ص :2

الأمصار و یعتبر فی وجوبها النصاب و به قال مالک و الثوری إلا أن مالکا لم یعتبر الإقامة.

و قال الشافعی الأضحیة سنة مؤکدة و به قال أبو یوسف و محمد و أحمد .

و اختلفوا فی العمیاء هل تجزئ أم لا فأکثر الفقهاء علی أنّها لا تجزئ و کلام أمیر المؤمنین ع فی هذا الفصل یقتضی ذلک لأنّه قال إذا سلمت العین سلمت الأضحیة فیقتضی أنّه إذا لم تسلم العین لم تسلم الأضحیة و معنی انتفاء سلامة الأضحیة انتفاء أجزائها.

و حکی عن بعض أهل الظاهر أنه قال تجزئ العمیاء.

671

6- وَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ الْمَعْرُوفُ بِالْمُفِیدِ رَضِیَ اللَّهُ تَعَالَی عَنْهُ أَحَدُ فُقَهَاءِ اَلشِّیعَةِ فِی کِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمُقْنِعَةِ إِنَّ اَلصَّادِقَ ع سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ یُهْدِی الْهَدْیَ أَوِ الْأُضْحِیَّةَ وَ هِیَ سَمِینَةٌ فَیُصِیبُهَا مَرَضٌ أَوْ تُفْقَأُ عَیْنُهَا أَوْ تَنْکَسِرُ فَتَبْلُغُ یَوْمَ النَّحْرِ وَ هِیَ حَیَّةٌ أَ تُجْزِئُ عَنْهُ فَقَالَ نَعَمْ .

فأما الأذن فقال أحمد لا یجوز التضحیة بمقطوعة الأذن و کلام أمیر المؤمنین ع یقتضی ذلک و قال سائر الفقهاء تجزئ إلاّ أنّه مکروه.

و أمّا العضباء فأکثر الفقهاء علی أنّها تجزئ إلاّ أنّه مکروه و کلام أمیر المؤمنین ع یقتضی ذلک و کذلک الحکم فی الجلحاء و هی التی لم یخلق لها قرن و القصماء و هی التی انکسر غلاف قرنها و الشرفاء و هی التی انثقبت أذنها من الکی و الخرقاء و هی التی شقت أذنها طولا.

و قال مالک إن کانت العضباء یخرج من قرنها دم لم تجزئ.و قال أحمد و النخعیّ لا تجوز التضحیة بالعضباء.

ص :4

فأما العرجاء التی کنی عنها بقوله تجرّ رجلها إلی المنسک فأکثر الفقهاء علی أنّها لا تجزئ و کلام أمیر المؤمنین ع یقتضی أنّها تجزئ و قد نقل أصحاب الشافعی عنه فی أحد قولیه أن الأضحیة إذا کانت مریضة مرضا یسیرا أجزأت.

و قال الماوردی من الشافعیة فی کتابه المعروف بالحاوی إن عجزت عن أن تجر رجلها خلقة أجزأت و إن کان ذلک عن مرض لم تجزئ

ص :5

وَ أَوَّلُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَیْسٍ الْبَلَوِیُّ فَبَایَعُوا وَ قَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خُذْهَا إِلَیْکَ وَ اعْلَمَنْ أَبَا حَسَنْ إِنَّا نُمِرُّ الْأَمْرَ إِمْرَارَ الرَّسَنْ

.

و قد ذکرنا نحن فی شرح الفصل (1) الذی فیه أن الزبیر أقرّ بالبیعة و ادعی الولیجة أن بیعة أمیر المؤمنین لم تقع إلاّ عن رضا جمیع أهل المدینة أولهم طلحة و الزبیر و ذکرنا فی ذلک ما یبطل روایة الزبیر .

673

1,14- وَ ذَکَرَ أَبُو مِخْنَفٍ فِی کِتَابِ اَلْجَمَلِ أَنَّ اَلْأَنْصَارَ وَ اَلْمُهَاجِرِینَ اجْتَمَعُوا فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص لِیَنْظُرُوا مَنْ یُوَلُّونَهُ أَمْرَهُمْ حَتَّی غَصَّ اَلْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ فَاتَّفَقَ رَأْیُ عَمَّارٍ وَ أَبِی الْهَیْثَمِ بْنِ التَّیِّهَانِ وَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ وَ مَالِکُ بْنُ عَجْلاَنَ وَ أَبِی أَیُّوبَ خَالِدُ بْنُ یَزِیدَ عَلَی إِقْعَادِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فِی الْخِلاَفَةِ وَ کَانَ أَشَدَّهُمْ تَهَالُکاً عَلَیْهِ عَمَّارٌ فَقَالَ لَهُمْ أَیُّهَا اَلْأَنْصَارُ قَدْ سَارَ فِیکُمْ عُثْمَانُ بِالْأَمْسِ بِمَا رَأَیْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ عَلَی شَرَفٍ مِنَ الْوُقُوعِ فِی مِثْلِهِ إِنْ لَمْ تَنْظُرُوا لِأَنْفُسِکُمْ وَ إِنَّ عَلِیّاً أَوْلَی النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ لِفَضْلِهِ وَ سَابِقَتِهِ فَقَالُوا رَضِینَا بِهِ حِینَئِذٍ وَ قَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ لِبَقِیَّةِ النَّاسِ مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ اَلْمُهَاجِرِینَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا لَنْ نَألُوَکُمْ خَیْراً وَ أَنْفُسَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ إِنَّ عَلِیّاً مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ وَ مَا نَعْرِفُ مَکَانَ أَحَدٍ أَحْمَلَ لِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُ وَ لاَ أَوْلَی بِهِ فَقَالَ النَّاسُ بِأَجْمَعِهِمْ قَدْ رَضِینَا وَ هُوَ عِنْدَنَا مَا ذَکَّرْتُمْ وَ أَفْضَلُ.

وَ قَامُوا کُلُّهُمْ فَأَتَوْا عَلِیّاً ع فَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْ دَارِهِ وَ سَأَلُوهُ بَسْطَ یَدِهِ فَقَبَضَهَا فَتَدَاکُّوا عَلَیْهِ تَدَاکَّ الْإِبِلِ الْهِیمِ عَلَی وَرْدِهَا حَتَّی کَادَ بَعْضُهُمْ یَقْتُلُ بَعْضاً فَلَمَّا رَأَی مِنْهُمْ مَا رَأَی سَأَلَهُمْ أَنْ تَکُونَ بَیْعَتُهُ فِی اَلْمَسْجِدِ ظَاهِرَةً لِلنَّاسِ وَ قَالَ إِنْ کَرِهَنِی رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ لَمْ أَدْخُلْ فِی هَذَا الْأَمْرِ.

فَنَهَضَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّی دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ فَکَانَ أَوَّلَ مَنْ بَایَعَهُ طَلْحَةُ فَقَالَ قَبِیصَةُ بْنُ ذُؤَیْبٍ الْأَسَدِیُّ تَخَوَّفْتُ أَلاَ یَتِمَّ لَهُ أَمْرُهُ لِأَنَّ أَوَّلَ یَدٍ بَایَعَتْهُ شَلاَّءُ ثُمَّ بَایَعَهُ اَلزُّبَیْرُ

ص :8

وَ بَایَعَهُ اَلْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِینَةِ إِلاَّ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَ أُسَامَةُ بْنُ زَیْدٍ وَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ وَ کَعْبُ بْنُ مَالِکٍ وَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ .

فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ بَایِعْ قَالَ لاَ أُبَایِعُ حَتَّی یُبَایِعَ جَمِیعُ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ ع فَأَعْطِنِی حَمِیلاً أَلاَّ تَبْرَحَ قَالَ وَ لاَ أُعْطِیکَ حَمِیلاً فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ هَذَا قَدْ أَمِنَ سَوْطَکَ وَ سَیْفَکَ فَدَعْنِی أَضْرِبُ عُنُقَهُ فَقَالَ لَسْتُ أُرِیدُ ذَلِکَ مِنْهُ عَلَی کُرْهٍ خَلُّوا سَبِیلَهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ لَقَدْ کَانَ صَغِیراً وَ هُوَ سَیِّئُ الْخُلُقِ وَ هُوَ فِی کِبَرِهِ أَسْوَأُ خُلْقاً .

ثُمَّ أُتِیَ بِسَعْدِ بْنِ أَبِی وَقَّاصٍ فَقَالَ لَهُ بَایِعْ فَقَالَ یَا أَبَا الْحَسَنِ خَلِّنِی فَإِذَا لَمْ یَبْقَ غَیْرِی بَایَعْتُکَ فَوَ اللَّهِ لاَ یَأْتِیکَ مِنْ قِبَلِی أَمْرٌ تَکْرَهُهُ أَبَداً فَقَالَ صَدَقَ خَلُّوا سَبِیلَهُ .

ثُمَّ بَعَثَ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ بَایِعْ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَمَرَنِی إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ وَ صَارُوا هَکَذَا وَ شَبَّکَ بَیْنَ أَصَابِعِهِ أَنْ أَخْرُجَ بِسَیْفِی فَأَضْرِبُ بِهِ عَرْضَ أُحُدٍ فَإِذَا تُقْطَعُ أَتَیْتُ مَنْزِلِی فَکُنْتُ فِیهِ لاَ أَبْرَحُهُ حَتَّی تَأْتِیَنِی یَدٌ خَاطِیَةٌ أَوْ مَنِیَّةٌ قَاضِیَةٌ فَقَالَ لَهُ ع فَانْطَلِقْ إِذاً فَکُنْ کَمَا أُمِرْتَ بِهِ.

ثُمَّ بَعَثَ إِلَی أُسَامَةَ بْنَ زَیْدٍ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ بَایِعْ فَقَالَ إِنِّی مَوْلاَکَ وَ لاَ خِلاَفَ مِنِّی عَلَیْکَ وَ سَتَأْتِیکَ بَیْعَتِی إِذَا سَکَنَ النَّاسُ فَأَمَرَهُ بِالاِنْصِرَافِ وَ لَمْ یُبْعَثْ إِلَی أَحَدٍ غَیْرُهُ.

وَ قِیلَ لَهُ أَ لاَ تَبْعَثُ إِلَی حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَ کَعْبِ بْنِ مَالِکٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ فَقَالَ لاَ حَاجَةَ لَنَا فِیمَنْ لاَ حَاجَةَ لَهُ فِینَا

.

فأما أصحابنا فإنهم یذکرون فی کتبهم أن هؤلاء الرهط إنّما اعتذروا بما اعتذروا به

ص :9

لما ندبهم إلی الشخوص معه لحرب أصحاب الجمل و أنهم لم یتخلفوا عن البیعة و إنّما تخلفوا عن الحرب.

674

1- وَ رَوَی شَیْخُنَا أَبُو الْحُسَیْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی فِی کِتَابِ اَلْغُرَرِ أَنَّهُمْ لَمَّا اعْتَذَرُوا إِلَیْهِ بِهَذِهِ الْأَعْذَارِ قَالَ لَهُمْ مَا کُلُّ مَفْتُونٍ یُعَاتَبُ أَ عِنْدَکُمْ شَکٌّ فِی بَیْعَتِی قَالُوا لاَ قَالَ فَإِذَا بَایَعْتُمْ فَقَدْ قَاتَلْتُمْ وَ أَعْفَاهُمْ مِنْ حُضُورِ الْحَرْبِ

.

فإن قیل

675

رَوَیْتُمْ أَنَّهُ قَالَ

إِنْ کَرِهَنِی رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ لَمْ أَدْخُلْ فِی هَذَا الْأَمْرِ . ثم رویتم أن جماعة من أعیان المسلمین کرهوا و لم یقف مع کراهتهم.

قیل إنّما مراده ع أنّه متی وقع الاختلاف قبل البیعة نفضت یدی عن الأمر و لم أدخل فیه فأما إذا بویع ثمّ خالف ناس بعد البیعة فلا یجوز له أن یرجع عن الأمر و یترکه لأن الإمامة تثبت بالبیعة و إذا ثبتت لم یجز له ترکها.

676

1- وَ رَوَی أَبُو مِخْنَفٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا دَخَلَ عَلِیٌّ ع اَلْمَسْجِدَ وَ جَاءَ النَّاسُ لِیُبَایِعُوهُ خِفْتُ أَنْ یَتَکَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّنَئَانِ لِعَلِیٍّ ع مِمَّنْ قَتَلَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ ذَا قَرَابَتِهِ فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَیَزْهَدُ عَلِیٌّ فِی الْأَمْرِ وَ یَتْرُکُهُ فَکُنْتُ أَرْصَدُ ذَلِکَ وَ أَتَخَوَّفُهُ فَلَمْ یَتَکَلَّمْ أَحَدٌ حَتَّی بَایَعَهُ النَّاسُ کُلُّهُمْ رَاضِینَ مُسَلَّمِینَ غَیْرَ مُکْرَهِینَ

.

677

1- لَمَّا بَایَعَ النَّاسُ عَلِیّاً ع وَ تَخَلَّفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَ کَلَّمَهُ عَلِیٌّ ع فِی الْبَیْعَةِ فَامْتَنَعَ عَلَیْهِ أَتَاهُ فِی الْیَوْمِ الثَّانِی فَقَالَ إِنِّی لَکَ نَاصِحٌ إِنَّ بَیْعَتَکَ لَمْ یَرْضَ بِهَا کُلُّهُمْ فَلَوْ نَظَرْتَ لِدِینِکَ وَ رَدَدْتَ الْأَمْرَ شُورَی بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَیْحَکَ وَ هَلْ مَا کَانَ عَنْ طَلَبٍ مِنِّی لَهُ أَ لَمْ یَبْلُغْکَ صَنِیعُهُمْ قُمْ عَنِّی یَا أَحْمَقُ مَا أَنْتَ وَ هَذَا الْکَلاَمَ

ص :10

فَلَمَّا خَرَجَ أَتَی عَلِیّاً فِی الْیَوْمِ الثَّالِثِ آتٍ فَقَالَ إِنَّ اِبْنَ عُمَرَ قَدْ خَرَجَ إِلَی مَکَّةَ یُفْسِدُ النَّاسَ عَلَیْکَ فَأَمَرَ بِالْبَعْثِ فِی إِثْرِهِ فَجَاءَتْ أُمُّ کُلْثُومٍ ابْنَتُهُ فَسَأَلَتْهُ وَ ضَرَعَتْ إِلَیْهِ فِیهِ وَ قَالَتْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّمَا خَرَجَ إِلَی مَکَّةَ لِیُقِیمَ بِهَا وَ إِنَّهُ لَیْسَ بِصَاحِبِ سُلْطَانٍ وَ لاَ هُوَ مِنْ رِجَالِ هَذَا الشَّأْنِ وَ طَلَبَتْ إِلَیْهِ أَنْ یَقْبَلَ شَفَاعَتَهَا فِی أَمْرِهِ لِأَنَّهُ ابْنُ بَعْلِهَا فَأَجَابَهَا وَ کَفَّ عَنِ الْبِعْثَةِ إِلَیْهِ وَ قَالَ دَعُوهُ وَ مَا أَرَادَهُ

.

ص :11

و هذا الکلام استعارة شبه من عساه یلحق به من أهل الشام بمن یعشو لیلا إلی النار و ذلک لأن بصائر أهل الشام ضعیفة فهم من الاهتداء بهداه ع کمن یعشو ببصر ضعیف إلی النار فی اللیل قال ذاک أحبّ إلی من أن أقتلهم علی ضلالهم و إن کنت لو قتلتهم علی هذه الحالة لباءوا بآثامهم أی رجعوا قال سبحانه إِنِّی أُرِیدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِی وَ إِثْمِکَ (1) أی ترجع

رَسُولَ اللَّهِ ص

قَالَ لِی یَوْمَ خَیْبَرَ لَأَنْ یَهْدِیَ اللَّهُ بِکَ رَجُلاً وَاحِداً خَیْرٌ لَکَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَیْهِ الشَّمْسُ

.

679

1- قَالَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ حَدَّثَنَا (1) مُحَمَّدُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِیِّ قَالَ فَبَعَثَ عَلِیٌّ ع إِلَی مُعَاوِیَةَ بَشِیرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِیَّ وَ سَعِیدَ بْنَ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیَّ وَ شَبَثَ بْنَ الرَّبَعِیِّ التَّمِیمِیَّ فَقَالَ اِئْتُوا هَذَا الرَّجُلَ فَادْعُوهُ [إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ]

(2) إِلَی الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ وَ إِلَی اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَقَالَ لَهُ شَبَثٌ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ لاَ تُطْمِعُهُ فِی سُلْطَانٍ تُوَلِّیهِ إِیَّاهُ وَ مَنْزِلَةٍ یَکُونَ لَهُ بِهَا أَثَرَةٌ عِنْدَکَ إِنْ هُوَ بَایَعَکَ فَقَالَ اِئْتُوهُ الْآنَ وَ الْقَوْهُ وَ احْتَجُّوا عَلَیْهِ وَ انْظُرُوا مَا رَأْیُهُ فِی هَذَا (3) .

فَأَتَوْهُ فَدَخَلُوا عَلَیْهِ فَحَمِدَ أَبُو عَمْرِو بْنُ مِحْصَنٍ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ یَا مُعَاوِیَةُ فَإِنَّ الدُّنْیَا عَنْکَ زَائِلَةٌ وَ إِنَّکَ رَاجِعٌ إِلَی الْآخِرَةِ وَ إِنَّ اللَّهَ مُجَازِیکَ بِعَمَلِکَ وَ مُحَاسِبُکَ بِمَا قَدَّمَتْ یَدَاکَ وَ إِنَّنِی أَنْشُدُکَ اللَّهَ أَلاَ تُفَرِّقَ جَمَاعَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ أَلاَ تَسْفِکَ دِمَاءَهَا بَیْنَهَا فَقَطَعَ مُعَاوِیَةُ عَلَیْهِ الْکَلاَمَ وَ قَالَ فَهَلاَّ أَوْصَیْتَ صَاحِبَکَ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ صَاحِبِی لاَ یُوصَی إِنَّ صَاحِبِی لَیْسَ مِثْلَکَ صَاحِبِی أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ فِی الْفَضْلِ وَ الدِّینِ وَ السَّابِقَةِ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ الْقَرَابَةِ مِنَ اَلرَّسُولِ قَالَ مُعَاوِیَةُ فَتَقُولُ مَا ذَا قَالَ أَدْعُوکَ إِلَی تَقْوَی رَبِّکَ وَ إِجَابَةِ ابْنِ عَمِّکَ إِلَی مَا یَدْعُوکَ إِلَیْهِ مِنَ الْحَقِّ فَإِنَّهُ أَسْلَمُ لَکَ فِی دِینِکَ وَ خَیْرٌ لَکَ فِی عَاقِبَةِ أَمْرِکَ قَالَ وَ یُطَلُّ دَمُ عُثْمَانَ لاَ وَ الرَّحْمَنِ لاَ أَفْعَلُ ذَلِکَ أَبَداً.

ص :14

فَذَهَبَ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ یَتَکَلَّمُ فَبَدَرَهُ شَبَثُ بْنُ الرِّبْعِیِّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ یَا مُعَاوِیَةُ قَدْ فَهِمْتُ مَا رَدَدْتَ عَلَی اِبْنِ مِحْصَنٍ إِنَّهُ لاَ یَخْفَی عَلَیْنَا مَا تَقَرُّ وَ مَا تَطْلُبُ إِنَّکَ لاَ تَجِدُ شَیْئاً تَسْتَغْوِی بِهِ النَّاسَ وَ لاَ شَیْئاً تَسْتَمِیلُ بِهِ أَهْوَاءَهُمْ وَ تَسْتَخْلِصُ بِهِ طَاعَتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قُلْتَ لَهُمْ قُتِلَ إِمَامُکُمْ مَظْلُوماً فَهَلُمُّوا نَطْلُبُ بِدَمِهِ فَاسْتَجَابَ لَکَ سُفَهَاءُ طَغَامٌ رُذَالٌ وَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّکَ أَبْطَأْتَ عَنْهُ بِالنَّصْرِ وَ أَحْبَبْتَ لَهُ الْقَتْلَ لِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الَّتِی تَطْلُبُ وَ رُبَّ مُبْتَغٍ أَمْراً وَ طَالِبٍ (1) لَهُ یَحُولُ اللَّهُ دُونَهُ وَ رُبَّمَا أُوتِیَ الْمُتَمَنِّی أُمْنِیَّتَهُ وَ رُبَّمَا لَمْ یُؤْتَهَا وَ وَ اللَّهِ مَا لَکَ فِی وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَیْرٌ وَ اللَّهِ لَئِنْ أَخْطَأَکَ مَا تَرْجُو أَنَّکَ لَشَرُّ اَلْعَرَبِ حَالاً وَ لَئِنْ أَصَبْتَ مَا تَتَمَنَّاهُ لاَ تُصِیبُهُ حَتَّی تَسْتَحِقَّ صَلَی اَلنَّارِ فَاتَّقِ اللَّهَ یَا مُعَاوِیَةُ وَ دَعْ مَا أَنْتَ عَلَیْهِ وَ لاَ تُنَازِعِ الْأَمْرَ أَهْلَهُ.

فَحَمِدَ مُعَاوِیَةُ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا عَرَفْتُ بِهِ سَفَهَکَ وَ خِفَّةَ حِلْمِکَ قَطْعُکَ عَلَی هَذَا الْحَسِیبِ الشَّرِیفِ سَیِّدِ قَوْمِهِ مَنْطِقَهُ ثُمَّ عَتَبْتَ بَعْدُ فِیمَا لاَ عِلْمَ لَکَ بِهِ وَ لَقَدْ کَذَبْتَ وَ لَؤُمْتَ (2) أَیُّهَا الْأَعْرَابِیُّ الْجِلْفُ الْجَافِی فِی کُلِّ مَا وَصَفْتَ وَ [ذَکَرْتَ]

(3) انْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِی فَإِنَّهُ لَیْسَ بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ إِلاَّ السَّیْفُ.

وَ غَضِبَ فَخَرَجَ الْقَوْمُ وَ شَبَثٌ یَقُولُ أَ عَلَیْنَا تُهَوِّلُ بِالسَّیْفِ أَمَا وَ اللَّهِ لَنُعَجِّلَنَّهُ إِلَیْکَ [فَأَتَوْا عَلِیّاً ع فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِی کَانَ مِنْ قَوْلِهِ وَ ذَلِکَ فِی شَهْرِ رَبِیعٍ الْآخِرِ]

(4) .

قَالَ نَصْرٌ وَ خَرَجَ قُرَّاءُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ قُرَّاءُ أَهْلِ اَلشَّامِ فَعَسْکَرُوا نَاحِیَةَ صِفِّینَ ثَلاَثِینَ أَلْفاً.

ص :15

قَالَ وَ عَسْکَرُ عَلِیٍّ ع عَلَی الْمَاءِ وَ عَسْکَرُ مُعَاوِیَةَ فَوْقَهُ عَلَی الْمَاءِ أَیْضاً وَ مَشَتِ الْقُرَّاءُ فِیمَا بَیْنَ عَلِیٍّ ع وَ مُعَاوِیَةَ مِنْهُمْ عُبَیْدَةُ السَّلْمَانِیُّ وَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَیْسٍ النَّخَعِیُّ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ وَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْقَیْسِ وَ قَدْ کَانَ فِی بَعْضِ تِلْکَ السَّوَاحِلِ فَانْصَرَفَ إِلَی عَسْکَرِ عَلِیٍّ ع فَدَخَلُوا عَلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالُوا یَا مُعَاوِیَةُ مَا الَّذِی تَطْلُبُ قَالَ أَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ قَالُوا مِمَّنْ تَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ قَالَ أَطْلُبُهُ مِنْ عَلِیٍّ قَالُوا وَ عَلِیٌّ قَتَلَهُ قَالَ نَعَمْ هُوَ قَتَلَهُ وَ آوَی قَتَلَتَهُ فَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِهِ فَدَخَلُوا عَلَی عَلِیٍّ ع فَقَالُوا إِنَّ مُعَاوِیَةَ یَزْعُمُ أَنَّکَ قَتَلْتَ عُثْمَانَ قَالَ اللَّهُمَّ لَکَذَبَ فِیمَا قَالَ لَمْ أَقْتُلْهُ.

فَرَجَعُوا إِلَی مُعَاوِیَةَ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّهُ إِنْ لَمْ یَکُنْ قَتَلَهُ بِیَدِهِ فَقَدْ أَمَرَ وَ مَالَأَ فَرَجَعُوا إِلَی عَلِیٍّ فَقَالُوا إِنَّ مُعَاوِیَةَ یَزْعُمُ أَنَّکَ إِنْ لَمْ تَکُنْ قُلْتَ بِیَدِکَ فَقَدْ أَمَرْتَ وَ مَالَأْتَ عَلَی قَتْلِ عُثْمَانَ فَقَالَ اَللَّهُمَّ لَکَذَبَ فِیمَا قَالَ فَرَجَعُوا إِلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالُوا إِنَّ عَلِیّاً یَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ یَفْعَلْ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنْ کَانَ صَادِقاً فَلْیُقِدْنَا (1) مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَإِنَّهُمْ فِی عَسْکَرِهِ وَ جُنْدِهِ وَ أَصْحَابِهِ وَ عَضُدِهِ فَرَجَعُوا إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالُوا إِنَّ مُعَاوِیَةَ یَقُولُ لَکَ إِنْ کُنْتَ صَادِقاً فَادْفَعْ إِلَیْنَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ أَوْ مَکِّنَّا مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ الْقَوْمَ تَأَوَّلُوا عَلَیْهِ اَلْقُرْآنَ وَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ فَقَتَلُوهُ فِی سُلْطَانِهِ وَ لَیْسَ عَلَی ضَرْبِهِمْ قَوَدٌ فَخَصَمَ (2) عَلِیٌّ مُعَاوِیَةَ

. قلت علی ضَرْبهم هاهنا علی مثلهم یقال زید ضَرْب عمرو و من ضَرْبه أی مثله و من صنفه و لا أدری لم عَدَل ع عن الحجة بما هو أوضح من هذا الکلام و هو أن یقول إن الذین باشروا قتله بأیدیهم کانوا اثنین و هما قتیرة بن وهب و سودان بن حمران و کلاهما قتل یوم الدار قتلهما عبید عثمان و الباقون الذین هم جندی و عضدی

ص :16

کما تزعمون لم یقتلوا بأیدیهم و إنّما أغروا به و حصروه و أجلبوا علیه و هجموا علی داره کمحمّد بن أبی بکر و الأشتر و عمرو بن الحمق و غیرهم و لیس علی مثل هؤلاء قود.

680

1- قَالَ نَصْرٌ فَقَالَ لَهُمْ مُعَاوِیَةُ إِنْ کَانَ الْأَمْرُ کَمَا تَزْعُمُونَ فَلِمَ ابْتَزَّ الْأَمْرَ (1) دُونَنَا عَلَی غَیْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا وَ لاَ مِمَّنْ هَاهُنَا مَعَنَا فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّ النَّاسَ تَبَعُ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ هُمْ شُهُودٌ لِلْمُسْلِمِینَ فِی الْبِلاَدِ عَلَی وُلاَتِهِمْ وَ أُمَرَاءِ دِینِهِمْ فَرَضُوا بِی وَ بَایَعُونِی وَ لَسْتُ أَسْتَحِلُّ أَنْ أَدَعَ ضَرْبَ (2) مُعَاوِیَةَ یَحْکُمُ بِیَدِهِ عَلَی الْأُمَّةِ وَ یَرْکَبُهُمْ وَ یَشُقُّ عَصَاهُمْ.

فَرَجَعُوا إِلَی مُعَاوِیَةَ فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِکَ فَقَالَ لَیْسَ کَمَا یَقُولُ فَمَا بَالُ مَنْ هَاهُنَا مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ لَمْ یَدْخُلُوا فِی هَذَا الْأَمْرِ وَ یُؤَامَرُوا فِیهِ (3) .

فَانْصَرَفُوا إِلَی عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِهِ فَقَالَ وَیْحَکُمْ هَذَا لِلْبَدْرِیِّینَ دُونَ اَلصَّحَابَةِ لَیْسَ فِی الْأَرْضِ بَدْرِیٌّ إِلاَّ وَ قَدْ بَایَعَنِی وَ هُوَ مَعِی أَوْ قَدْ قَامَ وَ رَضِیَ فَلاَ یَغُرَّنَّکُمْ مُعَاوِیَةُ مِنْ أَنْفُسِکُمْ وَ دِینِکُمْ .

قَالَ نَصْرٌ فَتَرَاسَلُوا بِذَلِکَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ رَبِیعٍ الْآخِرِ وَ جُمَادَیَیْنِ وَ هُمْ مَعَ ذَلِکَ یَفْزَعُونَ الْفَزْعَةَ فِیمَا بَیْنَهُمَا فَیَزْحَفُ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ وَ تَحْجُزُ الْقُرَّاءُ بَیْنَهُمْ.

قَالَ فَزِعُوا فِی ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ خَمْساً وَ ثَمَانِینَ فَزْعَةً کُلُّ فَزْعَةٍ یَزْحَفُ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ وَ تَحْجُزُ الْقُرَّاءُ بَیْنَهُمْ لاَ یَکُونَ بَیْنَهُمْ قِتَالٌ.

قَالَ نَصْرٌ وَ خَرَجَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِیُّ وَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَدَخَلاَ عَلَی مُعَاوِیَةَ وَ کَانَا مَعَهُ فَقَالاَ یَا مُعَاوِیَةُ عَلاَمَ تُقَاتِلُ هَذَا الرَّجُلَ فَوَ اللَّهِ لَهَوُ أَقْدَمُ مِنْکَ إِسْلاَماً (4) وَ أَحَقُّ بِهَذَا

ص :17

الْأَمْرِ وَ أَقْرَبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَعَلاَمَ تُقَاتِلُهُ فَقَالَ أُقَاتِلُهُ عَلَی دَمِ عُثْمَانَ وَ إِنَّهُ آوَی قَتَلَتَهُ فَقُولُوا لَهُ فَلْیُقِدْنَا مِنْ قَتَلَتِهِ وَ أَنَا أَوَّلُ مَنْ بَایَعَهُ مِنَ أَهْلِ اَلشَّامِ .فَانْطَلَقُوا إِلَی عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ مُعَاوِیَةَ فَقَالَ إِنَّمَا یَطْلُبُ الَّذِینَ تَرَوْنَ فَخَرَجَ عِشْرُونَ أَلْفاً أَوْ أَکْثَرُ مُتَسَرْبِلِینَ الْحَدِیدِ لاَ یُرَی مِنْهُمْ إِلاَّ الْحَدَقُ فَقَالُوا کُلُّنَا قَتَلَهُ فَإِنْ شَاءُوا فَلْیَرُومُوا ذَلِکَ مِنَّا فَرَجَعَ أَبُو أُمَامَةَ وَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَلَمْ یَشْهَدَا شَیْئاً مِنَ الْقِتَالِ.

قَالَ نَصْرٌ حَتَّی إِذَا کَانَ رَجَبٌ وَ خَشِیَ مُعَاوِیَةُ أَنْ یُتَابِعَ الْقُرَّاءُ عَلِیّاً ع أَخَذَ فِی الْمَکْرِ وَ أَخَذَ یَحْتَالُ لِلْقُرَّاءِ لِکَیْمَا یُحْجِمُوا وَ یَکُفُّوا حَتَّی یَنْظُرُوا.

قَالَ فَکَتَبَ فِی سَهْمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ النَّاصِحِ إِنِّی أُخْبِرُکُمْ أَنَّ مُعَاوِیَةَ یُرِیدُ أَنْ یُفَجِّرَ عَلَیْکُمُ اَلْفُرَاتَ فَیُغْرِقَکُمْ فَخُذُوا حِذْرَکُمْ ثُمَّ رَمَی بِالسَّهْمِ فِی عَسْکَرِ عَلِیٍّ ع فَوَقَعَ السَّهْمُ فِی یَدِ رَجُلٍ فَقَرَأَهُ ثُمَّ أَقْرَأَهُ صَاحِبَهُ فَلَمَّا قَرَأَهُ وَ قَرَأَتْهُ النَّاسُ وَ أَقْرَأَهُ مَنْ أَقْبَلَ وَ أَدْبَرَ قَالُوا هَذَا أَخٌ لَنَا نَاصِحٌ کَتَبَ إِلَیْکُمْ یُخْبِرُکُمْ بِمَا أَرَادَ مُعَاوِیَةُ فَلَمْ یَزَلْ السَّهْمُ یُقْرَأُ وَ یَرْتَفِعُ حَتَّی رُفِعَ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ قَدْ بَعَثَ مُعَاوِیَةَ مِائَتَیْ رَجُلٍ مِنْ الْعَمَلَةِ إِلَی عَاقُولٍ (1) مِنَ النَّهَرِ بِأَیْدِیهِمُ الْمُرُورُ وَ الزُّبُلُ (2) یَحْفِرُونَ فِیهَا بِحِیَالِ عَسْکَرِ عَلِیٍّ ع فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَیْحَکُمْ إِنَّ الَّذِی یُعَالِجُ مُعَاوِیَةُ لاَ یَسْتَقِیمُ لَهُ وَ لاَ یَقْوَی عَلَیْهِ إِنَّمَا یُرِیدُ أَنْ یُزِیلَکُمْ عَنْ مَکَانِکُمْ فَانْتَهُوا عَنْ ذَلِکَ فَقَالُوا لَهُ لاَ نَدْعُهُمْ وَ اللَّهِ یَحْفِرُونَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع لاَ تَکُونُوا ضَعْفَی وَیْحَکُمْ لاَ تَغْلِبُونِی عَلَی رَأْیِی فَقَالُوا وَ اللَّهِ لَنَرْتَحِلَنَّ فَإِنْ شِئْتَ فَارْتَحِلْ وَ إِنْ شِئْتَ فَأَقِمْ فَارْتَحَلُوا وَ صَعِدُوا بِعَسْکَرِهِمْ مَلِیّاً وَ ارْتَحَلَ عَلِیٌّ ع فِی أُخْرَیَاتِ النَّاسِ وَ هُوَ یَقُولُ

ص :18

فَلَوْ أَنِّی أُطِعْتُ عَصَمْتُ قَوْمِی

.

قَالَ وَ ارْتَحَلَ مُعَاوِیَةُ حَتَّی نَزَلَ مُعَسْکَرَ عَلِیٍّ ع الَّذِی کَانَ فِیهِ فَدَعَا عَلِیٌّ ع اَلْأَشْتَرَ فَقَالَ أَ لَمْ تَغْلِبَنِی عَلَی رَأْیِی (1) أَنْتَ وَ اَلْأَشْعَثُ فَدُونَکُمَا فَقَالَ اَلْأَشْعَثُ أَنَا أَکْفِیکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ سَأُدَاوِی مَا أَفْسَدْتُ الْیَوْمَ مِنْ ذَلِکَ فَجَمَعَ کِنْدَةَ فَقَالَ لَهُمْ یَا مَعْشَرَ کِنْدَةَ لاَ تَفْضَحُونِی الْیَوْمَ وَ لاَ تُخْزُونِی فَإِنِّی إِنَّمَا أُقَارِعُ بِکُمْ أَهْلَ اَلشَّامِ فَخَرَجُوا مَعَهُ رَجَّالَةٌ یَمْشُونَ وَ بِیَدِهِ رُمْحٌ لَهُ یُلْقِیهِ عَلَی الْأَرْضِ وَ یَقُولُ امْشُوا قِیدَ رُمْحِی هَذَا فَیَمْشُونَ فَلَمْ یَزَلْ یَقِیسُ لَهُمُ الْأَرْضَ بِرُمْحِهِ وَ یَمْشُونَ مَعَهُ رَجَّالَةٌ حَتَّی لَقِیَ مُعَاوِیَةَ وَسْطَ بَنِی سُلَیْمٍ وَاقِفاً عَلَی الْمَاءِ وَ قَدْ جَاءَهُ أَدَانِی عَسْکَرِهِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً عَلَی الْمَاءِ سَاعَةً وَ انْتَهَی أَوَائِلَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَنَزَلُوا وَ أَقْبَلَ اَلْأَشْتَرُ فِی خَیْلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَحَمَلَ عَلَی مُعَاوِیَةَ وَ اَلْأَشْعَثُ یُحَارِبُ فِی نَاحِیَةٍ أُخْرَی فَانْحَازَ مُعَاوِیَةُ فِی بَنِی سُلَیْمٍ فَرَدَّ وُجُوهَ إِبِلِهِ قَدْرَ ثَلاَثَةِ فَرَاسِخَ ثُمَّ نَزَلَ وَ وَضَعَ أَهْلُ اَلشَّامِ أَثْقَالَهُمْ وَ اَلْأَشْعَثُ یَهْدِرُ وَ یَقُولُ أَرْضَیْتُکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ فَفِدَاءُ لِبَنِی سَعْدٍ عَلَی

ص :19

کُنْتُ فِیکُمْ کَالمُغَطِّی رَأْسَهُ

وَ قَالَ اَلْأَشْتَرُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ غَلَبَ اللَّهُ لَکَ عَلَی الْمَاءِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع أَنْتُمَا کَمَا قَالَ الشَّاعِرُ تُلاَقِینَ قَیْساً وَ أَشْیَاعَهُ

قَالَ نَصْرٌ فَکَانَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَلِیٍّ وَ مُعَاوِیَةَ یُخْرِجُ الرَّجُلَ الشَّرِیفَ فِی جَمَاعَةٍ فَیُقَاتِلُ مِثْلَهُ وَ کَانُوا یَکْرَهُونَ أَنْ یَتَزَاحَفوُا بِجَمِیعِ الْفَیْلَقِ مَخَافَةَ الاِسْتِئْصَالِ وَ الْهَلاَکِ فَاقْتَتَلَ النَّاسُ ذَا الْحِجَّةِ کُلَّهُ فَلَمَّا انْقَضَی تَدَاعَوْا إِلَی أَنْ یَکُفَّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ إِلَی أَنْ یَنْقَضِیَ اَلْمُحَرَّمُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ یُجْرِیَ صُلْحاً أَوْ إِجْمَاعاً فَکَفَّ النَّاسُ فِی اَلْمُحَرَّمِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ

.

681

1- قَالَ نَصْرٌ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِی الْمُجَاهِدِ عَنِ اَلْمُحِلِّ بْنِ خَلِیفَةَ قَالَ (1) لَمَّا تَوَادَعُوا فِی اَلْمُحَرَّمِ اخْتَلَفَتِ الرُّسُلُ فِیمَا بَیْنَ الرَّجُلَیْنِ رَجَاءَ الصُّلْحِ فَأَرْسَلَ عَلِیُّ ع إِلَی مُعَاوِیَةَ عَدِیَّ بْنَ حَاتِمٍ الطَّائِیَّ وَ شَبَثَ بْنَ رِبْعِیٍّ التَّمِیمِیَّ وَ یَزِیدَ بْنَ قَیْسٍ وَ زِیَادَ بْنَ خَصَفَةَ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَیْهِ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَی عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِیُّ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا أَتَیْنَاکَ لِنَدْعُوَکَ إِلَی أَمْرٍ یَجْمَعُ اللَّهُ فِیهِ کَلِمَتَنَا وَ أُمَّتَنَا وَ یَحْقِنَ بِهِ دِمَاءَ

ص :20

اَلْمُسْلِمِینَ نَدْعُوکَ إِلَی أَفْضَلِ النَّاسِ سَابِقَةً وَ أَحْسَنِهِمْ فِی اَلْإِسْلاَمِ آثَاراً وَ قَدِ اجْتَمَعَ إِلَیْهِ (1) النَّاسُ وَ قَدْ أَرْشَدَهُمُ اللَّهُ بِالَّذِی رَأَوْا وَ أَتَوْا فَلَمْ یَبْقَ أَحَدٌ غَیْرُکَ وَ غَیْرُ مَنْ مَعَکَ فَانْتَهِ یَا مُعَاوِیَةُ مِنْ قَبْلِ أَنْ یُصِیبَکَ اللَّهُ وَ أَصْحَابَکَ بِمِثْلِ یَوْمِ الْجَمَلِ .

فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ کَأَنَّکَ إِنَّمَا جِئْتَ مُهَدِّداً وَ لَمْ تَأْتِ مُصْلِحاً هَیْهَاتَ یَا عَدِیُّ إِنِّی لاَبْنُ حَرْبٍ مَا یُقَعْقِعُ لِی بِالشَّنَانِ (2) أَمَا وَ اللَّهِ إِنَّکَ مِنَ الْمُجْلِبِینَ عَلَی عُثْمَانَ وَ إِنَّکَ لَمَنْ قَتَلْتَهُ وَ إِنِّی لَأَرْجُو أَنْ تَکُونَ مِمَّنْ یَقْتُلُهُ اللَّهُ.

فَقَالَ لَهُ شَبَثُ بْنُ رِبْعِیٍّ وَ زِیَادُ بْنُ خَصَفَةَ وَ تَنَازَعَا کَلاَماً وَاحِداً أَتَیْنَاکَ فِیمَا یُصْلِحُنَا وَ إِیَّاکَ فَأَقْبَلْتَ تَضْرِبُ لَنَا الْأَمْثَالَ دَعْ مَا لاَ یَنْفَعُ مِنَ الْقَوْلِ وَ الْفِعْلِ وَ أَجِبْنَا فِیمَا یَعُمُّنَا وَ إِیَّاکَ نَفْعُهُ.

وَ تَکَلَّمَ یَزِیدُ بْنُ قَیْسٍ الْأَرْحَبِیُّ فَقَالَ إِنَّا لَمْ نَأْتِکَ إِلاَّ لِنُبَلِّغَکَ مَا بُعِثْنَا بِهِ إِلَیْکَ وَ لِنُؤَدِّیَ عَنْکَ مَا سَمِعْنَا مِنْکَ وَ لَمْ نَدَعْ أَنْ نَنْصَحَ لَکَ وَ أَنْ نَذْکُرَ مَا ظَنَنَّا أَنَّ لَنَا عَلَیْکَ بِهِ حُجَّةً أَوْ أَنَّهُ رَاجِعٌ بِکَ إِلَی الْأُلْفَةِ وَ الْجَمَاعَةِ إِنَّ صَاحِبَنَا مَنْ قَدْ عَرَفْتَ وَ عَرَفَ اَلْمُسْلِمُونَ فَضْلَهُ وَ لاَ أَظُنُّهُ یَخْفَی عَلَیْکَ إِنَّ أَهْلَ الدِّینِ وَ الْفَضْلِ لاَ یَعْدِلُونَکَ بِعَلِیٍّ وَ لاَ یُمَیِّلُونَ (3) بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ فَاتَّقِ اللَّهَ یَا مُعَاوِیَةُ وَ لاَ تُخَالِفْ عَلِیّاً فَإِنَّا وَ اللَّهِ مَا رَأَیْنَا رَجُلاً قَطُّ أَعْمَلَ بِالتَّقْوَی وَ لاَ أَزْهَدَ فِی الدُّنْیَا وَ لاَ أَجْمَعَ لِخِصَالِ الْخَیْرِ کُلِّهَا مِنْهُ.

فَحَمِدَ اللَّهَ مُعَاوِیَةُ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّکُمْ دَعَوْتُمْ إِلَی الْجَمَاعَةِ وَ الطَّاعَةِ فَأَمَّا الْجَمَاعَةُ الَّتِی دَعَوْتُمْ إِلَیْهَا فَنِعِمَّا هِیَ وَ أَمَّا الطَّاعَةُ لِصَاحِبِکُمْ فَإِنَّا لاَ نَرَاهَا إِنَّ صَاحِبَکُمْ قَتَلَ خَلِیفَتَنَا وَ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَ آوَی ثَأْرَنَا وَ قَتَلَتَنَا وَ صَاحِبُکُمْ یَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ یَقْتُلْهُ فَنَحْنُ

ص :21

لاَ نَرُدُّ ذَلِکَ عَلَیْهِ أَ رَأَیْتُمْ قَتَلَةَ صَاحِبِنَا أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ صَاحِبِکُمْ فَلْیَدْفَعْهُمْ إِلَیْنَا فَلْنَقْتُلْهُمْ بِهِ وَ نَحْنُ نُجِیبُکُمْ إِلَی الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ.

فَقَالَ لَهُ شَبَثُ بْنُ رِبْعِیٍّ أَ یَسُرُّکَ بِاللَّهِ یَا مُعَاوِیَةُ إِنْ أُمْکِنْتَ مِنْ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ فَقَتَلْتَهُ قَالَ وَ مَا یَمْنَعُنِی مِنْ ذَلِکَ وَ اللَّهِ لَوْ أَمْکَنَنِی صَاحِبُکُمْ مِنِ اِبْنِ سُمَیَّةَ مَا قَتَلْتُهُ بِعُثْمَانَ وَ لَکِنِّی کُنْتُ أَقْتُلُهُ بِنَائِلٍ مَوْلَی عُثْمَانَ .فَقَالَ شَبَثٌ وَ إِلَهَ السَّمَاءِ مَا عَدَلْتَ مَعْدِلاً وَ لاَ وَ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لاَ تَصِلُ إِلَی قَتْلِ اِبْنِ یَاسِرٍ حَتَّی تُنْدَرَ الْهَامُ عَنْ کَوَاهِلِ الرِّجَالِ وَ تَضِیقَ الْأَرْضُ الْفَضَاءَ عَلَیْکَ بِرُحْبِهَا.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنَّهُ إِذَا کَانَ ذَلِکَ کَانَتْ عَلَیْکَ أَضْیَقَ.

ثُمَّ رَجَعَ الْقَوْمُ عَنْ مُعَاوِیَةَ فَبَعَثَ إِلَی زِیَادِ بْنَ خَصَفَةَ مِنْ بَیْنِهِمْ فَأَدْخَلَ عَلَیْهِ فَحَمِدَ مُعَاوِیَةُ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ یَا أَخَا رَبِیعَةَ فَإِنَّ عَلِیّاً قَطَعَ أَرْحَامَنَا وَ قَتَلَ إِمَامَنَا وَ آوَی قَتَلَةَ صَاحِبِنَا وَ إِنِّی أَسْأَلُکَ النُّصْرَةَ بِأُسْرَتِکَ وَ عَشِیرَتِکَ وَ لَکَ عَلَیَّ عَهْدُ اللَّهِ وَ مِیثَاقُهُ إِذَا ظَهَرْتُ أَنْ أُوَلِّیَکَ أَیَّ اَلْمِصْرَیْنِ أَحْبَبْتَ.

قَالَ أَبُو الْمُجَاهِدِ فَسَمِعْتُ زِیَادَ بْنَ خَصَفَةَ یُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِیثِ.

قَالَ فَلَمَّا قَضَی مُعَاوِیَةُ کَلاَمَهُ حَمِدْتُ اللَّهَ وَ أَثْنَیْتُ عَلَیْهِ ثُمَّ قُلْتُ أَمَا بَعْدُ فَإِنِّی لَعَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَ بِمَا أَنْعَمَ عَلَیَّ فَلَنْ أَکُونَ ظَهِیراً لِلْمُجْرِمِینَ ثُمَّ قُمْتُ.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ کَانَ إِلَی جَانِبِهِ مَا لَهُمْ عَضَبَهُمُ (1) اللَّهُ مَا قَلْبُهُمْ إِلاَّ قَلْبُ رَجُلٍ وَاحِدٍ

.

682

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا سُلَیْمَانُ بْنُ أَبِی رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَیْدٍ أَبِی الْکَنُودِ

ص :22

قَالَ (1) بَعَثَ مُعَاوِیَةُ حَبِیبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِیَّ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع وَ بَعَثَ مَعَهُ شُرَحْبِیلَ بْنَ السِّمْطِ وَ مَعْنَ بْنَ یَزِیدَ بْنِ الْأَخْنَسِ السُّلَمِیِّ فَدَخَلُوا عَلَی عَلِیٍّ ع فَتَکَلَّمَ حَبِیبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ کَانَ خَلِیفَةً مَهْدِیّاً یَعْمَلُ بِکِتَابِ اللَّهِ وَ یُثِیبُ إِلَی أَمْرِ اللَّهِ فَاسْتَثْقَلْتُمْ حَیَاتَهُ وَ اسْتَبْطَأْتُمْ وَفَاتَهُ فَعَدَوْتُمْ عَلَیْهِ فَقَتَلْتُمُوهُ فَادْفَعْ إِلَیْنَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ نَقْتُلْهُمْ بِهِ فَإِنْ قُلْتَ إِنَّکَ لَمْ تَقْتُلْهُ فَاعْتَزِلْ أَمْرَ النَّاسِ فَیَکُونَ أَمْرُهُمْ هَذَا شُورَی بَیْنَهُمْ یُوَلِّی النَّاسُ أَمْرَهُمْ مَنْ أَجْمَعَ عَلَیْهِ رَأْیُهُمْ.

فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ وَ مَا أَنْتَ لاَ أُمَّ لَکَ وَ الْوَلاَیَةَ وَ الْعَزْلَ وَ الدُّخُولَ فِی هَذَا الْأَمْرِ اسْکُتْ فَإِنَّکَ لَسْتَ هُنَاکَ وَ لاَ بِأَهْلٍ لِذَاکَ فَقَامَ حَبِیبُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَتَرَیَنِّی حَیْثُ تَکْرَهُ فَقَالَ لَهُ ع وَ مَا أَنْتَ وَ لَوْ أَجْلَبْتَ بِخَیْلِکَ وَ رَجِلِکَ اذْهَبْ فَصَوِّبْ وَ صَعِّدْ مَا بَدَا لَکَ فَلاَ أَبْقَی اللَّهُ عَلَیْکَ إِنْ أَبْقَیْتَ.

فَقَالَ شُرَحْبِیلُ بْنُ السِّمْطِ إِنْ کَلَّمْتُکَ فَلَعَمْرِی مَا کَلاَمِی لَکَ إِلاَّ نَحْوُ کَلاَمِ صَاحِبِی فَهَلْ لِی عِنْدَکَ جَوَابٌ غَیْرُ الْجَوَابِ الَّذِی أَجَبْتَهُ بِهِ (2) فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَقُلْهُ (3) فَحَمِدَ اللَّهَ عَلِیٌّ ع وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ص فَأَنْقَذَ بِهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ وَ نَعَّشَ (4) بِهِ مِنَ الْهَلَکَةِ وَ جَمَعَ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَیْهِ وَ قَدْ أَدَّی مَا عَلَیْهِ فَاسْتَخْلَفَ النَّاسُ أَبَا بَکْرٍ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ أَبُو بَکْرٍ عُمَرَ فَأَحْسَنَا السِّیرَةَ وَ عَدَلاَ فِی الْأُمَّةِ وَ وَجَدْنَا

ص :23

عَلَیْهِمَا أَنْ تَوَلَّیَا الْأَمْرَ دُونَنَا وَ نَحْنُ آلُ الرَّسُولِ وَ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ فَغَفَرْنَا ذَلِکَ لَهُمَا ثُمَّ وَلِیَ أَمْرَ النَّاسِ عُثْمَانُ فَعَمِلَ بِأَشْیَاءَ عَابَهَا النَّاسُ عَلَیْهِ فَسَارَ إِلَیْهِ نَاسٌ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَانِی النَّاسُ وَ أَنَا مُعْتَزِلٌ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا لِی بَایِعْ فَأَبَیْتُ عَلَیْهِمْ فَقَالُوا لِی بَایِعْ فَإِنَّ الْأُمَّةَ لاَ تَرْضَی إِلاَّ بِکَ وَ إِنَّا نَخَافُ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ أَنْ یَفْتَرِقَ النَّاسُ فَبَایَعْتُهُمْ فَلَمْ یَرُعْنِی إِلاَّ شِقَاقُ رَجُلَیْنِ قَدْ بَایَعَا (1) وَ خِلاَفُ مُعَاوِیَةَ إِیَّایَ الَّذِی لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ سَابِقَةً فِی الدِّینِ وَ لاَ سَلَفَ صِدْقٍ فِی اَلْإِسْلاَمِ طَلِیقِ ابْنِ طَلِیقٍ وَ حِزْبٍ مِنَ اَلْأَحْزَابِ لَمْ یَزَلْ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُسْلِمِینَ عَدُوّاً هُوَ وَ أَبُوهُ حَتَّی دَخَلاَ فِی اَلْإِسْلاَمِ کَارِهَیْنِ مُکْرَهَیْنِ فَیَا عَجَباً (2) لَکُمْ وَ لِإِجْلاَبِکُمْ مَعَهُ وَ انْقِیَادِکُمْ لَهُ وَ تَدَعُونَ آلَ بَیْتِ نَبِیِّکُمُ الَّذِینَ لاَ یَنْبَغِی لَکُمْ شِقَاقُهُمْ وَ لاَ خِلاَفُهُمْ وَ لاَ تَعْدِلُوا بِهِمْ أَحَداً مِنَ النَّاسِ إِنِّی أَدْعُوکُمْ إِلَی کِتَابِ رَبِّکُمْ وَ سُنَّةِ نَبِیِّکُمْ وَ إِمَاتَةِ الْبَاطِلِ وَ إِحْیَاءِ مَعَالِمِ الدِّینِ أَقُولُ قَوْلِی هَذَا وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَنَا وَ لِکُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ وَ مُسْلِمٍ وَ مُسْلِمَةٍ فَقَالَ لَهُ شُرَحْبِیلُ وَ مَعْنُ بْنُ یَزِیدَ أَ تَشْهَدُ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَالَ لَهُمَا إِنِّی لاَ أَقُولُ ذَلِکَ قَالاَ فَمَنْ لَمْ یَشْهَدْ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوماً فَنَحْنُ بُرَآءُ مِنْهُ ثُمَّ قَامَا فَانْصَرَفَا.

فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّکَ لاٰ تُسْمِعُ الْمَوْتیٰ وَ لاٰ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعٰاءَ إِذٰا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ وَ مٰا أَنْتَ بِهٰادِی الْعُمْیِ عَنْ ضَلاٰلَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاّٰ مَنْ یُؤْمِنُ بِآیٰاتِنٰا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (3) ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی أَصْحَابِهِ فَقَالَ لاَ یَکُنْ هَؤُلاَءِ فِی ضَلاَلَتِهِمْ بِأَوْلَی بِالْجِدِّ مِنْکُمْ فِی حَقِّکُمْ وَ طَاعَةِ إِمَامِکُمْ ثُمَّ مَکَثَ النَّاسُ مُتَوَادِعِینَ إِلَی انْسِلاَخِ اَلْمُحَرَّمِ فَلَمَّا انْسَلَخَ اَلْمُحَرَّمُ وَ اسْتَقْبَلَ النَّاسُ صَفَراً مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَ ثَلاَثِینَ بَعَثَ عَلِیٌّ ع نَفَراً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّی إِذَا کَانُوا

ص :24

مِنْ مُعَسْکَرِ مُعَاوِیَةَ بِحَیْثُ یُسْمِعُونَهُمُ الصَّوْتَ قَامَ مَرْثَدُ بْنُ الْحَارِثِ الْجُشَمِیُّ فَنَادَی عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ یَا أَهْلَ اَلشَّامِ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیّاً وَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ص یَقُولُونَ لَکُمْ إِنَّا لَمْ نَکُفَّ عَنْکُمْ شَکّاً فِی أَمْرِکُمْ وَ لاَ إِبْقَاءً عَلَیْکُمْ وَ إِنَّمَا کَفَفْنَا عَنْکُمْ لِخُرُوجِ اَلْمُحَرَّمِ وَ قَدْ انْسَلَخَ وَ إِنَّا قَدْ نَبَذْنَا إِلَیْکُمْ عَلیٰ سَوٰاءٍ إِنَّ اللّٰهَ لاٰ یُحِبُّ الْخٰائِنِینَ .

قَالَ فَتَحَاجَزَ النَّاسُ وَ ثَارُوا إِلَی أُمَرَائِهِمْ

.

683

1- قَالَ نَصْرٌ فَأَمَّا (1) رِوَایَةُ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی الزُّبَیْرِ أَنَّ نِدَاءَ مَرْثَدِ بْنِ الْحَارِثِ الْجُشَمِیِّ کَانَتْ صُورَتُهُ یَا أَهْلَ اَلشَّامِ أَلاَ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ یَقُولُ لَکُمْ إِنِّی قَدْ اسْتَدَمْتُکُمْ وَ اسْتَأْنَیْتُ بِکُمْ لِتُرَاجِعُوا الْحَقَّ وَ تَثُوبُوا إِلَیْهِ وَ احْتَجَجْتُ عَلَیْکُمْ بِکِتَابِ اللَّهِ وَ دَعَوْتُکُمْ إِلَیْهِ فَلَمْ تَتَنَاهَوْا عَنْ طُغْیَانٍ وَ لَمْ تُجِیبُوا إِلَی حَقٍّ وَ إِنِّی قَدْ نَبَذْتُ إِلَیْکُمْ عَلیٰ سَوٰاءٍ إِنَّ اللّٰهَ لاٰ یُحِبُّ الْخٰائِنِینَ .

قَالَ فَثَارَ النَّاسُ إِلَی أُمَرَائِهِمْ وَ رُؤَسَائِهِمْ .

684

1- قَالَ نَصْرٌ وَ خَرَجَ مُعَاوِیَةُ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ یُکَتِّبَانِ الْکَتَائِبَ وَ یُعَبِّیَانِ الْعَسَاکِرَ وَ أَوْقَدُوا النِّیرَانَ وَ جَاءُوا بِالشُّمُوعِ وَ بَاتَ عَلِیٌّ ع تِلْکَ اللَّیْلَةَ کُلَّهَا یُعَبِّئُ النَّاسَ وَ یُکَتِّبُ الْکَتَائِبَ وَ یَدُورُ فِی النَّاسِ وَ یُحَرِّضُهُمْ .

685

1- قَالَ نَصْرٌ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ أَبِیهِ أَنَّ (2) عَلِیّاً ع کَانَ یَأْمُرُنَا فِی کُلِّ مَوْطِنٍ لَقِینَا مَعَهُ عَدُوَّهُ فَیَقُولُ

ص :25

لاَ تُقَاتِلُوا الْقَوْمَ حَتَّی یَبْدَءُوکُمْ فَهِیَ حُجَّةٌ أُخْرَی لَکُمْ عَلَیْهِمْ فَإِذَا قَاتَلْتُمُوهُمْ فَهَزَمْتُمُوهُمْ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَ لاَ تُجْهِزُوا عَلَی جَرِیحٍ وَ لاَ تَکْشِفُوا عَوْرَةً وَ لاَ تُمَثِّلُوا بِقَتِیلٍ فَإِذَا وَصَلْتُمْ إِلَی رِحَالِ الْقَوْمِ فَلاَ تَهْتِکُوا سِتْراً وَ لاَ تَدْخُلُوا دَاراً إِلاَّ بِإِذْنٍ وَ لاَ تَأْخُذُوا شَیْئاً مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مَا وَجَدْتُمْ فِی عَسْکَرِهِمْ وَ لاَ تُهَیِّجُوا امْرَأَةً وَ إِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَکُمْ وَ تَنَاوَلْنَ أُمَرَاءَکُمْ وَ صُلَحَاءَکُمْ فَإِنَّهُنَّ ضِعَافُ الْقُوَی وَ الْأَنْفُسِ وَ الْعُقُولِ وَ لَقَدْ کُنَّا وَ إِنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْکَفِّ عَنْهُنَّ وَ هُنَّ مُشْرِکَاتٌ وَ إِنْ کَانَ الرَّجُلُ لَیَتَنَاوَلُ المَرْأَةَ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ بِالْهِرَاوَةِ أَوِ الْحَدِیدِ فَیُعَیَّرُ بِهَا عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ

.

686

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ یَزِیدَ یَعْنِی اِبْنَ أَبِی خَالِدٍ عَنْ أَبِی صَادِقٍ أَنَّ عَلِیّاً (1) ع حَرَّضَ النَّاسَ فِی حُرُوبِهِ فَقَالَ عِبَادَ اللَّهِ اتَّقُوا اللَّهَ وَ غُضُّوا أَبْصَارَکُمْ وَ اخْفِضُوا الْأَصْوَاتَ وَ أَقِلُّوا الْکَلاَمَ وَ وَطِّنُوا أَنْفُسَکُمْ عَلَی الْمُنَازَلَةِ وَ الْمُجَاوَلَةِ وَ الْمُبَارَزَةِ وَ الْمُعَانَقَةِ وَ فَاثْبُتُوا وَ اذْکُرُوا اللّٰهَ کَثِیراً لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ (2) وَ لاٰ تَنٰازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِیحُکُمْ وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللّٰهَ مَعَ الصّٰابِرِینَ (3) اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُمُ الصَّبْرَ وَ أَنْزِلْ عَلَیْهِمُ النَّصْرَ وَ أَعْظِمْ لَهُمُ الْأَجْرَ .

687

1- قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ (4) تَرْتِیبُ عَسْکَرِ عَلِیٍّ ع بِمُوجِبِ مَا رَوَاهُ لَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ وَ زَیْدِ بْنِ حَسَنٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَی الْخَیْلِ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ وَ عَلَی الرَّجَّالَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُدَیْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِیِّ وَ دَفَعَ اللِّوَاءَ

ص :26

إِلَی هَاشِمِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِی وَقَّاصٍ الزُّهْرِیِّ وَ جَعَلَ عَلَی الْمَیْمَنَةِ اَلْأَشْعَثَ بْنَ قَیْسٍ وَ عَلَی الْمَیْسَرَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ وَ جَعَلَ عَلَی رَجَّالَةِ الْمَیْمَنَةِ سُلَیْمَانَ بْنَ صُرَدٍ الْخُزَاعِیَّ وَ عَلَی رَجَّالَةِ الْمَیْسَرَةِ اَلْحَارِثَ بْنَ مُرَّةَ الْعَبْدِیَّ وَ جَعَلَ الْقَلْبَ مُضَرَ اَلْکُوفَةِ وَ اَلْبَصْرَةِ وَ جَعَلَ عَلَی مَیْمَنَةِ الْقَلْبِ اَلْیَمَنَ وَ عَلَی مَیْسَرَتِهِ رَبِیعَةَ وَ عَقَدَ أَلْوِیَةَ القَبَائِلِ فَأَعْطَاهَا قَوْماً مِنْهُمْ بِأَعْیَانِهِمْ وَ جَعَلَهُمْ رُؤَسَاءَهُمْ وَ أُمَرَاءَهُمْ وَ جَعَلَ عَلَی قُرَیْشٍ وَ أَسَدٍ وَ کِنَانَةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَ عَلَی کِنْدَةَ حُجْرَ بْنَ عَدِیٍّ الْکِنْدِیَّ وَ عَلَی بَکْرِ اَلْبَصْرَةِ اَلْحُصَیْنَ بْنَ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِیَّ وَ عَلَی تَمِیمِ اَلْبَصْرَةِ اَلْأَحْنَفَ بْنَ قَیْسٍ وَ عَلَی خُزَاعَةَ عَمْرَو بْنَ الْحَمِقِ وَ عَلَی بَکْرِ اَلْکُوفَةِ نُعَیْمَ بْنَ هُبَیْرَةَ وَ عَلَی سَعْدِ اَلْبَصْرَةِ وَ رِبَابِهَا جَارِیَةَ بْنَ قُدَامَةَ السَّعْدِیَّ وَ عَلَی بَجِیلَةَ رِفَاعَةَ بْنَ شَدَّادٍ وَ عَلَی ذُهْلِ اَلْکُوفَةِ رُوَیْماً الشَّیْبَانِیَّ أَوْ یَزِیدَ بْنَ رُوَیْمٍ وَ عَلَی عَمْرِو اَلْبَصْرَةِ وَ حَنْظَلَتِهَا أَعْیَنَ بْنَ ضُبَیْعَةَ وَ عَلَی قُضَاعَةَ وَ طَیْئِ عَدِیَّ بْنَ حَاتِمٍ الطَّائِیَّ وَ عَلَی لَهَازِمِ اَلْکُوفَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَجَلٍ الْعِجْلِیَّ وَ عَلَی تَمِیمِ اَلْکُوفَةِ عُمَیْرَ بْنَ عُطَارِدٍ وَ عَلَی اَلْأَزْدِ وَ اَلْیَمَنِ جُنْدَبَ بْنَ زُهَیْرٍ وَ عَلَی ذُهْلِ اَلْبَصْرَةِ خَالِدَ بْنَ الْمُعَمَّرِ السَّدُوسِیَّ وَ عَلَی عَمْرِو اَلْکُوفَةِ وَ حَنْظَلَتِهَا شَبَثَ بْنَ رِبْعِیٍّ وَ عَلَی هَمْدَانَ سَعِیدَ بْنَ قَیْسٍ وَ عَلَی لَهَازِمِ اَلْبَصْرَةِ حُرَیْثَ بْنَ جَابِرٍ الْجُعْفِیَّ (1) وَ عَلَی سَعْدِ اَلْکُوفَةِ وَ رِبَابِهَا اَلطُّفَیْلَ أَبَا صَرِیمَةَ وَ عَلَی مَذْحِجٍ اَلْأَشْتَرَ بْنَ الْحَارِثِ النَّخَعِیَّ وَ عَلَی عَبْدِ الْقَیْسِ اَلْکُوفَةِ صَعْصَعَةَ بْنَ صُوحَانَ وَ عَلَی عَبْدِ الْقَیْسِ اَلْبَصْرَةِ عَمْرَو بْنَ حَنْظَلَةَ وَ عَلَی قَیْسِ اَلْکُوفَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الطُّفَیْلِ الْبُکَائِیَّ [وَ عَلَی قُرَیْشِ اَلْبَصْرَةِ اَلْحَارِثَ بْنَ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِیَّ]

(2) وَ عَلَی قَیْسِ اَلْبَصْرَةِ قَبِیصَةَ بْنَ شَدَّادٍ الْهِلاَلِیَّ وَ عَلَی اللَّفِیفِ مِنَ الْقَوَاصِی اَلْقَاسِمَ بْنَ حَنْظَلَةَ الْجُهَنِیَّ .

وَ أَمَّا مُعَاوِیَةُ فَاسْتَعْمَلَ عَلَی الْخَیْلِ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ عَلَی الرَّجَّالَةِ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّیَّ وَ جَعَلَ عَلَی الْمَیْمَنَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ عَلَی الْمَیْسَرَةِ حَبِیبَ

ص :27

بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِیَّ وَ أَعْطَی اللِّوَاءَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ وَ جَعَلَ عَلَی أَهْلِ دِمَشْقَ وَ هُمُ الْقَلْبُ اَلضَّحَّاکَ بْنَ قَیْسٍ الْفِهْرِیَّ وَ عَلَی أَهْلِ حِمْصٍ وَ هُمُ الْمَیْمَنَةُ ذَا الْکَلاَعِ الْحِمْیَرِیَّ وَ عَلَی أَهْلِ قِنَّسْرِینَ وَ هُمْ فِی الْمَیْمَنَةِ أَیْضاً زُفَرَ بْنَ الْحَارِثِ الْکِلاَبِیَّ وَ عَلَی أَهْلِ اَلْأُرْدُنِّ وَ هُمْ الْمَیْسَرَةُ سُفْیَانَ بْنَ عَمْرٍو أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِیَّ وَ عَلَی أَهْلِ فِلَسْطِینَ وَ هُمْ فِی الْمَیْسَرَةِ أَیْضاً مَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ وَ عَلَی رَجَّالَةِ أَهْلِ دِمَشْقَ بُسْرَ بْنَ أَبِی أَرْطَاةِ الْعَامِرِیِّ بْنِ لُؤَیِّ بْنِ غَالِبٍ وَ عَلَی رَجَّالَةِ أَهْلِ حِمْصٍ حَوْشَباً ذَا ظُلَیْمٍ وَ عَلَی رَجَّالَةِ قَیْسٍ طَرِیفَ بْنَ حَابِسٍ الْأَلْهَانِیَّ وَ عَلَی رَجَّالَةِ اَلْأُرْدُنِّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ قَیْسٍ الْقَیْنِیَّ وَ عَلَی رَجَّالَةِ أَهْلِ فِلَسْطِینَ اَلْحَارِثَ بْنَ خَالِدٍ الْأَزْدِیَّ وَ عَلَی رَجَّالَةِ قَیْسٍ دِمَشْقَ هَمَّامَ بْنَ قَبِیصَةَ وَ عَلَی قُضَاعَةِ حِمْصٍ وَ إِیَادِهَا بِلاَلَ بْنَ أَبِی هُبَیْرَةَ الْأَزْدِیَّ وَ [حَاتِمَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ الْبَاهِلِیَّ]

(1) وَ عَلَی رَجَّالَةِ الْمَیْمَنَةِ حَابِسَ بْنَ سَعِیدٍ الطَّائِیَّ وَ عَلَی قُضَاعَةِ دِمَشْقَ حَسَّانَ بْنَ بَحْدَلٍ الْکَلْبِیَّ وَ عَلَی قُضَاعَةِ عَبَّادَ بْنَ یَزِیدَ الْکَلْبِیَّ وَ عَلَی کِنْدَةَ دِمَشْقَ حَسَّانَ بْنَ حُوَیٍّ السَّکْسَکِیَّ وَ عَلَی کِنْدَةَ حِمْصٍ یَزِیدَ بْنَ هُبَیْرَةَ السَّکُونِیَّ وَ عَلَی سَائِرِ اَلْیَمَنِ یَزِیدَ بْنَ أَسَدٍ الْبَجَلِیَّ وَ عَلَی حِمْیَرٍ وَ حَضْرَمَوْتَ اَلْیَمَانَ بْنَ غَفِیرٍ وَ عَلَی قُضَاعَةِ اَلْأُرْدُنِّ حُبَیْشَ بْنَ دُلْجَةَ الْقَیْنِیَّ وَ عَلَی کِنَانَةِ فِلَسْطِینَ شَرِیکاً الْکِنَانِیَّ وَ عَلَی مَذْحِجِ اَلْأُرْدُنِّ اَلْمُخَارِقَ بْنَ الْحَارِثِ الزُّبَیْدِیَّ وَ عَلَی جُذَامِ فِلَسْطِینَ وَ لَخْمِهَا نَاتِلَ بْنَ قَیْسٍ الْجُذَامِیَّ وَ عَلَی هَمْدَانِ اَلْأُرْدُنِّ حَمْزَةَ بْنَ مَالِکٍ الْهَمْدَانِیَّ وَ عَلَی اَلْخَثْعَمِ حَمَلَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِیَّ وَ عَلَی غَسَّانِ اَلْأُرْدُنِّ یَزِیدَ بْنَ الْحَارِثِ وَ عَلَی جَمِیعِ الْقَوَاصِی اَلْقَعْقَاعَ بْنَ أَبْرَهَةَ الْکَلاَعِیَّ أُصِیبَ فِی الْمُبَارَزَةِ أَوَّلَ یَوْمَ تَرَاءَتْ فِیهِ الْفِئَتَانِ .

688

1- قَالَ نَصْرٌ فَأَمَّا رِوَایَةُ اَلشَّعْبِیِّ الَّتِی رَوَاهَا عَنْهُ إِسْمَاعِیلُ بْنُ أَبِی عَمِیرَةَ (2) فَإِنَّ عَلِیّاً

ص :28

ع

بَعَثَ عَلَی مَیْمَنَتِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُدَیْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِیَّ وَ عَلَی مَیْسَرَتِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ وَ عَلَی خَیْلِ اَلْکُوفَةِ اَلْأَشْتَرَ وَ عَلَی اَلْبَصْرَةِ سَهْلَ بْنَ حُنَیْفٍ وَ عَلَی رَجَّالَةِ اَلْکُوفَةِ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ وَ عَلَی رَجَّالَةِ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ قَیْسَ بْنَ سَعْدٍ کَانَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ مِصْرٍ إِلَی صِفِّینَ وَ جَعَلَ مَعَهُ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ وَ جَعَلَ مَسْعُودَ بْنَ فَدَکِیٍّ التَّمِیمِیَّ عَلَی قُرَّاءِ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ وَ أَمَّا قُرَّاءُ أَهْلِ اَلْکُوفَةِ فَصَارُوا إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَیْلٍ وَ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ .

689

قَالَ نَصْرٌ وَ أَمَّا (1) تَرْتِیبُ عَسْکَرِ اَلشَّامِ فِیمَا رَوَاهُ لَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ یَزِیدَ بْنِ جَابِرٍ عَنِ اَلْقَاسِمِ مَوْلَی یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ فَإِنَّ مُعَاوِیَةَ بَعَثَ عَلَی مَیْمَنَتِهِ ذَا الْکَلاَعِ وَ عَلَی مَیْسَرَتِهِ حَبِیبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِیَّ وَ عَلَی مُقَدِّمَتِهِ مِنْ یَوْمَ أَقْبَلَ مِنْ دِمَشْقَ أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِیَّ وَ کَانَ عَلَی خَیْلِ دِمَشْقَ کُلِّهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ مَعَهُ خُیُولُ أَهْلِ اَلشَّامِ بِأَسْرِهَا وَ جَعَلَ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّیَّ عَلَی رَجَّالَةِ دِمَشْقَ وَ اَلضَّحَّاکَ بْنَ قَیْسٍ عَلَی سَائِرِ الرَّجَّالَةِ بَعْدُ.

قَالَ نَصْرٌ (2) وَ تَبَایَعَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ عَلَی الْمَوْتِ وَ تَحَالَفُوا عَلَیْهِ وَ عَقَّلُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْعَمَائِمِ وَ کَانُوا صُفُوفاً خَمْسَةً [مُعَقَّلِینَ]

(3) کَانُوا یَخْرُجُونَ فَیَصْطَفُّونَ أَحَدَ عَشَرَ صَفّاً وَ یَخْرُجُ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ فَیَصْطَفُّونَ أَحَدَ عَشَرَ صَفّاً أَیْضاً.

قَالَ نَصْرٌ فَخَرَجُوا أَوَّلَ یَوْمٍ مِنْ صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَ ثَلاَثِینَ وَ هُوَ یَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ فَاقْتَتَلُوا وَ عَلَی مَنْ خَرَجَ یَوْمَئِذٍ مِنْ أَهْلِ اَلْکُوفَةِ اَلْأَشْتَرُ وَ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ حَبِیبُ بْنُ مَسْلَمَةَ

ص :29

فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً جُلَّ النَّهَارِ ثُمَّ تَرَاجَعُوا وَ قَدِ انْتَصَفَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ثُمَّ خَرَجَ فِی الْیَوْمِ الثَّانِی هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ فِی خَیْلٍ وَ رِجَالٍ حَسُنَ عَدَدُهَا وَ عُدَّتُهَا فَخَرَجَ إِلَیْهِ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِیُّ فَاقْتَتَلُوا یَوْمَهُمْ ذَلِکَ تَحْمِلُ الْخَیْلَ عَلَی الْخَیْلِ وَ الرِّجَالَ عَلَی الرِّجَالِ.

ثُمَّ انْصَرَفُوا وَ قَدْ صَبَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَ خَرَجَ فِی الْیَوْمِ الثَّالِثِ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ وَ خَرَجَ إِلَیْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَاقْتَتَلَ النَّاسُ کَأَشَدِّ قِتَالٍ کَانَ وَ جَعَلَ عَمَّارٌ یَقُولُ یَا أَهْلَ اَلشَّامِ أَ تُرِیدُونَ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَی مَنْ عَادَی اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ جَاهَدَهُمَا وَ بَغَی عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ وَ ظَاهَرَ اَلْمُشْرِکِینَ فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یُظْهِرَ دِینَهُ وَ یَنْصُرَ رَسُولَهُ أَتَی إِلَی اَلنَّبِیِّ ص فَأَسْلَمَ وَ هُوَ وَ اللَّهِ فِیمَا یُرَی رَاهِبٌ غَیْرُ رَاغِبٍ ثُمَّ قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ وَ إِنَّا وَ اللَّهِ لَنَعْرِفُهُ بِعَدَاوَةِ اَلْمُسْلِمِ وَ مَوَدَّةِ الْمُجْرِمِ أَلاَ وَ إِنَّهُ مُعَاوِیَةُ فَقَاتِلُوهُ وَ الْعَنُوهُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ یُطْفِئُ نُورَ اللَّهِ وَ یُظَاهِرُ أَعْدَاءَ اللَّهِ.

قَالَ وَ کَانَ مَعَ عَمَّارٍ زِیَادُ بْنُ النَّضْرِ عَلَی الْخَیْلِ فَأَمَرَهُ أَنْ یَحْمِلَ فِی الْخَیْلِ فَحَمَلَ فَصَبَرُوا (1) لَهُ وَ شَدَّ عَمَّارٌ فِی الرَّجَّالَةِ فَأَزَالَ عَمْرَو بْنُ الْعَاصِ عَنْ مَوْقِفِهِ وَ بَارَزَ یَوْمَئِذٍ زِیَادُ بْنُ النَّضْرِ أَخاً لَهُ (2) مِنْ بَنِی عَامِرٍ یُعْرَفُ بِمُعَاوِیَةَ بْنِ عَمْرٍو الْعُقَیْلِیِّ وَ أُمُّهُمَا هِنْدٌ الزُّبَیْدِیَّةُ فَانْصَرَفَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بَعْدَ الْمُبَارَزَةِ سَالِماً وَ رَجَعَ النَّاسُ یَوْمَهُمْ ذَلِکَ.

690

1,14- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنِی (3) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی یُونُسُ بْنُ الْأَرْقَمِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ مِنْ شُیُوخِ بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ کُنَّا مَعَ عَلِیٍّ ع بِصِفِّینَ فَرَفَعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ شُقَّةَ خَمِیصَةٍ سَوْدَاءَ فِی رَأْسِ رُمْحٍ فَقَالَ نَاسٌ هَذَا لِوَاءٌ عَقَدَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص فَلَمْ یَزَالُوا یَتَحَدَّثُونَ حَتَّی وَصَلَ ذَلِکَ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ

ص :30

أَ تَدْرُونَ مَا أَمْرُ هَذَا اللِّوَاءِ إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ عَمْراً أَخْرَجَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص هَذِهِ الشُّقَّةَ فَقَالَ مَنْ یَأْخُذُهَا بِمَا فِیهَا فَقَالَ عَمْرٌو وَ مَا فِیهَا یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فِیهَا أَلاَّ تُقَاتِلَ بِهَا مُسْلِماً وَ لاَ تُقَرِّبَهَا مِنْ کَافِرٍ فَأَخَذَهَا فَقَدْ وَ اللَّهِ قَرَّبَهَا مِنَ اَلْمُشْرِکِینَ وَ قَاتَلَ بِهَا الْیَوْمَ اَلْمُسْلِمِینَ وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا وَ لَکِنَّهُمُ اسْتَسْلَمُوا وَ أَسَرُّوا الْکُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا عَلَیْهِ أَعْوَاناً أَظْهَرُوهُ

.

691

1- وَ رَوَی نَصْرٌ عَنْ أَبِی عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِیِّ عَنْ یُونُسَ بْنِ الْأَرْقَمِ عَنْ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ الْبَجَلِیِّ عَنْ أَبِیهِ قَالَ (1) لَمَّا نَظَرَ عَلِیٌّ ع إِلَی رَایَاتِ مُعَاوِیَةَ وَ أَهْلِ اَلشَّامِ قَالَ وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا وَ لَکِنِ اسْتَسْلَمُوا وَ أَسَرُّوا الْکُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا عَلَیْهِ أَعْوَاناً رَجَعُوا إِلَی عَدَاوَتِهِمْ لَنَا إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ یَتْرُکُوا الصَّلاَةَ .

692

14- وَ رَوَی نَصْرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِیزِ بْنِ سِیَاهٍ عَنْ حَبِیبِ بْنِ أَبِی ثَابِتٍ قَالَ لَمَّا کَانَ قِتَالُ صِفِّینَ قَالَ رَجُلٌ لِعَمَّارٍ یَا أَبَا الْیَقْظَانِ أَ لَمْ یَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ ص قَاتِلُوا النَّاسَ حَتَّی یُسْلِمُوا فَإِذَا أَسْلَمُوا عَصَمُوا مِنِّی دِمَاءَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ قَالَ بَلَی وَ لَکِنْ وَ اللَّهِ مَا أَسْلَمُوا وَ لَکِنِ اسْتَسْلَمُوا وَ أَسَرُّوا الْکُفْرَ حَتَّی وَجَدُوا عَلَیْهِ أَعْوَاناً .

693

14- وَ رَوَی نَصْرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِیزِ عَنْ حَبِیبِ بْنِ أَبِی ثَابِتٍ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِیِّ قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ لَمَّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ أَعْلَی الْوَادِی وَ مِنْ أَسْفَلِهِ

ص :31

وَ مَلَأَ الْأَوْدِیَةَ کَتَائِبُ یَعْنِی یَوْمَ فَتْحِ مَکَّةَ اسْتَسْلَمُوا حَتَّی وَجَدُوا أَعْوَاناً .

694

14- وَ رَوَی نَصْرٌ عَنِ اَلْحَکَمِ بْنِ ظُهَیْرٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ عَنِ اَلْحَسَنِ قَالَ وَ حَدَّثَنَا اَلْحَکَمُ أَیْضاً عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِی النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَیْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا رَأَیْتُمْ مُعَاوِیَةَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ یَخْطُبُ عَلَی مِنْبَرِی فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ فَقَالَ اَلْحَسَنُ فَوَ اللَّهِ مَا فَعَلُوا وَ لاَ أَفْلَحُوا (1) .

ص :32

و هذه ألفاظ مجازیة من باب الاستعارة و هی.

قوله استقر الإسلام ملقیا جرانه أی ثابتا متمکنا کالبعیر یلقی جرانه علی الأرض.

و قوله متبوئا أوطانه جعله کالجسم المستقر فی وطنه و مکانه .

و قوله ما قام للدین عمود جعله کالبیت القائم علی العمد .

و قوله و لا اخضر للإیمان عود جعله کالشجرة ذات الفروع و الأغصان .

فأما قتلهم الأقارب فی ذات اللّه فکثیر قتل علی ع الجم الغفیر من بنی عبد مناف و بنی عبد الدار فی یوم بدر و أحد و هم عشیرته و بنو عمه و قتل عمر بن الخطّاب یوم بدر خاله العاص بن هشام بن المغیرة و قتل حمزة بن عبد المطلب شیبة بن ربیعة یوم بدر و هو ابن عمه لأنهما ابنا عبد مناف و مثل ذلک کثیر مذکور فی کتب السیرة .

و أمّا کون الرجل منهم و قرنه یتصاولان و یتخالسان فإن الحال کذلک کانت بارز علی ع الولید بن عتبة و بارز طلحة بن أبی طلحة و بارز عمرو بن عبد ود و قتل هؤلاء الأقران مبارزة و بارز کثیرا من الأبطال غیرهم و قتلهم و بارز جماعة من شجعان الصحابة جماعة من المشرکین فمنهم من قتل و منهم من قتل و کتب المغازی تتضمن تفصیل ذلک

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ یُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ الزَّعْفَرَانِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ اِبْنِ أَبِی سَیْفٍ عَنْ یَزِیدَ بْنِ حَارِثَةَ الْأَزْدِیِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ مُعَاوِیَةَ لَمَّا أَصَابَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ بِمِصْرَ وَ ظَهَرَ عَلَیْهَا دَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْحَضْرَمِیَّ فَقَالَ لَهُ سِرْ إِلَی اَلْبَصْرَةِ فَإِنْ جُلَّ أَهْلِهَا یَرَوْنَ رَأَیْنَا فِی عُثْمَانَ وَ یُعَظِّمُونَ قَتْلَهُ وَ قَدْ قُتِلُوا فِی الطَّلَبِ بِدَمِهِ فَهُمْ مَوْتُورُونَ حَنِقُونَ لِمَا أَصَابَهُمْ وَدُّوا لَوْ یَجِدُونَ مَنْ یَدْعُوهُمْ وَ یَجْمَعُهُمْ وَ یَنْهَضُ بِهِمْ فِی الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ احْذَرْ رَبِیعَةَ وَ انْزِلْ فِی مُضَرَ وَ تَوَدَّدِ اَلْأَزْدَ فَإِنَّ اَلْأَزْدَ کُلَّهَا مَعَکَ إِلاَّ قَلِیلاً مِنْهُمْ وَ إِنَّهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَیْرُ مُخَالِفِیکَ.

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَضْرَمِیِّ لَهُ أَنَا سَهْمٌ فِی کِنَانَتِکَ وَ أَنَا مَنْ قَدْ جَرَّبْتَ وَ عَدُوُّ أَهْلِ حَرْبِکَ وَ ظَهِیرُکَ عَلَی قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَوَجِّهْنِی إِلَیْهِمْ مَتَی شِئْتَ فَقَالَ اخْرُجْ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَوَدَّعَهُ وَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ.

فَلَمَّا کَانَ اللَّیْلُ جَلَسَ مُعَاوِیَةُ وَ أَصْحَابُهُ یَتَحَدَّثُونَ فَقَالَ لَهُمْ مُعَاوِیَةُ فِی أَیِّ مَنْزِلٍ یَنْزِلُ الْقَمَرُ اللَّیْلَةَ فَقَالُوا بِسَعْدٍ الذَّابِحِ فَکَرِهَ مُعَاوِیَةُ ذَلِکَ وَ أَرْسَلَ إِلَیْهِ أَلاَّ تَبْرَحْ حَتَّی یَأْتِیَکَ أَمْرِی فَأَقَامَ.

وَ رَأَی مُعَاوِیَةُ أَنْ یَکْتُبَ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ بِمِصْرَ عَامِلُهُ عَلَیْهَا یَسْتَطْلِعُ رَأْیَهُ فِی ذَلِکَ فَکَتَبَ إِلَیْهِ وَ قَدْ کَانَ تَسَمَّی بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ بَعْدَ یَوْمِ صِفِّینَ وَ بَعْدَ تَحْکِیمِ الْحَکَمَیْنِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ مُعَاوِیَةَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سَلاَمٌ عَلَیْکَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی قَدْ رَأَیْتُ رَأْیاً هَمَمْتُ بِإِمْضَائِهِ وَ لَمْ یَخْذُلْنِی عَنْهُ

ص :35

إِلاَّ اسْتِطْلاَعُ رَأْیِکَ فَإِنْ تُوَافِقْنِی أَحْمَدُ اللَّهَ وَ أُمْضِهِ وَ إِنْ تُخَالِفْنِی فَإِنِّی أَسْتَخِیرُ اللَّهَ وَ أَسْتَهْدِیهِ إِنِّی نَظَرْتُ فِی أَمْرِ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَوَجَدْتُ مُعْظَمَ أَهْلِهَا لَنَا وَلِیّاً وَ لِعَلِیٍّ وَ شِیعَتِهِ عَدُوّاً وَ قَدْ أَوْقَعَ بِهِمْ عَلِیٌّ الْوَقْعَةَ الَّتِی عَلِمْتَ فَأَحْقَادُ تِلْکَ الدِّمَاءِ ثَابِتَةٌ فِی صُدُورِهِمْ لاَ تُبْرَحُ وَ لاَ تَرِیمُ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ قَتَلْنَا اِبْنَ أَبِی بَکْرٍ وَ وَقْعَتَنَا بِأَهْلِ مِصْرَ قَدْ أَطْفَأَتْ نِیرَانَ أَصْحَابِ عَلِیٍّ فِی الْآفَاقِ وَ رُفِعَتِ رُءُوسُ أَشْیَاعِنَا أَیْنَمَا کَانُوا مِنَ الْبِلاَدِ وَ قَدْ بَلَغَ مَنْ کَانَ بِالْبَصْرَةِ عَلَی مِثْلِ رَأْیِنَا مِنْ ذَلِکَ مَا بَلَغَ النَّاسَ وَ لَیْسَ أَحَدٌ مِمَّنْ یَرَی رَأَیْنَا أَکْثَرُ عَدَداً وَ لاَ أَضَرَّ خِلاَفاً عَلَی عَلِیٍّ مِنْ أُولَئِکَ فَقَدْ رَأَیْتُ أَنْ أَبْعَثَ إِلَیْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْحَضْرَمِیَّ فَیَنْزِلُ فِی مُضَرَ وَ یَتَوَدَّدُ اَلْأَزْدَ وَ یَحْذَرُ رَبِیعَةَ وَ یَبْتَغِی دَمَ اِبْنِ عَفَّانَ وَ یُذَکِّرُهُمْ وَقْعَةَ عَلِیٍّ بِهِمْ الَّتِی أَهْلَکَتْ صَالِحِی إِخْوَانِهِمْ وَ آبَائِهِمْ وَ أَبْنَائِهِمْ فَقَدْ رَجَوْتُ عِنْدَ ذَلِکَ أَنْ یُفْسِدَ عَلَی عَلِیٍّ وَ شِیعَتِهِ ذَلِکَ الْفَرْجَ مِنَ الْأَرْضِ وَ مَتَی یُؤْتَوْا مِنْ خَلْفِهِمْ وَ أَمَامِهِمْ یَضِلُّ سَعْیُهُمْ وَ یُبْطَلُ کَیْدُهُمْ فَهَذَا رَأْیِی فَمَا رَأْیُکَ فَلاَ تَحْبِسُ رَسُولِی إِلاَّ قَدْرَ مُضِیِّ السَّاعَةِ الَّتِی یَنْتَظِرُ فِیهَا جَوَابَ کِتَابِی هَذَا أَرْشَدَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکَ وَ السَّلاَمُ عَلَیْکَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.

فَکَتَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَی مُعَاوِیَةَ .

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِی رَسُولُکَ وَ کِتَابُکَ فَقَرَأْتُهُ وَ فَهِمْتُ رَأْیَکَ الَّذِی رَأَیْتَهُ فَعَجِبْتُ لَهُ وَ قُلْتُ إِنَّ الَّذِی أَلْقَاهُ فِی رَوْعِکَ وَ جَعَلَهُ فِی نَفْسِکَ هُوَ الثَّائِرُ بِابْنِ عَفَّانَ وَ الطَّالِبُ بِدَمِهِ وَ إِنَّهُ لَمْ یَکُ مِنْکَ وَ لاَ مِنَّا مُنْذُ نَهَضْنَا فِی هَذِهِ الْحُرُوبِ وَ بَادَیْنَا أَهْلَهَا (1) وَ لاَ رَأَی النَّاسُ رَأْیاً أَضَرَّ عَلَی عَدُوِّکَ وَ لاَ أَسَرَّ لِوَلِیِّکَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِی أَلْهَمْتَهُ فَأَمْضِ رَأْیَکَ مُسَدَّداً فَقَدْ وَجَّهْتَ الصَّلِیبَ الْأَرِیبَ النَّاصِحَ غَیْرَ الظَّنِینِ وَ السَّلاَمُ.

ص :36

فَلَمَّا جَاءَهُ کِتَابُ عَمْرٍو دَعَا اِبْنَ الْحَضْرَمِیِّ وَ قَدْ کَانَ ظَنَّ حِینَ تَرَکَهُ مُعَاوِیَةُ أَیَّاماً لاَ یَأْمُرُهُ بِالشُّخُوصِ أَنَّ مُعَاوِیَةَ قَدْ رَجَعَ عَنْ إِشْخَاصِهِ إِلَی ذَلِکَ الْوَجْهِ فَقَالَ یَا اِبْنَ الْحَضْرَمِیِّ سِرْ عَلَی بَرَکَةِ اللَّهِ إِلَی أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَانْزِلْ فِی مُضَرَ وَ احْذَرْ رَبِیعَةَ وَ تَوَدَّدِ اَلْأَزْدَ وَ انْعَ اِبْنَ عَفَّانَ وَ ذَکِّرْهُمُ الْوَقْعَةَ الَّتِی أَهْلَکَتْهُمْ وَ مَنِّ لِمَنْ سَمِعَ وَ أَطَاعَ دُنْیَا لاَ تَفْنَی وَ أَثَرَةً (1) لاَ یَفْقِدُهَا حَتَّی یَفْقِدُنَا أَوْ نَفْقِدُهُ.

فَوَدَّعَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ قَدْ دَفَعَ إِلَیْهِ کِتَاباً وَ أَمَرَهُ إِذَا قَدِمَ أَنْ یَقْرَأَهُ عَلَی النَّاسِ.

قَالَ عَمْرُو بْنُ مِحْصَنٍ فَکُنْتُ مَعَهُ حِینَ خَرَجَ فَلَمَّا خَرَجْنَا سِرْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَسِیرَ فَسَنَحَ لَنَا ظَبْیٌ أَعْضَبُ (2) عَنْ شَمَائِلِنَا فَنَظَرْتُ إِلَیْهِ فَوَ اللَّهِ لَرَأَیْتُ الْکَرَاهِیَةَ فِی وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَیْنَا حَتَّی نَزَلْنَا اَلْبَصْرَةَ فِی بَنِی تَمِیمٍ فَسَمِعَ بِقُدُومِنَا أَهْلُ اَلْبَصْرَةِ فَجَاءَنَا کُلُّ مَنْ یَرَی رَأْیَ عُثْمَانَ فَاجْتَمَعَ إِلَیْنَا رُءُوسُ أَهْلِهَا فَحَمِدَ اللَّهَ اِبْنُ الْحَضْرَمِیِّ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ أَیُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ إِمَامَکُمْ إِمَامُ الْهُدَی عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَتَلَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ظُلْماً فَطَلَبْتُمْ بِدَمِهِ وَ قَاتَلْتُمْ مَنْ قَتَلَهُ فَجَزَاکُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ خَیْراً وَ قَدْ أُصِیبَ مِنْکُمْ الْمَلَأُ الْأَخْیَارُ وَ قَدْ جَاءَکُمْ اللَّهُ بِإِخْوَانٍ لَکُمْ لَهُمْ بَأْسٌ یُتَّقَی وَ عَدَدٌ لاَ یُحْصَی فَلَقُوا عَدُوَّکُمْ الَّذِینَ قَتَلُوکُمْ فَبَلَغُوا الْغَایَةَ الَّتِی أَرَادُوا صَابِرِینَ وَ رَجَعُوا وَ قَدْ نَالُوا مَا طَلَبُوا فَمَالِئُوهُمْ وَ سَاعِدُوهُمْ وَ تَذَکَّرُوا ثَأْرَکُمْ لِتَشْفُوا صُدُورَکُمْ مِنْ عَدُوِّکُمْ.

فَقَامَ إِلَیْهِ اَلضَّحَّاکُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهِلاَلِیُّ فَقَالَ قَبَّحَ اللَّهُ مَا جِئْتَنَا بِهِ وَ مَا دَعَوْتَنَا إِلَیْهِ جِئْتَنَا وَ اللَّهِ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ صَاحِبَاکَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ أَتَیَانَا وَ قَدْ بَایَعْنَا عَلِیّاً وَ اجْتَمَعْنَا لَهُ فَکَلَّمَتْنَا وَاحِدَةٌ وَ نَحْنُ عَلَی سَبِیلٍ مُسْتَقِیمٍ فَدَعَوَانَا إِلَی الْفُرْقَةِ وَ قَامَا فِینَا بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ حَتَّی ضَرَبْنَا بَعْضُنَا بِبَعْضٍ عُدْوَاناً وَ ظُلْماً فَاقْتَتَلْنَا عَلَی ذَلِکَ وَ أَیْمُ اللَّهِ مَا سَلِمْنَا مِنْ عَظِیمِ وَبَالٍ

ص :37

ذَلِکَ وَ نَحْنُ الْآنَ مُجْمِعُونَ عَلَی بَیْعَةِ هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ الَّذِی أَقَالَ الْعَثْرَةَ وَ عَفَا عَنِ الْمُسِیءِ وَ أَخَذَ بَیْعَةَ غَائِبِنَا وَ شَاهِدِنَا أَ فَتَأْمُرُنَا الْآنَ أَنْ نَخْتَلِعَ أَسْیَافَنَا مِنْ أَغْمَادِهَا ثُمَّ یَضْرِبَ بَعْضُنَا بَعْضاً لِیَکُونَ مُعَاوِیَةُ أَمِیراً وَ تَکُونُ لَهُ وَزِیراً وَ نَعْدِلَ بِهَذَا الْأَمْرِ عَنْ عَلِیٍّ وَ اللَّهِ لَیَوْمٌ مِنْ أَیَّامِ عَلِیٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص خَیْرٌ مِنْ بَلاَءِ مُعَاوِیَةَ وَ آلِ مُعَاوِیَةَ لَوْ بَقُوا فِی الدُّنْیَا مَا الدُّنْیَا بَاقِیَةٌ.

فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ السُّلَمِیُّ فَقَالَ لِلضَّحَّاکِ اسْکُتْ فَلَسْتَ بِأَهْلٍ أَنْ تَتَکَلَّمَ فِی أَمْرِ الْعَامَّةِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ فَقَالَ نَحْنُ یَدُکَ وَ أَنْصَارُکَ وَ الْقَوْلُ مَا قُلْتَ وَ قَدْ فَهِمْنَا عَنْکَ فَادْعُنَا أَنَّی شِئْتَ فَقَالَ اَلضَّحَّاکُ لاِبْنِ خَازِمٍ یَا ابْنَ السَّوْدَاءِ وَ اللَّهِ لاَ یَعِزُّ مَنْ نَصَرْتَ وَ لاَ یَذِلُّ بِخِذْلاَنِکَ مَنْ خَذَلْتَ فَتَشَاتَمَا.

قَالَ صَاحِبُ کِتَابِ اَلْغَارَاتِ وَ اَلضَّحَّاکُ هَذَا هُوَ الَّذِی یَقُولُ یَا أَیُّهَذَا السَّائِلِی عَنْ نَسَبِی بَیْنَ ثَقِیفٍ وَ هِلاَلٍ مَنْصَبِی أُمِّی أَسْمَاءُ وَ ضَحَّاکٌ أَبِی.

قَالَ وَ هُوَ الْقَائِلُ فِی بَنِی اَلْعَبَّاسِ مَا وَلَدَتْ مِنْ نَاقَةِ لِفَحْلِ

قَالَ فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَیْرٍ بْنُ عُثْمَانَ الْقُرَشِیُّ ثُمَّ التَّیْمِیُّ فَقَالَ عِبَادَ اللَّهِ إِنَّا لَمْ نَدْعُکُمْ إِلَی الاِخْتِلاَفِ وَ الْفُرْقَةِ وَ لاَ نُرِیدُ أَنْ تَقْتَتِلُوا وَ لاَ تَتَنَابَزُوا وَ لَکِنَّا إِنَّمَا نَدْعُوکُمْ إِلَی أَنْ تَجْمَعُوا کَلِمَتَکُمْ وَ تَوَازَرُوا إِخْوَانَکُمُ الَّذِینَ هُمْ عَلَی رَأْیِکُمْ وَ أَنْ تَلُمُّوا شَعَثَکُمْ

ص :38

وَ تُصْلِحُوا ذَاتَ بَیْنِکُمْ فَمَهْلاً مَهْلاً رَحِمَکُمُ اللَّهُ اسْتَمِعُوا لِهَذَا الْکِتَابِ وَ أَطِیعُوا الَّذِی یَقْرَأُ عَلَیْکُمْ.

فَفَضُّوا کِتَابَ مُعَاوِیَةَ وَ إِذَا فِیهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ مُعَاوِیَةَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی مَنْ قُرِئَ کِتَابُ هَذَا عَلَیْهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ اَلْمُسْلِمِینَ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ .سَلاَمٌ عَلَیْکُمْ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ سَفْکَ الدِّمَاءِ بِغَیْرِ حِلِّهَا وَ قَتْلَ النُّفُوسِ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا هَلاَکٌ مُوبِقٌ وَ خُسْرَانٌ مُبِینٌ لاَ یَقْبَلُ اللَّهُ مِمَّنْ سَفَکَهَا صَرْفاً وَ لاَ عَدْلاً وَ قَدْ رَأَیْتُمْ رَحِمَکُمُ اللَّهُ آثَارَ اِبْنِ عَفَّانَ وَ سِیرَتَهُ وَ حُبَّهُ لِلْعَافِیَةِ وَ مَعْدِلَتَهُ وَ سَدَّهُ لِلثُّغُورِ وَ إِعْطَاءَهُ فِی الْحُقُوقِ وَ إِنْصَافَهُ لِلْمَظْلُومِ وَ حُبَّهُ الضَّعِیفَ حَتَّی تَوَثَّبَ عَلَیْهِ الْمُتَوَثِّبُونَ وَ تَظَاهَرَ عَلَیْهِ الظَّالِمُونَ فَقَتَلُوهُ مُسْلِماً مُحْرِماً ظَمْآنَ صَائِماً لَمْ یَسْفِکْ فِیهِمْ دَماً وَ لَمْ یَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَداً وَ لاَ یَطْلُبُونَهُ بِضَرْبَةِ سَیْفٍ وَ لاَ سَوْطٍ وَ إِنَّمَا نَدْعُوکُمْ أَیُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ إِلَی الطَّلَبِ بِدَمِهِ وَ إِلَی قِتَالِ مَنْ قَتَلَهُ فَإِنَّا وَ إِیَّاکُمْ عَلَی أَمْرٍ هُدًی وَاضِحٍ وَ سَبِیلٍ مُسْتَقِیمٍ إِنَّکُمْ إِنْ جَامَعْتُمُونَا طَفِئَتِ النَّائِرَةُ وَ اجْتَمَعَتِ الْکَلِمَةُ وَ اسْتَقَامَ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ أَقَرَّ الظَّالِمُونَ الْمُتَوَثِّبُونَ الَّذِینَ قَتَلُوا إِمَامَهُمْ بِغَیْرِ حَقٍّ فَأُخِذُوا بِجَرَائِرِهِمْ وَ مَا قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ إِنَّ لَکُمْ أَنْ أَعْمَلَ فِیکُمْ بِالْکِتَابِ وَ أَنْ أُعْطِیَکُمْ فِی السَّنَةِ عَطَاءَیْنِ وَ لاَ أَحْتَمِلَ فَضْلاً مِنَ فَیْئِکُمْ عَنْکُمْ أَبَداً.

فَسَارِعُوا إِلَی مَا تُدْعَوْنَ إِلَیْهِ رَحِمَکُمُ اللَّهُ وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَیْکُمْ رَجُلاً مِنَ الصَّالِحِینَ کَانَ مِنْ أُمَنَاءِ خَلِیفَتِکُمُ الْمَظْلُومِ اِبْنِ عَفَّانَ وَ عُمَّالِهِ وَ أَعْوَانِهِ عَلَی الْهُدَی وَ الْحَقِّ جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ مِمَّنْ یُجِیبُ إِلَی الْحَقِّ وَ یَعْرِفُهُ وَ یُنْکِرُ الْبَاطِلَ وَ یَجْحَدُهُ وَ السَّلاَمُ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ.

قَالَ فَلَمَّا قُرِئَ عَلَیْهِمُ الْکِتَابُ قَالَ مُعْظَمُهُمْ سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا

.

696

قَالَ وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِی زُهَیْرٍ عَنْ أَبِی مِنْقَرٍ الشَّیْبَانِیِّ قَالَ قَالَ اَلْأَحْنَفُ لَمَّا قُرِئَ عَلَیْهِمْ کِتَابُ مُعَاوِیَةَ أَمَّا أَنَا فَلاَ نَاقَةَ لِی فِی هَذَا وَ لاَ جَمَلَ وَ اعْتَزَلَ أَمْرَهُمْ ذَلِکَ.

ص :39

وَ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَرْجُومٍ مِنْ عَبْدِ الْقَیْسِ أَیُّهَا النَّاسُ الْزَمُوا طَاعَتَکُمْ وَ لاَ تَنْکُثُوا بَیْعَتَکُمْ فَتَقَعَ بِکُمْ وَاقِعَةٌ وَ تُصِیبَکُمْ قَارِعَةٌ وَ لاَ یَکُنْ بَعْدَهَا لَکُمْ بَقِیَّةٌ أَلاَ إِنِّی قَدْ نَصَحْتُ لَکُمْ وَ لٰکِنْ لاٰ تُحِبُّونَ النّٰاصِحِینَ .

697

قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ هِلاَلٍ وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اِبْنِ أَبِی سَیْفٍ عَنِ اَلْأَسْوَدِ بْنِ قَیْسٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبَّادِ أَنَّ الَّذِی کَانَ سَدَّدَ لِمُعَاوِیَةَ رَأْیَهُ فِی تَسْرِیحِ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ کِتَابٌ کَتَبَهُ إِلَیْهِ عَبَّاسُ بْنُ ضَحَّاکٍ الْعَبْدِیُّ وَ هُوَ مِمَّنْ کَانَ یَرَی رَأْیَ عُثْمَانَ وَ یُخَالِفُ قَوْمَهُ فِی حُبِّهِمْ عَلِیّاً ع وَ نُصْرَتِهِمْ إِیَّاهُ وَ کَانَ الْکِتَابُ.

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنَا وَقْعَتُکَ بِأَهْلِ مِصْرَ الَّذِینَ بَغَوْا عَلَی إِمَامِهِمْ وَ قَتَلُوا خَلِیفَتَهُمْ طَمَعاً وَ بَغْیاً فَقَرَّتْ بِذَلِکَ الْعُیُونُ وَ شُفِیَتْ بِذَلِکَ النُّفُوسُ وَ بُرِّدَتْ أَفْئِدَةُ أَقْوَامٍ کَانُوا لِقَتْلِ عُثْمَانَ کَارِهِینَ وَ لِعَدُوِّهِ مُفَارِقِینَ وَ لَکُمْ مُوَالِینَ وَ بِکَ رَاضِینَ فَإِنْ رَأَیْتَ أَنْ تَبْعَثَ إِلَیْنَا أَمِیراً طَیِّباً ذَکِیّاً ذَا عَفَافٍ وَ دِینِ إِلَی الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ فَعَلْتَ فَإِنِّی لاَ إِخَالُ النَّاسَ إِلاَّ مُجْمَعِینَ عَلَیْکَ وَ إِنَّ اِبْنَ عَبَّاسٍ غَائِبٌ عَنِ الْمِصْرِ وَ السَّلاَمُ.

قَالَ فَلَمَّا قَرَأَ مُعَاوِیَةُ کِتَابَهُ قَالَ لاَ عَزَمْتُ رَأْیاً سِوَی مَا کَتَبْتَ بِهِ إِلَیَّ هَذَا وَ کَتَبَ إِلَیْهِ جَوَابَهُ.

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَرَأْتُ کِتَابَکَ فَعَرَفْتُ نَصِیحَتَکَ وَ قَبِلْتُ مَشُورَتَکَ رَحِمَکَ اللَّهُ وَ سَدَّدَکَ اثْبُتْ هَدَاکَ اللَّهُ عَلَی رَأْیِکَ الرَّشِیدِ فَکَأَنَّکَ بِالرَّجُلِ الَّذِی سَأَلْتَ قَدْ أَتَاکَ وَ کَأَنَّکَ بِالْجَیْشِ قَدْ أَطَلَّ عَلَیْکَ فَسُرِرْتُ وَ حبیت [حُیِّیتُ]

وَ السَّلاَمُ.

698

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی سَیْفٍ عَنْ أَبِی زُهَیْرٍ

ص :40

قَالَ لَمَّا نَزَلَ اِبْنُ الْحَضْرَمِیِّ فِی بَنِی تَمِیمٍ أَرْسَلَ إِلَی الرُّءُوسِ فَأَتَوْهُ فَقَالَ لَهُمْ أَجِیبُونِی إِلَی الْحَقِّ وَ انْصُرُونِی عَلَی هَذَا الْأَمْرِ.

قَالَ وَ إِنَّ الْأَمِیرَ بِالْبَصْرَةِ یَوْمَئِذٍ زِیَادُ بْنُ عُبَیْدٍ قَدِ اسْتَخْلَفَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَ قَدِمَ عَلَی عَلِیٍّ ع إِلَی اَلْکُوفَةِ یُعَزِّیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ قَالَ فَقَامَ إِلَیْهِ اِبْنُ ضَحَّاکٍ فَقَالَ إِی وَ الَّذِی لَهُ أَسْعَی وَ إِیَّاهُ أَخْشَی لَنَنْصُرَنَّکَ بِأَسْیَافِنَا وَ أَیْدِینَا.

وَ قَامَ اَلْمُثَنَّی بْنُ مَخْرَمَةَ الْعَبْدِیُّ فَقَالَ لاَ وَ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَئِنْ لَمْ تَرْجِعْ إِلَی مَکَانِکَ الَّذِی أَقْبَلْتَ مِنْهُ لَنُجَاهِدَنَّکَ بِأَسْیَافِنَا وَ أَیْدِینَا وَ نِبَالِنَا وَ أَسِنَّةِ رِمَاحِنَا نَحْنُ نَدَعُ ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ سَیِّدَ اَلْمُسْلِمِینَ وَ نَدْخُلُ فِی طَاعَةِ حِزْبٍ مِنَ اَلْأَحْزَابِ طَاغٍ وَ اللَّهِ لاَ یَکُونُ ذَلِکَ أَبَداً حَتَّی نَسَیِّرَ کَتِیبَةً وَ نُفَلِّقَ السُّیُوفَ بِالْهَامِ.

فَأَقْبَلَ اِبْنُ الْحَضْرَمِیِّ عَلَی صَبِرَةَ بْنَ شَیْمَانَ (1) الْأَزْدِیِّ فَقَالَ یَا صَبِرَةُ أَنْتَ رَأْسُ قَوْمِکَ وَ عَظِیمٌ مِنْ عُظَمَاءِ اَلْعَرَبِ وَ أَحَدُ الطَّلِبَةِ بِدَمِ عُثْمَانَ رَأْیُنَا رَأْیُکَ وَ رَأْیُکَ رَأْیُنَا وَ بَلاَءُ الْقَوْمِ عِنْدَکَ فِی نَفْسِکَ وَ عَشِیرَتِکَ مَا قَدْ ذُقْتَ وَ رَأَیْتَ فَانْصُرْنِی وَ کُنْ مِنْ دُونِی فَقَالَ لَهُ إِنْ أَنْتَ أَتَیْتَنِی فَنَزَلْتَ فِی دَارِی نَصَرْتُکَ وَ مَنَعْتُکَ فَقَالَ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مُعَاوِیَةَ أَمَرَنِی أَنْ أَنْزِلَ فِی قَوْمِهِ مِنْ مُضَرَ فَقَالَ اتَّبِعْ مَا أَمَرَکَ بِهِ.

وَ انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِهِ وَ أَقْبَلَ النَّاسُ إِلَی اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ وَ کَثُرَ تَبَعُهُ فَفَزِعَ لِذَلِکَ زِیَادٌ وَ هَالَهُ وَ هُوَ فِی دَارِ الْإِمَارَةِ فَبَعَثَ إِلَی اَلْحُضَیْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَ مَالِکِ بْنِ مِسْمَعٍ فَدَعَاهُمَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّکُمْ أَنْصَارُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ شِیعَتِهِ وَ ثِقَتِهِ وَ قَدْ جَاءَکُمْ هَذَا الرَّجُلُ بِمَا قَدْ بَلَغَکُمْ فَأَجِیرُونِی حَتَّی یَأْتِیَنِی أَمْرُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَأْیِهِ.

فَأَمَّا مَالِکُ بْنُ مِسْمَعٍ فَقَالَ هَذَا أَمْرٌ فِیهِ نَظْرٌ أَرْجِعُ إِلَی مَنْ وَرَائِی وَ أَنْظُرُ وَ أَسْتَشِیرُ فِی ذَلِکَ.

وَ أَمَّا اَلْحُضَیْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَقَالَ نَعَمْ نَحْنُ فَاعِلُونَ وَ لَنْ نَخْذُلَکَ وَ لَنْ نُسْلِمَکَ.

ص :41

فَلَمْ یَرَ زِیَادٌ مِنَ الْقَوْمِ مَا یَطْمَئِنُّ إِلَیْهِ فَبَعَثَ إِلَی صَبِرَةِ بْنِ شَیْمَانَ الْأَزْدِیِّ فَقَالَ یَا اِبْنَ شَیْمَانَ أَنْتَ سَیِّدُ قَوْمِکَ وَ أَحَدُ عُظَمَاءِ هَذَا الْمِصْرِ فَإِنْ یَکُنْ فِیهِ أَحَدٌ هُوَ أَعْظَمُ أَهْلِهِ فَأَنْتَ ذَاکَ أَ فَلاَ تُجِیرُنِی وَ تَمْنَعُنِی وَ تَمْنَعُ بَیْتَ مَالِ اَلْمُسْلِمِینَ فَإِنَّمَا أَنَا أَمِینٌ عَلَیْهِ فَقَالَ بَلَی إِنْ تَحَمَّلْتَ حَتَّی تَنْزِلَ فِی دَارِی مَنَعْتُکَ فَقَالَ إِنِّی فَاعِلٌ.

فَارْتَحَلَ لَیْلاً حَتَّی نَزَلَ دَارَ صَبِرَةَ بْنِ شَیْمَانَ وَ کَتَبَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَ لَمْ یَکُنْ مُعَاوِیَةُ ادَّعَی زِیَاداً بَعْدُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ادَّعَاهُ بَعْدَ وَفَاةِ عَلِیٍّ ع .

لِلْأَمِیرِ (1) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مِنْ زِیَادِ بْنِ عُبَیْدِ .

سَلاَمٌ عَلَیْکَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِیَّ أَقْبَلَ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِیَةَ حَتَّی نَزَلَ فِی بَنِی تَمِیمٍ وَ نَعَی اِبْنَ عَفَّانَ وَ دَعَا إِلَی حَرْبٍ فَبَایَعَهُ جُلُّ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَلَمَّا رَأَیْتُ ذَلِکَ اسْتَجَرْتُ بِالْأَزْدِ بِصَبِرَةَ بْنِ شَیْمَانَ وَ قَوْمِهِ لِنَفْسِی وَ لِبَیْتِ مَالِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ رَحَلْتُ مِنْ قَصْرِ الْإِمَارَةِ فَنَزَلْتُ فِیهِمْ وَ إِنَّ اَلْأَزْدَ مَعِی وَ شِیعَةَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ فُرْسَانِ القَبَائِلِ تَخْتَلِفُ إِلَیَّ وَ شِیعَةَ عُثْمَانَ تَخْتَلِفُ إِلَی اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ وَ الْقَصْرُ خَالٍ مِنَّا وَ مِنْهُمْ فَارْفَعْ ذَلِکَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ لَیَرَی فِیهِ رَأْیَهُ وَ أَعْجِلْ إِلَیَّ بِالَّذِی تَرَی أَنْ یَکُونَ مِنْهُ فِیهِ وَ السَّلاَمُ عَلَیْکَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.

قَالَ فَرَفَعَ ذَلِکَ اِبْنُ عَبَّاسٍ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ شَاعَ فِی النَّاسِ بِالْکُوفَةِ مَا کَانَ مِنْ ذَلِکَ وَ کَانَتْ بَنُو تَمِیمٍ وَ قَیْسٌ وَ مَنْ یَرَی رَأْیَ عُثْمَانَ قَدْ أَمَرُوا اِبْنَ الْحَضْرَمِیِّ أَنْ یَسِیرَ إِلَی قَصْرِ الْإِمَارَةِ حِینَ خَلاَّهُ زِیَادٌ فَلَمَّا تَهَیَّأَ لِذَلِکَ وَ دَعَا أَصْحَابَهُ رَکِبَتِ اَلْأَزْدُ وَ بَعَثَتْ إِلَیْهِ وَ إِلَیْهِمْ إِنَّا وَ اللَّهِ لاَ نَدَعُکُمْ تَأْتُونَ الْقَصْرَ فَتُنْزِلُونَ فِیهِ مَنْ لاَ نَرْضَی وَ مَنْ نَحْنُ لَهُ کَارِهُونَ حَتَّی یَأْتِیَ رَجُلٌ لَنَا وَ لَکُمْ رِضًا فَأَبَی أَصْحَابُ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ إِلاَّ أَنْ یَسِیرُوا إِلَی الْقَصْرِ وَ أَبَتِ اَلْأَزْدُ إِلاَّ أَنْ یَمْنَعُوهُمْ فَرَکِبَ اَلْأَحْنَفُ فَقَالَ لِأَصْحَابِ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ إِنَّکُمْ وَ اللَّهِ

ص :42

مَا أَنْتُمْ أَحَقُّ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ مِنَ الْقَوْمِ وَ مَا لَکُمْ أَنْ تُؤَمِّرُوا عَلَیْهِمْ مَنْ یَکْرَهُونَهُ فَانْصَرِفُوا عَنْهُمْ فَفَعَلُوا ثُمَّ جَاءَ إِلَی اَلْأَزْدِ فَقَالَ إِنَّهُ لَمْ یَکُنْ مَا تَکْرَهُونَ وَ لاَ یُؤْتَی إِلاَّ مَا تُحِبُّونَ فَانْصَرِفُوا رَحِمَکُمُ اللَّهُ فَفَعَلُوا

.

699

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی سَیْفٍ عَنِ اَلْکَلْبِیِّ أَنَّ اِبْنَ الْحَضْرَمِیِّ لَمَّا أَتَی اَلْبَصْرَةَ وَ دَخَلَهَا نَزَلَ فِی بَنِی تَمِیمٍ فِی دَارِ سَنْبِیلٍ (1) وَ دَعَا بَنِی تَمِیمٍ وَ أَخْلاَطَ مُضَرَ فَقَالَ زِیَادٌ لِأَبِی الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِیِّ أَ مَا تَرَی مَا صَغَی (2) أَهْلُ اَلْبَصْرَةِ إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ مَا فِی اَلْأَزْدِ لِی مَطْمَعٌ فَقَالَ إِنْ کُنْتَ تَرَکْتَهُمْ لَمْ یَنْصُرُوکَ وَ إِنْ أَصْبَحْتَ فِیهِمْ مَنَعُوکَ.

فَخَرَجَ زِیَادٌ مِنْ لَیْلَتِهِ فَأَتَی صَبِرَةَ بْنَ شَیْمَانَ الحُدَّانِیَّ الْأَزْدِیَّ فَأَجَارَهُ وَ قَالَ لَهُ حِینَ أَصْبَحَ یَا زِیَادُ إِنَّهُ لَیْسَ حَسَناً بِنَا أَنْ تُقِیمَ فِینَا مُخْتَفِیاً أَکْثَرَ مِنْ یَوْمِکَ هَذَا فَأَعِدَّ لَهُ مِنْبَراً وَ سَرِیراً فِی مَسْجِدِ الْحُدَّانِ وَ جَعَلَ لَهُ شَرْطاً وَ صَلَّی بِهِمُ الْجُمُعَةَ فِی مَسْجِدِ الْحُدَّانِ .وَ غَلَبَ اِبْنُ الْحَضْرَمِیِّ عَلَی مَا یَلِیهِ مِنَ اَلْبَصْرَةِ وَ جَبَاهَا وَ أَجْمَعَتِ اَلْأَزْدُ عَلَی زِیَادٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَزْدِ إِنَّکُمْ کُنْتُمْ أَعْدَائِی فَأَصْبَحْتُمْ أَوْلِیَائِی وَ أَوْلَی النَّاسِ بِی وَ إِنِّی لَوْ کُنْتُ فِی بَنِی تَمِیمٍ وَ اِبْنُ الْحَضْرَمِیِّ فِیکُمْ لَمْ أَطْمَعْ فِیهِ أَبَداً وَ أَنْتُمْ دُونَهُ فَلاَ یَطْمَعُ اِبْنُ الْحَضْرَمِیِّ فِیَّ وَ أَنْتُمْ دُونِی وَ لَیْسَ اِبْنُ آکِلَةِ الْأَکْبَادِ فِی بَقِیَّةِ اَلْأَحْزَابِ وَ أَوْلِیَاءِ اَلشَّیْطَانِ بِأَدْنَی إِلَی الْغَلَبَةِ مِنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فِی اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ قَدْ أَصْبَحْتُ فِیکُمْ مَضْمُوناً وَ أَمَانَةً مُؤَدَّاةً وَ قَدْ رَأَیْنَا وَقْعَتَکُمْ یَوْمَ الْجَمَلِ فَاصْبِرُوا مَعَ الْحَقِّ صَبْرَکُمْ مَعَ الْبَاطِلِ فَإِنَّکُمْ لاَ تُحْمَدُونَ إِلاَّ عَلَی النَّجْدَةِ وَ لاَ تُعْذَرُونَ عَلَی الْجُبْنِ.

فَقَامَ شَیْمَانُ أَبُو صَبِرَةَ وَ لَمْ یَکُنْ شَهِدَ یَوْمَ الْجَمَلِ وَ کَانَ غَائِباً فَقَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَزْدِ

ص :43

مَا أَبَقَتْ عَوَاقِبُ اَلْجَمَلِ عَلَیْکُمْ إِلاَّ سُوءَ الذِّکْرِ وَ قَدْ کُنْتُمْ أَمْسِ عَلَی عَلِیٍّ ع فَکُونُوا الْیَوْمَ لَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ إِسْلاَمَکُمْ لَهُ ذُلٌّ وَ خِذْلاَنَکُمْ إِیَّاهُ عَارٌ وَ أَنْتُمْ حَیٌّ مِضْمَارُکُمْ الصَّبْرُ وَ عَاقَبْتُکُمْ الْوَفَاءُ فَإِنْ سَارَ الْقَوْمُ بِصَاحِبِهِمْ فَسِیرُوا بِصَاحِبِکُمْ وَ إِنِ اسْتَمَدُّوا مُعَاوِیَةَ فَاسْتَمِدُّوا عَلِیّاً ع وَ إِنْ وَادَعُوکُمْ فَوَادِعُوهُمْ.

ثُمَّ قَامَ صَبِرَةُ ابْنُهُ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَزْدِ إِنَّا قُلْنَا یَوْمَ الْجَمَلِ نَمْنَعُ مِصْرَنَا وَ نُطِیعُ أَمْناً نَطْلُبُ دَمَ خَلِیفَتِنَا الْمَظْلُومِ فَجَدَدْنَا فِی الْقِتَالِ وَ أَقَمْنَا بَعْدَ انْهِزَامِ النَّاسِ حَتَّی قُتِلَ مِنَّا مَنْ لاَ خَیْرَ فِینَا بَعْدَهُ وَ هَذَا زِیَادٌ جَارُکُمْ الْیَوْمَ وَ الْجَارُ مَضْمُونٌ وَ لَسْنَا نَخَافُ مِنْ عَلِیٍّ مَا نَخَافُ مِنْ مُعَاوِیَةَ فَهَبُوا لَنَا أَنْفُسَکُمْ وَ امْنَعُوا جَارَکُمْ أَوْ فَأَبْلِغُوهُ مَأْمَنَهُ.

فَقَالَتِ اَلْأَزْدُ إِنَّمَا نَحْنُ لَکُمْ تَبَعٌ فَأَجِیرُوهُ فَضَحِکَ زِیَادٌ وَ قَالَ یَا صَبِرَةُ أَ تَخْشَوْنَ أَلاَّ تَقُومُوا لِبَنِی تَمِیمٍ فَقَالَ صَبِرَةُ إِنْ جَاءُونَا بِالْأَحْنَفِ جِئْنَاهُمْ بِأَبِی صَبِرَةَ (1) وَ إِنْ جَاءُونَا بِالْحَبَّابِ جِئْتُ أَنَا وَ إِنْ کَانَ فِیهِمْ شَبَابٌ کَثِیرٌ (2) فَقَالَ زِیَادٌ إِنَّمَا کُنْتَ مَازِحاً.

فَلَمَّا رَأَتْ بَنُو تَمِیمٍ أَنَّ اَلْأَزْدَ قَدْ قَامَتْ دُونَ زِیَادٍ بَعَثَتْ إِلَیْهِمْ أَخْرِجُوا صَاحِبَکُمْ وَ نَحْنُ نُخْرِجُ صَاحِبَنَا فَأَیُّ الْأَمِیرَیْنِ غَلَبَ عَلِیٌّ أَوْ مُعَاوِیَةُ دَخَلْنَا فِی طَاعَتِهِ وَ لاَ نُهْلِکُ عَامَّتَنَا.

فَبَعَثَ إِلَیْهِمْ أَبُو صَبِرَةَ إِنَّمَا کَانَ هَذَا یُرْجَی عِنْدَنَا قَبْلَ أَنْ نُجِیرَهُ وَ لَعَمْرِی مَا قَتْلُ زِیَادٍ وَ إِخْرَاجُهُ إِلاَّ سَوَاءٌ وَ إِنَّکُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّا لَمْ نُجِرْهُ إِلاَّ کَرَماً فَالْهُوا عَنْ هَذَا

.

700

1- قَالَ وَ رَوَی أَبُو الْکَنُودِ أَنَّ شَبَثَ بْنَ رِبْعِیٍّ قَالَ لِعَلِیٍّ ع یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ابْعَثْ إِلَی هَذَا الْحَیِّ مِنْ تَمِیمٍ فَادْعُهُمْ إِلَی طَاعَتِکَ وَ لُزُومِ بَیْعَتِکَ وَ لاَ تُسَلِّطْ عَلَیْهِمْ أَزْدَ عُمَانَ الْبُعَدَاءَ الْبُغَضَاءَ فَإِنَّ وَاحِداً مِنْ قَوْمِکَ خَیْرٌ لَکَ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ غَیْرِهِمْ.

ص :44

فَقَالَ لَهُ مِخْنَفُ بْنُ سُلَیْمٍ الْأَزْدِیُّ إِنَّ الْبَعِیدَ الْبَغِیضَ مَنْ عَصَی اللَّهَ وَ خَالَفَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ هُمْ قَوْمُکَ وَ إِنَّ الْحَبِیبَ الْقَرِیبَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَ نَصَرَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ هُمْ قَوْمِی وَ أَحَدُهُمْ خَیْرٌ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ قَوْمِکَ.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع مَهْ تَنَاهَوْا أَیُّهَا النَّاسُ وَ لْیَرْدَعْکُمُ اَلْإِسْلاَمُ وَ وَقَارُهُ عَنِ التَّبَاغِی وَ التَّهَاذِی وَ لْتَجْتَمِعْ کَلِمَتُکُمْ وَ الْزَمُوا دِینَ اللَّهِ الَّذِی لاَ یُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَیْرُهُ وَ کَلِمَةَ الْإِخْلاَصِ الَّتِی هِیَ قِوَامُ الدِّینِ وَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَی اَلْکَافِرِینَ وَ اذْکُرُوا إِذْ کُنْتُمْ قَلِیلاً مُشْرِکِینَ مُتَبَاغِضِینَ مُتَفَرِّقِینَ فَأَلَّفَ بَیْنَکُمْ بِالْإِسْلاَمِ فَکَثَّرَتُمْ وَ اجْتَمَعْتُمْ وَ تَحَابَبْتُمْ فَلاَ تَفَرَّقُوا بَعْدَ إِذْ اجْتَمَعْتُمْ وَ لاَ تَتَبَاغَضُوا بَعْدَ إِذْ تَحَابَبْتُمْ وَ إِذَا رَأَیْتُمُ النَّاسَ بَیْنَهُمُ النَّائِرَةُ (1) وَ قَدْ تَدَاعَوْا إِلَی الْعَشَائِرِ وَ القَبَائِلِ فَاقْصِدُوا لِهَامِهِمْ وَ وُجُوهِهِمْ بِالسَّیْفِ حَتَّی یَفْزَعُوا إِلَی اللَّهِ وَ إِلَی کِتَابِهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ فَأَمَّا تِلْکَ الْحَمِیَّةُ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّیَاطِینِ فَانْتَهُوا عَنْهَا لاَ أَبَا لَکُمْ تُفْلِحُوا وَ تَنْجَحُوا ثُمَّ إِنَّهُ ع دَعَا أَعْیَنَ بْنَ ضُبَیْعَةَ الْمُجَاشِعِیَّ وَ قَالَ یَا أَعْیَنُ أَ لَمْ یَبْلُغْکَ أَنَّ قَوْمَکَ وَثَبُوا عَلَی عَامِلِی مَعَ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ بِالْبَصْرَةِ یَدْعُونَ إِلَی فِرَاقِی وَ شِقَاقِی وَ یُسَاعِدُونَ الضُّلاَّلَ اَلْقَاسِطِینَ عَلَیَّ فَقَالَ لاَ تُسَاءُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ لاَ یَکُنْ مَا تَکْرَهُ ابْعَثْنِی إِلَیْهِمْ فَأَنَا لَکَ زَعِیمٌ بِطَاعَتِهِمْ وَ تَفْرِیقِ جَمَاعَتِهِمْ وَ نَفْیِ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ مِنَ اَلْبَصْرَةِ أَوْ قَتْلِهِ قَالَ فَاخْرُجْ السَّاعَةَ .

فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ مَضَی حَتَّی قَدِمَ اَلْبَصْرَةَ

.

ص :45

هذه روایة ابن هلال صاحب کتاب الغارات .

701

1- وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ أَنَّ عَلِیّاً ع اسْتَنْفَرَ بَنِی تَمِیمٍ أَیَّاماً لِیَنْهَضَ مِنْهُمْ إِلَی اَلْبَصْرَةِ مَنْ یَکْفِیهِ أَمْرَ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ وَ یَرُدُّ عَادِیَةَ بَنِی تَمِیمٍ الَّذِینَ أَجَارُوهُ بِهَا فَلَمْ یُجِبْهُ أَحَدٌ فَخَطَبَهُمْ وَ قَالَ أَ لَیْسَ مِنَ الْعَجَبِ أَنْ یَنْصُرَنِی اَلْأَزْدُ وَ تَخْذُلَنِی مُضَرُ وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِکَ تَقَاعُدُ تَمِیمِ اَلْکُوفَةِ بِی وَ خِلاَفُ تَمِیمِ اَلْبَصْرَةِ عَلَیَّ وَ أَنْ أَسْتَنْجِدَ بِطَائِفَةٍ مِنْهَا تَشْخَصُ إِلَی إِخْوَانِهَا فَتَدْعُوَهُمْ إِلَی الرَّشَادِ فَإِنْ أَجَابَتْ وَ إِلاَّ فَالْمُنَابَذَةُ وَ الْحَرْبُ فَکَأَنِّی أُخَاطِبُ صُمّاً بُکْماً لاَ یَفْقَهُونَ حِوَاراً وَ لاَ یُجِیبُونَ نِدَاءً کُلُّ هَذَا جُبْناً عَنِ الْبَأْسِ وَ حُبّاً لِلْحَیَاةِ لَقَدْ کُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبْنَاءَنَا الْفَصْلَ إِلَی آخِرِهِ.

قَالَ فَقَامَ إِلَیْهِ أَعْیَنُ بْنُ ضُبَیْعَةَ الْمُجَاشِعِیُّ فَقَالَ أَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَکْفِیکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هَذَا الْخَطْبَ وَ أَتَکَفَّلُ لَکَ بِقَتْلِ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ أَوْ إِخْرَاجِهِ عَنِ اَلْبَصْرَةِ فَأَمَرَهُ بِالتَّهَیُّؤِ لِلشُّخُوصِ فَشَخَصَ حَتَّی قَدِمَ اَلْبَصْرَةَ

.

702

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ هِلاَلٍ فَلَمَّا قَدِمَهَا دَخَلَ عَلَی زِیَادٍ وَ هُوَ بِالْأَزْدِ مُقِیمٌ فَرَحَّبَ بِهِ وَ أَجْلَسَهُ إِلَی جَانِبِهِ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع وَ مَا رَدَّ عَلَیْهِ وَ مَا الَّذِی عَلَیْهِ رَأْیُهُ فَإِنَّهُ إِذْ یُکَلِّمُهُ جَاءَهُ کِتَابُّ مِنْ عَلِیٍّ ع فِیهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی زِیَادِ بْنِ عُبَیْدٍ سَلاَمٌ عَلَیْکَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی قَدْ بَعَثْتُ أَعْیَنَ بْنَ ضُبَیْعَةَ لِیُفَرِّقَ قَوْمَهُ عَنْ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ فَارْقُبْ مَا یَکُونُ مِنْهُ فَإِنْ فَعَلَ وَ بَلَغَ مِنْ ذَلِکَ مَا یُظَنُّ بِهِ وَ کَانَ فِی ذَلِکَ تَفْرِیقُ تِلْکَ الْأَوْبَاشِ فَهُوَ مَا نُحِبُّ وَ إِنْ تَرَامَتِ الْأُمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَی الشِّقَاقِ وَ الْعِصْیَانِ

ص :46

فَانْبِذْ بِمَنْ (1) أَطَاعَکَ إِلَی مَنْ عَصَاکَ فَجَاهِدْهُمْ فَإِنْ ظَهَرْتَ فَهُوَ مَا ظَنَنْتُ وَ إِلاَّ فَطَاوِلْهُمْ وَ مَاطِلْهُمْ فَکَانَ کَتَائِبُ اَلْمُسْلِمِینَ قَدْ أَطَلْتُ عَلَیْکَ فَقَتَلَ اللَّهُ الْمُفْسِدِینَ الظَّالِمِینَ وَ نَصَرَ الْمُؤْمِنِینَ الْمُحِقِّینَ وَ السَّلاَمُ.

فَلَمَّا قَرَأَهُ زِیَادٌ أَقْرَأَهُ أَعْیَنَ بْنَ ضُبَیْعَةَ فَقَالَ لَهُ إِنِّی لَأَرْجُو أَنْ یُکْفَی هَذَا الْأَمْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَأَتَی رَحْلَهُ فَجَمَعَ إِلَیْهِ رِجَالاً مِنْ قَوْمِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ یَا قَوْمِ عَلَی مَا ذَا تَقْتُلُونَ أَنْفُسِکُمْ وَ تُهَرِیقُونَ دِمَاءَکُمْ عَلَی الْبَاطِلِ مَعَ السُّفَهَاءِ الْأَشْرَارِ وَ إِنِّی وَ اللَّهِ مَا جِئْتُکُمْ حَتَّی عَبَّیْتُ إِلَیْکُمْ الْجُنُودَ فَإِنْ تُنِیبُوا إِلَی الْحَقِّ یُقْبَلْ مِنْکُمْ وَ یُکَفُّ عَنْکُمْ وَ إِنْ أَبَیْتُمْ فَهُوَ وَ اللَّهِ اسْتِئْصَالُکُمْ وَ بَوَارُکُمْ.

فَقَالُوا بَلْ نَسْمَعُ وَ نُطِیعُ فَقَالَ انْهَضُوا الْآنَ عَلَی بَرَکَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَنَهَضَ بِهِمْ إِلَی جَمَاعَةِ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ فَخَرَجُوا إِلَیْهِ مَعَ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ فَصَافُّوهُ وَ وَاقَفَهُمْ (2) عَامَّةَ یَوْمِهِ یُنَاشِدُهُمْ اللَّهَ وَ یَقُولُ یَا قَوْمِ لاَ تَنْکُثُوا بَیْعَتَکُمْ وَ لاَ تُخَالِفُوا إِمَامَکُمْ وَ لاَ تَجْعَلُوا عَلَی أَنْفُسِکُمْ سَبِیلاً فَقَدْ رَأَیْتُمْ وَ جَرَّبْتُمْ کَیْفَ صَنَعَ اللَّهُ بِکُمْ عِنْدَ نَکْثِکُمْ بَیْعَتَکُمْ وَ خِلاَفِکُمْ.

فَکَفُّوا عَنْهُ وَ لَمْ یَکُنْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُمْ قِتَالٌ وَ هُمْ فِی ذَلِکَ یَشْتِمُونَهُ وَ یَنَالُونَ مِنْهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ وَ هُوَ مِنْهُمْ مُنْتَصِفٌ فَلَمَّا أَوَی إِلَی رَحْلِهِ تَبِعَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ یَظُنُّ النَّاسُ أَنَّهُمْ خَوَارِجُ فَضَرَبُوهُ بِأَسْیَافِهِمْ وَ هُوَ عَلَی فِرَاشِهِ وَ لاَ یَظُنُّ أَنَّ الَّذِی کَانَ یَکُونُ فَخَرَجَ یَشْتَدُّ عُرْیَاناً فَلَحِقُوهُ فِی الطَّرِیقِ فَقَتَلُوهُ فَأَرَادَ زِیَادٌ أَنْ یُنَاهِضَ اِبْنَ الْحَضْرَمِیِّ حِینَ قَتَلَ أَعْیَنَ بِجَمَاعَةِ مَنْ مَعَهُ مِنَ اَلْأَزْدِ وَ غَیْرِهِمْ مِنْ شِیعَةِ عَلِیٍّ ع فَأَرْسَلَ بَنُو تَمِیمٍ إِلَی اَلْأَزْدِ وَ اللَّهِ مَا عَرَضْنَا لِجَارِکُمْ إِذْ أَجَرْتُمُوهُ وَ لاَ لِمَالٍ هُوَ لَهُ وَ لاَ لِأَحَدٍ لَیْسَ عَلَی رَأْیِنَا فَمَا تُرِیدُونَ

ص :47

إِلَی حَرْبِنَا وَ إِلَی جَارِنَا فَکَانَ اَلْأَزْدُ عِنْدَ ذَلِکَ کَرِهَتْ قِتَالَهُمْ.

فَکَتَبَ زِیَادٌ إِلَی عَلِیٍّ ع أَمَّا بَعْدُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنَّ أَعْیَنَ بْنَ ضُبَیْعَةَ قَدِمَ عَلَیْنَا مِنْ قِبَلِکَ بِجِدٍّ وَ مُنَاصَحَةٍ وَ صِدْقٍ وَ یَقِینٍ فَجَمَعَ إِلَیْهِ مَنْ أَطَاعَهُ مِنْ عَشِیرَتِهِ فَحَثَّهُمْ عَلَی الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ وَ حَذَّرَهُمْ الْخِلاَفَ وَ الْفُرْقَةَ ثُمَّ نَهَضَ بِمَنْ أَقْبَلَ مَعَهُ إِلَی مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ فَوَاقَفَهُمْ عَامَّةَ النَّهَارِ فَهَالَ أَهْلُ الْخِلاَفِ تَقَدُّمَهُ وَ تَصَدَّعَ عَنِ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ کَثِیرٌ مِمَّنْ کَانَ یُرِیدُ نُصْرَتَهُ فَکَانَ کَذَلِکَ حَتَّی أَمْسَی فَأَتَی فِی رَحْلِهِ فَبَیَّتَهُ نَفَرٌ مِنْ هَذِهِ الْخَارِجَةِ اَلْمَارِقَةِ فَأُصِیبَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی فَأَرَدْتُ أَنْ أُنَاهِضَ اِبْنَ الْحَضْرَمِیِّ عِنْدَ ذَلِکَ فَحَدَثَ أَمْرٌ قَدْ أَمَرْتُ صَاحِبَ کِتَابِی هَذَا أَنْ یَذْکُرَهُ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ قَدْ رَأَیْتُ إِنْ رَأَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ مَا رَأَیْتُ أَنْ یَبْعَثَ إِلَیْهِمْ جَارِیَةَ بْنَ قُدَامَةَ فَإِنَّهُ نَافِذُ الْبَصِیرَةِ وَ مُطَاعٌ فِی الْعَشِیرَةِ شَدِیدٌ عَلَی عَدُوِّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنْ یَقْدَمْ یُفَرِّقْ بَیْنَهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ السَّلاَمُ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.

فَلَمَّا جَاءَ الْکِتَابُ دَعَا جَارِیَةَ بْنَ قُدَامَةَ فَقَالَ لَهُ یَا اِبْنَ قُدَامَةَ تَمْنَعُ اَلْأَزْدُ عَامِلِی وَ بَیْتَ مَالِی وَ تُشَاقُّنِی مُضَرُ وَ تُنَابِذُنِی وَ بِنَا ابْتَدَأَهَا اللَّهُ تَعَالَی بِالْکَرَامَةِ وَ عَرَّفَهَا الْهُدَی وَ تَدَاعَوْا إِلَی الْمَعْشَرِ الَّذِینَ حَادُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَرَادُوا إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَتَّی عَلَتْ کَلِمَةُ اللَّهِ وَ هَلَکَ اَلْکَافِرُونَ .

فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ابْعَثْنِی إِلَیْهِمْ وَ اسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَیْهِمْ قَالَ قَدْ بَعَثْتُکَ إِلَیْهِمْ وَ اسْتَعَنْتُ بِاللَّهِ عَلَیْهِمْ

.

703

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِی اِبْنُ أَبِی السَّیْفِ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ أَبِی رَاشِدٍ عَنْ کَعْبِ بْنِ قُعَیْنٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ جَارِیَةَ مِنَ اَلْکُوفَةِ إِلَی اَلْبَصْرَةِ

ص :48

فِی خَمْسِینَ رَجُلاً مِنْ بَنِی تَمِیمٍ مَا کَانَ فِیهِمْ یَمَانِیٌّ غَیْرِی وَ کُنْتُ شَدِیدَ اَلتَّشَیُّعِ فَقُلْتُ لِجَارِیَةَ إِنْ شِئْتَ کُنْتُ مَعَکَ وَ إِنْ شِئْتَ مِلْتُ إِلَی قَوْمِی فَقَالَ بَلْ مَعِی فَوَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ الطَّیْرَ وَ الْبَهَائِمَ تَنْصُرُنِی عَلَیْهِمْ فَضْلاً عَنِ الْإِنْسِ.

قَالَ وَ رَوَی کَعْبُ بْنُ قُعَیْنٍ أَنَّ عَلِیّاً ع کَتَبَ مَعَ جَارِیَةَ کِتَاباً وَ قَالَ أَقْرِئْهُ عَلَی أَصْحَابِکَ قَالَ فَمَضَیْنَا مَعَهُ فَلَمَّا دَخَلْنَا اَلْبَصْرَةَ بَدَأَ بِزِیَادٍ فَرَحَّبَ بِهِ وَ أَجْلَسَهُ إِلَی جَانِبِهِ وَ نَاجَاهُ سَاعَةً وَ سَاءَلَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَکَانَ أَفْضَلَ مَا أَوْصَاهُ بِهِ أَنْ قَالَ احْذَرْ عَلَی نَفْسِکَ وَ اتَّقِ أَنْ تَلْقَی مَا لَقِیَ صَاحِبُکَ الْقَادِمُ قَبْلَکَ.

وَ خَرَجَ جَارِیَةُ مِنْ عِنْدِهِ فَقَامَ فِی اَلْأَزْدِ فَقَالَ جَزَاکُمُ اللَّهُ مِنْ حَیٍّ خَیْراً مَا أَعْظَمَ غَنَاءَکُمْ وَ أَحْسَنَ بَلاَءَکُمْ وَ أَطْوَعَکُمْ لِأَمِیرِکُمْ لَقَدْ عَرَفْتُمُ الْحَقَّ إِذْ ضَیَّعَهُ مَنْ أَنْکَرَهُ وَ دَعَوْتُمْ إِلَی الْهُدَی إِذْ تَرَکَهُ مَنْ لَمْ یَعْرِفْهُ ثُمَّ قَرَأَ عَلَیْهِمْ وَ عَلَی مَنْ کَانَ مَعَهُ مِنْ شِیعَةِ عَلِیٍّ ع وَ غَیْرِهِمْ کِتَابَ عَلِیٍّ ع فَإِذَا فِیهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی مَنْ قُرِئَ عَلَیْهِ کِتَابِی هَذَا مِنْ سَاکِنِی اَلْبَصْرَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ اَلْمُسْلِمِینَ سَلاَمٌ عَلَیْکُمْ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ حَلِیمٌ ذُو أَنَاةٍ لاَ یَعْجَلُ بِالْعُقُوبَةِ قَبْلَ الْبَیِّنَةِ وَ لاَ یَأْخُذُ الْمُذْنِبَ عِنْدَ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَ لَکِنَّهُ یَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَ یَسْتَدِیمُ الْأَنَاةَ وَ یَرْضَی بِالْإِنَابَةِ لِیَکُونَ أَعْظَمَ لِلْحُجَّةِ وَ أَبْلَغَ فِی الْمَعْذِرَةِ وَ قَدْ کَانَ مِنْ شِقَاقِ جُلِّکُمْ أَیُّهَا النَّاسُ مَا اسْتَحْقَقْتُمْ أَنْ تُعَاقَبُوا عَلَیْهِ فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِکُمْ وَ رَفَعْتُ السَّیْفَ عَنْ مُدْبِرِکُمْ وَ قَبِلْتُ مِنْ مُقْبِلِکُمْ وَ أَخَذْتُ بَیْعَتَکُمْ فَإِنْ تَفُوا بِبَیْعَتِی وَ تَقْبَلُوا نَصِیحَتِی وَ تَسْتَقِیمُوا عَلَی طَاعَتِی أَعْمَلْ

ص :49

فِیکُمْ بِالْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ قَصْدِ الْحَقِّ وَ أُقِمْ فِیکُمْ سَبِیلَ الْهُدَی فَوَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّ وَالِیاً بَعْدَ مُحَمَّدٍ ص أَعْلَمُ بِذَلِکَ مِنِّی وَ لاَ أَعْمَلُ بِقَوْلِی أَقُولُ قَوْلِی هَذَا صَادِقاً غَیْرَ ذَامٍّ لِمَنْ مَضَی وَ لاَ مُنْتَقِصاً لِأَعْمَالِهِمْ وَ إِنْ خَبَطَتْ (1) بِکُمُ الْأَهْوَاءُ الْمُرْدِیَةُ وَ سَفَهُ الرَّأْیِ الْجَائِرِ إِلَی مُنَابَذَتِی تُرِیدُونَ خِلاَفِی فَهَا أَنَا ذَا قَرَّبْتُ جِیَادِی وَ رَحَّلْتُ رِکَابِی وَ أَیْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِی إِلَی الْمَسِیرِ إِلَیْکُمْ لَأُوقِعَنَّ بِکُمْ وَقْعَةً لاَ یَکُونُ یَوْمُ الْجَمَلِ عِنْدَهَا إِلاَّ کَلَعْقَةِ لاَعِقٍ وَ إِنِّی لَظَانٌّ أَلاَّ تَجْعَلُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَی أَنْفُسِکُمْ سَبِیلاً وَ قَدْ قَدَّمْتُ هَذَا الْکِتَابَ إِلَیْکُمْ حُجَّةً عَلَیْکُمْ وَ لَنْ أَکْتُبَ إِلَیْکُمْ مِنْ بَعْدِهِ کِتَاباً إِنْ أَنْتُمْ اسْتَغْشَشْتُمْ نَصِیحَتِی وَ نَابَذْتُمْ رَسُولِی حَتَّی أَکُونَ أَنَا الشَّاخِصَ نَحْوَکُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی وَ السَّلاَمُ.

قَالَ فَلَمَّا قُرِئَ الْکِتَابُ عَلَی النَّاسِ قَامَ صَبْرَةُ بْنُ شَیْمَانَ فَقَالَ سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا وَ نَحْنُ لَمِنْ حَارَبَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ حَرْبٌ وَ لِمَنْ سَالَمَ سِلْمٌ إِنْ کَفَیْتَ یَا جَارِیَةُ قَوْمَکَ بِقَوْمِکَ فَذَاکَ وَ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نَنْصُرَکَ نَصَرْنَاکَ.

وَ قَامَ وُجُوهُ النَّاسِ فَتَکَلَّمُوا بِمِثْلِ ذَلِکَ وَ نَحْوِهِ فَلَمْ یَأْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ یَسِیرَ مَعَهُ وَ مَضَی نَحْوَ بَنِی تَمِیمٍ .فَقَامَ زِیَادٌ فِی اَلْأَزْدِ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَزْدِ إِنَّ هَؤُلاَءِ کَانُوا أَمْسِ سِلْماً فَأَصْبَحُوا الْیَوْمَ حَرْباً وَ إِنَّکُمْ کُنْتُمْ حَرْباً فَأَصْبَحْتُمْ سِلْماً وَ إِنِّی وَ اللَّهِ مَا اخْتَرْتُکُمْ إِلاَّ عَلَی التَّجْرِبَةِ وَ لاَ أَقَمْتُ فِیکُمْ إِلاَّ عَلَی الْأَمَلِ فَمَا رَضِیتُمْ أَنْ أَجَرْتُمُونِی حَتَّی نَصَبْتُمْ لِی مِنْبَراً وَ سَرِیراً وَ جَعَلْتُمْ لِی شُرَطاً وَ أَعْوَاناً وَ مُنَادِیاً وَ جُمْعَةً فَمَا فَقَدْتُ بِحَضْرَتِکُمْ شَیْئاً إِلاَّ هَذَا الدِّرْهَمَ لاَ أَجْبِیهِ الْیَوْمَ فَإِنْ لَمْ أَجْبِهِ الْیَوْمَ أَجْبِهِ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ حَرْبَکُمْ الْیَوْمَ مُعَاوِیَةَ أَیْسَرُ عَلَیْکُمْ فِی الدُّنْیَا وَ الدِّینِ مِنْ حَرْبِکُمْ أَمْسِ عَلِیّاً وَ قَدْ قَدِمَ عَلَیْکُمْ جَارِیَةُ بْنُ قُدَامَةَ وَ إِنَّمَا أَرْسَلَهُ عَلِیُّ

ص :50

لِیَصْدَعَ أَمْرَ قَوْمِهِ وَ اللَّهِ مَا هُوَ بِالْأَمِیرِ الْمُطَاعِ وَ لَوْ أَدْرَکَ أَمَلَهُ فِی قَوْمِهِ لَرَجَعَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ أَوْ لَکَانَ لِی تَبَعاً وَ أَنْتُمْ الْهَامَّةُ الْعُظْمَی وَ الْجَمْرَةُ (1) الْحَامِیَةُ فَقَدِّمُوهُ إِلَی قَوْمِهِ فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَی نَصْرِکُمُ فَسِیرُوا إِلَیْهِ إِنْ رَأَیْتُمْ ذَلِکَ.

فَقَامَ أَبُو صَبْرَةَ شَیْمَانَ فَقَالَ یَا زِیَادُ إِنِّی وَ اللَّهِ لَوْ شَهِدْتُ قَوْمِی یَوْمَ الْجَمَلِ رَجَوْتُ أَلاَّ یُقَاتِلُوا عَلِیّاً وَ قَدْ مَضَی الْأَمْرُ بِمَا فِیهِ وَ هُوَ یَوْمٌ بِیَوْمٍ وَ أَمْرٌ بِأَمْرٍ وَ اللَّهُ إِلَی الْجَزَاءِ بِالْإِحْسَانِ أَسْرَعُ مِنْهُ إِلَی الْجَزَاءِ بِالسَّیِّئِ وَ التَّوْبَةُ مَعَ الْحَقِّ وَ الْعَفْوُ مَعَ النَّدَمِ وَ لَوْ کَانَتْ هَذِهِ فِتْنَةً لَدَعَوْنَا الْقَوْمَ إِلَی إِبْطَالِ الدِّمَاءِ وَ اسْتِئْنَافِ الْأُمُورِ وَ لَکِنَّهَا جَمَاعَةٌ دِمَاؤُهَا حَرَامٌ وَ جُرُوحُهَا قِصَاصٌ وَ نَحْنُ مَعَکَ نُحِبُّ مَا أَحْبَبْتَ.

فَعَجِبَ زِیَادٌ مِنْ کَلاَمِهِ وَ قَالَ مَا أَظُنُّ فِی النَّاسِ مِثْلَ هَذَا.

ثُمَّ قَامَ صَبْرَةُ ابْنُهُ فَقَالَ إِنَّا وَ اللَّهِ مَا أُصِبْنا بِمُصِیبَةٍ فِی دِینٍ وَ لاَ دُنْیَا کَمَا أُصِبْنَا أَمْسِ یَوْمَ الْجَمَلِ وَ إِنَّا لَنَرْجُو الْیَوْمَ أَنْ نُمَحِّصَ ذَلِکَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ طَاعَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ أَمَّا أَنْتَ یَا زِیَادُ فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرَکْتَ أَمَلَکَ فِینَا وَ لاَ أَدْرَکْنَا أَمَلَنَا فِیکَ دُونَ رَدِّکَ إِلَی دَارِکَ وَ نَحْنُ رَادُّوکَ إِلَیْهَا غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی فَإِذَا فَعَلْنَا فَلاَ یَکُنْ أَحَدٌ أَوْلَی بِکَ مِنَّا فَإِنَّکَ إِنْ لاَ تَفْعَلْ لَمْ تَأْتِ مَا یُشْبِهُکَ (2) وَ إِنَّا وَ اللَّهِ نَخَافُ مِنْ حَرْبِ عَلِیٍّ فِی الْآخِرَةِ مَا لاَ نَخَافُ مِنْ حَرْبِ مُعَاوِیَةَ فِی الدُّنْیَا فَقَدِّمْ هَوَاکَ وَ أَخِّرْ هَوَانَا فَنَحْنُ مَعَکَ وَ طَوْعُکَ.

ثُمَّ قَامَ خَنْقَرٌ (3) الْحِمَّانِیُّ فَقَالَ أَیُّهَا الْأَمِیرُ إِنَّکَ لَوْ رَضِیتَ مِنَّا بِمَا تَرْضَی بِهِ مِنْ غَیْرِنَا لَمْ نَرْضَ ذَلِکَ لِأَنْفُسِنَا سِرْ بِنَا إِلَی الْقَوْمِ إِنْ شِئْتَ وَ أَیْمُ اللَّهِ مَا لَقِینَا قَوْماً (4) قَطُّ إِلاَّ اکْتَفَیْنَا بِعَفْوِنَا دُونَ جَهْدِنَا إِلاَّ مَا کَانَ أَمْسِ.

ص :51

قَالَ إِبْرَاهِیمُ فَأَمَّا جَارِیَةُ فَإِنَّهُ کَلَّمَ قَوْمَهُ فَلَمْ یُجِیبُوهُ وَ خَرَجَ إِلَیْهِ مِنْهُمْ أَوْبَاشٌ (1) فَنَاوَشُوهُ بَعْدَ أَنْ شَتَمُوهُ وَ أَسْمَعُوهُ فَأَرْسَلَ إِلَی زِیَادٍ وَ اَلْأَزْدُ یَسْتَصْرِخُهُمْ وَ یَأْمُرُهُمْ أَنْ یَسِیرُوا إِلَیْهِ فَسَارَتِ اَلْأَزْدُ بِزِیادٍ وَ خَرَجَ إِلَیْهِمْ اِبْنُ الْحَضْرَمِیِّ وَ عَلَی خَیْلِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ السُّلَمِیُّ فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً وَ أَقْبَلَ شَرِیکُ بْنُ الْأَعْوَرِ الْحَارِثِیُّ وَ کَانَ مِنْ شِیعَةِ عَلِیٍّ ع وَ صَدِیقاً لِجَارِیَةَ بْنِ قُدَامَةَ فَقَالَ أَ لاَ أُقَاتِلُ مَعَکَ عَدُوَّکَ فَقَالَ بَلَی فَمَا لَبِثَتْ بَنُو تَمِیمٍ أَنْ هَزَمُوهُمْ وَ اضْطَرُّوهُمْ إِلَی دَارِ سُنَبْیِلٍ السَّعْدِیِّ فَحَصَرُوا اِبْنَ الْحَضْرَمِیِّ وَ حَدُّوهُ فَأَتَی رَجُلٌ مِنْ بَنِی تَمِیمٍ وَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ السُّلَمِیُّ فَجَاءَتْ أُمُّهُ وَ هِیَ سَوْدَاءُ حَبَشِیَّةٌ اسْمُهَا عَجْلَی فَنَادَتْهُ فَأَشْرَفَ عَلَیْهَا فَقَالَتْ یَا بُنَیَّ انْزِلْ إِلَیَّ فَأَبَی فَکَشَفَتْ رَأْسَهَا وَ أَبْدَتْ قِنَاعَهَا وَ سَأَلَتْهُ النُّزُولَ فَأَبَی فَقَالَتْ وَ اللَّهِ لَتَنْزِلَنَّ أَوْ لَأَتَعَرَّیَنَّ وَ أَهْوَتْ بِیَدِهَا إِلَی ثِیَابِهَا (2) فَلَمَّا رَأَی ذَلِکَ نَزَلَ فَذَهَبَتْ بِهِ وَ أَحَاطَ جَارِیَةُ وَ زِیَادٌ بِالدَّارِ وَ قَالَ جَارِیَةُ عَلَیَّ بِالنَّارِ فَقَالَتِ اَلْأَزْدُ لَسْنَا مِنَ الْحَرِیقِ بِالنَّارِ فِی شَیْءٍ وَ هُمْ قَوْمُکَ وَ أَنْتَ أَعْلَمُ فَحَرَقَ جَارِیَةُ الدَّارَ عَلَیْهِمْ فَهَلَکَ اِبْنُ الْحَضْرَمِیِّ فِی سَبْعِینَ رَجُلاً أَحَدُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَیْرِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِیُّ التَّیْمِیُّ وَ سُمِّیَ جَارِیَةُ مُنْذُ ذَلِکَ الْیَوْمِ مُحْرِقاً وَ سَارَتِ اَلْأَزْدُ بِزِیادِ حَتَّی أَوْطَنُوهُ قَصْرَ الْإِمَارَةِ وَ مَعَهُ بَیْتُ الْمَالِ وَ قَالَتْ لَهُ هَلْ بَقِیَ عَلَیْنَا مِنْ جِوَارِکَ شَیْءٌ قَالَ لاَ قَالُوا فَبَرِّئْنَا مِنْهُ فَقَالَ نَعَمْ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ وَ کَتَبَ زِیَادٌ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ جَارِیَةَ بْنَ قُدَامَةَ الْعَبْدَ الصَّالِحَ قَدِمَ مِنْ عِنْدِکَ فَنَاهَضَ جَمْعَ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ بِمَنْ نَصَرَهُ وَ أَعَانَهُ مِنَ اَلْأَزْدِ فَفَضَّهُ وَ اضْطَرَّهُ إِلَی دَارٍ مِنْ دُورِ اَلْبَصْرَةِ فِی عَدَدٍ کَثِیرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمْ یَخْرُجْ حَتَّی حَکَمَ اللَّهُ تَعَالَی بَیْنَهُمَا فَقَتَلَ اِبْنَ الْحَضْرَمِیِّ وَ أَصْحَابَهُ مِنْهُمْ مَنْ أُحْرِقَ بِالنَّارِ وَ مِنْهُمْ مَنْ أُلْقِیَ عَلَیْهِ جِدَارٌ وَ مِنْهُمْ مَنْ هُدِمَ عَلَیْهِ الْبَیْتُ مِنْ أَعْلاَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ بِالسَّیْفِ وَ سَلَّمَ

ص :52

مِنْهُمْ نَفَرٌ أَنَابُوا وَ تَابُوا فَصَفَحَ عَنْهُمْ وَ بُعْداً لِمَنْ عَصَی وَ غَوَی وَ السَّلاَمُ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.

فَلَمَّا وَصَلَ کِتَابُ زِیَادٍ قَرَأَهُ عَلِیٌّ ع عَلَی النَّاسِ وَ کَانَ زِیَادٌ قَدْ أَنْفَذَهُ مَعَ ظَبْیَانَ بْنَ عُمَارَةَ فَسُرَّ عَلِیٌّ ع بِذَلِکَ وَ سُرَّ أَصْحَابُهُ وَ أَثْنَی عَلَی جَارِیَةَ وَ عَلَی اَلْأَزْدِ وَ ذَمَّ اَلْبَصْرَةَ فَقَالَ إِنَّهَا أَوَّلُ الْقُرَی خَرَاباً إِمَّا غَرَقاً وَ إِمَّا حَرَقاً حَتَّی یَبْقَی مَسْجِدُهَا کَجُؤْجُؤِ سَفِینَةٍ ثُمَّ قَالَ لِظَبْیَانَ أَیْنَ مَنْزِلُکَ مِنْهَا فَقَالَ مَکَانَ کَذَا فَقَالَ عَلَیْکَ بِضَوَاحِیهَا.

وَ قَالَ اِبْنُ الْعَرَنْدَسِ الْأَزْدِیُّ یَذْکُرُ تَحْرِیقَ اِبْنِ الْحَضْرَمِیِّ وَ یُعَیِّرُ تَمِیماً بِذَلِکَ رَدَدْنَا زِیَاداً إِلَی دَارِهِ

وَ اَلْخُنَاقُ لَقَبُ قَوْمِ بَنِی تَمِیمٍ

.

ص :53

کل امرئ سکینه فی رأسه فقال ما اسمک قال لقیم قال منها أتیت.

کان معاویة یأکل فیکثر ثمّ یقول ارفعوا فو اللّه ما شبعت و لکن مللت و تعبت.

تظاهرت الأخبار

704

14- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص دَعَا عَلَی مُعَاوِیَةَ لَمَّا بَعَثَ إِلَیْهِ یَسْتَدْعِیهِ فَوَجَدَهُ یَأْکُلُ ثُمَّ بَعَثَ فَوَجَدَهُ یَأْکُلُ فَقَالَ اللَّهُمَّ لاَ تُشْبِعْ بَطْنَهُ .

قال الشاعر و صاحب لی بطنه کالهاویة کأن فی أحشائه معاویة .

و فی هذا الفصل مسائل الأولی فی تفسیر قوله ع فاقتلوه و لن تقتلوه فنقول إنّه لا تنافی بین الأمر بالشیء و الإخبار عن أنّه لا یقع کما أخبر الحکیم سبحانه عن أن أبا لهب لا یؤمن و أمره بالإیمان و کما قال تعالی فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ کُنْتُمْ صٰادِقِینَ (1) ثم قال وَ لاٰ یَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً (2) و أکثر التکلیفات علی هذا المنهاج

فرضنا أنّه لا یقع و ما لا یقع لا یمکن حصوله مع فرض کونه لا یقع فقال لهم أصحابنا هذا یلزمکم فی الأمر لأنکم قد أجزتم أن یأمر بما یعلم أنّه لا یقع فقالوا فی الجواب نحن عندنا أنّه یأمر بما لا یرید فإذا أمر بما یعلم أنّه لا یقع أو یخبر عن أنّه لا یقع کان ذلک الأمر أمرا عاریا عن الإرادة و المحال إنّما نشأ من إرادة ما علم المرید أنّه لا یقع و هاهنا لا إرادة.

فقیل لهم هب أنکم ذهبتم إلی أن الأمر قد یعری من الإرادة مع کونه أمرا أ لستم تقولون أن الأمر یدلّ علی الطلب و الطلب شیء آخر غیر الإرادة و تقولون إن ذلک الطلب قائم بذات البارئ فنحن نلزمکم فی الطلب القائم بذات البارئ الذی لا یجوز أن یعری (1) الأمر منه ما ألزمتمونا فی الإرادة.

و نقول لکم کیف یجوز أن یطلب الطالب ما یعلم أنّه لا یقع أ لیس تحت قولنا طلب مفهوم أن ذلک المطلوب ممّا یمکن وقوعه فالحال فی الطلب کالحال فی الإرادة حذو النعل بالنعل و لنا فی هذا الموضع أبحاث دقیقة ذکرناها فی کتبنا الکلامیة

فَالْعَنْهُ لَعْناً وَبِیلاً وَ عَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِیماً وَ کَتَبَ بِذَلِکَ إِلَی الْآفَاقِ فَکَانَتْ هَذِهِ الْکَلِمَاتُ یُشَارُ بِهَا عَلَی الْمَنَابِرِ إِلَی خِلاَفَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ .

706

وَ ذَکَرَ أَبُو عُثْمَانَ أَیْضاً أَنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِکِ لَمَّا حَجَّ خَطَبَ بِالْمَوْسِمِ فَقَامَ إِلَیْهِ إِنْسَانٌ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ هَذَا یَوْمٌ کَانَتِ الْخُلَفَاءُ تَسْتَحِبُّ فِیهِ لَعْنَ أَبِی تُرَابٍ فَقَالَ اکْفُفْ فَمَا لِهَذَا جِئْنَا.

707

وَ ذَکَرَ اَلْمُبَرَّدُ فِی اَلْکَامِلِ أَنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِیَّ لَمَّا کَانَ أَمِیرَ اَلْعِرَاقِ فِی خِلاَفَةِ هِشَامٍ کَانَ یَلْعَنُ عَلِیّاً ع عَلَی الْمِنْبَرِ فَیَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ ص عَلَی ابْنَتِهِ وَ أَبَا اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَیْنِ ثُمَّ یُقْبِلُ عَلَی النَّاسِ فَیَقُولُ هَلْ کَنَیْتُ (1) .

708

وَ رَوَی أَبُو عُثْمَانَ أَیْضاً أَنَّ قَوْماً مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ قَالُوا لِمُعَاوِیَةَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّکَ قَدْ بَلَغْتَ مَا أَمَّلْتَ فَلَوْ کَفَفْتَ عَنْ لَعْنِ هَذَا الرَّجُلِ فَقَالَ لاَ وَ اللَّهِ حَتَّی یَرْبُوَ عَلَیْهِ الصَّغِیرُ وَ یَهْرَمَ عَلَیْهِ الْکَبِیرُ وَ لاَ یَذْکُرَ لَهُ ذَاکِرٌ فَضْلاً.

709

وَ قَالَ أَبُو عُثْمَانَ أَیْضاً وَ مَا کَانَ عَبْدُ الْمَلِکِ مَعَ فَضْلِهِ وَ أَنَاتِهِ وَ سَدَادِهِ وَ رُجْحَانِهِ مِمَّنْ یَخْفَی عَلَیْهِ فَضْلُ عَلِیٍّ ع وَ أَنَّ لَعْنَهُ عَلَی رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَ فِی أَعْطَافِ الْخُطَبِ وَ عَلَی صَهَوَاتِ الْمَنَابِرِ مِمَّا یَعُودُ عَلَیْهِ نَقْصُهُ وَ یَرْجِعُ إِلَیْهِ وَهْنُهُ لِأَنَّهُمَا جَمِیعاً مِنْ بَنِی عَبْدِ مَنَافٍ وَ الْأَصْلُ وَاحِدٌ وَ الْجُرْثُومَةُ مَنْبِتٌ لَهُمَا وَ شَرَفُ عَلِیٍّ ع وَ فَضْلُهُ عَائِدٌ عَلَیْهِ وَ مَحْسُوبٌ لَهُ وَ لَکِنَّهُ أَرَادَ تَشْیِیدَ الْمُلْکِ وَ تَأْکِیدَ مَا فَعَلَهُ الْأَسْلاَفُ وَ أَنْ یُقَرِّرَ فِی أَنْفُسِ النَّاسِ أَنَّ بَنِی هَاشِمٍ لاَ حَظَّ لَهُمْ فِی هَذَا الْأَمْرِ وَ أَنَّ سَیِّدَهُمْ الَّذِی بِهِ یَصُولُون وَ بِفَخْرِهِ یَفْخَرُونَ

ص :57

هَذَا حَالُهُ وَ هَذَا مِقْدَارُهُ فَیَکُونُ مَنْ یَنْتَمِی إِلَیْهِ وَ یُدْلِی بِهِ عَنِ الْأَمْرِ أَبْعَدُ وَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَیْهِ أَشْحَطُ وَ أَنْزَحُ.

710

وَ رَوَی أَهْلُ السِّیرَةِ أَنَّ اَلْوَلِیدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِکِ فِی خِلاَفَتِهِ ذَکَرَ عَلِیّاً ع فَقَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ بِالْجَرِّ کَانَ لِصَّ ابْنَ لِصٍّ.

فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ لَحْنِهِ فِیمَا لاَ یَلْحَنُ فِیهِ أَحَدٌ وَ مِنْ نِسْبَتِهِ عَلِیّاً ع إِلَی اللُّصُوصِیَّةِ وَ قَالُوا مَا نَدْرِی أَیُّهُمَا أَعْجَبُ وَ کَانَ اَلْوَلِیدُ لَحَّاناً.

711

وَ أَمَرَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ أَمِیرُ اَلْکُوفَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِیَةَ حُجْرَ بْنَ عَدِیٍّ أَنْ یَقُومَ فِی النَّاسِ فَلِیَلْعَنَ عَلِیّاً ع فَأَبَی ذَلِکَ فَتَوَعَّدَهُ فَقَامَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَمِیرَکُمْ أَمَرَنِی أَنْ أَلْعَنَ عَلِیّاً فَالْعَنُوهُ فَقَالَ أَهْلُ اَلْکُوفَةِ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ أَعَادَ الضَّمِیرَ إِلَی اَلْمُغِیرَةِ بِالنِّیَّةِ وَ الْقَصْدِ.

712

وَ أَرَادَ زِیَادٌ أَنْ یَعْرِضَ أَهْلَ اَلْکُوفَةِ أَجْمَعِینَ عَلَی الْبَرَاءَةِ مِنْ عَلِیٍّ ع وَ لَعْنِهِ وَ أَنْ یَقْتُلَ کُلَّ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِکَ وَ یُخَرِّبَ مَنْزِلَهُ فَضَرَبَهُ اللَّهُ ذَلِکَ الْیَوْمَ بِالطَّاعُونِ فَمَاتَ لاَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَیَّامٍ وَ ذَلِکَ فِی خِلاَفَةِ مُعَاوِیَةَ .

713

وَ کَانَ اَلْحَجَّاجُ لَعَنَهُ اللَّهُ یَلْعَنُ عَلِیّاً ع وَ یَأْمُرُ بِلَعْنِهِ وَ قَالَ لَهُ مُتَعَرِّضٌ بِهِ یَوْماً وَ هُوَ رَاکِبٌ أَیُّهَا الْأَمِیرُ إِنَّ أَهْلِی عَقُّونِی فَسَمَّوْنِی عَلِیّاً فَغَیِّرْ اسْمِی وَ صِلْنِی بِمَا أَتَبَلَّغُ بِهِ فَإِنِّی فَقِیرٌ فَقَالَ لِلُطْفِ مَا تَوَصَّلْتَ بِهِ قَدْ سَمَّیْتُکَ کَذَا وَ وَلَّیْتُکَ الْعَمَلَ الْفُلاَنِیَّ فَاشْخَصْ إِلَیْهِ.

714

فَأَمَّا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ کُنْتُ غُلاَماً أَقْرَأُ اَلْقُرْآنَ عَلَی بَعْضِ وُلْدِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فَمَرَّ بِی یَوْماً وَ أَنَا أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْیَانِ وَ نَحْنُ نَلْعَنُ عَلِیّاً .

ص :58

فَکَرِهَ ذَلِکَ وَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَتَرَکْتُ الصِّبْیَانَ وَ جِئْتُ إِلَیْهِ لِأَدْرُسَ عَلَیْهِ وِرْدِی فَلَمَّا رَآنِی قَامَ فَصَلَّی وَ أَطَالَ فِی الصَّلاَةِ شِبْهَ الْمُعْرِضِ عَنِّی حَتَّی أَحْسَسْتُ مِنْهُ بِذَلِکَ فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ کَلَحَ فِی وَجْهِی فَقُلْتُ لَهُ مَا بَالُ الشَّیْخِ فَقَالَ لِی یَا بُنَیَّ أَنْتَ اللاَّعِنُ عَلِیّاً مُنْذُ الْیَوْمِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَمَتَی عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ سَخِطَ عَلَی أَهْلِ بَدْرٍ بَعْدَ أَنْ رَضِیَ عَنْهُمْ فَقُلْتُ یَا أَبَتِ وَ هَلْ کَانَ عَلِیٌّ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ وَیْحَکَ وَ هَلْ کَانَتْ بَدْرٌ کُلُّهَا إِلاَّ لَهُ فَقُلْتُ لاَ أَعُودُ فَقَالَ اللَّهَ إِنَّکَ لاَ تَعُودُ قُلْتُ نَعَمْ فَلَمْ أَلْعَنْهُ بَعْدَهَا ثُمَّ کُنْتُ أَحْضُرُ تَحْتَ مِنْبَرِ اَلْمَدِینَةِ وَ أَبِی یَخْطُبُ یَوْمَ الْجُمُعَةِ وَ هُوَ حِینَئِذٍ أَمِیرُ اَلْمَدِینَةِ فَکُنْتُ أَسْمَعُ أَبِی یَمُرُّ فِی خُطَبِهِ تَهْدِرُ شَقَاشِقُهُ حَتَّی یَأْتِیَ إِلَی لَعْنِ عَلِیٍّ ع فَیُجَمْجِمُ وَ یَعْرِضُ لَهُ مِنَ الْفَهَاهَةِ وَ الْحَصْرِ مَا اللَّهُ عَالِمٌ بِهِ فَکُنْتُ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِکَ فَقُلْتُ لَهُ یَوْماً یَا أَبَتِ أَنْتَ أَفْصَحُ النَّاسِ وَ أَخْطَبُهُمْ فَمَا بَالِی أَرَاکَ أَفْصَحَ خَطِیبٍ یَوْمَ حَفْلِکَ حَتَّی إِذَا مَرَرْتَ بِلَعْنِ هَذَا الرَّجُلِ صِرْتَ أَلْکَنَ علیّا [عَیِیّاً]

فَقَالَ یَا بُنَیَّ إِنَّ مَنْ تَرَی تَحْتَ مِنْبَرِنَا مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ غَیْرِهِمْ لَوْ عَلِمُوا مِنْ فَضْلِ هَذَا الرَّجُلِ مَا یَعْلَمُهُ أَبُوکَ لَمْ یَتَّبِعْنُا مِنْهُمْ أَحَدٌ فَوَقَّرْتُ کَلِمَتَهُ فِی صَدْرِی مَعَ مَا کَانَ قَالَهُ لِی مُعَلِّمِی أَیَّامَ صِغَرِی فَأَعْطَیْتُ اللَّهَ عَهْداً لَئِنْ کَانَ لِی فِی هَذَا الْأَمْرِ نَصِیبٌ لَأُغَیِّرَنَّهُ فَلَمَّا مَنَّ اللَّهُ عَلَیَّ بِالْخِلاَفَةِ أَسْقَطْتُ ذَلِکَ وَ جَعَلْتُ مَکَانَهُ إِنَّ اللّٰهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ وَ إِیتٰاءِ ذِی الْقُرْبیٰ وَ یَنْهیٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ الْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ (1) وَ کَتَبَ بِهِ إِلَی الْآفَاقِ فَصَارَ سُنَّةً.

وَ قَالَ کَثِیرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ یَمْدَحُ عُمَرَ وَ یَذْکُرُ قَطْعَهُ السَّبَّ وُلِّیتَ فَلَمْ تَشْتِمْ عَلِیّاً وَ لَمْ تُخِفْ

ص :59

أَلاَ إِنَّمَا یَکْفِی الْفَتَی بَعْدَ زَیْغِهِ

وَ قَالَ اَلرَّضِیُّ أَبُو الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی یَا اِبْنَ عَبْدِ الْعَزِیزِ لَوْ بَکَتِ الْعَیْنُ

ص :60

715

1,3- وَ رَوَی اِبْنُ الْکَلْبِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ قَالَ اَلْحَجَّاجُ یَوْماً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَانِئٍ وَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی أَوْدٍ حَیٌّ مِنْ قَحْطَانَ وَ کَانَ شَرِیفاً فِی قَوْمِهِ قَدْ شَهِدَ مَعَ اَلْحَجَّاجِ مَشَاهِدَهُ کُلَّهَا وَ کَانَ مِنْ أَنْصَارِهِ وَ شِیعَتِهِ وَ اللَّهِ مَا کَافَأْتُکَ بَعْدُ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَی أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ سَیِّدِ بَنِی فَزَارَةَ أَنْ زَوِّجْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هَانِئِ بِابْنَتِکَ فَقَالَ لاَ وَ اللَّهِ وَ لاَ کَرَامَةَ فَدَعَا بِالسِّیَاطِ فَلَمَّا رَأَی الشَّرَّ قَالَ نَعَمْ أُزَوِّجُهُ ثُمَّ بَعَثَ إِلَی سَعِیدِ بْنِ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیِّ رَئِیسِ اَلْیَمَانِیَّةِ زَوِّجْ ابْنَتَکَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْدٍ فَقَالَ وَ مَنْ أَوْدٌ لاَ وَ اللَّهِ لاَ أُزَوِّجُهُ وَ لاَ کَرَامَةَ فَقَالَ عَلَیَّ بِالسَّیْفِ فَقَالَ دَعْنِی حَتَّی أُشَاوِرَ أَهْلِی فَشَاوَرَهُمْ فَقَالُوا زَوِّجْهُ وَ لاَ تُعَرِّضْ نَفْسَکَ لِهَذَا الْفَاسِقِ فَزَوَّجَهُ فَقَالَ اَلْحَجَّاجُ لِعَبْدِ اللَّهِ قَدْ زَوَّجْتُکَ بِنْتَ سَیِّدِ فَزَارَةَ وَ بِنْتَ سَیِّدِ هَمْدَانَ وَ عَظِیمِ کَهْلاَنَ وَ مَا أَوْدٌ هُنَاکَ فَقَالَ لاَ تَقُلْ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِیرَ ذَاکَ فَإِنَّ لَنَا مَنَاقِبَ لَیْسَتْ لِأَحَدٍ مِنَ اَلْعَرَبِ قَالَ وَ مَا هِیَ قَالَ مَا سُبَّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَبْدُ الْمَلِکِ فِی نَادٍ لَنَا قَطُّ قَالَ مَنْقَبَةٌ وَ اللَّهِ قَالَ وَ شَهِدَ مِنَّا صِفِّینَ مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ مُعَاوِیَةَ سَبْعُونَ رَجُلاً مَا شَهِدَ مِنَّا مَعَ أَبِی تُرَابٍ إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَ کَانَ وَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ امْرَأَ سَوْءٍ قَالَ مَنْقَبَةٌ وَ اللَّهِ قَالَ وَ مِنَّا نِسْوَةٌ نَذَرْنَ إِنْ قُتِلَ اَلْحُسَیْنُ بْنُ عَلِیٍّ أَنْ تَنْحَرَ کُلُّ وَاحِدَةٍ عَشْرَ قَلاَئِصَ فَفَعَلْنَ قَالَ مَنْقَبَةٌ وَ اللَّهِ قَالَ وَ مَا مِنَّا رَجُلٌ عُرِضَ عَلَیْهِ شَتْمُ أَبِی تُرَابٍ وَ لَعْنُهُ إِلاَّ فَعَلَ وَ زَادَ ابْنَیْهِ حَسَناً وَ حُسَیْناً وَ أُمَّهُمَا فَاطِمَةَ قَالَ مَنْقَبَةٌ وَ اللَّهِ قَالَ وَ مَا أَحَدٌ مِنَ اَلْعَرَبِ لَهُ مِنَ الصَّبَاحَةِ وَ الْمَلاَحَةِ مَا لَنَا فَضَحِکَ اَلْحَجَّاجُ وَ قَالَ أَمَّا هَذِهِ یَا أَبَا هَانِئٍ فَدَعْهَا وَ کَانَ عَبْدُ اللَّهِ دَمِیماً شَدِیدَ الْأُدْمَةِ (1) مَجْدُوراً فِی رَأْسِهِ عَجَرٌ (2) مَائِلَ الشِّدْقِ أَحْولَ قَبِیحَ الْوَجْهِ شَدِیدَ الْحَوَلِ

.

و کان عبد اللّه بن الزبیر یبغض علیا ع و ینتقصه و ینال من عرضه.

ص :61

716

وَ رَوَی عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ وَ اِبْنُ الْکَلْبِیِّ وَ اَلْوَاقِدِیُّ وَ غَیْرُهُمْ مِنْ رُوَاةِ السِّیَرِ أَنَّهُ مَکَثَ أَیَّامَ ادِّعَائِهِ الْخِلاَفَةَ أَرْبَعِینَ جُمُعَةً لاَ یُصَلِّی فِیهَا عَلَی اَلنَّبِیِّ ص وَ قَالَ لاَ یَمْنَعُنِی مِنْ ذِکْرِهِ إِلاَّ أَنْ تَشْمَخَ رِجَالٌ بِآنَافِهَا.

717

وَ فِی رِوَایَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِیبٍ وَ أَبِی عُبَیْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّی أَنَّ لَهُ أُهَیْلَ سَوْءٍ یُنَغِّضُونَ رُءُوسَهُمْ عِنْدَ ذِکْرِهِ.

718

14- وَ رَوَی سَعِیدُ بْنُ جُبَیْرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَیْرِ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مَا حَدِیثٌ أَسْمَعُهُ عَنْکَ قَالَ وَ مَا هُوَ قَالَ تَأْنِیبِی وَ ذَمِّی فَقَالَ إِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ بِئْسَ الْمَرْءُ اَلْمُسْلِمُ یَشْبَعُ وَ یَجُوعُ جَارُهُ فَقَالَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ إِنِّی لَأَکْتُمُ بُغْضَکُمْ أَهْلَ هَذَا الْبَیْتِ مُنْذُ أَرْبَعِینَ سَنَةً وَ ذَکَرَ تَمَامَ الْحَدِیثِ .

719

14,1- وَ رَوَی عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ أَیْضاً عَنْ سَعِیدِ بْنِ جُبَیْرٍ قَالَ خَطَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ فَنَالَ مِنْ عَلِیٍّ ع فَبَلَغَ ذَلِکَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِیَّةِ فَجَاءَ إِلَیْهِ وَ هُوَ یَخْطُبُ فَوُضِعَ لَهُ کُرْسِیٌّ فَقَطَعَ عَلَیْهِ خُطْبَتَهُ وَ قَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْعَرَبِ شَاهَتِ الْوُجُوهُ أَ یُنْتَقَصُ عَلِیٌّ وَ أَنْتُمْ حُضُورٌ إِنَّ عَلِیّاً کَانَ یَدَ اللَّهِ عَلَی أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ صَاعِقَةً مِنْ أَمْرِهِ أَرْسَلَهُ عَلَی اَلْکَافِرِینَ وَ الْجَاحِدِینَ لَحِقَهُ فَقَتَلَهُمْ بِکُفْرِهِمْ فَشَنَّئُوهُ وَ أَبْغَضُوهُ وَ أَضْمَرُوا لَهُ الشَّنْفَ (1) وَ الْحَسَدَ وَ اِبْنُ عَمِّهِ ص حَیٌّ بَعْدَ لَمْ یَمُتْ فَلَمَّا نَقَلَهُ اللَّهُ إِلَی جِوَارِهِ وَ أَحَبَّ لَهُ مَا عِنْدَهُ أَظْهَرَتْ لَهُ رِجَالٌ أَحْقَادَهَا وَ شَفَتْ أَضْغَانَهَا فَمِنْهُمْ مَنِ ابْتُزَّ حَقُّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ ائْتُمِرَ بِهِ لِیَقْتُلَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ شَتَمَهُ وَ قَذَفَهُ بِالْأَبَاطِیلِ فَإِنْ یَکُنْ لِذُرِّیَّتِهِ وَ نَاصِرِی دَعْوَتِهِ دَوْلَةٌ تَنْشُرُ عِظَامَهُمْ وَ تَحْفِرُ عَلَی أَجْسَادِهِمْ وَ الْأَبْدَانُ مِنْهُمْ یَوْمَئِذٍ بَالِیَةٌ بَعْدَ أَنْ تُقْتَلَ الْأَحْیَاءُ مِنْهُمْ وَ تُذَلَّ رِقَابُهُمْ فَیَکُونَ اللَّهَ عَزَّ اسْمُهُ قَدْ عَذَّبَهُمْ بِأَیْدِینَا وَ أَخْزَاهُمْ وَ نَصَرَنَا عَلَیْهِمْ وَ شَفَا صُدُورَنَا مِنْهُمْ إِنَّهُ وَ اللَّهِ مَا یَشْتِمُ عَلِیّاً إِلاَّ کَافِرٌ یُسِرُّ شَتْمَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ یَخَافُ أَنْ یَبُوحَ بِهِ

ص :62

فَیَکْنِی بِشَتْمِ عَلِیٍّ ع عَنْهُ أَمَا إِنَّهُ قَدْ تَخَطَّتِ الْمَنِیَّةُ مِنْکُمْ مَنْ امْتَدَّ عُمُرُهُ وَ سَمِعَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِیهِ لاَ یُحِبُّکَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَ لاَ یُبْغِضُکَ إِلاَّ مُنَافِقٌ وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ فَعَادَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ إِلَی خُطْبَتِهِ وَ قَالَ عَذَرْتُ بَنِی الْفَوَاطِمِ یَتَکَلَّمُونَ فَمَا بَالُ اِبْنِ أُمِّ حَنِیفَةَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ یَا اِبْنَ أُمِّ رُومَانَ (1) وَ مَا لِی لاَ أَتَکَلَّمُ وَ هَلْ فَاتَنِی مِنَ اَلْفَوَاطِمِ إِلاَّ وَاحِدَةٌ وَ لَمْ یَفُتْنِی فَخْرُهَا لِأَنَّهَا أُمُّ أَخَوَیَّ أَنَا ابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ عِمْرَانَ بْنِ عَائِذِ بْنِ مَخْزُومٍ جَدَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَنَا ابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ کَافِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ الْقَائِمَةِ مَقَامَ أُمِّهِ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لاَ خَدِیجَةُ بِنْتُ خُوَیْلِدٍ مَا تَرَکْتُ فِی بَنِی أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّی عَظْماً إِلاَّ هَشَمْتُهُ ثُمَّ قَامَ فَانْصَرَفَ

.

رَسُولِ اللَّهِ

إِذْ أَقْبَلَ اَلْعَبَّاسُ وَ عَلِیٌّ فَقَالَ یَا عَائِشَةُ إِنَّ هَذَیْنِ یَمُوتَانِ عَلَی غَیْرِ مِلَّتِی أَوْ قَالَ دِینِی!!! .

721

14,1- وَ رَوَی عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُعَمَّرٍ قَالَ کَانَ عِنْدَ اَلزُّهْرِیِّ حَدِیثَانِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِی عَلِیٍّ ع فَسَأَلْتُهُ عَنْهُمَا یَوْماً فَقَالَ مَا تَصْنَعُ بِهِمَا وَ بِحَدِیثِهِمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا إِنِّی لَأَتَّهِمُهُمَا فِی بَنِی هَاشِمٍ .

قَالَ فَأَمَّا الْحَدِیثُ الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَکَرْنَاهُ وَ أَمَّا الْحَدِیثُ الثَّانِی فَهُوَ أَنَّ عُرْوَةَ زَعَمَ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ کُنْتُ عِنْدَ اَلنَّبِیِّ ص إِذْ أَقْبَلَ اَلْعَبَّاسُ وَ عَلِیٌّ فَقَالَ یَا عَائِشَةُ إِنْ سَرَّکَ أَنْ تَنْظُرِی إِلَی رَجُلَیْنِ مِنْ أَهْلِ اَلنَّارِ فَانْظُرِی إِلَی هَذَیْنِ قَدْ طَلَعَا فَنَظَرْتُ فَإِذَا اَلْعَبَّاسُ وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ !!!

.

و أما عمرو بن العاص

722

فَرُوِیَ عَنْهُ الْحَدِیثُ الَّذِی أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِیُّ وَ مُسْلِمٌ فِی صَحِیحَیْهِمَا مُسْنَداً مُتَّصِلاً بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِنَّ آلَ أَبِی طَالِبٍ لَیْسُوا لِی بِأَوْلِیَاءَ إِنَّمَا وَلِیِّی اللَّهُ وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِینَ !!!.

723

14,1,15- وَ أَمَّا أَبُو هُرَیْرَةَ فَرُوِیَ عَنْهُ الْحَدِیثُ الَّذِی مَعْنَاهُ أَنَّ عَلِیّاً ع خَطَبَ اِبْنَةَ أَبِی جَهْلٍ فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَأَسْخَطَهُ فَخَطَبَ عَلَی اَلْمِنْبَرِ وَ قَالَ لاَهَا اللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ ابْنَةُ وَلِیِّ اللَّهِ وَ ابْنَةُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبِی جَهْلٍ إِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ (1) مِنِّی یُؤْذِینِی مَا یُؤْذِیهَا فَإِنْ کَانَ عَلِیٌّ یُرِیدُ ابْنَةَ أَبِی جَهْلٍ فَلْیُفَارِقْ ابْنَتِی وَ لْیَفْعَلْ مَا یُرِیدُ!!! .

أو کلاما هذا معناه و الحدیث مشهور من روایة الکرابیسی .

قلت هذا الحدیث أیضا مخرج فی صحیحی مسلم و البخاری عن المسور بن مخرمة الزهری و قد ذکره المرتضی فی کتابه المسمی تنزیه الأنبیاء و الأئمة و ذکر أنّه روایة

ص :64

حسینٍ الکرابیسی (1) و أنّه مشهور بالانحراف عن أهل البیت ع و عداوتهم و المناصبة لهم فلا تقبل روایته.

و لشیاع هذا الخبر و انتشاره ذکره مروان بن أبی حفصة فی قصیدة یمدح بها الرشید و یذکر فیها ولد فاطمة ع و ینحی علیهم و یذمهم و قد بالغ حین ذم علیا ع و نال منه و أولها سلام علی جمل و هیهات من جمل و یا حبذا جمل و إن صرمت حبلی.

یقول فیها علی أبوکم کان أفضل منکم

و قد روی هذا الخبر علی وجوه مختلفة و فیه زیادات متفاوتة فمن الناس من یروی فیه مهما ذممنا من صهر فإنا لم نذم صهر أبی العاص بن الربیع و من الناس من یروی فیه ألا إن بنی المغیرة أرسلوا إلی علی لیزوجوه کریمتهم و غیر ذلک.

و عندی أن هذا الخبر لو صح لم یکن علی أمیر المؤمنین فیه غضاضة و لا قدح لأن

ص :65

الأمة مجمعة علی أنّه لو نکح ابنة أبی جهل مضافا إلی نکاح فاطمة ع لجاز لأنّه داخل تحت عموم الآیة المبیحة للنساء الأربع فابنة أبی جهل المشار إلیها کانت مسلمة لأن هذه القصة کانت بعد فتح مکّة و إسلام أهلها طوعا و کرها و رواة الخبر موافقون علی ذلک فلم یبق إلاّ أنّه إن کان هذا الخبر صحیحا فإن رسول اللّه ص لما رأی فاطمة ع قد غارت و أدرکها ما یدرک النساء عاتب علیا ع عتاب الأهل و کما یستثبت الوالد رأی الولد و یستعطفه إلی رضا أهله و صلح زوجته و لعلّ الواقع کان بعض هذا الکلام فحرف و زید فیه و لو تأملت أحوال النبیّ ص مع زوجاته و ما کان یجری بینه و بینهن من الغضب تارة و الصلح أخری و السخط تارة و الرضا أخری حتّی بلغ الأمر إلی الطلاق مرة و إلی الإیلاء مرة و إلی الهجر و القطیعة مرة و تدبرت ما ورد فی الروایات الصحیحة ممّا کن یلقینه ع به و یسمعنه إیاه لعلمت أن الذی عاب الحسدة و الشائنون علیا ع به بالنسبة إلی تلک الأحوال قطرة من البحر المحیط و لو لم یکن إلاّ قصة ماریة و ما جری بین رسول اللّه ص و بین تینک الامرأتین من الأحوال و الأقوال حتّی أنزل فیهما قرآن یتلی فی المحاریب و یکتب فی المصاحف و قیل لهما ما لا یقال للإسکندر ملک الدنیا لو کان حیا منابذا لرسول اللّه ص وَ إِنْ تَظٰاهَرٰا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللّٰهَ هُوَ مَوْلاٰهُ وَ جِبْرِیلُ وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمَلاٰئِکَةُ بَعْدَ ذٰلِکَ ظَهِیرٌ (1) ثم أردف بعد ذلک بالوعید و التخویف عَسیٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَکُنَّ (2) الآیات بتمامها ثمّ ضرب لهما مثلا امرأة نوح و امرأة لوط اللتین خانتا بعلیهما فَلَمْ یُغْنِیٰا عَنْهُمٰا مِنَ اللّٰهِ شَیْئاً و تمام الآیة معلوم فهل ما روی فی الخبر من تعصب فاطمة علی علی ع

ص :66

و غیرتها من تعریض بنی المغیرة له بنکاح عقیلتهم إذا قویس إلی هذه الأحوال و غیرها ممّا کان یجری إلاّ کنسبة التأفیف (1) إلی حرب البسوس و لکن صاحب الهوی و العصبیّة لا علاج له.

ثمّ نعود إلی حکایة کلام شیخنا أبی جعفر الإسکافی رحمه اللّه تعالی

724

14,1- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ رَوَی اَلْأَعْمَشُ قَالَ لَمَّا قَدِمَ أَبُو هُرَیْرَةَ اَلْعِرَاقَ مَعَ مُعَاوِیَةَ عَامَ الْمَجَاعَةِ جَاءَ إِلَی مَسْجِدِ الْکُوفَةِ فَلَمَّا رَأَی کَثْرَةَ مَنِ اسْتَقْبَلَهُ مِنَ النَّاسِ جَثَا عَلَی رُکْبَتَیْهِ ثُمَّ ضَرَبَ صُلْعَتَهُ مِرَاراً وَ قَالَ یَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ أَ تَزْعُمُونَ أَنِّی أَکْذِبُ عَلَی اللَّهِ وَ عَلَی رَسُولِهِ وَ أُحْرِقُ نَفْسِی بِالنَّارِ وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِنَّ لِکُلِّ نَبِیٍّ حَرَماً وَ إِنَّ حَرَمِی بِالْمَدِینَةِ مَا بَیْنَ عَیْرٍ إِلَی ثَوْرٍ فَمَنْ أَحْدَثَ فِیهَا حَدَثاً فَعَلَیْهِ لَعْنَةُ اللّٰهِ وَ الْمَلاٰئِکَةِ وَ النّٰاسِ أَجْمَعِینَ وَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ عَلِیّاً أَحْدَثَ فِیهَا!!! فَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِیَةَ قَوْلُهُ أَجَازَهُ وَ أَکْرَمَهُ وَ وَلاَّهُ إِمَارَةَ اَلْمَدِینَةِ .

قلت أما قوله ما بین عیر إلی ثور (2) فالظاهر أنّه غلط من الراوی لأن ثورا بمکّة و هو جبل یقال له ثور أطحل و فیه الغار الذی دخله النبیّ ص و أبو بکر و إنّما قیل أطحل لأن أطحل بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن إلیاس بن مضر بن نزار بن عدنان کان یسکنه و قیل اسم الجبل أطحل فأضیف ثور إلیه و هو ثور بن عبد مناف و الصواب ما بین عیر إلی أحد (3) .فأما قول أبی هریرة أن علیا ع أحدث فی المدینة فحاش لله کان علی ع أتقی لله من ذلک و اللّه لقد نصر عثمان نصرا لو کان المحصور جعفر بن أبی طالب لم یبذل له إلاّ مثله.

قال أبو جعفر و أبو هریرة مدخول عند شیوخنا غیر مرضی الروایة ضربه عمر

ص :67

بالدرة و قال قد أکثرت من الروایة و أحربک أن تکون کاذبا علی رسول اللّه ص .

و روی سفیان الثوری عن منصور عن إبراهیم التیمی قال کانوا لا یأخذون عن أبی هریرة إلا ما کان من ذکر جنة أو نار.

و روی أبو أسامة عن الأعمش قال کان إبراهیم صحیح الحدیث فکنت إذا سمعت الحدیث أتیته فعرضته علیه فأتیته یوما بأحادیث من حدیث أبی صالح عن أبی هریرة فقال دعنی من أبی هریرة إنهم کانوا یترکون کثیرا من حدیثه.

725

وَ قَدْ رُوِیَ عَنْ عَلِیٍّ ع أَنَّهُ قَالَ

أَلاَ إِنَّ أَکْذَبَ النَّاسِ أَوْ قَالَ أَکْذَبَ الْأَحْیَاءِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص أَبُو هُرَیْرَةَ الدَّوْسِیُّ .

726

وَ رَوَی أَبُو یُوسُفَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِی حَنِیفَةَ الْخَبَرُ یَجِیءُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص یُخَالِفُ قِیَاسَنَا مَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ إِذَا جَاءَتِ بِهِ الرُّوَاةُ الثِّقَاتُ عَمِلْنَا بِهِ وَ تَرَکْنَا الرَّأْیَ فَقُلْتُ مَا تَقُولُ فِی رِوَایَةِ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَقَالَ نَاهِیکَ بِهِمَا فَقُلْتُ عَلِیٍّ وَ عُثْمَانَ قَالَ کَذَلِکَ فَلَمَّا رَآنِی أَعُدُّ اَلصَّحَابَةَ قَالَ وَ اَلصَّحَابَةُ کُلُّهُمْ عُدُولٌ مَا عَدَا رِجَالاً ثُمَّ عَدَّ مِنْهُمْ أَبَا هُرَیْرَةَ وَ أَنَسَ بْنَ مَالِکٍ .

727

14,1- وَ رَوَی سُفْیَانُ الثَّوْرِیُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ أَنَّ أَبَا هُرَیْرَةَ لَمَّا قَدِمَ اَلْکُوفَةَ مَعَ مُعَاوِیَةَ کَانَ یَجْلِسُ بِالْعَشِیَّاتِ بِبَابِ کِنْدَةَ وَ یَجْلِسُ النَّاسُ إِلَیْهِ فَجَاءَ شَابٌّ مِنَ اَلْکُوفَةِ فَجَلَسَ إِلَیْهِ فَقَالَ یَا أَبَا هُرَیْرَةَ أَنْشُدُکَ اللَّهَ أَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ وَالَیْتَ عَدُوَّهُ وَ عَادَیْتَ وَلِیَّهُ ثُمَّ قَامَ عَنْهُ

.

ص :68

728

وَ رَوَتِ الرُّوَاةُ أَنَّ أَبَا هُرَیْرَةَ کَانَ یُؤَاکِلُ الصِّبْیَانَ فِی الطَّرِیقِ وَ یَلْعَبُ مَعَهُمْ وَ کَانَ یَخْطُبُ وَ هُوَ أَمِیرُ اَلْمَدِینَةِ فَیَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی جَعَلَ الدِّینَ قِیَاماً وَ أَبَا هُرَیْرَةَ إِمَاماً یُضْحِکُ النَّاسَ بِذَلِکَ وَ کَانَ یَمْشِی وَ هُوَ أَمِیرُ اَلْمَدِینَةِ فِی السُّوقِ فَإِذَا انْتَهَی إِلَی رَجُلٍ یَمْشِی أَمَامَهُ ضَرَبَ بِرِجْلَیْهِ الْأَرْضَ وَ یَقُولُ الطَّرِیقَ الطَّرِیقَ قَدْ جَاءَ الْأَمِیرُ یَعْنِی نَفْسَهُ.

قلت قد ذکر ابن قتیبة هذا کله فی کتاب المعارف (1) فی ترجمة أبی هریرة و قوله فیه حجة لأنّه غیر متهم علیه.

729

1- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ کَانَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ یَلْعَنُ عَلِیّاً ع لَعْناً صَرِیحاً عَلَی مِنْبَرِ اَلْکُوفَةِ وَ کَانَ بَلَغَهُ عَنْ عَلِیٍّ ع فِی أَیَّامِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَئِنْ رَأَیْتُ اَلْمُغِیرَةَ لَأَرْجُمَنَّهُ بِأَحْجَارِهِ یَعْنِی وَاقِعَةَ الزِّنَاءِ بِالْمَرْأَةِ الَّتِی شَهِدَ عَلَیْهِ فِیهَا أَبُو بَکْرَةَ وَ نَکَلَ زِیَادٌ عَنِ الشَّهَادَةِ فَکَانَ یُبْغِضُهُ لِذَاکَ وَ لِغَیْرِهِ مِنْ أَحْوَالٍ اجْتَمَعَتْ فِی نَفْسِهِ .

730

قَالَ وَ قَدْ تَظَاهَرَتِ الرِّوَایَةُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَیْرِ أَنَّهُ کَانَ یَأْخُذُهُ الزَّمَعُ (2) عِنْدَ ذِکْرِ عَلِیٍّ ع فَیَسُبُّهُ وَ یَضْرِبُ بِإِحْدَی یَدَیْهِ عَلَی الْأُخْرَی وَ یَقُولُ وَ مَا یُغْنِی أَنَّهُ لَمْ یُخَالِفْ إِلَی مَا نُهِیَ عَنْهُ وَ قَدْ أَرَاقَ مِنْ دِمَاءِ اَلْمُسْلِمِینَ مَا أَرَاقَ.

قال و قد کان فی المحدثین من یبغضه ع و یروی فیه الأحادیث المنکرة منهم حریز بن عثمان کان یبغضه و ینتقصه و یروی فیه أخبارا مکذوبة و قد روی

ص :69

المحدّثون أن حریزا رؤی فی المنام بعد موته فقیل له ما فعل اللّه بک قال کاد یغفر لی لو لا بغض علی .

قلت

731

قَدْ رَوَی أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ فِی کِتَابِ اَلسَّقِیفَةِ قَالَ حَدَّثَنِی أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْجُنَیْدِ قَالَ حَدَّثَنِی إِبْرَاهِیمُ بْنُ الْجُنَیْدِ قَالَ حَدَّثَنِی مَحْفُوظُ بْنُ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِی أَبُو الْبُهْلُولِ یُوسُفُ بْنُ یَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ حَسَّانَ وَ کَانَ مَوْلًی لِبَنِی أُمَیَّةَ وَ کَانَ مُؤَذِّناً عِشْرِینَ سَنَةً وَ حَجَّ غَیْرَ حِجَّةٍ وَ أَثْنَی أَبُو الْبُهْلُولِ عَلَیْهِ خَیْراً قَالَ حَضَرْتُ حَرِیزَ بْنَ عُثْمَانَ وَ ذَکَرَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ ذَاکَ الَّذِی أَحَلَّ حَرَمَ رَسُولِ اللَّهِ ص حَتَّی کَادَ یَقَعُ.

قَالَ مَحْفُوظٌ قُلْتُ لِیَحْیَی بْنِ صَالِحٍ الْوُحَاظِیِّ قَدْ رُوِیتُ عَنْ مَشَایِخَ مِنْ نُظَرَاءِ حَرِیزٍ فَمَا بَالُکَ لَمْ تَحْمِلْ عَنْ حَرِیزٍ قَالَ إِنِّی أَتَیْتُهُ فَنَاوَلَنِی کِتَاباً فَإِذَا فِیهِ حَدَّثَنِی فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنٍ أَنَّ اَلنَّبِیَّ ص لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَی أَنْ تُقْطَعَ یَدُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع فَرَدَدْتُ الْکِتَابَ وَ لَمْ أَسْتَحِلَّ أَنْ أَکْتُبَ عَنْهُ شَیْئاً.

732

قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنِی أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِی إِبْرَاهِیمُ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ صَاحِبُ الْخَانَاتِ قَالَ قَالَ لَنَا حَرِیزُ بْنُ عُثْمَانَ أَنْتُمْ یَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ تُحِبُّونَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ ع وَ نَحْنُ نُبْغِضُهُ قَالُوا لِمَ قَالَ لِأَنَّهُ قَتَلَ أَجْدَادِی.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ وَ کَانَ حَرِیزُ بْنُ عُثْمَانَ نَازِلاً عَلَیْنَا.

قال أبو جعفر رحمه اللّه تعالی و کان المغیرة بن شعبة صاحب دنیا یبیع دینه بالقلیل النزر منها و یرضی معاویة بذکر علیّ بن أبی طالب ع قال یوما فی مجلس معاویة إن علیا لم ینکحه رسول اللّه ابنته حبا و لکنه أراد أن یکافئ بذلک إحسان أبی طالب إلیه.

ص :70

قال و قد صح عندنا أن المغیرة لعنه علی منبر العراق مرات لا تحصی و یروی أنّه لما مات و دفنوه أقبل رجل راکب ظلیما فوقف قریبا منه ثمّ قال أ من رسم دار من مغیرة تعرف

قال فطلبوه فغاب عنهم و لم یروا أحدا فعلموا أنّه من الجن.

قال فأما مروان بن الحکم فأحقر و أقل من أن یذکر فی الصحابة الذین قد غمصناهم و أوضحنا سوء رأینا فیهم لأنّه کان مجاهرا بالإلحاد هو و أبوه الحکم بن أبی العاص و هما الطریدان اللعینان کان أبوه عدو رسول اللّه ص یحکیه فی مشیه و یغمز علیه عینه و یدلع (1) له لسانه و یتهکم به و یتهانف (2) علیه هذا و هو فی قبضته و تحت یده و فی دار دعوته بالمدینة و هو یعلم أنّه قادر علی قتله أی وقت شاء من لیل أو نهار فهل یکون هذا إلاّ من شانئ شدید البغضة و مستحکم العداوة حتّی أفضی أمره إلی أن طرده رسول اللّه ص عن المدینة و سیره إلی الطائف .و أما مروان ابنه فأخبث عقیدة و أعظم إلحادا و کفرا

733

3- وَ هُوَ الَّذِی خَطَبَ یَوْمَ وَصَلَ إِلَیْهِ رَأْسُ اَلْحُسَیْنِ ع إِلَی اَلْمَدِینَةِ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ أَمِیرُهَا وَ قَدْ حَمَلَ الرَّأْسَ عَلَی یَدَیْهِ فَقَالَ یَا حَبَّذَا بَرْدُکَ فِی الْیَدَیْنِ وَ حُمْرَةٌ تَجْرِی عَلَی الْخَدَّیْنِ کَأَنَّمَا بِتَّ بِمَسْجِدَیْنِ.

ص :71

ثُمَّ رَمَی بِالرَّأْسِ نَحْوَ قَبْرِ اَلنَّبِیِّ وَ قَالَ یَا مُحَمَّدُ یَوْمٌ بِیَوْمِ بَدْرٍ

. و هذا القول مشتق من الشعر الذی تمثل به یزید بن معاویة و هو شعر ابن الزبعری یوم وصل الرأس إلیه.

و الخبر مشهور (1) .

قلت هکذا قال شیخنا أبو جعفر و الصحیح أن مروان لم یکن أمیر المدینة یومئذ بل کان أمیرها عمرو بن سعید بن العاص و لم یحمل إلیه الرأس و إنّما کتب إلیه عبید اللّه بن زیاد یبشره بقتل الحسین ع فقرأ کتابه علی المنبر و أنشد الرجز المذکور و أومأ إلی القبر قائلا یوم بیوم بدر فأنکر علیه قوله قوم من الأنصار .

ذکر ذلک أبو عبیدة فی کتاب المثالب .

734

2,14- قَالَ وَ رَوَی الْوَاقِدِیُّ أَنَّ مُعَاوِیَةَ لَمَّا عَادَ مِنَ اَلْعِرَاقِ إِلَی اَلشَّامِ بَعْدَ بَیْعَةِ اَلْحَسَنِ ع وَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ إِلَیْهِ خَطَبَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لِی إِنَّکَ سَتَلِی الْخِلاَفَةَ مِنْ بَعْدِی فَاخْتَرِ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَإِنَّ فِیهَا الْأَبْدَالَ!!! وَ قَدِ اخْتَرْتُکُمْ فَالْعَنُوا أَبَا تُرَابٍ فَلَعَنُوهُ فَلَمَّا کَانَ مِنَ الْغَدِ کَتَبَ کِتَاباً ثُمَّ جَمَعَهُمْ فَقَرَأَهُ عَلَیْهِمْ وَ فِیهِ هَذَا کِتَابٌ کَتَبَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ مُعَاوِیَةُ صَاحِبُ وَحْیِ اللَّهِ الَّذِی بَعَثَ مُحَمَّداً نَبِیّاً وَ کَانَ أُمِّیّاً لاَ یَقْرَأُ وَ لاَ یَکْتُبُ فَاصْطَفَی لَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَزِیراً کَاتِباً أَمِیناً!!! فَکَانَ الْوَحْیُ یَنْزِلُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ أَنَا أَکْتُبْهُ وَ هُوَ لاَ یَعْلَمُ مَا أَکْتُبُ فَلَمْ یَکُنْ بَیْنِی وَ بَیْنَ اللَّهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ فَقَالَ لَهُ الْحَاضِرُونَ کُلُّهُمْ صَدَقْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ

.

ص :72

735

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ مُعَاوِیَةَ بَذَلَ لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ حَتَّی یَرْوِیَ أَنَّ هَذِهِ الْآیَةَ نَزَلَتْ فِی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ یُعْجِبُکَ قَوْلُهُ فِی الْحَیٰاةِ الدُّنْیٰا وَ یُشْهِدُ اللّٰهَ عَلیٰ مٰا فِی قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصٰامِ وَ إِذٰا تَوَلّٰی سَعیٰ فِی الْأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیهٰا وَ یُهْلِکَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّٰهُ لاٰ یُحِبُّ الْفَسٰادَ (1) وَ أَنَّ الْآیَةَ الثَّانِیَةَ نَزَلَتْ فِی اِبْنِ مُلْجَمٍ وَ هِیَ قَوْلُهُ تَعَالَی وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ (2) فَلَمْ یَقْبَلْ فَبَذَلَ لَهُ مِائَتَیْ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ یَقْبَلْ فَبَذَلَ لَهُ ثَلاَثَمِائَةِ أَلْفٍ فَلَمْ یَقْبَلْ فَبَذَلَ لَهُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ فَقَبِلَ وَ رَوَی ذَلِکَ.

قال و قد صح أن بنی أمیّة منعوا من إظهار فضائل علی ع و عاقبوا علی ذلک الراوی له حتّی أن الرجل إذا روی عنه حدیثا لا یتعلق بفضله بل بشرائع الدین لا یتجاسر علی ذکر اسمه فیقول عن أبی زینب .

736

وَ رَوَی عَطَاءٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ وَدِدْتُ أَنْ أَتْرُکَ فَأَحْدَثَ بِفَضَائِلِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع یَوْماً إِلَی اللَّیْلِ وَ أَنَّ عُنُقِی هَذِهِ ضُرِبَتْ بِالسَّیْفِ.

قال فالأحادیث الواردة فی فضله لو لم تکن فی الشهرة و الاستفاضة و کثرة النقل إلی غایة بعیدة لانقطع نقلها للخوف و التقیة من بنی مروان مع طول المدة و شدة العداوة.

و لو لا أن لله تعالی فی هذا الرجل سرا یعلمه من یعلمه لم یرو فی فضله حدیث و لا عرفت له منقبة أ لا تری أن رئیس قریة لو سخط علی واحد من أهلها و منع الناس أن یذکروه بخیر و صلاح لخمل ذکره و نسی اسمه و صار و هو موجود معدوما و هو حی میتا هذه خلاصة ما ذکره شیخنا أبو جعفر رحمه اللّه تعالی فی هذا المعنی فی کتاب التفضیل

ص :73

741

14,1- وَ رَوَی اَلْحَارِثُ بْنُ حُصَیْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص دَفَعَ إِلَی جَرِیرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَعْلَیْنِ مِنْ نِعَالِهِ وَ قَالَ احْتَفِظْ بِهِمَا فَإِنَّ ذَهَابَهُمَا ذَهَابُ دِینِکَ فَلَمَّا کَانَ یَوْمُ الْجَمَلِ ذَهَبَتْ إِحْدَاهُمَا فَلَمَّا أَرْسَلَهُ عَلِیٌّ ع إِلَی مُعَاوِیَةَ ذَهَبَتِ الْأُخْرَی ثُمَّ فَارَقَ عَلِیّاً وَ اعْتَزَلَ الْحَرْبَ .

742

1- وَ رَوَی أَهْلُ السِّیرَةِ أَنَّ اَلْأَشْعَثَ خَطَبَ إِلَی عَلِیٍّ ع ابْنَتَهُ فَزَبَرَهُ وَ قَالَ یَا ابْنَ الْحَائِکِ أَ غَرَّکَ اِبْنُ أَبِی قُحَافَةَ .

743

1,14- وَ رَوَی أَبُو بَکْرٍ الْهُذَلِیُّ عَنِ اَلزُّهْرِیِّ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِیِّ بْنِ الْخِیَارِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ قَامَ اَلْأَشْعَثُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ إِنَّ النَّاسَ یَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص عَهِدَ إِلَیْکَ عَهْداً لَمْ یَعْهَدْهُ إِلَی غَیْرِکَ فَقَالَ إِنَّهُ عَهِدَ إِلَیَّ مَا فِی قِرَابِ سَیْفِی لَمْ یَعْهَدْ إِلَیَّ غَیْرَ ذَلِکَ فَقَالَ اَلْأَشْعَثُ هَذِهِ إِنْ قُلْتَهَا فَهِیَ عَلَیْکَ لاَ لَکَ دَعْهَا تَرْحَلْ عَنْکَ فَقَالَ لَهُ وَ مَا عِلْمُکَ بِمَا عَلَیَّ مِمَّا لِی مُنَافِقَ ابْنَ کَافِرٍ حَائِکَ ابْنَ حَائِکٍ إِنِّی لَأَجِدُ مِنْکَ بَنَّةَ (1) الْغَزْلِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِیِّ بْنِ الْخِیَارِ فَقَالَ یَا عُبَیْدَ اللَّهِ إِنَّکَ لَتَسْمَعُ خِلاَفاً وَ تَرَی عَجَباً ثُمَّ أَنْشَدَ (2) أَصْبَحْتُ هَزْءاً لِرَاعِی الضَّأْنِ أَتْبَعُهُ (3) مَا ذَا یُرِیبُکَ مِنِّی رَاعِیَ الضَّأْنِ

.

و قد ذکرنا فی بعض الروایات المتقدمات أن سبب قوله هذه علیک لا لک أمر آخر و الروایات تختلف.

744

1- وَ رَوَی یَحْیَی بْنُ عِیسَی الرَّمْلِیُّ عَنِ اَلْأَعْمَشِ أَنَّ جَرِیراً وَ اَلْأَشْعَثَ خَرَجَا إِلَی جَبَّانِ (4) اَلْکُوفَةِ فَمَرَّ بِهِمَا ضَبٌّ یَعْدُو وَ هُمَا فِی ذَمِّ عَلِیٍّ ع فَنَادَیَاهُ یَا أَبَا حِسْلٍ هَلُمَّ

ص :75

یَدَکَ نُبَایِعْکَ بِالْخِلاَفَةِ فَبَلَغَ عَلِیّاً ع قَوْلُهُمَا فَقَالَ أَمَا إِنَّهُمَا یُحْشَرَانِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ إِمَامُهُمَا ضَبٌّ .

و کان أبو مسعود الأنصاری منحرفا عنه ع

745

1- رَوَی شَرِیکٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِی زُرْعَةَ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ تَذَاکَرْنَا الْقِیَامَ إِذَا مَرَّتِ الْجِنَازَةُ عِنْدَ عَلِیٍّ ع فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِیُّ قَدْ کُنَّا نَقُومُ فَقَالَ عَلِیٌّ ع ذَاکَ وَ أَنْتُمْ یَوْمَئِذٍ یَهُودٌ .

746

1- وَ رَوَی شُعْبَةُ عَنْ عُبَیْدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ حَضَرْتُ عَلِیّاً ع وَ قَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ امْرَأَةٍ تُوُفِّیَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَ هِیَ حَامِلٌ فَقَالَ تَتَرَبَّصُ أَبْعَدَ الْأَجَلَیْنِ فَقَالَ رَجُلٌ فَإِنَّ أَبَا مَسْعُودٍ یَقُولُ وَضْعُهَا انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّ فَرُّوجاً لاَ یَعْلَمُ فَبَلَغَ قَوْلُهُ أَبَا مَسْعُودٍ فَقَالَ بَلَی وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّ الْآخِرَ شَرٌّ .

747

1,14- وَ رَوَی اَلْمِنْهَالُ عَنْ نُعَیْمِ بْنِ دَجَاجَةَ قَالَ کُنْتُ جَالِساً عِنْدَ عَلِیٍّ ع إِذْ جَاءَ أَبُو مَسْعُودٍ فَقَالَ عَلِیٌّ ع جَاءَکُمْ فَرُّوجٌ فَجَاءَ فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع بَلَغَنِی أَنَّکَ تُفْتِی النَّاسَ قَالَ نَعَمْ وَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْآخَرَ شَرٌّ قَالَ فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص شَیْئاً قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُهُ یَقُولُ لاَ یَأْتِی عَلَی النَّاسِ سَنَةُ مِائَةٍ وَ عَلَی الْأَرْضِ عَیْنٌ تَطْرَفُ قَالَ أَخْطَأَتْ اسْتُکَ الْحُفْرَةَ وَ غَلِطْتَ فِی أَوَّلِ ظَنِّکَ إِنَّمَا عَنَی مَنْ حَضَرَهُ یَوْمَئِذٍ وَ هَلِ الرَّخَاءُ إِلاَّ بَعْدَ الْمِائَةِ .

ص :76

748

وَ رَوَی جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ السِّیَرِ أَنَّ عَلِیّاً ع کَانَ یَقُولُ عَنْ کَعْبِ الْأَحْبَارِ إِنَّهُ لَکَذَّابٌ.

و کان کعب منحرفا عن علی ع و کان النعمان بن بشیر الأنصاری منحرفا عنه و عدوا له و خاض الدماء مع معاویة خوضا و کان من أمراء یزید ابنه حتّی قتل و هو علی حاله.

و قد روی أن عمران بن الحصین کان من المنحرفین عنه ع و أن علیا سیره إلی المدائن و ذلک أنّه کان یقول إن مات علی فلا أدری ما موته و إن قتل فعسی أنی إن قتل رجوت له.

و من الناس من یجعل عمران فی الشیعة .

و کان سمرة بن جندب من شرطة زیاد

749

رَوَی عَبْدُ الْمَلِکِ بْنُ حُکَیْمٍ عَنِ اَلْحَسَنِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ إِلَی اَلْبَصْرَةِ فَتَرَکَ مَالاً کَانَ مَعَهُ فِی بَیْتِ الْمَالِ وَ أَخَذَ بَرَاءَةً ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّی رَکْعَتَیْنِ فَأَخَذَهُ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ وَ اتَّهَمَهُ بِرَأْیِ اَلْخَوَارِجِ فَقَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ عَلَی شُرْطَةِ زِیَادٍ فَنَظَرُوا فِیمَا مَعَهُ فَإِذَا الْبَرَاءَةُ بِخَطِّ بَیْتِ الْمَالِ فَقَالَ أَبُو بَکْرَةَ (1) یَا سَمُرَةَ أَ مَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَکّٰی وَ ذَکَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰی (2) فَقَالَ أَخُوکَ (3) أَمَرَنِی بِذَلِکَ.

750

وَ رَوَی اَلْأَعْمَشُ عَنْ أَبِی صَالِحٍ قَالَ قِیلَ لَنَا قَدْ قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَأَتَیْنَاهُ فَإِذَا هُوَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ وَ إِذَا عِنْدَ إِحْدَی رِجْلَیْهِ خَمْرٌ وَ عِنْدَ الْأُخْرَی ثَلْجٌ فَقُلْنَا مَا هَذَا قَالُوا بِهِ النِّقْرِسُ وَ إِذَا قَوْمٌ قَدْ أَتَوْهُ فَقَالُوا یَا سَمُرَةُ

ص :77

مَا تَقُولُ لِرَبِّکَ غَداً تُؤْتَی بِالرَّجُلِ فَیُقَالُ لَکَ هُوَ مِنْ اَلْخَوَارِجِ فَتَأْمُرُ بِقَتْلِهِ ثُمَّ تُؤْتَی بِآخَرَ فَیُقَالُ لَکَ لَیْسَ الَّذِی قَتَلْتَهُ بِخَارِجِیٍّ ذَاکَ فَتًی وَجَدْنَاهُ مَاضِیاً فِی حَاجَتِهِ فَشُبِّهَ عَلَیْنَا وَ إِنَّمَا اَلْخَارِجِیُّ هَذَا فَتَأْمُرُ بِقَتْلِ الثَّانِی فَقَالَ سَمُرَةُ وَ أَیُّ بَأْسٍ فِی ذَلِکَ إِنْ کَانَ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ مَضَی إِلَی اَلْجَنَّةِ وَ إِنْ کَانَ مِنْ أَهْلِ اَلنَّارِ مَضَی إِلَی اَلنَّارِ .

751

14- وَ رَوَی وَاصِلٌ مَوْلَی أَبِی عُیَیْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ ع عَنْ آبَائِهِ قَالَ کَانَ لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ نَخْلٌ فِی بُسْتَانِ رَجُلٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَکَانَ یُؤْذِیهِ فَشَکَا الْأَنْصَارِیُّ ذَلِکَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَبَعَثَ إِلَی سَمُرَةَ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ بِعْ نَخْلَکَ مِنْ هَذَا وَ خُذْ ثَمَنَهُ قَالَ لاَ أَفْعَلُ قَالَ فَخُذْ نَخْلاً مَکَانَ نَخْلِکَ قَالَ لاَ أَفْعَلُ قَالَ فَاشْتَرِ مِنْهُ بُسْتَانَهُ قَالَ لاَ أَفْعَلُ قَالَ فَاتْرُکْ لِی هَذَا النَّخْلَ وَ لَکَ اَلْجَنَّةُ قَالَ لاَ أَفْعَلُ فَقَالَ ص لِلْأَنْصَارِیِّ اذْهَبْ فَاقْطَعْ نَخْلَهُ فَإِنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُ فِیهِ

.

752

14,3- وَ رَوَی شَرِیکٌ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ عَنْ حُجْرِ بْنِ عَدِیٍّ قَالَ قَدِمْتُ اَلْمَدِینَةَ فَجَلَسْتُ إِلَی أَبِی هُرَیْرَةَ فَقَالَ مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ قَالَ مَا فَعَلَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ قُلْتُ هُوَ حَیٌّ قَالَ مَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَیَّ طُولَ حَیَاةٍ مِنْهُ قُلْتُ وَ لِمَ ذَاکَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لِی وَ لَهُ وَ لِحُذَیْفَةَ بْنِ الْیَمَانِ آخِرُکُمْ مَوْتاً فِی اَلنَّارِ فَسَبَقَنَا حُذَیْفَةُ وَ أَنَا الْآنَ أَتَمَنَّی أَنْ أَسْبِقَهُ قَالَ فَبَقِیَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ حَتَّی شَهِدَ مَقْتَلَ اَلْحُسَیْنِ

.

753

3- وَ رَوَی أَحْمَدُ بْنُ بَشِیرٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ کِدَامٍ قَالَ کَانَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ أَیَّامَ مَسِیرِ

ص :78

اَلْحُسَیْنِ ع

إِلَی اَلْکُوفَةِ عَلَی شُرْطَةِ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ زِیَادٍ وَ کَانَ یُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَی الْخُرُوجِ إِلَی اَلْحُسَیْنِ ع وَ قِتَالِهِ

.

و من المنحرفین عنه المبغضین له عبد اللّه بن الزبیر و قد ذکرناه آنفا

754

کَانَ عَلِیٌّ ع یَقُولُ

مَا زَالَ اَلزُّبَیْرُ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ حَتَّی نَشَأَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَأَفْسَدَهُ .

و عبد اللّه هو الذی حمل الزبیر علی الحرب و هو الذی زین لعائشة مسیرها إلی البصرة و کان سبابا فاحشا یبغض بنی هاشم و یلعن و یسب علیّ بن أبی طالب ع و کان علی ع یقنت فی صلاة الفجر و فی صلاة المغرب و یلعن معاویة و عمر و المغیرة و الولید بن عقبة و أبا الأعور و الضحّاک بن قیس و بسر بن أرطاة و حبیب بن مسلمة و أبا موسی الأشعری و مروان بن الحکم و کان هؤلاء یقنتون (1) علیه و یلعنونه.

755

14- وَ رَوَی شَیْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِیُّ الْمُتَکَلِّمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ اللَّیْثِیِّ عَنْ أَبِیهِ قَالَ أَتَیْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ النَّاسُ یَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَ غَضَبِ رَسُولِهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالُوا مُعَاوِیَةُ قَامَ السَّاعَةَ فَأَخَذَ بِیَدِ أَبِی سُفْیَانَ فَخَرَجَا مِنَ اَلْمَسْجِدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَعَنَ اللَّهُ التَّابِعَ وَ الْمَتْبُوعَ رُبَّ یَوْمٍ لِأُمَّتِی مِنْ مُعَاوِیَةَ ذِی الْأَسْتَاهِ قَالُوا یَعْنِی الْکَبِیرِ الْعَجُزِ .

756

وَ قَالَ رَوَی اَلْعَلاَءُ بْنُ حَرِیزٍ الْقُشَیْرِیُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لِمُعَاوِیَةَ لَتَتَّخِذَنَّ یَا مُعَاوِیَةُ الْبِدْعَةَ سُنَّةً وَ الْقُبْحَ حَسَناً أَکْلُکَ کَثِیرٌ وَ ظُلْمُکَ عَظِیمٌ.

757

قَالَ وَ رَوَی اَلْحَارِثُ بْنُ حَصِیرَةَ عَنْ أَبِی صَادِقٍ عَنْ رَبِیعَةَ بْنِ نَاجِذٍ قَالَ قَالَ

ص :79

عَلِیٌّ ع

نَحْنُ وَ آلَ أَبِی سُفْیَانَ قَوْمٌ تَعَادَوْا فِی الْأَمْرِ وَ الْأَمْرُ یَعُودُ کَمَا بَدَا .

قلت و قد ذکرنا نحن فی تلخیص نقض السفیانیة ما فیه کفایة فی هذا الباب.

758

1- وَ رَوَی صَاحِبُ کِتَابِ الْغَارَاتِ عَنْ أَبِی صَادِقٍ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ذُکِرَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عِنْدَ عَلِیٍّ ع وَ جِدُّهُ مَعَ مُعَاوِیَةَ قَالَ وَ مَا اَلْمُغِیرَةُ إِنَّمَا کَانَ إِسْلاَمُهُ لِفَجْرَةٍ وَ غَدْرَةٍ غَدَرَهَا بِنَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَتَکَ بِهِمْ وَ رَکِبَهَا مِنْهُمْ فَهَرَبَ مِنْهُمْ فَأَتَی اَلنَّبِیَّ ص کَالْعَائِذِ بِالْإِسْلاَمِ وَ اللَّهِ مَا رَأَی أَحَدٌ عَلَیْهِ مُنْذُ ادَّعَی اَلْإِسْلاَمَ خُضُوعاً وَ لاَ خُشُوعاً أَلاَ وَ إِنَّهُ یَکُونُ (1) مِنْ ثَقِیفٍ فَرَاعِنَةٌ قَبْلَ یَوْمِ الْقِیَامَةِ یُجَانِبُونَ الْحَقَّ وَ یُسْعِرُونَ نِیرَانَ الْحَرْبِ وَ یُوَازِرُونَ الظَّالِمِینَ أَلاَ إِنَّ ثَقِیفاً قَوْمٌ غُدَرُ لاَ یُوفُونَ بِعَهْدٍ یُبْغِضُونَ اَلْعَرَبَ کَأَنَّهُمْ لَیْسُوا مِنْهُمْ وَ لَرُبَّ صَالِحٍ قَدْ کَانَ مِنْهُمْ فَمِنْهُمْ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَ أَبُو عُبَیْدِ بْنُ مَسْعُودٍ الْمُسْتَشْهَدُ یَوْمَ قُسٍّ النَّاطِفِ وَ إِنَّ الصَّالِحَ فِی ثَقِیفٍ لَغَرِیبٌ .

قال شیخنا أبو القاسم البلخیّ من المعلوم الذی لا ریب فیه لاشتهار الخبر به و إطباق الناس علیه

759

1- أَنَّ اَلْوَلِیدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِی مُعَیْطٍ کَانَ یُبْغِضُ عَلِیّاً وَ یَشْتِمُهُ وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِی لاَحَاهُ فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ نَابَذَهُ وَ قَالَ لَهُ أَنَا أَثْبَتُ مِنْکَ جَنَاناً وَ أَحَدُّ سِنَاناً فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع اُسْکُتْ یَا فَاسِقُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی فِیهِمَا أَ فَمَنْ کٰانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کٰانَ فٰاسِقاً لاٰ یَسْتَوُونَ (2) الْآیَاتِ الْمَتْلُوَّةِ وَ سُمِّیَ اَلْوَلِیدُ بِحَسَبِ ذَلِکَ فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص الْفَاسِقَ فَکَانَ لاَ یُعْرَفُ إِلاَّ بِالْوَلِیدِ الْفَاسِقِ .

ص :80

و هذه الآیة من الآیات التی نزل فیها القرآن بموافقة علی ع کما نزل فی مواضع بموافقة عمر و سماه اللّه تعالی فاسقا فی آیة أخری و هو قوله تعالی إِنْ جٰاءَکُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا (1) و سبب نزولها مشهور و هو کذبه علی بنی المصطلق و ادعاؤه أنهم منعوا الزکاة و شهروا السیف حتّی أمر النبیّ ص بالتجهز (2) للمسیر إلیهم فأنزل اللّه تعالی فی تکذیبه و براءة ساحة القوم هذه الآیة (3) .

و کان الولید مذموما معیبا عند رسول اللّه ص یشنؤه و یعرض عنه و کان الولید یبغض رسول اللّه ص أیضا و یشنؤه و أبوه عقبة بن أبی معیط هو العدو الأزرق بمکّة و الذی کان یؤذی رسول اللّه ص فی نفسه و أهله و أخباره فی ذلک مشهورة فلما ظفر به یوم بدر ضرب عنقه و ورث ابنه الولید الشنئان و البغضة (4) لمحمد و أهله فلم یزل علیهما إلی أن مات.

760

14- قَالَ اَلشَّیْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَ هُوَ أَحَدُ الصِّبْیَةِ الَّذِینَ قَالَ أَبُو عُقْبَةَ فِیهِمْ وَ قَدْ قُدِّمَ لِیُضْرَبَ عُنُقُهُ مَنْ لِلصِّبْیَةِ یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ:اَلنَّارُ اضْرِبُوا عُنُقَهُ .

761

14,1- قَالَ وَ لِلْوَلِیدِ شِعْرٌ یَقْصِدُ فِیهِ الرَّدَّ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص حَیْثُ قَالَ إِنْ تُوَلُّوهَا عَلِیّاً تَجِدُوهُ هَادِیاً مَهْدِیّاً قَالَ وَ ذَلِکَ أَنَّ عَلِیّاً ع لَمَّا قُتِلَ قَصَدَ بَنُوهُ أَنْ یُخْفُوا قَبْرَهُ خَوْفاً مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ أَنْ یُحْدِثُوا فِی قَبْرِهِ حَدَثاً فَأَوْهَمُوا النَّاسَ فِی مَوْضِعٍ قَبْرِهِ تِلْکَ اللَّیْلَةَ وَ هِیَ لَیْلَةُ دَفْنِهِ إِیهَامَاتٍ مُخْتَلِفَةً فَشَدُّوا عَلَی جَمَلٍ تَابُوتاً مُوْثَقاً بِالْحِبَالِ یَفُوحُ مِنْهُ رَوَائِحُ الْکَافُورِ وَ أَخْرَجُوهُ مِنَ اَلْکُوفَةِ فِی سَوَادِ اللَّیْلِ صَحَبَةُ ثِقَاتِهِمْ یُوهِمُونَ أَنَّهُمْ یَحْمِلُونَهُ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَیَدْفِنُونَهُ عِنْدَ فَاطِمَةَ ع وَ أَخْرَجُوا بَغْلاً وَ عَلَیْهِ جَنَازَةٌ (5) مُغَطَّاةٌ

ص :81

یُوهِمُونَ أَنَّهُمْ یَدْفِنُونَهُ بِالْحِیرَةِ وَ حَفَرُوا حَفَائِرَ عِدَّةً مِنْهَا بِالْمَسْجِدِ وَ مِنْهَا بِرَحَبَةِ الْقَصْرِ قَصْرِ الْإِمَارَةِ وَ مِنْهَا فِی حُجْرَةٍ مِنْ دُورِ آلِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَیْرَةَ الْمَخْزُومِیِّ وَ مِنْهَا فِی أَصْلِ دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ یَزِیدَ الْقَسْرِیِّ بِحِذَاءِ بَابِ الْوَرَّاقِینَ مِمَّا یَلِی قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ وَ مِنْهَا فِی اَلْکُنَاسَةِ وَ مِنْهَا فِی اَلثُّوَیَّةِ فَعُمِّیَ عَلَی النَّاسِ مَوْضِعُ قَبْرِهِ وَ لَمْ یَعْلَمْ دَفْنَهُ عَلَی الْحَقِیقَةِ إِلاَّ بَنُوهُ وَ الْخَوَاصُّ الْمُخْلِصُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُمْ خَرَجُوا بِهِ ع وَقْتَ السَّحَرِ فِی (1) اَللَّیْلَةِ الْحَادِیَةِ وَ الْعِشْرِینَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَدَفَنُوهُ عَلَی اَلنَّجَفِ بِالْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِالْغَرِیِّ بِوَصَاةٍ مِنْهُ ع إِلَیْهِمْ فِی ذَلِکَ وَ عَهْدٍ کَانَ عَهِدَ بِهِ إِلَیْهِمْ وَ عُمِّیَ مَوْضِعُ قَبْرِهِ عَلَی النَّاسِ وَ اخْتَلَفَتِ الْأَرَاجِیفُ فِی صَبِیحَةِ ذَلِکَ الْیَوْمِ اخْتِلاَفاً شَدِیداً وَ افْتَرَقَتِ الْأَقْوَالُ فِی مَوْضِعِ قَبْرِهِ الشَّرِیفِ وَ تَشَعَّبَتْ وَ ادَّعَی قَوْمٌ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ طَیِّئٍ وَقَعُوا عَلَی جَمَلٍ فِی تِلْکَ اللَّیْلَةِ وَ قَدْ أَضَلَّهُ أَصْحَابُهُ بِبِلاَدِهِمْ وَ عَلَیْهِ صُنْدُوقٌ فَظَنُّوا فِیهِ مَالاً فَلَمَّا رَأَوْا مَا فِیهِ خَافُوا أَنْ یُطْلَبُوا بِهِ فَدَفَنُوا الصُّنْدُوقَ بِمَا فِیهِ وَ نَحَرُوا الْبَعِیرَ وَ أَکَلُوهُ وَ شَاعَ ذَلِکَ فِی بَنِی أُمَیَّةَ وَ شِیعَتِهِمْ وَ اعْتَقَدُوهُ حَقّاً فَقَالَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ مِنْ أَبْیَاتٍ یَذْکُرُهُ ع فِیهَا فَإِنْ یَکُ قَدْ ضَلَّ الْبَعِیرُ بِحَمْلِهِ فَمَا کَانَ مَهْدِیّاً وَ لاَ کَانَ هَادِیاً

.

762

2- وَ رَوَی اَلشَّیْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِیُّ أَیْضاً عَنْ جَرِیرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ عَنْ مُغِیرَةَ الضَّبِّیِّ قَالَ مَرَّ نَاسٌ بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ ع وَ هُمْ یُرِیدُونَ عِیَادَةَ اَلْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ وَ هُوَ فِی عِلَّةٍ لَهُ شَدِیدَةٍ فَأَتَاهُ اَلْحَسَنُ ع مَعَهُمْ عَائِداً فَقَالَ لِلْحَسَنِ أَتُوبُ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی مِمَّا کَانَ بَیْنِی وَ بَیْنَ جَمِیعِ النَّاسِ إِلاَّ مَا کَانَ بَیْنِی وَ بَیْنَ أَبِیکَ فَإِنِّی لاَ أَتُوبُ مِنْهُ.

قَالَ شَیْخُنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِیُّ وَ أَکَّدَ بُغْضَهُ لَهُ ضَرْبُهُ إِیَّاهُ الْحَدَّ فِی وَلاَیَةِ عُثْمَانَ وَ عَزْلُهُ عَنِ اَلْکُوفَةِ

.

ص :82

و قد اتفقت الأخبار الصحیحة التی لا ریب فیها عند المحدثین علی

763

أَنَّ اَلنَّبِیَّ ص قَالَ لاَ یُبْغِضُکَ إِلاَّ مُنَافِقٌ وَ لاَ یُحِبُّکَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ.

764

قَالَ وَ رَوَی حَبَّةُ الْعُرَنِیُّ عَنْ عَلِیٍّ ع أَنَّهُ قَالَ

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَخَذَ مِیثَاقَ کُلِّ مُؤْمِنٍ عَلَی حُبِّی وَ مِیثَاقَ کُلِّ مُنَافِقٍ عَلَی بُغْضِی فَلَوْ ضَرَبْتُ وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالسَّیْفِ مَا أَبْغَضَنِی وَ لَوْ صَبَبْتُ الدُّنْیَا عَلَی الْمُنَافِقِ مَا أَحَبَّنِی .

765

وَ رَوَی عَبْدُ الْکَرِیمِ بْنُ هِلاَلٍ عَنْ أَسْلَمَ الْمَکِّیِّ عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع وَ هُوَ یَقُولُ

لَوْ ضَرَبْتُ خَیَاشِیمَ الْمُؤْمِنِ بِالسَّیْفِ مَا أَبْغَضَنِی وَ لَوْ نَثَرْتُ (1) عَلَی الْمُنَافِقِ ذَهَباً وَ فِضَّةً مَا أَحَبَّنِی إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِیثَاقَ الْمُؤْمِنِینَ بِحُبِّی وَ مِیثَاقَ الْمُنَافِقِینَ بِبُغْضِی فَلاَ یُبْغِضُنِی مُؤْمِنٌ وَ لاَ یُحِبُّنِی مُنَافِقٌ أَبَداً .

766

1- قَالَ اَلشَّیْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِیُّ وَ قَدْ رَوَی کَثِیرٌ مِنْ أَرْبَابِ الْحَدِیثِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلصَّحَابَةِ قَالُوا مَا کُنَّا نَعْرِفُ الْمُنَافِقِینَ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلاَّ بِبُغْضِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ .

767

1- ذَکَرَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ هِلاَلٍ صَاحِبُ کِتَابِ اَلْغَارَاتِ فِیمَنْ فَارَقَ عَلِیّاً ع وَ الْتَحَقَ بِمُعَاوِیَةَ یَزِیدُ بْنُ حُجَیَّةَ التَّیْمِیُّ مِنْ بَنِی تَیْمِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ وَ کَانَ ع قَدْ اسْتَعْمَلَهُ عَلَی اَلرَّیِّ وَ دَسْتَبْنِی (2) فَکَسَرَ اَلْخَوَارِجَ وَ احْتَجَنَ الْمَالَ لِنَفْسِهِ فَحَبَسَهُ عَلِیٌّ ع وَ جَعَلَ مَعَهُ سَعْداً مَوْلاَهُ فَقَرَّبَ یَزِیدُ رَکَائِبَهُ وَ سَعْدٌ نَائِمٌ فَالْتَحَقَ بِمُعَاوِیَةَ وَ قَالَ

ص :83

خَادَعْتُ سَعْداً وَ ارْتَمَتْ بِی رَکَائِبِی

ثُمَّ خَرَجَ حَتَّی أَتَی اَلرَّقَّةَ وَ کَذَلِکَ کَانَ یَصْنَعُ مَنْ یُفَارِقُ عَلِیّاً ع یَبْدَأُ بِالرَّقَّةِ حَتَّی یَسْتَأْذِنَ مُعَاوِیَةَ فِی الْقُدُومِ عَلَیْهِ وَ کَانَتِ اَلرَّقَّةُ وَ اَلرُّهَا وَ قَرْقِیسِیَا (1) وَ حَرَّانُ مِنْ حَیِّزِ مُعَاوِیَةَ وَ عَلَیْهَا (2) اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ وَ کَانَتْ هِیتُ وَ عَانَاتُ وَ نَصِیبِینُ وَ دَارَا وَ آمُدُ وَ سِنْجَارُ مِنْ حَیِّزِ عَلِیٍّ ع وَ عَلَیْهَا اَلْأَشْتَرُ وَ کَانَا یَقْتَتِلاَنِ فِی کُلِّ شَهْرٍ.

وَ قَالَ یَزِیدُ بْنُ حُجِّیَّةَ وَ هُوَ بِالرَّقَّةِ یَهْجُو عَلِیّاً ع یَا طُولَ لَیْلِی بِالرَّقَّاتِ لَمْ أَنَمْ

.

و بعد ذلک ما لا نذکره.

768

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ هِلاَلٍ وَ قَدْ کَانَ زِیَادُ بْنُ خَصَفَةَ التَّیْمِیُّ قَالَ لِعَلِیٍّ ع یَوْمَ هَرَبَ یَزِیدُ بْنُ حُجَیَّةَ ابْعَثْنِی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فِی أَثَرِهِ أَرُدَّهُ إِلَیْکَ فَبَلَغَ قَوْلُهُ یَزِیدَ بْنَ حُجَیَّةَ فَقَالَ فِی ذَلِکَ أَبْلِغْ زِیَاداً أَنَّنِی قَدْ کَفَیْتُهُ

ص :84

فَأُقْسِمُ لَوْ لاَ أَنَّ أُمَّکَ أُمُّنَا

قَالَ اِبْنُ هِلاَلٍ وَ کَتَبَ إِلَی اَلْعِرَاقِ شِعْراً یَذُمُّ فِیهِ عَلِیّاً ع وَ یُخْبِرُهُ أَنَّهُ مِنْ أَعْدَائِهِ فَدَعَا عَلَیْهِ وَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ عَقِیبَ الصَّلاَةِ اِرْفَعُوا أَیْدِیَکُمْ فَادْعُوا عَلَیْهِ فَدَعَا عَلَیْهِ وَ أَمَّنَ أَصْحَابُهُ.

قَالَ أَبُو الصَّلْتِ التَّیْمِیُّ کَانَ دُعَاؤُهُ عَلَیْهِ اَللَّهُمَّ إِنَّ یَزِیدَ بْنَ حُجَیَّةَ هَرَبَ بِمَالِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ لَحِقَ بِالْقَوْمِ الْفَاسِقِینَ فَاکْفِنَا مَکْرَهُ وَ کَیْدَهُ وَ اجْزِهِ جَزَاءَ الظَّالِمِینَ .

قَالَ وَ رَفَعَ الْقَوْمُ أَیْدِیَهُمْ یُؤْمِنُونَ وَ کَانَ فِی الْمَسْجِدِ عِفَاقُ بْنُ شُرَحْبِیلَ بْنِ أَبِی رُهْمٍ التَّیْمِیُّ شَیْخاً کَبِیراً وَ کَانَ یُعَدُّ مِمَّنْ شَهِدَ عَلَی حُجْرِ بْنِ عَدِیٍّ حَتَّی قَتَلَهُ مُعَاوِیَةُ فَقَالَ عِفَاقٌ عَلَی مَنْ یَدْعُو الْقَوْمُ قَالُوا عَلَی یَزِیدَ بْنَ حُجَیَّةَ فَقَالَ تَرِبَتْ أَیْدِیکُمْ أَ عَلَی أَشْرَافِنَا تَدْعُونَ فَقَامُوا إِلَیْهِ فَضَرَبُوهُ حَتَّی کَادَ یَهْلِکُ وَ قَامَ زِیَادُ بْنُ خَصَفَةَ وَ کَانَ مِنْ شِیعَةِ عَلِیٍّ ع فَقَالَ دَعُوا لِی ابْنَ عَمِّی فَقَالَ عَلِیٌّ ع دَعُوا لِلرَّجُلِ ابْنَ عَمِّهِ فَتَرَکَهُ النَّاسُ فَأَخَذَ زِیَادٌ بِیَدِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَ جَعَلَ یَمْشِی مَعَهُ یَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَ عِفَاقُ یَقُولُ وَ اللَّهِ لاَ أُحِبُّکُمْ مَا سَعَیْتَ وَ مَشَیْتَ وَ اللَّهِ لاَ أُحِبُّکُمْ مَا اخْتَلَفَتِ الدُّرَّةُ وَ الْجَرَّةُ وَ زِیَادٌ یَقُولُ ذَلِکَ أَضَرُّ لَکَ ذَلِکَ شَرٌّ لَکَ.

وَ قَالَ زِیَادُ بْنُ خَصَفَةَ یَذْکُرُ ضَرْبَ النَّاسِ عِفَاقاً دَعَوْتُ عِفَاقاً لِلْهُدَی فَاسْتَغَشَّنِی

ص :85

أَنْبِئْهُ أَنَّ الْهُدَی فِی اتِّبَاعِنَا

فَقَالَ لَهُ عِفَاقٌ لَوْ کُنْتُ شَاعِراً لَأَجَبْتُکَ وَ لَکِنِّی أُخْبِرُکُمْ عَنْ ثَلاَثِ خِصَالٍ کُنَّ مِنْکُمْ وَ اللَّهِ مَا أَرَی أَنْ تُصِیبُوا بَعْدَهُنَّ شَیْئاً مِمَّا یَسُرُّکُمْ.

أَمَّا وَاحِدَةٌ فَإِنَّکُمْ سِرْتُمْ إِلَی أَهْلِ اَلشَّامِ حَتَّی إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَیْهِمْ بِلاَدَهُمْ قَاتَلْتُمُوهُمْ فَلَمَّا ظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّکُمْ لَهُمْ قَاهِرُونَ رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ فَسَخِرُوا بِکُمْ فَرَدُّوکُمْ عَنْهُمْ فَلاَ وَ اللَّهِ لاَ تَدْخُلُونَهَا بِمِثْلِ ذَلِکَ الْجِدِّ وَ الْحَدِّ وَ الْعَدَدِ الَّذِی دَخَلْتُمْ بِهِ أَبَداً.

وَ أَمَّا الثَّانِیَةُ فَإِنَّکُمْ بَعَثْتُمْ حَکَماً وَ بَعَثَ الْقَوْمُ حَکَماً فَأَمَّا حَکَمُکُمْ فَخَلَعَکُمْ وَ أَمَّا حَکَمُهُمْ فَأَثْبَتَهُمْ فَرَجَعَ صَاحِبُهُمْ یُدْعَی أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَجَعْتُمْ مُتَلاَعِنِینَ مُتَبَاغِضِینَ فَوَ اللَّهِ لاَ یَزَالُ الْقَوْمُ فِی عَلاَءٍ وَ لاَ تَزَالُونَ فِی سِفَالٍ.

وَ أَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّهُ (1) خَالَفَکُمْ قُرَّاؤُکُمْ وَ فُرْسَانُکُمْ فَعَدَوْتُمْ عَلَیْهِمْ فَذَبَحْتُمُوهُمْ بِأَیْدِیکُمْ فَوَ اللَّهِ لاَ تَزَالُونَ بَعْدَهَا مُتَضَعْضِعِینَ (2) .

قَالَ وَ کَانَ یَمُرُّ عَلَیْهِمْ بَعْدُ فَیَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّی مِنْهُمْ بَرِیءٌ وَ لاِبْنِ عَفَّانَ وَلِیُّ فَیَقُولُونَ اللَّهُمَّ إِنَّا لِعَلِیٍّ أَوْلِیَاءُ وَ مِنِ اِبْنِ عَفَّانَ بُرَآءُ وَ مِنْکَ یَا عِفَاقُ .

ص :86

قَالَ فَأَخَذَ لاَ یُقْلِعُ فَدَعَوْا رَجُلاً مِنْهُمْ لَهُ سَجَاعَةٌ کَسَجَاعَةِ الْکُهَّانِ فَقَالُوا وَیْحَکَ أَ مَا تَکْفِینَا بِسَجَعِکَ وَ خَطْبِکَ هَذَا فَقَالَ کَفَیْتُکُمْ فَمَرَّ عِفَاقُ عَلَیْهِمْ فَقَالَ کَمَا کَانَ یَقُولُ فَلَمْ یُمْهِلْهُ أَنْ قَالَ لَهُ اللَّهُمَّ اقْتُلْ عِفَاقاً فَإِنَّهُ أَسَرَّ نِفَاقاً وَ أَظْهَرَ شِقَاقاً وَ بَیَّنَ فِرَاقاً وَ تَلَوَّنَ أَخْلاَقاً.

فَقَالَ عِفَاقٌ وَیْحَکُمْ مَنْ سَلَّطَ عَلَیَّ هَذَا قَالَ اللَّهُ بَعَثَنِی إِلَیْکَ وَ سَلَّطَنِی عَلَیْکَ لِأَقْطَعَ لِسَانَکَ وَ أُنْصِلَ سَنَامَکَ (1) وَ أَطْرُدَ شَیْطَانَکَ.

قَالَ فَلَمْ یَکُ یَمُرُّ عَلَیْهِمْ بَعْدُ إِنَّمَا یَمُرُّ عَلَی مُزَیْنَةَ

.

769

1- وَ مِمَّنْ فَارَقَهُ ع عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ أَوْسِ بْنِ إِدْرِیسَ بْنِ مُعَتِّبٍ الثَّقَفِیُّ شَهِدَ مَعَ عَلِیٍّ ع صِفِّینَ وَ کَانَ فِی أَوَّلِ أَمْرِهِ مَعَ مُعَاوِیَةَ ثُمَّ صَارَ إِلَی عَلِیٍّ ع ثُمَّ رَجَعَ بَعْدُ إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ کَانَ عَلِیٌّ ع یُسَمِّیهِ اَلْهَجَنَّعَ وَ الْهَجَنَّعُ الطَّوِیلُ .

770

1- وَ مِنْهُمْ اَلْقَعْقَاعُ بْنُ شَوْرٍ اسْتَعْمَلَهُ عَلِیٌّ ع عَلَی کَسْکَرَ فَنَقِمَ مِنْهُ أُمُوراً مِنْهَا أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَصْدَقَهَا مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَهَرَبَ إِلَی مُعَاوِیَةَ .

771

1- وَ مِنْهُمْ اَلنَّجَاشِیُّ الشَّاعِرُ مِنْ بَنِی الْحَارِثِ بْنِ کَعْبٍ کَانَ شَاعِرَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ بِصِفِّینَ وَ کَانَ عَلِیٌّ ع یَأْمُرُهُ بِمُحَارَبَةِ شُعَرَاءِ أَهْلِ اَلشَّامِ مِثْلِ کَعْبِ بْنِ جُعَیْلٍ وَ غَیْرِهِ فَشَرِبَ الْخَمْرَ بِالْکُوفَةِ فَحَدَّهُ عَلِیٌّ ع فَغَضِبَ وَ لَحِقَ بِمُعَاوِیَةَ وَ هَجَا عَلِیّاً ع .

ص :87

772

1- حَدَّثَ اِبْنُ الْکَلْبِیِّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ (1) خَرَجَ اَلنَّجَاشِیُّ فِی أَوَّلِ یَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَمَرَّ بِأَبِی سَمَّالٍ الْأَسَدِیِّ وَ هُوَ قَاعِدٌ بِفِنَاءِ دَارِهِ فَقَالَ لَهُ أَیْنَ تُرِیدُ قَالَ أَرَدْتُ اَلْکُنَاسَةَ فَقَالَ هَلْ لَکَ فِی رُءُوسٍ وَ أَلْیَاتٍ قَدْ وُضِعَتْ فِی التَّنُّورِ مِنْ أَوَّلِ اللَّیْلِ فَأَصْبَحَتْ قَدْ أَیْنَعَتْ وَ قَدْ تَهَرَّأَتْ قَالَ وَیْحَکَ فِی أَوَّلِ یَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ دَعْنَا مِمَّا لاَ نَعْرِفُ قَالَ ثُمَّ مَهْ قَالَ أَسْقِیکَ مِنْ شَرَابٍ کَالْوَرْسِ یُطِیبُ النَّفْسَ وَ یُجْرَی فِی الْعَرَقِ وَ یَزِیدُ فِی الطَّرَقِ یَهْضِمُ الطَّعَامَ وَ یُسَهِّلُ لِلْفَدْمِ (2) الْکَلاَمَ فَنَزَلَ فَتَغَدَّیَا ثُمَّ أَتَاهُ بِنَبِیذٍ فَشَرِبَاهُ فَلَمَّا کَانَ آخِرُ النَّهَارِ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمَا وَ لَهُمَا جَارٌ مِنْ شِیعَةِ عَلِیٍّ ع فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِمَا فَأَرْسَلَ إِلَیْهِمَا قَوْماً فَأَحَاطُوا بِالدَّارِ فَأَمَّا أَبُو سَمَّالٍ فَوَثَبَ إِلَی دُورِ بَنِی أَسَدٍ فَأَفْلَتَ وَ أَخَذَ اَلنَّجَاشِیُّ فَأُتِیَ ع بِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَقَامَهُ فِی سَرَاوِیلَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِینَ ثُمَّ زَادَهُ عِشْرِینَ سَوْطاً فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَمَّا الْحَدُّ فَقَدْ عَرَفْتُهُ فَمَا هَذِهِ الْعِلاَوَةُ (3) قَالَ لِجُرْأَتِکَ عَلَی اللَّهِ وَ إِفْطَارِکَ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ أَقَامَهُ فِی سَرَاوِیلِهِ لِلنَّاسِ فَجَعَلَ الصِّبْیَانُ یَصِیحُونَ بِهِ خَرِئَ اَلنَّجَاشِیُّ خَرِئَ اَلنَّجَاشِیُّ وَ جَعَلَ یَقُولُ کَلاَّ إِنَّهَا یَمَانِیَّةٌ وِکَاؤُهَا شَعْرٌ.

قَالَ وَ مَرَّ بِهِ هِنْدُ بْنُ عَاصِمِ السَّلُولِیُّ فَطَرَحَ عَلَیْهِ مِطْرَفاً فَجَعَلَ النَّاسُ یَمُرُّونَ بِهِ وَ یَطْرَحُونَ عَلَیْهِ الْمَطَارِفَ حَتَّی اجْتَمَعَتْ عَلَیْهِ مَطَارِفُ کَثِیرَةٌ فَمَدَحَ بَنِی سَلُولٍ فَقَالَ إِذَا اللَّهُ حَیَّا صَالِحاً مِنْ عِبَادِهِ

ص :88

ثُمَّ لَحِقَ مُعَاوِیَةَ وَ هَجَا عَلِیّاً ع فَقَالَ أَ لاَ مِنْ مُبْلِغِ عَنِّی عَلِیّاً

.

773

1- وَ رَوَی عَبْدُ الْمَلِکِ بْنُ قُرَیْبٍ الْأَصْمَعِیُّ عَنِ اِبْنِ أَبِی الزِّنَادِ قَالَ دَخَلَ اَلنَّجَاشِیُّ عَلَی مُعَاوِیَةَ وَ قَدْ أَذِنَ لِلنَّاسِ عَامَّةً فَقَالَ لِحَاجِبِهِ ادْعُ اَلنَّجَاشِیَّ وَ اَلنَّجَاشِیُّ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ لَکِنْ اقْتَحَمَتْهُ عَیْنُهُ فَقَالَ هَا أَنَا ذَا اَلنَّجَاشِیُّ بَیْنَ یَدَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ الرِّجَالَ لَیْسَتْ بِأَجْسَامِهَا إِنَّمَا لَکَ مِنَ الرَّجُلِ أَصْغَرَاهُ قَلْبُهُ وَ لِسَانُهُ قَالَ وَیْحَکَ أَنْتَ الْقَائِلُ (1) وَ نَجَا اِبْنُ حَرْبٍ سَابِحٌ ذُو عُلاَلَةٍ

ثُمَّ ضَرَبَ بِیَدِهِ إِلَی ثَدْیِهِ (2) فَقَالَ وَیْحَکَ إِنَّ مِثْلِی لاَ تَعْدُو بِهِ الْخَیْلُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی لَمْ أَعْنِکَ إِنَّمَا عَنَیْتُ عُتْبَةَ

.

774

1- وَ رَوَی صَاحِبُ کِتَابِ اَلْغَارَاتِ أَنَّ عَلِیّاً ع لَمَّا حَدَّ اَلنَّجَاشِیَّ غَضِبَتِ اَلْیَمَانِیَّةُ لِذَلِکَ وَ کَانَ أَخَصَّهُمْ بِهِ طَارِقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ کَعْبٍ النَّهْدِیُّ فَدَخَلَ عَلَیْهِ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا کُنَّا نَرَی أَنَّ أَهْلَ الْمَعْصِیَةِ وَ الطَّاعَةِ وَ أَهْلَ الْفُرْقَةِ وَ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ وُلاَةِ الْعَدْلِ وَ مَعَادِنِ الْفَضْلِ سِیَّانِ فِی الْجَزَاءِ حَتَّی رَأَیْنَا مَا کَانَ مِنْ صَنِیعِکَ بِأَخِی الْحَارِثِ

ص :89

فَأَوْغَرْتَ صُدُورَنَا وَ شَتَّتَّ أُمُورَنَا وَ حَمَّلْتَنَا عَلَی الْجَادَّةِ (1) الَّتِی کُنَّا نَرَی أَنَّ سَبِیلَ مَنْ رَکِبَهَا اَلنَّارُ فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَ إِنَّهٰا لَکَبِیرَةٌ إِلاّٰ عَلَی الْخٰاشِعِینَ (2) یَا أَخَا نَهْدٍ وَ هَلْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ انْتَهَکَ حُرْمَةً مِنْ حُرَمِ اللَّهِ فَأَقَمْنَا عَلَیْهِ حَدّاً کَانَ کَفَّارَتَهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ وَ لاٰ یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلیٰ أَلاّٰ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْویٰ (3) قَالَ فَخَرَجَ طَارِقٌ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِیَهُ اَلْأَشْتَرُ فَقَالَ یَا طَارِقُ أَنْتَ الْقَائِلُ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ أَوْغَرْتَ صُدُورَنَا وَ شَتَّتَّ أُمُورَنَا قَالَ طَارِقٌ نَعَمْ أَنَا قَائِلُهَا قَالَ وَ اللَّهِ مَا ذَاکَ کَمَا قُلْتَ إِنَّ صُدُورَنَا لَهُ لَسَامِعَةٌ وَ إِنَّ أُمُورَنَا لَهُ لَجَامِعَةٌ فَغَضِبَ طَارِقٌ وَ قَالَ سَتَعْلَمُ یَا أَشْتَرُ أَنَّهُ غَیْرُ مَا قُلْتَ فَلَمَّا جَنَّهُ اللَّیْلُ هَمَسَ (4) هُوَ وَ اَلنَّجَاشِیُّ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَلَمَّا قَدِمَا عَلَیْهِ دَخَلَ آذِنُهُ فَأَخْبَرَهُ بِقُدُومِهِمَا وَ عِنْدَهُ وُجُوهُ أَهْلِ اَلشَّامِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِیُّ وَ عَمْرُو بْنُ صَیْفِیٍّ وَ غَیْرُهُمَا فَلَمَّا دَخَلاَ نَظَرَ إِلَی طَارِقٍ وَ قَالَ مَرْحَباً بِالْمُورِقِ غُصْنُهُ وَ الْمُعْرِقِ أَصْلُهُ الْمُسَوَّدِ غَیْرِ الْمُسَوَّدِ مِنْ رَجُلٍ کَانَتْ مِنْهُ هَفْوَةٌ وَ نَبْوَةٌ بِاتِّبَاعِهِ صَاحِبَ الْفِتْنَةِ وَ رَأْسَ الضَّلاَلَةِ وَ الشُّبْهَةِ الَّذِی اغْتَرَزَ فِی رِکَابِ الْفِتْنَةِ حَتَّی اسْتَوَی عَلَی رِجْلِهَا ثُمَّ أَوْجَفَ فِی عِشْوَةِ ظُلْمَتِهَا وَ تَیْهِ ضَلاَلَتِهَا وَ اتَّبَعَهُ رَجْرَجَةٌ (5) مِنَ النَّاسِ وَ أشبابةٌ [أُشَابَةٌ]

(6) مِنَ الْحُثَالَةِ لاَ أَفْئِدَةَ لَهُمْ أَ فَلاٰ یَتَدَبَّرُونَ اَلْقُرْآنَ أَمْ عَلیٰ قُلُوبٍ أَقْفٰالُهٰا (7) .

فَقَامَ طَارِقٌ فَقَالَ یَا مُعَاوِیَةُ إِنِّی مُتَکَلِّمٌ فَلاَ یُسْخِطُکَ ثُمَّ قَالَ وَ هُوَ مُتَّکِئٌ عَلَی سَیْفِهِ إِنَّ الْمَحْمُودَ عَلَی کُلِّ حَالٍ رَبٌّ عَلاَ فَوْقَ عِبَادِهِ فَهُمْ مِنْهُ بِمَنْظَرٍ وَ مَسْمَعٍ بَعَثَ فِیهِمْ

ص :90

رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُو کِتَاباً لَمْ یَکُنْ مِنْ قَبْلِهِ وَ لاَ یَخُطُّهُ بِیَمِینِهِ إِذاً لاَرْتٰابَ الْمُبْطِلُونَ فَعَلَیْهِ السَّلاَمُ مِنْ رَسُولِ کَانَ بِالْمُؤْمِنِینَ بَرّاً رَحِیماً أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَا کُنَّا نُوضِعُ فِیمَا أَوْضَعْنَا فِیهِ بَیْنَ یَدَیْ إِمَامٍ تَقِیٍّ عَادِلٍ مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَتْقِیَاءَ مُرْشِدِینَ مَا زَالُوا مَنَاراً لِلْهُدَی وَ مَعَالِمَ لِلدِّینِ خَلَفاً عَنْ سَلَفٍ مُهْتَدِینَ أَهْلَ دِینٍ لاَ دُنْیَا کُلُّ الْخَیْرِ فِیهِمْ وَ اتَّبَعَهُمْ مِنَ النَّاسِ مُلُوکٌ وَ أَقْیَالٌ وَ أَهْلُ بُیُوتَاتٍ وَ شَرَفٍ لَیْسُوا بِنَاکِثِینَ وَ لاَ قَاسِطِینَ فَلَمْ یَکُنْ رَغْبَةُ مَنْ رَغِبَ عَنْهُمْ وَ عَنْ صُحْبَتِهِمْ إِلاَّ لِمَرَارَةِ الْحَقِّ حَیْثُ جَرَعُوهَا وَ لِوُعُورَتِهِ حَیْثُ سَلَکُوهَا وَ غَلَبَتْ عَلَیْهِمْ دُنْیَا مُؤْثَرَةٌ وَ هُوَ مُتَّبَعٌ وَ کٰانَ أَمْرُ اللّٰهِ قَدَراً مَقْدُوراً وَ قَدْ فَارَقَ اَلْإِسْلاَمَ قِبَلَنَا جَبَلَةُ بْنُ الْأَیْهَمِ فِرَاراً مِنَ الضَّیْمِ وَ أَنْفاً (1) مِنَ الذِّلَّةِ فَلاَ تَفْخَرَنْ یَا مُعَاوِیَةُ إِنَّ شَدَدْنَا نَحْوَکَ الرِّحَالَ وَ أَوْضَعْنَا إِلَیْکَ الرِّکَابَ أَقُولُ قَوْلِی هَذَا وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِیمَ لِی وَ لِجَمِیعِ اَلْمُسْلِمِینَ .

فَعَظَّمَ عَلَی مُعَاوِیَةَ مَا سَمِعَهُ وَ غَضِبَ لَکِنَّهُ (2) أَمْسَکَ وَ قَالَ یَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّا لَمْ نَرُدَّ بِمَا قُلْنَاهُ أَنْ نُورِدَکَ مَشْرَعَ ظَمَأٍ وَ لاَ أَنْ نُصْدِرَکَ عَنْ مَکْرَعِ رِیٍّ وَ لَکِنَّ الْقَوْلَ قَدْ یَجْرِی بِصَاحِبِهِ إِلَی غَیْرِ مَا یَنْطَوِی عَلَیْهِ مِنَ الْفِعْلِ ثُمَّ أَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَی سَرِیرِهِ وَ دَعَا لَهُ بِمُقَطَّعَاتٍ وَ بُرُودٍ فَصَبَّهَا عَلَیْهِ وَ أَقْبَلَ نَحْوَهُ بِوَجْهِهِ یُحَدِّثُهُ حَتَّی قَامَ.

وَ قَامَ مَعَهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ وَ عَمْرُو بْنُ صَیْفِیٍّ الْجُهَنِیَّانِ فَأَقْبَلاَ عَلَیْهِ بِأَشَدِّ الْعِتَابِ وَ أَمَضِّهِ یَلُومَانِهِ فِی خُطْبَتِهِ وَ مَا وَاجَهَ بِهِ مُعَاوِیَةُ .

فَقَالَ طَارِقٌ وَ اللَّهِ مَا قُمْتُ بِمَا سَمِعْتُمَاهُ حَتَّی خُیِّلَ لِی أَنَّ بَطْنَ الْأَرْضِ خَیْرٌ لِی مِنْ ظَهْرِهَا عِنْدَ سَمَاعِی مَا أُظْهِرُ مِنَ الْعَیْبِ وَ النَّقْصِ لِمَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنْهُ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ وَ مَا زَهَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَ مُلْکُهُ عُجْبَهُ وَ عَابَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ اسْتَنْقَصَهُمْ فَقُمْتُ مَقَاماً أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَیَّ فِیهِ أَلاَّ أَقُولَ إِلاَّ حَقّاً وَ أَیُّ خَیْرٍ فِیمَنْ لاَ یَنْظُرُ مَا یَصِیرُ إِلَیْهِ غَداً

ص :91

فَبَلَغَ عَلِیّاً ع قَوْلُهُ فَقَالَ لَوْ قُتِلَ اَلنَّهْدِیُّ یَوْمَئِذٍ لَقُتِلَ شَهِیداً

.

775

وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ لِلْهَیْثَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَبِی الْعُرْیَانِ وَ کَانَ عُثْمَانِیّاً وَ کَانَتِ امْرَأَتُهُ عَلَوِیَّةَ الرَّأْیِ تَکْتُبُ بِأَخْبَارِ مُعَاوِیَةَ فِی أَعِنَّةِ الْخَیْلِ وَ تَدْفَعُهَا إِلَی عَسْکَرِ عَلِیٍّ ع بِصِفِّینَ فَیَدْفَعُونَهَا إِلَیْهِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ بَعْدَ اَلتَّحْکِیمِ یَا هَیْثَمُ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ کَانُوا أَنْصَحَ لِعَلِیٍّ فِی صِفِّینَ أَمْ أَهْلُ اَلشَّامِ لِی فَقَالَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ قَبْلَ أَنْ یُضْرَبُوا بِالْبَلاَءِ کَانُوا أَنْصَحَ لِصَاحِبِهِمْ قَالَ کَیْفَ قُلْتَ ذَلِکَ قَالَ لِأَنَّ الْقَوْمَ نَاصَحُوهُ عَلَی الدِّینِ وَ نَاصَحَکَ أَهْلُ اَلشَّامِ عَلَی الدُّنْیَا وَ أَهْلُ الدِّینِ أَصْبَرُ وَ هُمْ أَهْلُ بَصِیرَةٍ وَ إِنَّمَا أَهْلُ الدُّنْیَا أَهْلُ طَمَعٍ ثُمَّ وَ اللَّهِ مَا لَبِثَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ أَنْ نَبَذُوا الدِّینَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَ نَظَرُوا إِلَی الدُّنْیَا فَالْتَحَقُوا بِکَ.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ فَمَا الَّذِی یَمْنَعُ اَلْأَشْعَثُ أَنْ یَقْدَمَ عَلَیْنَا فَیَطْلُبَ مَا قِبَلَنَا قَالَ إِنَّ اَلْأَشْعَثَ یُکْرِمُ نَفْسَهُ أَنْ یَکُونَ رَأْساً فِی الْحَرْبِ وَ ذَنَباً فِی الطَّمَعِ.

و من المفارقین لعلی ع أخوه عقیل بن أبی طالب

776

1- قَدِمَ عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ بِالْکُوفَةِ یَسْتَرْفِدُهُ (1) فَعَرَضَ عَلَیْهِ عَطَاءَهُ فَقَالَ إِنَّمَا أُرِیدُ مِنْ بَیْتِ الْمَالِ فَقَالَ تُقِیمُ إِلَی یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا صَلَّی ع الْجُمُعَةَ قَالَ لَهُ مَا تَقُولُ فِیمَنْ خَانَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعِینَ قَالَ بِئْسَ الرَّجُلُ قَالَ فَإِنَّکَ أَمَرْتَنِی أَنْ أَخُونَهُمْ وَ أُعْطِیَکَ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ شَخَصَ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَأَمَرَ لَهُ یَوْمَ قُدُومِهِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَ قَالَ لَهُ یَا أَبَا یَزِیدَ أَنَا خَیْرٌ لَکَ أَمْ عَلِیٌّ قَالَ وَجَدْتُ عَلِیّاً أَنْظُرُ لِنَفْسِهِ مِنْهُ لِی وَ وَجَدْتُکَ أَنْظُرُ لِی مِنْکَ لِنَفْسِکَ.

وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ لِعَقِیلٍ إِنَّ فِیکُمْ یَا بَنِی هَاشِمٍ لِیناً قَالَ أَجَلْ إِنَّ فِینَا لِیناً مِنْ غَیْرِ

ص :92

ضَعْفٍ وَ عِزّاً مِنْ غَیْرِ عُنْفٍ وَ إِنَّ لِینَکُمْ یَا مُعَاوِیَةُ غَدْرٌ وَ سِلْمَکُمْ کُفْرٌ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ وَ لاَ کُلَّ هَذَا یَا أَبَا یَزِیدَ .

وَ قَالَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ لِعَقِیلٍ فِی مَجْلِسِ مُعَاوِیَةَ غَلَبَکَ أَخُوکَ یَا أَبَا یَزِیدَ عَلَی الثَّرْوَةِ قَالَ نَعَمْ وَ سَبَقَنِی وَ إِیَّاکَ إِلَی اَلْجَنَّةِ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ إِنَّ شِدْقَیْهِ لَمَضْمُومَانِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ فَقَالَ وَ مَا أَنْتَ وَ قُرَیْشٌ وَ اللَّهِ مَا أَنْتَ فِینَا إِلاَّ کَنَطِیحِ التَّیْسِ فَغَضِبَ اَلْوَلِیدُ وَ قَالَ وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَکُوا فِی قَتْلِهِ لَأُرْهِقُوا صَعُوداً (1) وَ إِنْ أَخَاکَ لَأَشَدُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَذَاباً فَقَالَ صَهْ وَ اللَّهِ إِنَّا لَنَرْغَبُ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِیدِهِ عَنْ صُحْبَةِ أَبِیکَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِی مُعَیْطٍ

.

777

وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ یَوْماً وَ عِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ قَدْ أَقْبَلَ عَقِیلٌ لَأُضْحِکَنَّکَ مِنْ عَقِیلٍ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ مُعَاوِیَةُ مَرْحَباً بِرَجُلٍ عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ فَقَالَ عَقِیلٌ وَ أَهْلاً بِرَجُلٍ عَمَّتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِی جِیدِهٰا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (2) لِأَنَّ امْرَأَةَ أَبِی لَهَبٍ أُمُّ جَمِیلٍ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَیَّةَ .

قَالَ مُعَاوِیَةُ یَا أَبَا یَزِیدَ مَا ظَنُّکَ بِعَمِّکَ أَبِی لَهَبٍ قَالَ إِذَا دَخَلْتَ اَلنَّارَ فَخُذْ عَلَی یَسَارِکَ تَجِدْهُ مُفْتَرِشاً عَمَّتَکَ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ أَ فَنَاکِحٌ فِی اَلنَّارِ خَیْرٌ أَمْ مَنْکُوحٌ قَالَ کِلاَهُمَا شَرٌّ وَ اللَّهُ.

و ممن فارقه ع حنظلة الکاتب خرج هو و جریر بن عبد اللّه البجلی من الکوفة إلی قرقیسیا و قالا لا نقیم ببلدة یعاب فیها عثمان .

ص :93

و ممن فارقه وائل بن حجر الحضرمی و خبره مذکور فی قصة بسر بن أرطاة .

778

وَ رَوَی صَاحِبُ کِتَابِ اَلْغَارَاتِ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ حُکَیْمٍ عَنْ أَبِی مَسْعُودٍ الْجَرِیرِیِّ قَالَ کَانَ ثَلاَثَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ یَتَوَاصَلُونَ عَلَی بُغْضِ عَلِیٍّ ع مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّیرِ وَ اَلْعَلاَءُ بْنُ زِیَادٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَفِیقٍ .

قَالَ صَاحِبُ کِتَابِ اَلْغَارَاتِ وَ کَانَ مُطَرِّفٌ عَابِداً نَاسِکاً.

779

وَ قَدْ رَوَی هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنِ اِبْنِ سِیرِینَ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ دَخَلَ عَلَی أَبِی مَسْعُودٍ وَ عِنْدَهُ اِبْنُ الشِّخِّیرِ فَذَکَرَ عَلِیّاً بِمَا لاَ یَجُوزُ أَنْ یُذْکَرَ بِهِ فَقَالَ عَمَّارٌ یَا فَاسِقُ وَ إِنَّکَ لَهَاهُنَا فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ أُذَکِّرُکَ اللَّهَ یَا أَبَا الْیَقْظَانِ فِی ضَیْفِی.

قال و أکثر مبغضیه ع أهل البصرة کانوا عثمانیة و کانت فی أنفسهم أحقاد یوم الجمل و کان هو ع قلیل التألف للناس شدیدا فی دین اللّه لا یبالی مع علمه بالدین و اتباعه الحق من سخط و من رضی.

780

1- قَالَ وَ قَدْ رَوَی یُونُسُ بْنُ أَرْقَمَ عَنْ یَزِیدَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ أَبِی نَاجِیَةَ مَوْلَی أُمِّ هَانِئٍ قَالَ کُنْتُ عِنْدَ عَلِیٍّ ع فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَیْهِ زِیُّ السَّفَرِ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی أَتَیْتُکَ مِنْ بَلْدَةٍ مَا رَأَیْتُ لَکَ بِهَا مُحِبّاً قَالَ مِنْ أَیْنَ أَتَیْتَ قَالَ مِنَ اَلْبَصْرَةِ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ لَوْ یَسْتَطِیعُونَ أَنْ یُحِبُّونِی لَأَحَبُّونِی إِنِّی وَ شِیعَتِی فِی مِیثَاقِ اللَّهِ لاَ یُزَادُ فِینَا رَجُلٌ وَ لاَ یَنْقُصُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ .

781

وَ رَوَی أَبُو غَسَّانَ الْبَصْرِیُّ قَالَ بَنَی عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ زِیَادٍ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ بِالْبَصْرَةِ تَقُومُ عَلَی بُغْضِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ الْوَقِیعَةِ فِیهِ مَسْجِدُ بَنِی عَدِیٍّ وَ مَسْجِدُ بَنِی مُجَاشِعٍ

ص :94

وَ مَسْجِدٌ کَانَ فِی الْعَلاَّفِینَ عَلَی فُرْضَةِ اَلْبَصْرَةِ وَ مَسْجِدٌ فِی اَلْأَزْدِ .

و ممّا قیل عنه إنّه یبغض علیا ع و یذمه الحسن بن أبی الحسن البصری أبو سعید

782

وَ رَوَی عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ لَوْ کَانَ عَلِیٌّ یَأْکُلُ الْحَشَفَ (1) بِالْمَدِینَةِ لَکَانَ خَیْراً لَهُ مِمَّا دَخَلَ فِیهِ وَ رَوَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ کَانَ مِنْ الْمُخَذِّلِینَ عَنْ نُصْرَتِهِ.

783

1- وَ رُوِیَ عَنْهُ أَنَّ عَلِیّاً ع رَآهُ وَ هُوَ یَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَ کَانَ ذَا وَسْوَسَةٍ فَصَبَّ عَلَی أَعْضَائِهِ مَاءً کَثِیراً فَقَالَ لَهُ أَرِقْتَ مَاءً کَثِیراً یَا حَسَنُ فَقَالَ مَا أَرَاقَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ دِمَاءِ اَلْمُسْلِمِینَ أَکْثَرُ قَالَ أَ وَ سَاءَکَ ذَلِکَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَلاَ زِلْتَ مَسُوأً .

قَالُوا فَمَا زَالَ اَلْحَسَنُ عَابِساً قَاطِباً مَهْمُوماً إِلَی أَنْ مَاتَ

.

فأما أصحابنا فإنهم یدفعون ذلک عنه و ینکرونه و یقولون إنّه کان من محبی علیّ بن أبی طالب ع و المعظمین له.

784

1- وَ رَوَی أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبِرِّ الْمُحَدِّثُ فِی کِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْإِسْتِیعَابِ فِی مَعْرِفَةِ الصَّحَابِ أَنَّ إِنْسَاناً سَأَلَ اَلْحَسَنَ عَنْ عَلِیٍّ ع فَقَالَ کَانَ وَ اللَّهِ سَهْماً صَائِباً مِنْ مَرَامِی اللَّهِ عَلَی عَدُوِّهِ وَ رَبَّانِیِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ ذَا فَضْلِهَا وَ ذَا سَابِقَتِهَا وَ ذَا قَرَابَتِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص لَمْ یَکُنْ بِالنُّؤَمَةِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَ لاَ بِالْمَلُومَةِ فِی دِینِ اللَّهِ وَ لاَ بِالسَّرُوقَةِ لِمَالِ اللَّهِ أَعْطَی اَلْقُرْآنَ عَزَائِمَهُ فَفَازَ مِنْهُ بِرِیَاضٍ مُونِقَةٍ ذَلِکَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ یَا لُکَعُ

.

785

1,14- وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ قَالَ سُئِلَ اَلْحَسَنُ عَنْ عَلِیٍّ ع وَ کَانَ یُظَنُّ بِهِ الاِنْحِرَافُ عَنْهُ وَ لَمْ یَکُنْ کَمَا یُظَنُّ فَقَالَ مَا أَقُولُ فِیمَنْ جَمَعَ الْخِصَالَ الْأَرْبَعَ ائْتِمَانَهُ عَلَی بَرَاءَةَ

ص :95

وَ مَا قَالَ لَهُ اَلرَّسُولُ فِی غَزَاةِ تَبُوکَ فَلَوْ کَانَ غَیْرَ النُّبُوَّةِ شَیْءٌ یَفُوتُهُ لاَسْتَثْنَاهُ وَ قَوْلُ اَلنَّبِیِّ ص الثَّقَلاَنِ کِتَابُ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی وَ إِنَّهُ لَمْ یُؤَمَّرْ عَلَیْهِ أَمِیرٌ قَطُّ وَ قَدْ أُمِّرَتِ الْأُمَرَاءُ عَلَی غَیْرِهِ

.

786

1,14- وَ رَوَی أَبَانُ بْنُ عَیَّاشٍ قَالَ سَأَلْتُ اَلْحَسَنَ الْبَصْرِیَّ عَنْ عَلِیٍّ ع فَقَالَ مَا أَقُولُ فِیهِ کَانَتْ لَهُ السَّابِقَةُ وَ الْفَضْلُ وَ الْعِلْمُ وَ الْحِکْمَةُ وَ الْفِقْهُ وَ الرَّأْیُ وَ الصُّحْبَةُ وَ النَّجْدَةُ وَ الْبَلاَءُ وَ الزُّهْدُ وَ الْقَضَاءُ وَ الْقَرَابَةُ إِنَّ عَلِیّاً کَانَ فِی أَمْرِهِ عَلِیّاً رَحِمَ اللَّهُ عَلِیّاً وَ صَلَّی عَلَیْهِ فَقُلْتُ یَا أَبَا سَعِیدٍ أَ تَقُولُ صَلَّی عَلَیْهِ لِغَیْرِ اَلنَّبِیِّ فَقَالَ تَرَحَّمْ عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ إِذَا ذُکِرُوا وَ صَلِّ عَلَی اَلنَّبِیِّ وَ آلِهِ وَ عَلِیٌّ خَیْرُ آلِهِ فَقُلْتُ أَ هُوَ خَیْرٌ مِنْ حَمْزَةَ وَ جَعْفَرٍ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ خَیْرٌ مِنْ فَاطِمَةَ وَ ,3اِبْنَیْهَا قَالَ نَعَمْ وَ اللَّهِ إِنَّهُ خَیْرُ آلِ مُحَمَّدٍ کُلِّهِمْ وَ مَنْ یَشُکُّ أَنَّهُ خَیْرٌ مِنْهُمْ وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَبُوهُمَا خَیْرٌ مِنْهُمَا وَ لَمْ یَجْرِ عَلَیْهِ اسْمُ شِرْکٍ وَ لاَ شُرْبُ خَمْرٍ وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِفَاطِمَةَ ع زَوَّجْتُکِ خَیْرَ أُمَّتِی فَلَوْ کَانَ فِی أُمَّتِهِ خَیْرٌ مِنْهُ لاَسْتَثْنَاهُ وَ لَقَدْ آخَی رَسُولُ اللَّهِ ص بَیْنَ أَصْحَابِهِ فَآخَی بَیْنَ عَلِیٍّ وَ نَفْسِهِ فَرَسُولُ اللَّهِ ص خَیْرُ النَّاسِ نَفْساً وَ خَیْرُهُمْ أَخاً فَقُلْتُ یَا أَبَا سَعِیدٍ فَمَا هَذَا الَّذِی یُقَالُ عَنْکَ إِنَّکَ قُلْتَهُ فِی عَلِیٍّ فَقَالَ یَا ابْنَ أَخِی احْقِنْ دَمِی مِنْ هَؤُلاَءِ الْجَبَابِرَةِ وَ لَوْ لاَ ذَلِکَ لَشَالَتْ (1) بِی الْخَشَبُ

.

قال شیخنا أبو جعفر الإسکافی رحمه اللّه تعالی و وجدته أیضا فی کتاب الغارات لإبراهیم بن هلال الثقفی و قد کان بالکوفة من فقهائها من یعادی علیا و یبغضه مع غلبة التشیع علی الکوفة فمنهم مرة الهمدانی .

ص :96

787

وَ رَوَی أَبُو نُعَیْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُکَیْنٍ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِیفَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُرَّةَ یَقُولُ لَأَنْ یَکُونَ عَلِیٌّ جَمَلاً یَسْتَقِی عَلَیْهِ أَهْلُهُ خَیْرٌ لَهُ مِمَّا کَانَ عَلَیْهِ.

788

وَ رَوَی إِسْمَاعِیلُ بْنُ بَهْرَامَ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ قِیلَ لِمُرَّةَ الْهَمْدَانِیِّ کَیْفَ تَخَلَّفْتَ عَنْ عَلِیٍّ قَالَ (1) سَبَقَنَا بِحَسَنَاتِهِ وَ ابْتُلِینَا بِسَیِّئَاتِهِ.

قال إسماعیل بن بهرام و قد روینا عنه أنّه قال أشدّ فحشا من هذا و لکنا نتورع عن ذکره.

789

وَ رَوَی اَلْفَضْلُ بْنُ دُکَیْنٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ لَمْ یَصِلْ أَبُو صَادِقٍ عَلَی مُرَّةَ الْهَمْدَانِیِّ .

قَالَ اَلْفَضْلُ بْنُ دُکَیْنٍ وَ سَمِعْتُ أَنَّ أَبَا صَادِقٍ قَالَ فِی أَیَّامِ حَیَاةِ مُرَّةَ وَ اللَّهِ لاَ یُظِلَّنِی وَ إِیَّاهُ سَقْفُ بَیْتٍ أَبَداً.

قَالَ وَ لَمَّا مَاتَ لَمْ یَحْضُرْهُ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِیلَ قَالَ لاَ أَحْضُرُهُ لِشَیْءٍ کَانَ فِی قَلْبِهِ عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ .

790

قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ هِلاَلٍ فَحَدَّثَنَا اَلْمَسْعُودِیُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَیْرٍ بِهَذَا الْحَدِیثِ قَالَ ثُمَّ کَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَیْرٍ یَقُولُ وَ کَذَلِکَ أَنَا وَ اللَّهِ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ فِی نَفْسِهِ (2) شَیْءٌ عَلَی عَلِیٍّ ع لَمْ أَحْضُرْهُ وَ لَمْ أُصَلِّ عَلَیْهِ.

791

وَ مِنْهُمْ اَلْأَسْوَدُ بْنُ یَزِیدَ وَ مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ رَوَی سَلَمَةُ بْنُ کُهَیْلٍ أَنَّهُمَا کَانَا یَمْشِیَانِ إِلَی بَعْضِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَیَقَعَانِ فِی عَلِیٍّ ع فَأَمَّا اَلْأَسْوَدُ فَمَاتَ عَلَی ذَلِکَ وَ أَمَّا مَسْرُوقٌ فَلَمْ یَمُتْ حَتَّی کَانَ لاَ یُصَلِّی لِلَّهِ تَعَالَی صَلاَةً

ص :97

إِلاَّ صَلَّی بَعْدَهَا عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع لَحَدِیثٌ سَمِعَهُ مِنْ عَائِشَةَ فِی فَضْلِهِ.

792

وَ رَوَی أَبُو نُعَیْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُکَیْنٍ عَنْ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ لَیْثِ بْنِ أَبِی سُلَیْمٍ قَالَ کَانَ مَسْرُوقٌ یَقُولُ کَانَ عَلِیٌّ کَحَاطِبِ لَیْلٍ قَالَ فَلَمْ یَمُتْ مَسْرُوقٌ حَتَّی رَجَعَ عَنْ رَأْیِهِ هَذَا.

793

وَ رَوَی سَلَمَةُ بْنُ کُهَیْلٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَ زُبَیْدٌ الْیَمَامِیُّ عَلَی امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَحَدَّثَتْنَا قَالَتْ کَانَ مَسْرُوقٌ وَ اَلْأَسْوَدُ بْنُ یَزِیدَ یُفْرِطَانِ فِی سَبِّ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ثُمَّ مَا مَاتَ مَسْرُوقٌ حَتَّی سَمِعْتُهُ یُصَلِّیَ عَلَیْهِ وَ أَمَّا اَلْأَسْوَدُ فَمَضَی لِشَأْنِهِ.

قَالَ فَسَأَلْنَاهَا لِمَ ذَلِکَ قَالَتْ شَیْءٌ سَمِعَهُ مِنْ عَائِشَةَ تَرْوِیهِ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص فِیمَنْ أَصَابَ اَلْخَوَارِجَ .

794

وَ رَوَی أَبُو نُعَیْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِی إِسْحَاقَ قَالَ ثَلاَثَةٌ لاَ یُؤْمِنُونَ عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ مَسْرُوقٌ وَ مُرَّةُ وَ شُرَیْحٌ .

وَ رُوِیَ أَنَّ اَلشَّعْبِیَّ رَابِعُهُمْ.

795

وَ رُوِیَ عَنْ هَیْثَمٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ أَنَّ مَسْرُوقاً نَدِمَ عَلَی إِبْطَائِهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع .

796

1- وَ رَوَی اَلْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِیمَ التَّیْمِیِّ قَالَ قَالَ عَلِیٌّ ع لِشُرَیْحٍ وَ قَدْ قَضَی قَضِیَّةً نَقَمَ عَلَیْهِ أَمْرَهَا وَ اللَّهِ لَأَنْفِیَنَّکَ إِلَی بَانِقْیَا (1) شَهْرَیْنِ تَقْضِی بَیْنَ اَلْیَهُودِ قَالَ ثُمَّ قُتِلَ عَلِیٌّ ع وَ مَضَی دَهْرٌ فَلَمَّا قَامَ اَلْمُخْتَارُ بْنُ أَبِی عُبَیْدٍ قَالَ لِشُرَیْحٍ مَا قَالَ لَکَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع یَوْمَ کَذَا قَالَ إِنَّهُ قَالَ لِی کَذَا قَالَ فَلاَ وَ اللَّهِ لاَ تَقْعُدْ حَتَّی تَخْرُجَ إِلَی بَانِقْیَا تَقْضِی بَیْنَ اَلْیَهُودِ فَسَیَّرَهُ إِلَیْهَا فَقَضَی بَیْنَ اَلْیَهُودِ شَهْرَیْنِ .

ص :98

و منهم أبو وائل شقیق بن سلمة کان عثمانیا یقع فی علی ع و یقال إنّه کان یری رأی الخوارج و لم یختلف فی أنّه خرج معهم و أنّه عاد إلی علی ع منیبا مقلعا.

797

1- رَوَی خَلَفُ بْنُ خَلِیفَةَ قَالَ قَالَ أَبُو وَائِلٍ خَرَجْنَا أَرْبَعَةَ آلاَفِ فَخَرَجَ إِلَیْنَا عَلِیٌّ فَمَا زَالَ یُکَلِّمُنَا حَتَّی رَجَعَ مِنَّا أَلْفَانِ .

798

وَ رَوَی صَاحِبُ کِتَابِ اَلْغَارَاتِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِی شَیْبَةَ عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ دُکَیْنٍ عَنْ سُفْیَانَ الثَّوْرِیِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ یَقُولُ شَهِدْتُ صِفِّینَ وَ بِئْسَ الصُّفُوفُ کَانَتْ.

قال

799

وَ قَدْ رَوَی أَبُو بَکْرِ بْنُ عَیَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِی النَّجُودِ قَالَ کَانَ أَبُو وَائِلٍ عُثْمَانِیّاً وَ کَانَ زِرُّ بْنُ حُبَیْشٍ عَلَوِیّاً .

و من المبغضین القالین أبو بردة بن أبی موسی الأشعری ورث البغضة له لا عن کلالة (1) .

800

وَ رَوَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُنْدَبٍ قَالَ قَالَ أَبُو بُرْدَةَ لِزِیَادٍ أَشْهَدُ أَنَّ حُجْرَ بْنَ عَدِیٍّ قَدْ کَفَرَ بِاللَّهِ کَفْرَةَ أَصْلَعَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِنَّمَا عَنَی بِذَلِکَ نِسْبَةَ الْکُفْرِ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع لِأَنَّهُ کَانَ أَصْلَعَ.

801

قَالَ وَ قَدْ رَوَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِیُّ عَنِ اِبْنِ عَیَّاشٍ الْمَنْتُوفِ قَالَ رَأَیْتُ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ لِأَبِی الْعَادِیَةِ الْجُهَنِیِّ قَاتِلِ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ أَ أَنْتَ قَتَلْتَ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ نَاوِلْنِی یَدَکَ فَقَبَّلَهَا وَ قَالَ لاَ تَمَسُّکَ اَلنَّارُ أَبَداً.

ص :99

802

وَ رَوَی أَبُو نُعَیْمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْمُغِیرَةِ عَنِ اَلْغَضْبَانِ بْنِ یَزِیدَ قَالَ رَأَیْتُ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ لِأَبِی الْعَادِیَةِ قَاتِلِ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ مَرْحَباً بِأَخِی هَاهُنَا فَأَجْلَسَهُ إِلَی جَانِبِهِ.

و من المنحرفین عنه ع أبو عبد الرحمن السلمی القارئ

803

1- رَوَی صَاحِبُ کِتَابِ اَلْغَارَاتِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِأَبِی عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِیِّ أَنْشُدُکَ بِاللَّهِ إِنْ سَأَلْتُکَ لَتُخْبِرُنِی قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا أَکَّدَ عَلَیْهِ قَالَ بِاللَّهِ هَلْ أَبْغَضْتَ عَلِیّاً إِلاَّ یَوْمَ قَسَمَ الْمَالَ فِی اَلْکُوفَةِ فَلَمْ یَصِلْکَ وَ لاَ أَهْلَ بَیْتِکَ مِنْهُ بِشَیْءٍ قَالَ أَمَّا إِذْ أَنْشَدْتَنِی بِاللَّهِ فَلَقَدْ کَانَ کَذَلِکَ

.

804

1,14- قَالَ وَ رَوَی أَبُو عُمَرَ الضَّرِیرُ عَنْ أَبِی عَوَانَةَ قَالَ کَانَ بَیْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطِیَّةَ وَ بَیْنَ أَبِی عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِیِّ شَیْءٌ فِی أَمْرِ عَلِیٍّ ع فَأَقْبَلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَی حَیَّانَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِی مَا جَرَّأَ صَاحِبُکَ عَلَی الدِّمَاءِ یَعْنِی عَلِیّاً قَالَ وَ مَا جَرَّأَهُ لاَ أَبَا لِغَیْرِکَ قَالَ حُدِّثْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لِأَهْلِ بَدْرٍ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَکُمْ أَوْ کَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ .

و کان عبد اللّه بن عکیم عثمانیا و کان عبد الرحمن بن أبی لیلی علویا

805

فَرَوَی مُوسَی الْجُهَنِیُّ عَنْ اِبْنَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُکَیْمٍ قَالَتْ تَحَدَّثْناً یَوْماً فَسَمِعْتُ أَبِی یَقُولُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّ صَاحِبَکَ لَوْ صَبَرَ لَأَتَاهُ النَّاسُ.

806

وَ کَانَ سَهْمُ بْنُ طَرِیفٍ عُثْمَانِیّاً وَ کَانَ عَلِیُّ بْنُ رَبِیعَةَ عَلَوِیّاً فَضَرَبَ أَمِیرُ اَلْکُوفَةِ عَلَی النَّاسِ بَعْثاً وَ ضَرَبَ عَلَی سَهْمِ بْنِ طَرِیفٍ مَعَهُمْ فَقَالَ سَهْمٌ لِعَلِیِّ بْنِ رَبِیعَةَ اذْهَبْ إِلَی الْأَمِیرِ فَکَلِّمْهُ فِی أَمْرِی لِیُعْفِیَنِی فَأَتَی عَلِیُّ بْنُ رَبِیعَةَ الْأَمِیرَ فَقَالَ أَصْلَحَکَ اللَّهُ

ص :100

إِنَّ سَهْماً أَعْمَی فَأَعْفِهِ قَالَ قَدْ أَعْفَیْتُهُ فَلَمَّا الْتَقَیَا قَالَ قَدْ أَخْبَرْتُ الْأَمِیرَ أَنَّکَ أَعْمَی وَ إِنَّمَا عَنَیْتُ عَمَی الْقَلْبِ.

و کان قیس بن أبی حازم یبغض علیا ع

807

1- رَوَی وَکِیعٌ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ أَبِی خَالِدٍ عَنْ قَیْسِ بْنِ أَبِی حَازِمٍ قَالَ أَتَیْتُ عَلِیّاً ع لِیُکَلِّمَ لِی عُثْمَانَ فِی حَاجَةٍ فَأَبَی فَأَبْغَضْتُهُ .

قلت و شیوخنا المتکلمون رحمهم اللّه یسقطون روایته

808

عَنِ اَلنَّبِیِّ ص إِنَّکُمْ لَتَرَوْنَ رَبَّکُمْ کَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَیْلَةَ الْبَدْرِ.

و یقولون إنّه کان یبغض علیا ع فکان فاسقا و نقلوا عنه

809

1- أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع یَخْطُبُ عَلَی الْمِنْبَرِ وَ یَقُولُ انْفِرُوا إِلَی بَقِیَّةِ اَلْأَحْزَابِ فَدَخَلَ بُغْضُهُ فِی قَلْبِی .

و کان سعید بن المسیب منحرفا عنه ع و جبهه عمر بن علی ع فی وجهه بکلام شدید.

810

1- رَوَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِی دَاوُدَ الْهَمْدَانِیِّ قَالَ شَهِدْتُ سَعِیدَ بْنَ الْمُسَیَّبِ وَ أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع فَقَالَ لَهُ سَعِیدٌ یَا ابْنَ أَخِی مَا أَرَاکَ تُکْثِرُ غِشْیَانَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص کَمَا یَفْعَلُ إِخْوَتُکَ وَ بَنُو أَعْمَامِکَ فَقَالَ عُمَرُ یَا اِبْنَ الْمُسَیَّبِ أَ کُلَّمَا دَخَلْتُ اَلْمَسْجِدَ أَجِیءُ فَأُشْهِدُکَ فَقَالَ سَعِیدٌ مَا أُحِبُّ أَنْ تَغْضَبَ سَمِعْتُ أَبَاکَ یَقُولُ إِنَّ لِی مِنَ اللَّهِ مَقَاماً لَهُوَ خَیْرٌ لِبَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِمَّا عَلَی الْأَرْضِ مِنْ شَیْءٍ فَقَالَ عُمَرُ وَ أَنَا سَمِعْتُ أَبِی یَقُولُ مَا کَلِمَةُ حِکْمَةٍ

ص :101

فِی قَلْبِ مُنَافِقٍ فَیَخْرُجُ مِنَ الدُّنْیَا حَتَّی (1) یَتَکَلَّمَ بِهَا فَقَالَ سَعِیدٌ یَا ابْنَ أَخِی جَعَلْتَنِی مُنَافِقاً قَالَ هُوَ مَا أَقُولُ لَکَ ثُمَّ انْصَرَفَ .

و کان الزهری من المنحرفین عنه ع.

811

4,1- وَ رَوَی جَرِیرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِیدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَیْبَةَ قَالَ شَهِدْتُ مَسْجِدَ الْمَدِینَةِ فَإِذَا اَلزُّهْرِیُّ وَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَیْرِ جَالِسَانِ یَذْکُرَانِ عَلِیّاً ع فَنَالاَ مِنْهُ فَبَلَغَ ذَلِکَ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ ع فَجَاءَ حَتَّی وَقَفَ عَلَیْهِمَا فَقَالَ أَمَّا أَنْتَ یَا عُرْوَةُ فَإِنَّ أَبِی حَاکَمَ أَبَاکَ إِلَی اللَّهِ فَحَکَمَ لِأَبِی عَلَی أَبِیکَ وَ أَمَّا أَنْتَ یَا زُهْرِیُّ فَلَوْ کُنْتُ بِمَکَّةَ لَأَرَیْتُکَ کُبْرَ؟ [کِنَّ]

أَبِیکَ

.

812

وَ قَدْ رُوِیَ مِنْ طُرُقٍ کَثِیرَةٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَیْرِ کَانَ یَقُولُ لَمْ یَکُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص یَزْهُوَ إِلاَّ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ أُسَامَةُ بْنُ زَیْدٍ .

813

1- وَ رَوَی عَاصِمُ بْنُ أَبِی عَامِرٍ الْبَجَلِیُّ عَنْ یَحْیَی بْنِ عُرْوَةَ قَالَ کَانَ أَبِی إِذَا ذَکَرَ عَلِیّاً نَالَ مِنْهُ.

وَ قَالَ لِی مَرَّةً یَا بُنَیَّ وَ اللَّهِ مَا أَحْجَمَ النَّاسَ عَنْهُ إِلاَّ طَلَباً لِلدُّنْیَا [طَلَبُ الدُّنْیَا]

لَقَدْ بَعَثَ إِلَیْهِ أُسَامَةُ بْنُ زَیْدٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَیَّ بِعَطَائِی فَوَ اللَّهِ إِنَّکَ لَتَعْلَمُ أَنَّکَ لَوْ کُنْتَ فِی فَمِ أَسَدٍ لَدَخَلْتُ مَعَکَ فَکَتَبَ إِلَیْهِ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لِمَنْ جَاهَدَ عَلَیْهِ وَ لَکِنَّ لِی مَالاً بِالْمَدِینَةِ فَأَصِبْ مِنْهُ مَا شِئْتَ .

قَالَ یَحْیَی فَکُنْتُ أَعْجَبُ مِنْ وَصْفِهِ إِیَّاهُ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ وَ مَنْ عَیْبِهِ لَهُ وَ انْحِرَافِهِ عَنْهُ. .

و کان زید بن ثابت عثمانیا شدیدا فی ذلک و کان عمرو بن ثابت عثمانیا من أعداء علی ع و مبغضیه و عمرو بن ثابت هو الذی روی عن أبی أیوب الأنصاری حدیث ستة أیّام من شوال .

ص :102

814

رُوِیَ عَنْ عَمْرٍو أَنَّهُ کَانَ یَرْکَبُ وَ یَدُورُ الْقُرَی بِالشَّامِ وَ یَجْمَعُ أَهْلَهَا وَ یَقُولُ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلِیّاً کَانَ رَجُلاً مُنَافِقاً أَرَادَ أَنْ یَنْخَسَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص لَیْلَةَ الْعَقَبَةِ فَالْعَنُوهُ فَیَلْعَنُهُ أَهْلُ تِلْکَ الْقَرْیَةِ ثُمَّ یَسِیرُ إِلَی الْقَرْیَةِ الْأُخْرَی فَیَأْمُرُهُمْ بِمِثْلِ ذَلِکَ وَ کَانَ فِی أَیَّامِ مُعَاوِیَةَ .

و کان مکحول من المبغضین له ع

815

رَوَی زُهَیْرُ بْنُ مُعَاوِیَةَ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ قَالَ لَقِیتُ مَکْحُولاً فَإِذَا هُوَ مَطْبُوعٌ یَعْنِی مَمْلُوءاً بُغْضاً لِعَلِیٍّ ع فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّی لاَنَ وَ سَکَنَ.

816

وَ رَوَی الْمُحَدِّثُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَیْدٍ أَنَّهُ قَالَ أَرَی أَنَّ أَصْحَابَ عَلِیٍّ أَشَدُّ حُبّاً لَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْعِجْلِ لِعِجْلِهِمْ. و هذا کلام شنیع.

817

وَ رُوِیَ عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ أَنَّهُ ذُکِرَ عِنْدَهُ وُلْدُ عَلِیٍّ ع وَ طَلَبُهُمْ الْخِلاَفَةَ فَقَالَ وَ اللَّهِ لاَ یَصِلُونَ إِلَیْهَا أَبَداً وَ اللَّهِ مَا اسْتَقَامَتْ لِعَلِیٍّ وَ لاَ فَرِحَ بِهَا یَوْماً فَکَیْفَ تَصِیرُ إِلَی وُلْدِهِ هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ لاَ وَ اللَّهِ لاَ یَذُوقُ طَعْمَ الْخِلاَفَةِ مَنْ رَضِیَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ .

و قال شیخنا أبو جعفر الإسکافی کان أهل البصرة کلهم یبغضونه و کثیر من أهل الکوفة و کثیر من أهل المدینة و أما أهل مکّة فکلهم کانوا یبغضونه قاطبة و کانت قریش کلها علی خلافه و کان جمهور الخلق مع بنی أمیّة علیه.

818

1- وَ رَوَی عَبْدُ الْمَلِکِ بْنُ عُمَیْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِی بَکْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع وَ هُوَ یَقُولُ مَا لَقِیَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ مَا لَقِیتُ ثُمَّ بَکَی ع .

819

وَ رَوَی اَلشَّعْبِیُّ عَنْ شُرَیْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ قَالَ عَلِیٌّ ع

اَللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیکَ

ص :103

عَلَی قُرَیْشٍ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِی وَ أَصْغَوْا (1) إِنَائِی وَ صَغَّرُوا عَظِیمَ مَنْزِلَتِی وَ أَجْمَعُوا عَلَی مُنَازَعَتِی .

820

وَ رَوَی جَابِرٌ عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع یَقُولُ

اَللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیکَ عَلَی قُرَیْشٍ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِی وَ غَصَبُونِی حَقِّی وَ أَجْمَعُوا عَلَی مُنَازَعَتِی أَمْراً کُنْتُ أَوْلَی بِهِ ثُمَّ قَالُوا إِنَّ مِنَ الْحَقِّ أَنْ نَأْخُذَهُ وَ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَتْرُکَهُ .

821

وَ رَوَی اَلْمُسَیَّبُ بْنُ نَجَبَةَ الْفَزَارِیُّ قَالَ قَالَ عَلِیٌّ ع

مَنْ وَجَدْتُمُوهُ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ فِی مَاءٍ فَغَطُّوا عَلَی صِمَاخِهِ حَتَّی یَدْخُلَ الْمَاءُ فِی فِیهِ .

822

وَ رَوَی عَمْرُو بْنُ دِینَارٍ عَنِ اِبْنِ أَبِی مُلَیْکَةَ عَنِ اَلْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ لَقِیَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَ لَمْ نَکُنْ نَقْرَأُ مِنْ جُمْلَةِ اَلْقُرْآنِ قَاتِلُوهُمْ فِی آخِرِ الْأَمْرِ کَمَا قَاتَلْتُمُوهُمْ فِی أَوَّلِهِ قَالَ بَلَی وَ لَکِنْ ذَاکَ إِذَا کَانَ الْأُمَرَاءُ بَنِی أُمَیَّةَ وَ الْوُزَرَاءُ بَنِی مَخْزُومٍ .

823

وَ رَوَی أَبُو عُمَرَ النَّهْدِیُّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ یَقُولُ مَا بِمَکَّةَ وَ اَلْمَدِینَةِ عِشْرُونَ رَجُلاً یُحِبُّنَا.

824

1- وَ رَوَی سُفْیَانُ الثَّوْرِیُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِی الْبَخْتَرِیِّ قَالَ أَثْنَی رَجُلٌ عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فِی وَجْهِهِ وَ کَانَ یُبْغِضُهُ فَقَالَ عَلِیٌّ أَنَا دُونَ مَا تَقُولُ وَ فَوْقَ مَا فِی نَفْسِکَ .

825

1,14- وَ رَوَی أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِیُّ قَالَ دَخَلَ قَوْمٌ مِنَ اَلشِّیعَةِ عَلَی عَلِیٍّ ع فِی اَلرَّحْبَةِ وَ هُوَ عَلَی حَصِیرٍ خَلَقٍ فَقَالَ مَا جَاءَ بِکُمْ قَالُوا حُبُّکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ أَمَا إِنَّهُ مَنْ أَحَبَّنِی رَآنِی حَیْثُ یُحِبُّ أَنْ یَرَانِی وَ مَنْ أَبْغَضَنِی رَآنِی حَیْثُ یَکْرَهُ أَنْ یَرَانِی ثُمَّ قَالَ مَا عَبَدَ اللَّهَ أَحَدٌ قَبْلِی إِلاَّ نَبِیُّهُ ع وَ لَقَدْ هَجَمَ أَبُو طَالِبٍ عَلَیْنَا وَ أَنَا وَ هُوَ سَاجِدَانِ فَقَالَ أَ وَ فَعَلْتُمُوهَا ثُمَّ قَالَ لِی وَ أَنَا غُلاَمٌ وَیْحَکَ انْصُرْ ابْنَ عَمِّکَ وَیْحَکَ لاَ تَخْذُلْهُ

ص :104

وَ جَعَلَ یَحُثُّنِی عَلَی مُؤَازَرَتِهِ وَ مُکَانَفَتِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص أَ فَلاَ تُصَلِّی أَنْتَ مَعَنَا یَا عَمِّ فَقَالَ لاَ أَفْعَلُ یَا ابْنَ أَخِی لاَ تَعْلُونِی إِسْتِی ثُمَّ انْصَرَفَ

.

826

وَ رَوَی جَعْفَرُ بْنُ الْأَحْمَرِ عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِیِّ قَالَ قَالَ عَلِیٌّ ع

مَنْ أَحَبَّنِی کَانَ مَعِی أَمَا إِنَّکَ لَوْ صُمْتَ الدَّهْرَ کُلَّهُ وَ قُمْتَ اللَّیْلَ کُلَّهُ ثُمَّ قُتِلْتَ بَیْنَ اَلصَّفَا وَ اَلْمَرْوَةِ أَوْ قَالَ بَیْنَ اَلرُّکْنِ وَ اَلْمَقَامِ لَمَا بَعَثَکَ اللَّهُ إِلاَّ مَعَ هَوَاکَ بَالِغاً مَا بَلَغَ إِنْ فِی جَنَّةٍ فَفِی جَنَّةٍ وَ إِنْ فِی نَارٍ فَفِی نَارٍ .

827

وَ رَوَی جَابِرٌ الْجُعْفِیُّ عَنْ عَلِیٍّ ع أَنَّهُ قَالَ

مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَلْیَسْتَعِدَّ عُدَّةً لِلْبَلاَءِ .

828

وَ رَوَی أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِی حَیَّانَ عَنْ عَلِیٍّ ع

یَهْلِکُ فِیَّ رَجُلاَنِ مُحِبٌّ غَالٍ وَ مُبْغِضٌ قَالٍ .

829

وَ رَوَی حَمَّادُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَیُّوبَ عَنْ کَهْمَسٍ أَنَّ عَلِیّاً ع قَالَ

یَهْلِکُ فِیَّ ثَلاَثَةٌ اللاَّعِنُ وَ الْمُسْتَمِعُ الْمُقِرُّ وَ حَامِلُ الْوِزْرِ وَ هُوَ الْمَلِکُ الْمُتْرَفُ الَّذِی یُتَقَرَّبُ إِلَیْهِ بِلَعْنَتِی وَ یُبْرَأُ عِنْدَهُ مِنْ دِینِی وَ یُنْتَقَصُ عِنْدَهُ حَسَبِی وَ إِنَّمَا حَسَبِی حَسَبُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ دِینِی دِینُهُ وَ یَنْجُو فِی ثَلاَثَةٍ مَنْ أَحَبَّنِی وَ مَنْ أَحَبَّ مُحِبِّی وَ مَنْ عَادَی عَدُوِّی فَمَنْ أُشْرِبَ قَلْبُهُ بُغْضِی أَوْ أَلَّبَ عَلَی بُغْضِی أَوْ انْتَقَصَنِی فَلْیَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَدُوُّهُ وَ خَصْمُهُ (1) وَ اللَّهِ عَدُوٌّ لِلْکٰافِرِینَ .

830

وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِیَّةِ قَالَ مَنْ أَحَبَّنَا نَفَعَهُ اللَّهُ بِحُبِّنَا وَ لَوْ کَانَ أَسِیراً بِالدَّیْلَمِ .

831

وَ رَوَی أَبُو صَادِقٍ عَنْ رَبِیعَةَ بْنِ نَاجِدٍ عَنْ عَلِیٍّ ع قَالَ

قَالَ لِی رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ فِیکَ لَشَبَهاً مِنْ عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ أَحَبَّتْهُ اَلنَّصَارَی حَتَّی أَنْزَلَتْهُ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِی لَیْسَتْ لَهُ وَ أَبْغَضَتْهُ اَلْیَهُودُ حَتَّی بُهِتَتْ أُمُّهُ .

ص :105

832

1- وَ رَوَی صَاحِبُ کِتَابِ اَلْغَارَاتِ حَدِیثَ الْبَرَاءَةِ عَلَی غَیْرِ الْوَجْهِ الْمَذْکُورِ فِی کِتَابِ نَهْجِ الْبَلاَغَةِ قَالَ أَخْبَرَنَا یُوسُفُ بْنُ کُلَیْبٍ الْمَسْعُودِیُّ عَنْ یَحْیَی بْنِ سُلَیْمَانَ الْعَبْدِیِّ عَنْ أَبِی مَرْیَمَ الْأَنْصَارِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْبَاقِرِ ع قَالَ خَطَبَ عَلِیٌّ ع عَلَی مِنْبَرِ اَلْکُوفَةِ فَقَالَ سَیُعْرَضُ عَلَیْکُمْ سَبِّی وَ سَتُذْبَحُونَ عَلَیْهِ فَإِنْ عُرِضَ عَلَیْکُمْ سَبِّی فَسُبُّونِی وَ إِنْ عُرِضَ عَلَیْکُمُ الْبَرَاءَةُ مِنِّی فَإِنِّی عَلَی دِینِ مُحَمَّدٍ ص وَ لَمْ یَقُلْ فَلاَ تَبَرَّءُوا مِنِّی .

833

1- وَ قَالَ أَیْضاً حَدَّثَنِی أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ حَدَّثَنِی اَلْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع قَالَ قَالَ عَلِیٌّ ع وَ اللَّهِ لَتُذْبَحُنَّ عَلَی سَبِّی وَ أَشَارَ بِیَدِهِ إِلَی حَلْقِهِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَمَرُوکُمْ بِسَبِّی فَسُبُّونِی وَ إِنْ أَمَرُوکُمْ أَنْ تَبَرَّءُوا مِنِّی فَإِنِّی عَلَی دِینِ مُحَمَّدٍ ص وَ لَمْ یَنْهَهُمْ عَنْ إِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ .

834

1- وَ رَوَی شَیْخُنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی عَنْ سَلَمَةَ بْنِ کُهَیْلٍ عَنِ اَلْمُسَیَّبِ بْنِ نَجَبَةَ قَالَ بَیْنَا عَلِیٌّ ع یَخْطُبُ إِذْ قَامَ أَعْرَابِیٌّ فَصَاحَ وَا مَظْلِمَتَاهْ فَاسْتَدْنَاهُ عَلِیٌّ ع فَلَمَّا دَنَا قَالَ لَهُ إِنَّمَا لَکَ مَظْلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَ أَنَا قَدْ ظُلِمْتُ عَدَدَ الْمَدَرِ وَ الْوَبَرِ قَالَ وَ فِی رِوَایَةِ عَبَّادِ بْنِ یَعْقُوبَ أَنَّهُ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَیْحَکَ وَ أَنَا وَ اللَّهِ مَظْلُومٌ أَیْضاً هَاتِ فَلْنَدْعُ عَلَی مَنْ ظَلَمَنَا

.

835

1,14- وَ رَوَی سَدِیرٌ الصَّیْرَفِیُّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ قَالَ اشْتَکَی عَلِیٌّ ع شَکَاةً فَعَادَهُ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ وَ خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ فَأَتَیَا اَلنَّبِیَّ ص فَسَأَلَهُمَا مِنْ أَیْنَ جِئْتُمَا قَالاَ عُدْنَا عَلِیّاً قَالَ کَیْفَ رَأَیْتُمَاهُ قَالَ رَأَیْنَاهُ یَخَافُ عَلَیْهِ مِمَّا بِهِ فَقَالَ کَلاَّ إِنَّهُ لَنْ یَمُوتَ حَتَّی یُوَسَّعَ غَدْراً وَ بَغْیاً وَ لَیَکُونَنَّ فِی هَذِهِ الْأُمَّةِ عِبْرَةً یَعْتَبِرُ بِهِ النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ

.

ص :106

836

وَ رَوَی عُثْمَانُ بْنُ سَعِیدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْغَنَوِیِّ أَنَّ عَلِیّاً ع خَطَبَ بِالرَّحْبَةِ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّکُمْ قَدْ أَبَیْتُمْ إِلاَّ أَنْ أَقُولَهَا وَ رَبِّ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ مِنْ عَهْدِ اَلنَّبِیِّ الْأُمِّیِّ إِلَیَّ أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِکَ بَعْدِی وَ رَوَی هَیْثَمُ بْنُ بَشِیرٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ سَالِمٍ مِثْلَهُ و قد روی أکثر أهل الحدیث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقریب منه.

837

14,1,15- وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ الْإِسْکَافِیُّ أَیْضاً أَنَّ اَلنَّبِیَّ ص دَخَلَ عَلَی فَاطِمَةَ ع فَوَجَدَ عَلِیّاً نَائِماً فَذَهَبَتْ تُنَبِّهُهُ فَقَالَ دَعِیهِ فَرُبَّ سَهَرٍ لَهُ بَعْدِی طَوِیلٌ وَ رُبَّ جَفْوَةٍ لِأَهْلِ بَیْتِی مِنْ أَجْلِهِ شَدِیدَةٌ فَبَکَتْ فَقَالَ لاَ تَبْکِی فَإِنَّکُمَا مَعِی وَ فِی مَوْقِفِ الْکَرَامَةِ عِنْدِی .

838

وَ رَوَی النَّاسُ کَافَّةً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لَهُ هَذَا وَلِیِّی وَ أَنَا وَلِیُّهُ عَادَیْتُ مَنْ عَادَاهُ وَ سَالَمْتُ مَنْ سَالَمَهُ.

أو نحو هذا اللفظ.

839

وَ رَوَی أَیْضاً مُحَمَّدُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی رَافِعٍ عَنْ زَیْدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِعَلِیٍّ ع عَدُوُّکَ عَدُوِّی وَ عَدُوِّی عَدُوُّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.

840

14,1- وَ رَوَی یُونُسُ بْنُ حُبَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِکٍ قَالَ کُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ مَعَنَا فَمَرَرْنَا بِحَدِیقَةٍ فَقَالَ عَلِیٌّ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لاَ تَرَی مَا أَحْسَنَ هَذِهِ الْحَدِیقَةَ فَقَالَ إِنَّ حَدِیقَتَکَ فِی اَلْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا حَتَّی مَرَرْنَا بِسَبْعِ حَدَائِقَ یَقُولُ عَلِیٌّ مَا قَالَ وَ یُجِیبُهُ رَسُولُ اللَّهِ ص بِمَا أَجَابَهُ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص وَقَفَ فَوَقَفْنَا فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَی رَأْسِ عَلِیٍّ وَ بَکَی فَقَالَ عَلِیٌّ مَا یُبْکِیکَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ضَغَائِنُ فِی صُدُورِ قَوْمٍ لاَ یُبْدُونَهَا لَکَ حَتَّی یَفْقِدُونِی

ص :107

فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ فَلاَ أَضَعُ سَیْفِی عَلَی عَاتِقِی فَأُبِیدَ خَضْرَاءَهُمْ قَالَ بَلْ تَصْبِرُ قَالَ فَإِنْ صَبَرْتَ قَالَ تُلاَقِی جَهْداً قَالَ أَ فِی سَلاَمَةٍ مِنْ دِینِی قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِذاً لاَ أُبَالِی

.

841

وَ رَوَی جَابِرٌ الْجُعْفِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ ع قَالَ قَالَ عَلِیٌّ ع

مَا رَأَیْتُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً ص رَخَاءً لَقَدْ أَخَافَتْنِی قُرَیْشٌ صَغِیراً وَ أَنْصَبَتْنِی کَبِیراً حَتَّی قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَکَانَتِ الطَّامَّةُ الْکُبْرَی وَ اللّٰهُ الْمُسْتَعٰانُ عَلیٰ مٰا تَصِفُونَ .

842

14- وَ رَوَی صَاحِبُ کِتَابِ الْغَارَاتِ عَنِ اَلْأَعْمَشِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِکٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ سَیَظْهَرُ عَلَی النَّاسِ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِی عَظِیمُ السُّرْمِ وَاسِعُ الْبُلْعُومِ یَأْکُلُ وَ لاَ یَشْبَعُ یَحْمِلُ وِزْرَ الثَّقَلَیْنِ یَطْلُبُ الْإِمَارَةَ یَوْماً فَإِذَا أَدْرَکْتُمُوهُ فَابْقُرُوا بَطْنَهُ قَالَ وَ کَانَ فِی یَدِ رَسُولِ اللَّهِ ص قَضِیبٌ قَدْ وَضَعَ طَرَفَهُ فِی بَطْنِ مُعَاوِیَةَ .

قلت هذا الخبر مرفوع مناسب لما قاله علی ع فی نهج البلاغة و مؤکد لاختیارنا أن المراد به معاویة دون ما قاله کثیر من الناس إنّه زیاد و المغیرة .

843

14,1- وَ رَوَی جَعْفَرُ بْنُ سُلَیْمَانَ الضُّبَعِیّٰ عَنْ أَبِی هَارُونَ الْعَبْدِیِّ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ ذَکَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَوْماً لِعَلِیٍّ مَا یَلْقَی بَعْدَهُ مِنَ الْعَنَتِ فَأَطَالَ فَقَالَ لَهُ ع أَنْشُدُکَ اللَّهَ وَ الرَّحِمَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا دَعَوْتَ اللَّهَ أَنْ یَقْبِضَنِی إِلَیْهِ قَبْلَکَ قَالَ کَیْفَ أَسْأَلُهُ فِی أَجَلٍ مُؤَجَّلٍ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلاَمَ أُقَاتِلُ مَنْ أَمَرْتَنِی بِقِتَالِهِ قَالَ عَلَی الْحَدَثِ فِی الدِّینِ

.

844

1,14- وَ رَوَی اَلْأَعْمَشُ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِیِّ عَنْ أَبِی صَالِحٍ الْحَنَفِیِّ عَنْ عَلِیٍّ ع قَالَ

ص :108

قَالَ لَنَا یَوْماً لَقَدْ رَأَیْتُ اللَّیْلَةَ رَسُولَ اللَّهِ ص فِی الْمَنَامِ فَشَکَوْتُ إِلَیْهِ مَا لَقِیتُ حَتَّی بَکَیْتُ فَقَالَ لِی انْظُرْ فَنَظَرْتُ فَإِذَا جَلاَمِیدُ وَ إِذَا رَجُلاَنِ مُصَفَّدَانِ قَالَ اَلْأَعْمَشُ هُمَا مُعَاوِیَةُ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ فَجَعَلْتُ أَرْضَخُ رُءُوسَهُمَا ثُمَّ تَعُودُ ثُمَّ أَرْضَخُ ثُمَّ تَعُودُ حَتَّی انْتَبَهْتُ .

845

1,14- وَ رَوَی نَحْوَ هَذَا الْحَدِیثِ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِیٍّ ع قَالَ رَأَیْتُ اللَّیْلَةَ رَسُولَ اللَّهِ ص فَشَکَوْتُ إِلَیْهِ فَقَالَ هَذِهِ جَهَنَّمُ فَانْظُرْ مَنْ فِیهَا فَإِذَا مُعَاوِیَةُ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مُعَلَّقَیْنِ بِأَرْجُلِهِمَا مُنَکَّسَیْنِ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمَا بِالْحِجَارَةِ أَوْ قَالَ تُشْدَخُ .

846

1- وَ رَوَی قَیْسُ بْنُ الرَّبِیعِ عَنْ یَحْیَی بْنِ هَانِئٍ الْمُرَادِیِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ یُقَالُ لَهُ ریاد [زِیَادُ]

بْنُ فُلاَنٍ قَالَ کُنَّا فِی بَیْتٍ مَعَ عَلِیٍّ ع نَحْنُ شِیعَتُهُ (1) وَ خَوَاصُّهُ فَالْتَفَتَ فَلَمْ یُنْکِرْ مِنَّا أَحَداً فَقَالَ إِنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ سَیَظْهَرُونَ عَلَیْکُمْ فَیَقْطَعُونَ أَیْدِیَکُمْ وَ یَسْمُلُونَ أَعْیُنَکُمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا وَ أَنْتَ حَیٌّ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ أَعَاذَنِی اللَّهُ مِنْ ذَلِکَ فَالْتَفَتَ فَإِذَا وَاحِدٌ یَبْکِی فَقَالَ لَهُ یَا ابْنَ الْحَمْقَاءِ أَ تُرِیدُ اللَّذَّاتِ فِی الدُّنْیَا وَ الدَّرَجَاتِ فِی الْآخِرَةِ إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِینَ

.

847

1,5- وَ رَوَی زُرَارَةُ بْنُ أَعْیَنَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ ع قَالَ کَانَ عَلِیٌّ ع إِذَا صَلَّی الْفَجْرَ لَمْ یَزَلْ مُعَقِّباً إِلَی أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ اجْتَمَعَ إِلَیْهِ الْفُقَرَاءُ وَ الْمَسَاکِینُ وَ غَیْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ فَیُعَلِّمُهُمُ اَلْفِقْهَ وَ اَلْقُرْآنَ وَ کَانَ لَهُ وَقْتٌ یَقُومُ فِیهِ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِکَ فَقَامَ یَوْماً فَمَرَّ بِرَجُلٍ فَرَمَاهُ بِکَلِمَةِ هُجْرٍ قَالَ لَمْ یُسَمِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ ع فَرَجَعَ عَوْدَهُ عَلَی بَدْئِهِ حَتَّی صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَ أَمَرَ فَنُودِیَ الصَّلاَةَ جَامِعَةً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی نَبِیِّهِ ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَیْسَ شَیْءٌ أَحَبَّ إِلَی اللَّهِ وَ لاَ أَعَمَّ نَفْعاً مِنْ

ص :109

حِلْمِ إِمَامٍ وَ فِقْهِهِ وَ لاَ شَیْءٌ أَبْغَضَ إِلَی اللَّهِ وَ لاَ أَعَمَّ ضَرَراً مِنْ جَهْلِ إِمَامٍ وَ خُرْقِهِ أَلاَ وَ إِنَّهُ مَنْ لَمْ یَکُنْ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاعِظٌ لَمْ یَکُنْ لَهُ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ أَلاَ وَ إِنَّهُ مَنْ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ یَزِدْهُ اللَّهُ إِلاَّ عِزّاً أَلاَ وَ إِنَّ الذُّلَّ فِی طَاعَةِ اللَّهِ أَقْرَبُ إِلَی اللَّهِ مِنَ التَّعَزُّزِ فِی مَعْصِیَتِهِ ثُمَّ قَالَ أَیْنَ الْمُتَکَلِّمُ آنِفاً فَلَمْ یَسْتَطِعِ الْإِنْکَارَ فَقَالَ هَا أَنَا ذَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ أَمَا إِنِّی لَوْ أَشَاءُ لَقُلْتُ فَقَالَ إِنَّ تَعْفُ وَ تَصْفَحُ فَأَنْتَ أَهْلُ ذَلِکَ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ وَ صَفَحْتُ فَقِیلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ ع مَا أَرَادَ أَنْ یَقُولَ قَالَ أَرَادَ أَنْ یَنْسُبَهُ

.

848

6,1- وَ رَوَی زُرَارَةُ أَیْضاً قَالَ قِیلَ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع إِنَّ قَوْماً هَاهُنَا یَنْتَقِصُونَ عَلِیّاً ع قَالَ بِمَ یَنْتَقِصُونَهُ لاَ أَبَا لَهُمْ وَ هَلْ فِیهِ مَوْضِعُ نَقِیصَةٍ وَ اللَّهِ مَا عَرَضَ لِعَلِیٍّ أَمْرَانِ قَطُّ کِلاَهُمَا لِلَّهِ طَاعَةٌ إِلاَّ عَمِلَ بِأَشَدِّهِمَا وَ أَشَقِّهِمَا عَلَیْهِ وَ لَقَدْ کَانَ یَعْمَلُ الْعَمَلَ کَأَنَّهُ قَائِمٌ بَیْنَ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ یَنْظُرُ إِلَی ثَوَابِ هَؤُلاَءِ فَیَعْمَلُ لَهُ وَ یَنْظُرُ إِلَی عِقَابِ هَؤُلاَءِ فَیَعْمَلُ لَهُ وَ إِنْ کَانَ لَیَقُومُ إِلَی الصَّلاَةِ فَإِذَا قَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِیَ تَغَیَّرَ لَوْنُهُ حَتَّی یُعْرَفَ ذَلِکَ فِی وَجْهِهِ (1) وَ لَقَدْ أَعْتَقَ أَلْفَ عَبْدٍ مِنْ کَدِّ یَدِهِ کُلٌّ مِنْهُمْ (2) یَعْرَقُ فِیهِ جَبِینُهُ وَ تَحَفَّی فِیهِ کَفُّهُ وَ لَقَدْ بَشَّرَ بِعَیْنٍ نَبَعَتْ فِی مَالِهِ مِثْلُ عُنُقِ الْجَزُورِ فَقَالَ بَشِّرِ الْوَارِثَ بَشِّرْ ثُمَّ جَعَلَهَا صَدَقَةً عَلَی الْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ إِلَی أَنْ یَرِثَ اللَّهُ اَلْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَیْهٰا لِیَصْرِفَ اللَّهُ النَّارَ عَنْ وَجْهِهِ وَ یَصْرِفَ وَجْهَهُ عَنِ اَلنَّارِ

.

849

وَ رَوَی اَلْقَنَّادُ عَنْ أَبِی مَرْیَمَ الْأَنْصَارِیِّ عَنْ عَلِیٍّ ع

لاَ یُحِبُّنِی کَافِرٌ وَ لاَ وَلَدُ زِنًا .

850

وَ رَوَی جَعْفَرُ بْنُ زِیَادٍ عَنْ أَبِی هَارُونَ الْعَبْدِیِّ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ -کُنَّا بِنُورِ إِیْمَانِنَا نُحِبُّ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ ع فَمَنْ أَحَبَّهُ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِنَّا.

ص :110

و أبوه تاج الهدی جعفر الصادق

و ذکرنا هاهنا ما قبل المعنی و ما بعده لأن الشعر حدیث و الحدیث کما قیل یأخذ بعضه برقاب بعض و لأن ما قبل المعنی و ما بعده مکمل له و موضح مقصده.

فإن قلت أی مناسبة بین لفظ الزکاة و انتشار الصیت و السمع.

قلت لأن الزکاة هی النماء و الزیادة و منه سمیت الصدقة المخصوصة زکاة لأنّها تنمی المال المزکی و انتشار الصیت نماء و زیادة

ص :112

و یقولون إن حکم البراءة من اللّه تعالی و من الرسول و منه ع و من أحد الأئمة ع حکم واحد.

و یقولون إن الإکراه علی السب یبیح إظهاره و لا یجوز الاستسلام للقتل معه و أمّا الإکراه علی البراءة فإنّه یجوز معه الاستسلام للقتل و یجوز أن یظهر التبرؤ و الأولی أن یستسلم للقتل

ع

هِیَ السَّنَةُ الَّتِی بُدِئَ فِیهَا بِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَأُسْمِعَ الْهُتَافَ مِنَ الْأَحْجَارِ وَ الْأَشْجَارِ وَ کُشِفَ عَنْ بَصَرِهِ فَشَاهَدَ أَنْوَاراً وَ أَشْخَاصاً وَ لَمْ یُخَاطِبْ فِیهَا (1) بِشَیْءٍ وَ هَذِهِ السَّنَةُ هِیَ السَّنَةُ الَّتِی ابْتَدَأَ فِیهَا بِالتَّبَتُّلِ وَ الاِنْقِطَاعِ وَ الْعُزْلَةِ فِی جَبَلِ حِرَاءَ فَلَمْ یَزَلْ بِهِ حَتَّی کُوشِفَ بِالرِّسَالَةِ وَ أُنْزِلَ عَلَیْهِ الْوَحْیُ وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَتَیَمَّنُ بِتِلْکَ السَّنَةِ وَ بِوِلاَدَةِ عَلِیٍّ ع فِیهَا وَ یُسَمِّیهَا سَنَةَ الْخَیْرِ وَ سَنَةَ الْبَرَکَةِ وَ قَالَ لِأَهْلِهِ لَیْلَةَ وِلاَدَتِهِ وَ فِیهَا شَاهَدَ مَا شَاهَدَ مِنَ الْکَرَامَاتِ وَ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِیَّةِ وَ لَمْ یَکُنْ مِنْ قَبْلِهَا شَاهَدَ مِنْ ذَلِکَ شَیْئاً لَقَدْ وُلِدَ لَنَا اللَّیْلَةَ مَوْلُودٌ یَفْتَحُ اللَّهُ عَلَیْنَا بِهِ أَبْوَاباً کَثِیرَةً مِنَ النِّعْمَةِ وَ الرَّحْمَةِ .

و کان کما قال ص فإنّه ع کان ناصره و المحامی عنه و کاشف الغماء (2) عن وجهه و بسیفه ثبت دین الإسلام و رست دعائمه و تمهدت قواعده.

و فی المسألة تفسیر آخر و هو أن یعنی بقوله ع فإنی ولدت علی الفطرة أی علی الفطرة التی لم تتغیر و لم تحل و ذلک أن معنی

854

قَوْلِ اَلنَّبِیِّ ص کُلُّ مَوْلُودٍ یُولَدُ عَلَی الْفِطْرَةِ.

أن کل مولود فإن اللّه تعالی قد هیأه بالعقل الذی خلقه فیه و بصحة الحواس و المشاعر لأن یعلم التوحید و العدل و لم یجعل فیه مانعا یمنعه عن ذلک و لکن التربیة و العقیدة فی الوالدین و الإلف لاعتقادهما و حسن الظنّ فیهما یصده عما فطر علیه و أمیر المؤمنین ع دون غیره ولد علی الفطرة التی لم تحل و لم یصد عن مقتضاها مانع لا من جانب الأبوین و لا من جهة غیرهما و غیره ولد علی الفطرة و لکنه حال عن مقتضاها و زال عن موجبها.

و یمکن أن یفسر بأنّه ع أراد بالفطرة العصمة و أنّه منذ ولد لم یواقع قبیحا

ص :115

و لا کان کافرا طرفة عین قط و لا مخطئا و لا غالطا فی شیء من الأشیاء المتعلقة بالدین و هذا تفسیر الإمامیّة

لِأَحَدٍ غَیْرِهِ هُوَ أَوَّلُ عَرَبِیٍّ وَ عَجَمِیٍّ صَلَّی مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ هُوَ الَّذِی کَانَ مَعَهُ لِوَاؤُهُ فِی کُلِّ زَحْفٍ وَ هُوَ الَّذِی صَبَرَ مَعَهُ یَوْمَ فَرَّ عَنْهُ غَیْرُهُ وَ هُوَ الَّذِی غَسَّلَهُ وَ أَدْخَلَهُ قَبْرَهُ .

858

قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ رُوِیَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِیِّ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وُرُوداً عَلَی نَبِیِّهَا ص اَلْحَوْضَ أَوَّلُهَا إِسْلاَماً عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ .

و قد روی هذا الحدیث مرفوعا

859

14,1- عَنْ سَلْمَانَ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وُرُوداً عَلَیَّ اَلْحَوْضَ أَوَّلُهَا إِسْلاَماً عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ .

قال أبو عمر و رفعه أولی لأن مثله لا یدرک بالرأی.

قال أبو عمر فأما إسناد المرفوع

860

فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِی أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنِی یَحْیَی بْنُ هَاشِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْیَانُ الثَّوْرِیُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ کُهَیْلٍ عَنْ أَبِی صَادِقٍ عَنْ حَنَشِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ عُلَیْمٍ (1) الْکِنْدِیِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِیِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَوَّلُکُمْ وَارِداً عَلَیَّ اَلْحَوْضَ أَوَّلُکُمْ إِسْلاَماً عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ .

861

1,14- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ رَوَی أَبُو دَاوُدَ الطَّیَالِسِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِی بَلْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَیْمُونٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّی مَعَ اَلنَّبِیِّ ص بَعْدَ خَدِیجَةَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ .

862

1- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْیَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَیْرِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِی بَلْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَیْمُونٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ کَانَ عَلِیٌّ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ خَدِیجَةَ .

قال أبو عمر هذا الإسناد لا مطعن فیه لأحد لصحته و ثقة نقلته و قد عارض (2)

ص :117

ما ذکرنا فی باب أبی بکر الصدیق عن ابن عبّاس و الصحیح فی أمر أبی بکر أنه أول من أظهر إسلامه کذلک قاله مجاهد و غیره قالوا و منعه قومه.

863

قَالَ أَبُو عُمَرَ اتَّفَقَ اِبْنُ شِهَابٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِیلٍ وَ قَتَادَةُ وَ اِبْنُ إِسْحَاقَ عَلَی أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ (1) مِنَ الرِّجَالِ عَلِیٌّ وَ اتَّفَقُوا عَلَی أَنَّ خَدِیجَةَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ صَدَّقَهُ فِیمَا جَاءَ بِهِ ثُمَّ عَلِیٌّ بَعْدُ.

و روی عن أبی رافع مثل ذلک.

864

1- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَیْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِیزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِیِّ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ مَوْلَی غَفْرَةَ قَالَ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ کَعْبٍ الْقُرَظِیُّ عَنْ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ عَلِیٍّ أَمْ أَبِی بَکْرٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَلِیٌّ أَوَّلُهُمَا إِسْلاَماً وَ إِنَّمَا شُبِّهَ عَلَی النَّاسِ لِأَنَّ عَلِیّاً أَخْفَی إِسْلاَمَهُ مِنْ أَبِی طَالِبٍ وَ أَسْلَمَ أَبُو بَکْرٍ فَأَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ لاَ شَکَّ عِنْدَنَا أَنَّ عَلِیّاً أَوَّلُهُمَا إِسْلاَماً-

.

865

1- ذَکَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِی جَامِعِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ اَلْحَسَنِ وَ غَیْرِهِ قَالُوا أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ خَدِیجَةَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع .

866

1- وَ رَوَی مَعْمَرٌ عَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِیِّ عَنْ مِقْسَمٍ (2) عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ .

867

قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ رَوَی اِبْنُ فُضَیْلٍ عَنِ اَلْأَجْلَحِ عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَیْنٍ الْعُرَنِیِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع یَقُولُ

لَقَدْ عَبَدْتُ اللَّهَ قَبْلَ أَنْ یَعْبُدَهُ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَمْسَ سِنِینَ .

868

1,14- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ رَوَی شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ کُهَیْلٍ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِیِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً یَقُولُ أَنَا أَوَّلُ مَنْ صَلَّی مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص .

ص :118

869

قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ قَدْ رَوَی سَالِمُ بْنُ أَبِی الْجَعْدِ قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ الْحَنَفِیَّةِ أَبُو بَکْرٍ کَانَ أَوَّلَهُمَا إِسْلاَماً قَالَ لاَ.

870

14,1- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ رَوَی مُسْلِمٌ الْمُلاَئِیُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِکٍ قَالَ اسْتُنْبِئَ اَلنَّبِیُّ ص یَوْمَ الْإِثْنَیْنِ وَ صَلَّی عَلِیٌّ یَوْمَ الثَّلاَثَاءِ .

871

14,1- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ قَالَ زَیْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ .

قال و قد روی حدیث زید بن أرقم من وجوه ذکرها النسائی و أسلم بن موسی و غیرهما

872

14,1- مِنْهَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَیْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِیُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِی عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ الْأَنْصَارِیَّ قَالَ سَمِعْتُ زَیْدَ بْنَ أَرْقَمَ یَقُولُ أَوَّلُ مَنْ صَلَّی مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ

.

873

14,1- قَالَ أَبُو عُمَرَ [وَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَیْرِ بْنِ حَرْبٍ (1) ]

حَدَّثَنَا أَبِی قَالَ حَدَّثَنَا یَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا یَحْیَی بْنُ أَبِی الْأَشْعَثِ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ إِیَاسِ بْنِ عَفِیفٍ الْکِنْدِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ کُنْتُ امْرَأً تَاجِراً فَقَدِمْتُ الْحَجَّ فَأَتَیْتُ اَلْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأَبْتَاعَ مِنْهُ بَعْضَ التِّجَارَةِ وَ کَانَ امْرَأً تَاجِراً فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَعِنْدَهُ بِمِنًی إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ قَرِیبٍ مِنْهُ فَنَظَرَ إِلَی الشَّمْسِ فَلَمَّا رَآهَا قَدْ مَالَتْ قَامَ یُصَلِّی ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنْ ذَلِکَ الْخِبَاءِ الَّذِی خَرَجَ مِنْهُ ذَلِکَ الرَّجُلُ فَقَامَتْ خَلْفَهُ تُصَلِّی ثُمَّ خَرَجَ غُلاَمٌ حِینَ رَاهَقَ الْحُلُمَ مِنْ ذَلِکَ الْخِبَاءِ فَقَامَ مَعَهُ یُصَلِّی فَقُلْتُ لِلْعَبَّاسِ مَا هَذَا یَا عَبَّاسُ قَالَ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ أَخِی قُلْتُ مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ

ص :119

قَالَ امْرَأَتُهُ خَدِیجَةُ بِنْتُ خُوَیْلِدٍ قُلْتُ مَا هَذَا الْفَتَی قَالَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ابْنُ عَمِّهِ قُلْتُ مَا هَذَا الَّذِی یَصْنَعُ قَالَ یُصَلِّی وَ هُوَ یَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِیٌّ وَ لَمْ یَتَّبِعْهُ عَلَی أَمْرِهِ إِلاَّ امْرَأَتُهُ وَ اِبْنُ عَمِّهِ هَذَا الْغُلاَمُ وَ هُوَ یَزْعُمُ أَنَّهُ سَیَفْتَحُ عَلَی أُمَّتِهِ کُنُوزَ کِسْرَی وَ قَیْصَرَ قَالَ فَکَانَ عَفِیفٌ الْکِنْدِیُّ یَقُولُ وَ قَدْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِکَ وَ حَسُنَ إِسْلاَمُهُ لَوْ کَانَ اللَّهُ رَزَقَنِیَ اَلْإِسْلاَمَ یَوْمَئِذٍ کُنْتُ أَکُونُ ثَانِیاً مَعَ عَلِیٍّ .

قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ قَدْ ذَکَرْنَا هَذَا الْحَدِیثَ مِنْ طُرُقٍ فِی بَابِ عَفِیفٍ الْکِنْدِیِّ مِنْ هَذَا الْکِتَابِ

.

874

قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ لَقَدْ قَالَ عَلِیٌّ ع

صَلَّیْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص کَذَا وَ کَذَا لاَ یُصَلِّی مَعَهُ غَیْرِی إِلاَّ خَدِیجَةُ .

فهذه الروایات و الأخبار کلها ذکرها أبو عمر یوسف بن عبد البر فی الکتاب المذکور و هی کما تراها تکاد تکون إجماعا.

قال أبو عمر و إنّما الاختلاف فی کمیة سنه ع یوم أسلم

875

1- ذَکَرَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ الْحُلْوَانِیُّ فِی کِتَابِ اَلْمَعْرِفَةِ لَهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا اَللَّیْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِی الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِیّاً وَ اَلزُّبَیْرَ أَسْلَمَا وَ هُمَا ابْنَا ثَمَانِی سِنِینَ کَذَا یَقُولُ أَبُو الْأَسْوَدِ یَتِیمُ عُرْوَةَ .

876

1- وَ ذَکَرَهُ أَیْضاً اِبْنُ أَبِی خَیْثَمَةَ عَنْ قُتَیْبَةَ بْنِ سَعِیدٍ عَنِ اَللَّیْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِی الْأَسْوَدِ وَ ذَکَرَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنِ اَلْحِزَامِیِّ عَنْ أَبِی وَهْبٍ عَنِ اَللَّیْثِ عَنْ أَبِی الْأَسْوَدِ قَالَ اَللَّیْثُ وَ هَاجَرَا وَ هُمَا ابْنَا ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً .

قال أبو عمر و لا أعلم أحدا قال بقول أبی الأسود هذا.

877

1- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ رَوَی اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ الْحُلْوَانِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَمَّرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ اَلْحَسَنِ قَالَ أَسْلَمَ عَلِیٌّ وَ هُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً .

ص :120

878

1- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ الطُّوسِیُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ السَّرَّاجُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُعَمَّرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ اَلْحَسَنِ قَالَ أَسْلَمَ عَلِیٌّ وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ وَ هُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً .

قال أبو عمر قال ابن وضاح و ما رأیت أحدا قط أعلم بالحدیث من محمّد بن مسعود و لا بالرأی من سحنون .

879

1- قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اِبْنُ إِسْحَاقَ أَوَّلُ ذَکَرٍ آمَنَ (1) بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ ابْنُ عَشْرِ سِنِینَ .

قال أبو عمر و الروایات فی مبلغ سنه ع مختلفة قیل أسلم و هو ابن ثلاث عشرة سنة و قیل ابن اثنتی عشرة سنة و قیل ابن خمس عشرة سنة و قیل ابن ست عشرة و قیل ابن عشر و قیل ابن ثمان.

880

1- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ ذَکَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنِ اَلْمَدَائِنِیِّ عَنِ اِبْنِ جَعْدَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ أَسْلَمَ عَلِیٌّ وَ هُوَ ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً .

881

1- قَالَ وَ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِیمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحَرَامِیُّ [اَلْحِزَامِیُّ]

قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ قَالَ حَدَّثَنِی جَدِّی إِسْحَاقُ بْنُ یَحْیَی عَنْ طَلْحَةَ قَالَ کَانَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع وَ اَلزُّبَیْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ وَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ أَعْمَاراً وَاحِدَةً .

882

1- قَالَ وَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِیلُ بْنُ عَلِیٍّ الْخِطْبِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی قَالَ حَدَّثَنَا حُجَیْنٌ أَبُو عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا حِبَّانُ عَنْ مَعْرُوفٍ عَنْ أَبِی مَعْشَرٍ قَالَ کَانَ عَلِیٌّ ع وَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ فِی سِنٍّ وَاحِدَةٍ .

ص :121

883

1- قَالَ وَ رَوَی عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ اَلْحَسَنِ وَ غَیْرِهِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ خَدِیجَةَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع وَ هُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ .

884

1- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ رَوَی أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُرَیْحُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْفُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ مَیْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ أَسْلَمَ عَلِیٌّ وَ هُوَ ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ تُوُفِّیَ وَ هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَ سِتِّینَ سَنَةً .

قال أبو عمر هذا أصح ما قیل فی ذلک و اللّه أعلم.

انتهی حکایة کلام أبی عمر فی کتاب الإستیعاب .

و اعلم أن شیوخنا المتکلّمین لا یکادون یختلفون فی أن أول الناس إسلاما علیّ بن أبی طالب ع إلا من عساه خالف فی ذلک من أوائل البصریین فأما الذی تقررت المقالة علیه الآن فهو القول بأنّه أسبق الناس إلی الإیمان لا تکاد تجد الیوم فی تصانیفهم و عند متکلمیهم و المحققین منهم خلافا فی ذلک.

و اعلم أن أمیر المؤمنین ع ما زال یدعی ذلک لنفسه و یفتخر به و یجعله فی أفضلیته علی غیره و یصرح بذلک و قد

885

قَالَ غَیْرَ مَرَّةٍ

أَنَا الصِّدِّیقُ الْأَکْبَرُ وَ الْفَارُوقُ الْأَوَّلُ أَسْلَمْتُ قَبْلَ إِسْلاَمِ أَبِی بَکْرٍ وَ صَلَّیْتُ قَبْلَ صَلاَتِهِ .

و روی عنه هذا الکلام بعینه أبو محمّد بن قتیبة فی کتاب المعارف (1) و هو غیر متهم فی أمره.

886

وَ مِنَ الشِّعْرِ الْمَرْوِیِّ عَنْهُ ع فِی هَذَا الْمَعْنَی الْأَبْیَاتُ الَّتِی أَوَّلُهَا

مُحَمَّدٌ النَّبِیُّ أَخِی وَ صِهْرِی

وَ حَمْزَةُ سَیِّدُ الشُّهَدَاءِ عَمِّی

وَ مِنْ جُمْلَتِهَا سَبَقْتُکُمْ إِلَی اَلْإِسْلاَمِ طُرّاً غُلاَماً مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حُلُمِی .

ص :122

و الأخبار الواردة فی هذا الباب کثیرة جدا لا یتسع هذا الکتاب لذکرها فلتطلب من مظانها.

و من تأمل کتب السیر و التواریخ عرف من ذلک ما قلناه.

فأما الذاهبون إلی أن أبا بکر أقدمهما إسلاما فنفر قلیلون و نحن نذکر ما أورده ابن عبد البر أیضا فی کتاب الإستیعاب فی ترجمة أبی بکر (1) .

887

14- قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدَّثَنِی خَالِدُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَحْبُوبٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبْدُوسٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَکْرِ بْنُ أَبِی شَیْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شَیْخٌ لَنَا قَالَ أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ سَأَلْتُ اِبْنَ عَبَّاسٍ أَوْ سُئِلَ أَیُّ النَّاسِ کَانَ أَوَّلَ إِسْلاَماً فَقَالَ أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ إِذَا تَذَکَّرْتَ شَجْواً مِنْ أَخِی ثِقَةٍ وَ یُرْوَی أَنَّ اَلنَّبِیَّ ص قَالَ لِحَسَّانَ هَلْ قُلْتَ فِی أَبِی بَکْرٍ شَیْئاً قَالَ نَعَمْ وَ أَنْشَدَهُ هَذِهِ الْأَبْیَاتَ وَ فِیهَا بَیْتٌ رَابِعٌ وَ ثَانِیَ اثْنَیْنِ فِی اَلْغَارِ الْمُنِیفِ وَ قَدْ طَافَ الْعَدُوُّ بِهِ إِذْ صَعِدُوا الْجَبَلاَ فَسُرَّ بِذَلِکَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ قَالَ أَحْسَنْتَ یَا حَسَّانَ وَ قَدْ رُوِیَ فِیهَا بَیْتٌ خَامِسٌ وَ کَانَ حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمُوا مِنَ الْبَرِّیَّةِ لَمْ یَعْدِلْ بِهِ رَجُلاً .

ص :123

888

وَ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ رَوَی شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ النَّخَعِیِّ قَالَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ أَبُو بَکْرٍ .

889

1- قَالَ وَ رَوَی اَلْجَرِیرِیُّ عَنْ أَبِی نَصْرٍ قَالَ قَالَ أَبُو بَکْرٍ لِعَلِیٍّ ع أَنَا أَسْلَمْتُ قَبْلَکَ . فی حدیث ذکره فلم ینکره علیه.

890

قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ قَالَ فِیهِ أَبُو مِحْجَنٍ الثَّقَفِیُّ وَ سُمِّیتَ صِدِّیقاً وَ کُلُّ مُهَاجِرٍ

891

14- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ رَوَیْنَا مِنْ وُجُوهٍ عَنْ أَبِی أُمَامَةَ الْبَاهِلِیِّ قَالَ حَدَّثَنِی عَمْرُو بْنُ عَبْسَةَ قَالَ أَتَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص وَ هُوَ نَازِلٌ بِعُکَاظَ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ ص مَنْ اتَّبَعَکَ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ حُرٌّ وَ عَبْدٌ أَبُو بَکْرٍ وَ بِلاَلٌ قَالَ فَأَسْلَمْتُ عِنْدَ ذَلِکَ

. و ذکر الحدیث.

هذا مجموع ما ذکره أبو عمر بن عبد البر فی هذا الباب فی ترجمة أبی بکر و معلوم أنّه لا نسبة لهذه الروایات إلی الروایات التی ذکرها فی ترجمة علی ع الدالة علی سبقه و لا ریب أن الصحیح ما ذکره أبو عمر أن علیا ع کان هو السابق و أن أبا بکر هو أول من أظهر إسلامه فظن أن السبق له.

و أما زید بن حارثة

892

فَإِنَّ أَبَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْبِرِّ رَضِیَ اللَّهُ تَعَالَی عَنْهُ ذَکَرَ فِی کِتَابِ اَلْإِسْتِیعَابِ أَیْضاً فِی تَرْجَمَةِ زَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ ذَکَرَ مُعَمَّرُ بْنُ شَبَّةَ فِی جَامِعِهِ عَنِ اَلزُّهْرِیِّ أَنَّهُ قَالَ مَا عَلِمْنَا أَحَداً أَسْلَمَ قَبْلَ زَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ (1) .

ص :124

قال عبد الرزاق و ما أعلم أحدا ذکره غیر الزهری .

و لم یذکر صاحب الإستیعاب ما یدلّ علی سبق زید إلا هذه الروایة و استغربها فدل مجموع ما ذکرناه أن علیا ع أول الناس إسلاما و أن المخالف فی ذلک شاذ و الشاذ لا یعتد به

أرض قوم إلی غیرها و کان علی ع معه دون غیره.

أما هجرته إلی بنی شیبان فما اختلف أحد من أهل السیرة أن علیا ع کان معه هو و أبو بکر و أنهم غابوا عن مکّة ثلاثة عشر یوما و عادوا إلیها لما لم یجدوا عند بنی شیبان ما أرادوه من النصرة.

893

14,1- وَ رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ فِی کِتَابِ اَلْأَمْثَالِ عَنِ اَلْمُفَضَّلِ الضَّبِّیِّ أَنَّ (1) رَسُولَ اللَّهِ ص لَمَّا خَرَجَ عَنْ مَکَّةَ یَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَی قَبَائِلِ اَلْعَرَبِ خَرَجَ إِلَی رَبِیعَةَ وَ مَعَهُ عَلِیٌّ ع وَ أَبُو بَکْرٍ فَدَفَعُوا إِلَی مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ اَلْعَرَبِ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَکْرٍ وَ کَانَ نَسَّابَةً فَسَلَّمَ فَرَدُّوا عَلَیْهِ السَّلاَمَ فَقَالَ مِمَّنِ الْقَوْمُ قَالُوا مِنْ رَبِیعَةَ قَالَ أَ مِنْ هَامَتِهَا أَمْ مِنْ لَهَازِمِهَا (2) قَالُوا مِنْ هَامَتِهَا الْعُظْمَی فَقَالَ مِنْ أَیِّ هَامَتِهَا الْعُظْمَی أَنْتُمْ قَالُوا مِنْ ذُهْلٍ الْأَکْبَرٍ قَالَ أَ فَمِنْکُمْ عَوْفٌ الَّذِی یُقَالُ لَهُ لاَ حُرَّ بِوَادِی عَوْفٍ قَالُوا لاَ قَالَ أَ فَمِنْکُمْ بِسْطَامٌ ذُو اللِّوَاءِ وَ مُنْتَهَی الْأَحْیَاءِ قَالُوا لاَ قَالَ أَ فَمِنْکُمْ جَسَّاسٌ حَامِی الذِّمَارِ وَ مَانِعُ الْجَارِ قَالُوا لاَ قَالَ أَ فَمِنْکُمْ اَلْحَوْفَزَانُ قَاتِلُ الْمُلُوکِ وَ سَالِبُهَا أَنْفُسَهَا قَالُوا لاَ قَالَ أَ فَمِنْکُمْ اَلْمُزْدَلَفُ صَاحِبُ الْعِمَامَةِ الْفَرْدَةِ قَالُوا لاَ قَالَ أَ فَأَنْتُمْ أَخْوَالُ الْمُلُوکِ مِنْ کِنْدَةَ قَالُوا لاَ قَالَ فَلَسْتُمْ إِذَنْ ذُهْلاً الْأَکْبَرَ أَنْتُمْ ذُهْلٌ الْأَصْغَرُ فَقَامَ إِلَیْهِ غُلاَمٌ قَدْ بَقَلَ (3) وَجْهُهُ اسْمُهُ دَغْفَلٌ فَقَالَ إِنَّ عَلَی سَائِلِنَا أَنْ نَسْأَلَهُ وَ الْعِبْءُ لاَ تَعْرِفُهُ أَوْ تَحْمِلُهُ.

ص :126

یَا هَذَا إِنَّکَ قَدْ سَأَلْتَنَا فَأَجَبْنَاکَ وَ لَمْ نَکْتُمْکَ شَیْئاً فَمِمَّنِ الرَّجُلُ قَالَ مِنْ قُرَیْشٍ قَالَ بَخْ بَخْ أَهْلَ الشَّرَفِ وَ الرِّئَاسَةِ فَمِنْ أَیِّ قُرَیْشٍ أَنْتَ قَالَ مِنْ تَیْمِ بْنِ مُرَّةَ قَالَ أَمْکَنْتَ وَ اللَّهِ الرَّامِیَ مِنَ الثَّغْرَةِ (1) أَ مِنْکُمْ قُصَیُّ بْنُ کِلاَبٍ الَّذِی جَمَعَ القَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ فَکَانَ یُدْعَی مُجَمِّعاً قَالَ لاَ قَالَ أَ فَمِنْکُمْ هَاشِمٌ الَّذِی هَشَمَ لِقَوْمِهِ الثَّرِیدَ (2) قَالَ لاَ قَالَ أَ فَمِنْکُمْ شَیْبَةُ الْحَمْدِ مُطْعِمُ طَیْرِ السَّمَاءِ (3) قَالَ لاَ قَالَ أَ فَمِنَ الْمُفِیضِینَ بِالنَّاسِ أَنْتَ قَالَ لاَ قَالَ أَ فَمِنْ أَهْلِ النَّدْوَةِ أَنْتَ قَالَ لاَ قَالَ أَ فَمِنْ أَهْلِ الرِّفَادَةِ (4) أَنْتَ قَالَ لاَ قَالَ أَ فَمِنْ أَهْلِ الْحِجَابَةِ أَنْتَ قَالَ لاَ قَالَ أَ فَمِنْ أَهْلِ السِّقَایَةِ قَالَ لاَ قَالَ فَاجْتَذَبَ أَبُو بَکْرٍ زِمَامَ نَاقَتِهِ وَ رَجَعَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص هَارِباً مِنَ الْغُلاَمِ فَقَالَ دَغْفَلٌ صَادَفَ دَرْءَ السَّیْلِ دَرْءٌ یَصْدَعُهُ (5) .

أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ ثَبَتَّ لَأَخْبَرْتُکَ أَنَّکَ مِنْ زَمَعَاتِ (6) قُرَیْشٍ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ قَالَ عَلِیٌّ ع لِأَبِی بَکْرٍ لَقَدْ وَقَعْتَ یَا أَبَا بَکْرٍ مِنَ الْأَعْرَابِیِّ عَلَی بَاقِعَةٍ قَالَ أَجَلْ إِنَّ لِکُلِّ طَامَّةٍ طَامَّةً وَ الْبَلاَءُ مُوَکَّلٌ بِالْمَنْطِقِ فَذَهَبَتْ مَثَلاً

.

و أمّا هجرته ص إلی الطائف فکان معه علی ع و زید بن

ص :127

حارثة فی روایة أبی الحسن المدائنی و لم یکن معهم أبو بکر و أمّا روایة محمّد بن إسحاق فإنه قال کان معه زید بن حارثة وحده و غاب رسول اللّه ص عن مکّة فی هذه الهجرة أربعین یوما و دخل إلیها فی جوار مطعم بن عدی .

و أمّا هجرته ص إلی بنی عامر بن صعصعة و إخوانهم من قیس عیلان فإنه لم یکن معه إلاّ علی ع وحده

894

14,1- وَ ذَلِکَ عَقِیبَ وَفَاةِ أَبِی طَالِبٍ أُوحِیَ إِلَیْهِ ص اخْرُجْ مِنْهَا فَقَدْ مَاتَ نَاصِرُکَ فَخَرَجَ إِلَی بَنِی عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَ مَعَهُ عَلِیٌّ ع وَحْدَهُ فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَیْهِمْ وَ سَأَلَهُمُ النَّصْرَ وَ تَلاَ عَلَیْهِمْ اَلْقُرْآنَ فَلَمْ یُجِیبُوهُ فَعَادَا ع إِلَی مَکَّةَ وَ کَانَتْ مُدَّةُ غَیْبَتِهِ فِی هَذِهِ الْهِجْرَةِ عَشَرَةَ أَیَّامٍ وَ هِیَ أَوَّلُ هِجْرَةٍ هَاجَرَهَا ص بِنَفْسِهِ .

895

فَأَمَّا أَوَّلُ هِجْرَةٍ هَاجَرَهَا أَصْحَابُهُ وَ لَمْ یُهَاجِرْ بِنَفْسِهِ فَهِجْرَةُ اَلْحَبَشَةِ هَاجَرَ فِیهَا کَثِیرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ع إِلَی بِلاَدِ اَلْحَبَشَةِ فِی الْبَحْرِ مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع فَغَابُوا عَنْهُ سِنِینَ ثُمَّ قَدِمَ عَلَیْهِ مِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ وَ طَالَتْ أَیَّامُهُ (1) وَ کَانَ قُدُومُ جَعْفَرٍ عَلَیْهِ عَامَ فَتْحِ خَیْبَرَ فَقَالَ ص مَا أَدْرِی بِأَیِّهِمَا أَنَا أُسَرُّ أَ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَمْ بِفَتْحِ خَیْبَرَ .

ص :128

الحاصب الریح الشدیدة التی تثیر الحصباء و هو صغار الحصی و یقال لها أیضا حصبة قال لبید جرت علیها إذ خوت من أهلها أذیالها کل عصوف حصبه (1) .

فأما التفسیرات التی فسر بها الرضی رحمه اللّه تعالی قوله ع آبر فیمکن أن یزاد فیها فیقال یجوز أن یرید بقوله و لا بقی منکم آبر أی نمام یفسد ذات البین و المئبرة النمیمة و أبر فلان أی نم و الآبر أیضا من یبغی القوم الغوائل خفیة مأخوذ من أبرت الکلب إذا أطعمته الإبرة فی الخبز

896

وَ فِی الْحَدِیثِ الْمُؤْمِنُ کَالْکَلْبِ الْمَأْبُورِ.

و یجوز أن یکون أصله هابر أی من یضرب بالسیف فیقطع و أبدلت الهاء همزة کما قالوا فی آل أهل و إن صحت الروایة الأخری آثر بالثاء بثلاث نقط فیمکن أن یرید به ساجی باطن خف البعیر و کانوا یسجون باطن الخف بحدیدة لیقتص أثره رجل آثر و بعیر مأثور .

و قوله ع فأوبوا شر مآب أی ارجعوا شر مرجع و الأعقاب جمع عقب بکسر القاف و هو مؤخر القدم و هذا کله دعاء علیهم قال لهم أولا أصابکم حاصب و هذا من دعاء العرب قال تمیم بن أبی مقبل فإذا خلت من أهلها و قطینها فأصابها الحصباء و السفان.

ثمّ قال لهم ثانیا لا بقی منکم مخبر ثمّ قال لهم ثالثا ارجعوا شر مرجع ثمّ قال لهم رابعا عودوا علی أثر الأعقاب و هو مأخوذ من قوله تعالی وَ نُرَدُّ (2)

ص :130

عَلیٰ أَعْقٰابِنٰا بَعْدَ إِذْ هَدٰانَا اللّٰهُ و المراد انعکاس حالهم و عودهم من العز إلی الذل و من الهدایة إلی الضلال .

و قوله ع و أثرة یتخذها الظالمون فیکم سنة فالأثرة هاهنا الاستبداد علیهم بالفیء و الغنائم و اطراح جانبهم

897

وَ قَالَ اَلنَّبِیُّ ص لِلْأَنْصَارِ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِی أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّی تَلْقَوْنِی.

ص :131

و له أتباع و أصحاب و إلیهم أشار الصلتانُ العبدی بقوله (1) أری أمة شهرت سیفها

و کان نجدة یصلی بمکّة بحذاء عبد اللّه بن الزبیر فی جمعة [فی کل جمعة ]

(2) و عبد اللّه یطلب الخلافة فیمسکان عن القتال من أجل الحرم .

و قال الراعی یخاطب عبد الملک (3) إنی حلفت علی یمین برة

و استولی نجدة علی الیمامة و عظم أمره حتّی ملک الیمن و الطائف و عمان و البحرین و وادی تمیم و عامر ثم إن أصحابه نقموا علیه أحکاما أحدثها فی مذهبهم منها قوله إن

ص :133

المخطئ بعد الاجتهاد معذور و إن الدین أمران معرفة اللّه و معرفة رسوله و ما سوی ذلک فالناس معذورون بجهله إلی أن تقوم علیهم الحجة فمن استحل محرما من طریق الاجتهاد فهو معذور حتّی أن من تزوج أخته أو أمه مستحلا لذلک بجهالة فهو معذور و مؤمن فخلعوه و جعلوا اختیار الإمام إلیه فاختار لهم أبا فدیک أحد بنی قیس بن ثعلبة فجعله رئیسهم ثمّ إن أبا فدیک أنفذ إلی نجدة بعد من قتله ثمّ تولاه بعد قتله طوائف من أصحابه بعد أن تفرقوا علیه و قالوا قتل مظلوما

التحمت الحرب قتل حوثرة قتله رجل من طیئ و فضت جموعه (1)

و منهم أبو بلال مرداس بن أدیة و هو أخو عروة بن حدیر الذی ذکرناه أولا خرج فی أیام عبید اللّه بن زیاد و أنفذ إلیه ابن زیاد عباس بن أخضر المازنی فقتله و قتل أصحابه و حمل رأسه إلی ابن زیاد و کان أبو بلال عابدا ناسکا شاعرا و من قدماء أصحابنا من یدعیه لما کان یذهب إلیه من العدل و إنکار المنکر و من قدماء الشیعة من یدعیه أیضا

أما بعد فإن عهدی بک و أنت للیتیم کالأب الرحیم و للضعیف کالأخ البر تعاضد قوی المسلمین و تصنع للأخرق منهم لا تأخذک فی اللّه لومة لائم و لا تری معونة ظالم کذلک کنت أنت و أصحابک أ و لا (1) تتذکر قولک لو لا أنی أعلم أن للإمام العادل مثل أجر رعیته ما تولیت أمر رجلین من المسلمین فلما شریت نفسک فی طاعة ربک ابتغاء مرضاته و أصبت من الحق فصه (2) و صبرت علی مره تجرد لک الشیطان و لم یکن أحد أثقل علیه وطأة منک و من أصحابک فاستمالک و استهواک و أغواک فغویت و أکفرت الذین عذرهم اللّه تعالی فی کتابه من قعدة المسلمین و ضعفتهم قال اللّه عزّ و جلّ و قوله الحق و وعده الصدق لَیْسَ عَلَی الضُّعَفٰاءِ وَ لاٰ عَلَی الْمَرْضیٰ وَ لاٰ عَلَی الَّذِینَ لاٰ یَجِدُونَ مٰا یُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذٰا نَصَحُوا لِلّٰهِ وَ رَسُولِهِ (3) ثم سماهم تعالی أحسن الأسماء فقال مٰا عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ ثم استحللت قتل الأطفال و قد نهی رسول اللّه ص عن قتلهم و قال اللّه جل ثناؤه وَ لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْریٰ (4) و قال سبحانه فی القعدة خیرا فقال وَ فَضَّلَ اللّٰهُ الْمُجٰاهِدِینَ عَلَی الْقٰاعِدِینَ أَجْراً عَظِیماً (5) فتفضیله المجاهدین علی القاعدین لا یدفع منزلة من هو دون المجاهدین أ و ما سمعت قوله تعالی لاٰ یَسْتَوِی الْقٰاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ غَیْرُ أُولِی الضَّرَرِ (6) فجعلهم من المؤمنین [و فضل علیهم المجاهدین]

(7) بأعمالهم ثمّ إنک لا تؤدی أمانة إلی من خالفک و اللّه تعالی قد أمر أن تؤدی اَلْأَمٰانٰاتِ إِلیٰ أَهْلِهٰا فاتق اللّه فی نفسک و اتق یَوْماً لاٰ یَجْزِی فیه وٰالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لاٰ مَوْلُودٌ هُوَ جٰازٍ عَنْ وٰالِدِهِ شَیْئاً فإن اللّه بالمرصاد و حکمه العدل و قوله الفصل و السلام (8)

ص :137

فکتب إلیه نافع أما بعد أتانی کتابک تعظنی فیه و تذکرنی و تنصح لی و تزجرنی و تصف ما کنت علیه من الحق و ما کنت أوثره من الصواب و أنا أسأل اللّه أن یجعلنی من القوم اَلَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ .

و عبت علی ما دنت به من إکفار القعدة و قتل الأطفال و استحلال الأمانة من المخالفین و سأفسر لک إن شاء اللّه.

أما هؤلاء القعدة فلیسوا کمن ذکرت ممن کان علی عهد رسول اللّه ص لأنهم کانوا بمکّة مقهورین محصورین لا یجدون إلی الهرب سبیلا و لا إلی الاتصال بالمسلمین طریقا و هؤلاء قد تفقهوا فی الدین و قرءوا القرآن و الطریق لهم نهج واضح و قد عرفت ما قال اللّه تعالی فیمن کان مثلهم إذ قالوا کُنّٰا مُسْتَضْعَفِینَ فِی الْأَرْضِ (1) فقال أَ لَمْ تَکُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِیهٰا (2) و قال سبحانه فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاٰفَ رَسُولِ اللّٰهِ وَ کَرِهُوا أَنْ یُجٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللّٰهِ (3) و قال وَ جٰاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ لِیُؤْذَنَ لَهُمْ (4) فخبر بتعذیرهم و أنهم کَذَبُوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ ثم قال سَیُصِیبُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْهُمْ عَذٰابٌ أَلِیمٌ (5) فانظر إلی أسمائهم و سماتهم.

و أمّا الأطفال فإن نوحا نبی اللّه کان أعلم بالله منی و منک و قد قال رَبِّ لاٰ تَذَرْ عَلَی الْأَرْضِ مِنَ الْکٰافِرِینَ دَیّٰاراً إِنَّکَ إِنْ تَذَرْهُمْ یُضِلُّوا عِبٰادَکَ وَ لاٰ یَلِدُوا إِلاّٰ فٰاجِراً کَفّٰاراً (6) فسماهم بالکفر و هم أطفال و قبل أن یولدوا فکیف کان ذلک

ص :138

فی قوم نوح و لا تقوله فی قومنا (1) و اللّه تعالی یقول أَ کُفّٰارُکُمْ خَیْرٌ مِنْ أُولٰئِکُمْ أَمْ لَکُمْ بَرٰاءَةٌ فِی الزُّبُرِ (2) و هؤلاء کمشرکی العرب لا یقبل منهم جزیة و لیس بیننا و بینهم إلاّ السیف أو الإسلام .

و أمّا استحلال أمانات من خالفنا فإن اللّه تعالی أحل لنا أموالهم کما أحل دماءهم لنا فدماؤهم حلال طلق (3) و أموالهم فیء للمسلمین فاتق اللّه و راجع نفسک فإنّه لا عذر لک إلاّ بالتوبة و لن یسعک خذلاننا و القعود عنا و ترک ما نهجناه لک من مقالتنا و السلام علی من أقر بالحق و عمل به (4) .

و کتب إلی من بالبصرة من المحکمة أما بعد ف إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفیٰ لَکُمُ الدِّینَ فَلاٰ تَمُوتُنَّ إِلاّٰ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ إنکم لتعلمون أن الشریعة واحدة و الدین واحد ففیم المقام بین أظهر الکفّار ترون الظلم لیلا و نهارا و قد ندبکم اللّه عزّ و جلّ إلی الجهاد فقال وَ قٰاتِلُوا اَلْمُشْرِکِینَ کَافَّةً (5) و لم یجعل لکم فی التخلف عذرا فی حال من الأحوال فقال اِنْفِرُوا خِفٰافاً وَ ثِقٰالاً (6) و إنّما عذر الضعفاء و المرضی و اَلَّذِینَ لاٰ یَجِدُونَ مٰا یُنْفِقُونَ و من کانت إقامته لعلة ثمّ فضل علیهم مع ذلک المجاهدین فقال لاٰ یَسْتَوِی الْقٰاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ غَیْرُ أُولِی الضَّرَرِ وَ الْمُجٰاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّٰهِ (7) فلا تغتروا و تطمئنوا إلی الدنیا فإنها غرارة مکارة لذتها نافدة و نعیمها بائد حفت بالشهوات اغترارا و أظهرت حبرة (8) و أضمرت عبرة فلیس آکل منها أکلة تسره و لا شارب منها شربة تؤنقه (9) إلاّ و دنا بها درجة إلی أجله و تباعد بها مسافة من أمله و إنّما جعلها اللّه دار المتزود منها إلی النعیم المقیم و العیش السلیم فلیس یرضی بها حازم دارا و لا حکیم قرارا فاتقوا اللّه وَ تَزَوَّدُوا

ص :139

فَإِنَّ خَیْرَ الزّٰادِ التَّقْویٰ

وَ السَّلاٰمُ عَلیٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدیٰ (1) .

فلما أظهر نافع مقالته هذه و انفرد عن الخوارج بها أقام فی أصحابه بالأهواز یستعرض الناس و یقتل الأطفال و یأخذ الأموال و یجبی الخراج و فشا عماله بالسواد فارتاع لذلک أهل البصرة و اجتمع منهم عشرة آلاف إلی الأحنف و سألوه أن یؤمر علیهم أمیرا یحمیهم من الخوارج و یجاهد بهم فأتی عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و هو المسمی ببة فسأله أن یؤمر علیهم و ببة یومئذ أمیر البصرة من قبل ابن الزبیر فأمر علیهم مسلم بن عبیس بن کریز و کان دینا شجاعا فلما خرج بهم من جسر البصرة أقبل علیهم و قال أیها الناس إنّی ما خرجت لامتیار (2) ذهب و لا فضة و إنّی لأحارب قوما إن ظفرت بهم فما وراءهم إلاّ السیوف و الرماح فمن کان شأنه الجهاد فلینهض و من أحبّ الحیاة فلیرجع.

فرجع نفر یسیر و مضی الباقون معه فلما صاروا بدولاب (3) خرج إلیهم نافع و أصحابه فاقتتلوا قتالا شدیدا حتّی تکسرت الرماح و عقرت الخیل و کثر الجراح و القتل و تضاربوا بالسیوف و العمد (4) فقتل ابن عبیس أمیر أهل البصرة و قتل نافع بن الأزرق أمیر الخوارج و ادعی قتله سلامة الباهلی و کان نافع قد استخلف عبید اللّه بن بشیر بن الماحوز السلیطی الیربوعی و استخلف ابن عبیس الربیع بن عمرو الأجذم الغدانی الیربوعی فکان الرئیسان من بنی یربوع فاقتتلوا بعد قتل ابن عبیس و نافع قتالا شدیدا نیفا و عشرین یوما حتّی قال الربیع لأصحابه إنّی رأیت البارحة کأنّ یدی

ص :140

التی أصیبت بکابل انحطت من السماء فاستشلتنی (1) فلما کان الغد قاتلهم إلی اللیل ثمّ عاودهم القتال فقتل فتدافع أهل البصرة الرایة حتّی خافوا العطب إذ لم یکن لهم رئیس ثمّ أجمعوا علی الحجاج بن رباب الحمیری فأباها فقیل له أ لا تری رؤساء العرب قد اختاروک من بینهم فقال إنها مشئومة لا یأخذها أحد إلاّ قتل ثمّ أخذها فلم یزل یقاتل القوم بدُولاَب حتی التقی بعمران بن الحارث الراسبی و ذلک بعد أن اقتتلوا زهاء شهر فاختلفا ضربتین فخرا میتین (2) .

و قام حارثة بن بدر الغدانی بأمر أهل البصرة بعده و ثبت بإزاء الخوارج یناوشهم القتال مناوشة خفیفة و یزجی الأوقات انتظارا لقدوم أمیر من قبل ببة یلی حرب الخوارج و هذه الحرب تسمی حرب دولاب و هی من حروب الخوارج المشهورة انتصف فیها الخوارج من المسلمین و انتصف المسلمون منهم فلم یکن فیها غالب و لا مغلوب

عثمان إلیهم دجیلا نهضت إلیه الخوارج فقال عثمان لحارثه ما الخوارج إلا ما أری فقال حارثة حسبک بهؤلاء قال لا جرم لا أتغدی حتّی أناجزهم فقال حارثة إن هؤلاء القوم لا یقاتلون بالتعسف فأبق علی نفسک و جندک فقال أبیتم یا أهل العراق إلا جبنا و أنت یا حارثة ما علمک بالحرب أنت و اللّه بغیر هذا أعلم یعرض له بالشراب و کان حارثة بن بدر صاحب شراب فغضب حارثة فاعتزل و حاربهم عثمان یومه إلی أن غربت الشمس فأجلت الحرب عنه قتیلا و انهزم الناس و أخذ حارثة بن بدر الرایة و صاح بالناس أنا حارثة بن بدر فثاب إلیه قوم فعبر بهم دجیلا و بلغ قتل عثمان البصرة فقال شاعر من بنی تمیم مضی ابن عبیس صابرا غیر عاجز

و وصل الخبر إلی عبد اللّه بن الزبیر بمکّة فکتب إلی عمر بن عبید اللّه بن معمر بعزله و ولی الحارث بن عبد اللّه بن أبی ربیعة المخزومی المعروف بالقباع (1) البصرة فقدمها فکتب إلیه حارثة بن بدر یسأله الولایة و المدد فأراد تولیته فقال له رجل من بکر بن

ص :142

وائل إن حارثة لیس بذلک إنّما هو صاحب شراب و کان حارثة مستهترا بالشراب معاقرا للخمر و فیه یقول رجل من قومه (1) أ لم تر أن حارثة بن بدر

فکتب إلیه القباع تکفی حربهم إن شاء اللّه فأقام حارثة یدافعهم حتّی تفرق أصحابه عنه و بقی فی خف منهم فأقام بنهر تیری فعبرت إلیه الخوارج فهرب من تخلف معه من أصحابه و خرج یرکض حتّی أتی دجیلا فجلس فی سفینة و اتبعه جماعة من أصحابه فکانوا معه فیها و وافاه رجل من بنی تمیم علیه سلاحه و الخوارج وراءه و قد توسط حارثة دجیلا فصاح به یا حارثة لیس مثلی یضیع فقال للملاح قرب فقرب إلی جرف (2) و لا فرضة هناک فطفر (3) بسلاحه فی السفینة فساخت بالقوم جمیعا و هلک حارثة (4) .

898

وَ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْفَهَانِیُّ فِی کِتَابِ اَلْأَغَانِی الْکَبِیرِ أَنَّ (5) حَارِثَةَ لَمَّا عَقَدُوا لَهُ الرِّئَاسَةَ وَ سَلَّمُوا إِلَیْهِ الرَّایَةَ أَمَرَهُمْ بِالثَّبَاتِ وَ قَالَ لَهُمْ إِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَیْکُمْ فَلِلْعَرَبِ زِیَادَةُ فَرِیضَتَیْنِ وَ لِلْمَوَالِی زِیَادَةُ فَرِیضَةٍ وَ نَدَبَ النَّاسَ فَالْتَقَوْا وَ لَیْسَ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ طَرْقٌ (6) قَدْ فَشَتْ فِیهِمْ الْجِرَاحَاتُ وَ مَا تَطَأُ الْخَیْلُ إِلاَّ عَلَی الْقَتْلَی فَبَیْنَا هُمْ کَذَلِکَ إِذْ أَقْبَلَ جَمْعٌ

ص :143

مِنَ اَلشُّرَاةِ مِنْ جِهَةِ اَلْیَمَامَةِ یَقُولُ الْمُکَثِّرُ إِنَّهُمْ مِائَتَانِ وَ الْمُقَلِّلُ إِنَّهُمْ أَرْبَعُونَ فَاجْتَمَعُوا وَ هُمْ مُرِیحُونَ مَعَ أَصْحَابِهِمْ فَصَارُوا کَوْکَبَةً (1) وَاحِدَةً فَلَمَّا رَآهُمْ حَارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ رَکَضَ بِرَایَتِهِ مُنْهَزِماً وَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ کَرْنِبُوا وَ دَوْلِبُوا أَوْ حَیْثُ شِئْتُمْ فَاذْهَبُوا (2) .

وَ قَالَ أَیْرُ الْحِمَارِ فَرِیضَةٌ لِعَبِیدِکُمْ وَ الْخُصْیَتَانِ فَرِیضَةُ الْأَعْرَابِ.

قَالَ کَرْنِبُوا أَیْ اطْلُبُوا کَرَنْبَی وَ هِیَ قَرْیَةٌ قَرِیبَةٌ مِنَ اَلْأَهْوَازِ وَ دَوْلِبُوا اطْلُبُوا دُولاَبَ وَ هِیَ ضَیْعَةٌ بَیْنَهَا وَ بَیْنَ اَلْأَهْوَازِ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ.

قَالَ فَتَتَابَعَ النَّاسُ عَلَی أَثَرِهِ مُنْهَزِمِینَ وَ تَبِعَتْهُمُ اَلْخَوَارِجُ فَأَلْقَی النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ فِی الْمَاءِ فَغَرِقَ مِنْهُمْ بِدُجَیْلِ الْأَهْوَازِ خَلْقٌ کَثِیرٌ.

جمیع أهل البصرة اجتمعوا إلی فی غد لأنظر و جاء الزبیر حتی نزل علی البصرة و عقد الجسر لیعبر إلیها فخرج أکثر أهل البصرة إلیه و انضم إلی الزبیر جمیع کور الأهواز و أهلها رغبة و رهبة فوافاه البصریون فی السفن و علی الدوابّ (1) فاسودت بهم الأرض فقال الزبیر لما رآهم أبی قومنا إلاّ کفرا و قطع الجسر و أقام الخوارج بإزائهم و اجتمع الناس عند القباع و خافوا الخوارج خوفا شدیدا و کانوا ثلاث فرق سمی قوم المهلب و سمی قوم مالک بن مسمع و سمی قوم زیاد بن عمرو بن أشرف العتکی فاختبر القباع ما عند مالک و زیاد فوجدهما متثاقلین عن الحرب و عاد إلیه من أشار بهما و قالوا قد رجعنا عن رأینا ما نری لها إلاّ المهلب فوجه إلیه القباع فأتاه فقال له یا أبا سعید قد تری ما قد رهقنا من هذا العدو و قد أجمع أهل مصرک علیک و قال له الأحنف یا أبا سعید أنا و اللّه ما آثرناک و لکنا لم نر من یقوم مقامک.

ثمّ قال القباع و أومأ إلی الأحنف أن هذا الشیخ لم یسمک إلاّ إیثارا للدین و البقیا (2) و کل من فی مصرک ماد عینه إلیک راج أن یکشف اللّه عنه هذه الغمّة بک فقال المهلب لا حول و لا قوة إلاّ بالله إنّی عند نفسی لدون ما وصفتم و لست آبی ما دعوتم إلیه لکن لی شروطا أشترطها قالوا قل قال علی أن أنتخب من أحببت قال الأحنف ذاک لک قال و لی إمرة کل بلد أغلب علیه قالوا لک ذلک قال و لی فیء کل بلد أظفر به قال الأحنف لیس ذاک لک و لا لنا إنّما هو فیء للمسلمین فإن سلبتهم إیاه کنت علیهم کعدوهم و لکن لک أن تعطی أصحابک من فیء کل بلد تغلب علیه ما أحببت و تنفق منه علی محاربة عدوک فما فضل عنکم کان للمسلمین فقال المهلب لا حول و لا قوة إلاّ بالله فمن لی بذلک قال الأحنف نحن و أمیرک و جماعة أهل مصرک قال قد قبلت فکتبوا بینهم بذلک کتابا و وضع علی یدی الصلت بن حریث بن جابر الجعفی و انتخب المهلب من جمیع الأخماس فبلغت نخبته اثنی عشر ألفا و نظروا فی بیت المال

ص :145

فلم یکن إلاّ مائتی ألف درهم فعجزت فبعث المهلب إلی التجار فقال إن تجاراتکم منذ حول قد فسدت بانقطاع مواد الأهواز و فارس عنکم فهلموا فبایعونی و اخرجوا معی أوفکم حقوقکم فبایعوه و تاجروه فأخذ منهم من المال ما أصلح به عسکره و اتخذ لأصحابه الخفاتین (1) و الرانات المحشوة بالصوف ثمّ نهض و کان أکثر أصحابه رجالة حتّی إذا صار بحذاء القوم أمر بسفن فأصلحت و أحضرت فما ارتفع النهار حتّی فرغ منها ثمّ أمر الناس بالعبور و أمر علیهم ابنه المغیرة فخرج الناس فلما قاربوا الشط خاضت إلیهم الخوارج فحاربوهم و حاربهم المغیرة و نضحهم (2) بالسهام حتّی تنحوا و صار هو و أصحابه علی الشط فحاربوا الخوارج فکشفوهم و شغلوهم حتّی عقد المهلب الجسر و عبر و الخوارج منهزمون فنهی الناس عن اتباعهم ففی ذلک یقول شاعر من الأزد إن العراق و أهله لم یخبروا

و أبلی مع المغیرة یومئذ عطیة بن عمرو العنبری من فرسان تمیم و شجعانهم و من شعر عطیة (3) یدعی رجال للعطاء و إنّما یدعی عطیة للطعان الأجرد.

و قال فیه شاعر من بنی تمیم و ما فارس إلاّ عطیة فوقه

فأقام المهلب أربعین لیلة یجبی الخراج بکور دجلة و الخوارج بنهر تیری و الزبیر بن علی منفرد بعسکره عن عسکر ابن الماحوز فقضی المهلب التجار و أعطی أصحابه

ص :146

فأسرع الناس إلیه رغبة فی مجاهدة العدو و طمعا فی الغنائم و التجارات فکان فیمن أتاه محمّد بن واسع الأزدی و عبد اللّه بن رباح و معاویة بن قُرَّة المزنی و کان یقول لو جاءت الدیلم من هاهنا و الحروریة من هاهنا لحاربت الحروریة و جاءه أبو عمران الجونی و کان یروی عن کعب أن قتیل (1) الحروریة یفضل قتیل (2) غیرهم بعشرة أبواب.

ثمّ أتی المهلب إلی نهر تیری فتنحوا عنه إلی الأهواز و أقام المهلب یجبی ما حوالیه من الکور و قد دس الجواسیس إلی عسکر الخوارج یأتونه بأخبارهم و من فی عسکرهم و إذا حشوه (3) ما بین قصاب و حداد و داعر (4) فخطب المهلب الناس و ذکر لهم ذلک و قال أ مثل هؤلاء یغلبونکم علی فیئکم و لم یزل مقیما حتّی فهمهم و أحکم أمرهم و قوی أصحابه و کثرت الفرسان فی عسکره و تتام (5) أصحابه عشرین ألفا.

ثمّ مضی یؤم کور الأهواز فاستخلف أخاه المعارک بن أبی صفرة علی نهر تیری و جعل المغیرة علی مقدّمته فسار حتّی قاربهم فنَاوَشَهُم و نَاوَشُوه فانکشف عن المغیرة بعض أصحابه و ثبت المغیرة نفسه بقیة یومه و لیلته یوقد النیران ثمّ غاداهم فإذا القوم قد أوقدوا النیران فی بقیة متاعهم و ارتحلوا عن سُوق الأَهْوَاز فدخلها المغیرةُ و قد جاءت أوائل خیل المهلب فأقام بسوق الأهواز و کتب بذلک إلی الحارث القباع کتابا یقول فیه.

أما بعد فإنا مذ خرجنا نؤم العدو فی نعم من فضل اللّه متصلة علینا و نقم متتابعة علیهم نقدم و یحجمون و نحل و یرتحلون إلی أن حللنا سوق الأهواز وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ الذی من عنده النصر و هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ

ص :147

فکتب إلیه الحارث هَنیئا لک أخا الأزد الشرف فی الدنیا و الأجر فی الآخرة إن شاء اللّه.

فقال المهلَّب لأصحابه ما أجفی أهل الحجاز أ ما ترونه عرف (1) اسمی و کنیتی و اسم أبی قالوا و کان المهلَّب یَبُثُّ الأَحْراس فی الأمن کما یبثهم فی الخوف و یذکی (2) العیون فی الأمصار کما یذکیها فی الصحاری و یأمر أصحابه بالتحرز و یخوفهم البیات (3) و إن بعد منه العدو و یقول (4) احذروا أن تکادوا کما تکیدون و لا تقولوا هزمناهم و غلبناهم و القوم خائفون وجلون فإن الضرورة تفتح باب الحیلة.

ثمّ قام فیهم خطیبا فقال أیها الناس قد عرفتم مذهب هؤلاء الخوارج و أنهم إن قدروا علیکم فتنوکم فی دینکم و سفکوا دماءکم فقاتلوهم علی ما قاتلهم علیه أولکم علیّ بن أبی طالب لقد لقیهم (5) الصابر المحتسب مسلم بن عبیس و العجل المفرط عثمان بن عبید اللّه و المعصی المخالف حارثة بن بدر فقتلوا جمیعا و قتلوا فالقوهم بحد و جد فإنما هم مهنتکم و عبیدکم و عار علیکم و نقص فی أحسابکم و أدیانکم أن یغلبکم هؤلاء علی فیئکم و یطئوا حریمکم.

ثمّ سار یریدهم و هم بمناذر (6) الصغری فوجه عبید اللّه بن بشیر بن الماحوز رئیس الخوارج رجلا یقال له واقد مولی لآل أبی صفرة من سبی الجاهلیة فی خمسین رجلا فیهم صالح بن مخراق إلی نهر تیری و بها المعارک بن أبی صفرة فقتلوه و صلبوه فنمی

ص :148

الخبر إلی المهلب فوجه ابنه المغیرة فدخل نهر تیری و قد خرج واقد منها فاستنزل عمه فدفنه و سکن الناس و استخلف بها و رجع إلی أبیه و قد نزل بسولاف (1) و الخوارج بها فواقعهم و جعل علی بنی تمیم الحریش بن هلال فخرج رجل من أصحاب المهلب یقال له عبد الرحمن الإسکاف فجعل یحض الناس و یهون أمر الخوارج و یختال بین الصفین فقال رجل من الخوارج لأصحابه یا معشر المهاجرین هل لکم فی قتلة فیها الجنة فحمل جماعة منهم علی الإسکاف فقاتلهم وحده فارسا ثمّ کبا به فرسه فقاتلهم راجلا قائما و بارکا ثمّ کثرت به الجراحات فذبب بسیفه ثمّ جعل یحثو فی وجوههم التراب و المهلب غیر حاضر فقتل ثمّ حضر المهلب فأعلم فقال للحریش و لعطیة العنبری أ سلمتما سید أهل العراق (2) لم تعیناه و لم تستنقذاه حسدا له لأنّه رجل من الموالی و وبخهما.

و حمل رجل من الخوارج علی رجل من أصحاب المهلب فقتله فحمل علیه المهلب فطعنه فقتله و مال الخوارج بأجمعهم علی العسکر فانهزم الناس و قتل منهم سبعون رجلا و ثبت المهلب و ابنه المغیرة یومئذ و عرف مکانه.

و یقال حاص (3) المهلب یومئذ حیصة و یقول الأزد بل کان یرد المنهزمة و یحمی أدبارهم و بنو تمیم تزعم أنّه فر و قال شاعرهم بسولاف أضعت دماء قومی و طرت علی مواشکة درور (4) .

و قال آخر من بنی تمیم تبعنا الأعور الکذاب طوعا یزجی کل أربعة حمارا (5)

ص :149

فیا ندمی علی ترکی عطائی

قوله الأعور الکذاب یعنی به المهلب کانت عینه عارت بسهم أصابها و سموه الکذاب لأنّه کان فقیها و کان یتأول ما ورد فی الأثر من أن کل کذب یکتب کذبا إلاّ ثلاثة الکذب فی الصلح بین رجلین و کذب الرجل لامرأته بوعد و کذب الرجل فی الحرب بتوعد و تهدد (1)

899

قَالُوا وَ جَاءَ عَنْهُ ص إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ فَخَذِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ.

900

وَ قَالَ إِنَّمَا الْحَرْبُ خُدْعَةٌ.

فکان المهلب ربما صنع الحدیث لیشد به من أمر المسلمین ما ضعف و یضعف به من أمر الخوارج ما اشتد و کان حی من الأزد یقال لهم الندب إذا رأوا المهلب رائحا إلیهم قالوا راح لیکذب و فیه یقول رجل منهم أنت الفتی کل الفتی لو کنت تصدق ما تقول.

فبات المهلب فی ألفین فلما أصبح رجع بعض المنهزمة فصاروا فی أربعة آلاف فخطب أصحابه فقال و اللّه ما بکم من قلة و ما ذهب عنکم إلاّ أهل الجبن و الضعف و الطبع (2) و الطمع ف إِنْ یَمْسَسْکُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ فسیروا إلی عدوکم علی برکة اللّه.

فقام إلیه الحریش بن هلال فقال أنشدک اللّه أیها الأمیر أن تقاتلهم إلاّ أن یقاتلوک فإن فی أصحابک جراحا و قد أثخنتهم هذه الجولة.

فقبل منه و مضی المهلب فی عشرة فأشرف علی عسکر الخوارج فلم یر منهم أحدا

ص :150

یتحرک فقال له الحریش ارتحل عن هذا المنزل فارتحل فعبر دجیلا و صار إلی عاقول (1) لا یؤتی إلاّ من جهة واحدة فأقام به و أقام الناس ثلاثا مستریحین.

و فی یقوم سولاف یقول ابن قیس الرقیات أ لا طرقت من آل میة طارقه

فأقام المهلب فی ذلک العاقول ثلاثة أیّام ثمّ ارتحل و الخوارج بسلی و سلبری فنزل قریبا منهم فقال ابن الماحوز لأصحابه ما تنتظرون بعدوکم و قد هزمتموهم بالأمس و کسرتم حدهم فقال له واقد مولی أبی صفرة یا أمیر المؤمنین إنّما تفرق عنهم أهل الضعف و الجبن و بقی أهل النجدة و القوّة فإن أصبتهم لم یکن ظفرا (2) هینا لأنّی أراهم لا یصابون حتّی یصیبوا و إن غلبوا ذهب الدین فقال أصحابه نافق واقد فقال ابن الماحوز لا تعجلوا علی أخیکم فإنّه إنّما قال هذا نظرا لکم.

ثمّ وجه الزبیر بن علی إلی عسکر المهلب لینظر ما حالهم فأتاهم فی مائتین فحزرهم و رجع و أمر المهلب أصحابه بالتحارس حتّی إذا أصبح رکب إلیهم فی تعبئة فالتقوا بسلی و سلبری فتصافوا فخرج من الخوارج مائة فارس فرکزوا رماحهم بین الصفین و اتکئوا علیها و أخرج إلیهم المهلب أعدادهم ففعلوا مثل ما فعلوا لا یرعون إلاّ الصلاة حتّی إذا أمسوا رجع کل قوم إلی معسکرهم ففعلوا هکذا ثلاثة أیّام.

ص :151

ثم إن الخوارج تطاردوا لهم فی الیوم الثالث فحمل علیهم هؤلاء الفرسان فجالوا ساعة ثمّ إن رجلا من الخوارج حمل علی رجل فطعنه فحمل علیه المهلب فطعنه فحمل الخوارج بأجمعهم کما صنعوا یوم سولاف فضعضعوا الناس و فقد المهلب و ثبت المغیرة فی جمع أکثرهم أهل عمان .ثم نجم (1) المهلب فی مائة و قد انغمس کماه (2) فی الدم و علی رأسه قلنسوة مربعة فوق المغفر محشوة قزا و قد تمزقت و إن حشوها لیتطایر و هو یلهث و ذلک فی وقت الظهر فلم یزل یحاربهم حتّی أتی اللیل و کثر القتلی فی الفریقین فلما کان الغد غاداهم و قد کان وجه بالأمس رجلا من طاحیة بن سود بن مالک بن فهم من الأزد من ثقاته و أصحابه یرد المنهزمین فمر به عامر بن مسمع فرده فقال إن الأمیر أذن لی فی الانصراف فبعث إلی المهلب فأعلمه فقال دعه فلا حاجة لی فی مثله من أهل الجبن و الضعف ثمّ غاداهم المهلب فی ثلاثة آلاف و قد تفرق عنه أکثر الناس و قال لأصحابه ما بکم من قلة أ یعجز أحدکم أن یلقی رمحه ثمّ یتقدم فیأخذه ففعل ذلک رجل من کندة و اتبعه قوم ثمّ قال المهلب لأصحابه أعدوا مخالی فیها حجارة و ارموا بها فی وقت الغفلة فإنها تصد الفارس و تصرع الراجل ففعلوا ثمّ أمر منادیا ینادی فی أصحابه یأمرهم بالجد و الصبر و یطمعهم فی العدو ففعل ذلک حتّی مر ببنی العدویة من بنی مالک بن حنظلة فنادی فیهم فضربوه فدعا المهلب بسیدهم و هو معاویة بن عمرو فجعل یَرْکِلُهُ (3) برجله فقال أصلح اللّه الأمیر أَعْفِنِی من أم کیسان و الأزد تسمی الرکبة أم کیسان ثمّ حمل المهلب و حملوا و اقتتلوا قتالا شدیدا فجهد الخوارج و نادی مناد منهم ألا إن المهلب قد قتل

ص :152

فرکب المهلب برذونا وردا (1) و أقبل یرکض بین الصفین و إن إحدی یدیه لفی القباء و ما یشعر لها و هو یصیح أنا المهلب فسکن الناس بعد أن کانوا قد ارتاعوا و ظنوا أن أمیرهم قد قتل و کل الناس مع العصر فصاح المهلب بابنه المغیرة تقدم ففعل و صاح بذکوان مولاه قدم رایتک ففعل فقال له رجل من ولده إنک تغرر بنفسک فزبره و زجره و صاح یا بنی سلمة آمرکم فتعصوننی فتقدم و تقدم الناس فاجتلدوا أشدّ جلاد حتّی إذا کان مع المساء قتل ابن الماحوز و انصرف الخوارج و لم یشعر المهلب بقتله فقال لأصحابه ابغوا لی رجلا جلدا یطوف فی القتلی فأشاروا علیه برجل من جرم و قالوا إنا لم نر قط رجلا أشدّ منه فجعل یطوف و معه النیران فجعل إذا مر بجریح من الخوارج قال کافر و ربّ الکعبة فأجهز علیه و إذا مر بجریح من المسلمین أمر بسقیه و حمله و أقام المهلب یأمرهم بالاحتراس حتّی إذا کان فی نصف اللیل وجه رجلا من الیحمد (2) فی عشرة فصاروا إلی عسکر الخوارج فإذا هم قد تحملوا إلی أرجان فرجع إلی المهلب فأعلمه فقال لهم أنا الساعة أشدّ خوفا احذروا البیات.

901

14,1- وَ یُرْوَی عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَّ اَلْمُهَلَّبَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ یَوْماً إِنَّ هَؤُلاَءِ اَلْخَوَارِجَ قَدْ یَئِسُوا مِنْ نَاحِیَتِکُمْ إِلاَّ مِنْ جِهَةِ الْبَیَاتِ فَإِنْ یَکُنْ ذَلِکَ فَاجْعَلُوا شِعَارَکُمْ حَمَ ... لاٰ یُنْصَرُونَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص کَانَ یَأْمُرُ بِهَا.

وَ یُرْوَی أَنَّهُ کَانَ شِعَارَ أَصْحَابِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع .

فلما أصبح القوم غدوا علی القتلی فأصابوا ابن الماحوز قتیلا ففی ذلک یقول رجل من الخوارج

ص :153

بسلی و سلبری مصارع فتیة

کرام و عقری من کمیت و من ورد (1) .

و قال آخر بسلی و سلبری جماجم فتیة کرام و صرعی لم توسد خدودها (2) .

و قال رجل من موالی المهلب لقد صرعت یومئذ بحجر واحد ثلاثة رمیت به رجلا فصرعته ثمّ رمیت به رجلا فأصبت به أصل أذنه فصرعته ثمّ أخذت الحجر و صرعت به ثالثا و فی ذلک یقول رجل من الخوارج أتانا بأحجار لیقتلنا بها و هل یقتل الأبطال ویحک بالحجر.

و قال رجل من أصحاب المهلب فی یوم سلی و سلبری و قتل ابن الماحوز و یوم سلی و سلبری أحاط بهم

و یروی أن رجلا من الخوارج یوم سلی حمل علی رجل من أصحاب المهلب فطعنه فلما خالطه الرمح صاح یا أمتاه فصاح به المهلب لا کثر اللّه منک فی المسلمین (3) فضحک الخارجی و قال أمک خیر لک منی صاحبا تسقیک محضا و تعل رائبا.

و کان المغیرة بن المهلب إذا نظر إلی الرماح قد تشاجرت فی وجهه نکس (4) علی

ص :154

قربوس (1) السرج و حمل من تحتها فبرأها بسیفه و أثر فی أصحابها فتحومیت المیمنة من أجله و کان أشدّ ما تکون الحرب استعارا أشدّ ما یکون تبسما و کان المهلب یقول ما شهد معی حربا قط إلاّ رأیت البشری فی وجهه.

و قال رجل من الخوارج فی هذا الیوم فإن تک قتلی یوم سلی تتابعت

فکتب المهلب إلی الحارث بن عبد اللّه بن أبی ربیعة القباع (2) .

أما بعد فإنا لقینا الأزارقة المارقة بحد و جد فکانت فی الناس جولة ثمّ ثاب أهل الحفاظ و الصبر بنیات صادقة و أبدان شداد و سیوف حداد فأعقب اللّه خیر عاقبة و جاوز بالنعمة مقدار الأمل فصاروا دریئة (3) رماحنا و ضرائب (4) سیوفنا و قتل اللّه أمیرهم ابن الماحوز و أرجو أن یکون آخر هذه النعمة کأولها و السلام.

فکتب إلیه القباع قد قرأت کتابک یا أخا الأزد فرأیتک قد وهب (5) لک شرف الدنیا و عزها و ذخر لک إن شاء اللّه ثواب الآخرة و أجرها و رأیتک أوثق حصون المسلمین و هاد

ص :155

أرکان المشرکین و ذا الرئاسة و أخا السیاسة فاستدم اللّه بشکره یتمم علیکم نعمه و السلام.

و کتب إلیه أهل البصرة یهنئونه و لم یکتب إلیه الأحنف و لکن قال اقرءوا علیه السلام و قولوا إنا لک علی ما فارقتک علیه فلم یزل یقرأ الکتب و ینظر فی تضاعیفها و یلتمس کتاب الأحنف فلا یراه فلما لم یره قال لأصحابه أ ما کتب أبو بحر فقال له الرسول إنّه حملنی إلیک رسالة فأبلغه فقال هذا أحبّ إلی من هذه الکتب.

و اجتمعت الخوارج بأرجان فبایعوا الزبیر بن علی و هو من بنی سلیط بن یربوع من رهط ابن الماحُوزِ فرأی فیهم انکسارا شدیدا و ضعفا بینا فقال لهم اجتمعوا فاجتمعوا فحمد اللّه و أثنی علیه و صلی علی محمد رسوله ص ثمّ أقبل علیهم فقال إن البلاء للمؤمنین تمحیص و أجر و هو علی الکافرین عقوبة و خزی و إن یصب منکم أمیر المؤمنین فما صار إلیه خیر ممّا خلف و قد أصبتم منهم مسلم بن عبیس و ربیعا الأجذم و الحجاج بن رباب (1) و حارثة بن بدر و أشجیتم المهلب و قتلتم أخاه المعارک و اللّه یقول لإخوانکم المؤمنین إِنْ یَمْسَسْکُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْکَ الْأَیّٰامُ نُدٰاوِلُهٰا بَیْنَ النّٰاسِ (2) فیوم سلی کان لکم بلاء و تمحیصا و یوم سولاف کان لهم عقوبة و نکالا فلا تغلبن علی الشکر فی حینه و الصبر فی وقته و ثقوا بأنکم المستخلفون فی الأرض وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ .

ثمّ تحمل للمحاربة نحو المهلب فنفحهم المهلب نفحة فرجعوا و أکمنوا للمهلب فی غمض (3) من غموض الأرض یقرب من عسکره مائة فارس لیغتالوه فسار المهلب

ص :156

یوما یطیف بعسکره و یتفقد سواده فوقف علی جبل فقال إن من التدبیر لهذه المارقة أن تکون قد أکمنت فی سفح هذا الجبل کمینا فبعث المهلب عشرة فوارس فاطلعوا علی المائة فلما علموا بهم قطعوا القنطرة و نجوا و انکشفت الشمس فصاحوا یا أعداء اللّه لو قامت القیامة لجددنا و نحن فی جهادکم (1) .

ثمّ یئس الزبیر من ناحیة المهلب فضرب إلی ناحیة أصبهان ثم کر راجعا إلی أرجان و قد جمع جموعا و کان المهلب یقول کأنّی بالزبیر و قد جمع لکم فلا ترهبوهم فتنخب (2) قلوبکم و لا تغفلوا الاحتراس فیطمعوا فیکم فجاءوه من أرجان فلقوه مستعدا آخذا بأفواه الطرق فحاربهم فظهر علیهم ظهورا بینا ففی ذلک یقول رجل من بنی یربوع سقی اللّه المهلب کل غیث

و قال المهلب یومئذ ما وقفت فی مضیق من الحرب إلاّ رأیت أمامی رجالا من بنی الهجیم بن عمرو بن تمیم یجالدون و کان لحاهم أذناب العقاعق (3) و [کانوا]

(4) صبروا معه فی غیر مواطن.

و قال رجل من أصحاب المهلب من بنی تمیم

ص :157

ألا یا من لصب مُستهام (1)

و حمل یومئذ الحارث بن هلال علی قیس الإکاف و کان من أنجد فرسان الخوارج فطعنه فدق صلبه و قال قیس الإکاف غداة الروع یعلمنی ثبت المقام إذا لاقیت أقرانی.

و قد کان بعض جیش المهلب یوم سلی و سلبری صاروا إلی البصرة فذکروا أن المهلب قد أصیب فهم أهل البصرة بالنقلة إلی البادیة حتّی ورد کتابه بظفره فأقام الناس و تراجع من کان ذهب منهم فعند ذلک قال الأحنف البصرة بصرة المهلب و قدم رجل من کندة یعرف بابن أرقم فنعی ابن عم له و قال إنّی رأیت رجلا من الخوارج و قد مکن رمحه من صلبه فلم ینشب أن قدم المنعی سالما فقیل له ذلک فقال صدق ابن أرقم لما أحسست برمحه بین کتفی صحت به البقیة فرفعه و تلا بَقِیَّتُ اللّٰهِ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (2) و وجه المهلب بعقب هذه الوقعة رجلا من الأزد برأس عبید اللّه بن بشیر بن الماحوز إلی الحارث بن عبد اللّه فلما صار بکربج (3) دینار لقیته إخوة عبید اللّه حبیب و عبد الملک و علی بنو بشیر بن الماحوز

ص :158

فقالوا ما الخبر و هو لا یعرفهم فقال قتل اللّه ابن الماحوز المارِق و هذا رأسه معی فوَثَبوا علیه فقتلوه و صلبوه و دفنوا رأس أخیهم عبید اللّه فلما ولی الحجاج دخل علیه علی بن بشیر و کان وَسِیما جسیما فقال من هذا فخبره فقتله و وهب ابنه الأزهر و ابنته لأهل الأزدی المقتول و کانت زینب بنت بشیر لهم مُوَاصلة فوهبوهما لها.

قال أبو العبّاس محمّد بن یزید المبرد فی کتاب الکامل (1) و لم یزل المهلب یقاتل الخوارج فی ولایة الحارث القباع حتی عُزِل و ولی مصعب بن الزبیر فکتب إلی المهلب أن أقدم علی و استخلف ابنک المغیرة ففعل بعد أن جمع الناس و قال لهم إنّی قد استخلفت المغیرة علیکم و هو أبو صغیرکم رقة و رحمة و ابن کبیرکم طاعة و برا و تبجیلا و أخو مثله مواساة و مناصحة فلتحسن له طاعتکم و لیلن له جانبکم فو اللّه ما أردت صوابا قط إلاّ سبقنی إلیه.

ثمّ مضی إلی مصعب فکتب مصعب إلی المغیرة بولایته و کتب إلیه أنک إن لم تکن کأبیک فإنک کاف لما ولیت (2) فشمر و ائتزر (3) و جد و اجتهد.

ثمّ شخص المصعب إلی المزار فقتل أحمر بن شمیط ثم أتی الکوفة فقتل المختار و قال للمهلب أشر علی برجل أجعله بینی و بین عبد الملک فقال له اذکر واحدا من ثلاثة محمّد بن عمیر بن عطارد الدارمیّ أو زیاد بن عمرو بن الأشرف العتکی أو داود بن قحذم قال أ و تکفینی أنت قال أکفیک إن شاء اللّه فشخص فولاه الموصل فخرج إلیها و صار مصعب إلی البصرة لینفر إلی أخیه بمکّة فشاور الناس فیمن یستکفیه

ص :159

أمر الخوارج فقال قوم ول عبد اللّه بن أبی بکرة و قال قوم ول عمر بن عبید اللّه بن معمر و قال قوم لیس لهم إلاّ المهلب فاردده إلیهم و بلغت المشورة الخوارج فأداروا الأمر بینهم فقال قطری بن الفجاءة المازنی و لم یکن أمروه علیهم بعد إن جاءکم عبد اللّه بن أبی بکرة أتاکم سید سمح کریم جواد مضیع لعسکره و إن جاءکم عمر بن عبید اللّه أتاکم فارس شجاع بطل جاد یقاتل لدینه و لملکه و بطبیعة لم أر مثلها لأحد فقد شهدته فی وقائع فما نودی فی القوم لحرب إلاّ کان أول فارس حتّی یشد علی قرنه و یضربه و إن رد المهلب فهو من قد عرفتموه إذا أخذتم بطرف ثوب أخذ بطرفه الآخر یمده إذا أرسلتموه و یرسله إذا مددتموه لا یبدؤکم إلاّ أن تبدءوه إلاّ أن یری فرصة فینتهزها فهو اللیث المبر (1) و الثعلب الرواغ و البلاء المقیم.

فولی مصعب علیهم عمر بن عبید اللّه بن معمر ولاه فارس و الخوارج بأرجان یومئذ و علیهم الزبیر بن علی السلیطی فشخص إلیهم فقاتلهم و ألح علیهم حتّی أخرجهم منها فألحقهم بأصبهان فلما بلغ المهلب أن مصعبا ولی حرب الخوارج عمر بن عبید اللّه قال رماهم بفارس العرب و فتاها فجمع الخوارج له و أعدوا و استعدوا ثمّ أتوا سابور (2) فسار إلیهم حتّی نزل منهم علی أربعة فراسخ فقال له مالک بن أبی حسان الأزدی إن المهلب کان یذکی العیون و یخاف البیات و یرتقب الغفلة و هو علی أبعد من هذه المسافة منهم.

فقال عمر اسکت خلع اللّه قلبک أ تراک تموت قبل أجلک و أقام هناک فلما کان ذات لیلة بیته الخوارج فخرج إلیهم فحاربهم حتّی أصبح فلم یظفروا منه بشیء فأقبل علی مالک بن أبی حسان فقال کیف رأیت فقال قد سلم اللّه و لم یکونوا

ص :160

یطمعون فی مثلها من المهلب فقال أما إنکم لو ناصحتمونی مناصحتکم المهلب لرجوت أن أنفی هذا العدو و لکنکم تقولون قرشی حجازی بعید الدار خیره لغیرنا فتقاتلون معی تعذیرا (1) ثمّ زحف إلی الخوارج من غد ذلک الیوم فقاتلهم قتالا شدیدا حتّی ألجأهم إلی قنطرة فتکاثف الناس علیها حتّی سقطت فأقام حتّی أصلحها (2) ثمّ عبر و تقدم ابنه عبید اللّه بن عمر و أمه من بنی سهم بن عمرو بن هصیص بن کعب فقاتلهم حتّی قتل فقال قطری للخوارج لا تقاتلوا عمر الیوم فإنّه موتور قد قتلتم ابنه و لم یعلم عمر بقتل ابنه حتّی أفضی إلی القوم و کان مع ابنه النعمان بن عباد فصاح به عمر یا نعمان أین ابنی قال أحتسبه فقد استشهد صابرا مقبلا غیر مدبر فقال إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَیْهِ رٰاجِعُونَ ثم حمل علی الخوارج حملة لم یر مثلها و حمل أصحابه بحملته فقتلوا فی وجههم ذلک تسعین رجلا من الخوارج و حمل علی قطری فضربه علی جبینه ففلقه و انهزمت الخوارج و انتهبها فلما استقروا و رأی ما نزل بهم قال أ لم أشر علیکم بالانصراف فجعلوه حینئذ من (3) وجوههم حتّی خرجوا من فارس و تلقاهم فی ذلک الوقت الفزر بن مهزم العبدی فسألوه عن خبره و أرادوا قتله فأقبل علی قطری و قال إنّی مؤمن مهاجر فسأله عن أقاویلهم فأجاب إلیها فخلوا عنه ففی ذلک یقول فی کلمة له فشدوا وثاقی ثمّ ألجوا خصومتی

ثمّ رجعوا و تکانفوا (4) و عادوا إلی ناحیة أرجان فسار إلیهم عمر بن عبید اللّه و کتب إلی مصعب

ص :161

أما بعد فإنی لقیت الأزارقة فرزق اللّه عزّ و جلّ عبید اللّه بن عمر الشهادة و وهب له السعادة و رزقنا بعد علیهم الظفر فتفرقوا شذر مذر (1) و بلغنی عنهم عودة فیممتهم و بالله أستعین و علیه أتوکل.

فسار إلیهم و معه عطیة بن عمرو و مجاعة بن سعر فالتقوا فألح علیهم عمر حتی أخرجهم و انفرد من أصحابه فعمد إلی أربعة عشر رجلا من مذکوریهم و شجعانهم و فی یده عمود فجعل لا یضرب رجلا منهم ضربة إلاّ صرعه فرکض إلیه قطری علی فرس طمر (2) و عمر علی مهر فاستعلاه قطری بقوة فرسه حتّی کاد یصرعه فبصر به مجاعة فأسرع إلیه فصاحت الخوارج یا أبا نعامة إن عدو اللّه قد رهقک (3) فانحط قطری علی قربوسه و طعنه مجاعة و علی قطری درعان فهتکهما و أسرع السنان فی رأس قطری فکشط جلده و نجا و ارتحل القوم إلی أصفهان فأقاموا برهة ثمّ رجعوا إلی الأهواز و قد ارتحل عمر بن عبید اللّه إلی إصطخر (4) فأمر مجاعة فجبی الخراج أسبوعا فقال له کم جبیت قال تسعمائة ألف فقال هی لک.

و قال یزید بن الحکم لمجاعة و دعاک دعوة مرهق فأجبته

قال ثمّ عزل مصعب بن الزبیر و ولی عبد اللّه بن الزبیر العراق ابنه حمزة

ص :162

بن عبد اللّه بن الزبیر فمکث قلیلا ثمّ أعید مصعب إلی العراق و الخوارج بأطراف أصبهان و الوالی علیها عتاب بن ورقاء الریاحی فأقام الخوارج هناک یجبون شیئا من القری ثمّ أقبلوا إلی الأهواز من ناحیة فارس فکتب مصعب إلی عمر بن عبید اللّه ما أنصفتنا أقمت بفارس تجبی الخراج و مثل هذا العدو یجتاز بک لا تحاربه و اللّه لو قاتلت ثمّ هزمت لکان أعذر لک.

و خرج مصعب من البصرة یریدهم و أقبل عمر بن عبید اللّه یریدهم فتنحی الخوارج إلی السوس ثم أتوا إلی المدائن و بسطوا فی القتل فجعلوا یقتلون النساء و الصبیان حتّی أتوا المذار (1) فقتلوا أحمر طیئ و کان شجاعا و کان من فرسان عبید اللّه بن الحر و فی ذلک یقول الشاعر ترکتم فتی الفتیان أحمر طیئ بساباط لم یعطف علیه خلیل (2) .

ثمّ خرجوا عامدین إلی الکوفة فلما خالطوا سوادها و والیها الحارث القباع تثاقل عن الخروج و کان جبانا فذمره (3) إبراهیم بن الأشتر و لامه الناس فخرج متحاملا حتّی أتی النخیلة ففی ذلک یقول الشاعر إن القباع سار سیرا نکرا یسیر یوما و یقیم عشرا.

و جعل یعد الناس بالخروج و لا یخرج و الخوارج یعیثون حتّی أخذوا امرأة فقتلوا أباها بین یدیها و کانت جمیلة ثمّ أرادوا قتلها فقالت أ تقتلون مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ وَ هُوَ فِی الْخِصٰامِ غَیْرُ مُبِینٍ فقال قائل منهم دعوها فقالوا قد فتنتک ثمّ قدموها فقتلوها.

ص :163

و قربوا امرأة أخری و هم بإزاء القباع و الجسر معقود بینهم فقطعه القباع و هو فی ستة آلاف و المرأة تستغیث به و هی تقبل و تقول علام تقتلوننی فو اللّه ما فسقت و لا کفرت و لا زنیت (1) و الناس یتفلتون إلی القتال و القباع یمنعهم.

فلما خاف أن یعصوه أمر عند ذاک بقطع الجسر فأقام بین دبیری و دباها (2) خمسة أیّام و الخوارج بقربه و هو یقول للناس فی کل یوم إذا لقیتم العدو غدا فأَثْبِتُوا أقدامکم و اصبروا فإن أول الحرب التَّرامِی ثمّ إشراعُ الرِّماح ثمّ السلة (3) فثکلت رجلا أُمُّه فَرَّ من الزحف.

فقال بعضهم لما أکثر علیهم أما الصفة فقد سمعناها فمتی یقع الفعل.

و قال الراجز إن القباع سار سیرا ملسا (4) بین دباها و دبیری خمسا.

و أخذ الخوارج حاجتهم و کان شأن القباع التحصن منهم ثمّ انصرفوا و رجع إلی الکوفة و ساروا من فورهم إلی أصبهان فبعث عتاب بن ورقاء الریاحی إلی الزبیر بن علی أنا ابن عمک و لست أراک تقصد فی انصرافک من کل حرب غیری فبعث إلیه الزبیر إن أدنی الفاسقین و أبعدهم فی الحق سواء.

فأقام الخوارج یغادون عتاب بن ورقاء القتال و یراوحونه حتّی طال علیهم المقام و لم یظفروا بکبیر شیء فلما کثر علیهم ذلک انصرفوا لا یمرون بقریة بین أصبهان و الأهواز إلا استباحوها و قتلوا من فیها و شاور المصعب الناس فیهم فأجمع رأیهم علی

ص :164

المهلب فبلغ الخوارج مشاورتهم فقال لهم قطری إن جاءکم عتاب بن ورقاء فهو فاتک یطلع فی أول المقنب (1) و لا یظفر بکثیر (2) و إن جاءکم عمر بن عبید اللّه ففارس یقدم إمّا علیه و إمّا له و إن جاءکم المهلب فرجل لا یناجزکم حتّی تناجزوه و یأخذ منکم و لا یعطیکم فهو البلاء الملازم و المکروه الدائم.

و عزم مصعب علی توجیه المهلب و أن یشخص هو لحرب عبد الملک فلما أحس به الزبیر خرج إلی الری و بها یزید بن الحارث بن رویم فحاربه ثمّ حصره فلما طال علیه الحصار خرج إلیه فکان الظفر للخوارج فقتل یزید بن الحارث بن رویم و نادی یزید ابنه حوشبا ففر عنه و عن أمه لطیفة

902

1- [وَ کَانَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع دَخَلَ عَلَی اَلْحَارِثِ بْنِ رُوَیْمٍ یَعُودُ ابْنَهُ یَزِیدَ فَقَالَ عِنْدِی جَارِیَةٌ لَطِیفَةُ الْخِدْمَةِ أَبْعَثُ بِهَا إِلَیْکَ فَسَمَّاهَا یَزِیدُ لَطِیفَةً]

(3)

. فقتلت مع بعلها (4) یزید یومئذ و قال الشاعر مواقفنا فی کل یوم کریهة

و قال آخر نجا حلیلته و أسلم شیخه نصب الأسنة حوشب بن یزید (5) .

ص :165

قال ثمّ (1) انحط الزبیر علی أصفهان فحصر بها عتاب بن ورقاء سبعة أشهر و عتاب یحاربه فی بعضهن فلما طال به الحصار قال لأصحابه ما تنتظرون و اللّه ما تؤتون من قلة و إنکم لفرسان عشائرکم و لقد حاربتموهم مرارا فانتصفتم منهم و ما بقی مع هذا الحصار إلاّ أن تفنی ذخائرکم فیموت أحدکم فیدفنه أخوه ثمّ یموت أخوه فلا یجد من یدفنه فقاتلوا القوم و بکم قوة من قبل أن یضعف أحدکم عن أن یمشی إلی قرنه.

فلما أصبح صلی بهم الصبح ثمّ خرج إلی الخوارج و هم غارون (2) و قد نصب لواء لجاریة له یقال لها یاسمین فقال من أراد البقاء فلیلحق بلواء یاسمین و من أراد الجهاد فلیخرج معی فخرج فی ألفین و سبعمائة فارس فلم یشعر بهم الخوارج حتی غشوهم فقاتلوهم بجد لم تر الخوارج منهم مثله فعقروا منهم خلقا کثیرا و قتل الزبیر بن علی و انهزمت الخوارج فلم یتبعهم عتاب ففی ذلک یقول القائل و یوم بَجَیْ تلافیته (3) و لو لاک لاصطلم العسکر (4) .

و قال آخر خرجت من المدینة مستمیتا و لم أک فی کتیبة یاسمینا

ص :166

أ لیس من الفضائل أن قومی

غدوا مستلئمین مجاهدینا (1) .

قال و تزعم الرواة أنهم فی أیّام حصارهم کانوا یتواقفون و یحمل بعضهم علی بعض و ربما کانت مواقفة (2) بغیر حرب و ربما اشتدت الحرب بینهم و کان رجل من أصحاب عتاب یقال له شریح و یکنی أبا هریرة إذا تحاجز (3) القوم مع المساء نادی بالخوارج و الزبیر بن علی یا ابن أبی الماحوز و الأشرار

فغاظهم ذلک فکمن له عبیدة بن هلال فضربه بالسیف و احتمله أصحابه و ظنت الخوارج أنه قد قتل فکانوا إذا تواقفوا نادوهم ما فعل الهرار فیقولون ما به من بأس حتّی أبل من علته فخرج إلیهم فقال یا أعداء اللّه أ ترون بی بأسا فصاحوا به قد کنا نری أنک قد لحقت بأمک الهاویة إلی النار الحامیة

بقطری بن الفجاءة المازنی فبایعوه و قالوا یا أمیر المؤمنین امض بنا إلی فارس فقال إن بفارس عمر بن عبید اللّه بن معمر و لکن نسیر إلی الأهواز فإن خرج مصعب من البصرة دخلناها فأتوا الأهواز ثم ترفعوا عنها علی إیذج (1) و کان المصعب قد عزم علی الخروج إلی باجمیرا (2) و قال لأصحابه إن قطریا لمطل علینا و إن خرجنا عن البصرة دخلها فبعث إلی المهلب فقال اکفنا هذا العدو فخرج إلیهم المهلب فلما أحس به قطری یمم نحو کرمان و أقام المهلب بالأهواز ثم کر علیه قطری و قد استعد و کانت الخوارج فی حالاتهم أحسن عدة ممن یقاتلهم بکثرة السلاح و کثرة الدوابّ و حصانة الجنن (3) فحاربهم المهلب فدفعهم فصاروا إلی رامهرمز و کان الحارث بن عمیرة الهمدانی قد صار إلی المهلب مراغما لعتاب بن ورقاء و یقال إنّه لم یرضه عن قتله الزبیر بن علی و کان الحارث بن عمیرة هو الذی قتله و خاض إلیه أصحابه ففی ذلک یقول أعشی همدان إن المکارم أکملت أسبابها

ص :168

الحارث بن عمیرة اللیث الذی

قال أبو العبّاس و خرج مُصعب إلی باجمیرا ثم أتی الخوارج خبر مقتله بمسکن و لم یأت المهلب و أصحابه فتواقفوا یوما برامهرمز علی الخندق فناداهم الخوارج ما تقولون فی مصعب قالوا إمام هدی قالوا فما تقولون فی عبد الملک قالوا ضال مضل فلما کان بعد یومین أتی المهلب قتل المصعب و إن أهل العراق قد اجتمعوا علی عبد الملک و ورد علیه کتاب عبد الملک بولایته فلما تواقفوا ناداهم الخوارج ما تقولون فی المصعب قالوا لا نخبرکم قالوا فما تقولون فی عبد الملک قالوا إمام هدی قالوا یا أعداء اللّه بالأمس ضال مضل و الیوم إمام هدی یا عبید الدنیا علیکم لعنة اللّه.

903

وَ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْفَهَانِیُّ فِی کِتَابِ اَلْأَغَانِی الْکَبِیرِ قَالَ (1) کَانَ اَلشُّرَاةُ وَ اَلْمُسْلِمُونَ فِی حَرْبِ اَلْمُهَلَّبِ وَ قَطَرِیٍّ یَتَوَاقَفُونَ وَ یَتَسَاءَلُونَ بَیْنَهُمْ عَنْ أَمْرِ الدِّینِ وَ غَیْرِ ذَلِکَ عَلَی أَمَانٍ وَ سُکُونٍ لاَ یَهِیجُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَتَوَاقَفَ یَوْماً عُبَیْدَةُ بْنُ هِلاَلٍ الْیَشْکُرِیُّ وَ أَبُو حَزَابَةَ (2) التَّمِیمِیُّ فَقَالَ عُبَیْدَةُ یَا أَبَا حَزَابَةَ إِنِّی أَسْأَلُکَ عَنْ أَشْیَاءَ أَ فَتَصْدُقُنِی عَنْهَا فِی الْجَوَابِ قَالَ نَعَمْ إِنْ ضَمِنْتَ لِی مِثْلَ ذَلِکَ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ قَالَ فَسَلْ عَمَّا بَدَا لَکَ قَالَ مَا تَقُولُونَ فِی أَئِمَّتِکُمْ قَالَ یُبِیحُونَ الدَّمَ الْحَرَامَ قَالَ وَیْحَکَ فَکَیْفَ فِعْلَهُمْ فِی الْمَالِ قَالَ یُحِبُّونَهُ مِنْ غَیْرِ حِلِّهِ وَ یُنْفِقُونَهُ فِی غَیْرِ وَجْهِهِ قَالَ فَکَیْفَ فِعْلُهُمْ فِی الْیَتِیمِ قَالَ یَظْلِمُونَهُ مَالَهُ وَ یَمْنَعُونَهُ حَقَّهُ وَ یَنْیِکُونَ أُمَّهُ قَالَ وَیْحَکَ یَا أَبَا حُرابَةَ أَ مِثْلُ هَؤُلاَءِ تُتَّبَعُ قَالَ قَدْ أَجَبْتُکَ فَاسْمَعْ سُؤَالِی وَ دَعْ عِتَابِی عَلَی رَأْیِی

ص :169

قَالَ سَلْ قَالَ أَیُّ الْخَمْرِ أَطْیَبُ خَمْرُ السَّهْلِ أَمْ خَمْرُ الْجَبَلِ قَالَ وَیْحَکَ أَ مِثْلِی یُسْأَلُ عَنْ هَذَا قَالَ قَدْ أَوْجَبْتَ عَلَی نَفْسِکَ أَنْ تُجِیبَ قَالَ أَمَّا إِذْ أَبَیْتَ فَإِنَّ خَمْرَ الْجَبَلِ أَقْوَی وَ أَسْکَرُ وَ خَمْرَ السَّهْلِ أَحْسَنُ وَ أَسْلَسُ قَالَ فَأَیُّ الزَّوَانِی أَفْرَهُ أَ زَوَانِی رَامَهُرْمُزَ أَمْ زَوَانِی أَرَّجَانَ قَالَ وَیْحَکَ إِنَّ مِثْلِی لاَ یُسْأَلُ عَنْ هَذَا قَالَ لاَ بُدَّ مِنَ الْجَوَابِ أَوْ تَغْدِرَ.

قَالَ أَمَّا إِذْ أَبَیْتَ فَزَوَانِی رَامَهُرْمُزَ أَرَقُّ أَبْشَاراً وَ زَوَانِی أَرَّجَانَ أَحْسَنُ أَبْدَاناً قَالَ فَأَیُّ الرَّجُلَیْنِ أَشْعَرُ جَرِیرٌ أَمِ اَلْفَرَزْدَقُ قَالَ عَلَیْکَ وَ عَلَیْهِمَا لَعْنَةُ اللَّهِ قَالَ لاَ بُدَّ أَنْ تُجِیبَ قَالَ أَیُّهُمَا الَّذِی یَقُولُ وَ طَوَی الطِّرَادُ مَعَ الْقِیَادِ بُطُونَهَا طَیَّ التِّجَارِ بِحَضْرَمَوْتَ بُرُوداً قَالَ جَرِیرٌ قَالَ فَهُوَ أَشْعَرُهُمَا.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ قَدْ کَانَ النَّاسُ تَجَادَلُوا فِی أَمْرِ جَرِیرٍ وَ اَلْفَرَزْدَقِ فِی عَسْکَرِ اَلْمُهَلَّبِ حَتَّی تَوَاثَبُوا وَ صَارُوا إِلَیْهِ مُحَکِّمِینَ لَهُ فِی ذَلِکَ فَقَالَ أَ تُرِیدُونَ أَنْ أَحْکُمَ بَیْنَ هَذَیْنِ الْکَلْبَیْنِ الْمُتَهَارِشَیْنِ فَیَمْضَغَانِی مَا کُنْتُ لِأَحْکُمَ بَیْنَهُمَا وَ لَکِنِّی أَدُلُّکُمْ عَلَی مَنْ یَحْکُمُ بَیْنَهُمَا ثُمَّ یَهُونُ عَلَیْهِ سِبَابُهُمَا عَلَیْکُمْ بِالشُّرَاةِ فَاسْأَلُوهُمْ إِذَا تَوَاقَفْتُمْ فَلَمَّا تَوَاقَفُوا سَأَلَ أَبُو حَزَابَةَ عُبَیْدَةَ بْنَ هِلاَلٍ عَنْ ذَلِکَ فَأَجَابَهُ بِهَذَا الْجَوَابِ.

904

وَ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ (1) امْرَأَةً مِنَ اَلْخَوَارِجِ کَانَتْ مَعَ قَطَرِیِّ بْنِ الْفُجَاءَةِ یُقَالُ لَهَا أُمُّ حَکِیمٍ وَ کَانَتْ مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ وَ أَجْمَلُهُمْ وَجْهاً وَ أَحْسَنُهُمْ بِالدِّینِ تَمَسُّکاً وَ خَطَبَهَا

ص :170

جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَرَدَّتْهُمْ وَ لَمْ تُجِبْهُمْ فَأَخْبَرَ مِنْ شَاهِدَهَا فِی الْحَرْبِ أَنَّهَا کَانَتْ تُحْمَلُ عَلَی النَّاسِ وَ تَرْتَجِزُ فَتَقُولُ أَحْمِلُ رَأْساً قَدْ سَئِمْتُ حَمْلِهِ وَ قَدْ مَلِلْتُ دُهْنِهِ وَ غَسَّلَهُ أَ لاَ فَتَی یَحْمِلُ عَنِّی ثِقْلُهُ.

وَ اَلْخَوَارِجِ یفدونها بِالْآبَاءِ وَ الْأُمَّهَاتِ فَمَا رَأَیْنَا قَبْلَهَا وَ لاَ بَعْدَهَا مِثْلَهَا.

905

وَ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ (1) قَالَ کَانَ عُبَیْدَةَ بْنِ هِلاَلٍ إِذَا تکاف النَّاسِ نَادَاهُمْ لَیَخْرُجُ إِلَیَّ بَعْضُکُمْ فَیَخْرُجُ إِلَیْهِ فِتْیَانُ مِنْ عَسْکَرِ اَلْمُهَلَّبِ فَیَقُولُ لَهُمْ أَیُّمَا أَحَبُّ إِلَیْکُمْ أَقْرَأُ عَلَیْکُمْ اَلْقُرْآنِ أَمْ أَنْشُدُکُمْ الشَّعْرِ فَیَقُولُونَ لَهُ أَمَّا اَلْقُرْآنُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ مِثْلَ مَعْرِفَتِکَ وَ لَکِنْ تنشدنا فَیَقُولُ یَا فَسَقَةِ قَدْ وَ اللَّهِ عَلِمْتُ أَنَّکُمْ تختارون الشَّعْرَ عَلَی اَلْقُرْآنِ ثُمَّ لاَ یَزَالُ یُنْشِدُهُمْ وَ یستنشدهم حَتَّی یَمَلُّوا وَ یَفْتَرِقُوا.

قال أبو العبّاس (2) و ولی خالد بن عبد اللّه بن أسید فقدم فدخل البصرة فأراد عزل المهلب فأشیر علیه بألا یفعل و قیل له إنّما أمن [أهل]

(3) هذا المصر لأن المهلب بالأهواز و عمر بن عبید اللّه بفارس فقد تنحی عمر و إن نحیت المهلب لم تأمن علی البصرة فأبی إلاّ عزله فقدم المهلب البصرة و خرج خالد إلی الأهواز فاستصحبه (4) فلما صار بکربج دینار لقیه قطری فمنعه حط أثقاله و حاربه ثلاثین یوما.

ثمّ أقام قطری بإزائه و خندق علی نفسه فقال المهلب لخالد إن قطریا لیس

ص :171

بأحق بالخندق منک فعبر دجیلا إلی شق نهر تیری و اتبعه قطری فصار إلی مدینة نهر تیری فبنی سورها و خندق علیها فقال المهلب لخالد خندق علی نفسک فإنی لا آمن البیات فقال یا أبا سعید الأمر أعجل من ذاک فقال المهلب لبعض ولده إنّی أری أمرا ضائعا ثمّ قال لزیاد بن عمرو خندق علینا فخندق المهلب علی نفسه (1) و أمر بسفنه ففرغت و أبی خالد أن یفرغ سفنه فقال المهلب لفیروز حصین صر معنا فقال یا أبا سعید إن الحزم ما تقول غیر إنّی أکره أن أفارق أصحابی قال فکن بقربنا قال أما هذه فنعم.

و قد کان عبد الملک کتب إلی بشر بن مروان یأمره أن یمد خالدا بجیش کثیف أمیره عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث ففعل فقدم علیه عبد الرحمن فأقام قطری یغادیهم القتال و یراوحهم أربعین یوما فقال المهلب لمولی أبی عیینة سر (2) إلی ذلک الناوس فبت علیه کل لیلة فمتی أحسست خبرا للخوارج أو حرکة أو صهیل خیل فأعجل إلینا.

فجاءه لیلة فقال قد تحرک القوم فجلس المهلب بباب الخندق و أعد قطری سفنا فیها حطب و أشعلها نارا و أرسلها علی سفن خالد و خرج فی أدبارها حتّی خالطهم لا یمر برجل إلاّ قتله و لا بدابة إلاّ عقرها و لا بفسطاط إلاّ هتکه فأمر المهلب یزید ابنه فخرج فی مائة فارس فقاتل و أبلی عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث یومئذ بلاء حسنا و خرج فیروز حصین فی موالیه فلم یزل یرمیهم بالنشاب هو و من معه فأثر أثرا جمیلا و صرع یزید بن المهلب یومئذ و صرع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فحامی عنهما أصحابهما حتّی رکبا و سقط فیروز حصین فی

ص :172

الخندق فأخذ بیده رجل من الأزد فاستنقذه فوهب له فیروز عشرة آلاف و أصبح عسکر خالد کأنّه حرة سوداء (1) فجعل لا یری إلاّ قتیلا أو جریحا فقال للمهلب یا أبا سعید کدنا نفتضح فقال خندق علی نفسک فإن لم تفعل عادوا إلیک فقال اکفنی أمر الخندق فجمع له الأحماس (2) فلم یبق شریف إلاّ عمل فیه فصاح بهم الخوارج و اللّه لو لا هذا الساحر المزونی لکان اللّه قد دمر علیکم و کانت الخوارج تسمی المهلب الساحر لأنّهم کانوا یدبرون الأمر فیجدون المهلب قد سبق إلی نقض تدبیرهم.

و قال أعشی همدان لابن الأشعث یذکره بلاء القحطانیة عنده فی کلمة طویلة (3) و یوم أهوازک لا تنسه لیس الثنا و الذکر بالبائد.

ثمّ مضی قطری إلی کرمان و انصرف خالد إلی البصرة و أقام قطری بکرمان شهرا ثمّ عمد لفارس فخرج خالد إلی الأهواز و ندب الناس للرحیل فجعلوا یطلبون المهلب فقال خالد ذهب المهلب بحظ هذا المصر إنّی قد ولیت أخی قتال الأزارقة .

فولی أخاه عبد العزیز و استخلف المهلب علی الأهواز فی ثلاثمائة و مضی عبد العزیز و الخوارج بدرابجرد و هو فی ثلاثین ألفا فجعل عبد العزیز یقول فی طریقه یزعم أهل البصرة أن هذا الأمر لا یتم إلاّ بالمهلب سیعلمون.

قال صقعب (4) بن یزید فلما خرج عبد العزیز عن الأهواز جاءنی کردوس

ص :173

حاجب المهلب فدعانی فجئت إلی المهلب و هو فی سطح و علیه ثیاب هرویة فقال یا صقعب أنا ضائع کأنّی أنظر إلی هزیمة عبد العزیز و أخشی أن توافینی الأزارقة و لا جند معی فابعث رجلا من قبلک یأتینی بخبرهم سابقا إلی به فوجهت رجلا من قبلی یقال له عمران بن فلان و قلت له اصحب عسکر عبد العزیز و اکتب إلی بخبر یوم فیوم فجعلت أورده علی المهلب فلما قاربهم عبد العزیز وقف وقفة فقال له الناس هذا منزل فینبغی أن تنزل فیه أیها الأمیر حتّی نطمئن ثمّ نأخذ أهبتنا فقال کلا الأمر قریب فنزل الناس عن غیر أمره فلم یستتم النزول حتّی ورد علیه سعد الطلائع فی خمسمائة فارس کأنهم خیط ممدود فناهضهم عبد العزیز فواقفوه ساعة ثمّ انهزموا عنه مکیدة و اتبعهم فقال له الناس لا تتبعهم فإنا علی غیر تعبیة فأبی فلم یزل فی آثارهم حتّی اقتحموا عقبة فاقتحمها وراءهم و الناس ینهونه و یأبی و کان قد جعل علی بنی تمیم عبس بن طلق الصریمی الملقب عبس الطعان و علی بکر بن وائل مقاتل بن مسمع و علی شرطته رجلا من بنی ضبیعة بن ربیعة بن نزار فنزلوا عن العقبة و نزل خلفهم و [کان]

(1) لهم فی بطن العقبة کمین فلما صاروا من ورائها خرج علیهم الکمین و عطف سعد الطلائع فترجل عبس بن طلق فقتل و قتل مقاتل بن مسمع و قتل الضبیعی صاحب شرطة عبد العزیز و انحاز عبد العزیز و اتبعهم الخوارج فرسخین یقتلونهم کیف شاءوا و کان عبد العزیز قد أخرج معه أم حفص بنت المنذر بن الجارود امرأته فسبوا النساء یومئذ و أخذوا أساری لا تحصی فقذفوهم فی غار بعد أن شدوهم وثاقا ثمّ سدوا علیهم بابه حتّی ماتوا فیه.

و قال بعض من حضر ذلک الیوم رأیت عبد العزیز و إن ثلاثین رجلا لیضربونه

ص :174

بسیوفهم فما تحیک فی جنبه (1) و نودی علی السبی یومئذ فغولی بأم حفص فبلغ بها رجل سبعین ألفا و کان ذلک الرجل من مجوس کانوا أسلموا و لحقوا بالخوارج ففرضوا لکل رجل منهم خمسمائة فکاد ذلک الرجل یأخذ أم حفص فشق ذلک علی قطری و قال ما ینبغی لرجل مسلم أن یکون عنده سبعون ألفا إن هذه لفتنة فوثب علیها أبو الحدید العبدی فقتلها فأتی به قطری فقال مهیم یا أبا الحدید (2) فقال یا أمیر المؤمنین رأیت المؤمنین تزایدوا فی هذه المشرکة فخشیت علیهم الفتنة فقال قطری أحسنت فقال رجل من الخوارج کفانا فتنة عظمت و جلت

و کان العلاء بن مطرف السعدی ابن عم عمرو القنا و کان یحب أن یلقاه فی صدر مبارزة (3) فلحقه عمرو القنا یومئذ و هو منهزم فضحک منه و قال متمثلا تمنانی لیلقانی لقیط أعام لک ابن صعصعة بن سعد (4) .

ثمّ صاح به أنج یا أبا المصدی (5) و کان العلاء بن مطرف قد حمل معه امرأتین

ص :175

إحداهما من بنی ضبة یقال لها أم جمیل و الأخری بنت عمه یقال لها فلانة بنت عقیل فطلق الضبیة و حملها أولا و تخلص بابنة عمه فقال فی ذلک أ لست کریما إذ أقول لفتیتی

قال الصقعب بن یزید و بعثنی المهلب لآتیه بالخبر فصرت إلی قنطرة أربک (1) علی فرس اشتریته بثلاثة آلاف درهم فلم أحس خبرا فسرت مُهَجِّرا (2) إلی أن أمسیت فلما أمسینا و أظلمنا سمعت کلام رجل عرفته من الجهاضم فقلت ما وراءک قال الشر قلت فأین عبد العزیز قال أمامک فلما کان آخر اللیل إذا أنا بزهاء خمسین فارسا معهم لواء فقلت لواء من هذا قالوا لواء عبد العزیز فتقدمت إلیه فسلمت علیه و قلت أصلح اللّه الأمیر لا یکبرن علیک ما کان فإنک کنت فی شر جند و أخبثه قال لی أ و کنت معنا قلت لا و لکن کأنّی شاهد أمرک ثمّ أقبلت إلی المهلب و ترکته فقال لی ما وراءک قلت ما یسرک هزم الرجل و فل جیشه فقال ویحک و ما یسرنی من هزیمة رجل من قریش و فل جیش من المسلمین قلت قد کان ذلک ساءک أو سرک فوجه رجلا إلی خالد یخبره بسلامة أخیه قال الرجل فلما خبرت خالدا قال کذبت و لؤمت و دخل رجل من قریش فکذبنی فقال لی خالد و اللّه لقد هممت أن أضرب عنقک فقلت أصلح اللّه الأمیر إن کنت کاذبا فاقتلنی و إن کنت صادقا فأعطنی مطرف هذا المتکلم فقال خالد لبئس ما أخطرت به دمک فما برحت حتّی دخل علیه بعض الفل و قدم عبد العزیز سوق الأهواز فأکرمه المهلب و کساه و قدم معه علی خالد و استخلف المهلب ابنه حبیبا و قال له

ص :176

تجسس الأخبار فإن أحسست بخیل الأزارقة قریبا منک فانصرف إلی البصرة علی نهر تیری فلما أحس حبیب بهم دخل البصرة و أعلم خالدا بدخوله فغضب و خاف حبیب منه فاستتر فی بنی عامر بن صعصعة و تزوج هناک فی استتاره الهلالیة و هی أم ابنه عباد بن حبیب و قال الشاعر لخالد یفیل (1) رأیه بعثت غلاما من قریش فروقة

و قال الحارث بن خالد المخزومی فر عبد العزیز إذ رَاَ عیسی

و کتب خالد إلی عبد الملک بعذر عبد العزیز و قال للمهلب ما تری أمیر المؤمنین صانعا بی قال یعزلک قال أ تراه قاطعا رحمی قال نعم قد أتته هزیمة أمیة أخیک (2) ففعل یعنی هرب أمیة من سجستان فکتب عبد الملک إلی خالد

ص :177

أما بعد فإنی کنت حددت لک حدا فی [أمر]

(1) المهلب فلما ملکت أمرک نبذت طاعتی وراءک و استبددت (2) برأیک فولیت المهلب الجبایة و ولیت أخاک حرب الأزارقة فقبح اللّه هذا رأیا أ تبعث غلاما غرا لم یجرب الأمور و الحروب للحرب و تترک سیدا شجاعا مدبرا حازما قد مارس الحروب ففلج (3) فشغلته بالجبایة أما لو کافأتک علی قدر ذنبک لأتاک من نکیری ما لا بقیة لک معه و لکن تذکرت رحمک فکفتنی عنک و قد جعلت عقوبتک عزلک و السلام قال و ولی بشر بن مروان الإمارة و هو بالکوفة و کتب إلیه أما بعد فإنک أخو أمیر المؤمنین یجمعک و إیاه مروان بن الحکم و إن خالدا لا مجتمع له مع أمیر المؤمنین دون أمیة فانظر المهلب بن أبی صفرة فوله حرب الأزارقة فإنه سید بطل مجرب و امدده من أهل الکوفة بثمانیة آلاف رجل و السلام فشق علی بشر ما أمره به فی المهلب و قال و اللّه لأقتلنه فقال له موسی بن نصیر أیها الأمیر إن للمهلب حفاظا و وفاء و بلاء.

و خرج بشر بن مروان یرید البصرة فکتب موسی بن نصیر و عکرمة بن ربعی إلی المهلب أن یتلقاه لقاء لا یعرفه به فتلقاه المهلب علی بغل و سلم علیه فی غمار (4) الناس فلما جلس بشر مجلسه قال ما فعل أمیرکم المهلب قالوا قد تلقاک أیها الأمیر و هو شاک فهم بشر أن یولی حرب الأزارقة عمر بن عبید اللّه بن معمر و شد عزمه أسماء

ص :178

بن خارجة و قال له إنّما ولاک أمیر المؤمنین لتری رأیک فقال له عکرمة بن رِبْعِیٍّ اکتب إلی أمیر المؤمنین فأعلمه علة المهلب فکتب إلیه بذلک و أن بالبصرة من یغنی غناءه و وجه بالکتاب مع وفد أوفدهم إلیه رئیسهم عبد اللّه بن حکیم المجاشعی فلما قرأ عبد الملک الکتاب خلا بعبد اللّه فقال له إن لک دینا و رأیا و حزما فمن لقتال هؤلاء الأزارقة قال المهلب قال إنّه علیل قال لیست علته بمانعة (1) فقال عبد الملک لقد أراد بشر أن یفعل ما فعل خالد فکتب إلیه یعزم علیه أن یولی المهلب الحرب فوجه إلیه فقال أنا علیل و لا یمکننی الاختلاف فأمر بشر بحمل الدواوین إلیه فجعل ینتخب فعزم علیه بشر بالخروج فاقتطع أکثر نخبته ثمّ عزم علیه ألا یقیم بعد ثالثة و قد أخذت الخوارج الأهواز و خلفوها وراء ظهورهم و صاروا بالفرات فخرج المهلب حتی صار إلی شهار طاق فأتاه شیخ من بنی تمیم فقال أصلح اللّه الأمیر إن سنی ما تری فهبنی لعیالی فقال (2) علی أن تقول للأمیر إذا خطب فحثکم علی الجهاد کیف تحثنا علی الجهاد و أنت تحبس عنه أشرافنا و أهل النجدة منا ففعل الشیخ ذلک فقال له بشر و ما أنت و ذاک ثمّ أعطی المهلب رجلا ألف درهم علی أن یأتی بشرا فیقول له أیها الأمیر أعن (3) المهلب بالشُّرطة و المقاتلة ففعل الرجل ذلک فقال له بشر و ما أنت و ذاک فقال نصیحة حضرتنی للأمیر و المسلمین و لا أعود إلی مثلها فأمده بشر بالشرطة و المقاتلة و کتب إلی خلیفته علی الکوفة أن یعقد لعبد الرحمن بن مِخنف علی ثمانیة آلاف من کل ربع ألفین و یوجه بهم مددا للمُهَلَّب

ص :179

فلما أتاه الکتاب بعث إلی عبد الرحمن بن مخنف الأزدی یعقد (1) له و اختار من کل ربع ألفین فکان علی ربع أهل المدینة بشر بن جریر بن عبد اللّه البجلی و علی ربع تمیم و همدان محمّد بن عبد الرحمن بن سعید بن قیس الهمدانی و علی ربع کندة محمّد بن إسحاق بن الأشعث بن قیس الکندی و علی ربع مذحج و أسد زحر بن قیس المذحجی فقدموا علی بشر بن مروان فخلا بعبد الرحمن بن مخنف و قال له قد عرفت رأیی فیک و ثقتی بک فکن عند ظنی بک و انظر إلی هذا المزونی فخالفه فی أمره و أفسد علیه رأیه.

فخرج عبد الرحمن و هو یقول ما أعجب ما طلب (2) منی هذا الغلام یأمرنی أن أصغر شأن (3) شیخ من مشایخ أهلی و سید من ساداتهم فلحق بالمهلب .فلما أحس الأزارقة بدنو المهلب منهم انکشفوا عن الفرات فأتبعهم المهلب إلی سوق الأهواز فنفاهم عنها ثمّ اتبعهم إلی رامهرمز فهزمهم عنها فدخلوا فارس و أبلی یزید ابنه فی وقائعه هذه بلاء شدیدا تقدم فیه و هو ابن إحدی و عشرین سنة.

فلما صار القوم إلی فارس وجه إلیهم ابنه المغیرة فقال له عبد الرحمن بن صالح أیها الأمیر إنّه لیس لک برأی قتل هذه الأکلب و لئن و اللّه قتلتهم لتقعدن فی بیتک و لکن طاولهم و کل بهم فقال لیس هذا من الوفاء فلم یلبث برامهرمز إلا شهرا حتّی أتاه موت بشر بن مروان .فاضطرب الجند علی ابن مخنف فوجه إلی إسحاق بن الأشعث و ابن زحر فاستحلفهما ألا یبرحا فحلفا له و لم یفیا و جعل الجند من أهل الکوفة یتسللون حتّی اجتمعوا

ص :180

بسوق الأهواز و أراد أهل البصرة الانسلال من المهلب فخطبهم فقال إنکم لستم کأهل الکوفة إنّما تذبون عن مصرکم و أموالکم و حرمکم.

فأقام منهم قوم و تسلل منهم قوم کثیر.

و کان خالد بن عبد اللّه خلیفة بشر بن مروان فوجه مولی له بکتاب منه إلی من بالأهواز یحلف بالله مجتهدا لئن لم یرجعوا إلی مراکزهم و انصرفوا عصاة لا یظفر بأحد إلاّ قتله فجاءهم مولاه فجعل یقرأ علیهم الکتاب و لا یری فی وجوههم قبولا فقال إنّی أری وجوها ما القبول من شأنها فقال له ابن زحر أیها العبد اقرأ ما فی الکتاب و انصرف إلی صاحبک فإنک لا تدری ما فی أنفسنا و جعلوا یستحثونه بقراءته ثمّ قصدوا قصد الکوفة فنزلوا النخیلة و کتبوا إلی خلیفة بشر یسألونه أن یأذن لهم فی دخول الکوفة فأبی فدخلوها بغیر إذن.

فلم یزل المهلب و من معه من قواده و ابن مخنف فی عدد قلیل فلم یلبثوا أن ولی الحجاج العراق .فدخل الکوفة قبل البصرة و ذلک فی سنة خمس و سبعین فخطبهم الخطبة المشهورة (1) و تهددهم ثمّ نزل فقال لوجوه أهلها ما کانت الولاة تفعل بالعصاة قالوا کانت تضرب و تحبس فقال و لکن لیس لهم عندی إلاّ السیف إن المسلمین لو لم یغزوا المشرکین لغزاهم المشرکون و لو ساغت المعصیة لأهلها ما قوتل عدو و لا جبی فیء و لا عزّ دین.

ثمّ جلس لتوجیه الناس فقال قد أجلتکم ثلاثا و أقسم بالله لا یتخلف أحد من

ص :181

أصحاب ابن مخنف بعدها إلاّ قتلته ثمّ قال لصاحب حرسه و لصاحب شرطته (1) إذا مضت ثلاثة أیّام فاشحذا (2) سیوفکما (3) فجاءه عمیر بن ضابئ [البرجمی]

(4) بابنه فقال أصلح اللّه الأمیر إن هذا أنفع لکم منی و هو أشد بنی تمیم أبدانا (5) و أجمعهم سلاحا و أربطهم جأشا و أنا شیخ کبیر علیل و استشهد [جلساءه]

(6) فقال له الحجاج إن عذرک لواضح و إن ضعفک لبین و لکنی أکره أن یجترئ بک الناس علی و بعد فأنت ابن ضابئ صاحب عثمان و أمر به فقتل (7) فاحتمل الناس و إن أحدهم لیتبع بزاده و سلاحه ففی ذلک یقول [عبد اللّه]

(8) بن الزبیر الأسدی (9) أقول لعبد اللّه یوم لقیته أری الأمر أمسی منصبا متشعبا (10)

ص :182

تجهز فإما أن تزور ابن ضابئ

و هرب سوار بن المضرب السعدی من الحجاج و قال أ قاتلی الحجاج إن لم أزر له دراب و أترک عند هند فؤادیا (1) .

فی قصیدة مشهورة له.

فخرج الناس عن الکوفة و أتی الحجاج البصرة فکان أشدّ علیهم إلحاحا و قد کان أتاهم خبره بالکوفة فتحمل الناس قبل قدومه و أتاه رجل من بنی یشکر و کان شیخا أعور یجعل علی عینه العوراء صوفة فکان یلقب ذا الکرسفة فقال

ص :183

أصلح اللّه الأمیر إن بی فتقا و قد عذرنی بشر بن مروان و قد رددت العطاء فقال إنک عندی لصادق ثمّ أمر به فضربت عنقه ففی ذلک یقول کعب الأشقری أو الفرزدق (1) لقد ضرب الحجاج بالمصر ضربة تقرقر منها بطن کل عریف (2) .

و یروی عن أبی البئر (3) قال إنا لنتغدی معه یوما إذ جاءه رجل من بنی سلیم (4) برجل یقوده فقال أصلح اللّه الأمیر إن هذا عاص فقال له الرجل أنشدک اللّه أیها الأمیر فی دمی فو اللّه ما قبضت دیوانا قط و لا شهدت عسکرا قط و إنّی لحائک أخذت من تحت الحف (5) فقال اضربوا عنقه فلما أحس بالسیف سجد فلحقه السیف و هو ساجد فأمسکنا عن الأکل فأقبل علینا و قال ما لی أراکم قد صفرت أیدیکم و اصفرت وجوهکم و حدّ نظرکم من قتل رجل واحد ألا إن العاصی یجمع خلالا یخل بمرکزه و یعصی أمیره و یغر المسلمین و هو أجیر لهم و إنّما یأخذ الأجرة لما یعمل و الوالی مخیر فیه إن شاء قتل و إن شاء عفا.

ثمّ کتب إلی المهلب أما بعد فإن بشرا استکره نفسه (6) علیک و أراک غناه (7) عنک و أنا أریک حاجتی إلیک فأرنی الجد فی قتال عدوک و من خفته علی المعصیة ممن قبلک فاقتله

ص :184

فإنی قاتل من قبلی و من کان عندی ممن هرب عنک فأعلمنی مکانه فإنی أری أن آخذ السمی بالسمی و الولی بالولی.

فکتب إلیه المهلب لیس قبلی إلاّ مطیع و إن الناس إذا [خافوا العقوبة کبروا الذنب و إذا]

(1) أمنوا العقوبة صغروا الذنب و إذا یئسوا من العفو أکفرهم (2) ذلک فهب لی هؤلاء الذین سمیتهم عصاة فإنهم فرسان أبطال أرجو أن یقتل اللّه بهم العدو و [نادم علی ذنبه]

(3) .

فلما رأی المهلب کثرة الناس عنده قال الیوم قوتل هذا العدو.

و لما رأی ذلک قطری قال لأصحابه انهضوا بنا نرید السردن (4) فنتحصن فیها فقال عبیدة بن هلال أو تأتی (5) سابور فتأخذ منها ما نرید و تصیر إلی کرمان فأتوا سابور و خرج المهلب فی آثارهم فأتی أرجان و خاف أن یکونوا قد تحصنوا بالسردن و لیست بمدینة و لکنها جبال محدقة منیعة فلم یصب بها أحدا فخرج فعسکر بکازرون (6) و استعدوا لقتاله فخندق علی نفسه و وجه إلی عبد الرحمن

ص :185

بن مخنف خندق علی نفسک فوجه إلیه خنادقنا سیوفنا فوجه المهلب إلیه إنّی لا آمن علیک البیات فقال ابنه جعفر ذاک أهون علینا من ضرطة جمل فأقبل المهلب علی ابنه المغیرة فقال لم یصیبوا الرأی و لم یأخذوا بالوثیقة.

فلما أصبح القوم عاودوه الحرب فبعث إلی ابن مخنف یستمده فأمده بجماعة جعل علیهم ابنه جعفرا فجاءوا و علیهم أقبیة بیض جدد فأبلوا یومئذ حتّی عرف مکانهم المهلب و أبلی بنوه یومئذ کبلاء الکوفیین أو أشدّ.

ثمّ أتی رئیس من الخوارج یقال له صالح بن مخراق و هو ینتخب قوما من جلة العسکر حتّی بلغ أربعمائة فقال لابنه المغیرة ما أراه یعد هؤلاء إلاّ للبیات (1) .

و انکشفت الخوارج و الأمر للمهلب علیهم و قد کثر فیهم الجراح و القتل و قد کان الحجاج یتفقد العصاة و یوجه الرجال و کان یحبسهم نهارا و یفتح الحبس لیلا فیتسلل الرجال إلی ناحیة المهلب و کان الحجاج لا یعلم فإذا رأی إسراعهم تمثل إن لها لسائقا عشنزرا إذا وثبن وثبة تغشمرا (2) .

ثمّ کتب الحجاج إلی المهلب یستحثه أما بعد فإنّه قد بلغنی أنک قد أقبلت علی جبایة الخراج و ترکت قتال العدو و إنّی ولیتک (3) و أنا أری مکان عبد اللّه بن حکیم المجاشعی و عباد بن الحصین الحبطی و اخترتک و أنت من أهل عمان ثم رجل من الأزد فالقهم یوم کذا فی مکان کذا و إلاّ أشرعت إلیک صدر الرمح.

ص :186

فشاور المهلب بنیه فقالوا أیها الأمیر (1) لا تغلظ علیه فی الجواب (2) .

فکتب إلیه ورد إلی کتابک تزعم أنی أقبلت علی جبایة الخراج و ترکت قتال العدو و من عجز عن جبایة الخراج فهو عن قتال العدو أعجز و زعمت أنک ولیتنی و أنت تری مکان عبد اللّه بن حکیم و عباد بن الحصین و لو ولیتهما لکانا مستحقین لذلک لفضلهما و غنائهما و بطشهما و زعمت أنک اخترتنی و أنا رجل من الأزد و لعمری إن شرا من الأزد لقبیلة تنازعتها ثلاث قبائل لم تستقر فی واحدة منهن و زعمت أنی إن لم ألقهم یوم کذا فی مکان کذا أشرعت إلی صدر الرمح لو فعلت لقلبت لک ظهر المجن (3) و السلام.

قال ثمّ کانت الوقعة بینه و بین الخوارج عقیب هذا الکتاب.

فلما انصرف الخوارج تلک اللیلة قال لابنه المغیرة إنی أخاف البیات علی بنی تمیم فانهض إلیهم فکن فیهم فأتاهم المغیرة فقال له الحریش بن هلال یا أبا حاتم أ یخاف الأمیر أن یؤتی من ناحیتنا قل له فلیبت آمنا فإنا کافوه ما قبلنا إن شاء اللّه.

فلما انتصف اللیل و قد رجع المغیرة إلی أبیه سری صالح بن مخراق فی القوم الذین کان أعدهم للبیات إلی ناحیة بنی تمیم و معه عبیدة بن هلال و هو یقول إنی لمُذْکٍ للشُّراة نارها و مانع ممن أتاها دارها و غاسل بالسیف عنها عارها.

ص :187

فوجد بنی تمیم أیقاظا متحارسین و خرج إلیهم الحریش بن هلال و هو یقول وجدتمونا وقرا أنجادا لا کشفا میلا و لا أوغادا (1) .

ثمّ حمل علی الخوارج فرجعوا عنه فاتبعهم ثمّ صاح بهم إلی أین یا کلاب النار فقالوا إنّما أعدت لک و لأصحابک فقال الحریش کل مملوک لی حر إن لم تدخلوا النار ما دخلها مجوسی فیما بین سفوان (2) و خراسان .ثم قال بعضهم لبعض نأتی عسکر ابن مخنف فإنه لا خندق علیه و قد بعث فرسانهم الیوم مع المهلب و قد زعموا أنا أهون علیهم من ضرطة جمل فأتوهم فلم یشعر ابن مخنف و أصحابه إلاّ و قد خالطوهم فی عسکرهم.

و کان ابن مخنف شریفا و فیه یقول رجل من بنی عامر لرجل یعاتبه و یضرب بابن مخنف المثل تروح و تغدو کل یوم معظما کأنّک فینا مخنف و ابن مخنف .

فترجل عبد الرحمن تلک اللیلة یجالدهم حتّی قتل و قتل معه سبعون رجلا من القراء فیهم نفر من أصحاب علیّ بن أبی طالب و نفر من أصحاب ابن مسعود و بلغ الخبر المهلب و جعفر بن عبد الرحمن بن مخنف عند المهلب فجاءهم مغیثا فقاتل حتّی ارتث (3) و وجه المهلب إلیهم ابنه حبیبا فکشفهم ثمّ جاء المهلب حتی صلی علی عبد الرحمن بن مخنف و أصحابه و صار جنده فی جند المهلب فضمهم إلی ابنه حبیب فعیرهم البصریون و سموا جعفرا خضفة الجمل .

ص :188

و قال رجل منهم لجعفر بن عبد الرحمن بن مخنف ترکت أصحابکم تدمی نحورهم و جئت تسعی إلینا خضفة الجمل (1) .

فلام المهلب (2) أهل البصرة و قال بئسما قلتم و اللّه ما فروا و لا جبنوا و لکنهم خالفوا أمیرهم أ فلا تذکرون فرارکم بدولاب عنی و فرارکم بدارس (3) عن عثمان (4) .و وجه الحجاج البراء بن قبیصة إلی المهلب یستحثه فی مناجزة القوم و کتب إلیه إنک تحب بقاءهم لتأکل بهم فقال المهلب لأصحابه حرکوهم فخرج فرسان من أصحابه فخرج إلیهم من الخوارج جمع کثیر فاقتتلوا إلی اللیل فقال لهم الخوارج ویلکم أ ما تَمَلُّونَ فقالوا لا حتّی تملوا فقالوا فمن أنتم قالوا تمیم فقالت الخوارج و نحن تمیم أیضا فلما أمسوا افترقوا فلما کان الغد خرج عشرة من أصحاب المهلب و خرج إلیهم من الخوارج عشرة و احتفر کل واحد منهم حفیرة و أثبت قدمیه فیها کلما قتل رجل جاء رجل من أصحابه فاجتره و قام (5) مکانه حتّی أعتموا (6) فقال لهم الخوارج ارجعوا فقالوا بل ارجعوا أنتم قالوا لهم ویلکم من أنتم قالوا تمیم قالوا و نحن

ص :189

تمیم أیضا فرجع البراء بن قبیصة إلی الحجاج فقال له مهیم (1) قال رأیت أیها الأمیر قوما لا یعین علیهم إلاّ اللّه.

و کتب المهلب جواب الحجاج إنی منتظر بهم إحدی ثلاث موتا ذریعا (2) أو جوعا مضرا أو اختلافا من أهوائهم.

و کان المهلب لا یتکل فی الحراسة علی أحد کان یتولی ذلک بنفسه و یستعین علیه بولده و بمن یحل محلهم فی الثقة عنده.

قال أبو حرملة العبدی یهجو المهلب و کان فی عسکره عدمتک یا مهلب من أمیر

فقال له المهلب ویحک و اللّه إنّی لاقیکم بنفسی و ولدی قال جعلنی اللّه فداء الأمیر فذاک الذی نکره منک ما کلنا یحب الموت قال ویحک و هل عنه من محیص قال لا و لکنا نکره التعجیل و أنت تقدم علیه إقداما قال المهلب ویلک أ ما سمعت قول الکلحبة الیربوعی فقلت لکأس ألجمیها فإنما نزلنا الکثیب من زُرُودٍ لنفزعا (3) .

ص :190

فقال بلی قد سمعت و لکن قولی أحبّ إلی منه و لما وقفتم غدوة و عدوکم

فقال المهلب بئس حشو الکتیبة أنت و اللّه یا أبا حرملة إن شئت أذنت لک فانصرفت إلی أهلک قال بل أقیم معک أیها الأمیر فوهب له المهلب و أعطاه فقال یمدحه یری حتما علیه أبو سعید

قال و کان المهلب یقول ما یسرنی أن فی عسکری ألف شجاع مکان بیهس بن صهیب فیقال له أیها الأمیر بیهس لیس بشجاع فیقول أجل و لکنه سدید الرأی محکم العقل و ذو الرأی حذر سئول فأنا آمن أن یغتفل و لو کان مکانه ألف شجاع لخلت أنهم ینشامون (1) حیث یحتاج إلیهم.

قال و مطرت السماء مطرا شدیدا و هم بسابور و بین المهلب و بین الشراة عقبة فقال المهلب من یکفینا أمر هذه العقبة اللیلة فلم یقم أحد فلبس المهلب سلاحه و قام إلی العقبة و اتبعه ابنه المغیرة فقال رجل من أصحابه دعانا الأمیر إلی ضبط العقبة و الحظ

4)

-المستطیلة من الرمل،محدودبة.و زرود:موضع.و الفزع:هنا الإغاثة و هو من الأضداد. و قبل هذا البیت: و نادی منادی الحیّ أن قد أتیتم و قد شربت ماء المزادة أجمعا و هما من قصیدة مفضلیة و فیها: أمرتکم أمری بمنعرج اللّوی و لا أمر للمعصیّ إلاّ مضیّعا إذا المرء لم یغش الکریهة أو شکت حبال الهوینی بالفتی أن تقطّعا.

ص :191

فی ذلک لنا فلم نطعه و لبس سلاحه و اتبعه جماعة من العسکر فصاروا إلیه فإذا المهلب و المغیرة و لا ثالث لهما فقالوا انصرف أیها الأمیر فنحن نکفیک إن شاء اللّه فلما أصبحوا إذا هم بالشراة (1) علی العقبة فخرج إلیهم غلام من أهل عمان علی فرس فجعل یحمل و فرسه تزلق و یلقاه مدرک فی جماعة معه حتّی ردوهم عن العقبة فلما کان یوم النحر و المهلب علی المنبر یخطب الناس إذ الشراة قد أکبوا (2) فقال المهلب سبحان اللّه أ فی مثل هذا الیوم یا مغیرة اکفنیهم فخرج إلیهم المغیرة و أمامه سعد بن نجد القردوسی (3) و کان سعد مقدما فی شجاعته و کان الحجاج (4) إذا ظنّ برجل أن نفسه قد أعجبته قال له لو کنت سعد بن نجد القردوسی ما عدا (5) فخرج أمام المغیرة و مع المغیرة جماعة من فرسان المهلب فالتقوا و أمام الخوارج غلام جامع السلاح مدید القامة کریه الوجه شدید الحملة صحیح الفروسیة فأقبل یحمل علی الناس و یرتجز فیقول نحن صبحناکم غداة النحر بالخیل أمثال الوشیج تجری (6) .

فخرج إلیه سعد بن نجد القردوسی من الأزد فتجاولا ساعة ثمّ طعنه سعد فقتله و التقی الناس فصرع المغیرة یومئذ فحامی علیه سعد بن نجد و دینار السجستانیّ (7) و جماعة من الفرسان حتّی رکب و انکشف الناس عند سقطة المغیرة حتی صاروا إلی المهلب فقالوا قتل المغیرة فأتاه دینار السجستانیّ فأخبره بسلامته فأعتق کل مملوک کان بحضرته.

ص :192

قال و وجه الحجاج الجراح بن عبد اللّه إلی المهلب یستبطئه فی مناجزة القوم و کتب إلیه أما بعد فإنک جبیت الخراج بالعلل (1) و تحصنت بالخنادق و طاولت القوم و أنت أعز ناصرا و أکثر عددا و ما أظن بک مع هذا معصیة و لا جبنا و لکنک اتخذتهم (2) أکلا و کان بقاؤهم أیسر علیک من قتالهم فناجزهم و إلاّ أنکرتنی و السلام.

فقال المهلب للجراح یا أبا عقبة و اللّه ما ترکت حیلة إلاّ احتلتها و لا مکیدة إلاّ أعملتها و ما العجب من إبطاء النصرة (3) و تراخی الظفر و لکن العجب أن یکون الرأی لمن یملکه دون من یبصره.

ثمّ ناهضهم ثلاثة أیّام یغادیهم القتال فلا یزالون کذلک إلی العصر و ینصرف أصحابه و بهم قرح و بالخوارج قرح و قتل فقال له الجراح قد أعذرت.

فکتب المهلب إلی الحجاج أتانی کتابک تستبطئنی فی لقاء القوم علی أنک لا تظن بی معصیة و لا جبنا و قد عاتبتنی معاتبة الجبان (4) و أوعدتنی وعید (5) العاصی فسل الجراح و السلام.

فقال الحجاج للجراح کیف رأیت أخاک قال و اللّه أیها الأمیر ما رأیت مثله قط و لا ظننت أن أحدا یبقی علی مثل ما هو علیه و لقد شهدت أصحابه أیاما ثلاثة یغدون إلی الحرب ثمّ ینصرفون عنها و هم یتطاعنون بالرماح و یتجالدون بالسیوف

ص :193

و یتخابطون بالعمد ثمّ یروحون کأنّ لم یصنعوا شیئا رواح قوم تلک عادتهم و تجارتهم.

فقال الحجاج لشد ما مدحته (1) أبا عقبة فقال الحق أولی.

و کانت رکب الناس (2) قدیما من الخشب فکان الرجل یضرب رکابه فینقطع فإذا أراد الضرب أو الطعن لم یکن له معتمد فأمر المهلب بضرب الرکب (3) من الحدید فهو أول من أمر بطبعها و فی ذلک یقول عمران بن عصام العنزی ضربوا الدراهم فی إمارتهم

قال و کتب الحجاج إلی عتاب بن ورقاء الریاحی من بنی ریاح بن یربوع و هو والی أصفهان یأمره بالمسیر إلی المهلب و أن یضم إلیه جند عبد الرحمن بن مخنف فکل بلد یدخلانه من فتوح أهل البصرة فالمهلب أمیر الجماعة فیه و أنت علی أهل الکوفة فإذا دخلتم بلدا فتحه أهل الکوفة (4) فأنت أمیر الجماعة و المهلب علی أهل البصرة .فقدم عتاب فی إحدی جمادیین من سنة ست و سبعین علی المهلب و هو بسابور و هی من فتوح أهل البصرة فکان المهلب أمیر الناس و عتاب علی أصحاب ابن مخنف و الخوارج بأیدیهم کرمان و هم بإزاء المهلب بفارس یحاربونه من جمیع النواحی.

ص :194

قال و وجه الحجاج إلی المهلب رجلین یستحثانه لمناجزة القوم أحدهما یقال له زیاد بن عبد الرحمن من بنی عامر بن صعصعة و الآخر من آل أبی عقیل من رهط الحجاج فضم المهلب زیادا إلی ابنه حبیب و ضم الثقفی إلی ابنه یزید و قال لهما خذا یزید و حبیبا بالمُنَاجَزَةِ و غادوا الخوارج فاقتتلوا أشدّ قتال فقتل زیاد بن عبد الرحمن العامری و فقد الثقفی ثم باکروهم فی الیوم الثانی و قد وجد الثقفی فدعا به المهلب و دعا بالغداء فجعل النبل یقع قریبا منهم و یتجاوزهم و الثقفی یعجب من أمر المهلب فقال الصلتان العبدی ألا یا أصبحانی قبل عوق العوائق (1)

فلم یزل عتاب بن ورقاء مع المهلب ثمانیة أشهر حتّی ظهر شبیب بن یزید فکتب الحجاج إلی عتاب یأمره بالمصیر إلیه لیوجهه إلی شبیب و کتب إلی المهلب یأمره أن یرزق الجند فرزق أهل البصرة و أبی أن یرزق أهل الکوفة فقال له عتاب ما أنا ببارح حتّی ترزق أهل الکوفة فأبی فجرت بینهما غلظة فقال له عتاب قد کان یبلغنی أنک شجاع فرأیتک جبانا و کان یبلغنی أنک جواد فرأیتک بخیلا فقال له المهلب یا ابن اللخناء فقال له عتاب لکنک معم مخول.

ص :195

فغضبت بکر بن وائل للمهلب للحلف و وثب نعیم بن هبیرة ابن أخی مصقلة بن هبیرة علی عتاب فشتمه و قد کان المهلب کارها للحلف فلما رأی نصرة بکر بن وائل له سره و اغتبط به فلم یزل یؤکده و غضبت تمیم البصرة لعتاب و غضبت أزد الکوفة للمهلب فلما رأی ذلک المغیرة مشی بین أبیه و بین عتاب و قال لعتاب یا أبا ورقاء إن الأمیر یصیر إلی کل ما تحب و سأل أباه أن یرزق أهل الکوفة ففعل فصلح الأمر فکانت تمیم قاطبة و عتاب بن ورقاء یحمدون المغیرة بن المهلب و کان عتاب یقول إنّی لأعرف فضله علی أبیه.

و قال رجل من الأزد من بنی أیاد بن سود ألا أبلغ أبا ورقاء عنا

قال و کان المهلب یقول لبنیه لا تبدءوا الخوارج بقتال حتّی یبدءوکم و یبغوا علیکم فإنهم إذا بغوا علیکم نُصِرْتُمْ علیهم.

فشخص عتاب إلی الحجاج فی سنة سبع و سبعین فوجهه إلی شبیب فقتله شبیب .و أقام المهلب علی حربهم فلما انقضی من مقامه ثمانیة عشر شهرا اختلفوا و افترقت کلمتهم و کان سبب اختلافهم أن رجلا حدادا من الأَزَارقة کان یعمل نصالا مسمومة فیرمی بها أصحاب المهلب فرفع ذلک إلی المهلب فقال أنا أکفیکموه إن شاء اللّه فوجه رجلا من أصحابه بکتاب و ألف درهم إلی عسکر قطری فقال له ألق هذا الکتاب فی العسکر و الدراهم و احذر علی نفسک و کان الحداد یقال له أبزی فمضی الرجل و کان فی الکتاب أما بعد فإن نصالک قد وصلت إلی و قد وجهت إلیک بألف درهم فاقبضها و زدنا من هذه النصال.

ص :196

فوقع الکتاب إلی قطری فدعا بأبزی فقال ما هذا الکتاب قال لا أدری قال فما هذه الدراهم قال لا أعلم فأمر به فقتل فجاءه عبد ربّه الصغیر مولی بنی قیس بن ثعلبة فقال له أ قتلت رجلا علی غیر ثقة (1) و لا تبین قال قطری فما حال هذه الألف قال یجوز أن یکون أمرها کذبا و یجوز أن یکون حقا فقال قطری إن قتل رجل فی صلاح الناس غیر منکر و للإمام أن یحکم بما رآه صلاحا و لیس للرعیة أن تعترض علیه فتنکر له عبد ربّه فی جماعة معه و لم یفارقوه.

و بلغ ذلک المهلب فدس إلیهم رجلا نصرانیا جعل له جعلا یرغب فی مثله و قال له إذا رأیت قَطَرُیّاً فاسجُد له فإذا نهاک فقل إنّما سجدت لک ففعل ذلک النصرانی فقال قَطَرِیُّ إنّما السُّجود لله تعالی فقال ما سجدت إلاّ لک فقال رجل من الخوارج إنّه قد عبدک من دون اللّه و تلا إِنَّکُمْ وَ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهٰا وٰارِدُونَ (2) فقال قطری إن النصاری قد عبدوا عیسی بن مریم فما ضر عیسی ذلک شیئا فقام رجل من الخوارج إلی النصرانی فقتله فأنکر قَطَرِیٌّ ذلک علیه و أنکر قوم من الخوارج إنکاره.

و بلغ المهلب ذلک فوجه إلیهم رجلا یسألهم فأتاهم الرجل فقال أ رأیتم رجلین خرجا مهاجرین إلیکم فمات أحدهما فی الطریق و بلغ الآخر إلیکم فامتحنتموه فلم یجز المحنة ما تقولون فیهما فقال بعضهم أما المیت فمؤمن من أهل الجنة و أمّا الذی لم یجز المحنة فکافر حتّی یجیز المحنة.

و قال قوم آخرون بل هما کافران حتّی یجیز المحنة فکثر الاختلاف.

و خرج قطری إلی حدود إصطخر فأقام شهرا و القوم فی اختلافهم ثمّ أقبل فقال

ص :197

لهم صالح بن مخراق یا قوم إنکم أقررتم عین عدوکم و أطمعتموه فیکم بما یظهر من خلافکم (1) فعودوا إلی سلامة القلوب و اجتماع الکلمة.

و خرج عمرو القنا و هو من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم فنادی یا أیها المحلون (2) هل لکم فی الطراد فقد طال عهدی به ثمّ قال أ لم تر أنا مذ ثلاثین لیلة جدیب و أعداء الکتاب علی خفض (3) .

فتهایج القوم و أسرع بعضهم إلی بعض و کانت الوقعة و أبلی یومئذ المغیرة بن المهلب و صار فی وسط الأزارقة فجعلت الرماح تحطه و ترفعه و اعتورت رأسه السیوف و علیه ساعد حدید فوضع یده علی رأسه فلم یعمل السیف فیه شیئا و استنقذه فرسان من الأزد بعد أن صرع و کان الذی صرعه عبیدة بن هلال بن یشکر بن بکر بن وائل و کان یقول یومئذ أنا ابن خیر قومه هلال شیخ علی دین أبی بلال و ذاک دینی آخر اللیالی.

فقال رجل للمغیرة کنا نعجب کیف تصرع و الآن نعجب کیف تنجو و قال المهلب لبنیه إن سرحکم (4) لغار و لست آمنهم علیه أ فوکلتم به أحدا قالوا لا فلم یستتم الکلام حتّی أتاه آت فقال إن صالح بن مخراق قد أغار علی السرح فشق علی المهلب و قال کل أمر لا أَلِیهِ بنفسی فهو ضائع و تذمر علیهم فقال له بشر بن المغیرة أرح نفسک فإن کنت إنّما ترید مثلک فو اللّه ما یعدل خیرنا شسع (5) نعلک

ص :198

فقال خذوا علیهم الطریق فبادر بشر بن المغیرة و مدرک و المفضل ابنا المهلب فسبق بشر إلی الطریق فإذا رجل أسود من الأزارقة یشل السرح (1) و هو یقول نحن قمعناکم بشل السرح و قد نکانا القرح بعد القرح (2) .

و لحقه المفضل و مدرک فصاحا برجل من طیئ اکفنا الأسود فاعتوره الطائی و بشر بن المغیرة فقتلاه و أسرا رجلا من الأزارقة من همدان و استردا السرح (3) .

قال و کان عیاش الکندی شجاعا بئیسا (4) فأبلی یومئذ فلما مات علی فراشه بعد ذلک قال المهلب لا وألت (5) نفس الجبان بعد عیاش و قال المهلب ما رأیت تالله کهؤلاء القوم کلما انتقص (6) منهم یزید فیهم.

و وجه الحجاج رجلین إلی المهلب یستحثانه بالقتال أحدهما من کلب و الآخر من سلیم فقال المهلب متمثلا بشعر لأوس بن حجر و مستعجب ممّا یری من أناتنا و لو زبنته الحرب لم یترمرم (7) .

فقال المهلب لیزید ابنه حرک القوم فحرکهم فتهایجوا و ذلک فی قریة من قری إصطخر فحمل رجل من الخوارج علی رجل من أصحاب المهلب و طعنه فشک فخذه بالسرج فقال المهلب للسلمی و الکلبی کیف یقاتل (8) قوم هذا طعنهم و حمل

ص :199

یزید علیهم و قد جاء الرقاد و هو من فرسان المهلب و هو أحد بنی مالک بن ربیعة علی فرس له أدهم و به نیف و عشرون جراحة و قد وضع علیها القطن فلما حمل یزید ولی الجمع و حماهم فارسان منهم فقال یزید لقیس الخشنی مولی العتیک من لهذین قال أنا فحمل علیهما فعطف علیه أحدهما فطعنه قیس فصرعه و حمل علیه الآخر فتعانقا فسقطا جمیعا إلی الأرض فصاح قیس الخشنی اقتلونا جمیعا فحملت خیل هؤلاء و خیل هؤلاء فحجزوا بینهما فإذا معانق قیس امرأة فقام قیس مستحییا فقال له یزید یا أبا بشر أما أنت فبارزتها علی أنّها رجل فقال أ رأیت لو قتلت أ ما کان یقال قتلته امرأة و أبلی یومئذ ابن المنجب السدوسی فقال غلام له یقال له خَلاَّج و اللّه لوَدِدْنا أنا فَضَضْنَا عسکرهم حتّی نصیر إلی مستقرهم فاستلب ممّا هناک جاریتین فقال له مولاه ابن المنجب و کیف تمنیت ویحک اثنتین فقال لأعطیک إحداهما و آخذ الأخری فقال ابن المنجب أ خلاج إنک لن تعانق طفلة

ص :200

أو أن یعلمک المهلب غزوه

و تری جبالا قد دنت لجبال.

قال و کان بدر بن الهذیل من أصحاب المهلب شجاعا و کان لحانة کان إذا أحس بالخوارج ینادی یا خیل اللّه ارکبی و إلیه یشیر القائل و إذا طلبت إلی المهلب حاجة

قال و کان بشر بن المغیرة بن أبی صفرة أبلی یومئذ بلاء حسنا عرف مکانه فیه و کانت بینه و بین المهلب جفوة فقال لبنیه یا بنی عم إنّی قد قصرت عن شکاة العاتب (1) و جاوزت شکاة المستعتب (2) حتّی کأنّی لا موصول و لا محروم فاجعلوا لی فرجة أعیش بها و هبونی امرأ رجوتم نصره أو خفتم لسانه فرجعوا له و وصلوه و کلموا فیه المهلب فوصله.

و ولی الحجاج کردما فارس و وجهه إلیها و الحرب قائمة فقال رجل من أصحاب المهلب و لو رآها کردم لکردما کردمة العیر أحس الضیغما (3) .

فکتب المهلب إلی الحجاج یسأله أن یتجافی له عن إصطخر و دارابجرد لأرزاق الجند ففعل و قد کان قطری هدم مدینة إصطخر لأن أهلها کانوا یکاتبون المهلب بأخباره و أراد مثل ذلک بمدینة فسا فاشتراها منه آزاذ مرد بن الهربذ بمائة ألف درهم

ص :201

فلم یهدمها فواقعه وجه المهلب فهزمه فنفاه إلی کرمان و اتبعه المغیرة ابنه و قد کان دفع إلیه سیفا وجه به الحجاج إلی المهلب و أقسم علیه أن یتقلده فدفعه إلی المغیرة بعد ما تقلده فرجع به المغیرة إلیه و قد دماه فسر المهلب و قال ما یسرنی أن یکون کنت دفعته إلی غیرک من ولدی و قال له اکفنی جبایة خراج هاتین الکورتین و ضم إلیه الرقاد فجعلا یجبیان و لا یعطیان الجند شیئا ففی ذلک یقول رجل من بنی تمیم فی کلمة له و لو علم ابن یوسف ما نلاقی

أی وقع فیها السوس (1) .

قال ثمّ حاربهم المهلب بالسیرجان (2) حتی نفاهم عنها إلی جیرفت (3) و اتبعهم و نزل قریبا منهم.

ثمّ اختلفت کلمة الخوارج و کان سبب ذلک أن عبیدة بن هلال اتهم بامرأة رجل نجار رأوه یدخل مرارا إلیها بغیر إذن فأتی قطریا فذکروا ذلک له فقال لهم إن عبیدة من الدین بحیث علمتم و من الجهاد بحیث رأیتم فقالوا إنا لا نقار علی الفاحشة فقال

ص :202

انصرفوا ثمّ بعث إلی عبیدة فأخبره و قال له أنا لا أقار علی الفاحشة فقال بهتونی (1) یا أمیر المؤمنین فما تری قال إنّی جامع بینک و بینهم فلا تخضع خضوع المذنب و لا تتطاول تطاول البریء فجمع بینهم فتکلموا فقام عبیدة فقال بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ إِنَّ الَّذِینَ جٰاؤُ بِالْإِفْکِ عُصْبَةٌ مِنْکُمْ ...حتی تلا الآیات (2) فبکوا و قاموا إلیه فاعتنقوه و قالوا استغفر لنا ففعل فقال عبد ربّه الصغیر مولی بنی قیس بن ثعلبة و اللّه لقد خدعکم فتابع عبد ربّه منهم ناس کثیر و لم یظهروا و لم یجدوا علی عبیدة فی إقامة الحدّ ثبتا (3) .

و کان قطری قد استعمل رجلا من الدهاقین فظهرت له أموال کثیرة فأتوا قطریا فقالوا إن عمر بن الخطّاب لم یکن یقار عماله علی مثل هذا فقال قطری إنی استعملته و له ضیاع و تجارات فأوغر ذلک صدورهم و بلغ المهلب ذلک فقال اختلافهم أشدّ علیهم منی ثمّ قالوا لقطری أ لا تخرج بنا إلی عدونا فقال لا ثمّ خرج فقالوا قد کذب و ارتد فاتبعوه یوما فأحس بالشر و دخل دارا مع جماعة من أصحابه فاجتمعوا علیه و صاحوا اخرج إلینا یا دابة فخرج إلیهم فقال أ رجعتم بعدی کفّارا قالوا أ و لست دابة قال اللّه تعالی وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ إِلاّٰ عَلَی اللّٰهِ رِزْقُهٰا (4) و لکنک قد کفرت بقولک أنا قد رجعنا کفّارا فتب إلی اللّه فشاور عبیدة فی ذلک فقال له إن تبت لم یقبلوا منک فقل إنّی استفهمت فقلت أ رجعتم بعدی کفّارا فقال لهم ذلک فقبلوا منه فرجع إلی منزله

ص :203

مدینة جیرفت بإزائهم فقال له عبیدة بن هلال یا أمیر المؤمنین إن أقمت لم آمن هذه العبید علیک إلاّ أن تخندق علی نفسک فخندق علی باب المدینة و جعل یناوشهم و ارتحل المهلب و کان منهم علی لیلة و رسول الحجاج معه یستحثه فقال له أصلح اللّه الأمیر عاجلهم قبل أن یصطلحوا فقال المهلب إنهم لن یصطلحوا و لکن دعهم فإنهم سیصیرون إلی حال لا یفلحون معها ثمّ دس رجلا من أصحابه فقال ائت عسکر قطری فقل إنّی لم أزل أری قطریا یصیب الرأی حتّی نزل منزله هذا فظهر خطؤه أ یقیم بین المهلب و عبد ربّه یغادیه القتال هذا و یراوحه هذا فنمی الکلام إلی قطری فقال صدق تنحوا بنا عن هذا الموضع فإن اتبعنا المهلب قاتلناه و إن أقام علی عبد ربّه رأیتم فیه ما تحبون.

فقال له الصلت بن مرة یا أمیر المؤمنین إن کنت إنّما ترید اللّه فأقدم علی القوم و إن کنت إنّما ترید الدنیا فأعلم أصحابک حتّی یستأمنوا ثمّ قال قل للمحلین قد قرت عیونکم

ثمّ قال أصبح المهلب یرجو منا ما کنا نطمع منه فیه.

و ارتحل قطری و بلغ ذلک المهلب فقال لهزیم بن أبی طحمة المجاشعی إنی لا آمن أن یکون کاذبا بترک موضعه اذهب فتعرف الخبر فمضی الهزیم فی اثنی عشر فارسا فلم یر فی المعسکر إلاّ عبدا و علجا مریضین فسألهما عن قطری و أصحابه فقالا

ص :205

مضوا یرتادون غیر هذا المنزل فرجع هزیم إلی المهلب فأخبره فارتحل حتّی نزل خندق قطری فجعل یقاتل عبد ربّه أحیانا بالغداة و أحیانا بالعشی فقال رجل من سدوس یقال له المعتق و کان فارسا لیت الحرائر بالعراق شهدننا

و وجه المهلب یزید ابنه إلی الحجاج یخبره بأنّه قد نزل منزل قطری و أنّه مقیم علی عبد ربّه و یسأله أن یوجه فی أثر قطری رجلا جلدا فسر بذلک الحجاج سرورا أظهره ثمّ کتب إلی المهلب یستحثه لمناجزة القوم مع عبید بن موهب .أما بعد فإنک تتراخی عن الحرب حتّی تأتیک رسلی فیرجعون بعذرک و ذلک أنک تمسک حتّی تبرأ الجراح و تنسی القتلی و تحمل الکال (1) ثمّ تلقاهم فتحمل منهم ثقل ما یحتملون منک من وحشة القتل و ألم الجراح و لو کنت تلقاهم بذلک الجد لکان الداء قد حسم و القرن (2) قد قصم و لعمری ما أنت و القوم سواء لأن من ورائک رجالا و أمامک أموالا و لیس للقوم إلاّ ما نعهد و لا یدرک الوجیف (3) بالدبیب و لا الظفر بالتعذیر.

فلما ورد علیه الکتاب قال لأصحابه یا قوم إن اللّه قد أراحکم من أمور أربعة قطری بن الفجاءة و صالح بن مخراق و عبیدة بن هلال و سعد بن الطلائع و إنّما بین أیدیکم عبد ربّه الصغیر فی خشار من خشار (4) الشیطان تقتلونهم إن شاء اللّه تعالی.

ص :206

فکانوا یتغادون القتال و یتراوحون فتصیبهم الجراح ثمّ یتحاجزون فکأنّما انصرفوا عن مجلس کانوا یتحدثون فیه یضحک بعضهم إلی بعض فقال عبید بن موهب للمهلب قد بان عذرک فاکتب فإنی مخبر الأمیر.

فکتب إلی الحجاج أما بعد فإنی لم أعط رسلک علی قول الحق أجرا و لم أحتج منهم عن المشاهدة إلی تلقین ذکرت إنّی أجم القوم و لا بدّ من وقت راحة یستریح فیه الغالب و یحتال فیه المغلوب و ذکرت أن فی الجمام ما ینسی القتلی و تبرأ [منه]

(1) الجراح هیهات أن ینسی ما بیننا و بینهم تأبی ذلک قتلی لم تجن (2) و قروح لم تتقرب (3) و نحن و القوم علی حالة و هم یرقبون منا حالات إن طمعوا حاربوا و إن ملوا وقفوا و إن یئسوا انصرفوا و علینا أن نقاتلهم إذا قاتلوا و نتحرز إذا وقفوا و نطلب إذا هربوا فإن ترکتنی و الرأی کان القرن مقصوما و الداء بإذن اللّه محسوما و إن أعجلتنی لم أطعک و لم أعصک و جعلت وجهی إلی بابک و أعوذ بالله من سخط اللّه و مقت الناس.

قال و لما اشتد الحصار علی عبد ربّه قال لأصحابه لا تفتقروا إلی من ذهب عنکم من الرجال فإن المسلم لا یفتقر مع الإسلام إلی غیره و المسلم إذا صح توحیده عزّ بربه و قد أراحکم اللّه من غلظة قطری و عجلة صالح بن مخراق و نخوته و اختلاط عبیدة بن هلال و وکلکم إلی بصائرکم فالقوا عدوکم بصبر و نیة و انتقلوا عن منزلکم هذا فمن قتل منکم قتل شهیدا و من سلم من القتل فهو المحروم.

ص :207

قال و ورد فی ذلک الوقت علی المهلب عبید بن أبی ربیعة بن أبی الصلت الثقفی من عند الحجاج یستحثه بالقتال و معه أمینان فقال للمهلب خالفت وصیة الأمیر و آثرت المدافعة و المطاولة فقال له المهلب و اللّه ما ترکت جهدا.

فلما کان العشی خرجت الأزارقة و قد حملوا حریمهم و أموالهم و خف (1) متاعهم لینتقلوا فقال المهلب لأصحابه الزموا مصافکم و أشرعوا (2) رماحکم و دعوهم و الذهاب فقال له عبیدة بن أبی ربیعة هذا لعمری أیسر علیک فغضب و قال للناس ردوهم عن وجههم و قال لبنیه تفرقوا فی الناس و قال لعبیدة بن أبی ربیعة کن مع [یزید فخذه بالمحاربة أشدّ الأخذ و قال لأحد الأمینین کن مع]

(3) المغیرة و لا ترخص له فی الفتور.

فاقتتلوا قتالا شدیدا حتّی عقرت الخیل (4) و صرع الفرسان و قتلت الرجالة (5) و جعلت الخوارج تقاتل عن القدح (6) یؤخذ منها و السوط و العلف و الحشیش (7) أشدّ قتال.

و سقط رمح لرجل من مراد من الخوارج فقاتلوا علیه حتّی کثر الجراح و القتل و ذلک مع المغرب و المرادی یرتجز و یقول اللیل لیل فیه ویل ویل قد سال بالقوم الشراة السیل إن جاز للأعداء فینا قول.

ص :208

فلما عظم الخَطْبُ فی ذلک (1) الرمح بعث المهلب إلی المغیرة خل لهم عن الرمح علیهم لعنة اللّه فخلوا لهم عنه و مضت الخوارج فنزلت علی أربعة فراسخ من جیرفت فدخلها المهلب و أمر بجمع ما کان لهم من متاع و ما خلفوه من دقیق و جثم علیه و هو و الثقفی و الأمینان ثمّ اتبعهم فوجدهم قد نزلوا علی ماء و عین لا یشرب منها أحد إلاّ قوی (2) یأتی الرجل بالدلو قد شدها فی طرف رمحه فیستقی بها و هناک قریة فیها أهلها فغاداهم القتال و ضم الثقفی إلی ابنه یزید و أحد الأمینین إلی المغیرة فاقتتل القوم إلی نصف النهار.

و قال المهلب لأبی علقمة العبدی و کان شجاعا و کان عاتیا هازلا أمددنا یا أبا علقمة بخیل الیحمد و قل لهم فلیعیرونا جماجمهم ساعة فقال أیها الأمیر إن جماجمهم لیست بفخار فتعار و لا أعناقهم کرادی (3) فتنبت.

و قال لحبیب بن أوس کر علی القوم فلم یفعل و قال یقول لی الأمیر بغیر علم

و قال لمعن بن المغیرة بن أبی صفرة احمل فقال لا إلاّ أن تزوجنی ابنتک أم مالک فقال قد زوجتک فحمل علی الخوارج فکشفهم و طعن فیهم و قال لیت من یشتری الحیاة بمال ملکة کان عندنا فیرانا (4)

ص :209

نصل الکر عند ذاک بطعن

إن للموت عندنا ألوانا.

قوله ملکة أی تزویجا و نکاحا.

قال ثمّ جال الناس جولة عند حملة حملها علیهم الخوارج فالتفت المهلب فقال للمغیرة ابنه ما فعل الأمین الذی کان معک قال قتل و هرب الثقفی فقال لیزید ما فعل عبید بن أبی ربیعة قال لم أره منذ کانت الجولة فقال الأمین الآخر للمغیرة أنت قتلت صاحبی فلما کان العشی رجع الثقفی فقال رجل من بنی عامر بن صعصعة ما زلت یا ثقفی تخطب بیننا

فقال المهلب للأمین الآخر ینبغی أن تتوجه مع ابنی حبیب فی ألف رجل حتّی تبیتوا عسکرهم فقال ما ترید أیها الأمیر إلاّ أن تقتلنی کما فعلت بصاحبی فضحک المهلب و قال ذاک إلیک و لم یکن للقوم خنادق فکان کل حذرا من صاحبه غیر أن الطعام و العدة مع المهلب و هو فی زهاء ثلاثین ألفا فلما أصبح أشرف علی واد فإذا هو برجل معه رمح مکسور مخضوب بالدم و هو ینشد و إنّی لأعفی ذا الخمار و صنعتی إذا راح أطواء بنی الأصاغر (1)

ص :210

أخادعهم عنه لیغبق دونهم

فقال له أ تمیمی أنت قال نعم قال أ حنظلی قال نعم قال أ یربوعی قال نعم قال أ من آل نویرة قال نعم أنا ولد مالک بن نویرة قال قد عرفتک بالشعر.

قال أبو العبّاس و ذو الخمار فرس مالک بن نویرة .قال فمکثوا أیاما یتحاربون (1) و دوابهم مسرجة و لا خنادق لهم حتّی ضعف الفریقان فلما کان اللیلة التی قتل فی صبیحتها عبد ربّه جمع أصحابه فقال یا معشر المهاجرین إن قطریا و عبیدة هربا طلبا للبقاء و لا سبیل إلی البقاء فالقوا عدوکم غدا فإن غلبوکم علی الحیاة فلا یغلبنکم علی الموت فتلقوا الرماح بنحورکم و السیوف بوجوهکم و هبوا أنفسکم لله فی الدنیا یهبها لکم فی الآخرة.

فلما أصبحوا غادوا المهلب فاقتتلوا قتالا شدیدا أنسی ما کان قبله و قال رجل من الأزد من أصحاب المهلب من یبایعنی علی الموت فبایعه أربعون رجلا من الأزد فصرع بعضهم و قتل بعضهم و جرح بعضهم.

2)

-و قوله:«أطواء؛یقال:رجل طوی البطن؛أی منطو؛یخبر أنّه کان یؤثر فرسه علی ولده فیشبعه و هم جیاع؛و ذلک قوله: *أخادعهم عنه لیغبق دونهم* و الغبوق:شرب آخر النهار؛و هو شیء تفتخر به العرب»،و اللهنة:الطعام الذی یتعلل به قبل الغداء؛و فی الکامل: جزانی دِوَائی ذو الخمار و صنعتی إذا بات أطواء بنیّ الأصاغر قال المرصفی:دوائی،بالکسر:مصدر دوی الفرس مداواة:سقاه اللبن،و صنعته الفرس:حسن القیام علیه.

ص :211

و قال عبد اللّه بن رزام الحارثی للمهلب احملوا فقال المهلب أعرابی مجنون و کان من أهل نجران فحمل وحده فاخترق القوم حتّی خرج من ناحیة [أخری]

(1) ثمّ کر ثانیة ففعل فعلته الأولی و تهایج الناس فترجلت الخوارج و عقروا دوابهم فناداهم عمرو القنا و لم یترجل هو و لا أصحابه (2) و هم زهاء أربعمائة فقال موتوا علی ظهور دوابکم کراما و لا تعقروها فقالوا إنا إذا کنا علی الدوابّ ذکرنا الفرار [فاقتتلوا]

(3) و نادی المهلب بأصحابه الأرض الأرض و قال لبنیه تفرقوا فی الناس لیروا وجوهکم و نادت الخوارج ألا إن العیال لمن غلب فصبر بنو المهلب (4) و قاتل یزید بین یدی أبیه قتالا شدیدا (5) أبلی فیه فقال له أبوه یا بنی إنّی أری موطنا لا ینجو فیه إلاّ من صبر و ما مر بی یوم مثل هذا منذ مارست الحروب.

و کسرت الخوارج أجفان سیوفها و تجاولوا فأجلت جولتهم عن عبد ربّه مقتولا.

فهرب عمرو القنا و أصحابه و استأمن قوم و أجلت الحرب عن أربعة آلاف قتیل و جریح من الخوارج و مأسور و أمر المهلب أن یدفع کل جریح إلی عشیرته و ظفر بعسکرهم فحوی ما فیه ثمّ انصرف إلی جیرفت فقال الحمد لله الذی ردنا إلی الخفض و الدعة فما کان عیشنا ذلک العیش (6) .

ثمّ نظر المهلب إلی قوم فی عسکره و لم یعرفهم فقال ما أشدّ عادة السلاح (7) ناولنی درعی فلبسها ثمّ قال خذوا هؤلاء فلما صیرهم إلیه قال ما أنتم قالوا جئنا لنطلب غرتک للفتک (8) بک فأمر بهم فقتلوا

ص :212

و جوادهم و سخیهم قبیصة و لا یستحی الشجاع أن یفر من مدرک و عبد الملک سم ناقع و حبیب موت ذعاف و محمد لیث غاب و کفاک بالفضل نجدة فقال له فکیف خلفت جماعة الناس قال خلفتهم بخیر قد أدرکوا ما أملوا و أمنوا ما خافوا قال فکیف کان بنو المهلب فیهم قال کانوا حماة السرح فإذا ألیلوا ففرسان البیات قال فأیهم کان أنجد قال کانوا کالحلقة المفرغة لا یدری [أین]

(1) طرفاها قال فکیف کنتم أنتم و عدوکم قال کنا إذا أخذنا عفونا و إذا أخذوا یئسنا منهم و إذا اجتهدنا و اجتهدوا طمعنا فیهم قال الحجاج إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ فکیف أفلتکم قطری قال (2) کدناه و ظنّ أن قد کادنا بأن صرنا منه إلی التی نحب (3) قال فهلا اتبعتموه قال کان حرب الحاضر آثر عندنا من اتباع الفل (4) قال فکیف کان المهلب لکم و کنتم له قال کان لنا منه شفقة الوالد و له منا بر الولد قال فکیف کان اغتباط الناس به قال نشأ (5) فیهم الأمن و شملهم النفل (6) قال أ کنت أعددت [لی]

(7) هذا الجواب قال لا یعلم الغیب إلاّ اللّه قال هکذا و اللّه تکون الرجال المهلب کان أعلم بذلک حیث بعثک.

هذه روایة أبی العبّاس (8) .

906

وَ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ فِی اَلْأَغَانِی (9) أَنَّ کَعْباً لَمَّا أوفده اَلْمُهَلَّبِ إِلَی اَلْحَجَّاجِ أَنْشَدَهُ قَصِیدَتَهُ الَّتِی أَوَّلُهَا

ص :214

یَا حَفْصُ إِنِّی عَدَانِی عَنْکُمُ السَّفَرُ

وَ قَدْ سَهِرْتُ وَ آذَی عَیْنِی السَّهَرُ (1) .

یَذْکُرُ فِیهَا حُرُوبَ اَلْمُهَلَّبِ مَعَ اَلْخَوَارِجِ وَ یَصِفُ وَقَائِعَهُ فِیهِمْ فِی بَلَدٍ وَ هِیَ طَوِیلَةٌ وَ مِنْ جُمْلَتِهَا (2) کُنَّا نَهُونُ قَبْلَ الْیَوْمِ شَأْنَهُمْ

فَضَحِکَ اَلْحَجَّاجُ وَ قَالَ إِنَّکَ لَمُنْصِفٌ یَا کَعْبُ ثُمَّ قَالَ لَهُ کَیْفَ کَانَتْ حَالُکُمْ مَعَ عَدُوِّکُمْ قَالَ کُنَّا إِذَا لَقِینَاهُمْ بِعَفْوِنَا وَ عَفْوِهِمْ یَئِسْنَا (3) مِنْهُمْ وَ إِذَا لَقِینَاهُمْ بِجِدِّنَا وَ جِدِّهِمْ (4) طَمِعْنَا فِیهِمْ قَالَ فَکَیْفَ کَانَ بَنُو اَلْمُهَلَّبِ قَالَ حُمَاةُ الْحَرِیمِ نَهَاراً وَ فُرْسَانُ اللَّیْلِ تَیَقُّظاً (5) قَالَ فَأَیْنَ السَّمَاعُ مِنَ الْعِیَانِ قَالَ السَّمَاعُ دُونَ الْعِیَانِ قَالَ

ص :215

صِفْهُمْ لِی رَجُلاً رَجُلاً قَالَ اَلْمُغِیرَةُ فَارِسُهُمْ وَ سَیِّدُهُمْ نَارٌ ذَاکِیَةٌ وَ صَعْدَةٌ (1) عَالِیَةٌ وَ کَفَی بِیَزِیدَ فَارِساً شُجَاعاً لَیْثَ غَابٍ وَ بَحْرٌ جَمُّ الْعُبَابِ وَ جَوَادُهُمْ قَبِیصَةُ لَیْثُ الْمَغَارِ وَ حَامِی الذِّمَارِ وَ لاَ یَسْتَحِی الشُّجَاعُ أَنْ یَفِرَّ مِنْ مُدْرِکٍ وَ کَیْفَ لاَ یَفِرُّ مِنْ مُدْرِکٍ وَ کَیْفَ لاَ یَفِرُّ مِنَ الْمَوْتِ الْحَاضِرِ وَ الْأَسَدِ الْخَادِرِ (2) وَ عَبْدُ الْمَلِکِ سَمٌّ نَاقِعٌ وَ سَیْفٌ قَاطِعٌ وَ حَبِیبُ الْمَوْتِ الذُّعَافِ (3) طَوْدٌ شَامِخٌ وَ بَحْرٌ بَاذِحٌ (4) وَ أَبُو عُیَیْنَةَ الْبَطَلُ الْهُمَامُ وَ السَّیْفُ الْحُسَامُ وَ کَفَاکَ بِالْمُفَضَّلِ نَجْدَةً لَیْثٌ هَدَّارٌ وَ بَحْرٌ مَوَّازٌ (5) وَ مُحَمَّدٌ لَیْثُ غَابٍ وَ حُسَامُ ضِرَابٍ قَالَ فَأَیُّهُمْ أَفْضَلُ قَالَ هُمْ کَالْحَلْقَةِ الْمُفْرَغَةِ لاَ یُعْرَفُ طَرَفَاهَا (6) قَالَ فَکَیْفَ جَمَاعَةُ النَّاسِ قَالَ عَلَی أَحْسَنِ حَالٍ أَرْضَاهُمْ الْعَدْلُ وَ أَغْنَاهُمْ النَّفَلُ قَالَ فَکَیْفَ رِضَاهُمْ بِالْمُهَلَّبِ قَالَ أَحْسَنُ رِضًا لاَ یَعْدَمُونَ (7) مِنْهُ إِشْفَاقَ الْوَالِدِ وَ لاَ یَعْدَمُ مِنْهُمْ بِرَّ الْوَلَدِ (8) وَ ذَکَرَ تَمَامَ الْحَدِیثِ.

وَ قَالَ إِنَّ اَلْحَجَّاجَ أَمَرَ لَهُ بِعِشْرِینَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَ حَمَلَهُ عَلَی فَرَسٍ وَ أَوْفَدَهُ عَلَی عَبْدِ الْمَلِکِ فَأَمَرَ لَهُ بِعِشْرِینَ أَلْفاً أُخْرَی.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ کَعْبُ (9) الْأَشْقَرِیُّ مِنْ شُعَرَاءِ اَلْمُهَلَّبِ وَ مَادِحِیهِ وَ هُوَ شَاعِرُ مُجِیدٌ قَالَ عَبْدُ الْمَلِکِ بْنُ مَرْوَانَ لِلشُّعَرَاءِ (10) تُشَبِّهُونَنِی مَرَّةً بِالْأَسَدِ وَ مَرَّةً بِالْبَازِیِّ أَ لاَ قُلْتُمْ کَمَا قَالَ کَعْبٌ الْأَشْقَرِیُّ لِلْمُهَلَّبِ وَ وُلْدِهِ بَرَاکَ اللَّهُ حِینَ بَرَاکَ بَحْراً وَ فَجَّرَ مِنْکَ أَنْهَاراً غِزَاراً

ص :216

بَنُوکَ السَّابِقُونَ إِلَی الْمَعَالِی

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ هَذَا الشِّعْرُ مِنْ قَصِیدَةٍ لِکَعْبٍ یَمْدَحُ بِهَا اَلْمُهَلَّبَ وَ یَذْکُرُ اَلْخَوَارِجَ (1) وَ مِنْهَا سَلُوا أَهْلَ الْأَبَاطِحِ مِنْ قُرَیْشٍ عَنِ الْمَجْدِ الْمُؤَثَّلِ أَیْنَ صَارَا (2)

ص :217

لِقَوْمِ اَلْأَزْدِ فِی الْغَمَرَاتِ أَمْضَی

ص :218

إِذَا وَهَنُوا وَ حَلَّ بِهِمْ عَظِیمٌ

الْأَبْیَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ حَدَّثَنِی (1) مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ وَکِیعٍ بِإِسْنَادٍ ذَکَرَهُ أَنَّ اَلْحَجَّاجَ لَمَّا کَتَبَ إِلَی اَلْمُهَلَّبِ یَأْمُرُهُ بِمُنَاجَزَةِ اَلْخَوَارِجِ حِینَئِذٍ وَ یَسْتَبْطِئُهُ وَ یُضْعِفُهُ وَ یُعْجِزُهُ مِنْ تَأْخِیرِهِ أَمْرَهُمْ وَ مُطَاوَلَتِهِ لَهُمْ قَالَ اَلْمُهَلَّبُ لِرَسُولِهِ قُلْ لَهُ إِنَّمَا الْبَلاَءُ أَنْ یَکُونَ الْأَمْرُ لِمَنْ یَمْلِکُهُ لاَ لِمَنْ یَعْرِفُهُ فَإِنْ کُنْتَ نَصَبْتَنِی لِحَرْبِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ عَلَی أَنْ أُدَبِّرَهَا کَمَا أَرَی فَإِذَا أَمْکَنْتَنِی فُرْصَةً انْتَهَزْتُهَا وَ إِنْ لَمْ تُمْکِنِّی تَوَقَّفْتُ فَأَنَا أُدَبِّرُ ذَلِکَ بِمَا یُصْلِحُهُ وَ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ أَعْمَلَ بِرَأْیِکَ وَ أَنَا حَاضِرٌ وَ أَنْتَ غَائِبٌ فَإِنْ کَانَ صَوَاباً فَلَکَ وَ إِنْ کَانَ خَطَأً فَعَلَیَّ فَابْعَثْ مَنْ رَأَیْتَ مَکَانِی وَ کَتَبَ مِنْ فَوْرِهِ بِذَلِکَ إِلَی عَبْدِ الْمَلِکِ فَکَتَبَ عَبْدُ الْمَلِکِ إِلَی اَلْحَجَّاجِ لاَ تُعَارِضِ اَلْمُهَلَّبَ فِیمَا یَرَاهُ وَ لاَ تُعَجِّلْهُ وَ دَعْهُ یُدَبِّرْ أَمْرَهُ.

قَالَ وَ قَامَ کَعْبٌ الْأَشْقَرِیُّ إِلَی اَلْمُهَلَّبِ فَأَنْشَدَهُ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اَلْحَجَّاجِ إِنَّ اِبْنَ یُوسُفَ غَرَّهُ مِنْ أَمْرِکُمْ

ص :219

مِنْ کُلِّ صِنْدِیدٍ یُرَی بِلُبَانِهِ

فَبَلَغَتْ أَبْیَاتُهُ اَلْحَجَّاجَ فَکَتَبَ إِلَی اَلْمُهَلَّبِ یَأْمُرُهُ بِإِشْخَاصِ کَعْبٍ الْأَشْقَرِیِّ إِلَیْهِ فَأَعْلَمَ [الْمُهَلَّبُ]

(1) کَعْباً بِذَلِکَ وَ أَوْفَدَهُ إِلَی عَبْدِ الْمَلِکِ مِنْ لَیْلَتِهِ وَ کَتَبَ إِلَیْهِ یَسْتَوْهِبُهُ مِنْهُ فَقَدِمَ کَعْبٌ عَلَی عَبْدِ الْمَلِکِ بِرِسَالَةِ اَلْمُهَلَّبِ فَاسْتَنْطَقَهُ فَأَعْجَبَهُ وَ أَوْفَدَهُ إِلَی اَلْحَجَّاجِ وَ کَتَبَ إِلَیْهِ یُقْسِمُ عَلَیْهِ أَنْ یَصْفَحَ وَ یَعْفُوَ عَمَّا بَلَغَهُ مِنْ شِعْرِهِ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ إِیهٍ یَا کَعْبُ لَرَأْیُ مُعَاوَدَةِ الرِّبَاعِ غَنِیمَةٌ.

فَقَالَ أَیُّهَا الْأَمِیرُ وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ فِی بَعْضِ مَا شَاهَدْتُهُ مِنْ تِلْکَ الْحُرُوبِ وَ مَا أَوْرَدَنَاهُ اَلْمُهَلَّبُ (2) مِنْ خَطَرِهَا أَنْ أَنْجُوَ مِنْهَا وَ أَکُونَ حَجَّاماً أَوْ حَائِکاً قَالَ أَوْلَی لَکَ لَوْ لاَ قَسَمُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ مَا نَفَعَکَ مَا تَقُولُ الْحَقْ بِصَاحِبِکَ وَ رَدَّهُ إِلَی اَلْمُهَلَّبِ (3) .

907

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ کَانَ (4) کِتَابُ اَلْمُهَلَّبِ إِلَی اَلْحَجَّاجِ الَّذِی بَشَّرَهُ فِیهِ بِالظَّفَرِ وَ النَّصْرِ [بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ]

(5) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْکَافِی بِالْإِسْلاَمِ فَقْدَ مَا سِوَاهُ الْحَاکِمِ بِأَلاَّ یَنْقَطِعَ الْمَزِیدُ مِنْ فَضْلِهِ حَتَّی یَنْقَطِعَ الشُّکْرُ مِنْ عِبَادِهِ أَمَّا بَعْدُ

ص :220

فَقَدْ کَانَ مِنْ أَمْرِنَا مَا قَدْ بَلَغَکَ وَ کُنَّا نَحْنُ وَ عَدُوُّنَا عَلَی حَالَیْنِ مُخْتَلِفَیْنِ یَسُرُّنَا مِنْهُمْ أَکْثَرَ مِمَّا یَسُوءُنَا وَ یَسُوءُهُمْ مِنَّا أَکْثَرُ مِمَّا یَسُرُّهُمْ عَلَی اشْتِدَادِ شَوْکَتِهِمْ فَقَدْ کَانَ عَلاَ أَمْرُهُمْ حَتَّی ارْتَاعَتْ لَهُ الْفَتَاةُ وَ نُوِّمَ بِهِ الرَّضِیعُ فَانْتَهَزْتُ الْفُرْصَةَ مِنْهُمْ فِی وَقْتِ إِمْکَانِهَا وَ أَدْنَیْتُ السَّوَادَ مِنَ (1) السَّوَادِ حَتَّی تَعَارَفَتِ الْوُجُوهُ فَلَمْ نَزَلْ کَذَلِکَ حَتَّی بَلَغَ الْکِتَابُ أَجَلَهُ فَقُطِعَ دٰابِرُ الْقَوْمِ الَّذِینَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ .

فَکَتَبَ إِلَیْهِ اَلْحَجَّاجُ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ بِالْمُسْلِمِینَ خَیْراً وَ أَرَاحَهُمْ مِنْ بَأْسِ الْجِلاَدِ وَ ثِقْلِ الْجِهَادِ وَ لَقَدْ کُنْتُ أَعْلَمُ بِمَا قِبَلَکَ فَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ فَإِذَا وَرَدَ عَلَیْکَ کِتَابِی فَاقْسِمْ فِی الْمُجَاهِدِینَ فَیْئَهُمْ وَ نَفِّلِ (2) النَّاسَ عَلَی قَدْرِ بَلاَئِهِمْ وَ فَضِّلْ مَنْ رَأَیْتَ تَفْضِیلَهُ وَ إِنْ کَانَتْ بَقِیَتْ مِنَ الْقَوْمِ بَقِیَّةٌ فَخَلِّفْ خَیْلاً تَقُومُ بِإِزَائِهِمْ وَ اسْتَعْمِلْ عَلَی کِرْمَانَ مَنْ رَأَیْتَ وَ وَلِّ الْخَیْلَ شَهْماً مِنْ وُلْدِکَ وَ لاَ تُرَخِّصْ لِأَحَدٍ فِی اللَّحَاقِ بِمَنْزِلَةٍ دُونَ أَنْ تَقْدُمَ بِهِمْ عَلَیَّ وَ عَجِّلِ الْقَدُومَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَوَلَّی اَلْمُهَلَّبُ یَزِیدَ ابْنَهُ کِرْمَانَ وَ قَالَ لَهُ یَا بُنَیَّ إِنَّکَ الْیَوْمَ لَسْتَ کَمَا کُنْتَ إِنَّمَا لَکَ مِنْ کِرْمَانَ مَا فَضَلَ عَنِ اَلْحَجَّاجِ وَ لَنْ تَحْتَمِلَ إِلاَّ عَلَی مَا احْتَمَلَ عَلَیْهِ أَبُوکَ فَأَحْسِنْ إِلَی مَنْ تَبِعَکَ وَ إِنْ أَنْکَرَتَ مِنْ إِنْسَانٍ شَیْئاً فَوَجِّهْ إِلَیَّ وَ تَفَضَّلْ عَلَی قَوْمِکَ [إِنْ شَاءَ اللَّهُ]

(3) .

ص :221

ثُمَّ قَدِمَ اَلْمُهَلَّبُ عَلَی اَلْحَجَّاجِ فَأَجْلَسَهُ إِلَی جَانِبِهِ وَ أَظْهَرَ بَرَّهُ وَ إِکْرَامَهُ وَ قَالَ یَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ أَنْتُمْ عَبِیدٌ قِنٌّ لِلْمُهَلَّبِ ثُمَّ قَالَ أَنْتَ وَ اللَّهِ کَمَا [قَالَ]

لَقِیطٍ (1) فَقَلِّدُوا أَمْرَکُمْ لِلَّهِ دَرُّکُمْ

وَ رَوَی أَنَّهُ قَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ فَقَالَ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِیرَ وَ اللَّهِ لَکَأَنِّی أَسْمَعُ السَّاعَةَ قَطَرِیّاً وَ هُوَ یَقُولُ لِأَصْحَابِهِ اَلْمُهَلَّبَ وَ اللَّهِ کَمَا قَالَ لَقِیطٌ الْإِیَادِیُّ ثُمَّ أَنْشَدَ هَذَا الشِّعْرَ فَسُرَّ اَلْحَجَّاجُ حَتَّی امْتَلَأَ سُرُوراً فَقَالَ اَلْمُهَلَّبُ أَمَا وَ اللَّهِ مَا کُنَّا أَشَدَّ مِنْ عَدُوِّنَا وَ لاَ أَحَدَّ وَ لَکِنْ دَمَغَ الْحَقُّ الْبَاطِلَ وَ قَهَرَتِ الْجَمَاعَةُ الْفِتْنَةَ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ (2) وَ کَانَ مَا کَرِهْنَاهُ مِنَ الْمُطَاوَلَةِ خَیْراً لَنَا مِمَّا أَحْبَبْنَاهُ مِنَ الْمُعَاجَلَةِ.

ص :222

فَقَالَ اَلْحَجَّاجُ صَدَقْتَ اذْکُرْ لِی الْقَوْمَ الَّذِینَ أُبْلُوا وَ صِفْ لِی بَلاَءَهُمْ [فَأَمَرَ النَّاسَ فَکَتَبُوا ذَلِکَ إِلَی اَلْحَجَّاجِ فَقَالَ لَهُمْ اَلْمُهَلَّبُ مَا ذَخَرَ اللَّهُ لَکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ مِنْ عَاجِلِ الدُّنْیَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ]

(1) فَذَکَرَهُمُ (2) اَلْمُهَلَّبُ عَلَی مَرَاتِبِهِمْ فِی الْبَلاَءِ وَ تَفَاضُلِهِمْ فِی الْغَنَاءِ وَ قَدَّمَ بَنِیهِ اَلْمُغِیرَةَ وَ یَزِیدَ وَ مُدْرِکاً وَ حَبِیباً وَ قَبِیصَةَ وَ اَلْمُفَضَّلَ وَ عَبْدَ الْمَلِکِ وَ مُحَمَّداً وَ قَالَ وَ اللَّهِ لَوْ وَاحِدٌ یَقْدُمُهُمْ فِی الْبَلاَءِ لَقَدَّمْتُهُ عَلَیْهِمْ وَ لَوْ لاَ أَنْ أَظْلِمَهُمْ لِآخِرَتِهِمْ فَقَالَ اَلْحَجَّاجُ صَدَقْتَ وَ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنِّی وَ إِنْ حَضَرْتَ وَ غِبْتُ إِنَّهُمْ لَسُیُوفٌ مِنْ سُیُوفِ اللَّهِ ثُمَّ ذَکَرَ مَعْنَ بْنَ الْمُغِیرَةِ وَ اَلرُّقَادَ وَ أَشْبَاهَهُمَا.

فَقَالَ اَلْحَجَّاجُ مَنِ اَلرُّقَادُ (3) فَدَخَلَ رَجُلٌ طَوِیلٌ أَجْنَأُ (4) فَقَالَ اَلْمُهَلَّبُ هَذَا فَارِسُ اَلْعَرَبِ فَقَالَ اَلرُّقَادُ لِلْحُجَّاجِ أَیُّهَا الْأَمِیرُ إِنِّی کُنْتُ أُقَاتِلُ مَعَ غَیْرِ اَلْمُهَلَّبِ فَکُنْتُ کَبَعْضِ النَّاسِ فَلَمَّا صِرْتُ مَعَ مَنْ یُلْزِمُنِی الصَّبْرَ وَ یَجْعَلُنِی أُسْوَةَ نَفْسِهِ وَ وُلْدِهِ وَ یُجَازِینِی عَلَی الْبَلاَءِ صِرْتُ أَنَا وَ أَصْحَابِی فُرْسَاناً.

فَأَمَرَ اَلْحَجَّاجُ بِتَفْضِیلِ قَوْمٍ عَلَی قَوْمٍ عَلَی قَدْرِ بَلاَئِهِمْ وَ زَادَ وُلْدَ اَلْمُهَلَّبِ أَلْفَیْنِ أَلْفَیْنِ وَ فَعَلَ بِالرُّقَادِ وَ بِجَمَاعَةٍ شَبِیهاً بِذَلِکَ.

وَ قَالَ یَزِیدُ بْنُ حَبْنَاءَ مِنَ اَلْأَزَارِقَةِ دَعِی اللَّوْمَ إِنَّ الْعَیْشَ لَیْسَ بِدَائِمٍ

ص :223

وَ لَیْسَ بِمَهْدٍ مَنْ یَکُونُ نَهَارَهُ

وَ قَالَ اَلْمُغِیرَةُ الْحَنْظَلِیُّ مِنْ أَصْحَابِ اَلْمُهَلَّبِ إِنِّی امْرُؤٌ کَفَّنِی رَبِّی وَ أَکْرَمَنِی

ص :224

وَ قَالَ حَبِیبُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ قُوَّادِ اَلْمُهَلَّبِ أَبَا سَعِیدٍ جَزَاکَ اللَّهُ صَالِحَةً

وَ قَالَ عُبَیْدَةُ بْنُ هِلاَلٍ الْخَارِجِیُّ یَذْکُرُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ یَهْوِی فَتَرْفَعُهُ الرِّمَاحُ کَأَنَّهُ

یدعو إلی مجاهدة أئمة الضلال و قال تیسروا یا إخوانی للخروج من دار الفناء إلی دار البقاء و اللحاق بإخواننا المؤمنین الذین باعوا الدنیا بالآخرة و لا تجزعوا من القتل فی اللّه فإن القتل أیسر من الموت و الموت نازل بکم مفرق بینکم و بین آبائکم و إخوانکم و أبنائکم و حلائلکم و دنیاکم و إن اشتد لذلک جزعکم ألا فبیعوا أنفسکم طائعین و أموالکم تدخلوا الجنة و أشباه هذا من الکلام.

و کان فیمن یحضره من أهل الکوفة سوید و البطین فقال یوما لأصحابه ما ذا تنتظرون ما یزید أئمة الجور إلاّ عتوا و علوا و تباعدا من الحق و جراءة علی الرب فراسلوا إخوانکم حتّی یأتوکم و ننظر فی أمورنا ما نحن صانعون و أی وقت إن خرجنا نحن خارجون.

فبینا هو کذلک إذ أتاه المحلل بن وائل (1) بکتاب من شبیب بن یزید و قد کتب إلی صالح أما بعد فقد [أردت الشخوص و قد]

(2) کنت دعوتنی إلی أمر أستجیب (3) لک فإن کان ذلک (4) من شأنک فإنک شیخ المسلمین و لم یعدل بک منا أحد (5) و إن أردت تأخیر ذلک أعلمنی (6) فإن الآجال غادیة و رائحة و لا آمن أن تخترمنی المنیة و لما أجاهد الظالمین [فیا له غبنا و یا له فضلا]

(7) جعلنا اللّه و إیّاکم ممن یرید اللّه بعلمه [و رضوانه و النظر إلی وجهه و مرافقة الصالحین فی دار السلام]

(8) و السلام علیک.

ص :226

فأجابه صالح بجواب جمیل یقول فیه (1) إنّه لم یمنعنی من الخروج مع ما أنا فیه من الاستعداد إلاّ انتظارک فأقدم علینا ثمّ اخرج بنا فإنک ممن لا تقضی الأمور دونه و السلام علیک (2) .

فلما ورد کتابه علی شبیب دعا القراء من أصحابه فجمعهم إلیه منهم أخوه مصاد بن یزید و المحلل بن وائل و الصقر بن حاتم و إبراهیم بن حجر و جماعة (3) مثلهم ثمّ خرج حتّی قدم علی صالح بن مسرح و هو بدارات (4) أرض الموصل فبث صالح رسله و واعدهم بالخروج فی هلال صفر لیلة الأربعاء سنة ست و تسعین .

فاجتمع بعضهم إلی بعض و اجتمعوا عنده تلک اللیلة فحدث فروة بن لقیط (5) قال إنّی لمعهم تلک اللیلة عند صالح (6) و کان رأیی استعراض الناس لما رأیت من المکر و الفساد فی الأرض فقمت إلیه فقلت یا أمیر المؤمنین کیف تری السیرة فی هؤلاء الظلمة أ نقتلهم قبل الدعاء أم ندعوهم قبل القتال فإنی أخبرک برأیی فیهم قبل أن تخبرنی بذلک إنا نخرج علی قوم طاغین قد ترکوا أمر اللّه أو راضین بذلک فأری أن نضع السیف فقال لا بل ندعوهم و لعمری لا یجیبک إلاّ من یری رأیک و لیقاتلنک من یزری علیک و الدعاء أقطع لحجتهم و أبلغ فی الحجة علیهم لک فقلت

ص :227

و کیف تری فیمن قاتلنا فظفرنا به و ما تقول فی دمائهم و أموالهم فقال إن قتلنا و غنمنا فلنا و إن تجاوزنا و عفونا فموسع علینا.

ثمّ قال صالح (1) لأصحابه لیلته (2) تلک اتقوا اللّه عباد اللّه و لا تعجلوا إلی قتال أحد من الناس إلاّ أن یکونوا [قوما]

(3) یریدونکم [و ینصبون لکم]

(4) فإنکم إنّما خرجتم غضبا لله حیث انتهکت محارمه و عصی فی الأرض و (5) سفکت الدماء بغیر حقها و أخذت الأموال غصبا (6) فلا تعیبوا علی قوم أعمالا ثمّ تعملونها (7) [فإن کل ما أنتم عاملون أنتم عنه مسئولون و إن عظمکم رجالة]

(8) و هذه دواب لمحمّد بن مروان فی هذا الرستاق (9) (10) و ابدءوا بها فاحملوا علیها راجلکم و تقووا بها علی عدوکم (11) .

ففعلوا ذلک و تحصن منهم أهل دارا (12) .

و بلغ خبرهم محمّد بن مروان و هو یومئذ أمیر الجزیرة فاستخف بأمرهم و بعث إلیهم عدی بن عمیرة فی خمسمائة و کان صالح فی مائة و عشرة فقال عدی أصلح اللّه

ص :228

الأمیر تبعثنی إلی رأس الخوارج [منذ عشرین سنة]

(1) و معه رجال سموا لی [کانوا یعازوننا]

(2) و إن الرجل منهم خیر من مائة فارس فی خمسمائة فقال له إنّی أزیدک خمسمائة فسر إلیهم فی ألف فارس.

فسار من حَرَّانَ فی ألف رجل و کَأَنَّمٰا یُسٰاقُونَ إِلَی الْمَوْتِ و کان عدی رجلا ناسکا (3) فلما نزل دوغان (4) نزل بالناس و أنفذ إلی صالح بن مسرح رجلا دسه إلیه فقال إن عدیا بعثنی إلیک یسألک أن تخرج عن هذا البلد و تأتی بلدا آخر فتقاتل أهله فإنی للقتال کاره فقال له صالح ارجع إلیه فقل له إن کنت تری رأینا فأرنا من ذلک ما نعرف ثمّ نحن مدلجون (5) عنک و إن کنت علی رأی الجبابرة و أئمة السوء رأینا رأینا فإما بدأنا بک و إلاّ رحلنا إلی غیرک.

فانصرف إلیه الرسول فأبلغه فقال له عدی ارجع إلیه فقل له إنّی و اللّه لا أری رأیک و لکنی أکره قتالک و قتال غیرک من المسلمین (6) .

فقال صالح لأصحابه ارکبوا فرکبوا و احتبس الرجل عنده و مضی بأصحابه حتّی أتی عدیا فی سوق دوغان و هو قائم یصلی الضحی فلم یشعر إلاّ بالخیل طالعة علیهم فلما دنا صالح منهم رآهم علی غیر تعبئة (7) و قد تنادوا و بعضهم یجول فی بعض فأمر شبیبا فحمل علیهم فی کتیبة ثمّ أمر سویدا فحمل فی کتیبة فکانت هزیمتهم

ص :229

و أتی عدی بدابته فرکبها و مضی علی وجهه و احتوی صالح علی عسکره و ما فیه و ذهب فل عدی حتی لحقوا بمحمّد بن مروان فغضب ثمّ دعا بخالد بن جزء السلمی فبعثه فی ألف و خمسمائة و دعا الحارث بن جعونة فی ألف و خمسمائة و قال لهما اخرجا إلی هذه الخارجة القلیلة الخبیثة و عجلا الخروج و [أغذا السیر]

(1) فأیکما سبق فهو الأمیر علی صاحبه فخرجا و أغذا (2) فی السیر و جعلا یسألان عن صالح فقیل لهما توجه نحو آمد (3) فاتبعاه حتّی انتهیا إلیه بآمد فنزلا لیلا و خندقا و هما متساندان کل واحد منهما علی حدته فوجه صالح شَبِیباً إلی الحارث بن جعونة فی شطر أصحابه و توجه هو نحو خالد السلمی فاقتتلوا أشدّ قتال اقتتله قوم حتّی حجز بینهم اللیل و قد انتصف بعضهم من بعض.

فتحدث بعض أصحاب (4) صالح قال کنا إذا حملنا علیهم استقبلنا رجالهم بالرماح و نضحنا (5) رماتهم بالنبل و خیلهم تطاردنا فی خلال ذلک فانصرفنا عند اللیل و قد کرهناهم و کرهونا فلما رجعنا و صلینا و تروحنا و أکلنا من الکسر (6) دعانا صالح و قال یا أخلائی ما ذا ترون فقال شبیب إنا إن قاتلنا هؤلاء القوم و هم معتصمون بخندقهم لم ننل منهم طائلا و الرأی أن نرحل عنهم فقال صالح و أنا أری ذلک فخرجوا من تحت لیلتهم حتّی قطعوا أرض الجزیرة و أرض الموصل و مضوا حتّی قطعوا أرض الدسکرة فلما بلغ ذلک الحجاج سرح علیهم الحارث بن عمیرة فی ثلاثة آلاف

ص :230

فسار و خرج صالح نحو جَلُولاَء و خَانِقَیْن (1) و اتبعه الحارث حتی انتهی إلی قریة یقال لها المُدَبَّج (2) و صالح یومئذ فی تسعین رجلا فعبی الحارث بن عمیرة أصحابه میمنة و میسرة و جعل صالح أصحابه ثلاثة کرادیس و هو فی کُرْدُوسٍ (3) و شبیب فی میمنة فی کردوس و سُوَیْدُ بن سلیم فی کردوس فی میسرته فی کل کردوس منهم ثلاثون رجلا فلما شد علیهم الحارث بن عمیرة انکشف سوید بن سلیم و ثبت صالح فقتل و ضارب شبیب حتی صرع عن فرسه فوقع بین رجاله فجاء حتّی انتهی إلی موقف صالح فوجده قتیلا فنادی إلی یا معشر المسلمین فلاذوا به فقال لأصحابه لیجعل کل رجل منکم ظهره إلی ظهر صاحبه و لیطاعن عدوه إذا قدم علیه حتّی ندخل هذا الحصن و نری رأینا.

ففعلوا ذلک حتّی دخلوا الحصن و هم سبعون رجلا مع شبیب و أحاط بهم الحارث بن عمیرة مُمْسِیا و قال لأصحابه أحرقوا الباب فإذا صار جمرا فدعوه فإنهم لا یقدرون علی الخروج حتّی نصبح (4) فنقتلهم ففعلوا ذلک بالباب ثمّ انصرفوا إلی معسکرهم.

فقال شبیب لأصحابه یا هؤلاء ما تنتظرون فو اللّه إن صبحوکم غدوة (5) إنّه لهلاککم فقالوا له مرنا بأمرک فقال لهم [إن اللیل أخفی للویل]

(6) بایعونی إن شئتم أو بایعوا من شئتم منکم ثمّ اخرجوا بنا حتّی نشد علیهم فی عسکرهم فإنهم آمنون منکم و إنّی أرجو أن ینصرکم اللّه علیهم قالوا ابسط یدک فبایعوه فلما جاءوا

ص :231

إلی الباب وجدوه جمرا فأتوه باللبود (1) فبلوها بالماء ثمّ ألقوها علیه و خرجوا فلم یشعر الحارث بن عمیرة إلا و شبیب و أصحابه یضربونهم بالسیوف فی جوف عسکرهم فضارب الحارث حتی صرع و احتمله أصحابه و انهزموا و خلوا لهم المعسکر و ما فیه و مضوا حتّی نزلوا المدائن و کان ذلک الجیش أول جیش هزمه شبیب (2)

مشرقا قالوا هرب عدو اللّه و اتبعوه فقال لهم عدی بن عمیرة الشیبانی أیها الناس لا تعجلوا علیهم حتّی نضرب فی الأرض و نستبرئها (1) فإن یکونوا أکمنوا کمینا حذرناه و إلاّ کان طلبهم بین أیدینا لن یفوتنا فلم یسمعوا منه فأسرعوا فی آثارهم.

فلما رأی شَبِیبٌ أنهم قد جازوا الکمین عطف علیهم فحمل من أمامهم و خرج الکمین من ورائهم فلم یقاتل (2) أحد و إنّما کانت الهزیمة و ثبت سفیان بن أبی العالیة فی مائتی رجل فقاتل (3) قتالا شدیدا حتّی انتصف من شبیب (4) فقال سوید بن سلیم لأصحابه أ منکم أحد یعرف أمیر القوم ابن أبی العالیة (5) فقال له شبیب أنا من أعرف الناس به أ ما تری صاحب الفرس الأغر الذی دونه المرامیة فإنّه هو (6) فإن کنت تریده فأمهله قلیلا.

ثمّ قال یا قعنب اخرج فی عشرین فأتهم من ورائهم فخرج قَعْنَبُ فی عشرین فارتفع علیهم فلما رأوه یرید أن یأتیهم من ورائهم جعلوا ینتقصون و یتسللون و حمل سوید بن سلیم علی سفیان بن أبی العالیة یطاعنه (7) فلم تصنع رماحهما شیئا ثمّ اضطربا بسیفهما ثمّ اعتنق کل واحد منهما صاحبه فوقعا إلی الأرض یعترکان ثمّ تحاجزا و حمل علیهم شبیب فانکشف من کان مع سفیان و نزل غلام له یقال له غزوان عن برذونه و قال لسفیان ارکب یا مولای فرکب سفیان و أحاط به أصحاب شبیب فقاتل دونه غزوان حتی قتل و کان معه رَایَتُهُ و أقبل سفیان منهزما حتّی انتهی

ص :233

إلی بَابِلِ مَهْرُوذَ فنزل بها و کتب إلی الحجاج (1) و کان الحجاج أمر سُورة بن أبجر أن یلحق بسفیان فکاتب سورة سفیان و قال له انتظرنی فلم یفعل و عجل نحو الخوارج فلما عرف الحجاج خبر سفیان و قرأ کتابه قال للناس من صنع کما صنع هذا و أُبْلِیَ کما أُبْلِیَ فقد أحسن ثمّ کتب إلیه یُعْذِرُهُ (2) و یقول إذا خف علیک الوجع فأقبل مأجورا إلی أهلک و کتب إلی سُورَةَ بنِ أَبْجَرَ (3) .أما بعد یا ابن أم سُورة فما کنت خلیقا (4) أن تجترئ علی ترک عهدی و خذلان جندی فإذا أتاک کتابی فابعث رجلا ممن معک صَلِیبا إلی (5) المَدَائن فلینتخب من جندها خمسمائة رجل ثمّ لیقدم بهم علیک [ثم سر بهم]

(6) حتّی تلقی هذه المَارِقَةَ و احزم أمرک و کِدْ عدوک فإنَّ أفضل أمر الحروب حسنُ المَکِیدَةِ و السلام.

فلما أتی سورة کتاب الحجاج بعث عدی بن عمیر إلی المدائن و کان بها ألف فارس فانتخب منهم خمسمائة ثمّ رحل بهم (7) حتّی قدم علی سورة ببابل مهروذ

ص :234

فخرج بهم فی طلب شبیب و خرج شبیب یجول فی جوخی (1) و سورة فی طلبه فجاء شبیب إلی المدائن فتحصن منه أهلها فانتهب المدائن الأولی و أصاب دواب من دواب الجند و قتل من ظهر له و لم یدخل البیوت ثمّ أتی فقیل له هذا سورة قد أقبل إلیک فخرج فی أصحابه حتّی [انتهی إلی النهروان فنزلوا به و توضئوا و صلوا ثمّ]

(2) أتوا مصارع إخوانهم الذین قتلهم علیّ بن أبی طالب فاستغفروا لهم و تبرءوا من علی و أصحابه و بکوا فأطالوا البکاء ثمّ عبروا جسر النهروان فنزلوا جانبه الشرقی و جاء سورة حتی نزل بنفطرانا (3) و جاءته عیونه فأخبروه بمنزل شبیب بالنهروان فدعا سورة رءوس أصحابه فقال لهم إن الخوارج قلما یلقون فی صحراء أو علی ظهر إلاّ انتصفوا و قد حدثت أنهم لا یزیدون علی مائة رجل و قد رأیت أن انتخبکم و أسیر فی ثلاثمائة رجل منکم من أقویائکم و شجعانکم فأبیتهم (4) فإنهم آیسون من بیاتکم (5) و إنّی و اللّه أرجو أن یصرعهم اللّه مصارع إخوانهم فی النهروان من قبل فقالوا اصنع ما أحببت.

فاستعمل علی عسکره حازم بن قدامة و انتخب ثلاثمائة من شجعان أصحابه ثمّ أقبل بهم حتّی قرب من النهروان و بات و قد أذکی الحرس ثمّ بیتهم فلما دنا أصحاب سورة منهم نذروا بهم فاستووا علی خیولهم و تعبوا تعبیتهم فلما انتهی إلیهم سورة و أصحابه أصابوهم و قد نذروا (6) فحمل علیهم سورة فصاح شبیب بأصحابه فحمل علیهم

ص :235

حتی ترکوا له العرصة و حمل شبیب و جعل یضرب و یقول من ینک العیر ینک نیاکا (1) .

فرجع (2) سورة مفلولا قد هزم فرسانه و أهل القوّة من أصحابه و أقبل نحو المدائن و تبعه شبیب حتی انتهی سورة إلی بیوت المدائن و انتهی شبیب إلیهم و قد دخل الناس البیوت و خرج ابن أبی عصیفیر و هو أمیر المدائن یومئذ فی جماعة فلقیهم فی شوارع المدائن و رماهم الناس بالنبل و الحجارة من فوق البیوت.

ثمّ سار شبیب إلی تکریت (3) فبینا ذلک الجند بالمدائن إذ أرجف (4) الناس فقالوا هذا شبیب قد أقبل یرید أن یبیت أهل المدائن فارتحل عامة الجند فلحقوا بالکوفة (5) و إن شبیبا بتکریت فلما أتی الحجاج (6) الخبر قال قبح اللّه سورة ضیع العسکر و خرج یبیت الخوارج و اللّه لأسوءنه (7) .

ص :236

ثم دعا الحجاج بالجزل و هو عثمان بن سعید فقال له تیسر للخروج إلی هذه المارقة فإذا لقیتهم فلا تعجل عجلة الخرق النزق (1) و لا تحجم إحجام الوانی الفرق (2) أ فهمت (3) قال نعم أصلح اللّه الأمیر قد فهمت قال فاخرج و عسکر بدیر عبد الرحمن حتی یخرج الناس إلیک فقال أصلح اللّه الأمیر لا تبعث معی أحدا من الجند المهزوم المفلول فإن الرعب قد دخل قلوبهم و قد خشیت ألا ینفعک و المسلمین منهم أحد قال ذلک لک و لا أراک إلاّ قد أحسنت الرأی و وفقت ثمّ دعا أصحاب الدواوین فقال اضربوا علی الناس البعث و أخرجوا أربعة آلاف من الناس و عجلوا فجمعت العرفاء و جلس أصحاب الدواوین و ضربوا البعث فأخرجوا أربعة آلاف فأمرهم باللحاق بالعسکر ثمّ نودی فیهم بالرحیل فارتحلوا و نادی منادی الحجاج أن برئت الذمّة من رجل أصبناه من بعث الجزل متخلفا.

فمضی بهم [الجزل و قد قدم بین یدیه عیاض بن أبی لینة الکندی علی مقدّمته فخرج]

(4) حتّی أتی المدائن فأقام بها ثلاثا ثمّ خرج و بعث إلیه ابن أبی عصیفیر بفرس و برذون و ألفی درهم و وضع للناس من الحطب (5) و العلف ما کفاهم ثلاثة أیّام و أصاب الناس ما شاءوا من ذلک.

ثمّ إن الجزل خرج بالناس أثر شبیب فطلبه فی أرض جوخی فجعل شبیب یریه الهیبة فیخرج من رستاق إلی رستاق و من طسوج إلی طسوج و [لا یقیم له]

(6)

ص :237

یرید بذلک أن یفرق الجزل أصحابه و یتعجل إلیه فیلقاه فی عدد یسیر علی غیر تعبئة فجعل الجزل لا یسیر إلاّ علی تعبئة و لا ینزل إلاّ خندق علی نفسه و أصحابه فلما طال ذلک علی شبیب دعا یوما أصحابه و هم مائة و ستون رجلا هو فی أربعین و مصاد أخوه فی أربعین و سوید بن سلیم فی أربعین و المحلل بن وائل فی أربعین و قد أتته عیونه [فأخبرته]

(1) أن الجزل بن سعید قد نزل ببئر سعید (2) فقال لأخیه و للأمراء الذین ذکرناهم إنّی أرید أن أبیت اللیلة هذا العسکر فأتهم أنت یا مصاد من قبل حلوان (3) و سآتیهم أنا من أمامهم من قبل الکوفة و ائتهم أنت یا سوید من قبل المشرق و ائتهم أنت یا محلل من قبل المغرب و لیلج کل امرئ منکم علی الجانب الذی یحمل علیه و لا تقلعوا عنهم حتّی یأتیکم أمری.

قال فروة بن لقیط (4) و کنت أنا فی الأربعین الذین کانوا معه (5) فقال لجماعتنا تیسروا و لیسر کل امرئ منکم مع أمیره و لینظر ما یأمره به أمیره فلیتبعه فلما قضمت دوابنا و ذلک أول ما هدأت العیون خرجنا حتّی انتهینا إلی دیر الخرارة فإذا القوم علیهم مسلحة ابن أبی لینة فما هو إلاّ أن رآهم مصاد أخو شبیب حتی حمل علیهم فی أربعین رجلا و کان شبیب أراد أن یرتفع علیهم حتّی یأتیهم من ورائهم کما أمره (6) .

ص :238

فلما لقی هؤلاء قاتلهم فصبروا له ساعة و قاتلوه ثمّ إنا دفعنا إلیهم جمیعا فهزمناهم و أخذوا الطریق الأعظم و لیس بینهم و بین عسکرهم بدیر یزدجرد إلا نحو میل (1) فقال لنا شبیب ارکبوا معاشر المسلمین أکتافهم حتّی تدخلوا معهم عسکرهم إن استطعتم فاتبعناهم ملظین (2) بهم ملحین علیهم ما نرفه عنهم و هم منهزمون ما لهم همة إلاّ عسکرهم.

فمنعهم أصحابهم أن یدخلوا علیهم و رشقوهم (3) بالنبل و کانت لهم عیون قد أتتهم فأخبرتهم بمکاننا و کان الجزل قد خندق علیهم و تحرز و وضع هذه المسلحة الذین لقیناهم [بدیر الخرارة]

(4) و وضع مسلحة أخری ممّا یلی حلوان .فلما اجتمعت المسالح و رشقوهم بالنبل و منعونا من خندقهم رأی (5) شبیب أنه لا یصل إلیهم فقال لأصحابه سیروا و دعوهم فلما سار عنهم أخذ علی طریق حلوان حتی کان منهم علی سبعة أمیال قال لأصحابه انزلوا فاقضموا دوابکم و قیلوا و تروحوا فصلوا رکعتین ثمّ ارکبوا ففعلوا ذلک ثمّ أقبل بهم راجعا إلی عسکر الکوفة و قال سیروا علی تعبیتکم التی عبأتکم علیها أول اللیل و أطیفوا (6) بعسکرهم کما أمرتکم فأقبلنا (7) معه و قد أدخل أهل العسکر مسالحهم إلیهم و أمنوا فما شعروا حتّی سمعوا وقع حوافر الخیل فانتهینا إلیهم قبیل الصبح و أحطنا بعسکرهم و صحنا بهم من کل ناحیة فقاتلونا و رمونا بالنبل فقال شبیب (8) لأخیه مصاد و کان یقاتلهم من الجانب

ص :239

الذی یلی الکوفة خل لهم سبیل[طریق]

(1) الکوفة فخلی لهم و قاتلناهم من [تلک]

(2) الوجوه الثلاثة الأخری إلی الصبح (3) ثمّ سرنا و ترکناهم لأنا لم نظفر بهم فلما سار شبیب سار الجزل فی أثره یطلبه و جعل لا یسیر إلاّ علی تعبیة و ترتیب و لا ینزل إلاّ علی خندق و أما شبیب فضرب فی أرض جوخی و ترک الجزل فطال أمره علی الحجاج فکتب إلی الجزل کتابا قرئ علی الناس و هو أمّا بعد فإنی بعثتک فی فرسان [أهل]

المصر و وجوه الناس و أمرتک باتباع هذه (4) المارقة و ألا تقلع عنها حتّی تقتلها و تفنیها (5) فجعلت (6) التعریس فی القری و التخییم فی الخنادق أهون علیک من المضی لمناهضتهم و مناجزتهم و [السلام]

(7) .

قال فشق کتاب الحجاج علی الجزل و أرجف الناس بأمره و قالوا سیعزله فما لبث الناس أن بعث الحجاج سعید بن المجالد أمیرا بدله و عهد إلیه إذا لقی المارقة أن یزحف إلیهم و لا یناظرهم و لا یطاولهم و لا یصنع صنع الجزل (8) و کان الجزل یومئذ قد انتهی فی طلب شبیب إلی النهروان و قد لزم عسکره و خندق علیهم فجاء سعید حتی دخل عسکر أهل الکوفة أمیرا فقام فیهم خطیبا فحمد اللّه و أثنی علیه ثمّ قال یا أهل الکوفة إنکم قد عجزتم و وهنتم و أغضبتم علیکم أمیرکم أنتم فی طلب هذه الأعاریب العجف منذ شهرین قد أخربوا بلادکم و کسروا خراجکم و أنتم

ص :240

حذرون فی جوف هذه الخنادق لا تزایلونها إلاّ أن یبلغکم أنهم قد ارتحلوا عنکم و نزلوا بلدا سوی بلدکم اخرجوا علی اسم اللّه إلیهم.

ثمّ خرج و خرج الناس معه (1) فقال له الجزل ما ترید أن تصنع قال أقدم علی شبیب و أصحابه فی هذه الخیل فقال له الجزل أقم أنت فی جماعة الناس (2) فارسِهِم و راجِلِهم (3) و لا تفرق أصحابک و دَعْنی أصحر له (4) فإن ذلک خیر لک و شر لهم (5) .

فقال سعید بل تقف أنت فی الصف و أنا أصحر له فقال الجزل إنی بریء من رأیک هذا سمع اللّه و من حضر من المسلمین فقال سعید هو رأیی إن أصبت فیه فالله وفقنی و إن أخطأت (6) فیه فأنتم برآء.

فوقف الجزل فی صف [أهل]

(7) الکوفة و قد [أخرجهم من الخندق و]

(8) جعل علی میمنتهم عیاض بن أبی لینة الکندی و علی میسرتهم عبد الرحمن بن عوف أبا حمید الراسبی (9) و وقف الجزل فی جماعتهم و استقدم سعید بن مجالد فخرج [و أخرج]

(10) الناس معه و قد أخذ شبیب إلی براز الروز (11) فنزل قطفتا (12) و أمر دهقانها أن یشوی لهم غنما و یعد لهم غداء ففعل و أغلق مدینة قطفتا و لم یفرغ

ص :241

الدهقان من طعامه حتّی أحاط بها ابن مجالد فصعد الدهقان ثمّ نزل و قد تغیر لونه فقال شبیب ما بالک قال قد جاءک جمع عظیم قال أ بلغ (1) شواؤک قال لا قال دعه یبلغ ثمّ أشرف الدهقان إشرافة أخری ثمّ نزل فقال قد أحاطوا بالجوسق قال هات شواءک فجعل یأکل غیر مکترث بهم و لا فزع فلما فرغ قال لأصحابه قوموا إلی الصلاة و قام فتوضأ فصلی بأصحابه صلاة الأولی و لبس درعه و تقلد سیفه و أخذ عمودة الحدید ثمّ قال أسرجوا لی بغلتی فقال أخوه أ فی مثل هذا الیوم ترکب (2) بغلة قال نعم أسرجوها فرکبها ثمّ قال یا فلان أنت علی المیمنة و أنت یا فلان علی المیسرة و أنت یا مصاد یعنی أخاه علی القلب و أمر الدهقان ففتح الباب فی وجوههم.

فخرج إلیهم و هو یحکم (3) و حمل حملة عظیمة فجعل سعید و أصحابه یرجعون القهقری حتّی صار بینهم و بین الدیر میل و شبیب یصیح أتاکم الموت الزؤام فاثبتوا و سعید یصیح یا معشر همدان إلی إلی أنا ابن ذی مران فقال شبیب لمصاد ویحک استعرضهم استعراضا فإنهم قد تقطعوا و إنّی حامل علی أمیرهم و أثکلنیک اللّه إن لم أثکله ولده ثمّ حمل علی سعید فعلاه بالعمود فسقط (4) میتا و انهزم أصحابه و لم یقتل یومئذ من الخوارج إلا رجل واحد.

و انتهی قتل سعید إلی الجزل فناداهم أیها الناس إلی إلی و صاح عیاض بن أبی لینة أیها الناس إن یکن أمیرکم هذا القادم هلک فهذا أمیرکم المیمون النقیبة أقبلوا إلیه فمنهم من أقبل إلیه و منهم من رکب فرسه منهزما و قاتل الجزل یومئذ قتالا شدیدا حتّی صرع و حامی عنه خالد بن نهیک و عیاض بن أبی لینة حتی استنقذاه

ص :242

مرتثا و أقبل الناس منهزمین حتّی دخلوا الکوفة و أتی بالجزل جریحا حتّی دخل المدائن فکتب إلی الحجاج أما بعد فإنی أخبر الأمیر أصلحه اللّه أنی خرجت فیمن قبلی من الجند الذی وجهنی فیه إلی عدوه و قد کنت حفظت عهد الأمیر إلی فیهم و رأیه فکنت أخرج إلی المارقین (1) إذا رأیت الفرصة و أحبس [الناس]

(2) عنهم إذا خشیت الورطة فلم أزل کذلک أدیر الأمر و أرفق فی التدبیر و قد أرادنی العدو بکل مکیدة فلم یصب منی غرة حتّی قدم علی سعید بن مجالد فأمرته بالتؤدة و نهیته عن العجلة و أمرته ألا یقاتلهم إلاّ فی جماعة الناس عامة فعصانی و تعجل إلیهم فی الخیل فأشهدت اللّه علیه و أهل المصرین أَنِّی بریء من رأیه الذی رأی و أنّی لا أهوی الذی صنع فمضی فقتل تجاوز اللّه عنه و دفع (3) الناس [إلی]

(4) فنزلت و دعوتهم إلی نفسی (5) و رفعت رایتی و قاتلت حتّی صرعت فحملنی أصحابی من بین القتلی فما أفقت إلاّ و أنا علی أیدیهم علی رأس میل من المعرکة و أنا الیوم بالمدائن و فی جراحات (6) قد یموت الإنسان من دونها و قد یعافی من مثلها فلیسأل الأمیر أصلحه اللّه عن نصیحتی له و لجنده و عن مکایدتی عدوه و عن موقفی یوم البأس فإنّه سیبین (7) له عند ذلک أنی صدقته و نصحت له و السلام.

فکتب إلیه الحجاج

ص :243

أما بعد فقد أتانی کتابک و قرأته (1) و فهمت کل ما ذکرته فیه من أمر سعید و أمر نفسک و قد صدقتک فی نصیحتک لأمیرک و حیطتک علی أهل مصرک و شدتک علی عدوک و قد رضیت عجلة سعید و تؤدتک (2) فأما عجلته فإنها أفضت به إلی الجنة و أمّا تؤدتک (3) فإنها ما لم تدع الفرصة إذا أمکنت حزم (4) و قد أحسنت و أصبت و أجرت و أنت عندی من أهل السمع و الطاعة و النصیحة و قد أشخصت إلیک حَیَّانَ بن أبجر (5) الطبیب لیداویک و یعالج جراحاتک و قد بعثت إلیک بألفی درهم نفقة تصرفها فی حاجتک و ما ینوبک (6) و السلام.

و بعث عبد اللّه بن أبی عُصَیْفِیرٍ والی المدائن إلی الجزل بألف درهم و کان یعوده و یتعاهده بالألطاف و الهدایا.

و أما شبیب فأقبل حتّی قطع دجلة عند الکرخ و أخذ بأصحابه نحو الکوفة و بلغ الحجاج مکانه بحمام أعین فبعث إلیه سوید بن عبد الرحمن السعدی فجهزه بألفی فارس منتخبین و قال له اخرج إلی شبیب فالقه و لا تتبعه فخرج بالناس بالسبخة (7) و بلغه أن شبیبا قد أقبل فسار نحوه کأنّما یساق إلی الموت هو و أصحابه و أمر الحجاج عثمان بن قطن فعسکر بالناس فی السبخة و نادی ألا برئت الذمّة من رجل من هذا الجند بات اللیلة بالکوفة و لم یخرج إلی عثمان بن قطن بالسبخة فبینا سوید بن عبد الرحمن یسیر فی الألفین الذین معه و هو یعبیهم و یحرضهم إذ قیل له

ص :244

قد غشیک شبیب فنزل و نزل معه جل أصحابه و قدم رایته فأخبر أن شبیبا لما علم بمکانه ترکه و وجد مخاضة (1) فعبر الفرات یرید الکوفة من غیر الوجه الذی سوید بن عبد الرحمن به ثمّ قیل أ ما تراهم فنادی فی أصحابه فرکبوا فی آثارهم فأتی شبیب دار الرزق فنزلها و قیل له إن أهل الکوفة بأجمعهم معسکرون فلما بلغهم مکان شبیب ماج الناس بعضهم إلی بعض و جالوا و هموا بدخول الکوفة حتی قیل هذا سوید بن عبد الرحمن فی آثارهم قد لحقهم و هو یقاتلهم فی الخیل و مضی شبیب حتی أخذ علی شاطئ الفرات ثم أخذ علی الأنبار ثم دخل دقوقاء (2) ثم ارتفع إلی أدانی آذربیجان .و خرج الحجاج من الکوفة إلی البصرة حیث بعد شبیب و استخلف علی الکوفة عروة بن المغیرة بن شعبة فما شعر الناس إلاّ بکتاب [من]

(3) مَادَارَسْتَ (4) دِهْقَانِ بابل مهروز إلی عروة بن المغیرة بن شعبة أن تاجرا من تجار [الأنبار من]

(5) أهل بلادی

ص :245

أتانی یذکر أن شبیبا یرید أن یدخل الکوفة فی أول هذا الشهر المستقبل و أحببت إعلامک [ذلک]

(1) لتری رأیک (2) و إنّی لم ألبث بعد ذلک إذ جاءنی اثنان من جیرانی (3) فحدثانی أن شبیبا قد نزل خانیجار (4) .فأخذ عروة کتابه فأدرجه و سرح به إلی الحجاج إلی البصرة فلما قرأ الحجاج أقبل جادا (5) إلی الکوفة و أقبل شبیب [یسیر]

(6) حتّی انتهی إلی قریة حربی (7) علی شاطئ دجلة فعبرها و قال (8) لأصحابه یا هؤلاء إن الحجاج لیس بالکوفة و لیس دون أخذها شیء إن شاء اللّه فسیروا بنا فخرج یبادر الحجاج إلی الکوفة و کتب عروة إلی الحجاج إن شبیبا قد أقبل مسرعا یرید الکوفة فالعجل العجل.

فطوی الحجاج المنازل مسابقا (9) لشبیب إلی الکوفة فسبقه و نزلها صلاة العصر و نزل شبیب السبخة صلاة العشاء الآخرة فأصاب هو و أصحابه من الطعام شیئا یسیرا ثمّ رکبوا خیولهم فدخل شبیب الکوفة فی أصحابه حتّی انتهی إلی السوق و شد حتّی ضرب باب القصر بعموده فحدث جماعة (10) أنهم رأوا أثر ضربة شبیب بالعمود بباب القصر ثمّ أقبل حتّی وقف عند باب المصطبة و أنشد

ص :246

و کأنّ حافرها بکل ثنیة

فرق یکیل به شحیح معدم (1) .

(2)

ثم أقحم هو و أصحابه المسجد الجامع و لا یفارقه قوم یصلون (3) فیه فقتل منهم جماعة و مر هو بدار حوشب و کان هو علی شرطة الحجاج فوقف علی بابه فی جماعة فقالوا إن الأمیر یعنون الحجاج یدعو حوشبا و قد أخرج میمون غلامه برذونه لیرکب [فکأنّه أنکرهم فظنوا أنّه قد اتهمهم]

(4) فأراد أن یدخل إلی صاحبه فقالوا له کما أنت حتّی یخرج صاحبک إلیک فسمع حوشب الکلام فأنکر القوم و ذهب لینصرف فعجلوا نحوه فأغلق الباب دونه فقتلوا غلامه میمونا و أخذوا برذونه و مضوا حتّی مروا بالجحاف بن نبیط الشیبانی من رهط حوشب فقال له سوید انزل إلینا فقال ما تصنع بنزولی فقال انزل إنّی لم أقضک ثمن البکرة التی ابتعتها منک بالبادیة فقال الجحاف بئس ساعة القضاء هذه و بئس المکان لقضاء الدین هذا ویحک أ ما ذکرت أداء أمانتک إلاّ و اللیل مظلم و أنت علی متن فرسک قبح اللّه یا سوید دینا لا یصلح و لا یتم إلاّ بقتل الأنفس (5) و سفک الدماء ثمّ مروا بمسجد بنی ذهل فلقوا ذهل بن الحارث و کان یصلی فی مسجد قومه فیطیل الصلاة إلی اللیل فصادفوه منصرفا إلی منزله فقتلوه (6) ثمّ خرجوا متوجهین نحو الردمة (7) و أمر الحجاج المنادی یا خیل اللّه ارکبی و أبشری و هو فوق باب القصر و هناک (8) مصباح مع غلام له قائم.

ص :247

و کان أول من جاء من الناس عثمان بن قطن و معه موالیه و ناس من أهله و قال أعلموا الأمیر مکانی أنا عثمان بن قطن فلیأمرنی بأمره فناداه الغلام صاحب المصباح قف مکانک حتّی یأتیک أمر الأمیر و جاء الناس من کل جانب و بات عثمان مکانه فیمن اجتمع إلیه من الناس حتّی أصبح.

و قد کان عبد الملک بن مروان بعث محمّد بن موسی بن طلحة علی سجستان و کتب له عهده علیها و کتب إلی الحجاج إذا قدم علیک محمّد بن موسی الکوفة فجهز معه ألفی رجل و عجل سراحه إلی سجستان .فلما قدم الکوفة جعل یتجهز (1) فقال له أصحابه و نصحاؤه تعجل أیها الرجل إلی عملک فإنک لا تدری ما یحدث و عرض أمر شبیب حینئذ و دخوله الکوفة فقیل للحجاج إن محمّد بن موسی إن سار إلی سجستان مع نجدته و صهره لأمیر المؤمنین عبد الملک فلجأ إلیه أحد ممن تطلبه منعک منه قال فما الحیلة قالوا أن تذکر له أن شبیبا فی طریقه و قد أعیاک و أنک ترجو أن یریح اللّه منه علی یده فیکون له ذکر ذلک و شهرته.

فکتب إلیه الحجاج إنک عامل علی کل بلد مررت به و هذا شبیب فی طریقک تجاهده و من معه و لک أجره و ذکره و صیته ثمّ تمضی إلی عملک فاستجاب له.

و بعث الحجاج بشر بن غالب الأسدی فی ألفی رجل و زیاد بن قدامة فی ألفین و أبا الضریس مولی تمیم فی ألف من الموالی و أعین صاحب حمام أعین مولی لبشر بن مروان فی ألف و جماعة غیرهم فاجتمعت تلک الأمراء فی أسفل الفرات و ترک شبیب الوجه الذی فیه جماعة هؤلاء القواد و أخذ نحو القادسیة فوجه الحجاج زحر بن قیس

ص :248

فی جریدة خیل نقاوة (1) عدتها ألف و ثمانمائة فارس و قال له اتبع شبیبا حتی تواقعه حیثما أدرکته فخرج زحر بن قیس حتی انتهی إلی السیلحین (2) و بلغ شبیبا مسیره إلیه فأقبل نحوه فالتقیا و قد جعل زحر علی میمنته عبد اللّه بن کناز و کان شجاعا و علی میسرته عدی بن عدی بن عمیرة الکندی و جمع شبیب خیله کلها کبکبة (3) واحدة ثمّ اعترض بها الصف یوجف (4) وجیفا حتّی انتهی إلی زحر بن قیس فنزل زحر فقاتل حتّی صرع و انهزم أصحابه و ظنّ أنّه قد قتل.

فلما کان اللیل و أصابه البرد قام یمشی حتّی دخل قریة فبات بها و حمل منها إلی الکوفة و بوجهه أربع (5) عشرة ضربة فمکث أیاما ثمّ أتی الحجاج و علی وجهه [و جراحه]

(6) القطن فأجلسه معه علی السریر (7) و قال أصحاب شبیب لشبیب

ص :249

و هم یظنون أنهم قد قتلوا زحرا قد هزمنا جندهم و قتلنا أمیرا من أمرائهم عظیما فانصرف بنا الآن موفورین (1) فقال لهم إن (2) قتلکم هذا الرجل (3) و هزیمتکم هذا الجند قد أرعب هؤلاء الأمراء (4) فاقصدوا بنا قصدهم فو اللّه لئن نحن قتلناهم ما دون قتل الحجاج و أخذ الکوفة شیء فقالوا له نحن طوع لأمرک و رأیک فانقض بهم جادا (5) حتّی أتی ناحیة عین (6) التمر و استخبر عن القوم فعرف اجتماعهم فی روذبار (7) فی أسفل الفرات علی رأس أربعة و عشرین فرسخا من الکوفة .و بلغ الحجاج مسیر شبیب إلیهم فبعث إلیهم (8) إن جمعکم قتال فأمیر الناس زائدة بن قدامة .فانتهی (9) إلیهم شبیب و فیهم سبعة أمراء علی جماعتهم زائدة بن قدامة و قد عبی کل أمیر أصحابه علی حدة و هو واقف فی أصحابه فأشرف شبیب علی الناس و هو علی فرس أغر کمیت (10) فنظر إلی تعبیتهم ثمّ رجع إلی أصحابه و أقبل فی ثلاث کتائب یزحف (11) بها حتّی إذا دنا من الناس مضت کتیبة فیها سوید بن سلیم .

ص :250

فوقفت بإزاء میمنة زائدة بن قدامة و فیها زیاد بن عمرو العَتَکِی و مضت کتیبة فیها مصاد أخو شبیب فوقفت بإزاء المیسرة و فیها بشر بن غالب الأسدی و جاء شبیب فی کتیبة حتّی وقف مقابل القوم فی القلب فخرج زائدة بن قدامة یسیر فی الناس بین المیمنة و المیسرة یحرض الناس و یقول عباد اللّه إنکم الطیبون الکثیرون و قد نزل بکم الخبیثون القلیلون فاصبروا جعلت لکم الفداء إنّما هی حملتان أو ثلاث ثمّ هو النصر لیس دونه شیء أ لا ترونهم و اللّه لا یکونون مائتی رجل إنّما هم أکلة رأس (1) و هم السراق المراق إنّما جاءوکم لیهریقوا دماءکم و یأخذوا فیئکم فلا یکونوا علی أخذه أقوی منکم علی منعه و هم قلیل و أنتم کثیر و هم أهل فرقة و أنتم أهل جماعة غضوا الأبصار و استقبلوهم بالأسنة و لا تحملوا علیهم حتّی آمرکم.

ثمّ انصرف إلی موقفه فحمل سوید بن سلیم علی زیاد بن عمرو العتکی فکشف صفه و ثبت زیاد قلیلا ثمّ ارتفع سوید عنهم یسیرا ثمّ کر علیهم ثانیة (2) .

فقال فروة بن لقیط الخارجی (3) اطعنا ذلک الیوم ساعة فصبروا لنا حتّی ظننت أنهم لن یزولوا و قاتل زیاد بن عمرو قتالا شدیدا (4) و لقد رأیت سوید بن سلیم یومئذ و إنّه لأشد العرب قتالا و أشجعهم و هو واقف لا یعرض لهم ثمّ ارتفعنا عنهم فإذا هم یتقوضون فقال بعض أصحابنا لبعض أ لا ترونهم یتقوضون احملوا (5) علیهم فأرسل إلینا شبیب خلوهم لا تحملوا علیهم حتّی یخفوا فترکناهم قلیلا ثمّ حملنا علیهم الثالثة فانهزموا فنظرت إلی زیاد بن عمرو و إنّه لیضرب بالسیوف (6) و ما من سیف یضرب به

ص :251

إلا نبا عنه و لقد اعتوره أکثر من عشرین سیفا و هو مجفف فما ضره شیء منها ثمّ انهزم (1) .

و انتهینا إلی محمّد بن موسی بن طلحة أمیر سجستان عند المغرب و هو قائم فی أصحابه فقاتلناه قتالا شدیدا و صبر لنا.

ثمّ إن مصادا حمل (2) علی بشر بن غالب فی المیسرة فصبر و کرم و أبلی و نزل معه رجال من أهل البصرة نحو خمسین فضاربوا بأسیافهم (3) حتّی قتلوا ثمّ انهزم أصحابه فشددنا علی أبی الضریس فهزمناه ثمّ انتهینا إلی موقف أعین ثم شددنا علی أعین فهزمناهم حتّی انتهینا إلی زائدة بن قدامة فلما انتهوا إلیه نزل و نادی یا أهل الإسلام الأرض الأرض ألا لا یکونون علی کفرهم أصبر منکم علی إیمانکم فقاتلوا عامة اللیل إلی السحر.

ثمّ إن شبیبا شد علی زائدة بن قدامة فی جماعة من أصحابه فقتله و قتل ربضة (4) حوله من أهل الحفاظ و نادی شبیب فی أصحابه ارفعوا السیف و ادعوهم إلی البیعة فدعوهم عند الفجر إلی البیعة.

قال عبد الرحمن (5) بن جندب فکنت فیمن تقدم فبایعه بالخلافة و هو واقف علی

ص :252

فرس أغر کمیت و خیله واقفة دونه و کل من جاء لیبایعه ینزع سیفه عن عاتقه و یؤخذ سلاحه ثمّ یدنو من شبیب فیسلم علیه بإمرة المؤمنین (1) ثمّ یبایع فإنا کذلک إذ أضاء الفجر (2) و محمّد بن موسی بن طلحة فی أقصی العسکر مع أصحابه و کان الحجاج قد جعل موقفه آخر الناس و زائدة بن قدامة بین یدیه و مقام محمّد بن موسی مقام الأمیر علی الجماعة کلها فأمر محمد مؤذنه فأذن فلما سمع شبیب الأذان قال ما هذا قیل هذا ابن طلحة لم یبرح قال ظننت أن حمقه و خیلاءه سیحملانه علی هذا نحوا هؤلاء عنا و انزلوا بنا فلنصل فنزل و أذن هو ثمّ استقدم فصلی بأصحابه و قرأ وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ و أَ رَأَیْتَ الَّذِی یُکَذِّبُ بِالدِّینِ ثم سلم و رکب (3) و أرسل إلی محمّد بن موسی بن طلحة إنک امرؤ مخدوع قد اتقی بک الحجاج المنیة و أنت لی جار بالکوفة و لک حقّ فانطلق لما أمرت به و لک اللّه ألا أسوءک (4) فأبی محاربته (5) فأعاد علیه الرسول فأبی إلاّ قتاله فقال له شبیب کأنّی بأصحابک لو التقت حلقتا (6) البطان قد أسلموک و صرعت مصرع أمثالک فأطعنی و انصرف

ص :253

لشأنک فإنی أنفس بک عن القتل فأبی و خرج بنفسه و دعا إلی البراز فبرز له البطین ثم قعنب بن سوید و هو یأبی إلاّ شبیبا فقالوا لشبیب إنّه قد رغب عنا إلیک قال فما ظنکم بمن یرغب عن الأشراف ثمّ برز له و قال له أنشدک اللّه یا محمد فی دمک فإن لک جوارا فأبی إلاّ قتاله فحمل علیه بعمودة الحدید و کان فیه اثنا عشر رطلا فهشم رأسه و بیضة کانت علیه فقتله و نزل إلیه فکفنه و دفنه و تتبع ما غنم الخوارج من عسکره فبعث به إلی أهله و اعتذر إلی أصحابه و قال هو جاری بالکوفة و لی أن أهب ما غنمت فقال له أصحابه ما دون الکوفة الآن أحد یمنعک فنظر فإذا أصحابه قد فشا فیهم الجراح فقال لیس علیکم أکثر ممّا قد فعلتم (1) .

و خرج بهم علی نفر (2) ثمّ خرج بهم نحو بغداد (3) یطلب خانیجار (4) و بلغ الحجاج أن شبیبا قد أخذ نحو نفر فظن أنّه یرید المدائن و هی باب الکوفة و من أخذ المدائن کان ما فی یدیه من أرض الکوفة أکثر فهال ذلک الحجاج و بعث إلی عثمان بن قطن فسرحه إلی المدائن و ولاه منبرها و الصلاة و معونة جوخی کلها و خراج الأستان فجاء مسرعا حتّی نزل المدائن و عزل الحجاج ابن أبی عصیفیر عن المدائن و کان الجزل مقیما بها یداوی جراحاته و کان ابن أبی عصیفیر یعوده و یکرمه و یلطفه فلما قدم عثمان بن قطن لم یکن یتعاهده و لا یلطفه (5) بشیء فکان الجزل یقول اللّهمّ زد ابن أبی عصیفیر فضلا و کرما و زد عثمان بن قطن ضیقا و بخلا.

ص :254

ثم إن الحجاج دعا عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فقال له انتخب الناس فأخرج ستمائة من قومه من کندة و أخرج من سائر الناس ستة آلاف و استحثه الحجاج علی الشخوص فخرج بعسکره بدیر عبد الرحمن فلما استتموا هناک کتب إلیهم الحجاج کتابا قرئ علیهم.

أما بعد فقد اعتدتم عادة الأذلاء و ولیتم الدبر یوم الزحف دأب الکافرین (1) و قد صفحت عنکم مرة بعد مرة و تارة بعد أخری و إنّی أقسم بالله قسما صادقا لئن عدتم لذلک لأوقعن بکم إیقاعا یکون أشدّ علیکم من هذا العدو الذی تنهزمون (2) منه فی بطون الأودیة و الشعاب و تستترون منه بأثناء (3) الأنْهار و الواذ (4) الجبال فلیخف من کان له معقول (5) علی نفسه و لا یجعل علیها سبیلا فقد أعذر من أنذر و السلام.

و ارتحل عبد الرحمن بالناس حتّی مر بالمدائن فنزل بها یوما لیشتری أصحابه منها حوائجهم ثمّ نادی فی الناس بالرحیل و أقبل حتّی دخل علی عثمان بن قطن مودعا ثمّ أتی الجزل عائدا فسأله عن جراحته و حادثه فقال الجزل یا ابن عم إنک تسیر إلی فرسان العرب و أبناء الحرب و أحلاس (6) الخیل و اللّه لکأنّما خلقوا من ضلوعها ثمّ ربوا (7) علی ظهورها ثمّ هم أسد الأجم الفارس منهم أشدّ من مائة إن لم یبدأ به

ص :255

بدأ هو و إن هجهج (1) أقدم و إنّی قد قاتلتهم و بلوتهم فإذا أصحرت لهم انتصفوا منی و کان لهم الفضل علی و إذا خندقت أو قاتلت فی مضیق نلت منهم ما أحبّ و کانت لی علیهم فلا تلقهم و أنت تستطیع إلاّ و أنت فی تعبیة أو خندق ثمّ ودعه و قال له هذه فرسی الفسیفساء خذها فیها لا تجاری فأخذها ثمّ خرج بالناس نحو شبیب فلما دنا منه ارتفع شبیب عنه إلی دقوقاء و شهرزور فخرج عبد الرحمن فی طلبه حتّی إذا کان علی تخوم تلک الأرض أقام و قال إنّما هو فی أرض الموصل فلیقاتل أمیر الموصل و أهلها عن بلادهم أو فلیدعوا.

و بلغ ذلک الحجاج فکتب إلیه أما بعد فاطلب شبیبا و اسلک فی أثره (2) أین سلک حتّی تدرکه فتقتله أو تنفیه عن الأرض فإنما السلطان سلطان أمیر المؤمنین و الجند جنده و السلام.

فلما قرأ عبد الرحمن کتاب الحجاج خرج فی طلب شبیب فکان شبیب یدعه حتّی إذا دنا منه لیبیته فیجده قد خندق و حذر فیمضی و یترکه فیتبعه عبد الرحمن فإذا بلغ شبیبا أنه قد تحمل و سار یطلبه کر فی الخیل نحوه فإذا انتهی إلیه وجده قد صف خیله و رجالته المرامیة فلا یصیب له غرة و لا غفلة (3) فیمضی و یدعه.

و لما رأی شبیب أنه لا یصیب غرته و لا یصل إلیه صار یخرج کلما دنا منه عبد الرحمن حتی ینزل علی مسیرة عشرین فرسخا ثمّ یقیم فی أرض غلیظة وعرة فیجیء عبد الرحمن فی ثقله و خیله حتّی إذا دنا من شبیب ارتحل فسار عشرین أو خمسة عشر فرسخا فنزل منزلا غلیظا خشنا ثمّ یقیم حتّی یبلغ عبد الرحمن ذلک المنزل ثمّ یرتحل فعذب العسکر و شق علیهم و أحفی دوابهم و لقوا منه کل بلاء.

ص :256

فلم یزل عبد الرحمن یتبعه حتّی صار إلی خَانِقَیْنِ و جَلُولاَء ثم أقبل علی تَامُرَّا (1) فصار إلی البت (2) و نزل علی تخوم الموصل لیس بینه و بین الکوفة إلا نَهْرَ حَوْلاَیَا (3) و جاء عبد الرحمن حتی نزل بشرقی حولایا و هم فی راذان (4) الأعلی من أرض جوخی و نزل فی عواقیل (5) من النهر و نزلها عبد الرحمن حیث نزلها و هی تعجبه یری أنّها مثل الخندق الحصین.

فأرسل شبیب إلی عبد الرحمن أن هذه الأیّام أیّام عید لنا و لکم فإن رأیتم أن توادعونا حتّی تمضی هذه الأیّام فعلتم فأجابه عبد الرحمن إلی ذلک و لم یکن شیء أحبّ إلی عبد الرحمن من المطاولة و الموادعة فکتب عثمان بن قطن إلی الحجاج أما بعد فإنی أخبر الأمیر أصلحه اللّه أن عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث قد حفر جوخی کلها علیه خندقا واحدا و خلی شبیبا و کسر خراجها فهو یأکل أهلها و السلام.

فکتب إلیه الحجاج قد فهمت ما ذکرت و قد لعمری فعل عبد الرحمن فسر إلی الناس فأنت أمیرهم و عاجل المارقة حتی تلقاهم [فإن اللّه إن شاء ناصرک علیهم]

(6) و السلام.

و بعث الحجاج علی المدائن مطرف بن المغیرة بن شعبة و خرج عثمان حتی قدم علی

ص :257

عبد الرحمن و من معه و هم معسکرون علی نهر حولایا قریبا من البت و ذلک یوم الترویة (1) عشاء فنادی فی الناس و هو علی تلعة (2) أیها الناس اخرجوا إلی عدوکم فوثبوا إلیه و قالوا ننشدک اللّه هذا المساء قد غشینا و الناس لم یوطنوا أنفسهم علی القتال فبت اللیلة ثمّ اخرج علی تعبیة فجعل یقول لأناجزنهم اللیلة و لتکونن الفرصة لی أو لهم فأتاه عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فأخذ بعنان بغلته و ناشده اللّه لما نزل و قال له عقیل بن شداد السلونی إن الذی تریده من مناجزتهم الساعة أنت فاعله غدا و هو خیر لک و للناس إن هذه ساعة ریح قد اشتدت مساء فانزل ثمّ أبکر بنا غدوة.

فنزل و سفت علیه الریح و شق علیه الغبار فاستدعی صاحب الخراج علوجا فبنوا له قبة فبات فیها ثمّ أصبح فخرج بالناس فاستقبلتهم ریح شدیدة و غبرة فصاح الناس إلیه و قالوا ننشدک اللّه ألا تخرج بنا فی هذا الیوم فإن الریح علینا فأقام ذلک الیوم.

و کان شبیب یخرج إلیهم فلما رآهم لا یخرجون إلیه أقام فلما کان الغد خرج عثمان یعبئ الناس علی أرباعهم و سألهم من کان علی میمنتکم و میسرتکم فقالوا خالد بن نهیک بن قیس الکندی علی میسرتنا و عقیل بن شداد السلونی علی میمنتنا فدعاهما و قال لهما قفا فی مواقفکما التی کنتما بها فقد ولیتکما المجنبتین فاثبتا و لا تفرا فو اللّه لا أزول حتّی تزول نخیل راذان عن أصولها فقالا نحن و اللّه الذی لا إله إلاّ هو لا نفر حتّی نظفر أو نقتل فقال لهما جزاکما اللّه خیرا ثمّ أقام حتّی صلی بالناس الغداة ثمّ خرج بالخیل فنزل یمشی فی الرجال و خرج شبیب و معه یومئذ مائة و أحد و ثمانون رجلا فقطع إلیهم النهر و کان هو فی میمنة أصحابه و جعل علی المیسرة سوید بن سلیم و جعل فی القلب مصادا أخاه و زحفوا و کان عثمان بن قطن یقول لأصحابه فیکثر قُلْ لَنْ

ص :258

یَنْفَعَکُمُ الْفِرٰارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لاٰ تُمَتَّعُونَ إِلاّٰ قَلِیلاً (1) .

ثمّ قال شبیب لأصحابه إنّی حامل علی میسرتهم ممّا یلی النهر فإذا هزمتها فلیحمل صاحب میسرتی علی میمنتهم و لا یبرح صاحب القلب حتّی یأتیه أمری ثمّ حمل فی میمنة أصحابه ممّا یلی النهر علی میسرة عثمان بن قطن فانهزموا و نزل عقیل بن شداد مع طائفة من أهل الحفاظ فقاتل حتّی قتل و قتلوا معه (2) .

و دخل شبیب عسکرهم و حمل سوید بن سلیم فی میسرة شبیب علی میمنة عثمان بن قطن فهزمها و علیها خالد بن نهیک الکندی فنزل خالد و قاتل قتالا شدیدا فحمل علیه شبیب من ورائه فلم ینثن حتّی علاه بالسیف فقتله و مشی عثمان بن قطن و قد نزلت معه العرفاء و الفرسان و أشراف الناس نحو القلب و فیه أخو شبیب فی نحو من ستین رجلا فلما دنا منهم عثمان شد علیهم فی الأشراف و أهل الصبر فضربهم مصاد و أصحابه حتّی فرقوا بینهم و حمل شبیب من ورائهم بالخیل فما شَعُرُوا إلاّ و الرماح فی أکتافهم تکبهم لوجوههم و عطف علیهم سوید بن سلیم أیضا فی خیله و قاتل عثمان فأحسن القتال.

ثمّ إن الخوارج شدوا علیهم فأحاطوا بعثمان و حمل علیه مصاد أخو شبیب فضربه ضربة بالسیف فاستدار لها و سقط و قال وَ کٰانَ أَمْرُ اللّٰهِ قَدَراً مَقْدُوراً (3) فقتل و قتل معه العرفاء و وجوه الناس و قتل من کندة یومئذ مائة و عشرون رجلا و قتل من سائر الناس نحو ألف و وقع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث إلی الأرض فعرفه

ص :259

ابن أبی سبرة فنزل و أرکبه و صار ردیفا له (1) و قال له عبد الرحمن ناد فی الناس ألحقوا بدیر ابن أبی مریم فنادی بذلک و انطلقا ذاهبین و أمر شبیب أصحابه فرفعوا عن الناس السیف و دعاهم إلی البیعة فأتاه من بقی من الرجال فبایعوه و بات عبد الرحمن بدیر الیعار فأتاه فارسان لیلا فخلا به أحدهما یناجیه طویلا و قام الآخر قریبا منهما ثمّ مضیا و لم یعرفا فتحدث الناس أن المناجی له کان شبیبا و أن الذی کان یرقبهما کان مصادا أخاه و اتهم عبد الرحمن بمکاتبة شبیب من قبل.

ثمّ خرج عبد الرحمن آخر اللیل فسار حتّی أتی دیر ابن أبی مریم فإذا هو بالناس قبله قد سبقوه و قد وضع لهم ابن أبی سبرة صبر الشعیر و ألقت (2) کأنها القصور و نحر لهم من الجزور ما شاءوا و اجتمع الناس إلی عبد الرحمن فقالوا له إن علم شبیب بمکانک أتاک فکنت له غنیمة قد تفرق الناس عنک و قتل خیارهم فالحق أیها الرجل بالکوفة .فخرج و خرج معه الناس حتّی دخل الکوفة مستترا من الحجاج إلی أن أخذ له الأمان بعد ذلک.

ثمّ إن شبیبا اشتد علیه الحرّ و علی أصحابه فأتی ماه بهراذان فصیف (3) بها ثلاثة أشهر و أتاه ناس ممن کان یطلب الدنیا و الغنیمة کثیر و لحق به ناس ممن کان یطلبهم

ص :260

الحجاج بمال و تبعة (1) فمنهم رجل یقال له الحر بن عبد اللّه بن عوف کان قتل دهقانین من أهل نهر درقیط کانا أساءا إلیه و لحق بشبیب حتی شهد معه مواطنه إلی أن هلک و له مقام عند الحجاج و کلام سلم به من القتل و هو أن الحجاج بعد هلاک شبیب أمن کل من خرج إلیه ممن کان یطلبهم الحجاج بمال أو تبعة فخرج إلیه الحر فیمن خرج فجاء أهل الدهقانین یستعدون علیه الحجاج فأحضره و قال یا عدو اللّه قتلت رجلین من أهل الخراج فقال قد کان أصلحک اللّه منی ما هو أعظم من هذا قال و ما هو قال خروجی عن الطاعة و فراقی الجماعة ثمّ إنک أمنت کل من خرج علیک و هذا أمانی و کتابک لی.

فقال الحجاج قد لعمری فعلت ذلک أولی لک و خلی سبیله.

ثمّ لما باخ الحر (2) و سکن عن شبیب خرج من ماه نهروان فی نحو من ثمانمائة رجل فأقبل نحو المدائن و علیها المطرف بن المغیرة بن شعبة فجاء حتّی نزل قناطر حذیفة (3) بن الیمان فکتب ماذراسب (4) و هو عظیم بابل مهروذ إلی الحجاج یخبره خبر شبیب و قدومه إلی قناطر حذیفة فقام الحجاج فی الناس و خطبهم و قال أیها الناس لتقاتلن عن بلادکم و فیئکم أو لأبعثن إلی قوم هم أطوع و أسمع و أصبر علی البلاء (5) منکم فیقاتلون عدوکم و یأکلون فیئکم یعنی جند الشام .فقام إلیه الناس من کل جانب یقولون بل نحن نقاتلهم و نغیث (6) الأمیر لیندبنا إلیهم فإنا حیث یسره.

ص :261

و قام إلیه زُهَرَةُ بنُ حُوَیَّةَ و هو یومئذ شیخ کبیر لا یستتم قائما حتّی یؤخذ بیده فقال أصلح اللّه الأمیر إنک إنّما تبعث الناس متقطعین فاستنفر إلیهم الناس کافة و ابعث علیهم رجلا متینا شجاعا مجربا یری الفرار هضما و عارا و الصبر مجدا و کرما فقال الحجاج فأنت ذاک فاخرج.

فقال أصلح اللّه الأمیر إنّما یصلح لهذا الموقف رجل یحمل الرمح و الدرع و یهز السیف و یثبت علی متن الفرس و أنا لا أطیق ذلک قد ضعفت و ضعف بصری و لکن ابعثنی مع أمیر تعتمده فأکون فی عسکره و أشیر علیه برأیی (1) .

فقال (2) جزاک اللّه عن الإسلام و الطاعة خیرا (3) لقد نصحت و صدقت و أنا مخرج الناس کافة ألا فسیروا أیها الناس.

فانصرف الناس یتجهزون و ینتشرون و لا یدرون من أمیرهم.

و کتب الحجاج إلی عبد الملک أما بعد فإنی أخبر أمیر المؤمنین أکرمه اللّه أن شبیبا قد شارف المدائن و إنّما یرید الکوفة و قد عجز أهل العراق عن قتاله فی مواطن کثیرة فی کلها تقتل أمراؤهم و یفل خیولهم (4) و أجنادهم فإن رأی أمیر المؤمنین أن یبعث إلی جندا من جند الشام لیقاتلوا عدوهم و یأکلوا بلادهم فعل إن شاء اللّه.

فلما أتی عبد الملک کتابه بعث إلیه سفیان بن الأبرد فی أربعة آلاف و بعث إلیه حبیب بن عبد الرحمن [الحکمی]

(5) من (6) مذحج فی ألفین و سرحهم نحوه حین أتاه الکتاب (7) .

ص :262

و قد کان الحجاج بعث إلی عتاب بن ورقاء الریاحی لیأتیه و کان علی خیل الکوفة مع المهلب و دعا الحجاج أشراف أهل الکوفة منهم زهرة بن حویة و قبیصة بن والق فقال من ترون أن أبعث علی هذا الجیش قالوا رأیک أیها الأمیر أفضل قال إنّی قد بعثت إلی عتاب بن ورقاء و هو قادم علیکم اللیلة فیکون هو الذی یسیر بالناس فقال زهرة بن حویة أصلح اللّه الأمیر رمیتهم بحجرهم لا و اللّه لا یرجع إلیک حتّی یظفر أو یقتل.

فقال قبیصة بن والق و إنّی مشیر علیک أیها الأمیر برأی اجتهدته نصیحة لک و لأمیر المؤمنین و لعامة المسلمین إن الناس قد تحدثوا أن جیشا قد وصل إلیک من الشام لأن أهل الکوفة قد هزموا و هان علیهم الفرار و العار من الهزیمة فکأنّما قلوبهم فی صدور قوم آخرین فإن رأیت أن تبعث إلی الجیش الذی قد أمددت به من أهل الشام فلیأخذوا حذرهم و لا یثبتوا بمنزل إلاّ و هم یرون أنهم یبیتون فعلت فإن فعلت فإنک إنّما تحارب حولا قلبا محلالا مظعانا (1) إن شبیبا بینا هو فی أرض إذا هو فی أخری و لا آمن أن یأتیهم و هم غارون فإن یهلکوا یهلک العراق کله.

فقال الحجاج لله أبوک ما أحسن ما رأیت و ما أصح ما أشرت به فبعث إلی الجیش الوارد علیه من الشام کتابا قرءوه و قد نزلوا هیت و هو أمّا بعد فإذا حاذیتم هیت فدعوا طریق الفرات و الأنبار و خذوا علی عین التمر حتی تقدموا الکوفة إن شاء اللّه (2) .

فأقبل القوم سراعا و قدم عتاب بن ورقاء فی اللیلة التی قال الحجاج إنّه فیها قادم فأمره الحجاج فخرج بالناس و عسکر بحمام (3) أعین و أقبل شبیب حتی انتهی

ص :263

إلی کلواذا (1) فقطع منها دجلة و أقبل حتّی نزل بهرسیر (2) و صار بینه و بین مطرف بن المغیرة بن شعبة جسر دجلة فقطع مطرف الجسر و رأی رأیا صالحا کاد به شبیبا حتی حبسه عن وجهه و ذلک أنّه بعث إلیه أن ابعث إلی رجالا من فقهاء أصحابک و قرائهم و أظهر له أنّه یرید أن یدارسهم القرآن و ینظر فیما یدعون إلیه فإن وجد حقا اتبعه فبعث إلیه شبیب رجالا فیهم قعنب و سوید و المحلل و وصاهم ألا یدخلوا السفینة حتّی یرجع رسوله من عند مطرف و أرسل إلی مطرف أن ابعث إلی من أصحابک و وجوه فرسانک بعدة أصحابی لیکونوا رهنا فی یدی حتّی ترد علی أصحابی فقال مطرف لرسوله القه و قل له کیف آمنک الآن علی أصحابی إذ أبعثهم إلیک و أنت لا تأمننی علی أصحابک فأبلغه الرسول فقال قل له قد علمت أنا لا نستحل الغدر فی دیننا و أنتم قوم غدر تستحلون الغدر و تفعلونه فبعث إلیه مطرف جماعة من وجوه أصحابه فلما صاروا فی ید شبیب سرح إلیه أصحابه فعبروا إلیه فی السفینة فأتوه فمکثوا أربعة أیّام یتناظرون و لم یتفقوا علی شیء فلما تبین لشبیب أن مطرفا کاده و أنّه غیر متابع له تعبی للمسیر و جمع إلیه أصحابه و قال لهم إن هذا الثقفی قطعنی عن رأیی منذ أربعة أیّام و ذلک أنی هممت أن أخرج فی جریدة من الخیل حتّی ألقی هذا الجیش المقبل من الشام و أرجو أن أصادف غرتهم قبل أن یحذروا و کنت ألقاهم منقطعین عن المصر لیس علیهم أمیر کالحجاج یستندون إلیه و لا لهم مصر کالکوفة یعتصمون به و قد جاءنی عیون (3) أن أوائلهم قد دخلوا عین التمر فهم الآن قد شارفوا الکوفة و جاءنی أیضا عیون (4) من نحو عتاب أنه نزل بحمام أعین بجماعة أهل الکوفة (5) و أهل البصرة فما أقرب ما بیننا و بینهم فتیسروا بنا للمسیر إلی عتاب .

ص :264

و کان عتاب حینئذ قد أخرج معه خمسین ألفا من المقاتلة و هددهم الحجاج إن هربوا کعادة أهل الکوفة و توعدهم و عرض شبیب أصحابه بالمدائن فکانوا ألف رجل فخطبهم و قال یا معشر المسلمین إن اللّه عزّ و جلّ کان ینصرکم و أنتم مائة و مائتان و الیوم فأنتم مئون [و مئون]

(1) ألا و إنّی مصل الظهر ثمّ سائر بکم إن شاء اللّه.

فصلی الظهر ثمّ نادی فی الناس فتخلف عنه بعضهم.

قال فروة بن (2) لقیط فلما جاز ساباط و نزلنا معه قص علینا و ذکرنا بأیام اللّه و زهدنا فی الدنیا و رغبنا فی الآخرة ثمّ أذن مؤذنه فصلی بنا العصر ثمّ أقبل حتّی أشرف علی عتاب بن ورقاء فلما رأی جیش عتاب نزل من ساعته و أمر مؤذنه فأذن ثمّ تقدم فصلی بأصحابه صلاة المغرب (3) و خرج عتاب بالناس کلهم فعبأهم و کان قد خندق علی نفسه مذ یوم نزل.

و جعل علی میمنته محمّد بن عبد الرحمن بن سعید بن قیس الهمدانی قال له یا ابن أخی إنک شریف فاصبر و صابر فقال أما أنا فو اللّه لأقاتلن ما ثبت معی إنسان.

و قال لقبیصة بن والق التغلبی (4) اکفنی المیسرة فقال (5) أنا شیخ کبیر غایتی أن أثبت تحت رایتی أ ما ترانی لا أستطیع القیام إلاّ أن أقام و أخی نعیم بن علیم ذو غناء فابعثه علی المیسرة فبعثه علیها (6) و بعث حنظلة بن الحارث الریاحی ابن عمه و شیخ

ص :265

أهل بیته علی الرجالة و بعث معه ثلاثة صفوف صف فیه الرجالة و معهم السیوف و صف هم أصحاب الرماح و صف فیه المرامیة.

ثمّ سار عتاب بین المیمنة و المیسرة یمر بأهل رایة رایة فیحرض من تحتها علی الصبر و من کلامه یومئذ إن أعظم الناس نصیبا من الجنة الشهداء و لیس اللّه لأحد أمقت منه لأهل البغی أ لا ترون عدوکم هذا یستعرض المسلمین بسیفه لا یری ذلک إلاّ قربة لهم فهم شرار أهل الأرض و کلاب أهل النار فلم یجبه أحد فقال أین القصاص یقصون علی الناس و یحرضونهم فلم یتکلم أحد فقال أین من یروی شعر عنترة فیحرک الناس فلم یجبه أحد و لا ردّ علیه کلمة فقال لا حول و لا قوة إلاّ بالله و اللّه لکأنّی بکم و قد تفرقتم عن عتاب و ترکتموه تسفی فی استه الریح ثمّ أقبل حتّی جلس فی القلب و معه زهرة بن حویة و عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث .و أقبل شبیب فی ستمائة و قد تخلف عنه من الناس أربعمائة فقال إنّه لم یتخلف عنی إلاّ من لا أحبّ أن أراه معی فبعث سوید بن سلیم فی مائتین إلی المیسرة و بعث المحلل بن وائل فی مائتین إلی القلب و مضی هو فی مائتین إلی المیمنة و ذلک بین المغرب و العشاء الآخرة حین أضاء القمر فناداهم لمن هذه الرایات قالوا رایات همدان .فقال رایات طالما نصرت الحق و طالما نصرت الباطل لها فی کل (1) نصیب أنا أبو المدلة اثبتوا إن شئتم ثمّ حمل علیهم و هم علی مسناة أمام الخندق ففضهم و ثبت أصحاب رایات قبیصة بن والق .فجاء شبیب فوقف علیه و قال لأصحابه مثل هذا قوله تعالی وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ

ص :266

نَبَأَ الَّذِی آتَیْنٰاهُ آیٰاتِنٰا فَانْسَلَخَ مِنْهٰا فَأَتْبَعَهُ اَلشَّیْطٰانُ فَکٰانَ مِنَ الْغٰاوِینَ (1) .

ثم حمل علی المیسرة ففضها و صمد نحو القلب و عتاب جالس علی طنفسة هو و زهرة بن حویة فغشیهم شبیب فانفض الناس عن عتاب و ترکوه فقال عتاب یا زهرة هذا یوم کثر فیه العدد و قل فیه الغناء لهفی علی خمسمائة فارس من وجوه الناس أ لا صابر لعدوه أ لا مواس بنفسه فمضی الناس علی وجوههم فلما دنا منه شبیب وثب إلیه فی عصابة قلیلة صبرت معه فقال له بعضهم إن عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث قد هرب و انصفق معه ناس کثیر فقال أما إنّه قد فر قبل الیوم و ما رأیت مثل ذلک الفتی ما یبالی ما صنع ثمّ قاتلهم ساعة و هو یقول ما رأیت کالیوم قط موطنا لم أبل بمثله أقل ناصرا و لا أکثرها ربا خاذلا فرآه رجل من بنی تغلب من أصحاب شبیب و کان أصاب دما فی قومه و التحق بشبیب فقال إنّی لأظن هذا المتکلم عتاب بن ورقاء فحمل علیه فطعنه فوقع و قتل و وطئت الخیل زهرة بن حویة فأخذ یذبب بسیفه و هو شیخ کبیر لا یستطیع أن ینهض فجاءه الفضل بن عامر الشیبانی فقتله و انتهی إلیه شبیب فوجده صریعا فعرفه فقال من قتل هذا قال الفضل أنا قتلته فقال شبیب هذا زهرة بن حویة أما و اللّه لئن کنت قتلت علی ضلالة لرب یوم من أیام المسلمین قد حسن فیه بلاؤک و عظم فیه غناؤک و لرب خیل للمشرکین هزمتها و سریة لهم ذعرتها و مدینة لهم فتحتها ثمّ کان فی علم اللّه أن تقتل ناصرا للظالمین.

و قتل یومئذ وجوه العرب من عسکر العراق فی المعرکة و استمکن شبیب من أهل العسکر فقال ارفعوا عنهم السیف و دعاهم إلی البیعة فبایعه الناس عامة من ساعتهم و احتوی علی جمیع ما فی العسکر و بعث إلی أخیه و هو بالمدائن فأتاه فأقام بموضع المعرکة یومین و دخل سفیان بن الأبرد الکلبی و حبیب بن عبد الرحمن فیمن معهما

ص :267

إلی الکوفة فشدوا ظهر الحجاج و استغنی بهم عن أهل العراق و وصلته أخبار عتاب و عسکره فصعد المنبر فقال یا أهل الکوفة لا أعز اللّه من أراد بکم العز و لا نصر من أراد منکم النصر اخرجوا عنا فلا تشهدوا معنا قتال عدونا و الحقوا بالحیرة فانزلوا مع الیهود و النصاری (1) و لا یقاتلن معنا إلاّ من لم یشهد قتال عتاب بن ورقاء (2) .و خرج شبیب یرید الکوفة فانتهی إلی سورا (3) فقال لأصحابه أیکم یأتینی برأس عاملها فانتدب إلیه قُطَیْنٌ و قَعْنَبُ و سُوَیْدٌ و رجلان من أصحاب شبیب فکانوا خمسة و ساروا حتّی انتهوا إلی دار الخراج و العمّال فیها فقالوا أجیبوا الأمیر فقال الناس أی أمیر قالوا أمیر قد خرج من قبل الحجاج یرید هذا الفاسق شبیبا فاغتر بذلک عامل سورا فخرج إلیهم فلما خالطهم شهروا السیوف و حکموا و خبطوه بها حتّی قتلوه و قبضوا ما وجدوا فی دار الخراج من مال و لحقوا بشبیب .فلما رأی شبیب البدر قال أتیتمونا بفتنة المسلمین هلم یا غلام الحربة فخرق بها البدر و أمر أن تنخس الدوابّ التی کانت البدر علیها فمرت رائحة و المال یتناثر من البدر حتّی وردت الصراة فقال إن کان بقی شیء فاقذفوه فی الماء.

و قال سفیان بن الأبرد للحجاج ابعثنی إلی شبیب أستقبله قبل أن یرد الکوفة فقال لا ما أحبّ أن نفترق حتّی ألقاه فی جماعتکم و الکوفة فی ظهرنا و أقبل شبیب حتی نزل حمام أعین و دعا الحجاج الحارث بن معاویة بن أبی زرعة بن مسعود الثقفی فوجهه فی ناس لم یکونوا شهدوا یوم عتاب فخرج فی ألف رجل حتّی انتهی إلی شَبِیبٍ لیدفعه عن الکوفة فلما رآه شبیب حمل علیه فقتله و فل أصحابه فجاءوا حتّی دخلوا

ص :268

الکوفة و بعث شبیب البطین فی عشرة فوارس یَرْتَادُونَ له منزلا علی شاطئ الفرات فی دار الرزق فوجه الحجاج حوشب بن یزید فی جمع من أهل الکوفة فأخذوا بأفواه السکک فقاتلهم البطین فلم یقو علیهم فبعث إلی شبیب فأمده بفوارس من أصحابه فعقروا فرس حوشب و هزموه فنجا بنفسه و مضی البطین إلی دار الرزق فی أصحابه و نزل شبیب بها و لم یوجه إلیه الحجاج أحدا فابتنی مسجدا فی أقصی السبخة و أقام ثلاثا لم یوجه إلیه الحجاج أحدا و لا یخرج إلیه من أهل الکوفة و لا من أهل الشام أحد و کانت امرأته غزالة نذرت أن تصلی فی مسجد الکوفة رکعتین تقرأ فیهما بالبقرة و آل عمران (1) .فجاء شبیب مع امرأته حتّی أوفت بنذرها فی المسجد و أشیر علی الحجاج أن یخرج بنفسه إلیه فقال لقتیبة بن مسلم إنی خارج فاخرج أنت فارتد لی معسکرا فخرج و عاد فقال وجدت المدی سهلا فسر أیها الأمیر علی اسم اللّه و الطائر المیمون فخرج الحجاج بنفسه و مر علی مکان فیه کناسة و أقذار فقال ألقوا لی هنا بساطا فقیل له إن الموضع قذر فقال ما تدعونی إلیه أقذر الأرض تحته طیبة و السماء فوقه طیبة.

و وقف هناک و أخرج مولی له یعرف بأَبِی الوَرْدِ و علیه تِجْفَافٌ (2) و أحاط به غلمان کثیر و قیل هذا الحجاج فحمل علیه شبیب فقتله و قال إن یکن الحجاج فقد أرحت الناس (3) منه و دلف الحجاج نحوه حینئذ و علی میمنته مطر بن ناجیة و علی میسرته خالد بن عتاب بن ورقاء و هو فی زهاء أربعة آلاف فقیل له أیها الأمیر لا نعرف

ص :269

شبیبا بمکانک فتنکر و أخفی مکانه و تشبه به مولی آخر للحجاج فی هیئته و زیه فحمل علیه شبیب فضربه بالعمود فقتله و یقال إنّه قال لما سقط أَخْ بالخاء المعجمة فقال شبیب قاتل اللّه ابن أم الحجاج اتقی الموت بالعبید و ذلک أن العرب تقول عند التأوه أح بالحاء المهملة.

ثمّ تشبه بالحجاج أعین صاحب حمام أعین و لبس لبسته فحمل علیه شبیب فقتله فقال الحجاج علی بالبغل لأرکبه فأتی ببغل محجل و قیل أیها الأمیر أصلحک اللّه إن الأعاجم کانت تتطیر أن ترکب مثل هذا البغل فی مثل هذا الیوم فقال أدنوه منی فإنّه أَغَرُّ مُحَجَّلٌ و هذا یوم أغر محجل فرکبه ثمّ سار فی الناس یمینا و شمالا ثمّ قال اطرحوا لی عباءة فطرحت له فنزل فجلس علیها ثمّ قال ائتونی بکرسی فأتی به فقام فجلس علیه ثمّ نادی أهل الشام فقال یا أهل الشام یا أهل السمع و الطاعة لا یغلبن باطل هؤلاء الأَرْجَاسِ حقَّکم غُضُّوا الأبصارَ و اجْثُوا علی الرُّکَبِ و استقبلوا القوم بأطراف الأَسِنَّة فَجَثَوْا علی الرُّکَبِ و کأنهم حرة سوداء.

و منذ هذا الوقت رَکَدَتْ رِیحُ شَبِیبٍ و أَذِنَ اللّه تعالی فی إدبار أمره و انقضاء أیامه فأقبل حتّی إذا دنا من أهل الشام عبی أصحابه ثلاثة کرادیس کتیبة معه و کتیبة مع سوید بن سلیم و کتیبة مع المُحَلَّلِ بن وائِل و قال لسوید احمل علیهم فی خیلک فحمل علیهم فثبتوا له حتّی إذا غشی أطراف أسنتهم وثبوا فی وجهه فقاتلهم طویلا فصبروا له ثمّ طاعنوه قدما قدما حتّی ألحقوه بأصحابه.

فلما رأی شبیب صبرهم نادی یا سوید احمل فی خیلک فی هذه الرایات الأخری لعلک تزیل أهلها فتأتی الحجاج من ورائه و نحمل نحن علیه من أمامه فحمل سوید علی تلک الرایات و هی بین جدران الکوفة فرمی بالحجارة من سطوح البیوت و من أفواه السکک فانصرف و لم یظفروا.

ص :270

و رماه عُروةُ بن المغیرة بن شعبة بالسهام و قد کان الحَجَّاج جعله فی ثلاثمائة رامٍ من أهل الشام ردءا له کی لا یؤتی من ورائه فصاح شَبِیب فی أصحابه.

یا أهل الإسلام إنّما شریتم لله و من یکن شراؤه لله لم یضرّه ما أصابه من ألم و أذی (1) لله أبوکم الصبر الصبر شدة کشداتکم الکریمة فی مواطنکم المشهورة.

فشدوا شدة عظیمة فلم یزل أهل الشام عن مراکزهم فقال شبیب الأرض دَبُّوا دَبِیباً تحت تراسکم حتّی إذا صارت أسنة أصحاب الحجاج فوقها فأذلقوها صعدا و ادخلوا تحتها و اضربوا سوقهم و أقدامهم و هی الهزیمة بإذن اللّه فأقبلوا یدبون دبیبا تحت الحجف صمدا صمدا نحو أصحاب الحجاج .فقال خالد بن عتاب بن ورقاء أیها الأمیر أنا موتور و لا أتهم فی نصیحتی (2) فأذن لی حتّی آتیهم من ورائهم فأغیر علی معسکرهم و ثقلهم فقال افعل ذلک (3) فخرج فی جمع من موالیه و شاکریته (4) و بنی عمه حتّی صار من ورائهم فالتقی بمصاد أخی شبیب فقتله و قتل غزالة امرأة شبیب و ألقی النار فی معسکرهم و التفت شبیب و الحجاج فشاهدا النار فأما الحجاج فکبر و کبر أصحابه و أما شبیب فوثب هو و کل راجل من أصحابه علی خیولهم مرعوبین فقال الحجاج لأصحابه شدوا علیهم فقد أتاهم ما أرعبهم فشدوا علیهم فهزموهم و تخلف شبیب فی خاصّة الناس حتّی خرج من الجسر و تبعه خیل الحجاج و غشیه النعاس فجعل یخفق برأسه و الخیل تطلبه.

قال أصغر الخارجی (5) کنت معه ذلک الیوم فقلت یا أمیر المؤمنین التفت

ص :271

فانظر من خلفک فالتفت غیر مکترث و جعل (1) یخفق برأسه قال و دنوا منا فقلت یا أمیر المؤمنین قد دنا القوم منک فالتفت و اللّه ثانیة غیر مکترث بهم و جعل یخفق برأسه و بعث الحجاج خیلا ترکض تقول دعوه یذهب فی حرق اللّه فترکوه و انصرفوا عنه (2) .

و مضی شبیب بأصحابه حتّی قطعوا جسر المدائن فدخلوا دیرا هناک و خالد بن عتاب یقفوهم فحصرهم فی الدیر فخرج شبیب إلیه فهزمه و أصحابه نحوا من فرسخین حتّی ألقی خالد نفسه فی دجلة هو و أصحابه بخیولهم فمر به شبیب فرآه فی دجلة و لواؤه فی یده فقال قاتله اللّه فارسا و قاتل فرسه فرس هذا أشدّ الناس قوة و فرسه أقوی فرس فی الأرض و انصرف فقیل له بعد انصرافه إن الفارس الذی رأیت هو خالد بن عتاب بن ورقاء فقال معرق فی الشجاعة لو علمت لأقحمت خلفه و لو دخل النار .

ثمّ دخل الحجاج الکوفة بعد هزیمة شبیب فصعد المنبر و قال و اللّه ما قوتل شبیب قط قبل الیوم ولی هاربا و ترک امرأته یکسر فی استها القصب.

ثمّ دعا حبیب بن عبد الرحمن فبعثه فی أثره فی ثلاثة آلاف من أهل الشام و قال احذر بیاته و حیثما لقیته فنازله فإن اللّه تعالی قد فل حده و قصم نابه فخرج حبیب فی أثره حتّی نزل الأنبار و بعث الحجاج إلی العمّال أن دسوا إلی أصحاب شبیب من جاءنا منکم فهو آمن فکان کل من لیست له بصیرة فی دین الخوارج ممن هزه (3) القتال و کرهه ذلک الیوم یجیء فیؤمن و قبل ذلک کان الحجاج نادی یوم هزم شبیب من جاءنا فهو آمن فتفرق عن شبیب ناس کثیر من أصحابه.

ص :272

و بلغ شبیبا منزل حبیب بن عبد الرحمن بالأنبار فأقبل بأصحابه حتّی دنا منه فقال یزید السکسکی (1) کنت مع أهل الشام بالأنبار لیلة جاءنا شبیب فبیتنا فلما أمسینا جمعنا حبیب بن عبد الرحمن فجعلنا أرباعا و جعل علی کل ربع أمیرا و قال لنا لیَحْمِ (2) کل ربع منکم جانبه فإن قتل هذا الربع فلا یعنهم الربع الآخر فإنّه بلغنی أن الخوارج منکم قریب فوطنوا أنفسکم علی أنکم مبیتون فمقاتلون قال فما زلنا علی تعبیتنا حتّی جاءنا شبیب تلک اللیلة فبیتنا فشد علی (3) ربع منا فصابرهم طویلا فما زالت قدم إنسان منهم ثمّ ترکهم و أقبل إلی ربع آخر فقاتلهم طویلا فلم یظفر بشیء ثمّ طاف بنا یحمل علینا ربعا ربعا حتّی ذهب ثلاثة أرباع اللیل (4) و لصق بنا (5) حتّی قلنا لا یفارقنا ثمّ ترجل فنازلنا راجلا نزالا طویلا هو و أصحابه فسقطت و اللّه بیننا و بینهم الأیدی و الأرجل و فقئت الأعین و کثرت القتلی فقتلنا منهم نحو ثلاثین و قتلوا منا نحو مائة و أیم اللّه لو کانوا أکثر من مائتی رجل لأهلکونا ثمّ فارقونا و قد مللناهم و ملونا و کرهناهم و کرهونا و لقد رأیت الرجل منا یضرب الرجل منهم بالسیف فما یضرّه من الإعیاء و الضعف و لقد رأیت الرجل منا یقاتل جالسا ینفخ بسیفه ما یستطیع أن یقوم من الإعیاء و البهر حتّی رکب شبیب و قال لأصحابه الذین نزلوا معه ارکبوا و توجه بهم منصرفا عنا.

فقال فَرْوَةُ بن لَقِیطٍ الخارجی و کان شهد معه مواطنه کلها قال لنا لیلتئذ و قد رأی

ص :273

بنا کآبة ظاهرة و جراحات شدیدة ما أشدّ هذا الذی بنا لو کنا نطلب الدنیا و ما أیسر هذا فی طاعة اللّه و ثوابه فقال أصحابه صدقت یا أمیر المؤمنین.

قال فروة بن لقیط و سمعته تلک اللیلة یحدث سوید بن سلیم و یقول له لقد قتلت منهم أمس رجلین من أشجع (1) الناس خرجت عشیة أمس طلیعة لکم فلقیت منهم ثلاثة نفر دخلوا قریة یشترون منها حوائجهم فاشتری أحدهم حاجته و خرج قبل أصحابه فخرجت معه فقال لی أراک لم تشتر علفا (2) فقلت إن لی رفقاء قد کفونی ذلک ثمّ قلت له أین تری عدونا [هذا نزل]

(3) فقال بلغنی أنّه قد نزل قریبا منا و أیم اللّه لوددت أنی لقیت شبیبهم هذا قلت أ فتحب ذلک قال إی و اللّه قلت فخذ حذرک فأنا و اللّه شبیب و انتضیت السیف فخر و اللّه میتا فقلت له ارتفع ویحک و ذهبت أنظر فإذا هو قد مات]

(4) فانصرفت راجعا فاستقبلت الآخر خارجا من القریة فقال أین تذهب هذه الساعة التی یرجع فیها الناس إلی معسکرهم فلم أکلمه و مضیت فنفرت بی فرسی و ذهبت تتمطر (5) فإذا به فی أثری حتّی لحقنی فعطفت علیه و قلت ما بالک قال أظنک و اللّه من عدونا قلت أجل و اللّه قال إذا لا تبرح حتّی أقتلک أو تقتلنی فحملت علیه و حمل علی فاضطربنا بسیفینا ساعة فو اللّه ما فضلته فی شدة نفس و لا إقدام إلاّ أن سیفی کان أقطع من سیفه فقتلته.

و بلغ شبیبا أن جند الشام الذی مع حبیب حملوا معهم حجرا و حلفوا لا یفرون حتّی یفر هذا الحجر فأراد أن یکذبهم فعمد إلی أربعة أفراس و ربط فی أذنابها ترسة

ص :274

فی ذَنَب کل فرس تُرسَین ثمّ ندب ثمانیة نفر من أصحابه و غلاما له یقال له حیان کان شجاعا فاتکا و أمره أن یحمل معه إداوة من ماء ثمّ سار لیلا حتّی أتی ناحیة من عسکر أهل الشام فأمر أصحابه أن یکونوا فی نواحی العسکر الأربع و أن یکون مع کل رجلین فرس ثمّ یلبسوها الحدید حتّی تجد حره ثمّ یخلوها فی العسکر و واعدهم تلعة قریبة من العسکر و قال من نجا منکم فإن موعده التلعة فکره أصحابه الإقدام علی ما أمرهم فنزل بنفسه حتّی صنع بالخیل ما أمرهم به حتّی دخلت فی العسکر و دخل هو یتلوها و یشد خلفها شدا محکما فتفرقت فی نواحی العسکر و اضطرب الناس فضرب بعضهم بعضا و ماجوا و نادی حبیب بن عبد الرحمن ویحکم إنها مکیدة فالزموا الأرض حتّی یتبین لکم الأمر ففعلوا و حصل شبیب بینهم فلزم الأرض معهم حتّی رآهم قد سکنوا و قد أصابته ضربة عمود أوهنته.

فلما هدأ الناس و رجعوا إلی مراکزهم خرج فی غمارهم حتّی أتی التلعة فإذا مولاه حیان فقال أفرغ ویحک علی رأسی من هذه الإداوة فلما مد رأسه لیصب علیه من الماء هم حیان بضرب عنقه و قال لنفسه لا أجد مکرمة لی و لا ذکرا أرفع من هذا فی هذه الخلوة و هو أمانی من الحجاج فأخذته الرعدة حین هم بما هم به فلما أبطأ علیه قال له ویحک ما انتظارک بحلها ناولنیها و تناول السکین من موزجه (1) فخرقها به ثمّ ناوله إیاها فأفرغ علیه من الماء فکان حیان بعد ذلک یقول لقد هممت فأخذتنی الرعدة فجبنت عنه و ما کنت أعهد نفسی جبانا.

ثمّ إن الحجاج أخرج الناس إلی شبیب و قسم فیهم أموالا عظیمة و أعطی الجرحی و کل ذی بلاء و أمر سفیان بن الأبرد أن یسیر بهم فشق ذلک علی حبیب

ص :275

بن عبد الرحمن و قال تبعث سفیان إلی رجل قد فللته و قتلت فرسانه و کان شبیب قد أقام بکرمان حتی جبر و استراش هو و أصحابه فمضی سفیان بالرجال و استقبله شبیب بدجیل الأهواز و علیه جسر معقود فعبر إلی سفیان فوجده قد نزل بالرجال و جعل مهاصر (1) بن صیفی علی خیله و بشر بن حسان (2) الفهری علی میمنته و عمر بن هبیرة الفزاریّ علی میسرته و أقبل شبیب فی ثلاثة کرادیس هو فی کتیبة و سوید بن سلیم فی کتیبة و قعنب فی کتیبة و خلف المحلل فی عسکره فلما حمل سوید و هو فی میمنته علی میسرة سفیان و قعنب و هو فی میسرته علی میمنة سفیان حمل هو علی سفیان ثم اضطربوا ملیا حتّی رجعت الخوارج إلی مکانها الذی کانوا فیه.

فقال یزید السکسکی و کان من أصحاب سفیان یومئذ کر علینا شبیب و أصحابه أکثر من ثلاثین کرة و لا یزول من صفنا أحد فقال لنا سفیان لا تحملوا علیهم متفرقین و لکن لتزحف علیهم الرجال زحفا ففعلنا و ما زلنا نطاعنهم حتّی اضطررناهم إلی الجسر فقاتلونا علیه أشدّ قتال یکون لقوم قط ثمّ نزل شبیب و نزل معه نحو مائة رجل فما هو إلاّ أن نزلوا حتّی أوقعوا بنا من الضرب و الطعن شیئا ما رأینا مثله قط و لا ظنناه یکون فلما رأی سفیان أنه لا یقدر علیهم و لا یأمن ظفرهم دعا الرماة فقال ارشقوهم بالنبل و ذلک عند المساء و کان الالتقاء ذلک الیوم نصف النهار فرشقهم أصحابه و قد کان سفیان صفهم علی حدة و علیهم أمیر فلما رَشَقُوهُمْ شدوا علیهم فشددنا نحن و شغلناهم عنهم فلما رأوا ذلک رکب شبیب و أصحابه و کروا علی أصحاب النبل کرة شدیدة صرعوا منهم فیها أکثر من ثلاثین رامیا ثمّ عطف علینا یطاعننا بالرماح حتّی اختلط الظلام ثمّ انصرف عنا فقال سفیان بن الأبرد لأصحابه

ص :276

یا قوم دعوهم لا تتبعوهم یا قوم دعوهم لا تتبعوهم حتّی نصبحهم قال فکففنا عنهم و لیس شیء أحبّ إلینا من أن ینصرفوا عنا.

قال فروة بن لقیظ الخارجی فلما انتهینا إلی الجسر قال شبیب اعبروا معاشر المسلمین فإذا أصبحنا باکرناهم إن شاء اللّه تعالی قال فعبرنا أمامه و تخلف فی آخرنا و أقبل یعبر الجسر و تحته حصان جموح و بین یدیه فرس أنثی ماذیانة فنزا حصانه علیها و هو علی الجسر فاضطربت الماذیانة و زل حافر فرس شبیب عن حرف السفینة فسقط فی الماء فسمعناه یقول لما سقط لِیَقْضِیَ اللّٰهُ أَمْراً کٰانَ مَفْعُولاً (1) و اغتمس (2) فی الماء ثمّ ارتفع فقال ذٰلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ (3) ثم اغتمس فی الماء فلم یرتفع.

هکذا روی أکثر الناس و قال قوم إنّه کان مع شبیب رجال کثیر بایعوه فی الوقائع التی کان یهزم الجیش فیها و کانت بیعتهم إیاه علی غیر بصیرة و قد کان أصاب عشائرهم و ساداتهم فهم منه موتورون فلما تخلف فی أخریات الناس یومئذ قال بعضهم لبعض هل لکم أن نقطع به الجسر فندرک ثارنا الساعة فقالوا هذا هو الرأی فقطعوا الجسر فمالت به السفینة ففزع حصانه و نفر فسقط فی الماء و غرق.

و الروایة الأولی أشهر فحدث قوم من أصحاب سفیان قالوا سمعنا صوت الخوارج یقولون غرق أمیر المؤمنین فعبرنا إلی عسکرهم فإذا هو لیس فیه صافر (4) و لا أثر فنزلنا فیه و طلبنا شبیبا حتی استخرجناه من الماء و علیه الدرع فیزعم الناس أنهم

ص :277

شقوا بطنه و أخرجوا قلبه فکان مجتمعا صلبا کالصخرة و أنّه کان یضرب به الأرض فینبو و یثب قامة الإنسان.

و یحکی أن أم شبیب کانت لا تصدق أحدا نعاه إلیها و قد کان قیل لها مرارا إنّه قد قتل فلا تقبل فلما قیل لها إنّه قد غرق بکت فقیل لها فی ذلک فقالت رأیت فی المنام حین ولدته أنّه خرج من فرجی نار ملأت الآفاق ثمّ سقطت فی ماء فخمدت فعلمت أنّه لا یهلک إلاّ بالغرق (1)

و هذا آخر الجزء الرابع من شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید و یتلوه الجزء الخامس إن شاء اللّه (2)

ص :278