ص :2

ستنصرون علی هذه الفئة التی تلقونها غدا فإن نصر جعل ذلک حجة له عند أصحابه و سماها معجزة و إن لم ینصر قال لهم تغیرت نیاتکم و شککتم فی قولی فمنعکم اللّه نصره و نحو ذلک من القول و لأنّه قد جرت العادة أن الملوک و الرؤساء یعدون أصحابهم بالظفر و النصر و یمنونهم الدول فلا یدلّ وقوع ما یقع من ذلک علی إخبار عن غیب یتضمن إعجاز.

و القسم الثانی فی الأخبار المفصلة عن الغیوب مثل هذا الخبر فإنّه لا یحتمل التلبیس لتقییده بالعدد المعین فی أصحابه و فی الخوارج و وقوع الأمر بعد الحرب بموجبه من غیر زیادة و لا نقصان و ذلک أمر إلهی عرفه من جهة رسول اللّه ص و عرفه رسول اللّه ص من جهة اللّه سبحانه و القوّة البشریة تقصر عن إدراک مثل هذا و لقد کان له من هذا الباب ما لم یکن لغیره.

و بمقتضی ما شاهد الناس من معجزاته و أحواله المنافیة لقوی البشر غلا فیه من غلا حتّی نسب إلی أن الجوهر الإلهی حل فی بدنه کما قالت النصاری فی عیسی ع

908

وَ قَدْ أَخْبَرَهُ اَلنَّبِیُّ ص بِذَلِکَ فَقَالَ یَهْلِکُ فِیکَ رَجُلاَنِ مُحِبٌّ غَالٍ وَ مُبْغِضٌ قَالٍ.

و

909

قَالَ لَهُ تَارَةً أُخْرَی وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَوْ لاَ أَنِّی أُشْفِقُ أَنْ یَقُولَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِی فِیکَ مَا قَالَتِ اَلنَّصَارَی فِی اِبْنِ مَرْیَمَ لَقُلْتُ الْیَوْمَ فِیکَ مَقَالاً لاَ تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَیْکَ لِلْبَرَکَةِ.

ص :4

914

14,1- وَ رَوَی أَصْحَابُنَا فِی کُتُبِ الْمَقَالاَتِ أَنَّهُ لَمَّا حَرَقَهُمْ صَاحُوا إِلَیْهِ الْآنَ ظَهَرَ لَنَا ظُهُوراً بَیِّناً أَنَّکَ أَنْتَ الْإِلَهُ لِأَنَّ اِبْنَ عَمِّکَ الَّذِی أَرْسَلْتَهُ قَالَ لاَ یُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ .

915

1- وَ رَوَی أَبُو الْعَبَّاسِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ بْنِ حَبِیبٍ الْمِصِّیصِیِّ (1) عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِیِّ عَنْ أَبِیهِ وَ مَشِیخَتِهِ أَنَّ عَلِیّاً مَرَّ بِهِمْ وَ هُمْ یَأْکُلُونَ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ نَهَاراً فَقَالَ أَ سَفَرٌ أَمْ مَرْضَی قَالُوا وَ لاَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَالَ أَ فَمِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ أَنْتُمْ قَالُوا لاَ قَالَ فَمَا بَالُ الْأَکْلِ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ نَهَاراً قَالُوا أَنْتَ أَنْتَ لَمْ یَزِیدُوهُ عَلَی ذَلِکَ فَفَهِمَ مُرَادَهُمْ فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ فَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالتُّرَابِ ثُمَّ قَالَ وَیْلَکُمْ إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِنْ عَبِیدِ اللَّهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ ارْجِعُوا إِلَی اَلْإِسْلاَمِ فَأَبَوْا فَدَعَاهُمْ مِرَاراً فَأَقَامُوا عَلَی أَمْرِهِمْ فَنَهَضَ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ شُدُّوهُمْ وَثَاقاً وَ عَلَیَّ بِالْفَعَلَةِ وَ النَّارِ وَ الْحَطَبِ ثُمَّ أَمَرَ بِحَفْرِ بِئْرَیْنِ فَحُفِرَتَا فَجَعَلَ إِحْدَاهُمَا سَرَباً (2) وَ الْأُخْرَی مَکْشُوفَةً وَ أَلْقَی الْحَطَبَ فِی الْمَکْشُوفَةِ وَ فَتَحَ بَیْنَهُمَا فَتْحاً وَ أَلْقَی النَّارَ فِی الْحَطَبِ فَدَخَنَ عَلَیْهِمْ وَ جَعَلَ یَهْتِفُ بِهِمْ وَ یُنَاشِدُهُمْ اِرْجِعُوا إِلَی اَلْإِسْلاَمِ فَأَبَوْا فَأَمَرَ بِالْحَطَبِ وَ النَّارِ وَ أُلْقِیَ عَلَیْهِمْ فَاحْتَرَقُوا فَقَالَ الشَّاعِرُ لِتَرْمِ بِیَ الْمَنِیَّةُ حَیْثُ شَاءَتْ قَالَ فَلَمْ یَبْرَحْ وَاقِفاً عَلَیْهِمْ حَتَّی صَارُوا حُمَماً

.

916

1- قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ شَفَعُوا فِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَإٍ خَاصَّةً وَ قَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّهُ قَدْ تَابَ فَاعْفُ عَنْهُ فَأَطْلَقَهُ بَعْدَ أَنِ اشْتَرَطَ عَلَیْهِ أَلاَّ یُقِیمَ بِالْکُوفَةِ فَقَالَ أَیْنَ أَذْهَبُ قَالَ اَلْمَدَائِنَ فَنَفَاهُ إِلَی اَلْمَدَائِنِ

ص :6

فَلَمَّا قُتِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع أَظْهَرَ مَقَالَتَهُ وَ صَارَتْ لَهُ طَائِفَةٌ وَ فِرْقَةٌ یُصَدِّقُونَهُ وَ یَتَّبِعُونَهُ وَ قَالَ لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ عَلِیٍّ وَ اللَّهِ لَوْ جِئْتُمُونَا بِدِمَاغِهِ فِی سَبْعِینَ صُرَّةً لَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ یَمُتْ وَ لاَ یَمُوتُ حَتَّی یَسُوقَ اَلْعَرَبَ بِعَصَاهُ فَلَمَّا بَلَغَ اِبْنَ عَبَّاسٍ ذَلِکَ قَالَ لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ یَرْجِعُ لَمَا تَزَوَّجْنَا نِسَاءَهُ وَ لاَ قَسَمْنَا مِیرَاثَهُ

.

قال أصحاب المقالات و اجتمع إلی عبد اللّه بن سبإ بالمدائن جماعة علی هذا القول منهم عبد اللّه بن صبرة الهمدانی و عبد اللّه بن عمرو بن حرب الکندی و آخرون غیرهما و تفاقم أمرهم.

و شاع بین الناس قولهم و صار لهم دعوة یدعون إلیها و شبهة یرجعون إلیها و هی ما ظهر و شاع بین الناس من إخباره بالمغیبات حالا بعد حال فقالوا إن ذلک لا یمکن أن یکون إلاّ من اللّه تعالی أو ممن حلت ذات الإله فی جسده و لعمری إنّه لا یقدر علی ذلک إلاّ بإقدار اللّه تعالی إیاه علیه و لکن لا یلزم من إقداره إیاه علیه أن یکون هو الإله أو تکون ذات الإله حالة فیه و تعلق بعضهم بشبهة ضعیفة نحو

917

1- قَوْلِ عُمَرَ وَ قَدْ فَقَأَ عَلِیٌّ عَیْنَ إِنْسَانٍ أَلْحَدَ فِی اَلْحَرَمِ مَا أَقُولُ فِی یَدِ اللَّهِ فَقَأَتْ عَیْناً فِی حَرَمِ اللَّهِ

. و نحو

918

قَوْلُ عَلِیٍّ

وَ اللَّهِ مَا قَلَعْتُ بَابَ خَیْبَرَ بِقُوَّةٍ جَسَدَانِیَّةٍ بَلْ بِقُوَّةٍ إِلَهِیَّةٍ .

و نحو

919

14,1- قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَ نَصَرَ عَبْدَهُ وَ هَزَمَ اَلْأَحْزَابَ وَحْدَهُ وَ الَّذِی هَزَمَ اَلْأَحْزَابَ هُوَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ لِأَنَّهُ قَتَلَ بَارِعَهُمْ (1) وَ فَارِسَهُمْ عَمْرواً لَمَّا اقْتَحَمُوا الْخَنْدَقَ فَأَصْبَحُوا صَبِیحَةَ تِلْکَ اللَّیْلَةِ هَارِبِینَ مَفْلُولِینَ مِنْ غَیْرِ حَرْبٍ سِوَی قَتْلِ فَارِسِهِمْ . و قد أومأ بعض شعراء الإمامیّة إلی هذه المقالة فجعلها من فضائله و ذلک قوله إذا کنتم ممن یروم لحاقه فهلا برزتم نحو عمرو و مرحب (2)

ص :7

و کیف فررتم یوم أحد و خیبر

ص :8

یکون ثراه سر قدس ممنع

و قالوا أیضا إن بکریا و شیعیا تجادلا و احتکما إلی بعض أهل الذمّة ممن لا هوی له مع أحد الرجلین فی التفضیل فأنشدهما کم بین من شک فی عقیدته و بین من قیل إنّه اللّه

و قد یقع الإخبار عن الغیوب لأصحاب زجر الطیر و البهائم کما یحکی عن بنی لهب فی الجاهلیة (1) .

و قد یقع الإخبار عن الغیوب للقافة کما یحکی عن بنی مدلج (2) .

و قد یخبر أرباب النیرنجات (3) و أرباب السحر و الطلسمات بالمغیبات و قد یقع الإخبار عن الغیوب لأرباب النفس الناطقة القویة الصافیة التی تتصل مادتها الروحانیة علی ما تقوله الفلاسفة و قد یقع الإخبار عن الغیوب بطریق المنامات الصادقة علی ما رآه أکثر الناس و قد وردت الشریعة نصا به.

و قد یقع الإخبار عن الغیوب بأمر صناعی یشبه الطبیعی کما رأیناه عن أبی البیان و ابنه.

و قد یقع الإخبار عن الغیوب بواسطة إعلام ذلک الغیب إنسانا آخر لنفسه بنفس ذلک المخبر اتّحاد أو کالاتحاد و ذلک کما یحکی أبو البرکات بن ملکا الطبیب فی کتاب المعتبر (4) قال و المرأة العمیاء التی رأیناها ببغداد و تکررت مشاهدتنا لها منذ مدة مدیدة قدرها ما یقارب ثلاثین سنة و هی علی ذلک إلی الآن تعرض علیها الخبایا فتدل علیها بأنواعها و أشکالها و مقادیرها و أعدادها غریبها و مألوفها دقیقها

ص :10

و جلیلها تجیب علی أثر السؤال من غیر توقف و لا استعانة بشیء من الأشیاء إلاّ أنّها کانت تلتمس أن تری الذی یسأل عنه أبوها أو یسمعه فی بعض الأوقات دون بعض و عند قوم دون قوم فیتصور فی أمرها أن الذی تقوله بإشارة من أبیها و کان الذی تقوله یبلغ من الکثرة إلی ما یزید علی عشرین کلمة إذا قیل بصریح الکلام الذی هو الطریق الأخصر و إنّما کان أبوها یقول إذا رأی ما یراه من أشیاء کثیرة مختلفة الأنواع و الأشکال فی مدة واحدة کلمة واحدة و أقصاه کلمتان و هی التی یکررها فی کل قول و مع کل ما یسمع و یری سلها و سلها تخبرک أو قولی له أو قولی یا صغیرة.

قال أبو البرکات و لقد عاندته یوما و حاققته فی ألا یتکلم البتة و أریته عدة أشیاء فقال لفظة واحدة فقلت له الشرط أملک (1) فاغتاظ و احتد طیشه عن أن یملک نفسه فباح بخبیئته قال و مثلک یظن أننی أشرت إلی هذا کله بهذه اللفظة فاسمع الآن ثمّ التفت إلیها و أخذ یشیر بإصبعه إلی شیء و هو یقول تلک الکلمة و هی تقول هذا کذا و هذا کذا علی الاتصال من غیر توقف و هو یقول تلک الکلمة لا زیادة علیها و هی لفظة واحدة بلحن واحد و هیئة واحدة حتّی ضجرنا و اشتد تعجبنا و رأینا أن هذه الإشارة لو کانت تتضمن هذه الأشیاء لکانت أعجب من کل ما تقوله العمیاء.

قال أبو البرکات و من عجیب ما شاهدناه من أمرها أن أباها کان یغلط فی شیء یعتقده علی خلاف ما هو به فتخبر هی عنه علی معتقد أبیها کان نفسها هی نفسه.

قال أبو البرکات و رأیناها تقول ما لا یعلمه أبوها من خبیئة فی الخبیئة التی اطلع علیها أبوها فکانت تطلع علی ما قد علمه أبوها و علی ما لم یعلمه أبوها و هذا أعجب و أعجب.

ص :11

قال أبو البرکات و حکایاتها أکثر من أن تعد و عند کل أحد من الناس من حدیثها ما لیس عند الآخر لأنّها کانت تقول من ذلک علی الاتصال لشخص شخص جوابا بحسب السؤال.

قال و ما زلت أقول إن من یأتی بعدنا لا یصدق ما رأیناه منها فإن قلت لی أرید أن تفیدنی العلة فی معرفة المغیبات هذه قلت لک العلة التی تصلح فی جواب لم فی نسبة المحمول إلی الموضوع تکون الحدّ الأوسط فی القیاس و هذه فالعلة الفاعلة الموجبة لذلک فیها هی نفسها بقوتها و خاصتها فما الذی أقوله فی هذا و هل لی أن أجعل ما لیس بعلة علة.

و اعلم أنا لا ننکر أن یکون فی نوع البشر أشخاص یخبرون عن الغیوب و لکن کل ذلک مستند إلی البارئ سبحانه بإقداره و تمکینه و تهیئة أسبابه فإن کان المخبر عن الغیوب ممن یدعی النبوّة لم یجز أن یکون ذلک إلاّ بإذن اللّه سبحانه و تمکینه و أن یرید به تعالی استدلال المکلفین علی صدق مدعی النبوّة لأنّه لو کان کاذبا لکان یجوز أن یمکن اللّه تعالی الجن من تعلیمه ذلک إضلالا للمکلفین و کذلک لا یجوز أن یمکن سبحانه الکاذب فی ادعاء النبوّة من الإخبار عن الغیب بطریق السحر و تسخیر الکواکب و الطلسمات و لا بالزجر و لا بالقیافة و لا بغیر ذلک من الطرق المذکورة لما فیه من استفساد البشر و إغوائهم.

و أمّا إذا لم یکن المخبر عن الغیوب مدعیا للنبوة نظر فی حاله فإن کان ذلک من الصالحین الأتقیاء نسب ذلک إلی أنّه کرامة أظهرها اللّه تعالی علی یده إبانة له و تمییزا

ص :12

من غیره کما فی حق علی ع و إن لم یکن کذلک أمکن أن یکون ساحرا أو کاهنا أو نحو ذلک.

و بالجملة فصاحب هذه الخاصیة أفضل و أشرف ممن لا تکون فیه من حیث اختصاصه بها فإن کان للإنسان العاری منها مزیة أخری یختص بها توازیها أو تزید علیها فنرجع إلی التمییل (1) و الترجیح بینهما و إلاّ فالمختص بهذه الخاصیة أرجح و أعظم من الخالی منها علی جمیع الأحوال

ص :13

920

وَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ص لِلْحَادِی یَا أَنْجَشَةُ رِفْقاً بِالْقَوَارِیرِ (1) .

یعنی النساء.

معاویة یا أبا بحر ما الشیء الملفف فی البجاد فقال السخینة (1) یا أمیر المؤمنین و إنّما کنی معاویة عن رمی بنی تمیم بالنهم و حبّ الأکل بقول القائل إذا ما مات میت من تمیم

و أراد الشاعر وطب اللبن فقال الأحنف هو السخینة یا أمیر المؤمنین لأن قریشا کانت تعیر بأکل السخینة قبل الإسلام لأن أکثر زمانها کان زمان قحط و السخینة ما یسخن بالنار و یذر علیه دقیق و غلب ذلک علی قریش حتی سمیت سخینة قال حسان زعمت سخینة أن ستغلب ربها و لیغلبن مغالب الغلاب (2) .

فعبر کل واحد من معاویة و الأحنف عما أراده بلفظ غیر مستهجن و لا مستقبح و علم کل واحد منهما مراد صاحبه و لم یفهم الحاضرون ما دار بینهما و هذا من باب التعریض و هو قریب من الکنایة.

و من کنایات الکتاب العزیز أیضا قوله تعالی وَ أَوْرَثَکُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِیٰارَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُهٰا (3) کنی بذلک عن مناکح النساء.

و منها قوله تعالی نِسٰاؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنّٰی شِئْتُمْ (4) کنی عن مواقع النسل بمواقع الحرث.

ص :16

و ممّا ورد فی الأخبار النبویّة فی هذا الباب

921

الْخَبَرُ الَّذِی فِیهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ لِلرَّجُلِ الْقَاعِدِ مِنْهَا مَقْعَدَ الْقَابِلَةِ لاَ یَحِلُّ لَکَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ فَقَامَ عَنْهَا وَ تَرَکَهَا.

و قد أخذ الصاحب بن عباد هذه اللفظة فقال لأبی العلاء الأسدی الأصفهانی و قد دخل بزوجة له بکر قلبی علی الجمرة یا أبا العلا

و أنشد الفرزدق فی سلیمان بن عبد الملک شعرا قال فیه دفعن إلی لم یطمثن قبلی

فاستنکر سلیمان ذلک و کان غیورا جدا و قال له قد أقررت بالزنا فلأجلدنک فقال یا أمیر المؤمنین إنّی شاعر و إن اللّه یقول فی الشعراء وَ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ مٰا لاٰ یَفْعَلُونَ و قد قلت ما لم أفعل (1) قال سلیمان نجوت بها.

922

وَ مِنَ الْأَخْبَارِ النَّبَوِیَّةِ أَیْضاً قَوْلُهُ ع فِی الشَّهَادَةِ عَلَی الزِّنَا حَتَّی تُشَاهِدَ الْمِیلَ (2) فِی الْمُکْحُلَةِ.

ص :17

و منها

923

قَوْلُهُ ع لِلْمَرْأَةِ الَّتِی اسْتَفْتَتْهُ فِی الَّذِی اسْتَخَلَّتْ لَهُ وَ لَمْ یَسْتَطِعْ جِمَاعَهَا لاَ حَتَّی تَذُوقِی عُسَیْلَتَهُ وَ یَذُوقَ عُسَیْلَتَکِ.

و منها قول المرأة التی شکت إلی عائشة زوجها أنّه یطمح بصره إلی غیرها إنّی عزمت علی أن أقید الجمل إشارة إلی ربطه.

و منها

924

14- قَوْلُ عُمَرُ یَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَکْتُ قَالَ وَ مَا أَهْلَکَکَ قَالَ حَوَّلْتُ رَحْلِی فَقَالَ ع أَقْبِلْ وَ أَدْبِرْ وَ اتَّقِ الْحَیْضَةَ .

ففهم ص ما أراد.

و رأی عبد اللّه بن سلام علی إنسان ثوبا معصفرا فقال لو أن ثوبک فی تنور أهلک لکان خیرا لک فذهب الرجل فأحرق ثوبه فی تنور أهله و ظنّ أنّه أراد الظاهر و لم یرد ابن سلام ذلک و إنّما أراد لو صرف ثمنه فی دقیق یخبزه فی تنور أهله.

و من ذلک

925

قَوْلُهُ ص إِیَّاکُمْ وَ خَضْرَاءَ الدِّمَنِ.

و الدمن جمع دمنة و هی المزبلة فیها البعر تنبت نباتا أخضر و کنی بذلک عن المرأة الحسناء فی منبت السوء.

و من ذلک قولهم إیاک و عقیلة الملح لأن الدرة تکون فی الماء الملح و مرادهم النهی عن المرأة الحسناء و أهلها أهل سوء.

و من ذلک قولهم لبس له جلد النمر و قلب له ظهر المجن (1) و قال أبو نواس لا أذود الطیر عن شجر قد بلوت المر من ثمره (2) .

ص :18

و قد فسر قوم قوله تعالی وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِرٰاماً (1) فقالوا أراد و إذا عبروا عن اللفظ بما یقبح ذکره کنوا عنه فسمی التعبیر عن الشیء مرورا به و سمی الکنایة عنه کرما.

و من ذلک أن بنت أعرابیة صرخت و قالت لسعتنی العقرب فقالت أمها أین فقالت موضع لا یضع الراقی فیه أنفه کنت بذلک عن السوأة.

و من هذا الباب قوله سبحانه مَا اَلْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّیقَةٌ کٰانٰا یَأْکُلاٰنِ الطَّعٰامَ (2) قال کثیر من المفسرین هو کنایة عن الغائط لأنّه یکون من الطعام فکنی عنه إذا هو منه مسبب کما کنوا عن السمة بالنار فقالوا ما نار تلک أی ما سمتها و منه قول الشاعر (3) قد وسموا آبالهم بالنار (4) و النار قد تشفی من الأوار (5) .

و هذا من أبیات المعانی یقول هم أهل عزّ و منعة فسقی راعیهم إبلهم بالسمات التی علی الإبل و علم المزاحمون له فی الماء أنّه لا طاقة لهم بمنازعتهم علیه لعزهم فکانت السمات سببا لسقیها و الأوار العطش فکنی سبحانه بقوله یَأْکُلاٰنِ الطَّعٰامَ عن إتیان الغائط لما کان أکل الطعام سببا له کما کنی الشاعر بالنار عن السمة لما کانت النار سبب السمة.

ص :19

و من هذا الباب قوله سبحانه وَ کَیْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضیٰ بَعْضُکُمْ إِلیٰ بَعْضٍ (1) کنی بالإفضاء عن الجماع.

926

وَ مِنَ الْأَحَادِیثِ النَّبَوِیَّةِ مَنْ کَشَفَ قِنَاعَ امْرَأَةٍ وَجَبَ عَلَیْهِ مَهْرُهَا.

کنی عن الدخول بها بکشف القناع لأنّه یکشف فی تلک الحالة غالبا.

و العرب تقول فی الکنایة عن العفة ما وضعت مومسة عنده قناعا.

927

14- وَ مِنْ حَدِیثِ عَائِشَةَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص یُصِیبُ مِنْ رُءُوسِ نِسَائِهِ وَ هُوَ صَائِمٌ .

کنت بذلک عن القبلة.

و من ذلک قوله تعالی هُنَّ لِبٰاسٌ لَکُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ (2) کنی بذلک عن الجماع و المخالطة.

و قال النابغة الجعدی إذا ما الضجیع ثنی عطفها تثنت فکانت علیه لباسا (3) .

و قد کنت العرب عن المرأة بالریحان و بالسرحة قال ابن الرقیات لا أشم الریحان إلاّ بعینی کرما إنّما تشم الکلاب (4) أی أقنع من النساء بالنظر و لا أرتکب منهن محرما.

و قال حمید بن ثور الهلالی أبی اللّه إلاّ أن سرحة مالک

ص :20

و هل أنا إن عللت نفسی بسرحة

من السرح مسدود علی طریق

و السرحة الشجرة.

و قال أعرابی و کنی عن امرأتین أیا نخلتی أود إذا کان فیکما

928

وَ مِنَ الْأَخْبَارِ النَّبَوِیَّةِ قَوْلُهُ ع

مَنْ کٰانَ یُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ فَلاَ یَسْقِیَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَیْرِهِ.

أراد النهی عن نکاح الحبائل لأنّه إذا وطئها فقد سقی ماءه زرع غیره.

929

14- وَ قَالَ ص لِخَوَّاتِ بْنِ جُبَیْرٍ (1) مَا فَعَلَ جَمَلُکَ یَا خَوَّاتُ یُمَازِحُهُ فَقَالَ قَیَّدَهُ اَلْإِسْلاَمُ یَا رَسُولَ اللَّهِ .

لأن خواتا فی الجاهلیة کان یغشی البیوت و یقول شرد جملی و أنا أطلبه و إنّما یطلب النساء و الخلوة بهن و خوات هذا هو صاحب ذات النحیین (2) .

و من کنایات القرآن العزیز قوله تعالی وَ لاٰ یَأْتِینَ بِبُهْتٰانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ (3) کنی بذلک عن الزنا لأن الرجل یکون فی تلک الحال بین یدی المرأة و رجلیها.

930

وَ مِنْهُ فِی الْحَدِیثِ إِذَا قَعَدَ الرَّجُلُ بَیْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ.

ص :21

و قد فسر قوم قوله تعالی وَ امْرَأَتُهُ حَمّٰالَةَ الْحَطَبِ (1) عن النمیمة و العرب تقول لمن ینم و یشی یوقد بین الناس الحطب الرطب.

و قال الشاعر یذکر امرأة من البیض لم تصطد علی خیل لامة و لم تمش بین الناس بالحطب الرطب (2) أی لم تؤخذ علی أمر تلام علیه و لم تفسد بین الحیّ بالکذب و النمیمة.

و ممّا ورد نظیر ممازحة معاویة (3) و الأحنف من التعریضات أن أبا غسان المسمعی مر بأبی غفار السدوسی فقال یا غفار ما فعل الدرهمان فقال لحقا بالدرهم أراد بالدرهمین قول الأخطل فإن تبخل سدوس بدرهمیها فإن الریح طیبة قبول (4) .

و أراد الآخر قول بشار و فی جحدر لؤم و فی آل مسمع صلاح و لکن درهم القوم کوکب (5) .

و کان محمّد بن عقال المجاشعی عند یزید بن مزید الشیبانی و عنده سیوف تعرض علیه فدفع سیفا منها إلی ید محمد فقال کیف تری هذا السیف فقال نحن أبصر بالتمر منا بالسیوف أراد یزید قول جریر فی الفرزدق بسیف أبی رغوان سیف مجاشع

ص :22

و أراد محمد قول مروان بن أبی حفصة لقد أفسدت أسنان بکر بن وائل من التمر ما لو أصلحته لمارها.

و قال محمّد بن عمیر بن عطاء التمیمی لشریک النمیری و علی یده صقر لیس فی الجوارح أحبّ إلی من البازی فقال شریک إذا کان یصید القطا أراد محمد قول جریر أنا البازی المطل علی نمیر أتیح من السماء لها انصبابا (1) .

و أراد شریک قول الطرماح تمیم بطرق اللؤم أهدی من القطا و لو سلکت سبل المکارم ضلت (2) .

و دخل عبد اللّه بن ثعلبة المحاربی علی عبد الملک بن یزید الهلالی و هو یومئذ والی أرمینیة فقال له ما ذا لقینا اللیلة من شیوخ محارب منعونا النوم بضوضائهم و لغطهم فقال عبد اللّه بن ثعلبة إنهم أصلح اللّه الأمیر أضلوا اللیلة برقعا فکانوا یطلبونه أراد عبد الملک قول الشاعر تکش بلا شیء شیوخ محارب

و أراد عبد اللّه قول القائل لکل هلالی من اللؤم برقع و لابن یزید برقع و جلال (3) .

ص :23

931

وَ رَوَی أَبُو بَکْرِ بْنُ دُرَیْدٍ فِی کِتَابِ اَلْأَمَالِی عَنْ أَبِی حَاتِمٍ عَنِ اَلْعُتْبِیِّ عَنِ أَبِیهِ أَنَّهُ عُرِضَ عَلَی مُعَاوِیَةَ فَرَسٌ وَ عِنْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (1) بْنُ الْحَکَمِ بْنِ أَبِی الْعَاصِ فَقَالَ کَیْفَ تَرَی هَذَا الْفَرَسَ یَا أَبَا مُطَرِّفٍ قَالَ أَرَاهُ أَجَشَّ هَزِیماً قَالَ مُعَاوِیَةُ أَجَلْ لَکِنَّهُ لاَ یَطَّلِعُ عَلَی الْکَنَائِنِ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا اسْتَوْجَبْتُ مِنْکَ هَذَا الْجَوَابَ کُلَّهُ قَالَ قَدْ عَوَّضْتُکَ عَنْهُ عِشْرِینَ أَلْفاً.

قَالَ أَبُو بَکْرِ بْنُ دُرَیْدٍ أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ التَّعْرِیضَ بِمُعَاوِیَةَ بِمَا قَالَهُ اَلنَّجَاشِیُّ فِی أَیَّامِ صِفِّینَ وَ نَجَّی اِبْنَ حَرْبٍ سَابِحٌ ذُو عُلاَلَةٍ

فَلَمْ یَحْتَمِلْ مُعَاوِیَةُ مِنْهُ هَذَا الْمِزَاحَ وَ قَالَ لَکِنَّهُ لاَ یَطَّلِعُ عَلَی الْکَنَائِنِ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ کَانَ یُتَّهَمُ بِنَسَاءِ إِخْوَتِهِ (2) .

932

وَ رَوَی اِبْنُ دُرَیْدٍ أَیْضاً فِی کِتَابِ اَلْأَمَالِی عَنْ أَبِی حَاتِمٍ النَّخَعِیِّ أَنَّ اَلنَّجَاشِیَّ دَخَلَ عَلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالَ لَهُ کَیْفَ قُلْتَ وَ نَجَّی اِبْنَ حَرْبٍ سَابِحٌ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْخَیْلَ لاَ تَجْرِی بِمِثْلِی (3) فِرَاراً قَالَ إِنَّمَا عَنَیْتُ عُتْبَةَ أَخَاکَ وَ عُتْبَةُ جَالِسٌ فَلَمْ یَقُلْ مُعَاوِیَةُ وَ لاَ عُتْبَةُ شَیْئاً.

ص :24

و ورد إلی البصرة (1) غلام من بنی فقعس کان یجلس فی المربد (2) فینشد شعرا و یجمع الناس إلیه فذکر ذلک للفرزدق فقال لأسوءنه فجاء إلیه فسمع شیئا من شعره فحسده علیه فقال ممن أنت قال من بنی فقعس قال کیف ترکت القنان (3) فقال مقابل لصاف (4) فقال یا غلام هل أنجدت أمک قال بل أنجد أبی.

قال أبو العبّاس المبرد أراد الفرزدق قول الشاعر (5) ضمن القنان لفقعس سوآتها إن القنان لفقعس لمعمر (6) .

و القنان جبل فی بلاد فقعس یرید أن هذا الجبل یستر سوآتهم و أراد الغلام قول أبی المهوش (7) و إذا یسرک من تمیم خلة

و لصاف جبل فی بلاد بنی تمیم و أراد بقوله هل أنجدت أمک أی إن کانت

ص :25

أنجدت فقد أصابها أبی فخرجت تشبهنی فقال بل أنجد أبی یرید بل أبی أصاب أمک فوجدها بغیا.

قال عبد اللّه بن سوار کنا علی مائدة إسحاق بن عیسی بن علی الهاشمی فأتینا بحریرة قد عملت بالسکر و السمن و الدقیق فقال معد (1) بن غیلان العبدی یا حبذا السخینة ما أکلت أیها الأمیر سخینة ألذ من هذه فقال إلاّ أنّها تولد الریاح فی الجوف کثیرا فقال إن المعایب لا تذکر علی الخوان.

أراد معد ما کانت العرب تعیر به قریشا فی الجاهلیة من أکل السخینة (2) و قد قدمنا ذکره و أراد إسحاق بن عیسی ما یعیر به عبد القیس من الفسو قال الشاعر و عبد القیس مصفر لحاها کان فساءها قطع الضباب.

و کان سنان (3) بن أحمس النمیری یسایر الأمیر عمر بن هبیرة الفزاریّ و هو علی بغلة له فتقدمت البغلة علی فرس الأمیر فقال اغضض (4) بغلتک یا سنان فقال أیها الأمیر إنها مکتوبة فضحک الأمیر أراد عمر بن هبیرة قول جریر فغض الطرف إنک من نمیر فلا کعبا بلغت و لا کلابا .

و أراد سنان قول ابن دارة (5) لا تأمنن فزاریا خلوت به علی قلوصک و اکتبها بأسیار.

ص :26

و کانت فزارة تعیر بإتیان الإبل و لذلک قال الفرزدق یهجو عمر بن هبیرة هذا و یخاطب یزید بن عبد الملک (1) أمیر المؤمنین و أنت بر

الرافدان دجلة و الفرات و أحذ ید القمیص کنایة عن السرقة و الخیانة و تفنق تنعم و سمن و جاریة فنق أی سمینة.

و البیت الآخر کنایة عن إتیان الإبل الذی کانوا یعیرون به (2) .

و روی أبو عبیدة عن عبد اللّه بن عبد الأعلی قال کنا نتغدی مع الأمیر عمر بن هبیرة فأحضر طباخه جام خبیص فکرهه للبیت المذکور السابق إلاّ أن جلده أدرکه فقال ضعه یا غلام قاتل اللّه الفرزدق لقد جعلنی أری الخبیص فأستحی منه (3) .

قال المبرد و قد یسیر البیت فی واحد و یری أثره علیه أبدا کقول أبی العتاهیة

ص :27

فی عبد اللّه بن معن بن زائدة فما تصنع بالسیف

و کان (1) عبد اللّه بن معن إذا تقلد السیف و رأی من یرمقه بان أثره علیه فظهر الخجل منه.

و مثل ذلک ما یحکی أن جریرا قال و اللّه لقد قلت فی بنی تغلب بیتا لو طعنوا بعدها بالرماح فی أستاههم ما حکوها و هو و التغلبی إذا تنحنح للقری حک استه و تمثل الأمثالا (2) .

و حکی أبو عبیدة عن یونس قال قال عبد الملک بن مروان یوما و عنده رجال هل تعلمون أهل بیت قیل فیهم شعر ودوا لو أنهم افتدوا منه بأموالهم فقال أسماء بن خارجة الفزاریّ نحن یا أمیر المؤمنین قال و ما هو قال قول الحارث بن ظالم المری و ما قومی بثعلبة بن سعد و لا بفزارة الشعر الرقابا.

فو اللّه یا أمیر المؤمنین إنّی لألبس العمامة الصفیقة فیخیل لی أن شعر قفای قد بدا منها.

ص :28

و قال هانئ بن قبیصة النمیری نحن یا أمیر المؤمنین قال و ما هو قال قول جریر فغض الطرف إنک من نمیر فلا کعبا بلغت و لا کلابا (1) .

کان النمیری یا أمیر المؤمنین إذا قیل له ممن أنت قال من نمیر فصار یقول بعد هذا البیت من عامر بن صعصعة (2) .و مثل ذلک ما یروی أن النجاشیّ لما هجا بنی العجلان بقوله (3) إذا اللّه عادی أهل لؤم و قلة

فکان الرجل منهم إذا سئل عن نسبه یقول من بنی کعب و ترک أن یقول عجلانی.

و کان عبد الملک بن عمیر القاضی یقول و اللّه إن التنحنح و السعال لیأخذنی و أنا فی الخلاء فأرده حیاء من قول القائل إذا ذات دل کلمته لحاجة فهم بأن یقضی تنحنح أو سعل.

ص :29

و من التعریضات اللطیفة ما روی أن المفضل بن محمّد الضبی بعث بأضحیة هزیل إلی شاعر فلما لقیه سأله عنها فقال کانت قلیلة الدم فضحک المفضل و قال مهلا یا أبا فلان أراد الشاعر قول القائل و لو ذبح الضبی بالسیف لم تجد من اللؤم للضبی لحما و لا دما (1) .

و روی ابن الأعرابی فی الأمالی قال رأی عقال بن شبة بن عقال المجاشعی علی إصبع ابن عنبس وضحا فقال ما هذا البیاض علی إصبعک یا أبا الجراح فقال سلح النعامة یا ابن أخی أراد قول جریر فضح العشیرة یوم یسلح قائما سلح النعامة شبة بن عقال (2) .

و کان شبة بن عقال قد برز یوم الطوانة (3) مع العبّاس بن الولید بن عبد الملک إلی رجل من الروم فحمل علیه الرومی فنکص و أحدث فبلغ ذلک جریرا بالیمامة فقال فیه ذلک (4) .

و لقی الفرزدق مخنثا یحمل قماشه (5) کأنّه یتحول من دار إلی دار فقال أین راحت عمتنا فقال قد نفاها الأغر یا أبا فراس یرید قول جریر فی الفرزدق نفاک الأغر ابن عبد العزیز و حقک تنفی من المسجد (6) .

ص :30

و ذلک أن الفرزدق ورد المدینة و الأمیر علیها عمر بن عبد العزیز فأکرمه حمزة بن عبد اللّه بن الزبیر و أعطاه و قعد عنه عبد اللّه بن عمرو بن عفان و قصر به فمدح الفرزدق حمزة بن عبد اللّه و هجا عبد اللّه فقال ما أنتم من هاشم فی سرها

فلما تناشد الناس ذلک بعث إلیه عمر بن عبد العزیز فأمره أن یخرج عن المدینة و قال له إن وجدتک فیها بعد ثلاث عاقبتک فقال الفرزدق ما أرانی إلاّ کثمود حین قیل لهم تَمَتَّعُوا فِی دٰارِکُمْ ثَلاٰثَةَ أَیّٰامٍ (1) فقال جریر یهجوه نفاک الأغر ابن عبد العزیز

و حکی أبو عبیدة قال بینا نحن علی أشراف الکوفة وقوف إذ جاء أسماء بن خارجة الفزاریّ فوقف و أقبل ابن مکعبر الضبی فوقف متنحیا عنه فأخذ أسماء خاتما کان فی یده فصه فیروز أزرق فدفعه إلی غلامه و أشار إلیه أن یدفعه إلی ابن مکعبر فأخذ ابن مکعبر شسع نعله فربطه بالخاتم و أعاده إلی أسماء فتمازحا و لم یفهم أحد من الناس ما أرادا أراد أسماء بن خارجة قول الشاعر لقد زرقت عیناک یا ابن مکعبر کذا کل ضبی من اللؤم أزرق.

ص :31

و أراد ابن مکعبر قول الشاعر لا تأمنن فزاریا خلوت به علی قلوصک و اکتبها بأسیار (1) .

و کانت فزارة تعیر بإتیان الإبل و عیرت أیضا بأکل جردان الحمار لأن رجلا منهم کان فی سفر فجاع فاستطعم قوما فدفعوا إلیه جردان الحمار فشواه و أکله فأکثرت الشعراء ذکرهم بذلک و قال الفرزدق (2) جهز إذا کنت مرتادا و منتجعا

و فی کتب الأمثال أنّه اصطحب ثلاثة فزاری و تغلبی و مری و کان اسم التغلبی مرقمة فصادوا حمارا و غاب عنهما الفزاریّ لحاجة فقالوا نخبأ له جردانه نضحک منه و أکلوا سائره فلما جاء دفعا إلیه الجردان و قالا هذا نصیبک فنهسه فإذا هو صلب فعرف أنهم عرضوا له بما تعاب به فزارة فاستل سیفه و قال لتأکلانه و دفعه إلی مرقمة فأبی أن یأکله فضربه فقتله فقال المری طاح مرقمة قال و أنت إن لم تلقمه فأکله (3) .

و ذکر أبو عبیدة أن إنسانا قال لمالک بن أسماء بن خارجة الفزاریّ اقض دینی أیها الأمیر فإن علی دینا قال ما لک عندی إلاّ ما ضرب به الحمار بطنه فقال له عبید بن أبی محجن

ص :32

بارک اللّه لکم یا بنی فزارة فی أیر الحمار إن جعتم أکلتموه و إن أصابکم غرم قضیتموه به.

و یحکی أن بنی فزارة و بنی هلال بن عامر بن صعصعة تنافروا إلی أنس بن مدرک الخثعمی و تراضوا به فقالت بنو هلال أکلتم یا بنی فزارة أیر الحمار فقالت بنو فزارة و أنتم مدرتم (1) الحوض بسلحکم فقضی أنس لبنی فزارة علی بنی هلال فأخذ الفزاریون منهم مائة بعیر کانوا تخاطروا علیها و فی مادر یقول الشاعر لقد جللت خزیا هلال بن عامر

و ذکر أبو العبّاس محمّد بن یزید المبرد فی کتاب الکامل أن قتیبة بن مسلم لما فتح سمرقند أفضی إلی أثاث لم یر مثله و آلات لم یسمع مثلها فأراد أن یری الناس عظیم ما فتح اللّه علیه و یعرفهم أقدار القوم الذین ظهر علیهم فأمر بدار ففرشت و فی صحنها قدور یرتقی إلیها بالسلالیم فإذا بالحضین بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشی قد أقبل و الناس جلوس علی مراتبهم و الحضین شیخ کبیر فلما رآه عبد اللّه بن مسلم قال لأخیه قتیبة ائذن لی فی معاتبته قال لا ترده فإنّه خبیث الجواب فأبی عبد اللّه إلا أن یأذن له و کان عبد اللّه یضعف (2) و کان قد تسور حائطا إلی امرأة قبل ذلک فأقبل علی الحضین فقال أ من الباب دخلت یا أبا ساسان قال أجل أسن عمک عن تسور

ص :33

الحیطان قال أ رأیت هذه القدور قال هی أعظم من ألا تری قال ما أحسب بکر بن وائل رأی مثلها قال أجل و لا عیلان و لو رآها سمی شبعان و لم یسم عیلان فقال عبد اللّه أ تعرف یا أبا ساسان الذی یقول عزلنا و أمرنا و بکر بن وائل تجر خصاها تبتغی من تحالف (1) .

فقال أعرفه و أعرف الذی یقول فأدی الغرم من نادی مشیرا

فقال أ فتعرف الذی یقول کأن فقاح الأزد حول ابن مسمع و قد عرقت أفواه بکر بن وائل .

قال نعم و أعرف الذی یقول قوم قتیبة أمهم و أبوهم لو لا قتیبة أصبحوا فی مجهل.

قال أما الشعر فأراک ترویه فهل تقرأ من القرآن شیئا قال نعم أقرأ الأکثر الأطیب (2) هَلْ أَتیٰ عَلَی الْإِنْسٰانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئاً مَذْکُوراً (3)

ص :34

فأغضبه فقال و اللّه لقد بلغنی أن امرأة الحضین حملت إلیه و هی حبلی من غیره قال فما تحرک الشیخ عن هیأته الأولی بل قال علی رسله (1) و ما یکون تلد غلاما علی فراشی فیقال فلان بن الحضین کما یقال عبد اللّه بن مسلم فأقبل قتیبة علی عبد اللّه و قال له لا یبعد اللّه غیرک (2) .

و غرضنا من هذه الحکایة الأدبیة المستحسنة قول الحضین تعریضا بفاحشة عبد اللّه أجل أسن عمک عن تسور الحیطان.

و یحکی أن أبا العیناء أهدی إلی أبی علیّ البصیر و قد ولد له مولود حجرا یذهب فی ذلک إلی

933

قَوْلُهُ ع الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَ لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ.

فاستخرج أبو علی ذلک بفطنته و ذکائه ثمّ ولد بعد أیام لأبی العیناء مولود فقال له فی أی وقت ولد لک قال وقت السحر فقال اطرد قیاسه و خرج فی الوقت الذی یخرج فیه أمثاله یعنی السؤال یعرض بأن أبا العیناء شحاذ و أن ولده خرج یشبهه (3) .

و من التعریضات و الرموز بالفعل دون القول ما ذکره مؤرج بن عمرو السدوسی فی کتاب الأمثال أن الأحوص بن جعفر الکلابی أتاه آت من قومه فقال أن رجلا لا نعرفه جاءنا فلما دنا منا حیث نراه نزل عن راحلته فعلق علی شجرة وطبا من لبن و وضع فی بعض أغصانها حنظلة و وضع صرة من تراب و حزمة من شوک ثمّ أثار راحلته فاستوی علیها و ذهب و کان أیّام حرب تمیم و قیس عیلان فنظر الأحوص فی ذلک فعی به فقال أرسلوا إلی قیس بن زهیر فأتوا قیسا فجاءوا به إلیه فقال له أ لم تک أخبرتنی أنّه لا یرد

ص :35

علیک أمر إلاّ عرفت ما فیه ما لم تر نواصی الخیل قال ما خبرک فأعلمه فقال قد بین الصبح لذی عینین هذا رجل قد أخذت علیه العهود ألا یکلمکم و لا یرسل إلیکم و أنّه قد جاء فأنذرکم أما الحنظلة فإنّه یخبرکم أنّه قد أتاکم بنو حنظلة و أمّا الصرة من التراب فإنّه یزعم أنهم عدد کثیر و أمّا الشوک فیخبرکم أن لهم شوکة و أمّا الوطب فإنّه یدلکم علی قرب القوم و بعدهم فذوقوه فإن کان حلیبا فالقوم قریب و إن کان قارصا (1) فالقوم بعید و إن کان المسیخ (2) لا حلوا و لا حامضا فالقوم لا قریب و لا بعید فقاموا إلی الوطب فوجدوه حلیبا فبادروا الاستعداد و غشیتهم الخیل فوجدتهم مستعدین (3) .

و من الکنایات (4) بل الرموز الدقیقة (5) ما حکی أن قتیبة بن مسلم دخل علی الحجاج و بین یدیه کتاب قد ورد إلیه من عبد الملک و هو یقرؤه و لا یعلم معناه و هو مفکر فقال ما الذی أحزن الأمیر قال کتاب ورد من أمیر المؤمنین لا أعلم معناه فقال إن رأی الأمیر إعلامی به فناوله إیاه و فیه أما بعد فإنک سالم و السلام.

فقال قتیبة ما لی إن استخرجت لک ما أراد به قال ولایة خراسان قال إنّه ما یسرک أیها الأمیر و یقر عینک إنّما أراد قول الشاعر یدیروننی عن سالم و أدیرهم و جلدة بین العین و الأنف سالم (6) أی أنت عندی مثل سالم عند هذا الشاعر فولاه خراسان (7) .حکی الجاحظ فی کتاب البیان و التبیین قال خطب الولید بن عبد الملک فقال

ص :36

أمیر المؤمنین عبد الملک قال إن الحجاج جلدة ما بین عینی و أنفی ألا و إنّی أقول إن الحجاج جلدة وجهی کله (1) .

و علی ذکر هذا البیت حکی أن رجلا کان یسقی جلساءه شرابا صرفا غیر ممزوج و کان یحتاج إلی المزج لقوته فجعل یغنی لهم یدیروننی عن سالم و أدیرهم و جلدة بین العین و الأنف سالم (2) .

فقال له واحد منهم یا أبا فلان لو نقلت ما من غنائک إلی شرابک لصلح غناؤنا و نبیذنا جمیعا (3) .

و یشبه حکایة قتیبة و الحجاج کتاب عبد الملک إلی الحجاج جوابا عن کتاب کتبه إلیه یغلظ فیه أمر الخوارج و یذکر فیه حال قطری و غیره و شدة شوکتهم فکتب إلیه عبد الملک أوصیک بما أوصی به البکری زیدا و السلام.

فلم یفهم الحجاج ما أراد عبد الملک فاستعلم ذلک من کثیر من العلماء بأخبار العرب فلم یعلموه فقال من جاءنی بتفسیره فله عشرة آلاف درهم و ورد رجل من أهل الحجاز یتظلم من بعض العمّال فقال له قائل أ تعلم ما أوصی به البکری زیدا قال نعم أعلمه فقیل له فأت الأمیر فأخبره و لک عشرة آلاف درهم فدخل علیه فسأله فقال نعم أیها الأمیر إنّه یعنی قوله أقول لزید لا تترتر فإنهم

فقال الحجاج أصاب أمیر المؤمنین فیما أوصانی و أصاب البکری فیما أوصی به زیدا و أصبت أیها الأعرابی و دفع إلیه الدراهم.

ص :37

و کتب إلی المهلب أن أمیر المؤمنین أوصانی بما أوصی به البکری زیدا و أنا أوصیک بذلک و بما أوصی به الحارث بن کعب بنیه.

فنظر المهلب فی وصیة الحارث بن کعب فإذا فیها یا بنی کونوا جمیعا و لا تکونوا شیعا فتفرقوا و بزوا قبل أن تبزوا الموت فی قوة و عزّ خیر من الحیاة فی ذل و عجز.

فقال المهلب صدق البکری و أصاب و صدق الحارث و أصاب.

و اعلم أن کثیرا ممّا ذکرناه داخل فی باب التعریض و خارج عن باب الکنایة و إنّما ذکرناه لمشابهة الکنایة و کونهما کالنوعین تحت جنس عام و سنذکر کلاما کلیا فیهما إذا انتهینا إلی آخر الفصل إن شاء اللّه.

و من الکنایات قول أبی نواس و ناظرة إلی من النقاب

و الکنایة فی البیت الأخیر و هی ظاهرة و منها قول أبی تمام ما لی رأیت ترابکم بئس الثری ما لی أری أطوادکم تتهدم (1) .

ص :38

فکنی ببئس الثری عن تنکر ذات بینهم و بتهدم الأطواد عن خفة حلومهم و طیش عقولهم.

و منها قول أبی الطیب و شر ما قنصته راحتی قنص شهب البزاة سواء فیه و الرخم (1) .

کنی بذلک عن سیف الدولة و أنّه یساوی بینه و بین غیره من أراذل الشعراء و خاملیهم فی الصلة و القرب.

و قال الأقیشر لرجل ما أراد الشاعر بقوله (2) و لقد غدوت بمشرف یافوخه

قال إنّه یصف فرسا فقال حملک اللّه علی مثله و هذان البیتان من لطیف الکنایة و رشیقها و إنّما عنی العضو.

و قریب من هذه الکنایة قول سعید بن عبد الرحمن بن حسان و هو غلام یختلف إلی عبد الصمد بن عبد الأعلی مؤدب ولد هشام بن عبد الملک و قد جمشه (3) عبد الصمد فأغضبه فدخل إلی هشام فقال له إنّه و اللّه لو لا أنت لم ینج منی سالما عبد الصمد .

ص :39

فقال هشام و لم ذلک قال إنّه قد رام منی خطة لم یرمها قبله منی أحد.

قال هشام و ما هی ویحک قال رام جهلا بی و جهلا بأبی یدخل الأفعی إلی بیت الأسد.

فضحک هشام و قال لو ضربته لم أنکر علیک (1) .

و من هذا الباب قول أبی نواس إذا ما کنت جار أبی حسین

و الکنایة فی قوله أطراف الرماح و فی قوله فی طرف السلاح.

و من الکنایة الحسنة قول الفرزدق یرثی امرأته و قد ماتت بجمع (2) و جفن سلاح قد رزئت فلم أنح

ص :40

أخذه الرضی رحمه اللّه تعالی فقال یرثی امرأة إن لم تکن نصلا فغمد نصول

و من الکنایات ما یروی أن رجلا من خواص کسری أحب الملک امرأته فکان یختلف إلیها سرا و تختلف إلیه فعلم بذلک فهجرها و ترک فراشها فأخبرت کسری فقال له یوما بلغنی أن لک عینا عذبة و أنک لا تشرب منها فقال بلغنی أیها الملک أن الأسد یردها فخفته فترکتها له فاستحسن ذلک منه و وصله.

و من الکنایات الحسنة قول حاتم و ما تشتکینی جارتی غیر أننی

فکنی بإسبال الستر عن الفعل لأنّه یقع عنده غالبا.

فأما قول عمر من أرخی سترا أو أغلق بابا فقد وجب علیه المهر فیمکن أن یکنی بذلک عن الجماع نفسه و یمکن أن یکنی به عن الخلوة فقط و هو مذهب أبی حنیفة و هو الظاهر من اللفظ لأمرین أحدهما قوله أغلق بابا فإنّه لو أراد الکنایة لم یحسن التردید بأو و ثانیهما أنّه قد کان مقررا عندهم أن الجماع نفسه یوجب کمال المهر فلم یکن به حاجة إلی ذکر ذلک.

و یشبه قول حاتم فی الکنایة المقدم ذکرها قول بشار بن بشر (1)

ص :41

و إنّی لعف عن زیارة جارتی

و قال الأخطل فی ضد ذلک یهجو رجلا و یرمیه بالزنا سبنتی یظل الکلب یمضغ ثوبه له فی دیار الغانیات طریق (1) .

السبنتی النمر یرید أنّه جریء وقح و أن الکلب لأنسه به و کثرة اختلافه إلی جاراته یعرفه و یمضغ ثوبه یطلب ما یطعمه و العفیف ینکره الکلب و لا یأنس به ثمّ أکد ذلک بأنّه قد صار له بکثرة تردده إلی دیار النساء طریق معروف.

و من جید الکنایة عن العفة قول عقیل بن علفة المری (2) و لست بسائل جارات بیتی أ غیاب رجالک أم شهود (3)

ص :42

و لا ملق لذی الودعات سوطی

ألاعبه و ریبته أرید (1) .

و من جید ذلک و مختاره قول مسکین الدارمیّ ناری و نار الجار واحدة

و العرب تکنی عن الفرج بالإزار فتقول هو عفیف الإزار و بالذیل فتقول هو طاهر الذیل و إنّما کنوا بهما لأن الذیل و الإزار لا بدّ من رفعهما عند الفعل و قد کنوا بالإزار عن الزوجة فی قول الشاعر أ لا أبلغ أبا بشر رسولا فدا لک من أخی ثقة إزاری (2) .

یرید به زوجتی أو کنی بالإزار هاهنا عن نفسه.

و قال زهیر

ص :43

الحافظون ذمام عهدهم

و یقولون فی الکنایة عن العفیف ما وضعت مومسة عنده قناعها و لا رفع عن مومسة ذیلا.

و قد أحسن ابن طباطبا فی قوله فطربت طربة فاسق متهتک

و من الکنایة عن العفة قول ابن میادة و ما نلت منها محرما غیر أننی

فکنی عن الفعل نفسه بحاجات النفوس کما کنی أبو نواس عنه بذلک العمل فی قوله مر بنا و العیون ترمقه تجرح منه مواضع القبل

ص :44

أفرغ فی قالب الجمال فما

یصلح إلاّ لذلک العمل.

و کما کنی عنه ابن المعتز بقوله و زارنی فی ظلام اللیل مستترا

و ممّا تطیروا من ذکره فکنوا عنه قولهم مات فإنهم عبروا عنه بعبارات مختلفة داخلة فی باب الکنایة نحو قولهم لعق إصبعه و قالوا اصفرت أنامله لأن اصفرار الأنامل من صفات الموتی قال الشاعر (1) فقربانی بأبی أنتما

و قال لبید و کل أناس سوف تدخل بینهم دویهیة تصفر منها الأنامل (2) یعنی الموت.

و یقولون فی الکنایة عنه صک لفلان علی أبی یحیی و أبو یحیی کنیة الموت کنی عنه بضده کما کنوا عن الأسود بالأبیض و قال الخوارزمی سریعة موت العاشقین کأنّما یغار علیهم من هواها أبو یحیی (3)

ص :45

و کنی رسول اللّه ص عنه بهاذم اللذات (1)

934

فَقَالَ أَکْثِرُوا مِنْ ذِکْرِ هَاذمِ اللَّذَّاتِ.

و قال أبو العتاهیة رأیت المنایا قسمت بین أنفس

و قالوا حلقت به العنقاء و حلقت به عنقاء مغرب (2) قال فلو لا دفاعی الیوم عنک لحلقت بشلوک بین القوم عنقاء مغرب.

و قالوا فیه زل الشراک عن قدمه (3) قال لا یسلمون العداة جارهم حتی یزل الشراک عن قدمه أی حتّی یموت فیستغنی عن لبس النعل.

فأما قولهم زلت نعله فیکنی به تارة عن غلطه و خطئه و تارة عن سوء حاله و اختلال أمره بالفقر و هذا المعنی الأخیر أراده الشاعر بقوله سأشکر عمرا ما تراخت منیتی أیادی لم تمنن و إن هی جلت (4)

ص :46

فتی غیر محجوب الغنی عن صدیقه

و یقولون فیه شالت نعامته قال یا لیت أمی قد شالت نعامتها أی لا یشبعها کثرة التمر و لو نزلت هجر و هجر کثیرة النخل و لا تروی و لو نزلت ذا قار و هو موضع کثیر الماء.

قال ابن درید و النعامة خطّ باطن القدم فی هذه الکنایة.

و یقال أیضا للقوم قد تفرقوا بجلاء عن منازلهم شالت نعامتهم و ذلک لأن النعامة خفیفة الطیران عن وجه الأرض کأنهم خفوا عن منزلهم.

و قال ابن السکیت یقال لمن یغضب ثمّ یسکن شالت نعامته ثمّ وقعت و قالوا أیضا فی الکنایة عن الموت مضی لسبیله و استأثر اللّه به و نقله إلی جواره و دعی فأجاب و قَضیٰ نَحْبَهُ و النحب النذر کأنهم رأوا أن الموت لما کان حتما فی الأعناق کان نذرا.

و قالوا فی الدعاء علیه اقتضاه اللّه بذنبه إشارة إلی هذا و قالوا ضحا ظله و معناه صار ظله شمسا و إذا صار الظل شمسا فقد عدم صاحبه.

و یقولون أیضا خلی فلان مکانه و أنشد ثعلب للعتبی فی السری بن عبد اللّه کأن الذی یأتی السری لحاجة

ص :47

و قال درید بن الصمة فإن یک عبد اللّه خلی مکانه فما کان وقافا و لا طائش الید (1) .

و کثیر ممن لا یفهم یعتقد أنّه أراد بقوله خلی مکانه فر و لو کان کذلک لکان هجاء.

و یقولون وقع فی حیاض غتیم و هو اسم للموت (2) .

و یقولون طار من ماله الثمین یریدون الثمن یقال ثمن و ثمین و سبع و سبیع و ذلک لأن المیت ترث زوجته من ماله الثمن غالبا قال الشاعر یذکر جوده بماله و یخاطب امرأته فلا و أبیک لا أولی علیها أی إذا مت فأخذت ثمنک من ترکتی.

و قالوا لحق باللطیف الخبیر قال و من الناس من یحبک حبا

و قال أبو العلاء لا تسل عن عداک أین استقروا لحق القوم باللطیف الخبیر (3) .

ص :48

و یقولون قرض رباطه (1) أی کاد یموت جهدا و عطشا.

و قالوا فی الدعاء علیه لا عد من نفره أی إذا عد قومه فلا عد معهم و إنّما یکون کذلک إذا مات قال إمرؤ القیس فهو لا تنمی رمیته ما له لا عد من نفره (2) .

و هذا إنّما یرید به وصفه و التعجب منه لا أنّه یدعو علیه حقیقة کما تقول لمن یجید الطعن شلت یده ما أحذقه.

و قالوا فی الکنایة عن الدفن أضلوه و أضلوا به قال اللّه تعالی وَ قٰالُوا أَ إِذٰا ضَلَلْنٰا فِی الْأَرْضِ أَ إِنّٰا لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ (3) أی إذا دفنا فی الأرض.

و قال المخبل السعدی أضلت بنو قیس بن سعد عمیدها و سیدها فی الدهر قیس بن عاصم (4) .

و یقولون للمقتول رکب الأشقر کنایة عن الدم و إلیه أشار الحارث بن هشام المخزومی فی شعره الذی یعتذر به عن فراره یوم بدر عن أخیه أبی جهل بن هشام حین قتل اللّه یعلم ما ترکت قتالهم حتی علوا فرسی بأشقر مزبد (5)

ص :49

و علمت أنی إن أقاتل واحدا

أراد بدم أشقر فحذف الموصوف و أقام الصفة مقامه کنایة عنه و العرب تقیم الصفة مقام الموصوف کثیرا کقوله تعالی وَ حَمَلْنٰاهُ عَلیٰ ذٰاتِ أَلْوٰاحٍ وَ دُسُرٍ (1) أی علی سفینة ذات ألواح و کقول عنترة تمکو فریصته کشدق الأعلم (2) أی کشدق الإنسان الأعلم أو البعیر الأعلم.

و یقولون ترک فلان بجعجاع أی قتل قال أبو قیس بن الأسلت من یذق الحرب یجد طعمها مرا و تترکه بجعجاع (3) أی تترکه قتیلا مخلی بالفضاء.

و ممّا کنوا عنه قولهم للمقید هو محمول علی الأدهم و الأدهم القید قال الشاعر أوعدنی بالسجن و الأداهم رجلی و رجلی شثنة المناسم.

و قال الحجاج للغضبان بن القبعثری لأحملنک علی الأدهم فتجاهل علیه و قال مثل الأمیر حمل علی الأدهم و الأشهب (4) .

ص :50

و قد کنوا عن القید أیضا بالأسمر أنشد ابن عرفة لبعضهم فما وجد صعلوک بصنعاء موثق و هذا من لطیف شعر العرب و تشبیهها.

و من کنایاتهم عنه رکب ردعه و أصله فی السهم یرمی به فیرتدع نصله فیه یقال ارتدع السهم إذا رجع النصل فی السنخ متجاوزا فقولهم رکب ردعه أی وقص فدخل عنقه فی صدره قال الشاعر و هو من شعر الحماسة (1) تقول و صکت صدرها بیمینها

و أنشد الجاحظ فی کتاب البیان و التبیین لبعض الخوارج (2) و مسوم للموت یرکب ردعه

ص :51

فثوی صریعا و الرماح تنوشه

إن الشراة قصیرة الأعمار (1) .

و قد تطیرت العرب من لفظة البرص فکنوا عنه بالوضح فقالوا جذیمة الوضاح یریدون الأبرص و کنی عنه بالأبرش أیضا و کل أبیض عند العرب وضاح و یسمون اللبن وضحا یقولون ما أکثر الوضح عند بنی فلان (2) .

و ممّا تفاءلوا به قولهم للفلاة التی یظن فیها الهلاک مفازة اشتقاقا من الفوز و هو النجاة و قال بعض المحدثین أحب الفأل حین رأی کثیرا

فأما من قال إن المفازة مفعلة من فوز الرجل أی هلک فإنّه یخرج هذه اللفظة من باب الکنایات.

و من هذا تسمیتهم اللدیغ سلیما قال کأنّی من تذکر ما ألاقی

ص :52

و قال أبو تمام فی الشیب (1) شعلة فی المفارق استودعتنی

و من هذا قولهم للأعور ممتع کأنهم أرادوا أنّه قد متع ببقاء إحدی عینیه و لم یحرم ضوءهما معا (2) .

و من کنایاتهم علی العکس قولهم للأسود یا أبا البیضاء و للأسود أیضا یا کافور و للأبیض یا أبا الجون و للأقرع یا أبا الجعد.

و سموا الغراب أعور لحدة بصره قال ابن میادة إلا طرقتنا أم عمرو و دونها فیاف من البیداء یعشی غرابها

ص :53

خص الغراب بذلک لحدة نظره أی فکیف غیره.

و ممّا جاء فی تحسین اللفظ ما روی أن المنصور کان فی بستان داره و الربیع بین یدیه فقال له ما هذه الشجرة فقال وفاق یا أمیر المؤمنین و کانت شجرة خلاف فاستحسن منه ذلک.

و مثل هذا استحسان الرشید قول عبد الملک بن صالح و قد أهدی إلیه باکورة فاکهة فی أطباق خیزران بعثت إلی أمیر المؤمنین فی أطباق قضبان تحمل من جنایا باکورة بستانه ما راج و أینع فقال الرشید لمن حضر ما أحسن ما کنی عن اسم أمنا.

و یقال إن عبد الملک سبق بهذه الکنایة و إن الهادی قال لابن دأب و فی یده عصا ما جنس هذه فقال من أصول القنا یعنی الخیزران و الخیزران أم الهادی و الرشید معا.

و شبیه بذلک ما یقال إن الحسن بن سهل کان فی یده ضغث من أطراف الأراک فسأله المأمون عنه ما هذه فقال محاسنک یا أمیر المؤمنین تجنبا لأن یقول مساوئک و هذا لطیف.

و من الکنایات اللطیفة أن عبد الملک بعث الشعبی إلی أخیه عبد العزیز بن مروان و هو أمیر مصر یومئذ لیسبر أخلاقه و سیاسته و یعود إلیه فیخبره بحاله فلما عاد سأله فقال وجدته أحوج الناس إلی بقائک یا أمیر المؤمنین و کان عبد العزیز یضعف.

و من الألفاظ التی جاءت عن رسول اللّه ص من باب الکنایات

935

قَوْلُهُ ص بُعِثْتُ إِلَی الْأَسْوَدِ وَ الْأَحْمَرِ.

یرید إلی العرب و العجم فکنی عن العرب بالسود و عن العجم بالحمر و العرب تسمی العجمی أحمر لأن الشقرة تغلب علیه.

ص :54

قال ابن قتیبة خطب إلی عقیل بن علفة المری ابنته هشام بن إسماعیل المخزومی و کان والی المدینة و خال هشام بن عبد الملک فرده لأنّه کان أبیض شدید البیاض و کان عقیل أعرابیا جافیا غیورا مفرط الغیرة و قال رددت صحیفة القرشیّ لما أبت أعراقه إلاّ احمرارا فرده لأنّه توسم فیه أن بعض أعراقه ینزع إلی العجم لما رأی من بیاض لونه و شقرته (1) .

و منه قول جریر یذکر العجم یسموننا الأعراب و العرب اسمنا و أسماؤهم فینا رقاب المزاود (2) و إنّما یسمونهم رقاب المزاود لأنّها حمراء.

و من کنایاتهم تعبیرهم عن المفاخرة بالمساجلة و أصلها من السجل و هی الدلو الملیء کان الرجلان یستقیان فأیهما غلب صاحبه کان الفوز و الفخر له قال الفضل بن العبّاس بن عتبة بن أبی لهب بن عبد المطلب و أنا الأخضر من یعرفنی

و یقال إن الفرزدق مر بالفضل و هو ینشد من یساجلنی فقال أنا أساجلک

ص :55

و نزع ثیابه فقال الفضل برسول اللّه و ابن عمه فلبس الفرزدق ثیابه و قال أعض اللّه من یساجلک بما نفت المواسی من بظر أمه و رواها أبو بکر بن درید بما أبقت المواسی.

و قد نزل القرآن العزیز علی مخرج کلام العرب فی المساجلة فقال تبارک و تعالی فَإِنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحٰابِهِمْ (1) الذنوب الدلو و المراد ما ذکرناه.

و قال المبرد المراد بقوله و أنا الأخضر أی الأسمر و الأسود و العرب کانت تفتخر بالسمرة و السواد و کانت تکره الحمرة و الشقرة و تقول إنهما من ألوان العجم .

و قال ابن درید مراده أن بیتی ربیع أبدا مخصب کثیر الخیر لأن الخصب مع الخضرة و قال الشاعر قوم إذا اخضرت نعالهم یتناهقون تناهق الحمر (2) .

أی إذا أعشبت الأرض اخضرت نعالهم من وطئهم إیاها فأغار بعضهم علی بعض و التناهق هاهنا أصواتهم حین ینادون للغارة و یدعو بعضهم بعضا و نظیر هذا البیت قول الآخر قوم إذا نبت الربیع لهم نبتت عداوتهم مع البقل (3) .

أی إذا أخصبوا و شبعوا غزا بعضهم بعضا و مثله قول الآخر یا ابن هشام أهلک الناس اللبن فکلهم یغدو بسیف و قرن (4) .

أی تسفهوا لما رأوا من کثرة اللبن و الخصب فأفسدوا فی الأرض و أغار بعضهم علی بعض و القرن الجعبة.

ص :56

و قیل لبعضهم متی یخاف من شر بنی فلان فقال إذا ألبنوا.

و من الکنایات الداخلة فی باب الإیماء قول الشاعر فتی لا یری قد القمیص بخصره و لکنما یوهی القمیص عواتقه (1) .

لما کان سلامة القمیص من الخرق فی موضع الخصر تابعا لدقة الخصر و وهنه فی الکاهل تابعا لعظم الکاهل ذکر ما دل بهما علی دقة خصر هذا الممدوح و عظم کاهله و منه قول مسلم بن الولید فرعاء فی فرعها لیل علی قمر

فلما کان قلق الوشاح تابعا لدقة الخصر ذکره دالا به علیه.

و من هذا الباب قول القائل إذا غرد المکاء فی غیر روضة فویل لأهل الشاء و الحمرات (2) .

أومأ بذلک إلی الجدب لأن المکاء یألف الریاض فإذا أجدبت الأرض سقط فی غیر روضة و غرد فالویل حینئذ لأهل الشاء و الحمر.

و منه قول القائل لعمری لنعم الحیّ حی بنی کعب إذا جعل الخلخال فی موضع القلب.

ص :57

القلب السوار یقول نعم الحیّ هؤلاء إذا ریع الناس و خافوا حتّی إن المرأة لشدة خوفها تلبس الخلخال مکان السوار فاختصر الکلام اختصارا شدیدا.

و منه قول الأفوه الأودی إن بنی أود هم ما هم للحرب أو للجدب عام الشموس (1) .

أشار إلی الجدب و قلة السحب و المطر أی الأیّام التی کلها أیّام شمس و صحو لا غیم فیها و لا مطر.

فقد ذکرنا من الکنایات و التعریضات و ما یدخل فی ذلک و یجری مجراه من باب الإیماء و الرمز قطعة صالحة و سنذکر شیئا آخر من ذلک فیما بعد إن شاء اللّه تعالی إذا مررنا فی شرح کلامه ع بما یقتضیه و یستدعیه

ص :58

من باب الکنایة (1) و الصحیح أنّه من باب التعریض.

قال و قد قال الغانمی و العسکریّ و ابن حمدون و غیرهم نحو ذلک و مزجوا أحد القسمین بالآخر.

قال و قد حدّ قوم الکنایة فقالوا هی اللفظ الدال علی الشیء بغیر الوضع الحقیقی بوصف جامع بین الکنایة و المکنی عنه کاللمس و الجماع فإن الجماع اسم لموضوع حقیقی و اللمس کنایة عنه و بینهما وصف جامع إذ الجماع لمس و زیادة فکان دالا علیه بالوضع المجازی.

قال و هذا الحدّ فاسد لأنّه یجوز أن یکون حدا للتشبیه و المشبه فإن التشبیه هو اللفظ الدال علی الوضع الحقیقی الجامع بین المشبه و المشبه به فی صفة من الأوصاف أ لا تری إذا قلنا زید أسد کان ذلک لفظا دالا علی غیر الوضع الحقیقی بوصف جامع بین زید و الأسد و ذلک الوصف هو الشجاعة (2) .

قال و أما (3) أصحاب أصول الفقه فقالوا فی حدّ الکنایة إنها اللفظ المحتمل و معناه أنّها اللفظ الذی یحتمل الدلالة علی المعنی و علی خلافه.

و هذا منقوض بالألفاظ المفردة المشترکة و بکثیر من الأقوال المرکبة المحتملة للشیء و خلافه و لیست بکنایات.

قال و عندی أن الکنایات لا بدّ أن یتجاذبها جانبا حقیقة و مجاز و متی أفردت جاز حملها علی الجانبین معا أ لا تری أن اللمس فی قوله سبحانه أَوْ لاٰمَسْتُمُ النِّسٰاءَ (4)

ص :60

یجوز حمله علی الحقیقة و المجاز و کل منهما یصحّ به المعنی و لا یختل و لهذا قال الشافعی إن ملامسة المرأة تنقض الوضوء و الطهارة (1) .

و ذهب غیره إلی أن المراد باللمس فی الآیة الجماع و هو الکنایة المجازیة فکل موضع یرد فیه الکنایة فسبیله هذا السبیل و لیس التشبیه بهذه الصورة و لا غیره من أقسام المجاز لأنّه لا یجوز حمله إلاّ علی جانب المجاز خاصّة و لو حمل علی جانب الحقیقة لاستحال المعنی أ لا تری أنا إذا قلنا زید أسد لم یصحّ أن یحمل إلاّ علی الجهة المجازیة و هی التشبیه بالأسد فی شجاعته و لا یجوز حمله علی الجهة الحقیقیة لأن زیدا لا یکون سبعا ذا أنیاب و مخالب فقد صار إذن حدّ الکنایة أنّها اللفظ الدال علی معنی یجوز حمله علی جانبی الحقیقة و المجاز بوصف جامع بین الحقیقة و المجاز.

قال و الدلیل علی ذلک أن الکنایة فی أصل الوضع أن تتکلم بشیء و ترید غیره یقال کنیت بکذا عن کذا فهی تدلّ علی ما تکلمت به و علی ما أردته من غیره فلا یخلو (2) إمّا أن یکون فی لفظ تجاذبه (3) جانبا حقیقة و حقیقة أو فی لفظ تجاذبه جانبا مجاز و مجاز أو فی لفظ لا یتجاذبه أمر و لیس لنا قسم رابع (4) .

و الثانی باطل لأن ذاک هو اللفظ المشترک فإن أطلق من غیر قرینة مخصصة کان مبهما غیر مفهوم و إن کان معه قرینة صار مخصصا لشیء بعینه و الکنایة أن تتکلم بشیء و ترید غیره و ذلک مخالف للفظ المشترک إذا أضیف إلیه القرینة لأنّه یختص بشیء واحد بعینه و لا یتعداه إلی غیره و الثالث باطل أیضا لأن المجاز لا بدّ له من حقیقة ینقل عنها لأنّه فرع علیها.

ص :61

و ذلک اللفظ الدال علی المجاز إمّا أن یکون للحقیقة شرکة فی الدلالة علیه أو لا یکون لها شرکة فی الدلالة علیه کان اللفظ الواحد قد دل علی ثلاثة أشیاء أحدها الحقیقة و الآخران المجازان.

و هذا مخالف لأصل الوضع لأن أصل الوضع أن تتکلم بشیء و أنت ترید غیره و هاهنا یکون قد تکلمت بشیء و أنت ترید شیئین غیرین و إن لم یکن للحقیقة شرکة فی الدلالة کان ذلک مخالفا لأصل الوضع أیضا إذ أصل الوضع أن تتکلم بشیء و أنت ترید غیره فیکون الذی تکلمت به دالا علی غیره و إذا أخرجت الحقیقة عن أن یکون لها شرکة فی الدلالة لم یکن الذی تکلمت به و هذا محال فثبت إذن أن الکنایة هی أن تتکلم بالحقیقة و أنت ترید المجاز.

قال و هذا ممّا لم یسبقنی إلیه أحد.

ثمّ قال قد یأتی من الکلام ما یجوز أن یکون کنایة و یجوز أن یکون استعارة و یختلف ذلک باختلاف النظر إلیه بمفرده و النظر إلی ما بعده کقول نصر بن سیار فی أبیاته المشهورة التی یحرض بها علی بنی أمیّة عند خروج أبی مسلم (1) أری خلل الرماد ومیض جمر

ص :62

أقول من التعجب لیت شعری

أ أیقاظ أمیة أم نیام (1) .

فالبیت الأول لو ورد بمفرده لکان کنایة لأنّه لا یجوز حمله علی جانبی الحقیقة و المجاز (2) فإذا نظرنا إلی الأبیات بجملتها کان البیت الأول المذکور استعارة لا کنایة.

ثمّ أخذ فی الفرق بین الکنایة و التعریض فقال التعریض هو اللفظ الدال علی الشیء من طریق المفهوم لا بالوضع الحقیقی و لا بالمجازی فإنک إذا قلت لمن تتوقع معروفه و صلته بغیر طلب أنا محتاج و لا شیء فی یدی و أنا عریان و البرد قد آذانی فإن هذا و أشباهه تعریض بالطلب و لیس اللفظ موضوعا للطلب لا حقیقة و لا مجازا و إنّما یدلّ علیه من طریق المفهوم بخلاف قوله أَوْ لاٰمَسْتُمُ النِّسٰاءَ (3) و علی هذا ورد تفسیر التعریض فی خطبة النکاح کقولک للمرأة أنت جمیلة أو إنک خلیة و أنا عزب فإن هذا و شبهه لا یدلّ علی طلب النکاح بالحقیقة و لا بالمجاز و التعریض أخفی من الکنایة لأن دلالة الکنایة وضعیة من جهة المجاز و دلالة التعریض من جهة المفهوم المرکب و لیست وضعیة و إنّما یسمی التعریض تعریضا لأن المعنی فیه یفهم من عرض اللفظ المفهوم أی من جانبه.

ص :63

قال و اعلم أن الکنایة تشتمل علی اللفظ المفرد و اللفظ المرکب فتأتی علی هذا مرة و علی هذا أخری و أمّا التعریض فإنّه یختص باللفظ المرکب و لا یأتی فی اللفظ المفرد البتة لأنّه لا یفهم المعنی فیه من جهة الحقیقة و لا من جهة المجاز بل من جهة التلویح و الإشارة و هذا أمر لا یستقل به اللفظ المفرد و یحتاج فی الدلالة علیه إلی اللفظ المرکب.

قال فقد ظهر فیما قلنا فی البیت الذی ذکره ابن سنان مثال الکنایة و مثال التعریض هو بیت إمرئ (1) القیس لأن غرض الشاعر منه أن یذکر الجماع إلاّ أنّه لم یذکره بل ذکر کلاما آخر ففهم الجماع من عرضه لأن المصیر إلی الحسنی و رقة الکلام لا یدلان علی الجماع لا حقیقة و لا مجازا.

ثمّ ذکر أن من باب الکنایة قوله سبحانه أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَسٰالَتْ أَوْدِیَةٌ بِقَدَرِهٰا فَاحْتَمَلَ السَّیْلُ زَبَداً رٰابِیاً وَ مِمّٰا یُوقِدُونَ عَلَیْهِ فِی النّٰارِ... (2) الآیة قال کنی بالماء عن العلم و بالأودیة عن القلوب و بالزبد عن الضلال.

قال و قد تحقّق ما اخترعناه و قدرناه من هذه الآیة لأنّه یجوز حملها علی جانب الحقیقة کما یجوز حملها علی جانب المجاز.

قال و قد أخطأ الفراء حیث زعم أن قوله سبحانه و تعالی وَ إِنْ کٰانَ مَکْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبٰالُ (3) کنایة عن أمر النبیّ ص و أنّه کنی عنه بالجبال قال و وجه الخطأ أنّه لا یجوز أن یتجاذب اللفظ هاهنا جانبا الحقیقة و المجاز لأن مکرهم لم یکن لتزول منه الجبال الحقیقیة فالآیة إذا من باب المجاز لا من باب الکنایة.

ص :64

قال و من الکنایات المستحسنة

936

قَوْلُهُ ع لِلْحَادِی بِالنِّسَاءِ یَا أَنْجَشَةُ رِفْقاً بِالْقَوَارِیرِ.

و قول امرأة لرجل قعد منها مقعد القابلة لا یحل لک أن تفض الخاتم إلاّ بحقه.

و قول بدیل بن ورقاء الخزاعیّ لرسول اللّه ص إن قریشا قد نزلت علی ماء الحدیبیة معها العوذ المطافیل و إنهم صادوک عن البیت .قال فهذه کنایة عن النساء و الصبیان لأن العوذ المطافیل الإبل الحدیثات النتاج و معها أولادها.

و من الکنایة ما ورد فی شهادة الزنا أن یشهد علیه برؤیة المیل فی المکحلة.

937

14- وَ مِنْهَا قَوْلُ عُمَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص هَلَکْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَ مَا أَهْلَکَکَ قَالَ حَوَّلْتُ رَحْلِی الْبَارِحَةَ

(1)

.

قال أشار بذلک إلی الإتیان (2) فی غیر المأتی.

و منها قول ابن سلام لمن رأی علیه ثوبا معصفرا لو أن ثوبک فی تنور أهلک لکان خیرا لک.

قال و من الکنایات المستقبحة قول الرضی یرثی امرأة إن لم تکن نصلا فغمد نصول لأن الوهم یسبق فی هذا الموضع إلی ما یقبح و إنّما سرقه من قول الفرزدق فی امرأته و قد ماتت بجمع و جفن سلاح قد رزئت فلم أنح علیه و لم أبعث علیه البواکیا (3)

ص :65

و فی جوفه من دارم ذو حفیظة

لو أن المنایا أخطأته لیالیا

فأخذه الرضی فأفسده و لم یحسن تصریفه.

قال فأما أمثلة التعریض فکثیرة منها قوله تعالی فَقٰالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مٰا نَرٰاکَ إِلاّٰ بَشَراً مِثْلَنٰا وَ مٰا نَرٰاکَ اتَّبَعَکَ إِلاَّ الَّذِینَ هُمْ أَرٰاذِلُنٰا بٰادِیَ الرَّأْیِ وَ مٰا نَریٰ لَکُمْ عَلَیْنٰا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّکُمْ کٰاذِبِینَ (1) فقوله مٰا نَرٰاکَ إِلاّٰ بَشَراً مِثْلَنٰا تعریض بأنهم أحق بالنبوة و أن اللّه تعالی لو أراد أن یجعلها فی واحد من البشر لجعلها فیهم فقالوا هب إنک واحد من الملأ و موازیهم فی المنزلة فما جعلک أحق بالنبوة منهم أ لا تری إلی قوله وَ مٰا نَریٰ لَکُمْ عَلَیْنٰا مِنْ فَضْلٍ .

هذه خلاصة ما ذکره ابن الأثیر فی هذا الباب.

و اعلم أنا قد تکلمنا علیه فی کثیر من هذا الموضع فی کتابنا الذی أفردناه للنقض علیه و هو الکتاب المسمی بالفلک الدائر علی المثل السائر فقلنا (2) أولا أنّه اختار حدّ الکنایة و شرع یبرهن علی (3) التحدید و الحدود لا یبرهن علیها و لا هی من باب الدعاوی التی تحتاج إلی الأدلة لأن من وضع لفظ الکنایة لمفهوم مخصوص لا یحتاج إلی دلیل کمن وضع لفظ الجدار للحائط لا یحتاج إلی دلیل.

ثمّ یقال له لم قلت إنّه لا بدّ من أن یتردد لفظ الکنایة بین محملی حقیقة و مجاز و لم لا یتردد بین مجازین و ما استدللت به علی ذلک لا معنی له....

أما أولا فلأنک أردت أن تقول إمّا أن تکون للفظة الدالة علی المجازین شرکة فی الدلالة علی الحقیقة أو لا یکون لها فی الدلالة علی الحقیقة شرکة لأن کلامک هکذا یقتضی و لا ینتظم إلاّ إذا قلت هکذا فلم تقله و قلت إمّا أن یکون للحقیقة شرکة فی

ص :66

اللفظ الدال علی المجازین و هذا قلب للکلام الصحیح و عکس له.

و أمّا ثانیا فلم قلت إنّه لا یکون للفظة الدالة علی المجازین شرکة فی الدلالة علی الحقیقة التی هی أصل لهما فأما قولک هذا فیقتضی أن یکون الإنسان متکلما بشیء و هو یرید شیئین غیره و أصل الوضع أن یتکلم بشیء و هو یرید غیره فلیس معنی قولهم الکنایة أن تتکلم بشیء و أنت ترید غیره أنک ترید شیئا واحدا غیره کلا لیس هذا هو المقصود بل المقصود أن تتکلم بشیء و أنت ترید ما هو مغایر له و إن أردت (1) شیئا واحدا (2) أو شیئین أو ثلاثة أشیاء أو ما زاد فقد أردت ما هو مغایر له لأن کل مغایر لما دل علیه ظاهر لفظک فلیس فی لفظه غیر ما یقتضی الوحدة و الإفراد.

و أمّا ثالثا فلم لا یجوز أن یکون للفظ الدال علی المجازین شرکة فی الدلالة علی الحقیقة أصلا بل یدلّ علی المجازین فقط فأما قولک إذا خرجت الحقیقة عن أن یکون لها فی ذلک شرکة لم یکن الذی تکلمت به دالا علی ما تکلمت به و هو محال و مرادک بهذا الکلام المقلوب أنّه إذا خرجت اللفظة عن أن یکون لها شرکة فی الدلالة علی الحقیقة التی هی موضوعة لها فی الأصل لم یکن ما تکلم به الإنسان دالا علی ما تکلم به و هو حقیقة و لا دالا أیضا علی ما تکلم به و هو مجاز لأنّه إذا لم یدلّ علی الحقیقة و هی الأصل لم یجز أن یدلّ علی المجاز الذی هو الفرع لأن انتفاء الدلالة علی الأصل یوجب انتفاء الدلالة علی الفرع و هکذا یجب أن یتأول استدلاله و إلاّ لم یکن له معنی محصل لأن اللفظ هو الدال علی مفهوماته و لیس المفهوم دالا علی اللفظ و لا له شرکة فی الدلالة علیه و لا علی مفهوم آخر یعترض اللفظ بتقدیر انتقال اللفظ اللّهمّ إلاّ أن یکون دلالة عقلیة و کلامنا فی الألفاظ و دلالتها (3) .

ص :67

فإذا أصلحنا کلامه علی ما ینبغی قلنا له فی الاعتراض علیه لم قلت إنّه إذا خرج اللفظ عن أن یکون له شرکة فی الدلالة علی الحقیقة لم یکن ما تکلم به الإنسان دالا علی ما تکلم به و لم لا یجوز أن یکون للحقیقة مجازان قد کثر استعمالهما حتّی نسیت تلک الحقیقة فإذا تکلم الإنسان بذلک اللفظ کان دالا به علی أحد ذینک المجازین و لا یکون له تعرض ما بتلک الحقیقة فلا یکون الذی تکلم به غیر دال علی ما تکلم به لأن حقیقة تلک اللفظة قد صارت ملغاة منسیة فلا یکون عدم إرادتها موجبا أن یکون اللفظ الذی یتکلم به المتکلم غیر دال علی ما تکلم به لأنّها قد خرجت بترک الاستعمال عن أن تکون هی ما تکلم به المتکلم.

ثمّ یقال إنک منعت أن یکون قولنا زید أسد کنایة و قلت لأنّه لا یجوز أن یحمل أحد هذا اللفظ علی أن زیدا هو السبع ذو الأنیاب و المخالب و منعت من قول الفراء إن الجبال فی قوله لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبٰالُ کنایة عن دعوة محمد ص و شریعته لأن أحدا لا یعتقد و لا یتصور أن مکر البشر یزیل الجبال الحقیقیة عن أماکنها و منعت من قول من قال إن قول الشاعر و لو سکتوا أثنت علیک الحقائب (1) من باب الکنایة لأن أحدا لا یتصور أن الحقائب و هی جمادات تثنی و تشکر.

و قلت لا بدّ أن یصحّ حمل لفظ الکنایة علی محملی الحقیقة و المجاز ثمّ قلت إن

ص :68

قول عبد اللّه بن سلام لصاحب الثوب المعصفر لو أنک جعلت ثوبک فی تنور أهلک کنایة و قول الرضی فی امرأة ماتت إن لم تکن نصلا فغمد نصول کنایة و إن کانت مستقبحة

938

وَ قَوْلُ اَلنَّبِیِّ ص یَا أَنْجَشَةُ رِفْقاً بِالْقَوَارِیرِ.

و هو یحدو بالنساء کنایة فهل یجیز عاقل قط أو یتصور فی الأذهان أن تکون المرأة غمدا للسیف و هل یحمل (1) أحد قط قوله للحادی رفقا بالقواریر علی أنّه یمکن أن یکون نهاه عن العنف بالزجاج أو یحمل أحد قط قول ابن سلام علی أنّه أراد إحراق الثوب بالنار أو یحمل قط أحد قوله المیل فی المکحلة علی حقیقتها أو یحمل قط أحد قوله لا یحل لک فض الخاتم علی حقیقته و هل یشک عاقل قط فی أن هذه الألفاظ لیست دائرة بین المحملین دوران اللمس و الجماع و المصافحة و هذه مناقضة ظاهرة و لا جواب عنها إلاّ بإخراج هذه المواضع من باب الکنایة أو بحذف ذلک الشرط الذی اشترطته فی حدّ الکنایة.

فأما ما ذکره حکایة عن غیره فی حدّ الکنایة بأنها اللفظ الدال علی الشیء بغیر الوضع الحقیقی بوصف جامع بین الکنایة و المکنی عنه و قوله هذا الحدّ هو حدّ التشبیه فلا یجوز أن یکون حدّ الکنایة.

فلقائل أن یقول إذا قلنا زید أسد کان ذلک لفظا دالا علی غیر الوضع الحقیقی و ذلک المدلول هو بعینه الوصف المشترک بین المشبه و المشبه به أ لا تری أن المدلول هو الشجاعة و هی المشترک بین زید و الأسد و أصحاب الحدّ قالوا فی حدهم الکنایة هی اللفظ الدال علی الشیء بغیر الوضع الحقیقی باعتبار وصف جامع بینهما فجعلوا المدلول أمرا

ص :69

و الوصف الجامع أمرا آخر باعتباره وقت الدلالة أ لا تری أن لفظ لاٰمَسْتُمُ یدل علی الجماع الذی لم یوضع لفظ لاٰمَسْتُمُ له و إنّما یدلّ علیه باعتبار أمر آخر هو کون الملامسة مقدّمة الجماع و مفضیة إلیه فقد تغایر إذن حدّ التشبیه (1) و حدّ الکنایة و لم یکن أحدهما هو الآخر.

فأما قوله إن الکنایة قد تکون بالمفردات و التعریض لا یکون بالمفردات فدعوی و ذلک أن اللفظ المفرد لا ینتظم منه فائدة و إنّما تفید الجملة المرکبة من مبتدأ و خبر أو من فعل و فاعل و الکنایة و التعریض فی هذا الباب سواء و أقل ما یمکن أن یقید فی الکنایة قولک لامست هندا و کذلک أقل ما یمکن أن یفید فی التعریض أنا عزب کما قد ذکره هو فی أمثلة التعریض فإن قال أردت أنّه قد یقال اللمس یصلح أن یکنی به عن الجماع و اللمس لفظ مفرد قیل له و قد یقال التعزب یصلح أن یعرض به فی طلب النکاح.

فأما قوله إن بیت نصر بن سیار إذا نظر إلیه لمفرده صلح أن یکون کنایة و إنّما یخرجه عن کونه کنایة ضم الأبیات التی بعده إلیه و یدخله فی باب الاستعارة فلزم علیه أن یخرج قول عمر حولت رحلی عن باب الکنایة بما انضم إلیه من قوله هلکت

939

وَ بِمَا أَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ قَوْلِهِ أَقْبِلْ وَ أَدْبِرْ وَ اتَّقِ الدُّبُرَ وَ الْحَیْضَةَ.

و بقرینة الحال و کان یجب ألاّ تذکر هذه اللفظة فی أمثلة الکنایات.

فأما بیت إمرئ القیس فلا وجه لإسقاطه من باب الکنایة و إدخاله فی باب

ص :70

التعریض إلاّ فیما اعتمد علیه من أن من شرط الکنایة أن یتجاذبها جانبا حقیقة و مجاز و قد بینا بطلان اشتراط ذلک فبطل ما یتفرع علیه.

و أمّا قول بدیل بن ورقاء معها العوذ المطافیل فإنّه لیس بکنایة عن النساء و الأولاد کما زعم بل أراد به الإبل و نتاجها فإن کتب السیر کلها متفقة علی أن قریشا لم یخرج معها فی سنة الحدیبیة نساؤها و أولادها و لم یحارب رسول اللّه ص قوما أحضروا معهم نساءهم و أولادهم إلاّ هوازن یوم حنین و إذا لم یکن لهذا الوجه حقیقة و لا وجود فقد بطل حمل اللفظ علیه.

فأما ما زری به علی الرضی رحمه اللّه تعالی من قوله إن لم تکن نصلا فغمد نصول و قوله هذا ممّا یسبق الوهم فیه إلی ما یستقبح و استحسانه شعر الفرزدق و قوله إن الرضی أخذه منه فأساء الأخذ فالوهم الذی یسبق إلی بیت الرضی یسبق مثله إلی بیت الفرزدق لأنّه قد جعل هذه المرأة جفن السلاح فإن کان الوهم یسبق هناک إلی قبیح فهاهنا أیضا یسبق إلی مثله.

و أمّا الآیة التی مثل بها علی التعریض فإنّه قال إن قوله تعالی مٰا نَرٰاکَ إِلاّٰ بَشَراً مِثْلَنٰا تعریض بأنهم أحق بالنبوة منه و لم یبین ذلک و إنّما قال فحوی الکلام أنهم قالوا له هب إنک واحد من الملإ و موازیهم فی المنزلة فما جعلک أحق بالنبوة منهم أ لا تری إلی قوله وَ مٰا نَریٰ لَکُمْ عَلَیْنٰا مِنْ فَضْلٍ و هذا الکلام لا یقتضی ما ادعاه أولا من التعریض لأنّه ادعی أن قوله مٰا نَرٰاکَ إِلاّٰ بَشَراً مِثْلَنٰا تعریض بأنهم أحق بالنبوة منه و ما قرره به یقتضی مساواته لهم و لا یقتضی کونهم أحق بالنبوة منه فبطل دعوی الأحقیة التی زعم أن التعریض إنّما کان (1) بها.

ص :71

فأما قوله تعالی أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَسٰالَتْ أَوْدِیَةٌ بِقَدَرِهٰا فَاحْتَمَلَ السَّیْلُ زَبَداً و قوله إن هذا من باب الکنایة و إنّه تعالی کنی به عن العلم و الضلال و قلوب البشر فبعید و الحکیم سبحانه لا یجوز أن یخاطب قوما بلغتهم فیعمی علیهم و أن یصطلح هو نفسه علی ألفاظ لا یفهمون المراد بها و إنّما یعلمها هو وحده أ لا تری أنّه لا یجوز أن یحمل قوله تعالی وَ لَقَدْ زَیَّنَّا السَّمٰاءَ الدُّنْیٰا بِمَصٰابِیحَ وَ جَعَلْنٰاهٰا رُجُوماً لِلشَّیٰاطِینِ (1) علی أنّه أراد أنا زینا رءوس البشر بالحواس الباطنة و الظاهرة المجعولة فیها و جعلناها بالقوی الفکریة و الخیالیة المرکبة فی الدماغ راجمة و طاردة للشبه المضلة و إن من حمل کلام الحکیم سبحانه علی ذلک فقد نسبه إلی الإلغاز و التعمیة و ذلک یقدح فی حکمته تعالی و المراد بالآیة المقدم ذکرها ظاهرها و المتکلف لحملها علی غیرها سخیف العقل و یؤکد ذلک قوله تعالی وَ مِمّٰا یُوقِدُونَ عَلَیْهِ فِی النّٰارِ ابْتِغٰاءَ حِلْیَةٍ أَوْ مَتٰاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ (2) أ فتری الحکیم سبحانه یقول إن للذهب و الفضة زبدا مثل الجهل و الضلال و یبین ذلک قوله کَذٰلِکَ یَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثٰالَ (3) فضرب سبحانه الماء الذی یبقی فی الأرض فینتفع (4) به الناس و الزبد الذی یعلو فوق الماء فَیَذْهَبُ جُفٰاءً مثلا للحق و الباطل کما صرّح به سبحانه فقال کَذٰلِکَ یَضْرِبُ اللّٰهُ الْحَقَّ وَ الْبٰاطِلَ (5) و لو کانت هذه الآیة من باب الکنایات و قد کنی سبحانه بالأودیة عن القلوب و بالماء الذی أنزله من السماء عن العلم و بالزبد عن الضلال لما جعل تعالی هذه الألفاظ أمثالا فإن الکنایة خارجة عن باب المثل و لهذا لا تقول إن قوله تعالی أَوْ لاٰمَسْتُمُ النِّسٰاءَ من باب المثل و لهذا أفرد هذا الرجل فی کتابه بابا آخر غیر باب الکنایة سماه باب المثل و جعلهما قسمین متغایرین فی علم البیان و الأمر فی هذا

ص :72

الموضع واضح و لکن هذا الرجل کان یحب هذه الترهات و یذهب وقته فیها و قد استقصینا فی مناقضته و الرد علیه فی کتابنا الذی أشرنا إلیه.

فأما قوله ع کلما نجم منهم قرن قطع فاستعارة حسنة یرید کلما ظهر منهم قوم استؤصلوا فعبر عن ذلک بلفظة قرن کما یقطع قرن الشاة إذا نجم و قد صح إخباره ع عنهم أنهم لم یهلکوا بأجمعهم فی وقعة النهروان و أنّها دعوة سیدعو إلیها قوم لم یخلقوا بعد و هکذا وقع و صح إخباره ع أیضا أنّه سیکون آخرهم لصوصا سلابین فإن دعوة الخوارج اضمحلت و رجالها فنیت حتّی أفضی الأمر إلی أن صار خلفهم قطاع طریق متظاهرین بالفسوق و الفساد فی الأرض

و لا الذخر إلاّ کل جرداء شطبة

و قال مسلم بن الولید یمدح یزید بن مزید و یذکر قتله الولید و المارق ابن طریف قد دلفت له

حتی غدت جشم بن بکر تبتغی

ص :75

هیهات مارس فلیقا متیقظا

و هذه القصیدة من ناصع شعر البحتری و مختاره

و منهم الیمان بن رباب و کان علی رأی البیهسیة (1) و عبد اللّه بن یزید و محمّد بن حرب و یحیی بن کامل و هؤلاء إباضیة (2) .و قد نسب إلی هذا المذهب أیضا من قبل أبو هارون العبدی و أبو الشعثاء و إسماعیل بن سمیع و هبیرة بن بریم .و زعم ابن قتیبة أن ابن هبیرة کان من غلاة الشیعة .و نسب أبو العبّاس محمّد بن یزید المبرد إلی رأی الخوارج لإطنابه فی کتاب المعروف ب الکامل فی ذکرهم و ظهور المیل منه إلیهم

ص :77

بغیر شبهة یعتمد علیها لا یجوز أن ینصر علی من یخرج علیه ممن ینتمی إلی الدین و یأمر بالمعروف و ینهی عن المنکر بل یجب أن ینصر الخارجون علیه و إن کانوا ضالین فی عقیدة اعتقدوها بشبهة دینیة دخلت علیهم لأنّهم أعدل منه و أقرب إلی الحق و لا ریب فی تلزم الخوارج بالدین کما لا ریب فی أن معاویة لم یظهر عنه مثل ذلک

ص :79

فَأَبْلِغُونَا مَأْمَنَنَا فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ ثُمَّ قَالُوا ذَاکَ لَکُمْ فَسَارُوا مَعَهُمْ بِجَمْعِهِمْ حَتَّی أَبْلَغُوهُمُ الْمَأْمَنَ (1) .

وَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أُتِیَ (2) عَبْدُ الْمَلِکِ بْنُ مَرْوَانَ بِرَجُلٍ مِنَ اَلْخَوَارِجِ فَبَحَثَهُ فَرَأَی مِنْهُ مَا شَاءَ فَهْماً وَ عِلْماً ثُمَّ بَحَثَهُ (3) فَرَأَی مِنْهُ مَا شَاءَ أَدَباً وَ ذِهْناً (4) فَرَغِبَ فِیهِ فَاسْتَدْعَاهُ إِلَی الرُّجُوعِ عَنْ مَذْهَبِهِ فَرَآهُ مُسْتَبْصِراً مُحَقِّقاً فَزَادَهُ فِی الاِسْتِدْعَاءِ فَقَالَ تُغْنِیکَ الْأُولَی عَنِ الثَّانِیَةِ وَ قَدْ قُلْتَ وَ سَمِعْتُ فَاسْمَعْ أَقُلْ قَالَ قُلْ فَجَعَلَ یَبْسُطُ مِنْ قَوْلِ اَلْخَوَارِجِ وَ یُزَیِّنُ لَهُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ بِلِسَانٍ طَلْقٍ وَ أَلْفَاظٍ بَیِّنَةٍ وَ مَعَانٍ قَرِیبَةٍ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِکِ بَعْدَ ذَلِکَ عَلَی مَعْرِفَتِهِ (5) وَ فَضْلِهِ لَقَدْ کَادَ یُوقِعُ فِی خَاطِرِی أَنَّ اَلْجَنَّةَ إِنَّمَا خُلِقَتْ لَهُمْ وَ أَنِّی أَوْلَی الْعِبَادِ بِالْجِهَادِ مِنْهُمْ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَی مَا ثَبَّتَ اللَّهُ عَلَیَّ مِنَ الْحُجَّةِ وَ قَرَّرَ فِی قَلْبِی مِنَ الْحَقِّ فَقُلْتُ لَهُ (6) الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةُ لِلَّهِ وَ قَدْ سَلَّطَنَا اللَّهُ فِی الدُّنْیَا وَ مَکَّنَ لَنَا فِیهَا وَ أَرَاکَ لَسْتَ تُجِیبُنَا إِلَی مَا نَقُولُ وَ اللَّهِ لَأَقْتُلَنَّکَ إِنْ لَمْ تُطِعْ فَأَنَا فِی ذَلِکَ إِذْ دُخِلَ عَلَیَّ بِابْنَیْ مَرْوَانَ .قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ کَانَ مَرْوَانُ أَخَا یَزِیدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ لِأُمِّهِ أُمُّهُمَا (7) عَاتِکَةُ بِنْتُ یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ وَ کَانَ أَبِیّاً عَزِیزَ النَّفْسِ فَدُخِلَ بِهِ عَلَی أَبِیهِ فِی هَذَا الْوَقْتِ بَاکِیاً

ص :81

لِضَرْبِ الْمُؤَدِّبِ إِیَّاهُ فَشَقَّ ذَلِکَ عَلَی عَبْدِ الْمَلِکِ فَأَقْبَلَ عَلَیْهِ الْخَارِجِیُّ وَ قَالَ لَهُ (1) دَعْهُ یَبْکِ فَإِنَّهُ أَرْحَبَ لِشَدْقِهِ وَ أَصَحُّ لِدِمَاغِهِ وَ أَذْهَبُ لِصَوْتِهِ وَ أَحْرَی أَلاَّ تَأْبَی عَلَیْهِ عَیْنُهُ إِذَا حَضَرَتْهُ طَاعَةٌ (2) وَ اسْتَدْعَی عَبْرَتُهَا.

فَأَعْجَبَ ذَلِکَ مِنْ قَوْلِهِ عَبْدُ الْمَلِکِ وَ قَالَ لَهُ مُتَعَجِّباً أَ مَا یَشْغَلُکَ مَا أَنْتَ فِیهِ وَ یُعْرِضُکَ عَنْ هَذَا فَقَالَ مَا یَنْبَغِی أَنْ یَشْغَلَ الْمُؤْمِنَ عَنْ قَوْلِ الْحَقِّ شَیْءٌ فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ وَ صَفَحَ عَنْ قَتْلِهِ وَ قَالَ بَعْدُ مُعْتَذِراً إِلَیْهِ لَوْ لاَ أَنْ تُفْسِدَ بِأَلْفَاظِکَ أَکْثَرَ رَعِیَّتِی مَا حَبَسْتُکَ ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الْمَلِکِ لَقَدْ شَکَّکَنی وَ وَهَّمَنِی حَتَّی مَالَتْ بِی عِصْمَةُ اللَّهِ وَ غَیْرُ بَعِیدٍ أَنْ یَسْتَهْوِیَ مِنْ بَعْدِی (3) .

الْمُسْرِفَ عَلَی نَفْسِهِ الْجَبَّارَ الْعَنِیدَ قَدْ ذَکَرَکَ قَالَتْ إِنْ یَأْخُذْنِی فَهُوَ أَشْقَی بِهِ فَأَمَّا أَنَا فَمَا أُحِبُّ أَنْ یُعَنَّتَ إِنْسَانٌ بِسَبَبِی (1) فَوَجَّهَ إِلَیْهَا عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ زِیَادٍ فَأُتِیَ بِهَا فَقَطَعَ یَدَیْهَا وَ رِجْلَیْهَا وَ رَمَی بِهَا فِی السُّوقِ فَمَرَّ بِهَا أَبُو بِلاَلٍ وَ النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا اَلْبَلْجَاءُ فَعَرَجَ إِلَیْهَا فَنَظَرَ ثُمَّ عَضَّ عَلَی لِحْیَتِهِ وَ قَالَ لِنَفْسِهِ لَهَذِهِ أَطْیَبُ نَفْساً مِنْ بَقِیَّةِ الدُّنْیَا مِنْکَ یَا مِرْدَاسُ .قَالَ ثُمَّ إِنَّ عُبَیْدَ اللَّهِ أَخَذَ مِرْدَاساً فَحَبَسَهُ (2) فَرَأَی صَاحِبُ السِّجْنِ مِنْهُ شِدَّةَ اجْتِهَادِهِ وَ حَلاَوَةَ مَنْطِقِهِ فَقَالَ لَهُ إِنِّی أَرَی لَکَ مَذْهَباً حَسَناً وَ إِنِّی لَأُحِبُّ أَنْ أُوَلِّیَکَ مَعْرُوفاً أَ فَرَأَیْتَکَ إِنْ تَرَکْتُکَ تَنْصَرِفُ لَیْلاً إِلَی بَیْتِکَ أَ تَدْلُجُ (3) إِلَیَّ قَالَ نَعَمْ فَکَانَ یَفْعَلُ ذَلِکَ بِهِ (4) .

وَ لَجَّ عُبَیْدُ اللَّهِ فِی حَبْسِ اَلْخَوَارِجِ وَ قَتَلَهُمْ وَ کَلَّمَ فِی بَعْضِهِمْ فَأَبَی وَ قَالَ أَقْمَعُ (5) النِّفَاقَ قَبْلَ أَنْ یَنْجُمَ لَکَلاَمُ هَؤُلاَءِ أَسْرَعُ إِلَی الْقُلُوبِ مِنَ النَّارِ إِلَی الْیَرَاعِ (6) .

فَلَمَّا کَانَ ذَاتَ یَوْمٍ قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ اَلْخَوَارِجِ رَجُلاً مِنَ الشُّرْطَةِ فَقَالَ اِبْنُ زِیَادٍ مَا أَدْرِی مَا أَصْنَعُ بِهَؤُلاَءِ کُلَّمَا أَمَرْتُ رَجُلاً بِقَتْلِ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَتَکُوا بِقَاتِلِهِ لَأَقْتُلَنَّ مَنْ فِی حَبْسِی مِنْهُمْ وَ أَخْرَجَ السَّجَّانُ مِرْدَاساً إِلَی مَنْزِلِهِ کَمَا کَانَ یَفْعَلُ فَأَتَی مِرْدَاساً الْخَبَرُ فَلَمَّا کَانَ فِی السَّحَرِ تَهَیَّأَ لِلرُّجُوعِ إِلَی السِّجْنِ فَقَالَ لَهُ أَهْلُهُ اتَّقِ اللَّهَ فِی نَفْسِکَ فَإِنَّکَ إِذَا رَجَعْتَ قُتِلْتَ فَأَبَی وَ قَالَ وَ اللَّهِ مَا کُنْتُ لِأَلْقَی اللَّهَ غَادِراً فَرَجَعَ إِلَی السَّجَّانِ فَقَالَ إِنِّی قَدْ عَلِمْتُ مَا عَزَمَ عَلَیْهِ صَاحِبُکَ قَالَ أَ عَلِمْتَ ثُمَّ جِئْتَ (7) .

ص :83

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ یُرْوَی أَنَّ مِرْدَاساً مَرَّ بِأَعْرَابِیٍّ یَهْنَأُ (1) بَعِیراً لَهُ فَهَرِجَ (2) الْبَعِیرُ فَسَقَطَ مِرْدَاسٌ مَغْشِیّاً عَلَیْهِ فَظَنَّ الْأَعْرَابِیُّ أَنَّهُ صُرِعَ فَقَرَأَ فِی أُذُنِهِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ لَهُ الْأَعْرَابِیُّ إِنِّی قَرَأْتُ فِی أُذُنِکَ فَقَالَ مِرْدَاسٌ لَیْسَ بِی مَا خِفْتَهُ عَلَیَّ وَ لَکِنِّی رَأَیْتُ بَعِیراً هَرِجَ مِنَ الْقَطِرَانِ فَذَکَرْتُ بِهِ قَطِرَانَ جَهَنَّمَ فَأَصَابَنِی مَا رَأَیْتَ فَقَالَ الْأَعْرَابِیُّ لاَ جَرَمَ وَ اللَّهِ لاَ أُفَارِقُکَ أَبَداً.

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ کَانَ مِرْدَاسٌ قَدْ شَهِدَ مَعَ عَلِیٍّ ع صِفِّینَ ثُمَّ أَنْکَرَ اَلتَّحْکِیمَ وَ شَهِدَ اَلنَّهْرَوَانَ وَ نَجَا فِیمَنْ نَجَا ثُمَّ حَبَسَهُ اِبْنُ زِیَادٍ کَمَا ذَکَرْنَاهُ وَ خَرَجَ مِنْ حَبْسِهِ فَرَأَی جَدَّ اِبْنِ زِیَادٍ فِی طَلَبِ اَلشُّرَاةِ فَعَزَمَ عَلَی الْخُرُوجِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ إِنَّهُ وَ اللَّهِ مَا یَسَعُنَا الْمُقَامُ مَعَ هَؤُلاَءِ الظَّالِمِینَ تَجْرِی عَلَیْنَا أَحْکَامُهُمْ مُجَانِبِینَ لِلْعَدْلِ مُفَارِقِینَ لِلْقَصْدِ (3) وَ اللَّهِ إِنَّ الصَّبْرَ عَلَی هَذَا لَعَظِیمٌ وَ إِنَّ تَجْرِیدَ السَّیْفِ وَ إِخَافَةَ النَّاسِ لَعَظِیمٌ وَ لَکِنَّا نَنْتَبِذُ عَنْهُمْ وَ لاَ نُجَرِّدُ سَیْفاً وَ لاَ نُقَاتِلُ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَنَا فَاجْتَمَعَ إِلَیْهِ أَصْحَابُهُ زُهَاءَ ثَلاَثِینَ رَجُلاً مِنْهُمْ حُرَیْثُ بْنُ حَجَلٍ وَ کَهْمَسُ بْنُ طَلْقٍ الصَّرِیمِیُّ وَ أَرَادُوا أَنْ یُوَلُّوا أَمْرَهُمْ حُرَیْثاً فَأَبَی فَوَلَّوْا أَمْرَهُمْ مِرْدَاساً فَلَمَّا مَضَی بِأَصْحَابِهِ لَقِیَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِیُّ وَ کَانَ لَهُ صَدِیقاً فَقَالَ یَا أَخِی أَیْنَ تُرِیدُ قَالَ أُرِیدُ أَنْ أَهْرُبَ بِدِینِی وَ دِینِ أَصْحَابِی مِنْ أَحْکَامِ هَؤُلاَءِ الْجَوَرَةِ فَقَالَ أَ عَلِمَ بِکُمْ أَحَدٌ قَالَ لاَ قَالَ فَارْجِعْ قَالَ أَ وَ تَخَافُ عَلَیَّ نُکْراً (4) قَالَ نَعَمْ وَ أَنْ یُؤْتَی بِکَ قَالَ لاَ تَخَفْ فَإِنِّی لاَ أُجَرِّدُ سَیْفاً وَ لاَ أُخِیفُ أَحَداً وَ لاَ أُقَاتِلُ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَنِی.

ثُمَّ مَضَی حَتَّی نَزَلَ آسَکَ وَ هِیَ مَا بَیْنَ رَامَهُرْمُزَ وَ أَرَّجَانَ فَمَرَّ بِهِ مَالٌ یُحْمَلُ إِلَی اِبْنِ

ص :84

زِیَادٍ وَ قَدْ قَارَبَ أَصْحَابُهُ الْأَرْبَعِینَ فَحَطَّ ذَلِکَ الْمَالَ وَ أَخَذَ مِنْهُ عَطَاءَهُ وَ عَطَاءَ أَصْحَابِهِ وَ رَدَّ الْبَاقِیَ عَلَی الرُّسُلِ وَ قَالَ قُولُوا لِصَاحِبِکُمْ إِنَّا قَبَضْنَا أَعْطَیَاتِنَا فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلاَمَ نَدَعُ الْبَاقِیَ فَقَالَ إِنَّهُمْ یُقِیمُونَ هَذَا الْفَیْءَ کَمَا یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ فَلاَ نُقَاتِلُهُمْ عَلَی الصَّلاَةِ.

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ لِأَبِی بِلاَلٍ مِرْدَاسٍ فِی الْخُرُوجِ أَشْعَارٌ اخْتَرْتُ مِنْهَا قَوْلَهُ أَ بَعْدَ اِبْنِ وَهْبٍ ذِی النَّزَاهَةِ وَ التُّقَی

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثُمَّ إِنَّ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ زِیَادٍ نَدَبَ جَیْشاً إِلَی خُرَاسَانَ فَحَکَی بَعْضُ مَنْ کَانَ فِی ذَلِکَ الْجَیْشِ قَالَ مَرَرْنَا بِآسَکَ فَإِذَا نَحْنُ بِهِمْ سِتَّةً وَ ثَلاَثِینَ رَجُلاً فَصَاحَ بِنَا أَبُو بِلاَلٍ أَ قَاصِدُونَ لِقِتَالِنَا أَنْتُمْ قَالَ وَ کُنْتُ أَنَا وَ أَخِی قَدْ دَخَلْنَا زَرْباً (1) فَوَقَفَ أَخِی بِبَابِهِ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَیْکُمْ فَقَالَ مِرْدَاسٌ وَ عَلَیْکُمُ السَّلاَمُ ثُمَّ قَالَ لِأَخِی أَ جِئْتُمْ لِقِتَالِنَا قَالَ لاَ إِنَّمَا نُرِیدُ خُرَاسَانَ قَالَ فَأَبْلِغُوا مَنْ لَقِیتُمْ أَنَّا لَمْ نَخْرُجْ لِنُفْسِدَ فِی الْأَرْضِ وَ لاَ لِنُرَوِّعَ أَحَداً وَ لَکِنْ هَرَباً مِنَ الظُّلْمِ وَ لَسْنَا نُقَاتِلُ إِلاَّ مَنْ یُقَاتِلُنَا وَ لاَ نَأْخُذُ مِنَ الْفَیْءِ إِلاَّ أَعْطَیَاتِنَا ثُمَّ قَالَ أَ نُدِبَ لَنَا (2) أَحَدٌ قُلْنَا نَعَمْ أَسْلَمُ بْنُ زُرْعَةَ الْکِلاَبِیُّ قَالَ فَمَتَی تَرَوْنَهُ یَصِلُ إِلَیْنَا قُلْنَا یَوْمَ کَذَا وَ کَذَا فَقَالَ أَبُو بِلاَلٍ حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ .

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ جَهَّزَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ زِیَادٍ أَسْلَمَ بْنَ زُرْعَةَ فِی أَسْرَعِ مُدَّةٍ وَ وَجَّهَهُ إِلَیْهِمْ

ص :85

فِی أَلْفَیْنِ وَ قَدْ تَتَامَّ أَصْحَابُ مِرْدَاسٍ أَرْبَعِینَ رَجُلاً فَلَمَّا صَارَ أَسْلَمُ إِلَیْهِمْ صَاحَ بِهِ أَبُو بِلاَلٍ اتَّقِ اللَّهَ یَا أَسْلَمُ فَإِنَّا لاَ نُرِیدُ فَسَاداً (1) فِی الْأَرْضِ وَ لاَ نَحْتَجِرُ فَیْئاً فَمَا الَّذِی تُرِیدُ قَالَ أُرِیدُ أَنْ أَرُدَّکُمْ إِلَی اِبْنِ زِیَادٍ قَالَ إِذَنْ یَقْتُلُنَا قَالَ وَ إِنْ قَتَلَکُمْ قَالَ تَشْرَکُ فِی دِمَائِنَا قَالَ إِنِّی أَدِینُ بِأَنَّهُ مُحِقٌّ وَ أَنْتُمْ مُبْطِلُونَ فَصَاحَ بِهِ حُرَیْثُ بْنُ حَجَلٍ أَ هُوَ مُحِقٌّ وَ هُوَ یُطِیعُ الْفَجَرَةِ وَ هُوَ أَحَدُهُمْ وَ یَقْتُلُ بِالظِّنَّةِ وَ یَخُصُّ بِالْفَیْءِ وَ یَجُورُ فِی الْحُکْمِ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَتَلَ بِابْنِ سُعَادٍ أَرْبَعَةَ بُرَآءَ وَ أَنَا أَحَدُ قَتَلَتِهِ وَ قَدْ وَضَعْتُ فِی بَطْنِهِ دَرَاهِمَ کَانَتْ مَعَهُ.

ثُمَّ حَمَلُوا عَلَی أَسْلَمَ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَانْهَزَمَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ مِنْ غَیْرِ قِتَالٍ وَ کَادَ یَأْسِرُهُ مَعْبَدٌ أَحَدُ اَلْخَوَارِجِ فَلَمَّا عَادَ إِلَی اِبْنِ زِیَادٍ غَضِبَ عَلَیْهِ غَضَباً شَدِیداً وَ قَالَ وَیْلَکَ أَ تَمْضِی فِی أَلْفَیْنِ فَتُهْزَمُ بِهِمْ مِنْ حَمْلَةِ أَرْبَعِینَ فَکَانَ أَسْلَمُ یَقُولُ لَأَنْ یَذُمَّنِی اِبْنُ زِیَادٍ وَ أَنَا حَیٌّ أَحَبُّ إِلَیَّ أَنْ یَمْدَحَنِی وَ أَنَا مَیِّتٌ.

وَ کَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَی السُّوقِ أَوْ مَرَّ بِصِبْیَانٍ صَاحُوا بِهِ أَبُو بِلاَلٍ وَرَاءَکَ وَ رُبَّمَا صَاحُوا بِهِ یَا مَعْبَدُ خُذْهُ حَتَّی شَکَا إِلَی اِبْنِ زِیَادٍ فَأَمَرَ الشُّرَطَ أَنْ یَکُفُّوا النَّاسَ عَنْهُ فَفِی ذَلِکَ یَقُولُ عِیسَی بْنُ فَاتِکٍ مِنْ بَنِی تَیْمٍ اللاَّتُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَحَدُ اَلْخَوَارِجِ فَلَمَّا أَصْبَحُوا صَلَّوْا وَ قَامُوا

ص :86

کَذَبْتُمْ لَیْسَ ذَاکَ کَمَا زَعَمْتُمْ

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَمَّا قَوْلُ حُرَیْثِ بْنِ حَجَلٍ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَتَلَ بِابْنِ سُعَادٍ أَرْبَعَةَ بُرَآءَ وَ أَنَا أَحَدُ قَتَلَتِهِ فَابْنُ سُعَادٍ هُوَ اَلْمُثَلَّمُ بْنُ مَسْرُوحٍ (1) الْبَاهِلِیُّ وَ سُعَادٌ اسْمُ أُمِّهِ وَ کَانَ مِنْ خَبَرِهِ أَنَّهُ ذُکِرَ لِعُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ زِیَادٍ رَجُلٌ مِنْ سَدُوسٍ یُقَالُ لَهُ خَالِدُ بْنُ عَبَّادٍ أَوْ اِبْنُ عُبَادَةَ وَ کَانَ مِنْ نُسَّاکِ اَلْخَوَارِجِ فَوَجَّهَ إِلَیْهِ فَأَخَذَهُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ آلِ ثَوْرٍ (2) فَکَذَبَ عَنْهُ وَ قَالَ هُوَ صِهْرِی وَ فِی ضَمْنِی فَخَلَّی عَنْهُ فَلَمْ یَزَلِ الرَّجُلُ یَتَفَقَّدُهُ حَتَّی تَغِیبَ فَأَتَی اِبْنَ زِیَادٍ فَأَخْبَرَهُ فَلَمْ یَزَلْ یَبْعَثُ إِلَی خَالِدِ بْنِ عَبَّادٍ حَتَّی ظَفِرَ بِهِ فَأَخَذَهُ فَقَالَ أَیْنَ کُنْتَ فِی غَیْبَتِکَ هَذِهِ قَالَ کُنْتُ عِنْدَ قَوْمٍ یَذْکُرُونَ اللَّهَ وَ یُسَبِّحُونَهُ وَ یَذْکُرُونَ أَئِمَّةَ الْجَوْرِ فَیَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ قَالَ ادْلُلْنِی عَلَیْهِمْ قَالَ إِذَنْ یَسْعَدُوا وَ تَشْقَی وَ لَمْ أَکُنْ لِأُرَوِّعَهُمْ قَالَ فَمَا تَقُولُ فِی أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَقَالَ خَیْراً قَالَ فَمَا تَقُولُ فِی عُثْمَانَ وَ فِی مُعَاوِیَةَ أَ تَتَوَلاَّهُمَا فَقَالَ إِنْ کَانَا وَلِیَّیْنِ لِلَّهِ فَلَسْتُ مُعَادِیهِمَا فَأَرَاغَهُ مِرَاراً لِیَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهِ فَلَمْ یَفْعَلْ فَعَزَمَ عَلَی قَتْلِهِ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ إِلَی رَحْبَةٍ تُعْرَفُ بِرَحْبَةِ الرَّسِّیِّ (3) وَ قَتَلَهُ بِهَا فَجَعَلَ الشُّرْطَةُ یَتَفَادَوْنَ مِنْ قَتْلِهِ وَ یَرُوغُونَ عَنْهُ تَوَقِّیاً لِأَنَّهُ کَانَ مُتَقَشِّفاً (4) عَلَیْهِ أَثَرُ الْعِبَادَةِ حَتَّی أَتَی اَلْمُثَلَّمُ بْنُ مَسْرُوحٍ (5) الْبَاهِلِیُّ وَ کَانَ مِنَ الشُّرْطَةِ فَتَقَدَّمَ فَقَتَلَهُ فَائْتَمَرَ بِهِ اَلْخَوَارِجُ أَنْ یَقْتُلُوهُ وَ کَانَ مُغْرِماً بِاللِّقَاحِ (6) یَتْبَعُهَا فَیَشْتَرِیهَا مِنْ مَظَانِّهَا وَ هُمْ فِی تَفَقُّدِهِ فَدَسُّوا إِلَیْهِ رَجُلاً فِی هَیْئَةِ الْفِتْیَانِ عَلَیْهِ رَدْعُ (7)

ص :87

زَعْفَرَانٍ فَلَقِیَهُ بِالْمَرْبَدِ (1) وَ هُوَ یَسْأَلُ عَنْ لَقْحَةٍ صَفِیٍّ (2) فَقَالَ لَهُ الْفَتَی إِنْ کُنْتَ تَبْتَغِی (3) فَعِنْدِی مَا یُغْنِیکَ عَنْ غَیْرِهِ فَامْضِ مَعِی فَمَضَی اَلْمُثَلَّمُ مَعَهُ عَلَی فَرَسِهِ یَمْشِی الْفَتَی أَمَامَهُ حَتَّی أَتَی بِهِ بَنِی سَعْدٍ فَدَخَلَ دَاراً وَ قَالَ لَهُ أَدْخِلْ عَلَیَّ فَرَسَکَ فَلَمَّا دَخَلَ وَ تَوَغَّلَ فِی الدَّارِ أَغْلَقَ الْبَابَ وَ ثَارَتْ بِهِ اَلْخَوَارِجُ فَاعْتَوَرَهُ حُرَیْثُ بْنُ حَجَلٍ وَ کَهْمَسُ بْنُ طَلْقٍ الصَّرِیمِیُّ فَقَتَلاَهُ وَ جَعَلاَ دَرَاهِمَ کَانَتْ مَعَهُ فِی بَطْنِهِ وَ دَفَنَاهُ فِی نَاحِیَةِ الدَّارِ وَ حَکَّا آثَارَ الدَّمِ وَ خَلَّیَا فَرَسَهُ فِی اللَّیْلِ فَأُصِیبَ فِی الْغَدِ فِی الْمِرْبَدِ وَ تَجَسَّسَ عَنْهُ اَلْبَاهِلِیُّونَ فَلَمْ یَرَوْا لَهُ أَثَراً فَاتَّهَمُوا بَنِی سَدُوسٍ بِهِ فَاسْتَعْدَوْا عَلَیْهِمُ السُّلْطَانَ وَ جَعَلَ اَلسَّدُوسِیَّةُ یَحْلِفُونَ فَتَحَامَلَ اِبْنُ زِیَادٍ مَعَ اَلْبَاهِلِیِّینَ فَأَخَذَ مِنَ اَلسَّدُوسِیِّینَ أَرْبَعَ دِیَاتٍ وَ قَالَ مَا أَدْرِی مَا أَصْنَعُ بِهَؤُلاَءِ اَلْخَوَارِجِ کُلَّمَا أَمَرْتُ بِقَتْلِ رَجُلٍ اغْتَالُوا قَاتِلَهُ فَلَمْ یَعْلَمْ بِمَکَانِ اَلْمُثَلَّمِ حَتَّی خَرَجَ مِرْدَاسٌ وَ أَصْحَابُهُ فَلَمَّا وَاقَفَهُمْ اِبْنُ زُرْعَةَ الْکِلاَبِیُّ صَاحَ بِهِمْ حُرَیْثٌ وَ قَالَ أَ هَاهُنَا مِنْ بَاهِلَةَ أَحَدٌ قَالُوا نَعَمْ قَالَ یَا أَعْدَاءَ اللَّهِ أَخَذْتُمْ لِلْمُثَلَّمِ (4) مِنْ بَنِی سَدُوسٍ أَرْبَعَ دِیَاتٍ وَ أَنَا قَتَلْتُهُ وَ جَعَلْتُ دَرَاهِمَ کَانَتْ مَعَهُ فِی بَطْنِهِ وَ هُوَ فِی مَوْضِعِ کَذَا مَدْفُونٌ فَلَمَّا انْهَزَمَ اِبْنُ زُرْعَةَ وَ أَصْحَابُهُ صَارُوا إِلَی الدَّارِ فَأَصَابُوا أَشْلاَءَهُ (5) فَفِی ذَلِکَ یَقُولُ أَبُو الْأَسْوَدِ وَ آلَیْتُ لاَ أَغْدُو إِلَی رَبِّ لَقْحَةٍ أُسَاوِمُهُ حَتَّی یَئُوبَ اَلْمُثَلَّمُ (6) .

ص :88

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فَأَمَّا (1) مَا کَانَ مِنْ مِرْدَاسٍ فَإِنَّ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ زِیَادٍ نَدَبَ إِلَیْهِ النَّاسَ فَاخْتَارَ عَبَّادَ بْنَ أَخْضَرَ الْمَازِنِیَّ وَ لَیْسَ بِابْنِ أَخْضَرَ بَلْ هُوَ عَبَّادُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِیُّ وَ کَانَ أَخْضَرُ زَوْجَ أُمِّهِ وَ غَلَبَ عَلَیْهِ فَوَجَّهَهُ إِلَی مِرْدَاسٍ وَ أَصْحَابِهِ فِی أَرْبَعَةِ آلاَفِ فَارِسٍ وَ کَانَتِ اَلْخَوَارِجُ قَدْ تُنْحَتُ مِنْ مَوْضِعِهَا بِدَارَابْجِرْدَ مِنْ أَرْضِ فَارِسَ فَصَارَ إِلَیْهِمْ عَبَّادٌ فَکَانَ الْتِقَاؤُهُمْ فِی یَوْمِ جُمُعَةٍ فَنَادَاهُ أَبُو بِلاَلٍ اخْرُجْ إِلَیَّ یَا عَبَّادُ فَإِنِّی أُرِیدُ أَنْ أُحَاوِرَکَ فَخَرَجَ إِلَیْهِ فَقَالَ مَا الَّذِی تَبْغِی قَالَ أَنْ آخُذَ بِأَقْفِیَتِکُمْ فَأَرُدَّکُمْ إِلَی الْأَمِیرِ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ زِیَادٍ قَالَ أَوْ غَیْرَ ذَلِکَ أَنْ نَرْجِعَ فَإِنَّا لاَ نُخِیفُ سَبِیلاً وَ لاَ نَذْعَرُ مُسْلِماً وَ لاَ نُحَارِبُ إِلاَّ مَنْ یُحَارِبُنَا وَ لاَ نُجْبِی إِلاَّ مَا حَمَیْنَا فَقَالَ عَبَّادٌ الْأَمْرُ مَا قُلْتُ لَکَ فَقَالَ لَهُ حُرَیْثُ بْنُ حَجَلٍ أَ تُحَاوِلُ أَنْ تَرُدَّ فِئَةً مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ إِلَی جَبَّارٍ عَنِیدٍ ضَالٍّ فَقَالَ لَهُمْ أَنْتُمْ أَوْلَی بِالضَّلاَلِ مِنْهُ وَ مَا مِنْ ذَاکَ مِنْ بُدٍّ.

قَالَ وَ قَدِمَ اَلْقَعْقَاعُ بْنُ عَطِیَّةَ الْبَاهِلِیُّ مِنْ خُرَاسَانَ یُرِیدُ الْحَجَّ فَلَمَّا رَأَی الْجَمْعَیْنِ قَالَ مَا هَذَا قَالُوا اَلشُّرَاةُ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ وَ نَشِبَتِ الْحَرْبُ بَیْنَهُمْ فَأَخَذَتِ اَلْخَوَارِجُ اَلْقَعْقَاعَ أَسِیراً فَأَتَوْا بِهِ أَبَا بِلاَلٍ فَقَالَ لَهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا مِنْ أَعْدَائِکَ إِنَّمَا قَدِمْتُ لِلْحَجِّ فَحُمِلْتُ وَ غُرِّرْتُ فَأَطْلَقَهُ فَرَجَعَ إِلَی عَبَّادٍ وَ أَصْلَحَ مِنْ شَأْنِهِ وَ حَمَلَ عَلَی اَلْخَوَارِجِ ثَانِیَةً وَ هُوَ یَقُولُ أُقَاتِلُهُمْ وَ لَیْسَ عَلَیَّ بَعْثٌ

فَحَمَلَ عَلَیْهِ حُرَیْثُ بْنُ حَجَلٍ السَّدُوسِیُّ وَ کَهْمَسُ بْنُ طَلْقٍ الصَّرِیمِیُّ فَأَسَرَاهُ وَ قَتَلاَهُ وَ لَمْ یَأْتِیَا بِهِ أَبَا بِلاَلٍ وَ لَمْ یَزَلِ الْقَوْمُ یَجْتَلِدُونَ حَتَّی جَاءَ وَقْتُ صَلاَةِ اَلْجُمُعَةِ فَنَادَاهُمْ أَبُو بِلاَلٍ یَا قَوْمِ هَذَا وَقْتُ الصَّلاَةِ فَوَادِعُونَا حَتَّی نُصَلِّیَ وَ تُصَلُّوا قَالُوا لَکَ ذَاکَ فَرَمَی الْقَوْمُ

ص :89

أَجْمَعُونَ بِأَسْلِحَتِهِمْ وَ عَمَدُوا لِلصَّلاَةِ فَأَسْرَعَ عَبَّادٌ وَ مَنْ مَعَهُ وَ قَضَوْا صَلاَتَهُمْ وَ اَلْحَرُورِیَّةُ مُبْطِئُونَ فِیهِمْ مَا بَیْنَ رَاکِعٍ وَ سَاجِدٍ وَ قَائِمٍ فِی الصَّلاَةِ وَ قَاعِدٍ حَتَّی مَالَ عَلَیْهِمْ عَبَّادٌ وَ مَنْ مَعَهُ فَقَتَلُوهُمْ جَمِیعاً وَ أُتِیَ بِرَأْسِ أَبِی بِلاَلٍ .قَالَ وَ یَرَی اَلشُّرَاةُ أَنَّ مِرْدَاساً أَبَا بِلاَلٍ لَمَّا عَقَدَ عَلَی أَصْحَابِهِ وَ عَزَمَ عَلَی الْخُرُوجِ رَفَعَ یَدَیْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ کَانَ مَا نَحْنُ فِیهِ حَقّاً فَأَرِنَا آیَةً فَرَجَفَ الْبَیْتُ.

وَ قَالَ آخَرُونَ فَارْتَفَعَ السَّقْفُ.

وَ یُقَالُ إِنَّ رَجُلاً مِنَ اَلْخَوَارِجِ ذَکَرَ ذَلِکَ لِأَبِی الْعَالِیَةِ الرِّیَاحِیِّ یُعْجِبُهُ مِنَ الْآیَةِ وَ یُرَغِّبُهُ فِی مَذْهَبِ الْقَوْمِ فَقَالَ أَبُو الْعَالِیَةِ کَادَ الْخَسْفُ یَنْزِلُ بِهِمْ ثُمَّ أَدْرَکَتْهُمْ نَظْرَةٌ مِنَ اللَّهِ.

قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ عَبَّادٌ مِنَ الْجَمَاعَةِ أَقْبَلَ بِهِمْ فَصَلَبَ رُءُوسَهُمْ وَ فِیهِمْ دَاوُدُ بْنُ شَبِیبٍ وَ کَانَ نَاسِکاً وَ فِیهِمْ حَبِیبَةُ الْبَکْرِیُّ مِنْ عَبْدِ الْقَیْسِ وَ کَانَ مُجْتَهِداً وَ یُرْوَی عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا عَزَمْتُ عَلَی الْخُرُوجِ فَکَّرْتُ فِی بَنَاتِی فَقُلْتُ ذَاتَ لَیْلَةٍ لَأُمْسِکَنَّ عَنْ نَفَقَتِهِنَّ حَتَّی أَنْظُرَ فَلَمَّا کَانَ فِی جَوْفِ اللَّیْلِ اسْتَسْقَتْ بُنَیَّةٌ لِی فَقَالَتْ یَا أَبَتِ اسْقِنِی فَلَمْ أُجِبْهَا وَ أَعَادَتْ فَقَامَتْ أُخْتٌ لَهَا فَسَقَتْهَا فَعَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ غَیْرُ مُضِیعِهِنَّ فَأَتْمَمْتُ عَزْمِی.

وَ کَانَ فِی الْقَوْمِ کَهْمَسٌ وَ کَانَ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ بِأُمِّهِ فَقَالَ لَهَا یَا أُمَّهْ لَوْ لاَ مَکَانُکَ لَخَرَجْتُ فَقَالَتْ یَا بُنَیَّ وَهَبْتُکِ لِلَّهِ.

فَفِی مَقْتَلِهِمْ یَقُولُ عِیسَی بْنُ فَاتِکٍ الْخَطِّیُّ أَلاَ فِی اللَّهِ لاَ فِی النَّاسِ سَالَتْ

ص :90

وَ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حَطَّانٍ یَا عَیْنُ بَکِّی لِمِرْدَاسٍ وَ مَصْرَعِهِ

وَ قَالَ أَیْضاً لَقَدْ زَادَ الْحَیَاةُ إِلَیَّ بُغْضاً

أَبَا خَالِدٍ أَیْقِنْ فَلَسْتَ بِخَالِدٍ

فَکَتَبَ إِلَیْهِ أَبُو خَالِدٍ لَقَدْ زَادَ الْحَیَاةُ إِلَیَّ حُبّاً

943

وَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ مِمَّا حَدَّثَنِی بِهِ (1) اَلْعَبَّاسُ بْنُ أَبِی الْفَرَجِ الرِّیَاشِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلاَّمٍ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حِطَّانَ لَمَّا طَرَدَهُ اَلْحَجَّاجُ جَعَلَ یَتَنَقَّلُ فِی القَبَائِلِ وَ کَانَ إِذَا نَزَلَ بِحَیٍّ انْتَسَبَ نَسَباً یَقْرُبُ مِنْهُمْ فَفِی ذَلِکَ یَقُولُ نَزَلْنَا فِی بَنِی سَعْدِ بْنِ زَیْدٍ

ثُمَّ خَرَجَ حَتَّی لَقِیَ رَوْحَ بْنَ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِیَّ وَ کَانَ رَوْحٌ یَقْرِی الْأَضْیَافَ وَ کَانَ مُسَایِراً لِعَبْدِ الْمَلِکِ بْنِ مَرْوَانَ أَثِیراً (2) عِنْدَهُ وَ قَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْمَلِکِ فِیهِ مَنْ أُعْطِیَ مِثْلَ مَا أُعْطِیَ أَبُو زُرْعَةَ أُعْطِیَ فِقْهَ اَلْحِجَازِ وَ دَهَاءَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ طَاعَةَ أَهْلِ اَلشَّامِ .وَ انْتَمَی عِمْرَانُ إِلَیْهِ أَنَّهُ مِنَ اَلْأَزْدِ فَکَانَ رَوْحٌ لاَ یَسْمَعُ شِعْراً نَادِراً وَ لاَ حَدِیثاً غَرِیباً

ص :92

عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِکِ فَیَسْأَلُ عَنْهُ عِمْرَانَ إِلاَّ عَرَفَهُ وَ زَادَ فِیهِ فَقَالَ رَوْحٌ لِعَبْدِ الْمَلِکِ إِنَّ لِی ضَیْفاً مَا أَسْمَعُ مِنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ خَبَراً وَ لاَ شِعْراً إِلاَّ عَرَفَهُ وَ زَادَ فِیهِ فَقَالَ أَخْبِرْنِی بِبَعْضِ أَخْبَارِهِ فَأَخْبَرَهُ وَ أَنْشَدَهُ فَقَالَ إِنَّ اللُّغَةَ لُغَةٌ عَدْنَانِیَّةٌ وَ لاَ أَحْسَبُهُ إِلاَّ عِمْرَانَ بْنَ حِطَّانَ حَتَّی تَذَاکَرُوا لَیْلَةً الْبَیْتَیْنِ اللَّذَیْنِ أَوَّلُهُمَا یَا ضَرْبَةً (1) ....

فَلَمْ یَدْرِ عَبْدُ الْمَلِکِ لِمَنْ هُمَا فَرَجَعَ رَوْحٌ فَسَأَلَ عِمْرَانَ عَنْهُمَا فَقَالَ هَذَا الشِّعْرُ لِعِمْرَانِ بْنِ حِطَّانَ یَمْدَحُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ فَرَجَعَ رَوْحٌ إِلَیْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ ضَیْفُکَ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ فَاذْهَبْ فَجِئْنِی بِهِ فَرَجَعَ إِلَیْهِ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ أَحَبَّ أَنْ یَرَاکَ فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَکَ ذَاکَ فَاسْتَحْیَیْتُ مِنْکَ فَاذْهَبْ فَإِنِّی بِالْأَثَرِ فَرَجَعَ رَوْحٌ إِلَی عَبْدِ الْمَلِکِ فَخَبَّرَهُ فَقَالَ أَمَا إِنَّکَ سَتَرْجِعُ فَلاَ تَجِدُهُ فَرَجَعَ فَوَجَدَ عِمْرَانَ قَدِ احْتَمَلَ وَ خَلَّفَ رُقْعَةً فِیهَا یَا رَوْحُ کَمْ مِنْ أَخِی مَثْوًی نَزَلْتُ بِهِ

ص :93

.

ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّی نَزَلَ بِزُفَرَ بْنِ الْحَارِثِ أَحَدِ بَنِی عَمْرِو بْنِ کِلاَبٍ فَانْتَسَبَ لَهُ أَوْزَاعِیّاً (1) وَ کَانَ عِمْرَانُ یُطِیلُ الصَّلاَةَ فَکَانَ غِلْمَانُ بَنِی عَامِرٍ یَضْحَکُونَ مِنْهُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِمَّنْ کَانَ عِنْدَ رَوْحٍ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ فَدَعَاهُ زُفَرُ فَقَالَ لَهُ مَنْ هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ اَلْأَزْدِ رَأَیْتُهُ ضَیْفاً لِرَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ (2) فَقَالَ لَهُ زُفَرُ یَا هَذَا أَزْدِیّاً مَرَّةً وَ أَوْزَاعِیّاً أُخْرَی إِنْ کُنْتَ خَائِفاً أَمَنَّاکَ وَ إِنْ کُنْتَ فَقِیراً جَبَرْنَاکَ فَلَمَّا أَمْسَی خَلَّفَ فِی مَنْزِلِهِ رُقْعَةً وَ هَرَبَ فَوَجَدُوا فِیهَا إِنَّ الَّتِی أَصْبَحَتْ یَعْیَا بِهَا زُفَرُ

1)

-و قال محمّد بن أحمد الطیب یرد علی عمران بن حطان: یا ضربة من غدور صار ضاربها أشقی البریّة عند اللّه إنسانا إذا تفکّرت فیه ظلت ألعنه و ألعن الکلب عمران بن حطّانا.

ص :94

أَمَّا الصَّلاَةُ فَإِنِّی غَیْرُ تَارِکِهَا

ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّی أَتَی عُمَانَ فَوَجَدَهُمْ یُعَظِّمُونَ أَمْرَ أَبِی بِلاَلٍ وَ یَظْهَرُ (1) فِیهِمْ فَأَظْهَرَ أَمْرَهُ فِیهِمْ فَبَلَغَ ذَلِکَ اَلْحَجَّاجَ فَکَتَبَ فِیهِ إِلَی أَهْلِ عُمَانَ فَهَرَبَ حَتَّی أَتَی قَوْماً مِنَ اَلْأَزْدِ فِی سَوَادِ الْکُوفَةِ فَنَزَلَ بِهِمْ فَلَمْ یَزَلْ عِنْدَهُمْ حَتَّی مَاتَ وَ فِی نُزُولِهِ فِیهِمْ یَقُولُ نَزَلْنَا بِحَمْدِ اللَّهِ فِی خَیْرِ مَنْزِلٍ

ص :95

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ مِنَ اَلْخَوَارِجِ مَنْ مَشَی فِی الرُّمْحِ وَ هُوَ فِی صَدْرِهِ خَارِجاً مِنْ ظَهْرِهِ حَتَّی خَالَطَ طَاعِنَهُ فَضَرَبَهُ بِالسَّیْفِ فَقَتَلَهُ وَ هُوَ یَقُولُ وَ عَجِلْتُ إِلَیْکَ رَبِّ لِتَرْضیٰ (1) .

944

1- وَ مِنْهُمُ الَّذِی سَأَلَ عَلِیّاً ع یَوْمَ اَلنَّهْرَوَانِ الْمُبَارَزَةَ فِی قَوْلِهِ أُطْعِنُهُمْ وَ لاَ أَرَی عَلِیّاً وَ لَوْ بَدَا أَوْجَرْتُهُ الْخَطِیَّا (2) .

فَخَرَجَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ فَضَرَبَهُ بِالسَّیْفِ فَقَتَلَهُ فَلَمَّا خَالَطَهُ السَّیْفُ قَالَ یَا حَبَّذَا الرَّوْحَةُ إِلَی اَلْجَنَّةِ

(3)

.

945

2- وَ مِنْهُمُ اِبْنُ مُلْجَمٍ وَ قَطَعَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ یَدَیْهِ وَ رِجْلَیْهِ وَ هُوَ فِی ذَلِکَ یَذْکُرُ اللَّهَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَی لِسَانِهِ فَقَطَعَهُ فَجَزِعَ فَقِیلَ لَهُ فِی ذَلِکَ قَالَ أَحْبَبْتُ أَلاَّ یَزَالَ لِسَانِی رَطْباً مِنْ ذِکْرِ اللَّهِ

.

و منهم القوم الذین وثب رجل منهم علی رطبة (4) سقطت من نخلة فوضعها فی فیه فلفظها تورعا.

و منهم أبو بلال مرداس الذی ینحله من الفرق لتقشفه و تصرمه و صحة عبادته و صلابة نیته.

أما المعتزلة فتنتحله و تقول إنّه خرج منکرا لجور السلطان داعیا إلی الحق و إنّه من أهل العدل و یحتجون لذلک بقوله لزیاد و قد کان قال فی خطبته علی المنبر و اللّه لآخذن المحسن بالمسیء و الحاضر بالغائب و الصحیح بالسقیم فقام إلیه مرداس فقال قد سمعنا ما قلت أیها الإنسان و ما هکذا قال اللّه تعالی لنبیه إبراهیم إذ یقول

ص :96

وَ إِبْرٰاهِیمَ الَّذِی وَفّٰی أَلاّٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْریٰ

(1)

ثم خرج علیه عقیب هذا الیوم.

و أما الشیعة فتنتحله و تزعم

946

3- أَنَّهُ کَتَبَ إِلَی اَلْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ إِنِّی وَ اللَّهِ لَسْتُ مِنَ اَلْخَوَارِجِ وَ لاَ أَرَی رَأْیَهُمْ وَ إِنِّی عَلَی دِینِ أَبِیکَ إِبْرَاهِیمَ .

و کان یقول المال غیر باق علیک فاشتر به من الحمد و الأجر ما یبقی علیک (1)

فَرَجَعَ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ یَا أَبَا حَوْثَرَةَ لَقَدْ عَتَا بِحَقِّ هَذَا جِدّاً ثُمَّ وَجَّهَ إِلَیْهِ جَیْشاً أَکْثَرُهُ أَهْلُ اَلْکُوفَةِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَیْهِمْ حَوْثَرَةُ قَالَ لَهُمْ یَا أَعْدَاءَ اللَّهِ أَنْتُمْ بِالْأَمْسِ تُقَاتِلُونَ مُعَاوِیَةَ لِتَهْدُوا سُلْطَانَهُ وَ أَنْتُمُ الْیَوْمَ تُقَاتِلُونَ مَعَهُ لِتَشُدُّوا سُلْطَانَهُ فَخَرَجَ إِلَیْهِ أَبُوهُ فَدَعَاهُ إِلَی الْبِرَازِ فَقَالَ یَا أَبَتِ لَکَ فِی غَیْرِی مَنْدُوحَةٌ وَ لِی فِی غَیْرِکَ مَذْهَبٌ ثُمَّ حَمَلَ عَلَی الْقَوْمِ وَ هُوَ یَقُولُ اُکْرُرْ عَلَی هَذِی الْجُمُوعِ حَوْثَرَةُ فَعَنْ قَلِیلٍ مَا تَنَالُ الْمَغْفِرَةَ.

فَحَمَلَ عَلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ طَیِّئٍ فَقَتَلَهُ فَلَمَّا رَأَی أَثَرَ السُّجُودِ قَدْ لَوَّحَ جَبْهَتَهُ نَدِمَ عَلَی قَتْلِهِ.

(1)

یَزَلْ عَلَی ذَلِکَ حَتَّی أَتَاهُ لَیْلَةً وَ هُوَ مُتَّکِئٌ بِبَابِ دَارِهِ رَجُلاَنِ مِنَ اَلْخَوَارِجِ فَضَرَبَاهُ بِأَسْیَافِهِمَا فَقَتَلاَهُ فَأُتِیَ زِیَادٌ بَعْدَ ذَلِکَ بِرَجُلٍ مِنَ اَلْخَوَارِجِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْتُلُوهُ مُتَّکِئاً کَمَا قَتَلَ شَیْبَانَ مُتَّکِئاً فَصَاحَ بِهِ اَلْخَارِجِیُّ یَا عَدْلاَهُ یَهْزَأُ بِهِ.

(1)

بْنُ عَلْقَمَةَ وَ أَخْضَرُ زَوْجُ أُمِّهِمَا فِی جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِی مَازِنِ وَ صَاحُوا بِالنَّاسِ دَعُونَا وَ ثَارَنَا فَأَحْجَمَ النَّاسُ فَتَقَدَّمَ اَلْمَازِنِیُّونَ فَحَارَبُوا اَلْخَوَارِجَ حَتَّی قَتَلُوهُمْ جَمِیعاً لَمْ یُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ عُبَیْدَةُ بْنُ هِلاَلٍ فَإِنَّهُ خَرَقَ خُصّاً وَ نَفَذَ فِیهِ فَفِی ذَلِکَ یَقُولُ اَلْفَرَزْدَقُ لَقَدْ أَدْرَکَ الْأَوْتَارُ غَیْرَ ذَمِیمَةٍ

ثُمَّ هَجَا کُلَیْبُ بْنُ یَرْبُوعٍ رَهْطَ جَرِیرِ بْنِ الْخَطَفَی لِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَضْرَةِ مَسْجِدِهِمْ وَ لَمْ یَنْصُرُوهُ فَقَالَ فِی کَلِمَتِهِ هَذِهِ کَفِعْلِ کُلَیْبٍ إِذْ أَخَلَّتْ بِجَارِهَا

قَالَ وَ کَانَ مَقْتَلُ عَبَّادِ بْنِ أَخْضَرَ وَ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ زِیَادٍ بِالْکُوفَةِ وَ خَلِیفَتُهُ عَلَی اَلْبَصْرَةِ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی بَکْرَةَ فَکَتَبَ إِلَیْهِ یَأْمُرُهُ أَلاَّ یَدَعَ أَحَداً یُعْرَفُ بِهَذَا الرَّأْیِ إِلاَّ حَبَسَهُ فَجَدَّ فِی طَلَبِ مَنْ تَغِیبُ عَنْهُ وَ جَعَلَ یَتْبَعُهُمْ وَ یَأْخُذُهُمْ فَإِذَا شَفَعَ إِلَیْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ کَفَلَهُ إِلَی أَنْ یُقَدَّمَ بِهِ عَلَی اِبْنِ زِیَادٍ حَتَّی أَتَوْهُ بِعُرْوَةِ بْنِ أُدَیَّةَ فَأَطْلَقَهُ وَ قَالَ أَنَا کَفِیلُکَ فَلَمَّا قَدِمَ اِبْنُ زِیَادٍ أَخَذَ مَنْ فِی الْحَبْسِ فَقَتَلَهُمْ جَمِیعاً وَ طَلَبَ الْکُفَلاَءَ بِمَنْ کَفَلُوا بِهِ فَکُلُّ مَنْ جَاءَ بِصَاحِبِهِ أَطْلَقَهُ وَ قَتَلَ الْخَارِجِیَّ وَ مَنْ لَمْ یَأْتِ بِمَنْ کَفَلَ بِهِ مِنْهُمْ قَتْلَهُ.

ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ أَبِی بَکْرَةَ هَاتِ عُرْوَةَ بْنَ أُدَیَّةَ قَالَ لاَ أَقْدِرُ عَلَیْهِ قَالَ إِذًا وَ اللَّهِ أَقْتُلُکَ فَإِنَّکَ کَفِیلُهُ فَلَمْ یَزَلْ یَطْلُبُهُ حَتَّی دَلَّ عَلَیْهِ فِی سَرَبِ (1) اَلْعَلاَءِ بْنِ سَوِیَّةَ الْمِنْقَرِیِّ فَکَتَبَ بِذَلِکَ إِلَی عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ زِیَادٍ فَقَرَأَ عَلَیْهِ کِتَابَهُ (2) فَقَالَ إِنَّا قَدْ أَصَبْنَاهُ فِی شرب [سَرْبِ]

ص :101

اَلْعَلاَءِ فَتَهَاتَفَ (1) بِهِ عُبَیْدُ اللَّهِ (2) وَ قَالَ صَحُفْتَ وَ لَؤُمْتَ إِنَّمَا هُوَ فِی سَرْبِ اَلْعَلاَءِ وَ لَوَدِدْتُ أَنَّهُ کَانَ مِمَّنْ شَرِبَ (3) النَّبِیذَ فَلَمَّا أُقِیمَ عُرْوَةُ بَیْنَ یَدَیْهِ قَالَ لِمَ جَهَّزْتَ (4) أَخَاکَ عَلَیَّ یَعْنِی أَبَا بِلاَلٍ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَقَدْ کُنْتُ بِهِ ضَنِیناً وَ کَانَ لِی عِزّاً وَ لَقَدْ أَرَدْتُ لَهُ مَا أُرِیدُ لِنَفْسِی فَعَزَمَ عَزْماً فَمَضَی عَلَیْهِ وَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِی إِلاَّ الْمُقَامَ وَ تَرْکَ الْخُرُوجِ فَقَالَ لَهُ أَ فَأَنْتَ عَلَی رَأْیِهِ قَالَ کُلُّنَا نَعْبُدُ رَبّاً وَاحِداً قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَأُمَثِّلَنَّ بِکَ قَالَ اخْتَرْ لِنَفْسِکَ مِنَ الْقِصَاصِ مَا شِئْتَ فَأَمَرَ بِهِ فَقَطَعُوا یَدَیْهِ وَ رِجْلَیْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ کَیْفَ تَرَی قَالَ أَفْسَدْتَ عَلَیَّ دُنْیَایَ وَ أَفْسَدْتُ عَلَیْکَ آخِرَتَکَ فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ عَلَی بَابِ دَارِهِ (5) .

أُعْطِیتَ لِسَاناً صَارِماً وَ قَلْباً کَلِیلاً فَلَوَدِدْتُ أَنَّ صَرَامَةَ لِسَانِکَ کَانَتْ لِقَلْبِکَ وَ کِلاَلَ قَلْبِکَ کَانَ لِلِسَانِکَ أَ تَحُضُّ عَلَی الْحَقِّ وَ تَقْعُدُ عَنْهُ وَ تُقَبِّحُ الْبَاطِلَ وَ تُقِیمُ عَلَیْهِ فَقَالَ نَافِعٌ یَا أَبَا الْوَازِعِ إِنَّمَا نَنْتَظِرُ الْفُرَصَ إِلَی أَنْ تَجْمَعَ مِنْ أَصْحَابِکَ مَنْ تَنْکَأُ بِهِ عَدُوَّکَ فَقَالَ أَبُو الْوَازِعِ لِسَانُکَ لاَ تَنْکِی بِهِ الْقَوْمَ إِنَّمَا

یَعْنِی مُعَاوِیَةَ ثُمَّ قَالَ وَ اللَّهِ لاَ أَلُومُکَ وَ نَفْسِی أَلْوَمُ وَ لَأَغْدُوَنَّ غُدْوَةً لاَ أَنْثَنِی بَعْدَهَا أَبَداً ثُمَّ مَضَی فَاشْتَرَی سَیْفاً وَ أَتَی صَیْقَلاً (1) کَانَ یَذُمُّ اَلْخَوَارِجَ وَ یَدُلُّ عَلَی عَوْرَاتِهِمْ فَشَاوَرَهُ فِی السَّیْفِ فَحَمِدَهُ ثُمَّ قَالَ (2) اشْحَذْهُ فَشَحَذَهُ حَتَّی إِذَا رَضِیَهُ خَبَطَ بِهِ الصَّیْقَلَ فَقَتَلَهُ وَ حَمَلَ عَلَی النَّاسِ فَهَرَبُوا مِنْهُ حَتَّی أَتَی مَقْبَرَةَ بَنِی یَشْکُرَ فَدَفَعَ عَلَیْهِ رَجُلٌ حَائِطَ سَتْرِهِ فَشَدَخَهُ وَ أَمَرَ اِبْنُ زِیَادٍ بِصَلْبِهِ.

(3)

یَدْعُوهُ سِرّاً وَ إِعْلاَناً لِیَرْزُقَهُ

قَالَ وَ مِمَّنْ قُتِلَ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ یَوْمَ دُولاَبَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ وَ کَانَ خَلِیفَتَهُمْ خَاطَبُوهُ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ یَرْثِیهِ شَمِتَ اِبْنُ بَدْرٍ وَ الْحَوَادِثُ جَمَّةٌ

وَ قَالَ قَطَرِیُّ بْنُ الْفُجَاءَةِ یَذْکُرُ یَوْمَ دُولاَبَ (1) لَعَمْرُکَ إِنِّی فِی الْحَیَاةِ لَزَاهِدٌ

ص :104

لَعَمْرُکَ إِنِّی یَوْمَ أَلْطِمُ وَجْهَهَا

ص :105

أُصِیبَ بِدُولاَبَ وَ لَمْ تَکُ مَوْطِناً

فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَفْضَلُ وَ لَسْتَ تَدْرِی مَتَی یَأْتِی أَجَلُکَ وَ لِلَّهِ بَقِیَّةُ خَیْرٍ مِنْ عِبَادِهِ یَبْعَثُهُمْ إِذَا شَاءَ بِنَصْرِ دِینِهِ وَ یَخْتَصُّ بِالشَّهَادَةِ مِنْهُمْ مَنْ یَشَاءُ.

وَ شَخَصَ إِلَیْهِ أَبُو حَمْزَةَ الْمُخْتَارَ بْنَ عَوْفٍ الْأَزْدِیَّ وَ بَلْجَ بْنَ عُقْبَةَ الْمَسْعُودِیَّ فِی رِجَالٍ مِنَ اَلْإِبَاضِیَّةِ فَقَدِمُوا عَلَیْهِ حَضْرَمَوْتَ فَحَرَّضُوهُ عَلَی الْخُرُوجِ وَ أَتَوْهُ بِکُتُبِ أَصْحَابِهِ یُوصُونَهُ وَ یُوصُونَ أَصْحَابَهُ إِذَا خَرَجْتُمْ فَلاَ تَغُلُّوا وَ لاَ تَغْدِرُوا وَ اقْتَدُوا بِسَلَفِکُمُ الصَّالِحِینَ وَ سِیرُوا بِسِیرَتِهِمْ فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الَّذِی أَخْرَجَهُمْ عَلَی السُّلْطَانِ الْعَیْبُ لِأَعْمِالِهِمْ.

فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ أَصْحَابَهُ فَبَایَعُوهُ وَ قَصَدُوا دَارَ الْإِمَارَةِ وَ عَلَی حَضْرَمَوْتَ یَوْمَئِذٍ إِبْرَاهِیمُ بْنُ جَبَلَةَ بْنِ مَخْرَمَةَ الْکِنْدِیُّ فَأَخَذَهُ فَحَبَسَهُ یَوْماً ثُمَّ أَطْلَقَهُ فَأَتَی صَنْعَاءَ وَ أَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بِحَضْرَمَوْتَ وَ کَثُرَ جَمْعُهُ وَ سَمَّوْهُ طَالِبَ الْحَقِّ .وَ کَتَبَ إِلَی مَنْ کَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِصَنْعَاءِ أَنِّی قَادِمٌ عَلَیْکُمْ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ عَلَی حَضْرَمَوْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِیدٍ الْحَضْرَمِیَّ وَ تَوَجَّهَ إِلَی صَنْعَاءَ وَ ذَلِکَ فِی سَنَةِ تِسْعٍ وَ عِشْرِینَ (1) وَ مِائَةٍ فِی أَلْفَیْنِ وَ الْعَامِلُ عَلَی صَنْعَاءَ یَوْمَئِذٍ اَلْقَاسِمُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو یُوسُفَ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِیِّ فَجَرَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ یَحْیَی حُرُوبٌ وَ مُنَاوَشَاتٌ کَانَتِ الدَّوْلَةُ فِیهَا وَ النُّصْرَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ یَحْیَی فَدَخَلَ إِلَی صَنْعَاءَ وَ جَمَعَ مَا فِیهَا مِنَ الْخَزَائِنِ وَ الْأَمْوَالِ فَأَحْرَزَهَا.

فَلَمَّا اسْتَوْلَی عَلَی بِلاَدِ اَلْیَمَنِ خَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی رَسُولِهِ وَ ذَکَّرَ وَ حَذَّرَ ثُمَّ قَالَ إِنَّا نَدْعُوکُمْ أَیُّهَا النَّاسُ إِلَی کِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ وَ إِجَابَةِ مَنْ دَعَا إِلَیْهِمَا اَلْإِسْلاَمُ دِینُنَا وَ مُحَمَّدٌ نَبِیُّنَا وَ اَلْکَعْبَةُ قِبْلَتُنَا وَ اَلْقُرْآنُ إِمَامُنَا رَضِینَا بِالْحَلاَلِ حَلاَلاً لاَ نَبْتَغِی بِهِ بَدَلاً وَ لاَ نَشْتَرِی بِهِ ثَمَناً وَ حَرَّمْنَا الْحَرَامَ وَ نَبَذْنَاهُ وَرَاءَ ظُهُورِنَا وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ إِلَی اللَّهِ الْمُشْتَکَی وَ عَلَیْهِ الْمُعَوَّلُ مَنْ زَنَی فَهُوَ کَافِرٌ وَ مَنْ سَرَقَ فَهُوَ کَافِرٌ وَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَهُوَ کَافِرٌ وَ مَنْ شَکَّ فِی أَنَّهُ کَافِرٌ فَهُوَ کَافِرٌ نَدْعُوکُمْ إِلَی فَرَائِضَ بَیِّنَاتٍ وَ آیَاتٍ مُحْکَمَاتٍ

ص :107

وَ آثَارٍ نَقْتَدِی بِهَا وَ نَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ صَادِقٌ فِیمَا وَعَدَ وَ عَدَلَ فِیمَا حَکَمَ وَ نَدْعُو إِلَی تَوْحِیدِ الرَّبِّ وَ الْیَقِینِ بِالْوَعْدِ وَ الْوَعِیدِ وَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیِ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ الْوَلاَیَةِ لِأَهْلِ وَلاَیَةِ اللَّهِ وَ الْعَدَاوَةِ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أَنْ جَعَلَ فِی کُلِّ فَتْرَةٍ بَقَایَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ یَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَی الْهُدَی وَ یَصْبِرُونَ عَلَی الْأَلَمِ فِی جَنْبِ اللَّهِ وَ یَقْتُلُونَ عَلَی الْحَقِّ فِی سَالِفِ الْأَیَّامِ شُهَدَاءَ فَمَا نَسِیَهُمْ رَبُّهُمْ وَ مٰا کٰانَ رَبُّکَ نَسِیًّا أُوصِیکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ حُسْنِ الْقِیَامِ عَلَی مَا وُکِّلْتُمْ بِالْقِیَامِ عَلَیْهِ وَ قَابِلُوا اللَّهَ حَسَناً فِی أَمْرِهِ وَ زَجْرِهِ أَقُولُ قَوْلِی هَذَا وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَکُمْ.

قَالَ وَ أَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ یَحْیَی بِصَنْعَاءِ أَشْهُراً یُحْسِنُ السِّیرَةَ فِی النَّاسِ وَ یُلَیِّنُ جَانِبَهُ لَهُمْ وَ یَکُفُّ الْأَذَی عَنْهُمْ وَ کَثُرَ جَمْعُهُ وَ أَتَتْهُ اَلشُّرَاةُ مِنْ کُلِّ جَانِبٍ فَلَمَّا کَانَ فِی وَقْتِ الْحَجِّ وَجَّهَ أَبَا حَمْزَةَ اَلْمُخْتَارَ بْنَ عَوْفٍ وَ بَلْجَ بْنَ عُقْبَةَ وَ أَبْرَهَةَ بْنَ الصَّبَّاحِ إِلَی مَکَّةَ وَ الْأَمِیرُ عَلَیْهِمْ أَبُو حَمْزَةَ فِی أَلْفٍ وَ أَمَرَهُ أَنْ یُقِیمَ بِمَکَّةَ إِذَا صَدَرَ النَّاسُ وَ یُوَجِّهَ بَلْجاً إِلَی اَلشَّامِ فَأَقْبَلَ اَلْمُخْتَارُ إِلَی مَکَّةَ یَوْمَ التَّرْوِیَةِ وَ عَلَیْهَا وَ عَلَی اَلْمَدِینَةِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَیْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ فِی خِلاَفَةِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ وَ أُمُّ عَبْدِ الْوَاحِدِ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَیْدٍ فَکَرِهَ عَبْدُ الْوَاحِدِ قِتَالَهُمْ وَ فَزِعَ النَّاسُ مِنْهُمْ حِینَ رَأَوْهُمْ وَ قَدْ طَلَعُوا عَلَیْهِمْ بِعَرَفَةَ وَ مَعَهُمْ أَعْلاَمٌ سُودٌ فِی رُءُوسِ الرِّمَاحِ وَ قَالُوا لَهُمْ مَا لَکُمْ وَ مَا حَالُکُمْ فَأَخْبَرُوهُمْ بِخِلاَفِهِمْ مَرْوَانَ وَ آلَ مَرْوَانَ وَ التَّبَرِّی مِنْهُمْ فَرَاسَلَهُمْ عَبْدُ الْوَاحِدِ فِی أَلاَّ یُعَطِّلُوا عَلَی النَّاسِ حَجَّتَهُمْ فَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ نَحْنُ بِحَجِّنَا أَضَنُّ وَ عَلَیْهِ أَشَحُّ فَصَالَحَهُمْ عَلَی أَنَّهُمْ جَمِیعاً آمِنُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّی یَنْفِرَ النَّاسُ النَّفْرَ الْأَخِیرَ وَ أَصْبَحُوا مِنَ الْغَدِ وَ وَقَفُوا (1) بِحِیَالِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بِعَرَفَةَ وَ دَفَعَ عَبْدَ الْوَاحِدِ بِالنَّاسِ فَلَمَّا کَانُوا بِمِنًی قِیلَ لِعَبْدِ الْوَاحِدِ قَدْ أَخْطَأْتَ فِیهِمْ وَ لَوْ حَمَلْتَ عَلَیْهِمُ الْحَاجَّ مَا کَانُوا إِلاَّ أَکْلَةَ رَأْسٍ (2) .

ص :108

وَ بَعَثَ عَبْدُ الْوَاحِدِ إِلَی أَبِی حَمْزَةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ وَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ وَ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعَمْرِیَّ وَ رَبِیعَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ رِجَالاً أَمْثَالَهُمْ فَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أَبِی حَمْزَةَ أَخَذَتْهُمْ مَسَالِحُهُ (1) فَأُدْخِلُوا عَلَی أَبِی حَمْزَةَ فَوَجَدُوهُ جَالِساً وَ عَلَیْهِ إِزَارٌ قَطَرِیٌّ (2) قَدْ رَبَطَهُ بِحَوْرِهِ فِی قَفَاهُ فَلَمَّا دَنَوْا تَقَدَّمَ إِلَیْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَلَوِیُّ وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُثْمَانِیُّ فَنَسَبَهُمَا (3) فَلَمَّا انْتَسَبَا لَهُ عَبَسَ فِی وُجُوهِهِمَا وَ أَظْهَرَ الْکَرَاهِیَةَ لَهُمَا ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَیْهِ بَعْدَهُمَا اَلْبَکْرِیُّ وَ اَلْعَمْرِیُّ فَنَسَبَهُمَا فَانْتَسَبَا لَهُ فَهَشَّ إِلَیْهِمَا وَ تَبَسَّمَ فِی وُجُوهِهِمَا وَ قَالَ وَ اللَّهِ مَا خَرَجْنَا إِلاَّ لِنَسِیرَ سِیرَةَ أَبَوَیْکُمَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ وَ اللَّهِ مَا جِئْنَاکَ لِتَفَاخُرٍ بَیْنَ آبَائِنَا وَ لَکِنَّ الْأَمِیرَ بَعَثَنَا إِلَیْکَ بِرِسَالَةٍ وَ هَذَا رَبِیعَةُ یُخْبِرُکَهَا فَلَمَّا أَخْبَرَهُ رَبِیعَةُ قَالَ لَهُ إِنَّ الْأَمِیرَ یَخَافُ نَقْضَ الْعَهْدِ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَنْقُضَ الْعَهْدَ أَوْ نَخِیسَ بِهِ (4) وَ اللَّهِ لاَ أَفْعَلُ وَ لَوْ قُطِعَتْ رَقَبَتِی هَذِهِ وَ لَکِنْ إِلَی أَنْ تَنْقَضِیَ الْهُدْنَةُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ.

فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ فَأَبْلَغُوا عَبْدَ الْوَاحِدِ فَلَمَّا کَانَ النَّفْرُ الْأَخِیرُ نَفَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ وَ خَلَّی مَکَّةَ لِأَبِی حَمْزَةَ فَدَخَلَ بِغَیْرِ قِتَالٍ فَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ یَهْجُو عَبْدَ الْوَاحِدِ (5) زَارَ الْحَجِیجُ عِصَابَةً قَدْ خَالَفُوا

ص :109

ثُمَّ مَضَی عَبْدُ الْوَاحِدِ حَتَّی دَخَلَ اَلْمَدِینَةَ وَ دَعَا بِالدِّیوَانِ فَضَرَبَ عَلَی النَّاسِ الْبَعْثَ وَ زَادَهُمْ فِی الْعَطَاءِ عَشَرَةً عَشَرَةً وَ اسْتَعْمَلَ عَلَی الْجَیْشِ عَبْدَ الْعَزِیزِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَخَرَجُوا فَلَقِیَتْهُمْ جُزُرٌ مَنْحُورَةٌ فَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِهَا فَلَمَّا کَانُوا بِالْعَقِیقِ (1) عُلِّقَ لِوَاءُ عَبْدِ الْعَزِیزِ بِسَمُرَةٍ (2) فَانْکَسَرَ الرُّمْحُ فَتَشَاءَمُوا بِذَلِکَ أَیْضاً.

ثُمَّ سَارُوا حَتَّی نَزَلُوا قَدِیداً فَنَزَلَ بِهَا قَوْمٌ مُعْتَزِلُونَ لَیْسُوا بِأَصْحَابِ حَرْبٍ وَ أَکْثَرُهُمْ تُجَّارٌ أَغْمَارٌ قَدْ خَرَجُوا فِی الْمُصَبَّغَاتِ وَ الثِّیَابِ النَّاعِمَةِ وَ اللَّهْوِ لاَ یَظُنُّونَ أَنَّ لِلْخَوَارِجِ شَوْکَةً وَ لاَ یَشُکُّونَ فِی أَنَّهُمْ فِی أَیْدِیهِمْ.

وَ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ قُرَیْشٍ لَوْ شَاءَ أَهْلُ اَلطَّائِفِ لَکَفَوْنَا أَمْرَ هَؤُلاَءِ وَ لَکِنَّهُمْ دَاهَنُوا فِی دِینِ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَنَظْفَرَنَّ وَ لَنَسِیرَنَّ إِلَی أَهْلِ اَلطَّائِفِ فَلَنَسْبِیَنَّهُمْ ثُمَّ قَالَ مَنْ یَشْتَرِی مِنِّی مِنْ سَبْیِ أَهْلِ اَلطَّائِفِ .قَالَ أَبُو الْفَرَجِ فَکَانَ هَذَا الرَّجُلُ أَوَّلَ الْمُنْهَزِمِینَ فَلَمَّا وَصَلَ اَلْمَدِینَةَ وَ دَخَلَ دَارَهُ أَرَادَ أَنْ یَقُولَ لِجَارِیَتِهِ أَغْلِقِی الْبَابَ قَالَ لَهَا غَاقٍ بَاقٍ دَهَشاً فَلَقَّبَهُ أَهْلُ اَلْمَدِینَةِ بَعْدَ ذَلِکَ غَاقٍ بَاقٍ وَ لَمْ تَفْهَمِ الْجَارِیَةُ قَوْلَهُ حَتَّی أَوْمَأَ إِلَیْهَا بِیَدِهِ فَأَغْلَقَتِ الْبَابَ.

قَالَ وَ کَانَ عَبْدُ الْعَزِیزِ یَعْرِضُ الْجَیْشَ بِذِی الْحُلَیْفَةِ (3) فَمَرَّ بِهِ أُمَیَّةُ بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ فَرَحَّبَ بِهِ وَ ضَحِکَ إِلَیْهِ ثُمَّ مَرَّ بِهِ عُمَارَةُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَیْرِ فَلَمْ یُکَلِّمْهُ وَ لَمْ یَلْتَفِتْ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِیعٍ وَ کَانَ ابْنَ خَالَتِهِ أَمَّا هُمَا ابْنَتَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَیْدٍ سُبْحَانَ اللَّهِ مَرَّ بِکَ شَیْخٌ مِنْ شُیُوخِ قُرَیْشٍ فَلَمْ تَنْظُرْ

ص :110

إِلَیْهِ وَ لَمْ تُکَلِّمْهُ وَ مَرَّ بِکَ غُلاَمٌ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ فَضَحِکْتَ إِلَیْهِ وَ لاَطَفْتَهُ أَمَا وَ اللَّهِ لَوِ الْتَقَی الْجَمْعَانِ لَعَلِمْتَ أَیُّهُمَا أَصْبَرُ.

قَالَ فَکَانَ أُمَیَّةُ بْنُ عِنَبَةَ أَوَّلَ مَنِ انْهَزَمَ وَ رَکِبَ فَرَسَهُ وَ مَضَی وَ قَالَ لِغُلاَمِهِ یَا مُجِیبُ أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ أَحْرَزْتَ (1) هَذِهِ الْأَکْلُبَ مِنْ بَنِی الشُّرَاةِ إِنِّی لَعَاجِزٌ.

وَ أَمَّا عُمَارَةُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَیْرِ فَقَاتَلَ یَوْمَئِذٍ حَتَّی قُتِلَ وَ کَانَ یَحْمِلُ وَ یَتَمَثَّلُ وَ إِنِّی إِذَا ضَنَّ الْأَمِیرُ بِإِذْنِهِ عَلَی الْإِذْنِ مِنْ نَفْسِی إِذَا شِئْتُ قَادِرٌ وَ الشِّعْرُ لِلْأَغَرِّ بْنِ حَمَّادٍ الْیَشْکُرِیِّ (2) .

قَالَ فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا حَمْزَةَ إِقْبَالُ أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ إِلَیْهِ اسْتَخْلَفَ عَلَی مَکَّةَ أَبْرَهَةَ بْنَ الصَّبَّاحِ وَ شَخَصَ إِلَیْهِمْ وَ عَلَی مُقَدِّمَتِهِ بَلْجَ بْنَ عُقْبَةَ .فَلَمَّا کَانَ فِی اللَّیْلَةِ الَّتِی وَافَاهُمْ فِی صَبِیحَتِهَا وَ أَهْلُ اَلْمَدِینَةِ نُزُولٌ بِقُدَیْدٍ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إِنَّکُمْ مُلاَقُو الْقَوْمِ غَداً وَ أَمِیرُهُمْ فِیمَا بَلَغَنِی اِبْنُ عُثْمَانَ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ وَ بَدَّلَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدْ وَضَحَ الصُّبْحُ لِذِی عَیْنَیْنِ فَأَکْثَرُوا ذِکْرَ اللَّهِ وَ تِلاَوَةَ اَلْقُرْآنِ وَ وَطَّنُوا أَنْفُسَکُمْ عَلَی الْمَوْتِ وَ صَبَّحَهُمْ غَدَاةَ الْخَمِیسِ لِتِسْعٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَلاَثِینَ وَ مِائَةٍ .

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ قَالَ عَبْدُ الْعَزِیزِ لِغُلاَمِهِ فِی تِلْکَ اللَّیْلَةِ ابْغِنَا عَلَفاً قَالَ هُوَ غَالٍ فَقَالَ وَیْحَکَ الْبَوَاکِی عَلَیْنَا غَداً أَغْلَی وَ أَرْسَلَ أَبُو حَمْزَةَ إِلَیْهِمْ بَلْجَ بْنَ عُتْبَةَ لِیَدْعُوَهُمْ فَأَتَاهُمْ فِی ثَلاَثِینَ رَاکِباً فَذَکَّرَهُمُ اللَّهَ وَ سَأَلَهُمْ أَنْ یَکُفُّوا عَنْهُمْ وَ قَالَ لَهُمْ خَلُّوا سَبِیلَنَا إِلَی اَلشَّامِ لِنَسِیرَ

ص :111

إِلَی مَنْ ظَلَمَکُمْ وَ جَارَ فِی الْحُکْمِ عَلَیْکُمْ وَ لاَ تَجْعَلُوا حَدَّنَا بِکُمْ فَإِنَّا لاَ نُرِیدُ قِتَالَکُمْ فَشَتَمَهُمْ أَهْلُ اَلْمَدِینَةِ وَ قَالُوا یَا أَعْدَاءَ اللَّهِ أَ نَحْنُ نُخَلِّیکُمْ وَ نَتْرُکُکُمْ (1) تُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ.

فَقَالَتِ اَلْخَوَارِجُ یَا أَعْدَاءَ اللَّهِ أَ نَحْنُ نُفْسِدُ فِی الْأَرْضِ إِنَّمَا خَرَجْنَا لِنَکُفَّ الْفَسَادَ وَ نُقَاتِلَ مَنْ قَاتَلَنَا مِنْکُمْ وَ اسْتَأْثَرَ بِالْفَیْءِ فَانْظُرُوا لِأَنْفُسِکُمْ وَ اخْلَعُوا مَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ طَاعَةً فَإِنَّهُ لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِی مَعْصِیَةِ الْخَالِقِ فَادْخُلُوا فِی السِّلْمِ وَ عَاوِنُوا أَهْلَ الْحَقِّ.

فَنَادَاهُ عَبْدُ الْعَزِیزِ مَا تَقُولُ فِی عُثْمَانَ قَالَ قَدْ بَرِئَ مِنْهُ اَلْمُسْلِمُونَ قَبْلِی وَ أَنَا مُتَّبِعٌ آثَارَهُمْ وَ مُقْتَدٍ بِهِمْ قَالَ ارْجِعْ إِلَی أَصْحَابِکَ فَلَیْسَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ إِلاَّ السَّیْفُ فَرَجَعَ إِلَی أَبِی حَمْزَةَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ کُفُّوا عَنْهُمْ وَ لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّی یَبْدَءُوکُمْ بِالْقِتَالِ فَوَاقَفُوهُمْ وَ لَمْ یُقَاتِلُوهُمْ فَرَمَی رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ بِسَهْمٍ فِی عَسْکَرِ أَبِی حَمْزَةَ فَجَرَحَ مِنْهُمْ رَجُلاً فَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ شَأْنُکُمُ الْآنَ فَقَدْ حَلَّ قِتَالُهُمْ فَحَمَلُوا عَلَیْهِمْ فَثَبَتَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَ رَایَةُ قُرَیْشٍ مَعَ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِیعٍ ثُمَّ انْکَشَفَ أَهْلُ اَلْمَدِینَةِ فَلَمْ یَتَّبِعُوهُمْ وَ کَانَ عَلَی عَامَّتِهِمْ صَخْرُ بْنُ الْجَهْمِ (2) بْنِ حُذَیْفَةَ الْعَدَوِیُّ فَکَبَّرَ وَ کَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ فَقَاتَلُوا قَلِیلاً ثُمَّ انْهَزَمُوا فَلَمْ یَبْعُدُوا حَتَّی کَبَّرَ ثَانِیَةً فَثَبَتَ مَعَهُ نَاسٌ وَ قَاتَلُوا ثُمَّ انْهَزَمُوا هَزِیمَةً لَمْ یَبْقَ بَعْدَهَا مِنْهُمْ بَاقِیَةٌ فَقَالَ عَلِیُّ بْنُ الْحُصَیْنِ لِأَبِی حَمْزَةَ اتَّبِعْ آثَارَ الْقَوْمِ أَوْ دَعْنِی أَتَّبِعُهُمْ فَأَقْتُلَ الْمُدْبِرَ وَ أُذَفِّفَ (3) عَلَی الْجَرِیحِ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ شَرٌّ عَلَیْنَا مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ لَوْ قَدْ جَاءَکَ أَهْلُ اَلشَّامِ غَداً لَرَأَیْتَ مِنْ هَؤُلاَءِ مَا تَکْرَهُ قَالَ لاَ أَفْعَلُ وَ لاَ أُخَالِفُ سِیرَةَ أَسْلاَفِنَا.

وَ أَخَذَ جَمَاعَةً مِنْهُمْ أَسْراً وَ أَرَادَ إِطْلاَقَهُمْ فَمَنَعَهُ عَلِیُّ بْنُ الْحُصَیْنِ وَ قَالَ إِنَّ لِکُلِّ

ص :112

زَمَانٍ سِیرَةً وَ هَؤُلاَءِ لَمْ یُؤْسَرُوا وَ هُمْ هُرَّابٌ وَ إِنَّمَا أُسِرُوا وَ هُمْ یُقَاتِلُونَ وَ لَوْ قُتِلُوا فِی ذَلِکَ الْوَقْتِ لَمْ یَحْرُمْ قَتْلُهُمْ فَهَکَذَا الْآنَ قَتْلُهُمْ حَلاَلٌ وَ دَعَا بِهِمْ (1) فَکَانَ إِذَا رَأَی رَجُلاً مِنْ قُرَیْشٍ قَتَلَهُ وَ إِذَا رَأَی رَجُلاً مِنَ اَلْأَنْصَارِ أَطْلَقَهُ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ ذَلِکَ لِأَنَّ قُرَیْشاً کَانُوا أَکْثَرَ الْجَیْشِ وَ بِهِمْ کَانَتِ الشَّوْکَةُ وَ أَتَی مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِیزِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ فَنَسَبَهُ فَقَالَ أَنَا رَجُلٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَسَأَلَ اَلْأَنْصَارَ فَأَقَرَّتْ بِذَلِکَ فَأَطْلَقَهُ فَلَمَّا وَلَّی قَالَ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّهُ قُرَشِیٌّ وَ لَکِنْ قَدْ أَطْلَقْتُهُ.

قَالَ وَ قَدْ بَلَغَتْ قَتْلَی قُدَیْدٍ أَلْفَیْنِ وَ مِائَتَیْنِ وَ ثَلاَثِینَ رَجُلاً مِنْهُمْ مِنْ قُرَیْشٍ أَرْبَعُمِائَةِ وَ خَمْسُونَ رَجُلاً وَ مِنَ اَلْأَنْصَارِ ثَمَانُونَ رَجُلاً وَ مِنَ اَلْمَوَالِی وَ سَائِرِ النَّاسِ أَلْفٌ وَ سَبْعُمُائَةِ رَجُلٍ.

قَالَ وَ کَانَ فِی قَتْلَی قُرَیْشٍ مِنْ بَنِی أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّی بْنِ قُصَیٍّ أَرْبَعُونَ رَجُلاً.

قَالَ وَ قُتِلَ یَوْمَئِذٍ أُمَیَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ خَرَجَ مُقَنَّعاً فَلَمْ یُکَلِّمْ أَحَداً وَ قَاتَلَ حَتَّی قُتِلَ وَ دَخَلَ بَلْجٌ اَلْمَدِینَةَ بِغَیْرِ حَرْبٍ فَدَخَلُوا فِی طَاعَتِهِ وَ کَفَّ عَنْهُمْ وَ رَجَعَ إِلَی مُلْکِهِ وَ کَانَ عَلَی شُرْطَتِهِ أَبُو بَکْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ آلِ سُرَاقَةَ فَکَانَ أَهْلُ اَلْمَدِینَةِ یَقُولُونَ لَعَنَ اللَّهُ اَلسُّرَاقِیَّ وَ لَعَنَ اللَّهُ بَلْجاً الْعِرَاقِیَّ وَ قَالَتْ نَائِحَةُ أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ تَبْکِیهِمْ (2) مَا لِلزَّمَانِ وَ مَا لِیَهْ

ص :113

فَأَقْبَلْنَا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّی النَّفَرُ (1) مِنَّا عَلَی الْبَعِیرِ الْوَاحِدِ وَ عَلَیْهِ زَادُهُمْ یَتَعَاوَرُونَ لِحَافاً وَاحِداً قَلِیلُونَ مُسْتَضْعَفُونَ فِی الْأَرْضِ فَآوَانَا اللَّهُ وَ أَیَّدَنَا بِنَصْرِهِ وَ أَصْبَحْنَا وَ اللَّهِ الْمَحْمُودَ مِنْ أَهْلِ فَضْلِهِ وَ نِعْمَتِهِ (2) ثُمَّ لَقِیَنَا رِجَالُکُمْ بِقُدَیْدٍ فَدَعَوْنَاهُمْ إِلَی طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَ حُکْمِ اَلْقُرْآنِ فَدَعَوْنَا إِلَی طَاعَةِ اَلشَّیْطَانِ وَ حُکْمِ مَرْوَانَ فَشَتَّانَ لَعَمْرُ اللَّهِ مَا بَیْنَ الْغَیِّ وَ الرُّشْدِ ثُمَّ أَقْبَلُوا یَزِفُّونَ (3) وَ یُهْرَعُونَ قَدْ ضَرَبَ اَلشَّیْطَانُ فِیهِمْ بِجِرَانِهِ (4) وَ صَدَّقَ عَلَیْهِمْ إِبْلِیسُ ظَنَّهُ وَ أَقْبَلَ أَنْصَارُ اللَّهِ عَصَائِبَ وَ کَتَائِبَ بِکُلِّ مُهَنَّدٍ ذِی رَوْنَقٍ فَدَارَتْ رَحَانَا وَ اسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ بِضَرْبٍ یَرْتَابُ مِنْهُ الْمُبْطِلُونَ.

وَ أَیْمُ اللَّهِ یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ إِنْ تُنْصَرُوا مَرْوَانَ وَ آلَ مَرْوَانَ فَیُسْحِتَکُمُ (5) اللَّهُ بِعَذٰابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَیْدِینٰا وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ .

یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ النَّاسُ مِنَّا وَ نَحْنُ مِنْهُمْ إِلاَّ مُشْرِکاً عَبَّادَ وَثَنٍ أَوْ کَافِراً مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ أَوْ إِمَاماً جَائِراً.

یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ مَنْ یَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی کَلَّفَ نَفْساً فَوْقَ طَاقَتِهَا وَ سَأَلَهَا عَمَّا لَمْ یُؤْتَهَا فَهُوَ لَنَا حَرْبٌ.

یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ أَخْبِرُونِی عَنْ ثَمَانِیَةِ أَسْهُمٍ فَرَضَهَا اللَّهُ فِی کِتَابِهِ عَلَی الْقَوِیِّ وَ الضَّعِیفِ فَجَاءَ تَاسِعٌ لَیْسَ لَهُ مِنْهَا سَهْمٌ فَأَخَذَهَا جَمِیعاً لِنَفْسِهِ مُکَابِراً مُحَارِباً لِرَبِّهِ مَا تَقُولُونَ فِیهِ وَ فِیمَنْ عَاوَنَهُ عَلَی فِعْلِهِ.

یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ بَلَغَنِی أَنَّکُمْ تَنْتَقِصُونَ أَصْحَابِی قُلْتُمْ هُمْ شَبَابٌ أَحْدَاثٌ وَ أَعْرَابٌ جُفَاةٌ وَیْحَکُمْ یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ وَ هَلْ کَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلاَّ شَبَاباً

ص :115

أَحْدَاثاً نَعَمْ وَ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابِی لَشَبَابٌ مُکْتَهِلُونَ (1) فِی شَبَابِهِمْ غَضِیضَةٌ عَنِ الشَّرِّ أَعْیُنُهُمْ ثَقِیلَةٌ عَنِ الْبَاطِلِ أَقْدَامُهُمْ (2) قَدْ بَاعُوا أَنْفُساً تَمُوتُ غَداً بِأَنْفَسٍ لاَ تَمُوتُ أَبَداً قَدْ خَلَطُوا کِلاَلَهُمْ بِکِلاَلِهِمْ وَ قِیَامَ لَیْلِهِمْ بِصِیَامِ نَهَارِهِمْ مَحْنِیَّةً أَصْلاَبُهُمْ عَلَی أَجْزَاءِ اَلْقُرْآنِ کُلَّمَا مَرُّوا بِآیَةِ خَوْفٍ شَهَقُوا خَوْفاً مِنَ اَلنَّارِ وَ کُلَّمَا مَرُّوا بِآیَةِ رَجَاءٍ شَهَقُوا شَوْقاً إِلَی اَلْجَنَّةِ وَ إِذَا نَظَرُوا إِلَی السُّیُوفِ وَ قَدِ انْتُضِیَتْ وَ إِلَی الرِّمَاحِ وَ قَدْ أُشْرِعَتْ وَ إِلَی السِّهَامِ وَ قَدْ فُوِّقَتْ وَ أَرْعَدَتِ الْکَتِیبَةُ بِصَوَاعِقِ الْمَوْتِ اسْتَخَفُّوا وَعِیدَهَا عِنْدَ وَعِیدِ اللَّهِ وَ انْغَمَسُوا فِیهَا فَ طُوبیٰ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ فَکَمْ مِنْ عَیْنٍ فِی مِنْقَارِ طَائِرٍ طَالَ مَا بَکَی بِهَا صَاحِبُهَا مِنْ خَشْیَةِ اللَّهِ وَ کَمْ مِنْ یَدٍ قَدْ أُبِینَتْ عَنْ سَاعِدِهَا طَالَ مَا اعْتَمَدَ عَلَیْهَا صَاحِبُهَا رَاکِعاً وَ سَاجِداً فِی طَاعَةِ اللَّهِ أَقُولُ قَوْلِی هَذَا وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ مٰا تَوْفِیقِی إِلاّٰ بِاللّٰهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ .

وَ أَمَّا الْخُطْبَةُ الثَّانِیَةُ فَقَوْلُهُ یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ مَا لِی رَأَیْتُ رَسْمَ الدِّینِ فِیکُمْ عَافِیاً وَ آثَارَهُ دَارِسَةً لاَ تَقْبَلُونَ عَلَیْهِ (3) عِظَةً وَ لاَ تَفْقَهُونَ مِنْ أَهْلِهِ حُجَّةً قَدْ بَلِیَتْ فِیکُمْ جِدَتُهُ وَ انْطَمَسَتْ عَنْکُمْ سُنَّتُهُ تَرَوْنَ مَعْرُوفَهُ مُنْکَراً وَ الْمُنْکَرَ مِنْ غَیْرِهِ مَعْرُوفاً فَإِذَا انْکَشَفَتْ لَکُمُ الْعِبَرُ وَ أُوْضِحَتْ لَکُمُ النُّذُرُ عَمِیَتْ عَنْهَا أَبْصَارُکُمْ وَ صَمَّتْ عَنْهَا آذَانُکُمْ سَاهِینَ فِی غَمْرَةٍ لاَهِینَ فِی غَفْلَةٍ تَنْبَسِطُ قُلُوبُکُمْ لِلْبَاطِلِ إِذَا نُشِرَ وَ تَنْقَبِضُ عَنِ الْحَقِّ إِذَا ذُکِرَ مُسْتَوْحِشَةً مِنَ الْعِلْمِ مُسْتَأْنِسَةً بِالْجَهْلِ کُلَّمَا وَرَدَتْ عَلَیْهَا مَوْعِظَةٌ زَادَتْهَا عَنِ الْحَقِّ نُفُوراً تَحْمِلُونَ قُلُوباً فِی صُدُورِکُمْ کَالْحِجٰارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً مِنِ الْحِجَارَةِ فَهِیَ لاَ تَلِینُ بِکِتَابِ اللَّهِ الَّذِی لَوْ أُنْزِلَ عَلیٰ جَبَلٍ لَرَأَیْتَهُ خٰاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْیَةِ اللّٰهِ .

ص :116

یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ إِنَّهُ لاَ تُغْنِی عَنْکُمْ صِحَّةُ أَبْدَانِکُمْ إِذَا سَقِمَتْ قُلُوبُکُمْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِکُلِّ شَیْءٍ سَبَباً غَالِباً عَلَیْهِ لِیَنْقَادَ إِلَیْهِ مُطِیعُ أَمْرِهِ فَجَعَلَ الْقُلُوبَ غَالِبَةً عَلَی الْأَبْدَانِ فَإِذَا مَالَتِ الْقُلُوبُ مَیْلاً کَانَتِ الْأَبْدَانُ لَهَا تَبَعاً وَ إِنَّ الْقُلُوبَ لاَ تَلِینُ لِأَهْلِهَا إِلاَّ بِصِحَّتِهَا وَ لاَ یُصَحِّحُهَا إِلاَّ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ وَ قُوَّةُ النِّیَّةِ وَ نَفَاذُ الْبَصِیرَةِ وَ لَوِ اسْتَشْعَرَتْ تَقْوَی اللَّهِ قُلُوبُکُمْ لاَسْتُعْمِلَتْ فِی طَاعَةِ اللَّهِ أَبْدَانُکُمْ.

یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ دَارُکُمْ دَارُ الْهِجْرَةِ وَ مَثْوَی اَلرَّسُولِ ص لِمَا نَبَتَ بِهِ دَارُهُ وَ ضَاقَ بِهِ قَرَارُهُ وَ آذَاهُ الْأَعْدَاءُ وَ تَجَهَّمَتْ لَهُ فَنَقَلَهُ اللَّهُ إِلَیْکُمْ بَلْ إِلَی قَوْمٍ لَعَمْرِی لَمْ یَکُونُوا أَمْثَالَکُمْ مُتَوَازِرِینَ مَعَ الْحَقِّ عَلَی الْبَاطِلِ مُخْتَارِینَ الْأَجَلَ عَلَی الْعَاجِلِ یَصْبِرُونَ لِلضَّرَّاءِ رَجَاءَ ثَوَابِهَا فَنَصَرُوا اللَّهَ وَ جَاهَدُوا فِی سَبِیلِهِ وَ آزَرُوا (1) رَسُولَهُ ص وَ اتَّبَعُوا اَلنُّورَ الَّذِی أُنْزِلَ مَعَهُ وَ آثَرُوا اللَّهَ عَلیٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَی لَهُمْ وَ لِأَمْثَالِهِمْ وَ لِمَنِ اهْتَدَی بِهَدْیِهِمْ وَ مَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (2) وَ أَنْتُمْ أَبْنَاؤُهُمْ وَ مَنْ بَقِیَ مِنْ خَلْفِهِمْ تَتْرُکُونَ أَنْ تَقْتَدُوا بِهِمْ أَوْ تَأْخُذُوا بِسُنَّتِهِمْ عُمْیُ الْقُلُوبِ صُمُّ الْآذَانِ اتَّبَعْتُمُ الْهَوَی فَأَرْدَاکُمْ عَنِ الْهُدَی وَ أَسْهَاکُمْ (3) عَنْ مَوَاعِظِ اَلْقُرْآنِ لاَ تَزْجُرُکُمْ (4) فَتَنْزَجِرُونَ وَ لاَ تَعِظُکُمْ فَتَتَّعِظُونَ وَ لاَ تُوقِظُکُمْ فَتَسْتَیْقِظُونَ لَبِئْسَ الْخَلَفُ أَنْتُمْ مِنْ قَوْمٍ مَضَوْا قَبْلَکُمْ مَا سِرْتُمْ سِیرَتَهُمْ وَ لاَ حَفِظْتُمْ وَصِیَّتَهُمْ وَ لاَ احْتَذَیْتُمْ مِثَالَهُمْ لَوْ شُقَّتْ عَنْهُمْ قُبُورُهُمْ فَعُرِضَتْ عَلَیْهِمْ أَعْمَالُکُمْ لَعَجِبُوا کَیْفَ صَرَفَ الْعَذَابُ عَنْکُمْ أَ لاَ تَرَوْنَ إِلَی خِلاَفَةِ اللَّهِ وَ إِمَامَةِ اَلْمُسْلِمِینَ کَیْفَ أُضِیعَتْ حَتَّی تَدَاوَلَهَا بَنُو مَرْوَانَ أَهْلُ بَیْتِ اللَّعْنَةِ وَ طُرَدَاءُ رَسُولِ اللَّهِ وَ قَوْمٌ مِنَ (5) الطُّلَقَاءِ لَیْسُوا مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ لاَ اَلْأَنْصَارِ وَ لاَ اَلتَّابِعِینَ بِإِحْسَانٍ فَأَکَلُوا مَالَ اللَّهِ أَکْلاً وَ تَلَعَّبُوا بِدِینِ اللَّهِ لَعِباً وَ اتَّخَذُوا عِبَادَ اللَّهِ عَبِیداً یُورِثُ الْأَکْبَرُ مِنْهُمْ ذَلِکَ الْأَصْغَرَ فَیَا لَهَا

ص :117

أُمَّةً مَا أَضْعَفَهَا وَ أَضْیَعَهَا وَ مَضَوْا عَلَی ذَلِکَ مِنْ سَیِّئِ أَعْمَالِهِمْ وَ اسْتِخْفَافِهِمْ بِکِتَابِ اللَّهِ قَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ فَالْعَنُوهُمْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ لَعْناً کَمَا یَسْتَحِقُّونَهُ (1) .

وَ لَقَدْ وَلَّی مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ فَاجْتَهَدَ وَ لَمْ یَکَدْ وَ عَجَزَ عَنِ الَّذِی أَظْهَرَ حَتَّی مَضَی لِسَبِیلِهِ قَالَ وَ لَمْ یَذْکُرْهُ بِخَیْرٍ وَ لاَ بِشَرٍّ ثُمَّ قَالَ وَ وَلَّی بَعْدَهُ یَزِیدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِکِ غُلاَمٌ سَفِیهٌ ضَعِیفٌ غَیْرُ مَأْمُونٍ عَلَی شَیْءٍ مِنْ أُمُورِ اَلْمُسْلِمِینَ لَمْ یَبْلُغْ أُشُدَّهُ وَ لَمْ یُؤْنَسْ رُشْدُهُ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ (2) وَ أَمْرُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص وَ أَحْکَامِهَا وَ فُرُوجِهَا وَ دِمَائِهَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مَالِ الْیَتِیمِ وَ إِنْ کَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِیماً غُلاَمٌ مَأْبُونٌ فِی فَرْجِهِ وَ بَطْنِهِ یَأْکُلُ الْحَرَامَ وَ یَشْرَبُ الْخَمْرَ وَ یَلْبَسُ بُرْدَیْنِ قَدْ حِیکَا مِنْ غَیْرِ حِلِّهِمَا وَ صُرِفَتْ أَثْمَانُهُمَا فِی غَیْرِ وَجْهِهَا بَعْدَ أَنْ ضُرِبَتْ فِیهِمَا الْأَبْشَارُ (3) وَ حُلِقَتْ فِیهِمَا الْأَشْعَارُ اسْتَحَلَّ مَا لَمْ یُحِلَّهُ اللَّهُ لِعَبْدٍ صَالِحٍ وَ لاَ لِنَبِیٍّ مُرْسَلٍ فَأَجْلَسَ حَبَابَةَ عَنْ یَمِینِهِ وَ سَلاَمَةَ عَنْ یَسَارِهِ یُغَنِّیَانِهِ بِمَزَامِیرِ اَلشَّیْطَانِ وَ یَشْرَبُ الْخَمْرَ الصِّرَاحَ الْمُحَرَّمَةَ نَصّاً بِعَیْنِهَا حَتَّی إِذَا أَخَذَتْ مِنْهُ مَأْخَذَهَا وَ خَالَطَتْ رُوحَهُ وَ لَحْمَهُ وَ دَمَهُ وَ غَلَبَتْ سَوْرَتُهَا عَلَی عَقْلِهِ مَزَّقَ بُرْدَیْهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَیْهِمَا فَقَالَ أَ تَأْذَنَانِ لِی بِأَنْ أَطِیرَ (4) نَعَمْ فَطِرْ إِلَی اَلنَّارِ طِرْ إِلَی لَعْنَةِ اللَّهِ طِرْ إِلَی حَیْثُ لاَ یَرُدُّکَ اللَّهُ (5) .

ثُمَّ ذَکَرَ بَنِی أُمَیَّةَ وَ أَعْمَالَهُمْ فَقَالَ أَصَابُوا إِمْرَةً ضَائِعَةً وَ قَوْماً طَغَاماً جُهَّالاً لاَ یَقُومُونَ لِلَّهِ بِحَقٍّ وَ لاَ یُفَرِّقُونَ بَیْنَ الضَّلاَلَةِ وَ الْهُدَی وَ یَرَوْنَ أَنَّ بَنِی أُمَیَّةَ أَرْبَابٌ لَهُمْ فَمَلَکُوا الْأَمْرَ وَ تَسَلَّطُوا فِیهِ تَسَلُّطَ رُبُوبِیَّةٍ بَطَشَهُمْ بَطْشَ الْجَبَابِرَةِ یَحْکُمُونَ بِالْهَوَی وَ یَقْتُلُونَ عَلَی الْغَضَبِ وَ یَأْخُذُونَ بِالظَّنِّ وَ یُعَطِّلُونَ الْحُدُودَ بِالشَّفَاعَاتِ وَ یُؤَمِّنُونَ الْخَوَنَةُ وَ یَعْصُونَ ذَوِی

ص :118

الْأَمَانَةِ وَ یَتَنَاوَلُونَ الصَّدَقَةَ مِنْ غَیْرِ فَرْضِهَا وَ یَضَعُونَهَا غَیْرَ مَوْضِعِهَا فَتِلْکَ الْفِرْقَةُ الْحَاکِمَةُ بِغَیْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَالْعَنُوهُمْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ.

قَالَ ثُمَّ ذَکَرَ شِیعَةَ آلِ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ وَ أَمَّا إِخْوَانُنَا مِنَ اَلشِّیعَةِ وَ لَیْسُوا (1) بِإِخْوَانِنَا فِی الدِّینِ لَکِنِّی سَمِعْتُ اللَّهَ یَقُولُ یٰا أَیُّهَا النّٰاسُ إِنّٰا خَلَقْنٰاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثیٰ وَ جَعَلْنٰاکُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا (2) فَإِنَّهَا فِرْقَةً تَظَاهَرَتْ بِکِتَابِ اللَّهِ وَ آثَرَتِ الْفُرْقَةَ عَلَی اللَّهِ لاَ یَرْجِعُونَ إِلَی نَظَرٍ نَافِذٍ فِی اَلْقُرْآنِ وَ لاَ عَقْلٍ بَالِغٍ فِی اَلْفِقْهِ وَ لاَ تَفْتِیشٍ عَنْ حَقِیقَةِ الثَّوَابِ قَدْ قَلَّدُوا أُمُورَهُمْ أَهْوَاءَهُمْ وَ جَعَلُوا دِینَهُمُ الْعَصَبِیَّةَ لِحِزْبٍ لَزِمُوهُ وَ أَطَاعُوهُ فِی جَمِیعِ مَا یَقُولُهُ لَهُمْ غَیّاً کَانَ أَوْ رُشْداً ضَلاَلَةً کَانَ أَوْ هُدًی یَنْتَظِرُونَ الدُّوَلَ فِی رَجْعَةِ الْمَوْتَی وَ یُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ قَبْلَ السَّاعَةِ وَ یَدَّعُونَ عِلْمَ الْغَیْبِ لِمَخْلُوقِینَ لاَ یَعْلَمُ وَاحِدُهُمْ مَا فِی بَیْتِهِ (3) بَلْ لاَ یَعْلَمُ مَا یَنْطَوِی عَلَیْهِ ثَوْبُهُ أَوْ یَحْوِیهِ جِسْمُهُ یَنْقِمُونَ الْمَعَاصِیَ عَلَی أَهْلِهَا وَ یَعْمَلُونَ بِهَا وَ لاَ یَعْلَمُونَ الْمَخْرَجَ مِنْهَا جُفَاةٌ فِی دِینِهِمْ قَلِیلَةٌ عُقُولُهُمْ قَدْ قَلَّدُوا أَهْلَ بَیْتٍ مِنَ اَلْعَرَبِ دِینَهُمْ وَ زَعَمُوا أَنَّ مُوَالاَتَهُمْ لَهُمْ تُغْنِیهُمْ عَنِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَ تُنْجِیهِمْ مِنْ عِقَابِ الْأَعْمَالِ السَّیِّئَةِ قٰاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّٰی یُؤْفَکُونَ .

فَأَیَّ الْفِرَقِ یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ تَتَّبِعُونَ أَمْ بِأَیِّ مَذَاهِبِهِمْ تَقْتَدُونَ وَ لَقَدْ بَلَغَنِی مَقَالُکُمْ فِی أَصْحَابِی وَ مَا عِبْتُمُوهُ مِنْ حَدَاثَةِ أَسْنَانِهِمْ وَیْحَکُمْ وَ هَلْ کَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلاَّ أَحْدَاثاً نَعَمْ إِنَّهُمْ لَشَبَابٌ مُکْتَهِلُونَ (4) فِی شَبَابِهِمْ غَضِیضَةٌ عَنِ الشَّرِّ أَعْیُنُهُمْ ثَقِیلَةٌ فِی الْبَاطِلِ أَرْجُلُهُمْ أَنْضَاءُ (5) عِبَادَةٍ قَدْ نَظَرَ اللَّهُ إِلَیْهِمْ فِی جَوْفِ اللَّیْلِ مَحْنِیَّةً أَصْلاَبُهُمْ عَلَی أَجْزَاءِ اَلْقُرْآنِ کُلَّمَا مَرَّ أَحَدُهُمْ بِآیَةٍ فِیهَا ذِکْرُ اَلْجَنَّةِ بَکَی شَوْقاً وَ کُلَّمَا مَرَّ بِآیَةٍ فِیهَا ذِکْرُ اَلنَّارِ شَهَقَ خَوْفاً کَأَنَّ زَفِیرَ جَهَنَّمَ بَیْنَ أُذُنَیْهِ قَدْ أَکَلَتِ الْأَرْضُ جِبَاهَهُمْ وَ رُکَبَهُمْ

ص :119

وَ وَصَلُوا کِلاَلَ لَیْلِهِمْ بِکِلاَلِ نَهَارِهِمْ مُصْفَرَّةً أَلْوَانُهُمْ نَاحِلَةً أَبْدَانُهُمْ مِنْ طُولِ الْقِیَامِ وَ کَثْرَةِ الصِّیَامِ یُوفُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ مُنْجِزُونَ لِوَعْدِ اللَّهِ قَدْ شَرَوْا أَنْفُسَهُمْ فِی طَاعَةِ اللَّهِ حَتَّی إِذَا الْتَقَتِ الْکَتِیبَتَانِ (1) وَ أَبْرَقَتْ سُیُوفُهُمَا وَ فُوِّقَتْ (2) سِهَامُهُمَا وَ أُشْرِعَتْ (3) رِمَاحُهُمَا لَقُوا شَبَا (4) الْأَسِنَّةِ وَ زِجَاجَ السِّهَامِ (5) وَ ظُبَی السُّیُوفِ بِنُحُورِهِمْ وَ وُجُوهِهِمْ وَ صُدُورِهِمْ فَمَضَی الشَّابُّ مِنْهُمْ قُدُماً حَتَّی اخْتَلَفَتْ رِجْلاَهُ عَلَی عُنُقِ فَرَسِهِ وَ اخْتَضَبَتْ مَحَاسِنُ وَجْهِهِ بِالدِّمَاءِ وَ عُفِّرَ (6) جَبِینُهُ بِالتُّرَابِ وَ الثَّرَی وَ انْحَطَّتْ عَلَیْهِ الطَّیْرُ مِنَ السَّمَاءِ وَ مَزَّقَتْهُ سِبَاعُ الْأَرْضِ فَکَمْ مِنْ عَیْنٍ فِی مِنْقَارِ طَائِرٍ طَالَ مَا بَکَی بِهَا صَاحِبُهَا فِی جَوْفِ اللَّیْلِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ وَ کَمْ مِنْ وَجْهٍ رَقِیقٍ وَ جَبِینٍ عَتِیقٍ (7) قَدْ فُلِقَ بِعُمُدِ الْحَدِیدِ.

ثُمَّ بَکَی فَقَالَ آهِ آهِ عَلَی فِرَاقِ الْإِخْوَانِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَی عَلَی تِلْکَ الْأَبْدَانِ اللَّهُمَّ أَدْخِلْ أَرْوَاحَهَا اَلْجِنَانَ .

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ سَارَ أَبُو حَمْزَةَ وَ خَلَّفَ بِالْمَدِینَةِ اَلْمُفَضَّلَ الْأَزْدِیَّ فِی جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ بَعَثَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْمَلِکِ بْنَ عَطِیَّةَ السَّعْدِیَّ فِی أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فِیهِمْ فُرْسَانُ عَسْکَرِهِ وَ وَجَّهُوهُمْ لِحَرْبِ أَبِی حَمْزَةَ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ یَحْیَی طَالِبِ الْحَقِّ وَ أَمَرَ اِبْنَ عَطِیَّةَ بِالْجِدِّ فِی الْمَسِیرِ وَ أَعْطَی کُلَّ رَجُلٍ مِنَ الْجَیْشِ مِائَةَ دِینَارٍ وَ فَرَساً عَرَبِیّاً وَ بَغْلاً لِثَقَلِهِ فَخَرَجَ اِبْنُ عَطِیَّةَ حَتَّی إِذَا کَانَ بِالْمُعَلَّی فَکَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ وَادِی الْقُرَی یُقَالُ لَهُ اَلْعَلاَءُ

ص :120

بْنُ أَفْلَحَ أَبِی الْغَیْثِ یَقُولُ لَقِیَنِی فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ وَ أَنَا غُلاَمُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ اِبْنِ عَطِیَّةَ فَقَالَ لِی مَا اسْمُکَ یَا غُلاَمُ فَقُلْتُ اَلْعَلاَءُ فَقَالَ ابْنُ مَنْ قُلْتُ اِبْنُ أَفْلَحَ قَالَ أَ عَرَبِیٌّ أَمْ مَوْلَی فَقُلْتُ مَوْلَی قَالَ مَوْلَی مَنْ قُلْتُ مَوْلَی أَبِی الْغَیْثِ قَالَ فَأَیْنَ نَحْنُ قُلْتُ بِالْمُعَلَّی قَالَ فَأَیْنَ نَحْنُ غَداً قُلْتُ بِغَالِبٍ (1) قَالَ فَمَا کَلَّمَنِی حَتَّی أَرْدَفَنِی خَلْفَهُ وَ مَضَی حَتَّی أَدْخَلَنِی عَلَی اِبْنِ عَطِیَّةَ وَ قَالَ لَهُ أَیُّهَا الْأَمِیرُ سَلِ الْغُلاَمَ مَا اسْمُهُ فَسَأَلَ وَ أَنَا أَرُدُّ عَلَیْهِ الْقَوْلَ فَسُرَّ بِذَلِکَ وَ وَهَبَ لِی دَرَاهِمَ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ قَدِمَ أَبُو حَمْزَةَ وَ أَمَامَهُ بَلْجُ بْنُ عُقْبَةَ فِی سِتِّمِائَةِ رَجُلٍ لِیُقَاتِلَ عَبْدَ الْمَلِکِ بْنَ عَطِیَّةَ فَلَقِیَهُ بِوَادِی الْقُرَی لِأَیَّامٍ خَلَتْ مِنْ جُمَادَی الْأُولَی سَنَةَ ثَلاَثِینَ وَ مِائَةٍ فَتَوَاقَفُوا وَ دَعَاهُمْ بَلْجٌ إِلَی اَلْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ ذَکَرَ بَنِی أُمَیَّةَ وَ ظُلْمَهُمْ فَشَتَمَهُ أَهْلُ اَلشَّامِ وَ قَالُوا یَا أَعْدَاءَ اللَّهِ أَنْتُمْ أَحَقُّ بِهَذَا مِمَّنْ ذَکَرْتُمْ فَحَمَلَ بَلْجٌ وَ أَصْحَابُهُ عَلَیْهِمْ وَ انْکَشَفَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ ثَبَتَ اِبْنُ عَطِیَّةَ فِی عُصْبَةٍ صَبَرُوا مَعَهُ فَنَادَاهُمْ یَا أَهْلَ اَلشَّامِ یَا أَهْلَ الْحِفَاظِ نَاضِلُوا عَنْ دِینِکُمْ وَ أَمِیرِکُمْ (2) وَ اصْبِرُوا وَ قَاتِلُوا قِتَالاً شَدِیداً (3) فَقُتِلَ بَلْجٌ وَ أَکْثَرُ أَصْحَابِهِ وَ انْحَازَتْ قِطْعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ نَحْوَ الْمِائَةِ إِلَی جَبَلٍ اعْتَصَمُوا بِهِ فَقَاتَلَهُمْ اِبْنُ عَطِیَّةَ ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ فَقَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعِینَ رَجُلاً وَ نَجَا مِنْهُمْ ثَلاَثُونَ.

فَرَجَعُوا إِلَی أَبِی حَمْزَةَ وَ هُوَ بِالْمَدِینَةِ وَ قَدِ اغْتَمُّوا وَ جَزِعُوا مِنْ ذَلِکَ الْخَبَرِ وَ قَالُوا فَرَرْنَا مِنَ الزَّحْفِ فَقَالَ لَهُمْ أَبُو حَمْزَةَ لاَ تَجْزَعُوا فَإِنَّا لَکُمْ فِئَةٌ (4) وَ إِلَیَّ تَحَیَّزْتُمْ.

وَ خَرَجَ أَبُو حَمْزَةَ إِلَی مَکَّةَ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَیْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ إِلَی قِتَالِ اَلْمُفَضَّلِ خَلِیفَةِ أَبِی حَمْزَةَ عَلَی اَلْمَدِینَةِ فَلَمْ یَجِدْ أَحَداً (5) لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ کَانَ أَسْرَعَ فِی النَّاسِ وَ خَرَجَ وُجُوهُ أَهْلِ الْبَلَدِ عَنْهُ (6) فَاجْتَمَعَ إِلَی عُمَرَ اَلْبَرْبَرُ وَ اَلزُّنُوجُ وَ أَهْلُ السُّوقِ وَ الْعَبِیدُ

ص :121

فَقَاتَلَ بِهِمْ اَلشُّرَاةَ فَقُتِلَ اَلْمُفَضَّلُ وَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَ هَرَبَ الْبَاقُونَ فَلَمْ یَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَقَالَ فِی ذَلِکَ سُهَیْلٌ مَوْلَی زَیْنَبَ بِنْتِ الْحَکَمِ بْنِ أَبِی الْعَاصِ لَیْتَ مَرْوَانُ رَآنَا

قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ اِبْنُ عَطِیَّةَ أَتَاهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ أَصْلَحَکَ اللَّهُ إِنِّی جَمَعْتُ قَضِّی وَ قَضِیضِی فَقَاتَلْتُ هَؤُلاَءِ اَلشُّرَاةَ فَلَقَّبَهُ أَهْلُ اَلْمَدِینَةِ قَضِّی وَ قَضِیضِی .

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ أَقَامَ اِبْنُ عَطِیَّةَ بِالْمَدِینَةِ شَهْراً وَ أَبُو حَمْزَةَ مُقِیمٌ بِمَکَّةَ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَیْهِ فَقَالَ عَلِیُّ بْنُ الْحُصَیْنِ الْعَبْدِیُّ لِأَبِی حَمْزَةَ إِنِّی کُنْتُ أَشَرْتُ عَلَیْکَ یَوْمَ قَدِیدٍ وَ قَبْلَهُ أَنْ تَقْتُلَ الْأَسْرَی فَلَمْ تَفْعَلْ حَتَّی قَتَلُوا اَلْمُفَضَّلَ وَ أَصْحَابَنَا الْمُقِیمِینَ مَعَهُ بِالْمَدِینَةِ وَ أَنَا أُشِیرُ عَلَیْکَ الْآنَ أَنْ تَضَعَ السَّیْفَ فِی أَهْلِ مَکَّةَ فَإِنَّهُمْ کَفَرَةٌ فَجَرَةٌ وَ لَوْ قَدْ قَدِمَ اِبْنُ عَطِیَّةَ لَکَانُوا أَشَدَّ عَلَیْکَ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ فَقَالَ لاَ أَرَی ذَلِکَ لِأَنَّهُمْ قَدْ دَخَلُوا فِی الطَّاعَةِ وَ أَقَرُّوا بِالْحُکْمِ وَ وَجَبَ لَهُمْ حَقُّ الْوَلاَیَةِ.

فَقَالَ إِنَّهُمْ سَیَغْدِرُونَ فَقَالَ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّمٰا یَنْکُثُ عَلیٰ نَفْسِهِ (1) .

وَ قَدِمَ اِبْنُ عَطِیَّةَ مَکَّةَ فَصَیَّرَ أَصْحَابَهُ فِرْقَتَیْنِ وَ لَقِیَ اَلْخَوَارِجَ مِنْ وَجْهَیْنِ فَکَانَ هُوَ بِإِزَاءِ أَبِی حَمْزَةَ فِی أَسْفَلِ مَکَّةَ وَ جَعَلَ طَائِفَةً أُخْرَی بِالْأَبْطَحِ بِإِزَاءِ أَبْرَهَةَ بْنِ الصَّبَّاحِ فَقُتِلَ أَبْرَهَةُ کَمَنَ لَهُ اِبْنُ هَبَّارٍ وَ هُوَ عَلَی خَیْلِ دِمَشْقَ فَقَتَلَهُ عِنْدَ بِئْرِ مَیْمُونٍ وَ الْتَقَی اِبْنُ عَطِیَّةَ بِأَبِی حَمْزَةَ فَخَرَجَ أَهْلُ مَکَّةَ بِأَجْمَعِهِمْ مَعَ اِبْنِ عَطِیَّةَ وَ تَکَاثَرَ النَّاسُ عَلَی أَبِی حَمْزَةَ فَقُتِلَ عَلَی فَمِ الشِّعْبِ وَ قُتِلَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَ هِیَ تَرْتَجِزُ أَنَا اَلْجُدَیْعَاءُ وَ بِنْتُ الْأَعْلَمِ مَنْ سَأَلَ عَنِ اسْمِی فَاسْمِی مَرْیَمُ (2)

ص :122

بِعْتُ سِوَارِی بِعَضْبٍ مِخْذَمٍ (1) .

وَ قُتِلَتِ اَلْخَوَارِجُ قَتْلاً ذَرِیعاً وَ أُسِرَ مِنْهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ فَقَالَ لَهُمُ اِبْنُ عَطِیَّةَ وَیْلَکُمْ مَا دَعَاکُمْ إِلَی الْخُرُوجِ مَعَ هَذَا فَقَالُوا ضَمِنَ لَنَا الْکَنَّةَ یُرِیدُونَ اَلْجَنَّةَ (2) فَقَتَلَهُمْ کُلَّهُمْ وَ صَلَبَ أَبَا حَمْزَةَ وَ أَبْرَهَةَ بْنَ الصَّبَّاحِ (3) عَلَی شِعْبِ الْخَیْفِ وَ دَخَلَ عَلِیُّ بْنُ الْحُصَیْنِ دَاراً مِنْ دُورِ قُرَیْشٍ فَأْحَدَقَ أَهْلُ اَلشَّامِ بِهَا فَأَحْرَقُوهَا فَرَمَی بِنَفْسِهِ عَلَیْهِمْ وَ قَاتَلَ فَأُسِرَ وَ قُتِلَ وَ صُلِبَ مَعَ أَبِی حَمْزَةَ فَلَمْ یَزَالُوا مَصْلُوبِینَ حَتَّی أَفْضَی الْأَمْرُ إِلَی بَنِی هَاشِمٍ (4) فَأُنْزِلُوا فِی خِلاَفَةِ أَبِی الْعَبَّاسِ .قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ ذَکَرَ اِبْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ اِبْنَ عَطِیَّةَ لَمَّا الْتَقَی بِأَبِی حَمْزَةَ قَالَ أَبُو حَمْزَةَ لِأَصْحَابِهِ لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّی تَخْتَبِرُوهُمْ فَصَاحُوا فَقَالُوا یَا أَهْلَ اَلشَّامِ مَا تَقُولُونَ فِی اَلْقُرْآنِ وَ الْعَمَلِ بِهِ (5) فَقَالَ اِبْنُ عَطِیَّةَ نَضَعُهُ فِی جَوْفِ الْجُوَالِقِ قَالُوا فَمَا تَقُولُونَ فِی الْیَتِیمِ قَالُوا نَأْکُلُ مَالَهُ وَ نَفْجِرُ بِأُمِّهِ فِی أَشْیَاءَ بَلَغَنِی أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْهَا فَلَمَّا سَمِعُوا کَلاَمَهُمْ قَاتَلُوهُمْ حَتَّی أَمْسَوْا فَصَاحَتِ اَلشُّرَاةُ وَیْحَکَ یَا اِبْنَ عَطِیَّةَ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ قَدْ جَعَلَ اللَّیْلَ سَکَناً فَاسْکُنْ وَ نَسْکُنَ فَأَبَی وَ قَاتَلَهُمْ حَتَّی أَفْنَاهُمْ.

قَالَ وَ لَمَّا خَرَجَ أَبُو حَمْزَةَ مِنَ اَلْمَدِینَةِ خَطَبَ فَقَالَ یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ إِنَّا خَارِجُونَ لِحَرْبِ مَرْوَانَ فَإِنْ نَظْهَرْ عَلَیْهِ نَعْدِلْ فِی أَحْکَامِکُمْ وَ نَحْمِلْکُمْ عَلَی سُنَّةِ نَبِیِّکُمْ وَ إِنْ یَکُنْ مَا تَمَنَّیْتُمْ لَنَا فَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ

ص :123

قَالَ وَ قَدْ کَانَ اتَّبَعَهُ عَلَی رَأْیِهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ وَ بَایَعُوهُ مِنْهُمْ بِشْکَسْتُ (1) النَّحْوِیُّ فَلَمَّا جَاءَهُمْ قَتْلُهُ وَثَبَ النَّاسُ عَلَی أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ وَ کَانَ مِمَّنْ قَتَلُوهُ بِشْکَسْتُ النَّحْوِیُّ طَلَبُوهُ فَرَقِیَ فِی دَرَجَةِ دَارٍ فَلَحِقُوهُ فَأَنْزَلُوهُ وَ قَتَلُوهُ وَ هُوَ یَصِیحُ یَا عِبَادَ اللَّهِ فِیمَ تَقْتُلُونَنِی فَقِیلَ فِیهِ لَقَدْ کَانَ بِشْکَسْتُ عَبْدُ الْعَزِیزِ

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ حَدَّثَنِی بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ رَأَی رَجُلاً وَاقِفاً عَلَی سَطْحٍ یَرْمِی بِالْحِجَارَةِ قَوْمَ أَبِی حَمْزَةَ بِمَکَّةَ فَقِیلَ لَهُ وَیْلَکَ أَ تَدْرِی مَنْ تَرْمِی مَعَ اخْتِلاَطِ النَّاسِ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا أُبَالِی مَنْ رَمَیْتُ إِنَّمَا یَقَعُ حَجْرِی فِی شَامٍ أَوْ شَارٍ (2) وَ اللَّهِ مَا أُبَالِی أَیَّهُمَا قَتَلْتُ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ خَرَجَ اِبْنُ عَطِیَّةَ إِلَی اَلطَّائِفِ وَ أَتَی قَتْلُ أَبِی حَمْزَةَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ یَحْیَی طَالِبِ الْحَقِّ وَ هُوَ بِصَنْعَاءَ فَأَقْبَلَ فِی أَصْحَابِهِ یُرِیدُ حَرْبَ اِبْنِ عَطِیَّةَ فَشَخَصَ اِبْنُ عَطِیَّةَ إِلَیْهِ وَ الْتَقَوْا فَقُتِلَ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ جَمْعٌ کَثِیرٌ وَ تَرَجَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ یَحْیَی فِی أَلْفِ رَجُلٍ فَقَاتَلُوا حَتَّی قُتِلُوا کُلُّهُمْ وَ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ یَحْیَی وَ بَعَثَ اِبْنُ عَطِیَّةَ رَأْسَهُ إِلَی مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ قَالَ أَبُو صَخْرٍ الْهُذَلِیُّ یَذْکُرُ ذَلِکَ قَتَلْنَا عُبَیْداً وَ الَّذِی یَکْتَنِی الْکُنَی

ص :124

وَ مَا تَرَکَتْ أَسْیَافُنَا مُنْذُ جُرِّدَتْ

لِمَرْوَانَ جَبَّاراً عَلَی الْأَرْضِ عَاصِیاً.

وَ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْحُصَیْنِ الْعَنْبَرِیُّ یَرْثِی أَبَا حَمْزَةَ وَ غَیْرَهُ مِنَ اَلشُّرَاةِ وَ هَذِهِ الْقَصِیدَةُ مِنْ مُخْتَارِ شِعْرِ اَلْعَرَبِ هَبَّتْ قُبَیْلَ تَبَلُّجِ الْفَجْرِ

ص :125

مُتَأَوِّهُونَ کَأَنَّ جَمْرَ غَضَی

ص :126

لَخَلِیلُکَ الْمُخْتَارُ أَذْکِ بِهِ

ص :127

فَکِلاَهُمَا قَدْ کَانَ مُخْتَشِعاً (1)

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ أَقَامَ اِبْنُ عَطِیَّةَ بِحَضْرَمَوْتَ بَعْدَ ظَفَرِهِ بِالْخَوَارِجِ حَتَّی أَتَاهُ کِتَابُ مَرْوَانَ یَأْمُرُهُ بِالتَّعْجِیلِ إِلَی مَکَّةَ فَیَحُجُّ بِالنَّاسِ فَشَخَصَ إِلَی مَکَّةَ مُتَعَجِّلاً مُخِفّاً فِی تِسْعَةَ عَشَرَ فَارِساً وَ نَدِمَ مَرْوَانُ عَلَی مَا کَتَبَهُ وَ قَالَ قَتَلْتُ اِبْنَ عَطِیَّةَ وَ سَوْفَ یَخْرُجُ مُتَعَجِّلاً مُخِفّاً مِنَ اَلْیَمَنِ لِیَلْحَقَ الْحَجَّ فَیَقْتُلُهُ اَلْخَوَارِجُ فَکَانَ کَمَا قَالَ صَادَفَهُ فِی طَرِیقِهِ جَمَاعَةٌ مُتَلَفِّفَةً فَمَنْ کَانَ مِنْهُمْ إِبَاضِیّاً قَالَ مَا تَنْتَظِرُ أَنْ نُدْرِکَ ثَأْرَ إِخْوَانِنَا وَ مَنْ لَمْ یَکُنْ مِنْهُمْ إِبَاضِیّاً ظَنَّ أَنَّهُ إِبَاضِیٌّ مُنْهَزِمٌ مِنِ اِبْنِ عَطِیَّةَ فَصَمَدَ لَهُ سَعِیدٌ وَ جُمَانَةُ ابْنَا اَلْأَخْنَسِ

ص :128

الْکِنْدِیّانِ فِی جَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِهِمَا وَ کَانُوا عَلَی رَأْیِ اَلْخَوَارِجِ فَعَطَفَ اِبْنُ عَطِیَّةَ عَلَی سَعِیدٍ فَضَرَبَهُ بِالسَّیْفِ وَ طَعَنَهُ جُمَانَةُ فَصَرَعَهُ فَنَزَلَ إِلَیْهِ سَعِیدٌ فَقَعَدَ عَلَی صَدْرِهِ فَقَالَ لَهُ اِبْنُ عَطِیَّةَ هَلْ لَکَ فِی أَنْ تَکُونَ أَکْرَمَ اَلْعَرَبِ أَسِیراً فَقَالَ سَعِیدٌ یَا عَدُوَّ اللَّهِ أَ تَظُنُّ اللَّهَ یُهْمِلُکَ أَوْ تَطْمَعُ فِی الْحَیَاةِ وَ قَدْ قَتَلْتَ طَالِبَ الْحَقِّ وَ أَبَا حَمْزَةَ وَ بَلْجاً وَ أَبْرَهَةَ فَذَبَحَهُ وَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ أَجْمَعُونَ.

فهذا یسیر ممّا هو معلوم من حال هذه الطائفة فی خشونتها فی الدین و تلزمها بناموسه و إن کانت فی أصل العقیدة علی ضلال

956

وَ هَکَذَا قَالَ اَلنَّبِیُّ ص عَنْهُمْ تُسْتَحْقَرُ صَلاَةُ أَحَدِکُمْ فِی جَنْبِ صَلاَتِهِمْ وَ صِیَامُ أَحَدِکُمْ فِی جَنْبِ صِیَامِهِمْ.

و معلوم أن معاویة و من بعده من بنی أمیّة لم تکن هذه الطریقة طریقتهم و لا هذه السنة سنتهم و أنهم کانوا أهل دنیا و أصحاب لعب و لهو و انغماس فی اللذات و قلة مبالاة بالدین و منهم من هو مرمی بالزندقة و الإلحاد

فِینَا فَقُلْتُ مَا لِی أَرَاکَ مُغْتَمّاً مُنْذُ اللَّیْلَةِ فَقَالَ یَا بُنَیَّ جِئْتُ مِنْ عِنْدِ أَکْفَرِ النَّاسِ وَ أَخْبَثِهِمْ قُلْتُ وَ مَا ذَاکَ قَالَ قُلْتُ لَهُ وَ قَدْ خَلَوْتُ بِهِ إِنَّکَ قَدْ بَلَغْتَ سِنّاً یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَلَوْ أَظْهَرْتَ عَدْلاً وَ بَسَطْتَ خَیْراً فَإِنَّکَ (1) قَدْ کَبِرْتَ وَ لَوْ نَظَرْتَ إِلَی إِخْوَتِکَ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ فَوَصَلْتَ أَرْحَامَهُمْ فَوَ اللَّهِ مَا عِنْدَهُمُ الْیَوْمَ شَیْءٌ تَخَافُهُ وَ إِنَّ ذَلِکَ مِمَّا یَبْقَی لَکَ ذِکْرُهُ وَ ثَوَابُهُ فَقَالَ هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ أَیَّ ذِکْرٍ أَرْجُو بَقَاءَهُ مَلَکَ أَخُو تَیْمٍ فَعَدَلَ وَ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَمَا عَدَا أَنْ هَلَکَ حَتَّی هَلَکَ ذِکْرُهُ إِلاَّ أَنْ یَقُولَ قَائِلٌ أَبُو بَکْرٍ ثُمَّ مَلَکَ أَخُو عَدِیٍّ فَاجْتَهَدَ وَ شَمَّرَ عَشْرَ سِنِینَ فَمَا عَدَا أَنْ هَلَکَ حَتَّی هَلَکَ ذِکْرُهُ إِلاَّ أَنْ یَقُولَ قَائِلٌ عُمَرُ وَ إِنَّ اِبْنَ أَبِی کَبْشَةَ لَیُصَاحُ بِهِ کُلَّ یَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ فَأَیُّ عَمَلِی یَبْقَی وَ أَیُّ ذِکْرٍ یَدُومُ بَعْدَ هَذَا لاَ أَبَا لَکَ لاَ وَ اللَّهِ إِلاَّ دَفْناً دَفْناً.

و أمّا أفعاله المجانبة للعدالة الظاهرة من لبسه الحریر و شربه فی آنیة الذهب و الفضة حتّی

958

14- أَنْکَرَ عَلَیْهِ ذَلِکَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَقَالَ لَهُ إِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِنَّ الشَّارِبَ فِیهَا لَیُجَرْجِرُ فِی جَوْفِهِ نَارَ جَهَنَّمَ وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ أَمَّا أَنَا فَلاَ أَرَی بِذَلِکَ بَأْساً فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مَنْ عَذِیرِی مِنْ مُعَاوِیَةَ أَنَا أُخْبِرُهُ عَنِ اَلرَّسُولِ ص وَ هُوَ یُخْبِرُنِی عَنْ رَأْیِهِ لاَ أُسَاَکِنُکَ بِأَرْضٍ أَبَداً .

نقل هذا الخبر المحدّثون و الفقهاء فی کتبهم فی باب الاحتجاج علی أن خبر الواحد معمول به فی الشرع و هذا الخبر یقدح فی عدالته کما یقدح أیضا فی عقیدته لأن من قال فی مقابلة خبر قد روی عن رسول اللّه ص أما أنا فلا أری بأسا فیما حرمه رسول اللّه ص لیس بصحیح العقیدة و من المعلوم أیضا من حالة استئثاره بمال الفیء و ضربه من لا حدّ علیه و إسقاط الحدّ عمن یستحق إقامة الحدّ علیه و حکمه

ص :130

برأیه فی الرعیة و فی دین اللّه و استلحاقه زیادا و هو یعلم

959

قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ص الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَ لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ.

و قتله حجر بن عدی و أصحابه و لم یجب علیهم القتل و مهانته لأبی ذر الغفاری و جبهه و شتمه و إشخاصه إلی المدینة علی قتب بعیر وطاء لإنکاره علیه و لعنه علیا و حسنا و حسینا و عبد اللّه بن عبّاس علی منابر الإسلام و عهده بالخلافة إلی ابنه یزید مع ظهور فسقه و شربه المسکر جهارا و لعبه بالنرد و نومه بین القیان المغنیات و اصطباحه معهن و لعبه بالطنبور بینهن و تطریقه بنی أمیّة للوثوب علی مقام رسول اللّه ص و خلافته حتّی أفضت إلی یزید بن عبد الملک و الولید بن یزید المفتضحین الفاسقین صاحب حبابة و سلامة و الآخر رامی المصحف بالسهام و صاحب الأشعار فی الزندقة و الإلحاد.

و لا ریب أن الخوارج إنّما بریء أهل الدین و الحق منهم لأنّهم فارقوا علیا و برئوا منه و ما عدا ذلک من عقائدهم نحو القول بتخلید الفاسق فی النار و القول بالخروج علی أمراء الجور و غیر ذلک من أقاویلهم فإن أصحابنا یقولون بها و یذهبون إلیها فلم یبق ما یقتضی البراءة منهم إلاّ براءتهم من علی و قد کان معاویة یلعنه علی رءوس الأشهاد و علی المنابر فی الجمع و الأعیاد فی المدینة و مکّة و فی سائر مدن الإسلام فقد شارک الخوارج فی الأمر المکروه منهم و امتازوا علیه بإظهار الدین و التلزم بقوانین الشریعة و الاجتهاد فی العبادة و إنکار المنکرات و کانوا أحق بأن ینصروا علیه من أن ینصر علیهم فوضح بذلک

960

قَوْلُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ

لاَ تُقَاتِلُوا اَلْخَوَارِجَ بَعْدِی

.

یعنی فی ملک معاویة و ممّا یؤکد هذا المعنی أن عبد اللّه بن الزبیر استنصر علی یزید بن معاویة بالخوارج و استدعاهم إلی ملکه فقال فیه الشاعر یا ابن الزبیر أ تهوی فتیة قتلوا

فقال ابن الزبیر لو شایعنی الترک و الدیلم علی محاربة بنی أمیّة لشایعتهم و انتصرت بهم

ص :131

و قوله تعالی فَإِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ لاٰ یَسْتَأْخِرُونَ سٰاعَةً وَ لاٰ یَسْتَقْدِمُونَ (1) .

و قوله سبحانه تَوَفَّتْهُ رُسُلُنٰا وَ هُمْ لاٰ یُفَرِّطُونَ (2) و فی القرآن العزیز کثیر من ذلک

و اختلف المتکلمون فی الآجال فقالت المعتزلة ینبغی أولا أن نحقق مفهوم قولنا أجل لیکون البحث فی التصدیق بعد تحقّق التصور فالأجل عندنا هو الوقت الذی یعلم اللّه أن حیاة ذلک الإنسان أو الحیوان تبطل فیه کما أن أجل الدین هو الوقت الذی یحل فیه فإذا سألنا سائل فقال هل للناس آجال مضروبة قلنا له ما تعنی بذلک أ ترید هل یعلم اللّه تعالی الأوقات التی تبطل فیها حیاة الناس أم ترید بذلک أنّه هل یراد بطلان حیاة کل حی فی الوقت الذی بطلت حیاته فیه.

فإن قال عنیت الأول قیل له نعم للناس آجال مضروبة بمعنی معلومة فإن اللّه تعالی عالم بکل شیء.

و إن قال عنیت الثانی قیل لا یجوز عندنا إطلاق القول بذلک لأنّه قد تبطل حیاة نبی أو ولی بقتل ظالم و البارئ تعالی لا یرید عندنا ذلک.

فإن قیل فهل تقولون إن کل حیوان یموت و تبطل حیاته بأجله قیل نعم لأن اللّه قد علم الوقت الذی تبطل حیاته فیه فلیس تبطل حیاته إلاّ فی ذلک الوقت لا لأن العلم ساق إلی ذلک بل إنّما تبطل حیاته بالأمر الذی اقتضی بطلانه و البارئ تعالی یعلم الأشیاء علی ما هی علیه فإن بطلت حیاته بقتل ظالم فذلک ظلم و جور و إن بطلت حیاته من قبل اللّه تعالی فذلک حکمة و صواب و قد یکون ذلک لطفا لبعض المکلفین.

و اختلف الناس لو لم یقتل القاتل المقتول هل کان یجوز أن یبقیه اللّه تعالی فقطع الشیخ أبو الهذیل علی موته لو لم یقتله القاتل و إلیه ذهب الکرامیة قال محمّد بن الهیصم مذهبنا أن اللّه تعالی قد أجل لکل نفس أجلا لن ینقضی عمره دون بلوغه و لا یتأخر عنه و معنی الأجل هو الوقت الذی علم اللّه أن الإنسان یموت فیه و کتب ذلک فی اللوح المحفوظ و لیس یجوز أن یکون اللّه تعالی قد أجل له أجلا ثمّ یقتل قبل بلوغه أو یخترم دونه و لا أن

ص :134

یتأخر عما أجل له لیس علی معنی أن القاتل مضطر إلی قتله (1) حتّی لا یمکنه الامتناع منه بل هو قادر علی أن یمتنع من قتله و لکنه لا یمتنع منه إذ کان المعلوم أنّه یقتله لأجله بعینه و کتب ذلک علیه.

و لو توهمنا فی التقدیر أنّه یمتنع من قتله لکان الإنسان یموت لأجل ذلک لأنهما أمران مؤجلان بأجل واحد فأحدهما قتل القاتل إیاه و الثانی تصرم مدة عمره و حلول الموت به فلو قدرنا امتناع القاتل من قتله لکان لا یجب بذلک ألا یقع المؤجل الثانی الذی هو حلول الموت به بل کان یجب أن یموت بأجله.

قال و بیان ذلک من کتاب اللّه توبیخه المنافقین علی قولهم لَوْ کٰانُوا عِنْدَنٰا مٰا مٰاتُوا وَ مٰا قُتِلُوا (2) فقال تعالی لهم قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِکُمُ الْمَوْتَ إِنْ کُنْتُمْ صٰادِقِینَ (3) فدل علی أنهم لو تجنبوا مصارع القتل لم یکونوا لیدرءوا بذلک الموت عن أنفسهم.

و قالت الأشعریة و الجهمیة و الجبریة کافة إنها آجال مضروبة محدودة و إذا أجل الأجل و کان فی المعلوم أن بعض الناس یقتله وجب وقوع القتل منه لا محالة و لیس یقدر القاتل علی الامتناع من قتله و تقدیر انتفاء القتل لیقال کیف کانت تکون الحال تقدیر أمر محال کتقدیر عدم القدیم و إثبات الشریک و تقدیر الأمور المستحیلة لغو و خلف من القول.

و قال قوم من أصحابنا البغدادیین رحمهم اللّه بالقطع علی حیاته لو لم یقتله القاتل و هذا عکس مذهب أبی الهذیل و من وافقه و قالوا لو کان المقتول یموت فی ذلک الوقت لو لم یقتله القاتل لما کان القاتل مسیئا إلیه إذ لم یفوت علیه حیاة لو لم یبطلها لبقیت و لما استحق

ص :135

القود و لکان ذابح الشاة بغیر إذن مالکها قد أحسن إلی مالکها لأنّه لو لم یذبحها لماتت فلم یکن ینتفع بلحمها.

قالوا و الذی احتج به من کونهما مؤجلین بأجل واحد فلو قدرنا انتفاء أحد الأمرین فی ذلک الوقت لم یجب انتفاء الآخر لیس بشیء لأن أحدهما علة الآخر فإذا قدرنا انتفاء العلة وجب أن ینتفی فی ذلک التقدیر انتفاء المعلول فالعلة قتل القاتل و المعلول بطلان الحیاة و إنّما کان یستمر و یصلح ما ذکروه لو لم یکن بین الأمرین علیة العلیة و المعلولیة.

قالوا و الآیة التی تعلقوا فیها لا تدلّ علی قولهم لأنّه تعالی لم ینکر ذلک القول إنکار حاکم بأنهم لو لم یقتلوا لماتوا بل قال کل حی میت أی لا بدّ من الموت إمّا معجلا و إمّا مؤجلا.

قالوا فإذا قال لنا قائل إذا قلتم إنّه یبقی لو لم یقتله القاتل أ لستم تکونون قد قلتم إن القاتل قد قطع علیه أجله.

قلنا له إنّما یکون قاطعا علیه أجله لو قتله قبل الوقت الذی علم اللّه تعالی أن حیاته تبطل فیه و لیس الأمر کذلک لأن الوقت الذی علم اللّه تعالی أن حیاته تبطل فیه هو الوقت الذی قتله فیه القاتل و لم یقتله القاتل قبل ذلک فیکون قد قطع علیه أجله.

قالوا فإذا قال لنا فهل تقولون إنّه قطع علیه عمره.

قلنا له إن الزمان الذی کان یعیش فیه لو لم یقتله القاتل لا یسمی عمرا إلاّ علی طریق المجاز باعتبار التقدیر و لسنا نطلق ذلک إلاّ مقیدا لئلا یوهم و إنّما قلنا إنا نقطع علی أنّه لو لم یقتل لم یمت و لا نطلق غیر ذلک.

ص :136

و قال قدماء الشیعة الآجال تزید و تنقص و معنی الأجل الوقت الذی علم اللّه تعالی أن الإنسان یموت فیه إن لم یقتل قبل ذلک أو لم یفعل فعلا یستحق به الزیادة و النقصان فی عمره.

قالوا و ربما یقتل الإنسان الذی ضرب (1) له من الأجل خمسون سنة و هو ابن عشرین سنة و ربما یفعل من الأفعال ما یستحق به الزیادة فیبلغ مائة سنة أو یستحق به النقیصة فیموت و هو ابن ثلاثین سنة.

قالوا فمما یقتضی الزیادة صلة الرحم و ممّا یقتضی النقیصة الزنا و عقوق الوالدین و تعلقوا بقوله تعالی وَ مٰا یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لاٰ یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّٰ فِی کِتٰابٍ (2) .

و ربما قال قوم منهم إن اللّه تعالی یضرب الأجل لزید خمسین سنة أو ما یشاء فیرجع عن ذلک فیما بعد و یجعله أربعین أو ثلاثین أو ما یشاء و بنوه علی قولهم فی البداء.

و قال أصحابنا هذا یوجب أن یکون اللّه تعالی قد أجل الآجال علی التخمین دون التحقیق حیث أجل لزید خمسین فقتل لعشرین و أفسدوا أن یعلم اللّه تعالی الشیء (3) بشرط و أن یبدو له فیما یقضیه و یقدره بما هو مشهور فی کتبهم.

و قالوا فی الآیة إن المراد بها أن ینقص سبحانه بعض الناس عن مقدار أجل المعمر بأن یکون انتقص منه عمرا لیس أنّه ینقص من عمر ذلک المعمر.

فأما مشایخنا أبو علی و أبو هاشم فتوقفا فی هذه المسألة و شکا فی حیاة المقتول و موته و قالا لا یجوز أن یبقی لو لم یقتل و یجوز أن یموت قالا لأن حیاته و موته مقدوران لله عزّ و جلّ و لیس فی العقل ما یدلّ علی قبح واحد منهما و لا فی الشرع ما یدلّ علی حصول واحد منهما فوجب الشک فیهما إذ لا دلیل یدلّ علی واحد منهما.

ص :137

قالوا فأما احتجاج القاطعین علی موته فقد ظهر فساده بما حکی من الجواب عنه.

قالوا و ممّا یدلّ علی بطلانه من الکتاب العزیز قوله تعالی وَ لَکُمْ فِی الْقِصٰاصِ حَیٰاةٌ یٰا أُولِی الْأَلْبٰابِ (1) فحکم سبحانه بأن إثباته القصاص ممّا یزجر القاتل عن القتل فتدوم حیاة المقتول فلو کان المقتول یموت لو لم یقتله القاتل ما کان فی إثبات القصاص حیاة.

قالوا و أمّا احتجاج البغدادیین علی القطع علی حیاته بما حکی عنهم فلا حجة فیه أما إلزام القاتل القود و الغرامة فلأنا غیر قاطعین علی موت المقتول لو لم یقتل بل یجوز أن یبقی و یغلب ذلک علی ظنوننا لأن الظاهر من حال الحیوان الصحیح ألا یموت فی ساعته و لا بعد ساعته و ساعات فنحن نلزم القاتل القود و الغرامة لأن الظاهر أنّه أبطل ما لو لم یبطله لبقی.

و أیضا فموت المقتول لو لم یقتله القاتل لا یخرج القاتل من کونه مسیئا لأنّه هو الذی تولی إبطال الحیاة أ لا تری أن زیدا لو قتل عمرا لکان مسیئا إلیه و إن کان المعلوم أنّه لو لم یقتله لقتله خالد فی ذلک الوقت.

و أیضا فلو لم یقتل القاتل المقتول و لم یذبح الشاة حتّی ماتا لکان یستحق المقتول و مالک الشاة من الأعواض علی البارئ سبحانه أکثر ممّا یستحقانه علی القاتل و الذابح فقد أساء القاتل و الذابح حیث فوتا علی المقتول و مالک الشاة زیادة الأعواض.

فأما شیخنا أبو الحسین فاختار الشک أیضا فی الأمرین إلاّ فی صورة واحدة فإنّه قطع فیها علی دوام الحیاة و هی أن الظالم قد یقتل فی الوقت الواحد الألوف الکثیرة فی المکان الواحد و لم تجر العادة بموت مثلهم فی حالة واحدة فی المکان الواحد و اتفاق ذلک نقض العادة و ذلک لا یجوز.

ص :138

قال (1) الشیخ لیس یمتنع أن یقال فی مثل هؤلاء إنّه یقطع علی أن جمیعهم ما کانوا یموتون فی ذلک المکان فی ذلک الوقت لو لم یقتلهم القاتل إن کان الوقت وقتا لا یجوز انتقاض العادات فیه و لکن یجوز أن یموت بعضهم دون بعض لأنّه لیس فی موت الواحد و الاثنین فی وقت واحد فی مکان واحد نقض عادة و لا یمتنع هذا الفرض من موتهم بأجمعهم فی زمان نبی من الأنبیاء.

و قد ذکرت فی کتبی المبسوطة فی علم الکلام فی هذا الباب ما لیس هذا الشرح موضوعا لاستقصائه

ص :139

لأجل تکالیفهم فی الآخرة و أمّا المعاقبون فلو کانوا مکلفین لجاز وقوع التوبة منهم و سقوط العقاب بها و هذا معلوم فساده ضرورة من دین الرسول ع .و هاهنا اعتراضان أحدهما أن یقال فما قولکم فی قوله تعالی کُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِیئاً بِمٰا أَسْلَفْتُمْ (1) و هذا أمر و خطاب لأهل الجنة و الأمر تکلیف.

و الثانی أن الإجماع حاصل علی أن أهل الجنة یشکرون اللّه تعالی و الشکر عبادة و ذلک یستدعی استحقاق الثواب.

و الجواب عن الأول أن قوله کُلُوا وَ اشْرَبُوا عند شیخنا أبی علی رحمه اللّه تعالی لیس بأمر علی الحقیقة و إن کانت له صورته کما فی قوله تعالی کُونُوا حِجٰارَةً أَوْ حَدِیداً (2) .

و أما الشیخ أبو هاشم فعنده أن قوله کُلُوا وَ اشْرَبُوا أمر لکنه زائد فی سرور أهل الجنة إذا علموا أن اللّه تعالی أراد منهم الأکل و أمرهم به و لکنه لیس بتکلیف لأن الأمر إنّما یکون تکلیفا إذا انضمت إلیه المشقة.

و أمّا الجواب عن الثانی فإن الشکر الذی بالقلب رجوعه إلی الاعتقادات و اللّه تعالی یفعل فی أهل الجنة المعارف کلها فلا وجوب إذا علیهم و أمّا الشکر باللسان فیجوز أن یکون لهم فیه لذة فیکون بذلک غیر مناف للثواب الحاصل لهم.

و بهذا الوجه نجیب عن قول من یقول أ لیس زبانیة النار یعالجون أهل العذاب فی جهنم أعاذنا اللّه منها و هل هذا إلاّ محض تکلیف لأنا نقول إنّه یجوز أن یکون للزبانیة فی ذلک لذة عظیمة فلا یثبت التکلیف معها کما لا یکون الإنسان مکلفا فی الدنیا بما یخلص إلیه شهوته و لا مشقة علیه فیه.

ص :141

إن قیل هذا الجواب ینبئ علی أن معارف أهل الآخرة ضروریة لأنکم أجبتم عن مسألة الشکر بأن اللّه تعالی یفعل المعارف فی أهل الجنة فدللوا علی ذلک بل یجب علیکم أن تدللوا أولا علی أن أهل الآخرة یعرفون اللّه تعالی.

قیل أما الدلیل علی أنهم یعرفونه تعالی فإن المثاب لا بدّ أن یعلم وصول الثواب إلیه علی الوجه الذی استحقه و لا یصحّ ذلک إلاّ مع المعرفة بالله تعالی لیعلم أن ما فعله به هو الذی لمستحقه و القول فی المعاقب کالقول فی المثاب.

و أیضا فإن من شرط الثواب مقارنة التعظیم و التبجیل له من فاعل الثواب لأن تعظیم غیر فاعل الثواب لا یؤثر و التعظیم لا یعلم إلاّ مع العلم بالقصد إلی التعظیم و یستحیل أن یعلموا قصده تعالی و لا یعلموه و القول فی العقاب و کون الاستحقاق و الإهانة تقارنه تجری هذا المجری.

فأما بیان أن هذه المعرفة ضروریة فلأنّها لو کانت من فعلهم لکانت إمّا أن تقع عن نظر یتحرون فیه و یلجئون إلیه أو عن تذکر نظر أو بأن یلجئوا إلی نفس المعرفة من غیر تقدم نظر و الأول باطل لأن ذلک تکلیف و فیه مشقة و قد بینا سقوط التکلیف فی الآخرة و لا یجوز أن یلجئوا إلی النظر لأنّهم لو ألجئوا إلی النظر لکان إلجاؤهم إلی المعرفة أولا و إلجاؤهم إلی المعرفة یمنع من إلجائهم إلی النظر و لا یجوز وقوعها عند تذکر النظر لأن المتذکر للنظر تعرض له الشبه و یلزمه دفعها و فی ذلک عود الأمر إلی التکلیف و لیس معاینة الآیات بمانع عن وقوع الشبه کما لم تمنع معاینة المعجزات و الأعلام عن وقوعها و لا یجوز أن یکون الإلجاء إلی المعرفة لأن الإلجاء إلی أفعال القلوب لا یصحّ إلاّ من اللّه تعالی فیجب أن یکون الملجأ إلی المعرفة عارفا بهذه القضیة و فی ذلک استغناؤه بتقدم هذه المعرفة علی الإلجاء إلیها.

إن قیل إذا قلتم إنهم مضطرون إلی المعارف فهل تقولون إنهم مضطرون إلی الأفعال.

ص :142

قیل لا لأنّه تعالی قال وَ فٰاکِهَةٍ مِمّٰا یَتَخَیَّرُونَ (1) و لأن من تدبر ترغیبات القرآن فی الجنة و الثواب علم قطعا أن أهل الجنة غیر مضطرین إلی أفعالهم کما یضطر المرتعش إلی الرعشة.

إن قیل فإذا کانوا غیر مضطرین فلم یمنعهم من وقوع القبیح منهم.

قیل لأن اللّه تعالی قد خلق فیهم علما بأنهم متی حاولوا القبیح منعوا منه و هذا یمنع من الإقدام علی القبیح بطریق الإلجاء.

و یمکن أیضا أن یعلمهم استغناءهم بالحسن عن القبیح مع ما فی القبیح من المضرة فیکونون ملجئین إلی ألا یفعلوا القبیح .

فأما قوله ع و لا ینجی بشیء کان لها فمعناه أن أفعال المکلف التی یفعلها لأغراضه الدنیویة لیست طریقا إلی النجاة فی الآخرة کمن یُنْفِقُ مٰالَهُ رِئٰاءَ النّٰاسِ و لیست طرق النجاة إلاّ بأفعال البر التی یقصد فیها وجه اللّه تعالی لا غیر و قد أوضح ع ذلک بقوله فما أخذوه منها لها أخرجوا منه و حوسبوا علیه و ما أخذوه منها لغیرها قدموا علیه و أقاموا فیه .

فمثال الأول من یکتسب الأموال و یدخرها لملاذه و مثال الثانی من یکسبها لینفقها فی سبیل الخیرات و المعروف .

ثمّ قال ع و إنها عند ذوی العقول کفیء الظل... إلی آخر الفصل و إنّما قال کفیء الظل لأن العرب تضیف الشیء إلی نفسه قال تأبط شرا إذا حاص عینیه کری النوم لم یزل له کالئ من قلب شیحان فاتک (2) .

ص :143

و یمکن أن یقال الظل أعم من الفیء لأن الفیء لا یکون إلاّ بعد الزوال و کل فیء ظل و لیس کل ظل فیئا فلما کان فیهما تغایر معنوی بهذا الاعتبار صحت الإضافة .

و السابغ التام و قلص أی انقبض.

و قوله ع بینا تراه أصل بینا بین فأشبعت الفتحة فصارت بینا علی وزن فعلی ثمّ تقول بینما فتزید ما و المعنی واحد تقول بینا نحن نرقبه أتانا أی بین أوقات رقبتنا إیاه أتانا و الجمل تضاف إلیها أسماء الزمان کقولک أتیتک زمن الحجاج أمیر ثمّ حذفت المضاف الذی هو أوقات و ولی الظرف الذی هو بین الجملة التی أقیمت مقام المضاف إلیه کقوله وَ سْئَلِ الْقَرْیَةَ (1) .

و کان الأصمعی یخفض ببینا إذا صلح فی موضعه بین و ینشد بیت أبی ذؤیب بالجر بینا تعنقه الکمأة و روغه یوما أتیح له جریء سلفع (2) .

و غیره یرفع ما بعد بینا و بینما علی الابتداء و الخبر و ینشد هذا البیت علی الرفع.

و هذا المعنی متداول قال الشاعر ألا إنّما الدنیا کظل غمامة أظلت یسیرا ثمّ خفت فولت.

و قال ظل الغمام و أحلام المنام فما تدوم یوما لمخلوق علی حال

ص :144

بادروا آجالکم بأعمالکم

أی سابقوها و عاجلوها البدار العجلة و ابتاعوا الآخرة الباقیة بالدنیا الفانیة الزائلة .

و قوله فقد جد بکم أی حثثتم علی الرحیل یقال جد الرحیل و قد جد بفلان إذا أزعج و حث علی الرحیل .

و استعدوا للموت

یمکن أن یکون بمعنی أعدوا فقد جاء استفعل بمعنی أفعل کقولهم استجاب له أی أجابه.

و یمکن أن یکون بمعنی الطلب کما تقول استطعم أی طلب الطعام فیکون بالاعتبار الأول کأنّه قال أعدوا للموت عدة و بمعنی الاعتبار الثانی کأنّه قال اطلبوا للموت عدة.

و أظلکم قرب منکم کأنّه ألقی علیهم ظله و هذا من باب الاستعارة .

و العبث اللعب أو ما لا غرض فیه أو ما لا غرض صحیح فیه .

و قوله و لم یترککم سدی أی مهملین .

و قوله أن ینزل به موضعه رفع لأنّه بدل من الموت و الغائب المشار إلیه هو الموت .

و یحدوه الجدیدان یسوقه اللیل و النهار و قیل الغائب هنا هو الإنسان یسوقه الجدیدان إلی الدار التی هی داره الحقیقیة و هی الآخرة و هو فی الدنیا غائب علی الحقیقة عن داره التی خلق لها و الأول أظهر .

و قوله فتزودوا فی الدنیا من الدنیا کلام فصیح لأن الأمر الذی به یتمکن المکلف من إحراز نفسه فی الآخرة إنّما هو یکتسبه فی الدنیا منها و هو التقوی و الإخلاص و الإیمان .

و الفاء فی قوله فاتقی عبد ربّه لبیان ماهیة الأمر الذی یحرز الإنسان به نفسه

ص :146

و لتفصیل أقسامه و أنواعه کما تقول فعل الیوم فلان أفعالا جمیلة فأعطی فلانا و صفح عن فلان و فعل کذا و قد روی اتقی عبد ربّه بلا فاء بتقدیر هلا و معناه التحضیض .

و قد روی لیسوفها بکسر الواو و فتحها و الضمیر فی الروایة الأولی یرجع إلی نفسه و قد تقدم ذکرها قبل بکلمات یسیرة و یجوز أن یعنی به لیسوف التوبة کأنّه جعلها مخاطبة یقول لها سوف أوقعک و التسویف أن یقول فی نفسه سوف أفعل و أکثر ما یستعمل للوعد الذی لا نجاز له و من روی بفتح الواو جعله فعل ما لم یسم فاعله و تقدیره و یمنیه الشیطان التوبة أی یجعلها فی أمنیته لیکون مسوفا إیاها أی یعد من المسوفین المخدوعین .

و قوله فیا لها حسرة یجوز أن یکون نادی الحسرة و فتحة اللام علی أصل نداء المدعو کقولک یا للرجال و یکون المعنی هذا وقتک أیتها الحسرة فاحضری و یجوز أن یکون المدعو غیر الحسرة کأنّه قال یا للرجال للحسرة فتکون لامها مکسورة نحو الأصل لأنّها المدعو إلیه (1) إلاّ أنّها لما کانت للضمیر فتحت أی أدعوکم أیها الرجال لتقضوا العجب من هذه الحسرة

ابْنَ آدَمَ بِعْ دُنْیَاکَ بِآخِرَتِکَ تَرْبَحْهُمَا جَمِیعاً وَ لاَ تَبِعْ آخِرَتَکَ بِدُنْیَاکَ فَتَخْسَرَهُمَا جَمِیعاً وَ إِذَا رَأَیْتَ النَّاسَ فِی الْخَیْرِ فَقَاسِمْهُمْ فِیهِ (1) وَ إِذَا رَأَیْتَهُمْ فِی الشَّرِّ فَلاَ تَغْبِطْهُمْ عَلَیْهِ الْبَقَاءُ (2) هَاهُنَا قَلِیلٌ وَ الْبَقَاءُ هُنَاکَ طَوِیلٌ أُمَّتُکُمْ آخِرُ الْأُمَمِ وَ أَنْتُمْ آخِرُ أُمَّتِکُمْ وَ قَدْ أَسْرَعَ بِخِیارِکُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ (3) الْمُعَایَنَةَ فَکَأَنْ قَدْ هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ ذَهَبَتِ الدُّنْیَا بِحَالَیْهَا (4) وَ بَقِیَتِ الْأَعْمَالُ قَلاَئِدَ فِی الْأَعْنَاقِ فَیَا لَهَا مَوْعِظَةً لَوْ وَافَقَتْ مِنَ الْقُلُوبِ حَیَاةٌ أَلاَ إِنَّهُ لاَ أُمَّةَ بَعْدَ أُمَّتِکُمْ وَ لاَ نَبِیَّ بَعْدَ نَبِیِّکُمْ وَ لاَ کِتَابَ بَعْدَ کِتَابِکُمْ أَنْتُمْ تَسُوقُونَ النَّاسَ وَ السَّاعَةُ تَسُوقُکُمْ وَ إِنَّمَا یُنْتَظَرُ بِأَوَّلِکُمْ أَنْ یَلْحَقَ آخِرُکُمْ مَنْ رَأَی مُحَمَّداً ص فَقَدْ رَآهُ غَادِیاً رَائِحاً (5) لَمْ یَضَعْ لَبِنَةً عَلَی لَبِنَةٍ وَ لاَ قَصَبَةً عَلَی قَصَبَةٍ رُفِعَ لَهُ عَلَمٌ فَسَمَا إِلَیْهِ فَالْوَحَی الْوَحَی النَّجَاءَ النَّجَاءَ عَلَی مَا ذَا تَعْرُجُونَ (6) ذَهَبَ أَمَاثِلُکُمْ وَ أَنْتُمْ تَرْذُلُونَ (7) کُلَّ یَوْمٍ فَمَا تَنْتَظِرُونَ.

إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً عَلَی عِلْمٍ مِنْهُ اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ وَ بَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ وَ أَنْزَلَ إِلَیْهِ کِتَابَهُ وَ کَانَ صَفْوَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ وَ رَسُولَهُ إِلَی عِبَادِهِ ثُمَّ وَضَعَهُ مِنَ الدُّنْیَا مَوْضِعاً یَنْظُرُ إِلَیْهِ أَهْلُ الْأَرْضِ فَآتَاهُ فِیهَا قُوتاً وَ بُلْغَةً ثُمَّ قَالَ لَقَدْ کٰانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (8) فَرَکَنَ أَقْوَامٌ إِلَی غَیْرِ عِیشَتِهِ وَ سَخِطُوا مَا رَضِیَ لَهُ رَبُّهُ فَأَبْعَدَهُمْ وَ أَسْحَقَهُمْ.

یَا ابْنَ آدَمَ طَإِ الْأَرْضَ بِقَدَمِکَ فَإِنَّهَا عَنْ قَلِیلٍ قَبْرُکَ وَ اعْلَمْ أَنَّکَ لَمْ تَزَلْ فِی هَدْمِ عُمُرِکَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّکَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً نَظَرَ فَتَفَکَّرَ وَ تَفَکَّرَ فَاعْتَبَرَ وَ اعْتَبَرَ

ص :148

فَأَبْصَرَ وَ أَبْصَرَ فَأَقْصَرَ فَقَدْ أَبْصَرَ أَقْوَامٌ وَ لَمْ یُقْصِرُوا ثُمَّ هَلَکُوا فَلَمْ یُدْرِکُوا مَا طَلَبُوا وَ لاَ رَجَعُوا إِلَی مَا فَارَقُوا.

یَا ابْنَ آدَمَ اذْکُرْ قَوْلَهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ کُلَّ إِنسٰانٍ أَلْزَمْنٰاهُ طٰائِرَهُ فِی عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ یَوْمَ الْقِیٰامَةِ کِتٰاباً یَلْقٰاهُ مَنْشُوراً اِقْرَأْ کِتٰابَکَ کَفیٰ بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً عَدَلَ وَ اللَّهِ عَلَیْکَ مَنْ جَعَلَکَ حَسِیبَ نَفْسِکَ.

خُذُوا صَفْوَةَ الدُّنْیَا وَ دَعُوا کَدِرَهَا وَ دَعُوا مَا یُرِیبُکُمْ إِلَی مَا لاَ یُرِیبُکُمْ ظَهَرَ الْجَفَاءُ وَ قَلَّتِ الْعُلَمَاءُ وَ عَفَتِ السُّنَّةُ وَ شَاعَتِ الْبِدْعَةُ لَقَدْ صَحِبْتُ أَقْوَاماً مَا کَانَتْ صُحْبَتُهُمْ إِلاَّ قُرَّةَ عَیْنٍ لِکُلِّ مُسْلِمٍ وَ جَلاَءَ الصُّدُورِ وَ لَقَدْ رَأَیْتُ أَقْوَاماً کَانُوا مِنْ حَسَنَاتِهِمْ أَنْ تُرَدَّ عَلَیْهِمْ أَشْفَقَ مِنْکُمْ مِنْ سَیِّئَاتِکُمْ أَنْ تُعَذَّبُوا عَلَیْهَا وَ کَانُوا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الدُّنْیَا أَزْهَدَ مِنْکُمْ فِیمَا حَرَّمَ عَلَیْکُمْ مِنْهَا.

مَا لِی أَسْمَعُ حَسِیساً وَ لاَ أَرَی أَنِیساً ذَهَبَ النَّاسُ وَ بَقِیَ النَّسْنَاسُ (1) لَوْ تَکَاشَفْتُمْ مَا تَدَافَنْتُمْ تَهَادَیْتُمُ الْأَطْبَاقَ وَ لَمْ تَتَهَادَوُا النَّصَائِحَ أَعِدُّوا الْجَوَابَ فَإِنَّکُمْ مَسْئُولُونَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ مَنْ لاَ یَأْخُذُ دِینَهُ عَنْ رَأْیِهِ وَ لَکِنْ عَنْ رَبِّهِ (2) أَلاَ إِنَّ الْحَقَّ قَدْ أَجْهَدَ أَهْلَهُ وَ حَالَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ شَهَوَاتِهِمْ وَ مَا یَصْبِرُ عَلَیْهِ إِلاَّ مَنْ عَرَفَ فَضْلَهُ وَ رَجَا عَاقِبَتَهُ فَمَنْ حَمِدَ الدُّنْیَا ذَمَّ الْآخِرَةَ (3) وَ لاَ یَکْرَهُ لِقَاءَ اللَّهِ إِلاَّ مُقِیمٌ عَلَی مَا یُسْخِطُهُ إِنَّ الْإِیمَانَ لَیْسَ بِالتَّمَنِّی وَ لاَ بِالتَّشَهِّی وَ لَکِنْ مَا وَقَرَ فِی الْقُلُوبِ وَ صَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ.

و هذا کلام حسن و موعظة بالغة إلاّ أنّه فی الجزالة و الفصاحة دون کلام أمیر المؤمنین ع بطبقات

ص :149

وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَانَ لِمَنْ خَافَ اللَّهَ وَ بَاعَ قَلِیلاً بِکَثِیرٍ وَ فَانِیاً (1) بِبَاقٍ أَ لاَ تَرَوْنَ أَنَّکُمْ فِی أَسْلاَبِ الْهَالِکِینَ وَ سَیَسْلُبُهَا (2) بَعْدَکُمُ الْبَاقُونَ حَتَّی تُرَدَّ إِلَی خَیْرِ الْوَارِثِینَ ثُمَّ إِنَّکُمْ فِی کُلِّ یَوْمٍ تُشَیِّعُونَ غَادِیاً وَ رَائِحاً إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ قَضَی نَحْبَهُ وَ بَلَغَ أَجَلَهُ تُغَیِّبُونَهُ فِی صَدْعٍ مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ تَدَعُونَهُ غَیْرَ مُمَهَّدٍ وَ لاَ مُوَسَّدٍ قَدْ صَرَمَ الْأَسْبَابَ (3) وَ فَارَقَ الْأَحْبَابَ وَ وَاجَهَ الْحِسَابَ وَ صَارَ فِی التُّرَابِ غَنِیّاً عَمَّا تَرَکَ فَقِیراً إِلَی مَا قَدَّمَ.

(4)

وَ النَّفْسُ بِالسِّیَاقِ تُجْذَبُ وَ الْمَوْتُ بِالْفِرَاقِ یَقْرُبُ الْعُیُونُ لِهَوْلِ مَصْرَعِهِ تَسْکُبُ وَ الْحَامَّةُ عَلَیْهِ تُعَدِّدُ وَ تَنْدُبُ حَتَّی تَجَلَّی لَهُ مَلَکُ الْمَوْتِ مِنْ حُجُبِهِ فَقَضَی فِیهِ قَضَاءَ أَمْرِ رَبِّهِ فَعَافَهُ الْجَلِیسُ وَ أَوْحَشَ مِنْهُ الْأَنِیسُ وَ زَوَّدَ مِنْ مَالِهِ کَفَناً وَ حَصَرَ فِی الْأَرْضِ بِعَمَلِهِ مُرْتَهِناً وَحِیداً عَلَی کَثْرَةِ الْجِیرَانِ بَعِیداً عَلَی قُرْبِ الْمَکَانِ مُقِیماً بَیْنَ قَوْمٍ کَانُوا فَزَالُوا وَ حَوَتْ عَلَیْهِمُ الْحَادِثَاتُ فَحَالُوا لاَ یُخْبِرُونَ بِمَا إِلَیْهِ آلُوا وَ لَوْ قَدَرُوا عَلَی الْمَقَالِ لَقَالُوا قَدْ شَرِبُوا مِنَ الْمَوْتِ کَأْساً مَرَّةً وَ لَمْ یُفْقَدُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ ذَرَّةً وَ آلَی عَلَیْهِمُ الدَّهْرُ أَلْیَةَ بَرَّةٍ أَلاَّ یَجْعَلَ لَهُمُ الدُّنْیَا کَرَّةً کَأَنَّهُمْ لَمْ یَکُونُوا لِلْعُیُونِ قُرَّةً وَ لَمْ یَعْدُوا فِی الْأَحْیَاءِ مَرَّةً أَسْکَتَهُمُ الَّذِی أَنْطَقَهُمْ وَ أَبَادَهُمُ الَّذِی خَلَقَهُمْ وَ سَیُوجِدُهُمْ کَمَا خَلَقَهُمْ وَ یَجْمَعُهُمْ کَمَا فَرَّقَهُمْ یَوْمَ یُعِیدُ اللَّهُ الْعَالَمِینَ خَلْقاً جَدِیداً وَ یَجْعَلُ اللَّهُ الظَّالِمِینَ لِنَارِ جَهَنَّمَ وَقُوداً یَوْمَ تَجِدُ کُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَیْرٍ مُحْضَراً وَ مٰا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَیْنَهٰا وَ بَیْنَهُ أَمَداً بَعِیداً (1) .

ص :152

و الند المثل و النظیر و المثاور المواثب و الشریک المکاثر المفتخر بالکثرة و الضد المنافر المحاکم فی الحسب نافرت زیدا فنفرته أی غلبته و مربوبون مملوکون و داخرون ذلیلون خاضعون .

و لم ینأ لم یبعد و لم یؤده لم یتعبه و ذرأ خلق و ولجت علیه الشبهة بفتح اللام أی دخلت و المرهوب المخوف .

فأما قوله الذی لم یسبق له حال حالا فیکون أولا قبل أن یکون آخرا فیمکن تفسیره علی وجهین أحدهما أن معنی کونه أولا أنّه لم یزل موجودا و لا شیء من الأشیاء بموجود (1) أصلا و معنی کونه آخرا أنّه باق لا یزال و کل شیء من الأشیاء یعدم عدما محضا حسب عدمه فیما مضی و ذاته سبحانه ذات یجب لها اجتماع استحقاق هذین الاعتبارین معا فی کل حال فلا حال قط إلاّ و یصدق علی ذاته أنه (2) یجب کونها مستحقة للأولیة و الآخریة بالاعتبار المذکور استحقاقا ذاتیا ضروریا و ذلک الاستحقاق لیس علی وجه وصف الترتیب بل مع خلاف غیره من الموجودات الجسمانیة فإن غیره ممّا یبقی زمانین فصاعدا إذا نسبناه إلی ما یبقی دون زمان بقائه لم یکن استحقاقه الأولیة و الآخریة بالنسبة إلیه علی هذا الوصف بل إمّا یکون استحقاقا بالکلیة بأن یکون استحقاقا قریبا فیکون إنّما یصدق علیه أحدهما لأن الآخر لم یصدق علیه أو یکونا معا یصدقان علیه مجتمعین غیر مرتبین لکن لیس ذلک لذات الموصوف بالأولیة و الآخریة بل إنّما ذلک الاستحقاق لأمر خارج عن ذاته.

الوجه الثانی أن یرید بهذا الکلام أنّه تعالی لا یجوز أن یکون موردا للصفات المتعاقبة علی ما یذهب إلیه قوم من أهل التوحید قالوا لأنّه واجب لذاته و الواجب لذاته

ص :154

واجب من جمیع جهاته إذ لو فرضنا جواز اتصافه بأمر جدید ثبوتی أو سلبی لقلنا إن ذاته لا تکفی فی تحققه و لو قلنا ذلک لقلنا إن حصول ذلک الأمر أو سلبه عنه یتوقف علی حصول أمر خارج عن ذاته أو علی عدم أمر خارج عن ذاته فتکون ذاته لا محالة متوقفة علی حضور ذلک الحصول أو السلب و المتوقف علی المتوقف علی الغیر متوقف علی الغیر و کل متوقف علی الغیر ممکن و الواجب لا یکون ممکنا فیکون معنی الکلام علی هذا التفسیر نفی کونه تعالی ذا صفة بکونه أولا و آخرا بل إنّما المرجع بذلک إلی إضافات لا وجود لها فی الأعیان و لا یکون ذلک من أحوال ذاته الراجعة إلیها کالعالمیة و نحوها لأن تلک أحوال ثابتة و نحن إنّما ننفی عنه بهذه الحجة (1) الأحوال المتعاقبة .

و أمّا قوله أو یکون ظاهرا قبل أن یکون باطنا فإن للباطل و الظاهر تفسیرا علی وجهین أحدهما أنّه ظاهر بمعنی أن أدلة وجوده و أعلام ثبوته و إلهیته جلیة واضحة و معنی کونه باطنا أنّه غیر مدرک بالحواس الظاهرة بل بقوة أخری باطنة و هی القوّة العقلیّة.

و ثانیهما أنا نعنی بالظاهر الغالب یقال ظهر فلان علی بنی (2) فلان أی غلبهم و معنی الباطن العالم یقال بطنت سر فلان أی علمته و القول فی نفیه عنه سبحانه أن یکون ظاهرا قبل کونه باطنا کالقول فیما تقدم من نفیه عنه سبحانه کونه أولا قبل کونه آخرا .

و أمّا قوله کل مسمی بالوحدة غیره قلیل فلأن الواحد أقل العدد و معنی کونه واحدا یباین ذلک لأن معنی کونه واحدا إمّا نفی الثانی فی الإلهیة أو کونه یستحیل علیها الانقسام و علی کلا التفسیرین یسلب عنها مفهوم القلة.

هذا إذا فسرنا کلامه علی التفسیر الحقیقی و إن فسرناه علی قاعدة البلاغة و صناعة

ص :155

الخطابة کان ظاهرا لأن الناس یستحقرون القلیل لقلته و یستعظمون الکثیر لکثرته قال الشاعر تجمعتم من کل أوب و وجهة علی واحد لا زلتم قرن واحد .

و أمّا قوله و کل عزیز غیره ذلیل فهو حقّ لأن غیره من الملوک و إن کان عزیزا فهو ذلیل فی قبضة القضاء و القدر و هذا هو تفسیر قوله و کل قوی غیره ضعیف و کل مالک غیره مملوک .

و أمّا قوله و کل عالم غیره متعلم فهو حقّ لأنّه سبحانه مفیض العلوم علی النفوس فهو المعلم الأول جلت قدرته .

و أمّا قوله و کل قادر غیره یقدر و یعجز فهو حقّ لأنّه تعالی قادر لذاته و یستحیل علیه العجز و غیره قادر لأمر خارج عن ذاته أما لقدرة کما قاله قوم أو لبنیة و ترکیب کما قاله قوم آخرون و العجز علی من عداه غیر ممتنع و علیه مستحیل .

و أمّا قوله ع و کل سمیع غیره یصم عن لطیف الأصوات و یصمه کبیرها و یذهب عنه ما بعد منها فحق لأن کل ذی سمع من الأجسام یضعف سمعه عن إدراک خفی الأصوات و یتأثر من شدیدها و قویها لأنّه یسمع (1) بآلة جسمانیة و الآلة الجسمانیة ذات قوة متناهیة واقفة عند حدّ محدود و الباری تعالی بخلاف ذلک.

و اعلم أن أصحابنا اختلفوا فی کونه تعالی مدرکا للمسموعات و المبصرات فقال شیخنا أبو علی و أبو هاشم و أصحابهما إن کونه مدرکا صفة زائدة علی کونه عالما و قالا إنا نصف الباری تعالی فیما لم یزل بأنّه سمیع بصیر و لا نصفه بأنّه سامع مبصر و معنی کونه سامعا مبصرا أنّه مدرک للمسموعات و المبصرات.

ص :156

و قال شیخنا أبو القاسم و أبو الحسین و أصحابهما أن معنی کونه تعالی مدرکا هو أنّه عالم بالمدرکات و لا صفة له زائدة علی صفته بکونه عالما و هذا البحث مشروح فی کتبی الکلامیة لتقریر الطریقین و فی شرح الغرر (1) و غیرهما .

و القول فی شرح قوله و کل بصیر غیره یعمی عن خفی الألوان و لطیف الأجسام کالقول فیما تقدم فی إدراک السمع .

و أمّا قوله و کل ظاهر غیره غیر باطن و کل باطن غیره غیر ظاهر فحق لأن کل ظاهر غیره علی التفسیر الأول فلیس بباطن کالشمس و القمر و غیرهما من الألوان الظاهرة فإنها لیست إنّما تدرک بالقوة العقلیّة بل بالحواس الظاهرة و أمّا هو سبحانه فإنّه أظهر وجودا من الشمس لکن ذلک الظهور لم یمکن إدراکه بالقوی الحاسة الظاهرة بل بأمر آخر إمّا خفی فی باطن هذا الجسد أو مفارق لیس فی الجسد و لا فی جهة أخری غیر جهة الجسد.

و أمّا علی التفسیر الثانی فلأن کل ملک ظاهر علی رعیته أو علی خصومه و قاهر لهم لیس بعالم ببواطنهم و لیس مطلعا علی سرائرهم و البارئ تعالی بخلاف ذلک و إذا فهمت شرح القضیة الأولی فهمت شرح الثانیة و هی قوله و کل باطن غیره غیر ظاهر

الناس اختلفوا فی کمیة خلقه تعالی للعالم ما هی علی أقوال القول الأوّل قول الفلاسفة قال محمّد بن زکریا الرازیّ عن (1) أرسطاطالیس إنّه زعم أن العالم کان عن البارئ تعالی لأن جوهره و ذاته جوهر و ذات مسخرة للمعدوم أن یکون مسخرا موجودا.

قال و زعم ابن قیس أن علة وجود العالم وجود البارئ.قال و علی کلا القولین یکون العالم قدیما أما علی قول أرسطو فلأن جوهر ذات البارئ لما کان قدیما لم یزل وجب أن یکون أثرها و معلولها قدیما و أمّا علی قول ابن قیس فلأن البارئ موجود لم یزل لأن وجوده من لوازم ذاته فوجب أن یکون فیضه و أثره أیضا لم یزل هکذا.

قال ابن زکریا فأما الذی یقول أصحاب أرسطاطالیس الآن فی زماننا فهو أن العالم لم یجب عن اللّه سبحانه عن قصد و لا غرض لأن کل من فعل فعلا لغرض کان حصول ذلک الغرض له أولی من لا حصوله فیکون کاملا لحصول ذلک الغرض و واجب الوجود لا یجوز أن یکون کاملا بأمر خارج عن ذاته لأن الکامل لا من ذاته ناقص من ذاته.

قالوا لکن تمثل نظام العالم فی علم واجب الوجود یقتضی فیض ذلک النظام منه قالوا و هذا معنی قول الحکماء الأوائل إن علمه تعالی فعلی لا انفعالی و إن العلم علی قسمین أحدهما ما یکون المعلوم سببا له و الثانی ما یکون هو سبب المعلوم مثال الأول أن نشاهد صورة فنعلمها و مثال الثانی أن یتصور الصائغ أو النجّار أو البناء کیفیة العمل فیوقعه فی الخارج علی حسب ما تصوره.

ص :158

قالوا و علمه تعالی من القسم الثانی و هذا هو المعنی المعبر عنه بالعنایة و هو إحاطة علم الأول الحق سبحانه بالکل و بالواجب أن یکون علیه الکل حتّی یکون علی أحسن النظام و بأن ذلک واجب عن إحاطته فیکون الموجود وفق المعلوم من غیر انبعاث قصد و طلب عن الأول الحق سبحانه فعلمه تعالی بکیفیة الصواب فی ترتیب الکل هو المنبع لفیضان الوجود فی الکل.

القول الثانی قول حکاه أبو القاسم البلخیّ عن قدماء الفلاسفة و إلیه کان یذهب محمّد بن زکریا الرازیّ من المتأخرین.

و هو أن علة خلق البارئ للعالم تنبیه النفس علی أن ما تراه من الهیولی و تریده غیر ممکن لترفض محبتها إیاها و عشقها لها و تعود إلی عالمها الأول غیر مشتاقة إلی هذا العالم.

و اعلم أن هذا القول هو القول المحکی عن الحرنانیة (1) أصحاب القدماء الخمسة و حقیقة مذهبهم إثبات قدماء خمسة اثنان منهم حیان فاعلان و هما البارئ تعالی و النفس و مرادهم بالنفس ذات هی مبدأ لسائر النفوس التی فی العالم کالأرواح البشریة و القوی النباتیة و النفوس الفلکیة و یسمون هذه الذات النفس الکلیة و واحد من الخمسة منفعل غیر حی و هو الهیولی و اثنان لا حیان و لا فاعلان و لا منفعلان و هما الدهر و القضاء قالوا و البارئ تعالی هو مبدأ العلوم و المنفعلات و هو قائم العلم و الحکمة کما أن النفس مبدأ الأرواح و النفوس فالعلوم و المنفعلات تفیض من البارئ سبحانه فیض النور عن قرص الشمس و النفوس و الأرواح تفیض عن النفس الکلیة فیض النور عن القرص إلاّ أن النفوس جاهلة لا تعرف الأشیاء إلاّ علی أحد (2) وجهین إمّا أن یفیض فیض البارئ تعالی علیها تعقلا و إدراکا و إمّا أن تمارس غیرها و تمازجه فتعرف ما تعرف باعتبار الممارسة و المخالطة معرفة ناقصة و کان البارئ تعالی فی الأزل عالما بأن النفس تمیل إلی التعلق بالهیولی

ص :159

و تعشقها و تطلب اللذة الجسمانیة و تکره مفارقة الأجسام و تنسی نفسها و لما کان البارئ سبحانه قائم العلم و الحکمة اقتضت حکمته ترکب الهیولی لما تعلقت النفس بها ضروبا مختلفة من التراکیب فجعل منها أفلاکا و عناصر و حیوانات و نباتات فأفاض علی النفوس تعقلا و شعورا جعله سببا لتذکرها عالمها الأول و معرفتها أنّها ما دامت فی هذا العالم مخالطة للهیولی لم تنفک عن الآلام فیصیر ذلک مقتضیا شوقها إلی عالمها الأول الذی لها فیه اللذات الخالیة عن الآلام و رفضها هذا العالم الذی هو سبب أذاها و مضرتها.

القول الثالث قول لمجوس إن الغرض من خلق العالم أن یتحصن الخالق جل اسمه من العدو و أن یجعل العالم شبکة له لیوقع العدو فیه و یجعله فی ربط و وثاق و العدو عندهم هو الشیطان و بعضهم یعتقد قدمه و بعضهم حدوثه.

قال قوم منهم إن البارئ تعالی استوحش ففکر فکرة ردیئة فتولد منها الشیطان .

و قال آخرون بل شک شکا ردیئا فتولد الشیطان من شکه.

و قال آخرون بل تولد من عفونة ردیئة قدیمة و زعموا أن الشیطان حارب البارئ سبحانه و کان فی الظلم لم یزل بمعزل عن سلطان البارئ سبحانه فلم یزل یزحف حتّی رأی النور فوثب وثبة عظیمة فصار فی سلطان اللّه تعالی فی النور و أدخل معه الآفات و البلایا و السرور فبنی اللّه سبحانه هذه الأفلاک و الأرض و العناصر شبکة له و هو فیها محبوس لا یمکنه الرجوع إلی سلطانه الأول و صار فی (1) الظلمة فهو أبدا یضطرب و یرمی الآفات علی خلق اللّه سبحانه فمن أحیاه اللّه رماه الشیطان بالموت و من أصحه رماه الشیطان بالسقم و من سره رماه بالحزن و الکآبة فلا یزال کذلک و کل یوم ینتقص (2) سلطانه و قوته لأن اللّه تعالی یحتال له کل یوم و یضعفه إلی أن تذهب قوته کلها

ص :160

و تجمد و تصیر جمادا لا حراک به فیضعه اللّه تعالی حینئذ فی الجو و الجو عندهم هو الظلمة و لا منتهی له فیصیر فی الجو جمادا جامدا هوائیا و یجمع اللّه تعالی أهل الأدیان فیعذبهم بقدر ما یطهرهم و یصفیهم من طاعة الشیطان و یغسلهم من الأدناس ثمّ یدخلهم الجنة و هی جنة لا أکل فیها و لا شرب و لا تمتع و لکنها موضع لذة و سرور.

القول الرابع قول المانویة و هو أن النور لا نهایة له من جهة فوق و أمّا من جهة تحت فله نهایة و الظلمة لا نهایة لها من جهة أسفل و أمّا من جهة فوق فلها نهایة و کان النور و الظلمة هکذا قبل خلق العالم و بینهما فرجة و أن بعض أجزاء النور اقتحم تلک الفرجة لینظر إلی الظلمة فأسرته (1) الظلمة فأقبل عالم کثیر من النور فحارب الظلمة لیستخلص المأسورین من تلک الأجزاء و طالت الحرب و اختلط کثیر من أجزاء النور بکثیر من أجزاء الظلمة فاقتضت حکمة نور الأنوار و هو البارئ سبحانه عندهم أن عمل الأرض من لحوم القتلی و الجبال من عظامهم و البحار من صدیدهم و دمائهم و السماء من جلودهم و خلق الشمس و القمر و سیرهما لاستقصاء ما فی هذا العالم من أجزاء النور المختلطة بأجزاء الظلمة و جعل حول هذا العالم خندقا خارج الفلک الأعلی یطرح فیه الظلام المستقصی فهو لا یزال یزید و یتضاعف و یکثر فی هذا الخندق و هو ظلام صرف قد استقصی نوره و أمّا النور المستخلص فیلحق بعد الاستقصاء بعالم الأنوار من فوق فلا تزال الأفلاک متحرکة و العالم مستمرا إلی أن یتم استقصاء النور الممتزج و حینئذ یبقی من النور الممتزج شیء یسیر فینعقد بالظلمة لا تقدر النیران علی استقصائه فعند ذلک تسقط الأجسام العالیة و هی الأفلاک علی الأجسام السافلة و هی الأرضون و تثور نار و تضطرم فی تلک الأسافل

ص :161

و هی المسماة بجهنم و یکون الاضطرام مقدار ألف و أربعمائة سنة فتحلل بتلک النار تلک الأجزاء المنعقدة من النور الممتزجة بأجزاء الظلمة التی عجز الشمس و القمر عن استقصائها فیرتفع إلی عالم الأنوار و یبطل العالم حینئذ و یعود النور کله إلی حالة الأولی قبل الامتزاج فکذلک الظلمة.

القول الخامس قول متکلمی الإسلام و هو علی وجوه أولها قول جمهور أصحابنا إن اللّه تعالی إنّما خلق العالم للإحسان إلیهم و الإنعام علی الحیوان لأن خلقه حیا نعمة علیه لأن حقیقة النعمة موجودة فیه و ذلک أن النعمة هی المنفعة المفعولة للإحسان و وجود الجسم حیا منفعة مفعولة للإحسان أما بیان کون ذلک منفعة فلأن المنفعة هی اللذة و السرور و دفع المضار المخوفة و ما أدی إلی ذلک و صححه أ لا تری أن من أشرف علی أن یهوی من جبل فمنعه بعض الناس من ذلک فإنّه یکون منعما علیه و من سر غیره بأمر و أوصل إلیه لذة یکون قد أنعم علیه و من دفع إلی غیره مالا یکون قد أنعم علیه لأنّه قد مکنه بدفعه إلیه من الانتفاع و صححه له و لا ریب أن وجودنا أحیاء یصحح لنا اللذات و یمکننا منها لأنا لو لم نکن أحیاء لم یصحّ ذلک فینا قالوا و إنّما قلنا إن هذه المنفعة مفعولة للإحسان لأنّها إمّا أن تکون مفعولة لا لغرض أو لغرض و الأول باطل لأن ما یفعل لا لغرض عبث و البارئ سبحانه لا یصحّ أن تکون أفعاله عبثا لأنّه حکیم.

و أمّا الثانی فإما أن یکون ذلک الغرض عائدا علیه سبحانه بنفع أو دفع ضرر أو یعود علی غیره و الأول باطل لأنّه غنی لذاته یستحیل علیه المنافع و المضار و لا یجوز أن یفعله لمضرة یوصلها إلی غیره لأن القصد إلی الإضرار بالحیوان من غیر استحقاق و لا منفعة یوصل إلیها بالمضرة قبیح تعالی اللّه عنه فثبت أنّه سبحانه إنّما خلق الحیوان

ص :162

لنفعه و أمّا غیر الحیوان فلو لم یفعله لینفع به الحیوان لکان خلقه عبثا و البارئ تعالی لا یجوز علیه العبث فإذا جمیع ما فی العالم إنّما خلقه لینفع به الحیوان.

فهذا هو الکلام فی علة خلق العالم عندهم و أمّا الکلام فی وجه حسن تکلیف الإنسان فذاک مقام آخر لسنا الآن فی بیانه و لا الحاجة داعیة إلیه.

و ثانیها قول قوم من أصحابنا البغدادیین إنّه خلق الخلق لیظهر به لأرباب العقول صفاته الحمیدة و قدرته علی کل ممکن و علمه بکل معلوم و ما یستحقه من الثناء و الحمد قالوا

966

وَ قَدْ وَرَدَ الْخَبَرُ أَنَّهُ تَعَالَی قَالَ :کُنْتُ کَنْزاً لاَ أُعْرَفُ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُعْرَفَ.

و هذا القول لیس بعیدا.

و ثالثها للمجبرة إنّه خلق الخلق لا لغرض أصلا و لا یقال (1) لم کان کل شیء لعلة و لا علة لفعله و مذهب الأشعری و أصحابه أن إرادته القدیمة تعلقت بإیجاد العالم فی الحال التی وجد فیها لذاتها و لا لغرض و لا لداع و ما کان یجوز ألا یوجد العالم حیث وجد لأن الإرادة القدیمة لا یجوز أن تتقلب و تتغیر حقیقتها و کذلک القول عندهم فی أجزاء العالم المجددة من الحرکات و السکنات و الأجسام و سائر الأعراض.

و رابعها قول بعض المتکلّمین إن البارئ تعالی إنّما فعل العالم لأنّه ملتذ بأن یفعل و أجاز أرباب هذا القول علیه اللذة و السرور و الابتهاج قالوا و البارئ سبحانه و إن کان قبل أن یخلق العالم ملتذا بکونه قادرا علی خلق العالم إلاّ أن لذة الفعل أقوی من لذة القدرة علی الفعل کان یلتذ بأنّه قادر علی أن یکتب خطا مستحسنا أو یبنی بیتا محکما فإنّه إذا أخرج تلک الصناعة من القوّة إلی الفعل کانت لذته أتم و أعظم قالوا و لم یثبت بالدلیل العقلی استحالة اللذة علیه و قد ورد فی الآثار النبویّة أن اللّه تعالی یسر و اتفقت الفلاسفة علی أنّه ملتذ بذاته و کماله.

ص :163

و عندی فی هذا القول نظر و لی فی اللذة و الألم رسالة مفردة و أمّا قوله لم یحلل فی الأشیاء فیقال لا هو فیها کائن و لا منها مباین فینبغی أن یحمل علی أنّه أراد أنّه لم ینأ عن الأشیاء نأیا مکانیا فیقال هو بائن بالمکان هکذا ینبغی أن یکون مراده لأنّه لا یجوز إطلاق القول بأنّه لیس ببائن عن الأشیاء و کیف و المجرد بالضرورة بائن عن ذی الوضع و لکنها بینونة بالذات لا بالجهة و المسلمون کلهم متفقون علی أنّه تعالی یستحیل أن یحل فی شیء إلاّ من اعتزی إلی الإسلام من الحلولیة کالذین قالوا بحلوله فی علی و ولده و کالذین قالوا بحلوله فی أشخاص یعتقدون فیها إظهاره کالحلاجیة و غیرهم و الدلیل علی استحالة حلوله سبحانه فی الأجسام أنّه لو صح أن یحل فیها لم یعقل منفردا بنفسه أبدا کما أن السواد لا یعقل کونه غیر حال فی الجسم لأنّه لو یعقل غیر حال فی الجسم لم یکن سوادا و لا یجوز أن یکون اللّه تعالی حالا أبدا و لا أن یلاقی الجسم إذ ذلک یستلزم قدم الأجسام و قد ثبت أنّها حادثة .

فأما قوله لم یؤده خلق ما ابتدأ إلی قوله عما خلق فهو حقّ لأنّه تعالی قادر لذاته و القادر لذاته لا یتعب و لا یعجز لأنّه لیس بجسم و لا قادر بقدرة یقف مقدورها عند حدّ و غایة بل إنّما یقدر علی شیء لأنّه تعالی ذات مخصوصة یجب لها أن تقدر علی الممکنات فیکون کل ممکن داخلا تحت هذه القضیة الکلیة و الذات التی تکون هکذا لا تعجز و لا تقف مقدوراتها عند حدّ و غایة أصلا و یستحیل علیها التعب لأنّها لیست ذات أعضاء و أجزاء .

و أمّا قوله و لا ولجت علیه شبهة إلی قوله و أمر مبرم فحق لأنّه تعالی عالم لذاته أی إنّما علم ما علمه لا بمعنی أن یتعلق بمعلوم دون معلوم بل إنّما علم أی شیء أشرت إلیه لأنّه ذات مخصوصة و نسبة تلک الذات إلی غیر ذلک الشیء المشار إلیه

ص :164

کنسبتها إلی المشار إلیه فکانت عالمة بکل معلوم و استحال دخول الشبهة علیها فیما یقضیه و یقدره .

و أمّا قوله المأمول مع النقم المرهوب مع النعم فمعنی لطیف و إلیه وقعت الإشارة بقوله تعالی أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُریٰ أَنْ یَأْتِیَهُمْ بَأْسُنٰا بَیٰاتاً وَ هُمْ نٰائِمُونَ أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُریٰ أَنْ یَأْتِیَهُمْ بَأْسُنٰا ضُحًی وَ هُمْ یَلْعَبُونَ (1) و قوله سبحانه سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لاٰ یَعْلَمُونَ (2) و قوله تعالی فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً (3) و قوله سبحانه فَعَسیٰ أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَ یَجْعَلَ اللّٰهُ فِیهِ خَیْراً کَثِیراً (4) و إلیه نظر الشاعر فی قوله من عاش لاقی ما یسوء

و قال البحتری یسرک الشیء قد یسوء و کم

و قال آخر رب غم یدب تحت سرور و سرور یأتی من المحذور.

و قال سعید بن حمید کم نعمة مطویة لک بین أثناء النوائب (5)

ص :165

و مسرة قد أقبلت

من حیث تنتظر المصائب.

و قال آخر أنتظر الروح و أسبابه أیأس ما کنت من الروح.

و قال آخر ربما تجزع النفوس من الأمر له فرجة کحل العقال (1) .

و قال آخر العسر أکرمه لیسر بعده

و قال الحلاج و لربما هاج الکبیر

و قال آخر یا راقد اللیل مسرورا بأوله إن الحوادث قد یطرقن أسحارا.

و قال آخر کم مرة حفت بک المکاره خار لک اللّه و أنت کاره.

و من شعری الذی أناجی به البارئ سبحانه فی خلواتی و هو فن أطویه و أکتمه عن الناس و إنّما ذکرت بعضه فی هذا الموضع لأن المعنی ساق إلیه و الحدیث ذو شجون یا من جفانی فوجدی بعده عدم هبنی أسأت فأین العفو و الکرم

ص :166

أنا المرابط دون الناس فاجف و صل

ص :167

قوله و تجلببوا السکینة أی اجعلوا السکینة و الحلم و الوقار جلبابا لکم و الجلباب الثوب المشتمل علی البدن .

قوله و عضوا علی النواجذ جمع ناجذ و هو أقصی الأضراس و للإنسان أربعة نواجذ فی کل شق و النواجذ بعد الأرحاء و یسمی الناجذ ضرس الحلم لأنّه ینبت بعد البلوغ و کمال العقل و یقال إن العاض علی نواجذه ینبو السیف عن هامته نبوا ما و هذا ممّا یساعد التعلیل الطبیعی علیه و ذلک أنّه إذا عض علی نواجذه تصلبت الأعصاب و العضلات المتصلة بدماغه و زال عنها الاسترخاء فکانت علی مقاومة السیف أقدر و کان تأثیر السیف فیها أقل .

و قوله فإنه أنبی الضمیر راجع إلی المصدر الذی دل الفعل علیه تقدیره فإن العض أنبی کقولهم من فعل خیرا کان له خیرا أی کان فعله خیرا و أنبی أفعل من نبا السیف إذا لم یقطع.

قال الراوندیّ هذا کلام لیس علی حقیقته بل هو کنایة عن الأمر بتسکین القلب و ترک اضطرابه و استیلاء الرعدة علیه إلی أن قال ذلک أشدّ إبعادا لسیف العدو عن هامتکم .

قوله و أکملوا اللأمة اللأمة بالهمزة الدرع و الهمزة ساکنة علی فعلة مثل النأمة للصوت و إکمالها أن یزاد علیها البیضة و السواعد و نحوها و یجوز أن یعبر باللأمة عن جمیع أداة الحرب کالدرع و الرمح و السیف یرید أکملوا السلاح الذی تحاربون العدو به .

قوله و قلقلوا السیوف فی أغمادها قبل سلها یوم الحرب لئلا یدوم مکثها فی الأجفان فتلحج (1) فیها فیستصعب (2) سلها وقت الحاجة إلیها .

و قوله و الحظوا الخزر الخزر أن ینظر الإنسان بعینه و کأنّه ینظر بمؤخرها و هی أمارة الغضب و الذی أعرفه الخزر بالتحریک قال الشاعر

ص :169

إذا تخازرت و ما بی من خزر

فإن کان قد جاء مسکنا فتسکینه جائز للسجعة الثانیة و هی قوله و اطعنوا الشزر و الطعن شزرا هو الطعن عن الیمین و الشمال و لا یسمی الطعن تجاه الإنسان شزرا و أکثر ما تستعمل لفظة الشزر فی الطعن لما کان عن الیمین خاصّة و کذلک إدارة الرحی و خزرا و شزرا صفتان لمصدرین محذوفین تقدیره الحظوا لحظا خزرا و اطعنوا طعنا شزرا و عین اطعنوا مضمومة یقال طعنت بالرمح اطعن بالضم و طعنت فی نسبه أطعن بالفتح أی قدحت قال یطوف بی عکب فی معد و یطعن بالصملة فی قفیا (1) .

قوله نافحوا بالظبی أی ضاربوا نفحة بالسیف أی ضربة و نفحت الناقة برجلها أی ضربت و الظبی جمع ظبة و هی طرف السیف .

قوله و صلوا السیوف بالخطا مثل قول الشاعر إذا قصرت أسیافنا کان وصلها خطانا إلی أعدائنا فنضارب (2) .

قالوا بکسر نضارب لأنّه معطوف علی موضع جزاء الشرط الذی هو إذا.

و قال آخر نصل السیوف إذا قصرن بخطونا یوما و نلحقها إذا لم تلحق (3) .

و أنشدنی شیخنا أبو القاسم الحسین بن عبد اللّه العکبری و لم یسم قائله و وجدته بعد لنابغة بنی الحارث بن کعب إن تسألی عنا سمی فإنّه یسمو إلی قحم العلا أدنانا (4)

ص :170

و تبیت جارتنا حصانا عفة

و قال حمید بن ثور الهلالی إلی أن نزلنا بالفضاء و ما لنا

و هذه الأبیات من قطعة لحمید جیدة و من جملتها قضی اللّه فی بعض المکاره للفتی

و من المعنی الذی نحن فی ذکره

967

مَا رُوِیَ أَنَّ رَجُلاً مِنَ اَلْأَزْدِ رَفَعَ إِلَی اَلْمُهَلَّبِ سَیْفاً لَهُ فَقَالَ یَا عَمِّ کَیْفَ تَرَی سَیْفِی هَذَا فَقَالَ إِنَّهُ لَجَیِّدٌ لَوْ لاَ أَنَّهُ قَصِیرٌ قَالَ أُطَوِّلُهُ یَا عَمِّ بِخُطْوَتِی فَقَالَ وَ اللَّهِ یَا ابْنَ أَخِی إِنَّ الْمَشْیَ إِلَی اَلصِّینِ أَوْ إِلَی آذَرْبِیجَانَ عَلَی أَنْیَابِ الْأَفَاعِیِّ أَسْهَلُ مِنْ تِلْکَ الْخُطْوَةِ. و لم یقل المهلب ذلک جبنا بل قال ما توجبه الصورة إذ کانت

ص :171

تلک الخطوة قریبة للموت قال أبو سعد (1) المخزومی فی هذا المعنی رب نار رفعتها و دجی اللیل

من الناس من یرویها فی دیوانه لجانی بالجیم أی حملت الحمالة عنه و منهم من یرویها بالحاء یعنی الخمار.

و من المعنی المذکور أولا قول بعض الشعراء یمدح صخر بن عمرو بن الشرید الأسلمی إن ابن عمرو بن الشرید

و مثله قول الراجز یخطو إذا ما قصر العضب الذکر خطوا تری منه المنایا تبتدر.

و مثله و إنا لقوم ما نری القتل سبة

و منها و إن قصرت أسیافنا کان وصلها خطانا إلی أعدائنا فتطول.

ص :172

و مثله قول وداک بن ثمیل المازنی مقادیم وصالون فی الروع خطوهم

و قال آخر إذا الکمأة تنحوا أن یصیبهم حد السیوف وصلناها بأیدینا (1) .

و قال آخر وصلنا الرقاق المرهفات بخطونا علی الهول حتّی أمکنتنا المضارب (2) .

و قال بعض الرجاز الطاعنون فی النحور و الکلی و الواصلون للسیوف بالخطا (3) .

قوله ع و اعلموا أنکم بعین اللّه أی یراکم و یعلم أعمالکم و الباء هاهنا کالباء فی قوله أنت بمرأی منی و مسمع .

قوله فعاودوا الکر أی إذا کررتم علی العدو کره فلا تقتصروا علیها بل کروا کرة أخری بعدها ثمّ قال لهم و استحیوا من الفرار فإنّه عار فی الأعقاب أی فی الأولاد فإن الأبناء یعیرون بفرار الآباء و یجوز أن یرید بالأعقاب جمع عقب و هو العاقبة و ما یئول إلیه الأمر قال سبحانه خَیْرٌ ثَوٰاباً وَ خَیْرٌ عُقْباً (4) أی خیر عاقبة فیعنی علی هذا الوجه أن الفرار عار فی عاقبة أمرکم و ما یتحدث به الناس فی مستقبل الزمان عنکم .

ثمّ قال و نار یوم الحساب لأن الفرار من الزحف ذنب عظیم و هو عند

ص :173

أصحابنا المعتزلة من الکبائر قال اللّه تعالی وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّٰ مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلیٰ فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ مَأْوٰاهُ جَهَنَّمُ (1) و الجهاد بین یدی الإمام کالجهاد بین یدی الرسول ع .قوله ع و طیبوا عن أنفسکم نفسا لما نصب نفسا علی التمییز وحده لأن التمییز لا یکون إلاّ واحدا و إن کان فی معنی الجمع تقول انعموا بالا و لا تضیقوا ذرعا و أبقی الأنفس علی جمعها لما لم یکن به حاجة إلی توحیدها یقول وطنوا أنفسکم علی الموت و لا تکرهوه و هونوه علیکم تقول طبت عن مالی نفسا إذا هونت ذهابه .

و قوله و امشوا إلی الموت مشیا سجحا أی سهلا و السجاحة السهولة یقال (2) فی أخلاق فلان سجاحة و من رواه سمحا أراد سهلا أیضا .

و السواد الأعظم یعنی به جمهور أهل الشام .قوله و الرواق المطنب یرید به مضرب معاویة ذا الأطناب و کان معاویة فی مضرب علیه قبة عالیة و حوله صنادید أهل الشام و ثبجه وسطه و ثبج الإنسان ما بین کاهله إلی ظهره .

و الکسر جانب الخباء و قوله فإن الشیطان کامن فی کسره یحتمل وجهین أحدهما أن یعنی به الشیطان الحقیقی و هو إبلیس و الثانی أن یعنی به معاویة و الثانی هو الأظهر للقرینة التی تؤیده و هی قوله قد قدم للوثبة یدا و أخر للنکوص رجلا أی إن جبنتم وثب و إن شجعتم نکص أی تأخر و فر و من حمله علی الوجه الأوّل جعله من باب المجاز أی إن إبلیس کالإنسان الذی یعتوره دواع مختلفة بحسب المتجددات فإن أنتم صدقتم عدوکم القتال فر عنکم بفرار عدوکم و إن تخاذلتم و تواکلتم طمع فیکم بطمعه و أقدم علیکم بإقدامه.

ص :174

و قوله ع فصمدا صمدا أی اصمدوا صمدا صمدا صمدت لفلان أی قصدت له .

و قوله حتی ینجلی لکم عمود الحق أی یسطع نوره و ضوءه و هذا من باب الاستعارة و الواو فی قوله وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ واو الحال .

وَ لَنْ یَتِرَکُمْ أَعْمٰالَکُمْ

أی لن ینقصکم و هاهنا مضاف محذوف تقدیره جزاء أعمالکم و هو من کلام اللّه تعالی رصع به خطبته ع.

و هذا الکلام خطب به أمیر المؤمنین ع فی الیوم الذی کانت عشیته لیلة الهریر فی کثیر من الروایات.

968

1- وَ فِی رِوَایَةِ نَصْرِ (1) بْنِ مُزَاحِمٍ أَنَّهُ خَطَبَ بِهِ فِی أَوَّلِ أَیَّامِ اللِّقَاءِ وَ الْحَرْبِ بِصِفِّینَ وَ ذَلِکَ فِی صَفَرَ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَ ثَلاَثِینَ .

وَ صَهِیلٌ فَرَکِبَهُ وَ قَالَ سُبْحٰانَ الَّذِی سَخَّرَ لَنٰا هٰذٰا وَ مٰا کُنّٰا لَهُ مُقْرِنِینَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِیِّ الْعَظِیمِ .

970

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ قَالَ کَانَ عَلِیٌّ ع إِذَا سَارَ إِلَی قِتَالٍ ذَکَرَ اسْمَ اللَّهِ قَبْلَ (1) أَنْ یَرْکَبَ کَانَ یَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَی نِعَمِهِ عَلَیْنَا وَ فَضْلِهِ سُبْحٰانَ الَّذِی سَخَّرَ لَنٰا هٰذٰا وَ مٰا کُنّٰا لَهُ مُقْرِنِینَ وَ إِنّٰا إِلیٰ رَبِّنٰا لَمُنْقَلِبُونَ (2) ثُمَّ یَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَ یَرْفَعُ یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ إِلَیْکَ نُقِلَتِ الْأَقْدَامُ وَ أُتْعِبَتِ الْأَبْدَانُ وَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ وَ رُفِعَتِ الْأَیْدِی وَ شَخَصَتِ الْأَبْصَارُ رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنٰا وَ بَیْنَ قَوْمِنٰا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفٰاتِحِینَ (3) ثُمَّ یَقُولُ سِیرُوا عَلَی بَرَکَةِ اللَّهِ ثُمَّ یَقُولُ اللَّهُ أَکْبَرُ اللَّهُ أَکْبَرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ اللَّهُ أَکْبَرُ یَا اللَّهُ یَا أَحَدُ یَا صَمَدُ یَا رَبَّ مُحَمَّدٍ اکْفُفْ عَنَّا بَأْسَ (4) الظَّالِمِینَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ اَلرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ مٰالِکِ یَوْمِ الدِّینِ إِیّٰاکَ نَعْبُدُ وَ إِیّٰاکَ نَسْتَعِینُ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِیِّ الْعَظِیمِ قَالَ وَ کَانَتْ هَذِهِ الْکَلِمَاتُ شِعَارَهُ بِصِفِّینَ .

971

1- قَالَ وَ رَوَی سَعْدُ بْنُ طَرِیفٍ عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ مَا کَانَ عَلِیٌّ ع فِی قِتَالٍ إِلاَّ نَادَی یَا کهیعص .

972

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا قَیْسُ بْنُ الرَّبِیعِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ حَسَّانَ الْعِجْلِیِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِیّاً ع یَقُولُ یَوْمَ لِقَائِهِ أَهْلَ اَلشَّامِ بِصِفِّینَ اللَّهُمَّ إِلَیْکَ رُفِعَتِ الْأَبْصَارُ وَ بُسِطَتِ الْأَیْدِی وَ نُقِلَتِ الْأَقْدَامُ وَ دَعَتِ الْأَلْسُنُ وَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ وَ تُحُوکِمَ إِلَیْکَ فِی الْأَعْمَالِ فَاحْکُمْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفٰاتِحِینَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْکُو إِلَیْکَ غَیْبَةَ

ص :176

نَبِیِّنَا وَ قِلَّةَ عَدَدِنَا وَ کَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَ تَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا وَ شِدَّةَ الزَّمَانِ وَ ظُهُورَ الْفِتَنِ فَأَعِنَّا عَلَی ذَلِکَ بِفَتْحٍ مِنْکَ تُعَجِّلُهُ وَ نَصْرٍ تُعِزُّ بِهِ سُلْطَانَ الْحَقِّ وَ تُظْهِرُهُ

(1)

.

973

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَلاَّمِ بْنِ سُوَیْدٍ عَنْ عَلِیٍّ ع فِی قَوْلِهِ وَ أَلْزَمَهُمْ کَلِمَةَ التَّقْویٰ قَالَ هِیَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ فِی قَوْلِهِ اللَّهُ أَکْبَرُ قَالَ هِیَ آیَةُ النَّصْرِ قَالَ سَلاَّمٌ :کَانَتْ شِعَارَهُ ع یَقُولُهَا فِی الْحَرْبِ ثُمَّ یَحْمِلُ فَیُورِدُ وَ اللَّهِ مَنِ أَتْبَعَهُ وَ مَنْ حَادَّهُ حِیَاضَ الْمَوْتِ .

974

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا (2) عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ لَمَّا کَانَ غَدَاةُ الْخَمِیسِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَ ثَلاَثِینَ صَلَّی عَلِیٌّ ع الْغَدَاةَ فَغَلَّسَ مَا رَأَیْتُ عَلِیّاً غَلَّسَ بِالْغَدَاةِ أَشَدَّ مِنْ تَغْلِیسِهِ یَوْمَئِذٍ وَ خَرَجَ بِالنَّاسِ إِلَی أَهْلِ اَلشَّامِ فَزَحَفَ نَحْوَهُمْ وَ کَانَ هُوَ یَبْدَؤُهُمْ فَیَسِیرُ إِلَیْهِمْ فَإِذَا رَأَوْهُ قَدْ زَحَفَ اسْتَقْبَلُوهُ بِزُحُوفِهِمْ .

975

1- قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنِی (3) عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مَالِکِ بْنِ أَعْیَنَ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ لَمَّا خَرَجَ عَلِیٌّ ع إِلَیْهِمْ غَدَاةَ ذَلِکَ الْیَوْمِ فَاسْتَقْبَلُوهُ رَفَعَ یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذَا السَّقْفِ الْمَحْفُوظِ الْمَکْفُوفِ الَّذِی جَعَلْتَهُ مُحِیطاً بِاللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ جَعَلْتَ فِیهِ مَجْرَی الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ مَنَازِلَ الْکَوَاکِبِ وَ النُّجُومِ وَ جَعَلْتَ سُکَّانَهُ سِبْطاً (4) مِنَ الْمَلاَئِکَةِ لاَ یَسْأَمُونَ الْعِبَادَةَ وَ رَبَّ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِی جَعَلْتَهَا قَرَاراً لِلْأَنَامِ وَ الْهَوَامِّ وَ الْأَنْعَامِ وَ مَا لاَ یُحْصَی مِمَّا یُرَی وَ مِمَّا لاَ یُرَی مِنْ خَلْقِکَ الْعَظِیمِ وَ رَبَّ الْفُلْکِ اَلَّتِی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ الْمُحِیطِ (5) بِمٰا یَنْفَعُ النّٰاسَ وَ رَبَّ اَلسَّحٰابِ الْمُسَخَّرِ بَیْنَ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ وَ رَبَّ اَلْبَحْرِ

ص :177

الْمَسْجُورِ الْمُحِیطِ بِالْعَالَمِینَ وَ رَبَّ الْجِبَالِ الرَّوَاسِی الَّتِی جَعَلْتَهَا لِلْأَرْضِ أَوْتَاداً وَ لِلْخَلْقِ مَتَاعاً إِنْ أَظْهَرْتَنَا عَلَی عَدُوِّنَا فَجَنِّبْنَا الْبَغْیَ وَ سَدِّدْنَا لِلْحَقِّ وَ إِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَیْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَةَ وَ اعْصِمْ بَقِیَّةَ أَصْحَابِی مِنَ الْفِتْنَةِ

.

قَالَ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ أَقْبَلَ تَقَدَّمُوا إِلَیْهِ بِزُحُوفِهِمْ (1) وَ کَانَ عَلَی مَیْمَنَتِهِ یَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَیْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِیُّ وَ عَلَی مَیْسَرَتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ قُرَّاءُ اَلْعِرَاقِ مَعَ ثَلاَثَةِ نَفَرٍ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ وَ قَیْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَیْلٍ وَ النَّاسُ عَلَی رَایَاتِهِمْ وَ مَرَاکِزِهِمْ وَ عَلِیٌّ ع فِی الْقَلْبِ فِی أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ جُمْهُورُهُمُ اَلْأَنْصَارُ وَ مَعَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَ مِنْ کِنَانَةَ عَدَدٌ حَسَنٌ.

قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ عَلِیٌّ ع رَجُلاً (2) رَبْعَةً أَدْعَجَ الْعَیْنَیْنِ کَأَنَّ وَجْهَهُ الْقَمَرُ لَیْلَةَ الْبَدْرِ حُسْناً ضَخْمَ الْبَطْنِ عَرِیضَ الْمَسْرُبَةِ (3) شَثْنَ الْکَفَّیْنِ ضَخْمَ الْکُسُورِ (4) کَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِیقُ فِضَّةٍ أَصْلَعَ (5) مِنْ خَلْفِهِ شَعْرٌ خَفِیفٌ لِمَنْکِبِهِ مُشَاشٌ (6) کَمُشَاشِ الْأَسَدِ الضَّارِی إِذَا مَشَی تَکَفَّأَ (7) وَ مَارٌّ بِهِ جَسَدَهُ وَ لِظَهْرِهِ سَنَامٌ کَسَنَامِ الثَّوْرِ لاَ یَبِینُ عَضُدُهُ مِنْ سَاعِدِهِ (8) قَدْ أُدْمِجَتْ إِدْمَاجاً لَمْ یُمْسِکْ بِذِرَاعِ رَجُلٍ قَطُّ إِلاَّ أَمْسَکَ بِنَفَسِهِ فَلَمْ یَسْتَطِعْ أَنْ یَتَنَفَّسَ (9) وَ لَوْنُهُ إِلَی سُمْرَةٍ مَا وَ هُوَ أَذْلَفُ الْأَنْفِ (10) إِذَا مَشَی إِلَی الْحَرْبِ هَرْوَلَ قَدْ أَیَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَی فِی حُرُوبِهِ بِالنَّصْرِ وَ الظَّفَرِ.

ص :178

قَالَ نَصْرٌ وَ رَفَعَ مُعَاوِیَةُ قُبَّةً عَظِیمَةً وَ أَلْقَی عَلَیْهَا الْکَرَابِیسَ (1) وَ جَلَسَ تَحْتَهَا.

قَالَ نَصْرٌ (2) وَ قَدْ کَانَ لَهُمْ قَبْلَ هَذَا الْیَوْمِ أَیَّامٌ ثَلاَثَةٌ وَ هِیَ اَلرَّابِعُ مِنْ صَفَرَ هَذَا وَ اَلْیَوْمُ الْخَامِسُ وَ اَلْیَوْمُ السَّادِسُ کَانَتْ فِیهَا مُنَاوَشَاتٌ وَ قِتَالٌ لَیْسَ بِذَلِکَ الْکَثِیرِ فَأَمَّا اَلْیَوْمُ الرَّابِعُ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِیَّةِ ع خَرَجَ فِی جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَأَخْرَجَ إِلَیْهِ مُعَاوِیَةُ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِی جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَاقْتَتَلُوا ثُمَّ إِنَّ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِیَّةِ أَنِ اخْرُجْ إِلَیَّ أُبَارِزْکَ فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ خَرَجَ إِلَیْهِ فَبَصُرَ بِهِمَا عَلِیٌّ ع فَقَالَ مَنْ هَذَانِ الْمُتَبَارِزَانِ قِیلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ وَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَحَرَّکَ دَابَّتَهُ ثُمَّ دَعَا مُحَمَّداً إِلَیْهِ فَجَاءَهُ فَقَالَ أَمْسِکْ دَابَّتِی فَأَمْسَکَهَا فَمَشَی رَاجِلاً بِیَدِهِ سَیْفَهُ نَحْوَ عُبَیْدِ اللَّهِ وَ قَالَ لَهُ أَنَا أُبَارِزُکَ فَهَلُمَّ إِلَیَّ فَقَالَ عُبَیْدُ اللَّهِ لاَ حَاجَةَ بِی (3) إِلَی مُبَارَزَتِکَ قَالَ بَلَی فَهَلُمَّ إِلَیَّ قَالَ لاَ أُبَارِزُکَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی صَفِّهِ فَرَجَعَ عَلِیٌّ ع فَقَالَ اِبْنُ الْحَنَفِیَّةِ یَا أَبَتِ لِمَ مَنَعْتَنِی مِنْ مُبَارَزَتِهِ فَوَ اللَّهِ لَوْ تَرَکْتَنِی لَرَجَوْتُ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ یَا بُنَیَّ لَوْ بَارَزْتُهُ أَنَا لَقَتَلْتُهُ وَ لَوْ بَارَزْتَهُ أَنْتَ لَرَجَوْتُ لَکَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَ مَا کُنْتُ آمَنُ أَنْ یَقْتُلَکَ فَقَالَ یَا أَبَتِ أَ تَبْرُزُ بِنَفْسِکَ إِلَی هَذَا الْفَاسِقِ اللَّئِیمِ عَدُوِّ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَوْ أَبُوهُ یَسْأَلُکَ الْمُبَارَزَةَ لَرَغِبْتُ بِکَ عَنْهُ فَقَالَ یَا بُنَیَّ لاَ تَذْکُرْ أَبَاهُ وَ لاَ تَقُلْ فِیهِ إِلاَّ خَیْراً رَحِمَ اللَّهُ أَبَاهُ .

قَالَ نَصْرٌ (4) وَ أَمَّا اَلْیَوْمُ الْخَامِسُ فَإِنَّهُ خَرَجَ فِیهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ فَخَرَجَ إِلَیْهِ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ فَأَکْثَرَ مِنْ سَبِّ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (5) وَ قَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ قَطَعْتُمْ

ص :179

أَرْحَامَکُمْ وَ قَتَلْتُمْ إِمَامَکُمْ فَکَیْفَ رَأَیْتُمْ صُنْعَ اللَّهِ بِکُمْ لَمْ تُعْطَوْا مَا طَلَبْتُمْ وَ لَمْ تُدْرِکُوا مَا أَمَّلْتُمْ وَ اللَّهِ إِنْ شَاءَ مُهْلِکُکُمْ وَ نَاصِرُنَا عَلَیْکُمْ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ أَنِ ابْرُزْ إِلَیَّ فَأَبَی أَنْ یَفْعَلَ وَ قَاتَلَ اِبْنُ عَبَّاسٍ ذَلِکَ الْیَوْمَ قِتَالاً شَدِیداً ثُمَّ انْصَرَفُوا وَ کُلٌّ غَیْرُ غَالِبٍ.

قَالَ نَصْرٌ وَ خَرَجَ (1) فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ شِمْرُ بْنُ أَبْرَهَةَ بْنِ الصَّبَّاحِ الْحِمْیَرِیُّ فَلَحِقَ بِعَلِیٍّ ع فِی نَاسٍ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَفَتَّ ذَلِکَ فِی عَضُدِ مُعَاوِیَةَ وَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ قَالَ عَمْرٌو یَا مُعَاوِیَةُ إِنَّکَ تُرِیدُ أَنْ تُقَاتِلَ بِأَهْلِ اَلشَّامِ رَجُلاً لَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ ص قَرَابَةٌ قَرِیبَةٌ وَ رَحِمٌ مَاسَّةٌ وَ قَدَمٌ فِی اَلْإِسْلاَمِ لاَ یَعْتَدُّ أَحَدٌ بِمِثْلِهِ وَ حَدُّهُ فِی الْحَرْبِ لَمْ تَکُنْ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ص وَ إِنَّهُ قَدْ سَارَ إِلَیْکَ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ الْمَعْدُودِینَ وَ فُرْسَانِهِمْ وَ قُرَّائِهِمْ وَ أَشْرَافِهِمْ وَ قُدَمَائِهِمْ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ لَهُمْ فِی النُّفُوسِ مَهَابَةٌ فَبَادِرْ بِأَهْلِ اَلشَّامِ مَخَاشِنَ الْأَوْعَارِ وَ مَضَایِقَ الْعِیَاضِ وَ احْمِلْهُمْ عَلَی الْجُهْدِ وَ ائْتِهِمْ مِنْ بَابِ الطَّمَعِ قَبْلَ أَنْ تُرَفِّهَهُمْ فَیُحْدِثَ عِنْدَهُمْ طُولُ الْمُقَامِ مُلْلاً فَتَظْهَرُ فِیهِمْ کَآبَةُ الْخِذْلاَنِ وَ مَهْمَا نَسِیتَ فَلاَ تَنْسَ أَنَّکَ عَلَی بَاطِلٍ وَ أَنَّ عَلِیّاً عَلَی حَقٍّ فَبَادِرِ الْأَمْرَ قَبْلَ اضْطِرَابِهِ عَلَیْکَ فَقَامَ مُعَاوِیَةُ فِی أَهْلِ اَلشَّامِ خَطِیباً فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ أَعِیرُونَا جَمَاجِمَکُمْ وَ أَنْفُسَکُمْ لاَ تَقْتَتِلُوا (2) وَ لاَ تَتَجَادَلُوا فَإِنَّ الْیَوْمَ یَوْمُ خِطَارٍ وَ یَوْمُ حَقِیقَةٍ وَ حِفَاظٍ إِنَّکُمْ لَعَلَی حَقٍّ وَ بِأَیْدِیکُمْ حُجَّةٌ إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ مَنْ نَکَثَ الْبَیْعَةَ وَ سَفَکَ الدَّمَ الْحَرَامَ فَلَیْسَ لَهُ فِی السَّمَاءِ عَاذِرٌ (3) .

قَدِّمُوا أَصْحَابَ السِّلاَحِ الْمُسْتَلْئِمَةَ وَ أَخِّرُوا الْحَاسِرَ وَ احْمِلُوا بِأَجْمَعِکُمْ فَقَدْ بَلَغَ الْحَقُّ مَقْطَعَهُ (4) وَ إِنَّمَا هُوَ ظَالِمٌ وَ مَظْلُومٌ

.

ص :180

976

1,14- قَالَ نَصْرٌ وَ خَطَبَ عَلِیٌّ ع أَصْحَابَهُ فِیمَا حَدَّثَنَا بِهِ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِی یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِی سِنَانٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ کَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَیْهِ مُتَوَکِّئاً عَلَی قَوْسِهِ وَ قَدْ جَمَعَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ص عِنْدَهُ فَهُمْ یَلُونَهُ کَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ یُعَلِّمَ النَّاسَ أَنَّ اَلصَّحَابَةَ مُتَوَافِرُونَ مَعَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ أَمَّا (1) بَعْدُ فَإِنَّ الْخُیَلاَءَ مِنَ التَّجَبُّرِ (2) وَ إِنَّ النَّخْوَةَ مِنَ التَّکَبُّرِ وَ إِنَّ اَلشَّیْطَانَ عَدُوٌّ حَاضِرٌ یَعِدُکُمُ الْبَاطِلَ أَلاَ إِنَّ اَلْمُسْلِمَ أَخُو اَلْمُسْلِمِ فَلاَ تَنَابَذُوا وَ لاَ تَخَاذَلُوا أَلاَ إِنَّ شَرَائِعَ الدِّینِ وَاحِدَةٌ وَ سُبُلَهُ قَاصِدَةٌ مَنْ أَخَذَ بِهَا لَحِقَ وَ مَنْ فَارَقَهَا مُحِقَ وَ مَنْ تَرَکَهَا مَرَقَ لَیْسَ اَلْمُسْلِمُ بِالْخَائِنِ إِذَا اؤْتُمِنَ وَ لاَ بِالْمُخْلِفِ إِذَا وَعَدَ وَ لاَ بِالْکَذَّابِ إِذَا نَطَقَ نَحْنُ أَهْلُ بَیْتِ الرَّحْمَةِ وَ قَوْلُنَا الصِّدْقُ وَ فِعْلُنَا الْقَصْدُ (3) وَ مِنَّا خَاتَمُ النَّبِیِّینَ وَ فِینَا قَادَةُ اَلْإِسْلاَمِ وَ فِینَا حَمَلَةُ اَلْکِتَابِ أَلاَ إِنَّا نَدْعُوکُمْ إِلَی اللَّهِ وَ إِلَی رَسُولِهِ وَ إِلَی جِهَادِ عَدُوِّهِ وَ الشِّدَّةِ فِی أَمْرِهِ وَ ابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ وَ إِقَامِ الصَّلاَةِ وَ إِیتَاءِ الزَّکَاةِ وَ حَجِّ اَلْبَیْتِ وَ صِیَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ تَوْفِیرِ الْفَیْءِ عَلَی أَهْلِهِ (4) أَلاَ وَ إِنَّ مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَائِبِ أَنَّ مُعَاوِیَةَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ الْأُمَوِیَّ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ السَّهْمِیَّ أَصْبَحَا یُحَرِّضَانِ النَّاسَ عَلَی طَلَبِ الدِّینِ بِزَعْمِهِمَا وَ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّی لَمْ أُخَالِفْ رَسُولَ اللَّهِ ص قَطُّ وَ لَمْ أَعْصِهِ فِی أَمْرٍ أَقِیهِ بِنَفْسِی فِی الْمَوَاطِنِ الَّتِی یَنْکُصُ فِیهَا الْأَبْطَالُ وَ تُرْعَدُ فِیهَا الْفَرَائِصُ بِنَجْدَةٍ (5) أَکْرَمَنِی اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهَا وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَفِی حَجْرِی وَ لَقَدْ وُلِّیتُ غُسْلَهُ بِیَدِی وَحْدِی تُقَلِّبُهُ الْمَلاَئِکَةُ الْمُقَرَّبُونَ مَعِی وَ أَیْمُ اللَّهِ مَا اخْتَلَفَتْ أُمَّةٌ قَطُّ بَعْدَ نَبِیِّهَا إِلاَّ ظَهَرَ أَهْلُ بَاطِلِهَا عَلَی أَهْلِ حَقِّهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ

ص :181

قَالَ أَبُو سِنَانٍ الْأَسْلَمِیُّ فَأَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ یَقُولُ لِلنَّاسِ أَمَّا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَقَدْ أَعْلَمَکُمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تَسْتَقِمْ عَلَیْهِ أَوَّلاً وَ أَنَّهَا لَنْ تَسْتَقِیمَ عَلَیْهِ آخِراً.

قَالَ ثُمَّ تَفَرَّقَ النَّاسُ وَ قَدْ نَفَذَتْ أَبْصَارُهُمْ فِی قِتَالِ عَدُوِّهِمْ فَتَأَهَّبُوا وَ اسْتَعَدُّوا

(1)

.

977

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مَالِکِ بْنِ أَعْیَنَ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ (2) أَنَّ عَلِیّاً ع قَالَ فِی هَذِهِ اللَّیْلَةِ حَتَّی مَتَی لاَ نُنَاهِضُ الْقَوْمَ بِأَجْمَعِنَا ثُمَّ قَامَ فِی النَّاسِ فَقَالَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لاَ یُبْرَمُ مَا نَقَضَ وَ لاَ یُنْقَضُ مَا أَبْرَمَ وَ لَوْ شَاءَ مَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ لاَ مِنْ خَلْقِهِ وَ لاَ تَنَازَعَ (3) الْبَشَرُ فِی شَیْءٍ مِنْ أَمْرِهِ وَ لاَ جَحَدَ الْمَفْضُولُ ذَا الْفَضْلِ فَضْلَهُ وَ قَدْ سَاقَتْنَا وَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ الْأَقْدَارُ حَتَّی لَفَّتْ بَیْنَنَا فِی هَذَا الْمَوْضِعِ وَ نَحْنُ مِنْ رَبِّنَا بِمَرْأًی وَ مَسْمَعٍ وَ لَوْ شَاءَ لَعَجَّلَ النَّقِمَةَ وَ لَکَانَ مِنْهُ النَّصْرُ حَتَّی یُکْذِبَ اللَّهُ الظَّالِمَ وَ یُعْلِمَ الْحَقَّ أَیْنَ مَصِیرُهُ وَ لَکِنَّهُ جَعَلَ الدُّنْیَا دَارَ الْأَعْمَالِ وَ الْآخِرَةَ دَارَ الْجَزَاءِ وَ الْقَرَارِ لِیَجْزِیَ الَّذِینَ أَسٰاؤُا بِمٰا عَمِلُوا وَ یَجْزِیَ الَّذِینَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَی (4) أَلاَ إِنَّکُمْ لاَقُوا الْعَدُوِّ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَطِیلُوا اللَّیْلَةَ الْقِیَامَ وَ أَکْثِرُوا تِلاَوَةَ اَلْقُرْآنِ وَ اسْأَلُوا اللَّهَ الصَّبْرَ وَ النَّصْرَ وَ الْقُوهُمْ بِالْجِدِّ وَ الْحَزْمِ وَ کُونُوا صَادِقِینَ.

قَالَ فَوَثَبَ النَّاسُ إِلَی رِمَاحِهِمْ وَ سُیُوفِهِمْ وَ نِبَالِهِمْ یُصْلِحُونَهَا وَ خَرَجَ ع فَعَبَّی النَّاسَ لَیْلَتَهُ تِلْکَ کُلَّهَا حَتَّی أَصْبَحَ وَ عَقَدَ الْأَلْوِیَةَ وَ أَمَرَ الْأُمَرَاءَ وَ کَتَبَ الْکَتَائِبَ وَ بَعَثَ إِلَی أَهْلِ اَلشَّامِ مُنَادِیاً نَادَی (5) فِیهِمْ اغْدُوا عَلَی مَصَافِّکُمْ فَضَجَّ أَهْلُ اَلشَّامِ فِی مُعَسْکَرِهِمْ وَ اجْتَمَعُوا إِلَی مُعَاوِیَةَ فَعَبَّی خَیْلَهُ وَ عَقَدَ أَلْوِیَتَهُ وَ أَمَرَ أُمَرَاءَهُ وَ کَتَبَ کَتَائِبَهُ وَ أَحَاطَ بِهِ أَهْلُ حِمْصٍ فِی رَایَاتِهِمْ وَ عَلَیْهِمْ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِیُّ وَ أَهْلُ اَلْأُرْدُنِّ فِی رَایَاتِهِمْ عَلَیْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ أَهْلُ قِنَّسْرِینَ وَ عَلَیْهِمْ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْکِلاَبِیُّ وَ أَهْلُ دِمَشْقَ وَ هُمُ الْقَلْبُ

ص :182

وَ عَلَیْهِمُ اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ الْفِهْرِیُّ فَأَطَافُوا کُلُّهُمْ بِمُعَاوِیَةَ وَ کَانَ أَهْلُ اَلشَّامِ أَکْثَرُ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ بِالضَّعْفِ وَ سَارَ أَبُو الْأَعْوَرِ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ مَنْ مَعَهُمَا حَتَّی وَقَفَا بِحِیَالِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَنَظَرَا إِلَیْهِمْ وَ اسْتَقَلاَّ جَمْعَهُمْ وَ طَمَعَا فِیهِمْ وَ نُصِبَ لِمُعَاوِیَةَ مِنْبَرٌ فَقَعَدَ عَلَیْهِ فِی قُبَّةٍ ضَرَبَهَا أُلْقِیَ عَلَیْهَا الثِّیَابُ وَ الْأَرَائِکُ وَ أَحَاطَ بِهِ أَهْلُ یَمَنٍ وَ قَالَ لاَ یَقْرَبَنَّ هَذَا الْمِنْبَرَ أَحَدٌ لاَ تَعْرِفُونَهُ إِلاَّ قَتَلْتُمُوهُ کَائِناً مَنْ کَانَ (1) .

قَالَ نَصْرٌ وَ أَرْسَلَ عَمْرٌو إِلَی مُعَاوِیَةَ قَدْ عَرَفْتَ مَا بَیْنَنَا مِنَ الْعَهْدِ وَ الْعَقْدِ فَاعْصِبْ بِرَأْسِی هَذَا الْأَمْرَ وَ أَرْسِلْ إِلَی أَبِی الْأَعْوَرِ فَنَحِّهِ عَنِّی وَ دَعْنِی وَ الْقَوْمَ فَأَرْسَلَ مُعَاوِیَةُ إِلَی أَبِی الْأَعْوَرِ أَنَّ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ رَأْیاً وَ تَجْرِبَةً لَیْسَتْ لِی وَ لاَ لَکَ وَ قَدْ وَلَّیْتُهُ أَعِنَّةَ الْخَیْلِ فَسِرْ أَنْتَ حَتَّی تَقِفَ بِخَیْلِکَ عَلَی تَلِّ کَذَا وَ دَعْهُ وَ الْقَوْمَ.

فَسَارَ أَبُو الْأَعْوَرِ وَ بَقِیَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِیمَنْ مَعَهُ وَاقِفاً بِإِزَاءِ عَسْکَرِ اَلْعِرَاقِ فَنَادَی عَمْرٌو ابْنَیْهِ عَبْدَ اللَّهِ وَ مُحَمَّداً فَقَالَ لَهُمَا قَدِّمَا هَؤُلاَءِ الدُّرَّعَ وَ أَخِّرَا هَؤُلاَءِ الْحُسَّرَ وَ أَقِیمَا الصَّفَّ قُصَّ الشَّارِبَ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاءُوا بِخُطَّةٍ قَدْ بَلَغَتِ السَّمَاءَ.

فَمَشَیَا بِرَایَتِهِمَا فَعَدَّلاَ الصُّفُوفَ وَ سَارَ بَیْنَهُمَا عَمْرٌو فَأَحْسَنَ الصَّفَّ ثَانِیَةً ثُمَّ حَمَلَ قَیْساً وَ کُلَیْباً وَ کِنَانَةَ عَلَی الْخُیُولِ وَ رَجَّلَ سَائِرَ النَّاسِ (2) .

قَالَ نَصْرٌ وَ بَاتَ (3) کَعْبُ بْنُ جُعَیْلٍ التَّغْلِبِیُّ شَاعِرُ أَهْلِ اَلشَّامِ تِلْکَ اللَّیْلَةَ یَرْتَجِزُ وَ یُنْشِدُ أَصْبَحَتِ الْأُمَّةُ فِی أَمْرٍ عَجَبٍ

ص :183

بَعْدَ الْجَمَالِ وَ الْحَیَاءِ وَ الْحَسَبِ

یَا رَبِّ لاَ تُشْمِتْ بِنَا وَ لاَ تُصِبْ مَنْ خَلَعَ الْأَنْدَادَ طُرّاً وَ الصُّلُبَ.

قَالَ نَصْرٌ (1) وَ قَالَ (2) مُعَاوِیَةُ مَنْ فِی مَیْسَرَةِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَقِیلَ رَبِیعَةُ فَلَمْ یَجِدْ فِی اَلشَّامِ رَبِیعَةَ فَجَاءَ بِحِمْیَرٍ فَجَعَلَهَا بِإِزَاءِ رَبِیعَةَ عَلَی قُرْعَةٍ أَقْرَعَهَا بَیْنَ حِمْیَرٍ وَ عُکٍّ فَقَالَ ذُو الْکَلاَعِ الْحِمْیَرِیُّ بِاسْتِکَ مِنْ سَهْمٍ لَمْ تَبْغِ الضِّرَابَ (3) کَأَنَّهُ أَنِفَ عَنْ أَنْ تَکُونَ حِمْیَرٌ بِإِزَاءِ رَبِیعَةَ فَبَلَغَ ذَلِکَ حَجْدَراً (4) الْحَنَفِیَّ فَحَلَفَ بِاللَّهِ إِنْ عَایَنَهُ لَیَقْتُلَنَّهُ أَوْ لَیَمُوتَنَّ دُونَهُ فَجَاءَتْ حِمْیَرٌ حَتَّی وَقَفَتْ بِإِزَاءِ رَبِیعَةَ وَ جَعَلَ اَلسَّکَاسِکَ وَ اَلسُّکُونَ بِإِزَاءِ کِنْدَةَ وَ عَلَیْهِمَا اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَیْسٍ وَ جَعَلَ بِإِزَاءِ هَمْدَانَ اَلْعِرَاقِ اَلْأَزْدَ وَ بِإِزَاءِ مَذْحِجٍ اَلْعِرَاقِ عُکّاً .وَ قَالَ رَاجِزٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَیْلٌ لِأُمِّ مَذْحِجٍ مِنْ عُکٍّ

قَالَ وَ طَرَحَتْ عُکٌّ حَجَراً بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ قَالُوا لاَ نَفِرُّ حَتَّی یَفِرَّ هَذَا الْحَکَرُ بِالْکَافِ وَ عُکٌّ تَقْلِبُ الْجِیمَ کَافاً وَ صَفَّ الْقَلْبَ خَمْسَةَ صُفُوفٍ وَ فَعَلَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ أَیْضاً مِثْلَ ذَلِکَ وَ نَادَی عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِأَعْلَی صَوْتِهِ یَا أَیُّهَا الْجُنْدُ الصَّلِیبُ الْإِیمَانِ (5)

ص :184

فَرَدَّ عَلَیْهِ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ وَ قَالُوا أَبَتْ سُیُوفُ مَذْحِجٍ وَ هَمْدَانَ

ثُمَّ نَادَی عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ثَانِیَةً بِرَفْعِ صَوْتِهِ (1) رُدُّوا عَلَیْنَا شَیْخَنَا ثُمَّ بَجَلْ (2) أَوْ لاَ تَکُونُوا جَزَراً مِنَ الْأَسَلِ (3) .

فَرَدَّ عَلَیْهِ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ کَیْفَ نَرُدُّ نَعْثَلاً وَ قَدْ قَحَلَ (4)

وَ قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عُبَیْدَةَ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ لِلَّهِ دَرُّ کَتَائِبَ جَاءَتْکُمْ

ص :185

قَالَ نَصْرٌ وَ بَاتَ عَلِیٌّ ع لَیْلَتَهُ یُعَبِّئُ النَّاسَ حَتَّی إِذَا أَصْبَحَ زَحَفَ بِهِمْ وَ خَرَجَ إِلَیْهِ مُعَاوِیَةُ فِی أَهْلِ اَلشَّامِ فَجَعَلَ یَقُولُ مَنْ هَذِهِ الْقَبِیلَةُ وَ مَنْ هَذِهِ الْقَبِیلَةُ یَعْنِی قَبَائِلَ أَهْلِ اَلشَّامِ فَیُسَمُّونَ لَهُ حَتَّی إِذَا عَرَفَهُمْ وَ عَرَفَ مَرَاکِزَهُمْ (1) قَالَ لِلْأَزْدِ اکْفُونِی اَلْأَزْدَ وَ قَالَ لِخَثْعَمٍ اکْفُونِی خَثْعَماً وَ أَمَرَ کُلَّ قَبِیلَةٍ مِنَ اَلْعِرَاقِ أَنْ تَکْفِیَهُ أُخْتَهَا مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ إِلاَّ قَبِیلَةً لَیْسَ مِنْهُمْ بِالْعِرَاقِ إِلاَّ الْقَلِیلُ مِثْلُ بَجِیلَةَ فَإِنَّ لَخْماً کَانَتْ بِإِزَائِهَا ثُمَّ تَنَاهَضَ الْقَوْمُ یَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ سَادِسَ صَفَرٍ وَ اقْتَتَلُوا إِلَی آخِرِ نَهَارِهِمْ وَ انْصَرَفُوا عِنْدَ الْمَسَاءِ وَ کُلٌّ غَیْرُ غَالِبٍ.

قَالَ نَصْرٌ فَأَمَّا اَلْیَوْمُ السَّابِعُ فَکَانَ الْقِتَالُ فِیهِ شَدِیداً وَ الْخَطْبُ عَظِیماً وَ کَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَیْلٍ الْخُزَاعِیُّ عَلَی مَیْمَنَةِ اَلْعِرَاقِ فَزَحَفَ نَحْوَ حَبِیبِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَ هُوَ عَلَی مَیْسَرَةِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَلَمْ یَزَلْ یَحُوزُهُ وَ یَکْشِفُ خَیْلَهُ حَتَّی اضْطَرَّ بِهِمْ إِلَی قُبَّةِ مُعَاوِیَةَ وَقْتَ الظُّهْرِ

.

978

قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا (2) عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِکُ بْنُ أَعْیَنَ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُدَیْلٍ قَامَ فِی أَصْحَابِهِ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ أَلاَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ ادَّعَی مَا لَیْسَ لَهُ وَ نَازَعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَ مَنْ لَیْسَ مِثْلَهُ وَ جَادَلَ بِالْبَاطِلِ لِیُدْحِضَ بِهِ الْحَقَّ وَ صَالَ عَلَیْکُمْ بِالْأَعْرَابِ وَ اَلْأَحْزَابِ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الضَّلاَلَةَ وَ زَرَعَ فِی قُلُوبِهِمْ حُبَّ الْفِتْنَةِ وَ لَبَّسَ عَلَیْهِمُ الْأُمُورَ وَ زَادَهُمْ رِجْساً إِلَی رِجْسِهِمْ وَ أَنْتُمْ وَ اللَّهِ عَلَی نُورٍ وَ بُرْهَانٍ مُبِینٍ (3) قَاتِلُوا الطُّغَاةَ (4) الْجُفَاةَ قَاتِلُوهُمْ وَ لاَ تَخْشَوْهُمْ وَ کَیْفَ تَخْشَوْنَهُمْ وَ فِی أَیْدِیکُمْ کِتَابٌ مِنْ رَبِّکُمْ ظَاهِرٌ مُبِینٌ (5) أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ قٰاتِلُوهُمْ یُعَذِّبْهُمُ اللّٰهُ بِأَیْدِیکُمْ

ص :186

وَ یُخْزِهِمْ وَ یَنْصُرْکُمْ عَلَیْهِمْ وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ

(1)

وَ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ مَعَ اَلنَّبِیِّ ص وَ اللَّهِ (2) مَا هُمْ فِی هَذِهِ بِأَزْکَی وَ لاَ أَتْقَی وَ لاَ أَبَرَّ انْهَضُوا (3) إِلَی عَدُوِّ (4) اللَّهِ وَ عَدُوِّکُمْ.

979

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِی عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِی عُمَرَ وَ عَنْ أَبِیهِ أَنَّ عَلِیّاً ع خَطَبَ فِی لَیْلَةِ هَذَا الْیَوْمِ فَقَالَ مَعَاشِرَ اَلْمُسْلِمِینَ اسْتَشْعِرُوا الْخَشْیَةَ وَ تَجَلْبَبُوا السَّکِینَةَ وَ عَضُّوا عَلَی النَّوَاجِذِ فَإِنَّهُ أَنْبَی لِلسُّیُوفِ عَنِ الْهَامِ... .

الفصل بطوله إلی آخره و هو المذکور فی الکتاب.

980

وَ رَوَی نَصْرٌ أَیْضاً بِالْإِسْنَادِ الْمَذْکُورِ أَنَّ عَلِیّاً ع خَطَبَ ذَلِکَ الْیَوْمَ وَ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی ذِکْرُهُ قَدْ دَلَّکُمْ عَلَی تِجَارَةٍ تُنْجِیکُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَ تُشْفِی بِکُمْ عَلَی الْخَیْرِ إِیمَانٍ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهَادٍ فِی سَبِیلِهِ وَ جَعَلَ ثَوَابَهُ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ وَ مَسٰاکِنَ طَیِّبَةً فِی جَنّٰاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوٰانٌ مِنَ اللّٰهِ أَکْبَرُ وَ أُخْبِرُکُمْ بِالَّذِی یُحِبُّ فَقَالَ إِنَّ اللّٰهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقٰاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفًّا کَأَنَّهُمْ بُنْیٰانٌ مَرْصُوصٌ (5) فَسَوُّوا صُفُوفَکُمْ کَالْبُنْیَانِ الْمَرْصُوصِ وَ قَدِّمُوا الدَّارِعَ وَ أَخِّرُوا الْحَاسِرَ وَ عَضُّوا عَلَی الْأَضْرَاسِ فَإِنَّهُ أَنْبَی لِلسُّیُوفِ عَنِ الْهَامِ وَ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ وَ أَسْکَنُ لِلْقُلُوبِ وَ أَمِیتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ وَ أَوْلَی بِالْوَقَارِ وَ الْتَوُوا فِی أَطْرَافِ الرِّمَاحِ فَإِنَّهُ أَمْوَرُ (6) لِلْأَسِنَّةِ وَ رَایَتَکُمْ فَلاَ تُمِیلُوهَا وَ لاَ تُزِیلُوهَا وَ لاَ تَجْعَلُوهَا إِلاَّ بِأَیْدِی شُجْعَانِکُمُ الْمَانِعِی الذِّمَارِ وَ الصُّبَّرِ عِنْدَ نُزُولِ الْحَقَائِقِ أَهْلِ الْحِفَاظِ

ص :187

الَّذِینَ یَحُفُّونَ بِرَایَتِکُمْ وَ یَکْتَنِفُونَهَا (1) یَضْرِبُونَ خَلْفَهَا وَ أَمَامَهَا وَ لاَ تُضَیِّعُوهَا أَجْزَاءً کُلُّ امْرِئٍ وَقْذُ (2) قِرْنِهِ وَ وَاسَی أَخَاهُ بِنَفْسِهِ وَ لَمْ یَکِلْ قِرْنَهُ إِلَی أَخِیهِ فَیَجْمَعَ عَلَیْهِ قِرْنَهُ وَ قِرْنَ أَخِیهِ فَیَکْسِبَ بِذَلِکَ مِنَ الْإِثْمِ (3) وَ یَأْتِیَ بِهِ دَنَاءَةً أَنَّی هَذَا وَ کَیْفَ یَکُونُ هَکَذَا (4) هَذَا یُقَاتِلُ اثْنَیْنِ وَ هَذَا مُمْسِکٌ یَدَهُ قَدْ خَلَّی قِرْنَهُ إِلَی أَخِیهِ هَارِباً مِنْهُ أَوْ قَائِماً یَنْظُرُ إِلَیْهِ مَنْ یَفْعَلُ هَذَا یَمْقُتْهُ اللَّهُ فَلاَ تَعْرِضُوا لِمَقْتِ اللَّهِ فَإِنَّمَا مَرَدُّکُمْ إِلَی اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی لِقَوْمِ عَابَهُمْ لَنْ یَنْفَعَکُمُ الْفِرٰارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لاٰ تُمَتَّعُونَ إِلاّٰ قَلِیلاً (5) وَ أَیْمُ اللَّهِ لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَیْفِ الْعَاجِلَةِ لاَ تَسْلَمُونَ مِنْ سَیْفِ الْآخِرَةِ اسْتَعِینُوا بِالصِّدْقِ وَ الصَّبْرِ فَإِنَّهُ بَعْدَ الصَّبْرِ یَنْزِلُ النَّصْرُ

(6)

.

981

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ عَنْ مَالِکِ بْنِ قُدَامَةَ الْأَرْحَبِیِّ قَالَ قَامَ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ یَخْطُبُ أَصْحَابَهُ بِقُنَاصِرِینَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی هَدَانَا لِدِینِهِ وَ أَوْرَثَنَا کِتَابَهُ وَ امْتَنَّ عَلَیْنَا بِنَبِیِّهِ فَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِینَ وَ سَیِّداً لِلْمُرْسَلِینَ وَ قَائِداً لِلْمُؤْمِنِینَ وَ خَاتَماً لِلنَّبِیِّینَ وَ حُجَّةَ اللَّهِ الْعَظِیمِ عَلَی الْمَاضِینَ وَ الْغَابِرِینَ ثُمَّ کَانَ فِیمَا قَضَی اللَّهُ وَ قَدَّرَهُ وَ لَهُ الْحَمْدُ عَلَی مَا أَحْبَبْنَا وَ کَرِهْنَا أَنْ ضَمَّنَا وَ عَدُوَّنَا بِقُنَاصِرِینَ فَلاَ یَجْمُلُ بِنَا الْیَوْمَ الْحِیَاصُ (7) وَ لَیْسَ هَذَا بِأَوَانِ انْصِرَافٍ وَ لاٰتَ حِینَ مَنٰاصٍ وَ قَدْ خَصَّنَا اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ لاَ نَسْتَطِیعُ أَدَاءَ شُکْرِهَا وَ لاَ نَقْدِرُ قَدْرَهَا إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَیْنَ الْأَخْیَارَ مَعَنَا

ص :188

وَ فِی حَیِّزٍ فَوَ اللَّهِ الَّذِی هُوَ بِالْعِبَادِ بَصِیرٌ أَنْ لَوْ کَانَ قَائِدُنَا رَجُلاً مُجَدَّعاً إِلاَّ أَنَّ مَعَنَا مِنَ اَلْبَدْرِیِّینَ سَبْعِینَ رَجُلاً لَکَانَ یَنْبَغِی لَنَا أَنْ تَحْسُنَ بَصَائِرُنَا وَ تَطِیبَ أَنْفُسُنَا فَکَیْفَ وَ إِنَّمَا رَئِیسُنَا اِبْنُ عَمِّ نَبِیِّنَا بَدْرِیٌّ صِدْقٌ صَلَّی صَغِیراً وَ جَاهَدَ مَعَ نَبِیِّکُمْ کَثِیراً وَ مُعَاوِیَةُ طَلِیقٌ مِنْ وَثَاقِ الْإِسَارِ وَ ابْنُ طَلِیقٍ (1) أَلاَ إِنَّهُ أَغْوَی جُفَاةً فَأَوْرَدَهُمُ اَلنَّارَ وَ أُوْرَدَهُمُ الْعَارَ وَ اللَّهُ مُحِلٌّ بِهِمُ الذُّلَّ وَ الصَّغَارَ أَلاَ إِنَّکُمْ سَتَلْقَوْنَ عَدُوَّکُمْ غَداً فَعَلَیْکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ مِنَ الْجَدِّ وَ الْحَزْمِ وَ الصِّدْقِ وَ الصَّبْرِ فَ إِنَّ اللّٰهَ مَعَ الصّٰابِرِینَ أَلاَ إِنَّکُمْ تَفُوزُونَ بِقَتْلِهِمْ وَ یَشْقَوْنَ بِقَتْلِکُمْ وَ اللَّهِ لاَ یَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْکُمْ رَجُلاً مِنْهُمْ إِلاَّ أَدْخَلَ اللَّهُ الْقَاتِلَ جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ أَدْخَلَ الْمَقْتُولَ نٰاراً تَلَظّٰی ... لاٰ یُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ (2) عَصَمَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ بِمَا عَصَمَ بِهِ أَوْلِیَاءَهُ وَ جَعَلَنَا وَ إِیَّاکُمْ مِمَّنْ أَطَاعَهُ وَ اتَّقَاهُ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِیمَ لِی وَ لَکُمْ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ.

ثُمَّ قَالَ اَلشَّعْبِیُّ وَ لَقَدْ صَدَّقَ فِعْلَهُ مَا قَالَ فِی خُطْبَتِهِ

(3)

.

982

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ وَ زَیْدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالاَ طَلَبَ مُعَاوِیَةُ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنْ یُسَوِّیَ صُفُوفَ أَهْلِ اَلشَّامِ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو عَلَی أَنَّ لِی حُکْمِی إِنْ قَتَلَ اللَّهُ اِبْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ اسْتَوْثَقَتْ لَکَ الْبِلاَدُ فَقَالَ أَ لَیْسَ حُکْمُکَ فِی مِصْرَ قَالَ وَ هَلْ مِصْرُ تَکُونُ عِوَضاً عَنِ اَلْجَنَّةِ وَ قَتْلُ اِبْنِ أَبِی طَالِبٍ ثَمَناً لِعَذَابِ اَلنَّارِ الَّذِی لاٰ یُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ (4) فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنَّ لَکَ حُکْمَکَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنْ قُتِلَ اِبْنُ أَبِی طَالِبٍ رُوَیْداً لاَ یَسْمَعُ أَهْلُ اَلشَّامِ کَلاَمَکَ فَقَامَ عَمْرٌو

ص :189

فَقَالَ مَعَاشِرَ أَهْلِ اَلشَّامِ سَوُّوا صُفُوفَکُمْ قَصَّ الشَّارِبِ وَ أَعِیرُونَا (1) جَمَاجِمَکُمْ سَاعَةً فَقَدْ بَلَغَ الْحَقُّ مَقْطَعَهُ فَلَمْ یَبْقَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ.

قَالَ نَصْرٌ وَ أَقْبَلَ أَبُو الْهَیْثَمِ بْنُ التَّیِّهَانِ وَ کَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص بَدْرِیّاً نَقِیباً عَقَبِیّاً یُسَوِّی صُفُوفَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ یَقُولُ یَا مَعْشَرَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ (2) إِنَّهُ لَیْسَ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ الْفَتْحِ فِی الْعَاجِلِ وَ اَلْجَنَّةِ فِی الْآجِلِ إِلاَّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ فَأَرْسُوا أَقْدَامَکُمْ وَ سَوُّوا صُفُوفَکُمْ وَ أَعِیرُوا رَبَّکُمْ جَمَاجِمَکُمْ اسْتَعِینُوا بِاللَّهِ إِلَهِکُمْ وَ جَاهِدُوا عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّکُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ قَتَلَهُمُ اللَّهُ وَ أَبَادَهُمْ وَ اصْبِرُوا فَ إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ یُورِثُهٰا مَنْ یَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ

(3)

.

983

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ أَدْهَمَ عَنْ أَبِیهِ أَنَّ اَلْأَشْتَرَ قَامَ یَخْطُبُ النَّاسَ بِقُنَاصِرِینَ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ عَلَی فَرَسٍ أَدْهَمَ مِثْلَ حَلَکِ الْغُرَابِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ الْعُلیٰ اَلرَّحْمٰنُ عَلَی اَلْعَرْشِ اسْتَویٰ لَهُ مٰا فِی السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِی الْأَرْضِ وَ مٰا بَیْنَهُمٰا وَ مٰا تَحْتَ الثَّریٰ (4) أَحْمَدُهُ عَلَی حُسْنِ الْبَلاَءِ وَ تَظَاهُرِ النَّعْمَاءِ حَمْداً کَثِیراً بُکْرَةً وَ أَصِیلاً مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ فَقَدِ اهْتَدَی وَ مَنْ یُضْلِلْ فَقَدْ غَوَی أَرْسَلَ مُحَمَّداً بِالصَّوَابِ وَ الْهُدَی فَأَظْهَرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ اَلْمُشْرِکُونَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ ثُمَّ قَدْ کَانَ مِمَّا قَضَی اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ قَدَّرَ أَنْ سَاقَتْنَا الْمَقَادِیرُ إِلَی أَهْلِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ مِنَ الْأَرْضِ فَلَفَّتْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ عَدُوِّ اللَّهِ وَ عَدُوِّنَا فَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَ نِعَمِهِ وَ مَنِّهِ وَ فَضْلِهِ قَرِیرَةٌ أَعْیُنُنَا طَیِّبَةٌ أَنْفُسُنَا نَرْجُو بِقِتَالِهِمْ حُسْنَ الثَّوَابِ وَ الْأَمْنَ مِنَ الْعِقَابِ مَعَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِیِّنَا وَ سَیْفٌ مِنْ سُیُوفِ اللَّهِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ صَلَّی مَعَ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ یَسْبِقْهُ إِلَی الصَّلاَةِ

ص :190

ذَکَرٌ حَتَّی کَانَ شَیْخاً لَمْ تَکُنْ لَهُ صَبْوَةٌ وَ لاَ نَبْوَةٌ وَ لاَ هَفْوَةٌ وَ لاَ سَقْطَةٌ فَقِیهٌ فِی دِینِ اللَّهِ تَعَالَی عَالِمٌ بِحُدُودِ اللَّهِ ذُو رَأْیٍ أَصِیلٍ وَ صَبْرٍ جَمِیلٍ وَ عَفَافٍ قَدِیمٍ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ عَلَیْکُمْ بِالْحَزْمِ وَ الْجِدِّ وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ عَلَی الْحَقِّ وَ أَنَّ الْقَوْمَ عَلَی الْبَاطِلِ إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ مُعَاوِیَةَ وَ أَنْتُمْ مَعَ اَلْبَدْرِیِّینَ قَرِیبٌ مِنْ مِائَةِ بَدْرِیٍّ سِوَی مَنْ حَوْلَکُمْ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَکْثَرُ مَا مَعَکُمْ (1) رَایَاتٌ قَدْ کَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَ مَعَ مُعَاوِیَةَ رَایَاتٌ قَدْ کَانَتْ مَعَ اَلْمُشْرِکِینَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ فَمَا (2) یَشُکُّ فِی قِتَالِ هَؤُلاَءِ إِلاَّ مَیِّتُ الْقَلْبِ أَنْتُمْ عَلَی إِحْدَی الْحُسْنَیَیْنِ إِمَّا الْفَتْحِ وَ إِمَّا الشَّهَادَةِ عَصَمَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ بِمَا عَصَمَ بِهِ مَنْ أَطَاعَهُ وَ اتَّقَاهُ وَ أَلْهَمَنَا وَ إِیَّاکُمْ طَاعَتَهُ وَ تَقْوَاهُ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَکُمْ

(3)

.

984

1,14- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ عَنِ زَامِلِ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِیِّ قَالَ طَلَبَ مُعَاوِیَةُ إِلَی ذِی الْکَلاَعِ أَنْ یَخْطُبَ النَّاسَ وَ یُحَرِّضَهُمْ عَلَی قِتَالِ عَلِیٍّ ع وَ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَعَقَدَ فَرَسَهُ وَ کَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَصْحَابِ مُعَاوِیَةَ خَطَراً وَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْداً کَثِیراً نَامِیاً وَاضِحاً مُنِیراً بُکْرَةً وَ أَصِیلاً أَحْمَدُهُ وَ أَسْتَعِینُهُ وَ أُومِنُ بِهِ وَ أَتَوَکَّلُ عَلَیْهِ وَ کَفیٰ بِاللّٰهِ وَکِیلاً وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِیکَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْفُرْقَانِ إِمَاماً وَ بِالْهُدَی وَ دِینِ الْحَقِّ حِینَ ظَهَرَتِ الْمَعَاصِی وَ دَرَسَتِ الطَّاعَةُ وَ امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ جَوْراً وَ ضَلاَلَةً وَ اضْطَرَمَتِ الدُّنْیَا نِیرَاناً وَ فِتْنَةً وَ وَرَکَ (4) عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِیسُ عَلَی أَنْ یَکُونَ قَدْ عُبِدَ فِی أَکْنَافِهَا وَ اسْتَوْلَی عَلَی جَمِیعِ أَهْلِهَا فَکَانَ مُحَمَّدٌ ص هُوَ الَّذِی أَطْفَأَ اللَّهُ بِهِ نِیرَانَهَا وَ نَزَعَ بِهِ أَوْتَادَهَا وَ أَوْهَنَ بِهِ

ص :191

قُوَی إِبْلِیسَ وَ آیَسَهُ مِمَّا کَانَ قَدْ طَمِعَ فِیهِ مِنْ ظَفَرِهِ بِهِمْ وَ أَظْهَرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ اَلْمُشْرِکُونَ ثُمَّ کَانَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ أَنْ ضَمَّ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ أَهْلِ دِینِنَا بِصِفِّینَ وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ فِیهِمْ قَوْماً قَدْ کَانَتْ لَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص سَابِقَةٌ ذَاتُ شَأْنٍ وَ خَطَرٍ عَظِیمٍ وَ لَکِنِّی ضَرَبْتُ الْأَمْرَ ظَهْراً وَ بَطْناً فَلَمْ أَرَ یَسَعُنِی أَنْ یُهْدَرَ دَمُ عُثْمَانَ صِهْرِ نَبِیِّنَا ص الَّذِی جَهَّزَ جَیْشَ الْعُسْرَةِ وَ أَلْحَقَ فِی مُصَلَّی رَسُولِ اللَّهِ ص بَیْتاً وَ بَنَی سِقَایَةً بَایَعَ لَهُ نَبِیُّ اللَّهِ بِیَدِهِ الْیُمْنَی عَلَی الْیُسْرَی وَ اخْتَصَّهُ بِکَرِیمَتَیْهِ أُمِّ کُلْثُومٍ وَ رُقَیَّةَ فَإِنْ کَانَ قَدْ أَذْنَبَ ذَنْباً فَقَدْ أَذْنَبَ مَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِیِّهِ لِیَغْفِرَ لَکَ اللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَ مٰا تَأَخَّرَ (1) وَ قَتَلَ مُوسَی نَفْساً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ فَغَفَرَ لَهُ وَ قَدْ أَذْنَبَ نُوحٌ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ فَغَفَرَ لَهُ وَ قَدْ أَذْنَبَ أَبُوکُمْ آدَمُ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ فَغَفَرَ لَهُ وَ لَمْ یَعْرَ أَحَدُکُمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ کَانَتْ لاِبْنِ أَبِی طَالِبٍ سَابِقَةٌ حَسَنَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَإِنْ لَمْ یَکُنْ مَالَأَ عَلَی قَتْلِ عُثْمَانَ فَلَقَدْ خَذَلَهُ وَ إِنَّهُ لَأَخُوهُ فِی دِینِهِ وَ ابْنُ عَمِّهِ وَ سَلَفُهُ وَ ابْنُ عَمَّتِهِ ثُمَّ قَدْ أَقْبَلُوا مِنْ عِرَاقِهِمْ حَتَّی نَزَلُوا شَامَکُمْ وَ بِلاَدَکُمْ وَ بَیْضَتَکُمْ وَ إِنَّمَا عَامَّتُهُمْ بَیْنَ قَاتِلٍ وَ خَاذِلٍ فَ اِسْتَعِینُوا بِاللّٰهِ وَ اصْبِرُوا فَلَقَدِ ابْتُلِیتُمْ أَیَّتُهَا الْأُمَّةُ وَ لَقَدْ رَأَیْتُ فِی مَنَامِی فِی لَیْلَتِی هَذِهِ لَکَأَنَّا وَ أَهْلَ اَلْعِرَاقِ اعْتَوَرْنَا مُصْحَفاً نَضْرِبُهُ بِسُیُوفِنَا وَ نَحْنُ فِی ذَلِکَ جَمِیعاً نُنَادِی وَیْحَکُمْ اللَّهَ وَ مَعَ أَنَّا وَ اللَّهِ لاَ نُفَارِقُ الْعَرْصَةَ حَتَّی نَمُوتَ فَعَلَیْکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ لْتَکُنِ النِّیَّاتُ لِلَّهِ فَإِنِّی سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ یَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِنَّمَا یُبْعَثُ الْمُقْتَتِلُونَ عَلَی النِّیَّاتِ أَفْرَغَ اللَّهُ عَلَیْنَا وَ عَلَیْکُمُ الصَّبْرَ وَ أَعَزَّ لَنَا وَ لَکُمُ النَّصْرَ وَ کَانَ لَنَا وَ لَکُمْ فِی کُلِّ أَمْرٍ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَکُمْ (2)

.

ص :192

985

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنِ اِبْنِ عَامِرٍ (1) عَنْ صَعْصَعَةَ الْعَبْدِیِّ عَنْ أَبْرَهَةَ بْنِ الصَّبَّاحِ قَالَ قَامَ یَزِیدُ بْنُ أَسَدٍ الْبَجَلِیُّ فِی أَهْلِ اَلشَّامِ یَخْطُبُ النَّاسَ بِصِفِّینَ وَ عَلَیْهِ قَبَاءٌ مِنْ خَزٍّ وَ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ آخِذاً بِقَائِمِ سَیْفِهِ وَاضِعاً نَصْلَ (2) السَّیْفِ فِی الْأَرْضِ مُتَوَکِّئاً عَلَیْهِ قَالَ صَعْصَعَةُ فَذَکَرَ لِی أَبْرَهَةُ أَنَّهُ کَانَ یَوْمَئِذٍ مِنْ أَجْمَلِ اَلْعَرَبِ وَ أَکْرَمِهَا وَ أَبْلَغِهَا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْفَرْدِ ذِی الطَّوْلِ وَ الْجَلاَلِ الْعَزِیزِ الْجَبَّارِ الْحَکِیمِ الْغَفَّارِ الْکَبِیرِ الْمُتَعَالِ ذِی الْعَطَاءِ وَ الْفَعَالِ وَ السَّخَاءِ وَ النَّوَالِ وَ الْبَهَاءِ وَ الْجَمَالِ وَ الْمَنِّ (3) وَ الْإِفْضَالِ مَالِکِ الْیَوْمِ الَّذِی لاٰ بَیْعٌ فِیهِ وَ لاٰ خِلاٰلٌ أَحْمَدُهُ عَلَی حُسْنِ الْبَلاَءِ وَ تَظَاهُرِ النَّعْمَاءِ وَ فِی کُلِّ حَالٍ مِنْ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءٍ أَحْمَدُهُ عَلَی نِعَمِهِ التُّؤَامِ وَ آلاَئِهِ الْعِظَامِ حَمْداً یَسْتَنِیرُ (4) بِاللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِیکَ لَهُ کَلِمَةُ النَّجَاةِ فِی الْحَیَاةِ وَ عِنْدَ الْوَفَاةِ وَ فِیهَا الْخَلاَصُ یَوْمَ الْقِصَاصِ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ النَّبِیُّ الْمُصْطَفَی وَ إِمَامُ الْهُدَی ص ثُمَّ کَانَ مِنْ قَضَاءِ (5) اللَّهِ أَنْ جَمَعَنَا وَ أَهْلَ دِینِنَا فِی هَذِهِ الرُّقْعَةِ مِنَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ أَنِّی کُنْتُ کَارِهاً لِذَلِکَ وَ لَکِنَّهُمْ لَمْ یُبْلِعُونَا رِیْقَنَا وَ لَمْ یَتْرُکُونَا نَرْتَادُ لِأَنْفُسِنَا وَ نَنْظُرُ لِمَعَادِنَا حَتَّی نَزَلُوا بَیْنَ أَظْهُرِنَا وَ فِی حَرِیمِنَا وَ بَیْضَتِنَا وَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ فِی الْقَوْمِ أَحْلاَماً وَ طَغَاماً وَ لَسْنَا نَأْمَنُ مِنْ طَغَامِهِمْ عَلَی ذَرَارِیِّنَا وَ نِسَائِنَا وَ لَقَدْ کُنَّا نُحِبُّ أَلاَّ نُقَاتِلَ أَهْلَ دِینِنَا فَأَخْرَجُونَا حَتَّی صَارَتِ الْأُمُورُ إِلَی أَنْ قَاتَلْنَاهُمْ غَداً حَمِیَّةً (6) فَ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَیْهِ رٰاجِعُونَ وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ .

ص :193

أَمَا وَ الَّذِی بَعَثَ مُحَمَّداً بِالرِّسَالَةِ لَوَدِدْتُ أَنِّی مِتُّ مُنْذُ سَنَةٍ وَ لَکِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ أَمْراً لَمْ یَسْتَطِعِ الْعِبَادُ رَدَّهُ فَنَسْتَعِینُ بِاللَّهِ الْعَظِیمِ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَکُمْ (1) .

986

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ أَبِی رَوْقٍ الْهَمْدَانِیِّ أَنَّ یَزِیدَ بْنَ قَیْسٍ الْأَرْحَبِیَّ حَرَّضَ أَهْلَ اَلْعِرَاقِ بِصِفِّینَ یَوْمَئِذٍ فَقَالَ إِنَّ اَلْمُسْلِمَ السَّلِیمَ (2) مَنْ سَلِمَ دِینُهُ وَ رَأْیُهُ وَ إِنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ وَ اللَّهِ مَا إِنْ یُقَاتِلُونَنَا عَلَی إِقَامَةِ دِینٍ رَأَوْنَا ضَیَّعْنَاهُ وَ لاَ عَلَی إِحْیَاءِ حَقٍّ رَأَوْنَا أَمَتْنَاهُ وَ لاَ یُقَاتِلُونَنَا إِلاَّ عَلَی هَذِهِ الدُّنْیَا لِیَکُونُوا فِیهَا جَبَابِرَةً وَ مُلُوکاً وَ لَوْ ظَهَرُوا عَلَیْکُمْ لاَ أَرَاهُمُ اللَّهُ ظُهُوراً وَ لاَ سُرُوراً إِذًا لَوَلِیَکُمْ (3) مِثْلُ سَعِیدٍ وَ اَلْوَلِیدِ وَ عَبْدِ اللَّهِ (4) بْنِ عَامِرٍ السَّفِیهِ یُحَدِّثُ أَحَدُهُمْ فِی مَجْلِسِهِ بِذَیْتَ وَ ذَیْتَ (5) وَ یَأْخُذُ مَالَ اللَّهِ وَ یَقُولُ لاَ إِثْمَ عَلَیَّ فِیهِ کَأَنَّمَا أُعْطِیَ تُرَاثُهُ مِنْ أَبِیهِ کَیْفَ إِنَّمَا هُوَ مَالُ اللَّهِ أَفَاءَهُ عَلَیْنَا بِأَسْیَافِنَا وَ رِمَاحِنَا قَاتِلُوا عِبَادَ اللَّهِ الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ الْحَاکِمِینَ بِغَیْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَ لاَ تَأْخُذْکُمْ فِیهِمْ (6) لَوْمَةُ لاَئِمٍ إِنَّهُمْ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ یُفْسِدُوا عَلَیْکُمْ دِینَکُمْ وَ دُنْیَاکُمْ وَ هُمْ مَنْ قَدْ عَرَفْتُمْ وَ جَرَّبْتُمْ وَ اللَّهِ مَا أَرَادُوا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَیْکُمْ إِلاَّ شَرّاً وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِیمَ لِی وَ لَکُمْ (7) .

987

1- قَالَ نَصْرٌ وَ ارْتَجَزَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ أَرْسَلَ بِهَا إِلَی عَلِیٍّ

ص :194

لاَ تَأْمَنَنَّا بَعْدَهَا أَبَا حَسَنٍ

إِنَّا نُمِرُّ الْأَمْرَ إِمْرَارَ الرَّسَنِ (1)

وَ یُرْوَی خُذْهَا إِلَیْکَ وَ اعْلَمَنْ أَبَا حَسَنٍ لَتُصْبِحَنَّ مِثْلَهَا أُمُّ لَبَنٍ (2) طَاحِنَةً تَدُقُّکُمْ دَقَّ الْحَفَنِ (3) .

قَالَ فَأَجَابَهُ شَاعِرٌ مِنْ شُعَرَاءِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ أَلاَ احْذَرُوا فِی حَرْبِکُمْ أَبَا حَسَنٍ

(4)

.

988

1- قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ أَنَّ أَوَّلَ فَارِسَیْنِ الْتَقَیَا فِی هَذَا الْیَوْمِ وَ هُوَ اَلْیَوْمُ السَّابِعِ مِنْ صَفَرٍ وَ کَانَ مِنَ الْأَیَّامِ الْعَظِیمَةِ فِی صِفِّینَ ذَا أَهْوَالٍ شَدِیدَةٍ حُجْرُ الْخَیْرِ وَ حُجْرُ الشَّرِّ أَمَّا حُجْرُ الْخَیْرِ فَهُوَ حُجْرُ بْنُ عَدِیٍّ صَاحِبُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع وَ أَمَّا حَجْرُ الشَّرِّ فَابْنُ عَمِّهِ کِلاَهُمَا مِنْ کِنْدَةَ وَ کَانَ مِنْ أَصْحَابِ (5) مُعَاوِیَةَ فَأَطْعَنَا بِرُمْحَیْهِمَا وَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی أَسَدٍ یُقَالُ لَهُ خُزَیْمَةُ مِنْ عَسْکَرِ مُعَاوِیَةَ فَضَرَبَ حُجْرَ بْنَ عَدِیٍّ ضَرْبَةً بِرُمْحِهِ فَحَمَلَ أَصْحَابُ عَلِیٍّ ع فَقَتَلُوا خُزَیْمَةَ الْأَسَدِیَّ وَ نَجَا حُجْرُ الشَّرِّ هَارِباً فَالْتَحَقَ بِصَفِّ مُعَاوِیَةَ ثُمَّ بَرَزَ حُجْرُ الشَّرِّ

ص :195

ثَانِیَةً فَبَرَزَ إِلَیْهِ اَلْحَکَمُ بْنُ أَزْهَرَ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَقَتَلَهُ حُجْرُ الشَّرِّ فَخَرَجَ إِلَیْهِ رِفَاعَةُ بْنُ ظَالِمٍ الْحِمْیَرِیُّ مِنْ صِفِّ اَلْعِرَاقِ فَقَتَلَهُ وَ عَادَ إِلَی أَصْحَابِهِ یَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی قَتَلَ حُجْرَ الشَّرِّ بِالْحَکَمِ بْنِ أَزْهَرَ .

ثُمَّ إِنَّ عَلِیّاً ع دَعَا أَصْحَابَهُ إِلَی أَنْ یَذْهَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِمُصْحَفٍ کَانَ فِی یَدِهِ إِلَی أَهْلِ اَلشَّامِ فَقَالَ مَنْ یَذْهَبُ إِلَیْهِمْ فَیَدْعُوهُمْ إِلَی مَا فِی هَذَا اَلْمُصْحَفِ فَسَکَتَ النَّاسُ وَ أَقْبَلَ فَتًی اسْمُهُ سَعِیدٌ فَقَالَ أَنَا صَاحِبُهُ فَأَعَادَ الْقَوْلَ ثَانِیَةً فَسَکَتَ النَّاسُ وَ تَقَدَّمَ الْفَتَی فَقَالَ أَنَا صَاحِبُهُ فَسَلَّمَهُ إِلَیْهِ فَقَبَضَهُ بِیَدِهِ ثُمَّ أَتَاهُمْ فَأَنْشَدَهُمُ (1) اللَّهَ وَ دَعَاهُمْ إِلَی مَا فِیهِ فَقَتَلُوهُ فَقَالَ عَلِیٌّ ع لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَیْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِیِّ اِحْمِلْ عَلَیْهِمُ الْآنَ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَیْمَنَةِ وَ عَلَیْهِ یَوْمَئِذٍ سَیْفَانِ وَ دِرْعَانِ فَجَعَلَ یَضْرِبُ بِسَیْفِهِ قُدُماً وَ یَقُولُ لَمْ یَبْقَ غَیْرُ الصَّبْرِ وَ التَّوَکُّلِ

فَلَمْ یَزَلْ یَحْمِلُ حَتَّی انْتَهَی إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ الَّذِینَ بَایَعُوهُ إِلَی الْمَوْتِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ یَصْمُدُوا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَیْلٍ وَ بَعَثَ إِلَی حَبِیبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِیِّ وَ هُوَ فِی الْمَیْسَرَةِ أَنْ یَحْمِلَ عَلَیْهِ بِجَمِیعِ مَنْ مَعَهُ وَ اخْتَلَطَ النَّاسُ وَ اضْطَرَمَ الْفَیْلَقَانِ مَیْمَنَةُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ مَیْسَرَةُ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَیْلٍ یَضْرِبُ النَّاسَ بِسَیْفِهِ قُدُماً حَتَّی أَزَالَ مُعَاوِیَةَ عَنْ مَوْقِفِهِ وَ جَعَلَ یُنَادِی یَا ثَارَاتِ عُثْمَانَ وَ إِنَّمَا یَعْنِی أَخاً لَهُ قَدْ قُتِلَ وَ ظَنَّ مُعَاوِیَةُ وَ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ یَعْنِی عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَ تَرَاجَعَ مُعَاوِیَةُ عَنْ مَکَانِهِ الْقَهْقَرَی کَثِیراً وَ أَشْفَقَ عَلَی نَفْسِهِ وَ أَرْسَلَ إِلَی حَبِیبِ بْنِ مَسْلَمَةَ مَرَّةً ثَانِیَةً وَ ثَالِثَةً یَسْتَنْجِدُهُ وَ یَسْتَصْرِخُهُ وَ یَحْمِلُ حَبِیبٌ حَمْلَةً

ص :196

شَدِیدَةً بِمَیْسَرَةِ مُعَاوِیَةَ عَلَی مَیْمَنَةِ اَلْعِرَاقِ فَکَشَفَهَا حَتَّی لَمْ یَبْقَ مَعَ اِبْنِ بُدَیْلٍ إِلاَّ نَحْوُ مِائَةِ إِنْسَانٍ مِنَ الْقُرَّاءِ فَاسْتَنَدَ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ یَحْمُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ لَجَّجَ اِبْنُ بُدَیْلٍ فِی النَّاسِ وَ صَمَّمَ عَلَی قَتْلِ مُعَاوِیَةَ وَ جَعَلَ یَطْلُبُ مَوْقِفَهُ وَ یَصْمُدُ نَحْوَهُ حَتَّی انْتَهَی إِلَیْهِ وَ مَعَ مُعَاوِیَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَاقِفاً فَنَادَی مُعَاوِیَةُ فِی النَّاسِ (1) وَیْلَکُمْ الصَّخْرَ وَ الْحِجَارَةَ إِذَا عَجَزْتُمْ عَنِ السِّلاَحِ فَرَضَخَهُ النَّاسُ بِالصَّخْرِ وَ الْحِجَارَةِ حَتَّی أَثْخَنُوهُ فَسَقَطَ فَأَقْبَلُوا عَلَیْهِ بِسُیُوفِهِمْ فَقَتَلُوهُ.

وَ جَاءَ مُعَاوِیَةُ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ حَتَّی وَقَفَا عَلَیْهِ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ فَأَلْقَی عِمَامَتَهُ عَلَی وَجْهِهِ وَ تَرَحَّمَ عَلَیْهِ وَ کَانَ لَهُ أَخاً صَدِیقاً مِنْ قَبْلُ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ اکْشِفْ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ لاَ وَ اللَّهِ لاَ یُمَثَّلُ بِهِ وَ فِیَّ رُوحٌ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ اکْشِفْ عَنْ وَجْهِهِ فَإِنَّا لاَ نُمَثِّلُ بِهِ قَدْ وَهَبْنَاهُ لَکَ فَکَشَفَ اِبْنُ عَامِرٍ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ هَذَا کَبْشُ الْقَوْمِ وَ رَبِّ اَلْکَعْبَةِ اللَّهُمَّ أَظْفِرْنِی بِالْأَشْتَرِ النَّخَعِیِّ وَ اَلْأَشْعَثِ الْکِنْدِیِّ وَ اللَّهِ مَا مَثَلُ هَذَا إِلاَّ کَمَا قَالَ الشَّاعِرُ (2) أَخُو الْحَرْبِ إِنْ عَضَّتْ بِهِ الْحَرْبُ عَضَّهَا

ثُمَّ قَالَ إِنَّ نِسَاءَ خُزَاعَةَ لَوْ قَدَرَتْ عَلَی أَنْ تُقَاتِلَنِی فَضْلاً عَنْ رِجَالِهَا لَفَعَلَتْ

(3)

.

989

1- قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا عَمْرٌو (4) عَنْ أَبِی رَوْقٍ قَالَ اسْتَعْلَی أَهْلُ اَلشَّامِ عِنْدَ قَتْلِ اِبْنِ بُدَیْلٍ عَلَی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ یَوْمَئِذٍ وَ انْکَشَفَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ مِنْ قِبَلِ الْمَیْمَنَةِ وَ أَجْفَلُوا إِجْفَالاً (5)

ص :197

شَدِیداً فَأَمَرَ عَلِیٌّ ع سَهْلَ بْنَ حُنَیْفٍ فَاسْتَقْدَمَ مَنْ کَانَ مَعَهُ لِیَرْفُدَ الْمَیْمَنَةَ وَ یَعْضُدَهَا فَاسْتَقْبَلَهُمْ جُمُوعُ أَهْلِ اَلشَّامِ فِی خَیْلٍ عَظِیمَةٍ فَحَمَلَتْ عَلَیْهِمْ فَأَلْحَقَتْهُمْ بِالْمَیْمَنَةِ وَ کَانَتْ مَیْمَنَةُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ مُتَّصِلَةً بِمَوْقِفِ عَلِیٍّ ع فِی الْقَلْبِ فِی أَهْلِ اَلْیَمَنِ فَلَمَّا انْکَشَفُوا انْتَهَتِ الْهَزِیمَةُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَانْصَرَفَ یَمْشِی نَحْوَ الْمَیْسَرَةِ فَانْکَشَفَ مُضَرُ عَنِ الْمَیْسَرَةِ أَیْضاً فَلَمْ یَبْقَ مَعَ عَلِیٍّ ع مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ إِلاَّ رَبِیعَةُ وَحْدَهَا فِی الْمَیْسَرَةِ

(1)

.

990

1,2,3- قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنَا مَالِکُ بْنُ أَعْیَنَ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ لَقَدْ مَرَّ عَلِیٌّ ع یَوْمَئِذٍ وَ مَعَهُ بَنُوهُ نَحْوَ الْمَیْسَرَةِ وَ مَعَهُ رَبِیعَةُ وَحْدَهَا وَ إِنِّی لَأَرَی النَّبْلَ یَمُرُّ بَیْنَ عَاتِقِهِ وَ مَنْکِبَیْهِ وَ مَا مِنْ بَنِیهِ إِلاَّ مَنْ یَقِیهِ بِنَفْسِهِ فَیَکْرَهُ عَلِیٌّ ع ذَلِکَ فَیَتَقَدَّمُ عَلَیْهِ وَ یَحُولُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ یَأْخُذُهُ بِیَدِهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِکَ فَیُلْقِیهِ مِنْ وَرَائِهِ وَ یُبْصِرُ بِهِ أَحْمَرُ مَوْلَی بَنِی أُمَیَّةَ وَ کَانَ شُجَاعاً وَ قَالَ عَلِیٌّ ع وَ رَبِّ اَلْکَعْبَةِ قَتَلَنِیَ اللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْکَ فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ فَخَرَجَ إِلَیْهِ کَیْسَانُ مَوْلَی عَلِیٍّ ع فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَیْنِ فَقَتَلَهُ أَحْمَرُ وَ خَالَطَ عَلِیّاً لِیَضْرِبَهُ بِالسَّیْفِ وَ یَنْتَهِزُهُ عَلِیٌّ فَتَقَعُ یَدُهُ فِی جَیْبِ دِرْعِهِ فَجَذَبَهُ عَنْ فَرَسِهِ فَحَمَلَهُ عَلَی عَاتِقِهِ فَوَ اللَّهِ لَکَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی رِجْلَیْ أَحْمَرَ تَخْتَلِفَانِ عَلَی عُنُقِ عَلِیٍّ ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ فَکَسَرَ مَنْکِبَهُ وَ عَضُدَیْهِ وَ شَدَّ ابْنَا عَلِیٍّ حُسَیْنٌ وَ مُحَمَّدٌ فَضَرَبَاهُ بِأَسْیَافِهِمَا حَتَّی بَرَدَ فَکَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی عَلِیٍّ قَائِماً وَ شِبْلاَهُ یَضْرِبَانِ الرَّجُلَ حَتَّی إِذَا أَتَیَا عَلَیْهِ أَقْبَلاَ عَلَی أَبِیهِمَا وَ اَلْحَسَنُ قَائِمٌ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ یَا بُنَیَّ مَا مَنَعَکَ أَنْ تَفْعَلَ کَمَا فَعَلَ أَخَوَاکَ فَقَالَ کَفَیَانِی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ .

ص :198

قَالَ ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ اَلشَّامِ دَنَوْا مِنْهُ یُرِیدُونَهُ وَ اللَّهِ مَا یَزِیدُهُ قُرْبُهُمْ مِنْهُ وَ دُنُوُّهُمْ إِلَیْهِ سُرْعَةً فِی مِشْیَتِهِ فَقَالَ لَهُ اَلْحَسَنُ مَا ضَرَّکَ لَوْ أَسْرَعْتَ حَتَّی تَنْتَهِیَ إِلَی الَّذِینَ صَبَرُوا لِعَدُوِّکَ مِنْ أَصْحَابِکَ قَالَ یَعْنِی رَبِیعَةَ الْمَیْسَرَةِ فَقَالَ عَلِیٌّ یَا بُنَیَّ إِنَّ لِأَبِیکَ یَوْماً لَنْ یَعْدُوَهُ وَ لاَ یُبْطِئُ بِهِ عِنْدَ السَّعْیِ وَ لاَ یُقَرِّبُهُ إِلَیْهِ الْوُقُوفُ إِنَّ أَبَاکَ لاَ یُبَالِی (1) إِنْ وَقَعَ عَلَی الْمَوْتُ أَوْ وَقَعَ الْمَوْتُ عَلَیْهِ

(2)

.

991

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی إِسْحَاقَ قَالَ خَرَجَ عَلِیٌّ ع یَوْماً مِنْ أَیَّامِ صِفِّینَ وَ فِی یَدِهِ عَنَزَةٌ (3) فَمَرَّ عَلَی سَعِیدِ بْنِ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیِّ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ أَ مَا تَخْشَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْ یَغْتَالَکَ أَحَدٌ وَ أَنْتَ قُرْبَ عَدُوِّکَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَ عَلَیْهِ مِنَ اللَّهِ حَفَظَةٌ یَحْفَظُونَهُ مِنْ أَنْ یَتَرَدَّی فِی قَلِیبٍ (4) أَوْ یَخِرَّ عَلَیْهِ حَائِطٌ أَوْ تُصِیبَهُ آفَةٌ فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّوْا بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُ

(5)

.

992

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ فُضَیْلِ بْنِ خَدِیجٍ قَالَ لَمَّا انْهَزَمَتْ مَیْمَنَةُ اَلْعِرَاقِ یَوْمَئِذٍ أَقْبَلَ عَلِیٌّ ع نَحْوَ الْمَیْسَرَةِ یَرْکُضُ یَسْتَثِیبُ (6) النَّاسَ وَ یَسْتَوْقِفُهُمْ وَ یَأْمُرُهُمْ بِالرُّجُوعِ نَحْوَ الْفَزَعِ فَمَرَّ بِالْأَشْتَرِ فَقَالَ یَا مَالِکُ قَالَ لَبَّیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ اِئْتِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ فَقُلْ لَهُمْ أَیْنَ فِرَارُکُمْ مِنَ الْمَوْتِ الَّذِی لَنْ تُعْجِزُوهُ إِلَی الْحَیَاةِ الَّتِی لاَ تَبْقَی لَکُمْ فَمَضَی اَلْأَشْتَرُ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ مُنْهَزِمِینَ فَقَالَ لَهُمُ الْکَلِمَاتِ وَ نَادَاهُمْ إِلَیَّ أَیُّهَا النَّاسُ أَنَا مَالِکُ بْنُ الْحَارِثِ یُکَرِّرُهَا فَلَمْ یَلْوَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَیْهِ وَ ظَنَّ أَنَّ

ص :199

اَلْأَشْتَرَ أَعْرَفُ فِی النَّاسِ مِنْ مَالِکِ بْنِ الْحَارِثِ فَجَعَلَ یُنَادِی أَلاَ أَیُّهَا النَّاسُ فَأَنَا اَلْأَشْتَرُ فَانْقَلَبَ نَحْوَهُ طَائِفَةٌ وَ ذَهَبَتْ عَنْهُ طَائِفَةٌ فَقَالَ عَضَضْتُمْ بِهِنَّ أَبِیکُمْ مَا أَقْبَحَ وَ اللَّهِ مَا فَعَلْتُمُ (1) الْیَوْمَ أَیُّهَا النَّاسُ غُضُّوا الْأَبْصَارَ وَ عَضُّوا عَلَی النَّوَاجِذِ وَ اسْتَقْبِلُوا الْقَوْمَ بِهَامِکُمْ وَ شُدُّوا عَلَیْهِمْ شِدَّةَ قَوْمٍ مَوْتُورِینَ بِآبَائِهِمْ وَ أَبْنَائِهِمْ وَ إِخْوَانِهِمْ حَنَقاً عَلَی عَدُوِّهِمْ قَدْ وَطَّنُوا عَلَی الْمَوْتِ أَنْفُسَهُمْ کَیْ لاَ یُسْبَقُوا بِثَأْرٍ إِنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ وَ اللَّهِ لَنْ یُقَاتِلُوکُمْ إِلاَّ عَنْ دِینِکُمْ لِیُطْفِئُوا السُّنَّةَ وَ یُحْیُوا الْبِدْعَةَ وَ یُدْخِلُوکُمْ فِی أَمْرٍ (2) قَدْ أَخْرَجَکُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِحُسْنِ الْبَصِیرَةِ فَطِیبُوا عِبَادَ اللَّهِ نَفْساً بِدِمَائِکُمْ دُونَ دِینِکُمْ فَإِنَّ الْفِرَارَ فِیهِ سَلْبُ الْعِزِّ وَ الْغَلَبَةُ عَلَی الْفَیْءِ وَ ذُلُّ الْمَحْیَا وَ الْمَمَاتِ وَ عَارُ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ وَ سَخَطُ اللَّهِ وَ أَلِیمُ عِقَابِهِ.

ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ أَخْلِصُوا إِلَیَّ مَذْحِجاً فَاجْتَمَعَتْ (3) إِلَیْهِ مَذْحِجٌ فَقَالَ لَهُمْ عَضَضْتُمْ بِصُمِّ الْجَنْدَلِ وَ لِلَّهِ مَا أَرْضَیْتُمُ الْیَوْمَ رَبَّکُمْ وَ لاَ نَصَحْتُمْ لَهُ فِی عَدُوِّهِ وَ کَیْفَ ذَلِکَ وَ أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الْحَرْبِ وَ أَصْحَابُ الْغَارَاتِ وَ فِتْیَانُ الصَّبَاحِ وَ فُرْسَانُ الطِّرَادِ وَ حُتُوفُ الْأَقْرَانِ وَ مَذْحِجُ الطِّعَانِ الَّذِینَ لَمْ یَکُونُوا سَبَقُوا بِثَأْرِهِمْ وَ لَمْ تُطَلَّ دِمَاؤُهُمْ وَ لَمْ یَعْرِفُوا فِی مَوْطِنٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ بِخَسْفٍ وَ أَنْتُمْ سَادَةُ مِصْرِکُمْ (4) وَ أَعَزُّ حَیٍّ فِی قَوْمِکُمْ وَ مَا تَفْعَلُوا فِی هَذَا الْیَوْمِ فَهُوَ مَأْثُورٌ بَعْدَ الْیَوْمِ فَاتَّقُوا مَأْثُورَ الْحَدِیثِ فِی غَدٍ وَ اصْدُقُوا عَدُوَّکُمُ اللِّقَاءَ فَ إِنَّ اللّٰهَ مَعَ الصّٰابِرِینَ وَ الَّذِی نَفْسُ مَالِکٍ بِیَدِهِ مَا مِنْ هَؤُلاَءِ وَ أَشَارَ بِیَدِهِ إِلَی أَهْلِ اَلشَّامِ رَجُلٌ عَلَی مِثْلِ جَنَاحِ الْبَعُوضَةِ مِنْ دِینِ اللَّهِ لِلَّهِ أَنْتُمْ مَا أَحْسَنْتُمُ الْیَوْمَ الْقِرَاعَ احْبِسُوا سَوَادَ وَجْهِی یَرْجِعْ فِیهِ دَمِی عَلَیْکُمْ هَذَا السَّوَادُ الْأَعْظَمُ فَإِنَّ اللَّهَ لَوْ قَدْ فَضَّهُ تَبِعَهُ مَنْ بِجَانِبَیْهِ کَمَا یَتْبَعُ السَّیْلُ مُقَدَّمَهُ.

ص :200

فَقَالُوا خُذْ بِنَا حَیْثُ أَحْبَبْتَ فَصَمَدَ بِهِمْ نَحْوَ عُظْمِهِمْ وَ اسْتَقْبَلَهُ أَشْبَاهُهُمْ مِنْ هَمْدَانَ وَ هُمْ نَحْوُ ثَمَانِمِائَةِ مُقَاتِلٍ قَدِ انْهَزَمُوا آخِرَ النَّاسِ وَ کَانُوا قَدْ صَبَرُوا فِی مَیْمَنَةِ عَلِیٍّ ع حَتَّی قُتِلَ مِنْهُمْ مِائَةٌ وَ ثَمَانُونَ رَجُلاً وَ أُصِیبَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَئِیساً کُلَّمَا قُتِلَ مِنْهُمْ رَئِیسٌ أَخَذَ الرَّایَةَ آخَرُ وَ هُمْ بَنُو شُرَیْحٍ الْهَمْدَانِیُّونَ وَ غَیْرُهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْعَشِیرَةِ فَأَوَّلُ مَنْ أُصِیبَ مِنْهُمْ کُرَیْبُ بْنُ شُرَیْحٍ وَ شُرَحْبِیلُ بْنُ شُرَیْحٍ وَ مَرْثَدُ بْنُ شُرَیْحٍ وَ هُبَیْرَةُ بْنُ شُرَیْحٍ وَ هُرَیْمُ (1) بْنُ شُرَیْحٍ وَ شَهْرُ بْنُ شُرَیْحٍ وَ شِمْرُ بْنُ شُرَیْحٍ قُتِلَ هَؤُلاَءِ الْإِخْوَةُ السِّتَّةُ فِی وَقْتٍ وَاحِدٍ.

ثُمَّ أَخَذَ الرَّایَةَ سُفْیَانُ بْنُ زَیْدٍ ثُمَّ کَرِبُ بْنُ زَیْدٍ ثُمَّ عَبْدُ (2) بْنُ زَیْدٍ فَقُتِلَ هَؤُلاَءِ الْإِخْوَةُ الثَّلاَثَةُ أَیْضاً ثُمَّ أَخَذَ الرَّایَةَ عُمَیْرُ بْنُ بِشْرٍ ثُمَّ أَخُوهُ اَلْحَارِثُ بْنُ بِشْرٍ فَقُتِلاَ جَمِیعاً ثُمَّ أَخَذَ الرَّایَةَ أَبُو الْقَلُوصِ وَهْبُ بْنُ کُرَیْبٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ انْصَرِفْ یَرْحَمُکَ اللَّهُ بِهَذِهِ الرَّایَةِ تَرَحَهَا اللَّهُ فَقَدْ قُتِلَ النَّاسُ حَوْلَهَا فَلاَ تَقْتُلْ نَفْسَکَ وَ لاَ مَنْ بَقِیَ مَعَکَ فَانْصَرَفُوا وَ هُمْ یَقُولُونَ لَیْتَ لَنَا عَدِیداً مِنَ اَلْعَرَبِ یُحَالِفُونَنَا عَلَی الْمَوْتِ ثُمَّ نَسْتَقْدِمُ نَحْنُ وَ هُمْ فَلاَ نَنْصَرِفُ حَتَّی نَظْفَرَ أَوْ نُقْتَلَ فَمَرُّوا بِالْأَشْتَرِ وَ هُمْ یَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ فَقَالَ لَهُمُ اَلْأَشْتَرُ أَنَا أُحَالِفُکُمْ وَ أُعَاقِدُکُمْ عَلَی أَلاَّ نَرْجِعَ أَبَداً حَتَّی نَظْفَرَ أَوْ نَهْلِکَ فَوَقَفُوا مَعَهُ عَلَی هَذِهِ النِّیَّةِ وَ الْعَزِیمَةِ فَهَذَا مَعْنَی قَوْلِ کَعْبِ بْنِ جُعَیْلٍ وَ هَمْدَانُ زُرْقٌ تَبْتَغِی مَنْ تُحَالِفُ.

قَالَ وَ زَحَفَ اَلْأَشْتَرُ نَحْوَ الْمَیْمَنَةِ وَ ثَابَ إِلَیْهِ أُنَاسٌ تَرَاجَعُوا مِنْ أَهْلِ الصَّبْرِ (3) وَ الْوَفَاءِ

ص :201

وَ الْحَیَاءِ فَأَخَذَ لاَ یَصْمِدُ لِکَتِیبَةٍ إِلاَّ کَشَفَهَا وَ لاَ لِجَمْعٍ إِلاَّ حَازَهُ وَ رَدَّهُ (1) فَإِنَّهُ لَکَذَلِکَ إِذَا مَرَّ بِزِیادِ بْنِ النَّضْرِ مُسْتَلْحَماً فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ هَذَا وَ اللَّهِ الصَّبْرُ الْجَمِیلُ هَذَا وَ اللَّهِ الْفِعْلُ الْکَرِیمُ إِلَیَّ وَ قَدْ کَانَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ فِی مَیْمَنَةِ اَلْعِرَاقِ فَتَقَدَّمَ فَرَفَعَ رَایَتَهُ لَهُمْ فَصَبَرُوا وَ قَاتَلَ حَتَّی صُرِعَ (2) ثُمَّ لَمْ یَلْبَثِ اَلْأَشْتَرُ إِلاَّ یَسِیراً کَلاَ شَیْءٍ حَتَّی مَرَّ بِهِمْ (3) یَزِیدُ بْنُ قَیْسٍ الْأَرْحَبِیُّ (4) مُسْتَلْحَماً أَیْضاً مَحْمُولاً فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ مَنْ هَذَا قَالُوا یَزِیدُ بْنُ قَیْسٍ لَمَّا صُرِعَ زِیَادُ بْنُ النَّضْرِ دَفَعَ رَایَتَهُ لِأَهْلِ الْمَیْمَنَةِ فَقَاتَلَ تَحْتَهَا حَتَّی صُرِعَ فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ هَذَا وَ اللَّهِ الصَّبْرُ الْجَمِیلُ هَذَا وَ اللَّهِ الْفِعْلُ الْکَرِیمُ أَ لاَ یَسْتَحْیِی الرَّجُلُ أَنْ یَنْصَرِفَ أَ یُقْتَلُ وَ لَمْ یَقْتُلْ (5) وَ لَمْ یُشْفَ بِهِ عَلَی الْقَتْلِ

(6)

.

993

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ الصَّبَّاحِ (7) قَالَ کَانَ بِیَدِ اَلْأَشْتَرِ یَوْمَئِذٍ صَفِیحَةٌ لَهُ یَمَانِیَّةٌ إِذَا طَأْطَأَهَا خَلَتْ فِیهَا مَاءٌ یَنْصَبُّ وَ إِذَا رَفَعَهَا یَکَادُ یُعْشِی الْبَصَرَ شُعَاعُهَا وَ مَرَّ یَضْرِبُ النَّاسَ بِهَا قُدُماً وَ یَقُولُ اَلْغَمَرَاتُ ثُمَّ یَنْجَلِینَا (8) .

ص :202

قَالَ فَبَصُرَ بِهِ اَلْحَارِثُ بْنُ جُمْهَانَ الْجُعْفِیُّ وَ اَلْأَشْتَرُ مُقَنَّعٌ فِی الْحَدِیدِ فَلَمْ یَعْرِفْهُ فَدَنَا مِنْهُ وَ قَالَ لَهُ جَزَاکَ اللَّهُ مُنْذُ الْیَوْمَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ عَنْ جَمَاعَةِ اَلْمُسْلِمِینَ خَیْراً فَعَرَفَهُ اَلْأَشْتَرُ فَقَالَ یَا اِبْنَ جُمْهَانَ أَ مِثْلُکَ یَتَخَلَّفُ الْیَوْمَ عَنْ مِثْلِ مَوْطِنِی هَذَا فَتَأَمَّلَهُ اِبْنُ جُمْهَانَ فَعَرَفَهُ وَ کَانَ اَلْأَشْتَرُ مِنْ أَعْظَمِ الرِّجَالِ وَ أَطْوَلِهِمْ إِلاَّ أَنَّ فِی لَحْمِهِ خِفَّةً قَلِیلَةً فَقَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاکَ لاَ وَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ مَکَانَکَ حَتَّی السَّاعَةِ وَ لاَ وَ اللَّهِ لاَ أُفَارِقُکَ حَتَّی أَمُوتَ

.

994

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ الصَّبَّاحِ قَالَ رَأَی اَلْأَشْتَرُ یَوْمَئِذٍ مُنْقِذاً وَ حِمْیَراً ابْنَیْ قَیْسٍ الْیَقْظَیَانِ (1) فَقَالَ مُنْقِذٌ لِحِمْیَرٍ مَا فِی اَلْعَرَبِ رَجُلٌ مِثْلُ هَذَا إِنْ کَانَ مَا أَرَی مِنْ قِتَالِهِ عَلَی نِیَّةٍ (2) فَقَالَ لَهُ حِمْیَرٌ وَ هَلِ النِّیَّةُ إِلاَّ مَا تَرَی قَالَ إِنِّی أَخَافُ أَنْ یَکُونَ یُحَاوِلُ مُلْکاً (3) .

995

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ فُضَیْلِ بْنِ خَدِیجٍ عَنْ مَوْلَی الْأَشْتَرِ قَالَ لَمَّا اجْتَمَعَ مَعَ اَلْأَشْتَرِ عُظْمُ مَنْ کَانَ انْهَزَمَ مِنَ الْمَیْمَنَةِ حَرَّضَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ عَضُّوا (4) عَلَی النَّوَاجِذِ مِنَ الْأَضْرَاسِ وَ اسْتَقْبِلُوا الْقَوْمَ بِهَامِکُمْ فَإِنَّ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ فِیهِ ذَهَابُ الْعِزِّ وَ الْغَلَبَةُ عَلَی الْفَیْءِ وَ ذُلُّ الْمَحْیَا وَ الْمَمَاتِ وَ عَارُ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ (5) .

ص :203

ثُمَّ حَمَلَ عَلَی صُفُوفِ أَهْلِ اَلشَّامِ حَتَّی کَشَفَهُمْ فَأَلْحَقَهُمْ بِمَضَارِبِ مُعَاوِیَةَ وَ ذَلِکَ بَیْنَ الْعَصْرِ وَ الْمَغْرِبِ.

996

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ مَالِکِ بْنِ أَعْیَنَ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عَلِیّاً ع لَمَّا رَأَی مَیْمَنَتَهُ قَدْ عَادَتْ إِلَی مَوْقِفِهَا وَ مَصَافِّهَا وَ کَشَفَتْ مَنْ بِإِزَائِهَا حَتَّی ضَارَبُوهُمْ فِی مَوَاقِفِهِمْ وَ مَرَاکِزِهِمْ أَقْبَلَ حَتَّی انْتَهَی إِلَیْهِمْ فَقَالَ إِنِّی قَدْ رَأَیْتُ جَوْلَتَکُمْ وَ انْحِیَازَکُمْ مِنْ صُفُوفِکُمْ یَحُوزُکُمُ (1) الْجُفَاةُ الطُّغَاةُ (2) وَ أَعْرَابُ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ أَنْتُمْ لَهَامِیمُ اَلْعَرَبِ وَ السَّنَامُ الْأَعْظَمُ وَ عُمَّارُ اللَّیْلِ بِتِلاَوَةِ اَلْقُرْآنِ وَ أَهْلُ دَعْوَةِ الْحَقِّ إِذْ ضَلَّ الْخَاطِئُونَ فَلَوْ لاَ إِقْبَالُکُمْ بَعْدَ إِدْبَارِکُمْ وَ کَرُّکُمْ بَعْدَ انْحِیَازِکُمْ وَجَبَ عَلَیْکُمْ مَا وَجَبَ عَلَی الْمُوَلِّی یَوْمَ الزَّحْفِ دُبُرَهُ وَ کُنْتُمْ فِیمَا أَرَی مِنَ الْهَالِکِینَ وَ لَقَدْ هَوَّنَ عَلَیَّ بَعْضَ وَجْدِی وَ شَفَی بَعْضَ لاَعِجِ (3) نَفْسِی إِنِّی رَأَیْتُکُمْ بِأَخَرَةٍ حُزْتُمُوهُمْ کَمَا حَازُوکُمْ وَ أَزَلْتُمُوهُمْ عَنْ مَصَافِّهِمْ کَمَا أَزَالُوکُمْ تَحْشُونَهُمْ بِالسُّیُوفِ (4) یَرْکَبُ أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ کَالْإِبِلِ الْمَطْرُودَةِ الْهِیمِ (5) فَالْآنَ فَاصْبِرُوا نَزَلَتْ عَلَیْکُمُ السَّکِینَةُ وَ ثَبَّتَکُمُ اللَّهُ بِالْیَقِینِ وَ لْیَعْلَمِ الْمُنْهَزِمُ أَنَّهُ یُسْخِطُ رَبَّهُ وَ یُوبِقُ نَفْسَهُ وَ فِی الْفِرَارِ مَوْجِدَةُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ الذُّلُّ اللاَّزِمُ لَهُ وَ فَسَادُ الْعَیْشِ وَ أَنَّ الْفَارَّ لاَ یَزِیدُ الْفِرَارُ فِی عُمُرِهِ وَ لاَ یُرْضِی رَبَّهُ فَمَوْتُ الرَّجُلِ مُحِقّاً قَبْلَ إِتْیَانِ هَذِهِ الْخِصَالِ خَیْرٌ مِنَ الرِّضَا بِالتَّلَبُّسِ بِهَا وَ الْإِصْرَارُ عَلَیْهَا .

997

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَلْقَمَةَ الْخَثْعَمِیُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنَشٍ الْخَثْعَمِیَّ رَأْسَ خَثْعَمِ اَلشَّامِ أَرْسَلَ إِلَی أَبِی کَعْبٍ الْخَثْعَمِیِّ رَأْسِ خَثْعَمِ اَلْعِرَاقِ إِنْ شِئْتَ تَوَاقَفْنَا فَلَمْ نَقْتَتِلْ فَإِنْ ظَهَرَ صَاحِبُکُمْ کُنَّا مَعَکُمْ وَ إِنْ ظَهَرَ صَاحِبُنَا کُنْتُمْ مَعَنَا وَ لاَ یَقْتُلُ

ص :204

بَعْضُنَا بَعْضاً فَأَبَی أَبُو کَعْبٍ ذَلِکَ فَلَمَّا الْتَقَتْ خَثْعَمٌ وَ خَثْعَمٌ وَ زَحَفَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنَشٍ لِقَوْمِهِ یَا مَعْشَرَ خَثْعَمٍ إِنَّا قَدْ عَرَضْنَا عَلَی قَوْمِنَا مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ الْمُوَادَعَةَ صِلَةً لِأَرْحَامِهَا وَ حِفْظاً لِحَقِّهَا فَأَبَوْا إِلاَّ قِتَالَنَا وَ قَدْ بَدَءُونَا بِالْقَطِیعَةِ فَکُفُّوا أَیْدِیَکُمْ عَنْهُمْ حِفْظاً لِحَقِّهِمْ أَبَداً مَا کَفُّوا عَنْکُمْ فَإِنْ قَاتَلُوکُمْ فَقَاتِلُوهُمْ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ إِنَّهُمْ قَدْ رَدُّوا عَلَیْکَ رَأْیَکَ وَ أَقْبَلُوا إِلَیْکَ یُقَاتِلُونَکَ ثُمَّ بَرَزَ فَنَادَی رَجُلٌ یَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنَشٍ قَالَ اللَّهُمَّ قَیِّضْ لَهُ وَهْبَ بْنَ مَسْعُودٍ یَعْنِی رَجُلاً مِنْ خَثْعَمِ اَلْکُوفَةِ کَانَ شُجَاعاً یَعْرِفُونَهُ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ لَمْ یُبَارِزْهُ رَجُلٌ قَطُّ إِلاَّ قَتَلَهُ فَخَرَجَ إِلَیْهِ وَهْبُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ اضْطَرَبُوا سَاعَةً وَ اقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ فَجَعَلَ أَبُو کَعْبٍ یَقُولُ لِأَصْحَابِهِ یَا مَعْشَرَ خَثْعَمٍ خَدِّمُوا أَیْ اضْرِبُوا مَوْضِعَ الْخِدْمَةِ وَ هِیَ الْخَلْخَالُ یَعْنِی اضْرِبُوهُمْ فِی سُوقِهِمْ فَنَادَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنَشٍ یَا أَبَا کَعْبٍ الْکُلُّ قَوْمُکَ فَأَنْصِفْ قَالَ إِی وَ اللَّهِ وَ أَعْظَمُ وَ اشْتَدَّ قِتَالُهُمْ فَحَمَلَ شِمْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِیُّ مِنْ خَثْعَمِ اَلشَّامِ عَلَی أَبِی کَعْبٍ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ یَبْکِی وَ یَقُولَ یَرْحَمُکَ اللَّهُ أَبَا کَعْبٍ لَقَدْ قَتَلْتُکَ فِی طَاعَةِ قَوْمٍ أَنْتَ أَمَسُّ بِی رَحِماً مِنْهُمْ وَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْهُمْ نَفْساً وَ لَکِنِّی وَ اللَّهِ لاَ أَدْرِی مَا أَقُولُ وَ لاَ أَرَی اَلشَّیْطَانَ إِلاَّ قَدْ فَتَنَنَا وَ لاَ أَرَی قُرَیْشاً إِلاَّ وَ قَدْ لَعِبَتْ بِنَا قَالَ وَ وَثَبَ کَعْبُ بْنُ أَبِی کَعْبٍ إِلَی رَایَةِ أَبِیهِ فَأَخَذَهَا فَفُقِئَتْ عَیْنُهُ وَ صُرِعَ ثُمَّ أَخَذَهَا شُرَیْحُ بْنُ مَالِکٍ الْخَثْعَمِیُّ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ تَحْتَهَا حَتَّی صُرِعَ مِنْهُمْ حَوْلَ رَایَتِهِمْ نَحْوُ ثَمَانِینَ رَجُلاً وَ أُصِیبَ مِنْ خَثْعَمِ اَلشَّامِ مِثْلُهُمْ ثُمَّ رَدَّهَا شُرَیْحُ بْنُ مَالِکِ بَعْدَ ذَلِکَ إِلَی کَعْبِ بْنِ أَبِی کَعْبٍ (1) .

998

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ رَایَةَ بَجِیلَةَ فِی صِفِّینَ مَعَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ کَانَتْ فِی أَحْمَسَ مَعَ أَبِی شَدَّادٍ قَیْسِ بْنِ الْمَکْشُوحِ بْنِ

ص :205

هِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ (1) بْنِ عَامِرِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ أَحْمَسَ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ أَنْمَارٍ قَالَتْ لَهُ بَجِیلَةُ خُذْ رَایَتَنَا فَقَالَ غَیْرِی خَیْرٌ لَکُمْ مِنِّی قَالُوا لاَ نُرِیدُ غَیْرَکَ قَالَ فَوَ اللَّهِ لَئِنْ أَعْطَیْتُمُونِیهَا لاَ أَنْتَهِی بِکُمْ دُونَ صَاحِبِ التُّرْسِ الْمُذَهَّبِ قَالُوا وَ کَانَ عَلَی رَأْسِ مُعَاوِیَةَ رَجُلٌ قَائِمٌ مَعَهُ تُرْسٌ مُذَهَّبٌ یَسْتُرُهُ مِنَ الشَّمْسِ فَقَالُوا اصْنَعْ مَا شِئْتَ فَأَخَذَهَا ثُمَّ زَحَفَ بِهَا (2) وَ هُمْ حَوْلَهُ یَضْرِبُونَ النَّاسَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی صَاحِبِ التُّرْسِ الْمُذَهَّبِ وَ هُوَ فِی خَیْلٍ عَظِیمَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِیَةَ وَ کَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ فَاقْتَتَلَ النَّاسُ هُنَاکَ قِتَالاً شَدِیداً وَ شَدَّ أَبُو شَدَّادٍ بِسَیْفِهِ نَحْوَ صَاحِبِ التُّرْسِ فَتَعَرَّضَ لَهُ رُومِیٌّ مِنْ دُونِهِ لِمُعَاوِیَةَ فَضَرَبَ قَدَمَ أَبِی شَدَّادٍ فَقَطَعَهَا وَ ضَرَبَ أَبُو شَدَّادٍ ذَلِکَ الرُّومِیَّ فَقَتَلَهُ وَ أَسْرَعَتْ إِلَیْهِ الْأَسِنَّةُ فَقُتِلَ فَأَخَذَ الرَّایَةَ بَعْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَلْعٍ الْأَحْمَسِیُّ وَ ارْتَجَزَ وَ قَالَ لاَ یُبْعِدُ اللَّهُ أَبَا شَدَّادٍ

ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّی قُتِلَ فَأَخَذَهَا بَعْدَهُ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَلْعٍ فَقَاتَلَ حَتَّی قُتِلَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَفِیفُ بْنُ إِیَاسٍ الْأَحْمَسِیُّ فَلَمْ تَزَلْ بِیَدِهِ حَتَّی تَحَاجَزَ النَّاسُ (3) .

ص :206

999

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ قَالَ قُتِلَ یَوْمَئِذٍ مِنْ بَنِی أَحْمَسَ حَازِمُ بْنُ أَبِی حَازِمٍ أَخُو قَیْسِ بْنِ أَبِی حَازِمٍ وَ نُعَیْمُ بْنُ شَهِیدِ بْنِ التَّغْلَبِیَّةِ (1) فَأَتَی سَمِیُّهُ ابْنُ عَمِّهِ نُعَیْمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ التَّغْلَبِیَّةِ (2) مُعَاوِیَةَ وَ کَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ إِنَّ هَذَا الْقَتِیلَ ابْنُ عَمِّی فَهَبْهُ لِی أَدْفِنْهُ فَقَالَ لاَ تَدْفِنُوهُمْ فَلَیْسُوا لِذَلِکَ بِأَهْلٍ وَ اللَّهِ مَا قَدَرْنَا عَلَی دَفْنِ عُثْمَانَ بَیْنَهُمْ إِلاَّ سِرّاً قَالَ (3) وَ اللَّهِ لَتَأْذَنَنَّ لِی فِی دَفْنِهِ أَوْ لَأَلْحَقَنَّ بِهِمْ وَ لَأَدَعَنَّکَ قَالَ وَیْحَکَ تَرَی أَشْیَاخَ اَلْعَرَبِ لاَ نُوَارِیهِمْ وَ أَنْتَ تَسْأَلُنِی فِی دَفْنِ ابْنِ عَمِّکَ ادْفِنْهُ إِنْ شِئْتَ أَوْ دَعْهُ (4) فَأَتَاهُ فَدَفَنَهُ (5) .

1000

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُهَیْرٍ الْعَبْسِیُّ عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّ رَایَةَ غَطَفَانِ اَلْعِرَاقِ کَانَتْ مَعَ عَیَّاشِ بْنِ شَرِیکِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ جُنْدَبِ بْنِ زَیْدِ بْنِ خَلَفِ بْنِ رَوَاحَةَ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ آلِ ذِی الْکَلاَعِ فَسَأَلَ الْمُبَارَزَةَ فَبَرَزَ إِلَیْهِ قَائِدُ بْنُ بُکَیْرٍ الْعَبْسِیُّ فَبَارَزَهُ فَشَدَّ عَلَیْهِ اَلْکَلاَعِیُّ فَأَوْهَطَهُ (6) فَقَالَ أَبُو سُلَیْمٍ عَیَّاشُ بْنُ شَرِیکٍ لِقَوْمِهِ (7) إِنِّی مُبَارِزٌ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنْ أُصِبْتُ فَرَأْسُکُمُ اَلْأَسْوَدُ بْنُ حَبِیبِ بْنِ جُمَانَةَ بْنِ قَیْسِ بْنِ زُهَیْرٍ فَإِنْ أُصِیبَ فَرَأْسُکُمْ هَرِمُ بْنُ شُتَیْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جُنْدَبٍ فَإِنْ أُصِیبَ فَرَأْسُکُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ضِرَارٍ مِنْ بَنِی حَنْظَلَةَ بْنِ رَوَاحَةَ ثُمَّ مَشَی نَحْوَ اَلْکَلاَعِیِّ فَلَحِقَهُ هَرِمُ بْنُ شُتَیْرٍ فَأَخَذَ بِظَهْرِهِ وَ قَالَ لِیَمَسَّکَ رَحِمٌ لاَ تَبْرُزُ إِلَی هَذَا الطُّوَالِ فَقَالَ هَبَلَتْکَ الْهُبُولُ (8) وَ هَلْ هُوَ إِلاَّ الْمَوْتُ قَالَ وَ هَلِ الْفِرَارُ إِلاَّ مِنْهُ قَالَ وَ هَلْ مِنْهُ بُدٌّ وَ اللَّهِ لَأَقْتُلَنَّهُ أَوْ لَیُلْحِقَنِّی

ص :207

بِقَائِدِ بْنِ بُکَیْرٍ فَبَرَزَ لَهُ وَ مَعَهُ حَجَفَةٌ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ فَدَنَا مِنْهُ فَإِذَا الْحَدِیدُ مُفْرَغٌ عَلَی (1) اَلْکَلاَعِیِّ لاَ یَبِینُ مِنْ نَحْرِهِ إِلاَّ مِثْلُ شِرَاکِ النَّعْلِ مِنْ عُنُقِهِ بَیْنَ بَیْضَتِهِ وَ دِرْعِهِ فَضَرَبَهُ اَلْکَلاَعِیُّ فَقَطَعَ جحفته [حَجَفَتَهُ]

إِلاَّ نَحْواً مِنْ شِبْرٍ فَضَرَبَهُ عَیَّاشٌ عَلَی ذَلِکَ الْمَوْضِعِ فَقَطَعَ نُخَاعَهُ فَقَتَلَهُ وَ خَرَجَ اِبْنُ الْکَلاَعِیِّ ثَائِراً بِأَبِیهِ فَقَتَلَهُ بُکَیْرُ بْنُ وَائِلٍ (2) .

1001

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنِ اَلصَّلْتِ بْنِ زُهَیْرٍ النَّهْدِیِّ أَنَّ رَایَةَ بَنِی نَهْدٍ بِالْعِرَاقِ أَخَذَهَا مَسْرُوقُ بْنُ الْهَیْثَمِ بْنِ سَلَمَةَ فَقُتِلَ ثُمَّ أَخَذَهَا صَخْرُ بْنُ سُمَیٍّ فَارْتُثَّ (3) ثُمَّ أَخَذَهَا عَلِیُّ بْنُ عُمَیْرٍ فَقَاتَلَ حَتَّی ارْتُثَّ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ کَعْبٍ فَقُتِلَ ثُمَّ أَخَذَهَا سَلَمَةُ بْنُ خُذَیْمِ بْنِ جُرْثُومَةَ فَارْتُثَّ وَ صُرِعَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ کَبْشَةَ فَارْتُثَّ ثُمَّ أَخَذَهَا أَبُو مُسَبِّحِ بْنِ عَمْرٍو فَقُتِلَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النَّزَّالِ فَقُتِلَ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَخِیهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زُهَیْرٍ فَقُتِلَ ثُمَّ أَخَذَهَا مَوْلاَهُ مُخَارِقٌ فَقُتِلَ حَتَّی صَارَتْ إِلَی عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِخْنَفٍ الْأَزْدِیِّ (4) .

1002

قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنَا اَلصَّلْتُ بْنُ زُهَیْرٍ قَالَ حَدَّثَنِی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِخْنَفٍ قَالَ صُرِعَ یَزِیدُ بْنُ الْمُغَفَّلِ إِلَی جَنْبِی فَقَتَلْتُ قَاتِلَهُ وَ قُمْتُ عَلَی رَأْسِهِ ثُمَّ صُرِعَ أَبُو زَیْنَبَ بْنُ عُرْوَةَ فَقَتَلْتُ قَاتِلَهُ وَ قُمْتُ عَلَی رَأْسِهِ وَ جَاءَنِی سُفْیَانُ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ أَ قَتَلْتُمْ یَزِیدَ بْنَ الْمُغَفَّلِ فَقُلْتُ إِی وَ اللَّهِ

ص :208

إِنَّهُ لَهَذَا الَّذِی تَرَانِی قَائِماً عَلَی رَأْسِهِ قَالَ وَ مَنْ أَنْتَ حَیَّاکَ اللَّهُ قُلْتُ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِخْنَفٍ فَقَالَ الشَّرِیفُ الْکَرِیمُ حَیَّاکَ اللَّهُ وَ مَرْحَباً بِکَ یَا ابْنَ عَمِّ أَ فَلاَ تَدْفَعُهُ إِلَیَّ فَأَنَا عَمُّهُ سُفْیَانُ بْنُ عَوْفِ بْنِ الْمُغَفَّلِ فَقُلْتُ مَرْحَباً بِکَ أَمَّا الْآنَ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْکَ وَ لَسْنَا بِدَافِعِیهِ إِلَیْکَ وَ أَمَّا مَا عَدَا ذَلِکَ فَلَعَمْرِی أَنْتَ عَمُّهُ وَ وَارِثُهُ (1) .

1003

قَالَ نَصْرٌ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَارِثُ بْنُ حُصَیْنٍ عَنْ أَشْیَاخِ اَلْأَزْدِ أَنَّ مِخْنَفَ بْنَ سُلَیْمٍ خَطَبَ لَمَّا نُدِبَتْ أَزْدُ اَلْعِرَاقِ إِلَی قِتَالِ أَزْدِ اَلشَّامِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ الصَّلاَةُ عَلَی مُحَمَّدٍ رَسُولِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مِنَ الْخَطْبِ الْجَلِیلِ وَ الْبَلاَءِ الْعَظِیمِ أَنَّا صُرِفْنَا إِلَی قَوْمِنَا وَ صُرِفُوا إِلَیْنَا وَ اللَّهِ مَا هِیَ إِلاَّ أَیْدِینَا نَقْطَعُهَا بِأَیْدِینَا وَ مَا هِیَ إِلاَّ أَجْنِحَتُنَا نَحْذِفُهَا بِأَسْیَافِنَا فَإِنْ نَحْنُ لَمْ نَفْعَلْ لَمْ نُنَاصِحْ صَاحِبَنَا وَ لَمْ نُوَاسِ جَمَاعَتَنَا وَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا فَعِزَّنَا آلَمْنَا (2) وَ نَارَنَا أَخْمَدْنَا.

وَ قَالَ جُنْدَبُ بْنُ زُهَیْرٍ الْأَزْدِیُّ وَ اللَّهِ لَوْ کُنَّا آبَاءَهُمْ وَلَدْنَاهُمْ أَوْ کَانُوا آبَاءَنَا وَلَدُونَا ثُمَّ خَرَجُوا عَنْ جَمَاعَتِنَا وَ طَعَنُوا عَلَی إِمَامِنَا وَ وَازَرُوا الظَّالِمِینَ الْحَاکِمِینَ بِغَیْرِ الْحَقِّ عَلَی أَهْلِ مِلَّتِنَا وَ دِینِنَا (3) مَا افْتَرَقْنَا بَعْدَ أَنِ اجْتَمَعْنَا حَتَّی یَرْجِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَیْهِ وَ یَدْخُلُوا فِیمَا نَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ أَوْ تَکْثُرَ الْقَتْلَی بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ.

فَقَالَ مِخْنَفٌ أَعْزَبَکَ اللَّهُ فِی التِّیهِ (4) وَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُکَ صَغِیراً وَ لاَ إِلاَّ کَبِیراً مَشْئُوماً وَ اللَّهِ مَا مَیَّلْنَا (5) فِی الرَّأْیِ بَیْنَ أَمْرَیْنِ قَطُّ أَیَّهُمَا نَأْتِی وَ أَیَّهُمَا نَدَعُ فِی جَاهِلِیَّةٍ وَ لاَ إِسْلاَمٍ

ص :209

إِلاَّ اخْتَرْتُ أَعْسَرَهُمَا وَ أَنْکَدَهُمَا اللَّهُمَّ أَنْ تُعَافِیَنَا أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ تَبْتَلِیَنَا اللَّهُمَّ أَعْطِ کُلَّ رَجُلٍ مِنَّا مَا سَأَلَکَ.

فَتَقَدَّمَ جُنْدَبُ بْنُ زُهَیْرٍ فَبَارَزَ أَزْدِیّاً مِنْ أَزْدِ اَلشَّامِ فَقَتَلَهُ اَلشَّامِیُّ (1) .

1004

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ حُصَیْنٍ عَنْ أَشْیَاخِ الْحَیِّ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ جُوَیْرَةَ (2) قَالَ یَوْمَ صِفِّینَ لِأَهْلِهِ وَ أَصْحَابِهِ أَلاَ إِنَّ مَرْعَی الدُّنْیَا قَدْ أَصْبَحَ هَشِیماً وَ أَصْبَحَ شَجَرُهَا حَصِیداً وَ جَدِیدُهَا سَمَلاً وَ حُلْوُهَا مُرّاً أَلاَ وَ إِنِّی أُنَبِّئُکُمْ نَبَأَ امْرِئٍ صَادِقٍ أَنِّی قَدْ سَئِمْتُ الدُّنْیَا وَ عَزَفْتُ نَفْسِی عَنْهَا وَ لَقَدْ کُنْتُ أَتَمَنَّی الشَّهَادَةَ وَ أَتَعَرَّضُ لَهَا فِی کُلِّ حِینٍ فَأَبَی اللَّهُ إِلاَّ أَنْ یُبْلِغَنِی هَذَا الْیَوْمَ إِلاَّ وَ إِنِّی مُتَعَرِّضٌ سَاعَتِی هَذِهِ لَهَا وَ قَدْ طَمِعْتُ أَلاَّ أُحْرَمَهَا فَمَا تَنْظُرُونَ عِبَادَ اللَّهِ مِنْ جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ أَ خَوْفَ الْمَوْتِ الْقَادِمِ عَلَیْکُمُ الذَّاهِبِ بِنُفُوسِکُمْ أَوْ مِنْ ضَرْبَةِ کَفٍّ أَوْ جَبِینٍ بِالسَّیْفِ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الدُّنْیَا بِالنَّظَرِ إِلَی وَجْهِ اللَّهِ وَ مُرَافَقَةِ اَلنَّبِیِّینَ وَ الصِّدِّیقِینَ وَ الشُّهَدٰاءِ وَ الصّٰالِحِینَ فِی دَارِ الْقَرَارِ مَا هَذَا بِالرَّأْیِ السَّدِیدِ.

ثُمَّ قَالَ یَا إِخْوَتَاهْ إِنِّی قَدْ بِعْتُ هَذِهِ الدَّارَ بِالدَّارِ الَّتِی أَمَامَهَا وَ هَذَا وَجْهِی إِلَیْهَا لاَ یَبْرَحُ اللَّهُ وُجُوهَکُمْ وَ لاَ یَقْطَعُ أَرْحَامَکُمْ.

فَتَبِعَهُ أَخَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ وَ عَوْفٌ فَقَالاَ لاَ نَطْلُبُ وَرَقَ الْعَیْشِ (3) دُونَکَ قَبَّحَ اللَّهُ الدُّنْیَا بَعْدَکَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَحْتَسِبُ أَنْفُسَنَا عِنْدَکَ.

فَاسْتَقْدَمُوا جَمِیعاً وَ قَاتَلُوا حَتَّی قُتِلُوا (4) .

ص :210

1005

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنِی رَجُلٌ مِنْ آلِ الصَّلْتِ بْنِ خَارِجَةَ أَنَّ تَمِیماً لَمَّا ذَهَبَتْ لِتُهْزَمَ ذَلِکَ الْیَوْمَ نَادَاهُمْ مَالِکُ بْنُ حَرِیٍّ النَّهْشَلِیُّ ضَاعَ الضِّرَابُ الْیَوْمَ وَ الَّذِی أَنَالَهُ عَبْدٌ (1) یَا بَنِی تَمِیمٍ فَقَالُوا أَ لاَ تَرَی النَّاسَ قَدِ انْهَزَمُوا فَقَالَ وَیْحَکُمْ أَ فِرَاراً وَ اعْتِذَاراً ثُمَّ نَادَی بِالْأَحْسَابِ فَجَعَلَ یُکَرِّرُهَا فَقَالَ لَهُ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَ تُنَادِی بِنِدَاءِ اَلْجَاهِلِیَّةِ إِنَّ هَذَا لاَ یَحِلُّ فَقَالَ الْفِرَارُ وَیْلَکُمْ أَقْبَحُ إِنْ لَمْ تُقَاتِلُوا عَلَی الدِّینِ وَ الْیَقِینِ فَقَاتِلُوا عَلَی الْأَحْسَابِ ثُمَّ جَعَلَ یُقَاتِلُ وَ یَرْتَجِزُ فَیَقُولُ إِنَّ تَمِیماً أَخْلَفَتْ عَنْکَ اِبْنَ مُرٍّ وَ قَدْ أَرَاهُمْ وَ هُمُ الْحَیُّ الصُّبُرُ فَإِنْ یَفِرُّوا أَوْ یَخِیمُوا لاَ أَفِرُّ (2) .

فَقُتِلَ مَالِکٌ ذَلِکَ الْیَوْمَ أَخُوهُ نَهْشَلُ بْنُ حَرِیٍّ التَّمِیمِیُّ یَرْثِیهِ تَطَاوَلَ هَذَا اللَّیْلُ مَا کَادَ یَنْجَلِی

ص :211

وَ أَجْرَأَ مِنْ لَیْثٍ بِخَفَّانَ مُخْدِرٍ

وَ أَمْضَی إِذَا رَامَ الرِّجَالُ صِدَامَا (1) .

وَ قَالَ أَیْضاً یَرْثِیهِ بَکَی الْفَتَی الْأَبْیَضَ الْبُهْلُولَ سُنَّتَهُ

1006

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنِی یُونُسُ بْنُ أَبِی إِسْحَاقَ قَالَ قَالَ لَنَا أَدْهَمُ

ص :212

بْنُ مُحْرِزٍ الْبَاهِلِیُّ وَ نَحْنُ مَعَهُ بِأَذْرُحَ (1) هَلْ رَأَی أَحَدٌ مِنْکُمْ شِمْرَ بْنَ ذِی الْجَوْشَنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ کِبَارٍ النَّهْدِیُّ وَ سَعِیدُ بْنُ حَازِمٍ الْبَلَوِیُّ (2) نَحْنُ رَأَیْنَاهُ قَالَ فَهَلْ رَأَیْتُمَا ضَرْبَةً بِوَجْهِهِ قَالاَ نَعَمْ قَالَ أَنَا وَ اللَّهِ ضَرَبْتُهُ تِلْکَ الضَّرْبَةَ بِصِفِّینَ (3) .

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ قَدْ کَانَ خَرَجَ أَدْهَمُ بْنُ مُحْرِزٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِیَةَ إِلَی شِمْرِ بْنِ ذِی الْجَوْشَنِ فِی هَذَا الْیَوْمِ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَیْنِ فَضَرَبَهُ أَدْهَمُ عَلَی جَبِینِهِ فَأَسْرَعَ فِیهِ السَّیْفُ حَتَّی خَالَطَ الْعَظْمَ وَ ضَرَبَهُ شِمْرٌ فَلَمْ یَصْنَعْ شَیْئاً فَرَجَعَ إِلَی عَسْکَرِهِ فَشَرِبَ مَاءً وَ أَخَذَ رُمْحاً ثُمَّ أَقْبَلَ وَ هُوَ یَقُولُ إِنِّی زَعِیمٌ لِأَخِی بَاهِلَةْ

ثُمَّ حَمَلَ عَلَی أَدْهَمَ وَ هُوَ یَعْرِفُ وَجْهَهُ وَ أَدْهَمُ ثَابِتٌ لَهُ لَمْ یَنْصَرِفْ فَطَعَنَهُ فَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ وَ حَالَ أَصْحَابُهُ دُونَهُ فَانْصَرَفَ شِمْرٌ وَ قَالَ هَذِهِ بِتِلْکَ (4) .

قَالَ نَصْرٌ وَ خَرَجَ سُوَیْدُ بْنُ قَیْسِ بْنِ یَزِیدَ الْأَرْحَبِیُّ مِنْ عَسْکَرِ مُعَاوِیَةَ یَسْأَلُ الْمُبَارَزَةَ فَخَرَجَ إِلَیْهِ مِنْ عَسْکَرِ اَلْعِرَاقِ أَبُو الْعَمَرَّطَةِ قَیْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَیْرٍ بْنِ یَزِیدَ وَ هُوَ ابْنُ عَمِّ سُوَیْدٍ وَ کَانَ کُلٌّ مِنْهُمَا لاَ یَعْرِفُ صَاحِبَهُ فَلَمَّا تَقَاَرَبَا تَعَارَفَا وَ تَوَاقَفَا وَ تَسَاءَلاَ وَ دَعَا کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ إِلَی دِینِهِ (5) فَقَالَ أَبُو الْعَمَرَّطَةِ أَمَّا أَنَا فَوَ اللَّهِ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَئِنِ اسْتَطَعْتُ لَأَضْرِبَنَّ بِسَیْفِی هَذِهِ الْقُبَّةَ الْبَیْضَاءَ یَعْنِی الْقُبَّةَ الَّتِی کَانَ فِیهَا مُعَاوِیَةُ ثُمَّ انْصَرَفَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَی أَصْحَابِهِ (6) .

ص :213

قَالَ نَصْرٌ ثُمَّ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ عَسْکَرِ اَلشَّامِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ یَسْأَلُ الْمُبَارَزَةَ فَخَرَجَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَقَتَلَهُ اَلْأَزْدِیُّ فَخَرَجَ إِلَیْهِ اَلْأَشْتَرُ فَمَا أَلْبَثَهُ أَنْ قَتَلَهُ فَقَالَ قَائِلٌ کَانَ هَذَا رِیحاً فَصَارَتْ إِعْصَاراً.

قَالَ نَصْرٌ وَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع أَمَا وَ اللَّهِ لَأَحْمِلَنَّ عَلَی مُعَاوِیَةَ حَتَّی أَقْتُلَهُ فَرَکِبَ فَرَساً ثُمَّ ضَرَبَهُ حَتَّی قَامَ عَلَی سَنَابِکِهِ ثُمَّ دَفَعَهُ فَلَمْ یُنَهْنِهْهُ شَیْءٌ عَنِ الْوُقُوفِ عَلَی رَأْسِ مُعَاوِیَةَ فَهَرَبَ مُعَاوِیَةُ وَ دَخَلَ خِبَاءً فَنَزَلَ الرَّجُلُ عَنْ فَرَسِهِ وَ دَخَلَ عَلَیْهِ فَخَرَجَ مُعَاوِیَةُ مِنْ جَانِبِ الْخِبَاءِ الْآخَرِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ فِی أَثَرِهِ فَاسْتَصْرَخَ مُعَاوِیَةُ بِالنَّاسِ فَأَحَاطُوا بِهِ وَ حَالُوا بَیْنَهُمَا فَقَالَ مُعَاوِیَةُ وَیْحَکُمْ إِنَّ السُّیُوفَ لَمْ یُؤْذَنْ لَهَا فِی هَذَا وَ لَوْ لاَ ذَلِکَ لَمْ یَصِلْ إِلَیْکُمْ فَعَلَیْکُمْ بِالْحِجَارَةِ فَرَضَخُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّی هَمَدَ فَعَادَ مُعَاوِیَةُ إِلَی مَجْلِسِهِ-

1007

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَمَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع یُدْعَی أَبَا أَیُّوبَ وَ لَیْسَ بِأَبِی أَیُّوبَ الْأَنْصَارِیِّ عَلَی صَفِّ أَهْلِ اَلشَّامِ ثُمَّ رَجَعَ فَوَافَقَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ صَادِراً قَدْ حَمَلَ عَلَی صَفِّ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ ثُمَّ رَجَعَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَیْنِ فَنَفَحَهُ أَبُو أَیُّوبَ بِالسَّیْفِ فَأَبَانَ عُنُقَهُ فَثَبَتَ رَأْسُهُ عَلَی جَسَدِهِ کَمَا هُوَ وَ کَذَّبَ النَّاسُ أَنْ یَکُونَ هُوَ ضَرَبَهُ فَأَرَابَهُمْ ذَلِکَ حَتَّی إِذَا أَدْخَلَتْهُ فَرَسُهُ فِی صَفِّ أَهْلِ اَلشَّامِ نَدَرَ رَأْسُهُ وَ وَقَعَ مَیِّتاً فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَ اللَّهِ لَأَنَا مِنْ ثَبَاتِ رَأْسِ الرَّجُلِ أَشَدُّ تَعَجُّباً مِنَ الضَّرْبَةِ وَ إِنْ کَانَ إِلَیْهَا یَنْتَهِی وَصْفُ الْوَاصِفِینَ (1) .

وَ جَاءَ أَبُو أَیُّوبَ فَوَقَفَ بَیْنَ یَدَیْ عَلِیٍّ ع فَقَالَ لَهُ أَنْتَ وَ اللَّهِ کَمَا قَالَ الشَّاعِرُ وَ عَلَّمَنَا الضَّرْبَ آبَاؤُنَا وَ نَحْنُ نُعَلِّمُ أَیْضاً بَنِینَا

.

1008

1- قَالَ نَصْرٌ فَلَمَّا انْقَضَی هَذَا الْیَوْمُ بِمَا فِیهِ أَصْبَحُوا فِی اَلْیَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ صِفِّینَ (2) وَ الْفَیْلَقَانِ مُتَقَابِلاَنِ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَسَأَلَ الْمُبَارَزَةَ فَخَرَجَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ

ص :214

فَاقْتَتَلاَ بَیْنَ الصَّفَّیْنِ قِتَالاً شَدِیداً ثُمَّ إِنَّ الْعِرَاقِیَّ اعْتَنَقَهُ فَوَقَعَا جَمِیعاً وَ غَارَ الْفَرَسَانِ ثُمَّ إِنَّ الْعِرَاقِیَّ قَهَرَهُ فَجَلَسَ عَلَی صَدْرِهِ وَ کَشَفَ الْمِغْفَرَ عَنْهُ یُرِیدُ ذَبْحَهُ فَإِذَا هُوَ أَخُوهُ لِأَبِیهِ وَ أُمِّهِ فَصَاحَ بِهِ أَصْحَابُ عَلِیٍّ ع وَیْحَکَ أَجْهِزْ عَلَیْهِ قَالَ إِنَّهُ أَخِی قَالُوا فَاتْرُکْهُ قَالَ لاَ وَ اللَّهِ حَتَّی یَأْذَنَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَأُخْبِرَ عَلِیٌّ ع بِذَلِکَ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ أَنْ دَعْهُ فَتَرَکَهُ فَقَامَ فَعَادَ إِلَی صَفِّ مُعَاوِیَةَ

(1)

.

1009

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِیِّ قَالَ کَانَ فَارِسُ مُعَاوِیَةَ الَّذِی یُعِدُّهُ لِکُلِّ مُبَارِزٍ وَ لِکُلِّ عَظِیمٍ حُرَیْثٌ مَوْلاَهُ وَ کَانَ یَلْبَسُ سِلاَحَ مُعَاوِیَةَ مُتَشَبِّهاً بِهِ فَإِذَا قَاتَلَ قَالَ النَّاسُ ذَاکَ مُعَاوِیَةُ وَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ یَا حُرَیْثُ اتَّقِ عَلِیّاً وَ ضَعْ رُمْحَکَ حَیْثُ شِئْتَ فَأَتَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ یَا حُرَیْثُ إِنَّکَ وَ اللَّهِ لَوْ کُنْتَ قُرَشِیّاً لَأَحَبَّ لَکَ مُعَاوِیَةُ أَنْ تَقْتُلَ عَلِیّاً وَ لَکِنْ کَرِهَ أَنْ یَکُونَ لَکَ حَظُّهَا فَإِنْ رَأَیْتَ فُرْصَةً فَاقْتَحِمْ قَالَ وَ خَرَجَ عَلِیٌّ ع فِی هَذَا الْیَوْمِ أَمَامَ الْخَیْلِ فَحَمَلَ عَلَیْهِ حُرَیْثٌ (2)

.

1010

1- قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنِی عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَرَزَ حُرَیْثٌ مَوْلَی مُعَاوِیَةَ هَذَا الْیَوْمَ وَ کَانَ شَدِیداً أَیْداً (3) ذَا بَأْسٍ لاَ یُرَامُ فَصَاحَ یَا عَلِیُّ هَلْ لَکَ فِی الْمُبَارَزَةِ فَأَقْدِمْ أَبَا حَسَنٍ إِنْ شِئْتَ فَأَقْبَلَ عَلِیٌّ ع وَ هُوَ یَقُولُ أَنَا عَلِیٌّ وَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ نَحْنُ لَعَمْرُ اللَّهِ أَوْلَی بِالْکُتُبِ

ص :215

مِنَّا اَلنَّبِیُّ الْمُصْطَفَی غَیْرُ کَذِبٍ

أَهْلُ اللِّوَاءِ وَ الْمَقَامِ وَ الْحُجُبِ نَحْنُ نَصَرْنَاهُ عَلَی کُلِّ اَلْعَرَبِ (1)

ثُمَّ خَالَطَهُ فَمَا أَمْهَلَهُ أَنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَقَطَعَهُ نِصْفَیْنِ (2)

.

1011

1- قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِی اَلْجُرْجَانِیُّ قَالَ جَزِعَ مُعَاوِیَةُ عَلَی حُرَیْثٍ جَزَعاً شَدِیداً وَ عَاتَبَ عَمْراً فِی إِغْرَائِهِ إِیَّاهُ بِعَلِیٍّ ع وَ قَالَ فِی ذَلِکَ شِعْراً حُرَیْثُ أَ لَمْ تَعْلَمْ وَ جَهْلُکَ ضَائِرٌ

قَالَ نَصْرٌ فَلَمَّا قُتِلَ حُرَیْثٌ بَرَزَ عَمْرُو بْنُ الْحُصَیْنِ السَّکْسَکِیُّ فَنَادَی یَا أَبَا حَسَنٍ هَلُمَّ إِلَی الْمُبَارَزَةِ فَأَوْمَأَ ع إِلَی سَعِیدِ بْنِ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیِّ فَبَارَزَهُ فَضَرَبَهُ بِالسَّیْفِ فَقَتَلَهُ

(3)

.

ص :216

1012

1- وَ قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ لِهَمْدَانَ بَلاَءٌ عَظِیمٌ فِی نُصْرَةِ عَلِیٍّ ع فِی صِفِّینَ وَ مِنَ الشِّعْرِ الَّذِی لاَ یُشَکُّ أَنَّ قَائِلَهُ عَلِیٌّ ع لِکَثْرَةِ الرُّوَاةِ لَهُ دَعَوْتُ فَلَبَّانِی مِنَ الْقَوْمِ عُصْبَةٌ .

1013

1- قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنِی عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ قَالَ ثُمَّ قَامَ عَلِیٌّ ع بَیْنَ الصَّفَّیْنِ وَ نَادَی یَا مُعَاوِیَةُ یُکَرِّرُهَا فَقَالَ مُعَاوِیَةُ سَلُوهُ مَا شَأْنُهُ قَالَ أُحِبُّ أَنْ یَظْهَرَ لِی فَأُکَلِّمَهُ کَلِمَةً وَاحِدَةً فَبَرَزَ مُعَاوِیَةُ وَ مَعَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَلَمَّا قَارَبَاهُ لَمْ یَلْتَفِتْ إِلَی عَمْرٍو وَ قَالَ لِمُعَاوِیَةَ وَیْحَکَ عَلاَمَ یُقْتَلُ (1) النَّاسُ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ وَ یَضْرِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ابْرُزْ إِلَیَّ فَأَیُّنَا قَتَلَ صَاحِبَهُ فَالْأَمْرُ لَهُ فَالْتَفَتَ مُعَاوِیَةُ إِلَی عَمْرٍو فَقَالَ مَا تَرَی یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَدْ أَنْصَفَکَ الرَّجُلُ وَ اعْلَمْ أَنَّکَ إِنْ نَکَلْتَ عَنْهُ لَمْ یَزَلْ سَبُّهُ عَلَیْکَ وَ عَلَی عَقِبِکَ مَا بَقِیَ عَلَی ظَهْرِ الْأَرْضِ عَرَبِیٌّ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ یَا اِبْنَ الْعَاصِ لَیْسَ مِثْلِی یُخْدَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَ اللَّهِ مَا بَارَزَ اِبْنَ أَبِی طَالِبٍ شُجَاعٌ قَطُّ إِلاَّ وَ سَقَی الْأَرْضَ مِنْ دَمِهِ ثُمَّ انْصَرَفَ مُعَاوِیَةُ رَاجِعاً حَتَّی انْتَهَی إِلَی

ص :217

آخِرِ الصُّفُوفِ وَ عَمْرٌو مَعَهُ فَلَمَّا رَأَی عَلِیٌّ ع ذَلِکَ ضَحِکَ وَ عَادَ إِلَی مَوْقِفِهِ.

قَالَ نَصْرٌ وَ فِی حَدِیثِ اَلْجُرْجَانِیِّ أَنَّ مُعَاوِیَةَ قَالَ لِعَمْرٍو وَیْحَکَ مَا أَحْمَقَکَ تَدْعُونِی إِلَی مُبَارَزَتِهِ وَ دُونِی عُکٌّ وَ جُذَامٌ وَ اَلْأَشْعَرُونَ (1) .

قَالَ نَصْرٌ قَالَ وَ حَقَدَهَا مُعَاوِیَةُ عَلَی عَمْرٍو بَاطِناً وَ قَالَ لَهُ ظَاهِراً مَا أَظُنُّکَ قُلْتَ مَا قُلْتَهُ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِلاَّ مَازِحاً فَلَمَّا جَلَسَ مُعَاوِیَةُ مَجْلِسَهُ أَقْبَلَ عَمْرٌو یَمْشِی حَتَّی جَلَسَ إِلَی جَانِبِهِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ یَا عَمْرُو إِنَّکَ قَدْ قَشَرْتَ لِیَ الْعَصَا

فَقَالَ عَمْرٌو أَیُّهَا الرَّجُلُ أَ تَجْبُنُ عَنْ خَصْمِکَ وَ تَتَّهِمُ نَصِیحَکَ وَ قَالَ مُجِیباً لَهُ مُعَاوِیَ إِنْ نَکَلْتَ عَنِ الْبِرَازِ

ص :218

وَ مَا ذَنْبِی بِأَنْ نَادَی عَلِیٌّ

.

1014

1- وَ رَوَی اِبْنُ قُتَیْبَةَ فِی کِتَابِهِ الْمُسَمَّی عُیُونُ الْأَخْبَارِ (1) قَالَ قَالَ أَبُو الْأَغَرِّ التَّمِیمِیُّ بَیْنَا أَنَا وَاقِفٌ بِصِفِّینَ مَرَّ بِیَ اَلْعَبَّاسُ بْنُ رَبِیعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مُکَفَّراً بِالسِّلاَحِ وَ عَیْنَاهُ تَبُصَّانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ کَأَنَّهُمَا عَیْنَا أَرْقَمَ وَ بِیَدِهِ صَفِیحَةٌ یَمَانِیَّةٌ یَقْلِبُهَا وَ هُوَ عَلَی فَرَسٍ لَهُ صَعْبٍ فَبَیْنَا هُوَ یَمْغَثُهُ (2) وَ یَلِینُ مِنْ عَرِیکَتِهِ هَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ یُعْرَفُ بِعَرَارِ بْنِ أَدْهَمَ یَا عَبَّاسُ هَلُمَّ إِلَی الْبِرَازِ قَالَ اَلْعَبَّاسُ فَالنُّزُولُ إِذًا فَإِنَّهُ أَیْأَسُ مِنَ القُفُولِ فَنَزَلَ اَلشَّامِیُّ وَ هُوَ یَقُولُ إِنْ تَرْکَبُوا فَرُکُوبُ الْخَیْلِ عَادَتُنَا أَوْ تَنْزِلُونَ فَإِنَّا مَعْشَرٌ نُزُلٌ (3) .

وَ ثَنَی اَلْعَبَّاسُ رِجْلَهُ وَ هُوَ یَقُولُ وَ یَصُدُّ عَنْکَ مَخِیلَةُ الرَّجُلِ الْعِرِّیضِ

ثُمَّ عَصَبَ فَضَلاَتِ دِرْعِهِ فِی حُجْزَتِهِ (4) وَ دَفَعَ فَرَسَهُ (5) إِلَی غُلاَمٍ لَهُ أَسْوَدَ یُقَالُ لَهُ أَسْلَمُ

ص :219

کَأَنِّی وَ اللَّهِ أَنْظُرُ إِلَی فَلاَفِلِ شَعْرِهِ ثُمَّ دَلَفَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَی صَاحِبِهِ فَذَکَرْتُ قَوْلَ أَبِی ذُؤَیْبٍ فَتَنَازَلاَ وَ تَوَاقَفَتْ خَیْلاَهُمَا وَ کِلاَهُمَا بَطَلُ اللِّقَاءِ مُخَدَّعٌ (1) .

وَ کَفَّتِ النَّاسُ أَعِنَّةَ خُیُولِهِمْ یَنْظُرُونَ مَا یَکُونُ مِنَ الرَّجُلَیْنِ فَتَکَافَحَا بِسَیْفَیْهِمَا مَلِیّاً مِنْ نَهَارِهِمَا لاَ یَصِلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَی صَاحِبِهِ لِکَمَالِ لَأْمَتِهِ إِلَی أَنْ لَحَظَ اَلْعَبَّاسُ وَهْناً فِی دِرْعِ اَلشَّامِیِّ فَأَهْوَی إِلَیْهِ بِیَدِهِ فَهَتَکَهُ إِلَی ثُنْدُوَتِهِ (2) ثُمَّ عَادَ لِمُجَاوَلَتِهِ وَ قَدْ أَصْحَرَ لَهُ (3) مُفْتَقَ الدِّرْعِ فَضَرَبَهُ اَلْعَبَّاسُ ضَرْبَةً انْتَظَمَ بِهَا جَوَانِحُ صَدْرِهِ فَخَرَّ اَلشَّامِیُّ لِوَجْهِهِ وَ کَبَّرَ النَّاسُ تَکْبِیرَةً ارْتَجَّتْ لَهَا الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِمْ وَ سَمَا (4) اَلْعَبَّاسُ فِی النَّاسِ فَإِذَا قَائِلٌ یَقُولُ مِنْ وَرَائِی قٰاتِلُوهُمْ یُعَذِّبْهُمُ اللّٰهُ بِأَیْدِیکُمْ وَ یُخْزِهِمْ وَ یَنْصُرْکُمْ عَلَیْهِمْ وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ وَ یُذْهِبْ غَیْظَ قُلُوبِهِمْ وَ یَتُوبُ اللّٰهُ عَلیٰ مَنْ یَشٰاءُ (5) فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع فَقَالَ لِی یَا أَبَا الْأَغَرِّ مَنِ الْمُنَازِلُ لِعَدُوِّنَا قُلْتُ هَذَا ابْنُ أَخِیکُمْ هَذَا اَلْعَبَّاسُ بْنُ رَبِیعَةَ فَقَالَ وَ إِنَّهُ لَهُوَ یَا عَبَّاسُ أَ لَمْ أَنْهَکَ وَ اِبْنَ عَبَّاسٍ أَنْ تُخَلاَّ بِمَرَاکِزِکُمَا وَ أَنْ تُبَاشِرَا حَرْباً قَالَ إِنَّ ذَلِکَ کَانَ قَالَ فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ فَأُدْعَی إِلَی الْبِرَازِ فَلاَ أُجِیبُ قَالَ نَعَمْ طَاعَةُ إِمَامِکَ أَوْلَی مِنْ إِجَابَةِ عَدُوِّکَ ثُمَّ تَغَیَّظَ وَ اسْتَطَارَ حَتَّی قُلْتُ السَّاعَةَ السَّاعَةَ ثُمَّ سَکَنَ وَ تَطَامَنَ وَ رَفَعَ یَدَیْهِ مُبْتَهِلاً فَقَالَ اَللَّهُمَّ اشْکُرْ لِلْعَبَّاسِ مَقَامَهُ وَ اغْفِرْ ذَنْبَهُ إِنِّی قَدْ غَفَرْتُ لَهُ فَاغْفِرْ لَهُ قَالَ وَ لَهَفَ مُعَاوِیَةُ عَلَی عِرَارٍ وَ قَالَ مَتَی یَنْتَطِحُ فَحْلٌ لِمِثْلِهِ أَ یُطَلُّ دَمُهُ لاَهَا اللَّهُ إِذًا أَلاَ رَجُلٌ یَشْرِی نَفْسَهُ لِلَّهِ یَطْلُبُ بِدَمِ عِرَارٍ فَانْتَدَبَ لَهُ رَجُلاَنِ مِنْ لَخْمٍ

ص :220

فَقَالَ لَهُمَا اذْهَبَا فَأَیُّکُمَا قَتَلَ اَلْعَبَّاسَ بِرَازاً فَلَهُ کَذَا فَأَتَیَاهُ فَدَعَوَاهُ لِلْبِرَازِ فَقَالَ إِنَّ لِی سَیِّداً أُرِیدُ أَنْ أُؤَامِرَهُ فَأَتَی عَلِیّاً ع فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ ع وَ اللَّهِ لَوَدَّ مُعَاوِیَةُ أَنَّهُ مَا بَقِیَ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ نَافِخُ ضَرْمَةٍ إِلاَّ طَعَنَ فِی بَطْنِهِ إِطْفَاءً لِنُورِ اللَّهِ وَ یَأْبَی اللّٰهُ إِلاّٰ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ .

.. وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ (1) أَمَا وَ اللَّهِ لَیَمْلِکَنَّهُمْ مِنَّا رِجَالٌ وَ رِجَالٌ یَسُومُونَهُمُ الْخَسْفَ حَتَّی یَحْتَفِرُوا الْآبَارَ وَ یَتَکَفَّفُوا النَّاسَ وَ یَتَوَکَّلُوا عَلَی الْمَسَاحِی ثُمَّ قَالَ یَا عَبَّاسُ نَاقِلْنِی سِلاَحَکَ بِسِلاَحِی فَنَاقَلَهُ وَ وَثَبَ عَلَی فَرَسِ اَلْعَبَّاسِ وَ قَصَدَ اَللَّخْمِیَّیْنِ فَمَا شَکَّا أَنَّهُ هُوَ فَقَالاَ أَذِنَ لَکَ صَاحِبُکَ فَحَرَجَ أَنْ یَقُولَ نَعَمْ فَقَالَ أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّٰهَ عَلیٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ (2) فَبَرَزَ إِلَیْهِ أَحَدُهُمَا فَکَأَنَّمَا اخْتَطَفَهُ ثُمَّ بَرَزَ لَهُ الْآخَرُ فَأَلْحَقَهُ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَ هُوَ یَقُولُ اَلشَّهْرُ الْحَرٰامُ بِالشَّهْرِ الْحَرٰامِ وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ فَمَنِ اعْتَدیٰ عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدیٰ عَلَیْکُمْ (3) ثُمَّ قَالَ یَا عَبَّاسُ خُذْ سِلاَحَکَ وَ هَاتِ سِلاَحِی فَإِنْ عَادَ لَکَ أَحَدٌ فَعُدْ إِلَیَّ .

قَالَ فَنَمَی الْخَبَرُ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالَ قَبَّحَ اللَّهُ اللَّجَاجَ إِنَّهُ لَقَعُودٌ مَا رَکِبْتُهُ قَطُّ إِلاَّ خُذِلْتُ.

فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ الْمَخْذُولُ وَ اللَّهِ اَللَّخْمِیَّانِ لاَ أَنْتَ فَقَالَ اسْکُتْ أَیُّهَا الرَّجُلُ وَ لَیْسَتْ هَذِهِ مِنْ سَاعَاتِکَ قَالَ وَ إِنْ لَمْ یَکُنْ فَرَحِمَ اللَّهُ اَللَّخْمِیَّیْنِ وَ مَا أَرَاهُ یَفْعَلُ قَالَ فَإِنَّ ذَاکَ وَ اللَّهِ أَخْسَرُ لِصَفْقَتِکَ وَ أَضْیَقُ لِحُجْزَتِکَ.

قَالَ قَدْ عَلِمْتُ ذَاکَ وَ لَوْ لاَ مِصْرُ لَرَکِبْتُ الْمَنْجَاةَ مِنْهَا قَالَ هِیَ أَعْمَتْکَ وَ لَوْلاَهَا أَلْقَیْتَ بَصِیراً

(4)

.

ص :221

1015

1- قَالَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنِی فُضَیْلُ بْنُ خَدِیجٍ قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ یَدْعُو إِلَی الْمُبَارَزَةِ فَخَرَجَ إِلَیْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحْرِزٍ الْکِنْدِیُّ ثُمَّ الطُّمَحِیُّ (1) فَتَجَاوَلاَ سَاعَةً ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَمَلَ عَلَی اَلشَّامِیِّ فَطَعَنَهُ فِی نُقْرَةِ (2) نَحْرِهِ فَصَرَعَهُ ثُمَّ نَزَلَ إِلَیْهِ فَسَلَبَهُ دِرْعَهُ وَ سِلاَحَهُ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ أَسْوَدُ فَقَالَ إِنَّا لِلَّهِ أَخْطَرْتُ نَفْسِی بِعَبْدٍ أَسْوَدَ قَالَ وَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ عُکٍّ فَسَأَلَ الْبِرَازَ فَخَرَجَ إِلَیْهِ قَیْسُ بْنُ فَهْرَانَ (3) الْکِنْدِیُّ فَمَا أَلْبَثَهُ أَنْ طَعَنَهُ فَقَتَلَهُ وَ قَالَ لَقَدْ عَلِمَتْ عُکٌّ بِصِفِّینَ أَنَّنَا

قَالَ وَ حَمَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الطُّفَیْلِ الْبُکَائِیُّ عَلَی صُفُوفِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَلَمَّا انْصَرَفَ حَمَلَ عَلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِی تَمِیمٍ یُقَالُ لَهُ قَیْسُ بْنُ فَهْدٍ الْحَنْظَلِیُّ الْیَرْبُوعِیُّ (4) فَوَضَعَ الرُّمْحَ بَیْنَ کَتِفَیْ عَبْدِ اللَّهِ فَاعْتَرَضَهُ یَزِیدُ بْنُ مُعَاوِیَةَ الْبُکَائِیُّ ابْنُ عَمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَیْلِ فَوَضَعَ الرُّمْحَ بَیْنَ کَتِفَیِ اَلتَّمِیمِیِّ وَ قَالَ وَ اللَّهِ لَئِنْ طَعَنْتَهُ لَأَطْعَنَنَّکَ فَقَالَ عَلَیْکَ عَهْدُ اللَّهِ لَئِنْ رَفَعْتُ السِّنَانَ عَنْ ظَهْرِ صَاحِبِکَ لَتَرْفَعَنَّهُ عَنْ ظَهْرِی قَالَ نَعَمْ لَکَ الْعَهْدُ وَ الْمِیثَاقُ بِذَلِکَ فَرَفَعَ السِّنَانَ عَنْ ظَهْرِ عَبْدِ اللَّهِ فَرَفَعَ یَزِیدُ السِّنَانَ عَنِ اَلتَّمِیمِیِّ فَوَقَفَ اَلتَّمِیمِیُّ وَ قَالَ لِیَزِیدَ مِمَّنْ أَنْتَ قَالَ مِنْ بَنِی عَامِرٍ قَالَ جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاکُمْ أَیْنَمَا لَقِینَاکُمْ کِرَاماً أَمَا وَ اللَّهِ إِنِّی لَآخِرُ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِی تَمِیمٍ قَتَلْتُمُوهُمُ الْیَوْمَ (5) .

قَالَ نَصْرٌ فَبَعْدَ ذَلِکَ بِدَهْرٍ عَتَبَ یَزِیدُ عَلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَیْلِ فَأَذْکَرَهُ مَا صَنَعَ مَعَهُ یَوْمَ صِفِّینَ فَقَالَ

ص :222

أَ لَمْ تَرَنِی حَامَیْتُ عَنْکَ مُنَاصِحاً

قَالَ نَصْرٌ وَ خَرَجَ اِبْنُ مُقَیِّدَةِ الْحِمَارِ الْأَسَدِیُّ وَ کَانَ ذَا بَأْسٍ وَ شَجَاعَةٍ وَ هُوَ مِنْ فُرْسَانِ اَلشَّامِ فَطَلَبَ الْبِرَازَ فَقَامَ اَلْمُقَطَّعُ الْعَامِرِیُّ وَ کَانَ شَیْخاً کَبِیراً فَقَالَ عَلِیٌّ ع لَهُ اُقْعُدْ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لاَ تَرُدَّنِی إِمَّا أَنْ یَقْتُلَنِی فَأَتَعَجَّلُ اَلْجَنَّةَ وَ أَسْتَرِیحُ مِنَ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا فِی الْکِبَرِ وَ الْهَرَمِ أَوْ أَقْتُلَهُ فَأُرِیحُکَ مِنْهُ.

وَ قَالَ لَهُ ع مَا اسْمُکَ فَقَالَ اَلْمُقَطَّعُ قَالَ مَا مَعْنَی ذَلِکَ قَالَ کُنْتُ أُدْعَی هَشِیماً فَأَصَابَتْنِی جِرَاحَةٌ مُنْکَرَةٌ فَدُعِیتُ اَلْمُقَطَّعَ مِنْهَا فَقَالَ لَهُ ع اُخْرُجْ إِلَیْهِ وَ أَقْدِمْ عَلَیْهِ اللَّهُمَّ انْصُرِ اَلْمُقَطَّعَ عَلَی اِبْنِ مُقَیِّدَةِ الْحِمَارِ فَحَمَلَ عَلَی اِبْنِ مُقَیِّدَةِ الْحِمَارِ فَأَدْهَشَهُ لِشِدَّةِ الْحَمْلَةِ فَهَرَبَ وَ هُوَ یَتْبَعُهُ حَتَّی مَرَّ بِمِضْرَبِ (1) مُعَاوِیَةَ حَیْثُ یَرَاهُ وَ اَلْمُقَطَّعُ عَلَی أَثَرِهِ فَجَاوَزَا مُعَاوِیَةَ بِکَثِیرٍ فَلَمَّا رَجَعَ اَلْمُقَطَّعُ وَ رَجَعَ اِبْنُ مُقَیِّدَةِ الْحِمَارِ نَادَاهُ مُعَاوِیَةُ لَقَدْ شَمَصَ (2) بِکَ الْعِرَاقِیُّ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ فَعَلَ أَیُّهَا الْأَمِیرُ ثُمَّ عَادَ اَلْمُقَطَّعُ فَوَقَفَ فِی مَوْقِفِهِ.

قَالَ نَصْرٌ فَلَمَّا کَانَ عَامَ الْجَمَاعَةِ وَ بَایَعَ النَّاسُ مُعَاوِیَةَ سَأَلَ عَنِ اَلْمُقَطَّعِ الْعَامِرِیِّ حَتَّی أُدْخِلَ عَلَیْهِ وَ هُوَ شَیْخٌ کَبِیرٌ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ آهِ لَوْ لاَ أَنَّکَ عَلَی مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ لَمَا أَفْلَتَّ مِنِّی قَالَ نَشَدْتُکَ اللَّهَ إِلاَّ قَتَلْتَنِی وَ أَرَحْتَنِی مِنْ بُؤْسِ الْحَیَاةِ وَ أَدْنَیْتَنِی إِلَی لِقَاءِ اللَّهِ قَالَ إِنِّی لاَ أَقْتُلُکَ وَ إِنَّ بِی إِلَیْکَ لَحَاجَةً قَالَ مَا هِیَ قَالَ أُحِبُّ أَنْ تُؤَاخِیَنِی قَالَ أَنَا وَ إِیَّاکُمْ افْتَرَقْنَا فِی اللَّهِ فَلاَ نَجْتَمِعُ حَتَّی یَحْکُمَ اللَّهُ بَیْنَنَا فِی الْآخِرَةِ.

ص :223

قَالَ فَزَوِّجْنِی ابْنَتَکَ قَالَ قَدْ مَنَعْتُکَ مَا هُوَ أَهْوَنُ عَلَیَّ مِنْ ذَلِکَ قَالَ فَاقْبَلْ مِنِّی صِلَةً قَالَ لاَ حَاجَةَ لِی فِیمَا قِبَلَکَ.

قَالَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ لَمْ یَقْبَلْ مِنْهُ شَیْئاً (1) .

قَالَ نَصْرٌ ثُمَّ الْتَقَی النَّاسُ فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً وَ حَارَبَتْ طَیِّئٌّ مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع حَرْباً عَظِیماً وَ تَدَاعَّتْ وَ ارْتَجَزَتْ فَقُتِلَ مِنْهَا أَبْطَالٌ کَثِیرُونَ وَ فُقِئَتْ عَیْنُ بِشْرِ بْنِ الْعَوْسِ الطَّائِیِّ وَ کَانَ مِنْ رِجَالِ طَیِّئٍ وَ فُرْسَانِهَا فَکَانَ یَذْکُرُ بَعْدَ ذَلِکَ أَیَّامَ صِفِّینَ فَیَقُولُ وَدِدْتُ أَنِّی کُنْتُ قُتِلْتُ یَوْمَئِذٍ وَ وَدِدْتُ أَنَّ عَیْنِی هَذِهِ الصَّحِیحَةَ فُقِئَتْ أَیْضاً وَ قَالَ أَلاَ لَیْتَ عَیْنِی هَذِهِ مِثْلَ هَذِهِ

قَالَ نَصْرٌ وَ أَبْلَتْ مُحَارِبٌ یَوْمَئِذٍ مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع بَلاَءً حَسَناً وَ کَانَ عَنْتَرُ بْنُ عُبَیْدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْمُحَارِبِیِّ أَشْجَعَ النَّاسِ یَوْمَئِذٍ فَلَمَّا رَأَی أَصْحَابَهُ مُتَفَرِّقِینَ نَادَاهُمْ یَا مَعْشَرَ قَیْسٍ أَ طَاعَةُ اَلشَّیْطَانِ أَبَرُّ عِنْدَکُمْ مِنْ طَاعَةِ الرَّحْمَنِ أَلاَ إِنَّ الْفِرَارَ فِیهِ مَعْصِیَةُ اللَّهِ وَ سَخَطُهُ وَ إِنَّ الصَّبْرَ فِیهِ طَاعَةٌ وَ رِضْوَانُهُ أَ فَتَخْتَارُونَ سَخَطَ اللَّهِ عَلَی رِضْوَانِهِ وَ مَعْصِیَتَهُ عَلَی طَاعَتِهِ أَلاَ إِنَّمَا الرَّاحَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِمَنْ مَاتَ مُحْتَسِباً لِنَفْسِهِ ثُمَّ یَرْتَجِزُ فَیَقُولُ لاَ وَأَلَتْ نَفْسُ امْرِئٍ وَلَّی الدُّبُرَ أَنَا الَّذِی لاَ أَنْثَنِی وَ لاَ أَفِرُّ

ص :224

وَ لاَ یُرَی مَعَ الْمَعَازِیلِ الْغُدُرِ

وَ قَاتَلَ حَتَّی ارْتُثَّ.

قَالَ نَصْرٌ وَ قَاتَلَتِ اَلنَّخَعُ مَعَ عَلِیٍّ ع ذَلِکَ الْیَوْمَ قِتَالاً شَدِیداً وَ قُطِعَتْ رِجْلُ عَلْقَمَةَ بْنِ قَیْسٍ النَّخَعِیِّ وَ قُتِلَ أَخُوهُ أُبَیُّ بْنُ قَیْسٍ فَکَانَ عَلْقَمَةُ یَقُولُ بَعْدَ مَا أُحِبُّ أَنَّ رِجْلِی أَصَحُّ مَا کَانَتْ لَمَا أَرْجُو بِهَا مِنْ حُسْنِ الثَّوَابِ وَ کَانَ یَقُولُ لَقَدْ کُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أُبْصِرَ أَخِی فِی نَوْمِی فَرَأَیْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ یَا أَخِی مَا الَّذِی قَدِمْتُمْ عَلَیْهِ فَقَالَ لِی الْتَقَیْنَا نَحْنُ وَ أَهْلُ اَلشَّامِ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَاحْتَجَجْنَا عِنْدَهُ فَحَجَجْنَاهُمْ فَمَا سُرِرْتُ بِشَیْءٍ مُنْذُ عَقَلْتُ سُرُورِی بِتِلْکَ الرُّؤْیَا (1)

.

1016

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ سُوَیْدِ بْنِ حَبَّةَ الْبَصْرِیِّ (2) عَنِ اَلْحُضَیْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِیِّ قَالَ إِنَّ نَاساً أَتَوْا عَلِیّاً ع قَبْلَ الْوَقْعَةِ فِی هَذَا الْیَوْمِ فَقَالُوا لَهُ إِنَّا لاَ نَرَی خَالِدَ بْنَ الْمُعَمَّرِ السَّدُوسِیَّ إِلاَّ قَدْ کَاتَبَ مُعَاوِیَةَ وَ قَدْ خَشِینَا أَنْ یَلْتَحِقَ بِهِ وَ یُبَایِعَهُ فَبَعَثَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ ع وَ إِلَی رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِ رَبِیعَةَ فَجَمَعَهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ یَا مَعْشَرَ رَبِیعَةَ أَنْتُمْ أَنْصَارِی وَ مُجِیبُو دَعْوَتِی وَ مِنْ أَوْثَقِ أَحْیَاءِ اَلْعَرَبِ فِی نَفْسِی وَ قَدْ بَلَغَنِی أَنَّ مُعَاوِیَةَ قَدْ کَاتَبَ صَاحِبَکُمْ هَذَا وَ هُوَ خَالِدُ بْنُ الْمُعَمَّرِ وَ قَدْ أَتَیْتُ بِهِ وَ جَمَعْتُکُمْ لِأُشْهِدَکُمْ عَلَیْهِ وَ تَسْمَعُوا مِنِّی وَ مِنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیْهِ فَقَالَ یَا خَالِدَ بْنَ الْمُعَمَّرِ إِنْ کَانَ مَا بَلَغَنِی عَنْکَ حَقّاً فَإِنِّی أُشْهِدُ مَنْ حَضَرَنِی مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ أَنَّکَ آمِنٌ حَتَّی تَلْحَقَ بِالْعِرَاقِ أَوْ بِالْحِجَازِ أَوْ بِأَرْضٍ لاَ سُلْطَانَ لِمُعَاوِیَةَ فِیهَا وَ إِنْ کُنْتَ مَکْذُوباً عَلَیْکَ فَأَبِرَّ صُدُورَنَا بِأَیْمَانٍ نَطْمَئِنُّ إِلَیْهَا فَحَلَفَ لَهُ

ص :225

خَالِدٌ بِاللَّهِ مَا فَعَلَ وَ قَالَ رِجَالٌ مِنَّا کَثِیرٌ وَ اللَّهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَ لَقَتَلْنَاهُ.

وَ قَالَ شَقِیقُ بْنُ ثَوْرٍ السَّدُوسِیُّ مَا وَفَّقَ اللَّهُ خَالِدَ بْنَ الْمُعَمَّرِ حِینَ یَنْصُرُ مُعَاوِیَةَ وَ أَهْلَ اَلشَّامِ عَلَی عَلِیٍّ وَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ رَبِیعَةَ فَقَالَ لَهُ زِیَادُ بْنُ خَصَفَةَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ اسْتَوْثِقْ مِنِ اِبْنِ الْمُعَمَّرِ بِالْأَیْمَانِ لاَ یَغْدِرُ بِکَ فَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ ثُمَّ انْصَرَفُوا.

فَلَمَّا تَصَافَّ النَّاسُ فِی هَذَا الْیَوْمِ وَ حَمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْضٍ تَضَعْضَعَتْ مَیْمَنَةُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَجَاءَنَا عَلِیٌّ ع وَ مَعَهُ بَنُوهُ حَتَّی انْتَهَی إِلَیْنَا فَنَادَی بِصَوْتٍ عَالٍ جَهِیرٍ لِمَنْ هَذِهِ الرَّایَاتُ فَقُلْنَا رَایَاتُ رَبِیعَةَ فَقَالَ بَلْ هِیَ رَایَاتُ اللَّهِ عَصَمَ اللَّهُ أَهْلَهَا وَ صَبَّرَهُمْ وَ ثَبَّتَ أَقْدَامَهُمْ ثُمَّ قَالَ لِی وَ أَنَا حَامِلُ رَایَةِ رَبِیعَةَ یَوْمَئِذٍ یَا فَتَی أَ لاَ تُدْنِی رَایَتَکَ هَذِهِ ذِرَاعاً فَقُلْتُ بَلَی وَ اللَّهِ وَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ ثُمَّ مِلْتُ بِهَا هَکَذَا فَأَدْنَیْتُهَا فَقَالَ لِی حَسْبُکَ مَکَانَکَ

(1)

.

1017

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنِی یَزِیدُ بْنُ أَبِی الصَّلْتِ التَّیْمِیُّ قَالَ سَمِعْتُ أَشْیَاخَ الْحَیِّ مِنْ بَنِی تَیْمِ بْنِ ثَعْلَبَةَ یَقُولُونَ کَانَتْ رَایَةُ رَبِیعَةَ کُلُّهَا کُوفِیَّتُهَا وَ بَصْرِیَّتُهَا مَعَ خَالِدِ بْنِ الْمُعَمَّرِ السَّدُوسِیِّ مِنْ رَبِیعَةِ اَلْبَصْرَةِ ثُمَّ نَافَسَهُ فِی الرَّایَةِ شَقِیقُ بْنُ ثَوْرٍ مِنْ بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْکُوفَةِ فَاصْطَلَحَا عَلَی أَنْ یُوَلِّیَا الرَّایَةَ لِحُضَیْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِیِّ وَ هُوَ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ أَیْضاً وَ قَالُوا هَذَا فَتًی لَهُ حَسَبٌ تُعْطِیهِ الرَّایَةَ إِلَی أَنْ نَرَی رَأَیْنَا وَ کَانَ اَلْحُضَیْنُ یَوْمَئِذٍ شَابّاً حَدَثَ السِّنِّ.

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ قَالَ أَقْبَلَ اَلْحُضَیْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ یَوْمَئِذٍ وَ هُوَ غُلاَمٌ یَزْحُفُ بِرَایَةِ رَبِیعَةَ وَ کَانَتْ حَمْرَاءَ فَأَعْجَبَ عَلِیّاً ع زَحْفُهُ وَ ثَبَاتُهُ فَقَالَ

ص :226

لِمَنْ رَایَةٌ حَمْرَاءُ یَخْفِقُ ظِلُّهَا

(1)

.

قلت هکذا روی نصر بن مزاحم و سائر الرواة رووا له ع الأبیات الستة الأولی و رووا باقی الأبیات من قوله و قد صبرت عک .. للحضین بن المنذر صاحب الرایة (2) .

1018

1- قَالَ نَصْرٌ وَ أَقْبَلَ ذُو الْکَلاَعِ فِی حِمْیَرٍ وَ مَنْ لَفَّ لَفَّهَا وَ مَعَهُمْ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ

ص :227

بْنِ الْخَطَّابِ فِی أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ ذُو الْکَلاَعِ فِی حِمْیَرٍ فِی الْمَیْمَنَةِ وَ عُبَیْدُ اللَّهِ فِی الْقُرَّاءِ فِی الْمَیْسَرَةِ فَحَمَلُوا عَلَی رَبِیعَةَ وَ هُمْ فِی مَیْسَرَةِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ فِیهِمْ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ حَمْلَةً شَدِیدَةً فَتَضَعْضَعَتْ رَایَاتُ رَبِیعَةَ .ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ اَلشَّامِ انْصَرَفُوا فَلَمْ یَمْکُثُوا (1) إِلاَّ قَلِیلاً حَتَّی کَرُّوا ثَانِیَةً وَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِی أَوَائِلِهِمْ یَقُولُ یَا أَهْلَ اَلشَّامِ هَذَا الْحَیُّ مِنَ اَلْعِرَاقِ قَتَلَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَ أَنْصَارُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ لَئِنْ هَزَمْتُمْ هَذِهِ الْقَبِیلَةَ أَدْرَکْتُمْ ثَأْرَکُمْ مِنْ عُثْمَانَ وَ هَلَکَ عَلِیٌّ وَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ فَشَدُّوا عَلَی النَّاسِ شِدَّةً عَظِیمَةً فَثَبَتَتْ لَهُمْ رَبِیعَةُ وَ صَبَرَتْ صَبْراً حَسَناً إِلاَّ قَلِیلاً مِنَ الضُّعَفَاءِ.

فَأَمَّا أَهْلُ الرَّایَاتِ وَ ذَوُو الْبَصَائِرِ مِنْهُمْ وَ الْحُفَّاظُ فَثَبَتُوا وَ قَاتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً وَ أَمَّا خَالِدُ بْنُ الْمُعَمَّرِ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَی بَعْضَ أَصْحَابِهِ قَدِ انْصَرَفُوا انْصَرَفَ مَعَهُمْ فَلَمَّا رَأَی أَهْلَ الرَّایَاتِ ثَابِتِینَ صَابِرِینَ رَجَعَ إِلَیْهِمْ وَ صَاحَ بِمَنِ انْهَزَمَ وَ أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ فَکَانَ مَنْ یَتَّهِمُهُ مِنْ قَوْمِهِ یَقُولُ إِنَّهُ فَرَّ فَلَمَّا رَآنَا قَدْ ثَبَتْنَا رَجَعَ إِلَیْنَا وَ قَالَ هُوَ لَمَّا رَأَیْتُ رِجَالاً مِنَّا قَدِ انْهَزَمُوا رَأَیْتُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُمْ ثُمَّ أَرُدَّهُمْ إِلَی الْحَرْبِ فَجَاءَ بِأَمْرٍ مُشْتَبِهٍ (2) .

قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ فِی جُمْلَةِ رَبِیعَةَ مِنْ عَنَزَةَ وَحْدَهَا أَرْبَعَةُ آلاَفِ مُجَفِّفٍ (3)

.

قلت لا ریب عند علماء السیرة أن خالد بن المعمر کان له باطن سوء مع معاویة و أنّه انهزم هذا الیوم لیکسر المیسرة علی علی ع ذکر ذلک الکلبی (4) و الواقدی و غیرهما و یدلّ علی باطنه هذا أنّه لما استظهرت ربیعة علی معاویة و علی صفوف أهل الشام فی الیوم الثانی من هذا أرسل معاویة إلی خالد بن المعمر أن کف عنی و لک إمارة خراسان

ص :228

ما بقیت فکف عنه فرجع بربیعة و قد شارفوا أخذه من مضربه و سیأتی ذکر ذلک.

1019

قَالَ نَصْرٌ فَلَمَّا رَجَعَ خَالِدُ بْنُ الْمُعَمَّرِ وَ اسْتَوَتْ صُفُوفُ رَبِیعَةَ کَمَا کَانَتْ خَطَبَهُمْ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ رَبِیعَةَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَدْ أَتَی بِکُلِّ رَجُلٍ مِنْکُمْ مِنْ مَنْبِتِهِ وَ مَسْقَطِ رَأْسِهِ فَجَمَعَکُمْ فِی هَذَا الْمَکَانِ جَمْعاً لَمْ تَجْتَمِعُوا مِثْلَهُ قَطُّ مُنْذُ أَفْرَشَکُمُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَ إِنَّکُمْ إِنْ تُمْسِکُوا أَیْدِیَکُمْ وَ تَنْکُلُوا عَنْ عَدُوِّکُمْ وَ تُحَوَّلُوا عَنْ مَصَافِّکُمْ لاَ یَرْضَی الرَّبُّ فِعْلَکُمْ وَ لاَ تَعْدَمُوا مُعَیِّراً یَقُولُ فَضَحَتْ رَبِیعَةُ الذِّمَارَ وَ خَامُوا (1) عَنِ الْقِتَالِ وَ أُتِیَتْ مِنْ قِبَلِهِمُ اَلْعَرَبُ فَإِیَّاکُمْ أَنْ یَتَشَاءَمَ بِکُمُ الْیَوْمَ اَلْمُسْلِمُونَ وَ إِنَّکُمْ إِنْ تَمْضُوا مُقْدِمِینَ وَ تَصْبِرُوا مُحْتَسِبِینَ فَإِنَّ الْإِقْدَامَ مِنْکُمْ عَادَةٌ وَ الصَّبْرَ مِنْکُمْ سَجِیَّةٌ فَاصْبِرُوا وَ نِیَّتُکُمْ صَادِقَةٌ تُؤْجَرُوا فَإِنَّ ثَوَابَ مَنْ نَوَی مَا عِنْدَ اللَّهِ شَرَفُ الدُّنْیَا وَ کَرَامَةُ الْآخِرَةِ وَ اللَّهُ لاَ یُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً .

فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ رَبِیعَةَ وَ قَالَ قَدْ ضَاعَ وَ اللَّهِ أَمْرُ رَبِیعَةَ حِینَ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَیْکَ تَأْمُرُنَا أَلاَّ نُحَوَّلَ وَ لاَ نَزُولَ حَتَّی نَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَ نَسْفِکَ دِمَاءَنَا.

فَقَامَ إِلَیْهِ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ فَتَنَاوَلُوهُ بِقِسِیِّهِمْ وَ لَکَزُوهُ بِأَیْدِیهِمْ وَ قَالُوا لِخَالِدِ بْنِ الْمُعَمَّرِ أَخْرِجُوا هَذَا مِنْ بَیْنِکُمْ فَإِنَّ هَذَا إِنْ بَقِیَ فِیکُمْ ضَرَّکُمْ وَ إِنْ خَرَجَ مِنْکُمْ لَمْ یَنْقُصْکُمْ عَدَداً هَذَا الَّذِی لاَ یَنْقُصُ الْعَدَدَ وَ لاَ یَمْلَأُ الْبَلَدَ تَرَّحَکَ (2) اللَّهُ مِنْ خَطِیبِ قَوْمٍ لَقَدْ جَنَّبَکَ الْخَیْرَ قَبَّحَ اللَّهُ مَا جِئْتَ بِهِ.

ص :229

قَالَ نَصْرٌ وَ اشْتَدَّ الْقِتَالُ بَیْنَ رَبِیعَةَ وَ حَمِیرٍ وَ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَتَّی کَثُرَتِ الْقَتْلَی وَ جَعَلَ عُبَیْدُ اللَّهِ یَحْمِلُ وَ یَقُولُ أَنَا الطَّیِّبُ ابْنُ الطَّیِّبِ فَتَقُولُ لَهُ رَبِیعَةُ بَلْ أَنْتَ الْخَبِیثُ ابْنُ الطَّیِّبِ.

ثُمَّ خَرَجَ نَحْوُ خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ أَوْ أَکْثَرُ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع عَلَی رُءُوسِهِمُ الْبَیْضُ وَ هُمْ غَائِصُونَ فِی الْحَدِیدِ لاَ یُرَی مِنْهُمْ إِلاَّ الْحَدَقُ وَ خَرَجَ إِلَیْهِمْ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ نَحْوُهُمْ فِی الْعِدَّةِ فَاقْتَتَلُوا بَیْنَ الصَّفَّیْنِ وَ النَّاسُ وُقُوفٌ تَحْتَ رَایَاتِهِمْ فَلَمْ یَرْجِعْ مِنْ هَؤُلاَءِ وَ لاَ مِنْ هَؤُلاَءِ مُخْبِرٌ لاَ عِرَاقِیُّ وَ لاَ شَامِیٌّ قُتِلُوا جَمِیعاً بَیْنَ الصَّفَّیْنِ (1) .

1020

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ تَمِیمٍ قَالَ نَادَی مُنَادِی (2) أَهْلِ اَلشَّامِ أَلاَ إِنَّ مَعَنَا الطَّیِّبُ ابْنُ الطَّیِّبِ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَنَادَی مُنَادِی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ بَلْ هُوَ الْخَبِیثُ ابْنُ الطَّیِّبِ وَ نَادَی مُنَادِی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ أَلاَ إِنَّ مَعَنَا الطَّیِّبُ ابْنُ الطَّیِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ فَنَادَی مُنَادِی أَهْلِ اَلشَّامِ بَلِ الْخَبِیثُ ابْنُ الطَّیِّبِ.

قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ بِصِفِّینَ تَلٌّ تُلْقَی عَلَیْهِ جَمَاجِمُ الرِّجَالِ فَکَانَ یُدْعَی تَلَّ الْجَمَاجِمِ فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ الرَّقَاشِیُّ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ لَمْ أَرَ فُرْسَاناً أَشَدَّ حَفِیظَةً (3)

ص :230

وَ قَالَ شَبَثُ بْنُ رِبْعِیٍّ التَّمِیمِیُّ وَقَفْنَا لَدَیْهِمْ یَوْمَ صِفِّینَ بِالْقَنَا

قَالَ نَصْرٌ ثُمَّ ذَهَبَ هَذَا الْیَوْمَ بِمَا فِیهِ فَأَصْبَحُوا فِی اَلْیَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ صَفَرٍ وَ قَدْ خَطَبَ مُعَاوِیَةُ أَهْلَ اَلشَّامِ وَ حَرَّضَهُمْ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِکُمْ مِنَ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ وَ حَضَرَکُمْ مَا حَضَرَکُمْ فَإِذَا نَهَدْتُمْ إِلَیْهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ وَ أَخِّرُوا الْحَاسِرَ وَ صَفُّوا الْخَیْلَ وَ أَجْنِبُوهَا وَ کُونُوا کَقَصِّ الشَّارِبِ وَ أَعِیرُونَا جَمَاجِمَکُمْ سَاعَةً فَإِنَّمَا هُوَ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ وَ قَدْ بَلَغَ الْحَقُّ مَقْطَعَهُ (1) .

1021

قَالَ نَصْرٌ وَ رَوَی اَلشَّعْبِیُّ قَالَ قَامَ مُعَاوِیَةُ فَخَطَبَ النَّاسَ بِصِفِّینَ فِی هَذَا الْیَوْمِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی دَنَا فِی عُلُوِّهِ وَ عَلاَ فِی دُنُوِّهِ وَ ظَهَرَ وَ بَطَنَ وَ ارْتَفَعَ فَوْقَ کُلِّ ذِی

ص :231

مَنْظَرٍ هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّٰاهِرُ وَ الْبٰاطِنُ (1) یَقْضِی فَیَفْصِلُ وَ یَقْدِرُ فَیَغْفِرُ وَ یَفْعَلُ مٰا یَشٰاءُ إِذَا أَرَادَ أَمْراً أَمْضَاهُ وَ إِذَا عَزَمَ عَلَی شَیْءٍ قَضَاهُ لاَ یُؤَامِرُ أَحَداً فِیمَا یَمْلِکُ وَ لاٰ یُسْئَلُ عَمّٰا یَفْعَلُ وَ هُمْ یُسْئَلُونَ وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ عَلَی مَا أَحْبَبْنَا وَ کَرِهْنَا وَ قَدْ کَانَ فِیمَا قَضَاهُ اللَّهُ أَنْ سَاقَتْنَا الْمَقَادِیرُ إِلَی هَذِهِ الْبُقْعَةِ مِنَ الْأَرْضِ وَ لَفَّ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَنَحْنُ مِنَ اللَّهِ بِمَنْظَرٍ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لٰکِنَّ اللّٰهَ یَفْعَلُ مٰا یُرِیدُ (2) .

انْظُرُوا یَا أَهْلَ اَلشَّامِ إِنَّکُمْ غَداً (3) تَلْقَوْنَ أَهْلَ اَلْعِرَاقِ فَکُونُوا عَلَی إِحْدَی ثَلاَثِ خِصَالٍ إِمَّا أَنْ تَکُونُوا قَوْماً طَلَبْتُمْ مَا عِنْدَ اللَّهِ فِی قِتَالِ قَوْمٍ بَغَوْا عَلَیْکُمْ فَأَقْبَلُوا مِنْ بِلاَدِهِمْ حَتَّی نَزَلُوا فِی بَیْضَتِکُمْ وَ إِمَّا أَنْ تَکُونُوا قَوْماً تَطْلُبُونَ بِدَمِ خَلِیفَتِکُمْ وَ صِهْرِ نَبِیِّکُمْ وَ إِمَّا أَنْ تَکُونُوا قَوْماً تَذُبُّونَ عَنْ نِسَائِکُمْ وَ أَبْنَائِکُمْ فَعَلَیْکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ الصَّبْرِ الْجَمِیلِ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَ لَکُمُ النَّصْرَ وَ أَنْ یَفْتَحَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَ هُوَ خَیْرُ الْفَاتِحِینَ.

فَقَامَ ذُو الْکَلاَعِ فَقَالَ یَا مُعَاوِیَةُ إِنَّا نَحْنُ الصُّبَّرُ الْکِرَامُ لاَ نَنْثَنِی عِنْدَ الْخِصَامِ بَنُو الْمُلُوکِ الْعِظَامِ ذَوِی النُّهَی وَ الْأَحْلاَمِ لاَ یَقْرَبُونَ الْآثَامَ.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ صَدَقْتَ (4) .

ص :232

1022

1,2- قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَتِ التَّعْبِیَةُ فِی هَذَا الْیَوْمِ کَالتَّعْبِیَةِ فِی الَّذِی قَبْلَهُ وَ حَمَلَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِی قُرَّاءِ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ مَعَهُ ذُو الْکَلاَعِ فِی حِمْیَرٍ عَلَی رَبِیعَةَ وَ هِیَ فِی مَیْسَرَةِ عَلِیٍّ ع فَقَاتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً فَأَتَی زِیَادُ بْنُ خَصَفَةَ إِلَی عَبْدِ الْقَیْسِ فَقَالَ لَهُمْ لاَ بَکْرَ بْنَ وَائِلٍ بَعْدَ الْیَوْمِ إِنَّ ذَا الْکَلاَعِ وَ عُبَیْدَ اللَّهِ أَبَادَا رَبِیعَةَ فَانْهَضُوا لَهُمْ وَ إِلاَّ هَلَکُوا فَرَکِبَتْ عَبْدُ الْقَیْسِ وَ جَاءَتْ کَأَنَّهَا غَمَامَةٌ سَوْدَاءُ فَشَدَّتْ أَزْرَ الْمَیْسَرَةِ فَعَظُمَ الْقِتَالُ فَقُتِلَ ذُو الْکَلاَعِ الْحِمْیَرِیُّ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ اسْمُهُ خِنْدِفٌ وَ تَضَعْضَعَتْ أَرْکَانُ حِمْیَرٍ وَ ثَبَتَتْ بَعْدَ قَتْلِ ذِی الْکَلاَعِ تَحَارُبٌ مَعَ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَ أَرْسَلَ عُبَیْدُ اللَّهِ إِلَی اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ ع أَنَّ لِی إِلَیْکَ حَاجَةً فَالْقَنِی فَلَقِیَهُ اَلْحَسَنُ ع فَقَالَ لَهُ عُبَیْدُ اللَّهِ إِنَّ أَبَاکَ قَدْ وَتَرَ قُرَیْشاً أَوَّلاً وَ آخِراً وَ قَدْ شَنِئَهُ النَّاسُ فَهَلْ لَکَ فِی خَلْعِهِ وَ أَنْ تَتَوَلَّی أَنْتَ هَذَا الْأَمْرَ فَقَالَ کَلاَّ وَ اللَّهِ لاَ یَکُونُ ذَلِکَ ثُمَّ قَالَ یَا اِبْنَ الْخَطَّابِ وَ اللَّهِ لَکَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَیْکَ مَقْتُولاً فِی یَوْمِکَ أَوْ غَدِکَ أَمَا إِنَّ اَلشَّیْطَانَ قَدْ زَیَّنَ لَکَ وَ خَدَعَکَ حَتَّی أَخْرَجَکَ مُخَلَّقاً بِالْخَلُوقِ تَرَی نِسَاءُ أَهْلِ اَلشَّامِ مَوْقِفَکَ وَ سَیَصْرَعُکَ اللَّهُ وَ یَبْطَحُکَ لِوَجْهِکَ قَتِیلاً.

قَالَ نَصْرٌ فَوَ اللَّهِ مَا کَانَ إِلاَّ بَیَاضُ ذَلِکَ الْیَوْمِ حَتَّی قُتِلَ عُبَیْدُ اللَّهِ وَ هُوَ فِی کَتِیبَةٍ رَقْطَاءَ وَ کَانَتْ تُدْعَی الْخُضْرِیَّةَ کَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفٍ عَلَیْهِمْ ثِیَابٌ خُضْرٌ فَمَرَّ اَلْحَسَنُ ع فَإِذَا رَجُلٌ مُتَوَسِّدٌ بِرَجُلٍ قَتِیلٌ قَدْ رَکَزَ رُمْحَهُ فِی عَیْنِهِ وَ رَبَطَ فَرَسَهُ بِرِجْلِهِ فَقَالَ اَلْحَسَنُ ع لِمَنْ مَعَهُ انْظُرُوا مَنْ هَذَا فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ وَ إِذَا الْقَتِیلُ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَدْ قَتَلَهُ اَلْهَمْدَانِیُّ فِی أَوَّلِ اللَّیْلِ وَ بَاتَ عَلَیْهِ حَتَّی أَصْبَحَ.

قَالَ نَصْرٌ وَ قَدِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِی قَاتِلِ عُبَیْدِ اللَّهِ فَقَالَتْ هَمْدَانُ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ قَتَلَهُ هَانِئُ بْنُ الْخَطَّابِ الْهَمْدَانِیُّ وَ رَکَزَ رُمْحَهُ فِی عَیْنِهِ وَ ذَکَرَ الْحَدِیثَ وَ قَالَتْ حَضْرَمَوْتُ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ قَتَلَهُ مَالِکُ بْنُ عَمْرٍو الْحَضْرَمِیُّ وَ قَالَتْ بَکْرُ بْنُ وَائِلٍ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ قَتَلَهُ مُحْرِزُ

ص :233

بْنُ الصَّحْصَحِ مِنْ بَنِی تَیْمٍ اللاَّتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَ أَخَذَ سَیْفَهُ اَلْوِشَاحُ .فَلَمَّا کَانَ عَامَ الْجَمَاعَةِ طَلَبَ مُعَاوِیَةُ السَّیْفَ مِنْ رَبِیعَةِ اَلْکُوفَةِ فَقَالُوا إِنَّمَا قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ رَبِیعَةِ اَلْبَصْرَةِ یُقَالُ لَهُ مُحْرِزُ بْنُ الصَّحْصَحِ فَبَعَثَ إِلَیْهِ مُعَاوِیَةُ فَأَخَذَ السَّیْفَ مِنْهُ (1) .

قَالَ نَصْرٌ وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ قَاتِلَهُ حُرَیْثُ بْنُ جَابِرٍ الْحَنَفِیُّ وَ کَانَ رَئِیسَ بَنِی حَنِیفَةَ یَوْمَ صِفِّینَ مَعَ عَلِیٍّ ع حَمَلَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَی صَفِّ بَنِی حَنِیفَةَ وَ هُوَ یَقُولُ أَنَا عُبَیْدُ اللَّهِ یُنْمِیْنِی عُمَرُ

فَحَمَلَ عَلَیْهِ حُرَیْثُ بْنُ جَابِرٍ الْحَنَفِیُّ وَ قَالَ قَدْ سَارَعَتْ فِی نَصْرِهَا رَبِیعَةُ وَ طَعَنَهُ فَصَرَعَهُ.

قَالَ نَصْرٌ فَقَالَ کَعْبُ بْنُ جُعَیْلٍ التَّغْلِبِیُّ یَرْثِی عُبَیْدَ اللَّهِ وَ کَانَ کَعْبٌ شَاعِرَ أَهْلِ اَلشَّامِ أَلاَ إِنَّمَا تَبْکِی الْعُیُونُ لِفَارِسٍ

ص :234

تَرَکْتُمْ عُبَیْدَ اللَّهِ فِی الْقَاعِ مُسْلِماً

.

قلت هذا الشعر نظمه کعب بن جعیل بعد رفع المصاحف و تحکیم الحکمین یذکر فیه ما مضی لهم من الحرب علی عادة شعراء العرب و الضمیر فی قوله دعاهن فاستسمعن من أین صوته یرجع إلی نساء عبید اللّه و کانت تحته أسماء بنت عطارد بن حاجب بن زرارة التمیمی و بحریة بنت هانئ بن قبیصة الشیبانی و کان عبید اللّه قد أخرجهما معه إلی الحرب ذلک الیوم لینظرا إلی قتاله فوقفتا راجلتین و إلی أسماء بنت عطارد أشار کعب بن جعیل بقوله تبدل من أسماء أسیاف وائل . و الشعر یدلّ علی أن ربیعة قتلته لا همدان و لا حضرموت .و یدلّ أیضا علی ذلک ما

1023

رَوَاهُ إِبْرَاهِیمُ بْنُ دَیْزِیلَ الْهَمَدَانِیُّ فِی کِتَابِ صِفِّینَ قَالَ شَدَّتْ

ص :235

رَبِیعَةُ اَلْکُوفَةِ وَ عَلَیْهَا زِیَادُ بْنُ خَصَفَةَ عَلَی عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ذَلِکَ الْیَوْمَ وَ کَانَ مُعَاوِیَةُ قَدْ أَقْرَعَ بَیْنَ النَّاسِ فَخَرَجَ سَهْمُ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَی رَبِیعَةَ فَقَتَلَتْهُ فَلَمَّا ضَرَبَ فُسْطَاطَ زِیَادِ بْنِ خَصَفَةَ بَقِیَ طُنُبٌ مِنَ الْأَطْنَابِ لَمْ یَجِدُوا لَهُ وَتِداً فَشَدُّوهُ بِرِجْلِ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَ کَانَ نَاحِیَةً فَجَرُّوهُ حَتَّی رَبَطُوا الطُّنُبَ بِرِجْلِهِ وَ أَقْبَلَتِ امْرَأَتَاهُ حَتَّی وَقَفَتَا عَلَیْهِ فَبَکَتَا عَلَیْهِ وَ صَاحَتَا فَخَرَجَ زِیَادُ بْنُ خَصَفَةَ فَقِیلَ لَهُ هَذِهِ بَحْرِیَّةُ ابْنَةُ هَانِئِ بْنِ قَبِیصَةَ الشَّیْبَانِیِّ ابْنَةُ عَمِّکَ فَقَالَ لَهَا مَا حَاجَتُکِ یَا ابْنَةَ أَخِی قَالَتْ تَدْفَعُ زَوْجِی إِلَیَّ فَقَالَ نَعَمْ خُذِیهِ فَجِیءَ بِبَغْلٍ فَحَمَلَتْهُ عَلَیْهِ فَذَکَرُوا أَنَّ یَدَیْهِ وَ رِجْلَیْهِ خُطَّتَا بِالْأَرْضِ عَنْ ظَهْرِ الْبَغْلِ.

1024

1- قَالَ نَصْرٌ وَ مِمَّا رَثَی بِهِ کَعْبُ بْنُ جُعَیْلٍ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَوْلُهُ یَقُولُ عُبَیْدُ اللَّهِ لَمَّا بَدَتْ لَهُ

وَ قَالَ اَلصَّلَتَانُ الْعَبْدِیُّ یَذْکُرُ مَقْتَلَ عُبَیْدِ اللَّهِ وَ أَنَّ حُرَیْثَ بْنَ جَابِرٍ الْحَنَفِیَّ قَتَلَهُ أَلاَ یَا عُبَیْدَ اللَّهِ مَا زِلْتَ مُولَعاً

ص :236

تَشُقُّ عَلَیْکَ جَیْبَهَا اِبْنَةُ هَانِئٍ

قَالَ نَصْرٌ فَأَمَّا ذُو الْکَلاَعِ فَقَدْ ذَکَرْنَا مَقْتَلَهُ وَ أَنَّ قَاتِلَهُ خِنْدِفُ الْبَکْرِیُّ (1) .

وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا حُمِلَ ذُو الْکَلاَعِ ذَلِکَ الْیَوْمَ بِالْفَیْلَقِ الْعَظِیمِ مِنْ حِمْیَرٍ عَلَی صُفُوفِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ نَادَاهُمْ أَبُو شُجَاعٍ الْحِمْیَرِیُّ وَ کَانَ مِنْ ذَوِی الْبَصَائِرِ مَعَ عَلِیٍّ ع فَقَالَ یَا مَعْشَرَ حِمْیَرٍ تَبَّتْ أَیْدِیکُمْ أَ تَرَوْنَ مُعَاوِیَةَ خَیْراً مِنْ عَلِیٍّ ع أَضَلَّ اللَّهُ سَعْیَکُمْ ثُمَّ أَنْتَ یَا ذَا الْکَلاَعِ قَدْ کُنَّا نَرَی أَنَّ لَکَ نِیَّةً فِی الدِّینِ فَقَالَ ذُو الْکَلاَعِ إِیهاً یَا أَبَا شُجَاعٍ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَعْلَمُ مَا مُعَاوِیَةُ بِأَفْضَلَ مِنْ عَلِیٍّ ع وَ لَکِنِّی أُقَاتِلُ عَلَی دَمِ عُثْمَانَ قَالَ فَأُصِیبَ ذُو الْکَلاَعِ حِینَئِذٍ قَتَلَهُ خِنْدِفُ بْنُ بَکْرٍ الْبَکْرِیُّ فِی الْمَعْرَکَةِ (2)

.

1025

1- قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَارِثُ بْنُ حَصِیرَةَ أَنَّ ابْنَ ذِی الْکَلاَعِ

ص :237

أَرْسَلَ إِلَی اَلْأَشْعَثِ بْنِ قَیْسٍ رَسُولاً یَسْأَلُهُ أَنْ یُسَلِّمَ إِلَیْهِ جُثَّةَ أَبِیهِ فَقَالَ اَلْأَشْعَثُ إِنِّی أَخَافُ أَنْ یَتَّهِمَنِی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فِی أَمْرِهِ فَاطْلُبْهُ مِنْ سَعِیدِ بْنِ قَیْسٍ فَهُوَ فِی الْمَیْمَنَةِ فَذَهَبَ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَاسْتَأْذَنَهُ أَنْ یَدْخُلَ إِلَی عَسْکَرِ عَلِیٍّ ع یَطْلُبُ أَبَاهُ بَیْنَ الْقَتْلَی فَقَالَ لَهُ إِنَّ عَلِیّاً قَدْ مَنَعَ أَنْ یَدْخُلَ أَحَدٌ مِنَّا إِلَی مُعَسْکَرِهِ یَخَافُ أَنْ یُفْسِدَ عَلَیْهِ جُنْدَهُ فَخَرَجَ ابْنُ ذِی الْکَلاَعِ فَأَرْسَلَ إِلَی سَعِیدِ بْنِ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیِّ یَسْتَأْذِنُهُ فِی ذَلِکَ فَقَالَ سَعِیدٌ إِنَّا لاَ نَمْنَعُکَ مِنْ دُخُولِ الْعَسْکَرِ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لاَ یُبَالِی مَنْ دَخَلَ مِنْکُمْ إِلَی مُعَسْکَرِهِ فَأُدْخِلَ فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ الْمَیْمَنَةِ فَطَافَ فَلَمْ یَجِدْهُ ثُمَّ أَتَی الْمَیْسَرَةَ فَطَافَ فَلَمْ یَجِدْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ وَ قَدْ رُبِطَتْ رِجْلُهُ بِطُنُبٍ مِنْ أَطْنَابِ بَعْضِ فَسَاطِیطِ الْعَسْکَرِ فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَی بَابِ الْفُسْطَاطِ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَیْکُمْ یَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَقِیلَ لَهُ وَ عَلَیْکَ السَّلاَمُ فَقَالَ أَ تَأْذَنُونَ لَنَا فِی طُنُبٍ مِنْ أَطْنَابِ فُسْطَاطِکُمْ وَ مَعَهُ عَبْدٌ أَسْوَدُ لَمْ یَکُنْ مَعَهُ غَیْرُهُ فَقَالُوا قَدْ أَذِنَّا لَکُمْ وَ قَالُوا لَهُ مَعْذِرَةً إِلَی اللَّهِ وَ إِلَیْکُمْ أَمَا إِنَّهُ لَوْ لاَ بَغْیُهُ عَلَیْنَا (1) مَا صَنَعْنَا بِهِ مَا تَرَوْنَ فَنَزَلَ ابْنُهُ إِلَیْهِ فَوَجَدَهُ قَدِ انْتَفَخَ وَ کَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ خَلْقاً فَلَمْ یُطِقِ احْتِمَالَهُ فَقَالَ هَلْ مِنْ فَتًی مِعْوَانٍ فَخَرَجَ إِلَیْهِ خِنْدِفٌ الْبَکْرِیُّ فَقَالَ تَنَحَّوْا عَنْهُ فَقَالَ ابْنُهُ وَ مَنِ الَّذِی یَحْمِلُهُ إِذَا تَنَحَّیْنَا عَنْهُ قَالَ یَحْمِلُهُ قَاتِلُهُ فَاحْتَمَلَهُ خِنْدِفٌ حَتَّی رَمَی بِهِ عَلَی ظَهْرِ بَغْلٍ ثُمَّ شَدَّهُ بِالْحِبَالِ فَانْطَلَقَا بِهِ (2) .

قَالَ نَصْرٌ وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ لَمَّا قُتِلَ ذُو الْکَلاَعِ لَأَنَا أَشَدُّ فَرَحاً بِقَتْلِ ذِی الْکَلاَعِ مِنِّی بِفَتْحِ مِصْرٍ لَوْ فَتَحْتُهَا قَالَ لِأَنَّ ذَا الْکَلاَعِ کَانَ یَحْجُرُ عَلَی مُعَاوِیَةَ فِی أَشْیَاءَ کَانَ یَأْمُرُ بِهَا.

قَالَ نَصْرٌ فَلَمَّا قُتِلَ ذُو الْکَلاَعِ اشْتَدَّتِ الْحَرْبُ وَ شَدَّتْ عُکٌّ وَ لَخْمٌ وَ جُذَامٌ وَ اَلْأَشْعَرِیُّونَ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ عَلَی مَذْحِجٍ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ جَعَلَهُمْ مُعَاوِیَةُ بِإِزَائِهِمْ وَ نَادَی مُنَادِی عُکٍّ

ص :238

وَیْلٌ لِأُمِّ مَذْحِجٍ مِنْ عُکٍّ

فَنَادَی مُنَادِی مَذْحِجٍ یَا لَمَذْحِجٍ خَدِّمُوا أَیِ اضْرِبُوا السُّوقَ مَوَاضِعَ الْخِدْمَةِ وَ هِیَ الْخَلاَخِیلُ فَاعْتَرَضَتْ مَذْحِجٌ سُوقَ الْقَوْمِ فَکَانَ فِیهِ بَوَارُ عَامَّتِهُمْ وَ نَادَی مُنَادِی جُذَامٍ حِینَ طَحَنَتْ رَحَی الْقَوْمِ وَ خَاضَتِ الْخَیْلُ وَ الرِّجَالُ فِی الدِّمَاءِ.

اَللَّهَ اللَّهَ فِی جُذَامٍ

وَ نَادَی مُنَادِی عُکٍّ یَا عُکُّ أَیْنَ الْمَفَرُّ

وَ نَادَی مُنَادِی اَلْأَشْعَرِیِّینَ یَا مَذْحِجُ مَنْ لِلنِّسَاءِ غَداً إِذَا أَفْنَاکُمُ الرَّدَی اللَّهَ اللَّهَ فِی الْحُرُمَاتِ أَ مَا تَذْکُرُونَ نِسَاءَکُمْ وَ الْبَنَاتِ أَ مَا تَذْکُرُونَ فَارِسَ وَ اَلرُّومَ وَ اَلْأَتْرَاکَ لَقَدْ أَذِنَ اللَّهُ فِیکُمْ بِالْهَلاَکِ (1) .

قَالَ وَ الْقَوْمُ یَنْحَرُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَ یَتَکَادَمُونَ بِالْأَفْوَاهِ

.

1026

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنِی عَمْرُو بْنُ الزُّبَیْرِ لَقَدْ سَمِعْتُ اَلْحُضَیْنَ بْنَ الْمُنْذِرِ یَقُولُ أَعْطَانِی

ص :239

عَلِیٌّ ع

ذَلِکَ الْیَوْمَ رَایَةَ رَبِیعَةَ وَ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ سِرْ یَا حُضَیْنُ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لاَ تَخْفِقُ عَلَی رَأْسِکَ رَایَةٌ مِثْلُهَا أَبَداً هَذِهِ رَایَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ فَجَاءَ أَبُو عَرْفَاءَ جَبَلَةُ بْنُ عَطِیَّةَ الذُّهْلِیُّ إِلَی اَلْحُضَیْنِ وَ قَالَ هَلْ لَکَ أَنْ تُعْطِیَنِی الرَّایَةَ أَحْمِلُهَا لَکَ فَیَکُونَ لَکَ ذِکْرُهَا وَ یَکُونَ لِی أَجْرُهَا فَقَالَ اَلْحُضَیْنُ وَ مَا غِنَایَ یَا عَمِّ عَنْ أَجْرِهَا مَعَ ذِکْرِهَا قَالَ إِنَّهُ لاَ غِنَی بِکَ عَنْ ذَلِکَ وَ لَکِنْ أَعِرْها عَمَّکَ سَاعَةً فَمَا أَسْرَعَ مَا تَرْجِعُ إِلَیْکَ قَالَ اَلْحُضَیْنُ فَقُلْتُ إِنَّهُ قَدِ اسْتَقْتَلَ وَ إِنَّهُ یُرِیدُ أَنْ یَمُوتُ مُجَاهِداً فَقُلْتُ لَهُ خُذْهَا فَأَخَذَهَا ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إِنَّ عَمَلَ اَلْجَنَّةِ کُرْهٌ کُلُّهُ وَ ثَقِیلٌ وَ إِنَّ عَمَلَ اَلنَّارِ خِفٌّ کُلُّهُ وَ خَبِیثٌ إِنَّ اَلْجَنَّةَ لاَ یَدْخُلُهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ الَّذِینَ صَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَی فَرَائِضِ اللَّهِ وَ أَمْرِهِ وَ لَیْسَ شَیْءٌ مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَی الْعِبَادِ أَشَدَّ مِنَ الْجِهَادِ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ثَوَاباً عِنْدَ اللَّهِ فَإِذَا رَأَیْتُمُونِی قَدْ شَدَدْتُ فَشُدُّوا وَیْحَکُمْ أَ مَا تَشْتَاقُونَ إِلَی اَلْجَنَّةِ أَ مَا تُحِبُّونَ أَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَکُمْ فَشَدَّ وَ شَدُّوا مَعَهُ فَقَاتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً فَقُتِلَ أَبُو عَرْفَاءَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی وَ شَدَّتْ رَبِیعَةُ بَعْدَهُ شِدَّةً عَظِیمَةً عَلَی صُفُوفِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَنَقَضَتْهَا وَ قَالَ مَجْزَأَةُ بْنُ ثَوْرٍ أَضْرِبُهُمْ وَ لاَ أَرَی مُعَاوِیَةَ

قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ حُرَیْثُ بْنُ جَابِرٍ یَوْمَئِذٍ نَازِلاً بَیْنَ الصَّفَّیْنِ فِی قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ یَسْقِی أَهْلَ اَلْعِرَاقِ اللَّبَنَ وَ الْمَاءَ وَ السَّوِیقَ وَ یُطْعِمُهُمُ اللَّحْمَ وَ الثَّرِیدَ فَمَنْ شَاءَ أَکَلَ وَ مَنْ شَاءَ شَرِبَ فَفِی ذَلِکَ یَقُولُ شَاعِرُهُمْ فَلَوْ کَانَ بِالدَّهْنَا حُرَیْثُ بْنُ جَابِرٍ لَأَصْبَحَ بَحْراً بِالْمَفَازَةِ جَارِیاً

.

ص :240

قلت هذا حریث بن جابر هو الذی کتب معاویة إلی زیاد فی أمره بعد عام الجماعة و حریث عامل لزیاد علی همدان أما بعد فاعزل حریث بن جابر عن عمله فما ذکرت مواقفه بصفین إلا کانت حزازة فی صدری فکتب إلیه زیاد خفض علیک یا أمیر المؤمنین فإن حریثا قد بلغ من الشرف مبلغا لا تزیده الولایة و لا ینقصه العزل.

1027

1- قَالَ نَصْرٌ فَاضْطَرَبَ النَّاسُ یَوْمَئِذٍ بِالسُّیُوفِ حَتَّی تَقَطَّعَتْ وَ تَکَسَّرَتْ وَ صَارَتْ کَالْمَنَاجِلِ وَ تَطَاعَنُوا بِالرِّمَاحِ حَتَّی تَقَصَّفَتْ (1) وَ تَنَاثَرَتْ أَسِنَّتُهَا ثُمَّ جَثَوْا عَلَی الرُّکَبِ فَتَحَاثَوْا بِالتُّرَابِ یَحْثُو بَعْضُهُمُ التُّرَابَ فِی وَجْهِ بَعْضٍ ثُمَّ تَعَانَقُوا وَ تَکَادَمُوا بِالْأَفْوَاهِ ثُمَّ تَرَامَوْا بِالصَّخْرِ وَ الْحِجَارَةِ ثُمَّ تَحَاجَزُوا فَکَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ یَمُرُّ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ فَیَقُولُ کَیْفَ آخُذُ إِلَی رَایَاتِ بَنِی فُلاَنٍ فَیَقُولُونَ هَاهُنَا لاَ هَدَاکَ اللَّهُ وَ یَمُرُّ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ عَلَی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَیَقُولُ کَیْفَ آخُذُ إِلَی رَایَةِ بَنِی فُلاَنٍ فَیَقُولُونَ هَاهُنَا لاَ حَفِظَکَ اللَّهُ وَ لاَ عَافَاکَ (2) .

قَالَ نَصْرٌ وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَ مَا تَرَی یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِلَی مَا قَدْ دَفَعْنَا کَیْفَ تَرَی أَهْلَ اَلْعِرَاقِ غَداً صَانِعِینَ إِنَّا لَبِمَعْرَضِ خَطَرٍ عَظِیمٍ فَقَالَ لَهُ إِنْ أَصْبَحَتْ غَداً رَبِیعَةُ وَ هُمْ مُتَعَطِّفُونَ حَوْلَ عَلِیٍّ ع تَعَطُّفَ الْإِبِلِ حَوْلَ فَحْلِهَا لَقِیتَ مِنْهُمْ جِلاَداً صَادِقاً وَ بَأْساً شَدِیداً وَ کَانَتِ الَّتِی لاَ یَتَعَزَّی (3) لَهَا فَقَالَ مُعَاوِیَةُ أَ یَجُوزُ أَنَّکَ تُخَوِّفُنَا یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إِنَّکَ سَأَلْتَنِی فَأَجَبْتُکَ فَلَمَّا أَصْبَحُوا فِی اَلْیَوْمِ الْعَاشِرِ أَصْبَحُوا وَ رَبِیعَةُ مُحْدِقَةٌ بِعَلِیٍّ ع إِحْدَاقَ بَیَاضِ الْعَیْنِ بِسَوَادِهَا (4) .

ص :241

قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنِی عَمْرٌو قَالَ لَمَّا أَصْبَحَ عَلِیٌّ ع هَذَا الْیَوْمَ جَاءَ فَوَقَفَ بَیْنَ رَایَاتِ رَبِیعَةَ فَقَالَ عَتَّابُ بْنُ لَقِیطٍ الْبَکْرِیُّ مِنْ بَنِی قَیْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ یَا مَعْشَرَ رَبِیعَةَ حَامُوا عَنْ عَلِیٍّ مُنْذُ الْیَوْمِ فَإِنْ أُصِیبَ فِیکُمْ افْتَضَحْتُمْ أَ لاَ تَرَوْنَهُ قَائِماً تَحْتَ رَایَاتِکُمْ وَ قَالَ لَهُمْ شَقِیقُ بْنُ ثَوْرٍ یَا مَعْشَرَ رَبِیعَةَ لَیْسَ لَکُمْ عُذْرٌ عِنْدَ اَلْعَرَبِ إِنْ وَصَلَ إِلَی عَلِیٍّ وَ فِیکُمْ رَجُلٌ حَیٌّ فَامْنَعُوهُ الْیَوْمَ وَ اصْدُقُوا عَدُوَّکُمُ اللِّقَاءَ فَإِنَّهُ حَمْدُ الْحَیَاةِ تَکْسِبُونَهُ فَتَعَاهَدَتْ رَبِیعَةُ وَ تَحَالَفَتْ بِالْأَیْمَانِ الْعَظِیمَةِ مِنْهَا تُبَایِعُ سَبْعَةُ آلاَفٍ عَلَی أَلاَّ یَنْظُرَ رَجُلٌ مِنْهُمْ خَلْفَهُ حَتَّی یَرِدُوا سُرَادِقَ مُعَاوِیَةَ فَقَاتَلُوا ذَلِکَ الْیَوْمَ قِتَالاً شَدِیداً لَمْ یَکُنْ قَبْلَهُ مِثْلُهُ وَ أَقْبَلُوا نَحْوَ سُرَادِقِ مُعَاوِیَةَ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَیْهِمْ قَدْ أَقْبَلُوا قَالَ إِذَا قُلْتُ قَدْ وَلَّتْ رَبِیعَةُ أَقْبَلَتْ کَتَائِبُ مِنْهَا کَالْجِبَالِ تُجَالِدُ.

ثُمَّ قَالَ لِعَمْرٍو یَا عَمْرُو مَا تَرَی قَالَ أَرَی أَلاَّ تُحَنِّثَ أَخْوَالِی الْیَوْمَ فَقَامَ مُعَاوِیَةُ وَ خَلَّی لَهُمْ سُرَادِقَهُ وَ رَحْلَهُ وَ خَرَجَ فَارّاً عَنْهُ لاَئِذاً بِبَعْضِ مَضَارِبِ الْعَسْکَرِ (1) فِی أُخْرَیَاتِ النَّاسِ فَدَخَلَهُ وَ انْتَهَبَتْ رَبِیعَةُ سُرَادِقَهُ وَ رَحْلَهُ وَ بَعَثَ إِلَی خَالِدِ بْنِ الْمُعَمَّرِ إِنَّکَ قَدْ ظَفِرْتَ وَ لَکَ إِمْرَةُ خُرَاسَانَ إِنْ لَمْ تُتِمَّ فَقَطَعَ خَالِدٌ الْقِتَالَ وَ لَمْ یُتِمَّهُ وَ قَالَ لِرَبِیعَةَ قَدْ بُرَّتْ أَیْمَانُکُمْ فَحَسْبُکُمْ فَلَمَّا کَانَ عَامَ الْجَمَاعَةِ وَ بَایَعَ النَّاسُ مُعَاوِیَةَ أَمَّرَهُ مُعَاوِیَةُ عَلَی خُرَاسَانَ وَ بَعَثَهُ إِلَیْهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ یَبْلُغَهَا (2)

.

1028

1- قَالَ نَصْرٌ فِی حَدِیثِ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ إِنَّ عَلِیّاً ع صَلَّی بِهِمْ هَذَا الْیَوْمَ صَلاَةَ الْغَدَاةِ ثُمَّ زَحَفَ بِهِمْ فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ قَدْ خَرَجَ اسْتَقْبَلُوهُ بِزُحُوفِهِمْ فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً ثُمَّ إِنَّ خَیْلَ أَهْلِ اَلشَّامِ حَمَلَتْ عَلَی خَیْلِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَاقْتَطَعُوا مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع أَلْفَ رَجُلٍ أَوْ أَکْثَرَ فَأَحَاطُوا بِهِمْ وَ حَالُوا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ أَصْحَابِهِمْ فَلَمْ یَرَوْهُمْ فَنَادَی

ص :242

عَلِیٌّ ع یَوْمَئِذٍ أَلاَ رَجُلٌ یَشْرِی نَفْسَهُ لِلَّهِ وَ یَبِیعُ دُنْیَاهُ بِآخِرَتِهِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ جُعْفٍ یُقَالُ لَهُ عَبْدُ الْعَزِیزِ بْنُ الْحَارِثِ عَلَی فَرَسٍ أَدْهَمَ کَأَنَّهُ غُرَابٌ مُقَنَّعُ فِی الْحَدِیدِ لاَ یُرَی مِنْهُ إِلاَّ عَیْنَاهُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مُرْنِی بِأَمْرِکَ فَوَ اللَّهِ لاَ تَأْمُرُنِی بِشَیْءٍ إِلاَّ صَنَعْتُهُ فَقَالَ عَلِیٌّ ع سَمَحْتَ بِأَمْرٍ لاَ یُطَاقُ حَفِیظَةً یَا أَبَا الْحَارِثِ شَدَّ اللَّهُ رُکْنَکَ احْمِلْ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ حَتَّی تَأْتِیَ أَصْحَابَکَ فَتَقُولَ لَهُمْ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ یَقْرَأُ عَلَیْکُمُ السَّلاَمَ وَ یَقُولُ لَکُمْ هَلِّلُوا وَ کَبِّرُوا مِنْ نَاحِیَتِکُمْ وَ نُهَلِّلُ نَحْنُ وَ نُکَبِّرُ مِنْ هَاهُنَا وَ احْمِلُوا مِنْ جَانِبِکُمْ وَ نَحْمِلُ نَحْنُ مِنْ جَانِبِنَا عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ فَضَرَبَ اَلْجُعْفِیُّ فَرَسَهُ حَتَّی إِذَا أَقَامَهُ عَلَی أَطْرَافِ سَنَابِکِهِ حَمَلَ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ الْمُحِیطِینَ بِأَصْحَابِ عَلِیٍّ ع فَطَاعَنَهُمْ سَاعَةً وَ قَاتَلَهُمْ فَأَفْرَجُوا لَهُ حَتَّی خَلَّصَ إِلَی أَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَأَوْهُ اسْتَبْشَرُوا بِهِ وَ فَرِحُوا وَ قَالُوا مَا فَعَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ صَالِحٌ یُقْرِئُکُمُ السَّلاَمَ وَ یَقُولُ لَکُمْ هَلِّلُوا وَ کَبِّرُوا وَ احْمِلُوا حَمْلَةً شَدِیدَةً مِنْ جَانِبِکُمْ وَ نُهَلِّلُ نَحْنُ وَ نُکَبِّرُ وَ نَحْمِلُ مِنْ جَانِبِنَا فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَ هَلَّلُوا وَ کَبَّرُوا وَ هَلَّلَ عَلِیٌّ ع وَ کَبَّرَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ وَ حَمَلَ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ وَ حَمَلُوا هُمْ مِنْ وَسَطِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَانْفَرَجَ الْقَوْمُ عَنْهُمْ وَ خَرَجُوا وَ مَا أُصِیبَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَ لَقَدْ قُتِلَ مِنْ فُرْسَانِ اَلشَّامِ یَوْمَئِذٍ زُهَاءُ سَبْعِمِائَةِ إِنْسَانٍ قَالَ عَلِیٌّ ع مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ الْیَوْمَ غَنَاءً فَقَالُوا أَنْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ کَلاَّ وَ لَکِنَّهُ اَلْجُعْفِیُّ .

ص :243

قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ عَلِیٌّ ع لاَ یَعْدِلُ بِرَبِیعَةَ أَحَداً مِنَ النَّاسِ فَشَقَّ ذَلِکَ عَلَی مُضَرَ وَ أَظْهَرُوا لَهُمُ الْقَبِیحَ وَ أَبْدَوْا ذَاتَ أَنْفُسِهِمْ فَقَالَ اَلْحُضَیْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِیُّ شِعْراً أَغْضَبَهُمْ بِهِ مِنْ جُمْلَتِهِ (1) أَرَی مُضَراً صَارَتْ رَبِیعَةُ دُونَهَا

فَقَامَ أَبُو الطُّفَیْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ الْکِنَانِیُّ وَ عُمَیْرُ بْنُ عُطَارِدِ بْنِ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ التَّمِیمِیُّ وَ قَبِیصَةُ بْنُ جَابِرٍ الْأَسَدِیُّ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الطُّفَیْلِ الْعَامِرِیُّ فِی وُجُوهِ قَبَائِلِهِمْ فَأَتَوْا عَلِیّاً ع فَتَکَلَّمَ أَبُو الطُّفَیْلِ فَقَالَ إِنَّا وَ اللَّهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا نَحْسُدُ (2) قَوْماً خَصَّهُمُ اللَّهُ مِنْکَ بِخَیْرٍ وَ إِنَّ هَذَا الْحَیَّ مِنْ رَبِیعَةَ قَدْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أَوْلَی بِکَ مِنَّا فَأَعْفِهِمْ عَنِ الْقِتَالِ أَیَّاماً وَ اجْعَلْ لِکُلِّ امْرِئٍ مِنَّا یَوْماً یُقَاتِلُ فِیهِ فَإِنَّا إِذَا اجْتَمَعْنَا اشْتَبَهَ عَلَیْکَ بَلاَؤُنَا فَقَالَ عَلِیٌّ ع نَعَمْ أُعْطِیکُمْ مَا طَلَبْتُمْ وَ أَمَرَ رَبِیعَةَ أَنْ تَکُفَّ عَنِ الْقِتَالِ وَ کَانَتْ بِإِزَاءِ اَلْیَمَنِ مِنْ صُفُوفِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَغَدَا أَبُو الطُّفَیْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ فِی قَوْمِهِ مِنْ کِنَانَةَ وَ هُمْ جَمَاعَةٌ عَظِیمَةٌ فَتَقَدَّمَ أَمَامَ الْخَیْلِ وَ یَقُولُ طَاعِنُوا وَ ضَارِبُوا ثُمَّ حَمَلَ وَ ارْتَجَزَ فَقَالَ قَدْ ضَارَبَتْ فِی حَرْبِهَا کِنَانَةُ (3)

ص :244

فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو الطُّفَیْلِ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّکَ أَنْبَأْتَنَا أَنَّ أَشْرَفَ الْقَتْلِ الشَّهَادَةُ وَ أَحْظَی الْأَمْرِ الصَّبْرُ وَ قَدْ وَ اللَّهِ صَبَرْنَا حَتَّی أُصِبْنَا فَقَتِیلُنَا شَهِیدٌ وَ حَیُّنَا سَعِیدٌ (1) فَلْیَطْلُبْ مَنْ بَقِیَ ثَأْرَ مَنْ مَضَی فَإِنَّا وَ إِنْ کُنَّا قَدْ ذَهَبَ صَفْوُنَا وَ بَقِیَ کَدِرُنَا فَإِنَّ لَنَا دِیناً لاَ یَمِیلُ بِهِ الْهَوَی وَ یَقِیناً لاَ تَزْحَمُهُ الشُّبْهَةُ فَأَثْنَی عَلِیٌّ ع عَلَیْهِ خَیْراً.

ثُمَّ غَدَا فِی الْیَوْمِ الثَّانِی عُمَیْرُ بْنُ عُطَارِدٍ بِجَمَاعَةٍ مِنْ بَنِی تَمِیمٍ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ سَیِّدُ مُضَرِ اَلْکُوفَةِ فَقَالَ یَا قَوْمِ إِنِّی أَتْبَعُ آثَارَ أَبِی الطُّفَیْلِ فَاتَّبِعُوا آثَارَ کِنَانَةَ ثُمَّ قَدَّمَ رَایَتَهُ وَ ارْتَجَزَ فَقَالَ قَدْ ضَارَبَتْ فِی حَرْبِهَا تَمِیمٌ

ثُمَّ طَعَنَ بِرَایَتِهِ حَتَّی خَضَبَهَا وَ قَاتَلَ أَصْحَابُهُ قِتَالاً شَدِیداً حَتَّی أَمْسَوْا وَ انْصَرَفَ عُمَیْرٌ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ عَلَیْهِ سِلاَحُهُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ کَانَ ظَنِّی بِالنَّاسِ حَسَناً وَ قَدْ رَأَیْتُ مِنْهُمْ فَوْقَ ظَنِّی بِهِمْ قَاتَلُوا مِنْ کُلِّ جِهَةٍ وَ بَلَغُوا مِنْ عَفْوِهِمْ جَهْدَ عَدُوِّهِمْ وَ هُمْ لَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ غَدَا فِی الْیَوْمِ الثَّالِثِ قَبِیصَةُ بْنُ جَابِرٍ الْأَسَدِیُّ فِی بَنِی أَسَدٍ وَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ یَا بَنِی أَسَدٍ أَمَّا أَنَا فَلاَ أَقْصُرُ دُونَ صَاحِبِی وَ أَمَّا أَنْتُمْ فَذَاکَ إِلَیْکُمْ ثُمَّ تَقَدَّمَ بِرَایَتِهِ وَ قَالَ قَدْ حَافَظَتْ فِی حَرْبِهَا بَنُو أَسَدٍ مَا مِثْلُهَا تَحْتَ الْعَجَاجِ مِنْ أَحَدٍ

ص :245

أَقْرَبُ مِنْ یُمْنٍ وَ أَنْأَی مِنْ نَکَدٍ

فَقَاتَلَ الْقَوْمَ إِلَی أَنْ دَخَلَ اللَّیْلُ ثُمَّ انْصَرَفُوا.

ثُمَّ غَدَا فِی الْیَوْمِ الرَّابِعِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الطُّفَیْلِ الْعَامِرِیُّ فِی جَمَاعَةِ هَوَازِنَ فَحَارَبَ بِهِمْ حَتَّی اللَّیْلِ ثُمَّ انْصَرَفُوا.

قَالَ نَصْرٌ فَانْتَصَفُوا اَلْمُضَرِیَّةَ مِنَ اَلرَّبَعِیَّةِ وَ ظَهَرَ أَثَرُهَا وَ عُرِفَ بَلاَؤُهَا وَ قَالَ أَبُو الطُّفَیْلِ وَ حَامَتْ کِنَانَةُ فِی حَرْبِهَا

ص :246

وَ قُلْنَا عَلِیٌّ لَنَا وَالِدٌ

وَ نَحْنُ لَهُ طَاعَةٌ کَالْوَلَدِ

(1)

.

1029

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنِ اَلْأَشْعَثِ بْنِ سُوَیْدٍ عَنْ کُرْدُوسٍ قَالَ کَتَبَ عُقْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ عَامِلُ عَلِیٍّ عَلَی اَلْکُوفَةِ إِلَی سُلَیْمَانَ بْنِ صُرَدٍ الْخُزَاعِیِّ وَ هُوَ مَعَ عَلِیٍّ بِصِفِّینَ أَمَّا بَعْدُ فَ إِنَّهُمْ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ یَرْجُمُوکُمْ أَوْ یُعِیدُوکُمْ فِی مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (2) فَعَلَیْکَ بِالْجِهَادِ وَ الصَّبْرِ مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ السَّلاَمُ (3)

.

1030

1,14- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ وَ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ قَالَ قَامَ عَلِیٌّ ع فَخَطَبَ النَّاسَ بِصِفِّینَ فَقَالَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَی نِعَمِهِ الْفَاضِلَةِ عَلَی جَمِیعِ مَنْ خَلَقَ مِنَ الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ وَ عَلَی حُجَجِهِ الْبَالِغَةِ عَلَی خَلْقِهِ مَنْ أَطَاعَهُ فِیهِمْ وَ مَنْ عَصَاهُ إِنْ یَرْحَمْ (4) فَبِفَضْلِهِ وَ مَنِّهِ وَ إِنْ عَذَّبَ فَبِمَا کَسَبَتْ أَیْدِیهِمْ وَ أَنَّ اللّٰهَ لَیْسَ بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِیدِ أَحْمَدُهُ عَلَی حُسْنِ الْبَلاَءِ وَ تَظَاهُرِ النَّعْمَاءِ وَ أَسْتَعِینُهُ عَلَی مَا نَابَنَا مِنْ أَمْرِ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ وَ أَتَوَکَّلُ عَلَیْهِ وَ کَفیٰ بِاللّٰهِ وَکِیلاً ثُمَّ إِنِّی أَشْهَدُ (5) أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِیکَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدیٰ وَ دِینِ الْحَقِّ ارْتَضَاهُ لِذَلِکَ وَ کَانَ أَهْلَهُ وَ اصْطَفَاهُ لِتَبْلِیغِ رِسَالَتِهِ وَ جَعَلَهُ رَحْمَةً مِنْهُ عَلَی خَلْقِهِ فَکَانَ عِلْمُهُ (6) فِیهِ رَءُوفاً

ص :247

رَحِیماً أَکْرَمُ خَلْقِ اللَّهِ حَسَباً وَ أَجْمَلُهُمْ (1) مَنْظَراً وَ أَسْخَاهُمْ نَفْساً وَ أَبَرُّهُمْ لِوَالِدٍ وَ أَوْصَلُهُمْ لِرَحِمٍ وَ أَفْضَلُهُمْ عِلْماً وَ أَثْقَلُهُمْ حِلْماً وَ أَوْفَاهُمْ لِعَهْدٍ وَ آمَنُهُمْ عَلَی عَقْدٍ لَمْ یَتَعَلَّقْ عَلَیْهِ مُسْلِمٌ وَ لاَ کَافِرٌ بِمَظْلِمَةٍ قَطُّ بَلْ کَانَ یُظْلَمُ فَیَغْفِرُ وَ یَقْدِرُ فَیَصْفَحُ حَتَّی مَضَی ص مُطِیعاً لِلَّهِ صَابِراً عَلَی مَا أَصَابَهُ مُجَاهِداً فِی اللّٰهِ حَقَّ جِهٰادِهِ حَتَّی أَتَاهُ الْیَقِینُ ص فَکَانَ ذَهَابُهُ أَعْظَمَ الْمُصِیبَةِ عَلَی أَهْلِ الْأَرْضِ الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ ثُمَّ تَرَکَ فِیکُمْ کِتَابَ اللَّهِ یَأْمُرُکُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ یَنْهَاکُمْ عَنْ مَعْصِیَتِهِ وَ قَدْ عَهِدَ إِلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ عَهْداً فَلَسْتُ أَحِیدُ عَنْهُ وَ قَدْ حَضَرْتُمْ عَدُوَّکُمْ وَ عَلِمْتُمْ أَنَّ (2) رَئِیسَهُمْ مُنَافِقٌ یَدْعُوهُمْ إِلَی اَلنَّارِ وَ ابْنُ عَمِّ نَبِیِّکُمْ مَعَکُمْ وَ بَیْنَ أَظْهُرِکُمْ یَدْعُوکُمْ إِلَی اَلْجَنَّةِ وَ إِلَی طَاعَةِ رَبِّکُمْ وَ الْعَمَلِ بِسُنَّةِ نَبِیِّکُمْ وَ لاَ سَوَاءً مَنْ صَلَّی قَبْلَ کُلِّ ذَکَرٍ لَمْ یَسْبِقْنِی بِصَلاَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ أَحَدٌ وَ أَنَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَ مُعَاوِیَةُ طَلِیقٌ وَ ابْنُ طَلِیقٍ (3) وَ اللَّهِ أَنَا عَلَی الْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ عَلَی الْبَاطِلِ فَلاَ یَجْتَمِعُنَّ عَلَی بَاطِلِهِمْ وَ تَتَفَرَّقُوا عَنْ حَقِّکُمْ (4) حَتَّی یَغْلِبَ بَاطِلُهُمْ حَقَّکُمْ قٰاتِلُوهُمْ یُعَذِّبْهُمُ اللّٰهُ بِأَیْدِیکُمْ (5) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا یُعَذِّبْهُمْ بِأَیْدِی غَیْرِکُمْ فَقَامَ (6) أَصْحَابُهُ فَقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ انْهَضْ بِنَا إِلَی عَدُوِّنَا وَ عَدُوِّکَ إِذَا شِئْتَ فَوَ اللَّهِ مَا نُرِیدُ بِکَ بَدَلاً بَلْ نَمُوتُ مَعَکَ وَ نَحْیَا مَعَکَ فَقَالَ لَهُمْ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَنَظَرَ إِلَیَّ اَلنَّبِیُّ ص أَضْرِبُ بَیْنَ (7) یَدَیْهِ بِسَیْفِی هَذَا فَقَالَ لاَ سَیْفَ إِلاَّ ذُو الْفَقَارِ وَ لاَ فَتَی إِلاَّ عَلِیٌّ وَ قَالَ لِی یَا عَلِیُّ أَنْتَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِیَّ بَعْدِی

ص :248

وَ مَوْتُکَ وَ حَیَاتُکَ یَا عَلِیُّ مَعِی وَ اللَّهِ مَا کَذَبَ وَ لاَ کُذِبْتُ وَ لاَ ضَلَّ وَ لاَ ضَلَلْتُ وَ لاَ ضُلَّ بِی وَ لاَ نَسِیتُ مَا عَهِدَ إِلَیَّ وَ إِنِّی عَلیٰ بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَ عَلَی الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً .

ثُمَّ نَهَضَ إِلَی الْقَوْمِ فَاقْتَتَلُوا مِنْ حِینَ طَلَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّی غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ وَ مَا کَانَتْ صَلاَةُ الْقَوْمِ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ إِلاَّ تَکْبِیراً

(1)

.

1031

1- قَالَ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ قَالَ بَرَزَ فِی بَعْضِ أَیَّامِ صِفِّینَ رَجُلٌ مِنْ حِمْیَرٍ مِنْ آلِ ذِی یَزَنَ اسْمُهُ (2) کُرَیْبُ بْنُ الصَّبَّاحِ لَیْسَ فِی اَلشَّامِ یَوْمَئِذٍ رَجُلٌ أَشْهَرُ بِالْبَأْسِ وَ النَّجْدَةِ مِنْهُ فَنَادَی مَنْ یُبَارِزُ فَخَرَجَ إِلَیْهِ اَلْمُرْتَفِعُ بْنُ الْوَضَّاحِ الزُّبَیْدِیُّ فَقَتَلَهُ ثُمَّ نَادَی مَنْ یُبَارِزُ فَخَرَجَ إِلَیْهِ اَلْحَارِثُ بْنُ الْجُلاَحِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ نَادَی مَنْ یُبَارِزُ فَخَرَجَ إِلَیْهِ عَابِدُ (3) بْنُ مَسْرُوقٍ الْهَمْدَانِیُّ فَقَتَلَهُ ثُمَّ رَمَی بِأَجْسَادِهِمْ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَ قَامَ عَلَیْهَا بَغْیاً وَ اعْتِدَاءً وَ نَادَی مَنْ یُبَارِزُ فَخَرَجَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ وَ نَادَاهُ وَیْحَکَ یَا کُرَیْبُ إِنِّی أُحَذِّرُکَ اللَّهَ وَ بَأْسَهُ وَ نَقِمَتَهُ وَ أَدْعُوکَ إِلَی سُنَّةِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ وَیْحَکَ لاَ یُدْخِلَنَّکَ مُعَاوِیَةُ اَلنَّارَ فَکَانَ جَوَابَهُ لَهُ أَنْ قَالَ مَا أَکْثَرَ مَا قَدْ سَمِعْتُ مِنْکَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَ لاَ حَاجَةَ لَنَا فِیهَا أَقْدِمْ إِذَا شِئْتَ مَنْ یَشْتَرِی سَیْفِی وَ هَذَا أَثَرُهُ فَقَالَ عَلِیٌّ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ مَشَی إِلَیْهِ فَلَمْ یُمْهِلْهُ أَنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً خَرَّ مِنْهَا قَتِیلاً یَشْحَطُ (4) فِی دَمِهِ ثُمَّ نَادَی مَنْ یَبْرُزُ فَبَرَزَ إِلَیْهِ اَلْحَارِثُ بْنُ وَدَاعَةَ الْحِمْیَرِیُّ فَقَتَلَهُ ثُمَّ نَادَی مَنْ یَبْرُزُ فَبَرَزَ إِلَیْهِ اَلْمُطَاعُ بْنُ مُطَّلِبٍ الْعَنْسِیُّ (5)

ص :249

فَقَتَلَهُ ثُمَّ نَادَی مَنْ یَبْرُزُ فَلَمْ یَبْرُزْ إِلَیْهِ أَحَدٌ فَنَادَی یَا مَعْشَرَ اَلْمُسْلِمِینَ (1) اَلشَّهْرُ الْحَرٰامُ بِالشَّهْرِ الْحَرٰامِ وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ فَمَنِ اعْتَدیٰ عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدیٰ عَلَیْکُمْ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ مَعَ الْمُتَّقِینَ (2) وَیْحَکَ یَا مُعَاوِیَةُ هَلُمَّ إِلَیَّ فَبَارِزْنِی وَ لاَ یُقْتَلَنَّ النَّاسُ فِیمَا بَیْنَنَا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ اغْتَنِمْهُ مُنْتَهِزاً قَدْ قَتَلَ ثَلاَثَةً مِنْ (3) أَبْطَالِ اَلْعَرَبِ وَ إِنِّی أَطْمَعُ أَنْ یُظْفِرَکَ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ وَ اللَّهِ لَنْ تُرِیدَ إِلاَّ أَنْ أُقْتَلَ فَتُصِیبَ الْخِلاَفَةَ بَعْدِی اذْهَبْ إِلَیْکَ عَنِّی فَلَیْسَ مِثْلِی یُخْدَعُ

(4)

.

1032

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْجَرِیرِیُّ (5) قَالَ حَدَّثَنِی مَنْ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ الْعُظْمَی بِصِفِّینَ وَ هُوَ یُحَرِّضُ أَهْلَ اَلشَّامِ وَ قَدْ کَانَ مُنْحَنِیاً عَلَی قَوْسٍ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَظِیمِ فِی شَأْنِهِ الْقَوِیِّ فِی سُلْطَانِهِ الْعَلِیِّ فِی مَکَانِهِ الْوَاضِحِ فِی بُرْهَانِهِ أَحْمَدُهُ عَلَی حُسْنِ الْبَلاَءِ وَ تَظَاهُرِ النَّعْمَاءِ فِی کُلِّ رَزِیَّةٍ (6) مِنْ بَلاَءٍ أَوْ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءٍ وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِیکَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ثُمَّ إِنَّا نَحْتَسِبُ عِنْدَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ مَا أَصْبَحَ فِی أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص مِنِ اشْتِعَالِ نِیرَانِهَا وَ اضْطِرَابِ حَبْلِهَا وَ وُقُوعِ بَأْسِهَا بَیْنَهَا فَ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَیْهِ رٰاجِعُونَ وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ أَ وَ لاَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صَلاَتَنَا وَ صَلاَتَهُمْ وَ صِیَامَنَا وَ صِیَامَهُمْ وَ حَجَّنَا وَ حَجَّهُمْ وَ قَتْلَنَا وَ قَتْلَهُمْ

ص :250

وَ دِینَنَا وَ دِینَهُمْ وَاحِدٌ وَ لَکِنَّ الْأَهْوَاءَ مُخْتَلِفَةٌ (1) اللَّهُمَّ أَصْلِحْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِمَا أَصْلَحْتَ بِهِ أَوَّلَهَا وَ احْفَظْ (2) فِی مَا بَیْنَهَا مَعَ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ وَطِئُوا بِلاَدَکُمْ وَ نَعَوْا عَلَیْکُمْ فَجِدُّوا فِی قِتَالِ عَدُوِّکُمْ وَ اسْتَعِینُوا بِاللَّهِ رَبِّکُمْ وَ حَافِظُوا عَلَی حُرُمَاتِکُمْ ثُمَّ جَلَسَ قَالَ نَصْرٌ وَ خَطَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ أَهْلَ اَلْعِرَاقِ یَوْمَئِذٍ فَقَالَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ الَّذِی دَحَا تَحْتَنَا سَبْعاً وَ سَمَکَ (3) فَوْقَنَا سَبْعاً وَ خَلَقَ فِیمَا بَیْنَهُنَّ خَلْقاً وَ أَنْزَلَ لَنَا مِنْهُنَّ رِزْقاً ثُمَّ جَعَلَ کُلَّ شَیْءٍ قَدْراً یَبْلَی وَ یَفْنَی غَیْرَ وَجْهِهِ الْحَیِّ الْقَیُّومِ الَّذِی یَحْیَا وَ یَبْقَی إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی بَعَثَ أَنْبِیَاءَ وَ رُسُلاً فَجَعَلَهُمْ حُجَجاً عَلَی عِبَادِهِ عُذْراً أَوْ نُذْراً لاَ یُطَاعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَ إِذْنِهِ یَمُنُّ بِالطَّاعَةِ عَلَی مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ثُمَّ یُثِیبُ عَلَیْهَا وَ یُعْصَی بِعِلْمٍ مِنْهُ فَیَعْفُو وَ یَغْفِرُ بِحِلْمِهِ لاَ یَقْدِرُ قَدْرَهُ وَ لاَ یَبْلُغُ شَیْءٌ مَکَانَهُ أَحْصیٰ کُلَّ شَیْءٍ عَدَداً وَ أَحٰاطَ بِکُلِّ شَیْءٍ عِلْماً وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِیکَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ إِمَامُ الْهُدَی وَ النَّبِیُّ الْمُصْطَفَی وَ قَدْ سَاقَنَا قَدَرُ اللَّهِ إِلَی مَا تَرَوْنَ حَتَّی کَانَ مِمَّا اضْطَرَبَ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ انْتَشَرَ مِنْ أَمْرِهَا أَنَّ مُعَاوِیَةَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ (4) وَجَدَ مِنْ طَغَامِ النَّاسِ أَعْوَاناً عَلَی عَلِیٍّ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ وَ صِهْرِهِ وَ أَوَّلِ ذَکَرٍ صَلَّی مَعَهُ بَدْرِیٍّ قَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص کُلَّ مَشَاهِدِهِ الَّتِی فِیهَا الْفَضْلُ وَ مُعَاوِیَةُ مُشْرِکٌ کَانَ یَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَ الَّذِی مَلَکَ الْمُلْکَ وَحْدَهُ وَ بَانَ بِهِ وَ کَانَ أَهْلَهُ (5) لَقَدْ قَاتَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَ هُوَ یَقُولُ صَدَقَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ مُعَاوِیَةُ یَقُولُ کَذَبَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ فَعَلَیْکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ الْجِدِّ وَ الْحَزْمِ وَ الصَّبْرِ وَ اللَّهِ إِنَّا لَنَعْلَمُ

ص :251

أَنَّکُمْ لَعَلَی حَقٍّ وَ أَنَّ الْقَوْمَ لَعَلَی بَاطِلٍ فَلاَ یَکُونَنَّ أَوْلَی بِالْجِدِّ عَلَی بَاطِلِهِمْ مِنْکُمْ فِی حَقِّکُمْ وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ سَیُعَذِّبُهُمْ بِأَیْدِیکُمْ أَوْ بِأَیْدِی غَیْرِکُمْ اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَ لاَ تَخْذُلْنَا وَ انْصُرْنَا عَلَی عَدُوِّنَا وَ لاَ تَحُلْ (1) عَنَّا وَ اِفْتَحْ بَیْنَنٰا وَ بَیْنَ قَوْمِنٰا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفٰاتِحِینَ

(2)

.

1033

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُنْدَبٍ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَامَ عَمَّارٌ یَوْمَ صِفِّینَ فَقَالَ انْهَضُوا (3) مَعِی عِبَادَ اللَّهِ إِلَی قَوْمٍ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ یَطْلُبُونَ بِدَمِ ظَالِمٍ إِنَّمَا قَتَلَهُ الصَّالِحُونَ الْمُنْکِرُونَ لِلْعُدْوَانِ الْآمِرُونَ بِالْإِحْسَانِ فَقَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِینَ لاَ یُبَالُونَ إِذَا سَلِمَتْ لَهُمْ دُنْیَاهُمْ وَ لَوْ دَرَسَ هَذَا الدِّینُ لِمَ قَتَلْتُمُوهُ فَقُلْنَا لِإِحْدَاثِهِ فَقَالُوا إِنَّهُ لَمْ یُحْدِثْ شَیْئاً وَ ذَلِکَ لِأَنَّهُ مَکَّنَهُمْ مِنَ الدُّنْیَا فَهُمْ یَأْکُلُونَهَا وَ یَرْعَوْنَهَا وَ لاَ یُبَالُونَ لَوِ انْهَدَمَتِ (4) الْجِبَالُ وَ اللَّهِ مَا أَظُنُّهُمْ یَطْلُبُونَ بِدَمٍ (5) وَ لَکِنَّ الْقَوْمَ ذَاقُوا الدُّنْیَا فَاسْتَحَلُّوهَا (6) وَ اسْتَمْرَءُوهَا وَ عَلِمُوا أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَوْ وَلِیَهُمْ لَحَالَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَا یَأْکُلُونَ وَ یَرْعَوْنَ مِنْهَا إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ سَابِقَةٌ فِی اَلْإِسْلاَمِ یَسْتَحِقُّونَ بِهَا الطَّاعَةَ وَ الْوَلاَیَةَ فَخَدَعُوا أَتْبَاعَهُمْ بِأَنْ قَالُوا قُتِلَ إِمَامُنَا مَظْلُوماً لِیَکُونُوا بِذَلِکَ جَبَابِرَةً وَ مُلُوکاً تِلْکَ مَکِیدَةٌ قَدْ بَلَغُوا بِهَا مَا تَرَوْنَ وَ لَوْلاَهَا مَا بَایَعَهُمْ مِنَ النَّاسِ رَجُلٌ (7) اللَّهُمَّ إِنْ تَنْصُرْنَا فَطَالَ مَا نَصَرْتَ وَ إِنْ تَجْعَلْ

ص :252

لَهُمُ الْأَمْرَ فَادَّخِرْ لَهُمْ بِمَا أَحْدَثُوا لِعِبَادِکَ الْعَذَابَ الْأَلِیمَ ثُمَّ مَضَی وَ مَضَی مَعَهُ أَصْحَابُهُ فَدَنَا مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ یَا عَمْرُو بِعْتَ دِینَکَ بِمِصْرَ فَتَبّاً لَکَ وَ طَالَ مَا بَغَیْتَ لِلْإِسْلاَمِ عِوَجاً (1) ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّکَ تَعْلَمُ أَنِّی لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ رِضَاکَ فِی أَنْ أَقْذِفَ بِنَفْسِی فِی هَذَا الْبَحْرِ لَفَعَلْتُ اللَّهُمَّ إِنَّکَ تَعْلَمُ أَنِّی لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ رِضَاکَ أَنْ أَضَعَ ظُبَةَ سَیْفِی فِی بَطْنِی ثُمَّ أَنْحَنِیَ عَلَیْهِ حَتَّی یَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِی لَفَعَلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّی أَعْلَمُ مِمَّا عَلَّمْتَنِی أَنِّی لاَ أَعْمَلُ عَمَلاً صَالِحاً هَذَا الْیَوْمَ هُوَ أَرْضَی مِنْ جِهَادِ هَؤُلاَءِ الْفَاسِقِینَ وَ لَوْ أَعْلَمُ الْیَوْمَ عَمَلاً هُوَ أَرْضَی لَکَ مِنْهُ لَفَعَلْتُهُ (2) .

1034

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنِی عَمْرُو بْنُ سَعِیدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ نَادَی عَمَّارٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ بِعْتَ دِینَکَ بِالدُّنْیَا مِنْ عَدُوِّ اللَّهِ وَ عَدُوِّ اَلْإِسْلاَمِ مُعَاوِیَةَ وَ طَلَبْتَ هَوَی أَبِیکَ الْفَاسِقِ فَقَالَ لاَ وَ لَکِنِّی أَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ الشَّهِیدِ الْمَظْلُومِ قَالَ کَلاَّ أَشْهَدُ عَلَی عِلْمِی فِیکَ أَنَّکَ أَصْبَحْتَ لاَ تَطْلُبُ بِشَیْءٍ مِنْ فِعْلِکَ وَجْهَ اللَّهِ وَ أَنَّکَ إِنْ لَمْ تُقْتَلْ

ص :253

الْیَوْمَ فَسَتَمُوتُ غَداً فَانْظُرْ إِذَا أَعْطَی اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَی نِیَّاتِهِمْ مَا نِیَّتُکَ.

1035

1- وَ رَوَی اِبْنُ دَیْزِیلَ فِی کِتَابِ صِفِّینَ عَنْ صَیْفٍ الضَّبِّیِّ قَالَ سَمِعْتُ اَلصَّعْبَ بْنَ حَکِیمِ بْنِ شَرِیکِ بْنِ نَمْلَةَ الْمُحَارِبِیَّ یَرْوِی عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ شَرِیکٍ قَالَ کَانَ النَّاسُ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ أَهْلِ اَلشَّامِ یَقْتَتِلُونَ أَیَّامَ صِفِّینَ وَ یَتَزَایَلُونَ فَلاَ یَسْتَطِیعُ الرَّجُلُ أَنْ یَرْجِعَ إِلَی مَکَانِهِ حَتَّی یُسْفِرَ الْغُبَارُ عَنْهُ فَاقْتَتَلُوا یَوْماً وَ تَزَایَلُوا وَ أَسْفَرَ الْغُبَارُ فَإِذَا عَلِیٌّ تَحْتَ رَایَتِنَا یَعْنِی بَنِی مُحَارِبٍ فَقَالَ هَلْ مِنْ مَاءٍ فَأَتَیْتُهُ بِإِدَاوَةٍ فَخَنَثْتُهَا لَهُ لِیَشْرَبَ فَقَالَ لاَ إِنَّا نُهِینَا أَنْ نَشْرَبَ مِنْ أَفْوَاهِ الْأَسْقِیَةِ ثُمَّ عَلَّقَ سَیْفَهُ وَ إِنَّهُ لَمُخَضَّبٌ بِالدَّمِ مِنْ ظُبَتِهِ إِلَی قَائِمِهِ فَصَبَبْتُ لَهُ عَلَی یَدَیْهِ فَغَسَلَهُمَا حَتَّی أَنْقَاهُمَا ثُمَّ شَرِبَ بِیَدَیْهِ حَتَّی إِذَا رَوِیَ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ أَیْنَ مُضَرُ فَقُلْتُ أَنْتَ فِیهِمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ مَنْ أَنْتُمْ بَارَکَ اللَّهُ فِیکُمْ فَقُلْنَا نَحْنُ بَنُو مُحَارِبٍ فَعَرَفَ مَوْقِفَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی مَوْضِعِهِ

.

قلت خنثت الإداوة إذا ثنیت فاها إلی خارج و إنّما نهی رسول اللّه ص عن اختناث الأسقیة لأن رجلا اختنث سقاء فشرب فدخل إلی جوفه حیة کانت فی السقاء.

1036

14- قَالَ اِبْنُ دَیْزِیلَ وَ رَوَی إِسْمَاعِیلُ بْنُ أَبِی أُوَیْسٍ قَالَ حَدَّثَنِی عَبْدُ الْمَلِکِ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِیُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ لِی رَسُولُ اللَّهِ ص کَیْفَ بِکَ یَا عَبْدَ اللَّهِ إِذَا بَقِیتَ فِی حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَ مَوَاثِیقُهُمْ وَ کَانُوا هَکَذَا وَ خَالَفَ بَیْنَ أَصَابِعِهِ فَقُلْتُ تَأْمُرُنِی بِأَمْرِکَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تَأْخُذُ مِمَّا تَعْرِفُ وَ تَدَعُ مَا تُنْکِرُ وَ تَعْمَلُ بِخَاصَّةِ نَفْسِکَ وَ تَدَعُ النَّاسَ وَ هَوَامَّ أَمْرِهِمْ.

قَالَ فَلَمَّا کَانَ یَوْمُ صِفِّینَ قَالَ لَهُ أَبُوهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ یَا عَبْدَ اللَّهِ اخْرُجْ فَقَاتِلْ فَقَالَ

ص :254

یَا أَبَتَاهْ أَ تَأْمُرُنِی أَنْ أَخْرُجَ فَأُقَاتِلَ وَ قَدْ سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُ یَوْمَ عَهِدَ إِلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ ص مَا عَهِدَ فَقَالَ أَنْشُدُکَ اللَّهَ یَا عَبْدَ اللَّهِ أَ لَمْ یَکُنْ آخِرُ مَا عَهِدَ إِلَیْکَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنْ أَخَذَ بِیَدِکَ فَوَضَعَهَا فِی یَدِی فَقَالَ أَطِعْ أَبَاکَ فَقَالَ اللَّهُمَّ بَلَی قَالَ فَإِنِّی أَعْزِمُ عَلَیْکَ أَنْ تَخْرُجَ فَتُقَاتِلَ فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَقَاتَلَ یَوْمَئِذٍ مُتَقَلِّداً سَیْفَیْنِ قَالَ وَ إِنَّ مِنْ شِعْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بَعْدَ ذَلِکَ یَذْکُرُ عَلِیّاً بِصِفِّینَ فَلَوْ شَهِدَتْ جُمْلٌ مَقَامِی وَ مَشْهَدِی

.

1037

وَ رَوَی اِبْنُ دَیْزِیلَ عَنِ یَحْیَی بْنِ سُلَیْمَانَ الْجُعْفِیِّ قَالَ حَدَّثَنَا مُسْهِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِکِ بْنِ سَلْعٍ الْهَمْدَانِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ عَبْدِ خَیْرٍ الْهَمْدَانِیِّ قَالَ کُنْتُ أَنَا وَ عَبْدُ خَیْرٍ فِی سَفَرٍ قُلْتُ یَا أَبَا عُمَارَةَ حَدِّثْنِی عَنْ بَعْضِ مَا کُنْتُمْ فِیهِ بِصِفِّینَ فَقَالَ لِی یَا ابْنَ أَخِی وَ مَا سُؤَالُکَ فَقُلْتُ أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْمَعَ مِنْکَ شَیْئاً فَقَالَ یَا ابْنَ أَخِی إِنَّا کُنَّا لَنُصَلِّی الْفَجْرَ فَنَصُفُّ وَ یَصُفُّ أَهْلُ اَلشَّامِ وَ نُشْرِعُ الرِّمَاحَ إِلَیْهِمْ وَ یُشْرِعُونَ بِهَا نَحْوَنَا أَمَّا لَوْ دَخَلْتَ تَحْتَهَا لَأَظَلَّتْکَ وَ اللَّهِ یَا ابْنَ أَخِی إِنَّا کُنَّا لَنَقِفُ وَ یَقِفُونَ فِی الْحَرْبِ لاَ نَفْتُرُ وَ لاَ یَفْتُرُونَ حَتَّی نُصَلِّیَ

ص :255

الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ مَا یَعْرِفُ الرَّجُلُ مِنَّا طُولَ ذَلِکَ الْیَوْمِ مِنْ عَنْ یَمِینِهِ وَ لاَ مِنْ عَنْ یَسَارِهِ مِنْ شِدَّةِ الظُّلْمَةِ وَ النَّقْعِ إِلاَّ بِقَرْعِ الْحَدِیدِ بَعْضِهِ عَلَی بَعْضٍ فَیَبْرُزُ مِنْهُ شُعَاعٌ کَشُعَاعِ الشَّمْسِ فَیَعْرِفُ الرَّجُلُ مَنْ عَنْ یَمِینِهِ وَ مَنْ عَنْ یَسَارِهِ حَتَّی إِذَا صَلَّیْنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ جَرَرْنَا قَتْلاَنَا إِلَیْنَا فَتَوَسَّدْنَاهُمْ حَتَّی نُصْبِحَ وَ جَرُّوا قَتْلاَهُمْ فَتَوَسَّدُوهُمْ حَتَّی یُصْبِحُوا قَالَ قُلْتُ لَهُ یَا أَبَا عُمَارَةَ هَذَا وَ اللَّهِ الصَّبْرُ.

1038

1- وَ رَوَی اِبْنُ دَیْزِیلَ قَالَ کَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِذَا مَرَّ عَلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ بِهِ فَقَالَ یَرَی عَلِیٌّ وَ مُعَاوِیَةُ أَنَّهُمَا بَرِیئَانِ مِنْ دَمِ هَذَا

.

1039

1- قَالَ اِبْنُ دَیْزِیلَ وَ رَوَی اِبْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِکِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ جَلَسَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِصِفِّینَ فِی رِوَاقٍ وَ کَانَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ یَدْفِنُونَ قَتْلاَهُمْ وَ أَهْلُ اَلشَّامِ یَجْعَلُونَ قَتْلاَهُمْ فِی الْعَبَاءِ وَ الْأَکْسِیَةِ یَحْمِلُونَهُمْ فِیهَا إِلَی مَدَافِنِهِمْ فَکُلَّمَا مَرَّ عَلَیْهِ بِرَجُلٍ قَالَ مَنْ هَذَا فَیُقَالُ فُلاَنٌ فَقَالَ عَمْرٌو کَمْ مِنْ رَجُلٍ أَحْسَنُ فِی اللَّهِ عَظِیمُ الْحَالِ لَمْ یَنْجُ مِنْ قَتْلِهِ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ قَالَ یَعْنِی عَلِیّاً وَ مُعَاوِیَةَ

. قلت لیت شعری لم برأ نفسه و کان رأسا فی الفتنة بل لولاه لم تکن و لکن اللّه تعالی أنطقه بهذا الکلام و أشباهه لیظهر بذلک شکه و أنّه لم یکن علی بصیرة من أمره.

1040

1- وَ رَوَی نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ قَالَ حَدَّثَنِی یَحْیَی بْنُ یَعْلَی قَالَ حَدَّثَنِی صَبَّاحٌ الْمُزَنِیُّ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ حِصْنٍ عَنْ زَیْدِ بْنِ أَبِی رَجَاءٍ عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ حَکِیمٍ الْفَزَارِیِّ قَالَ کُنَّا بِصِفِّینَ مَعَ عَلِیٍّ تَحْتَ رَایَةِ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ ارْتِفَاعَ الضُّحَی وَ قَدِ اسْتَظْلَلْنَا بِرِدَاءٍ أَحْمَرَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ یَسْتَقْرِی الصَّفَّ حَتَّی انْتَهَی إِلَیْنَا فَقَالَ أَیُّکُمْ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ فَقَالَ عَمَّارٌ أَنَا عَمَّارٌ قَالَ أَبُو الْیَقْظَانِ قَالَ نَعَمْ قَالَ إِنَّ لِی إِلَیْکَ حَاجَةٌ أَ فَأَنْطِقُ بِهَا

ص :256

سِرّاً أَوْ عَلاَنِیَةً قَالَ اخْتَرْ لِنَفْسِکَ أَیَّهُمَا شِئْتَ قَالَ لاَ بَلْ عَلاَنِیَةً قَالَ فَانْطِقْ قَالَ إِنِّی خَرَجْتُ مِنْ أَهْلِی مُسْتَبْصِراً فِی الْحَقِّ الَّذِی نَحْنُ عَلَیْهِ لاَ أَشُکُّ فِی ضَلاَلَةِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ وَ أَنَّهُمْ عَلَی الْبَاطِلِ فَلَمْ أَزَلْ عَلَی ذَلِکَ مُسْتَبْصِراً حَتَّی لَیْلَتِی هَذِهِ فَإِنِّی رَأَیْتُ فِی مَنَامِی مُنَادِیاً تَقَدَّمَ فَأَذَّنَ وَ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص وَ نَادَی (1) بِالصَّلاَةِ وَ نَادَی مُنَادِیهِمْ مِثْلَ ذَلِکَ ثُمَّ أُقِیمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّیْنَا صَلاَةً وَاحِدَةً وَ تَلَوْنَا کِتَاباً وَاحِداً وَ دَعَوْنَا دَعْوَةً وَاحِدَةً فَأَدْرَکَنِی الشَّکُّ فِی لَیْلَتِی هَذِهِ فَبِتُّ بِلَیْلَةٍ لاَ یَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَی حَتَّی أَصْبَحْتُ فَأَتَیْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَذَکَرْتُ ذَلِکَ لَهُ فَقَالَ هَلْ لَقِیتَ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ قُلْتُ لاَ قَالَ فَالْقَهُ فَانْظُرْ مَا ذَا یَقُولُ لَکَ عَمَّارٌ فَاتَّبِعْهُ فَجِئْتُکَ لِذَلِکَ فَقَالَ عَمَّارٌ تَعْرِفُ صَاحِبَ الرَّایَةِ السَّوْدَاءِ الْمُقَابِلَةِ (2) لِی فَإِنَّهَا رَایَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَاتَلْتُهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَ هَذِهِ الرَّابِعَةُ فَمَا هِیَ بِخَیْرِهِنَّ وَ لاَ أَبَرِّهِنَّ بَلْ هِیَ شَرُّهُنَّ وَ أَفْجَرُهُنَّ أَ شَهِدْتَ بَدْراً وَ أُحُداً وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ (3) أَوْ شَهِدَهَا أَبٌ لَکَ فَیُخْبِرَکَ عَنْهَا قَالَ لاَ قَالَ فَإِنَّ مَرَاکِزَنَا الْیَوْمَ عَلَی مَرَاکِزِ رَایَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ص یَوْمَ بَدْرٍ وَ یَوْمَ أُحُدٍ وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ وَ إِنَّ مَرَاکِزَ رَایَاتِ هَؤُلاَءِ عَلَی مَرَاکِزِ رَایَاتِ اَلْمُشْرِکِینَ مِنَ اَلْأَحْزَابِ فَهَلْ تَرَی هَذَا الْعَسْکَرَ وَ مَنْ فِیهِ وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ جَمِیعَ مَنْ فِیهِ مِمَّنْ أَقْبَلَ مَعَ مُعَاوِیَةَ یُرِیدُ قِتَالَنَا مُفَارِقاً لِلَّذِی نَحْنُ عَلَیْهِ کَانُوا خَلْقاً وَاحِداً فَقَطَعْتُهُ وَ ذَبَحْتُهُ وَ اللَّهِ لَدِمَاؤُهُمْ جَمِیعاً أَحَلُّ مِنْ دَمِ عُصْفُورٍ أَ فَتَرَی دَمَ عُصْفُورٍ حَرَاماً قَالَ لاَ بَلْ حَلاَلٌ قَالَ فَإِنَّهُمْ حَلاَلٌ کَذَلِکَ أَ تَرَانِی بَیَّنْتُ لَکَ قَالَ قَدْ بَیَّنْتَ لِی قَالَ فَاخْتَرْ أَیَّ ذَلِکَ أَحْبَبْتَ.

ص :257

فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ فَدَعَاهُ عَمَّارٌ ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ سَیَضْرِبُونَکُمْ بِأَسْیَافِهِمْ (1) حَتَّی یَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ مِنْکُمْ فَیَقُولُوا لَوْ لَمْ یَکُونُوا عَلَی حَقٍّ مَا أَظْهَرُوا عَلَیْنَا وَ اللَّهِ مَا هُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَی مَا یُقَذِّی عَیْنَ ذُبَابٍ وَ اللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا بِأَسْیَافِهِمْ حَتَّی یُبْلِغُونَا سَعَفَاتِ هَجَرَ (2) لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَی حَقٍّ وَ أَنَّهُمْ عَلَی بَاطِلٍ

(3)

.

1041

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا یَحْیَی بْنُ یَعْلَی عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَی عَلِیٍّ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ الَّذِینَ نُقَاتِلُهُمْ الدَّعْوَةُ وَاحِدَةٌ وَ الرَّسُولُ وَاحِدٌ وَ الصَّلاَةُ وَاحِدَةٌ وَ الْحَجُّ وَاحِدٌ فَمَا ذَا نُسَمِّیهِمْ قَالَ سَمِّهِمْ بِمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ فِی کِتَابِهِ قَالَ مَا کُلُّ مَا فِی اَلْکِتَابِ أَعْلَمُهُ قَالَ أَ مَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلیٰ بَعْضٍ إِلَی قَوْلِهِ وَ لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَتْهُمُ الْبَیِّنٰاتُ وَ لٰکِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ کَفَرَ (4) فَلَمَّا وَقَعَ الاِخْتِلاَفُ کُنَّا نَحْنُ أَوْلَی بِاللَّهِ وَ بِالْکِتَابِ وَ بِالنَّبِیِّ وَ بِالْحَقِّ فَنَحْنُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ هُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ شَاءَ اللَّهُ قِتَالَهُمْ فَقَاتِلْهُمْ بِمَشِیئَتِهِ وَ إِرَادَتِهِ .

هذا آخر الجزء الخامس من شرح نهج البلاغة و الحمد للّه وحده (5)

ص :258

خطب أبی حمزة الشاری 114-120

أخبار متفرقة عن معاویة 129-131

اختلاف الناس فی الآجال 133-139

عظة للحسن البصریّ 147-149

من خطب عمر بن عبد العزیز 150-151

من خطب ابن نباتة 151-152

اختلاف الأقوال فی خلق العالم 157-164

من أخبار یوم صفّین 175-258