَبَرَ دُجَیْلَ الْأَهْوَازِ فَأَنْذَرَ اَلشُّورْجِیِّینَ لِیَحْفَظُوا غِلْمَانَهُمْ وَ کَانَ هُنَاکَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ غُلاَمٍ زِنْجِیٍّ (4) ثُمَّ سَارَ وَ عَبَرَ دُجَیْلاً وَ سَارَ إِلَی نَهَرِ مَیْمُونٍ بِأَصْحَابِهِ وَ اجْتَمَعَ إِلَیْهِ السُّودَانُ مِنْ کُلِّ جِهَةٍ.

فَلَمَّا کَانَ یَوْمُ الْفِطْرِ جَمَعَهُمْ وَ خَطَبَ خُطْبَةً ذَکَرَ فِیهَا مَا کَانُوا عَلَیْهِ مِنْ سُوءِ الْحَالِ وَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَدِ اسْتَنْقَذَهُمْ مِنْ ذَلِکَ وَ أَنَّهُ یُرِیدُ أَنْ یَرْفَعَ أَقْدَارَهُمْ وَ یُمَلِّکَهُمُ الْعَبِیدَ وَ الْأَمْوَالَ وَ الْمَنَازِلَ وَ یُبَلِّغَ بِهِمْ أَعْلَی الْأُمُورِ ثُمَّ حَلَفَ لَهُمْ عَلَی ذَلِکَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ

ص :134

أَمَرَ الَّذِینَ فَهِمَوا عَنْهُ قَوْلَهُ أَنْ یُفْهِمُوهُ مَنْ لاَ فَهْمَ لَهُ مِنْ عَجَمِهِمْ لِتَطِیبَ بِذَلِکَ أَنْفُسُهُمْ فَفَعَلُوا ذَلِکَ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَلَمَّا کَانَ فِی اَلْیَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ شَوَّالٍ وَافَاهُ اَلْحِمْیَرِیُّ أَحَدُ عُمَّالِ السُّلْطَانِ بِتِلْکَ النَّوَاحِی فِی عَدَدٍ کَثِیرٍ فَخَرَجَ إِلَیْهِ صَاحِبُ الزِّنْجِ فِی أَصْحَابِهِ فَطَرَدَهُ وَ هَزَمَ أَصْحَابَهُ حَتَّی صَارُوا فِی بَطْنِ دِجْلَةَ وَ اسْتَأْمَنَ إِلَی صَاحِبِ الزِّنْجِ رَجُلٌ مِنْ رُؤَسَاءِ السُّودَانِ یُعْرَفُ بِأَبِی صَالِحٍ الْقَصِیرِ فِی ثَلاَثِمِائَةٍ مِنَ اَلزِّنْجِ فَلَمَّا کَثُرَ مَنِ اجْتَمَعَ إِلَیْهِ مِنَ اَلزِّنْجِ قَوَّدَ قُوَّادَهُ وَ قَالَ لَهُمْ مَنْ أَتَی مِنْکُمْ بِرَجُلٍ مِنَ السُّودَانِ فَهُوَ مَضْمُومٌ إِلَیْهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ انْتَهَی إِلَیْهِ أَنَّ قَوْماً مِنْ أَعْوَانِ السُّلْطَانِ هُنَاکَ مِنْهُمْ خَلِیفَةُ بْنُ أَبِی عَوْنٍ عَلَی اَلْأَبْلَةِ وَ مِنْهُمُ اَلْحِمْیَرِیُّ قَدْ أَقْبَلُوا نَحْوَهُ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالاِسْتِعْدَادِ لَهُمْ فَاجْتَمَعُوا لِلْحَرْبِ وَ لَیْسَ فِی عَسْکَرِهِ یَوْمَئِذٍ إِلاَّ ثَلاَثَةُ أَسْیَافٍ سَیْفُهُ وَ سَیْفُ عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ وَ سَیْفُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ وَ لَحِقَهُ الْقَوْمُ وَ نَادَی اَلزِّنْجُ فَبَدَرَ مُفَرِّجٌ النَّوْبِیُّ وَ الْمُکَنَّی بِأَبِی صَالِحٍ وَ رَیْحَانُ بْنُ صَالِحٍ وَ فَتْحٌ الْحَجَّامُ وَ قَدْ کَانَ فَتْحٌ حِینَئِذٍ یَأْکُلُ وَ بَیْنَ یَدَیْهِ طِبْقٌ فَلَمَّا نَهَضَ تَنَاوَلَ ذَلِکَ الطِّبْقَ وَ تَقَدَّمَ أَمَامَ أَصْحَابِهِ فَلَقِیَهُ رَجُلٌ مِنْ عَسْکَرِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ فَلَمَّا رَآهُ فَتْحٌ حَمَلَ عَلَیْهِ وَ حَذَفَهُ بِالطِّبْقِ الَّذِی کَانَ فِی یَدِهِ فَرَمَی الرَّجُلُ (1) سِلاَحَهُ وَ وَلَّی هَارِباً وَ انْهَزَمَ الْقَوْمُ کُلُّهُمْ وَ کَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفِ فَذَهَبُوا عَلَی وُجُوهِهِمْ وَ قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَ مَاتَ بَعْضُهُمْ عَطَشاً وَ أُسِرَ کَثِیرٌ مِنْهُمْ فَأَتَی بِهِمْ صَاحِبَ الزِّنْجِ فَأَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ فَضُرِبَتْ وَ حُمِلَتِ الرُّءُوسُ عَلَی بِغَالٍ کَانَ أَخَذَهَا مِنَ اَلشُّورْجِیِّینَ کَانَتْ تَنْقُلُ اَلشُّورْجَ .

ص :135

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ مَرَّ فِی طَرِیقِهِ بِالْقَرْیَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْمُحَمَّدِیَّةِ (1) فَخَرَجَ مِنْهَا رَجُلٌ مِنْ مَوَالِی اَلْهَاشِمِیِّینَ فَحَمَلَ عَلَی بَعْضِ السُّودَانِ فَقَتَلَهُ وَ دَخَلَ الْقَرْیَةَ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ ائْذَنْ لَنَا فِی انْتِهَابِ الْقَرْیَةِ وَ طَلَبِ قَاتِلِ صَاحِبِنَا فَقَالَ لاَ سَبِیلَ إِلَی ذَلِکَ دُونَ أَنْ نَعْرِفَ مَا عِنْدَ أَهْلِهَا (2) وَ هَلْ فَعَلَ الْقَاتِلُ مَا فَعَلَ عَنْ رَأْیِهِمْ وَ نُسَائِلُهُمْ أَنْ یَدْفَعُوهُ إِلَیْنَا فَإِنْ فَعَلُوا وَ إِلاَّ حَلَّ (3) لَنَا قِتَالُهُمْ وَ عَجَّلَ الْمَسِیرَ مِنَ الْقَرْیَةِ فَتَرَکَهَا وَ سَارَ (4) .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ مَرَّ عَلَی الْقَرْیَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْکَرْخِ فَأَتَاهُ کُبَرَاؤُهَا وَ أَقَامُوا لَهُ الْأَنْزَالَ (5) وَ بَاتَ لَیْلَتَهُ تِلْکَ عِنْدَهُمْ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَهْدَی لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْقَرْیَةِ الْمُسَمَّاةُ جُبَّی فَرَساً کُمَیْتاً فَلَمْ یَجِدْ سَرْجاً وَ لاَ لِجَاماً فَرَکِبَهُ بِحَبْلٍ وَ سَنَفَهُ (6) بِحَبْلِ لِیفٍ.

قُلْتُ هَذَا تَصْدِیقُ قَوْلِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع کَأَنَّهُ بِهِ قَدْ سَارَ فِی الْجَیْشِ الَّذِی لَیْسَ لَهُ غُبَارٌ وَ لاَ لَجَبٌ وَ لاَ قَعْقَعَةُ لُجُمٍ وَ لاَ حَمْحَمَةُ خَیْلٍ یُثِیرُونَ الْأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ کَأَنَّهَا أَقْدَامُ النَّعَامِ .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَوَّلُ مَالٍ صَارَ إِلَیْهِ مِائَتَا دِینَارٍ وَ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمَّا نَزَلَ الْقَرْیَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِالْجَعْفَرِیَّةِ أَحْضَرَ بَعْضَ رُؤَسَائِهَا وَ سَأَلَهُ عَنِ الْمَالِ فَجَحَدَ فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فَلَمَّا خَافَ

ص :136

أَحْضَرَ لَهُ هَذَا الْقَدْرَ وَ أَحْضَرَ لَهُ ثَلاَثَةَ بَرَازِینَ کُمَیْتاً وَ أَشْقَرَ وَ أَشْهَبَ فَدَفَعَ أَحَدَهَا إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ وَ الْآخَرَ إِلَی یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ وَ الْآخَرَ إِلَی مُشْرِقٍ غُلاَمِ اَلْخَاقَانِیَّةِ وَ وَجَدُوا فِی دَارٍ لِبَعْضِ اَلْهَاشِمِیِّینَ سِلاَحاً فَانْتَهَبُوهُ فَصَارَ ذَلِکَ الْیَوْمَ بِأَیْدِی بَعْضِ اَلزِّنْجِ سُیُوفٌ وَ آلاَتٌ وَ أَتْرَاسٌ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ کَانَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ مَنْ یَلِیهِ مِنْ أَعْوَانِ السُّلْطَانِ کَالْحِمْیَرِیِّ وَ رُمَیْسٍ وَ عَقِیلٍ وَ غَیْرِهِمْ وَقَعَاتٌ کَانَ الظَّفَرُ فِیهَا کُلُّهَا لَهُ وَ کَانَ یَأْمُرُ بِقَتْلِ الْأَسْرَی وَ یَجْمَعُ الرُّءُوسَ مَعَهُ وَ یَنْقُلُهَا مِنْ مَنْزِلٍ إِلَی مَنْزِلٍ وَ یَنْصِبُهَا أَمَامَهُ إِذَا نَزَلَ وَ أَوْقَعَ الْهَیْبَةَ وَ الرَّهْبَةَ فِی صُدُورِ النَّاسِ بِکَثْرَةِ الْقَتْلَی وَ قِلَّةِ الْعَفْوِ وَ عَلَی الْخُصُوصِ الْمَأْسُورِینَ فَإِنَّهُ کَانَ یَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَ لاَ یَسْتَبْقِی مِنْهُمْ أَحَداً.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ کَانَ لَهُ مَعَ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ وَقْعَةٌ بَعْدَ ذَلِکَ سَارَ یُرِیدُهَا فِی سِتَّةِ آلاَفِ زِنْجِیٍّ فَاتَّبَعَهُ أَهْلُ النَّاحِیَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْجَعْفَرِیَّةِ لِیُحَارِبُوهُ فَعَسْکَرَ عَلَیْهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِیمَةً أَکْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ صَمَدَ نَحْوَ اَلْبَصْرَةِ وَ اجْتَمَعَ أَهْلُهَا وَ مَنْ بِهَا مِنَ الْجُنْدِ وَ حَارَبُوهُ حَرْباً شَدِیداً فَکَانَتِ الدَّائِرَةُ عَلَیْهِ وَ انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ وَ وَقَعَ کَثِیرٌ مِنْهُمْ فِی النَّهْرَیْنِ الْمَعْرُوفِینَ بِنَهْرِ کَثِیرٍ وَ نَهْرِ شَیْطَانٍ وَ جَعَلَ یَهْتِفُ بِهِمْ وَ یَرُدُّهُمْ وَ لاَ یَرْجِعُونَ وَ غَرِقَ مِنْ أَعْیَانِ جُنْدِهِ وَ قُوَّادِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْجَوْنِ وَ مُبَارَکٌ الْبَحْرَانِیُّ وَ عَطَاءٌ الْبَرْبَرِیُّ وَ سَلاَمٌ الشَّامِیُّ فَلَحِقَهُ قَوْمٌ مِنْ جُنْدِ اَلْبَصْرَةِ وَ هُوَ عَلَی قَنْطَرَةِ نَهْرِ کَثِیرٍ فَرَجَعَ إِلَیْهِمْ بِنَفْسِهِ وَ سَیْفُهُ فِی یَدِهِ فَرَجَعُوا عَنْهُ حَتَّی صَارُوا إِلَی الْأَرْضِ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ فِی دُرَّاعَةٍ (1) وَ عِمَامَةٍ وَ نَعْلٍ وَ سَیْفٍ وَ فِی یَدِهِ الْیُسْرَی تُرْسٌ وَ نَزَلَ عَنِ الْقَنْطَرَةِ فَصَعِدَهَا اَلْبَصْرِیُّونَ یَطْلُبُونَهُ فَرَجَعَ إِلَیْهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلاً بِیَدِهِ عَلَی خَمْسِ مَرَاقٍ مِنَ الْقَنْطَرَةِ وَ جَعَلَ یَهْتِفُ بِأَصْحَابِهِ وَ یَعْرِفُهُمْ مَکَانَهُ وَ لَمْ یَکُنْ بَقِیَ مَعَهُ فِی ذَلِکَ الْمَوْضِعِ مِنْ أَصْحَابِهِ

ص :137

إِلاَّ أَبُو الشَّوْکِ وَ مُصْلِحٌ وَ رَفِیقٌ وَ مُشْرِقٌ غُلاَمَا اَلْخَاقَانِیَّةِ وَ ضَلَّ أَصْحَابُهُ عَنْهُ وَ انْحَلَّتْ عِمَامَتُهُ فَبَقِیَ عَلَی رَأْسِهِ کَوْرٌ (1) مِنْهَا أَوْ کَوْرَانِ فَجَعَلَ یَسْحَبُهَا مِنْ وَرَائِهِ وَ یُعَجِّلُهُ الْمَشْیُ عَنْ رَفْعِهَا وَ أَسْرَعَ غُلاَمَا اَلْخَاقَانِیَّةِ فِی الاِنْصِرَافِ وَ قَصُرَ عَنْهُمَا فَغَابَا عَنْهُ فَاتَّبَعَهُ رَجُلاَنِ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ بِسَیْفَیْهِمَا فَرَجَعَ إِلَیْهِمَا فَانْصَرَفَا عَنْهُ وَ خَرَجَ إِلَی الْمَوْضِعِ الَّذِی فِیهِ مَجْمَعُ أَصْحَابِهِ وَ قَدْ کَانُوا تَحَیَّرُوا فَلَمَّا رَأَوْهُ سَکَنُوا.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ سَأَلَ عَنْ رِجَالِهِ وَ إِذَا قَدْ هَرَبَ کَثِیرٌ مِنْهُمْ وَ نَظَرَ فَإِذَا هُوَ مِنْ جَمِیعِ أَصْحَابِهِ فِی مِقْدَارِ خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ فَأَمَرَ بِالنَّفْخِ فِی البُوقِ الَّذِی کَانُوا یَجْتَمِعُونَ لِصَوْتِهِ فَنَفَخَ فِیهِ فَلَمْ یَرْجِعْ إِلَیْهِ أَحَدٌ.

قَالَ وَ انْتَهَبَ أَهْلُ اَلْبَصْرَةِ سُفُناً کَانَتْ مَعَهُ وَ ظَفِرُوا بِمَتَاعٍ مِنْ مَتَاعِهِ وَ کُتُبٍ مِنْ کُتُبِهِ وَ أُصْطُرْلاَبَاتٍ کَانَ مَعَهُ ثُمَّ تَلاَحَقَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ کَانَ هَرَبَ فَأَصْبَحَ وَ إِذَا مَعَهُ أَلْفُ رَجُلٍ فَأَرْسَلَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلْمٍ وَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ وَ یَحْیَی بْنُ مُحَمَّدٍ إِلَی أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ یَعِظُهُمْ وَ یُعْلِمُهُمْ أَنَّهُ لَمْ یَخْرُجْ إِلاَّ غَضَباً لِلَّهِ وَ لِلدِّینِ وَ نَهْیاً عَنِ الْمُنْکَرِ فَعَبَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلْمٍ حَتَّی تَوَسَّطَ أَهْلَ اَلْبَصْرَةِ وَ جَعَلَ یُکَلِّمُهُمْ وَ یُخَاطِبُهُمْ فَرَأَوْا مِنْهُ غِرَّةً فَوَثَبُوا عَلَیْهِ فَقَتَلُوهُ وَ رَجَعَ سُلَیْمَانُ وَ یَحْیَی إِلَی صَاحِبِ الزِّنْجِ فَأَخْبَرَاهُ فَأَمَرَهُمَا بِطَیِّ ذَلِکَ عَنْ أَصْحَابِهِ حَتَّی یَکُونَ هُوَ الَّذِی یُخْبِرُهُمْ.

فَلَمَّا صَلَّی بِهِمُ الْعَصْرَ نَعَی إِلَیْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ سَلْمٍ وَ قَالَ لَهُمْ إِنَّکُمْ تَقْتُلُونَ بِهِ فِی غَدٍ عَشَرَةَ آلاَفٍ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ کَانَ الْوَقْعَةُ الَّتِی کَانَتِ الدَّبْرَةُ عَلَیْهِ فِیهَا یَوْمَ الْأَحَدِ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ

ص :138

لَیْلَةً خَلَوْنَ مِنْ ذِی الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَ خَمْسِینَ وَ مِائَتَیْنِ فَلَمَّا کَانَ یَوْمُ الْإِثْنَیْنِ جَمَعَ لَهُ أَهْلُ اَلْبَصْرَةِ وَ حَشَدُوا لَمَّا رَأَوْا مِنْ ظُهُورِهِمْ عَلَیْهِ یَوْمَ الْأَحَدِ وَ انْتَدَبَ لِذَلِکَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ یُعْرَفُ بِحَمَّادٍ السَّاجِیِّ وَ کَانَ مِنْ غُزَاةِ الْبَحْرِ فِی الشَّذَا (1) وَ لَهُ عِلْمٌ بِرُکُوبِهَا وَ الْحَرْبِ فِیهَا فَجَمَعَ الْمُطَوِّعَةَ وَ رَمَاهُ الْأَهْدَافَ وَ أَهْلَ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَ مَنْ خَفَّ مَعَهُ مِنْ حِزْبَیِ اَلْبِلاَلِیَّةِ وَ اَلسَّعْدِیَّةِ وَ مِنْ غَیْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنَ اَلْهَاشِمِیِّینَ وَ اَلْقُرَشِیِّینَ وَ مَنْ یُحِبُّ النَّظَرَ وَ مُشَاهَدَةَ الْحَرْبِ مِنْ سَائِرِ أَصْنَافِ النَّاسِ وَ شَحَنَ ثَلاَثَةَ مَرَاکِبَ مِنَ الشَّذَا (2) بِالرُّمَاةِ وَ جَعَلَ النَّاسُ یَزْدَحِمُونَ فِی الشَّذَا حِرْصاً عَلَی حُضُورِ ذَلِکَ الْمَشْهَدِ وَ مَضَی جُمْهُورُ النَّاسِ رَجَّالَةً مِنْهُمْ مَنْ مَعَهُ سِلاَحٌ وَ مِنْهُمْ مَنْ لاَ سِلاَحَ مَعَهُ بَلْ نَظَّارَةٌ فَدَخَلَتِ السُّفُنُ النَّهْرَ الْمَعْرُوفَ بِأُمِّ حَبِیبٍ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ ذَلِکَ الْیَوْمِ فِی الْمَدِّ وَ مَرَّتِ الرَّجَّالَةُ وَ النَّظَّارَةُ عَلَی شَاطِئِ النَّهْرِ قَدْ سَدُّوا مَا یَنْفُذُ فِیهِ الْبَصَرُ کَثْرَةً وَ تَکَاثُفاً فَوَجَّهَ صَاحِبُ الزِّنْجِ صَاحِبَهُ زُرَیْقاً وَ أَبَا اللَّیْثِ الْأَصْبَهَانِیَّ فَجَعَلَهُمْ کَمِیناً مِنَ الْجَانِبِ الشَّرْقِیِّ مِنْ نَهْرٍ شَیْطَانٍ وَ کَانَ مُقِیماً بِمَوْضِعٍ مِنْهُ وَ وَجَّهَ صَاحِبَیْهِ شِبْلاً وَ حُسَیْناً الْحَمَّامِیَّ فَجَعَلَهُمَا کَمِیناً فِی غَرْبِیِّهٍ وَ مَعَ کُلٍّ مِنَ الْکَمِینَیْنِ جَمَاعَةٌ وَ أَمَرَ عَلِیَّ بْنَ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیَّ أَنْ یَتَلَقَّی الْقَوْمَ فِیمَنْ بَقِیَ مَعَهُ مِنْ جَمْعِهِ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَسْتَتِرَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ بِتِرَاسِهِمْ وَ لاَ یَثُورَ إِلَیْهِمْ مِنْهُ ثَائِرٌ حَتَّی یُوَافِیَهُمُ الْقَوْمُ وَ یُخَالِطُوهُمْ بِأَسْیَافِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِکَ ثَارُوا إِلَیْهِمْ وَ تَقَدَّمَ إِلَی الْکَمِینَیْنِ إِذَا جَاوَزَهُمَا الْجَمْعُ وَ أَحَسَّا بِثَوْرَةِ أَصْحَابِهِمْ إِلَیْهِمْ أَنْ یَخْرُجَا مِنْ جَنْبَیِ النَّهْرِ وَ یَصِیحَا بِالنَّاسِ.

وَ کَانَ یَقُولُ لِأَصْحَابِهِ بَعْدَ ذَلِکَ لَمَّا أَقْبَلَ إِلَیَّ جَمْعُ اَلْبَصْرَةِ وَ عَایَنْتُهُ رَأَیْتُ أَمْراً هَائِلاً رَاعَنِی وَ مَلَأَ صَدْرِی رَهْبَةً وَ جَزَعاً فَفَزِعْتُ إِلَی الدُّعَاءِ وَ لَیْسَ مَعِی مِنْ أَصْحَابِی إِلاَّ نَفَرٌ یَسِیرٌ مِنْهُمْ مُصْلِحٌ وَ لَیْسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ وَ قَدْ خُیِّلَ إِلَیْهِ مَصْرَعُهُ فَجَعَلَ مُصْلِحٌ یُعْجِبُنِی مِنْ

ص :139

کَثْرَةِ ذَلِکَ الْجَمْعِ وَ جَعَلْتُ أُومِئُ إِلَیْهِ أَنِ اسْکُتْ (1) فَلَمَّا قَرُبَ الْقَوْمُ مِنِّی قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذِهِ سَاعَةُ الْعُسْرَةِ فَأَعِنِّی فَرَأَیْتُ طُیُوراً بِیضاً أَقْبَلَتْ فَتَلَقَّتْ ذَلِکَ الْجَمْعَ فَلَمْ أَسْتَتِمَّ دُعَائِی حَتَّی بَصُرْتُ بِسُمَیْرِیَّةٍ (2) مِنْ سُفُنِهِمْ قَدِ انْقَلَبَتْ بِمَنْ فِیهَا فَغَرِقُوا ثُمَّ تَلَتْهَا الشَّذَا فَغَرِقَتْ وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَ ثَارَ أَصْحَابِی إِلَی الْقَوْمِ وَ خَرَجَ الکَمِینَانِ مِنْ جَنْبَیِ النَّهْرِ وَ صَاحُوا وَ خَبَّطُوا النَّاسَ فَغَرِقَتْ طَائِفَةٌ وَ قُتِلَتْ طَائِفَةٌ وَ هَرَبَتْ طَائِفَةٌ نَحْوَ الشَّطِّ طَمَعاً فَأَدْرَکَهَا السَّیْفُ فَمَنْ ثَبَتَ قُتِلَ وَ مَنْ رَجَعَ إِلَی الْمَاءِ غَرِقَ حَتَّی أُبِیدَ أَکْثَرُ ذَلِکَ الْجَمْعِ وَ لَمْ یَنْجُ مِنْهُمْ إِلاَّ الشَّرِیدُ وَ کَثُرَ الْمَفْقُودُونَ بِالْبَصْرَةِ وَ عَلاَ الْعَوِیلُ مِنْ نِسَائِهِمْ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ هَذَا یَوْمُ الشَّذَا الَّذِی ذَکَرَهُ النَّاسُ فِی أَشْعَارِهِمْ وَ عَظَّمُوا مَا فِیهِ مِنَ الْقَتْلِ فَکَانَ مِمَّنْ قُتِلَ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ جَمَاعَةٌ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَیْمَانَ (3) وَ انْصَرَفَ صَاحِبُ الزِّنْجِ (4) وَ جَمَعَ الرُّءُوسَ وَ مَلَأَ بِهَا سُفُناً وَ أَخْرَجَهَا مِنَ النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِأُمِّ حَبِیبٍ فِی الْجُزُرِ وَ أَطْلَقَهَا فَوَافَتِ اَلْبَصْرَةَ فَوَقَفَتْ فِی مَشْرَعَةٍ تُعْرَفُ بِمَشْرَعَةِ الْقَیَّارِ فَجَعَلَ النَّاسُ یَأْتُونَ تِلْکَ الرُّءُوسَ فَیَأْخُذُ رَأْسَ کُلِّ رَجُلٍ أَوْلِیَاؤُهُ وَ قَوِیَ صَاحِبُ الزِّنْجِ بَعْدَ هَذَا الْیَوْمِ وَ سَکَنَ الرُّعْبُ قُلُوبَ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ مِنْهُ وَ أَمْسَکُوا عَنْ حَرْبِهِ وَ کَتَبَ إِلَی السُّلْطَانِ بِخَبَرِهِ فَوَجَّهَ جُعْلاَنُ التُّرْکِیُّ مَدَداً لِأَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فِی جَیْشٍ ذَوِی عِدَّةٍ وَ أَسْلِحَةٍ (5) .

ص :140

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَالَ أَصْحَابُ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ لَهُ (1) إِنَّا قَدْ قَتَلْنَا مُقَاتِلَةَ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ وَ لَمْ یَبْقَ فِیهَا إِلاَّ ضُعَفَاؤُهُمْ وَ مَنْ لاَ حَرَاکَ بِهِ فَأْذَنْ لَنَا فِی تَقَحُّمِهَا فَنَهَاهُمْ (2) وَ هَجَنَ آرَاءَهُمْ وَ قَالَ بَلْ نَبْعُدُ عَنْهَا فَقَدْ رَعَبْنَاهُمْ وَ أَخَفْنَاهُمْ وَ لْنَقْتَحِمْهَا وَقْتاً آخَرَ وَ انْصَرَفَ بِأَصْحَابِهِ إِلَی سَبَخَةٍ فِی آخِرِ أَنْهَارِ اَلْبَصْرَةِ تُعْرَفُ بِسَبَخَةِ (3) أَبِی قُرَّةَ قَرِیبَةٍ مِنَ النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِالْحَاجِرِ فَأَقَامَ هُنَاکَ وَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِاتِّخَاذِ الْأَکْوَاخِ وَ هَذِهِ السَّبَخَةُ مُتَوَسِّطَةُ النَّخْلِ وَ الْقُرَی وَ الْعِمَارَاتِ وَ بَثَّ أَصْحَابَهُ یَمِیناً وَ شِمَالاً یَعِیثُونَ وَ یُغِیرُونَ عَلَی الْقُرَی وَ یَقْتُلُونَ الْأَکَرَةَ وَ یَنْهَبُونَ أَمْوَالَهُمْ وَ یَسْرِقُونَ مَوَاشِیَهُمْ (4) .

وَ جَاءَهُ شَخْصٌ مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ مِنَ اَلْیَهُودِ یُعْرَفُ بِمَارویه فَقَبَّلَ یَدَهُ وَ سَجَدَ لَهُ وَ سَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ کَثِیرَةٍ فَأَجَابَهُ عَنْهَا فَزَعَمَ اَلْیَهُودِیُّ أَنَّهُ یَجِدُ صِفَتَهُ فِی اَلتَّوْرَاةِ وَ أَنَّهُ یَرَی الْقِتَالَ مَعَهُ وَ سَأَلَهُ عَنْ عَلاَمَاتٍ فِی یَدِهِ وَ جَسَدِهِ ذَکَرَ أَنَّهَا مَذْکُورَةٌ فِی الْکُتُبِ فَأَقَامَ مَعَهُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ لَمَّا صَارَ جُعْلاَنُ التُّرْکِیُّ إِلَی اَلْبَصْرَةِ بِعَسْکَرِهِ أَقَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ یُحَارِبُ صَاحِبَ الزِّنْجِ فَإِذَا الْتَقَوْا لَمْ یَکُنْ بَیْنَهُمْ إِلاَّ الرَّمْیُ بِالْحِجَارَةِ وَ النُّشَّابِ وَ لَمْ یَجِدْ جُعْلاَنُ إِلَی لِقَائِهِ سَبِیلاً لِضِیقِ الْمَوْضِعِ بِمَا فِیهِ مِنَ النَّخْلِ وَ الدَّغَلِ (5) 2 عَنْ مَجَالِ الْخَیْلِ

ص :141

وَ لِأَنَّ صَاحِبَ الزِّنْجِ قَدْ کَانَ خَنْدَقَ عَلَی نَفْسِهِ وَ أَصْحَابِهِ.

ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ الزِّنْجِ بَیَّتَ جُعْلاَنَ فَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَ رُوِّعَ الْبَاقُونَ رَوْعاً شَدِیداً فَانْصَرَفَ جُعْلاَنُ إِلَی اَلْبَصْرَةِ وَ وَجَّهَ إِلَیْهِ مُقَاتِلَةَ اَلسَّعْدِیَّةِ وَ اَلْبِلاَلِیَّةِ فِی جَمْعٍ کَثِیفٍ فَوَاقَعَهُمْ صَاحِبُ الزِّنْجِ فَقَهَرَهُمْ وَ قَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِیمَةً وَ انْصَرَفُوا مَفْلُولِینَ وَ رَجَعَ جُعْلاَنُ بِأَصْحَابِهِ إِلَی اَلْبَصْرَةِ فَأَقَامَ بِهَا مُعْتَصِماً بِجُدْرَانِهَا وَ ظَهَرَ عَجْزُهُ لِلسُّلْطَانِ فَصَرَفَهُ عَنْ حَرْبِ اَلزِّنْجِ وَ أُمِرَ سَعِیدٌ الْحَاجِبُ بِالشُّخُوصِ إِلَی اَلْبَصْرَةِ لِحَرْبِهِمْ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ اتَّفَقَ لِصَاحِبِ الزِّنْجِ مِنَ السَّعَادَةِ أَنَّ أَرْبَعاً وَ عِشْرِینَ مَرْکَباً مِنْ مَرَاکِبِ الْبَحْرِ کَانَتْ اجْتَمَعَتْ تُرِیدُ اَلْبَصْرَةَ وَ انْتَهَی إِلَی أَصْحَابِهَا خَبَرُ اَلزِّنْجِ وَ قَطْعِهِمُ السُّبُلَ وَ فِیهَا أَمْوَالٌ عَظِیمَةٌ لِلتُّجَّارِ فَاجْتَمَعَتْ آرَاؤُهُمْ عَلَی أَنْ شَدُّوا الْمَرَاکِبَ بَعْضَهَا إِلَی بَعْضٍ حَتَّی صَارَتْ کَالْجَزِیرَةِ یَتَّصِلُ أَوَّلُهَا بِآخِرِهَا وَ سَارَتْ فِی دِجْلَةَ فَکَانَ صَاحِبُ الزِّنْجِ یَقُولُ نَهَضْتُ لَیْلَةً إِلَی الصَّلاَةِ وَ أَخَذْتُ فِی الدُّعَاءِ وَ التَّضَرُّعِ فَخُوطِبْتُ بِأَنْ قِیلَ لِی قَدْ أَظَلَّکَ فَتْحٌ عَظِیمٌ فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ طَلَعَتِ الْمَرَاکِبُ فَنَهَضَ أَصْحَابِی إِلَیْهَا فِی شَذَاتِهَا فَلَمْ یَلْبَثُوا أَنْ حَوَوْهَا وَ قَتَلُوا مُقَاتِلَتَهَا وَ سَبَوْا مَا فِیهَا مِنَ الرَّقِیقِ وَ غَنِمُوا مِنْهَا أَمْوَالاً لاَ تُحْصَی وَ لاَ یُعْرَفُ قَدْرُهَا فَأَنْهَبْتُ ذَلِکَ أَصْحَابِی ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ وَ أَمَرْتُ بِمَا بَقِیَ مِنْهَا فَحِیزَ لِی.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ دَخَلَ اَلزِّنْجُ اَلْأَبْلَةَ فِی شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَ خَمْسِینَ وَ مِائَتَیْنِ وَ ذَلِکَ أَنَّ جُعْلاَنَ لَمَّا تَنَحَّی إِلَی اَلْبَصْرَةِ أَلَحَّ صَاحِبُ الزِّنْجِ بِالسَّرَایَا عَلَی أَهْلِ اَلْأَبْلَةِ فَجَعَلَ یُحَارِبُهُمْ مِنْ نَاحِیَةِ شَطِّ عُثْمَانَ بِالرَّجَّالَةِ وَ بِمَا خَفَّ لَهُ مِنَ السُّفُنِ مِنْ نَاحِیَةِ دِجْلَةَ وَ جَعَلَتْ سَرَایَاهُ تَضْرِبُ إِلَی نَاحِیَةِ نَهَرِ مَعْقِلٍ .

ص :142

فَذُکِرَ عَنْ صَاحِبِ الزِّنْجِ أَنَّهُ قَالَ مَیَّلْتُ (1) بَیْنَ عَبَّادَانَ وَ اَلْأَبْلَةِ فَمِلْتُ إِلَی التَّوَجُّهِ إِلَی عَبَّادَانَ فَنَدَبْتُ الرِّجَالَ إِلَی ذَلِکَ فَخُوطِبْتُ وَ قِیلَ لِی إِنَّ أَقْرَبَ عَدُوٍّ دَاراً وَ أَوْلاَهُ أَلاَّ یَتَشَاغَلَ عَنْهُ بِغَیْرِهِ أَهْلُ اَلْأَبْلَةِ فَرَدَدْتُ بِالْجَیْشِ الَّذِی کُنْتُ سَیَّرْتُهُ نَحْوَ عَبَّادَانَ إِلَی اَلْأَبْلَةِ وَ لَمْ یَزَالُوا یُحَارِبُونَ (2) أَهْلَهَا إِلَی أَنِ اقْتَحَمُوهَا وَ أَضْرَمُوهَا نَاراً وَ کَانَتْ مَبْنِیَّةً بِالسَّاجِ بِنَاءً مُتَکَاثِفاً فَأَسْرَعَتْ فِیهَا النَّارُ وَ نَشَأَتْ رِیحٌ عَاصِفٌ فَأَطَارَتْ شَرَرُ ذَلِکَ الْحَرِیقِ إِلَی أَنِ انْتَهَی إِلَی شَطِّ عُثْمَانَ وَ قُتِلَ بِالْأَبْلَةِ خَلْقٌ کَثِیرٌ وَ حَوِیَتِ الْأَسْلاَبَ وَ الْأَمْوَالَ عَلَی أَنَّ الَّذِی أُحْرِقَ مِنْهَا کَانَ أَکْثَرَ مِمَّا انْتُهِبَ وَ اسْتَسْلَمَ أَهْلُ عَبَّادَانَ بَعْدَهَا لِصَاحِبِ الزِّنْجِ فَإِنَّ قُلُوبَهُمْ ضَعُفَتْ وَ خَافُوهُ عَلَی أَنْفُسِهِمْ وَ حَرَمِهِمْ فَأَعْطَوْا بِأَیْدِیهِمْ وَ سَلَّمُوا إِلَیْهِ بَلَدَهُمْ فَدَخَلَهَا أَصْحَابُهُ فَأَخَذُوا مَنْ کَانَ فِیهَا مِنَ الْعَبِیدِ وَ حَمَلُوا مَا کَانَ فِیهَا مِنَ السِّلاَحِ فَفَرَّقَهُ عَلَی أَصْحَابِهِ وَ صَانَعَهُ أَهْلُهَا بِمَالٍ کَفَّ بِهِ عَنْهُمْ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ دَخَلَ اَلزِّنْجُ بَعْدَ عَبَّادَانَ إِلَی اَلْأَهْوَازِ وَ لَمْ یَثْبُتْ لَهُمْ أَهْلُهَا فَأَحْرَقُوا مَا فِیهَا وَ قَتَلُوا وَ نَهَبُوا وَ أَخْرَبُوا فَکَانَ بِالْأَهْوَازِ إِبْرَاهِیمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُدَبِرُ الْکَاتِبُ وَ إِلَیْهِ خَرَاجُهَا (3) وَ ضِیَاعُهَا فَأَسَرُوهُ بَعْدَ أَنْ ضَرَبُوهُ ضَرْبَةً عَلَی وَجْهِهِ وَ حَوَوْا کُلَّ مَا کَانَ یَمْلِکُهُ مِنْ مَالٍ وَ أَثَاثٍ وَ رَقِیقٍ وَ کُرَاعٍ وَ اشْتَدَّ خَوْفُ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ وَ انْتَقَلَ کَثِیرٌ مِنْ أَهْلِهَا عَنْهَا وَ تَفَرَّقُوا فِی بِلاَدٍ شَتَّی وَ کَثُرَتِ الْأَرَاجِیفُ مِنْ عَوَامِّهَا.

ص :143

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَ خَمْسِینَ أَنْفَذَ السُّلْطَانُ بُغْرَاجَ التُّرْکِیَّ عَلَی حَرْبِ اَلْبَصْرَةِ وَ سَعِیدَ بْنَ صَالِحٍ الْحَاجِبَ لِلِقَاءِ صَاحِبِ الزِّنْجِ وَ أَمَرَ بُغْرَاجَ بِإِمْدَادِهِ بِالرِّجَالِ فَلَمَّا صَارَ سَعِیدٌ إِلَی نَهْرِ مَعْقِلٍ وَجَدَ هُنَاکَ جَیْشاً لِصَاحِبِ الزِّنْجِ فِی النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ بِالْمُرْغَابِ فَأَوْقَعَ بِهِمْ سَعِیدٌ فَهَزَمَهُمْ وَ اسْتَنْقَذَ مَا فِی أَیْدِیهِمْ مِنَ النِّسَاءِ وَ النَّهْبِ وَ أَصَابَتْ سَعِیداً فِی تِلْکَ الْوَقْعَةِ جِرَاحَاتٌ مِنْهَا جِرَاحَةٌ فِی فِیهِ.

ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ جَیْشاً لِصَاحِبِ الزِّنْجِ فِی الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِالْفُرَاتِ فَتَوَجَّهَ إِلَیْهِ فَهَزَمَهُ وَ اسْتَأْمَنَ إِلَیْهِ بَعْضُ قُوَّادِ صَاحِبِ الزِّنْجِ حَتَّی لَقَدْ کَانَ الْمَرْأَةُ مِنْ سُکَّانِ ذَلِکَ الْمَوْضِعِ تَجِدُ الزِّنْجِیَّ مُسْتَتِراً بِتِلْکَ الْأَدْغَالِ فَتَقْبِضُ عَلَیْهِ حَتَّی تَأْتِیَ بِهِ عَسْکَرَ سَعِیدٍ مَا بِهِ عَنْهَا امْتِنَاعٌ ثُمَّ قَصَدَ سَعِیدٌ حَرْبَ صَاحِبِ الزِّنْجِ فَعَبَرَ إِلَیْهِ إِلَی غَرْبِیِّ دِجْلَةَ فَأَوْقَعَ بِهِ وَقَعَاتٍ مُتَتَالِیَةً کُلُّهَا یَکُونُ الظَّفَرُ فِیهَا لِسَعِیدٍ إِلَی أَنْ تَهَیَّأَ لِصَاحِبِ الزِّنْجِ عَلَیْهِ أَنْ وَجَّهَ إِلَی یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِیِّ صَاحِبِهِ وَ هُوَ إِذْ ذَاکَ مُقِیمٌ بِنَهْرِ مَعْقِلٍ فِی جَیْشٍ مِنَ اَلزِّنْجِ فَأَمَرَهُ بِتَوْجِیهِ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَیْهِمْ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ وَ أَبُو اللَّیْثِ الْقَائِدَانِ وَ یَأْمُرُهُمَا بِقَصْدِ عَسْکَرِ سَعِیدٍ لَیْلاً حَتَّی یُوقِعَا بِهِ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَیْلَةٍ عَیَّنَهَا لَهُمْ فَفَعَلاَ ذَلِکَ وَ صَارَا إِلَی عَسْکَرِ سَعِیدٍ فِی ذَلِکَ الْوَقْتِ فَصَادَفَا مِنْهُ غِرَّةً وَ غَفْلَةً فَأَوْقَعَا بِهِ وَ بِأَصْحَابِهِ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِیمَةً وَ أَصْبَحَ سَعِیدٌ وَ قَدْ ضَعُفَ أَمْرُهُ وَ اتَّصَلَ بِالسُّلْطَانِ خَبَرُهُ فَأَمَرَهُ بِالاِنْصِرَافِ إِلَی بَابِ السُّلْطَانِ وَ تَسْلِیمِ الْجَیْشِ الَّذِی مَعَهُ إِلَی مَنْصُورِ بْنِ جَعْفَرٍ الْخَیَّاطِ وَ کَانَ إِلَیْهِ یَوْمَئِذٍ حَرْبُ اَلْأَهْوَازِ وَ کُوتِبَ بِحَرْبِ صَاحِبِ الزِّنْجِ وَ أَنْ یَصْمُدَ لَهُ فَکَانَتْ بَیْنَهُمْ وَقْعَةٌ کَانَ الظَّفَرُ فِیهَا لِلزِّنْجِ فَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ مَنْصُورٍ خَلْقٌ کَثِیرٌ عَظِیمٌ وَ حُمِلَ مِنَ الرُّءُوسِ خَمْسُمِائَةِ رَأْسٍ إِلَی عَسْکَرِ یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِیِّ الْقَائِدِ فَنُصِبَتْ عَلَی نَهَرِ مَعْقِلٍ .

ص :144

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ کَانَتْ بَیْنَ اَلزِّنْجِ وَ بَیْنَ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ بِالْأَهْوَازِ وَقَعَاتٌ کَثِیرَةٌ تَوَلاَّهَا عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیُّ فَقُتِلَ شَاهِینُ بْنُ بِسْطَامَ وَ کَانَ مِنْ أَکَابِرِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ وَ هُزِمَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ سِیمَا وَ کَانَ أَیْضاً مِنَ الْأُمَرَاءِ الْمَشْهُورِینَ وَ اسْتَوْلَی اَلزِّنْجُ عَلَی عَسْکَرِهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ کَانَتِ الْوَاقِعَةُ الْعُظْمَی بِالْبَصْرَةِ فِی هَذِهِ السَّنَةِ وَ ذَلِکَ أَنَّ صَاحِبَ الزِّنْجِ قَطَعَ الْمِیرَةَ عَنْهُمْ فَأَضَرَّ ذَلِکَ بِهِمْ وَ أَلَحَّ بِجُیُوشِهِ وَ زُنُوجِهِ عَلَیْهِمْ بِالْحَرْبِ صَبَاحاً وَ مَسَاءً فَلَمَّا کَانَ فِی شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ أَزْمَعَ عَلَی جَمْعِ أَصْحَابِهِ لِلْهُجُومِ عَلَی اَلْبَصْرَةِ وَ الْجِدِّ فِی خَرَاجِهَا وَ ذَلِکَ لِعِلْمِهِ بِضَعْفِ أَهْلِهَا وَ تَفَرُّقِهِمْ وَ إِضْرَارِ الْحِصَارِ بِهِمْ وَ خَرَابِ مَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَی وَ کَانَ قَدْ نَظَرَ فِی حِسَابِ اَلنُّجُومِ وَ وَقَفَ عَلَی انْکِسَافِ الْقَمَرِ اَللَّیْلَةَ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَذَکَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ اجْتَهَدْتُ فِی الدُّعَاءِ عَلَی أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ وَ ابْتَهَلْتُ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی فِی تَعْجِیلِ خَرَابِهَا فَخُوطِبْتُ وَ قِیلَ لِی إِنَّمَا اَلْبَصْرَةُ خُبْزَةٌ لَکَ (1) تَأْکُلُهَا مِنْ جَوَانِبِهَا فَإِذَا انْکَسَرَ نِصْفُ الرَّغِیفِ خَرِبَتِ اَلْبَصْرَةُ فَأَوَّلْتُ انْکِسَارَ نِصْفِ الرَّغِیفِ بِانْکِسَافِ نِصْفِ الْقَمَرِ الْمُتَوَقَّعِ فِی هَذِهِ اللَّیَالِی وَ مَا أَخْلَقَ أَمْرَ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ أَنْ یَکُونَ بَعْدَهُ قَالَ فَکَانَ یُحَدِّثُ بِهَذَا حَتَّی أَفَاضَ فِیهِ أَصْحَابُهُ وَ کَثُرَ تَرَدُّدُهُ فِی أَسْمَاعِهِمْ وَ إِجَالَتُهُمْ إِیَّاهُ بَیْنَهُمْ.

ثُمَّ نَدَبَ مُحَمَّدَ بْنَ یَزِیدَ الدَّارِمِیَّ وَ هُوَ أَحَدُ مَنْ کَانَ صَحِبَهُ بِالْبَحْرَیْنِ لِلْخُرُوجِ إِلَی

ص :145

اَلْأَعْرَابِ وَ اسْتِنْفَارِ مَنْ قَدَرَ عَلَیْهِ مِنْهُمْ فَأَتَاهُ مِنْهُمْ بِخَلْقٍ کَثِیرٍ وَ وَجَّهَ إِلَی اَلْبَصْرَةِ سُلَیْمَانَ بْنَ مُوسَی (1) الشَّعْرَانِیَّ فَأَمَرَهُ بِتَطَرُّقِ اَلْبَصْرَةِ وَ الْإِیقَاعِ بِأَهْلِهَا وَ تَقَدَّمَ إِلَی سُلَیْمَانَ بْنِ مُوسَی بِتَمْرِینِ (2) اَلْأَعْرَابِ عَلَی ذَلِکَ فَلَمَّا وَقَعَ الْکُسُوفُ أَنْهَضَ إِلَیْهَا عَلِیَّ بْنَ أَبَانٍ وَ ضَمَّ إِلَیْهِ جَیْشاً مِنَ اَلزِّنْجِ وَ طَائِفَةً مِنَ اَلْأَعْرَابِ وَ أَمَرَهُ بِإِتْیَانِ اَلْبَصْرَةِ مِمَّا یَلِی بَنِی سَعْدٍ وَ کَتَبَ إِلَی یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِیِّ فِی إِتْیَانِهَا مِمَّا یَلِی نَهْرَ عَدِیٍّ وَ ضَمَّ بَاقِیَ اَلْأَعْرَابِ إِلَیْهِ فَکَانَ أَوَّلَ مَنْ وَاقَعَ أَهْلَ اَلْبَصْرَةِ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ وَ بُغْرَاجُ التُّرْکِیُّ یَوْمَئِذٍ بِالْبَصْرَةِ فِی جَمَاعَةٍ مِنَ الْجُنْدِ فَأَقَامَ یُقَاتِلُهُمْ یَوْمَیْنِ وَ أَقْبَلَ یَحْیَی بْنُ مُحَمَّدٍ مِمَّا یَلِی قَصْرَ أَنَسٍ قَاصِداً نَحْوَ الْجِسْرِ فَدَخَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ الْبَلَدَ وَقْتَ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ بَقِینَ مِنْ شَوَّالٍ فَأَقْبَلَ یَقْتُلُ النَّاسَ وَ یُحْرِقُ الْمَنَازِلَ وَ الْأَسْوَاقَ بِالنَّارِ فَتَلَقَّاهُ بُغْرَاجُ وَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَیْمَانَ الْهَاشِمِیُّ الْمَعْرُوفُ بِبُرَیْهٍ وَ کَانَ وَجِیهاً مُقَدَّماً مُطَاعاً فِی جَمْعٍ عَظِیمٍ فَرَدَّاهُ فَرَجَعَ فَأَقَامَ لَیْلَتَهُ تِلْکَ (3) ثُمَّ غَادَاهُمْ وَ قَدْ تَفَرَّقَ جُنْدُ اَلْبَصْرَةِ فَلَمْ یَکُنْ فِی وَجْهِهِ أَحَدٌ یُدَافِعُهُ وَ انْحَازَ بُغْرَاجُ بِمَنْ مَعَهُ وَ هَرَبَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِیُّ الْمَعْرُوفُ بِبُرَیْهٍ فَوَضَعَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ السَّیْفَ فِی النَّاسِ وَ جَاءَ إِلَیْهِ إِبْرَاهِیمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُهَلَّبِیُّ وَ هُوَ ابْنُ عَمِّهِ فَاسْتَأْمَنَهُ لِأَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَحَضَرَ أَهْلُ اَلْبَصْرَةِ قَاطِبَةً فَأَمَّنَهُمْ وَ نَادَی مُنَادِیهِ مَنْ أَرَادَ الْأَمَانَ فَلْیَحْضُرْ دَارَ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُهَلَّبِیِّ فَحَضَرَ أَهْلُ اَلْبَصْرَةِ قَاطِبَةً حَتَّی مَلَئُوا الْأَزِقَّةَ فَلَمَّا رَأَی اجْتِمَاعَهُمْ انْتَهَزَ الْفُرْصَةَ فَأَمَرَ بِأَخْذِ السِّکَکِ وَ الطُّرُقِ عَلَیْهِمْ وَ غَدَرَ بِهِمْ وَ أَمَرَ اَلزُّنُوجَ بِوَضْعِ السَّیْفِ فِیهِمْ فَقُتِلَ کُلُّ مَنْ شَهِدَ ذَلِکَ الْمَشْهَدَ.

ص :146

ثُمَّ انْصَرَفَ آخِرَ نَهَارِ یَوْمِهِ ذَلِکَ فَأَقَامَ بِقَصْرِ عِیسَی بْنِ جَعْفَرٍ بِالْخُرَیْبَةِ .وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ سِمْعَانَ قَالَ کُنْتُ یَوْمَئِذٍ بِالْبَصْرَةِ فَمَضَیْتُ مُبَادِراً إِلَی مَنْزِلِی لِأَتَحَصَّنَ بِهِ وَ هُوَ فِی سِکَّةِ الْمِرْبَدِ فَلَقِیتُ أَهْلَ اَلْبَصْرَةِ هَارِبِینَ یَدْعُونَ بِالْوَیْلِ وَ الثُّبُورِ وَ فِی آخِرِهِمُ اَلْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَیْمَانَ الْهَاشِمِیُّ عَلَی بَغْلٍ مُتَقَلِّداً سَیْفاً یَصِیحُ بِالنَّاسِ وَیْحَکُمْ تُسَلِّمُونَ بَلَدَکُمْ وَ حَرَمَکُمْ هَذَا عَدُوُّکُمْ قَدْ دَخَلَ الْبَلَدَ فَلَمْ یَلْوُوا عَلَیْهِ وَ لَمْ یَسْمَعُوا مِنْهُ فَمَضَی هَارِباً وَ دَخَلْتُ أَنَا مَنْزِلِی وَ أَغْلَقْتُ بَابِی وَ أَشْرَفْتُ فَمَرَّ بِیَ اَلْأَعْرَابُ وَ رَجَّالَةُ اَلزِّنْجِ یَقْدُمُهُمْ رَجُلٌ عَلَی حَصَانٍ کُمَیْتٍ بِیَدِهِ رُمْحٌ وَ عَلَیْهِ عَذَبَةٌ صَفْرَاءُ فَسَأَلْتُ بَعْدَ ذَلِکَ عَنْهُ فَقِیلَ لِی إِنَّهُ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ .قَالَ وَ نَادَی مُنَادِی عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ مَنْ کَانَ مِنْ آلِ الْمُهَلَّبِ فَلْیَدْخُلْ دَارَ إِبْرَاهِیمَ بْنِ یَحْیَی الْمُهَلَّبِیِّ فَدَخَلَتْ جَمَاعَةٌ قَلِیلَةٌ وَ أَغْلَقَ الْبَابَ دُونَهُمْ ثُمَّ قِیلَ لِلزِّنْجِ دُونَکُمُ النَّاسَ فَاقْتُلُوهُمْ وَ لاَ تَبْقُوا مِنْهُمْ أَحَداً وَ خَرَجَ إِلَیْهِمْ أَبُو اللَّیْثِ الْأَصْفَهَانِیُّ أَحَدُ قَوْدِ اَلزِّنْجِ فَقَالَ لِلزِّنْجِ کِیلُوا وَ هِیَ الْعَلاَمَةُ الَّتِی کَانُوا یَعْرِفُونَهَا فِیمَنْ یُؤْمَرُونَ بِقَتْلِهِ فَأَخَذَ النَّاسُ السَّیْفَ قَالَ فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَأَسْمَعُ تَشَهُّدَهُمْ وَ ضَجِیجَهُمْ وَ هُمْ یُقْتَلُونَ وَ قَدِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالتَّشَهُّدِ حَتَّی سَمِعْتُ بِالطَّفَاوَةِ وَ هُوَ عَلَی بُعْدٍ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِی کَانُوا فِیهِ.

قَالَ ثُمَّ انْتَشَرَ اَلزِّنْجُ فِی سِکَکِ اَلْبَصْرَةِ وَ شَوَارِعِهَا یَقْتُلُونَ مَنْ وَجَدُوا وَ دَخَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ یَوْمَئِذٍ الْمَسْجِدَ فَأَحْرَقَهُ وَ بَلَغَ إِلَی الْکَلاَءِ فَأَحْرَقَهُ إِلَی الْجِسْرِ وَ أَخَذَتِ النَّارُ کُلَّ مَا مَرَّتْ بِهِ مِنْ إِنْسَانٍ وَ بَهِیمَةٍ وَ أَثَاثٍ وَ مَتَاعٍ ثُمَّ أَلَحُّوا بِالْغُدُوِّ وَ الرَّوَاحِ عَلَی مَنْ وَجَدُوهُ وَ یَسُوقُونَهُمْ إِلَی یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِیِّ وَ هُوَ نَازِلٌ بِبَعْضِ سِکَکَ اَلْبَصْرَةِ فَمَنْ کَانَ ذَا مَالٍ قَرَّرَهُ حَتَّی یَسْتَخْرِجَ مَالَهُ ثُمَّ یَقْتُلَهُ وَ مَنْ کَانَ مُخْتَلاًّ قَتَلَهُ مُعَجَّلاً.

ص :147

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَدْ کَانَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ کَفَّ بَعْضَ الْکَفِّ عَنِ الْعَیْثِ بِنَاحِیَةِ بَنِی سَعْدٍ وَ رَاقَبَ قَوْماً مِنَ اَلْمُهَلَّبِیِّینَ وَ أَتْبَاعِهِمْ فَانْتَهَی ذَلِکَ إِلَی عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ الزِّنْجِ فَصَرَفَهُ عَنِ اَلْبَصْرَةِ وَ أَقَرَّ یَحْیَی بْنَ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِیَّ بِهَا لِمُوَافَقَتِهِ عَلَی رَأْیِهِ فِی الْإِثْخَانِ فِی الْقَتْلِ وَ وُقُوعِ ذَلِکَ بِمَحَبَّتِهِ وَ کَتَبَ إِلَی یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ یَأْمُرُهُ بِإِظْهَارِ الْکَفِّ لِیَسْکُنَ النَّاسُ وَ یَظْهَرَ الْمَسْتَخْفِی وَ مَنْ قَدْ عُرِفَ بِالْیَسَارِ وَ الثَّرْوَةِ فَإِذَا ظَهَرَ فَلْیُؤْخَذُوا بِالدَّلاَلَةِ عَلَی مَا دَفَعُوهُ وَ أَخْفَوْهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَفَعَلَ یَحْیَی بْنُ مُحَمَّدٍ ذَلِکَ وَ کَانَ لاَ یَخْلُو فِی الْیَوْمِ مِنَ الْأَیَّامِ مِنْ جَمَاعَةٍ یُؤْتَی بِهِمْ فَمَنْ عَرَفَ مِنْهُمْ بِالْیَسَارِ اسْتَنْزَفَ مَا عِنْدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ وَ مَنْ ظَهَرَتْ لَهُ خَلَّتُهُ عَاجَلَهُ بِالْقَتْلِ حَتَّی لَمْ یَدَعْ أَحَداً ظَهَرَ لَهُ إِلاَّ قَتَلَهُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ لَمَّا انْتَهَی (1) إِلَی عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَظِیمُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُهُ بِالْبَصْرَةِ سَمِعْتُهُ یَقُولُ دَعَوْتُ عَلَی أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فِی غَدَاةِ الْیَوْمِ الَّذِی دَخَلَ فِیهِ أَصْحَابِی إِلَیْهَا وَ اجْتَهَدْتُ فِی الدُّعَاءِ وَ سَجَدْتُ وَ جَعَلْتُ أَدْعُو فِی سُجُودِی فَرُفِعَتْ إِلَیَّ اَلْبَصْرَةُ فَرَأَیْتُهَا وَ رَأَیْتُ أَصْحَابِی یُقَاتِلُونَ فِیهَا وَ رَأَیْتُ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ رَجُلاً وَاقِفاً فِی صُورَةِ جَعْفَرٍ الْمَعْلُوفِ الْمُتَوَلِّی کَانَ لِلاِسْتِخْرَاجِ فِی دِیوَانِ الْخَرَاجِ بِسَامِرَّاءَ وَ هُوَ قَائِمٌ قَدْ خَفَضَ یَدَهُ الْیُسْرَی وَ رَفَعَ یَدَهُ الْیُمْنَی یُرِیدُ قَلْبَ اَلْبَصْرَةِ فَعَلِمْتُ أَنَّ الْمَلاَئِکَةَ تَوَلَّتْ إِخْرَابَهَا دُونَ أَصْحَابِی وَ لَوْ کَانَ أَصْحَابِی تَوَلَّوْا ذَلِکَ مَا بَلَغُوا هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِیمَ الَّذِی یُحْکَی عَنْهَا وَ لَکِنَّ اللَّهَ تَعَالَی نَصَرَنِی بِالْمَلاَئِکَةِ وَ أَیَّدَنِی فِی حُرُوبِی وَ ثَبَّتَ بِهِمْ مَنْ ضَعُفَ قَلْبُهُ مِنْ أَصْحَابِی قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ انْتُسِبَ صَاحِبُ الزِّنْجِ (2) فِی هَذِهِ الْأَیَّامِ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَیْدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ بَعْدَ انْتِسَابِهِ الَّذِی کَانَ إِلَی أَحْمَدَ بْنِ عِیسَی بْنِ زَیْدٍ وَ ذَلِکَ لِأَنَّهُ بَعْدَ

ص :148

إِخْرَابِهِ اَلْبَصْرَةَ جَاءَ إِلَیْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلْعَلَوِیَّةِ الَّذِینَ کَانُوا بِالْبَصْرَةِ وَ أَتَاهُ فِیمَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ قَوْمٌ مِنْ وُلْدِ أَحْمَدَ بْنِ عِیسَی بْنِ زَیْدٍ فِی جَمَاعَةٍ مِنْ نِسَائِهِمْ وَ حَرَمِهِمْ فَلَمَّا خَافَهُمْ تَرَکَ الاِنْتِسَابَ إِلَی أَحْمَدَ بْنِ عِیسَی وَ انْتَسَبَ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَیْدٍ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَحَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ (1) کُنْتُ حَاضِراً عِنْدَهُ وَ قَدْ حَضَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلنَّوْفَلِیِّینَ (2) فَقَالَ لَهُ اَلْقَاسِمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّوْفَلِیُّ إِنَّهُ انْتَهَی إِلَیْنَا أَنَّ الْأَمِیرَ (3) مِنْ وُلْدِ أَحْمَدَ بْنِ عِیسَی بْنِ زَیْدٍ فَقَالَ لَسْتُ مِنْ وُلْدِ عِیسَی أَنَا مِنْ وُلْدِ یَحْیَی بْنِ زَیْدٍ .قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَانْتَقَلَ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ عِیسَی بْنِ زَیْدٍ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَیْدٍ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلَی یَحْیَی بْنِ زَیْدٍ وَ هُوَ کَاذِبٌ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ وَاقِعٌ عَلَی أَنَّ یَحْیَی بْنَ زَیْدٍ مَاتَ وَ لَمْ یُعَقِّبْ وَ لَمْ یُولَدْ لَهُ إِلاَّ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ مَاتَتْ وَ هِیَ تَرْضَعُ.

فهذا ما ذکره أبو جعفر الطبریّ فی التاریخ الکبیر .

1767

وَ ذَکَرَ عَلِیُّ بْنُ الْحَسَنِ الْمَسْعُودِیُّ فِی مُرُوجِ الذَّهَبِ أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ بِالْبَصْرَةِ هَلَکَ فِیهَا مِنْ أَهْلِهَا ثَلاَثُمِائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ وَ أَنَّ عَلِیَّ بْنَ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْوَاقِعَةِ نَصَبَ مِنْبَراً فِی الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِبَنِی یَشْکُرَ صَلَّی فِیهِ یَوْمَ الْجُمُعَةِ وَ خَطَبَ لِعَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ الزِّنْجِ وَ تَرَحَّمَ بَعْدَ ذَلِکَ عَلَی أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ وَ لَمْ یَذْکُرْ عُثْمَانَ وَ لاَ عَلِیّاً ع فِی خُطْبَتِهِ وَ لَعَنَ أَبَا مُوسَی الْأَشْعَرِیَّ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ مُعَاوِیَةَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ قَالَ

ص :149

وَ هَذَا یُؤَکِّدُ مَا ذَکَرْنَاهُ وَ حَکَیْنَاهُ مِنْ رَأْیِهِ وَ أَنَّهُ کَانَ یَذْهَبُ إِلَی قَوْلِ اَلْأَزَارِقَةِ . قَالَ وَ اسْتَخْفَی مَنْ سَلِمَ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فِی آبَارِ الدُّورِ فَکَانُوا یَظْهَرُونَ لَیْلاً فَیَطْلُبُونَ الْکِلاَبَ فَیَذْبَحُونَهَا وَ یَأْکُلُونَهَا وَ الْفَأْرَ وَ السَّنَانِیرَ فَأَفْنَوْهَا حَتَّی لَمْ یَقْدِرُوا عَلَی شَیْءٍ مِنْهَا فَصَارُوا إِذَا مَاتَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَکَلُوهُ فَکَانَ یُرَاعِی بَعْضُهُمْ مَوْتَ بَعْضٍ وَ مَنْ قَدَرَ عَلَی صَاحِبِهِ قَتَلَهُ وَ أَکَلَهُ وَ عَدِمُوا مَعَ ذَلِکَ الْمَاءَ وَ ذُکِرَ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ أَنَّهَا حَضَرَتِ امْرَأَةً قَدِ احْتُضِرَتْ وَ عِنْدَهَا أُخْتُهَا وَ قَدِ احْتَوَشُوهَا یَنْتَظِرُونَ أَنْ تَمُوتَ فَیَأْکُلُوا لَحْمَهَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ فَمَا مَاتَتْ حَسْنَاءُ حَتَّی ابْتَدَرْنَاهَا فَقَطَعْنَا لَحْمَهَا فَأَکَلْنَاهُ وَ لَقَدْ حَضَرَتْ أُخْتُهَا وَ نَحْنُ عَلَی شَرِیعَةِ عِیسَی بْنِ حَرْبٍ وَ هِیَ تَبْکِی وَ مَعَهَا رَأْسُ الْمَیِّتِ فَقَالَ لَهَا قَائِلٌ وَیْحَکِ مَا لَکِ تَبْکِینَ فَقَالَتْ اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ عَلَی أُخْتِی فَمَا تَرَکُوهَا تَمُوتُ حَسْنَاءُ حَتَّی قَطَعُوهَا وَ ظَلَمُونِی فَلَمْ یُعْطُونِی مِنْ لَحْمِهَا شَیْئاً إِلاَّ الرَّأْسَ وَ إِذَا هِیَ تَبْکِی شَاکِیَةً مِنْ ظُلْمِهِمْ لَهَا فِی أُخْتِهَا.

قَالَ وَ کَانَ مِثْلُ هَذَا وَ أَکْثَرُ مِنْهُ وَ أَضْعَافُهُ وَ بَلَغَ مِنْ أَمْرِ عَسْکَرِهِ أَنَّهُ یُنَادَی فِیهِ عَلَی الْمَرْأَةِ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ وَ اَلْحُسَیْنِ وَ اَلْعَبَّاسِ وَ غَیْرِهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَیْشٍ فَکَانَتِ الْجَارِیَةُ تُبَاعُ مِنْهُمْ بِدِرْهَمَیْنِ وَ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ وَ یُنَادَی عَلَیْهَا بِنَسَبِهَا هَذِهِ ابْنَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ وَ أَخَذَ کُلُّ زِنْجِیٍّ مِنْهُمُ الْعِشْرِینَ وَ الثَّلاَثِینَ یَطَؤُهُنَّ اَلزِّنْجُ وَ یَخْدُمْنَ النِّسَاءَ اَلزِّنْجِیَّاتِ کَمَا تَخْدُمُ الْوَصَائِفُ وَ لَقَدِ اسْتَغَاثَتْ إِلَی صَاحِبِ الزِّنْجِ امْرَأَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ ع وَ کَانَتْ عِنْدَ بَعْضِ اَلزِّنْجِ وَ سَأَلَتْهُ أَنْ یُعْتِقَهَا مِمَّا هِیَ فِیهِ أَوْ یَنْقُلَهَا مِنْ عِنْدِهِ إِلَی غَیْرِهِ فَقَالَ لَهَا هُوَ مَوْلاَکِ وَ هُوَ أَوْلَی بِکِ (1) .

1768

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَشْخَصَ السُّلْطَانُ لِحَرْبِ صَاحِبِ الزِّنْجِ مُحَمَّداً الْمَعْرُوفَ بِالْمُوَلَّدِ فِی جَیْشٍ

ص :150

کَثِیفٍ فَجَاءَ حَتَّی نَزَلَ اَلْأَبْلَةَ وَ کَتَبَ صَاحِبُ الزِّنْجِ إِلَی یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِیِّ یَأْمُرُهُ بِالْمَصِیرِ إِلَیْهِ فَصَارَ إِلَیْهِ بِزُنُوجِهِ وَ أَقَامَ عَلَی مُحَارَبَتِهِ عَشَرَةَ أَیَّامٍ ثُمَّ فَتَرَ اَلْمُوَلَّدُ عَنِ الْحَرْبِ وَ کَتَبَ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ إِلَی یَحْیَی یَأْمُرُهُ أَنْ یُبَیِّتَهُ فَبَیَّتَهُ فَهَزَمَهُ وَ دَخَلَ اَلزِّنْجُ عَسْکَرَهُ فَغَنِمُوا مَا فِیهِ وَ کَتَبَ یَحْیَی إِلَی صَاحِبِ الزِّنْجِ یُخْبِرُهُ فَأَمَرَهُ بِاتِّبَاعِهِ فَاتَّبَعَهُ إِلَی الْحَوَانِیتِ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَمَرَّ بِالْجَامِدَةِ وَ أَوْقَعَ بِأَهْلِهَا وَ انْتَهَبَ کُلَّ مَا کَانَ فِی تِلْکَ الْقُرَی وَ سَفَکَ مَا قَدَرَ عَلَی سَفْکِهِ مِنَ الدِّمَاءِ ثُمَّ عَادَ إِلَی نَهَرِ مَعْقِلٍ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ اتَّصَلَتِ الْأَخْبَارُ بِسَامَرَّاءَ وَ بَغْدَادَ وَ بِالْقُوَّادِ وَ الْمَوَالِی وَ أَهْلِ الْحَضْرَةِ بِمَا جَرَی عَلَی أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَقَامَتْ عَلَیْهِمُ الْقِیَامَةُ وَ عَلِمَ اَلْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لاَ یُرْتَقُ هَذَا الْفَتْقُ إِلاَّ بِأَخِیهِ أَبِی أَحْمَدَ طَلْحَةَ بْنِ الْمُتَوَکِّلِ وَ کَانَ مَنْصُوراً مُؤَیَّداً عَارِفاً بِالْحَرْبِ وَ قِیَادَةِ الْجُیُوشِ وَ هُوَ الَّذِی أَخَذَ بَغْدَادَ لِلْمُعْتَزِّ وَ کَسَرَ جُیُوشَ اَلْمُسْتَعِینَ وَ خَلَعَهُ مِنَ الْخِلاَفَةِ وَ لَمْ یَکُنْ لِبَنِی الْعَبَّاسِ فِی هَذَا الْبَابِ مِثْلُهُ وَ مِثْلُ ابْنِهِ أَبِی الْعَبَّاسِ فَعَقَدَ لَهُ اَلْمُعْتَمَدُ عَلَی دِیَارِ مُضَرَ وَ قِنَّسْرِینَ وَ اَلْعَوَاصِمِ وَ جَلَسَ لَهُ مُسْتَهَلَّ شَهْرِ رَبِیعٍ الْآخَرِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَ خَمْسِینَ فَخَلَعَ عَلَیْهِ وَ عَلَی مُفْلِحٍ وَ شَخَصَا نَحْوَ اَلْبَصْرَةِ لِحَرْبِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ إِصْلاَحِ مَا أَفْسَدَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَ رَکِبَ اَلْمُعْتَمَدُ رُکُوباً ظَاهِراً یُشَیِّعُ أَخَاهُ أَبَا أَحْمَدَ إِلَی الْقَرْیَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِبَرْکُوَارَا وَ عَادَ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَمَّا صَاحِبُ الزِّنْجِ فَإِنَّهُ بَعْدَ هَزِیمَةِ مُحَمَّدٍ الْمُوَلَّدِ أَنْفَذَ عَلِیَّ بْنَ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیَّ إِلَی حَرْبِ مَنْصُورِ بْنِ جَعْفَرٍ وَ إِلَی اَلْأَهْوَازِ فَکَانَتْ بَیْنَهُمَا حُرُوبٌ کَثِیرَةٌ فِی أَیَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ حَتَّی کَانَ آخِرُهَا الْیَوْمَ الَّذِی انْهَزَمَ فِیهِ أَصْحَابُ مَنْصُورٍ وَ تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَ أَدْرَکَتْ مَنْصُوراً طَائِفَةٌ مِنَ اَلزِّنْجِ فَلَمْ یَزَلْ یَکُرُّ عَلَیْهِمْ حَتَّی انْقَصَفَ رُمْحَهُ وَ نَفِدَتْ سِهَامُهُ وَ لَمْ یَبْقَ مَعَهُ سِلاَحٌ

ص :151

وَ انْتَهَی إِلَی نَهَرٍ یُعْرَفُ بِنَهْرِ ابْنِ مَرْوَانَ فَصَاحَ بِحَصَانٍ کَانَ تَحْتَهُ لِیَعْبُرَ فَوَثَبَ فَقَصُرَ (1) فَانْغَمَسَ فِی الْمَاءِ.

وَ قِیلَ إِنَّ الْحَصَانَ لَمْ یَقْصُرْ فِی الْوَثْبَةِ وَ لَکِنَّ رَجُلاً مِنَ اَلزِّنْجِ سَبَقَهُ إِلَی النَّهَرِ فَأَلْقَی نَفْسَهُ فِیهِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لاَ مَحِیصَ لِمَنْصُورٍ عَنِ النَّهَرِ فَلَمَّا وَثَبَ الْفَرَسُ تَلَقَّاهُ الْأَسْوَدُ فَنَکَسَ فَغَاصَ الْفَرَسُ وَ مَنْصُورٌ ثُمَّ أَطْلَعَ مَنْصُورٌ رَأْسَهُ فَنَزَلَ إِلَیْهِ غُلاَمٌ مِنَ السُّودَانِ مِنْ عُرَفَاءِ مُصْلِحٍ یُقَالُ لَهُ أَبْرُونَ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ وَ أَخَذَ سَلَبَهُ فَوَلَّی یَارْجُوخُ التُّرْکِیُّ صَاحِبُ حَرْبِ خُوزِسْتَانَ مَا کَانَ مَعَ مَنْصُورٍ مِنَ الْعَمَلِ أَصْغَجُونَ التُّرْکِیَّ .وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَمَّا أَبُو أَحْمَدَ فَإِنَّهُ شَخَصَ عَنْ سَامَرَّاءَ فِی جَیْشٍ لَمْ یَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ کَثْرَةً وَ عُدَّةً قَالَ وَ قَدْ عَایَنْتُ أَنَا ذَلِکَ الْجَیْشَ وَ أَنَا یَوْمَئِذٍ بِبَغْدَادَ بِبَابِ الطَّاقِ فَسَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ مَشَایِخِ أَهْلِ بَغْدَادَ یَقُولُونَ قَدْ رَأَیْنَا جُیُوشاً کَثِیرَةً لِلْخُلَفَاءِ فَمَا رَأَیْنَا مِثْلَ هَذَا الْجَیْشِ أَحْسَنَ عُدَّةً وَ أَکْمَلَ عَتَاداً وَ سِلاَحاً وَ أَکْثَرَ عَدَداً وَ جَمْعاً وَ اتَّبَعَ ذَلِکَ الْجَیْشَ مِنْ مُتَسَوِّقَةِ أَهْلِ بَغْدَادَ خَلْقٌ کَثِیرٌ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَحَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ أَنَّ یَحْیَی بْنَ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِیَّ کَانَ مُقِیماً بِنَهْرِ مَعْقِلٍ قَبْلَ مُوَافَاةِ أَبِی أَحْمَدَ فَاسْتَأْذَنَ صَاحِبَ الزِّنْجِ فِی الْمَصِیرِ إِلَی نَهَرِ الْعَبَّاسِ فَکَرِهَ ذَلِکَ وَ خَافَ أَنْ یُوَافِیَهُ جَیْشٌ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ وَ أَصْحَابُهُ مُتَفَرِّقُونَ فَأَلَحَّ عَلَیْهِ یَحْیَی حَتَّی أَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ وَ اتَّبَعَهُ أَکْثَرُ أَهْلِ عَسْکَرِ صَاحِبِ الزِّنْجِ وَ کَانَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ

ص :152

مُقِیماً بِجُبَّی فِی جَمْعٍ کَثِیرٍ مِنَ اَلزِّنْجِ وَ اَلْبَصْرَةُ قَدْ صَارَتْ مَغْنَماً لِأَهْلِ عَسْکَرِ صَاحِبِ الزِّنْجِ یُغَادُونَهَا وَ یُرَاوِحُونَهَا لِنَقْلِ مَا نَالَتْهُ أَیْدِیهِمْ مِنْهَا إِلَی مَنَازِلِهِمْ فَلَیْسَ بِمُعَسْکَرِ عَلِیِّ بْنِ (1) مُحَمَّدٍ یَوْمَئِذٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلاَّ الْقَلِیلُ فَهُوَ عَلَی ذَلِکَ مِنْ حَالِهِ حَتَّی وَافَی أَبُو أَحْمَدَ فِی الْجَیْشِ وَ مَعَهُ مُفْلِحٌ فَوَرَدَ جَیْشٌ عَظِیمٌ لَمْ یَرِدْ عَلَی اَلزِّنْجِ مِثْلُهُ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَی نَهَرِ مَعْقِلٍ انْصَرَفَ مَنْ کَانَ هُنَاکَ مِنَ اَلزِّنْجِ فَالْتَحَقُوا بِصَاحِبِهِمْ مَرْعُوبِینَ فَرَاعَهُ ذَلِکَ وَ دَعَا بِرَئِیسَیْنِ مِنْهُمَا فَسَأَلَهُمَا عَنِ السَّبَبِ الَّذِی لَهُ تَرَکَا مَوْضِعَهُمَا فَأَخْبَرَاهُ بِمَا عَایَنَا مِنْ عِظَمِ أَمْرِ الْجَیْشِ الْوَارِدِ وَ کَثْرَةِ عَدَدِ أَهْلِهِ وَ إِحْکَامِ عِدَّتِهِمْ وَ إِنَّ الَّذِی عَایَنَاهُ مِنْ ذَلِکَ لَمْ یَکُنْ فِی قُوَّتِهِمَا الْوُقُوفُ لَهُ فِی الْعِدَّةِ الَّتِی کَانَا فِیهَا فَسَأَلَهُمَا هَلْ عَلِمَا مَنْ یَقُودُ هَذَا الْجَیْشَ فَقَالاَ قَدِ اجْتَهَدْنَا فِی عِلْمِ ذَلِکَ فَلَمْ نَجِدْ مَنْ یَصْدُقُنَا عَنْهُ.

فَوَجَّهَ صَاحِبُ الزِّنْجِ طَلاَئِعَهُ فِی سُمَیْرِیَّاتٍ لِیَعْرِفَ الْخَبَرَ فَرَجَعَتْ طَلاَئِعُهُ إِلَیْهِ بِتَعْظِیمِ أَمْرِ الْجَیْشِ وَ تَفْخِیمِهِ وَ لَمْ یَقِفْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَی مَنْ یَقُودُهُ فَزَادَ ذَلِکَ فِی جَزَعِهِ وَ ارْتِیَاعِهِ فَأَمَرَ بِالْإِرْسَالِ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ یُعْلِمُهُ خَبَرَ الْجَیْشِ الْوَارِدِ-وَ یَأْمُرُهُ بِالْمَصِیرِ إِلَیْهِ فِیمَنْ مَعَهُ وَ وَافَی جَیْشُ أَبِی أَحْمَدَ فَأَنَاخَ بِإِزَاءِ صَاحِبِ الزِّنْجِ فَلَمَّا کَانَ الْیَوْمُ الَّذِی کَانَتْ فِیهِ الْوَاقِعَةُ خَرَجَ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ یَطُوفُ فِی عَسْکَرِهِ مَاشِیاً وَ یَتَأَمَّلُ الْحَالَ فِیمَنْ هُوَ مِنْ حِزْبِهِ وَ مَنْ هُوَ مُقِیمٌ (2) بِإِزَائِهِ عَلَی حِزْبِهِ وَ قَدْ کَانَتِ السَّمَاءُ مَطَرَتْ ذَلِکَ الْیَوْمَ مَطَراً خَفِیفاً وَ الْأَرْضُ ثَرِیَّةٌ (3) تَزِلُّ عَنْهَا الْأَقْدَامُ فَطَوَّفَ سَاعَةً مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَ رَجَعَ فَدَعَا بِدَوَاةٍ وَ قِرْطَاسٍ لِیَکْتُبَ کِتَاباً إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ لِیُعْلِمَهُ مَا قَدْ أَظَلَّهُ مِنَ الْجَیْشِ وَ یَأْمُرَهُ بِتَقْدِیمِ مَنْ قَدَرَ عَلَی تَقْدِیمِهِ مِنَ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ لَفِی ذَلِکَ إِذْ أَتَاهُ أَبُو دُلَفَ الْقَائِدُ أَحَدُ قُوَّادِ اَلزِّنْجِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ

ص :153

الْقَوْمَ قَدْ غَشُّوکَ وَ رَهَقُوکَ وَ انْهَزَمَ اَلزِّنْجُ مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ وَ لَیْسَ فِی وُجُوهِهِمْ مَنْ یَرُدُّهُمْ فَانْظُرْ لِنَفْسِکَ فَإِنَّهُمْ قَدِ انْتَهَوْا إِلَیْکَ (1) فَصَاحَ بِهِ وَ انْتَهَرَهُ وَ قَالَ اغْرُبْ (2) عَنِّی فَإِنَّکَ کَاذِبٌ فِیمَا حَکَیْتَ إِنَّمَا ذَلِکَ جَزَعُ دَاخِلِ قَلْبِکَ (3) لِکَثْرَةِ مَنْ رَأَیْتَ مِنَ الْجَمْعِ فَانْخَلَعَ قَلْبُکَ فَلَسْتَ تَدْرِی مَا تَقُولُ فَخَرَجَ أَبُو دُلَفَ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ أَقْبَلَ یَکْتُبُ وَ قَالَ لِجَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ السَّجَّانِ نَادِ فِی اَلزِّنْجِ وَ حَرِّکْهُمْ لِلْخُرُوجِ إِلَی مَوْضِعِ الْحَرْبِ فَقَالَ لَهُ إِنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا وَ قَدْ ظَفِرُوا بِسُمَیْرِیَّتَیْنِ مِنْ سُفُنِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ فَأَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ لِتَحْرِیکِ الرَّجَّالَةِ وَ کَانَ مِنَ الْقَضَاءِ وَ الْقَدَرِ أَنْ أُصِیبَ مُفْلِحٌ وَ هُوَ الْقَائِدُ الْجَلِیلُ الْمُرَشِّحُ لِقِیَادَةِ الْجَیْشِ بَعْدَ أَبِی أَحْمَدَ بِسَهْمٍ غَرْبٍ (4) لاَ یُدْرَی مَنْ رَمَاهُ فَمَاتَ لِوَقْتِهِ وَ وَقَعَتِ الْهَزِیمَةُ عَلَی أَصْحَابِ أَبِی أَحْمَدَ وَ قَوِیَ اَلزِّنْجُ عَلَی حَرْبِهِمْ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ جَمْعاً کَثِیراً وَ وَافَی عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ زِنْجَةً بِالرُّءُوسِ قَابِضِینَ عَلَیْهَا بِأَسْنَانِهِم حَتَّی أَلْقَوْهَا بَیْنَ یَدَیْهِ فَکَثُرَتِ الرُّءُوسُ یَوْمَئِذٍ حَتَّی مَلَأَتِ الْفَضَاءَ وَ جَعَلَ اَلزِّنْجُ یَقْتَسِمُونَ لُحُومَ الْقَتْلَی وَ یَتَهَادَوْنَهَا بَیْنَهُمْ وَ أُتِیَ بِأَسِیرٍ مِنَ الْجَیْشِ فَسَأَلَهُ عَنْ رَأْسِ الْعَسْکَرِ فَذَکَرَ أَبَا أَحْمَدَ وَ مُفْلِحاً فَارْتَاعَ لِذِکْرِ أَبِی أَحْمَدَ وَ کَانَ إِذَا رَاعَهُ أَمْرٌ کَذَّبَ بِهِ وَ قَالَ لَیْسَ فِی الْجَیْشِ إِلاَّ مُفْلِحٌ لِأَنِّی لَسْتُ أَسْمَعُ الذِّکْرَ إِلاَّ لَهُ وَ لَوْ کَانَ فِی الْجَیْشِ مِنْ ذِکْرِ هَذَا الْأَسِیرِ لَکَانَ صَوْتُهُ أَبْعَدُ وَ لَمَا کَانَ مُفْلِحٌ إِلاَّ تَابِعاً لَهُ وَ مُضَافاً إِلَیْهِ (5) .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَدْ کَانَ قَبْلَ أَنْ یُصِیبَ السَّهْمُ مُفْلِحاً انْهَزَمَ اَلزِّنْجُ لَمَّا خَرَجَ عَلَیْهِمْ

ص :154

جَیْشُ أَبِی أَحْمَدَ وَ جَزِعُوا جَزَعاً شَدِیداً وَ لَجَئُوا إِلَی النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِنَهْرِ أَبِی الْخَصِیبِ وَ لاَ جِسْرَ یَوْمَئِذٍ عَلَیْهِ فَغَرِقَ مِنْهُمْ خَلْقٌ کَثِیرٌ وَ لَمْ یَلْبَثْ صَاحِبُ الزِّنْجِ إِلاَّ یَسِیراً حَتَّی وَافَاهُ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ فِی أَصْحَابِهِ فَوَافَاهُ وَ قَدِ اسْتَغْنَی عَنْهُ بِهَزِیمَةِ الْجَیْشِ السُّلْطَانِیِّ وَ تَحَیَّزَ أَبُو أَحْمَدَ بِالْجَیْشِ إِلَی اَلْأَبْلَةِ لِیَجْمَعَ مَا فَرَّقَتِ الْهَزِیمَةُ مِنْهُ وَ یُجَدِّدَ الاِسْتِعْدَادَ لِلْحَرْبِ ثُمَّ صَارَ إِلَی نَهَرِ أَبِی الْأَسَدِ فَأَقَامَ بِهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَحَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ فَکَانَ صَاحِبُ الزِّنْجِ لاَ یَدْرِی کَیْفَ قُتِلَ مُفْلِحٌ فَلَمَّا لَمْ یَرَ أَحَداً یَنْتَحِلُ رَمْیَهُ ادَّعَی أَنَّهُ کَانَ الرَّامِیَ لَهُ قَالَ فَسَمِعْتُهُ یَقُولُ سَقَطَ بَیْنَ یَدَیَّ سَهْمٌ مِنَ السَّمَاءِ فَأَتَانِی بِهِ وَاحٌ خَادِمِی فَدَفَعَهُ إِلَیَّ فَرَمَیْتُ بِهِ فَأَصَابَ مُفْلِحاً فَقَتَلَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَ کَذَبَ فِی ذَلِکَ لِأَنِّی کُنْتُ حَاضِراً مَعَهُ ذَلِکَ الْمَشْهَدَ مَا زَالَ عَنْ فَرَسِهِ حَتَّی أَتَاهُ خَبَرُ الْهَزِیمَةِ (1) .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی أَصَابَ صَاحِبَ الزِّنْجِ بِمُصِیبَةٍ تُعَادِلُ فَرَحَهُ وَ سُرُورَهُ بِقَتْلِ مُفْلِحٍ عَقِیبَ قَتْلِ مُفْلِحٍ وَ ذَلِکَ أَنَّ قَائِدَهُ الْجَلِیلَ یَحْیَی بْنَ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِیَّ أُسِرَ وَ قُتِلَ وَ صُورَةُ ذَلِکَ أَنَّ صَاحِبَ الزِّنْجِ کَانَ قَدْ کَتَبَ إِلَی یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ یُعْلِمُهُ وُرُودَ هَذَا الْجَیْشِ عَلَیْهِ وَ یَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ وَ التَّحَرُّزِ فِی مُنْصَرَفِهِ مِنْ أَنْ یَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَ قَدْ کَانَ یَحْیَی غَنِمَ سُفُناً فِیهَا مَتَاعٌ وَ أَمْوَالٌ لِتُجَّارِ اَلْأَهْوَازِ جَلِیلَةً وَ حَامَی عَنْهَا أَصْحَابَ أَصْغَجُونَ التُّرْکِیُّ فَلَمْ یُغْنِ وَ هَزَمَهُمْ یَحْیَی وَ مَضَی اَلزِّنْجُ بِالسُّفُنِ الْمَذْکُورَةِ یَمُدُّونَهَا مُتَوَجِّهِینَ نَحْوَ مُعَسْکَرِ صَاحِبِ الزِّنْجِ عَلَی سَمْتِ الْبَطِیحَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِبَطِیحَةِ الصَّحْنَاةِ وَ هِیَ طَرِیقَةٌ مُتَّسِقَةٌ وَعِرَةٌ

ص :155

فِیهَا مَشَاقُّ مُتْعِبَةٌ وَ إِنَّمَا سَلَکَهَا یَحْیَی وَ أَصْحَابُهُ وَ تَرَکُوا الطَّرِیقَ الْوَاضِحَ لِلتَّحَاسُدِ الَّذِی کَانَ بَیْنَ یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ وَ عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ فَإِنَّ أَصْحَابَ یَحْیَی أَشَارُوا عَلَیْهِ أَلاَّ یَسْلُکَ الطَّرِیقَ الَّتِی یَمُرُّ فِیهَا عَلَی أَصْحَابِ عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ فَأَصْغَی إِلَی مَشُورَتِهِمْ فَشَرَعُوا لَهُ الطَّرِیقَ الْمُؤَدِّیَ إِلَی اَلْبَطِیحَةِ الْمَذْکُورَةِ فَسَلَکَهَا وَ هَذِهِ اَلْبَطِیحَةُ یَنْتَهِی السَّائِرُ فِیهَا إِلَی نَهَرِ أَبِی الْأَسَدِ وَ قَدْ کَانَ أَبُو أَحْمَدَ انْحَازَ إِلَیْهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْقُرَی وَ السَّوَادِ کَاتَبُوهُ یُعَرِّفُونَهُ خَبَرَ یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِیِّ وَ شِدَّةَ بَأْسِهِ وَ کَثْرَةَ جَمْعِهِ وَ أَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ مِنَ اَلْبَطِیحَةِ إِلَی نَهَرِ أَبِی الْأَسَدِ فَعَسْکَرَ بِهِ وَ مَنَعَ أَبَا أَحْمَدَ الْمِیرَةَ وَ حَالَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ مَنْ یَأْتِیهِ مِنَ اَلْأَعْرَابِ وَ غَیْرِهِمْ فَسَبَقَهُ أَبُو أَحْمَدَ إِلَی نَهَرِ أَبِی الْأَسَدِ وَ سَارَ یَحْیَی حَتَّی إِذَا قَرُبَ مِنْ نَهَرِ أَبِی الْأَسَدِ وَافَتْهُ طَلاَئِعُهُ فَأَخْبَرَتْهُ بِالْجَیْشِ وَ عَظُمَتْ أَمْرُهُ وَ خَوَّفَتْهُ مِنْهُ فَرَجَعَ مِنَ الطَّرِیقِ الَّذِی کَانَ سَلَکَهُ بِمَشَقَّةٍ شَدِیدَةٍ نَالَتْهُ وَ نَالَتْ أَصْحَابَهُ وَ أَصَابَهُمْ مَرَضٌ لِتَرَدُّدِهِمْ فِی تِلْکَ اَلْبَطِیحَةِ وَ جَعَلَ یَحْیَی عَلَی مُقَدِّمَتِهِ سُلَیْمَانَ بْنَ جَامِعٍ وَ سَارَ حَتَّی وَقَفَ عَلَی قَنْطَرَةِ فَوْرَجٍ نَهَرِ الْعَبَّاسِ فِی مَوْضِعٍ ضَیِّقٍ تَشْتَدُّ فِیهِ جَرْیَةُ الْمَاءِ وَ هُوَ مُشْرِفٌ یَنْظُرُ أَصْحَابَهُ اَلزِّنْجَ کَیْفَ یُجْرُونَ تِلْکَ السُّفُنَ الَّتِی فِیهَا الْغَنَائِمُ فَمِنْهَا مَا یَغْرَقُ وَ مَا یَسْلَمُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَحَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ سِمْعَانَ قَالَ کُنْتُ فِی تِلْکَ الْحَالِ وَاقِفاً مَعَ یَحْیَی عَلَی الْقَنْطَرَةِ وَ قَدْ أَقْبَلَ عَلَیَّ مُتَعَجِّباً مِنْ شِدَّةِ جَرْیَةِ الْمَاءِ وَ شِدَّةِ مَا یَلْقَی أَصْحَابُهُ مِنْ تَلَقِّیهِ بِالسُّفُنِ فَقَالَ أَ رَأَیْتَ لَوْ هَجَمَ عَلَیْنَا عَدُوٌّ فِی هَذِهِ الْحَالِ مَنْ کَانَ یَکُونُ أَسْوَأَ حَالاً مِنَّا فَوَ اللَّهِ مَا انْقَضَی کَلاَمُهُ حَتَّی وَافَی کَاشْهَمُ التُّرْکِیُّ فِی جَیْشٍ قَدْ أَنْفَذَهُ مَعَهُ أَبُو أَحْمَدَ عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنَ اَلْأَبْلَةِ إِلَی نَهَرِ أَبِی الْأَسَدِ یَتَلَقَّی بِهِ یَحْیَی فَوَقَعَتِ الصَّیْحَةُ وَ اضْطَرَبَتِ اَلزِّنْجُ فَنَهَضَتْ مُتَشَوِّفاً لِلنَّظَرِ فَإِذَا الْأَعْلاَمُ الْحُمُرُ قَدْ أَقْبَلَتْ فِی الْجَانِبِ الْغَرْبِیِّ مِنْ نَهَرِ الْعَبَّاسِ وَ یَحْیَی بِهِ فَلَمَّا رَآهَا اَلزِّنْجُ أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ جُمْلَةً فِی الْمَاءِ فَعَبَرُوا إِلَی الْجَانِبِ الشَّرْقِیِّ

ص :156

وَ خَلاَ الْمَوْضِعَ الَّذِی فِیهِ یَحْیَی فَلَمْ یَبْقَ مَعَهُ إِلاَّ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْهُمْ فَنَهَضَ عِنْدَ ذَلِکَ فَأَخَذَ دَرَقَتَهُ وَ سَیْفَهُ وَ احْتَزَمَ بِمِنْدِیلٍ ثُمَّ تَلَقَّی الْقَوْمَ (1) فِی النَّفَرِ الَّذِینَ تَخَلَّفُوا مَعَهُ فَرَشَقَهُمْ أَصْحَابُ کَاشْهَمِ التُّرْکِیِّ بِالسِّهَامِ حَتَّی کَثُرَ فِیهِمُ الْجِرَاحُ وَ جُرِحَ یَحْیَی بِأَسْهُمٍ ثَلاَثَةٍ فِی عَضُدِهِ الْیُمْنَی وَ سَاقِهِ الْیُسْرَی فَلَمَّا رَآهُ أَصْحَابُهُ جَرِیحاً تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَ لَمْ یَعْرِفْ فَیَقْصِدْ لَهُ فَرَجَعَ حَتَّی دَخَلَ بَعْضَ تِلْکَ السُّفُنِ وَ عَبَرَ بِهِ إِلَی الْجَانِبِ الشَّرْقِیِّ مِنَ النَّهَرِ وَ ذَلِکَ وَقْتَ الضُّحَی وَ أَثْقَلَتْهُ الْجِرَاحَاتُ الَّتِی أَصَابَتْهُ فَلَمَّا رَأَتِ اَلزِّنْجُ شِدَّةَ مَا نَزَلَ بِهِ اشْتَدَّ جَزَعُهُمْ وَ ضَعُفَتْ قُلُوبُهُمْ فَتَرَکُوا الْقِتَالَ وَ کَانَتْ هِمَّتُهُمُ النَّجَاةَ بِأَنْفُسِهِمْ وَ حَازَ أَصْحَابُ السُّلْطَانِ تِلْکَ الْغَنَائِمَ الَّتِی کَانَتْ فِی السُّفُنِ فِی الْجَانِبِ الْغَرْبِیِّ مِنَ النَّهَرِ وَ انْفَضَّ اَلزِّنْجُ بِالْجَانِبِ الشَّرْقِیِّ عَنْ یَحْیَی فَجَعَلُوا یَتَسَلَّلُونَ بَقِیَّةَ نَهَارِهِمْ بَعْدَ قَتْلٍ ذَرِیعٍ فِیهِمْ وَ أُسِرَ کَثِیرٌ فَلَمَّا أَمْسَوْا وَ أَسْدَفَ اللَّیْلُ طَارُوا عَلَی وُجُوهِهِمْ فَلَمَّا رَأَی یَحْیَی تَفَرُّقَ أَصْحَابِهِ رَکِبَ سُمَیْرِیَّةً کَانَتْ هُنَاکَ وَ أَقْعَدَ مَعَهُ فِیهَا مُتَطَبِّباً یُقَالُ لَهُ عَبَّادٌ (2) وَ طَمِعَ فِی الْخَلاَصِ إِلَی عَسْکَرِ صَاحِبِ الزِّنْجِ فَسَارَ حَتَّی قَرُبَ مِنْ فُوَّهَةِ النَّهَرِ فَأَبْصَرَ سُمَیْرِیَّاتٍ وَ شَذَایَاتٍ لِأَصْحَابِ السُّلْطَانِ فِی فُوَّهَةِ النَّهَرِ فَخَافَ أَنْ تَعْتَرِضَ سُمَیْرِیَّتُهُ وَ جَزِعَ مِنَ الْمُرُورِ بِهَا فَعَبَرَ بِهِ الْمَلاَّحُ إِلَی الْجَانِبِ الْغَرْبِیِّ مِنَ النَّهَرِ فَأَلْقَاهُ وَ طَبِیبَهُ عَلَی الْأَرْضِ فِی زَرْعٍ هُنَاکَ فَخَرَجَ یَمْشِی وَ هُوَ مُثْقَلٌ حَتَّی أَلْقَی نَفْسَهُ فِی بَعْضِ تِلْکَ الْمَوَاضِعِ فَأَقَامَ هُنَاکَ لَیْلَتَهُ تِلْکَ فَلَمَّا أَصْبَحَ نَزَفَهُ الدَّمُ وَ نَهَضَ عَبَّادٌ الطَّبِیبُ (3) فَجَعَلَ یَمْشِی مُتَشَوِّفاً أَنْ یَرَی إِنْسَاناً فَرَأَی بَعْضَ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ فَأَشَارَ لَهُمْ إِلَی مَوْضِعِ یَحْیَی فَجَاءُوا حَتَّی وَقَفُوا عَلَیْهِ فَأَخَذُوهُ وَ انْتَهَی خَبَرُهُ إِلَی الْخَبِیثِ (4) صَاحِبِ الزِّنْجِ فَجَزِعَ عَلَیْهِ جَزَعاً شَدِیداً وَ عَظُمَ عَلَیْهِ تَوَجُّعُهُ.

ص :157

ثُمَّ حَمَلَ یَحْیَی إِلَی أَبِی أَحْمَدَ فَحَمَلَهُ أَبُو أَحْمَدَ إِلَی اَلْمُعْتَمَدِ فَأُدْخِلَ إِلَی سَامَرَّاءَ رَاکِبَ جَمَلٍ وَ النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ یَنْظُرُونَهُ ثُمَّ أَمَرَ اَلْمُعْتَمَدُ بِبِنَاءِ دَکَّةٍ عَالِیَةٍ بِحَضْرَةِ مُجْرِی الْحَلْیَةِ فَبُنِیَتْ وَ رُفِعَ لِلنَّاسِ عَلَیْهَا حَتَّی أَبْصَرَهُ الْخَلاَئِقُ کَافَّةً ثُمَّ ضُرِبَ (1) بَیْنَ یَدَیِ اَلْمُعْتَمَدِ وَ قَدْ جَلَسَ لَهُ مِائَتَیْ سَوْطٍ بِثِمَارِهَا (2) ثُمَّ قُطِعَتْ یَدَاهُ وَ رِجْلاَهُ مِنْ خِلاَفٍ ثُمَّ خُبِطَ بِالسُّیُوفِ ثُمَّ ذُبِحَ وَ أُحْرِقَ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَحَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ لَمَّا قُتِلَ یَحْیَی الْبَحْرَانِیُّ فَانْتَهَی خَبَرُهُ إِلَی صَاحِبِ الزِّنْجِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ لَمَّا عَظُمَ عَلَیَّ قَتْلُهُ وَ اشْتَدَّ اهْتِمَامِی بِهِ خُوطِبْتُ فَقِیلَ لِی قَتْلُهُ خَیْرٌ لَکَ إِنَّهُ کَانَ شَرِهاً ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی جَمَاعَةٍ أَنَا فِیهِمْ فَقَالَ مِنْ شَرَهِهِ أَنَّا غَنِمْنَا غَنِیمَةً مِنْ بَعْضِ مَا کُنَّا نَغْنَمُهُ (3) وَ کَانَ فِیهَا عِقْدَانِ فَوَقَعَا فِی یَدِ یَحْیَی فَأَخْفَی عَنِّی أَعْظَمَهُمَا خَطَراً وَ عَرَضَ عَلَیَّ أَخَسَّهُمَا ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ فَوَهَبْتُهُ لَهُ فَرُفِعَ إِلَیَّ الْعِقْدُ الَّذِی أَخْفَاهُ حَتَّی رَأَیْتُهُ فَدَعَوْتُهُ فَقُلْتُ أَحْضِرْ لِیَ الْعِقْدَ الَّذِی أَخْفَیْتَهُ فَأَتَانِی بِالْعِقْدِ الَّذِی وَهَبْتُهُ لَهُ وَ جَحَدَ أَنْ یَکُونَ أَخَذَ غَیْرَهُ فَرُفِعَ إِلَیَّ الْعِقْدُ ثَانِیَةً فَجَعَلْتُ أَصِفُهُ لَهُ وَ أَنَا أَرَاهُ وَ هُوَ لاَ یَرَاهُ فَبُهِتَ وَ ذَهَبَ فَأَتَانِی ثُمَّ اسْتَوْهَبَنِیهِ فَوَهَبْتُهُ لَهُ وَ أَمَرْتُهُ بِالاِسْتِغْفَارِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ ذَکَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِمْعَانَ حَدَّثَهُ أَنَّ صَاحِبَ الزِّنْجِ قَالَ فِی بَعْضِ أَیَّامِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَیَّ النُّبُوَّةُ فَأَبَیْتُهَا فَقِیلَ لَهُ وَ لِمَ ذَاکَ قَالَ إِنَّ لَهَا أَعْبَاءً خِفْتُ أَلاَّ أُطِیقَ حَمْلَهَا.

ص :158

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَمَّا اَلْأَمِیرُ أَبُو أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَمَّا صَارَ إِلَی نَهَرِ أَبِی الْأَسَدِ وَ أَقَامَ بِهِ کَثُرَتِ الْعِلَلُ فِی مَنْ مَعَهُ مِنْ جُنْدِهِ وَ غَیْرِهِمْ وَ فَشَا فِیهِمُ الْمَوْتُ فَلَمْ یَزَلْ مُقِیماً هُنَالِکَ حَتَّی أَبَلَّ مَنْ نَجَا مِنْهُمْ مِنْ عِلَّتِهِ ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعاً إِلَی بَاذَاوَرْدَ فَعَسْکَرَ بِهِ وَ أَمَرَ بِتَجْدِیدِ الْآلاَتِ وَ إِصْلاَحِ الشَّذَوَاتِ وَ الْسُمَیْرِیَّاتِ وَ إِعْطَاءِ الْجُنْدِ أَرْزَاقَهُمْ وَ شُحِنَ السُّفُنُ بِقُوَّادِهِ وَ مَوَالِیهِ وَ غِلْمَانِهِ وَ نَهَضَ نَحْوَ عَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ وَ أَمَرَ جَمَاعَةً مِنْ قُوَّادِهِ بِقَصْدِ مَوَاضِعَ سَمَّاهَا لَهُمْ مِنْ نَهَرِ أَبِی الْخَصِیبِ وَ غَیْرِهِ وَ أَمَرَ الْبَاقِینَ بِمُلاَزَمَتِهِ وَ الْمُحَارَبَةِ مَعَهُ فِی الْمَوْضِعِ الَّذِی یَکُونُ فِیهِ وَ هُمُ الْأَقَلُّونَ وَ عَرَفَ اَلزِّنْجُ تَفَرُّقَ أَصْحَابِ أَبِی أَحْمَدَ عَنْهُ فَکَثُرُوا فِی جِهَتِهِ وَ اسْتَعَرَتِ الْحَرْبُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُمْ وَ کَثُرَتِ الْقَتْلَی وَ الْجِرَاحُ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ وَ أَحْرَقَ أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ قُصُوراً وَ مَنَازِلَ کَانَ اَلزِّنْجُ ابْتَنَوْهَا وَ اسْتَنْقَذُوا مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ جَمْعاً کَثِیراً ثُمَّ صَرَفَ اَلزِّنْجُ سَوْرَتَهُمْ وَ شِدَّةَ حَمْلَتِهِمْ إِلَی الْمَوْضِعِ الَّذِی بِهِ أَبُو أَحْمَدَ فَجَاءَهُ مِنْهُمْ جَمْعٌ لاَ یُقَاوِمُ بِمِثْلِ الْعِدَّةِ الْیَسِیرَةِ الَّتِی کَانَ فِیهَا فَرَأَی أَنَّ الْحَزْمَ فِی مُحَاجَزَتِهِمْ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَی سُفُنِهِمْ عَلَی تُؤَدَةٍ وَ تَمَهُّلٍ فَفَعَلُوا وَ بَقِیَتْ طَائِفَةٌ مِنْ جُنْدِهِ وَ لَجُّوا تِلْکَ الْأَدْغَالَ وَ الْمَضَایِقَ فَخَرَجَ عَلَیْهِمْ کَمِینٌ لِلزِّنْجِ فَأَوْقَعُوا بِهِمْ فَحَامُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَ قَتَلُوا عَدَداً کَثِیراً مِنَ اَلزِّنْجِ إِلَی أَنْ قُتِلُوا بِأَجْمَعِهِمْ وَ حُمِلَتْ رُءُوسُهُمْ إِلَی اَلنَّاجِمِ فَزَادَ ذَلِکَ فِی قُوَّتِهِ وَ عُتُوِّهِ وَ عُجْبِهِ بِنَفْسِهِ وَ انْصَرَفَ أَبُو أَحْمَدَ بِالْجَیْشِ إِلَی بَاذَاوَرْدَ وَ أَقَامَ یُعَبِّئُ أَصْحَابَهُ لِلرُّجُوعِ إِلَی اَلزِّنْجِ فَوَقَعَتْ نَارٌ فِی طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ عَسْکَرِهِ وَ ذَلِکَ فِی أَیَّامِ عُصُوفِ الرِّیَاحِ فَاحْتَرَقَ الْعَسْکَرُ وَ رَحَلَ أَبُو أَحْمَدَ مُنْصَرِفاً وَ ذَلِکَ فِی شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ إِلَی وَاسِطٍ (1) .فَأَقَامَ بِهَا إِلَی رَبِیعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا إِلَی سَامَرَّاءَ وَ ذَلِکَ أَنَّ اَلْمُعْتَمَدَ کَاتَبَهُ وَ اسْتَقْدَمَهُ

ص :159

لِحَرْبِ یَعْقُوبَ بْنِ اللَّیْثِ الصَّفَّارِ أَمِیرِ خُرَاسَانَ فَاسْتَخْلَفَ عَلَی حَرْبِ اَلنَّاجِمِ مُحَمَّداً الْمُوَلَّدَ وَ أَمَّا اَلنَّاجِمُ فَإِنَّهُ لَمْ یَعْلَمْ خَبَرَ الْحَرِیقِ الَّذِی وَقَعَ فِی عَسْکَرِ أَبِی أَحْمَدَ حَتَّی وَرَدَ عَلَیْهِ رَجُلاَنِ مِنْ أَهْلِ عَبَّادَانَ فَأَخْبَرَاهُ فَأَظْهَرَ أَنَّ ذَلِکَ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَی لَهُ وَ نَصْرِهِ عَلَی أَعْدَائِهِ وَ أَنَّهُ دَعَا اللَّهَ عَلَی أَبِی أَحْمَدَ وَ جَیْشِهِ فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتْهُمْ.

وَ عَادَ إِلَی الْعَبَثِ وَ اشْتَدَّ طُغْیَانُهُ وَ عُتُوُّهُ وَ أَنْهَضَ عَلِیَّ بْنَ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیَّ وَ ضَمَّ إِلَیْهِ أَکْثَرَ الْجَیْشِ وَ جَعَلَ عَلَی مُقَدِّمَتِهِ سُلَیْمَانَ بْنَ جَامِعٍ وَ أَضَافَ إِلَیْهِ الْجَیْشَ الَّذِی کَانَ مَعَ یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِیِّ وَ سُلَیْمَانِ بْنِ مُوسَی الشَّعْرَانِیِّ وَ أَمَرَهُمْ بِأَنْ یَقْصِدُوا اَلْأَهْوَازَ وَ بِهَا حِینَئِذٍ أَصْغَجُونُ (1) التُّرْکِیُّ وَ مَعَهُ نَیْزَکُ الْقَائِدُ فَالْتَقَی الْعَسْکَرَانِ بِصَحْرَاءٍ تُعْرَفُ بِدَشْتِ مَیْسَانَ (2) وَ اقْتَتَلُوا فَظَهَرَتِ (3) اَلزِّنْجُ وَ قُتِلَ نَیْزَکُ فِی کَثِیرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ غَرِقَ أَصْغَجُونُ التُّرْکِیُّ وَ أُسِرَ کَثِیرٌ مِنْ قُوَّادِ السُّلْطَانِ مِنْهُمُ اَلْحَسَنُ بْنُ هَرْثَمَةَ الْمَعْرُوفُ بِالشَّارِی (4) وَ اَلْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ کَتَبَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ بِالْخَبَرِ إِلَی اَلنَّاجِمِ وَ حَمَلَ إِلَیْهِ أَعْلاَماً وَ رُءُوساً کَثِیرَةً وَ أَسْرَی وَ دَخَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ اَلْأَهْوَازَ وَ أَقَامَ بِهَا بِزُنُوجِهِ یَعِیثُ وَ یَنْهَبُ الْقُرَی وَ السَّوَادَ إِلَی أَنْ نَدَبَ اَلْمُعْتَمَدُ عَلَی اللَّهِ مُوسَی بْنَ بُغَا لِحَرْبِهِ فَشُخِصَ عَنْ سَامَرَّاءَ فِی ذِی الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَ شَیَّعَهُ اَلْمُعْتَمَدُ بِنَفْسِهِ إِلَی خَلْفِ الْحَائِطَیْنِ وَ خَلَعَ عَلَیْهِ هُنَالِکَ فَقَدَّمَ أَمَامَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُفْلِحٍ إِلَی اَلْأَهْوَازِ وَ إِسْحَاقَ بْنَ کِنْدَاخَ إِلَی اَلْبَصْرَةِ وَ إِبْرَاهِیمَ بْنَ سِیمَا إِلَی اَلْبَاذَاوَرْدِ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَلَمَّا وَرَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُفْلِحٍ عَلَی اَلْأَهْوَازِ أَنَاخَ بِقَنْطَرَةِ أُرَیْقٍ (5) عَشَرَةَ أَیَّامٍ ثُمَّ مَضَی إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیِّ فَوَاقَعَهُ فَهَزَمَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ فَانْصَرَفَ فَاسْتَعَدَّ

ص :160

ثُمَّ عَادَ لِمُحَارَبَتِهِ فَأَوْقَعَ بِهِ وَقْعَةً عَظِیمَةً وَ قَتَلَ مِنَ اَلزِّنْجِ قَتْلاً ذَرِیعاً وَ أَسَرَ أَسْرَی کَثِیرَةً وَ انْهَزَمَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ اَلزِّنْجِ حَتَّی أَتَوُا الْمَوْضِعَ الْمَعْرُوفَ بِبَیَانٍ فَأَرَادَ اَلنَّاجِمُ رَدَّهُمْ فَلَمْ یَرْجِعُوا لِلذَّعْرِ الَّذِی خَالَطَ قُلُوبَهُمْ فَلَمَّا رَأَی ذَلِکَ أَذِنَ لَهُمْ فِی دُخُولِ عَسْکَرِهِ فَدَخَلُوا جَمِیعاً فَأَقَامُوا مَعَهُ بِالْمَدِینَةِ الَّتِی کَانَ بَنَاهَا وَ وَافَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُفْلِحٍ حِصْنَ مَهْدِیٍّ لِیُعَسْکِرَ بِهِ فَوَجَّهَ إِلَیْهِ اَلنَّاجِمُ عَلِیَّ بْنَ أَبَانٍ فَوَاقَعَهُ فَلَمْ یَقْدِرْ عَلَیْهِ وَ مَضَی عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ إِلَی قَرِیبٍ مِنَ اَلْبَاذَاوَرْدِ وَ هُنَاکَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ سِیمَا فَوَاقَعَهُ إِبْرَاهِیمُ فَهُزِمَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ فَعَاوَدَهُ فَهَزَمَهُ إِبْرَاهِیمُ فَمَضَی فِی اللَّیْلِ وَ سَلَکَ الْأَدْغَالَ وَ الْآجَامَ حَتَّی وَافَی نَهْرَ یَحْیَی فَانْتَهَی خَبَرُهُ إِلَی عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُفْلِحٍ فَوَجَّهَ إِلَیْهِ طَاشْتَمِرَ التُّرْکِیَّ فِی جَمْعٍ مِنَ اَلْمَوَالِی فَلَمْ یَصِلْ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ وَ مَنْ مَعَهُ لِوُعُورَةِ الْمَوْضِعِ الَّذِی کَانُوا فِیهِ وَ امْتِنَاعِهِ بِالْقَصَبِ وَ الْحَلاَفِی (1) فَأَضْرَمَهُ عَلَیْهِمْ نَاراً فَخَرَجُوا مِنْهُ هَارِبِینَ وَ أَسَرَ مِنْهُمْ أَسْرَی وَ انْصَرَفَ إِلَی عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُفْلِحٍ بِالْأَسْرَی وَ الظَّفَرِ وَ مَضَی عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ فَأَقَامَ بِأَصْحَابِهِ فِی الْمَوْضِعِ الْمُسَمَّی بِنَسُوخَا وَ انْتَهَی الْخَبَرُ بِذَلِکَ إِلَی عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُفْلِحٍ فَصَارَ إِلَی الْعَمُودِ فَأَقَامَ بِهِ وَ صَارَ عَلِیٌّ بْنُ أَبَانٍ إِلَی نَهَرِ السِّدْرَةِ وَ کَتَبَ إِلَی اَلنَّاجِمِ یَسْتَمِدُّهُ وَ یَسْأَلُهُ التَّوْجِیهَ إِلَیْهِ بِالشَّذَا فَوَجَّهَ إِلَیْهِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ شَذَاةً فِیهَا جَمْعٌ کَثِیرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَسَارَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ وَ مَنْ مَعَهُ فِی الشَّذَا وَ وَافَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِمَنْ مَعَهُ فَلَمْ یَکُنْ بَیْنَهُمَا قِتَالٌ وَ تَوَاقَفَ الْجَیْشَانِ یَوْمَهُمَا ذَلِکَ.

فَلَمَّا کَانَ اللَّیْلُ انْتَخَبَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةً یَثِقُ بِجَلْدِهِمْ وَ صَبَّرَهُمْ وَ مَضَی وَ مَعَهُ (2) سُلَیْمَانُ بْنُ مُوسَی الْمَعْرُوفُ بِالشَّعْرَانِیِّ وَ تَرَکَ سَائِرَ عَسْکَرِهِ مَکَانَهُ لِیَخْفَی أَمْرُهُ فَصَارَ مِنْ وَرَاءِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ بَیَّتَهُ وَ عَسْکَرَهُ (3) فَنَالَ مِنْهُ وَ مِنْ أَصْحَابِهِ نَیْلاً مَا وَ انْحَازَ

ص :161

عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْهُ وَ تَرَکَ أَرْبَعَ شَذَوَاتٍ مِنْ شَذَوَاتِهِ فَغَنِمَهَا عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ وَ انْصَرَفَ وَ مَضَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِوَجْهِهِ حَتَّی وَافَی دُولاَبَ (1) فَأَقَامَ بِهَا وَ أَعَدَّ رِجَالاً مِنْ رِجَالِهِ وَ وَلَّی عَلَیْهِمْ طَاشْتَمِرَ التُّرْکِیَّ وَ أَنْفَذَهُمْ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ فَوَافَوْهُ وَ هُوَ فِی الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ آزَرَ فَأَوْقَعُوا بِهِ وَقْعَةً انْهَزَمَ مِنْهَا إِلَی نَهَرِ السِّدْرَةِ وَ کَتَبَ طَاشْتَمِرُ إِلَی عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِانْهِزَامِهِ عَنْهُ فَأَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِجَیْشِهِ حَتَّی وَافَی اَلْعَمُودَ فَأَقَامَ بِهِ وَ اسْتَعَدَّ أَصْحَابُهُ لِلْحَرْبِ وَ هَیَّأَ شَذَوَاتِهِ وَ وَلَّی عَلَیْهَا طَاشْتَمِرَ وَ سَارَ إِلَی فُوَّهَةِ نَهَرِ السِّدْرَةِ فَوَاقَعَ عَلِیَّ بْنَ أَبَانٍ وَقْعَةً عَظِیمَةً انْهَزَمَ مِنْهَا عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ وَ أُخِذَ مِنْهُ عَشْرُ شَذَوَاتٍ وَ رَجَعَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ إِلَی اَلنَّاجِمِ مَفْلُولاً مَهْزُوماً وَ سَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ فَوْرِهِ فَعَسْکَرَ بِبَیَانٍ فَکَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُفْلِحٍ وَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ سِیمَا یَتَنَاوَبَانِ الْمَصِیرَ إِلَی عَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ فَیُوقِعَانِ بِهِ وَ یُخِیفَانِ مَنْ فِیهِ وَ إِسْحَاقُ بْنُ کَنْدَاجِیقَ یَوْمَئِذٍ بِالْبَصْرَةِ وَ قَدْ قَطَعَ الْمِیرَةَ عَنْ عَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ فَکَانَ اَلنَّاجِمُ یَجْمَعُ أَصْحَابَهُ فِی الْیَوْمِ الَّذِی یَخَافُ فِیهِ مُوَافَاةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُفْلِحٍ وَ إِبْرَاهِیمَ بْنِ سِیمَا حَتَّی یَنْقَضِیَ الْحَرْبُ ثُمَّ یَصْرِفُ فَرِیقاً مِنْهُمْ إِلَی نَاحِیَةِ اَلْبَصْرَةِ فَیُوَاقِعُ بِهِمْ إِسْحَاقَ بْنَ کَنْدَاجِیقَ (2) فَأَقَامُوا عَلَی هَذِهِ الْحَالِ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْراً إِلَی أَنْ صَرَفَ مُوسَی بْنَ بُغَا عَنْ حَرْبِ اَلزِّنْجِ (3) .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ سَبَبُ ذَلِکَ أَنَّ اَلْمُعْتَمَدَ رَدَّ أَمْرَ فَارِسَ وَ اَلْأَهْوَازِ وَ اَلْبَصْرَةِ وَ غَیْرِهَا مِنَ

ص :162

النَّوَاحِی وَ الْأَقْطَارِ إِلَی أَخِیهِ أَبِی أَحْمَدَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ حَرْبِ یَعْقُوبَ بْنِ اللَّیْثِ الصَّفَّارِ وَ هَزِیمَتِهِ لَهُ فَاسْتَخْلَفَ أَبُو أَحْمَدَ عَلَی حَرْبِ صَاحِبِ الزِّنْجِ مَسْرُوراً الْبَلْخِیَّ وَ صَرَفَ مُوسَی بْنَ بُغَا عَنْ ذَلِکَ وَ اتَّفَقَ أَنَّ اِبْنَ وَاصِلِ حَارَبَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُفْلِحٍ فَأَسَرَهُ وَ قَتَلَهُ وَ قُتِلَ طَاشْتَمِرُ التُّرْکِیُّ أَیْضاً وَ ذَلِکَ بِنَاحِیَةِ رَامَهُرْمُزَ فَاسْتَخْلَفَ مَسْرُورٌ الْبَلْخِیُّ عَلَی الْحَرْبِ أَبَا السَّاجِ وَ وَلِیَّ اَلْأَهْوَازِ فَکَانَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیِّ وَقْعَةٌ بِنَاحِیَةِ دُولاَبٍ قُتِلَ فِیهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ صِهْرُ أَبِی السَّاجِ وَ انْحَازَ أَبُو السَّاجِ إِلَی عَسْکَرِ مُکْرَمٍ وَ دَخَلَ اَلزِّنْجُ اَلْأَهْوَازَ فَقَتَلُوا أَهْلَهَا وَ سَبَوْا وَ أَحْرَقُوا دُورَهَا (1) .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ وَجَّهَ صَاحِبُ الزِّنْجِ جُیُوشَهُ بَعْدَ هَزِیمَةِ أَبِی السَّاجِ إِلَی نَاحِیَةِ اَلْبَطِیحَةِ وَ اَلْحَوَانِیتِ وَ دَسْتَمِیسَانَ قَالَ وَ ذَلِکَ لِأَنَّ وَاسِطاً خَلَتْ مِنْ أَکْثَرِ الْجُنْدِ فِی وَقْعَةِ أَبِی أَحْمَدَ وَ یَعْقُوبَ بْنِ اللَّیْثِ الَّتِی کَانَتْ عِنْدَ دَیْرِ الْعَاقُولِ فَطَمِعَ اَلزِّنْجُ فِیهَا فَتَوَجَّهَ إِلَیْهَا سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ فِی عَسْکَرٍ مِنَ اَلزِّنْجِ وَ أَرْدَفَهُ اَلنَّاجِمُ بِجَیْشٍ آخَرَ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِیٍّ فِی سُمَیْرِیَّاتٍ فِیهَا رُمَاةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْفَذَهُ إِلَی نَهَرِ الْمَرْأَةِ وَ أَنْفَذَ عَسْکَراً آخَرَ فِیهِ سُلَیْمَانُ بْنُ مُوسَی فَأَمَرَهُ أَنْ یُعَسْکِرَ بِالنَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِالْیَهُودِیِّ فَکَانَتْ بَیْنَ هَؤُلاَءِ وَ بَیْنَ مَنْ تَخَلَّفَ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ مِنْ عَسَاکِرِ السُّلْطَانِ حُرُوبٌ شَدِیدَةٌ وَ کَانَتْ سِجَالاً لَهُمْ وَ عَلَیْهِمْ حَتَّی مَلَکُوا اَلْبَطِیحَةَ وَ اَلْحَوَانِیتَ وَ شَارَفُوا وَاسِطاً وَ بِهَا یَوْمَئِذٍ مُحَمَّدٌ الْمُوَلَّدُ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ فَکَانَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ سُلَیْمَانَ بْنِ جَامِعٍ حُرُوبٌ کَثِیرَةٌ یَطُولُ شَرْحُهَا وَ تَعْدَادُهُ وَ أَمَدَّهُ اَلنَّاجِمُ بِالْخَلِیلِ بْنِ أَبَانٍ أَخِی عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیِّ فِی أَلْفٍ وَ خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ وَ مَعَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزِّنْجِیُّ الْمَعْرُوفُ بِالْمَذُوبِ أَحَدِ قُوَّادِهِمُ الْمَشْهُورِینَ فَقَوِیَ سُلَیْمَانُ بِهِمْ وَ أَوْقَعَ بِمُحَمَّدٍ الْمُوَلَّدِ فَهَزَمَهُ وَ دَخَلَ وَاسِطاً فِی ذِی الْحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ سِتِّینَ وَ مِائَتَیْنِ بِزُنُوجِهِ وَ قُوَّادِهِ فَقَتَلَ مِنْهَا خَلْقاً کَثِیراً وَ نَهَبَهَا وَ أَحْرَقَ دُورَهَا وَ أَسْوَاقَهَا وَ أَخْرَبَ کَثِیراً مِنْ مَنَازِلِ أَهْلِهَا

ص :163

وَ ثَبَتَ لِلْمُحَامَاةِ عَنْهَا قَائِدٌ کَانَ بِهَا مِنْ جَانِبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُوَلَّدِ یُقَالُ لَهُ کَنْجُورُ الْبُخَارِیُّ فَحَامَی یَوْمَهُ ذَلِکَ إِلَی الْعَصْرِ ثُمَّ قُتِلَ وَ کَانَ الَّذِی یَقُودُ الْخَیْلَ یَوْمَئِذٍ فِی عَسْکَرِ سُلَیْمَانَ بْنِ جَامِعٍ اَلْخَلِیلُ بْنُ أَبَانٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِالْمَذُوبِ وَ کَانَ أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِیٍّ الْجُبَّائِیُّ فِی السُّمَیْرِیَّاتِ وَ کَانَ مِهْرَبَانُ (1) الزِّنْجِیُّ فِی الشَّذَوَاتِ وَ کَانَ سُلَیْمَانُ بْنُ مُوسَی الشَّعْرَانِیُّ وَ أَخُوهُ فِی مَیْمَنَتِهِ وَ مَیْسَرَتِهِ وَ کَانَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ وَ هُوَ الْأَمِیرُ عَلَی الْجَمَاعَةِ فِی قُوَّادِهِ السُّودَانِ وَ رَجَّالَتِهِ مِنْهُمْ وَ کَانَ الْجَمِیعُ یَداً وَاحِدَةً فَلَمَّا قَضَوْا وَطَرَهُمْ مِنْ نَهْبِ وَاسِطٍ وَ قَتْلِ أَهْلِهَا خَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ عَنْهَا فَمَضَوْا إِلَی جُنْبَلاَءَ وَ أَقَامُوا هُنَاکَ یَعِیثُونَ وَ یُخْرِبُونَ.

وَ فِی أَوَائِلِ سَنَةِ خَمْسٍ وَ سِتِّینَ دَخَلُوا إِلَی اَلنُّعْمَانِیَّةِ وَ جَرْجَرَایَا وَ جَبَلَ فَنَهَبُوا وَ أَخْرَبُوا وَ قَتَلُوا وَ أَحْرَقُوا وَ هَرَبَ مِنْهُمْ أَهْلُ اَلسَّوَادِ فَدَخَلُوا إِلَی بَغْدَادَ .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَمَّا عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیُّ فَإِنَّهُ اسْتَوْلَی عَلَی مُعْظَمِ أَعْمَالِ اَلْأَهْوَازِ وَ عَاثَ هُنَاکَ وَ أَخْرَبَ وَ أَحْرَقَ وَ کَانَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ عُمَّالِ السُّلْطَانِ وَ قُوَّادِهِ مِثْلُ أَحْمَدَ بْنِ لَیْثَوَیْهِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْکُرْدِیِّ وَ تِکِینِ الْبُخَارِیِّ وَ مَطَرِ بْنِ جَامِعٍ وَ أَغْرَتْمِشَ التُّرْکِیِّ وَ غَیْرِهِمْ وَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ عُمَّالِ یَعْقُوبَ بْنِ اللَّیْثِ الصَّفَّارِ مِثْلِ خَضِرِ بْنِ الْعَنْبَرِ وَ غَیْرِهِ حُرُوبٌ عَظِیمَةٌ وَ وَقَعَاتٌ کَثِیرَةٌ وَ کَانَتْ سِجَالاً تَارَةً لَهُ وَ تَارَةً عَلَیْهِ وَ هُوَ فِی أَکْثَرِهَا الْمُسْتَظْهِرُ عَلَیْهِمْ وَ کَثُرَتْ أَمْوَالُ اَلزِّنْجِ وَ الْغَنَائِمِ الَّتِی حَوَوْهَا مِنَ الْبِلاَدِ وَ النَّوَاحِی وَ عَظُمَ أَمْرُهُمْ وَ أَهَمَّ النَّاسُ شَأْنَهُمْ وَ عَظُمَ عَلَی اَلْمُعْتَمَدِ وَ أَخِیهِ أَبِی أَحْمَدَ خَطْبُهُمْ وَ اقْتَسَمُوا الدُّنْیَا فَکَانَ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاجِمُ صَاحِبُ الزِّنْجِ وَ إِمَامُهُمْ مُقِیماً بِنَهْرِ أَبِی الْخَصِیبِ قَدْ بَنَی مَدِینَةً عَظِیمَةً سَمَّاهَا اَلْمُخْتَارَةُ وَ حَصَّنَهَا بِالْخَنَادِقِ وَ اجْتَمَعَ إِلَیْهِ فِیهَا مِنَ النَّاسِ مَا لاَ یَنْتَهِی الْعَدُّ وَ الْحَصْرُ إِلَیْهِ رَغْبَةً وَ رَهْبَةً وَ صَارَتْ مَدِینَةً تُضَاهِی سَامَرَّاءَ وَ بَغْدَادَ وَ تَزِیدُ عَلَیْهِمَا وَ أُمَرَاؤُهُ وَ قُوَّادُهُ

ص :164

بِالْبَصْرَةِ وَ أَعْمَالِهَا یَجْبُونَ الْخَرَاجَ عَلَی عَادَةِ السُّلْطَانِ لَمَّا کَانَتِ اَلْبَصْرَةُ فِی یَدِهِ وَ کَانَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیُّ وَ هُوَ أَکْبَرُ أُمَرَائِهِ وَ قُوَّادِهِ قَدِ اسْتَوْلَی عَلَی اَلْأَهْوَازِ وَ أَعْمَالِهَا وَ دَوَّخَ بِلاَدَهَا کَرَامَهُرْمُزَ وَ تَسْتُرَ وَ غَیْرِهِمَا وَ دَانَ لَهُ النَّاسُ وَ جَبَا الْخَرَاجَ وَ مَلَکَ أَمْوَالاً لاَ تُحْصَی.

وَ کَانَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ وَ سُلَیْمَانُ بْنُ مُوسَی الشَّعْرَانِیُّ وَ مَعَهُمَا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِیٍّ الْجُبَّائِیُّ فِی الْأَعْمَالِ اَلْوَاسِطِیَّةِ قَدْ مَلَکُوهَا وَ بَنَوْا بِهَا الْمُدُنَ الْحَصِینَةَ وَ فَازُوا بِأَمْوَالِهَا وَ ارْتِفَاعِهَا وَ جَبَوْا خَرَاجَهَا وَ رَتَّبُوا عُمَّالَهُمْ وَ قُوَّادَهُمْ فِیهَا إِلَی أَنْ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَ سِتِّینَ وَ مِائَتَیْنِ وَ قَدْ عَظُمَ الْخَطْبُ وَ جَلَّ وَ خِیفَ عَلَی مُلْکِ بَنِی الْعَبَّاسِ أَنْ یَذْهَبَ وَ یَنْقَرِضَ فَلَمْ یَجِدْ أَبُو أَحْمَدَ الْمُوَفَّقُ وَ هُوَ طَلْحَةُ بْنُ الْمُتَوَکِّلِ عَلَی اللَّهِ بُدّاً مِنَ التَّوَجُّهِ بِنَفْسِهِ وَ مُبَاشَرَتِهِ هَذَا الْأَمْرَ الْجَلِیلَ بِرَأْیِهِ وَ تَدْبِیرِهِ وَ حُضُورِهِ مَعَارِکَ الْحَرْبِ فَنَدَبَ أَمَامَهُ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ وَ رَکِبَ أَبُو أَحْمَدَ إِلَی بُسْتَانِ الْهَادِی بِبَغْدَادَ وَ عَرَضَ أَصْحَابَ أَبِی الْعَبَّاسِ وَ ذَلِکَ فِی شَهْرِ رَبِیعٍ الْآخَرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَکَانُوا عَشَرَةَ آلاَفٍ فُرْسَاناً وَ رَجَّالَةً فِی أَحْسَنِ زِیٍّ وَ أَجْمَلِ هَیْئَةٍ وَ أَکْمَلِ عُدَّةٍ وَ مَعَهُمُ الشَّذَوَاتُ وَ السُّمَیْرِیَّاتُ وَ الْمَعَابِرُ بِرَسْمِ الرَّجَّالَةِ (1) کُلُّ ذَلِکَ قَدْ أُحْکِمَتْ صَنَعْتُهُ فَرَکِبَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ بُسْتَانِ الْهَادِی وَ رَکِبَ أَبُو أَحْمَدَ مُشَیِّعاً لَهُ حَتَّی نَزَلَ الْقَرْیَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِالْفَرْکِ ثُمَّ عَادَ وَ أَقَامَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِالْفَرْکِ أَیَّاماً حَتَّی تَکَامَلَ عَدَدُهُ وَ تَلاَحَقَ بِهِ أَصْحَابُهُ.

ثُمَّ رَحَلَ إِلَی اَلْمَدَائِنِ فَأَقَامَ بِهَا أَیَّاماً ثُمَّ رَحَلَ إِلَی دَیْرِ الْعَاقُولِ فَوَرَدَ عَلَیْهِ کِتَابُ نُصَیْرٍ الْمَعْرُوفِ بِأَبِی حَمْزَةَ وَ هُوَ مِنْ جُلَّةِ أَصْحَابِهِ وَ کَانَ صَاحِبَ الشَّذَا وَ السُّمَیْرِیَّاتِ وَ قَدْ کَانَ قَدَمُهُ عَلَی مُقَدِّمَتِهِ بِدِجْلَةَ یُعْلِمُهُ فِیهِ أَنَّ سُلَیْمَانَ بْنَ جَامِعٍ قَدْ وَافَی لَمَّا عَلِمَ بِشُخُوصِ أَبِی الْعَبَّاسِ وَ اَلْجُبَّائِیِّ یَقْدَمُهُ فِی خَیْلِهِمَا وَ رِجَالِهِمَا وَ سُفُنِهِمَا حَتَّی نَزَلاَ الْجَزِیرَةَ الَّتِی بِحَضْرَةِ

ص :165

بَرْدُودَا فَوْقَ وَاسِطٍ بِأَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ وَ أَنَّ سُلَیْمَانَ بْنَ مُوسَی الشَّعْرَانِیَّ قَدْ وَافَی نَهْرَ أَبَانٍ بِعَسْکَرِهِ عَسْکَرِ الْبَرِّ وَ عَسْکَرِ الْمَاءِ فَرَحَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ لَمَّا قَرَأَ هَذَا الْکِتَابَ حَتَّی وَافَی جَرْجَرَایَا ثُمَّ مِنْهَا إِلَی فَمِ الصِّلْحِ ثُمَّ رَکِبَ الظَّهْرَ وَ سَارَ حَتَّی وَافَی اَلصِّلْحَ وَ وَجَّهَ طَلاَئِعَهُ لِیَتَعَرَّفَ الْخَبَرَ فَأَتَاهُ مِنْهُمْ مَنْ أَخْبَرَهُ بِمُوَافَاةِ الْقَوْمِ وَ أَنَّ أَوَّلَهُمْ قَرِیبٌ مِنَ اَلصِّلْحِ وَ آخِرَهُمْ بِبُسْتَانِ مُوسَی بْنِ بُغَا أَسْفَلَ وَاسِطٍ فَلَمَّا عَرَفَ ذَلِکَ عَدَلَ عَنْ سَنَنِ الطَّرِیقِ وَ لَقِیَ أَصْحَابَهُ أَوَائِلَ الْقَوْمِ فَتَطَارَدُوا لَهُمْ عَنْ وَصِیَّةٍ أَوْصَاهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ بِهَا حَتَّی طَمِعَ اَلزِّنْجُ فِیهِمْ وَ اغْتَرُّوا وَ أَمْعَنُوا فِی اتِّبَاعِهِمْ وَ جَعَلُوا یَصِیحُونَ بِهِمْ اطْلُبُوا أَمِیراً لِلْحَرْبِ فَإِنَّ أَمِیرَکُمْ مَشْغُولٌ بِالصَّیْدِ فَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أَبِی الْعَبَّاسِ بِالصِّلْحِ خَرَجَ إِلَیْهِمْ فِیمَنْ مَعَهُ مِنَ الْخَیْلِ وَ الرَّجِلِ وَ أَمَرَ فَصِیحَ بِأَبِی حَمْزَةَ یَا نُصَیْرُ إِلَی أَیْنَ تَتَأَخَّرُ عَنْ هَؤُلاَءِ الْکِلاَبِ ارْجِعْ إِلَیْهِمْ فَرَجَعَ نُصَیْرٌ بِشَذَوَاتِهِ وَ سُمَیْرِیَّاتِهِ وَ فِیهَا الرِّجَالُ وَ رَکِبَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِی سُمَیْرِیَّةٍ وَ مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَیْبٍ وَ حَفَّ أَصْحَابُهُ بِالزِّنْجِ مِنْ جَمِیعِ جِهَاتِهِمْ فَانْهَزَمُوا وَ مَنَحَ اللَّهُ أَبَا الْعَبَّاسِ وَ أَصْحَابَهُ أَکْتَافَهُمْ یَقْتُلُونَهُمْ وَ یَطْرُدُونَهُمْ إِلَی أَنْ وَافَوْا قَرْیَةَ عَبْدِ اللَّهِ وَ هِیَ عَلَی سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِی لَقُوهُمْ فِیهِ وَ أَخَذُوا مِنْهُمْ خَمْسَ شَذَوَاتٍ وَ عَشْرَ سُمَیْرِیَّاتٍ وَ اسْتَأْمَنَ مِنْهُمْ قَوْمٌ وَ أُسِرَ مِنْهُمْ أَسْرَی وَ غَرِقَ مِنْ سُفُنِهِمْ کَثِیرٌ فَکَانَ هَذَا الْیَوْمَ أَوَّلُ الْفَتْحِ عَلَی أَبِی الْعَبَّاسِ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَلَمَّا انْقَضَی هَذَا الْیَوْمُ أَشَارَ عَلَی أَبِی الْعَبَّاسِ قُوَّادُهُ وَ أَوْلِیَاؤُهُ أَنْ یَجْعَلَ مُعَسْکَرَهُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِی کَانَ انْتَهَی إِلَیْهِ إِشْفَاقاً عَلَیْهِ مِنْ مُقَارَبَةِ الْقَوْمِ فَأَبَی إِلاَّ نُزُولَ وَاسِطٍ بِنَفْسِهِ وَ لَمَّا انْهَزَمَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ وَ مَنْ مَعَهُ وَ ضَرَبَ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ انْهَزَمَ سُلَیْمَانُ بْنُ

ص :166

مُوسَی الشَّعْرَانِیُّ عَنْ نَهْرِ أَبَانٍ حَتَّی وَافَی سُوقَ الْخَمِیسِ وَ لَحِقَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ بِنَهْرِ الْأَمِیرِ وَ قَدْ کَانَ الْقَوْمُ حِینَ لَقُوا أَبَا الْعَبَّاسِ أَجَالُوا الرَّأْیَ بَیْنَهُمْ فَقَالُوا هَذَا فَتًی حَدَثٌ لَمْ تَطُلْ مُمَارَسَتُهُ الْحَرْبَ وَ تَدَرُّبُهُ بِهَا وَ الرَّأْیُ أَنْ نَرْمِیَهُ بِحَدِّنَا کُلِّهِ وَ نَجْتَهِدَ فِی أَوَّلِ لَقْیَةٍ نَلْقَاهُ فِی إِزَالَتِهِ فَلَعَلَّ ذَلِکَ أَنْ یَرُوعَهُ فَیَکُونُ سَبَباً لاِنْصِرَافِهِ عَنَّا فَفَعَلُوا ذَلِکَ وَ حَشَدُوا وَ اجْتَهَدُوا فَأَوْقَعَ اللَّهُ تَعَالَی بِهِمْ بَأْسَهُ وَ نَقِمَتَهُ وَ لَمْ یَتِمَّ لَهُمْ مَا قَدَّرُوهُ وَ رَکِبَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ غَدِ یَوْمِ الْوَقْعَةِ حَتَّی دَخَلَ وَاسِطاً فِی أَحْسَنِ زِیٍّ وَ کَانَ ذَلِکَ یَوْمَ جُمُعَةٍ فَأَقَامَ حَتَّی صَلَّی بِهَا صَلاَةَ الْجُمُعَةِ وَ اسْتَأْمَنَ إِلَیْهِ خَلْقٌ کَثِیرٌ مِنْ أَتْبَاعِ اَلزِّنْجِ وَ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَی اَلْعُمُرِ وَ هُوَ عَلَی فَرْسَخٍ وَاحِدٍ مِنْ وَاسِطٍ فَاتَّخَذَهُ مُعَسْکَراً وَ قَدْ کَانَ أَبُو حَمْزَةَ نُصَیْرٌ وَ غَیْرُهُ أَشَارُوا عَلَیْهِ أَنْ یَجْعَلَ مُعَسْکَرَهُ فَوْقَ وَاسِطٍ حَذَراً عَلَیْهِ مِنَ اَلزِّنْجِ فَامْتَنَعَ وَ قَالَ لَسْتُ نَازِلاً إِلاَّ اَلْعُمُرَ وَ أَمَرَ أَبَا حَمْزَةَ أَنْ یَنْزِلَ فُوَّهَةَ بَرْدُودَا فَوْقَ وَاسِطٍ وَ أَعْرَضَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَنْ مُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ وَ اسْتِمَاعِ شَیْءٍ مِنْ آرَائِهِمْ وَ اسْتَبَدَّ بِرَأْیِ نَفْسِهِ فَنَزَلَ اَلْعُمُرَ وَ أَخَذَ فِی بِنَاءِ الشَّذَوَاتِ وَ السُّمَیْرِیَّاتِ وَ جَعَلَ یُرَاوِحُ اَلزِّنْجَ الْقِتَالَ وَ یُغَادِیهِمْ وَ قَدْ رَتَّبَ خَاصَّةَ غِلْمَانِهِ وَ مَوَالِیهِ فِی سُمَیْرِیَّاتٍ فَجَعَلَ فِی کُلِّ سُمَیْرِیَّةٍ أَمِیراً مِنْهُمْ.

ثُمَّ إِنَّ سُلَیْمَانَ اسْتَعَدَّ وَ حَشَدَ وَ فَرَّقَ أَصْحَابَهُ فَجَعَلَهُمْ فِی ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ فِرْقَةٌ أَتَتْ مِنْ نَهْرِ أَبَانٍ وَ فِرْقَةٌ مِنْ بَرْتَمْرَتَا وَ فِرْقَةٌ مِنْ بَرْدُودَا فَلَقِیَهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ فَلَمْ یَلْبَثُوا أَنِ انْهَزَمُوا فَلَحِقَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِسُوقِ الْخَمِیسِ وَ طَائِفَةٌ بِمَازَرْوَانَ وَ طَائِفَةٌ بِبَرْتَمْرَتَا وَ سَلَکَ آخَرُونَ نَهْرَ الْمَاذِیَانِ وَ اعْتَصَمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ بِبَرْدُودَا وَ تَبِعَهُمْ أَصْحَابُ أَبِی الْعَبَّاسِ وَ جَعَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ قَصَدَهُ الْقَوْمُ الَّذِینَ سَلَکُوا نَهْرَ الْمَاذِیَانِ فَلَمْ یَرْجِعْ عَنْهُمْ حَتَّی وَافَی بِهِمْ بَرْمَسَاوِرَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَجَعَلَ یَقِفُ عَلَی الْقُرَی وَ الْمَسَالِکِ وَ یَسْأَلُ عَنْهَا وَ یَتَعَرَّفُهَا وَ مَعَهُ الْأَدِلاَّءُ وَ أَرْبَابُ الْخِبْرَةِ حَتَّی عَرَفَ جَمِیعَ تِلْکَ الْأَرْضِ وَ مَنَافِذَهَا وَ مَا یَنْتَهِی إِلَیْهِ مِنَ

ص :167

الْبَطَائِحِ وَ الْآجَامِ وَ غَیْرِهَا وَ عَادَ إِلَی مُعَسْکَرِهِ بِالْعُمُرِ فَأَقَامَ بِهِ أَیَّاماً مُرِیحاً نَفْسَهُ وَ أَصْحَابَهُ.

ثُمَّ أَتَاهُ مُخْبِرٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ اَلزِّنْجَ قَدِ اجْتَمَعُوا وَ اسْتَعَدُّوا لِکَبْسِ عَسْکَرِهِ وَ أَنَّهُمْ عَلَی إِتْیَانِهِ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ وَ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ غُلاَمٌ یُغَرِّرُ بِنَفْسِهِ وَ أَجْمَعَ رَأْیُهُمْ عَلَی تَکْمِینِ الْکُمَنَاءِ وَ الْمَصِیرِ إِلَیْهِ مِنَ الْجِهَاتِ الثَّلاَثِ فَحَذِرَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ ذَلِکَ وَ اسْتَعَدَّ لَهُ وَ أَقْبَلُوا إِلَیْهِ وَ قَدْ کَمَنُوا زُهَاءَ عَشَرَةِ آلاَفٍ فِی بَرْتَمْرَتَا وَ نَحْواً مِنَ الْعِدَّةِ فِی قَسْ هَثَا (1) وَ تَقَدَّمَ مِنْهَا عِشْرُونَ سُمَیْرِیَّةً إِلَی عَسْکَرِ أَبِی الْعَبَّاسِ عَلَی أَنْ یَخْرُجَ إِلَیْهِمْ فَیَهْرَبُوا بَعْدَ مُنَاوَشَةٍ یَسِیرَةٍ فَیُجِیزُوا أَبَا الْعَبَّاسِ وَ أَصْحَابَهُ إِلَی أَنْ یُجَاوِزُوا الْکُمَنَاءَ ثُمَّ یَخْرُجَ الْکَمِینُ عَلَیْهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ.

فَمَنَعَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَصْحَابَهُ مِنِ اتِّبَاعِهِمْ لَمَّا وَاقَعُوهُمْ وَ أَظْهَرُوا الْکَسْرَةَ وَ الْعَوْدَ فَعَلِمُوا أَنَّ کَیْدَهُمْ لَمْ یَنْفُذْ فِیهِ وَ خَرَجَ حِینَئِذٍ سُلَیْمَانُ وَ اَلْجُبَّائِیُّ فِی الشَّذَا وَ السُّمَیْرِیَّاتِ الْعَظِیمَةِ وَ قَدْ کَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْسَنَ تَعْبِئَةَ أَصْحَابِهِ فَأَمَرَ أَبَا حَمْزَةَ نُصَیْراً أَنْ یَخْرُجَ إِلَیْهِمْ فِی الشَّذَا وَ السُّمَیْرِیَّاتِ الْمُرَتَّبَةِ فَخَرَجَ إِلَیْهِمْ وَ نَزَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِی شَذَاةٍ مِنْ شَذَوَاتٍ قَدْ کَانَ سَمَّاهَا الْغَزَالَ وَ اخْتَارَ لَهَا جَدَّافِینَ وَ أَخَذَ مَعَهُ مُحَمَّدَ بْنَ شُعَیْبٍ الاِشْتِیَامَ وَ اخْتَارَ مِنْ خَاصَّةِ أَصْحَابِهِ وَ غِلْمَانِهِ جَمَاعَةً دَفَعَ إِلَیْهِمُ الرِّمَاحَ وَ أَمَرَ الْخَیَّالَةَ بِالْمَسِیرِ بِإِزَائِهِ عَلَی شَاطِئِ النَّهْرِ وَ قَالَ لَهُمْ لاَ تَدَعُوا الْمَسِیرَ مَا أَمْکَنَکُمْ إِلَی أَنْ تَقْطَعَکُمُ الْأَنْهَارُ وَ نَشِبَتِ الْحَرْبُ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ فَکَانَتْ مَعْرَکَةُ الْقِتَالِ مِنْ حَدِّ قَرْیَةِ الرَّمْلِ إِلَی اَلرُّصَافَةِ حَتَّی أَذِنَ اللَّهُ فِی هَزِیمَةِ اَلزِّنْجِ فَانْهَزَمُوا وَ حَازَ أَصْحَابُ أَبِی الْعَبَّاسِ مِنْهُمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَذَاةٍ وَ أَفْلَتَ سُلَیْمَانُ وَ اَلْجُبَّائِیُّ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ بَعْدَ أَنْ أَشْفَیَا عَلَی الْهَلاَکِ رَاجِلِینَ وَ أُخِذَتْ دَوَابُّهُمَا وَ مَضَی جَیْشُ اَلزِّنْجِ بِأَجْمَعِهِ لاَ یَنْثَنِی أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّی وَافَوْا طَهِیثَا وَ أَسْلَمُوا مَا کَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَثَاثٍ وَ آلَةٍ وَ رَجَعَ

ص :168

أَبُو الْعَبَّاسِ فَأَقَامَ بِمُعَسْکَرِهِ بِالْعُمُرِ وَ أَصْلَحَ مَا کَانَ أَخَذَ مِنْهُمْ مِنَ الشَّذَا وَ السُّفُنِ (1) وَ رَتَّبَ الرِّجَالَ فِیهَا وَ أَقَامَ اَلزِّنْجُ بَعْدَ ذَلِکَ عِشْرِینَ یَوْماً لاَ یَظْهَرُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ إِنَّ اَلْجُبَّائِیَّ صَارَ بَعْدَ ذَلِکَ یَجِیءُ فِی الطَّلاَئِعِ کُلَّ ثَلاَثَةِ أَیَّامٍ وَ یَنْصَرِفُ وَ حَفَرَ فِی طَرِیقِ عَسْکَرِ أَبِی الْعَبَّاسِ آبَاراً وَ صَیَّرَ فِیهَا سَفَافِیدَ حَدِیدٍ وَ غَشَّاهَا بِالْبَوَارِی وَ أَخْفَی مَوَاضِعَهَا وَ جَعَلَهَا عَلَی سَنَنِ مَسِیرِ الْخَیْلِ لِیَتَهَوَّرَ فِیهَا الْمُجْتَازُونَ بِهَا وَ جَعَلَ بَوَاقِیَ طَرَفِ الْعَسْکَرِ مُتَعَرِّضاً بِهِ لِتَخْرُجَ الْخَیْلُ طَالِبَةً لَهُ فَجَاءَ یَوْماً وَ طَلَبَتْهُ الْخَیْلُ کَمَا کَانَتْ تَطْلُبُهُ فَقَطَرَ (2) فَرَسُ رَجُلٍ مِنْ قُوَّادِ الْفَرَاعِنَةِ فِی بَعْضِ تِلْکَ الْآبَارِ فَوَقَفَ أَصْحَابُ أَبِی الْعَبَّاسِ بِمَا نَالَهُ مِنْ ذَلِکَ عَلَی مَا کَانَ دَبَّرَهُ اَلْجُبَّائِیُّ فَحَذِرُوا ذَلِکَ وَ تَنَکَّبُوا سُلُوکَ تِلْکَ الطَّرِیقِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَلَحَّ اَلزِّنْجُ فِی مُغَادَاةِ الْعَسْکَرِ فِی کُلِّ یَوْمٍ بِالْحَرْبِ وَ عَسْکَرُوا بِنَهْرِ الْأَمِیرِ فِی جَمْعٍ کَثِیرٍ وَ کَتَبَ سُلَیْمَانُ إِلَی اَلنَّاجِمِ یَسْأَلُهُ إِمْدَادَهُ بِسُمَیْرِیَّاتٍ لِکُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْبَعُونَ مِجْدَافاً فَوَافَاهُ مِنْ ذَلِکَ فِی مِقْدَارِ عِشْرِینَ یَوْماً أَرْبَعُونَ سُمَیْرِیَّةً فِیهَا الرِّجَالُ وَ السُّیُوفُ وَ التِّرَاسُ وَ الرِّمَاحُ فَکَانَتْ لِأَبِی الْعَبَّاسِ مَعَهُمْ وَقَعَاتٌ عَظِیمَةٌ وَ فِی أَکْثَرِهَا الظَّفَرُ لِأَصْحَابِهِ وَ الْخِذْلاَنُ عَلَی اَلزِّنْجِ وَ لَجَّ أَبُو الْعَبَّاسِ فِی دُخُولِ الْأَنْهَارِ وَ الْمَضَایِقِ حَتَّی انْتَهَی إِلَی مَدِینَةِ سُلَیْمَانَ بْنِ مُوسَی الشَّعْرَانِیِّ بِنَهْرِ الْخَمِیسِ الَّتِی بَنَاهَا وَ سَمَّاهَا اَلْمَنِیعَةَ وَ خَاطَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِنَفْسِهِ مِرَاراً وَ سَلِمَ بَعْدَ أَنْ شَارَفَ الْعَطَبَ وَ اسْتَأْمَنَ إِلَیْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِ اَلزِّنْجِ فَأَمَّنَهُمْ وَ خَلَعَ عَلَیْهِمْ وَ ضَمَّهُمْ إِلَی عَسْکَرِهِ وَ قُتِلَ مِنْ قُوَّادِ

ص :169

اَلزِّنْجِ جَمَاعَةٌ وَ تَمَادَّتِ الْأَیَّامُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُمْ وَ اتَّصَلَ بِأَبِی أَحْمَدَ الْمُوَفَّقِ أَنَّ سُلَیْمَانَ بْنَ مُوسَی الشَّعْرَانِیَّ وَ اَلْجُبَّائِیَّ وَ مَنْ بِالْأَعْمَالِ اَلْوَاسِطِیَّةِ مِنْ قُوَّادِ صَاحِبِ الزِّنْجِ کَاتَبُوا صَاحِبَهُمْ وَ سَأَلُوهُ إِمْدَادَهُمْ بِعَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیِّ وَ هُوَ الْمُقِیمُ حِینَئِذٍ بِأَعْمَالِ اَلْأَهْوَازِ وَ الْمُسْتَوْلِی عَلَیْهَا وَ کَانَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ قَائِدَ الْقُوَّادِ وَ أَمِیرَ الْأُمَرَاءِ فِیهِمْ فَکَتَبَ اَلنَّاجِمُ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ یَأْمُرُهُ بِالْمَصِیرِ بِجَمِیعِ مَنْ مَعَهُ إِلَی نَاحِیَةِ سُلَیْمَانَ بْنِ جَامِعٍ لِیَجْتَمِعَا عَلَی حَرْبِ أَبِی الْعَبَّاسِ .فَصَحَّ عَزْمُ أَبِی أَحْمَدَ عَلَی الشُّخُوصِ إِلَی وَاسِطٍ وَ حُضُورِ الْحَرْبِ بِنَفْسِهِ فَخَرَجَ عَنْ بَغْدَادَ فِی صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَ عَسْکَرَ بِالْفَرْکِ وَ أَقَامَ بِهَا أَیَّاماً حَتَّی تَلاَحَقَ بِهِ عَسْکَرُهُ وَ مَنْ أَرَادَ الْمَسِیرَ مَعَهُ وَ قَدْ أَعَدَّ آلَةَ الْمَاءِ (1) وَ رَحَلَ مِنَ اَلْفَرْکِ إِلَی اَلْمَدَائِنِ ثُمَّ إِلَی دَیْرِ الْعَاقُولِ ثُمَّ إِلَی جَرْجَرَایَا ثُمَّ قَنَی ثُمَّ جَبَلٍ ثُمَّ نَزَلَ اَلصُّلْحَ ثُمَّ نَزَلَ عَلَی فَرْسَخٍ مِنْ وَاسِطٍ (2) .وَ تَلَقَّاهُ ابْنُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فِی جَرِیدَةِ خَیْلٍ فِیهَا وُجُوهُ قُوَّادِهِ فَسَأَلَهُ أَبُوهُ عَنْ خَبَرِهِمْ فَوَصَفَ لَهُ بَلاَءَهُمْ وَ نُصْحَهُمْ فَخَلَعَ أَبُو أَحْمَدَ عَلَی أَبِی الْعَبَّاسِ ثُمَّ عَلَی الْقُوَّادِ الَّذِینَ کَانُوا مَعَهُ وَ انْصَرَفَ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَی مُعَسْکَرِهِ بِالْعُمُرِ فَبَاتَ بِهِ فَلَمَّا کَانَ صَبِیحَةُ الْغَدِ رَجَّلَ أَبُو أَحْمَدَ مُنْحَدِراً فِی الْمَاءِ وَ تَلَقَّاهُ ابْنُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فِی آلاَتِ الْمَاءِ بِجَمِیعِ الْعَسْکَرِ فِی هَیْئَةِ الْحَرْبِ عَلَی الْوَضْعِ الَّذِی کَانُوا یُحَارِبُونَ اَلزِّنْجَ عَلَیْهِ فَاسْتَحْسَنَ أَبُو أَحْمَدَ هَیْئَتَهُمْ وَ سُرَّ بِذَلِکَ وَ سَارَ أَبُو أَحْمَدَ حَتَّی نَزَلَ بِإِزَاءِ الْقَرْیَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِقَرْیَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَ وَضَعَ الْعَطَاءَ فَأَعْطَی الْجَیْشَ کُلَّهُ أَرْزَاقَهُمْ وَ قَدَّمَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ أَمَامَهُ فِی السُّفُنِ وَ سَارَ وَرَاءَهُ فَتَلَقَّاهُ

ص :170

أَبُو الْعَبَّاسِ بِرُءُوسٍ وَ أَسْرَی مِنْ أَصْحَابِ اَلشَّعْرَانِیِّ وَ کَانَ لَقِیَهُمْ فَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ بِالْأَسْرَی فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ وَ رَحَلَ یُرِیدُ اَلْمَدِینَةَ الَّتِی بَنَاهَا اَلشَّعْرَانِیُّ بِسُوقِ الْخَمِیسِ وَ سَمَّاهَا اَلْمَنِیعَةَ .وَ إِنَّمَا بَدَأَ أَبُو أَحْمَدَ بِحَرْبِ اَلشَّعْرَانِیِّ قَبْلَ حَرْبِ سُلَیْمَانَ بْنِ جَامِعٍ لِأَنَّ اَلشَّعْرَانِیَّ کَانَ وَرَاءَهُ فَخَافَ إِنْ بَدَأَ بِابْنِ جَامِعٍ أَنْ یَأْتِیَهُ اَلشَّعْرَانِیُّ مِنْ وَرَائِهِ فَیَشْغَلَهُ عَمَّنْ هُوَ أَمَامَهُ فَلَمَّا قَرُبَ مِنَ الْمَدِینَةِ خَرَجَ إِلَیْهِ اَلزِّنْجُ فَحَارَبُوهُ حَرْباً ضَعِیفَةً وَ انْهَزَمُوا فَعَلاَ أَصْحَابُ أَبِی الْعَبَّاسِ السُّوَرَ وَ وَضَعُوا السَّیْفَ فِیمَنْ لَقِیَهُمْ وَ تَفَرَّقَ اَلزِّنْجُ وَ دَخَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَدِینَةَ فَقَتَلُوا وَ أَسَرُوا وَ حَوَوْا مَا کَانَ فِیهَا وَ أَفْلَتَ اَلشَّعْرَانِیُّ هَارِباً وَ مَعَهُ خَوَاصُّهُ فَأَتْبَعَهُمْ أَصْحَابُ أَبِی الْعَبَّاسِ حَتَّی وَافَوْا بِهِمُ اَلْبَطَائِحَ فَغَرِقَ مِنْهُمْ خَلْقٌ کَثِیرٌ وَ لَجَأَ الْبَاقُونَ إِلَی الْآجَامِ وَ انْصَرَفَ النَّاسُ وَ قَدِ اسْتُنْقِذَ مِنَ اَلْمُسْلِمَاتِ اللَّوَاتِی کُنَّ بِأَیْدِی اَلزِّنْجِ فِی هَذِهِ الْمَدِینَةِ خَاصَّةً خَمْسَةُ آلاَفِ امْرَأَةٍ سِوَی مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنَ اَلزِّنْجِیَّاتِ (1) .

فَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ بِحَمْلِ (2) النِّسَاءِ اللَّوَاتِی سَبَاهُنَّ اَلزِّنْجُ إِلَی وَاسِطٍ وَ أَنْ یُدْفَعْنَ إِلَی أَوْلِیَائِهِنَّ وَ بَاتَ أَبُو أَحْمَدَ بِحِیَالِ الْمَدِینَةِ ثُمَّ بَاکَرَهَا وَ أَذِنَ لِلنَّاسِ فِی نَهْبِ مَا فِیهَا مِنْ أَمْتِعَةِ اَلزِّنْجِ فَدَخَلَتْ وَ نَهَبَ کُلَّ مَا کَانَ بِهَا وَ أَمَرَ بِهَدْمِ سُورِهَا وَ طَمِّ (3) خَنْدَقِهَا وَ إِحْرَاقِ مَا کَانَ بَقِیَ مِنْهَا وَ ظَفِرَ فِی تِلْکَ الْقُرَی الَّتِی کَانَتْ فِی یَدِ اَلشَّعْرَانِیِّ بِمَا لاَ یُحْصَی مِنَ الْأَرُزِّ وَ الْحِنْطَةِ وَ الشَّعِیرِ وَ قَدْ کَانَ اَلشَّعْرَانِیُّ اسْتَوْلَی عَلَی ذَلِکَ کُلِّهِ وَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ فَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ بِبَیْعِهِ وَ صَرَفَ ثَمَنَهُ فِی أَعْطِیَاتِ مَوَالِیهِ وَ غِلْمَانِهِ وَ جُنْدِهِ.

ص :171

وَ أَمَّا اَلشَّعْرَانِیُّ فَإِنَّهُ الْتَحَقَ هُوَ وَ أَخُوهُ بِالْمَذَارِ وَ کَتَبَ إِلَی اَلنَّاجِمِ یُعَرِّفُهُ ذَلِکَ وَ أَنَّهُ مُعْتَصِمٌ بِالْمَذَارِ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَحَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ الْکَرَنْبَائِیُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِی وَاثِلَةَ قَالَ کُنْتُ بَیْنَ یَدَیِ اَلنَّاجِمِ ذَلِکَ الْیَوْمَ وَ هُوَ یَتَحَدَّثُ إِذْ وَرَدَ عَلَیْهِ کِتَابُ سُلَیْمَانَ بِخَبَرِ الْوَاقِعَةِ وَ مَا نَزَلَ بِهِ وَ انْهِزَامِهِ إِلَی اَلْمَذَارِ فَمَا کَانَ إِلاَّ أَنْ فَضَّ الْکِتَابَ وَ وَقَعَتْ عَیْنُهُ عَلَی ذِکْرِ الْهَزِیمَةِ حَتَّی انْحَلَّ وِکَاءُ بَطْنِهِ فَنَهَضَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ عَادَ.

فَلَمَّا اسْتَوَی بِهِ مَجْلِسُهُ أَخَذَ الْکِتَابَ وَ تَأَمَّلَهُ فَوَقَعَتْ عَیْنُهُ عَلَی الْمَوْضِعِ الَّذِی أَنْهَضَهُ أَوَّلاً فَنَهَضَ لِحَاجَتِهِ حَتَّی فَعَلَ ذَلِکَ مِرَاراً فَلَمْ أَشُکَّ فِی عِظَمِ الْمُصِیبَةِ وَ کَرِهْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ تَجَاسَرْتُ فَقُلْتُ أَ لَیْسَ هَذَا کِتَابُ سُلَیْمَانَ بْنِ مُوسَی قَالَ بَلَی وَرَدَ بِقَاصِمَةِ الظَّهْرِ ذَکَرَ أَنَّ الَّذِینَ أَنَاخُوا عَلَیْهِ أَوْقَعُوا بِهِ وَقْعَةً لَمْ تَبْقَ مِنْهُ وَ لَمْ تَذَرْ فَکَتَبَ کِتَابَهُ هَذَا وَ هُوَ بِالْمَذَارِ وَ لَمْ یُسَلِّمْ بِشَیْءٍ غَیْرِ نَفْسِهِ قَالَ فَأَکْبَرْتُ ذَلِکَ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ مَا أُخْفِیَ مِنَ السُّرُورِ الَّذِی وَصَلَ إِلَی قَلْبِی قَالَ وَ صَبَرَ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَی مَکْرُوهِ مَا وَصَلَ إِلَیْهِ وَ جَعَلَ یُظْهِرُ الْجَلْدَ وَ کَتَبَ إِلَی سُلَیْمَانَ بْنِ جَامِعٍ یُحَذِّرُهُ مِثْلَ الَّذِی نَزَلَ بِالشَّعْرَانِیِّ وَ یَأْمُرُهُ بِالتَّیَقُّظِ فِی أَمْرِهِ وَ حِفْظِ مَا قِبَلَهُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ لَمْ یَکُنْ لِأَبِی أَحْمَدَ بَعْدَ ذَلِکَ هَمٌّ إِلاَّ فِی طَلَبِ سُلَیْمَانَ بْنِ جَامِعٍ فَأَتَتْهُ طَلاَئِعُهُ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ بِالْحَوَانِیتِ فَقَدَّمَ أَمَامَهُ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ فِی عَشَرَةِ آلاَفٍ فَانْتَهَی إِلَی اَلْحَوَانِیتِ فَلَمْ یَجِدْ سُلَیْمَانَ بْنَ جَامِعٍ بِهَا وَ أَلْفَی هُنَاکَ مِنْ قُوَّادِ السُّودَانِ الْمُشْتَهَرِینَ بِالْبَأْسِ وَ النَّجْدَةِ الْقَائِدِینَ الْمَعْرُوفِ أَحَدُهُمَا بِشَبَلٍ وَ الْآخَرُ بِأَبِی النَّدَی (1) وَ هُمَا مِنْ قُدَمَاءِ

ص :172

أَصْحَابِ اَلنَّاجِمِ الَّذِینَ کَانَ قَوَّدَهُمْ فِی بَدْءِ مَخْرَجِهِ وَ کَانَ سُلَیْمَانُ قَدْ خَلَّفَ هَذَیْنِ الْقَائِدَیْنِ بِالْحَوَانِیتِ لِحِفْظِ غَلاَّتٍ کَثِیرَةٍ کَانُوا قَدْ أَخَذُوهَا فَحَارَبَهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ فَقَتَلَ مِنْ رِجَالِهِمَا وَ جَرَحَ بِالسِّهَامِ خَلْقاً کَثِیراً وَ کَانُوا أَجْلَدَ رِجَالِ سُلَیْمَانَ بْنِ جَامِعٍ وَ نُخْبَتَهُمُ الَّذِینَ یَعْتَمِدُ عَلَیْهِمْ وَ دَامَتِ الْحَرْبُ بَیْنَ أَبِی الْعَبَّاسِ وَ بَیْنَهُمْ ذَلِکَ الْیَوْمَ إِلَی أَنْ حَجَزَ اللَّیْلُ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ وَ رَمَی أَبُو الْعَبَّاسِ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ کُرْکِیّاً طَائِراً فَوَقَعَ بَیْنَ اَلزِّنْجِ وَ السَّهْمُ فِیهِ فَقَالُوا هَذَا سَهْمُ أَبِی الْعَبَّاسِ وَ أَصَابَهُمْ مِنْهُ ذَعِرٌ وَ اسْتَأْمَنَ فِی هَذَا الْیَوْمِ بَعْضُهُمْ إِلَی أَبِی الْعَبَّاسِ فَسَأَلَهُ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِی فِیهِ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُقِیمٌ بِمَدِینَتِهِ الَّتِی بَنَاهَا بِطَهِیثَا فَانْصَرَفَ أَبُو الْعَبَّاسِ حِینَئِذٍ إِلَی أَبِیهِ بِحَقِیقَةِ مَقَامِ سُلَیْمَانَ وَ أَنَّ مَعَهُ هُنَالِکَ جَمِیعُ أَصْحَابِهِ إِلاَّ شِبْلاَ وَ أَبَا النَّدَی فَإِنَّهُمَا بِالْحَوَانِیتِ لِحِفْظِ الْغَلاَّتِ الَّتِی حَوَوْهَا فَأَمَرَ حِینَئِذٍ أَبُو أَحْمَدَ أَصْحَابَهُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَی طَهِیثَا وَ وَضَعَ الْعَطَاءَ فَأَعْطَی عَسْکَرَهُ وَ شَخَصَ مُصَاعِداً إِلَی بَرْدُودَا لِیَخْرُجَ مِنْهَا إِلَی طَهِیثَا إِذْ کَانَ لاَ سَبِیلَ لَهُ إِلَیْهَا إِلاَّ بِذَلِکَ فَظَنَّ عَسْکَرُهُ أَنَّهُ هَارَبَ وَ کَادُوا یَنْفَضُّونَ لَوْ لاَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا حَقِیقَةَ الْحَالِ فَانْتَهَی إِلَی الْقَرْیَةِ بِالْحُوذِیَّةِ وَ عَقَدَ جِسْراً عَلَی النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِمَهْرُوذَ وَ عَبَّرَ عَلَیْهِ الْخَیْلَ وَ سَارَ إِلَی أَنْ صَارَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ مَدِینَةِ سُلَیْمَانَ الَّتِی سَمَّاهَا اَلْمَنْصُورَةُ بِطَهِیثَا مِیلاَنِ فَأَقَامَ هُنَاکَ بِعَسْکَرِهِ وَ مَطَرَتِ السَّمَاءُ مَطَراً جَوْداً وَ اشْتَدَّ الْبَرْدُ أَیَّامَ مُقَامِهِ هُنَالِکَ فَشُغِلَ بِالْمَطَرِ وَ الْبَرْدِ عَنِ الْحَرْبِ فَلَمْ یُحَارِبْ فَلَمَّا فَتَرَ رَکِبَ فِی نَفَرٍ مِنْ قُوَّادِهِ وَ مَوَالِیهِ لاِرْتِیَادِ مَوْضِعٍ لِمَجَالِ الْخَیْلِ فَانْتَهَی إِلَی قَرِیبٍ مِنْ سُورِ تِلْکَ الْمَدِینَةِ فَتَلَقَّاهُ مِنْهُمْ خَلْقٌ کَثِیرٌ وَ خَرَجَ عَلَیْهِ کُمَنَاءُ مِنْ مَوَاضِعَ شَتَّی وَ نَشِبَتِ الْحَرْبُ وَ اشْتَدَّتْ فَتَرَجَّلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُرْسَانِ وَ دَافَعُوا حَتَّی خَرَجُوا عَنِ الْمَضَایِقِ الَّتِی کَانُوا أَوْغَلُوهَا وَ أُسِرَ مِنْ غِلْمَانِ أَبِی أَحْمَدَ غُلاَمٌ یُقَالُ لَهُ وَصِیفُ الْعَلَمْدَارِ وَ عِدَّةٌ مِنْ قُوَّادِ زِیرَکَ وَ قُتِلَ فِی هَذَا الْیَوْمِ أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِیٍّ الْجُبَّائِیُّ أَحَدُ الْقُوَّادِ الْعُظَمَاءِ مِنَ اَلزِّنْجِ رَمَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ أَحَدَ مَنْخِرَیْهِ حَتَّی خَالَطَ دِمَاغُهُ فَخَرَّ صَرِیعاً وَ حُمِلَ مِنَ الْمَعْرَکَةِ وَ هُوَ حَیٌّ فَسَأَلَ أَنْ یُحْمَلَ

ص :173

إِلَی اَلنَّاجِمِ فَحُمِلَ مِنْ هُنَاکَ إِلَی نَهَرِ أَبِی الْخَصِیبِ إِلَی مَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ الَّتِی سَمَّاهَا اَلْمُخْتَارَةَ فَوُضِعَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ هُوَ عَلَی مَا بِهِ فَعَظُمَتِ الْمُصِیبَةُ عَلَیْهِ بِهِ إِذْ کَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَصْحَابِهِ غَنَاءً وَ أَشَدِّهِمْ تَصَبُّراً لِإِطَاعَتِهِ فَمَکَثَ اَلْجُبَّائِیُّ یُعَالِجُ هُنَالِکَ أَیَّاماً ثُمَّ هَلَکَ فَاشْتَدَّ جَزَعُ اَلنَّاجِمِ عَلَیْهِ وَ صَارَ إِلَیْهِ فَوَلِیَ غُسْلَهُ وَ تَکْفِینَهُ وَ الصَّلاَةَ عَلَیْهِ وَ الْوُقُوفَ عَلَی قَبْرِهِ إِلَی أَنْ دُفِنَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی أَصْحَابِهِ فَوَعَظَهُمْ وَ ذَکَرَ مَوْتَ اَلْجُبَّائِیِّ وَ کَانَتْ وَفَاتُهُ فِی لَیْلَةٍ ذَاتِ رُعُودٍ وَ بُرُوقٍ.

فَقَالَ فِیمَا ذَکَرَ عَنْهُ لَقَدْ سَمِعْتُ وَقْتَ قَبْضِ رُوحِهِ زَجَلَ الْمَلاَئِکَةِ بِالدُّعَاءِ لَهُ وَ التَّرَحُّمِ عَلَیْهِ وَ انْصَرَفَ مِنْ دَفْنِهِ مُنْکَسِراً عَلَیْهِ الْکَآبَةُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو أَحْمَدَ ذَلِکَ الْیَوْمَ مِنَ الْوَقْعَةِ غَادَاهُمْ بُکْرَةَ الْغَدِ وَ عَبَّأَ أَصْحَابَهُ کَتَائِبَ فُرْسَاناً وَ رَجَّالَةً وَ أَمَرَ بِالشَّذَا وَ الْسُمَیْرِیَّاتِ أَنْ یُسَارَ بِهَا مَعَهُ فِی النَّهَرِ الَّذِی یَشُقُّ مَدِینَةَ طَهِیثَا وَ هُوَ النَّهَرُ الْمَعْرُوفُ بِنَهَرِ الْمُنْذِرِ وَ سَارَ نَحْوَ اَلزِّنْجِ حَتَّی انْتَهَی إِلَی سُورِ الْمَدِینَةِ قَرِیبِ قُوَّادِ غِلْمَانِهِ فِی الْمَوَاضِعِ الَّتِی یَخَافُ خُرُوجَ اَلزِّنْجِ عَلَیْهِ مِنْهَا وَ قَدَّمَ الرَّجَّالَةَ أَمَامَ الْفُرْسَانِ وَ نَزَلَ فَصَلَّی أَرْبَعَ رَکَعَاتٍ وَ ابْتَهَلَ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی فِی النَّصْرِ وَ الدُّعَاءِ لِلْمُسْلِمِینَ ثُمَّ دَعَا بِسِلاَحِهِ فَلَبِسَهُ وَ أَمَرَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ أَنْ یَتَقَدَّمَ إِلَی السُّورِ وَ یَحُضَّ الْغِلْمَانَ عَلَی الْحَرْبِ فَفَعَلَ وَ قَدْ کَانَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ أَعَدَّ أَمَامَ سُورِ الْمَدِینَةِ الَّتِی سَمَّاهَا اَلْمَنْصُورَةَ خَنْدَقاً فَلَمَّا انْتَهَی الْغِلْمَانُ إِلَیْهِ تَهَیَّبُوا عُبُورَهُ وَ أَحْجَمُوا عَنْهُ فَحَرَّضَهُمْ قُوَّادُهُمْ وَ تَرَجَّلُوا مَعَهُمْ فَاقْتَحَمُوهُ مُتَجَاسِرِینَ عَلَیْهِ فَعَبَرُوهُ وَ انْتَهَوْا إِلَی اَلزِّنْجِ وَ هُمْ مُشْرِفُونَ مِنْ سُورِ مَدِینَتِهِمْ فَوَضَعُوا السِّلاَحَ فِیهِمْ وَ عَبَرَتْ شِرْذِمَةٌ مِنَ الْفُرْسَانِ الْخَنْدَقَ خَوْضاً فَلَمَّا رَأَی اَلزِّنْجُ خَبَرَ هَؤُلاَءِ الَّذِینَ لَقُوهُمْ وَ جُرْأَتَهُمْ عَلَیْهِمْ وَلَّوْا مُنْهَزِمِینَ وَ اتَّبَعَهُمْ أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ وَ دَخَلُوا

ص :174

الْمَدِینَةَ مِنْ جَوَانِبِهَا وَ کَانَ اَلزِّنْجُ قَدْ حَصَّنُوهَا بِخَمْسَةِ خَنَادِقَ وَ جَعَلُوا أَمَامَ کُلِّ خَنْدَقٍ مِنْهَا سُوراً یَمْتَنِعُونَ بِهِ فَجَعَلُوا یَقِفُونَ عِنْدَ کُلِّ سُورٍ وَ خَنْدَقٍ انْتَهَوْا إِلَیْهِ وَ أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ یَکْشِفُونَهُمْ فِی کُلِّ مَوْقِفٍ وَقَفُوهُ وَ دَخَلَتِ الشَّذَا وَ السُّمَیْرِیَّاتُ مَدِینَتَهُمْ مَشْحُونَةً بِالْغِلْمَانِ الْمُقَاتِلَةِ مِنَ النَّهَرِ الَّذِی یَشُقُّهَا بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ فَأَغْرَقَتْ کُلَّ مَا مَرَّتْ بِهِ لَهُمْ مِنْ شَذَاةٍ أَوْ سُمَیْرِیَّةٍ وَ أَتْبَعُوا مَنْ تَجَافَی النَّهَرَ مِنْهُمْ یَقْتُلُونَ وَ یَأْشَرُونَ حَتَّی أَجْلَوْهُمْ عَنِ الْمَدِینَةِ وَ عَمَّا یَتَّصِلُ بِهَا وَ کَانَ ذَلِکَ زُهَاءُ فَرْسَخٍ فَحَوَی أَبُو أَحْمَدَ ذَلِکَ کُلَّهُ وَ أَفْلَتَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ فِی نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِیهِمْ وَ الْأَسْرُ وَ اسْتَنْقَذَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ وَاسِطٍ وَ صِبْیَانِهِمْ وَ مَا اتَّصَلَ بِذَلِکَ مِنَ الْقُرَی وَ نَوَاحِی اَلْکُوفَةِ زُهَاءَ عَشَرَةِ آلاَفٍ فَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ بِحِیَاطَتِهِمْ وَ الْإِنْفَاقِ عَلَیْهِمْ وَ حُمِلُوا إِلَی وَاسِطٍ فَدُفِعُوا إِلَی أَهْلِیهِمْ وَ احْتَوَی أَبُو أَحْمَدَ عَلَی کُلِّ مَا کَانَ فِی تِلْکَ الْمَدِینَةِ مِنَ الذَّخَائِرِ وَ الْأَمْوَالِ وَ الْأَطْعِمَةِ وَ الْمَوَاشِی فَکَانَ شَیْئاً جَلِیلَ الْقَدْرِ فَأَمَرَ بِبَیْعِ الْغَلاَّتِ وَ غَیْرِهَا مِنَ الْعُرُوضِ وَ صَرْفَهُ فِی أَعْطِیَاتِ عَسْکَرِهِ وَ مَوَالِیهِ وَ أَسَرَ مِنْ نِسَاءِ سُلَیْمَانَ وَ أَوْلاَدِهِ عِدَّةً وَ اسْتُنْقِذَ یَوْمَئِذٍ وَصِیفُ الْعَلَمْدَارِ وَ مَنْ کَانَ أَسَرَهُ اَلزِّنْجُ مَعَهُ فَأُخْرِجُوا مِنَ الْحَبْسِ قَدْ کَانَ اَلزِّنْجُ أَعْجَلَهُمُ الْأَمْرَ عَنْ قَتْلِهِ وَ قَتْلِهِمْ وَ أَقَامَ أَبُو أَحْمَدَ بِطَهِیثَا سَبْعَةَ عَشَرَ یَوْماً وَ أَمَرَ بِهَدْمِ سُورِ الْمَدِینَةِ وَ طَمِّ خَنَادِقِهَا فَفُعِلَ ذَلِکَ وَ أَمَرَ بِتَتَبُّعِ مَنْ لَجَأَ مِنْهُمْ إِلَی الْآجَامِ وَ جَعَلَ لِکُلِّ مَنْ أَتَاهُ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ جُعْلاً فَسَارَعَ النَّاسُ إِلَی طَلَبِهِمْ فَکَانَ إِذَا أُتِیَ بِالْوَاحِدِ مِنْهُمْ خَلَعَ عَلَیْهِ وَ أَحْسَنَ إِلَیْهِ وَ ضَمَّهُ إِلَی قُوَّادِ غِلْمَانِهِ لِمَا دَبَّرَ مِنِ اسْتِمَالَتِهِمْ وَ صَرْفِهِمْ عَنْ طَاعَةِ صَاحِبِهِمْ وَ نَدَبَ نُصَیْراً صَاحِبَ الْمَاءِ فِی شَذًا وَ سُمَیْرِیَّاتٍ لِطَلَبِ سُلَیْمَانَ بْنِ جَامِعٍ وَ الْهَارِبِینَ مَعَهُ مِنَ اَلزِّنْجِ وَ غَیْرِهِمْ وَ أَمَرَهُ بِالْجِدِّ فِی اتِّبَاعِهِمْ حَتَّی یُجَاوِزَ اَلْبَطَائِحَ وَ حَتَّی یُلِحَّ دِجْلَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِالْعَوْرَاءِ وَ تَقَدَّمَ إِلَیْهِ فِی فَتْحِ السُّکُورِ (1) الَّتِی کَانَ سُلَیْمَانُ أَحْدَثَهَا لِیَقْطَعَ بِهَا الشَّذَا عَنْ دِجْلَةَ فِیمَا بَیْنَهُ وَ بَیْنَ النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِأَبِی الْخَصِیبِ وَ تَقَدَّمَ إِلَی

ص :175

زِیرَکَ فِی الْمَقَامِ بِطَهِیثَا فِی جَمْعٍ کَثِیرٍ مِنَ الْعَسْکَرِ لِیَتَرَاجَعَ إِلَیْهَا الَّذِینَ کَانَ سُلَیْمَانُ أَجْلاَهُمْ عَنْهَا مِنْ أَهْلِهَا فَلَمَّا أَحْکَمَ مَا أَرَادَ إِحْکَامَهُ تَرَاجَعَ بِعَسْکَرِهِ مُزْمِعاً عَلَی التَّوَجُّهِ إِلَی اَلْأَهْوَازِ لِیُصْلِحَهَا وَ قَدْ کَانَ قَدَّمَ أَمَامَهُ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ وَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِکْرُ عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیِّ وَ کَوْنِهِ اسْتَوْلَی عَلَی مُعْظَمِ کُوَرِ اَلْأَهْوَازِ وَ دَوَّخَ جُیُوشَ السُّلْطَانِ هُنَاکَ وَ أَوْقَعَ بِهِمْ وَ غَلَبَ عَلَی مُعْظَمِ تِلْکَ النَّوَاحِی وَ الْأَعْمَالِ.

فَلَمَّا تَرَاجَعَ أَبُو أَحْمَدَ وَافَی بَرْدُودَا فَأَقَامَ بِهَا أَیَّاماً وَ أَمَرَ بِإِعْدَادِ مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ لِلْمَسِیرِ عَلَی الظَّهْرِ إِلَی اَلْأَهْوَازِ وَ قَدَّمَ أَمَامَهُ مَنْ یُصْلِحُ الطُّرُقَ وَ الْمَنَازِلَ وَ یُعِدُّ فِیهَا الْمِیرَةَ لِلْجُیُوشِ الَّتِی مَعَهُ وَ وَافَاهُ قَبْلَ أَنْ یَرْحَلَ عَنْ وَاسِطٍ زِیرَکَ مُنْصَرِفاً عَنْ طَهِیثَا بَعْدَ أَنْ تَرَاجَعَ إِلَی النَّوَاحِی الَّتِی کَانَ بِهَا اَلزِّنْجُ أَهْلُهَا وَ خَلَّفَهُمْ آمِنِینَ فَأَمَرَهُ أَبُو أَحْمَدَ بِالاِسْتِعْدَادِ وَ الاِنْحِدَارِ فِی الشَّذَا وَ السُّمَیْرِیَّاتِ فِی نُخْبَةِ عَسْکَرِهِ وَ أَنْجَادِهِمْ فَیَصِیرُ بِهِمْ إِلَی دِجْلَةَ الْعَوْرَاءِ فَتَجْتَمِعُ یَدُهُ وَ یَدُ نُصَیْرٍ صَاحِبِ الْمَاءِ عَلَی نَقْضِ دِجْلَةَ وَ إِتْبَاعِ الْمُنْهَزِمِینَ مِنَ اَلزِّنْجِ وَ الْإِیقَاعِ بِکُلِّ مَنْ لَقُوا مِنْ أَصْحَابِ سُلَیْمَانَ إِلَی أَنْ یَنْتَهِیَ بِهِمُ الْمَسِیرُ إِلَی مَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ بِنَهْرِ أَبِی الْخَصِیبِ فَإِنْ رَأَوْا مَوْضِعَ حَرْبٍ حَارَبُوهُ فِی مَدِینَةٍ وَ کَتَبُوا بِمَا یَکُونُ مِنْهُمْ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ لِیَرُدَّ عَلَیْهِمْ مِنْ أَمْرِهِ مَا یَعْمَلُونَ بِحَسَبِهِ.

وَ اسْتَخْلَفَ أَبُو أَحْمَدَ عَلَی مَنْ خَلَّفَهُ مِنْ عَسْکَرِهِ بِوَاسِطٍ ابْنَهُ هَارُونَ وَ أَزْمَعَ عَلَی الشُّخُوصِ فِی خِفٍّ (1) مِنْ رِجَالِهِ وَ أَصْحَابِهِ فَفَعَلَ ذَلِکَ بَعْدَ أَنْ تَقَدَّمَ إِلَی ابْنِهِ هَارُونَ فِی أَنْ یُحَذِّرَ الْجَیْشَ الَّذِی خَلْفَهُ مَعَهُ فِی السُّفُنِ إِلَی مُسْتَقَرِّهِ بِدِجْلَةَ إِذَا وَافَاهُ کِتَابُهُ بِذَلِکَ وَ ارْتَحَلَ شَاخِصاً مِنْ وَاسِطِ اَلْأَهْوَازِ وَ کُوَرِهَا فَنَزَلَ بَاذِبِینَ إِلَی اَلطَّیِّبِ إِلَی قُرْقُوبٍ إِلَی وَادِی السُّوسِ وَ قَدْ کَانَ عُقِدَ لَهُ عَلَیْهِ جِسْرٌ فَأَقَامَ بِهِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَی وَقْتِ الظُّهْرِ حَتَّی عَبَرَ عَسْکَرَهُ أَجْمَعَ ثُمَّ سَارَ حَتَّی وَافَی اَلسُّوسَ فَنَزَلَهَا وَ قَدْ کَانَ أَمَرَ مَسْرُوراً الْبَلْخِیَّ وَ هُوَ عَامِلُهُ عَلَی اَلْأَهْوَازِ بِالْقُدُومِ عَلَیْهِ فَوَافَاهُمْ فِی جَیْشِهِ وَ قُوَّادِهِ مِنْ غَدِ الْیَوْمِ الَّذِی نَزَلَ فِیهِ اَلسُّوسَ

ص :176

فَخَلَعَ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهِمْ وَ أَقَامَ بِالسُّوسِ ثَلاَثاً وَ کَانَ مِمَّنْ أُسِرَ مِنَ اَلزِّنْجِ بِطَهِیثَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَی بْنِ سَعِیدٍ الْبَصْرِیُّ الْمَعْرُوفُ بِالْقُلُوصِ وَ کَانَ قَائِداً جَلِیلاً عِنْدَهُمْ وَ أَحَدُ عَدَدِ اَلنَّاجِمِ وَ مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ أُسِرَ بَعْدَ أَنْ أُثْخِنَ جِرَاحَاتٍ کَانَتْ فِیهَا مَنِیَّتُهُ فَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ بِاحْتِزَازِ رَأْسِهِ وَ نَصْبِهِ عَلَی جِسْرِ وَاسِطٍ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ اتَّصَلَ بِالنَّاجِمِ خَبَرُ هَذِهِ الْوَقْعَةِ بِطَهِیثَا وَ عَلِمَ مَا نِیلَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَانْتَقَضَ عَلَیْهِ تَدْبِیرُهُ وَ ضَلَّتْ حِیلَتُهُ فَحَمَلَهُ الْهَلَعُ إِلَی أَنْ کَتَبَ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیِّ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ مُقِیمٌ بِالْأَهْوَازِ فِی زُهَاءِ ثَلاَثِینَ أَلْفاً یَأْمُرُهُ بِتَرْکِ کُلِّ مَا کَانَ قِبَلَهُ مِنَ الْمِیرَةِ وَ الْأَثَاثِ وَ الْإِقْبَالِ إِلَیْهِ بِجَمِیعِ جُیُوشِهِ فَوَصَلَ الْکِتَابُ إِلَی اَلْمُهَلَّبِیِّ وَ قَدْ أَتَاهُ الْخَبَرُ بِإِقْدَامِ أَبِی أَحْمَدَ إِلَی اَلْأَهْوَازِ وَ کُوَرِهَا فَهُوَ لِذَلِکَ طَائِرُ الْعَقْلِ فَقَرَأَ الْکِتَابَ وَ هُوَ یَحْفِزُهُ فِیهِ حَفْزاً بِالْمَصِیرِ إِلَیْهِ فَتَرَکَ جَمِیعَ مَا کَانَ قِبَلَهُ وَ اسْتَخْلَفَ عَلَیْهِ مُحَمَّدَ بْنَ یَحْیَی بْنِ سَعِیدٍ الْکَرَنْبَائِیَّ فَلَمَّا شَخَصَ اَلْمُهَلَّبِیَّ عَنْهُ لَمْ یَثْبُتْ وَ لَمْ یَقُمْ لِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْوَجَلِ وَ تَرَادُفِ الْأَخْبَارِ بِوُصُولِ أَبِی أَحْمَدَ إِلَیْهِ فَأَخْلَی مَا اسْتَخْلَفَ عَلَیْهِ وَ تَبِعَ اَلْمُهَلَّبِیَّ وَ بِالْأَهْوَازِ یَوْمَئِذٍ وَ نَوَاحِیهَا مِنْ أَصْنَافِ الْحُبُوبِ وَ التَّمْرِ وَ الْمَوَاشِی شَیْءٌ عَظِیمٌ فَخَرَجُوا عَنْ ذَلِکَ کُلِّهِ وَ کَتَبَ اَلنَّاجِمُ أَیْضاً إِلَی بُهْبُوذِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْقَائِدِ وَ إِلَیْهِ یَوْمَئِذٍ الْأَعْمَالُ الَّتِی بَیْنَ اَلْأَهْوَازِ وَ فَارِسَ یَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ عَلَیْهِ بِعَسْکَرِهِ فَتَرَکَ بُهْبُوذٌ مَا کَانَ قِبَلَهُ مِنَ الطَّعَامِ وَ التَّمْرِ وَ الْمَوَاشِی فَکَانَ ذَلِکَ شَیْئاً عَظِیماً فَحَوَی جَمْعَ ذَلِکَ أَبُو أَحْمَدَ فَکَانَ قُوَّةً لَهُ عَلَی اَلنَّاجِمِ وَ ضَعْفاً لِلنَّاجِمِ .وَ لَمَّا رَحَلَ اَلْمُهَلَّبِیُّ عَنِ اَلْأَهْوَازِ بَثَّ أَصْحَابَهُ فِی الْقُرَی الَّتِی بَیْنَهُ وَ بَیْنَ مَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ فَانْتَهَبُوهَا وَ أَجْلَوْا عَنْهَا أَهْلَهَا وَ کَانُوا فِی سِلْمِهِمْ وَ تَخَلَّفَ خَلْقٌ کَثِیرٌ مِمَّنْ کَانَ مَعَ اَلْمُهَلَّبِیِّ مِنَ الْفُرْسَانِ وَ الرَّجَّالَةِ عَنِ اللِّحَاقِ بِهِ وَ أَقَامُوا بِنَوَاحِی اَلْأَهْوَازِ وَ کَتَبُوا یَسْأَلُونَ أَبَا أَحْمَدَ

ص :177

الْأَمَانَ لِمَا انْتَهَی عَنْهُ إِلَیْهِمْ مِنْ عَفْوِهِ عَمَّنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ اَلنَّاجِمِ وَ کَانَ الَّذِی دَعَا اَلنَّاجِمَ إِلَی أَمْرِ اَلْمُهَلَّبِیِّ وَ بُهْبُوذٍ بِسُرْعَةِ الْمَصِیرِ إِلَیْهِ خَوْفُهُ مُوَافَاةَ أَبِی أَحْمَدَ بِجُیُوشِهِ إِلَیْهِ عَلَی الْحَالَةِ الَّتِی کَانَ اَلزِّنْجُ عَلَیْهَا مِنَ الْوَجَلِ وَ شِدَّةِ الرُّعْبِ مَعَ انْقِطَاعِ اَلْمُهَلَّبِیِّ وَ بُهْبُوذٍ فِیمَنْ کَانَ مَعَهُمَا عَنْهُ وَ لَمْ یَکُنِ الْأَمْرُ کَمَا قَدَّرَ فَإِنَّ أَبَا أَحْمَدَ إِنَّمَا کَانَ قَاصِداً إِلَی اَلْأَهْوَازِ فَلَوْ أَقَامَ اَلْمُهَلَّبِیُّ بِالْأَهْوَازِ وَ بُهْبُوذٌ بِمَکَانِهِ فِی جُیُوشِهِمَا لَکَانَ أَقْرَبَ إِلَی دِفَاعِ جَیْشِ أَبِی أَحْمَدَ عَنِ اَلْأَهْوَازِ وَ أَحْفَظَ لِلْأَمْوَالِ وَ الْغَلاَّتِ الَّتِی تَرَکَتْ بَعْدَ أَنْ کَانَتِ الْیَدُ قَابِضَةً عَلَیْهَا.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَقَامَ أَبُو أَحْمَدَ حَتَّی أَحْرَزَ الْأَمْوَالَ الَّتِی کَانَ اَلْمُهَلَّبِیُّ وَ بُهْبُوذٌ وَ خُلَفَاؤُهُمَا تَرَکُوهَا وَ فُتِحَتِ السُّکُورُ الَّتِی کَانَ اَلنَّاجِمُ أَحْدَثَهَا فِی دِجْلَةَ وَ أُصْلِحَتْ لَهُ طُرُقُهُ وَ مَسَالِکُهُ وَ رَحَلَ أَبُو أَحْمَدَ عَنِ اَلسُّوسِ إِلَی جُنْدَیْسَابُورَ فَأَقَامَ بِهَا ثَلاَثاً وَ قَدْ کَانَتِ الْأَعْلاَفُ ضَاقَتْ عَلَی أَهْلِ الْعَسْکَرِ فَوَجَّهَ فِی طَلَبِهَا وَ حَمَلَهَا وَ رَحَلَ عَنْ جُنْدَیْسَابُورَ إِلَی تُسْتَرَ فَأَقَامَ بِهَا لِجِبَایَةِ الْأَمْوَالِ مِنْ کُوَرِ اَلْأَهْوَازِ وَ أَنْفَذَ إِلَی کُلِّ کُورَةٍ قَائِداً لِیُرَوِّجَ بِذَلِکَ حَمْلَ الْمَالِ وَ وَجَّهَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِی الْأَصْبَغِ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْکُرْدِیِّ صَاحِبِ رَامَهُرْمُزَ وَ مَا یَلِیهَا مِنَ الْقِلاَعِ وَ الْأَعْمَالِ وَ قَدْ کَانَ مَالَأَ اَلْمُهَلَّبِیَّ وَ حَمَلَ إِلَی اَلنَّاجِمِ أَمْوَالاً کَثِیرَةً وَ أَمَرَهُ بِإِینَاسِهِ وَ إِعْلاَمِهِ مَا عَلَیْهِ رَأْیُهُ فِی الْعَفْوِ عَنْهُ وَ التَّغَمُّدِ لِزَلَّتِهِ وَ أَنْ یَتَقَدَّمَ إِلَیْهِ فِی حَمْلِ الْأَمْوَالِ وَ الْمَسِیرِ إِلَی سُوقِ الْأَهْوَازِ بِجَمِیعِ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمَوَالِی وَ الْغِلْمَانِ وَ الْجُنْدِ لِیَعْرِضَهُمْ وَ یَأْمُرَ بِإِعْطَائِهِمُ الْأَرْزَاقَ وَ یَنْهَضَهُمْ مَعَهُ لِحَرْبِ اَلنَّاجِمِ فَفَعَلَ وَ أَحْضَرَهُمْ وَ عُرِضُوا رَجُلاً رَجُلاً وَ أُعْطُوا ثُمَّ رَحَلَ إِلَی عَسْکَرِ مُکْرَمٍ فَجَعَلَهُ مَنْزِلَهُ أَیَّاماً ثُمَّ رَحَلَ مِنْهُ فَوَافَی اَلْأَهْوَازَ وَ هُوَ یَرَی أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ إِلَیْهَا مِنَ الْمِیرَةِ مَا یَحْمِلُ عَسَاکِرَهُ فَلَمْ یَکُنْ کَذَلِکَ وَ غَلُظَ الْأَمْرُ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ وَ اضْطَرَبَ النَّاسُ اضْطِرَاباً شَدِیداً فَأَقَامَ ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ یَنْتَظِرُ وُرُودَ الْمِیرَةِ فَلَمْ تَرِدْ فَسَاءَتْ أَحْوَالُ النَّاسِ وَ کَادَ ذَلِکَ یُفَرِّقُ جَمَاعَتَهُمْ فَبَحَثَ عَنِ السَّبَبِ الْمُؤَخِّرِ لِوُرُودِهَا

ص :178

فَوَجَدَ اَلزِّنْجَ قَدْ کَانُوا قَطَعُوا قَنْطَرَةً قَدِیمَةً أَعْجَمِیَّةً کَانَتْ بَیْنَ سُوقِ الْأَهْوَازِ وَ رَامَهُرْمُزَ یُقَالُ لَهَا قَنْطَرَةُ أَرْبَقَ فَامْتَنَعَ التُّجَّارَ وَ مَنْ کَانَ یَحْمِلُ الْمِیرَةَ مِنَ الْوُرُودِ لِقَطْعِ تِلْکَ الْقَنْطَرَةِ فَرَکِبَ أَبُو أَحْمَدَ إِلَیْهَا وَ هِیَ عَلَی فَرْسَخَیْنِ مِنْ سُوقِ الْأَهْوَازِ فَجَمَعَ مَنْ کَانَ فِی الْعَسْکَرِ مِنَ السُّودَانِ وَ أَخَذَهُمْ بِنَقْلِ الصَّخْرِ وَ الْحِجَارَةِ لِإِصْلاَحِ هَذِهِ الْقَنْطَرَةِ وَ بَذَلَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ الرَّعِیَّةِ فَلَمْ یَرُمْ حَتَّی أُصْلِحَتْ فِی یَوْمِهِ ذَلِکَ وَ رُدَّتْ إِلَی مَا کَانَتْ عَلَیْهِ فَسَلَکَهَا النَّاسُ وَ وَافَتِ الْقَوَافِلُ بِالْمِیرَةِ فَحَیِیَ أَهْلُ الْعَسْکَرِ وَ حَسُنَتْ أَحْوَالُهُمْ وَ أَمَرَ بِجَمْعِ السُّفُنِ لِعَقْدِ الْجِسْرِ عَلَی دُجَیْلِ الْأَهْوَازِ فَجُمِعَتْ مِنْ جَمِیعِ الْکُوَرِ وَ أَقَامَ بِالْأَهْوَازِ أَیَّاماً حَتَّی أَصْلَحَ أَصْحَابُهُ أُمُورَهُمْ وَ مَا احْتَاجُوا إِلَیْهِ مِنْ آلاَتِهِمْ وَ حَسُنَتْ أَحْوَالُ دَوَابِّهِمْ وَ ذَهَبَ عَنْهَا مَا کَانَ بِهَا مِنَ الضُّرِّ بِتَأَخُّرِ الْأَعْلاَفِ وَ وَافَتْ کُتُبُ الْقَوْمِ الَّذِینَ تَخَلَّفُوا عَنِ اَلْمُهَلَّبِیِّ وَ أَقَامُوا بَعْدَهُ بِسُوقِ الْأَهْوَازِ یَسْأَلُونَ أَبَا أَحْمَدَ الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُمْ فَأَتَاهُ مِنْهُمْ نَحْوُ أَلْفِ رَجُلٍ فَأَحْسَنَ إِلَیْهِمْ وَ ضَمَّهُمْ إِلَی قُوَّادِ غِلْمَانِهِ وَ أَجْرَی لَهُمُ الْأَرْزَاقَ وَ عَقَدَ الْجِسْرَ عَلَی دُجَیْلِ الْأَهْوَازِ وَ رَحَلَ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ جُیُوشَهُ أَمَامَهُ وَ عَبَرَ دُجَیْلاً فَأَقَامَ بِالْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِقَصْرِ الْمَأْمُونِ ثَلاَثاً وَ قَدْ کَانَ قَدَّمَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ إِلَی نَهَرِ الْمُبَارَکِ مِنْ فُرَاتِ الْبَصْرَةِ وَ کَتَبَ إِلَی ابْنِهِ هَارُونَ بِالاِنْحِدَارِ إِلَیْهِ لِیَجْتَمِعَ الْعَسَاکِرُ هُنَاکَ وَ رَحَلَ أَبُو أَحْمَدَ عَنْ قَصْرِ الْمَأْمُونِ إِلَی قُورَجِ الْعَبَّاسِ وَ وَافَاهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِی الْأَصْبَغِ هُنَالِکَ بِهَدَایَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْکُرْدِیِّ صَاحِبِ رَامَهُرْمُزَ مِنْ دَوَابَّ وَ مَالٍ (1) ثُمَّ رَحَلَ عَنِ اَلْقُورَجِ فَنَزَلَ اَلْجَعْفَرِیَّةَ وَ لَمْ یَکُنْ بِهَا مَاءٌ وَ قَدْ کَانَ أَنْفَذَ إِلَیْهَا وَ هُوَ بَعْدُ فِی اَلْقُورَجِ مَنْ حَفَرَ آبَارَهَا فَأَقَامَ بِهَا یَوْماً وَ لَیْلَةً وَ أَلْفَی بِهَا مِیَراً مَجْمُوعَةً فَاتَّسَعَ الْجُنْدُ بِهَا وَ تَزَوَّدُوا مِنْهَا ثُمَّ رَحَلَ إِلَی الْمَنْزِلِ الْمَعْرُوفِ بِالْبَشِیرِ فَأَلْفَی فِیهِ غَدِیراً مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فَأَقَامَ بِهِ یَوْماً وَ لَیْلَةً وَ رَحَلَ إِلَی اَلْمُبَارَکِ وَ کَانَ مَنْزِلاً بَعِیدَ الْمَسَافَةِ

ص :179

فَتَلَقَّاهُ ابْنَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ هَارُونُ فِی طَرِیقِهِ وَ سَلَّمَا عَلَیْهِ وَ سَارَا بِسَیْرِهِ حَتَّی وَرَدَ بِهِمُ اَلْمُبَارَکَ وَ ذَلِکَ یَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَ سِتِّینَ .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَمَّا نُصَیْرٌ وَ لَزِیرَکُ فَقَدْ کَانَا اجْتَمَعَا بِدِجْلَةَ الْعَوْرَاءِ وَ انْحَدَرَا حَتَّی وَافَیَا اَلْأَبْلَةَ بِسُفُنِهِمَا وَ شَذَاهُمَا فَاسْتَأْمَنَ إِلَیْهِمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ اَلنَّاجِمِ فَأَعْلَمَهُمَا أَنَّهُ قَدْ أَنْفَذَ عَدَداً کَثِیراً مِنَ السُّمَیْرِیَّاتِ وَ الزَّوَارِیقِ مَشْحُونَةً بِالزِّنْجِ یَرْأَسُهُمْ قَائِدٌ مِنْ قُوَّادِهِ یُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ وَ یُکَنَّی أَبَا عِیسَی .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ جَاءَ بِهِ إِلَی اَلنَّاجِمِ صَاحِبُ شُرْطَتِهِ الْمَعْرُوفُ بِیَسَارٍ وَ اسْتَصْلَحَهُ لِکِتَابَتِهِ فَکَانَ یَکْتُبُ لَهُ حَتَّی مَاتَ (1) وَ قَدْ کَانَتِ ارْتَفَعَتْ حَالُ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِیٍّ الْجُبَّائِیِّ عِنْدَ اَلنَّاجِمِ وَ وَلاَّهُ أَکْثَرَ أَعْمَالِهِ فَضَمَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِیمَ هَذَا إِلَیْهِ فَکَانَ کَاتِبَهُ فَلَمَّا قُتِلَ اَلْجُبَّائِیُّ فِی وَقْعَةِ سُلَیْمَانَ الشَّعْرَائِیِّ طَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ هَذَا فِی مَرْتَبَتِهِ وَ أَنْ یُحِلَّهُ اَلنَّاجِمُ مَحَلَّهُ فَنَبَذَ الْقَلَمَ وَ الدَّوَاةَ وَ لَبِسَ آلَةَ الْحَرْبِ وَ تَجَرَّدَ لِلْقِتَالِ فَأَنْهَضَهُ اَلنَّاجِمُ فِی هَذَا الْجَیْشِ وَ أَمَرَهُ بِالاِعْتِرَاضِ فِی دِجْلَةَ لِمُدَافَعَةِ مَنْ یَرِدُهَا مِنَ الْجُیُوشِ فَکَانَ (2) یَدْخُلُهُ أَحْیَاناً وَ أَحْیَاناً یَأْتِی بِالْجَمْعِ الَّذِی مَعَهُ إِلَی النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِنَهْرِ یَزِیدَ وَ کَانَ مَعَهُ فِی ذَلِکَ الْجَیْشِ مِنْ قُوَّادِ اَلزِّنْجِ شِبْلُ بْنُ سَالِمٍ وَ عَمْرٌو الْمَعْرُوفُ بِغُلاَمِ بُوذَی (3) وَ أَخْلاَطٌ مِنَ السُّودَانِ وَ غَیْرِهِمْ فَاسْتَأْمَنَ رَجُلٌ مِنْهُمْ کَانَ فِی ذَلِکَ الْجَیْشِ إِلَی لَزِیرَکَ وَ نُصَیْرٍ وَ أَخْبَرَهُمَا خَبَرَهُ وَ أَعْلَمَهُمَا أَنَّهُ عَلَی الْقَصْدِ لِسَوَادِ عَسْکَرِ نُصَیْرٍ وَ کَانَ نُصَیْرٌ یَوْمَئِذٍ مُعَسْکِراً بِنَهْرِ الْمَرْأَةِ وَ إِنَّهُمْ عَلَی أَنْ یَسْلُکُوا الْأَنْهَارَ الْمُعْتَرِضَةَ عَلَی نَهَرِ مَعْقِلٍ وَ بِثْقِ

ص :180

شِیرِینَ حَتَّی یُوَافُوا الشُّرْطَةَ وَ یَخْرُجُوا مِنْ وَرَاءِ الْعَسْکَرِ فَیَکِبُّوا عَلَی مَنْ فِیهِ فَرَجَعَ نُصَیْرٌ عِنْدَ وُصُولِ هَذَا الْخَبَرِ إِلَیْهِ مِنَ اَلْأَبْلَةِ مُبَارِزاً إِلَی عَسْکَرِهِ وَ سَارَ لَزِیرَکُ قَاصِداً بِثْقَ شِیرِینَ مُعَارِضاً لِمُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ فَلَقِیَهُ فِی الطَّرِیقِ فَوَهَبَ اللَّهُ لَهُ الْعُلُوَّ عَلَیْهِ بَعْدَ صَبْرٍ مِنَ اَلزِّنْجِ لَهُ وَ مُجَاهَدَةٍ شَدِیدَةٍ فَانْهَزَمُوا وَ لَجَئُوا إِلَی النَّهَرِ الَّذِی فِیهِ کَمِینُهُمْ وَ هُوَ نَهَرُ یَزِیدَ فَدَلَّ لَزِیرَکُ عَلَیْهِمْ فَتَوَغَّلَتْ إِلَیْهِمْ سُمَیْرِیَّاتُهُ (1) فَقَتَلَ مِنْهُمْ طَائِفَةً وَ أَسَرَ طَائِفَةً فَکَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِیمَنْ أُسِرَ وَ عَمْرٌو غُلاَمُ بُوذَی وَ أَخَذَ مَا کَانَ مَعَهُمْ مِنَ السُّمَیْرِیَّاتِ وَ هِیَ نَحْوُ ثَلاَثِینَ سُمَیْرِیَّةً وَ أَفْلَتَ شِبْلُ بْنُ سَالِمٍ فِی الَّذِینَ نَجَوْا مَعَهُ فَلَحِقَ بِعَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ وَ خَرَجَ لَزِیرَکُ فِی بِثْقِ شِیرِینَ سَالِماً ظَافِراً وَ مَعَهُ الْأُسَارَی وَ رُءُوسُ الْقَتْلَی مَعَ مَا حَوَی مِنَ السُّمَیْرِیَّاتِ وَ السُّفُنِ وَ انْصَرَفَ مِنْ دِجْلَةَ الْعَوْرَاءِ إِلَی وَاسِطٍ وَ کَتَبَ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ بِالْفَتْحِ وَ عَظُمَ الْجَزَعُ عَلَی کُلِّ مَنْ کَانَ بِدِجْلَةَ وَ کُوَرِهَا مِنِ أَتْبَاعِ اَلنَّاجِمِ فَاسْتَأْمَنَ إِلَی نُصَیْرٍ صَاحِبِ الْمَاءِ وَ هُوَ مُقِیمٌ حِینَئِذٍ بِنَهْرِ الْمَرْأَةِ زُهَاءُ أَلْفَیْ رَجُلٍ مِنَ اَلزِّنْجِ وَ أَتْبَاعُهُمْ.

فَکَتَبَ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ بِخَبَرِهِمْ فَأَمَرَهُ بِقَبُولِهِمْ وَ إِقْرَارِهِمْ عَلَی الْأَمَانِ وَ إِجْرَاءِ الْأَرْزَاقِ عَلَیْهِمْ وَ خَلَطَهُمْ بِأَصْحَابِهِ وَ مُنَاهَضَةِ الْعَدُوِّ بِهِمْ ثُمَّ کَتَبَ إِلَی نُصَیْرٍ یَأْمُرُهُ بِالْإِقْبَالِ إِلَیْهِ إِلَی نَهَرِ الْمُبَارَکِ فَوَافَاهُ هُنَالِکَ.

وَ قَدْ کَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ إِلَی نَهَرِ الْمُبَارَکِ انْحَدَرَ إِلَی عَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ فِی الشَّذَا فَأَوْقَعَ بِهِمْ فِی مَدِینَتِهِ بِنَهْرِ أَبِی الْخَصِیبِ فَکَانَتِ الْحَرْبُ بَیْنَهُمَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَی آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ.

وَ اسْتَأْمَنَ إِلَیْهِ قَائِدٌ جَلِیلٌ مِنْ قُوَّادِ اَلنَّاجِمِ مِنَ الْمَضْمُومِینِ کَانُوا إِلَی سُلَیْمَانَ بْنِ جَامِعٍ یُقَالُ لَهُ مُنْتَابٌ وَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَکَانَ ذَلِکَ مِمَّا کَسَرَ مِنَ اَلنَّاجِمِ وَ انْصَرَفَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِالظَّفَرِ وَ خَلَعَ عَلَی مُنْتَابٍ الزِّنْجِیِّ وَ وَصَلَهُ وَ حَمَلَهُ فَلَمَّا لَقِیَ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ خَبَرَهُ وَ ذَکَرَ

ص :181

إِلَیْهِ خُرُوجَهُ إِلَیْهِ فِی الْأَمَانِ فَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ لَهُ بِخِلَعٍ وَ صِلَةٍ وَ حُمْلاَنٍ وَ کَانَ مُنْتَابٌ أَوَّلَ مَنِ اسْتَأْمَنَ مِنْ جُمْلَةِ قُوَّادِ اَلنَّاجِمِ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ لَمَّا نَزَلَ أَبُو أَحْمَدَ نَهْرَ الْمُبَارَکِ (1) کَانَ أَوَّلَ مَا عَمِلَ بِهِ فِی أَمْرِ اَلنَّاجِمِ أَنْ کَتَبَ إِلَیْهِ کِتَاباً یَدْعُوهُ فِیهِ إِلَی التَّوْبَةِ وَ الْإِنَابَةِ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی مِمَّا ارْتَکَبَ مِنْ سَفْکِ الدِّمَاءِ وَ انْتِهَاکِ الْمَحَارِمِ وَ إِخْرَابِ الْبُلْدَانِ وَ الْأَمْصَارِ وَ اسْتِحْلاَلِ الْفُرُوجِ وَ الْأَمْوَالِ وَ انْتِحَالِ مَا لَمْ یَجْعَلْهُ اللَّهُ لَهُ أَهْلاً مِنَ النُّبُوَّةِ وَ الْإِمَامَةِ وَ یُعْلِمُهُ أَنَّ التَّوْبَةَ لَهُ مَبْسُوطَةٌ وَ الْأَمَانَ لَهُ مَوْجُودٌ فَإِنْ نَزَعَ عَمَّا هُوَ عَلَیْهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِی یَسْخَطُهَا اللَّهُ تَعَالَی وَ دَخَلَ فِی جَمَاعَةِ اَلْمُسْلِمِینَ مَحَا ذَلِکَ مَا سَلَفَ مِنْ عَظِیمِ جَرَائِمِهِ وَ کَانَ لَهُ بِهِ الْحَظُّ الْجَزِیلُ فِی دُنْیَاهُ وَ آخِرَتِهِ وَ أَنْفَذَ ذَلِکَ إِلَیْهِ مَعَ رَسُولٍ فَالْتَمَسَ الرَّسُولَ إِیصَالَهُ إِلَیْهِ فَامْتَنَعَ اَلزِّنْجُ مِنْ قَبُولِ الْکِتَابِ وَ مِنْ إِیصَالِهِ إِلَی صَاحِبِهِمْ فَأَلْقَی الرَّسُولُ الْکِتَابَ إِلَیْهِمْ إِلْقَاءً فَأَخَذُوهُ وَ أَتَوْا بِهِ صَاحِبَهُمْ فَقَرَأَهُ وَ لَمْ یُجِبْ عَنْهُ بِشَیْءٍ وَ رَجَعَ الرَّسُولُ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ فَأَخْبَرَهُ فَأَقَامَ خَمْسَةَ أَیَّامٍ مُتَشَاغِلاً بِعَرْضِ السُّفُنِ وَ تَرْتِیبِ الْقُوَّادِ وَ الْمَوَالِی وَ الْغِلْمَانِ فِیهَا وَ تَخَیُّرِ الرُّمَاةِ وَ انْتِخَابِهِمْ لِلْمَسِیرِ بِهَا.

ثُمَّ سَارَ فِی الْیَوْمِ السَّادِسِ فِی أَصْحَابِهِ وَ مَعَهُ ابْنُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَی مَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ (2) الَّتِی سَمَّاهَا اَلْمُخْتَارَةَ مِنْ نَهَرِ أَبِی الْخَصِیبِ فَأَشْرَفَ عَلَیْهَا وَ تَأَمَّلَهَا فَرَأَی مَنَعَتَهَا وَ حَصَانَتَهَا بِالسُّوَرِ وَ الْخَنَادِقِ الْمُحِیطَةِ بِهَا وَ غَوْرَ (3) الطَّرِیقِ الْمُؤَدِّی إِلَیْهَا وَ مَا قَدْ أُعِدَّ (4) مِنَ الْمَجَانِیقِ

ص :182

وَ الْعَرَّادَاتِ (1) وَ الْقِسِّیِّ النَّاوَکِیَّةِ وَ سَائِرِ الْآلاَتِ عَلَی سُوَرِهَا فَرَأَی مَا لَمْ یُرَ مِثْلُهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ مُنَازِعِی السُّلْطَانِ وَ رَأَی مِنْ کَثْرَةِ عَدَدِ مُقَاتِلَتِهِمْ وَ اجْتِمَاعِهِمْ مَا اسْتَغْلَظَ أَمْرَهُ.

وَ لَمَّا عَایَنَ اَلزِّنْجُ أَبَا أَحْمَدَ وَ أَصْحَابَهُ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِمَا ارْتَجَّتْ لَهُ الْأَرْضُ فَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ عِنْدَ ذَلِکَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ بِالتَّقَدُّمِ إِلَی سُوَرِ الْمَدِینَةِ وَ رَشْقِ مَنْ عَلَیْهِ بِالسِّهَامِ فَفَعَلَ وَ دَنَا حَتَّی أَلْصَقَ شَذَوَاتِهِ بِمُسَنَّاةِ قَصْرِ اَلنَّاجِمِ وَ انْحَازَ اَلزِّنْجُ بِأَسْرِهِمْ إِلَی الْمَوَاضِعِ الَّذِی دَنَتْ مِنْهُ الشَّذَا وَ تَحَاشَدُوا وَ تَتَابَعَتْ سِهَامُهُمْ وَ حِجَارَةُ مَنْجَنِیقَاتِهِمْ وَ عَرَّادَاتِهِمْ وَ مَقَالِیعِهِمْ وَ رَمَی عَوَامُّهُمْ بِالْحِجَارَةِ عَنْ أَیْدِیهِمْ حَتَّی مَا یَقَعُ طَرْفُ نَاظِرٍ عَلَی مَوْضِعٍ إِلاَّ رَأَی فِیهِ سَهْماً أَوْ حَجَراً.

وَ ثَبَتَ أَبُو الْعَبَّاسِ فَرَأَی اَلنَّاجِمَ وَ أَشْیَاعَهُ مِنْ جَهْدِهِمْ وَ اجْتِهَادِهِمْ وَ صَبْرِهِمْ مَا لاَ عَهْدَ لَهُمْ بِمِثْلِهِ مِنْ أَحَدٍ مِمَّنْ حَارَبَهُمْ وَ حِینَئِذٍ أَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ بِالرُّجُوعِ بِمَنْ مَعَهُ إِلَی مَوَاقِفِهِمْ لِیُرَوِّحُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَ یُدَاوُوا جُرُوحَهُمْ فَفَعَلُوا ذَلِکَ وَ اسْتَأْمَنَ فِی هَذِهِ الْحَالِ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ مُقَاتِلاَنِ مِنْ مُقَاتِلَةِ السُّمَیْرِیَّاتِ مِنَ اَلزِّنْجِ فَأَتَیَاهُ بِسُمَیْرِیَّاتِهِمَا وَ مَا فِیهَا مِنَ الْمَلاَّحِینَ وَ الْآلاَتِ فَأَمَرَ لَهَا بِخِلَعِ دِیبَاجٍ وَ مَنَاطِقَ مُحَلاَّةٍ بِالذَّهَبِ وَ وَصَلَهُمَا بِمَالٍ وَ أَمَرَ لِلْمَلاَّحِینَ بِخِلَعٍ مِنَ الْحَرِیرِ الْأَحْمَرِ وَ الْأَخْضَرِ الَّذِی حَسُنَ مَوقِعُهُ مِنْهُمْ وَ عَمَّهُمْ جَمِیعاً بِصِلاَتِهِ وَ أَمَرَ بِإِدْنَائِهِمْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِی یَرَاهُمْ فِیهِ نُظَرَاؤُهُمْ فَکَانَ ذَلِکَ مِنْ أَنْجَعِ (2) الْمَکَائِدِ الَّتِی کِیدَ بِهَا صَاحِبُ الزِّنْجِ فَلَمَّا رَأَی الْبَاقُونَ مَا صَارَ إِلَیْهِ أَصْحَابُهُمْ مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُمْ وَ الْإِحْسَانِ إِلَیْهِمْ رَغِبُوا فِی الْأَمَانِ وَ تَنَافَسُوا فِیهِ فَابْتَدَرَ مِنْهُمْ جَمْعٌ کَثِیرٌ مُسْرِعِینَ نَحْوَهُ رَاغِبِینَ فِیمَا شَرَعَ لَهُمْ مِنْهُ فَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ لَهُمْ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِأَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَأَی اَلنَّاجِمُ رُکُونَ أَصْحَابِ السُّمَیْرِیَّاتِ إِلَی الْأَمَانِ وَ رَغْبَتَهُمْ فِیهِ أَمَرَ بِرَدِّ مَنْ کَانَ مِنْهُمْ فِی دِجْلَةَ إِلَی نَهَرِ أَبِی

ص :183

الْخَصِیبِ وَ وَکَّلَ بِفُوَّهَةِ النَّهَرِ مَنْ یَمْنَعُهُمُ الْخُرُوجَ وَ أَمَرَ بِإِظْهَارِ شَذَاوَتِهِ الْخَاصَّةِ وَ نَدَبَ لَهُمْ بُهْبُوذَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَ هُوَ مِنْ أَشَدِّ کُمَاتِهِ بَأْساً وَ أَکْثَرِهِمْ عَدَداً وَ عُدَّةً فَانْتَدَبَ بُهْبُوذَ لِذَلِکَ وَ خَرَجَ فِی جَمْعٍ کَثِیفٍ مِنَ اَلزِّنْجِ فَکَانَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ أَبِی حَمْزَةَ نُصَیْرٍ صَاحِبِ الْمَاءِ وَ بَیْنَ أَبِی الْعَبَّاسِ بْنِ أَبِی أَحْمَدَ وَقَعَاتٌ شَدِیدَةٌ فِی کُلِّهَا یَظْهَرُ عَلَیْهِ أَصْحَابُ السُّلْطَانِ ثُمَّ یَعُودُ فَیَرْتَاشُ وَ یَحْتَشِدُ فَیَخْرُجُ فَیُوَاقِعُهُمْ حَتَّی صَدَقُوهُ الْحَرْبَ وَ هَزَمُوهُ وَ أَلْجَئُوهُ إِلَی فِنَاءِ قَصْرِ اَلنَّاجِمِ وَ أَصَابَتْهُ طَعْنَتَانِ وَ جُرِحَ بِالسِّهَامِ وَ أَوْهَنَتْ أَعْضَاءَهُ الْحِجَارَةُ وَ أَوْلَجُوهُ نَهَرَ أَبِی الْخَصِیبِ وَ قَدْ أَشْفَی عَلَی الْمَوْتِ وَ قُتِلَ قَائِدٌ جَلِیلٌ مَعَهُ مِنْ قُوَّادِ اَلزِّنْجِ ذُو بَأْسٍ وَ نَجْدَةٍ وَ تَقَدُّمٍ فِی الْحَرْبِ یُقَالُ لَهُ عَمِیرَةُ .وَ اسْتَأْمَنَ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ أُخْرَی فَوَصَلَهُمْ وَ حَبَاهُمْ وَ خَلَعَ عَلَیْهِمْ وَ رَکِبَ أَبُو أَحْمَدَ فِی جَمِیعِ جَیْشِهِ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ فِی خَمْسِینَ أَلْفَ رَجُلٍ وَ اَلنَّاجِمُ فِی ثَلاَثِمِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ کُلُّهُمْ یُقَاتِلُ وَ یُدَافِعُ فَمِنْ ضَارِبٍ بِسَیْفٍ وَ طَاعِنٍ بِرُمْحٍ وَ رَامٍ بِقَوْسٍ وَ قَاذِفٍ بِمِقْلاَعٍ وَ رَامٍ بِعَرَّادَةٍ وَ مَنْجَنِیقٍ وَ أَضْعَفُهُمْ أَمْرُ الرُّمَاةِ بِالْحِجَارَةِ عَنْ أَیْدِیهِمْ وَ هُمُ النَّظَّارَةُ الْمُکْثِرُونَ لِلسَّوَادِ وَ الْمُعِینُونَ بِالنَّعِیرِ وَ الصِّیَاحِ وَ النِّسَاءُ یُشْرِکْنَهُمْ فِی ذَلِکَ أَیْضاً فَأَقَامَ أَبُو أَحْمَدَ بِإِزَاءِ عَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ إِلَی أَنْ أَضْحَی وَ أَمَرَ فَنُودِیَ الْأَمَانُ مَبْسُوطٌ لِلنَّاسِ أَسْوَدِهِمْ وَ أَحْمَرِهِمْ إِلاَّ لِعَدُوِّ اللَّهِ الدَّاعِی عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ أَمَرَ بِسِهَامٍ فَعُلِّقَتْ فِیهَا رِقَاعٌ مَکْتُوبٌ فِیهَا مِنَ الْأَمَانِ مِثْلُ الَّذِی نُودِیَ بِهِ وَ وَعَدَ النَّاسَ فِیهَا الْإِحْسَانَ وَ رَمَی بِهَا إِلَی عَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ فَمَالَتْ إِلَیْهِ قُلُوبُ خَلْقٍ کَثِیرٍ مِنْ أُولَئِکَ مِمَّنْ لَمْ یَکُنْ لَهُ بَصِیرَةٌ فِی اتِّبَاعِ اَلنَّاجِمِ فَأَتَاهُ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ جَمْعٌ کَثِیرٌ یَحْمِلُهُمُ الشَّذَا وَ الْسُّمَیْرِیَّاتُ فَوَصَلَهُمْ وَ حَبَاهُمْ وَ قُدِّمَ عَلَیْهِ قَائِدَانِ مِنْ قُوَّادِهِ وَ کِلاَهُمَا مِنْ مَوَالِیهِ بِبَغْدَادَ أَحَدُهُمَا بَکْتَمِرُ وَ الْآخَرُ بَغْرَا (1) فِی جَمْعٍ

ص :184

مِنْ أَصْحَابِهِمَا فَکَانَ وُرُودُهُمَا زِیَادَةً فِی قُوَّتِهِ ثُمَّ رَحَلَ فِی غَدِ هَذَا الْیَوْمِ بِجَمِیعِ جَیْشِهِ فَنَزَلَ مُتَاخِماً لِمَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ فِی مَوْضِعٍ کَانَ تَخَیَّرَهُ لِلنُّزُولِ فَأَوْطَنَ (1) هَذَا الْمَوْضِعَ وَ جَعَلَهُ مُعَسْکَراً لَهُ وَ أَقَامَ بِهِ وَ رَتَّبَ قُوَّادَهُ وَ رُؤَسَاءَ أَصْحَابِهِ مَرَاتِبَهُمْ فَجَعَلَ نُصَیْراً صَاحِبَ الْمَاءِ فِی أَوَّلِ الْعَسْکَرِ وَ جَعَلَ زِیرَکَ التُّرْکِیَّ فِی مَوْضِعٍ آخَرَ وَ عَلِیَّ بْنَ جَهْشَارٍ حَاجِبَهُ فِی مَوْضِعٍ آخَرَ وَ رَاشِداً مَوْلاَهُ فِی مَوَالِیهِ وَ غِلْمَانِهِ اَلْأَتْرَاکِ وَ اَلْخَزَرِ وَ اَلرُّومِ وَ اَلدَّیَالِمَةِ وَ اَلطَّبَرِیَّةِ وَ اَلْمَغَارِبَةِ وَ اَلزِّنْجِ وَ اَلْفَرَاعِنَةِ وَ اَلْعَجَمِ وَ اَلْأَکْرَادِ مُحِیطاً هُوَ وَ أَصْحَابُهُ بِمَضَارِبِ أَبِی أَحْمَدَ وَ فَسَاطِیطِهِ وَ سُرَادِقَاتِهِ وَ جَعَلَ صَاعِدَ بْنَ مَخْلَدٍ وَزِیرَهُ وَ کَاتِبَهُ فِی جَیْشٍ آخَرَ مِنَ الْمَوَالِی وَ الْغِلْمَانِ فَوْقَ عَسْکَرِ رَاشِدٍ وَ أَنْزَلَ مَسْرُوراً الْبَلْخِیَّ الْقَائِدَ صَاحِبَ اَلْأَهْوَازِ فِی جَیْشٍ آخَرَ عَلَی جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ عَسْکَرِهِ وَ أَنْزَلَ اَلْفَضْلَ وَ مُحَمَّداً ابْنَیْ مُوسَی بْنِ بُغَا فِی جَانِبٍ آخَرَ بِجَیْشٍ آخَرَ (2) وَ تَلاَهُمَا الْقَائِدُ الْمَعْرُوفُ بِمُوسَی (3) وَ لَجُّوا فِی جَیْشِهِ وَ أَصْحَابِهِ وَ جَعَلَ بُغْرَاجَ التُّرْکِیَّ عَلَی سَاقَتِهِ فِی جَیْشٍ کَثِیفٍ بِعِدَّةٍ عَظِیمَةٍ وَ عَدَدٍ جَمٍّ وَ رَأَی أَبُو أَحْمَدَ مِنْ حَالِ اَلنَّاجِمِ وَ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ وَ کَثْرَةِ جَمْعِهِ مَا عَلِمَ مَعَهُ أَنَّهُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَیْهِ وَ طُولِ الْأَیَّامِ فِی مُحَاصَرَتِهِ وَ تَفْرِیقِ جُمُوعِهِ وَ بَذْلِ الْأَمَانِ لَهُمْ وَ الْإِحْسَانِ إِلَی مَنْ أَنَابَ مِنْهُمْ وَ الْغِلْظَةِ عَلَی مَنْ أَقَامَ عَلَی غَیِّهِ مِنْهُمْ وَ احْتَاجَ إِلَی الاِسْتِکْثَارِ مِنَ الشَّذَا وَ مَا یُحَارِبُ بِهِ فِی الْمَاءِ وَ شَرَعَ فِی بِنَاءِ مَدِینَةٍ مُمَاثِلَةٍ لِمَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ وَ أَمَرَ بِإِنْفَاذِ الرُّسُلِ فِی حَمْلِ الْآلاَتِ وَ الصُّنَّاعِ مِنَ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ إِنْفَاذِ الْمِیَرِ وَ الْأَزْوَادِ وَ الْأَقْوَاتِ وَ إِیرَادِهَا إِلَی عَسْکَرِهِ بِالْمَدِینَةِ الَّتِی شَرَعَ فِیهَا وَ سَمَّاهَا اَلْمُوَفَّقِیَّةَ وَ کَتَبَ إِلَی عُمَّالِهِ بِالنَّوَاحِی فِی حَمْلِ الْأَمْوَالِ إِلَی بَیْتِ مَالِهِ فِی هَذِهِ الْمَدِینَةِ وَ أَلاَّ یُحْمَلَ إِلَی بَیْتِ الْمَالِ بِالْحَضْرَةِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَ أَنْفَذَ رُسُلاً إِلَی سِیرَافَ وَ جَنَابَةَ (4) فِی بِنَاءِ الشَّذَا

ص :185

وَ الاِسْتِکْثَارِ مِنْهَا لِحَاجَتِهِ إِلَی أَنْ یَبُثَّهَا وَ یُفَرِّقَهَا فِی الْمَوَاضِعِ الَّتِی یَقْطَعُ بِهَا الْمِیرَةَ عَنِ اَلنَّاجِمِ وَ أَصْحَابِهِ وَ أَمَرَ بِالْکِتَابِ إِلَی عُمَّالِهِ فِی إِنْفَاذِ کُلِّ مَنْ یَصْلُحُ لِلْإِثْبَاتِ وَ الْعَرْضِ فِی الدَّوَاوِینِ مِنَ الْجُنْدِ وَ الْمُقَاتِلَةِ وَ أَقَامَ یَنْتَظِرُ ذَلِکَ شَهْراً أَوْ نَحْوَهُ فَوَرَدَتِ الْمِیَرُ مُتَتَابِعَةً یَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضاً وَ وَرَدَتِ الْآلاَتُ وَ الصُّنَّاعُ وَ بُنِیَتِ الْمَدِینَةُ وَ جُهِّزَ التُّجَّارُ صُنُوفَ التِّجَارَاتِ فِی الْأَمْتِعَةِ وَ حَمَلُوهَا إِلَیْهَا وَ اتُّخِذَتْ بِهَا الْأَسْوَاقُ وَ کَثُرَ بِهَا التُّجَّارُ وَ الْمُجَهَّزُونَ مِنْ کُلِّ بَلَدٍ وَ وَرَدَتْ إِلَیْهَا مَرَاکِبُ مِنَ الْبَحْرِ وَ قَدْ کَانَتِ انْقَطَعَتْ لِقَطْعِ اَلنَّاجِمِ وَ أَصْحَابِهِ سُبُلُهَا قَبْلَ ذَلِکَ بِأَکْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِینَ وَ بَنَی أَبُو أَحْمَدَ فِی هَذِهِ الْمَدِینَةِ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ وَ صَلَّی بِالنَّاسِ فِیهِ وَ اتَّخَذَ دُورَ الضَّرْبِ فَضُرِبَ بِهَا الدَّنَانِیرُ وَ الدَّرَاهِمُ فَجَمَعَتْ هَذِهِ الْمَدِینَةُ جَمِیعَ الْمَرَافِقِ وَ سِیقَ إِلَیْهَا صُنُوفُ الْمَنَافِعِ حَتَّی کَانَ سَاکِنُوهَا لاَ یَفْقِدُونَ فِیهَا شَیْئاً مِمَّا یُوجَدُ فِی الْأَمْصَارِ الْعَظِیمَةِ الْقَدِیمَةِ وَ حُمِلَتِ الْأَمْوَالُ وَ أُدِرَّ الْعَطَاءُ عَلَی النَّاسِ فِی أَوْقَاتِهِ فَاتَّسَعُوا وَ حَسُنَتْ أَحْوَالُهُمْ وَ رَغِبَ النَّاسُ جَمِیعاً فِی الْمَصِیرِ إِلَی هَذِهِ وَ الْمُقَامِ بِهَا.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَمَرَ اَلنَّاجِمُ بُهْبُوذَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ فَعَبَرَ وَ النَّاسُ غَارُونَ فِی سُمَیْرِیَّاتٍ إِلَی طَرَفِ عَسْکَرِ أَبِی حَمْزَةَ صَاحِبِ الْمَاءِ فَأَوْقَعَ بِهِ وَ قَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَ أَسَرَ جَمَاعَةً وَ أَحْرَقَ أَکْوَاخاً کَانَتْ لَهُمْ وَ أَرْسَلَ إِبْرَاهِیمَ بْنَ جَعْفَرٍ الْهَمْدَانِیَّ وَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ قُوَّادِ اَلنَّاجِمِ فِی أَرْبَعَةِ آلاَفِ زِنْجِیٍّ وَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبَانٍ الْمُکَنَّی أَبَا الْحُسَیْنِ أَخَا عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیِّ فِی ثَلاَثَةِ آلاَفٍ وَ الْقَائِدَ الْمَعْرُوفَ بِالدُّورِ فِی أَلْفٍ وَ خَمْسِمِائَةٍ لِیُغِیرُوا عَلَی أَطْرَافِ عَسْکَرِ أَبِی أَحْمَدَ وَ یُوقِعُوا بِهِمْ فَنَذِرَ بِهِمْ (1) أَبُو الْعَبَّاسِ فَنَهَدَ إِلَیْهِمْ فِی جَمْعٍ کَثِیفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ کَانَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُمْ حُرُوبٌ کَانَ الاِسْتِظْهَارُ فِیهَا کُلِّهَا لَهُ وَ اسْتَأْمَنَ إِلَیْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَخَلَعَ عَلَیْهِمْ وَ أَمَرَ أَنْ یُوقَفُوا بِإِزَاءِ مَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ لِیُعَایِنَهُمْ أَصْحَابُهُ وَ أَقَامَ أَبُو أَحْمَدَ یُکَایِدُ اَلنَّاجِمَ وَ یَبْذُلُ

ص :186

الْأَمْوَالَ لِأَصْحَابِهِ تَارَةً وَ یُوَاقِعُهُمْ وَ یُحَارِبُهُمْ تَارَةً وَ یَقْطَعُ الْمِیرَةَ عَنْهُمْ فَسَرَی بُهْبُوذُ الزِّنْجِیُّ فِی الْأَجْلاَدِ الْمُنْتَخَبِینَ مِنْ رِجَالِهِ لَیْلَةً مِنَ اللَّیَالِی وَ قَدْ تَأَدَّی إِلَیْهِ خَبَرُ قَیْرَوَانَ (1) وَرَدَ لِلتُّجَّارِ فِیهِ صُنُوفُ التِّجَارَاتِ وَ الْأَمْتِعَةُ وَ الْمِیَرُ فَکَمَنَ فِی النَّخْلِ فَلَمَّا وَرَدَ الْقَیْرَوَانُ خَرَجَ إِلَی أَهْلِهِ وَ هُمْ غَارُونَ فَقَتَلَ مِنْهُمْ وَ أَسَرَ وَ أَخَذَ مَا شَاءَ أَنْ یَأْخُذَ مِنَ الْأَمْوَالِ.

وَ قَدْ کَانَ أَبُو أَحْمَدَ عَلِمَ بِوُرُودِ ذَلِکَ الْقَیْرَوَانِ وَ أَنْفَذَ قَائِداً مِنْ قُوَّادِهِ لِبَذْرَقَتِهِ (2) فِی جَمْعٍ خَفِیفٍ فَلَمْ یَکُنْ لِذَلِکَ الْقَائِدِ بِبُهْبُوذٍ طَاقَةٌ فَانْصَرَفَ عَنْهُ مُنْهَزِماً.

فَلَمَّا انْتَهَی إِلَی أَبِی أَحْمَدَ ذَلِکَ غَلَّظَ عَلَیْهِ مَا نَالَ النَّاسَ فِی أَمْوَالِهِمْ وَ تِجَارَاتِهِمْ فَأَمَرَ بِتَعْوِیضِهِمْ وَ أَخْلَفَ عَلَیْهِمْ مِثْلَ الَّذِی ذَهَبَ مِنْهُمْ وَ رَتَّبَ عَلَی فُوَّهَةِ النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِنَهْرِ بَیَانٍ وَ هُوَ الَّذِی دَخَلَ الْقَیْرَوَانُ فِیهِ جَیْشاً قَوِیّاً لِحَرَاسَتِهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ أَنْفَذَ اَلنَّاجِمُ جَیْشاً عَلَیْهِ الْقَائِدُ الْمَعْرُوفُ بِصَنْدَلٍ الزِّنْجِیِّ وَ کَانَ صَنْدَلٌ هَذَا فِیمَا ذُکِرَ یَکْشِفُ وُجُوهَ الْحَرَائِرِ اَلْمُسْلِمَاتِ وَ رُءُوسَهُنَّ وَ یَقْلِبُهُنَّ تَقْلِیبَ الْإِمَاءِ فَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ لَطَمَ وَجْهَهَا وَ دَفَعَهَا إِلَی بَعْضِ عُلُوجِ اَلزِّنْجِ یُوَاقِعُهَا ثُمَّ یُخْرِجُهَا بَعْدَ ذَلِکَ إِلَی سُوقِ الرَّقِیقِ فَیَبِیعُهَا بِأَوْکَسِ الثَّمَنِ فَیَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَی قَتْلَهُ فِی وَقْعَةٍ جَرَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ أَبِی الْعَبَّاسِ أُسِرَ وَ أُحْضِرَ بَیْنَ یَدَیْ أَبِی أَحْمَدَ فَشَدَّهُ کِتَافاً وَ رَمَاهُ بِالسِّهَامِ حَتَّی هَلَکَ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ نَدَبَ اَلنَّاجِمُ جَیْشاً آخَرَ وَ أَمَرَهُ أَنْ یُغِیرَ عَلَی طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ عَسْکَرِ أَبِی أَحْمَدَ وَ هُمْ غَارُونَ فَاسْتَأْمَنَ مِنْ ذَلِکَ الْجَیْشِ زِنْجِیٌّ مَذْکُورٌ یُقَالُ لَهُ مُهَذَّبٌ

ص :187

کَانَ مِنْ فُرْسَانِ اَلزِّنْجِ وَ شُجْعَانِهِمْ فَأُتِیَ بِهِ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ وَقْتَ إِفْطَارِهِ فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ جَاءَ رَاغِباً فِی الطَّاعَةِ وَ الْأَمَانِ وَ أَنَّ اَلزِّنْجَ عَلَی الْعُبُورِ فِی سَاعَتِهِمْ تِلْکَ إِلَی عَسْکَرِهِ لِلْبَیَاتِ وَ أَنَّ الْمَنْدُوبِینَ لِذَلِکَ أَنْجَادُهُمْ وَ أَبْطَالُهُمْ فَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ أَبَا الْعَبَّاسِ ابْنَهُ أَنْ یَنْهَضَ إِلَیْهِمْ فِی قُوَّادٍ عَیَّنَهُمْ لَهُ فَنَهَضُوا فَلَمَّا أَحَسَّ ذَلِکَ الْجَیْشُ بِأَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِمْ وَ عَرَفُوا اسْتِئْمَانَ صَاحِبِهِمْ رَجَعُوا إِلَی مَدِینَتِهِمْ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ إِنَّ اَلنَّاجِمَ نَدَبَ أَجَلَّ قُوَّادِهِ وَ أَکْبَرَهُمْ قَدْراً عِنْدَهُ وَ هُوَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیُّ وَ انْتَخَبَ لَهُ أَهْلَ الْبَأْسِ وَ الْجَلْدِ وَ أَمَرَهُ أَنْ یُبَیِّتَ عَسْکَرَ أَبِی أَحْمَدَ فَعَبَرَ فِی زُهَاءِ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُلٍ أَکْثَرُهُمُ اَلزِّنْجُ وَ فِیهِمْ نَحْوُ مِائَتَیْ قَائِدٍ مِنْ مَذْکُورِیهِمْ وَ عُظَمَائِهِمْ فَعَبَرَ لَیْلاً إِلَی شَرْقِیِّ دِجْلَةَ وَ عَزَمُوا عَلَی أَنْ یَفْتَرِقُوا قِسْمَیْنِ أَحَدُهُمَا خَلْفَ عَسْکَرِ أَبِی أَحْمَدَ وَ الثَّانِی أَمَامَهُ وَ یُغِیرَ الَّذِینَ أَمَامَهُ عَلَی أَصْحَابِ أَبِی أَحْمَدَ فَإِذَا ثَارُوا إِلَیْهِمْ وَ اسْتَعَرَتِ الْحَرْبُ أَکَبَّ أُولَئِکَ الَّذِینَ مِنْ وَرَاءِ الْعَسْکَرِ عَلَی مَنْ یَلِیهِمْ وَ هُمْ مَشَاغِیلُ بِحَرْبِ مَنْ بِإِزَائِهِمْ وَ قَدَّرَ اَلنَّاجِمُ وَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ أَنْ یَتَهَیَّأَ لَهُمَا مِنْ ذَلِکَ مَا أَحَبَّا فَاسْتَأْمَنَ مِنْهُمْ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ غُلاَمٌ کَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمَلاَّحِینِ لَیْلاً فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمْ وَ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَیْهِ آرَاؤُهُمْ فَأَمَرَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ وَ الْغِلْمَانَ وَ الْقُوَّادَ بِالْحَذَرِ وَ الاِحْتِیَاطِ وَ الْجِدِّ وَ فَرَّقَهُمْ فِی الْجِهَتَیْنِ الْمَذْکُورَتَیْنِ فَلَمَّا رَأَی اَلزِّنْجُ أَنَّ تَدْبِیرَهُمْ قَدِ انْتَقَضَ وَ أَنَّهُ قَدْ فَطَنَ لَهُمْ وَ نَذِرَ بِهِمْ کَرُّوا رَاجِعِینَ فِی الطَّرِیقِ الَّذِی أَقْبَلُوا فِیهِ طَالِبِینَ التَّخَلُّصَ فَسَبَقَهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ لَزِیرَکُ إِلَی فُوَّهَةِ النَّهَرِ لِیَمْنَعُوهُمْ مِنْ عُبُورِهِ وَ أَرْسَلَ أَبُو أَحْمَدَ غُلاَمَهُ الْأَسْوَدَ الزِّنْجِیَّ الَّذِی یُقَالُ لَهُ ثَابِتٌ وَ کَانَ لَهُ قِیَادَةٌ عَلَی السُّودَانِ الَّذِینَ بِعَسْکَرِ اَلْمُوَفَّقِ فَأَمَرَهُ أَنْ یَعْتَرِضَهُمْ وَ یَقِفَ لَهُمْ فِی طَرِیقِهِمْ

ص :188

بِأَصْحَابِهِ فَأَدْرَکَهُمْ وَ هُوَ فِی خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ فَوَاقَعَهُمْ وَ شَدَّ عَضُدَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ لَزِیرَکُ بِمَنْ مَعَهُمَا فَقُتِلَ مِنَ اَلزِّنْجِ أَصْحَابِ اَلنَّاجِمِ خَلْقٌ کَثِیرٌ وَ أُسِرَ مِنْهُمْ کَثِیرٌ وَ أَفْلَتَ الْبَاقُونَ فَلَحِقُوا بِمَدِینَتِهِمْ وَ انْصَرَفَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِالْفَتْحِ وَ قَدْ عَلَّقَ رُءُوسَ اَلزِّنْجِ فِی الشَّذَا وَ صَلَبَ الْأُسَارَی أَحْیَاءً فِیهَا فَاعْتَرَضُوا بِهِمْ مَدِینَتَهُمْ لِیُرْهِبُوا أَصْحَابَهُمْ فَلَمَّا رَأَوْهُمْ رَعِبُوا وَ انْکَسَرُوا وَ اتَّصَلَ بِأَبِی أَحْمَدَ أَنَّ اَلنَّاجِمَ مَوَّهَ عَلَی أَصْحَابِهِ وَ أَوْهَمَ أَنَّ الرُّءُوسَ الْمَرْفُوعَةَ مُثُلٌ مَثَّلَهَا لَهُمْ أَبُو أَحْمَدَ لِیُرَاعُوا وَ أَنَّ الْأُسَارَی مِنَ الْمُسْتَأْمِنَةِ فَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ عِنْدَ ذَلِکَ بِجَمِیعِ الرُّءُوسِ وَ الْمَسِیرِ بِهَا إِلَی إِزَاءِ قَصْرِ اَلنَّاجِمِ وَ الْقَذْفِ بِهَا فِی مَنْجَنِیقٍ مَنْصُوبٍ فِی سَفِینَةٍ إِلَی عَسْکَرِهِ فَفُعِلَ ذَلِکَ فَلَمَّا سَقَطَتِ الرُّءُوسُ فِی مَدِینَتِهِمْ عَرَفَ أَوْلِیَاءُ الْقَتْلَی رُءُوسَ أَصْحَابِهِمْ فَظَهَرَ بُکَاؤُهُمْ وَ صُرَاخُهُمْ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ کَانَتْ لَهُمْ وَقَعَاتٌ کَثِیرَةٌ بَعْدَ هَذِهِ فِی أَکْثَرِهَا یَنْهَزِمُ اَلزِّنْجُ وَ یَظْفَرُ بِهِمْ وَ طَلَبَ وُجُوهُهُمُ الْأَمَانَ فَکَانَ مِمَّنِ اسْتَأْمَنَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْقَائِدُ وَ إِلَیْهِ کَانَ حُفِظَ النَّهَرُ الْمَعْرُوفُ بِمَنْکَی وَ السُّوَرُ الَّذِی یَلِی عَسْکَرَ أَبِی أَحْمَدَ کَانَ خُرُوجُهُ لَیْلاً مَعَ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَوَصَلَهُ أَبُو أَحْمَدَ بِصِلاَتٍ کَثِیرَةٍ وَ خَلَعَ عَلَیْهِ وَ حَمَلَهُ عَلَی عِدَّةِ دَوَابَّ بِحِلْیَتِهَا وَ آلاَتِهَا وَ أَسْنَی لَهُ الرِّزْقَ.

وَ کَانَ مُحَمَّدٌ هَذَا حَاوَلَ إِخْرَاجَ زَوْجَتِهِ مَعَهُ وَ هِیَ إِحْدَی بَنَاتِ عَمِّهِ فَعَجَزَتِ الْمَرْأَةُ عَنِ اللِّحَاقِ بِهِ فَأَخَذَهَا اَلزِّنْجُ فَرَدُّوهَا إِلَی اَلنَّاجِمِ فَحَبَسَهَا مُدَّةً ثُمَّ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهَا وَ النِّدَاءِ عَلَیْهَا فِی السُّوقِ فَبِیعَتْ.

وَ مِمَّنِ اسْتَأْمَنَ الْقَائِدُ الْمَعْرُوفُ بِأَحْمَدَ الْبَرْذَعِیُّ کَانَ مِنْ أَشْجَعِ رِجَالِهِمْ وَ کَانَ یَکُونُ أَبَداً مَعَ اَلْمُهَلَّبِیِّ .

ص :189

وَ کَانَ مِمَّنِ اسْتَأْمَنَ مِرْبَدَا (1) الْقَائِدُ وَ بَرَنْکُوبَةُ (2) وَ بَیْلُویَةُ (3) فَخُلِعَتْ عَلَیْهِمُ الْخُلُعُ وَ وُصِلُوا بِالصِّلاَتِ الْکَثِیرَةِ وَ حُمِلُوا عَلَی الْخُیُولِ الْمُحَلاَّةِ وَ أَحْسَنَ إِلَی کُلِّ مَنْ جَاءَ مَعَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِمْ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَضَاقَتِ الْمِیَرُ عَلَی اَلنَّاجِمِ وَ أَصْحَابِهِ فَنَدَبَ شِبْلاَ الْقَائِدَ وَ أَبَا النَّدَی وَ هُمَا مِنْ رُؤَسَاءِ قُوَّادِهِ وَ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ الَّذِینَ یَعْتَمِدُ عَلَیْهِمْ وَ یَثِقُ بِمُنَاصَحَتِهِمْ وَ أَمَرَهُمَا بِالْخُرُوجِ فِی عَشَرَةِ آلاَفٍ مِنَ اَلزِّنْجِ وَ غَیْرِهِمْ وَ الْقَصْدِ إِلَی نَهَرِ الدَّیْرِ وَ نَهَرِ الْمَرْأَةِ وَ نَهَرِ أَبِی الْأَسَدِ وَ الْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْهَارِ إِلَی اَلْبَطِیحَةِ وَ الْغَارَةِ (4) عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ وَ أَهْلِ الْقُرَی وَ قَطْعِ الطُّرُقَاتِ وَ أَخْذِ جَمِیعِ مَا یَقْدِرُونَ عَلَیْهِ مِنَ الطَّعَامِ وَ الْمِیرَةِ وَ حَمْلِهِ إِلَی مَدِینَتِهِ وَ قَطْعِهِ عَنِ الْوُصُولِ إِلَی عَسْکَرِ أَبِی أَحْمَدَ فَنَدَبَ أَبُو أَحْمَدَ لِقَصْدِهِمْ مَوْلاَهُ لَزِیرَکَ فِی جَیْشٍ کَثِیفٍ بَعْضُهُ فِی الْمَاءِ وَ بَعْضُهُ عَلَی الظَّهْرِ فَوَاقَعَهُمْ فِی الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِنَهْرِ عُمَرَ فَکَانَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُمْ حَرْبٌ شَدِیدَةٌ أَسْفَرَتْ عَنِ انْکِسَارِهِمْ وَ خِذْلاَنِ اللَّهِ لَهُمْ فَأَخَذَ مِنْهُمْ أَرْبَعَمِائَةِ سَفِینَةٍ وَ أَسْرَی کَثِیرِینَ وَ أَقْبَلَ بِهَا وَ بِهِمْ وَ بِالرُّءُوسِ إِلَی عَسْکَرِ أَبِی أَحْمَدَ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ نَدَبَ أَبُو أَحْمَدَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ لِقَصْدِ مَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ وَ الْعُلُوِّ عَلَیْهَا فَقَصَدَهَا مِنَ النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِالْغَرْبِیِّ وَ قَدْ أَعَدَّ اَلنَّاجِمُ بِهِ عَلِیَّ بْنَ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیَّ فَاسْتَعَرَتِ الْحَرْبُ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ فَأَمَدَّ اَلنَّاجِمُ عَلِیّاً بِسُلَیْمَانَ بْنِ جَامِعٍ فِی جَمْعٍ کَثِیرٍ مِنْ قُوَّادِ اَلزِّنْجِ وَ اتَّصَلَتِ الْحَرْبُ وَ اسْتَأْمَنَ کَثِیرٌ مِنْ قُوَّادِ اَلزِّنْجِ إِلَی أَبِی الْعَبَّاسِ وَ امْتَدَّتِ الْحَرْبُ إِلَی بَعْدِ الْعَصْرِ ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو الْعَبَّاسِ فَاجْتَازَ فِی مُنْصَرَفِهِ بِمَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ وَ قَدِ انْتَهَی إِلَی الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ

ص :190

بِنَهْرِ الْأَتْرَاکِ فَرَأَی فِی ذَلِکَ النَّهَرِ قِلَّةً مِنَ اَلزِّنْجِ الَّذِینَ یَحْرُسُونَهُ فَطَمِعَ فِیهِمْ فَقَصَدَ نَحْوَهُمْ وَ صَعِدَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ سُوَرَ الْمَدِینَةِ وَ عَلَیْهِ فَرِیقٌ مِنَ اَلزِّنْجِ فَقَتَلُوا مَنْ أَصَابُوا هُنَاکَ وَ نَذِرَ اَلنَّاجِمُ بِهِمْ فَأَنْجَدَهُمْ بِقُوَّادٍ مِنْ قُوَّادِهِ فَأَرْسَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَی أَبِیهِ یَسْتَمِدُّهُ فَوَافَی مِنْ عَسْکَرِ أَبِی أَحْمَدَ مَنْ خَفَّ مِنَ الْغِلْمَانِ فَقَوِیَ بِهِمْ عَسْکَرُ أَبِی الْعَبَّاسِ .وَ قَدْ کَانَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ لَمَّا رَأَی أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ قَدْ أَوْغَلَ فِی نَهَرِ الْأَتْرَاکِ صَعِدَ فِی جَمْعٍ کَثِیرٍ مِنَ اَلزِّنْجِ ثُمَّ اسْتَدْبَرَ أَصْحَابَ أَبِی الْعَبَّاسِ وَ هُمْ مُتَشَاغِلُونَ بِحَرْبِ مَنْ بِإِزَائِهِمْ عَلَی سُوَرِ الْمَدِینَةِ فَخَرَجَ عَلَیْهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ وَ خَفَقَتْ طُبُولُهُمْ فَانْکَشَفَ أَصْحَابُ أَبِی الْعَبَّاسِ وَ حَمَلَتِ اَلزِّنْجُ عَلَیْهِمْ مِنْ أَمَامِهِمْ فَأُصِیبَ فِی هَذِهِ الْوَقْعَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ غِلْمَانِ أَبِی أَحْمَدَ وَ قُوَّادِهِ وَ صَارَ فِی أَیْدِی اَلزِّنْجِ عِدَّةُ أَعْلاَمٍ وَ مُطَارِدٍ وَ حَامَی أَبُو الْعَبَّاسِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّی انْصَرَفَ سَالِماً فَأَطْمَعَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ اَلزِّنْجَ وَ أَتْبَاعَهُمْ (1) وَ شَدَّتْ قُلُوبُهُمْ فَأَجْمَعَ أَبُو أَحْمَدَ عَلَی الْعُبُورِ بِجَیْشِهِ أَجْمَعَ وَ أَمَرَ بِالاِسْتِعْدَادِ وَ التَّأَهُّبِ فَلَمَّا تَهَیَّأَ لَهُ ذَلِکَ عَبَرَ فِی آخِرِ ذِی الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَ سِتِّینَ فِی أَکْثَفِ جَمْعٍ وَ أَکْمَلِ عِدَّةٍ وَ فَرَّقَ قُوَّادَهُ عَلَی أَقْطَارِ مَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ وَ قَصَدَ هُوَ بِنَفْسِهِ رُکْناً مِنْ أَرْکَانِهَا وَ قَدْ کَانَ اَلنَّاجِمُ حَصَّنَهُ بِابْنِهِ الَّذِی یُقَالُ لَهُ أَنْکَلاَنِی وَ کَنَفَهَ بِعَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ وَ سُلَیْمَانَ بْنِ جَامِعٍ وَ إِبْرَاهِیمَ بْنِ جَعْفَرٍ الْهَمْدَانِیِّ وَ حَفَّهُ بِالْمَجَانِیقِ وَ الْعَرَّادَاتِ (2) وَ الْقِسِیِّ النَّاوِکِیَّةِ وَ أَعَدَّ فِیهِ النَّاشِبَةَ (3) جَمَعَ فِیهِ أَکْثَرَ جَیْشِهِ فَلَمَّا الْتَقَی الْجَمْعَانِ أَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ غِلْمَانَهُ النَّاشِبَةَ وَ الرَّامِحَةَ (4) وَ السُّودَانَ بِالدُّنُوِّ مِنْ هَذَا

ص :191

الرُّکْنِ وَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُمُ النَّهَرُ الْمَعْرُوفُ بِنَهْرِ الْأَتْرَاکِ وَ هُوَ نَهَرٌ عَرِیضٌ غَزِیرُ الْمَاءِ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَیْهِ أَحْجَمُوا عَنْهُ فَصِیحَ بِهِمْ وَ حُرِّضُوا عَلَی الْعُبُورِ فَعَبَرُوهُ سِبَاحَةً وَ اَلزِّنْجُ تَرْمِیهِمْ بِالْمَجَانِیقِ وَ الْعَرَّادَاتِ وَ الْمَقَالِیعِ وَ الْحِجَارَةِ عَنِ الْأَیْدِی وَ السِّهَامِ عَنْ قِسِیِّ الْیَدِ وَ قِسِیِّ الرِّجْلِ وَ صُنُوفِ الْآلاَتِ الَّتِی یُرْمَی عَنْهَا فَصَبَرُوا عَلَی جَمِیعِ ذَلِکَ حَتَّی جَاوَزُوا النَّهَرَ وَ انْتَهَوْا إِلَی السُّوَرِ وَ لَمْ یَکُنْ لَحِقَهُمْ مِنَ الْفَعَلَةِ مَنْ کَانَ أَعَدَّهُ لِهَدْمِهِ فَتَوَلَّی الْغِلْمَانُ تَشْعِیثَ السُّوَرِ بِمَا کَانَ مَعَهُمْ مِنَ السِّلاَحِ وَ یَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَی ذَلِکَ وَ سَهَّلُوا لِأَنْفُسِهِمُ السَّبِیلَ إِلَی عُلُوِّهِ وَ حَضَرَهُمْ بَعْضُ السَّلاَلِیمِ الَّتِی کَانَتِ اتُّخِذَتْ لِذَلِکَ فَعَلَوُا الرُّکْنَ وَ نَصَبُوا عَلَیْهِ عَلَماً عَلَیْهِ مَکْتُوبٌ اَلْمُوَفَّقُ بِاللَّهِ وَ أَکَبَّتْ عَلَیْهِمُ اَلزِّنْجُ فَحَارَبُوا أَشَدَّ حَرْبٍ وَ قُتِلَ مِنْ قُوَّادِ أَبِی أَحْمَدَ الْقَائِدُ الْمَعْرُوفُ بِثَابِتٍ الْأَسْوَدِ رُمِیَ بِسَهْمٍ فِی بَطْنِهِ فَمَاتَ وَ کَانَ مِنْ جِلَّةِ الْقُوَّادِ وَ أَحْرَقَ أَصْحَابُ اَلْمُوَفَّقِ مَا عَلَی ذَلِکَ الرُّکْنِ مِنَ الْمَنْجَنِیقَاتِ وَ الْعَرَّادَاتِ.

وَ قَصَدَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِأَصْحَابِهِ جِهَةً أُخْرَی مِنْ جِهَاتِ الْمَدِینَةِ لِیَدْخُلَهَا مِنَ النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِمَنْکَی فَعَارَضَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ فِی جَمْعٍ مِنَ اَلزِّنْجِ فَظَهَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَلَیْهِ وَ هَزَمَهُ وَ قَتَلَ قَوْماً مِنْ أَصْحَابِهِ وَ أَفْلَتَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیُّ رَاجِعاً وَ انْتَهَی أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَی نَهَرِ مَنْکَی وَ هُوَ یَرَی أَنَّ الْمَدْخَلَ مِنْ ذَلِکَ الْمَوْضِعِ سَهْلٌ فَوَصَلَ إِلَی الْخَنْدَقِ فَوَجَدَهُ عَرِیضاً مَنِیعاً فَحَمَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ یَعْبُرُوهُ فَعَبَرُوهُ وَ عَبَرَتْهُ الرَّجَّالَةُ سِبَاحَةً وَ وَافَوُا السُّوَرَ فَثَلَّمُوا مِنْهُ ثُلْمَةً وَ اتَّسَعَ لَهُمْ دُخُولُهَا فَدَخَلُوا فَلَقِیَ أَوَّلُهُمْ سُلَیْمَانَ بْنَ جَامِعٍ وَ قَدْ أَقْبَلَ لِلْمُدَافَعَةِ عَنْ تِلْکَ النَّاحِیَةِ فَحَارَبُوهُ وَ کَشَفُوهُ وَ انْتَهَوْا إِلَی النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ سِمْعَانَ وَ هُوَ نَهَرٌ سِیقَ بِالْمَدِینَةِ وَ صَارَتِ الدَّارُ الْمَعْرُوفَةُ بِدَارِ ابْنِ سِمْعَانَ فِی أَیْدِیهِمْ فَأَحْرَقُوا مَا کَانَ فِیهَا وَ هَدَمُوهَا.

فَوَقَفَتِ اَلزِّنْجُ عَلَی نَهَرِ ابْنِ سِمْعَانَ وُقُوفاً طَوِیلاً وَ دَافَعُوا مُدَافَعَةً شَدِیدَةً وَ شَدَّ بَعْضُ مَوَالِی اَلْمُوَفَّقِ عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ فَأَدْبَرَ عَنْهُ هَارِباً فَقَبَضَ عَلَی مِئْزَرِهِ فَحَلَّ عَلَی الْمِئْزَرِ وَ نَبَذَهُ إِلَی الْغُلاَمِ وَ نَجَا بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَ عَلَی الْهَلَکَةِ وَ حَمَلَ أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ عَلَی اَلزِّنْجِ فَکَشَفُوهُمْ

ص :192

عَنْ نَهَرِ ابْنِ سِمْعَانَ حَتَّی وَافَوْا بِهِمْ طَرَفَ الْمَدِینَةِ وَ رَکِبَ اَلنَّاجِمُ بِنَفْسِهِ فِی جَمْعٍ مِنْ خَوَاصِّهِ فَتَلَقَّاهُ أَصْحَابُ اَلْمُوَفَّقِ فَعَرَفُوهُ وَ حَمَلُوا عَلَیْهِ وَ کَشَفُوا مَنْ کَانَ مَعَهُ حَتَّی أَفْرَدَ وَ قَرُبَ مِنْهُ بَعْضُ الرَّجَّالَةِ حَتَّی ضَرَبَ وَجْهَ فَرَسِهِ بِتُرْسِهِ وَ کَانَ ذَلِکَ وَقْتَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَ حَجَزَ اللَّیْلُ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَهُ وَ أَظْلَمَ وَ هَبَّتْ رِیحُ شِمَالٍ عَاصِفٌ وَ قَوِیَ الْجَزْرُ فَلَصِقَ أَکْثَرُ سُفُنِ اَلْمُوَفَّقِ بِالطِّینِ وَ حَرَّضَ اَلنَّاجِمُ أَصْحَابَهُ فَثَابَ مِنْهُمْ جَمْعٌ کَثِیرٌ فَشَدُّوا عَلَی سُفُنِ اَلْمُوَفَّقِ فَنَالُوا مِنْهَا نَیْلاً وَ قَتَلُوا نَفَراً وَ صَمَدَ بُهْبُوذٌ الزِّنْجِیُّ لِمَسْرُورٍ الْبَلْخِیِّ بِنَهْرِ الْغَرْبِیِّ فَأَوْقَعَ بِهِ وَ قَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَ أَسَرَ أَسْرَی وَ صَارَ فِی یَدِهِ دَوَابُّ مِنْ دَوَابِّهِمْ فَکَسَرَ ذَلِکَ مِنْ نَشَاطِ أَصْحَابِ اَلْمُوَفَّقِ وَ قَدْ کَانَ هَرَبَ فِی هَذَا الْیَوْمِ کَثِیرٌ مِنْ قُوَّادِ صَاحِبِ الزِّنْجِ وَ تَفَرَّقُوا عَلَی وُجُوهِهِمْ نَحْوَ نَهَرِ الْأَمِیرِ وَ عَبَّادَانَ وَ غَیْرِهِمَا وَ کَانَ مِمَّنْ هَرَبَ ذَلِکَ الْیَوْمَ مِنْهُمْ أَخُو سُلَیْمَانَ بْنِ مُوسَی الشَّعْرَانِیُّ وَ مُحَمَّدٌ وَ عِیسَی فَمَضَیَا یَؤُمَّانِ الْبَادِیَةَ حَتَّی انْتَهَی إِلَیْهِمَا رُجُوعُ أَصْحَابِ اَلْمُوَفَّقِ وَ مَا نِیلَ مِنْهُمْ فَرَجَعَا وَ هَرَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلْعَرَبِ الَّذِینَ کَانُوا فِی عَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ وَ صَارُوا إِلَی اَلْبَصْرَةِ وَ بَعَثُوا یَطْلُبُونَ الْأَمَانَ مِنْ أَبِی أَحْمَدَ فَأَمَّنَهُمْ وَ وَجَّهَ إِلَیْهِمُ السُّفُنَ وَ حَمَلَهُمْ إِلَی اَلْمُوَفَّقِیَّةِ وَ خَلَعَ عَلَیْهِمْ وَ أَجْرَی لَهُمُ الْأَرْزَاقَ وَ الْأَنْزَالَ.

وَ کَانَ مِمَّنْ رَغِبَ فِی الْأَمَانِ مِنْ قُوَّادِ اَلنَّاجِمِ الْقَائِدُ الْمَعْرُوفُ بِرَیْحَانِ بْنِ صَالِحٍ الْمَغْرِبِیِّ وَ کَانَتْ لَهُ رِئَاسَةٌ وَ قِیَادَةٌ وَ کَانَ یَتَوَلَّی حَجَبَةَ أَنْکَلاَنِی بْنِ النَّاجِمِ (1) فَکَتَبَ رَیْحَانُ یَطْلُبُ الْأَمَانَ لِنَفْسِهِ وَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأُجِیبَ إِلَی ذَلِکَ وَ أُنْفِذَ إِلَیْهِ عَدَدٌ کَثِیرٌ مِنَ الشَّذَا وَ السُّمَیْرِیَّاتِ وَ الْمَعَابِرِ مَعَ لَزِیرَکَ الْقَائِدِ صَاحِبِ مُقَدِّمَةِ أَبِی الْعَبَّاسِ فَسَلَکَ نَهْرَ الْیَهُودِیِّ إِلَی آخِرِهِ فَأَلْفَی بِهِ رَیْحَانَ الْقَائِدَ وَ مَنْ کَانَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ قَدْ کَانَ الْمُوعِدُ تَقَدَّمَ مِنْهُ فِی مُوَافَاةِ ذَلِکَ الْمَوْضِعِ فَسَارَ لَزِیرَکُ بِهِ وَ بِهِمْ إِلَی دَارِ اَلْمُوَفَّقِ فَأَمَرَ لِرَیْحَانَ بِخِلَعٍ جَلِیلَةٍ

ص :193

وَ حُمِلَ عَلَی عِدَّةِ أَفْرَاسٍ بِآلَتِهَا وَ حِلْیَتِهَا وَ أُجِیزَ بِجَائِزَةٍ سَنِیَّةٍ وَ خِلَعٍ عَلَی أَصْحَابِهِ وَ أُجِیزُوا عَلَی أَقْدَارِهِمْ وَ مَرَاتِبِهِمْ وَ ضُمَّ رَیْحَانُ إِلَی أَبِی الْعَبَّاسِ وَ أَمَرَ بِحَمْلِهِ وَ حَمْلِ أَصْحَابِهِ وَ الْمَصِیرِ بِهِمْ إِلَی إِزَاءِ دَارِ اَلنَّاجِمِ فَوَقَفُوا هُنَالِکَ فِی الشَّذَا عَلَیْهِمُ الْخِلَعُ الْمُلَوَّنَةُ بِصُنُوفِ الْأَلْوَانِ وَ الذَّهَبِ حَتَّی عَایَنُوهُمْ مُشَاهَدَةً فَاسْتَأْمَنَ فِی هَذَا الْیَوْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَیْحَانَ الَّذِینَ کَانُوا تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَ مِنْ غَیْرِهِمْ جَمَاعَةٌ فَأُلْحِقُوا فِی الْبِرِّ وَ الْإِحْسَانِ بِأَصْحَابِهِمْ (1) .

ثُمَّ اسْتَأْمَنَ جَعْفَرُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ الْمَعْرُوفُ بِالسَّجَّانِ فِی أَوَّلِ یَوْمٍ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَ سِتِّینَ وَ مِائَتَیْنِ وَ کَانَ أَحَدَ ثِقَاتِ اَلنَّاجِمِ فَفُعِلَ بِهِ مِنَ الْخِلَعِ وَ الْإِحْسَانِ مَا فُعِلَ بِرَیْحَانَ وَ حُمِلَ فِی سُمَیْرِیَّةٍ حَتَّی وَقَفَ بِإِزَاءِ قَصْرِ اَلنَّاجِمِ حَتَّی یَرَاهُ أَصْحَابُهُ وَ کَلَّمَهُمْ وَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ فِی غُرُورٍ مِنْ صَاحِبِهِمْ وَ أَعْلَمَهُمْ مَا وَقَفَ عَلَیْهِ مِنْ کَذِبِهِ وَ فُجُورِهِ فَاسْتَأْمَنَ فِی هَذَا الْیَوْمِ خَلْقٌ کَثِیرٌ مِنْ قُوَّادِ اَلزِّنْجِ وَ غَیْرِهِمْ وَ تَتَابَعَ النَّاسُ فِی طَلَبِ الْأَمَانِ وَ أَقَامَ أَبُو أَحْمَدَ یُجِمُّ أَصْحَابَهُ وَ یُدَاوِی جِرَاحَهُمْ وَ لاَ یُحَارِبُ وَ لاَ یَعْبُرُ إِلَی اَلزِّنْجِ إِلَی شَهْرِ رَبِیعٍ الْآخَرِ .

ثُمَّ عَبَّرَ جَیْشَهُ فِی هَذَا الشَّهْرِ الْمَذْکُورِ مُرَتَّباً عَلَی مَا اسْتَصْلَحَهُ مِنْ تَفْرِیقِهِ فِی جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ أَمَرَهُمْ بِهَدْمِ سُورِ الْمَدِینَةِ وَ تَقَدَّمَ إِلَیْهِمْ أَنْ یَقْتَصِرُوا عَلَی الْهَدْمِ وَ لاَ یَدْخُلُوا الْمَدِینَةَ وَ وَکَّلَ بِکُلِّ نَاحِیَةٍ مِنَ النَّوَاحِی الَّتِی وَجَّهَ إِلَیْهَا قُوَّادَهُ سُفُناً فِیهَا الرُّمَاةُ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یَحْمُوا بِالسِّهَامِ مَنْ یَهْدِمُ السُّوَرَ مِنَ الْفَعَلَةِ فَثُلِّمَتْ فِی هَذَا الْیَوْمِ مِنَ السُّوَرِ ثُلَمٌ کَثِیرَةٌ وَ اقْتَحَمَ أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ الْمَدِینَةَ مِنْ جَمِیعِ تِلْکَ الثُّلَمِ وَ هَزَمُوا مَنْ کَانَ عَلَیْهَا مِنَ اَلزِّنْجِ وَ أَوْغَلُوا فِی طَلَبِهِمْ وَ اخْتَلَفَ بِهِمْ طُرُقُ الْمَدِینَةِ وَ تَفَرَّقَتْ بِهِمُ السِّکَکُ وَ الْفِجَاجُ

ص :194

وَ انْتَهَوْا إِلَی أَبْعَدَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِی کَانُوا وَصَلُوا إِلَیْهَا فِی الْمَرَّةِ الَّتِی قَبْلَهَا فَتَرَاجَعَتْ إِلَیْهِمُ اَلزِّنْجُ وَ خَرَجَ عَلَیْهِمْ کُمَنَاؤُهُمْ مِنْ نَوَاحٍ یَهْتَدُونَ إِلَیْهَا وَ لاَ یَعْرِفُهَا جَیْشُ أَبِی أَحْمَدَ فَتَحَیَّرَ جَیْشُ أَبِی أَحْمَدَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ کَثِیرٌ وَ أَصَابَ اَلزِّنْجُ مِنْهُمْ أَسْلِحَةً وَ أَسْلاَباً وَ أَقَامَ ثَلاَثُونَ دَیْلَمِیّاً مِنْ أَصْحَابِ أَبِی أَحْمَدَ یُدَافِعُونَ عَنِ النَّاسِ وَ یَحْمُونَهُمْ حَتَّی خَلَصَ إِلَی السُّفُنِ مَنْ خَلَصَ وَ قُتِلَتِ اَلدَّیَالِمَةُ عَنْ آخِرِهَا وَ عَظُمَ عَلَی النَّاسِ مَا أَصَابَهُمْ فِی هَذَا الْیَوْمِ وَ انْصَرَفَ أَبُو أَحْمَدَ إِلَی مَدِینَتِهِ اَلْمُوَفَّقِیَّةِ فَجَمَعَ قُوَّادَهُ وَ عَذَلَهُمْ عَلَی مَا کَانَ مِنْهُمْ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ وَ الْإِفْسَادِ عَلَیْهِ فِی رَأْیِهِ وَ تَدْبِیرِهِ وَ تَوَعَّدَهُمْ بِأَغْلَظِ الْعُقُوبَةِ إِنْ عَادُوا لِمِثْلِ ذَلِکَ وَ أَمَرَ بِإِحْصَاءِ الْمَقْتُولَیْنِ (1) مِنْ أَصْحَابِهِ فَأُتِیَ بِأَسْمَائِهِمْ فَأَقَرَّ مَا کَانَ جَارِیاً لَهُمْ عَلَی أَوْلاَدِهِمْ وَ أَهَالِیهِمْ فَحَسُنَ مَوْقِعُ ذَلِکَ وَ زَادَ فِی صِحَّةِ نِیَّاتِ أَصْحَابِهِ لَمَّا رَأَوْا مِنْ خِیَاطَتِهِ خَلْفَ مَنْ أُصِیبَ فِی طَاعَتِهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ شَرَعَ أَبُو أَحْمَدَ فِی قَطْعِ الْمِیرَةِ عَنْ مَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ مِنْ جَمِیعِ الْجِهَاتِ وَ قَدْ کَانَ یُجْلَبُ إِلَیْهِمْ مِنَ السَّمَکِ الشَّیْءُ الْعَظِیمُ مِنْ مَوَاضِعَ کَثِیرَةٍ فَمَنَعَ ذَلِکَ عَنْهُمْ وَ قَتَلَ الْقَوْمَ الَّذِینَ کَانُوا یَجْلِبُونَهُ وَ أُخِذَتْ عَلَیْهِمُ الطُّرُقُ وَ انْسَدَّ عَلَیْهِمْ کُلُّ مَسْلَکٍ کَانَ لَهُمْ وَ أَضَرَّ بِهِمُ الْحِصَارُ وَ أَضْعَفَ أَبْدَانَهُمْ وَ طَالَتِ الْمُدَّةُ فَکَانَ الْأَسِیرُ مِنْهُمْ یُؤْسَرُ وَ الْمُسْتَأْمِنُ یَسْتَأْمِنُ فَیُسْأَلُ عَنْ عَهْدِهِ بِالْخُبْزِ (2) فَیَقُولُ مُذْ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَیْنِ وَ احْتَاجَ مَنْ کَانَ مِنْهُمْ مُقِیماً فِی مَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ إِلَی الْحِیلَةِ لِقُوَّتِهِ فَتَفَرَّقُوا فِی الْأَنْهَارِ النَّائِیَةِ عَنْ عَسْکَرِهِمْ طَلَباً لِلْقُوتِ وَ کَثُرَتِ الْأُسَارَی مِنْهُمْ فِی عَسْکَرِ أَبِی أَحْمَدَ لِأَنَّهُ کَانَ یَلْتَقِطُهُمْ بِأَصْحَابِهِ یَوْماً فَیَوْماً فَأَمَرَ بِاعْتِرَاضِهِمْ (3) لَمَّا رَأَی کَثْرَتَهُمْ فَمَنْ کَانَ مِنْهُمْ ذَا قُوَّةٍ وَ جِلْدٍ وَ نُهُوضٍ بِالسِّلاَحِ مَنَّ عَلَیْهِ وَ أَحْسَنَ إِلَیْهِ وَ خَلَطَهُ بِغِلْمَانِهِ السُّودَانِ وَ عَرَّفَهُمْ مَا لَهُمْ عِنْدَهُ مِنَ الْبِرِّ وَ الْإِحْسَانِ وَ مَنْ کَانَ مِنْهُمْ ضَعِیفاً لاَ حَرَاکَ بِهِ أَوْ شَیْخاً فَانِیاً لاَ یُطِیقُ حَمْلَ السِّلاَحِ أَوْ مَجْرُوحاً جِرَاحَةً قَدْ أَزْمَنَتْهُ أَمَرَ بِأَنْ یُکْسَی ثَوْبَیْنِ وَ یُوصَلَ بِدَارِهِمْ وَ یُزَوَّدَ وَ یُحْمَلَ إِلَی عَسْکَرِ

ص :195

اَلنَّاجِمِ فَیُلْقَی هُنَاکَ بَعْدَ أَنْ یُوصَی (1) بِوَصْفِ مَا عَایَنَ مِنْ إِحْسَانِ أَبِی أَحْمَدَ إِلَی کُلِّ مَنْ یَصِیرُ إِلَیْهِ وَ أَنَّ ذَلِکَ رَأْیُهُ فِی جَمِیعِ مَنْ یَأْتِیهِ مُسْتَأْمِناً أَوْ یَأْسِرُهُ فَتَهَیَّأَ لَهُ بِذَلِکَ مَا أَرَادَ مِنِ اسْتِمَالَةِ اَلزِّنْجِ حَتَّی اسْتَشْعَرُوا الْمَیْلَ إِلَی نَاحِیَتِهِ وَ الدُّخُولَ فِی سِلْمِهِ وَ طَاعَتِهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ کَانَتِ الْوَقْعَةُ الَّتِی قُتِلَ فِیهَا بُهْبُوذُ (2) الزِّنْجِیُّ الْقَائِدُ وَ جُرِحَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ ذَلِکَ أَنَّ بُهْبُوذَ کَانَ أَکْثَرَ أَصْحَابِ اَلنَّاجِمِ غَارَاتٍ وَ أَشَدَّهُمْ تَعَرُّضاً لِقَطْعِ السُّبُلِ وَ أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَ کَانَ قَدْ جَمَعَ مِنْ ذَلِکَ لِنَفْسِهِ مَالاً جَلِیلاً وَ کَانَ کَثِیرَ الْخُرُوجِ فِی السُّمَیْرِیَّاتِ الْخِفَافِ فَیَخْتَرِقُ بِهَا الْأَنْهَارَ الْمُؤَدِّیَةَ إِلَی دِجْلَةَ فَإِذَا صَادَفَ سَفِینَةً لِأَصْحَابِ أَبِی أَحْمَدَ أَخَذَهَا وَ اسْتَوْلَی عَلَی أَهْلِهَا وَ أَدْخَلَهَا النَّهْرَ الَّذِی خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ تَبِعَهُ تَابِعٌ حَتَّی تَوَغَّلَ فِی طَلَبِهِ خَرَجَ عَلَیْهِ مِنْ ذَلِکَ النَّهَرِ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ أَعَدَّهُمْ لِذَلِکَ فَأَقْطَعُوهُ وَ أَوْقَعُوا بِهِ فَوَقَعَ التَّحَرُّزُ حِینَئِذٍ مِنْهُ وَ الاِسْتِعْدَادُ لِغَارَاتِهِ فَرَکِبَ شَذَاةً وَ شَبَّهَهَا بِشَذَوَاتِ أَبِی أَحْمَدَ وَ نَصَبَ عَلَیْهَا عَلَماً مِثْلَ أَعْلاَمِهِ وَ سَارَ بِهَا وَ مَعَهُ کَثِیرٌ مِنَ اَلزِّنْجِ فَأَوْقَعَ بِکَثِیرٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِی أَحْمَدَ وَ قَتَلَ وَ أَسَرَ فَنَدَبَ لَهُ أَبُو أَحْمَدَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ فِی جَمْعٍ کَثِیفٍ فَکَانَتْ بَیْنَهُمَا وَقْعَةٌ شَدِیدَةٌ وَ رُمِیَ فِیهَا أَبُو الْعَبَّاسِ بِسَهْمٍ فَأَصَابَهُ وَ أَصَابَتْ بُهْبُوذَ طَعْنَةٌ فِی بَطْنِهِ مِنْ یَدِ غُلاَمٍ مِنْ بَعْضِ سُمَیْرِیَّاتِ أَبِی الْعَبَّاسِ فَهَوَی إِلَی الْمَاءِ فَابْتَدَرَهُ أَصْحَابُهُ فَحَمَلُوهُ وَ رَجَعُوا بِهِ إِلَی عَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ فَلَمْ یَصِلُوا بِهِ إِلاَّ وَ هُوَ مَیِّتٌ فَعَظُمَتِ الْفَجِیعَةُ بِهِ عَلَی اَلنَّاجِمِ وَ أَوْلِیَائِهِ وَ اشْتَدَّ عَلَیْهِ جَزَعُهُمْ وَ خَفِیَ مَوْتُهُ عَلَی أَبِی أَحْمَدَ حَتَّی اسْتَأْمَنَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمَلاَّحِینَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِکَ فَسُرَّ وَ أَمَرَ بِإِحْضَارِ الْغُلاَمِ الَّذِی طَعَنَهُ فَوَصَلَهُ وَ کَسَاهُ وَ طَوَّقَهُ وَ زَادَ فِی رِزْقِهِ وَ أَمَرَ لِجَمِیعِ مَنْ کَانَ فِی تِلْکَ السُّمَیْرِیَّةِ بِصِلاَتٍ وَ خِلَعٍ وَ عُولِجَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ جُرْحِهِ مُدَّةً حَتَّی بَرَأَ وَ أَقَامَ أَبُو أَحْمَدَ فِی مَدِینَتِهِ اَلْمُوَفَّقِیَّةِ مُمْسِکاً عَنْ حَرْبِ اَلزِّنْجِ مُحَاصِراً لَهُمْ

ص :196

بِسَدِّ الْأَنْهَارِ وَ سَکْرِهَا وَ اعْتَرَضَ مَنْ یَخْرُجُ مِنْهُمْ لِجَلْبِ الْمِیرَةِ وَ مُنْتَظِراً بُرْءَ وَلَدِهِ حَتَّی کَمُلَ بَعْدَ شُهُورٍ کَثِیرَةٍ وَ انْقَضَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَ سِتِّینَ .

وَ نُقِلَ إِسْحَاقُ بْنُ کَنْدَاجِیقَ عَنِ اَلْبَصْرَةِ وَ أَعْمَالِهَا فَوُلِّیَ اَلْمَوْصِلَ وَ اَلْجَزِیرَةَ وَ دِیَارَ رَبِیعَةَ وَ دِیَارَ مُضَرَ .وَ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَ سِتِّینَ وَ أَبُو أَحْمَدَ مُقِیمٌ عَلَی الْحِصَارِ فَلَمَّا أَمِنَ عَلَی أَبِی الْعَبَّاسِ وَ رَکِبَ عَلَی عَادَتِهِ عَاوَدَ النُّهُوضَ إِلَی حَرْبِ اَلنَّاجِمِ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَدْ کَانَ بُهْبُوذُ لَمَّا هَلَکَ طَمَعَ اَلنَّاجِمُ فِی أَمْوَالِهِ لِکَثْرَتِهَا وَ وُفُورِهَا وَ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ تَرَکَ مِائَتَیْ أَلْفِ دِینَارٍ عَیْناً وَ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَ غَیْرِهَا بِمِثْلِ ذَلِکَ فَطَلَبَ الْمَالَ الْمَذْکُورَ بِکُلِّ حِیلَةٍ وَ حَبَسَ أَوْلِیَاءَ بُهْبُوذَ وَ قَرَابَتَهُ وَ أَصْحَابَهُ وَ ضَرَبَهُمْ بِالسِّیَاطِ وَ أَثَارَ دُوراً مِنْ دُورِهِ وَ هَدَمَ أَبْنِیَةً مِنْ أَبْنِیَتِهِ طَمَعاً فِی أَنْ یَجِدَ فِی شَیْءٍ مِنْهَا دَفِیناً فَلَمْ یَجِدْ مِنْ ذَلِکَ شَیْئاً فَکَانَ فِعْلُهُ هَذَا أَحَدَ مَا أَفْسَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ عَلَیْهِ وَ دَعَاهُمْ إِلَی الْهَرَبِ (1) مِنْهُ وَ الزُّهْدِ فِی صُحْبَتِهِ فَاسْتَأْمَنَ مِنْهُمْ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ خَلْقٌ کَثِیرٌ فَوَصَلَهُمْ وَ خَلَعَ عَلَیْهِمْ وَ رَأَی أَنْ یَعْبُرَ دِجْلَةَ مِنَ الْجَانِبِ الشَّرْقِیِّ إِلَی الْجَانِبِ الْغَرْبِیِّ فَیَجْعَلَ لِنَفْسِهِ هُنَاکَ مُعَسْکَراً وَ یَبْنِیَ بِهِ مَدِینَةً أُخْرَی وَ یُضَیِّقَ خَنَاقَ اَلنَّاجِمِ وَ یَتَمَکَّنَ مِنْ مُغَادَاتِهِ وَ مُرَاوَحَتِهِ بِالْحَرْبِ فَقَدْ کَانَتِ الرِّیحُ الْعَاصِفُ تَحُولُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ عُبُورِ دِجْلَةَ فِی کَثِیرٍ مِنَ الْأَیَّامِ بِالْجَیْشِ فَأَمَرَ بِقَطْعِ النَّخْلِ الْمُقَارِبِ لِمَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ لِذَلِکَ وَ إِصْلاَحِ مَوْضِعٍ یَتَّخِذُهُ مُعَسْکَراً وَ أَنْ یُحَفَّ بِالْخَنَادِقِ وَ یُحْصَرَ بِالسُّوَرِ لِیَأْمَنَ بَیَاتَ اَلزِّنْجِ وَ جَعَلَ عَلَی قُوَّادِهِ نَوَائِبَ لِذَلِکَ وَ مَعَهُمُ الْفَعَلَةُ وَ الرِّجَالُ فَقَابَلَ اَلنَّاجِمُ ذَلِکَ بِأَنْ جَعَلَ عَلِیَّ بْنَ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیَّ وَ سُلَیْمَانَ بْنَ جَامِعٍ وَ إِبْرَاهِیمَ بْنَ جَعْفَرٍ الْهَمَدَانِیَّ نُوبَا لِلْحَرْبِ وَ الْمُدَافَعَةِ عَنْ ذَلِکَ وَ کَانَ أَنْکَلاَنِی بْنُ النَّاجِمِ رُبَّمَا حَضَرَ فِی نَوْبَةٍ أَیْضاً وَ ضَمَّ

ص :197

إِلَیْهِ سُلَیْمَانَ بْنَ مُوسَی بْنِ الشَّعْرَانِیَّ وَ قَدْ کَانَ صَارَ إِلَیْهِ مِنَ اَلْمَذَارِ بَعْدَ الْوَقْعَةِ الَّتِی انْهَزَمَ فِیهَا وَ عَلِمَ اَلنَّاجِمُ أَنَّ أَبَا أَحْمَدَ إِذَا جَاوَرَهُ صَعُبَ أَمْرُهُ وَ قَرُبَ عَلَی مَنْ یُرِیدُ اللِّحَاقَ بِهِ مِنَ اَلزِّنْجِ الْمَسَافَةُ مَعَ مَا یَدْخُلُ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ بِمُجَاوَرَتِهِ مِنَ الرُّعْبِ وَ الرَّهْبَةِ وَ فِی ذَلِکَ انْتِقَاضُ تَدْبِیرِهِ وَ فَسَادُ جَمِیعِ أُمُورِهِ فَکَانَتِ الْحَرْبُ بَیْنَ قُوَّادِ أَبِی أَحْمَدَ وَ قُوَّادِ اَلنَّاجِمِ مُتَّصِلَةً عَلَی إِصْلاَحِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَ مُدَافَعَةِ اَلزِّنْجِ عَنْهُ.

وَ اتَّفَقَ أَنْ عَصَفَتِ الرِّیَاحُ یَوْماً وَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِ أَبِی أَحْمَدَ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِیِّ لِلْعَمَلِ الَّذِی یُرِیدُونَهُ فَانْتَهَزَ اَلنَّاجِمُ الْفُرْصَةَ فِی امْتِنَاعِ الْعُبُورِ بِدِجْلَةَ لِعَصْفِ الرِّیحِ فَرَمَاهُمْ بِجَمِیعِ جَیْشِهِ وَ کَاثَرَهُمْ بِرَجِلِهِ فَلَمْ تَجِدِ الشَّذَوَاتُ الَّتِی مَعَ قُوَّادِ أَبِی أَحْمَدَ سَبِیلاً إِلَی الْوُقُوفِ بِحَیْثُ کَانَتْ وَاقِفَةً بِهِ لِحَمْلِ الرِّیَاحِ إِیَّاهَا عَلَی الْحِجَارَةِ وَ خَوْفِ (1) أَصْحَابِهَا عَلَیْهَا مِنَ التَّکَسُّرِ وَ لَمْ یَجِدُوا سَبِیلاً إِلَی الْعُبُورِ فِی دِجْلَةَ لِشِدَّةِ الرِّیحِ وَ اضْطِرَابِ الْأَمْوَاجِ فَأَوْقَعَتِ اَلزِّنْجُ بِهِمْ فَقَتَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ وَ أَفْلَتَ مِنْهُمْ نَفَرٌ فَعَبَرُوا إِلَی اَلْمُوَفَّقِیَّةِ فَاشْتَدَّ جَزَعُ أَبِی أَحْمَدَ وَ أَصْحَابِهِ لِمَا نَالَهُمْ.

وَ لِمَا تَهَیَّأَ لِلزِّنْجِ عَلَیْهِمْ وَ عَظُمَ بِذَلِکَ اهْتِمَامُهُمْ وَ تَعَقَّبَ أَبُو أَحْمَدَ الرَّأْیَ فَرَأَی أَنَّ نُزُولَهُ وَ مُقَامَهُ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِیِّ مُجَاوِرَ مَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ خَطَأٌ وَ أَنَّهُ لاَ یُؤْمَنُ مِنْهُ حِیلَةً وَ انْتِهَازَ فُرْصَةٍ فَیُوقَعَ بِالْعَسْکَرِ بَیَاتاً أَوْ یَجِدَ مَسَاغاً إِلَی (2) مَا یَکُونُ لَهُ قُوَّةٌ لِکَثْرَةِ الْأَدْغَالِ فِی ذَلِکَ الْمَوْضِعِ وَ صُعُوبَةِ الْمَسَالِکِ وَ أَنَّ اَلزِّنْجَ عَلَی التَّوَغُّلِ فِی تِلْکَ الْمَوَاضِعِ الْوَعِرَةِ الْمُوحِشَةِ أَقْدَرُ وَ هُوَ عَلَیْهِمْ أَسْهَلُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَانْصَرَفَ عَنْ رَأْیِهِ فِی نُزُولِ الْجَانِبِ الْغَرْبِیِّ (3) وَ صَرَفَ هَمَّهُ وَ قَصْدَهُ

ص :198

إِلَی هَدْمِ سُوَرِ مَدِینَةِ اَلنَّاجِمِ وَ تَوْسِعَةِ الطَّرِیقِ وَ الْمَسَالِکِ لِأَصْحَابِهِ فِی دُخُولِهَا فَنَدَبَ الْقُوَّادَ لِذَلِکَ وَ نَدَبَ اَلنَّاجِمُ قُوَّادَهُ لِلْمُدَافَعَةِ عَنْهَا وَ طَالَ الْأَمَدُ وَ تَمَادَّتِ الْأَیَّامُ.

فَلَمَّا رَأَی أَبُو أَحْمَدَ تَحَاشُدَ اَلزِّنْجِ وَ تَعَاوُنَهُمْ عَلَی الْمَنْعِ مِنْ هَدْمِ السُّوَرِ أَزْمَعَ عَلَی مُبَاشَرَةِ ذَلِکَ بِنَفْسِهِ وَ حُضُورِهِ إِیَّاهُ لِیَسْتَدْعِیَ بِذَلِکَ جِدَّ أَصْحَابِهِ وَ اجْتِهَادَهُمْ وَ یَزِیدَ فِی عِنَایَتِهِمْ وَ هِمَمِهِمْ فَحَضَرَ بِنَفْسِهِ وَ اتَّصَلَتِ الْحَرْبُ وَ غَلُظَتْ عَلَی الْفَرِیقَیْنِ وَ کَثُرَ الْقَتْلُ وَ الْجِرَاحُ فِی الْحِزْبَیْنِ وَ أَقَامَ أَبُو أَحْمَدَ أَیَّاماً کَثِیرَةً یُغَادِیهِمُ الْحَرْبَ وَ یُرَاوِحُهُمْ فَکَانُوا لاَ یَفْتُرُونَ یَوْماً مِنَ الْأَیَّامِ وَ صَعُبَ عَلَی أَصْحَابِ أَبِی أَحْمَدَ مَا کَانُوا یَرُومُونَهُ وَ اشْتَدَّتْ حِمَایَةُ اَلزِّنْجِ عَنْ مَدِینَتِهِمْ وَ بَاشَرَ اَلنَّاجِمُ الْحَرْبَ بِنَفْسِهِ وَ مَعَهُ نُخْبَةُ أَصْحَابِهِ وَ أَبْطَالُهُمْ وَ الْمُؤَمِّنُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَی الصَّبْرِ مَعَهُ فَحَامُوا جُهْدَهُمْ حَتَّی لَقَدْ کَانُوا یَقِفُونَ الْمَوْقِفَ فَیُصِیبُ أَحَداً مِنْهُمُ السَّهْمُ أَوِ الطَّعْنَةُ أَوِ الضَّرْبَةُ فَیَسْقُطُ فَیَجْذِبُهُ الَّذِی إِلَی جَانِبِهِ فَیُنَحِّیهِ وَ یَقِفُ مَوْقِفَهُ إِشْفَاقاً مِنْ أَنْ یَخْلُوَ مَوْقِفُ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَیَدْخُلَ الْخَلَلُ عَلَیْهِمْ.

وَ اتَّفَقَ فِی بَعْضِ الْأَیَّامِ شِدَّةُ ضَبَابٍ سَتَرَ بَعْضَ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ فَمَا یَکَادُ الرَّجُلُ یُبْصِرُ صَاحِبَهُ وَ ظَهَرَ أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ وَ لاَحَتْ تَبَاشِیرُ الْفَتْحِ وَ دَخَلَ الْجُنْدُ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ وَلَجُوهَا وَ مَلَکُوا مَوَاضِعَ مِنْهَا وَ إِنَّهُمْ لَعَلَی ذَلِکَ حَتَّی وَصَلَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ اَلزِّنْجِ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ رَمَاهُ بِهِ رُومِیٌّ کَانَ مَعَ اَلنَّاجِمِ یُقَالُ لَهُ قِرْطَاسُ فَأَصَابَهُ فِی صَدْرِهِ وَ ذَلِکَ لِخَمْسٍ بَقِینَ مِنْ جُمَادَی الْأُولَی سَنَةَ تِسْعٍ وَ سِتِّینَ وَ مِائَتَیْنِ فَسَتَرَ أَبُو أَحْمَدَ وَ خَوَاصُّهُ مَا نَالَهُ مِنْ ذَلِکَ عَنِ النَّاسِ وَ انْصَرَفَ إِلَی اَلْمُوَفَّقِیَّةِ آخِرَ نَهَارِ یَوْمِهِ هَذَا فَعُولِجَ فِی لَیْلَتِهِ تِلْکَ وَ شَدَّتِ الْجِرَاحَةُ وَ غَدَا عَلَی الْحَرْبِ عَلَی مَا نَالَهُ مِنْ أَلَمِهَا لِیَشُدَّ بِذَلِکَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ مِنْ أَنْ یَدْخُلَهَا وَهْنٌ أَوْ ضَعْفٌ فَزَادَ فِی قُوَّةِ عِلَّتِهِ بِمَا حَمَلَ عَلَی نَفْسِهِ مِنَ الْحَرَکَةِ فَغَلُظَتْ وَ عَظُمَ أَمْرُهَا حَتَّی خِیفَ عَلَیْهِ الْعَطَبُ وَ احْتَاجَ إِلَی عِلاَجِ نَفْسِهِ بِأَعْظَمِ مَا یُعَالِجُ بِهِ الْجِرَاحَ وَ اضْطَرَبَ لِذَلِکَ

ص :199

الْعَسْکَرُ وَ الْجُنْدُ وَ الرَّعِیَّةُ وَ خَافُوا قُوَّةَ اَلزِّنْجِ عَلَیْهِمْ حَتَّی خَرَجَ عَنِ اَلْمُوَفَّقِیَّةِ جَمَاعَةٌ مِنَ التُّجَّارِ کَانُوا مُقِیمِینَ بِهَا لِمَا وَصَلَ إِلَی قُلُوبِهِمْ مِنَ الرَّهْبَةِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ حَدَثَتْ عَلَی أَبِی أَحْمَدَ فِی حَالِ صُعُوبَةِ عِلَّتِهِ حَادِثَةٌ فِی سُلْطَانِهِ وَ أُمُورٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا بَیْنَهُ وَ بَیْنَ أَخِیهِ اَلْمُعْتَمَدِ فَأَشَارَ عَلَیْهِ مُشِیرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ ثِقَاتِهِ بِالرِّحْلَةِ عَنْ مُعَسْکَرِهِ إِلَی بَغْدَادَ وَ أَنْ یُخَلِّفَ مَنْ یَقُومُ مَقَامَهُ فَأَتَی ذَلِکَ وَ حَاذَرَ أَنْ یَکُونَ فِیهِ تَلاَفَی مَا قَدْ فَرَّقَ مِنْ شَمْلِ صَاحِبِ الزِّنْجِ فَأَقَامَ عَلَی صُعُوبَةِ عِلَّتِهِ وَ غَلُظَ الْأَمْرُ الْحَادِثُ فِی سُلْطَانِهِ وَ صَبَرَ إِلَی أَنْ عُوفِیَ فَظَهَرَ لِقُوَّادِهِ وَ خَاصَّتِهِ وَ قَدْ کَانَ أَطَالَ الاِحْتِجَابَ عَنْهُمْ فَقَوِیَتْ بِرُؤْیَتِهِ مِنَّتُهُمْ وَ أَقَامَ مُتَمَاثِلاً مُوَدِّعاً نَفْسَهُ إِلَی شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَلَمَّا أَبَلَّ وَ قَوِیَ عَلَی الرُّکُوبِ وَ النُّهُوضِ نَهَضَ وَ عَاوَدَ مَا کَانَ مُوَاظِباً عَلَیْهِ مِنَ الْحَرْبِ وَ جَعَلَ اَلنَّاجِمُ لَمَّا صَحَّ عِنْدَهُ الْخَبَرُ بِمَا أَصَابَ أَبَا أَحْمَدَ یَعِدُ أَصْحَابَهُ الْعِدَاتِ وَ یُمَنِّیهِمُ الْأَمَانِیَّ وَ اشْتَدَّتْ شَوْکَتُهُمْ وَ قَوِیَتْ آمَالُهُمْ فَلَمَّا اتَّصَلَ بِهِ ظُهُورُ أَبِی أَحْمَدَ جَعَلَ یَحْلِفُ لِلزِّنْجِ عَلَی مِنْبَرِهِ أَنَّ ذَلِکَ بَاطِلٌ لاَ أَصْلَ لَهُ وَ أَنَّ الَّذِی رَأَوْهُ فِی الشَّذَا مِثَالٌ مُوِّهَ وَ شُبِّهَ عَلَیْهِمْ.

قُلْتُ الْحَادِثُ الَّذِی حَدَثَ عَلَی أَبِی أَحْمَدَ مِنْ جِهَةِ سُلْطَانِهِ أَنَّ أَخَاهُ اَلْمُعْتَمِدَ وَ هُوَ الْخَلِیفَةُ یَوْمَئِذٍ فَارَقَ دَارَ مُلْکِهِ وَ مُسْتَقَرَّ خِلاَفَتِهِ مُغَاضِباً لَهُ مُتَجَنِّیاً عَلَیْهِ زَاعِماً أَنَّهُ مُسْتَبِدٌّ بِأَمْوَالِ الْمَمْلَکَةِ وَ جِبَایَتِهَا مُضْطَهِداً لَهُ مُسْتَأْثِراً عَلَیْهِ فَکَاتَبَ اِبْنَ طُولُونَ صَاحِبَ مِصْرَ وَ سَأَلَهُ أَنْ یَأْذَنَ لَهُ فِی اللِّحَاقِ بِهِ فَأَجَابَهُ اِبْنُ طُولُونَ إِلَی ذَلِکَ فَخَرَجَ مِنْ سَامَرَّاءَ فِی جَمَاعَةٍ مِنْ قُوَّادِهِ وَ مَوَالِیهِ قَاصِداً مِصْرَ وَ کَانَ أَبُو أَحْمَدَ هُوَ الْخَلِیفَةُ فِی الْمَعْنَی وَ إِنَّمَا اَلْمُعْتَمَدُ صُورَةٌ

ص :200

خَالِیَةٌ مِنْ مَعَانِی الْخِلاَفَةِ لاَ أَمْرٌ لَهُ وَ لاَ نَهْیٌ وَ لاَ حَلٌّ وَ لاَ عَقْدٌ وَ أَبُو أَحْمَدَ هُوَ الَّذِی یُرَتِّبُ الْوُزَرَاءَ وَ الْکُتَّابَ وَ یَقُودُ الْقُوَّادَ وَ یَقْطَعُ الْأَقْطَاعَ وَ لاَ یُرَاجَعُ اَلْمُعْتَمَدُ فِی شَیْءٍ مِنَ الْأُمُورِ أَصْلاً فَاتَّصَلَ بِهِ خَبَرُ اَلْمُعْتَمَدِ فِی شُخُوصِهِ عَنْ سَامَرَّاءَ وَ قَصْدِهِ اِبْنَ طُولُونَ فَکَاتَبَ إِسْحَاقَ بْنَ کَنْدَاحِیقَ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ عَلَی اَلْمُوصِلِ وَ اَلْجَزِیرَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ یَعْتَرِضَ اَلْمُعْتَمَدَ وَ یَقْبِضَ عَلَیْهِ وَ عَلَی الْقُوَّادِ وَ الْمَوَالِی الَّذِینَ مَعَهُ وَ یُعِیدَهُمْ إِلَی سَامَرَّاءَ وَ کَتَبَ لِإِسْحَاقَ بِإِقْطَاعِهِ ضِیَاعَ أُولَئِکَ الْقُوَّادِ وَ الْمَوَالِی بِأَجْمَعِهِمْ فَاعْتَرَضَهُمْ إِسْحَاقُ وَ قَدْ قَرُبُوا مِنَ اَلرِّقَّةِ فَأَخَذَهُمْ وَ قَبَضَ عَلَیْهِمْ وَ قَیَّدَهُمْ بِالْقُیُودِ الثَّقِیلَةِ وَ دَخَلَ عَلَی اَلْمُعْتَمَدِ فَعَنَّفَهُ وَ هَجَّنَهُ وَ عَذَلَهُ فِی شُخُوصِهِ عَنْ دَارِ مُلْکِهِ وَ مُلْکِ آبَائِهِ وَ مُفَارَقَةِ أَخِیهِ عَلَی الْحَالِ الَّتِی هُوَ بِهَا وَ حَرْبِ مَنْ یُحَاوِلُ قَتْلَهُ وَ قَتْلَ أَهْلِ بَیْتِهِ وَ زَوَالَ مُلْکِهِمْ.

ثُمَّ حَمَلَهُمْ فِی قُیُودِهِمْ حَتَّی وَافَی بِهِمْ سَامَرَّاءَ فَأَقَرَّ اَلْمُعْتَمَدَ عَلَی خِلاَفَتِهِ وَ مَنَعَهُ عَنِ الْخُرُوجِ وَ أَرْسَلَ أَبُو أَحْمَدَ ابْنَهُ هَارُونَ وَ کَاتِبَهُ صَاعِدَ بْنَ مَخْلَدٍ مِنَ اَلْمُوَفَّقِیَّةِ إِلَی سَامَرَّاءَ فَخَلَعَا عَلَی اِبْنِ کَنْدَاحِیقَ خِلَعاً جَلِیلَةً وَ قُلِّدَ بِسَیْفَیْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُقِّبَ ذَا السَّیْفَیْنِ وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ قُلِّدَ بِسَیْفَیْنِ ثُمَّ خُلِعَ عَلَیْهِ بَعْدَ ذَلِکَ بِیَوْمٍ قُبَاءَ دِیبَاجٍ أَسْوَدَ وَ وِشَاحَیْنِ مُرَصَّعَیْنِ بِالْجَوْهَرِ الثَّمِینِ وَ تُوِّجَ بِتَاجٍ مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعٍ بِنَفِیسِ الْجَوْهَرِ وَ قُلِّدَ سَیْفاً مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعٍ بِالْجَوَاهِرِ الْعَظِیمَةِ وَ شَیَّعَهُ إِلَی مَنْزِلِهِ هَارُونُ وَ صَاعِدٌ وَ قَعَدَا عَلَی طَعَامِهِ کُلُّ ذَلِکَ مُکَافَاةً لَهُ عَنْ صَنِیعِهِ فِی أَمْرِ اَلْمُعْتَمَدِ فَلْیَعْجَبِ الْمُتَعَجِّبُ مِنْ هِمَّةِ اَلْمُوَفَّقِ أَبِی أَحْمَدَ وَ قُوَّةِ نَفْسِهِ وَ شِدَّةِ شَکِیمَتِهِ أَنْ یَکُونَ بِإِزَاءِ ذَلِکَ الْعَدُوِّ وَ یُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِهِ کُلَّ وَقْتٍ مَنْ یُقْتَلُ ثُمَّ یُصَابُ وَلَدُهُ بِسَهْمٍ وَ یُصَابُ هُوَ بِسَهْمٍ آخَرَ فِی صَدْرِهِ یُشَارِفُ مِنْهُ عَلَی الْمَوْتِ وَ یَحْدُثُ مِنِ أَخِیهِ وَ هُوَ الْخَلِیفَةُ مَا یَحْدُثُ وَ لاَ تَنْکَسِرُ نَفْسُهُ وَ لاَ یَهِی عَزْمُهُ وَ لاَ تَضْعُفُ قُوَّتُهُ وَ بِحَقٍّ

ص :201

مَا سُمِّیَ اَلْمَنْصُورَ الثَّانِیَ وَ لَوْ لاَ قِیَامُهُ فِی حَرْبِ اَلزِّنْجِ لاَنْقَرَضَ مُلْکُ أَهْلِ بَیْتِهِ وَ لَکِنَّ اللَّهَ تَعَالَی ثَبَّتَهُ لِمَا یُرِیدُهُ مِنْ بَقَاءِ هَذِهِ الدَّوْلَةِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ جَدَّ اَلْمُوَفَّقُ فِی تَخْرِیبِ السُّوَرِ وَ إِحْرَاقِ الْمَدِینَةِ وَ جَدَّ اَلنَّاجِمُ فِی إِعْدَادِ الْمُقَاتِلَةِ وَ الْمُحَاطَةِ عَنْ سُوَرِهِ وَ مَدِینَتِهِ فَکَانَتْ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ حُرُوبٌ عَظِیمَةٌ تَجِلُّ عَنِ الْوَصْفِ وَ رَمَی اَلنَّاجِمُ سُفُنَ اَلْمُوَفَّقِ الْمُقَارِبَةَ لِسُوَرِ مَدِینَتِهِ بِالرَّصَاصِ الْمُذَابِ وَ الْمَجَانِیقِ وَ الْعَرَّادَاتِ وَ أَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ بِإِعْدَادِ ظُلَّةٍ (1) مِنْ خَشَبٍ لِلشَّذَا (2) وَ إِلْبَاسِهَا جُلُودَ الْجَوَامِیسِ وَ تَغْطِیَةِ ذَلِکَ بِالْخُیُوشِ الْمَطْلِیَّةِ بِصُنُوفِ الْعَقَاقِیرِ وَ الْأَدْوِیَةِ الَّتِی تَمْنَعُ النَّارَ مِنَ الْإِحْرَاقِ فَفُعِلَ ذَلِکَ وَ حُورِبَ صَاحِبُ الزِّنْجِ مِنْ تَحْتِهَا فَلَمْ تَعْمَلْ نَارُهُ وَ رَصَاصُهُ الْمُذَابُ فِیهَا شَیْئاً وَ اسْتَأْمَنَ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمْعَانَ کَاتِبُ اَلنَّاجِمِ وَ وَزِیرُهُ فِی شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَهَدَّ بِاسْتِئْمَانِهِ أَرْکَانَ اَلنَّاجِمِ وَ أَضْعَفَ قُوَّتَهُ وَ انْتَدَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ لِقَصْدِ دَارِ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْکَرَنْبَائِیِّ وَ کَانَتْ بِإِزَاءِ دَارِ اَلنَّاجِمِ وَ شَرَعَ فِی الْحِیلَةِ فِی إِحْرَاقِهَا وَ أَحْرَقَ اَلْمُوَفَّقُ کَثِیراً مِنَ الرَّوَاشِینِ (3) الْمُظِلَّةِ عَلَی سُوَرِ الْمَدِینَةِ وَ شَعَّثَهَا وَ عَلاَ غِلْمَانُ أَبِی أَحْمَدَ عَلَی دَارِ اَلنَّاجِمِ وَ وَلَجُوهَا وَ انْتَهَبُوهَا وَ أَضْرَمُوا النَّارَ فِیهَا وَ فَعَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِدَارِ اَلْکَرَنْبَائِیِّ مِثْلَ ذَلِکَ وَ جُرِحَ أَنْکَلاَنِیُّ بْنُ النَّاجِمِ فِی بَطْنِهِ جِرَاحَةً شَدِیدَةً أَشْفَی مِنْهَا عَلَی التَّلَفِ وَ اتَّفَقَ مَعَ هَذَا الظَّفَرِ الْعَظِیمِ أَنْ غَرِقَ أَبُو حَمْزَةَ نُصَیْرٌ صَاحِبُ جَیْشِ الْمَاءِ عِنْدَ ازْدِحَامِ الشَّذَوَاتِ وَ إِکْبَابِ اَلزِّنْجِ عَلَی الْحَرْبِ فَصَعُبَ ذَلِکَ عَلَی أَبِی أَحْمَدَ وَ قَوِیَ بِغَرْقِهِ أَمْرُ اَلزِّنْجِ وَ انْصَرَفَ أَبُو أَحْمَدَ

ص :202

آخِرَ نَهَارِ هَذَا الْیَوْمِ وَ عَرَضَتْ لَهُ عِلَّةٌ أَقَامَ فِیهَا بَقِیَّةَ شَعْبَانَ وَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَ أَیَّاماً مِنْ شَوَّالٍ مُمْسِکاً عَنْ حَرْبِ اَلزِّنْجِ إِلَی أَنِ اسْتَبَلَّ مِنْ عِلَّتِهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَلَمَّا أُحْرِقَتْ دَارُ اَلنَّاجِمِ وَ دُورُ أَصْحَابِهِ وَ شَارَفَ أَنْ یُؤْخَذَ وَ عَرَضَتْ لِأَبِی أَحْمَدَ هَذِهِ الْعِلَّةُ فَأَمْسَکَ فِیهَا عَنِ الْحَرْبِ انْتَقَلَ اَلنَّاجِمُ مِنْ مَدِینَتِهِ الَّتِی بَنَاهَا بِغَرْبِیِّ نَهَرِ أَبِی الْخَصِیبِ إِلَی شَرْقِیِّهِ إِلَی مَنْزِلِ وَعْرٍ لاَ یَخْلُصُ إِلَیْهِ أَحَدٌ لاِشْتِبَاکِ الْقَصَبِ وَ الْإِدْغَالِ وَ الْإِحْطَابِ فِیهِ وَ عَلَیْهِ خَنَادِقُ مِنْ أَنْهَارٍ قَاطِعَةٍ مُعْتَرِضَةٍ فَقَطَنَ هُنَاکَ فِی خَوَاصِّهِ وَ مَنْ تَخَلَّفَ مَعَهُ مِنْ جِلَّةِ أَصْحَابِهِ وَ ثِقَاتِهِ وَ مَنْ بَقِیَ فِی نُصْرَتِهِ مِنَ اَلزِّنْجِ وَ هُمْ حُدُودُ عِشْرِینَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ وَ انْقَطَعَتِ الْمِیرَةُ عَنْهُمْ وَ بَانَ لِلنَّاسِ ضَعْفُ أَمْرِهِمْ فَتَأَخَّرَ الْجَلَبُ الَّذِی کَانَ یَصِلُ إِلَیْهِمْ فَبَلَغَ الرِّطْلُ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ عِنْدَهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَکَلُوا الشَّعِیرَ ثُمَّ أَکَلُوا أَصْنَافَ الْحُبُوبِ ثُمَّ لَمْ یَزَلِ الْأَمْرُ کَذَلِکَ إِلَی أَنْ کَانُوا یَتْبَعُونَ النَّاسَ فَإِذَا خَلاَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِصَبِیٍّ أَوِ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ ذَبَحُوهُ وَ أَکَلُوهُ ثُمَّ صَارَ قُوَی اَلزِّنْجِ یَعْدُو عَلَی ضَعِیفِهِمْ فَإِذَا خَلاَ بِهِ ذَبَحَهُ وَ أَکَلَ لَحْمَهُ ثُمَّ ذَبَحُوا أَوْلاَدَهُمْ فَأَکَلُوا لُحُومَهُمْ وَ کَانَ اَلنَّاجِمُ لاَ یُعَاقِبُ أَحَداً مِمَّنْ فَعَلَ شَیْئاً مِنْ ذَلِکَ إِلاَّ بِالْحَبْسِ وَ إِذَا تَطَاوَلَ حَبْسُهُ أَطْلَقَهُ.

وَ لَمَّا أَبَلَّ اَلْمُوَفَّقُ مِنْ عِلَّتِهِ وَ عَلِمَ انْتِقَالَ اَلنَّاجِمِ إِلَی شَرْقِیِّ نَهَرِ أَبِی الْخَصِیبِ وَ اعْتِصَامِهِ بِهِ أَعْمَلَ فِکْرَهُ فِی تَخْرِیبِ الْجَانِبِ الشَّرْقِیِّ عَلَیْهِ کَمَا فُعِلَ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِیِّ لِیَتَمَکَّنَ مِنْ قَتْلِهِ أَوْ أَسْرِهِ فَکَانَتْ لَهُ آثَارٌ عَظِیمَةٌ مِنْ قَطْعِ الْأَدْغَالِ وَ الدِّحَالِ (1) وَ سَدِّ الْأَنْهَارِ وَ طَمِّ الْخَنَادِقِ وَ تَوْسِیعِ الْمَسَالِکِ وَ إِحْرَاقِ الْأَسْوَارِ الْمَبْنِیَّةِ وَ إِدْخَالِ الشَّذَا وَ فِیهَا الْمُقَاتِلَةُ إِلَی حَرِیمِ اَلنَّاجِمِ وَ فِی کُلِّ ذَلِکَ یُدَافِعُ اَلزِّنْجُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِحَرْبٍ شَدِیدَةٍ وَ قِتَالٍ عَظِیمٍ تَذْهَبُ فِیهَا النُّفُوسُ وَ تُرَاقُ فِیهَا الدِّمَاءُ وَ کَانَ الظَّفَرُ فِی ذَلِکَ کُلِّهِ لِأَبِی أَحْمَدَ وَ أَمْرُ اَلزِّنْجِ یَزْدَادُ ضَعْفاً

ص :203

وَ طَالَتِ الْأَیَّامُ عَلَی ذَلِکَ إِلَی أَنِ اسْتَأْمَنَ سُلَیْمَانُ بْنُ مُوسَی الشَّعْرَانِیُّ وَ هُوَ مِنْ عُظَمَائِهِمْ وَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِکْرُهُ فَوَجَّهَ یَطْلُبُ الْأَمَانَ مِنْ أَبِی أَحْمَدَ فَمَنَعَهُ ذَلِکَ لِمَا کَانَ سَلَفَ مِنْهُ مِنَ الْعَیْثِ وَ سَفْکِ الدِّمَاءِ بِنَوَاحِی وَاسِطٍ .ثُمَّ اتَّصَلَ بِأَبِی أَحْمَدَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ رُؤَسَاءِ اَلزِّنْجِ قَدِ اسْتَوْحَشُوا لِمَنْعِهِ اَلشَّعْرَانِیَّ مِنَ الْأَمَانِ فَأَجَابَ إِلَی إِعْطَائِهِ الْأَمَانَ اسْتِصْلاَحاً بِذَلِکَ غَیْرَهُ مِنْ رُؤَسَاءِ اَلزِّنْجِ وَ أَمَرَ بِتَوْجِیهِ الشَّذَا إِلَی مَوْضِعٍ وَقَعَ الْمِیعَادُ عَلَیْهِ فَخَرَجَ سُلَیْمَانُ الشَّعْرَانِیُّ وَ أَخُوهُ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِهِ فَنَزَلُوا الشَّذَا فَصَارُوا إِلَی أَبِی الْعَبَّاسِ فَحَمَلَهُمْ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ فَخَلَعَ عَلَی سُلَیْمَانَ وَ مَنْ مَعَهُ وَ حَمَلَهُ عَلَی عِدَّةِ أَفْرَاسٍ بِسُرُوجِهَا وَ آلَتِهَا وَ أَنْزَلَ لَهُ وَ لِأَصْحَابِهِ أَنْزَالاً سَنِیَّةً وَ وَصَلَهُ بِمَالٍ جَلِیلٍ وَ وَصَلَ أَصْحَابَهُ وَ ضَمَّهُ وَ ضَمَّهُمْ إِلَی أَبِی الْعَبَّاسِ وَ أَمَرَ بِإِظْهَارِهِ وَ إِظْهارِهِمْ فِی الشَّذَا لِأَصْحَابِ اَلنَّاجِمِ لِیَزْدَادُوا ثِقَةً بِأَمَانَتِهِ فَلَمْ تَبْرَحِ الشَّذَا ذَلِکَ الْیَوْمَ مِنْ مَوْضِعِهَا حَتَّی اسْتَأْمَنَ جَمْعٌ کَثِیرٌ مِنْ قُوَّادِ اَلزِّنْجِ فَوَصَلُوا وَ أُلْحِقُوا بِإِخْوَانِهِمْ فِی الْحِبَاءِ وَ الْبِرِّ وَ الْخِلَعِ وَ الْجَوَائِزِ فَلَمَّا اسْتَأْمَنَ اَلشَّعْرَانِیُّ اخْتَلَّ مَا کَانَ اَلنَّاجِمُ قَدْ ضَبَطَهُ بِهِ مِنْ مُؤَخَّرِ عَسْکَرِهِ وَ قَدْ کَانَ جَعَلَهُ عَلَی مُؤَخَّرِ نَهَرِ أَبِی الْخَصِیبِ فَوَهَی أَمْرُهُ وَ ضَعُفَ وَ قَلَّدَ مَا کَانَ سُلَیْمَانُ یَتَوَلاَّهُ الْقَائِدَ الْمَعْرُوفَ بِشِبْلِ بْنِ سَالِمٍ وَ هُوَ مِنْ قُوَّادِهِمُ الْمَشْهُورِینَ فَلَمْ یُمْسِ أَبُو أَحْمَدَ حَتَّی وَافَاهُ رَسُولُ شِبْلِ بْنِ سَالِمٍ یَطْلُبُ الْأَمَانَ وَ یَسْأَلُ أَنْ یُوقَفَ لَهُ شَذَوَاتٌ عِنْدَ دَارِ اِبْنِ سِمْعَانَ لِیَکُونَ قَصْدُهُ فِی اللَّیْلِ إِلَیْهَا وَ مَعَهُ مَنْ یَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأُجِیبَ إِلَی سُؤَالِهِ وَ وَافَی آخِرَ اللَّیْلِ وَ مَعَهُ عِیَالُهُ وَ وُلْدُهُ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِهِ فَصَارُوا إِلَی أَبِی أَحْمَدَ فَوَصَلَهُ بِصِلَةٍ جَلِیلَةٍ وَ خَلَعَ عَلَیْهِ خِلَعاً کَثِیرَةً وَ حَمَلَهُ عَلَی عِدَّةِ أَفْرَاسٍ بِسُرُوجِهَا وَ آلَتِهَا وَ وَصَلَ أَصْحَابَهُ وَ خَلَعَ عَلَیْهِمْ وَ أَحْسَنَ إِلَیْهِمْ وَ أَرْسَلَهُ فِی الشَّذَوَاتِ فَوَقَفُوا بِحَیْثُ یَرَاهُمُ اَلنَّاجِمُ وَ أَصْحَابُهُ نَهَاراً فَعَظُمَ ذَلِکَ عَلَیْهِ وَ عَلَی أَوْلِیَائِهِ وَ أَخْلَصَ شِبْلٌ فِی مُنَاصَحَةِ أَبِی أَحْمَدَ فَسَأَلَ أَنْ یُضَمَّ إِلَیْهِ عَسْکَرٌ یُبَیِّتُ بِهِ عَسْکَرَ اَلنَّاجِمِ وَ یَسْلُکُ إِلَیْهِ مِنْ مَسَالِکَ یَعْرِفُهَا هُوَ وَ لاَ یَعْرِفُهَا أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ فَفَعَلَ

ص :204

وَ کَبَسَ عَسْکَرَ اَلنَّاجِمِ سَحَراً فَأَوْقَعَ بِهِمْ وَ هُمْ غَارُونَ فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِیمَةً وَ أَسَرَ جَمْعاً مِنْ قُوَّادِ اَلزِّنْجِ وَ انْصَرَفَ بِهِمْ إِلَی اَلْمُوَفَّقِ وَ ذَعِرَ اَلزِّنْجُ مِنْ شِبْلٍ وَ مَا فَعَلَهُ فَامْتَنَعُوا مِنَ النَّوْمِ وَ خَافُوا خَوْفاً شَدِیداً فَکَانُوا یَتَحَارَسُونَ بَعْدَ ذَلِکَ فِی کُلِّ لَیْلَةٍ وَ لاَ تَزَالُ النِّفْرَةُ تَقَعُ فِی عَسْکَرِهِمْ لِمَا اسْتَشْعَرُوا مِنَ الْخَوْفِ وَ وَصَلَ إِلَی قُلُوبِهِمْ مِنَ الْوَحْشَةِ حَتَّی لَقَدْ کَانَ ضَجِیجُهُمْ وَ تَحَارُسُهُمْ یُسْمَعُ بِالْمُوَفَّقِیَّةِ .وَ صَحَّ عَزْمُ اَلْمُوَفَّقِ عَلَی الْعُبُورِ لِمُحَارَبَةِ اَلنَّاجِمِ فِی الْجَانِبِ الشَّرْقِیِّ مِنْ نَهَرِ أَبِی الْخَصِیبِ فَجَلَسَ مَجْلِساً عَامّاً وَ أَمَرَ بِإِحْضَارِ قُوَّادِ الْمُسْتَأْمِنَةِ وَ وُجُوهِ فُرْسَانِهِمْ وَ رَجَّالَتِهِمْ مِنَ اَلزِّنْجِ وَ الْبِیضَانِ فَأُدْخِلُوا إِلَیْهِ فَخَطَبَهُمْ وَ عَرَّفَهُمْ مَا کَانُوا عَلَیْهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ وَ الْجَهْلِ وَ انْتِهَاکِ الْمَحَارِمِ وَ مَا کَانَ صَاحِبُهُمْ زَیَّنَهُ لَهُمْ مِنْ مَعَاصِی اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ أَنَّ ذَلِکَ قَدْ کَانَ أَحَلَّ لَهُ دِمَاءَهُمْ وَ أَنَّهُ قَدْ غَفَرَ الزَّلَّةَ وَ عَفَا عَنِ الْعُقُوبَةِ وَ بَذَلَ الْأَمَانَ وَ عَادَ عَلَی مَنْ لَجَأَ إِلَیْهِ بِالْفَضْلِ وَ الْإِحْسَانِ فَأَجْزَلَ الصِّلاَتِ وَ أَسْنَی الْأَرْزَاقَ وَ أَلْحَقَهُمْ بِالْأَوْلِیَاءِ وَ أَهْلِ الطَّاعَةِ وَ أَنَّ مَا کَانَ مِنْهُ مِنْ ذَلِکَ یُوجِبُ عَلَیْهِمْ حَقَّهُ وَ طَاعَتَهُ وَ أَنَّهُمْ لَنْ یَأْتُوا بِشَیْءٍ یَتَعَرَّضُونَ بِهِ لِطَاعَةِ رَبِّهِمْ وَ الاِسْتِدْعَاءِ لِرِضَا سُلْطَانِهِمْ أَوْلَی بِهِمْ مِنَ الْجِدِّ فِی مُجَاهَدَةِ اَلنَّاجِمِ وَ أَصْحَابِهِ وَ أَنَّهُمْ مِنَ الْخِبْرَةِ بِمَسَالِکِ عَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ وَ مَضَایِقِ طُرُقِ مَدِینَتِهِ وَ الْمَعَاقِلِ الَّتِی أَعَدَّهَا لِلْحَرْبِ عَلَی مَا لَیْسَ عَلَیْهِ مِنْ غَیْرِهِمْ فَهُمْ أَحْرَی أَنْ یَمْحَضُوهُ نُصْحَهُمْ وَ یَجْهَدُوا عَلَی الْوُلُوجِ إِلَی اَلنَّاجِمِ وَ التَّوَغُّلِ إِلَیْهِ فِی حُصُونِهِ حَتَّی یُمَکِّنَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ وَ مِنْ أَشْیَاعِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِکَ فَلَهُمُ الْإِحْسَانُ وَ الْمَزِیدُ وَ مَنْ قَصُرَ مِنْهُمْ اسْتَدْعَی مِنْ سُلْطَانِهِ إِسْقَاطَ حَالِهِ وَ تَصْغِیرَ مَنْزِلَتِهِ وَ وَضْعَ مَرْتَبَتِهِ.

فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ جَمِیعاً بِالدُّعَاءِ لِلْمُوَفَّقِ وَ الْإِقْرَارِ بِإِحْسَانِهِ وَ بِمَا هُمْ عَلَیْهِ مِنْ صِحَّةِ الضَّمَائِرِ مِنَ السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ وَ الْجِدِّ فِی مُجَاهَدَةِ عَدُوِّهِ وَ بَذْلِ دِمَائِهِمْ وَ مُهَجِهِمْ فِی کُلِّ مَا یُقَرِّبُهُمْ مِنْهُ وَ أَنَّ مَا دَعَاهُمْ إِلَیْهِ قَدْ قَوَّی مِنَنَهُمْ وَ دَلَّهُمْ عَلَی ثِقَتِهِ بِهِمْ وَ إِحْلاَلِهِ إِیَّاهُمْ

ص :205

مَحَلَّ أَوْلِیَائِهِ وَ سَأَلُوهُ أَنْ یُفْرِدَهُمْ نَاحِیَةً وَ لاَ یَخْلِطَهُمْ بِعَسْکَرِهِ لِیَظْهَرَ مِنْ حُسْنِ جِهَادِهِمْ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ خُلُوصِ نِیَّاتِهِمْ فِی الْحَرْبِ وَ نِکَایَتِهِمْ فِی الْعَدُوِّ وَ مَا یَعْرِفُ بِهِ طَاعَتَهُمْ وَ إِقْلاَعَهُمْ عَمَّا کَانُوا عَلَیْهِ مِنْ جَهْلِهِمْ.

فَأَجَابَهُمْ إِلَی ذَلِکَ وَ عَرَّفَهُمْ حُسْنَ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ طَاعَتِهِمْ فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ مُبْتَهِجِینَ بِمَا أُجِیبُوا بِهِ مِنْ حُسْنِ الْقَوْلِ وَ جَمِیلِ الْوَعْدِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ اسْتَعَدَّ أَبُو أَحْمَدَ وَ رَتَّبَ جَیْشَهُ وَ دَخَلَ إِلَی عَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ بِشَرْقِیِّ نَهَرِ أَبِی الْخَصِیبِ فِی خَمْسِینَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ مِنَ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ فُرْسَاناً وَ رَجَّالَةً یُکَبِّرُونَ وَ یُهَلِّلُونَ وَ یَقْرَءُونَ اَلْقُرْآنَ وَ لَهُمْ ضَجِیجٌ وَ أَصْوَاتٌ هَائِلَةٌ فَرَأَی اَلنَّاجِمُ مِنْهُمْ مَا هَالَهُ وَ تَلَقَّاهُمْ بِنَفْسِهِ وَ جَیْشِهِ وَ ذَلِکَ فِی ذِی الْقَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَ سِتِّینَ وَ مِائَتَیْنِ .

وَ اشْتَبَکَتِ الْحَرْبُ وَ کَثُرَ الْقَتْلُ وَ الْجِرَاحُ وَ حَامَی اَلزِّنْجُ عَنْ صَاحِبِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَشَدَّ مُحَامَاةً وَ اسْتَمَاتُوا وَ صَبَرَ أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ وَ صَدَقُوا الْقِتَالَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَیْهِمْ بِالنَّصْرِ وَ انْهَزَمَ اَلزِّنْجُ وَ قُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ عَظِیمٌ وَ أُسِرَ مِنْهُمْ أَسْرَی کَثِیرَةٌ فَضَرَبَ أَبُو أَحْمَدَ أَعْنَاقَ الْأُسَارَی فِی الْمَعْرَکَةِ وَ قَصَدَ بِنَفْسِهِ دَارَ اَلنَّاجِمِ فَوَافَاهَا وَ قَدْ لَجَأَ اَلنَّاجِمُ إِلَیْهَا وَ مَعَهُ أَنْجَادُ أَصْحَابِهِ لِلْمُدَافَعَةِ عَنْهُ.

فَلَمَّا لَمْ یُغْنُوا شَیْئاً أَسْلَمُوهَا وَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا وَ دَخَلَهَا غِلْمَانُ اَلْمُوَفَّقِ وَ بِهَا بَقَایَا مَا کَانَ سَلَّمَ لَهُ مِنْ مَالٍ وَ أَثَاثٍ فَأَخَذُوهُ وَ انْتَهَبُوهُ وَ أَخَذُوا حَرَمَهُ وَ وُلْدَهُ الذُّکُورَ وَ الْإِنَاثَ وَ تَخَلَّصَ اَلنَّاجِمُ بِنَفْسِهِ وَ مَضَی هَارِباً نَحْوَ دَارِ عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیِّ لاَ یَلْوِی عَلَی أَهْلٍ وَ لاَ وَلَدٍ وَ لاَ مَالٍ وَ أُحْرِقَتْ دَارُهُ وَ حُمِلَ أَوْلاَدُهُ وَ نِسَاؤُهُ إِلَی اَلْمُوَفَّقِیَّةِ فِی التَّوْکِیلِ وَ قَصَدَ أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ دَارَ اَلْمُهَلَّبِیِّ وَ قَدْ لَجَأَ إِلَیْهَا اَلنَّاجِمُ وَ أَکْثَرُ اَلزِّنْجِ وَ تَشَاغَلَ أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ بِنَهْبِ

ص :206

الْأَمْوَالِ مِنْ دُورِ اَلزِّنْجِ فَاغْتَنَمَ اَلنَّاجِمُ تَشَاغُلَهُمْ بِالنَّهْبِ فَأَمَرَ قُوَّادَهُ بِانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ وَ الْإِکْبَابِ عَلَیْهِمْ فَخَرَجُوا عَلَیْهِمْ مِنْ عِدَّةِ مَوَاضِعَ وَ خَرَجَ عَلَیْهِمْ کُمَنَاءُ أَیْضاً قَدْ کَانُوا کَمَنُوهُمْ لَهُمْ فَکَشَفُوهُمْ وَ أَتْبَعُوهُمْ حَتَّی وَافَوْا بِهِمْ نَهَرَ أَبِی الْخَصِیبِ فَقَتَلُوا مِنْ فُرْسَانِهِمْ وَ رَجَّالَتِهِمْ جَمَاعَةً وَ ارْتَجَعُوا بَعْضَ مَا کَانُوا أَخَذُوهُ مِنَ الْمَالِ وَ الْمَتَاعِ.

ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ وَ دَامَتِ الْحَرْبُ إِلَی وَقْتِ الْعَصْرِ فَرَأَی أَبُو أَحْمَدَ عِنْدَ ذَلِکَ أَنْ یَصْرِفَ أَصْحَابَهُ فَأَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ فَرَجَعُوا عَلَی هُدُوءٍ وَ سُکُونٍ کَیْ لاَ تَکُونَ هَزِیمَةً حَتَّی دَخَلُوا سُفُنَهُمْ وَ أَحْجَمَ اَلزِّنْجُ عَنْ أَتْبَاعِهِمْ وَ عَادَ أَبُو أَحْمَدَ بِالْجَیْشِ إِلَی مَرَاکِزِهِمْ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ وَافَی إِلَی أَبِی أَحْمَدَ فِی هَذَا الشَّهْرِ کَاتِبُهُ صَاعِدُ بْنُ مَخْلَدٍ مِنْ سَامَرَّاءَ فِی عَشَرَةِ آلاَفٍ وَ وَافَی إِلَیْهِ لُؤْلُؤٌ صَاحِبُ اِبْنِ طُولُون وَ کَانَ إِلَیْهِ أَمْرُ اَلرِّقَّةِ وَ دِیَارِ مُضَرَ فِی عَشَرَةِ آلاَفٍ مِنْ نُخْبَةِ الْفُرْسَانِ وَ أَنْجَادِهْم فَأَمَرَ أَبُو أَحْمَدَ لُؤْلُؤاً أَنْ یَخْرُجَ فِی عَسْکَرِهِ فَیُحَارِبَ اَلزِّنْجَ فَخَرَجَ بِهِمْ وَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِی أَحْمَدَ مَنْ یَدُلُّهُ عَلَی الطُّرُقِ وَ الْمَضَایِقِ فَکَانَتْ بَیْنَ لُؤْلُؤٍ وَ بَیْنَ اَلزِّنْجِ حَرْبٌ شَدِیدَةٌ فِی ذِی الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَظْهَرَ فِیهَا لُؤْلُؤٌ عَلَیْهِمْ وَ بَانَ مِنْ نَجْدَتِهِ وَ شَجَاعَتِهِ وَ إِقْدَامِ أَصْحَابِهِ وَ صَبْرِهِمْ عَلَی أَلَمِ الْجِرَاحِ وَ ثَبَاتِ قُلُوبِهِمْ مَا سَرَّ أَبَا أَحْمَدَ وَ مَلَأَ قَلْبَهُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعِینَ وَ مِائَتَیْنِ تَتَابَعَتِ الْأَمْدَادُ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ فَوَصَلَ إِلَیْهِ أَحْمَدُ بْنُ دِینَارٍ فِی جَمْعٍ عَظِیمٍ مِنَ الْمُطَّوِّعَةِ مِنْ کُوَرِ اَلْأَهْوَازِ وَ نَوَاحِیهَا وَ قَدِمَ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ اَلْبَحْرَیْنِ جَمْعٌ کَثِیرٌ مِنَ الْمُطَّوِّعَةِ زُهَاءُ أَلْفَیْ رَجُلٍ یَقُودُهُمْ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَیْسِ وَ وَرَدَ بَعْدَ ذَلِکَ زُهَاءُ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ فَارِسَ وَ رَئِیسُهُمْ شَیْخٌ مِنَ الْمُطَّوِّعَةِ یُکَنَّی أَبَا سَلَمَةَ وَ کَانَ أَبُو أَحْمَدَ یَجْلِسُ لِکُلِّ مَنْ یَرِدُ وَ یَخْلَعُ عَلَیْهِ وَ یُقِیمُ لِأَصْحَابِهِ الْأَنْزَالَ الْکَثِیرَةَ وَ یَصِلُهُمْ بِالصِّلاَتِ فَعَظُمَ جَیْشُهُ جِدّاً وَ امْتَلَأَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ وَ صَحَّ

ص :207

عَزْمُهُ عَلَی لِقَاءِ اَلنَّاجِمِ بِجَمِیعِ عَسْکَرِهِ فَرَتَّبَ جُیُوشَهُ وَ قَسَمَهُمْ عَلَی الْقُوَّادِ وَ أَمَرَ کُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْقُوَّادِ أَنْ یَقْصِدَ جِهَةً مِنْ جِهَاتِ مُعَسْکَرِ اَلنَّاجِمِ عَیَّنَهَا لَهُ وَ رَکِبَ بِنَفْسِهِ وَ رَکِبَ جَیْشَهُ وَ تَوَغَّلُوا فِی مَسَالِکِ شَرْقِیِّ نَهَرِ أَبِی الْخَصِیبِ وَ لَقِیَهُمُ اَلزِّنْجُ وَ قَدْ حَشَدُوا وَ اسْتَقْبَلُوا فَکَانَتْ بَیْنَهُمْ وَقْعَةٌ شَدِیدَةٌ مَنَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَی فِیهَا أَکْتَافَ اَلزِّنْجِ فَوَلَّوْا مُنْهَزِمِینَ فَاتَّبَعَهُمْ أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ یَقْتُلُونَ وَ یَأْسِرُونَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ کَثِیرٌ وَ غَرِقَ کَثِیرٌ وَ حَوَی أَصْحَابُ أَبِی أَحْمَدَ مُعَسْکَرَ اَلنَّاجِمِ وَ مَدِینَتَهُ وَ ظَفِرُوا بِعِیَالِ عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیِّ وَ دَارِهِ وَ أَمْوَالِهِ فَاحْتَوَوْا عَلَیْهَا وَ عَبَّرَ أَهْلَهُ وَ أَوْلاَدَهُ إِلَی اَلْمُوَفَّقِیَّةِ مَعَ کِلاَبِهِمْ وَ مَضَی اَلنَّاجِمُ وَ مَعَهُ اَلْمُهَلَّبِیُّ وَ ابْنُهُ أَنْکَلاَنِیُّ وَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ وَ اَلْهَمَدَانِیُّ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَکَابِرِ الْقُوَّادِ عَامِدِینَ إِلَی مَوْضِعٍ کَانَ اَلنَّاجِمُ قَدْ أَعَدَّهُ لِنَفْسِهِ مَلْجَأً إِذَا غُلِبَ عَلَی مَدِینَتِهِ وَ دَارِهِ فِی النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِالسُّفْیَانِیِّ فَتَقَدَّمَ أَبُو أَحْمَدَ وَ مَعَهُ لُؤْلُؤٌ قَاصِدِینَ هَذَا النَّهَرَ لِأَنَّ أَبَا أَحْمَدَ دَلَّ عَلَیْهِ فَأَوْغَلَ فِی الدُّخُولِ وَ فَقَدَهُ أَصْحَابُهُ فَظَنُّوا أَنَّهُ رَجَعَ فَرَجَعُوا کُلُّهُمْ وَ عَبَرُوا دِجْلَةَ فِی الشَّذَا ظَانِّینَ أَنَّهُ عَبَرَ رَاجِعاً وَ انْتَهَی أَبُو أَحْمَدَ وَ مَعَهُ لُؤْلُؤٌ قَاصِدِینَ هَذَا النَّهَرَ فَاقْتَحَمَهُ لُؤْلُؤٌ بِفَرَسِهِ وَ عَبَرَ أَصْحَابُ لُؤْلُؤٍ خَلْفَهُ.

وَ وَقَفَ أَبُو أَحْمَدَ فِی جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عِنْدَ النَّهَرِ وَ مَضَی اَلنَّاجِمُ هَارِباً وَ لُؤْلُؤٌ یَتْبَعُهُ فِی أَصْحَابِهِ حَتَّی انْتَهَی إِلَی النَّهَرِ الْمَعْرُوفِ بِالْقَرِبرِیِّ فَوَصَلَ إِلَیْهِ لُؤْلُؤٌ وَ أَصْحَابُهُ فَأَوْقَعُوا بِهِ وَ بِمَنْ مَعَهُ فَکَشَفُوهُمْ فَوَلَّوْا هَارِبِینَ حَتَّی عَبَرُوا النَّهَرَ الْمَذْکُورَ وَ لُؤْلُؤٌ وَ أَصْحَابُهُ یَطْرُدُونَهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ حَتَّی أَلْجَئُوهُمْ إِلَی نَهَرٍ آخَرَ فَعَبَرُوهُ وَ اعْتَصَمُوا بِدِحَالٍ وَرَاءَهُ فَوَلَجُوهَا وَ أَشْرَفَ لُؤْلُؤٌ وَ أَصْحَابُهُ عَلَیْهَا فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ اَلْمُوَفَّقُ یَنْهَاهُ عَنِ اقْتِحَامِهَا وَ یَشْکُرُ سَعْیَهُ وَ یَأْمُرُهُ بِالاِنْصِرَافِ فَانْفَرَدَ لُؤْلُؤٌ هَذَا الْیَوْمَ وَ أَصْحَابُهُ بِهَذَا الْفِعْلِ دُونَ أَصْحَابِ اَلْمُوَفَّقِ فَانْصَرَفَ لُؤْلُؤٌ مَحْمُودَ الْفِعْلِ فَحَمَلَهُ اَلْمُوَفَّقُ مَعَهُ فِی شَذَاتِهِ وَ جَدَّدَ لَهُ مِنَ الْبِرِّ وَ الْکَرَامَةِ وَ رَفْعِ الْمَنْزِلَةِ لِمَا کَانَ مِنْهُ فِی أَمْرِ اَلنَّاجِمِ حَسَبَمَا کَانَ مُسْتَحِقّاً لَهُ وَ لِهَذَا نَادَی

ص :208

أَهْلَ بَغْدَادَ لَمَّا أُدْخِلَ إِلَیْهِمْ رَأْسُ اَلنَّاجِمِ بَیْنَ یَدَیْ أَبِی الْعَبَّاسِ مَا شِئْتُمْ قُولُوا کَانَ الْفَتْحُ لِلُؤْلُؤٍ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَجَمَعَ اَلْمُوَفَّقُ فِی غَدِ هَذَا الْیَوْمِ قُوَّادَهُ وَ هُوَ حَنِقٌ عَلَیْهِمْ لاِنْصِرَافِهِمْ عَنْهُ وَ إِفْرَادِهِمْ إِیَّاهُ وَ کَانَ لُؤْلُؤٌ وَ أَصْحَابُهُ تَوَلَّوْا طَلَبَ اَلنَّاجِمِ دُونَهُمْ فَعَنَقَهُمْ وَ عَذَلَهُمْ وَ وَبَّخَهُمْ عَلَی مَا کَانَ مِنْهُمْ وَ عَجَّزَهُمْ وَ أَغْلَظَ لَهُمْ فَاعْتَذَرُوا إِلَیْهِ بِمَا تَوَهَّمُوهُ مِنِ انْصِرَافِهِ وَ أَنَّهُمْ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ لَجَّجَ وَ أَوْغَلَ فِی طَلَبِ اَلنَّاجِمِ وَ أَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا ذَلِکَ لَأَسْرَعُوا نَحْوَهُ.

ثُمَّ تَحَالَفُوا بَیْنَ یَدَیْهِ وَ تَعَاقَدُوا أَلاَّ یَبْرَحُوا فِی غَدٍ مَوْضِعَهُمْ إِذَا تَوَجَّهُوا نَحْوَ اَلزِّنْجِ حَتَّی یُظْفِرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَی بِهِ فَإِنْ أَعْیَاهُمْ ذَلِکَ أَقَامُوا حَیْثُ انْتَهَی بِهِمُ النَّهَارُ فِی أَیِّ مَوْضِعٍ کَانَ حَتَّی یَحْکُمَ اللَّهُ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَهُ وَ سَأَلُوا اَلْمُوَفَّقَ أَنْ یَرُدَّ السُّفُنَ إِلَی اَلْمُوَفَّقِیَّةِ بِحَیْثُ لاَ یَطْمَعُ طَامِعٌ مِنَ الْعَسْکَرِ فِی الاِلْتِجَاءِ إِلَیْهَا وَ الْعُبُورِ فِیهَا.

فَقَبِلَ أَبُو أَحْمَدَ عُذْرَهُمْ وَ جَزَاهُمُ الْخَیْرَ عَنْ تَنَصُّلِهِمْ وَ وَعَدَهُمْ بِالْإِحْسَانِ وَ أَمَرَهُمْ بِالتَّأَهُّبِ لِلْعُبُورِ ثُمَّ عَبَرَ بِهِمْ عَلَی تَرْتِیبٍ وَ نِظَامٍ قَدْ أَحْکَمَهُ وَ قَرَّرَهُ وَ ذَلِکَ فِی یَوْمِ السَّبْتِ لِلَیْلَتَیْنِ خَلَتَا مِنْ صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ سَبْعِینَ وَ مِائَتَیْنِ وَ قَدْ کَانَ اَلنَّاجِمُ عَادَ مِنْ تِلْکَ الْأَنْهَارِ إِلَی مُعَسْکَرِهِ بَعْدَ انْصِرَافِ الْجَیْشِ عَنْهُ فَأَقَامَ بِهِ وَ أَمَّلَ أَنْ تَتَطَاوَلَ بِهِ وَ بِهِمُ الْأَیَّامُ (1) وَ تَنْدَفِعَ عَنْهُ الْمُنَاجَزَةُ فَلَقِیَهُ فِی هَذَا الْیَوْمِ سَرْعَانُ (2) الْعَسْکَرِ وَ هُمْ مُغِیظُونَ مُحْنِقُونَ مِنَ التَّقْرِیعِ وَ التَّوْبِیخِ اللاَّحِقَیْنِ بِهِمْ بِالْأَمْسِ فَأَوْقَعُوا بِهِ وَ بِأَصْحَابِهِ وَقْعَةً شَدِیدَةً أَزَالُوهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ فَتَفَرَّقُوا لاَ یَلْوِی بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْضٍ وَ اتَّبَعَهُمُ الْجَیْشُ یَقْتُلُونَ وَ یَأْسِرُونَ مَنْ لَحِقُوا مِنْهُمْ وَ انْقَطَعَ

ص :209

اَلنَّاجِمُ فِی جَمَاعَةٍ مِنْ کُمَاتِهِ مِنْ قُوَّادِ اَلزِّنْجِ مِنْهُمُ اَلْمُهَلَّبِیُّ وَ فَارَقَهُ ابْنُهُ أَنْکَلاَنِیُّ وَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ فَکَانَا فِی أَوَّلِ الْأَمْرِ مُجْتَمِعِینَ ثُمَّ افْتَرَقَا فِی الْهَزِیمَةِ فَصَادَفَ سُلَیْمَانَ بْنَ جَامِعٍ قَوْمٌ مِنْ قُوَّادِ اَلْمُوَفَّقِ فَحَارَبُوهُ وَ هُوَ فِی جَمْعٍ کَثِیفٍ مِنَ اَلزِّنْجِ فَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ کُمَاتِهِ وَ ظَفِرَ بِهِ فَأُسِرَ وَ حُمِلَ إِلَی اَلْمُوَفَّقِ بِغَیْرِ عَهْدٍ وَ لاَ عَقْدٍ فَاسْتَبْشَرَ النَّاسُ بِأَسْرِ سُلَیْمَانَ وَ کَثُرَ التَّکْبِیرُ وَ الضَّجِیجُ وَ أَیْقَنُوا بِالْفَتْحِ إِذْ کَانَ أَکْثَرَ أَصْحَابِهِ غَنَاءً وَ أُسِرَ بَعْدَهُ إِبْرَاهِیمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَمْدَانِیُّ وَ کَانَ مِنْ عُظَمَاءِ قُوَّادِهِ وَ أَکَابِرِ أُمَرَاءِ جُیُوشِهِ وَ أُسِرَ نَادِرٌ الْأَسْوَدُ الْمَعْرُوفُ بِالْحَفَّارِ وَ هُوَ مِنْ قُدَمَاءِ قُوَّادِ اَلنَّاجِمِ فَأَمَرَ اَلْمُوَفَّقُ بِتَقْیِیدِهِمْ بِالْحَدِیدِ وَ تَصْیِیرِهِمْ فِی شَذَاةٍ لِأَبِی الْعَبَّاسِ وَ مَعَهُمُ الرِّجَالُ بِالسِّلاَحِ وَ جَدَّ اَلْمُوَفَّقُ فِی طَلَبِ اَلنَّاجِمِ وَ أَمْعَنَ فِی نَهَرِ أَبِی الْخَصِیبِ حَتَّی انْتَهَی إِلَی آخِرِهِ.

فَبَیْنَا هُوَ کَذَلِکَ أَتَاهُ الْبَشِیرُ بِقَتْلِ اَلنَّاجِمِ فَلَمْ یُصَدِّقْ فَوَافَاهُ بَشِیرٌ آخَرُ وَ مَعَهُ کَفٌّ زَعَمَ أَنَّهَا کَفُّهُ فَقَوِیَ الْخَبَرُ عِنْدَهُ بَعْضَ الْقُوَّةِ فَلَمْ یَلْبَثْ أَنْ أَتَاهُ غُلاَمٌ مِنْ غِلْمَانِ لُؤْلُؤٍ یَرْکُضُ وَ مَعَهُ رَأْسُ اَلنَّاجِمِ فَوَضَعَهُ بَیْنَ یَدَیْهِ فَعَرَضَهُ اَلْمُوَفَّقُ عَلَی مَنْ کَانَ حَاضِراً تِلْکَ الْحَالَ مَعَهُ مِنْ قُوَّادِ الْمُسْتَأْمِنَةِ فَعَرَفُوهُ وَ شَهِدُوا أَنَّهُ رَأْسَ صَاحِبِهِ فَخَرَّ سَاجِداً (1) وَ سَجَدَ ابْنُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ سَجَدَ الْقُوَّادُ کُلُّهُمْ شُکْراً لِلَّهِ تَعَالَی وَ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّهْلِیلِ وَ التَّکْبِیرِ وَ أَمَرَ بِرَفْعِ الرَّأْسِ عَلَی قَنَاةٍ وَ نَصَبَهُ بَیْنَ یَدَیْهِ فَرَآهُ النَّاسُ وَ ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَ الضَّجِیجُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَدْ قِیلَ إِنَّهُ لَمَّا أُحِیطَ بِالنَّاجِمِ لَمْ یَبْقَ مَعَهُ مِنْ رُؤَسَاءِ أَصْحَابِهِ إِلاَّ اَلْمُهَلَّبِیُّ فَلَمَّا عَلِمَا أَنَّهُمَا مَقْتُولاَنِ افْتَرَقَا فَوَقَفَ اَلنَّاجِمُ حَتَّی وَصَلَ إِلَیْهِ هَذَا الْغُلاَمُ وَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ غِلْمَانِ لُؤْلُؤٍ فَمَانَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِسَیْفِهِ حَتَّی عَجَزَ عَنِ الْمُمَانَعَةِ فَأَحَاطُوا بِهِ وَ ضَرَبُوهُ بِسُیُوفِهِمْ حَتَّی سَقَطَ وَ نَزَلَ هَذَا الْغُلاَمُ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ وَ أَمَّا اَلْمُهَلَّبِیُّ فَإِنَّهُ قَصَدَ النَّهَرَ الْمَعْرُوفَ

ص :210

بِنَهْرِ الْأَمِیرِ فَقَذَفَ بِنَفْسِهِ یَرُومُ النَّجَاةَ وَ قَبْلَ ذَلِکَ کَانَ اِبْنُ النَّاجِمِ وَ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَنْکَلاَنِیِّ فَارَقَ أَبَاهُ وَ مَضَی یَؤُمُّ النَّهَرَ الْمَعْرُوفَ بِالدِّینَارِیِّ مُتَحَصِّناً فِیهِ بِالْأَدْغَالِ وَ الْآجَامِ فَلَمْ یَظْفَرْ بِهِمَا ذَلِکَ الْیَوْمَ وَ دُلَّ اَلْمُوَفَّقُ عَلَیْهِمَا بَعْدَ ذَلِکَ.

وَ قِیلَ لَهُ إِنَّ مَعَهُمَا جَمْعاً مِنَ اَلزِّنْجِ وَ جَمَاعَةً مِنْ جِلَّةِ قُوَّادِهِمْ فَأَرْسَلَ غِلْمَانَهُ فِی طَلَبِهِمَا وَ أَمَرَهُمْ بِالتَّضْیِیقِ عَلَیْهِمَا فَلَمَّا أَحَاطَتِ الْغِلْمَانُ بِهِمْ أَیْقَنُوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ لَهُمْ وَ أَعْطَوْا بِأَیْدِیهِمْ فَظَفِرَ بِهِمُ الْغِلْمَانُ وَ حَمَلُوهُمْ إِلَی اَلْمُوَفَّقِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً وَ أَمَرَ بِالاِسْتِیثَاقِ مِنَ اَلْمُهَلَّبِیِّ وَ أَنْکَلاَنِیِّ بِالْحَدِیدِ وَ الرِّجَالِ الْمُوَکَّلِینَ بِهِمَا.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ انْصَرَفَ فِی هَذَا الْیَوْمِ وَ هُوَ یَوْمُ السَّبْتِ لِلَیْلَتَیْنِ خَلَتَا مِنْ صَفَرٍ أَبُو أَحْمَدَ مِنْ نَهَرِ أَبِی الْخَصِیبِ وَ رَأْسُ اَلنَّاجِمِ مَنْصُوبٌ بَیْنَ یَدَیْهِ عَلَی قَنَاةٍ فِی شَذَاةٍ یَخْتَرِقُ بِهِ فِی النَّهْرِ وَ النَّاسُ مِنْ جَانِبَیِ النَّهَرِ یَنْظُرُونَ إِلَیْهِ حَتَّی وَافَی دِجْلَةَ فَخَرَجَ إِلَیْهَا وَ الرَّأْسُ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ وَ اَلْهَمْدَانِیُّ مَصْلُوبَانِ أَحْیَاءً فِی شَذَاتَیْنِ عَنْ جَانِبَیْهِ حَتَّی وَافَی قَصْرَهُ بِالْمُوَفَّقِیَّةِ هَذِهِ رِوَایَةُ أَبِی جَعْفَرٍ وَ أَکْثَرُ النَّاسِ عَلَیْهِمَا.

1769

وَ ذَکَرَ اَلْمَسْعُودِیُّ فِی کِتَابِ مُرُوجِ الذَّهَبِ

(1)

أَنَّ اَلنَّاجِمَ ارْتُثَّ وَ حُمِلَ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ وَ هُوَ حَیٌّ فَسَلَّمَهُ إِلَی ابْنِهِ أَبِی الْعَبَّاسِ وَ أَمَرَ بِتَعْذِیبِهِ فَجَعَلَهُ کَرْدَنَاجاً (2) عَلَی النَّارِ وَ جِلْدُهُ یَنْتَفِخُ وَ یَتَفَرْقَعُ حَتَّی هَلَکَ.

و الروایة الأولی هی الصحیحة و الذی جعل کردناجا هو قِرْطَاسٌ الذی رمی أبا أحمد

ص :211

بالسهم

1770

ذَکَرَ ذَلِکَ اَلتَّنُّوخِیُّ فِی نِشْوَارِ الْمُحَاضَرَةِ قَالَ کَانَ اَلزِّنْجُ یَصِیحُونَ لَمَّا رُمِیَ أَبُو أَحْمَدَ بِالسَّهْمِ وَ تَأَخَّرَ لِعِلاَجِ جِرَاحَتِهِ عَنِ الْحَرْبِ مَلِّحُوهُ مَلِّحُوهُ أَیْ قَدْ مَاتَ وَ أَنْتُمْ تَکْتُمُونَ مَوْتَهُ فَاجْعَلُوهُ کَاللَّحْمِ الْمَکْسُودِ.

قَالَ وَ کَانَ قِرْطَاسٌ الرَّامِی لِأَبِی أَحْمَدَ یَصِیحُ بِأَبِی الْعَبَّاسِ فِی الْحَرْبِ إِذَا أَخَذْتَنِی فَاجْعَلْنِی کَرْدَنَاجاً یَهْزَأُ بِهِ.

قَالَ فَلَمَّا ظَفِرَ بِهِ أَدْخَلَ فِی دُبُرِهِ سِیخاً مِنْ حَدِیدٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ فِیهِ وَ جَعَلَهُ عَلَی النَّارِ کَرْدَنَاجاً.

1771

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ تَتَابَعَ مَجِیءُ اَلزِّنْجِ إِلَی أَبِی أَحْمَدَ فِی الْأَمَانِ فَحَضَرَ مِنْهُمْ فِی ثَلاَثَةِ أَیَّامٍ نَحْوُ سَبْعَةِ آلاَفِ زِنْجِیٍّ لَمَّا عَرَفُوا قَتْلَ صَاحِبِهِمْ وَ رَأَی أَبُو أَحْمَدَ بَذْلَ الْأَمَانِ لَهُمْ کَیْ لاَ یَبْقَی مِنْهُمْ بَقِیَّةٌ یُخَافُ مَعَرَّتُهَا فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ أَهْلِهِ وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمْ قِطْعَةٌ نَحْوُ أَلْفِ زِنْجِیٍّ مَالَتْ نَحْوَ الْبَرِّ فَمَاتَ أَکْثَرُهَا عَطَشاً وَ ظَفِرَ اَلْأَعْرَابُ بِمَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ فَاسْتَرَقُوهُمْ وَ أَقَامَ اَلْمُوَفَّقُ بِالْمُوَفَّقِیَّةِ بَعْدَ قَتْلِ اَلنَّاجِمِ مُدَّةً لِیَزْدَادَ النَّاسُ بِمَقَامِهِ أُنْساً وَ أَمَاناً وَ یَتَرَاجَعَ أَهْلُ الْبِلاَدِ إِلَیْهَا فَقَدْ کَانَ اَلنَّاجِمُ أَجْلاَهُمْ عَنْهَا وَ قَدِمَ ابْنُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَی بَغْدَادَ وَ مَعَهُ رَأْسُ اَلنَّاجِمِ فَدَخَلَهَا یَوْمَ السَّبْتِ لاِثْنَتَیْ عَشْرَةَ لَیْلَةً بَقِینَ مِنْ جُمَادَی الْأُولَی مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَ رَأْسُ اَلنَّاجِمِ بَیْنَ یَدَیْهِ عَلَی قَنَاةٍ وَ النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ یُشَاهِدُونَهُ.

1772

وَ قَدْ رَوَی غَیْرُ أَبِی جَعْفَرٍ وَ ذَکَرَهُ اَلْآبِیُّ (1) فِی مَجْمُوعَةِ الْمُسَمَّی نَثْرَ الدُّرَرِ عَنِ اَلْعَلاَءِ بْنِ صَاعِدِ بْنِ مَخْلَدٍ قَالَ لَمَّا حُمِلَ رَأْسُ صَاحِبِ الزِّنْجِ وَ دَخَلَ بِهِ اَلْمُعْتَضِدُ إِلَی بَغْدَادَ دَخَلَ فِی جَیْشٍ

ص :212

لَمْ یُرَ مِثْلُهُ وَ اشْتَقَّ أَسْوَاقَ بَغْدَادَ وَ الرَّأْسُ بَیْنَ یَدَیْهِ فَلَمَّا صِرْنَا بِبَابِ الطَّاقِ صَاحَ قَوْمٌ مِنْ دَرْبٍ مِنْ تِلْکَ الدُّرُوبِ رَحِمَ اللَّهُ مُعَاوِیَةَ وَ زَادَ حَتَّی عَلَتْ أَصْوَاتُ الْعَامَّةِ بِذَلِکَ فَتَغَیَّرَ وَجْهُ اَلْمُعْتَضِدُ وَ قَالَ أَ لاَ تَسْمَعُ یَا أَبَا عِیسَی مَا أَعْجَبَ هَذَا وَ مَا الَّذِی اقْتَضَی ذِکْرَ مُعَاوِیَةَ فِی هَذَا الْوَقْتِ وَ اللَّهِ لَقَدْ بَلَغَ أَبِی إِلَی الْمَوْتِ وَ مَا أَفْلَتَ آناً إِلاَّ بَعْدَ مُشَارَفَتِهِ وَ لَقِینَا کُلَّ جَهْدٍ وَ بَلاَءٍ حَتَّی أَنْجَیْنَا هَؤُلاَءِ الْکِلاَبَ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَ حَصَّنَّا حَرَمَهُمْ وَ أَوْلاَدَهُمْ فَتَرَکُوا أَنْ یَتَرَحَّمُوا عَلَی اَلْعَبَّاسِ وَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِهِ وَ مَنْ وُلِدَ مِنَ الْخُلَفَاءِ وَ تَرَکُوا التَّرَحُّمَ عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ حَمْزَةَ وَ جَعْفَرٍ وَ الْحَسَنِ وَ اَلْحُسَیْنِ وَ اللَّهِ لاَ بَرِحْتُ أَوْ أُؤَثِّرَ فِی تَأْدِیبِ هَؤُلاَءِ أَثَراً لاَ یُعَاوِدُونَ بَعْدَ هَذَا الْفِعْلِ مِثْلَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِجَمْعِ النَّفَّاطِینَ لِیُحْرِقَ النَّاحِیَةَ فَقُلْتُ لَهُ أَیُّهَا الْأَمِیرُ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَکَ إِنَّ هَذَا الْیَوْمَ مِنْ أَشْرَفِ أَیَّامِ اَلْإِسْلاَمِ فَلاَ تُفْسِدْهُ بِجَهْلِ عَامَّةٍ لاَ أَخْلاَقَ لَهُمْ وَ لَمْ أَزَلْ أُدَارِیهُ وَ أَرْفُقُ بِهِ حَتَّی سَارَ.

فَأَمَّا الَّذِی یَرْوِیهِ النَّاسُ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الزِّنْجِ مَلِکَ سَوَادَ بَغْدَادَ وَ نَزَلَ بِالْمَدَائِنِ وَ أَنَّ اَلْمُوَفَّقَ أَرْسَلَ إِلَیْهِ مِنْ بَغْدَادَ عَسْکَراً وَ أَصْحَبَهُمْ دِنَانَ النَّبِیذِ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یَنْهَزِمُوا مِنْ بَیْنِ یَدَیِ اَلزِّنْجِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَ یَتْرُکُوا خِیَامَهُمْ وَ أَثْقَالَهُمْ لِیَنْتَهِبَهَا اَلزِّنْجُ وَ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِکَ فَظَفِرَ اَلزِّنْجُ فِیمَا ظَفِرُوا بِهِ مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ بِتِلْکَ الدِّنَانِ وَ کَانَتْ کَثِیرَةً جِدّاً فَشَرِبُوا تِلْکَ اللَّیْلَةَ وَ سَکِرُوا وَ بَاتُوا عَلَی غِرَّةٍ فَکَبَسَهُمُ اَلْمُوَفَّقُ وَ بَیَّتَهُمْ لَیْلاً وَ هُمْ سُکَارَی فَأَصَابَ مِنْهُمْ مَا أَرَادَ فَبَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لاَ أَصْلَ لَهُ وَ الَّذِی بَیَّتَهُمْ وَ هُمْ سُکَارَی فَنَالَ مِنْهُمْ نَیْلاً تِکِینٌ الْبُخَارِیُّ وَ کَانَ عَلَی اَلْأَهْوَازِ بَیَّتَ أَصْحَابُ عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ فِی سَنَةِ خَمْسٍ وَ سِتِّینَ وَ مِائَتَیْنِ وَ قَدْ أَتَاهُ الْخَبَرُ بِأَنَّهُمْ تِلْکَ اللَّیْلَةَ قَدْ عَمِلَ النَّبِیذُ فِیهِمْ وَ الصَّحِیحُ أَنَّهُ لَمْ یَتَجَاوَزْ نَهْبُهُمْ وَ دُخُولُهُمُ اَلْبِلاَدَ النُّعْمَانِیَّةَ هَکَذَا رَوَاهُ النَّاسُ کُلُّهُمْ.

1773

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَمَّا عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ وَ أَنْکَلاَنِیُّ بْنُ النَّاجِمِ وَ مَنْ أُسِرَ مَعَهُمَا فَإِنَّهُمْ

ص :213

حُمِلُوا إِلَی بَغْدَادَ فِی الْحَدِیدِ وَ الْقَدِّ فَجُعِلُوا بِیَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ وَ مَعَهُمْ غُلاَمٌ لِلْمُوَفَّقِ یُقَالُ لَهُ فَتْحٌ السَّعِیدِیُّ فَکَانُوا کَذَلِکَ إِلَی شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَیْنِ وَ سَبْعِینَ وَ مِائَتَیْنِ فَکَانَتْ لِلزِّنْجِ حَرَکَةٌ بِوَاسِطٍ وَ صَاحُوا أَنْکَلاَنِیَّ یَا مَنْصُورُ وَ کَانَ اَلْمُوَفَّقُ یَوْمَئِذٍ بِوَاسِطٍ فَکَتَبَ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ إِلَی فَتْحٍ السَّعِیدِیِّ یَأْمُرُهُمَا بِتَوْجِیهِ رُءُوسِ اَلزِّنْجِ الَّذِینَ فِی الْأَسْرِ إِلَیْهِ فَدَخَلَ فَتْحٌ السَّعِیدِیُّ إِلَیْهِمْ فَجَعَلَ یُخْرِجُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَیَذْبَحُهُ عَلَی الْبَالُوعَةِ کَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ وَ کَانُوا خَمْسَةً أَنْکَلاَنِیُّ بْنُ النَّاجِمِ وَ عَلِیُّ بْنُ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِیُّ وَ سُلَیْمَانُ بْنُ جَامِعٍ وَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَمْدَانِیُّ وَ نَادِرٌ الْأَسْوَدُ وَ قَلَعَ رَأْسَ الْبَالُوعَةِ وَ طُرِحَتْ فِیهَا أَبْدَانُهُمْ وَ سَدَّ رَأْسَهَا وَ وَجَّهَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَی اَلْمُوَفَّقِ فَنَصَبَهَا بِوَاسِطٍ وَ انْقَطَعَتْ حَرَکَةُ اَلزِّنْجِ وَ یَئِسَ مِنْهُمْ.

ثُمَّ کَتَبَ اَلْمُوَفَّقُ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فِی جُثَثِ هَؤُلاَءِ الْخَمْسَةِ فَأَمَرَ بِصَلْبِهِمْ بِحَضْرَةِ الْجِسْرِ فَأُخْرِجُوا مِنَ الْبَالُوعَةِ وَ قَدِ انْتَفَخُوا وَ تَغَیَّرَتْ رَوَائِحُهُمْ وَ تَقَشَّرَتْ جُلُودُهُمْ فَصُلِبَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَی جَانِبِ الْجِسْرِ الشَّرْقِیِّ وَ ثَلاَثَةٌ عَلَی الْجَانِبِ الْغَرْبِیِّ وَ ذَاکَ لِسَبْعٍ بَقِینَ مِنْ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَ رَکِبَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ وَ هُوَ أَمِیرُ بَغْدَادَ یَوْمَئِذٍ بِنَفْسِهِ حَتَّی صُلِبُوا بِحَضْرَتِهِ. و قد قال الشعراء فی وقائع الزنج فأکثروا کالبحتری و ابن الرومی و غیرهما فمن أراد ذلک فلیأخذه من مظانه

ص :214

[مِنْهَا]

مِنْهُ فِی وَصْفِ اَلْأَتْرَاکِ کَأَنِّی أَرَاهُمْ قَوْماً کَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ [اَلْمُطْرَقَةُ]

اَلْمُطَرَّقَةُ یَلْبَسُونَ السَّرَقَ وَ الدِّیبَاجَ وَ یَعْتَقِبُونَ الْخَیْلَ الْعِتَاقَ وَ یَکُونُ هُنَاکَ اسْتِحْرَارُ قَتْلٍ حَتَّی یَمْشِیَ الْمَجْرُوحُ عَلَی الْمَقْتُولِ وَ یَکُونَ الْمُفْلِتُ أَقَلَّ مِنَ الْمَأْسُورِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَقَدْ أُعْطِیتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عِلْمَ الْغَیْبِ فَضَحِکَ ع وَ قَالَ لِلرَّجُلِ وَ کَانَ کَلْبِیّاً یَا أَخَا کَلْبٍ لَیْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَیْبٍ وَ إِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِی عِلْمٍ وَ إِنَّمَا عِلْمُ الْغَیْبِ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ مَا عَدَّدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ إِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ وَ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَ یَعْلَمُ مٰا فِی الْأَرْحٰامِ وَ مٰا تَدْرِی نَفْسٌ مٰا ذٰا تَکْسِبُ غَداً وَ مٰا تَدْرِی نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْضٍ تَمُوتُ الآْیَةَ فَیَعْلَمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِی الْأَرْحَامِ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَی وَ قَبِیحٍ أَوْ جَمِیلٍ وَ سَخِیٍّ أَوْ بَخِیلٍ وَ شَقِیٍّ أَوْ سَعِیدٍ وَ مَنْ یَکُونُ [لِلنَّارِ]

فِی اَلنَّارِ حَطَباً أَوْ فِی اَلْجِنَانِ لِلنَّبِیِّینَ مُرَافِقاً فَهَذَا عِلْمُ الْغَیْبِ الَّذِی لاَ یَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلاَّ اللَّهُ وَ مَا سِوَی ذَلِکَ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ نَبِیَّهُ ص فَعَلَّمَنِیهِ وَ دَعَا لِی بِأَنْ یَعِیَهُ صَدْرِی وَ تَضْطَمَّ عَلَیْهِ جَوَانِحِی .

ص :215

المجان

جمع مجن بکسر المیم و هو الترس و إنّما سمی مجنا لأنّه یستتر به و الجنة السترة و الجمع جنن یقال استجن بجنة أی استتر بسترة.

و المطرقة بسکون الطاء التی قد أطرق بعضها إلی بعض أی ضمت طبقاتها فجعل بعضها یتلو بعضا یقال جاءت الإبل مطاریق أی یتلو بعضها بعضا و النعل المطرقة المخصوفة و أطرقت بالجلد و العصب أی ألبست و ترس مطرق و طراق النعل ما أطرقت و خرزت به و ریش طراق إذا کان بعضه فوق بعض و طارق الرجل بین الثوبین إذا لبس أحدهما علی الآخر و کل هذا یرجع إلی مفهوم واحد و هو مظاهرة الشیء بعضه بعضا و یروی المجان المطرقة بتشدید الراء أی کالترسة المتخذة من حدید مطرق بالمطرقة .

و السرق شقق الحریر و قیل لا تسمی سرقا إلاّ إذا کانت بیضا الواحدة سرقة .

و یعتقبون الخیل

أی یجنبونها لینتقلوا من غیرها إلیها و استحرار القتل شدته استحر و حر بمعنی قال ابن الزبعری حیث ألقت بقباء برکها و استحر القتل فی عبد الأشل (1) و المفلت الهارب .

یقول ع إن الأمور المستقبلة علی قسمین أحدهما ما تفرد اللّه تعالی بعلمه و لم یطلع علیه أحدا من خلقه و هی الأمور الخمسة المعدودة فی الآیة المذکورة إِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ وَ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَ یَعْلَمُ مٰا فِی الْأَرْحٰامِ وَ مٰا تَدْرِی نَفْسٌ مٰا ذٰا تَکْسِبُ غَداً وَ مٰا تَدْرِی نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (2)

ص :216

و القسم الثانی ما یعلمه بعض البشر بإعلام اللّه تعالی إیاه و هو ما عدا هذه الخمسة و الإخبار بملحمة الأتراک من جملة ذلک .

و تضطم علیه جوانحی

تفتعل من الضم و هو الجمع أی یجتمع علیه جوانح صدری و یروی جوارحی و

1774

7- قَدْ رُوِیَ أَنَّ إِنْسَاناً قَالَ لِمُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ ع إِنِّی رَأَیْتُ اللَّیْلَةَ فِی مَنَامِی أَنِّی سَأَلْتُکَ کَمْ بَقِیَ مِنْ عُمُرِی فَرَفَعْتَ یَدَکَ الْیُمْنَی وَ فَتَحْتَ أَصَابِعَهَا فِی وَجْهِی مُشِیراً إِلَیَّ فَلَمْ أَعْلَمْ خَمْسَ سِنِینَ أَمْ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ أَمْ خَمْسَةَ أَیَّامٍ فَقَالَ وَ لاَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ بَلْ ذَاکَ إِشَارَةٌ إِلَی الْغُیُوبِ الْخَمْسَةِ الَّتِی اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَی بِهَا فِی قَوْلِهِ إِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ الْآیَةَ .

فإن قلت لم ضحک ع لما قال له الرجل لقد أوتیت علم الغیب و هل هذا إلاّ زهو فی النفس و عجب بالحال قلت

1775

14- قَدْ رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص ضَحِکَ فِی مُنَاسِبِ هَذِهِ الْحَالِ لَمَّا اسْتَسْقَی فَسُقِیَ وَ أَشْرَفَ دُرُورُ الْمَطَرِ فَقَامَ إِلَیْهِ النَّاسُ فَسَأَلُوهُ أَنْ یَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَی أَنْ یَحْبِسَهُ عَنْهُمْ فَدَعَا وَ أَشَارَ بِیَدِهِ إِلَی السَّحَابِ فَانْجَابَ حَوْلَ اَلْمَدِینَةِ کَالْإِکْلِیلِ وَ هُوَ ع یَخْطُبُ عَلَی اَلْمِنْبَرِ فَضَحِکَ حَتَّی بَدَتْ نَوَاجِدُهُ وَ قَالَ أَشْهَدُ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ

.

و سر هذا الأمر أن النبیّ أو الولی إذا تحدث عنده نعمة اللّه سبحانه أو عرف الناس وجاهته عند اللّه فلا بدّ أن یسر بذلک و قد یحدث الضحک من السرور و لیس ذلک بمذموم إذا خلا من التیه و العجب و کان محض السرور و الابتهاج و قد قال تعالی فی صفة أولیائه فَرِحِینَ بِمٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ (1) .

فإن قلت فإن من جمله الخمسة وَ مٰا تَدْرِی نَفْسٌ مٰا ذٰا تَکْسِبُ غَداً و قد أعلم

ص :217

اللّه تعالی نبیه بأمور یکسبها فی غده نحو قوله ستفتح مکّة و

1776

14- أَعْلَمَ نَبِیُّهُ وَصِیَّهُ ع بِمَا یَکْسِبُهُ فِی غَدِهِ نَحْوُ قَوْلِهِ لَهُ سَتُقَاتِلُ بَعْدِیَ اَلنَّاکِثِینَ . الخبر.

قلت المراد بالآیة أنّه لا تدری نفس جمیع ما تکسبه فی مستقبل زمانها و ذلک لا ینفی جواز أن یعلم الإنسان بعض ما یکسبه فی مستقبل زمانه

و نحن نذکر طرفا من أخبارهم و ابتداء ظهورهم علی سبیل الاختصار فنقول إنا علی کثرة اشتغالنا بالتواریخ و بالکتب المتضمنة أصناف الأمم لم نجد ذکر هذه الأمة أصلا و لکنا وجدنا ذکر أصناف الترک من القفجاق و الیمک و البرلو و التفریه و الیتبه و الروس و الخطا و القرغز و الترکمان و لم یمر بنا فی کتاب ذکر هذه الأمة سوی کتاب واحد و هو کتاب مروج الذهب للمسعودی فإنه ذکرهم هکذا بهذا اللفظ التتر و الناس الیوم یقولون التتار بألف و هذه الأمة کانت فی أقاصی بلاد المشرق فی جبال طمغاج من حدود الصین و بینهم و بین بلاد الإسلام التی ما وراء النهر ما یزید علی مسیر ستة أشهر و قد کان خوارزمشاه و هو محمّد بن تکش استولی علی بلاد ما وراء النهر و قتل ملوکها من الخطا الذین کانوا ببخاری و سمرقند و بلاد ترکستان نحو کاشغر و بلاساغون و أفناهم و کانوا حجابا بینه و بین هذه الأمة و شحن هذه البلاد بقواده و جنوده و کان فی ذلک غالطا لأن ملوک الخطا کانوا وقایة له و مجنا من هؤلاء فلما أفناهم صار هو المتولی لحرب هؤلاء أو سلمهم فأساء قواده و أمراؤه الذین بترکستان السیرة معهم و سدوا طرق التجارة عنهم فانتدبت منهم طائفة نحو عشرین ألفا مجتمعة کل بیت منها له رئیس مفرد فهم متساندون و خرجوا إلی بلاد ترکستان فأوقعوا بقواد خوارزمشاه و عماله هناک و ملکوا البلاد و تراجع من بقی من عسکر خوارزمشاه و سلم من سیف التتار إلی خوارزمشاه فأغضی علی ذلک و رأی أن سعة ملکه تمنعه عن مباشرة حربهم بنفسه و أن غیره من قواده لا یقوم مقامه فی ذلک و ترک بلاد ترکستان لهم و استقر الأمر علی أن ترکستان لهم و ما عداها من بلاد ما وراء النهر کسمرقند و بخاری و غیرهما لخوارزمشاه فمکثوا کذلک نحو أربع سنین.

ص :219

ثم إن المعروف بجنکزخان و الناس یلفظونه بالراء و ذکر لی جماعة من أهل المعرفة بأحوال التتر أنه جنکز بالزای المعجمة عن له رأی فی النهوض إلی بلاد ترکستان و ذلک أن جنکزخان هذا هو رئیس التتار الأقصین فی المشرق و ابن رئیسهم و ما زال سلفه رؤساء تلک الجهة و کان شجاعا عاقلا موفقا منصورا فی الحرب و إنّما عن له هذا الرأی لأنّه رأی أن طائفة من التتار لا ملک لهم و إنّما یقوم بکل فرقة منهم مدبر لها من أنفسها قد نهضت فملکت بلاد ترکستان علی جلالتها غار من ذلک و أراد الرئاسة العامّة لنفسه و أحبّ الملک و طمع فی البلاد فنهض بمن معه من أقاصی الصین حتی صار إلی حدود أعمال ترکستان فحاربه التتار الذین هناک و منعوه عن تطرق البلاد فلم یکن لهم به طاقة و هزمهم و قتل کثیرا منهم و ملک بلاد ترکستان بأجمعها و صار کالمجاور لبلاد خوارزمشاه و إن کان بینهما مسافة بعیدة و صار بینه و بین خوارزمشاه سلم و مهادنة إلاّ أنّها هدنة علی دخن.

فمکثت الحال علی ذلک یسیرا ثمّ فسدت بما کان یصل إلی خوارزمشاه علی ألسنة التجار من الأخبار و أن جنکزخان علی عزم النهوض إلی سمرقند و ما یلیها و أنّه فی التأهب و الاستعداد فلو داراه لکان أولی له لکنه شرع فسد طرق التجار القاصدین إلیهم فتعذرت علیهم الکسوات و منع عنهم المیرة و الأقوات التی تجلب و تحمل من أعمال ما وراء النهر إلی ترکستان فلو اقتنع بذلک لکان قریبا لکنه أنهی إلیه نائبة بالمدینة المعروفة بأوتران و هی آخر ولایته بما وراء النهر أن جنکزخان قد سیر جماعة من تجار التتار و معهم شیء عظیم من الفضة إلی سمرقند لیشتروا له و لأهله و بنی عمه کسوة و ثیابا و غیر ذلک.

ص :220

فبعث إلیه خوارزمشاه یأمره بقتل أولئک التجار و أخذ ما معهم من الفضة و إنفاذها إلیه فقتلهم و سیر إلیه الفضة و کان ذلک شیئا کثیرا جدا-ففرقه خوارزمشاه علی تجار سمرقند و بخاری و أخذ ثمنه منهم لنفسه ثمّ علم أنّه قد أخطأ فأرسل إلی نائبه بأوتران یأمره أن ینفذ جواسیس من عنده إلیهم لیخبروه بعدتهم فمضت الجواسیس و سلکت مفاوز و جبالا کثیرة و عادوا إلیه بعد مدة فأخبروه بکثرة عددهم و أنهم لا یبلغهم الإحصاء و لا یدرکهم و أنهم من أصبر الناس علی القتال لا یعرفون الفرار و یعملون ما یحتاجون إلیه من السلاح بأیدیهم و أن خیلهم لا تحتاج إلی الشعیر بل تأکل نبات الأرض و عروق المراعی و أن عندهم من الخیل و البقر ما لا یحصی و أنهم یأکلون المیتة و الکلاب و الخنازیر و هم أصبر خلق اللّه علی الجوع و العطش و الشقاء و ثیابهم من أخشن الثیاب مسا و منهم من یلبس جلود الکلاب و الدوابّ المیتة و أنهم أشبه شیء بالوحش و السباع.

فأنهی ذلک کله إلی خوارزمشاه فندم علی قتل أصحابهم و علی خرق الحجاب بینه و بینهم و أخذ أموالهم و غلب علیه الفکر و الوجل فأحضر الشهاب الخیوفی و هو فقیه فاضل کبیر المحل عنده لا یخالف ما یشیر به فقال له قد حدث أمر عظیم لا بدّ من الفکر فیه و إجالة الرأی فیما نفعل و ذلک أنّه قد تحرک إلینا خصم من الترک فی عدد لا یحصی فقال له عساکرک کثیرة و تکاتب الأطراف و تجمع الجنود و یکون من ذلک نفیر عام فإنّه یجب علی المسلمین کافة مساعدتک بالأموال و الرجال ثمّ تذهب بجمیع العساکر إلی جانب سیحون و هو نهر کبیر یفصل بین بلاد الترک و بین بلاد خوارزمشاه فتکون هناک فإذا جاء العدو و قد سار مسافة بعیدة لقیناه و نحن جامون مستریحون و قد مسه و عساکره النصب و اللغوب.

ص :221

فجمع خوارزمشاه أمراءه و من عنده من أرباب المشورة فاستشارهم فقالوا لا بل الرأی أن نترکهم لیعبروا سیحون إلینا و یسلکوا هذه الجبال و المضایق فإنهم جاهلون بطرقها و نحن عارفون بها فنظهر علیهم و نهلکهم عن آخرهم.

فکانوا علی ذلک حتّی وصل رسول من جنکزخان و معه جماعة یتهدد خوارزمشاه و یقول تقتل أصحابی و تجاری و تأخذ مالی منهم استعد للحرب فإنی واصل إلیک بجمع لا قبل لک به.

فلما أدی هذه الرسالة إلی خوارزمشاه أمر بقتل الرسول فقتل و حلق لحی الجماعة الذین کانوا معه و أعادهم إلی صاحبهم جنکزخان لیخبروه بما فعل بالرسول و یقولوا له إن خوارزمشاه یقول لک إنّی سائر إلیک فلا حاجة لک أن تسیر إلی فلو کنت فی آخر الدنیا لطلبتک حتّی أقتلک و أفعل بک و بأصحابک ما فعلت برسلک.

و تجهز خوارزمشاه و سار بعد نفوذ الرسول مبادرا لسبق خبره و یکبس التتار علی غرة فقطع مسیرة أربعة أشهر فی شهر واحد و وصل إلی بیوتهم و خرکاواتهم فلم یر فیها إلاّ النساء و الصبیان و الأثقال فأوقع بهم و غنم الجمیع و سبی النساء و الذرّیة.

و کان سبب غیبوبة التتار عن بیوتهم أنهم ساروا إلی محاربة ملک من ملوک الترک یقال له کشلوخان فقاتلوه فهزموه و غنموا أمواله و عادوا فلقیهم الخبر فی طریقهم بما فعل خوارزمشاه بمخلفیهم فأغذوا السیر فأدرکوه و هو علی الخروج من بیوتهم

ص :222

بعد فراغه من الغنیمة فواقعوه و تصافوا للحرب ثلاثة أیّام بلیالیها لا یفترون نهارا و لا لیلا فقتل من الفریقین ما لا یعد و لم ینهزم منهم أحد.

أما المسلمون فصبروا حمیة للدین و علموا أنهم إن انهزموا لم یبق للإسلام باقیة ثمّ إنهم لا ینجون بل یؤخذون و یؤسرون لبعدهم عن بلاد یمتنعون بها و أما التتار فصبروا لاستنقاذ أموالهم و أهلهم و اشتد الخطب بین الطائفتین حتّی أن أحدهم کان ینزل عن فرسه و یقاتل قرنه راجلا مضاربة بالسکاکین و جری الدم علی الأرض حتّی کانت الخیل تزلق فیه لکثرته و لم یحضر جنکزخان بنفسه هذه الوقعة و إنّما کان فیها قاآن ولده فأحصی من قتل من المسلمین فکانوا عشرین ألفا و لم یحص عدة من قتل من التتار .فلما جاءت اللیلة الرابعة افترقوا فنزل بعضهم مقابل بعض فلما أظلم اللیل أوقد التتار نیرانهم و ترکوها بحالها و ساروا راجعین إلی جنکزخان ملکهم و أما المسلمون فرجعوا و معهم محمد خوارزمشاه فلم یزالوا سائرین حتّی وافوا بخاری و علم خوارزمشاه أنه لا طاقة له بجنکزخان لأن طائفة من عسکره لم یلقوا خوارزمشاه بجمیع عساکره بهم فکیف إذا حشدوا و جاءوا علی بکرة أبیهم و ملکهم جنکزخان بینهم.

فاستعد للحصار و أرسل إلی سمرقند یأمر قواده المقیمین بها بالاستعداد للحصار و جمع الذخائر للامتناع و المقام من وراء الأسوار و جعل فی بخاری عشرین ألف فارس یحمونها و فی سمرقند خمسین ألفا و تقدم إلیهم بحفظ البلاد حتّی یعبر هو إلی خوارزم و خراسان فیجمع العساکر و یستنجد بالمسلمین و الغزاة المطوعة و یعود إلیهم.

ص :223

ثم رحل إلی خراسان فعبر جیحون و کانت هذه الوقعة فی سنة ست عشرة و ستمائة فنزل بالقرب من بلخ فعسکر هناک و استنفر الناس.

و أما التتار فإنهم رحلوا بعد أن استعدوا یطلبون بلاد ما وراء النهر فوصلوا إلی بخاری بعد خمسة أشهر من رحیل خوارزمشاه عنها و حصروها فقاتلوا العسکر المرابط بها ثلاثة أیّام قتالا متتابعا فلم یکن للعسکر الخوارزمی بهم قوة ففتحوا أبواب المدینة لیلا و خرجوا بأجمعهم عائدین إلی خراسان فأصبح أهل بخاری و لیس عندهم من العسکر أحد أصلا فضعفت نفوسهم فأرسلوا قاضی بخاری (1) لیطلب الأمان للرعیة فأعطاه التتار الأمان و قد کان بقی فی قلعة بخاری خاصّة طائفة من عسکر خوارزمشاه معتصمون بها.

فلما رأی أهل بخاری بذلهم للأمان فتحوا أبواب المدینة و ذلک فی رابع ذی الحجة من سنة ست عشرة و ستمائة فدخل التتار (2) بخاری و لم یتعرضوا لأحد من الرعیة بل قالوا لهم کل ما لخوارزمشاه عندکم من ودیعة أو ذخیرة أخرجوه إلینا و ساعدونا علی قتال من بالقلعة و لا بأس علیکم و أظهروا فیهم العدل و حسن السیرة و دخل جنکزخان بنفسه إلی البلد و أحاط بالقلعة و نادی منادیه فی البلدان لا یتخلف أحد و من تخلف قتل فحضر الناس بأسرهم فأمرهم بطم الخندق فطموه بالأخشاب و الأحطاب و التراب ثمّ زحفوا نحو القلعة و کان عدة من بها من الجند الخوارزمیة أربعمائة إنسان فبذلوا جهدهم و منعوا القلعة عشرة أیّام إلی أن وصل النقابون إلی سور القلعة فنقبوه و دخلوا القلعة فقتلوا کل من بها من الجند و غیرهم.

ص :224

فلما فرغوا منها أمر جنکزخان أن یکتب له وجوه البلد و رؤساؤهم ففعل ذلک فلما عرضوا علیه أمر بإحضارهم فأحضروا فقال لهم أرید منکم الفضة النقرة (1) التی باعها إیّاکم خوارزمشاه فإنها لی و من أصحابی أخذت فکان کل من عنده شیء منها یحضره فلما فرغ من ذلک أمرهم بالخروج عن البلد بأنفسهم خاصّة فخرجوا مجردین عن أموالهم لیس مع کل واحد منهم إلاّ ثیابه التی علی جسده فأمر بقتلهم فقتلوا عن آخرهم و أمر حینئذ بنهب البلد فنهب کل ما فیه و سبیت النساء و الأطفال و عذبوا الناس بأنواع العذاب فی طلب المال ثمّ رحلوا عنه نحو سمرقند و قد تحققوا عجز خوارزمشاه عنهم و استصحبوا معهم من سلم من أهل بخاری أساری مشاة علی أقبح صورة و کل من أعیا و عجز عن المشی قتلوه.

فلما قاربوا سمرقند قدموا الخیالة و ترکوا الرجالة و الأساری و الأثقال وراءهم حتّی یلتحقوا بهم شیئا فشیئا لیرعبوا قلوب أهل البلد فلما رأی أهل سمرقند سوادهم استعظموهم فلما کان الیوم الثانی وصل الأساری و الرجالة و الأثقال و مع کل عشرة من الأساری علم فظن أهل البلد أن الجمیع عسکر مقاتلة فأحاطوا بسمرقند و فیها خمسون ألفا من الخوارزمیة و ما لا یحصی کثرة من عوام البلد فأحجم العسکر الخوارزمی عن الخروج إلیهم و خرجت العامّة بالسلاح فأطمعهم التتار فی أنفسهم و قهقروا عنهم و قد کمنوا لهم کمناء فلما جاوزوا الکمین خرج علیهم من ورائهم و شد علیهم من ورائهم جمهور التتار فقتلوهم عن آخرهم.

فلما رأی من تخلف بالبلد ذلک ضعفت قلوبهم و خیلت للجند الخوارزمی أنفسهم

ص :225

أنهم إن استأمنوا إلی التتار أبقوا علیهم للمشارکة فی جنسیة الترکیة فخرجوا بأموالهم و أهلیهم إلیهم مستأمنین فأخذوا سلاحهم و خیلهم ثمّ وضعوا السیف فیهم فقتلوهم کلهم ثمّ نادوا فی البلد برئت الذمّة ممن لم یخرج و من خرج فهو آمن فخرج الناس إلیهم بأجمعهم فاختلطوا علیهم و وضعوا فیهم السیف و عذبوا الأغنیاء منهم و استصفوا أموالهم و دخلوا سمرقند فأخربوها و نقضوا دورها و کانت هذه الوقعة فی المحرم سنة سبع عشرة و ستمائة .

و کان خوارزمشاه مقیما بمنزله الأول کلما اجتمع له جیش سیره إلی سمرقند فیرجع و لا یقدم علی الوصول إلیها فلما قضوا وطرا من سمرقند سیر جنکزخان عشرین ألف فارس و قال لهم اطلبوا خوارزمشاه أین کان و لو تعلق بالسماء حتّی تدرکوه و تأخذوه و هذه الطائفة تسمیها التتار المغربة لأنّها سارت نحو غرب خراسان و هم الذین أوغلوا فی البلاد و مقدمهم جرماغون نسیب جنکزخان .و حکی أن جنکزخان کان قد أمر علی هذا الجیش ابن عم له شدید الاختصاص به یقال له متکلی نویرة و أمره بالجد و سرعة المسیر فلما ودعه عطف متکلی نویرة هذا فدخل إلی خرکاه فیها امرأة له کان یهواها لیودعها فاتصل ذلک بجنکزخان فصرفه فی تلک الساعة عن إمارة الجیش و قال من یثنی عزمه امرأة لا یصلح لقیادة الجیوش و رتب مکانه جرماغون فساروا و قصدوا من جیحون موضعا یسمی بنج آب أی خمسة میاه و هو یمنع العبور فلم یجدوا به سفنا فعملوا من الخشب مثل الأحواض الکبار و لبسوه جلود البقر و وضعوا فیه أسلحتهم و أقحموا خیولهم الماء و أمسکوا بأذنابها

ص :226

و تلک الأحواض مشدودة إلیها فکان الفرس یجذب الرجل و الرجل یجذب الحوض فعبروا کلهم ذلک الماء دفعة واحدة فلم یشعر خوارزمشاه بهم إلاّ و هم معه علی أرض واحدة و کان جیشه قد ملئ رعبا منهم فلم یقدروا علی الثبات فتفرقوا أیدی سبأ و طلب کل فریق منهم جهة و رحل خوارزمشاه فی نفر من خواصه لا یلوی علی شیء و قصد نیسابور فلما دخلها اجتمع علیه بعض عسکره فلم یستقر حتّی وصل جرماغون إلیه و کان لا یتعرض فی مسیره بنهب و لا قتل بل یطوی المنازل طیا یطلب خوارزمشاه و لا یمهله لیجمع عسکرا فلما عرف قرب التتار منه هرب من نیسابور إلی مازندران فدخلها و رحل جرماغون خلفه و لم یعرج علی نیسابور بل قصد مازندران فخرج خوارزمشاه عنها فکان کلما رحل عن منزل نزله التتار حتی وصل إلی بحر طبرستان فنزل هو و أصحابه فی سفن و وصل التتار فلما عرفوا نزوله البحر رجعوا و أیسوا منه.

و هؤلاء الذین ملکوا عراق العجم و أذربیجان فأقاموا بناحیة تبریز إلی یومنا هذا.

ثمّ اختلف فی أمر خوارزمشاه فقوم یحکون أنّه أقام بقلعة له فی بحر طبرستان منیعة فتوفی بها و قوم یحکون أنّه غرق فی البحر و قوم یحکون أنّه غرق و نجا عریانا فصعد إلی قریة من قری طبرستان فعرفه أهلها فجاءوا و قبلوا الأرض بین یدیه و أعلموا عاملهم به فجاء إلیه و خدمه فقال له خوارزمشاه احملنی فی مرکب إلی الهند فحمله إلی شمس الدین أنلیمش ملک الهند و هو نسیبه من جهة زوجته والدة منکبونی بن خوارزمشاه الملک جلال الدین فإنها هندیة من أهل بیت الملک فیقال إنّه وصل إلی أنلیمش و قد تغیر

ص :227

عقله ممّا اعتراه من خوف التتار أو لأمر سلطه اللّه تعالی علیه فکان یهذی بالتتار بکرة و عشیة و کل وقت و کل ساعة و یقول هو ذا هم قد خرجوا من هذا الباب قد هجموا من هذه الدرجة و یرعد و یحول لونه و یختل کلامه و حرکاته.

و حکی لی فقیه خراسانیّ وصل إلی بغداد یعرف بالبرهان قال کان أخی معه و کان ممن یثق خوارزمشاه به و یختصه قال لهج خوارزمشاه لما تغیر عقله بکلمة کان یقولها قرا تتر کلدی یکررها و تفسیرها التتر السود قد جاءوا و فی التتر صنف سود یشبهون الزنج لهم سیوف عریضة جدا علی غیر صورة هذه السیوف یأکلون لحوم الناس فکان خوارزمشاه قد أهتر و أغری بذکرهم.

و حدّثنی البرهان قال رقی به شمس الدین أنلیمش إلی قلعة من قلاع الهند حصینة عالیة شاهقة لا یعلوها الغیم أبدا و إنّما تمطر السحب من تحتها و قال له هذه القلعة لک و ذخائرها أموالک فکن فیها وادعا آمنا إلی أن یستقیم طالعک فالملوک ما زالوا هکذا یدبر طالعهم ثمّ یقبل فقال له لا أقدر علی الثبات فیها و المقام بها لأن التتر سوف یطلبوننی و یقدمون إلی هاهنا و لو شاءوا لوضعوا سروج خیلهم واحدا علی واحد تحت القلعة فبلغت إلی ذروتها و صعدوا علیها فأخذونی قبضا بالید فعلم أنلیمش أن عقله قد تغیر و أن اللّه تعالی قد بدل ما به من نعمة فقال فما الذی ترید قال أرید أن تحملنی فی البحر المعروف ببحر المعبر إلی کرمان فحمله فی نفر یسیر من ممالیکه إلی کرمان ثم خرج منها إلی أطراف بلاد فارس فمات هناک فی قریة من قری فارس و أخفی موته لئلا یقصده التتر و تطلب جثته (1) .

ص :228

و جملة الأمر أن حاله مشتبهة ملتبسة لم یتحقّق علی یقین و بقی الناس بعد هلاکه نحو سبع سنین ینتظرونه.

و یذهب کثیر منهم إلی أنّه حی مستتر إلی أن ثبت عند الناس کافة أنّه هلک.

فأما جرماغون فإنه لما یئس من الظفر بخوارزمشاه عاد من ساحل البحر إلی مازندران فملکها فی أسرع وقت مع حصانتها و صعوبة الدخول إلیها و امتناع قلاعها فإنها لم تزل ممتنعة علی قدیم الوقت حتّی أن المسلمین لما ملکوا بلاد الأکاسرة من العراق إلی أقصی خراسان بقیت أعمال مازندران بحالها تؤدی الخراج و لا یقدر المسلمون علی دخولها إلی أیام سلیمان بن عبد الملک .و لما ملکت التتار مازندران قتلوا فیها و نهبوا و سلبوا ثمّ سلکوا نحو الری فصادفوا فی الطریق والدة خوارزمشاه و نساءه و معهن أموال بیت خوارزمشاه و ذخائرهم التی ما لا یسمع بمثلها من الأعلاق النفیسة و هن قاصدات نحو الری لیعتصمن ببعض القلاع المنیعة فاستولی التتار علیهن و علی ما معهن بأسره و سیروه کله إلی جنکزخان بسمرقند و صمدوا صمد الری و قد کان اتصل بهم أن محمّدا خوارزمشاه قصدها کما یتسامع الناس بالأراجیف الصحیحة و الباطلة فوصلوها علی حین غفلة من أهلها فلم یشعر بهم عسکر الری إلا و قد ملکوها و نهبوها و سبوا الحرم و استرقوا الغلمان و فعلوا کل قبیح منکر فیها و لم یقیموا بها و مضوا مسرعین فی طلب خوارزمشاه فنهبوا فی طریقهم ما مروا به من المدن و القری و أحرقوا و خربوا و قتلوا الذکران و الإناث و لم یبقوا علی شیء و قصدوا نحو همذان فخرج إلیهم رئیسها و معه أموال جلیلة قد جمعها من أهل همذان عینا و عروضا و خیلا و طلب منهم الأمان لأهل البلد فأمنوهم و لم یعرضوا لهم

ص :229

و ساروا إلی زنجان و استباحوها و إلی قزوین فاعتصم أهلها منهم بقصبة مدینتهم فدخلوها بالسیف عنوة و قاتلهم أهلها قتالا شدیدا بالسکاکین و هم معتادون بقتال السکین من حروبهم مع الإسماعیلیة فقتل من الفریقین ما لا یحصی و یقال إن القتلی بلغت أربعین ألفا من أهل قزوین خاصّة.

ثمّ هجم علی التتار البرد الشدید و الثلج المتراکم فساروا إلی أذربیجان فنهبوا القری و قتلوا من وقف بین أیدیهم و أخربوا و أحرقوا حتّی وصلوا إلی تبریز و بها صاحب أذربیجان أزبک بن البهلوان بن أیلدکر فلم یخرج إلیهم و لا حدث نفسه بقتالهم لاشتغاله بما کان علیه من اللهو و إدمان الشرب لیلا و نهارا فأرسل إلیهم و صالح لهم علی مال و ثیاب و دواب و حمل الجمیع إلیهم فساروا من عنده یطلبون ساحل البحر لأنّه مشتی صالح لهم و المراعی به کثیرة فوصلوا إلی موقان و هی المنزل الذی نزلته الخرمیة فی أیام المعتصم و قد ذکره الطائیان فی أشعارهما فی غیر موضع و الناس الیوم یغولون بالغین المعجمة عوض القاف و قد کانوا تطرقوا فی طریقهم بعض أعمال الکرج فخرج إلیهم منهم عشرة آلاف مقاتل فحاربوهم و هزموهم و قتلوا أکثرهم.

فلما استقروا بموقان راسلت الکرج أزبک بن البهلوان فی الاتفاق علی حربهم و راسلوا موسی بن أیوب المعروف بالأشرف و کان صاحب خلاط و إرمینیة بمثل ذلک و ظنوا أنهم یصبرون إلی أیام الربیع و انحسار الثلوج فلم یصبروا و صاروا من موقان فی صمیم الشتاء نحو بلاد الکرج فخرجت إلیهم الکرج و اقتتلوا قتالا شدیدا فلم یثبتوا للتتار و انهزموا أقبح هزیمة و قتل منهم من لا یحصی فکانت هذه الوقعة فی ذی الحجة من سنة سبع عشرة و ستمائة .

ص :230

ثم توجهوا إلی المراغة فی أول سنة ثمانی عشرة فملکوها فی صفر و کانت لامرأة من بقایا ملوک المراغة تدبرها هی و وزراؤها فنصبوا علیها المجانیق و قدموا أساری المسلمین بین أیدیهم و هذه عادتهم یتترسون بهم فی الحروب فیصیبهم حدها و یسلمون هم من مضرتها فملکوها عنوة و وضعوا السیف فی أهلها و نهبوا ما یصلح لهم و أحرقوا ما لا یصلح لهم و خذل الناس عنهم حتّی کان الواحد منهم یقتل بیده مائة إنسان و السیوف فی أیدیهم لا یقدر أحد منهم أن یحرک یده بسیفه نحو ذلک التتری خذلان صب علی الناس و أمر سمائی اقتضاه.

ثمّ عادوا إلی همذان فطالبوا أهلها بمثل المال الذی بذلوه لهم فی الدفعة الأولی فلم یکن فی الناس فضل لذلک لأنّه کان عظیما جدا فقام إلی رئیس همذان جماعة من أهلها و أسمعوه کلاما غلیظا فقالوا أفقرتنا أولا و ترید أن تستصفینا دفعة ثانیة ثمّ لا بد للتتار أن یقتلونا فدعنا نجاهدهم بالسیف و نموت کراما ثمّ وثبوا علی شحنة کان للتتار بهمذان فقتلوه و اعتصموا بالبلد فحصرهم التتار فیه فقلت علیهم المیرة و عدمت الأقوات و أضر ذلک بأهل همذان و لم ینل التتار مضرة من عدم القوت لأنّهم لا یأکلون إلاّ اللحم و الخیل معهم کثیرة و معهم غنم عظیمة یسوقونها حیث شاءوا و خیلهم لا تأکل الشعیر و لا تأکل إلاّ نبات الأرض تحفر بحوافرها الأرض عن العروق فتأکلها.

فاضطر رئیس همذان و أهلها إلی الخروج إلیهم فخرجوا و التحمت الحرب بینهم أیاما و فقد رئیس همذان هرب فی سرب قد کان أعده إلی موضع اعتصم به ظاهر البلد و لم یعلم حقیقة حاله فتحیر أهل همذان بعد فقده و دخلوا المدینة و اجتمعت کلمتهم علی القتال فی قصبة البلد إلی أن یموتوا و کان التتار قد عزموا علی الرحیل عنهم لکثرة من قتل منهم فلما لم یروا أحدا یخرج إلیهم من البلد طمعوا و استدلوا علی ضعف أهله فقصدوهم و قاتلوهم

ص :231

و ذلک فی شهر رجب من سنة ثمانی عشرة و ستمائة و دخلوا المدینة بالسیف و قاتلهم الناس فی الدروب و بطل السلاح للازدحام و اقتتلوا بالسکاکین فقتل من الفریقین ما لا یحصی و ظهر التتار علی المسلمین فأفنوهم قتلا و لم یسلم منهم إلاّ من کان له نفق فی الأرض یستخفی فیه ثمّ ألقوا النار فی البلد فأحرقوها و رحلوا إلی مدینة أردبیل و أعمال أذربیجان فملکوا أردبیل و قتلوا فیها فأکثروا.

ثمّ ساروا إلی تبریز و کان بها شمس الدین عثمان الطغرائی قد جمع کلمة أهلها بعد مفارقة صاحب أذربیجان أزبک بن البهلوان للبلاد خوفا من التتار و مقامه بنقجوان فقوی الطغرائی نفوس الناس علی الامتناع و حذرهم عاقبة التخاذل و حصن البلد فلما وصل التتار و رأوا اجتماع کلمة المسلمین و حصانة البلد طلبوا منهم مالا و ثیابا فاستقر الأمر بینهم علی شیء معلوم فسیروه إلیهم فلما أخذوه رحلوا إلی بیلقان فقاتلهم أهلها فملکها التتار فی شهر رمضان من هذه السنة و وضعوا فیهم السیف حتّی أفنوهم أجمعین ثمّ ساروا إلی مدینة کنجة و هی أم بلاد أران و أهلها ذوو شجاعة و بأس و جلد لمقاومتهم الکرج و تدربهم بالحرب فلم یقدر التتار علیهم و أرسلوا إلیهم یطلبون مالا و ثیابا فأرسلوه إلیهم فساروا عنهم فقصدوا الکرج و قد أعدوا لهم فلما صافوهم هرب الکرج و أخذهم السیف فلم یسلم إلاّ الشرید و نهبت بلادهم و أخربت و لم یوغل التتار فی بلاد الکرج لکثرة مضایقها و دربنداتها (1) فقصدوا دربند شروان فحصروا مدینة شماخی و صعدوا سورها فی السلالیم و ملکوا البلد بعد حرب شدیدة و قتلوا فیه فأکثروا (2) .

ص :232

فلما فرغوا أرادوا عبور الدربند فلم یقدموا علیه فأرسلوا إلی شروانشاه ملک الدربند فطالبوه بإنفاذ رسول یسعی بینه و بینهم فی الصلح فأرسل إلیهم عشرة من ثقاته فلما وصلوا إلیهم جمعوهم ثمّ قتلوا واحدا منهم بحضور الباقین و قالوا للتسعة إن أنتم عرفتمونا طریقا نعبر فیه فلکم الأمان و إلاّ قتلناکم کما قتلنا صاحبکم فقالوا لهم لا طریق فی هذا الدربند و لکن نعرفکم موضعا هو أسهل المواضع لعبور الخیل.

و ساروا بین أیدیهم إلیه فعبروا الدربند و ترکوه وراء ظهورهم و ساروا فی تلک البلاد و هی مملوءة من طرائق مختلفة منهم اللان و اللکر و أصناف من الترک فنهبوها و قتلوا الکثیر من ساکنیها و رحلوا إلی اللان و هم أمم کثیرة و قد وصلهم خبرهم و جمعوا و حذروا و انضاف إلیهم جموع من قفجاق فقاتلوهم فلم یظفر أحد العسکرین بالآخر فأرسل التتار إلی قفجاق أنتم إخواننا و جنسنا واحد و اللان لیسوا من جنسکم لتنصروهم و لا دینهم دینکم و نحن نعاهدکم ألا نعرض لکم و نحمل إلیکم من المال و الثیاب ما یستقر بیننا و بینکم علی أن تنصرفوا إلی بلادکم.

فاستقر الأمر بینهم علی مال و ثیاب حملها التتار إلیهم و فارقت قفجاق اللان فأوقع التتار باللان فقتلوهم و نهبوا أموالهم و سبوا نساءهم فلما فرغوا منهم ساروا إلی بلاد قفجاق و هم آمنون متفرقون لما استقر بینهم و بین التتار من الصلح فلم یشعروا بهم إلاّ و قد طرقوهم و دخلوا بلادهم فأوقعوا بهم الأول فالأول و أخذوا منهم أضعاف ما حملوا إلیهم و سمع ما کان بعید الدار من قفجاق بما جری.

ففروا عن غیر قتال فأبعدوا فبعضهم بالغیاض و بعضهم بالجبال و بعضهم لحقوا ببلاد الروس و أقام التتار فی بلاد قفجاق و هی أرض کثیرة المراعی فی الشتاء و فیها أیضا أماکن باردة فی الصیف کثیرة المراعی و هی غیاض علی ساحل البحر.

ص :233

ثم سارت طائفة منهم إلی بلاد الروس و هی بلاد کثیرة عظیمة و أهلها نصاری و ذلک فی سنة عشرین و ستمائة فاجتمع الروس و قفجاق عن منعهم عن البلاد فلما قاربهم التتار و عرفوا اجتماعهم رجعوا القهقری إیهاما للروس أن ذلک عن خوف و حذر فجدوا فی اتباعهم و لم یزل التتار راجعین و أولئک یقفون آثارهم اثنی عشر یوما.

ثمّ رجعت التتار علی الروس و قفجاق فأثخنوا فیهم قتلا و أسرا و لم یسلم منهم إلاّ القلیل و من سلم نزل فی المراکب و خرج فی البحر إلی الساحل الشامیّ و غرق بعض المراکب.

و هذه الوقائع کلها تولاها التتر المغربة الذین قادهم جرماغون فأما ملکهم الأکبر جنکزخان فإنه کان فی هذه المدة بسمرقند ما وراء النهر فقسم أصحابه أقساما فبعث قسما منهم إلی فرغانة و أعمالها فملکوها و بعث قسما آخر إلی ترمذ و ما یلیها فملکوها و بعث قسما آخر إلی بلخ و ما یلیها من أعمال خراسان فأما بلخ فإنهم أمنوا أهلها و لم یتعرضوا لها بنهب و لا قتل و جعلوا فیها شحنة (1) و کذلک فاریاب و کثیر من المدن إلاّ أنهم أخذوا أهلها یقاتلون بهم من یمتنع علیهم حتّی وصلوا إلی الطالقان و هی عدة بلاد و فیها قلعة حصینة و بها رجال أنجاد فأقاموا علی حصارها شهورا فلم یفتحوها فأرسلوا إلی جنکزخان یعرفونه عجزهم عنها فسار بنفسه و عبر جیحون و معه من الخلائق ما لا یحصی فنزل علی هذه القلعة و بنی حولها شبه قلعة أخری من طین و تراب و خشب و حطب و نصب علیها المنجنیقات و رمی القلعة بها فلما رأی أهلها ذلک فتحوها و خرجوا و حملوا حملة واحدة فقتل منهم من قتل و سلم من سلم و خرج السالمون فسلکوا تلک الجبال و الشعاب ناجین بأنفسهم و دخل التتار القلعة فنهبوا الأموال و الأمتعة و سبوا النساء و الأطفال.

ص :234

ثم سیر جنکزخان جیشا عظیما مع أحد أولاده إلی مدینة مرو و بها مائتا ألف من المسلمین فکانت بین التتار و بینهم حروب عظیمة شدیدة صبر فیها المسلمون ثم انهزموا و دخلوا البلد و أغلقوا أبوابه فحاصره التتار حصارا طویلا ثمّ أمنوا متقدم البلد فلما خرج إلیهم فی الأمان خلع علیه ابن جنکزخان و أکرمه و عاهده ألا یتعرض لأحد من أهل مرو ففتح الناس الأبواب فلما تمکنوا منهم استعرضوهم بالسیف عن آخرهم فلم یبقوا منهم باقیة بعد أن استصفوا أرباب الأموال عقیب عذاب شدید عذبوهم به.

ثمّ ساروا إلی نیسابور ففعلوا به ما فعلوا بمرو من القتل و الاستئصال ثمّ عمدوا إلی طوس فنهبوها و قتلوا أهلها و أخرجوا المشهد الذی به علی بن موسی الرضا ع و الرشید هارون بن المهدیّ و ساروا إلی هراة فحصروها ثمّ أمنوا أهلها فلما فتحوها قتلوا بعضهم و جعلوا علی الباقین شحنة فلما بعدوا وثب أهل هراة علی الشحنة فقتلوه فعاد علیهم عسکر من التتار فاستعرضوهم بالسیف فقتلوهم عن آخرهم.

ثمّ عادوا إلی طالقان و بها ملکهم الأکبر جنکزخان فسیر طائفة منهم إلی خوارزم و جعل فیها مقدم أصحابه و کبراءهم لأن خوارزم حینئذ کانت مدینة الملک و بها عسکر کثیر من الخوارزمیة و عوام البلد معروفون بالبأس و الشجاعة فساروا و وصلوا إلیها فالتقی الفئتان و اقتتلوا أشدّ قتال سمع به و دخل المسلمون البلد و حصرتهم التتار خمسة أشهر و أرسل التتار إلی جنکزخان یطلبون المدد فأمدهم بجیش من جیوشه فلما وصل قویت منتهم به و زحفوا إلی البلد زحفا متتابعا فملکوا طرفا منه و ولجوا المدینة فقاتلهم المسلمون داخل البلد فلم یکن لهم به طاقة فملکوه و قتلوا کل من فیه فلما فرغوا منه و قضوا وطرهم من القتل و النهب فتحوا السکر (1) الذی یمنع

ص :235

ماء جیحون عن خوارزم فدخل الماء البلد فغرق کله و انهدمت الأبنیة فبقی بحرا و لم یسلم من أهل خوارزم أحد البتة فإن غیره من البلاد کان یسلم نفر یسیر من أهلها و أما خوارزم فمن وقف للسیف قتل و من استخفی غرقه الماء أو أهلکه الهدم فأصبحت خوارزم یبابا.

فلما فرغ التتر من هذه البلاد سیروا جیشا إلی غزنة و بها حینئذ جلال الدین منکبری بن محمّد خوارزمشاه مالکها و قد اجتمع إلیه من سلم من عسکر أبیه و غیرهم فکانوا نحو ستین ألفا و کان الجیش الذی سار إلیهم التتار اثنی عشر ألفا فالتقوا فی حدود غزنة و اقتتلوا قتالا شدیدا ثلاثة أیّام ثمّ أنزل اللّه النصر علی المسلمین فانهزم التتر و قتلهم المسلمون کیف شاءوا و تحیز الناجون منهم إلی الطالقان و بها جنکزخان و أرسل جلال الدین إلیه رسولا یطلب منه أن یعین موضعا للحرب فاتفقوا علی أن یکون الحرب بکابل فأرسل جنکزخان إلیها جیشا و سار جلال الدین إلیها بنفسه و تصافوا هناک فکان الظفر للمسلمین و هرب التتار فالتجئوا إلی الطالقان و جنکزخان مقیم بها أیضا و غنم المسلمون منهم غنائم عظیمة فجرت بینهم فتنة عظیمة فی الغنائم و ذلک لأن أمیرا من أمرائهم اسمه بغراق کان قد أبلی فی حرب التتر هذه جرت بینه و بین أمیر یعرف بملک خان نسیب خوارزمشاه مقاولة أفضت إلی أن قتل أخ لبغراق فغضب و فارق جلال الدین فی ثلاثین ألفا فتبعه جلال الدین و استرضاه و استعطفه فلم یرجع فضعف جانب جلال الدین بذلک فبینا هو کذلک وصله الخبر أن جنکزخان قد سار إلیه من الطالقان بنفسه و جیوشه فعجز عن مقاومته و علم أنّه لا طاقة له به فسار نحو بلاد الهند و عبر نهر السند و ترک غزنة شاغرة کالفریسة للأسد فوصل إلیها

ص :236

جنکزخان فملکها و قتل أهلها و سبی نساءها و أخرب القصور و ترکها کأمس الغابر.

ثمّ کانت لهم بعد ملک غزنة و استباحتها وقائع کثیرة مع ملوک الروم بنی قلج أرسلان لم یوغلوا فیها فی البلاد و إنّما کانوا یتطرقونها و ینهبون ما تاخمهم منها و أذعن لهم ملوک فارس و کرمان و التیز و مکران بالطاعة و حملوا إلیهم الإتاوة و لم یبق فی البلاد الناطقة باللسان الأعجمی بلد إلاّ حکم فیه سیفهم أو کتابهم فأکثر البلاد قتلوا أهلها و سبق السیف فیهم العذل و الباقی أدی الإتاوة إلیهم رغما و أعطی الطاعة صاغرا و رجع جنکزخان إلی ما وراء النهر و توفی هناک.

و قام بعده ابنه قاآن مقامه و ثبت جرماغون فی مکانه بأذربیجان و لم یبق لهم إلاّ أصبهان فإنهم نزلوا علیها مرارا فی سنة سبع و عشرین و ستمائة و حاربهم أهلها و قتل من الفریقین مقتلة عظیمة و لم یبلغوا منها غرضا حتّی اختلف أهل أصبهان فی سنة ثلاث و ثلاثین و ستمائة و هم طائفتان حنفیة و شافعیة و بینهم حروب متصلة و عصبیة ظاهرة فخرج قوم من أصحاب الشافعی إلی من یجاورهم و یتاخمهم من ممالک التتار فقالوا لهم اقصدوا البلد حتّی نسلمه إلیکم فنقل ذلک إلی قاآن بن جنکزخان بعد وفاة أبیه و الملک یومئذ منوط بتدبیره فأرسل جیوشا من المدینة المستجدة التی بنوها و سموها قراحرم فعبرت جیحون مغربة و انضم إلیها قوم ممن أرسله جرماغون علی هیئة المدد لهم فنزلوا علی أصفهان فی سنة ثلاث و ثلاثین المذکورة و حصروها فاختلف سیفا الشافعیة و الحنفیة فی المدینة حتّی قتل کثیر منهم و فتحت أبواب المدینة و فتحها الشافعیة علی عهد بینهم و بین التتار أن یقتلوا الحنفیة و یعفوا عن الشافعیة فلما دخلوا البلد بدءوا بالشافعیة فقتلوهم قتلا ذریعا و لم یقفوا مع العهد الذی عهدوه لهم ثمّ قتلوا الحنفیة ثم قتلوا سائر الناس

ص :237

و سبوا النساء و شقوا بطون الحبالی و نهبوا الأموال و صادروا الأغنیاء ثمّ أضرموا النار فأحرقوا أصبهان حتی صارت تلولا من الرماد.

فلما لم یبق لهم بلد من بلاد العجم إلا و قد دوخوه صمدوا نحو إربل فی سنة أربع و ثلاثین و ستمائة و قد کانوا طرقوها مرارا و تحیفوا بعض نواحیها فلم یوغلوا فیها و الأمیر المرتب بها یومئذ باتکین الرومی فنزل علیها فی ذی القعدة من هذه السنة منهم نحو ثلاثین ألف فارس أرسلهم جرماغون و علیهم مقدم کبیر من رؤسائهم یعرف بجکتای فغاداها القتال و رواحها و بها عسکر جم من عساکر الإسلام فقتل من الفریقین خلق کثیر و استظهر التتار و دخلوا المدینة و هرب الناس إلی القلعة فاعتصموا بها و حصرهم التتار و طال الحصار حتّی هلک الناس فی القلعة عطشا و طلب باتکین منهم أن یصالحوه عن المسلمین بمال یؤدیه إلیهم فأظهروا الإجابة فلما أرسل إلیهم ما تقرر بینهم و بینه أخذوا المال و غدروا به و حملوا علی القلعة بعد ذلک حملات عظیمة و زحفوا إلیها زحفا متتابعا و علقوا علیها المنجنیقات الکثیرة و سیر المستنصر بالله الخلیفة جیوشه مع مملوکه و خادم حضرته و أخص ممالیکه به شرف الدین إقبال الشرامی فساروا إلی تکریت فلما عرف التتر شخوصهم رحلوا عن إربل بعد أن قتلوا منها ما لا یحصی و أخربوها و ترکوها کجوف حمار و عادوا إلی تبریز و بها مقام جرماغون و قد جعلها دار ملکه.

فلما رحلوا عن إربل عاد العسکر البغدادیّ إلی بغداد و کانت للتتار بعد ذلک نهضات و سرایا کثیرة إلی بلاد الشام قتلوا و نهبوا و سبوا فیها حتّی انتهت خیولهم إلی حلب فأوقعوا بها و صانعهم عنها أهلها و سلطانها ثمّ عمدوا إلی بلاد کیخسرو صاحب الروم و ذلک بعد أن هلک جرماغون و قام عوضه المعروف ببابایسیجو و کان

ص :238

قد جمع لهم ملک الروم قضه و قضیضه و جیشه و لفیفه و استکثر من الأکراد العتمریة و من عساکر الشام و جند حلب فیقال إنّه جمع مائة ألف فارس و راجل فلقیه التتار فی عشرین ألفا فجرت بینه و بینهم حروب شدیدة قتلوا فیها مقدّمته و کانت المقدّمة کلها أو أکثرها من رجال حلب و هم أنجاد أبطال فقتلوا عن آخرهم و انکسر العسکر الرومی و هرب صاحب الروم حتی انتهی إلی قلعة له علی البحر تعرف بأنطاکیة فاعتصم بها و تمزقت جموعه و قتل منهم عدد لا یحصی و دخلت التتار إلی المدینة المعروفة بقیساریة ففعلوا فیها أفاعیل منکرة من القتل و النهب و التحریق و کذلک بالمدینة المعروفة بسیواس و غیرها من کبار المدن الرومیة و بخع لهم صاحب الروم بالطاعة و أرسل إلیهم یسألهم قبول المال و المصانعة فضربوا علیه ضریبة یؤدیها إلیهم کل سنة و رجعوا عن بلاده.

و أقاموا علی جملة السکون و الموادعة للبلاد الإسلامیة کلها إلی أن دخلت سنة ثلاث و أربعین و ستمائة فاتفق أن بعض أمراء بغداد و هو سلیمان بن برجم و هو مقدم الطائفة المعروفة بالإیواء و هی من الترکمان قتل شحنة من شحنهم فی بعض قلاع الجبل یعرف بخلیل بن بدر فأثار قتله أن سار من تبریز عشرة آلاف غلام منهم یطوون المنازل و یسبقون خبرهم و مقدمهم المعروف بجکتای الصغیر فلم یشعر الناس ببغداد إلا و هم علی البلد و ذلک فی شهر ربیع الآخر من هذه السنة فی فصل الخریف و قد کان الخلیفة المستعصم بالله أخرج عسکره إلی ظاهر سور بغداد علی سبیل الاحتیاط و کان التتر قد بلغهم ذلک إلاّ أن جواسیسهم غرتهم و أوقعت فی أذهانهم أنّه لیس خارج السور إلاّ خیام مضروبة و فساطیط مضروبة لا رجال تحتها و أنکم متی أشرفتم علیهم ملکتم سوادهم و ثقلهم و یکون قصاری أمر قوم قلیلین تحتها أن ینهزموا إلی البلد و یعتصموا بجدرانه فأقبلت

ص :239

التتر علی هذا الظنّ و سارت علی هذا الوهم فلما قربوا من بغداد و شارفوا الوصول إلی المعسکر أخرج المستعصم بالله الخلیفة مملوکه و قائد جیوشه شرف الدین إقبالا الشرابی إلی ظاهر السور و کان خروجه فی ذلک الیوم من لطف اللّه تعالی بالمسلمین فإن التتار لو وصلوا و هو بعد لم یخرج لاضطرب العسکر لأنّهم کانوا یکونون بغیر قائد و لا زعیم بل کل واحد منهم أمیر نفسه و آراؤهم مختلفة لا یجمعهم رأی واحد و لا یحکم علیها حاکم واحد فکانوا فی مظنة الاختلاف و التفرق و الاضطراب و التشتت فکان خروج شرف الدین إقبال الشرابی فی الیوم السادس عشر من هذا الشهر المذکور و وصلت التتر إلی سور البلد فی الیوم السابع عشر فوقفوا بإزاء عساکر بغداد صفا واحدا و ترتب العسکر البغدادیّ ترتیبا منتظما و رأی التتر من کثرتهم و جودة سلاحهم و عددهم و خیولهم ما لم یکونوا یظنونه و لا یحسبونه و انکشف ذلک الوهم الذی أوهمهم جواسیسهم عن الفساد و البطلان.

و کان مدبر أمر الدولة و الوزارة فی هذا الوقت هو الوزیر مؤید الدین محمّد بن أحمد بن العلقمی و لم یحضر الحرب بل کان ملازما دیوان الخلافة بالحضرة لکنه کان یمد العسکر الإسلامی من آرائه و تدبیراته بما ینتهون إلیه و یقفون عنده فحملت التتار علی عسکر بغداد حملات متتابعة ظنوا أن واحدة منها تهزمهم لأنّهم قد اعتادوا أنّه لا یقف عسکر من العساکر بین أیدیهم و أن الرعب و الخوف منهم یکفی و یغنی عن مباشرتهم الحرب بأنفسهم فثبت لهم عسکر بغداد أحسن ثبوت و رشقوهم بالسهام و رشقت التتار أیضا بسهامها و أنزل اللّه سکینته علی عسکر بغداد و أنزل بعد السکینة نصره فما زال العسکر البغدادیّ تظهر علیه أمارات القوّة و تظهر علی التتار أمارات الضعف و الخذلان إلی أن حجز اللیل بین الفریقین و لم یصطدم الفیلقان و إنّما

ص :240

کانت مناوشات و حملات خفیفة لا تقتضی الاتصال و الممازجة و رشق بالنشاب شدید.

فلما أظلم اللیل أوقد التتار نیرانا عظیمة و أوهموا أنهم مقیمون عندها و ارتحلوا فی اللیل راجعین إلی جهة بلادهم فأصبح العسکر البغدادیّ فلم یر منهم عینا و لا أثرا و ما زالوا یطوون المنازل و یقطعون القری عائدین حتّی دخلوا الدربند و لحقوا ببلادهم.

و کان ما جری من دلائل النبوّة لأن الرسول ص وعد هذه الملّة بالظهور و البقاء إلی یوم القیامة و لو حدث علی بغداد منهم حادثة کما جری علی غیرها من البلاد لانقرضت ملة الإسلام و لم یبق لها باقیة.

و إلی أن بلغنا من هذا الشرح إلی هذا الموضع لم یذعر العراق منهم ذاعر بعد تلک النوبة التی قدمنا ذکرها.

قلت و قد لاح لی من فحوی کلام أمیر المؤمنین ع أنه لا بأس علی بغداد و العراق منهم و أن اللّه تعالی یکفی هذه المملکة شرهم و یرد عنها کیدهم و ذلک من قوله ع و یکون هناک استحرار قتل فأتی بالکاف و هی إذا وقعت عقیب الإشارة أفادت البعد تقول للقریب هنا و للبعید هناک و هذا منصوص علیه فی العربیة و لو کان لهم استحرار قتل فی العراق لما قال هناک بل کان یقول هنا لأنّه ع خطب بهذه الخطبة فی البصرة و معلوم أن البصرة و بغداد شیء واحد و بلد واحد لأنهما جمیعا من إقلیم العراق و ملکهما ملک واحد فیلمح هذا الموضع فإنّه لطیف.

ص :241

و کتبت إلی مؤید الدین الوزیر عقیب هذه الوقعة التی نصر فیها الإسلام و رجع التتر مخذولین ناکصین علی أعقابهم أبیاتا أنسب إلیه الفتح و أشیر إلی أنّه هو الذی قام بذلک و إن لم یکن حاضرا له بنفسه و أعتذر إلیه عن الإغباب بمدیحه فقد کانت الشواغل و القواطع تصد عن الانتصاب لذلک أبقی لنا اللّه الوزیر و حاطه

ص :242

إن القریض و إن أغب متیم

و هی طویلة و إنّما ذکرنا منها ما اقتضته الحال

ص :243

لَعَنَ اللَّهُ الآْمِرِینَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِکِینَ لَهُ وَ النَّاهِینَ عَنِ الْمُنْکَرِ الْعَامِلِینَ بِهِ .

أثویاء

جمع ثوی و هو الضیف کقوی و أقویاء و مؤجلون مؤخرون إلی أجل أی وقت معلوم .

و مدینون مقرضون دنت الرجل أقرضته فهو مدین و مدیون و دنت أیضا إذا استقرضت و صارت علی دین فأنا دائن و أنشد ندین و یقضی اللّه عنا و قد نری مصارع قوم لا یدینون ضیعا (1) .

و مقتضون جمع مقتضی أی مطالب بأداء الدین کمرتضون جمع مرتضی و مصطفون جمع مصطفی.

و قوله أجل منقوص أی عمر و قد جاء عنهم أطال اللّه أجلک أی عمرک و بقاءک و الدائب المجتهد ذو الجد و التعب و الکادح الساعی.

و مثل قوله فرب دائب مضیع و ربّ کادح خاسر قول الشاعر إذا لم یکن عون من اللّه للفتی فأکثر ما یجنی علیه اجتهاده.

و مثله إذا لم یکن عون من اللّه للفتی أتته الرزایا من وجوه الفوائد.

و هو کثیر و الأصل فیه قوله تعالی وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ خٰاشِعَةٌ عٰامِلَةٌ نٰاصِبَةٌ تَصْلیٰ نٰاراً حٰامِیَةً (2) و یروی فرب دائب مضیع بغیر تشدید.

ص :245

و قوله و أمکنت فریسته أی و أمکنته فحذف المفعول .

و قوله فاضرب بطرفک لفظة فصیحة و قد أخذها الشاعر فقال فاضرب بطرفک حیث شئت فلن تری إلا بخیلا .. و الوفر المال الکثیر أی بخل و لم یؤد حقّ اللّه سبحانه فکثر ماله .

و الوقر بفتح الواو الثقل فی الأذن و روی المنغصة بفتح الغین .

الحثالة الساقط الردیء من کل شیء.

و قوله لا تلتقی بذمهم الشفتان أی یأنف الإنسان أن یذمهم لأنّه لا بدّ فی الذم من إطباق أحد الشفتین علی الأخری و کذلک فی کل الکلام.

و ذهابا عن ذکرهم

أی ترفعا یقال فلان یذهب بنفسه عن کذا أی یرفعها .

و لا زاجر مزدجر

أی لیس فی الناس من یزجر عن القبیح و ینزجر هو عنه .

و دار القدس هی الجنة و لا یخدع اللّه عنها لأنّه لا تخفی علیه خافیة و لا یجوز علیه النفاق و التمویه ثمّ لعن الآمر بالمعروف و لا یفعله و الناهی عن المنکر و یرتکبه و هذا من قوله تعالی أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ .

و لست أری فی هذه الخطبة ذکرا للموازین و المکاییل التی أشار إلیها الرضی رحمه اللّه اللّهمّ إلاّ أن یکون قوله ع و أین المتورعون فی مکاسبهم أو قوله ظهر الفساد و دلالتهما علی الموازین و المکاییل بعیدة

و ذکر أهلها و نحن نذکر کلمات وردت عن الحکماء و الصالحین تناسبها علی عادتنا فی إیراد الأشباه و النظائر.

1777

قَالَ بَعْضُ الصَّالِحِینَ مَا أَدْرِی کَیْفَ أَعْجَبُ مِنَ الدُّنْیَا أَ مِنْ حُسْنِ مَنْظَرِهَا وَ قُبْحِ مَخْبَرِهَا أَمْ مِنْ ذَمِّ النَّاسِ لَهَا وَ تَنَاحُرِهِمْ عَلَیْهَا.

1778

قِیلَ لِبَعْضِهِمْ کَیْفَ أَصْبَحْتَ قَالَ آسِفاً عَلَی أَمْسِی کَارِهاً لِیَوْمِی مُتَّهِماً لِغَدِی.

1779

قِیلَ لِأَعْرَابِیٍّ کَیْفَ تَرَی الدَّهْرَ قَالَ خَدُوعاً خَلُوباً وَثُوباً غَلُوباً.

1780

قِیلَ لِصُوفِیٍّ لِمَ تَرَکْتَ الدُّنْیَا قَالَ لِأَنِّی مُنِعْتُ صَفْوَهَا وَ امْتَنَعْتُ مِنْ کَدِرِهَا.

1781

وَ قِیلَ لِآخَرَ لِمَ تَرَکْتَ الدُّنْیَا قَالَ لِأَنِّی عُدِمْتُ الْوَسِیلَةَ إِلَیْهَا إِلاَّ بِعِشْقِهَا وَ أَعْشَقُ مَا أَکُونُ لَهَا أَغْدَرُ مَا تَکُونُ بِی.

1782

وَ أُنْشِدَ لِبِشِرٍ الْحَافِی قَرِیرَ الْعَیْنِ لاَ وَلَدٌ یَمُوتُ

1783

قَالَ أَبُو حَیَّانَ سَمِعْتُ اِبْنَ الْقَصَّابِ الصُّوفِیَّ یَقُولُ اسْمَعْ وَ اسْکُتْ وَ انْظُرْ وَ اعْجَبْ.

1784

قَالَ اِبْنُ الْمُعْتَزِّ

مَلَّ سَقَامِی عُوَّدَهْ

ص :247

1785

وَ مِنَ الشِّعْرِ الْقَدِیمِ الْمُخْتَلَفِ فِی قَائِلِهِ

قَصْرُ الْجَدِیدِ إِلَی بَلَی

1786

قِیلَ لِصُوفِیٍّ کَیْفَ تَرَی الدُّنْیَا قَالَ وَ مَا الدُّنْیَا لاَ أَعْرِفُ لَهَا وُجُوداً قِیلَ لَهُ فَأَیْنَ قَلْبُکَ قَالَ عِنْدَ رَبِّی قِیلَ فَأَیْنَ رَبُّکَ قَالَ وَ أَیْنَ لَیْسَ هُوَ.

1787

قَالَ اِبْنُ عَائِشَةَ کَانَ یُقَالُ مُجَالَسَةُ أَهْلِ الدِّیَانَةِ تَجْلُو عَنِ الْقُلُوبِ صَدْأَ الذُّنُوبِ وَ مُجَالَسَةُ ذَوِی الْمُرُوءَاتِ تَدُلُّ عَلَی مَکَارِمِ الْأَخْلاَقِ وَ مُجَالَسَةُ الْعُلَمَاءِ تُزَکِّی النُّفُوسَ.

1788

وَ مِنْ کَلاَمِ بَعْضِ الْحُکَمَاءِ الْفُصَحَاءِ کُنْ لِنَفْسِکَ نَصِیحاً وَ اسْتَقْبِلْ تَوْبَةً نَصُوحاً وَ ازْهَدْ فِی دَارٍ سَمُّهَا نَاقِعٌ وَ طَائِرُهَا وَاقِعٌ وَ ارْغَبْ فِی دَارٍ طَالِبُهَا مُنْجِحٌ وَ صَاحِبُهَا مُفْلِحٌ وَ مَتَی حَقَّقْتَ وَ آثَرْتَ الصِّدْقَ بَانَ لَکَ أَنَّهُمَا لاَ یَجْتَمِعَانِ وَ أَنَّهُمَا کَالضِّدَّیْنِ لاَ یَصْطَلِحَانِ فَجَرِّدْ هَمَّکَ فِی تَحْصِیلِ الْبَاقِیَةِ فَإِنَّ الْأُخْرَی أَنْتَ فَانٍ عَنْهَا وَ هِیَ فَانِیَةٌ عَنْکَ وَ قَدْ عَرَفْتَ آثَارَهَا فِی أَصْحَابِهَا وَ رُفَقَائِهَا وَ صُنْعِهَا بِطُلاَّبِهَا وَ عُشَقَائِهَا مَعْرِفَةَ عِیَانٍ فَأَیُّ حُجَّةٍ تَبْقَی لَکَ وَ أَیُّ حُجَّةٍ لاَ تَثْبُتُ عَلَیْکَ.

1789

وَ مِنْ کَلاَمِ هَذَا الْحَکِیمِ فَإِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا فِی دَارٍ رَابِحُهَا خَاسِرٌ وَ نَائِلُهَا قَاصِرٌ وَ عَزِیزُهَا ذَلِیلٌ وَ صَحِیحُهَا عَلِیلٌ وَ الدَّاخِلُ إِلَیْهَا مُخْرَجٌ وَ الْمُطْمَئِنُّ فِیهَا مُزْعَجٌ وَ الذَّائِقُ مِنْ شَرَابِهَا سَکْرَانُ وَ الْوَاثِقُ بِسَرَابِهَا ظَمْآنُ ظَاهِرُهَا غُرُورٌ وَ بَاطِنُهَا شُرُورٌ وَ طَالِبُهَا

ص :248

مَکْدُودٌ وَ عَاشِقُهَا مَجْهُودٌ وَ تَارِکُهَا مَحْمُودٌ الْعَاقِلُ مَنْ قَلاَهَا وَ سَلاَ عَنْهَا وَ الظَّرِیفُ مَنْ عَافَهَا وَ أَنَّفَ مِنْهَا وَ السَّعِیدُ مَنْ غَمَضَ بَصَرَهُ عَنْ زَهْرَتِهَا وَ صَرَفَهُ عَنْ نَضْرَتِهَا وَ لَیْسَ لَهَا فَضِیلَةٌ إِلاَّ دَلاَلَتُهَا عَلَی نَفْسِهَا وَ إِشَارَتُهَا إِلَی نَقْصِهَا وَ لَعَمْرِی إِنَّهَا لَفَضِیلَةٌ لَوْ صَادَفَتْ قَلْباً عَقُولاً لاَ لِسَاناً قَئُولاً وَ عَمَلاً مَقْبُولاً لاَ لَفْظاً مَنْقُولاً فَإِلَی اللَّهِ الشَّکْوَی مِنْ هَوًی مُطَاعٍ وَ عُمُرٍ مُضَاعٍ فَبِیَدِهِ الدَّاءُ وَ الدَّوَاءُ وَ الْمَرَضُ وَ الشِّفَاءُ.

1790

قَالَ أَبُو حُرَّةَ أَتَیْنَا بَکْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرِّیَّ نَعُودُهُ فَدَخَلْنَا عَلَیْهِ وَ قَدْ قَامَ لِحَاجَتِهِ فَجَلَسْنَا نَنْتَظِرُهُ فَأَقْبَلَ إِلَیْنَا یُتَهَادَی بَیْنَ رَجُلَیْنِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَیْنَا سَلَّمَ عَلَیْنَا ثُمَّ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أُعْطِیَ قُوَّةً فَعَمِلَ بِهَا فِی طَاعَةِ اللَّهِ أَوْ قَصُرَ بِهِ ضَعْفٌ فَکَفَّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ.

1791

وَ قَالَ بَکْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَثَلُ الرَّجُلِ فِی الدُّنْیَا مَثَلُ رَجُلٍ لَهُ ثَلاَثَةُ خُلاَّنٍ قَالَ لَهُ أَحَدُهُمْ أَنَا خَازِنُکَ خُذْ مِنِّی مَا شِئْتَ فَاعْمَلْ بِهِ مَا شِئْتَ وَ قَالَ الْآخَرُ أَنَا مَعَکَ أَحْمِلُکَ وَ أَضَعُکَ فَإِذَا مِتَّ تَرَکْتُکَ وَ قَالَ الْآخَرُ أَنَا أَصْحَبُکَ أَبَداً حَیَاتَکَ وَ مَوْتَکَ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمَالُهُ وَ أَمَّا الثَّانِی فَعَشِیرَتُهُ وَ أَمَّا الثَّالِثُ فَعَمَلُهُ.

1792

قِیلَ لِلزُّهْرِیِّ مَنِ الزَّاهِدُ فِی الدُّنْیَا قَالَ مَنْ لَمْ یَمْنَعِ الْحَلاَلُ شُکْرَهُ وَ مَنْ لَمْ یَمْنَعِ الْحَرَامُ صَبْرَهُ.

1793

وَ قَالَ سُفْیَانُ الثَّوْرِیُّ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِمِثْلِ الْعَقْلِ وَ لاَ یَکُونُ الرَّجُلُ عَاقِلاً حَتَّی تَکُونَ فِیهِ عَشْرُ خِصَالٍ یَکُونُ الْکِبْرُ مِنْهُ مَأْمُوناً وَ الْخَیْرُ مِنْهُ مَأْمُولاً یَقْتَدِی بِمَنْ قَبْلَهُ وَ یَکُونُ إِمَاماً لِمَنْ بَعْدَهُ وَ حَتَّی یَکُونَ الذُّلُّ فِی طَاعَةِ اللَّهِ أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنَ الْعِزِّ فِی مَعْصِیَةِ اللَّهِ وَ حَتَّی یَکُونَ الْفَقْرُ فِی الْحَلاَلِ أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنَ الْغِنَی فِی الْحَرَامِ وَ حَتَّی یَکُونَ عَیْشُهُ الْقُوتَ وَ حَتَّی یَسْتَقِلَّ الْکَثِیرَ مِنْ عَمَلِهِ وَ یَسْتَکْثِرَ الْقَلِیلَ مِنْ عَمَلِ غَیْرِهِ وَ حَتَّی لاَ یَتَبَرَّمَ بِطَلَبِ الْحَوَائِجِ

ص :249

قِبَلَهُ وَ الْعَاشِرَةُ وَ مَا الْعَاشِرَةُ بِهَا شَادَ مَجْدُهُ وَ عَلاَ ذِکْرُهُ أَنْ یَخْرُجَ مِنْ بَیْتِهِ فَلاَ یَسْتَقْبِلُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ رَأَی أَنَّهُ دُونَهُ.

1794

قَالَ یُونُسُ بْنُ حَبِیبٍ کَانَ عِنْدَنَا بِالْبَصْرَةِ جُنْدِیٌّ عَابِدٌ فَأَحَبَّ الْغَزْوَ فَلَمَّا خَرَجَ شَیَّعْتُهُ فَقُلْتُ أَوْصِنِی فَقَالَ أُوصِیکَ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ أُوصِیکَ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ نُورُ اللَّیْلِ الْمُظْلِمِ وَ هُدَی النَّهَارِ الْمُشْرِقِ فَاعْمَلْ بِهِ عَلَی مَا کَانَ مِنْ جَهْدٍ وَ فَاقَةٍ فَإِنْ عَرَضَ بَلاَءٌ فَقَدِّمْ مَالَکَ دُونَ نَفْسِکَ فَإِنْ تَجَاوَزَ الْبَلاَءُ فَقَدِّمْ مَالَکَ وَ نَفْسَکَ دُونَ دِینِکَ وَ اعْلَمْ أَنَّ الْمَحْرُوبَ مَنْ حُرِبَ دِینُهُ وَ الْمَسْلُوبَ مَنْ سُلِبَ یَقِینُهُ إِنَّهُ لاَ غِنَی مَعَ اَلنَّارِ وَ لاَ فَقْرَ مَعَ اَلْجَنَّةِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لاَ یُفَکُّ أَسِیرُهَا وَ لاَ یَسْتَغْنِی فَقِیرُهَا.

1795

اِبْنُ الْمُبَارَکِ

کَانَ فِیمَا مَضَی جَبَّارٌ یَقْتُلُ النَّاسَ عَلَی أَکْلِ لُحُومِ الْخَنَازِیرِ فَلَمْ یَزَلِ الْأَمْرُ یَتَرَقَّی حَتَّی بَلَغَ إِلَی عَابِدٍ مَشْهُورٍ فَأَرَادَهُ عَلَی أَکْلِهَا وَ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ فَشَقَّ ذَلِکَ عَلَی النَّاسِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ شُرْطَتِهِ إِنِّی ذَابِحٌ لَکَ غَداً جَدْیاً فَإِذَا دَعَاکَ هَذَا الْجَبَّارُ لِتَأْکُلَ فَکُلْ فَإِنَّمَا هُوَ جَدْیٌ فَلَمَّا دَعَاهُ لِیَأْکُلَ أَبَی أَنْ یَأْکُلَ فَقَالَ أَخْرِجُوهُ وَ اضْرِبُوا عُنُقَهُ فَقَالَ لَهُ الشُّرْطِیُّ مَا مَنَعَکَ أَنْ تَأْکُلَ مِنْ لَحْمِ جَدْیٍ قَالَ إِنِّی رَجُلٌ مَنْظُورٌ إِلَیَّ وَ إِنِّی کَرِهْتُ أَنْ یَتَأَسَّی بِیَ النَّاسُ فِی مَعَاصِی اللَّهِ فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ.

1796

سُفْیَانُ الثَّوْرِیُّ

کَانَ رَجُلٌ یَبْکِی کَثِیراً فَقَالَ لَهُ أَهْلُهُ لَوْ قَتَلْتَ قَتِیلاً ثُمَّ أَتَیْتَ وَلِیَّهُ فَرَآکَ تَبْکِی هَذَا الْبُکَاءَ لَعَفَا عَنْکَ فَقَالَ قَدْ قَتَلْتُ نَفْسِی فَلَعَلَّ وَلِیَّهَا یَعْفُو عَنِّی.

1797

وَ کَانَ أَیُّوبُ السَّخْتِیَانِیُّ کَثِیرَ الْبُکَاءِ وَ کَانَ یُغَالِطُ النَّاسَ عَنْ بُکَائِهِ یَبْکِی مَرَّةً فَیَأْخُذُ أَنْفَهُ وَ یَقُولَ الزَّکْمَةُ رُبَّمَا عَرَضَتْ لِی وَ یَبْکِی مَرَّةً فَإِذَا اسْتَبَانَ مَنْ حَوْلَهُ بُکَاءَهُ قَالَ إِنَّ الشَّیْخَ إِذَا کَبِرَ مَجَّ (1) .

ص :250

1798

وَ مِنْ کَلاَمِ أَبِی حَیَّانَ التَّوْحِیدِیِّ فِی اَلْبَصَائِرِ مَا أَقُولُ فِی عَالَمٍ السَّاکِنُ فِیهِ وَجِلٌ وَ الصَّاحِی بَیْنَ أَهْلِهِ ثَمِلٌ وَ الْمُقِیمُ عَلَی ذُنُوبِهِ خَجِلٌ وَ الرَّاحِلُ عَنْهُ مَعَ تَمَادِیهِ عَجِلٌ وَ إِنَّ دَاراً هَذِهِ مِنْ آفَاتِهَا وَ صُرُوفِهَا لَمَحْقُوقَةٌ بِهِجْرَانِهَا وَ تَرْکِهَا وَ الصُّدُوفِ مِنْهَا خَاصَّةً وَ لاَ سَبِیلَ لِسَاکِنِهَا إِلَی دَارِ الْقَرَارِ إِلاَّ بِالزُّهْدِ فِیهَا وَ الرِّضَا بِالطَّفِیفِ مِنْهَا کَبُلْغَةِ الثَّاوِی وَ زَادِ الْمُنْطَلِقِ.

ص :251

بْنَ أَبِی طَالِبٍ ع

وَ عَقِیلاً أَخَاهُ وَ حَسَناً وَ حُسَیْناً ع وَ عَمَّاراً فَإِنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَهُ یُشَیِّعُونَهُ فَجَعَلَ الْحَسَنُ ع یُکَلِّمُ أَبَا ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ إِیهاً یَا حَسَنُ أَ لاَ تَعْلَمُ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ نَهَی عَنْ کَلاَمِ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ کُنْتَ لاَ تَعْلَمُ فَاعْلَمْ ذَلِکَ فَحَمَلَ عَلِیٌّ ع عَلَی مَرْوَانَ فَضَرَبَ بِالسَّوْطِ بَیْنَ أُذُنَیْ رَاحِلَتِهِ وَ قَالَ تَنَحَّ لَحَاکَ اللَّهُ إِلَی اَلنَّارِ .

فَرَجَعَ مَرْوَانُ مُغْضَباً إِلَی عُثْمَانَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَتَلَظَّی عَلَی عَلِیٍّ ع وَ وَقَفَ أَبُو ذَرٍّ فَوَدَّعَهُ الْقَوْمُ وَ مَعَهُ ذَکْوَانُ مَوْلَی أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِی طَالِبٍ .قَالَ ذَکْوَانُ فَحَفِظْتُ کَلاَمَ الْقَوْمِ وَ کَانَ حَافِظاً فَقَالَ عَلِیٌّ ع یَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّکَ غَضِبْتَ لِلَّهِ إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوکَ عَلَی دُنْیَاهُمْ وَ خِفْتَهُمْ عَلَی دِینِکَ فَامْتَحَنُوکَ بِالْقَلَی وَ نَفَوْکَ إِلَی الْفَلاَ وَ اللَّهِ لَوْ کَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضَ عَلَی عَبْدٍ رَتْقاً ثُمَّ اتَّقَی اللَّهَ لَجَعَلَ لَهُ مِنْهَا مَخْرَجاً یَا أَبَا ذَرٍّ لاَ یُؤْنِسَنَّکَ إِلاَّ الْحَقُّ وَ لاَ یُوحِشَنَّکَ إِلاَّ الْبَاطِلُ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَدِّعُوا عَمَّکُمْ وَ قَالَ لِعَقِیلٍ وَدِّعْ أَخَاکَ .

فَتَکَلَّمَ عَقِیلٌ فَقَالَ مَا عَسَی أَنْ نَقُولَ یَا أَبَا ذَرٍّ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّا نُحِبُّکَ وَ أَنْتَ تُحِبُّنَا فَاتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ التَّقْوَی نَجَاةٌ وَ اصْبِرْ فَإِنَّ الصَّبْرَ کَرَمٌ وَ اعْلَمْ أَنَّ اسْتِثْقَالَکَ الصَّبْرَ مِنَ الْجَزَعِ وَ اسْتِبْطَاءَکَ الْعَافِیَةَ مِنَ الْیَأْسِ فَدَعِ الْیَأْسَ وَ الْجَزَعَ.

ثُمَّ تَکَلَّمَ الْحَسَنُ فَقَالَ یَا عَمَّاهْ لَوْ لاَ أَنَّهُ لاَ یَنْبَغِی لِلْمُوَدِّعِ أَنْ یَسْکُتَ وَ لِلْمُشَیِّعِ أَنْ یَنْصَرِفَ لَقَصُرَ الْکَلاَمُ وَ إِنْ طَالَ الْأَسَفُ وَ قَدْ أَتَی الْقَوْمُ إِلَیْکَ مَا تَرَی فَضَعْ عَنْکَ الدُّنْیَا بِتَذَکُّرِ فَرَاغِهَا وَ شِدَّةِ مَا اشْتَدَّ مِنْهَا بِرَجَاءِ مَا بَعْدَهَا وَ اصْبِرْ حَتَّی تَلْقَی نَبِیَّکَ ص وَ هُوَ عَنْکَ رَاضٍ.

ثُمَّ تَکَلَّمَ اَلْحُسَیْنُ ع فَقَالَ یَا عَمَّاهْ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَادِرٌ أَنْ یُغَیِّرَ مَا قَدْ تَرَی

ص :253

وَ اللَّهُ کُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ وَ قَدْ مَنَعَکَ الْقَوْمُ دُنْیَاهُمْ وَ مَنَعْتَهُمْ دِینَکَ فَمَا أَغْنَاکَ عَمَّا مَنَعُوکَ وَ أَحْوَجَهُمْ إِلَی مَا مَنَعْتَهُمْ فَاسْأَلِ اللَّهَ الصَّبْرَ وَ النَّصْرَ وَ اسْتَعِذْ بِهِ مِنَ الْجَشَعِ وَ الْجَزَعِ فَإِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الدِّینِ وَ الْکَرَمِ وَ إِنَّ الْجَشَعَ لاَ یُقَدِّمُ رِزْقاً وَ الْجَزَعَ لاَ یُؤَخِّرُ أَجَلاً.

ثُمَّ تَکَلَّمَ عَمَّارٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مُغْضَباً فَقَالَ لاَ آنَسَ اللَّهُ مَنْ أَوْحَشَکَ وَ لاَ آمَنَ مَنْ أَخَافَکَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أَرَدْتَ دُنْیَاهُمْ لَأَمَّنُوکَ وَ لَوْ رَضِیتَ أَعْمَالَهُمْ لَأَحَبُّوکَ وَ مَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ یَقُولُوا بِقَوْلِکَ إِلاَّ الرِّضَا بِالدُّنْیَا وَ الْجَزَعَ مِنَ الْمَوْتِ مَالُوا إِلَی مَا سُلْطَانُ جَمَاعَتِهِمْ عَلَیْهِ وَ الْمُلْکُ لِمَنْ غَلَبَ فَوَهَبُوا لَهُمْ دِینَهُمْ وَ مَنَحَهُمُ الْقَوْمَ دُنْیَاهُمْ فَخَسِرُوا الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةَ أَلاٰ ذٰلِکَ هُوَ الْخُسْرٰانُ الْمُبِینُ .

فَبَکَی أَبُو ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ کَانَ شَیْخاً کَبِیراً وَ قَالَ رَحِمَکُمُ اللَّهُ یَا أَهْلَ بَیْتِ الرَّحْمَةِ إِذَا رَأَیْتُکُمْ ذَکَرْتُ بِکُمْ رَسُولَ اللَّهِ ص مَا لِی بِالْمَدِینَةِ سَکَنٌ وَ لاَ شَجَنٌ غَیْرَکُمْ إِنِّی ثَقُلْتُ عَلَی عُثْمَانَ بِالْحِجَازِ کَمَا ثَقُلْتُ عَلَی مُعَاوِیَةَ بِالشَّامِ وَ کَرِهَ أَنْ أُجَاوِرَ أَخَاهُ وَ ابْنَ خَالِهِ بِالْمِصْرَیْنِ فَأَفْسَدَ النَّاسَ عَلَیْهِمَا فَسَیَّرَنِی إِلَی بَلَدٍ لَیْسَ لِی بِهِ نَاصِرٌ وَ لاَ دَافِعٌ إِلاَّ اللَّهُ وَ اللَّهِ مَا أُرِیدُ إِلاَّ اللَّهَ صَاحِباً وَ مَا أَخْشَی مَعَ اللَّهِ وَحْشَةً.

وَ رَجَعَ الْقَوْمُ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَجَاءَ عَلِیٌّ ع إِلَی عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَکَ عَلَی رَدِّ رَسُولِی وَ تَصْغِیرِ أَمْرِی فَقَالَ عَلِیٌّ ع أَمَّا رَسُولُکَ فَأَرَادَ أَنْ یَرُدَّ وَجْهِی فَرَدَدْتُهُ وَ أَمَّا أَمْرُکَ فَلَمْ أُصَغِّرْهُ .

قَالَ أَ مَا بَلَغَکَ نَهْیِی عَنْ کَلاَمِ أَبِی ذَرٍّ قَالَ أَ وَ کُلَّمَا أَمَرْتَ بِأَمْرِ مَعْصِیَةٍ أَطَعْنَاکَ فِیهِ قَالَ عُثْمَانُ أَقِدْ مَرْوَانَ مِنْ نَفْسِکَ قَالَ مِمَّ ذَا قَالَ مِنْ شَتْمِهِ وَ جَذْبِ رَاحِلَتِهِ قَالَ أَمَّا رَاحِلَتُهُ فَرَاحِلَتِی بِهَا وَ أَمَّا شَتْمُهُ إِیَّایَ فَوَ اللَّهِ لاَ یَشْتِمُنِی شَتْمَةً إِلاَّ شَتَمْتُکَ مِثْلَهَا لاَ أَکْذِبُ عَلَیْکَ .

ص :254

فَغَضِبَ عُثْمَانُ وَ قَالَ لِمَ لاَ یَشْتِمُکَ کَأَنَّکَ خَیْرٌ مِنْهُ قَالَ عَلِیٌّ إِی وَ اللَّهِ وَ مِنْکَ ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ.

فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَی وُجُوهِ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ إِلَی بَنِی أُمَیَّةَ یَشْکُو إِلَیْهِمْ عَلِیّاً ع فَقَالَ الْقَوْمُ أَنْتَ الْوَالِی عَلَیْهِ وَ إِصْلاَحُهُ أَجْمَلُ قَالَ وَدِدْتُ ذَاکَ فَأَتَوْا عَلِیّاً ع فَقَالُوا لَوِ اعْتَذَرْتَ إِلَی مَرْوَانَ وَ أَتَیْتَهُ فَقَالَ کَلاَّ أَمَّا مَرْوَانُ فَلاَ آتِیهِ وَ لاَ أَعْتَذِرُ مِنْهُ وَ لَکِنْ إِنْ أَحَبَّ عُثْمَانُ أَتَیْتُهُ .

فَرَجَعُوا إِلَی عُثْمَانَ فَأَخْبَرُوهُ فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَیْهِ فَأَتَاهُ وَ مَعَهُ بَنُو هَاشِمٍ فَتَکَلَّمَ عَلِیٌّ ع فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا مَا وَجَدْتَ عَلَیَّ فِیهِ مِنْ کَلاَمِ أَبِی ذَرٍّ وَ وَدَاعِهِ فَوَ اللَّهِ مَا أَرَدْتُ مَسَاءَتَکَ وَ لاَ الْخِلاَفَ عَلَیْکَ وَ لَکِنْ أَرَدْتُ بِهِ قَضَاءَ حَقِّهِ وَ أَمَّا مَرْوَانُ فَإِنَّهُ اعْتَرَضَ یُرِیدُ رَدِّی عَنْ قَضَاءِ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَرَدَدْتُهُ رَدَّ مِثْلِی مِثْلَهُ وَ أَمَّا مَا کَانَ مِنِّی إِلَیْکَ فَإِنَّکَ أَغْضَبْتَنِی فَأَخْرَجَ الْغَضَبُ مِنِّی مَا لَمْ أُرِدْهُ .

فَتَکَلَّمَ عُثْمَانُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا مَا کَانَ مِنْکَ إِلَیَّ فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَکَ وَ أَمَّا مَا کَانَ مِنْکَ إِلَی مَرْوَانَ فَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْکَ وَ أَمَّا مَا حَلَفْتَ عَلَیْهِ فَأَنْتَ الْبَرُّ الصَّادِقُ فَأَدْنِ یَدَکَ فَأَخَذَ یَدَهُ فَضَمَّهَا إِلَی صَدْرِهِ.

فَلَمَّا نَهَضَ قَالَتْ قُرَیْشٌ وَ بَنُو أُمَیَّةَ لِمَرْوَانَ أَ أَنْتَ رَجُلٌ جَبَهَکَ عَلِیٌّ وَ ضَرَبَ رَاحِلَتَکَ وَ قَدْ تَفَانَتْ وَائِلٌ فِی ضَرْعِ نَاقَةٍ وَ ذُبْیَانُ وَ عَبَسُ فِی لَطْمَةِ فَرَسٍ وَ اَلْأَوْسُ وَ اَلْخَزْرَجُ فِی نِسْعَةٍ أَ فَتَحْمِلُ لِعَلِیٍّ ع مَا أَتَاهُ إِلَیْکَ فَقَالَ مَرْوَانُ وَ اللَّهِ لَوْ أَرَدْتُ ذَلِکَ لَمَا قَدَرْتُ عَلَیْهِ

.

و اعلم أن الذی علیه أکثر أرباب السیرة و علماء الأخبار و النقل أن عثمان نفی

ص :255

أبا ذر أولا إلی الشام ثم استقدمه إلی المدینة لما شکا منه معاویة ثم نفاه من المدینة إلی الربذة لما عمل بالمدینة نظیر ما کان یعمل بالشام .أصل هذه الواقعة

1800

أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا أَعْطَی مَرْوَانَ بْنَ الْحَکَمِ وَ غَیْرَهُ بُیُوتَ الْأَمْوَالِ وَ اخْتَصَّ زَیْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِشَیْءٍ مِنْهَا جَعَلَ أَبُو ذَرٍّ یَقُولُ بَیْنَ النَّاسِ وَ فِی الطُّرُقَاتِ وَ الشَّوَارِعِ بَشِّرِ الْکَافِرِینَ بِعَذَابٍ أَلِیمٍ وَ یَرْفَعُ بِذَلِکَ صَوْتَهُ وَ یَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَی وَ الَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لاٰ یُنْفِقُونَهٰا فِی سَبِیلِ اللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِیمٍ فَرُفِعَ ذَلِکَ إِلَی عُثْمَانَ مِرَاراً وَ هُوَ سَاکِتٌ.

ثُمَّ إِنَّهُ أَرْسَلَ إِلَیْهِ مَوْلَی مِنْ مَوَالِیهِ أَنِ انْتَهِ عَمَّا بَلَغَنِی عَنْکَ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ أَ وَ یَنْهَانِی عُثْمَانُ عَنْ قِرَاءَةِ کِتَابِ اللَّهِ تَعَالَی وَ عَیْبِ مَنْ تَرَکَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَی فَوَ اللَّهِ لَأَنْ أُرْضِی اللَّهَ بِسَخَطِ عُثْمَانَ أَحَبُّ إِلَیَّ وَ خَیْرٌ لِی مِنْ أَنْ أُسْخِطَ اللَّهَ بِرِضَا عُثْمَانَ .فَأَغْضَبَ عُثْمَانَ ذَلِکَ وَ أَحْفَظَهُ فَتَصَابَرَ وَ تَمَاسَکَ إِلَی أَنْ قَالَ عُثْمَانُ یَوْماً وَ النَّاسُ حَوْلَهُ أَ یَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ یَأْخُذَ مِنَ الْمَالِ شَیْئاً قَرْضاً فَإِذَا أَیْسَرَ قَضَی فَقَالَ کَعْبُ الْأَحْبَارِ لاَ بَأْسَ بِذَلِکَ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ یَا ابْنَ اَلْیَهُودِیَّیْنِ أَ تُعَلِّمُنَا دِینَنَا فَقَالَ عُثْمَانُ قَدْ کَثُرَ أَذَاکَ لِی وَ تَوَلُّعُکَ بِأَصْحَابِی الْحَقْ بِالشَّامِ فَأَخْرَجَهُ إِلَیْهَا.

فَکَانَ أَبُو ذَرٍّ یُنْکِرُ عَلَی مُعَاوِیَةَ أَشْیَاءَ یَفْعَلُهَا فَبَعَثَ إِلَیْهِ مُعَاوِیَةُ یَوْماً ثَلاَثَمِائَةِ دِینَارٍ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لِرَسُولِهِ إِنْ کَانَتْ مِنْ عَطَائِیَ الَّذِی حَرَمْتُمُونِیهِ عَامِی هَذَا أَقْبَلُهَا وَ إِنْ کَانَتْ صِلَةً فَلاَ حَاجَةَ لِی فِیهَا وَ رَدَّهَا عَلَیْهِ.

ثُمَّ بَنَی مُعَاوِیَةُ اَلْخَضْرَاءَ بِدِمَشْقَ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ یَا مُعَاوِیَةُ إِنْ کَانَتْ هَذِهِ مِنْ مَالِ اللَّهِ فَهِیَ الْخِیَانَةُ وَ إِنْ کَانَتْ مِنْ مَالِکَ فَهِیَ الْإِسْرَافُ وَ کَانَ أَبُو ذَرٍّ یَقُولُ بِالشَّامِ وَ اللَّهِ لَقَدْ حَدَثَتْ أَعْمَالٌ مَا أَعْرِفُهَا وَ اللَّهِ مَا هِیَ فِی کِتَابِ اللَّهِ وَ لاَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ ص

ص :256

وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَرَی حَقّاً یُطْفَأُ وَ بَاطِلاً یُحْیَا وَ صَادِقاً مُکَذَّباً وَ أَثَرَةً بِغَیْرِ تُقًی وَ صَالِحاً مُسْتَأْثَراً عَلَیْهِ.

قَالَ حَبِیبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِیُّ لِمُعَاوِیَةَ إِنَّ أَبَا ذَرٍّ لَمُفْسِدٌ عَلَیْکُمُ اَلشَّامَ فَتَدَارَکْ أَهْلَهُ إِنْ کَانَ لَکَ فِیهِ حَاجَةٌ.

1801

14- وَ رَوَی شَیْخُنَا أَبُو عُثْمَانَ الْجَاحِظُ فِی کِتَابِ اَلسُّفْیَانِیَّةِ عَنْ جُلاَمِ بْنِ جَنْدَلٍ الْغِفَارِیِّ قَالَ کُنْتُ غُلاَماً لِمُعَاوِیَةَ عَلَی قِنَّسْرِینَ وَ اَلْعَوَاصِمِ فِی خِلاَفَةِ عُثْمَانَ فَجِئْتُ إِلَیْهِ یَوْماً أَسْأَلُهُ عَنْ حَالِ عَمَلِی إِذْ سَمِعْتُ صَارِخاً عَلَی بَابِ دَارِهِ یَقُولُ أَتَتْکُمُ الْقِطَارُ تَحْمِلُ النَّارَ اللَّهُمَّ الْعَنِ الْآمِرِینَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِکِینَ لَهُ اللَّهُمَّ الْعَنْ النَّاهِینَ عَنِ الْمُنْکَرِ الْمُرْتَکِبِینَ لَهُ فَازْبَأَرَّ مُعَاوِیَةُ وَ تَغَیَّرَ لَوْنُهُ وَ قَالَ یَا جُلاَمُ أَ تَعْرِفُ الصَّارِخَ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ لاَ قَالَ مِنْ عَذِیرِی مِنْ جُنْدَبِ بْنِ جُنَادَةَ یَأْتِینَا کُلَّ یَوْمٍ فَیَصْرَخُ عَلَی بَابِ قَصْرِنَا بِمَا سَمِعْتَ ثُمَّ قَالَ أَدْخِلُوهُ عَلَیَّ فَجِیءَ بِأَبِی ذَرٍّ بَیْنَ قَوْمٍ یَقُودُونَهُ حَتَّی وَقَفَ بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ یَا عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّ رَسُولِهِ تَأْتِینَا فِی کُلِّ یَوْمٍ فَتَصْنَعُ مَا تَصْنَعُ أَمَا إِنِّی لَوْ کُنْتُ قَاتِلَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مِنْ غَیْرِ إِذْنِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عُثْمَانَ لَقَتَلْتُکَ وَ لَکِنِّی أَسْتَأْذِنُ فِیکَ قَالَ جُلاَمٌ وَ کُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَی أَبَا ذَرٍّ لِأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِی فَالْتَفَتُّ إِلَیْهِ فَإِذَا رَجُلٌ أَسْمَرُ ضَرْبٌ (1) مِنَ الرِّجَالِ خَفِیفُ الْعَارِضَیْنِ فِی ظَهْرِهِ جَنَأٌ (2) فَأَقْبَلَ عَلَی مُعَاوِیَةَ وَ قَالَ مَا أَنَا بِعَدُوٍّ لِلَّهِ وَ لاَ لِرَسُولِهِ بَلْ أَنْتَ وَ أَبُوکَ عَدُوَّانِ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ أَظْهَرْتُمَا اَلْإِسْلاَمَ وَ أَبْطَنْتُمَا الْکُفْرَ وَ لَقَدْ لَعَنَکَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ دَعَا عَلَیْکَ مَرَّاتٍ أَلاَّ تَشْبَعَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِذَا وَلِیَ الْأُمَّةَ الْأَعْیَنُ الْوَاسِعُ الْبُلْعُومِ الَّذِی یَأْکُلُ وَ لاَ یَشْبَعُ فَلْتَأْخُذِ الْأُمَّةُ حِذْرَهَا مِنْهُ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ مَا أَنَا ذَاکَ

ص :257

الرَّجُلُ قَالَ أَبُو ذَرٍّ بَلْ أَنْتَ ذَلِکَ الرَّجُلُ أَخْبَرَنِی بِذَلِکَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ وَ قَدْ مَرَرْتُ بِهِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ وَ لاَ تُشْبِعْهُ إِلاَّ بِالتُّرَابِ وَ سَمِعْتُهُ ص یَقُولُ اسْتُ مُعَاوِیَةَ فِی اَلنَّارِ فَضَحِکَ مُعَاوِیَةُ وَ أَمَرَ بِحَبْسِهِ وَ کَتَبَ إِلَی عُثْمَانَ فِیهِ.

فَکَتَبَ عُثْمَانُ إِلَی مُعَاوِیَةَ أَنِ احْمِلْ جُنْدَباً إِلَیَّ عَلَی أَغْلَظِ مَرْکَبٍ وَ أَوْعَرِهِ فَوَجَّهَ بِهِ مَعَ مَنْ سَارَ بِهِ اللَّیْلَ وَ النَّهَارَ وَ حَمَلَهُ عَلَی شَارِفٍ (1) لَیْسَ عَلَیْهَا إِلاَّ قَتَبٌ حَتَّی قَدِمَ بِهِ اَلْمَدِینَةَ وَ قَدْ سَقَطَ لَحْمُ فَخِذَیْهِ مِنَ الْجَهْدِ.

فَلَمَّا قَدِمَ بَعَثَ إِلَیْهِ عُثْمَانُ الْحَقْ بِأَیِّ أَرْضٍ شِئْتَ قَالَ بِمَکَّةَ قَالَ لاَ قَالَ بَیْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ لاَ قَالَ بِأَحَدِ اَلْمِصْرَیْنِ قَالَ لاَ وَ لَکِنِّی مُسَیِّرُکَ إِلَی رَبَذَةَ فَسَیَّرَهُ إِلَیْهَا فَلَمْ یَزَلْ بِهَا حَتَّی مَاتَ .

1802

14,1- وَ فِی رِوَایَةِ اَلْوَاقِدِیِّ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ لَمَّا دَخَلَ عَلَی عُثْمَانَ قَالَ لَهُ لاَ أَنْعَمَ اللَّهُ بِقَیْنٍ عَیْناً نَعَمْ وَ لاَ لَقَّاهُ یَوْماً زَیْناً تَحِیَّةَ السُّخْطِ إِذَا الْتَقَیْنَا فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ مَا عَرَفْتُ اسْمِی قَیْناً قَطُّ وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی لاَ أَنْعَمَ اللَّهُ بِکَ عَیْناً یَا جُنَیْدِبُ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ أَنَا جُنْدَبٌ وَ سَمَّانِی رَسُولُ اللَّهِ ص عَبْدَ اللَّهِ فَاخْتَرْتُ اسْمَ رَسُولِ اللَّهِ ص الَّذِی سَمَّانِی بِهِ عَلَی اسْمِی فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَنْتَ الَّذِی تَزْعُمُ أَنَّا نَقُولُ یَدُ اللّٰهِ مَغْلُولَةٌ وَ إِنَّ اللّٰهَ فَقِیرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِیٰاءُ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَوْ کُنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ هَذَا لَأَنْفَقْتُمْ مَالَ اللَّهِ عَلَی عِبَادِهِ وَ لَکِنِّی أَشْهَدُ أَنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِی الْعَاصِ ثَلاَثِینَ رَجُلاً جَعَلُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلاً وَ عِبَادَهُ خَوَلاً وَ دِینَهُ دَخَلاً.

فَقَالَ عُثْمَانُ لِمَنْ حَضَرَ أَ سَمِعْتُمُوهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالُوا لاَ قَالَ عُثْمَانُ وَیْلَکَ یَا أَبَا ذَرٍّ أَ تَکْذِبُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لِمَنْ حَضَرَ أَ مَا تَدْرُونَ أَنِّی صَدَقْتُ قَالُوا لاَ وَ اللَّهِ

ص :258

مَا نَدْرِی فَقَالَ عُثْمَانُ ادْعُوا لِی عَلِیّاً فَلَمَّا جَاءَ قَالَ عُثْمَانُ لِأَبِی ذَرٍّ اقْصُصْ عَلَیْهِ حَدِیثَکَ فِی بَنِی أَبِی الْعَاصِ فَأَعَادَهُ فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِیٍّ ع أَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ لاَ وَ قَدْ صَدَقَ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ کَیْفَ عَرَفْتَ صِدْقَهُ قَالَ لِأَنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَ لاَ أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ مِنْ ذِی لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِی ذَرٍّ فَقَالَ مَنْ حَضَرَ أَمَّا هَذَا فَسَمِعْنَاهُ کُلُّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ أُحَدِّثُکُمْ أَنِّی سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَتَتَّهِمُونَنِی مَا کُنْتُ أَظُنُّ أَنِّی أَعِیشُ حَتَّی أَسْمَعَ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ص

.

1803

1- وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ فِی خَبَرٍ آخَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ صَهْبَانَ مَوْلَی اَلْأَسْلَمِیِّینَ قَالَ رَأَیْتُ أَبَا ذَرٍّ یَوْمَ دُخِلَ بِهِ عَلَی عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ الَّذِی فَعَلْتَ وَ فَعَلْتَ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ نَصَحْتُکَ فَاسْتَغْشَشْتَنِی وَ نَصَحْتُ صَاحِبَکَ فَاسْتَغَشَّنِی قَالَ عُثْمَانُ کَذَبْتَ وَ لَکِنَّکَ تُرِیدُ الْفِتْنَةَ وَ تُحِبُّهَا قَدْ أَنْغَلْتَ (1) اَلشَّامَ عَلَیْنَا فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ اتَّبِعْ سُنَّةَ صَاحِبَیْکَ لاَ یَکُنْ لِأَحَدٍ عَلَیْکَ کَلاَمٌ فَقَالَ عُثْمَانُ مَا لَکَ وَ ذَلِکَ لاَ أُمَّ لَکَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ وَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ لِی عُذْراً إِلاَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیَ عَنِ الْمُنْکَرِ فَغَضِبَ عُثْمَانُ وَ قَالَ أَشِیرُوا عَلَیَّ فِی هَذَا الشَّیْخِ الْکَذَّابِ إِمَّا أَنْ أَضْرِبَهُ أَوْ أَحْبِسَهُ أَوْ أَقْتُلَهُ فَإِنَّهُ قَدْ فَرَّقَ جَمَاعَةَ اَلْمُسْلِمِینَ أَوْ أَنْفِیَهُ مِنْ أَرْضِ اَلْإِسْلاَمِ فَتَکَلَّمَ عَلِیٌّ ع وَ کَانَ حَاضِراً فَقَالَ أُشِیرُ عَلَیْکَ بِمَا قَالَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ وَ إِنْ یَکُ کٰاذِباً فَعَلَیْهِ کَذِبُهُ وَ إِنْ یَکُ صٰادِقاً یُصِبْکُمْ بَعْضُ الَّذِی یَعِدُکُمْ إِنَّ اللّٰهَ لاٰ یَهْدِی مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذّٰابٌ (2) فَأَجَابَهُ عُثْمَانُ بِجَوَابٍ غَلِیظٍ وَ أَجَابَهُ عَلِیٌّ ع بِمِثْلِهِ وَ لَمْ نَذْکُرِ الْجَوَابَیْنِ تَذَمُّماً مِنْهُمَا.

قَالَ اَلْوَاقِدِیُّ ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ حَظَرَ عَلَی النَّاسِ أَنْ یُقَاعِدُوا أَبَا ذَرٍّ أَوْ یُکَلِّمُوهُ فَمَکَثَ

ص :259

کَذَلِکَ أَیَّاماً ثُمَّ أَتَی بِهِ فَوَقَفَ بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ وَیْحَکَ یَا عُثْمَانُ أَ مَا رَأَیْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص وَ رَأَیْتَ أَبَا بَکْرٍ وَ عُمَرَ هَلْ هَدْیُکَ کَهَدْیِهِمْ أَمَا إِنَّکَ لَتَبْطِشُ بِی بَطْشَ جَبَّارٍ فَقَالَ عُثْمَانُ اخْرُجْ عَنَّا مِنْ بِلاَدِنَا فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ مَا أَبْغَضَ إِلَیَّ جِوَارَکَ فَإِلَی أَیْنَ أَخْرُجُ قَالَ حَیْثُ شِئْتَ قَالَ أَخْرُجُ إِلَی اَلشَّامِ أَرْضِ الْجِهَادِ قَالَ إِنَّمَا جَلَبْتُکَ مِنَ اَلشَّامِ لَمَّا قَدْ أَفْسَدْتَهَا أَ فَأَرُدُّکَ إِلَیْهَا قَالَ أَ فَأَخْرُجُ إِلَی اَلْعِرَاقِ قَالَ لاَ إِنَّکَ إِنْ تَخْرُجْ إِلَیْهَا تَقْدَمْ عَلَی قَوْمٍ أُولِی شَبَهٍ وَ طَعْنٍ عَلَی الْأَئِمَّةِ وَ الْوُلاَةِ قَالَ أَ فَأَخْرُجُ إِلَی مِصْرَ قَالَ لاَ قَالَ فَإِلَی أَیْنَ أَخْرُجُ قَالَ إِلَی الْبَادِیَةِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ ،أَصِیرُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَابِیّاً قَالَ نَعَمْ قَالَ أَبُو ذَرٍّ فَأَخْرُجُ إِلَی بَادِیَةِ نَجِدٍ قَالَ عُثْمَانُ بَلْ إِلَی الشَّرْقِ الْأَبْعَدِ أَقْصَی فَأَقْصَی امْضِ عَلَی وَجْهِکَ هَذَا فَلاَ تَعْدُوَنَّ اَلرَّبَذَةَ فَخَرَجَ إِلَیْهَا

.

1804

14- وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ أَیْضاً عَنْ مَالِکِ بْنِ أَبِی الرِّجَالِ عَنْ مُوسَی بْنِ مَیْسَرَةَ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِیَّ قَالَ کُنْتُ أُحِبُّ لِقَاءَ أَبِی ذَرٍّ لِأَسْأَلَهُ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِ إِلَی اَلرَّبَذَةِ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ أَ لاَ تُخْبِرُنِی أُخْرِجْتَ مِنَ اَلْمَدِینَةِ طَائِعاً أَمْ أُخْرِجْتَ کَرْهاً فَقَالَ کُنْتُ فِی ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ اَلْمُسْلِمِینَ أُغْنِی عَنْهُمْ فَأُخْرِجْتُ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَقُلْتُ دَارُ هِجْرَتِی وَ أَصْحَابِی فَأُخْرِجْتُ مِنَ اَلْمَدِینَةِ إِلَی مَا تَرَی ثُمَّ قَالَ بَیْنَا أَنَا ذَاتَ لَیْلَةٍ نَائِمٌ فِی اَلْمَسْجِدِ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِذْ مَرَّ بِی ع فَضَرَبَنِی بِرِجْلِهِ وَ قَالَ لاَ أَرَاکَ نَائِماً فِی اَلْمَسْجِدِ فَقُلْتُ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی غَلَبَتْنِی عَیْنِی فَنِمْتُ فِیهِ قَالَ فَکَیْفَ تَصْنَعُ إِذَا أَخْرَجُوکَ مِنْهُ قُلْتُ إِذًا أَلْحَقُ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ وَ أَرْضُ الْجِهَادِ قَالَ فَکَیْفَ تَصْنَعُ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهَا قُلْتُ أَرْجِعُ إِلَی اَلْمَسْجِدِ قَالَ فَکَیْفَ تَصْنَعُ

ص :260

إِذَا أَخْرَجُوکَ مِنْهُ قُلْتُ آخُذُ سَیَفِی فَأَضْرِبُهُمْ بِهِ فَقَالَ أَ لاَ أَدُلُّکَ عَلَی خَیْرٍ مِنْ ذَلِکَ انْسَقْ مَعَهُمْ حَیْثُ سَاقُوکَ وَ تَسْمَعُ وَ تُطِیعُ فَسَمِعْتُ وَ أَطَعْتُ وَ أَنَا أَسْمَعُ وَ أُطِیعُ وَ اللَّهِ لَیَلْقَیَنَّ اللَّهَ عُثْمَانُ وَ هُوَ آثِمٌ فِی جَنْبِی

.

و اعلم أن أصحابنا رحمهم اللّه قد رووا أخبارا کثیرة معناها أنّه أخرج إلی الربذة باختیاره.

1805

وَ حَکَی قَاضِی الْقُضَاةِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی اَلْمُغْنِی عَنْ شَیْخِنَا أَبِی عَلِیِّ ٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِی أَمْرِ أَبِی ذَرٍّ وَ أَنَّ الرِّوَایَةَ وَرَدَتْ بِأَنَّهُ قِیلَ لَهُ أَ عُثْمَانُ أَنْزَلَکَ اَلرَّبَذَةَ فَقَالَ لاَ بَلْ أَنَا اخْتَرْتُ لِنَفْسِی ذَلِکَ.

1806

14- وَ رَوَی أَبُو عَلِیٍّ أَیْضاً أَنَّ مُعَاوِیَةَ کَتَبَ یَشْکُوهُ وَ هُوَ بِالشَّامِ فَکَتَبَ إِلَیْهِ عُثْمَانُ أَنْ صِرْ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَلَمَّا صَارَ إِلَیْهَا قَالَ لَهُ مَا أَخْرَجَکَ إِلَی اَلشَّامِ قَالَ إِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِذَا بَلَغَتْ عِمَارَةُ اَلْمَدِینَةِ مَوْضِعَ کَذَا فَاخْرُجْ مِنْهَا فَلِذَلِکَ خَرَجْتُ فَقَالَ أَیُّ الْبِلاَدِ أَحَبُّ إِلَیْکَ بَعْدَ اَلشَّامِ قَالَ اَلرَّبَذَةُ فَقَالَ صِرْ إِلَیْهَا .

1807

وَ رَوَی اَلشَّیْخُ أَبُو عَلِیٍّ أَیْضاً عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِی ذَرٍّ وَ هُوَ بِالرَّبَذَةِ مَا أَنْزَلَکَ هَذَا الْمَنْزِلَ قَالَ أُخْبِرُکَ أَنِّی کُنْتُ بِالشَّامِ فَذَکَرْتُ قَوْلَهُ تَعَالَی وَ الَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لاٰ یُنْفِقُونَهٰا (1) فَقَالَ لِی مُعَاوِیَةُ هَذِهِ نَزَلَتْ فِی أَهْلِ الْکِتَابِ فَقُلْتُ فِیهِمْ وَ فِینَا فَکَتَبَ مُعَاوِیَةُ إِلَی عُثْمَانَ فِی ذَلِکَ فَکَتَبَ إِلَیَّ أَنْ اقْدَمْ فَقَدِمْتُ عَلَیْهِ فَانْثَالَ النَّاسُ إِلَیَّ کَأَنَّهُمْ لَمْ یَعْرِفُونِی فَشَکَوْتُ ذَلِکَ إِلَی عُثْمَانَ فَخَیَّرَنِی وَ قَالَ انْزِلْ حَیْثُ شِئْتَ فَنَزَلْتُ اَلرَّبَذَةَ .

و نحن نقول هذه الأخبار و إن کانت قد رویت لکنها لیست فی الاشتهار

ص :261

و الکثرة کتلک الأخبار و الوجه أن یقال فی الاعتذار عن عثمان و حسن الظنّ بفعله أنّه خاف الفتنة و اختلاف کلمة المسلمین فغلب علی ظنه أن إخراج أبی ذر إلی الربذة أحسم للشغب و أقطع لأطماع من یشرئب إلی شق العصا فأخرجه مراعاة للمصلحة و مثل ذلک یجوز للإمام هکذا یقول أصحابنا المعتزلة و هو الألیق بمکارم الأخلاق فقد قال الشاعر إذا ما أتت من صاحب لک زلة فکن أنت محتالا لزلته عذرا و إنّما یتأول أصابنا لمن یحتمل حاله التأویل کعثمان فأما من لم یحتمل حاله التأویل و إن کانت له صحبة سالفة کمعاویة و أضرابه فإنهم لا یتأولون لهم إذا کانت أفعالهم و أحوالهم لا وجه لتأویلها و لا تقبل العلاج و الإصلاح

ص :262

و فی المثل الطعن یظأر أی یعطف علی الصلح (1) و ظأرت الناقة أیضا إذا عطفت علی البو یتعدی و لا یتعدی فهی ظئور.

و الوعوعة الصوت و الوعواع مثله .

و قوله هیهات أن أطلع بکم سرار العدل یفسره الناس بمعنی هیهات أن أطلعکم مضیئین و منورین لسرار العدل و السرار آخر لیلة فی الشهر و تکون مظلمة و یمکن عندی أن یفسر علی وجه آخر و هو أن یکون السرار هاهنا بمعنی السرور و هی خطوط مضیئة فی الجبهة و قد نص أهل اللغة علی أنّه یجوز سرر و سرار و قالوا و یجمع سرار علی أسرة مثل حمار و أحمرة قال عنترة بزجاجة صفراء ذات أسرة قرنت بأزهر فی الشمال مفدم (2) یصف الکأس و یقول إن فیها خطوطا بیضا و هی زجاج أصفر و یقولون برقت أسرة وجهه و أساریر وجهه فیکون معنی کلامه ع هیهات أن تلمع بکم لوامع العدل و تنجلی أوضاحه و یبرق وجهه و یمکن فیه أیضا وجه آخر و هو أن ینصب سرار هاهنا علی الظرفیة و یکون التقدیر هیهات أن أطلع بکم الحق زمان استسرار العدل و استخفائه فیکون قد حذف المفعول و حذفه کثیر .

ثمّ ذکر أن الحروب التی کانت منه لم تکن طلبا للملک و لا منافسة علی الدنیا و لکن لتقام حدود اللّه علی وجهها و یجری أمر الشریعة و الرعیة علی ما کان یجری علیه أیّام النبوّة .

ثمّ ذکر أنّه سبق المسلمین کلهم إلی التوحید و المعرفة و لم یسبقه بالصلاة أحد إلاّ رسول اللّه ص و هکذا روی جمهور المحدثین و قد تقدم ذکر ذلک.

ص :264

فإن قلت أی وجه لإدخال هذا الکلام فی غضون مقصده فی هذه الخطبة فإنها مبنیة علی ذمّ أصحابه و تقریر قاعدة الإمامة و أنّه لا یجوز أن یلیها الفاسق و أنّه لا بدّ للإمام من صفات مخصوصة عددها ع و کل هذا لا تعلق لسبقه إلی الإسلام قلت بل الکلام متعلق بعضه ببعض من وجهین أحدهما أنّه لما قال اللّهمّ إنک تعلم أنی ما سللت السیف طلبا للملک أراد أن یؤکد هذا القول فی نفوس السامعین فقال أنا أول من أسلم و لم یکن الإسلام حینئذ معروفا أصلا و من یکون إسلامه هکذا لا یکون قد قصد بإسلامه إلاّ وجه اللّه تعالی و القربة إلیه فمن تکون هذه حاله فی مبدإ أمره کیف یخطر ببال عاقل أنّه یطلب الدنیا و حطامها و یجرد علیها السیف فی آخر عمره و وقت انقضاء مدة عمره.

و الوجه الثانی أنّه إذا کان أول السابقین وجب أن یکون أقرب المقربین لأنّه تعالی قال وَ السّٰابِقُونَ السّٰابِقُونَ أُولٰئِکَ الْمُقَرَّبُونَ (1) أ لا تری أنّه إذا قال الملک العالمون العاملون هم المختصون بنا وجب أن یکون أعلمهم أشدهم به اختصاصا و إذا کان ع أقرب المقربین وجب أن تنتفی عنه الموانع الستة التی جعل کل واحد منها صادا عن الإمامة و قاطعا عن استحقاقها و هی البخل و الجهل و الجفاء أی الغلظة العصبیّة فی دولته أی تقدیم قوم علی قوم و الارتشاء فی الحکم و التعطیل للسنة و إذا انتفت عنه هذه الموانع الستة تعین أن یکون هو الإمام لأن شروط الإمامة موجودة فیه بالاتفاق فإذا کانت موانعها عنه منتفیة و لم یحصل لغیره اجتماع الشروط و ارتفاع الموانع وجب أن یکون هو الإمام لأنّه لا یجوز خلو العصر من إمام سواء کانت هذه القضیة عقلیة أو سمعیة.

ص :265

فإن قلت أ فتراه عنی بهذا قوما بأعیانهم قلت الإمامیّة تزعم أنّه رمز فی الجفاء و العصبیّة لقوم دون قوم إلی عمر و رمز بالجهل إلی من کان قبله و رمز بتعطیل السنة إلی عثمان و معاویة و أمّا نحن فنقول إنّه ع لم یعن ذلک و إنّما قال قولا کلیا غیر مخصوص و هذا هو اللائق بشرفه ع و قول الإمامیّة دعوی لا دلیل علیها و لا یعدم کل أحد أن یستنبط من کل کلام ما یوافق غرضه و إن غمض و لا یجوز أن تبنی العقائد علی مثل هذه الاستنباطات الدقیقة .

و النهمة الهمة الشدیدة بالأمر قد نهم بکذا بالضم فهو منهوم أی مولع به حریص علیه یقول إذا کان الإمام بخیلا کان حرصه و جشعه علی أموال رعیته و من رواها نهمته بالتحریک فهی إفراط الشهوة فی الطعام و الماضی نهم بالکسر .

قوله ع فیقطعهم بجفائه أی یقطعهم عن حاجاتهم لغلظته علیهم لأن الوالی إذا کان غلیظا جافیا أتعب الرعیة و قطعهم عن مراجعته فی حاجاتهم خوفا من بادرته و معرته .

قوله و لا الحائف للدول أی الظالم لها و الجائر علیها و الدول جمع دولة بالضم و هی اسم المال المتداول به و یقال هذا الفیء دولة بینهم أی یتداولونه و المعنی أنّه یجب أن یکون الإمام یقسم بالسویة و لا یخص قوما دون قوم علی وجه العصبیّة لقبیلة دون قبیلة أو لإنسان من المسلمین دون غیره فیتخذ بذلک بطانة .

قوله فیقف بها دون المقاطع المقاطع جمع مقطع و هو ما ینتهی الحق إلیه أی لا تصل الحقوق إلی أربابها لأجل ما أخذ من الرشوة علیها.

ص :266

فإن قلت فما باله قال فی المانع السادس فیهلک الأمة و کل واحد من الموانع قبله یفضی إلی هلاک الأمة.

قلت کل واحد من الموانع الخمسة یفضی إلی هلاک بعض الأمة و أمّا من یعطل السنة أصلا فإنّه لا محالة مهلک للأمة کلها لأنّه إذا عطل السنة مطلقا عادت الجاهلیة الجهلاء کما کانت.

و قد روی و لا الخائف الدول بالخاء المعجمة و نصب الدول أی من یخاف دول الأیّام و تقلبات الدهر فیتخذ قوما دون قوم ظهریا و هذا معنی لا بأس به

ص :267

وَ مِنْهَا فَإِنَّهُ وَ اللَّهِ الْجِدُّ لاَ اللَّعِبُ وَ الْحَقُّ لاَ الْکَذِبُ وَ مَا هُوَ إِلاَّ الْمَوْتُ أَسْمَعَ دَاعِیهِ وَ أَعْجَلَ حَادِیهِ فَلاَ یَغُرَّنَّکَ سَوَادُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِکَ وَ قَدْ رَأَیْتَ مَنْ کَانَ قَبْلَکَ مِمَّنْ جَمَعَ الْمَالَ وَ حَذِرَ الْإِقْلاَلَ وَ أَمِنَ الْعَوَاقِبَ طُولَ أَمَلٍ وَ اسْتِبْعَادَ أَجَلٍ کَیْفَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ عَنْ وَطَنِهِ وَ أَخَذَهُ مِنْ مَأْمَنِهِ مَحْمُولاً عَلَی أَعْوَادِ الْمَنَایَا یَتَعَاطَی بِهِ الرِّجَالُ الرِّجَالَ حَمْلاً عَلَی الْمَنَاکِبِ وَ إِمْسَاکاً بِالْأَنَامِلِ أَ مَا رَأَیْتُمُ الَّذِینَ یَأْمُلُونَ بَعِیداً وَ یَبْنُونَ مَشِیداً وَ یَجْمَعُونَ کَثِیراً کَیْفَ أَصْبَحَتْ بُیُوتُهُمْ قُبُوراً وَ مَا جَمَعُوا بُوراً وَ صَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِینَ وَ أَزْوَاجُهُمْ لِقَوْمٍ آخَرِینَ لاَ فِی حَسَنَةٍ یَزِیدُونَ وَ لاَ مِنْ سَیِّئَةٍ یَسْتَعْتِبُونَ [یُسْتَعْتَبُونَ]

فَمَنْ أَشْعَرَ التَّقْوَی قَلْبَهُ بَرَزَ مَهَلُهُ وَ فَازَ عَمَلُهُ فَاهْتَبِلُوا هَبَلَهَا وَ اعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا فَإِنَّ الدُّنْیَا لَمْ تُخْلَقْ لَکُمْ دَارَ مُقَامٍ بَلْ خُلِقَتْ لَکُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا الْأَعْمَالَ إِلَی دَارِ الْقَرَارِ فَکُونُوا مِنْهَا عَلَی أَوْفَازٍ وَ قَرِّبُوا الظُّهُورَ لِلزِّیَالِ .

قوله ع فإنه و اللّه الجد الضمیر للأمر و الشأن الذی خاض معهم فی ذکره و وعظهم بنزوله ثمّ أوضحه بعد إجماله فقال إنّه الموت الذی دعا فأسمع و حدا فأعجل .

ص :269

و سواد الناس عامتهم.

و من هاهنا إمّا بمعنی الباء أی لا یغرنک الناس بنفسک و صحتک و شبابک فتستبعد الموت اغترارا بذلک فتکون متعلقة بالظاهر و إمّا أن تکون متعلقة بمحذوف تقدیره متمکنا من نفسک و راکنا إلیها .

و الإقلال الفقر و طول أمل منصوب علی أنّه مفعول.

فإن قلت المفعول له ینبغی أن یکون الفعل علة فی المصدر و هاهنا لیس الأمن علة طول الأمل بل طول الأمل علة الأمن قلت کما یجوز أن یکون طول الأمل علة الأمن یجوز أن یکون الأمن علة طول الأمل أ لا تری أن الإنسان قد یأمن المصائب فیطول أمله فی البقاء و وجوه المکاسب لأجل ما عنده من الأمن و یجوز أن ینصب طول أمل علی البدل من المفعول المنصوب برأیت و هو من و یکون التقدیر قد رأیت طول أمل من کان و هذا بدل الاشتمال و قد حذف منه الضمیر العائد کما حذف من قوله تعالی قُتِلَ أَصْحٰابُ الْأُخْدُودِ اَلنّٰارِ ... (1) .

و أعواد المنایا النعش و یتعاطی به الرجال الرجال یتداولونه تارة علی أکتاف هؤلاء و تارة علی أکتاف هؤلاء و قد فسر ذلک بقوله حملا علی المناکب و إمساکا بالأنامل .

و المشید المبنی بالشید و هو الجص .

البور الفاسد الهالک و قوم بور أی هلکی قال سبحانه وَ کُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (2) و هو جمع واحدة بائر کحائل و حول.

ص :270

و یستعتبون هاهنا یفسر بتفسیرین علی اختلاف الروایتین فمن رواه بالضم علی فعل ما لم یسم فاعله فمعناه لا یعاتبون علی فعل سیئة صدرت منهم کما کانوا فی أیّام حیاتهم أی لا یعاتبهم الناس أو لا یستطیعون و هم موتی أن یسیئوا إلی أحد إساءة علیها و من رواه یستعتبون بفتح حرف المضارعة فهو من استعتب فلان أی طلب أن یعتب أی یرضی تقول استعتبته فأعتبنی أی استرضیته فأرضانی .

و أشعر فلان التقوی قلبه جعله کالشعار له أی یلازمه ملازمة شعار الجسد.

و برز مهله و یروی بالرفع و النصب فمن رواه بالرفع جعله فاعل برز أی من فاق شوطه برز الرجل علی أقرانه أی فاقهم و المهل شوط الفرس و من رواه بالنصب جعل برز بمعنی أبرز أی أظهر و أبان فنصب حینئذ علی المفعولیة .

و اهتبلت غرة زید أی اغتنمتها و الهبال الصیاد الذی یهتبل الصید أن یغره و ذئب هبل أی محتال هبلها منصوب علی المصدر کأنّه من هبل مثل غضب غضبا أی اغتنموا و انتهزوا الفرصة الانتهاز الذی یصلح لهذه الحال أی لیکن هذا الاهتبال بجد و همة عظیمة فإن هذه الحال حال عظیمة لا یلیق بها إلاّ الاجتهاد العظیم .

و کذا قوله و اعملوا للجنة عملها أی العمل الذی یصلح أن یکون ثمرته الجنة .

و دار مقام أی دار إقامة و المجاز الطریق یجاز علیه إلی المقصد .

و الأوفاز جمع وفز بسکون الفاء و هو العجلة و الظهور الرکاب جمع ظهر و بنو فلان مظهرون أی لهم ظهور ینقلون علیها الأثقال کما یقال منجبون إذا کانوا أصحاب نجائب و الزیال المفارقة زایله مزایلة و زیالا أی فارقه

ص :271

قوله و قدحت له من قضبانها بالضم جمع قضیب و هو الغصن و المعنی أنّه بقدرته أخرج من الشجر الأخضر نارا و النار ضد هذا الجسم المخصوص و هذا هو قوله تعالی اَلَّذِی جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نٰاراً فَإِذٰا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (1) بعینه .

و آتت أکلها أعطت ما یؤکل منها و هو أیضا من الألفاظ القرآنیة (2) .

و الیانعة الناضجة و بکلماته أی بقدرته و مشیئته و هذه اللفظة من الألفاظ المنقولة علی أحد الأقسام الأربعة المذکورة فی کتبنا فی أصول الفقه و هو استعمال لفظة متعارفة فی اللغة العربیة فی معنی لم یستعملها أهل اللغة فیه کنقل لفظة الصلاة الذی هو فی أصل اللغة للدعاء إلی هیئات و أوضاع مخصوصة و لم تستعمل العرب تلک اللفظة فیها و لا یصحّ قول من قال المراد بذلک قوله کن لأنّه تعالی لا یجوز أن یخاطب المعدوم و قوله تعالی إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَیْءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ (3) من باب التوسع و الاستعارة المملوء منهما القرآن و المراد سرعة المؤاتاة و عجلة الإیجاد و أنّه إذا أراد من أفعاله أمرا کان مِنْهَا وَ کِتَابُ اللَّهِ بَیْنَ أَظْهُرِکُمْ نَاطِقٌ لاَ یَعْیَا لِسَانُهُ وَ بَیْتٌ لاَ تُهْدَمُ أَرْکَانُهُ وَ عِزٌّ لاَ تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ.

ص :273

یقال هو نازل بین أظهرهم و بین ظهریهم و بین ظهرانیهم بفتح النون أی نازل بینهم فإن قلت لما ذا قالت العرب بین أظهرهم و لم تقل بین صدورهم قلت أرادت بذلک الإشعار بشدة المحاماة عنه و المراماة من دونه لأن النزیل إذا حامی القوم عنه استقبلوا شبا الأسنة و أطراف السیوف عنه بصدورهم و کان هو محروسا مصونا عن مباشرة ذلک وراء ظهورهم .

و لا یعیا لسانه لا یکل عییت بالمنطق فأنا عیی علی فعیل و یجوز عی الرجل فی منطقه بالتشدید فهو عی علی فعل مِنْهَا أَرْسَلَهُ عَلَی حِینِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَ تَنَازُعٍ مِنَ الْأَلْسُنِ فَقَفَّی بِهِ الرُّسُلَ وَ خَتَمَ بِهِ الْوَحْیَ فَجَاهَدَ فِی اللَّهِ الْمُدْبِرِینَ عَنْهُ وَ الْعَادِلِینَ بِهِ .

الضمیر فی أرسله راجع إلی النبیّ ص و هو مذکور فی کلام لم یحکه جامع الکتاب.

و الفترة زمان انقطاع الوحی و التنازع من الألسن أن قوما فی الجاهلیة کانوا یعبدون

ص :274

الصنم و قوما یعبدون الشمس و قوما یعبدون الشیطان و قوما یعبدون المسیح فکل طائفة تجادل مخالفیها بألسنتها لتقودها إلی معتقدها .

و قفی به الرسل أتبعها به قال سبحانه ثُمَّ قَفَّیْنٰا عَلیٰ آثٰارِهِمْ بِرُسُلِنٰا (1) و منه الکلام المقفی و سمیت قوافی الشعر لأن بعضها یتبع بعضا .

و العادلین به الجاعلین له عدیلا أی مثلا و هو من الألفاظ القرآنیة أیضا قال اللّه تعالی بِرَبِّهِمْ یَعْدِلُونَ (2) مِنْهَا وَ إِنَّمَا الدُّنْیَا مُنْتَهَی بَصَرِ الْأَعْمَی لاَ یُبْصِرُ مِمَّا وَرَاءَهَا شَیْئاً وَ الْبَصِیرُ یَنْفُذُهَا بَصَرُهُ وَ یَعْلَمُ أَنَّ الدَّارَ وَرَاءَهَا فَالْبَصِیرُ مِنْهَا شَاخِصٌ وَ الْأَعْمَی إِلَیْهَا شَاخِصٌ وَ الْبَصِیرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ وَ الْأَعْمَی لَهَا مُتَزَوِّدٌ .

شبه الدنیا و ما بعدها بما یتصوره الأعمی من الظلمة التی یتخیلها و کأنها محسوسة له و لیست بمحسوسة علی الحقیقة و إنّما هی عدم الضوء کمن یطلع فی جب ضیق فیتخیل ظلاما فإنّه لم یر شیئا و لکن لما عدم الضوء فلم ینفذ البصر تخیل أنّه یری الظلمة فأما من یری المبصرات فی الضیاء فإن بصره ینفذ فیشاهد المحسوسات یقینا و هذه حال

ص :275

الدنیا و الآخرة أهل الدنیا منتهی بصرهم دنیاهم و یظنون أنهم یبصرون شیئا و لیسوا بمبصرین علی الحقیقة و لا حواسهم نافذة فی شیء و أهل الآخرة قد نفذت أبصارهم فرأوا الآخرة و لم یقف إحساسهم علی الدنیا خاصّة فأولئک هم أصحاب الأبصار علی الحقیقة و هذا معنی شریف من معانی أصحاب الطریقة و الحقیقة و إلیه الإشارة بقوله سبحانه أَمْ لَهُمْ أَعْیُنٌ یُبْصِرُونَ بِهٰا (1) فأما قوله فالبصیر منها شاخص و الأعمی إلیها شاخص فمن مستحسن التجنیس و هذا هو الذی یسمیه أرباب الصناعة الجناس التام فالشاخص الأول الراحل و الشاخص الثانی من شخص بصره بالفتح إذا فتح عینه نحو الشیء مقابلا له و جعل لا یطرف

زمان القیامة و إن طال لکنه عند اللّه فی حکم الساعة الواحدة لأن قدرته لا یعجزها أمر و لا یطول عندها زمان فیکون إطلاق لفظ الساعة علی أحد الموضعین حقیقة و علی الآخر مجازا و ذلک یخرج الکلام عن حدّ التجنیس کما لو قلت رکبت حمارا و لقیت حمارا و أردت بالثانی البلید.

و أیضا فلم لا یجوز أن یکون أراد بقوله وَ یَوْمَ تَقُومُ اَلسّٰاعَةُ الأولی خاصّة من زمان البعث فیکون لفظ الساعة مستعملا فی الموضعین حقیقة بمعنی واحد فیخرج عن التجنیس و عن مشابهة التجنیس بالکلیة.

قالوا و ورد فی السنة من التجنیس التام خبر واحد و

1808

14- هُوَ قَوْلُهُ ص لِقَوْمٍ مِنَ اَلصَّحَابَةِ کَانُوا یَتَنَازَعُونَ جَرِیرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِیَّ فِی زِمَامِ نَاقَتِهِ خَلَّوْا بَیْنَ جَرِیرٍ وَ الْجَرِیرِ .

فالجریر الثانی الحبل.

و جاء من ذلک فی الشعر لأبی تمام قوله فأصبحت غرر الإسلام مشرقة بالنصر تضحک عن أیامک الغرر (1) فالغرر الأولی مستعارة من غرة الوجه و الغرر الثانیة من غرة الشیء و هی أکرمه و کذلک قوله من القوم جعد أبیض الوجه و الندی و لیس بنان یجتدی منه بالجعد (2) فالجعد الأول السیّد و الثانی ضد السبط و هو من صفات البخیل.

و کذلک قوله بکل فتی ضرب یعرض للقنا محیا محلی حلیة الطعن و الضرب (3)

ص :277

فالضرب الأول الرجل الخفیف و الثانی مصدر ضرب.

و کذلک قوله عداک حر الثغور المستضامة عن برد الثغور و عن سلسالها الحصب (1) فأحدهما جمع ثغر و هو ما یتاخم العدو من بلاد الحرب و الثانی للأسنان.

و من هذه القصیدة کم أحرزت قضب الهندی مصلته

و قد أکثر الناس فی استحسان هذا التجنیس و أطنبوا و عندی أنّه لیس بتجنیس أصلا لأن تسمیة السیوف قضبا و تسمیة الأغصان قضبا کله بمعنی واحد و هو القطع فلا تجنیس إذا و کذلک البیض للسیوف و البیض للنساء کله بمعنی البیاض فبطل معنی التجنیس و أظننی ذکرت هذا أیضا فی کتاب الفلک الدائر (2) .قالوا و من هذا القسم قوله أیضا إذا الخیل جابت قسطل الخیل صدعوا صدور العوالی فی صدور الکتائب (3) و هذا عندی أیضا لیس بتجنیس لأن الصدور فی الموضعین بمعنی واحد و هو جزء الشیء المتقدم البارز عن سائره فأما قوله أیضا عامی و عام العیس بین ودیقة مسجورة و تنوفة صیخود (4)

ص :278

حتی أغادر کل یوم بالفلا

للطیر عیدا من بنات العید (1)

فإنه من التجنیس التام لا شبهة فی ذلک لاختلاف المعنی فالعید الأول هو الیوم المعروف من الأعیاد و العید الثانی فحل من فحول الإبل.

و نحو هذا قول أبی نواس عباس عباس إذا احتدم الوغی و الفضل فضل و الربیع ربیع (2) و قول البحتری إذا العین راحت و هی عین علی الهوی فلیس بسر ما تسر الأضالع (3) فالعین الثانیة الجاسوس و الأولی العین المبصرة و للغزی المتأخر قصیدة أکثر من التجنیس التام فیها أولها لو زارنا طیف ذات الخال أحیانا و نحن فی حفر الأجداث أحیانا و قال فی أثنائها تقول أنت امرؤ جاف مغالطة فقلت لا هومت أجفان أجفانا و قال فی مدیحها لم یبق غیرک إنسان یلاذ به فلا برحت لعین الدهر إنسانا و قد ذکر الغانمی فی کتابه من صناعة الشعر بابا سماه ردّ الأعجاز علی الصدور ذکر أنّه خارج عن باب التجنیس قال مثل قول الشاعر و نشری بجمیل الصنع

ص :279

و بحری فی شری الحمد

علی شاکلة البحر

و هذا من التجنیس و لیس بخارج عنه و لکنه تجنیس مخصوص و هو الإتیان به فی طرفی البیت.

و عد ابن الأثیر الموصلی فی کتابه من التجنیس قول الشاعر فی الشیب یا بیاضا أذری دموعی حتّی عاد منها سواد عینی بیاضا و کذلک قول البحتری و أغر فی الزمن البهیم محجل قد رحت منه علی أغر محجل (1) .

و هذا عندی لیس بتجنیس لاتفاق المعنی و العجب منه أنّه بعد إیراده هذا أنکر علی من قال إن قول أبی تمام أظن الدمع فی خدی سیبقی رسوما من بکائی فی الرسوم (2) من التجنیس و قال أی تجنیس هاهنا و المعنی متفق و لو أمعن النظر لرأی هذا مثل البیتین السابقین.

قالوا فأما الأجناس الستة الباقیة فإنها خارجة عن التجنیس التام و مشبهة به.

فمنها أن تکون الحروف متساویة فی ترکیبها مختلفة فی وزنها فمن ذلک

1809

قَوْلُ النَّبِیِّ ص

اللَّهُمَّ کَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِی فَحَسِّنْ خُلُقِی .

1810

وَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَنْ تَنَالُوا غُرَرَ الْمَعَالِی إِلاَّ بِرُکُوبِ الْغَرَرِ وَ اهْتِبَالِ الْغُرَرِ. و قول البحتری و فر الحائن المغرور یرجو أمانا أی ساعة ما أمان (3)

ص :280

یهاب الالتفات و قد تصدی

للحظة طرفه طرف السنان

و قال آخر قد ذبت بین حشاشة و ذماء ما بین حر هوی و حر هواء و منها أن تکون الألفاظ متساویة فی الوزن مختلفة فی الترکیب بحرف واحد لا غیر فإن زاد علی ذلک خرج من باب التجنیس و ذلک نحو قوله تعالی وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ إِلیٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ (1) و کذلک قوله سبحانه وَ هُمْ یَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ یَنْأَوْنَ عَنْهُ (2) و قوله تعالی ذٰلِکُمْ بِمٰا کُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ بِمٰا کُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (3) و نحو هذا

1811

مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِیِّ ص مِنْ قَوْلِهِ الْخَیْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِی الْخَیْلِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ .

1812

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ لاَ تُنَالُ الْمَکَارِمُ إِلاَّ بِالْمَکَارِهِ.

و قال أبو تمام یمدون من أید عواص عواصم تصول بأسیاف قواض قواضب (4) .

و قال البحتری من کل ساجی الطرف أغید أجید و مهفهف الکشحین أحوی أحور (5) .

و قال أیضا شواجر أرماح تقطع بینهم شواجن أرحام ملوم قطوعها (6) .

ص :281

و هذا البیت حسن الصنعة لأنّه قد جمع بین التجنیس الناقص و بین المقلوب و هو أرماح و أرحام.

و منها أن تکون الألفاظ مختلفة فی الوزن و الترکیب بحرف واحد کقوله تعالی وَ الْتَفَّتِ السّٰاقُ بِالسّٰاقِ إِلیٰ رَبِّکَ یَوْمَئِذٍ الْمَسٰاقُ (1) و کقوله تعالی وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً (2) و

1813

کَقَوْلِ النَّبِیِّ ص

اَلْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَ یَدِهِ.

1814

وَ قَوْلِ بَعْضِهِمْ الصِّدِّیقُ لاَ یُحَاسَبُ وَ الْعَدُوُّ لاَ یُحْتَسَبُ لَهُ. هکذا ذکر ابن الأثیر هذه الأمثلة.

قال و من هذا القسم قول أبی تمام أیام تدمی عینه تلک الدمی و کذلک قوله أیضا بدر أطاعت فیک بادرة النوی ولعا و شمس أولعت بشماس (3) .

و قوله أیضا جهلوا فلم یستکثروا من طاعة معروفة بعمارة الأعمار (4) .

و قوله أیضا إن الرماح إذا غرسن بمشهد فجنی العوالی فی ذراه معال (5) .

ص :282

و قوله أیضا إذا أحسن الأقوام أن یتطاولوا بلا نعمة أحسنت أن تتطولا (1) .

و قوله أیضا شد ما استنزلتک عن دمعک الأظعان

فالبیت الثالث و الخامس هما المقصودان بالتمثیل.

و من ذلک قول علی بن جبلة و کم لک من یوم رفعت عماده بذات جفون أو بذات جفان (2) .

و کقول البحتری نسیم الروض فی ریح شمال و صوب المزن فی راح شمول (3) .

و کقوله أیضا جدیر بأن تنشق عن ضوء وجهه ضبابة نقع تحتها الموت ناقع (4) .

ص :283

و اعلم أن هذه الأمثلة لهذا القسم ذکرها ابن الأثیر فی کتابه و هو عندی مستدرک لأنّه حدّ هذا القسم بما یختلف ترکیبه یعنی حروفه الأصلیة و یختلف أیضا وزنه و یکون اختلاف ترکیبه بحرف واحد هکذا قال فی تحدیده لهذا القسم و لیس بقمر و الأقمار تختلف بحرف واحد و کذلک عمارة و الأعمار و کذلک العوالی و المعالی و أمّا قوله تعالی وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً فخارج عن هذا بالکلیة لأن جمیع أمثلة هذا القسم یختلف فیه الکلمات بالحروف الزائدة و هذه الآیة اختلاف کلمتیها بحروف أصلیة فلیست من التجنیس الذی نحن بصدده بل هی من باب تجنیس التصحیف کقول البحتری و لم یکن المعتز بالله إذ سری لیعجز و المعتز بالله طالبه (1) .

ثمّ قال ابن الأثیر فی هذا القسم أیضا و من ذلک قول محمّد بن وهیب الحمیری قسمت صروف الدهر بأسا و نائلا فمالک موتور و سیفک واتر.

و هذا أیضا عندی مستدرک لأن اللفظتین کلاهما من الوتر و یرجعان إلی أصل واحد إلاّ أن أحد اللفظین مفعول و الآخر فاعل و لیس أحد یقول إن شاعرا لو قال فی شعره ضارب و مضروب لکان قد جانس.

و منها القسم المکنی بالمعکوس و هو علی ضربین عکس لفظ و عکس حرف فالأول کقولهم عادات السادات سادات العادات و کقولهم شیم الأحرار أحرار الشیم.

و من ذلک قول الأضبط بن قریع قد یجمع المال غیر آکله و یأکل المال غیر من جمعه

ص :284

و یقطع الثوب غیر لابسه

و یلبس الثوب غیر من قطعه.

و مثله قول المتنبی فلا مجد فی الدنیا لمن قل ماله و لا مال فی الدنیا لمن قل مجده (1) و مثله قول الرضی رحمه اللّه من أبیات یذم فیها الزمان أسف بمن یطیر إلی المعالی و طار بمن یسف إلی الدنایا (2) و مثله قول آخر إن اللیالی للأنام مناهل و لبعض شعراء الأندلس یذکر غلامه (3) غیرتنا ید الزمان و یسمی هذا الضرب التبدیل و قد مثله قدامة بن جعفر الکاتب بقولهم اشکر لمن أنعم علیک و أنعم علی من شکرک.

و مثله

1815

قَوْلُ النَّبِیِّ ص جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ الْجَارِ.

قالوا و منه قوله تعالی یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ یُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ (4) و لا أراه منه بل هو من باب الموازنة و مثلوه أیضا

1816

بِقَوْلِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ یَسُرُّهُ دَرْکُ مَا لَمْ یَکُنْ لِیَفُوتَهُ وَ یَسُوؤُهُ فَوْتُ مَا لَمْ یَکُنْ لِیُدْرِکَهُ .

و بقول أبی تمام لأبی العمیثل

ص :285

و أبی سعید الضریر فإنهما قالا لما امتدح عبد اللّه بن طاهر بقصیدة و فی افتتاحها تکلف و تعجرف لم لا تقول ما یفهم فقال لهما لم لا تفهمان ما یقال.

و الضرب الثانی من هذا القسم عکس الحروف و هو کقول بعضهم و قد أهدی لصدیق له کرسیا أهدیت شیئا یقل لو لا و کقول الآخر کیف السرور بإقبال و آخره إذا تأملته مقلوب إقبال أی لا بقاء (1) و کقول الآخر جاذبتها و الریح تجذب عقربا

یرید برقعا (2) و منها النوع المسمی المجنب و هو أن یجمع بین کلمتین إحداهما کالجنیبة التابعة للأخری مثل قول بعضهم أبا الفیاض لا تحسب بأنی و هذا فی التحقیق هو الباب المسمی لزوم ما لا یلزم و لیس من باب التجنیس و منها المقلوب و هو ما یتساوی وزنه و ترکیبه إلاّ أن حروفه تتقدم و تتأخر مثل قول أبی تمام

ص :286

بیض الصفائح لا سود الصحائف فی

متونهن جلاء الشک و الریب (1)

و قد ورد مثل ذلک فی المنثور نحو

1817

مَا رُوِیَ عَنِ النَّبِیِّ ص أَنَّهُ یُقَالُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ لِصَاحِبِ اَلْقُرْآنِ اقْرَأْ وَ ارْقَ.

و قد تکلمت فی کتابی المسمی بالعبقری الحسان علی أقسام الصناعة البدیعة نثرا و نظما و بینت أن کثیرا منها یتداخل و یقوم البعض من ذلک مقام بعض فلیلمح من هناک مِنْهَا وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَیْسَ مِنْ شَیْءٍ إِلاَّ وَ یَکَادُ صَاحِبُهُ یَشْبَعُ مِنْهُ وَ یَمَلُّهُ إِلاَّ الْحَیَاةَ فَإِنَّهُ لاَ یَجِدُ فِی الْمَوْتِ رَاحَةً وَ إِنَّمَا ذَلِکَ بِمَنْزِلَةِ الْحِکْمَةِ الَّتِی هِیَ حَیَاةٌ لِلْقَلْبِ الْمَیِّتِ وَ بَصَرٌ لِلْعَیْنِ الْعَمْیَاءِ وَ سَمْعٌ لِلْأُذُنِ الصَّمَّاءِ وَ رِیٌّ لِلظَّمْآنِ وَ فِیهَا الْغِنَی کُلُّهُ وَ السَّلاَمَةُ کِتَابُ اللَّهِ تُبْصِرُونَ بِهِ وَ تَنْطِقُونَ بِهِ وَ تَسْمَعُونَ بِهِ وَ یَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَ یَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَی بَعْضٍ وَ لاَ یَخْتَلِفُ فِی اللَّهِ وَ لاَ یُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اللَّهِ قَدِ اصْطَلَحْتُمْ عَلَی الْغِلِّ فِیمَا بَیْنَکُمْ وَ نَبَتَ الْمَرْعَی عَلَی دِمَنِکُمْ وَ تَصَافَیْتُمْ عَلَی حُبِّ الآْمَالِ وَ تَعَادَیْتُمْ فِی کَسْبِ الْأَمْوَالِ لَقَدِ اسْتَهَامَ بِکُمُ الْخَبِیثُ وَ تَاهَ بِکُمُ الْغُرُورُ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَی نَفْسِی وَ أَنْفُسِکُمْ.

ص :287

هذا الفصل لیس بمنتظم من أوله إلی آخره بل هو فصول متفرقة التقطها الرضی من خطبة طویلة علی عادته فی التقاط ما یستفصحه من کلامه ع و إن کان کل کلامه فصیحا و لکن کل واحد له هوی و محبة لشیء مخصوص و ضروب الناس عشاق ضروبا .

أما قوله کل شیء مملول إلاّ الحیاة فهو معنی قد طرقه الناس قدیما و حدیثا قال أبو الطیب و لذیذ الحیاة أنفس فی النفس و قال أیضا أری کلنا یبغی الحیاة لنفسه و قال أبو العلاء فما رغبت فی الموت کدر مسیرها

ص :288

ضربن ملیعا بالسنابک أربعا

و لی من قصیدة أخاطب رجلین فرا فی حرب عذرتکما إن الحمام لمبغض

و قال أبو الطیب أیضا طیب هذا النسیم أوقر فی الأنفس

البحتری

ما أطیب الأیّام إلاّ أنّها

یا صاحبی إذا مضت لم ترجع (1) .

و قال آخر أوفی یصفق بالجناح مغلسا

و قال آخر أری الناس یهوون البقاء سفاهة

ص :289

و قال محمّد بن وهیب الحمیری و نحن بنو الدنیا خلقنا لغیرها و ما کنت منه فهو شیء محبب و هذا مأخوذ من

1818

1- قَوْلُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ قَدْ قِیلَ لَهُ مَا أَکْثَرَ حُبَّ النَّاسِ لِلدُّنْیَا فَقَالَ هُمْ أَبْنَاؤُهَا أَ یُلاَمُ الْإِنْسَانُ عَلَی حُبِّ أُمِّهِ .

و قال آخر یا موت ما أفجاک من نازل أبو الطیب و هی معشوقة علی الغدر لا تحفظ

فإن قلت کیف یقول إنّه لا یجد فی الموت راحة و أین هذا من

1819

قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص الدُّنْیَا سِجْنُ اَلْمُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ اَلْکَافِرِ .

و من

1820

قَوْلِهِ ع وَ اللَّهِ مَا أَرْجُو الرَّاحَةَ إِلاَّ بَعْدَ الْمَوْتِ.

و ما ذا یعمل بالصالحین الذین آثروا فراق هذه العاجلة و اختاروا الآخرة و هو ع سیدهم و أمیرهم قلت لا منافاة فإن الصالحین إنّما طلبوا أیضا الحیاة المستمرة بعد الموت و

1821

رَسُولُ اللَّهِ ص

إِنَّمَا قَالَ إِنَّ الدُّنْیَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ لِأَنَّ الْمَوْتَ غَیْرُ مَطْلُوبٍ لِلْمُؤْمِنِ لِذَاتِهِ إِنَّمَا یَطْلُبُهُ لِلْحَیَاةِ الْمُتَعَقِّبَةِ لَهُ.

و کذلک

1822

قَوْلُهُ ع وَ اللَّهِ مَا أَرْجُو الرَّاحَةَ إِلاَّ بَعْدَ الْمَوْتِ.

تصریح بأن الراحة فی الحیاة التی تتعقب الموت و هی حیاة الأبد فلا منافاة إذا بین هذه الوجوه و بین ما قاله ع لأنّه ما نفی إلاّ الراحة فی الموت نفسه لا فی الحیاة الحاصلة بعده.

ص :290

فإن قلت فقد تطرأ علی الإنسان حالة یستصعبها قیود الموت لنفسه و لا یفکر فیما یتعقبه من الحیاة التی تشیر إلیها و لا یخطر بباله قلت ذاک شاذ نادر فلا یلتفت إلیه و إنّما الحکم للأعم الأغلب و أیضا فإن ذاک لا یلتذ بالموت و إنّما یتخلص به من الألم و

1823

أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ

قَالَ

مَا مِنْ شَیْءٍ مِنَ الْمُلِذَّاتِ إِلاَّ وَ هُوَ مَمْلُولٌ إِلاَّ الْحَیَاةَ .

و بین الملذ و المخلص من الألم فرق واضح فلا یکون نقضا علی کلامه.

فإن قلت قد ذکرت ما قیل فی حبّ الحیاة و کراهیة الموت فهل قیل فی عکس ذلک و نقیضه شیء قلت نعم فمن ذلک قول أبی الطیب کفی بک داء أن تری الموت شافیا و قال آخر قد قلت إذ مدحوا الحیاة فأسرفوا

1824

وَ قِیلَ لِأَعْرَابِیٍّ وَ قَدِ احْتُضِرَ إِنَّکَ مَیِّتٌ قَالَ إِلَی أَیْنَ یُذْهَبُ بِی قِیلَ إِلَی اللَّهِ قَالَ مَا أَکْرَهُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَی مَنْ لَمْ أَرَ الْخَیْرَ إِلاَّ مِنْهُ.

إبراهیم بن مهدی

و إنّی و إن قدمت قبلی لعالم

1825

وَ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَ الْمَوْتُ خَیْرٌ لَهُ مِنَ الْحَیَاةِ لِأَنَّهُ إِنْ کَانَ مُحْسِناً

ص :291

فَاللَّهُ تَعَالَی یَقُولُ وَ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَیْرٌ وَ أَبْقیٰ لِلَّذِینَ آمَنُوا (1) وَ إِنْ کَانَ مُسِیئاً فَاللَّهُ تَعَالَی یَقُولُ وَ لاٰ یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّمٰا نُمْلِی لَهُمْ خَیْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمٰا نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدٰادُوا إِثْماً (2) .

1826

وَ قَالَ مَیْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ بِتُّ لَیْلَةً عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ فَرَأَیْتُهُ یَبْکِی وَ یُکْثِرُ مِنْ تَمَنِّی الْمَوْتِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّکَ أَحْیَیْتَ سُنَناً وَ أَمَتَّ بِدَعاً وَ فِی بَقَائِکَ خَیْرٌ لِلْمُسْلِمِینَ فَمَا بَالُکَ تَتَمَنَّی الْمَوْتَ فَقَالَ أَ لاَ أَکُونُ کَالْعَبْدِ الصَّالِحِ حِینَ أَقَرَّ اللَّهُ لَهُ عَیْنَهُ وَ جَمَعَ لَهُ أَمْرَهُ قَالَ رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ الْمُلْکِ وَ عَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحٰادِیثِ فٰاطِرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیٰا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِی مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِی بِالصّٰالِحِینَ (3) . و قالت الفلاسفة لا یستکمل الإنسان حدّ الإنسانیة إلاّ بالموت لأن الإنسان هو الحیّ الناطق المیت.

1827

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ الصَّالِحُ إِذَا مَاتَ اسْتَرَاحَ وَ الطَّالِحُ إِذَا مَاتَ اسْتُرِیحَ مِنْهُ.

و قال الشاعر جزی اللّه عنا الموت خیرا فإنّه

و قال آخر من کان یرجو أن یعیش فإننی

و قال أبو العلاء جسمی و نفسی لما استجمعا صنعا شرا إلی فجل الواحد الصمد

ص :292

فالجسم یعذل فیه النفس مجتهدا

و قال أبو العتاهیة المرء یأمل أن یعیش

و قال ابن المعتز أ لست تری یا صاح ما أعجب الدهرا

فأما قوله ع و إنّما ذلک بمنزلة الحکمة إلی قوله و فیها الغنی کله و السلامة ففصل آخر غیر ملتئم بما قبله و هو إشارة إلی کلام من کلام رسول اللّه ص رواه لهم ثمّ حضهم علی التمسک به و الانتفاع بمواعظه و قال إنّه بمنزلة الحکمة التی هی حیاة القلوب و نور الأبصار و سمع الآذان الصم و ری الأکباد الحری و فیها الغنی کله و السلامة و الحکمة المشبه کلام الرسول ص بها هی المذکورة فی قوله تعالی وَ مَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْراً کَثِیراً (1) و فی قوله وَ لَقَدْ آتَیْنٰا

ص :293

لُقْمٰانَ الْحِکْمَةَ

(1)

و فی قوله وَ آتَیْنٰاهُ الْحُکْمَ صَبِیًّا (2) و هی عبارة عن المعرفة بالله تعالی و بما فی مبدعاته من الأحکام الدالة علی علمه کترکیب الأفلاک و وضع العناصر مواضعها و لطائف صنعة الإنسان و غیره من الحیوان و کیفیة إنشاء النبات و المعادن و ما فی العالم من القوی المختلفة و التأثیرات المتنوعة الراجع ذلک کله إلی حکمة الصانع و قدرته و علمه تبارک اسمه .

فأما قوله و کتاب اللّه إلی قوله و لا یخالف بصاحبه عن اللّه ففصل آخر مقطوع عما قبله و متصل بما لم یذکره جامع نهج البلاغة فإن قلت ما معنی قوله و لا یختلف فی اللّه و لا یخالف بصاحبه عن اللّه و هل بین هاتین الجملتین فرق قلت نعم أما قوله و لا یختلف فی اللّه فهو أنّه لا یختلف فی الدلالة علی اللّه و صفاته أی لا یتناقض أی لیس فی القرآن آیات مختلفة یدلّ بعضها علی أنّه یعلم کل المعلومات مثلا و تدلّ الأخری علی أنّه لا یعلم کل المعلومات أو یدلّ بعضها علی أنّه لا یری و بعضها علی أنّه یری و لیس وجودنا للآیات المشتبهة بقادح فی هذا القول لأن آیات الجبر و التشبیه لا تدلّ و إنّما توهم و نحن إنّما نفینا أن یکون فیه ما یدلّ علی الشیء و نقیضه.

و أمّا قوله و لا یخالف بصاحبه عن اللّه فهو أنّه لا یأخذ بالإنسان المعتمد علیه إلی غیر اللّه أی لا یهدیه إلاّ إلی جناب الحق سبحانه و لا یعرج به إلی جناب الشیطان یقال خالفت بفلان عن فلان إذا أخذت به غیر نحوه و سلکت به غیر جهته.

ص :294

فأما قوله قد اصطلحتم علی الغل إلی آخر الفصل فکلام مقطوع أیضا عما قبله و الغل الحقد .

و الدمن جمع دمنة و هی الحقد أیضا و قد دمنت قلوبهم بالکسر أی ضغنت و نبت المرعی علیها أی دامت و طال الزمان علیها حتّی صارت بمنزلة الأرض الجامدة الثابتة التی تنبت النبات و یجوز أن یرید بالدمن هاهنا جمع دمن و هو البعر المجتمع کالمزبلة أو جمع دمنة و هی آثار الناس و ما سودوا من الأرض یقال قد دمن الشاء الماء و قد دمن القوم الأرض فشبه ما فی قلوبهم من الغل و الحقد و الضغائن بالمزبلة المجتمعة من البعر و غیره من سقاطة الدیار التی قد طال مکثها حتّی نبت علیها المرعی قال الشاعر و قد ینبت المرعی علی دمن الثری و تبقی حزازات النفوس کما هیا (1) .

قوله ع لقد استهام بکم الخبیث یعنی الشیطان و استهام بکم جعلکم هائمین أی استهامکم فعداه بحرف الجر کما تقول فی استنفرت القوم إلی الحرب استنفرت بهم أی جعلتهم نافرین و یمکن أن یکون بمعنی الطلب و الاستدعاء کقولک استعلمت منه حال کذا أی استدعیت أن یعلمنی و استمنحت فلانا أی طلبت و استدعیت أن یعطینی فیکون قوله و استهام بکم الخبیث أی استدعی منکم أن تهیموا و تقعوا فی التیه و الضلال و الحیرة.

قوله و تاه بکم الغرور هو الشیطان أیضا قال سبحانه وَ غَرَّکُمْ بِاللّٰهِ الْغَرُورُ (2) و تاه بکم جعلکم تائهین حائرین ثمّ سأل اللّه أن یعینه علی نفسه و علیهم

1828

وَ مِنْ کَلاَمِ بَعْضِ الصَّالِحِینَ

اللَّهُمَّ انْصُرْنِی عَلَی أَقْرَبِ الْأَعْدَاءِ إِلَیَّ دَاراً وَ أَدْنَاهُمْ مِنِّی جِوَاراً وَ هِیَ نَفْسِی .

ص :295

و رجل محرب أی صاحب حروب .

و حفزت الرجل أحفزه دفعته من خلفه و سقته سوقا شدیدا .

و کنت ردءا أی عونا قال سبحانه فَأَرْسِلْهُ مَعِی رِدْءاً یُصَدِّقُنِی (1) .

و مثابة أی مرجعا و منه قوله تعالی مَثٰابَةً لِلنّٰاسِ وَ أَمْناً (2) أشار ع ألا یشخص بنفسه حذرا أن یصاب فیذهب المسلمون کلهم لذهاب الرأس بل یبعث أمیرا من جانبه علی الناس و یقیم هو بالمدینة فإن هزموا کان مرجعهم إلیه.

فإن قلت فما بال رسول اللّه ص کان یشاهد الحروب بنفسه و یباشرها بشخصه قلت إن رسول اللّه ص کان موعودا بالنصر و آمنا علی نفسه بالوعد الإلهی فی قوله سبحانه وَ اللّٰهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّٰاسِ (3) و لیس عمر کذلک.

فإن قلت فما بال أمیر المؤمنین ع شهد حرب الجمل و صفین و النهروان بنفسه فهلا بعث أمیرا محربا و أقام بالمدینة ردءا و مثابة.

قلت عن هذا جوابان أحدهما أنّه کان عالما من جهة النبیّ ص أنه لا یقتل فی هذه الحروب و یشهد لذلک

1829

الْخَبَرُ الْمُتَّفَقُ عَلَیْهِ بَیْنَ النَّاسِ کَافَّةً یُقَاتِلُ بَعْدِی اَلنَّاکِثِینَ وَ اَلْقَاسِطِینَ وَ اَلْمَارِقِینَ .

و ثانیهما یجوز أن یکون غلب علی ظنه أن غیره لا یقوم مقامه فی حرب هذه الفرق الخارجة علیه و لم یجد أمیرا محربا من أهل البلاء و النصیحة لأنّه ع هکذا قال لعمر و اعتبر هذه القیود و الشروط فمن کان من

ص :297

أصحابه ع محربا لم یکن من أهل النصیحة له و من کان من أهل النصیحة له لم یکن محربا فدعته الضرورة إلی مباشرة الحرب بنفسه

تَسْتَقْبِلُونَ فِی هَذَا الزِّیِّ وَ إِنَّمَا شَبِعْتُمْ مُنْذُ سَنَتَیْنِ سَرْعَ مَا تَرَّتْ بِکُمُ (1) الْبِطْنَةُ وَ تَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمُوهَا عَلَی رَأْسِ الْمِائَتَیْنِ لاَسْتَبْدَلْتُ بِکُمْ غَیْرَکُمْ فَقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّمَا هِیَ یَلاَمِقَةٌ وَ تَحْتَهَا السِّلاَحُ (2) فَقَالَ فَنِعْمَ إِذًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَلَمَّا عَلِمَ اَلرُّومُ مَقْدَمَ عُمَرَ نَفْسِهِ سَأَلُوهُ الصُّلْحَ فَصَالَحَهُمْ وَ کَتَبَ لَهُمْ کِتَاباً عَلَی أَنْ یُؤَدُّوا الْجِزْیَةَ ثُمَّ سَارَ إِلَی بَیْتِ الْمَقْدِسِ فَقَصُرَ فَرَسُهُ عَنِ الْمَشْیِ فَأُتِیَ بِبِرْذَوْنٍ فَرَکِبَهُ فَهَزَّهُ وَ هَمْلَجَ تَحْتَهُ فَنَزَلَ عَنْهُ وَ ضَرَبَ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَ قَالَ قَبَّحَ اللَّهُ مَنْ عَلَّمَکَ هَذَا رُدُّوا عَلَیَّ فَرَسِی فَرَکِبَهُ وَ سَارَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی بَیْتِ الْمَقْدِسِ .قَالَ وَ لَمْ یَرْکَبْ بِرْذَوْناً قَبْلَهُ وَ لاَ بَعْدَهُ وَ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُیَلاَءِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ لَقِیَهُ مُعَاوِیَةُ وَ عَلَیْهِ ثِیَابُ دِیبَاجٍ وَ حَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْغِلْمَانِ وَ الْخَوَلِ فَدَنَا مِنْهُ فَقَبَّلَ یَدَهُ فَقَالَ مَا هَذَا یَا اِبْنَ هِنْدٍ وَ إِنَّکَ لَعَلَی هَذِهِ الْحَالِ مُتْرَفٌ صَاحِبُ لَبُوسٍ وَ تَنَعُّمٍ وَ قَدْ بَلَغَنِی أَنَّ ذَوِی الْحَاجَاتِ یَقِفُونَ بِبَابِکَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَمَّا اللِّبَاسُ فَأَنَا بِبِلاَدِ عَدُوٍّ وَ نُحِبُّ أَنْ یُرَی أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَیْنَا وَ أَمَّا الْحُجَّابُ فَإِنَّا نَخَافُ مِنَ الْبِذْلَةِ جُرْأَةَ الرَّعِیَّةِ فَقَالَ مَا سَأَلْتُکَ عَنْ شَیْءٍ إِلاَّ تَرَکْتَنِی مِنْهُ فِی أَضْیَقَ مِنَ الرَّوَاجِبِ (3) إِنْ کُنْتَ صَادِقاً فَإِنَّهُ رَأْیُ لَبِیبٍ وَ إِنْ کُنْتَ کَاذِباً فَإِنَّهَا خُدْعَةُ أَرِیبٍ. وَ قَدْ رَوَی النَّاسُ کَلاَمَ مُعَاوِیَةَ لِعُمَرَ عَلَی وَجْهٍ آخَرَ قِیلَ لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ اَلشَّامَ قَدِمَهَا وَ هُوَ رَاکِبٌ حِمَاراً قَرِیباً مِنَ الْأَرْضِ وَ مَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَاکِبُ حِمَارٍ قَرِیبٍ أَیْضاً فَتَلَقَّاهُمَا مُعَاوِیَةُ فِی کَوْکَبَةٍ خَشْنَاءَ (4) فَثَنَی وَرِکَهُ وَ نَزَلَ وَ سَلَّمَ بِالْخِلاَفَةِ فَلَمْ یَرُدَّ عَلَیْهِ.

ص :299

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَحْصَرْتَ الْفَتَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَلَوْ کَلَّمْتَهُ قَالَ إِنَّکَ لَصَاحِبُ الْجَیْشِ الَّذِی أَرَی قَالَ نَعَمْ قَالَ مَعَ شِدَّةِ احْتِجَابِکَ وَ وُقُوفِ ذَوِی الْحَاجَاتِ بِبَابِکَ قَالَ أَجَلْ قَالَ لِمَ وَیْحَکَ قَالَ لِأَنَّا بِبِلاَدِ عَدُوٍّ کَثِیرٌ فِیهَا جَوَاسِیسُهُمْ فَإِنْ لَمْ نَتَّخِذِ الْعُدَّةَ وَ الْعَدَدَ اسْتُخِفَّ بِنَا وَ هُجِمَ عَلَی عَوْرَاتِنَا وَ أَنَا بَعْدُ عَامِلُکَ فَإِنِ اسْتَنْقَصْتَنِی نَقَصْتُ وَ إِنِ اسْتَزَدْتَنِی زِدْتُ وَ إِنِ اسْتَوْقَفْتَنِی وَقَفْتُ فَقَالَ إِنْ کُنْتَ کَاذِباً إِنَّهُ لَرَأْیٌ أَرِیبٌ وَ إِنْ کُنْتَ صَادِقاً إِنَّهُ لِتَدْبِیرٌ لَبِیبٌ مَا سَأَلْتُکَ عَنْ شَیْءٍ قَطُّ إِلاَّ تَرَکْتَنِی مِنْهُ فِی أَضْیَقَ مِنْ رَوَاجِبِ الضِّرْسِ لاَ آمُرُکَ وَ لاَ أَنْهَاکَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَقَدْ أَحْسَنَ الْفَتَی فِی إِصْدَارِ مَا أَرَدْتَ عَلَیْهِ فَقَالَ لِحُسْنِ إِیرَادِهِ وَ إِصْدَارِهِ جَشَّمْنَاهُ مَا جَشَّمْنَاهُ

.

1831

14- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ شَخَصَ عُمَرُ مِنَ اَلْمَدِینَةِ إِلَی اَلشَّامِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَ دَخَلَهَا مَرَّةً رَاکِبَ فَرَسٍ وَ مَرَّةً رَاکِبَ بَعِیرٍ وَ مَرَّةً رَاکِبَ بَغْلٍ وَ مَرَّةً رَاکِبَ حِمَارٍ وَ کَانَ لاَ یُعْرَفُ وَ رُبَّمَا اسْتَخْبَرَهُ الْوَاحِدُ أَیْنَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَیَسْکُتُ أَوْ یَقُولُ سَلِ النَّاسَ وَ کَانَ یَدْخُلُ اَلشَّامَ وَ عَلَیْهِ سَحْقُ (1) فَرْوٍ مَقْلُوبٍ وَ إِذَا حَضَرَ النَّاسُ طَعَامَهُ رَأَوْا أَخْشَنَ الطَّعَامِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَدِمَ اَلشَّامَ فِی إِحْدَی هَذِهِ الْمَرَّاتِ الْأَرْبَعِ فَصَادَفَ الطَّاعُونُ بِهَا فَاشِیاً فَاسْتَشَارَ النَّاسَ فَکُلٌّ أَشَارَ عَلَیْهِ بِالرُّجُوعِ وَ أَلاَّ یُدْخِلَهَا إِلاَّ أَبَا عُبَیْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَإِنَّهُ قَالَ أَ تَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ أَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ بِقَدَرِ اللَّهِ إِلَی قَدَرِ اللَّهِ لَوْ غَیْرُکَ قَالَهَا یَا أَبَا عُبَیْدَةَ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَرَوَی لَهُمْ عَنِ النَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ إِذَا کُنْتُمْ بِبِلاَدِ الطَّاعُونِ فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا وَ إِذَا قَدِمْتُمْ إِلَی بِلاَدِ الطَّاعُونِ فَلاَ تَدْخُلُوهَا فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَی مُوَافَقَةِ الْخَبَرِ لِمَا کَانَ فِی نَفْسِهِ وَ مَا أَشَارَ بِهِ النَّاسُ وَ انْصَرَفَ رَاجِعاً إِلَی اَلْمَدِینَةِ وَ مَاتَ أَبُو عُبَیْدَةَ فِی ذَلِکَ الطَّاعُونِ وَ هُوَ الطَّاعُونُ الْمَعْرُوفُ بِطَاعُونِ عَمْوَاسَ وَ کَانَ فِی سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ .

(2)

ص :300

و الجهد بالفتح الغایة و یقال قد جهد فلان جهده بالفتح لا یجوز غیر ذلک أی انتهی إلی غایته و قد روی أن رسول اللّه ص لعن ثقیفا .

و

1833

رُوِیَ أَنَّهُ ع قَالَ لَوْ لاَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ لَلَعَنْتُ ثَقِیفاً .

1834

14- وَ رَوَی اَلْحَسَنُ الْبَصْرِیُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَعَنَ ثَلاَثَ بُیُوتِ بَیْتَانِ مِنْ مَکَّةَ وَ هُمَا بَنُو أُمَیَّةَ وَ بَنُو الْمُغِیرَةِ وَ بَیْتٌ مِنَ اَلطَّائِفِ وَ هُمْ ثَقِیفٌ .

و

1835

فِی الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ الْمَرْفُوعِ وَ قَدْ ذَکَرَ ثَقِیفاً بِئْسَتِ الْقَبِیلَةُ یَخْرُجُ مِنْهَا کَذَّابٌ وَ مُبِیرٌ (1) .

فکان کما قال ص الکذاب المختار و المبیر الحجاج .

و اعلم أن هذا الکلام لم یکن بحضرة عثمان و لکن

1836

1- عَوَانَةُ رَوَی عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ أَبِی خَالِدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا کَثُرَتْ شِکَایَتُهُ مِنْ عَلِیٍّ ع أَقْبَلَ لاَ یَدْخُلُ إِلَیْهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَحَدٌ إِلاَّ شَکَا إِلَیْهِ عَلِیّاً فَقَالَ لَهُ زَیْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِیُّ وَ کَانَ مِنْ شِیعَتِهِ وَ خَاصَّتِهِ أَ فَلاَ أَمْشِی إِلَیْهِ فَأُخْبِرُهُ بِمَوْجِدَتِکَ فِیمَا یَأْتِی إِلَیْکَ قَالَ بَلَی فَأَتَاهُ زَیْدٌ وَ مَعَهُ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِیقٍ الثَّقَفِیُّ وَ عِدَادُهُ فِی بَنِی زُهْرَةَ وَ أُمُّهُ عَمَّةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِی جَمَاعَةٍ فَدَخَلُوا عَلَیْهِ فَحَمِدَ زَیْدٌ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّمَ لَکَ سَلَفاً صَالِحاً فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ جَعَلَکَ مِنَ الرَّسُولِ بِالْمَکَانِ الَّذِی أَنْتَ بِهِ فَأَنْتَ لِلْخَیْرِ کُلِّ الْخَیْرِ أَهْلٌ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عُثْمَانُ ابْنُ عَمِّکَ وَ وَالِی هَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَهُ عَلَیْکَ حَقَّانِ حَقُّ الْوَلاَیَةِ وَ حَقُّ الْقَرَابَةِ وَ قَدْ شَکَا إِلَیْنَا أَنَّ عَلِیّاً یَعْرِضُ لِی وَ یَرُدُّ أَمْرِی عَلَیَّ وَ قَدْ مَشَیْنَا إِلَیْکَ نَصِیحَةً لَکَ وَ کَرَاهِیَةً أَنْ یَقَعَ بَیْنَکَ وَ بَیْنَ ابْنِ عَمِّکَ أَمْرٌ نَکْرَهُهُ لَکُمَا.

قَالَ فَحَمِدَ عَلِیٌّ ع اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی رَسُولِهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَوَ اللَّهِ مَا أُحِبُّ الاِعْتِرَاضَ وَ لاَ الرَّدَّ عَلَیْهِ إِلاَّ أَنْ یَأْبَی حَقّاً لِلَّهِ لاَ یَسَعُنِی أَنْ أَقُولَ فِیهِ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ وَ اللَّهِ لَأَکُفَّنَّ عَنْهُ مَا وَسِعَنِی الْکَفُّ .

ص :302

فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ الْأَخْنَسِ وَ کَانَ رَجُلاً وَقَاحاً (1) وَ کَانَ مِنْ شِیعَةِ عُثْمَانَ وَ خُلَصَائِهِ إِنَّکَ وَ اللَّهِ لَتَکُفَّنَّ عَنْهُ أَوْ لَتُکَفَّنَّ فَإِنَّهُ أَقْدَرُ عَلَیْکَ مِنْکَ عَلَیْهِ وَ إِنَّمَا أَرْسَلَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ إِعْزَازاً لِتَکُونَ لَهُ الْحُجَّةُ عِنْدَهُمْ عَلَیْکَ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع یَا ابْنَ اللَّعِینِ الْأَبْتَرِ وَ الشَّجَرَةِ الَّتِی لاَ أَصْلَ لَهَا وَ لاَ فَرْعَ أَنْتَ تَکُفُّنِی فَوَ اللَّهِ مَا أَعَزَّ اللَّهُ امْرَأً أَنْتَ نَاصِرُهُ اخْرُجْ أَبْعَدَ اللَّهُ نَوَاکَ ثُمَّ اجْهَدْ جُهْدَکَ فَلاَ أَبْقَی اللَّهُ عَلَیْکَ وَ لاَ عَلَی أَصْحَابِکَ إِنْ أُبْقِیتُمْ .

فَقَالَ لَهُ زَیْدٌ إِنَّا وَ اللَّهِ مَا جِئْنَاکَ لِنَکُونَ عَلَیْکَ شُهُوداً وَ لاَ لِیَکُونَ مَمْشَانَا إِلَیْکَ حُجَّةً وَ لَکِنْ مَشَیْنَا فِیمَا بَیْنَکُمَا الْتِمَاسَ الْأَجْرِ أَنْ یُصْلِحَ اللَّهُ ذَاتَ بَیْنِکُمَا وَ یَجْمَعَ کَلِمَتَکُمَا ثُمَّ دَعَا لَهُ وَ لِعُثْمَانَ وَ قَامَ فَقَامُوا مَعَهُ

.

و هذا الخبر یدلّ علی أن اللفظة أنت تکفنی و لیست کما ذکره الرضی رحمه اللّه أنت تکفینی لکن الرضا طبق هذه اللفظة علی ما قبلها و هو قوله أنا أکفیکه و لا شبهة أنّها روایة أخری

و أمه ثمّ افترقا فصار أحدهما فی عداد هوازن و الآخر فی عداد مذحج بن مالک بن زید بن عریب بن زید بن کهلان بن سبإ بن یشجب بن یعرب بن قحطان .

1837

وَ قَدْ رَوَی أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرَّدُ فِی اَلْکَامِلِ لِأُخْتِ اَلْأَشْتَرِ مَالِکِ بْنِ الْحَارِثِ النَّخَعِیِّ تَبْکِیهِ أَ بَعْدَ اَلْأَشْتَرِ النَّخَعِیِّ نَرْجُو

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ هَجَا (1) یَحْیَی بْنُ نَوْفَلٍ وَ کَانَ هَجَّاءً خَبِیثَ اللِّسَانِ اَلْعُرْیَانَ بْنَ الْهَیْثَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ النَّخَعِیَّ وَ قَدْ کَانَ اَلْعُرْیَانُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً اسْمُهَا زَبَادِ مَبْنِیٌّ عَلَی الْکَسْرِ وَ الزَّایُ مَفْتُوحَةٌ بَعْدَهَا بَاءٌ مَنْقُوطَةٌ بِوَاحِدَةٍ وَ هِیَ مِنْ وُلْدِ هَانِئِ بْنِ قَبِیصَةَ الشَّیْبَانِیِّ وَ کَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ اَلْوَلِیدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ بْنِ مَرْوَانَ فَطَلَّقَهَا فَأَنْکَحَهَا إِیَّاهُ أَخٌ لَهَا یُقَالُ لَهُ زِیَادٌ فَقَالَ یَحْیَی بْنُ نَوْفَلٍ أَ عُرْیَانُ مَا یَدْرِی امْرُؤٌ سِیلَ عَنْکُمُ

ص :304

أَ بَعْدَ وَلِیدٍ أَنْکَحُوا عَبْدَ مَذْحِجٍ

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ کَانَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ هُوَ وَالِی اَلْکُوفَةِ صَارَ إِلَی دَیْرِ هِنْدٍ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَ هِیَ فِیهِ عَمْیَاءُ مُتَرَهِّبَةٌ فَاسْتَأْذَنَ عَلَیْهَا فَقِیلَ لَهَا أَمِیرُ هَذِهِ الْمَدَرَةِ بِالْبَابِ قَالَتْ قُولُوا لَهُ مِنْ وُلْدِ جَبَلَةِ بْنِ الْأَیْهَمِ أَنْتَ قَالَ لاَ قَالَتْ أَ فَمِنْ وُلْدِ اَلْمُنْذِرِ بْنِ مَاءِ السَّمَاءِ أَنْتَ قَالَ لاَ قَالَتْ فَمَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِیُّ قَالَتْ فَمَا حَاجَتُکَ قَالَ جِئْتُ خَاطِباً قَالَتْ لَوْ کُنْتَ جِئْتَنِی لِجَمَالٍ أَوْ حَالٍ لَأَطْلُبَنَّکَ وَ لَکِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَتَشَرَّفَ بِی فِی مَحَافِلِ اَلْعَرَبِ فَتَقُولَ نَکَحْتُ ابْنَةَ اَلنُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَ إِلاَّ فَأَیُّ خَیْرٍ فِی اجْتِمَاعِ أَعْوَرَ وَ عَمْیَاءَ فَبَعَثَ إِلَیْهَا کَیْفَ کَانَ أَمْرُکُمْ قَالَتْ سَأَخْتَصِرُ لَکَ الْجَوَابَ أَمْسَیْنَا وَ لَیْسَ فِی الْأَرْضِ عَرَبِیٌّ إِلاَّ وَ هُوَ یَرْهَبُنَا أَوْ یَرْغَبُ إِلَیْنَا وَ أَصْبَحْنَا وَ لَیْسَ فِی الْأَرْضِ عَرَبِیٌّ إِلاَّ وَ نَحْنُ نَرْهَبُهُ وَ نَرْغَبُ إِلَیْهِ قَالَ فَمَا کَانَ أَبُوکَ یَقُولُ فِی ثَقِیفٍ قَالَتْ أَذْکُرُ وَ قَدِ اخْتَصَمَ إِلَیْهِ رَجُلاَنِ مِنْهُمْ أَحَدُهُمَا یَنْتَهِی إِلَی إِیَادٍ وَ الْآخَرُ إِلَی هَوَازِنَ فَقُضِیَ لِلْإِیَادِیِّ وَ قَالَ إِنَّ ثَقِیفاً لَمْ تَکُنْ هَوَازِنَا وَ لَمْ تُنَاسِبْ عَامِراً أَوْ مَازِناً فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ أَمَّا نَحْنُ فَمِنْ بَکْرِ بْنِ هَوَازِنَ فَلْیَقُلْ أَبُوکَ مَا شَاءَ ثُمَّ انْصَرَفَ (1) .

وَ قَالَ قَوْمٌ آخَرُونَ إِنَّ ثَقِیفاً مِنْ بَقَایَا ثَمُودَ مِنَ اَلْعَرَبِ الْقَدِیمَةِ الَّتِی بَادَتْ وَ انْقَرَضَتْ.

ص :305

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ قَدْ قَالَ اَلْحَجَّاجُ عَلَی الْمِنْبَرِ یَزْعُمُونَ أَنَّا مِنْ بَقَایَا ثَمُودَ فَقَدْ کَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ وَ ثَمُودَ فَمٰا أَبْقیٰ (1) .

وَ قَالَ مَرَّةً أُخْرَی وَ لَئِنْ کُنَّا مِنْ بَقَایَا ثَمُودَ لَمَا نَجَا مَعَ صَالِحٍ إِلاَّ خِیَارُهُمْ.

وَ قَالَ اَلْحَجَّاجُ یَوْماً لِأَبِی الْعَسُوسِ الطَّائِیِّ أَیٌّ أَقْدَمُ أَ نُزُولُ ثَقِیفٍ اَلطَّائِفَ أَمْ نُزُولُ طَیِّئٍ اَلْجَبَلَیْنِ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَسُوسِ إِنْ کَانَتْ ثَقِیفٌ مِنْ بَکْرِ بْنِ هَوَازِنَ فَنُزُولُ طَیِّئٍ اَلْجَبَلَیْنِ قَبْلَهَا وَ إِنْ کَانَتْ مِنْ بَقَایَا ثَمُودَ فَهِیَ أَقْدَمُ فَقَالَ اَلْحَجَّاجُ اتَّقِنِی فَإِنِّی سَرِیعُ الْخَطْفَةِ لِلْأَحْمَقِ الْمُتَهَوِّرِ فَقَالَ أَبُو الْعَسُوسِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ کَانَ أَعْرَابِیّاً قَحّاً إِلاَّ أَنَّهُ لَطِیفُ الطَّبْعِ وَ کَانَ اَلْحَجَّاجُ یُمَازِحُهُ یُؤَدِّبُنِی اَلْحَجَّاجُ تَأْدِیبَ أَهْلِهِ و قتل المغیرة بن الأخنس مع عثمان یوم الدار و قد ذکرنا مقتله فیما تقدم تم الجزء الثامن من شرح نهج البلاغة و یلیه الجزء التاسع

ص :306