ص :2

من قولک اختاره اللّه یقال محمد خیرة اللّه من خلقه و یجوز خیرة اللّه بالتسکین و الاختیار الاصطفاء .

و الجبلة الخلق و منه قوله تعالی وَ اتَّقُوا الَّذِی خَلَقَکُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِینَ (1) و یجوز الجبلة بالضم و قرأ بها الحسن البصری و قرئ قوله سبحانه وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْکُمْ جِبِلاًّ کَثِیراً (2) علی وجوه فقرأ أهل المدینة بالکسر و التشدید و قرأ أبو عمرو جبلا کثیرا مثل قفل و قرأ الکسائی جبلا کثیرا بضم الباء مثل حلم و قرأ عیسی بن عمر جبلا بکسر الجیم و قرأ الحسن و ابن أبی إسحاق جبلا بالضم و التشدید .

قوله و أرغد فیها أکله أی جعل أکله و هو المأکول رغدا أی واسعا طیبا قال سبحانه وَ کُلاٰ مِنْهٰا رَغَداً حَیْثُ شِئْتُمٰا (3) و تقرأ رغدا و رغدا بکسر الغین و ضمها و أرغد القوم أخصبوا و صاروا فی رغد من العیش .

قوله و أوعز إلیه فیما نهاه عنه أی تقدم إلیه بالإنذار (4) و یجوز و وعز إلیه بالتشدید توعیزا و یجوز التخفیف أیضا وعز إلیه وعزا .

و الواو فی و أعلمه عاطفة علی و أوعز لا علی نهاه .

قوله موافاة لسابق علمه لا یجوز أن ینتصب لأنّه مفعول له و ذلک لأن المفعول له یکون عذرا و علة للفعل و لا یجوز أن یکون إقدام آدم علی الشجرة لأجل الموافاة للعلم الإلهی السابق و لا یستمر ذلک علی مذاهبنا بل یجب أن ینصب موافاة علی

ص :4

المصدریة المحضة کأنّه قال فوافی بالمعصیة موافاة و طابق بها سابق العلم مطابقة .

قوله فأهبطه بعد التوبة قد اختلف الناس فی ذلک فقال قوم بل أهبطه قبل التوبة ثمّ تاب علیه و هو فی الأرض و قال قوم تاب قبل الهبوط و هو قول أمیر المؤمنین ع و یدلّ علیه قوله تعالی فَتَلَقّٰی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمٰاتٍ فَتٰابَ عَلَیْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِیمُ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهٰا جَمِیعاً (1) فأخبر عن أنّه أهبطهم بعد تلقی الکلمات و التوبة و قال تعالی فی موضع آخر وَ طَفِقٰا یَخْصِفٰانِ عَلَیْهِمٰا مِنْ وَرَقِ اَلْجَنَّةِ وَ نٰادٰاهُمٰا رَبُّهُمٰا أَ لَمْ أَنْهَکُمٰا عَنْ تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَکُمٰا إِنَّ اَلشَّیْطٰانَ لَکُمٰا عَدُوٌّ مُبِینٌ قٰالاٰ رَبَّنٰا ظَلَمْنٰا أَنْفُسَنٰا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنٰا وَ تَرْحَمْنٰا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِینَ قٰالَ اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتٰاعٌ إِلیٰ حِینٍ (2) .فبین أن اعترافهما بالمعصیة و استغفارهما کانا قبل أمرهما بالهبوط و قال فی موضع آخر وَ عَصیٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَویٰ ثُمَّ اجْتَبٰاهُ رَبُّهُ فَتٰابَ عَلَیْهِ وَ هَدیٰ قٰالَ اهْبِطٰا مِنْهٰا جَمِیعاً (3) فجعل الإهباط بعد الاجتباء و التوبة و احتج الأولون بقوله تعالی وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونٰا مِنَ الظّٰالِمِینَ فَأَزَلَّهُمَا اَلشَّیْطٰانُ عَنْهٰا فَأَخْرَجَهُمٰا مِمّٰا کٰانٰا فِیهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتٰاعٌ إِلیٰ حِینٍ فَتَلَقّٰی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمٰاتٍ فَتٰابَ عَلَیْهِ (4) قالوا فأخبر سبحانه عن أمره لهم بالهبوط عقیب إزلال الشیطان لهما ثمّ عقب الهبوط بفاء التعقیب فی قوله فَتَلَقّٰی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمٰاتٍ فدل علی أن التوبة بعد الهبوط.

ص :5

و یمکن أن یجاب عن هذا فیقال إنّه تعالی لم یقل فقلنا اهبطوا بالفاء بل قال وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بالواو و الواو لا تقتضی الترتیب و لو کان عوضها فاء لکانت صریحة فی أن الإهباط کان عقیب الزلة فأما الواو فلا تدلّ علی ذلک بل یجوز أن تکون التوبة قبل الإهباط و یخبر عن الإهباط بالواو قبل أن یخبر عن التوبة .

قوله ع و لیقیم الحجة علی عباده أی إذا کان أبوهم أخرج من الجنة بخطیئة واحدة فأخلق بها ألا یدخلها ذو خطایا جمة و هذا یؤکد مذهب أصحابنا فی الوعید .

ثمّ أخبر ع أن البارئ سبحانه ما أخلی عباده بعد قبض آدم و توفیه ممّا یؤکد علیهم حجج الربوبیة بل أرسل إلیهم الرسل قرنا فقرنا بفتح القاف و هو أهل الزمان الواحد قال الشاعر إذا ما مضی القرن الذی أنت فیهم و خلفت فی قرن فأنت غریب (1) .

و تعاهدهم بالحجج أی جدد العهد عندهم بها و یروی بل تعهدهم بالتشدید و التعهد التحفظ بالشیء تعهدت فلانا و تعهدت ضیعتی و هو أفصح من تعاهدت لأن التفاعل إنّما یکون من شیئین و تقول فلان یتعهده صرع .

قوله و بلغ المقطع عذره و نذره مقطع الشیء حیث ینقطع و لا یبقی خلفه شیء منه أی لم یزل یبعث الأنبیاء واحدا بعد واحد حتّی بعث محمّدا ص فتمت به حجته علی الخلق أجمعین و بلغ الأمر مقطعه أی لم یبق بعده رسول ینتظر

ص :6

و انتهت عذر اللّه تعالی و نذره فعذره ما بین للمکلفین من الإعذار فی عقوبته لهم إن عصوه و نذره ما أنذرهم به من الحوادث و من أنذرهم علی لسانه من الرسل

غیر بالغ إلی حدّ الإیجاب و فسروا هذه الأمور فقالوا إنها أربعة أشیاء أولها أن یکون لنفس الإنسان ملکة مانعة من الفجور داعیة إلی العفة و ثانیها العلم بمثالب المعصیة و مناقب الطاعة و ثالثها تأکید ذلک العلم بالوحی و البیان من اللّه تعالی و رابعها أنّه متی صدر عنه خطأ من باب النسیان و السهو لم یترک مهملا بل یعاقب و ینبه و یضیق علیه العذر قالوا فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة کان الشخص معصوما عن المعاصی لا محالة لأن العفة إذا انضاف إلیها العلم بما فی الطاعة من السعادة و ما فی المعصیة من الشقاوة ثمّ أکد ذلک تتابع الوحی إلیه و ترادفه و تظاهر البیان عنده و تمم ذلک خوفه من العتاب علی القدر القلیل حصل من اجتماع هذه الأمور حقیقة العصمة.

و قال أصحابنا (1) العصمة لطف یمتنع المکلف عند فعله من القبیح اختیارا و قد یکون ذلک اللطف خارجا عن الأمور الأربعة المعدودة مثل أن یعلم اللّه تعالی أنّه إن أنشأ سحابا أو أهب ریحا أو حرک جسما فإن زیدا یمتنع عن قبیح مخصوص اختیارا فإنّه تعالی یجب علیه فعل ذلک و یکون هذا اللطف عصمة لزید و إن کان الإطلاق المشتهر فی العصمة إنّما هو لمجموع ألطاف یمتنع المکلف بها عن القبیح مدة زمان تکلیفه.

و ینبغی أن یقع الکلام (2) بعد هذه المقدّمة فی ثلاثة فصول

فالأول نحو أن یکون کافرا أو فاسقا و ذلک لأنا نجد التائب العائد إلی الصلاح بعد أن عهد الناس منه السخف و المجون و الفسق لا یقع أمره بالمعروف و نهیه عن المنکر عند الناس موقعهما ممن لم یعهدوه إلاّ علی السداد و الصلاح.

و الثانی نحو أن یکون حجاما أو حائکا أو محترفا بحرفه یقذرها الناس و یستخفون بصاحبها إلاّ أن یکون المبعوث إلیهم علی خلاف ما هو المعهود الآن بألا یکون من تعاطی ذلک مستهانا به عندهم.

و وافق أصحابنا فی هذا القوم جمهور المتکلّمین.

و قال قوم من الخوارج یجوز أن یبعث اللّه تعالی من کان کافرا قبل الرسالة و هو قول ابن فورک (1) من الأشعریة لکنه زعم أن هذا الجائز لم یقع.

و قال قوم من الحشویة قد کان محمد ص کافرا قبل البعثة و احتجوا بقوله تعالی وَ وَجَدَکَ ضَالاًّ فَهَدیٰ (2) و قال برغوث المتکلم و هو أحد النجاریة (3) لم یکن النبیّ ص مؤمنا بالله قبل أن یبعثه لأنّه تعالی قال له مٰا کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتٰابُ وَ لاَ الْإِیمٰانُ (4) .

و روی عن السدی فی قوله تعالی وَ وَضَعْنٰا عَنْکَ وِزْرَکَ اَلَّذِی أَنْقَضَ ظَهْرَکَ (5) قال وزره الشرک فإنّه کان علی دین قومه أربعین سنة.

و قال بعض الکرامیة (6) فی قوله تعالی حکایة عن إبراهیم ص

ص :9

قٰالَ أَسْلَمْتُ

(1)

إنّه أسلم یومئذ و لم یکن من قبل ذلک مسلما و مثل ذلک قال الیمان بن رباب متکلم الخوارج .و حکی کثیر من أرباب المقالات عن شیخنا أبی الهذیل و أبی علی جواز أن یبعث اللّه تعالی من قد ارتکب کبیرة قبل البعثة و لم أجد فی کتب أصحابنا حکایة هذا المذهب عن الشیخ أبی الهذیل و وجدته عن أبی علی ذکره أبو محمّد بن متویه فی کتاب الکفایة فقال منع أهل العدل کلهم من تجویز بعثة من کان فاسقا قبل النبوّة إلاّ ما جری فی کلام الشیخ أبی علی رحمه اللّه تعالی من ثبوت فصل بین البعثة و قبلها فأجاز أن یکون قبل البعثة مرتکبا لکبیرة ثمّ یتوب فیبعثه اللّه تعالی حینئذ و هو مذهب محکی عن عبد اللّه بن العبّاس الرامهرمزی ثم قال الشیخ أبو محمد رحمه اللّه تعالی و الصحیح من قول أبی علی رحمه اللّه تعالی مثل ما نختاره من التسویة بین حال البعثة و قبلها فی المنع من جواز ذلک.

و قال قوم من الأشعریة و من أهل الظاهر و أرباب الحدیث إن ذلک جائز واقع و استدلوا بأحوال إخوة یوسف و منع المانعون من ذلک من ثبوت نبوة إخوة یوسف ثم هؤلاء المجوزون منهم من جوز علیهم فعل الکبائر مطلقا و منهم من جوز ذلک علی سبیل الندرة ثمّ یتوبون عنه و یشتهر حالهم بین الخلق بالصلاح فأما لو فرضنا (2) إصرارهم علی الکبائر بحیث یصیرون مشهورین بالفسق و المعاصی فإن ذلک لا یجوز لأنّه یفوت الغرض من إرسالهم و نبوتهم علی هذا التقدیر.

و قالت الإمامیّة لا یجوز أن یبعث اللّه تعالی نبیّا قد وقع منه قبیح قبل النبوّة

ص :10

لا صغیرا و لا کبیرا لا عمدا و لا خطأ و لا علی سبیل التأویل و الشبهة و هذا المذهب ممّا تفردوا به فإن أصحابنا و غیرهم من المانعین للکبائر قبل النبوّة لم یمنعوا وقوع الصغائر منهم إذا لم تکن مسخفة منفرة.

اطردت الإمامیّة هذا القول فی الأئمة فجعلت حکمهم فی ذلک حکم الأنبیاء فی وجوب العصمة المطلقة لهم قبل النبوّة و بعدها

و حکی عن أبی إسحاق النظام و جعفر بن مبشر أن ذنوبهم لا تکون إلاّ علی سبیل السهو و النسیان و أنهم مؤاخذون بذلک و إن کان موضوعا عن أمتهم لأن معرفتهم أقوی و دلائلهم أکثر و أخطارهم أعظم و یتهیأ لهم من التحفظ ما لا یتهیأ لغیرهم.

و قالت الإمامیّة لا تجوز علیهم الکبائر و لا الصغائر لا عمدا و لا خطأ و لا سهوا و لا علی سبیل التأویل و الشبهة و کذلک قولهم فی الأئمة و الخلاف بیننا و بینهم فی الأنبیاء یکاد یکون ساقطا لأن أصحابنا إنّما یجوزون علیهم الصغائر لأنّه لا عقاب علیها و إنّما تقتضی نقصان الثواب المستحق علی قاعدتهم فی مسألة الإحباط فقد اعترف إذا أصحابنا بأنّه لا یقع من الأنبیاء ما یستحقون به ذما و لا عقابا و الإمامیّة إنّما تنفی عن الأنبیاء الصغائر و الکبائر من حیث کان کل شیء منها یستحق فاعله به الذم و العقاب لأن الإحباط باطل عندهم فإذا کان استحقاق الذم و العقاب یجب أن ینفی عن الأنبیاء وجب أن ینفی عنهم سائر الذنوب فقد صار الخلاف إذا متعلقا بمسألة الإحباط و صارت هذه المسألة فرعا من فروعها.

و اعلم أن القول بجواز الصغائر علی الأنبیاء بالتأویل و الشبهة علی ما ذهب إلیه شیخنا أبو علی رحمه اللّه تعالی إنّما اقتضاه تفسیره لآیه آدم و الشجرة و تکلفه إخراجها عن تعمد آدم للعصیان فقال إن آدم نهی عن نوع تلک الشجرة لا عن عینها بقوله تعالی وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ و أراد سبحانه نوعها المطلق فظن آدم أنه أراد خصوصیة تلک الشجرة بعینها و قد کان أشیر إلیها فلم یأکل منها بعینها و لکنه أکل من شجرة أخری من نوعها فأخطأ فی التأویل و أصحاب شیخنا أبی هاشم لا یرضون هذا المذهب و یقولون إن الإشکال باق بحاله لأن آدم أخل بالنظر علی

ص :12

هذا القول فی أن المنهی عنه هل هو عین الشجرة أو نوعها مع أنّه قد کان مدلولا علی ذلک لأنّه لو لم یکن مدلولا علی ذلک لکان تکلیف الامتناع عن التناول تکلیف ما لا یطاق و إذا دل علی ذلک وجب علیه النظر و لا وجه یجب النظر لأجله إلاّ الخوف من ترکه و إذا لم یکن بد من کونه خائفا فهو عالم إذا بوجوب هذا التأمل و النظر فإذا أخل به فقد وقعت منه المعصیة مع علمه.

و کما لا یرضی أصحاب شیخنا أبی هاشم هذا المذهب فکذلک لا یرتضون مذهب النظام و جعفر بن مبشر و ذلک لأن القول بأن الأنبیاء یؤاخذون علی ما یفعلونه سهوا متناقض لأن السهو یزیل التکلیف و یخرج الفعل من کونه ذنبا مؤاخذا به و لهذا لا یصحّ مؤاخذة المجنون و النائم و السهو فی کونه مؤثرا فی رفع التکلیف جار مجری فقد القدر و الآلات و الأدلة فلو جاز أن یخالف حال الأنبیاء حال غیرهم فی صحة تکلیفهم مع السهو جاز أن یخالف حالهم حال غیرهم فی صحة التکلیف مع فقد القدر و الآلات و ذلک باطل.

و اعلم أن الشریف المرتضی رحمه اللّه تعالی قد تکلم فی کتابه المسمی بتنزیه الأنبیاء و الأئمة علی هذه الآیة و انتصر لمذهب الإمامیّة فیها (1) و حاول صرفها عن ظاهرها و تأول اللفظ بتأویل مستکره غیر صحیح و أنا أحکی کلامه هاهنا و أتکلم علیه نصرة لأصحابنا و نصرة أیضا لأمیر المؤمنین ع فإنه قد صرّح فی هذا الفصل بوقوع الذنب من آدم ع أ لا تری إلی قوله و المخاطرة بمنزلته و هل تکون هذه اللفظة إلاّ فی الذنب و کذلک سیاقة الفصل من أوله إلی آخره إذا تأمله المنصف و اطرح الهوی و التعصب ثمّ إنا نذکر کلام (2) السیّد الشریف المرتضی رحمه اللّه تعالی قال رحمه اللّه تعالی

ص :13

أما قوله تعالی وَ عَصیٰ آدَمُ رَبَّهُ فإن المعصیة مخالفة للأمر (1) و الأمر من الحکیم تعالی قد یکون بالواجب و بالندب معا فلا یمتنع علی هذا أن یکون آدم مندوبا إلی ترک التناول من الشجرة فیکون بمواقعتها تارکا فرضا و نفلا و غیر فاعل قبیحا و لیس یمتنع أن یسمی تارک النفل عاصیا کما یسمی بذلک تارک الواجب فإن تسمیة من خالف ما أمر به سواء کان واجبا أو نفلا بأنّه عاص ظاهر و لهذا یقولون أمرت فلانا بکذا و کذا من الخیر فعصانی و خالفنی و إن لم یکن ما أمر به واجبا (2) .

یقال له الکلام علی هذا التأویل من وجوه أولها أن ألفاظ الشرع یجب أن تحمل علی حقائقها اللغویّة ما لم یکن لها حقائق شرعیة فإذا کان لها حقائق شرعیة وجب أن تحمل علی عرف الشرع و اصطلاحه کالصلاة و الحجّ و النفاق و الکفر و نحو ذلک من الألفاظ الشرعیة و هکذا قال السیّد المرتضی رحمه اللّه تعالی فی کتابه فی أصول الفقه المعروف بالذریعة فی باب کون الأمر للوجوب و هو الحق الذی لا مندوحة عنه و إذا کان لفظ العصیان فی الاصطلاح الشرعی موضوعا لمخالفة الأمر الإیجابی لم یجز العدول عنه و حمله علی مخالفة الندب.

و معلوم أن لفظ العصیان فی العرف الشرعی لا یطلق إلاّ علی مخالفة الأمر المقتضی للوجوب فالقول بجواز حملها علی مخالفة الأمر الندبی قول تبطله و تدفعه تلک القاعدة المقررة التی ثبتت بالاتفاق و بالدلیل علی أننا قبل أن نجیب بهذا الوجه نمنع أصلا أنّه یجوز أن یقال لتارک النفل إنّه عاص لا فی أصل اللغة و لا فی العرف و لا فی الشرع و ذلک لأن حقیقة النفل هو ما یقال فیه للمکلف الأولی أن تفعل هذا و لک ألا تفعله و معلوم أن

ص :14

تارک مثل ذلک لا یطلق علیه أنّه عاص و یبین ذلک أن لفظ العصیان فی اللغة موضوع للامتناع و لذلک سمیت العصا عصا لأنّه یمتنع بها و منه قولهم قد شق العصا أی خرج عن الربقة المانعة من الاختلاف و التفرق و تارک الندب لا یمتنع من أمر لأن الأمر الندبی لا یقتضی شیئا اقتضاء اللزوم بل معناه إن فعلت فهو أولی و یجوز ألا تفعل فأی امتناع حدث إذا خولف أمر الندب سمی المخالف له عاصیا و یبین ذلک أیضا أن لفظ عاص اسم ذمّ فلا یجوز إطلاقه علی تارک الندب کما لا یسمی فاسقا و إن کان الفسق فی أصل اللغة للخروج.

ثمّ یسأل المرتضی رحمه اللّه تعالی عما سأل عنه نفسه فیقال له کیف یجوز أن یکون ترک الندب معصیة أ و لیس هذا یوجب أن یوصف الأنبیاء بأنهم عصاة فی کل حال و أنهم لا ینفکون عن المعصیة لأنّهم لا یکادون ینفکون من ترک الندب (1) .

و قد أجاب رحمه اللّه تعالی عن هذا فقال وصف تارک الندب بأنّه عاص توسع و تجوز و المجاز لا یقاس علیه و لا یعدی عن موضعه و لو قیل إنّه حقیقة فی فاعل القبیح و تارک الأولی و الأفضل (2) لم یجز إطلاقه فی الأنبیاء إلاّ مع التقیید لأن استعماله قد کثر فی فاعل القبائح فإطلاقه عن التقیید موهم.

لکنا نقول إن أردت بوصفهم بأنهم عصاة أنهم فعلوا القبیح فلا یجوز ذلک و إن أردت أنهم ترکوا ما لو فعلوه لاستحقوا الثواب و لکان أولی فهم کذلک.

کذلک یقال له لیس هذا من باب القیاس علی المجاز الذی اختلف فیه أرباب أصول الفقه لأن من قال إذا ترک زید الندب فإنّه یسمی عاصیا یلزمه أن یقول إن عمرا إذا ترک الندب یسمی عاصیا و لیس هذا قیاسا کما أن من قال لزید البلید هذا

ص :15

حمار قال لعمرو البلید هذا حمار و القیاس علی المجاز الذی اختلف الأصولیون فی جوازه خارج عن هذا الموضع.

و مثال المسألة الأصولیة المختلف فیها وَ اخْفِضْ لَهُمٰا جَنٰاحَ الذُّلِّ (1) هل یجوز أن یقال طأطئ لهما عنق الذل.

و أمّا قوله لو سلّمنا أنّه حقیقة فی تارک الندب لم یجز إطلاقه فی حقّ الأنبیاء لأنّه یوهم العصیان بل یجب أن یقید.

فیقال له لکن البارئ سبحانه أطلقه و لم یقیده فی قوله وَ عَصیٰ آدَمُ فیلزمک أن یکون تعالی موهما و فاعلا للقبیح لأن إیهام القبیح قبیح.

فإن قال الدلالة العقلیّة علی استحالة المعاصی علی الأنبیاء تؤمن من الإیهام.

قیل له و تلک الدلالة بعینها تؤمن من الإیهام فی قول القائل الأنبیاء عصاة فهلا أجزت إطلاق ذلک.

و ثانیها أنّه تعالی قال فَغَویٰ و الغی الضلال.

قال المرتضی رحمه اللّه تعالی معنی غوی هاهنا خاب لأنّه نعلم أنه (2) لو فعل ما ندب إلیه من ترک التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظیم فإذا خالف الأمر و لم یصر إلی ما ندب إلیه فقد خاب لا محالة من حیث لم یصر (3) إلی الثواب الذی کان یستحقه بالامتناع و لا شبهه فی أن لفظ غوی یحتمل الخیبة قال الشاعر فمن یلق خیرا یحمد الناس أمره و من یغو لا یعدم علی الغی لائما (4) .

ص :16

یقال له أ لست القائل فی مصنفاتک الکلامیة إن المندوبات إنّما ندب إلیها لأنّها کالمسهلات و المیسرات لفعل الواجبات العقلیّة و أنّها لیست ألطافا فی واجب عقلی و أن ثوابها یسیر جدا بالإضافة إلی ثواب الواجب فإذا کان آدم ع ما أخل بشیء من الواجبات و لا فعل شیئا من المقبحات فقد استحق من الثواب العظیم ما یستحقر ثواب المندوب بالإضافة إلیه و مثل هذا لا یقال فیه لمن ترک المندوب إنّه قد خاب أ لا تری أن من اکتسب مائة ألف قنطار من المال و ترک بعد ذلک درهما واحدا کان یمکنه اکتسابه فلم یکتسبه لا یقال إنّه خاب.

و ثالثها أن ظاهر القرآن یخالف ما ذکره لأنّه تعالی أخبر أن آدم منهی عن أکل الشجرة بقوله وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونٰا مِنَ الظّٰالِمِینَ و قوله أَ لَمْ أَنْهَکُمٰا عَنْ تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ و هذا یوجب أنّه قد عصی بأن فعل منهیا عنه و الشریف المرتضی رحمه اللّه تعالی یقول إنّه عصی بأن ترک مأمورا به.

قال المرتضی رحمه اللّه تعالی مجیبا عن هذا إن الأمر و النهی لیسا یختصان (1) عندنا بصیغة لیس فیها احتمال و اشتراک و قد یؤمر عندنا بلفظ النهی و ینهی بلفظ الأمر و إنّما یکون النهی نهیا بکراهة المنهی عنه فإذا قال تعالی لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ و لم یکره قربهما لم یکن فی الحقیقة ناهیا کما أنّه تعالی لما قال اِعْمَلُوا مٰا شِئْتُمْ (2) وَ إِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا (3) و لم یرد ذلک لم یکن أمرا به و إذا کان قد صحب قوله لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ إرادة ترک التناول وجب أن یکون هذا القول أمرا و إنّما سماه منهیا و سمی

ص :17

أمره له بأنّه نهی من حیث کان فیه معنی النهی لأن فی النهی ترغیبا فی الامتناع من الفعل و تزهیدا فی الفعل نفسه و لما کان الأمر ترغیبا من فعل المأمور و تزهیدا فی ترکه جاز أن یسمی نهیا.

و قد یتداخل هذان الوضعان فی الشاهد فیقول أحدنا قد أمرت فلانا بألا یلقی الأمیر و إنّما یرید أنّه نهاه عن لقائه و یقول نهیتک عن هجر زید و إنّما معناه أمرتک بمواصلته (1) .

یقال له هذا خلاف الظاهر فلا یجوز المصیر إلیه إلاّ بدلالة قاطعة تصرف اللفظ عن ظاهره و یکفی أصحاب أبی هاشم فی نصرة قولهم التمسک بالظاهر.

و اعلم أن بعض أصحابنا تأول هذه الآیة و قال إن ذلک وقع من آدم ع قبل نبوّته لأنّه لو کان نبیّا قبل إخراجه من الجنة لکان إمّا أن یکون مرسلا إلی نفسه و هو باطل أو إلی حواء و قد کان الخطاب یأتیها بغیر واسطة لقوله تعالی وَ لاٰ تَقْرَبٰا أو إلی الملائکة و هذا باطل لأن الملائکة رسل اللّه بدلیل قوله جٰاعِلِ الْمَلاٰئِکَةِ رُسُلاً (2) و الرسول لا یحتاج إلی رسول آخر أو یکون رسولا و لیس هناک من یرسل إلیه و هذا محال فثبت أن هذه الواقعة وقعت له ع قبل نبوّته و إرساله

علیهم الکذب و لا التغییر و لا التبدیل و لا الکتمان و لا تأخر البیان عن وقت الحاجة و لا الغلط فیما یؤدونه عن اللّه تعالی و لا السهو فیه و لا الإلغاز و لا التعمیة لأن کل ذلک إمّا أن ینقض دلالة المعجز علی صدقه أو یؤدی إلی تکلیف ما لا یطاق.

و قال قوم من الکرامیة و الحشویة یجوز علیهم الخطأ فی أقوالهم کما جاز فی أفعالهم قالوا و قد أخطأ رسول اللّه ص فی التبلیغ حیث قال تلک الغرانیق العلی.و إن شفاعتهن لترتجی.

و قال قوم منهم یجوز الغلط علی الأنبیاء فیما لم تکن الحجة فیه مجرد خبرهم لأنّه لا یکون فی ذلک إبطال حجة اللّه علی خلقه کما وقع من النبیّ ص فی هذه الصورة فإن قوله ذلک لیس بمبطل لحجة العقل فی أن الأصنام لا یجوز تعظیمها و لا ترجی شفاعتها فأما ما کان السبیل إلیه مجرد السمع فلو أمکن الغلط فیه لبطلت الحجة بإخبارهم.

و قال قوم منهم إن الأنبیاء یجوز أن یخطئوا فی أقوالهم و أفعالهم إذا لم تجر تلک الأفعال مجری بیان الوحی کبیانه ع لنا الشریعة و لا یجوز علیه الخطأ فی حال البیان و إن کان یجوز علیه ذلک فی غیر حال البیان کما روی من خبر ذی الیدین (1) حین سها النبیّ ص فی الصلاة و کذلک ما یکون منه من تبلیغ وحی فإنّه لا یجوز علیه أن یخطئ فیه لأنّه حجة اللّه علی عباده فأما فی أقواله الخارجة عن التبلیغ فیجوز

ص :19

أن یخطئ کما روی عنه ص فی نهیه لأهل المدینة عن تأبیر النخل (1) .

فأما أصحابنا المعتزلة فإنهم اختلفوا فی الخبر المروی عنه ع فی سورة النجم فمنهم من دفع الخبر أصلا و لم یقبله و طعن فی رواته و منهم من اعترف بکونه قرآنا منزلا و هم فریقان أحدهما القائلون بأنّه کان وصفا للملائکة فلما ظنّ المشرکون أنّه وصف آلهتهم رفع و نهی عن تلاوته و ثانیهما القائلون إنّه خارج علی وجه الاستفهام بمعنی الإنکار فتوهم سامعوه أنّه بمعنی التحقیق فنسخه اللّه تعالی و نهی عن تلاوته.

و منهم من قال لیس بقرآن منزل بل هو کلام تکلم به رسول اللّه ص من قبل نفسه علی طریق الإنکار و الهزء بقریش فظنوا أنّه یرید التحقیق فنسخه اللّه بأن بین خطأ ظنهم و هذا معنی قوله وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَ لاٰ نَبِیٍّ إِلاّٰ إِذٰا تَمَنّٰی أَلْقَی اَلشَّیْطٰانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللّٰهُ مٰا یُلْقِی اَلشَّیْطٰانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللّٰهُ آیٰاتِهِ (2) قالوا فإلقاء الشیطان هاهنا هو إلقاء الشبهة فی قلوب المشرکین و إنّما أضافه إلی أمنیته و هی تلاوته القرآن لأن بغرور الشیطان و وسوسته أضاف المشرکون إلی تلاوته ع ما لم یرده بها.

و أنکر أصحابنا الأخبار الواردة التی تقتضی الطعن علی الرسول ص قالوا و کیف یجوز أن تصدق هذه الأخبار الآحاد علی من قد قال اللّه تعالی له کَذٰلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤٰادَکَ (3) و قال له سَنُقْرِئُکَ فَلاٰ تَنْسیٰ (4) و قال عنه وَ لَوْ تَقَوَّلَ

ص :20

عَلَیْنٰا بَعْضَ الْأَقٰاوِیلِ لَأَخَذْنٰا مِنْهُ بِالْیَمِینِ ثُمَّ لَقَطَعْنٰا مِنْهُ الْوَتِینَ

(1)

و أمّا خبر ذی الیدین و خبر تأبیر النخل فقد تکلمنا علیهما فی کتبنا المصنفة فی أصول الفقه وَ قَدَّرَ الْأَرْزَاقَ فَکَثَّرَهَا وَ قَلَّلَهَا وَ قَسَّمَهَا عَلَی الضِّیقِ وَ السَّعَةِ- [ فَعَدَّلَ ]

فَعَدَلَ فِیهَا لِیَبْتَلِیَ مَنْ أَرَادَ بِمَیْسُورِهَا وَ مَعْسُورِهَا وَ لِیَخْتَبِرَ بِذَلِکَ الشُّکْرَ وَ الصَّبْرَ مِنْ غَنِیِّهَا وَ فَقِیرِهَا ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِیلَ فَاقَتِهَا وَ بِسَلاَمَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا وَ بِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا وَ خَلَقَ الآْجَالَ فَأَطَالَهَا وَ قَصَّرَهَا وَ قَدَّمَهَا وَ أَخَّرَهَا وَ وَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا وَ جَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا وَ قَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا .

الضِّیق

و الضَّیق لغتان فأما المصدر من ضاق فالضِّیق بالکسر لا غیر و عدل فیها من التعدیل و هو التقویم و روی فعدل بالتخفیف من العدل نقیض الظلم .

و المیسور و المعسور مصدران و قال سیبویه هما صفتان و لا یجیء عنده المصدر علی وزن مفعول البتة و یتأول قولهم دعه إلی میسوره و یقول کأنّه قال دعه إلی أمر یوسر فیه و کذلک یتأول المعقول أیضا فیقول کأنّه عقل له شیء أی حبس و أید و سدد.

و معنی قوله ع لیبتلی من أراد بمیسورها و معسورها هو معنی

1489

قَوْلُ اَلنَّبِیِّ ص إِنَّ إِعْطَاءَ هَذَا الْمَالِ فِتْنَةٌ وَ إِمْسَاکَهُ فِتْنَةٌ.

ص :21

و العقابیل فی الأصل الحلأ و هو قروح صغار تخرج بالشفة من بقایا المرض و الفاقة الفقر .

و طوارق الآفات متجددات المصائب و أصل الطروق ما یأتی لیلا .

و الأتراح الغموم الواحد ترح و ترحه تتریحا أی حزنه .

و خالجا جاذبا و الخلج الجذب خلجه یخلجه بالکسر و اختلجه و منه الخلیج الحبل لأنّه یجتذب به و سمی خلیج البحر خلیجا لأنّه یجذب من معظم البحر.

و الأشطان الجبال واحدها شطن و شطنت الفرس أشطنه إذا شددته بالشطن .

و القرائن الحبال جمع قرن و هو من شواذ الجموع قال الشاعر أبلغ خلیفتنا إن کنت لاقیه أن لدی الباب کالمشدود فی قرن (1) .

و مرائر القرائن جمع مریر و هو ما لطف و طال منها و اشتد فتله و هذا الکلام من باب الاستعارة عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِینَ وَ نَجْوَی الْمُتَخَافِتِینَ وَ خَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ وَ عُقَدِ عَزِیمَاتِ الْیَقِینِ وَ مَسَارِقِ إِیمَاضِ الْجُفُونِ وَ مَا ضَمِنَتْهُ أَکْنَانُ الْقُلُوبِ وَ غَیَابَاتُ الْغُیُوبِ وَ مَا أَصْغَتْ لاسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الْأَسْمَاعِ وَ مَصَایِفِ الذَّرِّ وَ مَشَاتِی الْهَوَامِّ وَ رَجْعِ الْحَنِینِ مِنَ الْمُولَهَاتِ وَ هَمْسِ الْأَقْدَامِ وَ مُنْفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِنْ وَلاَئِجِ غُلُفِ الْأَکْمَامِ وَ مُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِیرَانِ الْجِبَالِ وَ أَوْدِیَتِهَا وَ مُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَیْنَ سُوقِ

ص :22

الْأَشْجَارِ وَ أَلْحِیَتِهَا وَ مَغْرِزِ الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ وَ مَحَطِّ الْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الْأَصْلاَبِ وَ نَاشِئَةِ الْغُیُومِ وَ مُتَلاَحِمِهَا وَ دُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فِی مُتَرَاکِمِهَا وَ مَا تَسْفِی الْأَعَاصِیرُ بِذُیُولِهَا وَ تَعْفُو الْأَمْطَارُ بِسُیُولِهَا وَ عَوْمِ بَنَاتِ الْأَرْضِ فِی کُثْبَانِ الرِّمَالِ وَ مُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ بِذُرَا شَنَاخِیبِ الْجِبَالِ وَ تَغْرِیدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِی دَیَاجِیرِ الْأَوْکَارِ وَ مَا أَوْعَبَتْهُ الْأَصْدَافُ وَ حَضَنَتْ عَلَیْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ وَ مَا غَشِیَتْهُ سُدْفَةُ لَیْلٍ أَوْ ذَرَّ عَلَیْهِ شَارِقُ نَهَارٍ وَ مَا اعْتَقَبَتْ عَلَیْهِ أَطْبَاقُ الدَّیَاجِیرِ وَ سُبُحَاتُ النُّورِ وَ أَثَرِ کُلِّ خَطْوَةٍ وَ حِسِّ کُلِّ حَرَکَةٍ وَ رَجْعِ کُلِّ کَلِمَةٍ وَ تَحْرِیکِ کُلِّ شَفَةٍ وَ مُسْتَقَرِّ کُلِّ نَسَمَةٍ وَ مِثْقَالِ کُلِّ ذَرَّةٍ وَ هَمَاهِمِ کُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ وَ مَا عَلَیْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ أَوْ سَاقِطِ وَرَقَةٍ أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ أَوْ نُقَاعَةِ دَمٍ وَ مُضْغَةٍ أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَ سُلاَلَةٍ لَمْ یَلْحَقْهُ فِی ذَلِکَ کُلْفَةٌ وَ لاَ اعْتَرَضَتْهُ فِی حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ وَ لاَ اعْتَوَرَتْهُ فِی تَنْفِیذِ الْأُمُورِ وَ تَدَابِیرِ الْمَخْلُوقِینَ مَلاَلَةٌ وَ لاَ فَتْرَةٌ بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ وَ أَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ وَ وَسِعَهُمْ عَدْلُهُ وَ غَمَرَهُمْ فَضْلُهُ مَعَ تَقْصِیرِهِمْ عَنْ کُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ .

الشرح:

لو سمع النضر بن کنانة هذا الکلام لقال لقائله ما قاله علی بن العبّاس بن جُریج لإسماعیل بن بلبل قالوا أبو الصَّقر من شیبان قلت لهم

إذ کان یفخر به علی عدنان و قحطان بل کان یقرّ به عین أبیه إبراهیم خلیل الرحمن

ص :23

و یقول له إنّه لم یعف ما شیّدت من معالم التوحید بل أخرج اللّه تعالی لک من ظهری ولدا ابتدع من علوم التوحید فی جاهلیة العرب ما لم تبتدعه أنت فی جاهلیة النبط بل لو سمع هذا الکلام أرسطوطالیس القائل بأنّه تعالی لا یعلم الجزئیات لخشع قلبه و قفّ شعره و اضطرب فکره أ لا تری ما علیه من الرواء و المهابة و العظمة و الفخامة و المتانة و الجزالة مع ما قد أشرب من الحلاوة و الطلاوة و اللطف و السلاسة لا أری کلاما یشبه هذا إلاّ أن یکون کلام الخالق سبحانه فإن هذا الکلام نبعة من تلک الشجرة و جدول من ذلک البحر و جَذوة من تلک النار و کأنّه شرح قوله تعالی وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَیْبِ لاٰ یَعْلَمُهٰا إِلاّٰ هُوَ وَ یَعْلَمُ مٰا فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّٰ یَعْلَمُهٰا وَ لاٰ حَبَّةٍ فِی ظُلُمٰاتِ الْأَرْضِ وَ لاٰ رَطْبٍ وَ لاٰ یٰابِسٍ إِلاّٰ فِی کِتٰابٍ مُبِینٍ (1) .

ثمّ نعود إلی التفسیر فنقول النجوی المسارّة تقول انتجی القوم و تناجوا أی تساروا و انتجیت زیدا إذا خصصته بمناجاتک

1490

14,1- وَ مِنْهُ الْحَدِیثُ أَنَّهُ ص أَطَالَ النَّجْوَی مَعَ عَلِیٍّ ع فَقَالَ قَوْمٌ لَقَدْ أَطَالَ الْیَوْمَ نَجْوَی ابْنِ عَمِّهِ فَبَلَغَهُ ذَلِکَ فَقَالَ إِنِّی مَا انْتَجَیْتُهُ وَ لَکِنَّ اللَّهَ انْتَجَاهُ .

و یقال للسرّ نفسه النجو یقال نجوته نجوا أی ساررته و کذلک ناجیته مناجاة و سمی ذلک الأمر المخصوص نجوی لأنّه یستسر به فأما قوله تعالی وَ إِذْ هُمْ نَجْویٰ فجعلهم هم النجوی و إنّما النجوی فعلهم فإنما هو کقولک قوم رضا و إنّما الرضا فعلهم و یقال للذی تساره النجی علی فعیل و جمعه أنجیه قال الشاعر

ص :24

إنی إذا ما القوم کانوا أنجیه (1)

و قد یکون النجی جماعة مثل الصدیق قال اللّه تعالی خَلَصُوا نَجِیًّا (2) و قال الفراء قد یکون النجی و النجوی اسما و مصدرا.

و المتخافتین الذین یسرون المنطق و هی المخافتة و التخافت و الخفت قال الشاعر أخاطب جهرا إذ لهن تخافت و شتان بین الجهر و المنطق الخفت (3) .

و رجم الظنون القول بالظنّ قال سبحانه رَجْماً بِالْغَیْبِ و منه الحدیث المرجم بالتشدید و هو الذی لا یدری أ حقّ هو أم باطل و یقال صار رجما أی لا یوقف علی حقیقة أمره .

و عقد عزیمات الیقین العزائم التی یعقد القلب علیها و تطمئن النفس إلیها .

و مسارق إیماض الجفون ما تسترقه الأبصار حین تومض یقال أومض البصر و البرق إیماضا إذا لمع لمعا خفیفا و یجوز ومض بغیر همز یمض ومضا و ومیضا و ومضانا و أکنان القلوب غلفها و الکن الستر و الجمع أکنان قال تعالی جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْجِبٰالِ أَکْنٰاناً (4) و یروی أکنة القلوب و هی الأغطیة أیضا قال تعالی وَ جَعَلْنٰا عَلیٰ قُلُوبِهِمْ أَکِنَّةً (5) و الواحد کنان قال عمر بن أبی ربیعة

ص :25

تحت عین کناننا

ظل برد مرحل (1)

و یعنی بالذی ضمنته أکنان القلوب الضمائر .

و غیابات الغیوب جمع غیابة و هی قعر البئر فی الأصل ثمّ نقلت إلی کل غامض خفی مثل غیابة و قد روی غبابات بالباء .

و أصغت تسمعت و مالت نحوه و لاستراقه لاستماعه فی خفیة قال تعالی إِلاّٰ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ (2) .

و مصائخ الأسماع خروقها التی یصیخ بها أی یتسمع .

و مصایف الذر المواضع التی یصیف الذر فیها أی یقیم الصیف یقال صاف بالمکان و اصطاف بمعنی و الموضع مصیف و مصطاف.

و الذر جمع ذرة و هی أصغر النمل .

و مشاتی الهوام المواضع التی تشتو الهوام بها یقال شتوت بموضع کذا و تشتیت أی أقمت به الشتاء.

و الهوام جمع هامة و لا یقع هذا الاسم إلاّ علی المخوف من الأحناش.

ص :26

و رجع الحنین ترجیعه و تردیده و المولهات النوق و النساء اللواتی حیل بینهن و بین أولادهن .

و همس الأقدام

صوت وطئها خفیا جدا قال تعالی فَلاٰ تَسْمَعُ إِلاّٰ هَمْساً (1) و منه قول الراجز.

فهن یمشین بنا همیسا (2)

و الأسد الهموس الخفی الوطء .

و منفسح الثمرة

أی موضع سعتها من الأکمام و قد روی متفسخ بالخاء المعجمة و تشدید السین و بتاء بعد المیم مصدرا من تفسخت الثمرة إذا انقطعت.

و الولائج المواضع الساترة و الواحدة ولیجة و هو کالکهف یستتر فیه المارة من مطر أو غیره و یقال أیضا فی جمعه ولج و أولاج .

و متقمع الوحوش

موضع تقمعها و استتارها و سمی قمعة (3) بن إلیاس بن مضر بذلک لأنّه انقمع فی بیته کما زعموا.

و غیران الجبال جمع غار و هو کالکهف فی الجبل و المغار مثل الغار و المغارة مثله .

و مختبأ البعوض

موضع اختبائها و استتارها و سوق الأشجار جمع ساق و ألحیتها جمع لحاء و هو القشر .

و مغرز الأوراق

موضع غرزها فیها.

ص :27

و الأفنان جمع فنن و هو الغصن و الأمشاج ماء الرجل یختلط بماء المرأة و دمها جمع مشیج کیتیم و أیتام و محطها إمّا مصدر أو مکان.

و مسارب الأصلاب المواضع التی یتسرب المنی فیها من الصلب أی یسیل .

و ناشئة الغیوم

أول ما ینشأ منها و هو النشیء أیضا و ناشئة اللیل فی قوله تعالی إِنَّ نٰاشِئَةَ اللَّیْلِ هِیَ أَشَدُّ وَطْئاً (1) أول ساعاته و یقال هی ما ینشأ فی اللیل من الطاعات و متلاحمها ما یلتصق منها بعضها ببعض و یلتحم .

و درور قطر السحائب

مصدر من درّ یدرّ أی سال و ناقة درور أی کثیرة اللبن و سحاب درور أی کثیر المطر و یقال إن لهذا السحاب لدرة أی صبا و الجمع درور و متراکمها المجتمع المتکاثف منها رکمت الشیء أرکمه بالضم جمعته و ألقیت بعضه علی بعض و رمل رکام و سحاب رکام أی مجتمع .

و الأعاصیر جمع إعصار و هی ریح تثیر الغبار فیرتفع إلی السماء کالعمود و قال تعالی فَأَصٰابَهٰا إِعْصٰارٌ فِیهِ نٰارٌ (2) .

و تسفی من سفت الریح التراب سفیا إذا أذرته فهو سفی و ذیولها هاهنا یرید به أطرافها و ما لاحف الأرض منها .

و ما تعفو الأمطار

أی ما تدرس عفت الریح المنزل أی درسته و عفا المنزل نفسه یعفو درس یتعدی و لا یتعدی .

و بنات الأرض الهوام و الحشرات التی تکون فی الرمال و عومها فیها سباحتها و یقال لسیر السفینة و سیر الإبل أیضا عوم عمت فی الماء بضم أوله أعوم.

ص :28

و کثبان الرمال جمع کثیب و هو ما انصب من الرمل و اجتمع فی مکان واحد فصار تلا و کثبت الشیء أکثبه کثبا إذا جمعته و انکثب الرمل اجتمع .

و شناخیب الجبال رءوسها واحدها شنخوب و ذراها أعالیها جمع ذروة و ذروة بالکسر و الضم .

و التغرید التطریب بالغناء و التغرد مثله و کذلک الغرد بفتحهما و یقال غرد الطائر فهو غرد إذا طرب بصوته.

و ذوات المنطق هاهنا الأطیار و سمی صوتها منطقا و إن کان لا یطلق إلاّ علی ألفاظ البشر مجازا.

و دیاجیر جمع دیجور و هو الظلام و الأوکار جمع وکر و هو عش الطائر و یجمع أیضا علی وکور و وکر الطائر یکر وکرا أی دخل وکره .

و قوله و ما أوعبته الأصداف أی من اللؤلؤ و حضنت علیه أمواج البحار أی ما ضمته کما تحضن الأنثی من الطیر بیضها و هو ما یکون فی لجة إمّا من سمک أو خشب أو ما یحمله البحر من العنبر کالجماجم بین الأمواج و غیر ذلک .

و سدفة اللیل ظلمته و جاء بالفتح و قیل السدفة اختلاط الضوء و الظلمة معا کوقت ما بین طلوع الفجر إلی الإسفار.

و غشیته غطته و ذر علیه شارق نهار أی ما طلعت علیه الشمس و ذرت الشمس تذر بالضم ذرورا طلعت و ذر البقل إذا طلع من الأرض.

و شرقت الشمس طلعت و أشرقت بالهمزة إذا أضاءت و صفت .

و اعتقبت

تعاقبت و أطباق الدیاجیر أطباق الظلم و أطباقها جمع طبقة أی

ص :29

أغطیتها أطبقت الشیء أی غطیته و جعلته مطبقا و قد تطبق هو و منه قولهم لو تطبقت السماء علی الأرض لما فعلت کذا و سبحات النور عطف علی أطباق الدیاجیر أی یعلم سبحانه ما تعاقب علیه الظلام و الضیاء و سبحات هاهنا لیس یعنی به ما یعنی بقوله سبحان وجه ربّنا لأنّه هناک بمعنی ما یسبح علیه النور أی یجری من سبح الفرس و هو جریه و یقال فرس سابح .

و الخطوة ما بین القدمین بالضم و خطوت خطوة بالفتح لأنّه المصدر .

و رجع کل کلمة

ما ترجع به من الکلام إلی نفسک و تردده فی فکرک .

و النسمة الإنسان نفسه و جمعها نسم و مثقال کل ذرة أی وزن کل ذرة و ممّا یخطئ فیه العامّة قولهم للدینار مثقال و إنّما المثقال وزن کل شیء قال تعالی إِنَّ اللّٰهَ لاٰ یَظْلِمُ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ (1) .

و هماهم کل نفس هامة

الهماهم جمع همهمة و هی تردید الصوت فی الصدر و حمار همهیم یهمهم فی صوته و همهمت المرأة فی رأس الصبیّ و ذلک إذا نومته بصوت ترققه له و النفس الهامة ذات الهمة التی تعزم علی الأمر .

قوله و ما علیها أی ما علی الأرض فجاء بالضمیر و لم یسبق ذکر صاحبه اعتمادا علی فهم المخاطب کما قال تعالی کُلُّ مَنْ عَلَیْهٰا فٰانٍ (2) .

و قرارة النطفة ما یستقر فیه الماء من الأماکن قال الشاعر و أنتم قرارة کل معدن سوءة و لکل سائلة تسیل قرار.

و النطفة الماء نفسه

1491

وَ مِنْهُ قَوْلُهُ ع فِی اَلْخَوَارِجِ

إِنَّ مَصَارِعَهُمْ النُّطْفَةُ .

أی لا یعبرون النهر و یجوز أن یرید بالنطفة المنی و یقویه ما ذکره بعده من المضغة.

ص :30

و النقاعة نقرة یجتمع فیها الدم و مثله أنقوعة و یقال لوقبة الثرید أنقوعة.

و المضغة قطعة اللحم و السلالة فی الأصل ما استل من الشیء و سمیت النطفة سلالة الإنسان لأنّها استلت منه و کذلک الولد .

و الکلفة المشقة و اعتورته مثل عرته و نفذهم علمه تشبیه بنفوذ السهم و عدی الفعل بنفسه و إن کان معدی فی الأصل بحرف الجر کقولک اخترت الرجال زیدا أی من الرجال کأنّه جعل علمه تعالی خارقا لهم و نافذا فیهم و یروی و أحصاهم عده بالتضعیف اَللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِیلِ وَ التَّعْدَادِ الْکَثِیرِ إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَیْرُ مَأْمُولٍ وَ إِنْ تُرْجَ فَخَیْرُ مَرْجُوٍّ اللَّهُمَّ [فَقَدْ]

وَ قَدْ بَسَطْتَ لِی فِیمَا لاَ أَمْدَحُ بِهِ غَیْرَکَ وَ لاَ أُثْنِی بِهِ عَلَی أَحَدٍ سِوَاکَ وَ لاَ أُوَجِّهُهُ إِلَی مَعَادِنِ الْخَیْبَةِ وَ مَوَاضِعِ الرِّیبَةِ وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِی عَنْ مَدَائِحِ الآْدَمِیِّینَ وَ الثَّنَاءِ عَلَی الْمَرْبُوبِینَ الْمَخْلُوقِینَ اللَّهُمَّ وَ لِکُلِّ مُثْنٍ عَلَی مَنْ أَثْنَی عَلَیْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ وَ قَدْ رَجَوْتُکَ دَلِیلاً عَلَی ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَ کُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ اللَّهُمَّ وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَکَ بِالتَّوْحِیدِ الَّذِی هُوَ لَکَ وَ لَمْ یَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ الْمَحَامِدِ وَ الْمَمَادِحِ غَیْرَکَ وَ بِی فَاقَةٌ إِلَیْکَ لاَ یَجْبُرُ مَسْکَنَتَهَا إِلاَّ فَضْلُکَ وَ لاَ یَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلاَّ مَنُّکَ وَ جُودُکَ فَهَبْ لَنَا فِی هَذَا الْمَقَامِ رِضَاکَ وَ أَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الْأَیْدِی إِلَی سِوَاکَ إِنَّکَ عَلیٰ کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ .

ص :31

التعداد

مصدر و خیر خبر مبتدإ محذوف تقدیره فأنت خیر مأمول .

و معنی قوله قد بسطت لی أی قد آتیتنی لسنا و فصاحة و سعة منطق فلا أمدح غیرک و لا أحمد سواک .

و یعنی بمعادن الخیبة البشر لأن مادحهم و مؤملهم یخیب فی الأکثر و جعلهم مواضع الریبة لأنهم لا یوثق بهم فی حال .

و معنی قوله ع و قد رجوتک دلیلا علی ذخائر الرحمة و کنوز المغفرة أنه راج منه أن یدله علی الأعمال التی ترضیه سبحانه و یستوجب بها منه الرحمة و المغفرة و کأنّه جعل تلک الأعمال التی یرجو أن یدلّ علیها ذخائر للرحمة و کنوزا .

و الفاقة الفقر و کذلک المسکنة .

و ینعش بالفتح یرفع و الماضی نعش و منه النعش لارتفاعه و المن العطاء و النعمة و المنان من أسماء اللّه سبحانه

ص :32

علیه بالإمامة من جهة الرسول ص و إن کان أولی الناس بها و أحقهم بمنزلتها لأنّه لو کان منصوصا علیه بالإمامة من جهة الرسول ع لما جاز له أن یقول دعونی و التمسوا غیری و لا أن یقول و لعلی أسمعکم و أطوعکم لمن ولیتموه أمرکم و لا أن یقول و أنا لکم وزیرا خیر منی لکم أمیرا و تحمله الإمامیّة علی وجه آخر فیقولون إن الذین أرادوه علی البیعة هم کانوا العاقدین بیعة الخلفاء من قبل و قد کان عثمان منعهم أو منع کثیرا منهم عن حقه من العطاء لأن بنی أمیّة استأصلوا الأموال فی أیام عثمان فلما قتل قالوا لعلی ع نبایعک علی أن تسیر فینا سیرة أبی بکر و عمر لأنهما کانا لا یستأثران بالمال لأنفسهما و لا لأهلهما فطلبوا من علی ع البیعة علی أن یقسم علیهم بیوت الأموال قسمة أبی بکر و عمر فاستعفاهم و سألهم أن یطلبوا غیره ممن یسیر بسیرتهما و قال لهم کلاما تحته رمز و هو قوله إنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا تقوم له القلوب و لا تثبت علیه العقول و إن الآفاق قد أغامت و المحجة قد تنکرت .

قالوا و هذا کلام له باطن و غور عمیق معناه الإخبار عن غیب یعلمه هو و یجهلونه (1) هم و هو الإنذار بحرب المسلمین بعضهم لبعض و اختلاف الکلمة و ظهور الفتنة.

و معنی قوله له وجوه و ألوان أنه موضع شبهة و تأویل فمن قائل یقول أصاب علی و من قائل یقول أخطأ و کذلک القول فی تصویب محاربیه من أهل الجمل و صفین و النهروان و تخطئتهم فإن المذاهب فیه و فیهم تشعبت و تفرقت جدا.

و معنی قوله الآفاق قد أغامت و المحجة قد تنکرت أن الشبهة قد استولت علی العقول و القلوب و جهل أکثر الناس محجة الحق أین هی فأنا لکم وزیرا عن رسول اللّه ص أفتی فیکم بشریعته و أحکامه خیر لکم منی أمیرا محجورا علیه

ص :34

مدبرا بتدبیرکم فإنی أعلم أنّه لا قدرة لی أن أسیر فیکم بسیرة رسول اللّه ص فی أصحابه مستقلا بالتدبیر لفساد أحوالکم و تعذر صلاحکم.

و قد حمل بعضهم کلامه علی محمل آخر فقال هذا کلام مستزید (1) شاک من أصحابه یقول لهم ددعونی و التمسوا غیری علی طریق الضجر (2) منهم و التبرم بهم و التسخط لأفعالهم لأنّهم کانوا عدلوا عنه من قبل و اختاروا علیه فلما طلبوه بعد أجابهم جواب المتسخط العاتب.

و حمل قوم منهم الکلام علی وجه آخر فقالوا إنّه أخرجه مخرج التهکم و السخریة أی أنا لکم وزیرا خیر منی لکم أمیرا فیما تعتقدونه کما قال سبحانه ذُقْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْکَرِیمُ (3) أی تزعم لنفسک ذلک و تعتقده.

و اعلم أن ما ذکروه لیس ببعید أن یحمل الکلام علیه لو کان الدلیل قد دل علی ذلک فأما إذا لم یدلّ علیه دلیل فلا یجوز صرف اللفظ عن ظاهره و نحن نتمسک بالظاهر إلاّ أن تقوم دلالة علی مذهبهم تصدنا عن حمل اللفظ عن ظاهره و لو جاز أن تصرف الألفاظ عن ظواهرها لغیر دلیل قاهر یصدف و یصد عنها لم یبق وثوق بکلام اللّه عزّ و جلّ و بکلام رسوله ع و قد ذکرنا فیما تقدم کیفیة الحال التی کانت بعد قتل عثمان و البیعة العلویة کیف وقعت

الذی نقض فیه کتاب العثمانیة لشیخنا أبی عثمان فإن الذی ذکره لم نورده نحن فیما تقدم.

1492

1,14- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لَمَّا اجْتَمَعَتِ اَلصَّحَابَةُ فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ لِلنَّظَرِ فِی أَمْرِ الْإِمَامَةِ أَشَارَ (1) أَبُو الْهَیْثَمِ بْنُ التَّیِّهَانِ وَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ وَ مَالِکُ بْنُ الْعَجْلاَنِ وَ أَبُو أَیُّوبَ الْأَنْصَارِیُّ وَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ بِعَلِیٍّ ع وَ ذَکَرُوا فَضْلَهُ وَ سَابِقَتَهُ وَ جِهَادَهُ وَ قَرَابَتَهُ فَأَجَابَهُمْ النَّاسُ إِلَیْهِ فَقَامَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَطِیباً یَذْکُرُ فَضْلَ عَلِیٍّ ع فَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَهُ عَلَی أَهْلِ عَصْرِهِ خَاصَّةً وَ مِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَهُ عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ کُلِّهِمْ کَافَّةً ثُمَّ بُویِعَ وَ صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فِی الْیَوْمِ الثَّانِی مِنْ یَوْمِ الْبَیْعَةِ وَ هُوَ یَوْمُ السَّبْتِ لِإِحْدَی عَشْرَةَ لَیْلَةً بَقِینَ مِنْ ذِی الْحِجَّةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ ذَکَرَ مُحَمَّداً فَصَلَّی عَلَیْهِ ثُمَّ ذَکَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَی أَهْلِ اَلْإِسْلاَمِ ثُمَّ ذَکَرَ الدُّنْیَا فَزَهَّدَهُمْ فِیهَا وَ ذَکَرَ الْآخِرَةَ فَرَغَّبَهُمْ إِلَیْهَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص اسْتَخْلَفَ النَّاسُ أَبَا بَکْرٍ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ أَبُو بَکْرٍ عُمَرَ فَعَمِلَ بِطَرِیقِهِ ثُمَّ جَعَلَهَا شُورَی بَیْنَ سِتَّةٍ فَأَفْضَی الْأَمْرُ مِنْهُمْ إِلَی عُثْمَانَ فَعَمِلَ مَا أَنْکَرْتُمْ وَ عَرَفْتُمْ (2) ثُمَّ حُصِرَ وَ قُتِلَ ثُمَّ جِئْتُمُونِی طَائِعِینَ فَطَلَبْتُمْ إِلَیَّ وَ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْکُمْ لِی مَا لَکُمْ وَ عَلَیَّ مَا عَلَیْکُمْ وَ قَدْ فَتَحَ اللَّهُ الْبَابَ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَ أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ کَقِطَعِ اللَّیْلِ الْمُظْلِمِ وَ لاَ یَحْمِلُ هَذَا الْأَمْرَ إِلاَّ أَهْلُ الصَّبْرِ وَ الْبَصَرِ وَ الْعِلْمِ بِمَوَاقِعِ الْأَمْرِ وَ إِنِّی حَامِلُکُمْ عَلَی مَنْهَجِ نَبِیِّکُمْ ص وَ مُنَفِّذٌ فِیکُمْ مَا أُمِرْتُ بِهِ إِنْ اسْتَقَمْتُمْ لِی وَ بِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ أَلاَ إِنَّ مَوْضِعِی مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص بَعْدَ وَفَاتِهِ کَمَوْضِعِی مِنْهُ أَیَّامَ حَیَاتِهِ فَامْضُوا لِمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَ قِفُوا عِنْدَ مَا تَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ لاَ تَعْجَلُوا فِی أَمْرٍ حَتَّی نُبَیِّنَهُ لَکُمْ فَإِنَّ لَنَا عَنْ کُلِّ أَمْرٍ تُنْکِرُونَهُ عُذْراً أَلاَ وَ إِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ مِنْ فَوْقِ سَمَائِهِ وَ عَرْشِهِ أَنِّی کُنْتُ کَارِهاً لِلْوَلاَیَةِ عَلَی أُمَّةِ مُحَمَّدٍ حَتَّی اجْتَمَعَ رَأْیُکُمْ عَلَی ذَلِکَ لِأَنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ أَیُّمَا وَالٍ وَلِیَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِی أُقِیمَ عَلَی حَدِّ اَلصِّرَاطِ

ص :36

وَ نَشَرَتِ الْمَلاَئِکَةُ صَحِیفَتَهُ فَإِنْ کَانَ عَادِلاً أَنْجَاهُ اللَّهُ بِعَدْلِهِ وَ إِنْ کَانَ جَائِراً انْتَفَضَ بِهِ اَلصِّرَاطُ حَتَّی تَتَزَایَلَ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ یَهْوِی إِلَی اَلنَّارِ فَیَکُونُ أَوَّلُ مَا یَتَّقِیهَا بِهِ أَنْفَهُ وَ حُرَّ وَجْهِهِ وَ لَکِنِّی لَمَّا اجْتَمَعَ رَأْیُکُمْ لَمْ یَسَعُنِی تَرْکُکُمْ ثُمَّ الْتَفَتَ ع یَمِیناً وَ شِمَالاً فَقَالَ أَلاَ لاَ یَقُولَنَّ رِجَالٌ مِنْکُمْ غَداً قَدْ غَمَرَتْهُمُ الدُّنْیَا فَاتَّخَذُوا الْعَقَارَ وَ فَجَّرُوا الْأَنْهَارَ وَ رَکِبُوا الْخُیُولَ الْفَارِهَةَ وَ اتَّخَذُوا الْوَصَائِفَ الرُّوقَةَ (1) فَصَارَ ذَلِکَ عَلَیْهِمْ عَاراً وَ شَنَاراً إِذَا مَا مَنَعْتُهُمْ مَا کَانُوا یَخُوضُونَ فِیهِ وَ أَصَرْتُهُمْ إِلَی حُقُوقِهِمْ الَّتِی یَعْلَمُونَ فَیَنْقِمُونَ ذَلِکَ وَ یَسْتَنْکِرُونَ وَ یَقُولُونَ حَرَمَنَا اِبْنُ أَبِی طَالِبٍ حُقُوقَنَا أَلاَ وَ أَیُّمَا رَجُلٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص یَرَی أَنَّ الْفَضْلَ لَهُ عَلَی مَنْ سِوَاهُ لِصُحْبَتِهِ فَإِنَّ الْفَضْلَ النَّیِّرَ غَداً عِنْدَ اللَّهِ وَ ثَوَابُهُ وَ أَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ وَ أَیُّمَا رَجُلٍ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ فَصَدَّقَ مِلَّتَنَا وَ دَخَلَ فِی دِینِنَا وَ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَقَدْ اسْتَوْجَبَ حُقُوقَ اَلْإِسْلاَمِ وَ حُدُودَهُ فَأَنْتُمْ عِبَادُ اللَّهِ وَ الْمَالُ مَالُ اللَّهِ یُقْسَمُ بَیْنَکُمْ بِالسَّوِیَّةِ لاَ فَضْلَ فِیهِ لِأَحَدٍ عَلَی أَحَدٍ وَ لِلْمُتَّقِینَ عِنْدَ اللَّهِ غَداً أَحْسَنُ الْجَزَاءِ وَ أَفْضَلُ الثَّوَابِ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ الدُّنْیَا لِلْمُتَّقِینَ أَجْراً وَ لاَ ثَوَاباً وَ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَیْرٌ لِلْأَبْرٰارِ وَ إِذَا کَانَ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَاغْدُوا عَلَیْنَا فَإِنَّ عِنْدَنَا مَالاً نَقْسِمُهُ فِیکُمْ وَ لاَ یَتَخَلَّفَنَّ أَحَدٌ مِنْکُمْ عَرَبِیٌّ وَ لاَ عَجَمِیٌّ کَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ أَوْ لَمْ یَکُنْ إِلاَّ حَضَرَ إِذَا کَانَ مُسْلِماً حُرّاً أَقُولُ قَوْلِی هَذَا وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَکُمْ ثُمَّ نَزَلَ.

قَالَ شَیْخُنَا أَبُو جَعْفَرٍ وَ کَانَ (2) هَذَا أَوَّلَ مَا أَنْکَرُوهُ مِنَ کَلاَمِهِ ع وَ أَوْرَثَهُمُ الضِّغْنَ عَلَیْهِ وَ کَرِهُوا إِعْطَاءَهُ وَ قَسْمَهُ بِالسَّوِیَّةِ فَلَمَّا کَانَ مِنَ الْغَدِ غَدَا وَ غَدَا النَّاسُ لِقَبْضِ الْمَالِ فَقَالَ لِعُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی رَافِعٍ کَاتِبِهِ ابْدَأْ بِالْمُهَاجِرِینَ فَنَادِهِمْ وَ أَعْطِ کُلَّ

ص :37

رَجُلٍ مِمَّنْ حَضَرَ ثَلاَثَةَ دَنَانِیرَ ثُمَّ ثَنِّ بِالْأَنْصَارِ فَافْعَلْ مَعَهُمْ مِثْلَ ذَلِکَ وَ مَنْ یَحْضُرُ مِنَ النَّاسِ کُلِّهِمْ الْأَحْمَرِ وَ الْأَسْوَدِ فَاصْنَعْ بِهِ مِثْلَ ذَلِکَ.

فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هَذَا غُلاَمِی بِالْأَمْسِ وَ قَدْ أَعْتَقْتُهُ الْیَوْمَ فَقَالَ نُعْطِیهِ کَمَا نُعْطِیکَ فَأَعْطَی کُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلاَثَةُ دَنَانِیرَ وَ لَمْ یُفَضِّلْ أَحَداً عَلَی أَحَدٍ وَ تَخَلَّفَ عَنْ هَذَا الْقَسْمِ یَوْمَئِذٍ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَ سَعِیدُ بْنُ الْعَاصِ وَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ وَ رِجَالٌ مِنْ قُرَیْشٍ وَ غَیْرِهَا.

قَالَ وَ سَمِعَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَافِعٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَیْرِ یَقُولُ لِأَبِیهِ وَ طَلْحَةَ وَ مَرْوَانَ وَ سَعِیدٍ مَا خَفِیَ عَلَیْنَا أَمْسِ مِنْ کَلاَمِ عَلِیٍّ مَا یُرِیدُ فَقَالَ سَعِیدُ بْنُ الْعَاصِ وَ الْتَفَتَ إِلَی زَیْدِ بْنِ ثَابِتٍ إِیَّاکِ أَعْنِی وَ اسْمَعِی یَا جَارَةُ فَقَالَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَافِعٍ لِسَعِیدٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَیْرِ إِنَّ اللَّهَ یَقُولُ فِی کِتَابِهِ وَ لٰکِنَّ أَکْثَرَکُمْ لِلْحَقِّ کٰارِهُونَ (1) .

ثُمَّ إِنَّ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِی رَافِعٍ أَخْبَرَ عَلِیّاً ع بِذَلِکَ فَقَالَ وَ اللَّهِ إِنْ بَقِیتُ وَ سَلِمْتُ لَهُمْ لَأُقِیمَنَّهُمْ عَلَی الْمَحَجَّةِ الْبَیْضَاءِ وَ الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ قَاتَلَ اللَّهُ اِبْنَ الْعَاصِ لَقَدْ عَرَفَ مِنْ کَلاَمِی وَ نَظَرِی إِلَیْهِ أَمْسِ أَنِّی أُرِیدُهُ وَ أَصْحَابَهُ مِمَّنْ هَلَکَ فِیمَنْ هَلَکَ .

قَالَ فَبَیْنَا النَّاسُ فِی اَلْمَسْجِدِ بَعْدَ الصُّبْحِ إِذْ طَلَعَ اَلزُّبَیْرُ وَ طَلْحَةُ فَجَلَسَا نَاحِیَةً عَنْ عَلِیٍّ ع ثُمَّ طَلَعَ مَرْوَانُ وَ سَعِیدٌ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ فَجَلَسُوا إِلَیْهِمَا ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ مِنْ قُرَیْشٍ فَانْضَمُّوا إِلَیْهِمْ فَتَحَدَّثُوا نَجِیّاً سَاعَةً ثُمَّ قَامَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِی مُعَیْطٍ فَجَاءَ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ یَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّکَ قَدْ وَتَرْتَنَا جَمِیعاً أَمَّا أَنَا فَقَتَلْتَ أَبِی یَوْمَ بَدْرٍ صَبْراً وَ خَذَلْتَ أَخِی یَوْمَ الدَّارِ بِالْأَمْسِ وَ أَمَّا سَعِیدٌ فَقَتَلْتَ أَبَاهُ یَوْمَ بَدْرٍ فِی الْحَرْبِ وَ کَانَ ثَوْرَ قُرَیْشٍ وَ أَمَّا مَرْوَانُ فَسَخَّفْتَ أَبَاهُ عِنْدَ عُثْمَانَ إِذْ ضَمَّهُ إِلَیْهِ وَ نَحْنُ إِخْوَتُکَ

ص :38

وَ نُظَرَاؤُکَ مِنْ بَنِی عَبْدِ مَنَافٍ وَ نَحْنُ نُبَایِعُکَ الْیَوْمَ عَلَی أَنْ تَضَعَ عَنَّا مَا أَصَبْنَاهُ مِنَ الْمَالِ فِی أَیَّامِ عُثْمَانَ وَ أَنْ تَقْتُلَ قَتَلَتَهُ وَ إِنَّا إِنْ خِفْنَاکَ تَرَکْنَاکَ فَالْتَحَقْنَا بِالشَّامِ .

فَقَالَ أَمَّا مَا ذَکَرْتُمْ مِنْ وَتْرِی إِیَّاکُمْ فَالْحَقُّ وَتَرَکُمْ وَ أَمَّا وَضْعِی عَنْکُمْ مَا أَصَبْتُمْ فَلَیْسَ لِی أَنْ أَضَعَ حَقَّ اللَّهِ عَنْکُمْ وَ لاَ عَنْ غَیْرِکُمْ وَ أَمَّا قَتْلِی قَتَلَةَ عُثْمَانَ فَلَوْ لَزِمَنِی قَتْلُهُمْ الْیَوْمَ لَقَتَلْتُهُمْ أَمْسِ وَ لَکِنْ لَکُمْ عَلَیَّ إِنْ خِفْتُمُونِی أَنْ أُؤَمِّنَکُمْ وَ إِنْ خِفْتُکُمْ أَنْ أَسَیِّرَکُمْ .

فَقَامَ اَلْوَلِیدُ إِلَی أَصْحَابِهِ فَحَدَّثَهُمْ وَ افْتَرَقُوا عَلَی إِظْهَارِ الْعَدَاوَةِ وَ إِشَاعَةِ الْخِلاَفِ فَلَمَّا ظَهَرَ ذَلِکَ مِنْ أَمْرِهِمْ قَالَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ لِأَصْحَابِهِ قُومُوا بِنَا إِلَی هَؤُلاَءِ النَّفَرِ مِنْ إِخْوَانِکُمْ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا عَنْهُمْ وَ رَأَیْنَا مِنْهُمْ مَا نَکْرَهُ مِنَ الْخِلاَفِ وَ الطَّعْنِ عَلَی إِمَامِهِمْ وَ قَدْ دَخَلَ أَهْلُ الْجَفَاءِ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ اَلزُّبَیْرِ وَ الْأَعْسَرِ الْعَاقِّ یَعْنِی طَلْحَةَ .فَقَامَ أَبُو الْهَیْثَمِ وَ عَمَّارٌ وَ أَبُو أَیُّوبَ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ وَ جَمَاعَةٌ مَعَهُمْ فَدَخَلُوا عَلَی عَلِیٍّ ع فَقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ انْظُرْ فِی أَمْرِکَ وَ عَاتِبْ قَوْمَکَ هَذَا الْحَیَّ مِنْ قُرَیْشٍ فَإِنَّهُمْ قَدْ نَقَضُوا عَهْدَکَ وَ أَخْلَفُوا وَعْدَکَ وَ قَدْ دَعَوْنَا فِی السِّرِّ إِلَی رَفْضِکَ هَدَاکَ اللَّهُ لِرُشْدِکَ وَ ذَاکَ لِأَنَّهُمْ کَرِهُوا الْأُسْوَةَ وَ فَقَدُوا الْأَثَرَةَ وَ لَمَّا آسَیْتَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ اَلْأَعَاجِمِ أَنْکَرُوا وَ اسْتَشَارُوا عَدُوَّکَ وَ عَظَّمُوهُ وَ أَظْهَرُوا الطَّلَبَ بِدَمِ عُثْمَانَ فِرْقَةً لِلْجَمَاعَةِ وَ تَأَلُّفاً لِأَهْلِ الضَّلاَلَةِ فَرَأْیَکَ.

فَخَرَجَ عَلِیٌّ ع فَدَخَلَ اَلْمَسْجِدَ وَ صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ مُرْتَدِیاً بِطَاقٍ مُؤْتَزِراً بِبُرْدٍ قِطْرِیٍّ مُتَقَلِّداً سَیْفاً مُتَوَکِّئاً عَلَی قَوْسٍ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ رَبَّنَا وَ إِلَهَنَا وَ وَلِیَّنَا وَ وَلِیَّ النِّعَمِ عَلَیْنَا الَّذِی أَصْبَحَتْ نِعَمُهُ عَلَیْنَا ظٰاهِرَةً وَ بٰاطِنَةً امْتِنَاناً مِنْهُ بِغَیْرِ حَوْلٍ مِنَّا وَ لاَ قُوَّةٍ لِیَبْلُوَنَا أَ نَشْکُرُ أَمْ نَکْفُرُ فَمَنْ شَکَرَ زَادَهُ وَ مَنْ کَفَرَ عَذَّبَهُ فَأَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً وَ أَقْرَبُهُمْ مِنَ اللَّهِ وَسِیلَةً أَطْوَعُهُمْ لِأَمْرِهِ

ص :39

وَ أَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ وَ أَتْبَعُهُمْ لِسُنَّةِ رَسُولِهِ وَ أَحْیَاهُمْ لِکِتَابِهِ لَیْسَ لِأَحَدٍ عِنْدَنَا فَضْلٌ إِلاَّ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ طَاعَةِ اَلرَّسُولِ هَذَا کِتَابُ اللَّهِ بَیْنَ أَظْهُرِنَا وَ عَهْدُ رَسُولِ اللَّهِ وَ سِیرَتُهُ فِینَا لاَ یَجْهَلُ ذَلِکَ إِلاَّ جَاهِلٌ عَانِدٌ عَنِ الْحَقِّ مُنْکِرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی یٰا أَیُّهَا النّٰاسُ إِنّٰا خَلَقْنٰاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثیٰ وَ جَعَلْنٰاکُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاکُمْ

(1)

ثُمَّ صَاحَ بِأَعْلَی صَوْتِهِ أَطِیعُوا اللّٰهَ وَ أَطِیعُوا اَلرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّیْتُمْ فَإِنَّ اللّٰهَ لاٰ یُحِبُّ الْکٰافِرِینَ ثُمَّ قَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ أَ تَمُنُّونَ عَلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ بِإِسْلاَمِکُمْ بَلِ اللّٰهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَدٰاکُمْ لِلْإِیمٰانِ إِنْ کُنْتُمْ صٰادِقِینَ ثُمَّ قَالَ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ وَ کَانَ یَقُولُهَا إِذَا غَضِبَ ثُمَّ قَالَ أَلاَ إِنَّ هَذِهِ الدُّنْیَا الَّتِی أَصْبَحْتُمْ تَمَنَّوْنَهَا وَ تَرْغَبُونَ فِیهَا وَ أَصْبَحَتْ تُغْضِبُکُمْ وَ تُرْضِیکُمْ لَیْسَتْ بِدَارِکُمْ وَ لاَ مَنْزِلِکُمُ الَّذِی خُلِقْتُمْ لَهُ فَلاَ تَغُرَّنَّکُمْ فَقَدْ حَذَّرْتُکُمُوهَا وَ اسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ بِالصَّبْرِ لِأَنْفُسِکُمْ عَلَی طَاعَةِ اللَّهِ وَ الذُّلِّ لِحُکْمِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَأَمَّا هَذَا الْفَیْءُ فَلَیْسَ لِأَحَدٍ عَلَی أَحَدٍ فِیهِ أَثَرَةٌ وَ قَدْ فَرَغَ اللَّهُ مِنْ قِسْمَتِهِ فَهُوَ مَالُ اللَّهِ وَ أَنْتُمْ عِبَادُ اللَّهِ اَلْمُسْلِمُونَ وَ هَذَا کِتَابُ اللَّهِ بِهِ أَقْرَرْنَا وَ لَهُ أَسْلَمْنَا وَ عَهْدُ نَبِیِّنَا بَیْنَ أَظْهُرِنَا فَمَنْ لَمْ یَرْضَ بِهِ فَلْیَتَوَلَّ کَیْفَ شَاءَ فَإِنَّ الْعَامِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ الْحَاکِمَ بِحُکْمِ اللَّهِ لاَ وَحْشَةَ عَلَیْهِ ثُمَّ نَزَلَ عَنِ اَلْمِنْبَرِ فَصَلَّی رَکْعَتَیْنِ ثُمَّ بَعَثَ بِعَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ حَنْبَلٍ الْقُرَشِیِّ إِلَی طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرَ وَ هُمَا فِی نَاحِیَةِ اَلْمَسْجِدِ فَأَتَیَاهُمَا فَدَعَوَاهُمَا فَقَامَا حَتَّی جَلَسَا إِلَیْهِ ع فَقَالَ لَهُمَا نَشَدْتُکُمَا اللَّهَ هَلْ جِئْتُمَانِی طَائِعَیْنِ لِلْبَیْعَةِ وَ دَعَوْتُمَانِی إِلَیْهَا وَ أَنَا کَارِهٌ لَهَا قَالاَ نَعَمْ فَقَالَ غَیْرَ مُجْبَرَیْنِ وَ لاَ مَقْسُورَیْنِ فَأَسْلَمْتُمَا لِی بَیْعَتَکُمَا وَ أَعْطَیْتُمَانِی عَهْدَکُمَا

ص :40

قَالاَ نَعَمْ قَالَ فَمَا دَعَاکُمَا بَعْدُ إِلَی مَا أَرَی قَالاَ أَعْطَیْنَاکَ بَیْعَتَنَا عَلَی أَلاَّ تَقْضِیَ الْأُمُورَ وَ لاَ تَقْطَعَهَا دُونَنَا وَ أَنْ تَسْتَشِیرَنَا فِی کُلِّ أَمْرٍ وَ لاَ تَسْتَبِدَّ بِذَلِکَ عَلَیْنَا وَ لَنَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَی غَیْرِنَا مَا قَدْ عَلِمْتَ فَأَنْتَ تَقْسِمُ الْقَسْمَ وَ تَقْطَعُ الْأَمْرَ وَ تُمْضِی الْحُکْمَ بِغَیْرِ مُشَاوَرَتِنَا وَ لاَ عِلْمِنَا فَقَالَ لَقَدْ نَقَمْتُمَا یَسِیراً وَ أَرْجَأْتُمَا کَثِیراً فَاسْتَغْفِرَا اللَّهَ یَغْفِرْ لَکُمَا أَ لاَ تُخْبِرَانَنِی أَدْفَعْتُکُمَا عَنْ حَقٍّ وَجَبَ لَکُمَا فَظَلَمْتُکُمَا إِیَّاهُ قَالاَ مَعَاذَ اللَّهِ قَالَ فَهَلْ اسْتَأْثَرْتُ مِنْ هَذَا الْمَالِ لِنَفْسِی بِشَیْءٍ قَالاَ مَعَاذَ اللَّهِ قَالَ أَ فَوَقَعَ حُکْمٌ أَوْ حَقٌّ لِأَحَدٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ فَجَهِلْتُهُ أَوْ ضَعُفْتُ عَنْهُ قَالاَ مَعَاذَ اللَّهِ قَالَ فَمَا الَّذِی کَرِهْتُمَا مِنْ أَمْرِی حَتَّی رَأَیْتُمَا خِلاَفِی قَالاَ خِلاَفَکَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِی الْقَسْمِ أَنَّکَ جَعَلْتَ حَقَّنَا فِی الْقَسْمِ کَحَقِّ غَیْرِنَا وَ سَوَّیْتَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ مَنْ لاَ یُمَاثِلُنَا فِیمَا أَفَاءَ اللَّهُ تَعَالَی عَلَیْنَا بِأَسْیَافِنَا وَ رِمَاحِنَا وَ أَوْجَفْنَا (1) عَلَیْهِ بِخَیْلِنَا وَ رَجِلِنَا وَ ظَهَرَتْ عَلَیْهِ دَعَوْتُنَا وَ أَخَذْنَاهُ قَسْراً قَهْراً مِمَّنْ لاَ یَرَی اَلْإِسْلاَمَ إِلاَّ کَرْهاً فَقَالَ فَأَمَّا مَا ذَکَرْتُمَاهُ مِنَ الاِسْتِشَارَةِ بِکُمَا فَوَ اللَّهِ مَا کَانَتْ لِی فِی الْوَلاَیَةِ رَغْبَةٌ وَ لَکِنَّکُمْ دَعَوْتُمُونِی إِلَیْهَا وَ جَعَلْتُمُونِی عَلَیْهَا فَخِفْتُ أَنْ أَرُدَّکُمْ فَتَخْتَلِفَ الْأُمَّةُ فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَیَّ نَظَرْتُ فِی کِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ فَأَمْضَیْتُ مَا دَلاَّنِی عَلَیْهِ وَ اتَّبَعْتُهُ وَ لَمْ أَحْتَجْ إِلَی آرَائِکُمَا فِیهِ وَ لاَ رَأْیِ غَیْرِکُمَا وَ لَوْ وَقَعَ حُکْمٌ لَیْسَ فِی کِتَابِ اللَّهِ بَیَانُهُ وَ لاَ فِی السُّنَّةِ بُرْهَانُهُ وَ احْتِیجَ إِلَی الْمُشَاوَرَةِ فِیهِ لَشَاوَرْتُکُمَا فِیهِ وَ أَمَّا الْقَسْمُ وَ الْأُسْوَةُ فَإِنَّ ذَلِکَ أَمْرٌ لَمْ أَحْکُمْ فِیهِ بَادِئَ بَدْءٍ قَدْ وَجَدْتُ أَنَا وَ أَنْتُمَا رَسُولَ اللَّهِ ص یَحْکُمُ بِذَلِکَ وَ کِتَابُ اللَّهِ نَاطِقٌ بِهِ وَ هُوَ اَلْکِتَابُ الَّذِی لاٰ یَأْتِیهِ الْبٰاطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لاٰ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَکِیمٍ حَمِیدٍ وَ أَمَّا قَوْلُکُمَا جَعَلْتَ فَیْئَنَا وَ مَا أَفَاءَتْهُ سُیُوفُنَا وَ رِمَاحُنَا سَوَاءً بَیْنَنَا وَ بَیْنَ غَیْرِنَا فَقَدِیماً سَبَقَ إِلَی اَلْإِسْلاَمِ قَوْمٌ وَ نَصَرُوهُ بِسُیُوفِهِمْ وَ رِمَاحُهُمْ فَلَمْ یُفَضِّلْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص فِی الْقَسْمِ وَ لاَ آثَرَهُمْ بِالسَّبْقِ وَ اللَّهُ

ص :41

سُبْحَانَهُ مُوفٍ السَّابِقَ وَ الْمُجَاهِدَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَعْمَالَهُمْ وَ لَیْسَ لَکُمَا وَ اللَّهِ عِنْدِی وَ لاَ لِغَیْرِکُمَا إِلاَّ هَذَا أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبَکُمْ إِلَی الْحَقِّ وَ أَلْهَمَنَا وَ إِیَّاکُمْ الصَّبْرَ ثُمَّ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً رَأَی حَقّاً فَأَعَانَ عَلَیْهِ وَ رَأَی جَوْراً فَرَدَّهُ وَ کَانَ عَوْناً لِلْحَقِّ عَلَی مَنْ خَالَفَهُ .

قَالَ شَیْخُنَا أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّهُمَا قَالاَ لَهُ وَقْتَ الْبَیْعَةِ نُبَایِعُکَ عَلَی أَنَّا شُرَکَاؤُکَ فِی هَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ لَهُمَا لاَ وَ لَکِنَّکُمَا شَرِیکَایَ فِی الْفَیْءِ لاَ أَسْتَأْثِرُ عَلَیْکُمَا وَ لاَ عَلَی عَبْدٍ حَبَشِیٍّ مُجَدَّعٍ بِدِرْهَمٍ فَمَا دُونَهُ لاَ أَنَا وَ لاَ ,2وَلَدَایَ هَذَانِ فَإِنْ أَبَیْتُمَا إِلاَّ لَفْظَ الشِّرْکَةِ فَأَنْتُمَا عَوْنَانِ لِی عِنْدَ الْعَجْزِ وَ الْفَاقَةِ لاَ عِنْدَ الْقُوَّةِ وَ الاِسْتِقَامَةِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَاشْتَرَطَا مَا لاَ یَجُوزُ فِی عَقْدِ الْأَمَانَةِ وَ شَرَطَ ع لَهُمَا مَا یَجِبُ فِی الدِّینِ وَ الشَّرِیعَةِ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی وَ قَدْ رُوِیَ أَیْضاً أَنَّ اَلزُّبَیْرَ قَالَ فِی مَلَإٍ مِنَ النَّاسِ هَذَا جَزَاؤُنَا مِنْ عَلِیٍّ قُمْنَا لَهُ فِی أَمْرِ عُثْمَانَ حَتَّی قُتِلَ فَلَمَّا بَلَغَ بِنَا مَا أَرَادَ جَعَلَ فَوْقَنَا مَنْ کُنَّا فَوْقَهُ.

وَ قَالَ طَلْحَةُ مَا اللَّوْمُ إِلاَّ عَلَیْنَا کُنَّا مَعَهُ أَهْلَ اَلشُّورَی ثَلاَثَةً فَکَرِهَهُ أَحَدُنَا یَعْنِی سَعْداً وَ بَایَعْنَاهُ فَأَعْطَیْنَاهُ مَا فِی أَیْدِینَا وَ مَنَعْنَا مَا فِی یَدِهِ فَأَصْبَحْنَا قَدْ أَخْطَأْنَا الْیَوْمَ مَا رَجَوْنَاهُ أَمْسِ وَ لاَ نَرْجُو غَداً مَا أَخْطَأْنَا الْیَوْمَ

.

فإن قلت فإن أبا بکر قسم بالسواء کما قسمه أمیر المؤمنین ع و لم ینکروا ذلک کما أنکروه أیام أمیر المؤمنین ع فما الفرق بین الحالتین.

قلت إن أبا بکر قسم محتذیا لقسم (1) رسول اللّه ص فلما ولی عمر الخلافة و فضل قوما علی قوم ألفوا ذلک و نسوا تلک القسمة الأولی و طالت أیام عمر

ص :42

و أشربت قلوبهم حبّ المال و کثرة العطاء و أمّا الذین اهتضموا فقنعوا و مرنوا علی القناعة و لم یخطر لأحد من الفریقین له أن هذه الحال تنتقض أو تتغیر بوجه ما فلما ولی عثمان أجری الأمر علی ما کان عمر یجریه فازداد وثوق القوم بذلک و من ألف أمرا أشق علیه فراقه و تغییر العادة فیه فلما ولی أمیر المؤمنین ع أراد أن یرد الأمر إلی ما کان فی أیام رسول اللّه ص و أبی بکر و قد نسی ذلک و رفض و تخلل بین الزمانین اثنتان و عشرون سنة فشق ذلک علیهم و أنکروه و أکبروه حتّی حدث ما حدث من نقض البیعة و مفارقة الطاعة و لله أمر هو بالغه

ص :43

بِفِیهَا وَ تَخْبِطُ بِیَدِهَا وَ تَزْبِنُ بِرِجْلِهَا وَ تَمْنَعُ دَرَّهَا لاَ یَزَالُونَ بِکُمْ حَتَّی لاَ یَتْرُکُوا مِنْکُمْ إِلاَّ نَافِعاً لَهُمْ أَوْ غَیْرَ ضَائِرٍ بِهِمْ وَ لاَ یَزَالُ بَلاَؤُهُمْ عَنْکُمْ حَتَّی لاَ یَکُونَ انْتِصَارُ أَحَدِکُمْ مِنْهُمْ إِلاَّ [مِثْلَ انْتِصَارِ]

کَانْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ وَ الصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِهِ تَرِدُ عَلَیْکُمْ فِتْنَتُهُمْ [شَوْهاً]

شَوْهَاءَ مَخْشِیَّةً وَ قِطَعاً جَاهِلِیَّةً لَیْسَ فِیهَا مَنَارُ هُدًی وَ لاَ عَلَمٌ یُرَی نَحْنُ أَهْلَ الْبَیْتِ مِنْهَا [بِنَجَاةٍ]

بِمَنْجَاةٍ وَ لَسْنَا فِیهَا بِدُعَاةٍ ثُمَّ یُفَرِّجُهَا اللَّهُ عَنْکُمْ کَتَفْرِیجِ الْأَدِیمِ بِمَنْ یَسُومُهُمْ خَسْفاً وَ یَسُوقُهُمْ عُنْفاً وَ یَسْقِیهِمْ بِکَأْسٍ مُصَبَّرَةٍ لاَ یُعْطِیهِمْ إِلاَّ السَّیْفَ وَ لاَ یُحْلِسُهُمْ إِلاَّ الْخَوْفَ فَعِنْدَ ذَلِکَ تَوَدُّ قُرَیْشٌ بِالدُّنْیَا وَ مَا فِیهَا لَوْ یَرَوْنَنِی مَقَاماً وَاحِداً وَ لَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُورٍ لِأَقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْیَوْمَ بَعْضَهُ فَلاَ [یُعْطُونَنِیهِ]

یُعْطُونِیهِ .

فقأت عینه أی بَخَقتها و تفقأت السحابة عن مائها تشقّقت و تفقأ الدمل و القرح و معنی فقئه ع عین الفتنة إقدامه علیها حتّی أطفأ نارها کأنّه جعل للفتنة عینا محدقة یهابها الناس فأقدم هو علیها ففقأ عینها فسکنت بعد حرکتها و هیجانها و هذا من باب الاستعارة و إنّما قال و لم یکن لیجترئ علیها أحد غیری لأن الناس کلهم کانوا یهابون قتال أهل القبلة و لا یعلمون کیف یقاتلونهم هل یتبعون مولّیهم أم لا و هل یُجهِزون علی جریحهم أم لا و هل یقسمون فیئهم أم لا و کانوا یستعظمون قتال من یؤذّن کأذاننا و یصلّی کصلاتنا و استعظموا أیضا حرب عائشة و حرب طلحة و الزبیر لمکانهم فی الإسلام و توقّف جماعتهم عن الدخول فی تلک الحرب کالأحنف بن قیس و غیره فلو لا أن علیا اجترأ علی سلّ السیف فیها ما أقدم أحد علیها

1493

2,1- حَتَّی

ص :45

اَلْحَسَنُ ع

ابْنُهُ أَشَارَ عَلَیْهِ أَلاَّ یَبْرَحَ عَرْصَةَ اَلْمَدِینَةِ وَ نَهَاهُ عَنِ الْمَسِیرِ إِلَی اَلْبَصْرَةِ حَتَّی قَالَ لَهُ مُنْکِراً عَلَیْهِ إِنْکَارَهُ وَ لاَ تَزَالُ تَخِنُّ خَنِینَ الْأَمَةِ وَ قَدْ رَوَی اِبْنُ هِلاَلٍ صَاحِبُ کِتَابِ اَلْغَارَاتِ أَنَّهُ کَلَّمَ أَبَاهُ فِی قِتَالِ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ بِکَلاَمٍ أَغْضَبَهُ فَرَمَاهُ بِبَیْضَةِ حَدِیدٍ عَقَرَتْ سَاقَهُ فَعُولِجَ مِنْهَا شَهْرَیْنِ .

و الغیهب الظلمة و الجمع غیاهب و إنّما قال بعد ما ماج غیهبها لأنّه أراد بعد ما عمّ ضلالها فشمل فکنی عن الضلال بالغیهب و کنی عن العموم و الشمول بالتموج لأن الظلمة إذا تموجت شملت أماکن کثیرة غیر الأماکن التی تشملها لو کانت ساکنة و اشتد کلبها أی شرها و أذاها و یقال للقحط الشدید کلب و کذلک للقر الشدید .

ثمّ قال ع سَلُونِی قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِی

1494

1- رَوَی صَاحِبُ کِتَابِ اَلْإِسْتِیعَابِ وَ هُوَ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبِرِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الرُّوَاةِ وَ الْمُحَدِّثِینَ قَالُوا لَمْ یَقُلْ أَحَدٌ مِنَ اَلصَّحَابَةِ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَلُونِی إِلاَّ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ .

1495

1- وَ رَوَی شَیْخُنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْإِسْکَافِیُّ فِی کِتَابِ نَقْضِ الْعُثْمَانِیَّةِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنِ اِبْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ لَیْسَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ یَقُولَ عَلَی الْمِنْبَرِ سَلُونِی إِلاَّ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع .

و الفئة الطائفة و الهاء عوض من الیاء التی نقصت من وسطه و أصله فیء مثال فیع لأنّه من فاء و یجمع علی فئات مثل شیات و هبات و لدات.

و ناعقها الداعی إلیها من نعیق الراعی بغنمه و هو صوته نعق ینعق بالکسر نعیقا و نعاقا أی صاح بها و زجرها قال الأخطل فانعق بضأنک یا جریر فإنما منتک نفسک فی الخلاء ضلالا (1) .

ص :46

فأما الغراب فیقال نغق بالغین المعجمة ینغق بالکسر أیضا و حکی ابن کیسان نعق الغراب أیضا بعین غیر معجمه .

و الرکاب الإبل واحدتها راحلة و لا واحد لها من لفظها و جمعها رکب مثل کتاب و کتب و یقال زیت رکابی لأنّه یحمل من الشام علیها.

و المناخ بضم المیم و محط بفتحها یجوز أن یکونا مصدرین و أن یکونا مکانین أما کون المناخ مصدرا فلأنّه کالمقام الذی بمعنی الإقامة و أمّا کون المحط مصدرا فلأنّه کالمرد فی قوله سبحانه وَ أَنَّ مَرَدَّنٰا إِلَی اللّٰهِ (1) و أمّا کونهما موضعین فلأن المناخ من أنخت الجمل لا من ناخ الجمل لأنّه لم یأت و الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع منه یأتی مضموم المیم لأنّه مشبه ببنات الأربعة نحو دحرج و هذا مدحرجنا و من قال هذا مقام بنی فلان أی موضع مقامهم جعله کما جعلناه نحن من أقام یقیم لا من قام یقوم و أمّا المحط فإنّه کالمقتل موضع القتل یقال مقتل الرجل بین فکیه و یقال للأعضاء التی إذا أصیب الإنسان فیها هلک مقاتل و وجه المماثلة کونهما مضمومی العین

أخبره بذلک و لقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقا فاستدللنا بذلک علی صدق الدعوی المذکورة کإخباره عن الضربة یضرب بها فی رأسه فتخضب لحیته و إخباره عن قتل الحسین ابنه ع و ما قاله فی کربلاء حیث مر بها و إخباره بملک معاویة الأمر من بعده و إخباره عن الحجاج و عن یوسف بن عمر و ما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان و ما قدمه إلی أصحابه من إخباره بقتل من یقتل منهم و صلب من یصلب و إخباره بقتال الناکثین و القاسطین و المارقین و إخباره بعدة الجیش الوارد إلیه من الکوفة لما شخص ع إلی البصرة لحرب أهلها

1496

وَ إِخْبَارُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَیْرِ وَ قَوْلُهُ فِیهِ خَبٌّ ضَبٌّ یَرُومُ أَمْراً وَ لاَ یُدْرِکُهُ یَنْصِبُ حِبَالَةَ الدِّینِ لاِصْطِیَادِ الدُّنْیَا وَ هُوَ بَعْدُ مَصْلُوبُ قُرَیْشٍ .

و کإخباره عن هلاک البصرة بالغرق و هلاکها تارة أخری بالزنج و هو الذی صحفه قوم فقالوا بالریح و کإخباره عن ظهور الرایات السود من خراسان و تنصیصه علی قوم من أهلها یعرفون ببنی رزیق بتقدیم المهملة و هم آل مصعب الذین منهم طاهر بن الحسین و ولده و إسحاق بن إبراهیم و کانوا هم و سلفهم دعاة الدولة العباسیة و کإخباره عن الأئمة الذین ظهروا من ولده بطبرستان کالناصر و الداعی و غیرهما

1497

فِی قَوْلِهِ ع

وَ إِنَّ لِآلِ مُحَمَّدٍ بِالطَّالَقَانِ لَکَنْزاً سَیُظْهِرُهُ اللَّهُ إِذَا شَاءَ دُعَاؤُهُ حَقٌّ یَقُومُ بِإِذْنِ اللَّهِ فَیَدْعُو إِلَی دِینِ اللَّهِ .

1498

وَ کَإِخْبَارِهِ عَنْ مَقْتَلِ اَلنَّفْسِ الزَّکِیَّةِ بِالْمَدِینَةِ وَ قَوْلُهُ إِنَّهُ یُقْتَلُ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّیْتِ .

1499

وَ کَقَوْلِهِ عَنْ أَخِیهِ إِبْرَاهِیمَ الْمَقْتُولِ بِبَابِ حَمْزَةَ

یُقْتَلُ بَعْدَ أَنْ یُظْهِرَ وَ یُقْهَرُ بَعْدَ أَنْ یَقْهَرَ .

1500

وَ قَوْلُهُ فِیهِ أَیْضاً یَأْتِیهِ سَهْمٌ غَرْبٌ (1) یَکُونُ فِیهِ مَنِیَّتُهُ فَیَا بُؤْساً لِلرَّامِی شَلَّتْ یَدُهُ وَ وَهَنَ عَضُدُهُ.

1501

وَ کَإِخْبَارِهِ عَنْ قَتْلَی وَجَّ وَ قَوْلُهُ فِیهِمْ

هُمْ خَیْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ .

و کإخباره عن المملکة العلویة بالغرب و تصریحه بذکر کتامة و هم الذین نصروا أبا عبد اللّه الداعی المعلم

1502

وَ کَقَوْلِهِ وَ هُوَ یُشِیرُ إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْمَهْدِیِّ وَ هُوَ أَوَّلُهُمْ

ثُمَّ یَظْهَرُ

ص :48

صَاحِبُ اَلْقِیرَوَانَ الْغَضُّ الْبَضُّ ذُو النَّسَبِ الْمَحْضِ الْمُنْتَجَبُ مِنْ سُلاَلَةِ ذِی الْبَدَاءِ الْمُسَجَّی بِالرِّدَاءِ .

و کان عبید اللّه المهدیّ أبیض (1) مترفا مشربا بحمرة رخص البدن تار (2) الأطراف و ذو البداء إسماعیل بن جعفر بن محمّد ع و هو المسجی بالرداء

1503

6- لِأَنَّ أَبَاهُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَراً سَجَّاهُ بِرِدَائِهِ لَمَّا مَاتَ وَ أَدْخَلَ إِلَیْهِ وُجُوهَ اَلشِّیعَةِ یُشَاهِدُونَهُ لِیَعْلَمُوا مَوْتَهُ وَ تَزُولَ عَنْهُمُ الشُّبْهَةُ فِی أَمْرِهِ .

1504

وَ کَإِخْبَارِهِ عَنْ بَنِی بُویَهْ وَ قَوْلُهُ فِیهِمْ

وَ یَخْرُجُ مِنْ دَیْلَمَانَ بَنُو الصَّیَّادِ .

إشارة إلیهم و کان أبوهم صیاد السمک یصید منه بیده ما یتقوت هو و عیاله بثمنه فأخرج اللّه تعالی من ولده لصلبه ملوکا ثلاثة و نشر ذریتهم حتّی ضربت الأمثال بملکهم

1505

1- وَ کَقَوْلِهِ ع فِیهِمْ ثُمَّ یَسْتَشْرِی أَمْرُهُمْ حَتَّی یَمْلِکُوا اَلزَّوْرَاءَ وَ یَخْلَعُوا الْخُلَفَاءَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ فَکَمْ مُدَّتُهُمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ مِائَةٌ أَوْ تَزِیدُ قَلِیلاً .

1506

وَ کَقَوْلِهِ فِیهِمْ

وَ المُتْرَفُ ابْنُ الْأَجْذَمِ یَقْتُلُهُ ابْنُ عَمِّهِ عَلَی دِجْلَةَ .

و هو إشارة إلی عز الدولة بختیار بن معز الدولة أبی الحسین و کان معز الدولة أقطع الید قطعت یده للنکوص فی الحرب و کان ابنه عز الدول بختیار مترفا صاحب لهو و شرب و قتله عضد الدولة فناخسرو ابن عمه بقصر الجص علی دجلة فی الحرب و سلبه ملکه فأما خلعهم للخلفاء فإن معز الدولة خلع المستکفی و رتب عوضه المطیع و بهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع و رتب عوضه القادر و کانت مدة ملکهم کما أخبر به ع.

و کإخباره ع لعبد اللّه بن العبّاس رحمه اللّه تعالی عن انتقال الأمر إلی أولاده

1507

1- فَإِنَّ عَلِیَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا وُلِدَ أَخْرَجَهُ أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَی عَلِیٍّ ع فَأَخَذَهُ وَ تَفَلَ فِی فِیهِ

ص :49

وَ حَنَّکَهُ بِتَمْرَةٍ قَدْ لاَکَهَا وَ دَفَعَهُ إِلَیْهِ وَ قَالَ خُذْ إِلَیْکَ أَبَا الْأَمْلاَکِ .

هکذا الروایة الصحیحة و هی التی ذکرها أبو العبّاس المبرد فی کتاب الکامل (1) و لیست الروایة التی یذکر فیها العدد بصحیحة و لا منقولة من کتاب معتمد علیه.

و کم له من الأخبار عن الغیوب الجاریة هذا المجری ممّا لو أردنا استقصاءه لکسرنا له کراریس کثیرة و کتب السیر تشتمل علیها مشروحة.

فإن قلت لما ذا غلا الناس فی أمیر المؤمنین ع فادعوا فیه الإلهیة لإخباره عن الغیوب التی شاهدوا صدقها عیانا و لم یغلوا فی رسول اللّه ص فیدعوا له الإلهیة و أخباره عن الغیوب الصادقة قد سمعوها و علموها یقینا و هو کان أولی بذلک لأنّه الأصل المتبوع و معجزاته أعظم و أخباره عن الغیوب أکثر قلت إن الذین صحبوا رسول اللّه ص و شاهدوا معجزاته و سمعوا أخباره عن الغیوب الصادقة عیانا کانوا أشدّ آراء و أعظم أحلاما و أوفر عقولا من تلک الطائفة الضعیفة العقول السخیفة الأحلام الذین رأوا أمیر المؤمنین ع فی آخر أیامه کعبد اللّه بن سبإ و أصحابه فإنهم کانوا من رکاکة البصائر و ضعفها علی حال مشهورة فلا عجب عن مثلهم أن تستخفهم المعجزات فیعتقدوا فی صاحبها أن الجوهر الإلهی قد حله لاعتقادهم أنّه لا یصحّ من البشر هذا إلاّ بالحلول و قد قیل إن جماعة من هؤلاء کانوا من نسل النصاری و الیهود و قد کانوا سمعوا من آبائهم و سلفهم القول بالحلول فی أنبیائهم و رؤسائهم فاعتقدوا فیه ع مثل ذلک و یجوز أن یکون أصل هذه المقالة من قوم ملحدین أرادوا إدخال الإلحاد فی دین الإسلام فذهبوا إلی ذلک و لو کانوا فی أیام رسول اللّه ص لقالوا فیه مثل هذه المقالة إضلالا لأهل

ص :50

الإسلام و قصدا لإیقاع الشبهة فی قلوبهم و لم یکن فی الصحابة (1) مثل هؤلاء و لکن قد کان فیهم منافقون و زنادقة و لم یهتدوا إلی هذه الفتنة و لا خطر لهم مثل هذه المکیدة.

و ممّا ینقدح لی من الفرق بین هؤلاء القوم و بین العرب الذین عاصروا رسول اللّه ص أن هؤلاء من العراق و ساکنی الکوفة و طینة العراق ما زالت تنبت أرباب الأهواء و أصحاب النحل العجیبة و المذاهب البدیعة و أهل هذا الإقلیم أهل بصر و تدقیق و نظر و بحث عن الآراء و العقائد و شبه معترضة فی المذاهب و قد کان منهم فی أیام الأکاسرة مثل مانی و دیصان و مزدک و غیرهم و لیست طینة الحجاز هذه الطینة و لا أذهان أهل الحجاز هذه الأذهان و الغالب علی أهل الحجاز الجفاء و العجرفیة و خشونة الطبع و من سکن المدن منهم کأهل مکّة و المدینة و الطائف فطباعهم قریبة من طباع أهل البادیة بالمجاورة و لم یکن فیهم من قبل حکیم و لا فیلسوف و لا صاحب نظر و جدل و لا موقع شبهة و لا مبتدع نحلة و لهذا نجد مقالة الغلاة طارئة و ناشئة من حیث سکن علی ع بالعراق و الکوفة لا فی أیّام مقامه بالمدینة و هی أکثر عمره.

فهذا ما لاح لی من الفرق بین الرجلین فی المعنی المقدم ذکره.

فإن قلت لما ذا قال عن فئة تهدی مائة و ما فائدة التقیید بهذا العدد قلت لأن ما دون المائة حقیر تافه لا یعتد به لیذکر و یخبر عنه فکأنّه قال مائة فصاعدا .

قوله ع کرائه الأمور جمع کریهة و هی الشدة فی الحرب و حوازب الخطوب جمع حازب و حزبه الأمر أی دهمه.

ص :51

و فشل جبن فإن قلت أما فشل المسئول فمعلوم فما الوجه فی إطراق السائل قلت لشدة الأمر و صعوبته حتّی أن السائل لیبهت و یدهش فیطرق و لا یستطیع السؤال .

قوله ع إذا قلصت حربکم یروی بالتشدید و بالتخفیف و یروی عن حربکم فمن رواه مشددا أراد انضمت و اجتمعت و ذلک لأنّه یکون أشدّ لها و أصعب من أن تتفرق فی مواطن متباعدة أ لا تری أن الجیوش إذا اجتمعت کلها و اصطدم الفیلقان کان الأمر أصعب و أفظع من أن تکون کل کتیبة من تلک الجیوش تحارب کتیبة أخری فی بلاد متفرقة متباعدة و ذلک لأن اصطدام الفیلقین بأجمعهما هو الاستئصال الذی لا شوی (1) له و لا بقیا بعده و من رواها بالتخفیف أراد کثرت و تزایدت من قولهم قلصت البئر أی ارتفع ماؤها إلی رأسها أو دونه و هو ماء قالص و قلیص و من روی إذا قلصت عن حربکم أراد إذا قلصت کرائه الأمور و حوازب الخطوب عن حربکم أی انکشفت عنها و المضارع من قلص یقلص بالکسر .

قوله و شمرت عن ساق استعارة و کنایة یقال للجاد فی أمره قد شمر عن ساق و ذلک لأن سبوغ الذیل معثرة و یمکن أن یجری اللفظ علی حقیقته و ذلک أن قوله تعالی یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سٰاقٍ (2) فسروه فقالوا الساق الشدة فیکون قد أراد بقوله و شمرت عن ساق أی کشفت عن شدة و مشقة .

ثمّ قال تستطیلون أیّام البلاء و ذلک لأن أیّام البؤس طویلة قال الشاعر

ص :52

فأیام الهموم مقصصات

و أیّام السرور تطیر طیرا

و قال أبو تمام ثم انبرت أیّام هجر أردفت بجوی أسی فکأنها أعوام (1) .

قوله ع إن الفتن إذا أقبلت شبهت معناه أن الفتن عند إقبالها و ابتداء حدوثها یلتبس أمرها و لا یعلم الحق منها من الباطل إلی أن تنقضی و تدبر فحینئذ ینکشف حالها و یعلم ما کان مشتبها منها ثمّ أکد ع هذا المعنی بقوله ینکرن مقبلات و یعرفن مدبرات و مثال ذلک فتنة الجمل و فتنة الخوارج کان کثیر من الناس فیها فی مبدإ الأمر متوقفین و اشتبه علیهم الحال و لم یعلموا موضع الحق إلی أن انقضت الفتنة و وضعت الحرب أوزارها و بان لهم صاحب الضلالة من صاحب الهدایة .

ثمّ وصف الفتن فقال إنها تحوم حوم الریاح یصبن بلدا و یخطئن بلدا حام الطائر و غیره حول الشیء یحوم حوما و حومانا أی دار .

ثمّ ذکر أن أخوف ما یخاف علیهم فتنة بنی أمیّة و معنی قوله عمت خطتها و خصت بلیتها أنها عمت الناس کافة من حیث کانت رئاسة شاملة لکل أحد و لکن حظ أهل البیت ع و شیعتهم من بلیتها أعظم و نصیبهم فیها أوفر .

و معنی قوله و أصاب البلاء من أبصر فیها و أخطأ البلاء من عمی عنها أن العالم بارتکابهم المنکر مأثوم إذ لم ینکر و الجاهل بذلک لا إثم علیه إذا لم ینههم عن المنکر لأن من لا یعلم المنکر منکرا لا یلزمه إنکاره و لا یعنی بالمنکر هاهنا

ص :53

ما کان منکرا من الاعتقادات و لا ما یتعلق بالأمانة بل الزنی و شرب الخمر و نحوهما من الأفعال القبیحة.

فإن قلت أی فرق بین الأمرین قلت لأن تلک یلحق الإثم من لا یعلمها إذا کان متمکنا من العلم بها و هذه لا یجب إنکارها إلاّ مع العلم بها و من لا یعلمها لا یلحقه الإثم إذا کان متمکنا من العلم بها فافترق الموضوعان .

ثمّ أقسم ع فقال و أیم اللّه و أصله و ایمن اللّه و اختلف النحویون فی هذه الکلمة فعند الأکثرین منهم أن ألفها ألف وصل و أن أیمن اسم وضع للقسم هکذا بألف وصل و بضم المیم و النون قالوا و لم یأت فی الأسماء ألف وصل مفتوحة غیرها و تدخل علیها اللام لتأکید الابتداء فتقول لیمن اللّه فتذهب الألف قال الشاعر فقال فریق القوم لما نشدتهم نعم و فریق لیمن اللّه ما ندری (1) و هذا الاسم مرفوع بالابتداء و خبره محذوف و التقدیر لیمن اللّه قسمی فإذا خاطبت قلت لیمنک و فی حدیث عروة بن الزبیر لیمنک لئن کنت ابتلیت لقد عافیت و لئن کنت أخذت لقد أبقیت (2) و تحذف نونه فیصیر أیم اللّه بألف وصل مفتوحة و قد تکسر و ربما حذفوا الیاء فقالوا أم اللّه و ربما أبقوا المیم وحدها مضمومة فقالوا م اللّه و قد یکسرونها لما صارت حرفا شبهوها بالباء و ربما قالوا من اللّه بضم المیم و النون و من اللّه بکسرهما و من اللّه بفتحهما و ذهب أبو عبید و ابن کیسان و ابن درستویه إلی أن أیمن جمع یمین و الألف همزة قطع و إنّما خففت

ص :54

و طرحت فی الوصل لکثرة الاستعمال قالوا و کانت العرب تحلف بالیمین فتقول یمین اللّه لا أفعل قال إمرؤ القیس فقلت یمین اللّه أبرح قاعدا و لو قطعوا رأسی لدیک و أوصالی (1) قالوا و الیمین تجمع علی أیمن قال زهیر فتجمع أیمن منا و منکم بمقسمة تمور بها الدماء (2) .

ثمّ حلفوا به فقالوا أیمن اللّه ثمّ کثر فی کلامهم و خف علی ألسنتهم حتّی حذفوا منه النون کما حذفوا فی قوله لم یکن فقالوا لم یک فأقسم ع لأصحابه أنهم سیجدون بنی أمیّة بعده لهم أرباب سوء و صدق ص فیما قال فإنهم ساموهم سوء العذاب قتلا و صلبا و حبسا و تشریدا فی البلاد .

ثمّ شبه بنی أمیّة بالناب الضروس و الناب الناقة المسنة و الجمع نیب تقول لا أفعله ما حنت النیب و الضروس السیئة الخلق تعض حالبها.

و تعذم بفیها تکدم و العذم الأکل بجفاء و فرس عذوم یعض بأسنانه .

و الزبن الدفع زبنت الناقة تزبن إذا ضربت بثفناتها عند الحلب تدفع الحالب عنها و الدر اللبن و فی المثل لا در دره الأصل لبنه ثمّ قیل لکل خیر و ناقة درور أی کثیرة اللبن .

ثمّ قال لا یزالون بکم قتلا و إفناء لکم حتی لا یترکوا منکم إلاّ من ینفعهم إبقاؤه أو لا یضرهم و لا ینفعهم قال حتی یکون انتصار أحدکم منهم کانتصار العبد من مولاه أی لا انتصار لکم منهم لأن العبد لا ینتصر من مولاه أبدا و قد جاء فی کلامه

ص :55

ع فی غیر هذا الموضع تتمة هذا المعنی إن حضر أطاعه و إن غاب سبعه أی ثلبه و شتمه و هذه أمارة الذل کما قال أبو الطیب أبدو فیسجد من بالسوء یذکرنی

قال ع و الصاحب من مستصحبه أی و التابع من متبوعه .

و الشوه جمع شوهاء و هی القبیحة الوجه شاهت الوجوه تشوه شوها (1) قبحت و شوهه اللّه فهو مشوه و هی شوهاء و لا یقال للذکر أشوه و مخشیة مخوفة .

و قطعا جاهلیة

شبهها بقطع السحاب لتراکمها علی الناس و جعلها جاهلیة لأنّها کأفعال الجاهلیة الذین لم یکن لهم دین یردعهم و یروی شوهاء و قطعاء أی نکراء کالمقطوعة الید .

قوله نحن أهلَ البیت منها بمنجاة أی بمعزل و النجاة و النجوة المکان المرتفع الذی تظن أنّه نجاک و لا یعلوه السیل و لسنا فیها بدعاة أی لسنا من أنصار تلک الدعوة و أهل البیت منصوب علی الاختصاص کقولهم نحن معشر العرب نفعل کذا و نحن آل فلان کرماء .

قوله کتفریج الأدیم الأدیم الجلد و جمعه أدم مثل أفیق و أفق و یجمع أیضا علی آدمة کرغیف و أرغفة و وجه التشبیه أن الجلد ینکشف عما تحته فوعدهم ع بأن اللّه تعالی یکشف تلک الغماء کانکشاف الجلد عن اللحم بمن یسومهم خسفا و یولیهم ذلا.

ص :56

و العنف بالضم ضد الرفق و کأس مصبرة ممزوجة بالصبر لهذا المر و یجوز أن یکون مصبرة مملوءة إلی أصبارها و هی جوانبها و فی المثل أخذها بأصبارها أی تامّة الواحد صبر بالضم .

و یحلسهم یلبسهم أحلست البعیر ألبسته الحلس و هو کساء رقیق یکون تحت البرذعة یقال له حلس و حلس مثل شبه و شبه .

و الجزور من الإبل یقع علی الذکر و الأنثی و جزرها ذبحها .

و هذا الکلام إخبار عن ظهور المسودة و انقراض ملک بنی أمیّة و وقع الأمر بموجب إخباره ص حتّی لقد صدق قوله لقد تود قریش الکلام إلی آخره فإن أرباب السیر کلهم نقلوا أن مروان بن محمّد قال یوم الزاب لما شاهد عبد اللّه بن علیّ بن عبد اللّه بن العبّاس بإزائه فی صف خراسان لوددت أن علیّ بن أبی طالب تحت هذه الرایة بدلا من هذا الفتی و القصة طویلة و هی مشهورة (1) .

و هذه الخطبة ذکرها جماعة من أصحاب السیر و هی متداولة منقولة مستفیضة خطب بها علی ع بعد انقضاء أمر النهروان و فیها ألفاظ لم یوردها الرضی رحمه اللّه من ذلک

1508

1- قَوْلُهُ ع وَ لَمْ یَکُنْ لِیَجْتَرِئَ عَلَیْهَا غَیْرِی وَ لَوْ لَمْ أَکُ فِیکُمْ مَا قُوتِلَ أَصْحَابُ اَلْجَمَلِ وَ اَلنَّهْرَوَانِ وَ أَیْمُ اللَّهِ لَوْ لاَ أَنْ تَتَّکِلُوا فَتَدَعُوا الْعَمَلَ لَحَدَّثْتُکُمْ بِمَا قَضَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی لِسَانِ نَبِیِّکُمْ ص لِمَنْ قَاتَلَهُمْ مُبْصِراً لِضَلاَلَتِهِمْ عَارِفاً لِلْهُدَی الَّذِی نَحْنُ عَلَیْهِ سَلُونِی قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِی فَإِنِّی مَیِّتٌ عَنْ قَرِیبٍ أَوْ مَقْتُولٌ بَلْ قَتْلاً مَا یَنْتَظِرُ أَشْقَاهَا أَنْ یَخْضِبَ هَذِهِ بِدَمٍ وَ ضَرَبَ بِیَدِهِ إِلَی لِحْیَتِهِ .

ص :57

1509

وَ مِنْهَا فِی ذِکْرِ بَنِی أُمَیَّةَ

یَظْهَرُ أَهْلُ بَاطِلِهَا عَلَی أَهْلِ حَقِّهَا حَتَّی تُمْلَأَ الْأَرْضُ عُدْوَاناً وَ ظُلْماً وَ بِدَعاً إِلَی أَنْ یَضَعَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ جَبَرُوتَهَا وَ یَکْسِرَ عَمَدَهَا وَ یَنْزِعَ أَوْتَادَهَا أَلاَ وَ إِنَّکُمْ مُدْرِکُوهَا فَانْصُرُوا قَوْماً کَانُوا أَصْحَابَ رَایَاتِ بَدْرٍ وَ حُنَیْنٍ تُؤْجَرُوا وَ لاَ تُمَالِئُوا عَلَیْهِمْ عَدُوَّهُمْ فَتَصْرَعَکُمُ الْبَلِیَّةُ وَ تَحِلُّ بِکُمْ النَّقِمَةَ .

1510

وَ مِنْهَا

إِلاَّ مِثْلَ انْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ مَوْلاَهُ إِذَا رَآهُ أَطَاعَهُ وَ إِنْ تَوَارَی عَنْهُ شَتَمَهُ وَ أَیْمُ اللَّهِ لَوْ فَرَّقُوکُمْ تَحْتَ کُلِّ حَجَرٍ لَجَمَعَکُمُ اللَّهُ لِشَرِّ یَوْمٍ لَهُمْ .

1511

وَ مِنْهَا

فَانْظُرُوا أَهْلَ بَیْتِ نَبِیِّکُمْ فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوکُمْ فَانْصُرُوهُمْ فَلَیُفَرِّجَنَّ اللَّهُ الْفِتْنَةَ بِرَجُلٍ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ بِأَبِی اِبْنُ خِیَرَةِ الْإِمَاءِ لاَ یُعْطِیهِمْ إِلاَّ السَّیْفَ هَرْجاً هَرْجاً مَوْضُوعاً عَلَی عَاتِقِهِ ثَمَانِیَةَ أَشْهُرٍ حَتَّی تَقُولَ قُرَیْشٌ لَوْ کَانَ هَذَا مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ لَرَحِمَنَا یُغْرِیهِ اللَّهُ بِبَنِی أُمَیَّةَ حَتَّی یَجْعَلَهُمْ حُطَاماً وَ رُفَاتاً مَلْعُونِینَ أَیْنَمٰا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِیلاً سُنَّةَ اللّٰهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّٰهِ تَبْدِیلاً .

فإن قیل لما ذا

1512

قَالَ

وَ لَوْ لَمْ أَکُ فِیکُمْ لَمَا قُوتِلَ أَهْلُ اَلْجَمَلِ وَ أَهْلُ اَلنَّهْرَوَانِ . و لم یذکر صفین قیل لأن الشبهة کانت فی أهل الجمل و أهل النهروان ظاهرة الالتباس لأن الزبیر و طلحة موعودان بالجنة و عائشة موعودة أن تکون زوجة رسول اللّه ص فی الآخرة کما هی زوجته فی الدنیا و حال طلحة و الزبیر فی السبق و الجهاد و الهجرة معلومة و حال عائشة فی محبة الرسول ص لها و ثنائه علیها و نزول القرآن فیها معلومة و أما أهل النهروان فکانوا أهل قرآن و عبادة و اجتهاد و عزوف عن الدنیا و إقبال علی أمور الآخرة و هم کانوا قراء أهل العراق و زهادهم و أما معاویة فکان فاسقا مشهورا بقلة الدین و الانحراف عن الإسلام و کذلک ناصره و مظاهره علی أمره عمرو بن العاص و من اتبعهما من طغام أهل الشام و أجلافهم و جهال الأعراب فلم یکن أمرهم خافیا فی جواز محاربتهم و استحلال قتالهم بخلاف حال من تقدم ذکره.

ص :58

فإن قیل و من هذا الرجل الموعود به الذی قال ع عنه بأبی ابن خیرة الإماء قیل أما الإمامیّة فیزعمون أنه إمامهم الثانی عشر و أنّه ابن أمة اسمها نرجس و أمّا أصحابنا فیزعمون أنّه فاطمی یولد فی مستقبل الزمان لأم ولد و لیس بموجود الآن.

فإن قیل فمن یکون من بنی أمیّة فی ذلک الوقت موجودا حتّی یقول ع فی أمرهم ما قال من انتقام هذا الرجل منهم حتّی یودوا لو أن علیا ع کان المتولی لأمرهم عوضا عنه.

قیل أما الإمامیّة فیقولون بالرجعة و یزعمون أنّه سیعاد قوم بأعیانهم من بنی أمیّة و غیرهم إذا ظهر إمامهم المنتظر و أنّه یقطع أیدی أقوام و أرجلهم و یسمل عیون بعضهم و یصلب قوما آخرین و ینتقم من أعداء آل محمّد ع المتقدمین و المتأخرین و أمّا أصحابنا فیزعمون أنّه سیخلق اللّه تعالی فی آخر الزمان رجلا من ولد فاطمة ع لیس موجود الآن و أنّه یملأ الأرض عدلا کما ملئت جورا و ظلما و ینتقم من الظالمین و ینکل بهم أشدّ النکال و أنّه لأم ولد کما قد ورد فی هذا الأثر و فی غیره من الآثار و أن اسمه محمد کاسم رسول اللّه ص و أنّه إنّما یظهر بعد أن یستولی علی کثیر من الإسلام ملک من أعقاب بنی أمیّة و هو السفیانی الموعود به فی الخبر الصحیح من ولد أبی سفیان بن حرب بن أمیّة و أن الإمام الفاطمی یقتله و یقتل أشیاعه من بنی أمیّة و غیرهم و حینئذ ینزل المسیح ع من السماء و تبدو أشراط الساعة و تظهر دابة الأرض و یبطل التکلیف و یتحقّق قیام الأجساد عند نفخ الصور کما نطق به الکتاب العزیز .

ص :59

فإن قیل فإنکم قلتم فیما تقدم أن الوعد إنّما هو بالسفاح و بعمه عبد اللّه بن علی و المسودة و ما قلتموه الآن مخالف لذلک.

قیل إن ذلک التفسیر هو تفسیر ما ذکره الرضی رحمه اللّه تعالی من کلام أمیر المؤمنین ع فی نهج البلاغة و هذا التفسیر هو تفسیر الزیادة التی لم یذکرها الرضی و هی قوله بأبی ابن خیرة الإماء و قوله لو کان هذا من ولد فاطمة لرحمنا فلا مناقضة بین التفسیرین

ص :60

لا یزال و لا هو أیضا ممکن الوجود فیما مضی فیلزم أن یکون وجوده مسبوقا بالعدم و هو معنی قوله فینتهی بل هو واجب الوجود فی حالین فیما مضی و فی المستقبل و هذان مفهومان متغایران و هما العدم و إمکان العدم فاندفع الإشکال فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِی أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ وَ أَقَرَّهُمْ فِی خَیْرِ مُسْتَقَرٍّ تَنَاسَخَتْهُمْ کَرَائِمُ الْأَصْلاَبِ إِلَی مُطَهَّرَاتِ الْأَرْحَامِ کُلَّمَا مَضَی مِنْهُمْ سَلَفٌ قَامَ مِنْهُمْ بِدِینِ اللَّهِ خَلَفٌ حَتَّی أَفْضَتْ کَرَامَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی إِلَی مُحَمَّدٍ ص فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً وَ أَعَزِّ الْأَرُومَاتِ مَغْرِساً مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِی صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِیَاءَهُ وَ انْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ عِتْرَتُهُ خَیْرُ الْعِتَرِ وَ أُسْرَتُهُ خَیْرُ الْأُسَرِ وَ شَجَرَتُهُ خَیْرُ الشَّجَرِ نَبَتَتْ فِی حَرَمٍ وَ بَسَقَتْ فِی کَرَمٍ لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وَ ثَمَرٌ لاَ یُنَالُ فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَی وَ بَصِیرَةُ مَنِ اهْتَدَی سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ وَ شِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وَ زَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ سِیرَتُهُ الْقَصْدُ وَ سُنَّتُهُ الرُّشْدُ وَ کَلاَمُهُ الْفَصْلُ وَ حُکْمُهُ الْعَدْلُ أَرْسَلَهُ عَلَی حِینِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَ هَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ وَ غَبَاوَةٍ مِنَ الْأُمَمِ .

تناسختهم

أی تناقلتهم و التناسخ فی المیراث أن یموت ورثة بعد ورثة و أصل المیراث

ص :62

قائم لم یقسم کأنّ ذلک تناقل من واحد إلی آخر و منه نسخت الکتاب و انتسخته و استنسخته أی نقلت ما فیه و یروی تناسلتهم .

و السلف المتقدمون و الخلف الباقون و یقال خلف صدق بالتحریک و خلف سوء بالتسکین .

و أفضت کرامة اللّه إلی محمد ص أی انتهت و الأرومات جمع أرومة و هی الأصل و یقال أروم بغیر هاء و صدع شق و انتجب اصطفی و الأسرة رهط الرجل .

و قوله نبتت فی حرم یجوز أن یعنی به مکّة و یجوز أن یعنی به المنعة و العز .

و بسقت

طالت و معنی قوله و ثمر لا ینال لیس علی أن یرید به أن ثمرها لا ینتفع به لأن ذلک لیس بمدح بل یرید به أن ثمرها لا ینال قهرا و لا یجنی غصبا و یجوز أن یرید بثمرها نفسه ع و من یجری مجراه من أهل البیت ع لأنهم ثمرة تلک الشجرة.

و لا ینال أی لا ینال مساعیهم و مآثرهم و لا یباریهم أحد و قد روی فی الحدیث عن النبیّ ص فی فضل قریش و بنی هاشم الکثیر المستفیض نحو

1513

قَوْلُهُ ع قَدِّمُوا قُرَیْشاً وَ لاَ تَقَدَّمُوهَا.

و

1514

قَوْلُهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَیْشٍ .

و

1515

قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَی مِنَ اَلْعَرَبِ مَعَدّاً وَ اصْطَفَی مِنْ مَعَدٍّ بَنِی النَّضْرِ بْنَ کِنَانَةَ وَ اصْطَفَی هَاشِماً مِنْ بَنِی النَّضْرِ وَ اصْطَفَانِی مِنْ بَنِی هَاشِمٍ .

و

1516

قَوْلُهُ إِنَّ جَبْرَائِیلَ ع قَالَ لِی یَا مُحَمَّدُ قَدْ طُفْتُ الْأَرْضَ شَرْقاً وَ غَرْباً فَلَمْ أَجِدْ فِیهَا أَکْرَمَ مِنْکَ وَ لاَ بَیْتاً أَکْرَمَ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ .

و

1517

قَوْلُهُ نُقِلْنَا مِنَ الْأَصْلاَبِ الطَّاهِرَةِ إِلَی الْأَرْحَامِ الزَّکِیَّةِ.

و

1518

قَوْلُهُ ع إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی لَمْ یَمْسَسْنِی بِسِفَاحٍ فِی أَرُومَتِی مُنْذُ إِسْمَاعِیلَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ

ص :63

بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .

و

1519

قَوْلُهُ ص سَادَةُ أَهْلِ مَحْشَرٍ سَادَةُ أَهْلِ الدُّنْیَا أَنَا وَ عَلِیٌّ وَ حَسَنٌ وَ حُسَیْنٌ وَ حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ .

و

1520

14- قَوْلُهُ وَ قَدْ سَمِعَ رَجُلاً یُنْشِدُ یَا أَیُّهَا الرَّجُلُ الْمُحَوِّلُ رَحْلَهُ هَلاَّ نَزَلَتْ بِآلِ عَبْدِ الدَّارِ أَ هَکَذَا قَالَ یَا أَبَا بَکْرٍ مُنْکِراً لِمَا سَمِعَ فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ لاَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمْ یَقُلْ هَکَذَا وَ لَکِنَّهُ قَالَ یَا أَیُّهَا الرَّجُلُ الْمُحَوِّلُ رَحْلَهُ فَسَّرَ ص بِذَلِکَ

.

و

1521

قَوْلُهُ أَذَلَّ اللَّهُ مَنْ أَذَلَّ قُرَیْشاً قَالَهَا ثَلاَثاً.

و

1522

کَقَوْلِهِ

أَنَا النَّبِیُّ لاَ کَذِبٌ

أَنَا اِبْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .

و

1523

کَقَوْلِهِ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَیْشٍ بَرُّهُمْ لِبَرِّهِمْ وَ فَاجِرُهُمْ لِفَاجِرِهِمْ.

و

1524

کَقَوْلِهِ أَنَا ابْنُ الْأَکْرَمِینَ.

و

1525

قَوْلُهُ لِبَنِی هَاشِمٍ وَ اللَّهِ لاَ یُبْغِضُکُمْ أَحَدٌ إِلاَّ أَکَبَّهُ اللَّهُ عَلَی مَنْخِرَیْهِ فِی اَلنَّارِ .

و

1526

قَوْلُهُ مَا بَالُ رِجَالٍ یَزْعُمُونَ أَنَّ قَرَابَتِی غَیْرُ نَافِعَةٍ بَلَی إِنَّهَا لَنَافِعَةٌ وَ إِنَّهُ لاَ یُبْغِضُ أَحَدٌ أَهْلِی إِلاَّ حَرَمَهُ اللَّهُ اَلْجَنَّةَ .

و الأخبار الواردة فی فضائل قریش و بنی هاشم و شرفهم کثیرة جدا و لا نری الإطالة هاهنا باستقصائها .

و سطع الصبح یسطع سطوعا أی ارتفع و السطیع الصبح و الزند العود تقدح به النار و هو الأعلی و الزندة السفلی فیها ثقب و هی الأنثی فإذا اجتمعا قیل زندان و لم یقل زندتان تغلیبا للتذکیر و الجمع زناد و أزند و أزناد .

و القصد الاعتدال و کلامه الفصل أی الفاصل و الفارق بین الحق و الباطل و هو مصدر بمعنی الفاعل کقولک رجل عدل أی عادل .

و الهفوة الزلة هفا یهفو و الغباوة الجهل و قلة الفطنة یقال غبیت عن الشیء و غبیت

ص :64

الشیء أیضا أغبی غباوة إذا لم یفطن له و غبی علی الشیء کذلک إذا لم تعرفه و فلان غبی علی فعیل أی قلیل الفطنة اِعْمَلُوا رَحِمَکُمُ اللَّهُ عَلَی أَعْلاَمٍ بَیِّنَةٍ فَالطَّرِیقُ نَهْجٌ یَدْعُو إِلَی دَارِ السَّلاَمِ وَ أَنْتُمْ فِی دَارِ مُسْتَعْتَبٍ عَلَی مَهَلٍ وَ فَرَاغٍ وَ الصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ وَ الْأَقْلاَمُ جَارِیَةٌ وَ الْأَبْدَانُ صَحِیحَةٌ وَ الْأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ وَ التَّوْبَةُ مَسْمُوعَةٌ وَ الْأَعْمَالُ مَقْبُولَةٌ .

الطریق یذکر و یؤنث یقال هذا الطریق الأعظم و هذه الطریق العظمی و الجمع أطرقة و طرق .

و أعلام بینة أی منار واضح و نهج أی واضح و دار السلام الجنة و یروی و الطریق نهج بالواو واو الحال .

و أنتم فی دار مستعتب

أی فی دار یمکنکم فیها استرضاء الخالق سبحانه و استعتابه .

ثمّ شرح ذلک فقال أنتم ممهلون متفرغون و صحف أعمالکم لم تطو بعد و أقلام الحفظة علیکم لم تجف بعد و أبدانکم صحیحة و ألسنتکم ما اعتقلت کما تعتقل ألسنة المحتضرین عند الموت و توبتکم مسموعة و أعمالکم مقبولة لأنکم فی دار التکلیف لم تخرجوا منها

ص :65

وَ مِنْهَا فِی ذِکْرِ اَلرَّسُولِ ص مُسْتَقَرُّهُ خَیْرُ مُسْتَقَرٍّ وَ مَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِتٍ فِی مَعَادِنِ الْکَرَامَةِ وَ مَمَاهِدِ السَّلاَمَةِ قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الْأَبْرَارِ وَ ثُنِیَتْ إِلَیْهِ أَزِمَّةُ الْأَبْصَارِ دَفَنَ اللَّهُ بِهِ الضَّغَائِنَ وَ أَطْفَأَ بِهِ [اَلنَّوَائِرَ]

اَلثَّوَائِرَ أَلَّفَ بِهِ إِخْوَاناً وَ فَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً وَ أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ وَ أَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ کَلاَمُهُ بَیَانٌ وَ صَمْتُهُ لِسَانٌ .

المهاد الفراش و لما قال فی معادن و هی جمع معدن قال بحکم القرینة و الازدواج و مماهد و إن لم یکن الواحد منها ممهدا کما قالوا الغدایا و العشایا و مأجورات و مأزوات و نحو ذلک و یعنی بالسلامة هاهنا البراءة من العیوب أی فی نسب طاهر غیر مأفون و لا معیب .

ثمّ قال قد صرفت نحوه أی نحو الرسول ص و لم یقل من صرفها بل جعله فعلا لم یسم فاعله فإن شئت قلت الصارف لها هو اللّه تعالی لا بالجبر کما یقوله الأشعریة بل بالتوفیق و اللطف کما یقوله أصحابنا و إن شئت قلت صرفها أربابها .

و الضغائن جمع ضغینة و هی الحقد ضغنت علی فلان بالکسر ضغنا و الضغن الاسم کالضغینة و قد تضاغنوا و اضطغنوا انطووا علی الأحقاد و دفنها أکمنها و أخفاها و ألف به إخوانا لأن الإسلام قد ألف بین المتباعدین و فرق بین المتقاربین و قال

ص :68

تعالی فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوٰاناً (1) قطع ما بین حمزة و أبی لهب مع تقاربهما و ألف بین علی ع و عمار مع تباعدهما .

قوله ع و صمته لسان لا یعنی باللسان هاهنا الجارحة نفسها بل الکلام الصادر عنها کقول الأعشی (2) إنی أتتنی لسان لا أسر بها قالوا فی تفسیره أراد الکلمة و جمعه علی هذا ألسن لأنّه مؤنث کقولک ذراع و أذرع فأما جمع لسان للجارحة فألسنة لأنّه مذکر کقولک حمار و أحمرة یقول ع إن کلام الرسول ص بیان و البیان إخراج الشیء من حیز الخفاء إلی حیز الوضوح و صمته ص کلام و قول مفید أی أن صمته لا یخلو من فائدة فکأنّه کلام و هذا من باب التشبیه المحذوف الأداة کقولهم یده بحر و وجهه بدر

ص :69

یَا أَهْلَ اَلْکُوفَةِ مُنِیتُ مِنْکُمْ بِثَلاَثٍ وَ اثْنَتَیْنِ صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ وَ بُکْمٌ ذَوُو کَلاَمٍ وَ عُمْیٌ ذَوُو أَبْصَارٍ لاَ أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَ لاَ إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ الْبَلاَءِ تَرِبَتْ أَیْدِیکُمْ یَا أَشْبَاهَ الْإِبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا کُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ وَ اللَّهِ لَکَأَنِّی بِکُمْ فِیمَا إِخَالُکُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَی وَ حَمِیَ الضِّرَابُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ اِبْنِ أَبِی طَالِبٍ انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا وَ إِنِّی لَعَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَ مِنْهَاجٍ مِنْ نَبِیِّی وَ إِنِّی لَعَلَی الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً .

أمهله أخره و أخذه فاعل و المفعول محذوف تقدیره فلن یفوته و المرصاد (1) الطریق و هی من ألفاظ الکتاب العزیز .و مجاز طریقه مسلکه و موضع جوازه و الشجا ما ینشب فی الحلق من عظم أو غیره و موضع الشجا هو الحلق نفسه و مساغ ریقه موضع الإساغة أسغت الشراب أوصلته إلی المعدة و یجوز سغت الشراب أسوغه و أسیغه و ساغ الشراب نفسه یسوغ سوغا أی سهل مدخله فی الحلق یتعدی و لا یتعدی و هذا الکلام من باب التوسع و المجاز لأن اللّه تعالی لا یجوز علیه الحصول فی الجهات و لکنه کقوله تعالی وَ هُوَ مَعَکُمْ أَیْنَ مٰا کُنْتُمْ (2) و قوله وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِیدِ (3) .

ص :71

ثم أقسم ع أن أهل الشام لا بدّ أن یظهروا علی أهل العراق و أن ذلک لیس لأنّهم علی الحق و أهل العراق علی الباطل بل لأنّهم أطوع لأمیرهم و مدار النصرة فی الحرب إنّما هو علی طاعة الجیش و انتظام أمره لا علی اعتقاد الحق فإنّه لیس یغنی فی الحرب أن یکون الجیش محقا فی العقیدة إذا کان مختلف الآراء غیر مطیع لأمر المدبر له و لهذا تجد أهل الشرک کثیرا ما ینتصرون علی أهل التوحید .

ثمّ ذکر ع نکتة لطیفة فی هذا المعنی فقال العادة أن الرعیة تخاف ظلم الوالی و أنا أخاف ظلم رعیتی و من تأمل أحواله ع فی خلافته علم أنّه کان کالمحجور علیه لا یتمکن من بلوغ ما فی نفسه و ذلک لأن العارفین بحقیقة حاله کانوا قلیلین و کان السواد الأعظم لا یعتقدون فیه الأمر الذی یجب اعتقاده فیه و یرون تفضیل من تقدمه من الخلفاء علیه و یظنون أن الأفضلیة إنّما هی الخلافة و یقلد أخلافهم أسلافهم و یقولون لو لا أن الأوائل علموا فضل المتقدمین علیه لما قدموهم و لا یرونه إلاّ بعین التبعیة لمن سبقه و أنّه کان رعیة لهم و أکثرهم إنّما یحارب معه بالحمیة و بنخوة العربیة لا بالدین و العقیدة و کان ع مدفوعا إلی مداراتهم و مقاربتهم و لم یکن قادرا علی إظهار ما عنده أ لا تری إلی کتابه إلی قضاته فی الأمصار.

و

1527

قَوْلُهُ

فَاقْضُوا کَمَا کُنْتُمْ تَقْضُونَ حَتَّی تَکُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةً أَوْ أَمُوتَ کَمَا مَاتَ أَصْحَابِی .

و هذا الکلام لا یحتاج إلی تفسیر و معناه واضح و هو أنّه قال لهم اتبعوا عادتکم الآن بعاجل الحال فی الأحکام و القضایا التی کنتم تقضون بها إلی أن یکون للناس جماعة أی إلی أن تسفر هذه الأمور و الخطوب عن الاجتماع و زوال الفرقة و سکون الفتنة و حینئذ أعرفکم ما عندی فی هذه القضایا و الأحکام التی قد استمررتم علیها.

ثمّ قال أو أموت کما مات أصحابی فمن قائل یقول عنی بأصحابه الخلفاء المتقدمین

ص :72

و من قائل یقول عنی بأصحابه شیعته کسلمان و أبی ذر و المقداد و عمار و نحوهم أ لا تری إلی

1528

1- قَوْلِهِ عَلَی الْمِنْبَرِ فِی أُمَّهَاتِ الْأَوْلاَدِ کَانَ رَأْیِی وَ رَأْیُ عُمَرَ أَلاَ یُبَعْنَ وَ أَنَا أَرَی الْآنَ بَیْعَهُنَّ فَقَامَ عَلَیْهِ عُبَیْدَةُ السَّلْمَانِیُّ فَقَالَ لَهُ رَأْیُکَ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَیْنَا مِنْ رَأْیِکَ وَحْدَکَ فَمَا أَعَادَ عَلَیْهِ حَرْفاً .

فهل یدلّ هذا علی القوّة و القهر أم علی الضعف فی السلطان و الرخاوة و هل کانت المصلحة و الحکمة تقتضی فی ذلک الوقت غیر السکوت و الإمساک أ لا تری

1529

1- أَنَّهُ کَانَ یَقْرَأُ فِی صَلاَةِ الصُّبْحِ وَ خَلْفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ رَافِعاً صَوْتَهُ مُعَارِضاً قِرَاءَةَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلَّهِ یَقْضِی بِالْحَقِّ وَ هُوَ خَیْرُ الْفَاصِلِینَ فَلَمْ یَضْطَرِبْ ع وَ لَمْ یَقْطَعْ صَلاَتَهُ وَ لَمْ یَلْتَفِتْ وَرَاءَهُ وَ لَکِنَّهُ قَرَأَ مُعَارِضاً لَهُ عَلَی الْبَدِیهَةِ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لاٰ یَسْتَخِفَّنَّکَ الَّذِینَ لاٰ یُوقِنُونَ

(1)

.

و هذا صبر عظیم و أناة عجیبة و توفیق بیّن و بهذا و نحوه استدلّ أصحابنا المتکلمون علی حسن سیاسته و صحة تدبیره لأن من منی بهذه الرعیة المختلفة الأهواء و هذا الجیش العاصی له المتمرد علیه ثمّ کسر بهم الأعداء و قتل بهم الرؤساء فلیس یبلغ أحد فی حسن السیاسة و صحة التدبیر مبلغه و لا یقدر أحد قدره و قد قال بعض المتکلّمین من أصحابنا إن سیاسة علی ع إذا تأملها المنصف متدبرا لها بالإضافة إلی أحواله التی دفع إلیها مع أصحابه جرت مجری المعجزات لصعوبة الأمر و تعذره فإن أصحابه کانوا فرقتین إحداهما تذهب إلی أن عثمان قتل مظلوما و تتولاه و تبرأ من أعدائه و الأخری و هم جمهور أصحاب الحرب و أهل الغناء و البأس یعتقدون أن عثمان قتل لأحداث أوجبت علیه القتل و قد کان منهم من یصرح بتکفیره و کل من هاتین الفرقتین یزعم أن علیا ع موافق لها علی رأیها و تطالبه فی کل وقت بأن یبدی مذهبه فی عثمان و تسأله أن یجیب بجواب واضح فی أمره و کان ع

ص :73

یعلم أنّه متی وافق إحدی الطائفتین باینته الأخری و أسلمته و تولت عنه و خذلته فأخذ ع یعتمد فی جوابه و یستعمل فی کلامه ما تظن به کل واحدة من الفرقتین أنّه یوافق رأیها و یماثل اعتقادها فتارة

1530

یَقُولُ

اَللَّهُ قَتَلَهُ وَ أَنَا مَعَهُ .

و تذهب الطائفة الموالیة لعثمان إلی أنّه أراد أن اللّه أماته و سیمیتنی کما أماته و تذهب الطائفة الأخری إلی أنّه أراد أنّه قتل عثمان مع قتل اللّه له أیضا و کذلک

1531

قَوْلُهُ تَارَةً أُخْرَی

مَا أَمَرْتُ بِهِ وَ لاَ نَهَیْتُ عَنْهُ .

1532

وَ قَوْلُهُ

لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَکُنْتُ قَاتِلاً وَ لَوْ نَهَیْتُ عَنْهُ لَکُنْتُ نَاصِراً

.

و أشیاء من هذا الجنس مذکورة مرویة عنه فلم یزل علی هذه الوتیرة حتّی قبض ع و کل من الطائفتین موالیة له معتقدة أن رأیه فی عثمان کرأیها فلو لم یکن له من السیاسة إلاّ هذا القدر مع کثرة خوض الناس حینئذ فی أمر عثمان و الحاجة إلی ذکره فی کل مقام لکفاه فی الدلالة علی أنّه أعرف الناس بها و أحذقهم فیها و أعلمهم بوجوه مخارج الکلام و تدبیر أحوال الرجال .

ثمّ نعود إلی الشرح قوله ع و نصحت لکم هو الأفصح و علیه ورد لفظ القرآن (1) و قول العامّة نصحتک لیس بالأفصح .

قوله و عبید کأرباب یصفهم بالکبر و التیه.

فإن قلت کیف قال عنهم إنهم عبید و کانوا عربا صلبیة قلت یرید أن أخلاقهم کأخلاق العبید من الغدر و الخلاف و دناءة الأنفس و فیهم مع ذلک کبر السادات و الأرباب و تیههم فقد جمعوا خصال السوء کلها .

و أیادی سبأ مثل یضرب للمتفرقین و أصله قوله تعالی عن أهل سبإ وَ مَزَّقْنٰاهُمْ

ص :74

کُلَّ مُمَزَّقٍ

(1)

و سبأ مهموز و هو سبأ بن یشجب بن یعرب بن قحطان و یقال ذهبوا أیدی سبأ و أیادی سبأ الیاء ساکنة و کذلک الألف و هکذا نقل المثل أی ذهبوا متفرقین و هما اسمان جعلا واحدا مثل معدیکرب .قوله تتخادعون عن مواعظکم أن تمسکون عن الاتعاظ و الانزجار و تقلعون عن ذلک من قولهم کان فلان یعطی ثمّ خدع أی أمسک و أقلع و یجوز أن یرید تتلونون و تختلفون فی قبول الموعظة من قولهم خلق فلان خلق خادع أی متلون و سوق خادعة أی مختلفة متلونة و لا یجوز أن یرید باللفظة المعنی المشهور منها لأنّه إنّما یقال فلان یتخادع لفلان إذا کان یریه أنّه منخدع له و لیس بمنخدع فی الحقیقة و هذا لا یطابق معنی الکلام .

و الحنیة القوس و قوله کظهر الحنیة یرید اعوجاجهم کما أن ظهر القوس معوج و أعظل المقوم أی أعضل داؤه أی أعیا و یروی أیها الشاهدة أبدانهم بحذف الموصوف .

ثمّ أقسم أنّه یود أن معاویة صارفه بهم فأعطاه من أهل الشام واحدا و أخذ منه عشرة صرف الدینار بالدراهم أخذ هذا اللفظ عبد اللّه بن الزبیر لما وفد إلیه أهل البصرة و فیهم الأحنف فتکلم منهم أبو حاضر الأسدی و کان خطیبا جمیلا فقال له عبد اللّه بن الزبیر اسکت فو اللّه لوددت أن لی بکل عشرة من أهل العراق واحدا من أهل الشام صرف الدینار بالدراهم فقال یا أمیر المؤمنین إن لنا و لک مثلا أ فتأذن فی ذکره قال نعم قال مثلنا و مثلک و مثل أهل الشام قول الأعشی علقتها عرضا و علقت رجلا غیری و علق أخری غیرها الرجل (2)

ص :75

أحبک أهل العراق و أحببت أهل الشام و أحبّ أهل الشام عبد الملک فما تصنع ثمّ ذکر ع أنّه منی أی بلی منهم بثلاث و اثنتین إنّما لم یقل بخمس لأن الثلاث إیجابیة و الاثنتین سلبیة فأحب أن یفرق بین الإثبات و النفی .

و یروی لا أحرار صدق عند اللقاء جمع صادق و لا إخوان ثقة عند البلاء أی موثوق بهم .

تربت أیدیکم

کلمة یدعی علی الإنسان بها أی لا أصبتم خیرا و أصل ترب أصابه التراب فکأنّه یدعو علیه بأن یفتقر حتّی یلتصق بالتراب .

قوله فما إخالکم أی فما أظنکم و الأفصح کسر الألف و هو السماع و بنو أسد یفتحونها و هو القیاس .

قوله ألو أصله أن لو ثمّ أدغمت النون فی الألف فصارت کلمة واحدة.

و حمس الوغی بکسر المیم اشتد و عظم فهو حمس و أحمس بین الحمس و الحماسة.

و الوغی فی الأصل الأصوات و الجلبة و سمیت الحرب نفسها وغی لما فیها من ذلک .

و قوله انفراج المرأة عن قبلها أی وقت الولادة .

قوله ألقطه لقطا یرید أن الضلال غالب علی الهدی فأنا ألتقط طریق الهدی من بین طریق الضلال لقطا من هاهنا و هاهنا کما یسلک الإنسان طریقا دقیقة قد اکتنفها الشوک و العوسج من جانبیهما کلیهما فهو یلتقط النهج التقاطا اُنْظُرُوا أَهْلَ بَیْتِ نَبِیِّکُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ وَ اتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ هُدًی وَ لَنْ یُعِیدُوکُمْ فِی رَدًی فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا وَ إِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا وَ لاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا وَ لاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِکُوا

ص :76

لَقَدْ رَأَیْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ص فَمَا أَرَی أَحَداً یُشْبِهُهُمْ مِنْکُمْ لَقَدْ کَانُوا یُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً وَ قَدْ بَاتُوا سُجَّداً وَ قِیَاماً یُرَاوِحُونَ بَیْنَ جِبَاهِهِمْ وَ خُدُودِهِمْ وَ یَقِفُونَ عَلَی مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِکْرِ مَعَادِهِمْ کَأَنَّ بَیْنَ أَعْیُنِهِمْ رُکَبَ الْمِعْزَی مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ إِذَا ذُکِرَ اللَّهُ هَمَلَتْ أَعْیُنُهُمْ حَتَّی تَبُلَّ جُیُوبَهُمْ وَ مَادُوا کَمَا یَمِیدُ الشَّجَرُ یَوْمَ الرِّیحِ الْعَاصِفِ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ وَ رَجَاءً لِلثَّوَابِ .

السمت الطریق و لبد الشیء بالأرض یلبد بالضم لبودا التصق بها و یصبحون شعثا غبرا من قشف العبادة و قیام اللیل و صوم النهار و هجر الملاذ فیراوحون بین جباههم و خدودهم تارة یسجدون علی الجباه و تارة یضعون خدودهم علی الأرض بعد الصلاة تذللا و خضوعا و المراوحة بین العمل أن یعمل هذا مرة و هذا مرة و یراوح بین رجلیه إذا قام علی هذه تارة و علی هذه أخری .

و یقال معزی لهذا الجنس من الغنم و معز و معیز و أمعوز و معز بالتسکین و واحد المعز ماعز کصحب و صاحب و الأنثی ماعزة و الجمع مواعز .

و هملت أعینهم سالت تهمل و تهمل.

و یروی حتی تبل جباههم أی یبل موضع السجود فتبتل الجبهة بملاقاته و مادوا تحرکوا و اضطربوا إمّا خوفا من العقاب کما یتحرک الرجل و یضطرب أو رجاء للثواب کما یتحرک النشوان من الطرب و کما یتحرک الجذل المسرور من الفرح

ص :77

و قد وبر البعیر بالکسر فهو وبر و أوبر إذا کثر وبره و نبا به منزله إذا ضره و لم یوافقه و کذلک نبا به فراشه فالفعل لازم فإذا أردت تعدیته بالهمزة قلت قد أنبی فلان علی منزلی أی جعله نابیا و إن عدیته بحرف الجر قلت قد نبا بمنزلی فلان أی أنباه علی و هو فی هذا الموضع معدی بحرف الجر.

و سوء رعتهم أی سوء ورعهم أی تقواهم و الورع بکسر الراء الرجل التقی ورع یرع بالکسر فیهما ورعا و رعة و یروی سوء رعیهم أی سوء سیاستهم و إمرتهم و نصرة أحدکم من أحدهم أی انتصاره منه و انتقامه فهو مصدر مضاف إلی الفاعل و قد تقدم شرح هذا المعنی و قد حمل قوم هذا المصدر علی الإضافة إلی المفعول و کذلک نصرة العبد و تقدیر الکلام حتی یکون نصرة أحد هؤلاء الولاة لأحدکم کنصرة سید العبد السیئ الطریقة إیاه و من فی الموضعین مضافة إلی محذوف تقدیره من جانب أحدهم و من جانب سیده و هذا ضعیف لما فیه من الفصل بین العبد و بین قوله إذا شهد أطاعه و هو الکلام الذی إذا استمر المعنی جعل حالا من العبد بقوله من سیده و الضمیر فی قوله فیها یرجع إلی غیر مذکور لفظا و لکنه کالمذکور یعنی الفتنة أی حتّی یکون أعظمکم فی الفتنة غناء.

و یروی برفع أعظمکم و نصب أحسنکم و الأول ألیق و هذا الکلام کله إشارة إلی بنی أمیّة

ص :79

وَ الْمَوْتُ یَطْلُبُهُ وَ غَافِلٌ وَ لَیْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ وَ عَلَی أَثَرِ الْمَاضِی مَا یَمْضِی الْبَاقِی أَلاَ فَاذْکُرُوا هَاذِمَ اللَّذَّاتِ وَ مُنَغِّصَ الشَّهَوَاتِ وَ قَاطِعَ الْأُمْنِیَّاتِ عِنْدَ الْمُسَاوَرَةِ لِلْأَعْمَالِ الْقَبِیحَةِ وَ اسْتَعِینُوا اللَّهَ عَلَی أَدَاءِ وَاجِبِ حَقِّهِ وَ مَا لاَ یُحْصَی مِنْ أَعْدَادِ نِعَمِهِ وَ إِحْسَانِهِ .

لما کان الماضی معلوما جعل الحمد بإزائه لأن المجهول لا یحمد علیه و لما کان المستقبل غیر معلوم جعل الاستعانة بإزائه لأن الماضی لا یستعان علیه و لقد ظرف و أبدع ع فی قوله و نسأله المعافاة فی الأدیان کما نسأله المعافاة فی الأبدان و ذلک أن للأدیان سقما و طبا و شفاء کما أن للأبدان سقما و طبا و شفاء قال محمود الوراق و إذا مرضت من الذنوب فداوها

1533

وَ قِیلَ لِأَعْرَابِیٍّ مَا تَشْتَکِی قَالَ ذُنُوبِی قِیلَ فَمَا تَشْتَهِی قَالَ اَلْجَنَّةَ قِیلَ أَ فَلاَ نَدْعُو لَکَ طَبِیباً قَالَ الطَّبِیبُ أَمْرَضَنِی.

1534

سَمِعْتُ عُفَیْرَةَ بِنْتَ الْوَلِیدِ الْبَصْرِیَّةَ الْعَابِدَةَ رَجُلاً یَقُولُ مَا أَشَدَّ الْعَمَی عَلَی مَنْ کَانَ بَصِیراً فَقَالَتْ عَبْدَ اللَّهِ غَفَلْتَ عَنْ مَرَضِ الذُّنُوبِ وَ اهْتَمَمْتَ بِمَرَضِ الْأَجْسَادِ عَمًی الْقُلُوبِ عَنِ اللَّهِ أَشَدُّ مِنَ عَمًی الْعَیْنِ عَنِ الدُّنْیَا وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ وَهَبَ لِی کُنْهَ مَحَبَّتِهِ وَ لَمْ یُبْقِ مِنِّی جَارِحَةً إِلاَّ تَبَلَهَا (1) .

1535

قِیلَ لِحَسَّانَ بْنِ أَبِی سِنَانٍ فِی مَرَضِهِ مَا مَرَضُکَ قَالَ مَرَضٌ لاَ یَفْهَمُهُ الْأَطِبَّاءُ قِیلَ

ص :81

وَ مَا هُوَ قَالَ مَرَضُ الذُّنُوبِ فَقِیلَ کَیْفَ تَجِدُکَ الْآنَ قَالَ بِخَیْرٍ إِنْ نَجَوْتَ مِنَ اَلنَّارِ قِیلَ فَمَا تَشْتَهِی قَالَ لَیْلَةٌ طَوِیلَةٌ بَعِیدَةٌ مَا بَیْنَ الطَّرَفَیْنِ أُحْیِیهَا بِذِکْرِ اللَّهِ.

1536

اِبْنُ شُبْرُمَةَ

عَجِبْتُ مِمَّنْ یَحْتَمِی مِنَ الطَّعَامِ مَخَافَةَ الدَّاءِ کَیْفَ لاَ یَحْتَمِی مِنَ الذُّنُوبِ مَخَافَةَ اَلنَّارِ . قوله ع الدنیا التارکة لکم و إن لم تحبوا ترکها معنی حسن و منه قول أبی الطیب کل دمع یسیل منها علیها و بفک الیدین عنها تخلی (1) .

و الرفض الترک و إبل رفض متروکة ترعی حیث شاءت و قوم سفر أی مسافرون و أموا قصدوا و العلم الجبل أو المنار فی الطریق یهتدی به.

و کأنّ فی هذه المواضع کهی فی قوله کأنّک بالدنیا لم تکن و کأنّک بالآخرة لم تزل ما أقرب ذلک و أسرعه و تقدیر الکلام هاهنا کأنهم فی حال کونهم غیر قاطعین له قاطعون له و کأنهم فی حال کونهم غیر بالغین له بالغون له لأنّه لما قرب زمان إحدی الحالتین من زمان الأخری شبهوا و هم فی الحال الأولی بهم أنفسهم و هم علی الحال الثانیة .

قوله ع و کم عسی المجری أجری فلان فرسه إلی الغایة إذا أرسلها ثمّ نقل ذلک إلی کل من یقصد بکلامه معنی أو بفعله غرضا فقیل فلان یجری بقوله إلی کذا أو یجری بحرکته الفلانیة إلی کذا أی یقصد و ینتهی بإرادته و أغراضه و لا یعدوه و لا یتجاوزه .

و الحثیث السریع و یحدوه یسوقه و المنافسة المحاسدة و نفست علیه بکذا أی ضننت و البؤس الشدة و النفاد الفناء.

ص :82

و ما فی قوله علی أثر الماضی ما یمضی الباقی إما زائدة أو مصدریة و قد أخذ هذا اللفظ الولید بن یزید بن عبد الملک یوم مات مسلمة بن عبد الملک قیل لما مات مسلمة بن عبد الملک و اجتمع بنو أمیّة و رؤساء العرب ینظرون جنازته خرج الولید بن یزید علی الناس و هو نشوان ثمل یجر مطرف خز و هو یندب مسلمة و موالیه حوله فوقف علی هشام فقال یا أمیر المؤمنین إن عقبی من بقی لحوق من مضی و قد أقفر بعد مسلمة الصید لمن رمی و اختل الثغر فوهی و ارتج الطود فهوی و علی أثر من سلف ما یمضی من خلف ف تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَیْرَ الزّٰادِ التَّقْویٰ .

قوله ع عند مساورة الأعمال القبیحة العامل فی عند قوله اذکروا أی لیکن ذکرکم الموت وقت مساورتکم و المساورة المواثبة و سار إلیه یسور سورا وثب قال الأخطل یصف خمرا له لما أتوها بمصباح و مبزلهم سارت إلیهم سئور الأبجل الضاری (1) أی کوثوب العرق الذی قد فصد أو قطع فلا یکاد ینقطع دمه و یقال إن لغضبه لسورة و هو سوار أی وثاب معربد

ص :83

و صادعا أی مظهرا و مجاهرا للمشرکین قال تعالی فَاصْدَعْ بِمٰا تُؤْمَرُ (1) و رایة الحق الثقلان المخلفان بعد رسول اللّه ص و هما الکتاب و العترة .

و مرق خرج أی فارق الحق و مزق السهم عن الرمیة خرج من جانبها الآخر و به سمیت الخوارق مارقة .

و زهقت نفسه بالفتح زهوقا أی خرجت قال تعالی وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ کٰافِرُونَ (2) و زهقت الناقة إذا سبقت و تقدمت أمام الرکاب و زهق الباطل اضمحل یقول ع من خالفها متقدما لها أو متأخرا عنها فقد خرج عن الحق و من لازمها فقد أصاب الحق .

ثمّ قال دلیلها مکیث الکلام یعنی نفسه ع لأنّه المشار إلیه من العترة و أعلم الناس بالکتاب و مکیث الکلام بطیئه و رجل مکیث أی رزین و المکث اللبث و الانتظار مکث و مکث بالفتح و الضم و الاسم المکث و المکثة بالضم و کسرها یعنی أنّه ذو أناة و تؤدة ثمّ أکد ذلک بقوله بطیء القیام ثم قال سریع إذا قام أی هو متأن متثبت فی أحواله فإذا نهض جد و بالغ و هذا المعنی کثیر جدا قال أبو الطیب و ما قلت للبدر أنت اللجین یعنی سیف الدولة

ص :85

و منها و قد یکون مع المستعجل الزلل (1) .

و منها ربّ عجلة تهب ریثا (2) و قال البحتری حلیم إذا القوم استخفت حلومهم وقور إذا ما حادث الدهر أجلبا (3) .

قال الأحنف لرجل سبه فأفرط یا هذا إنک منذ الیوم تحدو بجمل ثقال.

و قال الشاعر أحلامنا تزن الجبال رجاحة و تخالنا جنا إذا ما نجهل

1543

وَ قَالَ اَلْمُعْتَضِدُ لِأَحْمَدَ بْنِ الطَّیِّبِ السَّرَخْسِیِّ طُولُ لِسَانِکَ دَلِیلٌ عَلَی قِصَرِ عَقْلِکَ.

1544

قِیلَ لِلْعَتَّابِیِّ مَا الْبَلاَغَةُ قَالَ کُلُّ مَنْ أَفْهَمَکَ حَاجَتَهُ مِنْ غَیْرِ إِعَادَةٍ وَ لاَ خُلْسَةٍ وَ لاَ اسْتِعَانَةٍ فَهُوَ بَلِیغٌ قِیلَ لَهُ مَا الاِسْتِعَانَةُ قَالَ أَ لاَ تَرَی الرَّجُلَ إِذَا حَدَّثَ قَالَ یَا هَنَاهُ وَ اسْتَمِعْ إِلَیَّ وَ افْهَمْ وَ أَ لَسْتَ تَفْهَمُ؟هَذَا کُلُّهُ عِیٌّ وَ فَسَادٌ.

1545

دَخَلَ عَلَی اَلْمَأْمُونِ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِی الْعَبَّاسِ فَاستَنْطَقَهُمْ فَوَجَدَهُمْ لُکْناً مَعَ یَسَارٍ وَ هَیْئَةٍ وَ مَنْ تَکَلَّمَ مِنْهُمْ أَکْثَرَ وَ هَذَرَ فَکَانَتْ حَالُهُ أَفْحَشَ مِنْ حَالِ السَّاکِتِینَ فَقَالَ مَا أَبْیَنَ الْخَلَّةَ فِی هَؤُلاَءِ لاَ خَلَّةَ الْأَیْدِی بَلْ خَلَّةَ الْأَلْسِنَةِ وَ الْأَحْلاَمِ.

1546

1- وَ سُئِلَ عَلِیٌّ ع عَنِ اللِّسَانِ فَقَالَ مِعْیَارٌ أَطَاشَهُ الْجَهْلُ وَ أَرْجَحَهُ الْعَقْلُ .

1547

سَمِعَ خَالِدُ بْنَ صَفْوَانَ مِکْثَاراً یَتَکَلَّمُ فَقَالَ لَهُ یَا هَذَا لَیْسَتِ الْبَلاَغَةُ بِخِفَّةِ اللِّسَانِ وَ لاَ بِکَثْرَةِ الْهَذَیَانِ وَ لَکِنَّهَا إِصَابَةُ الْمَعْنَی وَ الْقَصْدُ إِلَی الْحُجَّةِ.

1548

قَالَ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ حَرْبٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرَی مَا لَکَ لاَ تُسْهِبُ فِی شِعْرِکَ قَالَ حَسْبُکَ مِنَ الشِّعْرِ غُرَّةَ لاَئِحَةً أَوْ وَصْمَةً فَاضِحَةً.

و فی خطبة کتاب البیان و التبیین (1) لشیخنا أبی عثمان و نعوذ بک من شر السلاطة و الهذر کما نعوذ بک من العی و الحصر قال أحیحة بن الجلاح و الصمت أجمل بالفتی

و قال الشاعر یرثی رجلا لقد واری المقابر من شریک کثیر تحلم و قلیل عاب (2)

ص :88

صموتا فی المجالس غیر عی

جدیرا حین ینطق بالصواب.

1549

14- وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَکْرَهُ التَّشَادُقَ وَ الْإِطَالَةَ وَ الْهَذَرَ وَ قَالَ إِیَّاکَ وَ التَّشَادُقَ .

1550

وَ قَالَ ص أَبْغَضُکُمْ إِلَیَّ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَیْهِقُونَ.

1551

وَ رَوَی عَمْرُو بْنُ عُبَیْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی عَنِ اَلنَّبِیِّ ص إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِیَاءِ بَکَّاءُونَ قَلِیلُو الْکَلاَمِ.

رجل بکیء علی فعیل.

1552

قَالَ وَ کَانُوا یَکْرَهُونَ أَنْ یَزِیدَ مَنْطِقُ الرَّجُلِ عَلَی عَقْلِهِ.

1553

وَ قِیلَ لِلْخَلِیلِ وَ قَدِ اجْتَمَعَ بِابْنِ الْمُقَفَّعِ کَیْفَ رَأَیْتَهُ فَقَالَ لِسَانُهُ أَرْجَحُ مِنْ عَقْلِهِ وَ قِیلَ لاِبْنِ الْمُقَفَّعِ کَیْفَ رَأَیْتَ اَلْخَلِیلَ قَالَ عَقْلُهُ أَرْجَحُ مِنْ لِسَانِهِ فَکَانَ عَاقِبَتُهُمَا أَنْ عَاشَ اَلْخَلِیلُ مَصُوناً مُکَرَّماً وَ قُتِلَ اِبْنُ الْمُقَفَّعِ تِلْکَ الْقِتْلَةَ.

1554

وَ سَأَلَ حَفْصُ بْنُ سَالِمٍ عَمْرَو بْنَ عُبَیْدٍ عَنِ الْبَلاَغَةِ فَقَالَ مَا بَلَّغَکَ اَلْجَنَّةَ وَ بَاعَدَکَ عَنِ اَلنَّارِ وَ بَصَّرَکَ مَوَاقِعَ رُشْدِکَ وَ عَوَاقِبَ غَیِّکَ قَالَ لَیْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُ فَقَالَ کَانُوا یَخَافُونَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَوْلِ وَ مَنْ سَقَطَاتِ الْکَلاَمِ وَ لاَ یَخَافُونَ مِنْ فِتْنَةِ السُّکُوتِ وَ سَقَطَاتِ الصَّمْتِ.

1555

قَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْجَاحِظُ وَ کَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَیْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی لاَ یَکَادُ یَتَکَلَّمُ فَإِنْ تَکَلَّمَ لَمْ یَکَدْ یُطِیلُ وَ کَانَ یَقُولُ لاَ خَیْرَ فِی الْمُتَکَلِّمِ إِذَا کَانَ کَلاَمُهُ لِمَنْ شَهِدَهُ دُونَ نَفْسِهِ وَ إِذَا أَطَالَ الْمُتَکَلِّمُ الْکَلاَمَ عَرَضَتْ لَهُ أَسْبَابُ التَّکَلُّفِ وَ لاَ خَیْرَ فِی شَیْءٍ یَأْتِیکَ بِالتَّکَلُّفِ.

و قال بعض الشعراء و إذا خطبت علی الرجال فلا تکن خطل الکلام تقوله مختالا

ص :89

و اعلم بأن من السکوت إبانة

و من التکلف ما یکون خبالا (1) .

1556

وَ کَانَ یُقَالُ لِسَانُ الْعَاقِلِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ فَإِذَا أَرَادَ الْکَلاَمَ تَفَکَّرَ فَإِنْ کَانَ لَهُ قَالَ وَ إِنْ کَانَ عَلَیْهِ سَکَتَ وَ قَلْبُ الْجَاهِلِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ فَإِنْ هَمَّ بِالْکَلاَمِ تَکَلَّمَ بِهِ.

1557

14- وَ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ لِعَمْرِو ابْنِهِ حِینَ نَطَقَ مَعَ الْقَوْمِ فَبَذَّهُمْ وَ قَدْ کَانَ غَضِبَ عَلَیْهِ فَکَلَّمُوهُ فِی الرِّضَا عَنْهُ هَذَا الَّذِی أَغْضَبَنِی عَلَیْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ یَکُونُ قَوْمٌ یَأْکُلُونَ الدُّنْیَا بِأَلْسِنَتِهِمْ کَمَا تَلْحَسُ الْأَرْضَ الْبَقَرُ بِأَلْسِنَتِهَا .

1558

وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِی أَبِی مُوسَی قَدْ ضُمَّ إِلَیْکَ رَجُلٌ طَوِیلُ اللِّسَانِ قَصِیرُ الرَّأْیِ فَأَجِدِ الْحَزَّ وَ طَبِّقِ الْمَفْصِلَ وَ لاَ تَلْقَهُ بِرَأْیِکَ کُلِّهِ.

1559

وَ کَانَ یُقَالُ لَوْ کَانَ الْکَلاَمُ مِنْ فِضَّةٍ لَکَانَ السُّکُوتُ مِنْ ذَهَبٍ.

1560

وَ کَانَ یُقَالُ مَقْتَلُ الرَّجُلِ بَیْنَ فَکَّیْهِ وَ قِیلَ بَیْنَ لَحْیَیْهِ.

1561

وَ کَانَ یُقَالُ مَا شَیْءٌ بِأَحَقَّ بِسِجْنٍ مِنْ لِسَانٍ.

1562

وَ قَالُوا اللِّسَانُ سَبُعٌ عَقُورٌ.

1563

وَ أَخَذَ أَبُو بَکْرٍ بِطَرَفِ لِسَانِهِ وَ قَالَ هَذَا الَّذِی أَوْرَدَنِی الْمَوَارِدَ.

1564

لَمَّا أَنْکَحَ ضِرَارُ بْنُ عَمْرٍو ابْنَتَهُ مِنْ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ أَوْصَاهَا حِینَ أَخْرَجَهَا إِلَیْهِ فَقَالَ أَمْسِکِی عَلَیْکِ الْفَضْلَیْنِ قَالَتْ وَ مَا هُمَا قَالَ فَضْلُ الْغُلْمَةِ وَ فَضْلُ الْکَلاَمِ.

1565

وَ سُئِلَ أَعْرَابِیٌّ کَانَ یُجَالِسُ اَلشَّعْبِیَّ عَنْ طُولِ صَمْتِهِ فَقَالَ أَسْمَعُ فَأَعْلَمُ وَ أَسْکُتُ فَأَسْلَمُ.

و

1566

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص وَ هَلْ یَکُبُّ النَّاسَ فِی اَلنَّارِ عَلَی مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ (2) .

ص :90

1567

تَکَلَّمَ رَجُلٌ فِی مَجْلِسِ اَلنَّبِیِّ ص فَخَطِلَ فِی کَلاَمِهِ فَقَالَ ع مَا أُعْطِیَ الْعَبْدُ شَرّاً مِنْ ذَلاَقَةِ لِسَانٍ.

1568

قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ یَوْمَ بُویِعَ بِالْخِلاَفَةِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِیُّ وَ قَدْ أَنْشَدَهُ مُتَمَثِّلاً وَ إِذَا الدُّرُّ زَانَ حُسْنَ نُحُورِ کَانَ لِلدُّرِّ حُسْنُ نَحْرِکَ زَیْناً إِنَّ صَاحِبَکُمْ أُعْطِیَ مَقُولاً وَ حُرِمَ مَعْقُولاً.

1569

وَ قِیلَ لِإِیَاسِ بْنِ عُمَرَ ادْعُ لَنَا فَقَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا وَ عَافِنَا وَ ارْزُقْنَا فَقَالُوا زِدْنَا یَا أَبَا الرَّحْمَنِ فَقَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْإِسْهَابِ.

1570

وَ کَانَ اَلْقُبَاعُ وَ هُوَ اَلْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی رَبِیعَةَ بْنِ الْمُغِیرَةِ الْمَخْزُومِیُّ مِسْهَاباً سَرِیعَ الْحَدِیثِ کَثِیرَهُ فَقَالَ فِیهِ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِیُّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ جُزِیتَ خَیْراً

و قال أبو العتاهیة کل امرئ فی نفسه

و قال الشاعر و إیاک إیاک المراء فإنّه إلی الشر دعاء و للشر جالب

1571

وَ کَانَ یُقَالُ الْعَجَلَةُ قَیْدُ الْکَلاَمِ.

ص :91

1572

أَطَالَ خَطِیبٌ بَیْنَ یَدَیِ اَلْإِسْکَنْدَرِ فَزَبَرَهُ قَالَ لَیْسَ حُسْنُ الْخُطْبَةِ عَلَی حَسَبِ طَاقَةِ الْخَاطِبِ وَ لَکِنْ عَلَی حَسَبِ طَاقَةِ السَّامِعِ.

1573

مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ ع

إِنِّی لَأَکْرَهُ أَنْ یَکُونَ مِقْدَارُ لِسَانِ الرَّجُلِ فَاضِلاً عَلَی مِقْدَارِ عِلْمِهِ کَمَا أَکْرَهُ أَنْ یَکُونَ مِقْدَارُ عِلْمِهِ فَاضِلاً عَلَی مِقْدَارِ عَقْلِهِ.

1574

أَطَالَ رَبِیعَةُ الرَّأْیِ الْکَلاَمَ وَ عِنْدَهُ أَعْرَابِیٌّ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ کَلاَمِهِ قَالَ لِلْأَعْرَابِیِّ مَا تَعُدُّونَ الْعِیَّ وَ الْفَهَاهَةَ فِیکُمْ قَالَ مَا کُنْتَ فِیهِ أَصْلَحَکَ اللَّهُ مُنْذُ الْیَوْمِ. و

1575

مِنْ کَلاَمِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع

إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْکَلاَمُ .

1576

وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ

لَأَنْ یَقُولَ اللَّهُ لِی یَوْمَ الْقِیَامَةِ هَلاَّ قُلْتَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ یَقُولَ لِی لِمَ قُلْتَ لِأَنِّی إِذَا قُلْتُ طَالَبَنِی بِالْبُرْهَانِ وَ إِذَا سَکَتُّ لَمْ یُطَالِبُنِی بِشَیْءٍ.

1577

نَزَلَ اَلنُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بِرَابِیَةٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَبَیْتَ اللَّعْنَ لَوْ ذُبِحَ رَجُلٌ عَلَی رَأْسِ هَذِهِ الرَّابِیَةِ إِلَی أَیْنَ کَانَ یَبْلُغُ دَمُهُ فَقَالَ اَلنُّعْمَانُ الْمَذْبُوحُ وَ اللَّهِ أَنْتَ وَ لَأَنْظُرَنَّ إِلَی أَیْنَ یَبْلُغُ دَمُکَ فَذَبَحَهُ فَقَالَ رَجُلٌ رُبَّ کَلِمَةٍ تَقُولُ دَعْنِی.

1578

أَعْرَابِیٌّ رُبَّ مَنْطِقٍ صَدَعَ جَمْعاً وَ رُبَّ سُکُوتٍ شَعَبَ صَدْعاً.

1579

قَالَتِ امْرَأَةٌ لِبَعْلِهَا مَا لَکَ إِذَا خَرَجْتَ تَطَلَّقْتَ وَ تَحَدَّثْتَ وَ إِذَا دَخَلْتَ قَعَدْتَ وَ سَکَتَّ قَالَ لِأَنِّی أَدِقُّ عَنْ جَلِیلِکِ وَ تُجَلِّینَ عَنْ دَقِیقِی.

1580

اَلنَّخَعِیُّ

کَانُوا یَتَعَلَّمُونَ السُّکُوتَ کَمَا یَتَعَلَّمُونَ الْکَلاَمَ.

1581

عَلِیُّ بْنُ هِشَامٍ

لَعَمْرُکَ إِنَّ الْحِلْمَ زَیْنٌ لِأَهْلِهِ

1582

وُهَیْبُ بْنُ الْوَرْدِ

إِنَّ الْحِکْمَةَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِی الصَّمْتِ وَ الْعَاشِرَةُ الْعُزْلَةُ عَنِ النَّاسِ.

ص :92

1583

3- مَکَثَ اَلرَّبِیعُ بْنُ خُثَیْمٍ عِشْرِینَ سَنَةً لاَ یَتَکَلَّمُ إِلَی أَنْ قُتِلَ اَلْحُسَیْنُ ع فَسُمِعَتْ مِنْهُ کَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِکَ أَ وَ قَدْ فَعَلُوهَا ثُمَّ قَالَ اَللّٰهُمَّ فٰاطِرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ عٰالِمَ الْغَیْبِ وَ الشَّهٰادَةِ أَنْتَ تَحْکُمُ بَیْنَ عِبٰادِکَ فِی مٰا کٰانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ ثُمَّ عَادَ إِلَی السُّکُوتِ حَتَّی مَاتَ

.

1584

اَلْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِی لَهَبٍ

زَعَمَ اِبْنُ سَلْمَی أَنَّ حِلْمِی ضَرَّنِی

1585

جَاءَ فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص إِذَا رَأَیْتُمُ الْمُؤْمِنَ صَمُوتاً فَادْنُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ یُلْقِی الْحِکْمَةَ.

1586

سُفْیَانُ بْنُ عُیَیْنَةَ

مَنْ حُرِمَ الْعِلْمَ فَلْیَصْمُتْ فَإِنْ حَرَمَهَا فَالْمَوْتُ خَیْرٌ لَهُ.

1587

وَ کَانَ یُقَالُ إِذَا طَلَبْتَ صَلاَحَ قَلْبِکَ فَاسْتَعِنْ عَلَیْهِ بِحِفْظِ لِسَانِکَ. و اعلم أن هذه الخطبة خطب بها أمیر المؤمنین ع فی الجمعة الثالثة من خلافته و کنی فیها عن حال نفسه و أعلمهم فیها أنهم سیفارقونه و یفقدونه بعد اجتماعهم علیه و طاعتهم له و هکذا وقع الأمر فإنّه نقل أن أهل العراق لم یکونوا أشدّ اجتماعا علیه من الشهر الذی قتل فیه ع.

1588

1,2- وَ جَاءَ فِی الْأَخْبَارِ أَنَّهُ عَقَدَ لِلْحَسَنِ ابْنِهِ ع عَلَی عَشَرَةِ آلاَفٍ وَ لِأَبِی أَیُّوبَ

ص :93

الْأَنْصَارِیِّ عَلَی عَشَرَةِ آلاَفٍ وَ لِفُلاَنٍ وَ فُلاَنٍ حَتَّی اجْتَمَعَ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ سَیْفٍ وَ أَخْرَجَ مُقَدِّمَتَهُ أَمَامَهُ یُرِیدُ اَلشَّامَ فَضَرَبَهُ اللَّعِینُ اِبْنُ مُلْجَمٍ وَ کَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا کَانَ وَ انْفَضَّتْ تِلْکَ الْجُمُوعُ وَ کَانَتْ کَالْغَنَمِ فُقِدَ رَاعِیهَا .

و معنی قوله ألنتم له رقابکم أطعتموه و معنی أشرتم إلیه بأصابعکم أعظمتموه و أجللتموه کالملک الذی یشار إلیه بالإصبع و لا یخاطب باللسان ثمّ أخبرهم أنهم یلبثون بعده ما شاء اللّه و لم یحدد ذلک بوقت معین ثمّ یطلع اللّه لهم من یجمعهم و یضمهم یعنی من أهل البیت ع و هذا إشارة إلی المهدیّ الذی یظهر فی آخر الوقت و عند أصحابنا أنّه غیر موجود الآن و سیوجد و عند الإمامیّة أنه موجود الآن .

قوله ع فلا تطمعوا فی غیر مقبل و لا تیأسوا من مدبر ظاهر هذا الکلام متناقض و تأویله أنّه نهاهم عن أن یطمعوا فی صلاح أمورهم علی ید رئیس غیر مستأنف الرئاسة و هو معنی مقبل أی قادم تقول سوف أفعل کذا فی الشهر المقبل و فی السنة المقبلة أی القادمة یقول کل الرئاسات التی تشاهدونها فلا تطمعوا فی صلاح أمورکم بشیء منها و لأن تنصلح أمورکم علی ید رئیس یقدم علیکم مستأنف الرئاسة خامل الذکر لیس أبوه بخلیفة و لا کان هو و لا أبوه مشهورین بینکم برئاسة بل یتبع و یعلو أمره و لم یکن قبل معروفا هو و لا أهله الأدنون و هذه صفة المهدیّ الموعود به .

و معنی قوله و لا تیأسوا من مدبر أی و إذا مات هذا المهدیّ و خلفه بنوه بعده فاضطرب أمر أحدهم فلا تیأسوا و تتشککوا و تقولوا لعلنا أخطأنا فی اتباع هؤلاء فإن المضطرب الأمر منا ستثبت دعائمه و تنتظم أموره و إذا زلت إحدی رجلیه ثبتت

ص :94

الأخری فثبتت الأولی أیضا و یروی فلا تطعنوا فی عین مقبل أی لا تحاربوا أحدا منا و لا تیأسوا من إقبال من یدبر أمره منا .

ثمّ ذکر ع أنهم کنجوم السماء کلما خوی نجم طلع نجم خوی مال للمغیب .

ثمّ وعدهم بقرب الفرج فقال إن تکامل صنائع اللّه عندکم و رؤیة ما تأملونه أمر قد قرب وقته و کأنکم به و قد حضر و کان و هذا علی نمط المواعید الإلهیة بقیام الساعة فإن الکتب المنزلة کلها صرحت بقربها و إن کانت بعیدة عندنا لأن البعید فی معلوم اللّه قریب و قد قال سبحانه إِنَّهُمْ یَرَوْنَهُ بَعِیداً وَ نَرٰاهُ قَرِیباً

ص :95

و إنّما تبعه ذلک لأنّه لو لم یستحل عدمه لصح عدمه لکن کل صحیح و ممکن فلیفرض وقوعه لأنّه لا یلزم من فرض وقوعه محال مع فرضنا إیاه صحیحا و ممکنا لکن فرض تحقّق عدمه محال لأنّه لو عدم لما عدم بعد استمرار الوجودیة إلاّ بضد لکن الضد المعدم یبقی بعد تحقّق عدم الضد المعدوم لاستحالة أن یعدمه و یعدم معه فی وقت واحد لأنّه لو کان وقت عدم الطارئ هو وقت عدم الضد المطروء علیه لامتنع عدم الضد المطروء علیه لأن حال عدمه الذی هو الأثر المتجدد تکون العلة الموجبة للأثر معدومة و المعدوم یستحیل أن یکون مؤثرا البتة فثبت أن الضد الطارئ لا بدّ أن یبقی بعد عدم المطروء علیه و لو وقتا واحدا لکن بقاءه بعده و لو وقتا واحدا یناقض فرضنا کون المطروء علیه آخرا مطلقا لأن الضد الطارئ قد بقی بعده فیلزم من الخلف و المحال ما لزم فی المسألة الأولی.

و التفسیر الثانی ألا تکون الضمائر الأربعة راجعة إلی البارئ سبحانه بل یکون منها ضمیران راجعین إلی غیره و یکون تقدیر الکلام بأولیة الأول الذی فرضنا کون البارئ سابقا علیه علمنا أن البارئ لا أول له و بآخریة الآخر الذی فرضنا أن البارئ متأخر عنه علمنا أن البارئ لا آخر له و إنّما علمنا ذلک لأنّه لو کان سبحانه أولا لأول الموجودات و له مع ذلک أول لزم التسلسل و إثبات محدثین و محدثین إلی غیر نهایة و هذا محال.

و لو کان سبحانه آخرا لآخر الموجودات و له مع ذلک آخر لزم التسلسل و إثبات أضداد تعدم و یعدمها غیرها إلی غیر نهایة و هذا أیضا محال وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ شَهَادَةً یُوَافِقُ فِیهَا السِّرُّ الْإِعْلاَنَ وَ الْقَلْبُ اللِّسَانَ

ص :97

أَیُّهَا النَّاسُ لاٰ یَجْرِمَنَّکُمْ شِقٰاقِی وَ لاَ یَسْتَهْوِیَنَّکُمْ عِصْیَانِی وَ لاَ تَتَرَامَوْا بِالْأَبْصَارِ عِنْدَ مَا تَسْمَعُونَهُ مِنِّی فَوَالَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّ الَّذِی أُنَبِّئُکُمْ بِهِ عَنِ اَلنَّبِیِّ الْأُمِّیِّ (1) ص [وَ اللَّهِ]

(2) مَا کَذَبَ الْمُبَلِّغُ وَ لاَ جَهِلَ السَّامِعُ لَکَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی ضِلِّیلٍ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ وَ فَحَصَ بِرَایَاتِهِ فِی ضَوَاحِی کُوفَانَ فَإِذَا فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ وَ اشْتَدَّتْ شَکِیمَتُهُ وَ ثَقُلَتْ فِی الْأَرْضِ وَطْأَتُهُ عَضَّتِ الْفِتْنَةُ أَبْنَاءَهَا بِأَنْیَابِهَا وَ مَاجَتِ الْحَرْبُ بِأَمْوَاجِهَا وَ بَدَا مِنَ الْأَیَّامِ کُلُوحُهَا وَ مِنَ اللَّیَالِی کُدُوحُهَا فَإِذَا أَیْنَعَ زَرْعُهُ وَ قَامَ عَلَی یَنْعِهِ (3) وَ هَدَرَتْ شَقَاشِقُهُ وَ بَرَقَتْ بَوَارِقُهُ عُقِدَتْ رَایَاتُ الْفِتَنِ الْمُعْضِلَةِ وَ أَقْبَلْنَ کَاللَّیْلِ الْمُظْلِمِ وَ الْبَحْرِ الْمُلْتَطِمِ هَذَا وَ کَمْ یَخْرِقُ اَلْکُوفَةَ مِنْ قَاصِفٍ وَ یَمُرُّ عَلَیْهَا مِنْ عَاصِفٍ وَ عَنْ قَلِیلٍ تَلْتَفُّ الْقُرُونُ بِالْقُرُونِ وَ یُحْصَدُ الْقَائِمُ وَ یُحْطَمُ الْمَحْصُودُ .

فی الکلام محذوف و تقدیره لا یجرمنکم شقاقی علی أن تکذبونی و المفعول فضلة و حذفه کثیر نحو قوله تعالی اَللّٰهُ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشٰاءُ وَ یَقْدِرُ (4) فحذف العائد إلی الموصول و منها قوله سبحانه لاٰ عٰاصِمَ الْیَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّٰهِ إِلاّٰ مَنْ رَحِمَ (5) أی من رحمه و لا بدّ من تقدیر العائد إلی الموصول و قد قرئ قوله وَ مٰا عَمِلَتْهُ أَیْدِیهِمْ (6) و ما عملت أیدیهم بحذف المفعول.

لاٰ یَجْرِمَنَّکُمْ

لا یحملنکم و قیل لا یکسبنکم و هو من الألفاظ القرآنیة (7) .

ص :98

و لا یستهوینکم

أی لا یستهیمنکم یجعلکم هائمین .

و لا تتراموا بالأبصار

أی لا یلحظ بعضکم بعضا فعل المنکر المکذب .

ثمّ أقسم بالذی فلق الحبة و برأ النسمة فلق الحبة من البر أی شقها و أخرج منها الورق الأخضر قال تعالی إِنَّ اللّٰهَ فٰالِقُ الْحَبِّ وَ النَّویٰ (1) .

و برأ النسمة

أی خلق الإنسان و هذا القسم لا یزال أمیر المؤمنین یقسم به و هو من مبتکراته و مبتدعاته .

و المبلغ و السامع هو نفسه ع یقول

1589

مَا کَذَبْتُ عَلَی اَلرَّسُولِ تَعَمُّداً وَ لاَ جَهِلْتُ مَا قَالَهُ فَأَنْقُلُ عَنْهُ غَلَطاً .

و الضلیل الکثیر الضلال کالشریب و الفسیق و نحوهما.

و هذا کنایة عن عبد الملک بن مروان لأن هذه الصفات و الأمارات فیه أتم منها فی غیره لأنّه قام بالشام حین دعا إلی نفسه و هو معنی نعیقه و فحصت رایاته بالکوفة تارة حین شخص بنفسه إلی العراق و قتل مصعبا و تارة لما استخلف الأمراء علی الکوفة کبشر بن مروان أخیه و غیره حتّی انتهی الأمر إلی الحجاج و هو زمان اشتداد شکیمة عبد الملک و ثقل وطأته و حینئذ صعب الأمر جدا و تفاقمت الفتن مع الخوارج و عبد الرحمن بن الأشعث فلما کمل أمر عبد الملک و هو معنی أینع زرعه هلک و عقدت رایات الفتن المعضلة من بعده کحروب أولاده مع بنی المهلب و کحروبهم مع زید بن علی ع و کالفتن الکائنة بالکوفة أیام یوسف بن عمر و خالد القسری و عمر بن هبیرة و غیرهم و ما جری فیها من الظلم و استئصال الأموال و ذهاب النفوس.

ص :99

و قد قیل إنّه کنی عن معاویة و ما حدث فی أیامه من الفتن و ما حدث بعده من فتنة یزید و عبید اللّه بن زیاد و واقعة الحسین ع و الأول أرجح لأن معاویة فی أیام أمیر المؤمنین ع کان قد نعق بالشام و دعاهم إلی نفسه و الکلام یدلّ علی إنسان ینعق فیما بعد أ لا تراه یقول لکأنّی أنظر إلی ضلیل قد نعق بالشام ثم نعود إلی تفسیر الألفاظ و الغریب .

النعیق صوت الراعی بغنمه و فحص برایاته من قولهم ما له مفحص قطاة أی مجثمها کأنهم جعلوا ضواحی الکوفة مفحصا و مجثما لرایاتهم.

و کوفان اسم الکوفة و الکوفة فی الأصل اسم الرملة الحمراء و بها سمیت الکوفة و ضواحیها نواحیها القریبة منها البارزة عنها یرید رستاقها .

و فغرت فاغرته فتح فاه و هذا من باب الاستعارة أی إذا فتک فتح فاه و قتل کما یفتح الأسد فاه عند الافتراس و التأنیف للفتنة .

و الشکیمة فی الأصل حدیدة معترضة فی اللجام فی فم الدابّة ثمّ قالوا فلان شدید الشکیمة إذا کان شدید المراس شدید النفس عسر الانقیاد .

و ثقلت وطأته

عظم جوره و ظلمه و کلوح الأیّام عبوسها و الکدوح الآثار من الجراحات.

و القروح الواحد الکدح أی الخدش.

و المراد من قوله من الأیّام ثم قال و من اللیالی أن هذه الفتنة مستمرة الزمان کله لأن الزمان لیس إلاّ النهار و اللیل .

و أینع الزرع أدرک و نضج و هو الینع و الینع بالفتح و الضم مثل النضج و النضج

ص :100

و یجوز ینع الزرع بغیر همز ینع ینوعا و لم تسقط الیاء فی المضارع لأنّها تقوت بأختها و زرع ینیع و یانع مثل نضیج و ناضج و قد روی أیضا هذا الموضع بحذف الهمز.

و قوله ع و قام علی ینعه الأحسن أن یکون ینع هاهنا جمع یانع کصاحب و صحب ذکر ذلک ابن کیسان و یجوز أن یکون أراد المصدر أی و قام علی صفة و حالة هی نضجه و إدراکه .

و هدرت شقاشقه

قد مر تفسیره فی الشقشقیة و برقت بوارقه سیوفه و رماحه و المعضلة العسرة العلاج داء معضل .

و یخرق الکوفة یقطعها و القاصف الریح القویة تکسر کل ما تمر علیه و تقصفه .

ثمّ وعد ع بظهور دولة أخری فقال و عن قلیل تلتف القرون بالقرون و هذا کنایة عن الدولة العباسیة التی ظهرت علی دولة بنی أمیّة و القرون الأجیال من الناس واحدها قرن بالفتح.

و یحصد القائم و یحطم المحصود

کنایة عن قتل الأمراء من بنی أمیّة فی الحرب ثمّ قتل المأسورین منهم صبرا فحصد القائم قتل المحاربة و حطم الحصید القتل صبرا و هکذا وقعت الحال مع عبد اللّه بن علی و أبی العبّاس السفاح

ص :101

سَلَبُهُمْ یُجَاهِدُهُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ قَوْمٌ أَذِلَّةٌ عِنْدَ الْمُتَکَبِّرِینَ فِی الْأَرْضِ مَجْهُولُونَ وَ فِی السَّمَاءِ مَعْرُوفُونَ فَوَیْلٌ لَکِ یَا بَصْرَةُ عِنْدَ ذَلِکِ مِنْ جَیْشٍ مِنْ نِقَمِ اللَّهِ لاَ رَهَجَ لَهُ وَ لاَ حِسَّ وَ سَیُبْتَلَی أَهْلُکِ بِالْمَوْتِ الْأَحْمَرِ وَ الْجُوعِ الْأَغْبَرِ .

قطع اللیل

جمع قِطْع و هو الظلمة قال تعالی فَأَسْرِ بِأَهْلِکَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّیْلِ (1) .

قوله لا تقوم لها قائمة أی لا تنهض بحربها فئة ناهضة أو لا تقوم لتلک الفتن قائمة من قوائم الخیل یعنی لا سبیل إلی قتال أهلها و لا یقوم لها قلعة قائمة أو بنیة قائمة بل تنهدم .

قوله و لا یرد لها رایة أی لا تنهزم و لا تفر لأنّها إذا فرت فقد ردت علی أعقابها .

قوله مزمومة مرحولة أی تامّة الأدوات کاملة الآلات کالناقة التی علیها رحلها و زمامها قد استعدت لأن ترکب .

یحفزها

یدفعها و یجهدها یحمل علیها فی السیر فوق طاقتها جهدت دابتی بالفتح و یجوز أجهدت و المراد أن أرباب تلک الفتن یجتهدون و یجدون فی إضرام نارها رجلا و فرسانا فالرجل کنی عنهم بالقائد و الفرسان کنی عنهم بالراکب .

و الکلب الشدة من البرد و غیره و مثله الکلبة و قد کلب الشتاء و کلب القحط و کلب العدو و الکلب أیضا الشر دفعت عنک کلب فلان أی شره و أذاه.

ص :103

و قوله قلیل سلبهم أی همهم القتل لا السلب کما قال أبو تمام إن الأسود أسود الغاب همتها یوم الکریهة فی المسلوب لا السلب (1) ثم ذکر ع أن هؤلاء أرباب الفتن یجاهدهم قوم أذلة کما قال اللّه تعالی أَذِلَّةٍ عَلَی اَلْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی اَلْکٰافِرِینَ (2) و ذلک من صفات المؤمنین .

ثمّ قال هم مجهولون عند أهل الأرض لخمولهم قبل هذا الجهاد و لکنهم معروفون عند أهل السماء و هذا إنذار بملحمة تجری فی آخر الزمان و قد أخبر النبیّ ص بنحو ذلک و قد فسر هذا الفصل قوم و قالوا إنّه أشار به إلی الملائکة لأنّهم مجهولون فی الأرض معروفون فی السماء و اعتذروا عن لفظة قوم فقالوا یجوز أن یقال فی الملائکة قوم کما قیل فی الجن قوم قال سبحانه فَلَمّٰا قُضِیَ وَلَّوْا إِلیٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِینَ (3) إلا أن لفظ أذلة عند المتکبرین یبعد هذا التفسیر .

ثمّ أخبر بهلاک البصرة بجیش من نقم اللّه لا رهج له و لا حس الرهج الغبار و کنی بهذا الجیش عن جدب و طاعون یصیب أهلها حتّی یبیدهم و الموت الأحمر کنایة عن الوباء و الجوع الأغبر کنایة عن المحل و سمی الموت الأحمر لشدته و منه

1591

1,14- الْحَدِیثُ کُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَیْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ .

و وصف الجوع بأنّه أغبر لأن الجائع یری الآفاق کأنّ علیها غبرة و ظلاما و فسّر قوم هذا الکلام بوقعة صاحب الزنج و هو بعید لأن جیشه کان ذا حس و رهج و لأنّه أنذر البصرة بهذا الجیش عند حدوث تلک الفتن أ لا تراه قال فویل لک یا بصرة عند ذلک و لم یکن قبل خروج صاحب الزنج فتن شدیدة علی الصفات التی ذکرها أمیر المؤمنین ع

ص :104

أثوی و قصر لیله لیزودا

فمضت و أخلف من قتیلة موعدا (1) .

و المترف الذی قد أترفته النعمة أی أطغته یقول ع لا یعود علی الناس ما أدبر و تولی عنهم من أحوالهم الماضیة کالشباب و القوّة و لا یعلم حال المستقبل من صحة أو مرض أو حیاة أو موت لینتظر و ینظر إلی هذا المعنی قول الشاعر و أضیع العمر لا الماضی انتفعت به و لا حصلت علی علم من الباقی .

و مشوب مخلوط شبته أشوبه فهو مشوب و جاء مشیب فی قول الشاعر و ماء قدور فی القصاع مشیب.

فبناه علی شیب لم یسم فاعله و فی المثل هو یشوب و یروب یضرب لمن یخلط فی القول أو العمل .

و الجلد الصلابة و القوّة و الوهن الضعف نفسه و إنّما عطف للتأکید کقوله تعالی لِکُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْکُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً (2) و قوله لاٰ یَمَسُّنٰا فِیهٰا نَصَبٌ وَ لاٰ یَمَسُّنٰا فِیهٰا لُغُوبٌ (3) .

ثمّ نهی عن الاغترار بکثرة العجب من الدنیا و علل حسن هذا النهی و قبح الاغترار بما نشاهده عیانا من قلة ما یصحب مفارقیها منها و قال الشاعر فما تزود ممّا کان یجمعه ثم جعل التفکر علة الاعتبار و جعل الاعتبار علة الأبصار و هذا حقّ لأن الفکر یوجب الاتعاظ و الاتعاظ یوجب الکشف و المشاهدة بالبصیرة التی نورها الاتعاظ.

ص :106

ثم ذکر أن ما هو کائن و موجود من الدنیا سیصیر عن قلیل أی بعد زمان قصیر معدوما و الزمان القصیر هاهنا انقضاء الأجل و حضور الموت .

ثمّ قال إن الذی هو کائن و موجود من الآخرة سیصیر عن قلیل أی بعد زمان قصیر أیضا کأنّه لم یزل و الزمان القصیر هاهنا هو حضور القیامة و هی و إن کانت تأتی بعد زمان طویل إلاّ أن المیت لا یحس بطوله و لا فرق بین ألف ألف سنة عنده إذا عاد حیا و بین یوم واحد لأن الشعور بالبطء فی الزمان مشروط بالعلم بالحرکة و یدلّ علی ذلک حال النائم ثمّ قال کل معدود منقض و هذا تنبیه بطریق الاستدلال النظری علی أن الدنیا زائلة و منصرفة و قد استدلّ المتکلمون بهذا علی أن حرکات الفلک یستحیل ألا یکون لها أول فقالوا لأنّها داخلة تحت العدد و کل معدود یستحیل أن یکون غیر متناه و الکلام فی هذا مذکور فی کتبنا العقلیّة .

ثم ذکر أن کل ما یتوقع لا بدّ أن یأتی

و کل ما سیأتی فهو قریب و کأنّه قد أتی

و هذا مثل قول قس بن ساعدة الإیادی ما لی أری الناس یذهبون ثمّ لا یرجعون أ رضوا بالمقام فأقاموا أم ترکوا هناک فناموا أقسم قس قسما إن فی السماء لخبرا و إن فی الأرض لعبرا سقف مرفوع و مهاد موضوع و نجوم تمور و بحار لا تغور اسمعوا أیها الناس و عوا من عاش مات و من مات فات و کل ما هو آت آت وَ مِنْهَا الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ وَ کَفَی بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلاَّ یَعْرِفَ قَدْرَهُ وَ إِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الرِّجَالِ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی لَعَبْداً وَکَلَهُ اللَّهُ إِلَی نَفْسِهِ جَائِراً عَنْ قَصْدِ السَّبِیلِ سَائِراً بِغَیْرِ

ص :107

دَلِیلٍ إِنْ دُعِیَ إِلَی حَرْثِ الدُّنْیَا عَمِلَ وَ إِنْ دُعِیَ إِلَی حَرْثِ الآْخِرَةِ کَسِلَ کَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَیْهِ وَ کَأَنَّ مَا وَنَی فِیهِ سَاقِطٌ عَنْهُ .

قوله ع العالم من عرف قدره من الأمثال المشهورة عنه ع و قد قال الناس بعده فی ذلک فأکثروا نحو قولهم إذا جهلت قدر نفسک فأنت لقدر غیرک أجهل و نحو قولهم من لم یعرف قدر نفسه فالناس أعذر منه إذا لم یعرفوه و نحو قول الشاعر أبی الطیب و من جهلت نفسه قدره رأی غیره منه ما لا یری (1) .

ثمّ عبر عن هذا المعنی بعبارة أخری فصارت مثلا أیضا و هی قوله کفی بالمرء جهلا ألا یعرف قدره و من الکلام

1592

الْمَرْوِیُّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ ع مَرْفُوعاً مَا هَلَکَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَهُ رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرَّدُ عَنْهُ فِی اَلْکَامِلِ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ مَا إِخَالُ رَجُلاً یَرْفَعُ نَفْسَهُ فَوْقَ قَدْرِهَا إِلاَّ مِنْ خَلَلٍ فِی عَقْلِهِ.

و

1593

4,5,3,1- رَوَی صَاحِبُ اَلْکَامِلِ أَیْضاً عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ع قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ الْوَفَاةُ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ ع أَبِی ضَمَّنِی إِلَی صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ یَا بُنَیَّ أُوصِیکَ بِمَا أَوْصَانِی بِهِ أَبِی یَوْمَ قُتِلَ وَ بِمَا ذَکَرَ لِی أَنَّ أَبَاهُ عَلِیّاً ع أَوْصَاهُ بِهِ یَا بُنَیَّ عَلَیْکَ بِبَذْلِ نَفْسِکَ فَإِنَّهُ لاَ یَسُرُّ أَبَاکَ بِذُلِّ نَفْسِهِ حُمْرُ النَّعَمِ .

1594

وَ کَانَ یُقَالُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ اسْتَرَاحَ.

ص :108

و

1595

فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ مَا رَفَعَ امْرُؤٌ نَفْسَهُ فِی الدُّنْیَا دَرَجَةً إِلاَّ حَطَّهُ اللَّهُ تَعَالَی فِی الْآخِرَةِ دَرَجَاتٍ.

1596

وَ کَانَ یُقَالُ مَنْ رَضِیَ عَنْ نَفْسِهِ کَثُرَ السَّاخِطُونَ عَلَیْهِ . ثم ذکر ع أن من أبغض البشر إلی اللّه عبدا وکله اللّه إلی نفسه أی لم یمده بمعونته و ألطافه لعلمه أنّه لا ینجع ذلک فیه و أنّه لا ینجذب إلی الخیر و الطاعة و لا یؤثر شیء ما فی تحریک دواعیه إلیها فیکله اللّه حینئذ إلی نفسه .

و الجائر العادل عن السمت و لما کان هذا الشقی خابطا فیما یعتقده و یذهب إلیه مستندا إلی الجهل و فساد النظر جعله کالسائر بغیر دلیل .

و الحرث هاهنا کل ما یفعل لیثمر فائدة فحرث الدنیا کالتجارة و الزراعة و حرث الآخرة فعل الطاعات و اجتناب المقبحات و المعاصی و سمی حرثا علی جهة المجاز تشبیها بحرث الأرض و هو من الألفاظ القرآنیة.

و کسل الرجل بکسر السین یکسل أی یتثاقل عن الأمور فهو کسلان و قوم کسالی و کسالی بالفتح و الضم .

قال ع حتّی کان ما عمله من أمور الدنیا هو الواجب علیه لحرصه و جده فیه و کان ما ونی عنه أی فتر فیه من أمور الآخرة ساقط عنه و غیر واجب علیه لإهماله و تقصیره فیه وَ مِنْهَا وَ ذَلِکَ زَمَانٌ لاَ یَنْجُو فِیهِ إِلاَّ کُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَةٍ إِنْ شَهِدَ لَمْ یُعْرَفْ وَ إِنْ غَابَ

ص :109

لَمْ یُفْتَقَدْ أُولَئِکَ مَصَابِیحُ الْهُدَی وَ أَعْلاَمُ السُّرَی لَیْسُوا بِالْمَسَایِیحِ وَ لاَ الْمَذَایِیعِ الْبُذُرِ أُولَئِکَ یَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ وَ یَکْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ أَیُّهَا النَّاسُ سَیَأْتِی عَلَیْکُمْ زَمَانٌ یُکْفَأُ فِیهِ اَلْإِسْلاَمُ کَمَا یُکْفَأُ الْإِنَاءُ بِمَا فِیهِ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَاذَکُمْ مِنْ أَنْ یَجُورَ عَلَیْکُمْ وَ لَمْ یُعِذْکُمْ مِنْ أَنْ یَبْتَلِیَکُمْ وَ قَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ إِنَّ فِی ذٰلِکَ لَآیٰاتٍ وَ إِنْ کُنّٰا لَمُبْتَلِینَ .

(1)

[قال الرضی رحمه اللّه تعالی أما قوله ع کل مؤمن نومة فإنما أراد به الخامل الذکر القلیل الشر و المساییح جمع مسیاح و هو الذی یسیح بین الناس بالفساد و النمائم و المذاییع جمع مذیاع و هو الذی إذا سمع لغیره بفاحشة أذاعها و نوه بها و البذر جمع بذور و هو الذی یکثر سفهه و یلغو منطقه ]

شهد

حضر و کفأت الإناء أی قلبته و کببته و قال ابن الأعرابی یجوز أکفأته أیضا و البذر جمع بذور مثل صبور و صبر و هو الذی یذیع الأسرار و لیس کما قال الرضی رحمه اللّه تعالی فقد یکون الإنسان بذورا و إن لم یکثر سفهه و لم یلغ منطقه بأن یکون علنة مذیاعا من غیر سفه و لا لغو و الضراء الشدة و مثلها البأساء و هما اسمان مؤنثان من غیر تذکیر و أجاز الفراء أن یجمع علی آضر و أبؤس کما یجمع النعماء علی أنعم.

ص :110

و اعلم أنّه قد جاء فی التواضع و هضم النفس شیء کثیر و من ذلک

1597

الْحَدِیثُ الْمَرْفُوعُ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ وَ مَنْ تَکَبَّرَ عَلَی اللَّهِ وَضَعَهُ.

و

1598

یُقَالُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَالَ لِمُوسَی إِنَّمَا کَلَّمْتُکَ لِأَنَّ فِی أَخْلاَقِکَ خُلُقاً أَحَبَّهُ اللَّهُ وَ هُوَ التَّوَاضُعُ.

1599

وَ رَأَی مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ ابْنَهُ یَمْشِی الْخُیَلاَءَ فَنَادَاهُ فَقَالَ وَیْلَکَ أَ تَمْشِی هَذِهِ الْمِشْیَةَ وَ أَبُوکَ أَبُوکَ وَ أُمُّکَ أُمُّکَ أَمَّا أُمُّکَ فَأَمَةٌ ابْتَعْتُهَا بِمِائَتَیْ دِرْهَمٍ وَ أَمَّا أَبُوکَ فَلاَ کَثَّرَ اللَّهُ فِی النَّاسِ مِثْلَهُ.

و مثل قوله ع کل مؤمن نومة إن شهد لم یعرف و إن غاب لم یفتقد

1600

قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ص رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِی طِمْرَیْنِ لاَ یُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَی اللَّهِ لَأَبَرَّ قَسَمَهُ.

1601

وَ قَالَ عُمَرُ لاِبْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ الْتَمِسِ الرِّفْعَةَ بِالتَّوَاضُعِ وَ الشَّرَفَ بِالدِّینِ وَ الْعَفْوَ مِنَ اللَّهِ بِالْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ وَ إِیَّاکَ وَ الْخُیَلاَءَ فَتَضَعُ مِنْ نَفْسِکَ وَ لاَ تُحَقِّرَنَّ أَحَداً فَإِنَّکَ لاَ تَدْرِی لَعَلَّ مَنْ تَزْدَرِیهِ عَیْنَاکَ أَقْرَبُ إِلَی اللَّهِ وَسِیلَةً مِنْکَ.

1602

وَ قَالَ اَلْأَحْنَفُ عَجِبْتُ لِمَنْ جُرِیَ فِی مَجْرَی الْبَوْلِ مَرَّتَیْنِ مِنْ فَرْجَیْنِ کَیْفَ یَتَکَبَّرُ. و قد جاء فی کلام رسول اللّه ص ما یناسب کلام أمیر المؤمنین ع هذا

1603

إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْأَخْفِیَاءَ الْأَتْقِیَاءَ الْأَبْرِیَاءَ الَّذِینَ إِذَا غَابُوا لَمْ یُفْتَقَدُوا وَ إِذَا حَضَرُوا لَمْ یُعْرَفُوا قُلُوبُهُمْ مَصَابِیحُ الْهُدَی یَخْرُجُونَ مِنْ کُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ.

و أمّا إفشاء السر و إذاعته فقد ورد فیه أیضا ما یکثر و لو لم یرد فیه إلاّ قوله سبحانه وَ لاٰ تُطِعْ کُلَّ حَلاّٰفٍ مَهِینٍ هَمّٰازٍ مَشّٰاءٍ بِنَمِیمٍ (1) لکفی.

ص :111

و

1604

فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ مَنْ أَکَلَ بِأَخِیهِ أُکْلَةً أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِثْلَهَا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ .

قیل فی تفسیره هو أن یسعی بأخیه و یجر نفعا بسعایته.

1605

اَلْجُنَیْدُ

سَتْرُ مَا عَایَنْتَ أَحْسَنُ مِنْ إِشَاعَةِ مَا ظَنَنْتَ.

1606

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ

مَنْ سَمِعَ بِفَاحِشَةٍ فَأَفْشَاهَا فَهُوَ کَالَّذِی أَتَاهَا.

1607

قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بْنِ عُبَیْدٍ إِنَّ عَلِیّاً الْأَسْوَارِیَّ لَمْ یَزَلْ مُنْذُ الْیَوْمِ یَذْکُرُکَ بِسُوءٍ وَ یَقُولُ الضَّالُّ فَقَالَ عَمْرٌو یَا هَذَا مَا رَعَیْتَ حَقَّ مُجَالَسَةِ الرَّجُلِ حِینَ نَقَلْتَ إِلَیْنَا حَدِیثَهُ وَ لاَ وَفَیْتَنِی حَقِّی حِینَ أَبْلَغْتَنِی عَنْ أَخِی مَا أَکْرَهُهُ اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْتَ یَعُمُّنَا وَ الْبَعْثَ یَحْشُرُنَا وَ اَلْقِیَامَةَ تَجْمَعُنَا وَ اللَّهُ یَحْکُمُ بَیْنَنَا.

1608

وَ کَانَ یُقَالُ مَنْ نَمَّ إِلَیْکَ نَمَّ عَلَیْکَ.

1609

وَ قَالُوا فِی السُّعَاةِ یَکْفِیکَ أَنَّ الصِّدْقَ مَحْمُودٌ إِلاَّ مِنْهُمْ وَ إِنَّ أَصْدَقَهُمْ أَخْبَثُهُمْ.

1610

وَشِیٌّ وَاشٍ بِرَجُلٍ إِلَی اَلْإِسْکَنْدَرِ فَقَالَ لَهُ أَ تُحِبُّ أَنْ أَقْبَلَ مِنْکَ مَا قُلْتَ فِیهِ عَلَی أَنْ أَقْبَلَ مِنْهُ مَا قَالَ فِیکَ قَالَ لاَ قَالَ فَکُفَّ عَنِ الشَّرِّ یَکُفَّ عَنْکَ.

1611

قَالَ رَجُلٌ لِفَیْلَسُوفٍ عَابَکَ فُلاَنٌ بِکَذَا قَالَ لَقِیتَنِی لِقِحْتِکَ بِمَا لَمْ یَلْقَنِی بِهِ لِحَیَائِهِ.

1612

عَابَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَیْرِ اَلْأَحْنَفَ عَنْ شَیْءٍ بَلَغَهُ عَنْهُ فَأَنْکَرَهُ فَقَالَ أَخْبَرَنِی بِذَلِکَ الثِّقَةُ فَقَالَ کَلاَّ أَیُّهَا الْأَمِیرُ إِنَّ الثِّقَةَ لاَ یَنِمُّ.

1613

عَرَضَ بَعْضُ عُمَّالِ اَلْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ عَلَیْهِ رُقْعَةَ سَاعٍ فِی طَیِّ کِتَابٍ کَتَبَهُ إِلَیْهِ فَوَقَّعَ اَلْفَضْلُ قَبُولُ السِّعَایَةِ شَرٌّ مِنَ السِّعَایَةِ لِأَنَّ السِّعَایَةَ دَلاَلَةٌ وَ الْقَبُولَ إِجَازَةٌ وَ لَیْسَ مَنْ دَلَّ عَلَی قَبِیحٍ کَمَنْ أَجَازَهُ وَ عَمِلَ بِهِ فَاطْرُدْ هَذَا السَّاعِیَ عَنْ عَمَلِکَ وَ أَقْصِهِ عَنْ بَابِکَ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ یَکُنْ فِی سِعَایَتِهِ کَاذِباً لَکَانَ فِی صِدْقِهِ لَئِیماً إِذْ لَمْ یَرْعَ الْحُرْمَةَ وَ لَمْ یَسْتُرِ الْعَوْرَةَ وَ السَّلاَمُ.

ص :112

1614

صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ

مَنْ یُخَبِّرُکَ بِشَتْمٍ عَنْ أَخٍ

1615

طُرَیْحُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ الثَّقَفِیُّ

(1)

إِنْ یَعْلَمُوا الْخَیْرَ یُخْفُوهُ وَ إِنْ عَلِمُوا

شَرّاً أَذَاعُوا وَ إِنْ لَمْ یَعْلَمُوا کَذَبُوا .

و معنی قوله ع و إن غاب لم یفتقد أی لا یقال ما صنع فلان و لا أین هو أی هو خامل لا یعرف .

و قوله أولئک یفتح اللّه بهم أبواب الرحمة و یکشف بهم ضراء النقمة و روی أولئک یفتح اللّه بهم أبواب رحمته و یکشف بهم ضراء نقمته أی ببرکاتهم یکون الخیر و یندفع الشر.

ثمّ ذکر ع أنّه سیأتی علی الناس زمان تنقلب فیه الأمور الدینیة إلی أضدادها و نقائضها و قد شهدنا ذلک عیانا .

ثمّ أخبر ع أن اللّه لا یجور علی العباد لأنّه تعالی عادل (2) و لا یظلم و لکنه یبتلی عباده أی یختبرهم ثمّ تلا قوله تعالی إِنَّ فِی ذٰلِکَ لَآیٰاتٍ وَ إِنْ کُنّٰا لَمُبْتَلِینَ (3) و المراد أنّه تعالی إذا فسد الناس لا یلجئهم إلی الصلاح لکن یترکهم و اختیارهم امتحانا لهم فمن أحسن أثیب و من أساء عوقب

ص :113

و نجیب هذا القائل بأن مراده ع أنّه لم یکن فی زمان محمد ص و ما قاربه من ادعی النبوّة فأما هود و صالح و شعیب فکانوا فی دهر قدیم جدا و أما خالد بن سنان فلم یقرأ کتابا و لا یدعی شریعة و إنّما کانت نبوة مشابهة لنبوة جماعة من أنبیاء بنی إسرائیل الذین لم یکن لهم کتب و لا شرائع و إنّما ینهون عن الشرک و یأمرون (1) بالتوحید .

و منجاتهم نجاتهم نجوت من کذا نجاء ممدود و نجا مقصور و منجاة علی مفعله و منه قولهم الصدق منجاة .

قوله ع و یبادر بهم الساعة کأنّه کان یخاف أن تسبقه القیامة فهو یبادرها بهدایتهم و إرشادهم قبل أن تقوم و هم علی ضلالهم .

و الحسیر المعیا حسر البعیر بالفتح یحسر بالکسر حسورا و استحسر مثله و حسرته أنا یتعدی و لا یتعدی حسرا فهو حسیر و یجوز أحسرته بالهمزة و الجمع حسری مثل قتیل و قتلی و منه حسر البصر أی کل یحسر قال تعالی یَنْقَلِبْ إِلَیْکَ الْبَصَرُ خٰاسِئاً وَ هُوَ حَسِیرٌ (2) و هذا الکلام من باب الاستعارة و المجاز یقول ع کان النبیّ ص لحرصه علی الإسلام و إشفاقه علی المسلمین و رأفته بهم یلاحظ حال من تزلزل اعتقاده أو عرضت له شبهة أو حدث عنده ریب و لا یزال یوضح له و یرشده حتّی یزیل ما خامر سره من وساوس الشیطان و یلحقه بالمخلصین من المؤمنین و لم یکن لیقصر فی مراعاة أحد من المکلفین فی هذا المعنی إلاّ من کان یعلم أنّه لا خیر فیه أصلا لعناده و إصراره علی الباطل و مکابرته للحق .

و معنی قوله حتی یلحقه غایته حتی یوصله إلی الغایة التی هی الغرض بالتکلیف یعنی اعتقاد الحق و سکون النفس إلی الإسلام و هو أیضا معنی قوله و بوأهم محلتهم .

ص :115

و معنی قوله فاستدارت رحاهم انتظم أمرهم لأن الرحی إنّما تدور إذا تکاملت أدواتها و آلاتها کلها و هو أیضا معنی قوله و استقامت قناتهم و کل هذا من باب الاستعارة .

ثمّ أقسم أنّه ع کان من ساقتها الساقة جمع سائق کقادة جمع قائد و حاکة جمع حائک و هذا الضمیر المؤنث یرجع إلی غیر مذکور لفظا و المراد الجاهلیة کأنّه جعلها مثل کتیبة مصادمة لکتیبة الإسلام و جعل نفسه من الحاملین علیها بسیفه حتّی فرت و أدبرت و أتبعها یسوقها سوقا و هی مولیة بین یدیه.

حتی أدبرت بحذافیرها أی کلها عن آخرها .

ثمّ أتی بضمیر آخر إلی غیر مذکور لفظا و هو قوله و استوسقت فی قیادها یعنی الملّة الإسلامیة أو الدعوة أو ما یجری هذا المجری و استوسقت اجتمعت یقول لما ولت تلک الدعوة الجاهلیة استوسقت هذه فی قیادها کما تستوسق الإبل المقودة إلی أعطانها و یجوز أن یعود هذا الضمیر الثانی إلی المذکور الأول و هو الجاهلیة أی ولت بحذافیرها و اجتمعت کلها تحت ذل المقادة .

ثمّ أقسم أنّه ما ضعف یومئذ و لا وهن و لا جبن و لا خان و لیبقرن الباطل الآن حتی یخرج الحق من خاصرته کأنّه جعل الباطل کالشیء المشتمل علی الحق غالبا علیه و محیطا به فإذا بقر ظهر الحق الکامن (1) فیه و قد تقدم منا شرح ذلک

ص :116

و یقال هو نجبة القوم أی النجیب منهم و أنجب الرجل أی ولد ولدا نجیبا و امرأة منجبة و منجاب تلد النجباء و نسوة مناجیب .

و الشیمة الخلق و الدیمة مطر یدوم و المستمطرون المستجدون و المستماحون و احلولت حلت و قد عداه حمید بن ثور فی قوله (1) فلما أتی عامان بعد انفصاله عن الضرع و احلولی دماثا یرودها (2) و لم یجئ افعوعل متعدیا إلاّ هذا الحرف و حرف آخر و هو اعروریت الفرس و هو الرضاع بفتح الراء رضع الصبیّ أمه بکسر الضاد یرضعها رضاعا مثل سمع یسمع سماعا و أهل نجد یقولون رضع بالفتح یرضع بالکسر مثل ضرب یضرب ضربا و قال الأصمعی أخبرنی عیسی بن عمر أنه سمع العرب تنشد هذا البیت و ذموا لنا الدنیا و هم یرضعونها أفاویق حتّی ما یدر لها ثعل (3) بکسر الضاد و الأخلاف للناقة بمنزلة الأطباء للکلبة واحدها خلف بالکسر و هو حلمة الضرع و الخطام زمام الناقة خطمت البعیر زممته و ناقة مخطومة و نوق مخطمة .

و الوضین للهودج بمنزلة البطان للقتب و التصدیر للرحل و الحزام للسرج و هو سیور تنسج مضاعفة بعضها علی بعض یشد بها الهودج منه إلی بطن البعیر و الجمع وضن .

و المخضود الذی خضد شوکة أی قطع .

و شاغرة خالیة شغر المکان أی خلا و بلدة (4) شاغرة إذا لم تمتنع من غارة أحد و الثائر طالب الثأر لا یبقی علی شیء حتّی یدرک ثأره.

ص :118

یقول ع مخاطبا لمن فی عصره من بقایا الصحابة و لغیرهم من التابعین الذین لم یدرکوا عصر رسول اللّه ص إن اللّه بعث محمّدا و هو أکرم الناس شیمة و أنداهم یدا و خیرهم طفلا و أنجبهم کهلا فصانه اللّه تعالی فی أیّام حیاته عن أن یفتح علیه الدنیا و أکرمه عن ذلک فلم تفتح علیکم البلاد و لا درت علیکم الأموال و لا أقبلت الدنیا نحوکم و ما دالت الدولة لکم إلاّ بعده فتمکنتم من أکلها و التمتع بها کما یتمکن الحالب من احتلاب الناقة فیحلبها و حلت لذاتها لکم و استطبتم العیشة و وجدتموها حلوة خضرة.

ثمّ ذکر أنهم صادفوها یعنی الدنیا و قد صعبت علی من یلیها ولایة حقّ کما تستصعب الناقة علی راکبها إذا کانت جائلة الخطام لیس زمامها بممکن راکبها من نفسه قلقة الوضین لا یثبت هودجها تحت الراکب حرامها سهل التناول علی من یریده کالسدر الذی خضد عنه شوکه فصار ناعما أملس و حلالها غیر موجود لغلبة الحرام علیه و کونه صار مغمورا مستهلکا بالنسبة إلیه و هذا إشارة إلی ما کان یقوله دائما من استبداد الخلفاء قبله دونه بالأمر و أنّه کان الأولی و الأحق.

فإن قلت إذا کانت الدنیا قلقة الوضین جائلة الخطام فهی صعبة الرکوب و هذا ضد قوله حرامها بمنزلة السدر المخضود لأنّه من الأمثال المضروبة للسهولة قلت فحوی کلامه أن الدنیا جمحت به ع فألقته عن ظهرها بعد أن کان راکبا لها أو کالراکب لها لاستحقاقه رکوبها و أنّها صارت بعده کالناقة التی خلعت زمامها أو أجالته فلا یتمکن راکبها من قبضه و استرخی وضینها لشدة ما کان صدر عنها من النفار و التقحم حتّی أذرت راکبها فصارت علی حال لا یرکبها إلاّ من هو موصوف برکوب غیر طبیعی لأنّه رکب ما لا ینبغی أن یرکب فالذین ولوا أمرها ولوه

ص :119

علی غیر الوجه کما أن راکب هذه الناقة یرکبها علی غیر الوجه و لهذا لم یقل فصار حرامها بمنزلة السدر المخضود بل قال عند أقوام فخصص.

و هذا الکلام کله محمول عند أصحابنا علی التألم من کون المتقدمین ترکوا الأفضل کما قدمناه فی أوّل الکتاب.

ثمّ ذکر ع أن الدنیا فانیة و أنّها ظل ممدود إلی أجل معدود ثمّ ذکر أن الأرض بهؤلاء السکان فیها صورة خالیة من معنی کما قال الشاعر ما أکثر الناس لا بل ما أقلهم

ثمّ أعاد الشکوی و التألم فقال أیدیکم فی الدنیا مبسوطة و أیدی مستحقی الرئاسة و مستوجبی الأمر مکفوفة و سیوفکم مسلطة علی أهل البیت الذین هم القادة و الرؤساء و سیوفهم مقبوضة عنکم و کأنّه کان یرمز إلی ما سیقع من قتل الحسین ع و أهله و کأنّه یشاهد ذلک عیانا و یخطب علیه و یتکلم علی الخاطر الذی سنح له و الأمر الذی کان أخبر به ثمّ قال إن لکل دم ثائرا یطلب القود و الثائر بدمائنا لیس إلاّ اللّه وحده الذی لا یعجزه مطلوب و لا یفوته هارب .

و معنی قوله ع کالحاکم فی حقّ نفسه أنه تعالی لا یقصر فی طلب دمائنا کالحاکم الذی یحکم لنفسه فیکون هو القاضی و هو الخصم فإنّه إذا کان کذلک یکون مبالغا جدا فی استیفاء حقوقه .

ثمّ أقسم و خاطب بنی أمیّة و صرّح بذکرهم أنهم لیعرفن الدنیا عن قلیل فی أیدی غیرهم و فی دورهم و أن الملک سینتزعه منهم أعداؤهم و وقع الأمر بموجب إخباره ع

ص :120

فإن الأمر بقی فی أیدی بنی أمیّة قریبا من تسعین سنة ثمّ عاد إلی البیت الهاشمی و انتقم اللّه تعالی منهم علی أیدی أشدّ الناس عداوة لهم

فلم یزل فی السجن بقیة أیام السفاح و أیام المنصور و أیام المهدیّ و أیام الهادی و بعض أیام الرشید و أخرجه الرشید و هو شیخ ضریر فسأله عن خبره فقال یا أمیر المؤمنین حبست غلاما بصیرا و أخرجت شیخا ضریرا فقیل إنّه هلک فی أیام الرشید و قیل عاش إلی أن أدرک خلافة الأمین .

شهد یوم الزاب مع مروان فی إحدی الروایتین إبراهیم بن الولید بن عبد الملک المخلوع الذی خطب له بالخلافة بعد أخیه یزید بن الولید بن عبد الملک فقتل فیمن قتل و فی الروایة الثانیة أن إبراهیم قتله مروان الحمار قبل ذلک.

لما انهزم مروان یوم الزاب مضی نحو الموصل فمنعه أهلها من الدخول فأتی حران و کانت داره و مقامه و کان أهل حران حین أزیل لعن أمیر المؤمنین عن المنابر فی أیام الجمع امتنعوا من إزالته و قالوا لا صلاة إلاّ بلعن أبی تراب فاتبعه عبد اللّه بن علی بجنوده فلما شارفه خرج مروان عن حران هاربا بین یدیه و عبر الفرات و نزل عبد اللّه بن علی علی حران فهدم قصر مروان بها و کان قد أنفق علی بنائه عشرة آلاف ألف درهم و احتوی علی خزائن مروان و أمواله فسار مروان بأهله و عترته من بنی أمیّة و خواصه حتّی نزل بنهر أبی فطرس و سار عبد اللّه بن علی حتی نزل دمشق فحاصرها و علیها من قبل مروان الولید بن معاویة بن عبد الملک بن مروان فی خمسین ألف مقاتل فألقی اللّه تعالی بینهم العصبیّة فی فضل نزار علی الیمن و فضل الیمن علی نزار فقتل الولید و قیل بل قتل فی حرب عبد اللّه بن علی و ملک عبد اللّه دمشق فأتی یزید بن معاویة بن عبد الملک بن مروان و عبد الجبار بن یزید بن عبد الملک بن مروان فحملهما مأسورین إلی أبی العبّاس السفاح فقتلهما و صلبهما بالحیرة و قتل عبد اللّه بن علی بدمشق خلقا کثیرا من أصحاب مروان و موالی بنی أمیّة و أتباعهم و نزل عبد اللّه علی نهر

ص :122

أبی فطرس فقتل من بنی أمیّة هناک بضعا و ثمانین رجلا و ذلک فی ذی القعدة من سنة ثنتین و ثلاثین و مائة

و بالزابیین نفوس ثوت

(1)

أَنْزِلُوهَا بِحَیْثُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ

قَالَ فَتَغَیَّرَ لَوْنُ أَبِی الْعَبَّاسِ وَ أَخَذَهُ زَمَعٌ (1) وَ رَعْدَةٌ فَالْتَفَتَ بَعْضُ وُلْدِ سُلَیْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ إِلَی آخَرَ فِیهِمْ کَانَ إِلَی جَانِبِهِ فَقَالَ قَتَلَنَا وَ اللَّهِ الْعَبْدُ فَأَقْبَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَلَیْهِمْ فَقَالَ یَا بُنَیَّ الزَّوَانِی (2) لاَ أَرَی قَتْلاَکُمْ مِنْ أَهْلِی قَدْ سَلَفُوا وَ أَنْتُمْ أَحْیَاءٌ تَتَلَذَّذُونَ فِی الدُّنْیَا خُذُوهُمْ فَأَخَذَتْهُمْ اَلْخُرَاسَانِیَّةُ بِالْکَافِرْکُوبَاتِ فَأُهْمِدُوا إِلاَّ مَا کَانَ مِنْ عَبْدِ الْعَزِیزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ فَإِنَّهُ اسْتَجَارَ بِدَاوُدَ بْنِ عَلِیٍّ وَ قَالَ إِنَّ أَبِی لَمْ یَکُنْ کَآبَائِهِمْ

ص :126

وَ قَدْ عَلِمْتَ صَنِیعَتَهُ إِلَیْکُمْ فَأَجَارَهُ وَ اسْتَوْهَبَهُ مِنَ اَلسِّفَاحِ وَ قَالَ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ صَنِیعَ أَبِیهِ إِلَیْنَا فَوَهَبَهُ لَهُ وَ قَالَ لاَ یُرِیَنِی وَجْهَهُ وَ لْیَکُنْ بِحَیْثُ نَأْمَنُهُ وَ کَتَبَ إِلَی عُمَّالِهِ فِی الْآفَاقِ بِقَتْلِ بَنِی أُمَیَّةَ (1) .

1618

فَأَمَّا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرَّدُ فَإِنَّهُ رَوَی فِی اَلْکَامِلِ (2) هَذَا الشِّعْرَ عَلَی غَیْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَ لَمْ یَنْسُبْهُ إِلَی سُدَیْفٍ بَلْ إِلَی شِبْلٍ مَوْلَی بَنِی هَاشِمٍ .قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ دَخَلَ شِبْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَی بَنِی هَاشِمٍ عَلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِیٍّ وَ قَدْ أَجْلَسَ ثَمَانِینَ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ عَلَی سِمْطِ الطَّعَامِ فَأَنْشَدَهُ أَصْبَحَ الْمُلْکُ ثَابِتَ الْأَسَاسِ

فَأَمَرَ بِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَشُدِخُوا بِالْعَمَدِ وَ بُسِطَتِ الْبُسُطُ عَلَیْهِمْ وَ جَلَسَ عَلَیْهَا وَ دَعَا

ص :127

بِالطَّعَامِ وَ إِنَّهُ لَیَسْمَعُ أَنِینَ بَعْضِهِمْ حَتَّی مَاتُوا جَمِیعاً وَ قَالَ لِشِبْلٍ لَوْ لاَ أَنَّکَ خَلَطْتَ شِعْرَکَ بِالْمَسْأَلَةِ لَأَغْنَمْتُکَ أَمْوَالَهُمْ وَ لَعَقَدْتُ لَکَ عَلَی جَمِیعِ مَوَالِی بَنِی هَاشِمٍ .قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الرِّقْلَةُ النَّخْلَةُ الطَّوِیلَةُ وَ الْأَوَاسِی جَمَعَ آسِیَةَ وَ هِیَ أَصْلُ الْبِنَاءِ کَالْأَسَاسِ وَ قَتِیلُ اَلْمِهْرَاسِ حَمْزَةُ ع وَ اَلْمِهْرَاسُ مَاءٌ بِأُحُدٍ وَ قَتِیلُ حَرَّانَ إِبْرَاهِیمُ الْإِمَامِ.قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فَأَمَّا سُدَیْفٌ فَإِنَّهُ لَمْ یَقُمْ هَذَا الْمَقَامَ وَ إِنَّمَا قَامَ مَقَاماً آخَرَ دَخَلَ عَلَی أَبِی الْعَبَّاسِ السَّفَّاحِ وَ عِنْدَهُ سُلَیْمَانُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ وَ قَدْ أَعْطَاهُ یَدَهُ فَقَبَّلَهَا وَ أَدْنَاهُ فَأَقْبَلَ عَلَی اَلسَّفَّاحِ وَ قَالَ لَهُ لاَ یَغُرَّنَّکَ مَا تَرَی مِنْ رِجَالِ

فَقَالَ سُلَیْمَانُ مَا لِی وَ لَکَ أَیُّهَا الشَّیْخُ قَتَلْتَنِی قَتَلَکَ اللَّهُ فَقَامَ أَبُو الْعَبَّاسِ فَدَخَلَ وَ إِذَا الْمِنْدِیلُ قَدْ أُلْقِیَ فِی عُنُقِ سُلَیْمَانَ ثُمَّ جَرَّ فَقُتِلَ.

فَأَمَّا سُلَیْمَانُ بْنُ یَزِیدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ بْنِ مَرْوَانَ فَقُتِلَ بِالْبَلْقَاءِ وَ حُمِلَ رَأْسُهُ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِیٍّ .

أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَمَرَنِی إنْ هُوَ قُتِلَ أَنْ أَقْتُلَ بَنَاتِهِ وَ نِسَاءَهُ کُلَّهُنَّ قَبْلَ أَنْ تَصِلُوا إِلَیْهِنَّ فَأَرَادُوا قَتْلَهُ فَقَالَ لاَ تَقْتُلُونِی فَإِنَّکُمْ إِنْ قَتَلْتُمُونِی فَقَدْتُمْ مِیرَاثَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالُوا وَ مَا هُوَ فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الْقَرْیَةِ إِلَی کُثْبَانٍ مِنَ الرَّمْلِ فَقَالَ اکْشِفُوا هَاهُنَا فَإِذَا الْبُرْدَةُ وَ الْقَضِیبُ وَ قَعْبٌ (1) مُخَضَّبٌ قَدْ دَفَنَهَا مَرْوَانُ ضَنّاً بِهَا أَنْ تَصِیرَ إِلَی بَنِی هَاشِمٍ فَوَجَّهَ بِهِ عَامِرُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ إِلَی صَالِحِ بْنِ عَلِیٍّ فَوَجَّهَ بِهِ صَالِحٌ إِلَی أَخِیهِ عَبْدِ اللَّهِ فَوَجَّهَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ إِلَی أَبِی الْعَبَّاسِ وَ تَدَاوَلَهُ خُلَفَاءُ بَنِی الْعَبَّاسِ مِنْ بَعْدُ.

وَ أُدْخِلَ بَنَاتُ مَرْوَانَ وَ حُرَمُهُ وَ نِسَاؤُهُ عَلَی صَالِحِ بْنِ عَلِیٍّ فَتَکَلَّمَتْ ابْنَةُ مَرْوَانَ الْکُبْرَی فَقَالَتْ یَا عَمِّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ حَفِظَ اللَّهُ لَکَ مِنْ أَمْرِکَ مَا تُحِبُّ حِفْظَهُ وَ أَسْعَدَکَ فِی أَحْوَالِکَ کُلِّهَا وَ عَمَّکَ بِخَوَاصِّ نِعَمِهِ وَ شَمِلَکَ بِالْعَافِیَةِ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ نَحْنُ بَنَاتُکَ وَ بَنَاتُ أَخِیکَ وَ ابْنِ عَمِّکَ فَلْیَسَعْنَا مِنْ عَدْلِکُمْ مَا وَسِعَنَا مِنْ جَوْرِکُمْ قَالَ إِذًا لاَ نَسْتَبْقِی مِنْکُمْ أَحَداً لِأَنَّکُمْ قَدْ قَتَلْتُمْ إِبْرَاهِیمَ الْإِمَامَ وَ زَیْدَ بْنَ عَلِیٍّ وَ یَحْیَی بْنَ زَیْدٍ وَ مُسْلِمَ بْنَ عَقِیلٍ وَ قَتَلْتُمْ خَیْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ حُسَیْناً وَ إِخْوَتَهُ وَ بَنِیهِ وَ أَهْلَ بَیْتِهِ وَ سُقْتُمْ نِسَاءَهُ سَبَایَا کَمَا یُسَاقُ ذَرَارِیُّ اَلرُّومِ عَلَی الْأَقْتَابِ إِلَی اَلشَّامِ فَقَالَ یَا عَمِّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَلْیَسَعْنَا عَفْوُکُمْ إِذَا قَالَ أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ وَ إِنْ أَحْبَبْتِ زَوَّجْتُکِ مِنْ ابْنِی اَلْفَضْلِ بْنِ صَالِحٍ قَالَتْ یَا عَمِّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ أَیُّ سَاعَةِ عُرْسٍ تَرَی بَلْ تُلْحِقُنَا بِحَرَّانَ فَحَمَلَهُنَّ إِلَی حَرَّانَ (2) .کَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِیبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِیُّ عَامِلُ إِفْرِیقِیَةَ لِمَرْوَانَ فَلَمَّا حَدَّثَتِ الْحَادِثَةُ هَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ وَ اَلْعَاصُ ابْنَا اَلْوَلِیدِ بْنِ یَزِیدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ إِلَیْهِ فَاعْتَصَمَا بِهِ فَخَافَ

ص :129

عَلَی نَفْسِهِ مِنْهُمَا وَ رَأَی مَیْلَ النَّاسِ إِلَیْهِمَا فَقَتَلَهُمَا وَ کَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِیَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ یُرِیدُ أَنْ یَقْصِدَهُ وَ یَلْتَجِئَ إِلَیْهِ فَلَمَّا عَلِمَ مَا جَرَی لاِبْنِی اَلْوَلِیدِ بْنِ یَزِیدَ خَافَ مِنْهُ فَقَطَعَ الْمَجَازَ بَیْنَ إِفْرِیقِیَةَ وَ اَلْأَنْدُلُسِ وَ رَکِبَ الْبَحْرَ حَتَّی حَصَلَ بِالْأُنْدُلُسِ فَالْأَمَرَاءُ الَّذِینَ وَلَّوْهَا کَانُوا مِنْ وُلْدِهِ.

ثُمَّ زَالَ أَمْرُهُمْ وَ دَوْلَتُهُمْ عَلَی أَیْدِی بَنِی هَاشِمٍ أَیْضاً وَ هُمْ بَنُو حَمُّودٍ الْحَسَنِیُّونَ مِنْ وُلْدِ إِدْرِیسَ بْنِ الْحَسَنِ ع .لَمَّا قُتِلَ عَامِرُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ مَرْوَانَ بِبُوصِیرَ وَ احْتَوَی عَلَی عَسْکَرِهِ دَخَلَ إِلَی الْکَنِیسَةِ الَّتِی کَانَ فِیهَا فَقَعَدَ عَلَی فِرَاشِهِ وَ أَکَلَ مِنْ طَعَامِهِ فَقَالَتْ لَهُ ابْنَةُ مَرْوَانَ الْکُبْرَی وَ تُعْرَفُ بِأُمِّ مَرْوَانَ یَا عَامِرُ إِنَّ دَهْراً أَنْزَلَ مَرْوَانَ عَنْ فُرُشِهِ حَتَّی أَقْعَدَکَ عَلَیْهَا تَأْکُلُ مِنْ طَعَامِهِ لَیْلَةَ قَتْلِهِ مُحْتَوِیّاً عَلَی أَمْرِهِ حَاکِماً فِی مُلْکِهِ وَ حُرَمِهِ وَ أَهْلِهِ لَقَادِرٌ أَنْ یُغَیِّرَ ذَلِکَ فَأُنْهِیَ هَذَا الْکَلاَمُ إِلَی أَبِی الْعَبَّاسِ السَّفَّاحِ فَاسْتَهْجَنَ مَا فَعَلَهُ عَامِرُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ وَ کَتَبَ إِلَیْهِ أَ مَا کَانَ لَکَ فِی أَدَبِ اللَّهِ مَا یَزْجُرُکَ أَنْ تَقْعُدَ فِی مِثْلِ تِلْکَ السَّاعَةِ عَلَی مِهَادِ مَرْوَانَ وَ تَأْکُلَ مِنْ طَعَامِهِ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْزَلَ مَا فَعَلْتَهُ عَلَی غَیْرِ اعْتِقَادٍ مِنْکَ لِذَلِکَ (1) وَ لاَ نَهَمٍ (2) عَلَی طَعَامٍ لَمَسَّکَ مِنْ غَضَبِهِ وَ أَلِیمِ أَدَبِهِ مَا یَکُونُ لَکَ زَاجِراً وَ لِغَیْرِکَ وَاعِظاً فَإِذَا أَتَاکَ کِتَابُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَتَقَرَّبْ إِلَی اللَّهِ بِصَدَقَةٍ تُطْفِئُ بِهَا غَضَبَهُ وَ صَلاَةٍ تُظْهِرُ فِیهَا الْخُشُوعَ وَ الاِسْتِکَانَةَ لَهُ وَ صُمْ ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ وَ تُبْ إِلَی اللَّهِ مِنْ جَمِیعِ مَا یُسْخِطُهُ وَ یُغْضِبُهُ وَ مُرْ جَمِیعَ أَصْحَابَکَ أَنْ یَصُومُوا مِثْلَ صِیَامِکَ.

وَ لَمَّا أُتِیَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِرَأْسِ مَرْوَانَ سَجَدَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی

ص :130

لَمْ یَبْقَ ثَأْرَنَا قَبْلَکَ وَ قَبْلَ رَهْطِکَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَظْفَرَنَا بِکَ وَ أَظْهَرَنَا عَلَیْکَ مَا أُبَالِی مَتَی طَرَقَنِی الْمَوْتُ وَ قَدْ قَتَلْتُ بِالْحُسَیْنِ ع أَلْفاً مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ وَ أَحْرَقْتُ شِلْوَ هِشَامٍ بِابْنِ عَمِّی زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ کَمَا أَحْرَقُوا شِلْوَهُ وَ تَمَثَّلَ (1) لَوْ یَشْرَبُونَ دَمِی لَمْ یَرْوِ شَارَبُهُمْ وَ لاَ دِمَاؤُهُمْ جَمْعاً تُرَوِّینِی.

ثُمَّ حَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَی الْقِبْلَةِ فَسَجَدَ ثَانِیَةً ثُمَّ جَلَسَ فَتَمَثَّلَ أَبَی قَوْمُنَا أَنْ یُنْصِفُونَا فَأَنْصَفَتْ ثُمَّ قَالَ أَمَّا مَرْوَانُ فَقَتَلْنَاهُ بِأَخِی إِبْرَاهِیمَ وَ قَتَلْنَا سَائِرَ بَنِی أُمَیَّةَ بِحُسَیْنٍ وَ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ وَ بَعْدَهُ مِنْ بَنِی عَمِّنَا أَبِی طَالِبٍ (2) .

1620

وَ رَوَی اَلْمَسْعُودِیُّ فِی کِتَابِ مُرُوجِ الذَّهَبِ عَنِ اَلْهَیْثَمِ بْنِ عَدِیٍّ قَالَ حَدَّثَنِی عَمْرُو بْنُ هَانِئٍ الطَّائِیُّ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِیٍّ لِنَبْشِ قُبُورِ بَنِی أُمَیَّةَ فِی أَیَّامِ أَبِی الْعَبَّاسِ السَّفَّاحِ فَانْتَهَیْنَا إِلَی قَبْرِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ فَاسْتَخْرَجْنَاهُ صَحِیحاً مَا فَقَدْنَا مِنْهُ إِلاَّ عِرْنِینَ أَنْفِهِ فَضَرَبَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِیٍّ ثَمَانِینَ سَوْطاً ثُمَّ أَحْرَقَهُ وَ اسْتَخْرَجْنَا سُلَیْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِکِ مِنْ أَرْضِ دَابِقَ فَلَمْ نَجِدْ مِنْهُ شَیْئاً إِلاَّ صُلْبَهُ وَ رَأْسَهُ وَ أَضْلاَعَهُ فَأَحْرَقْنَاهُ وَ فَعَلْنَا مِثْلَ ذَلِکَ بِغَیْرِهِمَا مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ وَ کَانَتْ قُبُورُهُمْ بِقِنَّسْرِینَ ثُمَّ انْتَهَیْنَا إِلَی دِمَشْقَ فَاسْتَخْرَجْنَا اَلْوَلِیدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِکِ فَمَا وَجَدْنَا فِی قَبْرِهِ قَلِیلاً وَ لاَ کَثِیراً وَ احْتَفَرْنَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِکِ فَمَا وَجَدْنَا إِلاَّ شُئُونَ (3) رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَفَرْنَا عَنْ یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ فَلَمْ نَجِدْ مِنْهُ إِلاَّ عَظْماً وَاحِداً وَ وَجَدْنَا

ص :131

مِنْ مَوْضِعِ نَحْرِهِ إِلَی قَدَمِهِ خَطّاً وَاحِداً أَسْوَدَ کَأَنَّمَا خَطٌّ بِالرَّمَادِ فِی طُولِ لَحْدِهِ وَ تَتَبَّعْنَا قُبُورَهُمْ فِی جَمِیعِ الْبُلْدَانِ فَأَحْرَقْنَا مَا وَجَدْنَا فِیهَا مِنْهُمْ.

قلت قرأت هذا الخبر علی النقیب أبی جعفر یحیی بن أبی زید العلوی بن عبد اللّه فی سنة خمس و ستمائة و قلت له أما إحراق هشام بإحراق زید فمفهوم فما معنی جلده ثمانین سوطا فقال رحمه اللّه تعالی أظن عبد اللّه بن علی ذهب فی ذلک إلی حدّ القذف لأنّه یقال

1621

14,5- إِنَّهُ قَالَ لِزَیْدٍ یَا ابْنَ الزَّانِیَةِ لَمَّا سَبَّ أَخَاهُ مُحَمَّداً الْبَاقِرَ ع فَسَبَّهُ زَیْدٌ وَ قَالَ لَهُ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ص اَلْبَاقِرَ وَ تُسَمِّیهِ أَنْتَ الْبَقَرَةَ لَشَدَّ مَا اخْتَلَفْتُمَا وَ لَتُخَالِفَنَّهُ فِی الْآخِرَةِ کَمَا خَالَفْتَهُ فِی الدُّنْیَا فَیَرِدُ اَلْجَنَّةَ وَ تَرِدُ اَلنَّارَ

.

و هذا استنباط لطیف.

قال مروان لکاتبه عبد الحمید بن یحیی حین أیقن بزوال ملکه قد احتجت إلی أن تصیر مع عدوی و تظهر الغدر بی فإن إعجابهم ببلاغتک و حاجتهم إلی کتابتک تدعوهم إلی اصطناعک و تقریبک فإن استطعت أن تسعی لتنفعنی فی حیاتی و إلاّ فلن تعجز عن حفظ حرمی بعد وفاتی فقال عبد الحمید إن الذی أشرت به هو أنفع الأمرین لی و أقبحهما بی و ما عندی إلاّ الصبر معک حتّی یفتح اللّه لک أو أقتل بین یدیک ثمّ أنشد أسر وفاء ثمّ أظهر غدرة فمن لی بعذر یوسع الناس ظاهره.

فثبت علی حاله و لم یصر إلی بنی هاشم حتی قتل مروان ثم قتل هو بعده صبرا (1) .

ص :132

و قال إسماعیل بن عبد اللّه القسری دعانی مروان و قد انتهت به الهزیمة إلی حران فقال یا أبا هاشم و ما کان یکنینی قبلها قد تری ما جاء من الأمر و أنت الموثوق به و لا عطر بعد عروس ما الرأی عندک فقلت یا أمیر المؤمنین علام أجمعت قال ارتحل بموالی و من تبعنی حتّی آتی الدرب (1) و أمیل إلی بعض مدن الروم فأنزلها و أکاتب ملک الروم و أستوثق منه فقد فعل ذلک جماعة من ملوک الأعاجم و لیس هذا عارا علی الملوک فلا یزال یأتینی من الأصحاب الخائف و الهارب و الطامع فیکثر من معی و لا أزال علی ذلک حتّی یکشف اللّه أمری و ینصرنی علی عدوی فلما رأیت ما أجمع علیه من ذلک و کان الرأی و رأیت آثاره فی قومه من نزار و عصبیته علی قومی من قحطان غششته فقلت أعیذک بالله یا أمیر المؤمنین من هذا الرأی أن تحکم أهل الشرک فی بناتک و حرمک و هم الروم لا وفاء لهم و لا یدری ما تأتی به الأیّام و إن حدث علیک حدث من أرض النصرانیة و لا یحدثن اللّه علیک إلاّ خیرا ضاع من بعدک و لکن اقطع الفرات و استنفر الشام جندا جندا فإنک فی کنف و عدة و لک فی کل جند صنائع و أصحاب إلی أن تأتی مصر فهی أکثر أرض اللّه مالا و خیلا و رجالا و الشام أمامک و إفریقیة خلفک فإن رأیت ما تحب انصرفت إلی الشام و إن کانت الأخری مضیت إلی إفریقیة فقال صدقت و أستخیر اللّه فقطع الفرات و اللّه ما قطعه معه من قیس إلا رجلان ابن حدید السلمی و کان أخاه من الرضاعة و الکوثر بن الأسود الغنوی و غدر به سائر النزاریة مع تعصبه لهم فلما اجتاز ببلاد قنسرین و خناصرة أوقعوا بساقته و وثب به أهل حمص و صار إلی دمشق فوثب به الحارث بن عبد الرحمن الحرشی ثم العقیلی ثم أتی الأردن فوثب به هاشم بن عمرو التمیمی ثم مر بفلسطین فوثب به أهلها و علم مروان أن إسماعیل بن عبد اللّه قد غشه فی الرأی و لم یمحضه النصیحة و أنّه فرط فی مشورته إیاه

ص :133

إذ شاور رجلا من قحطان موتورا شانئا له و إن الرأی کان أول الذی هم به من قطع الدرب و النزول ببعض مدن الروم و مکاتبته ملکها و لله أمر هو بالغه (1) .

لما نزل مروان بالزاب جرد من رجاله ممن اختاره من أهل الشام و الجزیرة و غیرها مائة ألف فارس علی مائة ألف قارح ثمّ نظر إلیهم و قال إنها لعدة و لا تنفع العدة إذا انقضت المدة (2) .

لما أشرف عبد اللّه بن علی یوم الزاب فی المسودة و فی أوائلهم البنود السود تحملها الرجال علی الجمال البخت (3) و قد جعل لها بدلا من القنا خشب الصفصاف و الغرب (4) قال مروان لمن قرب منه أ ما ترون رماحهم کأنها النخل غلظا أ ما ترون أعلامهم فوق هذه الإبل کأنها قطع الغمام السود فبینما هو ینظرها و یعجب إذ طارت قطعة عظیمة من الغربان السود فنزلت علی أول عسکر عبد اللّه بن علی و اتصل سوادها بسواد تلک الرایات و البنود و مروان ینظر فازداد تعجبه و قال أ ما ترون إلی السواد قد اتصل بالسواد حتّی صار الکل کالسحب السود المتکاثفة ثمّ أقبل علی رجل إلی جنبه فقال أ لا تعرفنی من صاحب جیشهم فقال عبد اللّه بن علیّ بن عبد اللّه بن العبّاس بن عبد المطلب قال ویحک أ من ولد العبّاس هو قال نعم قال و اللّه لوددت أن علیّ بن أبی طالب ع مکانه فی هذا الصف قال یا أمیر المؤمنین أ تقول هذا لعلی مع شجاعته التی ملأ الدنیا ذکرها قال ویحک إن علیا مع شجاعته صاحب دین و إن الدین غیر الملک و إنا نروی عن قدیمنا أنّه لا شیء لعلی و لا لولده فی هذا ثمّ قال من هو من ولد العبّاس

ص :134

فإنی لا أثبت شخصه قال هو الرجل الذی کان یخاصم بین یدیک عبد اللّه بن معاویة بن عبد اللّه بن جعفر فقال أذکرنی صورته و حلیته قال هو الرجل الأقنی الحدید العضل المعروق الوجه الخفیف اللحیة الفصیح اللسان الذی قلت لما سمعت کلامه یومئذ یرزق اللّه البیان من یشاء فقال و إنّه لهو قال نعم فقال إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَیْهِ رٰاجِعُونَ أ تعلم لم صیرت الأمر بعدی لولدی عبد اللّه و ابنی محمد أکبر سنا منه قال لا قال إن آباءنا أخبرونا أن الأمر صائر بعدی إلی رجل اسمه عبد اللّه فولیته دونه.

ثمّ بعث مروان بعد أن حدث صاحبه بهذا الحدیث إلی عبد اللّه بن علی سرا فقال یا ابن عم إن هذا الأمر صائر إلیک فاتق اللّه و احفظنی فی حرمی فبعث إلیه عبد اللّه أن الحق لنا فی دمک و أن الحق علینا فی حرمک (1) .

قلت إن مروان ظن أن الخلافة تکون لعبد اللّه بن علی لأن اسمه عبد اللّه و لم یعلم أنّها تکون لآخر اسمه عبد اللّه و هو أبو العبّاس السفاح .کان العلاء بن رافع سبط ذی الکلاع الحمیری مؤنسا لسلیمان بن هشام بن عبد الملک لا یکاد یفارقه و کان أمر المسودة بخراسان قد ظهر و دنوا من العراق و اشتد إرجاف الناس و نطق العدو بما أحبّ فی بنی أمیّة و أولیائهم.

قال العلاء فإنی لمع سلیمان و هو یشرب تجاه رصافة أبیه و ذلک فی آخر أیام یزید الناقص و عنده الحکم الوادی (2) و هو یغنیه بشعر العرجی (3) إن الحبیب تروحت أجماله

ص :135

یا حبذا تلک الحمول و حبذا

شخص هناک و حبذا أمثاله.

فأجاد ما شاء و شرب سلیمان بن هشام بالرطل و شربنا معه حتّی توسدنا أیدینا فلم أنتبه إلاّ بتحریک سلیمان إیای فقمت مسرعا و قلت ما شأن الأمیر فقال علی رسلک رأیت کأنّی فی مسجد دمشق و کأنّ رجلا علی یده حجر و علی رأسه تاج أری بصیص ما فیه من الجوهر و هو رافع صوته بهذا الشعر أ بنی أمیّة قد دنا تشتیتکم

فقلت أعیذ الأمیر بالله وساوس الشیطان الرجیم هذا من أضغاث الأحلام و ممّا یقتضیه و یجلبه الفکر و سماع الأراجیف فقال الأمر کما قلت لک ثمّ وجم ساعة و قال یا حمیری بعید ما یأتی به الزمان قریب قال العلاء فو اللّه ما اجتمعنا علی شراب بعد ذلک الیوم (1) .

سئل بعض شیوخ بنی أمیّة عقیب زوال الملک عنهم ما کان سبب زوال ملککم فقال جار عمالنا علی رعیتنا فتمنوا الراحة منا و تحومل علی أهل خراجنا فجلوا عنا و خربت ضیاعنا فخلت بیوت أموالنا و وثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم علی منافعنا و أمضوا أمورا دوننا أخفوا علمها عنا و تأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا و استدعاهم عدونا فظافروه علی حربنا و طلبنا أعداءنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا و کان استتار الأخبار عنا من أوکد أسباب زوال ملکنا.

کان سعید بن عمر بن جعدة بن هبیرة المخزومی أحد وزراء مروان و سماره فلما ظهر

ص :136

أمر أبی العبّاس السفاح انحاز إلی بنی هاشم و مت إلیهم بأم هانئ بنت أبی طالب و کانت تحت هبیرة بن أبی وهب فأتت منه بجعدة فصار من خواص السفاح و بطانته فجلس السفاح یوما و أمر بإحضار رأس مروان و هو بالحیرة یومئذ ثمّ قال للحاضرین أیکم یعرف هذا فقال سعید أنا أعرفه هذا رأس أبی عبد الملک مروان بن محمّد بن مروان خلیفتنا بالأمس رحمه اللّه تعالی قال سعید فحدقت إلی الشیعة و رمتنی بأبصارها فقال لی أبو العبّاس فی أی سنة کان مولده قلت سنة ست و سبعین فقام و قد تغیر لونه غضبا علی و تفرق الناس من المجلس و تحدثوا به فقلت زلة و اللّه لا تستقال و لا ینساها القوم أبدا فأتیت منزلی فلم أزل باقی یومی أعهد و أوصی فلما کان اللیل اغتسلت و تهیأت للصلاة و کان أبو العبّاس إذا هم بأمر بعث فیه لیلا فلم أزل ساهرا حتّی أصبحت و رکبت بغلتی و أفکرت فیمن أقصد فی أمری فلم أجد أحدا أولی من سلیمان بن مجالد مولی بنی زهرة و کانت له من أبی العبّاس منزلة عظیمة و کان من شیعة القوم فأتیته فقلت له أ ذکرنی أمیر المؤمنین البارحة قال نعم جری ذکرک فقال هو ابن أختنا وفی لصاحبه و نحن لو أولیناه خیرا لکان لنا أشکر فشکرت لسلیمان بن مجالد ما أخبرنی به و جزیته خیرا و انصرفت فلم أزل من أبی العبّاس علی ما کنت علیه لا أری منه إلاّ خیرا.

و إنّما ذلک المجلس إلی عبد اللّه بن علی و إلی أبی جعفر المنصور فأما عبد اللّه بن علی فکتب إلی أبی العبّاس یغریه بی و یعاتبه علی الإمساک عنی و یقول له إنّه لیس مثل هذا ممّا یحتمل و کتب إلیه أبو جعفر یعذر لی و ضرب الدهر ضربة فأتی ذات یوم عند أبی العبّاس فنهض و نهضت فقال لی علی رسلک یا ابن هبیرة فجلست فرفع الستر و دخل و ثبت فی مجلسه قلیلا ثمّ خرج فی ثوبی وشی و رداء و جبة فما رأیت و اللّه أحسن منه و لا ممّا علیه قط فقال لی یا ابن هبیرة إنی ذاکر لک أمرا فلا

ص :137

یخرجن من رأسک إلی أحد من الناس قلت نعم قال قد علمت ما جعلنا من هذا الأمر و ولایة العهد لمن قتل مروان و إنّما قتله عمی عبد اللّه بجیشه و أصحابه و نفسه و تدبیره و أنا شدید الفکر فی أمر أخی أبی جعفر فی فضله و علمه و سنه و إیثاره لهذا الأمر کیف أخرجه عنه فقلت أصلح اللّه أمیر المؤمنین إنّی أحدثک حدیثا تعتبر به و تستغنی بسماعه عن مشاورتی قال هاته فقلت کنا مع مسلمة بن عبد الملک عام الخلیج بالقسطنطینیة إذ ورد علینا کتاب عمر بن عبد العزیز ینعی سلیمان و مصیر الأمر إلیه فدخلت إلیه فرمی الکتاب إلی فقرأته و استرجعت و اندفع یبکی و أطال فقلت أصلح اللّه الأمیر و أطال بقاءه إن البکاء علی الأمر الفائت عجز و الموت منهل لا بدّ من ورده فقال ویحک إنّی لست أبکی علی أخی لکنی أبکی لخروج الأمر عن ولد أبی إلی ولد عمی فقال أبو العبّاس حسبک فقد فهمت عنک ثمّ قال إذا شئت فانهض فلما نهضت لم أمض بعیدا حتّی قال لی یا ابن هبیرة فالتفت إلیه فقال أما إنک قد کافأت أحدهما و أخذت بثأرک من الآخر قال سعید فو اللّه ما أدری من أی الأمرین أعجب من فطنته أم من ذکره (1) .

لما سایر عبد اللّه بن علی فی آخر أیام بنی أمیّة عبد اللّه بن حسن بن حسن و معهما داود بن علی فقال داود لعبد اللّه بن الحسن لم لا تأمر ابنیک بالظهور فقال عبد اللّه بن حسن لم یأن لهما بعد فالتفت إلیه عبد اللّه بن علی فقال أظنک تری أن ابنیک قاتلا مروان فقال عبد اللّه بن حسن إنّه ذلک قال هیهات ثمّ تمثل

ص :138

سیکفیک الجعالة مستمیت

خفیف الحاذ من فتیان جرم

أنا و اللّه أقتل مروان و أسلبه ملکه لا أنت و لا ولداک (1) .

1622

وَ قَدْ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْفَهَانِیُّ فِی کِتَابِ اَلْأَغَانِی رِوَایَةً أُخْرَی فِی سَبَبِ قَتْلِ اَلسَّفَّاحِ لِمَنْ کَانَ أَمِنَهُ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ قَالَ حَدَّثَ اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ اَلسَّفَّاحَ أُنْشِدَ یَوْماً قَصِیدَةٌ مُدِحَ بِهَا وَ عِنْدَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ کَانَ آمَنَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ فَأَقْبَلَ عَلَی بَعْضِهِمْ فَقَالَ أَیْنَ هَذَا مِمَّا مَدَحْتُمْ بِهِ فَقَالَ هَیْهَاتَ لاَ یَقُولُ وَ اللَّهِ أَحَدٌ فِیکُمْ مِثْلَ قَوْلِ اِبْنِ قَیْسِ الرُّقَیَّاتِ فِینَا مَا نَقَمُوا مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ إِلاَّ

فَقَالَ لَهُ یَا مَاصَّ کَذَا مِنْ أُمِّهِ وَ إِنَّ الْخِلاَفَةَ لَفِی نَفْسِکَ بَعْدُ خُذُوهُمْ فَأُخِذُوا وَ قُتِلُوا (2) .

وَ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ أَیْضاً أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ دَعَا بِالْغَدَاءِ حِینَ قُتِلُوا وَ أَمَرَ بِبِسَاطٍ فَبُسِطَ عَلَیْهِمْ وَ جَلَسَ فَوْقَهُ یَأْکُلُ وَ هُمْ یَضْطَرِبُونَ تَحْتَهُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ مَا أَعْلَمُ أَنِّی أَکَلْتُ أَکْلَةً قَطُّ کَانَتْ أَطْیَبَ وَ لاَ أَهْنَأَ فِی نَفْسِی مِنْ هَذِهِ (3) فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَکْلِ قَالَ جُرُّوهُمْ بِأَرْجُلِهِمْ وَ أَلْقُوهُمْ فِی الطَّرِیقِ لِیَلْعَنَهُمُ النَّاسُ أَمْوَاتاً کَمَا لَعَنُوهُمْ أَحْیَاءً.

ص :139

قَالَ فَلَقَدْ رَأَیْنَا الْکِلاَبَ تَجُرُّهُمْ بِأَرْجُلِهِمْ وَ عَلَیْهِمْ سَرَاوِیلاَتُ الْوَشْیِ حَتَّی أَنْتَنُوا ثُمَّ حُفِرَتْ لَهُمْ بِئْرٌ فَأُلْقُوا فِیهَا (1) .

1623

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ رَوَی عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ الْغِفَارِیُّ عَنْ مَعْبَدٍ الْأَنْبَارِیِّ عَنْ أَبِیهِ قَالَ لَمَّا أَقْبَلَ دَاوُدُ بْنُ عَلِیٍّ مِنْ مَکَّةَ أَقْبَلَ مَعَهُ بَنُو حَسَنٍ جَمِیعاً وَ فِیهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ وَ أَخُوهُ حَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ وَ مَعَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَ هُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ لِأُمِّهِ فَعَمِلَ دَاوُدُ مَجْلِساً بِبَعْضِ الطَّرِیقِ جَلَسَ فِیهِ هُوَ وَ اَلْهَاشِمِیُّونَ کُلُّهُمْ وَ جَلَسَ اَلأُمَوِیُّونَ تَحْتَهُمْ فَجَاءَ اِبْنُ هَرْمَةَ فَأَنْشَدَهُ قَصِیدَةً یَقُولُ فِیهَا فَلاَ عَفَا اللَّهُ عَنْ مَرْوَانَ مَظْلِمَةً

قَالَ فَنَبَذَ دَاوُدُ نَحْوَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ ضَحْکَةً کَالْکِشْرَةِ فَلَمَّا قَامُوا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ لِأَخِیهِ اَلْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ أَ مَا رَأَیْتَ ضَحِکَ (2) دَاوُدُ إِلَی اِبْنِ عَنْبَسَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی صَرَفَهَا عَنْ أَخِی یَعْنِی اَلْعُثْمَانِیَّ قَالَ فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَدِمَ اَلْمَدِینَةَ حَتَّی قُتِلَ اِبْنُ عَنْبَسَةَ (3) .

1624

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو

ص :140

بْنِ عُثْمَانَ قَالَ اسْتَحْلَفَ أَخِی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ دَاوُدَ بْنَ عَلِیٍّ وَ قَدْ حَجَّ مَعَهُ سَنَةَ اثْنَتَیْنِ وَ ثَلاَثِینَ وَ مِائَةٍ بِطَلاَقِ امْرَأَتِهِ مُلَیْکَةَ بِنْتِ دَاوُدَ بْنِ الْحَسَنِ أَلاَ یَقْتُلُ أَخَوَیْهِ مُحَمَّداً وَ اَلْقَاسِمَ ابْنَیْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ قَالَ فَکُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَیْهِ آمِناً وَ هُوَ یَقْتُلُ بَنِی أُمَیَّةَ وَ کَانَ یَکْرَهُ أَنْ یَرَانِی أَهْلُ خُرَاسَانَ وَ لاَ یَسْتَطِیعُ إِلَیَّ سَبِیلاً لِیَمِینِهِ فَاسْتَدْنَانِی یَوْماً فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقَالَ مَا أَکْثَرَ الْغَفْلَةَ وَ أَقَلَّ الْحَزْمَةَ فَأَخْبَرْتُ بِهَا أَخِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ فَقَالَ یَا ابْنَ أُمِّ تَغَیَّبْ عَنِ الرَّجُلِ وَ أَقِلَّ عَنْهُ فَتَغَیَّبَ حَتَّی مَاتَ (1) .قُلْتُ إِلاَّ أَنَّ ذَلِکَ الدَّیْنَ الَّذِی لَمْ یَقْضِهِ دَاوُدُ قَضَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ .وَ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ فِی الْکِتَابِ الْمَذْکُورِ أَنَّ سُدَیْفاً أَنْشَدَ أَبَا الْعَبَّاسِ وَ عِنْدَهُ رِجَالٌ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ فَقَالَ یَا ابْنَ عَمِّ اَلنَّبِیِّ أَنْتَ ضِیَاءُ اِسْتَبَنَّا بِکَ الْیَقِینَ الْجَلِیّا فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلُهُ (2) جَرِّدِ السَّیْفَ وَ ارْفَعْ الْعَفْوَ حَتَّی وَ هِیَ طَوِیلَةٌ فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ یَا سُدَیْفُ خُلِقَ الْإِنْسٰانُ مِنْ عَجَلٍ ثُمَّ أَنْشَدَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُتَمَثِّلاً أَحْیَا الضَّغَائِنَ آبَاءٌ لَنَا سَلَفُوا فَلَنْ تَبِیدَ وَ لِلْآبَاءِ أَبْنَاءُ

ص :141

ثُمَّ أَمَرَ بِمَنْ عِنْدَهُ فَقُتِلُوا (1) .

1625

وَ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ أَیْضاً عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ النَّوْفَلِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عُمُومَتِهِ أَنَّهُمْ حَضَرُوا سُلَیْمَانَ بْنَ عَلِیٍّ بِالْبَصْرَةِ وَ قَدْ حَضَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ عِنْدَهُ عَلَیْهِمُ الثِّیَابُ المُوَشَّاةُ (2) الْمُرْتَفِعَةُ قَالَ أَحَدُ الرُّوَاةِ الْمَذْکُورِینَ فَکَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی أَحَدِهِمْ وَ قَدْ اسْوَدَّ شَیْبٌ فِی عَارِضَیْهِ مِنَ الْغَالِیَةِ (3) فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُتِلُوا وَ جُرُّوا بِأَرْجُلِهِمْ فَأُلْقُوا عَلَی الطَّرِیقِ وَ إِنَّ عَلَیْهِمْ لَسَرَاوِیلاَتِ الْوَشْیِ وَ الْکِلاَبُ تَجُرُّهُمْ بِأَرْجُلِهِمْ (4) .

1626

وَ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ أَیْضاً عَنْ طَارِقِ بْنِ الْمُبَارَکِ عَنْ أَبِیهِ قَالَ جَاءَنِی رَسُولُ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ قَالَ یَقُولُ لَکَ عَمْرٌو (5) قَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الدَّوْلَةُ وَ أَنَا حَدِیثُ السِّنِّ کَثِیرُ الْعِیَالِ مُنْتَشِرُ الْأَمْوَالِ فَمَا أَکُونُ فِی قَبِیلَةٍ إِلاَّ شُهِرَ أَمْرِی وَ عُرِفْتُ وَ قَدْ عَزَمْتُ عَلَی أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الاِسْتِتَارِ وَ أَفْدِیَ حُرَمِی بِنَفْسِی وَ أَنَا صَائِرٌ إِلَی بَابِ الْأَمِیرِ سُلَیْمَانَ بْنِ عَلِیٍّ فَصِرْ إِلَیَّ فَوَافَیْتُهُ فَإِذَا عَلَیْهِ طَیْلَسَانٌ أَبْیَضُ مُطْبِقٌ وَ سَرَاوِیلُ وَشْیٍ مَسْدُولٌ فَقُلْتُ یَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَصْنَعُ الْحَدَاثَةُ بِأَهْلِهَا أَ بِهَذَا اللِّبَاسِ تَلْقَی هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ لِمَا تُرِیدُ لِقَاءَهُمْ فِیهِ (6) فَقَالَ لاَ وَ اللَّهِ وَ لَکِنْ لَیْسَ عِنْدِی ثَوْبٌ إِلاَّ أَشْهَرُ مِمَّا تَرَی فَأَعْطَیْتُهُ طَیْلَسَانِی وَ أَخَذْتُ طَیْلَسَانَهُ وَ لَوَیْتُ سَرَاوِیلَهُ إِلَی رُکْبَتَیْهِ فَدَخَلَ إِلَیَّ سُلَیْمَانُ ثُمَّ خَرَجَ مَسْرُوراً فَقُلْتُ لَهُ حَدِّثْنِی مَا جَرَی بَیْنَکَ وَ بَیْنَ الْأَمِیرِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَیْهِ وَ لَمْ یَرَنِی قَطُّ (7) فَقُلْتُ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِیرَ لَفَظَتْنِی الْبِلاَدُ إِلَیْکَ وَ دَلَّنِی فَضْلُکَ

ص :142

عَلَیْکَ إِمَّا قَتَلْتَنِی غَانِماً (1) وَ إِمَّا أَمَّنْتَنِی سَالِماً (2) فَقَالَ وَ مَنْ أَنْتَ حَتَّی أَعْرِفَکَ فَانْتَسَبْتُ لَهُ فَقَالَ مَرْحَباً بِکَ اقْعُدْ فَتَکَلَّمْ سَالِماً آمِناً ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیَّ فَقَالَ حَاجَتُکَ یَا ابْنَ أَخِی فَقُلْتُ إِنَّ الْحُرَمَ اللَّوَاتِی أَنْتَ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَیْهِنَّ مَعَنَا وَ أَوْلَی النَّاسِ بِهِنَّ بَعْدَنَا قَدْ خِفْنَ لِخَوْفِنَا وَ مَنْ خَافَ خِیفَ عَلَیْهِ فَوَ اللَّهِ مَا أَجَابَنِی إِلاَّ بِدُمُوعِهِ عَلَی خَدَّیْهِ ثُمَّ قَالَ یَا ابْنَ أَخِی یَحْقِنُ اللَّهُ دَمَکَ وَ یَحْفَظُکَ فِی حُرَمِکَ وَ یُوَفِّرُ عَلَیْکَ مَالَکَ فَوَ اللَّهِ لَوْ أَمْکَنَنِی ذَلِکَ فِی جَمِیعِ قَوْمِکَ لَفَعَلْتُ فَکُنْ مُتَوَارِیاً کَظَاهِرٍ وَ آمِناً کَخَائِفٍ وَ لْتَأْتِنِی رُقَاعُکَ قَالَ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ کُنْتُ أَکْتُبُ إِلَیْهِ کَمَا یَکْتُبُ الرَّجُلُ إِلَی أَبِیهِ وَ عَمِّهِ قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْحَدِیثِ رَدَدْتُ عَلَیْهِ طَیْلَسَانَهُ فَقَالَ مَهْلاً فَإِنَّ ثِیَابَنَا إِذَا فَارَقَتْنَا لَمْ تَرْجِعْ إِلَیْنَا (3) .

1627

وَ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْفَهَانِیُّ قَالَ أَخْبَرَنِی أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ قَالَ قَالَ سُدَیْفٌ لِأَبِی الْعَبَّاسِ یَحُضُّهُ عَلَی بَنِی أُمَیَّةَ وَ یَذْکُرُ مِنْ قَتَلَ مَرْوَانُ وَ بَنُو أُمَیَّةَ مِنْ أَهْلِهِ کَیْفَ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَ قَدِیماً

1628

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ أَخْبَرَنِی عَلِیُّ بْنُ سُلَیْمَانَ الْأَخْفَشُ قَالَ أَنْشَدَنِی مُحَمَّدُ بْنُ یَزِیدَ الْمُبَرَّدُ لِرَجُلٍ مِنْ شِیعَةِ بَنِی الْعَبَّاسِ یَحُضُّهُمْ عَلَی بَنِی أُمَیَّةَ

ص :143

إِیَّاکُمْ أَنْ تَلِینُوا لاِعْتِذَارِهِمْ

1629

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ رَوَی اِبْنُ الْمُعْتَزِّ فِی قِصَّةِ سُدَیْفٍ مِثْلَ مَا ذَکَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ فِیهَا فَلَمَّا أَنْشَدَهُ ذَلِکَ الْتَفَتَ إِلَیْهِ أَبُو الْغَمْرِ سُلَیْمَانُ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ یَا مَاصَّ بَظْرِ أُمِّهِ أَ تَجْبَهُنَا بِمِثْلِ هَذَا وَ نَحْنُ سَرَوَاتُ النَّاسِ فَغَضِبَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ کَانَ سُلَیْمَانُ بْنُ هِشَامٍ صَدِیقَهُ قَدِیماً وَ حَدِیثاً یَقْضِی حَوَائِجَهُ فِی أَیَّامِهِمْ وَ یَبَرُّهُ فَلَمْ یَلْتَفِتْ إِلَی ذَلِکَ وَ صَاحَ بِالْخُرَاسَانِیَّةِ خُذُوهُمْ (1) فَقَتِّلُوهُمْ جَمِیعاً إِلاَّ سُلَیْمَانَ بْنَ هِشَامٍ فَأَقْبَلَ عَلَیْهِ أَبُو الْعَبَّاسِ فَقَالَ یَا أَبَا الْغَمْرِ مَا أَرَی لَکَ فِی الْحَیَاةِ بَعْدَ هَؤُلاَءِ خَیْراً قَالَ لاَ وَ اللَّهِ قَالَ فَاقْتُلُوهُ وَ کَانَ إِلَی جَنْبِهِ فَقُتِلَ وَ صُلِبُوا فِی بُسْتَانِهِ حَتَّی تَأَذَّی جُلَسَاؤُهُ بِرِیحِهِمْ فَکَلَّمُوهُ فِی ذَلِکَ فَقَالَ وَ اللَّهِ إِنَّ رِیحَهُمْ عِنْدِی لَأَلَذُّ وَ أَطْیَبُ مِنْ رِیحِ الْمِسْکِ وَ الْعَنْبَرِ غَیْظاً عَلَیْهِمْ وَ حَنَقاً (2) .

1630

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ کَانَ أَبُو سَعِیدٍ مَوْلَی فَائِدٍ مَنْ مَوَالِیهِمْ یُعَدُّ فِی مَوَالِی عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَ اسْمُ أَبِی سَعِیدٍ إِبْرَاهِیمُ وَ هُوَ مِنْ شُعَرَائِهِمْ الَّذِینَ رَثَّوْهُمْ وَ بَکَوْا عَلَی دَوْلَتِهِمْ وَ أَیَّامِهِمْ فَمِنْ شِعْرِهِ بَعْدَ زَوَالِ أَمْرِهِمْ

ص :144

بَکَیْتُ وَ مَا ذَا یَرُدُّ الْبُکَاءَ

وَ مِنْ شِعْرِهِ فِیهِمْ أَثَّرَ الدَّهْرُ فِی رِجَالِی فَقَلُّوا وَ مِنْ شِعْرِهِ فِیهِمْ أُولَئِکَ قَوْمِی بَعْدَ عِزٍّ وَ ثَرْوَةٍ

1631

وَ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ رَکِبَ اَلْمَأْمُونُ بِدِمَشْقَ یَتَصَیَّدُ حَتَّی بَلَغَ جَبَلَ الثَّلْجِ فَوَقَفَ فِی بَعْضِ الطَّرِیقِ عَلَی بِرْکَةٍ عَظِیمَةٍ فِی جَوَانِبِهَا أَرْبَعُ سَرَوَاتٍ (1) لَمْ یُرَ أَحْسَنَ مِنْهَا فَنَزَلَ هُنَاکَ وَ جَعَلَ یَنْظُرُ إِلَی آثَارِ بَنِی أُمَیَّةَ وَ یُعْجَبُ مِنْهَا وَ یَذْکُرُهُمْ ثُمَّ دَعَا بِطَبَقٍ عَلَیْهِ طَعَامٌ فَأَکَلَ وَ أَمَرَ عَلَّوَیْهِ فَغَنَی أُولَئِکَ قَوْمِی بَعْدَ عِزٍّ وَ مَنَعَةٍ تَفَانَوْا فَإِلاَّ تَذْرِفُ الْعَیْنُ أَکْمَدَ وَ کَانَ عَلَّوَیْهِ مِنْ مَوَالِی بَنِی أُمَیَّةَ فَغَضِبَ اَلْمَأْمُونُ وَ قَالَ یَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ أَ لَمْ یَکُنْ لَکَ وَقْتٌ تَبْکِی فِیهِ عَلَی قَوْمِکَ إِلاَّ هَذَا الْوَقْتَ قَالَ کَیْفَ لاَ أَبْکِی عَلَیْهِمْ وَ مَوْلاَکُمْ زِرْیَابُ کَانَ فِی أَیَّامِ دَوْلَتِهِمْ یَرْکَبُ مَعَهُمْ فِی مِائَةِ غُلاَمٍ وَ أَنَا مَوْلاَهُمْ مَعَکُمْ أَمُوتُ جُوعاً فَقَامَ اَلْمَأْمُونُ

ص :145

فَرَکِبَ وَ انْصَرَفَ النَّاسُ وَ غَضِبَ عَلَی عَلَّوَیْهِ عِشْرِینَ یَوْماً وَ کُلِّمَ فِیهِ فَرَضِیَ عَنْهُ وَ وَصَلَهُ بِعِشْرِینَ أَلْفَ دِرْهَمٍ (1) .

لَمَّا ضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِیٍّ أَعْنَاقَ بَنِی أُمَیَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ هَذَا وَ اللَّهِ جَهْدُ الْبَلاَءِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ کَلاَّ مَا هَذَا وَ شَرْطَةُ (2) حَجَّامٍ إِلاَّ سَوَاءٌ إِنَّمَا جَهْدُ الْبَلاَءِ فَقْرٌ مُدْقِعٌ بَعْدَ غِنًی مُوسِعٍ (3) .

خطب سلیمان بن علی لما قتل بنی أمیّة بالبصرة فقال وَ لَقَدْ کَتَبْنٰا فِی اَلزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُهٰا عِبٰادِیَ الصّٰالِحُونَ (4) قضاء فصل و قول مبرم فالحمد لله الذی صدق عبده و أنجز وعده و بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّٰالِمِینَ الذین اتخذوا الکعبة غرضا و الدین هزوا و الفیء إرثا و اَلْقُرْآنَ عِضِینَ لقد حٰاقَ بِهِمْ مٰا کٰانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ و کأین تری لهم من بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِیدٍ ذلک بما قدمت أیدیهم وَ مٰا رَبُّکَ بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِیدِ أمهلهم حتّی اضطهدوا العترة و نبذوا السنة وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خٰابَ کُلُّ جَبّٰارٍ عَنِیدٍ ثم أخذهم ف هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِکْزاً .

ضرب الولید بن عبد الملک علی بن عبد اللّه بن العبّاس بالسیاط و شهره بین الناس یدار به علی بعیر و وجهه ممّا یلی ذنب البعیر و صائح یصیح أمامه هذا علی بن عبد اللّه الکذاب فقال له قائل و هو علی تلک الحال ما الذی نسبوک إلیه من الکذب یا أبا محمد قال بلغهم قولی إن هذا الأمر سیکون فی ولدی و اللّه لیکونن فیهم

ص :146

حتی یملکه عبیدهم الصغار العیون العراض الوجوه الذین کأنّ وجوههم المجان المطرقة.

1632

وَ رُوِیَ أَنَّ عَلِیَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ دَخَلَ عَلَی هِشَامٍ وَ مَعَهُ ابْنَا ابْنِهِ الْخَلِیفَتَانِ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ أَبُو جَعْفَرٍ فَکَلَّمَهُ فِیمَا أَرَادَ ثُمَّ وَلَّی فَقَالَ هِشَامٌ إِنَّ هَذَا الشَّیْخَ قَدْ خَرِفَ وَ أُهْتِرَ یَقُولُ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ سَیَنْتَقِلُ إِلَی وَلَدِهِ فَسَمِعَ عَلِیُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ کَلاَمَهُ فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ وَ قَالَ إِی وَ اللَّهِ لَیَکُونَنَّ ذَلِکَ وَ لَیَمْلِکَنَّ هَذَانِ.

1633

وَ قَدْ رَوَی أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرَّدُ فِی کِتَابِ اَلْکَامِلِ هَذَا الْحَدِیثَ فَقَالَ دَخَلَ عَلِیُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَلَی سُلَیْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ فِیمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الْبَلْخِیُّ وَ مَعَهُ ابْنَا ابْنِهِ الْخَلِیفَتَانِ بَعْدُ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَوْسَعَ لَهُ عَلَی سَرِیرِهِ وَ بَرَّهُ وَ سَأَلَهُ عَنْ حَاجَتِهِ فَقَالَ ثَلاَثُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَیَّ دَیْنٌ فَأَمَرَ بِقَضَائِهَا قَالَ وَ اسْتَوْصِ بِابْنِی هَذَیْنِ خَیْراً فَفَعَلَ فَشَکَرَهُ عَلِیُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ قَالَ وَصَلَتْکَ رَحِمٌ فَلَمَّا وَلَّی قَالَ سُلَیْمَانُ لِأَصْحَابِهِ إِنَّ هَذَا الشَّیْخَ قَدْ اخْتَلَّ وَ أَسَنَّ وَ خَلَّطَ وَ صَارَ یَقُولُ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ سَیَنْتَقِلُ إِلَی وَلَدِهِ فَسَمِعَ ذَلِکَ عَلِیُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ وَ قَالَ إِی وَ اللَّهِ لَیَکُونَنَّ ذَلِکَ وَ لَیَمْلِکَنَّ هَذَانِ (1) .

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرَّدُ وَ فِی هَذِهِ الرِّوَایَةِ غَلَطٌ لِأَنَّ الْخَلِیفَةَ فِی ذَلِکَ الْوَقْتِ لَمْ یَکُنْ سُلَیْمَانَ وَ إِنَّمَا یَنْبَغِی أَنْ یَکُونَ دَخَلَ عَلَی هِشَامٍ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ کَانَ یُحَاوِلُ التَّزْوِیجَ فِی بَنِی الْحَارِثِ بْنِ کَعْبٍ وَ لَمْ یَکُنْ سُلَیْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِکِ یَأْذَنُ لَهُ فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ جَاءَ فَقَالَ إِنِّی أَرَدْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ ابْنَةَ خَالِی مِنْ بَنِی الْحَارِثِ

ص :147

بْنِ کَعْبٍ فَتَأْذَنُ لِی فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ تَزَوَّجْ یَرْحَمُکَ اللَّهُ مَنْ أَحْبَبْتَ فَتَزَوَّجَهَا فَأَوْلَدَهَا أَبَا الْعَبَّاسِ السَّفَّاحَ وَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِیزِ بَعْدَ سُلَیْمَانَ وَ أَبُو الْعَبَّاسِ یَنْبَغِی أَلاَ یَکُونَ تَهَیَّأَ لِمِثْلِهِ أَنْ یَدْخُلَ عَلَی خَلِیفَةٍ حَتَّی یَتَرَعْرَعَ وَ لاَ یَتِمَّ مِثْلَ هَذَا إِلاَّ فِی أَیَّامِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ .

1634

1- قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرَّدُ وَ قَدْ جَاءَتِ الرِّوَایَةُ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیّاً ع لَمَّا وُلِدَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ مَوْلُودٌ فَقَدَهُ وَقْتَ صَلاَةِ الظُّهْرِ فَقَالَ مَا بَالُ اِبْنِ الْعَبَّاسِ لَمْ یَحْضُرْ قَالُوا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ ذَکَرٌ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ فَامْضُوا بِنَا إِلَیْهِ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ شَکَرْتَ الْوَاهِبَ وَ بُورِکَ لَکَ فِی الْمَوْهُوبِ مَا سَمَّیْتَهُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ وَ یَجُوزُ لِی أَنْ أُسَمِّیَهُ حَتَّی تُسَمِّیَهُ فَقَالَ أَخْرِجْهُ إِلَیَّ فَأَخْرَجَهُ فَأَخَذَهُ فَحَنَّکَهُ وَ دَعَا لَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَیْهِ وَ قَالَ خُذْ إِلَیْکَ أَبَا الْأَمْلاَکِ قَدْ سَمَّیْتُهُ عَلِیّاً وَ کَنَیْتُهُ أَبَا الْحَسَنِ قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ مُعَاوِیَةَ خَلِیفَةً قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ لاَ أَجْمَعُ لَکَ بَیْنَ الاِسْمِ وَ الْکُنْیَةِ قَدْ کَنَیْتُهُ أَبَا مُحَمَّدٍ فَجَرَتْ عَلَیْهِ

(1)

.

قلت سألت النقیب أبا جعفر یحیی بن محمّد بن أبی زید رحمه اللّه تعالی فقلت له من أی طریق عرف بنو أمیّة أن الأمر سینتقل عنهم و أنّه سیلیه بنو هاشم و أول من یلی منهم یکون اسمه عبد اللّه و لم منعوهم عن مناکحة بنی الحارث بن کعب لعلمهم أن أول من یلی الأمر من بنی هاشم تکون أمه حارثیة و بأی طریق عرف بنو هاشم أن الأمر سیصیر إلیهم و یملکه عبید أولادهم حتّی عرفوا صاحب الأمر بعینه کما قد جاء فی هذا الخبر

ص :148

فقال أصل هذا کله محمّد بن الحنفیة ثم ابنه عبد اللّه المکنی أبا هاشم .قلت له أ فکان محمّد بن الحنفیة مخصوصا من أمیر المؤمنین ع بعلم یستأثر به علی أخویه حسن و حسین ع قال لا و لکنهما کتما و أذاع ثمّ قال

1635

1,2,3,6- قَدْ صَحَّتِ الرِّوَایَةُ عِنْدَنَا عَنْ أَسْلاَفِنَا وَ عَنْ غَیْرِهِمْ مِنْ أَرْبَابِ الْحَدِیثِ أَنَّ عَلِیّاً ع لَمَّا قُبِضَ أَتَی مُحَمَّدٌ ابْنُهُ أَخَوَیْهِ حَسَناً وَ حُسَیْناً ع فَقَالَ لَهُمَا أَعْطِیَانِی مِیرَاثِی مِنْ أَبِی فَقَالاَ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ أَبَاکَ لَمْ یَتْرُکْ صَفْرَاءَ وَ لاَ بَیْضَاءَ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتُ ذَلِکَ وَ لَیْسَ مِیرَاثَ الْمَالِ أَطْلُبُ إِنَّمَا أَطْلُبُ مِیرَاثَ الْعِلْمِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی فَرَوَی أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ عَمَّنْ یَرْوِی لَهُ ذَلِکَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع قَالَ فَدَفَعَا إِلَیْهِ صَحِیفَةً لَوْ أَطْلَعَاهُ عَلَی أَکْثَرَ مِنْهَا لَهَلَکَ فِیهَا ذِکْرُ دَوْلَةِ بَنِی الْعَبَّاسِ

.

1636

1- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَدْ رَوَی أَبُو الْحَسَنِ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی عِیسَی بْنُ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ لَمَّا أَرَدْنَا الْهَرَبَ مِنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ لَمَّا قُبِضَ عَلَی إِبْرَاهِیمَ الْإِمَامِ جَعَلَنَا نُسْخَةَ الصَّحِیفَةِ الَّتِی دَفَعَهَا أَبُو هَاشِمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِیَّةِ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ هِیَ الَّتِی کَانَ آبَاؤُنَا یُسَمُّونَهَا صَحِیفَةَ الدَّوْلَةِ فِی صُنْدُوقٍ مِنْ نُحَاسٍ صَغِیرٍ ثُمَّ دَفَنَّاهُ تَحْتَ زَیْتُونَاتٍ بِالشُّرَاةِ (1) لَمْ یَکُنْ بِالشُّرَاةِ مِنَ الزَّیْتُونِ غَیْرُهُنَّ فَلَمَّا أَفْضَی السُّلْطَانُ إِلَیْنَا وَ مَلَکْنَا الْأَمْرَ أَرْسَلْنَا إِلَی ذَلِکَ الْمَوْضِعِ فَبَحَثَ وَ حَفَرَ فَلَمْ یُوجَدْ فِیهِ شَیْءٌ فَأَمَرْنَا بِحَفْرِ جَرِیبٍ مِنَ الْأَرْضِ فِی ذَلِکَ الْمَوْضِعِ حَتَّی بَلَغَ الْحَفْرُ الْمَاءَ وَ لَمْ نَجِدْ شَیْئاً.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَدْ کَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ صَرَّحَ بِالْأَمْرِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ عَرَّفَهُ تَفْصِیلَهُ وَ لَمْ یَکُنْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع قَدْ فَصَّلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْأَمْرَ وَ إِنَّمَا أَخْبَرَهُ بِهِ

ص :149

مُجْمَلاً کَقَوْلِهِ فِی هَذَا الْخَبَرِ خُذْ إِلَیْکَ أَبَا الْأَمْلاَکِ وَ نَحْوَ ذَلِکَ مِمَّا کَانَ یَعْرِضُ لَهُ بِهِ وَ لَکِنِ الَّذِی کَشَفَ الْقِنَاعَ وَ أَبْرَزَ الْمَسْتُورَ عَلَیْهِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ .وَ کَذَلِکَ أَیْضاً مَا وَصَلَ إِلَی بَنِی أُمَیَّةَ مِنْ عِلْمِ هَذَا الْأَمْرِ فَإِنَّهُ وَصَلَ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِیَّةِ وَ أَطْلَعَهُمْ عَلَی السِّرِّ الَّذِی عَلِمَهُ وَ لَکِنْ لَمْ یَکْشِفْ لَهُمْ کَشْفَهُ لِبَنِی الْعَبَّاسِ فَإِنَّ کَشْفَهُ الْأَمْرَ لِبَنِی الْعَبَّاسِ کَانَ أَکْمَلَ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَمَّا أَبُو هَاشِمٍ فَإِنَّهُ قَدْ کَانَ أَفْضَی بِالْأَمْرِ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ أَطْلَعَهُ عَلَیْهِ وَ أَوْضَحَهُ لَهُ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عَقِیبَ انْصِرَافِهِ مِنْ عِنْدِ اَلْوَلِیدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ مَرَّ بِالشُّرَاةِ وَ هُوَ مَرِیضٌ وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ بِهَا فَدَفَعَ إِلَیْهِ کُتُبَهُ وَ جَعَلَهُ وَصِیَّهُ وَ أَمَرَ اَلشِّیعَةَ بِالاِخْتِلاَفِ إِلَیْهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ حَضَرَ وَفَاةَ أَبِی هَاشِمٍ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ هَذَا وَ مُعَاوِیَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمَّا مَاتَ خَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ مِنْ عِنْدِهِ وَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا یَدَّعِی وِصَایَتَهُ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ فَلَمْ یَقُلْ شَیْئاً.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی وَ صَدَقَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ أَنَّهُ إِلَیْهِ أَوْصَی أَبُو هَاشِمٍ وَ إِلَیْهِ دَفَعَ کِتَابَ الدَّوْلَةِ وَ کَذَبَ مُعَاوِیَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ لَکِنَّهُ قَرَأَ الْکِتَابَ فَوَجَدَ لَهُمْ فِیهِ ذِکْراً یَسِیراً فَادَّعَی الْوَصِیَّةَ بِذَلِکَ فَمَاتَ وَ خَرَجَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِیَةَ یَدَّعِی وِصَایَةَ أَبِیهِ وَ یَدَّعِی لِأَبِیهِ وِصَایَةَ أَبِی هَاشِمٍ وَ یُظْهِرُ الْإِنْکَارَ عَلَی بَنِی أُمَیَّةَ وَ کَانَ لَهُ فِی ذَلِکَ شِیعَةٌ یَقُولُونَ بِإِمَامَتِهِ سِرّاً حَتَّی قُتِلَ

.

دخلت إحدی نساء بنی أمیّة علی سلیمان بن علی و هو یقتل بنی أمیّة بالبصرة

ص :150

فقالت أیها الأمیر إن العدل لیمل من الإکثار منه و الإسراف فیه فکیف لا تمل أنت من الجور و قطیعة الرحم فأطرق ثمّ قال لها سننتم علینا القتل لا تنکرونه فذوقوا کما ذقنا علی سالف الدهر ثم قال یا أمة اللّه و أول راض سنة من یسیرها (1) .

أ لم تحاربوا علیا و تدفعوا حقه أ لم تسموا حسنا و تنقضوا شرطه أ لم تقتلوا حسینا و تسیروا رأسه أ لم تقتلوا زیدا و تصلبوا جسده أ لم تقتلوا یحیی و تمثلوا به أ لم تلعنوا علیا علی منابرکم أ لم تضربوا أبانا علی بن عبد اللّه بسیاطکم أ لم تخنقوا الإمام بجراب النورة فی حبسکم ثمّ قال أ لک حاجة قالت قبض عمالک أموالی فأمر برد أموالها علیها.

لما سار مروان إلی الزاب حفر خندقا فسار إلیه أبو عون عبد اللّه بن یزید الأزدی و کان قحطبة بن شبیب قد وجهه و أمد أبو سلمة الخلال بأمداد کثیرة فکان بإزاء مروان ثم إن أبا العبّاس السفاح قال لأهله و هو بالکوفة حینئذ من یسیر إلی مروان من أهل بیتی و له ولایة العهد إن قتله فقال عبد اللّه عمه أنا قال سر علی برکة اللّه فسار فقدم علی أبی عون فتحول له أبو عون عن سرادقه و خلاه له بما فیه ثمّ سأل عبد اللّه عن مخاضة فی الزاب فدل علیها فأمر قائدا من قواده فعبرها فی خمسة آلاف فانتهی إلی عسکر مروان فقاتلهم حتّی أمسوا و تحاجزوا و رجع القائد بأصحابه فعبر المخاضة إلی عسکر عبد اللّه بن علی و أصبح مروان فعقد جسرا و عبر بالجیش کله إلی

ص :151

عبد اللّه بن علی فکان ابنه عبد اللّه بن مروان فی مقدّمته و علی المیمنة الولید بن معاویة بن عبد الملک بن مروان و علی المیسرة عبد العزیز بن عمر بن عبد العزیز بن مروان و عبأ عبد اللّه بن علی جیشه و تراءی الجمعان فقال مروان لعبد العزیز بن عمر انظر فإن زالت الشمس الیوم و لم یقاتلونا کنا نحن الذین ندفعها إلی عیسی بن مریم و إن قاتلونا قبل الزوال ف إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَیْهِ رٰاجِعُونَ ثم أرسل إلی عبد اللّه بن علی یسأله الکف عن القتال نهار ذلک الیوم فقال عبد اللّه کذب ابن زربی إنّما یرید المدافعة إلی الزوال لا و اللّه لا تزول الشمس حتّی أوطئه الخیل إن شاء اللّه ثمّ حرک أصحابه للقتال فنادی مروان فی أهل الشام لا تبدءوهم بالحرب فلم یسمع الولید بن معاویة منه و حمل علی میسرة عبد اللّه بن علی فغضب مروان و شتمه فلم یسمع له و اضطرمت الحرب فأمر عبد اللّه الرماة أن ینزلوا و نادی الأرض الأرض فنزل الناس و رمت الرماة و أشرعت الرماح و جثوا علی الرکب فاشتد القتال فقال مروان لقضاعة انزلوا قالوا حتّی تنزل کندة فقال لکندة انزلوا فقالوا حتّی تنزل السکاسک فقال لبنی سلیم انزلوا فقالوا حتّی تنزل عامر فقال لتمیم احملوا فقالوا حتّی تحمل بنو أسد فقال لهوازن احملوا قالوا حتّی تحمل غطفان فقال لصاحب شرطته احمل ویلک قال ما کنت لأجعل نفسی غرضا قال أما و اللّه لأسوأنک قال وددت أن أمیر المؤمنین یقدر علی ذلک فانهزم عسکر مروان و انهزم مروان معهم و قطع الجسر فکان من هلک غرقا أکثر ممن هلک تحت السیف و احتوی عبد اللّه بن علی علی عسکر مروان بما فیه و کتب إلی أبی العبّاس یخبره الواقعة.

کان مروان سدید الرأی میمون النقیبة حازما فلما ظهرت المسودة و لقیهم کان

ص :152

ما یدبر أمرا إلاّ کان فیه خلل و لقد وقف یوم الزاب و أمر بالأموال فأخرجت و قال للناس اصبروا و قاتلوا و هذه الأموال لکم فجعل ناس یصیبون من ذلک المال و یشتغلون به عن الحرب فقال لابنه عبد اللّه سر فی أصحابک فامنع من یتعرض لأخذ المال فمال عبد اللّه برایته و معه أصحابه فتنادی الناس الهزیمة الهزیمة فانهزموا و رکب أصحاب عبد اللّه بن علی أکتافهم.

لما قتل مروان ببوصیر قال الحسن بن قحطبة أخرجوا إلی إحدی بنات مروان فأخرجوها إلیه و هی ترعد قال لا بأس علیک قالت و أی بأس أعظم من إخراجک إیای حاسرة و لم أر رجلا قبلک قط فأجلسها و وضع رأس مروان فی حجرها فصرخت و اضطربت فقیل له ما أردت بهذا قال فعلت بهم فعلهم بزید بن علی لما قتلوه جعلوا رأسه فی حجر زینب بنت علیّ بن الحسین ع .دخلت زوجة مروان بن محمّد و هی عجوز کبیرة علی الخیزران فی خلافة المهدیّ و عندها زینب بنت سلیمان بن علی فقالت لها زینب الحمد لله الذی أزال نعمتک و صیرک عبرة أ تذکرین یا عدوة اللّه حین أتاک نساؤنا یسألنک أن تکلمی صاحبک فی أمر إبراهیم بن محمّد فلقیتهن ذلک اللقاء و أخرجتهن ذلک الإخراج فضحکت و قالت أی بنت عمی و أی شیء أعجبک من حسن صنیع اللّه بی عقیب ذلک حتّی أردت أن تتأسی بی فیه ثمّ ولت خارجة.

بویع أبو العبّاس السفاح بالخلافة یوم الجمعة لثلاث عشرة لیلة خلون من شهر ربیع

ص :153

الأول سنة اثنتین و ثلاثین و مائة فصعد المنبر بالکوفة فخطب فقال الحمد لله الذی اصطفی الإسلام لنفسه و کرمه و شرفه و عظمه و اختاره لنا و أیده بنا و جعلنا أهله و کهفه و حصنه و القوام به و الذابین عنه و الناصرین له و خصنا برحم رسول اللّه ص و أنبتنا من شجرته و اشتقنا من نبعته و أنزل بذلک کتابا یتلی فقال سبحانه قُلْ لاٰ أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبیٰ (1) فلما قبض رسول اللّه ص قام بالأمر أصحابه وَ أَمْرُهُمْ شُوریٰ بَیْنَهُمْ (2) فعدلوا و خرجوا خماصا (3) ثمّ وثب بنو حرب و بنو مروان فابتزوها و تداولوها و استأثروا بها و ظلموا أهلها فأملی اللّه لهم حینا فلما آسفوه (4) انتقم منهم بأیدینا و ردّ علینا حقنا فأنا السفاح المبیح و الثائر المبیر (5) .

و کان موعوکا فاشتدت علیه الوعکة فجلس علی المنبر و لم یستطع الکلام فقام عمه داود بن علی و کان بین یدیه فقال یا أهل العراق إنا و اللّه ما خرجنا لنحفر نهرا و لا لنکنز لجینا و لا عقیانا و إنّما أخرجتنا الأنفة من ابتزاز الظالمین حقنا و لقد کانت أمورکم تتصل بنا فترمضنا و نحن علی فرشنا لکم ذمّة اللّه و ذمّة رسوله و ذمّة العبّاس أن نحکم فیکم بما أنزل اللّه و نعمل فیکم بکتاب اللّه و نسیر فیکم بسنة رسول اللّه ص و اعلموا أن هذا الأمر لیس بخارج عنا حتّی نسلمه إلی عیسی بن مریم .

ص :154

یا أهل الکوفة إنّه لم یخطب علی منبرکم هذا خلیفة حقّ إلاّ علیّ بن أبی طالب و أمیر المؤمنین هذا فأحمد اللّه الذی ردّ إلیکم أمورکم ثمّ نزل.

و قد روی حدیث خطبة داود بن علی بروایة أخری و هی الأشهر قالوا لما صعد أبو العبّاس منبر الکوفة حصر فلم یتکلم فقام داود بن علی و کان تحت منبره حتّی قام بین یدیه تحته بمرقاة فاستقبل الناس و قال أیها الناس-إن أمیر المؤمنین یکره أن یتقدم قوله فعله و لأثر الفعال أجدی علیکم من تشقیق المقال و حسبکم کتاب اللّه تمثلا فیکم و ابن عم رسول اللّه ص خلیفة علیکم أقسم بالله قسما برا ما قام هذا المقام أحد بعد رسول اللّه ص أحق به من علیّ بن أبی طالب و أمیر المؤمنین هذا فلیهمس هامسکم و لینطق ناطقکم ثمّ نزل.

و من خطب داود التی خطب بها بعد قتل مروان شکرا شکرا أ ظنّ عدو اللّه أن لن یظفر به أرخی له فی زمامه حتّی عثر فی فضل خطامه فالآن عاد الحق إلی نصابه و طلعت الشمس من مطلعها و أخذ القوس باریها و صار الأمر إلی النزعة (1) و رجع الحق إلی مستقره أهل بیت نبیکم أهل الرأفة و الرحمة.

و خطب عیسی بن علیّ بن عبد اللّه بن العبّاس لما قتل مروان فقال الحمد لله الذی لا یفوته من طلب و لا یعجزه من هرب خدعت و اللّه الأشقر نفسه إذ ظنّ أن اللّه ممهله وَ یَأْبَی اللّٰهُ إِلاّٰ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ اَلْکٰافِرُونَ فحتی متی و إلی متی

ص :155

أما و اللّه لقد کرهتهم العیدان (1) التی افترعوها و أمسکت السماء درها (2) و الأرض ریعها (3) و قحل (4) الضرع و جفز (5) الفنیق و أسمل (6) جلباب الدین و أبطلت الحدود و أهدرت الدماء و کان ربک بالمرصاد فَدَمْدَمَ (7) عَلَیْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّٰاهٰا وَ لاٰ یَخٰافُ عُقْبٰاهٰا و ملکنا اللّه أمرکم عباد اللّه لینظر کیف تعملون فالشکر الشکر فإنّه من دواعی المزید أعاذنا اللّه و إیّاکم من مضلات الأهواء و بغتات الفتن فإنما نحن به و له.

لما أمعن داود بن علی فی قتل بنی أمیّة بالحجاز قال له عبد اللّه بن الحسن ع یا ابن عمی إذا أفرطت فی قتل أکفائک فمن تباهی بسلطانک و ما یکفیک منهم أن یروک غادیا و رائحا فیما یسرک و یسوءهم کان داود بن علی یمثل ببنی أمیّة یسمل العیون و یبقر البطون و یجدع الأنوف و یصطلم الآذان کان عبد اللّه بن علی بنهر أبی فطرس یصلبهم منکسین و یسقیهم النورة و الصبر و الرماد و الخل و یقطع الأیدی و الأرجل و کان سلیمان بن علی بالبصرة یضرب الأعناق.

خطب السفاح فی الجمعة الثانیة بالکوفة فقال

ص :156

یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و اللّه لا أعدکم شیئا و لا أتوعدکم إلاّ وفیت بالوعد و الوعید و لأعملن اللین حتّی لا تنفع إلاّ الشدة و لأغمدن السیف إلاّ فی إقامة حدّ أو بلوغ حقّ و لأعطینکم حتّی أری العطیة ضیاعا إن أهل بیت اللعنة وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی اَلْقُرْآنِ کانوا لکم أعداء لا یرجعون معکم من حالة إلاّ إلی ما هو أشدّ منها و لا یلی علیکم منهم وال إلاّ تمنیتم من کان قبله و إن کان لا خیر فی جمیعهم منعوکم الصلاة فی أوقاتها و طالبوکم بأدائها فی غیر وقتها و أخذوا المدبر بالمقبل و الجار بالجار و سلطوا شرارکم علی خیارکم فقد محق اللّه جورهم و أزهق باطلهم بأهل بیت نبیکم فما نؤخر لکم عطاء و لا نضیع لأحد منکم حقا و لا نجهزکم فی بعث و لا نخاطر بکم فی قتال و لا نبذلکم دون أنفسنا وَ اللّٰهُ عَلیٰ مٰا نَقُولُ وَکِیلٌ بالوفاء و الاجتهاد و علیکم بالسمع و الطاعة.

ثمّ نزل.

کان یقال لو ذهبت دولة بنی أمیّة علی ید غیر مروان بن محمّد لقیل لو کان لها مروان لما ذهبت.

کان یقال إن دولة بنی أمیّة آخرها خلیفة أمه أمة فلذلک کانوا لا یعهدون إلی بنی الإماء منهم و لو عهدوا إلی ابن أمة لکان مسلمة بن عبد الملک أولاهم بها و کان انقراض أمرهم علی ید مروان و أمه أمة کانت لمصعب بن الزبیر وهبها من إبراهیم بن الأشتر فأصابها محمّد بن مروان یوم قتل ابن الأشتر فأخذها من ثقله فقیل إنها کانت حاملا بمروان فولدته علی فراش محمّد بن مروان و لذلک کان أهل خراسان ینادونه فی الحرب یا ابن الأشتر . قیل أیضا إنها کانت حاملا به من مصعب بن الزبیر و إنّه لم تطل مدتها عند

ص :157

إبراهیم بن الأشتر حتی قتل فوضعت حملها علی فراش محمّد بن مروان و لذلک کانت المسودة تصیح به فی الحرب یا ابن مصعب ثم یقولون یا ابن الأشتر فیقول ما أبالی أی الفحلین غلب علی لما بویع أبو العبّاس جاءه ابن عیّاش المنتوف فقبل یده و بایعه و قال الحمد لله الذی أبدلنا بحمار الجزیرة و ابن أمة النخع ابن عم رسول اللّه ص و ابن عبد المطلب .لما صعد السفاح منبر الکوفة یوم بیعته و خطب الناس قام إلیه السیّد الحمیری فأنشده دونکموها یا بنی هاشم

قال داود بن علی لإسماعیل بن عمرو بن سعید بن العاص بعد قتله من قتل من بنی

ص :158

أمیة هل علمت ما فعلت بأصحابک قال نعم کانوا یدا فقطعتها و عضدا ففتت (1) فیها و مرة (2) فنقضتها و جناحا فحصصتها (3) قال إنّی لخلیق أن ألحقک فیهم قال إنّی إذا لسعید.

لما استوثق الأمر لأبی العبّاس السفاح وفد إلیه عشرة من أمراء الشام فحلفوا له بالله و بطلاق نسائهم و بأیمان البیعة بأنهم لا یعلمون إلی أن قتل مروان أن لرسول اللّه ص أهلا و لا قرابة إلاّ بنی أمیّة .

1637

وَ رَوَی أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی رَجُلٌ قَالَ کُنْتُ بِالشَّامِ فَجَعَلْتُ لاَ أَسْمَعُ أَحَداً یُسَمِّی أَحَداً أَوْ یُنَادِیهِ یَا عَلِیُّ أَوْ یَا حَسَنُ أَوْ یَا حُسَیْنُ وَ إِنَّمَا أَسْمَعُ مُعَاوِیَةَ وَ اَلْوَلِیدَ وَ یَزِیدَ حَتَّی مَرَرْتُ بِرَجُلٍ فَاسْتَسْقَیْتُهُ مَاءً فَجَعَلَ یُنَادِی یَا عَلِیُّ یَا حَسَنُ یَا حُسَیْنُ فَقُلْتُ یَا هَذَا إِنَّ أَهْلَ اَلشَّامِ لاَ یُسَمَّوْنَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءَ قَالَ صَدَقْتَ إِنَّهُمْ یُسَمُّونَ أَبْنَاءَهُمْ بِأَسْمَاءِ الْخُلَفَاءِ فَإِذَا لَعَنَ أَحَدُهُمْ وَلَدَهُ أَوْ شَتَمَهُ فَقَدْ لَعَنَ اسْمَ بَعْدِ الْخُلَفَاءِ وَ أَنَا سَمَّیْتُ أَوْلاَدِی بِأَسْمَاءِ أَعْدَاءِ اللَّهِ فَإِذَا شَتَمْتُ أَحَدَهُمْ أَوْ لَعَنْتُهُ فَإِنَّمَا أَلْعَنُ أَعْدَاءَ اللَّهِ.

کانت أم إبراهیم بن موسی بن عیسی بن موسی بن محمّد بن علیّ بن عبد اللّه بن العبّاس أمویة من ولد عثمان بن عفان .قال إبراهیم فدخلت علی جدی عیسی بن موسی مع أبی موسی فقال لی جدی أ تحب بنی أمیّة فقال له موسی أبی نعم إنهم أخواله فقال و اللّه لو رأیت جدک

ص :159

علی بن عبد اللّه بن العبّاس یضرب بالسیاط ما أحببتهم و لو رأیت إبراهیم بن محمّد یکره علی إدخال رأسه فی جراب النورة(1) لما أحببتهم و سأحدثک حدیثا إن شاء اللّه أن ینفعک به نفعک لما وجه سلیمان بن عبد الملک ابنه أیوب بن سلیمان إلی الطائف وجه معه جماعة فکنت أنا و عن محمّد بن علیّ بن عبد اللّه جدی معهم و أنا حینئذ حدیث السن و کان مع أیوب مؤدب له یؤدبه فدخلنا علیه یوما أنا و جدی و ذلک المؤدّب یضربه فلما رآنا الغلام أقبل علی مؤدبه فضربه فنظر بعضنا إلی بعض و قلنا ما له قاتله اللّه حین رآنا کره أن نشمت به ثمّ التفت أیوب إلینا فقال أ لا أخبرکم یا بنی هاشم بأعقلکم و أعقلنا أعقلنا من نشأ منا یبغضکم و أعقلکم من نشأ منکم یبغضنا و علامة ذلک أنکم لم تسموا بمروان و لا الولید و لا عبد الملک و لم نسم نحن بعلی و لا بحسن و لا بحسین .لما انتهی عامر بن إسماعیل و کان صالح بن علی قد أنفذه لطلب مروان إلی بوصیر مصر هرب مروان بین یدیه فی نفر یسیر من أهله و أصحابه و لم یکن قد تخلف معه کثیر عدد فانتهوا فی غبش الصبح إلی قنطرة هناک علی نهر عمیق لیس للخیل عبور إلاّ علی تلک القنطرة و عامر بن إسماعیل من ورائهم فصادف مروان علی تلک القنطرة بغالا قد استقبلته تعبر القنطرة و علیها زقاق عسل فحبسته عن العبور حتّی أدرکه عامر بن إسماعیل و رهقه فلوی مروان دابته إلیهم و حارب فقتل فلما بلغ صالح بن علی ذلک قال إن لله جنودا من عسل.

لما نقف رأس مروان و نفض مخه قطع لسانه و ألقی مع لحم عنقه فجاء کلب فأخذ اللسان فقال قائل

ص :160

إن من عبر الدنیا أن رأینا لسان مروان فی فم کلب.

خطب أبو مسلم بالمدینة فی السنة التی حج فیها فی خلافة السفاح فقال الحمد لله الذی حمد نفسه و اختار الإسلام دینا لعباده ثمّ أوحی إلی محمد رسول اللّه ص من ذلک ما أوحی و اختاره من خلقه نفسه من أنفسهم و بیته من بیوتهم ثمّ أنزل علیه فی کتابه الناطق الذی حفظه بعلمه و أشهد ملائکته علی حقه قوله إِنَّمٰا یُرِیدُ اللّٰهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً (1) ثم جعل الحق بعد محمد ع فی أهل بیته فصبر من صبر منهم بعد وفاة رسول اللّه ص علی اللأواء و الشدة و أغضی علی الاستبداد و الأثرة ثمّ إن قوما من أهل بیت الرسول ص جاهدوا علی ملة نبیه و سنته بعد عصر من الزمان من عمل بطاعة الشیطان و عداوة الرحمن بین ظهرانی قوم آثروا العاجل علی الآجل و الفانی علی الباقی إن رتق جور فتقوه أو فتق حقّ رتقوه أهل خمور و ماخور و طنابیر (2) و مزامیر إن ذکروا لم یذکروا أو قدموا إلی الحق أدبروا و جعلوا الصدقات فی الشبهات و المغانم فی المحارم و الفیء فی الغی هکذا کان زمانهم و به کان یعمل سلطانهم و زعموا أن غیر آل محمد أولی بالأمر منهم فلم و بم أیها الناس أ لکم الفضل بالصحابة دون ذوی القرابة الشرکاء فی النسب و الورثة فی السلب (3) مع ضربهم علی الدین جاهلکم و إطعامهم فی الجدب جائعکم و اللّه ما اخترتم من حیث اختار اللّه لنفسه ساعة قط و ما زلتم بعد نبیه تختارون تیمیا مرة و عدویا مرة و أمویا مرة و أسدیا مرة و سفیانیا مرة و مروانیا مرة

ص :161

حتی جاءکم من لا تعرفون اسمه و لا بیته یضربکم بسیفه فأعطیتموها عنوة و أنتم صاغرون ألا إن آل محمد أئمة الهدی و منار سبیل التقی القادة الذادة السادة بنو عم رسول اللّه و منزل جبریل بالتنزیل کم قصم اللّه بهم (1) من جبار طاغ و فاسق باغ شید اللّه بهم الهدی و جلا بهم العمی لم یسمع بمثل العبّاس و کیف لا تخضع له الأمم لواجب حقّ الحرمة أبو رسول اللّه بعد أبیه و إحدی یدیه و جلده بین عینیه أمینه یوم العقبة و ناصره بمکّة و رسوله إلی أهلها و حامیه یوم حنین عند ملتقی الفئتین لا یخالف له رسما و لا یعصی له حکما الشافع یوم نیق (2) العقاب إلی رسول اللّه فی الأحزاب ها إن فی هذا أیها الناس لَعِبْرَةً لِأُولِی الْأَبْصٰارِ (3) .

قلت الأسدی عبد اللّه بن الزبیر و من لا یعرفون اسمه و لا بیته یعنی نفسه لأنّه لم یکن معلوم النسب و قد اختلف فیه هل هو مولی أم عربی.

و یوم العقبة یوم مبایعة الأنصار السبعین لرسول اللّه ص بمکّة و یوم نیق العقاب یوم فتح مکّة شفع العبّاس ذلک الیوم فی أبی سفیان و فی أهل مکّة فعفا النبیّ ص عنهم.

اجتمع عند المنصور أیام خلافته جماعة من ولد أبیه منهم عیسی بن موسی و العبّاس بن محمّد و غیرهما فتذاکروا خلفاء بنی أمیّة و السبب الذی به سلبوا عزهم فقال المنصور کان عبد الملک جبارا لا یبالی ما صنع و کان الولید لحانا مجنونا و کان سلیمان همته بطنه و فرجه و کان عمر أعور بین عمیان و کان هشام رجل القوم و لم یزل بنو أمیّة ضابطین لما مهد لهم من السلطان یحوطونه و یصونونه و یحفظونه و یحرسون ما وهب اللّه لهم منه مع تسنمهم معالی الأمور و رفضهم أدانیها حتّی أفضی أمرهم إلی أحداث مترفین من أبنائهم فغمطوا النعمة و لم یشکروا العافیة و أساءوا الرعایة فابتدأت النقمة منهم

ص :162

باستدراج اللّه إیاهم آمنین مکره مطرحین صیانة الخلافة مستخفین بحق الرئاسة ضعیفین عن رسوم السیاسة فسلبهم اللّه العزة و ألبسهم الذلة و أزال عنهم النعمة.

سأل المنصور لیلة عن عبد اللّه بن مروان بن محمّد فقال له الربیع إنّه فی سجن أمیر المؤمنین حیا فقال المنصور قد کان بلغنی کلام خاطبه به ملک النوبة لما قدم دیاره و أنا أحبّ أن أسمعه من فیه فلیؤمر بإحضاره فأحضر فلما دخل خاطب المنصور بالخلافة فأمره المنصور بالجلوس فجلس و للقید فی رجلیه خشخشة قال أحبّ أن تسمعنی کلاما قاله لک ملک النوبة حیث غشیت بلاده قال نعم قدمت إلی بلد النوبة فأقمت أیاما فاتصل خبرنا بالملک فأرسل إلینا فرشا و بسطا و طعاما کثیرا و أفرد لنا منازل واسعة ثمّ جاءنی و معه خمسون من أصحابه بأیدیهم الحراب فقمت إلیه فاستقبلته و تنحیت له عن صدر المجلس فلم یجلس فیه و قعد علی الأرض فقلت له ما منعک من القعود علی الفرش قال إنّی ملک و حقّ الملک أن یتواضع لله و لعظمته إذا رأی نعمه متجددة عنده و لما رأیت تجدد نعمة اللّه عندی بقصدکم بلادی و استجارتکم بی بعد عزکم و ملککم قابلت هذه النعمة بما تری من الخضوع و التواضع ثمّ سکت و سکت فلبثنا ما شاء اللّه لا یتکلم و لا أتکلم و أصحابه قیام بالحراب علی رأسه ثمّ قال لی لما ذا شربتم الخمر و هی محرمة علیکم فی کتابکم فقلت اجترأ علی ذلک عبیدنا بجهلهم قال فلم وطئتم الزروع بدوابکم و الفساد محرم علیکم فی کتابکم و دینکم (1) قلت فعل ذلک أتباعنا و عمالنا جهلا منهم قال فلم لبستم الحریر و الدیباج و الذهب و هو محرم علیکم فی کتابکم و دینکم قلت استعنا فی أعمالنا بقوم من

ص :163

أبناء العجم کتاب دخلوا فی دیننا فلبسوا ذلک اتباعا لسنة سلفهم علی کره منا فأطرق ملیا إلی الأرض یقلب یده و ینکت الأرض ثمّ قال عبیدنا و أتباعنا و عمالنا و کتابنا ما الأمر کما ذکرت و لکنکم قوم استحللتم ما حرم اللّه علیکم و رکبتم ما عنه نهیتم و ظلمتم فیما ملکتم فسلبکم اللّه العز و ألبسکم الذل و إن له سبحانه فیکم لنقمة لم تبلغ غایتها بعد و أنا خائف أن یحل بکم العذاب و أنتم بأرضی فینالنی معکم و الضیافة ثلاث فاطلبوا ما احتجتم إلیه و ارتحلوا عن أرضی.

فأخذنا منه ما تزودنا به و ارتحلنا عن بلده فعجب المنصور لذلک و أمر بإعادته إلی الحبس.

و قد جاءنا فی بعض الروایات أن السفاح لما أراد أن یقتل القوم الذین انضموا إلیه من بنی أمیّة جلس یوما علی سریر بهاشمیة الکوفة (1) و جاء بنو أمیّة و غیرهم من بنی هاشم و القواد و الکتاب فأجلسهم فی دار تتصل بداره و بینه و بینهم ستر مسدول ثمّ أخرج إلیهم أبا الجهم بن عطیة و بیده کتاب ملصق فنادی بحیث یسمعون أین رسول الحسین بن علیّ بن أبی طالب ع فلم یتکلم أحد فدخل ثمّ خرج ثانیة فنادی أین رسول زید بن علیّ بن الحسین فلم یجبه أحد فدخل ثمّ خرج ثالثة فنادی أین رسول یحیی بن زید بن علی فلم یرد أحد علیه فدخل ثمّ خرج رابعة فنادی أین رسول إبراهیم بن محمّد الإمام و القوم ینظر بعضهم إلی بعض و قد أیقنوا بالشر ثمّ دخل و خرج فقال لهم إن أمیر المؤمنین یقول لکم هؤلاء أهلی و لحمی فما ذا صنعتم بهم ردوهم إلی أو فأقیدونی من أنفسکم فلم ینطقوا بحرف و خرجت الخراسانیة بالأعمدة فشدخوهم عن آخرهم.

ص :164

قلت و هذا المعنی مأخوذ من قول الفضل بن عبد الرحمن بن العبّاس بن ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب لما قتل زید بن علی ع فی سنة اثنتین و عشرین و مائة فی خلافة هشام بن عبد الملک و ذلک أن هشاما کتب إلی عامله بالبصرة و هو القاسم بن محمّد الثقفی أن یشخص کل من بالعراق من بنی هاشم إلی المدینة خوفا من خروجهم و کتب إلی عامل المدینة أن یحبس قوما منهم و أن یعرضهم فی کل أسبوع مرة و یقیم لهم الکفلاء علی ألا یخرجوا منها فقال الفضل بن عبد الرحمن من قصیدة له طویلة کلما حدثوا بأرض نقیقا

ص :165

لیت شعری هل توجفن بی الخیل

ص :166

أَلاَ إِنَّ أَبْصَرَ الْأَبْصَارِ مَا نَفَذَ فِی الْخَیْرِ طَرْفُهُ أَلاَ إِنَّ أَسْمَعَ الْأَسْمَاعِ مَا وَعَی التَّذْکِیرَ وَ قَبِلَهُ أَیُّهَا النَّاسُ اسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاحٍ وَاعِظٍ مُتَّعِظٍ وَ امْتَاحُوا مِنْ [صَفِیِّ]

صَفْوِ عَیْنٍ قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ الْکَدَرِ عِبَادَ اللَّهِ لاَ تَرْکَنُوا إِلَی جَهَالَتِکُمْ وَ لاَ تَنْقَادُوا [إِلَی أَهْوَائِکُمْ]

لِأَهْوَائِکُمْ فَإِنَّ النَّازِلَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِ شَفٰا جُرُفٍ هٰارٍ یَنْقُلُ الرَّدَی عَلَی ظَهْرِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَی مَوْضِعٍ لِرَأْیٍ یُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْیٍ یُرِیدُ أَنْ یُلْصِقَ مَا لاَ یَلْتَصِقُ وَ یُقَرِّبَ مَا لاَ یَتَقَارَبُ فَاللَّهَ اللَّهَ أَنْ تَشْکُوا إِلَی مَنْ لاَ یُشْکِی شَجْوَکُمْ وَ لاَ یَنْقُضُ بِرَأْیِهِ مَا قَدْ أَبْرَمَ لَکُمْ إِنَّهُ لَیْسَ عَلَی الْإِمَامِ إِلاَّ مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ الْإِبْلاَغُ فِی الْمَوْعِظَةِ وَ الاِجْتِهَادُ فِی النَّصِیحَةِ وَ الْإِحْیَاءُ لِلسُّنَّةِ وَ إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَی مُسْتَحِقِّیهَا وَ إِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَی أَهْلِهَا فَبَادِرُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِیحِ نَبْتِهِ وَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِکُمْ عَنْ مُسْتَثَارِ الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ وَ انْهَوْا عَنِ الْمُنْکَرِ وَ تَنَاهَوْا عَنْهُ فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالنَّهْیِ بَعْدَ التَّنَاهِی .

هار الجرف یهور هورا و هئورا فهو هائر و قالوا هار خفضوه فی موضع الرفع کقاض و أرادوا هائر و هو مقلوب من الثلاثی إلی الرباعی کما قلبوا شائک السلاح إلی شاکی السلاح و هورته فتهور و أنهار أی انهدم .

ص :167

و أشکیت زیدا أزلت شکایته و الشجو الهم و الحزن.

و صوح النبت أی جف أعلاه قال و لکن البلاد إذا اقشعرت و صوح نبتها رعی الهشیم (1) .

یقول ع أشدّ العیون إدراکا ما نفذ طرفها فی الخیر و أشدّ الأسماع إدراکا ما حفظ الموعظة و قبلها.

ثم أمر الناس أن یستصبحوا أی یسرجوا مصابیحهم من شعلة سراج متعظ فی نفسه واعظ لغیره و روی بالإضافة من شعلة مصباح واعظ بإضافة مصباح إلی واعظ و إنّما جعله متعظا واعظا لأن من لم یتعظ فی نفسه فبعید أن یتعظ به غیره و ذلک لأن القبول لا یحصل منه و الأنفس تکون نافرة عنه و یکون داخلا فی حیز قوله تعالی أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ (2) و فی قول الشاعر لا تنه عن خلق و تأتی مثله (3) .

و عنی بهذا المصباح نفسه ع.

ثم أمرهم أن یمتاحوا من عین صافیة قد انتفی عنها الکدر کما یروق الشراب بالراووق فیزول عنه کدرة و الامتیاح نزول البئر و ملء الدلاء منها و یکنی بهذا أیضا عن نفسه ع.

ص :168

ثم نهاهم عن الانقیاد لأهوائهم و المیل إلی جهالتهم و قال إن من یکون کذلک فإنّه علی جانب جرف متهدم و لفظة هار من الألفاظ القرآنیة (1) .

ثم قال و من یکون کذلک فهو أیضا ینقل الهلاک علی ظهره من موضع إلی موضع لیحدث رأیا فاسدا بعد رأی فاسد أی هو ساع فی ضلال یروم أن یحتج لما لا سبیل إلی إثباته و ینصر مذهبا لا انتصار له.

ثم نهاهم و حذرهم أن یشکوا إلی من لا یزیل شکایتهم و من لا رأی له فی الدین و لا بصیرة لینقض ما قد أبرمه الشیطان فی صدورهم لإغوائهم و یروی إلی من لا یشکی شجوکم و من ینقض برأیه ما قد أبرم لکم و هذه الروایة ألیق أی لا تشکوا إلی من لا یدفع عنکم ما تشکون منه و إنّما ینقض برأیه الفاسد ما قد أبرمه الحق و الشرع لکم.

ثم ذکر أنه لیس علی الإمام إلاّ ما قد أوضحه من الأمور الخمسة.

ثمّ أمرهم بمبادرة أخذ العلم من أهله یعنی نفسه ع قبل أن یموت فیذهب العلم و تصویح النبت کنایة عن ذلک.

ثم قال و قبل أن تشغلوا بالفتن و ما یحدث علیکم من خطوب الدنیا عن استثارة العلم من معدنه و استنباطه من قرارته.

ثم أمرهم بالنهی عن المنکر و أن یتناهوا عنه قبل أن ینهوا عنه و قال إنّما النهی بعد التناهی .

ص :169

و فی هذا الموضع إشکال و ذلک أن لقائل أن یقول النهی عن المنکر واجب علی العدل و الفاسق فکیف قال إنّما أمرتم بالنهی بعد التناهی

1638

وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ اَلْحَسَنَ الْبَصْرِیَّ قَالَ لِلشَّعْبِیِّ هَلاَّ نَهَیْتَ عَنْ کَذَا فَقَالَ یَا أَبَا سَعِیدٍ إِنِّی أَکْرَهُ أَنْ أَقُولَ مَا لاَ أَفْعَلُ قَالَ اَلْحَسَنُ غَفَرَ اللَّهُ لَکَ وَ أَیُّنَا یَقُولُ مَا یَفْعَلُ وَدَّ اَلشَّیْطَانُ لَوْ ظَفِرَ مِنْکُمْ بِهَذِهِ فَلَمْ یَأْمُرْ أَحَدٌ بِمَعْرُوفٍ وَ لَمْ یَنْهَ عَنْ مُنْکَرٍ.

و الجواب أنّه ع لم یرد أن وجود النهی عن المنکر مشروط بانتهاء ذلک الناهی عن المنکر و إنّما أراد أنی لم آمرکم بالنهی عن المنکر إلاّ بعد أن أمرتکم بالانتهاء عن المنکر فالترتیب إنّما هو فی أمره ع لهم بالحالتین المذکورتین لا فی نهیهم و تناهیهم.

فإن قلت فلما ذا قدم أمرهم بالانتهاء علی أمرهم بالنهی قلت لأن إصلاح المرء نفسه أهم من الاعتناء بإصلاحه لغیره

ص :170

علی الاستضاءة إلی آخرها أ لا تری أنّه لو قال و برهانا لمن دخله و نورا لمن خاصم عنه و شاهدا لمن استضاء به لکان قد قرن باللفظة ما لا یناسبها فکان قد خرج عن قانون الخطابة و دخل فی عیب ظاهر و توسم تفرس و الولائج جمع ولیجة و هو المدخل إلی الوادی و غیره .

و الجنة الترس و أبلج المناهج معروف الطریق .

و الحلبة الخیل المجموعة للمسابقة .

و المضمار موضع تضمیر الخیل و زمان تضمیرها و الغایة الرایة المنصوبة و هو هاهنا خرقة تجعل علی قصبة و تنصب فی آخر المدی الذی تنتهی إلیه المسابقة کأنّه ع جعل الإسلام کخیل السباق التی مضمارها کریم و غایتها رفیعة عالیة و حلبتها جامعة حاویة و سبقتها متنافس فیها و فرسانها أشراف .

ثمّ وصفه بصفات أخری فقال التصدیق طریقه و الصالحات أعلامه و و الموت غایته أی إن الدنیا سجن المؤمن و بالموت یخلص من ذلک السجن و یحظی بالسعادة الأبدیة.

قال و الدنیا مضماره کأن الإنسان یجری إلی غایة هی الموت و إنّما جعلها مضمار الإسلام لأن المسلم یقطع دنیاه لا لدنیاه بل لآخرته فالدنیا له کالمضمار للفرس إلی الغایة المعینة .

قال و القیامة حلبته أی ذات حلبته فحذف المضاف کقوله تعالی هُمْ دَرَجٰاتٌ عِنْدَ اللّٰهِ أی ذوو درجات.

ثمّ قال و الجنة سبقته أی جزاء سبقته فحذف أیضا

ص :172

مِنْهَا فِی ذِکْرِ اَلنَّبِیِّ ص حَتَّی أَوْرَی قَبَساً لقَابِسٍ وَ أَنَارَ عَلَماً لِحَابِسٍ فَهُوَ أَمِینُکَ الْمَأْمُونُ وَ شَهِیدُکَ یَوْمَ الدِّینِ وَ بَعِیثُکَ نِعْمَةً وَ رَسُولُکَ بِالْحَقِّ رَحْمَةً اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَهُ مَقْسَماً مِنْ عَدْلِکَ وَ اجْزِهِ مُضَعَّفَاتِ الْخَیْرِ مِنْ فَضْلِکَ اللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَی بِنَاءِ الْبَانِینَ بِنَاءَهُ وَ أَکْرِمْ لَدَیْکَ نُزُلَهُ وَ شَرِّفْ عِنْدَکَ مَنْزِلَهُ وَ آتِهِ الْوَسِیلَةَ وَ أَعْطِهِ السَّنَاءَ وَ الْفَضِیلَةَ وَ احْشُرْنَا فِی زُمْرَتِهِ غَیْرَ خَزَایَا وَ لاَ نَادِمِینَ وَ لاَ نَاکِبِینَ وَ لاَ نَاکِثینَ وَ لاَ ضَالِّینَ وَ لاَ مُضِلِّینَ وَ لاَ مَفْتُونِینَ.

[ قال الرضی رحمه اللّه تعالی و قد مضی هذا الکلام فیما تقدم إلاّ أننا کرّرناه هاهنا لما فی الروایتین من الاختلاف ]

قبسا

منصوب بالمفعولیة أی أوری رسول اللّه ص قبسا و القبس شعلة من النار و القابس طالب الاستصباح منها و الکلام مجاز و المراد الهدایة فی الدین .

و علما منصوب أیضا بالمفعولیة أی و أنا رسول اللّه ص علما.

لحابس

أی نصب لمن قد حبس ناقته ضلالا فهو یخبط لا یدری کیف یهتدی إلی المنهج علما یهتدی به.

ص :173

فإن قلت فهل یجوز أن ینصب قبسا و علما علی أن یکون کل واحد منهما حالا أی حتّی أوری رسول اللّه فی حال کونه قبسا و أنار فی حال کونه علما قلت لم أسمع أوری الزند و إنّما المسموع وری و وری و لم یجئ أوری إلاّ متعدیا أوری زید زنده فإن حمل هاهنا علی المتعدی احتیج إلی حذف المفعول و یصیر تقدیره حتّی أوری رسول اللّه الزند حال کونه قبسا فیکون فیه نوع تکلف و استهجان .

و البعیث المبعوث و مقسما نصیبا و إن جعلته مصدرا جاز .

و النزول طعام الضیف و الوسیلة ما یتقرب به و قد فسر قولهم فی دعاء الأذان اللّهمّ آته الوسیلة بأنها درجة رفیعة فی الجنة و السناء بالمد الشرف و زمرته جماعته.

و خزایا جمع خزیان و هو الخجل المستحیی مثل سکران و سکاری و حیران و حیاری و غیران و غیاری .

و ناکبین أی عادلین عن الطریق و ناکثین أی ناقضین للعهد.

قلت سألت النقیب أبا جعفر رحمه اللّه و کان منصفا بعیدا عن الهوی و العصبیّة عن هذا الموضع فقلت له قد وقفت علی کلام الصحابة و خطبهم فلم أر فیها من یعظم رسول اللّه ص تعظیم هذا الرجل و لا یدعو کدعائه فإنا قد وقفنا من نهج البلاغة و من غیره علی فصول کثیرة مناسبة لهذا الفصل تدلّ علی إجلال عظیم و تبجیل شدید منه لرسول اللّه ص فقال و من أین لغیره من الصحابة کلام مدون یتعلم منه کیفیة ذکرهم للنبی ص و هل وجد لهم إلاّ کلمات مبتدرة لا طائل تحتها ثمّ قال إن علیا ع کان قوی الإیمان برسول اللّه ص و التصدیق له ثابت الیقین قاطعا بالأمر متحققا له و کان

ص :174

مع ذلک یحب رسول اللّه ص لنسبته منه و تربیته له و اختصاصه به من دون أصحابه و بعد فشرفه له لأنهما نفس واحدة فی جسمین الأب واحد و الدار واحدة و الأخلاق متناسبة فإذا عظمه فقد عظم نفسه و إذا دعا إلیه فقد دعا إلی نفسه و لقد کان یود أن تطبق دعوة الإسلام مشارق الأرض و مغاربها لأن جمال ذلک لاحق به و عائد علیه فکیف لا یعظمه و یبجله و یجتهد فی إعلاء کلمته.

فقلت له قد کنت الیوم أنا و جعفر بن مکی الشاعر نتجاذب هذا الحدیث فقال جعفر لم ینصر رسول اللّه ص أحد نصرة أبی طالب و بنیه له أما أبو طالب فکفله و رباه ثمّ حماه من قریش عند إظهار الدعوة بعد إصفاقهم و إطباقهم علی قتله و أمّا ابنه جعفر فهاجر بجماعة من المسلمین إلی أرض الحبشة فنشر دعوته بها و أما علی فإنه أقام عماد الملّة بالمدینة ثم لم یمن أحد من القتل و الهوان و التشرید بما منی به بنو أبی طالب أما جعفر فقتل یوم مؤتة و أما علی فقتل بالکوفة بعد أن شرب نقیع الحنظل و تمنی الموت و لو تأخر قتل ابن ملجم لمات أسفا و کمدا ثمّ قتل ابناه بالسم و السیف و قتل بنوه الباقون مع أخیهم بالطف و حملت نساؤهم علی الأقتاب سبایا إلی الشام و لقیت ذریتهم و أخلافهم بعد ذلک من القتل و الصلب و التشرید فی البلاد و الهوان و الحبس و الضرب ما لا یحیط الوصف بکنهه فأی خیر أصاب هذا البیت من نصرته و محبته و تعظیمه بالقول و الفعل فقال رحمه اللّه و أصاب فیما قال فهلا قلت یَمُنُّونَ عَلَیْکَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاٰ تَمُنُّوا عَلَیَّ إِسْلاٰمَکُمْ بَلِ اللّٰهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَدٰاکُمْ لِلْإِیمٰانِ إِنْ کُنْتُمْ صٰادِقِینَ (1) .

ثمّ قال و هلا قلت له فقد نصرته الأنصار و بذلت مهجها دونه و قتلت بین یدیه فی

ص :175

مواطن کثیرة و خصوصا یوم أحد ثم اهتضموا بعده و استؤثر علیهم و لقوا من المشاق و الشدائد ما یطول شرحه و لو لم یکن إلاّ یوم الحرة فإنه الیوم الذی لم یکن فی العرب مثله و لا أصیب قوم قط بمثل ما أصیب به الأنصار ذلک الیوم ثمّ قال إن اللّه تعالی زوی الدنیا عن صالحی عباده و أهل الإخلاص له لأنّه لم یرها ثمنا لعبادتهم و لا کفؤا لإخلاصهم و أرجأ جزاءهم إلی دار أخری غیر هذه الدار فی مثلها یتنافس المتنافسون مِنْهَا فِی خِطَابِ أَصْحَابِهِ وَ قَدْ بَلَغْتُمْ مِنْ کَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَی لَکُمْ مَنْزِلَةً تُکْرَمُ بِهَا إِمَاؤُکُمْ وَ تُوصَلُ بِهَا جِیرَانُکُمْ وَ یُعَظِّمُکُمْ مَنْ لاَ فَضْلَ لَکُمْ عَلَیْهِ وَ لاَ یَدَ لَکُمْ عِنْدَهُ وَ یَهَابُکُمْ مَنْ لاَ یَخَافُ لَکُمْ سَطْوَةً وَ لاَ لَکُمْ عَلَیْهِ إِمْرَةٌ وَ قَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللَّهِ مَنْقُوضَةً فَلاَ تَغْضَبُونَ وَ أَنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبَائِکُمْ تَأْنَفُونَ وَ کَانَتْ أُمُورُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ تَرِدُ وَ عَنْکُمْ تَصْدُرُ وَ إِلَیْکُمْ تَرْجِعُ فَمَکَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِکُمْ وَ أَلْقَیْتُمْ إِلَیْهِمْ أَزِمَّتَکُمْ وَ أَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللَّهِ فِی أَیْدِیهِمْ یَعْمَلُونَ بِالشُّبُهَاتِ وَ یَسِیرُونَ فِی الشَّهَوَاتِ وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ فَرَّقُوکُمْ تَحْتَ کُلِّ کَوْکَبٍ لَجَمَعَکُمُ اللَّهُ لِشَرِّ یَوْمٍ لَهُمْ .

هذا خطاب لأصحابه الذین أسلموا مدنهم و نواحیهم إلی جیوش معاویة التی کان

ص :176

یغیر بها علی أطراف أعمال علی ع کالأنبار و غیرها ممّا تقدم ذکرنا له قال لهم إن اللّه أکرمکم بالإسلام بعد أن کنتم مجوسا أو عباد أصنام و بلغتم من کرامته إیّاکم بالإسلام منزلة عظیمة أکرم بها إماؤکم و عبیدکم و من کان مظنة المهنة و المذلة .

و وصل بها جیرانکم

أی من التجأ إلیکم من معاهد أو ذمی فإن اللّه تعالی حفظ لهم ذمام المجاورة لکم حتّی عصم دماءهم و أموالهم و صرتم إلی حال یعظمکم بها من لا فضل لکم علیه و لا نعمة لکم عنده کالروم و الحبشة فإنهم عظموا مسلمی العرب لتقمصهم لباس الإسلام و الدین و لزومهم ناموسه و إظهارهم شعاره .

و یهابکم من لا یخاف لکم سطوة و لا لکم علیه إمرة

کالملوک الذین فی أقاصی البلاد نحو الهند و الصین و أمثالها و ذلک لأنّهم هابوا دولة الإسلام و إن لم یخافوا سطوة سیفها لأنّه شاع و ذاع أنهم قوم صالحون إذا دعوا اللّه استجاب لهم و أنهم یقهرون الأمم بالنصر السماوی و بالملائکة لا بسیوفهم و لا بأیدیهم قیل إن العرب لما عبرت دجلة إلی القصر الأبیض الشرقی بالمدائن عبرتها فی أیّام مدها و هی کالبحر الزاخر علی خیولها و بأیدیها رماحها و لا دروع علیها و لا بیض فهربت الفرس بعد رمی شدید منها للعرب بالسهام و هم یقدمون و یحملون و لا تهولهم السهام فقال فلاح نبطی بیده مسحاته و هو یفتح الماء إلی زرعه لأسوار من الأساورة معروف بالبأس و جودة الرمایة ویلکم أ مثلکم فی سلاحکم یهرب من هؤلاء القوم الحاسرین و لذعه باللوم و التعنیف فقال له أقم مسحاتک فأقامها فرماها فخرق الحدید حتّی عبر النصل إلی جانبها الآخر ثمّ قال انظر الآن ثمّ رمی بعض العرب المارین علیه عشرین سهما لم یصبه و لا فرسه منها بسهم واحد و إنّه لقریب منه غیر بعید و لقد کان بعض السهام یسقط بین یدی الأسوار فقال له بالفارسیة أ علمت أن القوم مصنوع لهم قال نعم .

ص :177

ثم قال ع ما لکم لا تغضبون و أنتم ترون عهود اللّه منقوضة و إن من العجب أن یغضب الإنسان و یأنف من نقض عهد أبیه و لا یغضب و لا یأنف لنقض عهود إلهه و خالقه .

ثمّ قال لهم کانت الأحکام الشرعیة إلیکم ترد منی و من تعلیمی إیّاکم و تثقیفی لکم ثمّ تصدر عنکم إلی من تعلمونه إیاها من أتباعکم و تلامذتکم ثمّ یرجع إلیکم بأن یتعلمها بنوکم و إخوتکم من هؤلاء الأتباع و التلامذة ففررتم من الزحف لما أغارت جیوش الشام علیکم و أسلمتم منازلکم و بیوتکم و بلادکم إلی أعدائکم و مکنتم الظلمة من منزلتکم حتّی حکموا فی دین اللّه بأهوائهم و عملوا بالشبهة لا بالحجة و اتسعوا فی شهواتهم و مآرب أنفسهم .

ثمّ أقسم بالله إن أهل الشام لو فرقوکم تحت کل کوکب لیجمعنکم اللّه لیوم و هو شر یوم لهم و کنی بذلک عن ظهور المسودة و انتقامها من أهل الشام و بنی أمیّة و کانت المسودة المنتقمة منهم عراقیة و خراسانیة

ص :178

و هذا باب من أبواب البیان لطیف و هو حسن التوصل بإیراد کلام غیر مزعج عوضا عن لفظ یتضمن جبها و تقریعا .

و تحوزکم تعدل بکم عن مراکزکم و الجفاة جمع جاف و هو الفدم الغلیظ و الطغام الأوغاد و اللهامیم جمع لهموم و هو الجواد من الناس و الخیل قال الشاعر لا تحسبن بیاضا فی منقصة إن اللهامیم فی أقرابها بلق (1) و الیآفیخ جمع یافوخ و هو معظم الشیء قول قد ذهب یافوخ اللیل أی أکثره و یجوز أن یرید به الیافوخ و هو أعلی الرأس و جمعه یآفیخ أیضا و أفخت الرجل ضربت یافوخه و هذا ألیق لأنّه ذکر بعده الأنف و السنام فحمل الیافوخ علی العضو إذا أشبه .

و الوحاوح الحرق و الحزازات و لقیته بأخرة علی فعلة أی أخیرا .

و الحس القتل قال اللّه تعالی إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ (2) .

و شجرت زیدا بالرمح طعنته و التأنیث فی أولاهم و أخراهم للکتائب.

و الهیم العطاش و تذاد تصد و تمنع و قد روی الطغاة عوض الطغام.

و روی حشأ بالهمز من حشأت الرجل أی أصبت حشاه.

و روی بالنضال بالضاد المعجمة و هو المناضلة و المراماة.

و قد ذکرنا نحن هذا الکلام فیما اقتصصناه من أخبار صفین فیما تقدم من هذا الکتاب

ص :180

مِنْهَا فِی ذِکْرِ اَلنَّبِیِّ ص اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الْأَنْبِیَاءِ وَ مِشْکَاةِ الضِّیَاءِ وَ ذُؤَابَةِ الْعَلْیَاءِ وَ سُرَّةِ اَلْبَطْحَاءِ وَ مَصَابِیحِ الظُّلْمَةِ وَ یَنَابِیعِ الْحِکْمَةِ .

شجرة الأنبیاء

أولاد إبراهیم ع لأن أکثر الأنبیاء منهم و المشکاة کوة غیر نافذة یجعل فیها المصباح و الذؤابة طائفة من شعر الرأس و سرة البطحاء وسطها و بنو کعب بن لؤی یفخرون علی بنی عامر بن لؤی بأنهم سکنوا البطاح و سکنت عامر بالجبال المحیطة بمکّة و سکن معها بنو فهر بن مالک رهط أبی عبیدة بن الجراح و غیره قال الشاعر فحللت منها بالبطاح و حل غیرک بالظواهر.

و قال طریح بن إسماعیل أنت ابن مسلنطح البطاح و لم تطرق علیک الحنی و الولج (1) .

و قال بعض الطالبیین و أنا ابن معتلج البطاح إذا غدا غیری و راح علی متون ظواهر

ص :182

یفتر عنی رکنها و حطیمها

وَ مِنْهَا:

طَبِیبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ قَدْ أَحْکَمَ مَرَاهِمَهُ وَ أَحْمَی مَوَاسِمَهُ یَضَعُ ذَلِکَ حَیْثُ الْحَاجَةُ إِلَیْهِ مِنْ قُلُوبٍ عُمْیٍ وَ آذَانٍ صُمٍّ وَ أَلْسِنَةٍ بُکْمٍ مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ وَ مَوَاطِنَ الْحَیْرَةِ .

إنّما قال دوار بطبه لأن الطبیب الدوار أکثر تجربة أو یکون عنی به أنّه یدور علی من یعالجه لأن الصالحین یدورون علی مرضی القلوب فیعالجونهم و

1639

یُقَالُ إِنَّ اَلْمَسِیحَ رُئِیَ خَارِجاً مِنَ بَیْتٍ مُومِسَةٍ فَقِیلَ لَهُ یَا سَیِّدَنَا أَ مِثْلُکَ یَکُونُ هَاهُنَا فَقَالَ إِنَّمَا یَأْتِی الطَّبِیبُ الْمَرْضَی .

و المراهم الأدویة المرکبة للجراحات و القروح و المواسم حدائد یوسم بها الخیل و غیرها .

ثمّ ذکر أنّه إنّما یعالج بذلک من یحتاج إلیه و هم أولو القلوب العمی و الآذان الصم و الألسنة البکم أی الخرس و هذا تقسیم صحیح حاصر لأن الضلال و مخالفة

ص :183

الحق یکون بثلاثة أمور إمّا بجهل القلب أو بعدم سماع المواعظ و الحجج أو بالإمساک عن شهادة التوحید و تلاوة الذکر فهذه أصول الضلال و أمّا أفعال المعاصی ففروع علیها

و من التقسیمات الفاسدة فی الشعر قول البحتری ذاک وادی الأراک فاحبس قلیلا فالتقسیم فی البیت الأول صحیح و فی الثانی غیر صحیح لأن المشوق یکون حزینا و المسعد یکون معینا فکذلک یکون عاذرا و یکون مشوقا و یکون حزینا.

و قد وقع المتنبی فی مثل ذلک فقال فافخر فإن الناس فیک ثلاثة مستعظم أو حاسد أو جاهل (1) فإن المستعظم یکون حاسدا و الحاسد یکون مستعظما.

و من الأبیات التی لیس تقسیمها بصحیح ما ورد فی شعر الحماسة و أنت امرؤ إمّا ائتمنتک خالیا و ذلک لأن الخیانة أخص من الإثم و الإثم شامل لها لأنّه أعم منها فقد دخل أحد القسمین فی الآخر و یمکن أن یعتذر له فیقال عنی بالإثم الکذب نفسه و کذلک هو المعنی أیضا بقوله قولا بلا علم کأنّه قال له إمّا أن أکون أفشیت سری إلیک فخنتنی أو لم أفش فکذبت علی فأنت فیما أتیت بین أن تکون خائنا أو کاذبا.

و ممّا جاء من ذلک فی النثر قول بعضهم من جریح مضرج بدمائه أو هارب لا یلتفت إلی ورائه و ذلک أن الجریح قد یکون هاربا و الهارب قد یکون جریحا.

و قد أجاد البحتری لما قسم هذا المعنی و قال

ص :185

غادرتهم أیدی المنیة صبحا

و من ذلک قول بعض الأعراب النعم ثلاث نعمة فی حال کونها و نعمة ترجی مستقبلة و نعمة تأتی غیر محتسبة فأبقی اللّه علیک ما أنت فیه و حقق ظنک فیما ترتجیه و تفضل علیک بما لم تحتسبه و ذلک أنّه أغفل النعمة الماضیة و أیضا فإن النعمة التی تأتی غیر محتسبة داخلة فی قسم النعمة المستقبلة.

و قد صحح القسمة أبو تمام فقال جمعت لنا فرق الأمانی منکم

فإن قلت فإن ما عنیت به فساد التقسیم علی البحتری و المتنبی یلزمک مثله فیما شرحته لأن الأعمی القلب قد یکون أبکم اللسان أصم السمع.

قلت إن الشاعرین ذکرا التقسیم بأو و أمیر المؤمنین ع قسم بالواو و الواو للجمع فغیر منکر أن تجتمع الأقسام الوحد أو أن تعطی معنی الانفراد فقط فافترق الموضعان

ص :186

لَمْ یَسْتَضِیئُوا بِأَضْوَاءِ الْحِکْمَةِ وَ لَمْ یَقْدَحُوا بِزِنَادِ الْعُلُومِ الثَّاقِبَةِ فَهُمْ فِی ذَلِکَ کَالْأَنْعَامِ السَّائِمَةِ وَ الصُّخُورِ الْقَاسِیَةِ قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ وَ وَضَحَتْ مَحَجَّةُ الْحَقِّ لِخَابِطِهَا وَ أَسْفَرَتِ السَّاعَةُ عَنْ وَجْهِهَا وَ ظَهَرَتِ الْعَلاَمَةُ لِمُتَوَسِّمِهَا مَا لِی أَرَاکُمْ أَشْبَاحاً بِلاَ أَرْوَاحٍ وَ أَرْوَاحاً بِلاَ أَشْبَاحٍ وَ نُسَّاکاً بِلاَ صَلاَحٍ وَ تُجَّاراً بِلاَ أَرْبَاحٍ وَ أَیْقَاظاً نُوَّماً وَ شُهُوداً غُیَّباً وَ نَاظِرَةً عَمْیَاءَ وَ سَامِعَةً صَمَّاءَ وَ نَاطِقَةً بَکْمَاءَ .

انجابت

انکشفت و المحجة الطریق و الخابط السائر علی غیر سبیل واضحة و أسفرت الساعة أضاءت و أشرقت و عن متعلقة بمحذوف و تقدیره کاشفة عن وجهها .

و المتوسم المتفرس أشباها بلا أرواح أی أشخاصا لا أرواح لها و لا عقول و أرواحا بلا أشباح یمکن أن یرید به الخفة و الطیش تشبیها بروح بلا جسد و یمکن أن یعنی به نقصهم لأن الروح غیر ذات الجسد ناقصة عن الاعتمال و التحریک اللذین کانا من فعلها حیث کانت تدیر الجسد .

و نساکا بلا صلاح

نسبهم إلی النفاق و تجارا بلا أرباح نسبهم إلی الریاء و إیقاع الأعمال علی غیر وجهها .

ثمّ وصفهم بالأمور المتضادة ظاهرا و هی مجتمعة فی الحقیقة فقال أیقاظا نوما

ص :187

لأنهم أولو یقظة و هم غفول عن الحق کالنیام و کذلک باقیها قال تعالی فَإِنَّهٰا لاٰ تَعْمَی الْأَبْصٰارُ وَ لٰکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ (1) رَایَةُ ضَلاَلٍ قَدْ قَامَتْ عَلَی قُطْبِهَا وَ تَفَرَّقَتْ بِشُعَبِهَا تَکِیلُکُمْ بِصَاعِهَا وَ تَخْبِطُکُمْ بِبَاعِهَا قَائِدُهَا خَارِجٌ مِنَ الْمِلَّةِ قَائِمٌ عَلَی الضَّلَّةِ فَلاَ یَبْقَی یَوْمَئِذٍ مِنْکُمْ إِلاَّ ثُفَالَةٌ کَثُفَالَةِ الْقِدْرِ أَوْ نُفَاضَةٌ کَنُفَاضَةِ الْعِکْمِ تَعْرُکُکُمْ عَرْکَ الْأَدِیمِ وَ تَدُوسُکُمْ دَوْسَ الْحَصِیدِ وَ تَسْتَخْلِصُ الْمُؤْمِنَ مِنْ بَیْنِکُمُ اسْتِخْلاَصَ الطَّیْرِ الْحَبَّةَ الْبَطِینَةَ مِنْ بَیْنِ هَزِیلِ الْحَبِّ.

هذا کلام منقطع عما قبله لأن الشریف الرضی رحمه اللّه کان یلتقط الفصول التی فی الطبقة العلیا من الفصاحة من کلام أمیر المؤمنین ع فیذکرها و یتخطی ما قبلها و ما بعدها و هو ع یذکر هاهنا ما یحدث فی آخر الزمان من الفتن کظهور السفیانی و غیره .

و القطب فی قوله ع قامت علی قطبها الرئیس الذی علیه یدور أمر الجیش و الشعب القبیلة العظیمة و لیس التفرق للرایة نفسها بل لنصارها و أصحابها فحذف المضاف و معنی تفرقهم أنهم یدعون إلی تلک الدعوة المخصوصة فی بلاد متفرقة أی تفرق ذلک الجمع العظیم فی الأقطار داعین إلی أمر واحد و یروی بشعبها جمع شعبة

ص :188

و تقدیر تکیلکم بصاعها تکیل لکم فحذف اللام کما فی قوله تعالی وَ إِذٰا کٰالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ (1) أی کالوا لهم أو وزنوا لهم و المعنی تحملکم علی دینها و دعوتها و تعاملکم بما یعامل به من استجاب لها و یجوز أن یرید بقوله تکیلکم بصاعها یقهرکم أربابها علی الدخول فی أمرهم و یتلاعبون بکم و یرفعونکم و یضعونکم کما یفعل کیال البر به إذا کاله بصاعه .

و تخبطکم بباعها

تظلمکم و تعسفکم قائدها لیس علی ملة الإسلام بل مقیم علی الضلالة یقال ضلة لک و إنّه لیلومنی ضلة إذا لم یوفق للرشاد فی عذله .

و الثفالة ما ثفل فی القدر من الطبیخ و النفاضة ما سقط من الشیء المنفوض.

و العکم العدل و العکم أیضا نمط تجعل فیه المرأة ذخیرتها .

و عرکت الشیء دلکته بقوة و الحصید الزرع المحصود .

و معنی استخلاص الفتنة المؤمن أنّها تخصه بنکایتها و أذاها کما قیل المؤمن ملقی و الکافر موقی

1641

وَ فِی الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ آفَاتُ الدُّنْیَا أَسْرَعُ إِلَی الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ فِی یَبِیسِ الْعَرْفَجِ.

أَیْنَ تَذْهَبُ بِکُمُ الْمَذَاهِبُ وَ تَتِیهُ بِکُمُ الْغَیَاهِبُ وَ تَخْدَعُکُمُ الْکَوَاذِبُ وَ مِنْ أَیْنَ تُؤْتَوْنَ وَ أَنَّی تُؤْفَکُونَ فَ لِکُلِّ أَجَلٍ کِتٰابٌ وَ لِکُلِّ غَیْبَةٍ إِیَابٌ فَاسْتَمِعُوا مِنْ رَبَّانِیِّکُمْ وَ أَحْضِرُوهُ قُلُوبَکُمْ وَ اسْتَیْقِظُوا إِنْ هَتَفَ بِکُمْ

ص :189

وَ لْیَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَ لْیَجْمَعْ شَمْلَهُ وَ لْیُحْضِرْ ذِهْنَهُ فَلَقَدْ فَلَقَ لَکُمُ الْأَمْرَ فَلْقَ الْخَرَزَةِ وَ قَرَفَهُ قَرْفَ الصَّمْغَةِ .

الغیاهب

الظلمات الواحد غیهب و تتیه بکم تجعلکم تائهین عدی الفعل اللازم بحرف الجر کما تقول فی ذهب ذهبت به و التائه المتحیر .

و الکواذب هاهنا الأمانی فحذف الموصوف و أبقی الصفة کقوله إلا بکفی کان من أرمی البشر أی بکفی غلام هذه صفته .

و قوله و لِکُلِّ أَجَلٍ کِتٰابٌ أظنه منقطعا أیضا عن الأول مثل الفصل الذی تقدم و قد کان قبله ما ینطبق علیه و یلتئم معه لا محالة و یمکن علی بعد أن یکون متصلا بما هو مذکور هاهنا .

و قوله و لکل غیبة إیاب قد قاله عبید بن الأبرص و استثنی من العموم الموت فقال و کل ذی غیبة یئوب و غائب الموت لا یئوب (1) و هو رأی زنادقة العرب فأما أمیر المؤمنین و هو ثانی صاحب الشریعة التی جاءت بعود الموتی فإنّه لا یستثنی و یحمق عبیدا فی استثنائه .

و الربانی الذی أمرهم بالاستماع منه إنّما یعنی به نفسه ع و یقال رجل

ص :190

ربانی أی متأله عارف بالرب سبحانه

1642

1- وَ فِی وَصْفِ اَلْحَسَنِ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع کَانَ وَ اللَّهِ رَبَّانِیَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ ذَا فَضْلِهَا وَ ذَا قَرَابَتِهَا وَ ذَا سَابِقَتِهَا .

ثمّ قال و أحضروه قلوبکم أی اجعلوا قلوبکم حاضرة عنده أی لا تقنعوا لأنفسکم بحضور الأجساد و غیبة القلوب فإنکم لا تنتفعون بذلک و هتف بکم صاح و الرائد الذی یتقدم المنتجعین لینظر لهم الماء و الکلأ و فی المثل الرائد لا یکذب أهله .

و قوله و لیجمع شمله أی و لیجمع عزائمه و أفکاره لینظر فقد فلق هذا الربانی لکم الأمر أی شق ما کان مبهما و فتح ما کان مغلقا کما تفلق الخرزة فیعرف باطنها .

و قرفه

أی قشره کما تقشر الصمغة عن عود الشجرة و تقلع فَعِنْدَ ذَلِکَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ وَ رَکِبَ الْجَهْلُ مَرَاکِبَهُ وَ عَظُمَتِ الطَّاغِیَةُ وَ قَلَّتِ الدَّاعِیَةُ وَ صَالَ الدَّهْرُ صِیَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ وَ هَدَرَ فَنِیقُ الْبَاطِلِ بَعْدَ کُظُومٍ وَ تَوَاخَی النَّاسُ عَلَی الْفُجُورِ وَ تَهَاجَرُوا عَلَی الدِّینِ وَ تَحَابُّوا عَلَی الْکَذِبِ وَ تَبَاغَضُوا عَلَی الصِّدْقِ فَإِذَا کَانَ ذَلِکَ کَانَ الْوَلَدُ غَیْظاً وَ الْمَطَرُ قَیْظاً وَ تَفِیضُ اللِّئَامُ فَیْضاً وَ تَغِیضُ الْکِرَامُ غَیْضاً وَ کَانَ أَهْلُ ذَلِکَ الزَّمَانِ ذِئَاباً وَ سَلاَطِینُهُ سِبَاعاً وَ أَوْسَاطُهُ أُکَّالاً [أَکَالاً]

وَ فُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً وَ غَارَ الصِّدْقُ وَ فَاضَ الْکَذِبُ وَ اسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللِّسَانِ وَ تَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ وَ صَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً وَ الْعَفَافُ عَجَباً وَ لُبِسَ الْإِسْلاَمُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً .

ص :191

تقول أخذ الباطل مأخذه کما تقول عمل عمله أی قوی سلطانه و قهر و مثله رکب الجهل مراکبه .

و عظمت الطاغیة

أی الطغیان فاعلة بمعنی المصدر کقوله تعالی لَیْسَ لِوَقْعَتِهٰا کٰاذِبَةٌ (1) أی تکذیب و یجوز أن تکون الطاغیة هاهنا صفة فاعل محذوف أی عظمت الفئة الطاغیة و قلت الداعیة مثله أی الفرقة الداعیة .

و صال

حمل و وثب صولا و صولة یقال ربّ قول أشدّ من صول و الصیال و المصاولة هی المواثبة صایله صیالا و صیالة و الفحلان یتصاولان أی یتواثبان .

و الفنیق فحل الإبل و هدر ردد صوته فی حنجرته و إبل هوادر و کذلک هدر بالتشدید تهدیرا و فی المثل هو کالمهدر فی العنة یضرب للرجل یصیح و یجلب و لیس وراء ذلک شیء کالبعیر الذی یحبس فی العنة و هی الحظیرة و یمنع من الضراب و هو یهدر و قال الولید بن عقبة لمعاویة قطعت الدهر کالسدم المعنی تهدر فی دمشق و لا تریم (2) .

و الکظوم الإمساک و السکوت کظم البعیر یکظم کظوما إذا أمسک الجرة و هو کاظم و إبل کظوم لا تجتر و قوم کظم ساکتون .

و تواخی الناس

صاروا إخوة و الأصل تآخی الناس فأبدلت الهمزة واوا کآزرته أی أعنته و وازرته.

یقول اصطلحوا علی الفجور و تهاجروا علی الدین أی تعادوا و تقاطعوا.

فإن قلت فإن من شعار الصالحین أن یهجروا فی الدین و یعادوا فیه

ص :192

قلت لم یذهب أمیر المؤمنین حیث ظننت و إنّما أراد أن صاحب الدین مهجور عندهم لأن صاحب الدین مهجور و صاحب الفجور جار عندهم مجری الأخ فی الحنو علیه و الحب له لأنّه صاحب فجور .

ثمّ قال کان الولد غیظا أی لکثرة عقوق الأبناء للآباء و صار المطر قیظا یقال إنّه من علامات الساعة و أشراطها .

و أوساطه أکالا

أی طعاما یقال ما ذقت أکالا و فی هذا الموضع إشکال لأنّه لم ینقل هذا الحرف إلاّ فی الجحد خاصّة کقولهم ما بها صافر فالأجود الروایة الأخری و هی آکالا بمد الهمزة علی أفعال جمع أکل و هو ما أکل کقفل و أقفال و قد روی أکالا بضم الهمزة علی فعال و قالوا إنّه جمع أکل للمأکول کعرق و عراق و ظئر و ظؤار إلاّ أنّه شاذ عن القیاس و وزن واحدهما مخالف لوزن واحد أکال لو کان جمعا یقول صار أوساط الناس طعمة للولاة و أصحاب السلاطین و کالفریسة للأسد .

و غار الماء سفل لنقصه و فاض سال .

و تشاجر الناس

تنازعوا و هی المشاجرة و شجر بین القوم إذا اختلف الأمر بینهم و اشتجروا مثل تشاجروا .

و صار الفسوق نسبا

یصیر الفاسق صدیق الفاسق حتّی یکون ذلک کالنسب بینهم و حتّی یعجب الناس من العفاف لقلته و عدمه .

و لبس الإسلام لبس الفرو و للعرب عادة بذلک و هی أن تجعل الخمل إلی الجسد و تظهر الجلد و المراد انعکاس الأحکام الإسلامیة فی ذلک الزمان

ص :193

قال کل شیء خاضع لعظمة اللّه سبحانه و کل شیء قائم به و هذه هی صفته الخاصّة أعنی کونه غنیا عن کل شیء و لا شیء من الأشیاء یغنی عنه أصلا .

ثمّ قال غنی کل فقیر و عزّ کل ذلیل و قوة کل ضعیف و مفزع کل ملهوف .

1643

جَاءَ فِی الْأَثَرِ مَنِ اعْتَزَّ بِغَیْرِ اللَّهِ ذَلَّ وَ مَنْ تَکَثَّرَ بِغَیْرِ اللَّهِ قَلَّ.

1644

وَ کَانَ یُقَالُ لَیْسَ فَقِیراً مَنِ اسْتَغْنَی بِاللَّهِ.

1645

وَ قَالَ اَلْحَسَنُ وَا عَجَباً لِلُوطٍ نَبِیِّ اللَّهِ قَالَ لَوْ أَنَّ لِی بِکُمْ قُوَّةً أَوْ آوِی إِلیٰ رُکْنٍ شَدِیدٍ (1) أَ تَرَاهُ أَرَادَ رُکْناً أَشَدَّ وَ أَقْوَی مِنَ اللَّهِ.

و استدلّ العلماء علی ثبوت الصانع سبحانه بما دل علیه فحوی قوله ع و مفزع کل ملهوف و ذلک أن النفوس ببدائها تفزع عند الشدائد و الخطوب الطارقة إلی الالتجاء إلی خالقها و بارئها أ لا تری راکبی السفینة عند تلاطم الأمواج کیف یجأرون إلیه سبحانه اضطرارا لا اختیارا فدل ذلک علی أن العلم به مرکوز فی النفس قال سبحانه وَ إِذٰا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّٰ إِیّٰاهُ (2) .

ثمّ قال ع من تکلم سمع نطقه و من سکت علم سره یعنی أنّه یعلم ما ظهر و ما بطن.

ثمّ قال و من عاش فعلیه رزقه و من مات فإلیه منقلبه أی هو مدبر الدنیا و الآخرة و الحاکم فیهما .

ثمّ انتقل عن الغیبة إلی الخطاب فقال لم ترک العیون

ص :195

و فائدة ذلک أنّه صرف الکلام من خطاب الحاضرین إلی أخبار قوم آخرین بحالهم کأنّه یعدد علی أولئک ذنوبهم و یشرح لهؤلاء بغیهم و عنادهم الحق و یقبح عندهم ما فعلوه و یقول أ لا تعجبون من حالهم کیف دعونا فلما رحمناهم و استجبنا دعاءهم عادوا إلی بغیهم و هذه الفائدة لو کانت الآیة کلها علی صیغة خطاب الحاضر مفقودة قال ع ما رأتک العیون فتخبر عنک کما یخبر الإنسان عما شاهده بل أنت أزلیّ قدیم موجود قبل الواصفین لک .

فإن قلت فأی منافاة بین هذین الأمرین أ لیس من الممکن أن یکون سبحانه قبل الواصفین له و مع ذلک یدرک بالأبصار إذا خلق خلقه ثمّ یصفونه رأی عین قلت بل هاهنا منافاة ظاهرة و ذلک لأنّه إذا کان قدیما لم یکن جسما و لا عرضا و ما لیس بجسم و لا عرض تستحیل رؤیته فیستحیل أن یخبر عنه علی سبیل المشاهدة .

ثمّ ذکر ع أنّه لم یخلق الخلق لاستیحاشه و تفرده و لا استعملهم بالعبادة لنفعه و قد تقدم شرح هذا .

ثمّ قال لا تطلب أحدا فیسبقک أی یفوتک و لا یفلتک من أخذته .

فإن قلت أی فائدة فی قوله و لا یفلتک من أخذته لأن عدم الإفلات هو الأخذ فکأنّه قال لا یفلتک من لم یفلتک قلت المراد أن من أخذت لا یستطیع أن یفلت کما یستطیع المأخوذون مع ملوک الدنیا أن یفلتوا بحیلة من الحیل.

فإن قلت أفلت فعل لازم فما باله عداه.

قلت تقدیر الکلام لا یفلت منک فحذف حرف الجر کما قالوا استجبتک أی استجبت لک قال

ص :197

فلم یستجبه عند ذاک مجیب (1) .

و قالوا استغفرت اللّه الذنوب أی من الذنوب و قال الشاعر أستغفر اللّه ذنبا لست محصیه رب العباد إلیه الوجه و العمل قوله ع و لا یرد أمرک من سخط قضاءک و لا یستغنی عنک من تولی عن أمرک تحته سر عظیم و هو قول أصحابنا فی جواب قول المجبرة لو وقع منا ما لا یریده لاقتضی ذلک نقصه إنّه لا نقص فی ذلک لأنّه لا یرید الطاعات منا إرادة قهر و إلجاء و لو أرادها إرادة قهر لوقعت و غلبت إرادته إرادتنا و لکنه تعالی أراد منا أن نفعل نحن الطاعة اختیارا فلا یدلّ عدم وقوعها منا علی نقصه و ضعفه کما لا یدلّ بالاتفاق بیننا و بینکم عدم وقوع ما أمر به علی ضعفه و نقصه .

ثمّ قال ع کل سر عندک علانیة أی لا یختلف الحال علیه فی الإحاطة بالجهر و السر لأنّه عالم لذاته و نسبة ذاته إلی کل الأمور واحدة .

ثمّ قال أنت الأبد فلا أمد لک هذا کلام علوی شریف لا یفهمه إلاّ الراسخون فی العلم و فیه سمة من

1646

قَوْلُ اَلنَّبِیِّ ص لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ.

و فی مناجاة الحکماء لمحة منه أیضا و هو قولهم أنت الأزل السرمد و أنت الأبد الذی لا ینفد بل قولهم أنت الأبد الذی لا ینفد هو قوله أنت الأبد فلا أمد لک بعینه و نحن نشرحه هاهنا علی موضوع هذا الکتاب فإنّه کتاب أدب لا کتاب نظر فنقول إن له فی العربیة محملین أحدهما أن المراد به أنت ذو الأبد کما قالوا رجل خال أی ذو خال و الخال الخیلاء و رجل داء أی به داء و رجل

ص :198

مال أی ذو مال و المحمل الثانی أنّه لما کان الأزل و الأبد لا ینفکان عن وجوده سبحانه جعله ع کأنّه أحدهما بعینه کقولهم أنت الطلاق لما أراد المبالغة فی البینونة جعلها کأنها الطلاق نفسه و مثله قول الشاعر فإن المندی رحلة فرکوب (1) و قال أبو الفتح فی الدمشقیات استدل أبو علی علی صرف منی للموضع المخصوص بأنّه مصدر منی یمنی قال فقلت له أ تستدل بهذا علی أنّه مذکر لأن المصدر إلی التذکیر فقال نعم فقلت فما تنکر ألا یکون فیه دلالة علیه لأنّه لا ینکر أن یکون مذکر سمی به البقعة المؤنثة فلا ینصرف کامرأة سمیتها بحجر و جبل و شبع و معی فقال إنّما ذهبت إلی ذلک لأنّه جعل کأنّه المصدر بعینه لکثرة ما یعانی فیه ذلک فقلت الآن نعم.

و من هذا الباب قوله فإنما هی إقبال و إدبار (2) .

و قوله و هن من الإخلاف قبلک و المطل .

و قوله فلا منجی منک إلاّ إلیک قد أخذه الفرزدق فقال لمعاویة إلیک فررت منک و من زیاد و لم أحسب دمی لکما حلالا (3) ثم استعظم و استهول خلقه الذی یراه و ملکوته الذی یشاهده و استصغر و استحقر

ص :199

ذلک بالإضافة إلی قدرته تعالی و إلی ما غاب عنا من سلطانه ثمّ تعجب من سبوغ نعمه تعالی فی الدنیا و استصغر ذلک بالنسبة إلی نعم الآخرة و هذا حقّ لأنّه لا نسبة للمتناهی إلی غیر المتناهی مِنْهَا:

مِنْ مَلاَئِکَةٍ أَسْکَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِکَ وَ رَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِکَ هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِکَ بِکَ وَ أَخْوَفُهُمْ لَکَ وَ أَقْرَبُهُمْ مِنْکَ لَمْ یَسْکُنُوا الْأَصْلاَبَ وَ لَمْ یُضَمَّنُوا الْأَرْحَامَ وَ لَمْ یُخْلَقُوا مِنْ مَاءٍ مَهِینٍ وَ لَمْ یَتَشَعَّبْهُمْ رَیْبُ الْمَنُونِ وَ إِنَّهُمْ عَلَی مَکَانِهِمْ مِنْکَ وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَکَ وَ اسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِیکَ وَ کَثْرَةِ طَاعَتِهِمْ لَکَ وَ قِلَّةِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِکَ لَوْ عَایَنُوا کُنْهَ مَا خَفِیَ عَلَیْهِمْ مِنْکَ لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ وَ لَزَرَوْا عَلَی أَنْفُسِهِمْ وَ لَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ یَعْبُدُوکَ حَقَّ عِبَادَتِکَ وَ لَمْ یُطِیعُوکَ حَقَّ طَاعَتِکَ سُبْحَانَکَ خَالِقاً وَ مَعْبُوداً بِحُسْنِ بَلاَئِکَ عِنْدَ خَلْقِکَ خَلَقْتَ دَاراً وَ جَعَلْتَ فِیهَا مَأْدُبَةً مَشْرَباً وَ مَطْعَماً وَ أَزْوَاجاً وَ خَدَماً وَ قُصُوراً وَ أَنْهَاراً وَ زُرُوعاً وَ ثِمَاراً ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِیاً یَدْعُو إِلَیْهَا فَلاَ الدَّاعِیَ أَجَابُوا وَ لاَ فِیمَا رَغَّبْتَ رَغِبُوا وَ لاَ إِلَی مَا شَوَّقْتَ إِلَیْهِ اشْتَاقُوا أَقْبَلُوا عَلَی جِیفَةٍ قَدِ افْتَضَحُوا بِأَکْلِهَا وَ اصْطَلَحُوا عَلَی حُبِّهَا وَ مَنْ عَشِقَ شَیْئاً أَعْشَی بَصَرَهُ وَ أَمْرَضَ قَلْبَهُ فَهُوَ (1) یَنْظُرُ بِعَیْنٍ غَیْرِ صَحِیحَةٍ وَ یَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَیْرِ سَمِیعَةٍ قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ وَ أَمَاتَتِ الدُّنْیَا قَلْبَهُ وَ وَلِهَتْ عَلَیْهَا نَفْسُهُ فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا وَ لِمَنْ فِی یَدَیْهِ شَیْءٌ مِنْهَا حَیْثُمَا زَالَتْ زَالَ إِلَیْهَا وَ حَیْثُمَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَ عَلَیْهَا لاَ یَنْزَجِرُ مِنَ اللَّهِ بِزَاجِرٍ وَ لاَ یَتَّعِظُ مِنْهُ بِوَاعِظٍ وَ هُوَ یَرَی الْمَأْخُوذِینَ

ص :200

عَلَی الْغِرَّةِ حَیْثُ لاَ إِقَالَةَ لَهُمْ وَ لاَ رَجْعَةَ کَیْفَ نَزَلَ بِهِمْ مَا کَانُوا یَجْهَلُونَ وَ جَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْیَا مَا کَانُوا یَأْمَنُونَ وَ قَدِمُوا مِنَ الآْخِرَةِ عَلَی مَا کَانُوا یُوعَدُونَ فَغَیْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ اجْتَمَعَتْ عَلَیْهِمْ سَکْرَةُ الْمَوْتِ وَ حَسْرَةُ الْفَوْتِ فَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ وَ تَغَیَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فِیهِمْ وُلُوجاً فَحِیلَ بَیْنَ أَحَدِهِمْ وَ بَیْنَ مَنْطِقِهِ وَ إِنَّهُ لَبَیْنَ أَهْلِهِ یَنْظُرُ بِبَصَرِهِ وَ یَسْمَعُ بِأُذُنِهِ عَلَی صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ وَ بَقَاءٍ مِنْ لُبِّهِ یُفَکِّرُ فِیمَ أَفْنَی عُمْرَهُ وَ فِیمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ وَ یَتَذَکَّرُ أَمْوَالاً جَمَعَهَا أَغْمَضَ فِی مَطَالِبِهَا وَ أَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا وَ مُشْتَبِهَاتِهَا قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَا وَ أَشْرَفَ عَلَی فِرَاقِهَا تَبْقَی لِمَنْ وَرَاءَهُ [یُنَعَّمُونَ]

یَنْعَمُونَ فِیهَا وَ یَتَمَتَّعُونَ بِهَا فَیَکُونُ الْمَهْنَأُ لِغَیْرِهِ وَ الْعِبْءُ عَلَی ظَهْرِهِ وَ الْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ بِهَا فَهُوَ یَعَضُّ یَدَهُ نَدَامَةً عَلَی مَا أَصْحَرَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ وَ یَزْهَدُ فِیمَا کَانَ یَرْغَبُ فِیهِ أَیَّامَ عُمْرِهِ وَ یَتَمَنَّی أَنَّ الَّذِی کَانَ یَغْبِطُهُ بِهَا وَ یَحْسُدُهُ عَلَیْهَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ فَلَمْ یَزَلِ الْمَوْتُ یُبَالِغُ فِی جَسَدِهِ حَتَّی خَالَطَ لِسَانُهُ سَمْعَهُ فَصَارَ بَیْنَ أَهْلِهِ لاَ یَنْطِقُ بِلِسَانِهِ وَ لاَ یَسْمَعُ بِسَمْعِهِ یُرَدِّدُ طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ فِی وُجُوهِهِمْ یَرَی حَرَکَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ وَ لاَ یَسْمَعُ رَجْعَ کَلاَمِهِمْ ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ الْتِیَاطاً بِهِ [فَقَبَضَ بَصَرَهُ کَمَا قَبَضَ سَمْعَهُ]

فَقُبِضَ بَصَرُهُ کَمَا قُبِضَ سَمْعُهُ وَ خَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ فَصَارَ جِیفَةً بَیْنَ أَهْلِهِ قَدْ [أُوحِشُوا]

أَوْحَشُوا مِنْ جَانِبِهِ وَ تَبَاعَدُوا مِنْ قُرْبِهِ لاَ یُسْعِدُ بَاکِیاً وَ لاَ یُجِیبُ دَاعِیاً ثُمَّ حَمَلُوهُ إِلَی مَخَطٍّ فِی الْأَرْضِ فَأَسْلَمُوهُ فِیهِ إِلَی عَمَلِهِ وَ انْقَطَعُوا عَنْ زَوْرَتِهِ حَتَّی إِذَا بَلَغَ الْکِتَابُ أَجَلَهُ وَ الْأَمْرُ مَقَادِیرَهُ وَ أُلْحِقَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَوَّلِهِ وَ جَاءَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا یُرِیدُهُ مِنْ تَجْدِیدِ خَلْقِهِ أَمَادَ السَّمَاءَ وَ فَطَرَهَا وَ أَرَجَّ الْأَرْضَ وَ أَرْجَفَهَا وَ قَلَعَ جِبَالَهَا وَ نَسَفَهَا وَ دَکَّ بَعْضُهَا بَعْضاً مِنْ هَیْبَةِ جَلاَلَتِهِ وَ مَخُوفِ سَطْوَتِهِ وَ أَخْرَجَ مَنْ فِیهَا فَجَدَّدَهُمْ بَعْدَ إِخْلاَقِهِمْ وَ جَمَعَهُمْ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ ثُمَّ مَیَّزَهُمْ لِمَا یُرِیدُهُ مِنْ

ص :201

مَسْأَلَتِهِمْ عَنْ خَفَایَا الْأَعْمَالِ وَ خَبَایَا الْأَفْعَالِ وَ جَعَلَهُمْ فَرِیقَیْنِ أَنْعَمَ عَلَی هَؤُلاَءِ وَ انْتَقَمَ مِنْ هَؤُلاَءِ فَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ فَأَثَابَهُمْ بِجِوَارِهِ وَ خَلَّدَهُمْ فِی دَارِهِ حَیْثُ لاَ یَظْعَنُ النُّزَّالُ وَ لاَ تَتَغَیَّرُ بِهِمُ الْحَالُ وَ لاَ تَنُوبُهُمُ الْأَفْزَاعُ وَ لاَ تَنَالُهُمُ الْأَسْقَامُ وَ لاَ تَعْرِضُ لَهُمُ الْأَخْطَارُ وَ لاَ تُشْخِصُهُمُ الْأَسْفَارُ وَ أَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِیَةِ فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ وَ غَلَّ الْأَیْدِیَ إِلَی الْأَعْنَاقِ وَ قَرَنَ النَّوَاصِیَ بِالْأَقْدَامِ وَ أَلْبَسَهُمْ سَرَابِیلَ الْقَطِرَانِ وَ مُقَطَّعَاتِ النِّیرَانِ فِی عَذَابٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ وَ بَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلَی أَهْلِهِ فِی نَارٍ لَهَا کَلَبٌ وَ لَجَبٌ وَ لَهَبٌ سَاطِعٌ وَ قَصِیفٌ هَائِلٌ لاَ یَظْعَنُ مُقِیمُهَا وَ لاَ یُفَادَی أَسِیرُهَا وَ لاَ تُفْصَمُ کُبُولُهَا لاَ مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنَی وَ لاَ أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَیُقْضَی.

هذا موضع المثل فی کل شجرة نار و استمجد المرخ و العفار الخطب الوعظیة الحسان کثیرة و لکن هذا حدیث یأکل الأحادیث محاسن أصناف المغنین جمة و ما قصبات السبق إلاّ لمعبد.

من أراد أن یتعلم الفصاحة و البلاغة و یعرف فضل الکلام بعضه علی بعض فلیتأمل هذه الخطبة فإن نسبتها إلی کل فصیح من الکلام عدا کلام اللّه و رسوله نسبة الکواکب المنیرة الفلکیة إلی الحجارة المظلمة الأرضیة ثمّ لینظر الناظر إلی ما علیها من البهاء و الجلالة و الرواء و الدیباجة و ما تحدثه من الروعة و الرهبة و المخافة و الخشیة حتّی لو تلیت علی زندیق ملحد مصمم علی اعتقاد نفی البعث و النشور لهدت قواه و أرعبت قلبه و أضعفت علی نفسه و زلزلت اعتقاده فجزی اللّه قائلها عن الإسلام أفضل

ص :202

ما جزی به ولیا من أولیائه فما أبلغ نصرته له تارة بیده و سیفه و تارة بلسانه و نطقه و تارة بقلبه و فکره إن قیل جهاد و حرب فهو سید المجاهدین و المحاربین و إن قیل وعظ و تذکیر فهو أبلغ الواعظین و المذکرین و إن قیل فقه و تفسیر فهو رئیس الفقهاء و المفسرین و إن قیل عدل و توحید فهو إمام أهل العدل و الموحدین لیس علی اللّه بمستنکر أن یجمع العالم فی واحد (1) .

ثمّ نعود إلی الشرح فنقول قوله ع أسکنتهم سماواتک لا یقتضی أن جمیع الملائکة فی السماوات فإنّه قد ثبت أن الکرام الکاتبین فی الأرض و إنّما لم یقتض ذلک لأن قوله من ملائکة لیس من صیغ العموم فإنّه نکرة فی سیاق الإثبات و قد قیل أیضا إن ملائکة الأرض تعرج إلی السماء و مسکنها بها و یتناوبون علی أهل الأرض .

قوله هم أعلم خلقک بک لیس یعنی به أنهم یعلمون من ماهیته تعالی ما لا یعلمه البشر أما علی قول المتکلّمین فلأن ذاته تعالی معلومة للبشر و العلم لا یقبل الأشد و الأضعف و أمّا علی قول الحکماء فلأن ذاته تعالی غیر معلومة للبشر و لا للملائکة و یستحیل أن تکون معلومة لأحد منهم فلم یبق وجه یحمل علیه قوله ع هم أعلم خلقک بک إلا أنهم یعلمون من تفاصیل مخلوقاته و تدبیراته ما لا یعلمه غیرهم کما یقال وزیر الملک أعلم بالملک من الرعیة لیس المراد أنّه أعلم بذاته و ماهیته بل بأفعاله و تدبیره و مراده و غرضه .

قوله و أخوفهم لک لأن قوتی الشهوة و الغضب مرفوعتان عنهم و هما منبع

ص :203

الشر و بهما یقع الطمع و الإقدام علی المعاصی و أیضا فإن منهم من یشاهد الجنة و النار عیانا فیکون أخوف لأنّه لیس الخبر کالعیان .

قوله و أقربهم منک لا یرید القرب المکانی لأنّه تعالی منزه عن المکان و الجهة بل المراد کثرة الثواب و زیادة التعظیم و التبجیل و هذا یدلّ علی صحة مذهب أصحابنا فی أن الملائکة أفضل من الأنبیاء .

ثمّ نبه علی مزیة لهم تقتضی أفضلیة جنسهم علی جنس البشر بمعنی الأشرفیة لا بمعنی زیادة الثواب و هو قوله لم یسکنوا الأصلاب و لم یضمنوا الأرحام و لم یخلقوا من ماء مهین و لم یتشعبهم ریب المنون و هذه خصائص أربع فالأولی أنهم لم یسکنوا الأصلاب و البشر سکنوا الأصلاب و لا شبهة أن ما ارتفع عن مخالطة الصورة اللحمیة و الدمویة أشرف ممّا خالطها و مازجها.

و الثانیة أنهم لم یضمنوا الأرحام و لا شبهة أن من لم یخرج من ذلک الموضع المستقذر أشرف ممن خرج منه و کان أحمد بن سهل بن هاشم بن الولید بن کامکاو بن یزدجرد بن شهریار یفخر علی أبناء الملوک بأنّه لم یخرج من بضع امرأة لأن أمه ماتت و هی حامل به فشق بطنها عنه و أخرج قال أبو الریحان البیرونی فی کتاب الآثار الباقیة عن القرون الخالیة عن هذا الرجل أنّه کان یتیه علی الناس و إذا شتم أحدا قال ابن البضع قال أبو الریحان و أول من اتفق له ذلک الملک المعروف بأغسطس ملک الروم و هو أول من سمی فیهم قیصر لأن تفسیر قیصر بلغتهم شق عنه و أیامه تاریخ کما أن أیام الإسکندر تاریخ لعظمه و جلالته عندهم.

و الثالثة أنهم لم یخلقوا من ماء مهین و قد نص القرآن العزیز علی أنّه مهین و کفی ذلک فی تحقیره و ضعته فهم لا محالة أشرف ممن خلق منه لا سیما و قد ذهب کثیر من العلماء إلی نجاسته.

ص :204

و الرابعة أنهم لا یتشعبهم المنیة و لا ریب أن من لا تتطرق إلیه الأسقام و الأمراض و لا یموت أشرف ممن هو فی کل ساعة و لحظة بعرض سقام و بصدد موت و حمام.

و اعلم أن مسألة تفضیل الملائکة علی الأنبیاء لها صورتان إحداهما أن أفضل بمعنی کونهم أکثر ثوابا و الأخری کونهم أفضل بمعنی أشرف کما تقول إن الفلک أفضل من الأرض أی إن الجوهر الذی منه جسمیة الفلک أشرف من الجوهر الذی منه جسمیة الأرض.

و هذه المزایا الأربع دالة علی تفضیل الملائکة بهذا الاعتبار الثانی.

قوله ع یتشعبهم ریب المنون أی یتقسمهم و الشعب التفریق و منه قیل للمنیة شعوب لأنّها تفرق الجماعات و ریب المنون حوادث الدهر و أصل الریب ما راب الإنسان أی جاءه بما یکره و المنون الدهر نفسه و المنون أیضا المنیة لأنّها تمن المدة أی تقطعها و المن القطع و منه قوله تعالی لَهُمْ أَجْرٌ غَیْرُ مَمْنُونٍ (1) .

و قال لبید غبس کواسب لا یمن طعامها (2) . ثم ذکر أنهم کثرة عبادتهم و إخلاصهم لو عاینوا کنه ما خفی علیهم من البارئ تعالی لحقروا أعمالهم و زروا علی أنفسهم أی عابوها تقول زریت علی فلان أی عبته و أزریت بفلان أی قصرت به.

ص :205

فإن قلت ما هذا الکنه الذی خفی عن الملائکة حتّی قال لو عاینوه لحقروا عبادتهم و لعلموا أنهم قد قصروا فیها قلت إن علوم الملائکة بالبارئ تعالی نظریة کعلوم البشر و العلوم النظریة دون العلوم الضروریة فی الجلاء و الوضوح فأمیر المؤمنین ع یقول لو کانت علومهم بک و بصفاتک إثباتیة و السلبیة و الإضافیة ضروریة عوض علومهم هذه المتحققة الآن التی هی نظریة و لا نکشف لهم ما لیس الآن علی حدّ ذلک الکشف و الوضوح و لا شبهة أن العبادة و الخدمة علی قدر المعرفة بالمعبود فکلما کان العابد به أعرف کانت عبادته له أعظم و لا شبهة أن العظیم عند الأعظم حقیر .

فإن قلت فما معنی قوله و استجماع أهوائهم فیک و هل للملائکة هوی و هل تستعمل الأهواء إلاّ فی الباطل قلت الهوی الحب و میل النفس و قد یکون فی باطل و حقّ و إنّما یحمل علی أحدهما بالقرینة و الأهواء تستعمل فیهما و معنی استجماع أهوائهم فیه أن دواعیهم إلی طاعته و خدمته لا تنازعها الصوارف و کانت مجتمعة مائلة إلی شق واحد .

فإن قلت الباء فی قوله بحسن بلائک بما ذا تتعلق قلت الباء هاهنا للتعلیل بمعنی اللام کقوله تعالی ذٰلِکَ بِأَنَّهُمْ کٰانَتْ تَأْتِیهِمْ رُسُلُهُمْ (1) أی لأنّهم فتکون متعلقة بما فی سبحانک من معنی الفعل أی أسبحک لحسن بلائک و یجوز أن تتعلق بمعبود أی یعبد لذلک .

ثمّ قال خلقت دارا یعنی الجنة و المأدبة و المأدبة بفتح الدال و ضمها الطعام الذی یدعی الإنسان إلیه أدب زید القوم یأدبهم بالکسر أی دعاهم إلی طعامه و الآدب الداعی إلی طعامه قال طرفة

ص :206

نحن فی المشتاة ندعو الجفلی

لا تری الآدب فینا ینتقر (1)

و فی هذا الکلام دلالة علی أن الجنة الآن مخلوقة و هو مذهب أکثر أصحابنا .

و معنی قوله و زروعا أی و غروسا من الشجر یقال زرعت الشجر کما یقال زرعت البر و الشعیر و یجوز أن یقال الزروع جمع زرع و هو الإنبات یقال زرعه اللّه أی أنبته و منه قوله تعالی أَ فَرَأَیْتُمْ مٰا تَحْرُثُونَ أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّٰارِعُونَ (2) و لو قال قائل إن فی الجنة زروعا من البر و القطنیة (3) لم یبعد .

قوله ثم أرسلت داعیا یعنی الأنبیاء و أقبلوا علی جیفة یعنی الدنیا و من کلام الحسن رضی اللّه عنه إنّما یتهارشون علی جیفة .

و إلی قوله و من عشق شیئا أعشی بصره نظر الشاعر فقال و عین الرضا عن کل عیب کلیلة کما أن عین السخط تبدی المساویا (4) و قیل لحکیم ما بال الناس لا یرون عیب أنفسهم کما یرون عیب غیرهم قال إن الإنسان عاشق لنفسه و العاشق لا یری عیوب المعشوق .

قد خرقت الشهوات عقله

أی أفسدته کما تخرق الثوب فیفسد .

و إلی قوله فهو عبد لها و لمن فی یدیه شیء منها نظر ابن درید فقال عبید ذی المال و إن لم یطمعوا

ص :207

و إلی قوله حیثما زالت زال إلیها و حیثما أقبلت أقبل علیها نظر الشاعر فقال ما الناس إلاّ مع الدنیا و صاحبها

و الغرة الاغترار و الغفلة و الغار الغافل و قد اغتررت بالرجل و اغتره زید أی أتاه علی غرة منه و یجوز أن یعنی بقوله المأخوذین علی الغرة الحداثة و الشبیبة یقول کان ذلک فی غرارتی و غرتی أی فی حداثتی و صبای .

قوله سکرة الموت و حسرة الفوت أی الحسرة علی ما فاتهم من الدنیا و لذتها و الحسرة علی ما فاتهم من التوبة و الندم و استدراک فارط المعاصی .

و الولوج الدخول ولج یلج .

قوله و بقاء من لبه أی لبه باق لم یعدم و یروی و نقاء بالنون و النقاء النظافة أی لبه غیر مغمور .

أغمض فی مطالبها

أی تساهل فی دینه فی اکتسابه إیاها أی کان یفنی نفسه بتأویلات ضعیفة فی استحلال تلک المطالب و المکاسب فذاک هو الإغماض قال تعالی وَ لَسْتُمْ بِآخِذِیهِ إِلاّٰ أَنْ تُغْمِضُوا فِیهِ (1) و یمکن أن یحمل علی وجه آخر و هو أنّه قد کان یحتال بحیل غامضة دقیقة فی تلک المطالب حتّی حصلها و اکتسبها .

قوله ع و أخذها من مصرحاتها و مشتبهاتها أی من وجوه مباحة و ذوات شبهة و هذا یؤکد المحمل الأول فی أغمض .

و التبعات الآثام الواحدة تبعة و مثلها التباعة قال

ص :208

لم یحذروا من ربهم

سوء العواقب و التباعة (1) .

و المهنأ المصدر من هنئ الطعام و هنؤ بالکسر و الضم مثل فقه و فقه فإن کسرت قلت یهنأ و إن ضممت قلت یهنؤ و المصدر هناءة و مهنأ أی صار هنیئا و هنأنی الطعام یهنؤنی و یهنئنی و لا نظیر له فی المهموز هنأ و هناء و هنئت الطعام أی تهنأت به و منه قوله تعالی فَکُلُوهُ هَنِیئاً مَرِیئاً (2) .

و العبء الحمل و الجمع أعباء .

و غلق الرهن أی استحقه المرتهن و ذلک إذا لم یفتکک فی الوقت المشروط قال زهیر و فارقتک برهن لا فکاک له یوم الوداع فأمسی الرهن قد غلقا (3) .

فإن قلت فما معنی قوله ع قد غلقت رهونه بها فی هذا الموضع قلت لما کان قد شارف الرحیل و أشفی علی الفراق و صارت تلک الأموال التی جمعها مستحقة لغیره و لم یبق له فیها تصرف أشبهت الرهن الذی غلق علی صاحبه فخرج عن کونه مستحقا له و صار مستحقا لغیره و هو المرتهن .

و أصحر انکشف و أصله الخروج إلی الصحراء و البروز من المکمن .

رجع کلامهم ما یتراجعونه بینهم (4) من الکلام ازداد الموت التیاطا به أی التصاقا قد أوحشوا أی جعلوا مستوحشین و المستوحش المهموم الفزع و یروی أوحشوا من جانبه أی خلوا منه و أقفروا تقول قد أوحش المنزل من أهله أی أقفر .

و خلا إلی مخط فی الأرض أی إلی خطّ سماه مخطا أو خطا لدقته یعنی اللحد

ص :209

و یروی إلی محط بالحاء المهملة و هو المنزل و حط القوم أی نزلوا .

و ألحق آخر الخلق بأوله

أی تساوی الکل فی شمول الموت و الفناء لهم فالتحق الآخر بالأول .

أماد السماء

حرکها و یروی أمار و الموران الحرکة و فطرها شقها و أرج الأرض زلزلها تقول رجت الأرض و أرجها اللّه و یجوز رجها و قد روی رج الأرض بغیر همزة و هو الأصح و علیه ورد القرآن إِذٰا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (1) .

أرجفها

جعلها راجفة أی مرتعدة متزلزلة رجفت الأرض ترجف و الرجفان الاضطراب الشدید و سمی البحر رجافا لاضطرابه قال الشاعر حتی تغیب الشمس فی الرجاف (2) .

و نسفها

قلعها من أصولها و دک بعضها بعضا صدمه و دقه حتّی یکسره و یسویه بالأرض و منه قوله سبحانه وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبٰالُ فَدُکَّتٰا دَکَّةً وٰاحِدَةً (3) .

میزهم

أی فصل بینهم فجعلهم فریقین سعداء و أشقیاء و منه قوله تعالی وَ امْتٰازُوا الْیَوْمَ أَیُّهَا الْمُجْرِمُونَ (4) أی انفصلوا من أهل الطاعة .

یظعن

یرحل تنوبهم الأفزاع تعاودهم و تعرض لهم الأخطار جمع خطر و هو ما یشرف به علی الهلکة.

ص :210

و تشخصهم الأسفار تخرجهم من منزل إلی منزل شخص الرجل و أشخصه غیره و غل الأیدی جعلها فی الأغلال جمع غل بالضم و هو القید و القطران الهناء قطرت البعیر أی طلیته بالقطران قال کما قطر المهنوءة الرجل الطالی (1) و بعیر مقطور و هذا من الألفاظ القرآنیة قال تعالی سَرٰابِیلُهُمْ مِنْ قَطِرٰانٍ وَ تَغْشیٰ وُجُوهَهُمُ النّٰارُ (2) و المعنی أن النار إلی القطران سریعة جدا .

و مقطعات النیران

أی ثیاب من النیران قد قطعت و فصلت لهم و قیل المقطعات قصار الثیاب و الکلب الشدة و الجلب و اللجب الصوت و القصیف الصوت الشدید .

لا یقصم کبولها

لا یکسر قیودها الواحد کبل .

ثمّ ذکر أن عذابهم سرمدی و أنّه لا نهایة له نعوذ بالله من عذاب ساعة واحدة فکیف من العذاب الأبدی

الذی قد وقع الإجماع علی خطابته و حسنها و أن مواعظه هی الغایة التی لیس بعدها غایة فمن ذلک قوله أیها الناس تجهزوا فقد ضرب فیکم بوق الرحیل و ابرزوا فقد قربت لکم نوق التحویل و دعوا التمسک بخدع الأباطیل و الرکون إلی التسویف و التعلیل فقد سمعتم ما کرر اللّه علیکم من قصص أبناء القری و ما وعظکم به من مصارع من سلف من الوری ممّا لا یعترض لذوی البصائر فیه شک و لا مرا و أنتم معرضون عنه إعراضکم عما یختلق و یفتری حتّی کان ما تعلمون منه أضغاث أحلام الکری و أیدی المنایا قد فصمت من أعمارکم أوثق العری و هجمت بکم علی هول مطلع کریه القری فالقهقری رحمکم اللّه عن حبائل العطب القهقری و اقطعوا مفاوز الهلکات بمواصلة السری و قفوا علی أحداث المنزلین من شناخیب الذری المنجلین بوازع أم حبوکری المشغولین بما علیهم من الموت جری و اکشفوا عن الوجوه المنعمة أطباق الثری تجدوا ما بقی منها عبرة لمن یری فرحم اللّه امرأ رحم نفسه فبکاها و جعل منها إلیها مشتکاها قبل أن تعلق به خطاطیف المنون و تصدق فیه أراجیف الظنون و تشرق علیه بمائها مقل العیون و یلحق بمن دثر من القرون قبل أن یبدوا علی المناکب محمولا و یغدو إلی محل المصائب منقولا و یکون عن الواجب مسئولا و بالقدوم علی الطالب الغالب مشغولا هناک یرفع الحجاب و یوضع الکتاب و تقطع الأسباب و تذهب الأحساب و یمنع الإعتاب و یجمع من حقّ علیه العقاب و من وجب له الثواب فیضرب بَیْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بٰابٌ بٰاطِنُهُ فِیهِ الرَّحْمَةُ وَ ظٰاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذٰابُ .

فلینظر المنصف هذا الکلام و ما علیه من أثر التولید أولا بالنسبة إلی ذلک الکلام العربی المحض ثمّ لینظر فیما علیه من الکسل و الرخاوة و الفتور و البلادة حتّی کأنّ ذلک

ص :212

الکلام لعامر بن الطفیل (1) مستلئما شکته (2) راکبا جواده و هذا الکلام للدلال المدینی (3) المخنث آخذا زمارته متأبطا دفه.

و المح ما فی بوق الرحیل من السفسفة و اللفظ العامی الغث و اعلم أنهم کلهم عابوا علی أبی الطیب قوله فإن کان بعض الناس سیفا لدولة ففی الناس بوقات لها و طبول (4) و قالوا لا تدخل لفظة بوق فی کلام یفلح أبدا.

و المح ما علی قوله القهقری القهقری متکررة من الهجنة و أهجن منها أم حبوکری (5) و أین هذا اللفظ الحوشی الذی تفوح منه روائح الشیح و القیصوم و کأنّه من أعرابی قح قد قدم من نجد لا یفهم محاورة أهل الحضر و لا أهل الحضر یفهمون حواره من هذه الخطبة اللینة الألفاظ التی تکاد أن تتثنی من لینها و تتساقط من ضعفها ثمّ المح هذه الفقر و السجعات التی أولها القری ثمّ المر ثمّ یفتری ثمّ الکری إلی قوله عبرة لمن یری هل تری تحت هذا الکلام معنی لطیفا أو مقصدا رشیقا أو هل تجد اللفظ نفسه لفظا جزلا فصیحا أو عذبا معسولا و إنّما هی ألفاظ قد ضم بعضها إلی بعض و الطائل تحتها قلیل جدا و تأمل لفظة مرا فإنها ممدودة فی اللغة فإن کان قصرها فقد رکب ضرورة مستهجنة و إن أراد جمع مریة فقد خرج

ص :213

عن الصناعة لأنّه یکون قد عطف الجمع المفرد فیصیر مثل قول القائل ما أخذت منه دینارا و لا دراهم فی أنّه لیس بالمستحسن فی فن البیان.

و من ذلک قوله أیها الناس حصحص الحق فما من الحق مناص و أشخص الخلق فما لأحد من الخلق خلاص و أنتم علی ما یباعدکم من اللّه حراص و لکم علی موارد الهلکة اغتصاص و فیکم عن مقاصد البرکة انتکاص کأنّ لیس أمامکم جزاء و لا قصاص و لجوارح الموت فی وحش نفوسکم اقتناص لیس بها علیها تأب و لا اعتیاص.

فلیتأمل أهل المعرفة بعلم الفصاحة و البیان هذا الکلام بعین الإنصاف یعلموا أن سطرا واحدا من کلام نهج البلاغة یساوی ألف سطر منه بل یزید و یربی علی ذلک فإن هذا الکلام ملزق علیه آثار کلفة و هجنة ظاهرة یعرفها العامی فضلا عن العالم.

و من هذه الخطبة فاهجروا رحمکم اللّه وثیر المراقد و ادخروا طیب المکتسب تخلصوا من انتقاد الناقد و اغتنموا فسحة المهل قبل انسداد المقاصد و اقتحموا سبل الآخرة علی قلة المرافق و المساعد.

فهل یجد متصفح الکلام لهذا الفصل عذوبة أو معنی یمدح الکلام لأجله و هل هو إلاّ ألفاظ مضموم بعضها إلی بعض لیس لها حاصل کما قیل فی شعر ذی الرمة بعر ظباء و نقط عروس (1) و من ذلک قوله فیا له من واقع فی کرب الحشارج مصارع لسکرات الموت معالج حتّی درج علی تلک المدارج و قدم بصحیفته علی ذی المعارج.

ص :214

و غیر خاف ما فی هذا الکلام من التکلف.

و من ذلک قوله فکأنکم بمنادی الرحیل قد نادی فی أهل الإقامة فاقتحموا بالصغار محجة القیامة یتلو الأوائل منهم الأواخر و یتبع الأکابر منهم الأصاغر و یلتحق الغوامر من دیارهم بالغوامر حتّی تبتلع جمیعهم الحفر و المقابر.

فإن هذا الکلام رکیک جدا لو قاله خطیب من خطباء قری السواد لم یستحسن منه بل ترک و استرذل.

و لعلّ عائبا یعیب علینا فیقول شرعتم فی المقایسة و الموازنة بین کلام أمیر المؤمنین ع و بین کلام ابن نباتة و هل هذا إلاّ بمنزلة قول من یقول السیف أمضی من العصا و فی هذه غضاضة علی السیف فنقول إنّه قد اشتملت کتب المتکلّمین علی المقایسة بین کلام اللّه تعالی و بین کلام البشر لیبینوا فضل القرآن و زیادة فصاحته علی فصاحة کلام العرب نحو مقایستهم بین قوله تعالی وَ لَکُمْ فِی الْقِصٰاصِ حَیٰاةٌ (1) و بین قول القائل القتل أنفی للقتل و نحو مقایستهم بین قوله تعالی خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِینَ (2) و بین قول الشاعر فإن عرضوا بالشر فاصفح تکرما و إن کتموا عنک الحدیث فلا تسل.

و نحو إیرادهم کلام مسیلمة و أحمد بن سلیمان المعری و عبد اللّه بن المقفع فصلا فصلا و الموازنة و المقایسة بین ذلک و بین القرآن المجید و إیضاح أنّه لا یبلغ ذلک إلی درجة

ص :215

القرآن العزیز و لا یقاربها فلیس بمستنکر منا أن نذکر کلام ابن نباتة فی معرض إیرادنا کلام أمیر المؤمنین ع لتظهر فضیلة کلامه ع بالنسبة إلی هذا الخطیب الفاضل الذی قد اتفق الناس علی أنّه أوحد عصره فی فنه.

و اعلم أنا لا ننکر فضل ابن نباتة و حسن أکثر خطبه و لکن قوما من أهل العصبیّة و العناد یزعمون أن کلامه یساوی کلام أمیر المؤمنین ع و یماثله و قد ناظر بعضهم فی ذلک فأحببت أن أبین للناس فی هذا الکتاب أنّه لا نسبة لکلامه إلی کلام أمیر المؤمنین ع و أنّه بمنزلة شعر الأبله و ابن المعلم بالإضافة إلی زهیر و النابغة .و اعلم أن معرفة الفصیح و الأفصح و الرشیق و الأرشق و الحلو و الأحلی و العالی و الأعلی من الکلام أمر لا یدرک إلاّ بالذوق و لا یمکن إقامة الدلالة المنطقیة علیه و هو بمنزلة جاریتین إحداهما بیضاء مشربة حمرة دقیقة الشفتین نقیة الثغر کحلاء العینین أسیلة الخد دقیقة الأنف معتدلة القامة و الأخری دونها فی هذه الصفات و المحاسن لکنها أحلی فی العیون و القلوب منها و ألیق و أصلح و لا یدری لأی سبب کان ذلک و لکنه بالذوق و المشاهدة یعرف و لا یمکن تعلیله و هکذا الکلام نعم یبقی الفرق بین الموضعین أن حسن الوجوه و ملاحتها و تفضیل بعضها علی بعض یدرکه کل من له عین صحیحة و أمّا الکلام فلا یعرفه إلاّ أهل الذوق و لیس کل من اشتغل بالنحو و اللغة أو بالفقه کان من أهل الذوق و ممن یصلح لانتقاد الکلام و إنّما أهل الذوق هم الذین اشتغلوا بعلم البیان و راضوا أنفسهم بالرسائل و الخطب و الکتابة و الشعر و صارت لهم

ص :216

بذلک دربة و ملکة تامّة فإلی أولئک ینبغی أن ترجع فی معرفة الکلام و فضل بعضه علی بعض إن کنت عادما لذلک من نفسک مِنْهَا فِی ذِکْرِ اَلنَّبِیِّ ص :

قَدْ حَقَّرَ الدُّنْیَا وَ صَغَّرَهَا وَ أَهْوَنَ بِهَا وَ هَوَّنَهَا وَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِیَاراً وَ بَسَطَهَا لِغَیْرِهِ احْتِقَاراً فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْیَا بِقَلْبِهِ وَ أَمَاتَ ذِکْرَهَا [مِنْ]

عَنْ نَفْسِهِ وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِیبَ زِینَتُهَا عَنْ عَیْنِهِ لِکَیْلاَ یَتَّخِذَ مِنْهَا رِیَاشاً أَوْ یَرْجُوَ فِیهَا مَقَاماً بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً وَ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ مُنْذِراً وَ دَعَا إِلَی اَلْجَنَّةِ مُبَشِّراً وَ خَوَّفَ مِنَ اَلنَّارِ مُحَذِّراً .

فعل مشدد للتکثیر قتلت أکثر من قتلت فیقتضی قوله ع قد حقر الدنیا زیادة تحقیر النبیّ ص لها و ذلک أبلغ فی الثناء علیه و تقریظه.

قوله و صغرها أی و صغرها عند غیره لیکون قوله و أهون بها و هونها مطابقا له أی أهون هو بها و هونها عند غیره .

و زواها قبضها

1647

قَالَ ع زُوِیَتْ لِیَ الْأَرْضُ فَرَأَیْتُ مَشَارِقَهَا وَ مَغَارِبَهَا.

و قوله اختیارا أی قبض الدنیا عنه باختیار و رضا من النبیّ ص بذلک و علم بما فیه من رفعة قدره و منزلته فی الآخرة .

ص :217

و الریاش و الریش بمعنی و هو اللباس الفاخر کالحرم و الحرام و اللبس و اللباس و قرئ و ریاشا وَ لِبٰاسُ التَّقْویٰ ذٰلِکَ خَیْرٌ (1) و یقال الریش و الریاش المال و الخصب و المعاش و ارتاش فلان حسنت حاله و معذرا أی مبالغا أعذر فلان فی الأمر أی بالغ فیه نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَ مَحَطُّ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلاَئِکَةِ وَ مَعَادِنُ الْعِلْمِ وَ یَنَابِیعُ الْحُکْمِ نَاصِرُنَا وَ مُحِبُّنَا یَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ وَ عَدُوُّنَا وَ مُبْغِضُنَا یَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ.

هذا الکلام غیر ملتصق بالأول کل الالتصاق و هو من النمط الذی ذکرناه مرارا لأن الرضی رحمه اللّه یقتضب فصولا من خطبة طویلة فیوردها إیرادا واحدا و بعضها منقطع عن البعض .

قوله ع نحن شجرة النبوّة کأنّه جعل النبوّة کثمرة أخرجتها شجرة بنی هاشم و محط الرسالة منزلها و مختلف الملائکة موضع اختلافها فی صعودها و نزولها و إلی هذا المعنی نظر بعض الطالبیین فقال یفتخر علی بنی عم له لیسوا بفاطمیین هل کان یقتعد البراق أبوکم

ص :218

و قال آخر یمدح قوما فاطمیین و یطرقه الوحی وهنا و أنتم ضجیعان بین یدی جبرئیلا یعنی حسنا ع و حسینا ع .و اعلم أنّه إن أراد بقوله نحن مختلف الملائکة جماعة من جملتها رسول اللّه ص فلا ریب فی صحة القضیة و صدقها و إن أراد بها نفسه و ,2ابنیه فهی أیضا صحیحة و لکن مدلوله مستنبط

1648

فَقَدْ جَاءَ فِی الْأَخْبَارِ الصَّحِیحَةِ أَنَّهُ قَالَ یَا جِبْرِیلُ إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جِبْرِیلُ وَ أَنَا مِنْکُمَا.

و

1649

رَوَی أَبُو أَیُّوبَ الْأَنْصَارِیُّ مَرْفُوعاً لَقَدْ صَلَّتِ الْمَلاَئِکَةُ عَلَیَّ وَ عَلَی عَلِیٍّ سَبْعَ سِنِینَ لَمْ تُصَلِّ عَلَی ثَالِثٍ لَنَا.

و ذلک قبل أن یظهر أمر الإسلام و یتسامع الناس به.

و

1650

2,1,14- فِی خُطْبَةِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ ع لَمَّا قُبِضَ أَبُوهُ لَقَدْ فَارَقَکُمْ فِی هَذِهِ اللَّیْلَةِ رَجُلٌ لَمْ یَسْبِقْهُ الْأَوَّلُونَ وَ لاَ یُدْرِکُهُ الْآخِرُونَ کَانَ یَبْعَثُهُ رَسُولُ اللَّهِ ص لِلْحَرْبِ وَ جِبْرِیلُ عَنْ یَمِینِهِ وَ مِیکَائِیلُ عَنْ یَسَارِهِ .

و

1651

جَاءَ فِی الْحَدِیثِ أَنَّهُ سُمِعَ یَوْمَ أُحُدٍ صَوْتٌ مِنَ الْهَوَاءِ مِنْ جِهَةِ السَّمَاءِ یَقُولُ لاَ سَیْفَ إِلاَّ ذُو الْفَقَارِ وَ لاَ فَتَی إِلاَّ عَلِیٌّ وَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ هَذَا صَوْتُ جِبْرِیلِ .

فأما قوله و معادن العلم و ینابیع الحکم یعنی الحکمة أو الحکم الشرعی فإنّه و إن عنی بها نفسه و ذریته فإن الأمر فیها ظاهر جدا

1652

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنَا مَدِینَةُ الْعِلْمِ وَ عَلِیٌّ بَابُهَا فَمَنْ أَرَادَ الْمَدِینَةَ فَلْیَأْتِ الْبَابَ.

و

1653

قَالَ أَقْضَاکُمْ عَلِیٌّ .

و القضاء أمر یستلزم علوما کثیرة.

و

1654

14,1- جَاءَ فِی الْخَبَرِ أَنَّهُ بَعَثَهُ إِلَی اَلْیَمَنِ قَاضِیاً فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ کُهُولٌ وَ ذَوُو أَسْنَانٍ

ص :219

وَ أَنَا فَتًی وَ رُبَّمَا لَمْ أُصِبْ فِیمَا أَحْکُمُ بِهِ بَیْنَهُمْ فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فَإِنَّ اللَّهَ سَیُثَبِّتُ قَلْبَکَ وَ یَهْدِی لِسَانَکَ

.

1655

14,1- وَ جَاءَ فِی تَفْسِیرِ قَوْلِهِ تَعَالَی وَ تَعِیَهٰا أُذُنٌ وٰاعِیَةٌ (1) سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ یَجْعَلَهَا أُذُنَکَ فَفَعَلَ .

1656

1- وَ جَاءَ فِی تَفْسِیرِ قَوْلِهِ تَعَالَی أَمْ یَحْسُدُونَ النّٰاسَ عَلیٰ مٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ (2) أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِی عَلِیٍّ ع وَ مَا خُصَّ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ .

1657

وَ جَاءَ فِی تَفْسِیرِ قَوْلِهِ تَعَالَی أَ فَمَنْ کٰانَ عَلیٰ بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ یَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ (3) أَنَّ الشَّاهِدَ عَلِیٌّ ع .

و

1658

رَوَی الْمُحَدِّثُونَ أَنَّهُ قَالَ لِفَاطِمَةَ زَوَّجْتُکِ أَقْدَمَهُمْ سِلْماً وَ أَعْظَمَهُمْ حِلْماً وَ أَعْلَمَهُمْ عِلْماً.

و

1659

رَوَی الْمُحَدِّثُونَ أَیْضاً عَنْهُ ع أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ یَنْظُرَ إِلَی نُوحٍ فِی عَزْمِهِ وَ مُوسَی فِی عِلْمِهِ وَ عِیسَی فِی وَرَعِهِ فَلْیَنْظُرْ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ .

و بالجملة فحاله فی العلم حال رفیعة جدا لم یلحقه أحد فیها و لا قاربه و حقّ له أن یصف نفسه بأنّه معادن العلم و ینابیع الحکم فلا أحد أحق بها منه بعد رسول اللّه ص .

فإن قلت کیف قال عدونا و مبغضنا ینتظر السطوة و نحن نشاهد أعداءه و مبغضیه لا ینتظرونها قلت لما کانت منتظرة لهم و معلوما بیقین حلولها بهم صاروا کالمنتظرین لها و أیضا فإنهم ینتظرون الموت لا محالة الذی کل إنسان ینتظره و لما کان الموت مقدّمة العقاب و طریقا إلیه جعل انتظاره انتظار ما یکون بعده

ص :220

أولها الإیمان بالله و برسوله و یعنی بالإیمان هاهنا مجرد التصدیق بالقلب مع قطع النظر عما عدا ذلک من التلفظ بالشهادة و من الأعمال الواجبة و ترک القبائح و قد ذهب إلی أن ماهیة الإیمان هو مجرد التصدیق القلبی جماعة من المتکلّمین و هو و إن لم یکن مذهب أصحابنا فإن لهم أن یقولوا إن أمیر المؤمنین ع جاء بهذا اللفظ علی أصل الوضع اللغوی لأن الإیمان فی أصل اللغة هو التصدیق قال سبحانه و تعالی وَ مٰا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنٰا وَ لَوْ کُنّٰا صٰادِقِینَ (1) أی لست بمصدق لنا لا إن کنا صادقین و لا إن کنا کاذبین و مجیئه ع به علی أصل الوضع اللغوی لا یبطل مذهبنا فی مسمی الإیمان لأنا نذهب إلی أن الشرع استجد لهذه اللفظة مسمی ثانیا کما نذهب إلیه فی الصلاة و الزکاة و غیرهما فلا منافاة إذا بین مذهبنا و بین ما أطلقه ع .

و ثانیها الجهاد فی سبیل اللّه و إنّما قدمه علی التلفظ بکلمتی الشهادة لأنّه من باب دفع الضرر عن النفس و دفع الضرر عن النفس مقدم علی سائر الأعمال المتعلقة بالجوارح و التلفظ بکلمتی الشهادة من أعمال الجوارح و إنّما أخره عن الإیمان لأن الإیمان من أفعال القلوب فهو خارج عما یتقدم علیه و دفع الضرر من الأفعال المختصة بالجوارح و أیضا فإن الإیمان أصل الجهاد لأنّه ما لم یعلم الإنسان علی ما ذا یجاهد لا یجاهد و إنّما جعله ذروة الإسلام أی أعلاه لأنّه ما لم تتحصن دار الإسلام بالجهاد لا یتمکن المسلمون من القیام بوظائف الإسلام فکان إذا من الإسلام بمنزلة الرأس من البدن .

و ثالثها کلمة الإخلاص یعنی شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و شهادة أن محمّدا رسول اللّه قال فإنها الفطرة یعنی هی اَلَّتِی فَطَرَ النّٰاسَ عَلَیْهٰا و الأصل الکلمة الأولی لأنّها التوحید و علیها فطر البشر کلهم و الکلمة الثانیة تبع لها فأجریت مجراها و إنّما أخرت

ص :222

هذه الخصلة عن الجهاد لأن الجهاد کان هو السبب فی إظهار الناس لها و نطقهم بها فصار کالأصل بالنسبة إلیها .

و رابعها إقام الصلاة أی إدامتها و الأصل أقام إقواما فحذفوا عین الفعل و تارة یعوضون عن العین المفتوحة هاء فیقولون إقامة قال فإنها الملّة و هذا مثل

1660

قَوْلَ اَلنَّبِیِّ ص الصَّلاَةُ عِمَادُ الدِّینِ فَمَنْ تَرَکَهَا فَقَدْ هَدَمَ الدِّینَ .

و خامسها إیتاء الزکاة و إنّما أخرها عن الصلاة لأن الصلاة آکد افتراضا منها و إنّما قال فی الزکاة فإنها فریضة واجبة لأن الفریضة لفظ یطلق علی الجزء المعین المقدر فی السائمة باعتبار غیر الاعتبار الذی یطلق به علی صلاة الظهر لفظ الفریضة و الاعتبار الأول من القطع و الثانی من الوجوب و قال فإنها فریضة واجبة مثل أن یقول فإنها شیء مقتطع من المال موصوف بالوجوب .

و سادسها صوم شهر رمضان و هو أضعف وجوبا من الزکاة و جعله جنة من العقاب أی سترة .

و سابعها الحجّ و العمرة و هما دون فریضة الصوم و قال إنهما ینفیان الفقر و یرحضان الذنب أی یغسلانه رحضت الثوب و ثوب رحیض و هذا الکلام یدلّ علی وجوب العمرة و قد ذهب إلیه کثیر من الفقهاء العلماء .

و ثامنها صلة الرحم و هی واجبة و قطیعة الرحم محرمة قال فإنها مثراة فی المال أی تثریه و تکثره .

و منسأة فی الأجل

أی تنسؤه و تؤخره و یقال نسأ اللّه فی أجلک و یجوز أنسأه بالهمزة.

فإن قلت فما الحجة علی تقدیم وجوب الصلاة ثمّ الزکاة ثمّ الصوم ثمّ الحجّ

ص :223

قلت أما الصلاة فلأن تارکها یقتل و إن لم یجحد وجوبها و غیرها لیس کذلک و إنّما قدمت الزکاة علی الصوم لأن اللّه تعالی قرنها بالصلاة فی کثیر من الکتاب العزیز و لم یذکر صوم شهر رمضان إلا فی موضع واحد و کثرة تأکید الشیء و ذکره دلیل علی أنّه أهم و إنّما قدم الصوم علی الحجّ لأنّه یتکرر وجوبه و الحجّ لا یجب فی العمر إلاّ مرة واحدة فدل علی أنّه أهم عند الشارع من الحجّ .

ثمّ قال ع و صدقة السر فخرج من الواجبات إلی النوافل قال فإنها تکفر الخطیئة و التکفیر هو إسقاط عقاب مستحق بثواب أزید منه أو توبة و أصله فی اللغة الستر و التغطیة و منه الکافر لأنّه یغطی الحق و سمی البحر کافرا لتغطیته ما تحته و سمی الفلاح کافرا لأنّه یغطی الحب فی الأرض المحروثة .

ثمّ قال و صدقة العلانیة فإنها تدفع میتة السوء کالغرق و الهدم و غیرها .

قال و صنائع المعروف فإنها تقیّ مصارع الهوان کأسر الروم للمسلم أو کأخذ الظلمة لغیر المستحق للأخذ.

ثمّ شرع فی وصایا أخر عددها و الهدی السیرة و

1661

فِی الْحَدِیثِ وَ اهْدُوا هَدْیَ عَمَّارٍ .

یقال هدی فلان هدی فلان أی سار سیرته .

و سمی القرآن حدیثا اتباعا لقول اللّه تعالی نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ کِتٰاباً مُتَشٰابِهاً (1) و استدلّ أصحابنا بالآیة علی أنّه محدث لأنّه لا فرق بین حدیث و محدث فی اللغة فإن قالوا إنّما أراد أحسن الکلام قلنا لعمری إنّه کذلک و لکنه لا یطلق علی الکلام القدیم لفظة حدیث لأنّه إنّما سمی الکلام و المحاورة و المخاطبة حدیثا لأنّه أمر یتجدد حالا فحالا و القدیم لیس کذلک.

ص :224

ثم قال تفقهوا فیه فإنّه ربیع القلوب من هذا أخذ ابن عبّاس قوله إذا قرأت ألم حم وقعت فی روضات دمثات.

ثم قال فإنه شفاء الصدور و هذا من الألفاظ القرآنیة (1) .

ثم سماه قصصا اتباعا لما ورد فی القرآن من قوله نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ (2) .

ثم ذکر أن العالم الذی لا یعمل بعلمه کالجاهل الحائر الذی لا یستفیق من جهله .

ثمّ قال بل الحجة علیه أعظم لأنّه یعلم الحق و لا یعمل به فالحجة علیه أعظم من الحجة علی الجاهل و إن کانا جمیعا محجوجین أما أحدهما فبعلمه و أمّا الآخر فبتمکنه من أن یعلم.

ثم قال و الحسرة له ألزم لأنّه عند الموت یتأسف ألا یکون عمل بما علم و الجاهل لا یأسف ذلک الأسف.

ثم قال و هو عند اللّه ألوم أی أحق أن یلام لأن المتمکن عالم بالقوة و هذا عالم بالفعل فاستحقاقه اللوم و العقاب أشد

ص :225

مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَکْثَرَ مِمَّا یُؤْمِنُهُ وَ مَنِ اسْتَکْثَرَ مِنْهَا اسْتَکْثَرَ مِمَّا یُوبِقُهُ وَ زَالَ عَمَّا قَلِیلٍ عَنْهُ کَمْ مِنْ وَاثِقٍ بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ وَ ذِی طُمَأْنِینَةٍ قَدْ صَرَعَتْهُ وَ ذِی أُبَّهَةٍ قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِیراً وَ ذِی نَخْوَةٍ قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِیلاً سُلْطَانُهَا دُوَلٌ وَ عَیْشُهَا [رَنَقٌ]

رَنِقٌ وَ عَذْبُهَا أُجَاجٌ وَ حُلْوُهَا صَبِرٌ وَ غِذَاؤُهَا سِمَامٌ وَ أَسْبَابُهَا رِمَامٌ حَیُّهَا بِعَرَضِ مَوْتٍ وَ صَحِیحُهَا بِعَرَضِ سُقْمٍ مُلْکُهَا مَسْلُوبٌ وَ عَزِیزُهَا مَغْلُوبٌ وَ مَوْفُورُهَا مَنْکُوبٌ وَ جَارُهَا مَحْرُوبٌ أَ لَسْتُمْ فِی مَسَاکِنِ مَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً وَ أَبْقَی آثَاراً وَ أَبْعَدَ آمَالاً وَ أَعَدَّ عَدِیداً وَ أَکْثَفَ جُنُوداً تَعَبَّدُوا لِلدُّنْیَا أَیَّ تَعَبُّدٍ وَ آثَرُوهَا أَیَّ إِیْثَارٍ ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْهَا بِغَیْرِ زَادٍ مُبَلِّغٍ وَ لاَ ظَهْرٍ قَاطِعٍ فَهَلْ بَلَغَکُمْ أَنَّ الدُّنْیَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِفِدْیَةٍ أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَةٍ أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَةً بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بِالْفَوَادِحِ وَ أَوْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ وَ ضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ وَ عَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ وَ وَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ وَ أَعَانَتْ عَلَیْهِمْ رَیْبَ الْمَنُونِ فَقَدْ رَأَیْتُمْ تَنَکُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا وَ آثَرَهَا وَ أَخْلَدَ إِلَیْهَا حِینَ ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ الْأَبَدِ وَ هَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلاَّ السَّغَبَ أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلاَّ الضَّنْکَ أَوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلاَّ الظُّلْمَةَ أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلاَّ النَّدَامَةَ أَ فَهَذِهِ تُؤْثِرُونَ أَمْ إِلَیْهَا تَطْمَئِنُّونَ أَمْ عَلَیْهَا تَحْرِصُونَ فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ یَتَّهِمْهَا وَ لَمْ یَکُنْ فِیهَا عَلَی وَجَلٍ مِنْهَا فَاعْلَمُوا وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّکُمْ تَارِکُوهَا وَ ظَاعِنُونَ عَنْهَا وَ اتَّعِظُوا فِیهَا بِالَّذِینَ قَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنّٰا قُوَّةً (1) حُمِلُوا إِلَی قُبُورِهِمْ فَلاَ یُدْعَوْنَ رُکْبَاناً وَ أُنْزِلُوا

ص :227

الْأَجْدَاثَ فَلاَ یُدْعَوْنَ ضِیفَاناً وَ جُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِیحِ أَجْنَانٌ وَ مِنَ التُّرَابِ أَکْفَانٌ وَ مِنَ الرُّفَاتِ جِیرَانٌ فَهُمْ جِیرَةٌ لاَ یُجِیبُونَ دَاعِیاً وَ لاَ یَمْنَعُونَ ضَیْماً وَ لاَ یُبَالُونَ مَنْدَبَةً إِنْ جِیدُوا لَمْ یَفْرَحُوا وَ إِنْ قُحِطُوا لَمْ یَقْنَطُوا جَمِیعٌ وَ هُمْ آحَادٌ وَ جِیرَةٌ وَ هُمْ أَبْعَادٌ مُتَدَانُونَ لاَ یَتَزَاوَرُونَ وَ قَرِیبُونَ لاَ یَتَقَارَبُونَ حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ وَ جُهَلاَءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ لاَ یُخْشَی فَجْعُهُمْ وَ لاَ یُرْجَی دَفْعُهُمْ اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْضِ بَطْناً وَ بِالسَّعَةِ ضِیقاً وَ بِالْأَهْلِ غُرْبَةً وَ بِالنُّورِ ظُلْمَةً فَجَاءُوهَا کَمَا فَارَقُوهَا حُفَاةً عُرَاةً قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَی الْحَیَاةِ الدَّائِمَةِ وَ الدَّارِ الْبَاقِیَةِ کَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی- کَمٰا بَدَأْنٰا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ وَعْداً عَلَیْنٰا إِنّٰا کُنّٰا فٰاعِلِینَ .

(1)

خضرة

أی ناضرة و هذه اللفظة من الألفاظ النبویّة

1662

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص إِنَّ الدُّنْیَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَ إِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُکُمْ فِیهَا فَنَاظَرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ .

و حفت بالشهوات کان الشهوات مستدیرة حولها کما یحف الهودج بالثیاب و حفوا حوله یحفون حفا أطافوا به قال اللّه تعالی وَ تَرَی الْمَلاٰئِکَةَ حَافِّینَ مِنْ حَوْلِ اَلْعَرْشِ (2) .

قوله و تحببت بالعاجلة أی تحببت إلی الناس بکونها لذة عاجلة و النفوس مغرمة مولعة بحب العاجل فحذف الجار و المجرور القائم مقام المفعول .

قوله و راقت بالقلیل أی أعجبت أهلها و إنّما أعجبتهم بأمر قلیل لیس بدائم.

ص :228

قوله و تحلت بالآمال من الحلیة أی تزینت عند أهلها بما یؤملون منها .

قوله و تزینت بالغرور أی تزینت عند الناس بغرور لا حقیقة له .

و الحبرة السرور و حائلة متغیرة و نافدة فانیة و بائدة منقضیة و أکالة قتالة و غوالة مهلکة و الغول ما غال أی أهلک و منه المثل الغضب غول الحلم .

ثمّ قال إنها إذا تناهت إلی أمنیة ذوی الرغبات فیها لا تتجاوز أن تکون کما وصفها اللّه تعالی به و هو قوله وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَیٰاةِ الدُّنْیٰا کَمٰاءٍ أَنْزَلْنٰاهُ مِنَ السَّمٰاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبٰاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِیماً تَذْرُوهُ الرِّیٰاحُ وَ کٰانَ اللّٰهُ عَلیٰ کُلِّ شَیْءٍ مُقْتَدِراً .

فاختلط

أی فالتف بنبات الأرض و تکاثف به أی بسبب ذلک الماء و بنزوله علیه و یجوز أن یکون تقدیره فاختلط بنبات الأرض لأنّه لما غذاه و أنماه فقد صار مختلطا به و لما کان کل واحد من المختلطین مشارکا لصاحبه فی مسمی الاختلاط جاز فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبٰاتُ الْأَرْضِ کما یجوز فاختلط هو بنبات الأرض.

و الهشیم ما تهشم و تحطم الواحدة هشیمة و تَذْرُوهُ الرِّیٰاحُ تطیره و کان اللّه علی ما یشاء من الإنشاء و الإفناء مقتدرا .

قوله من یلق من سرائها بطنا إنّما خص السراء بالبطن و الضراء بالظهر لأن الملاقی لک بالبطن ملاق بالوجه فهو مقبل علیک و المعطیک ظهره مدبر عنک.

و قیل لأن الترس بطنه إلیک و ظهره إلی عدوک و قیل لأن المشی فی بطون الأودیة أسهل من السیر علی الظراب و الآکام .

و طله السحاب یطله إذا أمطره مطرا قلیلا یقول إذا أعطت قلیلا من الخیر أعقبت ذلک بکثیر من الشر لأن التهتان الکثیر المطر هتن یهتن بالکسر هتنا و هتونا و تهتانا .

ص :229

قوله و حری أی جدیر و خلیق یقال بالحری أن یکون هذا الأمر کذا و هذا الأمر محراة لذلک أی مقمنة مثل محجاة و ما أحراه مثل ما أحجاه و أحر به مثل أحج به و تقول هو حری أن یفعل ذلک بالفتح أی جدیر و قمین لا یثنی و لا یجمع قال الشاعر و هن حری ألا یثبنک نقرة و أنت حری بالنار حین تثیب (1) فإذا قلت هو حر بکسر الراء و حری بتشدیدها علی فعیل ثنیت و جمعت فقلت هما حریان و حریان و حرون مثل عمون و أحراء أیضا و فی المشدد حریون و أحریاء و هی حریة و حریة و هن حریات و حریات و حرایا.

فإن قلت فهلا قال و حریة إذا أصبحت لأنّه یخبر عن الدنیا قلت أراد شأنها فذکر أی و شأنها خلیق أن یفعل کذا .

و اعذوذب صار عذبا و احلولی صار حلوا و من هاهنا أخذ الشاعر قوله ألا إنّما الدنیا غضارة أیکة

و ارتفع جانب المذکور بعد إن لأنّه فاعل فعل مقدر یفسره الظاهر أی و إن اعذوذب جانب منها لأن إن تقتضی الفعل و تطلبه فهی کإذا فی قوله تعالی إِذَا السَّمٰاءُ انْشَقَّتْ (2) .

و أمر الشیء أی صار مرا و أوبی صار وبیا و لین الهمز لأجل السجع .

و الرغب مصدر رغبت فی الأمر رغبة و رغبا أی أردته.

یقول لا ینال الإنسان منها إرادته إلا أرهقته تعبا یقال أرهقه إثما أی حمله و کلفه.

ص :230

فإن قلت لم خص الأمن بالجناح و الخوف بالقوادم قلت لأن القوادم مقادیم الریش و الراکب علیها بعرض خطر عظیم و سقوط قریب و الجناح یستر و یقی البرد و الأذی قال أبو نواس تغطیت من دهری بظل جناحه و الهاء فی جناحه ترجع إلی الممدوح (1) بهذا الشعر .

و توبقه تهلکه و الأبهة الکبر و الرنق بفتح النون مصدر رنق الماء أی تکدر و بالکسر الکدر و قد روی هاهنا بالفتح و الکسر فالکسر ظاهر و الفتح علی تقدیر حذف المضاف أی ذو رنق .

و ماء أجاج قد جمع المرارة و الملوحة أج الماء یؤج أجاجا و الصبر بکسر الباء هذا النبات المر نفسه ثمّ سمی کل مر صبرا و السمام جمع سم لهذا القاتل یقال سم و سم بالفتح و الضم و الجمع سمام و سموم .

و رمام بالیة و أسبابها حبالها و موفورها و ذو الوفر و الثروة منها و المحروب المسلوب أی لا تحمی جارا و لا تمنعه .

ثمّ أخذ قوله تعالی وَ سَکَنْتُمْ فِی مَسٰاکِنِ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَ تَبَیَّنَ لَکُمْ کَیْفَ فَعَلْنٰا بِهِمْ وَ ضَرَبْنٰا لَکُمُ الْأَمْثٰالَ (2) فقال أ لستم فی مساکن من کان قبلکم أطول أعمارا نصب أطول بأنّه خبر کان و قد دلنا الکتاب الصادق علی أنهم کانوا أطول

ص :231

أعمارا بقوله فَلَبِثَ فِیهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّٰ خَمْسِینَ عٰاماً (1) و ثبت بالعیان أنهم أبقی آثارا فإن من آثارهم الأهرام و الإیوان و منارة الإسکندریة و غیر ذلک و أمّا بعد الآمال فمرتب علی طول الأعمار فکلما کانت أطول کانت الآمال أبعد و إن عنی به علو الهمم فلا ریب أنهم کانوا أعلی همما من أهل هذا الزمان و قد کان فیهم من ملک معمورة الأرض کلها و کذلک القول فی أعد عدیدا و أکثف جنودا و العدید العدو الکثیر و أعد منهم أی أکثر .

قوله و لا ظهر قاطع أی قاطع لمسافة الطریق .

و الفوادح المثقلات فدحه الدین أثقله و یروی بالقوادح بالقاف و هی آفة تظهر فی الشجر و صدوع تظهر فی الأسنان .

و أوهقتهم

جعلتهم فی الوهق بفتح الهاء و هو حبل کالطول (2) و یجوز التسکین مثل نهر و نهر.

و القوارع المحن و الدواهی و سمیت القیامة قارعة فی الکتاب العزیز من هذا المعنی و ضعضعتهم أذلتهم قال أبو ذؤیب أنی لریب الدهر لا أتضعضع (3) و ضعضعت البناء أهدمته .

و عفرتهم للمناخر

ألصقت أنوفهم بالعفر و هو التراب و المناسم جمع منسم بکسر السین و هو خف البعیر.

ص :232

و دان لها أطاعها و دان لها أیضا ذل و أخلد إلیها مال قال تعالی وَ لٰکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَی الْأَرْضِ (1) .

و السغب الجوع یقول إنّما زودتهم الجوع و هذا مثل کما قال و مدحته فأجازنی الحرمانا و معنی قوله أو نورت لهم إلاّ الظلمة أی بالظلمة و هذا کقوله هل زودتهم إلاّ السغب و هو من باب إقامة الضد مقام الضد أی لم تسمح لهم بالنور بل بالظلمة و الضنک الضیق .

ثمّ قال فبئست الدار و حذف الضمیر العائد إلیها و تقدیره هی کما قال تعالی نِعْمَ الْعَبْدُ (2) و تقدیره هو.

و من لم یتهمها من لم یسؤ ظنا بها و الصفیح الحجارة و الأجنان القبور الواحد جنن و المجنون المقبور و منه قول الأعرابیة لله درک من مجنون فی جنن و الأکنان جمع کن و هو الستر قال تعالی وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْجِبٰالِ أَکْنٰاناً (3) .

و الرفات العظام البالیة و المندبة الندب علی المیت لا یبالون بذلک لا یکترثون به و جیدوا مطروا و قحطوا انقطع المطر عنهم فأصابهم القحط و هو الجدب و إلی معنی قوله ع فهم جیرة لا یجیبون داعیا و لا یمنعون ضیما جمیع و هم آحاد و جیرة و هم أبعاد متدانون لا یتزاورون و قریبون لا یتقاربون نظر البحتری فقال

ص :233

بنا أنت من مجفوة لم تؤنب

و قد قال الشعراء و الخطباء فی هذا المعنی کثیرا فمن ذلک قول الرضی أبی الحسن رحمه اللّه فی مرثیة لأبی إسحاق الصابی أعزز علی بأن نزلت بمنزل فقوله بادون فی صور الجمع.. البیت هو قوله ع جمع و هم آحاد بعینه و قال الرضی رحمه اللّه تعالی أیضا متوسدین علی الخدود کأنّما

ص :234

قوله قربت ضرائحهم.. البیت هو معنی قوله ع و جیرة و هم أبعاد بعینه.

و من هذا المعنی قول بعض الأعراب (1) لکل أناس مقبر فی دیارهم (2)

و من کلام ابن نباتة وحیدا علی کثرة الجیران بعیدا علی قرب المکان.

و منه قوله أسیر وحشة الانفراد فقیر إلی الیسیر من الزاد جار من لا یجیر و ضیف من لا یمیر حملوا و لا یرون رکبانا و انزلوا و لا یدعون ضیفانا و اجتمعوا و لا یسمون جیرانا و احتشدوا و لا یعدون أعوانا و هذا کلام أمیر المؤمنین ع بعینه المذکور فی هذه الخطبة و قد أخذه مصالتة.

و منه قوله طحنتهم طحن الحصید و غیبتهم تحت الصعید فبطون الأرض لهم أوطان و هم فی خرابها قطان عمروا فأخربوا و اقتربوا فاغتربوا و اصطحبوا و ما اصطحبوا.

و منه قوله غیبا کأشهاد عصبا کآحاد همودا فی ظلم الإلحاد إلی یوم التناد.

ص :235

و اعلم أن هذه الخطبة ذکرها شیخنا أبو عثمان الجاحظ فی کتاب البیان و التبیین (1) و رواها القطری بن الفجاءة و الناس یروونها لأمیر المؤمنین ع و قد رأیتها فی کتاب المونق لأبی عبید اللّه المرزبانی مرویة لأمیر المؤمنین ع و هی بکلام أمیر المؤمنین أشبه و لیس یبعد عندی أن یکون قطری قد خطب بها بعد أن أخذها عن بعض أصحاب أمیر المؤمنین ع فإن الخوارج کانوا أصحابه و أنصاره و قد لقی قطری أکثرهم

ص :236

التی هی کالشبیهة به لأنّها جسم لطیف بخاری ثمّ یخرج من حیث دخل و هی معه و إنّما یکون ذلک فی الوقت الذی یأذن اللّه تعالی له فیه و هو حضور الأجل فألزموا علی ذلک أن یغوص الملک فی الماء مع الغریق لیقبض روحه تحت الماء فالتزموا ذلک و قالوا لیس بمستحیل أن یتخلل الملک الماء فی مسام الماء فإن فیه مسام و منافذ و فی کل جسم علی قاعدتهم فی إثبات الماء فی الأجسام.

قالوا و لو فرضنا أنّه لا مسام فیه لم یبعد أن یلجه الملک فیوسع لنفسه مکانا کما یلجه الحجر و السمک و غیرهما و کالریح الشدیدة التی تقرع ظاهر البحر فتقعره و تحفره و قوة الملک أشدّ من قوة الریح .

ثمّ نعود إلی الشرح فنقول الملک أصله مألک بالهمز و وزنه مفعل و المیم زائدة لأنّه من الألوکة و الألوک و هی الرسالة ثمّ قلبت الکلمة و قدمت اللام فقیل ملأک قال الشاعر فلست لإنسی و لکن لملأک تنزل من جو السماء یصوب (1) .

ثمّ ترکت همزته لکثرة الاستعمال فقیل ملک فلما جمع ردت الهمزة إلیه فقالوا ملائکة و ملائک قال أمیة بن أبی الصلت و کأنّ برقع و الملائک حولها سدر تواکله القوائم أجرد (2) .

و التوفی الإماتة و قبض الأرواح قال اللّه تعالی اَللّٰهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِهٰا (3) .

و التقسیم الذی قسمه فی وفاة الجنین حاصر لأنّه مع فرضنا إیاه جسما یقبض الأرواح التی فی الأجسام إمّا أن یکون مع الجنین فی جوف أمه فیقبض روحه عند حضور أجله

ص :238

أو خارجا عنها و القسم الثانی ینقسم قسمین أحدهما أن یلج جوف أمه لقبض روحه فیقبضها و الثانی أن یقبضها من غیر حاجة إلی الولوج إلی جوفها و ذلک بأن تطیعه الروح و تکون مسخرة إذا أراد قبضها امتدت إلیه فقبضها و هذه القسمة لا یمکن الزیادة علیها و لو قسمها واضع المنطق لما زاد .

ثمّ خرج إلی أمر آخر أعظم و أشرف ممّا ابتدأ به فقال کیف یصف إلهه من یعجز عن وصف مخلوق مثله و إلی هذا الغرض کان یترامی و إیاه کان یقصد و إنّما مهد حدیث الملک و الجنین توطئة لهذا المعنی الشریف و السر الدقیق

و منه قول البحتری هل الشباب ملم بی فراجعة

و منه قول المتنبی و هو یتغزل بأعرابیة و یصف بخلها و جبنها و قلة مطعمها و هذه کلها من الصفات الممدوحة فی النساء خاصّة (1) فی مقلتی رشأ تدیرهما

و هذا من لطیف التخلص و رشیقه و التخلص مذهب الشعراء و المتأخرون یستعملونه کثیرا و یتفاخرون فیه و یتناضلون فأما التخلص فی الکلام المنثور فلا یکاد یظهر لمتصفح الرسالة أو الخطبة إلاّ بعد تأمل شدید و قد وردت منه مواضع فی القرآن العزیز فمن

ص :240

أبینها و أظهرها أنّه تعالی ذکر فی سورة الأعراف الأمم الخالیة و الأنبیاء الماضین من لدن آدم ع إلی أن انتهی إلی قصة موسی فقال فی آخرها بعد أن شرحها و أوضحها وَ اخْتٰارَ مُوسیٰ قَوْمَهُ سَبْعِینَ رَجُلاً لِمِیقٰاتِنٰا فَلَمّٰا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قٰالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَکْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِیّٰایَ أَ تُهْلِکُنٰا بِمٰا فَعَلَ السُّفَهٰاءُ مِنّٰا إِنْ هِیَ إِلاّٰ فِتْنَتُکَ تُضِلُّ بِهٰا مَنْ تَشٰاءُ وَ تَهْدِی مَنْ تَشٰاءُ أَنْتَ وَلِیُّنٰا فَاغْفِرْ لَنٰا وَ ارْحَمْنٰا وَ أَنْتَ خَیْرُ الْغٰافِرِینَ وَ اکْتُبْ لَنٰا فِی هٰذِهِ الدُّنْیٰا حَسَنَةً وَ فِی الْآخِرَةِ إِنّٰا هُدْنٰا إِلَیْکَ قٰالَ عَذٰابِی أُصِیبُ بِهِ مَنْ أَشٰاءُ وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ فَسَأَکْتُبُهٰا لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکٰاةَ وَ الَّذِینَ هُمْ بِآیٰاتِنٰا یُؤْمِنُونَ اَلَّذِینَ یَتَّبِعُونَ اَلرَّسُولَ النَّبِیَّ الْأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی اَلتَّوْرٰاةِ وَ اَلْإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهٰاهُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّبٰاتِ وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبٰائِثَ وَ یَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلاٰلَ الَّتِی کٰانَتْ عَلَیْهِمْ فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنْزِلَ مَعَهُ أُولٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1) .

و هذا من التخلصات اللطیفة المستحسنة

و أغر فی الزمن البهیم محجل

أ لا تراه کیف استطرد بذکر حمدویه الأحول الکاتب و کأنّه لم یقصد ذلک و لا أراده و إنّما جرته القافیة ثمّ ترک ذکره و عاد إلی وصف الفرس و لو أقسم إنسان أنّه ما بنی القصیدة منذ افتتحها إلاّ علی ذکره و لذلک أتی بها علی روی اللام لکان صادقا فهذا هو الاستطراد.

و من الفرق بینه و بین التخلص أنک فی التخلص متی شرعت فی ذکر الممدوح

ص :242

أو المهجو ترکت ما کنت فیه من قبل بالکلیة و أقبلت علی ما تخلصت إلیه من المدیح و الهجاء بیتا بعد بیت حتّی تنقضی القصیدة و فی الاستطراد تمر علی ذکر الأمر الذی استطردت به مرورا کالبرق الخاطف ثمّ تترکه و تنساه و تعود إلی ما کنت فیه کأنّک لم تقصد قصد ذاک و إنّما عرض عروضا و إذا فهمت الفرق فاعلم أن الآیات التی تلوناها إذا حققت و أمعنت النظر من باب الاستطراد لا من باب التخلص و ذلک لأنّه تعالی قال بعد قوله وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنْزِلَ مَعَهُ أُولٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قُلْ یٰا أَیُّهَا النّٰاسُ إِنِّی رَسُولُ اللّٰهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعاً الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ یُحیِی وَ یُمِیتُ فَآمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِیِّ الْأُمِّیِّ الَّذِی یُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ کَلِمٰاتِهِ وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ وَ مِنْ قَوْمِ مُوسیٰ أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ وَ قَطَّعْنٰاهُمُ اثْنَتَیْ عَشْرَةَ أَسْبٰاطاً أُمَماً وَ أَوْحَیْنٰا إِلیٰ مُوسیٰ إِذِ اسْتَسْقٰاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصٰاکَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتٰا عَشْرَةَ عَیْناً قَدْ عَلِمَ کُلُّ أُنٰاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَ ظَلَّلْنٰا عَلَیْهِمُ الْغَمٰامَ وَ أَنْزَلْنٰا عَلَیْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْویٰ کُلُوا مِنْ طَیِّبٰاتِ مٰا رَزَقْنٰاکُمْ وَ مٰا ظَلَمُونٰا وَ لٰکِنْ کٰانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (1) فعاد إلی ما کان فیه أولا ثمّ مر فی هذه القصة و فی أحوال موسی و بنی إسرائیل حتی قارب الفراغ من السورة.

و من لطیف التخلص الذی یکاد یکون استطرادا لو لا أنّه أفسده بالخروج إلی المدح قول أبی تمام فی قصیدته التی یمدح بها محمّد بن الهیثم التی أولها أسقی طلولهم أجش هزیم

ص :243

لا و الذی هو عالم إن النوی

فلو أتم متغزلا لکان مستطردا لا محالة و لکنه نقض الاستطراد و غمس یده فی المدح فقال بعد هذا البیت لمحمّد بن الهیثم بن شبانة و مضی علی ذلک إلی آخرها.

و من الاستطراد أن یحتال الشاعر لذکر ما یروم ذکره بوصف أمر لیس من غرضه و یدمج الغرض الأصلی فی ضمن ذلک و فی غضونه و أحسن ما یکون ذلک إذا صرّح بأنّه قد استطرد و نص فی شعره علی ذلک کما قال أبو إسحاق الصابی فی أبیات کتبها إلی أبی القاسم عبد العزیز بن یوسف کاتب عضد الدولة کتبها إلیه إلی شیراز و أبو إسحاق فی بغداد و کانت أخبار فتوح عضد الدولة بفارس و کرمان و ما والاها متواصلة مترادفة إلی العراق و کتب عبد العزیز واصلة بها إلی عز الدولة بختیار و الصابی یجیب عنها یا راکب الجسرة العیرانة الأجد

ص :244

و ما ذممت ابتدائی فی مکاتبة

و لقد ظرف و ملح أبو إسحاق فی هذه الأبیات و متی خلا أو عری عن الظرف و الملاحة و لقد کان ظرفا و لباقة کله.

و لیس من الاستطراد ما زعم ابن الأثیر الموصلی فی کتابه المسمی بالمثل (1) السائر أنه استطراد و هو قول بعض شعراء الموصل یمدح قرواش بن المقلد و قد أمره أن یعبث بهجاء وزیره سلیمان بن فهد و حاجبه أبی جابر و مغنیه المعروف بالبرقعیدی فی لیلة من لیالی الشتاء و أراد بذلک الدعابة و الولع بهم و هم فی مجلس فی شراب و أنس فقال و أحسن فیما قال و لیل کوجه البرقعیدی ظلمة و ذلک لأن الشاعر قصد إلی هجاء کل واحد منهم و وضع الأبیات لذلک و أمره قرواش رئیسهم و أمیرهم بذلک فهجاهم و مدحه و لم یستطرد و هذه الأبیات تشبیهات کلها مقصود بها الهجاء لم یأت بالعرض فی الشعر کما یأتی الاستطراد.

و هذا غلط من مصنف الکتاب

ص :245

وُجُوهِکُمْ وَ قِلَّةِ صَبْرِکُمْ عَمَّا زُوِیَ مِنْهَا عَنْکُمْ کَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِکُمْ وَ کَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاقٍ عَلَیْکُمْ وَ مَا یَمْنَعُ أَحَدَکُمْ أَنْ یَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا یَخَافُ مِنْ عَیْبِهِ إِلاَّ مَخَافَةُ أَنْ یَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ قَدْ تَصَافَیْتُمْ عَلَی رَفْضِ الآْجِلِ وَ حُبِّ الْعَاجِلِ وَ صَارَ دِینُ أَحَدِکُمْ لُعْقَةً عَلَی لِسَانِهِ صَنِیعَ مَنْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَ أَحْرَزَ [رِضَا]

رِضَی سَیِّدِهِ .

قوله ع فإنها منزل قلعة بضم القاف و سکون اللام أی لیست بمستوطنة و یقال هذا مجلس قلعة إذا کان صاحبه یحتاج إلی أن یقوم مرة بعد مرة و یقال هم علی قلعة أی علی رحلة و من هذا الباب قولهم فلان قلعة إذا کان ینقلع عن سرجه و لا یثبت فی البطش و الصراع و القلعة أیضا المال العاریة و

1663

فِی الْحَدِیثِ بِئْسَ الْمَالُ الْقُلْعَةُ .

و النجعة طلب الکلأ فی موضعه و فلان ینتجع الکلأ و منه انتجعت فلانا إذا أتیته تطلب معروفه .

ثمّ وصف هوان الدنیا علی اللّه تعالی فقال من هوانها أنه خلط حلالها بحرامها ...الکلام مراده تفضیل الدار الآتیة علی هذه الحاضرة فإن تلک صفو کلها و خیر کلها و هذه مشوبة و الکدر و الشر فیها أغلب من الصفو و الخیر

1664

وَ مِنْ کَلاَمِ بَعْضِ الصَّالِحِینَ مِنْ هَوَانِ الدُّنْیَا عَلَی اللَّهِ أَنَّهُ لاَ یُعْصَی إِلاَّ فِیهَا وَ لاَ یُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بِتَرْکِهَا. و یروی و لم یضن بها علی أعدائه و الروایة المشهورة عن أعدائه و کلاهما مستعمل .

ص :247

و الزهید القلیل و العتید الحاضر و السیر سیر المسافر .

ثمّ أمرهم بأن یجعلوا الفرائض الواجبة علیهم من جملة مطلوباتهم و أن یسألوا اللّه من الإعانة و التوفیق علی القیام بحقوقه الواجبة کما سألهم أی کما ألزمهم و افترض علیهم فسمی ذلک سؤالا لأجل المقابلة بین اللفظین کما قال سبحانه وَ جَزٰاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُهٰا (1) و کما

1665

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص فَإِنَّ اللَّهَ لاَ یَمَلُّ حَتَّی تَمَلُّوا.

و کما قال الشاعر ألا لا یجهلن أحد علینا فنجهل فوق جهل الجاهلینا (2) .

ثمّ أمرهم أن یسمعوا أنفسهم دعوة الموت قبل أن یحضر الموت فیحل بهم و مثل قوله تبکی قلوبهم و إن ضحکوا قول الشاعر و إن لم یکن هذا المقصد بعینه قصد کم فاقة مستورة بمروءة

و المقت البغض و اغتبطوا فرحوا .

و قوله أملک بکم مثل أولی بکم و قوله و العاجلة أذهب بکم من الآجلة أی ذهبت العاجلة بکم و استولت علیکم أکثر ممّا ذهبت بکم الآخرة و استولت علیکم .

ثمّ ذکر أن الناس کلهم مخلوقون علی فطرة واحدة و هی دین اللّه و توحیده و إنّما اختلفوا و تفرقوا باعتبار أمر خارجی عن ذلک و هو خبث سرائرهم و سوء ضمائرهم فصاروا إلی حال لا یتوازرون أی لا یتعاونون و الأصل الهمز آزرته ثمّ تقلب الهمزة واوا و أصل قوله فلا توازرون فلا تتوازرون فحذفت إحدی التاءین کقوله تعالی مٰا لَکُمْ لاٰ تَنٰاصَرُونَ (3) أی لا تتناصرون و التبادل أن یجود بعضهم علی بعض بماله و یبذله له.

ص :248

و مثل قوله ع ما بالکم تفرحون بکذا و لا تحزنون لکذا و یقلقکم الیسیر من الدنیا یفوتکم من هذا قول الرضی رحمه اللّه نقص الجدیدین من عمری یزید علی

و الضمیر فی یخاف راجع إلی الأخ لا إلی المستقبل له أی ما یخافه الأخ من مواجهته بعینه .

قوله و صار دین أحدکم لعقة علی لسانه

1666

3- أَخَذَهُ اَلْفَرَزْدَقُ فَقَالَ لِلْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ ع وَ قَدْ لَقِیَهُ قَادِماً إِلَی اَلْعِرَاقِ وَ سَأَلَهُ عَنِ النَّاسِ أَمَّا قُلُوبُهُمْ فَمَعَکَ وَ أَمَّا سُیُوفُهُمْ فَعَلَیْکَ وَ الدِّینُ لُعْقَةٌ عَلَی أَلْسِنَتِهِمْ فَإِذَا امْتَحَصُوا قَلَّ الدَّیَّانُونَ

.

و اللفظة مجاز و أصل اللعقة شیء قلیل یؤخذ بالملعقة من الإناء یصف دینهم بالنزارة و القلة کتلک اللعقة و لم یقنع بأن جعله لعقة حتّی جعله علی ألسنتهم فقط أی لیس فی قلوبهم

ص :249

مَا لاَ یَأْکُلُ وَ یَبْنِی مَا لاَ یَسْکُنُ ثُمَّ یَخْرُجُ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی لاَ مَالاً حَمَلَ وَ لاَ بِنَاءً نَقَلَ وَ مِنْ غِیَرِهَا أَنَّکَ تَرَی الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً وَ الْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً لَیْسَ ذَلِکَ إِلاَّ نَعِیماً زَلَّ وَ بُؤْساً نَزَلَ وَ مِنْ عِبَرِهَا أَنَّ الْمَرْءَ یُشْرِفُ عَلَی أَمَلِهِ فَیَقْتَطِعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ فَلاَ أَمَلٌ یُدْرَکُ وَ لاَ مُؤَمَّلٌ یُتْرَکُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا وَ أَظْمَأَ رِیَّهَا وَ أَضْحَی فَیْئَهَا لاَ جَاءٍ یُرَدُّ وَ لاَ مَاضٍ یَرْتَدُّ فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَقْرَبَ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ لِلَحَاقِهِ بِهِ وَ أَبْعَدَ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ لاِنْقِطَاعِهِ عَنْهُ إِنَّهُ لَیْسَ شَیْءٌ بِشَرٍّ مِنَ الشَّرِّ إِلاَّ عِقَابُهُ وَ لَیْسَ شَیْءٌ بِخَیْرٍ مِنَ الْخَیْرِ إِلاَّ ثَوَابُهُ وَ کُلُّ شَیْءٍ مِنَ الدُّنْیَا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِیَانِهِ وَ کُلُّ شَیْءٍ مِنَ الآْخِرَةِ عِیَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ فَلْیَکْفِکُمْ مِنَ الْعِیَانِ السَّمَاعُ وَ مِنَ الْغَیْبِ الْخَبَرُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْیَا وَ زَادَ فِی الآْخِرَةِ خَیْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الآْخِرَةِ وَ زَادَ فِی الدُّنْیَا فَکَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابِحٍ وَ مَزِیدٍ خَاسِرٍ إِنَّ الَّذِی أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِی نُهِیتُمْ عَنْهُ وَ مَا أُحِلَّ لَکُمْ أَکْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَیْکُمْ فَذَرُوا مَا قَلَّ لِمَا کَثُرَ وَ مَا ضَاقَ لِمَا اتَّسَعَ قَدْ تَکَفَّلَ لَکُمْ بِالرِّزْقِ وَ أُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ فَلاَ یَکُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَکُمْ طَلَبُهُ أَوْلَی بِکُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ عَلَیْکُمْ عَمَلُهُ مَعَ أَنَّهُ وَ اللَّهِ لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّکُّ وَ [دَخَلَ]

دَخِلَ الْیَقِینُ حَتَّی کَأَنَّ الَّذِی ضُمِنَ لَکُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَیْکُمْ وَ کَأَنَّ الَّذِی فُرِضَ عَلَیْکُمْ قَدْ [وَضِعَ]

وُضِعَ عَنْکُمْ فَبَادِرُوا الْعَمَلَ وَ خَافُوا بَغْتَةَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لاَ یُرْجَی مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا یُرْجَی مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ مَا فَاتَ الْیَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِیَ غَداً زِیَادَتُهُ وَ مَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ یُرْجَ الْیَوْمَ

ص :251

رَجْعَتُهُ الرَّجَاءُ مَعَ الْجَائِی وَ الْیَأْسُ مَعَ الْمَاضِی فَ اِتَّقُوا اللّٰهَ حَقَّ تُقٰاتِهِ وَ لاٰ تَمُوتُنَّ إِلاّٰ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .

لقائل أن یقول أما کونه واصل الحمد له من عباده بالنعم منه علیهم فمعلوم فکیف قال إنّه یصل النعم المذکورة بالشکر و الشکر من أفعال العباد و لیس من أفعاله لیکون واصلا للنعم به و جواب هذا القائل هو أنّه لما وفق العباد للشکر بعد أن جعل وجوبه فی عقولهم مقررا و بعد أن أقدرهم علیه صار کأنّه الفاعل له فأضافه إلی نفسه توسعا کما یقال أقام الأمیر الحدّ و قتل الوالی اللصّ فأما حمده سبحانه علی البلاء کحمده علی الآلاء فقد تقدم القول فیه و من الکلام المشهور سبحان من لا یحمد علی المکروه سواه و السر فیه أنّه تعالی إنّما یفعل المکروه بنا لمصالحنا فإذا حمدناه علیه فإنما حمدناه علی نعمه أنعم بها و إن کانت فی الظاهر بلیة و ألما.

فإن قلت فقد کان الأحسن فی البیان أن یقول نحمده علی بلائه کما نحمده علی آلائه قلت إنّما عکس لأنّه جاء باللفظین فی معرض ذکر النعم و الشکر علیها فاستهجن أن یلقبها بلفظة الحمد علی البلاء للمنافرة التی تکون بینهما فقال نحمده علی هذه الآلاء التی أشرنا إلیها التی هی آلاء فی الحقیقة و هذا ترتیب صحیح منتظم .

ثمّ سأل اللّه أن یعینه علی النفس البطیئة عن المأمور به السریعة إلی المنهی عنه

1667

وَ مِنْ دُعَاءِ بَعْضِ الصَّالِحِینَ

اللَّهُمَّ إِنِّی أَشْکُو إِلَیْکَ عَدُوّاً بَیْنَ جَنْبَیَّ قَدْ غَلَبَ عَلَیَّ .

و فسر قوم من أهل الطریقة و الحقیقة قوله تعالی یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قٰاتِلُوا

ص :252

الَّذِینَ یَلُونَکُمْ مِنَ اَلْکُفّٰارِ وَ لْیَجِدُوا فِیکُمْ غِلْظَةً

(1)

قالوا أراد مجاهدة النفوس و

1668

مِنْ کَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَبَتِ الْأَنْفُسِ إِلاَّ حُبَّ الْمَالِ وَ الشَّرَفِ وَ إِنَّ حُبَّهُمَا لَأَذْهَبُ بِدِینِ أَحَدِکُمْ مِنْ ذِئْبَیْنِ ضَارِیَیْنِ بَاتَا فِی زَرِیبَةِ غَنَمٍ إِلَی الصَّبَاحِ فَمَا ذَا یَبْقَیَانِ مِنْهَا .

ثمّ شرع فی استغفار اللّه سبحانه من کل ذنب و عبر عن ذلک بقوله مما أحاط به علمه و أحصاه کتابه لأنّه تعالی عالم بکل شیء و محیط بکل شیء و قد أوضح ذلک بقوله علم غیر قاصر و کتاب غیر مغادر أی غیر مبق شیئا لا یحصیه قال تعالی مٰا لِهٰذَا الْکِتٰابِ لاٰ یُغٰادِرُ صَغِیرَةً وَ لاٰ کَبِیرَةً إِلاّٰ أَحْصٰاهٰا (2) .

ثمّ قال و نؤمن به إیمان من عاین و شاهد لأن إیمان العیان أخلص و أوثق من إیمان الخبر فإنّه لیس الخبر کالعیان و هذا إشارة إلی إیمان العارفین الذین هو ع سیدهم و رئیسهم و لذلک

1669

قَالَ

لَوْ کُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ یَقِیناً .

و قوله تصعدان القول إشارة إلی قوله تعالی إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّٰالِحُ یَرْفَعُهُ (3) و روی تسعدان القول بالسین أی هما شهادتان بالقلب یعاضدان الشهادة باللسان و یسعدانها .

ثمّ ذکر أنهما شهادتان لا یخف میزان هما فیه و لا یثقل میزان رفعا عنه .

أما أنّه لا یثقل میزان رفعا عنه فهذا لا کلام فیه و إنّما الشأن فی القضیة الأولی لأن ظاهر هذا القول یشعر بمذهب المرجئة الخلص و هم أصحاب مقاتل بن سلیمان القائلون إنّه لا یضر مع الشهادتین معصیة أصلا و إنّه لا یدخل النار من فی قلبه ذرة من الإیمان

ص :253

و لهم علی ذلک احتجاج قد ذکرناه فی کتبنا الکلامیة فنقول فی تأویل ذلک إنّه لم یحکم بهذا علی مجرد الشهادتین و إنّما حکم بهذا علی شهادتین مقیدتین قد وصفهما بأنهما یصعدان القول و یرفعان العمل و تانک الشهادتان المقیدتان بذلک القید إنّما هو الشهادتان اللتان یقارنهما فعل الواجب و تجنب القبیح لأنّه إن لم یقارنهما ذلک لم یرفعا العمل و إذا کان حکمه ع بعد خفة میزان هما فیه إنّما هو علی شهادتین مقیدتین لا مطلقتین فقد بطل قول من یجعل هذا الکلام حجة للمرجئة .ثم أخذ فی الوصاة بالتقوی و قال إنّما الزاد فی الدنیا الذی یزود منه لسفر الآخرة و بها المعاذ مصدر من عذت بکذا أی لجأت إلیه و اعتصمت به .

ثمّ وصفهما أعنی الزاد و المعاذ فقال زاد مبلغ أی یبلغک المقصد و الغایة التی تسافر إلیها و و معاذ منجح أی یصادف عنده النجاح .

دعا إلیها أسمع داع

یعنی البارئ سبحانه لأنّه أشدّ الأحیاء أسماعا لما یدعوهم إلیه و بناء أفعل هاهنا من الرباعی کما جاء ما أعطاه للمال و ما أولاه للمعروف و أنت أکرم لی من زید أی أشدّ إکراما و هذا المکان أقفر من غیره أی أشدّ إقفارا و فی المثل أفلس من ابن المذلق (1) و روی دعا إلیها أحسن داع أی أحسن داع دعا و لا بدّ من تقریر هذا الممیز لأنّه تعالی لا توصف ذاته بالحسن و إنّما یوصف بالحسن أفعاله .

و وعاها خیر واع

أی من وعاها عنه تعالی و عقلها و أجاب تلک الدعوة فهو خیر واع.

و قیل عنی بقوله أسمع داع رسول اللّه ص و عنی بقوله خیر واع نفسه لأنّه أنزل فیه وَ تَعِیَهٰا أُذُنٌ وٰاعِیَةٌ (2) و الأول أظهر.

ص :254

ثم قال فأسمع داعیها أی لم یبق أحدا من المکلفین إلاّ و قد أسمعه تلک الدعوة و فاز واعیها أفلح من فهمها و أجاب إلیها لا بدّ من تقدیر هذا و إلاّ فأی فوز یحصل لمن فهم و لم یجب و التقوی خشیة اللّه سبحانه و مراقبته فی السر و العلن و الخشیة أصل الطاعات و إلیها وقعت الإشارة بقوله تعالی إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاکُمْ (1) و قوله سبحانه وَ مَنْ یَتَّقِ اللّٰهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ یَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لاٰ یَحْتَسِبُ (2) .

قوله حتی أسهرت لیالیهم و أظمأت هواجرهم من قول العرب نهاره صائم و لیله قائم نقلوا الفعل إلی الظرف و هو من باب الاتساع الذی یجرون فیه الظروف مجری المفعول به فیقولون الذی سرته یوم الجمعة أی سرت فیه و قال و یوم شهدناه سلیما و عامرا (3) أی شهدنا فیه سلیما و قد اتسعوا فأضافوا إلی الظروف فقالوا یا سارق اللیلة أهل الدار (4) و قال تعالی بَلْ مَکْرُ اللَّیْلِ وَ النَّهٰارِ (5) فأخرجوهما بالإضافة عن الظرفیة .

قوله ع فأخذوا الراحة النصب یروی فاستبدلوا الراحة و النصب التعب و استقربوا الأجل رأوه قریبا.

فإن قلت لما ذا کرر لفظة الأجل و فی تکرارها مخالفة لفن البیان قلت إنّه استعملها فی الموضعین بمعنیین مختلفین فقوله استقربوا الأجل یعنی المدة و قوله فلاحظوا الأجل یعنی الموت نفسه.

ص :255

و یروی موتر و موتر بالتشدید و لا تؤسی جراحه لا تطب و لا تصلح أسوت الجرح أی أصلحته و لا ینقع لا یروی شرب حتّی نقع أی شف علیله و ماء ناقع و هو کالناجع و ما رأیت شربه انقع منها .

و إلی قوله ع یجمع ما لا یأکل و یبنی ما لا یسکن نظر الشاعر فقال أموالنا لذوی المیراث نجمعها و دورنا لخراب الدهر نبنیها.

و قال آخر أ لم تر حوشبا أمسی یبنی قوله و من غیرها أنک تری المرحوم مغبوطا و المغبوط مرحوما أی یصیر الفقیر غنیا و الغنی فقیرا و قد فسره قوم فقالوا أراد أنک تری من هو فی باطن الأمر مرحوم مغبوطا و تری من هو فی باطن الأمر مغبوط مرحوما أی تحسب ذاک و تتخیله و هذا التأویل غیر صحیح لأن قوله بعده لیس ذلک إلاّ نعیما زل و بؤسا نزل و یکذبه و یصدق التفسیر الأول .

و أضحی فیئها من أضحی الرجل إذا برز للشمس ثمّ قال لا جاء یرد و لا ماض یرتد أی یسترد و یسترجع أخذه أبو العتاهیة فقال فلا أنا راجع ما قد مضی لی و لا أنا دافع ما سوف یأتی .

و إلی قوله ما أقرب الحیّ من المیت للحاقه به و ما أبعد المیت من الحیّ لانقطاعه عنه نظر الشاعر فقال یا بعیدا عنی و لیس بعیدا من لحاقی به سمیع قریب

ص :256

صرت بین الوری غریبا کما أنک تحت الثری وحید غریب فإن قلت ما وجه تقسیمه ع الأمور التی عددها إلی الفناء و العناء و الغیر و العبر قلت لقد أصاب الثغرة و طبق المفصل أ لا تراه ذکر فی الفناء رمی الدهر الإنسان عن قوس الردی و فی العناء جمع ما لا یأکل و بناء ما لا یسکن و فی الغیر الفقر بعد الغنی و الغنی بعد الفقر و فی العبر اقتطاع الأجل الأمل فقد ناط بکل لفظة ما یناسبها .

و قد نظر بعض الشعراء إلی قوله ع لیس شیء بشر من الشر إلاّ عقابه و لیس شیء بخیر من الخیر إلاّ ثوابه فقال خیر البضائع للإنسان مکرمة

إلاّ أن أمیر المؤمنین ع استثنی العقاب و الثواب و الشاعر جعل مکانهما فاعل الخیر و الشر .

ثمّ ذکر أن کل شیء من أمور الدنیا المرغبة و المرهبة سماعه أعظم من عیانه و الآخرة بالعکس و هذا حقّ أما القضیة الأولی فظاهرة و قد قال القائل اهتز عند تمنی وصلها طربا و ربّ أمنیة أحلی من الظفر.

و لهذا یحرص الواحد منا علی الأمر فإذا بلغه برد و فتر و لم یجده کما کان یظن فی اللذة و یوصف لنا البلد البعید عنا بالخصب و الأمن و العدل و سماح أهله و حسن نسائه و ظرف رجاله فإذا سافرنا إلیه لم نجده کما وصف بل ربما وجدنا القلیل من ذلک و یوصف لنا الإنسان الفاضل بالعلم بفنون من الآداب و الحکم و یبالغ الواصفون فی ذلک فإذا اختبرناه وجدناه دون ما وصف و کذلک قد یخاف الإنسان حبسا أو ضربا أو نحوهما فإذا

ص :257

وقع فیهما هان ما کان یتخوفه و وجد الأمر دون ذلک و کذلک القتل و الموت فإن ما یستعظمه الناس منهما دون أمرهما فی الحقیقة و قد قال أبو الطیب و هو حکیم الشعراء کل ما لم یکن من الصعب فی الأنفس سهل فیها إذا هو کانا (1) .

و یقال فی المثل لج الخوف تأمن و أمّا أحوال الآخرة فلا ریب أن الأمر فیها بالضد من ذلک لأن الذی یتصوره الناس من الجنة أنها أشجار و أنّهار و مأکول و مشروب و جماع و أمرها فی الحقیقة أعظم من هذا و أشرف لأن ملاذها الروحانیة المقارنة لهذه الملاذ المضادة لها أعظم من هذه الملاذ بطبقات عظیمة و کذلک أکثر الناس یتوهمون أن عذاب النار یکون أیاما و ینقضی کما یذهب إلیه المرجئة أو أنّه لا عذاب بالنار لمسلم أصلا کما هو قول الخلص من المرجئة و أن أهل النار یألفون عذابها فلا یستضرون به إذا تطاول الأمد علیهم و أمر العذاب أصعب ممّا یظنون خصوصا علی مذهبنا فی الوعید و لو لم یکن إلاّ آلام النفوس باستشعارها سخط اللّه تعالی علیها فإن ذلک أعظم من ملاقاة جرم النار لبدن الحیّ.

و فی هذا الموضع أبحاث شریفة دقیقة لیس هذا الکتاب موضوعا لها .

ثمّ أمرهم بأن یکتفوا من عیان الآخرة و غیبها بالسماع و الخبر لأنّه لا سبیل و نحن فی هذه الدار إلی أکثر من ذلک .

و إلی قوله ما نقص من الدنیا و زاد فی الآخرة خیر ممّا نقص من الآخرة و زاد فی الدنیا نظر أبو الطیب فقال إلاّ أنّه أخرجه فی مخرج آخر بلاد ما اشتهیت رأیت فیها فلیس یفوتها إلاّ کرام (2)

ص :258

فهلا کان نقص الأهل فیها

و کان لأهلها منها التمام

ثم قال فکم من منقوص فی دنیاه و هو رابح فی آخرته و کم من مزید فی دنیاه و هو خاسر فی آخرته ثمّ قال إن الذی أمرتم به أوسع من الذی نهیتم عنه و ما أحل لکم أکثر ممّا حرم علیکم الجملة الأولی هی الجملة الثانیة بعینها و إنّما أتی بالثانیة تأکیدا للأولی و إیضاحا لها و لأن فن الخطابة و الکتابة هکذا هو و ینتظم کلتا الجملتین معنی واحد و هو أن فیما أحل اللّه غنی عما حرم بل الحلال أوسع أ لا تری أن المباح من المآکل و المشارب أکثر عددا و أجناسا من المحرمات فإن المحرم لیس إلاّ الکلب و الخنزیر و أشیاء قلیلة غیرهما و المحرم من المشروب الخمر و نحوها من المسکر و ما عدا ذلک حلال أکله و شربه و کذلک القول فی النکاح و التسری فإنهما طریقان مهیعان إلی قضاء الوطر و السفاح طریق واحد و الطریقان أکثر من الطریق الواحد.

فإن قلت فکیف قال إن الذی أمرتم به فسمی المباح مأمورا به قلت سمی کثیر من الأصولیین المباح مأمورا به و ذلک لاشتراکه مع المأمور به فی أنّه لا حرج فی فعله فأطلق علیه اسمه و أیضا فإنّه لما کان کثیر من الأمور التی عددناها مندوبا أطلق علیه لفظ الأمر لأن المندوب مأمور به و ذلک کالنکاح و التسری و أکل اللحوم التی هی سبب قوة البدن و شرب ما یصلح المزاج من الأشربة التی لا حرج فی استعمالها و قال بعض العقلاء لبنیه یا بنی إنّه لیس کل شیء من اللذة ناله أهل الخسارة بخسارتهم إلاّ ناله أهل المروءة و الصیانة بمروءتهم و صیانتهم فاستتروا بستر اللّه

1670

8- وَ دَخَلَ إِنْسَانٌ عَلَی عَلِیِّ بْنِ مُوسَی الرِّضَا ع وَ عَلَیْهِ ثِیَابٌ مُرْتَفِعَةُ الْقِیمَةِ فَقَالَ یَا اِبْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَ تَلْبَسُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ لَهُ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللّٰهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ وَ الطَّیِّبٰاتِ مِنَ الرِّزْقِ

.

ص :259

ثم أمر بالعمل و العبادة و نهی عن الحرص علی طلب الرزق فقال إنکم أمرتم بالأول و ضمن لکم الثانی فلا تجعلوا المضمون حصوله لکم هو المخصوص بالحرص و الاجتهاد بل ینبغی أن یکون الحرص و الاجتهاد فیما أمرتم بعمله و هو العبادة و قد یتوهم قوم أنّه ارتفع طلبه بالمضنون کقولک المضروب أخوه و هذا غلط لأنّه لم یضمن طلبه و إنّما ضمن حصوله و لکنه ارتفع لأنّه مبتدأ و خبره أولی و هذا المبتدأ و الخبر فی موضع نصب لأنّه خبر یکونن أو ارتفع لأنّه بدل من المضنون و هذا أحسن و أولی من الوجه الأوّل و هو بدل الاشتمال .

ثمّ ذکر أن رجعة العمر غیر مرجوة و رجعة الرزق مرجوة أوضح ذلک بأن الإنسان قد یذهب منه الیوم درهم فیستعیضه أی یکتسب عوضه فی الغد دینارا و أمّا أمس نفسه فمستحیل أن یعود و لا مثله لأن الغد و بعد الغد محسوب من عمره و لیس عوضا من الأمس الذاهب و هذا الکلام یقتضی أن العمر مقدور و أن المکاسب و الأرزاق إنّما هی بالاجتهاد و لیست محصورة مقدرة و هذا یناقض فی الظاهر ما تقدم من قوله إن الرزق مضمون فلا تحرصوا علیه فاحتاج الکلام إلی تأویل و هو أن العمر هو الظرف الذی یوقع المکلف فیه الأعمال الموجبة له السعادة العظمی المخلصة له من الشقاوة العظمی و لیس له ظرف یوقعها فیه إلاّ هو خاصّة فکل جزء منه إذا فات من غیر عمل لما بعد الموت فقد فات علی الإنسان بفواته ما لا سبیل له إلی استدراکه بعینه و لا اغترام مثله لأن المثل الذی له إنّما هو زمان آخر و لیس ذلک فی مقدور الإنسان و الزمان المستقبل الذی یعیش فیه الإنسان لم یکتسبه هو لینسب إلیه فیقال إنّه حصله عوضا ممّا انقضی و ذهب من عمره و إنّما هو فعل غیره و مع ذلک فهو معد و مهیأ لأفعال من العبادة توقع فیه کما کان الجزء الماضی معدا لأفعال

ص :260

توقع فیه فلیس أحدهما عوضا عن الآخر و لا قائما مقامه و أمّا المنافع الدنیویة کالمآکل و المشارب و الأموال فإن الإنسان إذا فاته شیء منها قدر علی ارتجاعه بعینه إن کانت عینه باقیة و ما لا تبقی عینه یقدر علی اکتساب مثله و الرزق و إن کان مضمونا من اللّه إلاّ أن للحرکة فیه نصیبا إمّا أن یکون شرطا أو أن یکون هو بذاته من أثر قدرة الإنسان کحرکته و اعتماده و سائر أفعاله و یکون الأمر بالتوکل و النهی عن الاجتهاد فی طلب الرزق علی هذا القول إنّما هو نهی عن الحرص و الجشع و التهالک فی الطلب فإن ذلک قبیح یدلّ علی دناءة الهمة و سقوطها.

ثمّ هذه الأغراض الدنیویة إذا حصلت أمثالها بعد ذهابها قامت مقام الذاهب لأن الأمر الذی یراد الذاهب له یمکن حصوله بهذا المکتسب و لیس کذلک الزمان الذاهب من العمر لأن العبادات و الأعمال التی کان أمس متعینا لها لا یمکن حصولها الیوم علی حدّ حصولها أمس فافترق البابان باب الأعمال و باب الأرزاق .

و قوله الرجاء مع الجائی و الیأس مع الماضی کلام یجری مجری المثل و هو تأکید للمعنی الأول و جعل الجائی مرجوا لأنّه لا یعلم غیبه قال الشاعر ما مضی فات و المقدر غیب و لک الساعة التی أنت فیها و قوله حَقَّ تُقٰاتِهِ أی حقّ تقیته أی خوفه اتقی یتقی تقیة و تقاة و وزنها فعلة و أصلها الیاء و مثلها اتخم تخمة و اتهم تهمة

ص :261

الْقَطْرَ غَیْرَ خُلَّبٍ بَرْقُهَا وَ لاَ جَهَامٍ عَارِضُهَا وَ لاَ قَزَعٍ رَبَابُهَا وَ لاَ شَفَّانٍ ذِهَابُهَا حَتَّی یُخْصِبَ لِإِمْرَاعِهَا الْمُجْدِبُونَ وَ یَحْیَا بِبَرَکَتِهَا الْمُسْنِتُونَ فَإِنَّکَ تُنْزِلُ الْغَیْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَ تَنْشُرُ رَحْمَتَکَ وَ أَنْتَ الْوَلِیُّ الْحَمِیدُ .

قال الشریف الرضی رحمه اللّه تعالی قوله ع انصاحت جبالنا أی تشققت من المحول یقال انصاح الثوب إذا انشق و یقال أیضا انصاح النبت و صاح و صوح إذا جف و یبس کله بمعنی.

و قوله و هامت دوابنا أی عطشت و الهیام العطش.

و قوله حدابیر السنین جمع حدبار و هی الناقة التی أنضاها السیر فشبه بها السنة التی فشا فیها الجدب قال ذو الرمة حدابیر ما تنفک إلاّ مناخة علی الخسف أو نرمی بها بلدا قفرا (1) و قوله و لا قزع ربابها القزع القطع الصغار المتفرقة من السحاب.

و قوله و لا شفان ذهابها فإن تقدیره و لا ذات شفان ذهابها و الشفان الریح الباردة و الذهاب الأمطار اللینة فحذف ذات لعلم السامع به

ص :263

یجوز أن یرید بقوله و هامت دوابنا معنی غیر ما فسره الشریف الرضی رحمه اللّه به و هو ندودها و ذهابها علی وجوهها لشدة المحل یقول هام علی وجهه یهیم هیما و هیمانا .

و المرابض مبارک الغنم و هی لها کالمواطن للإبل واحدها مربض بکسر الباء مثل مجلس و عجت صرخت و یحتمل الضمیر فی أولادها أن یرجع إلی الثکالی أی کعجیج الثکالی علی أولادهن و یحتمل أن یرجع إلی الدوابّ أی و عجت علی أولادها کعجیج الثکالی و إنّما وصفها بالتحیر فی مرابضها لأنّها لشدة المحل تتحیر فی مبارکها و لا تدری ما ذا تصنع إن نهضت لترعی لم تجد رعیا و إن أقامت کانت إلی انقطاع المادة أقرب قوله و ملت التردد فی مراتعها و الحنین إلی مواردها و ذلک لأنّها أکثرت من التردد فی الأماکن التی کانت تعهد مراتعها فیها فلم تجد مرتعا فملت الترداد إلیها و کذلک ملت الحنین إلی الغدران و الموارد التی کانت تعتادها للشرب فإنها حنت إلیها لما فقدتها حتّی ضجرت و یئست فملت ممّا لا فائدة لها فیه .

و الآنة و الحانة الشاة و الناقة و یقال ما له حانة و لا آنة و أصل الأنین صوت المریض و شکواه من الوصب یقال أن یئن أنینا و أنانا و تأنانا .

و الموالج المداخل و إنّما ابتدأ ع بذکر الأنعام و ما أصابها من الجدب اقتفاء بسنة رسول اللّه ص و لعادة العرب أما سنة رسول اللّه ص

1671

فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ لاَ الْبَهَائِمُ الرُّتَّعُ وَ الصِّبْیَانُ الرُّضَّعُ وَ الشُّیُوخُ الرُّکَّعُ لَصُبَّ

ص :264

عَلَیْکُمُ الْعَذَابُ صَبّاً.

و قد ذهب کثیر من الفقهاء إلی استحباب إخراج البهائم فی صلاة الاستسقاء و تقدیر دعائه ع اللّهمّ إن کنت حرمتنا الغیث لسوء أعمالنا فارحم هذه الحیوانات التی لا ذنب لها و لا تؤاخذها بذنوبنا و أمّا عادة العرب فإنهم کانوا إذا أصابهم المحل استسقوا بالبهائم و دعوا اللّه بها و استرحموه لها و منهم من کان یجعل فی أذناب البقر السلع و العشر (1) و یصعد بها فی الجبال و التلاع العالیة و کانوا یسقون بذلک و قال الشاعر أ جاعل أنت بیقورا مسلعة ذریعة لک بین اللّه و المطر (2) فاعتکرت ردف بعضها بعضا و أصل عکر عطف و العکرة الکرة و

1672

14- فِی الْحَدِیثِ قَالَ لَهُ قَوْمٌ یَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الفَرَّارُونَ فَقَالَ بَلْ أَنْتُمْ العَکَّارُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(3)

.

و البیت الذی ذکره الرضی رحمه اللّه لذی الرمة لا أعرفه إلاّ حراجیج و هکذا رأیته بخط ابن الخشاب رحمه اللّه و الحرجوج الناقة الضامرة فی طول.

و فیه مسألة نحویة و هی أنّه کیف نقض النفی من ما تنفک و هو غیر جائز کما لا یجوز ما زال زید إلاّ قائما و جوابها أن تنفک هاهنا تامّة أی ما تنفصل و مناخة منصوب علی الحال .

قوله و أخلفتنا مخایل الجود أی کلما شمنا برقا و اختلنا سحابا أخلفنا و لم یمطر.

و الجود المطر الغزیر و یروی مخایل الجود بالضم.

ص :265

و المبتئس ذو البؤس و البلاغ للملتمس أی الکفایة للطالب .

و تقول قنط فلان بالفتح یقنط و یقنط بالکسر و الضم فهو قانط و فیه لغة أخری قنط بالکسر یقنط قنطا مثل تعب یتعب تعبا و قناطة أیضا فهو قنط و قرئ فَلاٰ تَکُنْ مِنَ الْقٰانِطِینَ (1) .

و إنّما قال و منع الغمام فبنی الفعل للمفعول به لأنّه کره أن یضیف المنع إلی اللّه تعالی و هو منبع النعم فاقتضی حسن الأدب أنّه لم یسم الفاعل و روی منع الغمام أی و منع الغمام القطر فحذف المفعول و السوام المال الراعی .

فإن قلت ما الفرق تؤاخذنا و بین تأخذنا .

قلت المؤاخذة دون الأخذ لأن الأخذ الاستئصال و المؤاخذة عقوبة و إن قلت .

و السحاب المنبعق المتبعج بالمطر و مثله المتبعق و مثله البعاق و الربیع المغدق الکثیر و النبات المونق المعجب.

و انتصب سحا علی المصدر و الوابل المطر الشدید .

ثمّ قال تحیی به ما قد مات أی یکاد یتلف بها من الزرع و ترد به ما قد فات أی یستدرک به الناس ما فاتهم من الزرع و الحرث .

و السقیا مؤنثة و هی الاسم من سقی و المریعة الخصیبة .

و ثامرا فرعها ذو ثمر کما قالوا لابن و تامر ذو لبن و تمر .

و تنعش ترفع و النجاد جمع نجد و هو ما ارتفع من الأرض و الوهاد جمع وهد و هو المطمئن منها و روی نجادنا بالنصب علی أنّه مفعول.

ص :266

قوله و تندی بها أقاصینا أی الأباعد منا و یندی بها ینتفع ندیت بکذا أی انتفعت .

و الضواحی النواحی القریبة من المدینة العظمی و المرملة الفقیرة أرمل افتقر و نفد زاده و وحشک المهملة التی لا راعی لها و لا صاحب و لا مشفق .

و سماء مخضلة تخضل النبت أی تبله و روی مخضلة أی ذات نبات و زروع مخضلة یقال اخضل النبت اخضلالا أی ابتل و إنّما أنث السماء و هو المطر و هو مذکر لأنّه أراد الأمطار و الودق المطر و یحفز یدفع بشدة و إذا دفع القطر القطر کان أعظم و أغزر له .

و برق خلب لا مطر معه و سحاب جهام لا ماء فیه و المجدبون أهل الجدب و المسنتون الذین أصابتهم السنة و هی المحل و القحط الشدید

قالوا و

1674

قَدْ رُوِیَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ إِذَا بُخِسَ الْمِکْیَالُ حُبِسَ الْقَطْرُ.

1675

وَ قَالَ مُجَاهِدٌ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی وَ یَلْعَنُهُمُ اللاّٰعِنُونَ (1) قَالَ دَوَابُّ الْأَرْضِ تَلْعَنُهُمْ یَقُولُونَ مَنَعَنَا الْقَطْرَ بِخَطَایَاهُمْ.

قالوا و یأمر الإمام الناس بصوم ثلاثة أیّام قبل الخروج ثمّ یخرج فی الیوم الرابع و هم صیام و یأمرهم بالصدقة و یستسقی بالصالحین من أهل بیت رسول اللّه ص کما فعل عمر و یحضر معه أهل الصلاح و الخیر و یستسقی بالشیوخ و الصبیان.

و اختلفوا فی إخراج البهائم فمنهم من استحب ذلک و منهم من کرهه و یکره إخراج أهل الذمّة فإن حضروا من عند أنفسهم لم یمنعوا و الغسل و السواک فی صلاة الاستسقاء عندهم مسنونان و لا یستحب فیهما التطیب لأن الحال لا یقتضیه.

و ینبغی أن یکون الخروج بتواضع و خشوع و إخبات کما خرج رسول اللّه ص للاستسقاء.

قالوا و لا یؤذن لهذه الصلاة و لا یقام و إنّما ینادی لها الصلاة جامعة و هی رکعتان کصلاة العید یکبر فی الأولی سبع تکبیرات و فی الثانیة خمس تکبیرات.

قالوا و یخطب بعد الصلاة خطبتین و یکون دعاء الاستسقاء فی الخطبة الأولی.

قالوا فیقول اللّهمّ اسقنا غیثا مغیثا هنیئا مریئا مریعا غدقا مجللا طبقا سحا دائما اللّهمّ اسقنا الغیث و لا تجعلنا من القانطین اللّهمّ إن بالعباد و البلاد من اللأواء و الضنک و الجهد ما لا نشکوه إلاّ إلیک اللّهمّ أنبت لنا الزرع و أدر لنا الضرع و اسقنا من برکات السماء اللّهمّ اکشف عنا الجهد و الجوع و العری و اکشف عنا ما لا یکشفه غیرک اللّهمّ إنا نستغفرک إنک کنت غفارا فأرسل السماء علینا مدرارا .

ص :268

1676

14- قَالُوا وَ یُسْتَحَبُّ أَنْ یَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِی أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ الثَّانِیَةِ وَ یُحَوِّلُ رِدَاءَهُ فَیَجْعَلُ مَا عَلَی الْأَیْمَنِ عَلَی الْأَیْسَرِ وَ مَا عَلَی الْأَیْسَرِ عَلَی الْأَیْمَنِ تَفَاؤُلاً بِتَحَوُّلِ الْحَالِ وَ کَذَا رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص فَعَلَ . و یستحب للناس أن یحولوا أردیتهم مثله و یترکوها کما هی و لا یعیدوها إلی حالها الأولی إلاّ إذا رجعوا إلی منازلهم.

و یستحب أن یدعو فی الخطبة الثانیة سرا فیجمع بین الجهر و السر کما قال سبحانه و تعالی إِنِّی أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرٰاراً (1) و کقوله تعالی وَ اذْکُرْ رَبَّکَ فِی نَفْسِکَ تَضَرُّعاً وَ خِیفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ (2) قالوا و یستحب رفع الید فی هذا الدعاء و أن یکثروا من الاستغفار لقوله تعالی اِسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کٰانَ غَفّٰاراً یُرْسِلِ السَّمٰاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرٰاراً (3) فإن صلوا و استسقوا فلم یسقوا عادوا من الغد و صلوا و استسقوا و إن سقوا قبل الصلاة صلوا شکرا و طلبا للزیادة.

قالوا و یستحب أن یقفوا تحت المطر حتّی یصیبهم و أن یحسروا له عن رءوسهم و

1677

14- قَدْ رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ حَتَّی أَصَابَهُ مَطَرُ الاِسْتِسْقَاءِ .

و یستحب إذا سال الوادی أن یغتسلوا فیه و یتوضئوا منه.

و قد استحب قوم من الفقهاء أن یخرج الناس للاستسقاء حفاة حاسرین و الأکثرون علی خلاف ذلک.

فأما مذهب الشیعة فی هذه المسألة فأن یستقبل الإمام القبلة بعد صلاة الرکعتین فیکبر اللّه مائة تکبیرة و یرفع بها صوته و یکبر من حضر معه ثمّ یلتفت عن یمینه فیسبح اللّه مائة تسبیحة یرفع بها صوته و یسبح معه من حضر ثمّ یلتفت عن یساره فیهلل اللّه

ص :269

مائة مرة یرفع بها صوته و یقول من حضر مثل ذلک ثمّ یستقبل الناس بوجهه فیحمد اللّه مائة مرة یرفع بها صوته و یقول معه من حضر مثل ذلک ثمّ یخطب بهذه الخطبة المرویة عن أمیر المؤمنین ع فی الاستسقاء فإن لم یتمکن منها اقتصر علی الدعاء

سَهْلَ الْخَدَّیْنِ أَشَمَّ الْعِرْنِینِ لَهُ سُنَّةٌ (1) تُهْدَی إِلَیْهِ أَلاَ فَلْیَخْلُصْ (2) هُوَ وَ وَلَدُهُ وَ لْیَدْلِفْ إِلَیْهِ مِنْ کُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ أَلاَ فَلْیَشُنُّوا (3) عَلَیْهِمْ مِنَ الْمَاءِ وَ لْیَمَسُّوا مِنَ الطِّیبِ وَ لْیَطُوفُوا بِالْبَیْتِ سَبْعاً وَ لْیَکُنْ فِیهِمُ الطَّیِّبُ الطَّاهِرُ لِدَاتُهُ (4) فَلْیَسْتَقِ الرَّجُلُ وَ لْیُؤَمِّنِ الْقَوْمُ أَلاَ فَغِثْتُمْ (5) إِذَا مَا شِئْتُمْ.

قَالَتْ فَأَصْبَحْتُ عَلِمَ اللَّهُ مَذْعُورَةً قَدْ (6) قَفَّ جِلْدِی وَ وَلِهَ عَقْلِی فَاقْتَصَصْتُ رُؤْیَایَ عَلَی النَّاسِ فَذَهَبْتُ فِی شِعَابِ مَکَّةَ فَوَ الْحُرْمَةِ وَ اَلْحَرَمِ إِنْ بَقِیَ أَبْطَحِیٌّ إِلاَّ وَ قَالَ هَذَا شَیْبَةُ الْحَمْدِ (7) .فَتَتَامَّتْ (8) رِجَالُ قُرَیْشٍ وَ انْقَضَّ إِلَیْهِ مِنْ کُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ فَشَنُّوا عَلَیْهِمْ مَاءً وَ مَسُّوا طَیِّباً وَ اسْتَلَمُوا وَ اطَّوَّفُوا ثُمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قُبَیْسٍ وَ طَفِقَ الْقَوْمُ یَدِفُّونَ حَوْلَ (9) عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَا إِنْ یُدْرِکْ سَعْیُهُمْ مَهْلَهُ (10) حَتَّی اسْتَقَرُّوا بِذِرْوَةِ الْجَبَلِ وَ اسْتَکَفُّوا (11) جَانِبَیْهِ.

فَقَامَ فَاعْتَضَدَ ابْنَ ابْنِهِ مُحَمَّداً ص فَرَفَعَهُ عَلَی عَاتِقِهِ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ

ص :271

قَدْ أَیْفَعَ أَوْ کَرَبَ (1) ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ سَادَّ الْخَلَّةِ وَ کَاشِفَ الْکُرْبَةِ أَنْتَ عَالِمٌ غَیْرُ مُعَلَّمٍ وَ مَسْئُولٌ غَیْرُ مُبَخَّلٍ وَ هَذِهِ عِبِدَّاؤُکَ (2) وَ إِمَاؤُکَ بِعَذِرَاتِ (3) حَرَمِکَ یَشْکُونَ إِلَیْکَ سَنَتَهُمْ الَّتِی أَذْهَبْتَ الْخُفَّ وَ الظِّلْفَ فَاسْمَعَنَّ اللَّهُمَّ وَ أَمْطِرَنَّ عَلَیْنَا غَیْثاً مُغْدِقاً مَرِیعاً سَحّاً طَبَقاً دِرَاکاً .

قَالَتْ فَوَ رَبِّ اَلْکَعْبَةِ مَا رَامُوا حَتَّی انْفَجَرَتْ السَّمَاءُ بِمَائِهَا وَ اکْتَظَّ الْوَادِی بِثَجِیجِهِ (4) وَ انْصَرَفَ النَّاسُ یَقُولُونَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ هَنِیئاً لَکَ سَیِّدَ اَلْبَطْحَاءِ .

وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی عُبَیْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّی قَالَ فَسَمِعْنَا شِیخَانَ (5) قُرَیْشٍ وَ جُلَّتَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ وَ حَرْبَ بْنَ أُمَیَّةَ وَ هِشَامَ بْنَ الْمُغِیرَةِ یَقُولُونَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ هَنِیئاً لَکَ أَبَا اَلْبَطْحَاءِ (6) وَ فِی ذَلِکَ قَالَ شَاعِرٌ مِنْ قُرَیْشٍ وَ قَدْ رَوَی هَذَا الشِّعْرَ لِرُقَیْقَةَ بِشَیْبَةِ الْحَمْدِ أَسْقَی اللَّهُ بَلْدَتَنَا

(7)

.

و

1679

14- فِی الْحَدِیثِ مِنْ رِوَایَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِکٍ أَصَابَ أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ قَحْطٌ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ وَ هُوَ یَخْطُبُ یَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَکَ الشَّاءُ هَلَکَ الزَّرْعُ (8) ادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ یَسْقِیَنَا فَمَدَّ ع یَدَهُ وَ دَعَا وَ اسْتَسْقَی

ص :272

وَ إِنَّ السَّمَاءَ کَمَثَلِ الزُّجَاجَةِ فَهَاجَتْ رِیحٌ ثُمَّ أَنْشَأَتْ سَحَاباً ثُمَّ اجْتَمَعَ ثُمَّ أَرْسَلَتْ عَزَالِیَهَا (1) فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّی أَتَیْنَا مَنَازِلَنَا وَ دَامَ الْقَطْرُ فَقَامَ إِلَیْهِ الرَّجُلُ فِی الْیَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتِ الْبُیُوتُ ادْعُ اللَّهَ أَنْ یَحْبِسَهُ عَنَّا فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ص ثُمَّ رَفَعَ یَدَهُ وَ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَیْنَا وَ لاَ عَلَیْنَا قَالَ أَنَسٌ فَوَ الَّذِی بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَقَدْ نَظَرْتُ إِلَی السَّحَابِ وَ إِنَّهُ لَقَدِ انْجَابَ حَوْلَ اَلْمَدِینَةِ کَالْإِکْلِیلِ

(2)

.

و

1680

14- فِی حَدِیثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ ع اسْتَسْقَی حِینَ بَدَا قَرْنُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَی اَلْمِنْبَرِ وَ حَمِدَ اللَّهَ وَ کَبَّرَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّکُمْ شَکَوْتُمْ جَدْبَ دِیَارِکُمْ وَ قَدْ أَمَرَکُمُ اللَّهُ أَنْ تَدْعُوَهُ وَ وَعَدَکُمُ أَنْ یَسْتَجِیبَ لَکُمْ فَادْعُوهُ ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّکَ أَنْتَ الْغَنِیُّ وَ نَحْنُ الْفُقَرَاءُ فَأَنْزِلْ عَلَیْنَا الْغَیْثَ وَ لاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِینَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَا تُنْزِلُهُ عَلَیْنَا قُوَّةً لَنَا وَ بَلاَغاً إِلَی حِینٍ بِرَحْمَتِکَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَاباً فَرَعَدَتْ وَ بَرَقَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ فَلَمْ یَأْتِ ع مَنْزِلَهُ حَتَّی سَالَتِ السُّیُولُ فَلَمَّا رَأَی سُرْعَتَهُمْ إِلَی الْکِنِّ ضَحِکَ حَتَّی بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَ قَالَ أَشْهَدُ أَنِّی عَبْدُ اللَّهِ وَ رَسُولُهُ وَ أَنَّ اللّٰهَ عَلیٰ کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ

(3)

.

و

1681

مِنْ دُعَائِهِ ع فِی الاِسْتِسْقَاءِ وَ قَدْ رَوَاهُ الْفُقَهَاءُ وَ غَیْرُهُمْ

اللَّهُمَّ اسْقِنَا وَ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَیْثاً مُغِیثاً وَحِیّاً رَبِیعاً وَجْداً (4) طَبَقاً غَدَقاً مُغْدِقاً (5) مُونِقاً (6) عَامّاً

ص :273

هَنِیئاً مَرِیئاً مَرِیعاً مُرْبِعاً (1) مَرْتَعاً (2) وَابِلاً سَابِلاً (3) مَسِیلاً مُجَلِّلاً (4) دِرّاً نَافِعاً غَیْرَ ضَارٍّ عَاجِلاً غَیْرَ رَائِثٍ (5) غَیْثاً اللَّهُمَّ تُحْیِی بِهِ الْعِبَادَ وَ تُغِیثُ بِهِ الْبِلاَدَ وَ تَجْعَلُهُ بَلاَغاً لِلْحَاضِرِ مِنَّا وَ الْبَادِ اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَیْنَا فِی أَرْضِنَا زِینَتَهَا وَ أَنْزِلْ عَلَیْنَا فِی أَرْضِنَا سَکَنَهَا اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَیْنَا مَاءً طَهُوراً فَأَحْیِ بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً وَ اسْقِهِ مِمَّا خَلَقْتَ لَنَا أَنْعٰاماً وَ أَنٰاسِیَّ کَثِیراً

(6)

.

1682

وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ یَسْتَسْقِی بِالْعَبَّاسِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَقَرَّبُ إِلَیْکَ بِعَمِّ نَبِیِّکَ وَ قَفِیَّةِ (7) آبَائِهِ (8) وَ کُبْرِ رِجَالِهِ فَإِنَّکَ قُلْتَ وَ قَوْلُکَ الْحَقُّ وَ أَمَّا الْجِدٰارُ فَکٰانَ لِغُلاٰمَیْنِ یَتِیمَیْنِ فِی الْمَدِینَةِ الْآیَةَ فَحَفِظْتَهُمَا لِصَلاَحِ أَبِیهِمَا فَاحْفَظْ اللَّهُمَّ نَبِیَّکَ فِی عَمِّهِ فَقَدْ دَلَوْنَا بِهِ إِلَیْکَ مُسْتَشْفِعِینَ وَ مُسْتَغْفِرِینَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی النَّاسِ فَقَالَ اِسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کٰانَ غَفّٰاراً .

قَالَ اِبْنُ مَسْعُودٍ رَأَیْتُ اَلْعَبَّاسَ یَوْمَئِذٍ وَ قَدْ طَالَ عُمَرَ وَ عَیْنَاهُ تَنْضَحَانِ وَ سَبَائِبُهُ تَجُولُ عَلَی صَدْرِهِ وَ هُوَ یَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الرَّاعِی فَلاَ تُهْمِلِ الضَّالَّةَ وَ لاَ تَدَعِ الْکَسِیرَ بِدَارِ مَضِیعَةٍ فَقَدْ ضَرَعَ الصَّغِیرُ وَ رَقَّ الْکَبِیرُ وَ ارْتَفَعَتْ الشَّکْوَی وَ أَنْتَ تَعْلَمُ اَلسِّرَّ وَ أَخْفیٰ اللَّهُمَّ أَغِثْهُمْ بِغِیَاثِکَ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَقْنَطُوا فَیَهْلِکُوا إِنَّهُ لاَ یَیْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکٰافِرُونَ (9) .

ص :274

قَالَ فَنَشَأَتْ طُرَیْرَةٌ (1) مِنْ سَحَابٍ وَ قَالَ النَّاسُ تَرَوْنَ تَرَوْنَ ثُمَّ تَلاَءَمَتْ وَ اسْتَتَمَّتْ وَ مَشَتْ فِیهَا رِیحٌ ثُمَّ هَدَّتْ (2) وَ دَرَّتْ فَوَ اللَّهِ مَا بَرِحُوا حَتَّی اعْتَلَقُوا الْأَحْذِیَةَ وَ قَلَّصُوا الْمَآزِرَ وَ طَفِقَ النَّاسُ یَلُوذُونَ بِالْعَبَّاسِ یَمْسَحُونَ أَرْکَانَهُ وَ یَقُولُونَ هَنِیئاً لَکَ سَاقِی اَلْحَرَمَیْنِ .

(3)

ص :275

و یخجل و تنقطع حجته فإذا طرق أسماعهم أن الأنبیاء تشهد علیهم و الملائکة الحافظین تکتب أعمالهم کانوا عن مواقعة القبیح أبعد .

و الوانی الفاتر الکال و الواهن الضعیف.

و المعذر الذی یعتذر عن تقصیره بغیر عذر قال تعالی وَ جٰاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ (1) مِنْهَا وَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِیَ عَنْکُمْ غَیْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَی الصُّعُدَاتِ تَبْکُونَ عَلَی أَعْمَالِکُمْ وَ تَلْتَدِمُونَ عَلَی أَنْفُسِکُمْ وَ لَتَرَکْتُمْ أَمْوَالَکُمْ لاَ حَارِسَ لَهَا وَ لاَ خَالِفَ عَلَیْهَا وَ لَهَمَّتْ کُلَّ امْرِئٍ مِنْکُمْ نَفْسُهُ لاَ یَلْتَفِتُ إِلَی غَیْرِهَا وَ لَکِنَّکُمْ نَسِیتُمْ مَا ذُکِّرْتُمْ وَ أَمِنْتُمْ مَا حُذِّرْتُمْ فَتَاهَ عَنْکُمْ رَأْیُکُمْ وَ تَشَتَّتَ عَلَیْکُمْ أَمْرُکُمْ وَ لَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ وَ أَلْحَقَنِی بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِی مِنْکُمْ قَوْمٌ وَ اللَّهِ مَیَامِینُ الرَّأْیِ مَرَاجِیحُ الْحِلْمِ مَقَاوِیلُ بِالْحَقِّ مَتَارِیکُ لِلْبَغْیِ مَضَوْا قُدُماً عَلَی الطَّرِیقَةِ وَ أَوْجَفُوا عَلَی الْمَحَجَّةِ فَظَفِرُوا بِالْعُقْبَی الدَّائِمَةِ وَ الْکَرَامَةِ الْبَارِدَةِ أَمَا وَ اللَّهِ لَیُسَلَّطَنَّ عَلَیْکُمْ غُلاَمُ ثَقِیفٍ الذَّیَّالُ الْمَیَّالُ یَأْکُلُ خَضِرَتَکُمْ وَ یُذِیبُ شَحْمَتَکُمْ إِیهٍ أَبَا وَذَحَةَ .

ص :277

[ قال الرضی رحمه اللّه تعالی الوذحة الخنفساء و هذا القول یومئ به إلی الحجاج و له مع الوذحة حدیث لیس هذا موضع ذکره ]

الصعید التراب و یقال وجه الأرض و الجمع صعد و صعدات کطریق و طرق و طرقات و الالتدام ضرب النساء صدورهن فی النیاحة و لا خالف علیها لا مستخلف .

قوله و لهمت کل امرئ منکم نفسه أی أذابته و أنحلته هممت الشحم أی أذبته و یروی و لأهمت کل امرئ و هو أصح من الروایة الأولی أهمنی الأمر أی أحزننی .

و تاه عن فلان رأیه أی عزب و ضل .

ثمّ ذکر أنّه یود و یتمنی أن یفرق اللّه بینه و بینهم و یلحقه بالنبی ص و بالصالحین من أصحابه کحمزة و جعفر ع و أمثالهما ممن کان أمیر المؤمنین یثنی علیه و یحمد طریقته من الصحابة فمضوا قدما أی متقدمین غیر معرجین و لا معردین (1) .

و أوجفوا

أسرعوا و یقال غنیمة باردة و کرامة باردة أی لم تؤخذ بحرب و لا عسف و ذلک لأن المکتسب بالحرب جار فی المعنی لما یلاقی و یعانی فی حصوله من المشقة .

و غلام ثقیف

المشار إلیه هو الحجاج بن یوسف و الذیال التائه و أصله من ذال أی تبختر و جر ذیله علی الأرض و المیال الظالم .

و یأکل خضرتکم یستأصل أموالکم و یذیب شحمتکم مثله و کلتا اللفظتین استعارة.

ص :278

ثم قال له کالمخاطب لإنسان حاضر بین یدیه إیه أبا وذحة إیه کلمه یستزاد بها من الفعل تقدیره زد و هات أیضا ما عندک و ضدها إیها أی کف و أمسک.

قال الرضی رحمه اللّه و الوذحة الخنفساء و لم أسمع هذا من شیخ من أهل الأدب و لا وجدته فی کتاب من کتب اللغة و لا أدری من أین نقل الرضی رحمه اللّه ذلک ثمّ إن المفسرین بعد الرضی رحمه اللّه قالوا فی قصة هذه الخنفساء وجوها منها أن الحجاج رأی خنفساء تدب إلی مصلاه فطردها فعادت ثمّ طردها فعادت فأخذها بیده و حذف بها فقرصته قرصا ورمت یده منها ورما کان فیه حتفه قالوا و ذلک لأن اللّه تعالی قتله بأهون مخلوقاته کما قتل نمرود بن کنعان بالبقة التی دخلت فی أنفه فکان فیها هلاکه.

و منها أن الحجاج کان إذا رأی خنفساء تدب قریبة منه یأمر غلمانه بإبعادها و یقول هذه وذحة من وذح الشیطان تشبیها لها بالبعرة قالوا و کان مغری بهذا القول و الوذح ما یتعلق بأذناب الشاة من أبعارها فیجف.

و منها أن الحجاج قال و قد رأی خنفساوات مجتمعات وا عجبا لمن یقول إن اللّه خلق هذه قیل فمن خلقها أیها الأمیر قال الشیطان إن ربکم لأعظم شأنا أن یخلق هذه الوذح قالوا فجمعها علی فعل کبدنة و بدن فنقل قوله هذا إلی الفقهاء فی عصره فأکفروه.

و منها أن الحجاج کان مثفارا (1) و کان یمسک الخنفساء حیة لیشفی بحرکتها فی الموضع حکاکه قالوا و لا یکون صاحب هذا الداء إلاّ شائنا مبغضا لأهل البیت قالوا و لسنا نقول کل مبغض فیه هذا الداء و إنّما قلنا کل من فیه هذا الداء فهو مبغض.

قالوا

1683

وَ قَدْ رَوَی أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ وَ لَمْ یَکُنْ مِنْ رِجَالِ اَلشِّیعَةِ فِی أَمَالِیهِ وَ أَحَادِیثِهِ عَنِ اَلسَّیَّارِیِّ

ص :279

عَنْ أَبِی خُزَیْمَةَ الْکَاتِبِ قَالَ مَا فَتَّشْنَا أَحَداً فِیهِ هَذَا الدَّاءَ إِلاَّ وَجَدْنَاهُ نَاصِبِیّاً .

1684

6- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ أَخْبَرَنِی اَلْعَطَّافِیُّ عَنْ رِجَالِهِ قَالُوا سُئِلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ع عَنْ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ رَحِمٌ مَنْکُوسَةٌ یُؤْتَی وَ لاَ یَأْتِی وَ مَا کَانَتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ فِی وَلِیٍّ لِلَّهِ تَعَالَی قَطُّ وَ لاَ تَکُونُ أَبَداً وَ إِنَّمَا تَکُونُ فِی الْکُفَّارِ وَ الْفُسَّاقِ وَ النَّاصِبِ لِلطَّاهِریِنَ .

و کان أبو جهل عمرو بن هشام المخزومی من القوم و کان أشدّ الناس عداوة لرسول اللّه ص قالوا و لذلک قال له عتبة بن ربیعة یوم بدر یا مصفر استه (1) .

فهذا مجموع ما ذکره المفسرون و ما سمعته من أفواه الناس فی هذا الموضع و یغلب علی ظنی أنّه أراد معنی آخر و ذلک أن عادة العرب أن تکنی الإنسان إذا أرادت تعظیمه بما هو مظنة التعظیم کقولهم أبو الهول و أبو المقدام و أبو المغوار فإذا أرادت تحقیره و الغض منه کنته بما یستحقر و یستهان به کقولهم فی کنیة یزید بن معاویة أبو زنة یعنون القرد و کقولهم فی کنیة سعید بن حفص البخاری المحدث أبو الفأر و کقولهم للطفیلی أبو لقمة و کقولهم لعبد الملک أبو الذبان لبخره و کقول ابن بسام لبعض الرؤساء فأنت لعمری أبو جعفر و لکننا نحذف الفاء منه.

و قال أیضا لئیم درن الثوب

فلما کان أمیر المؤمنین ع یعلم من حال الحجاج نجاسته بالمعاصی و الذنوب

ص :280

التی لو شوهدت بالبصر لکانت بمنزلة البعر الملتصق بشعر الشاء کناه أبو وذحة و یمکن أیضا أن یکنیه بذلک لدمامته فی نفسه و حقارة منظره و تشویه خلقته فإنّه کان قصیرا دمیما نحیفا أخفش العینین معوج الساقین قصیر الساعدین مجدور الوجه أصلع الرأس فکناه بأحقر الأشیاء و هو البعرة.

و قد روی قوم هذه اللفظة بصیغة أخری فقالوا إیه أبا ودجة قالوا واحدة الأوداج کناه بذلک لأنّه کان قتالا یقطع الأوداج بالسیف و رواه قوم أبا وحرة و هی دویبة تشبه الحرباء قصیرة الظهر شبهه بها.

و هذا و ما قبله ضعیف و ما ذکرناه نحن أقرب الصواب

ص :281

تعالی وَ سَکَنْتُمْ فِی مَسٰاکِنِ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَ تَبَیَّنَ لَکُمْ کَیْفَ فَعَلْنٰا بِهِمْ وَ ضَرَبْنٰا لَکُمُ الْأَمْثٰالَ (1) .

و روی عن أصل إخوانکم و ذلک بموت الأب فإنّه ینقطع أصل الأخ الواشج بینه و بین أخیه و الروایة الأولی أظهر

ص :283

سکتوا ملیا أی ساعة طویلة و مضی ملی من النار کذلک قال اللّه تعالی وَ اهْجُرْنِی مَلِیًّا (1) و أقمت عند فلان ملاوة و ملاوة و ملاوة من الدهر بالحرکات الثلاث أی حینا و برهة و کذلک أقمت ملوة و ملوة و ملوة بالحرکات الثلاث .

و قوله أ مخرسون أنتم اسم المفعول من أخرسه اللّه و خرس الرجل و الخرس المصدر .

و الکتیبة قطعة من الجیش و التقلقل الحرکة فی اضطراب و القدح السهم و الجفیر الکنانة و قیل وعاء للسهام أوسع من الکنانة .

و استحار مدارها اضطرب و المدار هاهنا مصدر و الثقال بکسر الثاء جلد یبسط و توضع الرحی فوقه فتطحن بالید لیسقط علیه الدقیق .

و حم أی قدر و الرکاب الإبل و شخصت عنکم خرجت ثمّ وصفهم بعیب الناس و الطعن فیهم و أنهم یحیدون عن الحق و عن الحرب أی ینحرفون و یروغون کما یروغ الثعلب .

ثمّ قال إنّه لا غناء عندکم و إن اجتمعتم بالأبدان مع تفرقی القلوب و الغناء بالفتح و المد النفع.

و انتصب طعانین علی الحال من الضمیر المنصوب فی أطلبکم .

ص :286

و هذا کلام قاله أمیر المؤمنین ع فی بعض غارات أهل الشام علی أطراف أعماله بالعراق بعد انقضاء أمر صفین و النهروان و قد ذکرنا سببه و وقعته فیما تقدم .

فإن قلت کیف قال الطریق الواضح فذکره ثمّ قال لا یهلک فیها فأنثه قلت لأن الطریق یذکر و یؤنث تقول الطریق الأعظم و الطریق العظمی فاستعمل اللغتین معا

ص :287

و إتمام العدات إنجازها و فیه إشارة إلی قوله تعالی مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ عَلَیْهِ (1) و إلی

1686

قَوْلُ اَلنَّبِیِّ ص فِی حَقِّهِ ع قَاضِی دَیْنِی وَ مُنْجِزُ مَوْعِدِی .

و تمام الکلمات تأویل القرآن و فیه إشارة إلی قوله تعالی وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ صِدْقاً وَ عَدْلاً (2) و إلی

1687

قَوْلُ اَلنَّبِیِّ فِی حَقِّهِ ع اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَ ثَبِّتْ لِسَانَهُ.

و خلاصة هذا أنّه أقسم بالله أنّه قد علم أو علم علی اختلاف الروایتین أداء الشرائع إلی المکلفین و الحکم بینهم بما أنزله اللّه و علم مواعید رسول اللّه التی وعد بها فمنها ما هو وعد لواحد من الناس بأمر نحو أن یقول له سأعطیک کذا و منها ما هو وعد بأمر یحدث کأخبار الملاحم و الأمور المتجددة و علم تمام کلمات اللّه تعالی أی تأویلها و بیانها الذی یتم به لأن فی کلامه تعالی المجمل الذی لا یستغنی عن متمم و مبین یوضحه .

ثمّ کشف الغطاء و أوضح المراد فقال و عندنا أهل البیت أبواب الحکم یعنی الشرعیات و الفتاوی و ضیاء الأمر یعنی العقلیات و العقائد و هذا مقام عظیم لا یجسر أحد من المخلوقین أن یدعیه سواه ع و لو أقدم أحد علی ادعائه غیره لکذب و کذبه الناس.

و أهل البیت منصوب علی الاختصاص .

و سبله قاصدة

أی قریبة سهلة و یقال بیننا و بین الماء لیلة قاصدة و رافهة أی هینة المسیر لا تعب و لا بطء .

و تبلی فیه السرائر

أی تختبر .

ثمّ قال من لا ینفعه لبه الحاضر و عقله الموجود فهو بعدم الانتفاع بما هو غیر حاضر

ص :289

و لا موجود من العقل عنده أولی و أحری أی من لم یکن له من نفسه و من ذاته وازع و زاجر عن القبیح فبعید أن ینزجر و أن یرتدع بعقل غیره و موعظة غیره له کما قیل و زاجر من النفس خیر من عتاب العواذل .

ثمّ ذکر النار فحذر منها .

و قوله حلیتها حدید یعنی القیود و الأغلال .

ثمّ ذکر أن الذکر الطیب یخلفه الإنسان بین الناس خیر له من مال یجمعه و یورثه من لا یحمده و

1688

1- جَاءَ فِی الْأَثَرِ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ جَاءَهُ مُخْبِرٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ مَالاً لَهُ قَدْ انْفَجَرَتْ فِیهِ عَیْنٌ خَرَّارَةٌ یُبَشِّرُهُ بِذَلِکَ فَقَالَ بَشِّرِ الْوَارِثَ بَشِّرِ الْوَارِثَ یُکَرِّرُهَا ثُمَّ وَقَفَ ذَلِکَ الْمَالَ عَلَی الْفُقَرَاءِ وَ کَتَبَ بِهِ کِتَاباً فِی تِلْکَ السَّاعَةِ

.

ص :290

بِالْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةَ وَ بِالْفُرْقَةِ الْفِتْنَةَ فَاصْدِفُوا عَنْ نَزَغَاتِهِ وَ نَفَثَاتِهِ وَ اقْبَلُوا النَّصِیحَةَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا إِلَیْکُمْ وَ اعْقِلُوهَا عَلَی أَنْفُسِکُمْ .

هذه شبهة من شبهات الخوارج و معناها أنک نهیت عن الحکومة أولا ثمّ أمرت بها ثانیا فإن کانت قبیحة کنت بنهیک عنها مصیبا و بأمرک بها مخطئا و إن کانت حسنة کنت بنهیک عنها مخطئا و بأمرک بها مصیبا فلا بدّ من خطئک علی کل حال.

و جوابها أن للإمام أن یعمل بموجب ما یغلب علی ظنه من المصلحة فهو ع لما نهاهم عنها کان نهیه عنها مصلحة حینئذ و لما أمرهم بها کانت المصلحة فی ظنه قد تغیرت فأمرهم علی حسب ما تبدل و تغیر فی ظنه کالطبیب الذی ینهی المریض الیوم عن أمر و یأمره بمثله غدا .

و قوله هذا جزاء من ترک العقدة یعنی الرأی الوثیق و فی هذا الکلام اعتراف بأنّه بان له و ظهر فیما بعد أن الرأی الأصلح کان الإصرار و الثبات علی الحرب و أن ذلک و إن کان مکروها فإن اللّه تعالی کان یجعل الخیرة فیه کما قال سبحانه فَعَسیٰ أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَ یَجْعَلَ اللّٰهُ فِیهِ خَیْراً کَثِیراً (1) ثم قال کنت أحملکم علی الحرب و ترک الالتفات إلی مکیدة معاویة و عمرو من رفع المصاحف فإن استقمتم لی اهتدیتم بی و إن لم تستقیموا فذلک ینقسم إلی قسمین أحدهما أن تعوجوا أی یقع منکم بعض الالتواء و یسیر من العصیان کفتور الهمة و قلة الجد فی الحرب و الثانی التأنی و الامتناع المطلق من الحرب فإن کان الأول قومتکم

ص :292

بالتأدیب و الإرشاد و إرهاق الهمم و العزائم بالتبصیر و الوعظ و التحریض و التشجیع و إن کان الثانی تدارکت الأمر معکم إمّا بالاستنجاد بغیرکم من قبائل العرب و أهل خراسان و الحجاز فکلهم کانوا شیعته و قائلین بإمامته أو بما أراه فی ذلک الوقت من المصلحة التی تحکم بها الحال الحاضرة .

قال لو فعلت ذلک لکانت هی العقدة الوثقی أی الرأی الأصوب الأحزم.

فإن قلت أ فتقولون إنّه أخطأ فی العدول عن هذا الرأی قلت لا نقول إنّه أخطأ بمعنی الإثم لأنّه إنّما فعل ما تغلب علی ظنه أنّه المصلحة و لیس الواجب علیه إلاّ ذلک و لکنه ترک الرأی الأصوب کما قال الحسن هلا مضیت قدما لا أبا لک و لا یلحق الإثم من غلب علی ظنه فی حکم السیاسة أمر فاعتمده ثمّ بان له أن الأصوب کان خلافه و قد قیل إن قوله لقد عثرت عثرة لا تنجبر سوف أکیس بعدها و أستمر و أجمع الرأی الشتیت المنتشر إشارة إلی هذا المعنی و قیل فیه غیر ذلک ممّا قدمنا ذکره قبل.

و قال شیخنا أبو عثمان الجاحظ رضی اللّه عنه من عرفه عرف أنّه غیر ملوم فی الانقیاد معهم إلی التحکیم فإنه مل من القتل و تجرید السیف لیلا و نهارا حتّی ملت الدماء من إراقته لها و ملت الخیل من تقحمه الأهوال بها و ضجر من دوام تلک الخطوب الجلیلة و الأرزاء العظیمة و استلاب الأنفس و تطایر الأیدی و الأرجل بین یدیه و أکلت الحرب أصحابه و أعداءه و عطلت السواعد و خدرت الأیدی التی سلمت من وقائع السیوف بها و لو أن أهل الشام لم یستعفوا من الحرب و یستقیلوا من

ص :293

المقارعة و المصادمة لأدت الحال إلی قعود الفیلقین معا و لزومهم الأرض و إلقائهم السلاح فإن الحال أفضت بعظمها و هو لها إلی ما یعجز اللسان عن وصفه .

و اعلم أنّه ع قال هذا القول و استدرک بکلام آخر حذرا أن یثبت علی نفسه الخطأ فی الرأی فقال لقد کان هذا رأیا لو کان لی من یطیعنی فیه و یعمل بموجبه و أستعین به علی فعله و لکن بمن کنت أعمل ذلک و إلی من أخلد فی فعله أما الحاضرون لنصری فأنتم و حالکم معلومة فی الخلاف و الشقاق و العصیان و أمّا الغائبون من شیعتی کأهل البلاد النائیة فإلی أن یصلوا یکون قد بلغ العدو غرضه منی و لم یبق من أخلد إلیه فی إصلاح الأمر و إبرام هذا الرأی الذی کان صوابا لو اعتمد إلاّ أن أستعین ببعضکم علی بعض فأکون کناقش الشوکة بالشوکة و هذا مثل مشهور لا تنقش الشوکة بالشوکة فإن ضلعها لها و الضلع المیل یقول لا تستخرج الشوکة الناشبة فی رجلک بشوکة مثلها فإن إحداهما فی القوّة و الضعف کالأخری فکما أن الأولی انکسرت لما وطئتها فدخلت فی لحمک فالثانیة إذا حاولت استخراج الأولی بها تنکسر و تلج فی لحمک .

ثمّ قال اللّهمّ إن هذا الداء الدوی قد ملت أطباؤه و الدوی الشدید کما تقول لیل ألیل .

و کلت النزعة

جمع نازع و هو الذی یستقی الماء و الأشطان جمع شطن و هو الحبل و الرکی الآبار جمع رکیة و تجمع أیضا علی رکایا .

ثمّ قال أین القوم هذا کلام متأسف علی أولئک متحسر علی فقدهم .

و الوله شدة الحب حتّی یذهب العقل وله الرجل.

و اللقاح بکسر اللام الإبل و الواحدة لقوح و هی الحلوب مثل قلاص و قلوص .

ص :294

قوله و أخذوا بأطراف الأرض أی أخذوا علی الناس بأطراف الأرض أی حصروهم یقال لمن استولی علی غیره و ضیق علیه قد أخذ علیه بأطراف الأرض قال الفرزدق أخذنا بأطراف السماء علیکم لنا قمراها و النجوم الطوالع (1) .

و زحفا زحفا منصوب علی المصدر المحذوف الفعل أی یزحفون زحفا و الکلمة الثانیة تأکید للأولی و کذلک قوله و صفا صفا .

ثمّ ذکر أن بعض هؤلاء المتأسف علیهم هلک و بعض نجا و هذا ینجی قوله تعالی فَمِنْهُمْ مَنْ قَضیٰ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ (2) .

ثمّ ذکر أن هؤلاء قوم وقذتهم العبادة و انقطعوا عن الناس و تجردوا عن العلائق الدنیویة فإذا ولد لأحدهم مولود لم یبشر به و إذا مات له میت لم یعز عنه .

و مرهت عین فلان بکسر الراء إذا فسدت لترک الکحل لکن أمیر المؤمنین ع جعل مره عیون هؤلاء من البکاء من خوف خالقهم سبحانه و ذکر أن بطونهم من خماص الصوم و شفاههم ذابلة من الدعاء و وجوههم مصفرة من السهر لأنّهم یقومون اللیل و علی وجوههم غبرة الخشوع .

ثمّ قال أولئک إخوانی الذاهبون فإن قلت من هؤلاء الذین یشیر ع إلیهم قلت هم قوم کانوا فی نأنأة الإسلام و فی زمان ضعفه و خموله أرباب زهد و عبادة و جهاد شدید فی سبیل اللّه کمصعب بن عمیر من بنی عبد الدار و کسعد بن معاذ من الأوس و کجعفر بن أبی طالب و عبد اللّه بن رواحة و غیرهم ممن استشهد من الصالحین

ص :295

أرباب الدین و العبادة و الشجاعة فی یوم أحد و فی غیره من الأیّام فی حیاة رسول اللّه ص و کعمار و أبی ذر و المقداد و سلمان و خباب و جماعة من أصحاب الصفة و فقراء المسلمین أرباب العبادة الذین قد جمعوا بین الزهد و الشجاعة و

1689

قَدْ جَاءَ فِی الْأَخْبَارِ الصَّحِیحَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ إِنَّ اَلْجَنَّةَ لَتَشْتَاقُ إِلَی أَرْبَعَةٍ عَلِیٍّ وَ عَمَّارٍ وَ أَبِی ذَرٍّ وَ اَلْمِقْدَادِ .

و

1690

14- جَاءَ فِی الْأَخْبَارِ الصَّحِیحَةِ أَیْضاً أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَرَّ بِهِمْ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ حَرْبٍ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ فَعَضُّوا أَیْدِیَهُمْ عَلَیْهِ وَ قَالُوا وَا أَسَفَاهْ کَیْفَ لَمْ تَأْخُذِ السُّیُوفُ مَأْخَذَهَا مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ وَ کَانَ مَعَهُ أَبُو بَکْرٍ فَقَالَ لَهُمْ أَ تَقُولُونَ هَذَا لِسَیِّدِ اَلْبَطْحَاءِ فَرُفِعَ قَوْلُهُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَأَنْکَرَهُ وَ قَالَ لِأَبِی بَکْرٍ انْظُرْ لاَ تَکُونُ أَغْضَبْتَهُمْ فَتَکُونَ قَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّکَ فَجَاءَ أَبُو بَکْرٍ إِلَیْهِمْ وَ تَرَضَّاهُمْ وَ سَأَلَهُمْ أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لَهُ فَقَالُوا غَفَرَ اللَّهُ لَکَ .

قوله فحق لنا یقال حقّ له أن یفعل کذا و هو حقیق به و هو محقوق به أی خلیق له و الجمع أحقاء و محقوقون .

و یسنی یسهل و صدف عن الأمر یصدف أی انصرف عنه و نزغات الشیطان ما ینزغ به بالفتح أی یفسد و یغری و نفثاته ما ینفث به و ینفث بالضم و الکسر أی یخیل و یسحر .

و اعقلوها علی أنفسکم

أی اربطوها و الزموها

ص :296

وَ الْإِخْوَانِ وَ الْقَرَابَاتِ فَمَا نَزْدَادُ عَلَی کُلِّ مُصِیبَةٍ وَ شِدَّةٍ إِلاَّ إِیمَاناً وَ مُضِیّاً عَلَی الْحَقِّ وَ تَسْلِیماً لِلْأَمْرِ وَ صَبْراً عَلَی مَضَضِ الْجِرَاحِ وَ لَکِنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِی اَلْإِسْلاَمِ عَلَی مَا دَخَلَ فِیهِ مِنَ الزَّیْغِ وَ الاِعْوِجَاجِ وَ الشُّبْهَةِ وَ التَّأْوِیلِ فَإِذَا طَمِعْنَا فِی خَصْلَةٍ یَلُمُّ اللَّهُ بِهَا شَعَثَنَا وَ نَتَدَانَی بِهَا إِلَی الْبَقِیَّةِ فِیمَا بَیْنَنَا رَغِبْنَا فِیهَا وَ أَمْسَکْنَا عَمَّا سِوَاهَا.

هذا الکلام یتلو بعضه بعضا و لکنه ثلاثة فصول لا یلتصق أحدها بالآخر و هذه عادة الرضی تراه ینتخب من جملة الخطبة الطویلة کلمات فصیحة یوردها علی سبیل التتالی و لیست متتالیة حین تکلم بها صاحبها و سنقطع کل فصل منها عن صاحبه إذا مررنا علی متنها .

قوله إلی معسکرهم الکاف مفتوحة و لا یجوز کسرها و هو موضع العسکر و محطه .

و شهد صفین

حضرها قال تعالی فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ (1) .

قوله فامتازوا أی انفردوا قال تعالی وَ امْتٰازُوا الْیَوْمَ أَیُّهَا الْمُجْرِمُونَ (2) .

قوله حتی أکلم کلا منکم بکلامه أی بالکلام الذی یلیق به و الغیلة الخداع و الناعق المصوت.

قوله إن أجیب ضل و إن ترک ذل... هو آخر الفصل الأول و قوله ضل أی ازداد ضلالا لأنّه قد ضل قبل أن یجاب.

ص :298

فأما قوله فلقد کنا مع رسول اللّه ص فهو من کلام آخر و هو قائم بنفسه إلی قوله و صبرا علی مضض الجراح فهذا آخر الفصل الثانی .

فأما قوله لکنا إنّما أصبحنا فهو کلام ثالث غیر منوط بالأولین و لا ملتصق بهما و هو فی الظاهر مخالف و مناقض للفصل الأول لأن الفصل الأول فیه إنکار الإجابة إلی التحکیم و هذا یتضمن تصویبها و ظاهر الحال أنّه بعد کلام طویل و قد قال الرضی رحمه اللّه فی أول الفصل أنّه من جملة کلام طویل و أنّه لما ذکر التحکیم قال ما کان یقوله دائما و هو أنی إنّما حکمت علی أن نعمل فی هذه الواقعة بحکم الکتاب و إن کنت أحارب قوما ما أدخلوا فی الإسلام زیغا و أحدثوا به اعوجاجا فلما دعونی إلی تحکیم الکتاب أمسکت عن قتلهم و أبقیت علیهم لأنّی طمعت فی أمر یلم اللّه به شعث المسلمین و یتقاربون بطریقه إلی البقیة و هی الإبقاء و الکف.

فإن قلت إنّه قد قال نقاتل إخواننا من المسلمین و أنتم لا تطلقون علی أهل الشام المحاربین له لفظة المسلمین قلت إنا و إن کنا نذهب إلی أن صاحب الکبیرة لا یسمی مؤمنا و لا مسلما فإنا نجیز أن یطلق علیه هذا اللفظ إذا قصد به تمییزه عن أهل الذمّة و عابدی الأصنام فیطلق مع قرینة حال أو لفظ یخرجه عن أن یکون مقصودا به التعظیم و الثناء و المدح فإن لفظة مسلم و مؤمن تستعمل فی أکثر الأحوال کذلک و أمیر المؤمنین ع لم یقصد بذلک إلاّ تمییزهم من کفّار العرب و غیرهم من أهل الشرک و لم یقصد مدحهم بذلک فلم ینکر مع هذا القصد إطلاق لفظ المسلمین علیهم

ص :299

البلاغة بالکسر فی أکثر الروایات و قد روی من موتة و هو الألیق یعنی المرة الواحدة لیقع فی مقابلة الألف.

و اعلم أنّه ع أقسم أن القتل أهون من الموت حتف الأنف و ذلک علی مقتضی ما منحه اللّه تعالی من الشجاعة الخارقة لعادة البشر و هو ع یحاول أن یحض أصحابه و یحرضهم لیجعل طباعهم مناسبة لطباعه و إقدامهم علی الحرب مماثلا لإقدامه علی عادة الأمراء فی تحریض جندهم و عسکرهم و هیهات إنّما هو کما قال أبو الطیب یکلف سیف الدولة الجیش همه

لیست النفوس کلها من جوهر واحد و لا الطباع و الأمزجة کلها من نوع واحد و هذه خاصیة توجد لمن یصطفیه اللّه تعالی من عباده فی الأوقات المتطاولة و الدهور المتباعدة و ما اتصل بنا نحن من بعد الطوفان فإن التواریخ من قبل الطوفان مجهولة عندنا أن أحدا أعطی من الشجاعة و الإقدام ما أعطیه هذا الرجل من جمیع فرق العالم علی اختلافها من الترک و الفرس و العرب و الروم و غیرهم و المعلوم من حاله أنّه کان یؤثر الحرب علی السلم و الموت علی الحیاة و الموت الذی کان یطلبه و یؤثره إنّما هو القتل بالسیف لا الموت علی الفراش کما قال الشاعر لو لم یمت بین أطراف الرماح إذا لمات إذ لم یمت من شدة الحزن.

ص :301

و کما قال الآخر یستعذبون منایاهم کأنهم لا ییأسون من الدنیا إذا قتلوا.

فإن قلت فما قولک فیما أقسم علیه هل ألف ضربة بالسیف أهون ألما علی المقتول من موتة واحدة علی الفراش بالحقیقة أم هذا قول قاله علی سبیل المبالغة و التجوز ترغیبا لأصحابه فی الجهاد قلت الحالف یحلف علی أحد أمرین أحدهما أن یحلف علی ظنه و اعتقاده نحو أن یحلف أن زیدا فی الدار أی أنا حالف و مقسم علی أنی أظن أن زیدا فی الدار أو أنی أعتقد کون زید فی الدار و الثانی أن یحلف لا علی ظنه بل یحلف علی نفس الأمر فی الخارج فإن حملنا قسم أمیر المؤمنین ع علی المحمل الأول فقد اندفع السؤال لأنّه ع قد کان یعتقد ذلک فحلف أنّه یعتقد و أنّه یظن ذلک و هذا لا کلام فیه و إن حملناه علی الثانی فالأمر فی الحقیقة یختلف لأن المقتول بسیف صارم معجل للزهوق لا یجد من الألم وقت الضربة ما یجده المیت دون النزع من المد و الکف نعم قد یجد المقتول قبل الضربة ألم التوقع لها و لیس کلامنا فی ذلک بل فی ألم الضربة نفسها و ألف سیف صارم مثل سیف واحد إذا فرضنا سرعة الزهوق و أمّا فی غیر هذه الصورة نحو أن یکون السیف کالا و تتکرر الضربات به و الحیاة باقیة بعد و قایسنا بینه و بین میت یموت حتف أنفه موتا سریعا إمّا بوقوف القوّة الغاذیة کما یموت الشیوخ أو بإسهال ذریع تسقط معه القوّة و یبقی العقل و الذهن إلی وقت الموت فإن الموت هاهنا أهون و أقل ألما فالواجب أن یحمل کلام أمیر المؤمنین ع إما علی جهة التحریض فیکون قد بالغ کعادة العرب و الخطباء فی المبالغات المجازیة و إمّا أن یکون أقسم علی أنّه یعتقد ذلک و هو صادق فیما أقسم لأنّه هکذا کان یعتقد بناء علی

ص :302

ما هو مرکوز فی طبعه من محبة القتال و کراهیة الموت علی الفراش

1691

وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّهُ قِیلَ لِأَبِی مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِیِّ إِنَّ فِی بَعْضِ الْکُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مَنْ قَتَلَ بِالسَّیْفِ فَبِالسَّیْفِ یُقْتَلُ فَقَالَ الْقَتْلُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ اخْتِلاَفِ الْأَطِبَّاءِ وَ النَّظَرِ فِی الْمَاءِ وَ مُقَاسَاةِ الدَّوَاءِ وَ الدَّاءِ فَذُکِرَ ذَلِکَ لِلْمَنْصُورِ بَعْدَ قَتْلِ أَبِی مُسْلِمٍ فَقَالَ قَدْ أَبْلَغْنَاهُ مَحَبَّتَهُ.

ص :303

و هی أن تقتحموا و تلحجوا و لا تهنوا فإنکم متی فعلتم ذلک نجوتم و متی تلومتم و تثبطتم و أحجمتم هلکتم و من هذا المعنی قول الشاعر تأخرت أستبقی الحیاة فلم أجد لنفسی حیاة مثل أن أتقدما (1) .

و قال قطری بن الفجاءة لا یرکنن أحد إلی الإحجام

و کتب أبو بکر إلی خالد بن الولید و اعلم أن علیک عیونا من اللّه ترعاک و تراک فإذا لقیت العدو فاحرص علی الموت توهب لک الحیاة و لا تغسل الشهداء من دمائهم فإن دم الشهید نور له یوم القیامة و قال أبو الطیب یقتل العاجز الجبان و قد یعجز

ص :305

و لهذا المعنی الذی أشار إلیه ع سبب معقول و هو أن المقدم علی خصمه یرتاع له خصمه و تنخذل عنه نفسه فتکون النجاة و الظفر للمقدم و أمّا قد خلیتم عن خصمه المحجم المتهیب له فإن نفس خصمه تقوی علیه و یزداد طمعه فیه فیکون الظفر له و یکون العطب و الهلاک للمتلوم الهائب تم الجزء السابع من شرح نهج البلاغة و یلیه الجزء الثامن

ص :306

101-من خطبة له أخری علیه السلام تجری هذا المجری 102-104

102-من خطبة له علیه السلام فی التزهید و وصف الناس فی بعض الأزمان 105-113

103-من خطبة له علیه السلام یصف فیها حال الناس قبل البعثة و ما صاروا إلیه بعدها 114

104-من خطبة له علیه السلام،ذکر فیها کلاما فی شأن أهل البیت و أمر بنی أمیّة معهم 117-167

105-من خطبة له علیه السلام فی وصف الإسلام و سمو شرائعه،ثم ذکر النبیّ صلّی اللّه علیه و ذکر أصحابه 171-176

106-من کلام له علیه السلام یصف بعض أیّام صفّین 179

107-من خطبة له علیه السلام؛و هی من خطب الملاحم أیضا 181-191

108-من خطبة له فی تمجید اللّه و وصف ملائکته 194-218

109-من خطبة له علیه السلام یذکر فیها فرائض الإسلام 221

110-من خطبة له علیه السلام فی وصف الدنیا 226-228

111-من خطبة له علیه السلام یذکر فیها ملک الموت و توفیة الأنفس 237

112-من خطبة له علیه السلام فی التحذیر من أمر الدنیا 246،247

113-من خطبة له علیه السلام فی الحض علی التقوی و ذکر أوصاف الدنیا و الفرق بینها و بین الآخرة 250-252

114-من خطبة له علیه السلام فی الاستسقاء،و صلاة الاستسقاء و آدابها 262،263 و أخبار و أحادیث فی الاستسقاء 270-275

115-من خطبة له علیه السلام فی تعظیم ما حُجب عن الناس و کشف له،و الإخبار بما سیکون من أمر الحجاج الثقفی 276-278

ص :308

116-من کلام له علیه السلام فی التوبیخ علی البخل،و دعوة أصحابه لنصرته 272

117-من کلام له علیه السلام فی حث أصحابه علی مناصحته 284

118-من کلام له علیه السلام و قد جمع له أصحابه فحضهم علی الجهاد و أثار المحبة فیهم 285

119-من کلام له علیه السلام فی وصف نفسه و الحث علی الاستقامة و التحذیر من النار و الحث علی طلب الحمد 288

120-من کلام له علیه السلام فی احتجاجه علی الخوارج 291،292

121-من کلام له علیه السلام فی التحکیم 297،298

122-من کلام له علیه السلام قاله لأصحابه فی ساعة الحرب 300

123-من کلام له علیه السلام فی توبیخ أصحابه و وصفهم بالجبن؛و حثهم علی الجرأة و التقحّم 304

ص :309