ص :2

لَمُقَارِبُونَ وَ إِنْ قَاتَلْنَاهُمْ لاَ نَعْلَمُ عَلَی مَنْ تَکُونُ الدَّائِرَةُ فَهَلُمَّ لِنَکْتُبَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع بِخَبَرِهِمْ وَ قَدْحِهِمْ وَ بِمَنْزِلِهِمُ الَّذِی هُمْ بِهِ.

فَکَتَبَا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع (1) أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا نُخْبِرُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنَّ شِیعَةَ عُثْمَانَ وَثَبُوا بِنَا وَ أَظْهَرُوا أَنَّ مُعَاوِیَةَ قَدْ شَیَّدَ أَمْرَهُ وَ اتَّسَقَ لَهُ أَکْثَرُ النَّاسِ وَ إِنَّا سِرْنَا إِلَیْهِمْ بِشِیعَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ مَنْ کَانَ عَلَی طَاعَتِهِ وَ إِنَّ ذَلِکَ أَحْمَشَهُمْ (2) وَ أَلَبَّهُمْ فَعَبَّئُوا (3) لَنَا وَ تَدَاعَوْا عَلَیْنَا مِنْ کُلِّ أَوْبٍ وَ نَصَرَهُمْ عَلَیْنَا مَنْ لَمْ یَکُنْ لَهُ رَأْیٌ فِیهِمْ إِرَادَةَ أَنْ یَمْنَعَ حَقَّ اللَّهِ الْمَفْرُوضَ عَلَیْهِ وَ لَیْسَ یَمْنَعُنَا مِنْ مُنَاجَزَتِهِمْ إِلاَّ انْتِظَارُ أَمْرِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ أَدَامَ اللَّهُ عِزَّهُ وَ أَیَّدَهُ وَ قَضَی لَهُ بِالْأَقْدَارِ الصَّالِحَةِ فِی جَمِیعِ أُمُورِهِ وَ السَّلاَمُ.

فَلَمَّا وَصَلَ کِتَابُهُمَا سَاءَ عَلِیّاً ع وَ أَغْضَبَهُ وَ کَتَبَ إِلَیْهِمَا مِنْ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ سَعِیدِ بْنِ نِمْرَانَ سَلاَمُ اللَّهِ عَلَیْکُمَا فَإِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْکُمَا اللَّهَ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ أَتَانِی کِتَابَکُمَا تَذْکُرَانِ فِیهِ خُرُوجَ هَذِهِ الْخَارِجَةِ وَ تُعَظِّمَانِ مِنْ شَأْنِهَا صَغِیراً وَ تُکْثِرَانِ مِنْ عَدَدِهَا قَلِیلاً وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ نَخَبَ (4) أَفْئِدَتِکُمَا وَ صِغَرَ أَنْفُسِکُمَا وَ شَتَاتَ رَأْیِکُمَا وَ سُوءَ تَدْبِیرِکُمَا هُوَ الَّذِی أَفْسَدَ عَلَیْکُمَا مَنْ لَمْ یَکُنْ عَلَیْکُمَا فَاسِداً وَ جزأ [جَرَّأَ]

عَلَیْکُمَا مَنْ کَانَ عَنْ لِقَائِکُمَا جَبَاناً فَإِذَا قَدِمَ رَسُولِی عَلَیْکُمَا فَامْضِیَا إِلَی الْقَوْمِ حَتَّی تَقْرَءَا عَلَیْهِمْ کِتَابِی إِلَیْهِمْ وَ تَدْعُوَاهُمْ إِلَی حَظِّهِمْ وَ تَقْوَی رَبِّهِمْ فَإِنْ أَجَابُوا حَمِدْنَا اللَّهَ وَ قَبِلْنَاهُمْ وَ إِنْ حَارَبُوا اسْتَعَنَّا بِاللَّهِ عَلَیْهِمْ وَ نَابَذْنَاهُمْ عَلیٰ سَوٰاءٍ إِنَّ اللّٰهَ لاٰ یُحِبُّ الْخٰائِنِینَ قَالُوا وَ قَالَ عَلِیٌّ ع لِیَزِیدَ بْنِ قَیْسٍ الْأَرْحَبِیِّ أَ لاَ تَرَی إِلَی مَا صَنَعَ قَوْمُکَ

ص :4

فَقَالَ إِنَّ ظَنِّی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ بِقَوْمِی لَحَسَنٌ فِی طَاعَتِکَ فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ إِلَیْهِمْ فَکَفَیْتُهُمْ وَ إِنْ شِئْتَ کَتَبْتَ إِلَیْهِمْ فَتَنْظُرُ مَا یُجِیبُونَکَ فَکَتَبَ عَلِیٌّ ع إِلَیْهِمْ (1) مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی مَنْ شَاقَّ وَ غَدَرَ مِنْ أَهْلِ اَلْجُنْدِ وَ صَنْعَاءَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الَّذِی لاَ یُعَقَّبُ لَهُ حُکْمٌ وَ لاَ یُرَدُّ لَهُ قَضَاءٌ وَ لاٰ یُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِینَ وَ قَدْ بَلَغَنِی تَجَرُّؤُکُمْ وَ شِقَاقُکُمْ وَ إِعْرَاضُکُمْ عَنْ دِینِکُمْ بَعْدَ الطَّاعَةِ وَ إِعْطَاءِ الْبَیْعَةِ فَسَأَلْتُ أَهْلَ الدِّینِ الْخَالِصِ وَ الْوَرَعِ الصَّادِقِ وَ اللُّبِّ الرَّاجِحِ عَنْ بَدْءِ مُحَرِّکِکُمْ وَ مَا نَوَیْتُمْ بِهِ وَ مَا أَحْمَشَکُمْ لَهُ فَحُدِّثْتُ عَنْ ذَلِکَ بِمَا لَمْ أَرَ لَکُمْ فِی شَیْءٍ مِنْهُ عُذْراً مُبَیِّناً وَ لاَ مَقَالاً جَمِیلاً وَ لاَ حُجَّةً ظَاهِرَةً فَإِذَا أَتَاکُمْ رَسُولِی فَتَفَرَّقُوا وَ انْصَرِفُوا إِلَی رِحَالِکُمْ أَعْفُ عَنْکُمْ وَ أَصْفَحْ عَنْ جَاهِلِکُمْ وَ أَحْفَظْ قَاصِیَکُمْ وَ أَعْمَلْ فِیکُمْ بِحُکْمِ اَلْکِتَابِ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاسْتَعِدُّوا لِقُدُومِ جَیْشٍ جَمِّ الْفُرْسَانِ عَظِیمِ الْأَرْکَانِ یَقْصِدُ لِمَنْ طَغَی وَ عَصَی (2) فَتُطْحَنُوا کَطَحْنِ الرَّحَی فَمَنْ أَحْسَنَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَسٰاءَ فَعَلَیْهٰا وَ مٰا رَبُّکَ بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِیدِ .

وَ وَجَّهَ الْکِتَابَ مَعَ رَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ فَقَدِمَ عَلَیْهِمْ بِالْکِتَابِ فَلَمْ یُجِیبُوهُ إِلَی خَیْرٍ فَقَالَ لَهُمْ إِنِّی تَرَکْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ یُرِیدُ أَنْ یُوَجِّهَ إِلَیْکُمْ یَزِیدَ بْنَ قَیْسٍ الْأَرْحَبِیَّ فِی جَیْشٍ کَثِیفٍ فَلَمْ یَمْنَعْهُ إِلاَّ انْتِظَارُ جَوَابِکُمْ فَقَالُوا نَحْنُ سَامِعُونَ مُطِیعُونَ إِنْ عَزَلَ عَنَّا هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ عُبَیْدَ اللَّهِ وَ سَعِیداً .فَرَجَعَ اَلْهَمْدَانِیُّ مِنْ عِنْدِهِمْ إِلَی عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ الْقَوْمِ.

قَالُوا وَ کَتَبَتْ تِلْکَ الْعِصَابَةُ حِینَ جَاءَهَا کِتَابُ عَلِیٍّ ع إِلَی مُعَاوِیَةَ یُخْبِرُونَهُ وَ کَتَبُوا فِی کِتَابِهِمْ مُعَاوِیَّ إِلاَّ تُسْرِعِ السَّیْرَ نَحْوَنَا نُبَایِعْ عَلِیّاً أَوْ یَزِیدَ الْیَمَانِیَا .

ص :5

فَلَمَّا قَدِمَ کِتَابُهُمْ دَعَا بُسْرَ بْنَ أَبِی أَرْطَاةَ وَ کَانَ قَاسِیَ الْقَلْبِ فَظّاً سَفَّاکاً لِلدِّمَاءِ لاَ رَأْفَةٌ عِنْدَهُ وَ لاَ رَحْمَةٌ فَأَمَرَهُ أَنْ یَأْخُذَ طَرِیقَ اَلْحِجَازِ وَ اَلْمَدِینَةِ وَ مَکَّةَ حَتَّی یَنْتَهِیَ إِلَی اَلْیَمَنِ وَ قَالَ لَهُ لاَ تَنْزِلْ عَلَی بَلَدٍ أَهْلُهُ عَلَی طَاعَةِ عَلِیٍّ إِلاَّ بَسَطْتَ عَلَیْهِمْ لِسَانَکَ حَتَّی یَرَوْا أَنَّهُمْ لاَ نَجَاةَ لَهُمْ وَ أَنَّکَ مُحِیطٌ بِهِمْ ثُمَّ اکْفُفْ عَنْهُمْ وَ ادْعُهُمْ إِلَی الْبَیْعَةِ لِی فَمَنْ أَبَی فَاقْتُلْهُ وَ اقْتُلْ شِیعَةَ عَلِیٍّ حَیْثُ کَانُوا

.

194

1- وَ رَوَی إِبْرَاهِیمُ بْنُ هِلاَلٍ الثَّقَفِیُّ فِی کِتَابِ اَلْغَارَاتِ عَنْ یَزِیدَ بْنِ جَابِرٍ الْأَزْدِیِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِیَّ یُحَدِّثُ فِی خِلاَفَةِ عَبْدِ الْمَلِکِ قَالَ لَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعِینَ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِالشَّامِ أَنَّ عَلِیّاً ع یَسْتَنْفِرُ النَّاسَ بِالْعِرَاقِ فَلاَ یَنْفِرُونَ مَعَهُ وَ تَذَاکَرُوا أَنْ قَدِ اخْتَلَفَتْ أَهْوَاؤُهُمْ وَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَیْنَهُمْ قَالَ فَقُمْتُ فِی نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ إِلَی اَلْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ فَقُلْنَا لَهُ إِنَّ النَّاسَ لاَ یَشُکُّونَ فِی اخْتِلاَفِ النَّاسِ عَلَی عَلِیٍّ ع بِالْعِرَاقِ فَادْخُلْ إِلَی صَاحِبِکَ فَمُرْهُ فَلْیَسِرْ بِنَا إِلَیْهِمْ قَبْلَ أَنْ یَجْتَمِعُوا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ أَوْ یُصْلِحَ لِصَاحِبِهِمْ مَا قَدْ فَسَدَ عَلَیْهِ مِنْ أَمْرِهِ فَقَالَ بَلَی لَقَدْ قَاوَلْتُهُ فِی ذَلِکَ وَ رَاجَعْتُهُ وَ عَاتَبْتُهُ حَتَّی لَقَدْ بَرِمَ بِی وَ اسْتَثْقَلَ طَلْعَتِی وَ أَیْمُ اللَّهِ عَلَی ذَلِکَ مَا أَدَعُ أَنْ أُبَلِّغَهُ مَا مَشَیْتُمْ (1) إِلَیَّ فِیهِ.

فَدَخَلَ عَلَیْهِ فَخَبَّرَهُ بِمَجِیئِنَا إِلَیْهِ وَ مَقَالَتِنَا لَهُ فَأَذِنَ لَنَا فَدَخَلْنَا عَلَیْهِ فَقَالَ مَا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِی جَاءَنِی بِهِ عَنْکُمْ اَلْوَلِیدُ فَقُلْنَا هَذَا خَبَرٌ فِی النَّاسِ سَائِرٌ فَشَمِّرْ لِلْحَرْبِ وَ نَاهِضِ الْأَعْدَاءَ وَ اهْتَبِلِ الْفُرْصَةَ وَ اغْتَنِمِ الْغِرَّةَ فَإِنَّکَ لاَ تَدْرِی مَتَی تَقْدِرُ عَلَی عَدُوِّکَ عَلَی مِثْلِ حَالِهِمُ الَّتِی هُمْ عَلَیْهَا وَ أَنْ تَسِیرَ إِلَی عَدُوِّکَ أَعَزُّ لَکَ مِنْ أَنْ یَسِیرُوا إِلَیْکَ وَ اعْلَمْ

ص :6

وَ اللَّهِ أَنَّهُ لَوْ لاَ تَفَرُّقُ النَّاسِ عَنْ صَاحِبِکَ لَقَدْ نَهَضَ إِلَیْکَ فَقَالَ لَنَا مَا أَسْتَغْنِی عَنْ رَأْیِکُمْ وَ مَشُورَتِکُمْ وَ مَتَی أَحْتَجْ إِلَی ذَلِکَ مِنْکُمْ أَدْعُکُمْ إِنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِینَ تَذْکُرُونَ تَفَرُّقَهُمْ عَلَی صَاحِبِهِمْ وَ اخْتِلاَفَ أَهْوَائِهِمْ لَمْ یَبْلُغْ ذَلِکَ عِنْدِی بِهِمْ أَنْ أَکُونَ أَطْمَعُ فِی اسْتِئْصَالِهِمْ وَ اجْتِیَاحِهِمْ وَ أَنْ أَسِیرَ إِلَیْهِمْ مُخَاطِراً بِجُنْدِی لاَ أَدْرِی عَلَیَّ تَکُونُ الدَّائِرَةُ أَمْ لِی فَإِیَّاکُمْ وَ اسْتِبْطَائِی فَإِنِّی آخُذُ بِهِمْ فِی وَجْهٍ هُوَ أَرْفَقُ بِکُمْ وَ أَبْلَغُ فِی هَلَکَتِهِمْ قَدْ شَنَنْتُ عَلَیْهِمُ الْغَارَاتِ مِنْ کُلِّ جَانِبٍ فَخَیْلِی مَرَّةً بِالْجَزِیرَةِ وَ مَرَّةً بِالْحِجَازِ وَ قَدْ فَتَحَ اللَّهُ فِیمَا بَیْنَ ذَلِکَ مِصْرَ فَأَعَزَّ بِفَتْحِهَا وَلِیَّنَا وَ أَذَلَّ بِهِ عَدُوَّنَا فَأَشْرَافُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ لَمَّا یَرَوْنَ مِنْ حُسْنِ صَنِیعِ اللَّهِ لَنَا یَأْتُونَنَا عَلَی قَلاَئِصِهِمْ فِی کُلِّ الْأَیَّامِ وَ هَذَا مِمَّا یَزِیدُکُمُ اللَّهُ بِهِ وَ یَنْقُصُهُمْ وَ یُقَوِّیکُمْ وَ یُضَعِّفُهُمْ وَ یُعِزُّکُمْ وَ یُذِلُّهُمْ فَاصْبِرُوا وَ لاَ تَعْجَلُوا فَإِنِّی لَوْ رَأَیْتُ فُرْصَتِی لاَهْتَبَلْتُهَا.

فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ وَ نَحْنُ نَعْرِفُ الْفَصْلَ (1) فِیمَا ذَکَرَ فَجَلَسْنَا نَاحِیَةً وَ بَعَثَ مُعَاوِیَةُ عِنْدَ خُرُوجِنَا مِنْ عِنْدِهِ إِلَی بُسْرِ بْنِ أَبِی أَرْطَاةَ فَبَعَثَهُ فِی ثَلاَثَةِ آلاَفٍ وَ قَالَ سِرْ حَتَّی تَمُرَّ بِالْمَدِینَةِ فَاطْرُدِ النَّاسَ وَ أَخِفْ مَنْ مَرَرْتَ بِهِ وَ انْهَبْ أَمْوَالَ کُلِّ مَنْ أَصَبْتَ لَهُ مَالاً مِمَّنْ لَمْ یَکُنْ دَخَلَ فِی طَاعَتِنَا فَإِذَا دَخَلْتَ اَلْمَدِینَةَ فَأَرِهِمْ أَنَّکَ تُرِیدُ أَنْفُسَهُمْ وَ أَخْبِرْهُمْ أَنَّهُ لاَ بَرَاءَةَ لَهُمْ عِنْدَکَ وَ لاَ عُذْرَ حَتَّی إِذَا ظَنُّوا أَنَّکَ مُوقِعٌ بِهِمْ فَاکْفُفْ عَنْهُمْ ثُمَّ سِرْ حَتَّی تَدْخُلَ مَکَّةَ وَ لاَ تَعْرِضْ فِیهَا لِأَحَدٍ وَ أَرْهِبِ النَّاسَ عَنْکَ فِیمَا بَیْنَ اَلْمَدِینَةِ وَ مَکَّةَ وَ اجْعَلْهَا شَرْداً حَتَّی تَأْتِیَ صَنْعَاءَ وَ اَلْجُنْدَ فَإِنَّ لَنَا بِهِمَا شِیعَةً وَ قَدْ جَاءَنِی کِتَابُهُمْ.

فَخَرَجَ بُسْرٌ فِی ذَلِکَ الْبَعْثِ حَتَّی أَتَی دَیْرَ مَرْوَانَ فَعَرَضَهُمْ فَسَقَطَ مِنْهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ فَمَضَی فِی أَلْفَیْنِ وَ سِتِّمِائَةٍ فَقَالَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ أَشَرْنَا عَلَی مُعَاوِیَةَ بِرَأْیِنَا أَنْ یَسِیرَ

ص :7

إِلَی اَلْکُوفَةِ فَبَعَثَ الْجَیْشَ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَمَثَلُنَا وَ مَثَلُهُ کَمَا قَالَ الْأَوَّلُ أُرِیهَا السُّهَا وَ تُرِینِی الْقَمَرَ. (1)

فَبَلَغَ ذَلِکَ مُعَاوِیَةَ فَغَضِبَ وَ قَالَ وَ اللَّهِ لَقَدْ هَمَمْتُ بِمَسَاءَةِ هَذَا الْأَحْمَقِ الَّذِی لاَ یُحْسِنُ التَّدْبِیرَ وَ لاَ یَدْرِی سِیَاسَةَ الْأُمُورِ ثُمَّ کَفَّ عَنْهُ

.

قلت الولید کان لشدة بغضه علیا ع القدیم التالد لا یری الأناة فی حربه و لا یستصلح الغارات علی أطراف بلاده و لا یشفی غیظه و لا یبرد حزازات قلبه إلاّ باستئصاله نفسه بالجیوش و تسییرها إلی دار ملکه و سریر خلافته و هی الکوفة و أن یکون معاویة بنفسه هو الذی یسیر بالجیوش إلیه لیکون ذلک أبلغ فی هلاک علی ع و اجتثاث أصل سلطانه و معاویة کان یری غیر هذا الرأی و یعلم أن السیر بالجیش للقاء علی ع خطر عظیم فاقتضت المصلحة عنده و ما یغلب علی ظنه من حسن التدبیر أن یثبت بمرکزه بالشام فی جمهور جیشه و یسرب الغارات علی أعمال علی ع و بلاده فتجوس خلال الدیار و تضعفها فإذا أضعفتها أضعفت بیضة ملک علی ع لأن ضعف الأطراف یوجب ضعف البیضة و إذا أضعفت البیضة کان علی بلوغ إرادته و المسیر حینئذ إن استصوب المسیر أقدر.

و لا یلام الولید علی ما فی نفسه فإن علیا ع قتل أباه عقبة بن أبی معیط صبرا (2) یوم بدر و سمی الفاسق (3) بعد ذلک فی القرآن لنزاع وقع بینه و بینه

ص :8

ثم جلده الحدّ فی خلافة عثمان و عزله عن الکوفة و کان عاملها و ببعض هذا عند العرب أرباب الدین و التقی تستحل المحارم و تستباح الدماء و لا تبقی مراقبة فی شفاء الغیظ لدین و لا لعقاب و لا لثواب فکیف الولید المشتمل علی الفسوق و الفجور مجاهرا بذلک و کان من المؤلّفة قلوبهم مطعونا فی نسبه مرمیا (1) بالإلحاد و الزندقة .

قال إبراهیم بن هلال روی عوانة عن الکلبی و لوط بن یحیی أن بسرا لما أسقط من أسقط من جیشه سار بمن تخلف معه و کانوا إذا وردوا ماء أخذوا إبل أهل ذلک الماء فرکبوها و قادوا خیولهم حتّی یردوا الماء الآخر فیردون تلک الإبل و یرکبون إبل هؤلاء فلم یزل یصنع ذلک حتّی قرب إلی المدینة .

قال و قد روی أن قضاعة استقبلتهم ینحرون لهم الجزر حتّی دخلوا المدینة قال فدخلوها و عامل علی ع علیها أبو أیوب الأنصاری صاحب منزل رسول اللّه ص فخرج عنها هاربا و دخل بسر المدینة فخطب الناس و شتمهم و تهددهم یومئذ و توعدهم و قال شاهت الوجوه إن اللّه تعالی یقول وَ ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً قَرْیَةً کٰانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً یَأْتِیهٰا رِزْقُهٰا (2) الآیة و قد أوقع اللّه تعالی ذلک المثل بکم و جعلکم أهله کان بلدکم مهاجر النبیّ ص و منزله و فیه قبره و منازل الخلفاء من بعده فلم تشکروا نعمة ربکم و لم ترعوا حق نبیکم و قتل خلیفة اللّه بین أظهرکم فکنتم بین قاتل و خاذل و متربص و شامت إن کانت للمؤمنین قلتم أَ لَمْ نَکُنْ مَعَکُمْ وَ إِنْ کٰانَ لِلْکٰافِرِینَ نَصِیبٌ قلتم أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَیْکُمْ وَ نَمْنَعْکُمْ مِنَ

ص :9

الْمُؤْمِنِینَ ثم شتم الأنصار فقال یا معشر الیهود و أبناء العبید بنی زریق و بنی النجار و بنی سلمة و بنی عبد الأشهل أما و اللّه لأوقعن بکم وقعة تشفی غلیل صدور المؤمنین و آل عثمان أما و اللّه لأدعنکم أحادیث کالأمم السالفة (1) .

فتهددهم حتّی خاف الناس أن یوقع بهم ففزعوا إلی حویطب بن عبد العزی و یقال إنّه زوج أمه فصعد إلیه المنبر فناشده و قال عترتک و أنصار رسول اللّه و لیسوا بقتلة عثمان فلم یزل به حتّی سکن و دعا الناس إلی بیعة معاویة فبایعوه و نزل فأحرق دورا کثیرة منها دار زرارة بن حرون أحد بنی عمرو بن عوف و دار رفاعة بن رافع الزرقی و دار أبی أیوب الأنصاری و تفقد جابر بن عبد اللّه فقال ما لی لا أری جابرا یا بنی سلمة لا أمان لکم عندی أو تأتونی بجابر فعاذ جابر بأم سلمة رضی اللّه عنها فأرسلت إلی بسر بن أرطاة فقال لا أؤمنه حتّی یبایع فقالت له أم سلمة اذهب فبایع و قالت لابنها عمر اذهب فبایع فذهبا فبایعاه (2) .

قال إبراهیم و روی الولید بن کثیر عن وهب بن کیسان قال سمعت جابر بن عبد اللّه الأنصاری یقول لما خفت بسرا و تواریت عنه قال لقومی لا أمان لکم عندی حتّی یحضر جابر فأتونی و قالوا ننشدک اللّه لما انطلقت معنا فبایعت فحقنت دمک و دماء قومک فإنک إن لم تفعل قتلت مقاتلینا و سبیت ذرارینا فاستنظرتهم اللیل فلما أمسیت دخلت علی أم سلمة فأخبرتها الخبر فقالت یا بنی انطلق فبایع احقن دمک و دماء قومک فإنی قد أمرت ابن أخی أن یذهب فیبایع و إنّی لأعلم أنّها بیعة ضلالة.

ص :10

قال إبراهیم فأقام بسر بالمدینة أیاما ثمّ قال لهم إنّی قد عفوت عنکم و إن لم تکونوا لذلک بأهل ما قوم قتل إمامهم بین ظهرانیهم بأهل أن یکف عنهم العذاب و لئن نالکم العفو منی فی الدنیا إنّی لأرجو ألا تنالکم رحمة اللّه عزّ و جلّ فی الآخرة و قد استخلفت علیکم أبا هریرة فإیاکم و خلافه ثمّ خرج إلی مکّة .

قال إبراهیم روی الولید بن هشام قال أقبل بسر فدخل المدینة فصعد منبر الرسول ص ثم قال یا أهل المدینة خضبتم لحاکم و قتلتم عثمان مخضوبا و اللّه لا أدع فی المسجد مخضوبا إلاّ قتلته ثمّ قال لأصحابه خذوا بأبواب المسجد و هو یرید أن یستعرضهم فقام إلیه عبد اللّه بن الزبیر و أبو قیس أحد بنی عامر بن لؤی فطلبا إلیه حتّی کف عنهم و خرج إلی مکّة فلما قرب منها هرب قثم بن العبّاس و کان عامل علی ع و دخلها بسر فشتم أهل مکّة و أنبهم ثمّ خرج عنها و استعمل علیها شیبة بن عثمان .

قال إبراهیم و قد روی عوانة عن الکلبی أن بسرا لما خرج من المدینة إلی مکّة قتل فی طریقه رجالا و أخذ أموالا و بلغ أهل مکّة خبره فتنحی عنها عامة أهلها و تراضی الناس بشیبة بن عثمان أمیرا لما خرج قثم بن العبّاس عنها و خرج إلی بسر قوم من قریش فتلقوه فشتمهم ثمّ قال أما و اللّه لو ترکت و رأیی فیکم لترکتکم و ما فیکم روح تمشی علی الأرض فقالوا ننشدک اللّه فی أهلک و عترتک فسکت ثمّ دخل و طاف بالبیت و صلی رکعتین ثمّ خطبهم فقال الحمد لله الذی أعز دعوتنا و جمع ألفتنا و أذل (1) عدونا بالقتل و التشرید هذا ابن أبی طالب بناحیة العراق فی ضنک و ضیق قد ابتلاه اللّه بخطیئته و أسلمه بجریرته

ص :11

فتفرق عنه أصحابه ناقمین علیه و ولی الأمر معاویة الطالب بدم عثمان فبایعوا و لا تجعلوا علی أنفسکم سبیلا فبایعوا.

و تفقد سعید بن العاص فطلبه فلم یجده و أقام أیاما ثمّ خطبهم فقال یا أهل مکّة إنی قد صفحت عنکم فإیاکم و الخلاف فو اللّه إن فعلتم لأقصدن منکم إلی التی تبیر الأصل و تحرب المال و تخرب الدیار.

ثمّ خرج إلی الطائف فکتب إلیه المغیرة بن شعبة حین خرج من مکّة إلیها أما بعد فقد بلغنی مسیرک إلی الحجاز و نزولک مکّة و شدتک علی المریب و عفوک عن المسیء و إکرامک لأولی النهی فحمدت رأیک فی ذلک فدم علی صالح ما کنت علیه فإن اللّه عزّ و جلّ لن یزید بالخیر أهله إلاّ خیرا جعلنا اللّه و إیاک من الآمرین بالمعروف و القاصدین إلی الحق وَ الذّٰاکِرِینَ اللّٰهَ کَثِیراً قال و وجه رجلا من قریش إلی تبالة و بها قوم من شیعة علی ع و أمره بقتلهم فأخذهم و کلم فیهم و قیل له هؤلاء قومک فکف عنهم حتّی نأتیک بکتاب من بسر بأمانهم فحبسهم و خرج منیع الباهلی من عندهم إلی بسر و هو بالطائف یستشفع إلیه فیهم فتحمل علیه بقوم من الطائف فکلموه فیهم و سألوه الکتاب بإطلاقهم فوعدهم و مطلهم بالکتاب حتّی ظنّ أنّه قد قتلهم القرشیّ المبعوث لقتلهم و أن کتابه لا یصل إلیهم حتّی یقتلوا ثمّ کتب لهم فأتی منیع منزله و کان قد نزل علی امرأة بالطائف و رحله عندها فلم یجدها فی منزلها فوطئ علی ناقته بردائه و رکب فسار یوم الجمعة و لیلة السبت لم ینزل عن راحلته قط فأتاهم ضحوة و قد أخرج القوم لیقتلوا و استبطئ کتاب بسر فیهم فقدم رجل منهم فضربه رجل من أهل الشام فانقطع سیفه فقال الشامیون بعضهم لبعض شمسوا سیوفکم حتّی تلین فهزوها و تبصر منیع

ص :12

الباهلی بریق السیوف فألمع بثوبه فقال القوم هذا راکب عنده خیر فکفوا و قام به بعیره فنزل عنه و جاء علی رجلیه یشتد فدفع الکتاب إلیهم فأطلقوا و کان الرجل المقدم الذی ضرب بالسیف فانکسر السیف أخاه.

قال إبراهیم و روی علی بن مجاهد عن ابن إسحاق أن أهل مکّة لما بلغهم ما صنع بسر خافوه و هربوا فخرج ابنا عبید اللّه بن العبّاس و هما سلیمان و داود و أمهما جویریة ابنة خالد بن قرظ الکنانیة و تکنی أم حکیم و هم حلفاء بنی زهرة و هما غلامان مع أهل مکّة فأضلوهما عند بئر میمون بن الحضرمی و میمون هذا هو أخو العلاء بن الحضرمی و هجم علیهما بسر فأخذهما و ذبحهما فقالت أمهما (1) ها من أحس بابنی اللذین هما

ص :13

و قد روی أن اسمهما قثم و عبد الرحمن و روی أنهما ضلا فی أخوالهما من بنی کنانة و روی أن بسرا إنّما قتلهما بالیمن و أنهما ذبحا علی درج صنعاء (1) .

و روی عبد الملک بن نوفل بن مساحق عن أبیه أن بسرا لما دخل الطائف و قد کلمه المغیرة قال له لقد صدقتنی و نصحتنی فبات بها و خرج منها و شیعه المغیرة ساعة ثمّ ودعه و انصرف عنه فخرج حتّی مر ببنی کنانة و فیهم ابنا عبید اللّه بن العبّاس و أمهما فلما انتهی بسر إلیهم طلبهما فدخل رجل من بنی کنانة و کان أبوهما أوصاه بهما فأخذ السیف من بیته و خرج فقال له بسر ثکلتک أمک و اللّه ما کنا أردنا قتلک فلم عرضت نفسک للقتل قال أقتل دون جاری أعذر لی عند اللّه و الناس ثمّ شد علی أصحاب بسر بالسیف حاسرا و هو یرتجز آلیت لا یمنع حافات الدار و لا یموت مصلتا دون الجار (2) إلا فتی أروع غیر غدار.

فضارب بسیفه حتّی قتل ثمّ قدم الغلامان فقتلا فخرج نسوة من بنی کنانة فقالت امرأة منهن هذه الرجال یقتلها فما بال الولدان و اللّه ما کانوا یقتلون فی جاهلیة و لا إسلام و اللّه إن سلطانا لا یشتد إلاّ بقتل الضرع الضعیف و الشیخ الکبیر و رفع الرحمة و قطع الأرحام لسلطان سوء فقال بسر و اللّه لهممت أن أضع فیکن السیف قالت و اللّه إنّه لأحب إلی إن فعلت.قال إبراهیم و خرج بسر من الطائف فأتی نجران فقتل عبد اللّه بن عبد المدان و ابنه مالکا و کان عبد اللّه هذا صهرا لعبید اللّه بن العبّاس ثم جمعهم و قام فیهم و قال

ص :14

یا أهل نجران یا معشر النصاری و إخوان القرود أما و اللّه إن بلغنی عنکم ما أکره لأعودن علیکم بالتی تقطع النسل و تهلک الحرث و تخرب الدیار.

و تهددهم طویلا ثمّ سار حتّی بلغ أرحب فقتل أبا کرب و کان یتشیع و یقال إنّه سید من کان بالبادیة من همدان فقدمه فقتله.

و أتی صنعاء و قد خرج عنها عبید اللّه بن العبّاس و سعید بن نمران و قد استخلف عبید اللّه علیها عمرو بن أراکة الثقفی فمنع بسرا من دخولها و قاتله فقتله بسر و دخل صنعاء فقتل منها قوما و أتاه وفد مأرب فقتلهم فلم ینج منهم إلاّ رجل واحد و رجع إلی قومه فقال لهم أنعی قتلانا شیوخا و شبانا.

قال إبراهیم و هذه الأبیات المشهورة لعبد اللّه بن أراکة الثقفی یرثی بها ابنه عمرا (1) لعمری لقد أردی ابن أرطاة فارسا

قال

195

1- وَ رَوَی نُمَیْرُ بْنُ وَعْلَةَ عَنْ أَبِی وَدَّاکٍ (2) قَالَ کُنْتُ عِنْدَ عَلِیٍّ ع لَمَّا قَدِمَ عَلَیْهِ سَعِیدُ بْنُ نِمْرَانَ اَلْکُوفَةَ فَعَتَبَ عَلَیْهِ وَ عَلَی عُبَیْدِ اللَّهِ أَلاَّ یَکُونَا قَاتَلاَ بُسْراً

ص :15

فَقَالَ سَعِیدٌ قَدْ وَ اللَّهِ قَاتَلْتُ وَ لَکِنَّ اِبْنَ عَبَّاسٍ خَذَلَنِی وَ أَبَی أَنْ یُقَاتِلَ وَ لَقَدْ خَلَوْتُ بِهِ حِینَ دَنَا مِنَّا بُسْرٌ فَقُلْتُ إِنَّ اِبْنَ عَمِّکَ لاَ یَرْضَی مِنِّی وَ مِنْکَ بِدُونِ الْجِدِّ فِی قِتَالِهِمْ قَالَ لاَ وَ اللَّهِ مَا لَنَا بِهِمْ طَاقَةٌ وَ لاَ یَدَانِ فَقُمْتُ فِی النَّاسِ فَحَمِدْتُ اللَّهَ ثُمَّ قُلْتُ یَا أَهْلَ اَلْیَمَنِ مَنْ کَانَ فِی طَاعَتِنَا وَ عَلَی بَیْعَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَإِلَیَّ إِلَیَّ فَأَجَابَنِی مِنْهُمْ عِصَابَةٌ فَاسْتَقْدَمْتُ بِهِمْ فَقَاتَلْتُ قِتَالاً ضَعِیفاً وَ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنِّی وَ انْصَرَفْتُ

.

قال ثمّ خرج بسر من صنعاء فأتی أهل جیشان (1) و هم شیعة لعلی ع فقاتلهم و قاتلوه فهزمهم و قتلهم قتلا ذریعا ثمّ رجع إلی صنعاء فقتل بها مائة شیخ من أبناء فارس لأن ابنی عبید اللّه بن العبّاس کانا مستترین فی بیت امرأة من أبنائهم تعرف بابنة بزرج .

196

1- وَ قَالَ اَلْکَلْبِیُّ وَ أَبُو مِخْنَفٍ فَنَدَبَ عَلِیٌّ ع أَصْحَابَهُ لِبَعْثِ سَرِیَّةٍ فِی إِثْرِ بُسْرٍ فَتَثَاقَلُوا وَ أَجَابَهُ جَارِیَةُ بْنُ قُدَامَةَ السَّعْدِیُّ فَبَعَثَهُ فِی أَلْفَیْنِ فَشَخَصَ إِلَی اَلْبَصْرَةِ ثُمَّ أَخَذَ طَرِیقَ اَلْحِجَازِ حَتَّی قَدِمَ اَلْیَمَنَ وَ سَأَلَ عَنْ بُسْرٍ فَقِیلَ أَخَذَ فِی بِلاَدِ بَنِی تَمِیمٍ فَقَالَ أَخَذَ فِی دِیَارِ قَوْمٍ یَمْنَعُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ بَلَغَ بُسْراً مَسِیرُ جَارِیَةَ فَانْحَدَرَ إِلَی اَلْیَمَامَةِ وَ أَغَذَّ جَارِیَةُ بْنُ قُدَامَةَ السَّیْرَ مَا یَلْتَفِتُ إِلَی مَدِینَةٍ مَرَّ بِهَا وَ لاَ أَهْلِ حِصْنٍ وَ لاَ یَعْرُجُ عَلَی شَیْءٍ إِلاَّ أَنْ یُرْمِلَ (2) بَعْضُ أَصْحَابِهِ مِنَ الزَّادِ فَیَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِمُوَاسَاتِهِ أَوْ یَسْقُطُ بَعِیرُ رَجُلٍ أَوْ تَحْفَی دَابَّتُهُ فَیَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِأَنْ یُعْقِبُوهُ حَتَّی انْتَهَوْا إِلَی أَرْضِ اَلْیَمَنِ فَهَرَبَتْ شِیعَةُ عُثْمَانَ حَتَّی لَحِقُوا بِالْجِبَالِ وَ اتَّبَعَهُمْ شِیعَةُ عَلِیٍّ ع وَ تَدَاعَتْ عَلَیْهِمْ مِنْ کُلِّ جَانِبٍ وَ أَصَابُوا مِنْهُمْ وَ صَمَدَ (3) نَحْوَ بُسْرٍ وَ بُسْرٌ بَیْنَ یَدَیْهِ یَفِرُّ مِنْ جِهَةٍ إِلَی جِهَةٍ أُخْرَی حَتَّی أَخْرَجَهُ مِنْ أَعْمَالِ عَلِیٍّ ع کُلِّهَا.

فَلَمَّا فَعَلَ بِهِ ذَلِکَ أَقَامَ جَارِیَةُ بِحَرَسَ نَحْواً مِنْ شَهْرٍ حَتَّی اسْتَرَاحَ وَ أَرَاحَ أَصْحَابُهُ وَ وَثَبَ النَّاسُ بِبُسْرٍ فِی طَرِیقِهِ لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ بَیْنِ یَدَیْ جَارِیَةَ لِسُوءِ سِیرَتِهِ وَ فَظَاظَتِهِ وَ ظُلْمِهِ وَ غَشْمِهِ وَ أَصَابَ بَنُو تَمِیمٍ ثِقْلاً مِنْ ثِقْلِهِ فِی بِلاَدِهِ وَ صَحِبَهُ إِلَی مُعَاوِیَةَ لِیُبَایِعَهُ عَلَی الطَّاعَةِ اِبْنُ مُجَّاعَةَ

ص :16

رَئِیسُ اَلْیَمَامَةِ فَلَمَّا وَصَلَ بُسْرٌ إِلَی مُعَاوِیَةَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هَذَا اِبْنُ مُجَّاعَةَ قَدْ أَتَیْتُکَ بِهِ فَاقْتُلْهُ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ تَرَکْتَهُ لَمْ تَقْتُلْهُ ثُمَّ جِئْتَنِی بِهِ فَقُلْتَ اقْتُلْهُ لاَ لَعَمْرِی لاَ أَقْتُلُهُ ثُمَّ بَایَعَهُ وَ وَصَلَهُ وَ أَعَادَهُ إِلَی قَوْمِهِ.

وَ قَالَ بُسْرٌ أَحْمَدُ اللَّهَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنِّی سِرْتُ فِی هَذَا الْجَیْشِ أَقْتُلُ عَدُوَّکَ ذَاهِباً جَائِیاً لَمْ یَنْکُبْ رَجُلٌ مِنْهُمْ نَکْبَةً فَقَالَ مُعَاوِیَةُ اللَّهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِکَ لاَ أَنْتَ-

.

و کان الذی قتل بسر فی وجهه ذلک ثلاثین ألفا و حرق قوما بالنار فقال یزید بن مفرغ تعلق من أسماء ما قد تعلقا

و روی أبو الحسن المدائنی قال اجتمع عبید اللّه بن العبّاس و بسر بن أرطاة یوما عند معاویة بعد صلح الحسن ع فقال له ابن عبّاس أنت أمرت اللعین السیئ الفدم أن یقتل ابنی فقال ما أمرته بذلک و لوددت أنّه لم یکن قتلهما فغضب بسر و نزع سیفه فألقاه و قال لمعاویة اقبض سیفک قلدتنیه و أمرتنی أن أخبط به الناس ففعلت حتّی إذا بلغت ما أردت قلت لم أهو و لم آمر فقال خذ سیفک إلیک فلعمری

ص :17

إنک ضعیف مائق حین تلقی السیف بین یدی رجل من بنی عبد مناف قد قتلت أمس ابنیه.

فقال له عبید اللّه أ تحسبنی یا معاویة قاتلا بسرا بأحد ابنی هو أحقر و ألأم من ذلک و لکنی و اللّه لا أری لی مقنعا و لا أدرک ثأرا إلاّ أن أصیب بهما یزید و عبد اللّه .

فتبسم معاویة و قال و ما ذنب معاویة و ابنی معاویة و اللّه ما علمت و لا أمرت و لا رضیت و لا هویت و احتملها منه لشرفه و سؤدده.

197

1- قَالَ وَ دَعَا عَلِیٌّ ع عَلَی بُسْرٍ فَقَالَ اَللَّهُمَّ إِنَّ بُسْراً بَاعَ دِینَهُ بِالدُّنْیَا وَ انْتَهَکَ مَحَارِمَکَ وَ کَانَتْ طَاعَةُ مَخْلُوقٍ فَاجِرٍ آثَرَ عِنْدَهُ مِمَّا عِنْدَکَ اللَّهُمَّ فَلاَ تَمُتْهُ حَتَّی تَسْلُبَهُ عَقْلَهُ وَ لاَ تُوجِبْ لَهُ رَحْمَتَکَ وَ لاَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ اللَّهُمَّ الْعَنْ بُسْراً وَ عَمْراً وَ مُعَاوِیَةَ وَ لْیَحُلَّ عَلَیْهِمْ غَضَبُکَ وَ لْتَنْزِلْ بِهِمْ نَقِمَتُکَ وَ لْیُصِبْهُمْ بَأْسُکَ وَ رِجْزُکَ الَّذِی لاَ تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِینَ فَلَمْ یَلْبَثْ بُسْرٌ بَعْدَ ذَلِکَ إِلاَّ یَسِیراً حَتَّی وَسْوَسَ وَ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَکَانَ یَهْذِی بِالسَّیْفِ وَ یَقُولُ أَعْطُونِی سَیْفاً أَقْتُلُ بِهِ لاَ یَزَالُ یُرَدِّدُ ذَلِکَ حَتَّی اتُّخِذَ لَهُ سَیْفٌ مِنْ خَشَبٍ وَ کَانُوا یُدْنُونَ مِنْهُ الْمِرْفَقَةَ فَلاَ یَزَالُ یَضْرِبُهَا حَتَّی یُغْشَی عَلَیْهِ فَلَبِثَ کَذَلِکَ إِلَی أَنْ مَاتَ

.

قلت کان مسلم بن عقبة لیزید و ما عمل بالمدینة فی وقعة الحرة کما کان بسر لمعاویة و ما عمل فی الحجاز و الیمن و من أشبه أباه فما ظلم نبنی کما کانت أوائلنا تبنی و نفعل مثل ما فعلوا (1)

ص :18

و قال أبو البختری وهب بن وهب القاضی کنت عند الرشید یوما و استدعی ماء مبردا بالثلج فلم یوجد فی الخزانة ثلج فاعتذر إلیه بذلک و أحضر إلیه ماء غیر مثلوج فضرب وجه الغلام بالکوز و استشاط غضبا فقلت له أقول یا أمیر المؤمنین و أنا آمن فقال قل قلت یا أمیر المؤمنین قد رأیت ما کان من الغیر بالأمس یعنی زوال دولة بنی أمیّة و الدنیا غیر دائمة و لا موثوق بها و الحزم ألا تعود نفسک الترفه و النعمة بل تأکل اللین و الجشب و تلبس الناعم و الخشن و تشرب الحار و القار فنفحنی بیده و قال لا و اللّه لا أذهب إلی ما تذهب إلیه بل ألبس النعمة ما لبستنی فإذا نابت نوبة الدهر عدت إلی نصاب غیر خوار (1) .

و قوله و الآثام بکم معصوبة استعارة کأنها مشدودة إلیهم .

و عنی بقوله تسفکون دماءکم و تقطعون أرحامکم ما کانوا علیه فی الجاهلیة من الغارات و الحروب وَ مِنْهَا صِفَتُهُ قَبْلَ الْبَیْعَةِ لَهُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَیْسَ لِی مُعِینٌ إِلاَّ أَهْلُ بَیْتِی فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ وَ أَغْضَیْتُ عَلَی الْقَذَی وَ شَرِبْتُ عَلَی الشَّجَا وَ صَبَرْتُ عَلَی أَخْذِ الْکَظَمِ وَ عَلَی أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ [حُزْنِ]

الْعَلْقَمِ.

ص :20

الکظم بفتح الظاء مخرج النفس و الجمع أکظام و ضننت بالکسر بخلت و أغضیت علی کذا غضضت طرفی و الشجا ما یعترض فی الحلق

و قال أبو جعفر إن الأنصار لما فاتها ما طلبت من الخلافة قالت أو قال بعضها لا نبایع إلاّ علیا و ذکر نحو هذا علی بن عبد الکریم المعروف بابن الأثیر الموصلی فی تاریخه (1) .

فأما قوله لم یکن لی معین إلاّ أهل بیتی فضننت بهم عن الموت فقول ما زال علی ع یقوله و لقد قاله عقیب وفاة رسول اللّه ص قال لو وجدت أربعین ذوی عزم .

ذکر ذلک نصر بن مزاحم فی کتاب صفّین و ذکره کثیر من أرباب السیرة.

و أمّا الذی

199

1,15- یَقُولُهُ جُمْهُورُ الْمُحَدِّثِینَ وَ أَعْیَانُهُمْ فَإِنَّهُ ع امْتَنَعَ مِنَ الْبَیْعَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَ لَزِمَ بَیْتَهُ فَلَمْ یُبَایِعْ حَتَّی مَاتَتْ فَاطِمَةُ ع فَلَمَّا مَاتَتْ بَایَعَ طَوْعاً .

200

1,15- وَ فِی صَحِیحَیْ مُسْلِمٍ وَ اَلْبُخَارِیِّ کَانَتْ وُجُوهُ النَّاسِ إِلَیْهِ وَ فَاطِمَةُ بَاقِیَةٌ بَعْدُ فَلَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ ع انْصَرَفَتْ وُجُوهُ النَّاسِ عَنْهُ وَ خَرَجَ مِنْ بَیْتِهِ فَبَایَعَ أَبَا بَکْرٍ وَ کَانَتْ مُدَّةُ بَقَائِهَا بَعْدَ أَبِیهَا ع سِتَّةَ أَشْهُرٍ

(2)

.

201

1,14,15- وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ (3) عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لِی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ قَدْ حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ (4) شَهِدْتُ الْیَوْمَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ بِمِنًی وَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ (5) إِنِّی سَمِعْتُ فُلاَناً یَقُولُ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَبَایَعْتُ فُلاَناً فَقَالَ عُمَرُ (6) إِنِّی لَقَائِمٌ الْعَشِیَّةَ فِی النَّاسِ أُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِینَ یُرِیدُونَ أَنْ

ص :22

یَغْتَصِبُوا النَّاسَ أَمْرَهُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ الْمَوْسِمَ یَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَ غَوْغَاءَهُمْ (1) وَ هُمُ الَّذِینَ یَقْرَبُونَ مِنْ مَجْلِسِکَ وَ یَغْلِبُونَ عَلَیْهِ وَ أَخَافُ أَنْ تَقُولَ مَقَالَةً لاَ یَعُونَهَا وَ لاَ یَحْفَظُونَهَا فَیَطِیرُوا بِهَا (2) وَ لَکِنْ أَمْهِلْ حَتَّی تَقْدَمَ اَلْمَدِینَةَ (3) وَ تَخْلُصَ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ [مُتَمَکِّناً]

(4) فَیَسْمَعُوا (5) مَقَالَتَکَ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَأَقُومَنَّ بِهَا أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِینَةِ .

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ (6) فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا هَجَّرْتُ یَوْمَ الْجُمُعَةِ لِحَدِیثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا جَلَسَ عُمَرُ عَلَی اَلْمِنْبَرِ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ (7) بَعْدَ أَنْ ذَکَرَ الرَّجْمَ وَ حَدَّ الزِّنَاءِ إِنَّهُ بَلَغَنِی أَنَّ قَائِلاً مِنْکُمْ یَقُولُ لَوْ مَاتَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ بَایَعْتُ فُلاَناً فَلاَ یَغُرَّنَّ امْرَأً أَنْ یَقُولَ إِنَّ بَیْعَةَ أَبِی بَکْرٍ کَانَتْ فَلْتَةً فَلَقَدْ کَانَتْ کَذَلِکَ وَ لَکِنَّ (8) اللَّهَ وَقَی شَرَّهَا وَ لَیْسَ فِیکُمْ مَنْ تَقَطَّعُ إِلَیْهِ الْأَعْنَاقُ کَأَبِی بَکْرٍ وَ إِنَّهُ کَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِینَ تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنَّ عَلِیّاً وَ اَلزُّبَیْرَ تَخَلَّفَا عَنَّا فِی بَیْتِ فَاطِمَةَ وَ مَنْ مَعَهُمَا وَ تَخَلَّفَتْ عَنَّا اَلْأَنْصَارُ وَ اجْتَمَعَ اَلْمُهَاجِرُونَ إِلَی أَبِی بَکْرٍ فَقُلْتُ لَهُ انْطَلِقْ بِنَا إِلَی إِخْوَانِنَا مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَانْطَلَقْنَا نَحْوَهُمْ فَلَقِیَنَا رَجُلاَنِ صَالِحَانِ مِنَ اَلْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَا بَدْراً أَحَدُهُمَا عُوَیْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَ الثَّانِی مَعْنُ بْنُ عَدِیٍّ فَقَالاَ لَنَا ارْجِعُوا فَاقْضُوا أَمْرَکُمْ بَیْنَکُمْ (9) فَأَتَیْنَا اَلْأَنْصَارَ وَ هُمْ مُجْتَمِعُونَ فِی سَقِیفَةِ

ص :23

بَنِی سَاعِدَةَ

وَ بَیْنَ أَظْهُرِهِمْ رَجُلٌ مُزَمَّلٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا (1) قَالُوا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَجِعٌ (2) فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ اَلْأَنْصَارُ وَ کَتِیبَةُ اَلْإِسْلاَمِ وَ أَنْتُمْ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ رَهْطُ نَبِیِّنَا قَدْ دَفَّتْ إِلَیْنَا دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِکُمْ (3) فَإِذَا أَنْتُمْ تُرِیدُونَ أَنْ تَغْصِبُونَا الْأَمْرَ.

فَلَمَّا سَکَتَ (4) وَ کُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ فِی نَفْسِی مَقَالَةً أَقُولُهَا بَیْنَ یَدَیْ أَبِی بَکْرٍ (5) فَلَمَّا ذَهَبْتُ أَتَکَلَّمُ قَالَ أَبُو بَکْرٍ عَلَی رِسْلِکَ فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ فَمَا تَرَکَ شَیْئاً کُنْتُ زَوَّرْتُ (6) فِی نَفْسِی إِلاَّ جَاءَ بِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ وَ قَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ إِنَّکُمْ لاَ تَذْکُرُونَ فَضْلاً إِلاَّ وَ أَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ وَ إِنَّ اَلْعَرَبَ لاَ تَعْرِفُ هَذَا الْأَمْرَ إِلاَّ لِقُرَیْشٍ أَوْسَطِ اَلْعَرَبِ دَاراً وَ نَسَباً وَ قَدْ رَضِیتُ لَکُمْ أَحَدَ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ وَ أَخَذَ بِیَدِی وَ یَدِ أَبِی عُبَیْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَ اللَّهِ مَا کَرِهْتُ مِنْ کَلاَمِهِ غَیْرَهَا إِنْ کُنْتُ لَأُقَدَّمُ فَتُضْرَبُ عُنُقِی فِیمَا لاَ یُقَرِّبُنِی إِلَی إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أُؤَمَّرَ عَلَی قَوْمٍ فِیهِمْ أَبُو بَکْرٍ .فَلَمَّا قَضَی أَبُو بَکْرٍ کَلاَمَهُ قَامَ رَجُلٌ (7) مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا جُذَیْلُهَا الْمُحَکَّکُ وَ عُذَیْقُهَا الْمُرَجَّبُ (8) مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْکُمْ أَمِیرٌ

ص :24

وَ ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَ اللَّغَطُ فَلَمَّا خِفْتُ الاِخْتِلاَفَ قُلْتُ لِأَبِی بَکْرٍ ابْسُطْ یَدَکَ أُبَایِعْکَ فَبَسَطَ یَدَهُ فَبَایَعْتُهُ وَ بَایَعَهُ النَّاسُ ثُمَّ نَزَوْنَا عَلَی سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ قَائِلُهُمْ قَتَلْتُمْ سَعْداً فَقُلْتُ اقْتُلُوهُ قَتَلَهُ اللَّهُ وَ إِنَّا وَ اللَّهِ مَا وَجَدْنَا أَمْراً هُوَ أَقْوَی مِنْ بَیْعَةِ أَبِی بَکْرٍ خَشِیتُ إِنْ فَارَقْتُ الْقَوْمَ وَ لَمْ تَکُنْ بَیْعَةٌ أَنْ یُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَیْعَةً فَإِمَّا أَنْ نُبَایِعَهُمْ عَلَی مَا لاَ نَرْضَی أَوْ نُخَالِفَهُمْ فَیَکُونَ فَسَادٌ

. هذا حدیث متفق علیه من أهل السیرة و قد وردت الروایات فیه بزیادات

202

رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ قَالَ لَمَّا أَخَذَ أَبُو بَکْرٍ بِیَدِ عُمَرَ وَ أَبِی عُبَیْدَةَ وَ قَالَ لِلنَّاسِ قَدْ رَضِیتُ لَکُمْ أَحَدَ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ قَالَ أَبُو عُبَیْدَةَ لِعُمَرَ امْدُدْ یَدَکَ نُبَایِعْکَ فَقَالَ عُمَرُ مَا لَکَ فِی اَلْإِسْلاَمِ فَهَّةٌ (1) غَیْرُهَا أَ تَقُولُ هَذَا وَ أَبُو بَکْرٍ حَاضِرٌ (2) ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ أَیُّکُمْ یَطِیبُ نَفْساً أَنْ یَتَقَدَّمَ قَدَمَیْنِ قَدَّمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ص لِلصَّلاَةِ رَضِیَکَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِدِینِنَا أَ فَلاَ نَرْضَاکَ لِدُنْیَانَا ثُمَّ مَدَّ یَدَهُ إِلَی أَبِی بَکْرٍ فَبَایَعَهُ.

و هذه الروایة هی التی ذکرها قاضی القضاة رحمه اللّه تعالی فی کتاب المغنی .

203

وَ قَالَ اَلْوَاقِدِیُّ فِی رِوَایَتِهِ فِی حِکَایَةِ کَلاَمِ عُمَرَ وَ اللَّهِ لَأَنْ أُقَدَّمَ فَأُنْحَرَ کَمَا یُنْحَرُ الْبَعِیرُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَتَقَدَّمَ عَلَی أَبِی بَکْرٍ .

و قال شیخنا أبو القاسم البلخیّ قال شیخنا أبو عثمان الجاحظ إن الرجل الذی قال لو قد مات عمر لبایعت فلانا عمار بن یاسر قال لو قد مات عمر لبایعت علیا ع فهذا القول هو الذی هاج عمر أن خطب بما خطب به.

و قال غیره من أهل الحدیث إنّما کان المعزوم علی بیعته لو مات عمر طلحة بن عبید اللّه .

ص :25

فأما حدیث الفلتة فقد کان سبق من عمر أن قال إن بیعة أبی بکر کانت فلتة وقی اللّه شرها فمن عاد إلی مثلها فاقتلوه.

و هذا الخبر الذی ذکرناه عن ابن عبّاس و عبد الرحمن بن عوف فیه حدیث الفلتة و لکنه منسوق علی ما قاله أولا أ لا تراه یقول فلا یغرن امرأ أن یقول إن بیعة أبی بکر کانت فلتة فلقد کانت کذلک فهذا یشعر بأنّه قد کان قال من قبل إن بیعة أبی بکر کانت فلتة.

و قد أکثر الناس فی حدیث الفلتة و ذکرها شیوخنا المتکلمون فقال شیخنا أبو علی رحمه اللّه تعالی الفلتة لیست الزلة و الخطیئة بل هی البغتة و ما وقع فجأة من غیر رویة و لا مشاورة و استشهد بقول الشاعر من یأمن الحدثان بعد

یعنی بغتة.

و قال شیخنا أبو علی رحمه اللّه تعالی ذکر الریاشی أن العرب تسمی آخر یوم من شوال فلتة من حیث إن کل من لم یدرک ثأره فیه فاته لأنّهم کانوا إذا دخلوا فی الأشهر الحرم لا یطلبون الثأر و ذو القعدة من الأشهر الحرم فسموا ذلک الیوم فلتة لأنّهم إذا أدرکوا فیه ثأرهم فقد أدرکوا ما کان یفوتهم فأراد عمر أن بیعة أبی بکر تدارکها بعد أن کادت تفوت.

و قوله وقی اللّه شرها دلیل علی تصویب البیعة لأن المراد بذلک أن اللّه تعالی دفع شر الاختلاف فیها.

ص :26

فأما قوله فمن عاد إلی مثلها فاقتلوه فالمراد من عاد إلی أن یبایع من غیر مشاورة و لا عدد یثبت صحة البیعة به و لا ضرورة داعیة إلی البیعة ثمّ بسط یده علی المسلمین یدخلهم فی البیعة قهرا فاقتلوه (1) .

قال قاضی القضاة رحمه اللّه تعالی و هل یشک أحد فی تعظیم عمر لأبی بکر و طاعته إیاه و معلوم ضرورة من حال عمر إعظامه له و القول بإمامته و الرضا بالبیعة و الثناء علیه فکیف یجوز أن یترک ما یعلم ضرورة لقول محتمل ذی وجوه و تأویلات و کیف یجوز أن تحمل هذه اللفظة من عمر علی الذم و التخطئة و سوء القول.

و اعلم أن هذه اللفظة من عمر مناسبة للفظات کثیرة کان یقولها بمقتضی ما جبله اللّه تعالی علیه من غلظ الطینة و جفاء الطبیعة و لا حیلة له فیها لأنّه مجبول علیها لا یستطیع تغییرها و لا ریب عندنا أنّه کان یتعاطی أن یتلطف و أن یخرج ألفاظه (2) مخارج حسنة لطیفة فینزع به الطبع الجاسی و الغریزة الغلیظة إلی أمثال هذه اللفظات (3) و لا یقصد بها سوءا و لا یرید بها ذما و لا تخطئة کما قدمنا من قبل فی اللفظة التی قالها فی مرض رسول اللّه ص و کاللفظات التی قالها عام الحدیبیة و غیر ذلک و اللّه تعالی لا یجازی المکلف إلاّ بما نواه و لقد کانت نیته من أطهر النیات و أخلصها لله سبحانه و للمسلمین و من أنصف علم أن هذا الکلام حقّ و أنّه یغنی عن تأویل شیخنا أبی علی .

و نحن من بعد نذکر ما قاله المرتضی رحمه اللّه تعالی فی کتاب الشافی (4) لما تکلم فی هذا الموضع قال أما ما ادعی من العلم الضروری برضا عمر ببیعة أبی بکر و إمامته فالمعلوم ضرورة بلا شبهة أنّه کان راضیا بإمامته و لیس کل من رضی شیئا

ص :27

کان متدینا به معتقدا لصوابه فإن کثیرا من الناس یرضون بأشیاء من حیث کانت دافعة لما هو أضر منها و إن کانوا لا یرونها صوابا و لو ملکوا الاختیار لاختاروا غیرها و قد علمنا أن معاویة کان راضیا ببیعة یزید و ولایة (1) العهد له من بعده و لم یکن متدینا بذلک و معتقدا صحته و إنّما رضی عمر ببیعة أبی بکر من حیث کانت حاجزة عن بیعة أمیر المؤمنین ع و لو ملک الاختیار لکان مصیر الأمر إلیه (2) أسر فی نفسه و أقر لعینه و إن ادعی أن المعلوم ضرورة تدین عمر بإمامة أبی بکر و أنّه أولی بالإمامة منه فهذا مدفوع أشدّ دفع مع أنّه قد کان یبدر من عمر (3) فی وقت بعد آخر ما یدلّ علی ما أوردناه.

204

رَوَی اَلْهَیْثَمُ (4) بْنُ عَدِیٍّ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَیَّاشٍ الْهَمْدَانِیِّ (5) عَنْ سَعِیدِ بْنِ جُبَیْرٍ قَالَ ذُکِرَ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ رَجُلٌ کَانَا وَ اللَّهِ شَمْسَیْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ نُورَیْهَا فَقَالَ اِبْنُ عُمَرَ وَ مَا یُدْرِیکَ قَالَ الرَّجُلُ أَ وَ لَیْسَ قَدِ ائْتَلَفَا قَالَ اِبْنُ عُمَرَ بَلِ اخْتَلَفَا لَوْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَشْهَدُ أَنِّی کُنْتُ عِنْدَ أَبِی یَوْماً وَ قَدْ أَمَرَنِی أَنْ أَحْبِسَ النَّاسَ عَنْهُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَیْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِی بَکْرٍ فَقَالَ عُمَرُ دُوَیبَّةُ سَوءٍ وَ لَهُوَ خَیْرٌ مِنْ أَبِیهِ فَأَوْحَشَنِی ذَلِکَ مِنْهُ فَقُلْتُ یَا أَبَتِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَیْرٌ مِنْ أَبِیهِ فَقَالَ وَ مَنْ لَیْسَ بِخَیْرٍ مِنْ أَبِیهِ لاَ أُمَّ لَکَ ائْذَنْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَدَخَلَ عَلَیْهِ فَکَلَّمَهُ فِی اَلْحُطَیْئَةِ الشَّاعِرِ أَنْ یَرْضَی عَنْهُ وَ قَدْ کَانَ عُمَرُ حَبَسَهُ فِی شِعْرٍ قَالَهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ فِی اَلْحُطَیْئَةِ أَوَداً (6) فَدَعْنِی أُقَوِّمُهُ بِطُولِ حَبْسِهِ فَأَلَحَّ عَلَیْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَ أَبَی عُمَرُ

ص :28

فَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَقْبَلَ عَلَیَّ أَبِی وَ قَالَ أَ فِی غَفْلَةٍ أَنْتَ إِلَی یَوْمِکَ هَذَا عَمَّا کَانَ مِنْ تَقَدُّمِ أُحَیْمِقِ بَنِی تَیْمٍ عَلَیَّ وَ ظُلْمِهِ لِی فَقُلْتُ لاَ عِلْمَ لِی بِمَا کَانَ مِنْ ذَلِکَ قَالَ یَا بُنَیَّ فَمَا عَسَیْتَ أَنْ تَعْلَمَ فَقُلْتُ وَ اللَّهِ لَهُوَ أَحَبُّ إِلَی النَّاسِ مِنْ ضِیَاءِ أَبْصَارِهِمْ قَالَ إِنَّ ذَلِکَ لَکَذَلِکَ عَلَی رَغْمِ أَبِیکَ وَ سَخَطِهِ قُلْتُ یَا أَبَتِ أَ فَلاَ تُجَلِّی عَنْ فِعْلِهِ (1) بِمَوْقِفٍ فِی النَّاسِ تُبَیِّنُ ذَلِکَ لَهُمْ قَالَ وَ کَیْفَ لِی بِذَلِکَ مَعَ مَا ذَکَرْتَ أَنَّهُ أَحَبُّ إِلَی النَّاسِ مِنْ ضِیَاءِ أَبْصَارِهِمْ إِذَنْ یُرْضَخُ (2) رَأْسُ أَبِیکَ بِالْجَنْدَلِ قَالَ اِبْنُ عُمَرَ ثُمَّ تَجَاسَرَ وَ اللَّهِ فَجَسَرَ فَمَا دَارَتِ الْجُمُعَةُ حَتَّی قَامَ خَطِیباً فِی النَّاسِ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ بَیْعَةَ أَبِی بَکْرٍ کَانَتْ فَلْتَةً وَقَی اللَّهُ شَرَّهَا فَمَنْ دَعَاکُمْ إِلَی مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ.

205

وَ رَوَی اَلْهَیْثَمُ بْنُ عَدِیٍّ عَنْ مُجَالِدِ (3) بْنِ سَعِیدٍ قَالَ غَدَوْتُ یَوْماً إِلَی اَلشَّعْبِیِّ وَ أَنَا أُرِیدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ شَیْءٍ بَلَغَنِی عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ کَانَ یَقُولُهُ فَأَتَیْتُهُ وَ هُوَ فِی مَسْجِدِ حَیِّهِ وَ فِی الْمَسْجِدِ قَوْمٌ یَنْتَظِرُونَهُ فَخَرَجَ فَتَعَرَّفْتُ إِلَیْهِ وَ قُلْتُ أَصْلَحَکَ اللَّهُ کَانَ اِبْنُ مَسْعُودٍ یَقُولُ مَا کُنْتُ مُحَدِّثاً قَوْماً حَدِیثاً لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ کَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةٌ قَالَ نَعَمْ کَانَ اِبْنُ مَسْعُودٍ یَقُولُ ذَلِکَ وَ کَانَ اِبْنُ عَبَّاسٍ یَقُولُهُ أَیْضاً وَ کَانَ عِنْدَ اِبْنِ عَبَّاسٍ دَفَائِنُ عِلْمٍ یُعْطِیهَا أَهْلَهَا وَ یَصْرِفُهَا عَنْ غَیْرِهِمْ فَبَیْنَا نَحْنُ کَذَلِکَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ اَلْأَزْدِ فَجَلَسَ إِلَیْنَا فَأَخَذْنَا فِی ذِکْرِ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَضَحِکَ اَلشَّعْبِیُّ وَ قَالَ لَقَدْ کَانَ فِی صَدْرِ عُمَرَ ضَبٌّ (4) عَلَی أَبِی بَکْرٍ فَقَالَ الْأَزْدِیُّ وَ اللَّهِ مَا رَأَیْنَا وَ لاَ سَمِعْنَا بِرَجُلٍ قَطُّ کَانَ أَسْلَسَ قِیَاداً لِرَجُلٍ

ص :29

وَ لاَ أَقْوَلَ فِیهِ بِالْجَمِیلِ مِنْ عُمَرَ فِی أَبِی بَکْرٍ فَأَقْبَلَ عَلَیَّ اَلشَّعْبِیُّ وَ قَالَ هَذَا مِمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی الرَّجُلِ وَ قَالَ یَا أَخَا اَلْأَزْدِ فَکَیْفَ تَصْنَعُ بِالْفَلْتَةِ الَّتِی وَقَی اللَّهُ شَرَّهَا أَ تَرَی عَدُوّاً یَقُولُ فِی عَدُوٍّ یُرِیدُ أَنْ یَهْدِمَ مَا بَنَی لِنَفْسِهِ فِی النَّاسِ أَکْثَرَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ فِی أَبِی بَکْرٍ فَقَالَ الرَّجُلُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَنْتَ تَقُولُ ذَلِکَ یَا أَبَا عَمْرٍو فَقَالَ اَلشَّعْبِیُّ أَنَا أَقُولُهُ قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَی رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فَلُمْهُ أَوْ دَعْ فَنَهَضَ الرَّجُلُ مُغْضَباً وَ هُوَ یُهَمْهِمُ فِی الْکَلاَمِ بِشَیْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ قَالَ مُجَالِدٌ فَقُلْتُ لِلشَّعْبِیِّ مَا أَحْسَبُ هَذَا الرَّجُلَ إِلاَّ سَیَنْقُلُ عَنْکَ هَذَا الْکَلاَمَ إِلَی النَّاسِ وَ یَبُثُّهُ فِیهِمْ قَالَ إِذَنْ وَ اللَّهِ لاَ أَحْفِلُ بِهِ وَ شَیْءٌ لَمْ یَحْفِلْ بِهِ عُمَرُ حِینَ قَامَ عَلَی رُءُوسِ الْأَشْهَادِ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ أَحْفِلُ بِهِ أَنَا أَذِیعُوهُ أَنْتُمْ عَنِّی أَیْضاً مَا بَدَا لَکُمْ.

206

وَ رَوَی شَرِیکُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِیُّ (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِی مُوسَی الْأَشْعَرِیِّ قَالَ حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ فَلَمَّا نَزَلْنَا وَ عَظُمَ النَّاسُ خَرَجْتُ مِنْ رَحْلِی أُرِیدُهُ فَلَقِیَنِی اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَرَافَقَنِی ثُمَّ قَالَ أَیْنَ تُرِیدُ فَقُلْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَهَلْ لَکَ قَالَ نَعَمْ فَانْطَلَقْنَا نُرِیدُ رَحْلَ عُمَرَ فَإِنَّا لَفِی طَرِیقِنَا إِذْ ذَکَرْنَا تَوَلِّیَ عُمَرَ وَ قِیَامَهُ بِمَا هُوَ فِیهِ وَ حِیَاطَتَهُ عَلَی الْإِسْلاَمِ وَ نُهُوضَهُ بِمَا قِبَلَهُ مِنْ ذَلِکَ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَی ذِکْرِ أَبِی بَکْرٍ فَقُلْتُ لِلْمُغِیرَةِ یَا لَکَ الْخَیْرُ لَقَدْ کَانَ أَبُو بَکْرٍ مُسَدَّداً فِی عُمَرَ لَکَأَنَّهُ یَنْظُرُ إِلَی قِیَامِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ جِدِّهِ وَ اجْتِهَادِهِ وَ غَنَائِهِ فِی اَلْإِسْلاَمِ فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ لَقَدْ کَانَ ذَلِکَ وَ إِنْ کَانَ قَوْمٌ کَرِهُوا وَلاَیَةَ عُمَرَ لَیَزْوُوهَا عَنْهُ وَ مَا کَانَ لَهُمْ فِی ذَلِکَ مِنْ حَظٍّ فَقُلْتُ لَهُ لاَ أَبَا لَکَ وَ مَنِ الْقَوْمُ الَّذِینَ کَرِهُوا ذَلِکَ لِعُمَرَ فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ لِلَّهِ أَنْتَ کَأَنَّکَ

ص :30

لاَ تَعْرِفُ هَذَا الْحَیَّ مِنْ قُرَیْشٍ وَ مَا خُصُّوا بِهِ مِنَ الْحَسَدِ فَوَ اللَّهِ لَوْ کَانَ هَذَا الْحَسَدُ یُدْرَکُ بِحِسَابٍ لَکَانَ لِقُرَیْشٍ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ وَ لِلنَّاسِ کُلِّهِمْ عُشْرٌ فَقُلْتُ مَهْ یَا مُغِیرَةُ فَإِنَّ قُرَیْشاً بَانَتْ بِفَضْلِهَا عَلَی النَّاسِ فَلَمْ نَزَلْ فِی مِثْلِ ذَلِکَ حَتَّی انْتَهَیْنَا إِلَی رَحْلِ عُمَرَ فَلَمْ نَجِدْهُ فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِیلَ قَدْ خَرَجَ آنِفاً فَمَضَیْنَا نَقْفُو أَثَرَهُ حَتَّی دَخَلْنَا اَلْمَسْجِدَ فَإِذَا عُمَرُ یَطُوفُ بِالْبَیْتِ فَطُفْنَا مَعَهُ فَلَمَّا فَرَغَ دَخَلَ بَیْنِی وَ بَیْنَ اَلْمُغِیرَةِ فَتَوَکَّأَ عَلَی اَلْمُغِیرَةِ وَ قَالَ مِنْ أَیْنَ جِئْتُمَا فَقُلْنَا خَرَجْنَا نُرِیدُکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَأَتَیْنَا رَحْلَکَ فَقِیلَ لَنَا خَرَجَ إِلَی اَلْمَسْجِدِ فَاتَّبَعْنَاکَ فَقَالَ اتَّبَعَکُمَا الْخَیْرُ ثُمَّ نَظَرَ اَلْمُغِیرَةُ إِلَیَّ وَ تَبَسَّمَ فَرَمَقَهُ عُمَرُ فَقَالَ مِمَّ تَبَسَّمْتَ أَیُّهَا الْعَبْدُ فَقَالَ مِنْ حَدِیثٍ کُنْتُ أَنَا وَ أَبُو مُوسَی فِیهِ آنِفاً فِی طَرِیقِنَا إِلَیْکَ قَالَ وَ مَا ذَاکَ الْحَدِیثُ فَقَصَصْنَا عَلَیْهِ الْخَبَرَ حَتَّی بَلَغْنَا ذِکْرَ حَسَدِ قُرَیْشٍ وَ ذِکْرَ مَنْ أَرَادَ صَرْفَ أَبِی بَکْرٍ عَنِ اسْتِخْلاَفِ عُمَرَ فَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ قَالَ ثَکِلَتْکَ أُمُّکَ یَا مُغِیرَةُ وَ مَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْحَسَدِ بَلْ وَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعُشْرِ وَ فِی النَّاسِ کُلِّهِمْ عُشْرُ الْعُشْرِ بَلْ وَ قُرَیْشٌ شُرَکَاؤُهُمْ أَیْضاً فِیهِ وَ سَکَتَ مَلِیّاً وَ هُوَ یَتَهَادَی بَیْنَنَا ثُمَّ قَالَ أَ لاَ أُخْبِرُکُمَا بِأَحْسَدِ قُرَیْشٍ کُلِّهَا قُلْنَا بَلَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ وَ عَلَیْکُمَا ثِیَابُکُمَا قُلْنَا نَعَمْ قَالَ وَ کَیْفَ بِذَلِکَ وَ أَنْتُمَا مُلْبَسَانِ ثِیَابَکُمَا قُلْنَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ مَا بَالُ الثِّیَابِ قَالَ خَوْفُ الْإِذَاعَةِ مِنْهَا قُلْنَا لَهُ أَ تَخَافُ الْإِذَاعَةَ مِنَ الثِّیَابِ أَنْتَ وَ أَنْتَ مِنْ مُلْبِسِ الثِّیَابِ أَخْوَفُ وَ مَا الثِّیَابُ أَرَدْتَ قَالَ هُوَ ذَاکَ ثُمَّ انْطَلَقَ وَ انْطَلَقْنَا مَعَهُ حَتَّی انْتَهَیْنَا إِلَی رَحْلِهِ فَخَلَّی أَیْدِیَنَا مِنْ یَدِهِ ثُمَّ قَالَ لاَ تَرِیمَا وَ دَخَلَ فَقُلْتُ لِلْمُغِیرَةِ لاَ أَبَا لَکَ لَقَدْ عَثَرْنَا (1) بِکَلاَمِنَا مَعَهُ وَ مَا کُنَّا فِیهِ وَ مَا نَرَاهُ حَبَسَنَا إِلاَّ لِیُذَاکِرَنَا إِیَّاهَا قَالَ فَإِنَّا لَکَذَلِکَ إِذْ أَخْرَجَ إِذْنُهُ إِلَیْنَا فَقَالَ ادْخُلاَ فَدَخَلْنَا فَوَجَدْنَاهُ مُسْتَلْقِیاً عَلَی بَرْذَعَةٍ بِرَحْلٍ فَلَمَّا رَآنَا تَمَثَّلَ بِقَوْلِ کَعْبِ بْنِ زُهَیْرٍ لاَ تُفْشِ سِرَّکَ إِلاَّ عِنْدَ ذِی ثِقَةٍ أَوْلَی وَ أَفْضَلَ مَا اسْتُودِعْتَ أَسْرَاراً (2)

ص :31

صَدْراً رَحِیباً وَ قَلْباً وَاسِعاً قُمْنَا

أَلاَ تَخَافُ مَتَی أَوْدَعْتَ إِظْهَاراً.

فَعَلِمْنَا أَنَّهُ یُرِیدُ أَنْ نَضْمَنَ لَهُ کِتْمَانَ حَدِیثِهِ فَقُلْتُ أَنَا لَهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ الْزَمْنَا وَ خُصَّنَا وَ صِلْنَا قَالَ بِمَا ذَا یَا أَخَا اَلْأَشْعَرِینَ (1) فَقُلْتُ بِإِفْشَاءِ سِرِّکَ وَ أَنْ تُشْرِکَنَا فِی هِمَّتِکَ فَنِعْمَ الْمُسْتَشَارَانِ نَحْنُ لَکَ قَالَ إِنَّکُمَا کَذَلِکَ فَاسْأَلاَ عَمَّا بَدَا لَکُمَا ثُمَّ قَامَ إِلَی الْبَابِ لِیُعْلِقَهُ فَإِذَا الْآذِنُ الَّذِی أَذِنَ لَنَا عَلَیْهِ فِی الْحُجْرَةِ فَقَالَ امْضِ عَنَّا لاَ أُمَّ لَکَ فَخَرَجَ وَ أَغْلَقَ الْبَابَ خَلْفَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیْنَا فَجَلَسَ مَعَنَا وَ قَالَ سَلاَ تُخْبَرَا قُلْنَا نُرِیدُ أَنْ یُخْبِرَنَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ بِأَحْسَدِ قُرَیْشٍ الَّذِی لَمْ یَأْمَنْ ثِیَابُنَا عَلَی ذِکْرِهِ لَنَا فَقَالَ سَأَلْتُمَا عَنْ مُعْضِلَةٍ وَ سَأُخْبِرُکُمَا فَلْیَکُنْ عِنْدَکُمَا فِی ذِمَّةٍ مَنِیعَةٍ وَ حِرْزٍ مَا بَقِیتُ فَإِذَا مِتُّ فَشَأْنَکُمَا وَ مَا شِئْتُمَا مِنْ إِظْهَارٍ أَوْ کِتْمَانٍ قُلْنَا فَإِنَّ لَکَ عِنْدَنَا ذَلِکَ قَالَ أَبُو مُوسَی وَ أَنَا أَقُولُ فِی نَفْسِی مَا یُرِیدُ إِلاَّ الَّذِینَ کَرِهُوا اسْتِخْلاَفَ أَبِی بَکْرٍ لَهُ کَطَلْحَةَ وَ غَیْرِهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا لِأَبِی بَکْرٍ أَ تَسْتَخْلِفُ عَلَیْنَا فَظّاً غَلِیظاً وَ إِذَا هُوَ یَذْهَبُ إِلَی غَیْرِ مَا فِی نَفْسِی فَعَادَ إِلَی التَّنَفُّسِ ثُمَّ قَالَ مَنْ تَرَیَانِهِ قُلْنَا وَ اللَّهِ مَا نَدْرِی إِلاَّ ظَنّاً قَالَ وَ مَا تَظُنَّانِ قُلْنَا عَسَاکَ تُرِیدُ الْقَوْمَ الَّذِینَ أَرَادُوا أَبَا بَکْرٍ عَلَی صَرْفِ هَذَا الْأَمْرِ عَنْکَ قَالَ کَلاَّ وَ اللَّهِ بَلْ کَانَ أَبُو بَکْرٍ أَعَقَّ وَ هُوَ الَّذِی سَأَلْتُمَا عَنْهُ کَانَ وَ اللَّهِ أَحْسَدَ قُرَیْشٍ کُلِّهَا ثُمَّ أَطْرَقَ طَوِیلاً فَنَظَرَ اَلْمُغِیرَةُ إِلَیَّ وَ نَظَرْتُ إِلَیْهِ وَ أَطْرَقْنَا مَلِیّاً لِإِطْرَاقِهِ وَ طَالَ السُّکُوتُ مِنَّا وَ مِنْهُ حَتَّی ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ نَدِمَ عَلَی مَا بَدَا مِنْهُ ثُمَّ قَالَ وَا لَهْفَاهْ عَلَی ضَئِیلِ بَنِی تَیْمِ بْنِ مُرَّةَ لَقَدْ تَقَدَّمَنِی ظَالِماً وَ خَرَجَ إِلَیَّ مِنْهَا آثِماً فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ أَمَّا تَقَدُّمَهُ عَلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ظَالِماً فَقَدْ عَرَفْنَاهُ کَیْفَ خَرَجَ إِلَیْکَ مِنْهَا آثِماً قَالَ ذَاکَ لِأَنَّهُ لَمْ یَخْرُجْ إِلَیَّ مِنْهَا إِلاَّ بَعْدَ یَأْسٍ مِنْهَا أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ کُنْتُ أَطَعْتُ یَزِیدَ بْنَ الْخَطَّابِ وَ أَصْحَابَهُ لَمْ یَتَلَمَّظْ مِنْ حَلاَوَتِهَا بِشَیْءٍ أَبَداً وَ لَکِنِّی قَدَّمْتُ وَ أَخَّرْتُ وَ صَعِدْتُ وَ صَوَّبْتُ وَ نَقَضْتُ وَ أَبْرَمْتُ فَلَمْ أَجِدْ إِلاَّ الْإِغْضَاءَ عَلَی مَا نَشِبَ بِهِ مِنْهَا وَ التَّلَهُّفَ عَلَی نَفْسِی وَ أَمَّلْتُ إِنَابَتَهُ وَ رُجُوعَهُ فَوَ اللَّهِ مَا فَعَلَ حَتَّی نَغَرَ (2) بِهَا بَشَماً

ص :32

قَالَ اَلْمُغِیرَةُ فَمَا مَنَعَکَ مِنْهَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ قَدْ عَرَّضَکَ لَهَا یَوْمَ السَّقِیفَةِ بِدُعَائِکَ إِلَیْهَا ثُمَّ أَنْتَ الْآنَ تَنْقِمُ وَ تَتَأَسَّفُ قَالَ ثَکِلَتْکَ أُمُّکَ یَا مُغِیرَةُ إِنِّی کُنْتُ لَأُعِدُّکَ (1) مِنْ دُهَاةِ اَلْعَرَبِ کَأَنَّکَ کُنْتَ غَائِباً عَمَّا هُنَاکَ إِنَّ الرَّجُلَ مَاکَرَنِی فَمَاکَرْتُهُ وَ أَلْفَانِی أَحْذَرُ مِنْ قَطَاةٍ إِنَّهُ لَمَّا رَأَی شَغَفَ النَّاسِ بِهِ وَ إِقْبَالَهُمْ بِوُجُوهِهِمْ عَلَیْهِ أَیْقَنَ أَنَّهُمْ لاَ یُرِیدُونَ بِهِ بَدَلاً فَأَحَبَّ لَمَّا رَأَی مِنْ حِرْصِ النَّاسِ عَلَیْهِ وَ مَیْلِهِمْ إِلَیْهِ أَنْ یَعْلَمَ مَا عِنْدِی وَ هَلْ تُنَازِعُنِی نَفْسِی إِلَیْهَا وَ أَحَبَّ أَنْ یَبْلُوَنِی بِإِطْمَاعِی فِیهَا وَ التَّعْرِیضِ لِی بِهَا وَ قَدْ عَلِمَ وَ عَلِمْتُ لَوْ قَبِلْتُ مَا عَرَّضَهُ عَلَیَّ لَمْ یُجِبِ النَّاسُ إِلَی ذَلِکَ فَأَلْفَانِی قَائِماً عَلَی أَخْمُصِی مُسْتَوْفِزاً حَذَراً وَ لَوْ أَجَبْتُهُ إِلَی قَبُولِهَا لَمْ یُسَلِّمِ النَّاسُ إِلَی ذَلِکَ وَ اخْتَبَأَهَا ضِغْناً عَلَیَّ فِی قَلْبِهِ وَ لَمْ آمَنْ غَائِلَتَهُ وَ لَوْ بَعْدَ حِینٍ مَعَ مَا بَدَا لِی مِنْ کَرَاهَةِ النَّاسِ لِی أَ مَا سَمِعْتَ نِدَاءَهُمْ مِنْ کُلِّ نَاحِیَةٍ عِنْدَ عَرْضِهَا عَلَیَّ لاَ نُرِیدُ سِوَاکَ یَا أَبَا بَکْرٍ أَنْتَ لَهَا فَرَدَدْتُهَا إِلَیْهِ عِنْدَ ذَلِکَ فَلَقَدْ رَأَیْتُهُ الْتَمَعَ وَجْهُهُ لِذَلِکَ سُرُوراً وَ لَقَدْ عَاتَبَنِی مَرَّةً عَلَی کَلاَمٍ بَلَغَهُ عَنِّی وَ ذَلِکَ لَمَّا قُدِّمَ عَلَیْهِ بِالْأَشْعَثِ أَسِیراً فَمَنَّ عَلَیْهِ وَ أَطْلَقَهُ وَ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ أُمَّ فَرْوَةَ فَقُلْتُ لِلْأَشْعَثِ وَ هُوَ قَاعِدٌ بَیْنَ یَدَیْهِ یَا عَدُوَّ اللَّهِ أَ کَفَرْتَ بَعْدَ إِسْلاَمِکَ وَ ارْتَدَدْتَ نَاکِصاً عَلَی عَقِبَیْکَ فَنَظَرَ إِلَیَّ نَظَراً عَلِمْتُ أَنَّهُ یُرِیدُ أَنْ یُکَلِّمَنِی بِکَلاَمٍ فِی نَفْسِهِ ثُمَّ لَقِیَنِی بَعْدَ ذَلِکَ فِی سِکَکِ اَلْمَدِینَةِ فَقَالَ لِی أَنْتَ صَاحِبُ الْکَلاَمِ یَا اِبْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ نَعَمْ یَا عَدُوَّ اللَّهِ وَ لَکَ عِنْدِی شَرٌّ مِنْ ذَلِکَ فَقَالَ بِئْسَ الْجَزَاءُ هَذَا لِی مِنْکَ قُلْتُ وَ عَلاَمَ تُرِیدُ مِنِّی حُسْنَ الْجَزَاءِ قَالَ لِأَنَفَتِی لَکَ مِنِ اتِّبَاعِ هَذَا الرَّجُلِ وَ اللَّهِ مَا جَرَّأَنِی عَلَی الْخِلاَفِ عَلَیْهِ إِلاَّ تَقَدُّمُهُ عَلَیْکَ وَ تَخَلُّفُکَ عَنْهَا وَ لَوْ کُنْتَ صَاحِبَهَا لَمَا رَأَیْتَ مِنِّی خِلاَفاً عَلَیْکَ قُلْتُ لَقَدْ کَانَ ذَلِکَ فَمَا تَأْمُرُ الْآنَ قَالَ إِنَّهُ لَیْسَ بِوَقْتِ أَمْرٍ بَلْ وَقْتُ صَبْرٍ وَ مَضَی وَ مَضَیْتُ وَ لَقِیَ اَلْأَشْعَثُ اَلزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ فَذَکَرَ لَهُ مَا جَرَی بَیْنِی وَ بَیْنَهُ فَنَقَلَ ذَلِکَ إِلَی أَبِی بَکْرٍ فَأَرْسَلَ إِلَیَّ بِعِتَابٍ مُؤْلِمٍ فَأَرْسَلْتُ إِلَیْهِ أَمَا وَ اللَّهِ

ص :33

لَتَکُفَّنَّ أَوْ لَأَقُولَنَّ کَلِمَةً بَالِغَةً بِی وَ بِکَ فِی النَّاسِ تَحْمِلُهَا الرُّکْبَانُ حَیْثُ سَارُوا وَ إِنْ شِئْتَ اسْتَدَمْنَا مَا نَحْنُ فِیهِ عَفْواً فَقَالَ بَلْ نَسْتَدِیمُهُ وَ إِنَّهَا لَصَائِرَةٌ إِلَیْکَ بَعْدَ أَیَّامٍ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ لاَ یَأْتِی عَلَیْهِ جُمُعَةٌ حَتَّی یَرُدَّهَا عَلَیَّ فَتَغَافَلَ وَ اللَّهِ مَا ذَاکَرَنِی بَعْدَ ذَلِکَ حَرْفاً حَتَّی هَلَکَ.

وَ لَقَدْ مُدَّ فِی أَمَدِهَا عَاضّاً عَلَی نَوَاجِذِهِ حَتَّی حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَ أَیِسَ مِنْهَا فَکَانَ مِنْهُ مَا رَأَیْتُمَا فَاکْتُمَا مَا قُلْتُ لَکُمَا عَنِ النَّاسِ کَافَّةً وَ عَنْ بَنِی هَاشِمٍ خَاصَّةً وَ لْیَکُنْ مِنْکُمَا بِحَیْثُ أَمَرْتُکُمَا قُومَا إِذَا شِئْتُمَا عَلَی بَرَکَةِ اللَّهِ فَقُمْنَا وَ نَحْنُ نَعْجَبُ مِنْ قَوْلِهِ فَوَ اللَّهِ مَا أَفْشَیْنَا سِرَّهُ حَتَّی هَلَکَ (1) .

قال المرتضی و لیس فی طعن عمر علی أبی بکر ما یؤدی إلی فساد خلافته إذ له أن یثبت إمامة نفسه بالإجماع لا بنص أبی بکر علیه و أمّا الفلتة فإنها و إن کانت محتملة للبغتة کما قاله أبو علی رحمه اللّه تعالی إلاّ أن قوله وقی اللّه شرها یخصصها بأن مخرجها مخرج الذم و کذلک قوله فمن عاد إلی مثلها فاقتلوه و قوله المراد وقی اللّه شر الاختلاف فیها عدول عن الظاهر لأن الشر فی الکلام مضاف إلیها دون غیرها و أبعد من هذا التأویل قوله إن المراد من عاد إلی مثلها من غیر ضرورة و أکره المسلمین علیها فاقتلوه لأن ما جری هذا المجری لا یکون مثلا لبیعة أبی بکر عندهم لأن کل ذلک ما جری فیها علی مذاهبهم و قد کان یجب علی هذا أن یقول فمن عاد إلی خلافها فاقتلوه.

و لیس له أن یقول إنّما أراد بالمثل وجها واحدا و هو وقوعها من غیر مشاورة لأن ذلک إنّما تمّ فی أبی بکر خاصّة بظهور أمره و اشتهار فضله و لأنّهم بادروا إلی العقد خوفا من الفتنة و ذلک لأنّه غیر منکر أن یتفق من ظهور فضل غیر أبی بکر و اشتهار أمره و خوف الفتنة ما اتفق لأبی بکر فلا یستحق قتلا و لا ذما علی أن قوله مثلها یقتضی وقوعها علی الوجه الذی وقعت علیه فکیف یکون ما وقع من غیر مشاورة لضرورة داعیة و أسباب موجبة مثلا لما وقع بلا مشاورة و من غیر ضرورة و لا أسباب و الذی رواه عن أهل اللغة

ص :34

من أن آخر یوم من شوال یسمی فلتة من حیث إن من لم یدرک فیه الثأر فإنّه قول لا نعرفه و الذی نعرفه أنهم یسمون اللیلة التی ینقضی بها آخر الأشهر الحرم و یتم فلتة و هی آخر لیلة من لیالی الشهر لأنّه ربما رأی الهلال قوم لتسع و عشرین و لم یبصره الباقون فیغیر هؤلاء علی أولئک و هم غارون (1) فلهذا سمیت تلک اللیلة فلتة علی أنا قد بینا أن مجموع الکلام یقتضی ما ذکرناه من المعنی لو سلم له ما رواه عن أهل اللغة فی احتمال هذه اللفظة.

قال و قد ذکر صاحب کتاب العین أن الفلتة الأمر الذی یقع علی غیر إحکام فقد صح أنّها موضوعة فی اللغة لهذا و إن جاز ألا تختص به بل تکون لفظة مشترکة.

و بعد فلو کان عمر لم یرد بقوله توهین بیعة أبی بکر بل أراد ما ظنه المخالفون لکان ذلک عائدا علیه بالنقص لأنّه وضع کلامه فی غیر موضعه و أراد شیئا فعبر عن خلافه فلیس یخرج هذا الخبر من أن یکون طعنا علی أبی بکر إلا بأن یکون طعنا علی عمر (2) .

و اعلم أنّه لا یبعد أن یقال إن الرضا و السخط و الحب و البغض و ما شاکل ذلک من الأخلاق النفسانیة و إن کانت أمورا باطنة فإنها قد تعلم و یضطر الحاضرون إلی تحصیلها بقرائن أحوال تفیدهم العلم الضروری کما یعلم خوف الخائف و سرور المبتهج و قد یکون الإنسان عاشقا لآخر فیعلم المخالطون لهما ضرورة أنّه یعشقه لما یشاهدونه من قرائن الأحوال و کذلک یعلم من قرائن أحوال العابد المجتهد فی العبادة و صوم الهواجر و ملازمة الأوراد و سهر اللیل أنّه یتدین بذلک فغیر منکر أن یقول قاضی القضاة رحمه اللّه

ص :35

تعالی إن المعلوم ضرورة من حال عمر تعظیم أبی بکر و رضاه بخلافته و تدینه بذلک فالذی اعترضه رحمه اللّه تعالی به غیر وارد علیه و أمّا الأخبار التی رواها عن عمر فأخبار غریبة ما رأیناها فی الکتب المدونة و ما وقفنا علیها إلاّ من کتاب المرتضی و کتاب آخر یعرف بکتاب المسترشد (1) لمحمّد بن جریر الطبریّ و لیس هو محمّد بن جریر صاحب التاریخ بل هو من رجال الشیعة و أظن أن أمه من بنی جریر من مدینة آمل طبرستان و بنو جریر الآملیون شیعة مستهترون بالتشیع فنسب إلی أخواله و یدلّ علی ذلک شعر مرویّ له و هو بآمل مولدی و بنو جریر

و أنت تعلم حال الأخبار الغریبة التی لا توجد فی الکتب المدونة کیف هی فأما إنکاره ما ذکره شیخنا أبو علی رحمه اللّه تعالی من أن الفلتة هی آخر یوم من شوال و قوله إنا لا نعرفه فلیس الأمر کذلک بل هو تفسیر صحیح ذکره الجوهریّ فی کتاب الصحاح قال الفلتة آخر لیلة من کل شهر و یقال هی آخر یوم من الشهر الذی بعده الشهر الحرام (2) و هذا یدلّ علی أن آخر یوم من شوال یسمی فلتة و کذلک آخر یوم من جمادی الآخرة و إنّما التفسیر الذی ذکره المرتضی غیر معروف عند أهل اللغة .

و أمّا ما ذکره من إفساد حمل الفلتة فی الخبر علی هذه الوجوه المتأولة فجید إلاّ أن الإنصاف أن عمر لم یخرج الکلام مخرج الذم لأمر أبی بکر و إنّما أراد باللفظة محض حقیقتها فی اللغة ذکر صاحب الصحاح أن الفلتة الأمر الذی یعمل فجأة من

ص :36

غیر تردد و لا تدبر و هکذا کانت بیعة أبی بکر لأن الأمر لم یکن فیها شوری بین المسلمین و إنّما وقعت بغتة لم تمحص فیها الآراء و لم یتناظر فیها الرجال و کانت کالشیء المستلب المنتهب و کان عمر یخاف أن یموت عن غیر وصیة أو یقتل قتلا فیبایع أحد من المسلمین بغتة کبیعة أبی بکر فخطب بما خطب به و قال معتذرا إلاّ أنّه لیس فیکم من تقطع إلیه الأعناق کأبی بکر .

و أیضا قول المرتضی قد یتفق (1) من ظهور فضل غیر أبی بکر و خوف الفتنة مثل ما اتفق لأبی بکر فلا یستحق القتل فإن لقائل أن یقول إن عمر لم یخاطب بهذا إلاّ أهل عصره و کان هو رحمه اللّه یذهب إلی أنّه لیس فیهم کأبی بکر و لا من یحتمل له أن یبایع فلتة کما احتمل ذلک لأبی بکر فإن اتفق أن یکون فی عصر آخر بعد عصره من یظهر فضله و یکون فی زمانه کأبی بکر فی زمانه فهو غیر داخل فی نهی عمر و تحریمه.

و اعلم أن الشیعة لم تسلم لعمر أن بیعة أبی بکر کانت فلتة قال محمّد بن هانئ المغربی و لکن أمرا کان أبرم بینهم و إن قال قوم فلتة غیر مبرم (2) .

و قال آخر زعموها فلتة فاجئة

207

14- وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ أَیْضاً فِی (3) اَلتَّارِیخِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمَّا قُبِضَ اجْتَمَعَتِ اَلْأَنْصَارُ فِی سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ وَ أَخْرَجُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لِیُوَلُّوهُ الْخِلاَفَةَ وَ کَانَ

ص :37

مَرِیضاً فَخَطَبَهُمْ وَ دَعَاهُمْ إِلَی إِعْطَائِهِ الرِّئَاسَةَ وَ الْخِلاَفَةَ فَأَجَابُوهُ ثُمَّ تَرَادُّوا الْکَلاَمَ فَقَالُوا فَإِنْ أَبَی اَلْمُهَاجِرُونَ وَ قَالُوا نَحْنُ أَوْلِیَاؤُهُ وَ عِتْرَتُهُ فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ نَقُولُ مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْکُمْ أَمِیرٌ فَقَالَ سَعْدٌ فَهَذَا أَوَّلُ الْوَهْنِ وَ سَمِعَ عُمَرُ الْخَبَرَ فَأَتَی مَنْزِلَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ فِیهِ أَبُو بَکْرٍ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ أَنِ اخْرُجْ إِلَیَّ فَأَرْسَلَ أَنِّی مَشْغُولٌ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ عُمَرُ أَنِ اخْرُجْ فَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ لاَ بُدَّ أَنْ تَحْضُرَهُ فَخَرَجَ فَأَعْلَمَهُ الْخَبَرَ فَمَضَیَا مُسْرِعِینَ نَحْوَهُمْ وَ مَعَهُمَا أَبُو عُبَیْدَةَ فَتَکَلَّمَ أَبُو بَکْرٍ فَذَکَرَ قُرْبَ اَلْمُهَاجِرِینَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَنَّهُمْ أَوْلِیَاؤُهُ وَ عِتْرَتُهُ ثُمَّ قَالَ نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَ أَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ لاَ نَفْتَاتُ عَلَیْکُمْ بِمَشُورَةٍ وَ لاَ نَقْضِی دُونَکُمُ الْأُمُورَ.

فَقَامَ اَلْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ امْلِکُوا عَلَیْکُمْ أَمْرَکُمْ فَإِنَّ النَّاسَ فِی ظِلِّکُمْ وَ لَنْ یَجْتَرِئَ مُجْتَرِئٌ عَلَی خِلاَفِکُمْ وَ لاَ یَصْدُرُ أَحَدٌ إِلاَّ عَنْ رَأْیِکُمْ أَنْتُمْ أَهْلُ الْعِزَّةِ وَ الْمَنَعَةِ وَ أُولُو الْعَدَدِ وَ الْکَثْرَةِ وَ ذَوُو الْبَأْسِ وَ النَّجْدَةِ وَ إِنَّمَا یَنْظُرُ النَّاسُ مَا تَصْنَعُونَ فَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَفْسُدَ عَلَیْکُمْ أُمُورُکُمْ فَإِنْ أَبَی هَؤُلاَءِ إِلاَّ مَا سَمِعْتُمْ فَمِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْهُمْ أَمِیرٌ.

فَقَالَ عُمَرُ هَیْهَاتَ لاَ یَجْتَمِعُ سَیْفَانِ فِی غِمْدٍ وَ اللَّهِ لاَ تَرْضَی اَلْعَرَبُ أَنْ تُؤَمِّرَکُمْ وَ نَبِیُّهَا مِنْ غَیْرِکُمْ وَ لاَ تَمْتَنِعُ (1) اَلْعَرَبُ أَنْ تُوَلِّیَ أَمْرَهَا مَنْ کَانَتِ النُّبُوَّةُ مِنْهُمْ مَنْ یُنَازِعُنَا سُلْطَانَ مُحَمَّدٍ وَ نَحْنُ أَوْلِیَاؤُهُ وَ عَشِیرَتُهُ.

فَقَالَ اَلْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ امْلِکُوا أَیْدِیَکُمْ وَ لاَ تَسْمَعُوا مَقَالَةَ هَذَا وَ أَصْحَابِهِ فَیَذْهَبُوا بِنَصِیبِکُمْ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَإِنْ أَبَوْا عَلَیْکُمْ فَأَجْلُوهُمْ مِنْ هَذِهِ الْبِلاَدِ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ بِأَسْیَافِکُمْ دَانَ النَّاسُ بِهَذَا الدِّینِ أَنَا جُذَیْلُهَا الْمُحَکَّکُ وَ عُذَیْقُهَا الْمُرَجَّبُ

ص :38

أَنَا أَبُو شِبْلٍ فِی عِرِّیسَةِ الْأَسَدِ وَ اللَّهِ إِنْ شِئْتُمْ لَنُعِیدَنَّهَا جَذَعَةً.

فَقَالَ عُمَرُ إِذَنْ یَقْتُلُکَ اللَّهُ قَالَ بَلْ إِیَّاکَ یَقْتُلُ.

فَقَالَ أَبُو عُبَیْدَةَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ إِنَّکُمْ أَوَّلُ مَنْ نَصَرَ وَ آزَرَ فَلاَ تَکُونُوا أَوَّلَ مَنْ بَدَّلَ وَ غَیَّرَ.

فَقَامَ بَشِیرُ بْنُ سَعْدٍ وَالِدُ اَلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِیرٍ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ أَلاَ إِنَّ مُحَمَّداً مِنْ قُرَیْشٍ وَ قَوْمُهُ أَوْلَی بِهِ وَ أَیْمُ اللَّهِ لاَ یَرَانِی اللَّهُ أُنَازِعُهُمْ هَذَا الْأَمْرَ.

فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ هَذَا عُمَرُ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بَایِعُوا أَیَّهُمَا شِئْتُمْ فَقَالاَ وَ اللَّهِ لاَ نَتَوَلَّی هَذَا الْأَمْرَ عَلَیْکَ وَ أَنْتَ أَفْضَلُ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ خَلِیفَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی الصَّلاَةِ وَ هِیَ أَفْضَلُ الدِّینِ ابْسُطْ یَدَکَ فَلَمَّا بَسَطَ یَدَهُ لِیُبَایِعَاهُ سَبَقَهُمَا إِلَیْهِ بَشِیرُ بْنُ سَعْدٍ فَبَایَعَهُ فَنَادَاهُ اَلْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ یَا بَشِیرُ عَقَّقَتْ (1) عَقَاقِ أَ نَفَّسْتَ عَلَی ابْنِ عَمِّکَ الْإِمَارَةَ (2) .

فَقَالَ أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ (3) رَئِیسُ اَلْأَوْسِ لِأَصْحَابِهِ وَ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تُبَایِعُوا لَیَکُونَنَّ لِلْخَزْرَجِ عَلَیْکُمُ الْفَضِیلَةُ أَبَداً فَقَامُوا فَبَایَعُوا أَبَا بَکْرٍ .فَانْکَسَرَ عَلَی سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَ اَلْخَزْرَجِ مَا اجْتَمَعُوا عَلَیْهِ وَ أَقْبَلَ النَّاسُ یُبَایِعُونَ أَبَا بَکْرٍ مِنْ کُلِّ جَانِبٍ ثُمَّ حُمِلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إِلَی دَارِهِ فَبَقِیَ أَیَّاماً وَ أَرْسَلَ إِلَیْهِ أَبُو بَکْرٍ لِیُبَایِعَ فَقَالَ لاَ وَ اللَّهِ حَتَّی أَرْمِیَکُمْ بِمَا فِی کِنَانَتِی وَ أَخْضِبَ سِنَانَ رُمْحِی وَ أَضْرِبَ بِسَیْفِی مَا أَطَاعَنِی وَ أُقَاتِلَکُمْ بِأَهْلِ بَیْتِی وَ مَنْ تَبِعَنِی وَ لَوِ اجْتَمَعَ مَعَکُمُ الْجِنُّ وَ الْإِنْسُ مَا بَایَعْتُکُمْ حَتَّی أُعْرَضَ عَلَی رَبِّی.

فَقَالَ عُمَرُ لاَ تَدَعْهُ حَتَّی یُبَایِعَ فَقَالَ بَشِیرُ بْنُ سَعْدٍ إِنَّهُ قَدْ لَجَّ وَ لَیْسَ بِمُبَایِعٍ لَکُمْ

ص :39

حَتَّی یُقْتَلَ وَ لَیْسَ بِمَقْتُولٍ حَتَّی یُقْتَلَ مَعَهُ أَهْلُهُ وَ طَائِفَةٌ مِنْ عَشِیرَتِهِ وَ لاَ یَضُرُّکُمْ تَرْکُهُ إِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَتَرَکُوهُ.

وَ جَاءَتْ أَسْلَمُ فَبَایَعَتْ فَقَوِیَ بِهِمْ جَانِبُ أَبِی بَکْرٍ وَ بَایَعَهُ النَّاسُ.

وَ فِی کُتُبِ غَرِیبِ الْحَدِیثِ فِی تَتِمَّةِ کَلاَمِ عُمَرَ فَأَیُّمَا رَجُلٍ بَایَعَ رَجُلاً بِغَیْرِ مَشُورَةٍ مِنَ النَّاسِ فَلاَ یُؤَمَّرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا تَغِرَّةَ أَنْ یُقْتَلاَ

(1)

.

قالوا غرر تغریرا و تغرة کما قالوا حلل تحلیلا و تحلة و علل تعلیلا و تعلة و انتصب تغرة هاهنا لأنّه مفعول له و معنی الکلام أنّه إذا بایع واحد لآخر بغتة عن غیر شوری فلا یؤمر واحد منهما لأنهما قد غررا بأنفسهما تغرة و عرضاهما لأن تقتلا.

208

14- وَ رَوَی جَمِیعُ أَصْحَابِ السِّیرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمَّا تُوُفِّیَ کَانَ أَبُو بَکْرٍ فِی مَنْزِلِهِ (2) بِالسُّنُحِ فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ لاَ یَمُوتُ حَتَّی یُظْهِرَ دِینَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَیَرْجِعَنَّ فَلَیَقْطَعَنَّ أَیْدِیَ رِجَالٍ وَ أَرْجُلَهُمْ مِمَّنْ أَرْجَفَ بِمَوْتِهِ لاَ أَسْمَعُ رَجُلاً یَقُولُ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ ضَرَبْتُهُ بِسَیْفِی فَجَاءَ أَبُو بَکْرٍ وَ کَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَالَ بِأَبِی وَ أُمِّی طِبْتَ حَیّاً وَ مَیِّتاً وَ اللَّهِ لاَ یُذِیقُکَ اللَّهُ الْمَوْتَتَیْنِ أَبَداً ثُمَّ خَرَجَ وَ النَّاسُ حَوْلَ عُمَرَ وَ هُوَ یَقُولُ لَهُمْ إِنَّهُ لَمْ یَمُتْ وَ یَحْلِفُ فَقَالَ لَهُ أَیُّهَا الْحَالِفُ عَلَی رِسْلِکَ ثُمَّ قَالَ مَنْ کَانَ یَعْبُدُ مُحَمَّداً فَإِنَّ مُحَمَّداً قَدْ مَاتَ وَ مَنْ کَانَ یَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَیٌّ لاَ یَمُوتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ (3) وَ قَالَ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلیٰ أَعْقٰابِکُمْ (4) قَالَ عُمَرُ فَوَ اللَّهِ

ص :40

مَا مَلَکْتُ نَفْسِی حَیْثُ سَمِعْتُهَا أَنْ سَقَطْتُ إِلَی الْأَرْضِ وَ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَدْ مَاتَ

.

و قد تکلمت الشیعة فی هذا الموضع و قالوا إنّه بلغ من قلة علمه أنّه لم یعلم أن الموت یجوز علی رسول اللّه ص و أنّه أسوة الأنبیاء فی ذلک و قال لما تلا أبو بکر الآیات أیقنت الآن بوفاته کأنّی (1) لم أسمع هذه الآیة فلو کان یحفظ القرآن أو یتفکر فیه ما قال ذلک و من هذه حاله لا یجوز أن یکون إماما.

و أجاب قاضی القضاة رحمه اللّه تعالی فی المغنی عن هذا فقال إن عمر لم یمنع من جواز موته ع و لا نفی کونه ممکنا و لکنه تأول فی ذلک قوله تعالی هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدیٰ وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ (2) و قال کیف یموت و لم یظهر ص علی الدین کله فقال أبو بکر إذا ظهر دینه فقد ظهر هو و سیظهر دینه بعد وفاته.

فحمل عمر قوله تعالی أَ فَإِنْ مٰاتَ علی تأخر الموت لا علی نفیه بالکلیة قال و لا یجب فیمن ذهل عن بعض أحکام القرآن ألا یحفظ القرآن لأن الأمر لو کان کذلک لوجب ألا یحفظ القرآن إلا من عرف جمیع أحکامه علی أن حفظ جمیع القرآن غیر واجب و لا یقدح الإخلال به فی الفضل (3) .

و اعترض المرتضی رحمه اللّه تعالی فی کتاب الشافی هذا الکلام فقال لا یخلو خلاف عمر فی وفاة رسول اللّه ص من أن یکون علی سبیل الإنکار لموته علی کل حال و الاعتقاد أن (4) الموت لا یجوز علیه علی کل وجه أو یکون منکرا لموته فی

ص :41

تلک الحال من حیث لم یظهر عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ فإن کان الأول فهو ممّا لا یجوز خلاف عاقل فیه و العلم بجواز الموت علی جمیع البشر ضروری و لیس یحتاج فی حصول هذا العلم إلی تلاوة الآیات التی تلاها أبو بکر و إن کان الثانی فأول ما فیه أن هذا الاختلاف لا یلیق بما احتج به أبو بکر علیه من قوله إِنَّکَ مَیِّتٌ لأن عمر لم ینکر علی هذا الوجه جواز الموت علیه و صحته و إنّما خالف فی وقته فکان یجب أن یقول لأبی بکر و أی حجة فی هذه الآیات علی فإنی لم أمنع جواز موته و إنّما منعت وقوع موته الآن و جوزته فی المستقبل و الآیات إنّما تدلّ علی جواز الموت فقط لا علی تخصیصه بحال معینة.

و بعد فکیف دخلت هذه الشبهة البعیدة علی عمر من بین سائر الخلق و من أین زعم أنّه سیعود فیقطع أیدی رجال و أرجلهم و کیف لم یحصل له من الیقین لما رأی من الواعیة (1) و کآبة الخلق و إغلاق الباب و صراخ النساء ما یدفع به ذلک الوهم و الشبهة البعیدة فلم یحتج إلی موقف.

و بعد فیجب إن کانت هذه شبهته أن یقول فی مرض النبیّ ص و قد رأی جزع أهله و خوفهم علیه الموت و قول أسامة صاحب الجیش لم أکن لأرحل و أنت هکذا و أسأل عنک الرکب یا هؤلاء لا تخافوا و لا تجزعوا و لا تخف أنت یا أسامة فإن رسول اللّه ص لا یموت الآن لأنّه لم یظهر عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ .

و بعد فلیس هذا من أحکام الکتاب التی یعذر من لا یعرفها علی ما ظنّ المعتذر له (2) .

و نحن نقول إن عمر کان أجل قدرا من أن یعتقد ما ظهر عنه فی هذه الواقعة

ص :42

و لکنه لما علم أن رسول اللّه ص قد مات خاف من وقوع فتنة فی الإمامة و تقلب أقوام علیها إمّا من الأنصار أو غیرهم و خاف أیضا من حدوث ردة و رجوع عن الإسلام فإنه کان ضعیفا بعد لم یتمکن و خاف من ترات تشن و دماء تراق فإن أکثر العرب کان موتورا فی حیاة رسول اللّه ص لقتل من قتل أصحابه منهم و فی مثل ذلک الحال تنتهز الفرصة و تهتبل الغرة فاقتضت المصلحة عنده تسکین الناس بأن أظهر ما أظهره من کون رسول اللّه ص لم یمت و أوقع تلک الشبهة فی قلوبهم فکسر بها شرة کثیر منهم و ظنوها حقا فثناهم بذلک عن حادث یحدثونه تخیلا منهم أن رسول اللّه ص ما مات و إنّما غاب کما غاب موسی عن قومه و هکذا کان عمر یقول لهم إنّه قد غاب عنکم کما غاب موسی عن قومه و لیعودن فلیقطعن أیدی قوم أرجفوا بموته.

و مثل هذا الکلام یقع فی الوهم فیصد عن کثیر من العزم أ لا تری أن الملک إذا مات فی مدینة وقع فیها فی أکثر الأمر نهب و فساد و تحریق و کل من فی نفسه حقد علی آخر بلغ منه غرضه إمّا بقتل أو جرح أو نهب مال إلی أن تتمهد قاعدة الملک الذی یلی بعده فإذا کان فی المدینة وزیر حازم الرأی کتم موت الملک و سجن قوما ممن أرجف نداء بموته و أقام فیهم السیاسة و أشاع أن الملک حی و أن أوامره و کتبه نافذة و لا یزال یلزم ذلک الناموس إلی أن یمهد قاعدة الملک للوالی بعده و کذلک عمر أظهر ما أظهر حراسة للدین و الدولة إلی أن جاء أبو بکر و کان غائبا بالسنح و هو منزل بعید عن المدینة فلما اجتمع بأبی بکر قوی به جأشه و اشتد به أزره و عظم طاعة الناس له و میلهم إلیه فسکت حینئذ عن تلک الدعوی التی کان ادعاها لأنّه قد أمن بحضور أبی بکر من خطب یحدث أو فساد یتجدد و کان أبو بکر محببا إلی الناس لا سیما المهاجرین .

ص :43

و یجوز عند الشیعة و عند أصحابنا أیضا أن یقول الإنسان کلاما ظاهر الکذب علی جهة المعاریض فلا وصمة علی عمر إذا کان حلف أن رسول اللّه ص لم یمت و لا وصمة علیه فی قوله بعد حضور أبی بکر و تلاوة ما تلا کأنّی لم أسمعها أو قد تیقنت الآن وفاته ص لأنّه أراد بهذا القول الأخیر تشیید القول الأوّل و کان هو الصواب و کان من سیئ الرأی و قبیحه أن یقول إنّما قلته تسکینا لکم و لم أقله عن اعتقاد فالذی بدا به حسن و صواب و الذی ختم به أحسن و أصوب.

209

14,1- وَ رَوَی أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ فِی کِتَابِ اَلسَّقِیفَةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنْ مَالِکِ بْنِ دِینَارٍ قَالَ کَانَ اَلنَّبِیُّ ص قَدْ بَعَثَ أَبَا سُفْیَانَ سَاعِیاً (1) فَرَجَعَ مِنْ سِعَایَتِهِ وَ قَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَلَقِیَهُ قَوْمٌ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ مَنْ وُلِّیَ بَعْدَهُ قِیلَ أَبُو بَکْرٍ قَالَ أَبُو فَصِیلٍ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَمَا فَعَلَ الْمُسْتَضْعَفَانِ عَلِیٌّ وَ اَلْعَبَّاسُ أَمَا وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَأَرْفَعَنَّ لَهُمَا مِنْ أَعْضَادِهِمَا.

قَالَ أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ وَ ذَکَرَ الرَّاوِی وَ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَیْمَانَ أَنَّ أَبَا سُفْیَانَ قَالَ شَیْئاً آخَرَ لَمْ تَحْفَظْهُ الرُّوَاةُ فَلَمَّا قَدِمَ اَلْمَدِینَةَ قَالَ إِنِّی لَأَرَی عَجَاجَةً لاَ یُطْفِئُهَا إِلاَّ الدَّمُ قَالَ فَکَلَّمَ عُمَرُ أَبَا بَکْرٍ فَقَالَ إِنَّ أَبَا سُفْیَانَ قَدْ قَدِمَ وَ إِنَّا لاَ نَأْمَنُ شَرَّهُ فَدَعْ لَهُ مَا فِی یَدِهِ فَتَرَکَهُ فَرَضِیَ

.

210

وَ رَوَی أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ أَنَّ أَبَا سُفْیَانَ قَالَ لَمَّا بُویِعَ عُثْمَانُ کَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِی تَیْمٍ وَ أَنَّی لِتَیْمٍ هَذَا الْأَمْرُ ثُمَّ صَارَ إِلَی عَدِیٍّ فَأَبْعَدُ وَ أَبْعَدُ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَی مَنَازِلِهَا وَ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ قَرَارَهُ فَتَلَقَّفُوهَا تَلَقُّفَ الْکُرَةِ.

ص :44

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ وَ حَدَّثَنِی اَلْمُغِیرَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُهَلَّبِیُّ قَالَ ذَاکَرْتُ إِسْمَاعِیلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِی بِهَذَا الْحَدِیثِ وَ أَنَّ أَبَا سُفْیَانَ قَالَ لِعُثْمَانَ بِأَبِی أَنْتَ أَنْفِقْ وَ لاَ تَکُنْ کَأَبِی حُجْرٍ وَ تَدَاوَلُوهَا یَا بَنِی أُمَیَّةَ تَدَاوُلَ الْوِلْدَانِ الْکُرَةَ فَوَ اللَّهِ مَا مِنْ جَنَّةٍ وَ لاَ نَارٍ وَ کَانَ اَلزُّبَیْرُ حَاضِراً فَقَالَ عُثْمَانُ لِأَبِی سُفْیَانَ اعْزُبْ فَقَالَ یَا بُنَیَّ أَ هَاهُنَا أَحَدٌ قَالَ اَلزُّبَیْرُ نَعَمْ وَ اللَّهِ لاَ کَتَمْتُهَا عَلَیْکَ. قال فقال إسماعیل هذا باطل قلت و کیف ذلک قال ما أنکر هذا من أبی سفیان و لکن أنکر أن یکون سمعه عثمان و لم یضرب عنقه.

211

1- وَ رَوَی أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ قَالَ جَاءَ أَبُو سُفْیَانَ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ وَلَّیْتُمْ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ أَذَلَّ بَیْتٍ فِی قُرَیْشٍ أَ مَا وَ اللَّهِ لَئِنْ شِئْتُ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَی أَبِی فَصِیلٍ خَیْلاً وَ رَجِلاً فَقَالَ عَلِیٌّ ع طَالَ مَا غَشَشْتَ اَلْإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ فَمَا ضَرَرْتَهُمْ شَیْئاً لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَی خَیْلِکَ وَ رَجِلِکَ لَوْ لاَ أَنَّا رَأَیْنَا أَبَا بَکْرٍ لَهَا أَهْلاً لَمَا تَرَکْنَاهُ .

212

1,15- وَ رَوَی أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ قَالَ لَمَّا بُویِعَ لِأَبِی بَکْرٍ کَانَ اَلزُّبَیْرُ وَ اَلْمِقْدَادُ یَخْتَلِفَانِ فِی جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ إِلَی عَلِیٍّ وَ هُوَ فِی بَیْتِ فَاطِمَةَ فَیَتَشَاوَرُونَ وَ یَتَرَاجَعُونَ أُمُورَهُمْ فَخَرَجَ عُمَرُ حَتَّی دَخَلَ عَلَی فَاطِمَةَ ع وَ قَالَ یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ أَحَبَّ إِلَیْنَا مِنْ أَبِیکِ وَ مَا مِنْ أَحَدٍ أَحَبَّ إِلَیْنَا مِنْکِ بَعْدَ أَبِیکِ وَ أَیْمُ اللَّهِ مَا ذَاکَ بِمَانِعِی إِنِ اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ النَّفَرُ عِنْدَکِ أَنْ آمُرَ بِتَحْرِیقِ الْبَیْتِ عَلَیْهِمْ فَلَمَّا خَرَجَ عُمَرُ جَاءُوهَا فَقَالَتْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عُمَرَ جَاءَنِی وَ حَلَفَ لِی بِاللَّهِ إِنْ عُدْتُمْ لَیُحْرِقَنَّ عَلَیْکُمُ الْبَیْتَ وَ أَیْمُ اللَّهِ لَیَمْضِیَنَّ لِمَا حَلَفَ لَهُ فَانْصَرِفُوا عَنَّا رَاشِدِینَ فَلَمْ یَرْجِعُوا إِلَی بَیْتِهَا وَ ذَهَبُوا فَبَایَعُوا لِأَبِی بَکْرٍ

.

213

15- وَ رَوَی أَحْمَدُ وَ رَوَی اَلْمُبَرَّدُ فِی اَلْکَامِلِ صَدْرَ هَذَا الْخَبَرِ (1) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

ص :45

بْنِ عَوْفٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَی أَبِی بَکْرٍ أَعُودُهُ فِی مَرَضِهِ الَّذِی مَاتَ فِیهِ فَسَلَّمْتُ وَ سَأَلْتُهُ کَیْفَ بِهِ فَاسْتَوَی جَالِساً فَقُلْتُ لَقَدْ أَصْبَحْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئاً فَقَالَ أَمَا إِنِّی عَلَی مَا تَرَی لَوَجِعٌ وَ جَعَلْتُمْ لِی مَعْشَرَ اَلْمُهَاجِرِینَ شُغُلاً مَعَ وَجَعِی وَ جَعَلْتُ لَکُمْ عَهْداً مِنِّی مِنْ بَعْدِی وَ اخْتَرْتُ لَکُمْ خَیْرَکُمْ فِی نَفْسِی فَکُلُّکُمْ وَرِمَ (1) لِذَلِکَ أَنْفُهُ رَجَاءَ أَنْ یَکُونَ الْأَمْرُ لَهُ وَ رَأَیْتُمُ الدُّنْیَا قَدْ أَقْبَلَتْ وَ اللَّهِ لَتَتَّخِذُنَّ سُتُورَ الْحَرِیرِ وَ نَضَائِدَ الدِّیبَاجِ (2) وَ تَأْلَمُونَ ضَجَائِعَ الصُّوفِ الْأَذْرَبِیِّ (3) کَأَنَّ أَحَدَکُمْ عَلَی حَسَکِ (4) السَّعْدَانِ وَ اللَّهِ لَأَنْ یُقَدَّمَ أَحَدُکُمْ فَتُضْرَبَ عُنُقُهُ فِی غَیْرِ حَدٍّ خَیْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ یَسْبَحَ فِی غَمْرَةِ الدُّنْیَا وَ إِنَّکُمْ غَداً لَأَوَّلُ ضَالٍّ بِالنَّاسِ یَجُورُونَ عَنِ الطَّرِیقِ یَمِیناً وَ شِمَالاً یَا هَادِیَ الطَّرِیقِ جُرْتَ إِنَّمَا هُوَ الْبَجْرُ أَوِ الْفَجْرُ (5) فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ تُکْثِرْ عَلَی مَا بِکَ فَیَهِیضَکَ (6) وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خَیْراً (7) وَ إِنَّ صَاحِبَکَ لَذُو خَیْرٍ وَ مَا النَّاسُ إِلاَّ رَجُلاَنِ رَجُلٌ رَأَی مَا رَأَیْتُ فَلاَ خِلاَفَ عَلَیْکَ مِنْهُ وَ رَجُلٌ رَأَی غَیْرَ ذَلِکَ وَ إِنَّمَا یُشِیرُ عَلَیْکَ بِرَأْیِهِ فَسَکَنَ وَ سَکَتَ هُنَیْهَةً فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا أَرَی بِکَ بَأْساً وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَلاَ تَأْسَ عَلَی الدُّنْیَا فَوَ اللَّهِ إِنْ عَلِمْنَاکَ إِلاَّ صَالِحاً مُصْلِحاً فَقَالَ أَمَا إِنِّی لاَ آسَی إِلاَّ عَلَی ثَلاَثٍ فَعَلْتُهُنَّ وَدِدْتُ أَنِّی لَمْ أَفْعَلْهُنَّ وَ ثَلاَثٍ لَمْ أَفْعَلْهُنَّ وَدِدْتُ أَنِّی فَعَلْتُهُنَّ وَ ثَلاَثٍ وَدِدْتُ أَنِّی سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص عَنْهُنَّ فَأَمَّا الثَّلاَثُ الَّتِی فَعَلْتُهَا وَ وَدِدْتُ أَنِّی لَمْ أَکُنْ فَعَلْتُهَا فَوَدِدْتُ أَنِّی لَمْ أَکُنْ کَشَفْتُ

ص :46

عَنْ بَیْتِ فَاطِمَةَ وَ تَرَکْتُهُ وَ لَوْ أُغْلِقَ عَلَی حَرْبٍ وَ وَدِدْتُ أَنِّی یَوْمَ سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ کُنْتُ قَذَفْتُ الْأَمْرَ فِی عُنُقِ أَحَدِ الرَّجُلَیْنِ عُمَرَ أَوْ أَبِی عُبَیْدَةَ فَکَانَ أَمِیراً وَ کُنْتُ وَزِیراً وَ وَدِدْتُ أَنِّی إِذْ أُتِیتُ بِالْفَجَاءَةِ (1) لَمْ أَکُنْ أَحْرَقْتُهُ وَ کُنْتُ قَتَلْتُهُ بِالْحَدِیدِ أَوْ أَطْلَقْتُهُ.

وَ أَمَّا الثَّلاَثُ الَّتِی تَرَکْتُهَا وَ وَدِدْتُ أَنِّی فَعَلْتُهَا فَوَدِدْتُ أَنِّی یَوْمَ أُتِیتُ بِالْأَشْعَثِ کُنْتُ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ فَإِنَّهُ یُخَیَّلُ إِلَیَّ أَنَّهُ لاَ یَرَی شَرّاً إِلاَّ أَعَانَ عَلَیْهِ وَ وَدِدْتُ أَنِّی حَیْثُ وَجَّهْتُ خَالِداً إِلَی أَهْلِ الرَّدَّةِ أَقَمْتُ بِذِی الْقَصَّةِ فَإِنْ ظَفِرَ اَلْمُسْلِمُونَ وَ إِلاَّ کُنْتُ رِدْءاً لَهُمْ وَ وَدِدْتُ حَیْثُ وَجَّهْتُ خَالِداً إِلَی اَلشَّامِ کُنْتُ وَجَّهْتُ عُمَرَ إِلَی اَلْعِرَاقِ فَأَکُونَ قَدْ بَسَطْتُ کِلْتَا یَدَیَّ الْیَمِینَ وَ الشِّمَالَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ.

وَ أَمَّا الثَّلاَثُ اللَّوَاتِی وَدِدْتُ أَنِّی کُنْتُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص عَنْهُنَّ فَوَدِدْتُ أَنِّی سَأَلْتُهُ فِیمَنْ هَذَا الْأَمْرُ فَکُنَّا لاَ نُنَازِعُهُ أَهْلَهُ [وَ وَدِدْتُ أَنِّی کُنْتُ سَأَلْتُهُ هَلْ لِلْأَنْصَارِ فِی هَذَا الْأَمْرِ نَصِیبٌ]

(2) وَ وَدِدْتُ أَنِّی سَأَلْتُهُ عَنْ مِیرَاثِ الْعَمَّةِ وَ ابْنَةِ الْأُخْتِ فَإِنَّ فِی نَفْسِی مِنْهُمَا حَاجَةً

.

214

1,15,2,3- وَ مِنْ کِتَابِ مُعَاوِیَةَ الْمَشْهُورِ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ أَعْهَدُکَ أَمْسِ تَحْمِلُ قَعِیدَةَ بَیْتِکَ لَیْلاً عَلَی حِمَارٍ وَ یَدَاکَ فِی یَدَیِ ابْنَیْکَ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَیْنِ یَوْمَ بُویِعَ أَبُو بَکْرٍ الصِّدِّیقُ فَلَمْ تَدَعْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَ السَّوَابِقِ إِلاَّ دَعَوْتَهُمْ إِلَی نَفْسِکَ وَ مَشَیْتَ إِلَیْهِمْ بِامْرَأَتِکَ وَ أَدْلَیْتَ إِلَیْهِمْ بِابْنَیْکَ وَ اسْتَنْصَرْتَهُمْ عَلَی صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ یُجِبْکَ مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ وَ لَعَمْرِی لَوْ کُنْتَ مُحِقّاً لَأَجَابُوکَ وَ لَکِنَّکَ ادَّعَیْتَ بَاطِلاً وَ قُلْتَ مَا لاَ تَعْرِفُ وَ رُمْتَ مَا لاَ یُدْرَکُ وَ مَهْمَا نَسِیتَ فَلاَ أَنْسَی قَوْلَکَ لِأَبِی سُفْیَانَ لَمَّا حَرَّکَکَ وَ هَیَّجَکَ لَوْ وَجَدْتُ أَرْبَعِینَ ذَوِی عَزْمٍ مِنْهُمْ لَنَاهَضْتُ الْقَوْمَ فَمَا یَوْمُ اَلْمُسْلِمِینَ مِنْکَ بِوَاحِدٍ وَ لاَ بَغْیُکَ عَلَی الْخُلَفَاءِ بِطَرِیفٍ وَ لاَ مُسْتَبْدِعٍ

.

ص :47

و سنذکر تمام هذا الکتاب و أوله عند انتهائنا إلی کتب علی ع .

215

1- وَ رَوَی أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ عَنْ أَبِی الْمُنْذِرِ وَ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی صَالِحٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ کَانَ بَیْنَ اَلْعَبَّاسِ وَ عَلِیٍّ مُبَاعَدَةٌ فَلَقِیَ اِبْنُ عَبَّاسٍ عَلِیّاً فَقَالَ إِنْ کَانَ لَکَ فِی النَّظَرِ إِلَی عَمِّکَ حَاجَةٌ فَأْتِهِ وَ مَا أَرَاکَ تَلْقَاهُ بَعْدَهَا فَوَجَمَ (1) لَهَا وَ قَالَ تَقَدَّمْنِی وَ اسْتَأْذِنْ فَتَقَدَّمْتُهُ وَ اسْتَأْذَنْتُ لَهُ فَأَذِنَ فَدَخَلَ فَاعْتَنَقَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَ أَقْبَلَ عَلِیٌّ ع عَلَی یَدِهِ وَ رِجْلِهِ یُقَبِّلُهُمَا وَ یَقُولُ یَا عَمِّ ارْضَ عَنِّی رَضِیَ اللَّهُ عَنْکَ قَالَ قَدْ رَضِیتُ عَنْکَ.

ثُمَّ قَالَ یَا ابْنَ أَخِی قَدْ أَشَرْتُ عَلَیْکَ بِأَشْیَاءَ ثَلاَثَةٍ فَلَمْ تَقْبَلْ وَ رَأَیْتَ فِی عَاقِبَتِهَا مَا کَرِهْتَ وَ هَا أَنَا ذَا أُشِیرُ عَلَیْکَ بِرَأْیٍ رَابِعٍ فَإِنْ قَبِلْتَهُ وَ إِلاَّ نَالَکَ مَا نَالَکَ مِمَّا کَانَ قَبْلَهُ قَالَ وَ مَا ذَاکَ یَا عَمِّ قَالَ أَشَرْتُ عَلَیْکَ فِی مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنْ تَسْأَلَهُ فَإِنْ کَانَ الْأَمْرُ فِینَا أَعْطَانَاهُ وَ إِنْ کَانَ فِی غَیْرِنَا أَوْصَی بِنَا فَقُلْتَ أَخْشَی إِنْ مَنَعَنَاهُ لاَ یُعْطِینَاهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ (2) فَمَضَتْ تِلْکَ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَتَانَا أَبُو سُفْیَانَ بْنُ حَرْبٍ تِلْکَ السَّاعَةَ فَدَعَوْنَاکَ إِلَی أَنْ نُبَایِعَکَ وَ قُلْتُ لَکَ ابْسُطْ یَدَکَ أُبَایِعْکَ وَ یُبَایِعْکَ هَذَا الشَّیْخُ فَإِنَّا إِنْ بَایَعْنَاکَ لَمْ یَخْتَلِفْ عَلَیْکَ أَحَدٌ مِنْ بَنِی عَبْدِ مَنَافٍ وَ إِذَا بَایَعَکَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ لَمْ یَخْتَلِفْ عَلَیْکَ أَحَدٌ (3) مِنْ قُرَیْشٍ وَ إِذَا بَایَعَتْکَ قُرَیْشٌ لَمْ یَخْتَلِفْ عَلَیْکَ أَحَدٌ مِنَ اَلْعَرَبِ فَقُلْتَ لَنَا بِجَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ ص شُغُلٌ وَ هَذَا الْأَمْرُ فَلَیْسَ نَخْشَی عَلَیْهِ فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ سَمِعْنَا التَّکْبِیرَ مِنْ سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ فَقُلْتَ یَا عَمِّ مَا هَذَا قُلْتُ مَا دَعَوْنَاکَ إِلَیْهِ فَأَبَیْتَ قُلْتَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَ وَ یَکُونُ هَذَا قُلْتُ نَعَمْ قُلْتَ أَ فَلاَ یُرَدُّ قُلْتُ لَکَ وَ هَلْ رُدَّ مِثْلُ هَذَا قَطُّ ثُمَّ أَشَرْتُ عَلَیْکَ حِینَ طُعِنَ عُمَرُ فَقُلْتُ لاَ تُدْخِلْ نَفْسَکَ فِی اَلشُّورَی فَإِنَّکَ إِنِ اعْتَزَلْتَهُمْ قَدَّمُوکَ وَ إِنْ سَاوَیْتَهُمْ تَقَدَّمُوکَ فَدَخَلْتَ مَعَهُمْ فَکَانَ مَا رَأَیْتَ

ص :48

ثُمَّ أَنَا الْآنَ أُشِیرُ عَلَیْکَ بِرَأْیٍ رَابِعٍ فَإِنْ قَبِلْتَهُ وَ إِلاَّ نَالَکَ مَا نَالَکَ مِمَّا کَانَ قَبْلَهُ إِنِّی أَرَی أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ یَعْنِی عُثْمَانَ قَدْ أَخَذَ فِی أُمُورٍ وَ اللَّهِ لَکَأَنِّی بِالْعَرَبِ قَدْ سَارَتْ إِلَیْهِ حَتَّی یُنْحَرَ فِی بَیْتِهِ کَمَا یُنْحَرُ الْجَمَلُ وَ اللَّهِ إِنْ کَانَ ذَلِکَ وَ أَنْتَ بِالْمَدِینَةِ أَلْزَمَکَ النَّاسُ بِهِ وَ إِذَا کَانَ ذَلِکَ لَمْ تَنَلْ مِنَ الْأَمْرِ شَیْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ شَرٍّ لاَ خَیْرَ مَعَهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا کَانَ یَوْمُ الْجَمَلِ عَرَضْتُ لَهُ وَ قَدْ قُتِلَ طَلْحَةُ وَ قَدْ أَکْثَرَ أَهْلُ اَلْکُوفَةِ فِی سَبِّهِ وَ غَمْصِهِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ قَالُوا ذَلِکَ لَقَدْ کَانَ کَمَا قَالَ أَخُو جُعْفِیٍّ (1) فَتًی کَانَ یُدْنِیهِ الْغِنَی مِنْ صَدِیقِهِ إِذَا مَا هُوَ اسْتَغْنَی وَ یُبْعِدُهُ الْفَقْرُ ثُمَّ قَالَ وَ اللَّهِ لَکَأَنَّ عَمِّی کَانَ یَنْظُرُ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ رَقِیقٍ وَ اللَّهِ مَا نِلْتُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ شَیْئاً إِلاَّ بَعْدَ شَرٍّ لاَ خَیْرَ مَعَهُ

.

216

1- وَ رَوَی أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ عَنْ حُبَابِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ جَرِیرِ بْنِ الْمُغِیرَةِ أَنَّ سَلْمَانَ وَ اَلزُّبَیْرَ وَ اَلْأَنْصَارَ کَانَ هَوَاهُمْ أَنْ یُبَایِعُوا عَلِیّاً ع بَعْدَ اَلنَّبِیِّ ص فَلَمَّا بُویِعَ أَبُو بَکْرٍ قَالَ سَلْمَانُ أَصَبْتُمُ الْخِبْرَةَ وَ أَخْطَأْتُمُ الْمَعْدِنَ

.

217

قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی هَاشِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ حَبِیبِ بْنِ أَبِی ثَابِتٍ قَالَ قَالَ سَلْمَانُ یَوْمَئِذٍ أَصَبْتُمْ ذَا السِّنِّ مِنْکُمْ وَ أَخْطَأْتُمْ أَهْلَ بَیْتِ نَبِیِّکُمْ لَوْ جَعَلْتُمُوهَا فِیهِمْ مَا اخْتَلَفَ عَلَیْکُمْ اثْنَانِ وَ لَأَکَلْتُمُوهَا رَغَداً.

218

1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی قَالَ حَدَّثَنَا غَسَّانُ

ص :49

بْنُ عَبْدِ الْحَمِیدِ قَالَ لَمَّا أَکْثَرَ النَّاسُ فِی تَخَلُّفِ عَلِیٍّ ع عَنْ بَیْعَةِ أَبِی بَکْرٍ وَ اشْتَدَّ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ عَلَیْهِ فِی ذَلِکَ خَرَجَتْ أُمُّ مِسْطَحِ بْنِ أَثَاثَةَ فَوَقَفَتْ عِنْدَ اَلْقَبْرِ وَ قَالَتْ کَانَتْ أُمُورٌ وَ أَبْنَاءٌ وَ هَنْبَثَةٌ

.

219

1,15- قَالَ أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِیمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ اِبْنِ وَهْبٍ عَنِ اِبْنِ لَهِیعَةَ عَنْ أَبِی الْأَسْوَدِ قَالَ غَضِبَ رِجَالٌ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ فِی بَیْعَةِ أَبِی بَکْرٍ بِغَیْرِ مَشُورَةٍ وَ غَضِبَ عَلِیٌّ وَ اَلزُّبَیْرُ فَدَخَلاَ بَیْتَ فَاطِمَةَ ع مَعَهُمَا السِّلاَحُ فَجَاءَ عُمَرُ فِی عِصَابَةٍ مِنْهُمْ أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ وَ سَلَمَةُ بْنُ سَلاَمَةَ بْنِ وَقْشٍ وَ هُمَا مِنْ بَنِی عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَصَاحَتْ فَاطِمَةُ ع وَ نَاشَدَتْهُمُ اللَّهَ فَأَخَذُوا سَیْفَیْ عَلِیٍّ وَ اَلزُّبَیْرِ فَضَرَبُوا بِهِمَا الْجِدَارَ حَتَّی کَسَرُوهُمَا ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا عُمَرُ یَسُوقُهُمَا حَتَّی بَایَعَا ثُمَّ قَامَ أَبُو بَکْرٍ فَخَطَبَ النَّاسَ وَ اعْتَذَرَ إِلَیْهِمْ وَ قَالَ إِنَّ بَیْعَتِی کَانَتْ فَلْتَةً وَقَی اللَّهُ شَرَّهَا وَ خَشِیتُ الْفِتْنَةَ وَ أَیْمُ اللَّهِ مَا حَرَصْتُ عَلَیْهَا یَوْماً قَطُّ وَ لَقَدْ قُلِّدْتُ أَمْراً عَظِیماً مَا لِی بِهِ طَاقَةٌ وَ لاَ یَدَانِ وَ لَوَدِدْتُ أَنَّ أَقْوَی النَّاسِ عَلَیْهِ مَکَانِی وَ جَعَلَ یَعْتَذِرُ إِلَیْهِمْ فَقَبِلَ اَلْمُهَاجِرُونَ عُذْرَهُ وَ قَالَ عَلِیٌّ وَ اَلزُّبَیْرُ مَا غَضِبْنَا إِلاَّ فِی الْمَشُورَةِ وَ إِنَّا لَنَرَی أَبَا بَکْرٍ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا إِنَّهُ لَصَاحِبُ اَلْغَارِ وَ إِنَّا لَنَعْرِفُ لَهُ سِنَّهُ وَ لَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالصَّلاَةِ بِالنَّاسِ وَ هُوَ حَیٌّ

.

220

15- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ قَدْ رُوِیَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ ذَکَرَهُ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَیْسِ بْنِ شَمَّاسٍ کَانَ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّذِینَ حَضَرُوا مَعَ عُمَرَ فِی بَیْتِ فَاطِمَةَ ع وَ ثَابِتٌ هَذَا أَخُو بَنِی الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ .

ص :50

وَ رُوِیَ أَیْضاً أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ کَانَ مَعَهُمْ وَ أَنَّ مُحَمَّداً هُوَ الَّذِی کَسَرَ سَیْفَ اَلزُّبَیْرِ .

221

1,14- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنِی یَعْقُوبُ بْنُ شَیْبَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَیُّوبَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ عَنِ اَلزُّهْرِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ عَلِیٌّ ع عَلَی النَّاسِ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی مَرَضِهِ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ کَیْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَا أَبَا حَسَنٍ قَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئاً قَالَ فَأَخَذَ اَلْعَبَّاسُ بِیَدِ عَلِیٍّ ثُمَّ قَالَ یَا عَلِیُّ أَنْتَ عَبْدُ الْعَصَا بَعْدَ ثَلاَثٍ أَحْلِفُ لَقَدْ رَأَیْتُ الْمَوْتَ فِی وَجْهِهِ وَ إِنِّی لَأَعْرِفُ الْمَوْتَ فِی وُجُوهِ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَانْطَلِقْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَاذْکُرْ لَهُ هَذَا الْأَمْرَ إِنْ کَانَ فِینَا أَعْلَمَنَا وَ إِنْ کَانَ فِی غَیْرِنَا أَوْصَی بِنَا فَقَالَ لاَ أَفْعَلُ وَ اللَّهِ إِنْ مَنَعَنَاهُ الْیَوْمَ لاَ یُؤْتِینَاهُ النَّاسُ بَعْدَهُ قَالَ فَتُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ ذَلِکَ الْیَوْمَ

.

222

14,1- وَ قَالَ أَبُو بَکْرٍ حَدَّثَنِی اَلْمُغِیرَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُهَلَّبِیُّ مِنْ حِفْظِهِ وَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ مِنْ کِتَابِهِ بِإِسْنَادٍ رَفَعَهُ إِلَی أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ سَمِعْتُ اَلْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ یَقُولُ لَمْ أَزَلْ لِبَنِی هَاشِمٍ مُحِبّاً فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص تَخَوَّفْتُ أَنْ تَتَمَالَأَ قُرَیْشٌ عَلَی إِخْرَاجِ هَذَا الْأَمْرِ عَنْ بَنِی هَاشِمٍ فَأَخَذَنِی مَا یَأْخُذُ الْوَالِهَ الْعَجُولَ.

ثُمَّ ذَکَرَ مَا قَدْ ذَکَرْنَاهُ نَحْنُ فِی أَوَّلِ هَذَا الْکِتَابِ (1) فِی شَرْحِ قَوْلِهِ ع أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلاَنٌ وَ زَادَ فِیهِ فِی هَذِهِ الرِّوَایَةِ فَمَکَثْتُ أُکَابِدُ مَا فِی نَفْسِی فَلَمَّا کَانَ بِلَیْلٍ خَرَجْتُ إِلَی اَلْمَسْجِدِ فَلَمَّا صِرْتُ فِیهِ تَذَکَّرْتُ أَنِّی کُنْتُ أَسْمَعُ هَمْهَمَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص بِالْقُرْآنِ فَامْتَنَعْتُ مِنْ مَکَانِی فَخَرَجْتُ إِلَی الْفَضَاءِ فَضَاءِ بَنِی بَیَاضَةَ وَ أَجِدُ نَفَراً یَتَنَاجَوْنَ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُمْ سَکَتُوا فَانْصَرَفْتُ عَنْهُمْ فَعَرَفُونِی وَ مَا أَعْرِفُهُمْ فَدَعَوْنِی إِلَیْهِمْ فَأَتَیْتُهُمْ فَأَجِدُ اَلْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَ سَلْمَانَ الْفَارِسِیَّ وَ أَبَا ذَرٍّ وَ حُذَیْفَةَ وَ أَبَا الْهَیْثَمِ بْنَ التَّیِّهَانِ وَ إِذَا حُذَیْفَةُ یَقُولُ لَهُمْ وَ اللَّهِ لَیَکُونَنَّ مَا أَخْبَرْتُکُمْ

ص :51

بِهِ وَ اللَّهِ مَا کَذَبْتُ وَ لاَ کُذِبْتُ وَ إِذَا الْقَوْمُ یُرِیدُونَ أَنْ یُعِیدُوا الْأَمْرَ شُورَی بَیْنَ اَلْمُهَاجِرِینَ .

ثُمَّ قَالَ ائْتُوا أُبَیَّ بْنَ کَعْبٍ فَقَدْ عَلِمَ کَمَا عَلِمْتُ قَالَ فَانْطَلَقْنَا إِلَی أُبَیٍّ فَضَرَبْنَا عَلَیْهِ بَابَهُ حَتَّی صَارَ خَلْفَ الْبَابِ فَقَالَ مَنْ أَنْتُمْ فَکَلَّمَهُ اَلْمِقْدَادُ فَقَالَ مَا حَاجَتُکُمْ فَقَالَ لَهُ افْتَحْ (1) عَلَیْکَ بَابَکَ فَإِنَّ الْأَمْرَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ یُجْرَی مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ قَالَ مَا أَنَا بِفَاتِحٍ بَابِی وَ قَدْ عَرَفْتُ مَا جِئْتُمْ لَهُ کَأَنَّکُمْ أَرَدْتُمُ النَّظَرَ فِی هَذَا الْعَقْدِ فَقُلْنَا نَعَمْ فَقَالَ أَ فِیکُمْ حُذَیْفَةُ فَقُلْنَا نَعَمْ قَالَ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ وَ بِاللَّهِ مَا أَفْتَحُ عَنِّی بَابِی حَتَّی یُجْرَی عَلَی مَا هِیَ جَارِیَةٌ وَ لَمَّا یَکُونُ بَعْدَهَا شَرٌّ مِنْهَا وَ إِلَی اللَّهِ الْمُشْتَکَی.

قَالَ وَ بَلَغَ الْخَبَرُ أَبَا بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَأَرْسَلاَ إِلَی أَبِی عُبَیْدَةَ وَ اَلْمُغِیرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَسَأَلاَهُمَا عَنِ الرَّأْیِ فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ أَنْ تَلْقَوُا اَلْعَبَّاسَ فَتَجْعَلُوا لَهُ فِی هَذَا الْأَمْرِ نَصِیباً فَیَکُونَ لَهُ وَ لِعَقِبِهِ فَتَقْطَعُوا بِهِ مِنْ نَاحِیَةِ عَلِیٍّ وَ یَکُونَ لَکُمْ حُجَّةٌ عِنْدَ النَّاسِ عَلَی عَلِیٍّ إِذَا مَالَ مَعَکُمُ اَلْعَبَّاسُ .فَانْطَلَقُوا حَتَّی دَخَلُوا عَلَی اَلْعَبَّاسِ فِی اَللَّیْلَةِ الثَّانِیَةِ مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص

. ثم ذکر خطبة أبی بکر و کلام عمر و ما أجابهما العبّاس به و قد ذکرناه فیما تقدم من هذا الکتاب فی الجزء الأول

223

وَ رَوَی أَبُو بَکْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَیْدٍ عَنْ یَحْیَی بْنِ سَعِیدٍ عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ لَمَّا تُوُفِّیَ اَلنَّبِیُّ ص اجْتَمَعَتِ اَلْأَنْصَارُ إِلَی سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَأَتَاهُمْ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ فَقَالَ اَلْحُبَابُ

ص :52

بْنُ الْمُنْذِرِ مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْکُمْ أَمِیرٌ إِنَّا وَ اللَّهِ مَا نُنَفِّسُ (1) هَذَا الْأَمْرَ عَلَیْکُمْ أَیُّهَا الرَّهْطُ وَ لَکِنَّا نَخَافُ أَنْ یَلِیَهُ بَعْدَکُمْ مَنْ قَتَلْنَا أَبْنَاءَهُمْ وَ آبَاءَهُمْ وَ إِخْوَانَهُمْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا کَانَ ذَلِکَ قُمْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ فَتَکَلَّمَ أَبُو بَکْرٍ فَقَالَ نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَ أَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ وَ الْأَمْرُ بَیْنَنَا نِصْفَانِ کَشِقِّ الْأُبْلُمَةِ (2) فَبُویِعَ وَ کَانَ أَوَّلَ مَنْ بَایَعَهُ بَشِیرُ بْنُ سَعْدٍ وَالِدُ اَلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِیرٍ .

فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَی أَبِی بَکْرٍ قَسَمَ قَسْماً (3) بَیْنَ نِسَاءِ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَبَعَثَ إِلَی امْرَأَةٍ مِنْ بَنِی عَدِیِّ بْنِ النَّجَّارِ قِسْمَهَا مَعَ زَیْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَتْ مَا هَذَا قَالَ قِسْمٌ قَسَمَهُ أَبُو بَکْرٍ لِلنِّسَاءِ قَالَتْ أَ تُرَاشُونَنِی عَنْ دِینِی وَ لِلَّهِ لاَ أَقْبَلُ مِنْهُ شَیْئاً فَرَدَّتْهُ عَلَیْهِ.

قلت قرأت هذا الخبر علی أبی جعفر یحیی بن محمّد العلوی الحسینی المعروف بابن أبی زید نقیب البصرة رحمه اللّه تعالی فی سنة عشر و ستمائة من کتاب السقیفة لأحمد بن عبد العزیز الجوهریّ قال لقد صدقت فراسة الحباب فإن الذی خافه وقع یوم الحرة و أخذ من الأنصار ثأر المشرکین یوم بدر ثم قال لی رحمه اللّه تعالی و من هذا خاف أیضا رسول اللّه ص علی ذریته و أهله فإنّه کان ع قد وتر الناس و علم أنّه إن مات و ترک ابنته و ولدها سوقة و رعیة تحت أیدی الولاة کانوا بعرض خطر عظیم فما زال یقرر لابن عمه قاعدة الأمر بعده حفظا لدمه و دماء أهل بیته فإنهم إذا کانوا ولاة الأمر کانت دماؤهم أقرب إلی الصیانة و العصمة ممّا إذا کانوا سوقة تحت ید وال من غیرهم فلم یساعده القضاء و القدر و کان من الأمر ما کان ثمّ أفضی أمر ذریته فیما بعد إلی ما قد علمت.

ص :53

224

14,1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ حَدَّثَنِی یَعْقُوبُ بْنُ شَیْبَةَ بِإِسْنَادٍ رَفَعَهُ إِلَی طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ قُلْتُ لِهُذَیْلِ بْنِ شُرَحْبِیلَ إِنَّ النَّاسَ یَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَوْصَی إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ یَتَأَمَّرُ عَلَی وَصِیِّ رَسُولِ اللَّهِ ص وَدَّ أَبُو بَکْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص عَهْداً فَخُزِمَ أَنْفُهُ

.

قلت

225

14- هَذَا الْحَدِیثُ قَدْ خَرَّجَهُ الشَّیْخَانِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ الْبُخَارِیُّ وَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَیْرِیُّ فِی صَحِیحَیْهِمَا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِی أَوْفَی أَوْصَی (1) رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ لاَ قُلْتُ فَکَیْفَ کَتَبَ عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ الْوَصِیَّةَ (2) أَوْ کَیْفَ أُمِرَ بِالْوَصِیَّةِ وَ لَمْ یُوصِ قَالَ (3) أَوْصَی بِکِتَابِ اللَّهِ (4) قَالَ طَلْحَةُ ثُمَّ قَالَ اِبْنُ أَوْفَی مَا کَانَ أَبُو بَکْرٍ یَتَأَمَّرُ عَلَی وَصِیِّ رَسُولِ اللَّهِ ص وَدَّ أَبُو بَکْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص عَهْداً فَخُزِمَ أَنْفُهُ بِخِزَامِهِ

.

226

14- وَ رَوَی اَلشَّیْخَانِ فِی اَلصَّحِیحَیْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ ذُکِرَ عِنْدَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَوْصَی قَالَتْ وَ مَتَی أَوْصَی وَ مَنْ یَقُولُ ذَلِکَ قِیلَ إِنَّهُمْ یَقُولُونَ قَالَتْ مَنْ یَقُولُهُ لَقَدْ دَعَا بِطَسْتٍ لِیَبُولَ وَ إِنَّهُ بَیْنَ سَحْرِی وَ نَحْرِی فَانْخَنَثَ (5) فِی صَدْرِی فَمَاتَ وَ مَا شَعَرْتُ

(6)

.

227

14- وَ فِی اَلصَّحِیحَیْنِ أَیْضاً خَرَّجَاهُ مَعاً عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ کَانَ یَقُولُ یَوْمُ الْخَمِیسِ وَ مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ ثُمَّ بَکَی حَتَّی بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَی فَقُلْنَا یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ وَ مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ

ص :54

قَالَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَجَعُهُ فَقَالَ ائْتُونِی بِکِتَابٍ أَکْتُبْهُ لَکُمْ (1) لاَ تَضِلُّوا بَعْدِی أَبَداً فَتَنَازَعُوا فَقَالَ إِنَّهُ لاَ یَنْبَغِی عِنْدِی تَنَازُعٌ فَقَالَ قَائِلٌ مَا شَأْنُهُ أَ هَجَرَ اسْتَفْهَمُوهُ فَذَهَبُوا یُعِیدُونَ عَلَیْهِ فَقَالَ دَعُونِی وَ الَّذِی أَنَا فِیهِ خَیْرٌ مِنَ الَّذِی أَنْتُمْ فِیهِ ثُمَّ أَمَرَ بِثَلاَثَةِ أَشْیَاءَ فَقَالَ أَخْرِجُوا اَلْمُشْرِکِینَ مِنْ جَزِیرَةِ الْعَرَبِ وَ أَجِیزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا کُنْتُ أُجِیزُهُمْ وَ سُئِلَ اِبْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ إِمَّا أَلاَّ یَکُونَ تَکَلَّمَ بِهَا وَ إِمَّا أَنْ یَکُونَ قَالَهَا فَنَسِیتُ

(2)

.

228

14- وَ فِی اَلصَّحِیحَیْنِ أَیْضاً خَرَّجَاهُ مَعاً عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی قَالَ لَمَّا احْتُضِرَ (3) رَسُولُ اللَّهِ ص وَ فِی الْبَیْتِ رِجَالٌ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ اَلنَّبِیُّ ص هَلُمَّ أَکْتُبْ لَکُمْ کِتَاباً لاَ تَضِلُّونَ بَعْدَهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَدْ غَلَبَ عَلَیْهِ الْوَجَعُ وَ عِنْدَکُمُ اَلْقُرْآنُ حَسْبُنَا کِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ الْقَوْمُ وَ اخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ قَرِّبُوا إِلَیْهِ یَکْتُبْ لَکُمْ کِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَهُ عُمَرُ فَلَمَّا أَکْثَرُوا اللَّغْوَ وَ الاِخْتِلاَفَ عِنْدَهُ ع قَالَ لَهُمْ قُومُوا فَقَامُوا فَکَانَ اِبْنُ عَبَّاسٍ یَقُولُ إِنَّ الرَّزِیَّةَ کُلَّ الرَّزِیَّةِ مَا حَالَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ بَیْنَ أَنْ یَکْتُبَ لَکُمْ (4) ذَلِکَ الْکِتَابَ

(5)

.

229

قَالَ أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ وَ حَدَّثَنِی أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُعَاذٍ عَنِ اِبْنِ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنِی رَجُلٌ مِنْ زُرَیْقٍ

ص :55

أَنَّ عُمَرَ کَانَ یَوْمَئِذٍ قَالَ یَعْنِی یَوْمَ بُویِعَ أَبُو بَکْرٍ مُحْتَجِزاً (1) یُهَرْوِلُ بَیْنَ یَدَیْ أَبِی بَکْرٍ وَ یَقُولُ أَلاَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ بَایَعُوا أَبَا بَکْرٍ قَالَ فَجَاءَ أَبُو بَکْرٍ حَتَّی جَلَسَ عَلَی مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی وُلِّیتُکُمْ وَ لَسْتُ بِخَیْرِکُمْ وَ لَکِنَّهُ نَزَلَ اَلْقُرْآنُ وَ سُنَّتِ السُّنَنُ وَ عُلِّمْنَا فَتَعَلَّمْنَا إِنَّ أَکْیَسَ الْکَیْسِ التُّقَی وَ أَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ وَ إِنَّ أَقْوَاکُمْ عِنْدِی الضَّعِیفُ حَتَّی آخُذَ لَهُ بِالْحَقِّ وَ أَضْعَفَکُمْ عِنْدِی الْقَوِیُّ حَتَّی آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ وَ لَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ إِذَا أَحْسَنْتُ فَأَعِینُونِی وَ إِذَا زِغْتُ فَقَوِّمُونِی.

230

1,15- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنِی أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِیَةَ قَالَ حَدَّثَنِی اَلنَّضْرُ بْنُ شُمَیْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ لَمَّا جَلَسَ أَبُو بَکْرٍ عَلَی اَلْمِنْبَرِ کَانَ عَلِیٌّ ع وَ اَلزُّبَیْرُ وَ نَاسٌ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ فِی بَیْتِ فَاطِمَةَ فَجَاءَ عُمَرُ إِلَیْهِمْ فَقَالَ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَتَخْرُجُنَّ إِلَی الْبَیْعَةِ أَوْ لَأُحْرِقَنَّ الْبَیْتَ عَلَیْکُمْ فَخَرَجَ اَلزُّبَیْرُ مُصْلِتاً سَیْفَهُ فَاعْتَنَقَهُ رَجُلٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ زِیَادُ بْنُ لَبِیدٍ فَبَدَرَ السَّیْفَ فَصَاحَ بِهِ أَبُو بَکْرٍ وَ هُوَ عَلَی اَلْمِنْبَرِ اضْرِبْ بِهِ الْحَجَرَ فَدُقَّ بِهِ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ حِمَاسٍ فَلَقَدْ رَأَیْتُ الْحَجَرَ فِیهِ تِلْکَ الضَّرْبَةُ وَ یُقَالُ هَذِهِ ضَرْبَةُ سَیْفِ اَلزُّبَیْرِ ثُمَّ قَالَ أَبُو بَکْرٍ دَعُوهُمْ فَسَیَأْتِی اللَّهُ بِهِمْ قَالَ فَخَرَجُوا إِلَیْهِ بَعْدَ ذَلِکَ فَبَایَعُوهُ

.

231

1,15- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ قَدْ رُوِیَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِی وَقَّاصٍ کَانَ مَعَهُمْ فِی بَیْتِ فَاطِمَةَ ع وَ اَلْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَیْضاً وَ أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا عَلَی أَنْ یُبَایِعُوا عَلِیّاً ع فَأَتَاهُمْ عُمَرُ لِیُحْرِقَ عَلَیْهِمُ الْبَیْتَ فَخَرَجَ إِلَیْهِ اَلزُّبَیْرُ بِالسَّیْفِ وَ خَرَجَتْ فَاطِمَةُ ع تَبْکِی وَ تَصِیحُ فَنُهْنِهَتْ مِنَ النَّاسِ وَ قَالُوا لَیْسَ عِنْدَنَا مَعْصِیَةٌ وَ لاَ خِلاَفٌ فِی خَیْرٍ اجْتَمَعَ عَلَیْهِ النَّاسُ وَ إِنَّمَا اجْتَمَعْنَا لِنُؤَلِّفَ اَلْقُرْآنَ فِی مُصْحَفٍ وَاحِدٍ ثُمَّ بَایَعُوا أَبَا بَکْرٍ فَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ وَ اطْمَأَنَّ النَّاسُ

.

ص :56

232

1,15- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنَا أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَکْرٍ الْبَاهِلِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِیلُ بْنُ مُجَالِدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ سَأَلَ أَبُو بَکْرٍ فَقَالَ أَیْنَ اَلزُّبَیْرُ فَقِیلَ عِنْدَ عَلِیٍّ وَ قَدْ تَقَلَّدَ سَیْفَهُ فَقَالَ قُمْ یَا عُمَرُ قُمْ یَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ انْطَلِقَا حَتَّی تَأْتِیَانِی بِهِمَا فَانْطَلَقَا فَدَخَلَ عُمَرُ وَ قَامَ خَالِدُ عَلَی بَابِ الْبَیْتِ مِنْ خَارِجٍ فَقَالَ عُمَرُ لِلزُّبَیْرِ مَا هَذَا السَّیْفُ فَقَالَ نُبَایِعُ عَلِیّاً فَاخْتَرَطَهُ عُمَرُ فَضَرَبَ بِهِ حَجَراً فَکَسَرَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِیَدِ اَلزُّبَیْرِ فَأَقَامَهُ ثُمَّ دَفَعَهُ وَ قَالَ یَا خَالِدُ دُونَکَهُ فَأَمْسِکْهُ ثُمَّ قَالَ لِعَلِیٍّ قُمْ فَبَایِعْ لِأَبِی بَکْرٍ فَتَلَکَّأَ وَ احْتَبَسَ فَأَخَذَ بِیَدِهِ وَ قَالَ قُمْ فَأَبَی أَنْ یَقُومَ فَحَمَلَهُ وَ دَفَعَهُ کَمَا دَفَعَ اَلزُّبَیْرَ فَأَخْرَجَهُ وَ رَأَتْ فَاطِمَةُ مَا صَنَعَ بِهِمَا فَقَامَتْ عَلَی بَابِ الْحُجْرَةِ وَ قَالَتْ یَا أَبَا بَکْرٍ مَا أَسْرَعَ مَا أَغَرْتُمْ عَلَی أَهْلِ بَیْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَ اللَّهِ لاَ أُکَلِّمُ عُمَرَ حَتَّی أَلْقَی اللَّهَ قَالَ فَمَشَی إِلَیْهَا أَبُو بَکْرٍ بَعْدَ ذَلِکَ وَ شَفَعَ لِعُمَرَ وَ طَلَبَ إِلَیْهَا فَرَضِیَتْ عَنْهُ

.

233

1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنَا أَبُو زَیْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَرَامِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحُسَیْنُ بْنُ زَیْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ عُمَرُ بِعَلِیٍّ وَ عِنْدَهُ اِبْنُ عَبَّاسٍ بِفِنَاءِ دَارِهِ فَسَلَّمَ فَسَأَلاَهُ أَیْنَ تُرِیدُ فَقَالَ مَالِی بِیَنْبُعَ قَالَ عَلِیٌّ أَ فَلاَ نَصِلُ جَنَاحَکَ وَ نَقُومُ مَعَکَ فَقَالَ بَلَی فَقَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ قُمْ مَعَهُ قَالَ فَشَبَّکَ أَصَابِعَهُ فِی أَصَابِعِی وَ مَضَی حَتَّی إِذَا خَلَّفْنَا اَلْبَقِیعَ قَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ أَمَا وَ اللَّهِ إِنْ کَانَ صَاحِبُکَ هَذَا أَوْلَی النَّاسِ بِالْأَمْرِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ إِلاَّ أَنَا خِفْنَاهُ عَلَی اثْنَتَیْنِ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَجَاءَ بِمَنْطِقٍ لَمْ أَجِدْ بُدّاً مَعَهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُ فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا هُمَا قَالَ خَشِینَاهُ عَلَی حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَ حُبِّهِ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

.

234

1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنِی أَبُو زَیْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ رَفَعَهُ إِلَی اِبْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی قَالَ تَفَرَّقَ النَّاسُ لَیْلَةَ الْجَابِیَةِ (1) عَنْ عُمَرَ فَسَارَ

ص :57

کُلُّ وَاحِدٍ مَعَ إِلْفِهِ ثُمَّ صَادَفْتُ عُمَرَ تِلْکَ اللَّیْلَةَ فِی مَسِیرِنَا فَحَادَثْتُهُ فَشَکَا إِلَیَّ تَخَلُّفَ عَلِیٍّ عَنْهُ فَقُلْتُ أَ لَمْ یَعْتَذِرْ إِلَیْکَ قَالَ بَلَی فَقُلْتُ هُوَ مَا اعْتَذَرَ بِهِ قَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ رَیَّثَکُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ أَبُو بَکْرٍ إِنَّ قَوْمَکُمْ کَرِهُوا أَنْ یَجْمَعُوا لَکُمُ الْخِلاَفَةَ وَ النُّبُوَّةَ قُلْتُ لِمَ ذَاکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ لَمْ نُنِلْهُمْ خَیْراً قَالَ بَلَی وَ لَکِنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا لَکُنْتُمْ عَلَیْهِمْ جَحْفاً جَحْفاً

(1)

.

235

1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو زَیْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِیزِ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِیُّ بْنُ هِشَامٍ مَرْفُوعاً إِلَی عَاصِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ قَالَ لَقِیَ عَلِیُّ ع عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع أَنْشُدُکَ اللَّهَ هَلِ اسْتَخْلَفَکَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ لاَ قَالَ فَکَیْفَ تَصْنَعُ أَنْتَ وَ صَاحِبُکَ قَالَ أَمَّا صَاحِبِی فَقَدْ مَضَی لِسَبِیلِهِ وَ أَمَّا أَنَا فَسَأَخْلَعُهَا مِنْ عُنُقِی إِلَی عُنُقِکَ فَقَالَ جَدَعَ اللَّهُ أَنْفَ مَنْ یُنْقِذُکَ مِنْهَا لاَ وَ لَکِنْ جَعَلَنِیَ اللَّهُ عَلَماً فَإِذَا قُمْتُ فَمَنْ خَالَفَنِی ضَلَّ

.

236

14- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو زَیْدٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِیهِ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ کَعْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی أَوْفَی الْخُزَاعِیِّ قَالَ کَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ مِنْ عُمَّالِ رَسُولِ اللَّهِ ص عَلَی اَلْیَمَنِ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص جَاءَ اَلْمَدِینَةَ وَ قَدْ بَایَعَ النَّاسُ أَبَا بَکْرٍ فَاحْتَبَسَ عَنْ أَبِی بَکْرٍ فَلَمْ یُبَایِعْهُ أَیَّاماً وَ قَدْ بَایَعَ النَّاسُ وَ أَتَی بَنِی هَاشِمٍ فَقَالَ أَنْتُمُ الظَّهْرُ وَ الْبَطْنُ وَ الشِّعَارُ دُونَ الدِّثَارِ (2) وَ الْعَصَا دُونَ اللِّحَا (3) فَإِذَا رَضِیتُمْ رَضِینَا وَ إِذَا سَخِطْتُمْ سَخِطْنَا حَدِّثُونِی إِنْ کُنْتُمْ قَدْ بَایَعْتُمْ هَذَا الرَّجُلَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ عَلَی بَرْدٍ وَ رِضًا مِنْ جَمَاعَتِکُمْ قَالُوا نَعَمْ قَالَ

ص :58

فَأَنَا أَرْضَی وَ أُبَایِعُ إِذَا بَایَعْتُمْ أَمَا وَ اللَّهِ یَا بَنِی هَاشِمٍ إِنَّکُمُ الطِّوَالُ الشَّجَرِ الطَّیِّبُو (1) الثَّمَرِ ثُمَّ إِنَّهُ بَایَعَ أَبَا بَکْرٍ وَ بَلَغَتْ أَبَا بَکْرٍ فَلَمْ یَحْفِلْ بِهَا وَ اضْطَغَنَهَا عَلَیْهِ عُمَرُ فَلَمَّا وَلاَّهُ أَبُو بَکْرٍ الْجُنْدَ الَّذِی اسْتَنْفَرَ إِلَی اَلشَّامِ قَالَ لَهُ عُمَرُ أَ تُوَلِّی خَالِداً وَ قَدْ حَبَسَ عَلَیْکَ بَیْعَتَهُ وَ قَالَ لِبَنِی هَاشِمٍ مَا قَالَ وَ قَدْ جَاءَ بِوَرِقٍ مِنَ اَلْیَمَنِ وَ عَبِیدٍ وَ حُبْشَانٍ وَ دُرُوعٍ وَ رِمَاحٍ مَا أَرَی أَنْ تُوَلِّیَهُ وَ مَا آمَنُ خِلاَفَهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ أَبُو بَکْرٍ وَ وَلَّی أَبَا عُبَیْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَ یَزِیدَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ وَ شُرَحْبِیلَ بْنَ حَسَنَةَ

.

و اعلم أن الآثار و الأخبار فی هذا الباب کثیرة جدا و من تأملها و أنصف علم أنّه لم یکن هناک نص صریح و مقطوع به لا تختلجه الشکوک و لا تتطرق إلیه الاحتمالات کما تزعم الإمامیّة فإنهم یقولون إن الرسول ص نص علی أمیر المؤمنین ع نصا صریحا جلیا لیس بنص یوم الغدیر (2) و لا خبر المنزلة (3) و لا ما شابههما من الأخبار الواردة من طرق العامّة و غیرها بل نص علیه بالخلافة و بإمرة المؤمنین و أمر المسلمین أن یسلموا علیه بذلک فسلموا علیه بها و صرّح لهم فی کثیر من المقامات بأنّه خلیفة علیهم من بعده و أمرهم بالسمع و الطاعة له و لا ریب أن المنصف إذا سمع ما جری لهم بعد وفاة رسول اللّه ص یعلم قطعا أنّه لم یکن هذا النصّ و لکن قد سبق إلی النفوس و العقول أنّه قد کان هناک تعریض و تلویح و کنایة و قول غیر صریح و حکم غیر مبتوت و لعله ص کان یصده عن التصریح بذلک أمر یعلمه و مصلحة یراعیها أو وقوف مع إذن اللّه تعالی فی ذلک.

فأما امتناع علی ع من البیعة حتّی أخرج علی الوجه الذی أخرج علیه فقد

ص :59

ذکره المحدّثون و رواه أهل السیر و قد ذکرنا ما قاله الجوهریّ فی هذا الباب و هو من رجال الحدیث و من الثقات المأمونین و قد ذکر غیره من هذا النحو ما لا یحصی کثرة.

فأما الأمور الشنیعة المستهجنة التی تذکرها الشیعة

237

15,1,2,3,14- مِنْ إِرْسَالِ قُنْفُذٍ إِلَی بَیْتِ فَاطِمَةَ ع وَ أَنَّهُ ضَرَبَهَا بِالسَّوْطِ فَصَارَ فِی عَضُدِهَا کَالدُّمْلُجِ وَ بَقِیَ أَثَرُهُ إِلَی أَنْ مَاتَتْ وَ أَنَّ عُمَرَ أَضْغَطَهَا بَیْنَ الْبَابِ وَ الْجِدَارِ فَصَاحَتْ یَا أَبَتَاهْ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ أَلْقَتْ جَنِیناً مَیِّتاً وَ جُعِلَ فِی عُنُقِ عَلِیٍّ ع حَبْلٌ یُقَادُ بِهِ وَ هُوَ یَعْتَلُّ وَ فَاطِمَةُ خَلْفَهُ تَصْرُخُ وَ تُنَادِی بِالْوَیْلِ وَ الثُّبُورِ وَ ابْنَاهُ حَسَنٌ وَ حُسَیْنٌ مَعَهُمَا یَبْکِیَانِ وَ أَنَّ عَلِیّاً لَمَّا أُحْضِرَ سَأَلُوهُ الْبَیْعَةَ فَامْتَنَعَ فَتُهُدِّدَ بِالْقَتْلِ فَقَالَ إِذَنْ تَقْتُلُونَ عَبْدَ اللَّهِ وَ أَخَا رَسُولِ اللَّهِ فَقَالُوا أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَنَعَمْ وَ أَمَّا أَخُو رَسُولِ اللَّهِ فَلاَ وَ أَنَّهُ طَعَنَ فِیهِمْ فِی أَوْجُهِهِمْ بِالنِّفَاقِ وَ سَطَرَ صَحِیفَةَ الْغَدْرِ الَّتِی اجْتَمَعُوا عَلَیْهَا وَ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ یَنْفِرُوا نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص لَیْلَةَ الْعَقَبَةِ

. فکله لا أصل له عند أصحابنا و لا یثبته أحد منهم و لا رواه أهل الحدیث و لا یعرفونه و إنّما هو شیء تنفرد الشیعة بنقله وَ مِنْهَا وَ لَمْ یُبَایِعْ حَتَّی شَرَطَ أَنْ یُؤْتِیَهُ عَلَی الْبَیْعَةِ ثَمَناً فَلاَ ظَفِرَتْ یَدُ الْبَائِعِ وَ خَزِیَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَ أَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَ عَلاَ سَنَاهَا وَ اسْتَشْعَرُوا الصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَی إِلَی النَّصْرِ.

هذا فصل من کلام یذکر فیه ع عمرو بن العاص و قوله فلا ظفرت ید البائع یعنی معاویة و قوله و خزیت أمانة المبتاع یعنی عمرا و خزیت أی

ص :60

خسرت و هانت و فی أکثر النسخ فلا ظفرت ید المبایع بمیم المفاعلة و الظاهر ما رویناه .

و فی بعض النسخ فإنه أحزم للنصر من حزمت الشیء إذا شددته کأنّه یشد النصر و یوثقه و الروایة التی ذکرناها أحسن .

و الأهبة العدة و شب لظاها استعارة و أصله صعود طرف النار الأعلی و السنا بالقصر الضوء و استشعروا الصبر اتخذوه شعارا و الشعار ما یلی الجسد فی الثیاب و هو ألزم الثیاب للجسد یقول لازموا الصبر کما یلزم الإنسان ثوبه الذی یلی جلده لا بدّ له منه و قد یستغنی عن غیره من الثیاب

فَلَمَّا قُدِّمَ الْکِتَابُ عَلَی عَمْرٍو اسْتَشَارَ ابْنَیْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو فَقَالَ لَهُمَا مَا تَرَیَانِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَرَی أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قُبِضَ وَ هُوَ عَنْکَ رَاضٍ وَ الْخَلِیفَتَانِ مِنْ بَعْدِهِ وَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَ أَنْتَ عَنْهُ غَائِبٌ فَقِرَّ فِی مَنْزِلِکَ فَلَسْتَ مَجْعُولاً خَلِیفَةً وَ لاَ تَزِیدُ عَلَی (1) أَنْ تَکُونَ حَاشِیَةً لِمُعَاوِیَةَ عَلَی دُنْیَا قَلِیلَةٍ أَوْشَکْتُمَا أَنْ تَهْلِکَا فَتَسْتَوِیَا (2) فِی عِقَابِهَا وَ قَالَ مُحَمَّدٌ أَرَی أَنَّکَ شَیْخُ قُرَیْشٍ وَ صَاحِبُ أَمْرِهَا وَ إِنْ تَصَرَّمَ هَذَا الْأَمْرُ وَ أَنْتَ فِیهِ غَافِلٌ (3) تَصَاغَرَ أَمْرُکَ فَالْحَقْ بِجَمَاعَةِ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ کُنْ یَداً مِنْ أَیْدِیهَا طَالِباً بِدَمِ عُثْمَانَ فَإِنَّهُ سَیَقُومُ بِذَلِکَ بَنُو أُمَیَّةَ (4) .

فَقَالَ عَمْرٌو أَمَّا أَنْتَ یَا عَبْدَ اللَّهِ فَأَمَرْتَنِی بِمَا هُوَ خَیْرٌ لِی فِی دِینِی وَ أَنْتَ یَا مُحَمَّدُ فَأَمَرْتَنِی بِمَا هُوَ خَیْرٌ لِی فِی دُنْیَایَ وَ أَنَا نَاظِرٌ فَلَمَّا جَنَّهُ اللَّیْلُ رَفَعَ صَوْتَهُ وَ أَهْلُهُ یَسْمَعُونَ (5) فَقَالَ تَطَاوَلَ لَیْلِی بِالْهُمُومِ الطَّوَارِقِ

ص :62

أَمْ أَقْعُدُ فِی بَیْتِی وَ فِی ذَاکَ رَاحَةٌ

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَحَلَ الشَّیْخُ (1) وَ دَعَا عَمْرٌو غُلاَمَهُ وَرْدَانَ وَ کَانَ دَاهِیاً مَارِداً فَقَالَ ارْحَلْ یَا وَرْدَانُ ثُمَّ قَالَ احْطُطْ یَا وَرْدَانُ ثُمَّ قَالَ ارْحَلْ یَا وَرْدَانُ احْطُطْ یَا وَرْدَانُ فَقَالَ لَهُ وَرْدَانُ خَلَطْتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَمَا إِنَّکَ إِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُکَ بِمَا فِی قَلْبِکَ قَالَ هَاتِ وَیْحَکَ قَالَ اعْتَرَکَتِ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةُ عَلَی قَلْبِکَ فَقُلْتَ عَلِیٌّ مَعَهُ الْآخِرَةُ فِی غَیْرِ دُنْیَا وَ فِی الْآخِرَةِ عِوَضٌ مِنَ الدُّنْیَا وَ مُعَاوِیَةُ مَعَهُ الدُّنْیَا بِغَیْرِ آخِرَةٍ وَ لَیْسَ فِی الدُّنْیَا عِوَضٌ مِنَ الْآخِرَةِ وَ أَنْتَ (2) وَاقِفٌ بَیْنَهُمَا قَالَ قَاتَلَکَ اللَّهُ مَا أَخْطَأْتَ مَا فِی قَلْبِی فَمَا تَرَی یَا وَرْدَانُ قَالَ أَرَی أَنْ تُقِیمَ فِی بَیْتِکَ فَإِنْ ظَهَرَ أَهْلُ الدِّینِ عِشْتَ فِی عَفْوِ دِینِهِمْ (3) وَ إِنْ ظَهَرَ أَهْلُ الدُّنْیَا لَمْ یَسْتَغْنُوا عَنْکَ قَالَ الْآنَ لَمَّا أَشْهَرْتُ اَلْعَرَبَ سَیْرِی إِلَی مُعَاوِیَةَ (4) فَارْتَحَلَ وَ هُوَ یَقُولُ یَا قَاتَلَ اللَّهُ وَرْدَاناً وَ قِدْحَتَهُ

ص :63

فَاخْتَرْتُ مِنْ طَمَعِی دُنْیَا عَلَی بَصَرٍ

فَسَارَ حَتَّی قَدِمَ عَلَی مُعَاوِیَةَ وَ عَرَفَ حَاجَةَ مُعَاوِیَةَ إِلَیْهِ فَبَاعَدَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَ کَایَدَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ.

فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ یَوْمَ دَخَلَ عَلَیْهِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ طَرَقَتْنَا فِی لَیْلَتِنَا ثَلاَثَةُ أَخْبَارٍ لَیْسَ فِیهَا وِرْدٌ وَ لاَ صَدَرٌ قَالَ وَ مَا ذَاکَ قَالَ مِنْهَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی حُذَیْفَةَ کَسَرَ سِجْنَ مِصْرَ فَخَرَجَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ وَ هُوَ مِنْ آفَاتِ هَذَا الدِّینِ وَ مِنْهَا أَنَّ قَیْصَرَ زَحَفَ بِجَمَاعَةِ اَلرُّومِ لِیَغْلِبَ عَلَی اَلشَّامِ وَ مِنْهَا أَنَّ عَلِیّاً نَزَلَ اَلْکُوفَةَ وَ تَهَیَّأَ لِلْمَسِیرِ إِلَیْنَا.

فَقَالَ عَمْرٌو لَیْسَ کُلُّ مَا ذَکَرْتَ عَظِیماً أَمَّا اِبْنُ أَبِی حُذَیْفَةَ فَمَا یَتَعَاظَمُکَ مِنْ رَجُلٍ خَرَجَ فِی أَشْبَاهِهِ أَنْ تَبْعَثَ إِلَیْهِ رَجُلاً یَقْتُلُهُ أَوْ یَأْتِیکَ بِهِ وَ إِنْ قَاتَلَ لَمْ یَضُرَّکَ (1) وَ أَمَّا قَیْصَرُ فَأَهْدِ لَهُ الْوَصَائِفَ وَ آنِیَةَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ سَلْهُ الْمُوَادَعَةَ فَإِنَّهُ إِلَیْهَا سَرِیعٌ وَ أَمَّا عَلِیٌّ فَلاَ وَ اللَّهِ یَا مُعَاوِیَةُ مَا یُسَوِّی اَلْعَرَبُ (2) بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ فِی شَیْءٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ وَ إِنَّ لَهُ فِی الْحَرْبِ لَحَظّاً مَا هُوَ لِأَحَدٍ مِنْ قُرَیْشٍ وَ إِنَّهُ لَصَاحِبُ مَا هُوَ فِیهِ إِلاَّ أَنْ تَظْلِمَهُ هَکَذَا فِی رِوَایَةِ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ

(3)

.

239

وَ رَوَی نَصْرٌ (4) أَیْضاً عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ مُعَاوِیَةُ لِعَمْرٍو یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّی أَدْعُوکَ إِلَی جِهَادِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِی عَصَی اللَّهَ وَ شَقَّ عَصَا اَلْمُسْلِمِینَ وَ قَتَلَ الْخَلِیفَةَ وَ أَظْهَرَ الْفِتْنَةَ وَ فَرَّقَ

ص :64

الْجَمَاعَةَ وَ قَطَعَ الرَّحِمَ فَقَالَ عَمْرٌو مَنْ هُوَ قَالَ عَلِیٌّ قَالَ وَ اللَّهِ یَا مُعَاوِیَةُ مَا أَنْتَ وَ عَلِیٌّ بِحِمْلَیْ (1) بَعِیرٍ لَیْسَ لَکَ (2) هِجْرَتُهُ وَ لاَ سَابِقُتُهُ وَ لاَ صُحْبَتُهُ وَ لاَ جِهَادُهُ وَ لاَ فِقْهُهُ وَ لاَ عِلْمُهُ (3) وَ وَ اللَّهِ إِنَّ لَهُ مَعَ ذَلِکَ لَحَظّاً فِی الْحَرْبِ لَیْسَ لِأَحَدٍ غَیْرِهِ وَ لَکِنِّی قَدْ تَعَوَّدْتُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَی إِحْسَاناً وَ بَلاَءً جَمِیلاً (4) فَمَا تَجْعَلُ لِی إِنْ شَایَعْتُکَ عَلَی حَرْبِهِ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِیهِ مِنَ الْغَرَرِ وَ الْخَطَرِ قَالَ حُکْمَکَ فَقَالَ مِصْرَ طُعْمَةً فَتَلَکَّأَ عَلَیْهِ مُعَاوِیَةُ .

قَالَ نَصْرٌ وَ فِی حَدِیثِ غَیْرِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّی أَکْرَهُ لَکَ أَنْ تَتَحَدَّثَ اَلْعَرَبُ عَنْکَ أَنَّکَ إِنَّمَا دَخَلْتَ فِی هَذَا الْأَمْرِ لِغَرَضِ الدُّنْیَا قَالَ عَمْرٌو دَعْنِی عَنْکَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنِّی لَوْ شِئْتُ أَنْ أُمَنِّیَکَ وَ أَخْدَعَکَ لَفَعَلْتُ قَالَ عَمْرٌو لاَ لَعَمْرُ اللَّهِ مَا مِثْلِی یُخْدَعُ لِأَنَّا (5) أَکْیَسُ مِنْ ذَلِکَ قَالَ مُعَاوِیَةُ ادْنُ مِنِّی أُسَارَّکَ فَدَنَا مِنْهُ عَمْرٌو لِیُسَارَّهُ فَعَضَّ مُعَاوِیَةُ أُذُنَهُ وَ قَالَ هَذِهِ خُدْعَةٌ هَلْ تَرَی فِی الْبَیْتِ أَحَداً لَیْسَ غَیْرِی وَ غَیْرُکَ.

قلت قال شیخنا أبو القاسم البلخیّ رحمه اللّه تعالی قول عمرو له دعنی عنک کنایة عن الإلحاد بل تصریح به أی دع هذا الکلام لا أصل له فإن اعتقاد الآخرة و أنّها لا تباع بعرض الدنیا من الخرافات.

و قال رحمه اللّه تعالی و ما زال عمرو بن العاص ملحدا ما تردد قط فی الإلحاد و الزندقة و کان معاویة مثله و یکفی من تلاعبهما بالإسلام حدیث السرار المروی و أن معاویة عض أذن عمرو أین هذا من سیرة عمر و أین هذا من أخلاق علی ع و شدته فی ذات اللّه و هما مع ذلک یعیبانه بالدعابة.

ص :65

240

قَالَ نَصْرٌ فَأَنْشَأَ عَمْرٌو یَقُولُ مُعَاوِیَ لاَ أُعْطِیکَ دِینِی وَ لَمْ أَنَلْ

قال شیخنا أبو عثمان الجاحظ کانت مصر فی نفس عمرو بن العاص لأنّه هو الذی فتحها فی سنة تسع عشرة من الهجرة فی خلافة عمر فکان لعظمها فی نفسه و جلالتها فی صدره و ما قد عرفه من أموالها و سعة الدنیا لا یستعظم أن یجعلها ثمنا من دینه و هذا معنی قوله و إنّی بذا الممنوع قدما لمولع.

241

قَالَ نَصْرٌ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّ مِصْرَ مِثْلَ اَلْعِرَاقِ قَالَ بَلَی وَ لَکِنَّهَا إِنَّمَا تَکُونُ لِی إِذَا کَانَتْ لَکَ وَ إِنَّمَا تَکُونُ لَکَ إِذَا غَلَبْتَ عَلِیّاً عَلَی اَلْعِرَاقِ .

قَالَ وَ قَدْ کَانَ أَهْلُ مِصْرَ بَعَثُوا بِطَاعَتِهِمْ إِلَی عَلِیٍّ ع .

فَلَمَّا حَضَرَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ قَالَ لِمُعَاوِیَةَ أَ مَا تَرْضَی أَنْ تَشْتَرِیَ عَمْراً بِمِصْرَ

ص :66

إِنْ هِیَ صَفَّتْ لَکَ لَیْتَکَ لاَ تَغْلِبُ عَلَی اَلشَّامِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ یَا عُتْبَةُ بِتْ عِنْدَنَا اللَّیْلَةَ فَلَمَّا جَنَّ اللَّیْلُ عَلَی عُتْبَةَ رَفَعَ صَوْتَهُ لِیُسْمِعَ مُعَاوِیَةَ وَ قَالَ أَیُّهَا الْمَانِعُ سَیْفاً لَمْ یَهُزَّ

قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ مُعَاوِیَةُ قَوْلَ عُتْبَةَ أَرْسَلَ إِلَی عَمْرٍو فَأَعْطَاهُ مِصْرَ فَقَالَ عَمْرٌو لِی اللَّهَ عَلَیْکَ بِذَلِکَ شَاهِدٌ قَالَ نَعَمْ لَکَ اللَّهُ عَلَیَّ بِذَلِکَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَیْنَا اَلْکُوفَةَ فَقَالَ عَمْرٌو وَ اَللّٰهُ عَلیٰ مٰا نَقُولُ وَکِیلٌ (1) .

فَخَرَجَ عَمْرٌو مِنْ عِنْدِهِ فَقَالَ لَهُ ابْنَاهُ مَا صَنَعْتَ قَالَ أَعْطَانَا مِصْرَ طُعْمَةً قَالاَ وَ مَا مِصْرٌ فِی مُلْکِ اَلْعَرَبِ قَالَ لاَ أَشْبَعَ اللَّهُ بُطُونَکُمَا إِنْ لَمْ تُشْبِعْکُمَا[ مِصْرُ ]

(2) .

قَالَ (3) وَ کَتَبَ مُعَاوِیَةُ لَهُ بِمِصْرَ کِتَابَهُ وَ کَتَبَ (4) عَلَی أَلاَّ یَنْقُضَ شَرْطَ طَاعَةٍ فَکَتَبَ عَمْرٌو عَلَی أَلاَّ تَنْقُضَ طَاعَةٌ شَرْطاً فَکَایَدَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ.

قلت قد ذکر هذا اللفظ أبو العبّاس محمّد بن یزید المبرد فی کتابه الکامل

ص :67

و لم یفسره (1) و تفسیره أن معاویة قال للکاتب اکتب علی ألا ینقض شرط طاعة یرید أخذ إقرار عمرو له أنّه قد بایعه علی الطاعة بیعة مطلقة غیر مشروطة بشیء و هذه مکایدة له لأنّه لو کتب ذلک لکان لمعاویة أن یرجع فی إعطائه مصر و لم یکن لعمرو أن یرجع عن طاعته و یحتج علیه برجوعه عن إعطائه مصر لأن مقتضی المشارطة المذکورة أن طاعة معاویة واجبة علیه مطلقا سواء أ کانت مصر مسلمة إلیه أم لا.

فلما انتبه عمرو إلی هذه المکیدة منع الکاتب من أن یکتب ذلک و قال بل اکتب علی ألا تنقض طاعة شرطا یرید أخذ إقرار معاویة له بأنّه إذا کان أطاعه لا تنقض طاعته إیاه ما شارطه علیه من تسلیم مصر إلیه و هذا أیضا مکایدة من عمرو لمعاویة و منع له من أن یغدر بما أعطاه من مصر

242

1- قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَمٌّ مِنْ بَنِی سَهْمٍ أَرِیبٌ (2) فَلَمَّا جَاءَ عَمْرٌو بِالْکِتَابِ مَسْرُوراً عَجِبَ الْفَتَی وَ قَالَ أَ لاَ تُخْبِرُنِی یَا عَمْرُو بِأَیِّ رَأْیٍ تَعِیشُ فِی قُرَیْشٍ أَعْطَیْتَ دِینَکَ وَ تَمَنَّیْتَ دُنْیَا غَیْرِکَ أَ تَرَی أَهْلَ مِصْرَ وَ هُمْ قَتَلَةُ عُثْمَانَ یَدْفَعُونَهَا إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ عَلِیٌّ حَیٌّ وَ أَ تَرَاهَا إِنْ صَارَتْ لِمُعَاوِیَةَ لاَ یَأْخُذُهَا بِالْحَرْفِ الَّذِی قَدَّمَهُ فِی الْکِتَابِ فَقَالَ عَمْرٌو یَا ابْنَ أَخِی إِنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ دُونَ عَلِیٍّ وَ مُعَاوِیَةَ فَقَالَ الْفَتَی أَلاَ یَا هِنْدُ أُخْتَ بَنِی زِیَادٍ

ص :68

وَ أَثْبَتَ مِثْلَهُ عَمْرٌو عَلَیْهِ

فَقَالَ عَمْرٌو یَا ابْنَ أَخِی لَوْ کُنْتُ عِنْدَ عَلِیِّ لَوَسِعَنِی وَ لَکِنِّی الْآنَ عِنْدَ مُعَاوِیَةَ (1) قَالَ الْفَتَی إِنَّکَ لَوْ لَمْ تُرِدْ مُعَاوِیَةَ لَمْ یُرِدْکَ وَ لَکِنَّکَ تُرِیدُ دُنْیَاهُ وَ هُوَ یُرِیدُ دِینَکَ وَ بَلَغَ مُعَاوِیَةَ قَوْلُ الْفَتَی فَطَلَبَهُ فَهَرَبَ فَلَحِقَ بِعَلِیٍّ ع فَحَدَّثَهُ أَمْرَهُ فَسَرَّ بِهِ وَ قَرَّبَهُ.

قَالَ وَ غَضِبَ مَرْوَانُ وَ قَالَ مَا بَالِی لاَ أُشْتَرَی [کَمَا اشْتُرِیَ عَمْرٌو ]

(2) فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنَّمَا یُشْتَرَی الرِّجَالُ لَکَ فَلَمَّا بَلَغَ عَلِیّاً ع مَا صَنَعَ مُعَاوِیَةُ قَالَ یَا عَجَباً لَقَدْ سَمِعْتُ مُنْکَراً

ص :69

أَنْ یَقْرَنُوا وَصِیَّهُ وَ الْأَبْتَرَا

.

قَالَ نَصْرٌ فَلَمَّا کَتَبَ الْکِتَابَ (1) قَالَ مُعَاوِیَةُ لِعَمْرٍو مَا تَرَی الْآنَ قَالَ امْضِ الرَّأْیَ الْأَوَّلَ فَبَعَثَ مَالِکَ بْنَ هُبَیْرَةَ الْکِنْدِیَّ فِی طَلَبِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی حُذَیْفَةَ فَأَدْرَکَهُ فَقَتَلَهُ وَ بَعَثَ إِلَی قَیْصَرَ بِالْهَدَایَا فَوَادَعَهُ ثُمَّ قَالَ مَا تَرَی فِی عَلِیٍّ قَالَ [أَرَی فِیهِ

ص :70

خَیْراً]

(1) إِنَّهُ قَدْ أَتَاکَ فِی طَلَبِ الْبَیْعَةِ خَیْرُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ مِنْ عِنْدِ خَیْرِ النَّاسِ فِی أَنْفُسِ النَّاسِ وَ دَعْوَاکَ أَهْلَ اَلشَّامِ إِلَی رَدِّ هَذِهِ الْبَیْعَةِ خَطَرٌ شَدِیدٌ وَ رَأْسُ أَهْلِ اَلشَّامِ شُرَحْبِیلُ بْنُ السِّمْطِ الْکِنْدِیُّ وَ هُوَ عَدُوٌّ لِجَرِیرٍ الْمُرْسَلِ إِلَیْکَ فَابْعَثْ إِلَیْهِ وَ وَطِّنْ لَهُ ثِقَاتَکَ فَلْیَفْشُوا فِی النَّاسِ أَنَّ عَلِیّاً قَتَلَ عُثْمَانَ وَ لْیَکُونُوا أَهْلَ رِضًا عِنْدَ شُرَحْبِیلَ فَإِنَّهَا کَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لَکَ أَهْلَ اَلشَّامِ عَلَی مَا تُحِبُّ وَ إِنْ تَعَلَّقَتْ بِقَلْبِ شُرَحْبِیلَ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ بِشَیْءٍ أَبَداً.

فَکَتَبَ إِلَی شُرَحْبِیلَ أَنَّ جَرِیرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَدِمَ عَلَیْنَا مِنْ عِنْدِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ بِأَمْرِ مُفْظِعٍ فَاقْدَمْ.

وَ دَعَا مُعَاوِیَةُ یَزِیدَ بْنَ أَسَدٍ وَ بُسْرَ بْنَ أَرْطَاةَ وَ عَمْرَو بْنَ سُفْیَانَ وَ مُخَارِقَ بْنَ الْحَارِثِ الزُّبَیْدِیَّ وَ حَمْزَةَ بْنَ مَالِکٍ وَ حَابِسَ بْنَ سَعْدٍ الطَّائِیَّ وَ هَؤُلاَءِ رُءُوسُ قَحْطَانَ وَ اَلْیَمَنِ وَ کَانُوا ثِقَاتِ مُعَاوِیَةَ وَ خَاصَّتَهُ وَ بَنِی عَمِّ شُرَحْبِیلَ بْنِ السِّمْطِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ یَلْقَوْهُ وَ یُخْبِرُوهُ أَنَّ عَلِیّاً قَتَلَ عُثْمَانَ فَلَمَّا قُدِّمَ کِتَابُ مُعَاوِیَةَ عَلَی شُرَحْبِیلَ وَ هُوَ بِحِمْصٍ اسْتَشَارَ أَهْلَ اَلْیَمَنِ فَاخْتَلَفُوا عَلَیْهِ فَقَامَ إِلَیْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الْأَزْدِیُّ وَ هُوَ صَاحِبُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَ خَتَنُهُ وَ کَانَ أَفْقَهَ أَهْلِ اَلشَّامِ فَقَالَ یَا شُرَحْبِیلَ بْنَ السِّمْطِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ یَزَلْ یَزِیدُکَ خَیْراً مُنْذُ هَاجَرْتَ إِلَی الْیَوْمِ وَ إِنَّهُ لاَ یَنْقَطِعُ الْمَزِیدُ مِنَ اللَّهِ حَتَّی یَنْقَطِعَ الشُّکْرُ مِنَ النَّاسِ وَ إِنَّ اللّٰهَ لاٰ یُغَیِّرُ مٰا بِقَوْمٍ حَتّٰی یُغَیِّرُوا مٰا بِأَنْفُسِهِمْ إِنَّهُ قَدْ أُلْقِیَ إِلَی مُعَاوِیَةَ أَنَّ عَلِیّاً قَتَلَ عُثْمَانَ (2) وَ لِهَذَا یُرِیدُکَ فَإِنْ کَانَ قَتَلَهُ فَقَدْ بَایَعَهُ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ وَ هُمُ الْحُکَّامُ عَلَی النَّاسِ وَ إِنْ لَمْ یَکُنْ قَتَلَهُ فَعَلاَمَ تُصَدِّقُ مُعَاوِیَةَ عَلَیْهِ لاَ تُهْلِکَنَّ نَفْسَکَ وَ قَوْمَکَ فَإِنْ کَرِهْتَ أَنْ یَذْهَبَ بِحَظِّهَا جَرِیرٌ فَسِرْ إِلَی عَلِیٍّ فَبَایِعْهُ عَنْ (3) شَامِکَ وَ قَوْمِکَ فَأَبَی شُرَحْبِیلُ إِلاَّ أَنْ یَسِیرَ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَکَتَبَ إِلَیْهِ عِیَاضٌ الثُّمَالِیُّ وَ کَانَ نَاسِکاً

ص :71

یَا شُرْحُ یَا اِبْنَ السِّمْطِ إِنَّکَ بَالِغٌ

قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ شُرَحْبِیلُ عَلَی مُعَاوِیَةَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ یَتَلَقَّوْهُ وَ یُعَظِّمُوهُ فَلَمَّا

ص :72

دَخَلَ عَلَی مُعَاوِیَةَ تَکَلَّمَ مُعَاوِیَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ یَا شُرَحْبِیلُ إِنَّ جَرِیرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَدِمَ عَلَیْنَا یَدْعُونَا إِلَی بَیْعَةِ عَلِیٍّ وَ عَلِیٌّ خَیْرُ النَّاسِ لَوْ لاَ أَنَّهُ قَتَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَ قَدْ حَبَسْتُ نَفْسِی عَلَیْکَ وَ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ أَرْضَی مَا رَضُوا وَ أَکْرَهُ مَا کَرِهُوا.

فَقَالَ شُرَحْبِیلُ أَخْرُجُ فَأَنْظُرُ فَلَقِیَهُ هَؤُلاَءِ النَّفَرُ الْمُوَطِّئُونَ لَهُ فَکُلُّهُمْ أَخْبَرَهُ (1) أَنَّ عَلِیّاً قَتَلَ عُثْمَانَ فَرَجَعَ مُغْضَباً إِلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالَ یَا مُعَاوِیَةُ أَبَی النَّاسُ إِلاَّ أَنَّ عَلِیّاً قَتَلَ عُثْمَانَ وَ اللَّهِ إِنْ بَایَعْتَ لَهُ لَنُخْرِجَنَّکَ مِنْ شَامِنَا أَوْ لَنَقْتُلَنَّکَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ مَا کُنْتُ لِأُخَالِفَ عَلَیْکُمْ مَا أَنَا إِلاَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ قَالَ فَرُدَّ هَذَا الرَّجُلَ إِلَی صَاحِبِهِ إِذَنْ فَعَرَفَ مُعَاوِیَةُ أَنَّ شُرَحْبِیلَ قَدْ نَفَذَتْ بَصِیرَتُهُ فِی حَرْبِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ أَنَّ اَلشَّامَ کُلَّهُ مَعَ شُرَحْبِیلَ وَ کَتَبَ إِلَی عَلِیٍّ ع مَا سَنُورِدُهُ فِیمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی

.

ص :73

عَلَیْکُمْ وَ لاَ تُغِیرُونَ وَ تُغْزَوْنَ وَ لاَ تَغْزُونَ وَ یُعْصَی اللَّهُ وَ تَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُکُمْ بِالسَّیْرِ إِلَیْهِمْ فِی أَیَّامِ الْحَرِّ [الصَّیْفِ]

قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَیْظِ أَمْهِلْنَا یُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَ إِذَا أَمَرْتُکُمْ بِالسَّیْرِ إِلَیْهِمْ فِی الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا یَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ کُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَ الْقُرِّ فَإِذَا کُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَ الْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَ اللَّهِ مِنَ السَّیْفِ أَفَرُّ یَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَ لاَ رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَ عُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّی لَمْ أَرَکُمْ وَ لَمْ أَعْرِفْکُمْ مَعْرِفَةً وَ اللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَ أَعْقَبَتْ سَدَماً [ذَمّاً]

قَاتَلَکُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِی قَیْحاً وَ شَحَنْتُمْ صَدْرِی غَیْظاً وَ جَرَّعْتُمُونِی نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَ أَفْسَدْتُمْ عَلَیَّ رَأْیِی بِالْعِصْیَانِ وَ الْخِذْلاَنِ حَتَّی لَقَدْ قَالَتْ قُرَیْشٌ إِنَّ اِبْنَ أَبِی طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَ لَکِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ لِلَّهِ أَبُوهُمْ وَ هَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً [مُقَاماً]

وَ أَقْدَمُ فِیهَا مُقَاماً مِنِّی لَقَدْ نَهَضْتُ فِیهَا وَ مَا بَلَغْتُ الْعِشْرِینَ وَ هَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَی السِّتِّینَ وَ لَکِنْ لاَ رَأْیَ لِمَنْ لاَ یُطَاعُ.

هذه الخطبة من مشاهیر خطبه ع قد ذکرها کثیر من الناس

243

1- وَ رَوَاهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرَّدُ فِی أَوَّلِ اَلْکَامِلِ (1) وَ أَسْقَطَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَایَةِ أَلْفَاظاً وَ زَادَ فِیهَا أَلْفَاظاً وَ قَالَ فِی أَوَّلِهَا إِنَّهُ انْتَهَی إِلَی عَلِیٍّ ع أَنَّ خَیْلاً وَرَدَتِ اَلْأَنْبَارَ لِمُعَاوِیَةَ فَقَتَلُوا عَامِلاً لَهُ

ص :75

یُقَالُ لَهُ حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ فَخَرَجَ مُغْضَباً یَجُرُّ رِدَاءَهُ (1) حَتَّی أَتَی اَلنُّخَیْلَةَ (2) وَ اتَّبَعَهُ النَّاسُ فَرَقِیَ رِبَاوَةً (3) مِنَ الْأَرْضِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی نَبِیِّهِ ص ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ اَلْجَنَّةِ فَمَنْ تَرَکَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ الذُّلَّ وَ سِیمَا الْخَسْفِ .

و قال فی شرح ذلک قوله و سیما الخسف هکذا حدثونا به و أظنه سیم الخسف من قوله تعالی یَسُومُونَکُمْ سُوءَ الْعَذٰابِ (4) و قال فإن نصرنا ما سمعناه فسیما الخسف (5) تأویله علامة الخسف قال اللّه تعالی سِیمٰاهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ (6) و قال یُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِیمٰاهُمْ (7) و سیما مقصور و فی معناه سیمیاء ممدود قال الشاعر (8) غلام رماه اللّه بالحسن یافعا له سیمیاء لا تشق علی البصر.

و نحن نقول إن السماع الذی حکاه أبو العبّاس غیر مرضی و الصحیح ما تضمنه نهج البلاغة و هو سیم الخسف فعل ما لم یسم فاعله و الخسف منصوب لأنّه مفعول و تأویله أولی الخسف و کلف إیاه و الخسف الذل و المشقة.

و أیضا فإن فی نهج البلاغة لا یمکن أن یکون إلاّ کما اخترناه لأنّه بین أفعال متعدّدة بنیت للمفعول به و هی دیث و ضرب و أدیل و منع

ص :76

و لا یمکن أن یکون ما بین هذه الأفعال معطوفا علیها إلاّ مثلها و لا یجوز أن یکون اسما .

و أمّا قوله ع و هو لباس التقوی فهو لفظة مأخوذة من الکتاب العزیز قال اللّه سبحانه قَدْ أَنْزَلْنٰا عَلَیْکُمْ لِبٰاساً یُوٰارِی سَوْآتِکُمْ وَ رِیشاً وَ لِبٰاسُ التَّقْویٰ (1) .

و الجنة ما یجتن به أی یستتر کالدرع و الحجفة (2) .

و ترکه رغبة عنه أی زهدا فیه رغبت عن کذا ضد رغبت فی کذا .

و دیث بالصغار أی ذلل بعیر مدیث أی مذلل و منه الدیوث الذی لا غیرة له کأنّه قد ذلل حتّی صار کذلک.

و الصغار الذل و الضیم.

و القماء بالمد مصدر قمؤ الرجل قماء و قماءة أی صار قمیئا و هو الصغیر الذلیل فأما قمأ بفتح المیم فمعناه سمن و مصدره القموء و القموءة.

و روی الراوندیّ و دیث بالصغار و القما بالقصر و هو غیر معروف .

و قوله ع و ضرب علی قلبه بالإسهاب فالإسهاب هاهنا هو ذهاب العقل و یمکن أن یکون من الإسهاب الذی هو کثرة الکلام کأنّه عوقب بأن یکثر کلامه فیما لا فائدة تحته .

قوله و أدیل الحق منه بتضییع الجهاد قد یظن ظان (3) أنّه یرید ع و أدیل الحق منه بأن أضیع جهاده کالباءات المتقدمة و هی قوله و دیث بالصغار و ضرب علی قلبه بالإسهاب و لیس کما ظنّ بل المراد و أدیل الحق منه

ص :77

لأجل تضییعه الجهاد فالباء هاهنا للسببیة کقوله تعالی ذٰلِکَ جَزَیْنٰاهُمْ بِبَغْیِهِمْ (1) .

و النصف الإنصاف و عقر دارهم بالضم أصل دارهم و العقر الأصل و منه العقار للنخل کأنّه أصل المال و تواکلتم من وکلت الأمر إلیک و وکلته إلی أی لم یتوله أحد منا و لکن أحال به کل واحد علی الآخر و منه رجل وکل أی عاجز یکل أمره إلی غیره و کذلک وکله.

و تخاذلتم من الخذلان.

و شنت علیکم الغارات فرقت و ما کان من ذلک متفرقا نحو إرسال الماء علی الوجه دفعة بعد دفعة فهو بالشین المعجمة و ما کان أرسالا غیر متفرق فهو بالسین المهملة و یجوز شن الغارة و أشنها .

و المسالح جمع مسلحة و هی کالثغر و المرقب

244

وَ فِی الْحَدِیثِ کَانَ أَدْنَی مَسَالِحِ فَارِسَ إِلَی اَلْعَرَبِ اَلْعُذَیْبَ (2) .

و المعاهدة ذات العهد و هی الذمیة و الحجل الخلخال و من هذا قیل للفرس محجل و سمی القید حجلا لأنّه یکون مکان الخلخال و رعثها شنوفها جمع رعاث بکسر الراء و رعاث جمع رعثة فالأول مثل خمار و خمر و الثانی مثل جفنة و جفان و القلب جمع قلب و هو السوار المصمت و الاسترجاع قوله إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَیْهِ رٰاجِعُونَ (3) و الاسترحام أن تناشده الرحم و انصرفوا وافرین أی تامین وفر الشیء نفسه أی تمّ فهو وافر و وفرت الشیء متعد أی أتممته.

و فی روایة المبرد موفورین قال من الوفر أی لم ینل أحد منهم بأن یرزأ (4) فی بدن أو مال.

ص :78

و فی روایة المبرد أیضا فتواکلتم و تخاذلتم و ثقل علیکم قولی وَ اتَّخَذْتُمُوهُ وَرٰاءَکُمْ ظِهْرِیًّا قال أی رمیتم به وراء ظهورکم أی لم تلتفتوا إلیه یقال فی المثل لا تجعل حاجتی منک بظهر أی لا تطرحها غیر ناظر إلیها قال الفرزدق تمیم بن مر لا تکونن حاجتی بظهر و لا یعیا علیک جوابها (1) .

و الکلم الجراح و فی روایة المبرد أیضا مات من دون هذا أسفا و الأسف التحسر و فی روایة المبرد أیضا من تضافر هؤلاء القوم علی باطلهم أی من تعاونهم و تظاهرهم و فی روایة المبرد أیضا و فشلکم عن حقکم الفشل الجبن و النکول عن الشیء فقبحا لکم و ترحا دعاء بأن ینحیهم اللّه عن الخیر و أن یخزیهم و یسوءهم .

و الغرض الهدف و حمارة القیظ بتشدید الراء شدة حره و یسبخ عنا الحر أی یخف

245

14- وَ فِی الْحَدِیثِ أَنَّ عَائِشَةَ أَکْثَرَتْ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَی سَارِقٍ سَرَقَ مِنْهَا شَیْئاً فَقَالَ لَهَا اَلنَّبِیُّ ص لاَ تُسَبِّخِی عَنْهُ بِدُعَائِکَ .

و صبارة الشتاء بتشدید الراء شدة برده و لم یرو المبرد هذه اللفظة و روی إذا قلت لکم اغزوهم فی الشتاء قلتم هذا أوان قر و صر و إن قلت لکم اغزوهم فی الصیف قلتم هذه حمارة القیظ أنظرنا ینصرم عنا الحر الصر شدة البرد قال تعالی کَمَثَلِ رِیحٍ فِیهٰا صِرٌّ (2) .

و لم یرو المبرد حلوم الأطفال و روی عوضها یا طغام الأحلام و قال الطغام من لا معرفة عنده و منه قولهم طغام أهل الشام .

و رباب الحجال النساء و الحجال جمع حجلة و هی بیت یزین بالستور و الثیاب و الأسرة

ص :79

و السدم الحزن و الغیظ و القیح ما یکون فی القرحة من صدیدها و شحنتم ملأتم .

و النغب جمع نغبة و هی الجرعة و التهمام بفتح التاء الهم و کذلک کل تفعال کالترداد و التکرار و التجوال إلاّ التبیان و التلقاء فإنهما بالکسر.

و أنفاسا أی جرعة بعد جرعة یقال أکرع فی الإناء نفسین أو ثلاثة .

و ذرفت علی الستین أی زدت و رواها المبرد نیفت .

246

1- وَ رَوَی اَلْمُبَرَّدُ فِی آخِرِهَا فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ وَ مَعَهُ أَخُوهُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی وَ أَخِی هَذَا کَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَی رَبِّ إِنِّی لاٰ أَمْلِکُ إِلاّٰ نَفْسِی وَ أَخِی (1) فَمُرْنَا بِأَمْرِکَ فَوَ اللَّهِ لَنَنْتَهِیَنَّ إِلَیْهِ وَ لَوْ حَالَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ جَمْرُ الْغَضَا وَ شَوْکُ الْقَتَادِ فَدَعَا لَهُمَا بِخَیْرٍ وَ قَالَ وَ أَیْنَ تَقَعَانِ مِمَّا أُرِیدُ ثُمَّ نَزَلَ

.

فی دیارکم عمله و یبلغ بتخلفکم عن جهاده أمله و صرخ بهم الشیطان إلی باطله فأجابوه و ندبکم الرحمن إلی حقه فخالفتموه و هذه البهائم تناضل عن ذمارها و هذه الطیر تموت حمیة دون أوکارها بلا کتاب أنزل علیها و لا رسول أرسل إلیها و أنتم أهل العقول و الأفهام و أهل الشرائع و الأحکام تندون من عدوکم ندید الإبل و تدرعون له مدارع العجز و الفشل و أنتم و اللّه أولی بالغزو إلیهم و أحری بالمغار علیهم لأنکم أمناء اللّه علی کتابه و المصدقون بعقابه و ثوابه خصکم اللّه بالنجدة و البأس و جعلکم خیر أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ فأین حمیة الإیمان و أین بصیرة الإیقان و أین الإشفاق من لهب النیران و أین الثقة بضمان الرحمن فقد قال اللّه عزّ و جلّ فی القرآن بَلیٰ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا (1) فاشترط علیکم التقوی و الصبر و ضمن لکم المعونة و النصر أ فتتهمونه فی ضمانه أم تشکون فی عدله و إحسانه فسابقوا رحمکم اللّه إلی الجهاد بقلوب نقیة و نفوس أبیة و أعمال رضیة و وجوه مضیة و خذوا بعزائم التشمیر و اکشفوا عن رءوسکم عار التقصیر و هبوا نفوسکم لمن هو أملک بها منکم و لا ترکنوا إلی الجزع فإنّه لا یدفع الموت عنکم لاٰ تَکُونُوا کَالَّذِینَ کَفَرُوا وَ قٰالُوا لِإِخْوٰانِهِمْ إِذٰا ضَرَبُوا فِی الْأَرْضِ أَوْ کٰانُوا غُزًّی لَوْ کٰانُوا عِنْدَنٰا مٰا مٰاتُوا وَ مٰا قُتِلُوا (2) فالجهاد الجهاد أیها الموقنون و الظفر الظفر أیها الصابرون و الجنة الجنة أیها الراغبون و النار النار أیها الراهبون فإن الجهاد أثبت قواعد الإیمان و أوسع أبواب الرضوان و أرفع درجات الجنان و إن من ناصح اللّه لبین منزلتین مرغوب فیهما مجمع علی تفضیلهما إمّا السعادة بالظفر فی العاجل و إمّا الفوز بالشهادة فی الآجل و أکره المنزلتین إلیکم أعظمهما نعمة

ص :81

علیکم فانصروا اللّه فإن نصره حرز من الهلکات حریز وَ لَیَنْصُرَنَّ اللّٰهُ مَنْ یَنْصُرُهُ إِنَّ اللّٰهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ (1) .

هذا آخر خطبة ابن نباتة فانظر إلیها و إلی خطبته ع بعین الإنصاف تجدها بالنسبة إلیها کمخنث بالنسبة إلی فحل أو کسیف من رصاص بالإضافة إلی سیف من حدید و انظر ما علیها من أثر التولید و شین التکلف و فجاجة کثیر من الألفاظ أ لا تری إلی فجاجة قوله کأنّ أسماعکم تمج ودائع الوعظ و کأنّ قلوبکم بها استکبار عن الحفظ و کذلک لیس یخفی نزول قوله تندون من عدوکم ندید الإبل و تدرعون له مدارع العجز و الفشل.

و فیها کثیر من هذا الجنس إذا تأمله الخبیر عرفه و مع هذا فهی مسروقة من کلام أمیر المؤمنین ع أ لا تری أن قوله ع أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة قد سرقه ابن نباتة فقال فإن الجهاد أثبت قواعد الإیمان و أوسع أبواب الرضوان و أرفع درجات الجنان و قوله ع من اجتماع هؤلاء علی باطلهم و تفرقکم عن حقکم سرقه أیضا فقال صرخ بهم الشیطان إلی باطله فأجابوه و ندبکم الرحمن إلی حقه فخالفتموه و قوله ع قد دعوتکم إلی قتال هؤلاء القوم إلی آخره سرقه أیضا فقال کم تسمعون الذکر فلا تعون و تقرعون بالزجر فلا تقلعون و قوله ع حتی شنت علیکم الغارات و ملکت علیکم الأوطان سرقه أیضا و قال و عدوکم یعمل فی دیارکم عمله و یبلغ بتخلفکم عن جهاده أمله و أمّا باقی خطبة ابن نباتة فمسروق من خطب لأمیر المؤمنین ع أخر سیأتی ذکرها.

ص :82

و اعلم أنی أضرب لک مثلا تتخذه دستورا فی کلام أمیر المؤمنین ع و کلام الکتاب و الخطباء بعده کابن نباتة و الصابی و غیرهما انظر نسبة شعر أبی تمام و البحتری و أبی نواس و مسلم إلی شعر إمرئ القیس و النابغة و زهیر و الأعشی هل إذا تأملت أشعار هؤلاء و أشعار هؤلاء تجد نفسک حاکمة بتساوی القبیلین أو بتفضیل أبی نواس و أصحابه علیهم ما أظن أن ذلک ممّا تقوله أنت و لا قاله غیرک و لا یقوله إلاّ من لا یعرف علم البیان و ماهیة الفصاحة و کنه البلاغة و فضیلة المطبوع علی المصنوع و مزیة المتقدم علی المتأخر فإذا أقررت من نفسک بالفرق و الفضل و عرفت فضل الفاضل و نقص الناقص فاعلم أن نسبة کلام أمیر المؤمنین ع إلی هؤلاء هذه النسبة بل أظهر لأنک تجد فی شعر إمرئ القیس و أصحابه من التعجرف و الکلام الحوشی و اللفظ الغریب المستکره شیئا کثیرا و لا تجد من ذلک فی کلام أمیر المؤمنین ع شیئا و أکثر فساد الکلام و نزوله إنّما هو باستعمال ذلک.

فإن شئت أن تزداد استبصارا فانظر القرآن العزیز و اعلم أن الناس قد اتفقوا علی أنّه فی أعلی طبقات الفصاحة و تأمله تأملا شافیا و انظر إلی ما خص به من مزیة الفصاحة و البعد عن التقعیر و التقعیب (1) و الکلام الوحشی الغریب و انظر کلام أمیر المؤمنین ع فإنک تجده مشتقا من ألفاظه و مقتضبا من معانیه و مذاهبه و محذوا به حذوه و مسلوکا به فی منهاجه فهو و إن لم یکن نظیرا و لا ندا یصلح أن یقال إنّه لیس بعده کلام أفصح منه و لا أجزل و لا أعلی و لا أفخم و لا أنبل إلاّ أن یکون کلام ابن عمه ع و هذا أمر لا یعلمه إلاّ من ثبتت له قدم راسخة فی علم هذه الصناعة و لیس کل الناس یصلح لانتقاد الجوهر بل و لا لانتقاد الذهب و لکل صناعة أهل و لکل عمل رجال.

و من خطب ابن نباتة التی یحرض فیها علی الجهاد

ص :83

ألا و إن الجهاد کنز وفر اللّه منه أقسامکم و حرز طهر اللّه به أجسامکم و عزّ أظهر اللّه به إسلامکم ف إِنْ تَنْصُرُوا اللّٰهَ یَنْصُرْکُمْ وَ یُثَبِّتْ أَقْدٰامَکُمْ فانفروا رحمکم اللّه جمیعا و ثبات (1) و شنوا علی أعدائکم الغارات و تمسکوا بعصم الإقدام و معاقل الثبات و أخلصوا فی جهاد عدوکم حقائق النیات فإنّه و اللّه ما غزی قوم فی عقر دارهم إلاّ ذلوا و لا قعدوا عن صون دیارهم إلاّ اضمحلوا و اعلموا أنّه لا یصلح الجهاد بغیر اجتهاد کما لا یصلح السفر بغیر زاد فقدموا مجاهدة القلوب قبل مشاهدة الحروب و مغالبة الأهواء قبل محاربة الأعداء و بادروا بإصلاح السرائر فإنها من أنفس العدد و الذخائر و اعتاضوا من حیاة لا بدّ من فنائها بالحیاة التی لا ریب فی بقائها و کونوا ممن أطاع اللّه و شمر فی مرضاته و سابقوا بالجهاد إلی تملک جناته فإن للجنة بابا حدوده تطهیر الأعمال و تشییده إنفاق الأموال و ساحته زحف الرجال و طریقه غمغمة الأبطال و مفتاحه الثبات فی معترک القتال و مدخله من مشرعة الصوارم و النبال.

فلینظر الناظر فی هذا الکلام فإنّه و إن کان قد أخذ من صناعة البدیع بنصیب إلاّ أنّه فی حضیض الأرض و کلام أمیر المؤمنین ع فی أوج السماء فإنّه لا ینکر لزومه فیه لما لا یلزمه اقتدارا و قوة و کتابة نحو قوله کنز فإنّه بإزاء حرز و عزّ و قوله مشاهدة بإزاء قوله مجاهدة و مغالبة بإزاء محاربة و حدوده بإزاء تشییده لکن مثله بالقیاس إلی کلام أمیر المؤمنین ع کدار مبنیة من اللبن و الطین مموهة الجدران بالنقوش و التصاویر مزخرفة بالذهب من فوق الجص و الإسفیداج (2) بالقیاس إلی دار مبنیة بالصخر الأصمّ الصلد المسبوک بینه عمد الرصاص و النحاس المذاب و هی مکشوفة غیر مموهة و لا مزخرفة فإن بین هاتین الدارین بونا بعیدا و فرقا عظیما و انظر قوله ما غزی قوم فی عقر دارهم إلاّ ذلوا کیف تصیح من بین الخطبة صیاحا و تنادی علی نفسها نداء فصیحا و تعلم سامعها أنّها لیست من المعدن

ص :84

الذی خرج باقی الکلام منه و لا من الخاطر الذی صدر ذلک السجع عنه و لعمر اللّه لقد جملت الخطبة و حسنتها وزانتها و ما مثلها فیها إلاّ کآیة من الکتاب العزیز یتمثل بها فی رسالة أو خطبة فإنها تکون کاللؤلؤة المضیئة تزهر و تنیر و تقوم بنفسها و تکتسی الرسالة بها رونقا و تکتسب بها دیباجة.

و إذا أردت تحقیق ذلک فانظر إلی السجعة الثانیة التی تکلفها لیوازنها بها و هی قوله و لا قعدوا عن صون دیارهم إلاّ اضمحلوا فإنک إذا نظرت إلیها وجدت علیها من التکلف و الغثاثة ما یقوی عندک صدق ما قلته لک.

علی أن فی کلام ابن نباتة فی هذا الفصل ما لیس بجید و هو قوله و حرز طهر اللّه به أجسامکم فإنّه لا یقال فی الحرز إنّه یطهر الأجسام و لو قال عوض طهر حصن اللّه به أجسامکم لکان ألیق لکنه أراد أن یقول طهر لیکون بإزاء وفر و بإزاء أظهر فأداه حبّ التقابل إلی ما لیس بجید

فَتَقْطَعُهَا فَإِنْ وَجَدْتَ بِهَا جُنْداً فَأَغِرْ عَلَیْهِمْ وَ إِلاَّ فَامْضِ حَتَّی تُغِیرَ عَلَی اَلْأَنْبَارِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ بِهَا جُنْداً فَامْضِ حَتَّی تُوغِلَ فِی اَلْمَدَائِنِ ثُمَّ أَقْبِلْ إِلَیَّ وَ اتَّقِ أَنْ تَقْرَبَ اَلْکُوفَةَ وَ اعْلَمْ أَنَّکَ إِنْ أَغَرْتَ عَلَی أَهْلِ اَلْأَنْبَارِ وَ أَهْلِ اَلْمَدَائِنِ فَکَأَنَّکَ أَغَرْتَ عَلَی اَلْکُوفَةِ إِنَّ هَذِهِ الْغَارَاتِ یَا سُفْیَانُ عَلَی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ تُرْعِبُ قُلُوبَهُمْ وَ تَفْرَحُ کُلُّ مَنْ لَهُ فِینَا هَوًی مِنْهُمْ وَ تَدْعُو إِلَیْنَا کُلَّ مَنْ خَافَ الدَّوَائِرَ فَاقْتُلْ مَنْ لَقِیتَهُ مِمَّنْ لَیْسَ هُوَ عَلَی مِثْلِ رَأْیِکَ وَ أَخْرِبْ کُلَّ مَا مَرَرْتَ بِهِ مِنَ الْقُرَی وَ احْرُبِ الْأَمْوَالَ فَإِنَّ حَرْبَ الْأَمْوَالِ شَبِیهٌ بِالْقَتْلِ وَ هُوَ أَوْجَعُ لِلْقَلْبِ.

قَالَ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَعَسْکَرْتُ وَ قَامَ مُعَاوِیَةُ فِی النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ انْتَدِبُوا (1) مَعَ سُفْیَانَ بْنِ عَوْفٍ فَإِنَّهُ وَجْهٌ عَظِیمٌ فِیهِ أَجْرٌ سَرِیعَةٌ فِیهِ أَوْبَتُکُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نَزَلَ.

قَالَ فَوَ الَّذِی لاَ إِلَهَ غَیْرُهُ مَا مَرَّتْ ثَالِثَةٌ حَتَّی خَرَجْتُ فِی سِتَّةِ آلاَفِ ثُمَّ لَزِمْتُ شَاطِئَ اَلْفُرَاتِ فَأَغْذَذْتُ السَّیْرَ حَتَّی أَمُرَّ بِهِیتَ فَبَلَغَهُمْ أَنِّی قَدْ غَشِیتُهُمْ فَقَطَعُوا اَلْفُرَاتَ فَمَرَرْتُ بِهَا وَ مَا بِهَا عَرِیبٌ (2) کَأَنَّهَا لَمْ تُحْلَلْ قَطُّ فَوَطِئْتُهَا حَتَّی أَمُرَّ بِصَنْدَوْدَاءَ (3) فَفَرُّوا فَلَمْ أَلْقَ بِهَا أَحَداً فَأَمْضِی حَتَّی أَفْتَتِحَ اَلْأَنْبَارَ وَ قَدْ نَذَرُوا بِی فَخَرَجَ صَاحِبُ الْمَسْلَحَةِ إِلَیَّ فَوَقَفَ لِی فَلَمْ أَقْدَمْ عَلَیْهِ حَتَّی أَخَذْتُ غِلْمَاناً مِنْ أَهْلِ الْقَرْیَةِ فَقُلْتُ لَهُمْ أَخْبِرُونِی کَمْ بِالْأَنْبَارِ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع قَالُوا عِدَّةُ رِجَالِ الْمَسْلَحَةِ خَمْسُمِائَةٍ وَ لَکِنَّهُمْ قَدْ تَبَدَّدُوا وَ رَجَعُوا إِلَی اَلْکُوفَةِ وَ لاَ نَدْرِی الَّذِی یَکُونُ فِیهَا قَدْ یَکُونُ مِائَتَیْ رَجُلٍ فَنَزَلْتُ فَکَتَبْتُ أَصْحَابِی کَتَائِبَ ثُمَّ أَخَذْتُ أَبْعَثُهُمْ إِلَیْهِ کَتِیبَةً بَعْدَ کَتِیبَةٍ فَیُقَاتِلُهُمْ وَ اللَّهِ وَ یَصْبِرُ لَهُمْ وَ یُطَارِدُهُمْ وَ یُطَارِدُونَهُ فِی الْأَزِقَّةِ فَلَمَّا رَأَیْتُ ذَلِکَ أَنْزَلْتُ إِلَیْهِمْ نَحْواً مِنْ مِائَتَیْنِ

ص :86

وَ أَتْبَعْتُهُمُ الْخَیْلَ فَلَمَّا حَمَلَتْ عَلَیْهِمُ الْخَیْلُ وَ أَمَامَهَا الرِّجَالُ تَمْشِی لَمْ یَکُنْ شَیْءٌ حَتَّی تَفَرَّقُوا وَ قُتِلَ صَاحِبُهُمْ فِی نَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِینَ رَجُلاً وَ حَمَلْنَا مَا کَانَ فِی اَلْأَنْبَارِ مِنَ الْأَمْوَالِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَوَ اللَّهِ مَا غَزَوْتُ غَزَاةً کَانَتْ أَسْلَمَ وَ لاَ أَقَرَّ لِلْعُیُونِ وَ لاَ أَسَرَّ لِلنُّفُوسِ مِنْهَا وَ بَلَغَنِی وَ اللَّهِ أَنَّهَا أَرْعَبَتِ النَّاسَ فَلَمَّا عُدْتُ إِلَی مُعَاوِیَةَ حَدَّثْتُهُ الْحَدِیثَ عَلَی وَجْهِهِ فَقَالَ کُنْتُ عِنْدَ ظَنِّی بِکَ لاَ تَنْزِلْ فِی بَلَدٍ مِنْ بُلْدَانِی إِلاَّ قَضَیْتَ فِیهِ مِثْلَ مَا یَقْضِی فِیهِ أَمِیرُهُ وَ إِنْ أَحْبَبْتَ تَوْلِیَتَهُ وَلَّیْتُکَ وَ لَیْسَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَلَیْکَ أَمْرٌ دُونِی.

قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا لَبِثْنَا إِلاَّ یَسِیراً حَتَّی رَأَیْتُ رِجَالَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ یَأْتُونَنَا عَلَی الْإِبِلِ هُرَّاباً مِنْ عَسْکَرِ عَلِیٍّ ع .

قَالَ إِبْرَاهِیمُ کَانَ اسْمُ عَامِلِ عَلِیٍّ ع عَلَی مَسْلَحَةِ اَلْأَنْبَارِ أَشْرَسَ بْنَ حَسَّانَ الْبَکْرِیَّ

.

248

1,2,3- وَ رَوَی إِبْرَاهِیمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَیْسٍ عَنْ حَبِیبِ بْنِ عَفِیفٍ قَالَ کُنْتُ مَعَ أَشْرَسَ بْنِ حَسَّانَ الْبَکْرِیِّ بِالْأَنْبَارِ عَلَی مَسْلَحَتِهَا إِذْ صَبَّحَنَا سُفْیَانُ بْنُ عَوْفٍ فِی کَتَائِبَ تَلْمَعُ الْأَبْصَارُ مِنْهَا فَهَالُونَا وَ اللَّهِ وَ عَلِمْنَا إِذْ رَأَیْنَاهُمْ أَنَّهُ لَیْسَ لَنَا طَاقَةٌ بِهِمْ وَ لاَ یَدٌ فَخَرَجَ إِلَیْهِمْ صَاحِبُنَا وَ قَدْ تَفَرَّقْنَا فَلَمْ یَلْقَهُمْ نِصْفُنَا وَ أَیْمُ اللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْنَاهُمْ فَأَحْسَنَّا قِتَالَهُمْ حَتَّی کَرِهُونَا ثُمَّ نَزَلَ صَاحِبُنَا وَ هُوَ یَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَی فَمِنْهُمْ مَنْ قَضیٰ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ مٰا بَدَّلُوا تَبْدِیلاً (1) ثُمَّ قَالَ لَنَا مَنْ کَانَ لاَ یُرِیدُ لِقَاءَ اللَّهِ وَ لاَ یُطَیِّبُ نَفْساً بِالْمَوْتِ فَلْیَخْرُجْ عَنِ الْقَرْیَةِ مَا دُمْنَا نُقَاتِلُهُمْ فَإِنَّ قِتَالَنَا إِیَّاهُمْ شَاغِلٌ لَهُمْ عَنْ طَلَبِ هَارِبٍ وَ مَنْ أَرَادَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَیْرٌ لِلْأَبْرٰارِ ثُمَّ نَزَلَ فِی ثَلاَثِینَ رَجُلاً فَهَمَمْتُ بِالنُّزُولِ مَعَهُ ثُمَّ أَبَتْ نَفْسِی وَ اسْتَقْدَمَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ فَقَاتَلُوا حَتَّی قُتِلُوا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَ انْصَرَفْنَا نَحْنُ مُنْهَزِمِینَ.

ص :87

قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ قَدِمَ (1) عِلْجٌ مِنْ أَهْلِ اَلْأَنْبَارِ عَلَی عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ النَّاسَ وَ قَالَ إِنَّ أَخَاکُمُ اَلْبَکْرِیَّ قَدْ أُصِیبَ بِالْأَنْبَارِ وَ هُوَ مُعْتَزٌّ لاَ یَخَافُ مَا کَانَ وَ اخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَلَی الدُّنْیَا فَانْتَدِبُوا إِلَیْهِمْ حَتَّی تُلاَقُوهُمْ فَإِنْ أَصَبْتُمْ مِنْهُمْ طَرَفاً أَنْکَلْتُمُوهُمْ عَنِ اَلْعِرَاقِ أَبَداً مَا بَقُوا.

ثُمَّ سَکَتَ عَنْهُمْ رَجَاءَ أَنْ یُجِیبُوهُ أَوْ یَتَکَلَّمَ مِنْهُمْ مُتَکَلِّمٌ فَلَمْ یَنْبِسْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِکَلِمَةٍ فَلَمَّا رَأَی صَمْتَهُمْ نَزَلَ وَ خَرَجَ یَمْشِی رَاجِلاً حَتَّی أَتَی اَلنُّخَیْلَةَ وَ النَّاسُ یَمْشُونَ خَلْفَهُ حَتَّی أَحَاطَ بِهِ قَوْمٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَقَالُوا ارْجِعْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ نَحْنُ نَکْفِیکَ فَقَالَ مَا تَکْفُونَنِی وَ لاَ تَکْفُونَ أَنْفُسَکُمْ فَلَمْ یَزَالُوا بِهِ حَتَّی صَرَفُوهُ إِلَی مَنْزِلِهِ فَرَجَعَ وَ هُوَ وَاجِمٌ کَئِیبٌ وَ دَعَا سَعِیدَ بْنَ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیَّ فَبَعَثَهُ مِنَ اَلنُّخَیْلَةِ فِی ثَمَانِیَةِ آلاَفٍ وَ ذَلِکَ أَنَّهُ خُبِّرَ أَنَّ الْقَوْمَ جَاءُوا فِی جَمْعٍ کَثِیفٍ.

فَخَرَجَ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ عَلَی شَاطِئِ اَلْفُرَاتِ فِی طَلَبِ سُفْیَانَ بْنِ عَوْفٍ حَتَّی إِذَا بَلَغَ عَانَاتٍ (2) سَرَّحَ أَمَامَهُ هَانِئَ بْنَ الْخَطَّابِ الْهَمْدَانِیَّ فَاتَّبَعَ آثَارَهُمْ حَتَّی دَخَلَ أَدَانِیَ أَرْضِ قِنَّسْرِینَ وَ قَدْ فَاتُوهُ فَانْصَرَفَ.

قَالَ وَ لَبِثَ عَلِیٌّ ع تُرَی فِیهِ الْکَآبَةُ وَ الْحُزْنُ حَتَّی قَدِمَ عَلَیْهِ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ وَ کَانَ تِلْکَ الْأَیَّامَ عَلِیلاً فَلَمْ یَقْوَ عَلَی الْقِیَامِ فِی النَّاسِ بِمَا یُرِیدُهُ مِنَ الْقَوْلِ فَجَلَسَ بِبَابِ السُّدَّةِ الَّتِی تَصِلُ إِلَی الْمَسْجِدِ وَ مَعَهُ ابْنَاهُ حَسَنٌ وَ حُسَیْنٌ ع وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَ دَعَا سَعْداً مَوْلاَهُ فَدَفَعَ إِلَیْهِ الْکِتَابَ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَقْرَأَهُ عَلَی النَّاسِ فَقَامَ سَعْدٌ بِحَیْثُ یَسْتَمِعُ عَلِیٌّ ع صَوْتَهُ وَ یَسْمَعُ مَا یَرُدُّ النَّاسُ عَلَیْهِ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِی نَحْنُ فِی شَرْحِهَا.

ص :88

وَ ذَکَرَ أَنَّ الْقَائِمَ إِلَیْهِ الْعَارِضَ نَفْسَهُ عَلَیْهِ جُنْدَبُ بْنُ عَفِیفٍ الْأَزْدِیُّ هُوَ وَ ابْنُ أَخٍ لَهُ یُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَفِیفٍ .

قَالَ ثُمَّ أَمَرَ اَلْحَارِثَ الْأَعْوَرَ الْهَمْدَانِیَّ فَنَادَی فِی النَّاسِ أَیْنَ مَنْ یَشْتَرِی نَفْسَهُ لِرَبِّهِ وَ یَبِیعُ دُنْیَاهُ بِآخِرَتِهِ أَصْبِحُوا غَداً بِالرَّحْبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ لاَ یَحْضُرْ إِلاَّ صَادِقُ النِّیَّةِ فِی السَّیْرِ مَعَنَا وَ الْجِهَادِ لِعَدُوِّنَا فَأَصْبَحَ وَ لَیْسَ بِالرَّحَبَةِ إِلاَّ دُونَ ثَلاَثِمِائَةٍ فَلَمَّا عَرَضَهُمْ قَالَ لَوْ کَانُوا أَلْفاً کَانَ لِی فِیهِمْ رَأْیٌ .

وَ أَتَاهُ قَوْمٌ یَعْتَذِرُونَ فَقَالَ وَ جٰاءَ الْمُعَذِّرُونَ (1) وَ تَخَلَّفَ الْمُکَذِّبُونَ وَ مَکَثَ أَیَّاماً بَادِیاً حُزْنُهُ شَدِیدَ الْکَآبَةِ ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ أَیُّهَا النَّاسُ فَوَ اللَّهِ لَأَهْلُ مِصْرِکُمْ فِی الْأَمْصَارِ أَکْثَرُ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فِی اَلْعَرَبِ وَ مَا کَانُوا یَوْمَ أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ ص أَنْ یَمْنَعُوهُ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ حَتَّی یُبَلِّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ إِلاَّ قَبِیلَتَیْنِ قَرِیباً مَوْلِدُهُمَا مَا هُمَا بِأَقْدَمِ اَلْعَرَبِ مِیْلاَداً وَ لاَ بِأَکْثَرِهِمْ عَدَداً فَلَمَّا آوَوْا اَلنَّبِیَّ ص وَ أَصْحَابَهُ وَ نَصَرُوا اللَّهَ وَ دِینَهُ رَمَتْهُمُ اَلْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَتَحَالَفَتْ عَلَیْهِمُ اَلْیَهُودُ وَ غَزَتْهُمُ القَبَائِلُ قَبِیلَةً بَعْدَ قَبِیلَةٍ فَتَجَرَّدُوا لِنُصْرَةِ دِینِ اللَّهِ وَ قَطَعُوا مَا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ اَلْعَرَبِ مِنَ الْحَبَائِلِ وَ مَا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ اَلْیَهُودِ مِنَ الْحَلْفِ وَ نَصَبُوا لِأَهْلِ نَجْدٍ وَ تِهَامَةَ وَ أَهْلِ مَکَّةَ وَ اَلْیَمَامَةِ وَ أَهْلِ الْحَزَنِ وَ السَّهْلِ وَ أَقَامُوا قَنَاةَ الدِّینِ وَ صَبَرُوا تَحْتَ حِمَاسِ الْجِلاَدِ حَتَّی دَانَتِ اَلْعَرَبُ لِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ رَأَی مِنْهُمْ قُرَّةَ الْعَیْنِ قَبْلَ أَنْ یَقْبِضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَیْهِ وَ أَنْتُمُ الْیَوْمَ فِی النَّاسِ أَکْثَرُ مِنْ أُولَئِکَ ذَلِکَ الزَّمَانَ فِی اَلْعَرَبِ .

فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ آدَمُ طُوَالٌ فَقَالَ مَا أَنْتَ بِمُحَمَّدٍ وَ لاَ نَحْنُ بِأُولَئِکَ الَّذِینَ

ص :89

ذَکَرْتَ فَقَالَ ع أَحْسِنْ سَمْعاً تُحْسَنْ إِجَابَةً ثَکَلَتْکُمُ الثَّوَاکِلُ مَا تَزِیدُونَنِی إِلاَّ غَمّاً هَلْ أَخْبَرْتُکُمْ أَنِّی مُحَمَّدٌ وَ أَنَّکُمُ اَلْأَنْصَارُ إِنَّمَا ضَرَبْتُ لَکُمْ مَثَلاً وَ إِنَّمَا أَرْجُو أَنْ تَتَأَسَّوْا بِهِمْ .

ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ مَا أَحْوَجَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ الْیَوْمَ وَ أَصْحَابَهُ إِلَی أَصْحَابِ اَلنَّهْرَوَانِ ثُمَّ تَکَلَّمَ النَّاسُ مِنْ کُلِّ نَاحِیَةٍ وَ لَغَطُوا وَ قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ بِأَعْلَی صَوْتِهِ اسْتَبَانَ فَقْدُ اَلْأَشْتَرِ عَلَی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ أَشْهَدُ لَوْ کَانَ حَیّاً لَقَلَّ اللَّغَطُ وَ لَعَلِمَ کُلُّ امْرِئٍ مَا یَقُولُ.

فَقَالَ عَلِیٌّ ع هَبَلَتْکُمُ الْهَوَابِلُ أَنَا أَوْجَبُ عَلَیْکُمْ حَقّاً مِنَ اَلْأَشْتَرِ وَ هَلْ لِلْأَشْتَرِ عَلَیْکُمْ مِنَ الْحَقِّ إِلاَّ حَقُّ اَلْمُسْلِمِ عَلَی اَلْمُسْلِمِ .

فَقَامَ حُجْرُ بْنُ عَدِیٍّ الْکِنْدِیُّ وَ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیُّ فَقَالاَ لاَ یَسُوؤُکَ اللَّهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مُرْنَا بِأَمْرِکَ نَتَّبِعْهُ فَوَ اللَّهِ مَا نُعْظِمُ جَزَعاً عَلَی أَمْوَالِنَا إِنْ نَفِدَتْ وَ لاَ عَلَی عَشَائِرِنَا إِنْ قُتِلَتْ فِی طَاعَتِکَ فَقَالَ تَجَهَّزُوا لِلْمَسِیرِ إِلَی عَدُوِّنَا .

فَلَمَّا دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَ دَخَلَ عَلَیْهِ وُجُوهُ أَصْحَابِهِ قَالَ لَهُمْ أَشِیرُوا عَلَیَّ بِرَجُلٍ صَلِیبٍ نَاصِحٍ یَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ اَلسَّوَادِ فَقَالَ لَهُ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أُشِیرُ عَلَیْکَ بِالنَّاصِحِ الْأَرِیبِ الشُّجَاعِ الصَّلِیبِ مَعْقِلِ بْنِ قَیْسٍ التَّمِیمِیِّ قَالَ نَعَمْ .

ثُمَّ دَعَاهُ فَوَجَّهَهُ فَسَارَ فَلَمْ یَقْدَمْ حَتَّی أُصِیبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع

.

ص :90

قال الرضی رحمه اللّه و أقول إنّه لو کان کلام یأخذ بالأعناق إلی الزهد فی الدنیا و یضطر إلی عمل الآخرة لکان هذا الکلام و کفی به قاطعا لعلائق الآمال و قادحا زناد الاتعاظ و الازدجار و من أعجبه قوله ع ألا و إن الیوم المضمار و غدا السباق و السبقة الجنة و الغایة النار فإن فیه مع فخامة اللفظ و عظم قدر المعنی و صادق التمثیل و واقع التشبیه سرا عجیبا و معنی لطیفا و هو قوله ع و السبقة الجنة و الغایة النار فخالف بین اللفظین لاختلاف المعنیین و لم یقل السبقة النار کما قال السبقة الجنة لأن الاستباق إنّما یکون إلی أمر محبوب و غرض مطلوب و هذه صفة الجنة و لیس هذا المعنی موجودا فی النار نعوذ بالله منها فلم یجز أن یقول و السبقة النار بل قال و الغایة النار لأن الغایة قد ینتهی إلیها من لا یسره الانتهاء إلیها و من یسره ذلک فصلح أن یعبر بها عن الأمرین معا فهی فی هذا الموضع کالمصیر و المآل قال اللّه تعالی قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِیرَکُمْ إِلَی اَلنّٰارِ (1) و لا یجوز فی هذا الموضع أن یقال فإن سبقتکم إلی النار فتأمل ذلک فباطنه عجیب و غوره بعید لطیف و کذلک أکثر کلامه ع.

و فی بعض النسخ و قد جاء فی روایة أخری و السبقة الجنة (2) بضم السین و السبقة عندهم اسم لما یجعل للسابق إذا سبق من مال أو عرض و المعنیان متقاربان لأن ذلک لا یکون جزاء علی فعل الأمر المذموم و إنّما یکون جزاء علی فعل الأمر المحمود

ص :92

آذنت

أعلمت و المضمار منصوب لأنّه اسم إن و الیوم ظرف و موضعه رفع لأنّه خبر إن و ظرف الزمان یجوز أن یکون خبرا عن الحدث و المضمار و هو الزمان الذی تضمر فیه الخیل للسباق و الضمر الهزال و خفة اللحم و إعراب قوله و غدا السباق علی هذا الوجه أیضا.

و یجوز الرفع فی الموضعین علی أن تجعلهما خبر إن بأنفسهما .

و قوله ع أ لا عامل لنفسه قبل یوم بؤسه أخذه ابن نباتة مصالتة (1) فقال فی بعض خطبه أ لا عامل لنفسه قبل حلول رمسه .

قوله ألا فاعملوا فی الرغبة یقول لا ریب أن أحدکم إذا مسه الضر من مرض شدید أو خوف مقلق من عدو قاهر فإنّه یکون شدید الإخلاص و العبادة و هذه حال من یخاف الغرق فی سفینة تتلاعب بها الأمواج فهو ع أمر بأن یکون المکلف عاملا أیّام عدم الخوف مثل عمله و إخلاصه و انقطاعه إلی اللّه أیّام هذه العوارض .

قوله لم أر کالجنة نام طالبها یقول إن من أعجب العجائب من یؤمن بالجنة کیف یطلبها و ینام و من أعجب العجائب من یوقن بالنار کیف لا یهرب منها و ینام أی لا ینبغی أن ینام طالب هذه و لا الهارب من هذه.

و قد فسر الرضی رحمه اللّه تعالی معنی قوله و السبقة الجنة

و قد قال له یا أبا حازم إنی أخاف اللّه ممّا قد دخلت فیه فقال لست أخاف علیک أن تخاف و إنّما أخاف علیک ألا تخاف.

و قیل له کیف یکون الناس یوم القیامة قال أما العاصی فآبق قدم به علی مولاه و أمّا المطیع فغائب قدم علی أهله.

و من کلامه إنّما بینی و بین الملوک یوم واحد أما أمس فلا یجدون لذته و لا أجد شدته و أمّا غدا فإنی و إیاهم منه علی خطر و إنّما هو الیوم فما عسی أن یکون.

و من کلامه إذا تتابعت علیک نعم ربک و أنت تعصیه فاحذره.

و قال له سلیمان بن عبد الملک عظنی فقال عظم ربک أن یراک حیث نهاک أو یفقدک حیث أمرک.

و قیل له ما مالک قال شیئان لا عدم بی معهما الرضا عن اللّه و الغنی عن الناس.

و من کلامه عجبا لقوم یعملون لدار یرحلون عنها کل یوم مرحلة و یترکون أن یعملوا لدار یرحلون إلیها کل یوم مرحلة.

و من کلامه إن عوفینا من شر ما أعطانا لم یضرنا فقد ما زوی عنا.

و من کلامه نحن لا نرید أن نموت حتّی نتوب و نحن لا نتوب حتّی نموت.

و لما ثقل عبد الملک رأی غسالا یلوی بیده ثوبا فقال وددت أنی کنت غسالا مثل هذا أعیش بما أکتسب یوما فیوما فذکر ذلک لأبی حازم فقال الحمد لله الذی جعلهم عند الموت یتمنون ما نحن فیه و لا نتمنی عند الموت ما هم فیه.

و من کلام غیره من الصالحین دخل سالم بن عبد اللّه بن عمر علی هشام بن عبد الملک

ص :94

فی الکعبة فکلمه هشام ثم قال له سل حاجتک قال معاذ اللّه أن أسأل فی بیت اللّه غیر اللّه.

و قیل لرابعة القیسیة لو کلمت أهلک أن یشتروا لک خادما یکفیک مئونة بیتک قالت إنّی لأستحی أن أسأل الدنیا من یملکها فکیف من لا یملکها.

و قال بکر بن عبد اللّه أطفئوا نار الغضب بذکر نار جهنم .

عامر بن عبد القیس الدنیا والدة للموت ناقضة للمبرم مرتجعة للعطیة و کل من فیها یجری إلی ما لا یدری و کل مستقر فیها غیر راض بها و ذلک شهید علی أنّها لیست بدار قرار.

باع عتبة بن عبد اللّه بن مسعود أرضا له بثمانین ألفا فتصدق بها فقیل له لو جعلت هذا المال أو بعضه ذخرا لولدک قال بل أجعل هذا المال ذخرا لی و أجعل اللّه تعالی ذخرا لولدی.

رأی إیاس بن قتادة شیبة فی لحیته فقال أری الموت یطلبنی و أرانی لا أفوته فلزم بیته و ترک الاکتساب فقال له أهله تموت هزالا قال لأن أموت مؤمنا مهزولا أحبّ إلی من أن أعیش منافقا سمینا.

بکر بن عبد اللّه المزنی ما الدنیا لیت شعری أما ما مضی منها فحلم و أمّا ما بقی فأمانی.

مورق العجلیّ خیر من العجب بالطاعة ألا تأتی بالطاعة.

و من کلامه ضاحک معترف بذنبه خیر من باک مدل علی ربّه.

و من کلامه أوحی اللّه إلی الدنیا من خدمنی فاخدمیه و من خدمک فاستخدمیه.

ص :95

قیل لرابعة هل عملت عملا ترین أنّه یقبل منک قالت إن کان فخوفی أن یرد علی.

نظر حبیب إلی مالک بن دینار و هو یقسم صدقته علانیة فقال یا أخی إن الکنوز لتستر فما بال هذا یجهر به.

قال عمرو بن عبید للمنصور إن اللّه أعطاک الدنیا بأسرها فاشتر نفسک منه ببعضها و إن هذا الذی أصبح الیوم فی یدک لو کان ممّا یبقی علی الناس لبقی فی ید من کان قبلک و لم یصر إلیک فاحذر لیلة تمخض بیوم لا تری بعده إلاّ یوم القیامة فبکی المنصور و قال یا أبا عثمان سل حاجة قال حاجتی ألا تعطینی حتّی أسألک و لا تدعنی حتّی أجیئک قال إذن لا نلتقی أبدا قال فذاک أرید.

کان یقال الدنیا جاهلة و من جهلها أنّها لا تعطی أحدا ما یستحقه إمّا أن تزیده و إمّا أن تنقصه.

قیل لخالد بن صفوان من أبلغ الناس قال الحسن لقوله فضح الموت الدنیا.

قیل لبعض الزهاد کیف سخط نفسک علی الدنیا قال أیقنت أنی خارج منها کرها فأحببت أن أخرج منها طوعا.

مر إبراهیم بن أدهم بباب أبی جعفر المنصور فنظر السلاح و الحرس فقال المریب خائف.

قیل لزاهد ما أصبرک علی الوحدة قال کلا أنا أجالس ربی إذا شئت أن یناجینی قرأت کتابه و إذا شئت أن أناجیه صلیت.

کان یقال خف اللّه لقدرته علیک و استح منه لقربه منک

ص :96

قال الرشید (1) للفضیل بن عیاض ما أزهدک قال أنت یا هارون أزهد منی لأنّی زهدت فی دنیا فانیة و زهدت فی آخرة باقیة.

و قال الفضیل یا ربی إنّی لأستحیی أن أقول توکلت علیک لو توکلت علیک ما خفت إلاّ منک و لا رجوت إلاّ إیاک.

عوتب بعض الزهاد علی کثرة التصدق بماله فقال لو أراد رجل أن ینتقل من دار إلی دار ما أظنه کان یترک فی الدار الأولی شیئا.

قال بعض الملوک لبعض الزهاد ما لک لا تغشی بابی و أنت عبدی قال لو علمت أیها الملک لعلمت أنک عبد عبدی لأنّی أملک الهوی و الهوی یملکک.

دخل متظلم علی سلیمان بن عبد الملک فقال یا أمیر المؤمنین اذکر یوم الأذان قال و ما یوم الأذان قال الیوم الذی قال تعالی فیه فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَیْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللّٰهِ عَلَی الظّٰالِمِینَ (2) فبکی سلیمان و أزال ظلامته.

سئل الفضیل بن عیاض عن الزهد فقال یجمعه حرفان فی کتاب اللّه لِکَیْلاٰ تَأْسَوْا عَلیٰ مٰا فٰاتَکُمْ وَ لاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاکُمْ (3) .

کتب یحیی بن خالد من الحبس إلی الرشید ما یمر یوم من نعیمک إلاّ و یمر یوم من بؤسی و کلاهما إلی نفاد.

قیل لحاتم الأصمّ علام بنیت أمرک قال علی أربع خصال علمت أن رزقی لا یأکله غیری فلم أهتم به و علمت أن عملی لا یعمله غیری فأنا مشغول به و علمت أن الموت یأتینی بغتة فأنا أبادره و علمت أنی بعین اللّه فی کل حال فاستحییت منه.

ص :97

نظر بعض الصالحین إلی رجل یفحش فی قوله فقال یا هذا إنّما تملی علی حافظیک کتابا إلی ربک فانظر ما تودعه.

کان یقال مثل الدنیا و الآخرة مثل ضرتین لبعل واحد إن أرضی هذه أسخط الأخری.

قیل لبعضهم ما مثل الدنیا قال هی أقل من أن یکون لها مثل.

دخل لص علی بعض الزهاد الصالحین فلم یر فی داره شیئا فقال له یا هذا أین متاعک قال حولته إلی الدار الأخری.

قیل للربیع بن خیثم یا ربیع ما نراک تذم أحدا فقال ما أنا عن نفسی براض فأتحول من ذمی إلی ذمّ الناس إن الناس خافوا اللّه علی ذنوب العباد و أمنوه علی ذنوبهم.

قال عیسی بن موسی لأبی شیبة القاضی لم لا تأتینا قال إن قربتنی فتنتنی و إن أقصیتنی أحزنتنی و لیس عندی ما أخافک علیه و لا عندک ما أرجوک له.

من کلام بعض الزهاد تأمل ذا الغنی ما أشدّ نصبه و أقل راحته و أخس من ماله حظه و أشدّ من الأیّام حذره هو بین سلطان یتهضمه و عدو یبغی علیه و حقوق تلزمه و أکفاء یحسدونه و ولد یود فراقه قد بعث علیه غناه من سلطانه العنت و من أکفائه الحسد و من أعدائه البغی و من ذوی الحقوق الذم و من الولد الملالة.

و من کلام سفیان الثوری یا ابن آدم جوارحک سلاح اللّه علیک بأیها شاء قتلک.

میمون بن مهران فی قوله تعالی وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ اللّٰهَ غٰافِلاً عَمّٰا یَعْمَلُ الظّٰالِمُونَ (1) قال إنها لتعزیة للمظلوم و وعید للظالم.

ص :98

دخل عبد الوارث بن سعید علی مریض یعوده فقال له ما نمت منذ أربعین لیلة فقال یا هذا أحصیت لیالی البلاء فهل أحصیت لیالی الرخاء.

بعضهم وا عجباه لمن یفرح بالدنیا فإنما هی عقوبة ذنب.

ابن السماک خف اللّه حتّی کأنّک لم تطعه قط و ارجه حتّی کأنّک لم تعصه قط.

بعضهم العلماء أطباء هذا الخلق و الدنیا داء هذا الخلق فإذا کان الطبیب یطلب الداء فمتی یبرئ غیره.

قیل لمحمّد بن واسع فلان زاهد قال و ما قدر الدنیا حتّی یحمد من یزهد فیها رئی عبد اللّه بن المبارک واقفا بین مقبرة و مزبلة فقیل له ما أوقفک قال أنا بین کنزین من کنوز الدنیا فیهما عبرة هذا کنز الأموال و هذا کنز الرجال.

قیل لبعضهم أتعبت نفسک فقال راحتها أطلب.

دخل الإسکندر مدینة فتحها فسأل عمن بقی من أولاد الملوک بها فقیل رجل یسکن المقابر فدعا به فقال ما دعاک إلی لزوم هذه المقابر فقال أحببت أن أمیز بین عظام الملوک و عظام عبیدهم فوجدتها سواء فقال هل لک أن تتبعنی فأحیا شرفک و شرف آبائک إن کانت لک همة قال همتی عظیمة قال و ما همتک قال حیاة لا موت معها و شباب لا هرم معه و غنی لا فقر معه و سرور لا مکروه معه فقال لیس هذا عندی قال فدعنی ألتمسه ممن هو عنده.

مات ابن لعمر بن ذر فقال لقد شغلنی الحزن لک یا بنی عن الحزن علیک.

کان یقال من هوان الدنیا علی اللّه ألا یعصی إلاّ فیها و لا ینال ما عنده إلاّ بترکها.

و من کلام عبد اللّه بن شداد أری دواعی الموت لا تقلع و أری من مضی لا یرجع

ص :99

فلا تزهدن فی معروف فإن الدهر ذو صروف کم من راغب قد کان مرغوبا إلیه و الزمان ذو ألوان من یصحب الزمان یر الهوان و إن غلبت یوما علی المال فلا تغلبن علی الحیلة علی کل حال و کن أحسن ما تکون فی الظاهر حالا أقل ما تکون فی الباطن مآلا.

کان یقال إن ممّا یعجل اللّه تعالی عقوبته الأمانة تخان و الإحسان یکفر و الرحم تقطع و البغی علی الناس.

الربیع بن خیثم لو کانت الذنوب تفوح روائحها لم یجلس أحد إلی أحد.

قیل لبعضهم کیف أصبحت قال آسفا علی أمسی کارها لیومی متّهما لغدی.

و قیل لآخر لم ترکت الدنیا قال أنفت من قلیلها و أنف منی کثیرها و هذا کما قال بعضهم و قد قیل له لم لا تقول الشعر قال یأبانی جیده و آبی ردیئه.

بعض الصالحین لو أنزل اللّه تعالی کتابا أنی معذب رجلا واحدا خفت أن أکونه أو أنّه راحم رجلا واحدا لرجوت أن أکونه.

مطرف بن الشخیر خیر الأمور أوساطها و شر السیر الحقحقة (1) و هذا الکلام قد روی مرفوعا.

یحیی بن معاذ أن لله علیک نعمتین فی السراء التذکر و فی الضراء التصبر فکن فی السراء عبدا شکورا و فی الضراء حرا صبورا.

دخل ابن السماک علی الرشید فقال له عظنی ثمّ دعا بماء لیشربه فقال له ناشدتک اللّه لو منعک اللّه من شربه ما کنت فاعلا قال کنت أفتدیه بنصف ملکی قال فاشربه فلما شرب قال ناشدتک اللّه لو منعک اللّه من خروجه ما کنت فاعلا قال کنت أفتدیه بنصف ملکی قال إن ملکا یفتدی به شربة ماء لخلیق ألا ینافس علیه.

قال المنصور لعمرو بن عبید رحمه اللّه تعالی عظنی قال بما رأیت أم بما سمعت

ص :100

قال بما رأیت قال رأیت عمر بن عبد العزیز و قد مات فخلف أحد عشر ابنا و بلغت ترکته سبعة عشر دینارا کفن منها بخمسة دنانیر و اشتری موضع قبره بدینارین و أصاب کل واحد من ولده دون الدینار ثمّ رأیت هشام بن عبد الملک و قد مات و خلف عشرة ذکور فأصاب کل واحد من ولده ألف ألف دینار و رأیت رجلا من ولد عمر بن عبد العزیز قد حمل فی یوم واحد علی مائة فرس فی سبیل اللّه و رأیت رجلا من ولد هشام یسأل الناس لیتصدقوا علیه.

حسان بن أبی سنان ما شیء أهون من ورع إذا رابک شیء فدعه.

مورق العجلیّ لقد سألت اللّه حاجة أربعین سنة ما قضاها و لا یئست منها قیل و ما هی قال ترک ما لا یعنینی.

قتادة إن اللّه لیعطی العبد علی نیة الآخرة ما یسأله من الدنیا و لا یعطیه علی نیة الدنیا إلاّ الدنیا.

من کلام محمّد بن واسع لیس فی النار عذاب أشدّ علی أهلها من علمهم بأنّه لیس لکربهم تنفیس و لا لضیقتهم ترفیه و لا لعذابهم غایة و لیس فی الجنة نعیم أبلغ من علم أهلها بأن ذلک الملک لا یزول عنهم.

قال بعض الملوک لبعض الزهاد أذمم لی الدنیا قال أیها الملک هی الآخذة لما تعطی المورثة بعد ذلک الندم السالبة ما تکسو المورثة بعد ذلک الفضوح تسد بالأراذل مکان الأفاضل و بالعجزة مکان الحزمة تجد فی کل من کل خلفا و ترضی بکل من کل بدلا تسکن دار کل قرن قرنا و تطعم سؤر کل قوم قوما.

و من کلام الحجاج و کان مع غشمه و إلحاده واعظا بلیغا مفوها خطب فقال اللّهمّ أرنی الغی غیا فأتجنبه و أرنی الهدی هدی فأتبعه و لا تکلنی إلی نفسی فأضل

ص :101

ضلالا بعیدا و اللّه ما أحبّ أن ما مضی من الدنیا بعمامتی هذه و لما بقی منها أشبه بما مضی من الماء بالماء و قال مالک بن دینار غدوت إلی الجمعة فجلست قریبا من المنبر فصعد الحجاج فسمعته یقول امرؤ زور عمله امرؤ حاسب نفسه امرؤ فکر فیما یقرؤه فی صحیفته و یراه فی میزانه امرؤ کان عند قلبه زاجر و عند همه آمر امرؤ أخذ بعنان قلبه کما یأخذ الرجل بخطام جمله فإن قاده إلی طاعة اللّه تبعه و إن قاده إلی معصیة اللّه کفه إننا و اللّه ما خلقنا للفناء و إنّما خلقنا للبقاء و إنّما ننتقل من دار إلی دار.

و خطب یوما (1) فقال إن اللّه أمرنا بطلب الآخرة و کفانا مئونة الدنیا فلیته کفانا مئونة الآخرة و أمرنا بطلب الدنیا فقال الحسن ضالة المؤمن خرجت من قلب المنافق.

و من الکلام المنسوب إلیه و أکثر الناس یروونه

249

عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع

أَیُّهَا النَّاسُ اقْدَعُوا هَذِهِ الْأَنْفُسَ فَإِنَّهَا أَسْأَلُ شَیْءٍ إِذَا أُعْطِیَتْ وَ أَبْخَلُ لِشَیْءٍ إِذَا سُئِلَتْ فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً جَعَلَ لِنَفْسِهِ خِطَاماً وَ زِمَاماً فَقَادَهَا بِخِطَامِهَا إِلَی طَاعَةِ اللَّهِ وَ عَطَفَهَا بِزِمَامِهَا عَنْ مَعْصِیَةِ اللَّهِ فَإِنِّی رَأَیْتُ الصَّبْرَ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ أَیْسَرَ مِنَ الصَّبْرِ عَلَی عَذَابِ اللَّهِ .

و من کلامه إن امرأ أتت علیه ساعة من عمره لم یذکر فیها ربّه و یستغفر من ذنبه و یفکر فی معاده لجدیر أن یطول حزنه و یتضاعف أسفه إن اللّه کتب علی الدنیا الفناء و علی الآخرة البقاء فلا بقاء لما کتب علیه الفناء و لا فناء لما کتب علیه البقاء فلا یغرنکم شاهد الدنیا عن غائب الآخرة و اقهروا طول الأمل بقصر الأجل.

ص :102

و نقلت من أمالی أبی أحمد العسکریّ رحمه اللّه تعالی قال خطب الحجاج یوما فقال أیها الناس قد أصبحتم فی أجل منقوص و عمل محفوظ ربّ دائب مضیع و ساع لغیره و الموت فی أعقابکم و النار بین أیدیکم و الجنة أمامکم خذوا من أنفسکم لأنفسکم و من غناکم لفقرکم و ممّا فی أیدیکم لما بین أیدیکم فکان ما قد مضی من الدنیا لم یکن و کان الأموات لم یکونوا أحیاء و کل ما ترونه فإنّه ذاهب هذه شمس عاد و ثمود و قرون کثیرة بین ذلک هذه الشمس التی طلعت علی التبابعة و الأکاسرة و خزائنهم السائرة بین أیدیهم و قصورهم المشیدة ثمّ طلعت علی قبورهم أین الملوک الأولون أین الجبابرة المتکبرون المحاسب اللّه و الصراط منصوب و جهنم تزفر و تتوقد و أهل الجنة ینعمون هم فِی رَوْضَةٍ یُحْبَرُونَ جعلنا اللّه و إیّاکم من الذین إِذٰا ذُکِّرُوا بِآیٰاتِ رَبِّهِمْ لَمْ یَخِرُّوا عَلَیْهٰا صُمًّا وَ عُمْیٰاناً (1) .

قَالَ فَکَانَ اَلْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی یَقُولُ أَ لاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الْفَاجِرِ یَرْقَی عَتَبَاتِ الْمِنْبَرِ فَیَتَکَلَّمُ بِکَلاَمِ الْأَنْبِیَاءِ وَ یَنْزِلُ فَیَفْتِکُ فَتْکَ الْجَبَّارِینَ یُوَافِقُ اللَّهَ فِی قَوْلِهِ وَ یُخَالِفُهُ فِی فِعْلِهِ

و الثانی مقابله فی المعنی لا فی اللفظ.

أما الأول فکقوله تعالی فَلْیَضْحَکُوا قَلِیلاً وَ لْیَبْکُوا کَثِیراً (1) فالضحک ضد البکاء و القلیل ضد الکثیر و کذلک قوله تعالی لِکَیْلاٰ تَأْسَوْا عَلیٰ مٰا فٰاتَکُمْ وَ لاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاکُمْ (2)

250

وَ مِنْ کَلاَمِ اَلنَّبِیِّ ص خَیْرُ الْمَالِ عَیْنٌ سَاهِرَةٌ لِعَیْنٍ نَائِمَةٍ.

251

وَ مِنْ کَلاَمِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع لِعُثْمَانَ

إِنَّ الْحَقَّ ثَقِیلٌ مَرِیءٌ وَ إِنَّ الْبَاطِلَ خَفِیفٌ وَبِیءٌ وَ أَنْتَ رَجُلٌ إِنْ صَدَقْتَ سَخِطْتَ وَ إِنْ کَذَبْتَ رَضِیتَ .

252

وَ کَذَلِکَ قَوْلُهُ ع لَمَّا قَالَتِ اَلْخَوَارِجُ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ کَلِمَةُ حَقٍّ أُرِیدَ بِهَا بَاطِلٌ .

و قال الحجاج لسعید بن جبیر لما أراد قتله ما اسمک فقال سعید بن جبیر فقال بل شقی بن کسیر.

و قال ابن الأثیر فی کتابه المسمی بالمثل السائر إن هذا النوع من المقابلة غیر مختص بلغة العرب فإنه لما مات قباذ أحد ملوک الفرس قال وزیره حرکنا بسکونه.

و فی أول کتاب الفصول لبقراط فی الطبّ العمر قصیر و الصناعة طویلة و هذا الکتاب علی لغة الیونان (3) .

قلت أی حاجة به إلی هذا التکلف و هل هذه الدعوی من الأمور التی یجوز أن یعتری الشک و الشبهة فیها لیأتی بحکایة مواضع من غیر کلام العرب یحتج بها أ لیس کل قبیلة و کل أمة لها لغة تختص بها أ لیس الألفاظ دلالات علی ما فی الأنفس

ص :104

من المعانی فإذا خطر فی النفس کلام یتضمن أمرین ضدین فلا بدّ لصاحب ذلک الخاطر سواء أ کان عربیا أم فارسیا أم زنجیا أم حبشیا أن ینطق بلفظ یدلّ علی تلک المعانی المتضادة و هذا أمر یعم العقلاء کلهم علی أن تلک اللفظة التی قالها ما قیلت فی موت قباذ و إنّما قیلت فی موت الإسکندر لما تکلمت الحکماء و هم حول تابوته بما تکلموا به من الحکم.

و ممّا جاء من هذا القسم من المقابلة فی الکتاب العزیز قوله تعالی فی صفة الواقعة خٰافِضَةٌ رٰافِعَةٌ (1) لأنّها تخفض العاصین و ترفع المطیعین.

و قوله تعالی فَضُرِبَ بَیْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بٰابٌ بٰاطِنُهُ فِیهِ الرَّحْمَةُ وَ ظٰاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذٰابُ (2) .

و قوله أَذِلَّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی الْکٰافِرِینَ (3) .

و من هذا الباب

253

قَوْلُ اَلنَّبِیِّ ص لِلْأَنْصَارِ إِنَّکُمْ لَتَکْثُرُونَ عِنْدَ الْفَزَعِ وَ تَقِلُّونَ عِنْدَ الطَّمَعِ.

و ممّا جاء من ذلک فی الشعر قول الفرزدق یهجو قبیلة جریر یستیقظون إلی نهیق حمیرهم و تنام أعینهم عن الأوتار (4) .

و قال آخر فلا الجود یفنی المال و الجد مقبل و لا البخل یبقی المال و الجد مدبر (5) .

ص :105

و قال أبو تمام ما إن تری الأحساب بیضا وضحا إلا بحیث تری المنایا سودا (1) .

و کذلک قال من هذه القصیدة أیضا (2) شرف علی أولی الزمان و إنّما خلق المناسب ما یکون جدیدا (3) .

و أمّا القسم الثانی من القسم الأوّل و هو مقابلة الشیء بضده بالمعنی لا باللفظ فکقول المقنع الکندی لهم جل مالی إن تتابع لی غنی و إن قل مالی لا أکلفهم رفدا (4) .

فقوله إن تتابع لی غنی فی قوة قوله إن کثر مالی و الکثرة ضد القلة فهو إذن مقابل بالمعنی لا باللفظ بعینه.

و من هذا الباب قول البحتری تقیض لی من حیث لا أعلم النوی و یسری إلی الشوق من حیث أعلم (5) .

فقوله لا أعلم لیس ضدا لقوله أعلم لکنه نقیض له و فی قوة قوله أجهل و الجهل ضد العلم.

و من لطیف ما وقعت المقابلة به من هذا النوع قول أبی تمام مها الوحش إلاّ أن هاتا أوانس قنا الخط إلاّ أن تلک ذوابل (6) .

ص :106

فقابل بین هاتا و بین تلک و هی مقابلة معنویة لا لفظیة لأن هاتا للحاضرة و تلک للغائبة و الحضور ضد الغیبة.

و أمّا مقابلة الشیء لما لیس بضده فإما أن یکون مثلا أو مخالفا.

و الأول علی ضربین مقابلة المفرد بالمفرد و مقابلة الجملة بالجملة.

مثال مقابلة المفرد بالمفرد قوله تعالی نَسُوا اللّٰهَ فَأَنْسٰاهُمْ أَنْفُسَهُمْ (1) و قوله وَ مَکَرُوا مَکْراً وَ مَکَرْنٰا مَکْراً (2) هکذا قال نصر اللّه بن الأثیر (3) .

قال و هذا مراعی فی القرآن الکریم إذا کان جوابا کما تقدم من الآیتین و کقوله وَ جَزٰاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُهٰا (4) و قوله مَنْ کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفْرُهُ (5) .

قال و قد کان یجوز أن یقول من کفر فعلیه ذنبه لکن الأحسن هو إعادة اللفظ فأما إذا کان غیر جواب لم تلزم فیه هذه المراعاة اللفظیة بل قد تقابل اللفظة بلفظة تفید معناها و إن لم تکن هی بعینها نحو قوله تعالی وَ وُفِّیَتْ کُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمٰا یَفْعَلُونَ (6) فقال یفعلون و لم یقل یعملون.

و کذلک قوله تعالی فَفَزِعَ مِنْهُمْ قٰالُوا لاٰ تَخَفْ (7) و لم یقل قالوا لا تفزع.

و کذلک قوله تعالی إِنَّمٰا کُنّٰا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللّٰهِ وَ آیٰاتِهِ وَ رَسُولِهِ کُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (8) و لم یقل کنتم تخوضون و تلعبون.

ص :107

قال و نحو ذلک من الأبیات الشعریة قول أبی تمام بسط الرجاء لنا برغم نوائب کثرت بهن مصارع الآمال (1) .

فقال الآمال عوض الرجاء قال أبو الطیب إنی لأعلم و اللبیب خبیر أن الحیاة و إن حرصت غرور (2) فقال خبیر و لم یقل علیم.

قال و إنّما حسن ذلک لأنّه لیس بجواب و إنّما هو کلام مبتدأ.

قلت الصحیح أن هذه الآیات و هی قوله تعالی نَسُوا اللّٰهَ فَأَنْسٰاهُمْ أَنْفُسَهُمْ و ما شابهها لیست من باب المقابلة التی نحن فی ذکرها و أنّها نوع آخر و لو سمیت المماثلة أو المکافأة لکان أولی و الدلیل علی ذلک أن هذا الرجل حدّ المقابلة فی أول الباب الذی ذکر هذا البحث فیه فقال إنها ضد التجنیس لأن التجنیس أن یکون اللفظ واحدا مختلف المعنی و هذه لا بدّ أن تتضمن معنیین ضدین و إن کان التضاد مأخوذا فی حدها فقد خرجت هذه الآیات من باب المقابلة و کانت نوعا آخر.

و أیضا فإن قوله تعالی وَ مَکَرُوا مَکْراً وَ مَکَرْنٰا مَکْراً لیس من سلک الآیات الأخری لأنّه بالواو و الآیات الأخری بالفاء و الفاء جواب و الواو لیست بجواب.

و أیضا فإنا إذا تأملنا القرآن العزیز لم نجد ما ذکره هذا الرجل مطردا قال تعالی أَمّٰا مَنِ اسْتَغْنیٰ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّٰی وَ مٰا عَلَیْکَ أَلاّٰ یَزَّکّٰی وَ أَمّٰا مَنْ جٰاءَکَ یَسْعیٰ وَ هُوَ یَخْشیٰ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّٰی (3) فلم یقل فی الثانیة و أمّا من جاءک یسعی و هو فقیر.

و قال تعالی فَأَمّٰا مَنْ أَعْطیٰ وَ اتَّقیٰ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنیٰ فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْیُسْریٰ وَ أَمّٰا مَنْ

ص :108

بَخِلَ وَ اسْتَغْنیٰ وَ کَذَّبَ بِالْحُسْنیٰ فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْعُسْریٰ (1) فقابل بین أعطی و بخل و لم یقابل بین اتقی و استغنی و مثل هذا فی القرآن العزیز کثیر و أکثر من الکثیر.

و قد بان الآن أن التقسیم الأول فاسد و أنّه لا مقابلة إلاّ بین الأضداد و ما یجری مجراها.

و أمّا مقابلة الجملة بالجملة فی تقابل المتماثلین فإنّه إذا کانت إحداهما فی معنی الأخری وقعت المقابلة و الأغلب أن تقابل الجملة الماضیة بالماضیة و المستقبلة بالمستقبلة.

و قد تقابل الجملة الماضیة بالمستقبلة فمن ذلک قوله تعالی قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمٰا أَضِلُّ عَلیٰ نَفْسِی وَ إِنِ اهْتَدَیْتُ فَبِمٰا یُوحِی إِلَیَّ رَبِّی (2) فإن هذا تقابل من جهة المعنی لأنّه لو کان من جهة اللفظ لقال و إن اهتدیت فإنما أهتدی لها.

و وجه التقابل المعنوی هو أن کل ما علی النفس فهو بها أعنی کل ما هو علیها وبال و ضرر فهو منها و بسببها لأنّها الأمارة بالسوء و کل ما لها ممّا ینفعها فهو بهدایة ربها و توفیقه لها.

و من ذلک قوله تعالی أَ لَمْ یَرَوْا أَنّٰا جَعَلْنَا اللَّیْلَ لِیَسْکُنُوا فِیهِ وَ النَّهٰارَ مُبْصِراً (3) فإنه لم یراع التقابل اللفظی و لو راعاه لقال و النهار لیبصروا فیه و إنّما المراعاة لجانب المعنی لأن معنی مبصرا لیبصروا فیه طرق التقلب فی الحاجات.

و أمّا مقابلة المخالف فهو علی وجهین.

أحدهما أن یکون بین المقابل و المقابل نوع مناسبة و تقابل کقول القائل یجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة و من إساءة أهل السوء إحسانا (4) .

ص :109

فقابل الظلم بالمغفرة و هی مخالفة له لیست مثله و لا ضده و إنّما الظلم ضد العدل إلاّ أنّه لما کانت المغفرة قریبة من العدل حسنت المقابلة بینها و بین الظلم و نحو هذا قوله تعالی أَشِدّٰاءُ عَلَی اَلْکُفّٰارِ رُحَمٰاءُ بَیْنَهُمْ (1) فإن الرحمة لیست ضدا للشدة و إنّما ضد الشدة اللین إلاّ أنّه لما کانت الرحمة سببا للین حسنت المقابلة بینها و بین الشدة.

و کذلک قوله تعالی إِنْ تُصِبْکَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْکَ مُصِیبَةٌ یَقُولُوا (2) فإن المصیبة أخص من السیئة فالتقابل هاهنا من جهة العموم و الخصوص.

الوجه الثانی ما کان بین المقابل و المقابل بعد و ذلک ممّا لا یحسن استعماله کقول امرأة من العرب لابنها و قد تزوج بامرأة غیر محمودة تربص بها الأیّام عل صروفها

فمذمومة لیست فی مقابلة واسعة و لو کانت قالت بضیقة الأخلاق کانت المقابلة صحیحة و الشعر مستقیما و کذلک قول المتنبی لمن تطلب الدنیا إذا لم ترد بها سرور محبّ أو مساءة مجرم (3) .

فالمقابلة الصحیحة بین المحب و المبغض لا بین المحب و المجرم.

قلت إن لقائل أن یقول هلا قلت فی هذا ما قلت فی السیئة و المصیبة أ لست القائل إن التقابل حسن بین المصیبة و السیئة لکنه تقابل العموم و الخصوص و هذا الموضع مثله أیضا لأن کل مبغض لک مجرم إلیک لأن مجرد البغضة جرم ففیهما عموم و خصوص.

بل لقائل أن یقول کل مجرم مبغض و کل مبغض مجرم و هذا صحیح مطرد

ص :110

أی اتسعی و صمی صمام للداهیة (1) و أصلها من حاد عن الشیء أی انحرف و حیاد مبنیة علی الکسر و کذلک ما کان من بابها نحو قولهم بدار أی لیأخذ کل واحد قرنه و قولهم خراج فی لعبة للصبیان أی اخرجوا .

و الباء فی قوله بأضالیل متعلقة بأعالیل نفسها أی یتعللون بالأضالیل التی لا جدوی لها .

و السهم الأفوق المکسور الفوق و هو مدخل الوتر و الناصل الذی لا نصل فیه یخاطبهم فیقول لهم أبدانکم مجتمعة و أهواؤکم مختلفة متکلمون بما هو فی الشدة و القوّة یوهی الجبال الصم الصلبة و عند الحرب یظهر أن ذلک الکلام لم یکن له ثمرة .

تقولون فی المجالس کیت و کیت

أی سنفعل و سنفعل و کیت و کیت کنایة عن الحدیث کما کنی بفلان عن العلم و لا تستعمل إلاّ مکررة و هما مخففان من کیة و قد استعملت علی الأصل و هی مبنیة علی الفتح و قد روی أئمة العربیة فیها الضم و الکسر أیضا.

فإذا جاء القتال فررتم و قلتم الفرار الفرار .

ثمّ أخذ فی الشکوی فقال من دعاکم لم تعز دعوته و من قاساکم لم یسترح قلبه دأبکم التعلل بالأمور الباطلة و الأمانی الکاذبة و سألتمونی الإرجاء و تأخر الحرب کمن یمطل بدین لازم له و الضیم لا یدفعه الذلیل و لا یدرک الحق إلاّ بالجد فیه و الاجتهاد و عدم الانکماش .

و باقی الفصل ظاهر المعنی.

ص :112

و قوله القوم رجال أمثالکم مثل قول الشاعر قاتلوا القوم یا خزاع و لا

و هذه الخطبة خطب بها أمیر المؤمنین ع فی غارة الضحّاک بن قیس و نحن نقصها هنا

فَاجْتَمَعَ إِلَیْهِ النَّاسُ مِنْ کُلِّ کُورَةٍ (1) وَ أَرَادُوا الْمَسِیرَ إِلَی صِفِّینَ فَاسْتَشَارَهُمْ وَ قَالَ إِنَّ عَلِیّاً قَدْ خَرَجَ مِنَ اَلْکُوفَةِ وَ عَهِدَ الْعَاهِدُ بِهِ أَنَّهُ فَارَقَ اَلنُّخَیْلَةَ (2) .

فَقَالَ حَبِیبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَإِنِّی أَرَی أَنْ نَخْرُجَ حَتَّی نَنْزِلَ مَنْزِلَنَا الَّذِی کُنَّا فِیهِ فَإِنَّهُ مَنْزِلٌ مُبَارَکٌ وَ قَدْ مَتَّعَنَا اللَّهُ بِهِ وَ أَعْطَانَا مِنْ عَدُوِّنَا فِیهِ النَّصَفَ.

وَ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِنِّی أَرَی لَکَ أَنْ تَسِیرَ بِالْجُنُودِ حَتَّی تُوَغِّلَهَا فِی سُلْطَانِهِمْ مِنْ أَرْضِ اَلْجَزِیرَةِ فَإِنَّ ذَلِکَ أَقْوَی لِجُنْدِکَ وَ أَذَلُّ لِأَهْلِ حَرْبِکَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَعْرِفُ أَنَّ الَّذِی تَقُولُ کَمَا تَقُولُ وَ لَکِنَّ النَّاسَ لاَ یُطِیقُونَ ذَلِکَ قَالَ عَمْرٌو إِنَّهَا أَرْضٌ رَفِیقَةٌ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنْ جَهِدَ النَّاسُ أَنْ یَبْلُغُوا مَنْزِلَهُمُ الَّذِی کَانُوا بِهِ یَعْنِی صِفِّینَ .فَمَکَثُوا یُجِیلُونَ الرَّأْیَ یَوْمَیْنِ أَوْ ثَلاَثَةً حَتَّی قَدِمَتْ عَلَیْهِمْ عُیُونُهُمْ أَنَّ عَلِیّاً اخْتَلَفَ عَلَیْهِ أَصْحَابُهُ فَفَارَقَتْهُ مِنْهُمْ فِرْقَةٌ أَنْکَرَتْ أَمْرَ الْحُکُومَةِ وَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْکُمْ إِلَیْهِمْ.

فَکَبَّرَ النَّاسُ سُرُوراً لاِنْصِرَافِهِ عَنْهُمْ وَ مَا أَلْقَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنَ الْخِلاَفِ بَیْنَهُمْ فَلَمْ یَزَلْ مُعَاوِیَةُ مُعَسْکِراً فِی مَکَانِهِ مُنْتَظِراً لِمَا یَکُونُ مِنْ عَلِیٍّ وَ أَصْحَابِهِ وَ هَلْ یُقْبِلُ بِالنَّاسِ أَمْ لاَ فَمَا بَرِحَ حَتَّی جَاءَ الْخَبَرُ أَنَّ عَلِیّاً قَدْ قَتَلَ أُولَئِکَ اَلْخَوَارِجَ وَ أَنَّهُ أَرَادَ بَعْدَ قَتْلِهِمْ أَنْ یُقْبِلَ بِالنَّاسِ وَ أَنَّهُمُ اسْتَنْظَرُوهُ وَ دَافَعُوهُ فَسُرَّ بِذَلِکَ هُوَ وَ مَنْ قِبَلَهُ مِنَ النَّاسِ

.

255

1- قَالَ وَ رَوَی اِبْنُ أَبِی سَیْفٍ (3) عَنْ یَزِیدَ بْنِ یَزِیدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِیِّ قَالَ جَاءَنَا کِتَابُ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِی مُعَیْطٍ وَ کَانَ بِالْکُوفَةِ مُقِیماً وَ نَحْنُ مُعَسْکَرُونَ مَعَ مُعَاوِیَةَ نَتَخَوَّفُ أَنْ یَفْرُغَ عَلِیٌّ مِنَ اَلْخَوَارِجِ ثُمَّ یُقْبِلَ إِلَیْنَا وَ نَحْنُ نَقُولُ إِنْ أَقْبَلَ إِلَیْنَا کَانَ أَفْضَلَ الْمَکَانِ الَّذِی نَسْتَقْبِلُهُ بِهِ الْمَکَانُ الَّذِی لَقِینَاهُ فِیهِ الْعَامَ الْمَاضِی فَکَانَ فِی کِتَابِ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَلِیّاً خَرَجَ عَلَیْهِ قُرَّاءُ

ص :114

أَصْحَابِهِ وَ نُسَّاکُهُمْ فَخَرَجَ إِلَیْهِمْ فَقَتَلَهُمْ وَ قَدْ فَسَدَ عَلَیْهِ جُنْدَهُ وَ أَهْلَ مِصْرِهِ وَ وَقَعَتْ بَیْنَهُمُ الْعَدَاوَةُ وَ تَفَرَّقُوا أَشَدَّ الْفُرْقَةِ وَ أَحْبَبْتُ إِعْلاَمَکَ لِتَحْمَدَ اللَّهَ وَ السَّلاَمُ.

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَسْعَدَةَ فَقَرَأَهُ مُعَاوِیَةُ عَلَی وَجْهِ أَخِیهِ عُتْبَةَ وَ عَلَی اَلْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ وَ عَلَی أَبِی الْأَعْوَرِ السُّلَمِیِّ ثُمَّ نَظَرَ إِلَی أَخِیهِ عُتْبَةَ وَ إِلَی اَلْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ وَ قَالَ لِلْوَلِیدِ لَقَدْ رَضِیَ أَخُوکَ أَنْ یَکُونَ لَنَا عَیْناً فَضَحِکَ اَلْوَلِیدُ وَ قَالَ إِنَّ فِی ذَلِکَ أَیْضاً لَنَفْعاً

.

256

1- وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِیُّ قَالَ کَانَ عُمَارَةُ مُقِیماً بِالْکُوفَةِ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ لَمْ یَهِجْهُ عَلِیٌّ ع وَ لَمْ یُذْعِرْهُ وَ کَانَ یَکْتُبُ إِلَی مُعَاوِیَةَ بِالْأَخْبَارِ سِرّاً .

و من شعر الولید لأخیه عمارة یحرضه إن یک ظنی فی عمارة صادقا

قال فأجابه الفضل بن العبّاس بن عتبة (1) أ تطلب ثأرا لست منه و لا له و ما لابن ذکوان الصفوری و الوتر (2)

ص :115

کما افتخرت بنت الحمار بأمها

أما معنی قوله و ما لابن ذکوان الصفوری فإن الولید هو ابن عقبة بن أبی معیط بن أبی عمرو و اسمه ذکوان بن أمیّة بن عبد شمس و قد ذکر جماعة من النسابین أن ذکوان کان مولی لأمیة بن عبد شمس فتبناه و کناه أبا عمرو فبنوه موال و لیسوا من بنی أمیّة لصلبه و الصفوری منسوب إلی صفوریة قریة من قری الروم .

257

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ هِلاَلٍ الثَّقَفِیُّ فَعِنْدَ ذَلِکَ دَعَا مُعَاوِیَةُ اَلضَّحَّاکَ بْنَ قَیْسٍ الْفِهْرِیَّ وَ قَالَ لَهُ سِرْ حَتَّی تَمُرَّ بِنَاحِیَةِ اَلْکُوفَةِ وَ تَرْتَفِعَ عَنْهَا مَا اسْتَطَعْتَ فَمَنْ وَجَدْتَهُ مِنَ اَلْأَعْرَابِ فِی طَاعَةِ عَلِیٍّ فَأَغِرْ عَلَیْهِ وَ إِنْ وَجَدْتَ لَهُ مَسْلَحَةً (1) أَوْ خَیْلاً فَأَغِرْ عَلَیْهَا وَ إِذَا أَصْبَحْتَ فِی بَلْدَةٍ فَأَمْسِ فِی أُخْرَی وَ لاَ تُقِیمَنَّ لِخَیْلٍ بَلَغَکَ أَنَّهَا قَدْ سُرِّحَتْ إِلَیْکَ لِتَلْقَاهَا فَتُقَاتِلَهَا فَسَرَّحَهُ فِیمَا بَیْنَ ثَلاَثَةِ آلاَفٍ إِلَی أَرْبَعَةِ آلاَفِ.

فَأَقْبَلَ اَلضَّحَّاکُ فَنَهَبَ الْأَمْوَالَ وَ قَتَلَ مَنْ لَقِیَ مِنَ اَلْأَعْرَابِ حَتَّی مَرَّ بِالثَّعْلَبِیَّةِ (2)

ص :116

فَأَغَارَ عَلَی الْحَاجِّ فَأَخَذَ أَمْتِعَتَهُمْ ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَقِیَ عَمْرَو بْنَ عُمَیْسِ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِیَّ وَ هُوَ ابْنُ أَخِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَتَلَهُ فِی طَرِیقِ الْحَاجِّ عِنْدَ اَلْقُطْقُطَانَةِ (1) وَ قَتَلَ مَعَهُ نَاساً مِنْ أَصْحَابِهِ

.

258

1- قَالَ فَرَوَی إِبْرَاهِیمُ بْنُ مُبَارَکٍ الْبَجَلِیُّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ بَکْرِ بْنِ عِیسَی عَنْ أَبِی رَوْقٍ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع وَ قَدْ خَرَجَ إِلَی النَّاسِ وَ هُوَ یَقُولُ عَلَی الْمِنْبَرِ یَا أَهْلَ اَلْکُوفَةِ اخْرُجُوا إِلَی الْعَبْدِ الصَّالِحِ عَمْرِو بْنِ عُمَیْسٍ وَ إِلَی جُیُوشٍ لَکُمْ قَدْ أُصِیبَ مِنْهُمْ طَرَفٌ اخْرُجُوا فَقَاتِلُوا عَدُوَّکُمْ وَ امْنَعُوا حَرِیمَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ فَاعِلِینَ .

فَرَدُّوا عَلَیْهِ رَدّاً ضَعِیفاً وَ رَأَی مِنْهُمْ عَجْزاً وَ فَشَلاً فَقَالَ وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِی بِکُلِّ ثَمَانِیَةٍ مِنْکُمْ رَجُلاً مِنْهُمْ وَیْحَکُمْ اخْرُجُوا مَعِی ثُمَّ فِرُّوا عَنِّی مَا بَدَا لَکُمْ فَوَ اللَّهِ مَا أَکْرَهُ لِقَاءَ رَبِّی عَلَی نِیَّتِی وَ بَصِیرَتِی وَ فِی ذَلِکَ رَوْحٌ لِی عَظِیمٌ وَ فَرَجٌ مِنْ مُنَاجَاتِکُمْ وَ مُقَاسَاتِکُمْ ثُمَّ نَزَلَ.

فَخَرَجَ یَمْشِی حَتَّی بَلَغَ اَلْغَرِیَّیْنِ ثُمَّ دَعَا حُجْرَ بْنَ عَدِیٍّ الْکِنْدِیَّ فَعَقَدَ لَهُ عَلَی أَرْبَعَةِ آلاَفٍ .

259

1- وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ یَعْقُوبَ الْکُلَیْنِیُّ قَالَ اسْتَصْرَخَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع النَّاسَ عَقِیبَ (2) غَارَةِ اَلضَّحَّاکِ بْنِ قَیْسٍ الْفِهْرِیِّ عَلَی أَطْرَافِ أَعْمَالِهِ فَتَقَاعَدُوا عَنْهُ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاکُمْ وَ لاَ اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاکُمْ الْفَصْلُ إِلَی آخِرِهِ .

260

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ الثَّقَفِیُّ فَخَرَجَ حُجْرُ بْنُ عَدِیٍّ حَتَّی مَرَّ بِالسَّمَاوَةِ وَ هِیَ أَرْضٌ کَلِبٌ

ص :117

فَلَقِیَ بِهَا إِمْرَأَ الْقَیْسِ بْنَ عَدِیِّ بْنِ أَوْسِ بْنِ جَابِرِ بْنِ کَعْبِ بْنِ عُلَیْمٍ الْکَلْبِیَّ وَ هُمْ أَصْهَارُ اَلْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع فَکَانُوا أَدِلاَّءَهُ فِی الطَّرِیقِ وَ عَلَی الْمِیَاهِ فَلَمْ یَزَلْ مُغِذّاً فِی أَثَرِ اَلضَّحَّاکِ حَتَّی لَقِیَهُ بِنَاحِیَةِ تَدْمُرَ فَوَاقَعَهُ فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً فَقَتَلَ مِنْ أَصْحَابِ اَلضَّحَّاکِ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً وَ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ حُجْرٍ رَجُلاَنِ وَ حَجَزَ اللَّیْلُ بَیْنَهُمْ فَمَضَی اَلضَّحَّاکُ فَلَمَّا أَصْبَحُوا لَمْ یَجِدُوا لَهُ وَ لِأَصْحَابِهِ أَثَراً وَ کَانَ اَلضَّحَّاکُ یَقُولُ بَعْدُ أَنَا اِبْنُ قَیْسٍ أَنَا أَبُو أُنَیْسٍ أَنَا قَاتِلُ عَمْرِو بْنِ عُمَیْسٍ .

قَالَ وَ کَتَبَ فِی أَثَرِ هَذِهِ الْوَقْعَةِ عَقِیلُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ إِلَی أَخِیهِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع حِینَ بَلَغَهُ خِذْلاَنُ أَهْلِ اَلْکُوفَةِ وَ تَقَاعُدُهُمْ بِهِ.

لِعَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع مِنْ عَقِیلِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ سَلاَمٌ عَلَیْکَ فَإِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْکَ اللَّهَ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ حَارِسُکَ مِنْ کُلِّ سُوءٍ وَ عَاصِمُکَ مِنْ کُلِّ مَکْرُوهٍ وَ عَلَی کُلِّ حَالٍ إِنِّی قَدْ خَرَجْتُ إِلَی مَکَّةَ مُعْتَمِراً فَلَقِیتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ فِی نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِینَ شَابّاً مِنْ أَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ فَعَرَفْتُ الْمُنْکَرَ فِی وُجُوهِهِمْ فَقُلْتُ إِلَی أَیْنَ یَا أَبْنَاءَ الشَّانِئِینَ أَ بِمُعَاوِیَةَ تَلْحَقُون عَدَاوَةً وَ اللَّهِ مِنْکُمْ قَدِیماً غَیْرَ مُسْتَنْکَرَةٍ تُرِیدُونَ بِهَا إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ وَ تَبْدِیلَ أَمْرِهِ فَأَسْمَعَنِی الْقَوْمُ وَ أَسْمَعْتُهُمْ فَلَمَّا قَدِمْتُ مَکَّةَ سَمِعْتُ أَهْلَهَا یَتَحَدَّثُونَ أَنَّ اَلضَّحَّاکَ بْنَ قَیْسٍ أَغَارَ عَلَی اَلْحِیرَةِ فَاحْتَمَلَ مِنْ أَمْوَالِهَا مَا شَاءَ ثُمَّ انْکَفَأَ رَاجِعاً سَالِماً فَأُفٍّ لِحَیَاةٍ فِی دَهْرٍ جَرَّأَ عَلَیْکَ اَلضَّحَّاکُ وَ مَا اَلضَّحَّاکُ فَقْعٌ بِقَرْقَرٍ (1) وَ قَدْ تَوَهَّمْتُ حَیْثُ بَلَغَنِی ذَلِکَ أَنَّ شِیعَتَکَ وَ أَنْصَارَکَ خَذَلُوکَ فَاکْتُبْ إِلَیَّ یَا ابْنَ أُمِّی بِرَأْیِکَ فَإِنْ کُنْتَ الْمَوْتَ تُرِیدُ تَحَمَّلْتُ إِلَیْکَ بِبَنِی أَخِیکَ

ص :118

وَ وُلْدِ أَبِیکَ فَعِشْنَا مَعَکَ مَا عِشْتَ وَ مِتْنَا مَعَکَ إِذَا مِتَّ فَوَ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَبْقَی فِی الدُّنْیَا بَعْدَکَ فُوَاقاً.

وَ أُقْسِمُ بِالْأَعَزِّ الْأَجَلِّ أَنَّ عَیْشاً نَعِیشُهُ بَعْدَکَ فِی الْحَیَاةِ لَغَیْرُ هَنِیْءٍ وَ لاَ مَرِیءٍ وَ لاَ نَجِیعٍ وَ السَّلاَمُ عَلَیْکَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ (1) فَکَتَبَ إِلَیْهِ ع مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی عَقِیلِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ سَلاَمُ اللَّهِ عَلَیْکَ فَإِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْکَ اللَّهَ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ کَلَأَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکَ کَلاَءَةَ مَنْ یَخْشَاهُ بِالْغَیْبِ إِنَّهُ حَمِیدٌ مَجِیدٌ قَدْ وَصَلَ إِلَیَّ کِتَابُکَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَیْدٍ الْأَزْدِیِّ تَذْکُرُ فِیهِ أَنَّکَ لَقِیتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ مُقْبِلاً مِنْ قُدَیْدٍ (2) فِی نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِینَ فَارِساً مِنْ أَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ مُتَوَجِّهِینَ إِلَی جِهَةِ الْغَرْبِ وَ أَنَّ اِبْنَ أَبِی سَرْحٍ طَالَ مَا کَادَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ کِتَابَهُ وَ صَدَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَ بَغَاهَا عِوَجاً فَدَعْ اِبْنَ أَبِی سَرْحٍ وَ دَعْ عَنْکَ قُرَیْشاً وَ خَلِّهِمْ وَ تَرْکَاضَهُمْ فِی الضَّلاَلِ وَ تَجْوَالَهُمْ فِی الشِّقَاقِ أَلاَ وَ إِنَّ اَلْعَرَبَ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَی حَرْبِ أَخِیکَ الْیَوْمَ إِجْمَاعَهَا عَلَی حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ ص قَبْلَ الْیَوْمِ فَأَصْبَحُوا قَدْ جَهِلُوا حَقَّهُ وَ جَحَدُوا فَضْلَهُ وَ بَادَرُوهُ الْعَدَاوَةَ وَ نَصَبُوا لَهُ الْحَرْبَ وَ جَهَدُوا عَلَیْهِ کُلَّ الْجَهْدِ وَ جَرُّوا إِلَیْهِ جَیْشَ اَلْأَحْزَابِ اللَّهُمَّ فَاجْزِ قُرَیْشاً عَنِّی الْجَوَازِیَ (3) فَقَدْ قَطَعَتْ رَحِمِی وَ تَظَاهَرَتْ عَلَیَّ وَ دَفَعَتْنِی عَنْ حَقِّی وَ سَلَبَتْنِی سُلْطَانَ ابْنِ أُمِّی وَ سَلَّمَتْ ذَلِکَ إِلَی مَنْ لَیْسَ مِثْلِی فِی قَرَابَتِی مِنَ اَلرَّسُولِ وَ سَابِقَتِی فِی اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ أَنْ یَدَّعِیَ مُدَّعٍ مَا لاَ أَعْرِفُهُ وَ لاَ أَظُنُّ اللَّهَ یَعْرِفُهُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَی کُلِّ حَالٍ فَأَمَّا مَا ذَکَرْتَهُ مِنْ غَارَةِ اَلضَّحَّاکِ عَلَی أَهْلِ اَلْحِیرَةِ فَهُوَ أَقَلُّ وَ أَزَلُّ مِنْ أَنْ یَلُمَّ بِهَا

ص :119

أَوْ یَدْنُوَ مِنْهَا وَ لَکِنَّهُ قَدْ کَانَ أَقْبَلَ فِی جَرِیدَةِ خَیْلٍ فَأَخَذَ عَلَی اَلسَّمَاوَةِ حَتَّی مَرَّ بِوَاقِصَةَ (1) وَ شَرَافَ (2) وَ اَلْقُطْقُطَانَةِ مِمَّا وَالَی ذَلِکَ الصُّقْعَ فَوَجَّهْتُ إِلَیْهِ جُنْداً کَثِیفاً مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِکَ فَرَّ هَارِباً فَاتَّبَعُوهُ فَلَحِقُوهُ بِبَعْضِ الطَّرِیقِ وَ قَدْ أَمْعَنَ وَ کَانَ ذَلِکَ حِینَ طَفَّلَتِ (3) الشَّمْسُ لِلْإِیَابِ فَتَنَاوَشُوا الْقِتَالَ قَلِیلاً کَلاَ وَ لاَ (4) فَلَمْ یَصْبِرْ لِوَقْعِ الْمَشْرَفِیَّةِ (5) وَ وَلَّی هَارِباً وَ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً وَ نَجَا جَرِیضاً (6) بَعْدَ مَا أُخِذَ مِنْهُ بِالْمُخَنَّقِ فَلَأْیاً بِلَأْیٍ مَا نَجَا فَأَمَّا مَا سَأَلْتَنِی أَنْ أَکْتُبَ لَکَ بِرَأْیِی فِیمَا أَنَا فِیهِ فَإِنَّ رَأْیِی جِهَادُ الْمُحِلِّینَ حَتَّی أَلْقَی اللَّهَ لاَ یَزِیدُنِی کَثْرَةُ النَّاسِ مَعِی عِزَّةً وَ لاَ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّی وَحْشَةً لِأَنَّنِی مُحِقٌّ وَ اللَّهِ مَعَ الْمُحِقِّ وَ وَ اللَّهِ مَا أَکْرَهُ الْمَوْتَ عَلَی الْحَقِّ وَ مَا الْخَیْرُ کُلُّهُ إِلاَّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِمَنْ کَانَ مُحِقّاً وَ أَمَّا مَا عَرَضْتَ بِهِ مِنْ مَسِیرِکَ إِلَیَّ بِبَنِیکَ وَ بَنِی أَبِیکَ فَلاَ حَاجَةَ لِی فِی ذَلِکَ فَأَقِمْ رَاشِداً مَحْمُوداً فَوَ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَهْلِکُوا مَعِی إِنْ هَلَکْتُ وَ لاَ تَحْسَبَنَّ ابْنَ أُمِّکَ وَ لَوْ أَسْلَمَهُ النَّاسُ مُتَخَشِّعاً وَ لاَ مُتَضَرِّعاً إِنَّهُ لَکَمَا قَالَ أَخُو بَنِی سُلَیْمٍ (7) فَإِنْ تَسْأَلِینِی کَیْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِی

.

261

قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ هِلاَلٍ الثَّقَفِیُّ وَ ذَکَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مِخْنَفٍ أَنَّهُ سَمِعَ اَلضَّحَّاکَ بْنَ قَیْسٍ بَعْدَ ذَلِکَ بِزَمَانٍ یَخْطُبُ عَلَی مِنْبَرِ اَلْکُوفَةِ وَ قَدْ کَانَ بَلَغَهُ أَنَّ قَوْماً مِنْ أَهْلِهَا یَشْتِمُونَ عُثْمَانَ

ص :120

وَ یَبْرَءُونَ مِنْهُ قَالَ فَسَمِعْتُهُ یَقُولُ بَلَغَنِی أَنَّ رِجَالاً مِنْکُمْ ضُلاَّلاً یَشْتِمُونَ أَئِمَّةَ الْهُدَی وَ یَعِیبُونَ أَسْلاَفَنَا الصَّالِحِینَ أَمَا وَ الَّذِی لَیْسَ لَهُ نِدٌّ وَ لاَ شَرِیکٌّ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عَمَّا یَبْلُغُنِی عَنْکُمْ لَأَضَعَنَّ فِیکُمْ سَیْفَ زِیَادٍ ثُمَّ لاَ تَجِدُونَنِی ضَعِیفَ السَّوْرَةِ (1) وَ لاَ کَلِیلَ الشَّفْرَةِ أَمَا إِنِّی لَصَاحِبُکُمُ الَّذِی أَغَرْتُ عَلَی بِلاَدِکُمْ فَکُنْتُ أَوَّلَ مَنْ غَزَاهَا فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ شَرِبَ مِنْ مَاءِ اَلثَّعْلَبِیَّةِ وَ مِنْ شَاطِئِ اَلْفُرَاتِ أُعَاقِبُ مَنْ شِئْتُ وَ أَعْفُو عَمَّنْ شِئْتُ لَقَدْ ذَعَرْتُ الْمُخَدَّرَاتِ (2) فِی خُدُورِهِنَّ وَ إِنْ کَانَتِ الْمَرْأَةُ لَیَبْکِی ابْنُهَا فَلاَ تُرْهِبُهُ وَ لاَ تُسْکِتُهُ إِلاَّ بِذِکْرِ اسْمِی فَاتَّقُوا اللَّهَ یَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ أَنَا اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ أَنَا أَبُو أُنَیْسٍ أَنَا قَاتِلُ عَمْرِو بْنِ عُمَیْسٍ فَقَامَ إِلَیْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَیْدٍ فَقَالَ صَدَقَ الْأَمِیرُ وَ أَحْسَنَ الْقَوْلَ مَا أَعْرَفَنَا وَ اللَّهِ بِمَا ذَکَرْتَ وَ لَقَدْ لَقِینَاکَ بِغَرْبِیِّ تَدْمُرَ فَوَجَدْنَاکَ شُجَاعاً مُجَرَّباً صَبُوراً ثُمَّ جَلَسَ وَ قَالَ أَ یَفْخَرُ عَلَیْنَا بِمَا صَنَعَ بِبِلاَدِنَا أَوَّلَ مَا قَدِمَ وَ أَیْمُ اللَّهِ لَأَذْکُرَنَّهُ أَبْغَضَ مَوَاطِنِهِ إِلَیْهِ قَالَ فَسَکَتَ اَلضَّحَّاکُ قَلِیلاً وَ کَأَنَّهُ خَزِیَ وَ اسْتَحْیَا ثُمَّ قَالَ نَعَمْ کَانَ ذَلِکَ الْیَوْمُ فَأَخَذَهُ بِکَلاَمٍ ثَقِیلٍ ثُمَّ نَزَلَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مِخْنَفٍ فَقُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَیْدِ أَوْ قِیلَ لَهُ لَقَدِ اجْتَرَأْتَ حِینَ تَذْکُرُهُ هَذَا الْیَوْمَ وَ تُخْبِرُهُ أَنَّکَ کُنْتَ فِیمَنْ لَقِیَهُ فَقَالَ لَنْ یُصِیبَنٰا إِلاّٰ مٰا کَتَبَ اللّٰهُ لَنٰا .

قَالَ وَ سَأَلَ اَلضَّحَّاکُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُبَیْدِ حِینَ قَدِمَ اَلْکُوفَةَ فَقَالَ لَقَدْ رَأَیْتُ مِنْکُمْ بِغَرْبِیِّ تَدْمُرَ رَجُلاً مَا کُنْتُ أَرَی أَنَّ فِی النَّاسِ مِثْلَهُ حَمَلَ عَلَیْنَا فَمَا کَذَبَ حَتَّی ضَرَبَ الْکَتِیبَةَ الَّتِی أَنَا فِیهَا فَلَمَّا ذَهَبَ لِیُوَلِّیَ حَمَلْتُ عَلَیْهِ فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ ثُمَّ قَامَ

ص :121

فَلَمْ یَضُرَّهُ شَیْئاً ثُمَّ لَمْ یَلْبَثْ أَنْ حَمَلَ عَلَیْنَا فِی الْکَتِیبَةِ الَّتِی أَنَا فِیهَا فَصَرَعَ رَجُلاً ثُمَّ ذَهَبَ لِیَنْصَرِفَ فَحَمَلْتُ عَلَیْهِ فَضَرَبْتُهُ عَلَی رَأْسِهِ بِالسَّیْفِ فَخُیِّلَ إِلَیَّ أَنَّ سَیْفِی قَدْ ثَبَتَ فِی عَظْمِ رَأْسِهِ فَضَرَبَنِی فَوَ اللَّهِ مَا صَنَعَ سَیْفُهُ شَیْئاً ثُمَّ ذَهَبَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ لَنْ یَعُودَ فَوَ اللَّهِ مَا رَاعَنِی إِلاَّ وَ قَدْ عَصَّبَ رَأْسَهُ بِعِمَامَةٍ ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَنَا فَقُلْتُ ثَکِلَتْکَ أُمُّکَ أَ مَا نَهَتْکَ الْأُولَیَانِ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَیْنَا قَالَ إِنَّهُمَا لَمْ تَنْهَیَانِی إِنَّمَا أَحْتَسِبُ هَذَا فِی سَبِیلِ اللَّهِ ثُمَّ حَمَلَ لِیَطْعَنَنِی فَطَعَنْتُهُ وَ حَمَلَ أَصْحَابُهُ عَلَیْنَا فَانْفَصَلْنَا وَ حَالَ اللَّیْلُ بَیْنَنَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا یَوْمٌ شَهِدَهُ هَذَا یَعْنِی رَبِیعَةَ بْنَ مَاجِدٍ وَ هُوَ فَارِسُ الْحَیِّ وَ مَا أَظُنُّهُ یَخْفَی أَمْرُ هَذَا الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ أَ تَعْرِفُهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَنْ هُوَ قَالَ أَنَا قَالَ فَأَرِنِی الضَّرْبَةَ الَّتِی بِرَأْسِکَ فَأَرَاهُ فَإِذَا هِیَ ضَرْبَةٌ قَدْ بَرَتِ الْعَظْمَ مُنْکَرَةً فَقَالَ لَهُ فَمَا رَأْیُکَ الْیَوْمَ أَ هُوَ کَرَأْیِکَ یَوْمَئِذٍ قَالَ رَأْیِی الْیَوْمَ رَأْیُ الْجَمَاعَةِ قَالَ فَمَا عَلَیْکُمْ مِنْ بَأْسٍ أَنْتُمْ آمِنُونَ مَا لَمْ تُظْهِرُوا خِلاَفاً وَ لَکِنَّ الْعَجَبَ کَیْفَ نَجَوْتَ مِنْ زِیَادٍ لَمْ یَقْتُلْکَ فِیمَنْ قَتَلَ أَوْ یُسَیِّرُکَ فِیمَنْ سَیَّرَ فَقَالَ أَمَّا التَّسْیِیرُ فَقَدْ سَیَّرَنِی وَ أَمَّا الْقَتْلُ فَقَدْ عَافَانَا اللَّهُ مِنْهُ.قَالَ إِبْرَاهِیمُ الثَّقَفِیُّ وَ أَصَابَ اَلضَّحَّاکَ فِی هَرْبِهِ مِنْ حُجْرٍ عَطَشٌ شَدِیدٌ وَ ذَلِکَ لِأَنَّ الْجَمَلَ الَّذِی کَانَ عَلَیْهِ مَاؤُهُ ضَلَّ فَعَطِشَ وَ خَفَقَ بِرَأْسِهِ خَفْقَتَیْنِ لِنُعَاسٍ أَصَابَهُ فَتَرَکَ الطَّرِیقَ وَ انْتَبَهَ وَ لَیْسَ مَعَهُ إِلاَّ نَفَرٌ یَسِیرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ لَیْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ مَعَهُ مَاءٌ فَبَعَثَ رِجَالاً مِنْهُمْ فِی جَانِبٍ یَلْتَمِسُونَ الْمَاءَ وَ لاَ أَنِیسَ فَکَانَ اَلضَّحَّاکُ بَعْدَ ذَلِکَ یَحْکِی قَالَ فَرَأَیْتُ جَادَّةً فَلَزِمْتُهَا فَسَمِعْتُ قَائِلاً یَقُولُ دَعَانِی الْهَوَی فَازْدَدْتُ شَوْقاً وَ رُبَّمَا

ص :122

فَإِنْ أَکُ قَدْ أَحْبَبْتُکُمْ وَ رَأَیْتُکُمْ

فَإِنِّی بِدَارِی عَامِرٍ لَغَرِیبٌ.

قَالَ وَ أَشْرَفَ عَلَیَّ رَجُلٌ فَقُلْتُ یَا عَبْدَ اللَّهِ اسْقِنِی مَاءً فَقَالَ لاَ وَ اللَّهِ حَتَّی تُعْطِیَنِی ثَمَنَهُ قُلْتُ وَ مَا ثَمَنُهُ قَالَ دِیَتُکَ قُلْتُ أَ مَا تَرَی عَلَیْکَ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَقْرِیَ الضَّیْفَ فَتُطْعِمَهُ وَ تَسْقِیَهُ قَالَ رُبَّمَا فَعَلْنَا وَ رُبَّمَا بَخِلْنَا قَالَ فَقُلْتُ وَ اللَّهِ مَا أَرَاکَ فَعَلْتَ خَیْراً قَطُّ اسْقِنِی قَالَ مَا أُطِیقُ قُلْتُ فَإِنِّی أُحْسِنُ إِلَیْکَ وَ أَکْسُوکَ قَالَ لاَ وَ اللَّهِ لاَ أَنْقُصُ شَرْبَةً مِنْ مِائَةِ دِینَارٍ فَقُلْتُ لَهُ وَیْحَکَ اسْقِنِی فَقَالَ وَیْحَکَ أَعْطِنِی قُلْتُ لاَ وَ اللَّهِ مَا هِیَ مَعِی وَ لَکِنَّکَ تَسْقِینِی ثُمَّ تَنْطَلِقُ مَعِی أُعْطِیکَهَا قَالَ لاَ وَ اللَّهِ قُلْتُ اسْقِنِی وَ أُرْهِنُکَ فَرَسِی حَتَّی أُوفِیَکَهَا قَالَ نَعَمْ ثُمَّ خَرَجَ بَیْنَ یَدَیَّ وَ اتَّبَعْتُهُ فَأَشْرَفْنَا عَلَی أَخْبِیَةٍ وَ نَاسٍ عَلَی مَاءٍ فَقَالَ لِی مَکَانَکَ حَتَّی آتِیَکَ فَقُلْتُ بَلْ أَجِیءُ مَعَکَ قَالَ وَ سَاءَهُ حَیْثُ رَأَیْتُ النَّاسَ وَ الْمَاءَ فَذَهَبَ یَشْتَدُّ حَتَّی دَخَلَ بَیْتاً ثُمَّ جَاءَ بِمَاءٍ فِی إِنَاءٍ فَقَالَ اشْرِبْ فَقُلْتُ لاَ حَاجَةَ لِی فِیهِ ثُمَّ دَنَوْتُ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ اسْقُونِی مَاءً فَقَالَ شَیْخٌ لاِبْنَتِهِ اسْقِیهِ فَقَامَتِ ابْنَتُهُ فَجَاءَتْ بِمَاءٍ وَ لَبَنٍ فَقَالَ ذَلِکَ الرَّجُلُ نَجَّیْتُکَ مِنَ الْعَطَشِ وَ تَذْهَبُ بِحَقِّی وَ اللَّهِ لاَ أُفَارِقُکَ حَتَّی أَسْتَوْفِیَ مِنْکَ حَقِّی فَقُلْتُ اجْلِسْ حَتَّی أُوفِیَکَ فَجَلَسَ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُ الْمَاءَ وَ اللَّبَنَ مِنْ یَدِ الْفَتَاةِ فَشَرِبْتُ وَ اجْتَمَعَ إِلَیَّ أَهْلُ الْمَاءِ فَقُلْتُ لَهُمْ هَذَا أَلْأَمُ النَّاسِ فَعَلَ بِی کَذَا وَ کَذَا وَ هَذَا الشَّیْخُ خَیْرٌ مِنْهُ وَ أَسْدَی اسْتَسْقَیْتُهُ فَلَمْ یُکَلِّمْنِی وَ أَمَرَ ابْنَتَهُ فَسَقَتْنِی وَ هُوَ الْآنَ یَلْزَمُنِی بِمِائَةِ دِینَارٍ فَشَتَمَهُ أَهْلُ الْحَیِّ وَ وَقَعُوا بِهِ وَ لَمْ یَکُنْ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ لَحِقَنِی قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِی فَسَلَّمُوا عَلَیَّ بِالْإِمْرَةِ فَارْتَابَ الرَّجُلُ وَ جَزَعَ وَ ذَهَبَ یُرِیدُ أَنْ یَقُومَ فَقُلْتُ وَ اللَّهِ لاَ تَبْرَحُ حَتَّی أُوفِیَکَ الْمِائَةَ فَجَلَسَ مَا یَدْرِی مَا الَّذِی أُرِیدُ بِهِ فَلَمَّا کَثُرَ جُنْدِی عِنْدِی سَرَّحْتُ إِلَی ثَقَلِی (1) فَأَتَیْتُ بِهِ ثُمَّ أَمَرْتُ بِالرَّجُلِ فَجُلِدَ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ دَعَوْتُ الشَّیْخَ وَ ابْنَتَهُ فَأَمَرْتُ لَهُمَا بِمِائَةِ دِینَارٍ وَ کَسَوْتُهُمَا وَ کَسَوْتُ أَهْلَ الْمَاءِ

ص :123

ثَوْباً ثَوْباً وَ حَرَمْتُهُ فَقَالَ أَهْلُ الْمَاءِ کَانَ أَیُّهَا الْأَمِیرُ أَهْلاً لِذَلِکَ وَ کُنْتَ لِمَا أَتَیْتَ مِنْ خَیْرٍ أَهْلاً.

فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ حَدَّثْتُهُ عَجِبَ وَ قَالَ لَقَدْ رَأَیْتَ فِی سَفَرِکَ هَذَا عَجَباً.

وَ یَذْکُرُ أَهْلُ النَّسَبِ أَنَّ قَیْساً أَبَا اَلضَّحَّاکِ بْنِ قَیْسٍ کَانَ یَبِیعُ عَسْبَ الْفُحُولِ (1) فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ .

262

1,2- وَ رَوَوْا أَنَّ عَقِیلاً رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی قَدِمَ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَوَجَدَهُ جَالِساً فِی صَحْنِ الْمَسْجِدِ بِالْکُوفَةِ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ وَ کَانَ عَقِیلٌ قَدْ کُفَّ بَصَرُهُ فَقَالَ وَ عَلَیْکَ السَّلاَمُ یَا أَبَا یَزِیدَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی ابْنِهِ اَلْحَسَنِ ع فَقَالَ قُمْ فَأَنْزِلْ عَمَّکَ فَقَامَ فَأَنْزَلَهُ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ اِذْهَبْ فَاشْتَرِ لِعَمِّکَ قَمِیصاً جَدِیداً وَ رِدَاءً جَدِیداً وَ إِزَاراً جَدِیداً وَ نَعْلاً جَدِیداً فَذَهَبَ فَاشْتَرَی لَهُ فَغَدَا عَقِیلٌ عَلَی عَلِیٍّ ع فِی الثِّیَابِ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ وَ عَلَیْکَ السَّلاَمُ یَا أَبَا یَزِیدَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا أَرَاکَ أَصَبْتَ مِنَ الدُّنْیَا شَیْئاً وَ إِنِّی لاَ تَرْضَی نَفْسِی مِنْ خِلاَفَتِکَ بِمَا رَضِیتَ بِهِ لِنَفْسِکَ فَقَالَ یَا أَبَا یَزِیدَ یَخْرُجُ عَطَائِی فَأَدْفَعُهُ إِلَیْکَ .

فَلَمَّا ارْتَحَلَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع أَتَی مُعَاوِیَةَ فَنُصِبَتْ لَهُ کَرَاسِیُّهُ وَ أَجْلَسَ جُلَسَاءَهُ حَوْلَهُ فَلَمَّا وَرَدَ عَلَیْهِ أَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَقَبَضَهَا ثُمَّ غَدَا عَلَیْهِ یَوْماً بَعْدَ ذَلِکَ وَ بَعْدَ وَفَاةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ بَیْعَةِ اَلْحَسَنِ لِمُعَاوِیَةَ وَ جُلَسَاءُ مُعَاوِیَةَ حَوْلَهُ فَقَالَ یَا أَبَا یَزِیدَ أَخْبِرْنِی عَنْ عَسْکَرِی وَ عَسْکَرِ أَخِیکَ فَقَدْ وَرَدْتَ عَلَیْهِمَا قَالَ أُخْبِرُکَ مَرَرْتُ وَ اللَّهِ

ص :124

بِعَسْکَرِ أَخِی فَإِذَا لَیْلٌ کَلَیْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ نَهَارٌ کَنَهَارِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلاَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَیْسَ فِی الْقَوْمِ مَا رَأَیْتُ إِلاَّ مُصَلِّیاً وَ لاَ سَمِعْتُ إِلاَّ قَارِئاً وَ مَرَرْتُ بِعَسْکَرِکَ فَاسْتَقْبَلَنِی قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِینَ مِمَّنْ نَفَرَ بِرَسُولِ اللَّهِ لَیْلَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ قَالَ مَنْ هَذَا عَنْ یَمِینِکَ یَا مُعَاوِیَةُ قَالَ هَذَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ هَذَا الَّذِی اخْتَصَمَ فِیهِ سِتَّةُ نَفَرٍ فَغَلَبَ عَلَیْهِ جَزَّارُ قُرَیْشٍ فَمَنِ الْآخَرُ قَالَ اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ الْفِهْرِیُّ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ کَانَ أَبُوهُ جَیِّدَ الْأَخْذِ لِعَسْبِ التُّیُوسِ فَمَنْ هَذَا الْآخَرُ قَالَ أَبُو مُوسَی الْأَشْعَرِیُّ قَالَ هَذَا ابْنُ السَّرَّاقَةِ فَلَمَّا رَأَی مُعَاوِیَةُ أَنَّهُ قَدْ أَغْضَبَ جُلَسَاءَهُ عَلِمَ أَنَّهُ إِنِ اسْتَخْبَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ فِیهِ سُوءاً فَأَحَبَّ أَنْ یَسْأَلَهُ لِیَقُولَ فِیهِ مَا یَعْلَمُهُ مِنَ السُّوءِ فَیَذْهَبَ بِذَلِکَ غَضَبُ جُلَسَائِهِ قَالَ یَا أَبَا یَزِیدَ فَمَا تَقُولُ فِیَّ قَالَ دَعْنِی مِنْ هَذَا قَالَ لَتَقُولَنَّ قَالَ أَ تَعْرِفُ حَمَامَةَ قَالَ وَ مَنْ حَمَامَةُ یَا أَبَا یَزِیدَ قَالَ قَدْ أَخْبَرْتُکَ ثُمَّ قَامَ فَمَضَی فَأَرْسَلَ مُعَاوِیَةُ إِلَی النَّسَّابَةِ فَدَعَاهُ فَقَالَ مَنْ حَمَامَةُ قَالَ وَ لِیَ الْأَمَانُ قَالَ نَعَمْ قَالَ حَمَامَةُ جَدَّتُکَ أُمُّ أَبِی سُفْیَانَ کَانَتْ بَغَیّاً فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ صَاحِبَةَ رَایَةٍ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ لِجُلَسَائِهِ قَدْ سَاوَیْتُکُمْ وَ زِدْتُ عَلَیْکُمْ فَلاَ تَغْضَبُوا

.

ص :125

إذا لم یغلب علی ظنّ الناهی عن المنکر أن نهیه لا یؤثر فإن غلب علی ظنه أن نهیه لا یؤثر قبح إنکار المنکر لأنّه إن کان الغرض تعریف فاعل القبیح قبح ما أقدم علیه فذلک حاصل من دون الإنکار و إن کان الغرض ألا یقع المنکر فذلک غیر حاصل لأنّه قد غلب علی ظنه أن نهیه و إنکاره لا یؤثر و لذلک لا یحسن من الإنسان الإنکار علی أصحاب المآصر (1) ما هم علیه من أخذ المکوس لما غلب علی الظنّ أن الإنکار لا یؤثر و هذا یقتضی أن یکون أمیر المؤمنین ع قد غلب علی ظنه أن إنکاره لا یؤثر فلذلک لم ینکر.

و لأجل اشتباه هذا الکلام علی السامعین قال کعب بن جعیل شاعر أهل الشام الأبیات التی منها (2) أری الشام تکره أهل العراق

ص :127

و کل یسر بما عنده

و هذا شعر خبیث منکر و مقصد عمیق و ما قال هذا الشعر إلاّ بعد أن نقل إلی أهل الشام کلام کثیر لأمیر المؤمنین ع فی عثمان یجری هذا المجری نحو قوله ما سرنی و لا ساءنی

263

1- وَ قِیلَ لَهُ أَ رَضِیتَ بِقَتْلِهِ فَقَالَ لَمْ أَرْضَ فَقِیلَ لَهُ أَ سَخِطْتَ قَتْلَهُ فَقَالَ لَمْ أَسْخَطْ .

264

وَ قَوْلُهُ تَارَةً اللَّهُ قَتَلَهُ وَ أَنَا مَعَهُ.

265

وَ قَوْلُهُ تَارَةً أُخْرَی مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَ لاَ مَالَأْتُ فِی قَتْلِهِ.

266

وَ قَوْلُهُ تَارَةً أُخْرَی کُنْتُ رَجُلاً مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ أُورِدْتُ إِذْ أُورِدُوا وَ أُصْدِرْتُ إِذْ أُصْدِرُوا.

و لکل شیء من کلامه إذا صح عنه تأویل یعرفه أولو الألباب .

فأما قوله غیر أن من نصره فکلام معناه أن خاذلیه کانوا خیرا من ناصریه لأن الذین نصروه کان أکثرهم فساقا کمروان بن الحکم و أضرابه و خذله المهاجرون و الأنصار .

فأما قوله و أنا جامع لکم أمره إلی آخر الفصل فمعناه أنّه فعل ما لا یجوز و فعلتم ما لا یجوز أما هو فاستأثر فأساء الأثرة أی استبد بالأمور فأساء فی الاستبداد و أمّا أنتم فجزعتم ممّا فعل أی حزنتم فأسأتم الجزع لأنکم قتلتموه و قد کان الواجب علیه أن

ص :128

یرجع عن استئثاره و کان الواجب علیکم ألا تجعلوا جزاءه عما أذنب القتل بل الخلع و الحبس و ترتیب غیره فی الإمامة.

ثمّ قال و لله حکم سیحکم به فیه و فیکم

قَدْ هَمُّوا بِإِثَارَةِ الْفِتْنَةِ وَ قَدْ سَیَّرْتُهُمْ إِلَیْکَ فَانْهَهُمْ فَإِنْ آنَسْتَ مِنْهُمْ رُشْداً فَأَحْسِنْ إِلَیْهِمْ وَ ارْدُدْهُمْ إِلَی بِلاَدِهِمْ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَی مُعَاوِیَةَ وَ کَانُوا اَلْأَشْتَرُ وَ مَالِکُ بْنُ کَعْبٍ الْأَرْحَبِیُّ وَ اَلْأَسْوَدُ بْنُ یَزِیدَ النَّخَعِیُّ وَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَیْسٍ النَّخَعِیُّ وَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ الْعَبْدِیُّ وَ غَیْرُهُمْ جَمَعَهُمْ یَوْماً وَ قَالَ لَهُمْ إِنَّکُمْ قَوْمٌ مِنَ اَلْعَرَبِ ذَوُو أَسْنَانٍ وَ أَلْسِنَةٍ وَ قَدْ أَدْرَکْتُمْ بِالْإِسْلاَمِ شَرَفاً وَ غَلَبْتُمُ الْأُمَمَ وَ حَوَیْتُمْ مَوَارِیثَهُمْ وَ قَدْ بَلَغَنِی أَنَّکُمْ ذَمَمْتُمْ قُرَیْشاً وَ نَقَمْتُمْ عَلَی الْوُلاَةِ فِیهَا وَ لَوْ لاَ قُرَیْشٌ لَکُنْتُمْ أَذِلَّةً إِنَّ أَئِمَّتَکُمْ لَکُمْ جُنَّةٌ فَلاَ تَفَرَّقُوا عَنْ جُنَّتِکُمْ إِنَّ أَئِمَّتَکُمْ لَیَصْبِرُونَ لَکُمْ عَلَی الْجَوْرِ وَ یَحْتَمِلُونَ مِنْکُمُ (1) الْعِتَابَ وَ اللَّهِ لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَیَبْتَلِیَنَّکُمُ اللَّهُ بِمَنْ یَسُومُکُمُ الْخَسْفَ وَ لاَ یَحْمَدُکُمْ عَلَی الصَّبْرِ ثُمَّ تَکُونُونَ شُرَکَاءَهُمْ فِیمَا جَرَرْتُمْ عَلَی الرَّعِیَّةِ فِی حَیَاتِکُمْ وَ بَعْدَ وَفَاتِکُمْ.

فَقَالَ لَهُ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ أَمَّا قُرَیْشٌ فَإِنَّهَا لَمْ تَکُنْ أَکْثَرَ اَلْعَرَبِ وَ لاَ أَمْنَعَهَا فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ وَ إِنَّ غَیْرَهَا مِنَ اَلْعَرَبِ لَأَکْثَرُ مِنْهَا کَانَ وَ أَمْنَعُ.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنَّکَ لَخَطِیبُ الْقَوْمِ وَ لاَ أَرَی لَکَ عَقْلاً وَ قَدْ عَرَفْتُکُمُ الْآنَ وَ عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِی أَغْرَاکُمْ قِلَّةُ الْعُقُولِ أُعَظِّمُ عَلَیْکُمْ أَمْرَ اَلْإِسْلاَمِ فَتُذَکِّرُنِی اَلْجَاهِلِیَّةَ أَخْزَی اللَّهُ قَوْماً عَظَّمُوا أَمْرَکُمْ فَقِّهُوا عَنِّی وَ لاَ أَظُنُّکُمْ تَفْقَهُونَ إِنَّ قُرَیْشاً لَمْ تُعَزَّ فِی جَاهِلِیَّةٍ وَ لاَ إِسْلاَمٍ إِلاَّ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَمْ تَکُنْ بِأَکْثَرِ اَلْعَرَبِ وَ لاَ أَشَدِّهَا وَ لَکِنَّهُمْ کَانُوا أَکْرَمَهُمْ أَحْسَاباً وَ أَمْحَضَهُمْ (2) أَنْسَاباً وَ أَکْمَلَهُمْ مُرُوءَةً وَ لَمْ یَمْتَنِعُوا فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ وَ النَّاسُ یَأْکُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ بِاللَّهِ فَبَوَّأَهُمْ حَرَماً آمِناً یُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ هَلْ تَعْرِفُونَ عَرَباً أَوْ عَجَماً أَوْ سُوداً أَوْ حُمْراً إِلاَّ وَ قَدْ أَصَابَهُمُ الدَّهْرُ فِی بَلَدِهِمْ وَ حَرَمِهِمْ إِلاَّ مَا کَانَ مِنْ قُرَیْشٍ فَإِنَّهُ لَمْ یَرُدَّهُمْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِکَیْدٍ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ خَدَّهُ الْأَسْفَلَ حَتَّی أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَی أَنْ یَسْتَنْقِذَ مَنْ أَکْرَمَهُ بِاتِّبَاعِ دِینِهِ مِنْ هَوَانِ الدُّنْیَا وَ سُوءِ مَرَدِّ الْآخِرَةِ فَارْتَضَی لِذَلِکَ خَیْرَ

ص :130

خَلْقِهِ ثُمَّ ارْتَضَی لَهُ أَصْحَاباً وَ کَانَ خِیَارُهُمْ قُرَیْشاً ثُمَّ بَنَی هَذَا الْمُلْکَ عَلَیْهِمْ وَ جَعَلَ هَذِهِ الْخِلاَفَةَ فِیهِمْ فَلاَ یَصْلُحُ الْأَمْرُ إِلاَّ بِهِمْ وَ قَدْ کَانَ اللَّهُ یَحُوطُهُمْ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ وَ هُمْ عَلَی کُفْرِهِمْ أَ فَتَرَاهُ لاَ یَحُوطُهُمْ وَ هُمْ عَلَی دِینِهِ أُفٍّ لَکَ وَ لِأَصْحَابِکَ أَمَّا أَنْتَ یَا صَعْصَعَةُ فَإِنَّ قَرْیَتَکَ شَرُّ الْقُرَی أَنْتَنُهَا نَبْتاً وَ أَعْمَقُهَا وَادِیاً وَ أَلْأَمُهَا جِیرَاناً وَ أَعْرَفُهَا بِالشَّرِّ لَمْ یَسْکُنْهَا شَرِیفٌ قَطُّ وَ لاَ وَضِیعٌ إِلاَّ سَبَّ بِهَا نُزَّاعُ الْأُمَمِ وَ عَبِیدُ فَارِسَ وَ أَنْتَ شَرُّ قَوْمِکَ أَ حِینَ أَبْرَزَکَ اَلْإِسْلاَمُ وَ خَلَطَکَ بِالنَّاسِ أَقْبَلْتَ تَبْغِی دِینَ اللَّهِ عِوَجاً وَ تَنْزِعُ إِلَی الْغَوَایَةِ إِنَّهُ لَنْ یَضُرَّ ذَلِکَ قُرَیْشاً وَ لاَ یَضَعُهُمْ وَ لاَ یَمْنَعُهُمْ مِنْ تَأْدِیَةِ مَا عَلَیْهِمْ إِنَّ اَلشَّیْطَانَ عَنْکُمْ لَغَیْرُ غَافِلٍ قَدْ عَرَفَکُمْ بِالشَّرِّ فَأَغْرَاکُمْ بِالنَّاسِ وَ هُوَ صَارِعُکُمْ وَ إِنَّکُمْ لاَ تُدْرِکُونَ بِالشَّرِّ أَمْراً إِلاَّ فُتِحَ عَلَیْکُمْ شَرٌّ مِنْهُ وَ أَخْزَی قَدْ أَذِنْتُ لَکُمْ فَاذْهَبُوا حَیْثُ شِئْتُمْ لاَ یَنْفَعُ اللَّهُ بِکُمْ أَحَداً أَبَداً وَ لاَ یَضُرُّهُ وَ لَسْتُمْ بِرِجَالِ مَنْفَعَةٍ وَ لاَ مَضَرَّةٍ فَإِنْ أَرَدْتُمُ النَّجَاةَ فَالْزَمُوا جَمَاعَتَکُمْ وَ لاَ تُبْطِرَنَّکُمُ النِّعْمَةُ فَإِنَّ الْبَطَرَ لاَ یَجُرُّ خَیْراً اذْهَبُوا حَیْثُ شِئْتُمْ فَسَأَکْتُبُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فِیکُمْ.

وَ کَتَبَ إِلَی عُثْمَانَ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَیَّ قَوْمٌ لَیْسَتْ لَهُمْ عُقُولٌ وَ لاَ أَدْیَانٌ أَضْجَرَهُمُ الْعَدْلُ لاَ یُرِیدُونَ اللَّهَ بِشَیْءٍ وَ لاَ یَتَکَلَّمُونَ بِحُجَّةٍ إِنَّمَا هَمُّهُمُ الْفِتْنَةُ وَ اللَّهُ مُبْتَلِیهِمْ ثُمَّ فَاضِحُهُمْ وَ لَیْسُوا بِالَّذِینَ نَخَافُ نَکَایَتَهُمْ وَ لَیْسُوا بِأَکْثَرَ مِمَّنْ لَهُ شَغَبٌ وَ نَکِیرٌ.

ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ مِنَ اَلشَّامِ (1) .

268

وَ رَوَی أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِیُّ أَنَّهُ کَانَ لَهُمْ مَعَ مُعَاوِیَةَ بِالشَّامِ مَجَالِسُ طَالَتْ فِیهَا الْمُحَاوِرَاتُ وَ الْمُخَاطَبَاتُ بَیْنَهُمْ وَ أَنَّ مُعَاوِیَةَ قَالَ لَهُمْ فِی جُمْلَةِ مَا قَالَهُ إِنَّ قُرَیْشاً قَدْ عَرَفَتْ أَنَّ أَبَا سُفْیَانَ

ص :131

کَانَ أَکْرَمَهَا وَ ابْنَ أَکْرَمِهَا إِلاَّ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِنَبِیِّهِ ص فَإِنَّهُ انْتَجَبَهُ (1) وَ أَکْرَمَهُ وَ لَوْ أَنَّ أَبَا سُفْیَانَ وَلَدَ النَّاسَ کُلَّهُمْ لَکَانُوا حُلَمَاءَ (2) .

فَقَالَ لَهُ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ کَذَبْتَ قَدْ وَلَدَهُمْ خَیْرٌ مِنْ أَبِی سُفْیَانَ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ بِیَدِهِ وَ نَفَخَ فِیهِ مِنْ رُوحِهِ وَ أَمَرَ الْمَلاَئِکَةَ فَسَجَدُوا لَهُ فَکَانَ فِیهِمُ الْبَرُّ وَ الْفَاجِرُ وَ الْکَیِّسُ وَ الْأَحْمَقُ.

قَالَ وَ مِنَ الْمَجَالِسِ الَّتِی دَارَتْ بَیْنَهُمْ أَنَّ مُعَاوِیَةَ قَالَ لَهُمْ أَیُّهَا الْقَوْمُ رُدُّوا خَیْراً أَوْ اسْکُتُوا وَ تَفَکَّرُوا وَ انْظُرُوا فِیمَا یَنْفَعُکُمْ وَ اَلْمُسْلِمِینَ فَاطْلُبُوهُ وَ أَطِیعُونِی.

فَقَالَ لَهُ صَعْصَعَةُ لَسْتَ بِأَهْلِ ذَلِکَ وَ لاَ کَرَامَةَ لَکَ أَنْ تُطَاعَ فِی مَعْصِیَةِ اللَّهِ.

فَقَالَ إِنَّ أَوَّلَ کَلاَمٍ ابْتَدَأْتُ بِهِ أَنْ أَمَرْتُکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ طَاعَةِ رَسُولِهِ وَ أَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِیعاً وَ لاٰ تَفَرَّقُوا .

فَقَالُوا (3) بَلْ أَمَرْتَ بِالْفُرْقَةِ وَ خِلاَفِ مَا جَاءَ بِهِ اَلنَّبِیُّ ص .فَقَالَ إِنْ کُنْتُ فَعَلْتُ فَإِنِّی الْآنَ أَتُوبُ وَ آمُرُکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ وَ لُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَ أَنْ تُوَقِّرُوا أَئِمَّتَکُمْ وَ تُطِیعُوهُمْ.

فَقَالَ صَعْصَعَةُ إِنْ کُنْتَ تُبْتَ فَإِنَّا نَأْمُرُکَ أَنْ تَعْتَزِلَ عَمَلَکَ (4) فَإِنَّ فِی اَلْمُسْلِمِینَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْکَ مِمَّنْ کَانَ أَبُوهُ أَحْسَنَ أَثَراً فِی اَلْإِسْلاَمِ مِنْ أَبِیکَ وَ هُوَ أَحْسَنُ قَدَماً فِی اَلْإِسْلاَمِ مِنْکَ.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنَّ لِی فِی اَلْإِسْلاَمِ لَقَدَماً وَ إِنْ کَانَ غَیْرِی أَحْسَنَ قَدَماً مِنِّی لَکِنَّهُ

ص :132

لَیْسَ فِی زَمَانِی أَحَدٌ أَقْوَی عَلَی مَا أَنَا فِیهِ مِنِّی وَ لَقَدْ رَأَی عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ذَلِکَ فَلَوْ کَانَ غَیْرِی أَقْوَی مِنِّی لَمْ یَکُنْ عِنْدَ عُمَرَ هَوَادَةٌ لِی وَ لاَ لِغَیْرِی وَ لَمْ أُحْدِثْ (1) مَا یَنْبَغِی لَهُ أَنْ أَعْتَزِلَ عَمَلِی فَلَوْ رَأَی ذَلِکَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ لَکَتَبَ إِلَیَّ [بِخَطِّ یَدِهِ]

(2) فَاعْتَزَلْتُ عَمَلَهُ فَمَهْلاً فَإِنَّ فِی دُونِ مَا أَنْتُمْ فِیهِ مَا یَأْمُرُ فِیهِ اَلشَّیْطَانُ وَ یَنْهَی وَ لَعَمْرِی لَوْ کَانَتِ الْأُمُورُ تُقْضَی عَلَی رَأْیِکُمْ وَ أَهْوَائِکُمْ مَا اسْتَقَامَ الْأَمْرُ لِأَهْلِ اَلْإِسْلاَمِ یَوْماً وَ لاَ لَیْلَةً فَعَاوِدُوا الْخَیْرَ وَ قُولُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ ذُو سَطَوَاتِ وَ إِنِّی خَائِفٌ عَلَیْکُمْ أَنْ تَتَتَابَعُوا إِلَی مُطَاوَعَةِ اَلشَّیْطَانِ وَ مَعْصِیَةِ الرَّحْمَنِ فَیُحِلَّکُمْ ذَلِکَ دَارَ الْهُونِ فِی الْعَاجِلِ وَ الْآجِلِ.

فَوَثَبُوا عَلَی مُعَاوِیَةَ فَأَخَذُوا بِرَأْسِهِ وَ لِحْیَتِهِ فَقَالَ مَهْ إِنَّ هَذِهِ لَیْسَتْ بِأَرْضِ اَلْکُوفَةِ وَ اللَّهِ لَوْ رَأَی أَهْلُ اَلشَّامِ مَا صَنَعْتُمْ بِی وَ [أَنَا إِمَامُهُمْ]

(3) مَا مَلَکْتُ أَنْ أَنْهَاهُمْ عَنْکُمْ حَتَّی یَقْتُلُوکُمْ فَلَعَمْرِی إِنَّ صَنِیعَکُمْ یُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً.

ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَ کَتَبَ إِلَی عُثْمَانَ فِی أَمْرِهِمْ فَکَتَبَ إِلَیْهِ أَنْ رُدَّهُمْ إِلَی سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْکُوفَةِ فَرَدَّهُمْ فَأَطْلَقُوا أَلْسِنَتَهُمْ فِی ذَمِّهِ وَ ذَمِّ عُثْمَانَ وَ عَیْبِهِمَا فَکَتَبَ إِلَیْهِ عُثْمَانُ أَنْ یُسَیِّرَهُمْ إِلَی حِمْصٍ إِلَی عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ فَسَیَّرَهُمْ إِلَیْهَا.

ص :133

269

وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ قَالَ لَمَّا سُیِّرَ بِالنَّفَرِ الَّذِینَ طَرَدَهُمْ عُثْمَانُ عَنِ اَلْکُوفَةِ إِلَی حِمْصٍ وَ هُمُ اَلْأَشْتَرُ وَ ثَابِتُ بْنُ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیُّ وَ کُمَیْلُ بْنُ زِیَادٍ النَّخَعِیُّ وَ زَیْدُ بْنُ صُوحَانَ وَ أَخُوهُ صَعْصَعَةُ وَ جُنْدَبُ بْنُ زُهَیْرٍ (1) الْغَامِدِیُّ وَ جُنْدَبُ (2) بْنُ کَعْبٍ الْأَزْدِیُّ وَ عُرْوَةُ بْنُ الْجَعْدِ وَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِیُّ وَ اِبْنُ الْکَوَّاءِ جَمَعَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ بَعْدَ أَنْ أَنْزَلَهُمْ أَیَّاماً وَ فَرَضَ لَهُمْ طَعَاماً ثُمَّ قَالَ لَهُمْ یَا بَنِی اَلشَّیْطَانِ لاَ مَرْحَباً بِکُمْ وَ لاَ أَهْلاً قَدْ رَجَعَ اَلشَّیْطَانُ مَحْسُوراً وَ أَنْتُمْ بَعْدُ فِی بِسَاطِ ضَلاَلِکُمْ وَ غَیِّکُمْ جَزَی اللَّهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِنْ لَمْ یُؤْذِکُمْ یَا مَعْشَرَ مَنْ لاَ أَدْرِی أَ عَرَبٌ هُمْ أَمْ عَجَمٌ أَ تَرَاکُمْ تَقُولُونَ لِی مَا قُلْتُمْ لِمُعَاوِیَةَ أَنَا اِبْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ أَنَا ابْنُ مَنْ عَجَمَتْهُ الْعَاجِمَاتُ أَنَا ابْنُ فَاقِئِ عَیْنِ اَلرِّدَّةِ وَ اللَّهِ یَا اِبْنَ صُوحَانَ لَأَطِیرَنَّ بِکَ طِیَرَةً بَعِیدَةَ الْمَهْوَی إِنْ بَلَغَنِی أَنَّ أَحَداً مِمَّنْ مَعِی دَقَّ أَنْفَکَ فَأَقْنَعْتُ (3) رَأْسَکَ.

قَالَ فَأَقَامُوا عِنْدَهُ شَهْراً کُلَّمَا رَکِبَ أَمْشَاهُمْ مَعَهُ وَ یَقُولُ لِصَعْصَعَةَ یَا ابْنَ الْخَطِیئَةِ إِنَّ مَنْ لَمْ یُصْلِحْهُ الْخَیْرُ أَصْلَحَهُ الشَّرُّ مَا لَکَ لاَ تَقُولُ کَمَا کُنْتَ تَقُولُ لِسَعِیدٍ وَ مُعَاوِیَةَ فَیَقُولُونَ سَنَتُوبُ إِلَی اللَّهِ أَقِلْنَا أَقَالَکَ اللَّهُ فَمَا زَالَ ذَاکَ دَأْبُهُ وَ دَأْبُهُمْ حَتَّی قَالَ تَابَ اللَّهُ عَلَیْکُمْ فَکَتَبَ إِلَی عُثْمَانَ یَسْتَرْضِیهِ عَنْهُمْ وَ یَسْأَلُهُ فِیهِمْ فَرَدَّهُمْ إِلَی اَلْکُوفَةِ .

270

1,14- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی ثُمَّ إِنَّ سَعِیدَ بْنَ الْعَاصِ قَدِمَ عَلَی عُثْمَانَ سَنَةَ إِحْدَی عَشْرَةَ مِنْ خِلاَفَتِهِ فَلَمَّا دَخَلَ اَلْمَدِینَةَ اجْتَمَعَ قَوْمٌ مِنَ اَلصَّحَابَةِ فَذَکَرُوا سَعِیداً وَ أَعْمَالَهُ وَ ذَکَرُوا قَرَابَاتِ عُثْمَانَ وَ مَا سَوَّغَهُمْ مِنْ مَالِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ عَابُوا أَفْعَالَ عُثْمَانَ فَأَرْسَلُوا إِلَیْهِ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ الْقَیْسِ وَ کَانَ مُتَأَلِّهاً (4) وَ اسْمُ أَبِیهِ عَبْدُ اللَّهِ وَ هُوَ مِنْ تَمِیمٍ ثُمَّ مِنْ بَنِی الْعَنْبَرِ فَدَخَلَ عَلَی عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ إِنَّ نَاساً مِنَ اَلصَّحَابَةِ

ص :134

اجْتَمَعُوا وَ نَظَرُوا فِی أَعْمَالِکَ فَوَجَدُوکَ قَدْ رَکِبْتَ أُمُوراً عِظَاماً فَاتَّقِ اللَّهَ وَ تُبْ إِلَیْهِ فَقَالَ عُثْمَانُ انْظُرُوا إِلَی هَذَا تَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّهُ قَارِئٌ ثُمَّ هُوَ یَجِیءُ إِلَیَّ فَیُکَلِّمُنِی فِیمَا لاَ یَعْلَمُهُ وَ اللَّهِ مَا تَدْرِی أَیْنَ اللَّهُ فَقَالَ عَامِرٌ بَلَی وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَدْرِی إِنَّ اللَّهَ لَبِالْمِرْصَادِ (1) .

فَأَخْرَجَهُ عُثْمَانُ وَ أَرْسَلَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَرْحٍ وَ إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ وَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَ کَانَ قَدِ اسْتَقْدَمَ الْأُمَرَاءَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ فَشَاوَرَهُمْ وَ قَالَ إِنَّ لِکُلِّ أَمِیرٍ وُزَرَاءَ وَ نُصَحَاءَ وَ إِنَّکُمْ وُزَرَائِی وَ نُصَحَائِی وَ أَهْلُ ثِقَتِی وَ قَدْ صَنَعَ النَّاسُ مَا قَدْ رَأَیْتُمْ وَ طَلَبُوا إِلَیَّ أَنْ أَعْزِلَ عُمَّالِی وَ أَنْ أَرْجِعَ عَنْ جَمِیعِ مَا یَکْرَهُونَ إِلَی مَا یُحِبُّونَ فَاجْتَهِدُوا رَأْیَکُمْ.

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَرَی لَکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْ تَشْغَلَهُمْ عَنْکَ بِالْجِهَادِ حَتَّی یَذِلُّوا لَکَ وَ لاَ تَکُونَ هِمَّةُ أَحَدِهِمْ إِلاَّ فِی نَفْسِهِ وَ مَا هُوَ فِیهِ مِنْ دَبْرِ دَابَّتِهِ (2) وَ قَمْلِ فَرْوَتِهِ.

وَ قَالَ سَعِیدُ بْنُ الْعَاصِ احْسِمْ عَنْکَ الدَّاءَ وَ اقْطَعْ عَنْکَ الَّذِی تَخَافُ إِنَّ لِکُلِّ قَوْمٍ قَادَةٌ مَتَی یَهْلِکُوا یَتَفَرَّقُوا وَ لاَ یَجْتَمِعُ لَهُمْ أَمْرٌ.

فَقَالَ عُثْمَانُ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الرَّأْیُ لَوْ لاَ مَا فِیهِ وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ أُشِیرُ عَلَیْکَ أَنْ تَأْمُرَ أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ فَیَکْفِیَکَ کُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا قِبَلَهُ فَأَنَا أَکْفِیکَ أَهْلَ اَلشَّامِ .

وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ إِنَّ النَّاسَ أَهْلُ طَمَعٍ فَأَعْطِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ تَعْطِفْ عَلَیْکَ قُلُوبُهُمْ.

فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّکَ قَدْ رَکِبْتَ النَّاسَ (3) بِبَنِی أُمَیَّةَ فَقُلْتَ وَ قَالُوا وَ زِغْتَ وَ زَاغُوا فَاعْتَدِلْ أَوِ اعْتَزِلْ فَإِنْ أَبَیْتَ فَاعْزِمْ عَزْماً وَ امْضِ قُدُماً.

ص :135

فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ مَا لَکَ قَمِلٌ فَرْوُکَ أَ هَذَا بِجِدٍّ (1) مِنْکَ.

فَسَکَتَ عَمْرٌو حَتَّی تَفَرَّقُوا ثُمَّ قَالَ وَ اللَّهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَأَنْتَ أَکْرَمُ عَلَیَّ مِنْ ذَلِکَ وَ لَکِنِّی عَلِمْتُ أَنَّ بِالْبَابِ مَنْ یُبَلِّغُ النَّاسَ قَوْلَ کُلِّ رَجُلٍ مِنَّا فَأَرَدْتُ أَنْ یُبَلِّغَهُمْ قَوْلِی فَیَثِقُوا بِی فَأَقُودُ إِلَیْکَ خَیْراً وَ أَدْفَعُ عَنْکَ شَرّاً.

فَرَدَّ عُثْمَانُ عُمَّالَهُ إِلَی أَعْمَالِهِمْ وَ أَمَرَهُمْ بِتَجْهِیزِ النَّاسِ فِی الْبُعُوثِ وَ عَزَمَ عَلَی أَنْ یُحَرِّمَهُمْ أَعْطَیَاتِهِمْ لِیُطِیعُوهُ وَ رَدَّ سَعِیدَ بْنَ الْعَاصِ إِلَی اَلْکُوفَةِ فَتَلَقَّاهُ أَهْلُهَا بِالْجُرْعَةِ (2) وَ کَانُوا قَدْ کَرِهُوا إِمَارَتَهُ وَ ذَمُّوا سِیرَتَهُ فَقَالُوا لَهُ ارْجِعْ إِلَی صَاحِبِکَ فَلاَ حَاجَةَ لَنَا فِیکَ فَهَمَّ بِأَنْ یَمْضِیَ لِوَجْهِهِ وَ لاَ یَرْجِعَ فَکَثُرَ النَّاسُ عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا هَذَا أَ تَرُدُّ السَّیْلَ عَنْ إِدْرَاجِهِ وَ اللَّهِ لاَ یُسَکِّنُ الْغَوْغَاءَ إِلاَّ الْمَشْرَفِیَّةُ (3) وَ یُوشِکُ أَنْ تُنْتَضَی بَعْدَ الْیَوْمِ ثُمَّ یَتَمَنَّوْنَ مَا هُمُ الْیَوْمَ فِیهِ فَلاَ یُرَدُّ عَلَیْهِمْ فَارْجِعْ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَإِنَّ اَلْکُوفَةَ لَیْسَتْ لَکَ بِدَارٍ.

فَرَجَعَ إِلَی عُثْمَانَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا فَعَلُوا فَأَنْفَذَ أَبَا مُوسَی الْأَشْعَرِیَّ أَمِیراً عَلَی اَلْکُوفَةِ وَ کَتَبَ إِلَیْهِمْ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَرْسَلْتُ إِلَیْکُمْ أَبَا مُوسَی الْأَشْعَرِیَّ أَمِیراً وَ أَعْفَیْتُکُمْ مِنْ سَعِیدٍ وَ وَ اللَّهِ لَأُفَوِّضَنَّکُمْ عِرْضِی وَ لَأَبْذُلَنَّ لَکُمْ صَبْرِی وَ لَأَسْتَصْلِحَنَّکُمْ جُهْدِی فَلاَ تَدَعُوا شَیْئاً أَحْبَبْتُمُوهُ لاَ یُعْصَی اللَّهُ فِیهِ إِلاَّ سَأَلْتُمُوهُ وَ لاَ شَیْئاً کَرِهْتُمُوهُ لاَ یُعْصَی اللَّهُ فِیهِ إِلاَّ اسْتَعْفَیْتُمْ مِنْهُ لِأَکُونَ فِیهِ عِنْدَ مَا أَحْبَبْتُمْ وَ کَرِهْتُمْ حَتَّی لاَ یَکُونَ لَکُمْ عَلَی اللَّهِ حُجَّةٌ وَ اللَّهِ لَنَصْبِرَنَّ کَمَا أُمِرْنَا وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الصَّابِرِینَ.

ص :136

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَ ثَلاَثِینَ تَکَاتَبَ أَعْدَاءُ عُثْمَانَ وَ بَنِی أُمَیَّةَ فِی الْبِلاَدِ وَ حَرَّضَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً عَلَی خَلْعِ عُثْمَانَ عَنِ الْخِلاَفَةِ وَ عَزْلِ عُمَّالِهِ عَنِ الْأَمْصَارِ وَ اتَّصَلَ ذَلِکَ بِعُثْمَانَ فَکَتَبَ إِلَی أَهْلِ الْأَمْصَارِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ رُفِعَ إِلَیَّ أَنَّ أَقْوَاماً مِنْکُمْ یَشْتِمُهُمْ عُمَّالِی وَ یَضْرِبُونَهُمْ فَمَنْ أَصَابَهُ شَیْءٌ مِنْ ذَلِکَ فَلْیُوَافِ اَلْمَوْسِمَ بِمَکَّةَ فَلْیَأْخُذْ بِحَقِّهِ مِنِّی أَوْ مِنْ عُمَّالِی فَإِنِّی قَدِ اسْتَقْدَمْتُهُمْ أَوْ تَصَدَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ یَجْزِی الْمُتَصَدِّقِینَ.

ثُمَّ کَاتَبَ عُمَّالَهُ وَ اسْتَقْدَمَهُمْ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَیْهِ جَمَعَهُمْ وَ قَالَ مَا شِکَایَةُ النَّاسِ مِنْکُمْ إِنِّی لَخَائِفٌ أَنْ تَکُونُوا مَصْدُوقاً عَلَیْکُمْ وَ مَا یُعَصَّبُ هَذَا الْأَمْرُ إِلاَّ بِی فَقَالُوا لَهُ وَ اللَّهِ مَا صَدَقَ مَنْ رَفَعَ إِلَیْکَ وَ لاَ بَرَّ وَ لاَ نَعْلَمُ لِهَذَا الْأَمْرِ أَصْلاً فَقَالَ عُثْمَانُ فَأَشِیرُوا عَلَیَّ فَقَالَ سَعِیدُ بْنُ الْعَاصِ هَذِهِ أُمُورٌ مَصْنُوعَةٌ تَلْقَی فِی السِّرِّ فَیَتَحَدَّثُ بِهَا النَّاسُ وَ دَوَاءُ ذَلِکَ السَّیْفُ.

وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ خُذْ مِنَ النَّاسِ الَّذِی عَلَیْهِمْ إِذَا أَعْطَیْتَهُمُ الَّذِی لَهُمْ.

وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ الرَّأْیُ حُسْنُ الْأَدَبِ.

وَ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَرَی لَکَ أَنْ تَلْزَمَ طَرِیقَ صَاحِبَیْکَ فَتَلِینَ [فِی]

(1) مَوْضِعِ اللِّینِ وَ تَشْتَدَّ [فِی]

(2) مَوْضِعِ الشِّدَّةِ.

فَقَالَ عُثْمَانُ قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتُمْ إِنَّ الْأَمْرَ الَّذِی یُخَافُ عَلَی هَذِهِ الْأُمَّةِ کَائِنٌ لاَ بُدَّ مِنْهُ وَ إِنَّ بَابَهُ الَّذِی یُغْلَقُ عَلَیْهِ لَیُفْتَحَنَّ فَکَفْکِفُوهُمْ (3) بِاللِّینِ وَ الْمُدَارَاةِ إِلاَّ فِی حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنِّی لَمْ آلُ النَّاسَ خَیْراً وَ إِنَّ رَحَی الْفِتْنَةِ لَدَائِرَةٌ فَطُوبَی لِعُثْمَانَ إِنْ مَاتَ وَ لَمْ یُحَرِّکْهَا سَکِّنُوا النَّاسَ وَ هَبُوا لَهُمْ حُقُوقَهُمْ (4) فَإِذَا تُعُوطِیَتْ حُقُوقُ اللَّهِ فَلاَ تُدْهِنُوا فِیهَا (5) .

ص :137

ثُمَّ نَفَرَ فَقَدِمَ اَلْمَدِینَةَ فَدَعَا عَلِیّاً وَ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرَ فَحَضَرُوا وَ عِنْدَهُ مُعَاوِیَةُ فَسَکَتَ عُثْمَانُ وَ لَمْ یَتَکَلَّمْ وَ تَکَلَّمَ مُعَاوِیَةُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ قَالَ أَنْتُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ خِیَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَ وُلاَةُ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لاَ یَطْمَعُ فِیهِ أَحَدٌ غَیْرُکُمْ اخْتَرْتُمْ صَاحِبَکُمْ عَنْ غَیْرِ غَلَبَةٍ وَ لاَ طَمَعٍ وَ قَدْ کَبِرَ (1) وَ وَلَّی عُمُرُهُ فَلَوِ انْتَظَرْتُمْ بِهِ الْهَرَمَ کَانَ قَرِیباً مَعَ أَنِّی أَرْجُو أَنْ یَکُونَ أَکْرَمَ عَلَی اللَّهِ أَنْ یَبْلُغَهُ ذَلِکَ وَ قَدْ فَشَتْ مَقَالَةٌ خِفْتُهَا عَلَیْکُمْ فَمَا عِبْتُمْ فِیهِ مِنْ شَیْءٍ فَهَذِهِ یَدِی لَکُمْ بِهِ رَهْناً (2) فَلاَ تُطْمِعُوا النَّاسَ فِی أَمْرِکُمْ فَوَ اللَّهِ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ لاَ رَأَیْتُمْ أَبَداً مِنْهَا إِلاَّ إِدْبَاراً.

فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَ مَا لَکَ وَ ذَاکَ لاَ أُمَّ لَکَ فَقَالَ دَعْ أُمِّی فَإِنَّهَا لَیْسَتْ بِشَرِّ أُمَّهَاتِکُمْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَ بَایَعَتِ اَلنَّبِیَّ ص وَ أَجِبْنِی عَمَّا أَقُولُ لَکَ.

فَقَالَ عُثْمَانُ صَدَقَ ابْنُ أَخِی أَنَا أُخْبِرُکُمْ عَنِّی وَ عَمَّا وُلِّیتُ أَنَّ صَاحِبَیَّ اللَّذَیْنِ کَانَا قَبْلِی ظَلَمَا أَنْفُسَهُمَا وَ مَنْ کَانَ مِنْهُمَا بِسَبِیلٍ احْتِسَاباً وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص کَانَ یُعْطِی قَرَابَتَهُ وَ أَنَا فِی رَهْطِ أَهْلِ عَیْلَةٍ وَ قِلَّةِ مَعَاشٍ فَبَسَطْتُ یَدِی فِی شَیْءٍ مِنْ ذَلِکَ لِمَا أَقُومُ بِهِ فِیهِ فَإِنْ رَأَیْتُمْ ذَلِکَ خَطَأً فَرُدُّوهُ فَأَمْرِی لِأَمْرِکُمْ تَبَعٌ.

قَالُوا أَصَبْتَ وَ أَحْسَنْتَ إِنَّکَ أَعْطَیْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَالِدِ بْنِ أُسَیْدٍ خَمْسِینَ أَلْفاً وَ أَعْطَیْتَ مَرْوَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً فَاسْتَعِدْهَا مِنْهُمَا فَاسْتَعَادَهَا فَخَرَجُوا رَاضِینَ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ لِعُثْمَانَ اخْرُجْ مَعِی إِلَی اَلشَّامِ فَإِنَّهُمْ عَلَی الطَّاعَةِ

ص :138

قَبْلَ أَنْ یَهْجُمَ عَلَیْکَ مَا لاَ قِبَلَ لَکَ بِهِ فَقَالَ لاَ أَبِیعُ جِوَارَ رَسُولِ اللَّهِ ص بِشَیْءٍ وَ إِنْ کَانَ فِیهِ[ قَطْعُ]

(1) خَیْطِ عُنُقِی قَالَ فَأَبْعَثُ إِلَیْکَ جُنْداً مِنَ اَلشَّامِ یُقِیمُ مَعَکَ لِنَائِبَةٍ إِنْ نَابَتِ اَلْمَدِینَةَ (2) أَوْ إِیَّاکَ فَقَالَ لاَ أُضَیِّقُ عَلَی جِیرَانِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ وَ اللَّهِ لَتُغْتَالَنَّ فَقَالَ حَسْبِیَ اَللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ خَرَجَ مُعَاوِیَةُ مِنْ عِنْدِ عُثْمَانَ فَمَرَّ عَلَی نَفَرٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ فِیهِمْ عَلِیٌّ ع وَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ وَ عَلَی مُعَاوِیَةَ ثِیَابُ سَفَرِهِ وَ هُوَ خَارِجٌ إِلَی اَلشَّامِ فَقَامَ عَلَیْهِمْ فَقَالَ إِنَّکُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ کَانَ النَّاسُ یَتَغَالَبُونَ عَلَیْهِ حَتَّی بَعَثَ اللَّهُ نَبِیَّهُ فَتَفَاضَلُوا بِالسَّابِقَةِ وَ الْقِدْمَةِ وَ الْجِهَادِ فَإِنْ أَخَذُوا بِذَلِکَ فَالْأَمْرُ أَمْرُهُمْ وَ النَّاسُ لَهُمْ تَبَعٌ وَ إِنْ طَلَبُوا الدُّنْیَا بِالتَّغَالُبِ سُلِبُوا ذَلِکَ وَ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَی غَیْرِهِمْ وَ إِنَّ اللَّهَ عَلَی الْبَدَلِ لَقَادِرٌ وَ إِنِّی قَدْ خَلَّفْتُ فِیکُمْ شَیْخَنَا فَاسْتَوْصُوا بِهِ خَیْراً وَ کَانِفُوهُ تَکُونُوا أَسْعَدَ مِنْهُ بِذَلِکَ ثُمَّ وَدَّعَهُمْ وَ مَضَی فَقَالَ عَلِیٌّ ع کُنْتُ أَرَی فِی هَذَا خَیْراً فَقَالَ اَلزُّبَیْرُ وَ اللَّهِ مَا کَانَ أَعْظَمَ قَطُّ فِی صَدْرِکَ وَ صُدُورِنَا مِنْهُ الْیَوْمَ

.

قلت من هذا الیوم أنشب معاویة أظفاره فی الخلافة لأنّه غلب علی ظنه قتل عثمان و رأی أن الشام بیده و أن أهلها یطیعونه و أن له حجة یحتج بها علیهم و یجعلها ذریعة إلی غرضه و هی قتل عثمان إذا قتل و أنّه لیس فی أمراء عثمان أقوی منه و لا أقدر علی تدبیر الجیوش و استمالة العرب فبنی أمره من هذا الیوم علی الطمع فی الخلافة أ لا تری إلی قوله لصعصعة من قبل إنّه لیس أحد أقوی منی علی الإمارة و إن عمر

ص :139

استعملنی و رضی سیرتی أ و لا تری إلی قوله للمهاجرین الأولین إن شرعتم فی أخذها بالتغالب و ملتم علی هذا الشیخ أخرجها اللّه منکم إلی غیرکم و هو علی الاستبدال قادر و إنّما کان یعنی نفسه و هو یکنی عنها و لهذا تربض (1) بنصرة عثمان لما استنصره و لم یبعث إلیه أحدا.

271

1,2- وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی قَالَ لَمَّا أَجْلَبَ النَّاسُ عَلَی عُثْمَانَ وَ کَثُرَتِ الْقَالَةُ فِیهِ خَرَجَ نَاسٌ مِنْ مِصْرَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَیْسٍ الْبَلَوِیُّ وَ کِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ اللَّیْثِیُّ وَ سُودَانُ بْنُ حُمْرَانَ السَّکُونِیُّ وَ قَتِیرَةُ بْنُ وَهْبٍ السَّکْسَکِیُّ وَ عَلَیْهِمْ جَمِیعاً أَبُو حَرْبٍ الْغَافِقِیُّ وَ کَانُوا فِی أَلْفَیْنِ وَ خَرَجَ نَاسٌ مِنَ اَلْکُوفَةِ مِنْهُمْ زَیْدُ بْنُ صُوحَانَ الْعَبْدِیُّ وَ مَالِکٌ الْأَشْتَرُ النَّخَعِیُّ وَ زِیَادُ بْنُ النَّضْرِ الْحَارِثِیُّ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَصَمِّ الْغَامِدِیُّ فِی أَلْفَیْنِ وَ خَرَجَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ مِنْهُمْ حَکِیمُ بْنُ جَبَلَةَ الْعَبْدِیُّ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَائِهِمْ وَ عَلَیْهِمْ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَیْرٍ السَّعْدِیُّ وَ ذَلِکَ فِی شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَ ثَلاَثِینَ وَ أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ یُرِیدُونَ الْحَجَّ فَلَمَّا کَانُوا مِنَ اَلْمَدِینَةِ عَلَی ثَلاَثٍ تَقَدَّمَ أَهْلُ اَلْبَصْرَةِ فَنَزَلُوا ذَا خَشَبٍ (2) وَ کَانَ هَوَاهُمْ فِی طَلْحَةَ وَ تَقَدَّمَ أَهْلُ اَلْکُوفَةِ فَنَزَلُوا اَلْأَعْوَصَ (3) وَ کَانَ هَوَاهُمْ فِی اَلزُّبَیْرِ وَ جَاءَ أَهْلُ مِصْرَ فَنَزَلُوا اَلْمَرْوَةَ (4) وَ کَانَ هَوَاهُمْ فِی عَلِیٍّ ع وَ دَخَلَ نَاسٌ مِنْهُمْ إِلَی اَلْمَدِینَةِ یُخْبِرُونَ مَا فِی قُلُوبِ النَّاسِ لِعُثْمَانَ فَلَقُوا جَمَاعَةً مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ لَقُوا أَزْوَاجَ اَلنَّبِیِّ ص وَ قَالُوا إِنَّمَا نُرِیدُ الْحَجَّ وَ نَسْتَعْفِی مِنْ عُمَّالِنَا.

ثُمَّ لَقِیَ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلْمِصْرِیِّینَ عَلِیّاً ع وَ هُوَ مُتَقَلِّدٌ سَیْفَهُ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّیْتِ (5)

ص :140

فَسَلَّمُوا عَلَیْهِ وَ عَرَضُوا عَلَیْهِ أَمْرَهُمْ فَصَاحَ بِهِمْ وَ طَرَدَهُمْ وَ قَالَ لَقَدْ عَلِمَ الصَّالِحُونَ أَنَّ جَیْشَ اَلْمَرْوَةِ وَ ذِی خُشُبٍ وَ اَلْأَعْوَصِ مَلْعُونُونَ عَلَی لِسَانِ مُحَمَّدٍ ص .فَانْصَرَفُوا عَنْهُ.

وَ أَتَی اَلْبَصْرِیُّونَ طَلْحَةَ فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِکَ وَ أَتَی اَلْکُوفِیُّونَ اَلزُّبَیْرَ فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِکَ فَتَفَرَّقُوا وَ خَرَجُوا عَنِ اَلْمَدِینَةِ إِلَی أَصْحَابِهِمْ.

فَلَمَّا أَمِنَ أَهْلُ اَلْمَدِینَةِ مِنْهُمْ وَ اطْمَأَنُّوا إِلَی رُجُوعِهِمْ لَمْ یَشْعُرُوا إِلاَّ وَ التَّکْبِیرُ فِی نَوَاحِی اَلْمَدِینَةِ وَ قَدْ نَزَلُوهَا وَ أَحَاطُوا بِعُثْمَانَ وَ نَادَی مُنَادِیهِمْ یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ مَنْ کَفَّ یَدَهُ عَنِ الْحَرْبِ فَهُوَ آمِنٌ فَحَصَرُوهُ فِی مَنْزِلِهِ إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ یَمْنَعُوا النَّاسَ مِنْ کَلاَمِهِ وَ لِقَائِهِ فَجَاءَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ سَأَلُوهُمْ مَا شَأْنُهُمْ فَقَالُوا لاَ حَاجَةَ لَنَا فِی هَذَا الرَّجُلِ لِیَعْتَزِلْنَا لِنُوَلِّیَ غَیْرَهُ لَمْ یَزِیدُوهُمْ عَلَی ذَلِکَ.

فَکَتَبَ عُثْمَانُ إِلَی أَهْلِ الْأَمْصَارِ یَسْتَنْجِدُهُمْ وَ یَأْمُرُهُمْ بِتَعْجِیلِ الشُّخُوصِ إِلَیْهِ لِلْمَنْعِ عَنْهُ وَ یُعَرِّفُهُمْ مَا النَّاسُ فِیهِ فَخَرَجَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ عَلَی الصَّعْبِ وَ الذَّلُولِ فَبَعَثَ مُعَاوِیَةُ حَبِیبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِیَّ وَ بَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ مُعَاوِیَةَ بْنَ حُدَیْجٍ وَ خَرَجَ مِنَ اَلْکُوفَةِ اَلْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو بَعَثَهُ أَبُو مُوسَی .

وَ قَامَ بِالْکُوفَةِ نَفَرٌ یُحَرِّضُونَ النَّاسَ عَلَی نَصْرِ عُثْمَانَ وَ إِعَانَةِ أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ مِنْهُمْ عُقْبَةُ بْنُ عُمَرَ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی أَوْفَی وَ حَنْظَلَةُ الْکَاتِبُ وَ کُلُّ هَؤُلاَءِ مِنَ اَلصَّحَابَةِ وَ مِنَ اَلتَّابِعِینَ مَسْرُوقٌ وَ اَلْأَسْوَدُ وَ شُرَیْحٌ وَ غَیْرُهُمْ.

وَ قَامَ بِالْبَصْرَةِ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَیْنِ وَ أَنَسُ بْنُ مَالِکٍ وَ غَیْرُهُمَا مِنَ اَلصَّحَابَةِ وَ مِنَ اَلتَّابِعِینَ کَعْبُ بْنُ سُورٍ (1) وَ هَرِمُ بْنُ حَیَّانَ وَ غَیْرُهُمَا.

ص :141

وَ قَامَ بِالشَّامِ وَ مِصْرَ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلصَّحَابَةِ وَ اَلتَّابِعِینَ .

وَ خَرَجَ عُثْمَانُ یَوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَلَّی بِالنَّاسِ وَ قَامَ عَلَی اَلْمِنْبَرِ فَقَالَ یَا هَؤُلاَءِ اللَّهَ اللَّهَ فَوَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ یَعْلَمُونَ أَنَّکُمْ مَلْعُونُونَ عَلَی لِسَانِ مُحَمَّدٍ ص فَامْحُوا الْخَطَأَ بِالصَّوَابِ.

فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِیُّ فَقَالَ نَعَمْ أَنَا أَعْلَمُ ذَلِکَ فَأَقْعَدَهُ حَکِیمُ بْنُ جَبَلَةَ وَ قَامَ زَیْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَقْعَدَهُ قَتِیرَةُ بْنُ وَهْبٍ وَ ثَارَ الْقَوْمُ فَحَصَبُوا النَّاسَ حَتَّی أَخْرَجُوهُمْ مِنَ اَلْمَسْجِدِ وَ حَصَبُوا عُثْمَانَ حَتَّی صُرِعَ عَنِ اَلْمِنْبَرِ مَغْشِیّاً عَلَیْهِ فَأُدْخِلَ دَارَهُ وَ اسْتَقْتَلَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ مَعَ عُثْمَانَ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ وَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ ع وَ زَیْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَ أَبُو هُرَیْرَةَ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِمْ عُثْمَانُ عَزَمْتُ عَلَیْکُمْ أَنْ تَنْصَرِفُوا فَانْصَرَفُوا.

وَ أَقْبَلَ عَلِیٌّ وَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ فَدَخَلُوا عَلَی عُثْمَانَ یَعُودُونَهُ مِنْ صَرْعَتِهِ وَ یَشْکُونَ إِلَیْهِ مَا یَجِدُونَ لِأَجْلِهِ وَ عِنْدَ عُثْمَانَ نَفَرٌ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ مِنْهُمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ فَقَالُوا لِعَلِیٍّ ع أَهْلَکْتَنَا وَ صَنَعْتَ هَذَا الَّذِی صَنَعْتَ وَ اللَّهِ إِنْ بَلَغَتْ هَذَا الْأَمْرُ الَّذِی تُرِیدُهُ لَنُمِرَّنَّ عَلَیْکَ الدُّنْیَا فَقَامَ مُغْضَباً وَ خَرَجَ الْجَمَاعَةُ الَّذِینَ حَضَرُوا مَعَهُ إِلَی مَنَازِلِهِمْ.

وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ قَالَ صَلَّی عُثْمَانُ بَعْدَ مَا وَثَبُوا بِهِ فِی اَلْمَسْجِدِ شَهْراً کَامِلاً ثُمَّ مَنَعُوهُ الصَّلاَةَ وَ صَلَّی بِالنَّاسِ أَمِیرُهُمُ اَلْغَافِقِیُّ

.

272

وَ رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ قَالَ کَانَ عُثْمَانُ مَحْصُوراً مُحَاطاً بِهِ وَ هُوَ یُصَلِّی بِالنَّاسِ فِی اَلْمَسْجِدِ وَ أَهْلُ مِصْرَ وَ اَلْکُوفَةِ وَ اَلْبَصْرَةِ الْحَاضِرُونَ لَهُ یُصَلُّونَ خَلْفَهُ وَ هُمْ أَدَقُّ فِی عَیْنِهِ مِنَ التُّرَابِ.

ص :142

273

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فِی اَلتَّارِیخِ ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَ لَزِمُوا بُیُوتَهُمْ لاَ یَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ بِسَیْفِهِ یَمْتَنِعُ بِهِ فَکَانَ حِصَارُهُ أَرْبَعِینَ یَوْماً.

274

وَ رَوَی اَلْکَلْبِیُّ وَ اَلْوَاقِدِیُّ وَ اَلْمَدَائِنِیُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ وَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی حُذَیْفَةَ کَانَا بِمِصْرَ یُحَرِّضَانِ النَّاسَ عَلَی عُثْمَانَ فَسَارَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ مَعَ مَنْ سَارَ إِلَی عُثْمَانَ وَ أَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی حُذَیْفَةَ بِمِصْرَ ثُمَّ غَلَبَ عَلَیْهَا لِمَا سَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ عَامِلُ عُثْمَانَ عَنْهَا إِلَی اَلْمَدِینَةِ فِی أَثَرِ اَلْمِصْرِیِّینَ بِإِذْنِ عُثْمَانَ لَهُ فَلَمَّا کَانَ بِأَیْلَةَ بَلَغَهُ أَنَّ اَلْمِصْرِیِّینَ قَدْ أَحَاطُوا بِعُثْمَانَ وَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ وَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی حُذَیْفَةَ قَدْ غَلَبَ عَلَی مِصْرَ فَعَادَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَی مِصْرَ فَمَنَعَ عَنْهَا فَأَتَی فِلَسْطِینَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّی قُتِلَ عُثْمَانُ .

275

وَ رَوَی اَلْکَلْبِیُّ قَالَ بَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ رَسُولاً مِنْ مِصْرَ إِلَی عُثْمَانَ یُخْبِرُهُ بِنُهُوضِ مَنْ نَهَضَ مِنْ مِصْرَ إِلَیْهِ وَ أَنَّهُمْ قَدْ أَظْهَرُوا الْعُمْرَةَ وَ قَصْدُهُمْ خَلْعُهُ أَوْ قَتْلُهُ فَخَطَبَ عُثْمَانُ النَّاسَ وَ أَعْلَمَهُمْ حَالَهُمْ وَ قَالَ إِنَّهُمْ قَدْ أَسْرَعُوا إِلَی الْفِتْنَةِ وَ اسْتَطَالُوا عُمُرِی وَ اللَّهِ إِنْ فَارَقْتُهُمْ لَیَتَمَنَّیَنَّ کُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّ عُمُرِی کَانَ طَالَ عَلَیْهِمْ مَکَانَ کُلِّ یَوْمٍ سَنَةً مِمَّا یَرَوْنَ مِنَ الدِّمَاءِ الْمَسْفُوکَةِ وَ الْإِحَنِ وَ الْأَثَرَةِ الظَّاهِرَةِ وَ الْأَحْکَامِ الْمُغَیَّرَةِ.

276

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ کَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِمَّنْ یُحَرِّضُ عَلَی عُثْمَانَ وَ یُغْرِی بِهِ وَ لَقَدْ خَطَبَ عُثْمَانُ یَوْماً فِی أَوَاخِرِ خِلاَفَتِهِ فَصَاحَ بِهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ اتَّقِ اللَّهَ یَا عُثْمَانُ فَإِنَّکَ قَدْ رَکِبْتَ أُمُوراً وَ رَکِبْنَاهَا مَعَکَ فَتُبْ إِلَی اللَّهِ نَتُبْ فَنَادَاهُ عُثْمَانُ وَ إِنَّکَ هَاهُنَا یَا اِبْنَ النَّابِغَةِ قَمَّلْتَ وَ اللَّهِ جُبَّتَکَ مُنْذُ نَزَعْتُکَ عَنِ الْعَمَلِ فَنُودِیَ مِنْ نَاحِیَةٍ أُخْرَی تُبْ إِلَی اللَّهِ وَ نُودِیَ مِنْ أُخْرَی مِثْلَ ذَلِکَ فَرَفَعَ یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّی أَوَّلُ التَّائِبِینَ ثُمَّ نَزَلَ.

ص :143

277

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ کَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ شَدِیدَ التَّحْرِیضِ وَ التَّأْلِیبِ عَلَی عُثْمَانَ وَ کَانَ یَقُولُ وَ اللَّهِ إِنْ کُنْتُ لَأَلْقَی الرَّاعِیَ فَأُحَرِّضُهُ عَلَی عُثْمَانَ فَضْلاً عَنِ الرُّؤَسَاءِ وَ الْوُجُوهِ فَلَمَّا سُعِّرَ الشَّرُّ بِالْمَدِینَةِ خَرَجَ إِلَی مَنْزِلِهِ بِفِلَسْطِینَ فَبَیْنَا هُوَ بِقَصْرِهِ وَ مَعَهُ ابْنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ وَ مُحَمَّدٌ وَ عِنْدَهُمْ سَلاَمَةُ بْنُ رَوْحٍ الْجُذَامِیُّ إِذْ مَرَّ بِهِمْ رَاکِبٌ مِنَ اَلْمَدِینَةِ فَسَأَلُوهُ عَنْ عُثْمَانَ فَقَالَ مَحْصُورٌ فَقَالَ عَمْرٌو أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَدْ یَضْرِطُ الْعَیْرُ وَ الْمِکْوَاةُ فِی النَّارِ ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ رَاکِبٌ آخَرُ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ قُتِلَ عُثْمَانُ فَقَالَ عَمْرٌو أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِذَا نَکَأْتُ قَرْحَةً أَدْمَیْتُهَا (1) فَقَالَ سَلاَمَةُ بْنُ رَوْحٍ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ إِنَّمَا کَانَ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ اَلْعَرَبِ بَابٌ فَکَسَرْتُمُوهُ فَقَالَ نَعَمْ أَرَدْنَا أَنْ یَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ خَاصِرَةِ الْبَاطِلِ لِیَکُونَ النَّاسُ فِی الْأَمْرِ شَرَعاً سَوَاءً.

278

1- وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَ الْقَوْمُ ذَا خُشُبٍ یُرِیدُونَ قَتْلَ عُثْمَانَ إِنْ لَمْ یَنْزِعْ عَمَّا یَکْرَهُونَ وَ عَلِمَ عُثْمَانُ ذَلِکَ جَاءَ إِلَی مَنْزِلِ عَلِیٍّ ع فَدَخَلَ وَ قَالَ یَا ابْنَ عَمِّ إِنَّ قَرَابَتِی قَرِیبَةٌ وَ لِی عَلَیْکَ حَقٌّ وَ قَدْ جَاءَ مَا تَرَی مِنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ وَ هُمْ مُصْبِحِی وَ لَکَ عِنْدَ النَّاسِ قَدْرٌ وَ هُمْ یَسْمَعُونَ مِنْکَ وَ أُحِبُّ أَنْ تَرْکَبَ إِلَیْهِمْ فَتَرُدَّهُمْ عَنِّی فَإِنَّ فِی دُخُولِهِمْ عَلَیَّ وَهْناً لِأَمْرِی وَ جُرْأَةً عَلَیَّ فَقَالَ ع عَلَی أَیِّ شَیْءٍ أَرُدُّهُمْ قَالَ عَلَی أَنْ أَصِیرَ إِلَی مَا أَشَرْتَ بِهِ وَ رَأَیْتَهُ لِی فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنِّی قَدْ کَلَّمْتُکَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَی فَکُلَّ ذَلِکَ تَخْرُجُ وَ تَقُولُ وَ تَعِدُ ثُمَّ تَرْجِعُ وَ هَذَا مِنْ فِعْلِ مَرْوَانَ وَ مُعَاوِیَةَ وَ اِبْنِ عَامِرٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ فَإِنَّکَ أَطَعْتَهُمْ وَ عَصَیْتَنِی قَالَ عُثْمَانُ فَإِنِّی أَعْصِیهِمْ وَ أُطِیعُکَ.

فَأَمَرَ عَلِیٌّ ع النَّاسَ أَنْ یَرْکَبُوا مَعَهُ فَرَکِبَ ثَلاَثُونَ رَجُلاً مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ

ص :144

وَ اَلْأَنْصَارِ مِنْهُمْ سَعِیدُ بْنُ زَیْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَیْلٍ وَ أَبُو جَهْمٍ الْعَدَوِیُّ وَ جُبَیْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَ حَکِیمُ بْنُ حِزَامٍ وَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ وَ سَعِیدُ بْنُ الْعَاصِ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتَّابِ بْنِ أَسِیدٍ .

وَ مِنَ اَلْأَنْصَارِ أَبُو أُسَیْدٍ السَّاعِدِیُّ وَ زَیْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَ کَعْبُ بْنُ مَالِکٍ وَ غَیْرُهُمْ فَأَتَوْا اَلْمِصْرِیِّینَ فَکَلَّمُوهُمْ فَکَانَ (1) الَّذِی یُکَلِّمُهُمْ عَلِیٌّ وَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَسَمِعُوا مِنْهُمَا وَ رَجَعُوا أَصْحَابُهُمْ یَطْلُبُونَ مِصْرَ وَ رَجَعَ عَلِیٌّ ع حَتَّی دَخَلَ عَلَی عُثْمَانَ فَأَشَارَ عَلَیْهِ أَنْ یَتَکَلَّمَ بِکَلاَمٍ یَسْمَعُهُ النَّاسُ مِنْهُ لِیَسْکُنُوا إِلَی مَا یَعِدُهُمْ بِهِ مِنَ النُّزُوعِ (2) وَ قَالَ لَهُ إِنَّ الْبِلاَدَ قَدْ تَمَخَّضَتْ عَلَیْکَ وَ لاَ آمَنُ أَنْ یَجِیءَ رَکْبٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَی فَتَقُولَ لِی یَا عَلِیُّ ارْکَبْ إِلَیْهِمْ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ رَأَیْتَنِی قَدْ قَطَعْتُ رَحِمَکَ وَ اسْتَخْفَفْتُ بِحَقِّکَ .

فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الَّتِی نَزَعَ فِیهَا وَ أَعْطَی النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ التَّوْبَةَ وَ قَالَ لَهُمْ أَنَا أَوَّلُ مَنِ اتَّعَظَ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَمَّا فَعَلْتُ وَ أَتُوبُ إِلَیْهِ فَمِثْلِی نَزَعَ وَ تَابَ فَإِذَا نَزَلْتُ فَلْیَأْتِنِی أَشْرَافُکُمْ فَلْیَرَوْا رَأْیَهُمْ وَ لْیَذْکُرْ کُلُّ وَاحِدٍ ظُلاَمَتَهُ لِأَکْشِفَهَا وَ حَاجَتَهُ لِأَقْضِیَهَا فَوَ اللَّهِ لَئِنْ رَدَّنِی الْحَقُّ عَبْداً لَأَسْتَنَّ بِسُنَّةِ الْعَبِیدِ وَ لَأَذِلَّنَّ ذُلَّ الْعَبِیدِ وَ مَا عَنِ اللَّهِ مَذْهَبٌ إِلاَّ إِلَیْهِ وَ اللَّهِ لَأُعْطِیَنَّکُمُ الرِّضَا وَ لَأُنَحِّیَنَّ مَرْوَانَ وَ ذَوِیهِ وَ لاَ أَحْتَجِبُ عَنْکُمْ.

فَرَقَّ النَّاسُ لَهُ وَ بَکَوْا حَتَّی خَضَّلُوا لِحَاهُمْ وَ بَکَی هُوَ أَیْضاً فَلَمَّا نَزَلَ وَجَدَ مَرْوَانَ وَ سَعِیداً (3) وَ نَفَراً مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ فِی مَنْزِلِهِ قُعُوداً لَمْ یَکُونُوا شَهِدُوا خُطْبَتَهُ وَ لَکِنَّهَا بَلَغَتْهُمْ فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ مَرْوَانُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ أَتَکَلَّمُ أَمْ أَسْکُتُ فَقَالَتْ نَائِلَةُ ابْنَةُ الْفَرَافِصَةِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ لاَ بَلْ تَسْکُتُ فَأَنْتُمْ وَ اللَّهِ قَاتِلُوهُ وَ مُمِیتُو أَطْفَالِهِ إِنَّهُ قَدْ قَالَ مَقَالَةً لاَ یَنْبَغِی لَهُ

ص :145

أَنْ یَنْزِعَ عَنْهَا فَقَالَ لَهَا مَرْوَانُ وَ مَا أَنْتِ وَ ذَاکَ وَ اللَّهِ لَقَدْ مَاتَ أَبُوکِ وَ مَا یُحْسِنُ أَنْ یَتَوَضَّأَ فَقَالَتْ مَهْلاً یَا مَرْوَانُ عَنْ ذِکْرِ أَبِی إِلاَّ بِخَیْرٍ وَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَنَّ أَبَاکَ عَمُّ عُثْمَانَ وَ أَنَّهُ یَنَالُهُ غَمُّهُ وَ عَیْبُهُ لَأَخْبَرْتُکَ مِنْ أَمْرِهِ بِمَا لاَ أُکَذِّبُ فِیهِ عَلَیْهِ.

فَأَعْرَضَ عَنْهُ عُثْمَانُ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ أَتَکَلَّمُ أَمْ أَسْکُتُ فَقَالَ تَکَلَّمْ فَقَالَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ مَقَالَتَکَ هَذِهِ کَانَتْ وَ أَنْتَ مُمْتَنِعٌ فَکُنْتُ أَوَّلَ مَنْ رَضِیَ بِهَا وَ أَعَانَ عَلَیْهَا وَ لَکِنَّکَ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَ قَدْ بَلَغَ الْحِزَامُ الطُّبْیَیْنِ وَ جَاوَزَ السَّیْلُ الزُّبَی (1) وَ حِینَ أَعْطَی الْخُطَّةَ الذَّلِیلَةَ الذَّلِیلُ وَ اللَّهِ لَإِقَامَةٌ عَلَی خَطِیئَةٍ تَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا أَجْمَلُ مِنْ تَوْبَةٍ تُخَوَّفُ عَلَیْهَا مَا زِدْتَ عَلَی أَنْ جَرَّأْتَ عَلَیْکَ النَّاسَ.

فَقَالَ عُثْمَانُ قَدْ کَانَ مِنْ قَوْلِی مَا کَانَ وَ إِنَّ الْفَائِتَ لاَ یُرَدُّ وَ لَمْ آلُ خَیْراً.

فَقَالَ مَرْوَانُ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا بِبَابِکَ أَمْثَالُ الْجِبَالِ قَالَ مَا شَأْنُهُمْ قَالَ أَنْتَ دَعَوْتَهُمْ إِلَی نَفْسِکَ فَهَذَا یَذْکُرُ مَظْلِمَةً وَ هَذَا یَطْلُبُ مَالاً وَ هَذَا یَسْأَلُ نَزْعَ عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِکَ عَنْهُ وَ هَذَا مَا جَنَیْتَ عَلَی خِلاَفَتِکَ وَ لَوِ اسْتَمْسَکْتَ وَ صَبَرْتَ کَانَ خَیْراً لَکَ قَالَ فَاخْرُجْ أَنْتَ إِلَی النَّاسِ فَکَلِّمْهُمْ فَإِنِّی أَسْتَحْیِی أَنْ أُکَلِّمَهُمْ وَ أَرُدَّهُمْ.

فَخَرَجَ مَرْوَانُ إِلَی النَّاسِ وَ قَدْ رَکِبَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَقَالَ مَا شَأْنُکُمْ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ کَأَنَّکُمْ جِئْتُمْ لِنَهْبٍ شَاهَتِ الْوُجُوهُ (2) أَ تُرِیدُونَ أَنْ تَنْزِعُوا مُلْکَنَا مِنْ أَیْدِینَا اعْزُبُوا عَنَّا وَ اللَّهِ إِنْ رُمْتُمُونَا لَنُمِرَّنَّ عَلَیْکُمْ مَا حَلاَ وَ لَنُحِلَّنَّ بِکُمْ مَا لاَ یَسُرُّکُمْ وَ لاَ تَحْمِدُوا فِیهِ غِبَّ (3) رَأْیِکُمْ ارْجِعُوا إِلَی مَنَازِلِکُمْ فَإِنَّا وَ اللَّهِ غَیْرُ مَغْلُوبِینَ عَلَی مَا فِی أَیْدِینَا

ص :146

فَرَجَعَ النَّاسُ خَائِبِینَ یَشْتِمُونَ عُثْمَانَ وَ مَرْوَانَ وَ أَتَی بَعْضُهُمْ عَلِیّاً ع فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَأَقْبَلَ عَلِیٌّ ع عَلَی عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ یَغُوثَ الزُّهْرِیِّ فَقَالَ أَ حَضَرْتَ خُطْبَةَ عُثْمَانَ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَ حَضَرْتَ مَقَالَةَ مَرْوَانَ لِلنَّاسِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَیْ عِبَادَ اللَّهِ یَا لَلَّهِ لِلْمُسْلِمِینَ إِنِّی إِنْ قَعَدْتُ فِی بَیْتِی قَالَ لِی تَرَکْتَنِی وَ خَذَلْتَنِی وَ إِنْ تَکَلَّمْتُ فَبَلَّغْتُ لَهُ مَا یُرِیدُ جَاءَ مَرْوَانُ فَتَلْعَبُ بِهِ حَتَّی قَدْ صَارَ سَیِّقَةً (1) لَهُ یَسُوقُهُ حَیْثُ یَشَاءُ بَعْدَ کِبَرِ السِّنِّ وَ صُحْبَتِهِ اَلرَّسُولِ ص وَ قَامَ مُغْضَباً مِنْ فَوْرِهِ حَتَّی دَخَلَ عَلَی عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ- أَ مَا یَرْضَی مَرْوَانُ مِنْکَ إِلاَّ أَنْ یُحَرِّفَکَ عَنْ دِینِکَ وَ عَقْلِکَ فَأَنْتَ مَعَهُ کَجَمَلِ الظَّعِینَةِ یُقَادُ حَیْثُ یُسَارُ بِهِ وَ اللَّهِ مَا مَرْوَانُ بِذِی رَأْیٍ فِی دِینِهِ وَ لاَ عَقْلِهِ وَ إِنِّی لَأَرَاهُ یُورِدُکَ ثُمَّ لاَ یُصْدِرُکَ وَ مَا أَنَا عَائِدٌ بَعْدَ مَقَامِی هَذَا لِمُعَاتَبَتِکَ أَفْسَدْتَ شَرَفَکَ وَ غَلَبْتَ عَلَی رَأْیِکَ ثُمَّ نَهَضَ.

فَدَخَلَتْ نَائِلَةُ بِنْتُ الْفَرَافِصَةِ فَقَالَتْ قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ عَلِیَّ ٍّ لَکَ وَ إِنَّهُ لَیْسَ بِرَاجِعٍ إِلَیْکَ وَ لاَ مُعَاوِدٍ لَکَ وَ قَدْ أَطَعْتَ مَرْوَانَ یَقُودُکَ حَیْثُ یَشَاءُ قَالَ فَمَا أَصْنَعُ قَالَتْ تَتَّقِی اللَّهَ وَ تَتَّبِعُ سُنَّةَ صَاحِبَیْکَ فَإِنَّکَ مَتَی أَطَعْتَ مَرْوَانَ قَتَلَکَ وَ لَیْسَ لِمَرْوَانَ عِنْدَ النَّاسِ قَدْرٌ وَ لاَ هَیْبَةٌ وَ لاَ مَحَبَّةٌ وَ إِنَّمَا تَرَکَکَ النَّاسُ لِمَکَانِهِ وَ إِنَّمَا رَجَعَ عَنْکَ أَهْلُ مِصْرَ لِقَوْلِ عَلِیٍّ فَأَرْسِلْ إِلَیْهِ فَاسْتَصْلِحْهُ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ قَدَماً وَ إِنَّهُ لاَ یُعْصَی.

فَأَرْسَلَ إِلَی عَلِیٍّ فَلَمْ یَأْتِهِ وَ قَالَ قَدْ أَعْلَمْتُهُ أَنِّی غَیْرُ عَائِدٍ .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَجَاءَ عُثْمَانُ إِلَی عَلِیٍّ بِمَنْزِلِهِ لَیْلاً فَاعْتَذَرَ إِلَیْهِ وَ وَعَدَ مِنْ نَفْسِهِ الْجَمِیلَ وَ قَالَ إِنِّی فَاعِلٌ وَ إِنِّی غَیْرُ فَاعِلٍ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع أَ بَعْدَ مَا تَکَلَّمْتَ عَلَی مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَعْطَیْتَ مِنْ نَفْسِکَ ثُمَّ دَخَلْتَ بَیْتَکَ وَ خَرَجَ مَرْوَانُ

ص :147

إِلَی النَّاسِ یَشْتِمُهُمْ عَلَی بَابِکَ فَخَرَجَ عُثْمَانُ مِنْ عِنْدِهِ وَ هُوَ یَقُولُ خَذَلْتَنِی یَا أَبَا الْحَسَنِ وَ جَرَّأْتَ النَّاسَ عَلَیَّ فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَکْثَرُ النَّاسِ ذَبّاً عَنْکَ وَ لَکِنِّی کُلَّمَا جِئْتُ بِشَیْءٍ أَظُنُّهُ لَکَ رِضًا جَاءَ مَرْوَانُ بِغَیْرِهِ فَسَمِعْتَ قَوْلَهُ وَ تَرَکْتَ قَوْلِی .

وَ لَمْ یَغْدُ عَلِیٌّ إِلَی نَصْرِ عُثْمَانَ إِلَی أَنْ مُنِعَ الْمَاءُ لَمَّا اشْتَدَّ الْحِصَارُ عَلَیْهِ فَغَضِبَ عَلِیٌّ مِنْ ذَلِکَ غَضَباً شَدِیداً وَ قَالَ لِطَلْحَةَ أَدْخِلُوا عَلَیْهِ الرَّوَایَا فَکَرِهَ طَلْحَةُ ذَلِکَ وَ سَاءَهُ فَلَمْ یَزَلْ عَلِیٌّ ع حَتَّی أُدْخِلَ الْمَاءُ إِلَیْهِ.

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ أَیْضاً أَنَّ عَلِیّاً ع کَانَ فِی مَالِهِ بِخَیْبَرَ لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ فَقَدِمَ اَلْمَدِینَةَ وَ النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَی طَلْحَةَ وَ کَانَ لِطَلْحَةَ فِی حِصَارِ عُثْمَانَ أَثَرٌ فَلَمَّا قَدِمَ عَلِیٌّ ع أَتَاهُ عُثْمَانُ وَ قَالَ لَهُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِی حَقُّ اَلْإِسْلاَمِ وَ حَقُّ الْإِخَاءِ وَ الْقَرَابَةِ وَ الصِّهْرِ وَ لَوْ لَمْ یَکُنْ مِنْ ذَلِکَ شَیْءٌ وَ کُنَّا فِی جَاهِلِیَّةٍ لَکَانَ عَاراً عَلَی بَنِی عَبْدِ مَنَافٍ أَنْ یَبْتَزَّ بَنُو تَیْمٍ أَمْرَهُمْ یَعْنِی طَلْحَةَ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ أَنَا أَکْفِیکَ فَاذْهَبْ أَنْتَ .

ثُمَّ خَرَجَ إِلَی اَلْمَسْجِدِ فَرَأَی أُسَامَةَ بْنَ زَیْدٍ فَتَوَکَّأَ عَلَی یَدِهِ حَتَّی دَخَلَ دَارَ طَلْحَةَ وَ هِیَ مَمْلُوءَةٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ یَا طَلْحَةُ مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِی صَنَعْتَ بِعُثْمَانَ فَقَالَ یَا أَبَا حَسَنٍ أَ بَعْدَ أَنْ مَسَّ الْحِزَامُ الطُّبْیَیْنِ فَانْصَرَفَ عَلِیٌّ ع حَتَّی أَتَی بَیْتَ الْمَالِ فَقَالَ اِفْتَحُوهُ فَلَمْ یَجِدُوا الْمَفَاتِیحَ فَکَسَرَ الْبَابَ وَ فَرَّقَ مَا فِیهِ عَلَی النَّاسِ فَانْصَرَفَ النَّاسُ مِنْ عِنْدِ طَلْحَةَ حَتَّی بَقِیَ وَحْدَهُ وَ سُرَّ عُثْمَانُ بِذَلِکَ وَ جَاءَ طَلْحَةُ فَدَخَلَ عَلَی عُثْمَانَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی أَرَدْتُ أَمْراً فَحَالَ اللَّهُ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ وَ قَدْ جِئْتُکَ تَائِباً فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا جِئْتَ وَ لَکِنْ جِئْتَ مَغْلُوباً اللَّهُ حَسِیبُکَ یَا طَلْحَةُ .

ص :148

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ کَانَ عُثْمَانُ مُسْتَضْعَفاً طَمِعَ فِیهِ النَّاسُ وَ أَعَانَ عَلَی نَفْسِهِ بِأَفْعَالِهِ وَ بِاسْتِیلاَءِ بَنِی أُمَیَّةَ عَلَیْهِ وَ کَانَ ابْتِدَاءُ الْجُرْأَةِ عَلَیْهِ أَنَّ إِبِلاً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ قُدِّمَ بِهَا عَلَیْهِ فَوَهَبَهَا لِبَعْضِ وُلْدِ اَلْحَکَمِ بْنِ أَبِی الْعَاصِ فَبَلَغَ ذَلِکَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَأَخَذَهَا وَ قَسَمَهَا بَیْنَ النَّاسِ وَ عُثْمَانُ فِی دَارِهِ فَکَانَ ذَلِکَ أَوَّلَ وَهْنٍ دَخَلَ عَلَی خِلاَفَةِ عُثْمَانَ .

وَ قِیلَ بَلْ کَانَ أَوَّلُ وَهْنٍ دَخَلَ عَلَیْهِ أَنَّ عُثْمَانَ مَرَّ بِجَبَلَةِ بْنِ عَمْرٍو السَّاعِدِیِّ وَ هُوَ فِی نَادِی قَوْمِهِ وَ فِی یَدِهِ جَامِعَةٌ فَسَلَّمَ فَرَدَّ الْقَوْمُ عَلَیْهِ فَقَالَ جَبَلَةُ لِمَ تَرُدُّونَ عَلَی رَجُلٍ فَعَلَ کَذَا وَ فَعَلَ کَذَا ثُمَّ قَالَ لِعُثْمَانَ وَ اللَّهِ لَأَطْرَحَنَّ هَذَا الْجَامِعَةَ فِی عُنُقِکَ أَوْ لَتَتْرُکَنَّ بِطَانَتَکَ هَذِهِ الْخَبِیثَةَ مَرْوَانَ وَ اِبْنَ عَامِرٍ وَ اِبْنَ أَبِی سَرْحٍ فَمِنْهُمْ مَنْ نَزَلَ اَلْقُرْآنُ بِذَمِّهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ ص دَمَهُ.

وَ قِیلَ إِنَّهُ خَطَبَ یَوْماً وَ بِیَدِهِ عَصًا کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ یَخْطُبُونَ عَلَیْهَا فَأَخَذَهَا جَهْجَاهٌ الْغِفَارِیُّ مِنْ یَدِهِ وَ کَسَرَهَا عَلَی رُکْبَتِهِ فَلَمَّا تَکَاثَرَتْ أَحْدَاثُهُ وَ تَکَاثَرَ طَمَعُ النَّاسِ فِیهِ کَتَبَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ مِنَ اَلصَّحَابَةِ وَ غَیْرِهِمْ إِلَی مَنْ بِالْآفَاقِ إِنْ کُنْتُمْ تُرِیدُونَ الْجِهَادَ فَهَلُمُّوا إِلَیْنَا فَإِنَّ دِینَ مُحَمَّدٍ قَدْ أَفْسَدَهُ خَلِیفَتُکُمْ فَاخْلَعُوهُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَیْهِ الْقُلُوبُ وَ جَاءَ اَلْمِصْرِیُّونَ وَ غَیْرُهُمْ إِلَی اَلْمَدِینَةِ حَتَّی حَدَثَ مَا حَدَثَ

.

279

1,2- وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ وَ اَلْمَدَائِنِیُّ وَ اِبْنُ الْکَلْبِیِّ وَ غَیْرُهُمْ وَ ذَکَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِی اَلتَّارِیخِ وَ ذَکَرَهُ غَیْرُهُ مِنْ جَمِیعِ الْمُوَرِّخِینَ أَنَّ عَلِیّاً ع لَمَّا رَدَّ اَلْمِصْرِیِّینَ رَجَعُوا بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَیَّامٍ فَأَخْرَجُوا صَحِیفَةً فِی أُنْبُوبَةِ رَصَاصٍ وَ قَالُوا وَجَدْنَا غُلاَمَ عُثْمَانَ بِالْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ

ص :149

بِالْبُوَیْبِ

(1)

عَلَی بَعِیرٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ لِأَنَّا اسْتَرَبْنَا أَمْرَهُ فَوَجَدْنَا فِیهِ هَذِهِ الصَّحِیفَةَ مَضْمُونُهَا أَمْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ بِجَلْدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُدَیْسٍ وَ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ وَ حَلْقِ رُءُوسِهِمَا وَ لِحَاهُمَا وَ حَبْسِهِمَا وَ صَلْبِ قَوْمٍ آخَرِینَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ .

وَ قِیلَ إِنَّ الَّذِی أُخِذَتْ مِنْهُ الصَّحِیفَةُ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِیُّ وَ إِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْهُ وَ سَأَلُوهُ عَنْ مَسِیرِهِ وَ هَلْ مَعَهُ کِتَابٌ فَقَالَ لاَ فَسَأَلُوهُ فِی أَیِّ شَیْءٍ هُوَ فَتَغَیَّرَ کَلاَمُهُ فَأَخَذُوهُ وَ فَتَّشُوهُ وَ أَخَذُوا الْکِتَابَ مِنْهُ وَ عَادُوا إِلَی اَلْمَدِینَةِ وَ جَاءَ النَّاسُ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ سَأَلُوهُ أَنْ یَدْخُلَ إِلَی عُثْمَانَ فَیَسْأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْحَالِ فَقَامَ فَجَاءَ إِلَیْهِ فَسَأَلَهُ فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ مَا کَتَبْتُهُ وَ لاَ عَلِمْتُهُ وَ لاَ أَمَرْتُ بِهِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ صَدَقَ هَذَا مِنْ عَمَلِ مَرْوَانَ فَقَالَ لاَ أَدْرِی وَ کَانَ أَهْلُ مِصْرَ حُضُوراً فَقَالُوا أَ فَیُجْتَرَأُ عَلَیْکَ وَ یُبْعَثُ غُلاَمُکَ عَلَی جَمَلٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَ یُنْقَشُ عَلَی خَاتَمِکَ وَ یُبْعَثُ إِلَی عَامِلِکَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْعَظِیمَةِ وَ أَنْتَ لاَ تَدْرِی قَالَ نَعَمْ قَالُوا إِنَّکَ إِمَّا صَادِقٌ أَوْ کَاذِبٌ فَإِنْ کُنْتَ کَاذِباً فَقَدِ اسْتَحْقَقْتَ الْخَلْعَ لِمَا أَمَرْتَ بِهِ مِنْ قَتْلِنَا وَ عُقُوبَتِنَا بِغَیْرِ حَقٍّ وَ إِنْ کُنْتَ صَادِقاً فَقَدِ اسْتَحْقَقْتَ الْخَلْعَ لِضَعْفِکَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَ غَفْلَتِکَ وَ خُبْثِ بِطَانَتِکَ وَ لاَ یَنْبَغِی لَنَا أَنْ نَتْرُکَ هَذَا الْأَمْرَ بِیَدِ مَنْ تُقْطَعُ الْأُمُورُ دُونَهُ لِضَعْفِهِ وَ غَفْلَتِهِ فَاخْلَعْ نَفْسَکَ مِنْهُ فَقَالَ لاَ أَنْزِعُ قَمِیصاً أَلْبَسَنِیهِ اللَّهُ وَ لَکِنِّی أَتُوبُ وَ أَنْزِعُ قَالُوا لَوْ کَانَ هَذَا أَوَّلُ ذَنْبٍ تُبْتَ مِنْهُ لَقَبِلْنَا وَ لَکِنَّا رَأَیْنَاکَ تَتُوبُ ثُمَّ تَعُودُ وَ لَسْنَا بِمُنْصَرِفِینَ حَتَّی نَخْلَعَکَ أَوْ نَقْتُلَکَ أَوْ تَلْحَقَ أَرْوَاحُنَا بِاللَّهِ وَ إِنْ مَنَعَکَ أَصْحَابُکَ وَ أَهْلُکَ قَاتَلْنَاهُمْ حَتَّی نَخْلُصَ إِلَیْکَ فَقَالَ أَمَّا أَنْ أَبْرَأَ مِنْ خِلاَفَةِ اللَّهِ فَالْقَتْلُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ ذَلِکَ وَ أَمَّا قِتَالُکُمْ مَنْ یَمْنَعُ عَنِّی فَإِنِّی لاَ آمُرُ أَحَداً بِقِتَالِکُمْ فَمَنْ قَاتَلَکُمْ فَبِغَیْرِ أَمْرِی قَاتَلَ وَ لَوْ أَرَدْتُ قِتَالَکُمْ لَکَتْبُت إِلَی الْأَجْنَادِ فَقَدِمُوا

ص :150

عَلَیَّ أَوْ لَحِقْتُ بِبَعْضِ الْأَطْرَافِ وَ کَثُرَتِ الْأَصْوَاتُ وَ اللَّغَطُ فَقَامَ عَلِیٌّ فَأَخْرَجَ أَهْلَ مِصْرَ مَعَهُ وَ خَرَجَ إِلَی مَنْزِلِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ کَتَبَ عُثْمَانُ إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ اِبْنِ عَامِرٍ وَ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ یَسْتَنْجِدُهُمْ وَ یَأْمُرُ بِالْعَجَلِ وَ الْبِدَارِ وَ إِرْسَالِ الْجُنُودِ إِلَیْهِ فَتَرَبَّصَ بِهِ مُعَاوِیَةُ فَقَامَ فِی أَهْلِ اَلشَّامِ یَزِیدُ بْنُ أَسَدٍ الْقَسْرِیُّ جَدُّ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ یَزِیدَ أَمِیرِ اَلْعِرَاقِ فَتَبِعَهُ خَلْقٌ کَثِیرٌ فَسَارَ بِهِمْ إِلَی عُثْمَانَ فَلَمَّا کَانُوا بِوَادِی الْقُرَی بَلَغَهُمْ قَتْلُ عُثْمَانَ فَرَجَعُوا.

وَ قِیلَ بَلْ أَشْخَصَ مُعَاوِیَةُ مِنَ اَلشَّامِ حَبِیبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِیَّ وَ سَارَ مِنَ اَلْبَصْرَةِ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِیُّ فَلَمَّا وَصَلُوا اَلرَّبَذَةَ (1) وَ نَزَلَتْ مُقَدِّمَتُهُمُ الْمَوْضِعَ الْمُسَمَّی صِرَاراً (2) بِنَاحِیَةِ اَلْمَدِینَةِ أَتَاهُمْ قَتْلُ عُثْمَانَ فَرَجَعُوا وَ کَانَ عُثْمَانُ قَدِ اسْتَشَارَ نُصَحَاءَهُ فِی أَمْرِهِ فَأَشَارُوا أَنْ یُرْسِلَ إِلَی عَلِیٍّ ع یَطْلُبُ إِلَیْهِ أَنْ یَرُدَّ النَّاسَ وَ یُعْطِیَهُمْ مَا یُرْضِیهِمْ لِیُطَاوِلَهُمْ حَتَّی تَأْتِیَهُ الْأَمْدَادُ فَقَالَ إِنَّهُمْ لاَ یَقْبَلُونَ التَّعْلِیلَ وَ قَدْ کَانَ مِنِّی فِی الْمَرَّةِ الْأُولَی مَا کَانَ فَقَالَ مَرْوَانُ أَعْطِهِمْ مَا سَأَلُوکَ وَ طَاوِلْهُمْ مَا طَاوَلُوکَ فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ قَدْ بَغَوْا عَلَیْکَ وَ لاَ عَهْدَ لَهُمْ.

فَدَعَا عَلِیّاً ع وَ قَالَ لَهُ قَدْ تَرَی مَا کَانَ مِنَ النَّاسِ وَ لَسْتُ آمَنُهُمْ عَلَی دَمِی فَارْدُدْهُمْ عَنِّی فَإِنِّی أُعْطِیهِمْ مَا یُرِیدُونَ مِنَ الْحَقِّ مِنْ نَفْسِی وَ مِنْ غَیْرِی.

فَقَالَ عَلِیٌّ إِنَّ النَّاسَ إِلَی عَدْلِکَ أَحْوَجُ مِنْهُمْ إِلَی قَتْلِکَ وَ إِنَّهُمْ لاَ یَرْضَوْنَ إِلاَّ

ص :151

بِالرِّضَا وَ قَدْ کُنْتَ أَعْطَیْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ عَهْداً فَلَمْ تَفِ بِهِ فَلاَ تَغْرُرْ فِی هَذِهِ الْمَرَّةِ فَإِنِّی مُعْطِیهِمْ عَنْکَ الْحَقَّ قَالَ أَعْطِهِمْ فَوَ اللَّهِ لَأَفِیَنَّ لَهُمْ.

فَخَرَجَ عَلِیٌّ ع إِلَی النَّاسِ فَقَالَ إِنَّکُمْ إِنَّمَا تَطْلُبُونَ الْحَقَّ وَ قَدْ أُعْطِیتُمُوهُ وَ إِنَّهُ مُنْصِفُکُمْ مِنْ نَفْسِهِ فَسَأَلَهُ النَّاسُ أَنْ یَسْتَوْثِقَ لَهُمْ وَ قَالُوا إِنَّا لاَ نَرْضَی بِقَوْلٍ دُونَ فِعْلٍ فَدَخَلَ عَلَیْهِ فَأَعْلَمَهُ فَقَالَ اضْرِبْ بَیْنِی وَ بَیْنَ النَّاسِ أَجَلاً فَإِنِّی لاَ أَقْدِرُ عَلَی تَبْدِیلِ مَا کَرِهُوا فِی یَوْمٍ وَاحِدٍ فَقَالَ عَلِیٌّ ع أَمَّا مَا کَانَ بِالْمَدِینَةِ فَلاَ أَجَلَ فِیهِ وَ أَمَّا مَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِکَ قَالَ نَعَمْ فَأَجِّلْنِی فِیمَا بِالْمَدِینَةِ ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ فَأَجَابَهُ إِلَی ذَلِکَ وَ کَتَبَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ النَّاسِ کِتَاباً عَلَی رَدِّ کُلِّ مَظْلِمَةٍ وَ عَزْلِ کُلِّ عَامِلٍ کَرِهُوهُ فَکَفَّ النَّاسُ عَنْهُ وَ جَعَلَ یَتَأَهَّبُ سِرّاً لِلْقِتَالِ وَ یَسْتَعِدُّ بِالسِّلاَحِ وَ اتَّخَذَ جُنْداً فَلَمَّا مَضَتِ الْأَیَّامُ الثَّلاَثَةُ وَ لَمْ یُغَیِّرْ شَیْئاً ثَارَ بِهِ النَّاسُ وَ خَرَجَ قَوْمٌ إِلَی مَنْ بِذِی خُشُبٍ مِنَ اَلْمِصْرِیِّینَ فَأَعْلَمُوهُمُ الْحَالَ فَقَدِمُوا اَلْمَدِینَةَ وَ تَکَاثَرَ النَّاسُ عَلَیْهِ وَ طَلَبُوا مِنْهُ عَزْلَ عُمَّالِهِ وَ رَدَّ مَظَالِمِهِمْ فَکَانَ جَوَابُهُ لَهُمْ إِنِّی إِنْ کُنْتُ أَسْتَعْمِلُ مَنْ تُرِیدُونَ لاَ مَنْ أُرِیدُ فَلَسْتُ إِذَنْ فِی شَیْءٍ مِنَ الْخِلاَفَةِ وَ الْأَمْرُ أَمْرُکُمْ فَقَالُوا وَ اللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ أَوْ لَتُخْلَعَنَّ أَوْ لَنَقْتُلَنَّکَ فَأَبَی عَلَیْهِمْ وَ قَالَ لاَ أَنْزِعُ سِرْبَالاً سَرْبَلَنِیهِ اللَّهُ فَحَصَرُوهُ وَ ضَیَّقُوا الْحِصَارَ عَلَیْهِ.

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ لَمَّا اشْتَدَّ عَلَی عُثْمَانَ الْحِصَارُ أَشْرَفَ عَلَی النَّاسِ فَقَالَ یَا أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ أَسْتَوْدِعُکُمُ اللَّهَ وَ أَسْأَلُهُ أَنْ یُحْسِنَ عَلَیْکُمُ الْخِلاَفَةَ مِنْ بَعْدِی ثُمَّ قَالَ أَنْشُدُکُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّکُمْ دَعَوْتُمُ اللَّهَ عِنْدَ مُصَابِ عُمَرَ أَنْ یَخْتَارَ لَکُمْ وَ یَجْمَعَکُمْ عَلَی خَیْرِکُمْ أَ فَتَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ یَسْتَجِبْ لَکُمْ وَ هُنْتُمْ عَلَیْهِ وَ أَنْتُمْ أَهْلُ حَقِّهِ وَ أَنْصَارُ نَبِیِّهِ (1) أَمْ تَقُولُونَ هَانَ عَلَی اللَّهِ

ص :152

دِینُهُ فَلَمْ یُبَالِ مِنْ وَلِیٍّ وَ الدِّینُ لَمْ یَتَفَرَّقْ أَهْلُهُ بَعْدُ أَمْ تَقُولُونَ لَمْ یَکُنْ أُخِذَ عَنْ مَشُورَةٍ إِنَّمَا کَانَ مُکَابَرَةً فَوَکَلَ اللَّهُ الْأُمَّةَ إِذْ عَصَتْهُ وَ لَمْ یَتَشَاوَرُوا فِی الْإِمَامَةِ إِلَی أَنْفُسِهَا أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ یَعْلَمْ عَاقِبَةَ أَمْرِی فَمَهْلاً مَهْلاً لاَ تَقْتُلُونِی وَ إِنَّهُ لاَ یَحِلُّ إِلاَّ قَتْلُ ثَلاَثَةٍ زَانٍ بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ کَافِرٍ بَعْدَ إِیمَانٍ أَوْ قَاتِلِ نَفْسٍ بِغَیْرِ حَقٍّ أَمَا إِنَّکُمْ إِنْ قَتَلْتُمُونِی وَضَعْتُمُ السَّیْفَ عَلَی رِقَابِکُمْ ثُمَّ لاَ یَرْفَعُهُ اللَّهُ عَنْکُمْ أَبَداً فَقَالُوا أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنِ اسْتِخَارَةِ النَّاسِ بَعْدَ عُمَرَ فَإِنَّ کُلَّ مَا یَصْنَعُهُ اللَّهُ الْخِیَرَةُ وَ لَکِنَّ اللَّهَ جَعَلَکَ بَلِیَّةً ابْتَلَی بِهَا عِبَادَهُ وَ لَقَدْ کَانَتْ لَکَ قَدَمٌ وَ سَابِقَةٌ وَ کُنْتَ أَهْلاً لِلْوَلاَیَةِ وَ لَکِنْ أَحْدَثْتَ مَا تَعْلَمُهُ وَ لاَ نَتْرُکُ الْیَوْمَ إِقَامَةَ الْحَقِّ عَلَیْکَ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ عَاماً قَابِلاً وَ أَمَّا قَوْلُکَ لاَ یَحِلُّ دَمٌ إِلاَّ بِإِحْدَی ثَلاَثٍ فَإِنَّا نَجِدُ فِی کِتَابِ اللَّهِ إِبَاحَةَ دَمِ غَیْرِ الثَّلاَثَةِ دَمِ مَنْ سَعَی فِی الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَ دَمِ مَنْ بَغَی ثُمَّ قَاتَلَ عَلَی بَغْیِهِ وَ دَمِ مَنْ حَالَ دُونَ شَیْءٍ مِنَ الْحَقِّ وَ مَنَعَهُ وَ قَاتَلَ دُونَهُ وَ قَدْ بَغَیْتَ وَ مَنَعْتَ الْحَقَّ وَ حُلْتَ دُونَهُ وَ کَابَرْتَ عَلَیْهِ وَ لَمْ تَقِدْ مِنْ نَفْسِکَ مَنْ ظَلَمْتَهُ وَ لاَ مِنْ عُمَّالِکَ وَ قَدْ تَمَسَّکْتَ بِالْإِمَارَةِ عَلَیْنَا وَ الَّذِینَ یَقُومُونَ دُونَکَ وَ یَمْنَعُونَکَ إِنَّمَا یَمْنَعُونَکَ وَ یُقَاتِلُونَنَا لِتَسْمِیَتِکَ بِالْإِمَارَةِ فَلَوْ خَلَعْتَ نَفْسَکَ لاَنْصَرَفُوا عَنِ الْقِتَالِ مَعَکَ.

فَسَکَتَ عُثْمَانُ وَ لَزِمَ الدَّارَ وَ أَمَرَ أَهْلَ اَلْمَدِینَةِ بِالرُّجُوعِ وَ أَقْسَمَ عَلَیْهِمْ فَرَجَعُوا إِلاَّ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِیٍّ وَ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَیْرِ وَ أَشْبَاهاً لَهُمْ وَ کَانَتْ مُدَّةُ الْحِصَارِ أَرْبَعِینَ یَوْماً.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ إِنَّ مُحَاصِرِی عُثْمَانَ أَشْفَقُوا مِنْ وُصُولِ أَجْنَادٍ مِنَ اَلشَّامِ وَ اَلْبَصْرَةِ تَمْنَعُهُ فَحَالُوا بَیْنَ عُثْمَانَ وَ بَیْنَ النَّاسِ وَ مَنَعُوهُ کُلَّ شَیْءٍ حَتَّی الْمَاءَ فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ سِرّاً إِلَی عَلِیٍّ ع وَ إِلَی أَزْوَاجِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُمْ قَدْ مَنَعُونَا الْمَاءَ فَإِنْ قَدَرْتُمْ أَنْ

ص :153

تُرْسِلُوا إِلَیْنَا مَاءً فَافْعَلُوا فَجَاءَ عَلِیٌّ ع فِی الْغَلَسِ وَ أُمُّ حَبِیبَةَ بِنْتُ أَبِی سُفْیَانَ فَوَقَفَ عَلِیٌّ ع عَلَی النَّاسِ فَوَعَظَهُمْ وَ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ الَّذِی تَفْعَلُونَ لاَ یُشْبِهُ أَمْرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ لاَ أَمْرَ الْکَافِرِینَ إِنَّ فَارِسَ وَ اَلرُّومِ لَتَأْسِرُ فَتُطْعِمُ وَ تَسْقِی فَاللَّهَ اللَّهَ لاَ تَقْطَعُوا الْمَاءَ عَنِ الرَّجُلِ فَأَغْلَظُوا لَهُ وَ قَالُوا لاَ نِعَمَ وَ لاَ نِعْمَةَ عَیْنٍ (1) فَلَمَّا رَأَی مِنْهُمُ الْجِدَّ نَزَعَ عِمَامَتَهُ عَنْ رَأْسِهِ وَ رَمَی بِهَا إِلَی دَارِ عُثْمَانَ یُعْلِمُهُ أَنَّهُ قَدْ نَهَضَ وَ عَادَ.

وَ أَمَّا أُمُّ حَبِیبَةَ وَ کَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَی إِدَاوَةٍ فَضَرَبُوا وَجْهَ بَغْلَتِهَا فَقَالَتْ إِنَّ وَصَایَا أَیْتَامِ بَنِی أُمَیَّةَ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا لِئَلاَّ تَهْلِکَ أَمْوَالُ الْیَتَامَی فَشَتَمُوهَا وَ قَالُوا أَنْتَ کَاذِبَةٌ وَ قَطَعُوا حَبْلَ (2) الْبَغْلَةِ بِالسَّیْفِ فَنَفَرَتْ وَ کَادَتْ تَسْقُطُ عَنْهَا فَتَلَقَّاهَا النَّاسُ فَحَمَلُوهَا إِلَی مَنْزِلِهَا.

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ أَشْرَفَ عُثْمَانُ عَلَیْهِمْ یَوْماً فَقَالَ أَنْشُدُکُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّی اشْتَرَیْتُ بِئْرَ رُومَةَ (3) بِمَالِی أَسْتَعْذِبُ بِهَا وَ جَعَلْتُ رَشَائِی فِیهَا کَرَجُلٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَلِمَ تَمْنَعُونَنِی أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتَّی أُفْطِرَ عَلَی مَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ أَنْشُدُکُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّی اشْتَرَیْتُ أَرْضَ کَذَا فَزِدْتُهَا فِی اَلْمَسْجِدِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَهَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ أَحَداً مَنَعَ أَنْ یُصَلِّیَ فِیهِ قَبْلِی.

ص :154

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَیَّاشِ بْنِ أَبِی رَبِیعَةَ الْمَخْزُومِیِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَی عُثْمَانَ فَأَخَذَ بِیَدِی فَأَسْمَعَنِی کَلاَمَ مَنْ عَلَی بَابِهِ مِنَ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ مَا تَنْتَظِرُونَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ لاَ تَعْجَلُوا فَعَسَاهُ یَنْزِعُ وَ یُرَاجِعُ فَبَیْنَا نَحْنُ إِذْ مَرَّ طَلْحَةُ فَقَامَ إِلَیْهِ اِبْنُ عُدَیْسٍ الْبَلَوِیُّ فَنَاجَاهُ ثُمَّ رَجَعَ اِبْنُ عُدَیْسٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ لاَ تَتْرُکُوا أَحَداً یَدْخُلُ إِلَی عُثْمَانَ وَ لاَ یَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لِی عُثْمَانُ هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ طَلْحَةُ اللَّهُمَّ اکْفِنِی طَلْحَةَ فَإِنَّهُ حَمَلَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ وَ أَلَبَّهُمْ عَلَیَّ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَرْجُو أَنْ یَکُونَ مِنْهَا صِفْراً وَ أَنْ یُسْفَکَ دَمُهُ قَالَ فَأَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ فَمَنَعُونِی حَتَّی أَمَرَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ فَتَرَکُونِی أَخْرُجُ (1) .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ وَ عَلِمَ اَلْمِصْرِیُّونَ قَدْ أَجْرَمُوا إِلَیْهِ جُرْماً کَجُرْمِ الْقَتْلِ وَ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَیْنَ قَتْلِهِ وَ بَیْنَ مَا أَتَوْا إِلَیْهِ وَ خَافُوا عَلَی نُفُوسِهِمْ مِنْ تَرْکِهِ حَیّاً رَامُوا الدُّخُولَ عَلَیْهِ مِنْ بَابِ دَارِهِ فَأَغْلَقُوا الْبَابَ وَ مَانَعَهُمُ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ وَ مَرْوَانُ وَ سَعِیدُ بْنُ الْعَاصِ وَ جَمَاعَةٌ مَعَهُمْ مِنْ أَبْنَاءِ اَلْأَنْصَارِ فَزَجَرَهُمْ عُثْمَانُ وَ قَالَ أَنْتُمْ فِی حِلٍّ مِنْ نُصْرَتِی فَأَبَوْا وَ لَمْ یَرْجِعُوا.

وَ قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ یُقَالُ لَهُ نِیَارُ بْنُ عِیَاضٍ وَ کَانَ مِنَ اَلصَّحَابَةِ فَنَادَی عُثْمَانَ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَخْلَعَ نَفْسَهُ فَبَیْنَا هُوَ یُنَاشِدُهُ وَ یُسَوِّمُهُ خَلْعَ نَفْسِهِ رَمَاهُ کَثِیرُ بْنُ الصَّلْتِ الْکِنْدِیُّ وَ کَانَ مِنْ أَصْحَابِ عُثْمَانَ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَصَاحَ اَلْمِصْرِیُّونَ وَ غَیْرُهُمْ عِنْدَ ذَلِکَ ادْفَعُوا إِلَیْنَا قَاتِلَ اِبْنِ عِیَاضٍ لِنَقْتُلَهُ بِهِ فَقَالَ عُثْمَانُ لَمْ أَکُنْ لِأَدْفَعَ إِلَیْکُمْ رَجُلاً نَصَرَنِی وَ أَنْتُمْ تُرِیدُونَ قَتْلِی فَثَارُوا إِلَی الْبَابِ فَأَغْلَقَ دُونَهُمْ فَجَاءُوا بِنَارٍ فَأَحْرَقُوهُ وَ أَحْرَقُوا السَّقِیفَةَ الَّتِی عَلَیْهِ فَقَالَ لِمَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَنْصَارِهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص عَهِدَ

ص :155

إِلَیَّ عَهْداً فَأَنَا صَابِرٌ عَلَیْهِ فَأَخْرُجُ عَلَی رَجُلٍ یُقَاتِلُ دُونِی ثُمَّ قَالَ لِلْحَسَنِ إِنَّ أَبَاکَ الْآنَ لَفِی أَمْرٍ عَظِیمٍ مِنْ أَجْلِکَ فَاخْرُجْ إِلَیْهِ أَقْسَمْتُ عَلَیْکَ لَمَّا خَرَجْتَ إِلَیْهِ فَلَمْ یَفْعَلْ وَ وَقَفَ مُحَامِیاً عَنْهُ وَ خَرَجَ مَرْوَانُ بِسَیْفِهِ یُجَالِدُ النَّاسَ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِی لَیْثِ عَلَی رَقَبَتِهِ فَأَثْبَتَهُ (1) وَ قَطَعَ إِحْدَی عِلْبَاوَیْهِ (2) فَعَاشَ مَرْوَانُ بَعْدَ ذَلِکَ أَوْقَصَ (3) وَ قَامَ إِلَیْهِ عُبَیْدُ بْنُ رِفَاعَةَ الزُّرَقِیُّ لِیُذَفِّفَ عَلَیْهِ (4) فَقَامَتْ دُونَهُ فَاطِمَةُ أُمُّ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَدِیٍّ وَ کَانَتْ أَرْضَعَتْ مَرْوَانَ وَ أَرْضَعَتْ لَهُ فَقَالَتْ لَهُ إِنْ کُنْتَ تُرِیدُ قَتْلَهُ فَقَدْ قُتِلَ وَ إِنْ کُنْتَ إِنَّمَا تُرِیدُ أَنْ تَتَلَعَّبَ بِلَحْمِهِ فَأَقْبِحْ بِذَلِکَ فَتَرَکَهُ فَخَلَّصَتْهُ وَ أَدْخَلَتْهُ بَیْتَهَا فَعَرَفَ لَهَا بَنُوهُ ذَلِکَ بَعْدُ وَ اسْتَعْمَلُوا ابْنَهَا إِبْرَاهِیمَ وَ کَانَ لَهُ مِنْهُمْ خَاصَّةٌ (5) .

وَ قُتِلَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِیقٍ وَ هُوَ یُحَامِی عَنْ عُثْمَانَ بِالسَّیْفِ وَ اقْتَحَمَ الْقَوْمُ الدَّارَ وَ دَخَلَ کَثِیرٌ مِنْهُمُ الدُّورَ الْمُجَاوِرَةَ لَهَا وَ تَسَوَّرُوا مِنْ دَارِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَیْهَا حَتَّی مَلَئُوهَا وَ غَلَبَ النَّاسُ عَلَی عُثْمَانَ وَ نَدَبُوا رَجُلاً لِقَتْلِهِ فَدَخَلَ إِلَیْهِ الْبَیْتَ فَقَالَ لَهُ اخْلَعْهَا وَ نَدَعُکَ فَقَالَ وَیْحَکَ وَ اللَّهِ مَا کَشَفْتُ عَنِ امْرَأَةٍ فِی جَاهِلِیَّةٍ وَ لاَ إِسْلاَمٍ وَ لاَ تَعَیَّنْتُ (6) وَ لاَ تَمَنَّیْتُ وَ لاَ وَضَعْتُ یَمِینِی عَلَی عَوْرَتِی مُذْ بَایَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَ لَسْتُ بِخَالِعٍ قَمِیصاً کَسَانِیهِ اللَّهُ حَتَّی یُکْرِمَ أَهْلَ السَّعَادَةِ وَ یُهِینَ أَهْلَ الشَّقَاوَةِ.

فَخَرَجَ عَنْهُ فَقَالُوا لَهُ مَا صَنَعْتَ قَالَ إِنِّی لَمْ أَسْتَحِلَّ قَتْلَهُ فَأَدْخَلُوا إِلَیْهِ رَجُلاً مِنَ اَلصَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ لَسْتَ بِصَاحِبِی إِنَّ اَلنَّبِیَّ ص دَعَا لَکَ أَنْ یَحْفَظَکَ یَوْمَ کَذَا وَ لَنْ تَضِیعَ فَرَجَعَ عَنْهُ.

ص :156

فَأَدْخَلُوا إِلَیْهِ رَجُلاً مِنْ قُرَیْشٍ فَقَالَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص اسْتَغْفَرَ لَکَ یَوْمَ کَذَا فَلَنْ تُقَارِفَ دَماً حَرَاماً فَرَجَعَ عَنْهُ.

فَدَخَلَ عَلَیْهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ وَیْحَکَ أَ عَلَی اللَّهِ تَغْضَبُ هَلْ لِی إِلَیْکَ جُرْمٌ إِلاَّ أَنِّی أَخَذْتُ حَقَّ اللَّهِ مِنْکَ فَأَخَذَ مُحَمَّدٌ بِلِحْیَتِهِ وَ قَالَ أَخْزَاکَ اللَّهُ یَا نَعْثَلُ قَالَ لَسْتُ بِنَعْثَلٍ (1) لَکِنِّی عُثْمَانُ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ مَا أَغْنَی عَنْکَ مُعَاوِیَةُ وَ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ فَقَالَ عُثْمَانُ یَا ابْنَ أَخِی دَعْهَا مِنْ یَدِکَ فَمَا کَانَ أَبُوکَ لِیَقْبِضَ عَلَیْهَا فَقَالَ لَوْ عَمِلْتَ مَا عَمِلْتَ فِی حَیَاةِ أَبِی لَقَبَضَ عَلَیْهَا وَ الَّذِی أُرِیدُ بِکَ أَشَدُّ مِنْ قَبْضِی عَلَیْهَا فَقَالَ أَسْتَنْصِرُ اللَّهَ عَلَیْکَ وَ أَسْتَعِینُ بِهِ فَتَرَکَهُ وَ خَرَجَ.

وَ قِیلَ بَلْ طَعَنَ جَبِینَهُ بِمِشْقَصٍ (2) کَانَ فِی یَدِهِ فَثَارَ سُودَانُ بْنُ حُمْرَانَ وَ أَبُو حَرْبٍ الْغَافِقِیُّ وَ قَتِیرَةُ بْنُ وَهْبٍ السَّکْسَکِیُّ فَضَرَبَهُ اَلْغَافِقِیُّ بِعَمُودٍ کَانَ فِی یَدِهِ وَ ضَرَبَ اَلْمُصْحَفَ بِرِجْلِهِ وَ کَانَ فِی حَجْرِهِ فَنَزَلَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ سَالَ عَلَیْهِ الدَّمُ وَ جَاءَ سُودَانُ لِیَضْرِبَهُ بِالسَّیْفِ فَأَکَبَّتْ عَلَیْهِ امْرَأَتُهُ نَائِلَةُ بِنْتُ الْفَرَافِصَةِ (3) الْکَلْبِیَّةِ وَ اتَّقَتِ السَّیْفَ بِیَدِهَا وَ هِیَ تَصْرُخُ فَنَفَحَ أَصَابِعُهَا فَأَطَنَّهَا (4) فَوَلَّتْ فَغَمَزَ بَعْضُهُمْ أَوْرَاکَهَا وَ قَالَ إِنَّهَا لَکَبِیرَةُ الْعَجُزِ وَ ضَرَبَ سُودَانُ عُثْمَانَ فَقَتَلَهُ.

وَ قِیلَ بَلْ قَتَلَهُ کِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ التُّجِیبِیُّ وَ قِیلَ بَلْ قَتِیرَةُ بْنُ وَهْبٍ وَ دَخَلَ غِلْمَانُ عُثْمَانَ وَ مَوَالِیهِ فَضَرَبَ أَحَدُهُمْ عُنُقَ سُودَانَ فَقَتَلَهُ فَوَثَبَ قَتِیرَةُ بْنُ وَهْبٍ عَلَی ذَلِکَ الْغُلاَمِ

ص :157

فَقَتَلَهُ فَوَثَبَ غُلاَمٌ آخَرُ عَلَی قَتِیرَةَ فَقَتَلَهُ وَ نُهِبَتْ دَارُ عُثْمَانَ وَ أُخِذَ مَا عَلَی نِسَائِهِ وَ مَا کَانَ فِی بَیْتِ الْمَالِ وَ کَانَ فِیهِ غِرَارَتَانِ دَرَاهِمَ وَ وَثَبَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ عَلَی صَدْرِ عُثْمَانَ وَ بِهِ رَمَقٌ فَطَعَنَهُ تِسْعَ طَعَنَاتٍ وَ قَالَ أَمَّا ثَلاَثٌ مِنْهَا فَإِنِّی طَعَنْتُهُنَّ لِلَّهِ تَعَالَی وَ أَمَّا سِتٌّ مِنْهَا فَلِمَا کَانَ فِی صَدْرِی عَلَیْهِ وَ أَرَادُوا قَطْعَ رَأْسِهِ فَوَقَعَتْ عَلَیْهِ زَوْجَتَاهُ نَائِلَةُ بِنْتُ الْفَرَافِصَةِ وَ أُمُّ الْبَنِینَ ابْنَةُ عُیَیْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِیُّ فَصِحْنَ وَ ضَرَبْنَ الْوُجُوهَ فَقَالَ اِبْنُ عُدَیْسٍ اتْرُکُوهُ وَ أَقْبَلَ عُمَیْرُ بْنُ ضَابِئٍ الْبُرْجُمِیُّ فَوَثَبَ عَلَیْهِ فَکَسَرَ ضِلْعَیْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ وَ قَالَ لَهُ سَجَنْتَ أَبِی حَتَّی مَاتَ فِی السِّجْنِ وَ کَانَ قَتْلُهُ یَوْمَ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِی الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ خَمْسِینَ وَ ثَلاَثِینَ وَ قِیلَ بَلْ فِی أَیَّامِ التَّشْرِیقِ وَ کَانَ عُمُرُهُ سِتّاً وَ ثَمَانِینَ سَنَةً.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ بَقِیَ عُثْمَانُ ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ لاَ یُدْفَنُ ثُمَّ إِنَّ حَکِیمَ بْنَ حِزَامٍ وَ جُبَیْرَ بْنَ مُطْعِمٍ کَلَّمَا عَلِیّاً ع فِی أَنْ یَأْذَنَ فِی دَفْنِهِ فَفَعَلَ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ بِذَلِکَ قَعَدَ لَهُ قَوْمٌ فِی الطَّرِیقِ بِالْحِجَارَةِ وَ خَرَجَ بِهِ نَاسٌ یَسِیرٌ مِنْ أَهْلِهِ وَ مَعَهُمُ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ وَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ وَ أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَیْفَةَ بَیْنَ الْمَغْرِبِ وَ الْعِشَاءِ فَأَتَوْا بِهِ حَائِطاً مِنْ حِیطَانِ اَلْمَدِینَةِ یُعْرَفُ بِحُشِّ کَوْکَبٍ وَ هُوَ خَارِجُ اَلْبَقِیعِ فَصَلَّوْا عَلَیْهِ وَ جَاءَ نَاسٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ لِیَمْنَعُوا مِنَ الصَّلاَةِ عَلَیْهِ فَأَرْسَلَ عَلِیُّ ع فَمَنَعَ مِنْ رَجْمِ سَرِیرِهِ وَ کَفَّ الَّذِینَ رَامُوا مَنْعَ الصَّلاَةِ عَلَیْهِ وَ دُفِنَ فِی حُشِّ کَوْکَبٍ (1) فَلَمَّا ظَهَرَ مُعَاوِیَةُ عَلَی الْأَمْرِ أَمَرَ بِذَلِکَ الْحَائِطِ فَهُدِمَ وَ أُدْخِلَ فِی اَلْبَقِیعِ وَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ یَدْفِنُوا مَوْتَاهُمْ حَوْلَ قَبْرِهِ حَتَّی اتَّصَلَ بِمَقَابِرِ اَلْمُسْلِمِینَ بِالْبَقِیعِ

.

و قیل إن عثمان لم یغسل و إنّه کفن فی ثیابه التی قتل فیها.

ص :158

280

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ رُوِیَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِیِّ أَنَّهُ قَالَ مَا قُتِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّی مَلَّتْهُ قُرَیْشٌ وَ اسْتَطَالَتْ خِلاَفَتَهُ وَ قَدْ کَانَ یَعْلَمُ فِتْنَتَهُمْ فَحَصَرَهُمْ فِی اَلْمَدِینَةِ وَ قَالَ لَهُمْ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَی هَذِهِ الْأُمَّةِ انْتِشَارُکُمْ فِی الْبِلاَدِ وَ إِنْ کَانَ الرَّجُلُ لَیَسْتَأْذِنُهُ فِی الْغَزْوِ فَیَقُولُ إِنَّ لَکَ فِی غَزْوِکَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص مَا یَکْفِیکَ وَ هُوَ خَیْرٌ لَکَ مِنْ غَزْوِکَ الْیَوْمَ وَ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الْغَزْوِ أَلاَ تَرَی الدُّنْیَا وَ لاَ تَرَاکَ فَکَانَ یَفْعَلُ هَذَا بِالْمُهَاجِرِینَ مِنْ قُرَیْشٍ وَ لَمْ یَکُنْ یَفْعَلُهُ بِغَیْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ مَکَّةَ فَلَمَّا وُلِّیَ عُثْمَانُ الْخِلاَفَةَ خَلَّی عَنْهُمْ فَانْتَشَرُوا فِی الْبِلاَدِ وَ خَالَطَهُمُ النَّاسُ وَ أَفْضَی الْأَمْرُ إِلَی مَا أَفْضَی إِلَیْهِ وَ کَانَ عُثْمَانُ أَحَبَّ إِلَی الرَّعِیَّةِ مِنْ عُمَرَ .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ کَانَ أَوَّلَ مُنْکَرٍ ظَهَرَ بِالْمَدِینَةِ فِی خِلاَفَةِ عُثْمَانَ حِینَ فَاضَتِ الدُّنْیَا عَلَی اَلْعَرَبِ وَ اَلْمُسْلِمِینَ طَیَرَانُ الْحَمَامِ وَ الْمُسَابَقَةُ بِهَا وَ الرَّمْیُ عَنِ الْجُلاَهِقَاتِ وَ هِیَ قِسِیُّ الْبُنْدُقِ فَاسْتَعْمَلَ عُثْمَانُ عَلَیْهَا رَجُلاً مِنْ بَنِی لَیْثِ فِی سَنَةِ ثَمَانٍ مِنْ خِلاَفَتِهِ فَقَصَّ الطُّیُورَ وَ کَسَرَ الْجُلاَهِقَاتِ.

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ سَعِیدَ بْنَ الْمُسَیَّبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی حُذَیْفَةَ مَا دَعَاهُ إِلَی الْخُرُوجِ عَلَی عُثْمَانَ فَقَالَ کَانَ یَتِیماً فِی حَجْرِ عُثْمَانَ وَ کَانَ وَالِیَ أَیْتَامِ أَهْلِ بَیْتِهِ وَ مُحْتَمِلٌ کُلَّهُمْ فَسَأَلَ عُثْمَانَ الْعَمَلَ فَقَالَ (1) یَا بُنَیَّ لَوْ کُنْتَ رِضًا لاَسْتَعْمَلْتُکَ قَالَ فَأْذَنْ لِی فَأَخْرُجَ فَأَطْلُبَ الرِّزْقَ (2) قَالَ اذْهَبْ حَیْثُ شِئْتَ وَ جَهَّزَهُ مِنْ عِنْدِهِ وَ حَمَلَهُ وَ أَعْطَاهُ فَلَمَّا وَقَعَ إِلَی مِصْرَ کَانَ فِیمَنْ أَعَانَ عَلَیْهِ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ الْإِمَارَةَ فَقِیلَ لَهُ فَعَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ قَالَ

ص :159

کَانَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ اَلْعَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِی لَهَبٍ کَلاَمٌ فَضَرَبَهُمَا عُثْمَانُ فَأَوْرَثَ ذَلِکَ تَعَادِیاً بَیْنَ عَمَّارٍ وَ عُثْمَانَ وَ قَدْ کَانَ تَقَاذَفَا قَبْلَ ذَلِکَ (1) .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ سُئِلَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ مَا دَعَاهُ إِلَی رُکُوبِ عُثْمَانَ فَقَالَ لَزِمَهُ حَقٌّ فَأَخَذَ عُثْمَانُ مِنْ ظَهْرِهِ فَغَضِبَ وَ غَرَّهُ أَقْوَامٌ فَطَمِعَ لِأَنَّهُ کَانَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ بِمَکَانٍ وَ کَانَتْ لَهُ دَالَّةٌ فَصَارَ مُذَمَّماً بَعْدَ أَنْ کَانَ مُحَمَّداً وَ کَانَ کَعْبُ بْنُ ذِی الْحَبَکَةِ النَّهْدِیُّ یَلْعَبُ بِالنِّیرَنْجَاتِ (2) بِالْکُوفَةِ فَکَتَبَ عُثْمَانُ إِلَی اَلْوَلِیدِ أَنْ یُوجِعَهُ ضَرْباً فَضَرَبَهُ وَ سَیَّرَهُ إِلَی دُنْبَاوَنْدَ (3) .وَ کَانَ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَیْهِ وَ سَارَ إِلَیْهِ وَ حَبَسَ ضَابِئَ بْنَ الْحَارِثِ الْبُرْجُمِیَّ لِأَنَّهُ هَجَا قَوْماً فَنَسَبَهُمْ إِلَی أَنَّ کَلْبَهُمْ یَأْتِی أُمَّهُمْ فَقَالَ لَهُمْ فَأُمُّکُمُ لاَ تَتْرُکُوهَا وَ کَلْبَکُمْ فَإِنَّ عُقُوقَ الْوَالِدَیْنِ کَبِیرٌ (4) .

ص :160

فَاسْتَعْدَوْا عَلَیْهِ عُثْمَانَ فَحَبَسَهُ فَمَاتَ فِی السِّجْنِ فَلِذَلِکَ حَقَدَ ابْنُهُ عُمَیْرٌ عَلَیْهِ وَ کَسَرَ أَضْلاَعَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ.

281

1- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ کَانَ لِعُثْمَانَ عَلَی طَلْحَةَ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ خَمْسُونَ أَلْفاً فَقَالَ طَلْحَةُ لَهُ یَوْماً قَدْ تَهَیَّأَ مَالُکَ فَاقْبِضْهُ فَقَالَ هُوَ لَکَ مَعُونَةً عَلَی مُرُوءَتِکَ فَلَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ قَالَ عَلِیٌّ ع لِطَلْحَةَ أَنْشُدُکَ اللَّهَ إِلاَّ کَفَفْتَ عَنْ عُثْمَانَ فَقَالَ لاَ وَ اللَّهِ حَتَّی تُعْطِیَ بَنُو أُمَیَّةَ الْحَقَّ مِنْ أَنْفُسِهَا فَکَانَ عَلِیٌّ ع یَقُولُ لَحَا اللَّهُ اِبْنَ الصَّعْبَةِ أَعْطَاهُ عُثْمَانُ مَا أَعْطَاهُ وَ فُعِلَ بِهِ مَا فُعِلَ .

ص :161

الخلق و البأو (1) و کذلک کان طلحة و قد وصفه عمر بذلک و یقال إن طلحة أحدث یوم أحد عنده کبرا شدیدا لم یکن و ذاک لأنّه أغنی (2) فی ذلک الیوم و أبلی بلاء حسنا .

و العریکة هاهنا الطبیعة یقال فلان لین العریکة إذا کان سلسا.

و قال الراوندیّ العریکة بقیة السنام و لقد صدق و لکن لیس هذا موضع ذاک .

و قوله ع لابن عبّاس قل له یقول لک ابن خالک لطیف جدا و هو من باب الاستمالة و الإذکار بالنسب و الرحم أ لا تری أن له فی القلب من الموقع الداعی إلی الانقیاد ما لیس لقوله یقول لک أمیر المؤمنین و من هذا الباب قوله تعالی فی ذکر موسی و هارون وَ أَلْقَی الْأَلْوٰاحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِیهِ یَجُرُّهُ إِلَیْهِ قٰالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ کٰادُوا یَقْتُلُونَنِی فَلاٰ تُشْمِتْ بِیَ الْأَعْدٰاءَ (3) لما رأی هارون غضب موسی و احتدامه شرع معه فی الاستمالة و الملاطفة فقال له اِبْنَ أُمَّ و أذکره حقّ الأخوة و ذلک أدعی إلی عطفه علیه من أن یقول له یا موسی أو یا أیها النبیّ .

فأما قوله فما عدا ممّا بدا فعدا بمعنی صرف قال الشاعر و إنّی عدانی أن أزورک محکم متی ما أحرک فیه ساقی یصخب.

و من هاهنا بمعنی عن و قد جاءت فی کثیر من کلامهم کذلک قال ابن قتیبة فی أدب الکاتب قالوا حدّثنی فلان من فلان أی عن فلان و لهیت من کذا أی عنه (4) و یصیر ترتیب الکلام و تقدیره فما صرفک عما بدا منک أی

ص :163

ظهر و المعنی ما الذی صدک عن طاعتی بعد إظهارک لها و حذف الضمیر المفعول المنصوب کثیر جدا کقوله تعالی وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنٰا (1) -أی أرسلناه و لا بدّ من تقدیره کی لا یبقی الموصول بلا عائد.

و قال القطب الراوندیّ قوله فما عدا ممّا بدا له معنیان أحدهما ما الذی منعک ممّا کان قد بدا منک من البیعة قبل هذه الحالة و الثانی ما الذی عاقک و یکون المفعول الثانی لعدا محذوفا یدلّ علیه الکلام أی ما عداک یرید ما شغلک و ما منعک ممّا کان بدا لک من نصرتی من البدا الذی یبدو للإنسان و لقائل أن یقول لیس فی الوجه الثانی زیادة علی الوجه الأوّل إلاّ زیادة فاسدة أما إنّه لیس فیه زیادة فلأنّه فسر فی الوجه الأوّل عدا بمعنی منع ثمّ فسره فی الوجه الثانی بمعنی عاق و فسر عاق بمنع و شغل فصار عدا فی الوجه الثانی مثل عدا فی الوجه الأوّل.

و قوله ممّا کان بدا منک فسره فی الأول و الثانی بتفسیر واحد فلم یبق بین الوجهین تفاوت و أمّا الزیادة الفاسدة فظنه أن عدا یتعدی إلی مفعولین و أنّه قد حذف الثانی و هذا غیر صحیح لأن عدا لیس من الأفعال التی تتعدی إلی مفعولین بإجماع النحاة و من العجب تفسیره المفعول الثانی المحذوف علی زعمه بقوله أی ما عداک و هذا المفعول المحذوف هاهنا هو مفعول عدا الذی لا مفعول لها غیره فلا یجوز أن یقال إنّه أول و لا ثان.

ثمّ حکی القطب الراوندیّ حکایة معناها

282

1- أَنَّ صَفِیَّةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَعْتَقَتْ عَبِیداً (2) ثُمَّ مَاتَتْ (3) ثُمَّ مَاتَ الْعَبِیدُ وَ لَمْ یُخْلِفُوا وَارِثاً إِلاَّ مَوَالِیَهُمْ وَ طَلَبَ عَلِیٌّ ع مِیرَاثَ الْعَبِیدِ بِحَقِّ التَّعْصِیبِ وَ طَلَبَهُ اَلزُّبَیْرُ بِحَقِّ الْإِرْثِ مِنْ أُمِّهِ وَ تَحَاکَمَا إِلَی عُمَرَ فَقَضَی عُمَرُ بِالْمِیرَاثِ لِلزُّبَیْرِ .

ص :164

قَالَ اَلْقُطْبُ الرَّاوَنْدِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی حِکَایَةً عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع أَنَّهُ قَالَ هَذَا خِلاَفُ الشَّرْعِ لِأَنَّ وَلاَءَ مُعْتَقِ الْمَرْأَةِ إِذَا کَانَتْ مَیِّتَةً یَکُونُ لِعَصَبَتِهَا وَ هُمُ الْعَاقِلَةُ لاَ لِأَوْلاَدِهَا

.

قلت هذه المسألة مختلف فیها بین الإمامیّة فأبو عبد اللّه بن النعمان المعروف بالمفید (1) یقول إن الولاء لولدها و لا یصحح هذا الخبر و یطعن فی راویه و غیره من فقهاء الإمامیّة کأبی جعفر الطوسیّ (2) و من قال بقوله یذهبون إلی أن الولاء لعصبتها لا لولدها و یصححون الخبر و یزعمون أن أمیر المؤمنین ع سکت و لم ینازع علی قاعدته فی التقیة و استعمال المجاملة مع القوم.

فأما مذاهب الفقهاء غیر الإمامیّة فإنها متفقة علی أن الولاء للولد لا للعصبة کما هو قول المفید رحمه اللّه تعالی.

283

1- وَ رَوَی جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ ع قَالَ سَأَلْتُ اِبْنَ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِکَ فَقَالَ إِنِّی قَدْ أَتَیْتُ اَلزُّبَیْرَ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ قُلْ لَهُ إِنِّی أُرِیدُ مَا تُرِیدُ کَأَنَّهُ یَقُولُ الْمِلْکَ لَمْ یَزِدْنِی عَلَی ذَلِکَ فَرَجَعْتُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرْتُهُ

.

284

وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَ اَلْکَلْبِیُّ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ الْکَلِمَةَ لِلزُّبَیْرِ فَلَمْ یَزِدْنِی عَلَی أَنْ قَالَ قُلْ لَهُ إِنَّا مَعَ الْخَوْفِ الشَّدِیدِ لَنَطْمَعُ.

ص :165

قَالَ وَ سُئِلَ اِبْنُ عَبَّاسٍ عَمَّا یَعْنِی بِقَوْلِهِ هَذَا فَقَالَ یَقُولُ إِنَّا عَلَی الْخَوْفِ لَنَطْمَعُ أَنْ نَلِیَ مِنَ الْأَمْرِ مَا وَلَیْتُمْ.

و قد فسره قوم تفسیرا (1) آخر و قالوا أراد إنا مع الخوف من اللّه لنطمع أن یغفر لنا هذا الذنب.

قلت و علی کلا التفسیرین لم یحصل جواب المسألة

286

کَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع یَقُولُ

مَا زَالَ اَلزُّبَیْرُ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ حَتَّی شَبَّ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ .

287

1,14- بَرَزَ عَلِیٌّ ع بَیْنَ الصَّفَّیْنِ حَاسِراً وَ قَالَ لِیَبْرُزْ إِلَیَّ اَلزُّبَیْرُ فَبَرَزَ إِلَیْهِ مُدَجَّجاً فَقِیلَ لِعَائِشَةَ قَدْ بَرَزَ اَلزُّبَیْرُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَصَاحَتْ وَا زُبَیْرَاهُ فَقِیلَ لَهَا لاَ بَأْسَ عَلَیْهِ مِنْهُ إِنَّهُ حَاسِرٌ وَ اَلزُّبَیْرُ دَارِعٌ (1) فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَکَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَی مَا صَنَعْتَ قَالَ أَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ قَالَ أَنْتَ وَ طَلْحَةُ وَلَّیْتُمَاهُ وَ إِنَّمَا نَوْبَتُکَ مِنْ ذَلِکَ أَنْ تُقِیدَ بِهِ نَفْسَکَ وَ تُسَلِّمَهَا إِلَی وَرَثَتِهِ ثُمَّ قَالَ نَشَدْتُکَ اللَّهَ أَ تَذْکُرُ یَوْمَ مَرَرْتَ بِی وَ رَسُولُ اللَّهِ ص مُتَّکِئٌ عَلَی یَدِکَ وَ هُوَ جَاءَ مِنْ بَنِی عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَسَلَّمَ عَلَیَّ وَ ضَحِکَ فِی وَجْهِی فَضَحِکْتُ إِلَیْهِ لَمْ أَزِدْهُ عَلَی ذَلِکَ فَقُلْتَ لاَ یَتْرُکُ اِبْنُ أَبِی طَالِبٍ یَا رَسُولَ اللَّهِ زَهْوَهُ فَقَالَ لَکَ مَهْ إِنَّهُ لَیْسَ بِذِی زَهْوٍ أَمَا إِنَّکَ سَتُقَاتِلُهُ وَ أَنْتَ لَهُ ظَالِمٌ فَاسْتَرْجَعَ اَلزُّبَیْرُ وَ قَالَ لَقَدْ کَانَ ذَلِکَ وَ لَکِنَّ الدَّهْرَ أَنْسَانِیهِ وَ لَأَنْصَرِفَنَّ عَنْکَ فَرَجَعَ فَأَعْتَقَ عَبْدَهُ سَرْجِسَ تَحَلُّلاً (2) مِنْ یَمِینٍ لَزِمَتْهُ فِی الْقِتَالِ ثُمَّ أَتَی عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا إِنِّی مَا وَقَفْتُ مَوْقِفاً قَطُّ وَ لاَ شَهِدْتُ حَرْباً إِلاَّ وَ لِی فِیهِ رَأْیٌ وَ بَصِیرَةٌ إِلاَّ هَذِهِ الْحَرْبَ وَ إِنِّی لَعَلَی شَکٍّ مِنْ أَمْرِی وَ مَا أَکَادُ أُبْصِرُ مَوْضِعَ قَدَمَیَّ فَقَالَتْ لَهُ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَظُنُّکَ فَرَّقْتَ سُیُوفَ اِبْنِ أَبِی طَالِبٍ إِنَّهَا وَ اللَّهِ سُیُوفٌ حِدَادٌ مُعَدَّةٌ لِلْجِلاَدِ تَحْمِلُهَا فِئَةٌ أَنْجَادٌ وَ لَئِنْ فَرَّقْتَهَا لَقَدْ فَرَّقَهَا الرِّجَالُ قَبْلَکَ قَالَ کَلاَّ وَ لَکِنَّهُ مَا قُلْتُ لَکَ ثُمَّ انْصَرَفَ

.

288

1- وَ رَوَی فَرْوَةُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِیمِیُّ قَالَ کُنْتُ فِیمَنِ اعْتَزَلَ عَنِ الْحَرْبِ بِوَادِی السِّبَاعِ (3) مَعَ اَلْأَحْنَفِ بْنِ قَیْسٍ وَ خَرَجَ ابْنُ عَمٍّ لِی یُقَالُ لَهُ اَلْجَوْنُ مَعَ عَسْکَرِ اَلْبَصْرَةِ فَنَهَیْتُهُ

ص :167

فَقَالَ لاَ أَرْغَبُ بِنَفْسِی عَنْ نُصْرَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِینَ وَ حَوَارِیِّ رَسُولِ اللَّهِ فَخَرَجَ مَعَهُمْ وَ إِنِّی لَجَالِسٌ مَعَ اَلْأَحْنَفِ یَسْتَنْبِئُ الْأَخْبَارَ إِذَا بِالْجَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ ابْنِ عَمِّی مُقْبِلاً فَقُمْتُ إِلَیْهِ وَ اعْتَنَقْتُهُ وَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْخَبَرِ فَقَالَ أُخْبِرُکَ الْعَجَبَ خَرَجْتُ وَ أَنَا لاَ أُرِیدُ أَنْ أَبْرَحَ الْحَرْبَ حَتَّی یَحْکُمَ اللَّهُ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ فَبَیْنَا أَنَا وَاقِفٌ مَعَ اَلزُّبَیْرِ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَبْشِرْ أَیُّهَا الْأَمِیرُ فَإِنَّ عَلِیّاً لَمَّا رَأَی مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ نَکَصَ عَلَی عَقِبَیْهِ وَ تَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِکَ فَقَالَ اَلزُّبَیْرُ وَیْحَکُمْ أَبُو حَسَنٍ یَرْجِعُ وَ اللَّهِ لَوْ لَمْ یَجِدْ إِلاَّ الْعَرْفَجَ لَدَبَّ إِلَیْنَا فِیهِ ثُمَّ أَقْبَلَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ أَیُّهَا الْأَمِیرُ إِنَّ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ فَارَقُوهُ لِیَدْخُلُوا مَعَنَا مِنْهُمْ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ فَقَالَ اَلزُّبَیْرُ کَلاَّ وَ رَبِّ اَلْکَعْبَةِ إِنَّ عَمَّاراً لاَ یُفَارِقُهُ أَبَداً فَقَالَ الرَّجُلُ بَلَی وَ اللَّهِ مِرَاراً فَلَمَّا رَأَی اَلزُّبَیْرُ أَنَّ الرَّجُلَ لَیْسَ بِرَاجِعٍ عَنْ قَوْلِهِ بَعَثَ مَعَهُ رَجُلاً آخَرَ وَ قَالَ اذْهَبَا فَانْظُرَا فَعَادَا وَ قَالاَ إِنَّ عَمَّاراً قَدْ أَتَاکَ رَسُولاً مِنْ عِنْدِ صَاحِبِهِ قَالَ جَوْنٌ فَسَمِعْتُ وَ اللَّهِ اَلزُّبَیْرَ یَقُولُ وَا انْقِطَاعَ ظَهْرَاهْ وَا جَدْعَ أَنْفَاهْ وَا سَوَادَ وَجْهَاهْ وَ یُکَرِّرُ ذَلِکَ مِرَاراً ثُمَّ أَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ شَدِیدَةٌ فَقُلْتُ وَ اللَّهِ إِنَّ اَلزُّبَیْرَ لَیْسَ بِجَبَانٍ وَ إِنَّهُ لَمِنْ فُرْسَانِ قُرَیْشٍ الْمَذْکُورِینَ وَ إِنَّ لِهَذَا الْکَلاَمِ لَشَأْناً وَ لاَ أُرِیدُ أَنْ أَشْهَدَ مَشْهَداً یَقُولُ أَمِیرُهُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فَرَجَعْتُ إِلَیْکُمْ فَلَمْ یَکُنْ إِلاَّ قَلِیلٌ حَتَّی مَرَّ اَلزُّبَیْرُ بِنَا مُتَارِکاً لِلْقَوْمِ فَاتَّبَعَهُ عُمَیْرُ بْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ

.

أکثر الروایات علی أن ابن جرموز قتل مع أصحاب النهر و جاء فی بعضها أنّه عاش إلی أیام ولایة مصعب بن الزبیر العراق و أنّه لما قدم مصعب البصرة خافه ابن جرموز فهرب فقال مصعب لیظهر سالما و لیأخذ عطاءه موفورا أ یظن أنی أقتله بأبی عبد اللّه و أجعله فداء له فکان هذا من الکبر المستحسن.

ص :168

کان ابن جرموز یدعو لدنیاه فقیل له هلا دعوت لآخرتک فقال أیست من الجنة .

الزبیر أول من شهر سیفه فی سبیل اللّه قیل له فی أول الدعوة قد قتل رسول اللّه فخرج و هو غلام یسعی بسیفه مشهورا.

289

1- وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ فِی اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ (1) قَالَ لَمَّا سَارَ عَلِیٌّ ع إِلَی اَلْبَصْرَةِ بَعَثَ اِبْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ اِئْتِ اَلزُّبَیْرَ فَاقْرَأْ عَلَیْهِ السَّلاَمَ وَ قُلْ لَهُ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ کَیْفَ عَرَفْتَنَا بِالْمَدِینَةِ وَ أَنْکَرْتَنَا بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ أَ فَلاَ آتِی طَلْحَةَ قَالَ لاَ إِذًا تَجِدَهُ عَاقِصاً قَرْنَهُ فِی حَزَنٍ یَقُولُ هَذَا سَهْلٌ.

قَالَ فَأَتَیْتُ اَلزُّبَیْرَ فَوَجَدْتُهُ فِی بَیْتٍ یَتَرَوَّحُ فِی یَوْمٍ حَارٍّ وَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ عِنْدَهُ فَقَالَ مَرْحَباً بِکَ یَا اِبْنَ لُبَابَةَ أَ جِئْتَ زَائِراً أَمْ سَفِیراً قُلْتُ کَلاَّ إِنَّ ابْنَ خَالِکَ یَقْرَأُ عَلَیْکَ السَّلاَمَ وَ یَقُولُ لَکَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ کَیْفَ عَرَفْتَنَا بِالْمَدِینَةِ وَ أَنْکَرْتَنَا بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ عَلِقْتُهُمْ إِنِّی خُلِقْتُ عُصْبَهْ قَتَادَةً تَعَلَّقَتْ بِنُشْبَهْ (2) .

لَنْ أَدَعَهُمْ حَتَّی أُؤَلِّفَ بَیْنَهُمْ قَالَ فَأَرَدْتُ مِنْهُ جَوَاباً غَیْرَ ذَلِکَ فَقَالَ لِی ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ قُلْ لَهُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکَ دَمُ خَلِیفَةٍ وَ وَصِیَّةُ خَلِیفَةٍ وَ اجْتِمَاعُ اثْنَیْنِ وَ انْفِرَادُ وَاحِدٍ وَ أُمٌّ مَبْرُورَةٌ وَ مُشَاوَرَةُ الْعَشِیرَةِ قَالَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَیْسَ وَرَاءَ هَذَا الْکَلاَمِ إِلاَّ الْحَرْبَ فَرَجَعْتُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرْتُهُ.

ص :169

قَالَ اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ هَذَا الْحَدِیثُ کَانَ یَرْوِیهِ عَمِّی مُصْعَبٌ ثُمَّ تَرَکَهُ وَ قَالَ إِنِّی رَأَیْتُ جَدِّی أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَیْرَ بْنَ الْعَوَّامَ فِی الْمَنَامِ وَ هُوَ یَعْتَذِرُ مِنْ یَوْمِ الْجَمَلِ فَقُلْتُ لَهُ کَیْفَ تَعْتَذِرُ مِنْهُ وَ أَنْتَ الْقَائِلُ عَلِقْتُهُمْ إِنِّی خُلِقْتُ عُصْبَهْ قَتَادَةً تَعَلَّقَتْ بِنُشْبَهْ.

لَنْ أَدَعَهُمْ حَتَّی أُؤَلِّفَ بَیْنَهُمْ فَقَالَ لَمْ أَقُلْهُ

.

و من ذلک قول إبراهیم علی ما حکاه تعالی عنه فی قوله إِذْ قٰالَ لِأَبِیهِ یٰا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مٰا لاٰ یَسْمَعُ وَ لاٰ یُبْصِرُ وَ لاٰ یُغْنِی عَنْکَ شَیْئاً یٰا أَبَتِ إِنِّی قَدْ جٰاءَنِی مِنَ الْعِلْمِ مٰا لَمْ یَأْتِکَ فَاتَّبِعْنِی أَهْدِکَ صِرٰاطاً سَوِیًّا یٰا أَبَتِ لاٰ تَعْبُدِ اَلشَّیْطٰانَ إِنَّ اَلشَّیْطٰانَ کٰانَ لِلرَّحْمٰنِ عَصِیًّا یٰا أَبَتِ إِنِّی أَخٰافُ أَنْ یَمَسَّکَ عَذٰابٌ مِنَ الرَّحْمٰنِ فَتَکُونَ لِلشَّیْطٰانِ وَلِیًّا (1) فطلب منه فی مبدأ الأمر السبب فی عبادته الصنم و العلة لذلک و نبهه علی أن عبادة ما لا یسمع و لا یبصر و لا یغنی عنه شیئا قبیحة ثمّ لم یقل له إنّی قد تبحرت فی العلوم بل قال له قد حصل عندی نوع من العلم لم یحصل عندک و هذا من باب الأدب فی الخطاب ثمّ نبهه علی أن الشیطان عاص لله فلا یجوز اتباعه ثمّ خوفه من عذاب اللّه إن اتبع الشیطان و خاطبه فی جمیع ذلک بقوله یٰا أَبَتِ استعطافا و استدراجا کقول علی ع یقول لک ابن خالک فلم یجبه أبوه إلی ما أراد و لا قال له یا بنی بل قال أَ رٰاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِی یٰا إِبْرٰاهِیمُ فخاطبه بالاسم و أتاه بهمزة الاستفهام المتضمنة للإنکار ثمّ توعده فقال لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّکَ وَ اهْجُرْنِی مَلِیًّا .

قالوا و من هذا الباب

291

3- مَا رُوِیَ أَنَّ اَلْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیٍّ ع کَلَّمَ مُعَاوِیَةَ فِی أَمْرِ ابْنِهِ یَزِیدَ وَ نَهَاهُ عَنْ أَنْ یَعْهَدَ إِلَیْهِ فَأَبَی عَلَیْهِ مُعَاوِیَةُ حَتَّی أَغْضَبَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَقَالَ اَلْحُسَیْنُ ع فِی غُضُونِ کَلاَمِهِ أَبِی خَیْرٌ مِنْ أَبِیهِ وَ أُمِّی خَیْرٌ مِنْ أُمِّهِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ یَا ابْنَ أَخِی أَمَّا أُمُّکَ فَخَیْرٌ مِنْ أُمِّهِ وَ کَیْفَ تُقَاسُ امْرَأَةٌ مِنْ کَلْبٍ بِابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ (2) ص وَ أَمَّا أَبُوهُ فَحَاکِمٌ أَبَاکَ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی فَحَکَمَ لِأَبِیهِ عَلَی أَبِیکَ

.

ص :171

قالوا و هذا من باب الاستدراج اللطیف لأن معاویة علم أنّه إن أجابه بجواب یتضمن الدعوی لکونه خیرا من علی ع لم یلتفت أحد إلیه و لم یکن له کلام یتعلق به لأن آثار علی ع فی الإسلام و شرفه و فضیلته تجل أن یقاس بها أحد فعدل عن ذکر ذلک إلی التعلق بما تعلق به فکان الفلج له.

ذکر هذا الخبر نصر اللّه بن الأثیر فی کتابه المسمی بالمثل السائر فی باب الاستدراج (1) .

و عندی أن هذا خارج عن باب الاستدراج و أنّه من باب الجوابات الإقناعیة التی تسمیها الحکماء الجدلیات و الخطابیات و هی أجوبة إذا بحث عنها لم یکن وراءها تحقیق و کانت ببادئ النظر مسکتة للخصم صالحة لمصادمته فی مقام المجادلة.

و مثل ذلک قول معاویة لأهل الشام حیث التحق به عقیل بن أبی طالب یا أهل الشام ما ظنکم برجل لم یصلح لأخیه.

و قوله لأهل الشام إن أبا لهب المذموم فی القرآن باسمه عم علیّ بن أبی طالب فارتاع أهل الشام لذلک و شتموا علیا و لعنوه.

و من ذلک قول عمر یوم السقیفة أیکم یطیب نفسا أن یتقدم قدمین قدمهما رسول اللّه ص للصلاة.

و من ذلک

292

1- قَوْلُ عَلِیٍّ ع مُجِیباً لِمَنْ سَأَلَهُ کَمْ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ فَقَالَ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ .

ص :172

293

1- وَ جَوَابُهُ أَیْضاً لِمَنْ قَالَ لَهُ کَمْ بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ مَسِیرَةُ یَوْمٍ لِلشَّمْسِ .

و من ذلک قول أبی بکر و قد قال له عمر أقد خالدا بمالک بن نویرة سیف اللّه فلا أغمده.

و کقوله و قد أشیر علیه أیضا بأن یقید من بعض أمرائه أنا أقید من وزعة (1) اللّه ذکر ذلک صاحب الصحاح فی باب وزع (2) .

و الجوابات الإقناعیة کثیرة و لعلها جمهور ما یتداوله الناس و یسکت به بعضهم بعضا

ص :173

وَ بَقِیَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِکْرُ الْمَرْجِعِ وَ أَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ فَهُمْ بَیْنَ شَرِیدٍ نَادٍّ وَ خَائِفٍ مَقْمُوعٍ وَ سَاکِتٍ مَکْعُومٍ وَ دَاعٍ مُخْلِصٍ وَ ثَکْلاَنَ مُوجَعٍ قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ [أَحْمَلَتْهُمُ]

التَّقِیَّةُ وَ شَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ فَهُمْ فِی بَحْرٍ أُجَاجٍ أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ وَ قُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ قَدْ وَعَظُوا حَتَّی مَلُّوا وَ قُهِرُوا حَتَّی ذَلُّوا وَ قُتِلُوا حَتَّی قَلُّوا فَلْتَکُنِ الدُّنْیَا فِی أَعْیُنِکُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وَ قُرَاضَةِ الْجَلَمِ وَ اتَّعِظُوا بِمَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ قَبْلَ أَنْ یَتَّعِظَ بِکُمْ مَنْ بَعْدَکُمْ وَ ارْفُضُوهَا ذَمِیمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ کَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْکُمْ.

قال الرضی رحمه اللّه و هذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلی معاویة و هی من کلام أمیر المؤمنین ع الذی لا یشک فیه و أین الذهب من الرغام و أین العذب من الأجاج و قد دل علی ذلک الدلیل الخریت و نقده الناقد البصیر عمرو بن بحر الجاحظ فإنه ذکر هذه الخطبة فی کتاب البیان و التبیین (1) و ذکر من نسبها إلی معاویة ثم تکلم من بعدها بکلام فی معناها جملته أنّه قال و هذا الکلام بکلام علی ع

ص :175

أشبه و بمذهبه فی تصنیف الناس و فی الإخبار عما هم علیه من القهر و الإذلال و من التقیة و الخوف ألیق قال و متی وجدنا معاویة فی حال من الأحوال یسلک فی کلامه مسلک الزهاد و مذاهب العباد

دهر عنود

جائر عند عن الطریق یعند بالضم أی عدل و جار و یمکن أن یکون من عند یعند بالکسر أی خالف و ردّ الحق و هو یعرفه إلاّ أن اسم الفاعل المشهور فی ذلک عاند و عنید و أمّا عنود فهو اسم فاعل من عند یعند بالضم.

قوله و زمن شدید أی بخیل و منه قوله تعالی وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَیْرِ لَشَدِیدٌ (1) أی و إنّه لبخیل لأجل حبّ الخیر و الخیر المال و قد روی و زمن کنود و هو الکفور قال تعالی إِنَّ الْإِنْسٰانَ لِرَبِّهِ لَکَنُودٌ (2) .

و القارعة الخطب الذی یقرع أی یصیب .

قوله و نضیض وفره أی قلة ماله و کان الأصل و نضاضة وفره لیکون المصدر فی مقابلة المصدر الأول و هو کلالة حده لکنه أخرجه علی باب إضافة الصفة إلی الموصوف کقولهم علیه سحق عمامة و جرد قطیفة و أخلاق ثیاب .

قوله و المجلب بخیله و رجله المجلب اسم فاعل من أجلب علیهم أی أعان علیهم.

و الرجل جمع راجل کالرکب جمع راکب و الشرب جمع شارب و هذا من ألفاظ الکتاب العزیز وَ أَجْلِبْ عَلَیْهِمْ بِخَیْلِکَ وَ رَجِلِکَ (3) .

ص :176

و أشرط نفسه أی هیأها و أعدها للفساد فی الأرض.

و أوبق دینه

أهلکه و الحطام المال و أصله ما تکسر من الیبیس.

ینتهزه یختلسه.

و المقنب خیل ما بین الثلاثین إلی الأربعین.

و یفرعه یعلوه و طامن من شخصه أی خفض و قارب من خطوه لم یسرع و مشی رویدا .

و شمر من ثوبه

قصره و زخرف من نفسه حسن و نمق و زین و الزخرف الذهب فی الأصل .

و ضئوله نفسه حقارتها و الناد المنفرد و المکعوم من کعمت البعیر إذا شددت فمه و الأجاج الملح .

و أفواههم ضامزة بالزای أی ساکنة قال بشر بن أبی خازم لقد ضمزت بجرتها سلیم مخافتنا کما ضمز الحمار (1) .

و القرظ ورق السلم یدبغ به و حثالته ما یسقط منه .

و الجلم المقص تجز به أوبار الإبل و قراضته ما یقع من قرضه و قطعه.

فإن قیل بینوا لنا تفصیل هذه الأقسام الأربعة قیل القسم الأوّل من یقعد به عن طلب الإمرة قلة ماله و حقارته فی نفسه.

و القسم الثانی من یشمر و یطلب الإمارة و یفسد فی الأرض و یکاشف.

و القسم الثالث من یظهر ناموس الدین و یطلب به الدنیا.

و القسم الرابع من لا مال له أصلا و لا یکاشف و یطلب الملک و لا یطلب الدنیا

ص :177

بالریاء و الناموس بل تنقطع أسبابه کلها فیخلد إلی القناعة و یتحلی بحلیة الزهادة فی اللذات الدنیویة لا طلبا للدنیا بل عجزا عن الحرکة فیها و لیس بزاهد علی الحقیقة.

فإن قیل فهاهنا قسم خامس قد ذکره ع و هم الأبرار الأتقیاء الذین أراق دموعهم خوف الآخرة.

قیل إنّه ع إنّما قال إن الناس علی أربعة أصناف و عنی بهم من عدا المتقین و لهذا قال لما انقضی التقسیم و بقی رجال غض أبصارهم ذکر المرجع فأبان بذلک عن أن هؤلاء خارجون عن الأقسام الأربعة

و منها قوله تعالی إِنَّمٰا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللّٰهِ لاٰ نُرِیدُ مِنْکُمْ جَزٰاءً وَ لاٰ شُکُوراً (1) .

و منها قوله تعالی اَلَّذِینَ هُمْ عَنْ صَلاٰتِهِمْ سٰاهُونَ اَلَّذِینَ هُمْ یُرٰاؤُنَ وَ یَمْنَعُونَ الْمٰاعُونَ (2)

294

14- وَ مِنَ الْأَخْبَارِ النَّبَوِیَّةِ قَوْلُهُ ص وَ قَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ یَا رَسُولَ اللَّهِ فِیمَ النَّجَاةُ فَقَالَ أَلاَّ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ تُرِیدُ بِهَا النَّاسَ .

295

وَ فِی الْحَدِیثِ مَنْ رَاءَی رَاءَی اللَّهُ بِهِ وَ مَنْ سَمِعَ سَمِعَ اللَّهُ بِهِ.

296

وَ فِی الْحَدِیثِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ لِلْمَلاَئِکَةِ إِنَّ هَذَا الْعَمَلَ لَمْ یُرِدْ صَاحِبُهُ بِهِ وَجْهِی فَاجْعَلُوهُ فِی سِجِّینٍ (3) .

297

14- وَ قَالَ ص إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَیْکُمُ الشِّرْکُ الْأَصْغَرُ قَالُوا وَ مَا الشِّرْکُ الْأَصْغَرُ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الرِّیَاءُ یَقُولُ اللَّهُ تَعَالَی إِذَا جَازَی الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَی الَّذِینَ کُنْتُمْ تُرَاءُونَهُمْ فِی الدُّنْیَا فَاطْلُبُوا جَزَاءَکُمْ مِنْهُمْ .

298

14- وَ فِی حَدِیثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَأَیْتُ اَلنَّبِیَّ ص یَبْکِی فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا یُبْکِیکَ فَقَالَ إِنِّی تَخَوَّفْتُ عَلَی أُمَّتِیَ الشِّرْکَ أَمَا إِنَّهُمْ لاَ یَعْبُدُونَ صَنَماً وَ لاَ شَمْساً وَ لاَ قَمَراً وَ لَکِنَّهُمْ یُرَاءُونَ بِأَعْمَالِهِمْ

.

و رأی عمر رجلا یتخشع و یطأطئ رقبته فی مشیته فقال له یا صاحب الرقبة ارفع رقبتک لیس الخشوع فی الرقاب.

و رأی أبو أمامة رجلا فی المسجد یبکی فی سجوده فقال له أنت أنت لو کان هذا فی بیتک.

ص :179

299

وَ قَالَ عَلِیٌّ ع

لِلْمُرَائِی أَرْبَعُ عَلاَمَاتٍ یَکْسَلُ إِذَا کَانَ وَحْدَهُ وَ یَنْشَطُ إِذَا کَانَ فِی النَّاسِ وَ یَزِیدُ فِی الْعَمَلِ إِذَا أُثْنِیَ عَلَیْهِ وَ یَنْقُصُ مِنْهُ إِذَا لَمْ یُثْنَ عَلَیْهِ .

و قال رجل لعبادة بن الصامت أقاتل بسیفی فی سبیل اللّه أرید به وجهه و محمدة الناس قال لا شیء لک فسأله ثلاث مرّات کل ذلک یقول لا شیء لک ثمّ قال فی الثالثة یقول اللّه تعالی أنا أغنی الأغنیاء عن الشرک الحدیث.

و ضرب عمر رجلا بالدرة ثمّ ظهر له أنّه لم یأت جرما فقال له اقتص منی فقال بل أدعها لله و لک قال ما صنعت شیئا إمّا أن تدعها لی فأعرف ذلک لک أو تدعها لله وحده.

و قال الحسن لقد صحبت أقواما إن کان أحدهم لتعرض له الکلمة لو نطق بها لنفعته و نفعت أصحابه ما یمنعه منها إلاّ مخافة الشهرة و إن کان أحدهم لیمر فیری الأذی علی الطریق فما یمنعه أن ینحیه إلاّ مخافة الشهرة.

و قال الفضیل کانوا یراءون بما یعملون و صاروا الیوم یراءون بما لا یعملون.

و قال عکرمة إن اللّه تعالی یعطی العبد علی نیته ما لا یعطیه علی عمله لأن النیة لا ریاء فیها.

و قال الحسن المرائی یرید أن یغلب قدر اللّه تعالی هو رجل سوء یرید أن یقول الناس هذا صالح و کیف یقولون و قد حل من ربّه محل الأردئاء (1) فلا بدّ لقلوب المؤمنین أن تعرفه.

و قال قتادة إذا راءی العبد قال اللّه تعالی لملائکته انظروا إلی عبدی یستهزئ بی.

و قال الفضیل من أراد أن ینظر مرائیا فلینظر إلی

ص :180

و قال محمّد بن المبارک الصوری أظهر السمت (1) باللیل فإنّه أشرف من سمتک بالنهار فإن سمت النهار للمخلوقین و سمت اللیل لرب العالمین.

و قال إبراهیم بن أدهم ما صدق اللّه من أحبّ أن یشتهر.

300

وَ مِنَ الْکَلاَمِ الْمَعْزُوِّ إِلَی عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ ع إِذَا کَانَ یَوْمُ صَوْمِ أَحَدِکُمْ فَلْیُدَهِّنْ رَأْسَهُ وَ لِحْیَتَهُ وَ لْیَمْسَحْ شَفَتَیْهِ لِئَلاَّ یَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ صَائِمٌ وَ إِذَا أَعْطَی بِیَمِینِهِ فَلْیُخْفِ عَنْ شِمَالِهِ وَ إِذَا صَلَّی فَلْیُرْخِ سَتْرَ بَابِهِ فَإِنَّ اللَّهَ یَقْسِمُ الثَّنَاءَ کَمَا یَقْسِمُ الرِّزْقَ.

و من کلام بعض الصالحین آخر ما یخرج من رءوس الصدیقین حبّ الرئاسة.

301

وَ رَوَی أَنَسُ بْنُ مَالِکٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّهُ قَالَ یَحْسَبُ الْمَرْءَ مِنَ الشَّرِّ إِلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنَ السُّوءِ أَنْ یُشِیرَ النَّاسُ إِلَیْهِ بِالْأَصَابِعِ فِی دِینِهِ وَ دُنْیَاهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ یَنْظُرُ إِلَی صُوَرِکُمْ وَ لَکِنْ یَنْظُرُ إِلَی قُلُوبِکُمْ وَ أَعْمَالِکُمْ.

302

وَ قَالَ عَلِیٌّ ع

تَبَذَّلْ لاَ تَشْتَهِرْ وَ لاَ تَرْفَعْ شَخْصَکَ لِتُذْکَرَ بِعِلْمٍ وَ اسْکُتْ وَ اصْمُتْ تَسْلَمْ تَسُرُّ الْأَبْرَارَ وَ تَغِیظُ الْفُجَّارَ .

و کان خالد بن معدان إذا کثرت حلقته قام مخافة الشهرة.

و رأی طلحة بن مصرف قوما یمشون معه نحو عشرة فقال فراش نار و ذبان طمع.

و قال سلیمان بن حنظلة بینا نحن حوالی أبی بن کعب نمشی إذ رآه عمر فعلاه بالدرة و قال له انظر من حولک إن الذی أنت فیه ذلة للتابع فتنة للمتبوع.

و خرج عبد اللّه بن مسعود من منزله فاتبعه قوم فالتفت إلیهم و قال علام تتبعوننی فو اللّه لو تعلمون منی ما أغلق علیه بابی لما تبعنی منکم اثنان.

و قال الحسن خفق النعال حول الرجال ممّا یثبت علیهم قلوب الحمقی.

ص :181

و روی أن رجلا صحب الحسن فی طریق فلما فارقه قال أوصنی رحمک اللّه قال إن استطعت أن تعرف و لا تعرف و تمشی و لا یمشی إلیک و تسأل و لا تسأل فافعل.

و خرج أیوب السختیانی فی سفر فشیعه قوم فقال لو لا أنی أعلم أن اللّه یعلم من قلبی أنی لهذا کاره لخشیت المقت من اللّه.

و عوتب أیوب علی تطویل قمیصه فقال إن الشهرة کانت فیما مضی فی طوله و هی الیوم فی قصره.

و قال بعضهم کنت مع أبی قلابة إذ دخل رجل علیه کساء فقال إیّاکم و هذا الحمار الناهق یشیر به إلی طالب شهرة.

و قال رجل لبشر بن الحارث أوصنی فقال أخمل ذکرک و طیب مطعمک.

و کان حوشب یبکی و یقول بلغ اسمی المسجد الجامع.

و قال بشر ما أعرف رجلا أحبّ أن یعرف إلاّ ذهب دینه و افتضح.

و قال أیضا لا یجد حلاوة الآخرة رجل یحب أن یعرفه الناس.

فهذه الآثار قلیل ممّا ورد عن الصالحین رحمهم اللّه فی ذمّ الریاء و کون الشهرة طریقا إلی الفتنة

لَوْ أَقْسَمَ عَلَی اللَّهِ لَأَبَرَّ قَسَمَهُ.

305

وَ فِی رِوَایَةِ اِبْنِ مَسْعُودٍ رُبَّ ذِی طِمْرَیْنِ لاَ یُؤْبَهُ لَهُ وَ لَوْ سَأَلَ اَلْجَنَّةَ لَأُعْطِیهَا.

306

وَ فِی الْحَدِیثِ أَیْضاً عَنْهُ ص أَ لاَ أَدُلُّکُمْ عَلَی أَهْلِ اَلْجَنَّةِ کُلُّ ضَعِیفٍ مُسْتَضْعَفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَی اللَّهِ لَأَبَرَّهُ أَ لاَ أَدُلُّکُمْ عَلَی أَهْلِ اَلنَّارِ کُلُّ مُتَکَبِّرٍ جَوَّاظٍ (1) .

307

وَ عَنْهُ ص أَنَّ أَهْلَ اَلْجَنَّةِ الشُّعْثُ الْغُبْرُ الَّذِینَ إِذَا اسْتَأْذَنُوا عَلَی الْأُمَرَاءِ لَمْ یُؤْذَنْ لَهُمْ وَ إِذَا خَطَبُوا لَمْ یُنْکَحُوا وَ إِذَا قَالُوا لَمْ یُنْصَتْ لَهُمْ حَوَائِجُ أَحَدِهِمْ تَتَلَجْلَجُ فِی صَدْرِهِ لَوْ قُسِمَ نُورُهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَلَی النَّاسِ لَوَسِعَهُمْ.

308

14- وَ رُوِیَ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ فَإِذَا بِمَعَاذِ بْنِ جَبَلٍ یَبْکِی عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ مَا یُبْکِیکَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِنَّ الْیَسِیرَ مِنَ الرِّیَاءِ لَشِرْکٌ وَ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْأَتْقِیَاءَ الْأَخْفِیَاءَ الَّذِینَ إِذَا غَابُوا لَمْ یُفْتَقَدُوا وَ إِذَا حَضَرُوا لَمْ یُعْرَفُوا قُلُوبُهُمْ مَصَابِیحُ الْهُدَی یُنْجَوْنَ مِنْ کُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ .

309

وَ قَالَ اِبْنُ مَسْعُودٍ کُونُوا یَنَابِیعَ الْعِلْمِ مَصَابِیحَ الْهُدَی أَحْلاَسَ الْبُیُوتِ سُرُجَ اللَّیْلِ جُدُدَ الْقُلُوبِ خُلْقَانَ الثِّیَابِ تُعْرَفُونَ عِنْدَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَ تُخْفَوْنَ عِنْدَ أَهْلِ الْأَرْضِ.

310

وَ فِی حَدِیثِ أَبِی أُمَامَةَ یَرْفَعُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِیَائِی لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَفِیفُ الْحَاذِ (2) ذُو حَظٍّ مِنْ صَلاَةٍ وَ قَدْ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَ أَطَاعَهُ فِی السِّرِّ وَ کَانَ غَامِضاً فِی النَّاسِ لاَ یُشَارُ إِلَیْهِ بِالْأَصَابِعِ.

311

وَ فِی الْحَدِیثِ السَّعِیدُ مَنْ خَمَلَ صِیتُهُ وَ قَلَّ تُرَاثُهُ وَ سَهُلَتْ مَنِیَّتُهُ وَ قَلَّتْ بَوَاکِیهِ.

ص :183

312

وَ قَالَ اَلْفُضَیْلُ رُوِیَ لِی أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ فِی بَعْضِ مَا یَمُنَّ بِهِ عَلَی عَبْدِهِ أَ لَمْ أُنْعِمْ عَلَیْکَ أَ لَمْ أَسْتُرْکَ أَ لَمْ أُخْمِلْ ذِکْرَکَ.

و کان الخلیل بن أحمد یقول فی دعائه اللّهمّ اجعلنی عندک من أرفع خلقک و اجعلنی عند نفسی من أوضع خلقک و اجعلنی عند الناس من أوسط خلقک و قال إبراهیم بن أدهم ما قرت عینی لیلة قط فی الدنیا إلاّ مرة بت لیلة فی بعض مساجد قری الشام و کان بی علة البطن فجرنی المؤذن برجلی حتّی أخرجنی من المسجد.

و قال الفضیل إن قدرت علی ألا تعرف فافعل و ما علیک ألا تعرف و ما علیک ألا یثنی علیک و ما علیک أن تکون مذموما عند الناس إذا کنت محمودا عند اللّه تعالی.

فإن قیل فما قولک فی شهرة الأنبیاء و الأئمة ع و أکابر الفقهاء المجتهدین قیل إن المذموم طلب الشهرة فأما وجودها من اللّه تعالی من غیر تکلف من العبد و لا طلب فلیس بمذموم بل لا بدّ من وجود إنسان یشتهر أمره فإن بطریقه ینصلح العالم و مثال ذلک الغرقی الذین بینهم غریق ضعیف الأولی به ألا یعرفه أحد منهم لئلا یتعلق به فیهلک و یهلکوا معه فإن کان بینهم سابح قوی مشهور بالقوة فالأولی ألا یکون مجهولا بل ینبغی أن یعرف لیتعلقوا به فینجو هو و یتخلصوا من الغرق بطریقه

ص :184

ذو قار

موضع قریب من البصرة و هو المکان الذی کانت فیه الحرب بین العرب و الفرس و نصرت العرب علی الفرس قبل الإسلام .

و یخصف نعله أی یخرزها .

و بوأهم محلتهم أسکنهم منزلهم أی ضرب الناس بسیفه علی الإسلام حتی أوصلهم إلیه و مثله و بلغهم منجاتهم إلاّ أن فی هذه الفاصلة ذکر النجاة مصرحا به .

فاستقامت قناتهم

استقاموا علی الإسلام أی کانت قناتهم معوجة فاستقامت .

و اطمأنت صفاتهم

کانت متقلقلة متزلزلة فاطمأنت و استقرت.

و هذه کلها استعارات .

ثمّ أقسم أنّه کان فی ساقتها حتّی تولت بحذافیرها الأصل فی ساقتها أن یکون جمع سائق کحائض و حاضة و حائک و حاکة ثمّ استعملت لفظة الساقة للأخیر لأن السائق إنّما یکون فی آخر الرکب أو الجیش .

و شبه ع أمر الجاهلیة إما بعجاجة ثائرة أو بکتیبة مقبلة للحرب فقال إنّی طردتها فولت بین یدی و لم أزل فی ساقتها أنا أطردها و هی تنطرد أمامی حتّی تولت بأسرها و لم یبق منها شیء ما عجزت عنها و لا جبنت منها .

ثمّ قال و إن مسیری هذا لمثلها فلأنقبن الباطل کأنّه جعل الباطل کشیء قد اشتمل علی الحق و احتوی علیه و صار الحق فی طیه کالشیء الکامن المستتر فیه فأقسم لینقبن ذلک الباطل إلی أن یخرج الحق من جنبه و هذا من باب الاستعارة أیضا .

ص :186

ثم قال لقد قاتلت قریشا کافرین و لأقاتلنهم مفتونین لأن الباغی علی الإمام مفتون فاسق.

و هذا الکلام یؤکد قول أصحابنا إن أصحاب صفین و الجمل لیسوا بکفار خلافا للإمامیة فإنهم یزعمون أنهم کفّار

أَصْحَابَهُ فَوَعَظَهُمْ وَ ذَکَّرَهُمُ اللَّهَ وَ زَهَّدَهُمْ فِی الدُّنْیَا وَ رَغَّبَهُمْ فِی الْآخِرَةِ وَ قَالَ لَهُمْ الْحَقُوا بِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ وَصِیِّ سَیِّدِ الْمُرْسَلِینَ فَإِنَّ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَنْصُرُوهُ وَ هَذَا اَلْحَسَنُ ابْنُهُ وَ عَمَّارٌ قَدْ قَدِمَا اَلْکُوفَةَ یَسْتَنْفِرَانِ النَّاسَ فَانْفِرُوا.

قَالَ فَنَفَرَ أَصْحَابُ حُذَیْفَةَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ مَکَثَ حُذَیْفَةُ بَعْدَ ذَلِکَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَیْلَةً وَ تُوُفِّیَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَ قَالَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ الْمِرْقَالُ یَذْکُرُ نُفُورَهُمْ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ سِرْنَا إِلَی خَیْرِ الْبَرِیَّةِ کُلِّهَا

قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ فَلَمَّا قَدِمَ أَهْلُ اَلْکُوفَةِ عَلَی عَلِیٍّ ع سَلَّمُوا عَلَیْهِ وَ قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِی اخْتَصَّنَا بِمُوَازَرَتِکَ وَ أَکْرَمَنَا بِنُصْرَتِکَ قَدْ أَجَبْنَاکَ طَائِعِینَ غَیْرَ مُکْرَهِینَ فَمُرْنَا بِأَمْرِکَ.

قَالَ فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی رَسُولِهِ وَ قَالَ مَرْحَباً بِأَهْلِ اَلْکُوفَةِ بُیُوتَاتُ اَلْعَرَبِ وَ وُجُوهُهَا وَ أَهْلُ الْفَضْلِ وَ فُرْسَانُهَا وَ أَشَدُّ اَلْعَرَبِ مَوَدَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ لِأَهْلِ بَیْتِهِ وَ لِذَلِکَ بَعَثْتُ إِلَیْکُمْ وَ اسْتَصْرَخْتُکُمْ عِنْدَ نَقْضِ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرِ بَیْعَتِی عَنْ غَیْرِ جَوْرٍ مِنِّی وَ لاَ حَدَثٍ وَ لَعَمْرِی لَوْ لَمْ تَنْصُرُونِی بِأَهْلِ اَلْکُوفَةِ لَرَجَوْتُ أَنْ یَکْفِیَنِی اللَّهُ غَوْغَاءَ النَّاسِ وَ طَغَامَ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ مَعَ أَنَّ عَامَّةَ مَنْ بِهَا وَ وُجُوهَهَا وَ أَهْلَ الْفَضْلِ وَ الدِّینِ قَدِ اعْتَزَلُوهَا وَ رَغِبُوا عَنْهَا فَقَامَ رُءُوسُ القَبَائِلِ فَخَطَبُوا وَ بَذَلُوا لَهُ النَّصْرَ فَأَمَرَهُمْ بِالرَّحِیلِ إِلَی اَلْبَصْرَةِ

.

ص :188

لَکُمْ وَ تَوْفِیرُ فَیْئِکُمْ عَلَیْکُمْ وَ تَعْلِیمُکُمْ کَیْلاَ تَجْهَلُوا وَ تَأْدِیبُکُمْ کَیْمَا تَعْلَمُوا وَ أَمَّا حَقِّی عَلَیْکُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَیْعَةِ وَ النَّصِیحَةُ فِی الْمَشْهَدِ وَ الْمَغِیبِ وَ الْإِجَابَةُ حِینَ أَدْعُوکُمْ وَ الطَّاعَةُ حِینَ آمُرُکُمْ .

أف لکم

کلمة استقذار و مهانة و فیها لغات و یرتج یغلق و الحوار المحاورة و المخاطبة و تعمهون من العمه و هو التحیر و التردد الماضی عمه بالکسر .

و قوله دارت أعینکم من قوله تعالی یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ نَظَرَ الْمَغْشِیِّ عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ (1) و من قوله تَدُورُ أَعْیُنُهُمْ کَالَّذِی یُغْشیٰ عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ (2) .

و قلوبکم مألوسة من الألس بسکون اللام و هو الجنون و اختلاط العقل .

قوله ما أنتم لی بثقة سجیس اللیالی کلمة تقال للأبد تقول لا أفعله سجیس اللیالی و سجیس عجیس و سجیس الأوجس معنی ذلک کله الدهر و الزمان و أبدا .

قوله ما أنتم برکن یمال بکم أی لستم برکن یستند إلیکم و یمال علی العدو بعزکم و قوتکم .

قوله و لا زوافر عز جمع زافرة و زافرة الرجل أنصاره و عشیرته و یجوز أن یکون زوافر عزّ أی حوامل عزّ زفرت الجمل أزفره زفرا أی حملته .

قوله سعر نار الحرب جمع ساعر کقولک قوم کظم للغیظ جمع کاظم

ص :190

و تمتعضون تأنفون و تغضبون و حمس الوغی اشتد و أصل الوغی الصوت و الجلبة ثمّ سمیت الحرب نفسها وغی لما فیها من الأصوات و الجلبة و استحر الموت أی اشتد .

و قوله انفرجتم انفراج الرأس أی کما ینفلق الرأس فیذهب نصفه یمنة و نصفه شامة و المشرفیة السیوف المنسوبة إلی مشارف و هی قری من أرض العرب تدنو من الریف و لا یقال مشارفی کما لا یقال جعافری لمن ینسب إلی جعافر .

و فراش الهام العظام الخفیفة تلی القحف.

و قال الراوندیّ فی تفسیر قوله انفراج الرأس أراد به انفرجتم عنی رأسا أی قطعا و عرفه بالألف و اللام و هذا غیر صحیح لأن رأسا لا یعرف قال و له تفسیر آخر أن یکون المعنی انفراج رأس من أدنی رأسه إلی غیره ثمّ حرف رأسه عنه.

و هذا أیضا غیر صحیح لأنّه لا خصوصیة للرأس فی ذلک فإن الید و الرجل إذا أدنیتهما من شخص ثمّ حرفتهما عنه فقد انفرج ما بین ذلک العضو و بینه فأی معنی لتخصیص الرأس بالذکر .

فأما قوله أنت فکن ذاک فإنه إنّما خاطب من یمکن عدوه من نفسه کائنا من کان غیر معین و لا مخصص و لکن الروایة وردت بأنّه خاطب بذلک الأشعث بن قیس فإنه

315

1- رُوِیَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ع وَ هُوَ یَخْطُبُ وَ یَلُومُ النَّاسَ عَلَی تَثْبِیطِهِمْ وَ تَقَاعُدِهِمْ هَلاَّ فَعَلْتَ فِعْلَ اِبْنِ عَفَّانَ فَقَالَ لَهُ إِنَّ فِعْلَ اِبْنِ عَفَّانَ لَمَخْزَاةٌ عَلَی مَنْ لاَ دِینَ لَهُ وَ لاَ وَثِیقَةَ مَعَهُ إِنَّ امْرَأً أَمْکَنَ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ یَهْشِمُ عَظْمَهُ وَ یَفْرِی جِلْدَهُ لَضَعِیفٌ رَأْیُهُ مَأْفُونٌ عَقْلُهُ أَنْتَ فَکُنْ ذَاکَ إِنْ أَحْبَبْتَ فَأَمَّا أَنَا فَدُونَ أَنْ أُعْطِیَ ذَاکَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِیَّةِ

. الفصل.

ص :191

و یمکن أن تکون الروایة صحیحة و الخطاب عام لکل من أمکن من نفسه فلا منافاة بینهما.

و قد نظمت أنا هذه الألفاظ فی أبیات کتبتها إلی صاحب لی فی ضمن مکتوب اقتضاها و هی إن امرأ أمکن من نفسه

316

1- خَطَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَمْرِ اَلْخَوَارِجِ وَ قَدْ کَانَ قَامَ بِالنَّهْرَوَانِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ نَصْرَکُمْ فَتَوَجَّهُوا مِنْ فَوْرِکُمْ هَذَا إِلَی عَدُوِّکُمْ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ .

فَقَامُوا إِلَیْهِ فَقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ نَفِدَتْ نِبَالُنَا وَ کَلَّتْ سُیُوفُنَا وَ انْصَلَتَتْ (1) أَسِنَّةُ رِمَاحِنَا وَ عَادَ أَکْثَرُهَا قِصَداً (2) ارْجِعْ بِنَا إِلَی مِصْرِنَا نَسْتَعِدَّ بِأَحْسَنِ عُدَّتِنَا وَ لَعَلَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ یَزِیدُ فِی عَدَدِنَا مِثْلَ مَنْ هَلَکَ مِنَّا فَإِنَّهُ أَقْوَی لَنَا عَلَی عَدُوِّنَا.

ص :192

فَکَانَ جَوَابُهُ ع یٰا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِی کَتَبَ اللّٰهُ لَکُمْ وَ لاٰ تَرْتَدُّوا عَلیٰ أَدْبٰارِکُمْ فَتَنْقَلِبُوا خٰاسِرِینَ (1) .

فَتَلَکَّئُوا عَلَیْهِ وَ قَالُوا إِنَّ الْبَرْدَ شَدِیدٌ.

فَقَالَ إِنَّهُمْ یَجِدُونَ الْبَرْدَ کَمَا تَجِدُونَ فَتَلَکَّئُوا وَ أَبَوْا فَقَالَ أُفٍّ لَکُمْ إِنَّهَا سُنَّةٌ جَرَتْ ثُمَّ تَلاَ قَوْلَهُ تَعَالَی قٰالُوا یٰا مُوسیٰ إِنَّ فِیهٰا قَوْماً جَبّٰارِینَ وَ إِنّٰا لَنْ نَدْخُلَهٰا حَتّٰی یَخْرُجُوا مِنْهٰا فَإِنْ یَخْرُجُوا مِنْهٰا فَإِنّٰا دٰاخِلُونَ (2) .

فَقَامَ مِنْهُمْ نَاسٌ فَقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ الْجِرَاحُ (3) فَاشِیَةٌ فِی النَّاسِ وَ کَانَ أَهْلُ اَلنَّهْرَوَانِ قَدْ أَکْثَرُوا الْجِرَاحَ فِی عَسْکَرِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَارْجِعْ إِلَی اَلْکُوفَةِ فَأَقِمْ بِهَا أَیَّاماً ثُمَّ اخْرُجْ خَارَ اللَّهُ لَکَ فَرَجَعَ إِلَی اَلْکُوفَةِ عَنْ غَیْرِ رِضًا

.

قَالَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ فَخَطَبَ النَّاسَ بِالْکُوفَةِ وَ هِیَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ حَرْبِ اَلْخَوَارِجِ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ اسْتَعِدُّوا لِقِتَالِ عَدُوٍّ فِی جِهَادِهِمُ الْقُرْبَةُ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ دَرْکُ الْوَسِیلَةِ عِنْدَهُ قَوْمٍ حَیَارَی عَنِ الْحَقِّ لاَ یُبْصِرُونَهُ مُوزَعِینَ (1) بِالْجَوْرِ وَ الظُّلْمِ لاَ یَعْدِلُونَ بِهِ جُفَاةٍ عَنِ اَلْکِتَابِ نُکُبٍ عَنِ الدِّینِ یَعْمَهُونَ فِی الطُّغْیَانِ وَ یَتَسَکَّعُونَ فِی غَمْرَةِ الضَّلاَلِ فَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَیْلِ وَ تَوَکَّلُوا عَلَی اللَّهِ وَ کَفیٰ بِاللّٰهِ وَکِیلاً .

قَالَ فَلَمْ یَنْفِرُوا وَ لَمْ یَنْشُرُوا (2) فَتَرَکَهُمْ أَیَّاماً ثُمَّ خَطَبَهُمْ فَقَالَ أُفٍّ لَکُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَکُمْ أَ رَضِیتُمْ بِالْحَیٰاةِ الدُّنْیٰا مِنَ الْآخِرَةِ عِوَضاً الْفَصْلُ الَّذِی شَرَحْنَاهُ آنِفاً إِلَی آخِرِهِ وَ زَادَ فِیهِ أَنْتُمْ أَسْوَدُ الشِّرَی فِی الدَّعَةِ وَ ثَعَالِبُ رَوَّاغَةٌ حِینَ الْبَأْسِ إِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْیَقْظَانُ أَلاَ إِنَّ الْمَغْلُوبَ مَقْهُورٌ وَ مَسْلُوبٌ .

318

وَ رَوَی اَلْأَعْمَشُ عَنِ اَلْحَکَمِ بْنِ عُتَیْبَةَ عَنْ قَیْسِ بْنِ أَبِی حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع عَلَی مِنْبَرِ اَلْکُوفَةِ وَ هُوَ یَقُولُ

یَا أَبْنَاءَ اَلْمُهَاجِرِینَ انْفِرُوا إِلَی أَئِمَّةِ الْکُفْرِ وَ بَقِیَّةِ اَلْأَحْزَابِ وَ أَوْلِیَاءِ اَلشَّیْطَانِ انْفِرُوا إِلَی مَنْ یُقَاتِلُ عَلَی دَمِ حَمَّالِ الْخَطَایَا فَوَ اللَّهِ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَیَحْمِلُ خَطَایَاهُمْ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ لاَ یَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَیْئاً .

قلت هذا قیس بن أبی حازم و هو الذی

319

رَوَی حَدِیثَ إِنَّکُمْ لَتَرَوْنَ رَبَّکُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ کَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَیْلَةَ الْبَدْرِ لاَ نضامون [تُضَامُونَ]

فِی رُؤْیَتِهِ.

و قَدْ طَعَنَ مَشَایِخُنَا الْمُتَکَلِّمُونَ فِیهِ وَ قَالُوا إِنَّهُ فَاسِقٌ وَ لاَ تُقْبَلُ رِوَایَتُهُ لِأَنَّهُ

320

1- قَالَ إِنِّی سَمِعْتُ عَلِیّاً یَخْطُبُ عَلَی مِنْبَرِ اَلْکُوفَةِ

ص :194

وَ یَقُولُ

اِنْفِرُوا إِلَی بَقِیَّةِ اَلْأَحْزَابِ

.

فأبغضته و دخل بغضه فی قلبی و من یبغض علیا ع لا تقبل روایته.

فإن قیل فما یقول مشایخکم فی

321

قَوْلِهِ ع

اِنْفِرُوا إِلَی مَنْ یُقَاتِلُ عَلَی دَمِ حَمَّالِ الْخَطَایَا .

أ لیس هذا طعنا منه ع فی عثمان قیل الأشهر الأکثر فی الروایة صدر الحدیث و أمّا عجز الحدیث فلیس بمشهور تلک الشهرة و إن صح حملناه علی أنّه أراد به معاویة و سمی ناصریه مقاتلین علی دمه لأنّهم یحامون عن دمه و من حامی عن دم إنسان فقد قاتل علیه.

322

1- وَ رَوَی أَبُو نُعَیْمٍ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الثَّقَفِیُّ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِی عَبْسٍ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ هُوَ یَخْطُبُ بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ عَلَی مِنْبَرِ اَلْکُوفَةِ فَقَالَتْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ثَلاَثٌ بَلْبَلْنَ الْقُلُوبَ عَلَیْکَ قَالَ وَ مَا هُنَّ وَیْحَکَ قَالَتْ رِضَاکَ بِالْقَضِیَّةِ وَ أَخْذُکَ بِالدَّنِیَّةِ وَ جَزَعُکَ عِنْدَ الْبَلِیَّةِ فَقَالَ إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ فَاذْهَبِی فَاجْلِسِی عَلَی ذَیْلِکِ فَقَالَتْ لاَ وَ اللَّهِ مَا مِنْ جُلُوسٍ إِلاَّ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّیُوفِ

.

323

وَ رَوَی عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ الْجُعْفِیُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَفِیعِ بْنِ فَرْقَدٍ الْبَجَلِیِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع یَقُولُ

یَا أَهْلَ اَلْکُوفَةِ لَقَدْ ضَرَبْتُکُمْ بِالدِّرَّةِ الَّتِی أَعِظُ بِهَا السُّفَهَاءَ فَمَا أَرَاکُمْ تَنْتَهُونَ وَ لَقَدْ ضَرَبْتُکُمْ بِالسِّیَاطِ الَّتِی أُقِیمُ بِهَا الْحُدُودَ فَمَا أَرَاکُمْ تَرْعَوُونَ فَلَمْ یَبْقَ إِلاَّ أَنْ أَضْرِبَکُمْ بِسَیْفِی وَ إِنِّی لَأَعْلَمُ مَا یُقَوِّمُکُمْ وَ لَکِنِّی لاَ أُحِبُّ أَنْ أَلِیَ ذَلِکَ مِنْکُمْ وَا عَجَباً لَکُمْ وَ لِأَهْلِ اَلشَّامِ أَمِیرُهُمْ یَعْصِی اللَّهَ وَ هُمْ یُطِیعُونَهُ وَ أَمِیرُکُمْ یُطِیعُ اللَّهَ وَ أَنْتُمْ تَعْصُونَهُ وَ اللَّهِ لَوْ ضَرَبْتُ خَیْشُومَ الْمُؤْمِنِ بِسَیْفِی هَذَا عَلَی أَنْ یُبْغِضَنِی مَا أَبْغَضَنِی وَ لَوْ سُقْتُ الدُّنْیَا بِحَذَافِیرِهَا إِلَی الْکَافِرِ لَمَا أَحَبَّنِی وَ ذَلِکَ أَنَّهُ قُضِیَ مَا قُضِیَ عَلَی لِسَانِ اَلنَّبِیِّ الْأُمِّیِّ أَنَّهُ لاَ یُبْغِضُنِی

ص :195

مُؤْمِنٌ وَ لاَ یُحِبُّنِی کَافِرٌ وَ قَدْ خٰابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً وَ اللَّهِ لَتَصْبِرُنَّ یَا أَهْلَ اَلْکُوفَةِ عَلَی قِتَالِ عَدُوِّکُمْ أَوْ لَیُسَلِّطَنَّ اللَّهُ عَلَیْکُمْ قَوْماً أَنْتُمْ أَوْلَی بِالْحَقِّ مِنْهُمْ فَلَیُعَذِّبَنَّکُمْ أَ فَمِنْ قَتْلَةٍ بِالسَّیْفِ تَحِیدُونَ إِلَی مَوْتَةٍ عَلَی الْفِرَاشِ وَ اللَّهِ لَمَوْتَةٌ عَلَی الْفِرَاشِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبَةِ أَلْفِ سَیْفٍ .

قلت ما أحسن قول أبی العیناء و قد قال له المتوکل إلی متی تمدح الناس و تهجوهم فقال ما أحسنوا و أساءوا و هذا أمیر المؤمنین ع و هو سید البشر بعد رسول اللّه ص یمدح الکوفة و أهلها عقیب الانتصار علی أصحاب الجمل بما قد ذکرنا بعضه و سنذکر باقیه مدحا لیس بالیسیر و لا بالمستصغر و یقول للکوفة عند نظره إلیها أهلا بک و بأهلک ما أرادک جبار بکید إلاّ قصمه اللّه و یثنی علیها و علی أهلها حسب ذمه للبصرة و عیبه لها و دعائه علیها و علی أهلها فلما خذله أهل الکوفة یوم التحکیم و تقاعدوا عن نصره علی أهل الشام و خرج منهم الخوارج و مرق منهم المراق ثمّ استنفرهم بعد فلم ینفروا و استصرخهم فلم یصرخوا (1) و رأی منهم دلائل الوهن و أمارات الفشل انقلب ذلک المدح ذما و ذلک الثناء استزادة و تقریعا و تهجینا.

و هذا أمر مرکوز فی طبیعة البشر و قد کان رسول اللّه ص کذلک و القرآن العزیز أیضا کذلک أثنی علی الأنصار لما نهضوا و ذمهم لما قعدوا فی غزاة تبوک فقال فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاٰفَ رَسُولِ اللّٰهِ وَ کَرِهُوا أَنْ یُجٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللّٰهِ (2) الآیات إلی أن رضی اللّه عنهم فقال وَ عَلَی

ص :196

الثَّلاٰثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا أی عن رسول اللّه حَتّٰی إِذٰا ضٰاقَتْ عَلَیْهِمُ الْأَرْضُ بِمٰا رَحُبَتْ الآیة (1)

أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ عَمَلِنَا وَ سِیرَتِنَا بِالْعَدْلِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ مَنْ عَمِلَ صٰالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَسٰاءَ فَعَلَیْهٰا وَ مٰا رَبُّکَ بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِیدِ (1) وَ أَنَا مِنْ أَنْ أَکُونَ مُقَصِّراً فِیمَا ذَکَرْتُ أَخْوَفُ وَ أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ ثَقُلَ عَلَیْهِمْ فَفَارَقُونَا لِذَلِکَ فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَمْ یُفَارِقُونَا مِنْ جَوْرٍ وَ لاَ لَجَئُوا إِذْ فَارَقُونَا إِلَی عَدْلٍ وَ لَمْ یَلْتَمِسُوا إِلاَّ دُنْیَا زَائِلَةً عَنْهُمْ کَأَنْ قَدْ فَارَقُوهَا وَ لْیُسْأَلَنَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَ لِلدُّنْیَا أَرَادُوا أَمْ لِلَّهِ عَمِلُوا وَ أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ بَذْلِ الْأَمْوَالِ وَ اصْطِنَاعِ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ لاَ یَسَعُنَا أَنْ نُؤْتِیَ امْرَأً مِنَ الْفَیْءِ أَکْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی وَ قَوْلُهُ الْحَقُّ کَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً کَثِیرَةً بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ مَعَ الصّٰابِرِینَ (2) وَ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً ص وَحْدَهُ فَکَثَّرَهُ بَعْدَ الْقِلَّةِ وَ أَعَزَّ فِئَتَهُ بَعْدَ الذِّلَّةِ وَ إِنْ یُرِدِ اللَّهُ أَنْ یُوَلِّیَنَا هَذَا الْأَمْرَ یُذَلِّلْ لَنَا صَعْبَهُ وَ یُسَهِّلْ لَنَا حَزْنَهُ وَ أَنَا قَابِلٌ مِنْ رَأْیِکَ مَا کَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ رِضًا وَ أَنْتَ مِنْ آمَنِ النَّاسِ عِنْدِی وَ أَنْصَحِهِمْ لِی وَ أَوْثَقِهِمْ فِی نَفْسِی إِنْ شَاءَ اللَّهُ

.

325

1- وَ ذَکَرَ اَلشَّعْبِیُّ قَالَ دَخَلْتُ اَلرَّحَبَةَ بِالْکُوفَةِ وَ أَنَا غُلاَمٌ فِی غِلْمَانٍ فَإِذَا أَنَا بِعَلِیٍّ ع قَائِماً عَلَی صُبْرَتَیْنِ (3) مِنْ ذَهَبٍ وَ فِضَّةٍ وَ مَعَهُ مِخْفَقَةٌ وَ هُوَ یَطْرُدُ النَّاسَ بِمِخْفَقَتِهِ ثُمَّ یَرْجِعُ إِلَی الْمَالِ فَیَقْسِمُهُ بَیْنَ النَّاسِ حَتَّی لَمْ یَبْقَ مِنْهُ شَیْءٌ ثُمَّ انْصَرَفَ وَ لَمْ یَحْمِلْ إِلَی بَیْتِهِ قَلِیلاً وَ لاَ کَثِیراً فَرَجَعْتُ إِلَی أَبِی فَقُلْتُ لَهُ لَقَدْ رَأَیْتُ الْیَوْمَ خَیْرَ النَّاسِ أَوْ أَحْمَقَ النَّاسِ قَالَ مَنْ هُوَ یَا بُنَیَّ قُلْتُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ رَأَیْتُهُ یَصْنَعُ کَذَا فَقَصَصْتُ عَلَیْهِ فَبَکَی وَ قَالَ یَا بُنَیَّ بَلْ رَأَیْتَ خَیْرَ النَّاسِ

.

ص :198

326

1- وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ فُضَیْلٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ عَنْ زَاذَانَ قَالَ انْطَلَقْتُ مَعَ قَنْبَرٍ غُلاَمِ عَلِیٍّ ع فَإِذَا هُوَ یَقُولُ قُمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَدْ خَبَأْتُ لَکَ خَبِیئاً قَالَ وَ مَا هُوَ وَیْحَکَ قَالَ قُمْ مَعِی فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَی بَیْتِهِ وَ إِذَا بِغَرَارَةٍ مَمْلُوءَةٍ مِنْ جَامَاتٍ ذَهَباً وَ فِضَّةً فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ رَأَیْتُکَ لاَ تَتْرُکُ شَیْئاً إِلاَّ قَسَمْتَهُ فَادَّخَرْتُ لَکَ هَذَا مِنْ بَیْتِ الْمَالِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَیْحَکَ یَا قَنْبَرُ لَقَدْ أَحْبَبْتَ أَنْ تُدْخِلَ بَیْتِی نَاراً عَظِیمَةً ثُمَّ سَلَّ سَیْفَهُ وَ ضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ کَثِیرَةً فَانْتَثَرَتْ مِنْ بَیْنِ إِنَاءٍ مَقْطُوعٍ نِصْفُهُ وَ آخَرَ ثُلُثُهُ وَ نَحْوَ ذَلِکَ ثُمَّ دَعَا بِالنَّاسِ فَقَالَ اِقْسِمُوهُ بِالْحِصَصِ ثُمَّ قَامَ إِلَی بَیْتِ الْمَالِ فَقَسَمَ مَا وَجَدَ فِیهِ ثُمَّ رَأَی فِی الْبَیْتِ إِبَراً وَ مَسَالَّ فَقَالَ وَ لْتَقْسِمُوا هَذَا فَقَالُوا لاَ حَاجَةَ لَنَا فِیهِ وَ قَدْ کَانَ عَلِیٌّ ع یَأْخُذُ مِنْ کُلِّ عَامِلٍ مِمَّا یَعْمَلُ فَضَحِکَ وَ قَالَ لَیُؤْخَذَنَّ شَرُّهُ مَعَ خَیْرِهِ

.

327

1- وَ رَوَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَجْلاَنَ قَالَ کَانَ عَلِیٌّ ع یَقْسِمُ بَیْنَ النَّاسِ الْأَبْزَارَ وَ الْحُرْفَ (1) وَ الْکَمُّونَ وَ کَذَا وَ کَذَا .

328

1- وَ رَوَی مُجَمِّعٌ التَّیْمِیُّ قَالَ کَانَ عَلِیٌّ ع یَکْنِسُ بَیْتَ الْمَالِ کُلَّ جُمُعَةٍ وَ یُصَلِّی فِیهِ رَکْعَتَیْنِ وَ یَقُولُ لِیَشْهَدَ لِی یَوْمَ الْقِیَامَةِ .

329

1- وَ رَوَی بَکْرُ بْنُ عِیسَی عَنْ عَاصِمِ بْنِ کُلَیْبٍ الْجَرْمِیِّ عَنْ أَبِیهِ قَالَ شَهِدْتُ عَلِیّاً ع وَ قَدْ جَاءَهُ مَالٌ مِنَ اَلْجَبَلِ فَقَامَ وَ قُمْنَا مَعَهُ وَ جَاءَ النَّاسُ یَزْدَحِمُونَ فَأَخَذَ حِبَالاً فَوَصَلَهَا بِیَدِهِ وَ عَقَدَ بَعْضَهَا إِلَی بَعْضٍ ثُمَّ أَدَارَهَا حَوْلَ الْمَالِ وَ قَالَ لاَ أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ یُجَاوِزَ هَذَا الْحَبْلَ قَالَ فَقَعَدَ النَّاسُ کُلُّهُمْ مِنْ وَرَاءِ الْحَبْلِ وَ دَخَلَ هُوَ فَقَالَ أَیْنَ رُءُوسُ الْأَسْبَاعِ وَ کَانَتِ اَلْکُوفَةُ یَوْمَئِذٍ أَسْبَاعاً فَجَعَلُوا یَحْمِلُونَ هَذِهِ الْجُوَالِقَ إِلَی هَذِهِ الْجُوَالِقِ وَ هَذَا إِلَی هَذَا حَتَّی اسْتَوَتِ الْقِسْمَةُ سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ وَ وُجِدَ مَعَ الْمَتَاعِ

ص :199

رَغِیفٌ فَقَالَ اِکْسِرُوهُ سَبْعَ کِسَرٍ وَ ضَعُوا عَلَی کُلِّ جُزْءٍ کِسْرَةً ثُمَّ قَالَ هَذَا جَنَایَ وَ خِیَارُهُ فِیهِ إِذْ کُلُّ جَانٍ یَدُهُ إِلَی فِیهِ (1) .

ثُمَّ أَقْرَعَ عَلَیْهَا وَ دَفَعَهَا إِلَی رُءُوسِ الْأَسْبَاعِ فَجَعَلَ کُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ یَدْعُو قَوْمَهُ فَیَحْمِلُونَ الْجُوَالِیقَ

.

330

1- وَ رَوَی مُجَمِّعٌ عَنْ أَبِی رَجَاءٍ قَالَ أَخْرَجَ عَلِیٌّ ع سَیْفاً إِلَی السُّوقِ فَقَالَ مَنْ یَشْتَرِی مِنِّی هَذَا فَوَ الَّذِی نَفْسُ عَلِیٍّ بِیَدِهِ لَوْ کَانَ عِنْدِی ثَمَنُ إِزَارٍ مَا بِعْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ أَنَا أَبِیعُکَ إِزَاراً وَ أُنْسِئُکَ ثَمَنَهُ إِلَی عَطَائِکَ فَدَفَعْتُ إِلَیْهِ إِزَاراً إِلَی عَطَائِهِ فَلَمَّا قَبَضَ عَطَاءَهُ دَفَعَ إِلَیَّ ثَمَنَ الْإِزَارِ

.

331

1- وَ رَوَی هَارُونُ بْنُ سَعِیدٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ لِعَلِیٍّ ع یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَوْ أَمَرْتَ لِی بِمَعُونَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ فَوَ اللَّهِ مَا لِی نَفَقَةٌ إِلاَّ أَنْ أَبِیعَ دَابَّتِی فَقَالَ لاَ وَ اللَّهِ مَا أَجِدُ لَکَ شَیْئاً إِلاَّ أَنْ تَأْمُرَ عَمَّکَ أَنْ یَسْرِقَ فَیُعْطِیَکَ .

332

1- وَ رَوَی بَکْرُ بْنُ عِیسَی قَالَ کَانَ عَلِیٌّ ع یَقُولُ یَا أَهْلَ اَلْکُوفَةِ إِذَا أَنَا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِکُمْ بِغَیْرِ رَاحِلَتِی وَ رَحْلِی وَ غُلاَمِی فُلاَنٍ فَأَنَا خَائِنٌ فَکَانَتْ نَفَقَتُهُ تَأْتِیهِ مِنْ غَلَّتِهِ بِالْمَدِینَةِ بِیَنْبُعَ وَ کَانَ یُطْعِمُ النَّاسَ مِنْهَا الْخُبْزَ وَ اللَّحْمَ وَ یَأْکُلُ هُوَ الثَّرِیدَ بِالزَّیْتِ .

333

1- وَ رَوَی أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِیُّ أَنَّ امْرَأَتَیْنِ أَتَتَا عَلِیّاً ع إِحْدَاهُمَا مِنَ اَلْعَرَبِ وَ الْأُخْرَی مِنَ اَلْمَوَالِی فَسَأَلَتَاهُ فَدَفَعَ إِلَیْهِمَا دَرَاهِمَ وَ طَعَاماً بِالسَّوَاءِ فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا

ص :200

إِنِّی امْرَأَةٌ مِنَ اَلْعَرَبِ وَ هَذِهِ مِنَ اَلْعَجَمِ فَقَالَ إِنِّی وَ اللَّهِ لاَ أَجِدُ لِبَنِی إِسْمَاعِیلَ فِی هَذَا الْفَیْءِ فَضْلاً عَلَی بَنِی إِسْحَاقَ

.

334

1- وَ رَوَی مُعَاوِیَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع قَالَ مَا اعْتَلَجَ عَلَی عَلِیٍّ ع أَمْرَانِ فِی ذَاتِ اللَّهِ إِلاَّ أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا وَ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ کَانَ یَأْکُلُ یَا أَهْلَ اَلْکُوفَةِ عِنْدَکُمْ مِنْ مَالِهِ بِالْمَدِینَةِ وَ إِنْ کَانَ لَیَأْخُذُ السَّوِیقَ فَیَجْعَلُهُ فِی جِرَابٍ وَ یَخْتِمُ عَلَیْهِ مَخَافَةَ أَنْ یُزَادَ عَلَیْهِ مِنْ غَیْرِهِ وَ مَنْ کَانَ أَزْهَدَ فِی الدُّنْیَا مِنْ عَلِیٍّ ع .

335

1,14- وَ رَوَی اَلنَّضْرُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَی عَلِیٍّ ع فَإِذَا بَیْنَ یَدَیْهِ لَبَنٌ حَامِضٌ آذَتْنِی حُمُوضَتُهُ وَ کِسَرٌ یَابِسَةٌ فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ تَأْکُلُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ لِی یَا أَبَا الْجَنُوبِ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ یَأْکُلُ أَیْبَسَ مِنْ هَذَا وَ یَلْبَسُ أَخْشَنَ مِنْ هَذَا وَ أَشَارَ إِلَی ثِیَابِهِ فَإِنْ أَنَا لَمْ آخُذْ بِمَا أَخَذَ بِهِ خِفْتُ أَلاَّ أَلْحَقَ بِهِ

.

336

1,14- وَ رَوَی عِمْرَانُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ سُوَیْدِ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَی عَلِیٍّ ع بِالْکُوفَةِ فَإِذَا بَیْنَ یَدَیْهِ قَعْبُ لَبَنٍ أَجِدُ رِیحَهُ مِنْ شِدَّةِ حُمُوضَتِهِ وَ فِی یَدِهِ رَغِیفٌ تُرَی قُشَارُ الشَّعِیرِ عَلَی وَجْهِهِ وَ هُوَ یَکْسِرُهُ وَ یَسْتَعِینُ أَحْیَاناً بِرُکْبَتِهِ وَ إِذَا جَارِیَتُهُ فِضَّةُ قَائِمَةٌ عَلَی رَأْسِهِ فَقُلْتُ یَا فِضَّةُ أَ مَا تَتَّقُونَ اللَّهَ فِی هَذَا الشَّیْخِ أَلاَّ نَخَلْتُمْ دَقِیقَهُ فَقَالَتْ إِنَّا نَکْرَهُ أَنْ نُؤْجَرُ وَ یَأْثَمَ نَحْنُ قَدْ أَخَذَ عَلَیْنَا أَلاَ نَنْخُلَ لَهُ دَقِیقاً مَا صَحِبْنَاهُ قَالَ وَ عَلِیٌّ ع لاَ یَسْمَعُ مَا تَقُولُ فَالْتَفَتَ إِلَیْهَا فَقَالَ مَا تَقُولِینَ قَالَتْ سَلْهُ فَقَالَ لِی مَا قُلْتَ لَهَا قَالَ فَقُلْتُ إِنِّی قُلْتُ لَهَا لَوْ نَخَلْتُمْ دَقِیقَهُ فَبَکَی ثُمَّ قَالَ بِأَبِی وَ أُمِّی مَنْ لَمْ یَشْبَعْ ثَلاَثاً مُتَوَالِیَةً مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّی فَارَقَ الدُّنْیَا وَ لَمْ یَنْخُلْ دَقِیقَهُ قَالَ یَعْنِی رَسُولَ اللَّهِ ص

.

ص :201

337

1- وَ رَوَی یُوسُفُ بْنُ یَعْقُوبَ عَنْ صَالِحٍ بَیَّاعِ الْأَکْسِیَةِ أَنَّ جَدَّتَهُ لَقِیَتْ عَلِیّاً ع بِالْکُوفَةِ وَ مَعَهُ تَمْرٌ یَحْمِلُهُ فَسَلَّمَتْ عَلَیْهِ وَ قَالَتْ لَهُ أَعْطِنِی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هَذَا التَّمْرَ أَحْمِلْهُ عَنْکَ إِلَی بَیْتِکَ فَقَالَ أَبُو الْعِیَالِ أَحَقُّ بِحَمْلِهِ قَالَتْ ثُمَّ قَالَ لِی أَ لاَ تَأْکُلِینَ مِنْهُ فَقُلْتُ لاَ أُرِیدُ قَالَتْ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَی مَنْزِلِهِ ثُمَّ رَجَعَ مُرْتَدِیاً بِتِلْکَ الشَّمْلَةِ وَ فِیهَا قُشُورُ التَّمْرِ فَصَلَّی بِالنَّاسِ فِیهَا الْجُمُعَةَ

.

338

1- وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ فُضَیْلِ بْنِ غَزْوَانَ قَالَ قِیلَ لِعَلِیٍّ ع کَمْ تَتَصَدَّقُ کَمْ تُخْرِجُ مَالَکَ أَ لاَ تُمْسِکُ قَالَ إِنِّی وَ اللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَبِلَ مِنِّی فَرْضاً وَاحِداً لَأَمْسَکْتُ وَ لَکِنِّی وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی أَ قَبِلَ مِنِّی سُبْحَانَهُ شَیْئاً أَمْ لاَ .

339

1- رَوَی عَنْبَسَةُ الْعَابِدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ أَعْتَقَ عَلِیٌّ ع فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَلْفَ مَمْلُوکٍ مِمَّا مَجِلَتْ (1) یَدَاهُ وَ عَرِقَ جَبِینُهُ وَ لَقَدْ وُلِّیَ الْخِلاَفَةَ وَ أَتَتْهُ الْأَمْوَالُ فَمَا کَانَ حَلْوَاهُ إِلاَّ التَّمْرَ وَ لاَ ثِیَابُهُ إِلاَّ الْکَرَابِیسَ .

340

1- وَ رَوَی اَلْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِی صَادِقٍ قَالَ تَزَوَّجَ عَلِیٌّ ع لَیْلَی بِنْتَ مَسْعُودٍ النَّهْشَلِیَّةَ فَضُرِبَتْ لَهُ فِی دَارِهِ حَجَلَةٌ فَجَاءَ فَهَتَکَهَا وَ قَالَ حَسْبُ أَهْلِ عَلِیٍّ مَا هُمْ فِیهِ .

341

1- وَ رَوَی حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ الْمَدَنِیُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع قَالَ ابْتَاعَ عَلِیٌّ ع فِی خِلاَفَتِهِ قَمِیصاً سَمَلاً (2) بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ دَعَا الْخَیَّاطَ فَمَدَّ کُمَّ الْقَمِیصِ وَ أَمَرَهُ بِقَطْعِ مَا جَاوَزَ الْأَصَابِعَ .

و إنّما ذکرنا هذه الأخبار و الروایات و إن کانت خارجة عن مقصد الفصل لأن الحال اقتضی ذکرها من حیث أردنا أن نبین أن أمیر المؤمنین ع لم یکن

ص :202

یذهب فی خلافته مذهب الملوک الذین یصانعون بالأموال و یصرفونها فی مصالح ملکهم و ملاذ أنفسهم و أنّه لم یکن من أهل الدنیا و إنّما کان رجلا متألها صاحب حقّ لا یرید بالله و رسوله بدلا.

342

1- وَ رَوَی عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی یُوسُفَ الْمَدَائِنِیُّ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع مَشَوْا إِلَیْهِ فَقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَعْطِ هَذِهِ الْأَمْوَالَ وَ فَضْلَ هَؤُلاَءِ الْأَشْرَافِ مِنَ اَلْعَرَبِ وَ قُرَیْشٍ عَلَی اَلْمَوَالِی وَ اَلْعَجَمِ وَ اسْتَمِلْ مَنْ تَخَافُ خِلاَفَهُ مِنَ النَّاسِ وَ فِرَارَهُ وَ إِنَّمَا قَالُوا لَهُ ذَلِکَ لِمَا کَانَ مُعَاوِیَةُ یَصْنَعُ فِی الْمَالِ فَقَالَ لَهُمْ أَ تَأْمُرُونَنِی أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ لاَ وَ اللَّهِ لاَ أَفْعَلُ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَ مَا لاَحَ فِی السَّمَاءِ نَجْمٌ وَ اللَّهِ لَوْ کَانَ الْمَالُ لِی لَوَاسَیْتُ بَیْنَهُمْ فَکَیْفَ وَ إِنَّمَا هِیَ أَمْوَالُهُمْ ثُمَّ سَکَتَ طَوِیلاً وَاجِماً ثُمَّ قَالَ اَلْأَمْرُ أَسْرَعُ مِنْ ذَلِکَ قَالَهَا ثَلاَثاً

.

ص :203

و قوله حتی ارتاب الناصح بنصحه و ضن الزند بقدحه یشیر إلی نفسه یقول خالفتمونی حتّی ظننت أن النصح الذی نصحتکم به غیر نصح و لإطباقکم و إجماعکم علی خلافی و هذا حقّ لأن ذا الرأی الصواب إذا کثر مخالفوه یشک فی نفسه.

و أمّا ضن الزند بقدحه فمعناه أنّه لم یقدح لی بعد ذلک رأی صالح لشدة ما لقیت منکم من الإباء و الخلاف و العصیان و هذا أیضا حقّ لأن المشیر الناصح إذا اتهم و استغش عمی قلبه و فسد رأیه .

و أخو هوازن صاحب الشعر هو درید بن الصمة و الأبیات مذکورة فی الحماسة و أولها نصحت لعارض و أصحاب عارض

ص :205

و هذه الألفاظ من خطبة خطب بها ع بعد خدیعة ابن العاص لأبی موسی و افتراقهما و قبل وقعة النهروان

فِی أَهْلِ اَلشَّامِ أَشَدُّ نِکَایَةً وَ أَعْظَمُ وَقْعاً فَقَدْ مَلُّوا الْحَرْبَ وَ کَرِهُوا الْقِتَالَ وَ تَضَعْضَعَتْ أَرْکَانُهُمْ.

قَالَ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ عَلَی فَرَسٍ کُمَیْتٍ ذَنُوبٍ (1) عَلَیْهِ السِّلاَحُ لاَ یُرَی مِنْهُ إِلاَّ عَیْنَاهُ وَ بِیَدِهِ الرُّمْحُ فَجَعَلَ یَضْرِبُ رُءُوسَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ بِالْقَنَاةِ وَ یَقُولُ سَوُّوا صُفُوفَکُمْ رَحِمَکُمُ اللَّهُ حَتَّی إِذَا عَدَّلَ الصُّفُوفَ وَ الرَّایَاتِ اسْتَقْبَلَهُمْ بِوَجْهِهِ وَ وَلَّی أَهْلَ اَلشَّامِ ظَهْرَهُ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی جَعَلَ فِینَا ابْنَ عَمِّ نَبِیِّهِ أَقْدَمَهُمْ هِجْرَةً وَ أَوَّلَهُمْ إِسْلاَماً سَیْفٌ مِنْ سُیُوفِ اللَّهِ عَلَی أَعْدَائِهِ فَانْظُرُوا إِذَا حَمِیَ الْوَطِیسُ (2) وَ ثَارَ الْقَتَامُ (3) وَ تَکَسَّرَ الْمُرَّانِ (4) وَ جَالَتِ الْخَیْلُ بِالْأَبْطَالِ فَلاَ أَسْمَعُ إِلاَّ غَمْغَمَةً أَوْ هَمْهَمَةً فَاتَّبِعُونِی وَ کُونُوا فِی أَثَرِی.

ثُمَّ حَمَلَ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ فَکَسَرَ فِیهِمْ رُمْحَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا هُوَ اَلْأَشْتَرُ .

قَالَ وَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَنَادَی بَیْنَ الصَّفَّیْنِ یَا أَبَا الْحَسَنِ یَا عَلِیُّ ابْرُزْ إِلَیَّ فَخَرَجَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ ع حَتَّی اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ دَابَّتَیْهِمَا بَیْنَ الصَّفَّیْنِ فَقَالَ إِنَّ لَکَ یَا عَلِیُّ لَقِدَماً فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ الْهِجْرَةِ (5) فَهَلْ لَکَ فِی أَمْرٍ أَعْرِضُهُ عَلَیْکَ یَکُونُ فِیهِ حَقْنُ هَذِهِ الدِّمَاءِ وَ تَأَخُّرُ (6) هَذِهِ الْحُرُوبِ حَتَّی تَرَی رَأْیَکَ قَالَ وَ مَا هُوَ قَالَ تَرْجِعُ إِلَی

ص :207

عِرَاقِکَ فَنُخَلِّی بَیْنَکَ وَ بَیْنَ اَلْعِرَاقِ وَ نَرْجِعُ نَحْنُ إِلَی شَامِنَا (1) فَتُخَلِّی بَیْنَنَا وَ بَیْنَ اَلشَّامِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع (2) قَدْ عَرَفْتُ مَا عَرَضْتَ إِنَّ هَذِهِ لَنَصِیحَةٌ وَ شَفَقَةٌ (3) وَ لَقَدْ أَهَمَّنِی هَذَا الْأَمْرُ وَ أَسْهَرَنِی وَ ضَرَبْتُ أَنْفَهُ وَ عَیْنَهُ فَلَمْ أَجِدْ إِلاَّ الْقِتَالَ أَوِ الْکُفْرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی ذِکْرُهُ لَمْ یَرْضَ مِنْ أَوْلِیَائِهِ أَنْ یُعْصَی فِی الْأَرْضِ وَ هُمْ سُکُوتٌ مُذْعِنُونَ لاَ یَأْمُرُونَ بِمَعْرُوفٍ وَ لاَ یَنْهَوْنَ عَنْ مُنْکَرٍ فَوَجَدْتُ الْقِتَالَ أَهْوَنَ عَلَیَّ مِنْ مُعَالَجَةٍ فِی الْأَغْلاَلِ فِی جَهَنَّمَ قَالَ فَرَجَعَ الرَّجُلُ (4) وَ هُوَ یَسْتَرْجِعُ وَ زَحَفَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ فَارْتَمَوْا بِالنَّبْلِ وَ الْحِجَارَةِ حَتَّی فَنِیَتْ ثُمَّ تَطَاعَنُوا بِالرِّمَاحِ حَتَّی تَکَسَّرَتْ وَ انْدَقَّتْ ثُمَّ مَشَی الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ بِالسُّیُوفِ وَ عُمُدِ الْحَدِیدِ فَلَمْ یَسْمَعِ السَّامِعُونَ إِلاَّ وَقْعَ الْحَدِیدِ بَعْضَهُ عَلَی بَعْضٍ لَهُوَ أَشَدُّ هَوْلاً فِی صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ الصَّوَاعِقِ وَ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ یَدُکُّ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ انْکَسَفَتِ الشَّمْسُ بِالنَّقْعِ وَ ثَارَ الْقَتَامُ وَ الْقَسْطَلُ (5) وَ ضَلَّتِ الْأَلْوِیَةُ وَ الرَّایَاتُ وَ أَخَذَ اَلْأَشْتَرُ یَسِیرُ فِیمَا بَیْنَ الْمَیْمَنَةِ وَ الْمَیْسَرَةِ فَیَأْمُرُ کُلَّ قَبِیلَةٍ أَوْ کَتِیبَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ بِالْإِقْدَامِ عَلَی الَّتِی تَلِیهَا (6) فَاجْتَلَدُوا بِالسُّیُوفِ وَ عُمُدِ الْحَدِیدِ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنَ الْیَوْمِ الْمَذْکُورِ إِلَی نِصْفِ اللَّیْلِ لَمْ یُصَلُّوا لِلَّهِ صَلاَةً فَلَمْ یَزَلِ اَلْأَشْتَرُ یَفْعَلُ ذَلِکَ حَتَّی أَصْبَحَ وَ الْمَعْرَکَةُ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَ افْتَرَقُوا عَنْ سَبْعِینَ أَلْفَ قَتِیلٍ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ وَ تِلْکَ اللَّیْلَةِ وَ هِیَ لَیْلَةُ الْهَرِیرِ الْمَشْهُورَةُ وَ کَانَ اَلْأَشْتَرُ فِی مَیْمَنَةِ النَّاسِ وَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فِی الْمَیْسَرَةِ وَ عَلِیٌّ ع فِی الْقَلْبِ وَ النَّاسُ یَقْتَتِلُونَ.

ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْقِتَالُ مِنْ نِصْفِ اللَّیْلِ الثَّانِی إِلَی ارْتِفَاعِ الضُّحَی وَ اَلْأَشْتَرُ یَقُولُ لِأَصْحَابِهِ

ص :208

وَ هُوَ یَزْحَفُ بِهِمْ نَحْوَ أَهْلِ اَلشَّامِ ازْحَفُوا قِیدَ رُمْحِی هَذَا وَ یُلْقِی رُمْحَهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِکَ قَالَ ازْحَفُوا قَابَ هَذَا الْقَوْسِ (1) فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِکَ (2) سَأَلَهُمْ مِثْلَ ذَلِکَ (3) حَتَّی مَلَّ أَکْثَرُ النَّاسِ مِنَ الْإِقْدَامِ فَلَمَّا رَأَی ذَلِکَ قَالَ أُعِیذُکُمْ بِاللَّهِ أَنْ تَرْضَعُوا الْغَنَمَ سَائِرَ الْیَوْمِ ثُمَّ دَعَا بِفَرَسِهِ وَ رَکَزَ رَایَتَهُ وَ کَانَتْ مَعَ حَیَّانَ بْنِ هَوْذَةَ النَّخَعِیِّ وَ سَارَ بَیْنَ الْکَتَائِبِ وَ هُوَ یَقُولُ أَلاَ مَنْ یَشْتَرِی نَفْسَهُ لِلَّهِ وَ یُقَاتِلُ مَعَ اَلْأَشْتَرِ حَتَّی یَظْهَرَ أَوْ یَلْحَقَ بِاللَّهِ فَلاَ یَزَالُ الرَّجُلُ مِنَ النَّاسِ یَخْرُجُ إِلَیْهِ فَیُقَاتِلُ مَعَهُ

(4)

.

344

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنِی عَمْرٌو قَالَ حَدَّثَنِی أَبُو ضِرَارٍ قَالَ حَدَّثَنِی عَمَّارُ بْنُ رَبِیعَةَ قَالَ مَرَّ بِیَ اَلْأَشْتَرُ فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّی رَجَعَ إِلَی الْمَکَانِ الَّذِی کَانَ بِهِ فَقَامَ فِی أَصْحَابِهِ فَقَالَ شُدُّوا فَدَا لَکُمْ عَمِّی وَ خَالِی شِدَّةً تُرْضُونَ بِهَا اللَّهَ وَ تُعْرِزُونَ بِهَا الدِّینَ (5) إِذَا أَنَا حَمَلْتُ فَاحْمِلُوا (6) ثُمَّ نَزَلَ وَ ضَرَبَ وَجْهَ دَابَّتِهِ وَ قَالَ لِصَاحِبِ رَایَتِهِ أَقْدِمْ فَتَقَدَّمَ (7) بِهَا ثُمَّ شَدَّ عَلَی الْقَوْمِ وَ شَدَّ مَعَهُ أَصْحَابُهُ فَضَرَبَ أَهْلَ اَلشَّامِ حَتَّی انْتَهَی بِهِمْ إِلَی مُعَسْکَرِهِمْ فَقَاتَلُوا عِنْدَ الْمُعَسْکَرِ قِتَالاً شَدِیداً وَ قَتَلَ صَاحِبَ رَایَتِهِمْ وَ أَخَذَ عَلِیٌّ ع لَمَّا رَأَی الظَّفَرَ قَدْ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ یُمِدُّهُ بِالرِّجَالِ

(8)

.

345

1- وَ رَوَی نَصْرٌ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ لَمَّا بَلَغَ الْقَوْمُ إِلَی مَا بَلَغُوا إِلَیْهِ قَامَ عَلِیٌّ ع خَطِیباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ

ص :209

أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ بَلَغَ بِکُمُ الْأَمْرُ وَ بِعَدُوِّکُمْ مَا قَدْ رَأَیْتُمْ وَ لَمْ یَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ آخِرُ نَفَسٍ وَ إِنَّ الْأُمُورَ إِذَا أَقْبَلَتْ اعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا وَ قَدْ صَبَرَ لَکُمُ الْقَوْمُ عَلَی غَیْرِ دِینٍ حَتَّی بَلَغْنَا مِنْهُمْ مَا بَلَغْنَا وَ أَنَا غَادٍ عَلَیْهِمْ بِالْغَدَاةِ أُحَاکِمُهُمْ إِلَی اللَّهِ.

قَالَ فَبَلَغَ ذَلِکَ مُعَاوِیَةَ فَدَعَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ قَالَ یَا عَمْرُو إِنَّمَا هِیَ اللَّیْلَةُ حَتَّی یَغْدُوَ عَلِیٌّ عَلَیْنَا بِالْفَیْصَلِ (1) فَمَا تَرَی.

قَالَ إِنَّ رِجَالَکَ لاَ یَقُومُونَ لِرِجَالِهِ وَ لَسْتَ مِثْلَهُ هُوَ یُقَاتِلُکَ عَلَی أَمْرٍ وَ أَنْتَ تُقَاتِلُهُ عَلَی غَیْرِهِ أَنْتَ تُرِیدُ الْبَقَاءَ وَ هُوَ یُرِیدُ الْفَنَاءَ وَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ یَخَافُونَ مِنْکَ إِنْ ظَفِرْتَ بِهِمْ وَ أَهْلُ اَلشَّامِ لاَ یَخَافُونَ عَلِیّاً إِنْ ظَفِرَ بِهِمْ وَ لَکِنْ أَلْقِ إِلَی الْقَوْمِ أَمْراً إِنْ قَبِلُوهُ اخْتَلَفُوا وَ إِنْ رَدُّوهُ اخْتَلَفُوا ادْعُهُمْ إِلَی کِتَابِ اللَّهِ حَکَماً فِیمَا بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُمْ فَإِنَّکَ بَالِغٌ بِهِ حَاجَتَکَ فِی الْقَوْمِ وَ إِنِّی لَمْ أَزَلْ أُؤَخِّرُ هَذَا الْأَمْرَ لِوَقْتِ حَاجَتِکَ إِلَیْهِ.

فَعَرَفَ مُعَاوِیَةُ ذَلِکَ وَ قَالَ لَهُ صَدَقْتَ

(2)

.

346

1,14- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عُمَیْرٍ (3) الْأَنْصَارِیِّ قَالَ وَ اللَّهِ لَکَأَنِّی أَسْمَعُ عَلِیّاً یَوْمَ الْهَرِیرِ وَ ذَلِکَ بَعْدَ مَا طَحَنَتْ رَحَی مَذْحِجٍ فِیمَا بَیْنَهَا وَ بَیْنَ عَکٍّ وَ لَخْمٍ وَ جُذَامٍ وَ اَلْأَشْعَرِیِّینَ بِأَمْرٍ عَظِیمٍ تَشِیبُ مِنْهُ النَّوَاصِی حَتَّی (4) اسْتَقَلَّتِ الشَّمْسُ وَ قَامَ قَائِمُ الظُّهْرِ (5) وَ عَلِیٌّ ع یَقُولُ لِأَصْحَابِهِ حَتَّی مَتَی نُخَلِّی بَیْنَ هَذَیْنِ الْحَیَّیْنِ قَدْ فَنِیَا وَ أَنْتُمْ وُقُوفٌ تَنْظُرُونَ أَ مَا تَخَافُونَ مَقْتَ اللَّهِ ثُمَّ انْفَتَلَ (6) إِلَی الْقِبْلَةِ وَ رَفَعَ

ص :210

یَدَیْهِ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ نَادَی یَا اللَّهُ یَا رَحْمَانُ یَا رَحِیمُ یَا وَاحِدُ یَا أَحَدُ یَا صَمَدُ یَا اللَّهُ یَا إِلَهَ مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ إِلَیْکَ نُقِلَتِ الْأَقْدَامُ وَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ وَ رُفِعَتِ الْأَیْدِی وَ مُدَّتِ الْأَعْنَاقُ وَ شَخَصَتِ الْأَبْصَارُ وَ طُلِبَتِ الْحَوَائِجُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْکُو إِلَیْکَ غَیْبَةَ نَبِیِّنَا وَ کَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَ تَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنٰا وَ بَیْنَ قَوْمِنٰا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفٰاتِحِینَ (1) سِیرُوا عَلَی بَرَکَةِ اللَّهِ ثُمَّ نَادَی لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ اللَّهُ أَکْبَرُ کَلِمَةُ التَّقْوَی .

قَالَ فَلاَ وَ الَّذِی بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِیّاً مَا سَمِعْنَا رَئِیسَ قَوْمٍ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ أَصَابَ بِیَدِهِ فِی یَوْمٍ وَاحِدٍ مَا أَصَابَ إِنَّهُ قَتَلَ فِیمَا ذَکَرَ الْعَادُّونَ زِیَادَةً عَلَی خَمْسِمِائَةٍ مِنْ أَعْلاَمِ اَلْعَرَبِ یَخْرُجُ بِسَیْفِهِ مُنْحَنِیاً فَیَقُولُ مَعْذِرَةً إِلَی اللَّهِ وَ إِلَیْکُمْ مِنْ هَذَا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَفْلِقَهُ (2) وَ لَکِنْ یَحْجُزُنِی عَنْهُ أَنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ لاَ سَیْفَ إِلاَّ ذُو الْفَقَارِ وَ لاَ فَتَی إِلاَّ عَلِیٌّ وَ أَنَا أُقَاتِلُ بِهِ دُونَهُ ص.

قَالَ فَکُنَّا نَأْخُذُهُ فَنُقَوِّمُهُ ثُمَّ یَتَنَاوَلُهُ مِنْ أَیْدِینَا فَیَقْتَحِمُ بِهِ فِی عُرْضِ الصَّفِّ فَلاَ وَ اللَّهِ مَا لَیْثٌ بِأَشَدَّ نِکَایَةً مِنْهُ فِی عَدُوِّهِ ع

(3)

.

347

1- قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ تَمِیمَ بْنَ حِذْیَمٍ یَقُولُ لَمَّا أَصْبَحْنَا مِنْ لَیْلَةِ الْهَرِیرِ نَظَرْنَا فَإِذَا أَشْبَاهُ الرَّایَاتِ أَمَامَ أَهْلِ اَلشَّامِ فِی وَسَطِ الْفَیْلَقِ

ص :211

حِیَالَ مَوْقِفِ عَلِیٍّ وَ مُعَاوِیَةَ فَلَمَّا أَسْفَرْنَا إِذَا هِیَ الْمَصَاحِفُ قَدْ رُبِطَتْ فِی أَطْرَافِ الرِّمَاحِ وَ هِیَ عِظَامُ مَصَاحِفِ الْعَسْکَرِ وَ قَدْ شَدُّوا ثَلاَثَةَ أَرْمَاحٍ جَمِیعاً وَ رَبَطُوا عَلَیْهَا مُصْحَفَ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ یُمْسِکُهُ عَشَرَةُ رَهْطٍ .

348

1- قَالَ نَصْرٌ وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَبُو الطُّفَیْلِ اسْتَقْبَلُوا عَلِیّاً بِمِائَةِ مُصْحَفٍ وَ وَضَعُوا فِی کُلِّ مُجَنِّبَةٍ (1) مِائَتَیْ مُصْحَفٍ فَکَانَ جَمِیعُهَا خَمْسَمِائَةِ مُصْحَفٍ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ قَامَ اَلطُّفَیْلُ بْنُ أَدْهَمَ حِیَالَ عَلِیٍّ ع وَ قَامَ أَبُو شُرَیْحٍ الْجُذَامِیُّ حِیَالَ الْمَیْمَنَةِ وَ قَامَ وَرْقَاءُ بْنُ الْمُعَمَّرِ حِیَالَ الْمَیْسَرَةِ ثُمَّ نَادَوْا یَا مَعْشَرَ اَلْعَرَبِ اللَّهَ اللَّهَ فِی النِّسَاءِ وَ الْبَنَاتِ وَ الْأَبْنَاءِ مِنَ اَلرُّومِ وَ اَلْأَتْرَاکِ وَ أَهْلِ فَارِسَ غَداً إِذَا فَنِیتُمْ اللَّهَ اللَّهَ فِی دِینِکُمْ هَذَا کِتَابُ اللَّهِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ.

فَقَالَ عَلِیٌّ ع اَللَّهُمَّ إِنَّکَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ مَا اَلْکِتَابَ یُرِیدُونَ فَاحْکُمْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ إِنَّکَ أَنْتَ الْحَکَمُ الْحَقُّ الْمُبِینُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ عَلِیٍّ ع فِی الرَّأْیِ فَطَائِفَةٌ قَالَتْ الْقِتَالُ وَ طَائِفَةٌ قَالَتْ الْمُحَاکَمَةُ إِلَی اَلْکِتَابِ وَ لاَ یَحِلُّ لَنَا الْحَرْبُ وَ قَدْ دُعِینَا إِلَی حُکْمِ اَلْکِتَابِ فَعِنْدَ ذَلِکَ بَطَلَتِ الْحَرْبُ وَ وَضَعَتْ أَوْزَارَهَا

(2)

.

349

1,5- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ قَالَ لَمَّا کَانَ الْیَوْمُ الْأَعْظَمُ قَالَ أَصْحَابُ مُعَاوِیَةَ وَ اللَّهِ لاَ نَبْرَحُ الْیَوْمَ الْعَرْصَةَ حَتَّی نَمُوتَ أَوْ یُفْتَحَ لَنَا وَ قَالَ أَصْحَابُ عَلِیٍّ ع لاَ نَبْرَحُ الْیَوْمَ الْعَرْصَةَ حَتَّی نَمُوتَ أَوْ یُفْتَحَ لَنَا فَبَادَرُوا الْقِتَالَ غُدْوَةً فِی یَوْمٍ مِنْ أَیَّامِ الشِّعْرَی (3) طَوِیلٍ شَدِیدِ

ص :212

الْحَرِّ فَتَرَامَوْا حَتَّی فَنِیَتِ النِّبَالُ وَ تَطَاعَنُوا حَتَّی تَقَصَّفَتِ الرِّمَاحُ ثُمَّ نَزَلَ الْقَوْمُ عَنْ خُیُولِهِمْ وَ مَشَی بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ بِالسُّیُوفِ حَتَّی کُسِرَتْ جُفُونُهَا وَ قَامَ الْفُرْسَانُ فِی الرَّکْبِ ثُمَّ اضْطَرَبُوا بِالسُّیُوفِ وَ بِعُمُدِ الْحَدِیدِ فَلَمْ یَسْمَعِ السَّامِعُونَ إِلاَّ تَغَمْغُمَ الْقَوْمِ وَ صَلِیلَ الْحَدِیدِ فِی الْهَامِ وَ تَکَادُمَ الْأَفْوَاهِ وَ کَسَفَتِ الشَّمْسُ وَ ثَارَ الْقَتَامُ وَ ضَلَّتِ الْأَلْوِیَةُ وَ الرَّایَاتُ وَ مَرَّتْ مَوَاقِیتُ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ مَا یُسْجَدُ فِیهِنَّ لِلَّهِ إِلاَّ تَکْبِیراً وَ نَادَتِ الْمَشِیخَةُ فِی تِلْکَ الْغَمَرَاتِ یَا مَعْشَرَ اَلْعَرَبِ اللَّهَ اللَّهَ فِی الْحُرُمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَ الْبَنَاتِ قَالَ جَابِرٌ فَبَکَی أَبُو جَعْفَرٍ وَ هُوَ یُحَدِّثُنَا بِهَذَا الْحَدِیثِ

.

350

1- قَالَ نَصْرٌ وَ أَقْبَلَ اَلْأَشْتَرُ عَلَی فَرَسٍ کُمَیْتٍ مَحْذُوفٍ وَ قَدْ وَضَعَ مِغْفَرَهُ عَلَی قَرَبُوسِ السَّرْجِ وَ هُوَ یُنَادِی اصْبِرُوا یَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَدْ حَمِیَ الْوَطِیسُ وَ رَجَعَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْکُسُوفِ وَ اشْتَدَّ الْقِتَالُ وَ أَخَذَتِ السِّبَاعُ بَعْضُهَا بَعْضاً فَهُمْ کَمَا قَالَ الشَّاعِرُ (1) مَضَتْ وَ اسْتَأْخَرَ الْقُرَعَاءُ عَنْهَا وَ خُلِّیَ بَیْنَهُمْ إِلاَّ الْوَرِیعُ (2) .

قَالَ یَقُولُ وَاحِدٌ لِصَاحِبِهِ فِی تِلْکَ الْحَالِ أَیُّ رَجُلٍ هَذَا لَوْ کَانَتْ لَهُ نِیَّةٌ فَیَقُولُ لَهُ صَاحِبُهُ وَ أَیُّ نِیَّةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ ثَکِلَتْکَ أُمُّکَ وَ هَبِلَتْکَ إِنَّ رَجُلاً کَمَا تَرَی قَدْ سَبَحَ فِی الدَّمِ وَ مَا أَضْجَرَتْهُ الْحَرْبُ وَ قَدْ غَلَتْ هَامُ الْکُمَاةِ مِنَ الْحَرِّ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنٰاجِرَ وَ هُوَ کَمَا تَرَاهُ جَزَعاً یَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ اللَّهُمَّ لاَ تُبْقِنَا بَعْدَ هَذَا.

قُلْتُ لِلَّهِ أَمْ قَامَتْ عَنِ اَلْأَشْتَرِ لَوْ أَنَّ إِنْسَاناً یُقْسِمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی مَا خَلَقَ فِی اَلْعَرَبِ

ص :213

وَ لاَ فِی اَلْعَجَمِ أَشْجَعَ مِنْهُ إِلاَّ أُسْتَاذَهُ ع لَمَّا خَشِیتُ عَلَیْهِ الْإِثْمَ وَ لِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ وَ قَدْ سُئِلَ عَنِ اَلْأَشْتَرِ مَا أَقُولُ فِی رَجُلٍ هَزَمَتْ حَیَاتُهُ أَهْلَ اَلشَّامِ وَ هَزَمَ مَوْتُهُ أَهْلَ اَلْعِرَاقِ .

وَ بِحَقٍّ مَا قَالَ فِیهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع کَانَ اَلْأَشْتَرُ لِی کَمَا کُنْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ص

(1)

.

351

1- قَالَ نَصْرٌ وَ رَوَی اَلشَّعْبِیُّ عَنْ صَعْصَعَةَ قَالَ وَ قَدْ کَانَ اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَیْسٍ بَدَرَ مِنْهُ قَوْلٌ لَیْلَةَ الْهَرِیرِ نَقَلَهُ النَّاقِلُونَ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَاغْتَنَمُهُ وَ بَنَی عَلَیْهِ تَدْبِیرَهُ وَ ذَلِکَ أَنَّ اَلْأَشْعَثَ خَطَبَ أَصْحَابَهُ مِنْ کِنْدَةَ تِلْکَ اللَّیْلَةَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَ أَسْتَعِینُهُ وَ أُومِنُ بِهِ وَ أَتَوَکَّلُ عَلَیْهِ وَ أَسْتَنْصِرُهُ وَ أَسْتَغْفِرُهُ وَ أَسْتَجِیرُهُ وَ أَسْتَهْدِیهِ وَ أَسْتَشِیرُهُ وَ أَسْتَشْهِدُ بِهِ فَإِنَّ مَنْ هَدَاهُ (2) اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللّٰهُ فَلاٰ هٰادِیَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِیکَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ص.

ثُمَّ قَالَ قَدْ رَأَیْتُمْ یَا مَعْشَرَ اَلْمُسْلِمِینَ مَا قَدْ کَانَ فِی یَوْمِکُمْ هَذَا الْمَاضِی وَ مَا قَدْ فَنِیَ فِیهِ مِنَ اَلْعَرَبِ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ السِّنِّ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَبْلُغَ فَمَا رَأَیْتُ مِثْلَ هَذَا الْیَوْمِ قَطُّ أَلاَ فَلْیُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ إِنَّا نَحْنُ إِنْ تَوَاقَفْنَا غَداً إِنَّهُ لَفَنَاءُ اَلْعَرَبِ وَ ضَیْعَةُ الْحُرُمَاتِ (3) أَمَا وَ اللَّهِ مَا أَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ جَزَعاً مِنَ الْحَرْبِ وَ لَکِنِّی رَجُلٌ مُسِنٌّ أَخَافُ عَلَی النِّسَاءِ وَ الذَّرَارِیِّ غَداً إِذَا فَنِینَا اللَّهُمَّ إِنَّکَ تَعْلَمُ أَنِّی قَدْ نَظَرْتُ لِقَوْمِی وَ لِأَهْلِ دِینِی فَلَمْ آلُ وَ مٰا تَوْفِیقِی إِلاّٰ بِاللّٰهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ وَ الرَّأْیُ یُخْطِئُ وَ یُصِیبُ

ص :214

وَ إِذَا قَضَی اللَّهُ أَمْراً أَمْضَاهُ عَلَی مَا أَحَبَّ الْعِبَادُ أَوْ کَرِهُوا أَقُولُ قَوْلِی هَذَا وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِیمَ لِی وَ لَکُمْ.

قَالَ اَلشَّعْبِیُّ قَالَ صَعْصَعَةُ فَانْطَلَقَتْ عُیُونُ مُعَاوِیَةَ إِلَیْهِ بِخُطْبَةِ اَلْأَشْعَثِ فَقَالَ أَصَابَ وَ رَبِّ اَلْکَعْبَةِ لَئِنْ نَحْنُ الْتَقَیْنَا غَداً لَتَمِیلُنَّ عَلَی ذَرَارِیِّ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ نِسَائِهِمْ وَ لَتَمِیلَنَّ فَارِسٌ عَلَی ذَرَارِیِّ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ نِسَائِهِمْ إِنَّمَا یُبْصِرُ هَذَا ذَوُو الْأَحْلاَمِ وَ النُّهَی ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ ارْبِطُوا الْمَصَاحِفَ عَلَی أَطْرَافِ الْقَنَا.

فَثَارَ أَهْلُ اَلشَّامِ فِی سَوَادِ اللَّیْلِ یُنَادُونَ عَنْ قَوْلِ مُعَاوِیَةَ وَ أَمْرِهِ یَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ مَنْ لِذَرَارِیِّنَا إِنْ قَتَلْتُمُونَا وَ مَنْ لِذَرَارِیِّکُمْ إِذَا قَتَلْنَاکُمْ اللَّهَ اللَّهَ فِی الْبَقِیَّةِ وَ أَصْبَحُوا وَ قَدْ رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ عَلَی رُءُوسِ الرِّمَاحِ وَ قَدْ قَلَّدُوهَا الْخَیْلَ وَ [النَّاسُ عَلَی الرَّایَاتِ قَدِ اشْتَهَوْا مَا دُعُوا إِلَیْهِ]

(1) وَ مُصْحَفُ دِمَشْقَ الْأَعْظَمُ یَحْمِلُهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ عَلَی رُءُوسِ الرِّمَاحِ وَ هُمْ یُنَادُونَ کِتَابُ اللَّهِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ.

وَ أَقْبَلَ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِیُّ عَلَی بِرْذَوْنٍ أَبْیَضَ وَ قَدْ وَضَعَ الْمُصْحَفَ عَلَی رَأْسِهِ یُنَادِی یَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ کِتَابُ اللَّهِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ.

قَالَ فَجَاءَ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِیُّ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّهُ لَمْ یُصَبْ مِنَّا عَصَبَةٌ إِلاَّ وَ قَدْ أُصِیبَ مِنْهُمْ مِثْلُهَا (2) وَ کُلُّ مَقْرُوحٍ وَ لَکِنَّا أَمْثَلُ بَقِیَّةٍ مِنْهُمْ وَ قَدْ جَزِعَ الْقَوْمُ وَ لَیْسَ بَعْدَ الْجَزَعِ إِلاَّ مَا نُحِبُّ فَنَاجَزَهُمْ (3) .

وَ قَامَ اَلْأَشْتَرُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ لاَ خَلَفَ لَهُ مِنْ رِجَالِهِ وَ لَکِنْ

ص :215

بِحَمْدِ اللَّهِ لَکَ الْخَلَفُ وَ لَوْ کَانَ لَهُ مِثْلُ رِجَالِکَ لَمْ یَکُنْ لَهُ مِثْلُ صَبْرِکَ وَ لاَ نَصْرِکَ فَاقْرَعِ الْحَدِیدَ بِالْحَدِیدِ وَ اسْتَعِنْ بِاللَّهِ الْحَمِیدِ.

ثُمَّ قَامَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّا وَ اللَّهِ مَا أَجَبْنَاکَ وَ لاَ نَصَرْنَاکَ عَلَی الْبَاطِلِ وَ لاَ أَجَبْنَا إِلاَّ اللَّهَ وَ لاَ طَلَبْنَا إِلاَّ الْحَقَّ وَ لَوْ دَعَانَا غَیْرُکَ إِلَی مَا دَعْوَتَنَا إِلَیْهِ لاَسْتَشْرَی (1) فِیهِ اللَّجَاجُ وَ طَالَتْ فِیهِ النَّجْوَی وَ قَدْ بَلَغَ الْحَقُّ مَقْطَعَهُ وَ لَیْسَ لَنَا مَعَکَ رَأْیٌ.

فَقَامَ اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَیْسٍ مُغْضَباً فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّا لَکَ الْیَوْمَ عَلَی مَا کُنَّا عَلَیْهِ أَمْسِ وَ لَیْسَ آخِرُ أَمْرِنَا کَأَوَّلِهِ وَ مَا مِنَ الْقَوْمِ أَحَدٌ أَحْنَی عَلَی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ لاَ أَوْتَرُ لِأَهْلِ اَلشَّامِ مِنِّی فَأَجِبِ الْقَوْمَ إِلَی کِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّکَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُمْ وَ قَدْ أَحَبَّ النَّاسُ الْبَقَاءَ وَ کَرِهُوا الْقِتَالَ.

فَقَالَ عَلِیٌّ ع هَذَا أَمْرٌ یُنْظَرُ فِیهِ .

فَتَنَادَی النَّاسُ مِنْ کُلِّ جَانِبٍ الْمُوَادَعَةَ.

فَقَالَ عَلِیٌّ ع أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی أَحَقُّ مَنْ أَجَابَ إِلَی کِتَابِ اللَّهِ وَ لَکِنْ مُعَاوِیَةُ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ اِبْنُ أَبِی مُعَیْطٍ وَ اِبْنُ أَبِی سَرْحٍ وَ اِبْنُ مَسْلَمَةَ لَیْسُوا بِأَصْحَابِ دِینٍ وَ لاَ قُرْآنٍ إِنِّی أَعْرَفُ بِهِمْ مِنْکُمْ صَحِبْتُهُمْ صِغَاراً وَ رِجَالاً فَکَانُوا شَرَّ صِغَارٍ وَ شَرَّ رِجَالٍ وَیْحَکُمْ إِنَّهَا کَلِمَةُ حَقٍّ یُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ إِنَّهُمْ مَا رَفَعُوهَا أَنَّهُمْ یَعْرِفُونَهَا وَ یَعْمَلُونَ بِهَا وَ لَکِنَّهَا الْخَدِیعَةُ وَ الْوَهْنُ وَ الْمَکِیدَةُ أَعِیرُونِی سَوَاعِدَکُمْ وَ جَمَاجِمَکُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً فَقَدْ بَلَغَ الْحَقُّ مَقْطَعَهُ وَ لَمْ یَبْقَ إِلاَّ أَنْ یُقْطَعَ دَابِرُ الَّذِینَ ظَلَمُوا.

فَجَاءَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ زُهَاءُ عِشْرِینَ أَلْفاً مُقَنِّعِینَ فِی الْحَدِیدِ شَاکِی السِّلاَحِ سُیُوفُهُمْ عَلَی

ص :216

عَوَاتِقِهِمْ وَ قَدِ اسْوَدَّتْ جِبَاهُهُمْ مِنَ السُّجُودِ یَتَقَدَّمُهُمْ مِسْعَرُ بْنُ فَدَکِیٍّ وَ زَیْدُ بْنُ حُصَیْنٍ وَ عِصَابَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ الَّذِینَ صَارُوا خَوَارِجَ مِنْ بَعْدُ فَنَادَوْهُ بِاسْمِهِ لاَ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ یَا عَلِیُّ أَجِبِ الْقَوْمَ إِلَی کِتَابِ اللَّهِ إِذْ دُعِیتَ إِلَیْهِ وَ إِلاَّ قَتَلْنَاکَ کَمَا قَتَلْنَا اِبْنَ عَفَّانَ فَوَ اللَّهِ لَنَفْعَلَنَّهَا إِنْ لَمْ تُجِبْهُمْ فَقَالَ لَهُمْ وَیْحَکُمْ أَنَا أَوَّلُ مَنْ دَعَا إِلَی کِتَابِ اللَّهِ وَ أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ إِلَیْهِ وَ لَیْسَ یَحِلُّ لِی وَ لاَ یَسَعُنِی فِی دِینِی أَنْ أُدْعَی إِلَی کِتَابِ اللَّهِ فَلاَ أَقْبَلَهُ إِنِّی إِنَّمَا قَاتَلْتُهُمْ لِیَدِینُوا بِحُکْمِ اَلْقُرْآنِ فَإِنَّهُمْ قَدْ عَصَوُا اللَّهَ فِیمَا أَمَرَهُمْ وَ نَقَضُوا عَهْدَهُ وَ نَبَذُوا کِتَابَهُ وَ لَکِنِّی قَدْ أَعْلَمْتُکُمْ أَنَّهُمْ قَدْ کَادُوکُمْ وَ أَنَّهُمْ لَیْسَ الْعَمَلَ بِالْقُرْآنِ یُرِیدُونَ قَالُوا فَابْعَثْ إِلَی اَلْأَشْتَرِ لِیَأْتِیَنَّکَ وَ قَدْ کَانَ اَلْأَشْتَرُ صَبِیحَةَ لَیْلَةِ الْهَرِیرِ أَشْرَفَ عَلَی عَسْکَرِ مُعَاوِیَةَ لِیَدْخُلَهُ

.

352

1- قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنِی فُضَیْلُ بْنُ [خَدِیجٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ اَلنَّخَعِ ]

(1) قَالَ سَأَلَ مُصْعَبٌ (2) إِبْرَاهِیمَ بْنَ الْأَشْتَرِ (3) عَنِ الْحَالِ کَیْفَ کَانَتْ فَقَالَ کُنْتُ عِنْدَ عَلِیٍّ ع حِینَ بَعَثَ إِلَی اَلْأَشْتَرِ لِیَأْتِیَهُ وَ قَدْ کَانَ اَلْأَشْتَرُ أَشْرَفَ عَلَی مُعَسْکَرِ مُعَاوِیَةَ لِیَدْخُلَهُ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ ع یَزِیدَ بْنَ هَانِئٍ أَنِ ائْتِنِی فَأَتَاهُ فَأَبْلَغَهُ (4) فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ ائْتِهِ فَقُلْ لَهُ لَیْسَ هَذِهِ بِالسَّاعَةِ الَّتِی یَنْبَغِی لَکَ أَنْ تُزِیلَنِی عَنْ مَوْقِفِی

ص :217

إِنِّی قَدْ رَجَوْتُ (1) الْفَتْحَ فَلاَ تُعَجِّلْنِی فَرَجَعَ یَزِیدُ بْنُ هَانِئٍ إِلَی عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرَهُ فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنِ انْتَهَی إِلَیْنَا حَتَّی ارْتَفَعَ الرَّهَجُ وَ عَلَتِ الْأَصْوَاتُ مِنْ قِبَلِ اَلْأَشْتَرِ وَ ظَهَرَتْ دَلاَئِلُ الْفَتْحِ وَ النَّصْرِ لِأَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ دَلاَئِلُ الْخِذْلاَنِ وَ الْإِدْبَارِ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ فَقَالَ الْقَوْمُ لِعَلِیٍّ وَ اللَّهِ مَا نَرَاکَ أَمَرْتَهُ إِلاَّ بِالْقِتَالِ قَالَ أَ رَأَیْتُمُونِی سَارَرْتُ (2) رَسُولِی إِلَیْهِ أَ لَیْسَ إِنَّمَا کَلَّمْتُهُ عَلَی رُءُوسِکُمْ عَلاَنِیَةً وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ قَالُوا فَابْعَثْ إِلَیْهِ فَلْیَأْتِکَ وَ إِلاَّ فَوَ اللَّهِ اعْتَزَلْنَاکَ فَقَالَ وَیْحَکَ یَا یَزِیدُ قُلْ لَهُ أَقْبِلْ إِلَیَّ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ وَقَعَتْ فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ أَ بِرَفْعِ (3) هَذِهِ الْمَصَاحِفِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّهَا حِینَ رُفِعَتْ سَتُوقِعُ خِلاَفاً وَ فُرْقَةً إِنَّهَا مَشُورَةُ اِبْنِ النَّابِغَةِ (4) ثُمَّ قَالَ لِیَزِیدَ بْنِ هَانِئٍ وَیْحَکَ أَ لاَ تَرَی إِلَی الْفَتْحِ أَ لاَ تَرَی إِلَی مَا یَلْقَوْنَ أَ لاَ تَرَی الَّذِی یَصْنَعُ اللَّهُ لَنَا أَ یَنْبَغِی أَنْ نَدَعَ هَذَا وَ نَنْصَرِفَ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ یَزِیدُ أَ تُحِبُّ أَنَّکَ ظَفِرْتَ هَاهُنَا وَ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ بِمَکَانِهِ الَّذِی هُوَ فِیهِ یُفَرَّجَ عَنْهُ وَ یُسَلَّمُ إِلَی عَدُوِّهِ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ لاَ وَ اللَّهِ لاَ أُحِبُّ ذَلِکَ قَالَ فَإِنَّهُمْ قَدْ قَالُوا لَهُ وَ حَلَفُوا عَلَیْهِ لَتُرْسِلِنَّ إِلَی اَلْأَشْتَرِ فَلَیَأْتِیَنَّکَ أَوْ لَنَقْتُلَنَّکَ بِأَسْیَافِنَا کَمَا قَتَلْنَا عُثْمَانَ أَوْ لَنُسَلِّمَنَّکَ إِلَی عَدُوِّکَ.

فَأَقْبَلَ اَلْأَشْتَرُ حَتَّی انْتَهَی إِلَیْهِمْ فَصَاحَ یَا أَهْلَ الذُّلِّ وَ الْوَهْنِ أَ حِینَ عَلَوْتُمُ الْقَوْمَ وَ ظَنُّوا أَنَّکُمْ لَهُمْ قَاهِرُونَ رَفَعُوا (5) الْمَصَاحِفَ یَدْعُونَکُمْ إِلَی مَا فِیهَا وَ قَدْ وَ اللَّهِ تَرَکُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِیهَا وَ تَرَکُوا سُنَّةَ مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَیْهِ فَلاَ تُجِیبُوهُمْ أَمْهِلُونِی فُوَاقاً (6) فَإِنِّی

ص :218

قَدْ أَحْسَسْتُ بِالْفَتْحِ قَالُوا لاَ نُمْهِلُکَ قَالَ فَأَمْهِلُونِی عَدْوَةَ الْفَرَسِ فَإِنِّی قَدْ طَمِعْتُ فِی النَّصْرِ قَالُوا إِذَنْ نَدْخُلُ مَعَکَ فِی خَطِیئَتِکَ.

قَالَ فَحَدِّثُونِی عَنْکُمْ وَ قَدْ قُتِلَ أَمَاثِلُکُمْ وَ بَقِیَ أَرَاذِلُکُمْ مَتَی کُنْتُمْ مُحِقِّینَ أَ حِینَ کُنْتُمْ تَقْتُلُونَ أَهْلَ اَلشَّامِ فَأَنْتُمُ الْآنَ حِینَ أَمْسَکْتُمْ عَنْ قِتَالِهِمْ مُبْطِلُونَ أَمْ أَنْتُمُ الْآنَ فِی إِمْسَاکِکُمْ عَنِ الْقِتَالِ مُحِقُّونَ فَقَتْلاَکُمْ إِذَنْ الَّذِینَ لاَ تُنْکِرُونَ فَضْلَهُمْ وَ أَنَّهُمْ خَیْرٌ مِنْکُمْ فِی اَلنَّارِ قَالُوا دَعْنَا مِنْکَ یَا أَشْتَرُ قَاتَلْنَاهُمْ فِی اللَّهِ وَ نَدَعُ قِتَالَهُمْ فِی اللَّهِ إِنَّا لَسْنَا نُطِیعُکَ فَاجْتَنِبْنَا فَقَالَ خُدِعْتُمْ وَ اللَّهِ فَانْخَدَعْتُمْ وَ دُعِیتُمْ إِلَی وَضْعِ الْحَرْبِ فَأَجَبْتُمْ یَا أَصْحَابَ الْجِبَاهِ السُّودِ کُنَّا نَظُنُّ صَلاَتَکُمْ زَهَادَةً فِی الدُّنْیَا وَ شَوْقاً إِلَی لِقَاءِ اللَّهِ فَلاَ أَرَی فِرَارَکُمْ إِلاَّ إِلَی الدُّنْیَا مِنَ الْمَوْتِ أَلاَ فَقُبْحاً یَا أَشْبَاهَ النِّیبِ (1) الْجَلاَّلَةِ مَا أَنْتُمْ بِرَاءِینَ بَعْدَهَا عِزّاً أَبَداً فَابْعُدُوا کَمَا بَعُدَ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ.

فَسَبُّوهُ وَ سَبَّهُمْ وَ ضَرَبُوا بِسِیَاطِهِمْ وَجْهَ دَابَّتِهِ وَ ضَرَبَ بِسَوْطِهِ وُجُوهَ دَوَابِّهِمْ وَ صَاحَ بِهِمْ عَلِیٌّ ع فَکَفُّوا وَ قَالَ اَلْأَشْتَرُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ احْمِلِ الصَّفَّ عَلَی الصَّفِّ تُصْرَعُ الْقَوْمُ فَتَصَایَحُوا أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ قَبِلَ الْحُکُومَةَ وَ رَضِیَ بِحُکْمِ اَلْقُرْآنِ فَقَالَ اَلْأَشْتَرُ إِنْ کَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ قَبِلَ وَ رَضِیَ فَقَدْ رَضِیتُ بِمَا رَضِیَ بِهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَأَقْبَلَ النَّاسُ یَقُولُونَ قَدْ رَضِیَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ قَبِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ هُوَ سَاکِتٌ لاَ یَبِضُّ (2) بِکَلِمَةٍ مُطْرِقٌ إِلَی الْأَرْضِ.

ثُمَّ قَالَ فَسَکَتَ النَّاسُ کُلُّهُمْ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَمْرِی لَمْ یَزَلْ مَعَکُمْ عَلَی مَا أُحِبُّ إِلَی أَنْ أَخَذَتْ مِنْکُمُ الْحَرْبُ وَ قَدْ وَ اللَّهِ أَخَذَتْ مِنْکُمْ وَ تَرَکَتْ وَ أَخَذَتْ مِنْ عَدُوِّکُمْ فَلَمْ تَتْرُکْ وَ إِنَّهَا فِیهِمْ أَنْکَی وَ أَنْهَکَ أَلاَ إِنِّی کُنْتُ أَمْسِ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَأَصْبَحْتُ الْیَوْمَ

ص :219

مَأْمُوراً وَ کُنْتُ نَاهِیاً فَأَصْبَحْتُ مَنْهِیّاً وَ قَدْ أَحْبَبْتُمُ الْبَقَاءَ وَ لَیْسَ لِی أَنْ أَحْمِلَکُمْ عَلَی مَا تَکْرَهُونَ ثُمَّ قَعَدَ.

قَالَ نَصْرٌ ثُمَّ تَکَلَّمَ رُؤَسَاءُ القَبَائِلِ فَکُلٌّ قَالَ مَا یَرَاهُ وَ یَهْوَاهُ إِمَّا مِنَ الْحَرْبِ أَوْ مِنَ السِّلْمِ فَقَامَ کُرْدُوسُ بْنُ هَانِئٍ الْبَکْرِیُّ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا وَ اللَّهِ مَا تَوَلَّیْنَا مُعَاوِیَةَ مُنْذُ تَبَرَّأْنَا مِنْهُ وَ لاَ تَبَرَّأْنَا مِنْ عَلِیٍّ مُنْذُ تَوَلَّیْنَاهُ وَ إِنَّ قَتْلاَنَا لَشُهَدَاءُ وَ إِنَّ أَحْیاءَنَا لَأَبْرَارٌ وَ إِنَّ عَلِیّاً لَعَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ مَا أَحْدَثَ إِلاَّ الْإِنْصَافَ فَمَنْ سَلَّمَ لَهُ نَجَا وَ مَنْ خَالَفَهُ هَلَکَ ثُمَّ قَامَ شَقِیقُ بْنُ ثَوْرٍ الْبَکْرِیُّ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا دَعَوْنَا أَهْلَ اَلشَّامِ إِلَی کِتَابِ اللَّهِ فَرَدُّوهُ عَلَیْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ عَلَیْهِ وَ إِنَّهُمْ قَدْ دَعَوْنَا الْیَوْمَ إِلَیْهِ (1) فَإِنْ رَدَدْنَاهُ عَلَیْهِمْ حَلَّ لَهُمْ مِنَّا مَا حَلَّ لَنَا مِنْهُمْ وَ لَسْنَا نَخَافُ أَنْ یَحِیفَ اللَّهُ عَلَیْنَا وَ رَسُولُهُ أَلاَ إِنَّ عَلِیّاً لَیْسَ بِالرَّاجِعِ النَّاکِسِ وَ لاَ الشَّاکِّ الْوَاقِفِ وَ هُوَ الْیَوْمَ عَلَی مَا کَانَ عَلَیْهِ أَمْسِ وَ قَدْ أَکَلَتْنَا هَذِهِ الْحَرْبُ وَ لاَ نَرَی الْبَقَاءَ إِلاَّ فِی الْمُوَادَعَةِ (2) .

قَالَ نَصْرٌ ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ اَلشَّامِ لَمَّا أَبْطَأَ عَنْهُمْ عِلْمُ حَالِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ هَلْ أَجَابُوا إِلَی الْمُوَادَعَةِ أَمْ لاَ جَزِعُوا فَقَالُوا یَا مُعَاوِیَةُ مَا نَرَی أَهْلَ اَلْعِرَاقِ أَجَابُوا إِلَی مَا دَعَوْنَاهُمْ إِلَیْهِ فَأَعِدْهَا جَذَعَةً (3) فَإِنَّکَ قَدْ غَمَرْتَ بِدُعَائِکَ الْقَوْمَ وَ أَطْمَعْتَهُمْ فِیکَ.

فَدَعَا مُعَاوِیَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَأَمَرَهُ أَنْ یُکَلِّمَ أَهْلَ اَلْعِرَاقِ وَ یَسْتَعْلِمَ لَهُ مَا عِنْدَهُمْ فَأَقْبَلَ حَتَّی إِذَا کَانَ بَیْنَ الصَّفَّیْنِ نَادَی یَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

ص :220

عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِنَّهُ قَدْ کَانَتْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ أُمُورٌ لِلدِّینِ أَوِ الدُّنْیَا (1) فَإِنْ تَکُنْ لِلدِّینِ فَقَدْ وَ اللَّهِ أَعْذَرْنَا وَ أَعْذَرْتُمْ وَ إِنْ تَکُنْ لِلدُّنْیَا فَقَدْ وَ اللَّهِ أَسْرَفْنَا وَ أَسْرَفْتُمْ وَ قَدْ دَعَوْنَاکُمْ إِلَی أَمْرٍ لَوْ دَعَوْتُمُونَا إِلَیْهِ لَأَجَبْنَاکُمْ فَإِنْ یَجْمَعْنَا وَ إِیَّاکُمُ الرِّضَا فَذَاکَ مِنَ اللَّهِ فَاغْتَنِمُوا هَذِهِ الْفُرْصَةَ عَسَی أَنْ یَعِیشَ فِیهَا الْمُحْتَرِفُ (2) وَ یُنْسَی فِیهَا الْقَتِیلُ فَإِنَّ بَقَاءَ الْمُهْلِکِ بَعْدَ الْهَالِکَ قَلِیلٌ.

فَأَجَابَهُ سَعْدُ بْنُ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیُّ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ یَا أَهْلَ اَلشَّامِ إِنَّهُ قَدْ کَانَتْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ أُمُورٌ حَامَیْنَا فِیهَا عَلَی الدِّینِ وَ الدُّنْیَا وَ سَمَّیْتُمُوهَا غَدْراً وَ سَرَفاً وَ قَدْ دَعَوْتُمُونَا الْیَوْمَ إِلَی مَا قَاتَلْنَاکُمْ عَلَیْهِ أَمْسِ وَ لَمْ یَکُنْ لِیَرْجِعَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ إِلَی عِرَاقِهِمْ وَ أَهْلُ اَلشَّامِ إِلَی شَامِهِمْ بِأَمْرٍ أَجْمَلَ مِنْ أَنْ یَحْکُمَ فِیهِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ [فَالْأَمْرُ فِی أَیْدِینَا دُونَکُمْ وَ إِلاَّ فَنَحْنُ نَحْنُ وَ أَنْتُمْ أَنْتُمْ]

(3) .

فَقَامَ النَّاسُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالُوا لَهُ (4) أَجِبِ الْقَوْمَ إِلَی الْمُحَاکَمَةِ قَالَ وَ نَادَی إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فِی جَوْفِ اللَّیْلِ بِشِعْرٍ سَمِعَهُ النَّاسُ وَ هُوَ (5) رُءُوسُ اَلْعِرَاقِ أَجِیبُوا الدُّعَاءَ

ص :221

[فَقَاتَلَ کُلٌّ عَلَی وَجْهِهِ

قَالَ فَأَمَّا الْمُسَوَّدُ مِنْ کِنْدَةَ وَ هُوَ اَلْأَشْعَثُ فَإِنَّهُ لَمْ یَرْضَ بِالسُّکُوتِ بَلْ کَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ قَوْلاً فِی إِطْفَاءِ الْحَرْبِ وَ الرُّکُونِ إِلَی الْمُوَادَعَةِ وَ أَمَّا کَبْشُ اَلْعِرَاقِ وَ هُوَ اَلْأَشْتَرُ فَلَمْ یَکُنْ یَرَی إِلاَّ الْحَرْبَ وَ لَکِنَّهُ سَکَتَ عَلَی مَضَضٍ وَ أَمَّا سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ فَکَانَ تَارَةً هَکَذَا وَ تَارَةً هَکَذَا

(1)

.

353

1- وَ ذَکَرَ اِبْنُ دَیْزِیلَ (2) الْهَمَدَانِیُّ فِی کِتَابِ صِفِّینَ قَالَ خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ وَ مَعَهُ لِوَاءُ مُعَاوِیَةَ فَارْتَجَزَ فَخَرَجَ إِلَیْهِ جَارِیَةُ بْنُ قُدَامَةَ السَّعْدِیُّ فَارْتَجَزَ أَیْضاً مُجِیباً لَهُ ثُمَّ اطَّعَنَا (3) فَلَمْ یَصْنَعَا شَیْئاً وَ انْصَرَفَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ اقْحُمْ یَا ابْنَ سَیْفِ اللَّهِ فَتَقَدَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِلِوَائِهِ وَ تَقَدَّمَ أَصْحَابُهُ فَأَقْبَلَ عَلِیٌّ ع عَلَی اَلْأَشْتَرِ فَقَالَ لَهُ قَدْ بَلَغَ لِوَاءُ مُعَاوِیَةَ حَیْثُ

ص :222

تَرَی فَدُونَکَ الْقَوْمَ فَأَخَذَ اَلْأَشْتَرُ لِوَاءَ عَلِیٍّ ع وَ قَالَ (1) إِنِّی أَنَا اَلْأَشْتَرُ مَعْرُوفُ الشَّتَرِ (2)

فَضَارَبَ الْقَوْمُ حَتَّی رَدَّهُمْ فَانْتَدَبَ (3) لَهُ هَمَّامُ بْنُ قَبِیصَةَ الطَّائِیُّ وَ کَانَ مَعَ مُعَاوِیَةَ فَشَدَّ عَلَیْهِ فِی مَذْحِجٍ فَانْتَصَرَ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِیُّ لِلْأَشْتَرِ فَحَمَلَ عَلَیْهِ فِی طَیِّءٍ فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ جِدّاً فَدَعَا عَلِیٌّ بِبَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَرَکِبَهَا ثُمَّ تَعَصَّبَ بِعِمَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَ نَادَی أَیُّهَا النَّاسُ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ لِلَّهِ إِنَّ هَذَا یَوْمٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ فَانْتَدَبَ مَعَهُ مَا بَیْنَ عَشَرَةِ آلاَفٍ إِلَی اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفاً فَتَقَدَّمَهُمْ عَلِیٌّ ع وَ قَالَ دِبُّوا دَبِیبَ النَّمْلِ لاَ تَفُوتُوا وَ أَصْبِحُوا أَمْرَکُمُ أَوْ بِیتُوا (4) حَتَّی تَنَالُوا الثَّأْرَ أَوْ تَمُوتُوا.

وَ حَمَلَ وَ حَمَلَ النَّاسُ کُلُّهُمْ حَمْلَةً وَاحِدَةً فَلَمْ یَبْقَ لِأَهْلِ اَلشَّامِ صَفٌّ إِلاَّ أَزَالُوهُ حَتَّی أَفْضَوْا إِلَی مُعَاوِیَةَ فَدَعَا مُعَاوِیَةُ بِفَرَسِهِ لِیَفِرَّ عَلَیْهِ.

وَ کَانَ مُعَاوِیَةُ بَعْدَ ذَلِکَ یُحَدِّثُ فَیَقُولُ لَمَّا وَضَعْتُ رِجْلِی فِی الرِّکَابِ ذَکَرْتُ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ الْإِطْنَابَةِ (5) أَبَتْ لِی عِفَّتِی وَ أَبَی بَلاَئِی وَ أَخْذِی الْحَمْدَ بِالثَّمَنِ الرَّبِیحِ

ص :223

وَ إِقْدَامِی عَلَی الْمَکْرُوهِ نَفْسِی

فَأَخْرَجْتُ رِجْلِی مِنَ الرِّکَابِ وَ أَقَمْتُ وَ نَظَرْتُ إِلَی عَمْرٍو فَقُلْتُ لَهُ الْیَوْمَ صَبْرٌ وَ غَداً فَخْرٌ فَقَالَ صَدَقْتَ

.

354

قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ دَیْزِیلَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی بَکْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبِ عَنْ مُعَاوِیَةَ قَالَ أَخَذْتُ بِمَعْرِفَةِ فَرَسِی وَ وَضَعْتُ رِجْلِی فِی الرِّکَابِ لِلْهَرَبِ حَتَّی ذَکَرْتُ شِعْرَ اِبْنِ الْإِطْنَابَةِ فَعُدْتُ إِلَی مَقْعَدِی فَأَصَبْتُ خَیْرَ الدُّنْیَا وَ إِنِّی لَرَاجٍ أَنْ أُصِیبَ خَیْرَ الْآخِرَةِ.

قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ دَیْزِیلَ فَکَانَ ذَلِکَ یَوْمُ الْهَرِیرِ ثُمَّ رُفِعَتِ الْمَصَاحِفُ بَعْدَهُ.

355

وَ رَوَی إِبْرَاهِیمُ عَنِ اِبْنِ لَهِیعَةَ عَنْ یَزِیدَ بْنِ أَبِی حَبِیبٍ عَنْ رَبِیعَةَ بْنِ لَقِیطٍ قَالَ شَهِدْنَا صِفِّینَ فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ عَلَیْنَا دَماً عَبِیطاً.

وَ قَالَ وَ فِی حَدِیثِ اَللَّیْثِ بْنِ سَعْدٍ إِنْ کَانُوا لَیَأْخُذُونَهُ بِالصِّحَافِ وَ الْآنِیَةِ وَ فِی حَدِیثِ اِبْنِ لَهِیعَةَ حَتَّی إِنَّ الصِّحَافَ وَ الْآنِیَةَ لَتَمْتَلِئُ وَ نُهَرِیقُهَا.

356

قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ رَوَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِیَادٍ عَنِ اَللَّیْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ یَزِیدَ بْنِ أَبِی حَبِیبٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ مِمَّنْ حَضَرَ صِفِّینَ أَنَّهُمْ مُطِرُوا دَماً عَبِیطاً فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالْقِصَاعِ وَ الْآنِیَةِ وَ ذَلِکَ فِی یَوْمِ الْهَرِیرِ وَ فَزِعَ أَهْلُ اَلشَّامِ وَ هَمُّوا أَنْ یَتَفَرَّقُوا فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِیهِمْ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا هَذِهِ آیَةٌ مِنْ آیَاتِ اللَّهِ فَأَصْلَحَ امْرُؤٌ مَا بَیْنَهُ وَ بَیْنَ اللَّهِ ثُمَّ لاَ عَلَیْهِ أَنْ یَنْتَطِحَ هَذَانِ الْجَبَلاَنِ فَأَخَذُوا فِی الْقِتَالِ.

ص :224

357

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ رَوَی أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَکِّیُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْیَانُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ کُلَیْبٍ الْحَارِثِیُّ عَنْ أَبِیهِ قَالَ أَخْبَرَنِی اِبْنُ عَبَّاسٍ قَالَ لَقَدْ حَدَّثَنِی مُعَاوِیَةُ أَنَّهُ کَانَ یَوْمَئِذٍ قَدْ قُرِّبَ إِلَیْهِ فَرَساً لَهُ أُنْثَی بَعِیدَةَ الْبَطْنِ مِنَ الْأَرْضِ لِیَهْرُبَ عَلَیْهَا حَتَّی أَتَاهُ آتٍ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَقَالَ لَهُ إِنِّی تَرَکْتُ أَصْحَابَ عَلِیٍّ فِی مِثْلِ لَیْلَةِ الصَّدْرِ (1) مِنْ مِنًی فَأَقَمْتُ قَالَ فَقُلْنَا لَهُ فَأَخْبِرْنَا مَنْ هُوَ ذَلِکَ الرَّجُلُ فَأَبَی وَ قَالَ لاَ أُخْبِرُکُمْ مَنْ هُوَ .

358

1- قَالَ نَصْرٌ وَ إِبْرَاهِیمُ أَیْضاً وَ کَتَبَ مُعَاوِیَةُ إِلَی عَلِیٍّ ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ طَالَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکَ وَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا یَرَی أَنَّهُ عَلَی الْحَقِّ فِیمَا یَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِهِ وَ لَنْ یُعْطِیَ وَاحِدٌ مِنَّا الطَّاعَةَ لِلْآخَرِ وَ قَدْ قُتِلَ فِیمَا بَیْنَنَا بَشَرٌ کَثِیرٌ وَ أَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ یَکُونَ مَا بَقِیَ أَشَدَّ مِمَّا مَضَی وَ إِنَّا سَوْفَ نَسْأَلُ عَنْ ذَلِکَ الْمَوْطِنِ وَ لاَ یُحَاسَبُ [بِهِ]

(2) غَیْرِی وَ غَیْرُکَ وَ قَدْ دَعَوْتُکَ إِلَی أَمْرٍ لَنَا وَ لَکَ فِیهِ حَیَاةٌ وَ عُذْرٌ وَ بَرَاءَةٌ وَ صَلاَحٌ لِلْأُمَّةِ وَ حَقْنٌ لِلدِّمَاءِ وَ أُلْفَةٌ لِلدِّینِ وَ ذَهَابٌ لِلضَّغَائِنِ وَ الْفِتَنِ أَنْ نُحَکِّمَ بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ حَکَمَیْنِ مَرْضِیَّیْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ أَصْحَابِی وَ الْآخَرُ مِنْ أَصْحَابِکَ فَیَحْکُمَانِ بَیْنَنَا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَهُوَ خَیْرٌ لِی وَ لَکَ وَ أَقْطَعُ لِهَذِهِ الْفِتَنِ فَاتَّقِ اللَّهَ فِیمَا دُعِیتَ إِلَیْهِ وَ ارْضَ بِحُکْمِ اَلْقُرْآنِ إِنْ کُنْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَ السَّلاَمُ.فَکَتَبَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ ع مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی مُعَاوِیَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَفْضَلَ مَا شَغَلَ بِهِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ اتِّبَاعُ مَا حَسَّنَ بِهِ (3) فِعْلَهُ وَ اسْتَوْجَبَ فَضْلَهُ وَ سَلِمَ مِنْ عَیْبِهِ (4)

ص :225

وَ إِنَّ الْبَغْیَ وَ الزُّورَ یُزْرِیَانِ بِالْمَرْءِ فِی دِینِهِ وَ دُنْیَاهُ فَاحْذَرِ الدُّنْیَا فَإِنَّهُ لاَ فَرَحَ فِی شَیْءٍ وَصَلْتَ إِلَیْهِ مِنْهَا وَ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّکَ غَیْرُ مُدْرِکٍ مَا قُضِیَ فَوَاتُهُ وَ قَدْ رَامَ قَوْمٌ أَمْراً بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ تَأَوَّلُوهُ (1) عَلَی اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ فَأَکْذَبَهُمْ وَ مَتَّعَهُمْ قَلِیلاً ثُمَّ اضْطَرَّهُمْ إِلیٰ عَذٰابٍ غَلِیظٍ فَاحْذَرْ یَوْماً یَغْتَبِطُ فِیهِ مَنْ حَمِدَ عَاقِبَةَ عَمَلِهِ وَ یَنْدَمُ فِیهِ مَنْ أَمْکَنَ اَلشَّیْطَانَ مِنْ قِیَادِهِ [وَ لَمْ یُحَادَّهُ]

(2) وَ غَرَّتْهُ الدُّنْیَا وَ اطْمَأَنَّ إِلَیْهَا ثُمَّ إِنَّکَ قَدْ دَعَوْتَنِی إِلَی حُکْمِ اَلْقُرْآنِ وَ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّکَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ اَلْقُرْآنِ وَ لاَ حُکْمَهُ تُرِیدُ وَ اللّٰهُ الْمُسْتَعٰانُ فَقَدْ أَجَبْنَا اَلْقُرْآنَ إِلَی حُکْمِهِ وَ لَسْنَا إِیَّاکَ أَجَبْنَا وَ مَنْ لَمْ یَرْضَ بِحُکْمِ اَلْقُرْآنِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاٰلاً بَعِیداً (3) فَکَتَبَ مُعَاوِیَةُ إِلَی عَلِیٍّ ع أَمَّا بَعْدُ عَافَانَا اللَّهُ وَ إِیَّاکَ فَقَدْ آنَ لَکَ أَنْ تُجِیبَ إِلَی مَا فِیهِ صَلاَحُنَا وَ أُلْفَةٌ بَیْنَنَا وَ قَدْ فَعَلْتَ الَّذِی فَعَلْتَ وَ أَنَا أَعْرِفُ حَقِّی وَ لَکِنِّی اشْتَرَیْتُ بِالْعَفْوِ صَلاَحَ الْأُمَّةِ وَ لَمْ أُکْثِرْ فَرَحاً بِشَیْءٍ جَاءَ وَ لاَ ذَهَبَ وَ إِنَّمَا أَدْخَلَنِی فِی هَذَا الْأَمْرِ الْقِیَامُ بِالْحَقِّ فِیمَا بَیْنَ الْبَاغِی وَ الْمَبْغِیُّ عَلَیْهِ وَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیِ عَنِ الْمُنْکَرِ فَدَعَوْتُ إِلَی کِتَابِ اللَّهِ فِیمَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَکَ فَإِنَّهُ لاَ یَجْمَعُنَا وَ إِیَّاکَ إِلاَّ هُوَ نُحْیِی مَا أَحْیَا اَلْقُرْآنُ وَ نُمِیتُ مَا أَمَاتَ اَلْقُرْآنُ وَ السَّلاَمُ (4) .

قَالَ نَصْرٌ فَکَتَبَ عَلِیٌّ ع إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ یَعِظُهُ وَ یُرْشِدُهُ

ص :226

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْیَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَیْرِهَا وَ لَنْ یُصِیبَ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَیْئاً إِلاَّ فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً یَزِیدُهُ فِیهَا رَغْبَةً وَ لَنْ یَسْتَغْنِیَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ عَمَّا لَمْ یَبْلُغْ (1) وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِکَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَ السَّعِیدُ مَنْ وُعِظَ بِغَیْرِهِ فَلاَ تُحْبِطْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَجْرَکَ وَ لاَ تُجَارَّ مُعَاوِیَةَ فِی بَاطِلِهِ وَ السَّلاَمُ فَکَتَبَ إِلَیْهِ عَمْرٌو الْجَوَابَ أَمَّا بَعْدُ أَقُولُ فَالَّذِی (2) فِیهِ صَلاَحُنَا وَ أُلْفَتُنَا الْإِنَابَةُ إِلَی الْحَقِّ وَ قَدْ جَعَلْنَا اَلْقُرْآنَ بَیْنَنَا حَکَماً وَ أَجَبْنَا إِلَیْهِ فَصَبَّرَ الرَّجُلُ مِنَّا نَفْسَهُ عَلَی مَا حَکَمَ عَلَیْهِ اَلْقُرْآنُ وَ عَذَّرَهُ النَّاسُ بَعْدَ الْمُحَاجَزَةِ وَ السَّلاَمُ.

فَکَتَبَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الَّذِی أَعْجَبَکَ مِنَ الدُّنْیَا مِمَّا نَازَعَتْکَ إِلَیْهِ نَفْسُکَ وَ وَثِقْتَ بِهِ مِنْهَا لَمُنْقَلِبٌ عَنْکَ وَ مُفَارِقٌ لَکَ فَلاَ تَطْمَئِنَّ إِلَی الدُّنْیَا فَإِنَّهَا غَرَّارَةٌ وَ لَوِ اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَی لَحَفِظْتَ مَا بَقِیَ وَ انْتَفَعْتَ مِنْهَا بِمَا وُعِظْتَ بِهِ وَ السَّلاَمُ (3) فَأَجَابَهُ عَمْرٌو أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَنْصَفَ مَنْ جَعَلَ اَلْقُرْآنَ إِمَاماً وَ دَعَا النَّاسَ إِلَی أَحْکَامِهِ فَاصْبِرْ أَبَا حَسَنٍ فَإِنَّا غَیْرُ مُنِیلِیکَ إِلاَّ مَا أَنَالَکَ اَلْقُرْآنُ وَ السَّلاَمُ. .

359

1- قَالَ نَصْرٌ وَ جَاءَ اَلْأَشْعَثُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا أَرَی النَّاسَ إِلاَّ قَدْ رَضُوا وَ سَرَّهُمْ أَنْ یُجِیبُوا الْقَوْمَ إِلَی مَا دَعَوْهُمْ إِلَیْهِ مِنْ حُکْمِ اَلْقُرْآنِ

ص :227

فَإِنْ شِئْتَ أَتَیْتُ مُعَاوِیَةَ فَسَأَلْتُهُ مَا یُرِیدُ وَ نَظَرْتُ مَا الَّذِی یَسْأَلُ قَالَ فَأْتِهِ إِنْ شِئْتَ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ یَا مُعَاوِیَةُ لِأَیِّ شَیْءٍ رَفَعْتُمْ هَذِهِ الْمَصَاحِفَ قَالَ لِنَرْجِعَ نَحْنُ وَ أَنْتُمْ إِلَی مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِیهَا (1) فَابْعَثُوا رَجُلاً مِنْکُمْ تَرْضَوْنَ بِهِ وَ نَبْعَثُ مِنَّا رَجُلاً وَ نَأْخُذُ عَلَیْهِمَا أَنْ یَعْمَلاَ بِمَا فِی کِتَابِ اللَّهِ وَ لاَ یَعْدُوَانِهِ ثُمَّ نَتَّبِعُ مَا اتَّفَقَا عَلَیْهِ فَقَالَ اَلْأَشْعَثُ هَذَا هُوَ الْحَقُّ.

وَ انْصَرَفَ إِلَی عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرَهُ فَبَعَثَ عَلِیٌّ ع قُرَّاءَ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ بَعَثَ مُعَاوِیَةُ قُرَّاءَ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَاجْتَمَعُوا بَیْنَ الصَّفَّیْنِ وَ مَعَهُمُ اَلْمُصْحَفُ فَنَظَرُوا فِیهِ وَ تَدَارَسُوا (2) وَ اجْتَمَعُوا عَلَی أَنْ یُحْیُوا مَا أَحْیَا اَلْقُرْآنُ وَ یُمِیتُوا مَا أَمَاتَ اَلْقُرْآنُ وَ رَجَعَ کُلُّ فَرِیقٍ إِلَی صَاحِبِهِ فَقَالَ أَهْلُ اَلشَّامِ إِنَّا قَدْ رَضِینَا وَ اخْتَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ قَالَ اَلْأَشْعَثُ وَ الْقُرَّاءُ الَّذِینَ صَارُوا خَوَارِجَ فِیمَا بَعْدُ قَدْ رَضِینَا نَحْنُ وَ اخْتَرْنَا أَبَا مُوسَی الْأَشْعَرِیَّ فَقَالَ لَهُمْ عَلِیٌّ ع فَإِنِّی لاَ أَرْضَی بِأَبِی مُوسَی وَ لاَ أَرَی أَنْ أُوَلِّیَهُ فَقَالَ اَلْأَشْعَثُ وَ زَیْدُ بْنُ حُصَیْنٍ وَ مِسْعَرُ بْنُ فَدَکِیٍّ فِی عِصَابَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ إِنَّا لاَ نَرْضَی إِلاَّ بِهِ فَإِنَّهُ قَدْ کَانَ حَذَّرَنَا مَا وَقَعْنَا فِیهِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع فَإِنَّهُ لَیْسَ لِی بِرِضاً وَ قَدْ فَارَقَنِی وَ خَذَّلَ النَّاسَ عَنِّی وَ هَرَبَ مِنِّی حَتَّی أَمَّنْتُهُ بَعْدَ أَشْهُرٍ وَ لَکِنْ هَذَا اِبْنُ عَبَّاسٍ أُوَلِّیهِ ذَلِکَ قَالُوا وَ اللَّهِ مَا نُبَالِی أَ کُنْتَ أَنْتَ أَوْ اِبْنَ عَبَّاسٍ وَ لاَ نُرِیدُ إِلاَّ رَجُلاً هُوَ مِنْکَ وَ مِنْ مُعَاوِیَةَ سَوَاءً لَیْسَ إِلَی وَاحِدٍ مِنْکُمَا بِأَدْنَی مِنَ الْآخَرِ قَالَ عَلِیٌّ ع فَإِنِّی أَجْعَلُ اَلْأَشْتَرَ فَقَالَ اَلْأَشْعَثُ وَ هَلْ سَعَّرَ الْأَرْضَ عَلَیْنَا إِلاَّ اَلْأَشْتَرُ وَ هَلْ نَحْنُ إِلاَّ فِی حُکْمِ اَلْأَشْتَرِ قَالَ عَلِیٌّ ع وَ مَا حُکْمُهُ قَالَ حُکْمُهُ أَنْ یَضْرِبَ بَعْضُنَا بَعْضاً بِالسَّیْفِ حَتَّی یَکُونَ مَا أَرَدْتَ وَ مَا أَرَادَ

(3)

.

ص :228

360

1,14- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ قَالَ لَمَّا أَرَادَ النَّاسُ عَلِیّاً أَنْ یَضَعَ اَلْحَکَمَیْنِ قَالَ لَهُمْ إِنَّ مُعَاوِیَةَ لَمْ یَکُنْ لِیَضَعَ لِهَذَا الْأَمْرِ أَحَداً هُوَ أَوْثَقَ بِرَأْیِهِ وَ نَظَرِهِ مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ إِنَّهُ لاَ یَصْلُحُ لِلْقُرَشِیِّ إِلاَّ مِثْلُهُ فَعَلَیْکُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ فَاْرُموُه بِهِ فَإِنَّ عَمْراً لاَ یَعْقِدُ عُقْدَةً إِلاَّ حَلَّهَا عَبْدُ اللَّهِ وَ لاَ یَحِلُّ عُقْدَةً إِلاَّ عَقَدَهَا وَ لاَ یُبْرِمُ أَمْراً إِلاَّ نَقَضَهُ وَ لاَ یَنْقُضُ أَمْراً إِلاَّ أَبْرَمَهُ فَقَالَ اَلْأَشْعَثُ لاَ وَ اللَّهِ لاَ یَحْکُمُ فِینَا مُضَرِیَّان حَتَّی تَقُومَ السَّاعَةُ وَ لَکِنِ اجْعَلْ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ اَلْیَمَنِ إِذْ جَعَلُوا رَجُلاً مِنْ مُضَرَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنِّی أَخَافُ أَنْ یُخْدَعَ یَمَنِیُّکُمْ فَإِنَّ عَمْراً لَیْسَ مِنَ اللَّهِ فِی شَیْءٍ إِذَا کَانَ لَهُ فِی أَمْرٍ هَوًی فَقَالَ اَلْأَشْعَثُ وَ اللَّهِ لَأَنْ یَحْکُمَا بِبَعْضِ مَا نَکْرَهُ وَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ اَلْیَمَنِ أَحَبُّ إِلَیْنَا مِنْ أَنْ یَکُونَ بَعْضُ مَا نُحِبُّ فِی حُکْمِهِمَا وَ هُمَا مُضَرِیَّانِ.

قَالَ وَ ذَکَرَ اَلشَّعْبِیُّ أَیْضاً مِثْلَ ذَلِکَ (1) .

قَالَ نَصْرٌ فَقَالَ عَلِیٌّ ع قَدْ أَبَیْتُمْ إِلاَّ أَبَا مُوسَی قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَاصْنَعُوا مَا شِئْتُمْ فَبَعَثُوا إِلَی أَبِی مُوسَی وَ هُوَ بِأَرْضٍ مِنْ أَرْضِ اَلشَّامِ یُقَالُ لَهَا عُرْضٌ (2) قَدِ اعْتَزَلَ الْقِتَالَ فَأَتَاهُ مَوْلًی لَهُ فَقَالَ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اصْطَلَحُوا فَقَالَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ قَالَ وَ قَدْ جَعَلُوکَ حَکَماً فَقَالَ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَیْهِ رٰاجِعُونَ .

فَجَاءَ أَبُو مُوسَی حَتَّی دَخَلَ عَسْکَرَ عَلِیٍّ ع وَ جَاءَ اَلْأَشْتَرُ عَلِیّاً فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَلِزَّنِی (3) بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَوَ الَّذِی لاَ إِلَهَ غَیْرُهُ لَئِنْ مَلَأْتُ عَیْنِی مِنْهُ لَأَقْتُلَنَّهُ

ص :229

وَ جَاءَ اَلْأَحْنَفُ بْنُ قَیْسٍ عَلِیّاً فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّکَ قَدْ رُمِیتَ بِحَجَرِ (1) الْأَرْضِ وَ مَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أَنْفَ (2) اَلْإِسْلاَمِ وَ إِنِّی قَدْ عَجَمْتُ هَذَا الرَّجُلَ یَعْنِی أَبَا مُوسَی وَ حَلَبْتُ أَشْطُرَهُ فَوَجَدْتُهُ کَلِیلَ الشَّفْرَةِ قَرِیبَ الْقَعْرِ وَ إِنَّهُ لاَ یَصْلُحُ لِهَؤُلاَءِ الْقَوْمِ إِلاَّ رَجُلٌ یَدْنُو مِنْهُمْ حَتَّی یَکُونَ فِی أَکُفِّهِمْ وَ یَتَبَاعَدُ مِنْهُمْ حَتَّی یَکُونَ بِمَنْزِلَةِ النَّجْمِ مِنْهُمْ (3) فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْعَلَنِی حَکَماً فَاجْعَلْنِی وَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْعَلَنِی ثَانِیاً أَوْ ثَالِثاً (4) فَإِنَّ عَمْراً لاَ یَعْقِدُ عُقْدَةً إِلاَّ حَلَلْتُهَا وَ لاَ یَحِلُّ عُقْدَةً إِلاَّ عَقَدْتُ لَکَ أَشَدَّ مِنْهَا.

فَعَرَضَ عَلِیٌّ ع ذَلِکَ عَلَی النَّاسِ فَأَبَوْهُ وَ قَالُوا لاَ یَکُونُ إِلاَّ أَبَا مُوسَی (5) .

قَالَ نَصْرٌ مَالَ اَلْأَحْنَفُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی خَیَّرْتُکَ یَوْمَ الْجَمَلِ أَنْ آتِیَکَ فِیمَنْ أَطَاعَنِی أَوْ أَکُفَّ عَنْکَ بَنِی سَعْدٍ فَقُلْتَ کُفَّ قَوْمَکَ فَکَفَی بِکَفِّکَ نَصِیراً فَأَقَمْتُ بِأَمْرِکَ وَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَیْسٍ (6) رَجُلٌ قَدْ حَلَبْتُ أَشْطُرَهُ فَوَجَدْتُهُ قَرِیبَ الْقَعْرِ کَلِیلَ الْمُدْیَةِ وَ هُوَ رَجُلٌ یَمَانٍ وَ قَوْمُهُ مَعَ مُعَاوِیَةَ وَ قَدْ رُمِیتَ بِحَجَرِ الْأَرْضِ وَ بِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ إِنَّ صَاحِبَ الْقَوْمِ مَنْ یَنْأَی حَتَّی یَکُونَ مَعَ النَّجْمِ وَ یَدْنُو حَتَّی یَکُونَ فِی أَکُفِّهِمْ فَابْعَثْنِی فَوَ اللَّهِ لاَ یَحِلُّ عَنْکَ عُقْدَةٌ إِلاَّ عَقَدْتُ لَکَ أَشَدَّ مِنْهَا فَإِنْ قُلْتَ إِنِّی لَسْتُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ فَابْعَثْ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَ ابْعَثْنِی مَعَهُ.

ص :230

فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّ الْقَوْمَ أَتَوْنِی بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَیْسٍ مُبَرْنَساً فَقَالُوا ابْعَثْ هَذَا رَضِینَا بِهِ وَ اللَّهُ بَالِغُ أَمْرِهِ (1) .

قَالَ نَصْرٌ وَ رُوِیَ أَنَّ اِبْنَ الْکَوَّاءِ قَامَ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَیْسٍ وَافِدُ أَهْلِ اَلْیَمَنِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ صَاحِبُ مَقَاسِمِ أَبِی بَکْرٍ (2) وَ عَامِلُ عُمَرَ وَ قَدْ رَضِیَ بِهِ الْقَوْمُ وَ عَرَضْنَا عَلَیْهِمْ اِبْنَ عَبَّاسٍ فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَرِیبُ الْقَرَابَةِ مِنْکَ ظَنُونٌ (3) فِی أَمْرِکَ.

فَبَلَغَ ذَلِکَ أَهْلَ اَلشَّامِ فَبَعَثَ أَیْمَنَ بْنَ خِزْیَمٍ الْأَسَدِیَّ وَ کَانَ مُعْتَزِلاً لِمُعَاوِیَةَ بِهَذِهِ الْأَبْیَاتِ وَ کَانَ هَوَاهُ أَنْ یَکُونَ الْأَمْرُ لِأَهْلِ اَلْعِرَاقِ لَوْ کَانَ لِلْقَوْمِ رَأْیٌ یُعْصَمُونَ بِهِ

فَلَمَّا بَلَغَ النَّاسَ هَذَا الشِّعْرُ طَارَتْ أَهْوَاءُ قَوْمٍ مِنْ أَوْلِیَاءِ عَلِیٍّ ع وَ شِیعَتِهِ إِلَی اِبْنِ عَبَّاسٍ وَ أَبَتِ الْقُرَّاءُ إِلاَّ أَبَا مُوسَی (4) .

ص :231

قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ أَیْمَنُ بْنُ خِزْیَمٍ رَجُلاً عَابِداً مُجْتَهِداً وَ قَدْ کَانَ مُعَاوِیَةُ جَعَلَ لَهُ فِلَسْطِینَ عَلَی أَنْ یُتَابِعَهُ وَ یُشَایِعَهُ عَلَی قِتَالِ عَلِیٍّ ع فَقَالَ أَیْمَنُ وَ بَعَثَ بِهَا إِلَیْهِ وَ لَسْتُ مُقَاتِلاً رَجُلاً یُصَلِّی

قَالَ نَصْرٌ فَلَمَّا رَضِیَ أَهْلُ اَلشَّامِ بِعَمْرِو وَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ بِأَبِی مُوسَی أَخَذُوا فِی سَطْرِ کِتَابِ الْمُوَادَعَةِ وَ کَانَتْ صُورَتُهُ هَذَا مَا تَقَاضَی عَلَیْهِ عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ مُعَاوِیَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ بِئْسَ الرَّجُلُ أَنَا إِنْ أَقْرَرْتُ أَنَّهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ثُمَّ قَاتَلْتُهُ وَ قَالَ عَمْرٌو بَلْ نَکْتُبُ اسْمَهُ وَ اسْمَ أَبِیهِ إِنَّمَا هُوَ أَمِیرُکُمْ فَأَمَّا أَمِیرُنَا فَلاَ فَلَمَّا أُعِیدَ إِلَیْهِ الْکِتَابُ أَمَرَ بِمَحْوِهِ فَقَالَ اَلْأَحْنَفُ لاَ تَمْحُ اسْمَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَنْکَ فَإِنِّی أَتَخَوَّفُ إِنْ مَحَوْتَهَا أَلاَّ تَرْجِعَ إِلَیْکَ أَبَداً فَلاَ تَمْحُهَا فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّ هَذَا الْیَوْمَ کَیَوْمِ الْحُدَیْبِیَةِ حِینَ کَتَبَ الْکِتَابَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص هَذَا مَا صَالَحَ عَلَیْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سُهَیْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَالَ سُهَیْلٌ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّکَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقَاتِلْکَ وَ لَمْ أُخَالِفْکَ إِنِّی إِذًا لَظَالِمٌ لَکَ إِنْ مَنَعْتُکَ أَنْ تَطُوفَ بِبَیْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَ أَنْتَ رَسُولُهُ وَ لَکِنِ اکْتُبْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لِی رَسُولُ اللَّهِ ص یَا عَلِیُّ إِنِّی لَرَسُولُ اللَّهِ وَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ لَنْ یَمْحُوَ عَنِّی الرِّسَالَةَ کِتَابِی لَهُمْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَاکْتُبْهَا وَ امْحُ مَا أَرَادَ مَحْوَهُ أَمَا إِنَّ لَکَ مِثْلَهَا سَتُعْطِیهَا وَ أَنْتَ مُضْطَهَدٌ قَالَ نَصْرٌ وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَادَ بِالْکِتَابِ إِلَی عَلِیٍّ ع فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ یَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ إِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ فَقَصَّ عَلَیْهِ وَ عَلَی مَنْ حَضَرَ قِصَّةَ صُلْحِ الْحُدَیْبِیَةِ

ص :232

قَالَ إِنَّ ذَلِکَ الْکِتَابَ أَنَا کَتَبْتُهُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ اَلْمُشْرِکِینَ وَ الْیَوْمَ أَکْتُبُهُ إِلَی أَبْنَائِهِمْ کَمَا کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص کَتَبَهُ إِلَی آبَائِهِمْ شَبَهاً (1) وَ مِثْلاً فَقَالَ عَمْرٌو سُبْحَانَ اللَّهِ أَ تُشْبِهُنَا (2) بِالْکُفَّارِ وَ نَحْنُ مُسْلِمُونَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع یَا اِبْنَ النَّابِغَةِ وَ مَتَی لَمْ تَکُنْ لِلْکَافِرِینَ وَلِیّاً وَ لِلْمُسْلِمِینَ عَدُوّاً فَقَامَ عَمْرٌو وَ قَالَ وَ اللَّهِ لاَ یَجْمَعُ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ مَجْلِسٌ بَعْدَ الْیَوْمِ فَقَالَ عَلِیٌّ أَمَا وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَرْجُو أَنْ یَظْهَرَ اللَّهُ عَلَیْکَ وَ عَلَی أَصْحَابِکَ.

وَ جَاءَتْ عِصَابَةٌ قَدْ وَضَعَتْ سُیُوفَهَا عَلَی عَوَاتِقِهَا فَقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مُرْنَا بِمَا شِئْتَ فَقَالَ لَهُمْ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ أَیُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا رَأْیَکُمْ فَلَقَدْ شَهِدْنَا صَلْحَ رَسُولِ اللَّهِ ص یَوْمَ الْحُدَیْبِیَةِ وَ لَوْ نَرَی قِتَالاً لَقَاتَلْنَا (3) .

وَ زَادَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ دَیْزِیلَ لَقَدْ رَأَیْتُنِی یَوْمَ أَبِی جَنْدَلٍ یَعْنِی اَلْحُدَیْبِیَةَ وَ لَوْ أَسْتَطِیعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ص لَرَدَدْتُهُ ثُمَّ لَمْ نَرَ فِی ذَلِکَ الصُّلْحِ إِلاَّ خَیْراً

.

361

1- قَالَ نَصْرٌ وَ قَدْ رَوَی أَبُو إِسْحَاقَ الشَّیْبَانِیُّ قَالَ قَرَأْتُ کِتَابَ الصُّلْحِ عِنْدَ سَعِیدِ بْنِ أَبِی بُرْدَةَ فِی صَحِیفَةٍ صَفْرَاءَ عَلَیْهَا خَاتَمَانِ خَاتَمٌ مِنْ أَسْفَلِهَا وَ خَاتَمٌ مِنْ أَعْلاَهَا عَلَی خَاتَمِ عَلِیٍّ ع مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ عَلَی خَاتَمِ مُعَاوِیَةَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ قِیلَ لِعَلِیٍّ ع حِینَ أَرَادَ أَنْ یَکْتُبَ الْکِتَابَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ مُعَاوِیَةَ وَ أَهْلِ اَلشَّامِ أَ تُقِرُّ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ مُسْلِمُونَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع مَا أُقِرُّ لِمُعَاوِیَةَ وَ لاَ لِأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ وَ لاَ مُسْلِمُونَ وَ لَکِنْ یَکْتُبُ مُعَاوِیَةُ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَ یُقِرُّ بِمَا شَاءَ لِنَفْسِهِ وَ لِأَصْحَابِهِ وَ یُسَمِّی نَفْسَهُ بِمَا شَاءَ وَ أَصْحَابَهُ فَکَتَبُوا هَذَا مَا تَقَاضَی عَلَیْهِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ مُعَاوِیَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ قَاضَی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ

ص :233

عَلَی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ مَنْ کَانَ مَعَهُ مِنْ شِیعَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ اَلْمُسْلِمِینَ وَ قَاضَی مُعَاوِیَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ وَ مَنْ کَانَ مَعَهُ مِنْ شِیعَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ اَلْمُسْلِمِینَ إِنَّنَا نَنْزِلُ عِنْدَ حُکْمِ اللَّهِ تَعَالَی وَ کِتَابِهِ وَ لاَ یَجْمَعُ بَیْنَنَا إِلاَّ إِیَّاهُ وَ إِنَّ کِتَابَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی بَیْنَنَا مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَی خَاتِمَتِهِ نُحْیِی مَا أَحْیَا اَلْقُرْآنُ وَ نُمِیتُ مَا أَمَاتَ اَلْقُرْآنُ فَإِنْ وَجَدَ اَلْحَکَمَانِ ذَلِکَ فِی کِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعَاهُ وَ إِنْ لَمْ یَجِدَاهُ أَخَذَا بِالسُّنَّةِ الْعَادِلَةِ غَیْرِ الْمُفَرِّقَةِ وَ الْحَکَمَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَیْسٍ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ قَدْ أَخَذَ اَلْحَکَمَانِ مِنْ عَلِیٍّ وَ مُعَاوِیَةَ وَ مِنَ الْجُنْدَیْنِ أَنَّهُمَا آمِنَانِ عَلَی أَنْفُسِهِمَا وَ أَمْوَالِهِمَا وَ أَهْلِهِمَا وَ الْأُمَّةُ لَهُمَا أَنْصَارٌ وَ عَلَی الَّذِی یَقْضِیَانِ عَلَیْهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ اَلْمُسْلِمِینَ مِنَ الطَّائِفَتَیْنِ عَهْدَ اللَّهِ أَنْ یَعْمَلُوا بِمَا یَقْضِیَانِ عَلَیْهِ مِمَّا وَافَقَ اَلْکِتَابَ وَ السُّنَّةَ وَ إِنَّ الْأَمْنَ وَ الْمُوَادَعَةَ وَ وَضْعَ السِّلاَحِ مُتَّفَقٌ عَلَیْهِ بَیْنَ الطَّائِفَتَیْنِ إِلَی أَنْ یَقَعَ الْحُکْمُ وَ عَلَی کُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اَلْحَکَمَیْنِ عَهْدُ اللَّهِ لَیَحْکُمَنَّ بَیْنَ الْأُمَّةِ بِالْحَقِّ لاَ بِالْهَوَی وَ أَجَلُ الْمُوَادَعَةِ سَنَةً کَامِلَةً فَإِنْ أَحَبَّ اَلْحَکَمَانِ أَنْ یُعَجِّلاَ الْحُکْمَ عَجَّلاَهُ وَ إِنْ تُوُفِّیَ أَحَدُهُمَا فَلِأَمِیرِ شِیعَتِهِ أَنْ یَخْتَارَ مَکَانَهُ رَجُلاً لاَ یَأْلُو الْحَقَّ وَ الْعَدْلَ وَ إِنْ تُوُفِّیَ أَحَدُ الْأَمِیرَیْنِ کَانَ نَصْبُ غَیْرِهِ إِلَی أَصْحَابِهِ مِمَّنْ یَرْضَوْنَ أَمْرَهُ وَ یَحْمَدُونَ طَرِیقَتَهُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَنْصِرُکَ عَلَی مَنْ تَرَکَ مَا فِی هَذِهِ الصَّحِیفَةِ وَ أَرَادَ فِیهَا إِلْحَاداً وَ ظُلْماً.

قَالَ نَصْرٌ هَذِهِ رِوَایَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ وَ اَلشَّعْبِیِّ

.

362

1- وَ رَوَی جَابِرٌ عَنْ زَیْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ زِیَادَاتٍ عَلَی هَذِهِ النُّسْخَةِ هَذَا مَا تَقَاضَی عَلَیْهِ اِبْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ مُعَاوِیَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ وَ شِیعَتُهُمَا فِیمَا تَرَاضَیَا بِهِ مِنَ الْحُکْمِ بِکِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ قَضِیَّةُ عَلِیٍّ عَلَی أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ مَنْ کَانَ مِنْ شِیعَتِهِ مِنْ شَاهِدٍ أَوْ غَائِبٍ وَ قَضِیَّةُ مُعَاوِیَةَ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ وَ مَنْ کَانَ مِنْ شِیعَتِهِ مِنْ شَاهِدٍ أَوْ غَائِبٍ إِنَّنَا رَضِینَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَ حُکْمِ اَلْقُرْآنِ فِیمَا حَکَمَ وَ أَنْ نَقِفَ عِنْدَ أَمْرِهِ فِیمَا أَمَرَ فَإِنَّهُ لاَ یَجْمَعُ بَیْنَنَا إِلاَّ ذَلِکَ وَ إِنَّا جَعَلْنَا کِتَابَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَکَماً بَیْنَنَا فِیمَا اخْتَلَفْنَا فِیهِ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَی

ص :234

خَاتِمَتِهِ نُحْیِی مَا أَحْیَا اَلْقُرْآنُ وَ نُمِیتُ مَا أَمَاتَهُ عَلَی ذَلِکَ تَقَاضَیْنَا وَ بِهِ تَرَاضَیْنَا وَ إِنَّ عَلِیّاً وَ شِیعَتَهُ رَضُوا أَنْ یَبْعَثُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَیْسٍ نَاظِراً وَ مُحَاکِماً وَ رَضِیَ مُعَاوِیَةُ وَ شِیعَتُهُ أَنْ یَبْعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ نَاظِراً وَ مُحَاکِماً عَلَی أَنَّهُمْ أَخَذُوا عَلَیْهِمَا عَهْدَ اللَّهِ وَ مِیثَاقَهُ وَ أَعْظَمَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَی أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ لَیَتَّخِذَانِ اَلْکِتَابَ إِمَاماً فِیمَا بُعِثَا إِلَیْهِ لاَ یَعْدُوَانِهِ إِلَی غَیْرِهِ مَا وَجَدَاهُ فِیهِ مَسْطُوراً وَ مَا لَمْ یَجِدَاهُ مُسَمًّی فِی اَلْکِتَابِ رَدَّاهُ إِلَی سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ص الْجَامِعَةِ لاَ یَتَعَمَّدَانِ لَهَا خِلاَفاً وَ لاَ یَتَّبِعَانِ هَوًی وَ لاَ یَدْخُلاَنِ فِی شُبْهَةٍ وَ قَدْ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَیْسٍ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَی عَلِیٍّ وَ مُعَاوِیَةَ عَهْدَ اللَّهِ وَ مِیثَاقَهُ بِالرِّضَا بِمَا حَکَمَا بِهِ مِنْ کِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ وَ لَیْسَ لَهُمَا أَنْ یَنْقُضَا ذَلِکَ وَ لاَ یُخَالِفَاهُ إِلَی غَیْرِهِ وَ أَنَّهُمَا آمِنَانِ فِی حُکْمِهِمَا عَلَی دِمَائِهِمَا وَ أَمْوَالِهِمَا وَ أَهْلِهِمَا مَا لَمْ یَعْدُوَا الْحَقَّ رَضِیَ بِذَلِکَ رَاضٍ أَوْ أَنْکَرَهُ مُنْکِرٌ وَ أَنَّ الْأُمَّةَ أَنْصَارٌ لَهُمَا عَلَی مَا قَضَیَا بِهِ مِنَ الْعَدْلِ فَإِنْ تُوُفِّیَ أَحَدُ اَلْحَکَمَیْنِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحُکُومَةِ فَأَمِیرُ شِیعَتِهِ وَ أَصْحَابِهِ یَخْتَارُونَ مَکَانَهُ رَجُلاً لاَ یَأْلُونَ عَنْ أَهْلِ الْمَعْدِلَةِ وَ الْإِقْسَاطِ عَلَی مَا کَانَ عَلَیْهِ صَاحِبُهُ مِنَ الْعَهْدِ وَ الْمِیثَاقِ وَ الْحُکْمِ بِکِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ وَ لَهُ مِثْلُ شَرْطِ صَاحِبِهِ وَ إِنْ مَاتَ أَحَدُ الْأَمِیرَیْنِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِشِیعَتِهِ أَنْ یُوَلُّوا مَکَانَهُ رَجُلاً یَرْضَوْنَ عَدْلَهُ وَ قَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْقَضِیَّةُ وَ مَعَهَا الْأَمْنُ وَ التَّفَاوُضُ وَ وَضْعُ السِّلاَحِ وَ السَّلاَمِ وَ الْمُوَادَعَةِ وَ عَلَی اَلْحَکَمَیْنِ عَهْدُ اللَّهِ وَ مِیثَاقُهُ أَلاَّ یَأْلُوَا اجْتِهَاداً وَ لاَ یَتَعَمَّدَا جَوْراً وَ لاَ یَدْخُلاَ فِی شُبْهَةٍ وَ لاَ یَعْدُوَا حُکْمَ اَلْکِتَابِ فَإِنْ لَمْ یَقْبَلاَ بَرِئَتِ الْأُمَّةُ مِنْ حُکْمِهِمَا وَ لاَ عَهْدَ لَهُمَا وَ لاَ ذِمَّةَ وَ قَدْ وَجَبَتِ الْقَضِیَّةُ عَلَی مَا قَدْ سُمِّیَ فِی هَذَا الْکِتَابِ مِنْ مَوَاقِعِ الشُّرُوطِ عَلَی اَلْحَکَمَیْنِ وَ الْأَمِیرَیْنِ وَ الْفَرِیقَیْنِ وَ اللَّهُ أَقْرَبُ شَهِیداً وَ أَدْنَی حَفِیظاً وَ النَّاسُ آمِنُونَ عَلَی أَنْفُسِهِمْ وَ أَهْلِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ إِلَی انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْأَجَلِ وَ السِّلاَحُ مَوْضُوعٌ وَ السُّبُلُ مُخَلاَّةٌ وَ الشَّاهِدُ وَ الْغَائِبُ مِنَ الْفَرِیقَیْنِ سَوَاءٌ فِی الْأَمْنِ وَ لِلْحَکَمَیْنِ أَنْ یَنْزِلاَ مَنْزِلاً عَدْلاً بَیْنَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ اَلشَّامِ لاَ یَحْضُرُهُمَا فِیهِ إِلاَّ مَنْ أَحَبَّا عَنْ مَلَإٍ مِنْهُمَا وَ تَرَاضٍ

ص :235

وَ إِنَّ اَلْمُسْلِمِینَ قَدْ أَجَّلُوا هَذَیْنِ الْقَاضِیَیْنِ إِلَی انْسِلاَخِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ رَأَیَا تَعْجِیلَ الْحُکُومَةِ فِیمَا وَجَّهَا لَهُ عَجَّلاَهَا وَ إِنْ أَرَادَا تَأْخِیرَهَا بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَی انْقِضَاءِ اَلْمَوْسِمِ فَذَلِکَ إِلَیْهِمَا وَ إِنْ هُمَا لَمْ یَحْکُمَا بِکِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ إِلَی انْقِضَاءِ اَلْمَوْسِمِ فَالْمُسْلِمُونَ عَلَی أَمْرِهِمُ الْأَوَّلِ فِی الْحَرْبِ وَ لاَ شَرْطَ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ وَ عَلَی الْأُمَّةِ عَهْدُ اللَّهِ وَ مِیثَاقُهُ عَلَی التَّمَامِ وَ الْوَفَاءِ بِمَا فِی هَذَا الْکِتَابِ وَ هُمْ یَدٌ عَلَی مَنْ أَرَادَ فِیهِ إِلْحَاداً وَ ظُلْماً أَوْ حَاوَلَ لَهُ نَقْضاً وَ شَهِدَ فِیهِ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ عَشَرَةٌ وَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِیَةَ عَشَرَةٌ وَ تَارِیخُ کِتَابَتِهِ لِلَیْلَةٍ بَقِیَتْ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَ ثَلاَثِینَ

(1)

.

363

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَعِیدٍ قَالَ حَدَّثَنِی أَبُو جَنَابٍ عَنْ رَبِیعَةَ الْجَرْمِیِّ قَالَ لَمَّا کُتِبَتِ الصَّحِیفَةُ دُعِیَ لَهَا اَلْأَشْتَرُ لِیَشْهَدَ مَعَ الشُّهُودِ عَلَیْهِ فَقَالَ لاَ صَحِبَتْنِی یَمِینِی وَ لاَ نَفَعَنِی بَعْدَهَا الشِّمَالُ إِنْ کُتِبَ لِی فِی هَذِهِ الصَّحِیفَةِ اسْمٌ عَلَی صُلْحٍ أَوْ مُوَادَعَةٍ أَ وَ لَسْتُ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ أَمْرِی وَ یَقِینٍ مِنْ ضَلاَلَةِ عَدُوِّی أَ وَ لَسْتُمْ قَدْ رَأَیْتُمُ الظَّفَرَ إِنْ لَمْ تَجْمَعُوا عَلَی الْخَوَرِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ [مِنَ النَّاسِ]

(2) وَ اللَّهِ مَا رَأَیْتَ ظَفَراً وَ لاَ خَوَراً هَلُمَّ فَاشْهَدْ عَلَی نَفْسِکَ وَ أَقْرِرْ بِمَا کُتِبَ فِی هَذِهِ الصَّحِیفَةِ فَإِنَّهُ لاَ رَغْبَةَ لَکَ عَنِ النَّاسِ فَقَالَ بَلَی وَ اللَّهِ إِنَّ لِی لَرَغْبَةً عَنْکَ فِی الدُّنْیَا لِلدُّنْیَا وَ فِی الْآخِرَةِ لِلْآخِرَةِ وَ لَقَدْ سَفَکَ اللَّهُ بِسَیْفِی هَذَا دِمَاءَ رِجَالٍ مَا أَنْتَ عِنْدِی بِخَیْرٍ مِنْهُمْ وَ لاَ أَحْرَمَ دَماً.

قَالَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الرَّجُلُ هُوَ اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَیْسٍ قَالَ فَکَأَنَّمَا قُصِعَ (3) عَلَی أَنَّهُ الْحَمِیمُ ثُمَّ قَالَ وَ لَکِنِّی قَدْ رَضِیتُ بِمَا یَرْضَی بِهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ دَخَلْتُ فِیمَا دَخَلَ فِیهِ وَ خَرَجْتُ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لاَ یَدْخُلُ إِلاَّ فِی الْهُدَی وَ الصَّوَابِ

.

ص :236

364

1- قَالَ نَصْرٌ فَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِی جَنَابٍ الْکَلْبِیِّ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ شَفِیعٍ (1) عَنْ سُفْیَانَ بْنِ سَلَمَةَ (2) قَالَ فَلَمَّا تَمَّ الْکِتَابُ وَ شَهِدَتْ فِیهِ الشُّهُودُ وَ تَرَاضَی النَّاسُ خَرَجَ اَلْأَشْعَثُ وَ مَعَهُ نَاسٌ بِنُسْخَةِ الْکِتَابِ یَقْرَؤُهَا عَلَی النَّاسِ وَ یَعْرِضُهَا عَلَیْهِمْ فَمَرَّ بِهِ عَلَی صُفُوفٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ هُمْ عَلَی رَایَاتِهِمْ فَأَسْمَعَهُمْ إِیَّاهُ فَرَضُوا بِهِ ثُمَّ مَرَّ بِهِ عَلَی صُفُوفٍ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ هُمْ عَلَی رَایَاتِهِمْ فَأَسْمَعَهُمْ إِیَّاهُ فَرَضُوا بِهِ حَتَّی مَرَّ بِرَایَاتِ عَنَزَةَ وَ کَانَ مَعَ عَلِیٍّ ع مِنْ عَنَزَةَ بِصِفِّینَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ مُجَفِّفٍ (3) فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ اَلْأَشْعَثُ یَقْرَؤُهُ عَلَیْهِمْ قَالَ فِتْیَانٌ مِنْهُمْ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ ثُمَّ حَمَلاَ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ بِسُیُوفِهِمَا فَقَاتَلاَ حَتَّی قُتِلاَ عَلَی بَابِ رِوَاقِ مُعَاوِیَةَ فَهُمَا أَوَّلُ مَنْ حَکَّمَ وَ أَسْمَاهُمَا [أَسْمَاؤُهُمَا]

جَعْدٌ وَ مَعْدَانُ ثُمَّ مَرَّ بِهَا عَلَی مُرَادٍ فَقَالَ صَالِحُ بْنُ شَقِیقٍ وَ کَانَ مِنْ رُءُوسِهِمْ مَا لِعَلِیٍّ فِی الدِّمَاءِ قَدْ حَکَّمَ لَوْ قَاتَلَ اَلْأَحْزَابَ یَوْماً مَا ظَلَمَ.

لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ وَ لَوْ کَرِهَ اَلْمُشْرِکُونَ ثُمَّ مَرَّ عَلَی رَایَاتِ بَنِی رَاسِبٍ فَقَرَأَهَا عَلَیْهِمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ لاَ نَرْضَی وَ لاَ نُحَکِّمُ الرِّجَالَ فِی دِینِ اللَّهِ ثُمَّ مَرَّ عَلَی رَایَاتِ تَمِیمٍ فَقَرَأَهَا عَلَیْهِمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ یَقْضِی بِالْحَقِّ وَ هُوَ خَیْرُ الْفٰاصِلِینَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ لِآخَرَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ طَعَنَ طَعْنَةً نَافِذَةً وَ خَرَجَ عُرْوَةُ بْنُ أُدَیَّةَ أَخُو مِرْدَاسِ بْنِ أُدَیَّةَ التَّمِیمِیِّ فَقَالَ أَ تُحَکِّمُونَ الرِّجَالَ فِی أَمْرِ اللَّهِ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ فَأَیْنَ قَتْلاَنَا یَا أَشْعَثُ ثُمَّ شَدَّ بِسَیْفِهِ لِیَضْرِبَ بِهِ اَلْأَشْعَثَ فَأَخْطَأَهُ وَ ضَرَبَ عَجُزَ دَابَّتِهِ ضَرْبَةً خَفِیفَةً فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ أَنِ امْلِکْ (4) یَدَکَ فَکَفَّ وَ رَجَعَ اَلْأَشْعَثُ إِلَی قَوْمِهِ فَمَشَی اَلْأَحْنَفُ إِلَیْهِ وَ مَعْقِلُ بْنُ قَیْسٍ وَ مِسْعَرُ بْنُ فَدَکِیٍّ وَ رِجَالٌ مِنْ بَنِی تَمِیمٍ فَتَنَصَّلُوا وَ اعْتَذَرُوا فَقَبِلَ مِنْهُمْ ذَلِکَ وَ انْطَلَقَ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی

ص :237

عَرَضْتُ الْحُکُومَةَ عَلَی صُفُوفِ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَقَالُوا جَمِیعاً رَضِینَا حَتَّی مَرَرْتُ بِرَایَاتِ بَنِی رَاسِبٍ وَ نَبْذٍ (1) مِنَ النَّاسِ سِوَاهُمْ فَقَالُوا لاَ نَرْضَی لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ فَمِلْ (2) بِأَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ أَهْلِ اَلشَّامِ عَلَیْهِمْ حَتَّی نَقْتُلَهُمْ فَقَالَ عَلِیٌّ ع هَلْ هِیَ غَیْرُ رَایَةٍ أَوْ رَایَتَیْنِ وَ نَبْذٍ مِنَ النَّاسِ قَالَ لاَ قَالَ فَدَعْهُمْ .

قَالَ نَصْرٌ فَظَنَّ عَلِیٌّ ع أَنَّهُمْ قَلِیلُونَ لاَ یُعْبَأُ بِهِمْ فَمَا رَاعَهُ إِلاَّ نِدَاءُ النَّاسِ مِنْ کُلِّ جِهَةٍ وَ مِنْ کُلِّ نَاحِیَةٍ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ الْحُکْمُ لِلَّهِ یَا عَلِیُّ لاَ لَکَ لاَ نَرْضَی بِأَنْ یُحَکَّمَ الرِّجَالُ فِی دِینِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمْضَی حُکْمَهُ فِی مُعَاوِیَةَ وَ أَصْحَابِهِ أَنْ یُقْتَلُوا أَوْ یَدْخُلُوا تَحْتَ حُکْمِنَا عَلَیْهِمْ (3) وَ قَدْ کُنَّا زَلَلْنَا وَ أَخْطَأْنَا حِینَ رَضِینَا بِالْحَکَمَیْنِ وَ قَدْ بَانَ لَنَا زَلَلُنَا وَ خَطَؤُنَا فَرَجَعْنَا إِلَی اللَّهِ وَ تُبْنَا فَارْجِعْ أَنْتَ یَا عَلِیُّ کَمَا رَجَعْنَا وَ تُبْ إِلَی اللَّهِ کَمَا تُبْنَا وَ إِلاَّ بَرِئْنَا مِنْکَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَیْحَکُمْ أَ بَعْدَ الرِّضَا وَ الْمِیثَاقِ وَ الْعَهْدِ نَرْجِعُ أَ لَیْسَ اللَّهُ تَعَالَی قَدْ قَالَ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) وَ قَالَ وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّٰهِ إِذٰا عٰاهَدْتُمْ وَ لاٰ تَنْقُضُوا الْأَیْمٰانَ بَعْدَ تَوْکِیدِهٰا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّٰهَ عَلَیْکُمْ کَفِیلاً (5) فَأَبَی عَلِیٌّ أَنْ یَرْجِعَ وَ أَبَتِ اَلْخَوَارِجُ إِلاَّ تَضْلِیلَ اَلتَّحْکِیمِ وَ الطَّعْنَ فِیهِ فَبَرِئَتْ مِنْ عَلِیٍّ ع وَ بَرِئَ عَلِیٌّ ع مِنْهُمْ (6) .

قَالَ نَصْرٌ وَ قَامَ إِلَی عَلِیٍّ ع مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیشٍ (7) فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ مَا إِلَی الرُّجُوعِ عَنْ هَذَا الْکِتَابِ سَبِیلٌ فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَأَخَافُ أَنْ یُورِثَ ذُلاًّ فَقَالَ عَلِیٌّ ع

ص :238

أَ بَعْدَ أَنْ کَتَبْنَاهُ نَنْقُضُهُ إِنَّ هَذَا لاَ یَحِلُّ

(1)

.

365

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنِی عُمَرُ بْنُ نُمَیْرِ بْنِ وَعْلَةَ عَنْ أَبِی الْوَدَّاکِ قَالَ لَمَّا تَدَاعَی النَّاسُ إِلَی الْمَصَاحِفِ وَ کُتِبَتْ صَحِیفَةُ الصُّلْحِ وَ التَّحْکِیمِ قَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّمَا فَعَلْتُ مَا فَعَلْتُ لِمَا بَدَا فِیکُمْ مِنَ الْخَوَرِ وَ الْفَشَلِ عَنِ الْحَرْبِ (2) فَجَاءَتْ إِلَیْهِ هَمْدَانُ کَأَنَّهَا رُکْنُ حَصِیرٍ (3) فِیهِمْ سَعِیدُ بْنُ قَیْسٍ وَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ غُلاَمٌ لَهُ ذُؤَابَةٌ فَقَالَ سَعِیدٌ هَا أَنَا ذَا وَ قَوْمِی لاَ نَرُدُّ أَمْرَکَ (4) فَقُلْ مَا شِئْتَ نَعْمَلْهُ فَقَالَ أَمَا لَوْ کَانَ هَذَا قَبْلَ سَطْرِ الصَّحِیفَةِ (5) لَأَزَلْتُهُمْ عَنْ عَسْکَرِهِمْ أَوْ تَنْفَرِدَ سَالِفَتِی (6) [قَبْلَ ذَلِکَ]

(7) وَ لَکِنِ انْصَرِفُوا رَاشِدِینَ فَلَعَمْرِی مَا کُنْتُ لِأَعْرِضَ قَبِیلَةً وَاحِدَةً لِلنَّاسِ

(8)

.

366

قَالَ نَصْرٌ وَ رَوَی اَلشَّعْبِیُّ أَنَّ عَلِیّاً ع قَالَ یَوْمَ صِفِّینَ حِینَ أَقَرَّ النَّاسُ بِالصُّلْحِ إِنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ لَمْ یَکُونُوا لِیُنِیبُوا إِلَی الْحَقِّ وَ لاَ لِیُجِیبُوا (9) إِلَی کَلِمَةٍ سَوَاءٍ حَتَّی یُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ (10) تَتْبَعُهَا الْعَسَاکِرُ وَ حَتَّی یُرْجَمُوا بِالْکَتَائِبِ تَقْفُوهَا الْجَلاَئِبُ (11)

ص :239

وَ حَتَّی یُجَرَّ بِبِلاَدِهِمُ الْخَمِیسُ یَتْلُوهُ الْخَمِیسُ (1) وَ حَتَّی یَدَعُوا الْخُیُولَ فِی نَوَاحِی أَرْضِهِمْ وَ بِأَحْنَاءِ مَسَارِبِهِمْ وَ مَسَارِحِهِمْ وَ حَتَّی تُشَنَّ عَلَیْهِمُ الْغَارَاتُ مِنْ کُلِّ فَجٍّ وَ حَتَّی یَلْقَاهُمْ قَوْمٌ صُدْقٌ صُبْرٌ لاَ یَزِیدُهُمْ هَلاَکُ مَنْ هَلَکَ مِنْ قَتْلاَهُمْ وَ مَوْتَاهُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ إِلاَّ جِدّاً فِی طَاعَةِ اللَّهِ وَ حِرْصاً عَلَی لِقَاءِ اللَّهِ وَ لَقَدْ کُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبْنَاءَنَا وَ إِخْوَانَنَا وَ أَخْوَالَنَا وَ أَعْمَامَنَا لاَ یَزِیدُنَا ذَلِکَ إِلاَّ إِیمَاناً وَ تَسْلِیماً وَ مَضَیَا عَلَی أَمَضِّ الْأَلَمِ وَ جَدَّا عَلَی جِهَادِ الْعَدُوِّ وَ الاِسْتِقْلاَلِ بِمُبَارَزَةِ الْأَقْرَانِ وَ لَقَدْ کَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَ الْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا یَتَصَاوَلاَنِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَیْنِ یَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَیُّهُمَا یَسْقِی صَاحِبَهُ کَأْسَ الْمَنُونِ فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَ مَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا فَلَمَّا رَآنَا اللَّهُ صُدْقاً صُبْراً أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْکَبْتَ وَ أَنْزَلَ عَلَیْنَا النَّصْرَ وَ لَعَمْرِی لَوْ کُنَّا نَأْتِی مِثْلَ الَّذِی أَتَیْتُمْ مَا قَامَ الدِّینُ وَ لاَ عَزَّ اَلْإِسْلاَمُ (2) وَ[ایْمُ اللَّهِ لَتَحْلِبُنَّهَا دَماً فَاحْفَظُوا مَا أَقُولُ لَکُمْ ]

(3) .

367

1- وَ رَوَی نَصْرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ فُضَیْلِ بْنِ خَدِیجٍ قَالَ قِیلَ لِعَلِیٍّ ع لَمَّا کُتِبَتِ الصَّحِیفَةُ إِنَّ اَلْأَشْتَرَ لَمْ یَرْضَ بِمَا فِی الصَّحِیفَةِ وَ لاَ یَرَی إِلاَّ قِتَالَ الْقَوْمِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع بَلَی إِنَّ اَلْأَشْتَرَ لَیَرْضَی إِذَا رَضِیتُ وَ قَدْ رَضِیتُ وَ رَضِیتُمْ وَ لاَ یَصْلَحُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الرِّضَا وَ لاَ التَّبْدِیلُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ إِلاَّ أَنْ یُعْصَی اللَّهُ أَوْ یُتَعَدَّی مَا فِی کِتَابِهِ وَ أَمَّا الَّذِی ذَکَرْتُمْ مِنْ تَرْکِهِ أَمْرِی وَ مَا أَنَا عَلَیْهِ فَلَیْسَ مِنْ أُولَئِکَ وَ لاَ أَعْرِفُهُ (4) عَلَی ذَلِکَ وَ لَیْتَ فِیکُمْ مِثْلَهُ اثْنَیْنِ بَلْ لَیْتَ فِیکُمْ مِثْلَهُ وَاحِداً یَرَی فِی عَدُوِّی مِثْلَ رَأْیِهِ إِذًا لَخَفَّتْ مَئُونَتُکُمْ عَلَیَّ وَ رَجَوْتُ أَنْ یَسْتَقِیمَ لِی بَعْضُ أَوَدِکُمْ

(5)

.

ص :240

368

1- قَالَ نَصْرٌ وَ رَوَی أَبُو عَبْدِ اللَّهِ زَیْدٌ الْأَوْدِیُّ إِنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ یُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ قَاتَلَ مَعَ عَلِیٍّ ع یَوْمَ صِفِّینَ فَأَسَرَهُ مُعَاوِیَةُ فِی أَسْرَی کَثِیرَةٍ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ اقْتُلْهُمْ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ لاَ تَقْتُلْنِی یَا مُعَاوِیَةُ فَإِنَّکَ خَالِی فَقَامَتْ إِلَیْهِ بَنُو أَوْدٍ (1) فَاسْتَوْهَبُوهُ فَقَالَ دَعُوهُ فَلَعَمْرِی إِنْ کَانَ صَادِقاً فِیمَا ادَّعَاهُ مِنْ خُئُولَتِی إِیَّاهُ لَیَسْتَغْنِیَنَّ عَنْ شَفَاعَتِکُمْ وَ إِلاَّ فَشَفَاعَتُکُمْ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ اسْتَدْنَاهُ فَقَالَ مِنْ أَیْنَ أَنَا خَالُکَ فَوَ اللَّهِ مَا بَیْنَ بَنِی عَبْدِ شَمْسٍ وَ بَیْنَ أَوْدٍ مِنْ مُصَاهَرَةٍ قَالَ فَإِنْ أَخْبَرْتُکَ فَعَرَفْتَ فَهُوَ أَمَانٌ عِنْدَکَ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَ لَیْسَتْ أُمُّ حَبِیبَةَ (2) أُخْتُکَ أُمَّ الْمُؤْمِنِینَ فَأَنَا ابْنُهَا وَ أَنْتَ أَخُوهَا فَأَنْتَ إِذًا خَالِی فَقَالَ مُعَاوِیَةُ لِلَّهِ أَبُوهُ أَ مَا کَانَ فِی هَؤُلاَءِ الْأَسْرَی مَنْ یَفْطِنُ إِلَی هَذَا غَیْرُهُ ثُمَّ خَلَّی سَبِیلَهُ

(3)

.

369

1- وَ رَوَی إِبْرَاهِیمُ بْنُ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ الْکِسَائِیُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ دَیْزِیلَ الْهَمَدَانِیُّ فِی کِتَابِ صِفِّینَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ دَعَا مُعَاوِیَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لِیَبْعَثَهُ حَکَماً فَجَاءَ وَ هُوَ مُتَحَزِّمٌ عَلَیْهِ ثِیَابُهُ وَ سَیْفُهُ وَ حَوْلَهُ أَخُوهُ وَ نَاسٌ مِنْ قُرَیْشٍ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ یَا عَمْرُو إِنَّ أَهْلَ اَلْکُوفَةِ أَکْرَهُوا عَلِیّاً عَلَی أَبِی مُوسَی وَ هُوَ لاَ یُرِیدُهُ وَ نَحْنُ بِکَ رَاضُونَ وَ قَدْ ضُمَّ إِلَیْکَ رَجُلٌ طَوِیلُ اللِّسَانِ کَلِیلُ الْمُدْیَةِ وَ لَهُ بَعْدُ حَظٌّ مِنْ دِینٍ فَإِذَا قَالَ فَدَعْهُ یَقُلْ ثُمَّ قُلْ فَأَوْجِزْ وَ اقْطَعِ الْمُفَصَّلَ وَ لاَ تَلْقَهُ بِکُلِّ رَأْیِکَ وَ اعْلَمْ أَنَّ خَبْءَ (4) الرَّأْیِ زِیَادَةٌ فِی الْعَقْلِ فَإِنْ خَوَّفَکَ بِأَهْلِ اَلْعِرَاقِ فَخَوِّفْهُ بِأَهْلِ اَلشَّامِ وَ إِنْ خَوَّفَکَ بِعَلِیٍّ فَخَوِّفْهُ بِمُعَاوِیَةَ وَ إِنْ

ص :241

خَوَّفَکَ بِمِصْرَ فَخَوِّفْهُ بِالْیَمَنِ وَ إِنْ أَتَاکَ بِالتَّفْصِیلِ فَأْتِهِ بِالْجُمَلِ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو یَا مُعَاوِیَةُ أَنْتَ وَ عَلِیٌّ رَجُلاَ قُرَیْشٍ وَ لَمْ تَنَلْ فِی حَرْبِکَ مَا رَجَوْتَ وَ لَمْ تَأْمَنْ مَا خِفْتَ ذَکَرْتَ أَنَّ لِعَبْدِ اللَّهِ دِیناً وَ صَاحِبُ الدَّیْنِ مَنْصُورٌ وَ أَیْمُ اللَّهِ لَأَفْنِیَنَّ [عَلَیْهِ]

(1) عِلَلَهُ وَ لَأَسْتَخْرِجَنَّ خَبَأَهُ (2) وَ لَکِنْ إِذَا جَاءَنِی بِالْإِیمَانِ وَ الْهِجْرَةِ وَ مَنَاقِبِ عَلِیٍّ مَا عَسَیْتُ أَنْ أَقُولَ قَالَ قُلْ مَا تَرَی فَقَالَ عَمْرٌو وَ هَلْ تَدَعُنِی وَ مَا أَرَی وَ خَرَجَ مُغْضَباً کَأَنَّهُ کَرِهَ أَنْ یُوصَی ثِقَةً بِنَفْسِهِ وَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِینَ خَرَجَ إِنَّمَا أَرَادَ مُعَاوِیَةُ أَنْ یُصَغِّرَ أَمْرَ أَبِی مُوسَی لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنِّی خَادِعُهُ غَداً فَأُحِبُّ أَنْ یَقُولَ إِنَّ عَمْراً لَمْ یُخْدَعْ أَرِیباً فَقَدْ کِدْتُهُ بِالْخِلاَفِ عَلَیْهِ وَ قَالَ فِی ذَلِکَ یُشَجِّعُنِی مُعَاوِیَةُ بْنُ حَرْبٍ

فَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِیَةَ شِعْرُهُ غَضِبَ مِنْ ذَلِکَ وَ قَالَ لَوْ لاَ مَسِیرُهُ لَکَانَ لِی فِیهِ رَأْیٌ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أُمِّ الْحَکَمِ أَمَا وَ اللَّهِ إِنَّ أَمْثَالَهُ فِی قُرَیْشٍ لَکَثِیرٌ وَ لَکِنَّکَ أَلْزَمْتَ نَفْسَکَ الْحَاجَةَ إِلَیْهِ فَأَلْزِمْهَا الْغَنَاءَ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ فَأَجِبْهُ عَنْ شِعْرِهِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ یُعَیِّرُهُ بِفِرَارِهِ مِنْ عَلِیٍّ یَوْمَ صِفِّینَ

ص :242

أَلاَ یَا عَمْرُو عَمْرَو قَبِیلِ سَهْمٍ

قَالَ نَصْرٌ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ أَقْبَلُوا عَلَی قَتْلاَهُمْ فَدَفَنُوهُمْ قَالَ وَ قَدْ کَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَعَا فِی خِلاَفَتِهِ حَابِسَ بْنَ سَعْدٍ الطَّائِیَّ فَقَالَ لَهُ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أُوَلِّیَکَ قَضَاءَ حِمْصٍ فَکَیْفَ أَنْتَ صَانِعٌ قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْیِی وَ أَسْتَشِیرُ جُلَسَائِی قَالَ فَانْطَلَقَ إِلَیْهَا فَلَمْ یَمْشِ (1) إِلاَّ یَسِیراً حَتَّی رَجَعَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی رَأَیْتُ رُؤْیَا أَحْبَبْتُ أَنْ أَقُصَّهَا عَلَیْکَ قَالَ هَاتِهَا قَالَ رَأَیْتُ کَأَنَّ الشَّمْسَ أَقْبَلَتْ مِنَ الْمَشْرِقِ وَ مَعَهَا جَمْعٌ عَظِیمٌ وَ کَأَنَّ الْقَمَرَ قَدْ أَقْبَلَ مِنَ الْمَغْرِبِ وَ مَعَهُ جَمْعٌ عَظِیمٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَعَ أَیِّهِمَا کُنْتَ قَالَ کُنْتُ مَعَ الْقَمَرِ قَالَ کُنْتَ مَعَ الْآیَةِ الْمَمْحُوَّةِ اذْهَبْ فَلاَ وَ اللَّهِ لاَ تَلِی لِی عَمَلاً وَ رَدَّهُ فَشَهِدَ مَعَ مُعَاوِیَةَ صِفِّینَ وَ کَانَتْ رَایَةُ طَیِّءٍ مَعَهُ فَقُتِلَ یَوْمَئِذٍ فَمَرَّ بِهِ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ وَ مَعَهُ ابْنُهُ زَیْدٌ فَرَآهُ قَتِیلاً فَقَالَ لَهُ یَا أَبَتِ (2) هَذَا وَ اللَّهِ خَالِی قَالَ نَعَمْ لَعَنَ اللَّهُ خَالَکَ فَبِئْسَ وَ اللَّهِ الْمَصْرَعُ مَصْرَعُهُ فَوَقَفَ زَیْدٌ وَ قَالَ مَنْ قَتَلَ هَذَا الرَّجُلَ مِرَاراً فَخَرَجَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ طُوَالٌ یَخْضِبُ فَقَالَ أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ لَهُ کَیْفَ صَنَعْتَ بِهِ فَجَعَلَ یُخْبِرُهُ فَطَعَنَهُ زَیْدٌ بِالرُّمْحِ فَقَتَلَهُ وَ ذَلِکَ بَعْدَ أَنْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا فَحَمَلَ عَلَیْهِ عَدِیٌّ أَبُوهُ یَسُبُّهُ وَ یَشْتِمُ (3) أُمَّهُ وَ یَقُولُ یَا ابْنَ الْمَائِقَةِ لَسْتُ عَلَی دِینِ مُحَمَّدٍ إِنْ لَمْ أَدْفَعْکَ إِلَیْهِمْ فَضَرَبَ

ص :243

زَیْدٌ فَرَسَهُ فَلَحِقَ بِمُعَاوِیَةَ فَأَکْرَمَهُ وَ حَمَلَهُ وَ أَدْنَی مَجْلِسَهُ فَرَفَعَ عَدِیٌّ یَدَیْهِ فَدَعَا عَلَیْهِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ زَیْداً قَدْ فَارَقَ اَلْمُسْلِمِینَ وَ لَحِقَ بِالْمُلْحِدِینَ (1) اللَّهُمَّ فَارْمِهِ بِسَهْمٍ مِنْ سِهَامِکَ لاَ یُشْوِی (2) [أَوْ قَالَ لاَ یُخْطِئُ فَإِنَّ رَمْیَتَکَ لاَ تُنْمِی]

(3) وَ اللَّهِ لاَ أُکَلِّمُهُ مِنْ رَأْسِی کَلِمَةً أَبَداً وَ لاَ یُظِلُّنِی وَ إِیَّاهُ سَقْفٌ أَبَداً وَ قَالَ زَیْدٌ فِی قَتْلِ اَلْبَکْرِیِّ مَنْ مُبْلِغٌ أَبْنَاءَ طَیٍّ بِأَنَّنِی

(4)

.

370

1- قَالَ نَصْرٌ وَ رَوَی اَلشَّعْبِیُّ عَنْ زِیَادِ بْنِ النَّضْرِ أَنَّ عَلِیّاً ع بَعَثَ أَرْبَعَمِائَةٍ عَلَیْهِمْ شُرَیْحُ بْنُ هَانِئٍ الْحَارِثِیُّ وَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ یُصَلِّی بِهِمْ [وَ یَلِی أُمُورَهُمْ]

(5) وَ مَعَهُمْ أَبُو مُوسَی الْأَشْعَرِیُّ وَ بَعَثَ مُعَاوِیَةُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِی أَرْبَعِمِائَةٍ (6) ثُمَّ إِنَّهُمْ

ص :244

خَلَّوْا بَیْنَ اَلْحَکَمَیْنِ فَکَانَ رَأْیُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَیْسٍ [أَبُو مُوسَی]

(1) فِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ کَانَ یَقُولُ وَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَعْتُ لَأُحْیِیَنَّ سُنَّةَ عُمَرَ

(2)

.

371

1- قَالَ نَصْرٌ وَ فِی حَدِیثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْجُرْجَانِیِّ قَالَ لَمَّا أَرَادَ أَبُو مُوسَی الْمَسِیرَ قَامَ إِلَیْهِ شُرَیْحُ بْنُ هَانِئٍ فَأَخَذَ بِیَدِهِ وَ قَالَ یَا أَبَا مُوسَی إِنَّکَ قَدْ نُصِبْتَ لِأَمْرٍ عَظِیمٍ لاَ یُجْبَرُ صَدْعُهُ وَ لاَ تُسْتَقَالُ فِتْنَتُهُ (3) وَ مَهْمَا تَقُلْ مِنْ شَیْءٍ عَلَیْکَ أَوْ لَکَ یَثْبُتْ حَقُّهُ وَ تَرَ صِحَّتَهُ وَ إِنْ کَانَ بَاطِلاً وَ إِنَّهُ لاَ بَقَاءَ لِأَهْلِ اَلْعِرَاقِ إِنْ مَلِکَهُمْ مُعَاوِیَةُ وَ لاَ بَأْسَ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ إِنْ مَلِکَهُمْ عَلِیٌّ وَ قَدْ کَانَتْ مِنْکَ تَثْبِیطَةٌ أَیَّامَ اَلْکُوفَةِ وَ اَلْجَمَلِ فَإِنْ تُشَفِّعْهَا بِمِثْلِهَا یَکُنِ الظَّنُّ بِکَ یَقِیناً وَ الرَّجَاءُ مِنْکَ یَأْساً ثُمَّ قَالَ لَهُ شُرَیْحٌ فِی ذَلِکَ أَبَا مُوسَی رُمِیتَ بِشَرِّ خَصْمٍ

فَقَالَ أَبُو مُوسَی مَا یَنْبَغِی لِقَوْمٍ اتَّهَمُونِی أَنْ یُرْسِلُونِی لِأَدْفَعَ عَنْهُمْ بَاطِلاً أَوْ أَجُرَّ إِلَیْهِمْ حَقّاً

.

ص :245

372

1- وَ رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ (1) فِی کِتَابِ صِفِّینَ قَالَ لَمَّا أَجْمَعَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ عَلَی طَلَبِ أَبِی مُوسَی وَ أَحْضَرُوهُ لِلتَّحْکِیمِ عَلَی کُرْهٍ مِنْ عَلِیٍّ ع أَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ وَ عِنْدَهُ وُجُوهُ النَّاسِ وَ أَشْرَافُهُمْ فَقَالَ لَهُ یَا أَبَا مُوسَی إِنَّ النَّاسَ لَمْ یَرْضَوْا بِکَ وَ لَمْ یَجْتَمِعُوا عَلَیْکَ لِفَضْلٍ لاَ تُشَارِکُ فِیهِ وَ مَا أَکْثَرَ أَشْبَاهَکَ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ الْمُتَقَدِّمِینَ قَبْلَکَ وَ لَکِنْ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ أَبَوْا إِلاَّ أَنْ یَکُونَ الْحَکَمُ یَمَانِیّاً وَ رَأَوْا أَنَّ (2) مُعْظَمَ أَهْلِ اَلشَّامِ یَمَانٍ وَ أَیْمُ اللَّهِ إِنِّی لَأَظُنُّ ذَلِکَ شَرّاً لَکَ وَ لَنَا فَإِنَّهُ قَدْ ضُمَّ إِلَیْکَ دَاهِیَةُ اَلْعَرَبِ وَ لَیْسَ فِی مُعَاوِیَةَ خَلَّةٌ یَسْتَحِقُّ بِهَا الْخِلاَفَةَ فَإِنْ تَقْذِفْ بِحَقِّکَ عَلَی بَاطِلِهِ تُدْرِکْ حَاجَتَکَ مِنْهُ وَ إِنْ یَطْمَعْ بَاطِلُهُ فِی حَقِّکَ یُدْرِکْ حَاجَتَهُ مِنْکَ وَ اعْلَمْ یَا أَبَا مُوسَی أَنَّ مُعَاوِیَةَ طَلِیقُ اَلْإِسْلاَمِ وَ أَنَّ أَبَاهُ رَأْسُ اَلْأَحْزَابِ وَ أَنَّهُ یَدَّعِی الْخِلاَفَةَ مِنْ غَیْرِ مَشُورَةٍ وَ لاَ بَیْعَةٍ فَإِنْ زَعَمَ لَکَ أَنَّ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ اسْتَعْمَلاَهُ فَلَقَدْ صَدَقَ اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ وَ هُوَ الْوَالِی عَلَیْهِ بِمَنْزِلَةِ الطَّبِیبِ یَحْمِیهِ مَا یَشْتَهِی وَ یُؤْجِرُهُ مَا یَکْرَهُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ عُثْمَانُ بِرَأْیِ عُمَرَ وَ مَا أَکْثَرَ مَنِ اسْتَعَمَلاَ مِمَّنْ لَمْ یَدَّعِ الْخِلاَفَةَ وَ اعْلَمْ أَنَّ لِعَمْرٍو مَعَ کُلِّ شَیْءٍ یَسُرُّکَ خَبِیئاً یَسُوءُکَ وَ مَهْمَا نَسِیتَ فَلاَ تَنْسَ أَنَّ عَلِیّاً بَایَعَهُ الْقَوْمُ الَّذِینَ بَایَعُوا أَبَا بَکْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ وَ أَنَّهَا بَیْعَةُ هُدًی وَ أَنَّهُ لَمْ یُقَاتِلْ إِلاَّ الْعَاصِینَ وَ اَلنَّاکِثِینَ فَقَالَ أَبُو مُوسَی رَحِمَکَ اللَّهُ وَ اللَّهِ مَا لِی إِمَامٌ غَیْرُ عَلِیٍّ وَ إِنِّی لَوَاقِفٌ عِنْدَ مَا رَأَی وَ إِنَّ حَقَّ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ رِضَا مُعَاوِیَةَ وَ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ مَا أَنْتَ وَ أَنَا إِلاَّ بِاللَّهِ

.

373

1- وَ رَوَی اَلْبَلاذُرِیُّ (3) فِی کِتَابِ أَنْسَابِ الْأَشْرَافِ قَالَ قِیلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ

ص :246

مَا مَنَعَ عَلِیّاً أَنْ یَبْعَثَکَ مَعَ عَمْرٍو یَوْمَ التَّحْکِیمِ فَقَالَ مَنَعَهُ حَاجِزُ الْقَدَرِ وَ مِحْنَةُ الاِبْتِلاَءِ وَ قِصَرُ الْمُدَّةِ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ کُنْتُ لَقَعَدْتُ عَلَی مَدَارِجِ أَنْفَاسِهِ نَاقِضاً مَا أَبْرَمَ وَ مُبْرِماً مَا نَقَضَ أَطِیرُ إِذَا أَسَفَ وَ أَسِفُ (1) إِذَا طَارَ وَ لَکِنْ قَدْ سَبَقَ قَدَرٌ وَ بَقِیَ أَسَفٌ وَ مَعَ الْیَوْمِ غَدٌ وَ الْآخِرَةُ خَیْرٌ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ .

وَ ذَکَرَ اَلْبَلاذِرِیُّ أَیْضاً قَالَ قَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِالْمَوْسِمِ فَأَطْرَی مُعَاوِیَةَ وَ بَنِی أُمَیَّةَ وَ تَنَاوَلَ بَنِی هَاشِمٍ وَ ذَکَرَ مَشَاهِدَهُ بِصِفِّینَ وَ یَوْمِ أَبِی مُوسَی فَقَامَ إِلَیْهِ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ یَا عَمْرُو إِنَّکَ بِعْتَ دِینَکَ مِنْ مُعَاوِیَةَ فَأَعْطَیْتَهُ مَا فِی یَدِکَ وَ مَنَّاکَ مَا فِی یَدِ غَیْرِهِ فَکَانَ الَّذِی أَخَذَهُ مِنْکَ فَوْقَ الَّذِی أَعْطَاکَ وَ کَانَ الَّذِی أَخَذْتَ مِنْهُ دُونَ مَا أَعْطَیْتَهُ وَ کُلٌّ رَاضٍ بِمَا أَخَذَ وَ أَعْطَی فَلَمَّا صَارَتْ مِصْرُ فِی یَدِکَ تَتَبَّعَکَ بِالنَّقْضِ عَلَیْکَ وَ التَّعَقُّبِ لِأَمْرِکَ ثُمَّ بِالْعَزْلِ لَکَ حَتَّی لَوْ أَنَّ نَفْسَکَ فِی یَدِکَ لَأَرْسَلْتَهَا وَ ذَکَرْتَ یَوْمَکَ مَعَ أَبِی مُوسَی فَلاَ أَرَاکَ فَخَرْتَ إِلاَّ بِالْغَدْرِ وَ لاَ مُنِیتَ إِلاَّ بِالْفُجُورِ وَ الْغِشِّ وَ ذَکَرْتُ مَشَاهِدَکَ بِصِفِّینَ فَوَ اللَّهِ مَا ثَقُلَتْ عَلَیْنَا وَطْأَتُکَ وَ لاَ نَکَأَتْ فِینَا جُرْأَتُکَ وَ لَقَدْ کُنْتَ فِیهَا طَوِیلَ اللِّسَانِ قَصِیرَ الْبَنَانِ آخِرَ الْحَرْبِ إِذَا أَقْبَلَتْ وَ أَوَّلَهَا إِذَا أَدْبَرَتْ لَکَ یَدَانِ یَدٌ لاَ تَقْبِضُهَا عَنْ شَرٍّ وَ یَدٌ لاَ تَبْسُطُهَا إِلَی خَیْرٍ وَ وَجْهَانِ وَجْهٌ مُؤْنِسٌ وَ وَجْهٌ مُوحِشٌ وَ لَعَمْرِی إِنَّ مَنْ بَاعَ دِینَهُ بِدُنْیَا غَیْرِهِ لَحَرِیٌّ حُزْنُهُ عَلَی مَا بَاعَ وَ اشْتَرَی أَمَا إِنَّ لَکَ بَیَاناً وَ لَکِنْ فِیکَ خَطَلٌ وَ إِنَّ لَکَ لَرَأْیاً وَ لَکِنْ فِیکَ فَشَلٌ وَ إِنَّ أَصْغَرَ عَیْبٍ فِیکَ لَأَعْظَمُ عَیْبٍ فِی غَیْرِکَ

.

374

1,14- قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ اَلنَّجَاشِیُّ الشَّاعِرُ صَدِیقاً لِأَبِی مُوسَی فَکَتَبَ إِلَیْهِ یُحَذِّرُهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ یُؤَمِّلُ أَهْلَ اَلشَّامِ عَمْراً وَ إِنَّنِی لَآمُلُ عَبْدَ اللَّهِ عِنْدَ الْحَقَائِقِ

ص :247

وَ إِنَّ أَبَا مُوسَی سَیُدْرِکُ حَقَّنَا

فَکَتَبَ إِلَیْهِ أَبُو مُوسَی إِنِّی لَأَرْجُو أَنْ یَنْجَلِیَ هَذَا الْأَمْرُ وَ أَنَا فِیهِ عَلَی رِضَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

قَالَ نَصْرٌ ثُمَّ (1) إِنَّ شُرَیْحَ بْنَ هَانِئٍ جَهَّزَ أَبَا مُوسَی جِهَازاً حَسَناً وَ عَظَّمَ أَمْرَهُ فِی النَّاسِ لِیُشَرَّفَ فِی قَوْمِهِ فَقَالَ اَلْأَعْوَرُ الشَّنِّیُّ فِی ذَلِکَ یُخَاطِبُ شُرَیْحاً .

زَفَفْتَ اِبْنَ قَیْسٍ زِفَافَ الْعَرُوسِ

فَقَالَ شُرَیْحٌ وَ اللَّهِ لَقَدْ تَعَجَّلَتْ رِجَالُ مَسَاءَتِنَا فِی أَبِی مُوسَی وَ طَعَنُوا عَلَیْهِ بِأَسْوَإِ (2) الطَّعْنِ وَ ظَنُّوا فِیهِ مَا اللَّهُ عَصَمَهُ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

ص :248

قَالَ وَ سَارَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ شُرَحْبِیلُ بْنُ السِّمْطِ فِی خَیْلٍ عَظِیمَةٍ حَتَّی إِذَا أَمِنَ عَلَیْهِ خَیْلُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَدَّعَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ یَا عَمْرُو إِنَّکَ رَجُلُ قُرَیْشٍ وَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ لَمْ یَبْعَثْکَ إِلاَّ لِعِلْمِهِ أَنَّکَ لاَ تُؤْتَی مِنْ عَجْزٍ وَ لاَ مَکِیدَةٍ وَ قَدْ عَرَفْتَ أَنِّی وَطَّئْتُ هَذَا الْأَمْرَ لَکَ وَ لِصَاحِبِکَ فَکُنْ عِنْدَ ظَنِّی بِکَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ شُرَیْحُ بْنُ هَانِئٍ حِینَ أَمِنَ خَیْلُ أَهْلِ اَلشَّامِ عَلَی أَبِی مُوسَی وَ وَدَّعَهُ.

وَ کَانَ آخِرُ مَنْ وَدَّعَ أَبَا مُوسَی اَلْأَحْنَفُ بْنُ قَیْسٍ أَخَذَ بِیَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ یَا أَبَا مُوسَی اعْرِفْ خَطْبَ هَذَا الْأَمْرِ وَ اعْلَمْ أَنَّ لَهُ مَا بَعْدَهُ وَ أَنَّکَ إِنْ أَضَعْتَ اَلْعِرَاقَ فَلاَ عِرَاقَ اتَّقِ اللَّهِ فَإِنَّهَا تَجْمَعُ لَکَ دُنْیَاکَ وَ آخِرَتَکَ وَ إِذَا لَقِیتَ غَداً عَمْراً فَلاَ تَبْدَأْهُ بِالسَّلاَمِ فَإِنَّهَا وَ إِنْ کَانَتْ سُنَّةً إِلاَّ أَنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَ لاَ تُعْطِهِ یَدَکَ فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَ إِیَّاکَ أَنْ یُقْعِدَکَ عَلَی صَدْرِ الْفِرَاشِ فَإِنَّهَا خُدْعَةٌ وَ لاَ تَلْقَهُ إِلاَّ وَحْدَهُ وَ احْذَرْ أَنْ یُکَلِّمَکَ فِی بَیْتٍ فِیهِ (1) مَخْدَعٌ تُخْبَأُ لَکَ فِیهِ الرِّجَالُ وَ الشُّهُودُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ یَثُورَ (2) مَا فِی نَفْسِهِ لِعَلِیٍّ فَقَالَ لَهُ فَإِنْ لَمْ یَسْتَقِمْ لَکَ عَمْرٌو عَلَی الرِّضَا بِعَلِیٍّ فَلْیَخْتَرْ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ مِنْ قُرَیْشِ اَلشَّامِ مَنْ شَاءُوا أَوْ فَلْیَخْتَرْ أَهْلُ اَلشَّامِ مِنْ قُرَیْشِ اَلْعِرَاقِ مَنْ شَاءُوا.

فَقَالَ أَبُو مُوسَی قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَ لَمْ یُنْکِرْ مَا قَالَهُ مِنْ زَوَالِ الْأَمْرِ عَنْ عَلِیٍّ .

فَرَجَعَ اَلْأَحْنَفُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ لَهُ أَخْرَجَ أَبُو مُوسَی وَ اللَّهِ زُبْدَةَ سِقَائِهِ فِی أَوَّلِ مَخْضِهِ لاَ أَرَانَا إِلاَّ بَعَثْنَا رَجُلاً لاَ یُنْکِرُ خَلْعَکَ فَقَالَ عَلِیٌّ اَللّٰهُ غٰالِبٌ عَلیٰ أَمْرِهِ (3) .

قَالَ نَصْرٌ وَ شَاعَ وَ فَشَا أَمْرُ اَلْأَحْنَفِ وَ أَبِی مُوسَی فِی النَّاسِ فَبَعَثَ اَلصَّلَتَانَ الْعَبْدِیَّ وَ هُوَ بِالْکُوفَةِ إِلَی دُومَةِ الْجَنْدَلِ بِهَذِهِ الْأَبْیَاتِ

ص :249

لَعَمْرُکَ لاَ أُلْفِی مَدَی الدَّهْرِ خَالِعاً

قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ قَوْلَ اَلصَّلَتَانِ شَحَذَهُمْ ذَلِکَ عَلَی أَبِی مُوسَی وَ اسْتَبْطَأَهُ الْقَوْمُ وَ ظَنُّوا بِهِ الظُّنُونَ وَ مَکَثَ الرَّجُلاَنِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ لاَ یَقُولاَنِ شَیْئاً وَ کَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ قَدِ اعْتَزَلَ عَلِیّاً وَ مُعَاوِیَةَ وَ نَزَلَ عَلَی مَاءٍ لِبَنِی سُلَیْمٍ بِأَرْضِ الْبَادِیَةِ یَتَشَوَّفُ (1) الْأَخْبَارَ وَ کَانَ رَجُلاً لَهُ بَأْسٌ وَ رَأْیٌ وَ مَکَانٌ فِی قُرَیْشٍ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ هَوًی فِی عَلِیٍّ وَ لاَ فِی مُعَاوِیَةَ فَأَقْبَلَ رَاکِبٌ یُوضِعُ (2) مِنْ بَعِیدٍ فَإِذَا هُوَ ابْنُهُ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ مَهْیَمْ فَقَالَ (3) الْتَقَی النَّاسُ بِصِفِّینَ فَکَانَ بَیْنَهُمْ مَا قَدْ بَلَغَکَ حَتَّی تَفَانَوْا ثُمَّ حَکَّمُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَیْسٍ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ قَدْ حَضَرَ نَاسٌ مِنْ قُرَیْشٍ عِنْدَهُمَا وَ أَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ مِنْ أَهْلِ اَلشُّورَی وَ مَنْ قَالَ لَهُ اَلنَّبِیُّ ص اتَّقُوا دَعْوَتَهُ وَ لَمْ تَدْخُلْ فِی شَیْءٍ مِمَّا تَکْرَهُ الْأُمَّةُ فَاحْضُرْ دُومَةَ الْجَنْدَلِ فَإِنَّکَ صَاحِبُهَا غَداً فَقَالَ مَهْلاً یَا عُمَرُ إِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ تَکُونُ بَعْدِی فِتْنَةٌ خَیْرُ النَّاسِ فِیهَا التَّقِیُّ الْخَفِیُّ وَ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَشْهَدْ أَوَّلَهُ فَلاَ أَشْهَدُ آخِرَهُ

ص :250

وَ لَوْ کُنْتُ غَامِساً یَدِی فِی هَذَا الْأَمْرِ لَغَمَسْتُهَا مَعَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ (1) وَ قَدْ رَأَیْتُ أَبَاکَ کَیْفَ وَهَبَ حَقَّهُ مِنَ الشُّورَی وَ کَرِهَ الدُّخُولَ فِی الْأَمْرِ فَارْتَحَلَ عُمَرُ وَ قَدِ اسْتَبَانَ لَهُ أَمْرُ أَبِیهِ (2) .

قَالَ نَصْرٌ وَ قَدْ کَانَ الْأَجْنَادُ (3) أَبْطَأَتْ عَلَی مُعَاوِیَةَ فَبَعَثَ إِلَی رِجَالٍ مِنْ قُرَیْشٍ کَانُوا کَرِهُوا أَنْ یُعِینُوهُ فِی حَرْبِهِ إِنَّ الْحَرْبَ قَدْ وَضَعَتْ أَوْزَارَهَا وَ الْتَقَی هَذَانِ الرَّجُلاَنِ فِی دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَاقْدَمُوا عَلَیَّ.

فَأَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ أَبُو الْجَهْمِ بْنُ حُذَیْفَةَ الْعَدَوِیُّ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ یَغُوثَ الزُّهْرِیُّ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ الْجُمَحِیُّ وَ أَتَاهُ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ کَانَ مُقِیماً بِالطَّائِفِ لَمْ یَشْهَدِ الْحَرْبَ فَقَالَ لَهُ یَا مُغِیرَةُ مَا تَرَی قَالَ یَا مُعَاوِیَةُ لَوْ وَسِعَنِی أَنْ أَنْصُرَکَ لَنَصَرْتُکَ وَ لَکِنْ عَلَیَّ أَنْ آتِیَکَ بِأَمْرِ الرَّجُلَیْنِ فَرَحَلَ حَتَّی أَتَی دُومَةَ الْجَنْدَلِ فَدَخَلَ عَلَی أَبِی مُوسَی کَالزَّائِرِ لَهُ فَقَالَ یَا أَبَا مُوسَی مَا تَقُولُ فِیمَنِ اعْتَزَلَ هَذَا الْأَمْرَ وَ کَرِهَ الدِّمَاءَ قَالَ أُولَئِکَ خَیْرُ (4) النَّاسِ خَفَّتْ ظُهُورُهُمْ مِنْ دِمَائِهِمْ وَ خَمُصَتْ بُطُونُهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ثُمَّ أَتَی عَمْراً فَقَالَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِیمَنِ اعْتَزَلَ هَذَا الْأَمْرَ وَ کَرِهَ الدِّمَاءَ قَالَ أُولَئِکَ شِرَارُ النَّاسِ لَمْ یَعْرِفُوا حَقّاً وَ لَمْ یُنْکِرُوا بَاطِلاً فَرَجَعَ اَلْمُغِیرَةُ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالَ لَهُ قَدْ ذُقْتُ الرَّجُلَیْنِ أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ

ص :251

بْنُ قَیْسٍ فَخَالِعٌ صَاحِبَهُ وَ جَاعِلُهَا لِرَجُلٍ لَمْ یَشْهَدْ هَذَا الْأَمْرَ وَ هَوَاهُ [فِی]

(1) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَ أَمَّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَهُوَ صَاحِبُ الَّذِی تَعْرِفُ وَ قَدْ ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ یَرُومُهَا لِنَفْسِهِ وَ أَنَّهُ لاَ یَرَی أَنَّکَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُ (2) قَالَ نَصْرٌ فِی حَدِیثِ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ قَالَ أَقْبَلَ أَبُو مُوسَی عَلَی عَمْرٍو فَقَالَ یَا عَمْرُو هَلْ لَکَ فِی أَمْرٍ هُوَ لِلْأُمَّةِ صَلاَحٌ وَ لِصُلَحَاءِ النَّاسِ رِضًا نُوَلِّی هَذَا الْأَمْرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّذِی لَمْ یَدْخُلْ فِی شَیْءٍ مِنْ هَذِهِ الْفِتْنَةِ وَ لاَ هَذِهِ الْفُرْقَةِ قَالَ وَ کَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ قَرِیبَیْنِ یَسْمَعَانِ هَذَا الْکَلاَمَ فَقَالَ عَمْرٌو فَأَیْنَ أَنْتَ یَا أَبَا مُوسَی عَنْ مُعَاوِیَةَ فَأَبَی عَلَیْهِ أَبُو مُوسَی [قَالَ وَ شَهِدَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ یَغُوثَ وَ أَبُو الْجَهْمِ بْنُ حُذَیْفَةَ الْعَدَوِیُّ وَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ]

(3) فَقَالَ عَمْرٌو أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوماً قَالَ بَلَی قَالَ اشْهَدُوا (4) ثُمَّ قَالَ فَمَا یَمْنَعُکَ مِنْ مُعَاوِیَةَ وَ هُوَ وَلِیُّ عُثْمَانَ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِیِّهِ سُلْطٰاناً (5) ثُمَّ إِنَّ بَیْتَ مُعَاوِیَةَ مِنْ قُرَیْشٍ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَإِنْ خَشِیتَ أَنْ یَقُولَ النَّاسُ وَلَّی مُعَاوِیَةَ وَ لَیْسَتْ لَهُ سَابِقَةٌ فَإِنَّ لَکَ حُجَّةٌ أَنْ تَقُولَ وَجَدْتُهُ وَلِیَّ عُثْمَانَ الْخَلِیفَةِ الْمَظْلُومِ وَ الطَّالِبَ بِدَمِهِ الْحَسَنَ السِّیَاسَةِ الْحَسَنَ التَّدْبِیرِ وَ هُوَ أَخُو أُمِّ حَبِیبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِینَ وَ زَوْجِ اَلنَّبِیِّ ص وَ قَدْ صَحِبَهُ وَ هُوَ أَحَدُ اَلصَّحَابَةِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ بِالسُّلْطَانِ فَقَالَ لَهُ إِنْ هُوَ وَلِیَ الْأَمْرَ أَکْرَمَکَ کَرَامَةً لَمْ یُکْرِمْکَ أَحَدٌ قَطُّ مِثْلَهَا فَقَالَ أَبُو مُوسَی اتَّقِ اللَّهَ یَا عَمْرُو أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ شَرَفِ مُعَاوِیَةَ فَإِنَّ هَذَا

ص :252

الْأَمْرَ لَیْسَ عَلَی الشَّرَفِ یُوَلاَّهُ أَهْلُهُ لَوْ کَانَ عَلَی الشَّرَفِ کَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ أَبْرَهَةُ بْنُ الصَّبَّاحِ إِنَّمَا هُوَ لَأَهْلُ الدِّینِ وَ الْفَضْلِ مَعَ أَنِّی لَوْ کُنْتُ أُعْطِیهِ أَفْضَلَ قُرَیْشٍ شَرَفاً لَأَعْطَیْتُهُ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ وَلِیُّ عُثْمَانَ فَوَلِّهِ هَذَا الْأَمْرَ فَإِنِّی لَمْ أَکُنْ أُوَلِّیهِ إِیَّاهُ لِنِسْبَتِهِ مِنْ عُثْمَانَ وَ أَدَعُ اَلْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ وَ أَمَّا تَعْرِیضُکَ لِی بِالْإِمْرَةِ وَ السُّلْطَانِ فَوَ اللَّهِ لَوْ خَرَجَ لِی مِنْ سُلْطَانِهِ مَا وَلَّیْتُهُ وَ مَا کُنْتُ أَرْتَشِی فِی اللَّهِ وَ لَکِنَّکَ إِنْ شِئْتَ أَحْیَیْنَا سُنَّةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (1) .

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنِی عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِی جَنَابٍ أَنَّ أَبَا مُوسَی قَالَ غَیْرَ مَرَّةٍ وَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَعْتُ لَأُحْیِیَنَّ اسْمَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِنْ کُنْتَ إِنَّمَا تُرِیدُ أَنْ تُبَایِعَ اِبْنَ عُمَرَ لِدِینِهِ فَمَا یَمْنَعُکَ مِنِ ابْنِی عَبْدِ اللَّهِ وَ أَنْتَ تَعْرِفُ فَضْلَهُ وَ صَلاَحَهُ فَقَالَ إِنَّ ابْنَکَ لَرَجُلُ صِدْقٍ وَ لَکِنَّکَ قَدْ غَمَسْتَهُ فِی هَذِهِ الْفِتْنَةِ

(2)

.

375

قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَی لِعَمْرٍو یَا عَمْرُو إِنْ شِئْتَ وَلَّیْنَا هَذَا الْأَمْرَ الطَّیِّبَ ابْنَ الطَّیِّبِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو یَا أَبَا مُوسَی إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لاَ یَصْلُحُ لَهُ إِلاَّ رَجُلٌ لَهُ ضِرْسٌ یَأْکُلُ وَ یُطْعِمُ وَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَیْسَ هُنَاکَ.

قَالَ نَصْرٌ وَ قَدْ کَانَ فِی أَبِی مُوسَی غَفْلَةٌ (3) فَقَالَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ لاِبْنِ عُمَرَ اذْهَبْ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَارْشُهُ فَقَالَ اِبْنُ عُمَرَ لاَ وَ اللَّهِ لاَ أَرْشُو عَلَیْهَا بِشَیْءٍ أَبَداً مَا عِشْتُ وَ لَکِنَّهُ قَالَ لَهُ إِنَّ اَلْعَرَبَ قَدْ أَسْنَدَتْ إِلَیْکَ أَمْرَهَا بَعْدَ مَا تَقَارَعَتْ بِالسُّیُوفِ وَ تَطَاعَنَتْ بِالرِّمَاحِ فَلاَ تَرُدَّهُمْ فِی فِتْنَةٍ وَ اتَّقِ اللَّهَ (4) .

ص :253

376

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَزْهَرَ الْعَبْسِیِّ عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ کُنْتُ مَعَ شُرَیْحِ بْنِ هَانِئٍ فِی غَزْوَةِ سِجِسْتَانَ فَحَدَّثَنِی أَنَّ عَلِیّاً ع أَوْصَاهُ بِکَلِمَاتٍ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ قَالَ لَهُ قُلْ لِعَمْرٍو إِذَا لَقِیتَهُ إِنَّ عَلِیّاً یَقُولُ لَکَ إِنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْ کَانَ الْعَمَلُ بِالْحَقِّ أَحَبَّ إِلَیْهِ وَ إِنْ نَقَصَهُ وَ إِنَّ أَبْعَدَ الْخَلْقِ مِنَ اللَّهِ مَنْ کَانَ الْعَمَلُ بِالْبَاطِلِ أَحَبَّ إِلَیْهِ وَ إِنْ زَادَهُ وَ اللَّهِ یَا عَمْرُو إِنَّکَ لَتَعْلَمُ أَیْنَ مَوْضِعُ الْحَقِّ فَلِمَ تَتَجَاهَلُ أَ بِأَنْ أُوتِیتَ طَمَعاً یَسِیراً صِرْتَ لِلَّهِ وَ لِأَوْلِیَائِهِ عَدُوّاً فَکَانَ وَ اللَّهِ مَا قَدْ أُوتِیتَ قَدْ زَالَ عَنْکَ فَ لاٰ تَکُنْ لِلْخٰائِنِینَ خَصِیماً وَ لاَ لِلظَّالِمِینَ ظَهِیراً أَمَا إِنِّی أَعْلَمُ أَنَّ یَوْمَکَ الَّذِی أَنْتَ فِیهِ نَادِمٌ هُوَ یَوْمُ وَفَاتِکَ وَ سَوْفَ تَتَمَنَّی أَنَّکَ لَمْ تُظْهِرْ لِی (1) عَدَاوَةً وَ لَمْ تَأْخُذْ عَلَی حُکْمِ اللَّهِ رِشْوَةً قَالَ شُرَیْحٌ فَأَبْلَغْتُهُ ذَلِکَ یَوْمَ لَقِیتُهُ فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ (2) وَ قَالَ مَتَی (3) کُنْتُ قَابِلاً مَشُورَةَ عَلِیٍّ أَوْ مُنِیباً إِلَی رَأْیِهِ أَوْ مُعْتَدّاً بِأَمْرِهِ (4) فَقُلْتُ وَ مَا یَمْنَعُکَ یَا اِبْنَ النَّابِغَةِ أَنْ تَقْبَلَ مِنْ مَوْلاَکَ وَ سَیِّدِ اَلْمُسْلِمِینَ بَعْدَ نَبِیِّهِمْ مَشُورَتَهُ لَقَدْ کَانَ مَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنْکَ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ یَسْتَشِیرَانِهِ وَ یَعْمَلاَنِ بِرَأْیِهِ فَقَالَ إِنَّ مِثْلِی لاَ یُکَلِّمُ مِثْلَکَ فَقُلْتُ بِأَیِّ أَبَوَیْکَ تَرْغَبُ عَنْ کَلاَمِی بِأَبِیکَ الْوَشِیظِ (5) أَمْ بِأُمِّکَ اَلنَّابِغَةِ فَقَامَ مِنْ مَکَانِهِ وَ قُمْتُ

(6)

.

377

قَالَ نَصْرٌ وَ رَوَی أَبُو جَنَابٍ الْکَلْبِیُّ أَنَّ عَمْراً وَ أَبَا مُوسَی لَمَّا الْتَقَیَا بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ أَخَذَ عَمْرٌو یُقَدِّمُ أَبَا مُوسَی فِی الْکَلاَمِ وَ یَقُولُ إِنَّکَ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص قَبْلِی وَ أَنْتَ أَکْبَرُ مِنِّی سِنّاً فَتَکَلَّمْ أَنْتَ ثُمَّ أَتَکَلَّمُ أَنَا فَجَعَلَ ذَلِکَ سُنَّةً وَ عَادَةً بَیْنَهُمَا

ص :254

وَ إِنَّمَا کَانَ مَکْراً وَ خَدِیعَةً وَ اغْتِرَاراً لَهُ أَنْ یُقَدِّمَهُ فَیَبْدَأَ بِخَلْعِ عَلِیٍّ ثُمَّ یَرَی رَأْیَهُ.

378

وَ قَالَ اِبْنُ دَیْزِیلَ فِی کِتَابِ صِفِّینَ أَعْطَاهُ عَمْرٌو صَدْرَ الْمَجْلِسِ وَ کَانَ لاَ یَتَکَلَّمُ قَبْلَهُ وَ أَعْطَاهُ التَّقَدُّمَ فِی الصَّلاَةِ وَ فِی الطَّعَامِ لاَ یَأْکُلُ حَتَّی یَأْکُلَ وَ إِذَا خَاطَبَهُ فَإِنَّمَا یُخَاطِبُهُ بِأَجَلِّ الْأَسْمَاءِ وَ یَقُولُ لَهُ یَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّی اطْمَأَنَّ إِلَیْهِ وَ ظَنَّ أَنَّهُ لاَ یَغُشُّهُ.

379

1- قَالَ نَصْرٌ فَلَمَّا انْمَخَضَتِ الزُّبْدَةُ بَیْنَهُمَا قَالَ لَهُ عَمْرٌو أَخْبِرْنِی مَا رَأْیُکَ یَا أَبَا مُوسَی قَالَ أَرَی أَنْ أَنْخَلِعَ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ وَ نَجْعَلَ الْأَمْرَ شُورَی بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ یَخْتَارُونَ مَنْ شَاءُوا فَقَالَ عَمْرٌو الرَّأْیُ وَ اللَّهِ مَا رَأَیْتَ فَأَقْبَلاَ إِلَی النَّاسِ وَ هُمْ مُجْتَمِعُونَ فَتَکَلَّمَ أَبُو مُوسَی فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَأْیِی وَ رَأْیَ عَمْرٍو قَدِ اتَّفَقَ عَلَی أَمْرٍ نَرْجُو أَنْ یُصْلِحَ اللَّهُ بِهِ شَأْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَقَالَ عَمْرٌو صَدَقَ ثُمَّ قَالَ لَهُ تَقَدَّمْ یَا أَبَا مُوسَی فَتَکَلَّمْ فَقَامَ لِیَتَکَلَّمَ فَدَعَاهُ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ وَیْحَکَ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَظُنُّهُ خَدَعَکَ إِنْ کُنْتُمَا قَدِ اتَّفَقْتُمَا عَلَی أَمْرٍ فَقَدِّمْهُ قَبْلَکَ لِیَتَکَلَّمَ بِهِ ثُمَّ تَکَلَّمْ أَنْتَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَدَّارٌ وَ لاَ آمَنُ أَنْ یَکُونَ قَدْ أَعْطَاکَ الرِّضَا فِیمَا بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ فَإِذَا قُمْتَ قُمْتَ بِهِ فِی النَّاسِ خَالَفَکَ وَ کَانَ أَبُو مُوسَی رَجُلاً مُغَفَّلاً فَقَالَ إِیهاً عَنْکَ إِنَّا قَدِ اتَّفَقْنَا.

فَتَقَدَّمَ أَبُو مُوسَی فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ نَظَرْنَا فِی أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَمْ نَرَ شَیْئاً هُوَ أَصْلَحُ لِأَمْرِهَا وَ لاَ أَلَمُّ لِشَعْثِهَا مِنْ أَلاَّ تَتَبَایَنَ أُمُورُهَا وَ قَدْ أَجْمَعَ رَأْیِی وَ رَأْیُ صَاحِبِی عَلَی خَلْعِ عَلِیٍّ وَ مُعَاوِیَةَ وَ أَنْ یُسْتَقْبَلَ هَذَا الْأَمْرُ فَیَکُونَ شُورَی بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ یُوَلُّونَ أُمُورَهُمْ مَنْ أَحَبُّوا وَ إِنِّی قَدْ خَلَعْتُ عَلِیّاً وَ مُعَاوِیَةَ فَاسْتَقْبِلُوا

ص :255

أُمُورَکُمْ وَ وَلُّوا مَنْ رَأَیْتُمُوهُ لِهَذَا الْأَمْرِ أَهْلاً ثُمَّ تَنَحَّی.

فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِی مَقَامِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا قَدْ قَالَ مَا سَمِعْتُمْ وَ خَلَعَ صَاحِبَهُ وَ أَنَا أَخْلَعُ صَاحِبَهُ کَمَا خَلَعَهُ وَ أُثْبِتُ صَاحِبِی مُعَاوِیَةَ فِی الْخِلاَفَةِ فَإِنَّهُ وَلِیُّ عُثْمَانَ وَ الطَّالِبُ بِدَمِهِ وَ أَحَقُّ النَّاسِ بِمَقَامِهِ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَی مَا لَکَ لاَ وَفَّقَکَ اللَّهُ قَدْ غَدَرْتَ وَ فَجَرْتَ إِنَّمَا مَثَلُکَ کَمَثَلِ الْکَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ یَلْهَثْ أَوْ تَتْرُکْهُ یَلْهَثْ (1) فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو إِنَّمَا مَثَلُکَ کَمَثَلِ الْحِمٰارِ یَحْمِلُ أَسْفٰاراً (2) .

وَ حَمَلَ شُرَیْحُ بْنُ هَانِئٍ عَلَی عَمْرٍو فَقَنَّعَهُ بِالسَّوْطِ وَ حَمَلَ اِبْنُ عَمْرٍو عَلَی شُرَیْحٍ فَقَنَّعَهُ بِالسَّوْطِ وَ قَامَ النَّاسُ فَحَجَزُوا بَیْنَهُمَا فَکَانَ شُرَیْحٌ یَقُولُ بَعْدَ ذَلِکَ مَا نَدِمْتُ عَلَی شَیْءٍ نَدَامَتِی أَلاَّ أَکُونَ ضَرَبْتُ عَمْراً بِالسَّیْفِ بَدَلَ السَّوْطِ أَتَی الدَّهْرُ بِمَا أَتَی بِهِ.

وَ الْتَمَسَ أَصْحَابُ عَلِیٍّ ع أَبَا مُوسَی فَرَکِبَ نَاقَتَهُ وَ لَحِقَ بِمَکَّةَ وَ کَانَ اِبْنُ عَبَّاسٍ یَقُولُ قَبَّحَ اللَّهُ أَبَا مُوسَی لَقَدْ حَذَّرْتُهُ وَ هَدَیْتُهُ إِلَی الرَّأْیِ فَمَا عَقَلَ وَ کَانَ أَبُو مُوسَی یَقُولُ لَقَدْ حَذَّرَنِی اِبْنُ عَبَّاسٍ غُدَرَةَ الْفَاسِقِ وَ لَکِنِّی اطْمَأْنَنْتُ إِلَیْهِ وَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ لاَ یُؤْثِرُ شَیْئاً عَلَی نَصِیحَةِ الْأُمَّةِ (3) .

قَالَ نَصْرٌ وَ رَجَعَ عَمْرُو إِلَی مَنْزِلِهِ مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَکَتَبَ إِلَی مُعَاوِیَةَ (4) أَتَتْکَ الْخِلاَفَةُ مَزْفُوفَةً هَنِیئاً مَرِیئاً تُقِرُّ الْعُیُونَا

ص :256

تُزَفُّ إِلَیْکَ زِفَافَ الْعَرُوسِ (1)

قَالَ نَصْرٌ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ قَیْسٍ الْهَمْدَانِیُّ وَ قَالَ وَ اللَّهِ لَوِ اجْتَمَعْتُمَا عَلَی الْهُدَی مَا زِدْتُمَانَا عَلَی مَا نَحْنُ الْآنَ عَلَیْهِ وَ مَا ضَلاَلُکُمَا بِلاَزِمٍ لَنَا وَ مَا رَجَعْتُمَا إِلاَّ بِمَا بَدَأْتُمَا بِهِ وَ إِنَّا الْیَوْمَ لَعَلَی مَا کُنَّا عَلَیْهِ أَمْسِ.

وَ قَامَ کُرْدُوسُ بْنُ هَانِئٍ مُغْضَباً فَقَالَ (2) أَلاَ لَیْتَ مَنْ یَرْضَی مِنَ النَّاسِ کُلِّهِمْ

ص :257

وَ ضَرْبٌ یُزِیلُ الْهَامَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ

وَ تَکَلَّمَ یَزِیدُ بْنُ أَسَدٍ الْقَسْرِیُّ وَ هُوَ مِنْ قُوَّادِ مُعَاوِیَةَ فَقَالَ یَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ اتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّ أَهْوَنَ مَا تَرُدُّنَا وَ إِیَّاکُمْ إِلَیْهِ الْحَرْبُ مَا کُنَّا عَلَیْهِ بِالْأَمْسِ وَ هُوَ الْفَنَاءُ وَ قَدْ شَخَصَتِ الْأَبْصَارُ إِلَی الصُّلْحِ وَ أَشْرَفَتِ الْأَنْفُسُ عَلَی الْفَنَاءِ وَ أَصْبَحَ کُلُّ امْرِئٍ یَبْکِی عَلَی قَتِیلٍ مَا لَکُمْ رَضِیتُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِ صَاحِبِکُمْ وَ کَرِهْتُمْ آخِرَهُ إِنَّهُ لَیْسَ لَکُمْ وَحْدَکُمُ الرِّضَا.

قَالَ وَ قَالَ بَعْضُ اَلْأَشْعَرِیِّینَ لِأَبِی مُوسَی (1) أَبَا مُوسَی خُدِعْتَ وَ کُنْتَ شَیْخاً

قَالَ وَ شَمِتَ أَهْلُ اَلشَّامِ بِأَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ قَالَ کَعْبُ بْنُ جُعَیْلٍ شَاعِرُ مُعَاوِیَةَ کَأَنَّ أَبَا مُوسَی عَشِیَّةَ أَذْرُحَ

ص :258

وَ قَدْ غَشِیَتْنَا فِی اَلزُّبَیْرِ غَضَاضَةٌ

قَالَ نَصْرٌ وَ کَانَ عَلِیٌّ ع لَمَّا خَدَعَ عَمْرٌو أَبَا مُوسَی بِالْکُوفَةِ کَانَ قَدْ دَخَلَهَا مُنْتَظِراً مَا یَحْکُمُ بِهِ اَلْحَکَمَانِ فَلَمَّا تَمَّ عَلَی أَبِی مُوسَی مَا تَمَّ مِنَ الْحِیلَةِ غَمَّ ذَلِکَ عَلِیّاً وَ سَاءَهُ وَ وَجَمَ لَهُ وَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَ إِنْ أَتَی الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَ الْحَدَثِ الْجَلِیلِ ...اَلْخُطْبَةُ الَّتِی ذَکَرَهَا اَلرَّضِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی وَ هِیَ الَّتِی نَحْنُ فِی شَرْحِهَا وَ زَادَ فِی آخِرِهَا بَعْدَ الاِسْتِشْهَادِ بِبَیْتِ دُرَیْدٍ أَلاَ إِنَّ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ اللَّذَیْنِ اخْتَرْتُمُوهُمَا قَدْ نَبَذَا حُکْمَ اَلْکِتَابِ وَ أَحْیَیَا مَا أَمَاتَ وَ اتَّبَعَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَوَاهُ وَ حَکَمَ بِغَیْرِ حُجَّةٍ وَ لاَ بَیِّنَةٍ وَ لاَ سُنَّةٍ مَاضِیَةٍ وَ اخْتَلَفَا فِیمَا حَکَمَا فَکِلاَهُمَا لَمْ یُرْشَدِ اللَّهَ فَاسْتَعِدُّوا لِلْجِهَادِ وَ تَأَهَّبُوا لِلْمَسِیرِ وَ أَصْبِحُوا فِی مُعَسْکَرِکُمْ یَوْمَ کَذَا

ص :259

قَالَ نَصْرٌ فَکَانَ عَلِیٌّ ع بَعْدَ الْحُکُومَةِ إِذَا صَلَّی الْغَدَاةَ وَ الْمَغْرِبَ وَ فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ وَ سَلَّمَ قَالَ اَللَّهُمَّ الْعَنْ مُعَاوِیَةَ وَ عَمْراً وَ أَبَا مُوسَی وَ حَبِیبَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَالِدٍ وَ اَلضَّحَّاکَ بْنَ قَیْسٍ وَ اَلْوَلِیدَ بْنَ عُقْبَةَ فَبَلَغَ ذَلِکَ مُعَاوِیَةَ فَکَانَ إِذَا صَلَّی لَعَنَ عَلِیّاً وَ حَسَناً وَ حُسَیْناً وَ اِبْنَ عَبَّاسٍ وَ قَیْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَ اَلْأَشْتَرَ وَ زَادَ اِبْنُ دَیْزِیلَ فِی أَصْحَابِ مُعَاوِیَةَ أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِیَّ

.

380

1- وَ رَوَی اِبْنُ دَیْزِیلَ أَیْضاً أَنَّ أَبَا مُوسَی کَتَبَ مِنْ مَکَّةَ إِلَی عَلِیٍّ ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی قَدْ بَلَغَنِی أَنَّکَ تَلْعَنُنِی فِی الصَّلاَةِ وَ یُؤَمِّنُ خَلْفَکَ الْجَاهِلُونَ وَ إِنِّی أَقُولُ کَمَا قَالَ مُوسَی ع رَبِّ بِمٰا أَنْعَمْتَ عَلَیَّ فَلَنْ أَکُونَ ظَهِیراً لِلْمُجْرِمِینَ (1) .

381

وَ رَوَی اِبْنُ دَیْزِیلَ عَنِ وَکِیعٍ عَنْ فَضْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِیَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِیبٍ عَنْ عَلِیٍّ ع أَنَّهُ قَالَ

یُؤْتَی بِی وَ بِمُعَاوِیَةَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَنَجِیءُ وَ نَخْتَصِمُ عِنْدَ ذِی اَلْعَرْشِ فَأَیُّنَا فَلَجَ فَلَجَ أَصْحَابُهُ

(2)

.

382

1- وَ رَوَی أَیْضاً عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعٍ الْقَارِئِ عَنْ أَبِیهِ قَالَ سُئِلَ عَلِیٌّ ع عَنْ قَتْلَی صِفِّینَ فَقَالَ إِنَّمَا الْحِسَابُ عَلَیَّ وَ عَلَی مُعَاوِیَةَ .

383

وَ رُوِیَ أَیْضاً عَنِ اَلْأَعْمَشِ عَنْ مُوسَی بْنِ طَرِیفٍ عَنْ عَبَایَةَ (3) قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً ع وَ هُوَ یَقُولُ

أَنَا قَسِیمُ اَلنَّارِ هَذَا لِی وَ هَذَا لَکِ .

384

وَ رُوِیَ أَیْضاً عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّی تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِیمَتَانِ دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ فَبَیْنَمَا هُمْ کَذَلِکَ مَرَقَتْ مِنْهُمْ مَارِقَةٌ یَقْتُلُهُمْ أَوْلَی الطَّائِفَتَیْنِ بِالْحَقِّ.

ص :260

385

14,1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ دَیْزِیلَ وَ حَدَّثَنَا سَعِیدُ بْنُ کَثِیرٍ عَنْ عُفَیْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ لَهِیعَةَ عَنِ اِبْنِ هُبَیْرَةَ عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِیِّ قَالَ جِئْتُ إِلَی أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ وَ قَدْ عَمِیَ فَقُلْتُ أَخْبِرْنِی عَنْ هَذِهِ اَلْخَوَارِجِ فَقَالَ تَأْتُونَنَا فَنُخْبِرُکُمْ ثُمَّ تَرْفَعُونَ ذَلِکَ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَیَبْعَثُ إِلَیْنَا بِالْکَلاَمِ الشَّدِیدِ قَالَ قُلْتُ أَنَا حَنَشٌ فَقَالَ مَرْحَباً بِکَ یَا حَنَشُ الْمِصْرِیُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ یَخْرُجُ نَاسٌ یَقْرَءُونَ اَلْقُرْآنَ لاَ یُجَاوِزُ تَرَاقِیَهُمْ یَمْرُقُونَ مِنَ الدِّینِ کَمَا یَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِیَّةِ یَنْظُرُ أَحَدُکُمْ فِی نَصْلِهِ فَلاَ یَرَی شَیْئاً فَیَنْظُرُ فِی قُذَذِهِ (1) فَلاَ یَرَی شَیْئاً سَبَقَ الْفَرْثَ وَ الدَّمَ یُصَلِّی بِقِتَالِهِمْ أَوْلَی الطَّائِفَتَیْنِ بِاللَّهِ فَقَالَ حَنَشٌ فَإِنَّ عَلِیّاً صُلِّیَ بِقِتَالِهِمْ فَقَالَ أَبُو سَعِیدٍ وَ مَا یَمْنَعُ عَلِیّاً أَنْ یَکُونَ أَوْلَی الطَّائِفَتَیْنِ بِاللَّهِ

.

386

1- وَ ذَکَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ بَشَّارٍ الْأَنْبَارِیُّ فِی أَمَالِیهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ حَضَرْتُ اَلْحُکُومَةَ فَلَمَّا کَانَ یَوْمُ الْفَصْلِ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَقَعَدَ إِلَی جَانِبِ أَبِی مُوسَی وَ قَدْ نَشَرَ أُذُنَیْهِ حَتَّی کَادَ أَنْ یَنْطِقَ بِهِمَا فَعَلِمْتُ أَنَّ الْأَمْرَ لاَ یَتِمُّ لَنَا مَا دَامَ هُنَاکَ وَ أَنَّهُ سَیُفْسِدُ عَلَی عَمْرٍو حِیلَتَهُ فَأَعْمَلْتُ الْمَکِیدَةَ فِی أَمْرِهِ فَجِئْتُ حَتَّی قَعَدْتُ عِنْدَهُ وَ قَدْ شَرَعَ عَمْرٌو وَ أَبُو مُوسَی فِی الْکَلاَمِ فَکَلَّمْتُ اِبْنَ عَبَّاسٍ کَلِمَةً اسْتَطْعَمْتُهُ جَوَابَهَا فَلَمْ یُجِبْ فَکَلَّمْتُهُ أُخْرَی فَلَمْ یُجِبْ فَکَلَّمْتُهُ ثَالِثَةً فَقَالَ إِنِّی لَفِی شُغُلٍ عَنْ حِوَارِکَ الْآنَ فَجَبَهْتُهُ وَ قُلْتُ یَا بَنِی هَاشِمٍ لاَ تَتْرُکُونَ بَأْوَکُمْ (2) وَ کِبْرَکُمْ أَبَداً أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لاَ مَکَانُ النُّبُوَّةِ لَکَانَ لِی وَ لَکَ شَأْنٌ قَالَ فَحَمِیَ وَ غَضِبَ وَ اضْطَرَبَ فِکْرُهُ وَ رَأْیُهُ وَ أَسْمَعَنِی کَلاَماً یَسُوءُ سَمَاعُهُ فَأَعْرَضْتُ عَنْهُ وَ قُمْتُ فَقَعَدْتُ إِلَی جَانِبِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقُلْتُ قَدْ کَفَیْتُکَ التَّقْوَالَةَ (3) إِنِّی قَدْ شَغَلْتُ بَالَهُ بِمَا دَارَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ فَأَحْکِمْ أَنْتَ أَمْرَکَ قَالَ

ص :261

فَذَهَلَ وَ اللَّهِ اِبْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْکَلاَمِ الدَّائِرِ بَیْنَ الرَّجُلَیْنِ حَتَّی قَامَ أَبُو مُوسَی فَخَلَعَ عَلِیّاً

.

387

14- وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ فِی اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ وَ رَوَاهُ جَمِیعُ النَّاسِ مِمَّنْ عُنِیَ بِنَقْلِ الْآثَارِ وَ السِّیَرِ عَنِ اَلْحَسَنِ الْبَصْرِیِّ قَالَ أَرْبَعُ خِصَالٍ کُنَّ فِی مُعَاوِیَةَ لَوْ لَمْ یَکُنْ فِیهِ إِلاَّ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَکَانَتْ مُوبِقَةً انْتِزَاؤُهُ عَلَی هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالسُّفَهَاءِ حَتَّی ابْتَزَّهَا أَمْرَهَا بِغَیْرِ مَشُورَةٍ مِنْهُمْ وَ فِیهِمْ بَقَایَا اَلصَّحَابَةِ وَ ذَوُو الْفَضِیلَةِ وَ اسْتِخْلاَفُهُ بَعْدَهُ ابْنَهُ یَزِیدَ سِکِّیراً خِمِّیراً یَلْبَسُ الْحَرِیرَ وَ یَضْرِبُ بِالطَّنَابِیرِ وَ ادِّعَاؤُهُ زِیَاداً وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَ لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَ قَتْلُهُ حُجْرَ بْنَ عَدِیٍّ وَ أَصْحَابَهُ فَیَا وَیْلَهُ مِنْ حُجْرٍ وَ أَصْحَابِ حُجْرٍ .

388

وَ رُوِیَ فِی اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ أَیْضاً الْخَبَرُ الَّذِی رَوَاهُ اَلْمَدَائِنِیُّ وَ قَدْ ذَکَرْنَاهُ آنِفاً مِنْ کَلاَمِ اِبْنِ عَبَّاسٍ لِأَبِی مُوسَی وَ قَوْلِهِ إِنَّ النَّاسَ لَمْ یَرْتَضُوکَ لِفَضْلٍ عِنْدَکَ لَمْ تُشَارَکْ فِیهِ وَ ذَکَرَ فِی آخِرِهِ فَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ قُرَیْشٍ وَ اللَّهِ مَا کَلَّمَ الْأَقْوَامَ مِنْ بَشَرٍ

389

1- وَ ذَکَرَ اَلزُّبَیْرُ أَیْضاً فِی اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ أَنَّ یَزِیدَ بْنَ حُجَیَّةَ التَّیْمِیَّ شَهِدَ اَلْجَمَلَ وَ صِفِّینَ وَ نَهْرَوَانَ مَعَ عَلِیٍّ ع ثُمَّ وَلاَّهُ اَلرَّیَّ وَ دَسْتَبَی (1) فَسَرَقَ مِنْ أَمْوَالِهِمَا وَ لَحِقَ بِمُعَاوِیَةَ وَ هَجَا عَلِیّاً وَ أَصْحَابَهُ وَ مَدَحَ مُعَاوِیَةَ وَ أَصْحَابَهُ فَدَعَا عَلَیْهِ عَلِیٌّ ع وَ رَفَعَ أَصْحَابُهُ أَیْدِیَهُمْ فَأَمَّنُوا وَ کَتَبَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِی عَمِّهِ کِتَاباً یُقَبِّحُ إِلَیْهِ

ص :262

مَا صَنَعَ وَ کَانَ الْکِتَابُ شِعْراً فَکَتَبَ یَزِیدُ بْنُ حُجَیَّةَ إِلَیْهِ لَوْ کُنْتُ أَقُولُ شِعْراً لَأَجَبْتُکَ وَ لَکِنْ قَدْ کَانَ مِنْکُمْ خِلاَلٌ ثَلاَثٌ لاَ تَرَوْنَ مَعَهُنَّ شَیْئاً مِمَّا تُحِبُّونَ أَمَّا الْأُولَی فَإِنَّکُمْ سِرْتُمْ إِلَی أَهْلِ اَلشَّامِ حَتَّی إِذَا دَخَلْتُمْ بِلاَدَهُمْ وَ طَعَنْتُمُوهُمْ بِالرِّمَاحِ وَ أَذَقْتُمُوهُمْ أَلَمَ الْجَرَاحِ رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ فَسَخِرُوا مِنْکُمْ وَ رَدُّوکُمْ عَنْهُمْ فَوَ اللَّهِ وَ وَ اللَّهِ لاَ دَخَلْتُمُوهَا بِمِثْلِ تِلْکَ الشَّوْکَةِ وَ الشِّدَّةِ أَبَداً وَ الثَّانِیَةُ أَنَّ الْقَوْمَ بَعَثُوا حَکَماً وَ بَعَثْتُمْ حَکَماً فَأَمَّا حَکَمُهُمْ فَأَثْبَتَهُمْ وَ أَمَّا حَکَمُکُمْ فَخَلَعَکُمْ وَ رَجَعَ صَاحِبُهُمْ یُدْعَی أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَجَعْتُمْ مُتَضَاغِنِینَ وَ الثَّالِثَةُ أَنَّ قُرَّاءَکُمْ وَ فُقَهَاءَکُمْ وَ فُرْسَانَکُمْ خَالَفُوکُمْ فَعَدَوْتُمْ عَلَیْهِمْ فَقَتَلْتُمُوهُمْ ثُمَّ کَتَبَ فِی آخِرِ الْکِتَابِ بَیْتَیْنِ لِعَفَّانَ بْنِ شُرَحْبِیلَ التَّمِیمِیِّ أَحْبَبْتُ أَهْلَ اَلشَّامِ مِنْ بَیْنِ الْمَلَأِ

.

390

1,14- وَ ذَکَرَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْکَرِیُّ (1) فِی کِتَابِ اَلْأَمَالِی أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِی وَقَّاصٍ دَخَلَ عَلَی مُعَاوِیَةَ عَامَ الْجَمَاعَةِ فَلَمْ یُسَلِّمْ عَلَیْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ لَوْ شِئْتَ أَنْ تَقُولَ فِی سَلاَمِکَ غَیْرَ هَذَا لَقُلْتَ فَقَالَ سَعْدٌ نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ وَ لَمْ نُؤَمِّرْکَ کَأَنَّکَ قَدْ بَهِجْتَ (2) بِمَا أَنْتَ فِیهِ یَا مُعَاوِیَةُ وَ اللَّهِ مَا یَسُرُّنِی مَا أَنْتَ فِیهِ وَ أَنِّی هَرَقْتُ المحجمة [مِحْجَمَةَ]

(3) دَمٍ قَالَ وَ لَکِنِّی وَ ابْنَ عَمِّکَ عَلِیّاً یَا أَبَا إِسْحَاقَ قَدْ هَرَقْنَا أَکْثَرَ مِنْ مِحْجَمَةٍ وَ مِحْجَمَتَیْنِ هَلُمَّ فَاجْلِسْ مَعِی عَلَی السَّرِیرِ فَجَلَسَ مَعَهُ فَذَکَرَ لَهُ مُعَاوِیَةُ اعْتِزَالَهُ الْحَرْبَ یُعَاتِبُهُ فَقَالَ سَعْدٌ إِنَّمَا کَانَ مَثَلِی وَ مَثَلُ النَّاسِ کَقَوْمٍ أَصَابَتْهُمْ ظُلْمَةٌ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِبَعِیرِهِ إِخْ فَأَنَاخَ حَتَّی أَضَاءَ لَهُ الطَّرِیقَ

ص :263

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ وَ اللَّهِ یَا أَبَا إِسْحَاقَ (1) مَا فِی کِتَابِ اللَّهِ إِخْ وَ إِنَّمَا فِیهِ وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُمٰا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَی الْأُخْریٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتّٰی تَفِیءَ إِلیٰ أَمْرِ اللّٰهِ (2) فَوَ اللَّهِ مَا قَاتَلْتَ الْبَاغِیَةَ وَ لاَ الْمَبْغِیَّ عَلَیْهَا فَأَفْحَمَهُ.

وَ زَادَ اِبْنُ دَیْزِیلَ فِی هَذَا الْخَبَرِ زِیَادَةً ذَکَرَهَا فِی کِتَابِ صِفِّینَ قَالَ فَقَالَ سَعْدٌ أَ تَأْمُرُنِی أَنْ أُقَاتِلَ رَجُلاً قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنْتَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِیَّ بَعْدِی فَقَالَ مُعَاوِیَةُ مَنْ سَمِعَ هَذَا مَعَکَ قَالَ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ وَ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ لَوْ کُنْتُ سَمِعْتُ هَذَا لَمَا قَاتَلْتُهُ

.

ص :264

رَسُولَ اللَّهِ ص

(1)

بَیْنَا هُوَ یَقْسِمُ قَسْماً جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی تَمِیمٍ یُدْعَی ذَا الْخُوَیْصِرَةِ فَقَالَ اعْدِلْ یَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ع قَدْ عَدَلْتُ فَقَالَ لَهُ ثَانِیَةً اعْدِلْ یَا مُحَمَّدُ فَإِنَّکَ لَمْ تَعْدِلْ فَقَالَ ص وَیْلَکَ وَ مَنْ یَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِی أَضْرِبُ عُنُقَهُ فَقَالَ دَعْهُ فَسَیَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ (2) هَذَا قَوْمٌ یَمْرُقُونَ (3) مِنَ الدِّینِ کَمَا یَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِیَّةِ یَنْظُرُ أَحَدُکُمْ إِلَی نَصْلِهِ (4) فَلاَ یَجِدُ شَیْئاً فَیَنْظُرُ إِلَی نَضِیِّهِ (5) فَلاَ یَجِدُ شَیْئاً ثُمَّ یَنْظُرُ إِلَی الْقُذَذِ (6) فَکَذَلِکَ سَبَقَ الْفَرْثَ وَ الدَّمَ (7) یَخْرُجُونَ عَلَی حِینِ فِرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ تُحْتَقَرُ صَلاَتُکُمْ فِی جَنْبِ صَلاَتِهِمْ وَ صَوْمُکُمْ عِنْدَ صَوْمِهِمْ یَقْرَءُونَ اَلْقُرْآنَ لاَ یُجَاوِزُ تَرَاقِیَهُمْ آیَتُهُمْ (8) رَجُلٌ أَسْوَدُ أَوْ قَالَ أَدْعَجُ (9) مُخْدَجُ (10) الْیَدِ إِحْدَی یَدَیْهِ کَأَنَّهَا ثَدْیُ امْرَأَةٍ أَوْ بَضْعَةٌ تَدَرْدَرُ

(11)

.

392

14,1- وَ فِی بَعْضِ الصِّحَاحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لِأَبِی بَکْرٍ وَ قَدْ غَابَ الرَّجُلُ

ص :266

عَنْ عَیْنِهِ قُمْ إِلَی هَذَا فَاقْتُلْهُ فَقَامَ ثُمَّ عَادَ وَ قَالَ وَجَدْتُهُ یُصَلِّی فَقَالَ لِعُمَرَ مِثْلَ ذَلِکَ فَعَادَ وَ قَالَ وَجَدْتُهُ یُصَلِّی فَقَالَ لِعَلِیٍّ ع مِثْلَ ذَلِکَ فَعَادَ فَقَالَ لَمْ أَجِدْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَوْ قُتِلَ هَذَا لَکَانَ أَوَّلَ فِتْنَةٍ وَ آخِرَهَا أَمَا إِنَّهُ سَیَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ الْحَدِیثَ

.

393

وَ فِی بَعْضِ الصِّحَاحِ یَقْتُلُهُمْ أَوْلَی الْفَرِیقَیْنِ بِالْحَقِّ.

394

14,1- وَ فِی مُسْنَدِ أَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَتْ لِی عَائِشَةُ إِنَّکَ مِنْ وُلْدِی وَ مِنْ أَحَبِّهِمْ إِلَیَّ فَهَلْ عِنْدَکَ عِلْمٌ مِنَ اَلْمُخْدَجِ فَقُلْتُ نَعَمْ قَتَلَهُ عَلِیُّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَی نَهَرٍ یُقَالُ لِأَعْلاَهُ تَامَرَّا (1) وَ لِأَسْفَلِهِ اَلنَّهْرَوَانُ بَیْنَ لَخَاقِیقَ وَ طَرْفَاءَ (2) قَالَتِ ابْغِنِی عَلَی ذَلِکَ بَیِّنَةً فَأَقَمْتُ رِجَالاً شَهِدُوا عِنْدَهَا بِذَلِکَ قَالَ فَقُلْتُ لَهَا سَأَلْتُکِ بِصَاحِبِ اَلْقَبْرِ مَا الَّذِی سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فِیهِمْ فَقَالَتْ نَعَمْ سَمِعْتُهُ یَقُولُ إِنَّهُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَ الْخَلِیقَةِ یَقْتُلُهُمْ خَیْرُ الْخَلْقِ وَ الْخَلِیقَةِ وَ أَقْرَبُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَسِیلَةً

.

395

وَ فِی کِتَابِ صِفِّینَ لِلْوَاقِدِیِّ عَنْ عَلِیٍّ ع

لَوْ لاَ أَنْ تَبْطَرُوا فَتَدَعُوا الْعَمَلَ لَحَدَّثْتُکُمْ بِمَا سَبَقَ عَلَی لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ص لِمَنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ .

396

وَ فِیهِ قَالَ عَلِیٌّ ع

إِذَا حَدَّثْتُکُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَکْذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ إِذَا حَدَّثْتُکُمْ فِیمَا بَیْنَنَا عَنْ نَفْسِی فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ وَ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مُحَارِبٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ یَخْرُجُ فِی آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلاَمِ قَوْلُهُمْ مِنْ خَیْرِ

ص :267

أَقْوَالِ أَهْلِ الْبَرِّیَّةِ صَلاَتُهُمْ أَکْثَرُ مِنْ صَلاَتِکُمْ وَ قِرَاءَتُهُمْ أَکْثَرُ مِنْ قِرَاءَتِکُمْ لاَ یُجَاوِزُ إِیمَانُهُمْ تَرَاقِیَهُمْ أَوْ قَالَ حَنَاجِرَهُمْ یَمْرُقُونَ مِنَ الدِّینِ کَمَا یَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِیَّةِ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ .

397

1,14- وَ فِی کِتَابِ صِفِّینَ أَیْضاً لِلْمَدَائِنِیِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ لَمَّا عَرَفَتْ أَنَّ عَلِیّاً ع قَتَلَ ذَا الثُّدَیَّةِ لَعَنَ اللَّهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَإِنَّهُ کَتَبَ إِلَیَّ یُخْبِرُنِی أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْإِسْکَنْدَرِیَّةِ أَلاَ إِنَّهُ لَیْسَ یَمْنَعُنِی مَا فِی نَفْسِی أَنْ أَقُولَ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص یَقُولُ یَقْتُلُهُ خَیْرُ أُمَّتِی مِنْ بَعْدِی

.

398

1- وَ ذَکَرَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ أَنَّ عَلِیّاً ع لَمَّا دَخَلَ اَلْکُوفَةَ دَخَلَهَا مَعَهُ کَثِیرٌ مِنَ اَلْخَوَارِجِ وَ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ بِالنُّخَیْلَةِ وَ غَیْرِهَا خَلْقٌ کَثِیرٌ لَمْ یَدْخُلُوهَا فَدَخَلَ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَیْرٍ السَّعْدِیُّ وَ زُرْعَةُ بْنُ الْبُرْجِ الطَّائِیُّ وَ هُمَا مِنْ رُءُوسِ اَلْخَوَارِجِ عَلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ لَهُ حُرْقُوصُ تُبْ مِنْ خَطِیئَتِکَ وَ اخْرُجْ بِنَا إِلَی مُعَاوِیَةَ نُجَاهِدْهُ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع إِنِّی کُنْتُ نَهَیْتُکُمْ عَنِ الْحُکُومَةِ فَأَبَیْتُمْ ثُمَّ الْآنَ تَجْعَلُونَهَا ذَنْباً أَمَا إِنَّهَا لَیْسَتْ بِمَعْصِیَةٍ وَ لَکِنَّهَا عَجْزٌ مِنَ الرَّأْیِ وَ ضَعْفٌ فِی التَّدْبِیرِ وَ قَدْ نَهَیْتُکُمْ عَنْهُ فَقَالَ زُرْعَةُ أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَتُبْ مِنْ تَحْکِیمِکَ الرِّجَالَ لَأَقْتُلَنَّکَ (1) أَطْلُبُ بِذَلِکَ وَجْهَ اللَّهِ وَ رِضْوَانَهُ فَقَالَ عَلِیٌّ ع بُؤْساً لَکَ مَا أَشْقَاکَ کَأَنِّی بِکَ قَتِیلاً تَسْفِی عَلَیْکَ الرِّیَاحُ قَالَ زُرْعَةُ وَدِدْتُ أَنَّهُ کَانَ ذَلِکَ (2) .

قَالَ وَ خَرَجَ عَلِیٌّ ع یَخْطُبُ النَّاسَ فَصَاحُوا بِهِ مِنْ جَوَانِبِ الْمَسْجِدِ

ص :268

لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ وَ صَاحَ بِهِ رَجُلٌ [مِنْهُمْ وَاضِعٌ إِصْبَعَهُ فِی أُذُنَیْهِ فَقَالَ]

(1) وَ لَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَ إِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِینَ (2) فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لاٰ یَسْتَخِفَّنَّکَ الَّذِینَ لاٰ یُوقِنُونَ (3)

.

399

14,1- وَ رَوَی اِبْنُ دَیْزِیلَ فِی کِتَابِ صِفِّینَ قَالَ کَانَتِ اَلْخَوَارِجُ فِی أَوَّلِ مَا انْصَرَفَتْ عَنْ رَایَاتِ عَلِیٍّ ع تُهَدِّدُ النَّاسَ قَتْلاً قَالَ فَأَتَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَلَی النَّهَرِ إِلَی جَانِبِ قَرْیَةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا رَجُلٌ مَذْعُوراً آخِذاً بِثِیَابِهِ فَأَدْرَکُوهُ فَقَالُوا لَهُ رَعَّبْنَاکَ قَالَ أَجَلْ فَقَالُوا لَهُ قَدْ عَرَفْنَاکَ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ نَعَمْ قَالُوا فَمَا سَمِعْتَ مِنْ أَبِیکَ یُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ اِبْنُ دَیْزِیلَ فَحَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ:إِنَّ فِتْنَةً جَائِیَةٌ الْقَاعِدُ فِیهَا خَیْرٌ مِنَ الْقَائِمِ الْحَدِیثَ.

وَ قَالَ غَیْرُهُ بَلْ حَدَّثَهُمْ:أَنَّ طَائِفَةً تَمْرُقُ مِنَ الدِّینِ کَمَا یَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِیَّةِ یَقْرَءُونَ اَلْقُرْآنَ صَلاَتُهُمْ أَکْثَرُ مِنْ صَلاَتِکُمْ الْحَدِیثَ فَضَرَبُوا رَأْسَهُ فَسَالَ دَمُهُ فِی النَّهَرِ مَا امْذَقَرَّ أَیْ مَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ کَأَنَّهُ شِرَاکٌ ثُمَّ دَعَوْا بِجَارِیَةٍ لَهُ حُبْلَی فَبَقَرُوا عَمَّا فِی بَطْنِهَا .

400

1- وَ رَوَی اِبْنُ دَیْزِیلَ قَالَ عَزَمَ عَلِیٌّ ع عَلَی الْخُرُوجِ مِنَ اَلْکُوفَةِ إِلَی اَلْحَرُورِیَّةِ (4) وَ کَانَ فِی أَصْحَابِهِ مُنَجِّمٌ فَقَالَ لَهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لاَ تَسِرْ فِی هَذِهِ السَّاعَةِ

ص :269

وَ سِرْ عَلَی ثَلاَثِ سَاعَاتٍ مَضَیْنَ مِنَ النَّهَارِ فَإِنَّکَ إِنْ سِرْتَ فِی هَذِهِ السَّاعَةِ أَصَابَکَ وَ أَصْحَابَکَ أَذًی وَ ضُرٌّ شَدِیدٌ وَ إِنْ سِرْتَ فِی السَّاعَةِ الَّتِی أَمَرْتُکَ بِهَا ظَفِرْتَ وَ ظَهَرْتَ وَ أَصَبْتَ مَا طَلَبْتَ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع أَ تَدْرِی مَا فِی بَطْنِ فَرَسِی هَذِهِ أَ ذَکَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَی قَالَ إِنْ حَسَبْتُ عَلِمْتُ فَقَالَ عَلِیٌّ ع مَنْ صَدَّقَکَ بِهَذَا فَقَدْ کَذَّبَ بِالْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی إِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ وَ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَ یَعْلَمُ مٰا فِی الْأَرْحٰامِ (1) الْآیَةَ ثُمَّ قَالَ ع إِنَّ مُحَمَّداً ص مَا کَانَ یَدَّعِی عِلْمَ مَا ادَّعَیْتَ عِلْمَهُ أَ تَزْعُمُ أَنَّکَ تَهْدِی إِلَی السَّاعَةِ الَّتِی یُصِیبُ النَّفْعَ مَنْ سَارَ فِیهَا وَ تَصْرِفُ عَنِ السَّاعَةِ الَّتِی یَحِیقُ السَّوْءُ بِمَنْ سَارَ فِیهَا فَمَنْ صَدَّقَکَ بِهَذَا فَقَدِ اسْتَغْنَی عَنِ الاِسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ جَلَّ ذِکْرُهُ فِی صَرْفِ الْمَکْرُوهِ عَنْهُ وَ یَنْبَغِی لِلْمُوقِنِ بِأَمْرِکَ أَنْ یُوَلِّیَکَ الْحَمْدَ دُونَ اللَّهِ جَلَّ جَلاَلُهُ لِأَنَّکَ بِزَعْمِکَ هَدَیْتَهُ إِلَی السَّاعَةِ الَّتِی یُصِیبُ النَّفْعَ مَنْ سَارَ فِیهَا وَ صَرَفْتَهُ عَنِ السَّاعَةِ الَّتِی یَحِیقُ السَّوْءُ بِمَنْ سَارَ فِیهَا فَمَنْ آمَنَ بِکَ فِی هَذَا لَمْ آمَنْ عَلَیْهِ أَنْ یَکُونَ کَمَنِ اتَّخَذَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ضِدّاً وَ نِدّاً اللَّهُمَّ لاَ طَیْرَ إِلاَّ طَیْرُکَ وَ لاَ ضَرَّ إِلاَّ ضُرُّکَ وَ لاَ إِلَهَ غَیْرُکَ ثُمَّ قَالَ نُخَالِفُ وَ نَسِیرُ فِی السَّاعَةِ الَّتِی نَهَیْتَنَا عَنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی النَّاسِ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِیَّاکُمْ وَ التَّعَلُّمَ لِلنُّجُومِ إِلاَّ مَا یُهْتَدَی بِهِ فِی ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ إِنَّمَا الْمُنَجِّمُ کَالْکَاهِنِ وَ الْکَاهِنُ کَالْکَافِرِ وَ الْکَافِرُ فِی اَلنَّارِ أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ بَلَغَنِی أَنَّکَ تَعْمَلُ بِالنُّجُومِ لَأُخَلِّدَنَّکَ السِّجْنَ أَبَداً مَا بَقِیتُ وَ لَأُحَرِّمَنَّکَ الْعَطَاءَ مَا کَانَ لِی مِنْ سُلْطَانٍ ثُمَّ سَارَ فِی السَّاعَةِ الَّتِی نَهَاهُ عَنْهَا الْمُنَجِّمُ فَظَفِرَ بِأَهْلِ اَلنَّهْرِ وَ ظَهَرَ عَلَیْهِمْ ثُمَّ قَالَ لَوْ سِرْنَا فِی السَّاعَةِ الَّتِی أَمَرَنَا بِهَا الْمُنَجِّمُ لَقَالَ النَّاسُ سَارَ فِی السَّاعَةِ الَّتِی أَمَرَ بِهَا الْمُنَجِّمُ فَظَفِرَ وَ ظَهَرَ أَمَا إِنَّهُ مَا کَانَ لِمُحَمَّدٍ ص مُنَجِّمٌ وَ لاَ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ حَتَّی فَتَحَ اللَّهُ عَلَیْنَا بِلاَدَ کِسْرَی وَ قَیْصَرَ أَیُّهَا النَّاسُ تَوَکَّلُوا عَلَی اللَّهِ وَ ثِقُوا بِهِ فَإِنَّهُ یَکْفِی مِمَّنْ سِوَاهُ

.

ص :270

401

1- قَالَ فَرَوَی مُسْلِمٌ الضَّبِّیُّ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِیِّ قَالَ لَمَّا انْتَهَیْنَا إِلَیْهِمْ رَمَوْنَا فَقُلْنَا لِعَلِیٍّ ع یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ رَمَوْنَا فَقَالَ لَنَا کُفُّوا ثُمَّ رَمَوْنَا فَقَالَ لَنَا ع کُفُّوا ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَقَالَ اَلْآنَ طَابَ الْقِتَالُ احْمِلُوا عَلَیْهِمْ .

402

1- وَ رَوَی أَیْضاً عَنْ قَیْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ عَلِیّاً ع لَمَّا انْتَهَی إِلَیْهِمْ قَالَ لَهُمْ أَقِیدُونَا بِدَمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ فَقَالُوا کُلُّنَا قَتَلَهُ فَقَالَ اِحْمِلُوا عَلَیْهِمْ

.

403

وَ ذَکَرَ أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْکَرِیُّ فِی کِتَابِ اَلْأَوَائِلِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَالَ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ عُرْوَةُ بْنُ حُدَیْرٍ قَالَهَا بِصِفِّینَ وَ قِیلَ زَیْدُ بْنُ عَاصِمٍ الْمُحَارِبِیُّ قَالَ وَ کَانَ أَمِیرُهُمْ أَوَّلَ مَا اعْتَزَلُوا اِبْنَ الْکَوَّاءِ ثُمَّ بَایَعُوا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِیِّ وَ کَانَ أَحَدَ الْخُطَبَاءِ فَقَالَ لَهُمْ عِنْدَ بَیْعَتِهِمْ إِیَّاهُ إِیَّاکُمْ وَ الرَّأْیَ الْفَطِیرَ (1) وَ الْکَلاَمَ الْقَضِیبَ (2) دَعُوا لرأی [اَلْرَّأْیَ]

یَغِبُّ (3) فَإِنَّ غُبُوبَهُ یَکْشِفُ لِلْمَرْءِ عَنْ قِضَّتِهِ (4) وَ ازْدِحَامُ الْجَوَابِ مَضَلَّةٌ لِلصَّوَابِ وَ لَیْسَ الرَّأْیُ بِالْإِرْتِجَالِ وَ لاَ الْحَزْمُ بِالاِقْتِضَابِ فَلاَ تَدْعُوَنَّکُمُ السَّلاَمَةُ مِنْ خَطَأٍ مُوبِقٍ وَ غَنِیمَةٍ نِلْتُمُوهَا مِنْ غَیْرِ صَوَابٍ إِلَی مُعَاوَدَتِهِ وَ الْتِمَاسِ الرِّبْحِ مِنْ جِهَتِهِ إِنَّ الرَّأْیَ لَیْسَ بِنَهْنَهِیٍّ (5) وَ لاَ هُوَ مَا أَعْطَتْکَ الْبَدِیهَةُ وَ إِنَّ خَمِیرَ الرَّأْیِ خَیْرٌ مِنْ فَطِیرِهِ وَ رُبَّ شَیْءٍ غَابُّهُ خَیْرٌ مِنْ طَرِیئِهِ وَ تَأْخِیرُهُ خَیْرٌ مِنْ تَقْدِیمِهِ.

404

1- وَ ذَکَرَ اَلْمَدَائِنِیُّ فِی کِتَابِ اَلْخَوَارِجِ قَالَ لَمَّا خَرَجَ عَلِیٌّ ع إِلَی أَهْلِ اَلنَّهْرِ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِمَّنْ کَانَ عَلَی مُقَدِّمَتِهِ یَرْکُضُ حَتَّی انْتَهَی إِلَی عَلِیٍّ ع

ص :271

فَقَالَ الْبُشْرَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ مَا بُشْرَاکَ قَالَ إِنَّ الْقَوْمَ عَبَرُوا النَّهْرَ لَمَّا بَلَغَهُمْ وُصُولُکَ فَأَبْشِرْ فَقَدْ مَنَحَکَ اللَّهُ أَکْتَافَهُمْ فَقَالَ لَهُ اَللَّهَ أَنْتَ رَأَیْتَهُمْ قَدْ عَبَرُوا قَالَ نَعَمْ فَأَحْلَفَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِی کُلِّهَا یَقُولُ نَعَمْ فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَ اللَّهِ مَا عَبَرُوهُ وَ لَنْ یَعُبُرُوهُ وَ إِنَّ مَصَارِعَهُمْ لَدُونَ النُّطْفَةِ وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَنْ یَبْلُغُوا اَلْأَثْلاَثَ وَ لاَ قَصْرَ بَوَازِنَ حَتَّی یَقْتُلَهُمُ اللَّهُ وَ قَدْ خٰابَ مَنِ افْتَریٰ قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ فَارِسٌ آخَرُ یَرْکُضُ فَقَالَ کَقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ یَکْتَرِثْ عَلِیٌّ ع بِقَوْلِهِ وَ جَاءَتِ الْفُرْسَانُ تَرْکُضُ کُلُّهَا تَقُولُ مِثْلَ ذَلِکَ فَقَامَ عَلِیٌّ ع فَجَالَ فِی مَتْنِ فَرَسِهِ قَالَ فَیَقُولُ شَابٌّ مِنَ النَّاسِ وَ اللَّهِ لَأَکُونَنَّ قَرِیباً مِنْهُ فَإِنْ کَانُوا عَبَرُوا النَّهْرَ لَأَجْعَلَنَّ سِنَانَ هَذَا الرُّمْحِ فِی عَیْنِهِ أَ یَدَّعِی عِلْمَ الْغَیْبِ فَلَمَّا انْتَهَی ع إِلَی النَّهْرِ وَجَدَ الْقَوْمَ قَدْ کَسَرُوا جُفُونَ سُیُوفِهِمْ وَ عَرْقَبُوا خَیْلَهُمْ وَ جَثَوْا عَلَی رُکَبِهِمْ وَ حَکَّمُوا تَحْکِیمَةً وَاحِدَةً بِصَوْتٍ عَظِیمٍ لَهُ زَجَلٌ فَنَزَلَ ذَلِکَ الشَّابُّ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی کُنْتُ شککک [شَکَکْتُ]

فِیکَ آنِفاً وَ إِنِّی تَائِبٌ إِلَی اللَّهِ وَ إِلَیْکَ فَاغْفِرْ لِی فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِی یَغْفِرُ الذُّنُوبَ فَاسْتَغْفِرْهُ

.

405

1- وَ ذَکَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ یَزِیدَ الْمُبَرَّدُ فِی اَلْکَامِلِ قَالَ لَمَّا وَاقَفَهُمْ عَلِیٌّ ع بِالنَّهْرَوَانِ قَالَ لاَ تَبْدَءُوهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّی یَبْدَءُوکُمْ فَحَمَلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَی صَفِّ عَلِیٍّ ع فَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلاَثَةً ثُمَّ قَالَ أَقْتُلُهُمْ وَ لاَ أَرَی عَلِیّاً وَ لَوْ بَدَا أَوْجَرْتُهُ الْخَطِّیَّا (1) .

فَخَرَجَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ ع فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ فَلَمَّا خَالَطَهُ سَیْفُهُ قَالَ یَا حَبَّذَا الرَّوْحَةُ إِلَی اَلْجَنَّةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی إِلَی اَلْجَنَّةِ أَمْ إِلَی اَلنَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ

ص :272

مِنْ بَنِی سَعْدٍ إِنَّمَا حَضَرْتُ اغْتِرَاراً بِهَذَا الرَّجُلِ یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ وَ أَرَاهُ قَدْ شَکَّ وَ اعْتَزَلَ عَنِ الْحَرْبِ بِجَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ وَ مَالَ أَلْفٌ مِنْهُمْ إِلَی جِهَةِ أَبِی أَیُّوبَ الْأَنْصَارِیِّ وَ کَانَ عَلَی مَیْمَنَةِ عَلِیٍّ ع فَقَالَ عَلِیٌّ ع لِأَصْحَابِهِ اِحْمِلُوا عَلَیْهِمْ فَوَ اللَّهِ لاَ یُقْتَلُ مِنْکُمْ عَشَرَةٌ وَ لاَ یَسْلَمُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ (1) فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ فَطَحَنَهُمْ طَحْناً قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ ع تِسْعَةٌ وَ أَفْلَتَ مِنَ اَلْخَوَارِجِ ثَمَانِیَةٌ

(2)

.

406

1- وَ ذَکَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ ذَکَرَ غَیْرُهُ أَیْضاً أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع لَمَّا وَجَّهَ إِلَیْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ لِیُنَاظِرَهُمْ قَالَ لَهُمْ مَا الَّذِی نَقَمْتُمْ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ قَالُوا لَهُ قَدْ کَانَ لِلْمُؤْمِنِینَ أَمِیراً فَلَمَّا حَکَمَ فِی دِینِ اللَّهِ خَرَجَ مِنَ الْإِیمَانِ فَلْیَتُبْ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِالْکُفْرِ نَعُدْ (3) إِلَیْهِ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ مَا یَنْبَغِی لِمُؤْمِنٍ لَمْ یَشُبْ إِیمَانُهُ بِشَکٍّ أَنْ یُقِرَّ عَلَی نَفْسِهِ بِالْکُفْرِ قَالُوا إِنَّهُ حَکَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالتَّحْکِیمِ فِی قَتْلِ صَیْدٍ فَقَالَ یَحْکُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْکُمْ (4) فَکَیْفَ فِی إِمَامَةٍ قَدْ أَشْکَلَتْ عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ فَقَالُوا إِنَّهُ حُکِمَ عَلَیْهِ فَلَمْ یَرْضَ فَقَالَ إِنَّ الْحُکُومَةَ کَالْإِمَامَةِ وَ مَتَی فَسَقَ الْإِمَامُ وَجَبَتْ مَعْصِیَتُهُ وَ کَذَلِکَ اَلْحَکَمَانِ لَمَّا خَالَفَا نُبِذَتْ أَقَاوِیلُهُمَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ اجْعَلُوا احْتِجَاجَ قُرَیْشٍ حُجَّةً عَلَیْهِمْ فَإِنَّ هَذَا مِنَ الَّذِینَ قَالَ اللَّهُ فِیهِمْ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (5) وَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (6)

.

407

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ یُقَالُ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ حَکَّمَ عُرْوَةُ بْنُ أُدَیَّةَ وَ أُدَیَّةُ جَدَّةٌ لَهُ جَاهِلِیَّةٌ وَ هُوَ عُرْوَةُ بْنُ حُدَیْرٍ أَحَدُ بَنِی رَبِیعَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ وَ قَالَ قَوْمٌ أَوَّلُ مَنْ حَکَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی

ص :273

مُحَارِبِ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَیْسِ بْنِ عَیْلاَنَ یُقَالُ لَهُ سَعِیدٌ وَ لَمْ یَخْتَلِفُوا فِی اجْتِمَاعِهِمْ (1) عَلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِیِّ وَ أَنَّهُ امْتَنَعَ عَلَیْهِمْ وَ أَوْمَأَ إِلَی غَیْرِهِ فَلَمْ یَقْنَعُوا إِلاَّ بِهِ فَکَانَ إِمَامَ الْقَوْمِ وَ کَانَ یُوصَفُ بِرَأْیٍ فَأَمَّا أَوَّلُ سَیْفٍ سُلَّ مِنْ سُیُوفِ اَلْخَوَارِجِ فَسَیْفُ عُرْوَةَ بْنِ أُدَیَّةَ وَ ذَاکَ أَنَّهُ أَقْبَلَ عَلَی اَلْأَشْعَثِ فَقَالَ لَهُ مَا هَذِهِ الدَّنِیَّةُ یَا أَشْعَثُ وَ مَا هَذَا التَّحْکِیمُ أَ شَرْطٌ أَوْثَقُ مِنْ شَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ شَهَرَ عَلَیْهِ السَّیْفَ وَ اَلْأَشْعَثُ مُوَلٍّ فَضَرَبَ بِهِ عَجُزَ بَغْلَتِهِ.

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ عُرْوَةُ بْنُ حُدَیْرٍ هَذَا مِنَ النَّفَرِ الَّذِینَ نَجَوْا مِنْ حَرْبِ النَّهْرَوَانِ فَلَمْ یَزَلْ بَاقِیاً مُدَّةً مِنْ أَیَّامِ مُعَاوِیَةَ ثُمَّ أُتِیَ بِهِ زِیَادٌ وَ مَعَهُ مَوْلًی لَهُ فَسَأَلَهُ عَنْ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَقَالَ خَیْراً فَقَالَ لَهُ فَمَا تَقُولُ فِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عُثْمَانَ وَ فِی أَبِی تُرَابٍ فَتَوَلَّی عُثْمَانَ سِتَّ سِنِینَ مِنْ خِلاَفَتِهِ ثُمَّ شَهِدَ عَلَیْهِ بِالْکُفْرِ وَ فَعَلَ فِی أَمْرِ عَلِیٍّ ع مِثْلَ ذَلِکَ إِلَی أَنْ حَکَّمَ ثُمَّ شَهِدَ عَلَیْهِ بِالْکُفْرِ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ مُعَاوِیَةَ فَسَبَّهُ سَبّاً قَبِیحاً ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَوَّلُکَ لِزِنْیَةٍ (2) وَ آخِرُکَ لِدَعْوَةٍ وَ أَنْتَ بَعْدُ عَاصٍ لِرَبِّکَ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ ثُمَّ دَعَا مَوْلاَهُ فَقَالَ لَهُ صِفْ لِی أُمُورَهُ قَالَ أَ أُطْنِبُ أَمْ أَخْتَصِرُ قَالَ بَلِ اخْتَصِرْ قَالَ مَا أَتَیْتُهُ بِطَعَامٍ بِنَهَارٍ قَطُّ وَ لاَ فَرَشْتُ لَهُ فِرَاشاً بِلَیْلٍ قَطُّ (3) .

408

1,14- قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ سَبَبُ تَسْمِیَتِهِمُ اَلْحَرُورِیَّةَ أَنَّ عَلِیّاً ع لَمَّا نَاظَرَهُمْ بَعْدَ مُنَاظَرَةِ اِبْنِ عَبَّاسٍ إِیَّاهُمْ کَانَ فِیمَا قَالَ لَهُمْ أَ لاَ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ لَمَّا رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ قُلْتُ لَکُمْ إِنَّ هَذِهِ مَکِیدَةٌ وَ وَهْنٌ (4) وَ إِنَّهُمْ لَوْ قَصَدُوا إِلَی حُکْمِ الْمَصَاحِفِ لَأَتَوْنِی وَ سَأَلُونِی (5) التَّحْکِیمَ أَ فَتَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَداً کَانَ أَکْرَهَ لِلتَّحْکِیمِ مِنِّی قَالُوا صَدَقْتَ قَالَ فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّکُمْ اسْتَکْرَهْتُمُونِی عَلَی ذَلِکَ حَتَّی أَجَبْتُکُمْ إِلَیْهِ فَاشْتَرَطْتُ أَنَّ حُکْمَهُمَا نَافِذٌ مَا حَکَمَا

ص :274

بِحُکْمِ اللَّهِ فَمَتَی خَالَفَاهُ فَأَنَا وَ أَنْتُمْ مِنْ ذَلِکَ بُرَآءُ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حُکْمَ اللَّهِ لاَ یَعْدُونِی قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ وَ کَانَ مَعَهُمْ فِی ذَلِکَ الْوَقْتِ اِبْنُ الْکَوَّاءِ (1) قَالَ وَ هَذَا مِنْ قَبْلِ أَنْ یَذْبَحُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ وَ إِنَّمَا ذَبَحُوهُ فِی الْفُرْقَةِ الثَّانِیَةِ بِکَسْکَرَ (2) فَقَالُوا لَهُ حَکَّمْتَ فِی دِینِ اللَّهِ بِرَأْیِنَا وَ نَحْنُ مُقِرُّونَ بِأَنَّا کُنَّا کَفَرْنَا وَ لَکِنَّا الْآنَ تَائِبُونَ فَأَقِرَّ بِمِثْلِ مَا أَقْرَرْنَا بِهِ وَ تُبْ نَنْهَضْ مَعَکَ إِلَی اَلشَّامِ فَقَالَ أَ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَدْ أَمَرَ بِالتَّحْکِیمِ فِی شِقَاقٍ بَیْنَ الرَّجُلِ وَ امْرَأَتِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ فَابْعَثُوا حَکَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَکَماً مِنْ أَهْلِهٰا وَ فِی صَیْدٍ أُصِیبَ کَأَرْنَبٍ یُسَاوِی نِصْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ یَحْکُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْکُمْ فَقَالُوا لَهُ فَإِنَّ عَمْراً لَمَّا أَبَی عَلَیْکَ أَنْ تَقُولَ فِی کِتَابِکَ هَذَا مَا کَتَبَهُ عَبْدُ اللَّهِ عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ مَحَوْتَ اسْمَکَ مِنَ الْخِلاَفَةِ وَ کَتَبْتَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَقَدْ خَلَعْتَ نَفْسَکَ فَقَالَ لِی فِی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ أُسْوَةٌ حِینَ أَبَی عَلَیْهِ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنْ یَکْتُبَ هَذَا کِتَابٌ کَتَبَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو وَ قَالَ لَهُ لَوْ أَقْرَرْتَ بِأَنَّکَ رَسُولُ اللَّهِ مَا خَالَفْتُکَ وَ لَکِنِّی أُقَدِّمُکَ لِفَضْلِکَ فَاکْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لِی یَا عَلِیُّ امْحُ رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تُشَجِّعُنِی نَفْسِی (3) عَلَی مَحْوِ اسْمِکَ مِنَ النُّبُوَّةِ قَالَ فَقَضَی عَلَیْهِ فَمَحَاهُ بِیَدِهِ ثُمَّ قَالَ اکْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ تَبَسَّمَ إِلَیَّ وَ قَالَ یَا عَلِیُّ أَمَا إِنَّکَ سَتُسَامُ مِثْلَهَا فَتُعْطِی فَرَجَعَ مَعَهُ مِنْهُمْ أَلْفَانِ مِنْ حَرُورَاءَ وَ قَدْ کَانُوا تَجَمَّعُوا بِهَا فَقَالَ لَهُمْ عَلِیٌّ مَا نُسَمِّیکُمْ ثُمَّ قَالَ أَنْتُمُ اَلْحَرُورِیَّةُ لاِجْتِمَاعِکُمْ بِحَرُورَاءَ

(4)

.

409

1- وَ رَوَی جَمِیعُ أَهْلِ السِّیَرِ کَافَّةً أَنَّ عَلِیّاً ع لَمَّا طَحَنَ الْقَوْمَ طَلَبَ ذَا الثُّدَیَّةِ طَلَباً

ص :275

شَدِیداً وَ قَلَّبَ الْقَتْلَی ظَهْراً لِبَطْنٍ فَلَمْ یَقْدِرْ عَلَیْهِ فَسَاءَهُ ذَلِکَ وَ جَعَلَ یَقُولُ وَ اللَّهِ مَا کَذَبْتُ وَ لاَ کُذِبْتُ اطْلُبُوا الرَّجُلَ وَ إِنَّهُ لَفِی الْقَوْمِ فَلَمْ یَزَلْ یَتَطَلَّبُهُ حَتَّی وَجَدَهُ وَ هُوَ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْیَدِ (1) کَأَنَّهَا ثَدْیٌ فِی صَدْرِهِ .

410

1- وَ رَوَی إِبْرَاهِیمُ بْنُ دَیْزِیلَ فِی کِتَابِ صِفِّینَ عَنِ اَلْأَعْمَشِ عَنْ زَیْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ لَمَّا شَجَرَهُمْ عَلِیٌّ ع بِالرِّمَاحِ قَالَ اُطْلُبُوا ذَا الثُّدَیَّةِ فَطَلَبُوهُ طَلَباً شَدِیداً حَتَّی وَجَدُوهُ فِی وَهْدَةٍ مِنَ الْأَرْضِ تَحْتَ نَاسٍ مِنَ الْقَتْلَی فَأُتِیَ بِهِ وَ إِذَا رَجُلٌ عَلَی ثَدْیِهِ مِثْلُ سَبَلاَتِ (2) السِّنَّوْرِ فَکَبَّرَ عَلِیٌّ ع وَ کَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ سُرُوراً بِذَلِکَ .

411

1- وَ رَوَی أَیْضاً عَنْ مُسْلِمٍ الضَّبِّیِّ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِیِّ قَالَ کَانَ رَجُلاً أَسْوَدَ مُنْتِنَ الرِّیحِ لَهُ ثَدْیٌ کَثَدْیِ الْمَرْأَةِ إِذَا مُدَّتْ کَانَتْ بِطُولِ الْیَدِ الْأُخْرَی وَ إِذَا تُرِکَتْ اجْتَمَعَتْ وَ تَقَلَّصَتْ وَ صَارَتْ کَثَدْیِ الْمَرْأَةِ عَلَیْهَا شَعَرَاتٌ مِثْلُ شَوَارِبِ الْهِرَّةِ فَلَمَّا وَجَدُوهُ قَطَعُوا یَدَهُ وَ نَصَبُوهَا عَلَی رُمْحٍ ثُمَّ جَعَلَ عَلِیٌّ ع یُنَادِی صَدَقَ اللَّهُ وَ بَلَّغَ رَسُولُهُ لَمْ یَزَلْ یَقُولُ ذَلِکَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَی أَنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَوْ کَادَتْ .

412

1- وَ رَوَی اِبْنُ دَیْزِیلَ أَیْضاً قَالَ لَمَّا عِیلَ (3) صَبْرُ عَلِیٍّ ع فِی طَلَبِ اَلْمُخْدَجِ قَالَ اِئْتُونِی بِبَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَرَکِبَهَا وَ اتَّبَعَهُ النَّاسُ فَرَأَی الْقَتْلَی وَ یَقُولُ اِقْلِبُوا فَیَقْلِبُونَ قَتِیلاً عَنْ قَتِیلٍ حَتَّی اسْتَخْرَجُوهُ فَسَجَدَ عَلِیٌّ ع .

وَ رَوَی کَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ لَمَّا دَعَا بِالْبَغْلَةِ لِیَرْکَبَهَا قَالَ اِئْتُونِی بِهَا فَإِنَّهَا هَادِئَةٌ فَوَقَفَتْ بِهِ عَلَی اَلْمُخْدَجِ فَأَخْرَجَهُ مِنْ تَحْتِ قَتْلَی کَثِیرِینَ .

413

1- وَ رَوَی اَلْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ یَزِیدِ بْنِ رُوَیْمٍ قَالَ قَالَ عَلِیٌّ ع

ص :276

یُقْتَلُ الْیَوْمَ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ مِنَ اَلْخَوَارِجِ أَحَدُهُمْ ذُو الثُّدَیَّةِ فَلَمَّا طَحَنَ الْقَوْمَ وَ رَامَ اسْتِخْرَاجَ ذِی الثُّدَیَّةِ فَاتَّبَعَهُ أَمَرَنِی أَنْ أَقْطَعَ لَهُ أَرْبَعَةَ آلاَفِ قَصَبَةٍ وَ رَکِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَالَ اِطْرَحْ عَلَی کُلِّ قَتِیلٍ مِنْهُمْ قَصَبَةً فَلَمْ أَزَلْ کَذَلِکَ وَ أَنَا بَیْنَ یَدَیْهِ وَ هُوَ رَاکِبٌ خَلْفِی وَ النَّاسُ یَتْبَعُونَهُ حَتَّی بَقِیَتْ فِی یَدِی وَاحِدَةٌ فَنَظَرْتُ إِلَیْهِ وَ إِذَا وَجْهُهُ أَرْبَدُ وَ إِذَا هُوَ یَقُولُ وَ اللَّهِ مَا کَذَبْتُ وَ لاَ کُذِبْتُ فَإِذَا خَرِیرُ مَاءٍ عِنْدَ مَوْضِعٍ دَالِیَةٌ فَقَالَ فَتِّشْ هَذَا فَفَتَّشْتُهُ فَإِذَا قَتِیلٌ قَدْ صَارَ فِی الْمَاءِ وَ إِذَا رِجْلُهُ فِی یَدِی فَجَذَبْتُهَا وَ قُلْتُ هَذِهِ رِجْلُ إِنْسَانٍ فَنَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ مُسْرِعاً فَجَذَبَ الرِّجْلَ الْأُخْرَی وَ جَرَرْنَاهُ حَتَّی صَارَ عَلَی التُّرَابِ فَإِذَا هُوَ اَلْمُخْدَجُ فَکَبَّرَ عَلِیٌّ ع بِأَعْلَی صَوْتِهِ ثُمَّ سَجَدَ فَکَبَّرَ النَّاسُ کُلُّهُمْ

.

414

14,1- وَ قَدْ رَوَی کَثِیرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِینَ أَنَّ اَلنَّبِیَّ ص قَالَ لِأَصْحَابِهِ یَوْماً إِنَّ مِنْکُمْ مَنْ یُقَاتِلُ عَلَی تَأْوِیلِ اَلْقُرْآنِ کَمَا قَاتَلْتُ عَلَی تَنْزِیلِهِ فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ أَنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لاَ فَقَالَ عُمَرُ أَنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لاَ بَلْ خَاصِفُ النَّعْلِ وَ أَشَارَ إِلَی عَلِیٍّ ع

.

415

وَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِی اَلْکَامِلِ یُقَالُ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ لَفَظَ بِالْحُکُومَةِ وَ لَمْ یَشُدَّ (1) بِهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِی سَعْدِ بْنِ زَیْدِ مَنَاةِ بْنِ تَمِیمِ بْنِ مُرٍّ مِنْ بَنِی صَرِیمٍ یُقَالُ لَهُ اَلْحَجَّاجُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ یُعْرَفُ بِالْبَرَکِ وَ هُوَ الَّذِی ضَرَبَ آخِراً مُعَاوِیَةَ عَلَی أَلْیَتِهِ یُقَالُ إِنَّهُ لَمَّا سَمِعَ بِذِکْرِ اَلْحَکَمَیْنِ قَالَ أَ یُحَکِّمُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ الرِّجَالَ فِی دِینِ اللَّهِ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ فَسَمِعَهُ سَامِعٌ فَقَالَ طَعَنَ وَ اللَّهِ فَأَنْفَذَ.

416

1- قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ أَوَّلُ مَنْ حَکَّمَ بَیْنَ الصَّفَّیْنِ رَجُلٌ مِنْ بَنِی یَشْکُرَ بْنِ بَکْرِ

ص :277

بْنِ وَائِلٍ کَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع فَحَمَلَ عَلَی رَجُلٍ مِنْهُمْ فَقَتَلَهُ غِیلَةً ثُمَّ مَرَقَ بَیْنَ الصَّفَّیْنِ یَحْکُمُ وَ حَمَلَ عَلَی أَصْحَابِ مُعَاوِیَةَ فَکَثَّرُوهُ فَرَجَعَ إِلَی نَاحِیَةِ عَلِیٍّ ع فَخَرَجَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَتَلَهُ فَقَالَ شَاعِرُ هَمْدَانَ وَ مَا کَانَ أَغْنَی اَلْیَشْکُرِیُّ عَنِ الَّتِی

(1)

.

417

1- قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ قَدْ رَوَی الْمُحَدِّثُونَ (2) أَنَّ رَجُلاً تَلاَ بِحَضْرَةِ عَلِیٍّ ع قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالْأَخْسَرِینَ أَعْمٰالاً اَلَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیٰاةِ الدُّنْیٰا وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً (3) فَقَالَ عَلِیٌّ ع أَهْلُ حَرُورَاءَ مِنْهُمْ .

418

1- قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ مِنْ شِعْرِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع الَّذِی لاَ اخْتِلاَفَ فِیهِ أَنَّهُ قَالَهُ وَ کَانَ یُرَدِّدُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا سَامُوهُ أَنَّهُ یُقِرُّ بِالْکُفْرِ وَ یَتُوبُ حَتَّی یَسِیرُوا مَعَهُ إِلَی اَلشَّامِ فَقَالَ أَ بَعْدَ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ التَّفَقُّهِ فِی الدِّینِ أَرْجِعُ کَافِراً ثُمَّ قَالَ یَا شَاهِدَ اللَّهِ عَلَیَّ فَاشْهَدْ أَنِّی عَلَی دِیْنِ النَّبِیِّ أَحْمَدَ مَنْ شَکَّ فِی اللَّهِ فَإِنِّی مُهْتَدٍ

(4)

.

419

1- وَ ذَکَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَیْضاً فِی اَلْکَامِلِ أَنَّ عَلِیّاً ع فِی أَوَّلِ خُرُوجِ الْقَوْمِ عَلَیْهِ دَعَا صَعْصَعَةَ بْنَ صُوحَانَ الْعَبْدِیَّ وَ قَدْ کَانَ وَجْهُهُ إِلَیْهِمْ وَ زِیَادَ بْنَ النَّضْرِ الْحَارِثِیَّ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لِصَعْصَعَةَ بِأَیِّ الْقَوْمِ رَأَیْتَهُمْ أَشَدَّ إِطَافَةً (5) قَالَ بِیَزِیدَ بْنِ قَیْسٍ الْأَرْحَبِیِّ فَرَکِبَ عَلِیٌّ ع إِلَی حَرُورَاءَ فَجَعَلَ یَتَخَلَّلُهُمْ حَتَّی صَارَ إِلَی مِضْرَبِ یَزِیدِ بْنِ قَیْسٍ فَصَلَّی فِیهِ رَکْعَتَیْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَاتَّکَأَ عَلَی قَوْسِهِ وَ أَقْبَلَ

ص :278

عَلَی النَّاسِ فَقَالَ هَذَا مَقَامُ مَنْ فَلَجَ فِیهِ فَلْجَ (1) یَوْمِ الْقِیَامَةِ ثُمَّ کَلَّمَهُمْ وَ نَاشَدَهُمْ فَقَالُوا إِنَّا أَذْنَبْنَا ذَنْباً عَظِیماً بِالتَّحْکِیمِ وَ قَدْ تُبْنَا فَتُبْ إِلَی اللَّهِ کَمَا تُبْنَا نَعُدْ لَکَ فَقَالَ عَلِیٌّ (2) ع أَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ کُلِّ ذَنْبٍ فَرَجَعُوا مَعَهُ وَ هُمْ سِتَّةُ آلاَفِ فَلَمَّا اسْتَقَرُّوا بِالْکُوفَةِ أَشَاعُوا أَنَّ عَلِیّاً ع رَجَعَ عَنِ اَلتَّحْکِیمِ وَ رَآهُ ضَلاَلاً وَ قَالُوا إِنَّمَا یَنْتَظِرُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ أَنْ یُسْمِنَ الْکُرَاعُ (3) وَ تُجْبَی الْأَمْوَالُ ثُمَّ یَنْهَضُ بِنَا إِلَی اَلشَّامِ فَأَتَی اَلْأَشْعَثُ عَلِیّاً ع فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ تَحَدَّثُوا أَنَّکَ رَأَیْتَ الْحُکُومَةَ ضَلاَلاً وَ الْإِقَامَةَ عَلَیْهَا کُفْراً فَقَامَ عَلِیٌّ (4) ع یَخْطُبُ فَقَالَ مَنْ زَعَمَ أَنِّی رَجَعْتُ عَنِ الْحُکُومَةِ فَقَدْ کَذَبَ وَ مَنْ رَآهَا ضَلاَلاً فَقَدْ ضَلَّ فَخَرَجَتْ حِینَئِذٍ اَلْخَوَارِجُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَحَکَّمَتْ

(5)

.

قلت کل فساد کان فی خلافة علی ع و کل اضطراب حدث فأصله الأشعث و لو لا محاقته (6) أمیر المؤمنین ع فی معنی الحکومة فی هذه المرة لم تکن حرب النهروان و لکان أمیر المؤمنین ع ینهض بهم إلی معاویة و یملک الشام فإنه ص حاول أن یسلک معهم مسلک التعریض و المواربة

420

وَ فِی الْمَثَلِ النَّبَوِیِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَی قَائِلِهِ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ.

و ذاک أنهم قالوا له تب إلی اللّه

ص :279

مما فعلت کما تبنا ننهض معک إلی حرب أهل الشام فقال لهم کلمة مجملة مرسلة یقولها الأنبیاء و المعصومون و هی قوله أستغفر اللّه من کل ذنب فرضوا بها و عدوها إجابة لهم إلی سؤلهم وصفت له ع نیاتهم و استخلص بها ضمائرهم من غیر أن تتضمن تلک الکلمة اعترافا بکفر أو ذنب فلم یترکه الأشعث و جاء إلیه مستفسرا و کاشفا عن الحال و هاتکا ستر التوریة و الکنایة و مخرجا لها من ظلمة (1) الإجمال و ستر الحیلة إلی تفسیرها بما یفسد التدبیر و یوغر الصدور و یعید الفتنة و لم یستفسره ع عنها إلاّ بحضور من لا یمکنه أن یجعلها معه هدنة علی دخن (2) و لا ترقیقا عن صبوح (3) و ألجأه بتضییق الخناق علیه إلی أن یکشف ما فی نفسه و لا یترک الکلمة علی احتمالها و لا یطویها علی غرها (4) فخطب بما صدع به عن صورة ما عنده مجاهرة فانتقض ما دبره و عادت الخوارج إلی شبهتها الأولی و راجعوا التحکیم و المروق و هکذا الدول التی تظهر فیها أمارات الانقضاء و الزوال یتاح لها أمثال الأشعث من أولی الفساد فی الأرض سُنَّةَ اللّٰهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّٰهِ تَبْدِیلاً (5)

421

1,14- قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثُمَّ مَضَی الْقَوْمُ إِلَی اَلنَّهْرَوَانِ وَ قَدْ کَانُوا أَرَادُوا الْمُضِیَّ إِلَی اَلْمَدَائِنِ فَمِنْ طَرِیفِ أَخْبَارِهِمْ أَنَّهُمْ أَصَابُوا فِی طَرِیقِهِمْ مُسْلِماً وَ نَصْرَانِیّاً فَقَتَلُوا اَلْمُسْلِمَ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ کَافِرٌ إِذْ کَانَ عَلَی خِلاَفِ مُعْتَقَدِهِمْ وَ اسْتَوْصُوا بِالنَّصْرَانِیِّ وَ قَالُوا احْفَظُوا ذِمَّةَ نَبِیِّکُمْ (6)

ص :280

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ نَحْوُ ذَلِکَ أَنَّ وَاصِلَ بْنَ عَطَاءٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی أَقْبَلَ فِی رِفْقَةٍ فَأَحَسُّوا بِالْخَوَارِجِ فَقَالَ وَاصِلٌ لِأَهْلِ الرِّفْقَةِ إِنَّ هَذَا لَیْسَ مِنْ شَأْنِکُمْ فَاعْتَزِلُوا وَ دَعُونِی وَ إِیَّاهُمْ وَ کَانُوا قَدْ أَشْرَفُوا عَلَی الْعَطَبِ فَقَالُوا شَأْنَکَ فَخَرَجَ إِلَیْهِمْ فَقَالُوا مَا أَنْتَ وَ أَصْحَابُکَ فَقَالَ قَوْمٌ مُشْرِکُونَ مُسْتَجِیرُونَ بِکُمْ لِیَسْمَعُوا کَلاَمَ اللَّهِ وَ یَفْهَمُوا حُدُودَهُ قَالُوا قَدْ أَجَرْنَاکُمْ قَالَ فَعَلِّمُونَا فَجَعَلُوا یُعَلِّمُونَهُمْ أَحْکَامَهُمْ وَ یَقُولُ وَاصِلٌ قَدْ قَبِلْتُ أَنَا وَ مَنْ مَعِی قَالُوا فَامْضُوا مُصَاحِبِینَ فَقَدْ صِرْتُمْ (1) إِخْوَانَنَا فَقَالَ بَلْ تُبْلِغُونَنَا مَأْمَنَنَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ اَلْمُشْرِکِینَ اسْتَجٰارَکَ فَأَجِرْهُ حَتّٰی یَسْمَعَ کَلاٰمَ اللّٰهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (2) قَالَ فَیَنْظُرُ (3) بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ ثُمَّ قَالُوا ذَاکَ لَکُمْ فَسَارُوا مَعَهُمْ بِجَمْعِهِمْ حَتَّی أَبْلَغُوهُمُ الْمَأْمَنَ (4) .

*قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ لَقِیَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ فِی عُنُقِهِ مُصْحَفٌ عَلَی حِمَارٍ وَ مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَ هِیَ حَامِلٌ فَقَالُوا لَهُ إِنَّ هَذَا الَّذِی فِی عُنُقِکَ لَیَأْمُرُنَا بِقَتْلِکَ فَقَالَ لَهُمْ مَا أَحْیَاهُ اَلْقُرْآنُ فَأَحْیُوهُ وَ مَا أَمَاتَهُ فَأَمِیتُوهُ فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَی رُطَبَةٍ سَقَطَتْ مِنْ نَخْلَةٍ فَوَضَعَهَا فِی فِیهِ فَصَاحُوا بِهِ فَلَفَظَهَا تَوَرُّعاً وَ عَرَضَ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ خِنْزِیرٌ فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالُوا هَذَا فَسَادٌ فِی الْأَرْضِ وَ أَنْکَرُوا قَتْلَ الْخِنْزِیرِ ثُمَّ قَالُوا لاِبْنِ خَبَّابٍ حَدِّثْنَا عَنْ أَبِیکَ فَقَالَ إِنِّی سَمِعْتُ أَبِی یَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ سَتَکُونُ بَعْدِی فِتْنَةٌ

ص :281

یَمُوتُ فِیهَا قَلْبُ الرَّجُلِ کَمَا یَمُوتُ بَدَنُهُ یُمْسِی مُؤْمِناً وَ یُصْبِحُ کَافِراً فَکُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَ لاَ تَکُنِ الْقَاتِلَ قَالُوا فَمَا تَقُولُ فِی أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَأَثْنَی خَیْراً قَالُوا فَمَا تَقُولُ فِی عَلِیٍّ قَبْلَ اَلتَّحْکِیمِ وَ فِی عُثْمَانَ فِی السِّنِینِ السِّتِّ الْأَخِیرَةِ فَأَثْنَی خَیْراً قَالُوا فَمَا تَقُولُ فِی عَلِیٍّ بَعْدَ اَلتَّحْکِیمِ وَ الْحُکُومَةِ قَالَ إِنَّ عَلِیّاً أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَ أَشَدُّ تَوَقِّیاً عَلَی دِینِهِ وَ أَنْفَذُ بَصِیرَةً فَقَالُوا إِنَّکَ لَسْتَ تَتَّبِعُ الْهُدَی إِنَّمَا تَتَبَّعُ الرِّجَالَ عَلَی أَسْمَائِهِمْ ثُمَّ قَرَّبُوهُ إِلَی شَاطِئِ النَّهْرِ فَأَضْجَعُوهُ فَذَبَحُوهُ (1) .

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ سَاوَمُوا رَجُلاً نَصْرَانِیّاً بِنَخْلَةٍ لَهُ فَقَالَ هِیَ لَکُمْ فَقَالُوا مَا کُنَّا لِنَأْخُذَهَا إِلاَّ بِثَمَنٍ فَقَالَ وَا عَجَبَاهْ أَ تَقْتُلُونَ مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ وَ لاَ تَقْبَلُونَ جَنَا نَخْلَةٍ إِلاَّ بِثَمَنٍ

.

422

1- وَ رَوَی أَبُو عُبَیْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّی قَالَ طُعِنَ وَاحِدٌ مِنَ اَلْخَوَارِجِ یَوْمَ النَّهْرَوَانِ فَمَشَی فِی الرُّمْحِ وَ هُوَ شَاهِرٌ سَیْفَهُ إِلَی أَنْ وَصَلَ إِلَی طَاعِنِهِ فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ وَ هُوَ یَقْرَأُ وَ عَجِلْتُ إِلَیْکَ رَبِّ لِتَرْضیٰ (2) .

وَ رَوَی أَبُو عُبَیْدَةَ أَیْضاً قَالَ اسْتَنْطَقَهُمْ عَلِیٌّ ع بِقَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ فَأَقَرُّوا بِهِ فَقَالَ اِنْفَرِدُوا کَتَائِبَ لِأَسْمَعَ قَوْلَکُمْ کَتِیبَةً کَتِیبَةً فَتَکَتَّبُوا کَتَائِبَ وَ أَقَرَّتْ کُلُّ کَتِیبَةٍ بِمِثْلِ مَا أَقَرَّتْ بِهِ الْأُخْرَی مِنْ قَتْلِ اِبْنِ خَبَّابٍ وَ قَالُوا وَ لَنَقْتُلَنَّکَ کَمَا قَتَلْنَاهُ فَقَالَ عَلِیٌّ وَ اللَّهِ لَوْ أَقَرَّ أَهْلُ الدُّنْیَا کُلُّهُمْ بِقَتْلِهِ هَکَذَا وَ أَنَا أَقْدِرُ عَلَی قَتْلِهِمْ بِهِ لَقَتَلْتُهُمْ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ شُدُّوا عَلَیْهِمْ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ یَشُدُّ عَلَیْهِمْ وَ حَمَلَ

ص :282

بِذِی الْفَقَارِ حَمْلَةً مُنْکَرَةً ثَلاَثَ مَرَّاتٍ کُلُّ حَمْلَةٍ یَضْرِبُ بِهِ حَتَّی یَعْوَجَّ مَتْنُهُ ثُمَّ یَخْرُجُ فَیُسَوِّیهِ بِرُکْبَتَیْهِ ثُمَّ یَحْمِلُ بِهِ حَتَّی أَفْنَاهُمْ

.

423

وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ حَبِیبٍ قَالَ خَطَبَ عَلِیٌّ ع اَلْخَوَارِجَ یَوْمَ النَّهْرِ فَقَالَ لَهُمْ نَحْنُ أَهْلُ بَیْتِ النُّبُوَّةِ وَ مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلاَئِکَةِ وَ عُنْصُرُ الرَّحْمَةِ وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَ الْحِکْمَةِ نَحْنُ أُفُقُ اَلْحِجَازِ بِنَا یَلْحَقُ الْبَطِیءُ وَ إِلَیْنَا یَرْجِعُ التَّائِبُ أَیُّهَا الْقَوْمُ إِنِّی نَذِیرٌ لَکُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَی بِأَهْضَامِ هَذَا الْوَادِی . إلی آخر الفصل

ص :283

و إلی آخر وقت فجعل الرضی رحمه اللّه تعالی ما التقطه منه سردا و صار عند السامع کأنّه یقصد به مقصدا واحدا .

فالفصل الأول و هو من أول الکلام إلی قوله و استبددت برهانها یذکر فیه مقاماته فی الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر أیام أحداث عثمان و کون المهاجرین کلهم لم ینکروا و لم یواجهوا عثمان بما کان یواجهه به و ینهاه عنه فهذا هو معنی قوله فقمت بالأمر حین فشلوا أی قمت بإنکار المنکر حین فشل أصحاب محمد ص عنه و الفشل الخور و الجبن .

قال و نطقت حین تعتعوا یقال تعتع فلان إذا تردد فی کلامه من عی أو حصر (1) قوله و تطلعت حین تقبعوا امرأة طلعة قبعة تطلع ثمّ تقبع رأسها أی تدخله کما یقبع القنفذ یدخل برأسه فی جلده و قد تقبع الرجل أی اختبأ و ضده تطلع .

قوله و کنت أخفضهم صوتا و أعلاهم فوتا یقول علوتهم و فتهم و شأوتهم سبقا و أنا مع ذلک خافض الصوت یشیر إلی التواضع و نفی التکبر .

و قوله فطرت بعنانها و استبددت برهانها یقول سبقتهم و هذا الکلام استعارة من مسابقة خیل الحلبة و استبددت بالرهان أی انفردت بالخطر (2) الذی وقع التراهن علیه .

الفصل الثانی فیه ذکر حاله ع فی الخلافة بعد عثمان یقول کنت لما ولیت الأمر کالجبل لا تحرکه القواصف یعنی الریاح الشدیدة و مثله العواصف .

و المهمز موضع الهمز و هو العیب و کذاک المغمز .

ص :285

ثم قال الذلیل عندی عزیز حتّی آخذ الحق له و القوی عندی ضعیف حتّی آخذ الحق منه هذا آخر الفصل الثانی یقول الذلیل المظلوم أقوم بإعزازه و نصره و أقوی یده إلی أن آخذ الحق له ثمّ یعود بعد ذلک إلی الحالة التی کان علیها قبل أن أقوم بإعزازه و نصره و القوی الظالم أستضعفه و أقهره و أذله إلی أن آخذ الحق منه ثمّ یعود إلی الحالة التی کان علیها قبل أن أهتضمه لاستیفاء الحق .

الفصل الثالث من قوله رضینا عن اللّه قضاءه إلی قوله فلا أکون أول من کذب علیه هذا کلام قاله ع لما تفرس فی قوم من عسکره أنهم یتهمونه فیما یخبرهم به عن النبیّ ص من أخبار الملاحم و الغائبات و قد کان شک منهم جماعة فی أقواله و منهم من واجهه بالشک و التهمة (1)

الْقُرَی فَوَجَدْتُ خَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ قَدْ مَاتَ فَاسْتَغْفِرْ لَهُ فَقَالَ ع وَ اللَّهِ مَا مَاتَ وَ لاَ یَمُوتُ حَتَّی یَقُودَ جَیْشَ ضَلاَلَةٍ صَاحِبُ لِوَائِهِ حَبِیبُ بْنُ حَمَّارٍ فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ مِنْ تَحْتِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنَا حَبِیبُ بْنُ حَمَّارٍ وَ إِنِّی لَکَ شِیعَةٌ وَ مُحِبٌّ فَقَالَ أَنْتَ حَبِیبُ بْنُ حَمَّارٍ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ ثَانِیَةً وَ اللَّهِ إِنَّکَ لَحَبِیبُ بْنُ حَمَّارٍ فَقَالَ إِی وَ اللَّهِ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ إِنَّکَ لَحَامِلُهَا وَ لَتَحْمِلَنَّهَا وَ لَتَدْخُلَنَّ بِهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَ أَشَارَ إِلَی بَابِ الْفِیلِ بِمَسْجِدِ الْکُوفَةِ قَالَ ثَابِتٌ فَوَ اللَّهِ مَا مِتُّ حَتَّی رَأَیْتُ اِبْنَ زِیَادٍ وَ قَدْ بَعَثَ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ إِلَی اَلْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ ع وَ جَعَلَ خَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ عَلَی مُقَدِّمَتِهِ وَ حَبِیبَ بْنَ حَمَّارٍ صَاحِبَ رَایَتِهِ فَدَخَلَ بِهَا مِنْ بَابِ الْفِیلِ

.

426

1- وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ بْنِ عَمْرٍو الْبَجَلِیُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُوسَی الْوَجِیهِیُّ عَنِ اَلْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ قَالَ عَلِیٌّ ع عَلَی الْمِنْبَرِ مَا أَحَدٌ جَرَتْ عَلَیْهِ الْمَوَاسِی إِلاَّ وَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِ قُرْآناً فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ مُبْغِضِیهِ فَقَالَ لَهُ فَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی فِیکَ فَقَامَ النَّاسُ إِلَیْهِ یَضْرِبُونَهُ فَقَالَ دَعُوهُ أَ تَقْرَأُ سُورَةَ هُودٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَرَأَ ع أَ فَمَنْ کٰانَ عَلیٰ بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ یَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ (1) ثُمَّ قَالَ اَلَّذِی کَانَ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ مُحَمَّدٌ ص وَ الشَّاهِدُ الَّذِی یَتْلُوهُ أَنَا

.

427

1- وَ رَوَی عُثْمَانُ بْنُ سَعِیدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُکَیْرٍ عَنْ حَکِیمِ بْنِ جُبَیْرٍ قَالَ خَطَبَ عَلِیٌّ ع فَقَالَ فِی أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَ أَخُو رَسُولِهِ لاَ یَقُولُهَا أَحَدٌ قَبْلِی وَ لاَ بَعْدِی إِلاَّ کَذَبَ وَرِثْتُ نَبِیَّ الرَّحْمَةِ وَ نَکَحْتُ سَیِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ أَنَا خَاتَمُ الْوَصِیِّینَ

ص :287

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ عَبْسٍ وَ مَنْ لاَ یُحْسِنُ أَنْ یَقُولَ مِثْلَ هَذَا فَلَمْ یَرْجِعْ إِلَی أَهْلِهِ حَتَّی جُنَّ وَ صُرِعَ فَسَأَلُوهُمْ هَلْ رَأَیْتُمْ بِهِ عَرْضاً قَبْلَ هَذَا قَالُوا مَا رَأَیْنَا بِهِ قَبْلَ هَذَا عَرْضاً

.

428

1,14- وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ جَبَلَةَ الْخَیَّاطُ عَنْ عِکْرِمَةَ عَنْ یَزِیدَ الْأَحْمَسِیِّ أَنَّ عَلِیّاً ع کَانَ جَالِساً فِی مَسْجِدِ الْکُوفَةِ وَ بَیْنَ یَدَیْهِ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ حُرَیْثٍ إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مُخْتَمِرَةً لاَ تُعْرَفُ فَوَقَفَتْ فَقَالَتْ لِعَلِیٍّ ع یَا مَنْ قَتَلَ الرِّجَالَ وَ سَفَکَ الدِّمَاءَ وَ أَیْتَمَ الصِّبْیَانَ وَ أَرْمَلَ النِّسَاءَ فَقَالَ ع وَ إِنَّهَا لَهِیَ هَذِهِ السَّلَقْلَقَةُ الْجَلِعَةُ الْمَجِعَةُ وَ إِنَّهَا لَهِیَ هَذِهِ شَبِیهَةُ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ الَّتِی مَا رَأَتْ دَماً قَطُّ قَالَ فَوَلَّتْ هَارِبَةً مُنَکِّسَةً رَأْسَهَا فَتَبِعَهَا عَمْرُو بْنُ حُرَیْثٍ فَلَمَّا صَارَتْ بِالرَّحْبَةِ قَالَ لَهَا وَ اللَّهِ لَقَدْ سُرِرْتُ بِمَا کَانَ مِنْکِ الْیَوْمَ إِلَی هَذَا الرَّجُلِ فَادْخُلِی مَنْزِلِی حَتَّی أَهَبَ لَکِ وَ أَکْسُوَکِ فَلَمَّا دَخَلَتْ مَنْزِلَهُ أَمَرَ جَوَارِیَهُ بِتَفْتِیشِهَا وَ کَشْفِهَا وَ نَزْعِ ثِیَابِهَا لِیَنْظُرَ صِدْقَهُ فِیمَا قَالَهُ عَنْهَا فَبَکَتْ وَ سَأَلَتْهُ أَلاَّ یَکْشِفَهَا وَ قَالَتْ أَنَا وَ اللَّهِ کَمَا قَالَ لِی رَکَبُ النِّسَاءِ وَ أُنْثَیَانِ کَأُنْثَیِ الرِّجَالِ وَ مَا رَأَیْتُ دَماً قَطُّ فَتَرَکَهَا وَ أَخْرَجَهَا ثُمَّ جَاءَ إِلَی عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ إِنَّ خَلِیلِی رَسُولَ اللَّهِ ص أَخْبَرَنِی بِالْمُتَمَرِّدِینَ عَلَیَّ مِنَ الرِّجَالِ وَ الْمُتَمَرِّدَاتِ مِنَ النِّسَاءِ إِلَی أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ

.

قلت السلقلقة السلیطة و أصله من السلق و هو الذئب و السلقة الذئبة و الجلعة المجعة البذیئة اللسان و الرکب منبت العانة.

429

1,14- وَ رَوَی عُثْمَانُ بْنُ سَعِیدٍ عَنْ شَرِیکِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمَّا بَلَغَ عَلِیّاً ع أَنَّ النَّاسَ یَتَّهِمُونَهُ فِیمَا یَذْکُرُهُ مِنْ تَقْدِیمِ اَلنَّبِیِّ ص وَ تَفْضِیلِهِ إِیَّاهُ عَلَی النَّاسِ قَالَ أَنْشُدُ اللَّهَ مَنْ بَقِیَ مِمَّنْ لَقِیَ رَسُولَ اللَّهِ ص وَ سَمِعَ مَقَالَهُ فِی یَوْمِ غَدِیرِ خُمٍّ (1) إِلاَّ قَامَ

ص :288

فَشَهِدَ بِمَا سَمِعَ فَقَامَ سِتَّةٌ مِمَّنْ عَنْ یَمِینِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ سِتَّةٌ مِمَّنْ عَلَی شِمَالِهِ مِنَ اَلصَّحَابَةِ أَیْضاً فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ ذَلِکَ الْیَوْمَ وَ هُوَ رَافِعٌ بِیَدَیْ عَلِیٍّ ع مَنْ کُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا عَلِیٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَ أَحِبَّ مَنْ أَحَبَّهُ وَ أَبْغِضْ مَنْ أَبْغَضَهُ

(1)

.

430

1- وَ رَوَی عُثْمَانُ بْنُ سَعِیدٍ عَنْ یَحْیَی التَّیْمِیِّ عَنِ اَلْأَعْمَشِ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ رَجَاءٍ قَالَ قَامَ أَعْشَی هَمْدَانَ (2) وَ هُوَ غُلاَمٌ یَوْمَئِذٍ حَدَثٌ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ هُوَ یَخْطُبُ وَ یَذْکُرُ الْمَلاَحِمَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا أَشْبَهَ هَذَا الْحَدِیثَ بِحَدِیثِ خِرَافَةٍ فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنْ کُنْتَ آثِماً فِیمَا قُلْتَ یَا غُلاَمُ فَرَمَاکَ اللَّهُ بِغُلاَمِ ثَقِیفٍ ثُمَّ سَکَتَ فَقَامَ رِجَالٌ فَقَالُوا وَ مَنْ غُلاَمُ ثَقِیفٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ غُلاَمٌ یَمْلِکُ بَلْدَتَکُمْ هَذِهِ لاَ یَتْرُکُ لِلَّهِ حُرْمَةً إِلاَّ انْتَهَکَهَا یَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْغُلاَمِ بِسَیْفِهِ فَقَالُوا کَمْ یَمْلِکُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ عِشْرِینَ إِنْ بَلَغَهَا قَالُوا فَیُقْتَلُ قَتْلاً أَمْ یَمُوتُ مَوْتاً قَالَ بَلْ یَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِهِ بِدَاءِ الْبَطْنِ یُثْقَبُ سَرِیرُهُ لِکَثْرَةِ مَا یَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ .

قَالَ إِسْمَاعِیلُ بْنُ رَجَاءٍ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَیْتُ بِعَیْنِی أَعْشَی بَاهِلَةَ وَ قَدْ أُحْضِرَ فِی جُمْلَةِ الْأَسْرَی الَّذِینَ أُسِرُوا مِنْ جَیْشِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ بَیْنَ یَدَیِ اَلْحَجَّاجِ فَقَرَعَهُ وَ وَبَّخَهُ وَ اسْتَنْشَدَهُ شِعْرَهُ الَّذِی یُحَرِّضُ فِیهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَی الْحَرْبِ ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ فِی ذَلِکَ الْمَجْلِسِ

.

431

1- وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ الصَّوَّافُ عَنِ اَلْحُسَیْنِ بْنِ سُفْیَانَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ شِمِّیرِ بْنِ سَدِیرٍ الْأَزْدِیِّ قَالَ قَالَ عَلِیٌّ ع لِعَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِیِّ أَیْنَ نَزَلْتَ یَا عَمْرُو قَالَ

ص :289

فِی قَوْمِی قَالَ لاَ تَنْزِلَنَّ فِیهِمْ قَالَ فَأَنْزِلُ فِی بَنِی کِنَانَةَ جِیرَانِنَا قَالَ لاَ قَالَ فَأَنْزِلُ فِی ثَقِیفٍ قَالَ فَمَا تَصْنَعُ بِالْمَعَرَّةِ وَ الْمَجَرَّةِ قَالَ وَ مَا هُمَا قَالَ عُنُقَانِ مِنْ نَارٍ یَخْرُجَانِ مِنْ ظَهْرِ اَلْکُوفَةِ یَأْتِی أَحَدُهُمَا عَلَی تَمِیمٍ وَ بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ فَقَلَّ مَا یُفْلِتُ مِنْهُ أَحَدٌ وَ یَأْتِی الْعُنُقُ الْآخَرُ فَیَأْخُذُ عَلَی الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنَ اَلْکُوفَةِ فَقَلَّ مَنْ یُصِیبُ مِنْهُمْ إِنَّمَا یَدْخُلُ الدَّارَ فَیُحْرِقُ الْبَیْتَ وَ الْبَیْتَیْنِ قَالَ فَأَیْنَ أَنْزِلُ قَالَ اِنْزِلْ فِی بَنِی عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنَ اَلْأَزْدِ قَالَ فَقَالَ قَوْمٌ حَضَرُوا هَذَا الْکَلاَمَ مَا نَرَاهُ إِلاَّ کَاهِناً یَتَحَدَّثُ بِحَدِیثِ الْکَهَنَةِ فَقَالَ یَا عَمْرُو إِنَّکَ الْمَقْتُولُ بَعْدِی وَ إِنَّ رَأْسَکَ لَمَنْقُولٌ وَ هُوَ أَوَّلُ رَأْسٍ یُنْقَلُ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ الْوَیْلُ لِقَاتِلِکَ أَمَا إِنَّکَ لاَ تَنْزِلُ بِقَوْمٍ إِلاَّ أَسْلَمُوکَ بِرُمَّتِکَ (1) إِلاَّ هَذَا الْحَیَّ مِنْ بَنِی عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنَ اَلْأَزْدِ فَإِنَّهُمْ لَنْ یُسْلِمُوکَ وَ لَنْ یَخْذُلُوکَ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا مَضَتْ إِلاَّ أَیَّامٌ حَتَّی تَنَقَّلَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ فِی خِلاَفَةِ مُعَاوِیَةَ فِی بَعْضِ أَحْیَاءِ اَلْعَرَبِ خَائِفاً مَذْعُوراً حَتَّی نَزَلَ فِی قَوْمِهِ مِنْ بَنِی خُزَاعَةَ فَأَسْلَمُوهُ فَقُتِلَ وَ حُمِلَ رَأْسُهُ مِنَ اَلْعِرَاقِ إِلَی مُعَاوِیَةَ بِالشَّامِ وَ هُوَ أَوَّلُ رَأْسٍ حُمِلَ فِی اَلْإِسْلاَمِ مِنْ بَلَدٍ إِلَی بَلَدٍ .

432

1- وَ رَوَی إِبْرَاهِیمُ بْنُ مَیْمُونٍ الْأَزْدِیُّ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِیِّ قَالَ کَانَ جُوَیْرِیَةُ بْنُ مُسْهِرٍ الْعَبْدِیُّ صَالِحاً وَ کَانَ لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ صَدِیقاً وَ کَانَ عَلِیٌّ یُحِبُّهُ وَ نَظَرَ یَوْماً إِلَیْهِ وَ هُوَ یَسِیرُ فَنَادَاهُ یَا جُوَیْرِیَةُ الْحَقْ بِی فَإِنِّی إِذَا رَأَیْتُکَ هَوِیتُکَ قَالَ إِسْمَاعِیلُ بْنُ أَبَانٍ فَحَدَّثَنِی اَلصَّبَّاحُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِیِّ قَالَ سِرْنَا مَعَ عَلِیٍّ ع یَوْماً فَالْتَفَتَ فَإِذَا جُوَیْرِیَةُ خَلْفَهُ بَعِیداً فَنَادَاهُ یَا جُوَیْرِیَةُ الْحَقْ بِی لاَ أَبَا لَکَ أَ لاَ تَعْلَمُ أَنِّی أَهْوَاکَ وَ أُحِبُّکَ قَالَ فَرَکَضَ نَحْوَهُ فَقَالَ لَهُ إِنِّی مُحَدِّثُکَ بِأُمُورٍ فَاحْفَظْهَا ثُمَّ اشْتَرَکَا فِی الْحَدِیثِ سِرّاً فَقَالَ لَهُ جُوَیْرِیَةُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی رَجُلٌ نَسِیٌّ (2) فَقَالَ لَهُ إِنِّی أُعِیدُ عَلَیْکَ

ص :290

الْحَدِیثَ لِتَحْفَظَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ فِی آخِرِ مَا حَدَّثَهُ إِیَّاهُ یَا جُوَیْرِیَةُ أَحْبِبْ حَبِیبَنَا مَا أَحَبَّنَا فَإِذَا أَبْغَضَنَا فَأَبْغِضْهُ وَ أَبْغِضْ بَغِیضَنَا مَا أَبْغَضَنَا فَإِذَا أَحَبَّنَا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَکَانَ نَاسٌ مِمَّنْ یَشُکُّ فِی أَمْرِ عَلِیٍّ ع یَقُولُونَ أَ تَرَاهُ جَعَلَ جُوَیْرِیَةَ وَصِیَّهُ کَمَا یَدَّعِی هُوَ مِنْ وَصِیَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ یَقُولُونَ ذَلِکَ لِشِدَّةِ اخْتِصَاصِهِ لَهُ حَتَّی دَخَلَ عَلَی عَلِیٍّ ع یَوْماً وَ هُوَ مُضْطَجِعٌ وَ عِنْدَهُ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَنَادَاهُ جُوَیْرِیَةُ أَیُّهَا النَّائِمُ اسْتَیْقِظْ فَلَتُضْرَبَنَّ عَلَی رَأْسِکَ ضَرْبَةً تُخْضَبُ مِنْهَا لِحْیَتُکَ قَالَ فَتَبَسَّمَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع قَالَ وَ أُحَدِّثُکَ یَا جُوَیْرِیَةُ بِأَمْرِکَ أَمَا وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَتُعْتَلَنَّ (1) إِلَی الْعُتُلِّ الزَّنِیمِ فَلَیَقْطَعَنَّ یَدَکَ وَ رِجْلَکَ وَ لَیَصْلِبَنَّکَ تَحْتَ جِذْعِ کَافِرٍ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا مَضَتْ إِلاَّ أَیَّامٌ عَلَی ذَلِکَ حَتَّی أَخَذَ زِیَادٌ جُوَیْرِیَةَ فَقَطَعَ یَدَهُ وَ رِجْلَهُ وَ صَلَبَهُ إِلَی جَانِبِ جِذْعِ اِبْنِ مُکَعْبَرٍ وَ کَانَ جِذْعاً طَوِیلاً فَصَلَبَهُ عَلَی جِذْعٍ قَصِیرٍ إِلَی جَانِبِهِ

.

433

1,14,3- وَ رَوَی إِبْرَاهِیمُ فِی کِتَابِ اَلْغَارَاتِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِیثَمِیِّ قَالَ کَانَ مِیثَمٌ التَّمَّارُ مَوْلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع عَبْداً لاِمْرَأَةٍ مِنْ بَنِی أَسَدٍ فَاشْتَرَاهُ عَلِیٌّ ع مِنْهَا وَ أَعْتَقَهُ وَ قَالَ لَهُ مَا اسْمُکَ فَقَالَ سَالِمٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَخْبَرَنِی أَنَّ اسْمَکَ الَّذِی سَمَّاکَ بِهِ أَبُوکَ فِی اَلْعَجَمِ مِیثَمٌ فَقَالَ صَدَقَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَهُوَ وَ اللَّهِ اسْمِی قَالَ فَارْجِعْ إِلَی اسْمِکَ وَ دَعْ سَالِماً فَنَحْنُ نُکَنِّیکَ بِهِ فَکَنَّاهُ أَبَا سَالِمٍ قَالَ وَ قَدْ کَانَ قَدْ أَطْلَعَهُ عَلِیٌّ ع عَلَی عِلْمٍ کَثِیرٍ وَ أَسْرَارٍ خَفِیَّةٍ مِنْ أَسْرَارِ الْوَصِیَّةِ فَکَانَ مِیثَمٌ یُحَدِّثُ بِبَعْضِ ذَلِکَ فَیَشُکُّ فِیهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ اَلْکُوفَةِ وَ یَنْسُبُونَ عَلِیّاً ع فِی ذَلِکَ إِلَی الْمَخْرَقَةِ (2) وَ الْإِیهَامِ وَ التَّدْلِیسِ حَتَّی قَالَ لَهُ یَوْماً بِمَحْضَرٍ مِنْ خَلْقٍ کَثِیرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ فِیهِمُ الشَّاکُّ وَ الْمُخْلِصُ یَا مِیثَمُ

ص :291

إِنَّکَ تُؤْخَذُ بَعْدِی وَ تُصْلَبُ فَإِذَا کَانَ الْیَوْمُ الثَّانِی ابْتَدَرَ مَنْخِرَاکَ وَ فَمُکَ دَماً حَتَّی تُخْضَبَ لِحْیَتُکَ فَإِذَا کَانَ الْیَوْمُ الثَّالِثُ طُعِنْتَ بِحَرْبَةٍ یُقْضَی عَلَیْکَ فَانْتَظِرْ ذَلِکَ وَ الْمَوْضِعُ الَّذِی تُصْلَبُ فِیهِ عَلَی بَابِ دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَیْثٍ إِنَّکَ لَعَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنْتَ أَقْصَرُهُمْ خَشَبَةً وَ أَقْرَبُهُمْ مِنَ الْمَطْهَرَةِ یَعْنِی الْأَرْضَ وَ لَأُرِیَنَّکَ النَّخْلَةَ الَّتِی تُصْلَبُ عَلَی جِذْعِهَا ثُمَّ أَرَاهُ إِیَّاهَا بَعْدَ ذَلِکَ بِیَوْمَیْنِ وَ کَانَ مِیثَمٌ یَأْتِیهَا فَیُصَلِّی عِنْدَهَا وَ یَقُولُ بُورِکْتَ مِنْ نَخْلَةٍ لَکَ خُلِقْتُ وَ لِی نَبَتَّ فَلَمْ یَزَلْ یَتَعَاهَدُهَا بَعْدَ قَتْلِ عَلِیٍّ ع حَتَّی قُطِعَتْ فَکَانَ یَرْصُدُ جِذْعَهَا وَ یَتَعَاهَدُهُ وَ یَتَرَدَّدُ إِلَیْهِ وَ یُبْصِرُهُ وَ کَانَ یَلْقَی عَمْرَو بْنَ حُرَیْثٍ فَیَقُولُ لَهُ إِنِّی مُجَاوِرُکَ فَأَحْسِنْ جِوَارِی فَلاَ یَعْلَمُ عَمْرٌو مَا یُرِیدُ فَیَقُولُ لَهُ أَ تُرِیدُ أَنْ تَشْتَرِیَ دَارَ اِبْنِ مَسْعُودٍ أَمْ دَارَ اِبْنِ حَکِیمٍ .

قَالَ وَ حَجَّ فِی السَّنَةِ الَّتِی قُتِلَ فِیهَا فَدَخَلَ عَلَی أُمِّ سَلَمَةَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ لَهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ عِرَاقِیُّ فَاسْتَنْسَبَتْهُ فَذَکَرَ لَهَا أَنَّهُ مَوْلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَتْ أَنْتَ هَیْثَمٌ قَالَ بَلْ أَنَا مِیثَمٌ (1) فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَرُبَّمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یُوصِی بِکَ عَلِیّاً فِی جَوْفِ اللَّیْلِ فَسَأَلَهَا عَنِ اَلْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ فَقَالَتْ هُوَ فِی حَائِطٍ (2) لَهُ قَالَ أَخْبِرِیهِ أَنِّی قَدْ أَحْبَبْتُ السَّلاَمَ عَلَیْهِ وَ نَحْنُ مُلْتَقُونَ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِینَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ لاَ أَقْدِرُ الْیَوْمَ عَلَی لِقَائِهِ وَ أُرِیدُ الرُّجُوعَ فَدَعَتْ بِطِیبٍ فَطَیَّبَتْ لِحْیَتَهُ فَقَالَ لَهَا أَمَا إِنَّهَا سَتُخْضَبُ بِدَمٍ فَقَالَتْ مَنْ أَنْبَأَکَ هَذَا قَالَ أَنْبَأَنِی سَیِّدِی فَبَکَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَ قَالَتْ لَهُ إِنَّهُ لَیْسَ بِسَیِّدِکَ وَحْدَکَ هُوَ سَیِّدِی وَ سَیِّدُ اَلْمُسْلِمِینَ ثُمَّ وَدَّعَتْهُ.

ص :292

فَقَدِمَ اَلْکُوفَةَ فَأُخِذَ وَ أُدْخِلَ عَلَی عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ زِیَادٍ وَ قِیلَ لَهُ هَذَا کَانَ مِنْ آثَرِ النَّاسِ عِنْدَ أَبِی تُرَابٍ قَالَ وَیْحَکُمْ هَذَا الْأَعْجَمِیُّ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ لَهُ عُبَیْدُ اللَّهِ أَیْنَ رَبُّکَ قَالَ بِالْمِرْصَادِ قَالَ قَدْ بَلَغَنِی اخْتِصَاصُ أَبِی تُرَابٍ لَکَ قَالَ قَدْ کَانَ بَعْضُ ذَلِکَ فَمَا تُرِیدُ قَالَ وَ إِنَّهُ لَیُقَالُ إِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَکَ بِمَا سَیَلْقَاکَ قَالَ نَعَمْ إِنَّهُ أَخْبَرَنِی (1) قَالَ مَا الَّذِی أَخْبَرَکَ أَنِّی صَانِعٌ بِکَ (2) قَالَ أَخْبَرَنِی أَنَّکَ تَصْلُبُنِی عَاشِرَ عَشَرَةٍ وَ أَنَا أَقْصَرُهُمْ خَشَبَةً وَ أَقْرَبُهُمْ مِنَ الْمِطْهَرَةِ قَالَ لَأُخَالِفَنَّهُ قَالَ وَیْحَکَ کَیْفَ تُخَالِفُهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ جَبْرَائِیلَ وَ أَخْبَرَ جَبْرَائِیلُ عَنِ اللَّهِ فَکَیْفَ تُخَالِفُ هَؤُلاَءِ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ الْمَوْضِعَ الَّذِی أُصْلَبُ فِیهِ أَیْنَ هُوَ مِنَ اَلْکُوفَةِ وَ إِنِّی لَأَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ أُلْجِمَ فِی اَلْإِسْلاَمِ بِلِجَامٍ کَمَا یُلْجَمُ الْخَیْلُ فَحَبَسَهُ وَ حَبَسَ مَعَهُ اَلْمُخْتَارَ بْنَ أَبِی عُبَیْدَةَ الثَّقَفِیَّ فَقَالَ مِیثَمٌ لِلْمُخْتَارِ وَ هُمَا فِی حَبْسِ اِبْنِ زِیَادٍ إِنَّکَ تُفْلِتُ وَ تَخْرُجُ ثَائِراً بِدَمِ اَلْحُسَیْنِ ع فَتَقْتُلُ هَذَا الْجَبَّارَ الَّذِی نَحْنُ فِی سِجْنِهِ (3) وَ تَطَأُ بِقَدَمِکَ هَذِهِ عَلَی جَبْهَتِهِ وَ خَدَّیْهِ فَلَمَّا دَعَا عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ زِیَادٍ بِالْمُخْتَارِ لِیَقْتُلَهُ طَلَعَ الْبَرِیدُ بِکِتَابِ یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ إِلَی عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ زِیَادٍ یَأْمُرُهُ بِتَخْلِیَةِ سَبِیلِهِ وَ ذَاکَ أَنَّ أُخْتَهُ کَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَتْ بَعْلَهَا أَنْ یَشْفَعَ فِیهِ إِلَی یَزِیدَ فَشَفَعَ فَأَمْضَی شَفَاعَتَهُ وَ کَتَبَ بِتَخْلِیَةِ سَبِیلِ اَلْمُخْتَارِ عَلَی الْبَرِیدِ فَوَافَی الْبَرِیدُ وَ قَدْ أُخْرِجَ لِیُضْرَبَ عُنُقُهُ فَأُطْلِقَ وَ أَمَّا مِیثَمٌ فَأُخْرِجَ بَعْدَهُ لِیُصْلَبَ وَ قَالَ عُبَیْدُ اللَّهِ لَأُمْضِیَنَّ حُکْمَ أَبِی تُرَابٍ فِیهِ فَلَقِیَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ مَا کَانَ أَغْنَاکَ عَنْ هَذَا یَا مِیثَمُ فَتَبَسَّمَ وَ قَالَ لَهَا خُلِقْتُ وَ لِی غُذِّیَتْ فَلَمَّا رُفِعَ عَلَی الْخَشَبَةِ اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ عَلَی بَابِ عَمْرِو بْنِ حُرَیْثٍ فَقَالَ عَمْرٌو لَقَدْ کَانَ یَقُولُ لِی إِنِّی مُجَاوِرُکَ فَکَانَ یَأْمُرُ جَارِیَتَهُ کُلَّ عَشِیَّةٍ أَنْ تَکْنِسَ تَحْتَ خَشَبَتِهِ وَ تَرُشَّهُ وَ تُجَمِّرَ بِالْمِجْمَرِ تَحْتَهُ فَجَعَلَ مِیثَمٌ یُحَدِّثُ بِفَضَائِلِ بَنِی هَاشِمٍ وَ مَخَازِی

ص :293

بَنِی أُمَیَّةَ وَ هُوَ مَصْلُوبٌ عَلَی الْخَشَبَةِ فَقِیلَ لاِبْنِ زِیَادٍ قَدْ فَضَحَکُمْ هَذَا الْعَبْدُ فَقَالَ أَلْجِمُوهُ فَأُلْجِمَ فَکَانَ أَوَّلَ خَلْقِ اللَّهِ أُلْجِمَ فِی اَلْإِسْلاَمِ فَلَمَّا کَانَ فِی الْیَوْمِ الثَّانِی فَاضَتْ مَنْخِرَاهُ وَ فَمُهُ دَماً فَلَمَّا کَانَ فِی الْیَوْمِ الثَّالِثِ طُعِنَ بِحَرْبَةٍ فَمَاتَ.

وَ کَانَ قَتْلُ مِیثَمٍ قَبْلَ قُدُومِ اَلْحُسَیْنِ ع اَلْعِرَاقَ بِعَشَرَةِ أَیَّامٍ

.

434

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنِی إِبْرَاهِیمُ بْنُ الْعَبَّاسِ النَّهْدِیُّ حَدَّثَنِی مُبَارَکٌ الْبَجَلِیُّ عَنْ أَبِی بَکْرِ بْنِ عَیَّاشٍ قَالَ حَدَّثَنِی اَلْمُجَالِدُ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ عَنْ زِیَادِ بْنِ النَّضْرِ الْحَارِثِیِّ قَالَ کُنْتُ عِنْدَ زِیَادٍ وَ قَدْ أُتِیَ بِرُشَیْدٍ الْهَجَرِیِّ وَ کَانَ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع فَقَالَ لَهُ زِیَادٌ مَا قَالَ خَلِیلُکَ لَکَ إِنَّا فَاعِلُونَ بِکَ قَالَ تَقْطَعُونَ یَدَیَّ وَ رِجْلَیَّ وَ تَصْلِبُونَنِی فَقَالَ زِیَادٌ أَمَا وَ اللَّهِ لَأُکَذِّبَنَّ حَدِیثَهُ خَلُّوا سَبِیلَهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ یَخْرُجَ قَالَ رُدُّوهُ لاَ نَجِدُ شَیْئاً أَصْلَحَ مِمَّا قَالَ لَکَ صَاحِبُکَ إِنَّکَ لاَ تَزَالُ تَبْغِی لَنَا سُوءاً إِنْ بَقِیتَ اقْطَعُوا یَدَیْهِ وَ رِجْلَیْهِ فَقَطَعُوا یَدَیْهِ وَ رِجْلَیْهِ وَ هُوَ یَتَکَلَّمُ فَقَالَ اصْلِبُوهُ خَنِقاً فِی عُنُقِهِ فَقَالَ رُشَیْدٌ قَدْ بَقِیَ لِی عِنْدَکُمْ شَیْءٌ مَا أَرَاکُمْ فَعَلْتُمُوهُ فَقَالَ زِیَادٌ اقْطَعُوا لِسَانَهُ فَلَمَّا أَخْرَجُوا لِسَانَهُ لِیُقْطَعَ قَالَ نَفِّسُوا عَنِّی أَتَکَلَّمُ کَلِمَةً وَاحِدَةً فَنَفَّسُوا عَنْهُ فَقَالَ هَذَا وَ اللَّهِ تَصْدِیقُ خَبَرِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ أَخْبَرَنِی بِقَطْعِ لِسَانِی فَقَطَعُوا لِسَانَهُ وَ صَلَبُوهُ .

435

1- وَ رَوَی أَبُو دَاوُدَ الطَّیَالِسِیُّ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ رُزَیْقٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِیزِ بْنِ صُهَیْبٍ قَالَ حَدَّثَنِی أَبُو الْعَالِیَةِ قَالَ حَدَّثَنِی مُزَرِّعٌ (1) صَاحِبُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع أَنَّهُ قَالَ لَیُقْبِلَنَّ جَیْشٌ حَتَّی إِذَا کَانَ بِالْبَیْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ قَالَ أَبُو الْعَالِیَةِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّکَ لَتُحَدِّثُنِی بِالْغَیْبِ فَقَالَ احْفَظْ مَا أَقُولُهُ لَکَ فَإِنَّمَا حَدَّثَنِی بِهِ الثِّقَةُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ حَدَّثَنِی أَیْضاً شَیْئاً آخَرَ لَیُؤْخَذَنَّ رَجُلٌ فَلَیُقْتَلَنَّ وَ لَیُصْلَبَنَّ بَیْنَ شُرْفَتَیْنِ مِنْ شُرَفِ الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّکَ لَتُحَدِّثُنِی بِالْغَیْبِ فَقَالَ احْفَظْ مَا أَقُولُ لَکَ قَالَ أَبُو الْعَالِیَةِ فَوَ اللَّهِ مَا أَتَتْ

ص :294

عَلَیْنَا جُمْعَةٌ حَتَّی أُخِذَ مُزَرِّعٌ فَقُتِلَ وَ صُلِبَ بَیْنَ شُرْفَتَیْنِ مِنْ شُرَفِ الْمَسْجِدِ

.

قلت حدیث الخسف بالجیش

436

14,5- قَدْ خَرَّجَهُ اَلْبُخَارِیُّ وَ مُسْلِمٌ فِی اَلصَّحِیحَیْنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ یَعُوذُ قَوْمٌ بِالْبَیْتِ حَتَّی إِذَا کَانُوا بِالْبَیْدَاءِ (1) خُسِفَ بِهِمْ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَعَلَّ فِیهِمُ الْمُکْرَهُ أَوِ الْکَارِهُ فَقَالَ یُخْسَفُ بِهِمْ وَ لَکِنْ یُحْشَرُونَ أَوْ قَالَ یُبْعَثُونَ عَلَی نِیَّاتِهِمْ (2) یَوْمَ الْقِیَامَةِ قَالَ فَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ أَ هِیَ بَیْدَاءُ مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ کَلاَّ وَ اللَّهِ إِنَّهَا بَیْدَاءُ اَلْمَدِینَةِ .

أخرج البخاری بعضه و أخرج مسلم الباقی (3) .

437

1- وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَی الْعَنَزِیُّ قَالَ کَانَ مَالِکُ بْنُ ضَمْرَةَ الرُّؤَاسِیُّ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع وَ مِمَّنِ اسْتَبْطَنَ مِنْ جِهَتِهِ عِلْماً کَثِیراً وَ کَانَ أَیْضاً قَدْ صَحِبَ أَبَا ذَرٍّ فَأَخَذَ مِنْ عِلْمِهِ وَ کَانَ یَقُولُ فِی أَیَّامِ بَنِی أُمَیَّةَ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِی أَشْقَی الثَّلاَثَةِ فَیُقَالُ لَهُ وَ مَا الثَّلاَثَةُ فَیَقُولُ رَجُلٌ یُرْمَی مِنْ فَوْقِ طِمَارٍ (4) وَ رَجُلٌ تُقْطَعُ یَدَاهُ وَ رِجْلاَهُ وَ لِسَانُهُ وَ یُصْلَبُ وَ رَجُلٌ یَمُوتُ عَلَی فِرَاشِهِ فَکَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَهْزَأُ بِهِ وَ یَقُولُ هَذَا مِنْ أَکَاذِیبِ أَبِی تُرَابٍ .

قَالَ وَ کَانَ الَّذِی رُمِیَ بِهِ مِنْ طِمَارٍ هَانِئُ بْنُ عُرْوَةَ (5) وَ الَّذِی قُطِعَ وَ صُلِبَ رُشَیْدٌ الْهَجَرِیُّ وَ مَاتَ مَالِکٌ عَلَی فِرَاشِهِ

.

الفصل الرابع و هو من قوله فنظرت فی أمری إلی آخر الکلام هذه کلمات

ص :295

مقطوعة من کلام یذکر فیه حاله بعد وفاة رسول اللّه ص و أنّه کان معهودا إلیه ألا ینازع فی الأمر و لا یثیر فتنة بل یطلبه بالرفق فإن حصل له و إلاّ أمسک.

هکذا کان یقول ع و قوله الحق و تأویل هذه الکلمات فنظرت فإذا طاعتی لرسول اللّه ص أی وجوب طاعتی فحذف المضاف و أقام المضاف إلیه مقامه قد سبقت بیعتی للقوم أی وجوب طاعة رسول اللّه ص علی و وجوب امتثالی أمره سابق علی بیعتی للقوم فلا سبیل لی إلی الامتناع من البیعة لأنّه ص أمرنی بها.

و إذا المیثاق فی عنقی لغیری

أی رسول اللّه ص أخذ علی المیثاق بترک الشقاق و المنازعة فلم یحل لی أن أتعدی أمره أو أخالف نهیه.

فإن قیل فهذا تصریح بمذهب الإمامیّة قیل لیس الأمر کذلک بل هذا تصریح بمذهب أصحابنا من البغدادیین لأنهم یزعمون أنّه الأفضل و الأحق بالإمامة و أنّه لو لا ما یعلمه اللّه و رسوله من أن الأصلح للمکلفین من تقدیم المفضول علیه لکان من تقدم علیه هالکا فرسول اللّه ص أخبره أن الإمامة حقه و أنّه أولی بها من الناس أجمعین و أعلمه أن فی تقدیم غیره و صبره علی التأخر عنها مصلحة للدین راجعة إلی المکلفین و أنّه یجب علیه أن یمسک عن طلبها و یغضی عنها لمن هو دون مرتبته فامتثل ما أمره به رسول اللّه ص و لم یخرجه تقدم من تقدم علیه من کونه الأفضل و الأولی و الأحق و قد صرّح شیخنا أبو القاسم البلخیّ رحمه اللّه تعالی بهذا و صرّح به تلامذته و قالوا لو نازع عقیب وفاة رسول اللّه ص و سل سیفه لحکمنا بهلاک کل

ص :296

من خالفه و تقدم علیه کما حکمنا بهلاک من نازعه حین أظهر نفسه و لکنه مالک الأمر و صاحب الخلافة إذا طلبها وجب علینا القول بتفسیق من ینازعه فیها و إذا أمسک عنها وجب علینا القول بعدالة من أغضی له علیها و حکمه فی ذلک حکم رسول اللّه ص لأنّه قد

438

ثَبَتَ عَنْهُ فِی الْأَخْبَارِ الصَّحِیحَةِ أَنَّهُ قَالَ

عَلِیٌّ مَعَ الْحَقِّ وَ الْحَقُّ مَعَ عَلِیٍّ یَدُورُ حَیْثُمَا دَارَ.

439

وَ قَالَ لَهُ غَیْرَ مَرَّةٍ حَرْبُکَ حَرْبِی وَ سِلْمُکَ سِلْمِی.

و هذا المذهب هو أعدل المذاهب عندی و به أقول

ص :297

الضلال و دلیلهم العمی

و هذا حقّ لأن المبطل ینظر فی الشبهة لا نظر من راعی الأمور الیقینیة و یحلل المقدمات إلی القضایا المعلومة بل یغلب علیه حبّ المذهب و عصبیة أسلافه و إیثار نصره من قد ألزم بنصرته فذاک هو العمی و الضلال اللذان أشار أمیر المؤمنین إلیهما فلا تنحل الشبهة له و تزداد عقیدته فسادا و قد ذکرنا فی کتبنا الکلامیة الکلام فی تولید النظر للعلم و أنّه لا یولد الجهل .

الفصل الثانی قوله فما ینجو من الموت من خافه و لا یعطی البقاء من أحبه هذا کلام أجنبی عما تقدم و هو مأخوذ من قوله تعالی قُلْ لَوْ کُنْتُمْ فِی بُیُوتِکُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلیٰ مَضٰاجِعِهِمْ (1) و قوله أَیْنَمٰا تَکُونُوا یُدْرِکْکُمُ الْمَوْتُ (2) و قوله فَإِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ لاٰ یَسْتَأْخِرُونَ سٰاعَةً وَ لاٰ یَسْتَقْدِمُونَ (3)

ص :299

و الجرجرة صوت یردده البعیر فی حنجرته و أکثر ما یکون ذلک عند الإعیاء و التعب و الجمل الأسر الذی بکرکرته دبرة (1) و النضو البعیر المهزول و الأدبر الذی به دبر و هو المعقور من القتب و غیره.

هذا الکلام خطب به أمیر المؤمنین ع فی غارة النعمان بن بشیر الأنصاری علی عین التمر (2)

الْحَرْبُ وَ یُصْلِحُ اللَّهُ تَعَالَی ذَاتَ الْبَیْنِ أَنْ تَدْفَعَ إِلَیْهِ قَتَلَةَ عُثْمَانَ ابْنِ عَمِّهِ فَیَقْتُلَهُمْ بِهِ وَ یَجْمَعَ اللَّهُ تَعَالَی أَمْرَکَ وَ أَمْرَهُ وَ یُصْلِحَ بَیْنَکُمْ وَ تَسْلَمَ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنَ الْفِتْنَةِ وَ الْفُرْقَةِ ثُمَّ تَکَلَّمَ اَلنُّعْمَانُ بِنَحْوٍ مِنْ ذَلِکَ (1) .

فَقَالَ لَهُمَا دَعَا الْکَلاَمَ فِی هَذَا حَدِّثْنِی عَنْکَ یَا نُعْمَانُ أَنْتَ أَهْدَی قَوْمِکَ سَبِیلاً یَعْنِی اَلْأَنْصَارَ قَالَ لاَ قَالَ فَکُلُّ قَوْمِکَ قَدِ اتَّبَعَنِی إِلاَّ شُذَّاذاً مِنْهُمْ ثَلاَثَةً أَوْ أَرْبَعَةً أَ فَتَکُونُ أَنْتَ مِنَ الشُّذَّاذِ فَقَالَ اَلنُّعْمَانُ أَصْلَحَکَ اللَّهُ إِنَّمَا جِئْتُ لِأَکُونَ مَعَکَ وَ أَلْزَمَکَ وَ قَدْ کَانَ مُعَاوِیَةُ سَأَلَنِی أَنْ أُؤَدِّیَ هَذَا الْکَلاَمَ وَ رَجَوْتُ أَنْ یَکُونَ لِی مَوْقِفٌ أَجْتَمِعُ فِیهِ مَعَکَ وَ طَمِعْتُ أَنْ یَجْرِیَ اللَّهُ تَعَالَی بَیْنَکُمَا صُلْحاً فَإِذَا کَانَ غَیْرَ ذَلِکَ رَأْیُکَ فَأَنَا مُلاَزِمُکَ وَ کَائِنٌ مَعَکَ.

فَأَمَّا أَبُو هُرَیْرَةَ فَلَحِقَ بِالشَّامِ وَ أَقَامَ اَلنُّعْمَانُ عِنْدَ عَلِیٍّ ع فَأَخْبَرَ أَبُو هُرَیْرَةَ مُعَاوِیَةَ بِالْخَبَرِ فَأَمَرَهُ أَنْ یُعْلِمَ النَّاسَ فَفَعَلَ وَ أَقَامَ اَلنُّعْمَانُ بَعْدَهُ شَهْراً ثُمَّ خَرَجَ فَارّاً مِنْ عَلِیٍّ ع حَتَّی إِذَا مَرَّ بِعَیْنِ التَّمْرِ أَخَذَهُ مَالِکُ بْنُ کَعْبٍ الْأَرْحَبِیُّ وَ کَانَ عَامِلَ عَلِیٍّ ع عَلَیْهَا فَأَرَادَ حَبْسَهُ وَ قَالَ لَهُ مَا مَرَّ بِکَ بَیْنَنَا (2) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ بَلَّغْتُ رِسَالَةَ صَاحِبِی ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَحَبَسَهُ وَ قَالَ کَمَا أَنْتَ حَتَّی أَکْتُبَ إِلَی عَلِیٍّ فِیکَ فَنَاشَدَهُ وَ عَظُمَ عَلَیْهِ أَنْ یَکْتُبَ إِلَی عَلِیٍّ فِیهِ فَأَرْسَلَ اَلنُّعْمَانُ إِلَی قَرَظَةَ بْنِ کَعْبٍ الْأَنْصَارِیِّ وَ هُوَ کَاتِبُ عَیْنِ التَّمْرِ یُجْبِی خَرَاجَهَا لِعَلِیٍّ ع فَجَاءَهُ مُسْرِعاً فَقَالَ لِمَالِکِ بْنِ کَعْبٍ خَلِّ سَبِیلَ ابْنِ عَمِّی یَرْحَمُکَ اللَّهُ فَقَالَ یَا قَرَظَةُ اتَّقِ اللَّهَ وَ لاَ تَتَکَلَّمْ فِی هَذَا فَإِنَّهُ لَوْ کَانَ مِنْ عُبَّادِ اَلْأَنْصَارِ وَ نُسَّاکِهِمْ لَمْ یَهْرُبْ مِنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی أَمِیرِ الْمُنَافِقِینَ.

فَلَمْ یَزَلْ بِهِ یُقْسِمُ عَلَیْهِ حَتَّی خَلَّی سَبِیلَهُ وَ قَالَ لَهُ یَا هَذَا لَکَ الْأَمَانُ الْیَوْمَ وَ اللَّیْلَةَ

ص :302

وَ غَداً وَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَکْتُکَ بَعْدَهَا لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَکَ فَخَرَجَ مُسْرِعاً لاَ یَلْوِی عَلَی شَیْءٍ وَ ذَهَبَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَلَمْ یُدْرَ أَیْنَ یَتَسَکَّعُ مِنَ الْأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ لاَ یُعْلَمُ أَیْنَ هُوَ فَکَانَ اَلنُّعْمَانُ یُحَدِّثُ بَعْدَ ذَلِکَ یَقُولُ وَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَیْنَ أَنَا حَتَّی سَمِعْتُ قَوْلَ قَائِلَةٍ تَقُولُ وَ هِیَ تَطْحَنُ شَرِبْتُ مَعَ الْجَوْزَاءِ کَأْساً رَوِیَّةً (1)

فَعَلِمْتُ أَنِّی عِنْدَ حَیٍّ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِیَةَ وَ إِذَا الْمَاءُ لِبَنِی الْقَیْنِ فَعَلِمْتُ أَنِّی قَدِ انْتَهَیْتُ إِلَی الْمَاءِ (2) .

ثُمَّ قَدِمَ عَلَی مُعَاوِیَةَ فَخَبَّرَهُ بِمَا لَقِیَ وَ لَمْ یَزَلْ مَعَهُ مُصَاحِباً لَمْ یُجَاهِدْ عَلِیّاً وَ یَتَتَبَّعُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ حَتَّی غَزَا اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ أَرْضَ اَلْعِرَاقِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ قَدْ کَانَ مُعَاوِیَةُ قَالَ قَبْلَ ذَلِکَ بِشَهْرَیْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ أَ مَا مِنْ رَجُلٍ أَبْعَثُ بِهِ (3) بِجَرِیدَةِ خَیْلٍ حَتَّی یُغِیرَ عَلَی شَاطِئِ اَلْفُرَاتِ فَإِنَّ اللَّهَ یُرْعِبُ بِهَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ فَقَالَ لَهُ اَلنُّعْمَانُ فَابْعَثْنِی فَإِنَّ لِی فِی قِتَالِهِمْ نِیَّةً وَ هَوًی وَ کَانَ اَلنُّعْمَانُ عُثْمَانِیّاً قَالَ فَانْتَدِبْ عَلَی اسْمِ اللَّهِ فَانْتَدَبَ وَ نَدَبَ مَعَهُ أَلْفَیْ رَجُلٍ وَ أَوْصَاهُ أَنْ یَتَجَنَّبَ الْمُدُنَ وَ الْجَمَاعَاتِ وَ أَلاَّ یُغِیرَ إِلاَّ عَلَی مَصْلَحَةٍ وَ أَنْ یُعَجِّلَ الرُّجُوعَ.

فَأَقْبَلَ اَلنُّعْمَانُ بْنُ بَشِیرٍ حَتَّی دَنَا مِنْ عَیْنِ التَّمْرِ وَ بِهَا مَالِکُ بْنُ کَعْبٍ الْأَرْحَبِیُّ الَّذِی جَرَی لَهُ مَعَهُ مَا جَرَی (4) وَ مَعَ مَالِکٍ أَلْفُ رَجُلٍ وَ قَدْ أُذِنَ لَهُمْ فَرَجَعُوا إِلَی اَلْکُوفَةِ فَلَمْ یَبْقَ مَعَهُ إِلاَّ مِائَةٌ أَوْ نَحْوُهَا فَکَتَبَ مَالِکٌ إِلَی عَلِیٍّ ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلنُّعْمَانَ بْنَ بَشِیرٍ قَدْ نَزَلَ بِی فِی جَمْعٍ کَثِیفٍ فَرَأْیُکَ سَدَّدَکَ اللَّهُ تَعَالَی وَ ثَبَّتَکَ وَ السَّلاَمُ.

فَوَصَلَ الْکِتَابُ إِلَی عَلِیٍّ ع فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ

ص :303

اُخْرُجُوا هَدَاکُمُ اللَّهُ إِلَی مَالِکِ بْنِ کَعْبٍ أَخِیکُمْ فَإِنَّ اَلنُّعْمَانَ بْنَ بَشِیرٍ قَدْ نَزَلَ بِهِ فِی جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ لَیْسَ بِالْکَثِیرِ فَانْهَضُوا إِلَی إِخْوَانِکُمْ لَعَلَّ اللَّهَ یَقْطَعُ بِکُمْ مِنَ الْکَافِرِینَ طَرَفاً ثُمَّ نَزَلَ.

فَلَمْ یَخْرُجُوا فَأَرْسَلَ إِلَی وُجُوهِهِمْ وَ کُبَرَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ یَنْهَضُوا وَ یَحُثُّوا النَّاسَ عَلَی الْمَسِیرِ فَلَمْ یَصْنَعُوا شَیْئاً وَ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ نَفَرٌ یَسِیرٌ نَحْوَ ثَلاَثِمِائَةِ فَارِسٍ أَوْ دُونِهَا فَقَامَ ع فَقَالَ أَلاَ إِنِّی مُنِیتُ بِمَنْ لاَ یُطِیعُ الْفَصْلَ الَّذِی شَرَحْنَاهُ إِلَی آخِرِهِ ثُمَّ نَزَلَ.

فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ فَقَالَ هَذَا وَ اللَّهِ الْخِذْلاَنُ عَلَی هَذَا بَایَعْنَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ثُمَّ دَخَلَ إِلَیْهِ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ مَعِی مِنْ طَیِّئٍ أَلْفَ رَجُلٍ لاَ یَعْصُونَنِی فَإِنْ شِئْتَ أَنْ أَسِیرَ بِهِمْ سِرْتُ قَالَ مَا کُنْتُ لِأَعْرِضَ قَبِیلَةً وَاحِدَةً مِنْ قَبَائِلِ اَلْعَرَبِ لِلنَّاسِ وَ لَکِنِ اخْرُجْ إِلَی اَلنُّخَیْلَةِ فَعَسْکِرْ بِهِمْ وَ فَرَضَ عَلِیٌّ ع لِکُلِّ رَجُلٍ سَبْعَمِائَةٍ فَاجْتَمَعَ إِلَیْهِ أَلْفُ فَارِسٍ عَدَا طَیِّئاً أَصْحَابَ عَدِیِّ بْنِ حَاتِمٍ .وَ وَرَدَ عَلَی عَلِیٍّ ع الْخَبَرُ بِهَزِیمَةِ اَلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِیرٍ وَ نُصْرَةِ مَالِکِ بْنِ کَعْبٍ فَقَرَأَ الْکِتَابَ عَلَی أَهْلِ اَلْکُوفَةِ وَ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَیْهِمْ وَ قَالَ هَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَ ذَمَّ أَکْثَرَکُمْ .

فَأَمَّا خَبَرُ مَالِکِ بْنِ کَعْبٍ مَعَ اَلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِیرٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوْزَةَ الْأَزْدِیُّ قَالَ کُنْتُ مَعَ مَالِکِ بْنِ کَعْبٍ حِینَ نَزَلَ بِنَا اَلنُّعْمَانُ بْنُ بَشِیرٍ وَ هُوَ فِی أَلْفَیْنِ وَ مَا نَحْنُ إِلاَّ مِائَةٌ فَقَالَ لَنَا قَاتِلُوهُمْ فِی الْقَرْیَةِ وَ اجْعَلُوا الْجُدُرَ فِی ظُهُورِکُمْ وَ لاٰ تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَنْصُرُ الْعَشَرَةَ عَلَی الْمِائَةِ وَ الْمِائَةَ عَلَی الْأَلْفِ وَ الْقَلِیلَ عَلَی الْکَثِیرِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ أَقْرَبَ مَنْ هَاهُنَا إِلَیْنَا مِنْ شِیعَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ أَنْصَارِهِ وَ عُمَّالِهِ قَرَظَةُ بْنُ کَعْبٍ

ص :304

وَ مِخْنَفُ بْنُ سُلَیْمٍ فَارْکُضْ إِلَیْهِمَا فَأَعْلِمْهُمَا حَالَنَا وَ قُلْ لَهُمَا فَلْیَنْصُرَانَا مَا اسْتَطَاعَا (1) فَأَقْبَلْتُ أَرْکُضُ وَ قَدْ تَرَکْتُهُ وَ أَصْحَابَهُ یَرْمُونَ أَصْحَابَ اِبْنِ بَشِیرٍ بِالنَّبْلِ فَمَرَرْتُ بِقَرَظَةَ فَاسْتَصْرَخْتُهُ فَقَالَ إِنَّمَا أَنَا صَاحِبُ خَرَاجٍ وَ لَیْسَ عِنْدِی مَنْ أُعِینُهُ بِهِ فَمَضَیْتُ إِلَی مِخْنَفِ بْنِ سُلَیْمٍ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَسَرَّحَ مَعِی عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مِخْنَفٍ فِی خَمْسِینَ رَجُلاً وَ قَاتَلَ مَالِکُ بْنُ کَعْبٍ النُّعْمَانَ وَ أَصْحَابَهُ إِلَی الْعَصْرِ فَأَتَیْنَاهُ وَ قَدْ کَسَرَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ جُفُونَ سُیُوفِهِمْ وَ اسْتَقْبَلُوا الْمَوْتَ (2) فَلَوْ أَبْطَأْنَا عَنْهُمْ هَلَکُوا فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَآنَا أَهْلُ اَلشَّامِ وَ قَدْ أَقْبَلْنَا عَلَیْهِمْ فَأَخَذُوا یَنْکُصُونَ عَنْهُمْ وَ یَرْتَفِعُونَ وَ رَآنَا مَالِکٌ وَ أَصْحَابُهُ فَشَدُّوا عَلَیْهِمْ حَتَّی دَفَعُوهُمْ عَنِ الْقَرْیَةِ فَاسْتَعْرَضْنَاهُمْ فَصَرَعْنَا مِنْهُمْ رِجَالاً ثَلاَثَةً وَ ارْتَفَعَ الْقَوْمُ عَنَّا وَ ظَنُّوا أَنَّ وَرَاءَنَا مَدَداً وَ لَوْ ظَنُّوا أَنَّهُ لَیْسَ غَیْرُنَا لَأَقْبَلُوا عَلَیْنَا وَ لَأَهْلَکُونَا وَ حَالَ اللَّیْلُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ فَانْصَرَفُوا إِلَی أَرْضِهِمْ وَ کَتَبَ مَالِکُ بْنُ کَعْبٍ إِلَی عَلِیٍّ ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ نَزَلَ بِنَا اَلنُّعْمَانُ بْنُ بَشِیرٍ فِی جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ کَالظَّاهِرِ عَلَیْنَا وَ کَانَ عُظْمُ (3) أَصْحَابِی مُتَفَرِّقِینَ وَ کُنَّا لِلَّذِی کَانَ مِنْهُمْ آمِنِینَ فَخَرَجْنَا إِلَیْهِمْ رِجَالاً مُصْلِتِینَ (4) فَقَاتَلْنَاهُمْ حَتَّی الْمَسَاءِ وَ اسْتَصْرَخْنَا مِخْنَفَ بْنَ سُلَیْمٍ فَبَعَثَ إِلَیْنَا رِجَالاً مِنْ شِیعَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ وُلْدِهِ فَنِعْمَ الْفَتَی وَ نِعْمَ الْأَنْصَارُ کَانُوا فَحَمَلْنَا عَلَی عَدُوِّنَا وَ شَدَدْنَا عَلَیْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَیْنَا نَصْرَهُ وَ هَزَمَ عَدُوَّهُ وَ أَعَزَّ جُنْدَهُ وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ وَ السَّلاَمُ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ

.

ص :305

441

1- وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ فُرَاتٍ الْجَرْمِیُّ عَنْ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ ع قَالَ قَالَ عَلِیٌّ ع فِی هَذِهِ الْخُطْبَةِ أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی دَعَوْتُکُمْ إِلَی الْحَقِّ فَتَوَلَّیْتُمْ عَنِّی وَ ضَرَبْتُکُمْ بِالدِّرَّةِ فَأَعْیَیْتُمُونِی أَمَا إِنَّهُ سَیَلِیکُمْ بَعْدِی وُلاَةٌ لاَ یَرْضَوْنَ عَنْکُمْ بِذَلِکَ حَتَّی یُعَذِّبُوکُمْ بِالسِّیَاطِ وَ بِالْحَدِیدِ فَأَمَّا أَنَا فَلاَ أُعَذِّبُکُمْ بِهِمَا إِنَّهُ مَنْ عَذَّبَ النَّاسَ فِی الدُّنْیَا عَذَّبَهُ اللَّهُ فِی الْآخِرَةِ وَ آیَةُ ذَلِکَ أَنْ یَأْتِیَکُمْ صَاحِبُ اَلْیَمَنِ حَتَّی یَحُلَّ بَیْنَ أَظْهُرِکُمْ فَیَأْخُذَ الْعُمَّالَ وَ عُمَّالَ (1) الْعُمَّالِ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ یُوسُفُ بْنُ عَمْرٍو وَ یَقُومُ عِنْدَ ذَلِکَ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتَ فَانْصُرُوهُ فَإِنَّهُ دَاعٍ إِلَی الْحَقِّ.

قَالَ وَ کَانَ النَّاسُ یَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ذَلِکَ الرَّجُلُ هُوَ زَیْدٌ ع .

ص :306

المسألة فقال المتکلمون کافة الإمامة واجبة إلاّ ما یحکی عن أبی بکر الأصمّ من قدماء أصحابنا أنّها غیر واجبة إذا تناصفت الأمة و لم تتظالم.

و قال المتأخرون من أصحابنا إن هذا القول منه غیر مخالف لما علیه الأمة لأنّه إذا کان لا یجوز فی العادة أن تستقیم أمور الناس من دون رئیس یحکم بینهم فقد قال بوجوب الرئاسة علی کل حال اللّهمّ إلاّ أن یقول إنّه یجوز أن تستقیم أمور الناس من دون رئیس و هذا بعید أن یقوله فأما طریق وجوب الإمامة ما هی فإن مشایخنا البصریین رحمهم اللّه یقولون طریق وجوبها الشرع و لیس فی العقل ما یدلّ علی وجوبها.

و قال البغدادیون و أبو عثمان الجاحظ من البصریین و شیخنا أبو الحسین رحمه اللّه تعالی إن العقل یدلّ علی وجوب الرئاسة و هو قول الإمامیّة إلا أن الوجه الذی منه یوجب أصحابنا الرئاسة غیر الوجه الذی توجب الإمامیّة منه الرئاسة و ذاک أن أصحابنا یوجبون الرئاسة علی المکلفین من حیث کان فی الرئاسة مصالح دنیویة و دفع مضار دنیویة و الإمامیّة یوجبون الرئاسة علی اللّه تعالی من حیث کان فی الرئاسة لطف و بعد للمکلفین عن مواقعة القبائح العقلیّة .

و الظاهر من کلام أمیر المؤمنین ع یطابق ما یقوله أصحابنا أ لا تراه کیف علل قوله لا بدّ للناس من أمیر فقال فی تعلیله یجمع به الفیء و یقاتل به العدو و تأمن به السبل و یؤخذ للضعیف من القوی و هذه کلها من مصالح الدنیا.

فإن قیل ذکرتم أن الناس کافة قالوا بوجوب الإمام فکیف یقول أمیر المؤمنین ع عن الخوارج إنهم یقولون لا إمرة .

قیل إنهم کانوا فی بدء أمرهم یقولون ذلک و یذهبون إلی أنّه لا حاجة إلی الإمام ثمّ رجعوا عن ذلک القول لما أمروا علیهم عبد اللّه بن وهب الراسبی .

ص :308

فإن قیل فسروا لنا ألفاظ أمیر المؤمنین ع قیل إن الألفاظ کلها ترجع إلی إمرة الفاجر.

قال یعمل فیها المؤمن أی لیست بمانعة للمؤمن من العمل لأنّه یمکنه أن یصلی و یصوم و یتصدق و إن کان الأمیر فاجرا فی نفسه ثمّ قال و یستمتع فیها الکافر أی یتمتع بمدته کما قال سبحانه للکافرین قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِیرَکُمْ إِلَی اَلنّٰارِ (1) .

و یبلغ اللّه فیها الأجل لأن إمارة الفاجر کإمارة البر فی أن المدة المضروبة فیها تنتهی إلی الأجل المؤقت للإنسان .

ثمّ قال و یجمع به الفیء و یقاتل به العدو و تأمن به السبل و یؤخذ به للضعیف من القوی و هذا کله یمکن حصوله فی إمارة الفاجر القوی فی نفسه

442

وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ اللَّهَ لَیُؤَیِّدُ هَذَا الدِّینَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ.

و قد اتفقت المعتزلة علی أن أمراء بنی أمیّة کانوا فجارا عدا عثمان و عمر بن عبد العزیز و یزید بن الولید و کان الفیء یجمع بهم و البلاد تفتح فی أیامهم و الثغور الإسلامیة محصنة محوطة و السبل آمنة و الضعیف منصور علی القوی الظالم و ما ضر فجورهم شیئا فی هذه الأمور ثمّ قال ع فتکون هذه الأمور حاصلة إلی أن یستریح بر بموته أو یستراح من فاجر بموته أو عزله .

فأما الروایة الثانیة فإنّه قد جعل التقی یعمل فیها للإمرة البرة خاصّة (2) .

و باقی الکلام غنی عن الشرح

ص :309

یَخْرُجُ مِنْ عِنْدِ عَلِیٍّ ع فَدَخَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَی عَلِیٍّ ع بِالْمَسْجِدِ وَ النَّاسُ حَوْلَهُ فَصَاحَ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ وَ لَوْ کَرِهَ اَلْمُشْرِکُونَ فَتَلَفَّتَ النَّاسُ فَنَادَی لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُتَلَفِّتُونَ فَرَفَعَ (1) عَلِیٌّ ع رَأْسَهُ إِلَیْهِ فَقَالَ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ وَ لَوْ کَرِهَ أَبُو حَسَنٍ فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ (2) لاَ یَکْرَهُ أَنْ یَکُونَ الْحُکْمُ لِلَّهِ (3) ثُمَّ قَالَ حُکْمَ اللَّهِ أَنْتَظِرُ فِیکُمْ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ هَلاَّ مِلْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی هَؤُلاَءِ فَأَفْنَیْتَهُمْ فَقَالَ إِنَّهُمْ لاَ یَفْنَوْنَ إِنَّهُمْ لَفِی أَصْلاَبِ الرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ

.

444

1- رَوَی أَنَسُ بْنُ عِیَاضٍ الْمَدَنِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ ع عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عَلِیّاً ع کَانَ یَوْماً یَؤُمُّ النَّاسَ وَ هُوَ یَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَجَهَرَ اِبْنُ الْکَوَّاءِ مِنْ خَلْفِهِ وَ لَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَ إِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِینَ (4) فَلَمَّا جَهَرَ اِبْنُ الْکَوَّاءِ وَ هُوَ خَلْفَهُ بِهَا سَکَتَ عَلِیٌّ فَلَمَّا أَنْهَاهَا اِبْنُ الْکَوَّاءِ عَادَ عَلِیٌّ ع فَأَتَمَّ قِرَاءَتَهُ فَلَمَّا شَرَعَ عَلِیٌّ ع فِی الْقِرَاءَةِ أَعَادَ اِبْنُ الْکَوَّاءِ الْجَهْرَ بِتِلْکَ الْآیَةِ فَسَکَتَ عَلِیٌّ فَلَمْ یَزَالاَ کَذَلِکَ یَسْکُتُ هَذَا وَ یَقْرَأُ ذَاکَ مِرَاراً حَتَّی قَرَأَ عَلِیٌّ ع فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لاٰ یَسْتَخِفَّنَّکَ الَّذِینَ لاٰ یُوقِنُونَ (5) فَسَکَتَ اِبْنُ الْکَوَّاءِ وَ عَادَ ع إِلَی قِرَاءَتِهِ

.

ص :311

ثم قال و لا أعلم جنة أی درعا أوقی منه أی أشدّ وقایة و حفظا لأن الوفی محفوظ من اللّه مشکور بین الناس .

ثمّ قال و ما یغدر من علم کیف المرجع أی من علم الآخرة و طوی علیها عقیدته منعه ذلک أن یغدر لأن الغدر یحبط الإیمان .

ثمّ ذکر أن الناس فی هذا الزمان ینسبون أصحاب الغدر إلی الکیس و هو الفطنة و الذکاء فیقولون لمن یخدع و یغدر و لأرباب الجریرة و المکر هؤلاء أذکیاء أکیاس کما کانوا یقولون فی عمرو بن العاص و المغیرة بن شعبة و ینسبون أرباب ذلک إلی حسن الحیلة و صحة التدبیر .

ثمّ قال ما لهم قاتلهم اللّه دعاء علیهم .

ثمّ قال قد یری الحول القلب وجه الحیلة و یمنعه عنها نهی اللّه تعالی عنها و تحریمه بعد أن قدر علیها و أمکنه و الحول القلب الذی قد تحول و تقلب فی الأمور و جرب و حنکته الخطوب و الحوادث .

ثمّ قال و ینتهز فرصتها أی یبادر إلی افتراصها و یغتنمها من لا حریجة له فی الدین أی لیس بذی حرج و التحرج التأثم و الحریجة التقوی و هذه کانت سجیته ع و شیمته ملک أهل الشام الماء علیه و الشریعة بصفین

445

1- وَ أَرَادُوا قَتْلَهُ وَ قَتْلَ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ عَطَشاً فَضَارَبَهُمْ عَلَی الشَّرِیعَةِ حَتَّی مَلَکَهَا عَلَیْهِمْ وَ طَرَدَهُمْ عَنْهَا فَقَالَ لَهُ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ اقْتُلْهُمْ بِسُیُوفِ الْعَطَشِ وَ امْنَعْهُمُ الْمَاءَ وَ خُذْهُمْ قَبْضاً بِالْأَیْدِی فَقَالَ إِنَّ فِی حَدِّ السَّیْفِ لَغِنًی عَنْ ذَلِکَ وَ إِنِّی لاَ أَسْتَحِلُّ مَنْعَهُمُ الْمَاءَ فَأَفْرَجَ لَهُمْ عَنِ الْمَاءِ فَوَرَدُوهُ ثُمَّ قَاسَمَهُمُ الشَّرِیعَةَ شَطْرَیْنِ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَهُ

.

446

1,14- وَ کَانَ اَلْأَشْتَرُ یَسْتَأْذِنُهُ أَنْ یُبَیِّتَ (1) مُعَاوِیَةَ فَیَقُولُ

ص :313

إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص نَهَی أَنْ یُبَیَّتَ اَلْمُشْرِکُونَ

. و توارث بنوه ع هذا الخلق الأبی.

447

أَرَادَ اَلْمَضَاءُ أَنْ یُبَیِّتَ عِیسَی بْنَ مُوسَی فَمَنَعَهُ إِبْرَاهِیمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (1) .

وَ أَرْسَلَ لَمَّا ظَهَرَ بِالْبَصْرَةِ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ قَحْطَبَةَ مَوْلَی بَاهِلَةَ وَ کَانَ قَدْ وُلِّیَ لِأَبِی جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ بَعْضَ أَعْمَالٍ بِفَارِسَ فَقَالَ لَهُ هَلْ عِنْدَکَ مَالٌ قَالَ لاَ قَالَ آللَّهَ قَالَ آللَّهَ قَالَ خَلُّوا سَبِیلَهُ فَخَرَجَ اِبْنُ قَحْطَبَةَ وَ هُوَ یَقُولُ بِالْفَارِسَةِ لَیْسَ هَذَا مِنْ رِجَالِ أَبِی جَعْفَرٍ وَ قَالَ لِعَبْدِ الْحَمِیدِ بْنِ لاَحِقٍ بَلَغَنِی أَنَّ عِنْدَکَ مَالاً لِلظَّلَمَةِ یَعْنِی آلَ أَبِی أَیُّوبَ الْمُورِیَانِیَّ کَاتِبَ اَلْمَنْصُورِ فَقَالَ مَا لَهُمْ عِنْدِی مَالٌ قَالَ تُقْسِمُ بِاللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ إِنْ ظَهَرَ لَهُمْ عِنْدَکَ مَالٌ لَأَعُدَّنَّکَ کَذَّاباً (2) .

وَ أَرْسَلَ إِلَی طَلْحَةَ الْغَدْرِیِّ وَ کَانَ لِلْمَنْصُورِ عِنْدَهُ مَالٌ بَلَغَنَا أَنَّ عِنْدَکَ مَالاً فَأْتِنَا بِهِ فَقَالَ أَجَلْ إِنَّ عِنْدِی مَالاً فَإِنْ أَخَذْتَهُ مِنِّی أَغْرَمَنِیهِ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَضْرَبَ عَنْهُ.

و کان لغیر إبراهیم ع من آل أبی طالب من هذا النوع أخبار کثیرة و کان القوم أصحاب دین لیسوا من الدنیا بسبیل و إنّما یطلبونها لیقیموا عمود الدین بالإمرة فیها فلم یستقم لهم و الدنیا إلی أهلها أمیل

ص :314

و ما یعلم العالی متی هبطاته

و إن سار فی ریح الغرور مسلما

450

أَبُو هُرَیْرَةَ یَرْفَعُهُ اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ مِنَ الْجُوعِ فَبِئْسَ الضَّجِیعُ وَ أَعُوذُ بِکَ مِنَ الْخِیَانَةِ فَبِئْسَتِ الْبِطَانَةُ.

451

وَ عَنْهُ مَرْفُوعاً الْمَکْرُ وَ الْخَدِیعَةُ وَ الْخِیَانَةُ فِی اَلنَّارِ .

قال مروان بن محمّد لعبد الحمید الکاتب عند زوال أمره أری أن تصیر إلی هؤلاء فلعلک أن تنفعنی فی مخلفی فقال و کیف لی بعلم الناس جمیعا أن هذا عن رأیک إنهم لیقولون کلهم إنّی غدرت بک ثمّ أنشد و غدری ظاهر لا شک فیه لمبصره و عذری بالمغیب فلما ظفر به عبد اللّه بن علی قطع یدیه و رجلیه ثمّ ضرب عنقه.

کان یقال لا یغدر غادر إلاّ لصغر همته عن الوفاء و اتضاع قدره عن احتمال المکاره فی جنب نیل المکارم.

452

مِنْ کَلاَمِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع الْوَفَاءُ لِأَهْلِ الْغَدْرِ غَدْرٌ وَ الْغَدْرُ بِأَهْلِ الْغَدْرِ وَفَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَی.

قلت هذا إنّما یرید به إذا کان بینهما عهد و مشارطة فغدر أحد الفریقین و خاس بشرطه فإن للآخر أن یغدر بشرطه أیضا و لا یفی به.

و من شعر الحماسة و اسم الشاعر العارق الطائی (1)

ص :316

من مبلغ عمرو بن هند رسالة

453

قَالَ أَبُو بَکْرٍ الصِّدِّیقُ ثَلاَثٌ مَنْ کُنَّ فِیهِ کُنَّ عَلَیْهِ الْبَغْیُ وَ النَّکْثُ وَ الْمَکْرُ قَالَ سُبْحَانَهُ یٰا أَیُّهَا النّٰاسُ إِنَّمٰا بَغْیُکُمْ عَلیٰ أَنْفُسِکُمْ (1) وَ قَالَ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّمٰا یَنْکُثُ عَلیٰ نَفْسِهِ (2) وَ قَالَ وَ لاٰ یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلاّٰ بِأَهْلِهِ (3) .

ص :317

حبک الشیء یعمی و یصم و لهذا قال بعض الصالحین رحم اللّه امرأ أهدی إلی عیوبی و ذاک لأن الإنسان یحب نفسه و من أحبّ شیئا عمی عن عیوبه فلا یکاد الإنسان یلمح عیب نفسه و قد قیل أری کل إنسان یری عیب غیره و یعمی عن العیب الذی هو فیه.

فلهذا استعان الصالحون علی معرفة عیوبهم بأقوال غیرهم علما منهم أن هوی النفس لذاتها یعمیها عن أن تدرک عیبها و ما زال الهوی مردیا قتالا و لهذا قال سبحانه وَ نَهَی النَّفْسَ عَنِ الْهَویٰ (1)

454

وَ قَالَ ص ثَلاَثٌ مُهْلِکَاتٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَ هَوًی مُتَّبَعٌ وَ إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ (2) .

و أنت إذا تأملت هلاک من هلک من المتکلّمین کالمجبرة و المرجئة مع ذکائهم و فطنتهم و اشتغالهم بالعلوم عرفت أنّه لا سبب لهلاکهم إلاّ هوی الأنفس و حبهم الانتصار للمذهب الذی قد ألفوه و قد رأسوا بطریقه و صارت لهم الأتباع و التلامذة و أقبلت الدنیا علیهم و عدهم السلاطین علماء و رؤساء فیکرهون نقض ذلک کله و إبطاله و یحبون الانتصار لتلک المذاهب و الآراء التی نشئوا علیها و عرفوا بها و وصلوا إلی ما وصلوا إلیه بطریقها و یخافون عار الانتقال عن المذهب و أن یشتفی بهم الخصوم و یقرعهم الأعداء و من أنصف علم أن الذی ذکرناه حق و أمّا طول الأمل فینسی الآخرة و هذا حقّ لأن الذهن إذا انصرف إلی الأمل و مد الإنسان فی مداه فإنّه لا یذکر الآخرة بل یصیر مستغرق الوقت بأحوال الدنیا و ما یرجو حصوله منها فی مستقبل الزمان.

ص :319

و من کلام مسعر بن کدام کم من مستقبل یوما لیس یستکمله و منتظر غدا لیس من أجله و لو رأیتم الأجل و مسیره أبغضتم الأمل و غروره.

و کان یقال تسویف الأمل غرار و تسویل المحال ضرار.

455

وَ مِنَ الشِّعْرِ الْمَنْسُوبِ إِلَی عَلِیٍّ ع

غَرَّ جَهُولاً أَمَلُهُ

.

و قال أبو العتاهیة لا تأمن الموت فی لحظ و لا نفس

456

وَ مِنَ الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْأَعْمَالَ تُطْوَی وَ الْأَعْمَارَ تَفْنَی وَ الْأَبْدَانَ تُبْلَی فِی الثَّرَی وَ إِنَّ اللَّیْلَ وَ النَّهَارَ یَتَرَاکَضَانِ تَرَاکُضَ الْفَرْقَدَیْنِ یُقَرِّبَانِ کُلَّ بَعِیدٍ وَ یُخْلِقَانِ کُلَّ جَدِیدٍ وَ فِی ذَلِکَ مَا أَلْهَی عَنِ الْأَمَلِ وَ أَذْکَرَکَ بِحُلُولِ الْأَجَلِ.

و قال بعض الصالحین بقاؤک إلی فناء و فناؤک إلی بقاء فخذ من فنائک الذی لا یبقی لبقائک الذی لا یفنی.

و قال بعضهم اغتنم تنفس الأجل و إمکان العمل و اقطع ذکر المعاذیر و العلل و دع تسویف الأمانی و الأمل فإنک فی نفس معدود و عمر محدود لیس بممدود.

و قال بعضهم اعمل عمل المرتحل فإن حادی الموت یحدوک لیوم لا یعدوک

ص :320

ثم قال ع ألا إن الدنیا قد أدبرت حذاء بالحاء و الذال المعجمة و هی السریعة و قطاة حذاء خف ریش ذنبها و رجل أحذ أی خفیف الید و قد روی قد أدبرت جذاء بالجیم أی قد انقطع خیرها و درها .

ثمّ قال إن کل ولد سیلحق بأمه یوم القیامة فکونوا من أبناء الآخرة لتلحقوا بها و تفوزوا و لا تکونوا من أبناء الدنیا فتلحقوا بها و تخسروا .

ثمّ قال الیوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل و هذا من باب المقابلة فی علم البیان (1)

ص :321

و الکتمان و یمکن أن یقال إنّه کره استعداد نفسه و لم یکره إعداد أصحابه و هذان متغایران و هذا الوجه اختاره القطب الراوندیّ .و لقائل أن یقول التعلیل الذی علل به ع یقتضی کراهیة الأمرین معا و هو أن یتصل بأهل الشام الاستعداد فیرجعوا عن السلم إلی الحرب بل ینبغی أن تکون کراهته لإعداد جیشه و عسکره خیولهم و آلات حربهم أولی لأن شیاع ذلک أعظم من شیاع استعداده وحده لأنّه وحده یمکن أن یکتم استعداده و أمّا استعداد العساکر العظیمة فلا یمکن أن یکتم فیکون اتصاله و انتقاله إلی أهل الشام أسرع فیکون إغلاق الشام عن باب خیر إن أرادوه أقرب و الوجه فی الجمع بین اللفظتین ما قدمناه .

و أمّا قوله ع ضربت أنف هذا الأمر و عینه فمثل تقوله العرب إذا أرادت الاستقصاء فی البحث و التأمل و الفکر و إنّما خص الأنف و العین لأنهما صورة الوجه و الذی یتأمل من الإنسان إنّما هو وجهه .

و أمّا قوله لیس إلاّ القتال أو الکفر فلأن النهی عن المنکر واجب علی الإمام و لا یجوز له الإقرار علیه فإن ترکه فسق و وجب عزله عن الإمامة.

و قوله أو الکفر من باب المبالغة و إنّما هو القتال أو الفسق فسمی الفسق کفرا تغلیظا و تشدیدا فی الزجر عنه .

و قوله ع أوجد الناس مقالا أی جعلهم واجدین له (1) .

و قال الراوندیّ أوجد هاهنا بمعنی أغضب و هذا غیر صحیح لأنّه لا شیء ینصب به مقالا إذا کان بمعنی أغضب و الوالی المشار إلیه عثمان

ص :323

أو علی وجه الإکراه أو الغلط و لو کان الحاضر هناک من علم من حاله الاختلاط بالمنکر لجوز حضوره للفساد بل کان ذلک هو الظاهر من حاله.

ثمّ قال و اعلم أن الکلام فیما یدعی من الحدث و التغیر فیمن ثبت تولیه قد یکون من وجهین أحدهما هل علم بذلک أم لا.

و الثانی أنّه مع یقین حصوله هل هو حدث یؤثر فی العدالة أم لا.

و لا فرق بین تجویز ألا یکون حدث أصلا و بین أن یعلم حدوثه و یجوز ألا یکون حدثا.

ثمّ قال کل محتمل لو أخبر الفاعل أنّه فعله علی أحد الوجهین و کان یغلب علی الظنّ صدقه لوجب تصدیقه فإذا عرف من حاله المتقررة فی النفوس ما یطابق ذلک جری مجری الإقرار بل ربما کان أقوی و متی لم نسلک هذه الطریقة فی الأمور المشتبهة لم یصحّ فی أکثر من نتولاه و نعظمه أن تسلم حاله عندنا فإنا لو رأینا من یظن به الخیر یکلم امرأة حسناء فی الطریق لکان ذلک من باب المحتمل فإذا کان لو أخبر أنّها أخته أو امرأته لوجب ألا نحول عن تولیه فکذلک إذا کان قد تقدم فی النفوس ستره و صلاحه فالواجب أن نحمله علی هذا الوجه.

ثمّ قال و قول الإمام له مزیة فی هذا الباب لأنّه آکد من غیره و أمّا ما ینقل عن رسول اللّه ص فإنه و إن لم یکن مقطوعا به یؤثر فی هذا الباب و یکون أقوی ممّا تقدم.

ثمّ قال و قد طعن الطاعنون فیه بأمور متنوعة مختلفة و نحن نقدم علی تلک المطاعن کلاما مجملا یبین بطلانها علی الجملة ثمّ نتکلم عن تفصیلها.

ص :325

قال و ذلک أن شیخنا أبا علی (1) رحمه اللّه تعالی قد قال لو کانت هذه الأحداث ممّا توجب طعنا علی الحقیقة لوجب من الوقت الذی ظهر ذلک من حاله أن یطلب المسلمون رجلا ینصب للإمامة و أن یکون ظهور ذلک عن عثمان کموته فإنّه لا خلاف أنّه متی ظهر من الإمام ما یوجب خلعه أن الواجب علی المسلمین إقامة إمام سواه فلما علمنا أن طلبهم لإقامة إمام إنّما کان بعد قتله و لم یکن من قبل و التمکن قائم علمنا بطلان ما أضیف إلیه من الأحداث.

قال و لیس لأحد أن یقول إنهم لم یتمکنوا من ذلک لأن المتعالم من حالهم أنهم حصروه و منعوه من التمکن من نفسه و من التصرف فی سلطانه خصوصا و الخصوم یدعون أن الجمیع کانوا علی قول واحد فی خلعه و البراءة منه.

قال و معلوم من حال هذه الأحداث أنّها لم تحصل أجمع فی الأیّام التی حوصر فیها و قتل بل کانت تحصل من قبل حالا بعد حال فلو کان ذلک یوجب الخلع و البراءة لما تأخر من المسلمین الإنکار علیه و لکان کبار الصحابة المقیمون بالمدینة أولی بذلک من الواردین من البلاد لأن أهل العلم و الفضل بإنکار ذلک أحق من غیرهم.

قال فقد کان یجب علی طریقتهم أن تحصل البراءة و الخلع من أول الوقت الذی حصل منه ما أوجب ذلک و ألا ینتظر حصول غیره من الأحداث لأنّه لو وجب انتظار ذلک لم ینته إلی حدّ إلاّ و ینتظر غیره.

ثمّ ذکر أن إمساکهم عن ذلک إذا تیقنوا الأحداث منه یوجب نسبة الجمیع إلی الخطإ و الضلال و لا یمکنهم أن یقولوا إن علمهم بذلک إنّما حصل فی الوقت الذی حصر و منع لأن من جملة الأحداث التی یذکرونها ما تقدم عن هذه الحال بل کلها أو جلها تقدم هذا الوقت و إنّما یمکنهم أن یتعلقوا فیما حدث فی هذا الوقت بما یذکرونه من

ص :326

حدیث الکتاب النافذ إلی ابن أبی سرح بالقتل و ما أوجب کون ذلک حدثا یوجب کون غیره حدثا فکان یجب أن یفعلوا ذلک من قبل و احتمال المتقدم للتأویل کاحتمال المتأخر.

ثمّ قال و بعد فلیس یخلو من أن یدعوا أن طلب الخلع وقع من کل الأمة أو من بعضهم فإن ادعوا ذلک فی بعض الأمة فقد علمنا أن الإمامة إذا ثبتت بالإجماع لم یجز إبطالها بلا خلاف لأن الخطأ جائز علی بعض الأمة و إن ادعوا فی ذلک الإجماع لم یصحّ لأن من جملة أهل الإجماع عثمان و من کان ینصره و لا یمکن إخراجه من الإجماع بأن یقال إنّه کان علی باطل لأن بالإجماع یتوصل إلی ذلک و لم یثبت.

ثمّ قال علی أن الظاهر من حال الصحابة أنها کانت بین فریقین أما من نصره فقد روی عن زید بن ثابت أنه قال لعثمان و من معه من الأنصار ائذن لنا بنصرک و روی مثل ذلک عن ابن عمر و أبی هریرة و المغیرة بن شعبة و الباقون ممتنعون انتظارا لزوال العارض إلاّ أنّه لو ضیق علیهم الأمر فی الدفع ما قعدوا بل المتعالم من حالهم ذلک.

ثمّ ذکر

457

1,2,3- مَا رُوِیَ مِنْ إِنْفَاذِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَیْنَ ع إِلَیْهِ وَ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ لاَمَهُمَا ع عَلَی وَصُولِ الْقَوْمِ إِلَیْهِ ظَنّاً مِنْهُ أَنَّهُمَا قَصَّرَا .

458

وَ ذَکَرَ أَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِیثِ یَرْوُونَ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ سَتَکُونُ فِتْنَةٌ وَ اخْتِلاَفٌ وَ إِنَّ عُثْمَانَ وَ أَصْحَابَهُ یَوْمَئِذٍ عَلَی الْهُدَی.

و ما روی عن عائشة من قولها قتل و اللّه مظلوما.

قال و لا یمتنع أن یتعلق بأخبار الأحادیث فی ذلک لأنّه لیس هناک أمر ظاهر یدفعه نحو دعواهم أن جمیع الصحابة کانوا علیه لأن ذلک دعوی منهم و إن کان فیه روایة من جهة الآحاد و إذا تعارضت الروایات سقطت و وجب الرجوع إلی ما ثبت من أحواله السلیمة و وجوب تولیه.

ص :327

قال و لا یجوز أن یعدل عن تعظیمه و صحة إمامته بأمور محتملة فلا شیء ممّا ذکروه إلاّ و یحتمل الوجه الصحیح.

ثمّ ذکر أن للإمام أن یجتهد برأیه فی الأمور المنوطة به و یعمل فیها علی غالب ظنه و قد یکون مصیبا و إن أفضت إلی عاقبة مذمومة.

فهذه جملة ما ذکره قاضی القضاة رحمه اللّه تعالی فی المغنی من الکلام إجمالا فی دفع ما یتعلق به علی عثمان من الأحداث (1)

عدالته عندنا علی سبیل الظنّ أقوال من یخبرنا عنه بارتکاب القبائح (1) إذا کانوا عدولا و إن کانت أقوالهم لا تقتضی الیقین بل یحصل عندها غالب الظنّ و کیف لا نرجع عن ولایة من تولیناه علی الظاهر بوقوع أفعال منه یقتضی ظاهرها خلاف الولایة و نحن إنّما قلنا بعدالته فی الأصل علی سبیل الظاهر و مع التجویز لأن یکون ما وقع منه فی الباطن قبیحا لا یستحق به التولی و التعظیم أ لا تری أن من شاهدناه یلزم مجالس العلم و یکرر تلاوة القرآن و یدمن الصلاة و الصیام و الحجّ یجب أن نتولاه و نعظمه علی الظاهر و إن جوّزنا أن یکون جمیع ما وقع منه مع خبث باطنه و أن غرضه فی فعله القبیح فلم نتوله إلاّ علی الظاهر و مع التجویز فکیف لا نرجع عن ولایته بما یقابل هذه الطریقة فأما من غاب عنا و تقدمت له أحوال تقتضی الولایة فیجب أن نستمر علی ولایته و إن جوّزنا علی الغیبة أن یکون منتقلا عن الأحوال الجمیلة التی عهدناها منه إلاّ أن هذا تجویز محض لا ظاهر معه یقابل ما تقدم من الظاهر الجمیل و هو بخلاف ما ذکرناه من مقابلة الظاهر للظاهر و إن کان فی کل واحد من الأمرین تجویز.

قال و قد أصاب فی قوله إن ما یحتمل لا ینتقل (2) له عن التعظیم و التولی إن أراد بالاحتمال ما لا ظاهر له و أمّا ما له ظاهر و مع ذلک یجوز أن یکون الأمر فیه بخلاف ظاهره فإنّه لا یسمی محتملا و قد یکون مؤثرا فیما ثبت من التولی علی الظاهر علی ما ذکرناه.

قال فأما قوله إن الأحوال المتقررة فی النفوس بالعادات فیمن نتولاه تؤثر ما لا یؤثر غیرها و تقتضی حمل أفعاله علی الصحة و التأول له فلا شک أن ما ذکره مؤثر و طریق قوی إلی غلبة الظنّ إلاّ أنّه لیس یقتضی ما یتقرر فی نفوسنا لبعض من نتولاه علی الظاهر أن نتأول کل ما یشاهد منه من الأفعال التی لها ظاهر قبیح و نحمل الجمیع علی

ص :329

أجمل الوجوه و إن کان بخلاف الظاهر بل ربما تبین الأمر فیما یقع (1) منه من الأفعال التی ظاهرها القبیح إلی أن تؤثر فی أحواله المقررة و نرجع بها عن ولایته و لهذا نجد کثیرا من أهل العدالة المتقررة لهم فی النفوس ینسلخون منها حتّی یلحقوا بمن لا تثبت له فی وقت من الأوقات عدالة و إنّما یکون ذلک بما یتوالی منهم و یتکرر من الأفعال القبیحة الظاهرة.

قال فأما ما استشهد به من أن مثل مالک بن دینار لو شاهدناه فی دار فیها منکر لقوی فی الظنّ حضوره لأجل التغییر و الإنکار (2) أو علی وجه الإکراه و الغلط و أن غیره یخالفه فی هذا الباب فصحیح لا یخالف ما ذکرناه لأن مثل مالک بن دینار ممن تناصرت أمارات عدالته و شواهد نزاهته حالا بعد حال لا یجوز أن یقدح فیه فعل له ظاهر قبیح بل یجب لما تقدم من حاله أن نتأول فعله و نخرجه عن ظاهره إلی أجمل وجوهه و إنّما وجب ذلک لأن الظنون المتقدمة أقوی و أولی بالترجیح و الغلبة فنجعلها قاضیة علی الفعل و الفعلین و لهذا متی توالت منه الأفعال القبیحة الظاهرة و تکررت قدحت فی حاله و أثرت فی ولایته کیف لا یکون کذلک و طریق ولایته فی الأصل هو الظنّ و الظاهر و لا بدّ من قدح الظاهر فی الظاهر و تأثیر الظنّ فی الظنّ علی بعض الوجوه.

قال فأما قوله فإن کل محتمل لو أخبرنا عنه و هو ممّا یغلب علی الظنّ صدقه أنّه فعله علی أحد الوجهین وجب تصدیقه فمتی عرف من حاله المتقررة فی النفوس ما یطابق ذلک جری مجری الإخبار (3) فأول ما فیه أن المحتمل هو ما لا ظاهر له من الأفعال و الذی یکون جواز کونه قبیحا کجواز کونه حسنا و مثل هذا الفعل لا یقتضی ولایة

ص :330

و لا عداوة و إنّما یقتضی الولایة ما له من الأفعال ظاهر جمیل و یقتضی العداوة ما له ظاهر قبیح.

فإن قال أردت بالمحتمل ما له ظاهر لکنه یجوز أن یکون الأمر بخلاف ظاهره.

قیل له ما ذکرته لا یسمی محتملا فإن کنت عنیته فقد وضعت العبارة فی غیر موضعها و لا شک فی أنّه إذا کان ممن لو أخبرنا بأنّه فعل الفعل علی أحد الوجهین لوجب تصدیقه و حمل الفعل علی خلاف ظاهره فإن الواجب لما تقرر له فی النفوس أن یتأول له و یعدل بفعله عن الوجه القبیح إلی الوجه الجمیل إلاّ أنّه متی توالت منه الأفعال التی لها ظواهر قبیحة فلا بدّ أن تکون مؤثرة فی تصدیقه متی خبرنا بأن غرضه فی الفعل خلاف ظاهره کما تکون مانعة من الابتداء بالتأول.

و ضربه المثل بأن من نراه یکلم امرأة حسناء فی الطریق إذا أخبر أنّها أخته أو امرأته فی أن تصدیقه واجب و لو لم یخبر بذلک لحملنا کلامه لها علی أجمل الوجوه لما تقدم له فی النفوس صحیح إلاّ أنّه لا بدّ من مراعاة ما تقدم ذکره من أنّه قد یقوی الأمر لقوة الأمارات و الظواهر إلی حدّ لا یجوز معه تصدیقه و لا التأول له و لو لا أن الأمر قد ینتهی إلی ذلک لما صح أن یخرج أحد عندنا من الولایة إلی العداوة و لا من العدالة إلی خلافها لأنّه لا شیء ممّا یفعله الفساق المتهتکون إلاّ و یجوز أن یکون له باطن بخلاف الظاهر و مع ذلک فلا یلتفت إلی هذا التجویز یبین صحة ما ذکرناه أنا لو رأینا من یظن به الخیر یکلم امرأة حسناء فی الطریق و یداعبها و یضاحکها لظننا به الجمیل مرة و مرّات ثمّ ینتهی الأمر إلی ألا نظنه و کذلک لو شاهدناه و بحضرته المنکر لحملنا حضوره علی الغلط أو الإکراه أو غیر ذلک من الوجوه الجمیلة ثمّ لا بدّ من انتهاء الأمر إلی أن نظن به القبیح و لا نصدقه فی کلامه.

ص :331

قال ثمّ نقول (1) له أخبرنا عمن شاهدناه من بعد و هو مفترش امرأة نعلم أنّها لیست له بمحرم و أن لها فی الحال زوجا غیره و هو ممن تقررت له فی النفوس عدالة متقدمة ما ذا یجب أن نظن به و هل نرجع بهذا الفعل عن ولایته أم نحمله علی أنّه غالط و متوهم أن المرأة زوجته أو علی أنّه مکره علی الفعل أو غیر ذلک من الوجوه الجمیلة.

فإن قال نرجع عن الولایة اعترف بخلاف ما قصده فی الکلام و قیل له أی فرق بین هذا الفعل و بین جمیع ما عددناه من الأفعال و ادعیت أن الواجب أن نعدل عن ظاهرها و ما جواز الجمیل فی ذلک إلاّ کجواز الجمیل فی هذا الفعل.

و إن قال لا أرجع بهذا الفعل عن ولایته بل نؤوله (2) علی بعض الوجوه الجمیلة.

قیل له أ رأیت لو تکرر هذا الفعل و توالی هو و أمثاله حتّی نشاهده حاضرا فی دور القمار و مجالس اللهو و اللعب و نراه یشرب الخمر بعینها و کل هذا ممّا یجوز أن یکون علیه مکرها و فی أنّه القبیح بعینه غالطا أ کان یجب علینا الاستمرار علی ولایته أم العدول عنها فإن قال نستمر و نتأول ارتکب ما لا شبهة فی فساده و ألزم ما قد قدمنا ذکره من أنّه لا طریق إلی الرجوع عن ولایة أحد و لو شاهدنا منه أعظم المناکیر و وقف أیضا علی أن طریق الولایة المتقدمة إذا کان الظنّ دون القطع فکیف لا نرجع عنها لمثل هذا الطریق فلا بدّ إذن من الرجوع إلی ما بیناه و فصلناه فی هذا الباب.

قال فأما قوله إن قول الإمام له مزیة لأنّه آکد من غیره فلا معنی له لأن قول الإمام علی مذهبنا یجب أن یکون له مزیة من حیث کان معصوما مأمون الباطن (3) و علی مذهبه إنّما تثبت ولایته بالظاهر کما تثبت ولایة غیره من سائر المؤمنین فأی مزیة له فی هذا الباب.

ص :332

و قوله (1) إن ما ینقل عن الرسول و إن لم یکن مقطوعا علیه یؤثر فی هذا الباب و یکون أقوی ممّا تقدم غیر صحیح علی إطلاقه لأن تأثیر ما ینقل إذا کان یقتضی غلبة الظنّ لا شبهة فیه فأما تقویته علی غیره فلا وجه له و قد کان یجب أن یبین من أی الوجوه یکون أقوی.

فهذه جملة ما اعترض به المرتضی علی الفصل الأول من کلام قاضی القضاة رحمه اللّه تعالی.

تم الجزء الثانی من شرح نهج البلاغة (2)

ص :333